You are on page 1of 23

‫مركز تكوين مفتشي التعليم‬

‫مسلك مفتشي المصالح المادية والمالية‬


‫السنة التكوينية‪2020-2019 :‬‬
‫‪ -‬الفصل الثاني –‬

‫مجزوءة‪ :‬الرقابة العليا على المالية العمومية‪.‬‬

‫بحث حول‪:‬‬

‫المفتشية العامة للمالية‬


‫‪IGF‬‬
‫تحت راشاف األستاذ‪ :‬شكري عيىس‬ ‫ن‬
‫المفتشي‪:‬‬ ‫من انجاز الطلبة‬
‫❑ طارق مساعيد‬
‫❑ نزار ناس حمان‬
‫❑ عبد المنعم سدار‬
‫مقدمـــة‪:‬‬
‫كما ال يخفى علينا مدى أهمية المال العام ومدى تأثيره على مستوى الدولة من كافة النواحي السياسيــــة واالقتصادية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬لذا استلزم األمر إحاطته بنوع من الحماية‪ ،‬حتى ال يتم العبث به سواء بالتبذير أو االختالس أو سوء التدبير‪،‬‬
‫خصوصا وأن ظاهرة الفساد المالي وإن كانت مالزمة للتصرف المالي على مر التاريخ‪ ،‬فقد اتخذت أبعادا خطيرة في‬
‫السنوات األخيرة‪ ،‬حين تنوعت وسائل وطرق التالعب بالمال العام نتيجة التطور العلمي والتقني ألساليب التدبير اإلداري‬
‫والمالي‪.‬‬

‫وتتم حماية هذا المال بغرض فرض الرقابة القانونية عليه‪ ،‬وقد تكون رقابة داخلية أو رقابة خارجية‪ ،‬التي تقوم بها‬
‫السلطة التشريعية أو السلطة القضائية أما الرقابة الداخلية فهي التي تمارسها الجهة اإلداريـــــة أو السلطة التنفيذية‬
‫باعتبارها السلطة القائمة على المالية العامة‪.‬‬

‫وهذه الرقابة التي تقوم بها مجموعة من األجهزة اإلدارية نجد من بينها المفتشية العامة للمالية التي تحتل مكانة‬
‫مركزية وموقعا محوريا ضمن أجهزة الرقابة على المال العام بالنظر إلى شمولية رقابتها من حيث االختصاص أو المجال‬
‫بحيث تتسع لتشمل جميع األموال العمومية أيا كان مصدرها أو قيمتها أو مكانتها‪.‬‬

‫فهي تلعب دورا مهما في مراقبة تنفيذ ميزانية الدولة في منظومة المراقبة اإلدارية على المالية العمومية‪ ،‬كما تعتبر‬
‫مكملة للمراقبات اإلدارية األخرى‪.‬‬

‫ومن حيث السياق التاريخي الرامي إلى إحداث المفتشية العامة للمالية‪ ،‬فقد عرف المغرب بعد رحيل االستعمار‪،‬‬
‫فراغا قانونيا و تنظيميا على جميع األصعدة و المستويات و منها المجال المالي‪ ،‬ذلك أن السلطات المغربية وأمام استحالة‬
‫استمرار خضوع مالية البالد لرقابة الهيئات العليا الفرنسية لما في ذلك من مس بالسيادة الوطنية ‪،‬وسعيا من المغرب‬
‫لتكريس استقالله المالي ‪،‬فقد بادر إلى تأسيس وزارة لالقتصاد و المالية بمقتضى ظهير ‪ 1956‬على أنقاض المديرية العامة‬
‫للمالية المؤسسة في عهد الحماية ‪،‬و التي تضم من بين أجهزتها ‪،‬المفتشية العامة للمالية التي تعد أهم جهاز إداري للتفتيش‬
‫المالي بالمغرب‪ ،‬حيث تختص بالتدخل الواسع على مستوى المصالح العمومية في كل الوزارات و الدوائر الحكومية و‬
‫مؤسسات القطاع العام و الجماعات الترابية و كل هيئة تستفيد من دعم مالي تساهم الدولة في رأسمالها‪.‬‬

‫تعود األهمية التي أولتها وزارة االقتصاد والمالية لهذه الهيئة في كونها جهازا ذو طبيعة إدارية محضة يتسم بالدقة‬
‫ويتكون من هيئة من المفتشين تشمل مهامهم الرقابية جل الهيئات العمومية‪ ،‬ويوفر القانون ألعضائها نظاما متميزا يهيئ‬
‫لهم كافة الظروف المالئمة للرقابة والتفتيش والتدقيق وتتبع تنفيذ االعتمادات المالية للميزانية وكافة األموال العمومية‪.‬‬
‫وذلك على أساس إجراءات تفتيش معينة وضوابط خاصة تنظم عملها‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬نجد في كل وزارة معينة مفتشية وهيئة تعنى بالرقابة على تنفيذ ميزانية الوزارة ومصالحها‬
‫الخارجية والهيئات التابعة لها‪ ،‬تحت إشراف سلطة الوزير المعني باعتباره أعلى سلطة في وزارته‪ ،‬وتعمل هذه الهيئات‬
‫(المفتشيات العامة) باختصاصات محددة لها قانونا داخل التنظيمي اإلداري للوزارة التي تنتمي إليها‪.‬‬
‫إال أن وجه االختالف القائم بين هذه المفتشيات و المفتشية العامة لوزارة المالية هو النطاق الذي تشتغل عليه كل‬
‫منها فيما يتعلق بالرقابة على المؤسسات والهيئات العمومية ومتابعة األموال العامة‪ ،‬إذ نجد أن مهام المفتشية العامة للمالية‬
‫واسعة النطاق واالختصاص تشمل اإلدارات العمومية والمرافق والمؤسسات والمنشآت العامة والجماعات الترابية ‪ ،‬في‬
‫حين نجد المفتشيات العامة لمالية الوزارات محصورة االختصاص والمهام ‪ ،‬ترتبط ارتباطا وثيقا بوزارتها ومصالحها‬
‫الخارجية ‪ ،‬حيث تمارس رقابتها الداخلية على األجهزة الخاضعة لسلطة الوزارات على وجه محدود بهدف تقييم أدائها ‪.‬‬
‫وأمام االحتكار الفعلي للمفتشية العامة للمالية داخل منظومة الرقابة المالية ونفوذها الرقابي الذي يشمل العديد من‬
‫الهيئات والمؤسسات على مستوى التراب الوطني وتنوع تقنياتها ووسائلها العملية التي تنصب على مراقبة مشروعية‬
‫النفقة العمومية والتصرف المالي وأيضا التسيير المالي واإلداري للمرافق والمؤسسات العمومية وتنظيمها‪ ،‬مما يجعلنا‬
‫نطرح التساؤل التالي‪:‬‬
‫"إلى أي حد استطاعت المفتشية العامة للمالية أن تعمل على حماية المالية العامة بواسطة التقنيات والوسائل القانونية‬
‫موازاة مع االكراهات والمعيقات التي تحول دون نجاعة أدائها الرقابي؟"‬

‫لكن قبل الشروع في معالجة الموضوع البد من الوقوف عند‪:‬‬

‫التحديد المفاهيمي‪:‬‬
‫سنقف عند المفاهيم المكونة لعنوان العرض أو تلك التي ترتبط بمفهوم المراقبة والرقابة‪.‬‬

‫المراقبــــة‪ :‬من الناحية اللغوية يقترن مفهوم المراقبة بالمحافظة واالنتظار والحراسة‪.‬‬

‫الرقــــــابة ‪ :‬في المعنى اللغوي حسب معاجم اللغة تلصق بمجموعة من المعاني نجد كلمة رقب الرقيب هو الحافظ الذي ال‬
‫يغيب عنه الشيء‪ ،‬ورقبه يرقبه بمعنى انتظره وترصده‪ ،‬والترقيب هو االنتظار ورقب الشيء يرقبه‪ ،‬وراقبه مراقبة أي‬
‫حرسه‪.‬وقد وردت عبارة " رقابة " و " مراقبة " في كثير من البحوث العلمية وكتب العلوم اإلدارية والمالية العامة‬
‫بنفس المعنى‪ ،‬وقد اختلفت التعاريف بشأنها وتشعبت بما يدل على أن مفهومها ونطاق حدودها ال يزال في طور البحث‬
‫والتشكل ‪ ،‬ويمكن القول إجماال أن مفهوم الرقابة تطور بدوره ضمن عدد من المفاهيم الالحق للنظام الرقابي في فرنسا‪.‬‬

‫وهكذا فمعظم التعاريف العلمية التي أعطيت لمفهوم الرقابة في الفقه المعاصر انبنت بشكل عام على ثالث اتجاهات‬
‫رئيسية وهي كالتالي‪:‬‬

‫االتجاه األول‪ :‬يهتم بالجانب الوظيفي بحيث يركز على األهداف التي تسعى الرقابة إلى تحقيقه‪.‬‬
‫االتجاه الثاني‪ :‬يهتم بالجانب اإلجرائي‪ ،‬ويرتكز من جهته على الخطوات التي يتعين إتباعها للقيام بعملية الرقابة‪.‬‬
‫االتجاه الثالث‪ :‬يهتم باألجهزة التي تضطلع بمهمة الرقابة وتتولى المراجعة والفحص والمتابعة وجمع المعلومات وتحليل‬
‫النتائج‪.‬‬

‫المفتشية العامة للمالية‪ :‬جهاز إداري تم إحداثها بمقتضى ظهير ‪ 1960‬لتتكلف بالمراقبة اإلدارية على المالية العامة‪،‬‬
‫وتمثل إحدى أهم اآلليات الرقابية التابعة للحكومة والموضوعة تحت تصرف وزارة المالية‪ ،‬بغية حماية المال العام من‬
‫الهدر وتبذير واالختالس‪.‬‬
‫إشكالية العرض‬

‫تتجلى اإلشكالية الرئيسية للموضوع في "إلى أي حد استطاعت المفتشية العامة للمالية أن تعمل على حماية المالية‬
‫العامة بواسطة التقنيات والوسائل القانونية موازاة مع االكراهات والمعيقات التي تحول دون نجاعة أدائها الرقابي؟"‬

‫وأن هاته اإلشكالية الجوهرية واألساسية تتفرع عنها مجموعة من اإلشكاليات الفرعية والتي يقتضي منا األمر الوقوف‬
‫عليها والتي يمكن اختزالها فيما يلي‪:‬‬

‫▪ ما هي القوانين التنظيمية المؤطرة لعمل المفتشية العامة للمالية؟‬

‫▪ الهيكلة التنظيمية للمفتشية العامة للمالية واالختصاصات والمهام المنوطة بها؟‬

‫▪ ماهي التقنيات والوسائل التي تعتمدها المفتشية العامة للمالية؟‬

‫▪ هل استطاعت المفتشية العامة للمالية أن تفرض رقابتها المالية؟‬

‫▪ ماهي العراقيل القانونية والتنظيمية التي تضعف نجاعتها الرقابية؟‬

‫▪ ما هي السبل الكفيلة لتجويد وتقوية عمل المفتشية العامة للمالية؟‬

‫وهذا ما سيتم التطرق إليه من خالل التصميم التالي‪:‬‬


‫تصميم الموضوع‬

‫مقدمــــــــة‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬البنية القانونية والتقنية للمفتشية العامة للمالية‬

