Professional Documents
Culture Documents
1
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
مادة الحقوق العينية من المواد الدقيقة المشتركة بين عدة مسارات في التكوين؛ سواء داخل كلية
الشريعة أو خارجها ،كما في كليات الحقوق أو في معاهد تكوين المهندسين الزراعيين.1
و اشتراك مساري كلية الشريعة في دراستها لهو من محاسن البرمجة الجديدة ؛ فعدا أنها مادة مكملة
ل" نظرية االلتزام" المقررة في الفصل الثاني بشقيها -في الفقه والقانون ، -فإنها مادة شديدة الصلة
موضوعها
َ بالسياسة االقتصادية للبلد و لنمو واستقرار االستثمار لكون العقار والحقوق الواقعة عليه
األساس .
طالب كلية الشريعة،
ُ و لما كان مرجعها الفقه اإلسالمي قبل التقنين وبعده ،فإن أولى الطالب بها
تفقها و معرفة الختيارات المشرع المستوحاة من الفقه والمذهب المالكي خاصة ،ثم بيانا بعد ذلك لصلة
الفقه االسالمي بمعيش الناس واسعافا للمشرع الحقا بحلول من حياض الفقه كلما عز ذلك أو ظهر
اضطراب في التقنين .
لئن كان المقرر الثابت أن هذه المادة مستندة إلى الفقه االسالمي لتضخم أحكامها فيه ،إال أن ذلك
ال يعني أن الفقهاء رحمهم اهلل عبروا عنها بذات االصطالح وان سبقوا إلى تقريرها والتوسع فيها ،بل
كانوا يستعملون عبارات من مثل " الحق الثابت في المال " لتفيد ذات المضمون .وهكذا فإن مسمى
الحقوق العينية إنما هو اصطالح قانوني استعاره فقهاء المسلمين في العصر الحديث 2لِ َما أروا فيه من
فوائد منهجية و صالحية لتقديم الفقه االسالمي في ثوب جديد دون المساس بجوهره .لكننا نظن أن هذا
التوجه و إن صح من جهة الجمع والتنظيم 3إال أن ذلك يلزم منه الحذر الشديد من الحكم بالتماهي ،
خاصة و الحقوق العينية تأتي مقابلة للحقوق الشخصية ،وقد سبق أن نبهنا في نظرية االلتزام إلى أنها
ليست في الفقه االسالمي على ذات القواعد المقررة في القانون ،ثم إن كثي ار من الحقوق التي تعتبر
2
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
عينية في القانون و التقنين المعاصر بما فيها التقين المغربي ال يمكن إسنادها إلى أصل فقهي كالعقار
بالتخصيص أو بعض الحقوق التبعية كحق االمتياز في معانيه الخاصة ...
ولعل هذا قد استوجب أن نذكر تذكي ار عاب ار بمراحل تقنين هذه المادة في التشريع المغربي الذي هو
االختيار الواجب الدراسة .
لما قلنا إن الحقوق العينية هي الحقوق التي أثمرت وأينعت عند الفقهاء المسلمين وسبقوا إلى
إنا ّ
المقضى به في
تفريعها وتمييزها ،كما في حقوق اإلجارة مثال .وبحكم أن المذهب المالكي هو المذهب ُ
بالدنا المغرب منذ أن من اهلل تعالى عليها باإلسالم ،فقد كان هذا المذهب هو عمدة القضاة في هذه
الحقوق حتى مجيء االستعمار وبعيده.
فرغم إسراع المستعمر منذ فرض الحماية على المغرب سنة 1112إلى سن قوانين تحميه و
تأسيس محاكم ترعاها لتعزيز وجوده واستغالله ،كما في ظهير 1رمضان 1331الموافق 12غشت
،1113إال أنه أبقى أحكام العقار – في مرحلة أولى – خاضعة ألحكام الفقه المالكي سواء في
اختصاص المحاكم الشرعية في منازعات العقار غير المحفظ أو في اختصاص المحاكم العصرية في
منازعات العقارات المحفظة أو تلك التي في طور التحفيظ بمقتضى الفصل الثالث من ظهير آخر صادر
في التاريخ نفسه وهو المتعلق بالتحفيظ العقاري( أي أيضا بتاريخ 1رمضان .)1331
بمعنى أن إحداث هذه المحاكم العصرية وتوزيع االختصاص بينها وبين المحاكم الشرعية لم يلغ
تطبيق أحكام الفقه اإلسالمي على جميع أنواع العقارات بالبلد ،اللهم ما تعلق بالمنازعات العقارية الناشئة
بين الفرنسيين.
لكن لم يطل ذلك الوضع العام ،إذ بصدور ظهير 11رجب 1333موافق 2يونيو 1111المنشئ
للتشريع المطبق على العقارات المحفظة استقل الفقه المالكي في مصادره العامة باالنطباق على العقارات
غير المحفظة وتلك التي في طور التحفيظ ،ومع ذلك فقد ظلت المحاكم العصرية ترجع إلى أحكام الفقه
المالكي كلما أعوزها النص .غير أن بصدور قانون التوحيد والمغربة والتعريب بتاريخ 22يناير 1121
الملغي للمحاكم العصرية ازداد البعد عن الفقه المالكي في مجال الفقه العقاري ،إذ صار يتوجب بمقتضى
الفصل 3من هذا القانون أن تطبق أمام جميع المحاكم -بعد إلغاء المحاكم العصرية والشرعية-
مقتضيات ظهير 11رجب 1333في العقار المحفظ وأحكام الفقه اإلسالمي في العقار غير المحفظ و
مقتضيات ظهير االلتزامات والعقود في الدعاوى العينية المتعلقة بمنقول فضال عن القضايا المدنية.
3
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
وهكذا صرنا أمام تشريعات مختلفة تطبق على مجال واحد ، 4واألدهى من ذلك أن الفقه المالكي
وان كان حاض ار في كل تلك القوانين إال أن درجة الرجوع إليه توارت خلف قانون االلتزامات والعقود ،فلم
يعد مصد ار تكميليا فقط بل صار احتياطيا.
في هذا الخضم وبعد طول انتظار أصدر المشرع المغربي قانون جديدا تحت رقم 31.93المتعلق
بمدونة الحقوق العينية 1بغية توحيد األحكام على العقارات سواء كانت محفظة أو غير محفظة ،وبالتالي
فإن كثي ار من األحكام لم تعد تُقصر على العقار المحفظ كأحكام العقار بالتخصيص ،و بالمقابل أيضا
فإن بعض األحكام مما جرى به العمل على مذهب مالك من قبيل حق الجلسة لم تعد من الحقوق العينية
المقررة إال ما كان قائما قبل صدور المدونة.
ولعل المسالة التي لم ُي َعرها كثير اهتمام في هذا القانون الجديد هو حسم المشرع النقاش بصدد
مرتبة الفقه المالكي بمشهوره و راجحه ،فجعله لألسف بمقتضى القانون هذه المرة في المرتبة الثالثة بعد
ظهير التزامات و العقود ، 2أي صار النص صريحا بذلك.
وليس يعني هذا التأخير أن القانون غير مؤسس على الفقه المالكي؛ فما هو إال ترجيح واختيار
ألقوى األقوال في المذهب على الغالب .لكن ما يعاب عليه هو تقديم ظهير االلتزمات و العقود وان كان
ال يخالف الفقه هو أيض ا إال أن كثي ار من أحكامه ال تطابق نظر الفقهاء إلى الحق العيني كما في
الدعاوى المنقولة.
وبناء على هذا الواقع ،فإننا سندرس هذه األحكام وفق مدونة الحقوق العينية مادامت هي األحكام
الم قضى به ،لكن نستفسر و نستأنس بآراء الفقهاء المسلمين و المالكية تحديدا في بيان أصول المسائل
ُ
ومواطن الوفاق والخالف .
و يلزم التذكير أيضا -قبل الشروع في الكالم الموجز عن تلك األحكام -أن هذه الورقات إنما
هي مذكرات ال يقصد منها إال معناها (أي التذكير)؛ فال هي بمؤلف للتأصيل والتوثيق وال تغني عن
الرجوع إلى المضان .بل إنها نفسها مفتقرة إليها والى القضايا التفصيلية الواردة في المحاضرات .ثم إن
4بغض النظر عن قوانين أخرى كأمالك الدولة وقانون نزع الملكية و ظهير 9191المتعلق بأراضي الجموع و غيرها....
5الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 919919.1صادر في 52من ذي الحجة 55(9145نوفمبر (5199
2
المادة : 1تسري مقتضيات هذا القانون على الملكية العقارية والحقوق العينية ما لم تتعارض مع تشريعات خاصة بالعقار .تطبق مقتضيات الظهير الشريف الصادر
في 1رمضان 12( 1331أغسطس ) 1113بمثابة قانون االلتزامات والعقود في ما لم يرد به نص في هذا القانون .فإن لم يوجد نص يرجع إلى الراجح والمشهور وما
جرى به العمل من الفقه المالكي.
4
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
ورودها على هذا الشكل اختيار من غير اضطرار ،إسهاما في ربط الطالب بالمصادر األصيلة و كذا في
التخلي مستقبال عن هذه البلية التي ابتلي بها الدرس الجامعي من االعتماد الكلي على الملخصات .
5
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
الحق العيني " سلطة مباشرة يمارسها الشخص على شيء معين ،فهو استئثار من شخص -
طبيعيا كان أم اعتباريا -بشيء مادي معين يم ّكنه من استعمال هذا الشيء واالنتفاع به دون وساطة
شخص أخر" .و ليتضح هذا الحق يلزم أن َن ِميزه من الحق الشخصي 7الذي يقابله.3
إن الحق العيني و الحق الشخصي وان شملهما المراد بالمال وتفرعا عنه ،1إال أنهما مختلفان من
جهة ما يقعان عليه.
إن محل الحق العيني شيء من األشياء المادية بينما محل الحق الشخصي هو القيام بعمل أو
االمتناع عن القيام بعمل .وتبعا لذلك فالحق العيني حق مؤبد ،ألنه يرد على شيء معين فيدوم بدوام
يع يسمح بالحد من حرية األشخاص إلى األبد .
المحل في حين أن الحق الشخصي حق وقتي ،فال تشر َ
ثم إن الحق العيني -بسبب االختالف المذكور ُ -يكتسب بالتقادم ألن محله شيء مادي يمكن
للشخص أن يضع يده عليه ويمتلكه بمرور الزمن ،بينما ال يتصور اكتساب الحق الشخصي بالتقادم .
ويساعد هذا الفرق األساس في المحل على التمثل الواضح ألهم خصائص الحقوق العينية وهما:
-يتيح الحق العيني لصاحبه" حق التتبع " أي حق تتبع الشيء في أي يد كان؛ فمن ثبتت ملكيته
لعقار مثال ُحق له أن يتتبعه ويحتج بحقه ذاك في مواجهة الكافة .بينما هذا االمتياز غير مخول في
الحقوق الشخصية .
7يعرف بكونه " رابطة بين شخصين دائن ومدين يطالب بمقتضاها الدائن مدينه بأن يقوم أو يمتنع عن القيام بعمل أو أعطاء شيء" .ولقد كان هذا الحق موضوع مادة
كاملة في الفصل الثاني من سلك هذه اإلجازة تحت مسمى " نظرية االلتزام في الفقه االسالمي" وقد كنا نبهنا هناك إلى صعوبة الحديث عن وضوح تلك الحقوق
الشخصية في الفقه االسالمي بالمعنى الضيق الوارد في نظرية االلتزام في القانون ،كما ذكرنا هناك أيضا بأن األمر على خالف ذلك فيما يتعلق بالحقوق العينية التي
صار فيها الفقه القانوني عالة على الفقه االسالمي.
8مع أن هناك من يضيف حقوقا ثالثة وهي الحقوق الفكرية باعتبارها ذات طبيعة مستقلة تنطوي على عنصرين أحدهما مالي واآلخر معنوي (كحق المؤلف
والمخترع) ،وأنها بذلك ال تندرج تحت طائفة الحقوق العينية ألنها ليست سلطة لشخص على شيء مادي وال تندرج تحت طائفة الحقوق الشخصية ألنها ال تخول
صاحبها مطالبة الغير بالقيام بعمل أو االمتناع عن القيام بعمل .
9باعتبار المال في عرف الفقهاء هو " كل ما له قيمة يلزم متلفه ضمانه " .ويقرب منه تعبير القانونيين "هو الحق ذي القيمة المالية " ،و من ثمة فإن ما يستأثر به
وليست له قيمة مالية محددة أو ال يقبل التعيير ال يسمى ماال فمن ملك ورقة مالية إنتهى العمل بها ,مالم تكن لها قيمة تاريخية ،وعليه فالحقوق الفكرية ال تعتبر حقوقا
إال إذا قيمت تقييما ينشئ في الذمة .ولما كان هذا المال في الحقوق التي تعنينا مما يقع على الشيء ،فإن الحقوق الفكرية وإن عيرت فإنها تبقى خارجة عن نطاقنا
6
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
-يتمتع صاحب الحق العيني ب " حق األفضلية" في استيفاء حقه مقدماً على جميع الدائنين
الشخصيين من قيمة الشيء الذي أنصب عليه حقه .في حين يتساوى أصحاب الحقوق الشخصية في
التخلف مرتبةً عن مرتبة ذي الحق العيني ،إن لم تكن أموال المدين كافية لسداد جميع الديون.
لكن هذا المحل لقد انبنى التمييز السابق بين الحقين الشخصي والعيني على رائز المحل،
الحقوق الناشئة عليه مخصصة عند الفقهاء بما يصح التعامل فيه و يصلح لها .لذلك نشير إشارة
َ و
عجلى للمعنى الضيق لمصطلح الشيء وكيف تفرع مفهوما ( العقار والمنقول) ،قبل توضيحهما ببيان
طبيعة الحقوق الناشئة عليهما .
يتفرع مفهوما العقار و المنقول عن مفهوم الشيء فلزم أن يعرف قبلهما :
أ -مفهوم الشيء:
الشيء في االصطالح " هو ما يقع عليه الحق مادياً كان ذلك الشيء أم غير مادي" ،ولقد قرر
الفقهاء قديما – ثم تبعهم التقنين -أن يقصر لفظ الشيء على ما يصلح للتعامل .وعليه ال تعتبر
الموجودات أشياء بالمعنى الفقهي إذا ما كانت خارجة عن دائرة التعامل ،سواء كان ذلك بحكم طبيعتها
كاالستئثار بالهواء وأشعة الشمس أو كان بحكم التقنين كحيازة األسلحة أو كحيازة المعادن النفيسة.
ولما كان الشيء القابل للتعامل ال يخرج عن أن يكون مملوكا يستطيع مالكه أن ينقله أوال يستطيع،
إلى عقار و منقول .وهو تقسيم له أهمية تُستفاد من جملة فروق، 19
فقد استقر تقسيم األشياء أساسا
نشير إلى بعضها قبل التفصيل في أقسام كليهما.
-تختص المحكمة التي يوجد في دائرتها العقار في نظر الدعاوي التي تُثار بشأنه في حين
المحكمة المختصة في نظر دعاوى المنقول هي محكمة محل إقامة المدعى عليه .
-ال يخضع المنقول إال استثناء إلجراءات التسجيل لما يتميز به من حركة وعدم استقرار بخالف
العقارات التي يوثر فيها الخضوع إلجراءات التسجيل في السجل العقاري.
10إن تخصيص الشيء بما يقبل التعامل يغني عن كل التفريعات التي اعتادها الكاتبون في أقسام الشيء من مثل ،التقسيم إلى أشياء مثلية وأشياء متقومة -األشياء
القابلة لالستهالك واألشياء التي ال تقبله -األشياء المملوكة واألشياء غير المملوكة ..إلى غيرها من التقسيمات التي ال تعدو أن تكون مدرسي ُة .
7
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
-الحيازة سند في ملكية المنقول وليست كذلك في العقار عند الفقهاء .
-تت شدد الدول في ملكية األجانب للعقارات دون المنقوالت حيث ال وجود لهذا التشدد إال ما استثني
بنص خاص .
ولعل تعريف المالكية هو الذي رجح عند المشرع المغربي -بل وعند أغلب التقنينات في البالد
المسلمة و غيرها ،-و هو االختيار الظاهر من أقسام العقار في مدونة الحقوق العينية التي ال تستقيم إال
على مفهوم المالكية ،مع اختالف نشير إليه في محله.
