You are on page 1of 5

‫ماذا لو كانت األرض مسطحة؟‬

‫وردتني طلبات كثيرة من أحباب غالين أن أكتب حول األرض‪ ،‬أمسطحة هي‪ ،‬أم كروية؟ ما هو موقف‬
‫القرآن‪ ،‬والحس‪ ،‬واللغة‪ ،‬والعلم من هذه املسألة؟‬
‫وأبدأ بالقصة الطريفة كالعادة‪،‬‬
‫كيف نستعمل الهندسة ‪ Geometry‬ملعرفة إذا كانت األرض منبسطة أم كروية أم مسطحة؟‬
‫ينقل لنا الكاتب الفيزيائي الفذ كارل^ ساغان القصة املوثقة التالية‪ ،‬مع شيء يسير من التصرف من قبلي‪:‬‬
‫عاش في القرن الثالث قبل امليالد‪ ،‬فيلسوف عبقري فلكي رياضي جغرافي مؤرخ اسمه إيروتوسثينيز‬
‫ً‬
‫‪ Eratosthenes‬في اإلسكندرية في مصر‪ ،‬والتي كان رئيسا ألمناء مكتبتها‪،‬‬
‫وقرأ في أحد الكتب أنك ترى ظاهرة عجيبة عند املخفر الحدودي األمامي ‪ frontier outpost‬لسيين‬
‫‪( Syene‬أسوان)‪،‬‬
‫إذ إنه عند منارة تبعد خمسمائة ميل عن اإلسكندرية‪،‬‬
‫وفي أطول أيام السنة‪ ،‬يوم االنقالب الصيفي في ‪ 21‬حزيران‪،‬‬
‫حيث إن ظل األعمدة العالية للهياكل تتقاصر حين يقترب النهار من االنتصاف حتى تختفي الظالل تماما‪،‬‬
‫فال تلقي الشمس بأي ظالل على تلك األعمدة‪،‬‬
‫وأن ارتفاع الشمس يصاحبه^ ‪-‬في منتصف النهار تماما‪ -‬انزالق ‪ slither‬أشعتها على جوانب بئر عميق‪،‬‬
‫فتلقي أشعتها تماما في قاع البئر‪ ،‬بال ظل لحواف البئر في قاعه‪،‬‬
‫ولكنها في األيام العادية تبقي على ظل األعمدة‪ ،‬وحواف البئر في قاعه في نفس هذا الوقت من اليوم‪،‬‬
‫فالشمس إذن تتعامد تماما مع تلك األعمدة ومع البئر في ذلك الوقت من يوم االنقالب الصيفي‪،‬‬
‫فقام بمراقبة تلك الظاهرة‪،‬‬
‫وطلب ذلك العالم من آخرين مراقبة الظالل في مناطق أخرى في نفس الوقت من يوم االنقالب‬
‫الصيفي‪ ،‬مثل اإلسكندرية‪^،‬‬
‫فوجدوا أن الظالل ال تختفي‪،‬‬
‫فتم حساب زاوية الظل لألعمدة في اإلسكندرية ب ‪ 7.2‬درجة بالضبط في تلك الساعة‪،‬‬
‫األمر الذي يعني أن سطح األرض منحن‪ ،‬وليس بمسطح‪،‬‬
‫إذ لو كان سطح األرض مسطحا الختفى الظل ألعمدة اإلسكندرية نفسها أيضا‪،‬‬
‫ولو كان ظل األعمدة في أسوان هو هو ظلها في اإلسكندرية‪ ،‬لكانت األرض مسطحة‪،‬‬
‫لكن االختالف يعني أنها كروية‪،‬‬
‫ألن نسبة الظل بالنسبة لتلك املسافة القصيرة (خمسمائة كيلومتر) نسبة عالية جدا ال تنتج عن انحناء‬
‫بسيط لألرض‪ ،‬ولكن تنتج عن تكورها‪،‬‬
‫ألن الشمس بعيدة جدا عن األرض‬
‫بحيث من املفروض أن تكون الظالل الناتجة عن أشعتها متشابهة ألعمدة عمودية متوازية‬
