You are on page 1of 416

‫الدعاية على الشبكات االجتماعية‬

‫قراءة فـي أدوات السيطرة والتضليل‬


‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫التوبة (‪)105‬‬
‫الربنامج الوطين لدار الكتب الفلسطيني�ة‬
‫بطاقة فهرسة أثن�اء النشر‬
‫وزارة الثقافة – اإلدارة العامة للمكتب�ات واملخطوطات‬
‫املصدر‪ ،‬حيدر ابراهيم‬
‫الدعاية على الشبكات االجتماعية ‪ /‬حيدر ابراهيم املصدر‪.‬‬
‫غزة ‪ :‬مركز الدراسات اإلقليمية‪ 2020 ،‬م‪.‬‬
‫(‪ )414‬ص‪24*17 ،‬‬
‫رقم اإليداع‪2020 /1391 :‬‬

‫اإلدارة العامة للمكتب�ات واملخطوطات‬


‫بوزارة الثقافة الفلسطيني�ة‬
‫(جميــع حقــوق املؤلــف محفوظــة لــدى دار الكتــب الوطنيــ�ة واملكتبــ�ات بــوزارة الثقافــة‬
‫رقــم‪ 2020/ 1391/‬بت�اريــخ ‪ 13‬صفــر ‪1442‬هـــ ‪30/9/2020 -‬م‪.‬‬
‫وال جيــوز نشــر أي جــزء مــن هــذا الكتــاب‪ ،‬أو ختزين ـ�ه أو تســجيله بأيــة وســيلة‪ ،‬أو تصويــره‬
‫أو ترجمتــه دون موافقــة خطيــة مســبقة مــن املؤلــف‪ ،‬ومــن خيالــف ذلــك يعــرض نفســه‬
‫للمســاءلة القانوني ـ�ة أمــام القضــاء)‪.‬‬
‫َّ‬
‫إلـى والداي رزقنـي للا ّبرهما‬
‫ُ‬
‫إلـى أمة اإلسالم يف مشارق األرض ومغاربها‬
‫إلـى شعبن�ا الفلسطيين املرابط‬
‫إلـى اجلعربي أبو محمد‪ ،‬والشمالة أبو خليل والعطار أبو أيمن‬
‫ُ‬
‫إلـى الشهداء‬
‫براءة ذمة‬
‫«اللهم إين أبرأ إليك من علم يف الكتاب يؤتـى بغيـر موضع‬
‫احلق الذي يرضيك»‬
‫الفهرس‬
‫‪07‬‬ ‫اإلهداء‬
‫‪09‬‬ ‫براءة ذمة‬
‫‪11‬‬ ‫الفهرس‬
‫‪15‬‬ ‫تقديم‬
‫‪17‬‬ ‫مقدمة‬

‫الفصل األول‬
‫‪19‬‬ ‫الدعاية‪ :‬خلفية تاريخية‬
‫ً‬
‫‪25‬‬ ‫أوال‪ :‬الدعاية خالل العصور الوسطى‬
‫ً‬
‫‪30‬‬ ‫ثاني�ا‪ :‬الدعاية خالل القرن الثامن عشر‬
‫ً‬
‫‪36‬‬ ‫ثالثا‪ :‬الدعاية خالل القرن التاسع عشر‬
‫ً‬
‫‪40‬‬ ‫رابعا‪ :‬الدعاية خالل القرن العشرين‬

‫الفصل الثاين‬
‫‪55‬‬ ‫تطورات الدعاية بظهور الشبكات االجتماعية‬
‫ً‬
‫‪59‬‬ ‫أوال‪ :‬الدعاية املركزية‬
‫ً‬
‫‪65‬‬ ‫ثاني�ا‪ :‬الدعاية والتحول باجتاه الالمركزية‬
‫ً‬
‫‪68‬‬ ‫ثالثا‪ :‬اجلمهور الفاعل الدعايئ اجلديد‬
‫ً‬
‫‪81‬‬ ‫رابعا‪ :‬الدعاية من العمودية إىل األفقية‬
‫ً‬
‫‪83‬‬ ‫خامسا‪ :‬تطور بن�اء الرسالة الدعائي�ة‬
‫ً‬
‫‪92‬‬ ‫سادسا‪ :‬سرعة انتشار الدعاية‬
‫الفصل الثالث‬
‫‪99‬‬ ‫الدعاية احلاسوبي�ة‬
‫ً‬
‫‪102‬‬ ‫أوال‪ :‬مفهوم الدعاية احلاسوبي�ة‬
‫ً‬
‫‪107‬‬ ‫ثاني�ا‪ :‬الدعاية احلاسوبي�ة وخاصية التنكر‬
‫ً‬
‫‪113‬‬ ‫ثالثا‪ :‬مكونات الدعاية احلاسوبي�ة‬
‫‪113‬‬ ‫البي�انات السلوكية ‪BEHAVIORAL DATA‬‬

‫‪116‬‬ ‫البي�انات واالستهداف املخصص ‪MICRO-TARGETING‬‬ ‫ ‬


‫‪126‬‬ ‫األتمتة «التشغيل اآليل» ‪AUTOMATION‬‬

‫‪127‬‬ ‫الروبوتات االجتماعية ‪SOCIAL BOTNETS‬‬ ‫ ‬


‫‪141‬‬ ‫احلسابات الوهمية ‪FAKE ACCOUNTS‬‬ ‫ ‬
‫‪153‬‬ ‫اخلوارزميات ‪ALGORITHMS‬‬

‫‪161‬‬ ‫اخلوارزميات والتالعب بمحركات البحث ‪SEM‬‬ ‫ ‬


‫‪166‬‬ ‫اخلوارزميات وغرف الصدى ‪ECHO CHAMBERS‬‬ ‫ ‬
‫‪184‬‬ ‫الدعم والرعاية البشرية ‪HUMAN CURATION‬‬

‫‪185‬‬ ‫تشكيالت السايرب ‪CYBER TROOPS‬‬ ‫ ‬


‫ُ‬ ‫َ‬
‫‪198‬‬ ‫التصيد ‪TROLLING‬‬ ‫ ‬

‫الفصل الرابع‬
‫‪217‬‬ ‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬
‫ً‬
‫‪220‬‬ ‫أوال‪ :‬الهندسة االجتماعية ‪SOCIAL ENGINEERING‬‬
‫ً‬
‫‪230‬‬ ‫ثاني�ا‪ :‬الزتييــف العميق ‪DEEP FAKE‬‬
‫ً‬
‫‪246‬‬ ‫ثالثا‪ :‬صناعة االنطباع املضلل ‪ASTROTURFING‬‬
‫ً‬
‫‪264‬‬ ‫رابعا‪ :‬دعاية احلشد املزيف ‪CROWDTURFING‬‬

‫‪265‬‬ ‫التعهيد اجلماعي ‪CROWDSOURCING‬‬ ‫ ‬


‫ً‬
‫‪277‬‬ ‫خامسا‪ :‬التنقيب الدعايئ ‪PROPAGANDA MINING‬‬

‫الفصل اخلامس‬
‫‪311‬‬ ‫أساليب وتكنيكات الـدعاية‬
‫ً‬
‫‪315‬‬ ‫أوال‪ :‬األساليب والتكنيكات التقليدية‬
‫ً‬
‫‪356‬‬ ‫ثاني�ا‪ :‬األساليب والتكنيكات احلديث�ة‬
‫املراجع‬
‫‪380‬‬ ‫املراجع العربيــة‬
‫‪385‬‬ ‫املراجعة األجنبي�ة‬
‫تقديم‬
‫تزخــر املكتبــ�ة العربيــ�ة والفلســطيني�ة بعشــرات الكتــب عــن الدعايــة وتأثرياتهــا‪،‬‬
‫لكنهــا يف الغالــب ال تفــي متطلبــات مواجهــة احلــروب الدعائيــ�ة الــي تتعــرض لهــا‬
‫ّ‬
‫الشــعوب العربيــ�ة‪ ،‬كمــا أن الكثــر منهــا قديــم ال يتمــاىش مــع التطــورات احلديثــ�ة‪ ،‬وال‬
‫ويؤخــذ علــى‬‫يتصــدى لنمــاذج وأمثلــة واقعيــة بالتحليــل واالســتنت�اج والربــط واالســتقراء‪ُ .‬‬
‫كتــب الدعايــة املحليــة جمودهــا‪ ،‬وغيــاب حركــة جتديدهــا وتطويرهــا‪ .‬فمعظمهــا يتن ـ�اول‬
‫مفاهيــم وأنــواع تقليديــة عفــى عليهــا الزمــن‪ ،‬ويعــرض أســاليب وتكنيــكات تعــود إىل زمــن‬
‫جوزيــف جوبلــز يف النصــف األول مــن القــرن العشــرين‪ ،‬ولعــل الســبب يف ذلــك أن غالبيـ�ة‬
‫محتواهــا العلــي منقــول عــن مصــادر أجنبي ـ�ة قديمــة‪.‬‬
‫وقــد مــارس االحتــال «اإلســرائيلي» منــذ مــدة طويلــة الدعايــة بأنواعهــا املختلفــة‪،‬‬
‫بــل واعتمــد عليهــا يف تهجــر الشــعب الفلســطيين واحتــال أرضــه‪ ،‬وجعلهــا مــن الركائــز‬
‫األساســية لتقدمــه العســكري والســيايس واألمين‪ ،‬ورغــم ذلك تفتقــر املكتب�ة الفلســطيني�ة‬
‫إىل مؤلفــات تتنــ�اول دعايــة االحتــال وتفســر أســباب جناحهــا وســبل التصــدي لهــا‪،‬‬
‫خاصــة مــا يتصــل بأشــكالها احلديثـ�ة الــي يمارســها عــر قنــوات اإلعــام اجلديــد ومواقــع‬
‫ّ‬
‫الشــبكات االجتماعيــة‪ .‬كمــا أن وســائل الدعايــة وأســاليبها املختلفــة تطــورت بشــكل مهول‬
‫ً‬
‫خــال القــرن احلــادي والعشــرين خصوصــا مــع ظهــور منصــات التواصــل االجتماعــي الــي‬
‫جعلــت مــن العالــم ليــس قريــة واحــدة فحســب‪ ،‬بــل غرفــة واحــدة صغــرة مزدحمــة بأكــر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مــن ســبعة مليــار إنســان‪ ،‬وأصبــح لهــا تأثــرا هائــا علــى األفــراد والسياســات والــدول‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وبــات اســتخدامها مــن وســائل القــوة الناعمــة والدبلوماســية الدوليــة‪ ،‬ومجــاال خصبــا‬
‫ملمارســة الدعايــة بأشــكالها كافــة‪.‬‬
‫مــن هنــا تــأيت أهميــة الكتــاب الــذي بــن أيدينـ�ا‪ ،‬حيــث يأخذنــا املؤلــف يف رحلــة ممــزة‬
‫وبأســاليب شــيقة ‪ -‬فيهــا الكثــر مــن الرشــاقة والعمــق ‪ -‬إىل عالــم الدعايــة املعاصــر‪،‬‬
‫ً‬
‫وينتقــل بــن صفحاتــه إىل خلفيــات الدعايــة انطالقــا مــن العصــور القديمــة وحــى نهايــة‬
‫القــرن العشــرين‪ ،‬ويعــرض للتطــورات الــي شــهدتها خــال القــرن احلــايل‪ ،‬ثــم يبــن‬

‫‪15‬‬
‫ً‬
‫شــكلها احلاســويب ومكوناتــه‪ ،‬وصــوال إىل اســتعراض عــدد مــن الظواهــر الدعائيـ�ة اخلطــرة‬
‫املتفشــية يف مواقــع التواصــل اإلجتماعــي‪ ،‬ليختتــم كتابــه بعــرض مجموعــة مــن اســاليب‬
‫وتكنيــكات الدعايــة التقليديــة واحلديث ـ�ة‪.‬‬
‫ّ‬
‫وإذا كان هــذا الكتــاب هــو األول للمؤلــف حيــدر املصــدر بعــد مجموعــة مــن األحبــاث‬
‫املمــزة‪ ،‬فهــو يمثــل نقلــة نوعيــة تتمثــل يف محاولتــه ســد النقــص القائــم يف الدراســات‬
‫ّ‬
‫اإلعالميــة العربيـ�ة يف مضمــار الدعايــة‪ .‬وممــا ال شــك فيــه‪ ،‬أن اتقانــه للغــة اإلجنلزييــة ُعــد‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫عامــا إضافيــا مســاعدا مكنــه مــن الرجــوع إىل املصــادر األصيلــة مــن كتــب وأحبــاث رائــدة‪،‬‬
‫ً‬
‫خصوصــا أنــه مجــال بكــر مــا زال حيتــاج للكثــر مــن اجلهــد يف فهمــه وتن�اولــه وتقديمــه‬
‫للجمهــور العــام واملتخصــص‪ ،‬وليــس أعظــم مــن هــذه القــدرة العاليــة عنــد الكاتــب‪ ،‬هــذا‬
‫الكــم الكبــر مــن املراجــع العربيـ�ة واألجنبيـ�ة الــي اســتعان بهــا يف ســبي�ل ذلــك‪ ،‬باإلضافــة إىل‬
‫ختصصــه الدقيــق يف هــذا احلقــل‪ ،‬األمــر الــذي يضــع الكتــاب يف مقدمــة املؤلفــات العربي ـ�ة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الــي ســتغدو مرجعــا مهمــا للدعايــة علــى الشــبكات االجتماعيــة ردحــا طويــا مــن الزمــن‪.‬‬

‫دكتور‬ ‫ ‬
‫طلعت عبداحلميد عيىس‬
‫أستاذ اإلعالم املشارك يف قسم‬
‫الصحافة باجلامعة اإلسالمية يف غزة‬

‫‪16‬‬
‫مقدمة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫احلمد هلل رب العاملني حمدا كثريا طيب�ا مباركا فيه‪ ،‬احلمد هلل كما ينبغي جلالل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وجهه وعظيم سلطانه‪ ،‬حمدا جزيال يوايف نعمه وعطاياه‪ ،‬والصالة والسالم على خري اخللق‬
‫واملرسلني‪ ،‬سيدنا وحبيبن�ا وشفيعنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعني‪ ،‬أما بعد؛‬
‫ً‬
‫راودتين فكرة إعداد الكتاب منذ عامني تقريب�ا‪ ،‬ثم ظلت تالزمين ال تفارقين‪ ،‬تزيد من‬
‫وطأتها يف كل مرة أحبث فيها دون جدوى عن دراسات ومؤلفات عربي�ة تتطرق للعالقة بني‬
‫مواقع الشبكات االجتماعية والدعاية‪ ،‬لكن اللحظة احلاسمة اليت ألهبت همة االنطالق‬
‫داخلي تعود إىل منتصف العام ‪2019‬م‪ ،‬خالل حضوري ندوة علمية خصصت للحديث‬
‫عن الدعاية السيرباني�ة «اإلسرائيلية» جتاه مسريات العودة الفلسطيني�ة‪ ،‬وقد استمعت‬
‫خاللها ألطروحات متنوعة‪ ،‬تنطلق غالبيتها من مسارات تقليدية‪ ،‬ال تنسجم مع التطورات‬
‫اليت شهدتها الدعاية خالل القرن احلادي والعشرين‪ ،‬ومنذ تلك اللحظة‪ ،‬بدأت رحلة‬
‫التنقيب والبحث للتعرف على ما حتتويه املكتب�ة الغربي�ة‪ ،‬فوقعت على مصادر متنوعة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫شجعتين فورا على البدء‪ .‬وانطالقا من اإلحساس باملسؤولية جتاه قضيتن�ا وحاجة املكتب�ة‬
‫ً‬
‫الفلسطيني�ة والعربي�ة إىل مراجع علمية تساعد على فهم الدعاية الشبكية‪ ،‬قررت متوكال‬
‫على هللا إعداد الكتاب الذي يت�ألف من خمسة فصول مقسمة على الوجه اآليت‪:‬‬
‫ً‬
‫الفصل األول‪ ،‬يقدم ملحة مختصرة عن تاريخ تطور الدعاية انطالقا من العصور‬
‫القديمة وحىت نهاية القرن العشرين‪ ،‬مع الرتكزي على كيفية حتول الدعاية من فعل تلقايئ‬
‫إىل نشاط مخطط‪ ،‬ومن موهبة فردية إىل اشتغال مؤسسايت منظم يسعى حنو السيطرة‪.‬‬
‫أما الفصل الثاين‪ ،‬فيتن�اول التطورات اليت شهدتها الدعاية بظهور مواقع الشبكات‬
‫االجتماعية‪ ،‬خاصة حتولها من حالة مركزية إىل وضع المركزي‪ ،‬ومن هبوط عامودي إىل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تمدد أفقي‪ ،‬يشارك الفرد فيها بوصفه فاعال قادرا على حتدي هيمنة السلطة‪ ،‬كما تطرق‬
‫للتطورات على صعيد بن�اء الرسالة الدعائي�ة وأشكال انتشارها‪ ،‬مع مقارنة جميع ما سبق‬
‫بمفاهيم الدعاية التقليدية اليت ظلت سائدة لسنوات طويلة‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫ُ‬
‫وخصص الفصل الثالث للحديث عن الدعاية احلاسوبي�ة وماهيتها‪ ،‬وما يرتبط بها من‬
‫مفاهيم ومكونات كالبي�انات السلوكية واألتمتة واخلوارزميات والدعم البشري‪ ،‬كما‬
‫أفردنا مساحات إضافية للحديث عن االستهداف املخصص واملحتوى اخلفي وخاصية‬
‫التنكر والروبوتات االجتماعية واحلسابات الوهمية وغرف الصدى والتصيد وتشكيالت‬
‫السايرب وغريها من أدوات وأشكال الدعاية احلديث�ة‪.‬‬
‫وينتقل الكتاب يف فصله الرابع إىل عرض خمس ظواهر دعائي�ة حديث�ة‪ ،‬فيتن�اول للهندسة‬
‫االجتماعية‪ ،‬ثم يتفحص ظاهرة الزتييف العميق‪ ،‬وينتقل بعدها إىل دعاية احلشد املزيف‪،‬‬
‫ثم دعاية التضليل «صناعة االنطباع املضلل»‪ ،‬ليختم بظاهرة التنقيب الدعايئ اليت‬
‫عرضنا فيها دراسة حالة مستقاة من الواقع الفلسطيين‪ ،‬وخالل الفصل اخلامس واألخري‪،‬‬
‫ً‬
‫يستعرض الكتاب عددا من أساليب الدعاية التقليدية واحلديث�ة‪ ،‬اليت يكرث توظفيها على‬
‫مواقع الشبكات االجتماعية‪ ،‬مع تقديم أمثلة عملية توضحها‪ ،‬ثم خيتتم بطرح جملة من‬
‫املالحظات حول أساليب الدعاية‪.‬‬
‫ً‬
‫يف النهاية‪ ،‬أجد نفيس ملزما برد الفضل إىل معليم‪ ،‬ومشريف يف مرحلة الماجستري‪ ،‬األستاذ‬
‫الدكتور جواد راغب الدلو‪ ،‬املحاضر يف قسم الصحافة واإلعالم باجلامعة اإلسالمية‪ ،‬الذي‬
‫ّ‬
‫شجعين على خوض غمار الدعاية‪ ،‬وألزمين نصيحة هي لدي يف مقام الوصية‪ ،‬أل أتوقف‬
‫عند القشور‪ ،‬وأن ألج األعماق ما استطعت‪ ،‬وأستخرج منه ما هو مفيد وصالح لقضيتن�ا‬
‫وأمتن�ا‪ ،‬وآمل أن أكون جبهدي اخلجول هذا قد رددت إليه جزء من فضله‪ ،‬كما أتمىن أن‬
‫َ‬
‫يفتح املؤلف الطريق أمام الباحثني الفلسطينيني والعرب لتطوير علم الدعاية‪ ،‬وأن يكون‬
‫مساهمة متواضعة مين يف هذا املضمار‪.‬‬

‫َّ‬
‫وللا من وراء القصد‪،‬‬
‫وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب العاملني‪.‬‬

‫ّ‬
‫حيدر إبراهيم املصدر‬

‫‪18‬‬
‫الفصل األول‬

‫الدعاية‪ :‬خلفية تاريخية‬

‫‪19‬‬
‫الفصل األول‬

‫ً‬
‫أوال‪ :‬الدعايــة خــال العصــور الوســطى‬
‫ً‬
‫ثاني ـ�ا‪ :‬الدعايــة خــال القــرن الثامــن عشــر‬
‫ً‬
‫ثالثــا‪ :‬الدعايــة خــال القــرن التاســع عشــر‬
‫ً‬
‫رابعــا‪ :‬الدعايــة خــال القــرن العشــرين‬

‫‪20‬‬
‫الدعايـــة ‪ :‬خلفيـة تاريخيــة‬

‫ّ‬
‫يعــري الكثــر مــن النــاس نزعة لالعتقــاد حبداثة الدعايــة‪ ،‬وأن حقيقــة وجودها متصل‬
‫علــى حنــو وثيــق بظهــور وســائل اإلعــام الســائدة‪ ،‬ولكـ ّـن هــذا االعتقــاد خاطــئ إىل حـ ٍـد كبــر‪،‬‬
‫فالدعايــة لهــا تاريــخ طويــل يمتــد آلالف الســنني‪ ،‬وبــدون فهــم جذورهــا التاريخيــة يصعب‬
‫علينـ�ا إدراك أصلهــا احلقيقــي‪ ،‬فاحلضــارات القديمــة‪ ،‬كالبابلية‪ ،‬والســامرية‪ ،‬واآلشــورية‪،‬‬
‫واملصريــة‪ ،‬امتلكــت فهمهــا اخلــاص للدعايــة؛ فهــي وظفتهــا بأشــكال اتصــال بدائيــ�ة‪،‬‬
‫كاأللــواح الطينيــ�ة‪ ،‬والكتابــات الصوريــة (املســمارية)‪ ،‬واملعابــد‪ ،‬والنصــب‪ ،‬وغريهــا؛‬
‫لعكــس مفاهيــم رمزيــة وأســطورية‪ ،‬ترتبــط بمعتنقــات تصوريــة خرافيــة‪ ،‬كاخللــود‪،‬‬
‫والتمجيــد اإللهــي‪ ،‬وحيــاة ما بعد املــوت‪ ،‬فالفراعنة على ســبي�ل املثال كان لهــم فهم للدعاية‬
‫يقــرن بالتأليــه والرتهيــب‪ ،‬وهــو مــا تعكســه األهرامــات‪ ،‬أو صــرح معبــد أبــو ســمبل الكبــر‪،‬‬
‫ـاز محتمــل‬ ‫الــذي شــيده “رمســيس الثــاين” لتخليــد انتصاراتــه‪ ،‬وبــث اخلــوف يف نفــس أي غـ ٍ‬
‫(‪.)Jowett & O’Donnell:2012‬‬
‫وعلــى الرغــم مــن توظيــف هــذه احلضــارات للدعايــة بهيئــ�ات رمزيــة ذات أبعــاد‬
‫ّ‬
‫ســيكولوجية محــدودة‪ ،‬إال أنهــا اتســمت بالتذبــذب والتبعــر‪ ،‬وغيــاب املنهجيــة الناظمــة‬
‫أو املنطلــق الفلســفي‪ ،‬بعكــس احلضــارات الالحقــة‪ .‬ومــع بــزوغ فجــر احلضــارة اإلغريقيــة‪،‬‬
‫بــدأت الدعايــة حيــازة مفهومهــا شــبه املمنهــج‪ ،‬ســواء يف املمارســة احلياتي ـ�ة أو احلربي ـ�ة‪،‬‬
‫فاملــدن اإلغريقيــة أخــذت باالتســاع‪ ،‬لتتخــذ بمــرور الوقــت هيئــ�ة مجتمعــات منظمــة‬
‫مســتقلة عــن بعضهــا‪ ،‬تتن�افــس فيمــا بينهــا علــى الســيطرة الثقافيــة والتجاريــة‪ .‬هــذا‬
‫الصــراع ســمح للدعايــة باالزدهــار‪ ،‬ولكــن بأشــكال ومضامــن أيقونيــ�ة وأســطورية‬
‫متنوعــة‪ ،‬جســدتها املعابــد‪ ،‬واملنحوتــات‪ ،‬والتماثيـ�ل‪ ،‬واملبــاين الضخمــة‪ ،‬ومختلــف الفنــون‬
‫كالقصائــد امللحميــة؛ لمــا تعكســه مــن دالالت مجازيــة علــى قــوة واســتقاللية كل منهــا‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫الفصل األول‬

‫بــدوره ســاهم الصــراع اإلغريقي‪-‬الفــاريس يف ظهــور الدعايــة احلربي ـ�ة‪ ،‬عــر حملــة‬
‫التضليــل الــي نفذهــا القائــد اإلغريقــي ثيميســتوكليس “‪ ”Themistocles‬خــال مواجهتــه‬
‫ً‬
‫جليــوش اكزركســيس “‪ ”Xerxes‬الفــاريس‪ ،‬والــي أدت الحقــا إىل هزيمــة األخــر؛ هــذه‬
‫الواقعــة التاريخيــة ُســجلت بكونهــا أول اســتخدام متعمــد للتضليــل كحيلــة دعائيـ�ة (‪.)Ibid‬‬
‫تكتــف احلضــارة اإلغريقيــة بعكــس مســاهماتها الثقافيــة والعســكرية يف مجــال‬ ‫ِ‬ ‫ولــم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الدعايــة‪ ،‬بــل قدمــت أنموذجــا متطــورا آخــر‪ ،‬تمثــل يف دعايــي الســيطرة واإلدمــاج بأبعادهما‬
‫السياســية واالجتماعيــة‪ ،‬وهــو مــا يتضــح مــع اإلســكندر املقــدوين عندمــا أمــر بنقــش صوره‬
‫علــى العمــات املعدنيـ�ة وقطــع الفخــار‪ ،‬وبنـ�اء لوحــات وتماثيـ�ل ونصــب تذكاريــة لــه علــى‬
‫امتــداد إمرباطوريتـ�ه؛ بهــدف تذكــر اخلاضعــن لســيطرته بهويــة ســيد العالــم احلقيقــي‪.‬‬
‫وبهــذا اخلصــوص يشــار إىل كــون اإلســكندر أول مــن أدرك أهميــة األبعــاد الرمزيــة للدعايــة‬
‫ً‬
‫يف احلفــاظ علــى تماســك إمرباطوريت ـ�ه‪ ،‬وضمــان الســيطرة عليهــا سياســيا عــر مختلــف‬
‫ّ‬
‫األشــكال االتصاليــة‪ ،‬فقــد تبــن لــه أنهــا بديــل ممتــاز عــن حضــوره الفعلــي (‪ .)Ibid‬ومــع‬
‫ذلــك شــجع اإلســكندر علــى تنفيــذ ممارســات اجتماعيــة ذات أبعــاد دعائيــ�ة رمزيــة‬
‫ّ‬
‫لكنهــا اســراتيجية هدفهــا الدمــج بــن املجتمعــات اإلغريقيــة والفارســية‪ ،‬ويتضــح ذلــك‬
‫بزواجــه مــن بارســن “‪ ”Barsine‬ابن ـ�ة امللــك داريــوس”‪ ،”Darius‬ورعايت ـ�ه لــزواج عــدد كبــر‬
‫مــن قادتــه وجنــده مــن الفارســيات (تايلــور‪ .)2000 :‬بهــذه الطريقــة اســتطاع اإلســكندر‬
‫احتــواء شــعبني بثقافتــن متخاصمتــن علــى قاعــدة العــدل واملســاواة بينهمــا‪ ،‬مــا يعكــس‬
‫ً‬
‫فهمــه املبكــر ألهميــة دمــج اخلصــم حتــت لوائــه؛ فبــدال مــن قتلــه وقهــره والتنكيــل‬
‫بــه‪ ،‬ســعى إىل تشــيي�د مجتمــع مســتقر يمكــن الســيطرة عليــه‪ ،‬واإلفــادة مــن مقدراتــه‬
‫خاصة البشرية منها‪.‬‬
‫ومــا بــن الســيطرة واإلدمــاج ارتبطــت الدعايــة يف فــرة زمنيــ�ة معينــ�ة باخلطابــة‬
‫والبالغــة واجلــدل‪ ،‬أي بقاعــدة فلســفية‪ ،‬فمــن وجهــة نظــر اإلغريــق الدعايــة أســاس‬
‫للحيــاة الشــخصية والعامــة يوظفهــا األفــراد والساســة‪ ،‬لتنظيــم شــؤونهم اليوميــة‪،‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫مــا يعــي أنهــا حملــت وجهــا يبتغــي اإلقنــاع بالعقــل واملنطــق (‪ .)Cull et al.:2003‬ومــن‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫هنــا نبعــت حتذيــرات أفالطــون “مــن أن اجلــدل قــد جيعــل مــن األســوأ منطقــا جيــدا‪،‬‬

‫‪22‬‬
‫الدعايـــة ‪ :‬خلفيـة تاريخيــة‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫مستســاغا ومقبــوال ” (‪ .)O’Shaughnessy:2012‬وجتــدر اإلشــارة إىل كــون اإلغريــق أول‬
‫مــن أســس للدعايــة القائمــة علــى احلقيقــة عــر كتــاب أرســطو “اخلطابــة ‪،”Rhetoric‬‬
‫ً‬
‫والــذي وضــع فيــه أســس وقواعــد إلرشــاد اخلطبــاء‪ ،‬مطالبــا إياهــم بإقامــة حججهــم علــى‬
‫احلقيقــة بقولــه‪“ :‬احلقيقــة تهــزم الزيف”(تايلــور‪ ،)2000:‬لريســخ بذلــك واحــدة مــن دعائــم‬
‫العمــل الدعــايئ احلديــث(*)‪.‬‬
‫بدورهــا ويف دليــل واضــح علــى رســوخ فكــرة الدعايــة املمنهجــة بأبعادهــا النفســية اليت‬
‫بدأهــا اإلســكندر‪ ،‬طــورت اإلمرباطوريــة الرومانيـ�ة اســراتيجيات دعائيـ�ة متعــددة تواكــب‬
‫احتي�اجاتهــا الــي فرضتهــا عوامــل توســعها اجلغــرايف‪ ،‬وتنــوع الشــعوب واألعــراق اخلاضعة‬
‫ً‬
‫لســلطانها‪ .‬فهــي باشــرت جهــدا حنــو تأكيــد قــوة ومركزيــة حكمهــا‪ ،‬عــر اســتغالل كل‬
‫أشــكال االتصــال املتاحــة آنــذاك كالقطــع النقديــة‪ ،‬واللوحــات اجلداريــة‪ ،‬واملبــاين العامــة‪،‬‬
‫والتماثيــ�ل‪ ،‬وفنــون الهندســة املعماريــة‪ ،‬والشــعر‪ ،‬والدرامــا‪ ،‬واالحتفــاالت‪ ،‬ومواكــب‬
‫االنتصــارات؛ بهــدف إجيــاد نظــام دعــايئ منظــم ومتكامــل‪ ،‬قائــم علــى شــبكة منســجمة‬
‫مــن الرمــوز االتصاليــة‪ ،‬ختلــق بكليتهــا اجلمعيــة صــورة ذهنيـ�ة عــن اإلمرباطوريــة بوصفهــا‬
‫كيــان متماســك‪ ،‬قــوي وشــديد البــأس (‪ .)Jowett & O’Donnell:2012‬ويف ســياق آخــر برعــت‬
‫رومــا يف اســتغالل األبعــاد الثقافيــة حلضارتهــا كجــزء مــن مجهودهــا الدعــايئ‪ .‬ومثلمــا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تبــن لإلغريــق أن التوظيــف املــدروس لوســائل االتصــال قــد يعكــس صــورة مرغوبــة عــن‬
‫ً‬
‫حضارتهــا‪ ،‬أدرك الرومــان األمــر ذاتــه ولكــن بأســلوب أكــر تفوقــا‪ ،‬فمهــارات القياصــرة‬
‫الرومــان جتســدت يف إنت ـ�اج أعــداد ضخمــة مــن هــذه الرمــوز‪ ،‬ونشــرها علــى نطــاق واســع‬
‫مــا جعــل تأثريهــا الثقــايف واحلضــاري يتجــذر لفــرات طويلــة‪ .‬فالقيصــر يولويــس “‪”Julius‬‬
‫ُ‬
‫علــى ســبي�ل املثــال اشــتهر بقدرتــه علــى اســتغالل الفــراغ النــائش يف املناطــق اخلاضعــة لــه‬
‫ً‬
‫حديث ـ�ا‪ ،‬مــن أجــل تعميــم أســاطري وثقافــة إمرباطوريت ـ�ه‪ ،‬وبالتــايل ترســيخ طابعهــا الفــي‬
‫والفلســفي بــن أفــراد شــعوبها‪.‬‬

‫دعــا املفكــر الصيــي كونفوشــيوس يف كتابــه “التعاليــم” إىل محاولــة إقنــاع النــاس باســتخدام أشــكال كالميـــة وكتابيـــة ذات‬ ‫(*)‬

‫محتــوى بالغــي متقــن؛ مــا يعــي إســهام احلضــارة الصينيـ�ة يف تطــور الدعايــة‪ ،‬ســواء مـــن ناحيـــة اإلعـــداد املســـبق للرســالة‬
‫اإلقناعيــة‪ ،‬أو حتديــد قناتهــا األنســب‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫الفصل األول‬

‫ً‬
‫وبعيــدا عــن الهيمنــة السياســية والثقافيــة‪ ،‬حافــظ الرومــان علــى فكــرة اإلرادة‬
‫الشــعبي�ة رغــم جتاهلهــم لهــا يف الواقــع العملــي؛ فاالحتفــاالت‪ ،‬واأللعــاب الســنوية‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وغريهــا مثلــت اعرتافــا متقدمــا بأهميــة الــرأي العــام كســلعة يتــم صناعتهــا وتشــكيلها‬
‫مــن أجــل فــرض ســيطرة مــن نــوع مــا عليهــا (‪ .)O’Shaughnessy:2012‬وبهــذا اخلصــوص‬
‫تتطــرق إحــدى األدبيــ�ات العلميــة إىل األبعــاد النفســية للممارســة الدعائيــ�ة املخططــة‬
‫ً‬
‫عنــد الرومــان؛ فالقيصــر يوليــوس مثــا ســعى إىل حتويــل نظــام احلكــم مــن جمهــوري‪-‬‬
‫شــعيب إىل شــمويل‪-‬إمرباطوري‪ ،‬وحــى يســتتب لــه ذلــك دمــج بــن نوعــن مــن الدعايــة‪:‬‬
‫التمجيــد والرتهيــب؛ فعــر صكــه لعمــات معدني ـ�ة جتســده بهيئ ـ�ات مختلفــة (محــارب‪،‬‬
‫آلهــة‪ ،‬حــايم اإلمرباطوريــة)‪ ،‬ورعايت ـ�ه ملهرجانــات مســرحية حتاكــي معاركــه وانتصاراتــه‪،‬‬
‫واتب�اعــه أســاليب قمــع مختلفــة داخــل بالطــه‪ ،‬اســتطاع زرع تأثــر نفــي مرتاكــم يف عقــول‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫األفــراد مكنــه الحقــا مــن حصــد نت�اجئــه (‪ .)Jowett & O’Donnell:2012‬واملثــر أن هــذا النمــط‬
‫الدعــايئ ســيكرر نفســه يف حقــب تاريخيــة الحقــة‪.‬‬
‫ً‬
‫ومــع ظهــور الديانــة املســيحية خــال احلكــم الرومــاين‪ ،‬أخــذت الدعايــة أبعــادا جديدة‬
‫قائمــة علــى اإلقنــاع ال اإلكــراه عــر التمــدد داخــل طبقــات املجتمــع‪ ،‬ومخاطبــة أفرادهــا‬
‫علــى مختلــف مشــاربهم (عبي ـ�د‪ ،‬فقــراء‪ ،‬مضطهديــن‪ ،‬مهمشــن)؛ مــن أجــل حثهــم علــى‬
‫اإليمــان باملعتقــد اجلديــد‪ .‬ولعــل أكــر مــا مـ ّـز دعايــة هــذا املســعى (الدعايــة الديني ـ�ة)؛‬
‫توحدهــا مــع الظــروف االجتماعيــة لغالبي ـ�ة الســكان‪ ،‬وتبنيهــا خلطــاب عاطفــي بســيط‬
‫ومفهــوم‪ ،‬مرتكــز علــى فلســفة أخالقيــة روحانيـ�ة جتســدها حكايــات ومواعــظ رمزيــة ذات‬
‫اســتعارات مجازيــة بليغــة‪ ،‬إضافــة إىل اعتمادهــا علــى شــخصيات كاريزميــة مقنعــة ومؤثرة‬
‫ً‬
‫تعــي مســبقا احتي�اجــات النــاس‪ .‬وبرغــم غيــاب ســيطرة الدعايــة علــى املقــدرات االتصاليــة‬
‫ّ ّ‬
‫الســائدة آنــذاك‪ ،‬إل أنهــا توجهــت حنــو اعتمــاد نمــط اتصــايل مباشــر (وجاهــي)‪ ،‬قائــم علــى‬
‫تنظيــم جتمعــات وعظيــة تعتمــد التنقــل املســتمر‪ ،‬لضمــان إيصــال رســالتها إىل أكــر عــدد‬
‫ً‬
‫معــان مبطنــة‪ ،‬كرمــز الســمكة الــذي‬ ‫ٍ‬ ‫ممكــن مــن النــاس‪ .‬كمــا اســتخدمت رمــوزا ذات‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫جســد معــى يشــر إىل “املســيح” بوصفــه مخلصــا ومنقــذا‪ ،‬وبالتــايل مالئمــة الرمــز لديانــة‬
‫ّ‬
‫ناشــئة اعتمــدت علــى املتطوعــن‪ ،‬حيــث دل علــى مهمــة نشــر الديــن‪ ،‬يف وقــت تعــرض‬

‫‪24‬‬
‫الدعايـــة ‪ :‬خلفيـة تاريخيــة‬

‫فيــه هــؤالء الضطهــاد الســلطات الروماني ـ�ة‪ .‬فاملســيحيون أرادوا مــن خــال نقشــه علــى‬
‫اجلــدران واألشــجار أن يبعثــوا برســالة جماهرييــة تفيــد بزيــادة أعدادهــم وتعاظــم قوتهــم‬
‫(‪ .)Dondis:1981‬باختصــار لقــد قامــت الدعايــة املســيحية خــال هــذا العصــر علــى اإلقنــاع‪،‬‬
‫حبيــث عكســت مفاهيــم دعويــة إجيابيـ�ة ترتبــط باخلــر واألخــاق‪ ،‬خبــاف املعــاين الســلبي�ة‬
‫ً‬
‫الــي ســتتصف بهــا الحقــا‪.‬‬

‫ً‬
‫أوال‪ :‬الدعاية خالل العصور الوسطى‬
‫حبلــول العصــور الوســطى‪ ،‬وتمــدد الديانــة املســيحية يف أرجــاء كبــرة مــن القــارة‬
‫األوروبي ـ�ة‪ ،‬أخــذ دور رجــال الديــن بالتعاظــم‪ ،‬وبــدأت مالمــح االســتغالل الدعــايئ للديــن‬
‫ً‬
‫تتجلــى خدمــة ملصالــح دنيويــة نفعيــة مــا جعــل مفهــوم الدعايــة يت�دحــرج حنــو الســلبي�ة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫ولعــل احلمــات الصليبيــ�ة مــن أكــر األمثلــة وضوحــا علــى هــذا التحــول؛ فخــال‬
‫الســنوات الــي ســبقتها شــهدت أوروبــا حالــة مــن اخلالفــات املتداخلــة بــن الكنيســة‬
‫وبعــض الكيانــات امللكيــة واإلقطاعيــة‪ ،‬أو حــى داخــل الكنيســة ذاتهــا‪ ،‬ومــع دخــول‬
‫العــام ‪1095‬م كان مــن الفــوىض يف أوروبــا مــا يكفــي إلقنــاع “بابــا” الكنيســة الكاثوليكيــة‬
‫أوربــان الثــاين “‪ ”Urban II‬اســتغالل مناشــدة اإلمرباطــور البزينطــي الكيســوس كومينــوس‬
‫“‪ ”Alexius Comnenus‬حمايــة املســيحية يف الشــرق‪ ،‬مــن أجــل تنظيــم جتمــع كنيــي عــرف‬
‫باســم “‪ ،”Council of Clermont‬ضــم شــخصيات مرموقــة وعامــة‪ ،‬خاطبهــم فيــه عــن‬
‫“جرائــم” املســلمني حبــق املســيحيني‪ ،‬بمــا يشــمل اغتصــاب النســاء‪ ،‬ونهــب الكنائــس‬
‫وحتويلهــا إىل مســاجد‪ ،‬كمــا تعمــد تقديــم وصــف دقيــق لتفاصيــل هــذه “الفظائــع” بغيــة‬
‫رفــع منســوب تأثريهــا العاطفــي؛ ليشــعل اللقــاء يف خاتمتــه حماســة (غوغائيـ�ة) لــن تنطفــأ‬
‫إال بانتهــاء احلــروب الصليبيــ�ة عــام ‪1291‬م (‪.)Jowett & O’Donnell:2012‬‬
‫ومــن اجلديــر ذكــره‪ ،‬أن جهــود “البابــا” لــم تســتن�د علــى ركــزة أخالقيــة‪ ،‬بــل علــى‬
‫مصالــح سياســية واقتصاديــة اكتســت رداء الديــن‪ ،‬فالكنيســة الكاثوليكيــة رأت يف هــذه‬
‫احلمــات فرصــة مناســبة لنشــر عقيدتهــا يف فضــاء غريمتهــا التقليديــة األرثدوكســية‪،‬‬
‫أمــا ممالــك أوروبــا وأمــراء إقطاعهــا فحلمــوا بالــراء الــذي ســيعود عليهــم مــن الســيطرة‬
‫‪25‬‬
‫الفصل األول‬

‫أراض وأتبــ�اع جــدد‪ ،‬يف حــن اعتربهــا أوربــان الثــاين فرصــة ملنــع احلــروب األهليــة‬
‫علــى ٍ‬
‫املحليــة عــر حتويــل الطاقــة العدواني ـ�ة الكامنــة لــدى فرســان ولصــوص أوروبــا وتوجيههــا‬
‫ّ‬
‫حنــو‪ /‬أو تفريغهــا علــى غــر املســيحيني (تايلــور‪ .)2000:‬ونســتخلص هنــا أن دعايــة احلروب‬
‫الصليبيـ�ة اســتن�دت علــى معرفــة مســبقة بالوضــع األورويب القائــم‪ ،‬وســيادة لغــة املصالــح‬
‫فيــه‪ ،‬كمــا وظفــت التحريــض املباشــر املغلــف بالكــذب إلشــعال جــذوة املواطنــن‬
‫والفالحــن‪ ،‬ناهيــك عــن نرثهــا ملختلــف الوعــود الــي جســدتها مقــوالت أرض اللــن‬
‫والعســل‪ ،‬وصكــوك الغفــران واخلــاص‪ ،‬وغريهــا مــن الوعــود الــي المســت عواطــف‬
‫النــاس‪ ،‬واســتغلتها لتجييشــهم كالقطعــان يف قضيــة خاســرة‪.‬‬
‫ويمكــن هنــا التطــرق إىل اجلوانــب االتصاليــة للدعايــة الصليبي ـ�ة يف مراحلهــا األوىل‪،‬‬
‫فهــي جتســدت يف رمــز الصليــب الــذي انتشــر علــى نطــاق واســع؛ ليعكــس تلــك الرغبــة يف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫االنتقــام‪ ،‬ويــؤدي وظيفــة املثــر لعواطــف اجلماهــر واملوحــد لهــا‪ ،‬مــا جعلــه إطــارا جامعــا‪،‬‬
‫(ذو داللــة ســيميائي�ة)‪ ،‬يرتبــط بــكل مــا هــو مقــدس‪ .‬كمــا تمثلــت يف اللقــاءات الشــعبي�ة‬
‫شــبه اليوميــة الــي نظمهــا الكهنــة والقساوســة‪ ،‬إضافــة إىل التوزيــع اليــدوي للنشــرات‬
‫الدينيـ�ة املكتوبــة‪ ،‬واملنحوتــات اخلشــبي�ة الــي صــورت املســلمني يدوســون علــى الصليــب‬
‫ّ‬
‫(‪ .)Freemantle:1965‬ويالحــظ هنــا أن اســراتيجيات الدعايــة آنفــة الذكــر تأسســت علــى‬
‫قاعــدة اتصاليــة ميدانيـ�ة‪ ،‬حتتــك باجلمهــور مباشــرة‪ ،‬مــا جعلهــا شــديدة التأثــر ســواء علــى‬
‫مســتوى اكتســابها أو نقلهــا‪ .‬ويف مرحلــة الحقــة مــن عمــر احلمــات أدت الــروح الصليبيـ�ة‬
‫ـال مرتبــط بالبطولة‬ ‫الراجئــة إىل شــيوع زهــو “الفروســية” بــن اجلماهــر‪ ،‬بوصفهــا شــرف عـ ٍ‬
‫واإلقــدام‪ .‬هــذه الصــورة املثاليــة جتســدت بهيئـ�ة اتصاليــة مثلتهــا القصائــد امللحميــة الــي‬
‫روجهــا الشــعراء الرحالــة خــال مرافقتهــم للمقاتلــن واحلجــاج يف طريقهــم حنــو الشــرق؛‬
‫فهــي وســيلة دعائيــ�ة تؤســس لفكــرة القتــال وخــوض احلــرب مــن أجــل قضيــة نبيلــة‪،‬‬
‫ُ‬
‫حبيــث صاغــت صــورة رومنطيقيــة لفــارس مثــايل‪ ،‬واســتغلت لدعــوة الشــباب إىل إثب ـ�ات‬
‫ّ‬
‫جدارتهــم يف ميــدان القتــال واحلــرب‪ .‬لذلــك فــإن مــن التأثــرات املرتتبــ�ة عــن صــورة‬
‫الفــارس الذهني ـ�ة‪ ،‬دفــع املتحمســن إىل محاولــة تقمصهــا يف الواقــع احلقيقــي‪ ،‬مــا جعلهــا‬
‫محــرك نفــي نشــط لتغذيــة جهــود الغــزو‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫الدعايـــة ‪ :‬خلفيـة تاريخيــة‬

‫أ‪ .‬الدعاية خالل حقبة اإلصالح الديين‬


‫تعتــر الفــرة الــي توســطت القرنــن الســادس والســابع عشــر‪ ،‬مــن احلقــب‬
‫التاريخيــة الغنيـ�ة باملعلومــات حــول تطــور الدعايــة خاصــة مــا يتعلــق برســائلها‪ ،‬وقنواتهــا‬
‫االتصاليــة‪ ،‬وقدرتهــا علــى حتقيــق تغيــرات جماعيــة يف معتنقــات ومواقــف األفــراد‪ .‬فخالل‬
‫تلــك املرحلــة ظهــرت حركــة بروتســتنتي�ة مناهضــة ملمارســات الكنيســة الكاثوليكيــة‬
‫ُ‬
‫بقيــادة مارتــن لوثــر “‪ ،”Martin Luther‬تدعــو إىل تبــي إصالحــات دينيــ�ة تعتــق بموجبهــا‬
‫ً‬
‫املجتمعــات الغربيــ�ة مــن ســطوة وســيطرة الكنيســة‪ ،‬وتنــئ نوعــا مــن “العلمانيــ�ة”‬
‫الدينيـ�ة يف حيــاة األفــراد‪ .‬وحــى حيقــق أهدافــه‪ ،‬بــدأ لوثــر حملــة دعائيـ�ة اتســمت بأســاليبها‬
‫املتنوعــة‪ ،‬واعتمادهــا علــى الفهــم والتخطيــط املســبق‪ ،‬فهــو اشــتغل علــى إبــراز اجلوانــب‬
‫ّ‬
‫الســلبي�ة للكنيســة‪ ،‬وأتقــن شــرحها وتفني�دهــا‪ ،‬ســيما وأنهــا تن�اولــت ممارســات عايشــها‬
‫اجلمهــور‪ ،‬كتوزيــع صكــوك الغفــران‪ ،‬وبيــع املناصــب الديني ـ�ة‪ ،‬وغريهــا مــن األمــور (‪.)Ibid‬‬
‫كمــا اعتمــد يف تصميــم رســائله علــى لغــة عاميــة تتوحــد مــع خــرات وتصــورات األفــراد‪ ،‬مــا‬
‫جعــل تأثريهــا اإلقناعــي ينمــو باضطــراد‪ ،‬خاصــة يف املــدن الــي عانــت مــن ظلــم الكنيســة‪.‬‬
‫هــذا وســاهم ابتــكاره ألســلوب كتــايب جديــد يف عــرض أفــكاره (احلــوار)‪ ،‬إىل جانــب توظيفــه‬
‫للحكــم واألمثــال الشــعبي�ة يف خطاباتــه‪ ،‬يف التواصــل بكفــاءة مــع جمهــور عريــض غــر‬
‫متجانــس‪ ،‬شــمل جميــع الطبقــات االجتماعيــة األلمانيـ�ة‪ ،‬بمــا فيهــا طبقــة األمــراء والنبـلاء‬
‫والفرســان‪.‬‬
‫وفيمــا يتعلــق بقنــوات نشــر الدعايــة‪ ،‬فقــد اســتفاد لوثــر مــن معظــم وســائل االتصــال‬
‫الســائدة يف عصــره‪ ،‬خاصــة احلديــث منهــا‪ ،‬فالطابعــة املتنقلــة علــى ســبي�ل املثــال منحتــه‬
‫ســرعة اتصــال ترجمتهــا تطــور تقني�اتهــا مــن ‪ 20‬ورقــة عنــد اخرتاعهــا إىل ‪ 200‬ورقــة يف‬
‫ّ‬
‫الســاعة حبلــول الربــع األول مــن القــرن الســادس عشــر؛ مــا يعــي أنهــا شــكلت خطــوة‬
‫هامــة باجتــاه نشــوء إعــام جماهــري حقيقــي يف ذلــك الوقــت‪ ،‬كمــا مثلــت قنــاة جديــدة‬
‫ـف لوثــر‬
‫ســمحت للدعايــة باالنتشــار علــى نطــاق واســع‪ .‬عــاوة علــى مــا ســبق‪ ،‬لــم يكتـ ِ‬
‫بتوزيــع أطروحاتــه داخــل ألماني ـ�ا‪ ،‬بــل اجتــه حنــو نشــرها وتســويقها علــى امتــداد أوروبــا‪،‬‬
‫خاصــة اجلــزء الشــمايل منهــا‪ ،‬مــا دل علــى رغبــة متعمــدة لتعميــم أفــكاره‪ ،‬وعزمــه مواجهــة‬

‫‪27‬‬
‫الفصل األول‬

‫الدعايــة املضــادة الــي بدأتهــا الكنيســة األرثدوكســية‪ .‬ويف هــذا الصــدد يقــول دكــز‬
‫“‪“ :”Dickens‬خــال العامــن ‪1520 - 1517‬م‪ ،‬بيعــت مــن مطبوعــات لوثــر الثالثــن مــا يزيــد‬
‫ّ‬
‫عــن ‪ 300‬ألــف نســخة ‪ ،...‬وهــذا يعــي أنــه ألول مــرة يف التاريــخ اإلنســاين يتمكــن جمهــور‬
‫قــارئ مــن احلكــم علــى أفــكار ثــورة مــن خــال وســيلة اتصــال جماهرييــة وظفــت اللغــة‬
‫العاميــة بالتــوازي مــع فنــون الصحافــة والرســم” (‪ .)Dickens:1968‬إىل جانــب ذلــك عمــد‬
‫ً‬
‫لوثــر إىل تســخري أشــكال اتصــال إضافيــة‪ ،‬رغبــة منــه يف ختطــي عقبــة األميــة املتفشــية‪،‬‬
‫واالســتفادة مــن قيمتهــا الرتفيهيــة‪ ،‬فاســتغل القــوة العاطفيــة للموســيقى برتانيمهــا‬
‫الشــعبي�ة‪ ،‬واســتعان بالعــروض املســرحية‪ ،‬كمــا وظــف الرســوم املصــورة والكاريكاترييــة؛‬
‫بســبب قدرتهــا علــى التجســيد البصــري‪ ،‬وســهولة ترجمــة معانيهــا وشــخصياتها‪.‬‬
‫باختصــار لقــد كان جلهــود لوثــر الدعائي ـ�ة‪ ،‬ومــن تــاه مثــل جــون كالفــن “‪ ”John Calvin‬يف‬
‫سويســرا‪ ،‬وجــون نوكــس “‪ ”John Knox‬يف اســكوتلندا أكــر األثــر يف انتشــار أفــكار حركــة‬
‫اإلصــاح الديــي‪ ،‬حبيــث حتولــت مــع مــرور الوقــت إىل عامــل دعــايئ مســرع ألعظــم أزمــة‬
‫يف تاريــخ الكنيســة الغربيــ�ة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وخــال القرنــن الســادس والســابع عشــر‪ ،‬شــهدت الدعايــة حتــوال جوهريــا تمثــل‬
‫يف انتقالهــا مــن حالــة فرديــة إىل وضــع مؤسســايت‪ ،‬أســهمت الكنيســة الكاثوليكيــة يف‬
‫وضــع لبنتـ�ه األوىل‪ .‬ففــي العصــور الســابقة كانــت الدعايــة تعتمــد يف ختطيطهــا وتنفيذهــا‬
‫علــى أفــراد يتمتعــون بــذكاء فطــري‪ ،‬وســيطرة سياســية واتصاليــة فعليــة‪ ،‬كاإلســكندر‬
‫املقــدوين ويوليــوس قيصــر‪ ،‬ولكــن الكنيســة الكاثوليكيــة عــر مواجهتهــا حلركــة اإلصــاح‬
‫أسســت لدعايــة موحــدة تمــزت بتن�اســق وتكامــل أذرعهــا‪ ،‬واعتمادهــا‪ -‬ألول مــرة‪ -‬علــى‬
‫اإلعــداد والتأهيــل املســبق‪ .‬فرجــل الديــن اجناتيــوس لويــا “‪ ،”Ignatius Loyola‬أنشــأ‬
‫عــام ‪1543‬م جمعيــة اليســوعيني “‪ ،”Jesuits‬الــي تمكنــت مــن إعــادة النمســا وأجــزاء مــن‬
‫بولنــدا للكاثوليكيــة‪ ،‬يف حــن شــكل البابــا جريجــوري الثالــث عشــر “‪ ”Gregory XIII‬يف العــام‬
‫‪1572‬م بعثــة ضمــت ثالثــة كرادلــة حتــت اســم “الدعايــة للعقيــدة ‪”De Propaganda Fide‬‬
‫ً‬
‫بهــدف نشــر العقيــدة الكاثوليكيــة يف املناطــق غــر املســيحية‪ .‬الحقــا يف القــرن الســابع‬
‫ً‬
‫عشــر وحتديــدا عــام ‪1622‬م قــرر البابــا جريجــوري اخلامــس عشــر “‪ ”Gregory XV‬توســيع‬

‫‪28‬‬
‫الدعايـــة ‪ :‬خلفيـة تاريخيــة‬

‫نطــاق أســاليب اليســوعيني عــر إنشــاءه إدارة اللجنــة املقدســة للرتويــج والدعايــة للعقيــدة‬
‫ُ‬
‫“‪ ،”Scara Congregation de Propaganda Fide‬كلفــت بمهمــة إحيــاء العقيــدة يف أوروبــا‪،‬‬
‫تلــى ذلــك خبمــس ســنوات تأســيس البابــا أوربــان الثامــن “‪ ”Urban VIII‬لكليــة التهذيــب‬
‫“‪ ،”Collegium Urbanum‬والــي حتــددت واجباتهــا يف تدريــب جيــل جديــد مــن الدعــاة علــى‬
‫األســاليب الــي يتعــن اتب�اعهــا يف نشــر العقيــدة بمــا يشــمل الســرية يف إنتـ�اج مــواد الدعاية‬
‫ويالحــظ أن املســلك الدعــايئ الــذي انتهجتــه هــذه املؤسســات‬ ‫أو توزيعهــا (‪ُ .)Fellows:1959‬‬
‫اعتمــد علــى التعليــم‪ ،‬بمعــى جلــب النــاس إىل الكاثوليكيــة بشــكل طوعــي‪ ،‬مــا منــح‬
‫ً‬
‫هامشــا لرجــال الديــن امليدانيــن تقديــر األســاليب املالئمــة لتحقيــق أهدافهــا‪ .‬وبالنظــر‬
‫إىل مركزيــة االشــتغال والتوجيــه‪ ،‬يمكــن اعتبــ�ار الكنيســة الكاثوليكيــة أول مــن أســس‬
‫للدعايــة جبوهرهــا احلديــث‪ ،‬مــن خــال تشــديدها علــى مطلــب التحكــم يف اآلراء‪ ،‬ومــن ثــم‬
‫علــى ســلوك األفــراد‪ ،‬إضافــة إىل طرحهــا تعبــر جديــد يصــف ممارســات الســيطرة علــى‬
‫الــرأي العــام‪ .‬ففــي البدايــة كان مصطلــح “الدعايــة” ُيســتخدم لإلشــارة إىل أي مؤسســة‬
‫ً‬
‫تعمــل علــى نشــر العقيــدة‪ ،‬ثــم حتــول بعدهــا إىل وصــف العقيــدة ذاتهــا‪ ،‬ليــدل أخــرا علــى‬
‫األســاليب املوظفــة لتغيــر اآلراء ونشــر العقيــدة (‪.)Cull et al.:2003‬‬
‫وتمدنــا حــرب الثالثــن ســنة (‪1648 - 1618‬م) بمعلومــات حــول اجلهــد الدعــايئ‬
‫الــذي بذلتــه القــوى الديني ـ�ة املتصارعــة مــن أجــل الســيطرة علــى الــرأي العــام لصاحلهــا‪،‬‬
‫فاحلــرب الــي شــملت كل أحنــاء ألمانيــ�ا وشــمال أوروبــا اتســمت باعتمادهــا يف نشــر‬
‫ً‬
‫مضمــون دعايتهــا علــى أشــكال اتصاليــة حديثــ�ة نســبي�ا كاملنشــورات‪ ،‬والالفتــات‪،‬‬
‫والكتيبـ�ات‪ ،‬وأوراق األخبــار‪ ،‬وامللصقــات‪ ،‬والرســوم‪ ،‬والكاريكاتــر‪ ،‬وغريهــا‪ ،‬كمــا اســتفادت‬
‫ً‬
‫مــن تقنيـ�ة الطباعــة علــى األلــواح النحاســية‪ ،‬مــا جعلهــا أكــر وضوحــا ودقــة‪ .‬وعلــى الرغــم‬
‫ّ ّ‬
‫مــن اخنفــاض مســتوى اإللمــام بالقــراءة والكتابــة يف ذلــك الوقــت‪ ،‬إل أن جميــع طبقــات‬
‫املجتمــع تعرضــت لهــذه الرســائل‪ ،‬ســواء عــر وســيلة اتصاليــة معينـ�ة أو عــر عــدة وســائل‬
‫أخــرى وجاهيــة (‪ .)Jowett & O’Donnell:2012‬ولعــل مــا يثــر االنتبـ�اه هنــا هو االعتمــاد الكثيف‬
‫ّ‬
‫علــى النشــرات اإلخباريــة املطبوعــة يف عــرض وحشــية كل طــرف جتــاه اآلخــر‪ ،‬مــا دل علــى‬
‫األهميــة الدعائي ـ�ة الــي حظــي بهمــا عامــا الوقــت واجلمهــور خــال تلــك الفــرة‪ .‬وبهــذا‬

