You are on page 1of 19

‫تلخيص كتاب حياة تالفة‪:‬‬

‫أزمة النفس الحديثة‬

‫تأليف‪:‬‬

‫تود سلون‬

‫ترجمة ‪:‬‬

‫د‪.‬عبدالله بن سعيد الشهري‬

‫تلخيص‪:‬‬

‫أ‪.‬فؤاد العمري‬
‫منصة إدراك المعرفية©‬

‫‪WWW.EDRAKMU.COM‬‬

‫تاريخ النشر‪ 42 :‬صفر ‪3221‬هـ الموافق لـ ‪4143/31/13‬م‬

‫الآراء الواردة في هذه الورقة‪/‬الكتاب لا تعبر بالضرورة عن رأي الناشر‪.‬‬


‫ملخص لكتاب‪ :‬حياة تالفة أزمة النفس الحديثة‬

‫تأليف‪ :‬تود سلون‬

‫ترجمة‪ :‬د‪.‬عبدهللا بن سعيد الشهري‬

‫مجاالن من العيش يبدو أنهما ال يُستشكالن إال عبر طرق تعتبر حديثة‪:‬‬

‫األول‪ :‬متصل بعملية اكتساب المعاش‪ ،‬بتأمين البقاء اقتصادياً‪ ،‬بالصعود‬


‫مهنياً‪ ،‬وإنجاز المشاريع الخاصة‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬عالم العالقات مع "اآلخرين المهمّين"‪ ،‬بما فيها روابط األسرة‪،‬‬


‫وعالقات العمل‪ ،‬والصداقات‪ ،‬والمواقف الغرامية‪.‬‬

‫األول يجمع الكاتب وصفه في " المشاريع الشخصية"‪ ،‬والثاني يندرج‬


‫في "العالقات االجتماعية "؛ وتحت تأثير الحداثة يتمايز فضاءً الحياة هذان‬
‫عن بعضهما على نحو مدهش‪ ،‬وقضايا هذين المجالين ال تصبح مؤرقة‬
‫لمعظم الناس إال في سياق الحداثة‪.‬‬

‫ويظهر جانب من أكثر جوانب المعضلة الحديثة إثارة لالهتمام‪ ،‬وهو‬


‫انهيار المعنى؛ فبغياب التفكر المنظم في الخيوط التي تصل حياتنا‬
‫اليومية بالتغيرات المحلية واالجتماعية‪ ،‬أضحى فهم داللة األشياء صعباً‬
‫بالفعل‪ ،‬ومما يتصل مباشرة بأصل العراقيل التي تحول دون فهم النفس‬
‫فهماً كونيا وتاريخي ًا تلك الرزية التي حلت بكثير منا في العثور على معنى‬
‫فيما يفعل أو اإلحساس به‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫إن سؤال المعنى يفسر تحول الماليين حين يلتفتون إلى الممارسات‬
‫الروحية أو األيدلوجيات الدينية للحصول على جواب‪ .‬إنهم يعثرون فيها على‬
‫رؤى كونية تؤويهم إلى مستوى متعال من نوع ما‪ ،‬وتزودهم بمعنى عن غاية‬
‫الحياة‪.‬‬

‫تبرز مشكلة المغزى بشكل مباشر في مستوى الحياة اليومي أكثر من‬
‫بروزها في مستوى الرؤى الكونية‪ .‬فاألنشطة تأخذ في الرتابة‪ ،‬وهوايات‬
‫المرء المفضلة تصبح قديمة‪.‬‬

‫يضيق المرء ذرع ًا بأنماط التفاعل المعتادة مع األصدقاء عندئذ‬


‫يتساءل المرء تلقائي ًا ما فائدة هذا كله؟ وإلى أين ينتهي بي؟‬

‫وفي الجملة؛ سواء علم الناس بذلك أم لم يعلموا‪ ،‬مدار المعضلة‬


‫الحديثة على قضية المعنى‪.‬‬

‫تعتبر الحداثة السياق المرجعي ‪ ،‬والتي تشتمل على سمات مثل سبل‬
‫العيش الحضرية‪ ،‬االنكشاف على وسائل اإلعالم الجماهيري‪ ،‬االحتكاك‬
‫باألعمال والمؤسسات البيروقراطية‪ ،‬الصدام بين القيم‪.‬‬

