‫عبدالرمحن بن عزمي‪( .

2114747 ،‬ص‪)138-129‬‬

‫رابعا‪ :‬منـزلة السياق يف الدرس البالغي‪:‬‬

‫البالغيون األولون كانوا يهتمون بشدة بداللة السياق يف درسهم البالغي‪ .‬وقد عدوا سـيبويه من أوائل العلماء‬
‫الذين كتبوا يف البالغة‪ ،‬وذلك لشتماله على العديد من اإلشارات البالغية‪ ،‬حيث أشار يف كتابه إىل داللة‬
‫السياق‪ .‬مث يشري إىل أمهية السياق يف توجيه املعىن وأصوله‪ ،‬ويوضح أن االستغناء عن الضمائر يتطلب معرفة‬
‫املتكلم من يعنيه ورؤية العني للمخاطب‪ ،‬وأن االستخدام الصحيح للضمري حيسن يف احلاالت اليت ال يشاهد‬
‫املتكلم السامع‪ .‬السياق اخلطاب مهم للخطيب‪ .‬هو البيئة واحلال اليت حتيط بالكالم الذي يطلقه املتكلم‪ ،‬وهو‬
‫يشمل حال املتكلم وحال املخاطبني وبيئة اخلطاب املتمثلة يف أفهام املخاطبني وأذواقهم وأقدارهم‪ .‬وهو يساعد‬
‫على فهم النص بشكل أفضل‪ .‬وكذلك‪ ،‬السياق املقايل هو مهم الختيار الوحدة اللغوية الصحيحة‪ ،‬وبشر بن‬
‫املعتمر يشري إىل أمهية السياق وكيفية استخدامه إلحراز املنفعة‪ .‬وينبغي على املتحدث أن يوازن بني أقدار املعاين‪،‬‬
‫وأقدار املقامات وأقدار املستمعني‪ ،‬وذلك لنصيحة السياق املناسب‪ .‬البالغة هي املطابقة لكالم مع مقتضى احلال‬
‫مع الفصاحة‪ .‬واألحوال املختلفة خيتلف عليها مقتضيات خاصة هبا مثل التنكري والتعريف واإلطالق والتقدمي‪.‬‬
‫يقول اخلطيب القزويين أن اخلطاب الذكي يباين اخلطاب الغيب‪ .‬البالغة يساعد على حتقيق املطابقة ملقتضى احلال‬
‫مع الفصاحة‪ .‬وعالوة على ذلك‪ ،‬نظرية النظم اليت أخذها الشيخ عبد القاهر اجلرجاين من علماء األمة السابقني‬
‫هي منهج حتليلي لتذوق النصوص‪ ،‬حيث يستطيع القيام بفقه السياق املقايل من خالل توخي معاين النحو يف‬
‫معاين الكلم وتعلق الكلم بعضها ببعض‪ .‬جيب أن نرتب املعاين أوالً يف نفسنا مث حتذو على ترتيبها األلفاظ يف‬
‫نطقنا‪ .‬الشيخ عبد القاهر اجلرجاين يتحدث عن األمهية من االلتزام بقواعد النحو واألصول‪ ،‬على وجه اخلصوص‬
‫فيما يتعلق بوضع الكلمات وعالقة الكلمات يف اجلملة أو العبارة‪ .‬ويؤكد أن املعىن ومجال اللغة سيظهر فقط من‬
‫خالل االلتزام بأصول النحو‪ .‬ويؤكد أيضا األمهية من فهم الطرق واإلسرتاتيجيات املستخدمة يف النحو‪ ،‬وعدم‬
‫االحنراف منها‪ .‬وغري ذالك‪ ،‬ال ميكن أن تكون القواعد النحوية هي العامل احملدد الوحيد لصحة معىن اجلملة‪ .‬قد‬
‫صحيحا حنويًا ‪ ،‬ولكن قد ال يتم قبوله أو فهمه من قبل اآلخرين‪ .‬جيب على املتكلم التأكد من أن‬
‫ً‬ ‫يكون الكالم‬
‫الكالم الذي يصدره يتوافق مع املعاين واألفكار‪ ،‬وليس حبسب القواعد النحوية فقط‪ .‬املقام هو مفهوم مهم عند‬
‫البالغيون‪ .‬ويشمل اخلطاب يف البالغية غرضه وبيان خصائصه ومساته‪ .‬حبسب أبو هـالل العسـكري‪ ،‬من املهم‬
‫استخدام اللغة بطريقة تتناسب مع مستوى وقوة تفكري اجلمهور‪ .‬املثال‪:‬يف سياق االعتذار‪ ،‬من املهم جتنب احللق‬
‫واخللط‪ .‬قال القاضي علي بن عبد العزيز اجلرجاين ‪:‬ال ينبغي للشاعر أن يتعارض بني أنواع الشعر؛ بل جيب أن‬
‫يرتب الكلمات واجلمل على حسب املعاين بطريقة تلطف وتصرف‪ .‬إن البالغيني هم الذين لديهم فهم أفضل‬
 ‫لنظرية السياق وأهنم مل يضعوا قواعد للغة العربية فحسب بل وضعوا قواعد عامة جلميع اللغات البشرية‪.‬وإن‬
‫املصطلح العريب للسياق قبل العلماء العرب للعصور الطويلة‪ ،‬لكنه مل حيصل على نفس مستوى الرتويج والتعريف‬
‫الذي حصل املصطلح الذي صنعه العامل الغريب‪ .‬وأخريا‪ ،‬يف رأيي إن من الواضح أن السياق يلعب دورا هاما يف‬
‫البالغة واللغة‪ .‬السياق اخلطاب هو مهم للخطيب‪ ،‬ألنه يساعد على فهم النص بشكل أفضل من خالل حتديد‬
‫الظروف اليت يتعرض هلا الكالم‪ .‬كذلك‪ ،‬السياق هو مهم الختيار الوحدة اللغوية الصحيحة وإحراز املنفعة‪.‬‬
‫فالضرورة للخطيب أن يوازن بني األقدار املعاين‪ ،‬والسياق هو العنصر األساسي يف حتقيق هذا الوزن‪.‬‬