‫‪29‬‬
‫الفصل األول‬

‫اخلصــوص كتــب فيليــب تايلــور‪“ :‬لقــد أصبحــت الكراســات ذات الكتابــات القصــرة‪،‬‬
‫وذات اجلمــل قويــة الصياغــة واحلجــة الواضحــة‪ ،‬واللغــة البســيطة‪ ،‬مــن أجنــح وســائل‬
‫الصــراع األيديولــويج‪ ،‬وأصبحــت أقــرب مــا يكــون لتوافــر نــوع مــن الدعايــة للجماهــر”‬
‫(تايلــور‪.)2000:‬‬
‫ولـــم تكتفـــي الكنيســـــة الكاثوليكيــــــة بانتهـــــاج اإلقنـــــاع كمبـــدأ للتغييـــــــر‬
‫والسيطــــرة‪ ،‬بــــل توجهـــت حنــو دعـــم اإلجــراءات الرتهيبيــــة الــي كان ملحاكــــم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫التفتيــش دورا ميدانيــ�ا رئيســا فيهــا‪ .‬فحــى العــام ‪1669‬م قامــت بطباعــة كتــاب‬
‫“خبائــث األشــرار ‪ ”Malle’s Male Ficarum‬ألكــر مــن ثالثــن مــرة‪ ،‬ووزعتــه علــى امتــداد‬
‫أوروبــا‪ ،‬يف خطــوة تعكــس رغبتهــا املقصــودة للمزاوجــة بــن دعايــي الفعــل والرتهيــب‪.‬‬
‫ً‬
‫والكتــاب ‪-‬الــذي حيــدد الصفــات الــي تؤهــل مــن يتســم بهــا أن حيــرق حيــا‪ -‬وفــر املرجعيــة‬
‫الديني ـ�ة الالزمــة لشــرعنة املمارســات العقابي ـ�ة العنيفــة الــي نفذتهــا محاكــم التفتيــش‬
‫حبــق اإلصالحيــن الربوتســتانت‪ ،‬كمــا أســهم يف نشــر الرعــب بــن النــاس لدفعهــم حنــو‬
‫الكاثوليكيــة علــى الرغــم مــن معارضــة اليســوعيني لــه لصالــح أســلوبهم املفضــل القائــم‬
‫علــى التعليــم‪ ،‬وتعبئ ـ�ة عقــول النــاس باألقــوال العقائديــة املبســطة (‪.)Ibid‬‬

‫ً‬
‫ثاني�ا‪ :‬الدعاية خالل القرن الثامن عشر‬
‫بانتهــاء حقبــة اإلصــاح الديــي‪ ،‬دخلــت الدعايــة منعطــف جديــد مــن احليويــة‬
‫واإلقنــاع‪ ،‬امتــد حــى نهايــة القــرن الثامــن عشــر‪ ،‬فالقارتــن األوروبيــ�ة واألمريكيــة‬
‫شــهدتا موجــات متالحقــة مــن احلــروب األهليــة والثــورات الشــعبي�ة للمطالبــة باحلقــوق‬
‫واحلريــات املدنيــ�ة والسياســية‪ ،‬ســاعد يف ذلــك انتشــار التعليــم‪ ،‬وحتســن وســائل‬
‫املواصــات‪ ،‬وانتشــار املطبعــة‪ ،‬ومــا نتــج عنهــا مــن فيضــان هائــل لــكل أنــواع اإلقنــاع‬
‫املكتــوب واملصــور (‪ .)Jowett & O’Donnell:2012‬ولعــل التطــورات االجتماعيــة‪ ،‬والكتابــات‬
‫رســخ مفهــوم الكيانــات الوطني ـ�ة‪ ،‬إضافــة إىل زيــادة انغمــاس جمهــور العامــة‬‫الفكريــة‪ّ ،‬وت ُ‬
‫يف احليــاة السياســية واألعمــال احلربيـ�ة‪ ،‬أدت بمجملهــا إىل تعاظــم دور الدعايــة‪ ،‬خاصــة يف‬

‫‪30‬‬
‫الدعايـــة ‪ :‬خلفيـة تاريخيــة‬

‫ً‬
‫املجالــن الثــوري والتحــرري‪ ،‬لتتحــول تدريجيــا إىل ركــن أســاس مــن اســراتيجيات التغيــر‬
‫ً ّ‬
‫والتبشــر االجتماعــي والســيايس‪ .‬وســنالحظ الحقــا أن غالبيـ�ة الصراعــات الرئيســة داخــل‬
‫املجتمــع قــد وفــرت للغرمــاء فرصــة ابتــكار وســائل تســاعد علــى نشــر رســائل الدعايــة‪ ،‬أو‬
‫علــى األقــل احلــد منهــا ومواجهتهــا (‪.)O’Shaughnessy:2012‬‬
‫أ‪ .‬الدعاية خالل احلرب األهلية اإلجنليـزية‬
‫خــال احلــرب األهليــة اإلجنلزييــة صــارت الدعايــة أداة ثوريــة للتغيــر تعــر عــن‬
‫المســاءلة والشــك‪،‬‬ ‫مواقــف شــعبي�ة حقيقيــة‪ ،‬وتضــع بموجبهــا كل أنــواع الســلطة موضــع ُ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫لذلــك حــن شــن خصــوم امللــك تشــارلز األول “‪”Charles I‬هجومــا دعائيــ�ا مكثفــا ضــده‪،‬‬
‫ً‬
‫“فإنهــم لــم يدافعــوا فقــط عــن حقوقهــم كمواطنــن إجنلــز‪ ،‬بــل كانــوا أيضــا يطــورون‬
‫الدعايــة بوصفهــا قــوة حتريــر جديــدة” (تايلــور‪ .)2000:‬فمنــذ حركــة اإلصــاح الديــي‪،‬‬
‫هيــأت تكنولوجيــا الطباعــة‪ ،‬ومــا أفرزتــه مــن كتيب ـ�ات ومنشــورات وســيلة يســتطيع مــن‬
‫خاللهــا املقهــورون مهاجمــة قاهريهــم‪ ،‬حبيــث بلغــت مــن القــوة درجــة أن فرضــت اســتجابة‬
‫مزدوجــة مــن جانــب الســلطات‪ ،‬ســواء علــى شــكل دعايــة مضــادة‪ ،‬أو قيــود رقابي ـ�ة (‪.)Ibid‬‬
‫ً‬
‫هــذا النــوع مــن االســتجابة الســلبي�ة شــكل يف جوهــره اعرتافــا بقــدرة الدعايــة الثوريــة علــى‬
‫ّ‬
‫التأثــر يف مؤسســة احلكــم‪ ،‬خاصــة وأنهــا تبنــت شــعارات تدعــو إىل اإلصــاح‪ ،‬واقتســام‬
‫الســلطة‪ .‬لذلــك كان مــن الطبيعــي أن تنتهــي احلــرب األهليــة بظهــور مبــدأ حريــة الــرأي‬
‫والنشــر ضمــن حــدود األمــن القــويم‪ ،‬كمــا كان مــن املنطقــي أن تتحــول املطبوعــات‬
‫ّ‬
‫إىل متنفــس للتعبــر عــن أفــكار واهتمامــات اجلماهــر؛ ســيما وأن أوليفــر كرومويــل‬
‫“‪ ”Oliver Cromwell‬كان قــد جنــح يف تأســيس دعايــة توحــد بــن املســارين امللكــي والربلمــاين‬
‫ً‬
‫بعكــس احلالــة الفرنســية الــي انتهــت ثورتهــا بــوأد امللكيــة تمامــا‪.‬‬
‫ب‪ .‬الدعاية خالل الثورة األمريكية‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫بدورهــا مثلــت الثــورة األمريكيــة صراعــا أيديولوجيــا حترريــا ضــد مســتعمر خــاريج‪،‬‬
‫نــزاع اجتماعــي داخلــي‪ ،‬فاملســتعمرات‬
‫بعكــس احلالــة اإلجنلزييــة الــي أخــذت شــكل ٍ‬
‫الثــاث عشــرة تأثــرت علــى حنــو عميــق بأفــكار العديــد مــن املنظريــن األوروبيــن كجــون‬

‫‪31‬‬
‫الفصل األول‬

‫لــوك‪ ،‬خاصــــة مطلــب ســيادة الشــعب‪ ،‬وحقه اإلطاحــة بأي حكومــة ختفق يف كســب ثقته‪،‬‬
‫أو تفشــل يف اإليفاء بالزتاماتها‪ .‬هذه األفكار املســتوردة هي اليت وضعت األســاس الفلســفي‬
‫ّ‬
‫لدعــوات وشــعارات االســتقالل الالحقــة عــن التــاج الربيطــاين‪ ،‬ســيما وأن أطروحــات‬
‫عــدد مــن املنظريــن األمريكيــن مــن أمثــال تومــاس بايــن “‪ ”Thomas Paine‬وريتشــارد‬
‫ً‬
‫برايــس “‪ ،”Richard Price‬كان لهــا أثــر دعــايئ فعــال جــدا يف حتريــض واســتدامة الثــورة‬
‫(‪.)Jowett & O’Donnell:2012‬‬
‫وتمــزت الدعايــة الثوريــة األمريكيــة بشــموليتها وتنــوع أســاليبها‪ ،‬واعتمادهــا علــى‬
‫مهــارات بعــض القــادة‪ ،‬مثــل‪ :‬فرانكلــن وآدامز وواشــنطن وجيفرســون؛ كما تمحــورت حول‬
‫عــدة أهــداف خلصت بــن طياتها جميــع املمارســات الدعائي�ة (البيضاء والســوداء)‪ ،‬ســواء‬
‫ً‬
‫تلــك املنفــذة ميداني ـ�ا‪ ،‬أو عــر الصحــف والدوريــات وفنــون العالقــات العامــة‪ .‬فبحســب‬
‫إحــدى األدبيـ�ات العلميــة‪ ،‬قامــت الدعايــة األمريكيــة علــى خمــس ركائــز رئيســة‪ ،‬تمثلــت‬
‫يف‪ :‬تبريــر أهــداف الثــورة‪ ،‬وإثــارة فعــل اجلماهــر مــن خــال بــث كراهيــة العــدو‪ ،‬والرتكــز‬
‫علــى مزايــا جنــاح الثــورة‪ ،‬وحتييــ�د األصــوات املعارضــة‪ ،‬وطــرح القضايــا بشــكل مبســط‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫(‪ .)Emery & Emery:1984‬وألن الثــورة كانــت نضــاال يف ســبي�ل كســب القلــوب والعقــول‪،‬‬
‫دأبــت الدعايــة األمريكيــة علــى اســتغالل أخطــاء الربيطانيــن‪ ،‬عــر تضخيمهــا واملبالغــة يف‬
‫عــرض تفاصيلهــا‪ ،‬كمــا اســتفادت مــن خصومــة بريطاني ـ�ا مــع عــدد مــن دول العالــم‪ ،‬عــر‬
‫فتــح قنــوات عامــة ورســمية لتحصيــل دعــم مــادي ومعنــوي لقضيتهــا‪ .‬وباملجمــل عكســت‬
‫الثــورة األمريكيــة تطــور الدعايــة‪ ،‬حيــث كرســت ملبــدأ اســتغالل الــرأي العــام كــرأس مــال‬
‫اجتماعــي للتغيــر‪ ،‬ورســخت ألهميــة الســاحات اخلارجيــة كأرضيــة إلطــاق عمــل دعــايئ‬
‫فعــال يســاند اجلهــد املحلــي‪ ،‬كمــا أسســت لقاعــدة اخلطــاب الدعــايئ املوجــه حنــو جمهــور‬
‫اخلصــم‪ ،‬ناهيــك عــن تثبيتهــا نهــج توزيــع األدوار يف الفعــل الدعــايئ املمنهــج‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫الدعايـــة ‪ :‬خلفيـة تاريخيــة‬

‫ج‪ .‬الدعاية خالل الثورة الفرنسية‬


‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫أمــا الثــورة الفرنســية فكانــت حدثــا سياســيا واجتماعيــا معقــدا‪ ،‬امتــدت أثارهــا‬
‫السياســية والفلســفية لتضــرب مســار التاريــخ األورويب احلديــث‪ .‬فالثــوار الفرنســيون‬
‫تبنــوا مطلــب إقامــة شــكل جديــد للحكــم‪ُ ،‬ينكــر مفهــوم احلــق اإللهــي للملــوك‪ ،‬ويمهــد‬
‫جلمهوريــة تقــوم علــى العــدل املســاواة‪ ،‬األمــر الــذي تطلــب تأمــن حتــول كبــر يف األســس‬
‫الفلســفية للمجتمــع الفرنــي‪ .‬ولتحقيقــه‪ ،‬جلــأ قــادة الثــورة إىل إطــاق حملــة دعائيــ�ة‬
‫ميدانيـ�ة ضخمــة هدفــت إىل نشــر األفــكار اجلديــدة‪ ،‬وترســيخ مــا ينجــم عنهــا مــن تغيــرات‬
‫ّ ّ‬
‫يف بني ـ�ة املجتمــع وهيكلــه الثقــايف‪ .‬وبالرغــم مــن هــذا املســعى الراديــكايل‪ ،‬إل أن املتفحــص‬
‫للحالــة الــي ســادت قبــل الثــورة‪ ،‬لــن جيــد صعوبــة يف رصــد كــم العقبــات الــي اعرتضــت‬
‫انتشــار أفكارهــا‪ .‬فاملجتمــع الفرنــي شــهد حالــة مــن العنــف والقمــع‪ ،‬ترافــق مــع محاولــة‬
‫احلكومــة الســيطرة علــى الــرأي العــام عــر تفعيــل قوانــن تعرقــل االســتثمار احلــر لوســائل‬
‫ً‬
‫االتصــال‪ ،‬كمــا تبنــت أســاليب�ا دعائيـ�ة مبتكــرة يف حينهــا‪ ،‬كإطــاق صحــف رســمية ناطقــة‬
‫باســمها‪ ،‬واعتمادهــا يف تمريــر رســائلها الدعائي ـ�ة علــى صحــف ومجــات (غــر رســمية)‬
‫ّ‬
‫حتظــى بمصداقيــة عاليــة‪ ،‬أو مــن خــال قنــوات تمولهــا بشــكل ســري؛ ســيما وأن اجلمهــور‬
‫الفرنــي كان يبحــث عــن صحــف بديلــة عــن تلــك الــي اشــتغلت بتمجيــد امللــك‪ .‬وإلدراكها‬
‫ّ‬
‫أن منــع انتشــار األفــكار الثوريــة يتطلــب إجــراءات إضافيــة غــر تقليديــة ســعت احلكومــة‬
‫إىل شــراء الصحــف املعارضــة‪ ،‬ومارســت التهديــد واالعتــداء عليهــا إلســكات صوتهــا‪،‬‬
‫كمــا دفعــت األمــوال (الرشــاوى) للعديــد مــن الكتــاب والصحفيــن‪ ،‬وقامــت بتوزيــع‬
‫كتيبــ�ات مجانيــ�ة علــى فئــات نافــذة داخــل املجتمــع يف محاولــة لكســب تأيي�دها‪...‬إلــخ‬
‫(تايلور‪.)2000:‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وألن مــا حيصــل عليــه الشــعب مــن معرفــة‪ ،‬ال بــد أن يــؤدي إىل الثــورة عاجــا أو‬
‫ً‬
‫آجــا‪ ،‬فقــد أدت بعــض السياســات امللكيــة اخلاطئــة إىل نتــ�اجئ عكســية ارتداديــة علــى‬
‫صعيــد واقعهــا الداخلــي؛ إذ أســهم دعمهــا للثــورة األمريكيــة ضــد غريمتهــا بريطانيــ�ا يف‬
‫تغذيــة جهــود الدعايــة املناهضــة لهــا‪ ،‬كمــا منــح الثــوار دفعــة قويــة ملواصلــة حتركاتهــم‬

‫‪33‬‬
‫الفصل األول‬

‫ّ‬
‫حــد بعيــد مــع مطالــب الثــوار‬
‫ضدهــا‪ ،‬ســيما وأن أفــكار الثــورة األمريكيــة تطابقــت إىل ٍ‬
‫الفرنســيني (‪ .)Ibid‬هــذا األمــر وبالتــوازي مــع أخطــاء داخليــة أخــرى‪ ،‬شــجع الثــوار علــى‬
‫تنفيــذ حمــات دعائيـ�ة ميدانيـ�ة تتجــاوز حالــة اإلطبــاق احلكــويم علــى وســائل االتصــال‪،‬‬
‫لتحتــك مباشــرة باجلمهــور دونمــا وســيط‪ .‬فمــن أجــل تأليــب الشــعب واحلفــاظ علــى‬
‫جــذوة الثــورة مشــتعلة داخلــه‪ ،‬نســق قــادة الثــورة جتمعــات ميدانيــ�ة منتظمــة ختللهــا‬
‫خطــب حتريضيــة‪ ،‬وإطــاق أللعــاب ناريــة‪ ،‬وحــرق ملجســمات تمثــل شــخصيات سياســية‬
‫ً‬
‫وارســتقراطية مكروهــة‪ ،‬إضافــة إىل توظيفهــم للموســيقى رغبــة منهــم يف تأســيس روح‬
‫وطنيــ�ة جامعــة ومســتدامة‪ ،‬كمــا برعــوا يف توظيــف الرمــوز الدعائيــ�ة كوســائل لنقــل‬
‫ً‬
‫وتوصيــل األفــكار املعقــدة بشــكل مبســط‪ .‬فرمــز واحــد كمــا أشــار تايلــور “كان كفيــا أن يثري‬
‫ّ‬
‫مــن االنفعــاالت وأن حيــدد مــن الــوالءات مــا ال حيتاج إىل تفســر‪ ،‬وإنمــا يولد الطاعــة وحدها‪،‬‬
‫فالعلــم ثــايث األلــوان (األبيــض واألحمــر واألزرق)‪ ،‬والقلنســوة الفريجيــة ‪،Phrygian‬‬
‫ً‬
‫ومقابــض الفــؤوس الرومانيـ�ة‪ ،‬كلهــا رمــوز مثلــت أفــكارا تدعــو للحريــة واملســاواة واإلخــاء”‬
‫(‪ .)Taylor:1990‬وحبلــول العــام ‪1789‬م‪ ،‬وإلقــاء القبــض علــى امللــك‪ ،‬اســتطاعت الثــورة‬
‫ويعــد اقتحــام ســجن الباســتي�ل وهدم بعض املبــاين امللكية مــن األحداث‬ ‫تنصيــب أهدافهــا؛ ُ‬
‫الرمزيــة النموذجيــة الــي حملــت معــى دعــايئ مســتدام يشــر لنهايــة نظــام اســتب�دادي‬
‫(‪.)Jowett & O’Donnell:2012‬‬
‫د‪ .‬الدعاية النابليوني�ة‬
‫بنهايــة القــرن الثامــن عشــر‪ ،‬ســجل التاريــخ ظهــور أحــد أعظــم شــخصيات أوروبــا‪،‬‬
‫وأكرثهــا مهــارة وحنكــة علــى املســتوى الدعــايئ‪ .‬فخــال حقبــة اإلمرباطــور الفرنــي نابليون‬
‫بونابــرت “‪ ”Napoleon Bonaparte‬بــدأت الدعايــة امتــاك مفهومهــا الوطــي الشــامل عــر‬
‫توظيفهــا للســيطرة والتحكــم يف كل منــايح احليــاة العامــة للدولــة‪ .‬ونابليــون كان مــن أوائــل‬
‫ّ‬
‫الدعائيــن الذيــن أيقنــوا ضــرورة إقنــاع املجتمــع بــأن إرادة التضحيــة يف ســبي�ل اإلمرباطــور‬
‫ً‬
‫واألمــة أهــم بكثــر مــن حقــوق األفــراد أو حــى مصاحلهــم (‪ ،)Ibid‬وســباقا يف فهــم مكانــة‬
‫ً‬
‫الــرأي العــام‪ ،‬وأهميــة دور املؤسســات يف تشــكيله (‪ ،)Boulan:2013‬كمــا كان واعيــا للحاجــة‬
‫إىل نظــام رقــايب صــارم‪ ،‬يســيطر مــن خاللــه علــى حركــة تدفــق املعلومــات‪ ،‬ويســاهم يف‬

‫‪34‬‬
‫الدعايـــة ‪ :‬خلفيـة تاريخيــة‬

‫جهــوده بنــ�اء فرنســا الــي أراد‪ ،‬دونمــا عراقيــل أو انتقــادات‪ .‬وعبقريــة نابليــون جتســدت‬
‫ً‬
‫أيضــا يف قدرتــه علــى ترجمــة أفــكاره الدعائي ـ�ة إىل خطــوات عمليــة‪ ،‬يت�ابــع هــو بنفســه أدق‬
‫تفاصيلهــا؛ فالصحافــة بنظــره وســيلة شــديدة اخلطــورة ينبغــي للمــرء أن خيــاف منهــا أكــر‬
‫ّ‬
‫ممــا خيــاف مــن ألــف حربــة‪ ،‬ويف هــذا يقــول‪“ :‬لــو أن ســمحت بصحافــة حــرة لمــا بقيــت أكــر‬
‫مــن ثالثــة أشــهر” (تايلــور‪ .)2000:‬هــذا الفهــم لقــدرة الصحــف علــى التأثــر دفعــه جبانــب‬
‫تقليــص أعدادهــا إىل فــرض قوانــن تمنــع نشــر أي مــادة ال حتظــى بمصادقــة مســبقة‪ ،‬كمــا‬
‫حفــزه ابتــكار مــا يشــبه نظريــة األجنــدة ‪ Agenda Setting‬يف حتديــد املوضوعــات الــي ينبغــي‬
‫للصحــف االهتمــام بهــا أو جتاهلهــا‪.‬‬
‫ـف نابليــون بالهيمنــة علــى الصحافــة‪ ،‬بــل اجته للتحكــم يف مجــاالت اجتماعية‬ ‫ولــم يكتـ ِ‬
‫أخــرى‪ ،‬كحركــة إنتــ�اج الكتــب‪ ،‬وجهــود تدويــن التاريــخ‪ ،‬واألنشــطة األدبيــ�ة والفنيــ�ة‬
‫ً‬
‫واملســرحية‪ ،‬وحــى النظــام التعليــي والديــي برمتــه؛ إيمانــا منــه بأهميــة الصناعــة املبكــرة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫للــرأي العــام عوضــا عــن محاولــة تغيــره الحقــا (‪ .)Boulan:2013‬ولعــل أســلوب االســتفتاء‬
‫مــن األســلحة الداخليــة الــي تمدنــا بفهــم عملــي ملــدى جناعــة الدعايــة يف حتصيــل نت ـ�اجئ‬
‫مرغوبــة علــى املســتوى الوطــي؛ وذلــك عندمــا جنــح نابليــون يف احلصــول علــى أغلبيــ�ة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫شــعبي�ة ســاحقة تؤهلــه كــي يصبــح قنصــا مــدى احليــاة‪ ،‬ثـ ّـم إمرباطــورا بعدهــا بعامــن‪.‬‬
‫وهنــا يشــار إىل اعتمــاد الدعايــة النابليونيـ�ة علــى الرمزيــة‪ ،‬والطقــوس التمجيديــة بأبعادهــا‬
‫املثاليــة الطوباويــة‪ ،‬مــع فهــم لدين�اميكيــات اجلمــع بــن القــوة والســلطة والدكتاتوريــة‬
‫العســكرية يف يــد واحــدة‪ ،‬وهــي عناصــر ســتكرر نفســها خــال الـــ ‪ 150‬ســنة القادمــة‬
‫(‪.)O’Shaughnessy:2012‬‬
‫وضمــن ســياق توســع أدوارهــا خــال حكــم نابليــون‪ ،‬شــهدت الدعايــة تطــورات‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫علــى صعيــد توظيفهــا خــارج حــدود فرنســا اجلغرافيــة‪ ،‬كأداة ســتعرف الحقــا بمســميات‬
‫مختلفــة‪ ،‬كاحلــرب النفســية أو العمليــات النفســية‪ .‬وخــال حمالتــه العســكرية ومــا‬
‫ســبقها‪َ ،‬عمــد نابليــون إىل زرع مــواد صحفيــة تؤيــد توجهاتــه يف عــدة صحــف أوروبيــ�ة‪،‬‬
‫خاصــة الناطقــة باإلجنلزييــة‪ ،‬وأصــدر العديــد مــن الصحــف داخــل كيانــات خضعــت‬
‫ً‬
‫لــه‪ ،‬كألماني ـ�ا‪ ،‬كمــا أمــر بتوزيــع منشــورات داخــل املناطــق الــي خطــط الحتاللهــا الحقــا؛‬

‫‪35‬‬
‫الفصل األول‬

‫ّ‬
‫يف مســعى لكســب تأييــ�د ســكانها مــن خــال اللعــب علــى وتــر احلريــة‪ ،‬ســيما وأن‬
‫االضطهــاد شــكل ممارســة سياســية يوميــة لــدى بعــض الكيانــات األوروبيــ�ة‪ ،‬كإيطاليــا‬
‫ّ‬
‫(‪ .)Thomson:1999‬ويتضــح هنــا أن الدعايــة العســكرية لــدى نابليــون اعتمــدت علــى‬
‫ً‬
‫منهجيــة منظمــة‪ ،‬حبيــث هيــأت مســبقا لعملياتــه‪ ،‬وســاندتها خــال وبعــد انتهائهــا‪ ،‬كمــا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عكســت هدفــا ضمنيــ�ا يف تصديــر أو اســتغالل أفــكار الثــورة الفرنســية خــارج حدودهــا‪.‬‬

‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬الدعاية خالل القرن التاسع عشر‬
‫بانتهــاء معركــة واترلــو عــام ‪1815‬م‪ ،‬وســقوط نابليــون‪ ،‬دخلــت الدعاية مرحلــة جديدة‪،‬‬
‫أســهمت التطــورات يف مجــاالت االتصــال واالقتصــاد والنقــل‪ ،‬إضافــة إىل نمــو قــوة الــرأي‬
‫ً‬
‫العــام بــدور بــارز فيــه‪ .‬فانطالقــا مــن الربــع الثــاين للقــرن التاســع عشــر شــهدت تكنولوجيــا‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫االتصــال توســعا هائــا نتــج عنهــا زيــادة يف ســرعة انتشــار رســائل الدعايــة‪ ،‬ومنــح فرصــا‬
‫جديــدة لصقلهــا كســاح شــامل‪ ،‬حبيــث حتولــت مــع نهايــة القــرن إىل ركــن أســاس يف حيــاة‬
‫املجتمعــات احلديثـ�ة‪.‬‬
‫ّ‬
‫وألن قوتهــا تتعاظــم بتطــور وســائلها وقنواتهــا تأثــرت الدعايــة بالنقلــة الثوريــة الــي‬
‫ً‬
‫شــهدتها الصحــف‪ ،‬بعــد ابتــكار األلمــاين ‪ Koenig‬للمطبعــة البخاريــة ‪-‬الحقــا الكهربائيـ�ة‪،-‬‬
‫مــا أمكــن مــن إنتـ�اج ألــف نســخة يف الســاعة؛ لريتفــع الرقــم فيمــا بعــد إىل ثمانيـ�ة آالف بعــد‬
‫ً‬
‫أن ُوضعــت احلــروف علــى حامــل دائــري بــدال مــن املســطح‪ .‬هــذه القفــزة أفضــت إىل نشــوء‬
‫صحافــة جماهرييــة يوميــة كثيفــة التوزيــع (صحافــة البنــس ‪ ،)Penny Press‬تضاعــف‬
‫تأثريهــا الدعــايئ باســتخدام الصــور الفوتوغرافيــة إىل جانــب الكلمــات املطبوعــة؛ ســاعد يف‬
‫حتقيــق ذلــك اخــراع العالــم الفرنــي لويــس داجــر “‪ ”Louis Daguerre‬للتصويــر الضــويئ‪،‬‬
‫واســتحداث اإلجنلــزي وليــم تالبــوت “‪ ”William Talbot‬للطباعــة التصويريــة‪.‬‬
‫بــدوره أفــى انتشــار الســكك احلديدية إىل ســرعة توزيع وســائل الدعايــة كالصحف‬
‫واملجــات‪ ،‬بينمــا أســفر اخــراع التلغــراف إىل مضاعفــة ســرعة نقــل املعلومــات مقارنــة مــع‬
‫وســائل أخــرى‪ ،‬كاحلمــام الزاجــل وأجهــزة اإلشــارة اليدويــة ‪ ،Semaphore‬كمــا أدى ربــط‬

‫‪36‬‬
‫الدعايـــة ‪ :‬خلفيـة تاريخيــة‬

‫القارتــن األوروبيـ�ة واألمريكيــة مــن خــال شــبكة لإلرســال واالســتقبال الربقـــي‪ ،‬وظهــور‬
‫وكاالت األنب ـ�اء الكــرى كرويــرز‪ ،‬إىل توســيع أنشــطة الدعايــة علــى مســتوى دويل‪ ،‬بعــد أن‬
‫اقتصــرت علــى احلــدود املحليــة واإلقليميــة‪ .‬هــذه التوســعات مجتمعــة أوجــدت ظاهــرة‬
‫تاريخيــة عرفــت باســم “جمهــور وســائل اإلعــام ‪”Mass Audience‬؛ فــأول مــرة يف تاريــخ‬
‫االتصــال توفــرت وســائل تســمح بنشــر املعلومــات علــى مجموعــات كبــرة وغــر متجانســة‬
‫ً‬
‫مــن اجلماهــر خــال وقــت قصــر نســبي�ا (‪.)Jowett & O’Donnell:2012‬‬
‫ّ‬
‫وأهميــة هــذه التطــورات للدعايــة أنهــا جتــاوزت مطلــي الســرعة واالتســاع‪ ،‬لتدخــل‬
‫ً‬
‫يف صلــب قــدرة الوســيلة علــى الصعــود بهــا إىل مســتويات أكــر تعقيــدا‪ .‬فوســائل اإلعــام‬
‫اجلماهرييــة خاصــة الصحــف بــدأت تكتســب هويتهــا املهني ـ�ة مــن خــال تنفيذهــا ألدوار‬
‫اجتماعيــة يف جمــع املعلومــات ونشــرها‪ ،‬مــا منحهــا قــوة مؤثــرة بكونهــا ممــر لــكل أنــواع‬
‫الرســائل اإلقناعيــة‪ ،‬وصانعــة لألفــكار واالجتاهــات؛ ســاهم يف ذلــك توفرهــا الدائــم‪،‬‬
‫وديمومتهــا الزمنيــ�ة‪ ،‬واعتمــاد اجلماهري‪-‬خاصــة الطبقتــن الوســطى والعاملــة‪ -‬عليهــا‬
‫يف مواكبــة التطــورات السياســية واالقتصاديــة‪ .‬هــذا الــدور املقلــق بنظــر البعــض فجــر‬
‫مناقشــات حــول قدرتهــا الكامنــة واملحتملــة‪ ،‬مدعومــة بفرضيــة تفاعــل اجلمهــور‬
‫ّ‬
‫واســتجابت�ه املتجانســة ألي حافــز يتعــرض لــه‪ ،‬خاصــة وأن دراســات ســيكولوجيا االتصــال‬
‫اإلنســاين كانــت التــزال يف مهدهــا‪.‬‬
‫ومــع تنــ�ايم الدراســات االجتماعيــة‪ ،‬وبــروز مفهوم“املجتمــع اجلماهــري‬
‫ً‬
‫‪ ،”Mass Society‬أخــذت هــذه املناقشــات ُبعــدا آخــر‪ ،‬إذ تنوعــت رؤيــة التي ـ�ارات الفكريــة‬
‫لــدور وســائل اإلعــام داخــل املجتمــع‪ ،‬ترافــق ذلــك مــع تن ـ�ايم الدراســات األوروبي ـ�ة حــول‬
‫موضــوع الفــوىض االجتماعيــة‪ ،‬وزيــادة احتماالت تفــكك املجتمع وتشــظيه‪ .‬فالشــيوعيون‬
‫ً‬
‫واالشــراكيون مثــا اعتــروا وســائل اإلعــام أداة مــن أدوات النظــام الرأســمايل‪ ،‬والــي تؤدي‬
‫باجلمهــور إىل حالــة مــن اخلمــول والبــادة‪ ،‬تمنعــه مــن إدراك محنت ـ�ه احلقيقيــة يف كونــه‬
‫ُ‬
‫ضحيــة للرأســمالية‪ ،‬بينمــا طــرح آخــرون فرضيــة تشــجيعها “للعــى الثقــايف”‪ ،‬الــي تــريض‬
‫األذواق العامــة عنــد أدىن مســتوى ممكــن‪ ،‬األمــر الــذي يعيــق محــاوالت الصعــود بإمكانــات‬

‫‪37‬‬
‫الفصل األول‬

‫البشــرية إىل أقــى طاقتهــا‪ .‬لذلــك كان لهيمنــة االجتــاه الســليب حــول مفهــوم “املجتمــع‬
‫اجلماهــري” يف الدوائــر الفكريــة دور يف تن ـ�ايم محــاوالت الســيطرة علــى وســائل اإلعــام‬
‫اجلماهرييــة‪ ،‬األمــر الــذي عــزز مــن فــرص الدعايــة علــى حنــو لــم يســبق لــه مثي ـ�ل‪ .‬لذلــك‬
‫فاحلديــث عــن تطــور الدعايــة خــال القــرن العشــرين ســيتم عــر هــذا الســياق الفكــري‪،‬‬
‫كونهــا أسســت ملفاهيــم دعائيــ�ة جديــدة تت�أثــر بنوعيــة األنظمــة السياســية احلاكمــة‪،‬‬
‫ورؤيتهــا لــدور وســائل اإلعــام‪.‬‬
‫مــن زاويــة أخــرى أدى تطــور املؤسســات السياســية‪ ،‬ومــا جنــم عنهــا مــن ممارســات‬
‫ديمقراطيــة إىل تن ـ�ايم اســتخدام الدعايــة‪ .‬فقــد نتــج عــن زيــادة أعــداد النــاس‪ ،‬وتعاظــم‬
‫اهتمامهــم باحليــاة السياســية أن حتولــوا إىل قــوة تأثــر ال يمكــن جتاهلهــا‪ ،‬فحصــول‬
‫السياســيني علــى مراكزهــم أو بقائهــم فيهــا اعتمــد إىل حــد كبــر علــى تأييــ�د الناخبــن‪،‬‬
‫لهــذا بــرزت أهميــة االهتمــام بالــرأي العــام‪ ،‬وضــرورة التأثــر فيــه بــكل الوســائل املتاحــة‬
‫ّ‬
‫(تايلــور‪ .)2000:‬ويف هــذا الصــدد يشــر كوالــر “‪ ”Qualter‬إىل أن “أولئــك الذيــن لــم يتغــر‬
‫موقفهــم مــن دور الــرأي العــام يف السياســة‪ ،‬وجــدوا مــن الضــروري تعلــم آليــات اإلقنــاع‬
‫الســليم بواســطة الدعايــة‪ ،‬فمــع زيــادة عــدد الســكان‪ ،‬وتوســع امتيــ�از حــق االنتخــاب‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫صــار مــن املكلــف جــدا فعــل أي يشء آخــر” (‪ ،)Qualter:1962‬وهنــا نســتنتج أن االســتقرار‬
‫النســي الــذي ســاد القــرن أدى إىل تفاعــل أطــراف البيئـ�ة السياســية‪ ،‬وبالتــايل ســمح لــدور‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫الدعايــة بالتمــدد‪ ،‬ســيما وأنــه مكنهــا خلــع ردائهــا العســكري مؤقتــا‪ ،‬وارتــداء ثــوب مــدين‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫يعتمــد التأثــر الناعــم‪ ،‬لذلــك كان دور الصحــف محوريــا يف هــذا املضمــار‪ ،‬خاصــة وأن إدراك‬
‫السياســيني املســبق ألهميــة الــرأي العــام وتنــوع أطيافــه تطلــب منهــم اعتمــاد جهــود‬
‫منســقة وموجهــة للتأثــر عليــه‪ ،‬مــن خــال قــوى وســيطة تعمــل علــى تشــكيل االجتاهــات‬
‫العامــة‪.‬‬
‫وباحلديــث عــن القــوى الوســيطة‪ ،‬فاحلريــة الــي توفــرت للصحــف خــال هــذا‬
‫القــرن‪ ،‬مكنهــا مــن تأديــة دور الوســيط بــن الشــعب والســلطة‪ ،‬وبالعكــس‪ .‬وهــذا‬
‫ً‬
‫حتديــدا مــا أقلــق السياســيني‪ ،‬حيــث اعتــادت الصحــف توجيــه ســهام نقدهــا للحكومــات‬
‫واألنظمــة القائمــة بصفتهــا ســلطة رابعــة‪ .‬ونتيجــة لذلــك بــرزت محــاوالت حكوميــة‬

‫‪38‬‬
‫الدعايـــة ‪ :‬خلفيـة تاريخيــة‬

‫غــر مباشــرة للحــد مــن تأثريهــا‪ ،‬ســواء عــر اســتمالتها لتصبــح قريب ـ�ة مــن توجهاتهــا‪ ،‬أو‬
‫ً‬
‫عــر إطــاق صحــف رســمية تســعى لصناعــة تأثــر مضــاد‪ ،‬القلــق أيضــا اتســع ليشــمل‬
‫املفكريــن خاصــة مــع زيــادة احتمــاالت التالعــب بالــرأي العــام مــن خــال أســاليب‬
‫ً‬
‫دعائيــ�ة جديــدة‪ .‬فبحســب كوالــر “ال حيتكــم اجلمهــور تمامــا إىل املنطــق والعقــل‪،‬‬
‫ً‬
‫ولكنــه غالبــا مــا يتصــرف بنــ�اء علــى العاطفــة والغريــزة‪ ،‬وهــذه بالتحديــد يمكــن أن‬
‫ً‬
‫تث ـ�ار عمــدا عــر توجيههــا بطريقــة تــؤدي يف نهايــة املطــاف إىل صناعــة اجتاهــات مرغوبــة‬
‫مــن قبــل اجلهــة املتالعبــة” (‪ .)Qualter:1962‬لهــذا‪ ،‬بــدأت إرهاصــات اســتغالل البعــد‬
‫ً‬
‫العاطفــي للدعايــة تشــمل رجــال السياســية ‪-‬الحقــا قــادة الــرأي‪ -‬إىل جانــب وســائل‬
‫اإلعــام‪ ،‬وهــو األمــر الــذي عــر عنــه الفيلســوف اإلجنلــزي الكبــر جراهــام واالس‬
‫ّ‬
‫“‪ ”Graham Wallas‬يف كتابــه “الطبيعــة اإلنســاني�ة يف السياســة”‪ ،‬بقولــه “إن علــى اإلنســاني�ة‬
‫أن ختــى مــن تالعــب أولئــك السياســيني املحرتفــن يف الدافــع والفكــر الشــعيب”‬
‫(‪.)Wallas:1908‬‬
‫ّ‬
‫وألن الدعايــة تنشــط ضمــن ســياقات محــددة‪ ،‬تعتــر احلربــان األهليــة األمريكيــة‬
‫والقــرم جتربتــن ميدانيتــن هامتــن نســتطيع مــن خاللهمــا رصــد تقــدم الدعايــة‪ ،‬ســيما‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫وأن احلــروب لــم تعــد شــأنا حصريــا أو هوايــة لرجــال الدولــة واجلــراالت‪ ،‬بــل صــارت‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫همــا شــعبي�ا‪ ،‬كونهــا تشــن باســمه (‪ .)Taylor:1990‬فظهــور املراســل احلــريب جعــل مــن‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الدعايــة ســاحا مؤثــرا‪ ،‬خاصــة وأن الصحــف اعتمــدت عليــه بكثافــة يف نقــل تفاصيــل‬
‫ً‬
‫حــرب القــرم‪ ،‬دون االلتفــات إىل خطــورة مــا تنشــر أحيانــا‪ ،‬األمــر الــذي أرق الســلطات‬
‫ً‬
‫الربيطاني ـ�ة‪ ،‬ودفعهــا العتمــاد رقابــة عســكرية‪ ،‬كان نابليــون أول مــن عمــل بهــا حتســبا مــن‬
‫ً‬
‫نشــر معلومــات قــد تكــون ذات فائــدة للعــدو‪ ،‬أو خوفــا مــن طــرح حقائــق تن�اقــض روايتهــا‬
‫ً‬
‫أمــام جمهــور امتلــك رأيــا يف الشــؤون السياســية‪ ،‬ويف ســلوك احلكومــة الــي تقــرر تلــك‬
‫السياســية‪ .‬وعلــى اجلانــب اآلخــر مــن العالــم‪ ،‬ســجلت احلــرب األهليــة األمريكيــة نزعــة‬
‫دعائي ـ�ة متن�اميــة‪ ،‬قوامهــا تعمــد الصحــف تقديــم تقاريــر كاذبــة وملفقــة حبجــج مختلفــة‬
‫أبرزهــا احلفــاظ علــى الــروح املعنويــة للجمهــور‪ .‬وبســبب انقســامها واصطفافهــا مــع‬
‫طــريف الــزاع‪ ،‬ســاهمت الصحــف يف تأجيــج ونشــر الكراهيــة بــن الشــمال واجلنــوب‪،‬‬

‫‪39‬‬
‫الفصل األول‬

‫كمــا اشــتغلت بأســلوب افتقــد للوعــي والتخطيــط يف كثــر مــن املواضــع‪ ،‬األمــر الــذي أضــر‬
‫بقضيتهــا أكــر ممــا أفادهــا‪.‬‬
‫وإذا كانــت جتربتــ�ا حــرب القــرم واحلــرب األهليــة األمريكيــة قــد بينــت للســلطات‬
‫ّ‬
‫أهميــة معاجلــة مســألة الرقابــة العســكرية بوصفهــا أداة مــن أدوات الدعايــة احلربيـ�ة‪ ،‬فإن‬
‫ً‬
‫هاتــن التجربتــن قــد بينت ـ�ا للصحــف أيضــا ضــرورة االلــزام باملعايــر املهني ـ�ة يف تغطيتهــا‬
‫للحــرب‪ .‬فاالهتمــام كان جيــب أن ينصــب حنــو ضمــان تكامــل إحســاس الســلطة والصحــف‬
‫ً‬
‫باملســؤولية وليــس تصادمهمــا‪ ،‬كمــا كان يتعــن عليهمــا أن تتحــدا دعمــا للقضيــة ذاتهــا إذا‬
‫كان حلملــة الدعايــة القوميــة يف زمــن احلــرب أن تنجــح (‪.)Ibid‬‬
‫وخــال بقيــة القــرن اســتمرت الدعايــة بالتطــور‪ ،‬ســواء مــن حيــث أســاليبها وقنواتها‪،‬‬
‫ً‬
‫أو مــن ناحيــة تقاطعهــا مــع علــوم أخــرى‪ .‬فمثــا اســتفادت الدعايــة يف تعزيــز إمكاناتهــا‬
‫مــن “اإلعــان”‪ ،‬باســتعارتها ألســاليب إقنــاع وحتفــز ســلوك املســتهلكني‪ ،‬كمــا اســتفادت‬
‫مــن نمــو املجــات وقدرتهــا تشــكيل األجنــدة الشــعبي�ة‪ .‬باختصــار ‪ ،‬عكــس القــرن التاســع‬
‫عشــر للتطــور الهائــل يف الدعايــة‪ ،‬ومهــد الطريــق أمامهــا كــي تتحــول إىل علــم قائــم بذاتــه‪،‬‬
‫تتقاطــع داخلــه مجــاالت متنوعــة كعلــم االجتمــاع‪ ،‬والنفــس‪ ،‬والسياســة‪ ،‬ودراســات‬
‫ّ‬
‫اإلعــام واجلمهــور وغريهــا‪ .‬وألنهــا بــدأت بالــروز كقــوة حديثــ�ة خــال القــرن التاســع‬
‫ً‬
‫عشــر‪ ،‬فقــد أصبحــت جــزءا ال يتجــزأ مــن احليــاة السياســية واالقتصاديــة واالجتماعيــة‬
‫يف القرن العشرين‪.‬‬

‫ً‬
‫رابعا‪ :‬الدعاية خالل القرن العشرين‬
‫ً‬
‫تتبــع تطــور الدعايــة خــال القــرن العشــرين مــن املهــام الصعبــة‪ ،‬إذ يتطلــب حصــرا‬
‫ملعظــم األدبيــ�ات العلميــة ذات العالقــة‪ ،‬ودراســتها مــن منظــور األنظمــة السياســية‬
‫واأليديولوجيــة والثقافيــة والعلميــة الســائدة آنــذاك‪ ،‬إىل جانــب مقاربتهــا مــن مداخــل‬
‫ّ‬
‫تكنولوجيــة وسوســيولوجية واتصاليــة‪ .‬وألن جهدنــا يســتهدف تزويــد القــارئ بلمحــة‬
‫ُ‬
‫قصــرة عــن تطورهــا‪ ،‬قررنــا تن ـ�اول الدعايــة خــال القــرن مــن زاويتــن فقــط‪ ،‬تعــى األوىل‬

‫‪40‬‬
‫الدعايـــة ‪ :‬خلفيـة تاريخيــة‬

‫باملصطلــح ذاتــه ودور احلربــن العامليتــن األوىل والثاني ـ�ة يف ترســيخ اجتاهــه الســليب لــدى‬
‫اجلمهــور‪ ،‬بينمــا تركــز الزاويــة الثانيـ�ة علــى التطــورات الــي شــهدتها تكنولوجيــا االتصــال‬
‫وأثــر ذلــك علــى الدعايــة‪.‬‬
‫أ‪ .‬مصطلح الدعاية‬
‫ملعان ســلبي�ة‪ .‬ويرد‬
‫شــهد القــرن العشــرين ســجاالت حــول الدعاية‪ ،‬وأســباب اختاذهــا ٍ‬
‫ً‬
‫بعــض الباحثــن ظهــور مصطلــح “الدعايــة” إىل القــرن الســابع عشــر‪ ،‬وحتديــدا فــرة بابوية‬
‫جريجــوري اخلامــس عشــر‪ ،‬يف حــن نســبه البعض اآلخــر إىل البابــا جريجوري الثالث عشــر‬
‫خــال القــرن الســادس عشــر‪ .‬وبغــض النظــر عــن تاريــخ بزوغــه‪ ،‬جيــب التأكيــد علــى جــذور‬
‫املصطلــح الالتيني ـ�ة‪ ،‬وارتب�اطــه حــى منتصــف القــرن الســادس عشــر بداللــة بيولوجيــة‬
‫تشــر إىل عمليــة التكاثــر لــدى النب�اتــات واحليوانــات (‪ .)Fellows:1959‬كمــا جيــب التأكيــد‬
‫علــى انتقالــه ابتـ�داء مــن منتصــف القــرن الســادس عشــر مــن معىن بيولــويج إىل ديــي‪ ،‬ومن‬
‫اشــتغال مهمتــه نشــر الديــن فقط إىل اشــتغال منظم يســعى إىل تعديــل املعتنقــات الديني�ة‬
‫اخلاطئــة‪ ،‬ومــن اعتماده علــى مهارات فرديــة إىل تعويله على التدريب والتأهيل املســبق(*)‪.‬‬
‫وحبســب إحــدى الدراســات‪ ،‬تــدرج مصطلــح “الدعايــة” مــن داللــة تشــر إىل أي‬
‫منظمــة تنشــأ بغــرض نشــر العقيــدة إىل إشــارة لألســاليب املســتخدمة يف نشــر العقيــدة‬
‫ّ‬
‫(‪ .)Şutiu:2012‬والدعايــة هنــا أقــرب لوصــف إدوارد برينــز “‪ ”Edward Bernays‬الــذي اعتــر أن‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫“أي مجتمــع ســواء كان سياســيا أو ديني ـ�ا أو اجتماعيــا‪ ،‬ويمتلــك معتقــدات معينـ�ة يســعى‬
‫إىل التعريــف بهــا والرتويــج لهــا‪ ،‬ســواء بالكلمــة املنطوقــة أو املكتوبــة‪ ،‬هــو مجتمــع يمــارس‬
‫ً‬
‫الدعايــة عمليــا” (‪.)Bernays:1928‬‬
‫ّ‬
‫وألن التبـ�دل يف املعــى مرتبــط بالتطــورات والتفاعــات األيديولوجيــة واالجتماعيــة‪،‬‬
‫تســببت جهــود الكنيســة الكاثوليكيــة يف حقــن املصطلــح بمدلــوالت ســلبي�ة‪ .‬ويف هــذا‬
‫الشــأن‪ ،‬نظــرت املجتمعــات الربوتســتانتي�ة إىل الدعايــة بســلبي�ة شــديدة الرتب�اطهــا‬
‫بمحــاوالت تعديــل قناعاتهــم الدينيــ�ة (‪ .)Fellows:1959‬فقــد أدى اســتخدام الكنيســة‬
‫جتــدر اإلشــارة هنــا‪ ،‬أنــه وحــى بدايــة القــرن التاســع عشــر‪ ،‬حافــظ املصطلــح علــى مفهــوم مؤســي إجيــايب غــر ســليب‪ ،‬إذ‬ ‫(*)‬

‫عكــس إىل حــد كبــر ملهــام ديني ـ�ة تتعلــق بنشــر وتعديــل املعتقــدات‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫الفصل األول‬

‫الكاثوليكيــة ألســاليب ملتويــة وعنيفــة لإلقنــاع بصحــة عقيدتهــا وأطروحاتهــا إىل فقــدان‬
‫مصطلــح “الدعايــة” ملعنــاه احليــادي (‪ .)O’Donnell & Jowett:2012‬ونالحــظ هنــا وجــود‬
‫ً‬
‫عالقــة بــن الدعايــة وفــرات التوتــر واالضطــراب الديــي‪ ،‬الــي غالبــا مــا رافقهــا اســتخدام‬
‫للقــوة كمســار إقناعــي‪ ،‬وهــو ارتب ـ�اط تســبب علــى مــا يب ـ�دو يف اكتســاء مصطلــح الدعايــة‬
‫ملدلــول اجتماعــي ســليب‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وانطالقــا مــن منتصــف القــرن التاســع عشــر اكتســبت الدعايــة مدلــوال سياســيا‬
‫اســتمد جذوره من املمارســات الديني�ة‪ .‬وحبســب أحــد القواميس اللغوية الغربيـ�ة الصادرة‬
‫عام ‪1843‬م‪ ،‬اشــتقت الدعاية عن كلمة [نشــر اإليمان ‪ ،]Propagate‬وهو اشــتقاق ُيســتخدم‬
‫“يف اللغــة السياســية لإلشــارة إىل محاولــة اجلمعيــات الســرية نشــر مبــادئ ومعتقــدات‬
‫ترتعــب وتنفــر منهــا غالبي ـ�ة احلكومــات” (‪ .)Brande:1843‬وبالتدقيــق يف التعريــف نالحــظ‬
‫ّ‬
‫أن تصنيــف الدعايــة كممارســة ســرية‪ ،‬حيظــى بداللــة ســلبي�ة لــدى احلكومــات‪ ،‬دون أن‬
‫حيــدد التعريــف طبيعــة املمارســة وإذا مــا كانــت إجيابيـ�ة بنظــر الطــرف اآلخــر غــر احلكويم‪،‬‬
‫ّ‬
‫خاصــة وأنــه صــادر خــال فــرة شــهدت فيهــا بريطاني ـ�ا وأمريــكا وفرنســا حالــة مــن عــدم‬
‫االســتقرار الســيايس واالجتماعــي‪ .‬وبالعمــوم‪ ،‬تمتــع مصطلــح الدعاية خالل القرن التاســع‬
‫عشــر بداللتــن إجيابيـ�ة وســلبي�ة يف آن واحــد وذلك حبســب الســياق الســيايس واالجتماعي‪،‬‬
‫ً‬
‫إال أنــه عكــس معــى إجيابيــ�ا علــى املســتوى القامــويس‪ .‬ويؤكــد ذلــك كتــاب “الدعايــة‬
‫واألخبــار” الــذي أشــار إىل ريق مصطلــح الدعايــة‪ ،‬وانتمائــه للمفــردات الثقافيــة الســامية‬
‫الســائدة آنــذاك‪ ،‬وأنــه حــى انــدالع احلــرب العامليــة األوىل دلــل علــى الوســائل الــي توظفهــا‬
‫طبقــة امللزتمــن بعقيــدة ديني ـ�ة أو فلســفة سياســية إلقنــاع غــر املؤمنــن أو غــر امللزتمــن‬
‫(‪.)Irwin:1936‬‬
‫االنتكاســة احلقيقيــة الــي تعــرض لهــا مصطلــح الدعايــة تعــود إىل زمــن احلــرب‬
‫ً‬
‫العامليــة األوىل‪ ،‬إذ جســد ملحــاوالت التأثــر باســتخدام معلومــات ثبــت الحقــا زيــف‬
‫غالبيتهــا‪ .‬وبالنســبة للمجتمعــات الــي عانــت مــن ويــات احلــرب‪ ،‬ارتبطــت الدعايــة‬
‫باألنشــطة العســكرية ومحاولــة احلكومــات إقناعهــم جبــدوى املشــاركة يف احلــرب‪،‬‬
‫وهــي أنشــطة ومحــاوالت لــم تكــن مرغوبــة لــدى فئــات عديــدة‪ ،‬كمــا لــم حتظــى‬

‫‪42‬‬
‫الدعايـــة ‪ :‬خلفيـة تاريخيــة‬
‫ّ‬
‫بإجمــاع شــعيب حقيقــي(*)‪ .‬أضــف إىل ذلــك أن املجهــودات الــي حللــت ألرشــيف‬
‫الدعايــة فــور انتهــاء احلــرب كشــفت عــن ممارســات حكوميــة ملتويــة كنشــر‬
‫املعلومــات املزيفــة وتعمــد املبالغــة والتهويــل‪ ،‬وهــو أمــر أســهمت الكثــر مــن املؤلفــات‬
‫ً‬
‫العلميــة يف ترســيخه الحقــا‪ ،‬وبالتــايل تثبيــت املعــى الســليب للدعايــة لــدى اجلمهــور‬
‫(‪ . )*() Fellows:1959‬ومــن أمثلــة تلــك املؤلفــات كتاب “أســاليب الدعايــة يف احلرب العاملية”‬
‫عــام ‪1927‬م ملؤلفــه هارولــد الســويل “‪ ،”Harold Lasswell‬وكتــاب “الكــذب يف زمــن احلــرب”‬
‫الصــادر عــام ‪1928‬م ملؤلفــه ارثــر بونســويب “‪ ،”Arthur Ponsonby‬وكتــاب “نشــر فريوســات‬
‫الكراهيــة” عــام ‪1930‬م جلــورج فرييــك “‪ ،”George Viereck‬وكتــاب “دعايــة احللفــاء‬
‫وانهيــار اإلمرباطوريــة األلمانيــ�ة” عــام ‪1938‬م جلــورج برونــز “‪ ،”George Bruntz‬وكتــاب‬
‫ـكل مــن جايمــس مــوك وســيدريك الرســون‬ ‫“الكلمــات الــي فــازت باحلــرب” عــام ‪1939‬م لـ ٍ‬
‫“‪ ،”James Mock & Cedric Larson‬وكتــاب “الدعايــة الوحشــية ‪ ”1919 - 1914‬ملؤلفــه‬
‫جايمــس مرغــن ريــد “‪ ”James Read‬الصــادر عــام ‪1941‬م‪ ،‬وغريهــا الكثــر(*)‪.‬‬
‫ويف ســياق متصــل‪ ،‬أســهم الرتكــز علــى دراســة الدعايــة القادمــة مــن اخلــارج (دعايــة‬
‫اخلصــم) إىل ربــط املصطلــح باملمارســات الشــريرة‪ ،‬وحصرهــا إىل حــد كبــر يف األنشــطة‬
‫ً‬
‫املعاديــة‪ .‬فمثــا تركــزت األحبــاث واملؤلفــات خــال فــرة العشــريني�ات والثالثينيــ�ات‬

