Professional Documents
Culture Documents
بحث حول:
وتتم حماية هذا المال بغرض فرض الرقابة القانونية عليه ،وقد تكون رقابة داخلية أو رقابة خارجية ،التي تقوم بها
السلطة التشريعية أو السلطة القضائية أما الرقابة الداخلية فهي التي تمارسها الجهة اإلداريـــــة أو السلطة التنفيذية
باعتبارها السلطة القائمة على المالية العامة.
وهذه الرقابة التي تقوم بها مجموعة من األجهزة اإلدارية نجد من بينها المفتشية العامة للمالية التي تحتل مكانة
مركزية وموقعا محوريا ضمن أجهزة الرقابة على المال العام بالنظر إلى شمولية رقابتها من حيث االختصاص أو المجال
بحيث تتسع لتشمل جميع األموال العمومية أيا كان مصدرها أو قيمتها أو مكانتها.
فهي تلعب دورا مهما في مراقبة تنفيذ ميزانية الدولة في منظومة المراقبة اإلدارية على المالية العمومية ،كما تعتبر
مكملة للمراقبات اإلدارية األخرى.
ومن حيث السياق التاريخي الرامي إلى إحداث المفتشية العامة للمالية ،فقد عرف المغرب بعد رحيل االستعمار،
فراغا قانونيا و تنظيميا على جميع األصعدة و المستويات و منها المجال المالي ،ذلك أن السلطات المغربية وأمام استحالة
استمرار خضوع مالية البالد لرقابة الهيئات العليا الفرنسية لما في ذلك من مس بالسيادة الوطنية ،وسعيا من المغرب
لتكريس استقالله المالي ،فقد بادر إلى تأسيس وزارة لالقتصاد و المالية بمقتضى ظهير 1956على أنقاض المديرية العامة
للمالية المؤسسة في عهد الحماية ،و التي تضم من بين أجهزتها ،المفتشية العامة للمالية التي تعد أهم جهاز إداري للتفتيش
المالي بالمغرب ،حيث تختص بالتدخل الواسع على مستوى المصالح العمومية في كل الوزارات و الدوائر الحكومية و
مؤسسات القطاع العام و الجماعات الترابية و كل هيئة تستفيد من دعم مالي تساهم الدولة في رأسمالها.
تعود األهمية التي أولتها وزارة االقتصاد والمالية لهذه الهيئة في كونها جهازا ذو طبيعة إدارية محضة يتسم بالدقة
ويتكون من هيئة من المفتشين تشمل مهامهم الرقابية جل الهيئات العمومية ،ويوفر القانون ألعضائها نظاما متميزا يهيئ
لهم كافة الظروف المالئمة للرقابة والتفتيش والتدقيق وتتبع تنفيذ االعتمادات المالية للميزانية وكافة األموال العمومية.
وذلك على أساس إجراءات تفتيش معينة وضوابط خاصة تنظم عملها.
ومن جهة أخرى ،نجد في كل وزارة معينة مفتشية وهيئة تعنى بالرقابة على تنفيذ ميزانية الوزارة ومصالحها
الخارجية والهيئات التابعة لها ،تحت إشراف سلطة الوزير المعني باعتباره أعلى سلطة في وزارته ،وتعمل هذه الهيئات
(المفتشيات العامة) باختصاصات محددة لها قانونا داخل التنظيمي اإلداري للوزارة التي تنتمي إليها.
إال أن وجه االختالف القائم بين هذه المفتشيات و المفتشية العامة لوزارة المالية هو النطاق الذي تشتغل عليه كل
منها فيما يتعلق بالرقابة على المؤسسات والهيئات العمومية ومتابعة األموال العامة ،إذ نجد أن مهام المفتشية العامة للمالية
واسعة النطاق واالختصاص تشمل اإلدارات العمومية والمرافق والمؤسسات والمنشآت العامة والجماعات الترابية ،في
حين نجد المفتشيات العامة لمالية الوزارات محصورة االختصاص والمهام ،ترتبط ارتباطا وثيقا بوزارتها ومصالحها
الخارجية ،حيث تمارس رقابتها الداخلية على األجهزة الخاضعة لسلطة الوزارات على وجه محدود بهدف تقييم أدائها .
وأمام االحتكار الفعلي للمفتشية العامة للمالية داخل منظومة الرقابة المالية ونفوذها الرقابي الذي يشمل العديد من
الهيئات والمؤسسات على مستوى التراب الوطني وتنوع تقنياتها ووسائلها العملية التي تنصب على مراقبة مشروعية
النفقة العمومية والتصرف المالي وأيضا التسيير المالي واإلداري للمرافق والمؤسسات العمومية وتنظيمها ،مما يجعلنا
نطرح التساؤل التالي:
"إلى أي حد استطاعت المفتشية العامة للمالية أن تعمل على حماية المالية العامة بواسطة التقنيات والوسائل القانونية
موازاة مع االكراهات والمعيقات التي تحول دون نجاعة أدائها الرقابي؟"
التحديد المفاهيمي:
سنقف عند المفاهيم المكونة لعنوان العرض أو تلك التي ترتبط بمفهوم المراقبة والرقابة.
المراقبــــة :من الناحية اللغوية يقترن مفهوم المراقبة بالمحافظة واالنتظار والحراسة.
الرقــــــابة :في المعنى اللغوي حسب معاجم اللغة تلصق بمجموعة من المعاني نجد كلمة رقب الرقيب هو الحافظ الذي ال
يغيب عنه الشيء ،ورقبه يرقبه بمعنى انتظره وترصده ،والترقيب هو االنتظار ورقب الشيء يرقبه ،وراقبه مراقبة أي
حرسه.وقد وردت عبارة " رقابة " و " مراقبة " في كثير من البحوث العلمية وكتب العلوم اإلدارية والمالية العامة
بنفس المعنى ،وقد اختلفت التعاريف بشأنها وتشعبت بما يدل على أن مفهومها ونطاق حدودها ال يزال في طور البحث
والتشكل ،ويمكن القول إجماال أن مفهوم الرقابة تطور بدوره ضمن عدد من المفاهيم الالحق للنظام الرقابي في فرنسا.
وهكذا فمعظم التعاريف العلمية التي أعطيت لمفهوم الرقابة في الفقه المعاصر انبنت بشكل عام على ثالث اتجاهات
رئيسية وهي كالتالي:
االتجاه األول :يهتم بالجانب الوظيفي بحيث يركز على األهداف التي تسعى الرقابة إلى تحقيقه.
االتجاه الثاني :يهتم بالجانب اإلجرائي ،ويرتكز من جهته على الخطوات التي يتعين إتباعها للقيام بعملية الرقابة.
االتجاه الثالث :يهتم باألجهزة التي تضطلع بمهمة الرقابة وتتولى المراجعة والفحص والمتابعة وجمع المعلومات وتحليل
النتائج.
المفتشية العامة للمالية :جهاز إداري تم إحداثها بمقتضى ظهير 1960لتتكلف بالمراقبة اإلدارية على المالية العامة،
وتمثل إحدى أهم اآلليات الرقابية التابعة للحكومة والموضوعة تحت تصرف وزارة المالية ،بغية حماية المال العام من
الهدر وتبذير واالختالس.
إشكالية العرض
تتجلى اإلشكالية الرئيسية للموضوع في "إلى أي حد استطاعت المفتشية العامة للمالية أن تعمل على حماية المالية
العامة بواسطة التقنيات والوسائل القانونية موازاة مع االكراهات والمعيقات التي تحول دون نجاعة أدائها الرقابي؟"
وأن هاته اإلشكالية الجوهرية واألساسية تتفرع عنها مجموعة من اإلشكاليات الفرعية والتي يقتضي منا األمر الوقوف
عليها والتي يمكن اختزالها فيما يلي:
مقدمــــــــة:
خاتـــمة:
المبحث األول :البنية القانونية والتقنية للمفتشية العامة للمالية
تلعب المفتشية العامة للمالية دورا مهما في مراقبة تنفيذ ميزانية الدولة في منظومة المراقبة اإلدارية على المالية
العمومية ،وفق مقتضيات قانونية ومؤسساتية ،وسنعمل في هذا المبحث على إبراز اإلطار المنظم لهذه الهيئة الرقابية
(المطلب األول) ،وكذا اختصاصات وتقنيات اشتغالها (المطلب الثاني).
