You are on page 1of 20

‫ملخص دروس مادة‪ :‬النظريات التربوية‬

‫السنة الثانية ‪ -‬التربية البدنية والرياضية‬


‫أستاذ المادة‪ :‬ك‪ .‬قرابة‬

‫أوال‪ :‬النظريات التربوية ‪ .‬الطبيعة والتعريف‬


‫تمهيد‪:‬‬
‫تعد التربية علما لكونها حقائق منظمة قائمة على التجارب المتعددة ليصبح اإلنسان عضوا صالحا في‬
‫المجتمع‪ ،‬وأن هدف العملية التربوية هو تغير الفرد حتى ينمو ويتغير ويتطور سلوكه ومن ثم يستطيع أن يسهم‬
‫في تغيير وتطوير مجتمعه‪ ،‬و ترتبط التربية بالفرد والمجتمع ‪،‬فهي تحقق أهداف الفرد كما تعمل على تطوير‬
‫المجتمع‪ ،‬ألن األول هو اللبنة األساسية لتكوين الثاني والمجتمع بناء بشري ال يستقيم حاله إال باستقامة وتأهيل‬
‫أفراده‪.‬‬
‫وتتجلى قيمة النظرية التربوية في السعي لتطوير المجال المعرفي داخل حقل ما‪ ،‬والحديث هنا عن حقل‬
‫التربية والتعليم‪ ،‬بالركون إلى البحث واالستقصاء‪ ،‬و إن النظرية التربوية هي المحددة للمناهج‪ ،‬واالتجاهات‬
‫والقي م وأساليب التفكير‪ ،‬وعمليات التحليل والنقد‪ ،‬والفرز والتعليل المنطقي‪ ،‬مما يجعلها غير أحادية ومنفتحة‪،‬‬
‫بل هي مظلة تستظل بها العديد من النظريات األخرى‪ ،‬التي تعمل على شرح النظريات والتطبيقات‪ ،‬والتأويالت‬
‫ذات البعد التربوي‪ ،‬وتفسيرها‪.‬‬

‫‪ -1‬مفهوم النظرية‪:‬‬

‫لغة‪ :‬يدل لفظ النظرية على تقصي الحقيقة والبحث عن المعنى‪ ،‬ولفظ نظرية مشتق من النظر الذي يحمل داللة‬
‫وتقصي معناه وحقيقته بالفهم والتجريب واالختبار‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫معنى التأمل العقلي‪ ،‬و الفعل (نظر)‪ ،‬معناه‪ :‬حاول فهمه‬
‫ض} [يونس‪ ،]101 :‬وتتكرر الدعوة إلى النظر في‬ ‫ت َواأل َ ْر ِّ‬ ‫وفي القرآن الكريم‪{ :‬قُ ِّل ا ْن ُ‬
‫ظ ُروا َما َذا فِّي ال َّ‬
‫س َم َاوا ِّ‬
‫تركيب اإلنسان والحيوان والنبات‪ ،‬وحال المجتمعات‬
‫اصطالحا‪ :‬يحيل لفظ النظرية على معاني التأمل والمالحظة العقلية‪ ،‬باعتبارهما نوعا من أنواع البرهان‪ ،‬ذي‬
‫النسق المتدرج في طرح األفكار من جهة‪ ،‬واالنتقال بها من المقدمات إلى الحصيلة‪ ،‬من جهة أخرى‪.‬‬
‫عرف كيرلنجر )‪ (Kerlinger‬النَّظرية بأنها" مجموعة من البنى أو المفاهيم المتفاعلة‪ ،‬والتعاريف‪،‬‬ ‫وقد َّ‬
‫واالفتراضات‪ ،‬والقضايا التي تمثل وجهة نظر منتظمة لتفسير ظاهرة ما والتنبؤ بها من خالل إيجاد عالقات‬
‫بين متغيرات بهدف تفسيرها وفهمها وضبطها‪".‬‬
‫يقول( ارنولد روس ‪ " ) Ross‬إن النظرية بناء متكامل‪ ،‬يضم مجموعة تعريفات‪ ،‬وافتراضات‪ ،‬وقضايا‬
‫عامة تتعلق بظاهرة معينة‪ ،‬بحيث يمكن أن يستنبط منها منطقيا مجموعة من الفروض القابلة لالختبار"‬
‫يعرف موريس أنجرس النظرية بأنها " ‪:‬مجموعة من المصطلحات والتعريفات واالفتراضات لها عالقة‬
‫ببعضها البعض‪ ،‬والتي تقترح رؤية منظمة للظاهرة‪ ،‬وذلك بهدف عرضها‪ ،‬والتنبؤ بمظاهرها"‪.‬‬
‫ال شك‪ ،‬في أن النظرية تبنى على فرضيات تختبر بالتجربة‪ ،‬وتخضع لمبادئ تتسم بالعقلية؛ الحتمية والسببية‪،‬‬
‫لتنتهي بصياغة قانون ما‪ ،‬في مجال معين‪ ،‬يربط بين ظواهر قابلة إلخضاعها للدراسة أوال‪ ،‬والمنهج ثانيا‪ ،‬و‬
‫تعد النظرية زمرة من االفتراضات والتعميمات‪ ،‬التي تستهدف تقديم تفسيرات لظواهر‪ ،‬والعمل على وصفها‬
‫قبل ذلك‪ ،‬ومن المفاهيم المشكلة لها نجد‪:‬‬
‫– االفتراضات ‪ :‬هي تعميمات إذا حددت العالقة بين مفصلين أو أكثر؛‬
‫‪ -‬الفرضيات‪ :‬هي تعميمات ذات دعم تجريبي محدود؛‬
‫‪ -‬المبادئ‪ :‬هي تعميمات بدعم تجريبي كبير؛‬
‫‪ -‬القوانين‪ :‬هي تعميمات ذات درجة كبيرة من الدعم التجريبي (أكثر من المبادئ)‬
‫‪ -2‬مفهوم التربية ‪:‬‬
‫التربية من الفعل ربا ( ربي) تعني النمو والزيادة‪ ،‬و في القرآن الكريم "وترى األرض هامدة فإذا أنزلنا‬
‫عليها الماء اهتزت و ربت و أنبتت من كل زوج بهيج" ( الحج‪ ،‬اآلية ‪)05‬‬
‫أما اصطالحا " فالتربية هي عملية تنمية متكاملة و دينامية تستهدف مجموع إمكانات الفرد البشري (عقليا‬
‫و جسديا ونفسيا و اجتماعيا و وجدانيا)‪ ،‬تتحقق التربية على أكمل وجه إذا شملت كل النواحي السابقة و عملت‬
‫على تكاملها‪.‬‬
‫والتربية بمعناها الشامل‪ :‬تغيُّر في السلوك وتنميته إلى الدرجة التي تمكن اإلنسان من اإلسهام الفعَّال في‬
‫تحقيق حاجات الحاضر‪ ،‬ومواجهة تحدِّيات المستقبل‪ ،‬وتسخير موارد البيئة وخبرات الماضي عبر رحلة النشأة‬
‫والحياة والمصير‪.‬‬
‫ومن أهداف التربية نمو طاقات الفرد وإمكانياته على أساس احترام شخصيته وإفساح الفرص المناسبة‬
‫أمامه لتنمية هذه الطاقات‪ ،‬وبذلك فالتربية هي عملية نمو شاملة للطفل جسميا وعقليا ‪ ،‬واجتماعيا وسط جماعة‬
‫اجتماعية معينة تعمل على الوصول به إلى أقصى ما تؤهله له قدراته الطبيعية‪.‬‬
‫و التربيـة عمليـة قـصدية متدرجـة بخطـوات ومراحـل متتابعـة محددة األهداف والمحتوى واألسـاليب‬
‫والوسـائل والعمليـات والفعاليـات التي يقـوم عليهـا أفراد مؤهلون متخصصون ‪ ،‬أعدوا للقيام بجميع التزاماتها‬
‫للنهوض بـالفرد المربى وصـوالً إلى أقـصى درجـات الكمـال اإلنساني الممكنـة بتنمية قدراته وامكاناتـه‬
‫ومواهبـه وملكاته واستعداداته المختلفة ‪.‬‬
‫‪ - 3‬النظرية التربوية‪:‬‬
‫إن للنظرية التربوية‪ ،‬الدور نفسه الذي تقوم به النظرية الفيزيائية أو الطبيعية‪ ،‬أو النفسية أو االجتماعية أو‬
‫االقتصادية…‪ ،‬ألنها تعمل على تقديم تصور عام عن ظاهرة ما‪ ،‬حسب المجال‪ ،‬بالبحث عن مكوناتها‪ ،‬وأسبابها‬
‫ونتائجها‪.‬‬

‫‪ 1-3‬تعريفها‪:‬‬
‫هي "مجموعة من المدركات و التصورات المنطقية المنظمة التي يكونها األشخاص حول نظام التربية‬
‫الستخدامها في تطوير هذا األخير (‪ ، ")Y Bertrand‬ومن التعاريف الشائعة للنظرية التربوية أنها " كل تفكير‬
‫يتناول بالتحليل مشكالت التربية‪ ،‬ويقدم اقتراحات للتطوير والتحسين والتغيير والتجديد‪ ،‬وهي مرفقة ومدعمة‬
‫بخلفية من األفكار والمفاهيم المنظمة والمنسجمة بشكل منهجي‪ ،‬غايات و أهداف التربية‪ ،‬التعلم والتعليم‬
‫والتدريس‪ ،‬المعلم مكانته كفاءاته التربوية والبرامج التعليمية وعالقتها بفلسفة وقيم المجتمع‪.‬‬
‫و "قد تأخذ النظرية التربوية بعدا فلسفيا‪ ،‬خاصة إذا تمحورت حول قضية األهداف التربوية التي تشكل‬
‫األساس في كل تربية نظامية مقصودة‪ .‬و قد تكون النظريات التربية أقل شمولية في حال معالجتها ألحد أبعاد‬
‫المنظومة التربوية (المعلم‪ ،‬المتعلم‪ ،‬البيئة التعليمية‪ ،‬طرق التدريس‪ ،‬اإلدارة و التسيير‪.)...‬‬
‫وتعتبر النظرية التربوية نوعا ً مختلفا ً عن النظريات الشائعة في العلم‪ ،‬بينما تكون النظرية العلمية وصفية‬
‫تفسيرية في أساسها‪ ،‬فإن النظرية التربوية ال تحاول تفسير العالم‪ ،‬إذ إن وظيفتها األساسية عالجية إرشادية‪،‬‬
‫وبينما تحاول النظرية العلمية تفسير ما هو قائم‪ ،‬تحاول النظرية التربوية وصف وتقرير ما ينبغي أن نفعله مع‬
‫الناشئة ‪ ،‬وليس معنى هذا أن النظرية التربوية ال تعين على تفسير وفهم ما يحدث في المدارس وغيرها من‬
‫المؤسسات التعليمية‪ ،‬ولكن معناه فقط أن الطابع العملي هو الطابع الغالب على النظرية التربوية‪.‬‬
‫‪ 2-3‬وظائف النظرية التربوية‪:‬‬
‫إن فهمنا لمعنى النظرية يزيد من إدراكنا بعض الوظائف المرتبطة بالنظرية‪ ،‬حيث إن العلماء والمربين‬
‫أن ثمة أربعة وظائف للنظرية في التربية‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫يرون َّ‬
‫الوصف‪ :‬وصف مجال الظاهرة والعوامل التي تشكلها وصفا ً دقيقا ً ومحددا ً وواضحا ً‪.‬‬
‫التفسير والفهم ‪:‬القدرة التفسيرية للنظرية بالظواهر وفهمها فهمها ً عميقا‬
‫التنبؤ‪ :‬القدرة التنبؤية للنظرية بالظواهر واألحداث‬
‫توجيه الممارسة‪ :‬أي استناد خيارات وقرارات المربين والمطبقين في انتقاء الخبرات على مبادئ وأسس‬
‫النَّظرية بهدف تجويد الممارسات الصفية‪. ،‬وهذا يعني في المقام األول انتقاء الخبرات التربوية وتنظيمها بطرق‬
‫منطقية تراعي طبيعة المادة من جمة وخصائص المتعلم وكمتطلبات التنفيذ وظروفه من جهة أخرى‪ ،‬مما يؤدي‬
‫إلى تعظيم األثر التراكمي أو الناتج التربوي للممارسة‪.‬‬