‫شهدت الواليات املتحدة حتركات مجتمعية رافضة للمشاركة يف احلرب‪ ،‬قبل أن يقرر الرئيس ويلسون املشاركة‪.‬‬ ‫(*)‬
‫ً‬
‫بلغــت مجموعــة مكتب ـ�ة هارفــرد للكتــب والنشــرات اخلاصــة بدعايــة احلــرب العامليــة األوىل أربعــة وأربعــن مجلــدا مــن‬ ‫(*)‬

‫احلجــم الكبــر‪ ،‬بمتوســط عناويــن يــراوح مــن أربعــن إىل خمســن يف كل منهــا‪.‬‬
‫نتيجــة للمفهــوم الســليب املكتســب عــن الدعايــة خــال احلــرب العامليــة األوىل‪ ،‬ســعت العديــد مــن الــدول إىل جتنــب‬ ‫(*)‬

‫اســتخدام كلمــة الدعايــة‪ ،‬فلــم تســتخدم الواليــات املتحــدة األمريكيــة وبريطانيــ�ا واحللفــاء يف احلــرب العامليــة الثانيــ�ة‬
‫ُ‬
‫املصطلــح‪ ،‬إنمــا قامــت باســتب�داله بمصطلــح “إعــام”‪ ،‬وأطلــق اســم وكاالت املعلومــات علــى الــوكاالت احلكوميــة للحلفــاء‬
‫الــي كانــت تمــارس الدعايــة‪ ،‬فقــد اســتخدم األمريكيــون تعبــر احلــرب النفســية عنــد مهاجمــة العــدو‪ ،‬أمــا اإلجنلــز فقــد‬
‫ّ‬
‫اســتخدموا تعبــر احلــرب السياســية (‪ .)Doob:1948‬وجتــدر اإلشــارة إىل أن مفهــوم الدعايــة خــال احلــرب العامليــة الثانيـ�ة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مصاحبــا لألعمــال العســكرية‪ ،‬ويف هــذا الصــدد يقــول (بارتلــت)‬ ‫ارتبــط حبــاالت احلــروب والطــوارئ‪ ،‬بمعــى أنــه أخــذ ُبعــدا‬
‫ّ‬
‫إن احلــرب العامليــة األوىل والثــورة الروســية ســنة ‪1917‬م‪ ،‬وثــورة هتلــر ســنة ‪1933‬م‪ ،‬ثــم احلــرب العامليــة الثانيــ�ة‪ ،‬وتطــور‬
‫ّ‬
‫احلــروب والثــورات منــذ ســنة ‪1944‬م يف الصــن‪ ،‬الهنــد الصيني ـ�ة‪ ،‬واجلزائــر‪ ،‬واحلــرب البــاردة‪ ،‬تعــد جميعهــا خطــوات يف‬
‫الدعايــة‪ ،‬فــكل واحــدة مــن هــذه احلــروب والثــورات أدت إىل تنميــة الدعايــة العصريــة‪ ،‬حيــث ازداد نموهــا يف كل حــرب ويف‬
‫كل ثــورة (مزاهــرة‪.)2012:‬‬

‫‪43‬‬
‫الفصل األول‬

‫علــى حتليــل الدعايــة األلماني ـ�ة خــال احلــرب العامليــة األوىل‪ ،‬ثــم الدعايــة الشــيوعية أو‬
‫البلشــفية خــال الفــرة مــن ‪1919‬م إىل ‪1923‬م‪ ،‬والدعايــة الفاشــية خــال الثالثينيـ�ات‪ ،‬كما‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أفــردت اهتمامــا خاصــا بالدعايــة يف حقــل التعليــم خــال العشــريني�ات (‪ .)Ibid‬ويالحــظ‬
‫هنــا قلــة االهتمــام بدراســة املمارســات الدعائيـ�ة الربيطانيـ�ة واألمريكيــة‪ ،‬ربمــا لعــدم رغبــة‬
‫بعــض الهيئ ـ�ات العلميــة الغربي ـ�ة يف ربــط مصطلــح ذي داللــة ســلبي�ة مــن وجهــة نظرهــم‬
‫بمجهــودات تأثــر تعتربهــا إجيابي ـ�ة بســبب صدورهــا عــن حكومــات ودول تتبــع لهــا‪ .‬وهــذا‬
‫ً‬
‫حبــد ذاتــه احنيــاز علــي‪ ،‬ســتتضح معاملــه الحقــا عنــد تنـ�اول املســميات اجلديــدة الــي حلت‬
‫مــكان الدعايــة‪ ،‬واجلــدول التــايل يوضــح اجتاهــات دراســة الدعايــة يف الواليــات املتحــدة‬
‫األمريكيــة خــال الفــرة مــن ‪1919‬م ‪1941 -‬م‪:‬‬

‫اجتاه الدراسات حنو مصطلح الدعاية‬


‫الفرتة‬
‫إجيايب‬ ‫محايد‬ ‫سليب‬
‫‪14%‬‬ ‫‪7%‬‬ ‫‪79%‬‬ ‫‪1921 - 1919‬‬

‫‪10%‬‬ ‫‪20%‬‬ ‫‪70%‬‬ ‫‪1931 - 1929‬‬

‫‪14%‬‬ ‫‪30%‬‬ ‫‪56%‬‬ ‫‪1941 - 1939‬‬

‫املصدر‪)Fellows:1959( :‬‬

‫وحبســب بي�انــات اجلــدول أعــاه يتبــن تصــدر االجتــاه الســليب‪ ،‬كمــا يتضــح‬
‫اخنفاضــه خــال الفــرة الثالثــة (‪ )1941 - 1939‬يف مقابــل ارتفــاع لالجتــاه املحايــد‪ .‬وهــو‬
‫مؤشــر يفيــد باستحســان البعــض للمصطلــح ال مــن زاويــة اجتــاه املعــى بــل مــن زاويــة‬
‫القــدرات والوســائل الــي يعــر عنهــا‪ ،‬واحلاجــة الســتخدام الدعايــة كســاح إىل جانــب‬
‫األســلحة الماديــة خــال أوقــات األزمــات واحلــروب‪ .‬ويؤكــد هــذا االســتنت�اج‪ ،‬توظيــف‬
‫عــدة دول للدعايــة خــال احلــرب العامليــة األوىل مــن أجــل تشــجيع مجتمعاتهــا املحليــة‬
‫علــى الصمــود‪ ،‬وحثهــم علــى املشــاركة يف املجهــود احلــريب‪ ،‬إىل جانــب ترهيــب خصومهــم‬
‫وأعدائهــم (‪ .)Şutiu:2012‬ويالحــظ هنــا وجــود مســارين دالليــن للمصطلــح‪ .‬فبالنســبة‬
‫للكثــر مــن الكيانــات السياســية جيــري تصنيــف الدعايــة كممارســة ســلبي�ة حــال صدورهــا‬

‫‪44‬‬
‫الدعايـــة ‪ :‬خلفيـة تاريخيــة‬

‫ُ‬
‫عــن خصــم باجتاههــا‪ ،‬بينمــا تصنــف كفعــل محايــد أو إجيــايب حــال صدورهــا باجتــاه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اخلصــم‪ .‬ويرتتــب عــن الســابق عــدة مؤشــرات أهمهــا ارتبـ�اط اجتــاه الدعايــة ســلبا أو إجيابــا‬
‫بتقديــرات الســلطة ومــدى خدمتهــا لتطلعاتهــا وأهدافهــا‪ .‬وبهــذا اخلصــوص‪ ،‬ظهــرت‬
‫خــال احلــرب العامليــة األوىل هيئ ـ�ات متخصصــة يف العمــل الدعــايئ‪ ،‬فأنشــأت بريطاني ـ�ا‬
‫مكتــب “الدعايــة احلربي ـ�ة” الــذي تمحــورت مهامــه يف توزيــع الرســائل املطبوعــة داخــل‬
‫ً‬
‫الــدول املحايــدة وداخــل مجتمــع عدوهــا اللــدود ألمانيــ�ا ذاتهــا‪ .‬الحقــا أعــادت بريطانيــ�ا‬
‫تنظيــم مهــام مكتــب الدعايــة احلربيـ�ة لتنــئ “وزارة املعلومــات” عــام ‪1916‬م الــي اهتمــت‬
‫بالدعايــة املوجهــة إىل جماهــر العــدو‪ ،‬كمــا أنشــأت “جلنــة أهــداف احلــرب الوطنيـ�ة” الــي‬
‫ركــزت علــى ممارســة الدعايــة داخــل بريطانيــ�ا‪ .‬يف املقابــل أنشــأت احلكومــة األمريكيــة‬
‫“جلنــة املعلومــات العامــة” املعروفــة باســم جلنــة جريــل “‪ ،”Creel‬الــي وجهــت أنشــطتها‬
‫ً‬
‫حنــو الداخــل األمريكــي‪ ،‬كمــا أنشــأت فرعــا للدعايــة داخــل اجليــش‪ ،‬وبالتحديــد داخــل‬
‫شــعبة االســتخبارات العســكرية؛ ليكــون ذراعهــا الدعــايئ املوجــه للخــارج‪ ،‬أمــا يف الشــرق‬
‫فقــد أســس االحتــاد الســوفييت بعــد انتهــاء الثــورة البلشــفية وزارة تتبــع للجنــة املركزيــة‬
‫للحــزب الشــيوعي “وزارة الدعايــة والتحريــض”‪ ،‬هدفــت إىل تعليــم وترســيخ األيديولوجيــا‬
‫الشــيوعية داخــل املجتمعــات الســوفيتي�ة (‪.)*()Quayle et al.:2016‬‬
‫وباالنتقــال إىل احلــرب العامليــة الثاني ـ�ة جنــد تغلغــل النظــرة الســلبي�ة جتــاه الدعايــة‬
‫برغــم اســتخدامها كســاح رئيــس يف التأثــر‪ .‬فاجلماهــر اعتربتهــا أداة مــن أدوات اخلــداع‪،‬‬
‫توظفهــا جهــات خفيــة مــن أجــل التالعــب بالعقــول والتأثــر يف األفــكار والتحكــم يف‬
‫الســلوك‪ .‬هــذه النظــرة ترســخت أكــر خــال أحــداث ومحطــات احلــرب املختلفــة لتضــرب‬
‫ً‬
‫جبذورهــا عميقــا يف مخيــال اإلنســان إىل يومنــا هــذا‪ .‬فاملصطلــح بــات يســتدعي إىل الذهــن‬
‫صــورة عــدو حيــاول اســتهداف الفكــر احلــر ويســعى إىل التحكــم يف حركــة تدفــق املعلومــات‬
‫لصاحلــه‪ ،‬زاد الطــن بلــة إنشــاء ألمانيـ�ا النازيــة وزارة الدعايــة الــي ترأســها جوزيــف جوبلــز‬
‫“‪.”Joseph Goebbels‬‬
‫(*) حــى الفــرة الــي ســبقت نهايــة احلــرب العامليــة الثانيــ�ة‪ ،‬نســتطيع التأكيــد علــى انتقــال الدعايــة مــن ســياق ديــي إىل‬
‫ً‬
‫عســكري ثــم الحقــا ســيايس‪ ،‬خــال فــرة زمنيـ�ة ال تتجــاوز القرنــن‪ ،‬ســببها انتقــال ســلطة القــوة داخــل املجتمع من الكنســية‬
‫إىل الدولــة‪ .‬كمــا نســتنتج حتــول االجتــاه العــام حنــو الدعايــة مــن اإلجيابي ـ�ة إىل الســلبي�ة‪ ،‬ألســباب تطرقنــا إليهــا باختصــار‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫الفصل األول‬

‫ونتيجــة لذلــك قــررت العديــد مــن الــدول إحــال تســميات جديــدة تســتعيض بهــا‬
‫عــن مصطلــح “الدعايــة”؛ يف مســعى منهــا إىل جتنــب أي انتقــاد أو اتهــام ينطلــق مــن قاعــدة‬
‫توظيفهــا لنمــط اتصــايل مشــكوك يف حيــاده‪ .‬وبهــذا اخلصــوص طفــى علــى الســطح‬
‫ً‬
‫مصطلــح “احلــرب النفســية”‪ ،‬الــذي ظهــر حتديــدا خــال التحضــر إلنــزال “النورمنــدي”‬
‫عــام ‪1942‬م‪ .‬واحلــرب النفســية هــي االســتخدام املخطــط للدعايــة يف املجهــود العســكري‪،‬‬
‫أو أنهــا العمليــة اخلوارزميــة اخلاصــة بالدعايــة العســكرية‪ ،‬بمعــى أن كل مــا تغــر هــو‬
‫التســمية وســياق االســتخدام‪ ،‬فاملصطلــح حصــر املمارســة الدعائيـ�ة يف اجليــش ويف أوقات‬
‫احلــرب فقــط‪ ،‬دون أن يشــر إىل األنشــطة النفســية يف املجــال املــدين أو خــال فــرات‬
‫الســلم‪.‬‬
‫وتكشــف إحــدى املؤلفــات عــن تغليــف حكومــة الواليــات املتحــدة األمريكيــة‬
‫ألنشــطتها الدعائيــ�ة خــال احلــرب العامليــة الثانيــ�ة بمســميات بديلــة كنــوع مــن‬
‫التحايــل‪ ،‬ومــن أمثلــة ذلــك تأسيســها وكاالت وأفــرع عديــدة بأســماء مختلفــة ال تــي‬
‫ً‬
‫ظاهريــا بــأي صلــة مــع الدعايــة‪ ،‬مثــل مكتــب املعلومــات احلربيــ�ة‪ ،‬ومكتــب اخلدمــات‬
‫االســراتيجية‪ ،‬وفــرع احلــرب النفســية يف وزارة الدفــاع‪ ،‬وقســم احلــرب اخلاصــة يف‬
‫ســاح البحريــة‪ ،‬ومجلــس احلــرب االقتصاديــة‪ ،‬ومكتــب الرقابــة‪ ،‬وجلنــة االتصــال‬
‫الفدرالية‪...‬إلــخ‪ .‬كل هــذه الهيئ ـ�ات مارســت األنشــطة الدعائي ـ�ة ســواء داخــل الواليــات‬
‫املتحــدة أو خارجهــا خــال احلــرب‪ .‬وبانتهائهــا قامــت أمريــكا حبــل معظمهــا‪ ،‬مــع إبقائهــا‬
‫علــى الفــرع النفــي داخــل اجليــش علــى حالــه ودمــج مكتــب اخلدمــات االســراتيجية‬
‫داخله‪-‬الدمــج تــم قبــل انتهــاء احلــرب بقليــل(*)‪ .‬كمــا أنشــأت يف العــام ‪1953‬م وكالــة‬
‫املعلومــات األمريكيــة (‪ )USIA‬كــذراع دعائيــ�ة لهــا موجهــة للخــارج (‪.)Lilly:1951‬‬

‫ظــل مصطلــح “احلــرب النفســية” هــو الــدارج داخــل املؤسســة العســكرية األمريكيــة حــى انتهــاء احلــرب الكوريــة عــام‬ ‫(*)‬

‫‪ ،1950‬ليجــري بعدهــا البحــث عــن تســمية أخــرى تبتعــد عــن الداللــة العنيفــة الــي حملهــا االســم‪ ،‬إضافــة إىل اإلشــكاالت‬
‫الــي صاحبــت صالحيــات اجلهــد النفــي ســواء بــن القطــاع العســكري مــن جهــة والقطــاع املــدين مــن جهــة أخــرى؛ لذلــك‬
‫ً‬
‫قــرر اجليــش أن مجهــود التأثــر الــذي سيســتخدم يف املعركــة سيشــار إليــه مــن اآلن فصاعــدا بـ”العمليــات النفســية”؛‬
‫ليؤســس وقتهــا لدائــرة كاملــة باســمها‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫الدعايـــة ‪ :‬خلفيـة تاريخيــة‬

‫مــن ناحيــة أخــرى شــهدت الفــرة الــي ســبقت احلــرب العامليــة الثانيـ�ة وحــى بدايــة‬
‫ً‬
‫احلــرب البــاردة تشــابها بــن آراء العلمــاء والباحثــن حــول مدلــول الدعايــة‪ .‬فالغالبيــ�ة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اعتربهــا مجهــودا اتصاليــا خبيث ـ�ا‪ ،‬وهــؤالء تأثــروا بت�داعيــات اســتخدامها خــال احلــروب‬
‫ويف الصراعــات السياســية واأليديولوجيــة الداخليــة واخلارجيــة الســائدة آنــذاك‪،‬‬
‫ً‬
‫ومنهــم هارولــد الســويل الــذي اعتربهــا أســلوبا إلدارة املواقــف اجلماعيــة أو التأثــر يف‬
‫ســلوك اإلنســان مــن خــال التالعــب بالرمــوز (‪ ،)Lasswell:1930‬ورائــد العالقــات العامــة‬
‫واإلعــان ادوارد برينــز الــذي وصفهــا بالوســيلة الــي تســتطيع مــن خاللهــا فئــة قليلــة‬
‫ً‬
‫مــن النــاس ‪ -‬حتكــم ‪ -‬املجتمــع فعليــا مــن التالعــب بالــرأي العــام (‪ ،)Bernays:1928‬ومنهــم‬
‫ً‬
‫أيضــا ليونــارد دوب “‪ ”Leonard Doob‬الــذي نظــر إليهــا كمحاولــة للتأثــر يف الشــخصية‬
‫ً‬
‫اإلنســاني�ة والتحكــم يف ســلوك األفــراد بهــدف حتقيــق غايــات مشــكوك فيهــا علميــا أو يف‬
‫قيمتهــا ملجتمــع مــا خــال حقبــة زمني ـ�ة معين ـ�ة (‪ .)Doob:1948‬أمــا الفرنــي ريتشــارد لبيــر‬
‫“‪ ”Richard La Piere‬فاعتربهــا وســيلة للهيمنــة عــر محاولتهــا دفــع األغلبي ـ�ة للتكيــف مــع‬
‫األقليــة املســيطرة (‪ ،)La Piere:1938‬بينمــا عرفهــا جوزيــف راوســك “‪ ”Joseph Roucek‬كجهــد‬
‫متعمــد للســيطرة علــى الســلوك وعلــى العالقــات داخــل املجموعــات االجتماعيــة مــن‬
‫خــال أســاليب تؤثــر علــى مشــاعر ومواقــف األفــراد الذيــن يشــكلون تلــك املجموعــات‬
‫(‪ .)Roucek:1947‬وبرغــم تنــوع املداخــل الــي انطلــق منهــا العلمــاء والباحثــون يف حتديــد مفهوم‬
‫متفــق عليــه‪ ،‬إال أنهــا باملجمــل رســخت لعــدد مــن اخلصائــص مــزت الدعايــة عــن غريهــا‬
‫مــن الظواهــر االجتماعيــة واالتصاليــة؛ فهــي متعمــدة‪ ،‬وتســتن�د علــى التخطيــط‪ ،‬وتوظــف‬
‫االســتماالت العاطفيــة أكثـــر مــن العقالنيــ�ة‪ ،‬وتميــل إىل الســرية والتخفــي‪ ،‬وتســعى‬
‫إىل تغيــر املواقــف واملعتقــدات أو حــث الســلوك‪ ،‬كمــا ختــدم مصاحلهــا فقــط ال مصالــح‬
‫الفئــات املســتهدفة‪ .‬وهنــا فـ ّـرق العلمــاء بــن الدعايــة والتعليــم‪ ،‬فهــدف التعليــم يتلخــص‬
‫يف رغبت ـ�ه توســيع آفــاق اإلنســان عــر حقنــه بوجبــات علميــة متنوعــة صحيحــة وحياديــة‬
‫تنــي قدراتــه الفكريــة‪ ،‬خبــاف الدعايــة الــي تســعى إىل تقليــص أو احلــد مــن قــدرة‬
‫األفــراد علــى بن ـ�اء تصــورات صحيحــة أو التفكــر بأســلوب نقــدي وموضوعــي‪ .‬كمــا فرقــوا‬
‫بــن الدعايــة والعالقــات العامــة‪ ،‬حبيــث تهــدف األوىل إىل خدمــة مصالــح راعيهــا فقــط عــر‬
‫التأثــر والتالعــب يف األفــراد بــأي وســيلة تراهــا ضروريــة‪ ،‬بينمــا تهــدف العالقــات العامــة‬

‫‪47‬‬
‫الفصل األول‬

‫إىل إقامــة اتصــال ثنـ�ايئ بــن مؤسســة مــا واألفــراد‪ ،‬قوامــه التفاهــم والقبــول والتعــاون عــر‬
‫أســلوب يعتمــد علــى الشــفافية والصراحــة والصــدق وبمــا خيــدم مصالــح جميــع األطــراف‪.‬‬
‫إضافــة لمــا ســبق مــز العلمــاء بــن الدعايــة واإلعــام‪ ،‬يف كــون األخــر ذا وظيفــة‬
‫اجتماعيــة تنويريــة تعتمــد علــى نقــل املعلومــات الصحيحــة وتســمح بالرقابــة اجلماهرييــة‬
‫علــى أداء الســلطة‪ ،‬يف حــن تعكــس الدعايــة ملحــاوالت الهيمنــة مــن خــال ســيطرتها علــى‬
‫حركــة تدفــق املعلومــات بشــكل خيــدم رؤى الســلطة‪ ،‬وهــذه األخــرة أي الســيطرة هــي الــي‬
‫انطلــق منهــا العلمــاء يف تميــز وظائــف اإلعــام لــدى األنظمــة الديمقراطيــة والدكتاتوريــة‪.‬‬
‫وبدخــول حقبــة احلــرب البــاردة حافــظ مصطلــح الدعايــة علــى ســلبيت�ه املوروثــة‪،‬‬
‫ولــم يشــهد أي تغيــر أو تطــور باســتثن�اء بعــض املحــاوالت اجلــادة الــي تعمقــت يف‬
‫فهمــه بشــكل أســهم يف إثــراء دالالتــه ومعاني ـ�ه‪ ،‬لعــل مــن أهمهــا وأكرثهــا حنكــة مســاهمة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الفرنــي جــاك ايلــول “‪ ”Jacques Ellul‬يف اعتبــ�اره الدعايــة نشــاطا حياديــا وضروريــا يف‬
‫ً‬
‫جعــل أداء مؤسســات الدولــة احلديثـ�ة ممكنــا (‪ .)Tal & Gordon: 2016‬وبهــذا اخلصــوص لــم‬
‫ـف ايلــول باألبعــاد السياســية للدعايــة بــل أكــد علــى أبعادهــا االجتماعيــة‪ ،‬وضرورتهــا‬‫يكتـ ِ‬
‫يف املحافظــة علــى وحــدة واســتقرار املجتمــع‪ .‬فالدعايــة اإلدماجيــة علــى ســبي�ل املثــال‬
‫تتوجــه حنــو دمــج األفــراد يف بيئتهــم االجتماعيــة مــن خــال إكســابهم املعتقــدات واألفــكار‬
‫ّ‬
‫املقبولــة داخــل املجتمــع‪ ،‬وهــي هنــا شــبيهة بالدعايــة الســوفيتي�ة‪ .‬واحلقيقــة أن ايلــول‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫رفــض التصنيــف الــذي يعتــر الدعايــة نشــاطا سياســيا يقــوم علــى التحريــض فقــط‬
‫‪ ،Agitation‬بــل زاد عليهــا تصنيــف اجتماعــي يســعى إىل حتقيــق االندمــاج املجتمعــي‬
‫ً‬
‫‪ ،Integration‬كمــا اعتــر الدعايــة نشــاطا يعتمــد علــى املنطــق ‪ Rational‬بــذات القــدر الــذي‬
‫يعتمــد فيــه علــى العاطفــة ‪ .Irrational‬وال تقــف مســاهماته عنــد هــذا احلــد‪ ،‬بــل طــرح‬
‫ملفهــوم الدعايــة العاموديــة واألفقيــة ‪ ،Horizontal vs Vertical‬وأن انتشــار الدعايــة يتحقــق‬
‫بشــكل أفقــي ومــن داخــل حواضــن مجتمعيــة وال يكتفــي بهبوطــه مــن أعلــى إىل أســفل‪.‬‬
‫ً‬
‫ولعــل أفــكار ايلــول هــي الــي فتحــت البــاب واســعا ملقاربــة الدعايــة مــن مدخــل اجتماعــي‪،‬‬
‫ً‬
‫خاصــة مــع ظهــور مواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪ ،‬وهــو مــا ســنتن�اوله الحقــا يف الفصــول‬
‫القادمــة‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫الدعايـــة ‪ :‬خلفيـة تاريخيــة‬

‫وخــال الصــراع بــن املعســكرين الرأســمايل والشــيوعي‪ ،‬حتــول مفهــوم الدعايــة‬


‫ً‬
‫مصاحبــا للحــروب إىل نشــاط قانــوين لــه صفــة االســتمرار والــدوام‪،‬‬ ‫ً‬
‫نشــاطا‬ ‫مــن كونــه‬
‫وبــرزت الدعايتــ�ان الســوفيتي�ة واألمريكيــة‪ ،‬حيــث مثلتــا قمــة الصــراع بــن النظامــن‬
‫االجتماعيــن الســائدين حــى انهيــار االحتــاد الســوفييت عــام ‪1990‬م(مزاهــرة‪ .)2012:‬كمــا‬
‫تمــزت العالقــات الدوليــة بطبيعتهــا األيديولوجيــة‪ ،‬الــي أدت إىل زيــادة مســتمرة يف‬
‫اجلهــود الــي بذلتهــا احلكومــات القوميــة كــي تؤثــر بشــكل مباشــر يف اآلراء السياســية‬
‫لشــعوب الــدول األخــرى‪ .‬وباملقابــل‪ ،‬عملــت حكومــات الــدول املســتهدفة علــى بنــ�اء‬
‫حواجــز تقــف أمــام تلــك اجلهــود وتمنــع انتشــار احلمــات الدعائيـ�ة ال ســيما القادمــة مــن‬
‫الــدول املعاديــة‪ ،‬ونتيجــة لذلــك شــهدت الفــرة الــي تلــت احلــرب العامليــة الثاني ـ�ة ظهــور‬
‫مصطلحــات عديــدة ومختلفــة للدعايــة يصعــب يف بعــض األحيــان التميــز بينهــا‪ ،‬مثــل‪:‬‬
‫“احلــرب النفســية‪ ،‬احلــرب البــاردة‪ ،‬غســيل الدمــاغ ‪...‬إلخ”(الدليــي‪.)2010:‬‬
‫ً‬
‫وأخــرا‪ ،‬وبانتهــاء احلــرب البــاردة وانهيــار االحتــاد الســوفييت وحــى نهايــة القــرن‬
‫ً‬
‫العشــرين‪ ،‬لــم يشــهد مصطلــح الدعايــة أي تغيــر مــن حيــث اجتــاه املعــى‪ ،‬وظــل مالزمــا‬
‫عنــد الكثيريــن ارتب�اطــه باملمارســات الســلبي�ة علــى الرغــم مــن بعــض املجهــودات‬
‫ُ‬
‫العلميــة الــي حاولــت توضيــح جــذوره اإلجيابي ـ�ة‪ ،‬ومنحــه حقوقــه املفقــودة الــي خدشــت‬
‫بفعــل املمارســات البشــرية‪ .‬ولعــل املالحظــة امللفتــة فيمــا يتعلــق بالدعايــة خــال هــذا‬
‫القــرن اعتمــاد وإحــال مســميات بديلــة عنهــا‪ ،‬كصناعــة اإلجمــاع‪ ،‬غســيل الدمــاغ‪ ،‬إدارة‬
‫التصــورات واملعتقــدات‪ ،‬احلــرب النفســية‪ ،‬وغريهــا مــن املصطلحــات الــي حــاول البعــض‬
‫ترويجهــا علــى حســاب التســمية األصليــة‪.‬‬
‫ب‪ .‬تطورات تكنولوجيا االتصال وأثرها على الدعاية‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫يقــول اوشــنيس “‪ ”O’Shaughnessy‬إن تاريــخ الدعايــة ســيصبح تاريخــا لالتصــال‪،‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫أي أن مقاربــة الدعايــة مســتقبال لــن تتــم بمعــزل عــن تطــورات تكنولوجيــا االتصــال‪.‬‬
‫واحلقيقــة أنن ـ�ا نؤيــد هــذا الــرأي إىل حــد كبــر‪ .‬فعلــى مــر العصــور ارتبطــت الدعايــة علــى‬
‫حنــو وثيــق بوســائل االتصــال‪ ،‬وكلمــا أوجــد اإلنســان وســيلة للتعبــر واخلطــاب‪ ،‬قفــزت‬

‫‪49‬‬
‫الفصل األول‬

‫ً‬
‫الدعايــة الســتغاللها واإلفــادة منهــا‪ ،‬متجــاوزة بذلــك ســيطرة املؤسســات االجتماعيــة‬
‫التقليديــة كاألســرة واملدرســة وأماكــن العبــادة‪ .‬وخــال القــرن العشــرين شــهد مســرح‬
‫االتصــال والدة وســائل جديــدة كالســينما والراديــو والتلفــاز وخطــوط الكابــل واألقمــار‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الصناعيــة وصــوال إىل شــبكة اإلنرتنــت‪ ،‬وقــد ســبق ظهــور هــذه الوســائل انتشــارا كبــرا‬
‫ً‬
‫لألشــكال الورقيــة كالصحــف واملجــات والكتــب واملنشــورات‪ .‬فمثــا اعتمــدت قطاعــات‬
‫جماهرييــة كبــرة علــى الصحــف كمصــدر أول للمعلومــات خــال احلربــن العامليتــن‬
‫األوىل والثانيــ�ة‪ ،‬حيــث جــرى اســتغاللها بشــكل مكثــف كقنــاة لتمريــر رســائل الدعايــة‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كمــا أدت الكتــب دورا محوريــا يف تشــكيل األفــكار واملواقــف الثقافيــة واالجتماعيــة‪،‬‬
‫ومنهــا مــا تســبب يف صراعــات سياســية أيديولوجيــة‪ ،‬لــذا اعتــرت الكتــب أداة لتطويــر‬
‫أطروحــات متعمقــة تتجــاوز الرســائل العاديــة مــا جعلهــا واحــدة مــن أهــم وســائل الدعايــة‬
‫االســراتيجية‪ .‬بــدوره غـ ّـر املذيــاع “الراديــو” مــن املمارســة الدعائي ـ�ة‪ ،‬وجعــل مــن املمكــن‬
‫ً‬
‫إرســال رســائل تتخطــى احلــدود ومــن مســافات طويلــة جــدا دون احلاجــة إىل وجــود‬
‫مــادي‪ .‬ويف هــذا الصــدد وصــف الزعيــم الشــيوعي فالديمــر أوليانــوف املعــروف بـ”لينــن”‬
‫الراديــو بأنــه “صحيفــة بــا ورق وبــا حــدود”‪ ،‬وأنــه وســيلة واعــدة وهامــة إليصــال أفــكار‬
‫الشــيوعية إىل العمــال والفالحــن املشــتتني يف روســيا وأوروبــا وبــايق العالــم (‪.)Hale:1975‬‬
‫ومــع بدايــة احلــرب العامليــة الثاني ـ�ة امتلكــت العديــد مــن الــدول خلدمــة البــث اإلذاعــي‬
‫وصــل عددهــا إىل مــا يقــرب مــن ‪ 25‬دولــة‪ ،‬ومــع توســع نطــاق احلــرب زادت علــى التــوازي‬
‫ً‬
‫أهميــة الراديــو يف تمريــر رســائل الدعايــة إىل مختلــف املجتمعــات‪ .‬فمثــا أدخلــت محطــة‬
‫‪ BBC‬الربيطاني ـ�ة مــا يقــرب مــن ‪ 23‬لغــة علــى خدمتهــا لتصــل مــع نهايــة احلــرب إىل ‪43‬‬
‫لغــة‪ ،‬وبثــت حــوايل ‪ 78‬نشــرة إخباريــة يوميــة مفصلــة‪ ،‬مــا جعلهــا الــذراع الدعــايئ األكــر‬
‫واألهــم لــدول احللفــاء‪ .‬ويف الواليــات املتحــدة األمريكيــة قامــت احلكومــة باســتئجار‬
‫ً‬
‫خدمــات ‪ 12‬محطــة إذاعيــة حتــت إطــار عــرف الحقــا باســم “صــوت أمريــكا ‪،”VOA‬‬
‫وذلــك اســتجابة لتوصيــات صــادرة عــن مكتــب املعلومــات احلربيــ�ة ‪ .OWI‬وخــال‬
‫احلــرب خضعــت “صــوت أمريــكا” إلشــراف وحــدة العمليــات اخلارجيــة التابعــة ملكتــب‬
‫املعلومــات احلربيـ�ة‪ ،‬وبنهايــة عــام ‪1943‬م وصــل عــدد موجــات البــث الصادرة عنهــا إىل ‪،36‬‬

‫‪50‬‬
‫الدعايـــة ‪ :‬خلفيـة تاريخيــة‬

‫ً‬
‫موزعــة علــى ‪ 46‬لغــة‪ ،‬خصصــت ‪ 50‬ســاعة منهــا يوميــا لتن ـ�اول أخبــار وتطــورات احلــرب‬
‫(‪.)O’Donnell & Jowett:2012‬‬
‫وخــال العقــود الالحقــة ازدادت أهميــة الراديــو كأداة دعائيـ�ة‪ ،‬وانضــم البــث اخلاريج‬
‫إىل ترســانة األســلحة الــي حتــرص الــدول علــى امتالكهــا واالهتمــام بهــا‪ ،‬ســيما وأن احلــرب‬
‫البــاردة حتكمــت إىل حــد كبــر بدين�اميكيــات السياســة الدوليــة وتفاعالتهــا حــى نهايــة‬
‫القــرن‪ .‬فمــن ناحيــة املعســكر الشرقـــي‪ ،‬أدت ســيطرة الشــيوعيني علــى الصــن وحتــول‬
‫االحتــاد الســوفييت لقــوة عظــى إىل اتســاع موجــة البث اإلذاعــي الصــادرة عنهمــا وبمختلف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اللغــات‪ ،‬األمــر الــذي اعتربتــه الكتلــة الغربيــ�ة تهديــدا خطــرا علــى أمنهــا واســتقرارها‪.‬‬
‫ـرد علــى ذلــك ســعت العديــد مــن الــدول كألماني ـ�ا الغربي ـ�ة إىل توســيع نطــاق بثهــا‪ ،‬كمــا‬ ‫وكـ ٍ‬
‫أسســت الواليــات املتحــدة إلذاعــات جديــدة مثــل إذاعــة أوروبــا احلــرة عــام ‪1951‬م‪ ،‬وإذاعــة‬
‫احلريــة عــام ‪1953‬م‪ ،‬وبنهايــة عقــد الســبعيني�ات حتــول الراديــو إىل الوســيلة األوىل يف مجال‬
‫الدعايــة اخلارجيــة‪.‬‬
‫ً‬
‫الحقــا أدى ظهــور التلفــاز إىل حتقيــق قفــزة اتصاليــة هائلــة اســتفادت منهــا الدعايــة‪.‬‬
‫ً‬
‫ومــع انطالقتــه‪ ،‬اعتــر التلفــاز أداة محليــة للدعايــة‪ ،‬لكنــه الحقــا حتــول إىل أداة عاملية خاصة‬
‫بعــد ظهــور خدمــات البــث الفضــايئ والكابــات‪ .‬وأهميــة التلفــاز للدعايــة تمثــل يف الــدور‬
‫الــي باتــت تؤديــه الوســائط الــي تدمــج بــن الصــوت والصــورة يف التأثــر علــى جمهــور‬
‫املتلقــن‪ ،‬وقدرتهــا علــى حتفــز توحــد املشــاهد مــع املوضوعــات الــي يتعــرض لهــا‪ ،‬إضافــة‬
‫ـان وقيــم معينـ�ة‪ ،‬وهــذه األخــرة هــي الــي جعلــت مــن الدعايــة أداة‬ ‫إىل إثارتهــا إحيــاءات ومعـ ٍ‬
‫ّ‬
‫مــن أدوات االخــراق والهيمنــة الثقافيــة‪ ،‬خاصــة وأن انتشــار التلفــاز يف دول العالــم الثالــث‬
‫ً‬
‫تتطلــب توفــر برامــج إلشــباع احلاجــات اجلماهرييــة املزتايــدة‪ ،‬مــا أدى الحقــا إىل حتولــه‬
‫لوســيلة غــرس غــر مباشــرة‪ ،‬يــزرع يف العقــول مــا شــاء دون مواجهــة جديــة‪ .‬ولعــل خطــورة‬
‫ً‬
‫التلفــاز دعائي ـ�ا تأطــره للواقــع بشــكل مقصــود‪ ،‬وأخــذه بعــض اجلوانــب وجتاهــل أخــرى‪،‬‬
‫مــا جعلــه جهــاز اتصــال ال تواصــل‪ .‬ويــورد عالــم االجتمــاع بيــر بورديــو “‪”Pierre Bourdieu‬‬
‫ّ‬
‫أن اســتخدامات التكنولوجيــا ليســت محايــدة‪ ،‬وفيمــا يتعلــق بتكنولوجيــا االتصــاالت‬
‫واملعلومــات فــإن التوظيــف واملضمــون األيديولــويج لهــا جيــد أوضــح مثــال لــه يف الــدور‬

‫‪51‬‬
‫الفصل األول‬

‫الــذي يلعبــه التلفزيــون‪ ،‬حيــث ال يقتصــر دوره اخلطــر علــى التأثــر املباشــر يف املشــاهدين‬
‫ولكــن يمتــد إىل مجــاالت اإلنتــ�اج الثقــايف برمتهــا (بروديــو‪ .)2004:‬ومــن االســتفادة الــي‬
‫ً‬
‫قدمهــا التلفاز‪-‬خبــاف بلوغــه لعظــم الفئــات اجلماهرييــة تقريب ـ�ا‪ -‬تطويــره لألســاليب‬
‫املســتخدمة للتأثــر يف األفــراد‪ .‬وبعــد أن اعتمــدت الدعايــة لســنوات علــى حاســي الســمع‬
‫ً‬
‫والبصــر منفردتــن‪ ،‬اســتطاع التلفــاز دمجهمــا معــا‪ ،‬وبذلــك صــارت الدعايــة مطالبــة‬
‫بتطويــر أســاليب تراعــي التطــور اجلديــد‪ ،‬وتدمــج بــن الصــوت والصــورة بطريقــة تســمح‬
‫بالتأثــر يف اجلوانــب الالشــعورية لإلنســان‪ .‬باختصــار يعتــر التلفــاز مــن أكــر وســائل‬
‫ً‬
‫الدعايــة تأثــرا خــال النصــف الثــاين مــن القــرن العشــرين؛ لقدرتــه علــى بــث رســائل‬
‫دعائيــ�ة بأســاليب إقناعيــة عاليــة‪ ،‬وحتقيقــه اســتجابة عاليــة عنــد الفئــات املســتهدفة‪،‬‬
‫كمــا تعلــق رســائله يف ذهــن املتلقــي لفــرات طويلــة‪ ،‬األمــر الــذي يمنــح جهــة الدعايــة‬
‫ً‬
‫الفرصــة الســتدعائها مجــددا‪.‬‬
‫ومــع اقــراب نهايــة القــرن العشــرين‪ ،‬أطلــت وســيلة ثوريــة جديــدة قلبــت موازيــن‬
‫ً‬
‫الدعايــة التقليديــة رأســا علــى عقــب‪ .‬فبحلــول العقــد األخــر ظهــرت شــبكة اإلنرتنــت‬
‫كأحــد وســائل االتصــال احلديثـ�ة‪ ،‬وبســببها ختطــت الدعايــة احلــدود اجلغرافيــة‪ ،‬ووصلت‬
‫رســائلها إىل جماهــر لــم تكــن متاحــة يف الســابق‪ .‬ومــا يمــز اإلنرتنــت أنــه جمــع كل الوســائل‬
‫ً‬
‫الــي اســتخدمتها الدعايــة ســابقا‪ ،‬ومزجهــا يف بوتقــة واحــدة؛ لتصبــح مقــروءة ومســموعة‬
‫ً‬
‫ومرئيـ�ة يف آن واحــد‪ .‬عــاوة علــى ذلــك‪ ،‬أســهم اإلنرتنــت يف ظهــور العديــد مــن املواقــع الــي‬
‫ينشــط فيهــا املســتخدمون‪ ،‬مثل مواقع الشــبكات االجتماعيــة‪ ،‬ومواقع مشــاركة املحتوى‪،‬‬
‫واملدونــات‪ ،‬وهــي بمجموعهــا غــرت مــن طبيعــة العمليــة االتصاليــة‪ ،‬وصــار املســتخدم‬
‫ً‬
‫عرضــة للرســائل الدعائي ـ�ة بشــكل مباشــر ومكثــف‪ ،‬ودون أي مخــاوف تتعلــق باحلظــر أو‬
‫التشــويش أو الرقابــة والتتبــع‪ .‬لكــن التأثــر األكــر لإلنرتنــت لــم يرتبــط بإمكاناتــه كوســيلة‬
‫فقــط‪ ،‬بــل يف زعزعتــه للقواعــد الــي تأسســت عليهــا الدعايــة لعقــود طويلــة‪ .‬وحبســب‬
‫اوشــنيس حتولت الدعاية بســبب اإلنرتنت من وســيلة للتأثري يف الناس إىل وسيلة بي�د الناس‬
‫(‪.)O’Shaughnessy:2012‬‬

‫‪52‬‬
‫الدعايـــة ‪ :‬خلفيـة تاريخيــة‬

‫واملقصــود هنــا أن الدعايــة لــم تعــد أداة حصريــة بيــ�د فئــة عليــا متحكمــة‪ ،‬بــل‬
‫أصبحــت أداة للــكل اجلماهــري‪ ،‬يســتطيع أي فــرد مزاولتهــا وتنفيذهــا دون احلاجــة إىل‬
‫توفــر إمكانــات عاليــة‪ ،‬لــم تكــن موجــودة لــوال ظهــور اإلنرتنــت‪.‬‬
‫ً‬
‫وأخــرا‪ ،‬تاريــخ الدعايــة هــو تاريــخ تكنولوجيــا االتصــال‪ ،‬وكل تطــور علــى صعيــد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الوســائل ســيجلب معــه بالتأكيــد تطــورا ومنفعــة للدعايــة‪ ،‬فهــي لــن تتــواىن يف تســخري كل‬
‫مــا هــو متــاح لتحقيــق أهدافهــا‪.‬‬

‫خاتمة الفصل‬
‫يتضــح مــن خــال عرضنــا املوجــز ارتب ـ�اط الدعايــة بمختلــف األنشــطة اإلنســاني�ة‬
‫ّ‬
‫ســواء الفــردي منهــا أو اجلماعــي‪ ،‬وإن حقيقتهــا التاريخيــة بعيــدة كل البعــد عــن الســلبي�ة‬
‫الــي ُدمغــت بهــا يف أزمنــة الحقــة‪ ،‬فالدوافــع واألهــداف ًأيــا كان منبعهــا هــي املســؤولة عــن‬
‫الوجهــة أو الســمت الــذي تتخــذه الدعايــة خــال محاولتهــا التأثــر يف أفــكار وســلوكيات‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫خدمت ّإمــا‬‫الفئــات املســتهدفة‪ .‬ومــا يؤكــد اســتنت�اجنا؛ أنهــا وعلــى مــر العصــور اســت ِ‬
‫لإلقنــاع‪ ،‬أو الرتهيــب والتخويــف‪ ،‬أو تدمــر املعنويــات‪ ،‬أو تغيــر األفــكار‪ ،‬أو حــث الســلوك‪،‬‬
‫ً‬
‫أو االحتــواء واإلدمــاج‪ ...‬إلــخ‪ .‬أيضــا اســتفادت الدعايــة مــن جميــع أشــكال االتصــال‪،‬‬
‫ً‬
‫واختــذت منهــا ممــرات لتحقيــق أهدافهــا‪ ،‬بــدءا مــن االتصــال الوجاهــي ثــم األيقــوين ثــم‬
‫ً‬
‫املطبــوع واملكتــوب وصــوال إىل املســموع واملــريئ‪ .‬وكمــا اتضــح‪ ،‬لــم تقتصــر الدعايــة علــى‬
‫حقــل محــدد‪ ،‬بــل نشــطت يف املجــاالت السياســية واالجتماعيــة والدينيــ�ة والعســكرية‬
‫والثقافيــة‪ ،‬وهــو أمــر يؤكــد جوهرهــا األصيــل بوصفهــا نشــاط اتصــايل نابــع مــن رغبــة‬
‫ً‬
‫بشــرية للتأثــر يف اآلخريــن‪ .‬وأخــرا‪ ،‬يعــرض اجلــزء القــادم تطــورات الدعايــة خــال القــرن‬
‫احلــادي والعشــرين‪ ،‬ومــدى تأثــر األشــكال االتصاليــة احلديثــ�ة يف قواعدهــا وأسســها‬
‫البنيويــة‪.‬‬

‫‪53‬‬
54
‫الفصل الثانـي‬

‫تطورات الدعاية بظهور‬


‫الشبكات االجتماعية‬

‫‪55‬‬
‫الفصل الثاين‬

‫ً‬
‫أوال‪ :‬الدعاية املركزيــــة‬
‫ً‬
‫ثاني�ا‪ :‬الدعاية والتحول باجتاه الالمركزية‬
‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬اجلمهور الفاعل الدعايئ اجلديد‬
‫ً‬
‫رابعا‪ :‬الدعاية من العمودية إىل األفقية‬
‫ً‬
‫خامسا‪ :‬تطور بن�اء الرسالة الدعائي�ة‬
‫ً‬
‫سادسا‪ :‬سرعة انتشار الدعاية‬

‫‪56‬‬
‫تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية‬

‫لعقود طويلة‪ ،‬ظلت األجزاء املكونة ملفهوم الدعاية ثابت�ة ال تتغري‪ ،‬سواء من حيث‬
‫عمدية تنفيذها‪ ،‬وخضوعها ملركزية التنظيم والتخطيط‪ ،‬أو اقتصار ممارستها على جهات‬
‫ذات إمكانات حتكم وسيطرة لوجستي�ة ومالية عالية‪ ،‬كالدول واألحزاب واملؤسسات‬
‫ّ‬
‫العمالقة‪ .‬ويف حني بقيت األهداف والبىن األساسية متشابهة‪ ،‬إال أن إنت�اج الدعاية‬
‫وتقني�ات نشرها تغري بصورة ملحوظة خالل اآلونة األخرية‪ .‬فقد أدى ظهور شبكة اإلنرتنت‪،‬‬
‫وما رافقها من حرية على صعيد استخدامها‪ ،‬إىل بروز مفهوم اإلنت�اج “الذايت” للدعاية‪.‬‬
‫فالشكل الكالسيكي لها خضع الحتكار جهات ُمتحكمة‪ ،‬ولكن تكنولوجيا االتصال احلديث�ة‪،‬‬
‫وما أفرزته من أشكال رقمية أخلت بهذه املعادلة‪ ،‬حبيث منحت األفراد سلطة إنت�اج ورعاية‬
‫حمالتهم الدعائي�ة اخلاصة‪ ،‬متجاوزين بذلك حدود الرقابة والسيطرة التقليدية‪.‬‬
‫وعلى امتداد القرن العشرين اتصفت الدول بقدرتها على التحكم بساحتني‪،‬‬
‫احتكارها للقوة المادية‪ ،‬وسيطرتها شبه الكاملة على حركة تدفق املعلومات‪ .‬بدورها‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أوجدت التكنولوجيا الرقمية طريقا مغايرا‪ ،‬فهي سمحت بالتواصل خارج إطار التسلسل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الهريم التقليدي لالتصال‪ ،‬ما أحدث انقالبا مفاهيميا باالنتقال من حالة اتصالية مركزية‬
‫إىل حالة ال مركزية أكرث عشوائي�ة‪ .‬هذا االنقالب أثر يف الدعاية خاصة يف مجاالت إنت�اجها‬
‫واستهالكها‪ ،‬أو حىت يف نطاق انتشارها ودرجة تأثريها‪ .‬وعلى هذا النحو قد يكون اإلنرتنت‬
‫اخلط النهايئ الذي بلغته الدعاية يف وقتن�ا احلاضر‪.‬‬
‫هذا املسار اجلديد للدعاية خيتلف إىل حد كبري عن األشكال التقليدية يف العديد‬
‫من األوجه‪ .‬فهو جيري على مسرح رقيم ال حتكمه ضوابط أو قوانني‪ ،‬وتت�داخل فيه‬
‫العوالم احلقيقية واالفرتاضية‪ ،‬ويدمج بني اجلهدين البشري واحلاسويب‪ ،‬كما يستغل‬

‫‪57‬‬
‫الفصل الثاين‬

‫ً‬
‫قدرات الفروع العلمية األخرى؛ إلنت�اج أنواع جديدة كليا‪ ،‬كالدعاية التشاركية‪ ،‬ودعاية‬
‫الذكاء االصطناعي‪ ،‬ودعاية االستهداف املخصص‪ ،‬ودعاية اخلوارزميات‪ ،‬وغريها من‬
‫تكنولوجيات تأثري ما بعد احلداثة‪ .‬ويف هذا الصدد يقول اوشنيس‪“ :‬تاريخ الدعاية‬
‫ً‬
‫سيصبح تاريخا لتكنولوجيا االتصال‪ .‬فظواهر مثل ‪YouTube، Facebook، Twitter،‬‬
‫ً‬
‫‪ ،WhatsApp‬وغريها‪ ،...‬تمثل طرقا لتقوية الدور الشخيص لألفراد يف حروب التأثري‪ ،‬لهذا‬
‫ّ‬
‫فالدعاية لن تعود كالسابق”‪ .‬وهنا يمكن االستنت�اج أن دور األفراد واجلماعات الهامشية‬
‫أو املضطهدة يف مجال الدعاية‪ ،‬حتول من كونهم ضحايا لها‪ ،‬إىل مشاركني فاعلني فيها‬
‫(‪.)O’Shaughnessy:2012‬‬
‫ّ‬
‫وبتفحص ما سبق يتضح أن تكنولوجيا االتصال أوجدت ما يتعدى العوملة‪ ،‬وأفضت‬
‫إىل نشوء دعاية أكرث خطورة‪ ،‬واليت من شأنها أن تفكك احلدود السياسية واالجتماعية‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وأن تتجاوز قدرات الدول على مواجهتها‪ .‬فأي تطور قد ال يصحب معه وجها حسنا فقط‪،‬‬
‫واإلنرتنت ليس استثن�اء‪ .‬فالتكنولوجيا اليت مكنتن�ا من إجياد “قرية عاملية” يتواصل الناس‬
‫ً‬
‫من خاللها بطريقة مفتوحة ومجاني�ة‪ ،‬تتجاوز عوائق العرق والطبقية‪ ،‬جلبت معها أيضا‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫عالما سفليا مظلما‪ ،‬وشبكة متشعبة غري متحكم بها‪ ،‬تعج بالدعاية‪ ،‬والكراهية‪ ،‬وغريها‬
‫من السلوكيات السلبي�ة‪ .‬ويقول كريستوفر ساجن “‪“ :”Christopher Sung‬ملواقع الشبكات‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫االجتماعية جانب�ا شديد الظلمة‪ ،‬فبعيدا عن كونها أداة طوباوية للحقيقة والديمقراطية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والعدالة االجتماعية‪ ،‬هي أيضا أداة بي�د أصحاب األجندات اخلفية‪ ،‬وملعبا ملحاوالت‬
‫خبيث�ة لتضليل الناس‪ ،‬وتشجيعهم على االعتقاد والتصرف بطرق معين�ة‪ ،‬كما يمكن لها أن‬
‫ً‬
‫تأد النقاش‪ ،‬وتضخم اخلالفات‪ ،‬فهي ال تشجع دوما على التسامح‪ ،‬أو استيعاب أصحاب‬
‫املعتقدات واآلراء املغايرة لوجهات نظرنا” (‪ .)Sung:2015‬باختصار غريت مواقع الشبكات‬
‫االجتماعية من طبيعة الدعاية‪ ،‬حيث أضافت طبقة جديدة من التعقيدات على ساحتها‪،‬‬
‫ً‬
‫فالولوج شبه العاليم للبيئ�ة الشبكية منح فرصا المتن�اهية لتنفيذ حمالت دعائي�ة متنوعة‪،‬‬
‫هدفها يف الغالب التأثري على األحداث بمجاليها المادي واملعريف‪.‬‬
‫ومع إدراك خطورة مواقع الشبكات االجتماعية وإمكاناتها الكامنة‪ ،‬أخذ االهتمام‬
‫ً‬
‫بهذا املجال ُبعدا آخر‪ ،‬حبيث حتولت النظرة من كونها أداة تواصل إىل بيئ�ة ُيمكن استثمارها‬

‫‪58‬‬
‫تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية‬

‫لتحقيق أهداف سياسية وأمني�ة وعسكرية دعائي�ة‪ .‬هذه الرؤية ألقت بظاللها على أرض‬
‫ً‬
‫الواقع‪ ،‬ووجدت من يرتجمها إىل ممارسة تنفيذية فعلية‪ .‬فمع حاالت بعينها نراها ساحة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫للدبلوماسية الرقمية‪ ،‬ومع أخرى مسرحا للحرب السيرباني�ة‪ ،‬أو حىت ذراعا للعمليات‬
‫ّ‬
‫املعلوماتي�ة‪ .‬واحلقيقة أن هذه اجلهود ما هي إال تعبري عن عهد جديد تمازجت فيها‬
‫الدعاية مع سمات التكنولوجيا احلديث�ة‪ ،‬وتطورات مظاهر الصراع الدويل‪ ،‬حبيث أوجدت‬
‫لنفسها مساحة اشتغال إضافية تساعد يف حتقيق أهداف ورغبات مشغلها‪ .‬ويف هذا‬
‫املضمار كشف التوظيف الدعايئ ملواقع الشبكات االجتماعية عن أشكال وممارسات‬
‫حديث�ة لم تكن مألوفة يف السابق‪ ،‬فالعديد من الدراسات واألحباث العاملية رصدت‬
‫لقاعدة عريضة منها‪ ،‬كالتصيد‪ ،‬والتالعب باخلوارزميات‪ ،‬والقرصنة‪ ،‬واإلطباق على‬
‫الوسوم‪ ،‬واالنتحال‪ ،‬والروبوتات االجتماعية‪ ،‬وغريها الكثري‪ .‬هذه األشكال واملمارسات‬
‫كان لها العديد من التداعيات السياسية واالجتماعية واالقتصادية حول العالم ال يتسع‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫املجال لذكرها‪ ،‬وحيث إن الفصل احلايل يهتم برصد تطورات الدعاية‪ ،‬فهو يسعى أيضا‬
‫إىل استعراض أهم التغريات اليت خضعت لها بظهور مواقع الشبكات االجتماعية‪.‬‬

‫ً‬
‫أوال‪ :‬الدعاية املركزية‬
‫تعترب الدعاية عملية مخططة وموجهة لصناعة الواقع أو التأثري فيه‪ ،‬وتشرف عليها‬
‫فئات عليا تتمتع بإمكاني�ات لوجستي�ة وتقني�ة فائقة‪ ،‬كالدول واحلكومات واملؤسسات‬
‫السياسية والعسكرية‪ ،‬أو حىت الشركات االقتصادية والتجارية العمالقة‪ .‬وصناعة‬
‫الواقع عملية معقدة‪ ،‬تتطلب مقومات أهمها تمكني مبدأ التحكم املركزي‪ ،‬وهو أحد‬
‫أهم شروط الدعاية بصيغتها التقليدية‪ .‬والتحكم ببساطة يعين السيطرة املطلقة‬
‫على قنوات االتصال‪ ،‬ومنع أي جهة من امتالك وسائل خاصة بها‪ ،‬تمنحها فرصة‬
‫التحرر من سطوة اخلطاب الواحد لصالح آخر مخالف أو مضاد‪ .‬وتتخذ السيطرة‬
‫ً‬
‫االتصالية أشكاال متعددة‪ ،‬كتأسيس وسائل إعالم مملوكة للدولة‪ ،‬أو إقامة مؤسسات‬
‫إعالمية كأدوات شبه حكومية‪ ،‬أو إطالق حمالت عالقات عامة وإعالن‪ ،‬أو جتني�د‬
‫الصحفيني‪...‬إلخ‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫الفصل الثاين‬