يقتضي منا األمر البحث في اإلطار المرجعي والنصوص القانونية المنظمة لعمل المفتشية العامة للمالية سواء على
مستوى الهيكلة اإلدارية أو االختصاصات ،وهذه المراجع هي الدافع األساسي للقيام بوظيفتها ،والتي يمكن اختزالها في:
❖ الظهير الشريف رقم 1.59.269المؤرخ ب 14ابريل 1960حول المفتشية العامة للمالية
❖ المرسوم رقم 2.93.807الصادر في 6محرم 16(1415يونيو )1994في شأن النظام األساسي الخاص بهيئة
التفتيش العام للماليـة
❖ قرار وزير المالية بتاريخ 19يوليو 1960المؤطر ألشغال المفتشية العامة للمالية
❖ قرار وزير اإلقتصاد والمالية رقم 135.08بتاريخ 21ديسمبر 2007بتحديد نظام المباراة الخاصة بتوظيف
مفتشي المالية
❖ قرار وزير المالية رقم 4294بتاريخ 15فبراير 1995خاص بنظام امتحان الكفاءة المهنية لمفتشي المالية.
نص المرسوم الملكي الصادر بتاريخ 16يونيو1994بمثابة النظام األساسي لهيئة التفتيش العام للمالية ،والذي حل محل
المرسوم الملكي لسنة ،1967وتشمل هيئة التفتيش للمالية طبقا للمادة االولى من المرسوم المذكور اعاله ،على ثالث
درجات ،درجة مفتش للمالية ودرجة مفتش للمالية رئيس بعثة ودرجة مفتش للمالية من الدرجة الممتازة وعلى المنصب
السامي للمفتش العام للمالية.
يضطلع المفتش العام للمالية باإلشراف على مفتشي المالية ويخضع مباشرة لنفوذ الوزير المكلف بالمالية
ويختار المفتش العام للمالية من بين مفتشي المالية من الدرجة الممتازة .ويعين وفق اإلجراءات الخاصة بالتعيين في
المناصب السامية .غير أن هذا التعيين ال يعتبر نهائيا بل قابال للرجوع فيه جوهريا .كما ال يمكن أن يترتب عليه الترسيم
في الدرجة المطابقة أو في أي إطار آخر من أطر اإلدارة
ويتم تحديد عدد المفتشين العامين للمالية بقرار يصدر عن وزير المالية وتؤشر عليه السلطة الحكومية المكلفة بالشؤون
اإلدارية .ويعين من بينهم واحد يعهد إليه باإلشراف على تسيير مصالح المفتشية العامة للمالية.
مفتشو المالية من الدرجة الممتازة ▪
مفتشو المالية من الدرجة الممتازة درجة استحدثها النظام األساسي الجديد لهيئة التفتيش العام للمالية ،ويعينون من بين
مفتشي المالية رؤساء البعثات الذين يتوفرون على أقدمية خمس سنوات في الخدمة الفعلية بهذه الصفة .ويتم التعيين بقرار
لوزير المالية باقتراح من المفتش العام للمالية المكلف بتسيير مصالح المفتشية العامة للمالية.
مفتشو المالية رؤساء بعثات ▪
يعينوا مفتشو المالية رؤساء البعثات بقرار لوزير المالية ،بناء على اقتراح من المفتش العام للمالية المكلف بتسيير مصالح
المفتشية العامة للمالية ،ويختارون من بين مفتشي المالية البالغين الرتبة السابعة على األقل من درجتهم والذين قضوا
خمس سنوات في الخدمة بهذه الصفة
مفتشو المالية ▪
يتم تعيين مفتشي المالية بقرار لوزير المالية .ويختارون في حدود % 75من المناصب الشاغرة في الميزانية ،عن طريق
المباراة وفي حدود % 25بواسطة االنتقاء بناء على المؤهالت وكذا المترشحون الحاصلون على شهادة المدرسة الوطنية
لإلدارة العمومية ويخضع الناجحون إلى تدريب مدته سنتان ،باستثناء الناجحين من فئة الحاصلين على شهادة المدرسة
الوطنية لإلدارة العمومية الذين تتحدد مدة تدريبهم في سنة واحدة .ويحق لوزير المالية إرجاع المتدربين إلى إطارهم
األصلي أو فصلهم من مهامهم إذا ظهر له أن طريقتهم في العمل ال تكفي لالحتفاظ بهم .ويتوج التدريب المذكور بامتحان
للكفاءة المهنية يحتفظ على إثره بالناجحين بينما يرجع غير الناجحين إلى أسالكهم األصلية إذا كانوا ينتمون إلى اإلدارة أو
يفصلون من مهامهم
وتعتمد هيئة التفتيش العام للمالية على تنظيم مباشر وبسيط ال يعير اهتماما كبيرا للبنية الكالسيكية لإلدارة بقدر ما يركز
على أسلوب مرن يتمحور حول مهام التفتيش وقسم التكوين والتعاون ،كما هو مبين في الخطاطة التالية:
تشكل المفتشية العامة للمالية إلى حد ما " اليدين والعيون" بوزارة المالية ،بحسب المهام الرقابية واإلخبارية التي تقوم بها،
فهي تمتلك وسائل ومناهج دقيقة ومؤهالت تسمح لها بإنجاز مهامها في أحسن الظروف ،لهذا اعتبرها نص القانون المنظم
لها – 14أبريل -1960بمثابة هيئة عليا للتفتيش ،وبالتالي حدد مجال عملها والتقنيات والوسائل المخولة لها ،وسنعمل في
هذا المطلب على إبراز االختصاصات الرقابية (الفقرة األولى) كما سنحاول الحديث عن تقنيات المراقبة (الفقرة الثانية).
تمارس المفتشية العامة للمالية رقابة تنصب على المصالح المحاسبية والمحاسبين العموميين التابعين للدولة وللجماعات
الترابية والمؤسسات العمومية ،وكل الهيئات المستفيدة من المساعدات المالية العمومية ،بذلك تتبوأ المفتشية العامة مكانة
مركزية ضمن منظومة الرقابة على المالية العامة ،بالنظر إلى شمولية رقابتها من حيث االختصاص أو المجال.
فسلطة الرقابة موكولة لوزير المالية يمكن أن يمارسها بواسطة المفتشية العامة للمالية التي تعتبر على األقل من الناحية
القانونية هيئة منظمة وتملك اختصاصات واسعة وقراراتها يفترض أن تكون ذات قوة قانونية
فحسب مقتضيات الفصل األول من الظهير ينص على أنه " تؤسس لدى وزير المالية هيأة عليا للتفتيش تتألف من
مفتشي المالية ويجعل مفتشوا المالية تحت إشراف مفتش عام يخضع مباشرة لنفوذ الوزير" ،فهي تتبوأ مكانة هامة
ضمن المصالح المركزية التابعة للوزارة ،وبذلك تشكل موقعا هاما ضمن المنظومة بالنظر إلى شمولية رقابتها من حيث
االختصاص أو مجال تدخالتها الواسعة التي تقودها في الدوائر العمومية والترابية المرتبطة بالمال العام ،ويقوم بهذه
االختصاصات مختلف مفتشو المالية الذين يخضعون لنظام أساسي خاص بهم ،ويطلق عليهم هيئة التفتيش العام للمالية
يرأسها مفتش عام يعين بظهير ،ويعتبر الوزير المكلف بالمالية رئيسه التسلسلي ،كما يختص وزير المالية بتعيين مفتشي
المالية ومفتشي رؤساء البعثات ومفتشي المالية من الدرجة الممتازة.
وهكذا فالمفتشية العامة للمالية تتولى:
مراقبة مصالح الصندوق والمحاسبة لدى المحاسبين العموميين وموظفي الدولة والجماعات الترابية بشكل عام. ▪
مراقبة تسيير المحاسبين والتأكد من قانونية العمليات المسجلة في حسابات األمرين بالمداخيل والنفقات ▪
" ،" BIRDوالبنك اإلفريقي للتنمية " ،" BADوبرنامج األمم المتحدة للتنمية "" PNUD
وفي نفس السياق ،تتميز المفتشية العامة للمالية بخاصيتين تميزها عن باقي هيئات التفتيش األخرى:
الخاصية األولى :اختصاصاتها ذات الطابع العام ،وذلك باعتبار أن المفتشية العامة تتدخل لمراقبة وافتحاص تدبير جميع
األمرين بتسليم المداخيل ودفع النفقات.
الخاصية الثانية :اختصاصات ذات الطابع األفقي ،حيث تشمل جميع القطاعات الوزارية والجماعات الترابية والمؤسسات
العمومية .وكذا جميع المتصرفين.