-العقار بطبيعته :وهو العقار أصالة بحسب ما يمتد إليه تعريف المالكية واختيار التشريع المغربي
الوارد في المادة 2من م ح ع " العقار بطبيعته هو كل شيء مستقر بحيزه ثابت فيه ال يمكن نقله من
دون تلف أو تغيير في هيئته " .ويشمل هذا القسم من العقار( األراضي بكل أنواعها الفالحية والعارية و
المنجمية ؛ األبنية سواء منها ما كان فوق األرض أو تحتها ؛ اآلالت و المنشآت المثبتة ؛ النباتات ).
-العقار بالتخصيص :هو ما كان منقوال بطبيعته – أي مما ينقل من غير تلف وال تغيير في
هيئته -لكن يرصده مالكه لخدمة عقار مملوك له أيضا ضماناً الستمرار استغالله( كاآلالت والحيوانات
التي يرصدها أو يخصصها صاحبها لخدمة مزرعته).
11العَقار بفتح العـين :كل ملك له أصل وقرار ثابت كاألرض والدور والشجر والنخل ،وهو مأخوذ من عُقر الدار -أصله ، -وجمعه عقارات ،ويقابله المنقول (
انظر مادة عقر من لسان العرب .)579/4
12انظر حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ،479/3وقال التسولي :األصول األرض وما اتصل بها من بناء وشجر ( البهجة على تحفة ابن عاصم:
13مغني المحتاج 80/2 :
14فتح القدير ،215 \6درر الحكام شرح مجلة األحكام ،101 \1
8
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
وسمي هذا النوع من المنقول عقا ار ألخذه ذات األحكام التي للعقار باألصالة ،لكن ذلك مشروط
بشرطين :
-وحدة المالك لهما معا ،احت ار از من إمكان استرداد المنقول من صاحبه لو كانا في ملك يدين
مختلفتين.
-أن يرصد هذا المنقول بصفة دائمة لخدمة العقار ال لخدمة المالك.
و تزول صفة العقار بالتخصيص بانقطاع العالقة بينه وبين العقار الذي خصص لخدمته ،وهذا أما
أن يكون بإرادة المالك كما لو باع المنقول دون العقار أو العكس .أو أن يكون بأسباب خارجة عن إرادة
المالك كما لو هلك العقار الذي خصص المنقول لخدمته.
ومما تجب اإلشارة إليه هنا أن "العقار بالتخصيص" ليس من اصطالح الفقهاء وان كان اختيار
تعريفهم يوحي بذلك ،فهذا تعبير قانوني ال يأخذ به فقهاء المالكية .وعليه فإن ما يعتبر عقا ار
بالتخصيص في القانون ال تزول عنه صفة المنقول عندهم .ولعل رأي المالكية أصوب فضال عن أن
فكرة العقار بالتخصيص ليست محل اتفاق بين فقهاء القانون وان اختارها المشرع المغربي كما هو واضح
من المادة 7من م ح ع .
يطلق على" كل ما يمكن نقله وتحويله من مكان إلى أخر دون تلف " .و من الفقهاء من اختصر
تعريفه في كل ما ليس عقا ار .ويقسم المنقول عندهم إلى منقول بطبيعته ومنقول بمآله.
عقار" ليشمل المملوك المتحرك من حيوان
ا -المنقول بطبيعته :يصح اختزاله في " كل ما ليس
ومركبات و يشمل أيضا العروض من أدوات وأثاث وغيره .وليس يخرج عن وصف المنقول بعض
المنقوالت التي تعامل معاملة العقار؛ ف اشتراط التسجيل لنقل ملكية السيارات ال يكسبها صفة العقار وال
يزيل عنها صفة المنقول.
و تجدر اإلشارة بهذا الصدد إلى أن من ال يعتبر الحقوق الفكرية صنفا ثالثا يضاف إلى الحقوق
العينية والشخصية ،فإنه يجعلها من ضمن المنقوالت على أساس قاعدة" كل ما ليس عقا ار فهو منقول".
-المنقول بالمآل :وهو ما كان عقا ار بطبيعته لكنه اعتبر منقوالً من جهة الحكم بالنظر إلى ما
سيؤول إليه استقباال ،كما لو بيع بناء معد للهدم أو أشجار معدة للقطع .ويشترط ليأخذ العقار حكم
9
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
المنقول مآال أن يتم ذلك بإرادة الطرفين المتعاقدين ال بإرادة منفردة ألحدهما ُيلزم بها اآلخر .و يترتب
ال بالمآل إخضاعه للقواعد التي تحكم المنقوالت ال تلك التي تحكم العقارات.
على اعتبار العقار منقو ً
و لعل التعرف العام على الفرق بين العقار والمنقول باعتبارهما أشياء يم ّكننا من التطرق إلى
الحقوق العينية الواقعة عليها .
كان يميل بعض المؤلفين في الحقوق العينية إلى أن يضموا إلى أقسام العقار أو إلى أقسام المنقول
الحقوق المتعلقة بأحدهما .و ُي قدمون على ذلك بعلة أن هذه الحقوق تنطبع بطبيعة َ الدعاوى و
موضوعها ،و أن العقار– مثال -وان كان مستق ار فإن الدعاوى العقارية و الحقوق المرتبطة به هي الحق
الواقع عليها و الحق الساعي لحمايتها فتأخذ لذلك صفتها .وهذا -في نظرنا -خلط بين الشيء و الحقوق
الواقعة عليه .وهو أمر كان واضحا عند الفقهاء رحمهم ؛ فموضوع الدعوى ال يكسبها ميزة وال يلحقها
بطبيعة المدعى فيه إال من ج هة تنوع اإلجراء الخاص بها ،ألن شروط الدعوى واحدة أيا كان موضوعها
،على حد قول المتحف :
11
تحقق الدعوى مع البيان و المدعى فيه له شرطان
و عموما فهذا الرأي هو الذي انتصر له المشرع أخي ار في مدونة الحقوق العينية منسجما مع نظر
. 12
الفقه اإلسالمي من جهة إقصاء العقار بحسب موضوعه وما ينسحب عليه من مسمى العقار
لكن هذا التنبيه ال يلغي الفرق بين طبيعة الحقوق الواقعة على العقار وتلك الواقعة على المنقول.
وبيان ذلك أن الحقوق و التصرفات الواقعة على العين ال يخلو أن يرد بعضها على العقار حص ار ،فال
ترد على المنقول مطلقا( كحقوق االرتفاق و الكراء الطويل األمد و االستعمال والسكنى والسطحية) ،أو
( كالوقف مثال) ،أو أنها ترد أن يرد بعضها في الغالب على العقار و قد يرد استثناء على المنقول
عليهما معا على حد سواء ( كحقوق الملكية والرهن واالنتفاع) .فيظهر من ذلك أن الحقوق العينية
يغلب عليها الوقوع على العقار ،لذلك فقد أخذت هذه الحقوق وصفه بالتغليب.17
15أنظر أيضا ما قرره شارحه في موضع آخر يظهر منه تمييزهم قديما بين ما موضوع دعواه العين و بين ما موضوعها دين في الذمة ،قال التسولي رحمه هللا "
فتحصل أن المدعى عليه إذا لم يخرج من بلده فليست الدعوى إال هنالك كان المتنازع فيه هناك أم ال ،وإن خرج من بلده فإما أن يلقاه في محل األصل المتنازع فيه ،أو
يكون المال المعين معه أو ال ،فيجيبه لمخاصمته هناك في األوّ ل دون الثاني ،وأما ما في الذمة فيخاصمه حيثما لقيه" البهجة شرح التحفة .56 / 1 :
12
تنص المادة 1من م ح ع :األشياء العقارية إما عقارات بطبيعتها أو عقارات بالتخصيص .خالفا لما كان عليه الحال بمقتضى المادة 3من ظهير 11
رجب.1333
17وأنبه أن هذه الصفة هي التي شوشت على من ذكرنا خالطا بين الموضوع و الحق المتعلق بها ،أي يجعل الدعوى العقارية عقارا باعتبارها عقارا بحسب الموضوع.
10
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
وهكذا فإن الحقوق العينية إذا أطلقت يقصد بها الحقوق العينية العقارية أما الحقوق المرتبطة
بالمنقول فإنها تعتبر حقوقا شخصية ،وبالتالي تسري عليها القواعد العامة لمقتضيات قانون االلتزامات
والعقود باعتبارها من االلتزامات المتعلقة بالذمة .
و بهذا االعتبار فإن الحقوق التي نظمها المشرع في مدونة الحقوق العينية هي الحقوق العينية
العقارية ( وهو الواضح من تسمية الكتاب الثاني منها ).
عناصر هذه الخصوصية :ورود الحقوق العينية العقارية على سبيل الحصر ،و انقسامها إلى أصلية
وتبعية.
-الحقوق العينية واردة على سبيل الحصر
ينبني على التمييز المتقدم للحقوق العينية العقارية من الحقوق المتعلقة باألموال المنقولة ،أن هذه
األخيرة تبقى مطلقة بحيث يمكن ألطرافها إحداث ما يشاءون من االلتزامات عليها من غير تحجير وال
حصر شريطة أن تكون مما يصح فيه التعامل ،لذلك ُجعل ظهير االلتزامات والعقود بقواعده العامة محط
الحكم عليها و الفصل في منازعاتها .بينما الحقوق المتعلقة باألصول ( أي العقار) اتفقت جل
التشريعات على جعلها محصورة معلومة ال يزاد عليها ،و لم َيشذ المشرع المغربي عن هذا التوجه في
تنظيم الحقوق العينية بنوعيها األصلية والتبعية؛ فأورد أحد عشر ( )11حقا عينيا أصليا وهي حق
الملكية وما يتفرع عنها ،و ثالثة ( )3حقوق عينية تبعية ،كما سنرى.
و فلسفة هذا الحصر التمييز السابق عند القانونيين للحق الشخصى من الحق العينى؛ ,فالحقوق
الشخصية – كما ذكرنا سلفاً – ال تخضع لحصر وال لعد ،بعلة أن اإلرادة قادرة على إنشاء ما تشاء من
التزامات شخصية إال ما خالف النظام العام أو اآلداب .وليس ذلك للحقوق العينية؛ ألن الحق العيني أثره
و التتبع فى مواجهة الجميع ،فكان من مطلق فيحتج به على الكافة ،كما يمنح صاحبه حق التقدم
الالزم حصره في حقوق محددة تربط بالنظام العام بحيث ال يجوز لإلرادة إنشاء حقوق عينية أخرى إال
بمقتضى التشريع.
وغني عن البيان أن الفقه اإلسالمي لم يلتف إلى هذا الحصر لسبب مهم نذ ّكر به دائما وهو عدم
إقامة الفصل بين الحقوق الشخصية والحقوق العينية إال من جهة شروط الدعوى ،وليس يضره ذلك ألن
هذا الحصر مجرد اختيار تشريعي مبني على رأي ما يزال محل اختالف بين فقهاء القانون أنفسهم.
11
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
تقسم الحقوق العينية العقارية إلى حقوق أصلية وأخرى تبعية ،و هو التقسيم المشار إليه بمقتضى
المادتين 1و 19من م ح ع .
-الحقوق العينية األصلية :و هي الحقوق القائمة بذاتها من دون حاجة إلى غيرها ،بمعنى أنها
أنشئت أصالة لتكون سلطة لشخص على شيء .وتشمل الملكية والحقوق المتفرعة عنها الملكية وهي
بحسب المادة 1من م ح ع :حق الملكية؛ حقوق االرتفاق والتحمالت العقارية ؛ حق االنتفاع ؛ حق
العمرى ؛ حق االستعمال ؛ حق السطحية؛ حق الكراء الطويل األمد ؛ حق الحبس ؛ حق الزينة؛ حق
الهواء والتعلية؛ الحقوق العرفية المنشأة بوجه صحيح قبل دخول مدونة الحقوق العينية حيز التنفيذ .
من معدود الحقوق 13
ويالحظ على هذه المادة أن المشرع قد عمد إلى إلغاء حقي الجلسة والجزاء
العينية ،وقد كانا مقررين في ظهير 11رجب .1333ولعل المشرع قد أحسن صنعا بذلك من جهتين؛
أوال لينسجم استقالل مدونة األوقاف عن مدونة الحقوق العينية ،ثانيا -وهو األهم -أن هذين الحقين ال
أصل لهما من شرع وال قياس صحيح ،فقد كانا محل انتقاد من كثير من الفقهاء .بل إن المجيزين إنما
عللوا ذلك بما جرى به العمل و ترجيح القضاء ،وهو ما ينم عنه قول السجلماسي صاحب العمل الفاسي
:
جرى على التبقية القضاء وهكذا الجلسة والجزاء
التزمات متعلقة بالذمة،
-الحقوق العينية التبعية :هي الحقوق التي تكون شخصية في أصلها أي ا
بحيث ال يتصور وجودها من غير التزام أصلي ترتكز عليه ،فوجود الرهن المخصص -مثال -لضمان
الوفاء بمال يحتاج إلى إثبات قيام التزام سابق بتأديته .ولقد نظمت هذا الحقوق المادة 19من م ح ع
مؤكدة أن الحق العيني التبعي هو الحق الذي ال يقوم بذاته ،وانما يستند في قيامه إلى وجود حق
شخصي ،ويكون ضمانا للوفاء به .والحقوق العينية التبعية بحسب المادة هي :االمتيازات ؛ الرهن
الحيازي ؛ الرهون الرسمية.
و ال يخفى أن الفقه اإلسالمي يعرف الرهن الحيازي دون الرهن الرسمي فاألول يشترط حيازة
المرهون بينما الثاني يقع فيه الرهن دون خروج المرهون من يد الراهن .على أن هناك من حاول تقريب
هذا الرهن المسطري القانوني من حق الحبس المعروف عند الفقهاء باعتباره حبسا لمال المدين إلى حين
الوفاء بالتزامه .أما حق االمتياز فإن الفقه اإلسالمي يقر البعض منها وينكر أخرها ،فمما يقره حق
المورث.
ّ االمتياز للدائنين وللزوجة من مال
18وهما حقان مقران بتأبيد االنتفاع لمكتري األمالك الحبسية مادام محافظا صائنا لها ( الجلسة على الدكاكين والجزاء على األراضي الفالحية الحبسية أو ما كان يسمى
أمالك المخزن) .
12
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
و على العموم ،فإن لتقسيم الحقوق العينية إلى أصلية وتبعية أهمية تظهر في قوة الحقوق األصلية
لقيامها بذاتها من غير حاجة إلى التزام آخر تستند إليه أو يؤثر في صحتها وبطالنها ،بينما الحق
التبعي يدور مع االلتزام الذي يرتكز عليه وجودا وعدما ،فلو كان -مثال -االلتزام األصلي المضمون
بالرهن باطال لتبعه لزوما في ذلك حق الرهن العيني المنشئ عليه .
و لعل أهمية ذلك التقسيم هي ما فرض أن درس كل نوع على حدة ،مقدمين الحقوق العينية
األصلية لقوتها وأصالتها.
13
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
حق الملكية
الملكية المنفردة والملكية الشائعة و أسباب الملكية
حق الملكية هو الحق العيني األصل؛ وما بقية الحقوق إال مما تفرع منه أو انتسب إليه بنسب .
و العناية ولقد أجمعت التشريعات على اختالف مصادرها ( الربانية أو الوضعية ) على تقديمه
بأحكامه؛ لذلك نجد كثي ار من الدساتير تعبر عن تعظيمه بعبارة تكاد تتكرر في جلها وهي " حق الملكية
حق مقدس ".
لكن التعبير القرآني أواله ذلك االهتمام من جهة االستخالف في المال المملوك و ِعظم التكليف به،
ال لقدسية في ذات الحق .من ذلك قول اهلل تعالى
مجاز
ا فالمال مال اهلل تعالى ،وما بأيدي الناس إنما يملكونه
.20بل إن الدنيا كلها مملّكة للمكلفين استخالفا بدليل قول اهلل عز وجل
وابتالء للحديث الصحيح عن أبي سعيد الخدري عن رسول اهلل صلى اهلل عليه سلم أنه قال( إِ َّن ُّ
الد ْن َيا
ون).21
ف تَ ْع َملُ َ
يها فَ َي ْنظُ ُر َك ْي َ م ِ ِ ح ْلوةٌ َخ ِ
ض َرةٌَ ،وِا َّن اللَّ َه
ستَ ْخلفُ ُك ْم ف َ
ُ ْ َُ
المختلف في الشريعة اإلسالمية تفهم أحكام الملكية ،كما أن عليها يبنى النظر إلى فعلى هذا النظر
أصل الملكية؛ فال يستقيم في الشريعة ،وال هو مسلم فيها ،ما يعتبر قناعة راسخة في الفقه القانوني من
كون الملكية ابتدأت جماعية مشاعة بين الناس ثم تطورت لتصير فردية .فهذا التصور القانوني مفهوم
سياقُه ،وهو التمكين لمفهوم الدولة الحديثة بتعزيز مواردها واستقاللها وجعلها المانح و الضامن للملكية في
شكلها الفردي .بينما الدولة في المفهوم اإلسالمي ال تملك باألصالة ،ومن ثمة فإن من تملك جماعة أو
على الشياع فإنما باالستثناء وال بد له من مدخل؛ فإما باإلقطاع من الحاكم لِ َما ُملك َعنوة تمليكا ناقصا أو
بالعقد والوصية و الشفعة وما شابه في الملكية التامة من عموم األفراد.22
و إن التصور السالف للملكية لتنم عنه تعاريف الفقهاء ،ولعل من أدقها ما جاء عن أبي الشهاب
ٍ
منفعة ،تقتضي تَ َم ُّكن صاحبها من االنتفاع بتلك إن ِ
الم ْلك :إباحة شرعية في ٍ
عين أو القرافي المالكي " َّ
الحنفية بما نصه " الملك ما ملكه اإلنسان سواء كان أعياناً أو منافع " .24فيتضح أن حق الملكية يمنح
ال.