‫وخالل القرن العشرين حرصت العديد من احلكومات الشمولية والثيوقراطية على‬


‫التحكم بالفضاء العام من خالل السيطرة املباشرة على وسائل االتصال‪ ،‬أو حجب إصدار‬
‫تراخيص إلنشاء مؤسسات إعالمية مستقلة‪ ،‬إىل جانب قمعها لألصوات املعارضة؛ كي‬
‫ً‬
‫ال تغرد خارج السرب‪ ،‬أو خترج عن اإلطار املرسوم لها فتهدد مصاحلها وأحيانا وجودها‪.‬‬
‫على اجلانب اآلخر أي يف األنظمة الديمقراطية‪ ،‬فاملمارسة اإلعالمية حرة وال ختضع لقيود‬
‫من أي نوع كان إال يف حدود املمارسة األخالقية واملسؤولية االجتماعية‪ ،‬وبما ال يمس حق‬
‫اجلمهور يف احلصول على املعلومات‪ .‬لهذا ختتلف وظيفة اإلعالم يف هذه األنظمة‪ ،‬فهي‬
‫تقوم بمهمة تزويد اجلمهور باملعلومات املضبوطة اليت تساعده على تكوين آراء وانطباعات‬
‫شبه موضوعية حول مختلف القضايا واألحداث‪ ،‬فالدعاية وفق هذا النظام ممارسة غري‬
‫طبيعية تعكس مدلوالت شديدة السلبي�ة‪ .‬وبالنظر إىل طبيعة تشكل الفضاء العام يف‬
‫الكيانات الديمقراطية‪ ،‬جند غياب السيطرة املباشرة على وسائل اإلعالم‪ ،‬ما يدفعنا إىل‬
‫التساؤل حول شكل وأسلوب السيطرة احلقيقي‪.‬‬
‫هنا يتم تأمني مركزية التحكم من خالل إعمال قاعدة بسيطة من قواعد اقتصاد‬
‫السوق‪ .‬فامتالك وسائل اإلعالم شأنها شأن أشكال امللكية األخرى متاحة ملن يملكون‬
‫رأس المال‪ .‬والنتيجة احلتمية لذلك هي أن تصبح محطات اإلذاعة وشبكات التلفزيون‬
‫ً‬
‫جميعا ملجموعة من املؤسسات‬ ‫والصحف واملجالت‪ ،‬وصناعة السينما ودور النشر مملوكة‬
‫ً‬
‫املشرتكة والتكتالت اإلعالمية‪ .‬وهكذا يصبح اجلهاز اإلعاليم جاهزا ً‬
‫تماما لالضطالع بدور‬
‫ّ‬
‫فاعل وحاسم يف العملية الدعائي�ة (شيللر‪ .)1999:‬وبن ً�اء على ما تقدم نستدل أن السيطرة‬
‫ً‬
‫على وسائل اإلعالم يف املجتمعات الديمقراطية تأخذ شكل غري مباشر‪ ،‬حبيث تعتمد على‬
‫تركزي ملكية وسائل اإلعالم بي�د حفنة من األفراد ترتبط مصاحلهم بالنظام السيايس(*)‪.‬‬
‫وجميع أنماط التحكم السابقة تعكس رغبة متأصلة يف السيطرة‪ ،‬واليت ألقت بظالل‬
‫سلبي�ة على الوظيفة املفرتضة لوسائل اإلعالم‪ ،‬فالتحكم يف أنشطتها جعلها أداة من‬

‫تشــر بعــض املؤسســات إىل تزايــد مركــزة وســائل اإلعــام يف الواليــات املتحــدة‪ ،‬وحبســب مجلــة ‪ :Business Insider‬حبلــول‬ ‫(*)‬

‫عــام ‪ ،2012‬اســتحوذت ‪ 6‬مؤسســات علــى مــا نســبت�ه ‪ 90%‬مــن وســائل اإلعــام األمريكيــة‪ ،‬باملقارنــة مــع ‪ 50‬مؤسســة يف‬
‫عــام ‪.1983‬‬

‫‪60‬‬
‫تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫أدوات الهيمنة من خالل ضبط حركة معلوماتها املوجهة إىل اجلمهور‪ .‬فنادرا ما جتد أخبارا‬
‫ً‬
‫تتعارض مع مصالح الدولة أو النخبة اليت حتكمها‪ ،‬ومن النادر أيضا الوقوع على معلومات‬
‫ً‬
‫تشكل أساسا لوعي جماهريي يمكن أن يهدد استمرار أو استقرار الطبقة احلاكمة‪ .‬وما‬
‫ً‬
‫سبق يشار إليه دعائي�ا باسم “مركزية السيطرة”‪ ،‬اليت تعين بسط الدولة لنفوذها على‬
‫قنوات املعلومات ممثلة بوسائل االتصال اجلماهريي‪ ،‬ما يسمح لها صناعة وتشكيل رأي‬
‫عام يستجيب وينسجم مع مصاحلها‪.‬‬
‫وال يقتصر مفهوم املركزية على التحكم يف مجرى االتصال وتدفقه‪ ،‬بل يمتد ليشمل‬
‫مركزية التخطيط واملنشأ‪ .‬ومركزية التخطيط تعين قيام جهات عليا يف الدولة‪ ،‬أو فئات‬
‫متخصصة داخلها‪ ،‬بمهمة نسج وختطيط الدعاية وفق مطلب احلكم‪ ،‬وضمان إنفاذها‬
‫ّ‬
‫إىل املجتمع بشكل منسق ومتن�اغم غري متعارض أو متن�اقض‪ .‬وهذا دليل على أن االجتهاد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫واالرتجال يف ختطيط الدعاية أو تنفيذها بعيدا عن رعاية السلطة مرفوض تماما‪ ،‬بل‬
‫محرم؛ العتب�ارات يقف الفشل على رأسها‪.‬‬
‫والتخطيط يف صيغته السلطوية يعكس التحول يف مقاربة الدعاية خالل القرن‬
‫العشرين‪ ،‬فهي مكون رئيس من مكونات أنشطة السلطة على املستوى الداخلي‪ ،‬وجزء‬
‫ً‬
‫رئيس من هيكلية وعمليات االتصال املوجهة للخارج‪ .‬وليس مستغربا إنفاق العديد من‬
‫دول العالم مئات املاليني من الدوالرات وتسخريها للعديد من املوارد البشرية والتقني�ة‬
‫بهدف إجياد دعم لسياساتها‪ ،‬أو الرتويج لثقافاتها‪ ،‬أو صناعة صورة إجيابي�ة عن نفسها‪.‬‬
‫وفيما يتعلق بمركزية املنشأ فهي إشارة إىل مكان والدة الدعاية‪ ،‬واخلط الذي تسلكه‬
‫ً‬
‫وتنتشر عربه وصوال إىل الفئة املستهدفة‪ ،‬وقد حدد العالم الفرنيس ايلول مسارين‬
‫خطيني ملنشأ الدعاية‪ ،‬يتمثل األول يف الدعاية العامودية (سياسية) والدعاية األفقية‬
‫ً‬
‫(اجتماعية)‪ ،‬وسنتطرق الحقا لهذا املوضوع خالل حديثن�ا عن اجلمهور كفاعل جديد يف‬
‫الدعاية‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫الفصل الثاين‬

‫شكل يوضح مفهوم مركزية الدعاية‬

‫املصدر‪)Fellows:1959( :‬‬

‫والسيطرة املباشرة من خالل تركزي وسائل االتصال بي�د واحدة ال تضمن‬


‫ً‬
‫ممارسة دعائي�ة مؤثرة‪ ،‬فاملطلوب أيضا ضمان تنوع مسيطر عليه يسمح بمحاصرة‬
‫اجلمهور وإدامة تعرضه لرسائل الدعاية‪ .‬وهنا تصعب ممارسة الدعاية دون األخذ‬
‫باحلسبان العامل النفيس للجمهور‪ ،‬وخياراتهم القائمة على تفضيل وسيلة على أخرى‬
‫(‪ .)Ellul:1971‬فكل وسيلة إعالمية بذاتها ال تستطيع املحافظة على اتصال دائم مع كل فرد‪،‬‬
‫ً‬
‫والسبب أن كال منها حيظى جباذبي�ة خاصة تدفع األفراد حنو تغيري دائم يف أنماط التعرض‪.‬‬
‫لذلك جيب ضمان السيطرة على وسائل االتصال بأشكالها املختلفة‪ ،‬وعدم االكتفاء‬
‫بوسيلة واحدة أو اثنتني‪ .‬هذا التنوع املحسوب سيؤدي بالضرورة إىل استمرار تعرض‬
‫اجلمهور لرسائل الدعاية املركزية ولكن بنكهات وأشكال مختلفة‪.‬‬
‫ومع ذلك تتطلب السيطرة على توجهات الوسيلة اإلعالمية سلطة من نوع‬
‫ما تتجسد بأشكال مختلفة‪ ،‬فمنها ناعم وآخر عنيف‪ .‬يقول نعوم تشومسكي‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫“‪ ”Naom Chomsky‬يف كتاب “صناعة اإلجماع” إن وسائل اإلعالم تمارس الدعاية ني�ابة عن‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫ويمولونها‪ ،‬وهذا ال‬ ‫قوى اجتماعية‪ ،‬رغبة منها يف احلفاظ على مصالح من يتحكمون بها‬
‫يتحقق بالتدخل الفظ‪ ،‬بل عرب أناس جييدون التفكري‪ ،‬وعرب صحفيني ومحررين جييدون‬
‫ترتيب األولويات واختي�ار القضايا الصاحلة للنشر بما يتوافق مع سياسة املؤسسة‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية‬

‫وبالنظر إىل نموذجه اخلاص بالدعاية‪ ،‬يشري تشومسكي إىل الوظيفة االجتماعية لوسائل‬
‫اإلعالم يف كونها أداة للدفاع عن أجندة الطبقة املهيمنة بأبعادها االقتصادية‪ ،‬واالجتماعية‪،‬‬
‫والسياسية‪ ،‬كما يتطرق إىل خمسة عوامل تؤثر يف توجهات وسائل اإلعالم جتاه مختلف‬
‫القضايا‪ ،‬حيث َيفرتض أن امللكية‪ ،‬واإلعالن‪ ،‬واملصادر‪ ،‬والسلطة‪ ،‬واأليديولوجيا‪،‬‬
‫كلها عوامل تؤدي إىل حتول وسائل اإلعالم ألداة دعاية بي�د الدولة أو الطبقات املهيمنة‬
‫(‪.)Herman & Chomsky:2000‬‬
‫ويف سياق متصل يتطرق تشومسكي إىل األساليب اليت تستخدمها السلطة لتعزيز‬
‫وتصليب مواقعها كمصادر أساسية للمعلومات‪ ،‬حبيث تشمل تزويد وسائل اإلعالم‬
‫خبطابات وتقارير حصرية‪ ،‬وكتابة وحترير البي�انات بلغة جيدة‪ ،‬ومراعاة توقيت تنظيم‬
‫املؤتمرات الصحفية بما ال يتعارض مع مواعيد النشر النهائي�ة‪ ،‬ومساعدة وسائل اإلعالم‬
‫على إجراء مقابالت خاصة أو التقاط صور حصرية (‪ .)Ibid‬وبتقديم هذه اخلدمات مع‬
‫حتمل أعباء مالية عن وسائل اإلعالم تتمتع احلكومة واملؤسسات الكربى‬ ‫ما تعني�ه من ُّ‬
‫بمعاملة صحفية خاصة‪ ،‬حبيث تتحول إىل مصادر روتيني�ة وأساسية للمعلومات‪ ،‬حتظى‬
‫بأولوية متعاظمة دون غريها‪ .‬وعرب هذه اخلدمات ‪-‬إضافة إىل التهديد واملكافآت المالية‬
‫والعالقات الشخصية– تصبح بي�د اجلهات املهيمنة أداة تستخدمها للتأثري يف توجهات‬
‫ً‬
‫الوسيلة اإلعالمية‪ ،‬ودفعها طواعية أو باإلكراه إىل نشر تقارير مشكوك يف صحتها‪ ،‬أو‬
‫منعها من استضافة أصوات معارضة‪ ،‬ويف حال امتنعت عن االستجابة يتم حرمانها من‬
‫ً‬
‫هذه االمتي�ازات‪ .‬ويف العالم الثالث‪ ،‬وحتديدا يف العالم العريب‪ُ ،‬يتحكم بتوجهات وسائل‬
‫اإلعالم بطريقة مباشرة‪ ،‬حبيث ختضع معظمها لإلشراف احلكويم سيما الشق األمين‪،‬‬
‫أما يف حالة املؤسسات اخلاصة واملستقلة فالتهديد بسحب الرتخيص أو احلجب أو‬
‫املصادرة أو حىت معاقبة وسجن الصحفيني‪ ،‬هي األدوات اليت توظفها هذه الدول إلسكات‬
‫أي نقد أو صوت معارض (املصدر‪ .)2016:‬وهكذا تتحول وسائل اإلعالم من أدوات تنوير‬
‫إىل أبواق دعاية‪ .‬ويف سياق تعزيز وبسط نفوذها االتصايل تسعى قوى السلطة حنو صناعة‬
‫مصادرها اخلاصة اليت تتحدث باسمها وتدافع عنها‪ ،‬حتت غطاء اخلبري أو املختص‪،‬‬
‫فتعمد إىل تمويل أحباثهم‪ ،‬أو ترغيب مؤسسات التفكري فيهم‪ ،‬أو تعيينهم كمستشارين‪،‬‬

‫‪63‬‬
‫الفصل الثاين‬

‫أو رشوتهم‪ ،‬أو جتني�دهم بشكل سري‪...‬إلخ‪ .‬بدورها تعمل وسائل اإلعالم على استضافة‬
‫ً‬
‫هذه الفئة‪ ،‬وتمنحها املساحة والوقت الالزمني للتعبري عن مواقفها املنسجمة أصل مع رؤى‬
‫ً‬
‫السلطة يف مقابل جتاهلها للصوت اآلخر‪ .‬هذا األسلوب يمنح انطباعا زائفا بتعددية اآلراء‪،‬‬
‫كما يؤدي باجلمهور إىل تبين آراء منسجمة مع أطروحات السلطة‪ ،‬وما هي يف حقيقتها‬
‫ً‬
‫إال خدعة تصب يف مجرى السيطرة‪ ،‬وبهذا اخلصوص يعلق تشومسكي قائل‪“ :‬عرب هذه‬
‫الوسائل جيري مأسسة التحزي لصالح القوى املهيمنة” (‪.)Herman & Chomsky:2000‬‬
‫وتت�أثر توجهات وسائل اإلعالم جتاه القضايا واألحداث باأليديولوجيا السياسية‬
‫السائدة‪ ،‬فالتغطية اإلخبارية خالل األزمات اخلارجية عادة ما تتماىش مع رؤية الدولة‬
‫ومصاحلها‪ ،‬حبيث يطغى عليها مفهوم “حنن وهم” (‪ .)Jang:2013‬هذا التماهي اإلعاليم‬
‫ُ‬
‫مع رؤى السلطة قد ال َينتج فقط عن سيطرة أو حتكم مباشر‪ ،‬ففي كثري من األحيان‬
‫تتلاىق مصالح الوسيلة اإلعالمية مع النظام احلاكم‪ ،‬األمر الذي ينعكس على تن�اولها‬
‫للعديد من القضايا املحلية أو الدولية‪ .‬وبهذا اخلصوص‪ ،‬تشري بعض الدراسات إىل‬
‫عدد من األساليب اليت تنتهجها وسائل اإلعالم لتحقيق رؤية الدولة جتاه قضية ما؛‬
‫فمن خالل التجهيل‪ ،‬واالستشهاد املتكرر بمصادر محددة‪ ،‬وتشجيع الرقابة الذاتي�ة‪،‬‬
‫إضافة إىل جتاهل قضايا وأحداث معين�ة‪ُ ،‬يتحكم باملعلومات لصالح أيديولوجية السلطة‬
‫ً ّ‬
‫(‪ .)Snow & Taylor:2006‬وأخريا‪ ،‬إن التأثري يف اجلمهور ومحاولة تشكيل مجاله وضبطه‬
‫والسيطرة عليه هو غاية الدعاية لتحقيق أهدافها غري املعلنة‪ ،‬ولكن هل من السهل التأثري‬
‫يف جمهور وسائل اإلعالم؟‪ .‬تشري بعض الدراسات إىل أن التأثري يف اجلمهور مسألة نسبي�ة‬
‫خاضعة للعديد من العوامل‪ ،‬وعلى الرغم من سعي وسائل اإلعالم حنو تزويد اجلمهور‬
‫ّ‬
‫باآلراء واملعلومات حول مختلف القضايا واألحداث‪ ،‬إال أن ذلك ال يعين إسهامها يف تشكيل‬
‫تأثريا من نوع ما قد حصل‪ ،‬فالتأثري مرتبط بمدى اهتمام‬ ‫رؤيت�ه النهائي�ة حولها‪ ،‬أو أن ً‬
‫واخنراط اجلمهور يف قضية ما من عدمه‪ ،‬إضافة إىل خرباته املرتاكمة حولها‪ .‬ويمكن اإلشارة‬
‫إىل عدد من املداخل املتعلقة بت�أثري وسائل اإلعالم يف اجلمهور‪ ،‬فكلما ازداد اعتماد اجلمهور‬
‫على وسائل اإلعالم يف احلصول على املعلومات تعاظمت إمكاني�ة التأثري فيه وتوجيهه‬
‫الوجهة الدعائي�ة املرغوبة‪ ،‬كما يزداد تأثري وسائل اإلعالم مع املوضوعات الغامضة اليت‬

‫‪64‬‬
‫تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية‬

‫ً‬
‫جيهلها اجلمهور‪ ،‬وهو املدخل الذي تتخذ منه الدعاية مجال لتشكيل مدركات اجلمهور‬
‫حولها‪ ،‬فتنفيذ الدعاية حيتاج إىل وجود حاجز بني اجلمهور واحلدث (‪.)Lippmann:1922‬‬
‫ويعتمد قبول ورفض املحتوى اإلعاليم على درجة انسجامه مع االجتاهات واملعتقدات‬
‫السائدة يف املجتمع‪ .‬لذلك تعمل الدعاية على مسايرة هذا االجتاه وعدم االصطدام به‪،‬‬
‫خاصة وأن جتارب اجلمهور واحتكاكه املباشر‪ ،‬إضافة إىل سعة اطالعه وتعرضه املتنوع‬
‫ملختلف اآلراء قد يقلص من تأثري الدعاية (املصدر‪ .)2016:‬ويف ذات السياق يزداد تأثري‬
‫وسائل اإلعالم يف أوقات األزمات واحلروب‪ ،‬حيث تتجلى حالة من الغموض تستغلها‬
‫الدعاية لصاحلها‪ ،‬كما أن تأثريها مرتبط بنوع اجلمهور ومستوى أفراده الثقايف واالجتماعي‬
‫واالقتصادي‪ ،‬إضافة إىل اجلوانب املعرفية والنفسية والسلوكية‪ ،‬وألنها ال تستطيع‬
‫إغفال ما سبق تعمد الدعاية إىل توظيف أساليب تؤثر يف هذه اجلوانب بما خيدم أهدافها‪.‬‬

‫ً‬
‫ثاني�ا‪ :‬الدعاية والتحول بإجتاه الالمركزية‬
‫ظهور شبكة اإلنرتنت وتغري طبيعة االتصال من نسق آحادي إىل ثن�ايئ دون وجود‬
‫ً‬
‫حراس بوابة‪ ،‬أحدث حتوال يف طبيعة ونوعية التفاعل الدعايئ (‪.)Chang & Lin:2014‬‬
‫هذا التب�دل سحب البساط من حتت السلطة‪ ،‬وأفقدها قدرتها على التحكم يف عملية‬
‫صناعة الواقع‪ ،‬وفرض قوى جديدة تديل بدلوها يف عملية تمثيله وجتسيده على حنو أنهى‬
‫احتكار الشكل املركزي لها‪ .‬وانتقال االتصال من حالة مركزية إىل المركزية منفتحة‬
‫متلق خامل‬
‫‪ ،Decentralized‬وعشوائي�ة فوضوية ‪ ،Rhizomatic‬سمح للجمهور بالتحول من ٍ‬
‫ً‬
‫كما تظهره نظرية الرصاصة السحرية إىل منتج مشارك يف العملية االتصالية‪ ،‬مستعين�ا‬
‫باحلرية اليت منحته إياها مواقع الشبكات االجتماعية‪ .‬ويف العرف الدعايئ التقليدي‬
‫فقدان السيطرة على وسائط االتصال‪ ،‬أو ظهور وسائط أخرى غري خاضعة لسلطان‬
‫ً‬
‫القوة والتوجيه‪ ،‬يعين التأثري سلبا يف عملية التشكيل والتأثري اليت ترعاها وتنظمها الدولة‬
‫بغض النظر عن شكلها وهدفها‪ .‬والدعاية باملنطق الالمركزي أقرب ملفهوم الدعاية‬
‫الشعبي�ة بوسائط تفاعلية تتم من أسفل إىل أعلى بشكل ال مركزي متحرر من الرقابة‪،‬‬
‫حبيث تتخذ مسارات اتصالية متنوعة من مجموعة إىل مجموعة‪ ،‬أو ثن�ائي�ة‪ ،‬أو متشعبة‬

‫‪65‬‬
‫الفصل الثاين‬

‫شديدة الفوضوية(*)‪ .‬والالمركزية تعين إذابة احلواجز بني منتيج املعلومات ومستهلكيها‪،‬‬
‫يف تن�اقض صارخ مع نموذج االتصال املركزي اآليت من أعلى‪ ،‬واملوجه من فئة قليلة إىل‬
‫جموع كبرية بنمط غري تفاعلي‪ .‬ولعل الفرق بني الشكلني املركزي وغري املركزي ينحصر‬
‫يف تمثي�ل األول لألنظمة السلطوية اليت تسعى من خالل قنواتها االتصالية اململوكة إىل‬
‫تقيي�د االنفتاح املعلومايت والتحكم به وحصره يف زاوية مصاحلها‪ ،‬بينما جيسد الثاين حلالة‬
‫فقدان االتزان الذي تعرضت له السلطة بتحرر الفرد النسيب من سطوتها االتصالية ومن‬
‫ثم السياسية‪ ،‬مع ما يعني�ه ذلك من نشوء صيغة جديدة تعتمد على تقاسم القوة فيما‬
‫يتعلق باإلنت�اج والنشر والتأثري داخل البيئ�ة الرقمية (‪ .)Khamis et al.:2013‬وإذا كان ثمة من‬
‫فضل ُيذكر للثورة الرقمية فيب�دو أنه كامن باألساس يف قدرة مواقع الشبكات االجتماعية‬
‫الهائلة على ضمان مبدأ ديمقراطية الوصول والنفاذ إىل املعلومات‪ ،‬ثم يف قدرتها على جتاوز‬
‫احتكار املعلومة من لدن الدولة‪ ،‬واملعرفة من لدن النخب العاملة‪ ،‬ثم يف خاصية املرونة اليت‬
‫ً‬
‫تمنحها الطبيعة العالئقية األفقية لبنيتها التنظيمية‪ ،‬ثم يف إفساحها املجال واسعا أمام‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫اجلماهري لإلسهام يف مناقشة قضايا الشأن العام‪ ،‬إعمال ملبدأ أن من يملك املعلومة يملك‬
‫ً َ‬
‫جزءا ُم ْعت ًربا منها على األقل (اليحياوي‪.)2015:‬‬ ‫السلطة‪ ،‬أو‬
‫ويف سياق تقلص الدور املركزي‪ ،‬تسببت البيئ�ة الشبكية يف مشكالت جمة على‬
‫ً‬
‫صعيد املمارسة التقليدية للدعاية‪ ،‬فمن الصعب حاليا لفت انتب�اه اجلمهور باستخدام‬
‫ذات الوسائل القديمة اليت تعتمد يف تمثي�ل وضخ نصوص الدعاية على قنوات التلفاز‬
‫ً‬
‫واإلذاعة واملطبوعات بأصنافها‪ ،‬كما بات صعبا جتليس رسائل الدعاية يف مواقع بعينها‬
‫على أمل التقاطها ومن ثم إعادة بثها أو طباعتها يف مواقع أخرى‪ .‬واملشكلة اليت تواجه‬
‫الصيغة املركزية للدعاية ال تتعلق باملضمون أو الطريقة اليت يتم بها ختطيط وإعداد‬
‫ّ‬
‫الدعاية؛ ألنها حافظت على ذلك دون تغيري‪ ،‬بل تنحصر يف كثافة الرسائل املتن�افسة‬
‫واملتن�افرة اليت تعج بها البيئ�ة الرقمية‪ .‬ففي السابق استطاعت السلطة احتواء وتنفيذ‬
‫الدعاية ضمن جغرافيا محددة دون أن تواجه رسائلها وجهودها أي منافسة إال يف‬

‫ً‬
‫يقصد بالدعاية الشعبي�ة تلك اليت تصدر عن عموم املستخدمني بعيدا عن أي سيطرة أو رقابة حكومية‪.‬‬ ‫(*)‬

‫‪66‬‬
‫تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية‬

‫حدود ضيقة‪ ،‬لكن البيئ�ة اجلديدة ألغت هذه احلدود وأوجدت قرية عاملية شديدة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الرتابط‪ ،‬سمحت بعجاجة دعائي�ة تعكس صراعا وتن�افسا عامليا محتدما على اجلمهور‬
‫دون أن تتمكن أي سلطة من جلم تمدده داخل حدودها الشبكية وبالتايل اجلغرافية‬
‫(‪.)Fitzgerald & Brantly:2017‬‬
‫ً‬
‫وتشري مواقع الشبكات االجتماعية كوسيلة اتصالية متحررة نسبي�ا من السيطرة‬
‫والضبط املركزي لإلمكانات املتعاظمة على صعيد حترر األفراد من سطوة القمع والتغول‬
‫السيايس‪ ،‬بشكل وسمه ايلول باآلثار االستعبادية للدعاية‪ ،‬واليت ال تهدف إىل االرتقاء‬
‫ً‬
‫باإلنسان بقدر ما تسعى إىل جعله خادما حتركه الوجهة اليت ترغب وبما حيقق منفعتها‬
‫فقط (‪ .)Ellul:1971‬لذلك فالالمركزية يف وجهها االجتماعي قد تعين صعود الفرد من‬
‫مستوى “خادم” إىل درجة “سيد”‪ ،‬ومن “تابع” إىل “صانع”‪ ،‬ولنأخذ مثال الثورات العربي�ة‪،‬‬
‫ً‬
‫ونتفحص كيف أسهمت تكنولوجيا االتصال ممثلة بالشبكات االجتماعية يف دمج‬
‫وحتشيد قطاعات شعبي�ة على مستوى القاعدة باجتاه إزاحة أنظمة احلكم؛ يف حتول جديد‬
‫تستقطب فيه البيئ�ة املتغرية لالتصال فئات فاعلة جديدة إىل املجال السيايس‪ ،‬مع ما‬
‫يعني�ه ذلك من اشرتاك اجلماهري يف املناقشات والتفاعالت الداخلية واخلارجية‪ ،‬وبشكل‬
‫ً‬
‫ينسف تماما نمط التبعية يف االستجابات التقليدية‪ .‬وهنا تتن�اقض الالمركزية مع خاصية‬
‫الشمولية كشرط لتحقيق تأثري دعايئ فعال‪ .‬وحبسب ايلول تمتلك األجهزة الدعائي�ة يف‬
‫األنظمة الديكتاتورية قدرة فائقة على ممارسة اإلقناع؛ لسيطرتها على الفضاء العام‪،‬‬
‫وانساللها إىل عموم اجلوانب احلياتي�ة‪ ،‬ومحاصرتها للفرد بشكل محكم‪ ،‬فهي ال تسمح ألي‬
‫رأي بأن يغرد خارج فضائها‪ ،‬وال تتحمل وجود فكر مستقل متعارض معها‪ ،‬لذلك تسعى‬
‫ً‬
‫دائما إىل إضعاف القدرات النقدية والفكرية للجمهور باستخدام التضليل‪ ،‬ما يسمح لها‬
‫تطويعه على النحو الذي خيدم مصلحتها (‪ .)Ibid‬لكن وجود وسائل اتصال مجاني�ة غري‬
‫خاضعة للرقابة‪ ،‬يتيح للجمهور ممارسة جهد دعايئ فعال يتحدى حتكم السلطة يف حركة‬
‫تدفق املعلومات‪ ،‬ويتجاوز محاوالتها الدائمة صد ومنع انتشار رسائله وعلى سبي�ل املثال‪،‬‬
‫ً‬
‫تمزيت الثورة التونسية بقدرة أفرادها على إعداد محتوى معلومايت مدعوم بصريا‪ ،‬ونشره‬
‫على فئات جماهريية واسعة برغم محاوالت النظام اعرتاضه والتشويش عليه أو حىت‬

‫‪67‬‬
‫الفصل الثاين‬

‫ً‬
‫منعه بالكلية (‪ .)Khamis et al.:2013‬ولقد أفرزت الثورة الرقمية على تمثالتها أشكال جديدة‬
‫يف التعبري‪ ،‬وإىل بروز طرق غري معهودة لبلوغ جماهري متنوعة وبمواصفات متعددة‪ ،‬وقدمت‬
‫إمكانات غري معتادة يف تفاعل املتلقي مع املضامني املعلوماتي�ة‪ ،‬بل إن املتلقي قد بات يف‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ظلها يقوم بأدوار جعلته يف قلب منظومة إنت�اج القيمة جتميعا وصياغة وختزين�ا وتوزيعا‬
‫على نطاق يتجاوز بكثري ما عهدناه من ذي قبل (اليحياوي‪.)2015:‬‬

‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬اجلمهور الفاعل الدعايئ اجلديد‬
‫يف العقود اليت سبقت ظهور اإلنرتنت‪ ،‬ومواقع الشبكات االجتماعية تمزيت الدعاية‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫بكونها فعال مركزيا محصورا خاضعا لالحتكار‪ ،‬تنفذه جهات عليا من أعلى إىل أسفل‪ ،‬بهدف‬
‫(متلق)‬
‫ٍ‬ ‫صناعة إجماع جماهريي حول أطروحاتها‪ ،‬لذا ُصنف اجلمهور بكونه مستقبل‬
‫سليب‪ ،‬غري قادر على صد رسائل الدعاية أو مواجهة تأثريها والتعديل عليها‪ ،‬لكن بدخول‬
‫القرن احلادي والعشرين انقلبت املعادلة ليتحول اجلمهور إىل فاعل إجيايب‪ ،‬يستطيع صناعة‬
‫ً‬
‫الرسالة وبثها بعيدا عن قيود ورقابة السلطة‪ .‬وبمرور األيام وتطور تكنولوجيا االتصال حتول‬
‫املستخدم إىل جزء أسايس يف العملية الدعائي�ة من ناحية املشاركة واإلنت�اج‪ .‬هذا التطور أذاب‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫التقسيم التقليدي اجلامد الذي اعترب الدعاية نشاطا اتصاليا من أعلى إىل أسفل‪ ،‬أو ينحصر‬
‫يف مرسل (جهة الدعاية) ومستقبل (وجهة الدعاية) فقط‪ ،‬ساعد يف ذلك توفر احلواسيب‬
‫واألجهزة النقالة الذكية وغريها من تقني�ات وبرامج اإلنت�اج واملشاركة اليت سمحت لألفراد‬
‫بتجاوز العائق اللوجسيت املطلوب لصناعة مادة دعائي�ة جذابة ومؤثرة‪ ،‬وساهمت بطبيعتها‬
‫التفاعلية يف حتفزي املستخدمني على إنت�اج ومشاركة الدعاية‪ .‬ففي السابق جتسدت أشكال‬
‫االتصال التقليدية بهيئ�ة مادية محسوسة كالصحف والتلفزيون‪ ،‬ما جعل استهالك‬
‫محتواها عملية ذاتي�ة منعزلة‪ ،‬وحىت يف حالة التعرض اجلماعي كما هو احلال مع املذياع‪،‬‬
‫ً‬
‫فاحلاجز الفاصل بني عملييت اإلنت�اج والتفاعل ظل قائما‪ ،‬والفرد عندما يقرر أي املعلومات‬
‫يصدق أو يتجاهل فهو حيدد ذلك من مسافة بعيدة عن املوضوع غري خاضعة لتأثري التفاعل‬
‫اآلين‪ .‬بدورها واجهت الدعاية التقليدية نفس الصيغة‪ ،‬فاألفراد املتعرضون ملوضوعاتها‬
‫ً‬
‫حافظوا على مسافة غري تفاعلية نسبي�ا أتاحت إمكاني�ة الشك فيها‪ .‬وعلى النقيض‪،‬‬

‫‪68‬‬
‫تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية‬

‫ضيقت خاصية التفاعلية ‪-‬اليت تتمتع بها مواقع الشبكات االجتماعية‪ -‬الفجوة بني‬
‫مساحة إنت�اج وتوزيع املحتوى من جهة‪ ،‬ومساحة التفاعل معه من جهة أخرى‪ ،‬وبات‬
‫ً‬
‫اجلمهور قادرا على إنت�اج املعرفة واملعلومات وتوزيعها‪ ،‬ويف ذات الوقت التفاعل معها‬
‫بالتعليق واإلعجاب واملشاركة‪ ،‬وهنا صهرت مواقع الشبكات االجتماعية عمليات اإلنت�اج‬
‫واالستهالك والتفاعل يف بوتقة واحدة‪ ،‬ما أتاح نشوء مساحة متداخلة استثمرها اجلمهور‬
‫لالخنراط يف الدعاية‪.‬‬
‫إىل ذلك‪ ،‬قلصت األشكال التفاعلية الفجوة بني عملييت التعرض واالستجابة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫السلوكية(*)‪ ،‬وبالعودة قليال إىل الوراء اتسمت وسائل توزيع الدعاية بانفصالها زمني�ا‬
‫ً‬
‫ومكاني�ا عن أشكال االستجابة؛ كأن يتعرض اجلمهور للرسالة عن طريق منشور أو ملصق‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أو عرب صحيفة أو مجلة‪ ،‬ثم يتبعها استجابة سلوكية غري مقرتنة بها زماني�ا ومكاني�ا‪ ،‬وال‬
‫ً‬
‫بواسطة الوسيلة ذاتها‪ ،‬ونظرا للطبيعة التفاعلية والتشاركية للمنصات االجتماعية‪،‬‬
‫ً‬
‫صار سهال حتقيق التوزيع واالستجابة ثم التفاعل واملشاركة يف نفس اللحظة واملكان‬
‫وبواسطة ذات الوسيلة (‪ .)Asmolov:2019‬ويشار هنا إىل القلق املرتبط خباصية التفاعلية‪،‬‬
‫فمن خاللها يمكن تشجيع املتلقي السليب على التحول لفاعل نشط‪ ،‬يشارك كجندي يف‬
‫أي نشاط دعايئ‪ ،‬ومن أي مكان‪ ،‬وينبغي يف هذا السياق توضيح دور املمارسة واملعايشة‬
‫ً‬
‫يف دعم مشاركة اجلمهور يف الدعاية‪ .‬فثال يرتفع حتصيل التلميذ حال نفذ أنشطة عملية‬
‫دون االكتفاء بالتلقي النظري‪ ،‬وبذات الطريقة يمكن للجمهور التفاعل مع الدعاية بصورة‬
‫ً‬
‫جديدة ومغايرة عن السابق يف حال احتك ومارسها عمليا‪ .‬وهنا تصبح املعايشة احلقيقية‬
‫جزء ال يتجزأ من واقع جتربت�ه احلياتي�ة اليت ستلغي بدورها للمسافة الفاصلة بين�ه وبني‬
‫الدعاية‪ ،‬األمر الذي يرتتب عليه نقله من مربع الشك إىل ما يشبه اليقني‪ ،‬فالقرب أو البعد‬
‫ً‬
‫عن الدعاية بات مسؤوال عن حتديد درجة اإليمان بها من عدمه‪ .‬وال تن�درج فكرة مشاركة‬
‫اجلمهور يف إنت�اج ونشر الدعاية حتت مفهوم “الدعاية احلاسوبي�ة”‪ ،‬فاألخرية تعطي ملحة‬
‫ّ‬
‫عن عالم االتصال اإلقناعي احلديث‪ ،‬وكيف أن اجلمع بني اجلهود البشرية وتكنولوجيا‬
‫احلاسوب ‪-‬وما يرشح عن األخرية من تكنيكات جديدة مستمدة من توظيف التقني�ة‬
‫االستجابة السلوكية‪ :‬ردة الفعل اليت تصدر عن الفرد يف املواقف واملنبهات املختلفة وتتخذ هيئ�ة سلوك‪.‬‬ ‫(*)‬

‫‪69‬‬
‫الفصل الثاين‬

‫ذاتها‪ -‬يمكن أن يسرع يف عملية إنت�اج ونشر الدعاية بني اجلماهري‪ ،‬فالدعاية احلاسوبي�ة‬
‫ال تتطرق بشكل متعمق إىل دور األفراد يف الدعاية‪ ،‬كما ال تعري أي اهتمام للجوانب النفسية‬
‫واإلدراكية (‪ .)Wooley & Howard:2016‬إضافة لما سبق يصنف اخنراط اجلمهور يف الفعل‬
‫الدعايئ ضمن مستويني‪ :‬يقوم األول على مشاركة املستخدم يف جهود دعائي�ة ترعاها‬
‫وتقف خلفها جهات معين�ة‪ ،‬فيما خيتص الثاين بإنت�اجه لرسائل الدعاية بشكل مستقل‬
‫ً‬
‫بعيدا عن أي تأثري‪ ،‬وهناك مستوى آخر ينخرط فيه املستخدم دون وعي بعد أن تتمكن‬
‫الدعاية من تطبيق أنماط اجتماعية حتفز لسلوكه‪.‬‬
‫‌أ‪ .‬مشاركة اجلمهور يف الدعاية‬
‫ين�درج دخول األفراد أو املستخدمني يف الفعل الدعايئ حتت مفهوم “دعاية‬
‫املشاركة ‪ ،”Participatory‬وهي محاولة متعمدة ومنهجية لتشكيل التصورات والتالعب‬
‫باملعارف وتوجيه السلوك‪ ،‬مع السعي إىل حث أفراد من اجلمهور املستهدف على املشاركة‬
‫الفعالة يف عملية نشر الرسائل؛ بهدف حتصيل استجابة تتسق مع أهداف ورغبات جهة‬
‫ً‬
‫الدعاية (‪ .)Wanless & Berk:2019‬وبتفحص التعريف‪ ،‬نالحظ أوال محاولة الدعاية استمالة‬
‫جزء من اجلمهور إىل صفها‪ ،‬حبيث تلتمس إشراكه يف نشر رسائلها؛ ما يزيد من فعاليتها‬
‫وقوة انتشارها وتأثريها‪ .‬واملالحظة الثاني�ة امللفتة ما يرتبط بمحافظة الدعاية على هدفها‬
‫االصلي دون أي تغيري (تشكيل التصورات وتوجيه السلوك)‪ ،‬ورغبتها يف حتفزي مشاركة‬
‫ّ‬
‫من داخل شبكة الفئة املستهدفة ذاتها‪ ،‬أي أنها ال تكتفي حبواضنها األصلية‪ ،‬بل تتوجه حنو‬
‫جذب أفراد من داخل املجموعة املستهدفة للمشاركة فيها‪.‬‬
‫والدعاية وفق النمط السابق تتجاوز صيغة االتصال التقليدي آحادي االجتاه‪،‬‬
‫باجتاه أسلوب جديد يعتمد صيغة اتصالية من واحد إىل مجموعة إىل مجموعات أخرى‬
‫‪ .One to Many-to Many More‬هذا النمط باإلضافة إىل إبقائه على الفرد بوضعية املستهدف‬
‫حييل إىل موقف تعاوين‪-‬تشاركي‪ ،-‬يتحول فيه الفرد إىل مصدر جديد‪ ،‬ويعمل على إنت�اج‬
‫ومشاركة رسائل الدعاية مع مجموعات من داخل شبكته االجتماعية بطريقة تشبه تأثري‬
‫“كرة الثلج”‪ .‬وبلغة عملية‪ ،‬تستغل الدعاية املشاعر واألفكار اليت تعرتي اجلمهور ثم تعمل‬
‫على تعزيزها ومفاقمتها بأسلوب حيفز بعض مستهلكيها على التفاعل معها ومشاركتها‬

‫‪70‬‬
‫تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية‬

‫مع مستخدمني آخرين‪ ،‬وحىت إذا خضعت الرسالة للتعديل خالل مرحلة التفاعل فهي‬
‫ستحافظ على فكرتها األصلية‪ ،‬ولكن بصورة سردية ذاتي�ة ومحدثة تستجيب ألسلوب‬
‫إعادة إنت�اجها‪.‬‬
‫وتتخذ دعاية املشاركة العديد من األشكال والهيئ�ات ترتبط جلها بدعوات مفتوحة‬
‫للمشاركة‪ ،‬أو تفرضها طبيعة التحديات املجتمعية والسياسية والثقافية السائدة‪.‬‬
‫فاملشاركة يمكن أن تتجسد مع دعاية الند للند‪ ،‬وهي حالة يعايش فيها املستخدم جتربة‬
‫الدعاية على أنها فعل تؤديه وتقوم به دوائر اجتماعية مقربة منه‪ ،‬كاألصدقاء وزمالء‬
‫العمل أو أفراد من األسرة‪ ،‬وتتخذ شكل منشورات وتعليقات حول موضوعات معين�ة‪،‬‬
‫تسهم يف تشكيل آراءه وافرتاضاته حنوها‪ .‬هذا النمط يستحث مشاركة األفراد فيها بشكل‬
‫تلقايئ على قاعدة انبث�اقها عن دوائر موثوقة من نفس املستوى االجتماعي‪ .‬وقد وظفت‬
‫روسيا هذا الشكل خالل األزمة األوكراني�ة‪ ،‬حبيث عمدت جيوشها من املتصيدين إىل‬
‫إنشاء حسابات وهمية‪ ،‬ثم إنت�اج ونشر رسائل مؤيدة لروسيا‪ ،‬تعرض لها أفراد من قائمة‬
‫متابعيهم الذين شاركوها داخل دوائرهم االجتماعية املقربة‪ ،‬وهؤالء بدورهم أعادوا نشرها‬
‫على نطاق أوسع‪ ،‬بشكل يعكس لعملية تضخيم ال تكاد تنتهي‪ .‬وهنا يتضح تأثري دعاية‬
‫الند للند يف نشر رسائل التضليل من حيث مسؤولية املستخدم العادي عن جهود تضليل‬
‫ذاته واآلخرين من خالل استهالكه ومشاركته وتوزيعه ألخبار كاذبة دون أن يعلم حقيقتها‬
‫(‪.)Haigh et al.:2018‬‬
‫ً‬
‫وتأيت املشاركة أيضا على هيئ�ة دعوة مفتوحة صادرة عن حكومة‪ ،‬أو حزب‪ ،‬أو‬
‫ً‬
‫مؤسسة‪...‬إلخ‪ ،‬تستميل املستخدمني ملشاطرتها جهودا دعائي�ة محلية ودولية‪ ،‬أو‬
‫مقاسمتها جهد إنت�اج رسائلها وفق قاعدة مركزية التخطيط واستقاللية التنفيذ‪ .‬وهنا‬
‫يتوجه األفراد إىل إنت�اج رسائل بلغتهم اخلاصة دون تقيد بنصوص وصيغ ورسائل‬
‫ً‬
‫دعائي�ة معدة سلفا (‪ .)Mejias & Vokuev:2017‬وتعترب الدعاية املضادة أحد هذه األشكال‬
‫حبيث تسعى إىل إشراك اجلمهور يف رصد وتتبع وفضح دعاية اخلصم خالل السلم أو‬
‫يف أوقات التوتر واملواجهة (‪ .)Khaldarova & Pantti:2016‬وهنا تصبح مواجهة الدعاية‬
‫منوطة بالكل املجتمعي كمشاركة تطوعية يف جهود مكافحتها‪ .‬واملشاركة وفق األنماط‬

‫‪71‬‬
‫الفصل الثاين‬

‫السابقة أقرب ملفهوم االستثمار يف طاقات اجلمهور‪ ،‬أي إنها انعكاس ملفهوم دعاية اإلدماج‬
‫ّ‬
‫‪.)*( Integration‬ونستنتج هنا أن دعاية القرن احلادي والعشرين قد ال تهتم بإنت�اج الواقع‬
‫أو صناعة اخليال داخل عقول اجلماهري‪ ،‬بقدر ما تعكس ألسلوب جديد تهدف من خالله‬
‫السلطة إىل إعادة إنت�اج سيادتها على املستخدمني داخل بيئ�ة شبكية شديدة التشظي‬
‫والتنوع‪ ،‬تسببت وال زالت يف إفقادها سيطرتها على مواطنيها‪.‬‬
‫باختصار حتاول الدعاية املؤسساتي�ة التخفيف من قدرة الشبكات على حتدي‬
‫هيمنتها‪ ،‬ويف حال لم تتمكن يف فرض سلطتها عرب السيطرة على عمليات االتصال أو‬
‫حركة تدفق املعلومات‪ ،‬فهي ستلجأ إىل التأثري يف طريقة تفسري وحتليل هذه املعلومات‪.‬‬
‫ومن الضروري هنا التفريق بني الدعوات املفتوحة اليت تستهدف إشراك اجلمهور يف جهود‬
‫دعائي�ة إجيابي�ة ألغراض وطني�ة‪ ،‬وبني الدعوات اليت تسعى إىل تسخري قدراتها يف أنشطة‬
‫تالعب وتضليل سلبي�ة لصالح جهات مجهولة‪ .‬فمن حيث طبيعة االنتساب تصنف‬
‫األوىل كمشاركة مجاني�ة‪ ،‬فيما الثاني�ة بمقابل مادي؛ األوىل مفتوحة تتيح للجميع التطوع‬
‫فيها‪ ،‬فيما تعول الثاني�ة على أصناف محددة من املستخدمني‪ ،‬سيما أصحاب املهارات‬
‫االستثن�ائي�ة‪ ،‬كما تقتصر األوىل على جهود الفضح ألغراض وأهداف معلومة‪ ،‬فيما تتعمد‬
‫الثاني�ة نشر األخبار املزيفة وممارسة التضليل ألهداف مجهولة(*)‪.‬‬

‫التكيــف أو االنســجام‪ ،‬وتهــدف إىل اســتقرار املجتمــع ووحدتــه‪ ،‬إضافــة إىل‬ ‫دعايــة اإلدمــاج‪ :‬يطلــق عليهــا اســم دعايــة ُّ‬ ‫(*)‬

‫دمــج الفــرد يف بيئت ـ�ه عــر تشــكيل أفــكاره وأنمــاط ســلوكه‪ ،‬بمــا حيقــق االنصهــار االجتماعــي‪ ،‬والدعايــة اإلدماجيــة طويلــة‬
‫األمــد‪ ،‬وتنشــط يف الــدول الديمقراطيــة الــي تســعى حلالــة مــن االســتقرار الدائــم‪ً ،‬‬
‫علمــا أن تأثريهــا يــزداد يف البيئـ�ة املثقفــة‬
‫واملزدهــرة‪ ،‬لذلــك تســعى جهــة الدعايــة إىل تفعيــل األدوات الالزمــة كافــة‪ ،‬وعلــى رأســها وســائل االتصــال اجلماهــري مــن‬
‫أجــل حتقيــق هــدف االندمــاج‪ ،‬كمــا ينشــط هــذا النــوع يف الــدول ذات النظــام الشــمويل‪ ،‬كالصــن‪ ،‬الــي تســعى إىل دمــج‬
‫األفــراد ضمــن نظــام مــن صناعتهــا‪ ،‬حبيــث يتحــول الفــرد إىل فاعــل ســليب‪ ،‬تابــع لهــذا النظــام‪ ،‬وهنــا نشــر إىل أبعــاد االندمــاج‬
‫ً‬
‫الســلبي�ة واإلجيابيــ�ة‪ ،‬فدعايــة االندمــاج اإلجيابيــ�ة تســعى للفــرد بكونــه فاعــا يف املجتمــع‪ ،‬بعكــس الســلبي�ة الــي تريــد‬
‫الفرد ً‬
‫تابعا لها فقط‪.‬‬
‫ُ‬
‫تظهــر ســياقات احلــاالت الــي بــرز فيهــا دور األخبــار الكاذبــة يف محاصــرة الــرأي العــام بالبي�انــات املزيفــة‪ ،‬وإغــراق املجــال‬ ‫(*)‬
‫ّ‬
‫العــام باملعطيــات والتحليــات املفربكــة‪ ،‬إن إنت ـ�اج األخبــار الكاذبــة عمليــة اتصاليــة وصناعــة سياســية ال محــدودة كمــا‬
‫َّبينــت األزمــة اخلليجيــة الــي ســارعت خاللهــا الســعودية واإلمــارات والبحريــن ومصــر إىل فــرض حصــار بــري وجــوي‬
‫ُ َ‬
‫المف ْ ِب ِكــن الرســميني وغــر الرســميني‬ ‫وحبــري علــى دولــة قطــر؛ إذ تشــرك يف مســارات هــذه العمليــة شــبكة واســعة مــن‬
‫املرتبطــن بمصالــح مختلفــة ومؤسســات متنوعــة (إعالميــة‪ ،‬وإعالني ـ�ة‪ ،‬ودعائي ـ�ة‪ ،‬وحبثي ـ�ة‪ ،‬وعالقــات عامــة‪ ،‬وأمني ـ�ة‪-‬‬
‫اســتخبارية‪ ..‬إلــخ) لغايــات وأهــداف متعــددة ذات أبعــاد اســراتيجية (الــرايج‪.)2017:‬‬

‫‪72‬‬
‫تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية‬

‫واإلشـــراك باملنطقـــن الســـابقني ال يعـــي عـــدم تالعـــب الدعايـــة باجلمهـــور‪ ،‬أو‬


‫التعاط ــي م ــع املس ــتخدمني بوصفه ــم مس ــتهلكني س ــلبيني ينتظ ــرون تش ــكيل آرائه ــم‬
‫وتصوراته ــم م ــن قب ــل جه ــات خارجي ــة‪ ،‬ولكنه ــا تتمح ــص خصائ ــص اجلمه ــور‪ ،‬وتنظ ــر يف‬
‫اســتغاللها لصالــح تعميــم رســائل إقناعيــة تســهم يف تشــكيل بيئ ـ�ة املعلومــات لصاحلهــا‪،‬‬
‫وه ــذا بالتحدي ــد م ــا ترغ ــب الدعاي ــة يف حتقيق ــه م ــن خ ــال االس ــتعانة ب ــأدوات متنوع ــة‬
‫مث ــل التجزئ ــة والتضخي ــم والتعتي ــم‪.‬‬
‫ومـــن أشـــكال النـــوع الثـــاين الســـليب مـــا يعـــرف بالتشـــكيالت الســـيرباني�ة‪،‬‬
‫ودعايـــة التضليـــل‪ ،‬وجيـــوش املتصيديـــن‪ ،‬ودعايـــة احلشـــد املزيـــف‪،‬‬
‫وغريهـــا مـــن الظواهـــر الـــي تســـتهدف جـــذب األفـــراد ألغـــراض مشـــبوهة‬
‫ّ‬
‫(‪ .)Asmolov:2019‬ونس ــتنتج هن ــا أن مش ــاركة اجلمه ــور يف الدعاي ــة ق ــد تن ـ�درج حت ــت ع ــدة‬
‫تصنيف ــات‪ :‬مش ــاركة تابع ــة أو مدفوع ــة‪ ،‬مش ــاركة إجيابي ـ�ة أو س ــلبي�ة‪ ،‬مش ــاركة مفتوح ــة‬
‫أو محص ــورة‪ ،‬مش ــاركة متصل ــة أو مس ــتقلة‪.‬‬

‫شكل يوضح أنواع املشاركة اجلماهريية يف الدعاية‬

‫أﻧﻮاع�اﳌﺸﺎرﻛﺔ‬

‫اﻟﺸﻜــﻞ‬ ‫اﻟﻔﺌــﺔ‬ ‫اﻻﺗﺠﺎﻩ‬ ‫اﻟﺪاﻓﻊ‬


‫ﺗﺎ�ﻌــﺔ‬ ‫ﻣﻔﺘﻮﺣــﺔ‬ ‫إﻳﺠﺎﺑﻴــﺔ‬ ‫ﺗﻄﻮﻋﻴﺔ‬

‫ُﻣﺴﺘﻘﻠﺔ‬ ‫ﻣﺤﺼﻮرة‬ ‫ﺳﻠﺒﻴــﺔ‬ ‫ﻣﺪﻓﻮﻋﺔ‬

‫املصدر‪( :‬املؤلف نفسه)‬

‫‪73‬‬
‫الفصل الثاين‬

‫ً‬ ‫ّ‬
‫ويؤكد ما سبق أن الدعاية باتت أقل اهتماما بتغيري آراء األفراد‪ ،‬بل تسعى إىل توسيع‬
‫نطاق وزيادة أعداد املشتغلني واملشاركني يف جهودها‪ ،‬حبيث حتولت إىل قوة تستطيع تكييف‬
‫أي صراع على املستوى االجتماعي‪ ،‬ووسيلة قادرة على توسيع رقعة العدوى الناجمة عنها‪،‬‬
‫ً‬
‫مستفيدة من الطبيعة التفاعلية للفضاء الرقيم‪ .‬ولعل األخطر قدرة الدعاية على حتديد‬
‫بني�ة وشكل املشاركة بطريقة ال ختدم سوى مصاحلها‪ ،‬وبالتايل ربط النت�اجئ بها فقط (‪.)Ibid‬‬
‫وتستدعـــي دعايــــــــة املشاركــــة إلــى الواجهــــــة آليـــــــة االستهــداف املخصــــص‬
‫‪ ،Micro-Targeting‬والكيفية اليت يتم بموجبها تطويع اجلوانب واالجتاهات النفسية يف‬
‫صناعة دعاية حتفز أفراد من اجلمهور لالخنراط فيها بطريقة غري مباشرة‪ .‬ونشري يف هذا‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫املضمار إىل نموذج حديث نسبي�ا يضم ست تكنيكات متسلسلة تستخدم يف حض فئات‬
‫مستهدفة من اجلمهور للمشاركة يف الدعاية عرب املنصات االجتماعية؛ والنموذج‪ -‬الذي‬
‫يقوم على دراسة وحتليل اجلمهور واستغالل النت�اجئ يف وضع مخطط يسترت حتت غطاء‬
‫سيايس أو أيديولويج‪ُ -‬طبق خالل حملة االنتخابات األمريكية لصالح مرشح احلزب‬
‫اجلمهوري “دونالد ترامب”‪.‬‬
‫‌ب‪ .‬تكنيكات حض الفئات املستهدفة على املشاركة‬
‫‪1‬تنفيذ حتليل يساعد على فهم اجلمهور ‪ ،Hyper-Targeted Audience Analysis‬ثم‬ ‫ ‪.‬‬

‫استغالل نت�اجئه لتقسيم اجلمهور إىل فئات وأجزاء صغرية ‪ Segments‬باستخدام‬


‫أسلوب التخطيط النفيس ‪ ،Psychographic‬أو عرب حصد وجمع بي�انات املستخدمني‬
‫وأصدقائهم‪ ،‬وإخضاعها لربامج حتليل الشخصية للحصول على مؤشرات دقيقة‬
‫تسمح بتبويب الفئة املستهدفة ضمن أصناف (‪ .)*()U.K:2018‬ومن خالل هذا‬
‫َ‬
‫اإلجراء يمكن َم ْوضعة الرسائل حبسب ميول كل فئة (اإلعالنات املمولة كمثال)‪،‬‬
‫كما يمكن تسهيل عملية إنت�اج رسائل حتريضية‪ ،‬إضافة إىل حتديد أماكن تموضع‬
‫غرف الصدى داخل الشبكة (‪.)Wanless & Berk:2019‬‬

‫التخطيط النفيس‪ :‬طريقة ملعرفة فيما يفكر اجلمهور‪ ،‬واألنماط أو أنواع الرسائل اليت قد حتفز سلوكه‪.‬‬ ‫(*)‬

‫‪74‬‬
‫تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية‬

‫‪2‬ختصيص وصياغة محتوى حترييض لكل فئة مستهدفة‪ ،‬يشرتط قدرته على‬ ‫ ‪.‬‬

‫حتفزي ردة فعل عاطفية‪ ،‬وبالتايل استفزاز األفراد للمشاركة‪ ،‬ويفضل أن حيتوي‬
‫على معلومات مفربكة أو تسريب�ات أو صور هزلية‪ ،‬بشرط أن يسترت على شكل‬
‫منشورات ال تظهر إال للفئة املعني�ة‪ ،‬وعرب القنوات اليت تتغذى وتستقي منها‬
‫ّ‬
‫معلوماتها‪ ،‬كغرف الصدى‪ ،‬وذلك بهدف السيطرة والتحكم يف ردات الفعل‬
‫(‪.)Green & Issenberg:2016‬‬
‫‪3‬االستفادة من بي�انات املرحلة األوىل (كشف أماكن تموضع غرف الصدى) يف حقن‬ ‫ ‪.‬‬

‫هذه التجمعات الشبكية املنغلقة بمحتوى أيديولويج حترييض يتسق مع طبيعة‬


‫أعضائها؛ بهدف تفعيل استجابات سلوكية مشحونة‪ ،‬ولكن بصورة ال تفصح عن‬
‫مصدرها أو عمديتها‪.‬‬
‫‪4‬توظيف الروبوتات االجتماعية بهدف تضخيم انتشار رسائل الدعاية‪ ،‬والتالعب‬ ‫ ‪.‬‬