‫إن شكل التطور الذي طرحة أنصار التحديث هو في الواقع استعمار‬


‫جديد‪ ،‬لبوس آخر لالستغالل الرأسمالي األمريكي األوروبي في دول المحيط‪.‬‬

‫إن التحديث يعني أن الرأسمالية يجب أن تخترق أخيراً كل فضاء في‬


‫المجتمع‪.‬‬

‫لقد أصبح تثبيت القيم البرجوازية (السوق‪ ،‬الربح‪ ،‬والمؤسسة) هو‬


‫األيديولوجيا المهيمنة‪ ،‬وبات التغني –أو الصدع– بمحامدها شغل اإلعالم‬
‫كله‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫الوقع النفسي للتحديث‬
‫يبدو أن الرضا سلعة نادرة في مستودع التجربة الحديثة ‪ ،‬فنحن ندفع‬
‫الثمن النفسي ألسلوب العيش الذي نصفه بأنه ’حديث‘‪ ،‬ندفعه بعمالت‬
‫عاطفية مختلفة‪ :‬العجز عن التركيز‪ ،‬القلق الغامض‪ ،‬فقدان اإليمان‪،‬‬
‫الشعور بأال شيء يستحق اإلنجاز‪ ...‬عادات العمل المهووسة‪ ،‬السأم من‬
‫اآلخرين‪ ،‬الغربة واالغتراب‪ ،‬الوحدة واالكتئاب‪.‬‬

‫ومن أشد المسائل البحثية صعوبة أمام عالم االجتماع هو اإلجابة على‬
‫سؤال‪ :‬كيف أثرت الحداثة في األبنية األساسية للشخصية البشرية‪.‬‬

‫وفي محاولة علماء االجتماع تفسير الواقع النفسي الذي يتركه‬


‫التحديث في الوعي؛ فإنهم يشيرون إلى التحديث بأنه‪ :‬العوامل المؤسسية‬
‫المرافقة لنمو اقتصادي مدفوع بالتقنية أو نمو وانتشار جملة من‬
‫المؤسسات المتجذرة في تحول االقتصاد بفعل التقنية‪.‬‬

‫أما "الوعي" فيشير إلى التجارب والصيغ الشخصية للفهم في الحياة‬


‫اليومية‪.‬‬

‫إ ن نمط اإلدراك الالزم للعمل الصناعي يفشو في المجتمع عبر‬


‫وسائط فرعية مثل المدرسة واإلعالم الموجّه‪.‬‬

‫استعمار عالم الحياة‬

‫النظام وعالم الحياة‬

‫يعرض الكاتب فكرة يورغن هايبرماس عن استعمار النظام لعالم‬


‫الحياة‪ :‬حيث تتألف المجتمعات من مؤسسات وأنشطة تؤدي جملة من‬
‫الوظائف الجوهرية ‪ ،‬ويمكن تقسيم هذه الوظائف إلى فئتين ‪:‬‬

‫‪)1‬النظام‪.‬‬

‫‪ )2‬عالم الحياة‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ -‬أما النظام؛ فيشير إلى المعارف واألنشطة المتعلقة بإعادة إنتاج‬
‫المجتمع إنتاجاً مادياً‪ ،‬حيث يصاحب كل ممارسة من هذه الممارسات‬
‫معلومات أو معارف تخبر الفاعلين بواقع الحال في العالم الموضوعي‪،‬‬
‫وبكيفية تدبير شؤونه‪.‬‬

‫‪ -‬وأما عالم الحياة؛ فيشير إلى األساس االجتماعي الثقافي لعملية‬


‫التواصل‪ ،‬فعالم الحياة بصفته مستودعاً للمعرفة الجمعية الثقافية‪ ،‬هو‬
‫الذي يمكّن من إعادة إنتاج المجتمع ثقافياً ومؤسسي ًا ونفسياً‪.‬‬

‫ثم يشرح أنه حين يتقدم التحديث تتقلص مساهمة عالم الحياة في‬
‫التطور المجتمعي‪ ،‬فهو ينكمش عندما ينفصل شيئ ًا فشيئاً عن عمليات‬
‫تشغيل النظام‪ ،‬فالمنطق الداخلي للنظام يندفع للتوسع والتطور‬
‫استقالالً عن هموم عالم الحياة‪.‬‬

‫بعبارة أخرى‪ ،‬أفكار الناس العميقة عما ينبغي أن تكون عليه الحياة‬
‫الطيبة تتباعد أكثر فأكثر عن القرارات المأخوذة لتحسين اإلنتاج الصناعي‬
‫ورعاية النمو االقتصادي‪.‬‬