‫‪ -3-3‬أهداف النظريات التربوية‪:‬‬


‫تتولد أهداف النظرية التربوية بشكل مباشر من الفلسفة التربوية‪ ،‬وتقدم تفصيالت أدق وأكثر واقعية لما يرد‬
‫في هذه الفلسفة من أفكار وتصورات ‪ ،‬و تتسم النظريات التربوية بجملة من األهداف تجعل لها أهمية مرموقة‬
‫في دراسة الظاهرة التربية‪ ،‬و لعل من بين أهم هذه األهداف ما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬دراسة الظواهر التربوية من حيث طبيعتها وما تتسم به من خصائص وسمات‪ ،‬والتي بفض هذه األخيرة‬
‫تجعل منها موضوعا متميزا ً لعلم االجتماع التربوي‪.‬‬
‫‪ ‬التعرف على الوقائع الثقافية واالجتماعية والشخصية المرتبطة بالظاهرة التربوية في نشأتها وتطورها‪.‬‬
‫‪ ‬فهم طبيعة العالقات التي تربط الظواهر التربوية بعضها ببعض‪ ،‬والتي تربطها بغيرها من الظواهر‬
‫االجتماعية في المجتمع‪.‬‬
‫‪ ‬الكشف عن أبعاد أو الوظائف االجتماعية‪ ،‬التي تؤديها الظواهر والنظم التربوية بالنسبة للجوانب‬
‫االجتماعية والثقافية في المجتمع‪.‬‬
‫‪ ‬تحديد المضمون األيديولوجي للتربية وآثاره على العمليات التربوية‪ .‬تحديد القوانين االجتماعية العامة‬
‫التي تحكم الظواهر التربوية وما يرتبط بها من وقائع اجتماعية وثقافية وشخصية‪.‬‬

‫‪ 4-3‬مكونات النظرية التربوية‪:‬‬


‫تتكون النظرية التربوية في قسمها النظري من عدة عناصر‪:‬‬
‫أ‪ -‬أصول النظرية التربوية‪.‬‬
‫ترتكز النظرية التربوية على جملة من ا ألصول تعتبر بمثابة األسس التي تقوم عليها أي نظرية تربوية‬
‫مهما اختلفت توجهاتها‪ ،‬ويتفق العديد من المنظرين على جملة من األصول نشير إليها في عنصرين أساسيين‪:‬‬
‫‪-‬األصول الفلسفية‪ ،‬فالعديد من النظرية تأسست في ضوء المبادئ للعديد من المدارس الفلسفية المرموقة والتي‬
‫كان لها حضور قوي في الفلسفة والفكر‪ ،‬على غرار المذهب المثالي األفالطوني‪ ،‬والمذهب الو اقعي‪ ،‬والمذهب‬
‫الطبيعي‪ ،‬والمذهب البراغماتي‪ ،‬دون أن ننسى دور المدرسة اإلسالمية التي استطاعت أن تقدم للبشرية تصورا‬
‫شامال لإلنسان مبني على قواعد النقل ثم العقل‪.‬‬
‫‪-‬األصول العلمية‪ ،‬وتتمثل أساسا في التراث المعرفي التراكمي الذي ميز مختلف العلوم والتخصصات على‬
‫غرار علم النفس وعلم االجتماع وعلم اإلنسان وعلم التاريخ‪ ،‬وحتى علوم اإلعالم واالتصال‪ ،‬وكل منها قدم‬
‫للنظرية التربوية المعرفة العلمية المتخصصة المرتبطة بالفرد والمجتمع‪.‬‬
‫ب‪ -‬فلسفة التربية‪:‬‬

‫و فلسفة التربية تعني " تحديد المكونات الرئيسة لشخصية اإلنسان الذي تتطلَّع التربية إلى إخراجه‪ ،‬والمجتمع‬
‫الذي تعمل على تنميته في ضوء عالقات كل منهما بالمنشأ والكون والحياة واإلنسان والمصير‪ ،‬ولتجسيد هذه‬
‫العالقات في واقع تربوي ملموس تركز فلسفة التربية على أربعة ميادين رئيسة هي (الوجود ‪ -‬المعرفة – القيم‬
‫‪ -‬طبيعة اإلنسان)"‪.‬‬
‫ويرى ( نيللر) إلى أن "فلسفة التربية هي تطبيق الفلسفة النظرية العامة على مجال التربية ويترتب على‬
‫ذلك أن هذه الفلسفة التربوية تقوم بوظائف الفلسفة العامة‪ ،‬فهي تأملية تحليلية ناقدة وهي أيضا ً إرشادية‬
‫توجيهية‪".‬‬
‫‪ -‬فهي تأملية عندما تسعى لتكوين رؤية عن طبيعة كل من اإلنسان والمجتمع والكون والحياة والمعرفة والقيم‬
‫‪ -‬وهي ناقدة وتحليلية حيث تقوم بتحليل المفاهيم ودراسة المسلمات وتوضيح معاني المصطلحات التربوية‪،‬‬
‫كما تقوم بتحليل األهداف التربوية ونقدها وفق قواعد المنطق وتبعا ً للقدرة على التطبيق والتحقق وتقوم بتحليل‬
‫السياسات التربوية والممارسات‪.‬‬
‫‪ -‬وهي إرشادية توجيهية عندما تقترح غايات وأهدافا ً جديدة وعندما تشير باستخدام آليات وأفكار من شأنها أن‬
‫تساعد في مواجهة المشكالت التربوية بصورة أفضل وتوجيه الواقع التربوي لتحقيق أهدافه‪.‬‬
‫وإذا كانت الفلسفة التربوية وثيقة الصلة بالفلسفة العامة و تعتمد على األسلوب الفلسفي والنظريات الفلسفية‬
‫في معالجتها لبعض القضايا األساسية‪ ،‬فإنها أيضا ً أي الفلسفة التربوية تستمد من‪:‬‬
‫‪ ‬معتقدات المجتمع الدينية والسياسية والبد من وجود اتساق بينها وبين مجموعة المعتقدات الدينية‬
‫والسياسية السائدة في المجتمع‪،‬‬
‫‪ ‬ثقافة المجتمع بمعنى عاداته وتقاليده وقيمه وتقنياته وأجهزته المادية وأحواله االقتصادية ومؤسساته‪..‬‬
‫فهي تعبير عن ثقافة المجتمع وتصحيح لها في آن واحد‪ ،‬كما أنها تعكس طموحاته وآماله وأهدافه في‬
‫حياة أفضل ومجتمع أرقى‪ ،‬وثمة رافد رابع لفلسفة التربية‬
‫‪ ‬نتائج البحوث العلمية في شتى نواحي العلم ألنها تفتح آفاق جديدة للمفكر التربوي وتختصر أمامه‬
‫الطريق لتحديد مساره‪.‬‬

‫ج‪ -‬األهداف التربوية‪:‬‬


‫تعد التربية علما لكونها حقائق منظمة قائمة على التجارب المتعددة ليصبح اإلنسان عضوا صالحا في المجتمع‪،‬‬
‫وأن هدف العملية التربوية هو تغير الفرد حتى ينمو ويتغير ويتطور سلوكه ومن ثم يستطيع أن يسهم في تغيير‬
‫وتطوير مجتمعه‪ ،‬و بالرجوع إلى األصول اللغوية واالصطالحية للتربية يمكننا أن نستخلص من تعريفاتها عدة‬
‫معان تتبلور في‪ - :‬المحافظة على فطرة الناشئ و رعايتها ‪ -‬تنمية مواهبه واستعداداته كلها ‪ -‬توجيه هذه‬
‫الفطرة وهذه المواهب نحو صالحها وكمالها الالئق بها‬
‫فاألهداف التربوية هي تلك التغييرات التي يراد حصولها في سلوك اإلنسان الفرد‪ ،‬و في ممارسات و‬
‫اتجاهات المجتمع المحلي أو المجتمعات اإلنسانية‪ ،‬فهي تصف الصفات العقلية والنفسية و الشخصية التي يتمتع‬
‫به ا الفرد المثقف تثقيفا عاليا و هي تصف أيضا االتجاهات و الخصائص االجتماعية التي يتصف بها المجتمع‬
‫الراقي المتحضر ‪ ،‬و هذه األهداف هي الثمرات النهائية للعملية التربوية‪.‬‬
‫‪ 5 -3‬تطبيقات النظرية التربوية‪:‬‬
‫تشكل هذه التطبيقات القسم الثاني العملي من النظرية التربوية‪ ،‬وهي تتكون من العناصر التالية‪:‬‬
‫ا – المنهاج‪:‬‬
‫يحتل المنهج التربوي موقعا ً استراتيجيا ً حساسا ً في العملية التعليمية عندما يُنظر إلى التخطيط التربوي من‬
‫منظور الجودة والنوعية‪ ،‬ألنه الترجمة العملية ألهداف التربية وخططها واتجاهاتها في كل مجتمع‪ ،‬فأفضل‬
‫مدخل وخير وسيلة إلصالح التعليم و تجديده هو تحسين المناهج وتحديدها و تطويرها بمفهومها الشامل‪.‬‬
‫والمنهاج هو مجموعة أنشطة مندمجة يتم تصميمها عن دراية علمية و بمهارة فائقة بعرض بلوغ مرام و‬
‫أهداف محددة سلفا‪ ،‬و يعبر هذا المصطلح عن النوايا أو عن اإلجراءات المحددة سلفا ألجل تحضير أعمال‬
‫بيداغوجية مستقبلية‪ ،‬فهو إذن خطة مستقبلية تتضمن الغايات و المقاصد و األهداف المقصودة و المضامين و‬
‫األنشطة التعليمية و كذا األدوات الديداكتيكية‪ ،‬ثم طرق التعليم و أساليب التقييم‪ ،‬فهو مصاغ أيضا ً باعتباره خطة‬
‫عمل أوسع من برنامج تعليمي‪ ،‬ويتضمن أكثر من برنامج في نفس الوقت‪....‬‬
‫و من هنا أصبحت دراسة المناهج و تخطيطها وتطويرها عملية جوهرية تتم في ضوء قيم فلسفية و اجتماعية‬
‫وسياسية وحضارية مستمدة من المجتمع الذي تخدمه المؤسسة المدرسية‪ ،‬و من تطلعات وحاجات البيئة و‬
‫متطلبات تنميتها‪ ،‬ومن عالقة المجتمع بالمجتمعات األخرى و العالم الذي أصبح قرية صغيرة‪.‬‬
‫ب ‪ -‬المؤسسات‪:‬‬
‫تتعدد المؤسسات التربوية بتعدد حلقات السلوك في الفرد‪ ،‬و كذا تعدد الحاجات والتحديات التي يواجهها المجتمع‬
‫خالل مسيرة التغير اإلنساني وتحدياته طبقًا لحاجات كل عصر ‪ ،‬ولذلك يبقى عدد هذه المؤسسات وأنواعها‬
‫ومسؤولياتها في تطور مستمر ‪ ،‬ولكن يمكن تصنيف هذه المؤسسات بشكل عام إلى خمس مؤسسات هي‪:‬‬
‫‪ -‬مؤسسات التنشئة‪ ،‬ومحورها األسرة‪.‬‬
‫‪ -‬مؤسسات التعليم‪ ،‬ويبدأ محورها من المدرسة وينتهي بالجامعة‪.‬‬
‫‪ -‬مؤسسات اإلرشاد‪ ،‬ومحورها دور العبادة ومؤسسات الثقافة‪.‬‬
‫‪ -‬مؤسسات التوجيه ومحورها مؤسسات اإلعالم‪.‬‬
‫‪ -‬مؤسسات البيئة العامة‪ ،‬ومحورها مؤسسات اإلدارة واألمن‪.‬‬