‫باخلوارزميات من أجل منح رسائل الدعاية أولوية ظهور يف مقدمة نت�اجئ محركات‬
‫البحث أو صفحات التغذية اإلخبارية (‪.)Solon & Levin:2016‬‬
‫‪5‬تشجيع مناصري احلملة على إنت�اج ونشر محتوى مؤيد بموازاة حثهم على تنفيذ‬ ‫ ‪.‬‬

‫هجمات دعائي�ة ضد املعارضني (‪.)Marantz:2016‬‬


‫ ‪6 .‬استقطـــاب تغطيـــة إعالميــة مــن خالل التالعــب خبدمـــة مؤشــرات البحـــث‬
‫‪ ،Trending‬أو صناعة فضيحة وهمية تستجلب االنتب�اه ثم ما تلبث أن تتضح‬
‫حقيقتها كطعم‪ ،‬أو عرب التأثري يف أجندة وسائل اإلعالم من خالل اإلحاطة‬
‫أو التموضع حول شخصيات وصفحات إعالمية بعينها داخل الشبكة‬
‫(‪.)Benkler et al.:2016‬‬
‫وباملحصلة ُجل التكنيكات املذكورة يف حال دمجها مع بعضها البعض يمكن‬
‫استثمارها بفاعلية يف حث املستخدمني على االشرتاك يف اجلهد الدعايئ بطريقة‬
‫مباشرة أو غري مباشرة‪ ،‬أو أن تقود باجتاه حتولهم إىل وحدات دعائي�ة قائمة بذاتها تعتنق‬

‫‪75‬‬
‫الفصل الثاين‬

‫قضية معين�ة‪ ،‬وتتعمد إقناع مستخدمني آخرين من داخل شبكتهم االجتماعية بتبنيها‬
‫والذود عنها‪.‬‬
‫‌ج‪ .‬املشاركة ومفهويم التكييف والتذويت‬
‫الدعاية اليت تقوم على أساس مشاركة اجلمهور تعتمد يف جذب األفراد على عمليتني‬
‫نفسيتني‪ :‬التكييف ‪ ،Socialization‬والتذويت ‪ .Internalization‬والتكييف أو التطبيع‬
‫االجتماعي عملية يتعلم من خاللها الفرد التأقلم داخل املجتمع عن طريق اكتساب سلوك‬
‫ترىض عنه اجلماعة‪ ،‬وهي عملية تتحدد بموجبها نت�اجئ أي قضية بالنظر إىل حجم املشاركة‬
‫اجلماهريية‪ ،‬بطريقة تعكس للعدوى اليت تصيب األفراد وتدفعهم لالخنراط فيها‪ .‬كما‬
‫يعكس دور اجلهات السياسية يف السيطرة والتالعب بمنظور القضية من مدخلها‬
‫االجتماعي بما حيقق مصاحلهم‪ .‬والتكييف يف عالقته باملشاركة الدعائي�ة يؤشر للجهود‬
‫اليت تب�ذلها الدعاية إلكساب األفراد خصائصها احلديث�ة عرب تفاعلهم املباشر مع وسائلها‪،‬‬
‫وتعتمد يف حتقيق ذلك على طبيعة املنصات االجتماعية‪ ،‬وقدرتها على دمج عملييت‬
‫االستهالك والتفاعل يف بوتقة واحدة‪ ،‬حبيث تتحول عملية التفاعل ذاتها إىل آلية مستقلة‬
‫لإلنت�اج واملشاركة يف الفعل الدعايئ‪ .‬فتكنولوجيا املعلومات احلديث�ة كالشبكات االجتماعية‬
‫إىل جانب ممارسات التعهيد اجلماعي حفزت إمكاني�ة حتقيق استجابة اجتماعية تتجاوز‬
‫ً‬
‫احلدود اجلغرافية‪ ،‬فهي وفرت خيار الفعل املشرتك بدال عن خيار التعرض املشرتك‪.‬‬
‫ً‬
‫ويف سياق متصل‪ ،‬تعمد الدعاية إىل تذويت طبيعتها وخصائصها‪ ،‬لتصبح جزءا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫من الذات الفردية للمستخدم‪ ،‬ومكونا أساسيا لشخصيت�ه الشبكية‪ .‬والتذويت يعين‬
‫انتقال القيمة من مستوى خاريج إىل مستوى داخلي‪ ،‬يرتبط على حنو دائم بذات اإلنسان‬
‫ُ‬
‫وكينونت�ه‪ ،‬ومن خالله تدمج املخرجات اإلنساني�ة العامة يف العملية اإلدراكية بشكل يساعد‬
‫على تشكيل عالقة اإلنسان بالواقع‪ ،‬وعلى ذات النحو تصاغ ذواتن�ا وعالقاتن�ا داخل البيئ�ة‬
‫الشبكية بالنظر إىل طريقة تصميمها وإمكاناتها التفاعلية‪ .‬وبالتايل ترتبط مشاركتن�ا يف‬
‫الدعاية بمدى تأثري هذه البيئ�ة يف مرشحاتن�ا املعرفية املسؤولة عن تشكيل تصوراتن�ا للواقع‬
‫(‪.)Asmolov:2019‬‬

‫‪76‬‬
‫تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية‬

‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ولكن ماذا لو علمنا أن الدعاية ذاتها قد تكون مسؤولة عن تشكيل هذه البيئ�ة؟‪ ،‬إن‬
‫دور التذويت يف الدفع باملشاركة الدعائي�ة يمكن أن يتحدد من خالل رصد طريقة مقاربتن�ا‬
‫ملختلف القضايا‪ ،‬واالعتب�ارات اليت ننطلق منها يف تقييم مختلف العناصر الفاعلة داخلها‪.‬‬
‫ً‬
‫والسابق يفرتض أن التكنولوجيات التفاعلية اليت وفرت طرقا متنوعة للمشاركة يف أي‬
‫ً‬
‫قضية أسهمت أيضا يف تكييفها على املستوى االجتماعي (زيادة نطاق املشاركني فيها)‪،‬‬
‫كما أسهمت يف إحداث تغيريات نفسية لدى املستخدمني‪ .‬فالشكل التصمييم للشبكات‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫االجتماعية مثال غري مسؤول فقط عن تشكيل نظرتن�ا جتاه قضايا محددة‪ ،‬بل أيضا عن‬
‫ً‬
‫صياغة إدراكنا لبيئتن�ا بشكل عام‪ ،‬فنحن نتصور اآلخرين وننظم سلوكنا جتاههم وفقا‬
‫ً‬
‫للكيفية اليت نموضع بها أنفسنا واآلخرين داخل العالم االجتماعي‪ ،‬ووفقا للعالمة اليت‬
‫ندمغهم بها (‪ .)Shkurko:2014‬وعلى نفس املنوال فالتذويت يف أحد أوجهه قد يعين قدرة‬
‫الدعاية على تشكيل هياكل التصنيف اليت تنطلق منها تصوراتن�ا‪ ،‬وبالتايل تستطيع الدعاية‬
‫الرقمية ترتيب عالقتن�ا مع بيئتن�ا بما يتجاوز القضايا الفرعية‪ ،‬كما تسطيع إيقاع تغيري يف‬
‫جهازنا اإلدراكي الذي نعتمد عليه يف بن�اء تصوراتن�ا للحياة ككل‪ .‬وكنتيجة‪ ،‬يصبح ما تنتجه‬
‫الدعاية اإلطار املرجعي الذي نعتمد عليه يف احلكم على مختلف القضايا والتفاعالت‬
‫ّ‬
‫اإلنساني�ة‪ .‬ويالحظ هنا أن الدعاية غريت من شكل األطر التفسريية اليت يلجأ إليها‬
‫ً‬
‫اجلمهور يف إصدار أحكامه؛ لريبطها بأطر جديدة‪ .‬فمثال يمكن للفرد أن حيكم على اآلخر‬
‫ال من بوابة صفاته السلوكية أو العلمية‪ ،‬ولكن عرب مواقفه من قضية ما (‪.)Asmolov:2019‬‬
‫ً‬
‫وكي نستطيع تلخيص مفهوم التكييف والتذويت بشكل واضح‪ ،‬سنقدم مثاال‬
‫ً‬
‫ُمتخيال من الواقع املحلي الفلسطيين‪ ،‬ولنفرتض أن شبكة رقمية تتوسط عالقة بني‬
‫ً‬
‫مستخدم من الكيان الصهيوين وآخر فلسطيين‪ ،‬وتتوسط أيضا عرض جوانب الصراع بني‬
‫ً‬
‫الطرفني (احتالل فلسطني)‪ .‬هنا يوفر الوسيط الرقيم أنواعا من املشاركة اجلماهريية‬
‫على عالقة مباشرة بالصراع‪ ،‬مثل نشر رسائل‪ ،‬اخرتاق حسابات‪ ،‬إطالق مبادرات للدعم‬
‫المايل‪ ،‬ومواجهة أنشطة التضليل‪...‬إلخ‪ ،‬حبيث تن�درج جميعها حتت مفهوم التكييف‬
‫االجتماعي للصراع يف املقابل‪ ،‬تساهم مشاركة املستخدم يف تكثيف حضور وبروز الصراع يف‬
‫حياته اليومية‪ ،‬سيما ما يتعلق بتقييمه ملواقف اآلخرين من الصراع‪ ،‬كاألحكام الصادرة عن‬

‫‪77‬‬
‫الفصل الثاين‬

‫دوائره االجتماعية املقربة أو الصادرة عن البيئ�ات األبعد‪ ،‬ويف حال جاءت مواقف األصدقاء‬
‫والزمالء منافية لتصوراته‪ ،‬عندها سيقوم باستبعادهم من شبكته‪ ،‬وهذا بالتحديد ما يعني�ه‬
‫ّ‬
‫تذويت الصراع‪ .‬وجدير بالذكر هنا أن التصنيفات املتنوعة للمواقف فيما خيص الصراع‬
‫ً‬
‫عادة ما تفرضها الدعاية املتضمنة يف صفحات التغذية اإلخبارية‪ ،‬واليت يزداد تأثريها من‬
‫خالل التعليق واملشاركة بالتوازي مع إنت�اج محتوى يتضمن ذات السرديات الدعائي�ة‪.‬‬
‫‌د‪ .‬إنت�اج اجلمهور للدعاية‬
‫تن�اولنا يف العرض السابق موضوع مشاركة اجلمهور يف اجلهد الدعايئ‪ ،‬وسننتقل‬
‫ً‬
‫اآلن للحديث عن مفهوم إنت�اجه للدعاية بشكل مستقل‪ ،‬بعيدا عن االستماالت اخلارجية‬
‫املباشرة وغري املباشرة‪ .‬ومع انطالقة القرن احلادي والعشرين‪ ،‬وزيادة تعقيد أنظمة‬
‫االتصال‪ ،‬انتقلت الدعاية من الساحات املفتوحة واألماكن العامة إىل داخل فضائن�ا‬
‫ً‬
‫اخلاص‪ ،‬مستفيدة يف استعمار تكنولوجيا االتصال ملواقع جديدة داخل عاملنا الفردي‪.‬‬
‫فاملساحات اليت نستهلك فيها املعلومات توسعت بشكل كبري‪ ،‬خاصة مع ظهور تقني�ات‬
‫ً‬
‫الهاتف الذكي واحلواسيب املحمولة وغريها‪ ،‬لذلك ليس غريب�ا أن حتتل الدعاية مواقع‬
‫إضافية سيما وأنن�ا نتفاعل مع قنواتها ووسائلها احلديث�ة بشكل مستمر‪ .‬هذا التفاعل مع‬
‫ما يعني�ه من تعرض دائم ملختلف التطورات على الساحتني السياسية واالجتماعية سمح‬
‫بنشوء قوة ذاتي�ة داخلية قادرة على التعبري حبرية عن رأيها جتاه هذه التطورات‪ ،‬خاصة وأن‬
‫مواقع الشبكات االجتماعية عززت ورسخت لذلك‪.‬‬
‫ويؤكد ما سبق‪ ،‬قوة األشكال االتصالية احلديث�ة يف حتفزي عملية اإلنت�اج الفردي‬
‫للدعاية‪ ،‬على حنو أورده اليحياوي يف دراسته حول املجال العام املغريب بوصفه مواقع‬
‫َّ‬
‫الشبكات االجتماعية كوسيط ال غىن عنه‪“ ،‬ليس فقط كونها خلصت الفرد من تراتبي�ة‬
‫ً‬
‫وهرمية أدوات التواصل التقليدية‪ ،‬ولكن أيضا ألنها ثوت خلف انبعاث عالم افرتايض‪،‬‬
‫بات األفراد واجلماعات والتنظيمات من بني ظهراني�ه فاعلني مباشرين‪ ،‬بمستطاعهم‬
‫إبداء آرائهم وتصوراتهم عن ويف القضايا اإلشكالية الكربى اليت ترهن حاضرهم أو من شأنها‬
‫ّ‬
‫التأثري يف مستقبلهم” (اليحياوي‪ .)2015:‬وألن اإلنسان يف حالة تفاعل دائم مع محيطه‪ ،‬تزتايد‬

‫‪78‬‬
‫تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية‬

‫رغبت�ه يف التأثري فيه لصالح تصورات ومعتقدات وأفكار يرى أنها صحيحة‪ .‬والتأثري هنا حييل‬
‫إىل جهد مقصود‪ ،‬حياول من خالله املستخدم إحداث تب�دل يف تصورات اآلخرين تتوافق مع‬
‫رؤيت�ه اخلاصة‪.‬‬
‫واإلنت�اج بهذا املعىن املستقل يفيد بانتقال الدعاية من وضعية مؤسساتي�ة إىل حالة‬
‫ذاتي�ة ناجمة عن تفاعل مجموعة من املشاعر والغرائز اإلنساني�ة الداخلية‪ ،‬جتد طريقها‬
‫ً‬
‫للخارج على شكل تعبري كتايب أو سيميايئ عشوايئ فوضوي وأحيانا منظم‪ ،‬واالنتقال إىل‬
‫الذاتي�ة ال يعين بالضرورة استدعاء نمط العصور القديمة اليت جتسدت مع اإلسكندر‬
‫األكرب ويوليوس قيصر وغريهم‪ ،‬فتلك الدعاية ناجمة عن اندماج الذات بسطوة احلكم‪،‬‬
‫ُ ِّ‬
‫المتأله‪ ،‬وقدرته على السيطرة والتحكم بوسائل‬ ‫حبيث استمدت وجودها من سلطة الفرد‬
‫التعبري الدعايئ من منحوتات وتماثي�ل وعمالت معدني�ة وغريها‪ ،‬أما الدعاية الذاتي�ة اليت‬
‫نقصدها فتلك اليت تنطلق من ذات الفرد العادي املتجرد من سلطة القوة‪ ،‬وهي هنا ليست‬
‫ّ ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فعال ختريبي�ا‪ ،‬بل تعبريا نفسيا يتجسد بأشكال متعددة‪ ،‬إجيابي�ة أو سلبي�ة‪ ،‬إل أن ذلك ال‬
‫ينفي عدم تأثر الفرد بالقوى اخلارجية املحيطة به‪ ،‬سيما إذا ما شعر بضغط يقيد ذاتيت�ه‬
‫املستقلة لصالح إنت�اج دعايئ مرهون ومحكوم باشرتاطات اخلوف‪ .‬لذلك من الضروري عند‬
‫مقاربة مفهوم إنت�اج اجلمهور للدعاية استبعاد املدخل التقليدي‪ ،‬والتوقف عن اعتب�ارها‬
‫فعل متعمد هابط من أعلى إىل أسفل‪ ،‬بل جيب النظر إليها كعملية تنشأ داخل حواضن‬
‫مجتمعية تشهد حالة من الصراع‪ ،‬وهذا االعتب�ار حييل إىل الدعاية األفقية اليت تطرق إليها‬
‫ايلول يف كتابه “‪.”The Formation of Men’s Attitudes‬‬
‫‌ه‪ .‬خاطرة من الواقع الفلسطيين‬
‫ً‬
‫كثريا ما تستوقفنا مواقف وحتليالت يطلقها عدد من “قادة الرأي” على املواقع‬
‫ً‬
‫االجتماعية؛ ألتساءل حول حقيقة الدور الذي يؤدونه خدمة للقارئ‪ ،‬فاملفرتض بهم حتليل‬
‫األحداث وتفسريها‪ ،‬وتقديم الرأي واملشورة حولها بموضوعية وعمق‪ ،‬دون االنزالق حنو‬
‫هاوية الرتويج ألجندات بعينها‪ ،‬أو إشباع حاجات نفسية ال ختدم صالح اجلمهور‪ .‬بيئتن�ا‬
‫ُ‬
‫الشبكية مليئ�ة بهؤالء‪ ،‬ولم يعد معيار القرب من السلطة أو التمتع باملكانة االجتماعية‬

‫‪79‬‬
‫الفصل الثاين‬

‫عاملني حيددان من هو قائد الرأي‪ ،‬فالتكنولوجيا أسهمت يف تغيري مفهومه التقليدي؛‬


‫ليشمل كل فرد حيظى بمتابعة جماهريية كثيفة‪ ،‬يستطيع من خاللها نشر وترويج آرائه‪،‬‬
‫وإن خالفت أو تماهت مع هوى السلطة‪.‬‬
‫هذه احلرية ذات احلدين‪ ،‬مع ما يكتنفها من شعوبي�ة فوضوية‪ ،‬أسست حلالة‬
‫ثقافية سطحية ال تأخذ باحلسبان شروط التخصصية‪ ،‬أو عميق املعرفة واخلربة‪ ،‬فما يمزي‬
‫قائد الرأي عن غريه قدرته على ابتكار األفكار‪ ،‬وتوجيهها بشكل مهين مدروس دون االلتفات‬
‫للمخاطر املحتملة‪ .‬لهذا‪ ،‬تعترب سمات املعرفة املتخصصة‪ ،‬والرؤية بعيدة املدى‪ ،‬إضافة‬
‫للحيوية وحسن االتصال التفاعلي من األمور اليت ننطلق منها لتميزي قائد الرأي احلقيقي‬
‫عن املزيف‪ .‬ولسنوات عدة كان قادة الرأي يتوسطون العملية االتصالية‪ ،‬وأسسوا ألجندة‬
‫اجلمهور‪ ،‬عرب حتديدهم للقضايا اليت تستحق االهتمام واملتابعة‪ ،‬أما اليوم ومع تغري الزمن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أصبح اجلمهور فاعال أساسيا يف ترتيب األولويات‪ ،‬مع ما يعني�ه من ارتهان ألهواء شبه‬
‫شعبي�ة ختتلف يف رؤيتها عن تلك اليت تريد لها جهة ما أن تتصدر‪ .‬وخطورة هذا األمر على‬
‫ّ‬
‫احلالة الفلسطيني�ة أنه سمح بظهور ألوان من “قيادة الرأي” ال يمكن وصفها إال بالكارثي�ة‪،‬‬
‫الختاذها عدة أشكال كـ”الناقل اإلخباري”‪ ،‬أو “مقتبس األفكار”‪ ،‬أو “صاحب التعليق”‪،‬‬
‫وغريها من األنواع اليت ال حتتكم ملقاييس تصنيف تقليدية‪ ،‬بل تعتمد معايري رقمية‪ ،‬كعدد‬
‫املتابعني أو حجم املشاركة واالنتشار‪ .‬هذه الصنوف ال تربع يف صناعة جمهور واع‪ ،‬وال تملك‬
‫مقدرة ربط األفراد بالواقع المأمول‪ ،‬بقدر ما تنىح إىل تغذية اخلالف وسوء التقدير‪ ،‬وإن بدا‬
‫ً‬
‫تلقائي�ا غري مقصود يف أحيان كثرية‪.‬‬
‫والتحول يف مفهوم وهوية قائد الرأي ألقى بظالل سلبي�ة على نوعية األفكار املطروحة‪،‬‬
‫وطريقة تن�اولها ومعاجلتها‪ ،‬فالرأي أو املعلومة السطحية ال تستجلب إال مناقشات‬
‫ومناكفات سخيفة؛ العتمادها على تفاعل جماهريي مفتوح ال يقتصر على املختصني‪،‬‬
‫إضافة إىل أن مبعثها ال يتصل برغبة عملية يف إجياد احللول بقدر ما يرتبط بزنعة تسعى للظهور‬
‫والشهرة‪ ،‬أو تعرب عن ممارسة دعائي�ة ترى يف أخطاء اآلخر فرصة للهجوم والتشنيع‪ .‬حنن‬
‫أمام ظاهرة ترسخ تأثريها‪ ،‬وباتت تقود النقاش باجتاهات بعيدة عن الصالح العام‪ ،‬ليصبح‬
‫قائد الرأي احلقيقي رهن تفاهة وسطحية من يرى يف نفسه شخصية عامة‪ ،‬لها احلق يف‬

‫‪80‬‬
‫تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية‬

‫التعليق املطلق على كل شاردة وواردة‪ ،‬ضمن إطار سيايس أو اجتماعي ضيق‪ ،‬مألت احلزبي�ة‬
‫ً‬
‫جوانب�ه‪ .‬وأخريا وبقدر ما أسهمت تكنولوجيا االتصال يف إجياد بيئ�ة ديمقراطية للنقاش‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫املوضوعي البن�اء‪ ،‬إال أنها جلبت وبنفس املقدار عالما سفليا مظلما‪ ،‬يتخذ من الكراهية‬
‫ً‬
‫ونب�ذ اآلخر أسلوب حياة‪ ،‬ليبقى السؤال قائما هل هؤالء أصوات للتنوير أم أبواق للدعاية؟‪.‬‬

‫ً‬
‫رابعا‪ :‬الدعاية من العمودية إىل األفقية‬
‫يفرق العالم ايلول بني الدعاية العامودية‪-‬الرأسية ‪ Vertical‬واألفقية ‪،Horizontal‬‬
‫فاألوىل دعاية تولد وتنشأ عن جهات عليا‪ ،‬تشق طريقها حنو اجلمهور من أعلى إىل أسفل‪،‬‬
‫ألجل ذلك تتطلب سيطرة على وسائل االتصال لضمان إقناع اجلمهور بموضوعاتها‪ ،‬أما‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫الدعاية األفقية فتولد داخل حواضن جماهريية‪ ،‬وتتمدد أفقيا داخل املجتمع‪ ،‬أي أنها‬
‫منبعثة من الداخل وليس من األعلى‪ .‬ويتجسد الفرق بني الدعاية العمودية واألفقية من‬
‫ناحية التحكم املركزي يف حاجة األوىل إىل جهاز إعاليم ضخم ومسيطر عليه‪ ،‬يمكن من‬
‫خالله بث رسائل إىل جميع فئات املجتمع‪ ،‬أما الدعاية األفقية فال تتطلب سوى جتمعات‬
‫اجتماعية تضمن انتقال الدعاية وحتركها باجتاه فئات أخرى لذلك الدعاية العمودية‬
‫متصلة بشكل وثيق بالسيطرة االتصالية‪ ،‬أما األفقية فهي منفصلة إىل حد كبري عنها‪.‬‬
‫ً‬
‫وعندما طرح ايلول مفهوم الدعاية األفقية فهو لم يبتعد كثريا عن مفهوم السيطرة‪،‬‬
‫لكنه أكد على تغلغلها غري املحسوس‪ ،‬فاألفراد خيضعون لقيادة صغرى من ذات املستوى‬
‫االجتماعي‪ ،‬ترعى مناقشات جماعية حول موضوعات معين�ة لكن بطريقة مدروسة‬
‫ً‬
‫وموجهة سلفا‪ ،‬تؤدي إىل نت�اجئ ترغب اجلهات العليا يف تثبيتها وتمريرها بشكل غري مباشر‪،‬‬
‫ويف هذه احلالة ستشعر املجموعة وكأنها توصلت لالستنت�اجات واحلقائق بمفردها وعلى‬
‫طريقتها دون إكراه من أعلى (‪ .)Marlin:2014‬والصعوبة اليت تنطوي عليها الدعاية األفقية‬
‫تتمثل يف تن�افسها مع آراء مجموعات اجتماعية أخرى‪ ،‬لكن بمجرد انتقال الشخص من‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫مجموعة إىل أخرى مختلفة فمن السهل عليها تكييفه داخلها؛ ألنها تعتمد غالبا على‬
‫اإلشراك ال الفرض‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫الفصل الثاين‬

‫وال تتخذ الدعاية األفقية شكل رسائل مجردة‪ ،‬بل تتسرت بهيئ�ة اجتماعية مقبولة‬
‫كاملؤسسات التعليمية واألندية الثقافية؛ من أجل تأسيس نمط حياة مشرتك ترغب جهة‬
‫الدعاية يف تثبيت�ه‪ ،‬وهي بذلك تعكس للتجربة الصيني�ة (‪ .)Ellul:1971‬ولعل النقطة األهم ما‬
‫يتعلق بت�أثريها املمتد والطويل‪ ،‬فهي تغرس مجموعة من املعتقدات األساسية يف الوقت‬
‫الذي تشجع فيه كل عضو من املجموعة على االخنراط واملشاركة مع األعضاء اآلخرين‪.‬‬
‫ّ ّ‬
‫وبرغم مالمسة فلسفة ايلول حلاضرنا إل أنها لم تؤكد على استقاللية إنت�اج اجلمهور‬
‫ً‬
‫للدعاية‪ ،‬بل عرضت شكال خيضع لتوجيه ورعاية سياسية لكن بأسلوب اجتماعي ناعم‬
‫غري مرصود‪ ،‬وهذا يعين أن مقاربت�ه لعملية اإلنت�اج ال تصلح أن تعمم‪ ،‬سيما وأن تكنولوجيا‬
‫االتصال حتررت إىل حد نسيب من السيطرة التقليدية‪ ،‬وأسهمت يف بروز قنوات تفاعلية‬
‫اجتماعية أتاحت بدورها نشوء دعاية مصدرها األفراد‪.‬‬
‫ولكن حىت هذا االستنت�اج غري نهايئ؛ فمواقع الشبكات االجتماعية اليت منحت‬
‫ً‬
‫اجلمهور حرية اتصالية كافية إلنت�اج ما يرغب من مضمون بعيدا عن الهيمنة احلكومية‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫سمحت أيضا بنشوء تداخل بني الصيغتني العامودية واألفقية‪ ،‬وصار صعبا أكرث من ذي‬
‫قبل حتديد مصدر والدة الدعاية احلقيقي؛ وهنا تكيفت اجلهات العليا مع الصيغة األفقية‪،‬‬
‫وسخرتها لصاحلها‪ ،‬فمن خالل أدوات الدعاية احلاسوبي�ة كالروبوتات االجتماعية يمكن‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫ممارسة التضليل‪ ،‬وإيهام الفئات اجلماهريية أن منشأ الدعاية اجتماعي‪ ،‬وهي أصال قادمة‬
‫ً‬
‫من أعلى‪ .‬وهنا تؤدي األيديولوجيا يف عالقتها بالدعاية األفقية دورا يف حتفزي املستخدمني‬
‫على إنت�اج موضوعات ختدم الفئة احلاكمة‪ ،‬برغم عدم رعايتها للعملية بشكل ظاهر‪ .‬وعلى‬
‫أية حال ما يمزي الدعاية يف عصرنا احلايل هو قدرة رسائلها على االنبعاث من داخل املجتمع‪،‬‬
‫ً‬
‫وبأيدي أفراد مستقلني تماما عن أي أجندة سياسية أو حزبي�ة‪ ،‬حبيث يمكن لها التنقل من‬
‫فرد آلخر بشكل سلس بعيد عن الرقابة‪ ،‬ويرد سبب ذلك بالدرجة األوىل إىل فقدان مركزية‬
‫ً‬
‫االتصال‪ ،‬وصعوبة التأثري يف الوعي اجلماهريي كما كان سائدا‪.‬‬
‫وإنت�اج اجلمهور للدعاية باملفهوم السابق يعين تعليب واختصار العملية يف املمارسة‬
‫املتحررة فقط‪ ،‬دون النظر إىل اإلنت�اج الدعايئ بكونه عملية نفسية تفاعلية تت�أثر باملوروث‬
‫والسياق السائد وتؤثر فيه‪ ،‬فالعوامل االجتماعية والثقافية والتربوية والتاريخية‬

‫‪82‬‬
‫تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية‬

‫ً‬
‫واأليديولوجية‪ ،‬وكل ما يرتبط بتشكيل اإلطار املرجعي لإلنسان تؤدي دورا يف ضبط‬
‫وتوجيه عملية اإلنت�اج الذايت للدعاية‪ ،‬كما تفيض البيئ�ة واللحظة الراهنة والسياق ونمط‬
‫التفاعالت إىل حتديد نوعية اخلطاب الدعايئ الصادر عن الفرد‪ ،‬وهنا قد ال يستطيع‬
‫املستخدم الفكاك من تأثري كل ما سبق‪ ،‬سيما إذا ما عكست ملوضوعات حتظى باهتمامه‬
‫وترتبط بواقعه احليايت بشكل مباشر‪ ،‬لذلك قد ال يعرب إنت�اج اجلمهور للدعاية عن خيار‬
‫بال معىن‪ ،‬بقدر ما يعكس حاجات نفسية كالتعبري عن الذات‪ ،‬أو التنفيس عن ضغط‪،‬‬
‫ً‬
‫أو التخفيف عن النفس‪ ،‬أو إشباع رغبة املشاركة والتفاعل مع اآلخرين‪ .‬ومهما يكن وأيا‬
‫ً‬
‫كان مضمونها‪ ،‬فنحن عمليا عند نشرنا لرسالة عرب مواقع الشبكات االجتماعية ننتج‬
‫لدعاية تؤدي بأولئك املتعرضني لها إىل التفكري بطريقة قد تتوافق إىل حد ما مع مقاصدنا‪،‬‬
‫وهي يف حالة اإلنت�اج اجلماعي دعاية شبكية متحررة غري مسيطر عليها‪ ،‬تستطيع‬
‫التأثري يف املجالني االفرتايض والفعلي‪ ،‬وليس مثال الثورات العربي�ة بمعزل عن ذلك‪.‬‬

‫ً‬
‫خامسا‪ :‬تطور بن�اء الرسالة الدعائي�ة‬
‫تتمــز رســائل الدعايــة التقليديــة خباصيتــن‪ ،‬وهمــا صدورهــا عــن جهــات كــرى‪،‬‬
‫وانســجامها مــع اآلراء واملعتقــدات الســائدة داخــل الفئــة املســتهدفة‪ ،‬وهاتــان الســمتان‬
‫تعكســان جبــاء حجــم األعبــاء الضخمــة املرتبطــة بعمليــة بنـ�اء الرســالة خاصــة مــا يتعلــق‬
‫بالقيــاس‪ ،‬وضــرورة حتصيــل معرفــة واســعة ومفصلــة عــن املجتمــع املســتهدف مــن حيــث‬
‫ميــول أفــراده واجتاهاتهــم وأوضاعهــم النفســية واالقتصاديــة‪ .‬وعلــى هــذا النحــو لــم تؤثــر‬
‫مواقــع الشــبكات االجتماعيــة يف مقتضيــات بن ـ�اء الرســالة مــن منظورهــا املؤسســايت‪ ،‬بــل‬
‫علــى العكــس حدثتهــا بمــا يتن�اســب مــع طبيعــة الوافــد االتصــايل اجلديــد‪ ،‬ولعــل التطــور‬
‫الــذي يســتحق منــا عنــاء الفحــص هــو مــا يتعلــق بدخــول اجلمهــور علــى خــط إنتــ�اج‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الدعايــة‪ ،‬واكتســاب رســائلها مذاقــا اجتماعيــا يعكــس لشــعوبي�ة فوضويــة أكــر منــه عــن‬
‫اشــتغال منظــم ومنســق‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫الفصل الثاين‬

‫وبالنظر إىل تعريفنا للدعاية يف كونها ناجت تفاعل مجموعة من املشاعر والغرائز‬
‫الداخلية تشق طريقها للخارج على شكل تعبري كتايب أو سيميايئ‪ ،‬نستطيع استنب�اط‬
‫التن�اقض املوجود بني املستويني املؤسسايت واجلماهريي يف بن�اء الرسالة الدعائي�ة‪ ،‬فاألوىل‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫تتطلب مسلكا منظما ُمسندا بدراسات واستطالعات موضوعية ختدم أهداف كربى‪،‬‬
‫فيما ال تتجاوز الثاني�ة حدود التعبري التلقايئ عن ما يعرتي النفس من تفاعالت داخلية غري‬
‫ً‬
‫مفهومة غالبا‪ ،‬وهذا األخري ما يمزي رسائل الدعاية الصادرة عن مستخديم مواقع الشبكات‬
‫االجتماعية من حيث اعتمادها على اخليال أو نظرية املؤامرة أو الكراهية أو األماين أو الرغبة‬
‫يف طرح رأي “شبه” مستقل عن اآلخرين‪...‬إلخ‪.‬‬
‫ً‬
‫وبالعودة إىل مسار البن�اء التقليدي‪ ،‬تتخذ رسائل الدعاية من اآلراء السائدة مدخال‬
‫لها؛ من أجل إجياد آراء أخرى متفرعة عنها يف محاولة منها تعزيز أيديولوجيتها أو حتفزي‬
‫ً‬
‫سلوكيات تصب يف صاحلها‪ .‬وبدال من تغيري املواقف الراسخة تتجه الدعاية حنو التعبري عن‬
‫ما خيتلج يف صدور األفراد‪ ،‬فهي تعمل على توجيه أنماط السلوك من خالل شبكة قنوات‬
‫ً‬
‫تتخذ من التن�اغم واملصداقية شرطا للتشبيك مع اجلمهور‪ ،‬وبمجرد إقامة القناة تستطيع‬
‫ّ‬
‫توجيه األفراد من اجتاه إىل آخر بشرط أل تتعارض رسائلها مع املواقف املهيمنة‪ .‬ومع ذلك‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تتطلب الرسالة قدرا كبريا من الوضوح من أجل فهم معانيها‪ ،‬فهي ال تقبل التأويل‪ ،‬وال‬
‫ً‬
‫تتطرق سوى ملوضوع واحد‪ ،‬وإال انفض اجلمهور عنها‪ ،‬كما تستلزم انسجاما مع الوسيلة‪،‬‬
‫فالرسالة املخصصة للصحف واملجالت واملواقع اإللكرتوني�ة ختتلف من حيث اخلصائص‬
‫عن تلك املعدة لإلذاعة والتلفاز؛ هذا وتقتيض الرسالة وجود توازن بني االستماالت‬
‫ً‬
‫العاطفية واملنطقية عرب جتنب الكذب الصريح لصالح أنصاف احلقائق‪ ،‬وأخريا يشرتط‬
‫يف الرسالة مسؤولية جهة واحدة عن إصدارها‪ ،‬وحاجتها إىل تدريب وتأهيل متخصص‪،‬‬
‫ً‬
‫ناهيك عن الوقت الطويل نسبي�ا الذي تستهلكه عملية إخراجها يف صورتها النهائي�ة‪.‬‬
‫وبظهور مواقع الشبكات االجتماعية‪ ،‬شهدت الرسالة عدة تطورات منها سرعة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫جتهزيها‪ ،‬فحىت فرتة قريب�ة تطلب بن�اء الرسالة وقتا طويال نظرا حلاجة جهة الدعاية إىل‬
‫ً‬
‫دراسة اجلمهور أوال‪ ،‬ثم نسج مضمون مالئم للتأثري فيه‪ ،‬لكن مواقع الشبكات االجتماعية‬
‫قلصت الفجوة الزمني�ة املطلوبة للتحليل وبالتايل مدة جتهزي الرسالة؛ كما تتمزي باإلجياز‬

‫‪84‬‬
‫تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية‬

‫واالختصار كي تتن�اسب مع طبيعة البيئ�ة الشبكية وتفضيل املستخدمني للرسائل‬


‫القصرية عن تلك الطويلة اليت تؤدي بهم إىل الشعور بامللل‪ .‬هذا وشهدت الرسالة تطورات‬
‫بنيوية إضافية مثل مزجها بني اللهجتني العامية والصحافية‪ ،‬ودمجها بني األشكال املرئي�ة‬
‫واملسموعة واملكتوبة يف ُمخرج واحد‪ ،‬وتوجهها أكرث حنو الفربكة والزتوير وإعادة التأطري‪،‬‬
‫إىل جانب اعتمادها على االستماالت العاطفية‪ ،‬وحتفزيها لسلسلة رسائل فرعية متصلة‬
‫ومستمرة (توالد)‪ ،‬بالتوازي مع قدرتها على إجراء تعديالت آني�ة على مضمونها سواء‬
‫باحلذف أو اإلضافة‪ ،‬وكما تتمتع الرسالة خباصية جذب املستخدم للتفاعل معها إما‬
‫بالتعليق أو اإلعجاب أو املشاركة خبالف الصيغة التقليدية‪ ،‬وتستفيد من األطروحات‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اجلماهريية يف اختي�ار موضوعاتها‪ ،‬وال يتطلب إعدادها تدريب�ا متخصصا‪ .‬من جانب آخر‬
‫حتظى الرسالة بمزية الديمومة داخل البيئ�ة االفرتاضية‪ ،‬فهي قابلة للحياة والتجدد لفرتات‬
‫طويلة بعكس الرسائل التقليدية‪ ،‬كما تشارك التكنولوجيا الذكية يف صناعتها وترويجها‪،‬‬
‫وتستطيع مصاحبة مضمون آخر من خالل خاصية املشاركة‪.‬‬
‫‌أ‪ .‬أشكال رسائل الدعاية احلديث�ة‬
‫تن�درج رسائل الدعاية على مواقع الشبكات االجتماعية ضمن ثالثة تصنيفات رئيسة‬
‫وهي محتوى تضليل ‪ ،‬ومحتوى خاطئ ‪ ،‬ومحتوى صحيح‪ .‬ويرتتب عن هذه التصنيفات‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أشكاال فرعية أخرى سنتطرق لها الحقا‪ .‬والنوع األول أي رسائل التضليل هي معلومات‬
‫مفربكة عن عمد‪ ،‬تهدف إىل إيقاع تأثري يف األحداث والقضايا السياسية‪ ،‬أو التسبب يف‬
‫الفوىض والفرقة‪ ،‬أو تشويه اآلخرين‪...‬إلخ‪ ،‬أما الرسالة اخلاطئة فهي محتوى يتضمن‬
‫معلومات غري دقيقة ناجمة عن قصور بشري‪ ،‬حتمل أخطاء غري متعمدة دون أي هدف‬
‫دعايئ‪ ،‬ولكن مشاركتها من قبل املستخدمني قد يساعد على حتولها إىل رسالة ذات مقصد‪.‬‬
‫وجتدر اإلشارة هنا إىل أن مشاركة املستخدم لرسائل النوع األول قد جيعل منها رسائل من‬
‫النوع الثاين‪ ،‬وألنه ال يعلم حقيقتها الدعائي�ة تتحول رسائل التضليل إىل رسائل خاطئة عند‬
‫مشاركة املستخدم لها داخل دوائره االجتماعية الرتب�اطها باملقصد يف املقام األول‪ ،‬ألنه‬
‫باختصار قدر أهميتها بصورة خاطئة وبذلك وقع دون قصد يف خطأ التجهيل والتضليل‬
‫ً‬
‫(‪ .)Wardle:2019‬أما النوع الثالث فهي رسائل صحيحة معلوماتي�ا لكنها توظف ألغراض‬

‫‪85‬‬
‫الفصل الثاين‬

‫دعائي�ة خبيث�ة‪ ،‬كما حدث مع مرشحة احلزب الديمقراطي “هيالري كلينتون” عندما جرى‬
‫االستيلاء على رسائل بريدها اإللكرتوين اخلاص بعد اخرتاقه من قبل هاكرز روس‪ ،‬ثم تعمد‬
‫تسريب بعضها بهدف نسف حظوظها يف الفوز بمنصب الرئاسة (‪.)Ibid‬‬

‫ﺗﺄﺛ���ﻏ���ﻣﺘﻌﻤﺪ‬ ‫ﺗﺄﺛ���ﻣﺘﻌﻤﺪ‬

‫ﻣﺤﺘﻮى‬ ‫شكل يوضح الرسائل‬


‫ﻣﺤﺘﻮى‬ ‫ﺗﻀﻠﻴﻞ‬ ‫ﻣﺤﺘﻮى‬ ‫حبسب طبيعة التأثري‬
‫ﺧﺎﻃـ ـ ــﺊ‬ ‫��ﻴﺢ‬

‫املصدر‪)Wardle 2019(:‬‬

‫من زاوية أخرى‪ ،‬تقسم رسائل الدعاية على مواقع الشبكات االجتماعية حبسب‬
‫التأثريات املرتتب�ة عنها إىل عدة أنواع فرعية‪ ،‬تصدر عن جهات كربى أو فئات جماهريية على‬
‫التوازي‪ ،‬وفق الشكل اآليت‪:‬‬

‫ﻣﺤﺘﻮى� ﻣﺰ�ﻒ‪ �:‬ﻣﺤﺘﻮى� ﻣﺰور� ﺑﺎﻟ�ﺎﻣﻞ�‬


‫ﻣﺨﺼﺺ�ﻟﺘﻀﻠﻴﻞ�اﳌﺴﺘﺨﺪﻣ�ن�وﺧﺪاﻋهﻢ‪.‬‬ ‫ﺗﺄﺛﻴ ــﺮ‬
‫ﻣﺤﺘﻮى�ﺧﺎﺿﻊ�ﻟﻠﺘﻼﻋﺐ�)ﻣﻔ��ك(‪�:‬ﻋﻨﺪﻣﺎ�ﺗﺘﻌﺮض�اﳌﻌﻠﻮﻣﺎت�‬ ‫ﻣﺮﺗﻔﻊ‬
‫اﻷﺻﻠﻴﺔ�ﻟﻠﺘﻼﻋﺐ�ﺳﻮاء�ﺑﺎﻟﻘﺺ�أو�اﻹﺿﺎﻓﺔ��ﻐﺮض�ا��ﺪع‪.‬‬

‫ﻣﺤﺘﻮى�ﻣﺆﻃﺮ‪�:‬اﺳﺘﺨﺪام�اﳌﻌﻠﻮﻣﺎت�ﻟﺘﺄﻃ���‬
‫اﻟﻘﻀﺎﻳﺎ�واﻷﻓﺮاد��ﺸ�ﻞ�ﻣﺠ��أ�ﻏ���ﻣﻜﺘﻤﻞ‪.‬‬

‫ﻣﺤﺘﻮى� وﺻﻞ� ﻣﻀﻠﻞ‪ �:‬ﻋﻨﺪﻣﺎ� ﻻ� �ﻌ���‬ ‫ﺗﺄﺛﻴــﺮ‬


‫اﻟﻌﻨﺎو�ﻦ�أو�اﻟﺼﻮر�ﻋﻦ�ﺣﻘﻴﻘﺔ�ا��ﺘﻮى‪.‬‬ ‫ﻣﻨﺨﻔﺾ‬
‫ﻣﺤﺘﻮى�ﻓ�ﺎ���ﺳﺎﺧﺮ‪�:‬ﻻ�ﻳﺘﻌﻤﺪ�اﻹﻳﺬاء�ﺑﻘﺪر�ﻣﺎ��ﺴ���‬
‫إ���ﺗﻤﺮ�ﺮ�أهﺪاف�ﻣﻌﻴﻨﺔ�ﻣﻦ�ﺧﻼل�إ��ﺎك�ا��ﻤهﻮر‪.‬‬

‫املصدر‪)Ibid( :‬‬

‫‪86‬‬
‫تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية‬

‫‪ .1‬محتوى فكاهي ساخر‬


‫يتعزز باضطراد داخل األوسط األكاديمية أن املحتوى الساخر “الفكاهي” السائد على‬
‫متوار‪ ،‬أو تعبري خفي عن‬
‫ٍ‬ ‫مواقع الشبكات االجتماعية هو يف غالب األحيان جتسيد حلالة نقد‬
‫عداوة وكراهية‪ ،‬أو محاولة مسترتة لالستقطاب وصناعة الفرقة واخلالف‪ ،‬وهو من منظور‬
‫دعايئ تكنيك التفايف يرىق إىل مرتب�ة اسرتاتيجية من أجل جتاوز محاوالت حظر املحتوى‬
‫املؤذي‪ ،‬حبيث تستطيع أي جهة التعذر بعدم جدية محتواها “الهزيل”‪ ،‬لتبرير خطواتها يف‬
‫نشر الشائعات وفكر املؤامرة‪ .‬وحنن عندما نتحدث عن املحتوى الساخر باملعىن الدعايئ‪،‬‬
‫نقصد ذلك اجلهد املرتبط بالقصدية والعمدية‪ ،‬سواء الصادر عن مؤسسات كربى أو حتت‬
‫رعايتها‪ ،‬أو عن مستخدمني بصفتهم الشخصية‪.‬‬
‫هذا ويعترب املحتوى الساخر أداة قوية من أدوات التأثري على مواقع الشبكات‬
‫االجتماعية‪ ،‬بسبب قدرته على االنتقال من حالة هزلية مؤقتة إىل تعبريية دائمة‬
‫ً‬
‫(‪ .)Wardle:2019‬فمثال‪ ،‬عند نشر مستخدم لـمحتوى ساخر فالغالب أن ُيفسره أقرانه على‬
‫حنو فكاهي محض‪ ،‬لكن بمجرد مشاركته من مستخدمني آخرين تنقطع صلة املحتوى‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫بن�اشره األصلي‪ ،‬ليفقد داللته الفكاهية األصيلة ويتخذ مدلوال آخرا جديدا يتن�اغم مع‬
‫مقصد “مشاركته”؛ ويرد سبب هذا التحول إىل غياب قدرة جميع املستخدمني على‬
‫استدالل املقصد الصحيح من وراء املحتوى الساخر يف حالة انتشاره على مواقع الشبكات‬
‫االجتماعية‪ ،‬لتتم عملية االستنب�اط والربط وفق رغبات املستخدم‪ ،‬حبيث يؤطره بالطريقة‬
‫اليت تستجيب لتصوراته ومواقفه‪.‬‬
‫ً‬
‫وتسرد إحدى التحقيقات مثاال يوضح كيفية حتول املحتوى الساخر من‬
‫سين�اريو فكاهي خيايل إىل دعايئ مقصود‪ ،‬فقد أشار حتقيق إعاليم صادر عن صحيفة‬
‫“‪ ”LeMonde‬إىل ما تعرض له الرئيس الفرنيس إيمانويل ماكرون “‪ ”Emmanuel Macron‬خالل‬
‫حملة االنتخابات عام ‪ 2017‬م‪ ،‬حيث قام موقع “‪ ”LeGorafi‬بإعداد ونشر مقابلة ُمتخيلة‬
‫ً‬
‫ساخرة ورد فيها شعور ماكرون باالتساخ عند مالمسته أليدي أفراد فقراء‪ .‬الحقا وظفت‬
‫ً‬ ‫صفحات حزبي�ة هذا النص الفكاهي ُ‬
‫المتخيل يف إعداد تقرير حيوي صورا تظهر الرئيس‬

‫‪87‬‬
‫الفصل الثاين‬

‫الفرنيس وهو يقوم تنظيف يديه خالل زيارة ميداني�ة ألحد املصانع‪ ،‬وبمجرد انتشار التقرير‪،‬‬
‫وتداوله بشكل كثيف بني املستخدمني‪ ،‬قام عامل بتحدي “ماكرون” قبول مصافحة يده‬
‫املتسخة خالل زيارة األخري ملصنع جديد (‪ .)Sénécat:2017‬ويؤكد املثال السابق كيفية تب�دل‬
‫سياق املحتوى من فكاهي إىل دعايئ من خالل إعادة تأطريه بطريقة تستحث تفسريات‬
‫أخرى ترتجم نفسها على شكل سلوكيات جدية حقيقة ذات أثر متعاظم على املستخدمني‪.‬‬
‫‪ .2‬محتوى دعايئ للوصل “ربط”‬
‫ّ‬ ‫ويسىم باملحتوى ُ‬
‫الطعم؛ ألنه يعمد إىل حتفزي املستخدمني للنقر على روابط بعينها‬
‫من خالل استخدام محتوى وصل مضلل ال يعرب عن حقيقة املضمون‪ .‬ومثال ذلك‬
‫استخدام بعض الصفحات اإلخبارية واخلاصة املزيفة لعنوان جذاب أو صورة مغرية‬
‫تدل على موضوع معني‪ ،‬وحني النقر على الرابط جيد املستخدم نفسه أمام مضمون آخر‬
‫ً‬
‫مختلف‪ ،‬وغالبا ما ُيستخدم هذا التكنيك لتحسني تصنيف بعض املواقع‪ ،‬أو لغرض‬
‫تمرير برمجيات خبيث�ة إىل داخل أجهزة املستخدمني‪ ،‬أو لزيادة انتشار الصفحة على مواقع‬
‫الشبكات االجتماعية‪ .‬وبغض النظر عن هدفه يرفض بعض الباحثني تصنيفه كأحد أنواع‬
‫ً‬
‫املحتوى الدعايئ‪ .‬ويرون فيه تكنيكا للجذب ال أكرث (‪ .)Wardle:2019‬وبرغم وجاهةالرأي إال‬
‫أنن�ا ال نتفق بالكلية معه‪ ،‬خاصة وأنن�ا نعيش يف عصر منافسة محتدم‪ ،‬تسعى فيه مختلف‬
‫اجلهات إىل جذب أكرب عدد ممكن من املستخدمني إىل موضوعاتها بغض النظر عن‬
‫طبيعة مضامينها‪ ،‬إخبارية كانت أم غري ذلك‪ .‬وطالما أن اجلذب يتم عرب املحتوى‪ ،‬ويؤدي‬
‫إىل محتوى‪ ،‬فقد تأصلت يف محتوى الربط صفة “الدعائي�ة”؛ ألنه يسعى إىل حتقيق اجلذب‬
‫من خالل التأثري يف سلوك املستخدمني اإلتصايل‪ ،‬ويؤكد رأين�ا نتيجة دراسة صادرة عام‬
‫‪ 2016‬م‪ ،‬يف أن نوع العنوان ومصدره يمكن أن حيدد إذا ما كانت ردة فعل املستخدم جتاه املنتج‬
‫اإلخباري أكرث أو أقل إجيابي�ة‪ ،‬وما إذا كان ينوي التعامل مع جهة النشر من عدمه يف املستقبل‬
‫(‪ .)Scacco & Muddiman:2016‬ورغم كونه محتوى للتحفزي‪ ،‬إال أن له تداعيات سلبي�ة أهمها‬
‫فقدان املستخدمني للثقة يف الصفحات اليت تلجأ إىل هذا التكنيك‪ ،‬وبالتايل جتنبهم الوقوع‬
‫يف شرك محتوى الربط املضلل مرة أخرى‪ ،‬ولكن ذلك ال يعين أنه كتكنيك قد شارف على‬

‫‪88‬‬
‫تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية‬

‫ً‬
‫النهاية‪ ،‬على العكس تماما فحاجة الصفحات إىل مضاعفة أعداد الزيارات من خالل حتفزي‬
‫ً‬
‫سلوكيات النقر قد ال يتم إشباعها قريب�ا‪.‬‬
‫‪ .3‬محتوى دعايئ مؤطر “خارج السياق”‬
‫يتجسد املحتوى املؤطر يف العديد من التكنيكات‪ ،‬سواء من خالل إعادة تأطري‬
‫العناوين‪ ،‬أو االقتب�اس عن شخصيات محددة‪ ،‬أو االستشهاد اجلزيئ باإلحصاءات‬
‫والتجارب‪ ،‬أو إبراز جانب من احلدث وجتاهل جوانب أخرى‪ ،‬أو اخلروج بتعميمات‬
‫واستنت�اجات دون عرض كامل للقضية‪...‬إلخ‪ .‬ويعرب املحتوى املؤطر عن رغبة يف تقديم‬
‫املعلومات بطريقة تتوافق مع امليول والرغبات‪ ،‬أو عن جنوح حنو التالعب بتصورات‬
‫اآلخرين حول مختلف القضايا‪ .‬وخطورة هذا النوع أنه يقلب املعىن بالكلية‪ ،‬ليحيله إىل‬
‫زوايا جديدة مخالفة لطبيعته األصلية‪ ،‬أي أنه عملية مقصودة للخروج بتفسري مختلف‬
‫عن احلدث عرب حتويل منظور الشخص أو رؤيت�ه له باجتاه جديد أو إىل زاوية أخرى‬
‫(‪ .)MacNamara:2012‬وينتشر املحتوى املؤطر بكثافة بني املستخدمني‪ ،‬خاصة ما يتعلق‬
‫بإعادة تأطري الصور واملشاهد البصرية‪ ،‬بهدف منحها داللة جديدة تتوافق مع النص‬
‫املرفق معها؛ فعلى سبي�ل املثال يتعمد بعض املستخدمني نشر صورة فوتوغرافية تظهر‬
‫حشد كبري من األفراد بهدف إسناد وتعزيز رأيهم (النيص) حول مدى الشعبي�ة اجلماهريية‬
‫الكبرية اليت يتمتع بها حزب سيايس ما‪ ،‬ولكن ما ال يعلمه املتعرض للمنشور هو احتمال‬
‫خضوع الصورة املرفقة للتدليس‪ ،‬من خالل اختي�ار زاوية معين�ة تعكس وجود حشد‬
‫ً‬
‫كبري مع أن احلقيقة قد تكون مختلفة تماما‪ .‬كما يشمل املحتوى املؤطر ذلك الذي جيري‬
‫ً‬
‫تفسريه بطريقة ملتوية‪ ،‬فمثال يقوم أحد املستخدمني‬
‫بنشر صورة صحيحة غري متالعب بها ثم يعمد إىل‬
‫تأويلها بشكل يتن�اقض مع سياقها احلقيقي‪ ،‬وهنا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تتخذ الصورة سياقا جديدا يتن�اغم مع هدف ناشرها‪.‬‬
‫ومن النماذج الشهرية اليت توضح كيفية تأطري املحتوى‪،‬‬
‫نشر أحد املستخدمني صورة تظهر فيها فتاة محجبة‬
‫تسري بالقرب من ضحية سقطت نتيجة هجمة تعرضت لها مدين�ة لندن عام ‪2017‬م‪،‬‬

‫‪89‬‬
‫الفصل الثاين‬

‫مرفقة بوسم ‪( Banislam#‬احجبوا اإلسالم)‪ ،‬وبرغم محاولة إظهار الفتاة يف حالة من عدم‬
‫االكرتاث مردها إىل تعاليم الدين اإلساليم‪ ،‬إال أن مقابلة الحقة معها كشفت أن إحجامها‬
‫عن االلتفات كان بدافع من االحرتام واخلصوصية للضحية‪ ،‬كما اتضح أن احلساب‬
‫الذي نشر الصورة يتبع جلهات يف روسيا متخصصة يف تنفيذ عمليات تضليل على مواقع‬
‫الشبكات االجتماعية (‪.)Wardle:2019‬‬
‫‪ .4‬محتوى دعايئ مفربك “معدل”‬
‫ُيقصد بعملية الفربكة‪ ،‬خضوع املحتوى للتالعب من خالل التعديل عليه بالشطب‬
‫أو اإلضافة‪ ،‬حبيث ينقله من حالته األصلية إىل حالة أخرى مغايرة‪ .‬ويتجسد هذا النوع‬
‫بكثافة يف املحتوى البصري‪ ،‬خاصة الصور واملقاطع األصلية اليت ختضع للتغيري كي‬
‫ً‬
‫تعكس معىن جديدا ال يتسق مع حالته احلقيقية‪ ،‬فعلى سبي�ل املثال انتشرت على‬
‫َ‬
‫مواقع الشبكات االجتماعية صورة فوتوغرافية لربكة مياه تظهر فيها سمكة قرش خالل‬
‫إعصار “ساندي” الذي ضرب الواليات املتحدة األمريكية عام ‪2012‬م‪ ،‬ولكن اتضح فيما‬
‫ّ‬
‫بعد أن الصورة خضعت للتالعب عرب دمج السمكة‬
‫فيها دون أن يتمكن أحد من كشف حقيقتها إال بعد‬
‫انتشارها بكثافة بني املستخدمني‪ .‬وجتدر اإلشارة هنا‬
‫إىل أن املحتوى املفربك (خاضع للتالعب) خيتلف عن‬
‫املحتوى املؤطر‪ ،‬فاألول خيضع لتعديل يف أصله أما‬
‫الثاين فيبقى على حالته األصلية ولكن يوضع يف سياق‬
‫جديد مخالف لألصلي‪.‬‬
‫‪ .5‬محتوى دعايئ مزور‬
‫خبالف األنواع السابقة‪ ،‬هذا النوع هو محتوى مزيف بالكامل ال أصل له يف الواقع‪،‬‬
‫أو هو قصص مصنعة من العدم‪ ،‬ويف معظم احلاالت عمدا‪ ،‬أي أنه أكاذيب ال أكرث‬
‫(الدلييم‪ .)2018:‬وين�درج الزتييف العميق‪ ،‬واإلشاعات‪ ،‬واألخبار املزيفة ‪ Fake News‬حتت‬
‫هذا النوع من املحتوى‪ ،‬ومن أشهر أمثلته مقطع الفيديو الذي أظهر هجوم نسر على طفل‬