باإلضافة إلى ذلك نجد أن رقابة المفتشية العامة للمالية تتميز بما يلي:
مراقبة بعدية :أي أنها تتدخل بعد إنجاز العمليات المالية والمحاسباتية للتأكد من صحة العمليات المدرجة في ▪
تقارير التفتيش وكذا باالقتراحات التي يدلي بها مفتشي المالية لتفادي األخطاء المرتبطة بالتدبير .كما أنها تساهم
في إشاعة ثقافة ترشيد وعقلنة التدبير العمومي.
مراقبة زجرية :حيث تحرص على إرسال كل التقارير المتضمنة إلحدى المخالفات في ميدان التأديب المتعلق ▪
بالميزانية والشؤون المالية إلى الجهات المعنية باألمر حسب نوعية المخالفات من أجل اتخاذ التدابير الالزمة.
مراقبة مفتوحة :ترسل التقارير المنجزة من طرف المفتشية العامة للمالية في صيغتها األولية إلى المسؤولين ▪
واألعوان الخاضعين للتفتيش قصد إعطائهم الفرصة لإلدالء بمالحظاتهم حول محتوى التقرير مع إدراج هذه
المالحظات في الصيغة النهائية والتعليق عليها إن اقتضى الحال.
يعتبر القيام بالمهام التفتيشية أهم اإلجراءات الرقابية التي تقوم بها المفتشية العام للمالية على الهيئات التابعة لها – ومن
ضمنها الجماعات الترابية – وتنصب رقابتها على الوثائق وفي عين المكان ،فتتم عادة هذه الرقابة على إجراء تحقيقات –
بخصوص مصالح الصندوق والمحاسبة –وبالتالي تطال هذه الرقابة مختلف اإلجراءات والمساطير المتعلقة بالتسيير
المالي وبالوثائق والمستندات المثبتة وكذا التأكد من صحة وسالمة وقانونية العمليات المالية المرتبطة بتنفيذ ميزانيات
الجماعات الترابية.
ويبقى الهدف من تدخالت المفتشية العامة للمالية هو مراقبة مشروعية العمليات المنجزة من طرف اآلمرين بالصرف
والمحاسبين العموميين ،وال تقتصر رقابتها على مشروعية العمليات المالية التي يقومون بها فقط ،بل تتعداها إلى طريقة
تسييرهم للمرافق العمومية التي تخضع إلشرافهم ومدى مالئمة عملياتها وقرارات مسؤوليها لروح القانون ومتطلبات
المحيط السوسيو اقتصادي.
ويحق لهيئة التفتيش أثناء أدائها لعملها إجراء جميع األبحاث والتحقيقات واالطالع على جميع الوثائق والمستندات ،وال
يمكن بأية حال من األحوال عرقلة أدائها لعملها كما ال يمكن االحتجاج اتجاهها بالسر المهني أو بمبدأ التسلسل اإلداري أو
التدرج الرئاسي.
ويخضع لهذه الرقابة المالية – كما أسلفنا سابقا – التي هي من قبيل المراقبة البعدية اآلمرون بالصرف والمحاسبون
العموميون على السواء .فالمفتش المالي يخوله القانون سلطة المحاسبة وإجراء الفحص المالي على كل موظف أو عون
للدولة أو من يمارس مهمة باسمها ويتصرف في المال العام سواء من حيث تحصيل االيرادات العمومية (كمحصلي
الضرائب والقباض ووكالء المداخيل والقيمين على استيفاء الموارد العمومية) أو من حيث إصدار أوامر اإلنفاق العمومي
وانجازه من آمرين بالصرف على كل المستويات ،رئيسيين وثانويين ومفوضين.
وفي هذا اإلطار تجدر اإلشارة إلى أن المفتشية العامة للمالية ال تمارس مهام المراقبة بصفة دائمة وتلقائية على جميع
الهيئات الخاضعة لتدخلها ،وإنما يتم ذلك بصفة محددة في إطار برنامج سنوي يعده المفتش العام للمالية تحت إشراف
وزير المالية ،ويشمل بعض المصالح اإلدارية والمؤسسات العمومية التي يتم اختيارها بناء على معايير محاسبية ومالية،
واستنادا كذلك على إفادات صادرة عن المصالح التي تقوم دائما بمهام ومراقبة التدبير المالي والمحاسبي ،كمديرية
المؤسسات العمومية والخصوصية ومراقبة االلتزام بنفقات الدولة والخزينة العامة للمملكة.
وتمارس الهيئة مهامها في عين المكان وعلى الوثائق وعلى صندوق المحاسبين عن طريق بعثات يقوم بها المفتشون بشكل
فردي أو في إطار فريق ،ونظرا لحساسية تدخالتها فإن هيئة التفتيش العام للمالية تتعرض بنوع من المقاومة من طرف
بعض الموظفين الذين ال يتحملون إجراءات التفتيش على اعتبار أنها تعيق السير العادي للمصالح اإلدارية ،حتى أن كثيرا
من مهام التفتيش اصطدمت باعتراضات المسؤولين اإلداريين.
ولتجنب هذه المشاكل فرضت مذكرة وزير االقتصاد والمالية المتعلقة بأشغال الهيئة على المفتشين حمل وثيقة تثبت صفتهم
والمهام المنوطة بهم وذلك في إطار التكليف بمهمة.
وتفرض على الجهات الخاضعة للرقابة قبول أعضاء هيئة التفتيش وتزويدهم باألوراق والمستندات الضرورية لممارسة
مأموريتهم في أحسن الظروف ،دون االعتراض على ذلك بدعوى السر المهني .وكل رفض لهذه الشروط يجب أن يتم
كتابة ويتضمن أسباب االعتراض ويحمل توقيع المعني باألمر
وفي حالة رفض هذا األخير ترجمة اعتراضه كتابة يقوم المفتش أو رئيس فرقة التفتيش حاال بإخبار المفتش العام للمالية
ليطلب تدخل السلطات الرئاسية العليا.
خالفا ألجهزة المراقبة اإلدارية األخرى ،فإن هيئة التفتيش العام للمالية ،ال يمكنها إال استنتاج المخالفة وإخبار السلطة
الرئاسية للجهة المراقبة ووزير المالية في حالة ثبوت إخالل خطير كما أن سلطتها الزجرية تنحصر في إثارة مسطرة
تعليق نشاط المحاسب في حالة إذا ما تبين لها خطورة المخالفة دون أن يتمكن المفتش أو الفرقة من تنفيذ العقوبة.
كما أن التقارير التي يتوصل بها وزير المالية تتضمن مجمل المالحظات وخالصات العمل حول سير مصالح وزارة
المالية واإلدارات التي خضعت لمراقبة المفتشية ،كما تتضمن المشاكل والعراقيل التي اعترضت تطبيق القانون أو عمل
مأموريات التفتيش.
لكي يكون عمل المفتشية العامة للمالية عمال ممنهجا ونتائجه مثمرة ،فإنها تعتمد على مجموعة من التقنيات في الرقابة
على المالية العمومية من أهمها:
هذا البرنامج يراعي في إعداده المقاربة التي تعتمد على تحليل المخاطر ،هذا البرنامج يحدد من طرف وزير المالية
باقتراح من المفتش العام ،ويأخذ هذا البرنامج بعين االعتبار على الخصوص طلبات التحقيق التي يقدمها أعضاء
مجلسي البرلمان ولجان تقصي الحقائق البرلمانية ،ورئيس الحكومة والوزراء ،ومديريات وزارة المالية ،وأجهزة
المراقبة التابعة للمؤسسات المقرضة أو المانحة ،وكذا الجمعيات وشكاية المواطنين .ويجوز للمفتش العام أن يأمر
خارج هذا البرنامج بإجراء كل تحقيق يراه مفيد.
مبدئيا كل المرافق العمومية التي تتصرف في األموال العامة ملزمة بالخضوع لمراقبة هيئة التفتيش العام للمالية،
فالمشرع أولى هذه األخير صالحيات ومأموريات واسعة في مجال المراقبة المالية بدون تقييد أو استثناء وتمارس هذه
المراقبة على كل الوحدات والمصالح اإلدارية.
غير أن تغطية كل هذه المصالح يستدعي توفر وسائل مادية وبشرية هائلة ،ولتجاوز هذه الصعوبات تضع الهيئة
معايير تمكن المفتشين من اختيار أهداف معينة واإلعداد لمراقبتها.
يتم اختيار المرافق اإلدارية إما تلقائيا أو باالستشارة مع المفتشين المتمرسين ذوي التجربة ،الذين يوجهون زمالئهم
إلى الوحدات والمصالح اإلدارية التي تعاني من ضعف التدبير وسوء استعمال األموال العامة.