‫ج ‪ -‬األساليب و الوسائل‪:‬‬
‫تتحدد قيمة األساليب والوسائل وفاعليتها بمقدار إسهامها في بلورة هوية اإلنسان المتعلم‪ ،‬واستخراج قدراته‬
‫وفضائله‪ ،‬وتمكينه من تسخير بيئته المحيطة لتكون محصلة ذلك كله تقلده المركز المحترم في المجتمع‪.‬‬
‫و تستخدم األساليب التربوية واو الطرائق التربوية البيداغوجية في معنى عام للداللة على مجموعة من المبادئ‬
‫و التوجيهات التربوية التي تميز وضعية تربوية محددة بما تتضمنه من بعد عالئقي وتنظيمي و إخباري‪ ،..‬كما‬
‫تستخدم لتشير إلى أشكال محددة في العمل الديداكتيكي‪ ،‬و تعكس توزيعا معينا للعمل و النشاط التربوي بين‬
‫المدرس و المتعلم‪".‬‬
‫أما الوسائل فهي " المواد التي ال تعتمد أساسا على القراءة و استخدام األلفاظ و الرموز لنقل معانيه و فهمها اةو‬
‫هي مواد يمكن بواسطتها زيادة نجاعة التدريس و تزويد التالميذ بخبرات تعلمية باقية األثر"‬
‫د ‪ -‬إنسان التربية‪:‬‬
‫اإلنسان الذي تتطلع نظريات التربية إلى إخراجه هو الذي يقوم بالعمل الصالح كامالً ‪ ،‬والسؤال الذي يطرح‬
‫نفسه كيف تعمل التربية على إخراج اإلنسان الصالح الذي يقوم بالعمل المشار إليه؟ لإلجابة عن هذا السؤال ال‬
‫بُ َّد من أمرين‪ :‬األول تعريف العمل و الثاني كيف يتولد العمل؟ والعمل حركة بقصد‪ ،‬وال نسمي الحركة بغير‬
‫قصد عمالً‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬النظرية الشخصانية أو اإلنسانية‪:‬‬
‫يشكل التيار االنساني القوة الثالثة في علم النفس المعاصر بعد التحليل النفسي والسلوكية‪ ،‬وهو يضم‬
‫مجموعة اتجاهات صاغها علماء ذوي خلفيات متباينة ورؤى مشتركة والحقيقة أن ذلك االتجاه قد بدأ بجهد‬
‫طائفة من المعالجين النفسيين الذين يعرفون في الوقت الحالي باسم طائفة علماء النفس االنساني عندما أخذوا‬
‫يعيدون تغيير نظريات العالج النفسي بالتأكيد على قدرة اإلنسان على توجيه نفسه ذاتيا من خالل قدرته على‬
‫التعلم الذاتي وتوظيف لقدراته وامكانياته‪.‬‬
‫وتعد النظرية اإلنسانية أو الشخصانية نظرية اجتماعية وأخالقية تقوم على القيم العليا المطلقة لإلنسان أي‬
‫أنها تركز اهتمامها على اإلنسان حيث تقوم النظرية على المبدأ األخالقي الذي يتضمن احترام الشخص‬
‫اإلنساني والقيم العليا التي تخدم الشخص‪.‬‬
‫و تركز انشغاالتها أساسا على مفهوم الذات والحرية ومفهوم استقاللية الفرد‪ ،‬تتطلق أيضا من فكرة مفادها أن‬
‫الشخص أو المتعلم هو المعني في أي موقف تعلمي بالتحكم في تربيته باستعمال طاقاته الداخلية ومن أهم‬
‫روادها ‪ :‬أدلر‪ ،‬روجرز‪ ،‬نيل‪ ،‬ماسلو‪ ،‬لوين‪ ،‬أنجرس‪....،‬‬
‫وقد جاءت هذه الفلسفة التربوية المتمركزة حول الشخص كرد فعل ضد التيار التكويني المتمحور حول‬
‫تعليم فوجي يقدم في شكل محاضرات‪ ،‬وهي معارضة ركزت في تساؤالتها بشكل خاص على مشكلة المكانة‬
‫الضيقة التي تحتلها الذاتية أو الحرية في العملية التربوية‪ ،‬ومن ثم حدد أصحاب هذا االتجاه ألنفسهم هدف جعل‬
‫الدينامية الذاتية للطفل والطالب تحتل مركز انشغاالتهم التربوية‪ ،‬وتلخص عبارة "بناء شخص حر" المبحث‬
‫العام لمجموع النظريات التربوية الشخصانية‪.‬‬
‫و ظهرت خالل الستينات و السبعينات كتابات عديدة حول التربية الشخصانية حيث تم خالل تلك الفترة‬
‫إنشاء العديد من المدارس التي تتخذ الفرد كمحور للعملية التربوية رغم وجود فوارق بين األفراد‪ ،‬و أطلق على‬
‫مثل هذه المدارس اسم "المدارس الشاملة" كتلك التي أنشئت في بريطانيا و المعروفة بمدرسة "سمرهيل"‪ .‬و‬
‫ظهرت نماذج أخرى من المدارس التي تتبنى االتجاه الشخصاني في التربية تعرف ب"المدارس البديلة" أين‬
‫يتوقع أن يكون الطفل سعيدا جدا‪.‬‬
‫فالتربية ‪-‬حسب الشخصانية‪ -‬ال بد أن تتحرر من اإلكراهات التي تفرضها البرامج التعليمية والسلطة‬
‫البيداغوجية حيث يمتكن المتعلم من بناء الكينونة الذاتية‪ ،‬وقدمت النظرية الشخصانية البديل عن بيداغوجيا‬
‫تقليدية تروم بناء الذات الفردية وهو نموذج يقوم على الحرية في العملية التعلمية و يستهدف بناء اإلنسان الحر‪.‬‬
‫و يعد روجرز (‪ )1961،Rogers‬من أهم المفكرين في النظريات الشخصانية‪ ،‬إذ تقوم نظريته على أن‬
‫الناس يجب أن يفهموا على أساس الكيفية التي ينظرون بها الى انفسهم والعالم المحيط بهم ‪ ،‬ويؤكد "روجرز" ‪-‬‬
‫ضمن االتجاه الشخصاني‪ -‬على أن الفعل التربوي يجب أن يقوم على حرية المتعلم وعلى رغباته وعلى ارادته‬
‫في التعلم‪ ،‬وليس تكاثر المدارس الحرة والمتفتحة والبديلة الذي عرفته الستينات والسبعينات من هذا القرن سوى‬
‫برهانا على قوة هذا الفكر التربوي من جهة وليس اعتماد هذا التيار في صياغته مقاربة االنشغال بالتطور‬
‫المتكامل للطفل سوى دليال اخر على تلك القوة من جهة ثانية‪.‬‬
‫وفي هذا السياق‪ ،‬اقترح "روجرز" نظريته البيداغوجية الالتوجيهية انطالقا من أبحاثه في مجال العالج‬
‫النفسي‪ ،‬ليطبقها فيما بعد في المجال التربوي‪ ،‬وصار رائد التيار التربوي الالتوجي ِّهي "الذي يقوم على فرضية‬
‫مفادها ‪ ،‬أن التلميذ يرغب تلقائيا في التعلم دون إكراه‪ ،‬وأن التعلم تجربة ذاتية‪ ،‬ال يمكن أن يختبرها سوى‬
‫المتعلم نفسه‪ ،‬فنقوم بتوفير جو بيداغوجي يماثل جو العالج النفسي الال توجيهي داخل النظام التربوي‪ ،‬الذي‬
‫يسمح للتلميذ بتوجيه ميوله بنفسه‪ ،‬حيث ال يتم التركيز على التعليم والمعارف العلمية والتحكم في تقنيات نقل‬
‫المعرفة‪ ،‬بقدر االهتمام بتوفر بعض السمات الشخصية ‪ ،‬واالتجاهات‪ ،‬والمواقف التي تشجع على حرية‬
‫التعلم"‪.‬‬
‫خصائص النظرية الشخصانية‪:‬‬
‫‪ ‬االصرار على وجود مجموعة من االختالفات بين الشخصيات المتنوعة والتي تميز كل شخصية عن غيرها‬
‫من الشخصيات‬
‫‪ ‬عدم قابلية الشخصانية لالختصار أي أن كل شخصية عبارة عن عنصر كامل ومتكامل ال يمكن تجزئتها أو‬
‫التعامل مع حالة معينة منها فقط‪.‬‬
‫‪ ‬لكل انسان شخصية مميزة و ال نتشابه بالضرورة مع أي شخصيات أخرى إال في بعض السمات المشتركة‬
‫التي ترتبط بالعادات العائلية أو االجتماعية‪.‬‬
‫تركز على العالقات والروابط التي تربط بين االنسان ومحيطه سواء رابطة الدين أو العرف أو اللغة أو غيرها‬
‫من الروابط األخرى‪.‬‬
‫مسلمات النظرية الشخصانية‪:‬‬
‫تتضمن نظريات الشخصانية مسلمات أربعة تتلخص فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬الخبرة‪ :‬يمر اإلنسان بسلسلة من الخبرات المتواصلة وهي التي تؤثر في سلوكه من محيطه أو من داخله؛‬
‫وهذه الخبرات بعضها غير سار وال ينسجم مع مفهوم الذات وال مع القيم االجتماعية وبالتالي يؤدي إلى عدم‬
‫الرضا وعدم التوافق‬
‫‪ -‬الفرد‪ :‬يرى روجرز أن لدى كل فرد دافعا قويا لتحقيق ذاته‪ ،‬وهو في المحيط والواقع الذي يعيش فيه يسعى‬
‫لتحقيق ذاته لكسب حب اآلخرين واحترامهم وتقديرهم وقبولهم له‪ ،‬وخصوصا الجماعة المرجعية أو األشخاص‬
‫المهمين في حياته من أبوين ومعلمين ومسؤولين‪.‬‬
‫‪ -‬السلوك‪ :‬هو ما يقوم به الفرد من نشاط عقلي أو جسمي من أجل اشباع حاجاته‪ ،‬والسلوك أن يتفق مع مفهوم‬
‫الذات والمعايير االجتماعية‪ ،‬وهذا ما يؤدي إلى التوافق النفسي عند الفرد وعندما يتعارض السلوك مع مفهوم‬
‫ذاته والمعايير االجتماعية‪ ،‬فلن يرضى الفرد عن سلوكه ويحدث احباط وعدم الراحة ولن يحصل على السعادة‬
‫وسوء توافق ‪....‬‬
‫‪ -‬المجال الظاهراتي‪ :‬وهو المدركات الشعورية للفرد في بيئته وهو عالم الخبرة المتغيرة باستمرار‪.‬‬

‫افتراضاتها‪:‬‬
‫االفتراضات التي يقوم عليها االتجاه اإلنساني في تفـسير مواقـف الـتعلم والتعليم نلخصها ما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬يولد كل فرد بطبيعة أساسية داخلية‪ ،‬تتشكل هذه الطبيعة الداخلية بالخبرات واألفكار الالشعورية‬
‫والمشاعر‪ ،‬ولكنها ليست محددة هذه القوى‪.‬‬
‫‪ ‬إن األفراد لديهم القدرة على تبني خيارات في نموهم وتطورهم داخل العائلة و في المواقف التعليمية‪.‬‬
‫‪ ‬يؤدي الوالدان والمعلمون دورا مهما في مساعدة األطفال على اتخـاذ الخيارات ت العقلية عن طريق‬
‫إشباع حاجاتهم المختلفة‪ ،‬وينبغي أن يتم ذلـك بمـساعدتهم‪ ،‬و إتاحة الفرص لألطفال للنمو وفق أقصى‬
‫طاقاتهم‪.‬‬
‫‪ ‬تتغير الذات وتنمو نتيجة النضج والتعلم‪ ،‬وتنمو من خالل عمليات التفاعل بـين الفرد والبيئة المحيطة‪.‬‬
‫‪ ‬إن للعالقة بين الطالب والمعلمين أثرا ً كبيرا ً على التعلم‪ ،‬و ينبغي أن يتم الكشف عن الجوانب اإلنسانية‬
‫بنفس القدر الذي يتم به الكشف عن الجوانب المعرفية‪.‬‬
‫‪ ‬أن يثق المعلمون بالطالب‪ ،‬وأن يتركز التعلم على المتعلم‪.‬‬
‫‪ ‬إن الكشف عن مشاعر الطالب وانفعاالتهم واجبا وضروريا للتعلم‪.‬‬
‫‪ ‬أن يهيئ المعلم جوا ً صفيا يسوده الدفء واإليجابية والقبول‪.‬‬
‫‪ ‬أن يبذل المعلم جهده لكي يظهر إنسانيته في العالقات والممارسات والنـشاطات التعليمية‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬التربية في الفلسفة الطبيعية (جون جاك روسو أنموذجاً) ‪:‬‬
‫يعد الفيلسوف "روسو" هو أول من وضع أصول الفلسفة الطبيعية الحديثة في التربية‪ ،‬و تستند الفلسفة الطبيعية‬
‫في نظرتها لإلنسان إلى مبدأين أساسيين هما (أن النفس اإلنسانية خيرة) وأن (الحاضر أصل تطور المستقبل)‬
‫ورتبت على هذين المبدأين نتائج منها أن طبيعة الطفل خيرة‪ ،‬ومن الضروري تركه وما يريد في حرية كاملة‬
‫من نادى بضرورة إتباع الطبيعة في كل شيء‪.‬‬
‫ولذلك يفترض جان جاك روسو في اإلنسان أربع فرضيات‪:‬‬
‫‪ ‬أن اإلنسان الطبيعي هدف العملية التربوية‪.‬‬
‫‪ ‬أن الطبيعة اإلنسانية تفى أن الرجل أو األطفال يولدون ذوي طبيعة خيرة‪.‬‬
‫‪ ‬باستطاعة اإلنسان بلوغ الكمال‪.‬‬
‫‪ ‬أن تقديم المعرفة المناسبة لإلنسان‪ ،‬طفالً ومراهقا ً وراشداً‪.‬‬