لصاحبه سلطات متكاملة على محل الحق ،عقا اًر كان أو منقو ً
ولما كانت عناية المشرع المغربي في المدونة بالحقوق العينية الواقعة على العقار دون المنقول ،فإنه
حصر تلك الخصائص عليه بنص المادة " :14يخول حق الملكية مالك العقار دون غيره سلطة
استعماله واستغالله والتصرف فيه ،وأنه ال يقيده في ذلك إال القانون أو االتفاق".
لكن قبل التعرف على سلطات المالك يلزم التنبيه إلى أن الملكية المقصودة هي دائما الملكية الفردية
الممنوحة لألشخاص ،بشقّيها الملكية الفردية المفردة أو الملكية الفردية على الشيوع .فتخرج بذلك عن
نطاق دراستنا الملكية العامة للدولة بأمالكها العامة أو الخاصة ،فهذه لها موضعها في القانون اإلدارى
خاصة .اللهم إذا فقدت هذه األموال صفتها العامة بانتهاء تخصيصها للمنفعة العامة ،فإنها تعود لتنطبق
عليها هذه القواعد ،سواء حصل ذلك بمقتضى تشريع خاص يفيد انتهاء الغرض الذي من أجله خصصت
تلك األموال للمنفعة العامة أو بمقتضى واقعة كتغيير نهر لمجراه فتعود األراضي التي انحسر عنها إلى
صفة قبول تملكها ملكية فردية.
سلطات المالك :
إن حق الملكية هو أقوى الحقوق العينية وأوسعها نطاقاً حيث يعطي للمالك وحده كل السلطات
الممكنة على الحق :
-1سلطة االستعمال :وهي سلطة القيام بأعمال مادية للحصول على منافع الشيء التي تسمح بها
طبيعته ،ويمتد هذا الحق للمالك ألن يستعمل الشيء كيفما شاء حتى لو في غير المعتاد شرط أال يتعسف
في استعمال الشيء بما يلحق الضرر بالغير .كما يحق للمالك له بالمقابل دون غيره أال يستعمل الشيء
إن أراد دون أن يترتب على ذلك سقوط حقه عليه .كما له أن يتنازل عن سلطة االستعمال لشخص آخر،
حينها يكون قد انتقل المالك إلى سلطة االستغالل .
-2سلطة االستغالل :وهو سلطة القيام باألعمال الالزمة للحصول على غلة الشيء دون المساس
بأصله أي االنتفاع به بطريق غير مباشر بالحصول على ثماره .و تمتد هذه السلطة لجميع ما يشمله حق
الملكية من عناصره الجوهرية مع العلو والعمق كما يشمل ملحقاته التي يفرق الفقه بصددها بين الثمار
والمنتجات .
أ -الثمار :هى ما ينتج دوري ًا دون االنتقاص من أصل الشيء وهى إما طبيعية أو صناعية
مستحدثة أو مدنية .
-الثمار الطبيعية :هى التى تنتج دون تدخل من اإلنسان ،وهي التي تتولد عن الشيء فى مواعيد
دورية ثابتة دون تدخل من اإلنسان كالكأل ونتاج الحيوان ..
-الثمار الصناعية :هى التى يتدخل اإلنسان فى زراعتها وتعهدها بالرعاية حتى موسم الجنى
والحصاد ,كزراعة المحاصيل الموسمية المختلفة أو أشجار الفاكهة المتنوعة.
-الثمار المدنية :هى ما يغله الشيء من دخل ثابت نتيجة استغالله ،كتأجير المنازل وأرباح
األسهم.
ب -المنتجات :ما ينتقص اقتطاعها من أصل الشيء دون أن ينتجها في مواعيد دورية كما في
المقالع والمناجم وأشجار الغابات المعدة للقطع .و بخالف الثمار ،فإن الغالب في المحاصيل أن تكون
غير متجددة لنفوقها باالستهالك ،كما يغلب لذلك على العالقة بين مالك المنتجات والعاقد الثاني أحكام
عقد البيع ال أحكام اإليجار الذي ال يرد إال على األشياء غير القابلة لالستهالك .
- 3سلطة التصرف :وهي سلطة إخراج الشيء من الذمة نهائيا سواء كان بعوض أو بدونه .هذه
السلطة خالصة للمالك دون غيره من ذوي الحقوق ،بل هي ما يميز حق الملكية عن غيره من الحقوق
العينية األصلية.
فبمقتضاها يحق للمالك التصرف فيما يملك بكل أوجه لتصرف مادام كام َل األهلية غير محجور
عليه ألي مانع من موانع األهلية ،كما تنفذ تلك التصرفات من بيع أو هبة أو وصية فى حق الجميع و
أولهم الورثة ،ما لم تكن فى مرض الموت أو في وصية بأكثر من الثلث.
والتصرف في الشيء يكون إما بمقتضى عقد ( بإرادة واحدة كما في التبرع أو بإرادتين كما في
المعاوضة) ينجم عنه خروج ملكية الشيء نهائي ًا من ذمة المالك أو بمقتضى تصرف مادي محض ينتج
عنه إهالك الشيء بما تقتضيه طبيعته كذبح الحيوان المملوك و استهالك األطعمة.
-خصائص حق الملكية:
إن اجتماع السلطات الثالث في يد المالك خص حق الملكية بثالث خصائص عامة:
16
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
-حق جامع :ألنه يخول المالك جميع السلطات التي من شأنها أن تمكنه من الحصول على مزايا
الشيء محل الحق ،فهو لذلك حق مطلق يمكن االحتجاج به في مواجهة الكافة .ويترتب على ذلك ما يلي
:
-إن الحقوق المتفرعة عن حق الملكية كحق االنتفاع والسكنى تكون مؤقتة ال دائمة. .
-إن القيود الواردة على الملكية استثناء ال أصل.
-حق مانع :معناه أ ن الملكية قاصرة على المالك فال يجوز للغير االنتفاع بالشيء أو استعماله إال
بإذنه ورضاه ،دون أن يعني ذلك امتناع تعدد مالك الشيء الواحد فيما يعرف بالملكية الشائعة .كما يعني
أيضا أن الحق ال يسقط أبداً لعدم االستعمال فترةً من الزمن طالت تلك الفترة أم قصرت ،بخالف الحقوق
العينية األخرى المتفرعة .
-حق مؤبد :يعنى تأبيد الملكية أنه الحق العينى الوحيد الذى ال يسقط أبداً بعدم االستعمال؛ فيبقى
مادام محله باقياً وال يسقط بالتقادم و ال يزول بعدم االستعمال فكل الحقوق المتفرعة عنه تسقط بمجرد
عدم استعمالها فترة معينة.
نطاق الملكية:
يعبر الفقهاء عن النطاق باألموال القابلة للتملك .و يقصد بها التقنين المعاصر تملك عناصر
الشيء الجوهرية وما امتدت إليه في جهاته الثالثة :21ما تفرع عنه سطحا؛ وما امتد إليه عمقا؛ وما امتد
إليه علوا .فملكية أرض – مثال -تشمل ثمار الشيء و محلقاته و توابعه كما تمتد إلى الفضاء الذى يعلو
المكان والعمق الالزم للتمتع بمزايا األرض أو المبنى.
-عناصر الشيء الجوهرية:
يكون
يدخل ضمن نطاق الشيء المملوك بالضرورة ما يعد من عناصره الجوهرية ،ويقصد بها ما ّ
ماهية الشيء ووجوده مما ال يمكن االستغناء عنه ،بحيث لوالها يفنى الشيء أو يتلف أو يتحول إلى
شيء آخر .فالضيعة الفالحية – مثال -ال يمكنها االستغناء عن مصادر الري والمياه وآالت الري وأشجار
الزراعة وحظائر الماشية ومخازن السماد والحبوب وأدوات الزراعة المختلفة .وبغير هذه العناصر تتحول
المزرعة ألرض بوار ال خير فيها ،ما لم يمكن إعدادها للبناء إن أجاز الحاكم ذلك أو ترُكها على حالها
حتى تعود إليها الحياة.
21
تنص المادة 12من م ح ع على ":مالك العقار يملك كل ملحقاته وما يدره من ثمار أو منتجات وما يضم إليه أو يدمج فيه بااللتصاق".
17
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
18
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
الجوفية ،كما يمتد في البنايات الشاهقة إلى الحد الالزم لوضع األساسات الحاملة للمبنى ،بما فيها
المخابئ و مخازن المياه وغيرها.
ومن مشموالت هذا النطاق أحقية المالك في استغالل العمق من استخراج األتربة و االنتفاع بمقالعه
استعماال واستغالال .لكن ذلك كله ال يمنع من تقييد هذا الحق كغيره بقيدين :األول أن يستعمل دون
تعسف و ال إضرار بالغير؛ فال يحفر أسفل ملكه بما يضر أساسات جيرانه أو أساسات البناية التي
يسكنها إن كان العلو لمالك آخر .والثاني أن يحد منه التشريع كالقيود القانونية الخاصة بالنفيس مما
تحت األرض كالمعادن واآلثار والكنوز ،دون المقالع التي يحق تملكها لكونها منتجا ال عمقا .لذلك نشير
بعجالة إلى حكم المعادن والكنز.
-المعادن :لقد كانت المسألة محل خالف بين الفقهاء؛ إذ يرى الحنفية أن وجود المعادن النفيسة
صلبة كانت أم مائعة ال يحد من ملكية المالك لعمق الشيء ،بينما يرى المالكية في أشهر أقوالهم أن
.و لقد 22
المعادن الكامنة فى باطن األرض ليست ملكاً لصاحب األرض ،بل هي ملك للمسلمين عامة
اختارت جل التشريعات اختيار المالكية -ومنها مدونة الحقوق العينية المغربية بحسب القيد الوارد في
المادة -11التساق ذاك الرأي و فلسفات التقنين المعاصر .لكن مع اختالف في العلة ،ألن المالكية ال
ينسبون ملكية المعادن للدولة بل لعامة المسلمين و الحاكم وكيل فيها ال غير .و ال يخفى ما في ذلك من
المخالفة لمنطق التقنين الذي يجعل الدولة شخصا اعتباريا مستقلة عن مواطنيها.
-الكنز :من الفقهاء من َيميز الركاز من الكنز باعتبار األول مما دفن في الجاهلية والثاني مما
دفن بعدها ،ومنهم من يجعل الركاز اسما للمدفون الذي ال مالك له على أصل الوضع لغة و ال يطلق
َن َيْبلُ َغا أَ ُش َّد ُه َما َوَي ْستَ ْخ ِر َجا
على الكنز الذي يعلم صاحبه إال مجازا ،مستدلين بقوله تعالى (فَأ ََر َاد َرُّب َك أ ْ
ِّك) 27فلما نسب الكنز للغالمين أفاد العلم بأصحابه .وعليه قرروا أن الكنز لمالكه َك ْن َزُه َما َر ْح َمةً ِم ْن َرب َ
الذي خبأه إن استطاع اإلثبات ،واال فلصاحب األرض التى وجد فيها أو لمالك الرقبة ،إن توزعت الملكية
بين مالك رقبة وصاحب منفعة .فإن كانت األرض موقوفة فيكون الكنز ملكاً للواقف أو لورثته ،وليس
لجهة الوقف.
اختلف الفقهاء في حكم ملكية المعادن فقال الحنفية :إذا وجد معدن ذهب أو فضة أو حديد ..في أرض خراج أو عشر أخذ منه الخمس و باقيه لواجده وكذا إذا 26
وجد في الصحراء التي ليست بعشرية و ال خراجية .وأما المائع كالقير والنفط وما ليس بمنطبع وال مائع كالنورة والجص والجواهر فال شيء فيها وكلها لواجدها .
وذهب المالكية في قول إلى أن المعادن أمرها لإلمام يتصرف فيها بما يرى أنه المصلحة وليست بتبع لألرض التي هي فيها ، ..ولإلمام أن يقطعها لمن يعمل فيها
بوجه االجتهاد حياة المقطع له أو مدة ما من الزمان من غير أن يملك أصلها ،ويأخذ منها الزكاة على كل حال .
وقال الشافعية :المعدن الظاهر ال يملك باإلحياء وال يثبت فيه اختصاص بتحجر وال إقطاع.
وقال الحنابلة :إن المعادن الجامدة تملك بملك األرض التي هي فيها ،ألنها جزء من أجزاء األرض فهي كالتراب واألحجار الثابتة.
( أنظر تفاصيل المذاهب في :رد المحتار على الدر المختار .42 / 2:حاشية الدسوقي على الشرح الكبير . 437 /1المغني البن قدامة)32-39 /3 :
27من اآلية 82من سورة الكهف
19
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
وأما اختيار التقنين المعاصر ،فهو ضمها إلى أمالك الدولة وفق مساطر خاصة أو اإلذن لواجدها
بتملكها وفق مساطر وآجال خاصة بحسب أهمية ما وجد .ولقد عدل المشرع المغربي عن ذلك في مدونة
الحقوق العينية ليوافق أحكام الفقه اإلسالمي حين اقتضت المادة 13أن " الكنز الذي يعثر عليه في
عقار معين يكون ملكا لصاحبه وعليه الخمس للدولة ".
فهذا عموما نطاق الملكية من جهاته الثالث ،ومنها وقفنا على بعض القيود التي ترد بصددها،
وهو ما استوجب الحديث عن القيود العامة الواردة على الملكية.
-القيود على حق الملكية :
األصل في الملكية أنها حق محمي ال تنزع إال للمنفعة العامة ،أو لمصلحة أعلى من مصلحة
المالك .وعن هذين االستثناءين تتفرع القيود الواردة على الملكية ؛ فهي إما قيود بمقتضى التشريع أو
بمقتضى االتفاق أي قيود تكون باختيار المالك أو يجبر عليها .
وقبل اإلشارة إلى أنواع القيود نذكر أن القيد قد يرد على المالك نفسه ،ومن ذلك أن تضع بعض
التشريعات قيودا على تملك األجانب للعقارات على أراضيها أو تفرض شروطا خاصة لتفويت بعض
العقارات كاشتراط الخبرة في عمليات الخصصة مثال .
20
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
و لم يحذ المشرع المغربي في مدونة الحقوق العينية عن هذا االتجاه لما قرر في المادة " : 23ال
يحرم أحد من ملكه إال في األحوال التي يقررها القانون .و ال تنزع ملكية أحد إال ألجل المنفعة العامة
ووفق اإلجراءات التي ينص عليها القانون ،ومقابل تعويض مناسب".23
لكن مما يعاب على هذا التقرير الذي يحيل على قانون آخر ،هو عدم التعبير بصدد التعويض بما
توافقت عليه التشريعات من عبارة " تعويض عادل " ،فاختيار عبارة التعويض المناسب يبقي أفضلية
أشخاص القانون العام ،و هو أمر تخلت عنه كثير من الدول المتقدمة باعتبار الدولة مليئة ذمتُها غير
مفتقرة فال تحتاج إلى حماية أو ميز قانوني.