‫‪90‬‬
‫تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬


‫صغري ومحاولته الطريان به بعيدا عن عائلته‪ ،‬وقد الىق املقطع رواجا كبريا بني مستخديم‬
‫مواقع الشبكات االجتماعية قبل أن يتم كشف زيفه باستخدام تقني�ات الزتييف‬
‫العميق(*)‪ .‬هذا وتن�درج الرسائل املزيفة املنسوبة إىل مصادر معروفة حتت لواء املحتوى‬
‫المنتحل‪ ،‬ويتم من خالل إدعاء صدور املحتوى‬‫املزيف‪ ،‬ويطلق على هذا النوع اسم املحتوى ُ‬
‫عن مصدر أو جهة معروفة عرب استغالل شهرتها أو رواج‬
‫عالمتها البصرية الداللية بني املستخدمني‪ ،‬وهنا‬
‫تتعمد جهة الدعاية خداع طريقتن�ا يف االستدالل من‬
‫خالل التالعب باالختصارات العقلية اليت نستخدمها‬
‫يف فهم العالم من حولنا (‪ .)Ibid‬على سبي�ل املثال‪ ،‬يتعمد‬
‫أحد املستخدمني إعداد خرب مزيف ثم نشره بعد إرفاق‬
‫ً‬
‫شعار لوسيلة إعالمية معروفة‪ ،‬وألن األفراد يعتمدون غالبا على اسم الوسيلة أو شعارها‬
‫لالستدالل على موثوقية اخلرب‪ ،‬فلن يتمكنوا بسهولة من كشف زيفه من املرة األوىل‪.‬‬
‫ً‬
‫وأخريا‪ ،‬توجد أشكال أخرى متنوعة من املحتوى الدعايئ‪ ،‬مثل محتوى التورية‬
‫‪ Content Pun‬القائم على التالعب باأللفاظ من خالل استخدام كلمات تدل على أكرث من‬
‫معىن‪ ،‬ومحتوى املفارقة ‪ Irony‬الذي يعتمد على اقتب�اس أقوال تظهر تن�اقض وحتول يف‬
‫املواقف املختلفة‪ ،‬ومحتوى املبالغة ‪ Hyperbole‬الذي يتعمد خلق انطباع وجو من االستهزاء‬
‫من خالل استخدام كلمات تعظم األشياء واملواقف والشخصيات بدرجات كبرية تفوق‬
‫ً‬
‫واقعها الفعلي‪ ،‬ويوجد أيضا محتوى العبث‪ ،‬والتساؤل الساخر‪ ،‬واملضاهاة‪ ،‬والهجاء‪،‬‬
‫وغريها الكثري من املحتويات املرتبطة باإلنت�اج اجلماهريي على مواقع الشبكات االجتماعية‬
‫(رفعت‪.)2018:‬‬

‫بــرزت مشــكلة األخبــار والصــور املفربكــة والفيديوهــات املركبــة مــع االنتشــار الواســع لوســائط التواصــل االجتماعــي‬ ‫(*)‬

‫وطغيانهــا علــى احليــاة املعاصــرة وظهــور تأثرياتهــا علــى حياتنـ�ا‪ ،‬وأصبحــت قضيــة تشــغل املجتمعــات واحلكومــات بســبب‬
‫ً‬
‫آثارهــا الســالبة واخلطــرة‪ ،‬وخــال تواصلنــا اليــويم يمــر علين ـ�ا خــر أو فيديــو يتبــن الحقــا أنــه مفــرك‪ ،‬أو صــورة يتضــح‬
‫ً‬
‫الحقــا أنهــا معدلــة أو موضوعــة يف خــارج ســياقها بهــدف التضليــل والتشــويش (الدليــي‪.)2018:‬‬

‫‪91‬‬
‫الفصل الثاين‬

‫ً‬
‫سادسا‪ :‬سرعة انتشار الدعاية‬
‫شــهدت الدعايــة يف الســنوات األخــرة تطــورات علــى صعيــد ســرعة انتشــارها‪،‬‬
‫خاصــة مــع ظهــور مواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪ .‬وقبــل اخلــوض يف هــذه التطــورات ال‬
‫بــد مــن توضيــح الطــرق التقليديــة النتشــار الدعايــة حــى يســهل علينــ�ا عقــد املقارنــة‪،‬‬
‫وتبيــ�ان حجــم القفــزة الــي حتققــت خــال القــرن احلــادي والعشــرين‪ .‬وبالغــوص يف‬
‫التاريــخ القديــم اختــذت الدعايــة هيئ ـ�ات متعــددة معظمهــا مــادي كالتماثي ـ�ل والعمــات‬
‫املعدنيــ�ة واملنقوشــات والرســومات‪ ،‬وغريهــا مــن األشــكال البصريــة الــي توزعــت‬
‫علــى مســاحات جغرافيــة واســعة لتأكيــد ُســلطة احلاكــم‪ ،‬مــا يعــي اعتمــاد الدعايــة يف‬
‫انتشــارها علــى قــدرة اإلمرباطــور أو الفرعــون علــى تشــيي�د التماثيــ�ل وصــك العمــات‬
‫ً‬
‫وتوزيعهــا علــى مســاحة جغرافيــة واســعة لتأكيــد ُمطلــق ســيطرته وأحيانــا “ألوهيت ـ�ه”‪.‬‬
‫وهــذا النــوع مــن االنتشــار لــم يأخــذ باحلســبان متطلبــات الســرعة بقــدر مــا ارتبــط‬
‫بزنعــات حنــو ختليــد الــذات وديمومــة بقائهــا بــن صفحــات التاريــخ‪ ،‬وحــى لــو حضــرت‬
‫فــروض الســرعة‪ ،‬فــاألدوات والوســائل املنتشــرة يف ذلــك الوقــت لــم تســمح بتلبيــ�ة‬
‫شــروطها بعكــس العصــور الالحقــة‪ .‬ومــع بــدء ظهــور التجمعــات البشــرية كالقــرى‬
‫واملــدن الصغــرة بــدأت الدعايــة باالنتشــار بطريقــة وجاهيــة‪ ،‬شــكلت الكلمــة أداتهــا‬
‫الرئيســة‪ ،‬وباخــراع املطبعــة وظهــور املنشــورات والصحــف والكتيب ـ�ات وجــدت الدعايــة‬
‫ً‬
‫وســيلة أخــرى جديــدة لالنتشــار ولكــن علــى نطــاق أوســع جغرافيــا وبشــكل أســرع‪،‬‬
‫عــزز ذلــك تشــكل املجتمعــات اجلماهرييــة والصناعيــة الكــرى‪ ،‬والــدور الــي باتــت تؤديــه‬
‫الصحافــة يف صناعــة تصــورات وآراء األفــراد‪.‬‬
‫وبدخــول القــرن العشــرين‪ ،‬شــهدت وســائل نشــر الدعايــة انتعاشــة كبــرة‪،‬‬
‫خاصــة مــع اخــراع املذيــاع والتلفــاز وانتشــار تقنيــ�ة البــث الفضــايئ والكابــات‬
‫ّ ّ‬
‫والطائــرات والســكك احلديديــة وغريهــا‪ ،‬إل أن مــا يمــز انتشــار الدعايــة خــال‬
‫جميــع احلقــب الســابقة هــو انتهاجهــا ملســار خطــي ‪ Linear‬مــن املصــدر إىل الفئــة‬
‫املســتهدفة مباشــرة‪ ،‬ثــم قيــام جهــات اجتماعيــة تابعــة “للمصــدر” بتعزيــز انتشــارها‬
‫بــن اجلمهــور إمــا عــن طريــق املواجهــة االتصاليــة املباشــرة أو عــن طريــق العــدوى‪،‬‬

‫‪92‬‬
‫تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية‬

‫ً‬
‫كحالــة اإلشــاعات‪ ،‬وهــو األمــر الــذي يتضــح جليــا مــع نمــوذج تدفــق املعلومــات علــى‬
‫مرحلتــني(*)‪.‬‬
‫شكل يوضح نموذج إنتشار الدعاية على مرحلتني‬

‫املصدر‪( :‬املؤلف نفسه)‬


‫وبظهور شبكة اإلنرتنت‪ ،‬ومواقع الشبكات االجتماعية تغري مجرى انتشار‬
‫الدعاية ليتخذ مسارات غري خطية ‪ Non-Linear‬ومتشعبة ‪ Rhizomatic‬وفريوسية‬
‫‪ ،Viral‬ويعود سر هذا التب�دل إىل طبيعة البن�اء الهنديس للشبكات االجتماعية وخصائصها‬
‫التفاعلية اليت تتجاوز حدود اجلغرافيا وضغوط الوقت‪ ،‬كما يرد إىل التطورات اليت شهدتها‬
‫تكنولوجيا احلاسوب‪ ،‬ودخوله على خط اإلنت�اج والنشر اآليل لرسائل الدعاية بطريقة‬
‫مستقلة أو مكملة للمجهودات البشرية‪.‬‬
‫باختصار‪ ،‬زادت مواقع الشبكات االجتماعية من فرصة انتشار الدعاية‪ ،‬وحسنت‬
‫ً‬
‫من قدرتها على الوصول إىل الفئات املستهدفة بصورة فائقة السرعة‪ ،‬كما وفرت فرصا‬
‫ال متن�اهية لتنفيذ انتشار دعايئ محكم ال يتجاوز حدود الفئة املستهدفة‪ .‬فعلى سبي�ل‬
‫ً‬
‫املثال‪ ،‬ونظرا لتواجد أعداد ضخمة من األفراد على املنصات االجتماعية جتاوز املليار‬

‫تدفــق املعلومــات علــى مرحلتــني‪ :‬انتقــال املعلومــات مــن وســائل اإلعــالم إىل قــادة الــرأي ومنهــم إىل اجلمهــور‪ ،‬أي أنهــا‬ ‫(*)‬

‫ال تصــل مباشــرة إىل اجلمهــور بــل عــرب وســيط‪ ،‬وتــرد النظريــة إىل العاملــني األمريكيــني إلياهــو كاتــز وبــول الزارســفيلد‬
‫‪.Paul Lazarsfeld & Elihu Katz‬‬

‫‪93‬‬
‫الفصل الثاين‬

‫يف حالة فيسبوك‪ ،‬تستطيع الدعاية االنتشار بشكل مخصص‪ ،‬أي استهداف فئات‬
‫ً‬
‫جماهريية محددة ومختارة سلفا‪ ،‬دون أن تمتد رسائلها لفئات أخرى خبالف احلال مع‬
‫الوسائل التقليدية كالتلفاز واملذياع‪ .‬واجلزء اآليت يستعرض ألهم تكنيكات نشر الدعاية‬
‫على الشبكات االجتماعية‪ ،‬بما يعكس التطورات يف مجال سرعة تمددها وانتشارها بني‬
‫املستخدمني‪.‬‬
‫‌أ‪ .‬أهم تكنيكات نشر الدعاية على الشبكات اإلجتماعية‬
‫‪1‬املشاركة ‪ :Sharing‬مصطلح يشري إىل جهد منسق من خالل قيام مستخدمني أو‬ ‫ ‪.‬‬

‫برامج آلية بمشاركة محتوى دعايئ معني من أجل زيادة رقعة انتشاره داخل مواقع‬
‫ّ‬
‫الشبكات االجتماعية‪ .‬واملشاركة خاصية توفرها معظم املنصات االجتماعية إل‬
‫ّ‬
‫أنها حتولت إىل أداة دعائي�ة لتسريع عملية تمدد الدعاية‪.‬‬
‫ً‬
‫‪2‬الوسوم ‪ :Hashtags‬بعيدا عن تعريف الهاشتاك‪ ،‬تستفيد الدعاية من الوسوم‬ ‫ ‪.‬‬
‫ً‬
‫من أجل نشر رسائلها على نطاق شبكي محدد جيري اختي�اره سلفا‪ ،‬فالوسم‬
‫ً‬
‫يعرب عن موضوع ما حيظى بأهمية لدى مطلقيه‪ ،‬وعادة ما يعمل على تشبيك‬
‫ً‬
‫وربط املستخدمني بقضية محط اهتمام مشرتك بدال من تشتتهم‪ ،‬وبمجرد أن‬
‫يسجل الوسم معدل ظهور معتدل داخل الشبكة ‪ ،Trend‬حىت يب�دأ بلفت أنظار‬
‫مستخدمني جدد إليه‪ ،‬وبالتايل حث عملية تداول إضافية تؤدي يف النهاية إىل‬
‫تضخيم أثره‪.‬‬
‫ً‬
‫‪3‬خاصية التعبري ‪ :Impressions‬ال يمكن أبدا االستهانة بقدرة التفاعل مع‬ ‫ ‪.‬‬

‫املحتوى عرب زر التعبري (إعجاب‪ ،‬غضب‪ ،‬حزن‪ ،‬حب‪...‬إلخ) على املساهمة يف‬
‫زيادة انتشار رسائل الدعاية؛ وتعود أهمية خاصية التعبري لما تمتلكه من قدرة‬
‫على كشف نوعية التفاعالت اليت يؤديها املستخدمني‪ ،‬إىل جانب حتفزيها سلوك‬
‫ً‬
‫التقليد‪ .‬فمثال‪ُ ،‬يظهر تفاعل املستخدم مع موضوع ما عرب زر اإلعجاب مدى‬
‫أهمية املوضوع بالنسبة له‪ ،‬األمر الذي يستحث متابعة من مستخدمني آخرين‬
‫لذات املوضوع‪ ،‬ويف املحصلة ترويج وانتشار أكرب للموضوع أو الفكرة‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية‬

‫ً‬
‫‪4‬االنتشــار الفــرويس ‪ :Viral‬انتشــار يتحقــق مــن تلقــاء نفســه مســتفيدا مــن‬ ‫ ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫تلقائيـ�ة املســتخدمني وأحيانــا جهلهــم‪ .‬وســي بالفــرويس؛ ألنــه كالعــدوى ينتقل‬
‫ً‬
‫مــن شــخص آلخــر بشــكل ســريع جــدا‪ .‬وخاصيــة “املشــاركة” اليت ســبق احلديث‬
‫عنهــا مناقضــة إىل حــد مــا ملبــدأ االنتشــار الفــرويس‪ ،‬والذي يعين انتشــار الرســائل‬
‫مــن تلقــاء نفســها دون تدخــل أو دعــم مــن جهــة الدعايــة‪ .‬والفــرق بــن االثنــن‬
‫ً ُ‬
‫يكمــن يف حضــور مبــدأ املركزيــة‪ ،‬إذ عــادة مــا توظــف “املشــاركة” مــن خــال‬
‫توجيــه مركــزي يتحــدد عــره نــوع املحتــوى املطلــوب إبــرازه وتعميمــه‪ ،‬بعكــس‬
‫ً‬
‫االنتشــار الفــرويس الــذي ينتشــر ويتوالــد تلقائيـ�ا دون توجيــه أو رعايــة مركزيــة‬
‫ّ ّ‬
‫الرتب�اطــه بســلوكيات املســتخدمني واهتماماتهم‪ .‬وبرغم الفروقــات إل أن كليهما‬
‫يســتجيب ملبــدأ التضخيــم‪ ،‬فعلى ســبي�ل املثال تتعمــد جهة دعائيـ�ة احلديث عن‬
‫موضــوع مــا والطلــب مــن عــدد محــدود مــن املســتخدمني إبــداء رأيهــم ثــم نشــر‬
‫هــذا الــرأي علــى صفحاتهــم‪ ،‬ومــا أن يتحقــق ذلــك حــى تب ـ�دأ شــبكة األصدقــاء‬
‫املحيطــة بهــؤالء املســتخدمني بقــراءة الــرأي والتعليــق عليــه‪ ،‬ليدخــل املوضــوع يف‬
‫ً‬
‫حلقــة توالــد يصعــب الحقــا حتديــد مــدى تضخمهــا‪ ،‬وجتســد روايــة “هــاري بوتــر”‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مثــاال حيــا علــى كيفيــة توالــد اآلراء مــن مدخــل تســويقي صــرف‪ .‬فالكاتبــ�ة‬
‫تعمــدت مشــاركة الروايــة مــع ســبعة مســتخدمني‪ ،‬وطلبــت منهــم قراءتهــا‬
‫وإبــداء رأيهــم فيهــا‪ ،‬وفــور انتهائهــم‪ ،‬كتــب الســبعة تعليقاتهــم حــول الروايــة‬
‫ونشــروها علــى صفحاتهــم الشــخصية عــر فيســبوك‪ ،‬ومــن ثــم بــدأت الشــبكة‬
‫املحيطــة بهــم بقــراءة ومشــاركة تعليقاتهــم‪ ،‬وهكــذا حــى تطــور األمــر مــن ســبعة‬
‫إىل ‪ 350‬مليــون شــخص يف أقــل مــن ســنة علــى صــدور الروايــة (املقــدادي‪.)2013:‬‬
‫وجتــدر اإلشــارة هنــا إىل الضجــة الكبــرة الــي قــد ترتتــب عــن االنتشــار الفــرويس‬
‫للدعايــة‪ ،‬حبيــث يــردد صداهــا داخــل الشــبكات االجتماعيــة‪ ،‬لتجــذب االنتب ـ�اه‬
‫حنوهــا ومــن ثــم زيــادة اخنــراط املســتخدمني مــع موضوعاتهــا بعــد أن يذيــع‬
‫صيتهــا علــى صفحــات املســتخدمني‪ .‬ومــن املخاطــر املرتبطــة بهــذا النــوع مــن‬
‫االنتشــار‪ ،‬احتمــال تبــ�دل معــى الرســالة الدعائيــ�ة نتيجــة التوالــد التلقــايئ‪،‬‬

‫‪95‬‬
‫الفصل الثاين‬

‫ملعــان جديــدة لهــا أو حتويلهــا باجتاهــات مناقضــة مــع‬


‫ٍ‬ ‫وإضافــة املســتخدمني‬
‫األصــل‪ ،‬لذلــك فهــي غــري مضمونــة النتــ�اجئ‪ ،‬وتصلــح فقــط مــع اإلشــاعات‪.‬‬

‫شكل يوضح مفهوم االنتشار الفريويس للرسائل‬

‫املصدر‪(:‬املؤلف نفسه)‬
‫ُ‬
‫أدوات الدعاية احلاسوبي�ة‪ :‬وهي أدوات آلية حبتة تربمج لتأدية وظائف بشكل‬ ‫‪.5‬‬

‫شبه مستقل منها نشر رسائل الدعاية بشكل منسق ومزتامن وبأكرث من قناة‪.‬‬
‫ويقف على رأس هذه األدوات الروبوتات االجتماعية واخلوارزميات واحلسابات‬
‫الوهمية وغريها‪ ،‬وسنتحدث يف فصول قادمة عن هذه األدوات بالتفصيل‪.‬‬
‫املشاهيــر والشخصيـــات املؤثـــرة‪ :‬قـد تسـتعني الدعايـة بشـخصيات معروفـة‬ ‫‪.6‬‬
‫ً‬
‫جماهرييـا أو مؤثـرة داخـل مواقـع الشـبكات االجتماعيـة مـن أجـل نشـر رسـائلها‬
‫علـى قطـاع كبـري مـن املسـتخدمني‪ ،‬وتسـتفيد الدعايـة مـن كـم املتابعـة الـيت‬
‫حتظـى بهـا هـذه الشـخصيات لتمريـر رسـائلها بشـكل سـريع‪ ،‬علـى أمـل التفاعـل‬
‫معهـا وبالتـايل زيـادة نطـاق انتشـارها‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية‬

‫خاتمة الفصل‬
‫أســهمت مواقــع الشــبكات االجتماعيــة يف تعظيــم قــدرة الدعايــة علــى الوصــول إىل‬
‫ً‬
‫جماهــر جديــدة ومتنوعــة لــم يكــن متاحــا بلوغهــا يف الســابق‪ ،‬كمــا ســاعدت علــى زيــادة‬
‫ســرعة انتشــارها يف زمــن قيــايس لــم يســبق أن شــهدته يف عصــور خلــت‪ ،‬وهــذا يؤكــد بمــا ال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫يــدع مجــاال للشــك أن الدعايــة لــم تصــل إىل حدهــا النهــايئ بعــد‪ ،‬وأن تطورهــا واســتمرارها‬
‫مرهــون بقــدرة اإلنســان علــى اخــراع وإجيــاد وســائل اتصــال جديــدة تســتغلها الدعايــة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لصاحلهــا‪ .‬أيضــا لــم تعــد الدعايــة كنشــاط موجــه ومــدروس حكــرا علــى الســلطة بــل‬
‫صــارت متاحــة ألي فــرد يرغــب يف ممارســة تأثــره علــى اآلخريــن‪ ،‬مــا يعــي دخــول قطاعــات‬
‫ً‬
‫اجتماعيــة واســعة علــى خــط إنتـ�اج ونشــر الدعايــة مســتفيدة مــن املزايا الــي وفرتهــا مواقع‬
‫الشــبكات االجتماعيــة‪ ،‬ولعــل أهــم تطــور مــن وجهــة نظرنــا مــا يرتبــط بمفهــوم اإلشــراك‪،‬‬
‫ّ‬
‫وميــل مختلــف اجلهــات املعنيــ�ة إىل حــث أكــر عــدد مــن املســتخدمني علــى مشــاركة‬
‫ّ‬
‫جهودهــا الدعائيـ�ة‪ ،‬ويف هــذا داللــة صرحيــة علــى أن الدعايــة احلديثـ�ة باتــت تســتفيد مــن‬
‫قــدرات األفــراد‪ ،‬بعــد أن كانــوا مجــرد متلقــن ســلبيني لرســائلها ال حــول لهــم وال قــوة‪.‬‬

‫‪97‬‬
98
‫الفصل الثالث‬

‫الدعايـــة احلاسوبي�ة‬

‫‪99‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬مفهوم الدعاية احلاسوبي�ة‬
‫ً‬
‫ثاني�ا‪ :‬الدعاية احلاسوبي�ة وخاصية التنكر‬
‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬مكونات الدعاية احلاسوبي�ة‬

‫‪100‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫َ‬
‫تعاظمت خالل السنوات القليلة الماضية املناقشات حول اسرتاتيجيات وطرق‬
‫التالعب بالرأي العام على مواقع الشبكات االجتماعية داخل األوساط السياسية‬
‫واألكاديمية‪ ،‬عززتها نت�اجئ االنتخابات األمريكية‪ ،‬وتداعيات استفتاء خروج بريطاني�ا من‬
‫االحتاد األورويب‪ .‬هذه املفاجئات غري املتوقعة دعمت مخاوف متن�امية بشأن خطورة أشكال‬
‫الدعاية احلديث�ة على املسارات واالستحقاقات الديمقراطية حول العالم‪ ،‬رسختها حقائق‬
‫ّ‬
‫علمية كشفت عن أن نسبة ‪ 20%‬من املحتوى السيايس املنشور على “تويرت” خالل حملة‬
‫انتخابات الرئاسة األمريكية جاءت من مصادر آلية “روبوت”‪ ،‬وأن كيانات تتبع روسيا‬
‫وظفت خدمة اإلعالنات املمولة وأسلوب املنشورات املوجهة من أجل نشر مضمون‬
‫استقطايب على موقع “فيسبوك”‪ ،‬بمساندة روبوتات اجتماعية وسعت من رقعة تمدده‬
‫داخل البيئ�ة الشبكية األمريكية‪ ،‬لضمان التضخيم وزيادة التأثري‪ .‬ويقدر موقع “فيسبوك”‬
‫عدد الذين تعرضوا للدعاية الروسية بــ ‪ 126‬مليون أمريكي‪ ،‬أي ما نسبت�ه ‪ 40%‬من مجمل‬
‫التعداد السكاين (‪.)Santini et al.:2018‬‬
‫ّ ّ‬
‫وبرغم اخلري الكثري الذي جلبت�ه التكنولوجيا الرقمية إل أنها استدعت على التوازي‬
‫ً‬
‫أخطارا متنوعة‪ ،‬فالعديد من املواقع والتطبيقات على شبكة اإلنرتنت‪ ،‬مثل فيسبوك‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وتويرت وغريها‪ ،‬تواجه صراعا محتدما للحد من استخدامها يف مجال التالعب السيايس‬
‫والدعاية‪ ،‬خاصة ما يرتبط بالروبوتات‪ ،‬والتالعب باخلوارزميات‪ ،‬واألخبار املزيفة‪،‬‬
‫ً‬
‫واالستهداف املخصص وغريها‪ .‬وبعد أن كانت حقال لالنفتاح والتفاعل بني األفراد‪،‬‬
‫تشهد هذه املنصات تغريات جوهرية قصرية باجتاه حتولها إىل مسرح للجهود التخريبي�ة‬
‫ً‬
‫املنظمة اليت تسعى إىل نرث بذور الفوىض‪ ،‬لذلك ليس مستغربا استغالل العديد من األجهزة‬
‫العسكرية واالستخباراتي�ة للشبكات االجتماعية كقنوات للتخريب األمين والسيايس‬

‫‪101‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫ّ‬
‫واملجتمعي‪ .‬وألنن�ا نعيش يف عصر استثن�ايئ يتخلله نهوض وأفول سريع للعديد من‬
‫الكيانات واحلركات حول العالم‪ ،‬تفشت بشكل غري مسبوق أدوات تالعب حديث�ة مكرسة‬
‫لتضليل الرأي العام‪ ،‬خاصة على مواقع الشبكات االجتماعية‪ .‬وهنا برزت أسئلة تتمحور‬
‫حول كيفية توليف ومزج العديد من اجلهات لألنشطة البشرية والتقني�ة يف مضماري‬
‫التالعب والتأثري‪ .‬عند هذه النقطة طفى على السطح داخل األوساط األكاديمية مصطلح‬
‫“الدعاية احلاسوبي�ة ‪ ،”Computational Propaganda‬كتعبري عن مجال درايس نائش حييل إىل‬
‫معىن يؤشر على اجلهود السلبي�ة املوجهة عرب الفضاء الرقيم(*)‪.‬‬

‫ً‬
‫أوال‪ :‬مفهوم الدعاية احلاسوبي�ة‬
‫ُ‬
‫تعرف الدعاية احلاسوبي�ة أو دعاية الربمجيات احلاسوبي�ة بكونها ممارسة اتصالية‬
‫ّ‬
‫(*)‬
‫مقصودة‪ ،‬أو أنها االستخدام املتعمد للخوارزميات واألتمتة بالتوازي مع الرعاية البشرية‬
‫يف نشر معلومات مضللة على مواقع الشبكات االجتماعية كفيسبوك وتويرت وغريها‬
‫ّ‬
‫(‪ .)Woolley & Howard:2016‬وألن التعريف تقين إىل حد بعيد‪ ،‬فهو ال يتضمن األبعاد الثقافية‬
‫والسوسيولوجية املرتبطة بالدعاية احلاسوبي�ة بعكس مفهوم الدعاية الشبكية الذي‬
‫ً‬
‫سنشري إليه الحقا‪.‬‬
‫والدعاية احلاسوبي�ة هي استخدام لنظم املعلومات احلاسوبي�ة ألغراض سياسية‪،‬‬
‫بما يشمل اجلهود اليت تب�ذلها احلكومات للتأثري يف الرأي العام لبلد آخر من أجل‬
‫إحداث تغيري يف سياساتها أو عالقاتها اخلارجية‪ ،‬أو إيقاع اضطرابات وشروخ يف جبهتها‬
‫الداخلية من خالل حتريض املواطنني على معارضتها واالنقالب عليها‪ .‬وهناك من‬
‫يرى فيها محاولة للتأثري على الرأي العام والسلوك من خالل التوليف االسرتاتييج بني‬
‫مواقع الشبكات االجتماعية‪ ،‬والوكالء (الفاعلني)‪ ،‬واالستهداف املخصص‪ ،‬وتنقيب‬
‫البي�انات بمشاركة نشطة من األفراد املستهدفني الذين يساعدون يف إدامة الرسالة‬

‫يعود أصل تسمية الدعاية احلاسوبي�ة إىل مشروع حبوث الدعاية احلاسوبي�ة التابع جلامعة أكسفورد‪.‬‬ ‫(*)‬

‫يقصد بالرعاية البشرية‪ ،‬الدعم البشري الذي تتلقاه اجلهود الدعائي�ة اآللية على مواقع الشبكات االجتماعية‪.‬‬ ‫(*)‬

‫‪102‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫(‪ .)Delwwiche:2020‬ومن مدخل تكنولويج‪ ،‬ينظر للدعاية احلاسوبي�ة على أنها‬


‫التئ�ام لعدة عناصر تشمل البي�انات الضخمة ومواقع الشبكات االجتماعية‬
‫والوكالء (اجلهات اليت تقف خلف الدعاية وحتركها من خالل وسطاء ووكالء‬
‫لها دون أن تظهر هي يف الصورة)‪ ،‬بهدف التالعب والتأثري يف الرأي العام الشبكي‬
‫ً ً‬
‫(‪ .)Bolsover & Howard:2017‬وتعترب سوسيولوجيا نوعا من االتصاالت املوجهة اليت تتعمد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تشويه الرموز‪ ،‬ومناشدة العواطف والتحزيات بعيدا عن التفكري العقالين؛ حتقيقا ألهداف‬
‫اجلهة اليت تقف خلفها‪ ،‬وهي بهذا الوجه األخري ال ختتلف من حيث أهدافها عن الشكل‬
‫التقليدي‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وبأخذ البعدين التقين واالجتماعي بعني االعتب�ار‪ ،‬يمكن اعتب�ارها فعال متعمدا ُيصنع‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ويوزع بوسائل تقني�ة‪ ،‬وألنها قالب محدث تمتد جذورها وأصولها إىل عصور مضت‪ ،‬فيجب‬
‫قراءتها ضمن سياق ما بعد احلداثة باعتب�ارها اشتغال بوسائط شبكية تسعى إىل التأثري يف‬
‫جموع جماهريية تتمركز داخل بيئ�ة افرتاضية‪ ،‬كما ال جيب مقاربتها من منظور برميج حبت‬
‫(نمذجة‪ ،‬خوارزميات‪ ،‬أتمتة)‪ ،‬كي ال ُيزنع عنها صفة الفعل املتحزي‪ ،‬بل ينبغي اعتب�ارها‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مجاال جديدا يمزج مكونات تقني�ة وشبكية واجتماعية حتت سقف واحد بغية حتقيق تأثري‬
‫موجه‪.‬‬
‫وتعترب األتمتة أو امليكنة(*) (التشغيل اآليل) والتدرجية (قابلية التوسع) والسرية‬
‫(التخفي)‪ ،‬من اخلصائص البارزة للدعاية احلاسوبي�ة‪ ،‬فهي قادرة على توزيع عدد هائل‬
‫متخف يويح بصدورها أو مجيئها عن مصدر أو جهة‬ ‫ٍ‬ ‫من الرسائل بسرعة كبرية‪ ،‬وبأسلوب‬
‫معلنة ومحددة داخل الشبكة‪ ،‬وهنا تنخرط يف أكرث من اجتاه‪ ،‬فعلى صعيد نشر الرسائل‬
‫ً‬
‫وختصيصها(*)‪ ،‬تعتمد الدعاية احلاسوبي�ة على الروبوتات االجتماعية يف تأدية املهمة آليا‬
‫بموازاة توسيع نطاق االنتشار‪ ،‬كما تعول على احلسابات الوهمية لتضليل مصدر الرسالة‬
‫وبالتايل حتقيق شرط التخفي‪.‬‬

‫ً‬
‫مصطلح يطلق على أي يشء يعمل ذاتي�ا دون تدخل بشري‪.‬‬ ‫(*)‬

‫التخصيص‪ :‬توجيه رسالة الدعاية إىل فئة معين�ة ومختارة من املستخدمني دون غريهم‪.‬‬ ‫(*)‬

‫‪103‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫واحلاســوبي�ة ال تعــي أن الدعايــة جتــري علــى مســرح افــرايض فقــط‪،‬‬


‫بقــدر مــا تؤكــد حقيقــة ارتكازهــا علــى التحســين�ات الــي ختضــع لهــا برامــج احلاســوب‪،‬‬
‫ومــن ثــم اســتثمار هــذه التحســين�ات لصاحلهــا‪ ،‬فاألتمتــة تمكنهــا مــن توســيع وتنويــع‬
‫نطــاق هجماتهــا‪ ،‬يف حني تســمح مزية الســرية بإخفــاء هويتهــا (‪.)Bradshaw & Howard:2017‬‬
‫وهــي هنــا تمــزج بــن القــدرات الرياضيــة الهائلــة ألنظمــة احلوســبة ومحيــط املعلومــات‬
‫الشــخصية الشاســع الــي تتشــكل منهــا البي�انــات الضخمــة علــى مواقــع الشــبكات‬
‫االجتماعيــة‪ ،‬كــي تفتــح لنفســها نافــذة تتســلل عربهــا إىل داخــل البيئ ـ�ة االفرتاضيــة‪ ،‬عــر‬
‫برامــج ذكيــة كالروبــوت‪ ،‬مهيئـ�ة لنقــل رســائل التضليــل إىل فئــات محــددة من املســتخدمني‬
‫بطريقــة فريوســية أوتوماتيكيــة‪.‬‬
‫مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬تشــر الدعايــة احلاســوبي�ة إىل املمارســات السياســية‬
‫واالجتماعيــة امللتويــة الــي تضــم طائفــة واســعة مــن الظواهــر كصناعــة االنطبــاع املضلــل‬
‫ودعايــة احلشــد املزيــف والتشــكيالت الســيرباني�ة والهندســة االجتماعيــة وغريهــا‪،‬‬
‫وهــي شــكل مــن أشــكال املواجهــة احلديثــ�ة إىل جانــب العمليــات النفســية واحلــروب‬
‫املعلوماتيــ�ة وعمليــات التأثــر والعمليــات املعلوماتيــ�ة والعمليــات الســيرباني�ة‪،‬‬
‫والــي تســعى جميعهــا إىل حتقيــق هــدف نهــايئ يتمثــل يف التالعــب بالبيئــ�ة‬
‫املعلوماتيــ�ة الشــبكية‪ ،‬بشــكل وأســلوب يؤديــان إىل تغيــر آراء اجلمهــور‪ ،‬وبالتــايل‬
‫ً‬
‫حتفــز ســلوكياتهم باجتــاه معــن‪ .‬ويجــب اإلشــارة هنــا إىل مــا يعــرف اصطالحــا بـــ”‬
‫التشــكيالت الســيرباني�ة اآلليــة”‪ ،‬باعتب�ارهــا أحــد مكونــات الدعايــة احلاســوبي�ة‪،‬‬
‫الــي تتخــذ شــكل أســراب آليــة منظمــة يطلــق عليهــا اســم روبوتــات‪ ،‬تصممهــا‬
‫وتربمجهــا جهــات متخصصــة للعمــل داخــل مواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪،‬‬
‫من أجل تنفيذ مهام تضليل على نطاق جماهريي واسع‪.‬‬
‫ويرتبــط اســتخدام “الروبــوت ‪ ”Bot‬بظهــور شــبكة اإلنرتنــت خــال تســعيني�ات القــرن‬
‫المــايض‪ ،‬إال أن شــهرته وأهميتـ�ه توســعت‪ -‬ســيما االجتماعــي منــه‪ -‬مــع ظهــور املنصــات‬

‫‪104‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫التفاعلية‪،‬ليتحــول بعدهــا إىل ظاهــرة عامليــة(*)‪ .‬وخــال اآلونــة األخــرة تعاظــم اعتمــاد‬
‫ً‬
‫الدعايــة احلاســوبي�ة علــى ذاتهــا وإمكاناتهــا‪ ،‬حبيــث ختلــت نســبي�ا عــن العنصــر البشــري‬
‫الــذي شــاركها جهــد تطبيــق اســراتيجيات وتكنيــكات تالعــب ســيرباين لســنوات عديــدة‪،‬‬
‫لقــد باتــت قــادرة علــى تأديــة وظائفهــا بشــكل شــبه مســتقل ومتحــرر‪ ،‬دون احلاجة ملســاندة‬
‫أو رعايــة بشــرية مكثفــة؛ عــزز ذلــك تطــور وتعاظــم تأثــر تكنولوجيــا الروبوتــات السياســية‬
‫يف الــرأي العــام‪ ،‬ســيما علــى مســتوى التغيــر الســلوكي‪ ،‬كمــا حتولــت مــن أداة حصريــة بيـ�د‬
‫جهــات حكوميــة‪ ،‬تن ـ�درج حتــت تصنيفــات عســكرية واســتخباراتي�ة‪ ،‬إىل ماكين ـ�ة جتاريــة‬
‫متاحــة للجميــع‪ ،‬تســتطيع أي جهــة اســتثمارها وتســخريها لصاحلهــا‪ .‬ويف هــذا الصــدد‬
‫مكنــت مــزة الســرية الــي وفرتهــا شــبكة اإلنرتنــت مــن إنتـ�اج ونشــر رســائل دعائيـ�ة دون أن‬
‫يتمكــن أحــد مــن كشــف اجلهــة احلقيقيــة الــي تقــف خلفهــا(*) (‪.)Ibid‬‬
‫ُ‬
‫وتتقاطع الدعاية احلاسوبي�ة مع مفهوم الدعاية الشبكية‪ ،‬واألخرية تعىن باملجال‬
‫الذي تشتغل وتنتشر فيه الدعاية‪ ،‬بينما تهتم األوىل بالتقني�ات احلديث�ة املستخدمة‬
‫داخل هذا املجال‪ .‬وتداخل املفهومني ضروري الستيعاب طبيعة االشتغال الدعايئ‬

‫الروبوتــات االجتماعيــة عبــارة عــن أنظمــة تفاعليــة تســتطيع إنت ـ�اج مضمــون دعــايئ وتوزيعــه بشــكل مربمــج‪ ،‬إىل جانــب‬ ‫(*)‬

‫مــزات أخــرى كالتفاعــل مــع اإلنســان‪ ،‬والتعبــر عــن املشــاعر‪ ،‬كمــا يمكــن لهــا محــاكاة ســلوك اإلنســان االتصــايل‪ ،‬كاألنمــاط‬
‫الزمنيــ�ة إلنتــ�اج املحتــوى ونشــره‪ ،‬وتتنــوع مهــام الروبــوت فهــو قــادر علــى اقتحــام املناقشــات السياســية‪ ،‬والتالعــب‬
‫بأســواق األوراق الماليــة‪ ،‬وســرقة املعلومــات الشــخصية‪ ،‬وترويــج األخبــار الكاذبــة‪ ،‬وصناعــة تضليــل جماهــري متعمــد‬
‫(‪ ،)Ferrara et al.:2016‬كمــا يســتطيع إنشــاء وإدارة حســابات وهميــة بشــكل مطابــق ألســلوب اإلدارة البشــرية‪ ،‬والعكــس‬
‫صحيــح (يمكــن لفئــات مختــارة مــن املســتخدمني إنتــ�اج وتوزيــع منشــورات بشــكل منتظــم وعلــى نطــاق واســع‪،‬‬
‫لتبــ�دو وكأنهــا فعــل آيل مربمــج)‪ ،‬ويمتلــك الروبــوت قــدرة التســلل وتوســط مســارات روابــط االتصــال احلقيقيــة بــن‬
‫املســتخدمني‪ ،‬وإنت ـ�اج محتــوى موثــوق عــر تبــي أنمــاط زمني ـ�ة تشــبه بصمــة اإلنســان؛ بهــدف التشــويش علــى جهــود‬
‫ً‬
‫تتبعــه وكشــفه‪ ،‬ويمكــن لــه جمــع محتــوى بشــكل تلقــايئ مــن عــدة مصــادر محــددة ســلفا‪ ،‬ونشــرها خــال فــرة زمني ـ�ة‬
‫فعليــة إىل جانــب إطــاق املحادثــات‪ ،‬والتعليــق علــى املنشــورات‪ ،‬واإلجابــة عــن األســئلة (‪.)Santini et al.:2018‬‬
‫علــى ســبي�ل املثــال‪ ،‬وظفــت حملــة املرشــح اجلمهــوري دونالــد ترامــب خدمــات شــركة لالتصــال االســراتييج تدعــى‬ ‫(*)‬

‫كامربيــدج أناليتيــكا؛ مــن أجــل تنفيــذ حمــات تالعــب لصاحلهــا‪ ،‬األمــر الــذي أســهم يف توليــه منصــب الرئاســة‪ ،‬وال يعــي‬
‫ً‬
‫اســتقاللية الدعايــة احلاســوبي�ة اســتغنائها أو ختليهــا التــام عــن العنصــر البشــري‪ ،‬فمؤخــرا بتنــ�ا نلحــظ أنشــطة باجتــاه‬
‫موائمــة املكونــن البشــري واآليل بهــدف صناعــة كائــن هجــن ‪ ،Cyborg‬مخصــص لتجــاوز القيــود املرتتبـ�ة عــن جنــاح العديــد‬
‫مــن الربامــج والتجــارب يف مجــال مكافحــة أنشــطة الروبوتــات التقليديــة وحتيي�دهــا عــن العمــل‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫على املنصات االجتماعية‪ .‬وتعزو الدعاية الشبكية أسباب التأثري اجلمعي يف املعتقدات‬
‫واملواقف إىل تفاعل وتكامل مجموعة متنوعة ومنفصلة من املصادر والقنوات الشبكية‪،‬‬
‫ّ‬
‫بمعىن أن التأثريات املرتتب�ة عن جهود اإلرباك والتشويش وزراعة املفاهيم املغلوطة‪ ،‬واليت‬
‫تسهم يف إيقاع تب�دالت واسعة النطاق يف املواقف واملعتقدات‪ ،‬ال تأيت من مصدر أو رسالة‬
‫واحدة‪ ،‬بل من عدة منافذ خيضع بعضها لتحكم جهة الدعاية يف حني يستقل بعضها اآلخر‬
‫بذاته‪ .‬هذه املنافذ تعمل على تكرار رسائل الدعاية بأسلوب يغذي أهميتها ومصداقيتها‪،‬‬
‫ويعاظم احتمالية تذكر واستدعاء اجلمهور لها ومشاركتها‪ ،‬وبالتايل تعزيز فرص انتشارها‬
‫على نطاق واسع داخل بيئ�ة املجتمع املستهدف (‪ .)Benkler et al.:2018‬والدعاية الشبكية‬
‫وفق هذا الطرح أقدر على معاجلة ومقاربة العملية الدعائي�ة بشموليتها‪ ،‬من ناحية دراسة‬
‫خصائص انتشار الدعاية وحتليل تأثري حمالتها ابت ً‬
‫�داء من املستوى األصغر (العقد الفردية‬
‫لالتصال) إىل املستوى األكرب (بني�ة الشبكة وهندستها ككل)‪ ،‬ومن ثم فهم دور دين�اميكية‬
‫تدفق املعلومات يف دعم وتسريع انتشار الرسائل (‪.)Ibid‬‬
‫وتاريخ الدعاية احلاسوبي�ة قصري للغاية مقارنة مع تاريخ الدعاية التقليدية‪،‬‬
‫ولكن بالنظر إىل النت�اجئ يمكن اجلزم بتفوقها‪ ،‬خاصة بعد جناحها يف ترجيح آراء جماهريية‬
‫خالل أحداث عاملية ساخنة كاالنتخابات األمريكية‪ ،‬واستفتاء خروج بريطاني�ا من االحتاد‬
‫ّ‬
‫األورويب‪ ،‬والصدامات امليداني�ة الروسية‪-‬األوكراني�ة‪ .‬وبرغم تاريخ الدعاية الطويل إل‬
‫ّ‬
‫أن ظهور اإلنرتنت وبالتحديد مواقع الشبكات االجتماعية أسدل على حنو جذري ستار‬
‫ً‬
‫مشهدها القديم‪ ،‬فهي شرعت الباب واسعا أمام اجلميع إلنت�اج ونشر الدعاية بعد أن كانت‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ميدانا مغلقا‪ ،‬ومخصصا فقط ألصحاب السلطة‪ ،‬كما سمحت بنشوء دعاية عابرة للحدود‬
‫ً‬
‫اجلغرافية مكنت من التدخل سلبا يف احلياة السياسية الداخلية لدول وكيانات عديدة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وقد شهدت السنوات اخلمس األخرية توظيفا استثن�ائي�ا ومهوال لتقني�ات وأساليب‬
‫الدعاية احلاسوبي�ة سواء يف مجال نشر املعلومات املضللة‪ ،‬أو ممارسة الرقابة على‬
‫املستخدمني والصحفيني‪ ،‬أو صناعة االجتاهات املزيفة (الرتندات)‪ ،‬أو تضخيم خطاب‬
‫الكراهية وغريها الكثري‪ ،‬األمر الذي يؤكد مدى القوة اليت بلغتها الدعاية يف وقتن�ا احلاضر‬
‫باملقارنة إىل إمكاناتها يف عصور سابقة خلت‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫ً‬
‫وأخريا‪ ،‬من الصعب فهم التأثريات االجتماعية املرتتب�ة عن الطبيعة املتغرية للدعاية‪،‬‬
‫فنحن ما زلنا يف البداية فقط‪ ،‬وتطور هذا الفهم مرهون بقدرتن�ا على فك التعقيدات‬
‫الناجمة عن تزاوج االبعاد التقني�ة والسوسيولوجية للدعاية‪ ،‬واليت لم تكن لتحصل لوال أن‬
‫مكنت لها شبكة اإلنرتنت‪.‬‬

‫ً‬
‫ثاني�ا‪ :‬الدعاية احلاسوبي�ة وخاصية التنكر‬
‫اهتم العلماء خالل سنوات القرن العشرين بدراسة مصدر الدعاية‪ ،‬وطريقة تمويهها‬
‫لنفسـها ورسـائلها دون مالحظـة اجلهـة املسـتهدفة‪ .‬وبدخـول القـرن احلـادي والعشـرين‪،‬‬
‫ً‬
‫ترسـخ هذا االهتمام ليأخذ أبعادا جديدة مرده إىل مزية السـرية اليت تمنحها شـبكة اإلنرتنت‬
‫ومواقع الشبكات االجتماعية‪ ،‬وقدرة أي فاعل سيايس أو اجتماعي على التخفي أو االنتحال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫خلال مباشـرته جهـدا دعائيـ�ا علـى البيئـ�ة االفرتاضيـة‪ .‬ومـن املدخـل النظـري التقليـدي ال‬
‫ّ‬
‫مجـال لالجتهـاد يف حتديـد مصدر الدعاية‪ ،‬ألنها كما يصفها أحـد الباحثني “حتمية ال مجال‬
‫للتشـكيك فيهـا”‪ ،‬فهـي تقـف خلفهـا جهـات عليـا كاحلكومـات واملؤسسـات العسـكرية‬
‫(‪ .)Sproule:1994‬وهـي بهـذا املعنى مجـال تنفيـذي ُمحتكـر بيـ�د فئـات محـددة‪ ،‬تسـعى إىل‬
‫تمريـر أهـداف غير معلنة بأسـلوب منسـق وجذاب يصعب علـى اجلمهور حتديـد منبعها ما‬
‫لـم تفصـح عـن نفسـها‪ .‬مـن جانـب آخـر‪ ،‬يعزو عـدد مـن العلمـاء مصـدر الدعايـة إىل جهات‬
‫ً‬
‫اجتماعيـة‪ ،‬ويرفضـون حتميتهـا أو قصرهـا علـى جهـات متحكمـة فقـط‪ ،‬فمثلا يقسـم‬
‫الفرنسي ايلـول الدعايـة وفـق مصدرهـا إىل نوعين‪ :‬أفقيـة وعاموديـة‪ ،‬حبيـث يعتبر األوىل‬
‫ُ‬
‫سياسـية تنسـب إىل جهـات عليـا‪ ،‬فيمـا الثانيـ�ة اجتماعيـة تنبـع مـن حواضن شـعبي�ة لكنها‬
‫ختضـع إلشـراف مـن أعلـى‪ .‬وبرغـم دقـة وحيويـة التصنيـف‪ ،‬إال أنـه ال يعبر عـن الطبيعـة‬
‫اجلديـدة لتكنولوجيـا االتصـال‪ ،‬وال عـن التبـ�دالت التي تشـهدها الدعايـة علـى صعيـد‬
‫حتولهـا مـن حالـة هرميـة إىل غير هرميـة‪ ،‬فاالكتفـاء بنسـب مصـدر الدعايـة إىل جهـات‬
‫كبرى قـد ال يتـلاءم مـع حقيقـة البيئـ�ة الرقميـة؛ لنفيـه احتمـال صدورهـا عن أكثر من جهة‬
‫يف آن واحد‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫ولتوضيــح املقصــد‪ ،‬ينشــط علــى الشــبكات االجتماعيــة ماليــن املســتخدمني‬


‫إىل جانــب جهــات أخــرى فاعلــة سياســية وجتاريــة وعســكرية‪ ،‬يتحــرك كل منهــا بدوافــع‬
‫وأهــداف مختلفــة عــن اآلخــر‪ ،‬وكنتيجــة طبيعيــة مرتتبــ�ة عــن هــذا التقاطــع تــذوب‬
‫احلــدود الفاصلــة بــن مصــادر الدعايــة األفقيــة والعاموديــة حبيــث يصعــب التميــز بينهــا‪،‬‬
‫خاصــة إذا مــا ارتبطــت جهــود التميــز بتحــركات حقيقيــة تســعى إىل جــاء أو رفــع الغطــاء‬
‫عــن األهــداف املســترتة للدعايــة‪ ،‬لــذا قــد تتطلــب جهــود الكشــف عــن مصــدر الدعايــة‬
‫ً‬
‫يف البيئــ�ة الرقميــة مســتقبال انتهــاج سلســلة معقــدة تبــ�دأ برصــد املســتويات الفرديــة‬
‫ً‬
‫(املســتخدمني) مــرورا بالتكتــات املتعــددة (مجموعــات شــبكية) وانتهــاء بالــدول‬
‫والقوميــات (‪.)Farkas & Neumayer:2018‬‬

‫شكل يوضح مصادر الدعاية على مواقع الشبكات االجتماعية‬

‫هﻮ�ــﺔ�اﻟﻌﻤﻞ�اﻟﺪﻋﺎ�ﻲ‬
‫دﻋﺎﻳﺔ�ﺧﻔﻴﺔ�ﺗﻘﻮم�ﻋﻠ��ﺎ�ﺟهﺎت�ﻣﺠهﻮﻟﺔ‬ ‫دﻋﺎﻳﺔ�ﻋﻠﻨﻴﺔ�ﺗﻘﻮم�ﻋﻠ��ﺎ�ﺟ��ﺎت�ﻣﻌﺮوﻓﺔ‬

‫ﺣﺴﺎﺑﺎت�ﻣﺰ�ﻔﺔ‪،‬‬
‫ﺟهــﺪ‬ ‫ﺟهــﺪ‬
‫ﻣﺘﺼﻴﺪون‪�،‬رو�ﻮﺗﺎت‪،‬‬
‫ﻣﺤﻮﺳﺐ‬ ‫�ﺸﺮي‬
‫��ﺎن�إﻟﻜ��وﻧﻴﺔ‪�...‬إ��‬

‫املصدر‪( :‬املؤلف نفسه)‬


‫ً‬
‫ومــن خــال حبثنــ�ا عــن إشــارة يتعــن بموجبهــا جهــة مســؤولة حصــرا عــن الفعــل‬
‫ً‬
‫الدعــايئ‪ ،‬لــم نقــع علــى يشء قطعــي‪ ،‬فجميــع التعريفــات تقريب ـ�ا العربي ـ�ة منهــا واألجنبي ـ�ة‬
‫تتحــاىش علــى حنــو ملفــت حتديــد مصــدر للدعايــة ســواء اجتماعــي أو ســيايس‪ ،‬إال أن‬
‫أحــد االســتثن�اءات الــي وقعنــا عليهــا موجــود يف تعريــف مؤسســة حتليــل الدعايــة ‪IPA‬‬
‫ً‬
‫الــي نشــطت يف أمريــكا خــال احلــرب العامليــة الثانيــ�ة‪ ،‬والــي تــرى يف الدعايــة تالعبــا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫نفســيا متعمــدا‪ ،‬يقــوم بموجبــه أفــراد أو جماعــات بالتعبــر عــن آرائهــم وأفعالهــم بقصــد‬

‫‪108‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫ً‬
‫التأثــر يف آراء وأفعــال أفــراد وجماعــات أخــرى لتحقيــق أهــداف محــددة ســلفا (‪.)IPA:1938‬‬
‫‪ ،”Shawn‬والــذي‬ ‫“‪Parry-Gilse‬‬ ‫االســتثن�اء الثــاين ورد يف تعريــف شــون بــاري‪ -‬جيلــس‬
‫يعتــر الدعايــة مجموعــة مــن الرســائل املتعمــدة واملخططــة الــي يتــم نشــرها‬
‫للجمهــور عــر مؤسســة بهــدف خلــق فعــل أو حــدث يصــب يف مصلحــة املصــدر‬
‫(‪ .)Parry-Giles:2002‬ونالحــظ حصــر التعريفــان للفاعــل الدعــايئ يف أفــراد أو جماعــات‬
‫أو مؤسســات‪ ،‬بشــكل يمــزج بــن الصيغتــن االجتماعيــة والسياســية‪ ،‬وهــو األمــر الــذي‬
‫ً‬
‫نــراه مالئمــا كمدخــل لتوضيــح مفهــوم الفعــل الدعــايئ املتنكــر الــذي ينشــط علــى مواقــع‬
‫الشــبكات االجتماعيــة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫وتعــرف الدعايــة املتنكــرة علــى أنهــا اســتخدام متعمــد للمصــادر املقنعــة لتشــكيل‬
‫املــدركات والتالعــب بهــا مــن أجــل حتقيــق نتــ�اجئ مرغوبــة (‪.)Farkas&Neumayer:2018‬‬
‫ويســتمد التعريــف جــذوره مــن نمــوذج حتليــل الدعايــة اخلــاص بـــ ‪ ،O’Donnell & Jowett‬كمــا‬
‫يعتــر الفعــل الدعــايئ املتخفــي نــوع مــن التالعــب‪ ،‬يعتمــد يف أداء مهامــه علــى تكنيــكات‬
‫الغمــوض ونســب الفعــل إىل مصــدر آخــر‪ .‬وهــي شــكل مــن أشــكال اخلــداع املســتن�د علــى‬
‫الهويــة بعكــس اخلــداع املســتن�د علــى الرســالة‪ ،‬وعلــى هــذا النحــو يمكــن للدعايــة أن ُتـ ّ‬
‫ـزور‬
‫للمصــدر دون أن تتلاعــب باملحتــوى برغــم ترابطهمــا يف غالــب األحيــان (‪.)Hancock:2009‬‬
‫وتقســم الدعايــة املتنكــرة إىل نوعــن‪ :‬مبهمــة (غامضــة) ومنتحلــة‪ ،‬وكال النوعــن‬
‫ً‬
‫مرادفــن للدعايتــن الرماديــة والســوداء‪ ،‬حبيــث قفــزا إىل الســطح كتســمية بديلــة؛ رغبــة‬
‫مــن بعــض الباحثــن يف التخلــص مــن املدلــول التاريــي الســليب الــذي ارتبــط بالتســميتني‬
‫التقليديتــن (‪.)*()Daniels:2009‬‬

‫وكريســتين�ا نيومايــر‬ ‫‪Johan Farkas‬‬ ‫ينســب التصنيــف اجلديــد ملصــدر الدعايــة إىل الباحثــن جوهــان فــاركاس‬ ‫(*)‬

‫‪ ،Christina Neumayer‬حيث ورد يف حبث نشر عام ‪ 2018‬م تن�اول الدعاية املتنكرة يف البيئ�ة الرقمية‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫ّ ّ‬ ‫ً‬
‫ويأخذ اخلداع املستن�د على الهوية أشكاال متعددة‪ ،‬إل أن جذوره ومسبب�اته‬
‫حافظت على نفسها دون أي تغري(*)‪ ،‬ويمكن ألي جهة أن تتخفى خلف هوية شخصية‬
‫مزيفة أو موقع إلكرتوين دون أن يتمكن أحد من كشفها أو أن يشكك يف موثوقيتها‬
‫(‪ .)Farkas & Neumayer:2018‬فالقدرة على إنشاء الصفحات واملدونات‪ ،‬إىل جانب إنت�اج‬
‫ً‬
‫املحتوى وحتمل تكاليفه المادية اليسرية نسبي�ا جعلت من التخفي واالنتحال‬
‫ً‬
‫مسألة سهلة عمليا (‪ .)*()Dahlberg:2001‬وتعترب دعاية التضليل أحد األشكال‬
‫الراجئـــــة للدعايـــة املتنكــرة (املقنـعــــة)‪ ،‬بموازاة كونهـــا دعايـــة عاموديـــة تصنع‬
‫النطبــــاع مزيـــف بأفقيتهـــا وانبث�اقهــــا عــــن قاعـــدة شعبيــــة حقيقيــة(*)‪،‬‬

‫الدعايــة الســوداء‪ :‬هــي الدعايــة املســترتة الــي قــد تنســب إىل مصــدر آخــر مــن داخــل اجلهــة املســتهدفة‪ ،‬حبيــث تســعى إىل‬ ‫(*)‬