‫والتربية عند روسو هي الحياة‪ ،‬وهي ضرورية ما دامت تستمر طول العمر‪ ،‬والتربية عند الطبيعيين يقول‬
‫روسو أنها عملية إعالء من شأن الطبيعة المادية البشرية والدعوة إلى حياة الطبيعة‪ ،‬والحط من شأن المدنية‬
‫القائمة ‪ ،‬والدعوة إلى تنظيم المجتمع وإعادة بناء الدين بما يتفق والطبيعة البشرية واإليمان بالعواطف‬
‫والمشاعر اإلنسانية واإليمان بحقوق العامة والعطف عليهم واإليمان بالطبيعة الخيرة لإلنسان‪.‬‬
‫حيث يرى أن التربية وفقا لقوانين الطبيعة معناها أن األحكام الغريزية واالنفعاالت الفطرية والغرائز‬
‫الطبيعية‪ ،‬واآلثار األولى هي أصدق أساس للعمل من التفكير والحذر والخبرة الناشئة عن االرتباط باآلخرين‪،‬‬
‫ويرى أن التربية السيئة التي تصدر عن اإلنسان يجب أن يقابلها ضرب أخر من التربية مصدره الطبيعة اآلمنة‬
‫التي ال يعتريها خوف بحيواناتها‪ ،‬و نباتاتها ‪ ،‬وقواها الطبيعية المختلفة‪.‬‬
‫و تتعارض نظرة روسو مع التربية التقليدية وخصوصا على الطفل‪ ،‬حيث ثار على هذه التربية وبالضبط على‬
‫نظرتها إلى الطفل‪ ،‬بأنه راشد مصغر‪ ،‬ال قيمة له وال حقوق‪ ،‬حتى يستطيع محاكاة الراشدين ورفض أن يفرض‬
‫عليه ثياب وعادات وسلوك الراشدين أو يفرض عليه أسلوب الراشدين من حيث مطالبته بدراسات الموضوعات‬
‫نفسها التي يدرسها الراشدين وأن يحفظ ما يليق عليه وأن يعيش حياة شكلية مصطنعة‪.‬‬

‫‪ -‬أفكاره التربوية‪:‬‬
‫تضمن كتاب أميل أهم أفكار روسو التربوية ‪ ،‬والذي أعلى من قيمة الطفل وأعطاه كل الرعاية واالهتمام وهذا‬
‫كله في الطبيعة ومن الطبيعة ‪ ،‬فهذه األخيرة كانت الملهمة لروسو في كل أفكاره‪.‬‬
‫‪ ‬تحقق التربية عند روسو هدفها عندما تسمح للطفل أن يعيش حياته وفق ميله الطبيعي‪.‬‬
‫تعبيرا عن آراء الفلسفة في الطبيعة البشرية والتي هي بدورها رد فعل متطرفة لفساد المجتمع‬ ‫ً‬ ‫وتشكل آراؤه‬
‫في تلك الحقبة التي عايشها‪.‬‬
‫‪ ‬إن أصحاب هذا المذهب يهتمون بطبيعة الطفل وأساس التربيـة عـنـدهم ال يتمثل في اإلعداد للمستقبل حيث‬
‫يقول "روسو" إن الطبيعة تتطلب منهم أن يكونوا أطفاال قبل أن يصبحوا رجاال وعلى المربين أن ال يحملوا‬
‫الطفل ما ال طاقة به‪ ،‬وإال عاش تعيسا" ومن هنا ينحصر دور المربي عندهم في مالحظة نمو الطفل نمـوا‬
‫طبيعيًـا وتهيئة الفرص والظروف المالئمة لهذا النمو والتشديد على خبرة الطفل وميوله‪.‬‬
‫‪ ‬أن تكون تربية الطفل بين سن الخامسة والثالثة عشرة سلبية‪ ،‬ال يُعلَّم فيها الطفل شيئا ً وال يُربى خاللها أي‬
‫تربية بل يُترك للطبيعة‪ ،‬محاطا ً بأجهزة وأدوات من شأنها أن تُوسع مداركه‪ .‬ويؤمن الطبيعيون بأن التربية‬
‫ضحى بالحاضر المتيقن في سبيل مستقبل‬ ‫هي عملية إعداد للحاضر ال للمستقبل‪ ،‬ومن الخطأ عندهم أن يُ َ‬
‫مضنون‪.‬‬
‫‪ ‬يرأى أن الطبيعة تتطلب أن يكون األطفال أطفاال قبل أن يكونوا رجاال وال يجوز أن نفرض عليهم حياة‬
‫الراشدين وأفكارهم ومقاييسهم في السلوك ‪ ،‬ألن الطفل كائن في طريق النمو‪ ،‬ورأى ضرورة العناية بنشاط‬
‫الطفل وإتاحة الفرصة أمامه ليتحرك بحرية‪ ،‬ليلعب ويتمتع بحياة الطفولة والتقليل من األوامر والنواهي التي‬
‫يصدرها الكبار له‪ ،‬ألن التضييق على الطفل قد يؤدي إلى ضرر بالغ‪ ،‬كما أن التربية األولى التي تقدم‬
‫للطفل يجب أن تكون قوامها المحافظة على القلب من الرذيلة‪ ،‬وعلى العقل من الزلل‪ ،‬وليس على تلقين‬
‫مبادئ الفضيلة والحق"‬
‫‪ -‬مصادر التربية عند روسو‪:‬‬
‫يرى بأن مصادر التربية أنها ثالثة ‪،‬الطبيعة‪ ،‬اإلنسان‪ ،‬واألشياء ‪ ،‬حيث يقول في هذا الصدد " التربية تأتينا إما‬
‫من الطبيعة‪ ،‬أو من اإلنسان‪ ،‬أو من األشياء‪ ،‬فنمو وظائفنا وجوارحنا الداخلية ذلكم هو تربية الطبيعة‪ ،‬وما‬
‫نتعلمه من اإلفادة من ذلك النمو ذلكم هو تربية الناس‪ ،‬وما نكتسبه من خبرتنا عن األشياء التي نتأثر بها‪ ،‬فذلكم‬
‫هو تربية األشياء"‪.‬‬
‫ويرى أن اإلنسان يسيطر على اثنين فقط من هذه القوى‪ ،‬بينما يعجز عن السيطرة على قوة الطبيعة حيث يقول‬
‫" ومن ضروب التربية الثالثة تلقي تربية الطبيعة خارجة عن إرادتنا‪ ،‬وأما تربية األشياء فال تدخل تحت‬
‫سلطاننا إال بمقدار ‪ .‬وأما تربية الناس فتلك دون سواها مطوعة لنا بحق‪ ،‬بيدا أننا ليس مسيطرين عليها إال‬
‫افتراضا‪".‬‬

‫‪ -‬مبادئ التربية الطبيعية عند روسو‪:‬‬


‫‪ ‬اإليمان ببراءة الطفل‪ :‬وهو تأكيد العتقاده بخيرية الطبيعة البشرية‪ ،‬إنه يذكر أن اإلنسان ابن الخطيئة‪.‬‬
‫‪ ‬اإلعالء من شأن الطبيعة ‪ :‬فالطبيعة يتعلم منها اإلنسان ما يحتاج‪ ،‬والتربية الصحيحة هي السير وفق قوانينها‬
‫‪ ‬مبدأ الحرية ‪ :‬ترك الطفل يتدبر أمره بنفسه يحمله على التفكير واكتشاف المفاهيم والحقائق‪ ،‬على المربي أن‬
‫يخلق مأزقا للطفل ثم يترك له الحرية للخروج من المأزق‪ ،‬وبهذا تتم عملية التعلم التلقائي الراسخ‪.‬‬
‫‪ ‬مبدأ التربية السلبية‪ :‬أي أال نعلم الطفل شيئا ال يطلب تعلمه‪ ،‬فترك له الحرية في الحركة واالحتكاك‬
‫واكتشاف الخبرة العملية واالبتعاد عن الدروس اللفظية فيقول‪" :‬ال ينبغي أن نلقن الطفل دروسا لفظية‪،‬‬
‫فالتجربة وحدها هي التي يجب أن تتولى تعليمه وتأديبه‪.‬‬
‫‪ ‬مبدأ الطفل هو محور التربية‪ :‬أي معاملة الطفل كطفل ال كراشد‪ ،‬وأن ميوله وخصائصه وحاجاته الحاضرة‬
‫ومصالحه يجب أن تكون مركز العملية التربوية ال رغبات وطموحات الكبار‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬النظرية السلوكية‪:‬‬
‫تنادي نظريات التعلم والسلوك عموما بأن المعرفة الصادقة تنبع من التجربة والتطبيق ‪ ،‬من خالل دراسة‬
‫سلوك الكائن بعناية في مختبر محكم ‪ ،‬ويتم الربط بين السلوك والعوامل البيئية في عالقات محددة‪ ،‬وتسلم بأنه‬
‫ال استجابة من دون مثير ‪ ،‬وبأن التعلم يحدث نتيجة لحدوث ارتباط بين المثير واالستجابة بحيث إذا ظهر هذا‬
‫المثير مرة أخرى فإن االستجابة التي ارتبطت به سوف تظهر هي األخرى‪ ،‬فمثالً يتعلم الطفل اللغة عن طريق‬
‫حدوث ارتباطات بين األلفاظ واألشياء التي ترمز لها هذه األلفاظ ‪ ،‬وقد يتعلم الفرد أن ينظر إلى بعض الناس‬
‫بنظرة شك وريبة ألنه تسبب في أذى له ‪ .‬والتعلم هو عملية تكوين عادات ‪ ،‬ويحتوي الموقف التعليمي على‬
‫سلسلة من االرتباطات األولية ببن المثيرات واالستجابات المعززة التي تكون في مجموعها ما يعرف بالعادة‪.‬‬

‫‪ -1‬نظرية التعلم السلوكية‪:‬‬

‫تأثرت المدرسة السلوكية‪ ،‬وخصوصا مع واطسون بأفكار تورندياك الذي يرى بأن التعلم هو عملية إنشاء‬
‫روابط أو عالقات في الجهاز العصبي بين األعصاب الداخلية التي يثيرها المنبه المثير‪ ،‬واألعصاب الحركية‬
‫التي تنبه العضالت فتعطي بذلك استجابات الحركة‪ ،‬واعتقد بأن قوانين آلية التعلم يمكن أن ترد إلى قانونين‬
‫أساسين‪:‬‬

‫‪ -‬قانون المران أو التدريب‪ ،‬أي أن الروابط تقوى باالستعمال وتضعف باإلغفال المتواصل ؛‬

‫‪ -‬ثم قانون األثر ‪ ،‬الذي يعني بأن هذه الروابط تقوى وتكتسب ميزة على غيرها وتؤدي إلى صدور رضى عن‬
‫الموقف إذا كانت نتائجه إيجابية‪.‬‬

‫كما أنه من بين ملهمي المدرسة السلوكية (بافلوف)‪ ،‬الذي الحظ أنه كلما اقترن المثير الشرطي بالدافع‬
‫السيكولوجي إال وتكونت االستجابة الشرطية االنفعالية‪ ،‬ورأى بأن المثيرات الشرطية المنفرة تشكل عوائق‬
‫حاسمة للتعلم وانبناء االستجابات النمطية‪.‬‬

‫ويمكننا أن نحصر مبادئ التعلم حسب النظرية اإلجرائية (السلوكية) في‪:‬‬


‫‪ -‬التعلم هو نتاج للعالقة بين تجارب المتعلم والتغير في استجاباته؛‬
‫‪ -‬التعلم يقترن بالنتائج ومفهوم التعزيز ؛‬
‫‪ -‬التعلم يقترن بالسلوك اإلجرائي المراد بناؤه؛‬
‫‪ -‬التعلم يبنى بتعزيز األداءات القريبة من السلوك النمطي؛‬
‫‪ -‬التعلم المقترن بالعقاب تعلم سلبي‪.‬‬
‫‪ -2‬نظرية التعلم الجشطالتية (نظرية التعلم الكلي)‪.‬‬
‫مع الحرب العالمية الثانية‪ ،‬كانت نظرية الجشتالت ‪ Gestalt‬قد تبلورت بصورة كاملة على يد كل من فرتايمر‬
‫‪ Wertheimer‬و كوفكا ‪ Kofka‬وكوهلر ‪ Kohler‬المنتمين جميعهم إلى ما يسمى بمدرسة برلين‪.‬‬
‫مفهوم الجشطلت‪ :‬دالليا يعني الشكل أو الصيغة أو الهيئة أو المجال الكلي‪ ،‬والجشطلت حسب فريتمر هو كل‬
‫مترابط األجزاء باتساق وانتظام‪ ،‬حيث تكون األجزاء المكونة له في ترابط دنيا هي فيما بينها من جهة‪ ،‬ومع‬
‫الكل ذاته من جهة أخرى؛ فكل عنصر أو جزء في الجشطلت له مكانته ودوره ووظيفته التي تتطلبها طبيعة‬
‫الكل‪.‬‬
‫ويمكننا تلخيص أهم مبادئ التعلم في النظرية الجشطالتية في‪:‬‬
‫‪ -‬االستبصار شرط التعلم الحقيقي‪ ،‬حيث إن بناء المعرفة و اكتساب المهارة ليس إال النتيجة المباشرة إلدراك‬
‫الموقف واستبصاره؛ الفهم وتحقيق االستبصار يفترض إعادة البنية‪ ،‬وذلك بالفعل في موضوع التعلم من خالل‬
‫تفكيكه وتحليله وإعادة بنائه؛ والتعلم وفق الجشطلتيين يقترن بالنتائج‪ ،‬إذ حسب كوهلر النتائج ما هي سوى صيغ‬
‫الضبط والتعديل والتقويم الالزمة للتعلم ؛ االنتقال شرط التعلم الحقيقي‪ ،‬ذلك أن الحفظ والتطبيق اآللي للمعارف‬
‫تعلم سلب ي؛ االستبصار حافز داخلي قوي‪ ،‬والتعزيز الخارجي عامل سلبي ‪ :‬االستبصار تفاعل إيجابي مع‬
‫موضوع التعلم‪.‬‬