‫المطلب األول‪ :‬اإلطار القانوني والمؤسساتي‬

‫الفقرة األولى‪ :‬اإلطار القانوني‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬اإلطار المؤسساتي‬

‫المطلب الثاني‪ :‬اختصاصات وتقنيات عمل المفتشية العامة لمالية‬

‫الفقرة األولى‪ :‬اختصاصات المفتشية العامة للمالية‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تقنيات مراقبة المفتشية العامة للمالية‬

‫المبحث الثاني‪ :‬المفتشية العامة للمالية "االكراهات واألفاق"‬

‫المطلب األول‪ :‬الصعوبات التي تحد من عمل المفتشية العامة للمالية‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الصعوبات القانونية والمسطرية‬

‫صور قصور أداء المفتشية العامة للمالية‬ ‫الفقرة الثانية‪:‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬ضعف االمكانيات البشرية والمادية‬

‫المطب الثاني‪ :‬البحث في سبل تطوير وتقوية المفتشية العامة للمالية‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مراجعة اإلطار القانوني‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تفعيل جهاز المفتشية العامة‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬اعتماد المناهج الرقابية الحديثة‬

‫خاتـــمة‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬البنية القانونية والتقنية للمفتشية العامة للمالية‬
‫تلعب المفتشية العامة للمالية دورا مهما في مراقبة تنفيذ ميزانية الدولة في منظومة المراقبة اإلدارية على المالية‬
‫العمومية‪ ،‬وفق مقتضيات قانونية ومؤسساتية‪ ،‬وسنعمل في هذا المبحث على إبراز اإلطار المنظم لهذه الهيئة الرقابية‬
‫(المطلب األول)‪ ،‬وكذا اختصاصات وتقنيات اشتغالها (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬البنية القانونية المنظمة لعمل المفتشية العامة للمالية‬


‫سنتحدث في هذا المطلب عن المقتضيات القانونية والمؤسساتية لهذه الهيئة من خالل استقصاءنا للنصوص المنظمة‬
‫والهيكلة اإلدارية لها وذلك من خالل الوقوف في الفقرة االولى عن اإلطار القانوني والفقرة الثانية عن اإلطار‬
‫المؤسساتي‪:‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬اإلطار القانوني‬

‫يقتضي منا األمر البحث في اإلطار المرجعي والنصوص القانونية المنظمة لعمل المفتشية العامة للمالية سواء على‬
‫مستوى الهيكلة اإلدارية أو االختصاصات‪ ،‬وهذه المراجع هي الدافع األساسي للقيام بوظيفتها‪ ،‬والتي يمكن اختزالها في‪:‬‬
‫❖ الظهير الشريف رقم ‪1.59.269‬المؤرخ ب ‪ 14‬ابريل ‪ 1960‬حول المفتشية العامة للمالية‬
‫❖ المرسوم رقم ‪ 2.93.807‬الصادر في ‪ 6‬محرم ‪ 16(1415‬يونيو ‪ )1994‬في شأن النظام األساسي الخاص بهيئة‬
‫التفتيش العام للماليـة‬
‫❖ قرار وزير المالية بتاريخ ‪ 19‬يوليو ‪ 1960‬المؤطر ألشغال المفتشية العامة للمالية‬
‫❖ قرار وزير اإلقتصاد والمالية رقم ‪ 135.08‬بتاريخ ‪ 21‬ديسمبر ‪ 2007‬بتحديد نظام المباراة الخاصة بتوظيف‬
‫مفتشي المالية‬
‫❖ قرار وزير المالية رقم ‪ 4294‬بتاريخ ‪ 15‬فبراير ‪ 1995‬خاص بنظام امتحان الكفاءة المهنية لمفتشي المالية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬اإلطار المؤسساتي‬

‫نص المرسوم الملكي الصادر بتاريخ ‪16‬يونيو‪1994‬بمثابة النظام األساسي لهيئة التفتيش العام للمالية‪ ،‬والذي حل محل‬
‫المرسوم الملكي لسنة ‪ ،1967‬وتشمل هيئة التفتيش للمالية طبقا للمادة االولى من المرسوم المذكور اعاله‪ ،‬على ثالث‬
‫درجات‪ ،‬درجة مفتش للمالية ودرجة مفتش للمالية رئيس بعثة ودرجة مفتش للمالية من الدرجة الممتازة وعلى المنصب‬
‫السامي للمفتش العام للمالية‪.‬‬

‫المفتش العام للمالية‬ ‫▪‬

‫يضطلع المفتش العام للمالية باإلشراف على مفتشي المالية ويخضع مباشرة لنفوذ الوزير المكلف بالمالية‬
‫ويختار المفتش العام للمالية من بين مفتشي المالية من الدرجة الممتازة‪ .‬ويعين وفق اإلجراءات الخاصة بالتعيين في‬
‫المناصب السامية‪ .‬غير أن هذا التعيين ال يعتبر نهائيا بل قابال للرجوع فيه جوهريا‪ .‬كما ال يمكن أن يترتب عليه الترسيم‬
‫في الدرجة المطابقة أو في أي إطار آخر من أطر اإلدارة‬
‫ويتم تحديد عدد المفتشين العامين للمالية بقرار يصدر عن وزير المالية وتؤشر عليه السلطة الحكومية المكلفة بالشؤون‬
‫اإلدارية‪ .‬ويعين من بينهم واحد يعهد إليه باإلشراف على تسيير مصالح المفتشية العامة للمالية‪.‬‬
‫مفتشو المالية من الدرجة الممتازة‬ ‫▪‬

‫مفتشو المالية من الدرجة الممتازة درجة استحدثها النظام األساسي الجديد لهيئة التفتيش العام للمالية‪ ،‬ويعينون من بين‬
‫مفتشي المالية رؤساء البعثات الذين يتوفرون على أقدمية خمس سنوات في الخدمة الفعلية بهذه الصفة‪ .‬ويتم التعيين بقرار‬
‫لوزير المالية باقتراح من المفتش العام للمالية المكلف بتسيير مصالح المفتشية العامة للمالية‪.‬‬
‫مفتشو المالية رؤساء بعثات‬ ‫▪‬

‫يعينوا مفتشو المالية رؤساء البعثات بقرار لوزير المالية‪ ،‬بناء على اقتراح من المفتش العام للمالية المكلف بتسيير مصالح‬
‫المفتشية العامة للمالية‪ ،‬ويختارون من بين مفتشي المالية البالغين الرتبة السابعة على األقل من درجتهم والذين قضوا‬
‫خمس سنوات في الخدمة بهذه الصفة‬
‫مفتشو المالية‬ ‫▪‬

‫يتم تعيين مفتشي المالية بقرار لوزير المالية‪ .‬ويختارون في حدود ‪ % 75‬من المناصب الشاغرة في الميزانية‪ ،‬عن طريق‬
‫المباراة وفي حدود ‪ % 25‬بواسطة االنتقاء بناء على المؤهالت وكذا المترشحون الحاصلون على شهادة المدرسة الوطنية‬
‫لإلدارة العمومية ويخضع الناجحون إلى تدريب مدته سنتان‪ ،‬باستثناء الناجحين من فئة الحاصلين على شهادة المدرسة‬
‫الوطنية لإلدارة العمومية الذين تتحدد مدة تدريبهم في سنة واحدة‪ .‬ويحق لوزير المالية إرجاع المتدربين إلى إطارهم‬
‫األصلي أو فصلهم من مهامهم إذا ظهر له أن طريقتهم في العمل ال تكفي لالحتفاظ بهم‪ .‬ويتوج التدريب المذكور بامتحان‬
‫للكفاءة المهنية يحتفظ على إثره بالناجحين بينما يرجع غير الناجحين إلى أسالكهم األصلية إذا كانوا ينتمون إلى اإلدارة أو‬
‫يفصلون من مهامهم‬
‫وتعتمد هيئة التفتيش العام للمالية على تنظيم مباشر وبسيط ال يعير اهتماما كبيرا للبنية الكالسيكية لإلدارة بقدر ما يركز‬
‫على أسلوب مرن يتمحور حول مهام التفتيش وقسم التكوين والتعاون‪ ،‬كما هو مبين في الخطاطة التالية‪:‬‬

‫الشكل ‪ :1‬هيكلة المفتشية العامة للمالية‪.‬‬


‫المطلب الثاني‪ :‬اختصاصات وتقنيات المراقبة لدى المفتشية العامة للمالية‬

‫تشكل المفتشية العامة للمالية إلى حد ما " اليدين والعيون" بوزارة المالية‪ ،‬بحسب المهام الرقابية واإلخبارية التي تقوم بها‪،‬‬
‫فهي تمتلك وسائل ومناهج دقيقة ومؤهالت تسمح لها بإنجاز مهامها في أحسن الظروف‪ ،‬لهذا اعتبرها نص القانون المنظم‬
‫لها – ‪ 14‬أبريل ‪ -1960‬بمثابة هيئة عليا للتفتيش‪ ،‬وبالتالي حدد مجال عملها والتقنيات والوسائل المخولة لها‪ ،‬وسنعمل في‬
‫هذا المطلب على إبراز االختصاصات الرقابية (الفقرة األولى) كما سنحاول الحديث عن تقنيات المراقبة (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة االولى‪ :‬االختصاصات الرقابية للمفتشية العامة للمالية‬

‫تمارس المفتشية العامة للمالية رقابة تنصب على المصالح المحاسبية والمحاسبين العموميين التابعين للدولة وللجماعات‬
‫الترابية والمؤسسات العمومية‪ ،‬وكل الهيئات المستفيدة من المساعدات المالية العمومية‪ ،‬بذلك تتبوأ المفتشية العامة مكانة‬
‫مركزية ضمن منظومة الرقابة على المالية العامة‪ ،‬بالنظر إلى شمولية رقابتها من حيث االختصاص أو المجال‪.‬‬

‫فسلطة الرقابة موكولة لوزير المالية يمكن أن يمارسها بواسطة المفتشية العامة للمالية التي تعتبر على األقل من الناحية‬
‫القانونية هيئة منظمة وتملك اختصاصات واسعة وقراراتها يفترض أن تكون ذات قوة قانونية‬
‫فحسب مقتضيات الفصل األول من الظهير ينص على أنه " تؤسس لدى وزير المالية هيأة عليا للتفتيش تتألف من‬
‫مفتشي المالية ويجعل مفتشوا المالية تحت إشراف مفتش عام يخضع مباشرة لنفوذ الوزير"‪ ،‬فهي تتبوأ مكانة هامة‬
‫ضمن المصالح المركزية التابعة للوزارة‪ ،‬وبذلك تشكل موقعا هاما ضمن المنظومة بالنظر إلى شمولية رقابتها من حيث‬
‫االختصاص أو مجال تدخالتها الواسعة التي تقودها في الدوائر العمومية والترابية المرتبطة بالمال العام‪ ،‬ويقوم بهذه‬
‫االختصاصات مختلف مفتشو المالية الذين يخضعون لنظام أساسي خاص بهم‪ ،‬ويطلق عليهم هيئة التفتيش العام للمالية‬
‫يرأسها مفتش عام يعين بظهير‪ ،‬ويعتبر الوزير المكلف بالمالية رئيسه التسلسلي‪ ،‬كما يختص وزير المالية بتعيين مفتشي‬
‫المالية ومفتشي رؤساء البعثات ومفتشي المالية من الدرجة الممتازة‪.‬‬
‫وهكذا فالمفتشية العامة للمالية تتولى‪:‬‬
‫مراقبة مصالح الصندوق والمحاسبة لدى المحاسبين العموميين وموظفي الدولة والجماعات الترابية بشكل عام‪.‬‬ ‫▪‬