-االحتالل المؤقت و الحرمان من االستغالل :قد تعمد الدولة إلى حرمان المالك من استغالل ملكه
دون نية نزعه -على األقل في مرحلة أولى ،-ويكون ذلك لطبيعة النشاط الذي تزمع القيام به في أحوال
طارئة أو مستعجلة؛ كأن يأمر باالحتالل المؤقت على العقارات الالزمة إلجراء أعمال الترميم أو الوقاية
أو غيرها لقطع جسر أو تفشى وباء .و قد تلجأ الجهات للحرمان لعدم توافر الموارد المالية الكافية لنزع
الملكية أو لتعقيدات قد تطول فيضيع بطولها العقار من يدها بتفويت أو تغيير أو تشييد .ويشترط في
االحتالل أن يكون مؤقتا بأن ينتهي في أجل محدد غالبا ما تجعله التشريعات ثالث سنوات أو بانتهاء
الغرض ،فإذا دعت الضرورة مد المدة المحددة وتعذر االتفاق مع ذوى الحقوق حينها يلزم الجهةَ المانعة
مباشرةُ إجراءات نزع الملكية .وتجدر اإلشارة أن تقدير التعويض عن الحرمان يتم وفقا للقانون 7.31
اآلنف الذكر ،ولمقتضيات المادة الثامنة من قانون 19/41المحددة الختصاص المحاكم في البت في
النزاعات المتعلقة بالعقود اإلدارية و التعويض عن األضرار الناشئة عن أعمال وأنشطة أشخاص القانون
العام.
-القيود المقررة للمصلحة الخاصة
الجوار؛ فهي من الحقوق المشددة في الفقه اإلسالمي ،لشدة التزامات تجتمع هذه القيود في
الوصية بها في األصلين كما في قول اهلل تعالى
-51القانون رقم .119المتعلق بنزع الملكية ألجل المنفعة العامة وباالحتالل المؤقت؛ الجريدة الرسمية عدد 4812بتاريخ 4رمضان 92( 9114يونيه ،)9114ص
111؛ كما تم تغييره وتتميمه.
29أية 36من سورة النساء
21
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
رضي اهلل عنها عن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال( :ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه
سيورثه).30
و يحرص التقنين المعاصر بدوره على حفظ هذه الحقوق بالعمل على إنهاء أو تقليل أسباب النزاع
بين الحقوق المتجاورة ،فنص على مجموعة من القيود القانونية المحمل بها حق الملكية لصالح الملكيات
األخرى المتجاورة ،وذلك بشكل عام وعلى جميع الملكيات .وفي هذا وردت المادة 21من م ح ع منبهة
أنه " ال يسوغ لمالك العقار أن يستعمله استعماال مض ار بجاره ضر ار بليغا ،والضرر البليغ يزال" .ويالحظ
أن التقنين يؤخذ بنظرية مخصوصة في حقوق الجوار وهي " نظرية الضرر البليغ" ويسمى عند البعض
بالضرر غير المألوف تميي از من الضرر المعتاد الذي ال يمكن تالفيه .وسنشير مرة أخرى إلى هذه
القضايا إشارة عجلى.
-أضرار الجوار غير المألوفة :لما كانت طبيعة الضرر من أصعب شيء ُيحدد الختالف الناس
في تصوره ،فإن القاعدة أال يغلو المالك في استعمال حقه إلى حد يضر بملك الجار .وبالمقابل ليس
للجار أن يرجع على جاره في مضار الجوار المألوفة التى ال يمكن تالفيها إال إذا تجاوزت الحد
المألوف ،فيراعى في ذلك العرف وطبيعة العقارات وموقع كل منها بالنسبة لآلخر والغرض الذي
خصصت له ،فإذا ما احتفت كل هذه القرائن منع المالك من اإلضرار ولو حصل على ترخيص مسبق
صادر عن السلطات المختصة.
-قيود المطالت :هي من األحكام المعلومة في الفقه االسالمي وقد كان يقع التمييز بين المطالت
والمناور .و أشارت إليها مدونة الحقوق العينية في النص العام للمادة 21في إزالة كل أنواع الضرر ،و
في حقوق الجوار الخاصة بالحائط المشترك في المادة 39و كذا في حقوق االرتفاق الخاصة بحق المطل
.ومع ذلك فال بأس من إشارة مقتضبة إلى الفرق و بعض األحكام في الفرق بين المناور والمطالت .
فالمناور هي" ما يقصد بها نفاذ الهواء والنور بعلو قاعدتها عن قامة اإلنسان المعتادة دون السماح
باإلطالل منها على العقار المجاور" .و بمفهوم المخالفة فإن المطل " ما يقصد بفتحه وانشائه نفاذ الهواء
والنور واإلطالل على العقار المجاور و تكون قاعدته فى مستوى قامة اإلنسان المعتادة".
ال وتخضع لحكمه من عدم جواز الفتح إال إن
وفائدة التمييز أن ما بالدار من فتحات يسمى مط ً
ثبت أنها تعلو معتاد القامة فتعتبر منو اًر جائ از .كما أن المطل تحكمه أحكام المسافة المقررة بخالف
المنور الذي ال يشترط فيه هذا الشرط .
30
أخرجه البخاري في كتاب األدب باب الوصاة بالجار وهذا لفظه ،ومسلم في كتاب البر والصلة واآلداب
22
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
23
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
-الملكية المشتركة–
وبناء على ذلك فلن ُنعنى بغير الفروع الثالثة المقررة ،على أن نقدم -خالفا للمعتاد -أحكام
الحائط المشترك والممر المشترك لقلة مقتضياتهما وعدم تشعبهما ونؤخر الملكية الشائعة لحاجتنا إلى
تفصيل ما ينقضي به .لكن قبل ذلك نقيم الفروق التالية :
-تعني الملكية الجماعية ملكية مجموعة من األشخاص فى شكل قبيلة أو عشيرة ماال ملكية
جماعية لهم على السواء .ويعتبر الفقه اإلسالمي هذه الملكية ناقصة باعتبارها ملكية منفعة ألن مصدر
التملك الجماعي في الفقه محدودة ( كما في اإلقطاع و غيره) .أما القانون فيصر على أنها ملكية جماعية
امتدت من عصور قديمة .وأجلى مثال لها في التشريع المغربي ما يطلق عليه" أراضي الجماعات
الساللية " .والمهم من جهة األحكام أن الملكية تسند للجماعة ال لشخص معين فيها ،وأن صالحيات
رئيس الجماعة المالكة مفوض لتنظيم االنتفاع ال غير ،فيمتنع على هؤالء الشركاء تفويت الحق تفويت
تمليك ،ولو وقع فرز حقوق االنتفاع.
-الملكية المشتركة بمعناها الخاصة سواء في العقارات المبنية بمقتضى قانون 13.99أو
بمقتضى م ح ع في الحائط و الممر المشتركين أو حتى في توزيع سلطات الملكية بين أكثر من
31بمقتضى ظهير شريف رقم 15955131صادر في 19من صفر 18( 1416يوليو )1995بتنفيذ القانون رقم 21595بإلغاء الظهير الشريف الصادر في 22من
جمادى األولى 7( 1372فبراير )1953بشأن الملك العائلي.
24
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
شخص ،كما في احتفاظ المالك بملكية الرقبة مع منح شخص آخر حق االنتفاع بسلطتيه االستعمال
واالستغالل فإن الملكية في هذه األحوال تكون مفرزة في بعض األجزاء و مشتركة في بعضها اآلخر،
لكن يبقى الشركاء في المشترك مجبرين على البقاء في الشياع .
-الملكية الشائعة يكون محلها حصة معنوية ،و الشيء ليس إال محال لمجموع حقوق المالك
المشاعين .فالملكية الشائعة وسط بين الملكية المفرزة والملكية المشتركة .وبذلك فإن الملكية على الشياع
ملكية في الكل وفي الجزء .فيكون كل شريك مالكاً لكل السلطات على كل ذرة من أجزاء الشئ الشائع،
وذلك بقدر حصته فى المال و لآلخرين مثله تماماً فى حدود حصصهم وأنصبتهم .لكن أهم ما يميز هذه
الملكية عن غيرها أن أصحابها ال يجبرون على البقاء في الشياع .
وبسبب هذا الفرق الكبير نقسم أحكام االشتراك إلى فرعين فقط :فرع الشيوع اإلجباري؛ وفرع الشيوع
باالختيار الذي هو الملكية على الشياع تحقيقا.
القاعدة األساسية التي تميز الشيوع اإلجباري ( ونحدده هنا في الحائط والممر المشتركين) هي عدم
جواز التصرف تصرفاً يضر بالشركاء أو يتعارض مع الغرض الذي خصص له هذا الشيء ،بما في ذلك
عدم طلب قسمته .كما أن الشركاء ال يتحملون في الشيء المشترك نفقاته على قدر حصصهم كما في
الشياع بل على أساس قيمة ما يملكونه من ملكيات مفرزة ،أعد الشيء الشائع أساسا لخدمتها .
25
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولم يخص المشرعُ المغربي الحائطَ المشترك بما كان بين بنائين كما تشترط بعض التشريعات ،بل
ك في الحائط بين بناءين أو بين أرضين .
جعلها مطلقة بعبارة عقارين .فيستوي لذلك أن يكون االشت ار ُ
32
-ال يحق للشريك التصرف في الحائط بإقامة بناء أو منشآت عليه إال بموافقة شريكه ،لكنه ال
يحتاج تلك الموافقة في حالة الرغبة في تعلية الحائط المشترك ،شريطة أن يثبت جدية وجدوى تلك التعلية
وأن يتحمل وحده نفقات التعلية وصيانة الجزء المعلى ،وأن يقوم بكل ذلك دون اإلضرار بالجار و ال
بمتانة الحائط المشترك.
-إذا لم يكن الحائط المشترك صالحا لتحمل التعلية فعلى من يرغب فيها من الشركاء أن يعيد
بناءه كله على نفقته وحده بشرط أن تقع زيادة سمكه في أرضه ،ويظل الحائط المجدد في غير الجزء
المعلى مشتركا دون أن يكون لمن أحدث التعلية أي حق في التعويض.
-ال يجبر الجار على التنازل عن حصته في الحائط المشترك أو األرض التي أقيم عليها.
وبالمقابل يمكن للجار في حالة التعلية التي لم يساهم في نفقاتها أن يصبح شريكا في الجزء المعلى إذا
دفع نصيبه في نفقات التعلية وفي قيمة األرض التي تقع عليها زيادة السمك.
33
المادة " 32الطريق الخاص المشترك ملك مشاع بين من لهم حق المرور فيه ،وال يجوز ألحدهم أن يحدث فيه شيئا ،سواء كان مض ار أو غير مضر ،إال بإذن من
باقي شركائه"
26
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
-ال يجوز للشركاء في الطريق المشترك أن يطلبوا قسمته وال أن يتفقوا على تفويته مستقال وليس
لهم أن يسدوا مدخله ما لم يقع االستغناء عنه.
-الطريق الخاص ملك ألصحابه فال يجوز لغيرهم التصرف فيه بغير أذنهم ،وعليه ال يكون لغير
الشركاء حق المرور إال في حاالت الضرورة مثل حاالت االزدحام فيكون للغير حق المرور فيه من غير
منع .
-ألصحاب الطريق أن يفتحوا إليه من األبواب ما شاءوا ،فإذا سد أحدهم بابه الذي له عليه وفتح
مثال باباً على الطريق العام فإن حقه في األول ال يسقط بعدم االستعمال ،سواء كان ذلك له أو لخلفه
العام والخاص ولو طالت المدة .
-المصاريف الضرورية إلصالح وتعمير الطريق المشترك يتحملها الشركاء فيه كل منهم بنسبة
حصته فيه .لكن إذا ذا رفض أحد الشركاء المساهمة في هذه المصاريف جاز لباقي الشركاء القيام
بإصالح الطريق ومطالبته قضاء بأداء منابه.
- 2الملكية الشائعة:
يراد بالشيوع تعدد المالك لشيء واحد دون أن يكون ألي منهم نصيب مفرز ،إذ أن الحصة التي
يملكها الشريك في الشيوع تقع على الشيء كله وان كانت تقتصر في الوقت نفسه على نسبة معينة محددة
فيه بحسب سبب نشوء الشيوع ؛ فإما بالتساوي على األصل كما لو اشترك عاقدان في شراء عين أو في
أحوال الوصية بالمنفعة لمتعدد ،واما بمقدار حصة كل واحد كما في اإلرث مثال .
و يكيف الفقهاء رحمهم اهلل تعالى أحكام الشيوع على أحكام الشركة ،وهو الواضح من اختيار
34
المشرع المغربي قبل مدونة الحقوق العينية إذ سماها في ق ل ع ب " شبه الشركة"
وسنعرض بخصوص هذه الملكية إلى ثالث قضايا :االنتفاع بالملك الشائع ،إدارة الملك الشائع ،
وما ينقضي به الشيوع مادام على االختيار كما نبهنا.
34
انظر أحكام الشياع في القسم السابع من ظهير االلتزامات والعقود في الفصول من 960إلى 981
27
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
29
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
-انقضاء الشيوع:
سبقت اإلشارة إلى أن أهم ما يميز الملكية الشائعة عن غيرها من الملكيات المشتركة كون الشريك
فيها يبقى في الشيوع باختياره .لذلك قرر الفقهاء قاعدة " ال يجبر أحد على البقاء في الشيوع " ومعناها أن
انقضاء الشيوع يكفي فيه التعبير عن إرادة االستقالل بالمناب من أحد الشركاء دون أغلبيتهم و ال أقليتهم.
وهي القاعدة التي استعارها المشرع المغربي لفظا في المادة 27من م ح ع .
إن الشيوع -على التحقيق -ينقضي باألسباب ذاتها التي تكتسب به الملكية من بيع وتبرع
وغيرهما .لكن لما كانت بعض األسباب ألصق بطبيعة الشيوع فإن الفقهاء دأبوا على التفصيل في أنواع
و في حاالت 31
مخصوصة أهمها القسمة و الشفعة ،ومنهم من يفصل في انقضائه ببيع الصفقة
خاصة بالبيع جب ار.32
ونحن نكتفي باإلشارة إلى القسمة و الشفعة باالعتبار الذي درج عليه الفقهاء ،ألنه األنسب في
نظرنا لطبيعة الشيوع ،وان كان المشرع المغربي قد أشار إليهما ضمن ما تكتسب به الملكية ال مما
ينقضي به الشيوع ؛ فلن نعرج على البيع الجبري ألنه من المساطر القضائية التي تدرس في موضعها.
كما لن نعرض لبيع الصفقة لكونه معدودا في التشريع المغربي م ن الحقوق الشخصية باعتباره دينا ترتب
في ذمة المصفق ،ال حقا عينيا بحسب المفهوم من المادة 313من م ح ع .وان كان الفقهاء يعرضون
له مقابال للشفعة من جهة الشبه في الشروط األساس التي هي اتحاد المدخل و عدم تبعيض الحصة،
ومن جهة أن الداعي إليه هو تجنب الضرر مع الخروج من الشيوع.
35بيع الصفقة مما جرى به العمل عند المتأخرين من المالك وصورته أن يقدم شريك بعرض المال المشترك بين وبين غيره من الشركاء للبيع كال من غير تبعيض
وال فرز حقوق فإذا تم عقد البيع خير الشركاء بين إمضاء العقد وإما برده مجبرين على ضم نصيبه بمقداره من الثمن الذي وقع به البيع .فهو إذن حق للشريك الذي
يريد البيع ،يقضي له به إذا طلبه لينتفي عنه الضرر الالحق بنقص ثمن حصته اذا بيعت مفردة فان لم يطلب هذا الحق سقط فال صفقة .وله شروط أشار إليها الفقهاء
وخاصة شراح التحفة عند قوله صاحبها:
(ومن دعا لبيع ماال ينقسم .لم يسمع إال حيث إضرارا علم)
36بينما البيع الجبري في استعمال الفقهاء هو :البيع الحاصل من مكره بحق ،أو البيع عليه نيابة عنه إليفاء حق وجب عليه أو لدفع ضرر ،أو تحقيق مصلحة عامة.
المصباح المنير –جبر ،-ص89 :
30
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
عرفها ابن عرفة " القسمة تصيير مشاع من مملوك مالكين معينا ولو باختصاص تصرف فيه
،فهي إذن اختصاص كل شريك بجزء مفرز من المال الشائع يتناسب مع حصته 37
بقرعة أو تراض "
فيه ،فيملكه مالكاً له ملكية تامة على سبيل االستئثار واالنفراد.
ولقد تردد الفكر القانوني في تكييف طبيعة القسمة :هل هي كاشفة عن الحق أم منشئة له؟ مع ما
يترتب عن ذلك من أحكام بخصوص التصرفات السابقة على القسمة هل تنفذ أم ال؟
أما بالنسبة للفقهاء فقد كانت النظرة منسجمة ثابتة عميقة؛ إذ قرروا من غير تردد أن القسمة ذات
طبيعة مزدوجة؛ ألن فيها معنى المبادلة وهو النقل ،ومعنى اإلفراز وهو الكشف.