‫‪ -‬الطريقة الكلية ‪ Globale‬التي يقترحها ديكرولي‪ ،‬فهي تمكن لمتعلم من االنطالق من العام إلى الجزئي من‬
‫السياق إلى العناصر أو األجزاء‪ . ،‬فالحرف يقدم في سياق الكلمة‪ ،‬والكلمة في سياق الجملة حيث يتخذ معناها‬
‫ألوانا متعددة‪ . ،‬والجملة في سياق النص ألن هذا األخير هو الذي يعطيها مكانا أو وظيفة خاصة وبذلك يتمكن‬
‫المتعلم من اللغة تمكنا يمكنه من إدراك بنيتها وظائفها المتنوعة‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬النظرية البنائية‪:‬‬


‫تقوم النظرية البنائية على فكرة أساسية تؤكد على أن المتعلم نشط بطبعه‪ ،‬وقادر على تشكيل أبنية معرفية من‬
‫خالل ربط المعلومات الجديدة بالمعرفة السابقة التي لديه‬
‫ويُنظر إلى النظرية البنائية بأنها نظرية معرفية تركز على دور المتعلم في بناء المعرفة الشخصية‪ ،‬وأن‬
‫ال معرفة ال يستقبلها الفرد بشكل سلبي‪ ،‬لكنه يقوم ببنائها بشكل فعال ‪ ،‬كما أن التعلم وفق النظرية البنائية يساعد‬
‫المتعلم على بناء معنى لما يتعلمه‪ ،‬وينمي الثقة لديه في قدرته على مواجهة المشكالت وحلها ‪ ،‬فالمعرفة ال‬
‫يستقبلها بجمود ولكنه يبنيها من خالل نشاطه الذاتي وفهمه الفعال للموضوع‪.‬‬
‫وتعد النظرية البنائية نموذجا ً في التعلم يهدف إلى بناء المعرفة لدى المتعلم من خالل ربط الخبرات السابقة‬
‫بالخبرات الجديدة التي تواجهه في حياته حتى يصبح للتعلم معنى مدى الحياة ‪ ،‬كما تعنى باكتساب المعرفة وفق‬
‫عملية تعلم نشطة يتم التحكم بها ضمن سياق فردي واطار تفاعلي اجتماعي ‪.‬‬
‫افتراضات النظرية البنائية‪:‬‬
‫يضع منظروا النظرية البنائية مجموعة من االفتراضات حول التعلم منها ‪:‬‬
‫‪ -‬التعلم عملية بنائية نشطة ومستمرة وغرضية التوجه‪ ،‬والمعرفة القبلية شرطا ً أساسيا ً لبناء التعلم ذي المعنى‬
‫والهدف من عملية التعلم هو إحداث تكيفات تتواءم مع الضغوط المعرفية الممارسة على خبرة الفرد‪ ،‬ومواجهة‬
‫المتعلم بمشكلة أو مهمة حقيقية هي أفضل ظروف التعلم‪ ،‬والتعلم عملية بناء الفرد لمعرفته من خالل عملية‬
‫تفاوض اجتماعي مع اآلخرين‪.‬‬
‫‪ -‬تؤكد النظرية البنائية على وجود دوافع فطرية لدى الفرد من أجل فهم العالم من حوله ‪ ،‬وبدالً من استقبال‬
‫المعرفة الجديدة بطريقة سلبية فإن المتعلم يقوم ببناء المعرفة بفاعلية من خالل تكامل المعارف والخبرات‬
‫الجديدة مع المعرفة السابقة‪ ،‬وتعديل المعرفة السابقة لتتوافق مع المعرفة الجديدة‪.‬‬
‫‪ -‬من الضروري أن يتعامل المتعلمين مع مواقف ومشكالت حياتية صعبة تحدث لديهم اضطرابا ً معرفيا ً وعدم‬
‫توازن حتى تكون تطبيقا ً لما يتعرض له الفرد في حياته اليومية‪ ،‬وذلك ألن تطور العمليات العقلية العليا يتم من‬
‫خالل التفاعل والحوار مع اآلخرين‪ ،‬وهذا ما تؤكد عليه النظرية البنائية‪.‬‬
‫فمواجهة المتعلم بمهمات على شكل مشكالت حقيقية تعد من أفضل الظروف لحدوث التعلم‪ ،‬وأن التفاعل‬
‫واالحتكاك االجتماعي يؤدي إلى مساعدة المتعلم على إعادة بناء معارفه‪.‬‬

‫‪ -‬مبادئ النظرية البنائية‪:‬‬


‫تقوم النظرية البنائية على ثالثة مبادئ أساسية هي كالتالي‪:‬‬
‫‪ ‬يبني المتعلم المعرفة ذاتيا ً من خالل جهازه المعرفي‪ ،‬حيث توجد جذور المعرفة في عقل المتعلم‪ ،‬وال تعتبر‬
‫كيانا ً مستقالً عنه‪ .‬ويتشكل المعنى داخل عقل المتعلم نتيجة لتفاعل حواسه مع العالم الخارجي وليس نتيجة‬
‫لسرد المعلم لها‪ .‬وتتأثر المفاهيم الجديدة التي تشكلت لدى المتعلم بالخبرات السابقة الموجودة لديه والسياق‬
‫الذي يحدث فيه التعلم الجديد‪.‬‬
‫‪ ‬تشكيل المعاني لدى المتعلم عملية نشطة تتطلب جهدا ً عقليا ً‪ ،‬فإما أن يبقى البناء المعرفي متزنا ً كلما كانت‬
‫الخبرة الجديدة متفقة مع ما يتوقع‪ ،‬أو يصبح بناؤه المعرفي مضطربا ً إذا لم تتفق الخبرة الجديدة مع بنائه‬
‫المعرفي‪ ،‬وهنا ينشط عقله سعيا ً وراء االتزان‪.‬‬
‫‪ ‬البنى المعرفية المتكونة لدى المتعلم تقاوم التغيير‪ ،‬إذ يتمسك المتعلم بما لديه من معارف مع أنها قد تكون‬
‫خاطئة‪ ،‬ويتشبث بهذه المعرفة كثيرا ً ألنها تقدم له تفسيرات تبدو مقنعة فيما يتصل بمعطيات الخبرة الجديدة‪،‬‬
‫ويستدعي ذلك من المعلم اختيار التجارب واألنشطة التي تؤكد صحة الخبرة الجديدة والخطأ الموجود في‬
‫فهم المتعلم‪.‬‬
‫‪ -‬دور المعلم‪:‬‬
‫ال يمكن أن تحقق استراتيجيات التعلم البنائي أهدافها إال إذا قام المعلمون بإحداث تغييرات جذرية في سلوكهم‬
‫التدريسي يتناسب مع مبادئ النظرية البنائية‪ ،‬و يرتكز دور المعلم في التعلم البنائي على تيسير وتسهيل عملية‬
‫التعلم من خالل‪:‬‬
‫‪ -‬تشجيع المتعلمين على تفسير الحلول التي توصلوا إليها‪ ،‬و تحفيزهم على العمل ضمن مجموعات تعاونية‬
‫صغيرة ‪ ،‬ودعم مهارات االستقصاء لديهم وتحفيزها‪،‬‬
‫‪ -‬تزويدهم بخبرات واقعية تتحدى مدركاتهم السابقة‪ ،‬وتقديم أنشطة تعلمية تعزز تكامل األنظمة المعرفية لديهم‪،‬‬
‫‪ -‬التأكيد على الخبرات السابقة في بناء المعارف الجديدة‪ ،‬وبناء مهارات التعلم الذاتي‪،‬‬
‫‪ -‬تقبل فشل الطالب واعتباره جزءا ً من بيئة التعلم البنائي وممارساته‪.‬‬

‫المبادئ المستخدمة في السلوك التدريسي حسب النظرية‪:‬‬


‫وفقا النظرية البنائية فإن المبادئ المستخدمة هي كالتالي‪:‬‬
‫‪ ‬التأكيد على الخبرة السابقة كأساس للتعلم‪ ،‬والبناء النشط للمعرفة من خالل توظيف االستراتيجيات‬
‫والطرق التدريسية التي تسهم في البناء الفعال للمعرفة‪،‬‬
‫‪ ‬توظيف نماذج متنوعة من التقويم المستمر لتسهيل تعلم الطلبة‪،‬‬
‫‪ ‬التأكيد على السياق الذي يحدث فيه التعلم‪ ،‬والتركيز على تعلم الفرد كيف يتعلم‪.‬‬
‫التيارات النفسية المعرفية و االجتماعية المعرفية و التكنولوجية‬
‫( النظريات التي تركز على التفاعالت البيداغوجية)‬
‫قام العديد من المفكرين و الباحثين بصياغة نظريات تربوية تركز بوجه خاص على االستراتيجيات‬
‫البيداغوجية المناسبة لتحقيق االهداف التربوية المعلنة‪ ،‬و هو ما نعثر عليه لدى علماء النفس المعرفي و علماء‬
‫االجتماع المعرفي و منظري تكنولوجيا التربية‪ ،‬حيث انصب اهتمام هؤالء على عمليات التعلم و التعليم‪،‬‬
‫فانشغلوا بخصائص المتعلم و بنيات التعلم و عمليات حدوث المعرفة‪ ،‬و تكنولوجيا المعلومة و االتصال التي‬
‫يمكن اللجوء إليها في تصميم البيئة التعليمية‪.‬‬

‫سادسا‪ - :‬النظرية النفسية المعرفية‪:‬‬


‫تعتمد النظرية المعرفية على المخططات العقلية او الذهنية التي تمثل الطريقة التي ينظر اليها المتعلم الى‬
‫العالم واالحداث والتي تدور حوله وهي طريقة يمثل بها المتعلم العالم بصورة ذهنية‪ ،‬اذ تشير المخططات‬
‫الذهنية الى انواع من االفعال المتتابعة والمتشابهة والتي تشكل وحدات تامة قوية محددة تترابط فيها وحدات‬
‫االداء المعرفي والمهاري بحيث تشكل هذه المخططات صورة اجمالية ذهنية لحالة المعرفة الموجودة لدى‬
‫المتعلم في مراحله النمائية التعليمية ما قبل التعليم وبعد تطبيقاته وممارساته من قبل المتعلم‪.‬‬
‫تتطل ُع هذه النظرية إلى بناء ما يرتكز على التخطيط والتفكير والتوقع واتخاذ القرار؛ أي أنها ال تسير على‬
‫منهاج السلوكيين باعتبار اإلنسان ُمستجيبًا للمثيرات ال ُمحيطة به ليقوم بالفعل‪ ،‬بل تعتمد على كل ما يدور داخل‬
‫الفرد من آليات معرفية يُمكن تنميتها من خالل التعليم‪.‬‬

‫و هناك شخصان تركا أثرهما في البحوث التي تناولت موضوع التعلم إنهما "باشالر" و "بياجيه" إال أن‬
‫أعمال بياجيه هي التي طبعت بشكل أكبر في علم النفس الوراثي و البحوث التربوية‪ ،‬وتعتبر وجهة نظر هذا‬
‫األخير بنائية من حيث جوهرها‪ ،‬إذ يؤكد بعدم وجود لدى االنسان لبنيات معرفية مسبقة و فطرية‪ ،‬وأن كل ما‬
‫يورث هو ن شاط الذكاء‪ ،‬وهو يعتقد أن الطفل ال يولد مبرمجا جاهزا على نحو كلي‪ ،‬بل يتفاعل مع بيئته‬
‫ووسطه‪ ،‬ويتكون في نسق التفاعل بين البيئة والوراثة‪ ،‬فالطفل ليس كيانا جامدا‪ ،‬أو صفحة بيضاء بخضع‬
‫لشروط البيئة و يتكون بمقتضاها‪ ،‬بل هو كائن إيجابي فاعل أيضا يتشكل في نسق البيئة فيشكلها و تشكله في آن‬
‫واحد‪ ،‬و ينتهي بياجيه إلى تأكيد أن التطور العقلي عند الطفل عملية تتسم بالحيوية والنشاط و أن الطفل ليس‬
‫راشدا صغيرا‪ ،‬و أن تفكيره و طبيعته يختلفان عن طبيعة الراشد و تفكيره بصورة نوعية‪.‬‬

‫هذا تعد و فلسفة "باشالر" من حيث جوهرها فلسفة جدلية وبنائية‪ ،‬فالفرد يبني معرفته من خالل إجراء‬
‫فحص نقدي لمعارفه و تجاربه الراهنة‪ ،‬و هو يرى أن فلسفة النفي ليست فلسفة سلبية‪ ،‬بل بالعكس إنها تقول نعم‬
‫لتغيير مبادئ المعرفة ذاتها‪ ،‬نعم للنشاط البناء‪ ،‬ألن المعرفة العلمية تعد كعملية بناء تتطور دون انقطاع‪ ،‬فالفرد‬
‫باس تطاعته إثراء وجهات نظره كلما قال ال للتفسيرات القديمة و عارضها‪ ،‬ألنها في اعتقاده أن المعارف السابقة‬
‫التي تكون في ذهن التلميذ تعد عائق معرفي له‪.‬‬