‫كما أن الحداثة تتأسس بعلميات العقلنة التي تتكشف مع سيطرة‬


‫متطلبات النظام على القيم المغروسة في عالم الحياة‪.‬‬

‫تشير العقلنة إلى التنسيق المنظم للفعل البشري لكي يحرز المزيد‬
‫من الغاية التي ينشدها‪ ،‬وتظهر العقلنة حين تنتقد الممارسات والرؤى‬
‫الكونية التقليدية‪ ،‬وتزاح وتراجع في ضوء القيم المرتبطة بالتطور العلمي‬
‫والتقني ‪ -‬قيم نحو الفاعلية‪ ،‬واإلنتاجية‪ ،‬والموضوعية‪ ،‬والحيادية‪.‬‬

‫وحين ُيفصَل النظام عن عالم الحياة‪ ،‬فإن عالم الحياة يتفكك إلى ثالث‬
‫مكونات بنوية بعضها متصل ببعض ‪:‬‬

‫‪ /1‬الثقافة (أنظمة المعرفة والمعنى)‪.‬‬

‫‪ /2‬المجتمع (قواعد التفاعل المجتمعي المنظم)‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪ /3‬والشخصية (الهوية)‪.‬‬

‫إن مارد التحديث يفلت من قمقمه عند تمايز أبنية عالم الحياة‬
‫وخضوعها للعقلنة‪ ،‬فتعزل الشخصية عن الثقافة والمجتمع‪ ،‬وتعزل‬
‫الثقافة عن المجتمع والشخصية‪ ،‬ويعزل المجتمع بنفس المنوال‪.‬‬

‫تتولد من هذه المتايزات درجات جديدة ومهمة من الحرية ال تلبث أن‬


‫تتجذر مع مزيد من التمايز والمراجعة النقدية‪.‬‬

‫فحين يتباعد فضاء الثقافة والمجتمع فإن الرؤى الكونية الدينية‬


‫وغيرها من الرؤى تفقد سلطتها المباشرة على المؤسسات االجتماعية‪.‬‬

‫وحالماً يعترض التطور عمليات عالم الحياة المتصلة بإعادة إنتاج‬


‫المجتمع أو الثقافة أو الشخصية فإنه قد يبعثر مصدراً أو أكثر من مصادر‬
‫المعنى‪ ،‬والهوية‪ ،‬والتضامن االجتماعي‪ ،‬ثم إن هذه ’البعثرة‘ تستحيل في‬
‫شعور صاحبها إلى ’أزمة‘‪.‬‬

‫يؤول انفكاك النظام عن عالم الحياة إلى سيطرة إمالءات النظام على‬
‫المكونات المتنوعة لعالم الحياة‪ ،‬فيعاد تنظيمها لتالئم متطلبات نظام‬
‫اإلنتاج ومؤسساته‪.‬‬

‫يمكن مالحظة هذا في العواقب المختلفة للتحديث‪ ،‬تتفكك األسر‬


‫الممتدة المثقلة لكي تمد سوق العمل الحضري الصناعي بوحدات آدمية‬
‫متحركة وفعالة أما التنوع في إعادة اإلنتاج الثقافي فيجري ترشيده عبر‬
‫تعليم الحشود المدار من قبل الدولة‪ ،‬فال تصفو عندئذ إال األساسات‪:‬‬
‫الكتابة‪ ،‬والحساب‪ ،‬واإلحساس بالمواطنة وآليات السوق؛ مثل الدعايات‬
‫ونحوها يجري تطويرها لتشكل المجتمع نفسه‪ ،‬ولتنتج مجموعات سكانية‬
‫تهتم بالعمل من أجل استهالك المنتجات المعروضة من النظام‪.‬‬

‫ينبه هابرماس على أن نموذجه للعقالنية التواصلية يشتمل ضمن ًا‬


‫على ثالثة أنماط موقفية تجاه العالم‪ ،‬إنها تقسم العالم إلى ثالثة عوالم‬
‫فرعية‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫‪ ]1‬العالم الموضوعي لألشياء‪.‬‬