لذلك اعتبر المشرع الملكية الشائعة حالة مؤقتة؛ يحق للشركاء الخروج منها متى شاءوا .وأبعد من
ذلك أن قرر الفقهاء جواز الخروج من الشيوع حتى قبل حلول األجل في حالة اتفا ٍ
ق بمقتضى عقد على
البقاء فيه مدة معينة .
أ -أنواع القسمة :
درج الفقهاء رحمهم اهلل على جعل القسمة ثالثة أنواع ،فيميزون قسمة قرعة وقسمة مراضاة وقسمة
ابن رشد الحفيد في بداية المجتهد لما قال"
مراضاة مع التعديل .لكن من أحسن من نظّم القسمة ُ
33
والنظر في القسمة ينقسم إلى قسمين :قسمة رقاب األموال و قسمة منافع الرقاب" ، 31و هو التقسيم
الذي أخذت به التقنينات الحديثة لجزالته وانتظامه .
ولقد وفق المشرع المغربي توفيقا كبي ار في مدونة الحقوق العينية ،فتجاوز خلط فقهاء القانون بين
و مهايأة .ليقرب أنواع القسمة وطرقها حتى جعلوها أنواعا متعددة :رضائية وقضائية و بتية
من اختيار ابن رشد في التمييز بين أنواع القسمة ( بتية ومهايأة) وبين طرق القسمة ووسائلها ( رضائية
وقضائية) .جاء في المادة 313م ح ع " :القسمة إما بتية أو قسمة مهايأة:
-القسمة البتية أداة لفرز نصيب كل شريك في الملك وينقضي بها الشياع.
-قسمة المهايأة تقتصر على المنافع وهي إما زمانية واما مكانية.
تتم القسمة إما بالتراضي واما بحكم قضائي مع مراعاة القوانين والضوابط الجاري بها العمل".
ويعني هذا أن القسمة البتية قد تكون رضائية وقد تكون قضائية ،و كذلك قسمة المهايأة .وعلى
ذلك نكتفي نحن أيضا بالتقسيم الثنائي :قسمة أصول وهي البتية ،وقسمة منافع وهي المهايأة .لكن قبل
ذلك نشير إلى الشروط الالزمة إلجراء القسمة .
-شروط القسمة :
لتصح القسمة يشترط توافر ثالثة شروط :
-أن يكون الشيء المراد قسمته مملوكا على الشيوع للشركاء .
-أن يكون قابال للقسمة ،وال يشترط في ذلك قسمته قسمة أعيان بل يكفي قَبولها بالتقدير.
-أال تزول المنفعة المقصودة منه بالنسبة لكل جزء من أجزائه بعد القسمة ،فلو تبين أن الغرض
الذي أعد له الشيء يستوجب بقاءه على الشيوع امتنعت القسمة.
-القسمة البتية ( قسمة األصول):
بهذه القسمة يزول الشيوع لزوما ،و فيها يعتبر كل متقاسم مالكا على وجه االستقالل للحصة المفرزة
التي آلت إليه نتيجة القسمة ،وتكون ملكيته خالصة من كل حق عيني رتبه غيره من الشركاء إال إذا رتب
هذا الحق الشركاء مجتمعون.
ومما ُيظهر ازدواجية طبيعة هذه القسمة كما سبق إلى ذلك الفقهاء ( أي كاشفة ومنشئة) أن
المتقاسمين يضمن بعضهم لبعض أنصبتهم مما قد يقع عليها من تعرض أو استحقاق بسبب سابق عن
القسمة ،إال إذا تم االتفاق صراحة على اإلعفاء منه أو نشأ بسبب خطأ المتقاسم نفسه .كما أن حصة أحد
الشركاء إذا كانت مثقلة بحق عيني قبل القسمة فإن هذا الحق ينتقل ليثقل الجزء المفرز الذي آل إلى هذا
الشريك.
ونبه المشرع بهذا الصدد أن العقار إذا كان غير محفظ ُحق للمتضرر طلب فسخ القسمة واجراء
أخرى جديدة ،أما إذا كان محفظا واستحقت حصة المتقاسم كال أو بعضا فليس له سوى الرجوع على
المتقاسمين بالتعويض.
32
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
و من خصائصها عدم إلزام أي متقاسم تجاه المتقاسمين اآلخرين بتقديم أي حساب عما قبضه
خالل مدة انتفاعه ،كما تنتقل الحقوق وااللتزامات المتعلقة بالمهايأة إلى الخلف الذي آلت إليه ملكية
الحصة المشاعة سواء كان عاما أو خاصا .لكن في كل ذلك تبقى هذه القسمة قابلة ألن تصير بتية
بإرادة الشركاء أو أحدهم .
-قسمة المهايأة الزمانية :تكون المهايأة زمانية باتفاق الشركاء على أن يتناوبوا االنتفاع بجميع
العقار المشاع بينهم مددا تتناسب مع حصصهم فيه ،ويجب فيها تعيين المدة التي يختص بها كل منهم.
فإذا وقع خالف بين الشركاء في المدة كان للمحكمة تحديد تاريخ الشروع فيها ومن يبدأ منهم باالنتفاع
بحسب طبيعة العقار.
-قسمة المهايأة المكانية :تكون المهايأة مكانية عندما يتفق الشركاء على أن يختص كل واحد منهم
باالنتفاع بجزء مفرز من العقار المشاع يتناسب مع حصته فيه ،على أن يتنازل لشركائه في مقابل ذلك
عن االنتفاع بباقي أجزائه األخرى .و يجب فيها تعيين الجزء الذي يستقل به كل منهم واال عينته المحكمة
كذلك.
ج -طرق إجراء القسمة :
القسمة البتية أو قسمة المهاياة قد تكون رضائية أو قضائية كما سلف ،مع اإلشارة إلى أن القسمة
الرضائية قد تؤول قضائية إذا لم يوافق عليها أحد الشركاء أو بعضهم .وقد يجري الشركاء القسمة
قضائيا رأسا إذا امتنع أحدهم أو بعضهم أو جلهم عن إجراء القسمة واختار شريك ولو كان منفردا الخروج
من الشيوع ،لقاعدة ال يجبر أحد على البقاء في الشيوع.
-أحكام إجراء القسمة رضاء :
ال تصح هذه القسمة إال إذا أدخل الشركاء فيها جميع األطراف ،كما ال تصير نافذة إال إذا صادق
عليها جميع أصحاب الحقوق العينية المترتبة على العقار.
ثم إن صفة البتية في قسمة التراضي ال تمنع الشركاء من طلب إبطالها كلما شاب إرادة أحدهم
بين قيمة ما آل 49
عيب من عيوب الرضى -الغلط والتدليس واإلكراه -أو لحقه غبن ال يقل عن الثلث
إليه بمقتضى القسمة وبين القيمة الحقيقية لحصته في العقار المقسوم .و لقد وقّت المشرع هذا الحق في
اإلبطال بأن يكون قبل مضي سنة من تاريخ إجراء القسمة ،واال تقادمت وكانت القسمة باتتة .
-إجراء القسمة قضاء:
40
الحكم بالثلث من األحكام التي ينفرد بها المالكية ،وتصلح أن تكون بحثا مستقال و متميزا !
33
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
يشترط فيها أن يدخل المدعي في دعواها جميع أصحاب الحقوق العينية المترتبة على العقار؛ فال
تقبل إال إذا وجهت ضد جميع الشركاء وتم تقييدها تقييدا احتياطيا إذا تعلقت بعقار محفظ.
تعمد المحكمة ابتداء إلى قسمة العقار المشاع قسمة عينية كلما كانت هذه القسمة ممكنة .و بناء
على تصميم ينجزه خبير في المسح الطوبغرافي يعين موقع وحدود ومساحة كل نصيب مفرز ،تقوم
المحكمة بفرز الحصص وتكوين األنصبة على أساس أصغر حصة عن طريق التقويم والتعديل ،ثم
تصدر حكمها بعد توزيع األنصبة المفرزة بين الشركاء بالقرعة.
لكن إذا كان العقار المشاع غير قابل للقسمة العينية ،أو كان من شأن قسمته مخالفة القوانين
والضوابط الجاري بها العمل أو إحداث نقص كبير في قيمته ،فإن المحكمة تحكم ببيعه بالمزاد العلني.
المقضى به ( أي بعد استنفاذ جميع طرقوال يتم ذلك البيع إال بعد أن يحوز الحكم قوة الشيء ُ
الطعن العادية والنقض عند االقتضاء) ،كما ال تقبل أي مزايدة في ثمن العقار بعد بيعه بالتراضي .أما
ما تعلق بمصروفات وتكاليف القسمة ،فإن المتقاسمين يتحملونها جميعا وتوزع بينهم على أساس حصة
كل واحد منهم.
ولقد اختيار المشرع المغربي اختيار المالكية بحسب ما هو ّبين من المادة 212بقولها " الشفعة
أخذ شريك في ملك مشاع أو حق عيني مشاع حصة شريكه المبيعة بثمنها بعد أداء الثمن ومصروفات
العقد الالزمة والمصروفات الضرورية النافعة عند االقتضاء" .
إن الشفعة عند الفقهاء رحمهم هللا حق ضعيف ،لذلك ال ُيستحق من غير قيد و ال في كل حال .بل
يلزم اجتماع شروط في طالبها.
-أن يكون الشفيع شريكا في الملك المشاع وقت بيع الحصة المشفوعة سواء كانت في العقار أو
حقا عينا على عقار.
-مالءة ذمة الشفيع بقيمة المشفوع و ما زاد عليها من مصاريف تحملها المشفوع منه بين
التصرفين.
-لزوم أخذ الشفيع للحصة كاملة من غير تبعيض واال تركها .
43وهو المشارك في حقوق االرتفاق الخاص ،وتحديدا في الحائط و الممر المشتركين .وقد سبق أن نبهنا إلى عدم جوزا إنهاء الشياع في هذه على مذهب المالكية
واختيار المشرع المغربي.
أخرجه البخاري و مسلم في صحيحيهما و اللفظ للبخاري ؛ كتاب الشفعة باب الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فال شفعة
ومسلم
-قال ابن أبي حاتم في العلل ،عن أبيه :عندي إن من قوله ( إذا وقعت إلى آخره ) من قول جابر ( تلخيص الحبير )123/3:
45أخرجه البخاري في كتاب الحيل باب الهبة والشفعة ،والحديث له قصة بين المسور و رافع وسعد رضي هللا عن الجميع تنظر في الصحيح .والصقب معناه القرب
35
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
و ألزمت -تملك المشفوع منه الحصة المبيعة بعوض؛ فال ُيشفع ما فُوت بهبة أو بصدقة.
مدونة الحقوق العينية في حالة العقار المحفظ بإثبات بيع الحصة و تقييده بالرسم العقاري.
-حق غير قابل للتجزئة :فال يجوز أخذ جزء من العقار المشفوع وترك جزء منه ،لكن إذا تعدد
المشترون واتحد البائع بعقد واحد أو بعدة عقود جاز للشفيع أخذ نصيب بعضهم وترك الباقي .
-حق قابل لإلرث :مادامت الشفعة ال تبطل بموت البائع أو المشتري أو الشفيع .ويترتب على
ذلك أنه إذا ثبتت الشفعة ثم مات الشفيع فإن لورثته أن يطلبوها خالل المدة الباقية من المدة التي يقررها
القانون لطلب الشفعة .
-حق ال يجوز فيه التصرف للغير :فليس ألحد من الشفعاء أن يتصرف بحق شفعته للغير بمقابل
أو بدون مقابل .فلو باع الشفيع شفعته ألجنبي أو لشفيع أخر بمقابل سقطت الشفعة و بطل البيع
المترتب عليها .
تطرق الفقهاء إلى الشفعة في المنقول والعقار ،لكن المدونة تقصرها -كما تقدم -على العقار
والحقوق المترتبة عليه .لذلك نصت على أن الشفعة تكون في العقارات سواء كانت قابلة للقسمة أم غير
قابلة لها ،وتكون أيضا في الحقوق العينية القابلة للتداول.
لكن مما يستغرب له أن المدونة أجازت الشفعة بين مالك حق الهواء والتعلية بضمها إلى مالك
السفل .كما أجازتها في حق السطحية وهي ملكية تامة مستقلة ال شركة بين صاحب الحق وصاحب
الرقبة .كما أجازتها في ضم حق الزينة إلى ملكية الرقبة فيما بيع منها ألجنبي .وهذا يجعل التصريح
السابق بأخذ المدونة برأي المالكية فيه نظر؛ ألن المذكورين في المادة 214تكييفهم على الجوار أقرب
وأصح من تكييفهم على شبه الشركة.
36
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
الشفيع إما فرد أو متعدد .ونعرض ألحكام الفرد ألنها األصل و تسري على المتعدد بداهة ثم نتبعها
بأحكام متعدد الشفعاء:
القاعدة أن الحصة التي تجوز فيها الشفعة إذا بيعت بأجمعها أو أجزاء منها أو عدة حصص شائعة
بعقد واحد ،وجب على الشريك الراغب في الشفعة أن يأخذ جميع المبيع المشاع بينه وبين البائع ،من يد
المشتري أو أن يترك الجميع للمشتري .سواء تعلق العقد بملك أو عدة أمالك مشاعة ،وسواء اتحد البائع
أو المشتري أو تعدد.
أما إذا بيعت أجزاء الحصة بعقود مختلفة فإن الشفيع يخير بين أن يأخذها بكاملها وبين أن يأخذ
بأي عقد شاء ويدخل معه في شفعته من قبله من المشترين .واذا بيعت الحصة المشفوعة عدة مرات قبل
انصرام أجل الشفعة ،فللشفيع أن يأخذ من أي مشتر بالثمن الذي اشترى به ويترتب على ذلك بطالن
البيوع الالحقة.
وأخي ار يحرم القانون الشفيع من ممارسة الشفعة في الحالة التي تباع فيها الحصة المشاعة في المزاد
ال يعتد بطلب العلني وفق اإلجراءات المنصوص عليها في القانون فال يجوز أخذها بالشفعة .كما
الشفعة في حال كانت الحصة المشفوعة عقا ار في طور التحفيظ إال إذا ضمن الشفيع تعرضه بمطلب
التحفيظ المتعلق به.
37
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
إذا تعدد الشفعاء كان لكل واحد منهم األخذ بالشفعة بقدر حصته في الملك المشاع يوم المطالبة
بها ،فإذا تركها البعض وجب على من رغب في الشفعة من الشركاء أخذ الحصة المبيعة بكاملها .لكن إذا
تزاحموا واختلفت مراتبهم كان ترتيبهم في األخذ بالشفعة على ترتيبهم في استحقاق اإلرث؛ بحيث ُيقدم من
يشارك البائع في السهم الواحد في الميراث على من عداه ،فإن لم يأخذ انتقل الحق إلى باقي الورثة ثم
الموصى لهم ،ثم األجانب.
ال يخلو المشفوع منه أن يكون أجنبيا أو أحد الشركاء .وحال األجنبي ال إشكال فيها؛ فكلما توافرت
شروط الشفعة أُخذت الحصة كاملة من يده جب ار مقابل ثمن المثل و ما تحمل من مصاريف .أما إذا كان
المشتري أحد الشركاء فلكل شريك في الملك أن يأخذ من يده بقدر حصته في الملك ،ويترك للمشتري
نصيبه بقدر حصته ما لم يعرب عن رغبته في التخلي عنها.
-آجال الشفعة :
تختلف هذه اآلجال بحسب طبيعة الحصة المشفوعة وبحسب تواريخ علم الشفيع بالبيع وكذلك
بحسب مبادرة المشفوع منه بالتبليغ بالبيع من عدمه:
-بحسب طبيعة الحصة المشفوعة :يسقط حق الشفعة في جميع األحوال بمضي سنة كاملة .لكن
إذا كان العقار محفظا ،فيحتسب األجل من تاريخ التقييد أو من تاريخ اإليداع إذا كان العقار في طور
التحفيظ .أما إذا كان العقار غير محفظ ،فبمضي سنة على العلم بالبيع .
-بحسب إقدام المشفوع منه على تبليغ الشركاء بالبيع من عدمه :إن للمشتري أن يستبق ممارسة
حق الشفعة؛ إذ يمكنه بعد تقييد حقوقه في الرسم العقاري أو إيداعها في مطلب التحفيظ أن يبلغ نسخة
من عقد شرائه إلى من له حق الشفعة ،وال يصح التبليغ إال إذا توصل به شخصيا من له الحق فيها.