‫على تلك املسافات البسيطة من األرض‪.‬‬
‫كذلك‪ ،‬لو كان تقوس سطح األرض أكثر‪،‬‬
‫لكان طول الظالل أكبر‪،‬‬
‫فال بد إذن أن يكون تقوس سطح األرض على امتداد املسافة بين اإلسكندرية وأسوان هو ‪7.2‬‬
‫درجة‪،‬‬
‫بحيث لو تخيلت عمودين أحدهما في أسوان واآلخر في االسكندرية امتد كل منهما للداخل حتى مركز‬
‫األرض‪،‬‬
‫فإنهما سيتقاطعان^ في مركز األرض وتكون الزاوية بينهما هي ‪ 7.2‬درجة‪،‬‬
‫وحيث إن نسبة الرقم ‪ 7.2‬درجة إلى ‪ 360‬درجة موجودة في الدائرة‪،‬‬
‫هو جزء من خمسين جزءا بالضبط‪،‬‬
‫وقام بقياس املسافة بين املوضع الذي أخذ فيه قراءة الظل في اإلسكندرية‬
‫مع مكان الهيكل في أسوان‪،‬‬
‫فوجدها^ خمسمائة ميل‪ ،‬بقياسات اليوم‪،‬‬
‫أو ثمانمائة كيلومتر‪،‬‬
‫فلو كانت األرض كرة‪،‬‬
‫فإن حاصل ضرب الخمسين في مسافة خمسمائة ميل يعطيك محيط األرض ‪ 25000‬ميل‪،‬‬
‫وأدق رقم يمثل محيط األرض ‪ Earth's circumference‬حاليا هو ‪ 24901‬ميال زائدا ‪ 461‬باأللف من‬
‫امليل‪،‬‬
‫وهو قريب جدا من الرقم الذي توصل إليه‪،‬‬
‫ويدل على الدقة املتناهية^ في القياس باستعمال الهندسة‪.1‬‬
‫وصفت هندسة األرض في القرآن باألوصاف التالية‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Carl Sagan - Cosmos – Eratosthenes.‬‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫ض ك ْيف ُس ِط َحت﴾ الغاشية‪( ،20 :‬واألرض مددناها ) الحجر ‪﴿ ،19‬وهو الذي مد األرض﴾‪،‬‬ ‫ر‬‫‪َ ﴿ ‬و َلى اَأْل ْ‬
‫ِ‬ ‫ِإ‬
‫الرعد ‪( ،3‬واألرض بعد ذلك دحاها) النازعات ‪﴿ ،30‬الذي جعل لكم‪ ‬االرض‪ ‬فراشا والسماء بناء﴾ ﴿‬
‫وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات واالرض‪ ‬اعدت للمتقين﴾‬
‫وهذه اآليات كلها ال يمكن أن تنطبق إال على األرض الكروية‪ ،‬هب أنك نظرت ببصرك إلى مداه‪ ،‬ورأيت‬
‫األرض منبسطة مسطحة ممدودة مدحوة مفروشة‪ ،‬وهذه األلفاظ كلها تنطبق على األرض تماما أينما‬
‫كنت فيها‬
‫سواء أكنت في اليمن أم في أمريكا‪ ،‬أم في القطب الجنوبي أو الشمالي^‬
‫ثم سرت إلى النقطة التي وصل إليها منتهى بصرك‬
‫ونظرت ثانية ببصرك إلى مداه‪ ،‬ال بد أن تجد الوصف القرآني الكريم منطبقا تمام االنطباق على‬
‫األرض في ذلك املوضع‪ ،‬وهكذا تستمر بالنظر وتجد األرض دائما منبسطة مسطحة ممدودة مدحوة‬
‫مفروشة‬
‫فإذا وصلت إلى حافة^ تنقطع عندها أي من تلك األوصاف‪ ،‬فإن هذا يعني أنها لم تعد مدحوة‪ ،‬وال‬