‫مراقبة تسيير المحاسبين والتأكد من قانونية العمليات المسجلة في حسابات األمرين بالمداخيل والنفقات‬ ‫▪‬

‫العمومية وكل متصرفي الدولة‪.‬‬


‫القيام بافتحاص المشاريع العمومية الممولة من طرف الهيئات األجنبية كالبنك الدولي لإلعمار والتنمية‬ ‫▪‬

‫" ‪ ،" BIRD‬والبنك اإلفريقي للتنمية " ‪ ،" BAD‬وبرنامج األمم المتحدة للتنمية "‪" PNUD‬‬
‫وفي نفس السياق‪ ،‬تتميز المفتشية العامة للمالية بخاصيتين تميزها عن باقي هيئات التفتيش األخرى‪:‬‬

‫الخاصية األولى ‪:‬اختصاصاتها ذات الطابع العام‪ ،‬وذلك باعتبار أن المفتشية العامة تتدخل لمراقبة وافتحاص تدبير جميع‬
‫األمرين بتسليم المداخيل ودفع النفقات‪.‬‬
‫الخاصية الثانية ‪:‬اختصاصات ذات الطابع األفقي‪ ،‬حيث تشمل جميع القطاعات الوزارية والجماعات الترابية والمؤسسات‬
‫العمومية‪ .‬وكذا جميع المتصرفين‪.‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك نجد أن رقابة المفتشية العامة للمالية تتميز بما يلي‪:‬‬
‫مراقبة بعدية‪ :‬أي أنها تتدخل بعد إنجاز العمليات المالية والمحاسباتية للتأكد من صحة العمليات المدرجة في‬ ‫▪‬

‫حسابات األمرين بالصرف والمحاسبين العموميين‪.‬‬


‫مراقبة انتقائية‪ :‬إن المفتشية العام ال يمكن أن تمارس الرقابة على جميع المسؤولين واألعوان واألجهزة التي‬ ‫▪‬

‫تجري عليهم المراقبة‪ ،‬وذلك نظرا لمحدودية إمكانياتها ومواردها البشرية‪.‬‬


‫مراقبة وقائية‪ :‬فهي تساهم في تحسين أساليب وطرق التدبير وذلك بالمالحظات واالتباثات التي تدون في‬ ‫▪‬

‫تقارير التفتيش وكذا باالقتراحات التي يدلي بها مفتشي المالية لتفادي األخطاء المرتبطة بالتدبير‪ .‬كما أنها تساهم‬
‫في إشاعة ثقافة ترشيد وعقلنة التدبير العمومي‪.‬‬
‫مراقبة زجرية‪ :‬حيث تحرص على إرسال كل التقارير المتضمنة إلحدى المخالفات في ميدان التأديب المتعلق‬ ‫▪‬

‫بالميزانية والشؤون المالية إلى الجهات المعنية باألمر حسب نوعية المخالفات من أجل اتخاذ التدابير الالزمة‪.‬‬
‫مراقبة مفتوحة‪ :‬ترسل التقارير المنجزة من طرف المفتشية العامة للمالية في صيغتها األولية إلى المسؤولين‬ ‫▪‬

‫واألعوان الخاضعين للتفتيش قصد إعطائهم الفرصة لإلدالء بمالحظاتهم حول محتوى التقرير مع إدراج هذه‬
‫المالحظات في الصيغة النهائية والتعليق عليها إن اقتضى الحال‪.‬‬
‫يعتبر القيام بالمهام التفتيشية أهم اإلجراءات الرقابية التي تقوم بها المفتشية العام للمالية على الهيئات التابعة لها – ومن‬
‫ضمنها الجماعات الترابية – وتنصب رقابتها على الوثائق وفي عين المكان‪ ،‬فتتم عادة هذه الرقابة على إجراء تحقيقات –‬
‫بخصوص مصالح الصندوق والمحاسبة –وبالتالي تطال هذه الرقابة مختلف اإلجراءات والمساطير المتعلقة بالتسيير‬
‫المالي وبالوثائق والمستندات المثبتة وكذا التأكد من صحة وسالمة وقانونية العمليات المالية المرتبطة بتنفيذ ميزانيات‬
‫الجماعات الترابية‪.‬‬
‫ويبقى الهدف من تدخالت المفتشية العامة للمالية هو مراقبة مشروعية العمليات المنجزة من طرف اآلمرين بالصرف‬
‫والمحاسبين العموميين‪ ،‬وال تقتصر رقابتها على مشروعية العمليات المالية التي يقومون بها فقط‪ ،‬بل تتعداها إلى طريقة‬
‫تسييرهم للمرافق العمومية التي تخضع إلشرافهم ومدى مالئمة عملياتها وقرارات مسؤوليها لروح القانون ومتطلبات‬
‫المحيط السوسيو اقتصادي‪.‬‬

‫ويحق لهيئة التفتيش أثناء أدائها لعملها إجراء جميع األبحاث والتحقيقات واالطالع على جميع الوثائق والمستندات‪ ،‬وال‬
‫يمكن بأية حال من األحوال عرقلة أدائها لعملها كما ال يمكن االحتجاج اتجاهها بالسر المهني أو بمبدأ التسلسل اإلداري أو‬
‫التدرج الرئاسي‪.‬‬

‫ويخضع لهذه الرقابة المالية – كما أسلفنا سابقا – التي هي من قبيل المراقبة البعدية اآلمرون بالصرف والمحاسبون‬
‫العموميون على السواء‪ .‬فالمفتش المالي يخوله القانون سلطة المحاسبة وإجراء الفحص المالي على كل موظف أو عون‬
‫للدولة أو من يمارس مهمة باسمها ويتصرف في المال العام سواء من حيث تحصيل االيرادات العمومية (كمحصلي‬
‫الضرائب والقباض ووكالء المداخيل والقيمين على استيفاء الموارد العمومية) أو من حيث إصدار أوامر اإلنفاق العمومي‬
‫وانجازه من آمرين بالصرف على كل المستويات‪ ،‬رئيسيين وثانويين ومفوضين‪.‬‬
‫وفي هذا اإلطار تجدر اإلشارة إلى أن المفتشية العامة للمالية ال تمارس مهام المراقبة بصفة دائمة وتلقائية على جميع‬
‫الهيئات الخاضعة لتدخلها‪ ،‬وإنما يتم ذلك بصفة محددة في إطار برنامج سنوي يعده المفتش العام للمالية تحت إشراف‬
‫وزير المالية‪ ،‬ويشمل بعض المصالح اإلدارية والمؤسسات العمومية التي يتم اختيارها بناء على معايير محاسبية ومالية‪،‬‬
‫واستنادا كذلك على إفادات صادرة عن المصالح التي تقوم دائما بمهام ومراقبة التدبير المالي والمحاسبي‪ ،‬كمديرية‬
‫المؤسسات العمومية والخصوصية ومراقبة االلتزام بنفقات الدولة والخزينة العامة للمملكة‪.‬‬

‫وتمارس الهيئة مهامها في عين المكان وعلى الوثائق وعلى صندوق المحاسبين عن طريق بعثات يقوم بها المفتشون بشكل‬
‫فردي أو في إطار فريق‪ ،‬ونظرا لحساسية تدخالتها فإن هيئة التفتيش العام للمالية تتعرض بنوع من المقاومة من طرف‬
‫بعض الموظفين الذين ال يتحملون إجراءات التفتيش على اعتبار أنها تعيق السير العادي للمصالح اإلدارية‪ ،‬حتى أن كثيرا‬
‫من مهام التفتيش اصطدمت باعتراضات المسؤولين اإلداريين‪.‬‬

‫ولتجنب هذه المشاكل فرضت مذكرة وزير االقتصاد والمالية المتعلقة بأشغال الهيئة على المفتشين حمل وثيقة تثبت صفتهم‬
‫والمهام المنوطة بهم وذلك في إطار التكليف بمهمة‪.‬‬

‫وتفرض على الجهات الخاضعة للرقابة قبول أعضاء هيئة التفتيش وتزويدهم باألوراق والمستندات الضرورية لممارسة‬
‫مأموريتهم في أحسن الظروف‪ ،‬دون االعتراض على ذلك بدعوى السر المهني‪ .‬وكل رفض لهذه الشروط يجب أن يتم‬
‫كتابة ويتضمن أسباب االعتراض ويحمل توقيع المعني باألمر‬
‫وفي حالة رفض هذا األخير ترجمة اعتراضه كتابة يقوم المفتش أو رئيس فرقة التفتيش حاال بإخبار المفتش العام للمالية‬
‫ليطلب تدخل السلطات الرئاسية العليا‪.‬‬
‫خالفا ألجهزة المراقبة اإلدارية األخرى‪ ،‬فإن هيئة التفتيش العام للمالية‪ ،‬ال يمكنها إال استنتاج المخالفة وإخبار السلطة‬
‫الرئاسية للجهة المراقبة ووزير المالية في حالة ثبوت إخالل خطير كما أن سلطتها الزجرية تنحصر في إثارة مسطرة‬
‫تعليق نشاط المحاسب في حالة إذا ما تبين لها خطورة المخالفة دون أن يتمكن المفتش أو الفرقة من تنفيذ العقوبة‪.‬‬

‫كما أن التقارير التي يتوصل بها وزير المالية تتضمن مجمل المالحظات وخالصات العمل حول سير مصالح وزارة‬
‫المالية واإلدارات التي خضعت لمراقبة المفتشية‪ ،‬كما تتضمن المشاكل والعراقيل التي اعترضت تطبيق القانون أو عمل‬
‫مأموريات التفتيش‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تقنيات المراقبة لدى المفتشية العامة لمالية‬

‫لكي يكون عمل المفتشية العامة للمالية عمال ممنهجا ونتائجه مثمرة‪ ،‬فإنها تعتمد على مجموعة من التقنيات في الرقابة‬
‫على المالية العمومية من أهمها‪:‬‬