ويسقط حق هذا األخير إن لم يمارسه خالل أجل ثالثين يوما كاملة من تاريخ التوصل .ولقد كان هذا
األجل قصي ار استنادا إلى الفقه الذي حصره في ثالثة أيام من تاريخ العقد إذا حضره الشركاء.
-بحسب علم الشفيع :كان أجل ثالثة أيام المشار إليه آنفا أجل من حضر العقد وهو المستعاض
عنه قانون بالتبليغ الصحيح داخل أجل ثالثين يوما ،على اعتبار من ُبلغ تبليغا قانونيا كان كمن حضر.
38
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
عقد البيع بحسب قيد الفقهاء امتد األجل إلى السنة من تاريخ
ك َ لكن إن لم يقع التبليغ وال حضر الشري ُ
العلم ،وقد يمتد إن لم يتحقق العلم إذا أثبته مدعيه إلى أجل أربع سنوات من تاريخ إبرام العقد.
تقصد هنا الحالة التي رفض في المشفوع منه سماع الطلب أو رفض العرض العيني .فيجب على
من يرغب في األخذ بالشفعة أن يقدم طلبا إلى رئيس المحكمة االبتدائية المختصة يعبر فيه عن رغبته في
األخذ بالشفعة ،ويطلب فيه اإلذن له بعرض الثمن والمصروفات الظاهرة للعقد عرضا حقيقيا ثم بإيداعهما
في صندوق المحكمة عند رفض المشفوع منه للعرض العيني الحقيقي ،وأن يقوم بكل ذلك داخل األجل
القانوني واال سقط حقه في الشفعة.
-آثار الشفعة:
يملك الشفيع بالشفعة الحصة المبيعة ويتصرف فيها تصرف المالك في ملكه .كما يحل محل
المشتري في جميع حقوقه والتزاماته ،ويترتب عن ذلك أن ينفرد البائع وحده بضمان استحقاق العقار
المشفوع .
لكن من مقتضى الحلول أيضا أنه إذا تضمن عقد البيع أي اتفاق على تعديل أحكام الضمان سواء
بالتشديد أو التحقيق فأن هذا االتفاق يسري في حق الشفيع أيضاً .
39
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
يزول حقه في الحصة و يكون كمن لم يتملكها قبل؛ فال يلزمه رد ثمار الحصة المشفوعة للشفيع إال
من تاريخ المطالبة بالشفعة .لكن إذا أضاف المشفوع منه شيئا في الحصة المشفوعة من ماله بأن بنى أو
غرس فيها فإن قام بذلك قبل إعالن الرغبة في األخذ بالشفعة طبقت األحكام المتعلقة بالبناء والغرس في
أرض الغير بإذنه أو شبهة ملك ،أما إذا قام بذلك بعد إعالن الرغبة في الشفعة فتطبق األحكام المتعلقة
بالبناء والغرس في أرض الغير دون إذن.
إن الشفعة ال تسقط بمجرد موت الشفيع و إنما ينتقل هذا الحق إلى ورثته الشروط نفسها ،بما في
ذلك ما بقي من أجل لألخذ بالشفعة .لكنها بالمقابل تسقط في األحوال التالية:
-أن يتنازل الشفيع عن حقه صراحة أو داللة ،شريطة أن يقع هذا التنازل بعد البيع ال قبله ،ألنه
ال وجود لحق قبل البيع فكيف يسقط قبل وجوده .
-أن يشتري الشفيع الحصة التي باعها شريكه من مشتريها أو قاسمه فيها.
-أن يزول ملك الشفيع فيسقط حقه بالتبعية في الشفعة ؛ كما لو باع حصته التي يشفع بها ،ولو
كان ال يعلم أن شريكه قد باع حصته قبله
40
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
أسباب كسب الملكية :
أسباب كسب الملكية آخر ما قنن من المدونة ،وقد أراد المشرع بذلك أن يجعلها أسبابا لكسب
الحقوق العينية كلها .وال تميز في هذا عن المعهود في الفقه اإلسالمي ،بقدر ما وقع التمايز في مسألتين
دون غيرها ،بينما لم يحجر الفقه َن حصرت المدونة كسب الملكية في أحد عشر سببا
42
كبيرتين؛ أوالهما أ ْ
اإلسالمي تلك األسباب لعدم اهتمامه بحصر الحقوق بقدر اهتمامه بورودها على قصد الشرع .و الثانية
( كالعقد و الميراث والوصية و الشفعة )..لكن أنهما اتفقا في بعض األسباب إق ار ار وتصو ار
االستيالء على المباح
َ اختلف النظر في بعضها اآلخر ،بين ما اختلف في إدراجه ( كعدم إدراج المدونة
)..و بين ما اختلف في تصوره( كما في الحيازة و في بعض مسائل االلتصاق. )..
لذلك نكتفي بعد هذا التنبيه بذكر أهم األسباب؛ إما ألنها تحتاج بعض التوضيح أو ألنها لم تذكر
و الوصية أصال أو الختالف نظر الفقهين كما سلف .أما بعض األسباب المعلومة كالميراث
التعرض لها محض تكرار .أما إن البعض اآلخر قد سبق التوقف عنده فيما ينقضي به الشيوع .
ُ
-االستيالء (أو إحراز المباحات):
االستيالء :وضع اليد على شيء ال مالك له بنية تملكه .و يكون اإلحراز بوضع اليد على الشيء
فعالً( كالتقاط الثمار و حصد الكأل) أو حكما بمسبب كنصب شبكة للصيد .واألصل فيه الحديث
المشهور عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال( المسلمون شركاء في ثالثة :في الماء و الكإل و
47
النار )
و لالستيالء معنيان؛ عام يشمل االستيالء على المنقول والعقار ،ومعنى خاص غالب قاصر على
المنقول .وبهذا المعنى أخذت المدونة فلم تشر إليه ألن المنقول خارج عن تقنينها .
وشروط االستيالء عند الفقهاء ثالثة:
-أن يكون الشيء مباحا ال مالك له.
-أال ُيسبق المستولِي إلى الشيء.
-أن يكون بنية التملك؛ فلو سقط بين يدي شخص صيد دون قصد ال يملكه.
42
إحياءاألراضي الموات والحريم و االلتصاق بالعقار و الحيازة و الميراث والوصية والمغارسة والهبة و الصدقة و الشفعة و القسمة.
. 47رواه أحمد وأبو داود ،ورواه ابن ماجه من حديث ابن عباس ،وزاد فيه وثمنه حرام ( انظر نيل األوطار في شرح الحديث والتعليق على إسناده الذي فيه مقال.
365 / 5
41
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
وننبه هنا أن االستيالء ال يقصد به منع الغير من جنس الشيء المملوك؛ فمن استولى على ك ٍ
إل ال
يمنع الناس من موضعه ذلك الكإل .
-إحياء الموات :
هو من األسباب الجديدة في المدونة .و اإلحياء" مكافأة بالتمليك لمن عمل في أرض غير مملوكة
للغير بأعمال تحولها إلى ما ينتفع به من ري وشق وحفر آبار وغيرها" .
حديث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ( من أحيا أرضا مواتا فهي
ُ و أصل اإلحياء فقها وحكما
له) ،43فقال الفقهاء على مقتضاه أن من عمد إلى أرض ال يعلم تقدم ملك ألحد عليها ،فيحييها بالسقي
أو الزرع أو الغرس أو البناء فتصير بذلك ملكه سواء كانت فيما قرب من العمران أم بعد ،سواء أذن له
41
اإلمام في ذلك أم لم يأذن.
ولقد اختارت المدونة في اإلحياء مسلك اشتراط اإلذن في اإلحياء ،بصريح المادة 222وهو ما
يعني أن األرض الموات غير موجودة حقيقة في التراب المغربي على اعتبار أن األراضي التي ال مالك
لها هي من أمالك الدولة ابتداء فال يجوز وضع اليد عليها إال بإذن صريح منها ،و أن من أذن له
بإحيائها يملك حق اال ستغالل دائم ويكون اإلحياء بجميع األعمال المتعقلة باستصالحها من ري وسقي
وغرس أشجار .
و لئن كان هذا الحذر من المشرع مفهوما إال أن فيه مشكالـ إذ كيف تحصر حق المحيي في
االستغالل ثم تجعل هذا اإلحياء مما تكسب به الملكية؟ !
فهذا تناقض .فكان أولى أن يوضع اإلحياء بهذا التقييد من ضمن الملك الناقص أو من ضمن
الحقوق العينية المتفرعة عن الملكية .وعليه يبقى التخريج المقبول هو ما قلنا سلفا من مراد المشرع
بأسباب كسب الملكية أن تشمل كسب جميع الحقوق العينية األصلي منها و التبعي ،واال فإن شروط
هي سبب لكسب الملكية.
اإلحياء كما وردت في المدونة ليست على قواعد الفقهاء و ال َ
48هذا لفظ الحديث في الموطا ،كتاب األقضية ،باب القضاء في عمارة الموات وتمامه " عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال من أحيا
أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق " (الموطا ،كتاب األقضية ،باب القضاء في عمارة الموات ) .والحديث بهذا اللفظ مرسل باتفاق الرواة ( انظر شرح
الزرقاني على الموطأ وفتح الباري للحافظ ابن حجر ) ،
أما لفظ البخاري فعن عروة عن عائشة رضي هللا عنها عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال :من أعمر أرضا ليست ألحد فهو أحق
قال عروة قضى به عمر رضي هللا عنه في خالفته"( الصحيح ،كتاب المزارعة باب من أحيى أرضا مواتا )
49هذا رأي جمهور الفقهاء ينسب ألبي حنيفة إذن اإلمام مطلقا و ينسب إلى اإلمام مالك فيما قرب ولقد حقق الحافظ ابن حجر المسالة في الفتح و ذكر ضعف دليل
اشتراط اإلذن.
42
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
-حريم األرض:
الحريم " ما تمس الحاجة إليه لتمام االنتفاع بالمعمور من األرض" .و هو كل ما يحتاج إليه
لمصلحة العامر من المرافق كحريم البئر ،و مطرح الرماد ونحو ذلك من المرافق.
و يكون مقداره بحسب العرف والحاجة ،و باختالف العين المملوكة من أرض أو بئر ونحو ذلك.
وهو مما قرره المشرع سببا لكسب الملكية بأن يختص أهل البلدة أو مالك الدار أو رب البئر أو
الشجر بالحريم ويمنع الغير من استغالله أو إحداث أي شيء فيه ،وكل ما يضر بهذا الحريم يزال.
والحريم محدد في األحوال الثالثة التالية:
-حريم الجماعة أو البلدة مداخلها ومخارجها المؤدية إلى هذه الجماعة أو البلدة؛
-حريم الدار ما يرتفق به أهلها في إقامتهم بها .و تشترك الدور المجتمعة في حريم واحد وينتفع به
أهل كل دار بما ال يضر بغيرهم من الجيران؛
-حريم البئر أو الثقب أو أي مورد من موارد المياه السطحية أو الجوفية هو ما يسع واردها ويكون
إحداث شيء فيه ضا ار به أو بمائه.
-حريم الشجرة ما تحتاج إليه في سقيها ومد جذورها وفروعها مع مراعاة األحكام المنصوص عليها
في المواد المتعلقة بقيود الجوار.
و أهمية الحريم تظهر أكثر في الشيء الذي يملك شخص رقبته ويملك آخر منفعته ،كما له أهمية
في أحكام االرتفاق و حقوق الجوار .فيكون فيها ذلك الحريم من قيود التصرف.
-االلتصاق :
االلتصاق سبب من أسباب كسب الملكية يكون بمقتضاه لصاحب الشيء " أن يتملك ما اتصل به
اتصاالً يتعذر معه فصله منه دون تلف".
و يترتب على ذلك أن تتوافر لنشوء االلتصاق الشروط التالية:
-أن يوجد شيئان متميزان أحدهما أكثر أهمية من األخر بحيث يمكن اعتبار أحدهما أصالً واألخر
تابعاً .
-أن يتحد الشيئان بحيث يتعذر فصلهما عن بعضهما دون تلف .
-أال يكون الشيئان مملوكين عند التصاقهما لمالك واحد .
43
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
والفقه اإلسالمي يعرف من هذا االلتصاق وينكر .خاصة ما تعلق منها بترتيب األحكام؛ إذ الفقه
يعتد بالسمة بالموضوعية كما رددنا م ار ار ،فينظر إلى الضرر الحاصل إلى الشيء باعتباره ضر ار
محسوسا ثابتا ،في حين يعتد القانون بنوايا مرتكبي األفعال ( وهذه مسألة تظهر أكثر في االلتصاق بفعل
اإلنسان أو ما يسمى قانونا االلتصاق الصناعي) .
و يقع االلتصاق في العقار كما يقع في المنقول ،لكن مرة أخرى لن تهتم المدونة إال بالعقار .فال
بأس إذن أن نشير إلى أن االلتصاق إذا وقع في منقولين لمالكين مختلفين ،بحيث ال يمكن فصلهما
قضاء وقد اًر ،فإن الفقهاء
ً دون تلف أو نفقة فاحشة ولم يكن هناك اتفاق بين المالكين وكان االلتصاق
يقررون أن يملك صاحب المنقول األكثر قيمة المنقول األخر بقيمته.
و بالعودة إلى أحكام االلتصاق الخاصة بالعقار ،فإنها تتنوع إلى أن تكون قد ار بفعل الطبيعة أو أن
تكون اختيا ار بفعل اإلنسان .
-االلتصاق الطبيعي بالعقار:
الغالب في هذا النوع أن يقع بفعل المياه التي ال دخل لإلنسان فيها .وقد عرض م ح ع أربع حاالت
بهذا الصدد :
-طمي النهر :وهو ما يأتي به السيل إلى أرض يملكها الغير .فهذا يصبح ملكا لصاحب هذه األرض؛
إذ تتركه مياه الفيضان بعد انسحابها فيكون طبقة على األرض تصبح جزًءا منها و ملكاً لصاحبها .لكن
يكون أرضاً جديدة .ربما لوضوح القاعدة بأن األرض التي ال مالك لها
لم يشر المشرع إلى الطمي الذي ّ
هي ملك للدولة أصالة ،و أيضا إلشارته إلى حالة تكون الجزر في الحالة الرابعة اآلتية .
-الحالة التي يغير فيها النهر مجراه و هي الحالة التي أحال فيها المشرع على المادتين 3و 4
من قانون 19.11المتعلق بنظام المياه .50وهي حالة ال تخلو أن يكون النهر غير مجراه بين القديم و
الجديد في عقار مملوك لشخص واحد ،فهذا يأخذ ما انحسر عنه مقابل ما ُغمر من غير تعويض .واما
أن تقع بين ملكين مختلفين ،وفيها ال يعوض من جرى جديدا في أرضه ،بينما يحق لمن صاروا جيرانا
وفق مسطرة و قواعد محددة في المادة 4المشار إليها أعاله. 51
للمجرى القديم أن يأخذوه شفعة
-19القانون رقم 19.11المتعلق بالماء الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.114بتاريخ 13من ربيع األول 12( 1412اغسطس )1111؛ الجريدة الرسمية
عدد 4321بتاريخ 24ربيع اآلخر 20( 1412سبتمبر ،)1111ص .2129
51
مع مالحظة مثيرة أن المشرع أخذ في الشفعة هنا برأي الحنفية ال رأي المالكية .
44
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
-حالة األراضي التي تنحسر عنها المياه الراكدة كالبحيرات و البرك ،فهذه تبقى على حالها ملكا
عاما للدولة ،كما أن األراضي التي تغمرها تلك المياه مؤقتا تظل على ملكية أصحابها.
-حالة الجزر التي قد تتكون بصورة طبيعية داخل المياه اإلقليمية أو داخل البحيرات أو في مجاري
األنهار فإنها أيضا تكون ملكا عاما للدولة.
لكن الحاالت المقصودة في االلتصاق الصناعي تلك التي تكون بين منقول وعقار مملوكين
لشخصين مختلفين ،و بأحوال مختلفة إما أن يكون ذلك بحسن نية واما أن يكون بسوء نية.