‫‪ ]2‬العالم االجتماعي للعالقات البينية الشخصية‪.‬‬

‫‪ ]3‬العالم الذاتي‪.‬‬

‫وإن كانت "صحة" المجتمع البشري وإعادة إنتاجه معتمدين على نجاح‬
‫نقل عالم الحياة إلى األجيال المتعاقبة‪ ،‬فإن ذلك العالم يتشوه من خالل‬
‫األوجه الرمزية التي طبعها النظام‪ ،‬والتي اعتاد البشر الحديثون الشكاية‬
‫منها‪ :‬الالمعنى‪ ،‬تزعزع الهويات الجمعية‪ ،‬الحيرة‪ ،‬فقدان الوجهة‪ ،‬تناقص‬
‫شرعية السلطات‪ ،‬االغتراب واألمراض ( الباثولوجيات) النفسية‪...‬‬

‫إن هابرماس يجادل فعالً بأن هناك شيئاً في طبيعة التحديث‬


‫الرأسمالي من شأنه أن يبعثر أنشطة التواصل الرمزي على نحو متزايد‪،‬‬
‫ويزيحها بواسطة األشكال العقالنية المعرفية األداتية‪ ،‬وتطبيقاتها‬
‫اإلدارية‪.‬‬

‫ثم بين كيف تأثر كل فضاء من فضاءات عالم الحياة (المجتمع‪،‬‬


‫الثقافة‪ ،‬الشخصية) بعملية التحديث؛ ففي فضاء المجتمع ساهمت‬
‫العقالنية الغربية في تمايز وتطور السوق االقتصادي الرأسمالي والدولة‬
‫البيروقراطية الحديثة‪ ،‬ويحكم القانون الرسمي التنظيم الداخلي لهذه‬
‫القطاعات المجتمعية وتفاعل بعضها مع بعض‪.‬‬

‫أما في الفضاء الثقافي‪ ،‬فقد أطلقت العقالنية الغربية سلسلة من‬


‫اآلليات المعقلنة التي دأبت على هدم الرؤى الكونية الدينية والمغزى‬
‫األخالقي للكون‪ ،‬ففي كل مرة تقدمت فيها المعرفة التجريبية‪ ،‬أو زادت فيها‬
‫سيطرة التقنية وكفاءتها بفعل التنظيم المحسن‪ ،‬زاد التحدي أمام‬
‫مقوالت الصواب الخاصة بالرؤية الكونية الالهوتية‪.‬‬

‫لقد انتقلت السلطة إلى الذين يحققون أهدافهم عبر تطبيق العقالنية‬
‫المعرفية األداتية‪ ،‬لما وقع هذا تحرر فضاء األخالق والقانون من التحكم‬

‫‪6‬‬
‫الديني المباشر ‪ ،‬وأصبحت القواعد القانونية خاضعة للمناقشة والمداولة‬
‫من قبل فاعلين آخرين‪.‬‬

‫كما انتبه ماركس سريعا‪ ،‬كان نموذج التنوير عبارة عن أيديولوجية‬


‫أخضعت مواطني الحداثة الجديدة للعملية التي يطلق عليها هابرماس‬
‫"استعمار عالم الحياة"‪ ،‬والتي تشير إلى زحف العقالنيات المعرفية – األداتية‬
‫على المزيد من فضاءات عالم الحياة‪ ،‬وذلك إلنجاح عمليات السوق وإدارة‬
‫المجتمع بكفاءة‪ :‬المدارس الحكومية‪ ،‬األنظمة القانونية‪ ،‬استطالعات‬
‫السوق‪ ،‬أنظمة العمل‪ ،‬مختلف أشكال المراقبة واالختبار‪ ،‬السجون ودور‬
‫األمراض العقلية‪ ،‬العمل االجتماعي‪ ،‬شؤون الموظفين‪ ،‬وإدارة اإلعالنات‪.‬‬

‫إن استعمار عالم الحياة يعني أن األفراد صاروا أبعد عن تهيئة‬


‫أنفسهم بنحو القيم الذاتية أو القيم العليا‪ .‬لقد أصبحت قراراتهم حول‬
‫طرق التصرف خاضعة إلمالءات البيئة الموجهة باإلدارة‪.‬‬

‫والنتيجة؛ أن الدولة والسوق يبرزان الواقع الحاضر أو القريب على أنه‬


‫المثال المنشود‪.‬‬

‫ومن ثم يفضي التحديث الرأسمالي المتقدم إلى انحطاط الذات الفاعلة‬


‫المستقلة‪.‬‬

‫نعم يمتلك األفراد الحديثون خيارات موضوعية أكثر‪ ،‬والمزيد من‬


‫البدائل المحسوسة‪ ،‬غير أن األطر التي يمارسون داخلها عملية االختيار‬
‫مصنوعة هي األخرى لتتوافق إلى حد كبير مع إمالءات السوق والدولة‬
‫إلعادة إنتاج المجتمع‪.‬‬