‫برنامج عمل سنوي‬ ‫▪‬

‫هذا البرنامج يراعي في إعداده المقاربة التي تعتمد على تحليل المخاطر‪ ،‬هذا البرنامج يحدد من طرف وزير المالية‬
‫باقتراح من المفتش العام‪ ،‬ويأخذ هذا البرنامج بعين االعتبار على الخصوص طلبات التحقيق التي يقدمها أعضاء‬
‫مجلسي البرلمان ولجان تقصي الحقائق البرلمانية‪ ،‬ورئيس الحكومة والوزراء‪ ،‬ومديريات وزارة المالية‪ ،‬وأجهزة‬
‫المراقبة التابعة للمؤسسات المقرضة أو المانحة‪ ،‬وكذا الجمعيات وشكاية المواطنين‪ .‬ويجوز للمفتش العام أن يأمر‬
‫خارج هذا البرنامج بإجراء كل تحقيق يراه مفيد‪.‬‬

‫اختيار المرافق اإلدارية العمومية‬ ‫▪‬

‫مبدئيا كل المرافق العمومية التي تتصرف في األموال العامة ملزمة بالخضوع لمراقبة هيئة التفتيش العام للمالية‪،‬‬
‫فالمشرع أولى هذه األخير صالحيات ومأموريات واسعة في مجال المراقبة المالية بدون تقييد أو استثناء وتمارس هذه‬
‫المراقبة على كل الوحدات والمصالح اإلدارية‪.‬‬

‫غير أن تغطية كل هذه المصالح يستدعي توفر وسائل مادية وبشرية هائلة‪ ،‬ولتجاوز هذه الصعوبات تضع الهيئة‬
‫معايير تمكن المفتشين من اختيار أهداف معينة واإلعداد لمراقبتها‪.‬‬

‫يتم اختيار المرافق اإلدارية إما تلقائيا أو باالستشارة مع المفتشين المتمرسين ذوي التجربة‪ ،‬الذين يوجهون زمالئهم‬
‫إلى الوحدات والمصالح اإلدارية التي تعاني من ضعف التدبير وسوء استعمال األموال العامة‪.‬‬

‫أما نسبة االختيار التلقائي فتعتبر ضعيفة نظرا لعدم كفاية الموارد البشرية‪ ،‬وغالبا ما يتم التوجه إلى الوحدات اإلدارية‬
‫الصغيرة لتمكين المفتشين الشباب من التكوين والتعرف على نوع المشاكل التي قد تعترضهم حين تكليفهم بمأمورية‬
‫التفتيش في المرافق اإلدارية الكبرى‪.‬‬

‫كيفما كانت معايير االختيار أو حجم الوحدات اإلدارية المستهدفة بالمراقبة‪ ،‬فإن المفتشين ملزمون بتبني أسلوب متشدد‬
‫في البحث والتحقيق يحول دون محاوالت التالعب واختالس األموال العمومية‪ ،‬وذلك ما قد توفره تقنيات وإجراءات‬
‫التفتيش المعتمدة‪.‬‬

‫إصدار توصيات‬ ‫▪‬

‫إصدار توصيات تروم تحسين أداء الوحدات المراقبة وتهم بصفة إجمالية‪:‬‬

‫تفعيل دور المجالس اإلدارية والهيئات التقريرية‪.‬‬ ‫➢‬

‫عقلنة النفقات عن طريق تحسبن تدبير الصفقات العمومية خصوصا‪.‬‬ ‫➢‬

‫ترشيد تدبير الموارد البشرية‪.‬‬ ‫➢‬

‫اعتماد نظام محاسباتي فعال‪.‬‬ ‫➢‬

‫تحسين مردودية المداخيل وتقوية آليات استخالص الديون والمستحقات‪.‬‬ ‫➢‬

‫االحتفاظ على الممتلكات وتحسين تدبير المخزونات‪.‬‬ ‫➢‬

‫التنصيص على ضرورة استرداد األموال العمومية المؤداة بطريقة غير قانونية‪.‬‬ ‫➢‬

‫إحالة التقارير على الجهات المختصة‬ ‫▪‬

‫تطبيقا للمادة ‪ 57‬من قانون ‪ 62.99‬بمثابة مدونة المحاكم المالية تحال التقارير المنجزة على المجلس األعلى للحسابات‬
‫في إطار مسطرة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية‪ ،‬ويتم إحالة التقارير التي تتضمن إحدى المخالفات‬
‫المنصوص عليها في المواد ‪ 56-55-54‬من المدونة‪.‬‬
‫كما تحيل التقارير على العدالة بخصوص التقرير التي يحتوي على مخالفات قد تبدو أنها خطيرة والتي قد تستوجب‬
‫المتابعة القضائية‪ ،‬فإنها تحال من طرف وزير المالية أو الوزير الوصي على القطاع على وزير العدل قصد تحريك‬
‫المسطرة القانونية الجاري بها العمل‪.‬‬

‫قاعدة المباغثة والمراقبة المادية في عين المكان‬ ‫▪‬

‫من أهم قواعد التفتيش المالي عنصر المباغثة والمفاجأة عند تدخل مفتش المالية أو فريق التفتيش لدى الموظف أو‬
‫المرفق المقصود تفتيشه‪.‬‬

‫فطالما أن عمليات التفتيش تبدأ بحصر قيم وموجودات الصندوق الذي يؤتمن عليه المحاسب العمومي‪ ،‬فإن حالة‬
‫المباغثة تكون ضرورية بل وشرطا أساسيا لصحة وسالمة عملية التفتيش‪.‬‬

‫فالمفتشية العامة للمالية كجهاز مراقبة وتفتيش خارجي عن المصلحة المراد تفتيشها واختبار ممارستها المالية‪،‬‬
‫يحرص أشد ما يكون الحرص على قاعدة المباغثة والتدخل دون سابق إعالم‪ ،‬وحده المفتش العام وفريق التفتيش‬
‫المكلف بالمأمورية يكون على علم بهذه المهمة‪.‬‬

‫وقد كرست هذه القاعدة مقتضيات الفصل ‪ 10‬من مذكرة وزير االقتصاد والمالية الصادرة بتاريخ ‪ 7/19/1960‬حول‬
‫أشغال هيئة التفتيش العام للمالية‪ ،‬والتي تنص على أنه باستثناء مقتضيات مخالفة ينص عليها القانون‪ ،‬يجب أن تحظى‬
‫تدخالت هيئة التفتيش العام للمالية بسرية تامة وال تكون موضوعا ألي إخبار سابق‪.‬‬

‫وحتى تتوفر للمفتش أو فريق التفتيش الظروف المالئمة والسليمة للقيام بمهام التفتيش على الوجه المطلوب‬
‫والمرغوب‪ ،‬فإنه يقوم ضمن المهام األولية بإخبار السلطة الرئاسية اإلدارية المعنية أي الرئيس المباشر للموظف أو‬
‫المصلحة المراد مراقبتها وتفتيشها ‪ ،‬وقد جرت العادة أن يقوم بزيارة ود ومجاملة وإخبار الوالي أو عامل اإلقليم أو‬
‫السلطة الرئاسية العليا للجهات التي ستخضع للرقابة‪ ،‬وذلك حسب كل حالة بهدف اطالعه على الهدف أو الغرض‬
‫المتوخى من العملية الرقابية واستصدار الدعم والمساعدة عند االقتضاء أو الضرورة‪ ،‬وليس في هذا األمر ما يشكل‬
‫ترخيصا أو استئذانا مسبقا للقيام بالمهمة فالمقتضيات القانونية واإلدارية واضحة ال غبار عليها في هذا الشأن‪ ،‬فهي‬
‫توفر لمفتش المالية كامل الصالحية واالستقاللية التامة في انجاز مهمته‪.‬‬

‫ومعلوم أن عمليات التفتيش‪ ،‬يترتب عنها تحديد تقرير يتضمن المالحظات والمخالفات‪ ،‬وبالمقابل يتوفر الموظف أو‬
‫الجهات التي خضعت للمراقبة على حق الرد في إطار قاعدة التقرير المضاد‪.‬‬

‫قاعدة التقرير المضاد‬ ‫▪‬

‫تخضع التقارير المنجزة من طرف المفتشية لمسطرة حق الرد‪ ،‬بعد القيام بعمليات المراقبة‪ ،‬حيث يحرر مفتشوا‬
‫المالية تقارير تتضمن المالحظات والمخالفات التي يقفون عليها‪ ،‬ثم ترفع إلى الجهات التي خضعت للرقابة ليدلي‬
‫المعنيون بالتوضيحات الضرورية‪ ،‬وبذلك تخضع التقارير المنجزة لمسطرة المالحظات المضادة لتتمكن الجهة‬
‫الخاضعة للرقابة من ممارسة حقها في الرد داخل أجل خمسة عشر (‪ )15‬يوما تبتدئ من تاريخ التوصل بالتقرير‪ .‬إال‬
‫أنه غالبا ال يتم التقيد بفترة األجل القانوني من طرف األشخاص والجهات التي خضعت للمراقبة‪ ،‬األمر الذي يدفع‬
‫بالمفتشية إلى القيام باإلجراءات الضرورية للتذكير بوجوب احترام مقتضيات المسطرة المعتمدة‪ ،‬ويتم االعتماد في‬
‫هذا الصدد على عناصر األجوبة التي تتوصل بها إزاء التقارير الصادرة عنها من أجل صياغة االستنتاجات‬
‫والخالصات النهائية المرتبطة بالوقائع الواردة في التقارير‪.‬‬
‫تعتبر قاعدة التقرير المضاد أسلوبا ديمقراطيا وحقا أساسيا للموظف الذي يخضع للعمليات الرقابية‪ ،‬تمكنه من الدفاع‬
‫عن نفسه واإلجابة على مالحظات المفتش‪ ،‬ويتوصل بالتقرير لمدة محدودة يجب عليه استغاللها لإلدالء بآرائه وآراء‬
‫رؤسائه‪.‬‬

‫أما الموظف المعني بالمراقبة‪ ،‬فيمكنه التوصل بكل الوثائق والمستندات التي تشكل موضوعا لمؤاخذاته وانتقاده‪ ،‬وفي‬
‫ذلك ضمانة مشتركة لوزير المالية الذي يتأكد من حقيقية المالحظات المتضمنة في التقرير وللموظف المراقب الذي‬
‫يتوفر دائما على فرصة كافية لشرح موقفه والجواب كتابة على المالحظات الموجهة إليه‪.‬‬

‫وبعد إعداد التقرير بصفة نهائية يرسله المفتش المالي أو رئيس الفرقة حسب الحالة‪ ،‬مرفوقا بمالحظاته واستنتاجاته‬
‫إلى المفتش العام الذي يوجهه لوزير المالية الذي يبعث به إلى اإلدارات المعنية‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬المفتشية العامة للمالية "االكراهات واألفاق"‬


‫إن أهمية الرقابة التي تجريها المفتشية العامة للمالية ال يمكن إغفالها عن األقل من الناحية القانونية وإذا كان تخصصها يعد‬
‫على األقل نظريا شامال لجوانب التسيير والتدبير المالي‪ ،‬فان واقع الحال يؤكد على أدائها المتواضع وضعف مردوديتها‬
‫مما يفقد رقابتها أية فعالية حقيقية تترتب عنها جزاءات المتابعة اإلدارية أو القضائية‪ ،‬بالرغم من تمتعها بسلطات واسعة‬
‫في مجال التفتيش على كل اإلدارات والمؤسسات العمومية‪ ،‬مما يحيلنا ذلك عن التساؤل عن الصعوبات واالكراهات التي‬
‫تحد من رقابتها للمال العام؟ (كمطلب أول) وعن السبل والوسائل الكفيلة لتطوير وتقوية عملها؟ (كمطلب ثان)‬