أما نسبة االختيار التلقائي فتعتبر ضعيفة نظرا لعدم كفاية الموارد البشرية ،وغالبا ما يتم التوجه إلى الوحدات اإلدارية
الصغيرة لتمكين المفتشين الشباب من التكوين والتعرف على نوع المشاكل التي قد تعترضهم حين تكليفهم بمأمورية
التفتيش في المرافق اإلدارية الكبرى.
كيفما كانت معايير االختيار أو حجم الوحدات اإلدارية المستهدفة بالمراقبة ،فإن المفتشين ملزمون بتبني أسلوب متشدد
في البحث والتحقيق يحول دون محاوالت التالعب واختالس األموال العمومية ،وذلك ما قد توفره تقنيات وإجراءات
التفتيش المعتمدة.
إصدار توصيات تروم تحسين أداء الوحدات المراقبة وتهم بصفة إجمالية:
التنصيص على ضرورة استرداد األموال العمومية المؤداة بطريقة غير قانونية. ➢
تطبيقا للمادة 57من قانون 62.99بمثابة مدونة المحاكم المالية تحال التقارير المنجزة على المجلس األعلى للحسابات
في إطار مسطرة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية ،ويتم إحالة التقارير التي تتضمن إحدى المخالفات
المنصوص عليها في المواد 56-55-54من المدونة.
كما تحيل التقارير على العدالة بخصوص التقرير التي يحتوي على مخالفات قد تبدو أنها خطيرة والتي قد تستوجب
المتابعة القضائية ،فإنها تحال من طرف وزير المالية أو الوزير الوصي على القطاع على وزير العدل قصد تحريك
المسطرة القانونية الجاري بها العمل.
من أهم قواعد التفتيش المالي عنصر المباغثة والمفاجأة عند تدخل مفتش المالية أو فريق التفتيش لدى الموظف أو
المرفق المقصود تفتيشه.
فطالما أن عمليات التفتيش تبدأ بحصر قيم وموجودات الصندوق الذي يؤتمن عليه المحاسب العمومي ،فإن حالة
المباغثة تكون ضرورية بل وشرطا أساسيا لصحة وسالمة عملية التفتيش.
فالمفتشية العامة للمالية كجهاز مراقبة وتفتيش خارجي عن المصلحة المراد تفتيشها واختبار ممارستها المالية،
يحرص أشد ما يكون الحرص على قاعدة المباغثة والتدخل دون سابق إعالم ،وحده المفتش العام وفريق التفتيش
المكلف بالمأمورية يكون على علم بهذه المهمة.
وقد كرست هذه القاعدة مقتضيات الفصل 10من مذكرة وزير االقتصاد والمالية الصادرة بتاريخ 7/19/1960حول
أشغال هيئة التفتيش العام للمالية ،والتي تنص على أنه باستثناء مقتضيات مخالفة ينص عليها القانون ،يجب أن تحظى
تدخالت هيئة التفتيش العام للمالية بسرية تامة وال تكون موضوعا ألي إخبار سابق.
وحتى تتوفر للمفتش أو فريق التفتيش الظروف المالئمة والسليمة للقيام بمهام التفتيش على الوجه المطلوب
والمرغوب ،فإنه يقوم ضمن المهام األولية بإخبار السلطة الرئاسية اإلدارية المعنية أي الرئيس المباشر للموظف أو
المصلحة المراد مراقبتها وتفتيشها ،وقد جرت العادة أن يقوم بزيارة ود ومجاملة وإخبار الوالي أو عامل اإلقليم أو
السلطة الرئاسية العليا للجهات التي ستخضع للرقابة ،وذلك حسب كل حالة بهدف اطالعه على الهدف أو الغرض
المتوخى من العملية الرقابية واستصدار الدعم والمساعدة عند االقتضاء أو الضرورة ،وليس في هذا األمر ما يشكل
ترخيصا أو استئذانا مسبقا للقيام بالمهمة فالمقتضيات القانونية واإلدارية واضحة ال غبار عليها في هذا الشأن ،فهي
توفر لمفتش المالية كامل الصالحية واالستقاللية التامة في انجاز مهمته.
ومعلوم أن عمليات التفتيش ،يترتب عنها تحديد تقرير يتضمن المالحظات والمخالفات ،وبالمقابل يتوفر الموظف أو
الجهات التي خضعت للمراقبة على حق الرد في إطار قاعدة التقرير المضاد.
تخضع التقارير المنجزة من طرف المفتشية لمسطرة حق الرد ،بعد القيام بعمليات المراقبة ،حيث يحرر مفتشوا
المالية تقارير تتضمن المالحظات والمخالفات التي يقفون عليها ،ثم ترفع إلى الجهات التي خضعت للرقابة ليدلي
المعنيون بالتوضيحات الضرورية ،وبذلك تخضع التقارير المنجزة لمسطرة المالحظات المضادة لتتمكن الجهة
الخاضعة للرقابة من ممارسة حقها في الرد داخل أجل خمسة عشر ( )15يوما تبتدئ من تاريخ التوصل بالتقرير .إال
أنه غالبا ال يتم التقيد بفترة األجل القانوني من طرف األشخاص والجهات التي خضعت للمراقبة ،األمر الذي يدفع
بالمفتشية إلى القيام باإلجراءات الضرورية للتذكير بوجوب احترام مقتضيات المسطرة المعتمدة ،ويتم االعتماد في
هذا الصدد على عناصر األجوبة التي تتوصل بها إزاء التقارير الصادرة عنها من أجل صياغة االستنتاجات
والخالصات النهائية المرتبطة بالوقائع الواردة في التقارير.
تعتبر قاعدة التقرير المضاد أسلوبا ديمقراطيا وحقا أساسيا للموظف الذي يخضع للعمليات الرقابية ،تمكنه من الدفاع
عن نفسه واإلجابة على مالحظات المفتش ،ويتوصل بالتقرير لمدة محدودة يجب عليه استغاللها لإلدالء بآرائه وآراء
رؤسائه.
أما الموظف المعني بالمراقبة ،فيمكنه التوصل بكل الوثائق والمستندات التي تشكل موضوعا لمؤاخذاته وانتقاده ،وفي
ذلك ضمانة مشتركة لوزير المالية الذي يتأكد من حقيقية المالحظات المتضمنة في التقرير وللموظف المراقب الذي
يتوفر دائما على فرصة كافية لشرح موقفه والجواب كتابة على المالحظات الموجهة إليه.
وبعد إعداد التقرير بصفة نهائية يرسله المفتش المالي أو رئيس الفرقة حسب الحالة ،مرفوقا بمالحظاته واستنتاجاته
إلى المفتش العام الذي يوجهه لوزير المالية الذي يبعث به إلى اإلدارات المعنية.
إن تجويد الرقابة العليا للمفتشية العامة للمالية تمر بالضرورة بتجاوز الصعوبات والمعيقات القانونية والمؤسساتية التي
تحول دون قيامها باألدوار الرقابية بكل نجاعة وفعالية .إذ أن تشخيص المثبطات يعتبر الخطوة األهم التي تمهد لالنتقال
إلى مرحلة اإلصالح .وعليه سنخصص (الفقرة األولى) لبسط الصعوبات القانونية والمسطرية فحين سنتطرق في (الفقرة
الثانية) إلى مظاهر قصور أداء المفتشية العامة والفقرة الثالثة سنتحدث عن ضعف اإلمكانيات البشرية والمادية.
عند قراءتنا للنصوص المنظمة للعمل المفتشية العامة للمالية ،يتضح لنا أن هذه الهيئة قد منحت سلطات واسعة ،لكن
سلطاتها في واقع األمر تبقى محدودة فليس بإمكانها اتخاذ إجراءات ،وال يحق لها أبدا إصدارها بل تكتفي بالدعوة اتخاذها،
وال يرد على هذا المبدأ إال استثناء واحد يتعلق بالحالة التي يقف فيها المفتش على عجز أو اختالس.
وتقتصر سلطة المفتش في هذه الحالة على إبالغ الرئيس التسلسلي للمحاسب ،واتخاذ االحتياطات الالزمة لضمان سالمة
النقود والقيم والمواد ،مع مالحظة أساسية تكمن في عدم تحديد اإلجراءات التي يمكن للمفتش اتخاذها في هذه الحالة
هذا فيما يالحظ أن المشرع الفرنسي على سبيل المقارنة ،منح مفتش المالية حق توقيف المحاسب متى وقف على عجز،
في حين ذهب المشرع المغربي على اقتصار المفتش في إثبات الحالة ،ويعود قرار التوقيف لوزير المالية.