‫تشكّل النفس‬
‫إن تكاثر نظريات الشخصية خالل القرن العشرين هو في حد ذاته أثر‬
‫من آثار الحداثة‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫نشأ االهتمام بالرؤى الكبرى التي تناولت طبيعة الفرد – كتلك التي‬
‫طورها فرويد‪ ،‬يونغ‪ ،‬ماسلو‪ ،‬فروم‪ ،‬روجرز ‪ ،‬وهورني نتيجة تنحية العلمانية‬
‫للرؤى الالهوتية عن النفس‪.‬‬

‫‪ -‬يمكن اعتبار النظريات الحديثة حول الشخصية محاوالت لإلجابة عن سؤال‬


‫الغاية من الحياة ومقاصد التطور البشري‪.‬‬
‫‪ -‬أيضاً يعزي االهتمام بنظريات الشخصية إلى سؤال التفرد الذاتي الذي‬
‫فاقمته حياة مجهولة بين الحشود‪.‬‬
‫‪ -‬أخيراً ‪ ،‬لهموم االشتغال بالشخصية اتصال بسؤال أنظمة التوجيه اإلداري‬
‫التي ارتأت ضرورة تطوير استجابات بيروقرواطية أنجع للتعامل مع‬
‫الفروقات الفردية‪.‬‬

‫يشمل مفهوم النفس‪ :‬الخبرات الذهنية والعاطفية الواعية وغير‬


‫الواعية‪ ،‬فهو بهذا االعتبار يحيط بكل أوجه العمليات المستمرة التي تؤلف‬
‫بين األفكار‪ ،‬واالنفعاالت‪ ،‬والذكريات‪ ،‬والتصورات‪ ،‬والقيم‪ ،‬والصور‪ ،‬والخطط‬
‫باختصار؛ كل شيء جرت العادة بحشده تحت مقولة "النفس"‪.‬‬

‫تتطور تدابير النفس المسؤولة عن تحديد نمط الشخصية بفعل‬


‫األنساق البينشخصية؛ أي الحاصلة بين شخصيات متعددة‪ ،‬فيما يكون‬
‫تحديد الصفات اإليجابية‪/‬السلبية األولية مسألة ثقافية تنجز عبر‬
‫مؤسسات التنشئة االجتماعية في مرحلة الطفولة‪.‬‬

‫وعليه؛ فتجارب المعنى وقدرات تمكين العالقات تعتمد كلها على‬


‫عمليات معقدة للهيكلة النفسية في بواكير الطفولة‪.‬‬

‫والتساؤل اآلن عن أثر التحديث الرأسمالي في تشكل النفس‪.‬‬

‫تسلط الرغبة‬

‫الكبت في المجتمع المترف‬

‫‪8‬‬
‫في كتابه " الحضارة والرغبة "‪ ،‬جادل هربرت ماركوزه حول كيفية تمثيل‬
‫الكبت ‪,‬استنباطا للتسلط الممارس من قبل السادة الخارجيين‪.‬‬

‫تاريخياً‪ ،‬لم يصبح الكبت ضروري ًا إال في مرحلة معينة من مراحل التطور‬
‫المجتمعي ذاك المتصل بالتحضر و التمدن والتحديث والتصنيع حين أصبح‬
‫اإلكراه الخارجي والرقابة البوليسية المفرطة للسلوك البشري غير مجديين‪.‬‬

‫يتجلى تشاؤم ماركوزه في كتابة ’االنسان ذو البعد الواحد‘ بأن‬


‫الجماعات التي كانت مهيأة تاريخياً إلحداث التغيير االجتماعي الكبير ‪ ،‬من‬
‫الطبقات العاملة قد أصبحت بفعل الرفاه المادي مندمجة في النظام‬
‫الرأسمالي إلى الحد الذي أفقدهم اإلحساس بالحاجة إلى التغيير‪ .‬إن وعيهم‬
‫يعكس واقع النظام الذي أنتجهم كأفراد ‪ ،‬فقد أصبح غرضهم من الحياة‬
‫إرضاء الذات باالستهالك المادي‪.‬‬