‫المطلب األول‪ :‬الصعوبات التي تحد من عمل المفتشية العامة للمالية‪.‬‬

‫إن تجويد الرقابة العليا للمفتشية العامة للمالية تمر بالضرورة بتجاوز الصعوبات والمعيقات القانونية والمؤسساتية التي‬
‫تحول دون قيامها باألدوار الرقابية بكل نجاعة وفعالية‪ .‬إذ أن تشخيص المثبطات يعتبر الخطوة األهم التي تمهد لالنتقال‬
‫إلى مرحلة اإلصالح‪ .‬وعليه سنخصص (الفقرة األولى) لبسط الصعوبات القانونية والمسطرية فحين سنتطرق في (الفقرة‬
‫الثانية) إلى مظاهر قصور أداء المفتشية العامة والفقرة الثالثة سنتحدث عن ضعف اإلمكانيات البشرية والمادية‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الصعوبات القانونية والمسطرية‪.‬‬

‫عند قراءتنا للنصوص المنظمة للعمل المفتشية العامة للمالية‪ ،‬يتضح لنا أن هذه الهيئة قد منحت سلطات واسعة‪ ،‬لكن‬
‫سلطاتها في واقع األمر تبقى محدودة فليس بإمكانها اتخاذ إجراءات‪ ،‬وال يحق لها أبدا إصدارها بل تكتفي بالدعوة اتخاذها‪،‬‬
‫وال يرد على هذا المبدأ إال استثناء واحد يتعلق بالحالة التي يقف فيها المفتش على عجز أو اختالس‪.‬‬
‫وتقتصر سلطة المفتش في هذه الحالة على إبالغ الرئيس التسلسلي للمحاسب‪ ،‬واتخاذ االحتياطات الالزمة لضمان سالمة‬
‫النقود والقيم والمواد‪ ،‬مع مالحظة أساسية تكمن في عدم تحديد اإلجراءات التي يمكن للمفتش اتخاذها في هذه الحالة‬
‫هذا فيما يالحظ أن المشرع الفرنسي على سبيل المقارنة‪ ،‬منح مفتش المالية حق توقيف المحاسب متى وقف على عجز‪،‬‬
‫في حين ذهب المشرع المغربي على اقتصار المفتش في إثبات الحالة‪ ،‬ويعود قرار التوقيف لوزير المالية‪.‬‬

‫أيضا يالحظ أن المفتشية العامة للمالية تصطدم في بعض األحيان بصعوبات في ممارسة هذه المراقبة على اإلدارات‬
‫المركزية‪ ،‬حيث أن الدراسات التي تمت بهذا الشأن تبين الصعوبات البالغة التي تالقيها على مراقبة األمرين بالصرف‪.‬‬
‫من جهة أخرى يالحظ أن التوصيات التي تنبثق عن أعمال المفتشية العامة للمالية‪ ،‬تظل في كثير من األحيان رهينة‬
‫الرفوف في ظل غياب منظومة لتجميعها وتصنيفها وتتبع مآلها‪ ،‬وبالتالي تبقى هذه التوصيات حبر على ورق‪.‬‬

‫هنالك معطى آخر يتمثل في عدم مالئمة اإلطار القانوني المنظم لصالحيات المفتشية العامة للمهام الموكولة لها‪ .‬حيث‬
‫تقتصر المهام المنصوص عليها في النظام الخاص بهذه الهيئة على مهام التنفيذ والمراقبة فيما يالحظ أنها تقوم بمهام من‬
‫قبيل االفتحاص والتدقيق‪.‬‬

‫هذا فيما يالحظ أن بعض الدول قد بادرت إلى تحديث األنظمة الخاصة بها لتساير التطور الذي عرفته مهامها فعلى سبيل‬
‫المثال نجد أن المشرع الجزائري بادر إلى ذلك منذ ما يزيد عن ‪ 9‬سنوات‪ ،‬بحيث أصبحت المفتشية العامة للمالية تتولى‬
‫مهام المراقبة والتدقيق أو التقييم أو التحقيق أو الخبرة خصوصا على المحاور االتية‪:‬‬
‫سير المراقبة الداخلية وفعالية هياكل التدقيق الداخلي‪.‬‬ ‫➢‬

‫التسيير المالي والمحاسبي وتسيير األمالك‪.‬‬ ‫➢‬

‫إبرام الصفقات والطلبات العمومية وتنفيذها‪.‬‬ ‫➢‬

‫مستوى اإلنجازات مقارنة مع األهداف‪.‬‬ ‫➢‬

‫شروط تعبئة الموارد المالية‪.‬‬ ‫➢‬

‫تسيير اعتمادات الميزانية‪.‬‬ ‫➢‬

‫شروط منح واستعمال المساعدات واإلعانات المقدمة‬ ‫➢‬

‫عالوة على ما تمت اإلشارة إليه‪ ،‬يشكل التنظيم المركزي الذي اختاره المغرب لهذه الهيئة عامال قد يكون له انعكاسات‬
‫سلبية على فعاليتها‪ ،‬فمن المالحظ أن معظم التجارب األجنبية في هذا المجال تميل إلى اختيار نموذج ال مركزي فعلى‬
‫سبيل المثال نجد النموذج الفرنسي والنموذج الجزائري يضم في هيكلة المفتشية العامة للمالية مفتشيات جهوية وتتولى تنفيذ‬
‫البرنامج السنوي للرقابة والتدقيق التقييم والخبرة المنوط بالمفتشية العامة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬صور قصور أداء المفتشية العامة للمالية‪.‬‬


‫رغم اإلمكانيات والسلطات الواسعة التي تتمتع بها المفتشية العامة للمالية والتي تسمح لها بالتدخل في كل العمليات‬
‫المرتبطة بتدبير األموال العمومية‪ ،‬وتنظيم أوجه اإلنفاق العام في سائر اإلدارات والمرافق العمومية‪ ،‬فإن جملة من‬
‫العوائق والعوامل المعاكسة أفضت إلى تحجيم فعلي لدورها على المستوى العملي وانحساره إلى الحد الذي حصرها في‬
‫مجرد أداة للتحري ترتبط بحمالت زمنية مؤقتة‪ ،‬وتقارير متناثرة على فترات وال تخلو أحيانا من مسحة دعائية‪ ،‬مما جعلها‬
‫تفتقد المقومات الحقيقية للجهاز الرقابي الفعال كما هو متعارف عليه‪ .‬فما هي مظاهر قصور أداء المفتشية العامة والتي‬
‫يمكن اجمالها على سبيل المثال وليس الحصر في‪:‬‬
‫غياب االستقاللية‬ ‫▪‬

‫إن تبعية المفتشية العامة للمالية لوزارة المالية‪ ،‬قد يؤدي ال محالة إلى تقزيم دورها الفعلي في مراقبة هذه الوزارة‬
‫والمصالح التابعة لها‪ ،‬مما يؤثر على دورها في التأكد من أن المشروع المالي والعاملين فيه يسيرون في االتجاه المرسوم‪،‬‬
‫والبحث عن االنحرافات واألخطاء ومعالجتها‪ ،‬ومنع الفساد والتالعب بالمال العام‪ ،‬الذي قد يصيب هذه الوزارة أو‬
‫المصالح التابعة لها‪.‬‬

‫المساس بقاعدة السرية‬ ‫▪‬

‫خول المشرع المغربي لوزارة المالية‪ ،‬اختصاص تحديد نظام عمل المفتشية العامة للمالية‪ ،‬بعد اقتراح يتقدم به المفتش‬
‫العام‪ ،‬ويكون بذلك قد أقر في نفس الوقت مراقبة تنفيذ العمليات المالية المتعلقة بوزارته (أي وزارة المالية )‪ ،‬وهذا يعتبر‬
‫مسا بقاعدة السرية التي يجب أن تخضع لها جميع المصالح والمؤسسات العمومية دون استثناء‪ ،‬فوزير المالية هنا يصبح‬
‫مقررا لخطة التفتيش فيما يخص وزارة المالية وكذلك موضوعا للمراقبة‪ ،‬مما يستحيل معه المحافظة على قاعدة المباغثة‪،‬‬
‫ما دام هو الذي سيسمح بإدراج وزارته أو المصالح التابعة له لمراقبتها‪.‬‬

‫كما تمنح هذه التبعية لوزارة المالية درجة متفوقة على باقي الوزارات‪ ،‬فهي التي تحدد المصالح والوزارات الممكن‬
‫إدراجها في الئحة التفتيش‪ ،‬لهذا يحظى وزير المالية بمكانة قوية أمام باقي الوزراء كآمرين بالصرف رئيسين‪.‬‬

‫فهذا الدور المزدوج لوزير المالية باعتباره آمرا بالصرف لوزارة المالية‪ ،‬وكذلك هيئة متحكمة في جهاز التفتيش المالي‪،‬‬
‫يؤثر على المفتشين أثناء مزاولتهم لمهامهم‪ ،‬ويجعل من رقابتهم لهذه الوزارة ’’ شكلية ’’ وبعيدة عن الهدف واإلطار‬
‫القانوني الذي حدد الختصاصات ومهام المفتشية العامة للمالية‪.‬‬

‫إن هذا الدور الذي يتمتع به وزير المالية في مقابل هذا الجهاز يعد نقطة سلبية في مساره‪ ،‬مما يستوجب على المشرع أن‬
‫يرفع عليه هذه الوصاية‪ ،‬ويقوم بإلغاء عالقة التبعية اإلدارية بين المفتشية العامة للمالية ووزارة المالية‪ ،‬كما وقع بالنسبة‬
‫للمجلس األعلى للحسابات‪.‬‬
‫غياب سلطة الزجر‬ ‫▪‬

‫لقد سلك المشرع المغربي‪ ،‬نهجا مغايرا عن الذي اتخذه المشرع الفرنسي‪ ،‬فيما يخص مسألة تمكين هذا الجهاز من اتخاذ‬
‫اإلجراءات العقابية والزجرية في حق الخارجين عن القواعد القانونية‪ ،‬بحيث أن التشريع الفرنسي يسمح للمفتشين بحق‬
‫توقيف المحاسب العمومي إذا أضر بالمال العام‪ ،‬أما فيما يخص التشريع المغربي فإنه يكتفي في مثل هذه الحاالت بإحالة‬
‫محضر المفتشية العامة الذي يدين الموظف أو المراقب إلى الجهة المختصة‪ ،‬والمتمثلة في الرئيس اإلداري المعني‬
‫لمطالبته بتوقيفه‪ ،‬ويختص الوزير باتخاذ القرار المناسب في حق المخل بالمساطر القانونية المتبعة في مادة تنفيذ العمليات‬
‫المالية‪.‬‬