‫مفروشة وال ممدودة وال منبسطة وال مسطحة‪ ،‬بل أصبح لها حافة^ تنتهي عندها‪ ،‬فيكون الوصف‬
‫القرآني غير مطابق للواقع‬
‫أي يكون النص مشكال‪ ،‬يتعارض^ مع املشاهدة الحسية‬
‫وذلك ألن األرض املسطحة سيكون لها حافة إذا وصلت عندها‪ ،‬لن تجد أي امتداد باتجاه البصر ولن‬
‫تجد بعد ذلك ال دحوا وال انبساطا وال تسطيحا‬
‫لذلك فالجسم الوحيد الذي يستمر في امتالكه صفات االمتداد والدحو واالنبساط والتسطيح على مدى‬
‫البصر أينما نظرت هو الجسم الكروي أو البيضاوي‪ ،‬تستمر في السير فيه على مد البصر حتى ترجع‬
‫للنقطة التي ابتدأت منها‪.‬‬
‫لذلك فالذين يدعون أن األرض غير كروية فإنهم يكذبون النص القرآني‪.‬‬
‫على أن النص القرآني أضاف أبعادا أخرى للتأكيد على كروية األرض من خالل حركة الشمس والقمر‬
‫والجبال والليل والنهار‪ ،‬وقد وصفت تداخل الليل في النهار وتداخل النهار بالليل فقال في سورة الزمر‪:‬‬
‫َ َ َ َّ َٰ َٰ َ َأْل ْ َ ْ َ ّ ُ َ ّ ُ َّ ْ َ َ َ َّ َ َ ُ َ ّ ُ َّ َ َ َ َ َّ ْ َ َ َّ َ َّ‬
‫ٱلش ْم َ‬
‫س‬ ‫﴿خلق ٱلسمو ِت وٱ رض ِبٱلح ِق ۖ يك ِور ٱليل على ٱلنه ِار ويك ِور ٱلنهار على ٱلي ِل ۖ وسخر‬
‫ْ َ َّٰ‬ ‫ْ‬ ‫َأ اَل‬ ‫َأِل‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬
‫َوٱلق َم َر ۖ ك ٌّل َي ْج ِرى َج ٍ ۢل ُّم َس ًّمى ۗ ُه َو ٱل َع ِز ُيز ٱلغف ُر﴾‬
‫ْأ َ ُ ُ َ ً َ‬ ‫َ َ‬ ‫وتكو ُير العمامة‪َ :‬ك ْو ُرها‪َ .‬‬ ‫ْ‬
‫ورها‪ ‬ك ْورا‪ :‬الثها عليه‬ ‫مامة على الر س‪ ‬يك‬ ‫وكار ال ِع‬ ‫ِ‬ ‫جاء في لسان العرب‪:‬‬
‫َأ‬ ‫وي َك ّو ُر‪َ  ‬‬ ‫وَأ دارها؛‪ ... ‬وفي التنزيل العزيز‪ُ  :‬ي َك ّو ُر‪َ  ‬‬
‫النهار على الليل؛ ي ُي ْد ِخ ُل هذا على‬ ‫ِ‬
‫الليل على النهار‪ُ  ‬‬
‫ِ‬
‫ُ َ ُّ‬ ‫ُ َّ‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬ ‫َأ‬
‫ضوءها ولف كما تلف‬ ‫ُ‬ ‫الشمس‪ُ :‬ج ِم َع‬‫ُ‬ ‫هذا‪ ،‬و صله من تك ِو ِير العمامة‪ ،‬وهو لفها وجمعها‪ ،‬وك ّ ِو َر ِت‬
‫العمامة‪،‬‬
‫َّ‬
‫الكور‪ :‬الدور‪.‬‬ ‫وتجمع‪ .‬من ذلك ْ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫يدل على د ْو ٍر‬
‫صحيح ّ‬ ‫ٌ‬ ‫وفي معجم مقاييس اللغة‪ :‬الكاف والواو والراء ٌ‬
‫أصل‬
‫َ‬ ‫يقال كار‪َ  ‬ي ُك ُ‬
‫ور‪ ،‬إذا دار‪ .‬وك ْو ُر العمامة‪َ :‬د ْو ُرها‪ ^.‬انتهى‬
‫إذن‪ ،‬فليل األرض مكور على نهارها‪ ^،‬ونهارها^ مكور على ليلها‪ ،‬فهما يلتفان ويدوران حولها ألنها كرة‪ ،‬وال‬