أيضا يالحظ أن المفتشية العامة للمالية تصطدم في بعض األحيان بصعوبات في ممارسة هذه المراقبة على اإلدارات
المركزية ،حيث أن الدراسات التي تمت بهذا الشأن تبين الصعوبات البالغة التي تالقيها على مراقبة األمرين بالصرف.
من جهة أخرى يالحظ أن التوصيات التي تنبثق عن أعمال المفتشية العامة للمالية ،تظل في كثير من األحيان رهينة
الرفوف في ظل غياب منظومة لتجميعها وتصنيفها وتتبع مآلها ،وبالتالي تبقى هذه التوصيات حبر على ورق.
هنالك معطى آخر يتمثل في عدم مالئمة اإلطار القانوني المنظم لصالحيات المفتشية العامة للمهام الموكولة لها .حيث
تقتصر المهام المنصوص عليها في النظام الخاص بهذه الهيئة على مهام التنفيذ والمراقبة فيما يالحظ أنها تقوم بمهام من
قبيل االفتحاص والتدقيق.
هذا فيما يالحظ أن بعض الدول قد بادرت إلى تحديث األنظمة الخاصة بها لتساير التطور الذي عرفته مهامها فعلى سبيل
المثال نجد أن المشرع الجزائري بادر إلى ذلك منذ ما يزيد عن 9سنوات ،بحيث أصبحت المفتشية العامة للمالية تتولى
مهام المراقبة والتدقيق أو التقييم أو التحقيق أو الخبرة خصوصا على المحاور االتية:
سير المراقبة الداخلية وفعالية هياكل التدقيق الداخلي. ➢
عالوة على ما تمت اإلشارة إليه ،يشكل التنظيم المركزي الذي اختاره المغرب لهذه الهيئة عامال قد يكون له انعكاسات
سلبية على فعاليتها ،فمن المالحظ أن معظم التجارب األجنبية في هذا المجال تميل إلى اختيار نموذج ال مركزي فعلى
سبيل المثال نجد النموذج الفرنسي والنموذج الجزائري يضم في هيكلة المفتشية العامة للمالية مفتشيات جهوية وتتولى تنفيذ
البرنامج السنوي للرقابة والتدقيق التقييم والخبرة المنوط بالمفتشية العامة.
إن تبعية المفتشية العامة للمالية لوزارة المالية ،قد يؤدي ال محالة إلى تقزيم دورها الفعلي في مراقبة هذه الوزارة
والمصالح التابعة لها ،مما يؤثر على دورها في التأكد من أن المشروع المالي والعاملين فيه يسيرون في االتجاه المرسوم،
والبحث عن االنحرافات واألخطاء ومعالجتها ،ومنع الفساد والتالعب بالمال العام ،الذي قد يصيب هذه الوزارة أو
المصالح التابعة لها.
خول المشرع المغربي لوزارة المالية ،اختصاص تحديد نظام عمل المفتشية العامة للمالية ،بعد اقتراح يتقدم به المفتش
العام ،ويكون بذلك قد أقر في نفس الوقت مراقبة تنفيذ العمليات المالية المتعلقة بوزارته (أي وزارة المالية ) ،وهذا يعتبر
مسا بقاعدة السرية التي يجب أن تخضع لها جميع المصالح والمؤسسات العمومية دون استثناء ،فوزير المالية هنا يصبح
مقررا لخطة التفتيش فيما يخص وزارة المالية وكذلك موضوعا للمراقبة ،مما يستحيل معه المحافظة على قاعدة المباغثة،
ما دام هو الذي سيسمح بإدراج وزارته أو المصالح التابعة له لمراقبتها.
كما تمنح هذه التبعية لوزارة المالية درجة متفوقة على باقي الوزارات ،فهي التي تحدد المصالح والوزارات الممكن
إدراجها في الئحة التفتيش ،لهذا يحظى وزير المالية بمكانة قوية أمام باقي الوزراء كآمرين بالصرف رئيسين.
فهذا الدور المزدوج لوزير المالية باعتباره آمرا بالصرف لوزارة المالية ،وكذلك هيئة متحكمة في جهاز التفتيش المالي،
يؤثر على المفتشين أثناء مزاولتهم لمهامهم ،ويجعل من رقابتهم لهذه الوزارة ’’ شكلية ’’ وبعيدة عن الهدف واإلطار
القانوني الذي حدد الختصاصات ومهام المفتشية العامة للمالية.
إن هذا الدور الذي يتمتع به وزير المالية في مقابل هذا الجهاز يعد نقطة سلبية في مساره ،مما يستوجب على المشرع أن
يرفع عليه هذه الوصاية ،ويقوم بإلغاء عالقة التبعية اإلدارية بين المفتشية العامة للمالية ووزارة المالية ،كما وقع بالنسبة
للمجلس األعلى للحسابات.
غياب سلطة الزجر ▪
لقد سلك المشرع المغربي ،نهجا مغايرا عن الذي اتخذه المشرع الفرنسي ،فيما يخص مسألة تمكين هذا الجهاز من اتخاذ
اإلجراءات العقابية والزجرية في حق الخارجين عن القواعد القانونية ،بحيث أن التشريع الفرنسي يسمح للمفتشين بحق
توقيف المحاسب العمومي إذا أضر بالمال العام ،أما فيما يخص التشريع المغربي فإنه يكتفي في مثل هذه الحاالت بإحالة
محضر المفتشية العامة الذي يدين الموظف أو المراقب إلى الجهة المختصة ،والمتمثلة في الرئيس اإلداري المعني
لمطالبته بتوقيفه ،ويختص الوزير باتخاذ القرار المناسب في حق المخل بالمساطر القانونية المتبعة في مادة تنفيذ العمليات
المالية.
فإذا عدنا إلى الفصل الخامس من ظهير 14أبريل 1960المنظم للمفتشية العامة للمالية ،نجده يفيد بأنه في حالة مخالفة
جسيمة يرفع المفتش تقريره إلى المفتش العام ،وللجهة التي تتوفر على السلطة التأديبية في حق المحاسب ،وبالتالي يمكن
استصدار عقوبات في حق المخل بتنفيذ العمليات المالية ،إال أنه وفي نفس الوقت نجد أن النص قد سكت عن بيان المسطرة
الواجب إتباعها في حق اآلمرين بالصرف في حالة مخالفتهم للقانون وللمشروعية.
والجدير بالذكر أن حرمان المفتشية العامة للمالية من سلطة الزجر والعقاب واكتفائها في أقصى الحاالت باقتراح التوقيف
المؤقت في حق المحاسب العمومي المخطئ ،والذي ال يتعدى شهر شريطة موافقة السلطة الرئاسية ،يؤثر بدوره على
المراقبة التي يقوم بها المحاسب العمومي على اآلمر بالصرف الرئيسي ،ويجعله متخوفا من هذه المراقبة التي قد تطاله في
يوم من األيام ،والعقوبات الزجرية التي قد تلحقه من اآلمر بالصرف الرئيسي في حالة رفضه التأشيرة على
أوامره .فالمحاسب العمومي يحس رغم مبدأ الفصل بين اآلمرين بالصرف والمحاسبين ،أنه تحت رحمة اآلمر بالصرف
في حالة وقوعه في الخطأ أو المخالفة ،لهذا فهو نفسيا مرتبط به وتابعا له في إطار عالقة إدارية عالقة الرئيس بالمرؤوس.
من بين العوائق التي تساهم في الحد من فعالية هذه الهيئة الرقابية ،ضعف الموارد البشرية العاملة لديها مرفوقة بقلة
الوسائل المادية المرصودة لها كما ونوعا ،مما يحول دون إنجاز مهامها ووظائفها على الوجه المطلوب أو المنظر منها.
فمنذ فترة طويلة والمفتشية العامة للمالية تعاني من قلة الموارد البشرية واإلدارية ،وقد قامت وزارة االقتصاد والمالية ،منذ
اإلصالحات الموازية سنة 2001بتزويد أجهزة التفتيش في مديرياتها المختلفة ببعض األطر والتجهيزات تبعا لطلباتها في
هذا الشأن ،غير أن المفتشية العامة ظلت تعاني من نقص كبير في مواردها البشرية بالنظر إلى المهام الجسيمة الملقاة على
عاتقها واألدوار المنتظر منها القيام بها في سياق اإلصالحات الجارية على مستوى تدبير الميزانية ونظام المراقبة القبلية ،
وبطبيعة الحال فممارسة هذه االختصاصات تتطلب التوفر على األطر البشرية المهمة داخل المفتشية العامة ،لكن هذا
المرتكز بقي من بين الصعوبات التي تعاني منها فالعدد المحدود لمفتشي المالية ال يسمح بتفعيل مهام هذه الهيئة .