‫فإذا عدنا إلى الفصل الخامس من ظهير ‪ 14‬أبريل ‪ 1960‬المنظم للمفتشية العامة للمالية‪ ،‬نجده يفيد بأنه في حالة مخالفة‬
‫جسيمة يرفع المفتش تقريره إلى المفتش العام‪ ،‬وللجهة التي تتوفر على السلطة التأديبية في حق المحاسب‪ ،‬وبالتالي يمكن‬
‫استصدار عقوبات في حق المخل بتنفيذ العمليات المالية‪ ،‬إال أنه وفي نفس الوقت نجد أن النص قد سكت عن بيان المسطرة‬
‫الواجب إتباعها في حق اآلمرين بالصرف في حالة مخالفتهم للقانون وللمشروعية‪.‬‬
‫والجدير بالذكر أن حرمان المفتشية العامة للمالية من سلطة الزجر والعقاب واكتفائها في أقصى الحاالت باقتراح التوقيف‬
‫المؤقت في حق المحاسب العمومي المخطئ‪ ،‬والذي ال يتعدى شهر شريطة موافقة السلطة الرئاسية‪ ،‬يؤثر بدوره على‬
‫المراقبة التي يقوم بها المحاسب العمومي على اآلمر بالصرف الرئيسي‪ ،‬ويجعله متخوفا من هذه المراقبة التي قد تطاله في‬
‫يوم من األيام‪ ،‬والعقوبات الزجرية التي قد تلحقه من اآلمر بالصرف الرئيسي في حالة رفضه التأشيرة على‬
‫أوامره‪ .‬فالمحاسب العمومي يحس رغم مبدأ الفصل بين اآلمرين بالصرف والمحاسبين‪ ،‬أنه تحت رحمة اآلمر بالصرف‬
‫في حالة وقوعه في الخطأ أو المخالفة‪ ،‬لهذا فهو نفسيا مرتبط به وتابعا له في إطار عالقة إدارية عالقة الرئيس بالمرؤوس‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬ضعف االمكانيات البشرية والمادية‬

‫من بين العوائق التي تساهم في الحد من فعالية هذه الهيئة الرقابية‪ ،‬ضعف الموارد البشرية العاملة لديها مرفوقة بقلة‬
‫الوسائل المادية المرصودة لها كما ونوعا‪ ،‬مما يحول دون إنجاز مهامها ووظائفها على الوجه المطلوب أو المنظر منها‪.‬‬

‫فمنذ فترة طويلة والمفتشية العامة للمالية تعاني من قلة الموارد البشرية واإلدارية‪ ،‬وقد قامت وزارة االقتصاد والمالية‪ ،‬منذ‬
‫اإلصالحات الموازية سنة ‪ 2001‬بتزويد أجهزة التفتيش في مديرياتها المختلفة ببعض األطر والتجهيزات تبعا لطلباتها في‬
‫هذا الشأن‪ ،‬غير أن المفتشية العامة ظلت تعاني من نقص كبير في مواردها البشرية بالنظر إلى المهام الجسيمة الملقاة على‬
‫عاتقها واألدوار المنتظر منها القيام بها في سياق اإلصالحات الجارية على مستوى تدبير الميزانية ونظام المراقبة القبلية ‪،‬‬
‫وبطبيعة الحال فممارسة هذه االختصاصات تتطلب التوفر على األطر البشرية المهمة داخل المفتشية العامة‪ ،‬لكن هذا‬
‫المرتكز بقي من بين الصعوبات التي تعاني منها فالعدد المحدود لمفتشي المالية ال يسمح بتفعيل مهام هذه الهيئة ‪.‬‬
‫كما يضعف من قدراتها على تتبع إدارة األموال نظرا لتعدد األجهزة الخاضعة لها سواء القطاع العمومي أو الشبه‬
‫العمومي‪.‬‬
‫ويؤدي نقص عدد مفتشو المالية إلى عدم تخصيص الوقت والعدد الكافي من هؤالء األطر‪ ،‬للقيام بمهام التفتيش والتدقيق‬
‫في عدد من كبريات المؤسسات العمومية والشركات التابعة للدولة‪ ،‬وحتى وإن قام هذا العدد الضعيف من المفتشين بإجراء‬
‫عملية التفتيش تواجههم مشاكل‪ ،‬عدم تعاون المسؤولين والموظفين التابعين للهيئة العامة محل الرقابة‪ ،‬وبالتالي استعمال‬
‫كل الوسائل لالنفالت من التفتيش‪ ،‬وتبعا لذلك كانت تدخالت أعضاء هذه الهيئة تواجه بالالمباالة وعدم التعاون بل أحيانا‬
‫بالرفض التام‪.‬‬

‫عموما يمكن القول أن المفتشية العامة للمالية تعرف عجزا بنيويا ووظيفيا يتجلى باألساس في افتقادها لمخطط رقابي‬
‫واضح يجعل عملها ذا طبيعة دائمة ومستمرة ويخولها سلطة التدخل التلقائي وفق رؤية مندمجة وبرمجة إستراتيجية‬
‫واضحة‪ ،‬كما أنها اختارت ومنذ إحداثها التركيز على تكوين أطرها وتخريج المفتشين أكثر مما اهتمت بتنويع آلياتها‬
‫الرقابية وتطويرها وإرساء ثقافة الرقابة على المال العام‪.‬‬

‫وعلى المستوى الميداني‪ ،‬بقي عمل ونشاط هذه الهيأة الرقابية هامشيا ومحدود األثر الفعلي‪ ،‬وتركزت مهامها الرقابية‬
‫بالدرجة األولى على بعض اإلدارات المالية المركزية أو مصالحها الخارجية‪ ،‬وميز عملها نوع من الضعف الوظيفي‬
‫والهيكلي‪ .‬بل إن عملها الرقابي يكون في الكثير من األحيان أقل فعالية ويطبعه الجانب الشكلي والمسطري ويشوبه في‬
‫الكثير من الحاالت ضعف واضح في األداء حيث يتم إيفاد المتمرنين في حمالت تفتيش تهم بعض الجماعات المحلية أو‬
‫المرافق التابعة لها والتي تتطلب خبرة وحنكة في ممارسة العمل الرقابي‪ .‬الشيء الذي يستوجب علينا البحث عن السبل‬
‫الكفيلة لتطوير وتقوية عمل المفتشية العامة للمالية‪.‬‬

‫المطب الثاني‪ :‬البحث في سبل تطوير وتقوية المفتشية العامة للمالية‬

‫إن معالجة مختلف االختالالت التي يعرفها أداء المفتشية العامة للمالية ‪ ،‬يتطلب بالضرورة الدخول في مبادرات‬
‫إصالحية وتعديالت تشريعية ‪ ،‬تهم باألساس تجاوز المقاربة التقليدية لمراقبة التصرف في األموال العمومية ‪ ،‬بحيث‬
‫أصبح من الالزم اعتماد منهجية شاملة تتحول بمقتضاها المفتشية العامة للمالية إلى هيئة عليا مناسبة لمراقبة االستخدام‬
‫األمثل للمالية العامة عوض االقتصار على مراقبة السالمة القانونية الشكلية للتصرف في المال العام وهذا ما يجعلنا نأكد‬
‫وبشدة على ضرورة تقوية وتطوير هذا الجهاز المهم في المنظومة من خالل‪:‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مراجعة اإلطار القانوني‬

‫من المؤكد أن تفعيل هذا التصور الرامي إلى النهوض بالمهام الموكولة لهذه الهيئة يتوقف باألساس على إرادة‬
‫سياسية حقيقية تفضي إلى دمقرطة الشأن العام ‪ ،‬من خالل السعي إلى توفير كل الوسائل لدعم المال العام من الفساد ‪ ،‬فهذه‬
‫الهيئة تحتاج بالدرجة األولى إلى تغيير النص القانوني المنظم لها فكما سبقت اإلشارة فهو يعدو إلى سنة ‪ ، 1960‬لذا‬
‫وجب تحسين مضامينه وتحقيق مالءمته مع األوضاع الراهنة ‪ ،‬أي ضرورة مراجعة اإلطار القانوني الذي ينظم عملها بما‬
‫يكرس استقالليتها ومهنيتها وانتظامية تدخالتها ‪ ،‬حتى تتناسب مع التحوالت التي تشهدها بالدنا ‪ ،‬وتأخذ بعين االعتبار‬
‫المستجدات التي عرفتها القوانين المنظمة لألجهزة الرقابية األخرى ‪.‬‬

‫وال ننسى ضرورة إعادة النظر في النظام األساسي لهيئة المفتشية العامة للمالية‪ ،‬في الجوانب التنظيمية والتحفيزية‬
‫من أجل استقطاب وإبقاء األطر والكفاءات في هذا الجهاز حتى يستطيع المساهمة من جانبه في حماية المال العام‪ ،‬كما‬
‫يتعين تأمين كل الشروط والضمانات الكفيلة لرد االعتبار لتقارير المفتشية وذلك بتفعيل الجزاءات في حال ثبوت اإلخالل‬
‫بالمسؤولية‪.‬‬

‫إن حصيلة تجارب التفتيش والرقابة التي قامت بها المفتشية العامة للمالية في القطاع العام والشبه العمومي‪ ،‬أبانت‬
‫عن محدوديتها ومواطن القصور ومكامن الضعف فيها‪ ،‬والتي تستوجب اتخاذ مبادرات إصالحية أو تعديالت تشريعية‪،‬‬
‫حتى يستطيع هذا الجهاز المساهمة من جانبه في حماية المال العام‪ ،‬وإنجاح مبادرة " اإلصالح " وهي عملية مجتمعية‬
‫شاملة‪ ،‬ليست المنظومة الرقابية سوى جزء منها‪ ،‬والتي تتبناها الدولة على أكثر من صعيد‪ ،‬بل تحتاج إلى تصور شمولي‬
‫وإستراتيجية متكاملة لنظام الرقابة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تفعيل جهاز المفتشية العامة‬