‫نظرية النمو المعرفي لبياجيه‪:‬‬

‫تعد نظرية عالم النفس الفرنسي الشهير " بياجيه " (‪ ) Piaget‬من النظريات المعرفية النمائية المهمة في‬
‫تاريخ نظريات التعلم‪ ،‬وذلك ألنها تتوجه بالبحث نحو الكيفية التي تنمو وتتطور من خاللها المعرفة لدى الفرد‬
‫انطالقًا من تطور مراحله العُمرية حسب نموه‪ ،‬فاإلدراك القائم على ذلك التغيُّر الفيزيولوجي يتطور من حالة‬
‫إلى حالة أ خرى في كل مرحلة‪ ،‬إذ تحكم الفرد في كل مرحلة عمرية مجموعة من اإلدراكات واالستراتيجيات‬
‫الفكرية التي تؤدي إلى تغيير في أنماط سلوكه‪ ،‬ولذلك حاول بياجيه االعتماد على تلك التغييرات في فهم‬
‫العوامل المعرفية المؤدية إلى ذلك‪.‬‬
‫ويرى بياجيه أن نظريات النمو المعرفي الكالسيكية تأخذ في حسبانها ثالثة جوانب أساسية تساهم في تشكيل‬
‫معارف الفرد وفي النضج البيولوجي والتفاعل مع البيئة الطبيعية والتفاعل مع البيئة االجتماعية إال أنها تهمل‬
‫عامال أساسيا في النمو يسميه بياجي بـ" التوازن " ويعمل عمى تنسيق العوامل الثالثة‪.‬‬
‫إن النمو المعرفي هو من أهم عناصر السلوك المدخل للمتعلم‪ ،‬الذي يجب أن يحيط به المعلم لما له عالقة‬
‫مباشرة بالممارسات التعليمية وخبرات التعلم ؛ وعلية ينظر بياجيه إلى النمو المعرفي من منظورين هما البنية‬
‫العقلية والوظائف العقلية‪ ،‬ويعتبر أن فهم النمو المعرفي ال يتم إال بمعرفتهما‪.‬‬
‫و يشير البناء العقلي إلى حالة التفكير التي توجد لدى الفرد في مرحلة ما من مراحل نموه‪ ،‬أما الوظيفة‬
‫العقلية فتشير إلى العمليات التي يلجأ إليها الفرد عند تفاعله مع مثيرات البيئة التي يتعامل معها‪.‬‬

‫مراحل النمو العقلي عند بياجيه‪:‬‬


‫بذل بياجيه جهدا كبيرا في تحديد مراحل النمو العقلي و توضيح خصائصها‪ ،‬فقد حدد أربعة مراحل‪،‬‬
‫المرحلة األولى‪ :‬تتمثل في مرحلة النشاط الحسي التي تبدأ في السنتين األوليتين من حياة الطفل‪ ،‬حيث يتعلم‬
‫خاللها الكثير من المهارات العقلية و الحركية عن طريق الحديث و المشي و اللعب والخبرة المباشرة‪.‬‬
‫المرحلة الثانية‪ :‬و تسمى بمرحلة ما قبل العمليات و تبدأ من السنة الثالثة و حتى السابعة من عمر الطفل‪،‬‬
‫وتكوين صور عقلية تمتاز هذه المرحلة بالنمو اللغوي لدى الطفل‪ ،‬واعتماده على اإلدراك الحسي المباشر‪ ،‬مع‬
‫الكثير من األشياء مع بداية تكوين مفاهيم الوقت و الفراغ‪.‬‬
‫المرحلة الثالثة‪ :‬وتتمثل في مرحلة العمليات المادية والتي تبدأ من سن السابعة و حتى الحادية عشرة‪ ،‬و فيها‬
‫يكتسب الطفل القدرة على التصنيف و الترتيب و إجراء المقاربات و تصور النتائج المتوقعة‪ ،‬و توقع نتائج‬
‫عكسية‪ ،‬و نمو مفهوم العدد‪ ،‬والقيام بالعمليات المنطقية و الرياضية كالجمع والطرح والضرب والقسمة‬
‫والترتيب و التعويض‪.‬‬
‫المرحلة الرابعة‪ :‬و تتمثل في مرحلة العمليات المجردة و هي آخر مراحل النمو العقلي التي حددها ‪ ،‬والتي تبدأ‬
‫من سن الحادية عشر و حتى الخامسة عشر‪ ،‬و هنا ينتقل الطفل من عمليات تفكيره من المستوى الحسي إلى‬
‫مستوى التفكير المجرد و استخدام الرموز في العمليات الفكرية مع القدرة على إدراك العالقات بين شيئين أو‬
‫أكثر‪ ،‬و وضع أكثر من احتمال للقضايا و األمور التي يواجهها‪ ،‬وعمل مقارنات و الوصول إلى االستنتاجات و‬
‫تكوين الفروض و إدراك المفاهيم المجردة و التفكير المنطقي‪ ،‬وضبط المتغيرات في التجارب و القدرة على‬
‫تقويم األفكار و نقدها‪.‬‬
‫و أكد بياجيه أن كل مرحلة تعتبر قاعدة للمرحلة التالية واألطفال يمرون بتلك المراحل بتتابع منظم ولكن‬
‫أعمار كل مرحلة وهي أعمار تقريبية وتتأثر سرعة تقدم الطفل من مرحلة إلى أخرى بعوامل منها النضج و‬
‫العوامل الوراثية والثقافية والبيئية في مجتمعه‪.‬‬
‫مسار بناء المعرفة عند بياجيه‪:‬‬
‫عدم االتزان‪ :‬تؤدي مرحلة الكشف من خالل ما تتضمنه من أنشطة جديدة على خبرة المتعلم إلى استثارته معرفيا بدرجة تؤثر فى‬
‫اتزانه المعرفي‪ ،‬ويطلق بياجيه على تلك المرحلة اسم "عدم االتزان" ‪،‬‬
‫مرحلة التمثيل‪ :‬يقوم المتعلم بتمثيل المعرفة المكتسبة و الخبرات المرتبطة بها تمثيال عقليا داخليا‪ ،‬فيكون لها صورة عقلية‪ ،‬ومن‬
‫خالل عملية ذهنية يتفاعل عن طريقها المتعلم مع أنشطة تلك المرحلة تسمى" بالتمثيل"‪،‬‬
‫مرحلة المؤائمة‪ :‬من شأن تلك المرحلة أن تدفع المتعلم إلى البحث عن معلومات جديدة ربما يصل إليها بنفسه أو من خالل ما‬
‫يقدمه له معلمه من معلومات خالل مرحلة تقديم المفهوم تعينه على استعادة حالة االتزان وذلك من خالل عملية ذهنية تسمى‬
‫"بالمواءمة "‪،‬‬

‫تطبيقات تربوية لنظرية بياجيه ‪:‬‬


‫من أهم التطبيقات التربوي لهذه النظرية ما يلي ‪:‬‬
‫‪ o‬أن يتناسب المنهج الدراسي (المعرفي) مع المرحلة الدراسية له‪:‬‬
‫فال يمكن ان ندرس الطالب في المرحلة االبتدائية مناهج ومعارف هي فوق طاقاتهم العقلية حيث يستحيل‬ ‫‪o‬‬
‫عليهم تصورها أو فهمها بل يجب أن تكون هذه المناهج متناسبة مع هذه المرحلة‪.‬‬
‫أن يكون المعلم ‪ -‬األب واألم ‪ -‬على علم بخصائص التفكير لكل مرحلة‪ :‬إذ أن إعداد المعلم تربويا ً يساعده‬ ‫‪o‬‬
‫على تقديم المادة العلمية الصحيحة و أن يتعرف على المراحل العمرية لطالبه وان يتعرف على القدرات‬
‫العقلية والفروق الفردية وان يعطي كل فرد على قدر حاجته وقدرته ‪،‬‬
‫االختالف في طرق التدريس حسب مراحل العمر‪ :‬ففي بعضها يلزم استخدام المحسوسات وتجنب‬ ‫‪o‬‬
‫المجردات وذلك في المرحلة االبتدائية نظرا ً لما يناسب عمر الطفل وما عقله ومعرفته ‪ ،‬وفي المرحلة‬
‫الثانوية نستعمل المجردات ونناقش القضايا الغيبية‪.‬‬
‫الوقوف على خصائص النمو المعرفي ومراحله يمكن المعلم من التعرف على طبيعة تفكير الطفل في‬ ‫‪o‬‬
‫مراحل نموه المختلفة بحيث يوجه انتباهه إلى االستجابات المرتبطة بمرحلة نموه‪ ،‬ويحدد أهدافه على ضوء‬
‫السلوك المتوقع أداؤه في هذه المرحلة‪.‬‬
‫تساعد مراحل النمو المعرفي وخصائصه مصممي المناهج على وضع مواد دراسية تتفق مع طبيعة‬ ‫‪o‬‬
‫العمليات العقلية لألطفال المراحل التعليمية المختلفة ‪.‬‬
‫توفر خصائص النمو المعرفي إمكانية وضع اختبارات تقيس مستوى النمو العقلي عند المتعلمين‪.‬‬ ‫‪o‬‬