‫يمكن أن يتصور أن يدورا حولها بشكل دائري وهي مسطحة‪.‬‬
‫ويدل على هذا أنه وصف تداخل حركتي الليل والنهار بأوصاف منها‪ :‬يغشي الليل النهار‪ ،‬ويطلبه حثيثا‪^،‬‬
‫ويولج النهار في الليل والعكس‪ ،‬فهذه حركات^ تداخل‪ ،‬حيث إن الليل تغيب فيه الشمس‪ ،‬مصدر اإلضاءة‬
‫لألرض‪ ،‬ولو كانت األرض مسطحة تماما من أولها آلخرها^ ملا غابت عنها الشمس‪ ،‬وال حصل ليل وال‬
‫تداخل الليل في النهار كما هو مشاهد^ بالحس‪.‬‬
‫واإليالج‪ ،‬والغشيان‪ ،‬والطلب والتكوير والسير ﴿والليل إذا يسر﴾ هذه الصفات التي صورت حركة‬
‫الليل والنهار معانيها في اللغة كالتالي‪^:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫الغشاوة الغطاء‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪" ^:‬فأغشيناه ْ^م فهم ال يبصرون"‬
‫وال يمكن أن يغطي الليل النهار إذا كانت األرض منبسطة ألن الشمس لن تزال مشرقة‪ ،‬إال أن تكون‬
‫األرض كروية حتى يمكن لليل أن يغشي ويغطي النهار‬
‫َأ‬ ‫واإليالج‪ ،‬في قوله‪ُ :‬ي ِول ُج‪َ  ‬‬
‫الليل في النهار‪ ‬ويولج‪ ‬النهار في الليل‪ :‬ي يزيد من هذا في ذلك ومن ذلك في هذا‪.‬‬
‫وال يمكن أن يكون معناها^ إال أن الليل والنهار يتقاسمان األربع والعشرين ساعة‪ ،‬فيزيد الليل من النهار‬
‫بقدر ما ينقص مقدار النهار‪ ،‬والعكس‪ ،‬في حركة طلب (يطلبه‪ ،‬والليل إذا يسر‪ ،‬أي يسير‪ ،‬ويغشاه أي‬
‫يغطيه‪ ،‬وهكذا فهي حركات تداخل) وال يمكن أن تتم هذه الحركات إال على سطح كروي له جانب ال‬
‫تظهر فيه الشمس فيكون^ ليال‬
‫وله جانب آخر مقابل للشمس يكون نهارا‪ ،‬وال يمكن أن يتم ذلك إال إذا دارت األرض حول نفسها‬
‫فأمكنت لحركة الليل والنهار أن يتداخال‪ ،‬فيزيد هذا من هذا بمقدار سرعة دوران األرض حول نفسها‬
‫وتعرض األجزاء التي قابلت الشمس لضوئها‪ ،‬وتلك التي تغيب عنها الشمس تتعرض لليل‪.‬‬
‫وهذا هو معنى‪ :‬يكون الليل على النهار ويكور النهار على الليل‬
‫فالقرآن الكريم ال ينطق بأي حال بأي دليل يدعم أن األرض مسطحة تماما‪ ،‬إنما هي‬
‫منبسطة مسطحة مدحوة ممدودة أينما سرت فيها‪ ،‬فهي كرة عظيمة بالنسبة للناظر ال يرى أمامه إال‬
‫انبساطا‬
‫وهذا ال يتم له إال إن كانت كلها كروية‬
‫وينطق القرآن الكريم بأدلة حركة^ األرض ‪ ،‬ومنها الجبال‪ ،‬وتكوير الليل على النهار ‪ ...‬الخ‬
‫وأرى في هذا الكفاية في هذا املوضوع‬
‫والحمد هلل رب العاملين‬
‫ثائر سالمة‪ ،‬أبو مالك‬

You might also like