‫لتحقيق نوع من النجاعة والفعالية في الرقابة ينبغي إعادة هيكلة الجهاز في إطار الجهوية والالمركزية‪ ،‬وذلك بإحداث‬
‫مفتشيات للمالية للجهوية – كامتداد طبيعي للمفتشية العامة لمالية – تسند لها مهام التفتيش‪ ،‬لتقريبها من مواقع التدبير‬
‫اإلداري والمالي‪ ،‬وكذلك ترسيخ الثقة وروح المسؤولية بين مختلف المتدخلين في المجال‪ ،‬ونخص بالذكر فتح قنوات‬
‫االتصال ما بين هيئة التفتيش ومصالح اآلمر بالصرف‪ ،‬بغية تعزيز روح الحوار والتفاهم إليجاد حلول للمشاكل‬
‫المطروحة‪ ،‬وتجاوز أسباب سوء التسيير‪ ،‬وكذلك انتقال مراقبة المفتشية العامة من مراقبة المستندات والسجالت – أي‬
‫المطابقة بين الموارد والنفقات واحترام المساطر القانونية – إلى مراقبة اإلنجاز الفعلي‪ ،‬للتأكد مما إذا كان ما صرف قد‬
‫ذهب فعال إلى ما رصد إليه‪ ،‬وإذا ما كانت اإلنجازات تحترم المعايير المتفق عليها في عقد الصفقة العمومية‪.‬‬
‫هذا االختيار أصبح يفرض نفسه في ظل االتجاه الحالي‪ ،‬نحو تعميق الالمركزية وعدم التركيز اإلداري‪ ،‬الذي يترتب عنه‬
‫تفويض نفقات عمومية مهمة للعمال والمسؤولين اإلداريين الجهويين والمحليين‪ ،‬باإلضافة إلى الموارد التي تتصرف فيها‬
‫الجماعات الترابية‪ ،‬وتكليفهم بإنجازات مهمة‪ ،‬وتخفيف المراقبة المالية القبلية واعتماد المراقبة المالية البعدية بشكل مكثف‪،‬‬
‫وهذا سوف يشكل أساس عمل المفتشية العامة للمالية‪ ،‬بمعية المفتشيات العامة للوزارات التي تبدو أنها تعاني من الحجر‬
‫من طرف المسؤولين عنها داخل الوزارات‬
‫من هنا تحتاج المفتشية العامة للمالية‪ ،‬إلى إعادة النظر ألجل تجديد مقاربتها وأساليب وطرق عملها‪ ،‬وتنمية مواردها‬
‫البشرية ومساهمتها في تأهيل اإلدارة وحسن التدبير‪.‬‬

‫لهذا يرى األستاذ ’’ مصطفى الكثيري ’’ أن هناك أربع مسالك أو مسارات يجب تعميق البحث والتفكير فيها من أجل‬
‫تفعيل دور المفتشية العامة للمالية وهي كالتالي‪:‬‬

‫▪ إحالل التقنيات في مجال التحريات والتدقيقات التي تطال التسيير اإلداري والمالي‪ ،‬بديال عن الطرق‬
‫الكالسيكية المتجاوزة لمحاسبة المحاسبين العموميين وللتدبير المالي لآلمرين بالصرف‪ ،‬والموجهة أساسا‬
‫للكشف وإظهار الثغرات والهفوات والعيوب والنواقص ’’ الشكلية ’’ واإلجرائية أكثر من االنحرافات‬
‫والمخالفات الماسة بالشأن العام والمال العام‪.‬‬
‫▪ تأهيل المفتشية العامة للمالية‪ ،‬لتقديم اإلرشاد واالستشارة والمساعدة الفنية للوحدات والمرافق اإلدارية‬
‫والمؤسسات العمومية والجماعات العمومية لتقوية أنظمتها المحاسبية والتسييرية ورقابتها الذاتية أو الداخلية‪،‬‬
‫فمن المهم بلورة جانب الرقابة الذاتية‪ ،‬رقابة الضمير لالرتقاء إلى رقابة التخليق والوازع األخالقي في الخلية‬
‫والوحدة اإلدارية ‪.‬‬
‫▪ اعتماد منظومة لتقييم السياسات العمومية‪ ،‬وقياس أثارها وانعكاساتها االقتصادية واالجتماعية متى أمكن ذلك‬
‫تحديث تدبير القطاع العام‪ ،‬ومحاسبة ومساءلة اإلدارات والمؤسسات المتدخلة في إنجاز المشاريع وترشيد‬
‫ميكانيزمات الموارد العمومية المرصودة وعقلنة استخدامها‪ ،‬تجويد آلية التخطيط وتدبير التنمية االقتصادية‬
‫واالجتماعية عن طريق استيعاب وإدماج الدروس والعبر المستقاة من نتائج التقييم‪.‬‬
‫▪ تنمية الموارد البشرية والعناية بنظام حوافزها المادية والمعنوية‪ ،‬بناء على معايير موضوعية‪ ،‬تعتمد على‬
‫الكفاءة والقدرات الذاتية والجدارة واالستحقاق في إسناد المسؤولية‪.‬‬
‫▪ ومن دعامات العنصر البشري هناك التكوين وإعادة التكوين‪ ،‬أو التكوين المستمر الذي تستوجبه اإلبداعات العلمية‬
‫والتقنية والتكنولوجيا الحديثة لطرق االتصال والتواصل والمعرفة‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬اعتماد المناهج الرقابية الحديثة‬

‫تعتبر الرقابة التقييمية من أحدث أساليب الرقابة المالية‪ ،‬نتيجة التطور الذي عرفته النظريات التقييمية العمومية التي‬
‫تعتمد على اساليب التخطيط االقتصادي والتقسيم الميزانياتي‪ ،‬وتتجلى مظاهر الرقابة‬
‫التقييمية في مراقبة األداء الذي يمثل فحصا موضوعيا تشخص به السياسات والنظم وإدارة العمليات في الجهات الخاضعة‬
‫للرقابة‪ ،‬ويقارن من خالل اإلنجاز بالخطط والنتائج بالقواعد‪ ،‬بغية كشف االنحرافات وبيان أسبابها‪ ،‬وذلك في سبيل توجيه‬
‫األداء نحو تحقيق كفاءة واقتصاد وفعالية أكبر‪.‬‬
‫ذلك أن عمليات رقابة األداء تهدف إلى التأكد من أن اإلنفاق العام يجري وفقا للقرارات والسياسات المرسومة‪ ،‬وأن‬
‫األهداف المقررة تتحقق بشكل فعال واقتصادي وبكفاءة عالية‪ ،‬وعليه فإن تقويم األداء يرتكز على ثالثة قواعد أساسية‬
‫وهي‪:‬‬
‫▪ قاعدة فعالية أداء المشروع في تحقيق األهداف المقررة‪ ،‬وهي التحقيق الفعلية ألهداف وغايات ومنافع‬
‫المشاريع ومناهج المشاريع والمناهج الحكومية واإلدارات العمومية‪ ،‬وذلك من خالل االستخدام الفعلي لطرق‬
‫العمل المعتمدة في تنفيذ الخطط والسياسات المقررة ويفترض أن يتم ذلك بأقل التكاليف االقتصادية المعقولة‬
‫وضمن المواعيد والمواصفات القياسية المحددة أو المخططة مسبقا‪.‬‬
‫▪ قاعدة كفاءة أداء التشكيالت اإلدارية والتنظيمية في المشروع ومنتسبيه ومدى نجاحهم في تنفيذ الواجبات‬
‫واألعمال الموكولة إليهم‪ ،‬ويقصد بذلك تنفيذ الخطط والسياسات المقررة بخصوص كميات ومستويات اإلنتاج‬
‫أو األهداف األخرى ألي مشروع معين‪ ،‬بطريقة نظامية تساهم في تقليل الكلفة إلى الحد األدنى دون أن تؤثر‬
‫سلبا في مستوى ونوع األعمال‪.‬‬
‫▪ قاعدة االقتصاد في استخدام الموارد االقتصادية والموارد العامة وتجنب االنفاق غير الضروري‪ ،‬ويهدف‬
‫مقياس االقتصاد إلى تقليص تكاليف الموارد أو إلى استعمال مداخيل الدولة المرصودة لنشاط معين مع مراعاة‬
‫الجودة‪..‬‬
‫▪ وقد اتخذ هذا المقترب‪ ،‬أهمية متزايدة في مجال التطبيق‪ ،‬لكونه ينبني على احترام أربعة قواعد أساسية‪ ،‬هي‬
‫الشمول‪ ،‬النظامية‪ ،‬الدورية واالستقاللية‪ ،‬وتتجسد في أربعة مراحل أساسية وهي‪ :‬مرحلة تحليل وجمع المعطيات‪،‬‬
‫ثم مرحلة التحليل النقدي لهذه المعطيات‪ ،‬تليها بعد ذلك مرحلة تحديد النتائج‪ ،‬ليتم في األخير اإلعالن عن‬
‫التوصيات والمقترحات‪.‬‬

‫كما أن أهمية هذا المقترب تعود أيضا إلى اعتماده على عدة مناهج علمية كالتدقيق ورقابة األداء والتحاليل واألبحاث‬
‫األكاديمية المرتبطة بالعلوم االجتماعية‪ ،‬لذلك فقد اعتبر هو اآلخر أسلوبا تجاوزيا لألسس التقليدية للرقابة المالية‪ ،‬سواء‬
‫من حيث األدوات‪ ،‬المناهج أو األهداف‪.‬‬

‫وإذا كانت مقاربة تقييم السياسات العمومية‪ ،‬قد عرفت تطورات هامة في الدول األنجلوسكسونية‪ ،‬فإنه على العكس من ذلك‬
‫واجهت عدة صعوبات في األنظمة الرقابية الالتينية من أجل تبنيها وتفعيلها‪ ،‬خاصة في فرنسا‪ ،‬وذلك لجملة اعتبارات‬
‫سياسية وإدارية‪ ،‬أيضا للدور الذي تمثله األجهزة العليا للرقابة المالية في هذه الدول وتزداد الصعوبات المرتبطة بتبني هذا‬
‫التوجه الرقابي أكثر بالنسبة لوضعية الدول النامية التي تفتقد في الغالب الشروط المادية والبشرية األولية إلقرار هذا النوع‬
‫من المراقبة‪.‬‬

‫ومع ذلك تعتبر هذه المقاربة أهم مراحل النظرية الحديثة للرقابة‪ ،‬ألنها تعمل على تقييم ولو بأثر رجعي التأثير الواقعي‬
‫للسياسات العمومية من خالل اإلنجازات المحققة‪ ،‬وهي مقاربة تعرف انتشارا واسعا بفعل الجوانب الديمقراطية التي‬
‫تحتوي عليها‪.‬‬
‫وبالرغم من تطبيق هذا التوجه الرقابي على تنفيذ الميزانية العامة بالمغرب‪ ،‬يبقى عملية صعبة بسبب عدم توافر كل‬
‫المعطيات الضرورية حول تأثيرات كل سياسة محتملة‪ ،‬فإن أهمية األخذ بآليات وتقنيات مقترب السياسات العمومية تبدو‬
‫ضرورية في ظل اإلصالحات المباشرة لتأهيل التدبير اإلداري ولموازناتي‬

‫كما أن أجهزة المراقبة اإلدارية على الميزانية العامة يجب أن تعير اهتماما بالغا آلليات ومناهج التدقيق‪ ،‬كأسلوب حديث‬
‫أثبت فعاليته في تقويم أنظمة التدبير اإلداري والمالي …‪ ،‬فتقنيات المراقبة بأسلوب التدقيق تهدف أساسا إلى الوقوف على‬
‫مكامن الخلل لمعالجتها‪ ،‬واقتراح حلول بديلة وكفيلة بتفعيل البنية اإلدارية في جميع جوانبها التنظيمية‪ ،‬المالية والبشرية‪،‬‬
‫وبالتالي فنهج أسلوب التدقيق يدفع أجهزة المراقبة الداخلية أن تعتمد مقاربة شمولية تتجاوز المفهوم الكالسيكي للمراقبة‪،‬‬
‫التي تعتبر بطبيعتها زجرية‪ ،‬بينما يهتم التدقيق بالتقويم واإلصالح‪ ،‬كما أن مرجعية المراقبة تبقى قانونية باألساس‪ ،‬بينما‬
‫مرجعية التدقيق وجودية وقياسية تتجاوز حدود المطابقة بين النص القانوني والتسيير الفعلي‪.‬‬
‫خاتمــــة‪:‬‬
‫على الرغم من المحاوالت التي تمت خالل السنوات األخيرة‪ ،‬سواء فيما يتعلق بوضع مخطط إستراتيجي لبرامج تدخالت‬
‫المفتشية العامة للمالية في مجال التدقيق والمراقبة وتتبع اإلصالحات أو على مستوى اإلصالح القانوني لهذه الهيئة‪،‬‬
‫وتوضيح مجاالت تدخالتها وآثارها القانونية‪ ،‬إال أن هذه المحاولة اصطدمت بمواجهات سياسية عنيفة حالت بينها وبين أي‬
‫محاولة لإلصالح الواعد‪.‬‬