‫زعزعــة اســتقرار املجتمــع أو التشــكيك يف قدراتــه مــن خــال احليــل واخلــداع أو نشــر اإلشــاعات واألكاذيــب واملعلومــات‬
‫املزيفــة‪ ،‬وينشــط هــذا النــوع خــال األزمــات واحلــروب‪ ،‬كمــا يعتمــد جناحهــا أو فشــلها علــى مــدى رغبــة املســتقبل يف‬
‫تبــي املعلومــات الــواردة فيهــا‪ ،‬أو إىل براعــة رجــل الدعايــة يف صياغــة رســائله‪ .‬أمــا الدعايــة الرماديــة‪ :‬فتقــع يف الوســط بــن‬
‫علمــا أن مصدرهــا مشــوش غــر محــدد بدقــة‪ ،‬فقــد يكشــف عــن نفســه أو خيفيهــا‪ ،‬أمــا عــن‬ ‫الدعايتــن البيضــاء والســوداء‪ً ،‬‬
‫مصداقيــة املعلومــات فهــي غــر واضحــة‪ ،‬وحتتــاج إىل فحــص جيــد‪ ،‬وهــي تكنيــك حيتــاج إىل براعــة وتمــرس‪ ،‬إضافــة إىل‬
‫ً‬
‫امتــاك حجــم عالقــات وتأثــر واضــح علــى وســائل اإلعــام‪ ،‬ولعــل الواليــات املتحــدة األمريكيــة مــن أكــر الــدول براعــة يف‬
‫اســتخدام هــذا النــوع‪ ،‬حيــث تقــوم أجهــزة مختصــة لديهــا بنشــر معلومــات عــر وســائل إعالميــة لتحقيــق أهــداف دعائيـ�ة‬
‫ويعــرف هــذا التكنيــك باســم ‪ Planation‬أي الزراعــة‪ ،‬بمعــى تزويــد وســائل اإلعــام بمعلومــات ذات أبعــاد دعائيـ�ة‪،‬‬ ‫معينـ�ة‪ُ ،‬‬
‫ليتــم نشــرها علــى قاعــدة أن مصدرهــا هــو الوســيلة اإلعالميــة نفســها‪ ،‬وأهميــة هــذا التكنيــك أنــه يمنــح املعلومــات‬
‫مصداقيــة وشــرعية أمــام املســتهدفني كونهــا صــادرة عــن جهــة إعالميــة معروفــة‪ ،‬وهــو مــا يبقــي املصــدر األصلــي‬
‫ً‬
‫للدعاية مجهول‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ُيعتــر موقــع “‪ ”martinlutherking.org‬مثــاال واقعيــا للخــداع املســتن�د علــى الهويــة الــي يمكــن أن نصادفهــا علــى‬ ‫(*)‬

‫شــبكة اإلنرتنــت‪ .‬واملوقــع الــذي أنــئ يف العــام ‪ 1999‬لغــرض عنصــري يتمثــل يف تأكيــد تفــوق العــرق األبيــض‪ ،‬يســتن�د‬
‫باألســاس علــى هويــة صاحبــه املجهولــة‪ ،‬كمــا يســتن�د علــى إخفــاء نوايــاه احلقيقيــة‪ .‬وللوهلــة األوىل‪ ،‬يب ـ�دو املوقــع كأنــه‬
‫مرجــع تعليــي وعلــي‪ ،‬خيتــص يف تتبــع تاريــخ مارتــن لوثــر كنــج‪ ،‬ومــع ذلــك جنــده يصــف الرجــل بألفــاظ عنصريــة مثــل‬
‫ً‬
‫املغتصــب والشــيوعي واملنحــرف جنســيا ومضطهــد النســاء‪...‬إلخ‪ ،‬وباالرتــكاز علــى املفاهيــم الســابقة للدعايــة‪ ،‬يمكــن‬
‫تصنيــف املوقــع بكونــه دعايــة مبهمــة (غامضــة)‪ ،‬فهــو ال يكشــف هويــة مالكــه بوضــوح وال عــن املؤلفــن الذيــن يســتن�د‬
‫إليهــم يف طــرح أفــكاره (‪ ،)Daniels:2009‬ويف العــام ‪ 2008‬أجريــت دراســة اســتطالعية طلــب فيهــا مــن مراهقــن إعــداد‬
‫ورقــة دراســية حــول شــخصية مارتــن لوثــر كنــج عــر االســتعانة بمحــرك حبــث جوجــل‪ ،‬وخلصــت نت�اجئهــا إىل عثــور‬
‫عــدد منهــم علــى املوقــع واعتمادهــم عليــه يف إعــداد الورقــة‪ ،‬دون أن يتمكنــوا مــن حتديــد هويتــ�ه احلقيقيــة‪ ،‬وبغــض‬
‫النظــر عــن طبيعــة املوقــع الغامضــة‪ ،‬إال أنــه يصنــف كدعايــة أفقيــة‪ ،‬ألنــه لــم يت�أســس علــى يــد جهــة رســمية عليــا‪ ،‬بــل‬
‫علــى يــد شــخص يدعــى دون بــاك ‪ ،Don Black‬وهــو مــن كبــار منتســي جماعــة ‪ Ku Klux Klan‬األمريكيــة العنصريــة‬
‫(‪ ،)Farkas & Neumayer:2018‬وكمــا يوضــح املثــال الســابق فــإن الدعايــة املتنكــرة يف اإلذاعــة والصحــف واألفــام‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫والتلفزيــون ترتبــط ارتب�اطــا تاريخيــا وثيقــا باملؤسســات العليــا؛ ألن هــذه الوســائل تتطلــب مــوارد كبــرة‪ ،‬لكــن األمــر‬
‫مختلــف مــع الوســائط الرقميــة كاإلنرتنــت؛ ألن نفقــات إطــاق موقــع وصيانت ـ�ه قليلــة باملقارنــة مــع الوســائل التقليديــة ‪.‬‬
‫لالسزتادة حول املوضوع‪ ،‬مراجعة عنوان “دعاية التضليل”‪.‬‬ ‫(*)‬

‫‪110‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫واألمثلة اليت توضح ذلك كثرية منها إطالق شركة ميكروسوفت الشهرية ملوقع إلكرتوين‬
‫‪ Americans For Technology Leadership‬ورعايتها له بأسلوب مسترت يويح بتبعيت�ه‬
‫وصدوره عن مؤسسة مدني�ة مستقلة ال تربطها بها أي عالقة‪ ،‬بهدف صناعة انطباع‬
‫مضلل بوجود دعم قاعدي لها (‪ .)Leiser:2016‬وعلى أية حال نستطيع تأكيد دور البيئ�ة‬
‫الرقمية يف زيادة تعقيد املفاهيم املرتبطة بمصدر الدعاية‪ ،‬ويب�دو أن احلدود الفاصلة‬
‫ً‬
‫بني الشكلني العامودي واألفقي يف عالقتها بالهوية على وشك أن ختتفي تماما‬
‫ُ‬
‫نتيجة اتساع رقعة استخدام الشبكات االجتماعية‪ ،‬وتواجد فاعلني كرث على ساحتها‬
‫(‪.)Farkas & Neumayer:2018‬‬
‫وعند احلديث عن الدعاية املتنكرة يف عالقتها بالدعاية احلاسوبي�ة على الشبكات‬
‫االجتماعية‪ ،‬ال جيب إغفال عدد من األنماط اليت صعدت خبطورة التنكر إىل حدود لم‬
‫يسبق لها مثي�ل‪ ،‬ومنها الروبوتات االجتماعية‪ ،‬واحلسابات الوهمية‪ ،‬واملتصيدين‪ ،‬وغريها‬
‫من األشكال اليت تعكس صيغ اشتغال برمجية‪ ،‬وبشرية‪ ،‬وهجين�ة‪ ،‬فجميعها مخصصة‬
‫لتنفيذ أو إسناد حمالت دعاية ضخمة بنمط رمادي أو أسود (متنكر أو منتحل)‪ ،‬بهدف‬
‫منح انطباع مضلل بصدورها عن مستخدمني حقيقيني من داخل املجتمع املستهدف‪،‬‬
‫خاصة وأن البن�اء الالمركزي للمنصات االجتماعية كفيسبوك وتويرت يدعم ويغذي‬
‫هذه اجلهود‪ ،‬ويف الوقت نفسه جيعل من الصعب التعرف عليها ومواجهتها‪ .‬وحبسب‬
‫نت�اجئ دراسة تن�اولت حملة االنتخابات الرئاسة األمريكية ‪2016‬م‪ ،‬بلغت نسبة ما أنتجته‬
‫الروبوتات االجتماعية حوايل ‪ 19%‬من مجموع املشاركات املنشورة على موقع التدوين‬
‫املصغر تويرت خالل احلملة (‪ ،)Kollanyi et al.:2016‬كما بلغ عدد احلسابات الوهمية ُ‬
‫المدارة‬
‫ً‬
‫آليا من قبل الروبوتات خالل استفتاء خروج بريطاني�ا من االحتاد األورويب حوايل ‪13,493‬‬
‫ً‬
‫حسابا على ذات املوقع (‪.)Bastos & Mercea:2019‬‬
‫ّ‬
‫وبرغم املؤشرات السابقة إال أنه من الصعب بل من املستحيل حتديد أو كشف‬
‫اجلهات املسؤولة عن تشغيل وتوجيه الروبوتات االجتماعية دون مساعدة من إدارة‬
‫املنصات اليت تنشط عليها‪ ،‬فأي جهة اليوم سواء فرد أو جماعة أو مؤسسة أو حىت حكومة‬
‫مع قليل من املعرفة واملوارد تستطيع توظيف الروبوت لصاحلها دون أن يتمكن أحد من‬

‫‪111‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫نسب أنشطتها الدعائي�ة جلهة محددة بشكل قطعي (‪ .)Bessi & Ferrara:2016‬وكشفت‬
‫حتقيقات ومراجعات أجرتها منصات اجتماعية كفيسبوك وتويرت ويوتيوب وإنستغرام‪،‬‬
‫عن مؤشرات لتدخل رويس محتمل يف االنتخابات األمريكية والربيطاني�ة‪ ،‬فبحسب نت�اجئ‬
‫دراسة علمية بلغت عدد احلسابات الوهمية اليت تتبع جهات يف روسيا حوايل ‪36,746‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حسابا‪ ،‬نشرت ما يقارب من ‪ 1.4‬مليون تغريدة‪ ،‬من بينها ‪ 3,814‬حسابا يتبع شركة‬
‫ً‬
‫يطلق عليها اسم وكالة أحباث اإلنرتنت اليت تتخذ من مدين�ة بيرتزبورغ الروسية مقرا لها‬
‫(‪ .)Bertrand:2017‬بدوره أكد فيسبوك استخدام ذات الشركة حسابات وصفحات وهمية‬
‫بهدف خداع وتضليل املستخدمني (‪.)*()Perlroth et al.:2018‬‬
‫ً‬
‫وأخريا‪ ،‬من الصعوبة بمكان التقرير بشأن مصدر الدعاية‪ ،‬أو التفريق بني صيغتيها‬
‫األفقية والعامودية‪ ،‬فهل ما نتعرض له من رسائل مصدرها جهات عليا كاحلكومات‬
‫ّ‬
‫واألحزاب أم أن منشئها اجلمهور ذاته؟ أمر آخر يسرتعي منا االنتب�اه‪ ،‬فالتنسيق بني اجلهات‬
‫العليا وبعض املستخدمني املؤثرين على مواقع الشبكات االجتماعية عقد من مهمة حتديد‬
‫ً‬
‫مصدر الدعاية احلقيقي‪ ،‬فأحيانا تصاغ الرسالة من أعلى ثم تعمم على املستوى التنفيذي‬
‫األدىن‪ ،‬واملتمثل يف مجموعة مستخدمني مختارين الذين بدورهم يؤدون وظيفة نشرها‬
‫على أوسع نطاق‪ ،‬وهو شبي�ه بنموذج انتشار الدعاية على مرحلتني‪.‬‬

‫وكالــة أحبــاث اإلنرتنــت “‪ ”The Internet Research Agency‬مؤسســة روســية مســتقلة‪ ،‬ومســؤولة عــن تنظيــم حمــات‬ ‫(*)‬

‫دعايــة ســرية (متنكــرة) علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪ ،‬كمــا تنفــذ عمليــات تصيــد باســتخدام هويــات مزيفــة بهــدف‬
‫التحريــض علــى العنــف والكراهيــة‪ ،‬أو لتغذيــة اخلالفــات واالنقســامات داخــل املجتمعــات املســتهدفة‪ ،‬إضافــة إىل‬
‫توظيفهــا العنصريــن البشــري واآليل يف تنفيــذ مهامهــا‪ ،‬ومــن غــر املعــروف أو املؤكــد تبعيتهــا جلهــات حكوميــة يف روســيا‬
‫(‪ .)Luhn:2017‬وكشــفت وثائــق مســربة تأســيس كل فــرد ملتحــق بهــا ســتة حســابات علــى موقــع فيســبوك وعشــرة علــى‬
‫ً‬
‫تويرت‪،‬وإداراتهــا بشــكل مزتامــن حتــت اســم مســتعار أو هويــة مزيفــة‪ ،‬ونشــره ثــاث منشــورات يوميــا علــى فيســبوك‬
‫ً‬
‫وخمســن تغريــدة علــى تويــر‪ ،‬ضمــن ورديــات عمــل تصــل مــدة كل منهــا إىل ‪ 12‬ســاعة يوميــا (‪. )seddon:2014‬‬

‫‪112‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬مكونات الدعاية احلاسوبي�ة‬
‫تتكون الدعاية احلاسوبي�ة من أربعة عناصر رئيسة وهي‪ :‬البي�انات السلوكية‪،‬‬
‫واألتمتة (التشغيل اآليل)‪ ،‬واخلوارزميات‪ ،‬والوكالء أو الوسطاء‪ ،‬ويتفرع عن كل عنصر‬
‫مجموعة فرعية أخرى وفق الشكل املرفق أدناه‪.‬‬

‫اﻟﺪﻋﺎﻳـﺔ�ا��ﺎﺳﻮ�ﻴـﺔ‬

‫اﻟﺪﻋﻢ�اﻟ�ﺸﺮي‬ ‫ا��ﻮارزﻣﻴﺎت‬ ‫اﻷﺗﻤﺘ ــﺔ‬ ‫اﻟﺒﻴﺎﻧﺎت�اﻟﺴﻠﻮﻛﻴﺔ‬

‫اﳌﺘﺼﻴﺪون‬ ‫اﻟﺮو�ﻮﺗﺎت�اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‬

‫�ﺸﻜﻴﻼت�اﻟﺴﺎﻳ��‬ ‫ا��ﺴﺎﺑﺎت�اﻟﻮهﻤﻴﺔ‬

‫أ‪ .‬البي�انات السلوكية ‪Behavioral Data‬‬


‫تســتمد الدعايــة احلاســوبي�ة قدرتهــا وتأثريهــا مــن البي�انــات الــي يتــم جمعهــا عــن‬
‫ســلوكيات األفــراد وأنشــطتهم داخــل شــبكة اإلنرتنــت ومواقــع الشــبكات االجتماعيــة؛‬
‫الســتغاللها يف عمليــي التصنيــف (التجزئــة) واالســتهداف‪ ،‬ومــن خــال جمــع ومعاجلــة‬
‫كميــات ضخمــة مــن البي�انــات‪ ،‬تســتطيع جهة الدعايــة اســتنت�اج تفضيالت املســتخدمني‪،‬‬
‫ومــن ثــم التنبــؤ بأنمــاط االســتجابات املحتملــة عــن رســائلها الــي قــد توجههــا إىل فئــة‬
‫ً‬
‫مخصصــة منهــم‪ .‬وتســاعد البي�انــات الســلوكية يف جعــل الدعايــة أكــر دقــة وتأثــرا‪،‬‬
‫خاصــة تلــك املرتبطــة بأنمــاط التصفــح والتفاعــل‪ ،‬ويمكــن النظــر إليهــا باعتب�ارهــا بي�انــات‬
‫تتن ـ�اول أنشــطة األفــراد‪ ،‬كســلوكيات النقــر‪ ،‬واإلعجــاب‪ ،‬والبحــث‪ ،‬واملشــاركة‪ ،‬والشــراء‪،‬‬
‫والتصفــح‪ ،‬وغريهــا مــن البي�انــات الــي جيــري جمعهــا وحفظهــا يف ملفــات تعريــف خاصــة‬
‫بــكل مســتخدم‪ ،‬ثــم تصنيفهــا علــى شــكل مجموعــات منفصلــة تســتجيب ملفهــوم جتزئــة‬
‫اجلمهــور؛ ليتــم يف النهايــة ضخهــا إىل داخــل خوارزميــات التعلــم اآليل(*)‪ .‬ويجــري جمــع‬

‫لالسزتادة مراجعة موضوع اخلوارزميات للتعرف على املفهوم‪.‬‬ ‫(*)‬

‫‪113‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫البي�انــات الســلوكية بأكــر مــن طريقــة‪ ،‬أخطرهــا مــا يتــم عــر ملفــات تعريــف االرتب ـ�اط‬
‫‪ ،Cookies‬حيــث تقــوم املواقــع اإللكرتوني ـ�ة بتفعيــل الكوكــز خاصتهــا أو الــي تتبــع طــرف‬
‫ثالــث بهــدف تتبــع أنشــطة املســتخدمني داخلهــا‪ ،‬ثــم اســتنب�اط الروتــن الســلوكي لــكل‬
‫فــرد (‪ .)Ghosh & Scott:2018‬وتقســم ملفــات تعريــف االرتبــ�اط إىل نوعــن‪ ،‬يشــمل األول‬
‫تلــك الــي جيــري تطويرهــا وتنصيبهــا داخــل املوقــع مــن قبــل مالكــه األصلــي‪ ،‬فيمــا يمثــل‬
‫ُ‬
‫النــوع الثــاين امللفــات الــي يتــم تطويرهــا مــن قبــل جهــات مهتمــة كــي تنصــب داخــل مواقــع‬
‫أخــرى بالتنســيق والشــراكة مــع ُمالكهــا (‪ .)Peterson:2013‬ويســاعد هــذا النمــط مــن التتبــع‬
‫الســلوكي مختلــف املواقــع اإللكرتونيـ�ة أو اجلهــات املرتبطــة بهــا علــى اســتنت�اج تفضيــات‬
‫واهتمامــات وأفــكار املســتخدمني‪ ،‬وبالتــايل ختصيــص رســائل تنســجم معهــا‪ ،‬وعــادة مــا‬
‫ُ‬
‫يتــم حفــظ هــذه البي�انــات يف مســتودعات ضخمــة تغــذى باســتمرار‪ ،‬أو يتــم ربطهــا بعناويــن‬
‫بروتوكــول ختــص حواســيب وهواتــف نقالــة محــددة بهــدف حصــد املزيــد منهــا‪ ،‬إمــا‬
‫الســتخدامها بشــكل حصــري‪ ،‬أو بيعهــا لوســطاء يعملــون علــى دمجهــا مــع بي�انــات أخــرى‬
‫مــن أجــل ترويجهــا وبيعهــا إىل شــركات أخــرى مهتمــة(*)(‪.)Zomorodi:2017‬‬
‫ّ‬
‫ونســتنتج ممــا ســبق أن البي�انــات الســلوكية اخلاصــة باملســتخدمني يف عالقتهــا‬
‫بالبعديــن االقتصــادي والتجــاري هــي املصــدر األول للــرحب عنــد العديــد مــن الشــركات‬
‫واملنصــات علــى شــبكة اإلنرتنــت‪ ،‬وأن البي�انــات أشــبه مــا تكــون بالبضاعــة الــي يتــم‬
‫تداولهــا لتحفــز تدفــق رأس المــال وضمــان اســتمراره‪ ،‬برغــم التداعيــات السياســية‬
‫واالجتماعيــة املرتتبــ�ة عــن حصــد البي�انــات دون أذن مــن أصحابهــا‪.‬‬

‫بالنســبة للشــركات الــي تعمــل علــى نطــاق عالــي بمــا يف ذلــك محــركات البحــث ومواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪ ،‬ترتتــب‬ ‫(*)‬

‫قيمــة اقتصاديــة كبــرة عــن جمــع بي�انــات ســلوكية لســببني‪ :‬األول أنــه كلمــا زاد حجــم البي�انــات الســلوكية املجمعــة عــن‬
‫املســتخدمني كلمــا تمكنــت مــن توجيــه إعالنــات مخصصــة تنســجم مــع اهتماماتهــم؛ أمــا الســبب الثــاين‪ ،‬وهــو مرتبــط‬
‫ومكمــل لــأول‪ ،‬فكلمــا تمكنــت هــذه الشــركات مــن تقديــم محتــوى علــى صلــة باهتمامــات املســتخدم‪ ،‬كلمــا أمكنهــا‬
‫االحتفــاظ بــه علــى منصتهــا‪ ،‬وبالتــايل زيــادة مســاحة اإلعــان إىل احلــد األقــى‪ ،‬مــع مــا يرتتــب عــن ذلــك مــن مراكمــة‬
‫ً‬
‫يف األربــاح‪ ،‬فمثــا ويف حالــة منصــات مثــل جوجــل وفيســبوك وتويــر‪ ،‬يمكــن رصــد تفاعــل املســتخدم مــع املحتــوى‬
‫(نقــر‪ ،‬إعجــاب‪ ،‬نتـ�اجئ حبــث‪ ،‬تفاعــل مــع صفحــة التغذيــة اإلخبارية‪...‬إلــخ)‪ ،‬ومــن ثــم تســجيل وحفــظ البي�انــات الســلوكية‬
‫ً‬
‫يف ملفــات‪ ،‬األمــر الــذي يســمح لهــا باســتهداف املســتخدمني باملحتــوى واإلعالنــات األكــر التصاقــا باهتماماتهــم‬
‫(‪.)Ghosh & Scott:2018‬‬

‫‪114‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫ً‬
‫وتنتهج العديد من الكيانات الدعائي�ة طرقا متنوعة يف جمع البي�انات السلوكية‬
‫ً‬
‫الالزمة إلعداد وختصيص رسائلها‪ ،‬فمثال تقوم جهة الدعاية بت�أسيس موقع أو مدونة‬
‫إلكرتوني�ة مزيفة على شبكة اإلنرتنت‪ ،‬ثم تزويدها بذات املضمون املنشور على صفحاتها‬
‫داخل مواقع الشبكات االجتماعية؛ بهدف استدراج تفاعل املستخدمني مع املضمون إىل‬
‫داخل املوقع أو املدونة‪ ،‬األمر الذي يسمح لها برصد وجمع البي�انات السلوكية الناجمة‬
‫ً‬
‫عن التفاعل بواسطة ملفات تعريف ارتب�اط منصبة مسبقا‪ .‬وهذه العملية أشبه بالطعم‪،‬‬
‫تتفادى فيها جهة الدعاية اللجوء إىل مؤسسات أخرى من أجل تزويدها بالبي�انات‬
‫واملعلومات املطلوبة لتخطيط رسائل الدعاية‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن الطرق أيضا تنصيب جهة الدعاية ملفات تعريف ارتب�اط على مواقع إلكرتوني�ة‬
‫مستقلة تنشر محتوى على صلة بأنشطتها؛ بهدف توسيع نطاق جمعها للبي�انات‬
‫السلوكية‪ ،‬كما يمكن لها احلصول على البي�انات عرب شرائها من وسطاء جتاريني أو شركات‬
‫ً‬
‫متخصصة‪ ،‬فمثال يوفر موقع فيسبوك خدمة تتيح له تتبع أنشطة األفراد على مواقع ويب‬
‫خارجية من خالل كائن�ات ارتب�اط منصوبة على صفحات املواقع تتخذ شكل رمز “أعجبين”‪،‬‬
‫ويتمكن فيسبوك عرب هذه اخلاصية من جمع بي�انات سلوكية عن أنشطة مستخدميه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫خارج فضاءه األزرق‪ ،‬أو ألفراد آخرين ال يمتلكون حسابا نشطا عليه‪ ،‬ومن ثم ربطها خبدمته‬
‫‪ ،Audience Network‬األمر الذي يتيح لعمالئه فرصة استهداف أفراد من خارج منصته‬
‫برسائل وإعالنات متنوعة (‪.)Toor:2016‬‬
‫واخلاصية اليت يوفرها فيسبوك ال تمنح العمالء بي�انات شخصية مجردة عن‬
‫ً‬
‫املستخدمني‪ ،‬ولكنها تتيح لهم دمجها يف خدمة اإلعالن اخلاصة به بطريقة فعالة جدا؛‬
‫ّ‬
‫ألنها تسمح بتصنيف وتقسيم اجلمهور إىل مجموعات ديموغرافية‪ ،‬ومن ثم تركزي الرسائل‬
‫على فئات من األفراد متوقع استجابتهم لها‪ ،‬حىت لو لم يمتلكوا صفحة خاصة على‬
‫فيسبوك (‪.)Vaas:2015‬‬
‫ً‬
‫وأخريا‪ ،‬جميع البي�انات السلوكية اليت جيري جمعها ترسم صورة دقيقة عن الفئات‬
‫املستهدفة احلالية أو املحتملة‪ ،‬فكلما زادت معرفة جهة الدعاية خبصائص اجلمهور‬

‫‪115‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫املستهدف وعاداته وتفضيالتهم‪ ،‬كلما كان من السهل عليها العثور عليهم ومن ثم خداعهم‬
‫وتضليلهم (‪.)Ghosh & Scott:2018‬‬
‫‪ .1‬البي�انات واالستهداف املخصص ‪Micro-targeting‬‬
‫ُيعــد اســتخدام البي�انــات واملعلومــات ألغــراض احلمــات ممارســة دعائيــ�ة‬
‫وسياســية شــائعة يف جميــع أحنــاء العالــم‪ ،‬والدعايــة املوجهــة الــي تتجاهــل مرحلــة التحليــل‬
‫والفهــم املتعمــق للمجموعــات املســتهدفة لــن حتقــق أي تأثــر‪ .‬وخــال اآلونــة األخــرة‪،‬‬
‫ً‬
‫أحــدث التقــدم التكنولــويج طفــرة هائلــة يف كميــة املعلومــات الــي يمكــن اســتخالصها‬
‫مــن البي�انــات‪ ،‬خاصــة تلــك املرتبطــة باســتخدامنا لشــبكة اإلنرتنــت ومواقــع الشــبكات‬
‫االجتماعيــة‪ ،‬ويمكــن جلهــة الدعايــة مــن خــال حتليــل رزمــة مختــارة مــن البي�انــات جبايــة‬
‫فهــم غــر مســبوق لســلوك اجلمهــور وآرائــه ومشــاعره‪ ،‬كمــا يتيــح لهــا تصنيفــه وتبويب ـ�ه‬
‫ضمــن فئــات‪ ،‬بهــدف صناعــة رســالة تســتجيب وتتمــايش مــع ميــول واجتاهــات كل فئــة‬
‫ً‬
‫علــى حــدة‪ ،‬فكلمــا كانــت املعلومــات املتاحــة عــن املجموعــة املســتهدفة أكــر تفصيــا كلمــا‬
‫اســتطاعت الدعايــة الهبــوط بالتأثــر إىل مســتوى الفــرد‪.‬‬
‫ويعتــر االســتهداف املخصــص أو الدقيــق ثــورة يف مجــال الدعايــة الرقميــة‪ ،‬فهــو‬ ‫ُ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يفــرض تغيــرا جذريــا يف كيفيــة تواصلهــا مــع اجلمهــور‪ .‬وهــو عمليــة اســراتيجية تهــدف‬
‫إىل التأثــر يف مســتخديم اإلنرتنــت ومواقــع الشــبكات االجتماعيــة عــر نقــل محفــزات‬
‫ومثــرات يتــم تصميمهــا بن ـ ً�اء علــى خصائــص الفــرد وتفضيالتــه وتفاعالتــه‪ .‬ويوصــف‬
‫بكونــه حتليــات تنبؤيــه تســاعد علــى جتزئــة اجلمهــور ومخاطبتــ�ه وفــق مجموعــة مــن‬
‫املعايــر‪ ،‬يرتكــز يف ذلــك علــى جمــع كميــات ضخمــة مــن البي�انــات تتيــح رســم صــورة‬
‫تفصيليــة عــن اجتاهــات املســتخدمني وميولهــم وخصائصهــم السياســية واالجتماعيــة‬
‫ً‬
‫والثقافيــة‪ .‬وعــادة مــا ُيســتخدم خــال احلمــات االنتخابي ـ�ة‪ ،‬مــن خــال قيــام التي ـ�ارات‬
‫احلزبيــ�ة املتن�افســة واجلهــات السياســية املعنيــ�ة برصــد توجهــات الناخبــن مــن‬
‫أجــل تصميــم رســائل إقناعيــة تتيــح إمكانيــ�ة التأثــر يف املخرجــات أو النتــ�اجئ النهائيــ�ة‬
‫(‪.)Papakyriakopoulos et al.:2018‬‬

‫‪116‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫ً‬
‫وترتاوح املعطيات اليت يتم جمعها يدويا أو عرب آليات التنقيب‪ ،‬بني بي�انات أولية‬
‫كأسماء املستخدمني وأعمارهم وعناوينهم‪ ،‬أو معلومات مفصلة حول آرائهم واجتاهاتهم‬
‫جتاه القضايا السياسية وغري السياسية‪ ،‬أو حول أنشطتهم االجتماعية وخلفياتهم‬
‫الثقافية‪ .‬وبعد إتمام عملية اجلمع‪ ،‬ختضع البي�انات للمعاجلة عرب خوارزميات تعلم اآللة‬
‫‪ ،Machine Learning Algorithms‬حبيث تعتمد دقة النت�اجئ على نوع اخلوارزمية املطبقة‬
‫خالل املعاجلة (تعلم خاضع لإلشراف‪ ،‬تعلم غري خاضع لإلشراف)‪ ،‬وفور ذلك يمكن‬
‫احلصول على تنبؤ أو توقع مسبق حول متغريات بعينها‪ ،‬كالنت�اجئ املحتملة‪ ،‬أو مؤشرات‬
‫التطابق داخل البي�انات‪ ،‬وهذا األخري يتيح للجهات السياسية أو الدعائي�ة كشف وتعقب‬
‫مجموعات فرعية من الناخبني يتشاركون سمات ديموغرافية وسلوكية مشرتكة‬
‫(‪ .)Barbu:2014‬ويف املرحلة األخرية وبن ً�اء على النت�اجئ يمكن ختطيط إجراءات تنفيذية للتأثري‬
‫يف كل مجموعة فرعية بأسلوب يؤدي إما إىل استقطاب أفرادها وتعبئتهم‪ ،‬أو تشتيتهم‬
‫وتفتيتهم‪.‬‬
‫ويعود استخدام االستهداف املخصص يف املجال الرقيم إىل العام ‪ 2000‬م‪ ،‬عندما‬
‫ُطبق بشكل محدود داخل احلزب اجلمهوري خالل حملة االنتخابات الرئاسية األمريكية‪.‬‬
‫ً‬
‫الحقا يف العام ‪ 2008‬م‪ ،‬وظفه احلزب الديمقراطي على نطاق جماهريي واسع األمر الذي‬
‫مهد لفوز مرشحه باراك أوباما بمقعد الرئاسة (‪ ،)Panagopoulos:2015‬ومنذ ذلك احلني‬
‫ً‬
‫وفرت الرقمنة املزتايدة للمجتمعات أرضا خصبة لتمدده كاسرتاتيجية سياسية ودعائي�ة‪.‬‬
‫وجتدر اإلشارة هنا إىل أسبقية ظهوره على اإلنرتنت ومواقع الشبكات االجتماعية وآليات‬
‫حتليل البي�انات الضخمة‪ ،‬ومع ذلك فإن الدقة اليت يمكن أن يدار بها االستهداف يف العصر‬
‫الرقيم أحدث قفزة غري مسبوقة (‪ ،)IDEA:2018‬فخالل العقد األخري انتشرت بشكل كبري‬
‫بصمات رقمية لغالبي�ة مستخديم اإلنرتنت‪ ،‬ما أتاح لعدة جهات تتصدرها شركات جتارية‬
‫جمع كميات هائلة من البي�انات الشخصية من أجل اإلجتار بها ألغراض سياسية ودعائي�ة‬
‫(‪.)Ibid‬‬
‫وترد أهمية االستهداف املخصص إىل قدرته ختطي العقبات اليت تفرضها أنماط‬
‫احلمالت الدعائي�ة واالنتخابي�ة التقليدية على الصعيدين االفرتايض والفعلي‪ ،‬فهو‬

‫‪117‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫يستطيع رصد ميول واهتمامات الناخبني بشكل شبه كلي‪ ،‬وبالتايل إدخال حتسين�ات‬
‫على صورة اجلهة الراعية بطريقة تتوافق مع نت�اجئ الرصد (‪.)Bond & Messing:2015‬‬
‫عالوة على ذلك تستطيع احلملة حتايش انفضاض قطاع من اجلمهور حال تعميمها‬
‫لرسائل جماعية محملة بموضوعات خالفية‪ ،‬لذلك تفضل ختصيص رسائل مباشرة لكل‬
‫فئة على حدة (‪ .)Woo:2015‬مزية أخرى تتمثل يف إمكاني�ة استهدافه طائفة واسعة ومتنوعة‬
‫ً‬
‫من اجلماهري‪ ،‬بدال من التقيد خبصائص ديموغرافية محددة‪ ،‬هذا إىل جانب توفريه منهجية‬
‫استقراء يمكن من خاللها تفادي تلك القرارات اليت تعتمد فقط على استطالعات الرأي‪،‬‬
‫ً‬
‫واليت غالبا ما يثبت عدم دقتها (‪.)Panagopoulos:2015‬‬
‫ومن العقبات اليت تواجه تطبيق االستهداف املخصص‪ ،‬غياب رقمنه املجتمعات‪،‬‬
‫والقيود القانوني�ة املفروضة على عملية جمع بي�انات املواطنني‪ ،‬ونستثين من ذلك مواقع‬
‫الشبكات االجتماعية اليت تسمح حبصد بي�انات مستخدميها طالما ال تضر بمصاحلهم‪ ،‬أو‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ال تشكل تهديدا لهم‪ ،‬وهذا حتديدا ما جيعل منها أرضا خصبة لتنفيذ االستهداف املخصص‪،‬‬
‫إضافة مع ما توفره من مساحة اتصال مباشر بني جهة الدعاية واملستخدمني‪ .‬وليس‬
‫ً‬
‫اإلطارين التكنولويج والقانوين ما يقفا عائقا أمام االستهداف املخصص‪ ،‬فتحزي البي�انات‬
‫يمكن أن يهدد دقة التوقعات‪ ،‬أو أن يؤدي إىل انتهاج مسار تنفيذي خاطئ‪ ،‬ويرد السبب إىل‬
‫غياب التطابق بني العاملني االفرتايض والفعلي‪ ،‬وعدم اعتب�ار اآلراء اليت تتجلى على الفضاء‬
‫الشبكي هي ذاتها على أرض الواقع‪ ،‬فاالنطباعات املرتتب�ة عن نشاط مجموعة سياسية‬
‫ما قد ال تعكس توجه عام حقيقي وقاعدي عند األغلبي�ة الشعبي�ة (‪،)Ruths & Pfeffer:2014‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كما أن الرأي ُ‬
‫المعرب عنه افرتاضيا قد ال يعكس موقفا سياسيا سائدا حقيقيا ومتماسكا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فالضغط على زر اإلعجاب ال يعين صوتا انتخابي�ا (‪.)Hegelich & Shahrezaye:2015‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وبرغم الفوائد املرتتب�ة عن االستهداف املخصص إال أن له وجها سلبي�ا يفيض إىل‬
‫العديد من املخاطر والتهديدات‪ ،‬وهي ترتاوح بني احتمال جمع جهات سياسية لبي�انات‬
‫شخصية بكميات تفوق حاجتها‪ ،‬وبني إمكاني�ة تالعب اخلوارزميات بما يراه ويقرأه‬
‫اجلمهور سيما مع املوضوعات اخلالفية‪ ،‬األمر الذي قد يؤثر على ملكة األفراد النقدية‪،‬‬
‫وقدرتهم على التميزي بني احلقيقي واملزيف‪ .‬وال يقف األمر هنا بل يتعداه حنو هواجس‬

‫‪118‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫مرتبطة بتهميش وتغييب قطاع من اجلمهور عرب صد حركة تدفق املعلومات خاصة خالل‬
‫ّ‬
‫احلمالت االنتخابي�ة‪ ،‬كما أن احتكار البي�انات من قبل جهة حزبي�ة يمكن أن يشوش على‬
‫مساحة التن�افس الشريف املتاحة بني األحزاب‪ .‬باإلضافة إىل ما سبق‪ ،‬ترتبط املخاوف‬
‫ً‬
‫باحتمال توظيف االستهداف املتخصص يف حمالت التضليل‪ ،‬اليت تستهدف غالبا صناعة‬
‫تصورات مزيفة من خالل التأثري يف منظومة اإلدراك اخلاصة باملستخدمني (‪.)IDEA:2018‬‬
‫‪ .2‬كيفية اشتغال االستهداف املخصص ومراحله‬
‫يتطلب الوصول إىل الفئات املستهدفة مراعاة عدة خطوات‪ ،‬تب�دأ جبمع البي�انات‬
‫وتنتهي باختي�ار القنوات االتصالية املالئمة لتحقيق الهدف‪ .‬ويف اآلونة األخرية أتاح‬
‫االستخدام اجلماهريي الكثيف ملواقع الشبكات االجتماعية إمكاني�ة بلوغ فئات من األفراد‬
‫ً‬
‫لم يكن ممكنا بلوغه خالل أزمنة سبقت‪ ،‬لهذا ويمر االستهداف املتخصص بعدة مراحل‬
‫على الرتتيب اآليت‪:‬‬
‫أ‪.‬جمع البي�انات وتصنيف اجلمهور‪ :‬تعتمد عملية اجلمع على ثالثة مصادر‪ ،‬يتم من‬
‫ً‬
‫خاللها حصد البي�انات وختزينها يف مجموعات متن�اسقة‪ ،‬بعيدا عن التكديس الفوضوي‪.‬‬
‫ويتمثل املصدر األول يف البي�انات العامة‪ ،‬واليت يمكن حتصيلها من قواعد البي�انات‬
‫احلكومية أو جلان االنتخابات أو مؤسسات اإلحصاء‪ ،‬يف حني تشكل محركات البحث‬
‫واملواقع اإللكرتوني�ة وخدمات الربيد اإللكرتوين ومواقع الشبكات االجتماعية وغريها‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مصدرا ثاني�ا للبي�انات‪ ،‬بينما يتجسد املصدر الثالث يف الشركات واملؤسسات التجارية‬
‫اليت تقوم على جمع البي�انات ألغراض التسويق والرتويج‪ .‬وبعد االنتهاء من مرحلة‬
‫اجلمع والتخزين‪ ،‬ختضع البي�انات للتحليل‪ ،‬وبن ً�اء على النت�اجئ ُيصنف ويقسم اجلمهور إىل‬
‫مجموعات وفئات صغرية‪ ،‬حبسب خصائص الشخصية وامليول واالجتاهات واالهتمامات‬
‫ّ‬
‫وغريها‪ ،‬ومن اجلدير ذكره هنا أن جناح االستهداف املخصص يعتمد بدرجة كبرية على‬
‫مدى دقة التصنيف‪ ،‬الذي يعتمد بدوره على حجم البي�انات املجمعة‪ .‬فعلى سبي�ل املثال‬
‫يتيح القانون لألحزاب األمريكية احلصول على بي�انات مكثفة تصل حىت مستوى الفرد‪،‬‬
‫لذلك يستطيع كل من احلزبني اجلمهوري والديمقراطي الوصول إىل األفراد واستهدافهم‬

‫‪119‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫بشكل دقيق‪ ،‬أما يف ألماني�ا اليت ال تتيح الهبوط بمستوى جمع البي�انات إىل حد األفراد‪،‬‬
‫فاالستهداف فيها أقل دقة مقارنة بالواليات املتحدة (‪.)Ibid‬‬
‫ب‪ .‬تصميم رسائل مخصصة‪ :‬تساعد املعلومات املستخلصة من البي�انات على‬
‫تقديم مؤشرات حول اهتمامات اجلمهور وأنماط سلوكه جتاه قضايا معين�ة‪ .‬هذا األمر‬
‫يساعد جهة الدعاية على صياغة رسائل مخصصة لكل فئة على حدة‪ ،‬تستجيب‬
‫خلصائص األفراد املندرجني حتتها‪ ،‬وهنا تستطيع جهة الدعاية التواصل مباشرة مع‬
‫األفراد حول املوضوعات اليت تثري اهتماماتهم‪ ،‬وبواسطة القناة املحبب�ة إليهم‪ ،‬واللغة اليت‬
‫قد حتفز استجابة لديهم‪ .‬وما سبق يمكن حتقيقه من خالل تطبيق اختب�ار ‪ ،A/B‬عرب إرسال‬
‫نسخ مختلفة من ذات الرسالة إىل فئة من اجلمهور للوقوف على النسخة اليت تستطيع‬
‫حتقيق استجابة أكرب‪ .‬وال يتوقف االستهداف املخصص عند القدرة على إيصال الرسائل‬
‫إىل الفئات املستهدفة‪ ،‬بل يتعداه حنو جمع مدخالت اجلمهور من املعلومات‪ ،‬فمن خالل‬
‫تنفيذ استطالعات‪ ،‬وإجراء اختب�ارات حول الصيغ األنسب للرسائل‪ ،‬يستطيع االستهداف‬
‫املخصص حتديد املوضوعات اليت حتظى باهتمام اجلمهور‪ ،‬والرسائل اليت تستجيب بشكل‬
‫أفضل لهذه االهتمامات‪.‬‬
‫ج‪ .‬قنوات إيصال الرسائل‪ :‬ويقصد بها الطريقة اليت يتم بموجبها إيصال الرسائل‬
‫إىل الفئات املستهدفة‪ .‬وهي عملية تكاملية ال جهد منعزل بني املشتغلني يف الواقع‬
‫ً‬
‫االفرتايض والفعلي‪ .‬واختي�ار القنوات ليس باليشء اليسري‪ ،‬إذ تتطلب فهما خلصائص‬
‫كل قناة‪ ،‬وكيفية تعاطي اجلمهور معها‪ .‬وتتنوع قنوات ايصال الرسائل‪ ،‬بني مواقع‬
‫الشبكات االجتماعية كفيسبوك وتويرت‪ ،‬وبني خدمات الربيد اإللكرتوين والهاتف والتلفاز‬
‫واإلذاعة‪ ،‬بالتوازي مع اجلهود امليداني�ة‪ ،‬سواء عرب تنظيم الزيارات املزنلية أو االلتقاء‬
‫باألفراد يف األماكن العامة‪.‬وتتطلب هنا التنسيق بني اجلهدين امليداين واالفرتايض‪ ،‬إذ‬
‫يفيد أحدهما اآلخر على صعيد اتساق وانسجام الرسالة‪ ،‬وعلى مستوى حتديد أسلوب‬
‫ً ّ‬
‫االحتكاك األفضل مع كل فئة جماهريية‪ .‬ومن الضروري ذكره أيضا أن آلية االستهداف‬
‫املخصص توفر جلهة الدعاية بي�انات كافية تيسر من جهودها يف مجال بث الرسائل‪،‬‬

‫‪120‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫مثل حتديد الوسيلة األكرث فعالية يف أوقات الذروة اجلماهريية‪ ،‬واحلسابات اخلاصة‬
‫باألفراد‪ ،‬وأرقام الهواتف‪ ،‬وعناوين الربيد اإللكرتوين‪...‬إلخ‪.‬‬
‫‪ .3‬االستهداف باملنشورات اخلفية ‪Dark Posts‬‬
‫ُيقصد باملنشورات اخلفية‪ ،‬تلك الرسائل أو املنشورات أو اإلعالنات املمولة اليت‬
‫تستهدف فقط فئة مختارة من املستخدمني‪ ،‬غري مرئي�ة إال لهذه الفئة‪ ،‬وال يستطيع‬
‫مستخدم آخر مشاهدتها أو التعرض لها طالما بقي خارج دائرة االستهداف‪ .‬وهي منشورات‬
‫يتم إنشاؤها من خالل حساب دون أن تظهر على هذا احلساب‪ ،‬ومتاحة فقط جلمهور‬
‫معني من املستخدمني (‪ .)McLoughlin & Ward: 2019‬وهي محتوى ذو مظهر طبيعي ال تتم‬
‫مشاركته بشكل عضوي أصيل ‪ ،Organic‬ولكن يتم إنشاؤه بشكل مدفوع ‪ Paid‬لتحقيق‬
‫أهداف مقصودة‪ .‬ويوفر املحتوى اخلفي جلهة الدعاية إمكاني�ة التحكم بتوزيع وانتشار‬
‫ً‬
‫رسائلها عرب قصرها على فئة مختارة من املستخدمني‪ ،‬فمثال يمكن للدعاية إرسال محتوى‬
‫جلمهور داخل يح يف مدين�ة القاهرة‪ ،‬دون أن يتمكن مستخدمني من اليح اآلخر املالصق‬
‫من رؤيتها‪ ،‬ويطلق على هذا النوع اسم االستهداف باملحتوى حسب التوزيع اجلغرايف‬
‫(الشبكي) ‪ ،Geo-targeted Posts‬ويوجد نوع آخر يسىم االستهداف القائم على التشابه‬
‫‪ ،Lookalike Audiences‬ويسمح بنشر وتوجيه محتوى خفي ألفراد يتشاركون خصائص‬
‫وسمات متشابهة مع أشخاص آخرين‪ .‬ويعتمد املحتوى اخلفي يف انتشاره على طبيعة‬
‫ً‬
‫البي�انات واملعلومات املتوفرة حول اجلمهور املستهدف‪ ،‬فمثال يقدم موقع فيسبوك نوعني‬
‫منها‪:‬‬
‫‪ -‬معلومات يوفرها املستخدم عن ذاته‪ :‬وتشمل بي�انات ديموغرافية أولية حول‬
‫السن واجلنس والعمل واللغة والتعليم والسكن والهواية ومجال االهتمام وغريها‪.‬‬
‫‪ -‬معلومات مستخلصة‪ :‬ويتم االستدالل عليها من طريقة وأسلوب تفاعل‬
‫املستخدم مع املحتوى أو الصفحات داخل فيسبوك وخارجه سواء باإلعجاب أو املشاركة‬
‫أو التسجيل وغريها؛ فعلى سبي�ل املثال تستطيع جهة الدعاية استهداف فئة من اجلمهور‬
‫بن�اء على امليول السياسية اليت جرى استخالصها‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫ُ‬
‫وتنسب فكرة املحتوى اخلفي إىل موقع فيسبوك عندما طور خدمة استهداف تسىم‬
‫“املحتوى غري املنشور ‪ ،”Unpublished Posts‬وخصصه للشركات التجارية ومجموعات‬
‫الناشرين اليت ترغب يف عدم ظهوره على صفحاتها اخلاصة أو جميع املستخدمني‪ ،‬ولكن‬
‫لفئة مختارة فقط‪ .‬وترد خطورة املحتوى اخلفي إىل صعوبة رصد مضمونه وموضوعه‬
‫أو فكرته‪ ،‬وبالتايل استحالة التعرف على االسرتاتيجية الدعائي�ة املتبعة أو حجم اإلنفاق‬
‫ً‬
‫املخصص له‪ ،‬كما أن التحقق وكشف اجلهة اليت تقف خلفه وترعاه صعب جدا‪ .‬وبرغم‬
‫الفائدة املرتتب�ة عن املحتوى اخلفي خالل املنافسات االنتخابي�ة‪ ،‬إال أنه يساعد على‬
‫انتشار املعلومات املضللة‪ ،‬سيما للفئات املشوشة من الناخبني ودون أن يدرك أحد ذلك‬
‫(‪ .)Goodman et al.:2017‬ويشري تقرير صادر عن مؤسسة ‪ Full Fact‬إىل املخاطر املرتتب�ة عن‬
‫املحتوى اخلفي‪ ،‬خاصة ما يتعلق حبياة وسالمة األفراد‪ ،‬فهو قادر بأسلوب عاطفي على‬
‫إثارة غضب الفئة املستهدفة سيما إذا ما كانت مهيئ�ة ملمارسة العنف (‪.)Full Fact: 2018‬‬
‫و يعكس املحتوى اخلفي مخاطر تتعلق بإمكاني�ة ممارسة كيانات خارجية لعمليات‬
‫تأثري تستهدف جماهري محلية بشكل يصب يف خدمة أهدافها غري املعلنة‪ .‬ويف هذا الصدد‬
‫نشري إىل ما كشفته نت�اجئ التحقيقات اخلاصة حول التدخل الرويس يف االنتخابات األمريكية‬
‫عام ‪2016‬م‪ ،‬حيث أظهرت املعطيات صرف مبالغ مالية تعدت ‪ 100‬ألف دوالر‪ ،‬خصصت‬
‫لنشر محتوى خفي بغرض التأثري يف النت�اجئ‪ ،‬وتربط العديد من املصادر هذا اإلنفاق‬
‫بالعمليات املعلوماتي�ة الروسية املوجهة إىل داخل الساحة األمريكية (‪.)Weedon et al.:2017‬‬
‫‪ .4‬نموذج شركة ‪Cambridge Analytica‬‬
‫ً‬
‫من الناحية التاريخية‪ ،‬تعد الدعاية أداة للتأثري على املستوى اجلمعي ‪Macro‬؛ فالرسالة‬
‫هي ذاتها لعموم اجلمهور‪ .‬لكن اليوم‪ ،‬انتقلت العدوى لتهبط إىل درجة أدىن ‪ ،Micro‬حبيث‬
‫باتت الرسائل شخصية على حنو كبري‪ .‬واحلالة اليت سنتعرض لها هي مثال معاصر على‬
‫كيفية توظيف االستهداف املخصص بغرض حتصيل نت�اجئ مرغوبة على مستوى احلمالت‬
‫االنتخابي�ة؛ سيما ما يتعلق باستهداف قطاعات صغرى ومنتقاة من املستخدمني‪ .‬وبالعودة‬
‫ً‬
‫للوراء قليال‪ ،‬شهد العام ‪2016‬م حدثني عامليني بارزين‪ ،‬تمثل األول يف انتخاب مرشح‬

‫‪122‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫احلزب اجلمهوري دونالد ترامب لرئاسة الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬وجتسد اآلخر يف قرار‬
‫بريطاني�ا االنسحاب من االحتاد األورويب‪ .‬وخطورة احلدثني ال يرتبط بنتيجتهما املفاجأة‪،‬‬
‫بل يف االسرتاتيجية االتصالية املتبعة‪ ،‬واجلهة اخلفية صاحبة املسؤولية‪ .‬وما سبق يدفعنا‬
‫للحديث إىل دور شركة كامربيدج أناليتيكا يف حتقيق مالم تتوقعه استطالعات الرأي حينها‪.‬‬
‫ً‬
‫وباحلديث عن التأسيس ومسار التطور‪ ،‬علين�ا أوال العودة إىل العام ‪2008‬م‪،‬‬
‫عندما اكتشف باحثان من جامعة كامربيدج هما دافيد ستلمان “‪”David Stillman‬‬

‫ومايكل كوسنسكي “‪ ”Michal Kosinski‬بأن سلوكيات املستخدمني يف البيئ�ة االفرتاضية‬


‫ً‬
‫بالتوازي مع بي�انات القياس النفيس ‪ Psychometric‬مفيدتان جدا يف مجال التنبؤ بسمات‬
‫الشخصية وخصائصها؛ سواء من حيث العرق‪ ،‬واجلنس‪ ،‬واالنتماء وغريها (‪.)Cook:2019‬‬
‫ً‬
‫الحقا‪ ،‬يف العام ‪ ،2011‬تعاون باحث آخر من ذات اجلامعة يدعى الكسندر كوجان‬
‫“‪ ،”Aleksandr Kogan‬مع فيسبوك يف إعداد دراسة حول “الصدقات”‪ ،‬حيث قام املوقع‬
‫بتوفري بي�انات عن ‪ 57‬مليار رابط صداقة تمت على منصته‪ .‬وباالعتماد على النت�اجئ‪،‬‬
‫خصص فسيبوك خدمة تسىم “أذونات األصدقاء”‪ ،‬تسمح للمطورين من خارج املوقع‬
‫جمع كميات كبرية من املعلومات حول املستخدمني وأصدقائهم (‪.)Anderson:2017‬‬
‫ونتيجة اندماج مئات التطبيقات مع موقع فيسبوك‪ ،‬تمكنت عدة شركات من حصد‬
‫ً‬
‫كميات هائلة من املعلومات مستفيدة من اخلدمة (‪ .)Cook:2019‬وبالقفز إىل العام ‪،2013‬‬
‫نشر كوسنسكي وزمالءه حبث حول نموذج جديد يتيح ربط سلوكيات “اإلعجاب”‬
‫على فيسبوك بدرجات اختب�ار ‪ OCEAN‬املخصص لقياس معيار اجتاه الشخصية(*)‪.‬‬
‫وعرب الربط‪ ،‬تمكن الفريق من جمع بي�انات تتعلق بمعتقدات املستخدمني السياسية‬
‫وسماتهم الشخصية وميولهم اجلنسية‪ ،‬فقط باالستن�اد على خاصية “اإلعجاب”(*)‪.‬‬

‫(*)‬ ‫‪Openness to Experience, Conscientiousness (Work Ethic), Extraversion, Agreeableness, Natural Reactions.‬‬
‫ً‬
‫وفقــا ملجلــة ‪ Das‬يف زيــورخ‪ ،‬الــي تن�اولــت حبــث ‪ Kosinski‬يف أواخــر عــام ‪ ،2016‬فإنــه عــر ‪ 10‬إعجابــات فقــط يمكــن للنمــوذج‬ ‫(*)‬

‫تقييــم شــخصية الفــرد أفضــل مــن تقييــم زميــل لــه يف العمــل‪ .‬وعــر ‪ 70‬إعجــاب فقــط‪ ،‬يمكــن للنمــوذج معرفــة الشــخص‬
‫أكــر مــن صديقــه‪ .‬وعــر ‪ 150‬إعجــاب؛ فالنمــوذج قــادر علــى تقييــم الفــرد أفضــل مــن والديــه‪ .‬ومــع ‪ 300‬إعجــاب فــإن نموذج‬
‫‪ Kosinski‬يمكــن أن يتنب ـ�أ بســلوك الشــخص أكــر مــن زوجتــه‪ .‬ومــع إعجابــات أكــر يمكــن للنمــوذج أن يقيــم الشــخص‬
‫بشــكل يتجــاوز قــدرة الشــخص علــى تقييــم نفســه‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫ً‬
‫تصادف يف ذات العام تأسيس كال من كريستوفر ويلي “‪ ”Christopher Wylie‬وزميله الكسندر‬
‫نكس“‪،”AlexanderNix‬لكامربيدجأناليتيكاكشركةتابعةملجموعة‪،SCL‬اليتيتمحور اهتمامها‬
‫ً‬
‫يفمجالاالتصالاالسرتاتييج‪،‬وحتديدايفإدارةنت�اجئاالنتخاباتأوالتأثريفيهاعلىنطاقعاليم‬
‫(‪ .)Anderson & Horvath:2017‬فمن خالل توظيف تقني�ات تنقيب وحتليل معقدة‪ ،‬تركزت‬
‫مهام املجموعة على تقديم نصاحئ للحكومات واملؤسسات العسكرية فيما يتعلق بربامج‬
‫التغيري السلوكي‪ .‬لم يمض وقت طويل‪ ،‬حىت طلب كوجان من كوسنكيس ترخيص‬
‫نموذجه لصالح مجموعة ‪ ،SCL‬إال أن األخري رفض الطلب‪.‬‬
‫ً‬
‫ووفقــا لتحقيــق أجرتــه صحيفــة اجلارديان‪-‬وبعــد فــرة مــن رفــض كوسنســكي‬
‫‪-‬قامــت مجموعــة ‪ SCL‬بالتعــاون مــع كوجــان باستنســاخ اختبــ�ار ‪ ،OCEAN‬ثــم عمــدت‬
‫علــى تطبيقــه علــى مجموعــة مــن عمــال شــركة أمــازون مقابــل دوالر واحــد‪ ،‬بشــرط‬
‫إتاحــة كامــل بي�اناتهــم الشــخصية املوجــودة علــى فيســبوك‪ .‬لكــن مــا لــم يعلمــه‬
‫ً‬
‫العمــال‪ ،‬أن االختبــ�ار حصــد أيضــا بي�انــات أصدقائهــم‪ .‬وبعــد مــرور عــام‪ ،‬انفصــل‬
‫كوجـ�ان عـ�ن املجموعـ�ة‪ ،‬وأسـ�س مـ�ع صديـ�ق لـ�ه جوزيـ�ف تشانسـ�يلو ر “�‪Joseph Chan‬‬
‫ً‬
‫‪ ،”cellor‬شــركة ‪ ،GSR‬الــي وقعــت عقــدا مــع شــركة كامربيــدج أناليتيــكا لتصميــم‬
‫تطبيــق مهمتــه جمــع بي�انــات ســيكومرتية عــن مســتخديم فيســبوك (‪.)Anderson:2017‬‬
‫وبن ـ�اء علــى العقــد‪ ،‬تمكــن الصديقــان مــن اســتخراج بي�انــات ختــص ‪ 270‬ألــف مســتخدم‬
‫بالتــوازي مــع بي�انــات أصدقائهــم‪ ،‬شــملت معلومــات تتعلــق بتحديثــ�ات احلالــة‪،‬‬
‫والرســائل اخلاصــة‪ ،‬واإلعجابــات‪ ،‬حبيــث شــكلت يف النهايــة لقاعــدة بي�انــات ختــص‬
‫‪ 87‬مليــون مســتخدم‪ .‬بدورهــا اســتثمرت كامربيــدج أناليتيــكا بي�انــات كوجــان كقاعــدة‬
‫ً‬
‫إلطــاق نموذجهــا اخلــاص‪ ،‬دون االعتمــاد علــى اختب ـ�ار ‪ OCEAN‬الطويــل‪ .‬الحقــا عــرض‬
‫ويلــي ونكــس إمكاني ـ�ات وقــدرات الشــركة علــى ســتيف بانــون “‪ ”Steve Bannon‬وروبــرت‬
‫مريســر “‪ ،”Robert Mercer‬ليتلقــوا علــى إثــره دعــم مــايل علــى شــكل اســتثمار بلــغ حــوايل ‪18‬‬
‫مليــون دوالر (‪ .)Cook:2019‬ومــن هنــا‪ ،‬انطلقــت الشــركة حنــو شــراء بي�انــات إضافيــة توفرهــا‬
‫شــركات أخــرى متخصصــة مثــل عــادات التســوق‪ ،‬املتاجــر والكنائــس الــي يتــم زياراتهــا‬
‫والــردد عليهــا‪ ،‬العقــارات اململوكــة‪ ،‬املجــات الــي يتــم االشــراك بهــا‪ ،‬ثــم قامــت بإحلاقهــا‬