‫سابعا ‪ -‬النظرية المعرفية االجتماعية‪:‬‬


‫نشأت مجموعة من النظريات التربوية التي تركز اهتمامها على األبعاد االجتماعية و الثقافية للتعلم‪ ،‬حيث‬
‫تؤكد على المكانة الهامة التي يحتلها التفاعل االجتماعي والنقابي في آليات التعلم‪ ،‬و يشكل وعي المدرسين‬
‫بضرورة إعطاء أهمية للشروط االجتماعية و الثقافية للتعلم نقطة انطالق النظريات االجتماعية المعرفية‪،‬‬
‫فالكثير من التحاليل والمالحظات التي قام بما علماء العربية‪ ،‬توصلت إلى استنتاج مفاده‪ :‬إن الرغبة في تحقيق‬
‫تعلم مستقيم تعتمد على ما توليه من اهتمام بالشروط االجتماعية والثقافية‪ ،‬وأيضا يأتي اهتمام هذه النظريات‬
‫الكبير بتأثيرات الوسط المدرسي الطبقة االجتماعية‪ ،‬الثقافة اإلقليمية‪ ،‬الثقافة الشعبية) على التعلم‪.‬‬
‫‪ -‬النظرية االجتماعية المعرفية للتعلم االجتماعي لـ "باندورا"‬
‫ويعتبر المؤسس األول للنظرية المعرفية االجتماعية هو "ألبرت باندورا"‪ ،‬وهي نظرية تعود جذورها إلى نشوء‬
‫نظريات التعلم التقليدية‪ ،‬إذ كانت في بادئ األمر تتركز حول التعلم االجتماعي‪ ،‬ثم تطورت عبر الزمن لتضم‬
‫المعرفة وتجعل التفكير جز ًءا من أساسيات مرتكزاتها‪ ،‬حيث يقوم التفكير بالعمليات المعقدة المؤثرة في قيام‬
‫ضا على الجذور االجتماعية لسلوك اإلنسان‪ ،‬وعلى أهمية االنفعال والدافعية في‬ ‫اإلنسان بوظائفه‪ ،‬وترتكز أي ً‬
‫العمليات الفكرية والسلوكية للفرد نفسه‪.‬‬
‫يعتبر باندورا ‪ Bandura‬أحد المفكرين األوائل في التعلم االجتماعي و الذي يهتم بالخصائص الشخصية‬
‫للمتعلم و أنماط السلوك و البيئة‪ ،‬فمنذ ‪ 1962‬بدأ يهتم باألصول االجتماعية للفكر‪ ،‬وشرع في إجراء بحوث‬
‫حول التعلم بواسطة التقليد حيث اتضح له أننا نتعلم كثيرا ً باتخاذنا أشخاصا ً آخرين كنماذج و أن للوسائل‬
‫السمعية والبصرية تأثيرا كبيرا حدا على سلوكاتنا ‪ ..‬وكان هذا الباحث يرفض النظريات اإلنسانية التي تقيم كل‬
‫شيء على الشخص‪ ...‬وفي سنة ‪ 1986‬قدم نظرية التفاعل االجتماعي المعرفي التي تشرح العالقات بين البيئة‬
‫والفكر والعمل‪ ،‬وبين ما يعنيه بمفهوم « االجتماعي المعرفي » بالعبارات التالية " تستعمل كلمة اجتماعي ألن‬
‫الفكر والممارسة يعتبران ظاهرتان اجتماعيتان من حيث الجوهر‪ ،‬وتستعمل كلمة معرفي ألن سيرورات الفكر‬
‫تؤثر على الدافعية وعلى االنفعاالت وعلى الحركة "‬
‫مبادئ النظرية‪:‬‬
‫أ‪ -‬التأثير المتبادل‪ " :‬تقوم النظرية االجتماعية المعرفية على مفهوم التأثير المتبادل بين العوامل االجتماعية‬
‫والثقافية والعوامل الذاتية والعوامل السلوكية في التعلم وفي الممارسة‪ ...‬و بتعبير أدق بتأسس التعلم على تفاعل‬
‫هذه العوامل الثالثة ‪ ،‬أي تتطور المعرفة والسلوك من تبادل التأثير بين تلك العوامل الثالثة‪ :‬الوقائع التي تحدث‬
‫في البيئة‪ ،‬خصائص الفرد‪ ،‬و السلوكات‪.‬‬
‫ب‪ -‬التعلم غير المباشر‪ :‬و تفيد هذه الخاصية أن تعلم األشياء ال يحدث بقيام الفرد بها بالضرورة‪ ،‬بل يمكن‬
‫للفرد أن يتعلم بمالحظته ألشخاص آخرين يقومون في مكانه بعمل هذه األشياء‪ ،‬ألن كل فرد يمتلك القدرة على‬
‫انجاز تعلم اجتماعي بطريقة غير مباشرة (مثال‪ :‬يمكن للفرد أن يُصاب بخوف مرضي من الثعابين المجرد‬
‫رؤيته أن فردا آخر يهلع منها)‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬التمثيل الرمزي‪ :‬تكمن الخاصية الثالثة للتعلم االجتماعي المعربي في التمثيل الرمزي‪ ،‬فأفكارنا وأفعالنا‬
‫تنتظم بواسطة التمثالت التي نكونها حول كل ما يجري في المحيط‪ ،‬ويرى ‪ Bandura‬أن الكائن اإلنساني‬
‫يمتلك قابلية للتشكل تتوقف على من يكونه‪ ،‬وعلى ما يفعله‪ ،‬وعلى ما يريد فعله‪ ،‬وعلى ما يرى اآلخرين أن‬
‫باستطاعته أن يفعله بالفعل‪ .‬إنه يمتلك قدرات مختلفة تجعل منه كائنا ً إنسانياً‪ ،‬فهو يمتلك أفكارا ً ويبلغها‪ ،‬كما أنه‬
‫يتصرف انطالقا منها‪ ،‬وباستطاعته أن يُكون لنفسه صورة عن المستقبل ويحدد أهدافا خاصة به‪ ،‬فالفرد‬
‫سيتصرف فعال انطالقا ً من تمثله لما يُمكن أن يحدث في المستقبل‪.‬‬
‫د‪ -‬إدراك الفرد لفعاليته‪ " :‬تكمن هذه الخاصية في نوع اإلدراك الذي يكونه الفرد عن قدرته على التفوق وعن‬
‫فعالية معالجته وتدخالته‪ ...‬وتجدر اإلشارة إلى أن فكرة التوقف عن الشعور بالخوف وأن فكرة اإليمان بالقدرة‬
‫على التفوق موجودتان منذ زمن بعيد‪ ،‬إال أن ‪ Bandura‬كان من األوائل الذين بنوا نظرية في التعلم تأخذ‬
‫بعين االعتبار الدور الهام الذي يلعبه نوع إدراكات الفرد لفعالية تصرفاته‪ .‬يتوقف التعلم والسلوك على نوع‬
‫الحكم الذي يُصدره الفرد على قدراته‪ ،‬ومن ثمة فإن التصور الذي يكونه الفرد عن قدرته على إنجاز مهمة‬
‫معينة‪ ،‬يؤثر بالتأكيد على نتائج سلوكاته المستقبلية‪ ،‬وهكذا تكون حظوظه في تحقيق النجاح كبيرة كلما كان هذا‬
‫الفرد يؤمن بقدرته على التفوق‪ ،‬إن تحقيق النجاح في أي إنجاز يؤدي إال تعديل على مستوى إدراك الفرد‬
‫لقدرته على التفوق‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬الضبط الذاتي‪ " :‬إن الفرد يملك القدرة على ضبط ذاته فهو ليس تحت رحمة بيئته‪ ،‬وال تحت رحمة‬
‫غرائزه‪ ،‬إذ بإمكانه أن يتحرك انطالقا من حاجاته‪ ،‬ويُغير أفعاله حسب النتائج التي يحققها‪ ،‬وبإمكانه أيضا أن‬
‫يُفكر فيما يجري وأن يقوم بتحليل ذاتي‪ ،‬بل بإمكانه أن يحلل طريقة تفكيره وبغير إدراكه الشخصي وتصرفاته‬
‫و ‪ -‬النمذجة‪ :‬أي يتعلم الفرد بواسطة تقليد اآلخرين‪ ،‬ففي بعض األحيان يختار الفرد شخصا ً آخر كنموذج‬
‫ويقلده في العديد من سلوكياته‪ ،‬و يتأثر التعبير الخالق عندما يتعرض الشخص المالحظ لنماذج مختلفة وفي‬
‫أغلب األحيان ال يقتصر السلوك المتأثر بالنماذج على ما حدثت مالحظته‪ ،‬و عوضا عن ذلك فإن هذا السلوك‬
‫يكون نتيجة ترابط مجموعة من المالمح بنماذج مختلفة تؤدي إلى استجابات تختلف عن أي من المصادر‬
‫األصلية‪ ،‬و كلما زاد االختالف بين النماذج وزاد عددها كلما زاد االحتمال بأن تكون االستجابة الناتجة‬
‫مستحدثة‬
‫أما الفرق بين التعلم غير المباشر والتعلم بالنمذجة فيكمن فيما يلي‪ :‬ففي الحالة األولى يتم التعلم من خالل‬
‫مالحظة سلوكيات فرد آخر‪ ،‬بينما يتم التعلم وفق الحالة الثانية انطالقا من نتائج سلوكيات الفرد ذاته‪.‬‬
‫اإلستراتيجيات التربوية للنظرية‪:‬‬
‫‪ ‬عرض نماذج من السلوك على الطلبة يميل المتعلمون إلى تبني سلوكات بعض األشخاص الذين يعتبرونهم‬
‫كنماذج وعليه يجب على المدرسين إيجاد نماذج من السلوك لتعليمها وتقديمها للطلبة‪ ،‬فإذا ما أردنا مثال أن‬
‫تقدم درسا في المسؤولية فسيكون من األفضل إضافة إلى الشروحات التي تقدم استضافة شخص في القسم‬
‫يعتبره المجتمع مسؤولة طبيب مثال) و إثارة تفاعالت بينه و بين الطلبة للتأثير فيهم‪.‬‬
‫‪ ‬تقويم وتبرير قيمة السلوكات يؤكد ‪ Bandura‬أن التعلم يتوقف على القيمة التي نعطيها للنتيجة‪ ،‬ولذلك‬
‫ينبغي أن نبين للطلبة منفعة كل تعلم‪ ،‬فالطلبة يتعلمون أحسن إذا تبينت لهم قائلة هذا التعلم أو ذاك بالنسبة‬
‫للحياة‪ ،‬أو إذا اتضحت لهم الفائدة التي سيكسبونها من تعلم معين بالنسبة لتعلم الحق تسمح تعزيز سلوكات‬
‫التلميذ من المهم جدا ً القيام بتنامية راجعة إيجابية لكل طالب يحقق تقدما ً في تعلمه‪ ،‬ألنما له بتكوين صورة‬
‫إيجابية عن ذاته بإدراكها كذات قادرة على القيام بالمهام المطلوبة‪ ،‬غير أنه من الممكن اللجوء إلى العقاب‬
‫للتقليل من القيام ببعض السلوكات‪.‬‬
‫‪ ‬الممارسة‪ :‬يوصي ‪ Bandura‬بالجمع بين النظرية والتطبيق‪ ،‬فمثال من الصعب جدا أن نتعلم الكتابة دون‬
‫ممارستها‪ ،‬ولتوضيح عالقة الممارسة بالنظرية في مجال التربية تُقدم إستراتيجية تربوية قدمها ‪Gudler‬‬
‫أثناء تحليله ألفكار ‪ Bandura‬وتتكون هذه اإلستراتيجية من أربع مراحل كبرى هي ‪ -‬تحليل السلوكات‬
‫المراد تحقيقها ‪ -‬وصف مردودية السلوك وانتقاء نموذج من نماذج السلوك المراد تعليمه ‪ -‬خالل إعداد‬
‫الحصة – خالل تنفيذ الحصة التعليمية‬

‫ثامنا ‪ -‬النظريات التكنولوجية‪:‬‬


‫طبع التطور التكنولوجي الذي عرفه القرن ‪ 20‬المؤسسات المدرسية بنفس الدرجة التي طبع بها المؤسسات‬
‫االجتماعية األخرى‪ ،‬وتمكن التعرف على تأثير التكنولوجيا في مستويين مستوى اإلنجاز التكنولوجي‪ ،‬ومستوى‬
‫ما خلفه هذا االنجاز من عالمات ترتبط بالتغيرات الممكن القيام بما‬
‫يحمل مفهوم التكنولوجيا معنى واسعا ً " فهي أدوات فكرية ولغوية ورياضية و تحليلية‪ ،‬باختصار انها‬
‫تنظيم للمعرفة العلمية من أجل أغراض عملية"‪ ،‬أي أنها " مجموعة من الوسائط المساعدة في الفعل التربوي‪،‬‬
‫ومن الممكن أن يعني أيضا ً مختلف الموارد واألدوات واألجهزة واآلالت والعمليات والطرائق العادية أو‬
‫المبرمجة التي يمكن االستعانة بها في الممارسة المنظمة للمعارف العلمية بهدف حل مشكالت عملية ‪.‬‬
‫وتكمن أية نظرية تكنولوجية للتربية في التنظيم المنطقي للوسائل الملموسة‪ ،‬سعيا ً وراء تنظيم التعليم بغض‬
‫النظر عن طبيعة محتواه‪ ،‬فالنظريات التكنولوجية التربية تضع االهتمام بالشروط العلمية للتعليم‪ ،‬من بين‬
‫انشغاالتها األولى وتحاول حل مشكالت التعليم اليومية‪ ،‬إلى إضافة إلى ذلك تسعى النظرية التكنولوجية للتربية‬
‫إلى أن تكون نفعية ومنظمة للتواصل البيداغوجي لدرجة أن البعض أصبح يتحدث فيها عن تكنولوجيا التعليم‬
‫وتكنولوجيا التربية "‬
‫فيما يرى آخرون أن تكنولوجيا التعليم تطرح " دراسة كيفية تنظيم البيئة البيداغوجية‪ ،‬وكيفية تهيئة‬
‫الوسائل والطرائق التربوية والتعليمية وكيفية تركيب المعارف‪ .،‬وباختصار تطرح تكنولوجيا التعليم تحديد‬
‫النموذج الذي يُ َعد لممارسة التعليم وفق ما يقدمه هذا النموذج من استراتيجيات حتى يتمكن المتعلم من استيعاب‬
‫المعارف الجديدة بأكبر قدر ممكن من الفعالية ويُعتبر مفهوم النموذج النموذج النفسي للتعليم محور تكنولوجيا‬
‫التربية ‪.‬‬
‫وتعبر تكنولوجيا التعليم عن " مجموع الموارد السمعية البصرية المستعملة في التعليم‪ ،‬مثل الصور و األفالم و‬
‫أدوات التسجيل و الراديو و التلفزة ‪ ...‬كما أنها تشير كذلك إلى منهجية التعليم مثل التعليم المبرمج‪ ،‬و هي اتجاه‬
‫فكري و عملي تطور وفق تيارين هما‪ :‬تطبيق نظريات التعلم في الممارسة البيداغوجية ‪ ،‬و إدماج مقاربات‬
‫لتنظيم المعرفة و تحديد األهداف‪" .‬‬
‫أما تكنولوجيا التربية فيكتسب هذا اللفظ معنيين في األدبيات البيداغوجية‪ ،‬فهو يفيد بالنسبة لبعض الباحثين عقلنة‬
‫نشاط التكوين بواسطة تحديد األهداف و صياغة استراتيجيات مالئمة للجمهور و لنمط التعلم المنشود‪ ،‬و‬
‫استعمال أدوات التقييم بغرض قياس مستوى تحقق األهداف‪ ،‬و بالنسبة لباحثين آخرين فإنهم يستعملون هذا‬
‫اللفظ في معنى توظيف آالت يمكن أن تساعد المدرسين( عاكس—فيديو‪ -‬آلة تسجيل ‪")...‬‬
‫‪ -‬خصائص النظرية التكنولوجية‬
‫و تتميز النظرية التكنولوجية في التربية بمجموعة من الخصائص تذكر منها‪:‬‬
‫‪ ‬استعمالها للمصطلحات التالية‪ :‬سيرورة هندسة تربوية تواصل تكوين تكنولوجيا‪ ،‬وسائل تقنيات‪ ،‬مخبر‬
‫متفاعل‪ ،‬بيئات معلمنة ‪ ،‬وسائط متعددة‪ ،‬برمجة نظام‪ ،‬تعليم مفردن‪.‬‬
‫انشغالها بالتعليم والتكوين أكثر من انشغالها بالتربية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫اهتمامها الكبير بالتخطيط وبتنظيم سيرورة التكوين‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫استعمالها لتكنولوجيات التواصل أجهزة سمعية بصرية فيديو أسطوانات أقراص كمبيوتر تأكيدها على‬ ‫‪‬‬
‫ضرورة التحديد المستقبلي للسلوكات المالحظة لدى الطالب‪.‬‬
‫إرادتها في تنظيم المراحل المختلفة للتكوين بأقصى ما يمكن من التنظيم (تحديد األهداف والمهام‬ ‫‪‬‬
‫والتقويم ‪...‬إلخ) ويكون ذلك من منظور شامل العلوم التطبيقية أو الهندسة التربوية‪.‬‬
‫تأكيدها على عناصر التواصل والتغذية الراجعة في عملية تبليغ المعرفة ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫لجوءها إلى وصف وتقنين عمليات التكوين واإلرادتها في استعمال أعمال منظمة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫اعتمادها على النقد السلبي للنظرة اإلنسانية للتربية التي ال تمتم كثيرا ً بالتخطيط والتنظيم‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ -‬اتجاهات النظرية التكنولوجية في التربية‪:‬‬