و هي األحوال التي قلنا أن الفقه اإلسالمي ال يأخذ بها إال استثناء بسبب نزعته الموضوعية فتكون
فيه بحسب الضرر الالحق بالشيء ال بالشخص .ولقد وجبت هذه اإلشارة ألننا سنذكر الحاالت الواردة في
: 52
المدون ونجملها في اثنتين كبيرتين تحتها فروع
-حالة الزراعة أو إقامة منشآت على أرض الغير :فيما يخص الزراعة ؛ فإذا زرع شخص أرضا
مملوكة للغير بسوء نية ،فإن أخذها مالكها قبل فوات وقت الزراعة فهو مخير بين المطالبة بقلع الزرع مع
التعويض إذا كان له ما يبرره ،و بين تملك الزرع مع دفع نفقاته إلى الزارع منقوصا منها أجرة القلع ،وان
أخذها بعد فوات وقت الزراعة فله الحق في أجرة المثل مع التعويض إن كان له ما يبرره .أما إذا زرع
شخص أرض غيره بحسن نية كمن استأجر أرضا من غير مالكها ،فإن استحق المالك أرضه قبل فوات
52لم يشر المشرع إلى حالة ثالثة كبيرة وهي التي ُتنشأ فيها منشآت أو تزرع وتغرس في أرض الغير بمواد لغير آخر.
45
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقت الزراعة فللزارع أجرة المثل ،وان استحق المالك أرضه بعد فوات وقت الزراعة فليس له إال الحق في
المطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر من المتسبب فيه.
أما ما تعلق بإحداث منشآت أو أغراس أو بناءات بدون علم مالك العقار ،فلهذا األخير الحق إما
في االحتفاظ بها مع أداء قيمة المواد واما إلزام محدثها بإزالتها على نفقته مع إرجاع حالة األرض إلى ما
كانت عليه قبل إحداث األغراس أو البناء أو المنشآت .لكن إن كانت قد أحدثت ممن انتزعت منه األرض
في دعوى استحقاق ولم يحكم عليه برد ثمارها نظ ار لحسن نيته فإن مالك العقار ال يمكنه أن يطالب بإزالة
المنشآت أو األغراس أو البناءات المذكورة ،غير أنه يمكن له الخيار بين أن يؤدي قيمة المواد مع أجرة
اليد العاملة ،أو أن يدفع مبلغا يعادل ما زيد في قيمة الملك.
-حالة إقامة المالك لمنشآت بمواد الغير :يجب على مالك العقار الذي أقام بها بناءات وأغراسا
أداء القيمة التي كانت لتلك المواد وقت استعمالها ،وذلك بغض النظر عما
ومنشآت بمواد ليست لهَ ،
يمكن أن يطالب به من تعويضات وليس لصاحب المواد الحق في أخذها بعدما دخل عليها تغيير .أما إذا
تجاوز مالك بحسن نية حد أرضه عند إقامته بناء عليها وامتد البناء ليشمل جزءا صغي ار من أرض جاره
ال يتجاوز عرضه 19سنتمت ار فإن للمحكمة بعد الموازنة بين مصالح الطرفين إما أن تأمر بإزالة البناء
المقام بأرض الجار على نفقة من أقامه أو أن تجبر مالك الجزء المشغول بالبناء بالتنازل عن ملكيته
لجاره في مقابل تعويض مناسب.
الحيازة فقها هي " وضع اليد على الشيء واالستيالء عليه والتصرف فيه " وزاد الفقهاء مع شرط
الحوز و التصرف ادعاء التملك.
جعل المشرع الحيازة من أسباب الملكية لما صارت مدونة الحقوق العينية في أحكامها تشمل العقار
المحفظ وغير المحفظ .بينما لم تكن من تلك األسباب في ظهير 11رجب 1333الختصاصه حينها
بالعقار المحفظ وهو ما ال يكسب بالحيازة لصفة التطهير الموسوم بها التحفيظ و لكون الحيازة المعروفة
أو ما يسمى في القانون بالحيازة العرضية وهي منظمة بمقتضى المسطرة الممارسة هي ما كان دعوى
و َ
13
كثير من الدارسين يخلطون بين االعتبارين ،و كذا بين نظر الفقه ونظر
المدنية .ولعل ذلك ما جعل ا
القانون .
إن أساس الحيازة مبني في القانون على قواعد التقادم المكسب .و التقادم غير مكسب للحقوق
العينية عند فقهاء المسلمين .ألن التوسيع في الحيازة لم يتجاوز عند متأخري الفقهاء األخذ بالتقادم
باعتباره مانعا عن سماع الدعوى التى تحمى الحق ،ال باعتباره مكسبا للحق أو مسقطا له .لذلك فالوضع
األوفق لنظر الفقه اإلسالمي إلى الحيازة هو ما كان عليه الحال في ظهير .1333
يميز فقهاء المالكية بين الحيازة المثبتة للملك و بين الحيازة المبطلة للملك قبلها ،أما األولى المثبتة
للملك فمحلها الشيء الذي لم يعرف له مالك قبل حائزه (أي أصل الملك مجهول) ،وهذه تكفي فيها عشرة
أشهر أو أكثر وأقل من هذه المدة ال يشهد بها .بينما الثانية محلها أن يعرف مالك الشيء قبل حائزه لتلك
المدة الطويلة (عشر سنين فأكثر) مع جهل أصل مدخل الحائز.
فاألولى هي التي يشير إليها الشيخ خليل بقوله "وصحة الملك بالتصرف ،وعدم المنازع ،و حوز
و اقتصر طال كعشرة أشهر ،وأنه لم يخرج عن ملكه" بينما يشير صاحب التحفة إلى الثانية
عليها أي المبطلة .وهذا يؤكد ما سبق أن قلناه من أخذ المتأخرين بمفهوم التقادم بما يعني سماع الدعوى
ال إكساب الملكية.
أما أنواع الحيازة في الفقه القانوني فاثنان ؛ الحيازة االستحقاقية وهي المنظمة في مدونة الحقوق
العينية ،والحيازة العرضية التي ال تفيد نية التملك وهي التي قلنا آنفا أنها مختصة بالدعوى ومقتضياتها
مسطرية قضائية .
إن شروط الحق هي التي تحدد خصائصه؛ لذلك نبدأ بها كما وردت في المدونة مجملة لنستخلص
الخصائص:
يشترط لصحة حيازة أساسا أال تقوم على ما ليس مشروعا( من غصبٍ لملك الغير وما شابه).
وعلى هذا األساس نلخص الشروط التي اشترطتها م ح ع ،وهي :
أن يكون الحائز واضعا يده على الملك و أن يتصرف فيه تصرف المالك في ملكه
47
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
الهدوء :وهي أن تكون الحيازة قائمة دون اعتراض أو منازعة من الغير ،غير مشوبة بعنف أو
إكراه .
الظهور :أن يباشر الحائز انتفاعه بالحق علنية ال خفية و إال لم تكن محل حماية.
االستمرار :وهي أن تستمر الحيازة المدة المقررة شرعا أو قانونا ،لكن تزول هذه الصفة في الحيازة
إذا وقع مانع مؤقت منع الحائز من السيطرة الفعلية على العقار.
واضافة إلى هذه الخصائص العامة تترتب أخرى مميزة ،منها أن في الحيازة ال يكلف حائز العقار
ببيان وجه مدخله ،خالفا لألسباب الناقلة للملكية .فال يقع عليه عبء اإلثبات إال إذا أدلى منازعه بحجة
على دعواه .وبالمقابل فإنه يمكن للحائز نقلها إلى خلفه باإلرث أو الوصية وبجميع ما تنتقل الملكية .
كما أن الحيازة تصح بمباشرة الحائز نفسه أو بمباشرة الغير عنه وذلك في حالتين؛ الحالة التي
ي ٍُكل ٍّ ٍِف فيها الحائز من تحت إمرته بمباشرتها .و الحالة التي يباشرها النائب الشرعي لصالح فاقد
األهلية أو ناقصها .
األصل أن ُيحاز كل ما ثبت أن ال مالك له بالشروط و الخصائص السالفة ،لكن وضع المشرع
قيودا تتعلق بالمحل سواء ،تعلق باألشخاص أو باألشياء .
من جهة األشخاص ،ينحصر -بمقتضى المادة - 231حق اكتساب العقار بالحيازة باألمد في
المغاربة دون غيرهم؛ فال يحتج بها من لم يحمل الجنسية المغربية أو زالت عنه قبل المطالبة .ثم إن
الحيازة ال محل لها بين األصول و الفروع وبين األزواج ،وال بين الشركاء مطلقا ،و ال من القيم على
مال الغير سواء كان نائبا شرعيا أو وكيال أو مكلفا بإدارة األموال العقارية وأصحاب هذه األموال األقارب.
48
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
أما من جهة الشيء المملوك ،فالقاعدة فيه أن الحيازة تصح في الملك المهمل من األشخاص وال
يستثنى من ذلك إال العقارات المحفظة ،أما أمالك الدولة بشقيها العامة والخاصة و األمالك الجماعية
. 54
والوقفية فال تنال وال تنتزع بالحيازة
-مدة الحيازة:
و مدد الحيازة مأخوذة من أحكام الفقه المالكي ،وفق التنويع السابق بين الحيازة المثبة
الحيازة المبطلة.
-تتنوع المدد في الحيازة المبطلة – وهي التي تقابل الحيازة االستحقاقية عند القانونيين -بحسب
األحوال .فتطول مدتها 19إلى سنين بين األجانب و بين األقارب الذين بينهم عداوة،و تمتد إلى 49
سنة بين األقارب .وهي المدد التي أخذت بها م ح ع.11
-المغارسة:
المغارسة " عقد يعطي بموجبه مالك أرضه آلخر ليغرس فيها على نفقته شج ار مقابل حصة معلومة
من األرض والشجر يستحقها الغارس عند بلوغ الشجر حد اإلطعام" .وتسمى عند غير المالكية المناصبة.
و يجعلون الجمهور منهم قسما من المساقاة.
و حكمها عند الفقهاء الجواز إجماال وان كان ما يستدلون به دليل عام و هو حديث جابر رضي اهلل
عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال( ما من مسلم يغرس غرسا إال كان ما أكل منه صدقة) .56و
14
وهو ما نصت عليه صراحة المادة " 221ال تكتسب بالحيازة :أمالك الدولة العامة والخاصة؛األمالك المحبسة ؛أمالك الجماعات الساللية؛ أمالك الجماعات
المحلية؛ العقارات المحفظة؛ األمالك األخرى المنصوص عليها صراحة في القانون".
11
أنظر المواد من 219إلى 214
56أخرجه اإلمام البخاري في كتاب الحرث والمزارعة -باب فضل الزرع والغرس إذا أكل منه
واإلمام مسلم في كتاب المساقاة – باب فضل الغرس والزرع
49
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
الفقهاء متفقون جملة على صحة أصل المغارسة في األشجار على سبيل اإلجارة .أما المغارسة التي
على سبيل الشركة وصورتها أن تعطى األرض للعامل لغرس األشجار وتكون األرض واألشجار بينهما،
أو األشجار وحدها بينهما فمختلف فيها.
فذهب الحنفية ومعهم جمهور الفقهاء إلى عدم الجواز ،بينما رأى المالكية الجواز بشركة جزء معلوم
في األرض والشجر .و هذه المختلف فيها هي المقصودة بسبب التمليك في المدونة ألنها تكسب
حد اإلطعام اكتسب الغارس حقه العينيصاحبها ملكية تامة تنتج عن عمل .بحيث إذا بلغ الشجر ّ
وتصير األرض والشجر ملكا شائعا بين مالك األرض والغارس بحسب الحصة التي وقع االتفاق عليها في
عقد المغارسة.
50
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
الملك الناقص :
أو الحقوق العينية األصلية المتفرعة عن حق الملكية
الملك الناقص هو تعبير الفقهاء ،فالملكية التامة كما رأينا هي التي يجتمع فيها للمالك ِمل ُ
ك الرقبة
ك منفعتها استغالال واستعماال .لكن قد يحدث أال تبقى للمالك إال الرقبة فيما ينتفع الغير
بالتصرف ومل ُ
استعماال واستغالال بالمملوكـ .فهذه األحوال هي التي يسميها الفقهاء أحوال الملك الناقص ،لكن ال يميل
ك صاحب ملك تام ويعتبر استعمال الغير
التشريع المعاصر إلى هذا التصنيف البديع بل يبقى المال َ
وانتفاعه مجرد قيود تحد من سلطته إما باالختيار أو االضطرار ،كما رأينا في الملكية التامة بنوعيها
الفردية والمشتركة .لكن يبقى الجميع متفقا( فقها وقانونا ) على أنها حقوق أصلية متفرعة عن الملكية في
حالتها المكتملة.
وتجدر اإلشارة بهذا الصدد إلى أن جميع أنواع الحقوق الموصوفة فقها بالملك الناقص ووردت في
م ح ع على سبيل الحصر ( االنتفاع و االستعمال و العمرى والكراء الطويل األمد وحق الزينة و حق
الهواء والتعلية وحق السطحية واالرتفاقات عند الفقهاء ) فهي إنما تخول حقوق االستعمال أو االستغالل
أو هما معا دون حق التصرف في أصل العين التي للمالك أصالة.
وسنتعرض ابتداء لحق االنتفاع و نؤخر حقوق االرتفاق خالفا لما رتبت عليه مدونة الحقوق العينية.
51
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
حق االنتفاع
تعريف حق االنتفاع:
قرر الفقهاء أن االنتفاع إما أن يكون بعقار أو بمنقول وقد يكون بعوض أو بغير عوض؛ فإن كان
االنتفاع بالمنقول بعوض سمي إجارة ،و إن كان بغيرها سمي عارية .أما االنتفاع بالعقار بعوض فيسمى
كراء ،وال يخصون بمصطلح االنتفاع بالعقار إال ما كان بغير عوض.
ثم إن اشتراط عدم العوضية مشروط أيضا بعدم خروج ملك الرقبة من يد صاحبها ،فال تكون هبة
وال صدقة مثال .وهذا التوضيح الزم وان لم يشر إليه المشرع في المادة 71التي تنص على أن حق
االنتفاع " حق عيني يخول للمنتفع استعمال عقار على ملك الغير واستغالله ،وتنقضي مدته لزوما بموت
المنتفع
فهو إذن حق عيني أصلي متفرع عن حق الملكية يمكن صاحبه من تجريد مالك الرقبة من
سلطتي االستعمال واالستغالل فينتفع بهما كما لو كان المالك نفسه ،لكن بشرط المحافظة على كيانها .
صاحبه حق تتبع حقه في أي يد كان من غير واسطة ،كما له أحق األولية
َ و معنى أنه أصلي أنه يخول
في االحتجاج أمام الغير واستيفاء الحقوق.
واألمر المتفق عليه بين الفقهاء و القانونيين -وزكاه التشريع الحقا -هو اتسام هذا الحق بسمة
التوقيت وعدم التأبيد ،لذلك أوضحت المادة 39إمكان تقييده بأجل أو شرط و إذا لم يقع تحديده انتهى
في جميع األحوال بموت المنتفع.
وهو اتفاق مهم في تمييز حق المنتفع عن حق المستأجر؛ فحق االنتفاع وان كان ينشأ أحيانا
باالتفاق كحق الكراء إال أنهما مختلفان من جهة أن حق المكتري حق شخصي بينما حق المنتفع حق
يورث على مذهب
عينين ،ثم إن حق المنتفع ينقضي حتماً بالوفاة بينما حق المكتري أو المستأجر قد ّ
المالكية.
52
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
-نطاق حق االنتفاع:
يقصد بالنطاق األموال التي َيرد عليها و الخاضعة له .ونذ ّكر هنا بما تقرر من حصر المشرع
للحقوق العينية .وبالتبعية فقد حصر ما تقع عليه لذلك جاءت المادة 31لتقرر األموال الخاضعة لحق
االنتفاع فجعلها أربعة ال غير وهي حق االنتفاع على الملكية العقارية؛ و على حق السطحية؛ و على
حق الزينة؛ وعلى حق الهواء أو التعلية.
و المالحظ أن هذا النطاق متاح بحسب ما إذا كان الحق الواقع عليه االنتفاع يسمح لصالحه
بتفويت االستغالل و االستعمال أم ال .لذلك ال يتقرر انتفاع على ما كان انتفاعا في أصله كالعمرى مثال
.
يكتسب حق المنفعة وفق المادة 39بطريقتين :إما باالتفاق أو بمقتضى القانون .
واذا كان من األمور التي تتصور أن يقع هذا الحق باالتفاق أي بالعقد سواء كان هذا العقد بإرادتين
أو بإرادة واحدة كالوصية ،فإن مقصود المشرع بالقانون الحالة التي قررها الفقه اإلسالمي قديما بانتفاع
الورثة بوصية الحمل إلى حين استهالل الموصى له أو انتفاع الولي بأموال من لم يبلغ بمقدار.
وعلى ذلك فإنه ال يكتسب االنتفاع بما تكتسب به الملكية مطلقا كاالستيالء وااللتصاق والميراث -
مثال – يتنافى وكون المنفعة تنقضي حتما بموت المنتفع .