كما يضعف من قدراتها على تتبع إدارة األموال نظرا لتعدد األجهزة الخاضعة لها سواء القطاع العمومي أو الشبه
العمومي.
ويؤدي نقص عدد مفتشو المالية إلى عدم تخصيص الوقت والعدد الكافي من هؤالء األطر ،للقيام بمهام التفتيش والتدقيق
في عدد من كبريات المؤسسات العمومية والشركات التابعة للدولة ،وحتى وإن قام هذا العدد الضعيف من المفتشين بإجراء
عملية التفتيش تواجههم مشاكل ،عدم تعاون المسؤولين والموظفين التابعين للهيئة العامة محل الرقابة ،وبالتالي استعمال
كل الوسائل لالنفالت من التفتيش ،وتبعا لذلك كانت تدخالت أعضاء هذه الهيئة تواجه بالالمباالة وعدم التعاون بل أحيانا
بالرفض التام.
عموما يمكن القول أن المفتشية العامة للمالية تعرف عجزا بنيويا ووظيفيا يتجلى باألساس في افتقادها لمخطط رقابي
واضح يجعل عملها ذا طبيعة دائمة ومستمرة ويخولها سلطة التدخل التلقائي وفق رؤية مندمجة وبرمجة إستراتيجية
واضحة ،كما أنها اختارت ومنذ إحداثها التركيز على تكوين أطرها وتخريج المفتشين أكثر مما اهتمت بتنويع آلياتها
الرقابية وتطويرها وإرساء ثقافة الرقابة على المال العام.
وعلى المستوى الميداني ،بقي عمل ونشاط هذه الهيأة الرقابية هامشيا ومحدود األثر الفعلي ،وتركزت مهامها الرقابية
بالدرجة األولى على بعض اإلدارات المالية المركزية أو مصالحها الخارجية ،وميز عملها نوع من الضعف الوظيفي
والهيكلي .بل إن عملها الرقابي يكون في الكثير من األحيان أقل فعالية ويطبعه الجانب الشكلي والمسطري ويشوبه في
الكثير من الحاالت ضعف واضح في األداء حيث يتم إيفاد المتمرنين في حمالت تفتيش تهم بعض الجماعات المحلية أو
المرافق التابعة لها والتي تتطلب خبرة وحنكة في ممارسة العمل الرقابي .الشيء الذي يستوجب علينا البحث عن السبل
الكفيلة لتطوير وتقوية عمل المفتشية العامة للمالية.
إن معالجة مختلف االختالالت التي يعرفها أداء المفتشية العامة للمالية ،يتطلب بالضرورة الدخول في مبادرات
إصالحية وتعديالت تشريعية ،تهم باألساس تجاوز المقاربة التقليدية لمراقبة التصرف في األموال العمومية ،بحيث
أصبح من الالزم اعتماد منهجية شاملة تتحول بمقتضاها المفتشية العامة للمالية إلى هيئة عليا مناسبة لمراقبة االستخدام
األمثل للمالية العامة عوض االقتصار على مراقبة السالمة القانونية الشكلية للتصرف في المال العام وهذا ما يجعلنا نأكد
وبشدة على ضرورة تقوية وتطوير هذا الجهاز المهم في المنظومة من خالل:
من المؤكد أن تفعيل هذا التصور الرامي إلى النهوض بالمهام الموكولة لهذه الهيئة يتوقف باألساس على إرادة
سياسية حقيقية تفضي إلى دمقرطة الشأن العام ،من خالل السعي إلى توفير كل الوسائل لدعم المال العام من الفساد ،فهذه
الهيئة تحتاج بالدرجة األولى إلى تغيير النص القانوني المنظم لها فكما سبقت اإلشارة فهو يعدو إلى سنة ، 1960لذا
وجب تحسين مضامينه وتحقيق مالءمته مع األوضاع الراهنة ،أي ضرورة مراجعة اإلطار القانوني الذي ينظم عملها بما
يكرس استقالليتها ومهنيتها وانتظامية تدخالتها ،حتى تتناسب مع التحوالت التي تشهدها بالدنا ،وتأخذ بعين االعتبار
المستجدات التي عرفتها القوانين المنظمة لألجهزة الرقابية األخرى .
وال ننسى ضرورة إعادة النظر في النظام األساسي لهيئة المفتشية العامة للمالية ،في الجوانب التنظيمية والتحفيزية
من أجل استقطاب وإبقاء األطر والكفاءات في هذا الجهاز حتى يستطيع المساهمة من جانبه في حماية المال العام ،كما
يتعين تأمين كل الشروط والضمانات الكفيلة لرد االعتبار لتقارير المفتشية وذلك بتفعيل الجزاءات في حال ثبوت اإلخالل
بالمسؤولية.
إن حصيلة تجارب التفتيش والرقابة التي قامت بها المفتشية العامة للمالية في القطاع العام والشبه العمومي ،أبانت
عن محدوديتها ومواطن القصور ومكامن الضعف فيها ،والتي تستوجب اتخاذ مبادرات إصالحية أو تعديالت تشريعية،
حتى يستطيع هذا الجهاز المساهمة من جانبه في حماية المال العام ،وإنجاح مبادرة " اإلصالح " وهي عملية مجتمعية
شاملة ،ليست المنظومة الرقابية سوى جزء منها ،والتي تتبناها الدولة على أكثر من صعيد ،بل تحتاج إلى تصور شمولي
وإستراتيجية متكاملة لنظام الرقابة.
لتحقيق نوع من النجاعة والفعالية في الرقابة ينبغي إعادة هيكلة الجهاز في إطار الجهوية والالمركزية ،وذلك بإحداث
مفتشيات للمالية للجهوية – كامتداد طبيعي للمفتشية العامة لمالية – تسند لها مهام التفتيش ،لتقريبها من مواقع التدبير
اإلداري والمالي ،وكذلك ترسيخ الثقة وروح المسؤولية بين مختلف المتدخلين في المجال ،ونخص بالذكر فتح قنوات
االتصال ما بين هيئة التفتيش ومصالح اآلمر بالصرف ،بغية تعزيز روح الحوار والتفاهم إليجاد حلول للمشاكل
المطروحة ،وتجاوز أسباب سوء التسيير ،وكذلك انتقال مراقبة المفتشية العامة من مراقبة المستندات والسجالت – أي
المطابقة بين الموارد والنفقات واحترام المساطر القانونية – إلى مراقبة اإلنجاز الفعلي ،للتأكد مما إذا كان ما صرف قد
ذهب فعال إلى ما رصد إليه ،وإذا ما كانت اإلنجازات تحترم المعايير المتفق عليها في عقد الصفقة العمومية.
هذا االختيار أصبح يفرض نفسه في ظل االتجاه الحالي ،نحو تعميق الالمركزية وعدم التركيز اإلداري ،الذي يترتب عنه
تفويض نفقات عمومية مهمة للعمال والمسؤولين اإلداريين الجهويين والمحليين ،باإلضافة إلى الموارد التي تتصرف فيها
الجماعات الترابية ،وتكليفهم بإنجازات مهمة ،وتخفيف المراقبة المالية القبلية واعتماد المراقبة المالية البعدية بشكل مكثف،
وهذا سوف يشكل أساس عمل المفتشية العامة للمالية ،بمعية المفتشيات العامة للوزارات التي تبدو أنها تعاني من الحجر
من طرف المسؤولين عنها داخل الوزارات
من هنا تحتاج المفتشية العامة للمالية ،إلى إعادة النظر ألجل تجديد مقاربتها وأساليب وطرق عملها ،وتنمية مواردها
البشرية ومساهمتها في تأهيل اإلدارة وحسن التدبير.
لهذا يرى األستاذ ’’ مصطفى الكثيري ’’ أن هناك أربع مسالك أو مسارات يجب تعميق البحث والتفكير فيها من أجل
تفعيل دور المفتشية العامة للمالية وهي كالتالي:
▪ إحالل التقنيات في مجال التحريات والتدقيقات التي تطال التسيير اإلداري والمالي ،بديال عن الطرق
الكالسيكية المتجاوزة لمحاسبة المحاسبين العموميين وللتدبير المالي لآلمرين بالصرف ،والموجهة أساسا
للكشف وإظهار الثغرات والهفوات والعيوب والنواقص ’’ الشكلية ’’ واإلجرائية أكثر من االنحرافات
والمخالفات الماسة بالشأن العام والمال العام.