‫إال أن األمر قد اختلف كليا مع قواعد الحكامة المالية والتدبير الجيد الستعمال األموال العمومية وربط المسؤولية بالمحاسبة‬
‫وشفافية الحسابات التي جاء بها دستور المملكة الحديث لسنة‪ ،‬فقد أصبح إصالح اإلطار القانوني للهيئة التفتيشية ومراجعته‬
‫أمرا ضروريا‪ ،‬في ظل المطالب المنادية بتفعيل أنجع ألداء ومهام المفتشية العامة للمالية‪ ،‬الشيء الذي يستوجب كما تم‬
‫التطرق لذلك سلقا على ضرورة تطوير قدرات تدخالت المفتشية العامة للمالية للتصدي لمخاطر الغش واالختالس‬
‫والرشوة من خالل‪:‬‬

‫❖ مراجعة اإلطار القانوني المتعلق بالمتفشية العامة للمالية في اتجاه تقوية مهامها وصالحياتها الرقابية‪.‬‬
‫❖ تعديل قوانين مدونة المحاكم المالية بالعمل على مالءمتها مع المقتضيات الدستورية الجديدة بالتنصيص على دورها‬
‫في مكافحة جرائم المال العام‪ ،‬وكذا على عالقتها بالمفتشية العامة للمالية وذلك للدور االستراتيجي الذي تلعبه هذه‬
‫العالقة في الحفاظ على المال العام وعدم تداخل االختصاص والحد من استفحال تبذير واختالس المالية العمومية‪.‬‬
‫❖ ضرورة االرتقاء بالشكل والمضمون للتقارير المفتشية العامة للمالية من خالل تبني مقاربة موضوعاتية للرقابة‬
‫ووضع إستراتيجية رقابية هادفة مع إدراج ملخصات تركيبية بنيوية مرافقة للتقارير السنوية أو الدورية فضال عن‬
‫بلورة تجانس في نتائج الرقابة وتفادي التحليل اإلحصائي‪.‬‬
‫❖ تمكين المفتشية العامة للمالية من اآلليات واألدوات الكفيلة بتدعيم تموقعها كمؤسسة إدارية عليا للتدقيق والتفتيش في‬
‫مجال المالية العمومية‪.‬‬
‫❖ االنفتاح على المحيط الخارجي لالستفادة من التجارب الدول المتقدمة في مجال المراقبة والتفتيش وكيفية عمل‬
‫المفتشية العامة للمالية بها‪ ،‬وهو ما تجسد في إبرام عقد توأمة بين المفتشية العامة للمالية والمفتشيات العامة للبلدان‬
‫الصديقة وابرام اتفاقيات تعاون مع الهيئات المتخصصة في التصدي للغش والرشوة كما هو الشأن للتو أمة التي تم‬
‫عقدها تحت "اسم تعزيز القدرات المؤسسية والتنظيمية والمهنية للمفتشية العامة للمالية ونظيرتها بفرنسا والبرتغال"‬
‫ممول من طرف االتحاد األوروبي‪.‬‬
‫❖ تأهيل المفتشية العامة للمالية لتقديم اإلرشاد واالستشارة والمساعدة الفنية للوحدات والمرافق اإلدارية والمؤسسات‬
‫العمومية والجماعات الترابية لتقوية أنظمتها المحاسبية والتسييرية ورقابتها الذاتية والداخلية ضمانا لحكامة تدبيرية‬
‫جيدة‪ .‬من خالل االهتمام بالتكوين المستمر ألطرها في مجال المالية العمومية وطرق االفتحاص الحديثة‪.‬‬

‫وختاما يمكن القول أن اإلصالح الشامل الذي تحدثنا عنه ال يمكن أن يجسد على أرض الواقع‪ ،‬إال من خالل توفر اإلرادة‬
‫السياسية‪ ،‬التي تعتبر بطبيعة الحال الحجر األساس ألي إصالح حقيقي‪ ،‬يفضي إلى دمقرطة الشأن العام‪ ،‬فما دام هذا‬
‫اإلصالح ال يوافق أصحاب القرار أو ال يدخل في أولوياتهم فإنه ال يمكننا أن نتصور وجود قوانين ونظم كفيلة بتطوير‬
‫وتقوية أداء المفتشية العامة للمالية‪.‬‬
‫الئحــــــة المراجع‪:‬‬

‫الكتــــب‪:‬‬

‫❑ محمد حركات ثالوث االستبداد والفساد واإلرهاب مساهمة في االقتصاد السياسي للفساد‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة‬
‫الرباط ‪.2016‬‬
‫❑ د‪.‬ة مليكة الصروخ نظرية المرافق العامة الكبرى دراسة مقارنة الطبعة الثانية مطبعة النجاح ‪ 1992‬الدار‬
‫البيضاء‪.‬‬
‫❑ كريم لحرش القانون اإلداري المغربي نشاط اإلدارة وامتيازاتها الطبعة الثانية مطبعة األمنية الرباط ‪.2011‬‬
‫❑ محمد اتريدي الرقابة المالية لوزارة المالية على المقاوالت العمومية مستجدات تنظيم المالية العمومية على ضوء‬
‫دستور ‪ 2011‬اشراف وتنسيق نبيل بوحميدي ميمون خراط الدار البيضاء دار األفاق المغربية ‪.2014‬‬

‫المقاالت والمجالت‪:‬‬

‫❑ مناهج وتقنيات الرقابة على المال العام‪ ،‬المبادئ التوجيهية األوربية المتعلقة بتطبيق معايير االنتوساي‪ ،‬ترجمة‬
‫محمد حركات‪ ،‬المحكمة األوروبية للحسابات ‪2001‬‬
‫❑ معاد بوكطيب الرقابة على المالية العامة "رقابة المفتشيات" منشورة لدى مجلة القانون واالعمال الدولية ابريل‬
‫‪.2019‬‬
‫❑ زكرياء حقيق المفتشية العامة للمالية قصور في االداء وافاق تطوير العمل الرقابي منشورة لدى مجلة العلوم‬
‫القانونية مدونة للباحثين والمهتمين بفضاء القانون المغربي‪.‬‬
‫❑ الرقابة المالية على المنشآت العامة وهيئات أخرى القانون رقم ‪ 69.00‬المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‬
‫سلسلة نصوص ووثائق عدد ‪ 105‬الطبعة األولى ‪.2004‬‬
‫❑ الشريف الغيوبي اإلصالحات الدستورية دستور‪ 2011‬المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية المجلة المغربية‬
‫لإلدارة المحلية والتنمية سلسلة نصوص ووثائق عدد‪ 83‬الطبعة األولى مطبعة الدار النشر المغربية ‪.2009‬‬

‫األطروحات والرسائل‪:‬‬

‫❑ منير الشيخ جرائم الموظف العمومي الواقعة على المال العام أثارها على التنمية ومداخل اإلصالح أطروحة لنيل‬
‫شهادة الدكتوراه في القانون العام كلية الحقوق المحمدية‪.‬‬
‫❑ زكرياء حقيق اآلليات القانونية والمؤسساتية لحماية المال العام بالمغرب ورهاناته‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في‬
‫القانون العام ‪.2013/2012‬‬
‫❑ توفيق ادساسي المراقبة اإلدارية على تنفيذ نفقات الدولة بالمغرب‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام‬
‫‪.2014/2013‬‬
‫❑ طارق لباخ "اصالح الميزانية العامة بالمغرب "دراسة في اإلطار القانوني والمؤسساتي" أطروحة لنيل شهادة‬
‫الدكتوراه في القانون العام كلية الحقوق محمد الخامس اكدال الستة الجامعية ‪.2015/2014‬‬

‫القوانيــن‪:‬‬

‫الظهير الشريف رقم ‪1.59.269‬المؤرخ ب ‪ 14‬ابريل ‪ 1960‬حول المفتشية العامة للمالية‬ ‫❑‬
‫المرسوم رقم ‪ 2.93.807‬الصادر في ‪ 6‬محرم ‪ 16(1415‬يونيو ‪ )1994‬في شأن النظام األساسي الخاص‬ ‫❑‬
‫بهيئة التفتيش العام للماليـة‬
‫قرار وزير المالية بتاريخ ‪ 19‬يوليو ‪ 1960‬المؤطر ألشغال المفتشية العامة للمالية‬ ‫❑‬
‫قرار وزير اإلقتصاد والمالية رقم ‪ 135.08‬بتاريخ ‪ 21‬ديسمبر ‪ 2007‬بتحديد نظام المباراة الخاصة بتوظيف‬ ‫❑‬
‫مفتشي المالية‬
‫قرار وزير المالية رقم ‪ 4294‬بتاريخ ‪ 15‬فبراير ‪ 1995‬خاص بنظام امتحان الكفاءة المهنية لمفتشي المالية‪.‬‬ ‫❑‬
‫المرسوم رقم ‪ 2.05.1004‬الصادر في ‪ 5‬ربيع اآلخر ‪ 3 / 1427‬ماي ‪ 2006‬لتغيير الجدول الملحق‬ ‫❑‬
‫بالمرسوم األصلي الخاص بهيئة التفتيش العام للمالية‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 5321‬بتاريخ ‪.2006 /15/05‬‬

‫المواقـع‪:‬‬

‫❑ موقع وزارة االقتصاد المالية ‪www.finance.org.ma‬‬

‫الجــرائد‪:‬‬
‫❑ ادريس بلماحي‪ ":‬المفتشية العامة للمالية‪ ،‬جهاز مهم للرقابة وفعالية محدودة "‪ ،‬أسبوعية مغرب اليوم عدد ‪690‬‬
‫االثنين ‪ 2‬مارس ‪.2009‬‬

‫❑ المختار الزياني‪" :‬المفتشية العامة للمالية "‪ ،‬جريدة االتحاد االشتراكي‪ ،‬عدد ‪ ،6392‬الخميس ‪.2001 /08/2‬‬

‫‪Ouvrages:‬‬
‫‪❑ Premier Article de l’instruction du Ministre des Finances du 19 juillet 1960‬‬
‫‪relative aux travaux de l’inspection général des finances.‬‬
‫‪❑ Dahir n 1.59.269 du 14 avril relatif à l’inspection générale des finances REMALD N°25-‬‬
‫‪2009.‬‬

You might also like