‫لم يكن هناك سوى ’بعد واحد‘ فيه يحيون ويعملون‪ :‬مجتمع‬
‫استهالكي ‪ ،‬مدار بيروقراطيا‪ ،‬ويسند نظاما عسكريا صناعيا مركبا ويستند‬
‫إليه‪.‬‬

‫إشارة ماركوزه إلى "أحادية البعد" على مستوى الثقافة والمجتمع‬


‫والشخصية يمكن فهمها في الخطاب الهابرماسي باعتبارها ناجمة عن‬
‫استعمار عالم الحياة من قبل العقالنية المعرفية األداتية‪.‬‬

‫األسرة باعتبارها فاعالً مؤسسيا‬


‫يسترسل الكاتب مع تحليل ماركوزه لقصور االعتناء بعمليات التنشئة‬
‫االجتماعية التي تنتج أنماط الشخصية‪ ،‬إذ يتفق مع إيريك فروم –وبقية‬
‫مدرسة فرانكفورت‪ -‬في كونهم يعزون أهمية كبرى لدور األسرة في التنشئة‬
‫االجتماعية باعتبارها وكيالً لها‪ ،‬وعبر تأثيرها في بنية النفس والتطور المبكر‬
‫للهوية‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫ولكن األسرة الجديدة؛ والمعروفة باسم األسرة النووية‪ ،‬قد أزاحت‬
‫أنظمة األسرة بمختلف أشكالها‪ ،‬وعززت نمو شخصية ذاتية االعتماد‬
‫ومتوجهة للمستقبل‪ ،‬شخصية تالئم ثقافة النظام الرأسمالي الريادي‪.‬‬

‫وألجل مراكمة رأس المال واستبقاء أنفسها لإلنتاج عمدت األسر‬


‫النووية إلى تطوير طقوس اجتماعية جديدة لضبط الذات‪ ،‬وإرجاء اإلشباع‪،‬‬
‫والتضحية المادية‪.‬‬

‫فانحصرت تلبية الحاجات النفسية والجسدية داخل المنزل وتحت‬


‫قواعد تهذيبية صارمة‪ ،‬وضمن حدود ال تضعف إنتاجية المرء أكثر مما‬
‫ينبغي‪.‬‬

‫كما تحولت العناية بالطفل إلى فرصة واعدة للسوق‪ ،‬رجاء أن يصبح‬
‫منتجاً‪.‬‬

‫وفي المحصلة؛ مثلت األسرة الصف الخلفي التالي الذي يجب‬


‫استعماره‪ ،‬وإخضاعه للعقالنية األداتية تحقيق ًا لمصلحة مراكمة رأس‬
‫المال‪.‬‬

‫التشكالت األيديولوجية وطابعها المتعالي‬


‫يناقش هنا تصور تمزقات عالم الحياة في فضاء تشكل النفس على‬
‫أنها تمزقات ناتجة عن التحديث‪.‬‬

‫حيث تسلك اإليدلوجيا طرقاً متنوعة إلخضاع األفراد للعمليات‬


‫المسؤولة عن إنتاج وإعادة إنتاج النظام االجتماعي المعرقل لتطورهم‪.‬‬

‫ويتطلب اإليضاح تقرير التعريفات المهمة‪:‬‬

‫فاأليديولوجيا ت عني نظاماً من الممارسات والتمثيالت من شأنه أن‬


‫ينتج ويعيد إنتاج العالقات االجتماعية للسيطرة ويبقى عليها‪.‬‬

‫أما البينذاتية فهي عمليات التواصل الرمزي التي يتمكن المشاركون‬


‫بموجبها من التعبير المكشوف عن مصالحهم ورغباتهم ومعضالتهم‬

‫‪10‬‬
‫وشكوكهم بالتظافر مع فهم أكبر لوظيفة النظام االجتماعي في عالقته‬
‫بهذه المصالح‪.‬‬

‫وفي سياق الرأسمالية المتقدمة‪ ،‬تؤدي األيديولوجيا وظيفتها على‬


‫مستوى الفرد عبر أشكال متنوعة من االنشطار بين المعرفة الفكرية‪،‬‬
‫واللغة‪ ،‬وإدراك الواقع االجتماعي‪ ،‬والخبرة العاطفية‪.‬‬