-حقوق المنتفع
53
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
أما حقه في االستعمال فال يقصر على الشيء المنتفع به بل يمتد ليشمل وتوابعه؛ فلو كان شخص
حق ارتفاق على عقار آخر من مثل حق مرور أو
منتفعا بعقار ،وكان مقر ار لذلك العقار في يد مالكه ُ
مسيل ،فإن من حق المنتفع أن ينتفع بذلك االرتفاق ولو لم يتم التنصيص عليه صراحة في العقد .
و أما حق االستغالل فيراد به أمران :أن يستأثر بثمار الشيء و أن يكري حقه مدة انتفاعه.
وتوضيح ذلك أن االستئثار بالثمار أمر مقرر بسبب جمع االنتفاع لحقي االستعمال واالستغالل ،شريطة
أن يكون ذلك مدة االنتفاع .سواء كانت الثمار طبيعية مما تنتج األرض أو مما ينتج الحيوان أو كانت
ثما ار صناعية كالمحصوالت الزراعية .أومن تلك الثمار مسماة مدنية ،وهي التي يحصلها مثال من أجرة
كراء حقه في االنتفاع بالمنتفع به .
ويلزم التنبيه هنا أن هذا الكراء ال يقع على مقتضيات قانون الكراء المدني ( ظهير 11إلى حين
دخول قانون الكراء الجديد حيز التنفيذ) ألن هذا الكراء يخول للمكتري حق التعويض عن اإلخالء وهذا
حق ال يملكه المنتفع ليمنحه.
-التزامات المنتفع:
تنشأ هذه االلتزامات من تسلم المنتفع به ،فيتسلم المنتفع العقارات في الحالة التي توجد عليها غير
أنه ال يمكنه الشروع في استغاللها إال بعد تنظيم كشف بحالتها بحضور كل من المالك والمنتفع .وعموم
هذه االلتزامات كالتالي:
استعمال الشيء بحسب ما اعد له :فعلى المنتفع أن يستعمل الشيء بحسب ما أعد له؛ -
فليس له أن يغير من طريقة استعماله وليس أن يستعمل الشيء استعماالً يؤدي إلى استهالكه أو إتالفه.
حفظ الشيء وضمان الهالك :على المنتفع حفظ الشيء المنتفع به وأن يبذل في حفظه -
العناية الالزمة و إال كان مسؤوال عن هالك الشيء .فإذا أثبت بذل العناية المطلوبة فال يضمن إذا ما
وقع تلف بالشيء .لكن إذا تأخر عن رد الشيء إلى صاحبه بعد انتهاء المدة من االنتفاع فانه يضمن
هالكه ولو كان الهالك بدون تعد منه ،يصير بتأخره في الرد غاصباً.
54
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
التكاليف والنفقات :يلتزم المنتفع بالتكاليف والنفقات المعتادة التي تقتضيها صيانة الشيء -
المنتفع به ؛ فهذه النفقات يتحملها المنتفع بسبب استفادته من الشيء .لكن نفقات اإلصالحات الجسيمة
والتكاليف غير المعتادة -كما لو انهدمت الدار أو وقوع حريق أو غمر مياه الفياضانات فتكون على
المالك بال جبر عليه ،إال أن يكون ذلك برضا المنتفع واختياره.
-انقضاء حق المنفعة:
-انقضاء األجل أو موت المنتفع :تقدم أن حق المنفعة حق مؤقت ولهذا فإنه ينقضي عادة
بانقضاء األجل المعين له في العقد .إذا خال التعاقد من بيان األجل عد حق المنفعة مقر اًر مدى حياة
و ال ينتقل إلى المنتفع .وينقضي حتماً بموت المنتفع حتى قبل انقضاء األجل المعين في السند
ورثته ،وكل اتفاق على خالف ذلك يعتبر باطالً بطالناً مطلقاً .و إذا كان حق المنفعة مقر اًر لعدة
أشخاص على التعاقب ومات أحدهم انتقل الحق إلى الذي يليه و اذا كان مقر اًر لعدة أشخاص على
التعاقب ومات احدهم فان حق المنفعة ينقضي بالنسبة اليه وال تضاف حصته الى حصص المنتفعين
الباقين.
-هالك الشيء المنتفع به :ينقضي حق المنفعة اذا هلك الشيء هالكاً كلياً لتخلف محل الحق .
-اجتماع صفتي المالك والمنتفع في شخص واحد :اذا اجتمعت في شخص واحد صفتا المالك
والمنتفع انقضى الحق لزوما ،وهو ما يعبر عنه باتحاد الذمة .
-عدم االستعمال :يزول حق المنفعة بعدم االستعمال بمدة خمس عشر سنة في أغلب التقنينات.
ويشترط لسقوط حق المنفعة أن يكون عدم استعمال المنتفع لحقه شامالً ومستم اًر طوال مدة التقادم وترتب
على ذلك انه اذا كان الشيء المنتفع به ارضاً وزرع المنتفع قسماً منها واهمل القسم االخر المدة المقررة
قانوناً فإن حقه الينقضي الن عدم االستعمال لم يكن شامالً لكل الشيء المنتفع به.
55
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
-االستعمال في غير أعد له الشيء :على المنتفع ان يستعمل الشيء المنتفع به بحسب ما اعد له فأذا
استعمل المنتفع الشيء استعماالً ال يتفق مع طبيعته او استعمله استعماالً غير مشروع كان للمالك ان
يعترض على هذا االستعمال و يطلب انتزاعه منه .
-تنازل المنتفع عن حقه :وينقضي حق المنفعة اذا تنازل عنه صاحبه بعوض أو بغير عوض لمصلحة
مالك الرقبة او لمصلحة الغير باتفاق مع المالك أو بارادة المنتفع المنفردة .ويرى بعض الفقهاء أن التنازل
عن حق االنتفاع غير ممكن إال لصال المالك .
حقوق االرتفاق
حق االرتفاق” هو حق عيني في عقار لمنفعة عقار آخر كإجراء الماء على أرض الجار ،أو
المرور في أرض الغير ونحو ذلك " ف إذا تقرر حق االرتفاق لفائدة عقار معين فإنه يخول صاحبه كل ما
هو الزم الستعمال ذلك الحق .ويفهم من ذلك أن حق االرتفاق ال يتقرر على منقول ،كما يفهم منه أيضا
أال يكون عقا ار بالتخصيص بل عقا ار بطبيعته.
وبسبب االرتفاق تنشأ التزامات متبادلة بين مال َكي العقارين .و الحكم العام عند الفقهاء في
االرتفاقات أنها تبقى ما لم يترتب على بقائها ضرر؛ فيلتزم صاحب العقار المخدوم باستعمال المرفق بأقل
ضرر ،كما يتحمل المصاريف التي تترتب على استعماله ،وبالمقابل ال يحق لصاحب العقار الخادم أن
يمنع عن االرتفاق .ولقد ذهب الفقه اإلسالمي أبعد من ذلك لما أوجب على اإلمام اإلنفاق على المرافق
العامة من خزانة الدولة ،تحقيقاً لمصلحة الناس ،ودفعاً للضرر عنهم .فإن لم يكن في بيت المال ما
ُيصلح به ما فسد منها أجبر اإلمام الناس على إصالحها دفع ًا للضرر ،فيكون على القادرين النفقة ،وعلى
غير القادرين العمل بأنفسهم ،ونفقتهم على األغنياء.
و يكيف الفقهاء رحمهم اهلل االرتفاق على أحوال الملك الناقص كما سبق إليه اإلشارة ،بينما ال يراه
القانونيون – لعدم تصنيف الملكية إال تامة وناقصة -إال حقوقا و تحمالت مترتبة لعقار على آخر تمكن
المرتفق من إنشاء حقوق عينية على عقار.
56
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
لكن إذا قلنا إن فقهاء المسلمين يجعلون االرتفاق من أبواب الملك الناقص خالفا للقانونيين ،فإن
حق االنتفاع سواء ،وهو غير صحيح .لذلك نشير إلى أهم الفروق بينهما حتى ال
ذلك قد يوحي أنه و ُ
يختلطا:
-إن االرتفاق مقرر لصالح عقار بينما المنفعة مقررة لشخص بعينهز
-إن االرتفاق ال يقرر إال على العقار بينما االنتفاع يقرر على العقار والمنقول.
-خصائص حق االرتفاق:
-خاصية الحجة على الكافة :إن قوة حق االرتفاق العينية تتجاوز االحتجاج به في مواجهة مالك
العقار الخادم إلى االحتجاج به في مواجهة الكافة .
-خاصية االتحاد :معناه أن االرتفاق ال ينفك عن العقار؛ فينتقل معه ويجري عليه ما يجري على
العقار من تصرفات .إذ ال يجوز التصرف فيه مستقالً عن العقار بالبيع أو رهن أو غيرهما من التصرفات
الممكنة .
-خاصية الدوام :وهي صفة متفرعة عن الخاصية السابقة ،لذلك فالمقصود به دوام االرتفاق بدوام
محله .
-ارتفاق عام ثابت للناس جميعاً ومحله األمالك العامة كاألنهار والطرق والجسور ونحوها مما ال
يختص به أحد.
57
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
-ارتفاق خاص ومحله األمالك الخاصة بفرد ال يثبت فيها حق االرتفاق عليها إال بإذن المالك.
-أسباب االرتفاق:
يجملها الفقهاء في ثالثة :االشتراك العام -،االشتراط في العقود - ،القدم .بينما تقرر المدونة بما
أو بحكم القانون أو ال يبعد عن ذلك في المادة 33بأنه ينشأ إما عن الوضعية الطبيعية لألماكن
باتفاق المالكين لذلك من يجمل أنواع االرتفاق في القانون إلى طبيعية وقانونية .أما من جهة التفصيل فإن
أسباب كسب حقوق االرتفاق باإلضافة إلى العقد و الميراث والوصية.،
فإن القدم يقصد به صالحية االحتجاج بقدم حق المرور وحق المجرى وحق المسيل وغيرها من
حقوق االرتفاق الظاهرة واستمرار حيازتها مدة طويلة إذا ثبت فيها حسن النية واالستمرار ،وتخصيص
المالك األصلي أو باالتفاق ،فمعناه أن يكون العقاران الخادم والمخدوم مملوكين لشخصين مختلفين
فينشئان حق االرتفاق دون حاجة مرور زمان بشروط االرتفاق وخصائصه السالفة .
-أنواع االرتفاق:
أنواع االرتفاقات على اإلجمال اثنان طبيعة أو قانونية -كما تقدم .-لكن حقوق االرتفاق التفصيلية
تختلف بحسب حاجات الناس .ونقتصر على تلك التي قررت مدونة الحقوق العينية ،وهي حق الشرب
المطل57. وحق المجرى وحق الصرف ( أو المسيل) وحق المرور و حق
-حق الشرب :هو حق عيني بحصة دورية في الماء لسقي األراضي و ما التصق بها من غرس
وشجر .وهو حق مقرر لكل شخص في موارد المياه العامة بمختلف وجوه االنتفاع ،إال أن يتعلق بمورد
خاص حينها ال يجوز إال برضى صاحبه .لكن ليس ذلك االختصاص على إطالقه؛ فإذا استوفى المالك
حاجته منه جاز لجيرانه المالك استغالل مورد الماء بقدر حاجة أراضيهم على أن يشتركوا في نفقات
إنشاء وصيانة مورد الماء بنسبة مساحة أراضيهم التي تنتفع منه.
57
من المواد من 50إلى المادة 68
58
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
إذا لم يتفق أصحاب حق الشرب على القيام باإلصالحات الضرورية لموارد المياه أو فروعها أو
الجدول المشترك جاز إلزامهم بنسبة مساحة أراضيهم التي تنتفع منها ،وذلك بناء على طلب أي واحد
منهم.
حق الشرب ينتقل لزوما تبعا النتقال ملكية األرض التي تنتفع به .لكن إذا كان مورد الماء مشتركا
فليس ألحد من الشركاء أن يرتب عليه لفائدة الغير حق الشرب إال بموافقتهم جميعا.
حق المجرى :المراد بهذا الحق " تمرير ماء الري من مورده بأرض الغير للوصول به إلى األرض
المراد سقيها ".
فلزم من ذلك أن يحصل صاحبه على حق مرور المياه في األراضي الواقعة بين أرضه وبين ذلك
المورد مقابل تعويض مناسب يدفع مقدما ،كما يراعى ارتكاب الضرر األخف في ملك الغير عند إقامة
مساريب جريان الماء .وبالمقابل ُيمنع المالك من التعرض لصاحب حق المجرى من ممارسة حقه بما في
ذلك دخول أرضه كلما اقتضته الحاجة الحال إلجراء اإلصالحات من ترميم وتعهد وغيرها مما هو واقع
أصالة على عاتق المستفيد.
-حق المسيل أو الصرف :ينشأ هذا الحق في حالة " سيالن المياه سيالنا طبيعيا ال يد لإلنسان
فيه بين عقارين أحدهما مرتفع و اآلخر منخفض يتلقي المياه السائلة" .
فيحق تبعا لذلك لصاحب األرض العليا أن يصرف الزائد عن حاجته من مياه األمطار وغيرها على
األرض المنخفضة دون ضرر أو بأقل ما يمكن إال إذا كان مما ال يمكن تفاديه ،كل ذلك مقابل تعويض
مناسب يدفع مقدما .مع مراعاة القاعدة العامة في إحداث األبنية بأن تقام سطوحها وشرفاتها بشكل يسمح
بمسيل مياه األمطار ونحوها على أرضه ال على أرض جاره .و ال يحق بالمقابل لصاحب األرض
المنخفضة أن يقيم حاج از أو سدا ليمنع تدفق المياه على أرضه .و تجدر اإلشارة بهذا الصدد ،أن حق
الصرف لما شبيها بحق المجرى من جهات كثيرة فإن المشرع رتب عليه بمقتضى المادة 23االلتزامات
المتبادلة نفسها الناشئة بين صاحب الحق و صاحب األرض حقوقه .
59
مادة الحقوق العينية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدكتور :حسن القصاب ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
-حق المرور :هو حق مقرر لكل عقار ليس له منفذ إلى الطريق العام أو له منفذ لكنه ال يكفي
مالكه للتمتع بكامل حقوقه عليه .فيحق له لذلك أن يحصل على ممر في أرض الجار مقابل تعويض
مناسب وأن يتم ذلك بما ال يسبب للجار صاحب األرض المرتفق بها إال أقل ضرر.
وقد يحدث أن يكون لعقار مملوك على الشياع منفذ إلى الطريق ،فلما قسم صارت بعض أجزائه
محصورة وال منفذ لها إلى الطريق العمومي .ففي هذه الحالة ال يجوز لمالكها المطالبة بالمرور إال في
األجزاء التي كانت موضوع التقسيم .أما لم يكن ذلك ممكنا فإنهم يعاملون كما لو كان هذا العقار مما ال
منفذ له ابتداء ،فيترتب على ذلك أن يستفيدوا من حق االرتفاق في ملك الجار مقابل تعويض ووفق
الشروط األولى .
-حق المطل :سبقت اإلشارة إلى أحكام المطل في قيود الملكية بسبب الجوار .وموجب االرتفاق
فيها هنا هو تعارض الضرورة مع حقوق الغير.
لذلك فهذه المطالت على تفصيل؛ فمن حيث األصل فإن المالك ال يقيد بأي قيد في المطالت
والشرفات التي يفتحها على الطريق العامة ،كما له أن يبني في حدود أرضه دون مراعاة النوافذ والشبابيك
المفتوحة على ملكه إال إذا وجدت اتفاقات مخالفة.
لكن في حاالت الجوار ،فإما أن العقارين ملتصقين أو متقاربين .فأما حالة الحائط المالصق فال
يجوز لصاحبه أن يفتح فيه نوافذ أو شبابيك أو أي فتحات إال برضى صاحب الملك المجاور.
-انقضاء االرتفاقات:
نبهنا سابقا إلى تميز االرتفاق عن االنتفاع بميزة الدوام ،لكنه دوام نسبي ال يمنعه من االنقضاء كما
قد ينتهي الملك التام نفسه؛ فلكل حق شروط نشأة وشروط انقضاء ال تناقض خصائصه المميزة ،وعليه
فإن االرتفاق ينتهي في أحوال مخصوصة نجملها في ثالث حاالت عامة ،وهي:
-اجتماع العقارين في يد مالك واحد أو بالتنازل عن حق االرتفاق ممن له الحق فيه .
-هالك العقار المرتفق أو العقار المرتفق به هالكا كليا أو بمآلهما إلى حال ال يمكن معها
استعمال الحق.
61