‫نتطرق إلى اتجاهين كبيرين في الحركة التكنولوجية للتربية األول هو االتجاه النسقي والثاني هو اتجاه الوسائط‬
‫المتعددة‪.‬‬

‫أ‪ -‬االتجاه النسقى‪:‬‬

‫يتفق الباحثون على أن المصدر الغزير للنظريات التكنولوجية هو النظرية العامة لألنساق وإرادتها في تنظيم‬
‫كل العمليات دون إهمال أي شيء‪ ،‬وترجع البدايات األولى لتطبيق نظرية األنساق في ميدان التربية إلى‬
‫األمريكيين‪ ،‬فهم أول من حاول تجسيدها خالل الخمسينات وواصلوا محاوالتهم هذه من خالل كتاباتهم التي‬
‫تناولت موضوع تطبيق النظرية النسقية في التربية‪.‬‬
‫و يرى " كينيث " أن تطوير التعليم يعتمد بدرجة أساسية على نظرية النظم التي تنظر للتعليم على أنه نظام‬
‫ينطوي على عدد من العالئق السلوكية التي يمكن إخضاعها لمنهج تحليل النظم‪ ،‬كما ينطوي على منظومة من‬
‫المكونات المتعددة و المتداخلة كاإلدارة و التلميذ و المنهج و المعلم والمواد وغيرها من المكونات التي تعمل‬
‫لتحقيق أهداف معينة‪ ،‬هذه المكونات هي التي تنظر إليها نظرية النظم على أنها في حاجة إلى تنسيق و تنظيم‬
‫لعملية التفاعل بينها بهدف تحسين أساليب التعليم و تعزيز التنمية الفردية و الجماعية‪.‬‬
‫و عليه‪ ،‬فهذا االتجاه يكمن في فحص العالقات بين العنصر حسب الغايات المنشودة‪ ،‬ويوصي أنصار هذا‬
‫االتجاه بعدم إهمال أي مكون من مكونات العملية التربوية‪ ،‬كما يوصون بوضع تعاريف كاملة وتامة لهذه‬
‫المكونات انطالقا من ثالث أمور أساسية الغايات السيرورات العناصر و يدعون أيضا إلى االنطالق في العمل‬
‫التربوي باستعمال أسلوب نسقي و اتباع سيرورة محددة ومعينة وهي السيرورة التي تنطلق من تحليل الغابات‬
‫و مميزات الطالب‪ ،‬وتمر عبر تصور لنظام تعليمي ‪ -‬تعلمي‪ ،‬وكذلك عبر القيام بتجريب النظام وتقوعه لتنتهي‬
‫إلى إدراج التعديالت الضرورية‪.‬‬

‫و لقد حاولت النظريات التكنولوجية للتربية أن تطبق نظرية األنساق في ميدان التربية‪ ،‬وهي النظرية التي بناها‬
‫عالم البيولوجيا لودفيك فون بيرتالونفي ونشرها سنة ‪ 1968‬في كاتبه "النظرية العامة لألنساق"‪ .‬وتدل هذه‬
‫النظرية على منهج للتعامل مع الظواهر والمعطيات باعتبارها نظاما متفاعال دينامكيا‪ ،‬يشمل عناصر مترابطة‬
‫وعالقات مع المحيط "‪ ،‬فباعتبار الفعل التربوي ظاهرة من ظواهر الحياة‪ ،‬يجب أن نتبنى بخصوصه نظرة‬
‫شاملة ويجب تحليله كشكل من أشكال الحياة من حيث أجزائه‪ ،‬أما تحليل عمليات معينة معزولة الواحدة عن‬
‫األخرى‪ ،‬ال يمكنه أن يقدم تفسيرا شامال لظاهرة التعليم والتعلم‪.‬‬
‫و تقوم هذه النظرية على مبدأ أساسي يتمثل في الهندسة التربوية للعملية التعليمية أو ما يُعرف بتصميم التعليم‬
‫والذي يعتبر جملة من الخطوات المنطلقية والعلمية المتبعة لتصميم التعليم وإنتاجه وتنفيذه وتقويمه مع األخذ‬
‫بعين االعتبار الغايات التربوية وطبيعة المتعلم وحاجاته وتستهدف هندسة التعليم تطوير كل عناصر العملية‬
‫التعليمية لتحقيق فعالية الفعل التعليمي ويمكن اعتبار هندسة التعليم همزة الوصل بين العلوم النظرية ممثلة في‬
‫العلوم السلوكية والمعرفية والعلوم التطبيقية ممثلة في استخدام التكنولوجيات الحديثة في العملية التربوية‪ ،‬ويقوم‬
‫تصميم التعليم على مبادئ خمسة هي‪ :‬فردانية التعليم التخطيط على المديين القصير والطويل‪ ،‬ضرورة‬
‫التخطيط والتنظيم‪ ،‬األخذ بعين االعتبار شروط التعلم التعرف على النظرية النسقية واالنطالق منها‪.‬‬
‫ب ‪ -‬اتجاه الوسائط المتعددة‪:‬‬

‫تعطي البحوث و التجارب التربوية اليوم مكانة هامة لتفاعل المعرفة ولتقنيات تقديمها عبر الوسائط المتعددة‬
‫وهو اتجاه جديد يتغذى من نتائج البحوث التي تتناول مواضيع تدور حول شروط النشاط الحواري المفتوح بين‬
‫اإلنسان والمعلومة‪ ،‬و تعود مصادر نظريات الوسائط اإلعالمية المتعددة إلى بداية استعمال الوسائل السمعية‬
‫البصرية في التعليم وكذلك إلى السرنيا‪ ،‬وإلى نظريات المعرفة والنظريات السلوكية التي ساعدت في إثارة‬
‫االهتمام باالتصال وبفهم كيفية عمل المخ‪ ،‬وهو ما أدى إلى تسهيل والدة التكنولوجيا التربوية أو ما يسمى‬
‫بالهندسة التربوية ‪.‬‬

‫تشكل نظريات االتصال المصدر األول الذي استلهمت منه نظريات الوسائط المتعددة أفكارها‪ ،‬ذلك أن‬
‫االتصال البيداغوجي أصبح يُدرك كنشاط يجب تنظيمه وتفعيله‪ ،‬ولتحقيق هذا الغرض يجب االنطالق من‬
‫المعارف التي لدينا حول المستقبل (أي الطالب)‪ ،‬وحول الرسالة (المادة)‪ ،‬وحول الوسيط (وسائل االتصال)‬
‫وأخيرا ً حول التنظيم الشامل (النسق)‪.‬‬

‫أما المصدر الثاني فتمثل في السيبرنيتيقا ‪ ...‬و قد انطلقت السييرنينيقا التعلم‪ ،‬وهي التربوية في بداية األمر‬
‫من الدراسة العلمية للعالقات بين سيرورة التعليم وأثرها على مستوى العالقات التي من الممكن تحويلها إلى‬
‫عالقات رياضية فالتربية من وجهة نظر سيبرنتيقية يجب أن تدرك كتكنولوجيا حقيقية تهدف إلى جعل اآللة‬
‫تحل محل اإلنسان في إجراءات التعليم‪...‬‬

‫و يوجد المصدر الثالث لهذا التيار في النظريات المعرفية والنظريات السلوكية‪ .‬فقد استطاع سكينر‬
‫(‪ )Skiner‬أن يشرح من خالل نظريته في اإلشراط اإلجرائي مبدأ جد بسيط مفاده أن التحكم الجيد في البيئة‬
‫التعليمية يساعد بكفاية في تحقيق تعلم جيد‪ ..‬ولقد نالت مزاوجة السلوكية بتكنولوجيا التعليم إعجاب العديد من‬
‫المهتمين الذين وجدوا فيها حالً لعدة مشكالت‪ ،‬مما أدى إلى ظهور اعتقاد مفاده أنه باإلمكان مستقبال تعويض‬
‫(أستاذ رديء) بآلة مبر حة بشكل جيد وإننا ال تستطيع اليوم إحصاء أعداد الدروس للمبريحة في الحواسيب‪،‬‬
‫فهي تسيطر اليوم على الساحة التعليمية و هو ما يعني ‪ ،‬أن الطالب يستطيع األصول إلى المعرفة عن طريق‬
‫الحاسوب‪ ،‬مما يمكنه من التحكم في سيرورته التعليمية‪ ،‬ومن هنا جاء تداول كلمة البيئات المتعددة الوسائط و‬
‫نظم التعليم الذكية"‪.‬‬

‫‪ -‬مبادئ تنظيم البيئات المتعدّدة الوسائط ‪:‬‬

‫‪ ‬تنوع التفاعالت ‪ :‬يُعد تنوع التفاعالت البيداغوجية خاصية أساسية ألية بيئة متعددة الوسائط‪ ،‬ويتعلق األمر‬
‫هنا بعملية التواصل بين الطالب والحاسوب‪ ،‬أما البرمجة المستعملة هنا فتسعى لإلفادة من تبادل التأثير بين‬
‫الطالب ونظام التعليم‪ ،‬ويمكن لهذه البرمجة أن تتضمن خصائص أخرى مختلفة‪ ،‬نذكر منها على سبيل‬
‫المثال‪ :‬أن يقوم الحاسوب بتوليد المشكالت بطريقة آلية يكون الغرض منها تكويني أو تقويمي فالحاسوب‬
‫يقوم هنا بتحليل أخطاء الطالب‪ ،‬يقدم حلوالً‪ ،‬ينقل محتويات‪ ،‬يقوم بتغذية راجعة يسأل الطالب ويتكيف مع‬
‫خصائصه‪.‬‬
‫‪ ‬النمذجة المفتوحة‪ :‬تنطلق البيئة المتعددة الوسائط في عملها من الطالب وليس من المادة‪ ،‬وهي تقوم أساسا ً‬
‫على نمذجة مفتوحة وتعمل انطالقا من حاجات ورغبات الطالب‪ ،‬ويمكن لهذه النمذجة أن تحتوى على‬
‫معطيات مستمدة من الطالب مثل مميزاته وتاريخه‪...‬‬

‫‪ ‬االستقاللية تجاه المحتويات‪ :‬يؤكد العديد من مهندسي البرامج التعليمية كثيرا على بناء برامج متعددة‬
‫الوسائط‪ ،‬تتميز باستقاللية عن المحتويات و التي تسمح ببلوغ أهداف مشتركة بين العديد من المحتويات ‪.‬‬
‫المواد التعليمية‪.‬‬

‫‪ ‬التعليم التعاوني‪ :‬يزداد كل يوم عدد مهندسي األنظمة الذين يحاولون إدراج التعاون في التعليم و يكمن‬
‫الشكل األول لهذا التعاون في تبادل المعلومات بين المدرس والطلبة حول ما يجري أثناء الدرس أما الشكل‬
‫الثاني فيكمن في التفاعالت بين عدد الطلبة في آن واحد حيث يمكنهم من خالل هذه التفاعالت أن يحصلوا‬
‫على فوائد اجتماعية ونفسية‪.‬‬

‫‪ ‬نشر المعلومات عبر الوسائط المتعددة ‪ :‬تحتوي مشاريع التكوين المتعدد الوسائط بشكل عام على مجموعة‬
‫من المعلومات ذات أشكال متنوعة منها ما هو بصري ومنها ما هو متحرك أو ثابت و منها ما هو صوتي و‬
‫مكتوب وتكون هذه المعلومات بجزلة في ذاكرات (أقراص مضغوطة أقراص لينة أسطوانات الفيديو ‪)..‬‬
‫وقوية بشكل كاف يجعلها قادرة على احتواء ما هو ضروري لدرس من الدروس‪ ،‬حتى أن الطالب يستطيع‬
‫أن يطلب متى شاء تفسيرات تمنح له حسب رغبته‪ :‬شفوياً‪ ،‬كتابياً‪ ،‬بالفيديو‪...‬الخ‪،‬‬

You might also like