▪ تأهيل المفتشية العامة للمالية ،لتقديم اإلرشاد واالستشارة والمساعدة الفنية للوحدات والمرافق اإلدارية
والمؤسسات العمومية والجماعات العمومية لتقوية أنظمتها المحاسبية والتسييرية ورقابتها الذاتية أو الداخلية،
فمن المهم بلورة جانب الرقابة الذاتية ،رقابة الضمير لالرتقاء إلى رقابة التخليق والوازع األخالقي في الخلية
والوحدة اإلدارية .
▪ اعتماد منظومة لتقييم السياسات العمومية ،وقياس أثارها وانعكاساتها االقتصادية واالجتماعية متى أمكن ذلك
تحديث تدبير القطاع العام ،ومحاسبة ومساءلة اإلدارات والمؤسسات المتدخلة في إنجاز المشاريع وترشيد
ميكانيزمات الموارد العمومية المرصودة وعقلنة استخدامها ،تجويد آلية التخطيط وتدبير التنمية االقتصادية
واالجتماعية عن طريق استيعاب وإدماج الدروس والعبر المستقاة من نتائج التقييم.
▪ تنمية الموارد البشرية والعناية بنظام حوافزها المادية والمعنوية ،بناء على معايير موضوعية ،تعتمد على
الكفاءة والقدرات الذاتية والجدارة واالستحقاق في إسناد المسؤولية.
▪ ومن دعامات العنصر البشري هناك التكوين وإعادة التكوين ،أو التكوين المستمر الذي تستوجبه اإلبداعات العلمية
والتقنية والتكنولوجيا الحديثة لطرق االتصال والتواصل والمعرفة.
الفقرة الثانية :اعتماد المناهج الرقابية الحديثة
تعتبر الرقابة التقييمية من أحدث أساليب الرقابة المالية ،نتيجة التطور الذي عرفته النظريات التقييمية العمومية التي
تعتمد على اساليب التخطيط االقتصادي والتقسيم الميزانياتي ،وتتجلى مظاهر الرقابة
التقييمية في مراقبة األداء الذي يمثل فحصا موضوعيا تشخص به السياسات والنظم وإدارة العمليات في الجهات الخاضعة
للرقابة ،ويقارن من خالل اإلنجاز بالخطط والنتائج بالقواعد ،بغية كشف االنحرافات وبيان أسبابها ،وذلك في سبيل توجيه
األداء نحو تحقيق كفاءة واقتصاد وفعالية أكبر.
ذلك أن عمليات رقابة األداء تهدف إلى التأكد من أن اإلنفاق العام يجري وفقا للقرارات والسياسات المرسومة ،وأن
األهداف المقررة تتحقق بشكل فعال واقتصادي وبكفاءة عالية ،وعليه فإن تقويم األداء يرتكز على ثالثة قواعد أساسية
وهي:
▪ قاعدة فعالية أداء المشروع في تحقيق األهداف المقررة ،وهي التحقيق الفعلية ألهداف وغايات ومنافع
المشاريع ومناهج المشاريع والمناهج الحكومية واإلدارات العمومية ،وذلك من خالل االستخدام الفعلي لطرق
العمل المعتمدة في تنفيذ الخطط والسياسات المقررة ويفترض أن يتم ذلك بأقل التكاليف االقتصادية المعقولة
وضمن المواعيد والمواصفات القياسية المحددة أو المخططة مسبقا.
▪ قاعدة كفاءة أداء التشكيالت اإلدارية والتنظيمية في المشروع ومنتسبيه ومدى نجاحهم في تنفيذ الواجبات
واألعمال الموكولة إليهم ،ويقصد بذلك تنفيذ الخطط والسياسات المقررة بخصوص كميات ومستويات اإلنتاج
أو األهداف األخرى ألي مشروع معين ،بطريقة نظامية تساهم في تقليل الكلفة إلى الحد األدنى دون أن تؤثر
سلبا في مستوى ونوع األعمال.
▪ قاعدة االقتصاد في استخدام الموارد االقتصادية والموارد العامة وتجنب االنفاق غير الضروري ،ويهدف
مقياس االقتصاد إلى تقليص تكاليف الموارد أو إلى استعمال مداخيل الدولة المرصودة لنشاط معين مع مراعاة
الجودة..
▪ وقد اتخذ هذا المقترب ،أهمية متزايدة في مجال التطبيق ،لكونه ينبني على احترام أربعة قواعد أساسية ،هي
الشمول ،النظامية ،الدورية واالستقاللية ،وتتجسد في أربعة مراحل أساسية وهي :مرحلة تحليل وجمع المعطيات،
ثم مرحلة التحليل النقدي لهذه المعطيات ،تليها بعد ذلك مرحلة تحديد النتائج ،ليتم في األخير اإلعالن عن
التوصيات والمقترحات.
كما أن أهمية هذا المقترب تعود أيضا إلى اعتماده على عدة مناهج علمية كالتدقيق ورقابة األداء والتحاليل واألبحاث
األكاديمية المرتبطة بالعلوم االجتماعية ،لذلك فقد اعتبر هو اآلخر أسلوبا تجاوزيا لألسس التقليدية للرقابة المالية ،سواء
من حيث األدوات ،المناهج أو األهداف.
وإذا كانت مقاربة تقييم السياسات العمومية ،قد عرفت تطورات هامة في الدول األنجلوسكسونية ،فإنه على العكس من ذلك
واجهت عدة صعوبات في األنظمة الرقابية الالتينية من أجل تبنيها وتفعيلها ،خاصة في فرنسا ،وذلك لجملة اعتبارات
سياسية وإدارية ،أيضا للدور الذي تمثله األجهزة العليا للرقابة المالية في هذه الدول وتزداد الصعوبات المرتبطة بتبني هذا
التوجه الرقابي أكثر بالنسبة لوضعية الدول النامية التي تفتقد في الغالب الشروط المادية والبشرية األولية إلقرار هذا النوع
من المراقبة.
ومع ذلك تعتبر هذه المقاربة أهم مراحل النظرية الحديثة للرقابة ،ألنها تعمل على تقييم ولو بأثر رجعي التأثير الواقعي
للسياسات العمومية من خالل اإلنجازات المحققة ،وهي مقاربة تعرف انتشارا واسعا بفعل الجوانب الديمقراطية التي
تحتوي عليها.
وبالرغم من تطبيق هذا التوجه الرقابي على تنفيذ الميزانية العامة بالمغرب ،يبقى عملية صعبة بسبب عدم توافر كل
المعطيات الضرورية حول تأثيرات كل سياسة محتملة ،فإن أهمية األخذ بآليات وتقنيات مقترب السياسات العمومية تبدو
ضرورية في ظل اإلصالحات المباشرة لتأهيل التدبير اإلداري ولموازناتي
كما أن أجهزة المراقبة اإلدارية على الميزانية العامة يجب أن تعير اهتماما بالغا آلليات ومناهج التدقيق ،كأسلوب حديث
أثبت فعاليته في تقويم أنظمة التدبير اإلداري والمالي … ،فتقنيات المراقبة بأسلوب التدقيق تهدف أساسا إلى الوقوف على
مكامن الخلل لمعالجتها ،واقتراح حلول بديلة وكفيلة بتفعيل البنية اإلدارية في جميع جوانبها التنظيمية ،المالية والبشرية،
وبالتالي فنهج أسلوب التدقيق يدفع أجهزة المراقبة الداخلية أن تعتمد مقاربة شمولية تتجاوز المفهوم الكالسيكي للمراقبة،
التي تعتبر بطبيعتها زجرية ،بينما يهتم التدقيق بالتقويم واإلصالح ،كما أن مرجعية المراقبة تبقى قانونية باألساس ،بينما
مرجعية التدقيق وجودية وقياسية تتجاوز حدود المطابقة بين النص القانوني والتسيير الفعلي.
خاتمــــة:
على الرغم من المحاوالت التي تمت خالل السنوات األخيرة ،سواء فيما يتعلق بوضع مخطط إستراتيجي لبرامج تدخالت
المفتشية العامة للمالية في مجال التدقيق والمراقبة وتتبع اإلصالحات أو على مستوى اإلصالح القانوني لهذه الهيئة،
وتوضيح مجاالت تدخالتها وآثارها القانونية ،إال أن هذه المحاولة اصطدمت بمواجهات سياسية عنيفة حالت بينها وبين أي
محاولة لإلصالح الواعد.