‫أما في الفعل والفهم الذاتي المؤطرين باأليديولوجيا‪ ،‬فسيجد المرء‬


‫األعراض التالية‪:‬‬

‫‪ -‬تصرفات تلقائية التي ال يتوسطها تفكر‪.‬‬


‫‪ -‬تواصل مسدود حول الحاجات المستشعرة‪.‬‬
‫‪ -‬عجز عن التعبير عن الغضب تجاه االستغالل‪.‬‬
‫‪ -‬استسالم للمعاناة الممكن تفاديها‪.‬‬
‫‪ -‬تشظي الوعي‪.‬‬

‫في هذه األعراض يكون المرء واعيا وعياً غامضاً بأن األمور ليست على‬
‫ما يرام وأنه يفضل البحث عن مسلك آخر ‪ ،‬ولكنه عاجز عن السيطرة على‬
‫التشكل األيديولوجي‪.‬‬

‫كل ذلك يدفع الناس إلى معاقرة المسكرات أو تعاطي المخدرات‪،‬‬


‫أو يلجئهم إلى االستسالم قبل أن يبدأوا‪ ،‬واإلذعان‪ ،‬واجتناب المواجهة‪،‬‬
‫والقبول بالجور ‪ ،‬وتجاهل سأمهم‪ ،‬والبقاء بمعزل‪ ،‬والتنازل عن حرياتهم‪.‬‬

‫تدمير المعنى‬
‫نستطيع اآلن أن ندرس كيف يؤدي تمزق العمليات الرمزية لعالم‬
‫الحياة إلى العلل النفسية للـأزمنة الحديثة‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫عند تحليل التحديث الرأسمالي‪ ،‬من المغري رسم تناظر بين استحواذ‬
‫العقالنية المعرفية األداتية وبين انتزاع الترميز المدعوم اجتماعياً وثقافيا‪.‬‬

‫ففي السياقات التي تكافأ فيها المواقف المشيئة للنفس‪ ،‬بالمكانة‬


‫والسلطة والمال‪ ،‬ما يجري تدعيمه هو انتزاع الترميز بدالً عن التكامل‪.‬‬

‫فالنجاح في النظام سيتبع المرء الفاتر ‪ ،‬المجرد من العواطف‪ ،‬الغارق‬


‫في المهام ‪ ،‬العازم على كبت االعتراضات‪ ،‬والسطحي في التمثيل والتأثير‬
‫اإلداري ’المالئم‘‪.‬‬

‫وآلت إلى نوع االضطرابات التي أصبحت متزايدة في المجتمعات‬


‫الصناعية المتقدمة‪ ،‬والتي تنتمي إكلينيكياً إلى عالم االضطرابات‬
‫الشخصية‪ ،‬والنرجسية‪ ،‬واالكتئاب‪.‬‬

‫يتسم كل اضطراب بالفشل في تحقيق أو إدامة العمليات الرمزية‬


‫العليا التي تدعم المقدرة على التفكر الذاتي المستقل‪ ،‬والسيطرة على‬
‫االنفعاالت‪ ،‬والتواصل البينذاتي‪.‬‬

‫وهكذا تمثل االضطرابات قصوراً في تمييز النفس عن اآلخر‪ ،‬وعجزاً عن‬


‫التفكر الذاتي المستقل‪ ،‬ومشكالت حادة في تحقيق العشرة‪ ،‬وسلوك ًا‬
‫اندفاعياً أو مدمراً للذات وصعوبة في الرضا بالسعي الشخصي‪.‬‬

‫في الطور األخير من هذا البحث‪ ،‬نستخلص منظوراً فريداً وجذرياً حول‬
‫التحديث الرأسمالي وأثره في العلميات الرمزية‪.‬‬

‫وذلك باالستناد إلى المنظور يقترحه المنظران االجتماعيان الفرنسيان‬


‫جيل دولوز وفليكس غاتاري‪.‬‬

‫حيث تنزع الرأسمالية إلى إزاحة العالقات الثابتة والمقيدة بين الناس‬
‫واألشياء ‪ ،‬وإحالل وحدة تعادلية مجردة تأذن بالتبادل الحر ‪ ،‬وتبديل كل شيء‬
‫جزافاً مقابل أي شيء‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫فبمسعاها الساخر في تجريد العالم الحديث من القداسة‪ ،‬تقوم‬
‫الرأسمالية بإبادة كل أشكال التحالف واالنتساب ما قبل الحداثية‪ ،‬وتحطيم‬
‫كل القيود الموضوعة على التطور االقتصادي‪ ..‬إن الرأسمالية تنشر عالقات‬
‫السوق في كل مكان‪ ،‬لتنتج فرداً مزوداً بأنا‪/‬أنا عليا‪ ،‬إضافة إلى التشظي‬
‫االجتماعي والنفسي‪.‬‬

‫ومع تقدم التحديث‪ ،‬فإن التقاليد ال تحدد المكانة بقدر ما يحددها‬


‫منطق السوق والسلطة البيروقراطية‪ .‬فالمقتدرون على تلبية متطلبات‬
‫السوق والبنية البيروقراطية سيحظون بالمكانة‪.‬‬

‫إن نظام المكانة الخاص بالمجتمع الطبقي الرأسمالي نظام مشكل‬


‫ألسباب ومنها‪ ،‬أنه يميل إلى إسكات المفتقرين إلى المكانة‪ ،‬ومكافأة‬
‫المظاهر عوض ًا عن الجواهر‪ ،‬وتعزيز األنماط النرجسية‪ ،‬وتشجيع التنافس‬
‫على المكانة عوض ًا عن الحوار وتكوين التوافق‪.‬‬

‫إن قواعد المكانة هي األخرى تصبح إعالماً توجيهياً منزوع اللغة‪ ،‬إنها‬
‫تتلقف األفراد في تنشئتهم االجتماعية المبكرة‪ ،‬وتقيّد فعلهم التواصلي‪،‬‬
‫وتذكي فيهم توقاناً إلى المال والسلطة‪ ،‬توقاناً قهرياً مطوع ًا لخدمة‬
‫النظام‪.‬‬

‫التخلص من االستعمار‬
‫تنقدح جملة من المقترحات في هذا الصدد‪.‬‬

‫سوف يعتمد تخليص عالم الحياة من االستعمار على تعديالت مبكرة‬


‫في التنشئة االجتماعية من شأنها أن تساند تشكل أبنية شخصية تنفي‬
‫المثالية‪ ،‬وتتسم بقدر كاف من التمايز بين النفس اآلخر‪.‬‬

‫كذلك يمكن للمرء أن يتوقع إحساساً بالحاجة إلى الموازنة بين‬


‫االحتياجات الشخصية والمتطلبات الجماعية واالستعداد للتوجه إلى توافق‬
‫تعددي يغطي أكبر قدر ممكن من فضاءات الحياة‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫إليجاد التغييرات المرغوبة؛ فالحاجة إلى رؤى واقعية ممكنة‬
‫لمجتمعات طوباوية سليمة من الفردانية واالستهالكية‪.‬‬

‫لكسر أغالل العبودية‪ ،‬ينبغي على البالغين الذين ضاقوا ذرعاً بالواقع‬
‫المرير أن يفكروا في تعاهد األطفال من أجل تحصين األحالم البديلة‪.‬‬

‫وإن إحدى االستراتيجيات الواعدة تقتضي الوثوق بالعملية التي تنقل‬


‫عبرها القيم من جيل متقدم للجيل التالي‪ ،‬لضمان أن األطفال قد علقوا‬
‫الرسالة التي مؤداها أن التعددية مرغوبة‪ ،‬وأن التغيير االجتماعي ضروري‪.‬‬

‫يحتاج األطفال إلى تواصل مستمر مع طيف واسع متنوع من أولياء‬


‫األمور والمعلمين والمواطنين والعاملين الذين يعتنون بشرح عوالمهم‬
‫الخاصة لألطفال عبر عدسة قيمهم الخاصة‪.‬‬

‫ينبغي ألولياء األمور توكيد التعلم بتعريضهم للتجربة والممارسة‪.‬‬

‫فتخليص عالم الحياة من االستعمار يعتمد في معظمه على فك‬


‫االرتباط بين النشاط الثقافي وتسويق السلع‪.‬‬

‫سيتوجب اختراع أشكال ثقافية للمقاومة تفي بمتطلبات وسائط‬


‫االتصال الجديد وتدويل رأس المال‪.‬‬

‫ولعله أزف الوقت الذي نبتدئ فيه تجربة اجتماعية تنتزع الطفل والبالغ‬
‫من الترفية الفارغ‪ ،‬والصور المعلبة عن النفس‪ ،‬والمعلومات الزائفة التي‬
‫يقدمها اإلعالم ‪..،‬الخ‬

‫ال من‬
‫سيتطلب هذا إغالق التلفاز ألطول مدة زمنية ممكنة لنمنح بد ً‬
‫ذلك أنفسنا فرصة التأمل فيما نقوم به‪.‬‬

‫‪14‬‬

You might also like