إال أن األمر قد اختلف كليا مع قواعد الحكامة المالية والتدبير الجيد الستعمال األموال العمومية وربط المسؤولية بالمحاسبة
وشفافية الحسابات التي جاء بها دستور المملكة الحديث لسنة ،فقد أصبح إصالح اإلطار القانوني للهيئة التفتيشية ومراجعته
أمرا ضروريا ،في ظل المطالب المنادية بتفعيل أنجع ألداء ومهام المفتشية العامة للمالية ،الشيء الذي يستوجب كما تم
التطرق لذلك سلقا على ضرورة تطوير قدرات تدخالت المفتشية العامة للمالية للتصدي لمخاطر الغش واالختالس
والرشوة من خالل:
❖ مراجعة اإلطار القانوني المتعلق بالمتفشية العامة للمالية في اتجاه تقوية مهامها وصالحياتها الرقابية.
❖ تعديل قوانين مدونة المحاكم المالية بالعمل على مالءمتها مع المقتضيات الدستورية الجديدة بالتنصيص على دورها
في مكافحة جرائم المال العام ،وكذا على عالقتها بالمفتشية العامة للمالية وذلك للدور االستراتيجي الذي تلعبه هذه
العالقة في الحفاظ على المال العام وعدم تداخل االختصاص والحد من استفحال تبذير واختالس المالية العمومية.
❖ ضرورة االرتقاء بالشكل والمضمون للتقارير المفتشية العامة للمالية من خالل تبني مقاربة موضوعاتية للرقابة
ووضع إستراتيجية رقابية هادفة مع إدراج ملخصات تركيبية بنيوية مرافقة للتقارير السنوية أو الدورية فضال عن
بلورة تجانس في نتائج الرقابة وتفادي التحليل اإلحصائي.
❖ تمكين المفتشية العامة للمالية من اآلليات واألدوات الكفيلة بتدعيم تموقعها كمؤسسة إدارية عليا للتدقيق والتفتيش في
مجال المالية العمومية.
❖ االنفتاح على المحيط الخارجي لالستفادة من التجارب الدول المتقدمة في مجال المراقبة والتفتيش وكيفية عمل
المفتشية العامة للمالية بها ،وهو ما تجسد في إبرام عقد توأمة بين المفتشية العامة للمالية والمفتشيات العامة للبلدان
الصديقة وابرام اتفاقيات تعاون مع الهيئات المتخصصة في التصدي للغش والرشوة كما هو الشأن للتو أمة التي تم
عقدها تحت "اسم تعزيز القدرات المؤسسية والتنظيمية والمهنية للمفتشية العامة للمالية ونظيرتها بفرنسا والبرتغال"
ممول من طرف االتحاد األوروبي.
❖ تأهيل المفتشية العامة للمالية لتقديم اإلرشاد واالستشارة والمساعدة الفنية للوحدات والمرافق اإلدارية والمؤسسات
العمومية والجماعات الترابية لتقوية أنظمتها المحاسبية والتسييرية ورقابتها الذاتية والداخلية ضمانا لحكامة تدبيرية
جيدة .من خالل االهتمام بالتكوين المستمر ألطرها في مجال المالية العمومية وطرق االفتحاص الحديثة.
وختاما يمكن القول أن اإلصالح الشامل الذي تحدثنا عنه ال يمكن أن يجسد على أرض الواقع ،إال من خالل توفر اإلرادة
السياسية ،التي تعتبر بطبيعة الحال الحجر األساس ألي إصالح حقيقي ،يفضي إلى دمقرطة الشأن العام ،فما دام هذا
اإلصالح ال يوافق أصحاب القرار أو ال يدخل في أولوياتهم فإنه ال يمكننا أن نتصور وجود قوانين ونظم كفيلة بتطوير
وتقوية أداء المفتشية العامة للمالية.
الئحــــــة المراجع:
الكتــــب:
❑ محمد حركات ثالوث االستبداد والفساد واإلرهاب مساهمة في االقتصاد السياسي للفساد ،مطبعة المعارف الجديدة
الرباط .2016
❑ د.ة مليكة الصروخ نظرية المرافق العامة الكبرى دراسة مقارنة الطبعة الثانية مطبعة النجاح 1992الدار
البيضاء.
❑ كريم لحرش القانون اإلداري المغربي نشاط اإلدارة وامتيازاتها الطبعة الثانية مطبعة األمنية الرباط .2011
❑ محمد اتريدي الرقابة المالية لوزارة المالية على المقاوالت العمومية مستجدات تنظيم المالية العمومية على ضوء
دستور 2011اشراف وتنسيق نبيل بوحميدي ميمون خراط الدار البيضاء دار األفاق المغربية .2014
المقاالت والمجالت:
❑ مناهج وتقنيات الرقابة على المال العام ،المبادئ التوجيهية األوربية المتعلقة بتطبيق معايير االنتوساي ،ترجمة
محمد حركات ،المحكمة األوروبية للحسابات 2001
❑ معاد بوكطيب الرقابة على المالية العامة "رقابة المفتشيات" منشورة لدى مجلة القانون واالعمال الدولية ابريل
.2019
❑ زكرياء حقيق المفتشية العامة للمالية قصور في االداء وافاق تطوير العمل الرقابي منشورة لدى مجلة العلوم
القانونية مدونة للباحثين والمهتمين بفضاء القانون المغربي.
❑ الرقابة المالية على المنشآت العامة وهيئات أخرى القانون رقم 69.00المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية
سلسلة نصوص ووثائق عدد 105الطبعة األولى .2004
❑ الشريف الغيوبي اإلصالحات الدستورية دستور 2011المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية المجلة المغربية
لإلدارة المحلية والتنمية سلسلة نصوص ووثائق عدد 83الطبعة األولى مطبعة الدار النشر المغربية .2009
األطروحات والرسائل:
❑ منير الشيخ جرائم الموظف العمومي الواقعة على المال العام أثارها على التنمية ومداخل اإلصالح أطروحة لنيل
شهادة الدكتوراه في القانون العام كلية الحقوق المحمدية.
❑ زكرياء حقيق اآلليات القانونية والمؤسساتية لحماية المال العام بالمغرب ورهاناته ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في
القانون العام .2013/2012
❑ توفيق ادساسي المراقبة اإلدارية على تنفيذ نفقات الدولة بالمغرب ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام
.2014/2013
❑ طارق لباخ "اصالح الميزانية العامة بالمغرب "دراسة في اإلطار القانوني والمؤسساتي" أطروحة لنيل شهادة
الدكتوراه في القانون العام كلية الحقوق محمد الخامس اكدال الستة الجامعية .2015/2014
القوانيــن:
الظهير الشريف رقم 1.59.269المؤرخ ب 14ابريل 1960حول المفتشية العامة للمالية ❑
المرسوم رقم 2.93.807الصادر في 6محرم 16(1415يونيو )1994في شأن النظام األساسي الخاص ❑
بهيئة التفتيش العام للماليـة
قرار وزير المالية بتاريخ 19يوليو 1960المؤطر ألشغال المفتشية العامة للمالية ❑
قرار وزير اإلقتصاد والمالية رقم 135.08بتاريخ 21ديسمبر 2007بتحديد نظام المباراة الخاصة بتوظيف ❑
مفتشي المالية
قرار وزير المالية رقم 4294بتاريخ 15فبراير 1995خاص بنظام امتحان الكفاءة المهنية لمفتشي المالية. ❑
المرسوم رقم 2.05.1004الصادر في 5ربيع اآلخر 3 / 1427ماي 2006لتغيير الجدول الملحق ❑
بالمرسوم األصلي الخاص بهيئة التفتيش العام للمالية ،الجريدة الرسمية عدد 5321بتاريخ .2006 /15/05
المواقـع:
الجــرائد:
❑ ادريس بلماحي ":المفتشية العامة للمالية ،جهاز مهم للرقابة وفعالية محدودة " ،أسبوعية مغرب اليوم عدد 690
االثنين 2مارس .2009
❑ المختار الزياني" :المفتشية العامة للمالية " ،جريدة االتحاد االشتراكي ،عدد ،6392الخميس .2001 /08/2
Ouvrages:
❑ Premier Article de l’instruction du Ministre des Finances du 19 juillet 1960
relative aux travaux de l’inspection général des finances.
❑ Dahir n 1.59.269 du 14 avril relatif à l’inspection générale des finances REMALD N°25-
2009.