‫‪124‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫إىل مســتودعها األصلــي‪ ،‬وأضافــت عليهــا بي�انــات قوائــم الناخبــن‪ ،‬وبي�انــات أخــرى متاحــة‬
‫ً‬
‫علــى اإلنرتنــت‪ ،‬ودمجتهــم جميعــا داخــل نمــوذج يضــم ملفــات مالمــح نفســية شــخصية‬
‫ألكــر مــن ‪ 250‬مليــون مســتخدم يف الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬ختضــع لتحديــث دوري‬
‫منتظــم (‪.)Anderson:2017‬‬
‫هــذه امللفــات أتاحــت للشــركة فرصــة التنبؤ بتوجهــات املســتخدمني‪ ،‬وبالتــايل توجيه‬
‫ســلوكهم باالعتمــاد علــى حتليــل أنمــاط الشــخصية وآليــات االســتهداف املخصــص‪.‬‬
‫فعلــى ســبي�ل املثــال‪ ،‬قامــت حملــة ترامــب يف العــام ‪2016‬م بالتعــاون مــع شــركة كامربيــدج‬
‫أناليتيــكا‪ ،‬بتحميــل ملفــات الناخبــن (اســمائهم‪ ،‬عناوينهــم‪ ،‬تاريخهــم االنتخــايب) مــن‬
‫علــى فيســبوك‪ ،‬ومــن خــال توظيــف خاصيــة ‪ LookalikeAudiences‬اســتطاعت خوارزميــة‬
‫فيســبوك حتديــد املســتخدمني‪ -‬أفــراد اشــركوا يف النشــرات اإلخباريــة اخلاصــة برتامــب‪،‬‬
‫أو اشــروا قبعــات خاصــة حبملتــه‪ -‬الذيــن جتمعهــم آراء مشــركة وســمات متماثلــة جتــاه‬
‫حملــة ترامــب‪ ،‬ثــم خصصــت رســائل حتفزييــة تســتهدفهم فقــط (‪ .)Cook:2019‬وبالتــوازي‬
‫مــع نشــرها رســائل تشــهريية ومعلومــات مفربكــة حبــق مرشــحة احلــزب الديمقراطــي‬
‫ً‬
‫هيــاري كلينتــون‪ ،‬قامــت الشــركة أيضــا بتوظيــف بي�اناتهــا يف إعــداد رســائل تســتهدف‬
‫األمريكيــن مــن أصــل أفريقــي حلثهــم علــى عــدم املشــاركة يف االنتخابــات أو عــدم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫التصويــت لهيــاري‪ ،‬خاصــة يف الواليــات الــي تشــهد تن�افســا محمومــا‪ ،‬وذلــك عــر‬
‫ً‬
‫اســتخدام تقنيـ�ة املحتــوى اخلفــي‪ .‬فمثــا‪ ،‬كشــف مقــال منشــور علــى صحيفــة نيويــورك‬
‫تايمــز عــن اســتخدام حملــة ترامــب للمنشــورات اخلفيــة بهــدف التأثــر يف نســبة مشــاركة‬
‫مؤيــدي احلــزب الديمقراطــي يف االنتخابــات؛ حيــث قامــت بإرســال محتــوى مخصــص‬
‫لفئــة مــن األمريكيــن مــن أصــل أفريقــي تذكرهــم بالوصــف العنصــري الــذي صــدر عــن‬
‫هيــاري كلينتــون حبــق أحــد الشــباب‪ ،‬كمــا أرســلت رســائل مخصصــة ألفــراد مــن يح‬
‫“هايــي” يف مدينـ�ة ميــايم تســتدعي إىل األذهــان فشــل مؤسســة كلينتــون يف التعاطــي مــع‬
‫تداعيــات زالزل العــام ‪2010‬م (‪.)Funk:2016‬‬
‫باإلضافــة إىل مــا ســبق‪ ،‬وصــف الربوفســور جوناثــن الربيــت “‪ ”Jonathan Albright‬مــا‬
‫قامــت بــه شــركة كامربيــدج أناليتيــكا بكونــه تالعــب غــر مــريئ‪ ،‬يعتمــد علــى االصطيــاد‬

‫‪125‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫بنـ ً�اء علــى شــخصية الناخــب الفرديــة‪ ،‬بهــدف خلــق حتــوالت كــرى يف الــرأي العــام‪ ،‬ســاعد‬
‫علــى حتقيــق ذلــك أســراب الروبــوت‪ ،‬ومنشــورات فيســبوك اخلفيــة‪ ،‬واختب ـ�ارات ‪،)*(A/B‬‬
‫جبانــب الشــبكات اإلخباريــة املزيفــة‪ .‬وكشــفت صحيفــة اجلارديــان عــن بــث حملــة‬
‫ً‬
‫ترامــب مــا بــن ‪ 40‬إىل ‪ 50‬ألــف نــوع مختلــف مــن اإلعالنــات املوجهــة يوميــا‪ ،‬حبيــث تتمكن‬
‫مــن خاللهــا قيــاس شــكل وطبيعــة االســتجابة‪ ،‬وبالتــايل تطويــر محتــوى الرســائل أو‬
‫ً‬
‫االســتفادة منهــا يف مجــال توجيــه احلملــة علــى املســتوى امليــداين (‪ .)Anderson:2017‬مثــا‪،‬‬
‫ً‬
‫رصــدت حملــة ترامــب تفاعــل بعــض املســتخدمني داخــل واليــات محســوبة تقليديــا علــى‬
‫الديموقراطيــن (ميشــيغن‪ ،‬بنســلفاني�ا‪ ،‬ويسكنســون)‪ ،‬وبنـ�اء عليــه قــررت تنظيــم جولــة‬
‫ً‬
‫ميدانيـ�ة لرتامــب تســتهدف مواقــع محــددة داخــل هــذه الواليــات‪ ،‬األمــر الــذي أســفر الحقــا‬
‫عــن حســمها لصاحلــه بهامــش ضئي ـ�ل (‪.)Funk:2016‬‬
‫ً‬
‫أخــرا‪ ،‬وفــور انقضــاء االنتخابــات وفــوز ترامــب‪ ،‬تعرضــت شــركة كامربيــدج أناليتيــكا‬
‫ومــن خلفهــا فيســبوك لهــزات عنيفــة‪ ،‬كان مــن نت�اجئهــا إفــاس الشــركة‪ ،‬وهبــوط أســهم‬
‫املوقــع بنســبة ‪ ،24%‬إىل جانــب تعطيــل نشــاط أكــر مــن ‪ 200‬تطبيــق داخــل فيســبوك‪.‬‬
‫وبرغــم انكشــاف أمــر الشــركة‪ ،‬وتأكيــد تالعبهــا لصالــح ترامــب‪ ،‬تواصــل مجموعــة ‪SCL‬‬

‫االســتفادة مــن البي�انــات الــي ُحصــدت مــن فيســبوك‪ ،‬حــى أنهــا أبرمــت عقــد عمــل مــع‬
‫وزارة اخلارجيــة األمريكيــة عــام ‪2017‬م‪.‬‬
‫ب‪.‬األتمتة “التشغيل اآليل” ‪Automation‬‬
‫ً‬
‫التشغيل اآليل أو األتمتة أو امليكنة‪ ،‬مصطلح ُمعرب يطلق على أي أداة تعمل ذاتي�ا‬
‫ً‬
‫دون تدخل من اإلنسان‪ .‬وهي عملية تتيح للدعاية االعتماد على اجلهد الربميج بدال من‬
‫البشري‪ .‬والدعاية يف عالقتها باألتمتة ليست جهد ميكانيكي باملعىن احلريف للكلمة‪ ،‬كما‬
‫هو احلال مع آالت املصانع‪ ،‬لكن وجود احلاسوب والشبكات واإلنرتنت أتاح لها تنفيذ‬

‫اختبــ�ار ‪ :A/B‬يســمح باختبــ�ار اثنــن مــن املتغــرات (رســالتان) للكشــف عــن الرســالة أو املتغــر األكــر فعاليــة‪ .‬وعــر‬ ‫(*)‬

‫االختبـ�ار يمكــن صياغــة نوعــن مــن الرســائل‪ ،‬ونشــرها علــى عينـ�ة محــدودة مــن اجلمهــور‪ ،‬ثــم حتصيــل نتـ�اجئ حــول الرســالة‬
‫األفضــل بالنظــر إىل معايــر التفاعــل معهــا كالنقــر أو اإلعجــاب‪ ،‬ومــن ثــم جيــري اعتمــاد نســخة الرســالة األنســب وتعميمهــا‬
‫علــى بــايق اجلمهــور‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫أنشطتها عرب وسائل برمجية‪ ،‬تب�دو للمستخدم وكأنها ُمنفذة أو صادرة عن مستخدم آخر‬
‫حقيقي‪ .‬وتعكس األتمتة لعمليات تنفيذ تلقايئ ومجدول للمهام الدعائي�ة على مواقع‬
‫ً‬
‫الشبكات االجتماعية‪ ،‬بهدف التقليل من التدخالت البشرية والتخلص منها تدريجيا‪،‬‬
‫إضافة إىل تبسيط املهام املعقدة‪ ،‬خاصة اليت تستهلك موارد بشرية ولوجستي�ة‪ ،‬أو اليت‬
‫حتتاج لفرتات زمني�ة كبرية من أجل إتمامها‪ .‬من زاوية أخرى‪ ،‬تشمل األتمتة برامج جيري‬
‫تهيئتها من أجل تنفيذ مهام دعائي�ة‪ ،‬مثل الروبوت االجتماعي ‪ ،Social Botnet‬كما تشري‬
‫للحاالت اليت تمتلك فيها بعض الربمجيات إرادة حرة شبه مستقلة تمكنها من تنفيذ‬
‫عمليات استقطاب وتضليل دون أن يشعر بها أحد كما هو احلال مع فقاعات التصفية‬
‫ُ‬
‫‪ .Filter Bubbles‬ومن الناحية الفلسفية‪ ،‬تعرب األتمتة عن حالة اندماج بني اجلهود اإلنساني�ة‬
‫ُ‬
‫واآللية يف عالم ما بعد احلداثة‪ ،‬كما تصف كيفية تأثر الدعاية باألبعاد التكنولوجية‬
‫للحاسوب‪ ،‬بشكل يدعم فرضية مارشال ماكلوهان يف كون الوسيلة هي الرسالة‪ .‬وألنن�ا يف‬
‫قرية عاملية صغرية على حد وصف العالم الكندي‪ ،‬يستدعي ذلك منا الرتكزي على وسائل‬
‫الدعاية ال على املحتوى‪ ،‬فهي تؤثر يف املجتمع ليس فقط بما تقدمه من محتوى ورسائل‬
‫ً‬
‫لكن أيضا خبصائصها التقني�ة اليت ال تكاد تنضب‪ .‬لذا من األهمية بمكان فهم كيف تشكل‬
‫ً‬
‫تكنولوجيا الدعاية احلديث�ة عاملنا‪ ،‬بدال من االستمرار يف ذات اخلط التقليدي الذي اكتفى‬
‫بتحليل املحتوى دون أي اعتب�ار للوسيلة‪.‬‬
‫‪ .1‬الروبوتات االجتماعية ‪Social Botnets‬‬
‫تعززت بظهور مواقع الشبكات االجتماعية قدرة قطاعات كبرية من اجلمهور على‬
‫تب�ادل ومشاركة املعلومات بشكل حر ومباشر دون أي رقابة أو تدخل‪ .‬ومع ازدياد أهمية‬
‫هذه املواقع يف حياة األنسان اليومية‪ ،‬وارتفاع أعداد األفراد امللتحقني بها‪ ،‬تعاظمت على‬
‫التوازي إمكاني�ة استغاللها يف مجال إنت�اج وتوزيع املعلومات‪ ،‬سواء أخذت شكل إعالنات أو‬
‫أخبار أو صور‪...‬إلخ‪ .‬هذه الطاقة الكامنة ملواقع الشبكات االجتماعية‪ ،‬إىل جانب خصائصها‬
‫َ‬
‫التقني�ة كوسيلة اتصال تفاعلية‪ ،‬وسهولة الوصول لها بال أي تكلفة مالية‪ ،‬جذبت عديدا‬
‫ً‬
‫من ذوي األجندات واملصالح‪ ،‬الذين أيقنوا مبكرا إمكاناتها على صعيد تلبي�ة أهدافهم‬
‫بغض النظر عن نوعها وماهيتها وطبيعتها‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫ً‬
‫ومنذ مطلع العام ‪2010‬م تقريب�ا‪ ،‬بدأت التقارير اإلعالمية واألحباث العلمية‬
‫تتحدث عن أنشطة معلوماتي�ة سلبي�ة ُيستخدم فيها الروبوت االجتماعي‪ ،‬كحمالت‬
‫التضليل ونشر اإلشاعات ومشاركة األخبار الكاذبة وغريها‪ .‬وبتقادم السنوات‪ ،‬حتولت‬
‫ظاهرة الروبوت االجتماعي إىل خطر حقيقي يهدد أمن واستقرار املجتمعات‪ ،‬ويؤثر على‬
‫ممارساتها وخياراتها الديمقراطية؛ دعم ذلك نت�اجئ التحقيقات األمريكية اليت كشفت‬
‫عن تدخل رويس يف االنتخابات الرئاسية‪ ،‬والدور الذي أدته الروبوتات يف مجال دعم جناح‬
‫مرشح احلزب اجلمهوري “دونالد ترامب”‪ ،‬إىل جانب حملة التضليل املنسقة اليت تعرض‬
‫لها الرئيس الفرنيس “ايمانويل ماكرون” على مواقع الشبكات االجتماعية‪ ،‬وغريها من‬
‫األحداث العاملية اليت ال مجال حلصرها جميعها‪ .‬وحناول يف هذا اجلزء توضيح ماهية‬
‫الروبوت االجتماعي‪ ،‬وأنواعه‪ ،‬ومجاالت استخدامه كجزء من األنشطة اآللية للدعاية‬
‫احلاسوبي�ة على مواقع الشبكات االجتماعية‪.‬‬
‫‪ 1.1‬ماهية وتعريف الروبوت االجتماعي‬
‫ال يوجد إجماع بني العلماء والباحثني على مفهوم محدد للروبوت االجتماعي‪،‬‬
‫وكثري مما وقعنا عليه متب�اين ومتن�اقض بشكل كبري‪ ،‬فمنها ما يركز على الزاوية التقني�ة‪،‬‬
‫وآخر يهتم خبصائصه االجتماعية أو التفاعلية‪ .‬وبرغم وفرة األحباث اليت تتعرض لقدرته‬
‫وتأثريه‪ ،‬إال أن التوافق على تعريف دقيق يب�دو مهمة صعبة املنال‪ ،‬على األقل يف الوقت‬
‫الراهن‪ .‬وكلمة ‪ Bot‬مشتقة عن ‪ ،Robot‬وهي بمجموعها (‪ )Botnets‬إشارة إىل مجموعة كبرية‬
‫من الروبوتات املنتشرة على أجهزة احلاسوب‪ ،‬تشكل عند اتصالها باإلنرتنت شبكة من‬
‫الروبوتات املرتابطة‪ .‬ويجب قبل االسرتسال يف املوضوع‪ ،‬التميزي بني كلمة ‪ Socialbot‬كلفظ‬
‫واحد‪ ،‬ومصطلح ‪ Social Bot‬املؤلف من كلمتني‪ .‬والتفريق هنا ضروري الرتب�اط كل منهما‬
‫بنطاق عليم مختلف عن اآلخر؛ فاألول ينتيم إىل مجال أمن املعلومات‪ ،‬باعتب�اره أحد‬
‫ً‬
‫التهديدات الرقمية املرتبطة غالبا حبسابات ‪ ،Sybils‬اليت هي إشارة لفاعل شبكي يتحكم‬
‫ً‬
‫يف عقد اتصالية مزيفة ألغراض إجرامية‪ .‬أما الثاين فيعد مفهوما ذا مرونة وعمومية أكرب‪،‬‬
‫يرتبط لدى الباحثني باجلهود اآللية عرب مواقع الشبكات االجتماعية‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫وكما يويح املصطلح نفسه‪ ،‬يستلزم تعريف الروبوت االجتماعي فهم طبيعته‬
‫املزدوجة‪ ،‬فجزء منه ينتيم إىل عالم التقني�ة والربمجة‪ ،‬يف حني ينتسب جزئه اآلخر إىل علم‬
‫االجتماع‪ .‬وبالنسبة للمدخل التقين‪ ،‬حييل معىن ‪ Bot‬إىل مفاهيم برمجية كاخلوارزميات‬
‫وجوهرية يف عملية فهم ماهية الدعاية‬
‫ٍ‬ ‫أساسية‬
‫ٍ‬ ‫مكونات‬
‫ٍ‬ ‫والتشغيل اآليل‪ ،‬اليت تعد‬
‫احلاسوبي�ة؛ إال أن حالة التداخل واالندماج بينها على املستوى التقين‪-‬الرتكييب والتنفيذي‪،‬‬
‫أدى إىل خلط أو سوء فهم حلقيقة الروبوت ووظائفه‪ .‬وعلى أي حال‪ُ ،‬ينظر للروبوت‬
‫ً‬
‫االجتماعي تقني�ا بكونه فاعل ذو برمجة آلية (‪ ،)Geiger:2016‬أو فاعل على شبكة اإلنرتنت‬
‫ذو برمجة آلية يتمتع خبصائص الذكاء االصطناعي‪ ،‬وقادر على تأدية مهامه بشكل مستقل‬
‫ً‬
‫(‪ .)Heinrich:2017‬أما املنظور السوسيولويج للروبوت‪ ،‬فعادة ما يتصدى لآلثار الناجمة عن‬
‫ً‬
‫أنشطته على املستويني االجتماعي والسيايس‪ ،‬كما يتطرق إىل خصائصه ومهامه عوضا‬
‫عن تعريفه؛ فهو قادر على محاكاة سلوك املستخدمني‪ ،‬ويستطيع التالعب بالرأي العام‪،‬‬
‫ً‬
‫ويمكن له تعطيل االتصال التنظييم؛ حبيث يعدها كلها حالة خاصة ناجمة ومرتتب�ة عن‬
‫الروبوت االجتماعي (‪.)Wooley:2016‬‬
‫مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬يســلط بعــض الباحثــن الضــوء علــى الطبيعــة السياســية‬
‫اخلفيــة للروبــوت االجتماعــي‪ ،‬بصفتــه “فاعــل متخفــي ذو أجنــدة سياســية”‪ ،‬ويفرقــون‬
‫بشــكل صريــح بينــ�ه وروبوتــات الدردشــة وتلــك املخصصــة للمســاعدة االســتفهامية‬
‫والــرد اآليل (‪ .)Hegelich:2016‬هــذا وتركــز دراســات عديــدة علــى خاصيــة “محــاكاة‬
‫الســلوك االتصــايل” بوصفهــا عنصــر اســايس يف تكويــن الروبــوت االجتماعــي الربمــي‬
‫(‪ ،)Grimme et al.:2017‬بينمــا تتنـ�اول أخــرى قدرتــه علــى التفاعــل مــع املســتخدمني‪ ،‬وتشــدد‬
‫ً‬
‫علــى كونهــا مــزة جوهريــة غــر مســبوقة (‪ .)Kollanyi et al.:2016‬ومؤخــرا فقــط‪ ،‬أدركــت‬
‫العديــد مــن املنصــات االجتماعيــة‪ ،‬خاصــة فيســبوك وتويــر‪ ،‬اآلثــار الســلبي�ة املرتتبـ�ة عــن‬
‫أنشــطة الروبــوت االجتماعــي‪ ،‬ســيما إمكاناتــه يف مجــال “التضخيــم املزيــف”‪ ،‬لتحــاول‬
‫معاجلتهــا والتخفيــف مــن وطأتهــا‪.‬‬
‫وباالنتقال إىل الرتاث العليم العريب‪ ،‬يطلق عبد هللا احليدري اسم “الذباب اإللكرتوين”‬
‫ً‬
‫على الروبوتات االجتماعية‪ ،‬ويعده أسلوبا لتحقيق املعادلة الكمية األساسية يف بن�اء الرأي‬

‫‪129‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫وتوجيهه على النحو الذي خيدم مصالح املراكز املهيمنة يف املجتمع؛ وذلك عرب أساليب‬
‫ميدياتيكية مختلفة ترتاوح يف الغالب بني التغريد املتن�اعم والتعليق املكثف وإعداد‬
‫النشرات املضادة للرأي املخالف(احليدري‪ .)2019:‬ويرى أن الروبوت ينخرط يف لعبة ِّ‬
‫الكم‬
‫َّ‬
‫إلسقاط معادلة كمية مضادة‪ ،‬حبيث تتول منظمات إلكرتوني�ة فاعلة‪ ،‬أو جلان حكومية‪،‬‬
‫تشكيله من خالل إنشاء عدد كبري من احلسابات الوهمية‪ ،‬تكون جاهزة ل َت ُّ‬
‫حر ٍك ُم َ ْب َمج‬ ‫ِ‬
‫قصد إصابة توجهات وآراء غري مرغوب فيها‪ .‬ويضيف احليدري‪ ،‬أنه يف الوقت الذي يعمل‬
‫الذباب اإللكرتوين على فرض الواقع الذي تريده اجلهات الفاعلة بمنطق التأثري الكيم‪،‬‬
‫يتسرب منها ذباب اجتماعي “ذكي”‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫“يوجد يف فلك الويب خنادق وسراديب إلكرتوني�ة‬ ‫ُ‬
‫بارع يف صناعة املفاهيم واملصطلحات اليت ينبغي على الذباب اإللكرتوين ترديدها بقوة‪،‬‬
‫كاألوصاف اليت أطلقت على رئيس التونيس االسبق املنصف املرزويق”(‪.)Ibid‬‬
‫ُ‬
‫وتعــرف الروبوتــات االجتماعيــة بكونهــا برمجيــات حاســوبي�ة مســؤولة عــن إنتــ�اج‬
‫محتــوى بشــكل آيل تلقــايئ‪ ،‬وقــادرة علــى التفاعــل مــع اإلنســان علــى الشــبكات االجتماعية‪،‬‬
‫يف محاولــة منهــا محــاكاة ســلوكه أو علــى األقــل تغيــره (‪ .)Grimme et al.:2017‬ويتصــف هــذا‬
‫التعريــف بالشــمولية إىل حــد كبــر‪ ،‬كونــه جيمــع حتــت لــواءه جميع أنــواع الروبوتــات‪ ،‬إضافة‬
‫إىل اشــتماله علــى عناصــر التفاعــل‪ ،‬واالتصــال‪ ،‬والتقنيـ�ة‪ ،‬واملجــال‪ ،‬والهــدف‪ .‬كمــا تعــرف‬
‫بكونهـ�ا حسـ�ابات عـبر الشـ�بكات تشـ�تغل بطريقـ�ة آليـ�ة حتاكـ�ي السـ�لوك البشـ�ر ي (�‪Kitz‬‬

‫‪ .)ie et al.:2018‬ويمكــن لنــا تقديــم تعريــف للروبــوت االجتماعــي علــى املســتوى الدعــايئ‬
‫ً‬
‫بكونــه برمجيــات مصممــة لتنفيــذ طائفــة مهــام ســلبي�ة متعــددة‪ ،‬عــادة مــا تســتوطن داخــل‬
‫األنظمــة التقني�ة‪-‬االجتماعيــة؛ كمواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪.‬‬
‫‪ 2.1‬أنواع الروبوتات االجتماعية‬
‫ً‬
‫يعترب روبوت الدردشة ‪ Chat Bot‬من أكرث أنواع الروبوت شهرة يف العالم‪ ،‬فهو نظام‬
‫برميج قادر على التفاعل والدردشة مع اإلنسان بلغته األم‪ .‬وبرغم ذلك ذكاءه محدود‪،‬‬
‫ً‬
‫وغالبا ما يتم تطويره ألغراض محددة‪ ،‬كالرد التلقايئ على املكالمات الهاتفية‪ ،‬أو الرد على‬
‫املراسالت النصية عرب الربيد اإللكرتوين أو عرب خدمات الدردشة واالستفسار املباشر‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫ونستنتج هنا‪ ،‬أن روبوتات الدردشة مخصصة لتحل مكان اإلنسان يف تأدية وظائف‬
‫اتصالية بسيطة‪ .‬وبعكس روبوت الدردشة املستن�د على نظام اتصال من فرد إىل فرد‬
‫(من عقدة إىل عقدة)‪ ،‬يعتمد روبوت الربيد املزعج ‪ Spam Bots‬على نظام اتصايل من‬
‫واحد إىل مجموعة (من عقدة إىل مجموعة عقد)‪ ،‬وبإمكانه الوصول إىل قطاعات كبرية‬
‫ً‬
‫من املستخدمني يف وقت واحد‪ .‬وعادة ما يقوم هذا النوع على إرسال اإلعالنات املزعجة‬
‫واألخبار املزيفة وروابط االصطياد امللغومة‪ ،‬أو تنفيذ هجمات حجب للخدمة ‪ DDOS‬ني�ابة‬
‫عن جهة ما‪ ،‬دون أن ينخرط يف حالة تفاعلية مع اإلنسان‪ .‬ورغم غياب خاصية التفاعل‪ ،‬إال‬
‫أنه يصنف ضمن الروبوتات االجتماعية‪.‬‬
‫وتنتشر على موقع تويرت روبوتات إعادة التغريد ‪ Retweet Bots‬اليت ختتص بتضخيم‬
‫ظهور موضوعات أو شخصيات بعينها وضمان بروزها على نطاق واسع داخل املوقع‪ ،‬إما‬
‫عرب إعادة تغريد محتوى صادر عن مغردين بعينهم‪ ،‬أو إعادة تغريد كلمات رئيسية محددة‬
‫مرتبطة بقضية ما‪ .‬وين�درج حتت هذا النوع صنف آخر تسىم روبوتات األخبار ‪،News Bots‬‬
‫تهتم بإعادة تغريد محتوى صادر عن مؤسسات أو وكالت إخبارية عاملية أو محلية محددة‬
‫ً‬
‫سلفا‪ ،‬كما يقوم بإعادة تغريد محتوى باالستن�اد إىل بعض الكلمات الرئيسة املتضمنة يف‬
‫النص اإلخباري (‪.)Mittal:2014‬‬
‫ويعترب الروبوت السيايس ‪ Political Bot‬من أهم األشكال االجتماعية للروبوتات‪،‬‬
‫لقدرته على نشر محتوى أيديولويج أو املشاركة يف النقاشات السياسية على مواقع‬
‫ً‬
‫الشبكات االجتماعية‪ .‬وعادة ما يقف وراء تصميمه وبرمجته حكومات أو مجموعات‬
‫ترغب يف نشر وتعزيز آرائها وأفكارها ومواقفها السياسية‪ .‬فعلى سبي�ل املثال‪ ،‬يستطيع‬
‫الروبوت السيايس تضخيم شهرة شخصية سياسية ما أو ترويج فكرة أو موقف سيايس‬
‫معني‪ ،‬باالعتماد على خاصية النشر أو اإلعجاب أو املتابعة أو املشاركة‪ .‬كما يمكن له‬
‫التصدي وكبح املواقف السياسية املعارضة‪ ،‬عرب قدرته حتديد أماكن تواجد املناقشات أو‬
‫املنشورات أو التعليقات السلبي�ة باالستفادة من خدمة “حتديد الكلمات الرئيسة”‪ ،‬ومن‬
‫ً‬
‫ثم الولوج إليها‪ ،‬وإغراقها بمحتوى دعايئ مضاد معد سلفا‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫ويمكن للروبوت السيايس حتقيق تأثري مضاعف‪ ،‬خاصة حال تعاون عدد كبري‬
‫منها؛ حيث تستطيع صناعة انطباع عام مضلل ‪ Astroturfing‬حول حدث أو استحقاق‬
‫ً‬
‫سيايس ما‪ .‬فمثال تؤكد إحدى الدراسات استخدام الروبوتات السياسية يف تنفيذ حملة‬
‫تضليل منسقة ضد مرشح الرئاسة “إيمانويل ماكرون” خالل االنتخابات الفرنسية‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫(‪ .)Ferrara:2017‬ويف املحصلة‪ ،‬تعد الروبوتات السياسية عامال مؤثرا يف صناعة الرأي العام‬
‫وصياغة خطابه‪ ،‬فهي قادرة على نشر رسائل الدعاية على نطاق واسع‪ ،‬سواء عرب مواقع‬
‫الشبكات االجتماعية أو شبكة اإلنرتنت على اتساعها‪.‬‬
‫ويف سياق متصل‪ ،‬يعد برنامج ‪ Siri‬املثبت على الهواتف الذكية نوع آخر من أنواع‬
‫الروبوت االجتماعي‪ ،‬فهو مصمم لرعاية اتصال بني اإلنسان واآللة باستخدام اللغة‬
‫األم‪ .‬كما يستطيع تأدية طائفة مهام وسيطة بني اإلنسان والهاتف النقال مثل الرتجمة‪،‬‬
‫وتلقي األوامر‪ ،‬وتنفيذ عمليات البحث‪...‬إلخ‪ .‬ورغم مشابهته لروبوت الدردشة إال أن‬
‫ً‬
‫تقنيت�ه أكرث تطورا‪ ،‬فهو يمتلك مزييت التعرف على الصوت‪ ،‬وحتديد الكلمات الرئيسية‪.‬‬
‫وتوجد أنوع أخرى من الروبوتات لكنها غري مصنفة ضمن الفئة االجتماعية‪ ،‬مثل روبوتات‬
‫‪ ، Curator‬املتخصصة يف جتميع املعلومات واملضامني من على شبكة اإلنرتنت‪ ،‬ثم عرضها‬
‫على صفحات خاصة بطريقة منظمة ومرتب�ة‪ .‬وخبالف الروبوتات االجتماعية‪ ،‬ال يمتلك‬
‫هذا النوع خاصية اتصالية‪ ،‬ويكتفي بت�أدية مهامه بشكل هادئ غري ملحوظ‪ .‬ومن أنواعها‬
‫روبوتات ويكيبي�ديا ‪ ،Pywikibot‬اليت تؤدي وظائف مساندة تتمم أنشطة املدونني‪ ،‬مثل‬
‫حذف املسافات البيضاء‪ ،‬أو إنشاء روابط للصفحات‪ ،‬أو تصحيح األخطاء الطباعية‪...‬إلخ‪.‬‬
‫ً‬
‫وأخريا‪ ،‬ال يمكن حصر أنواع الروبوتات لكرثتها‪ ،‬مثل روبوتات األلعاب ‪ ،Game Bots‬وأخرى‬
‫تعليمية ‪ Edu Bots‬وغريها الكثري‪ .‬لكن ما يهمنا معرفته‪ ،‬أن الروبوتات ختتلف باختالف‬
‫تصميمها وبرمجتها‪ ،‬ولكل منها وظيفة معين�ة حبسب الهدف املراد حتقيقه‪.‬‬
‫‪ 3.1‬الشكل الهجني للروبوت‬
‫ُ‬
‫يسد الشكل الهجني للروبوت اإلجتماعي ‪ Hybrid Human-bot‬حالة تمازج بني‬
‫ً‬
‫اإلنسان واآللة‪ ،‬يشار إليها غالبا باسم ‪ ،Cyborg‬وتعين تنفيذ املهام واألنشطة الدعائي�ة‬

‫‪132‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫باالعتماد على اجلهدين البشري واآليل يف آن واحد‪ .‬والصيغة الهجين�ة للروبوت ال تعمل‬
‫من تلقاء نفسها كما هو احلال مع الروبوت االجتماعي‪ ،‬بل تـخضع لتوجيه من قبل‬
‫اإلنسان‪ ،‬والعكس صحيح عندما َيسند الروبوت أنشطة اإلنسان على مواقع الشبكات‬
‫االجتماعية سواء يف مجال توسيع رقعة انتشار الرسائل أو تضخيم ظهور قضية معين�ة‪...‬‬
‫ً‬
‫إلخ‪ .‬ومن أوائل التعريفات وأكرثها شيوعا للخلطة الهجين�ة بني اإلنسان والروبوت‬
‫على مواقع الشبكات االجتماعية ما تقدمه دراسة مشرتكة لعدد من الباحثني‪ ،‬حيث‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫تعده نشاطا روبويت بمساعدة وتوجيه إنساين أو نشاطا إنساني�ا بمساعدة روبوتي�ة‬
‫(‪ .)Chu et al.:2010‬كما ُيعرف على أنه طبقة وسيطة جتمع بني الروبوت اآليل واملستخدم‬
‫البشري (‪ .)Grimme et al.:2017‬ومن غري املعلوم لدى الباحثني مقدار التدخل البشري‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫املطلوب جلعل الروبوت هجين�ا‪ ،‬أو مقدار التدخل الروبويت جلعل اإلنسان هجين�ا‪ .‬وهنا‬
‫تقفز إىل الذهن عدة اسئلة‪ ،‬فهل يمكن مقاربة االعتماد على الروبوت يف جدولة النشر على‬
‫أكرث من حساب ويف وقت مزتامن كنشاط هجني؟ وهل يمكن تصنيف احلسابات اخلاصة‬
‫ً‬
‫باملؤسسات‪ -‬اليت تغرد تلقائي�ا برعاية بشرية محدودة‪ -‬على أنها أنشطة روبوتي�ة حبتة؟ أم‬
‫ٌ‬ ‫ً‬
‫نشاط هجني؟ ومما يزيد مهمة التحديد غموضا وصعوبة‪ ،‬تطوع عديد من املستخدمني‬
‫ً‬
‫حبساباتهم لصالح اشتغالها آليا‪ ،‬بمعىن انتقال احلساب من حالة إشراف إنساين حبت إىل‬
‫ً‬
‫وضعية عمل روبوتي�ة‪ ،‬حتقيقا ألهداف دعائي�ة سياسية؛ كما جرى خالل االنتخابات العامة‬
‫الربيطاني�ة (‪.)Gorwa & Guilbeault:2018‬‬
‫وعلى حنو مشابه‪ ،‬رصدت دراسة لتفيش ظاهرة “عمال النقر ‪”Click Workers‬‬
‫ُ َْ‬
‫على الشبكات‪ ،‬وهم مجموعات من املستخدمني ت ْستأ َج َر خدماتهم بمقابل مايل‬
‫ضئي�ل بهدف نشر محتوى دعايئ‪ ،‬أو القيام بمهام إعجاب ومشاركة لبعض املحتويات‬
‫والصفحات على الشبكات االجتماعية (‪ .)Lee et al.:2014‬ويوفر هذا النوع من األنشطة‬
‫ً‬
‫بديال عن الروبوت؛ وذلك بسبب سلوكه احلقيقي الذي ال خيضع للرصد والتحيي�د‬
‫(‪ .)Golumbia:2013‬هذا وتشري إحدى الدراسات إىل عدد من املؤشرات اليت تكشف عن‬
‫أنشطة هجين�ة يتعاون فيها الروبوت مع اإلنسان‪ ،‬فهي تعمل على دفع املحتوى بأسلوب‬
‫يويح بصدورها عن مستخدم حقيقي‪ ،‬وتتمتع حبصيلة لغوية أكرث ثراء وتنوع من الروبوت‬

‫‪133‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫املستقل بذاته‪ ،‬كما أن رسائلها قصرية أو غري مكتملة حتتوي على روابط حتيل إىل اجلزء‬
‫املكمل للرسالة؛ وجميع ما سبق يؤكد وجود تدخل إنساين يف عملها (‪.)Gorwa:2017‬‬
‫ً‬
‫وأخريا‪ ،‬يوفر الشكل الهجني العديد من املزايا والفوائد‪ ،‬فهو منخفض التكلفة‬
‫ً‬
‫نسبي�ا‪ ،‬كما يتحدى اسرتاتيجيات الرصد املصممة لتتبع أنشطة الروبوت االجتماعي‪،‬‬
‫كونه يعتمد على أنماط توجيه إنساين مباشر يصعب تصنيفها وجدولتها كنشاط آيل حبت‬
‫(‪.)Grimme et al.:2017‬‬
‫‪ 4.1‬دورة عمل الروبوت االجتماعي‬
‫تت�ألف منظومة الروبوت االجتماعي من ثالثة عناصر‪ ،‬هي‪ :‬الربامج ‪،System‬‬
‫ً‬ ‫خوادم السيطرة والتحكم ‪ ،Control‬والروبوت األم أو املسيطر ‪ُ .Botmaster‬‬
‫ويصمم غالبا‬
‫ليصيب أو خيرتق أهداف مثل أجهزة احلاسوب والهواتف الذكية دون علم اصحابها‪،‬‬
‫ً‬
‫ليجعلها جزءا من شبكة روبوتات ختضع لسيطرة وتوجيه من الروبوت األم‪ .‬وهنا يستطيع‬
‫الروبوت املسيطر من خالل اإلنرتنت وخوادم السيطرة والتحكم إرسال توجيهات دائمة‬
‫إىل الروبوتات الفرعية املنتشرة على أجهزة الضحايا‪ ،‬لتقوم بدورها بتنفيذ مهام على حنو‬
‫يستجيب للتوجيهات واألوامر الواردة‪ .‬والروبوت له دورة حياة‪ ،‬تنتهي إما باالستغناء عنه‬
‫ويلخص الشكل اآليت دورة حياة الروبوت‪:‬‬ ‫من قبل األم‪ ،‬أو تدمريه يف حال كشفه‪ُ .‬‬

‫اﻟﻌﺪوى�اﻻﻧ�ﺸﺎر‪�:‬ﻳﺨ��ق�اﻟﺮو�ﻮت�اﻷﺟهﺰة�اﳌﺴ��ﺪﻓﺔ‪،‬‬
‫ﻟﺘﺘﺤﻮل�إ���رو�ﻮﺗﺎت�ﺟﺎهﺰة�ﻟﻠﻌﻤﻞ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫اﻟﺮ�ﻂ‪�:‬ﻳﺮﺗﺒﻂ�اﻟﺮو�ﻮت�ﺑﺨﺎدم�اﻟﺴﻴﻄﺮة�واﻟﺘﺤﻜﻢ�ﻷول�ﻣﺮة‪،‬‬
‫و�ﺆﺳﺲ�ﻣﻌﮫ�ﻗﻨﺎة�أﺗﺼﺎل‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫اﻷواﻣﺮ�واﻟﺘﻘﺎر�ﺮ‪��:‬ﻳﺘﻠﻘﻰ�اﻟﺮو�ﻮت�أواﻣﺮ�ﻣﻦ�ا��هﺔ�اﻷم‬
‫ً‬
‫ﻟﺘﻨﻔﻴﺬهﺎ‪�،‬ﺛﻢ�ﻳﻘﺪم�ﺗﻘﺎر�ﺮ�اﻧﺠﺎز‪�،‬ﻣﻨﺘﻈﺮا�أواﻣﺮ�ﺟﺪﻳﺪة‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫اﻟﺘﺨ���واﻟﺘﺤﻴﻴﺪ‪�:‬ﺣﺎل�ﻋﺪم�ﻣﻼﺋﻤﺘﮫ�أو�ﻗﺎﺑﻠﻴﺘﮫ�ﻟﻺﺳﺘﺨﺪام‪،‬‬
‫أو�إﻧ��ﺎء�اﻟﻐﺮض�ﻣﻨﮫ‪�،‬أو�رﺻﺪﻩ�وﺗﺤﻴﻴﺪﻩ�أو�ﺗﺪﻣ��ﻩ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪134‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫‪ 5.1‬خصائص وأنشطة الروبوت االجتماعي‬


‫بعديد من اخلصائص تصب بمجموعها يف حتقيق أهداف‬ ‫ٍ‬ ‫يتمزي الروبوت االجتماعي‬
‫إجيابي�ة أو سلبي�ة حبسب رغبة املشغل‪ .‬وتتمزي الروبوتات بكونها كائن�ات برمجية تفاعلية‬
‫تتمتع خباصية الذكاء االصطناعي‪ ،‬قابلة للتعلم والتأقلم الذايت‪ ،‬تستطيع تأدية مهامها‬
‫وتكرارها بشكل سريع ومزتامن‪ ،‬وعلى نطاق شبكي واسع‪ .‬وهي سهلة الربمجة‪ ،‬متاحة‬
‫للجميع‪ ،‬سواء لألفراد واملؤسسات‪ ،‬كما تتمتع بطبيعة مرنة ودين�اميكية‪ ،‬بمعىن أنها قابلة‬
‫للتحديث والتعديل بشكل دوري‪ ،‬وحتظى حبماية ورعاية من مشغلها‪ .‬كما تمتاز خباصية‬
‫محاكاتها للسلوكيات واألنشطة اإلنساني�ة‪ ،‬وقادرة على التفاعل مع املستخدمني؛ إال‬
‫ً‬
‫أنها متحايلة ومراوغة؛ فتستطيع اإلفالت نسبي�ا من جهود رصدها ومالحقتها‪ ،‬وبالتايل‬
‫عديد من املجاالت‪ ،‬كاحلروب‬ ‫ٍ‬ ‫حتيي�دها وتدمريها‪ .‬ويستخدم الروبوت االجتماعي يف‬
‫السيرباني�ة (اإللكرتوني�ة)‪ ،‬والدعاية (عمليات التأثري‪ ،‬حرب املعلومات‪ ،‬عمليات التأثري‪...‬‬
‫إلخ)‪ ،‬واجلرائم اإللكرتوني�ة‪ ،‬والتجارة‪ ،‬واالقتصاد‪ ،‬والتعليم‪...‬إلخ‪ ،‬ويستطيع تأدية أدواره‬
‫ً‬
‫منفردا أو ضمن أسراب كثرية العدد‪ ،‬حبسب الهدف املنشود حتقيقه‪ ،‬وطبيعة اجلهة‬
‫املستهدفة‪.‬‬
‫وتتنوع أنشطة الروبوت االجتماعي بشكل عام‪ ،‬فمنها ما هو مفيد وآخر مؤذي‪ .‬ويف‬
‫املجال الدعايئ على مواقع الشبكات االجتماعية‪ ،‬يستطيع الروبوت تهديد املجتمعات‬
‫وعرقلة مساراتها وخياراتها السياسية والديمقراطية‪ ،‬وله أن يتسبب بانتشار الذعر‬
‫واخلوف والغموض بني املستخدمني‪ ،‬وتعريض البي�انات الشخصية للخطر‪ ،‬ونشر‬
‫اإلشاعات‪ ،‬والتشهري‪ ،‬والتضليل‪ ،‬إضافة إىل التأثري على األسواق المالية؛ كل ذلك بطريقة‬
‫ناعمة سلسة غري ظاهرة للمستخدم العادي‪.‬‬
‫‪ 6.1‬االستخدامات الدعائي�ة للروبوت‬
‫أ‪ .‬نشــر الروابــط اخلبيث ـ�ة‪ ،‬وذلــك إمــا بهــدف ســرقة املعلومــات أو حلجــب خدمــات‬
‫االتصــال‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫ب‪ .‬صناعــة محتــوى دعــايئ ونشــره‪ ،‬أو رصــد محتــوى بعين ـ�ه وتعميمــه أو مشــاركته‬
‫علــى نطــاق شــبكي واســع وبشــكل آيل‪ .‬وهــذا األســلوب قديــم وغــر فعــال‪ ،‬لســهولة كشــفه‬
‫وحتييـ�ده‪.‬‬
‫ج‪ .‬تنفيــذ عمليــات احتيــ�ال باالســتن�اد علــى الهويــة‪ ،‬مثــل انتحــال هويــة أحــد‬
‫املســتخدمني‪ ،‬أو إنشــاء حســاب وهــي مزيــف حيمــل اســم شــخصية شــهرية؛ وذلــك بهــدف‬
‫االســتيلاء علــى بي�انــات خاصــة مثــل أرقــام هواتــف وعناويــن وصــور شــخصية وغريهــا‬
‫ً‬
‫مــن البي�انــات احلساســة الــي يمكــن اســتغاللها الحقــا يف اجلرائــم اإللكرتوني ـ�ة أو اجلهــود‬
‫الدعائيــ�ة‪.‬‬
‫د‪ .‬التالعــب يف إدراك اجلمهــور للواقــع أو احلقيقــة مــن خــال التأثــر يف عمليــة‬
‫التعــرض املعلومــايت‪ .‬وهنــا يســتفيد الروبــوت مــن خوارزميــات مواقــع الشــبكات‬
‫ُ‬
‫االجتماعيــة مــن أجــل التالعــب يف نــوع املحتويــات الــي تعــرض للمســتخدم‪ .‬ومثــال ذلــك‬
‫مــا يرتبــط جبهــود صناعــة االنطبــاع املضلــل ‪ ،Astroturfing‬مــن ناحيــة تعمــد أســراب مــن‬
‫الروبــوت صناعــة ظهــور مزيــف لقضيــة أو رأي أو موقــف مــا‪ ،‬عــر مشــاركتها وتكرارهــا على‬
‫نطــاق واســع‪ ،‬حبيــث تبـ�دو للمســتخدم احلقيقــي وكأنهــا منبثقــة علــى رأي عــام أصيــل‪ ،‬دون‬
‫أن يــدرك حقيقتهــا بكونهــا ممارســات تضليــل تهــدف إىل خداعــه‪.‬‬
‫ه‪ .‬تنفيذ عمليات تغطية ‪ Smoke Screening‬على بعض أجزاء من قضية ما باستخدام‬
‫وسـومها الراجئـة‪ ،‬وذلـك بهـدف تشـتيت مناقشـات املسـتخدمني حولها‪ ،‬وجرهـم إىل نقاط‬
‫ً‬
‫جديـدة بعيـدا عـن النقـاط الرئيسـية التي جيـري تداولهـا‪ ،‬أو تنفيـذ عمليـات حتويـل انتبـ�اه‬
‫‪ Misdirection‬عـن القضيـة برمتهـا مـن خلال صناعـة محتـوى ال يرتبـط بهـا‪ ،‬لكـن مذيـل‬
‫بوسـم القضيـة (‪.)Abokhodair et al.:2015‬‬
‫و‪ .‬تضخيــم بــروز ظهــور محتــوى دعــايئ ‪ ،Amplification‬عــر تكــرار نشــره ومشــاركته‬
‫علــى نطــاق واســع بني املســتخدمني‪ ،‬ليبـ�دو وكأنه صــادر عن مؤسســات إعالميــة حقيقية‪.‬‬
‫ً‬
‫فمثــا‪ ،‬خــال انتخابــات التجديد للنصف الثاين لعضويــــة الكونـجـــرس األمريكـــــي عــــــام‬
‫‪2010‬م‪ُ ،‬اســتخدمت الروبوتــات بهــدف الرتويــج لبعــض املرشــحني وتشــويه منافســيهم‪،‬‬

‫‪136‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫عــر ضــخ مضامــن دعائيـ�ة تتضمن روابــط حتيل إىل مواقــع إلكرتونيـ�ة تعج باألخبــار املزيفة‬
‫(‪ .)Ratkiewicz et al.:2011‬كمــا يشــمل التضخيــم‪ ،‬ترويــج الروبوتــات لشــخصيات عرب تهويل‬
‫ظهورهــا‪ ،‬ويت ـ�أىت ذلــك مــن خــال تالعبهــا حبجــم املتابعــن أو عــدد اإلعجابــات‪ ،‬ليتوهــم‬
‫املســتخدم علــو قــدر هــذه الشــخصية‪ .‬كمــا يمكــن للروبــوت الرتويــج لصفحــة الشــخصية‬
‫بشــكل آيل‪ ،‬مــن خــال دفعهــا للظهــور علــى صفحــات ملســتخدمني مــن شــبكات أخــرى‪.‬‬
‫ً‬
‫ز‪ .‬نشــر ومشــاركة األخبــار الكاذبــة واإلشــاعات يف ظــروف وحــاالت محــددة‪ .‬فمثــا‪،‬‬
‫تزامــن مــع االنفجــار الــذي وقــع يف مدينـ�ة بوســطن األمريكيــة خــال مارثــون ريــايض قيــام‬
‫روبوتــات اجتماعيــة بنشــر ومشــاركة محتــوى مفــرك وأخبــار كاذبــة‪ ،‬األمــر الــذي نتــج عنــه‬
‫موجــة ذعــر كبــرة بــن الســكان املحليــن (‪.)Mittal:2014‬‬
‫ح‪ .‬تهديــد االســتقرار االجتماعــي أو الســيايس أو االقتصــادي‪ .‬ومثــال ذلــك‪ ،‬عندمــا‬
‫جنــح روبــوت يف اخــراق حســاب وكالــة ‪ Associated Press‬علــى موقــع تويــر عــام ‪،2013‬‬
‫ونشــره إلشــاعة تفيــد بوقــوع هجــوم إرهــايب علــى البيــت األبيــض وإصابــة الرئيــس‬
‫“بــاراك أوبامــا”؛ حبيــث ترتــب عنهــا هبــوط حــاد يف أســهم بورصــة ‪ ،Dow Jones‬لتســجل‬
‫خســائر بلغــت املليــارات‪ ،‬هــددت علــى حنــو خطــر اســتقرار االقتصــاد يف الواليــات املتحــدة‬
‫األمريكيــة (‪.)Prigg:2015‬‬
‫ط‪.‬إنشــاء حســابات وهميــة (منتحلــة أو مزيفــة) بشــكل آيل مــن أجــل الولــوج إىل‬
‫شــبكات العالقــات احلقيقيــة بــن املســتخدمني‪ .‬وحــى يتمكــن الروبــوت مــن إضفــاء‬
‫مصداقيــة علــى للحســابات الــي ينشــئها‪ ،‬فــا بــد لــه مــن محــاكاة الســلوك االتصــايل‬
‫للمســتخدمني؛ لــذا يقــوم علــى تزويــد احلســاب جبميــع املعلومــات الضروريــة (صــورة‬
‫مزيفــة‪ ،‬بي�انــات شــخصية مفربكــة) حبيــث ختــدع الشــخص املســتهدف وحتفــزه للمصادقة‬
‫علــى احلســاب ضمــن قائمــة أصدقائــه أو متابعيــه‪ .‬ويفيــد هــذا الســلوك يف العمليــات الــي‬
‫تهــدف إىل التأثــر يف تصــورات األفــراد للواقــع‪ ،‬أو ممارســة ســلوك التصيــد‪ ،‬الــذي خيــدم‬
‫جهــود التشــويش‪ ،‬ومفاقمــة اخلالفــات بــن األطيــاف السياســية واأليديولوجية‪...‬إلــخ‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫ي‪ .‬محــاكاة الســلوك االتصــايل اإلنســاين علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة بشــكل‬
‫ً‬
‫مســتمر لضمــان املحافظــة علــى مصداقيــة احلســابات الــي ينشــئها‪ .‬فمثــا‪ ،‬يتعمــد‬
‫ً‬
‫الروبــوت تنقيــب شــبكة اإلنرتنــت حبثــا عــن محتــوى مالئــم بهــدف مشــاركته علــى‬
‫صفحتــه األمــر الــذي يمنحــه مظهــر بشــري حقيقــي غــر آيل‪ ،‬كمــا يتعمــد نشــر املحتــوى‬
‫علــى فــرات زمني ـ�ة مجدولــة تماثــل األنمــاط الزمني ـ�ة لنشــاط املســتخدمني علــى مواقــع‬
‫الشــبكات االجتماعيــة‪ .‬وتفيــد هــذه املحــاكاة يف توســيع الدائــرة االجتماعيــة للروبــوت‪ ،‬مــن‬
‫ً‬
‫خــال زيــادة أعــداد املتابعــن واألصدقــاء‪ ،‬بغيــة اســتغاللهم الحقــا‪.‬‬
‫ك‪ .‬محاولــة التأثــر يف التوجهــات السياســية للمســتخدمني‪ ،‬خاصــة خــال‬
‫االنتخابــات‪ .‬فعلــى ســبي�ل املثــال‪ ،‬كشــفت إحــدى الدراســات عــن وجــود ‪ 400‬ألــف‬
‫روبــوت اجتماعــي علــى موقــع تويــر خــال حملــة االنتخابــات الرئاســية األمريكيــة ‪،2016‬‬
‫نشــروا ألكــر مــن ‪ 3.8‬مليــون تغريــدة‪ ،‬خصصــت جلهــا لدعــم وترويــج صــورة مرشــح‬
‫اجلمهوريــن “دونالــد ترامــب” علــى حســاب مرشــحة الديمقراطيــن “هيــاري كلينتــون”‬
‫(‪.)Bessi & Ferrara:2016‬‬
‫ً‬
‫ل‪ .‬عرقلــة عمليــات حتليــل الشــبكات االجتماعيــة والتأثــر ســلبا يف نت�اجئهــا‪ ،‬ســواء‬
‫اجلهــود املتعلقــة باملجــاالت البحثي ـ�ة‪ ،‬أو املرتبطــة بقيــاس الــرأي العــام الشــبكي‪ ،‬أو الــي‬
‫تهتــم بقيــاس وحتديــد درجــة ومســتوى وصــول وانتشــار الرســائل‪ ،‬أو الــي حتــاول رصــد‬
‫تفاعــل املســتخدمني مــع موضوعــات ووســوم بعينهــا؛ وغريهــا كثــر مــن اجلهــود العمليــة‬
‫الرصينــ�ة‪.‬‬
‫‪ 7.1‬نموذج حملة االنتخابات الرئاسية الفرنسية ‪2017‬‬
‫يعود تاريخ الدراسات األوىل اليت تعرضت بالتحليل للحمالت الدعائي�ة املنسقة ضد‬
‫مرشحني سياسيني على مواقع الشبكات االجتماعية إىل العام ‪ .2010‬ومنذ ذلك التاريخ‪،‬‬
‫توالت الدراسات اليت ترصد ألنشطة التضليل خالل احلمالت االنتخابي�ة‪ ،‬حبيث ركز‬
‫عدد ال بأس منها على كيفية إفادتها من االشتغال اآليل يف دعم وتأيي�د املرشحني‪ ،‬أو تنفيذ‬
‫هجمات ضد منافسيهم‪ .‬واالنتخابات الفرنسية اليت جرت يف العام ‪ 2017‬ليست بعيدة‬

‫‪138‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫عن هذا االهتمام‪ ،‬خاصة وأنها شهدت حملة دعائي�ة مكثفة ضد مرشح الرئاسة ماكرون‪،‬‬
‫تضمنت توظيف روبوتات وحسابات وهمية؛ بهدف صناعة معارضة موجهة‪ ،‬تفقده‬
‫حظوظه يف الفوز‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫وال ترد أهمية النموذج الفرنيس إىل حضور وسائل الدعاية احلاسوبي�ة فقط؛ بل أيضا‬
‫إىل نمط االشتغال املنسق الذي ختلل احلملة‪ ،‬والطريقة اليت جرى بموجبها استغالل‬
‫الروبوتات االجتماعية يف نشر محتوى دعايئ على نطاق شبكي واسع‪ ،‬على أمل هيمنة‬
‫سرديات ملفقة على اخلطاب اجلماهريي العام‪ ،‬علها حتيد به عن جادة املوضوعية ليصب‬
‫صوته يف صالح املرشحة املنافسة “ماري لوبان”‪.‬‬
‫وتمحورت حملـــة الدعايـــة املسمــاة “تسريبــات ماكــرون ‪ ،)*(”MacronLeaks‬حـــول‬
‫مسعاها جتريــم “ماكرون” من خالل تسريبهــا لوثائــق تفيــد بتهرب شركتــه الضريبــي‬
‫(‪ .)Ferrara:2017‬ويعود تاريخها إىل اخلامس من مايو ‪2017‬م‪ ،‬عندما نشر أحد املستخدمني‬
‫ً‬
‫املجهولني لوثائق عرب الربيد اإللكرتوين‪ ،‬شقت طريقها سريعا إىل موقع تويرت بواسطة‬
‫روابط تداولها نشطاء من اليمني الفرنيس ‪ ،Alt-Right‬الذين أسهموا بدورهم يف تضخيم‬
‫بروز هذه الوثائق‪ ،‬لدرجة قيام حساب ‪ WikiLeaks‬الرسيم على موقع تويرت بمشاركتها‪ ،‬مما‬
‫أدى إىل تعزيز ومفاقمة انتشارها على نطاق شبكي أوسع (‪ .)Ibid‬وجتدر اإلشارة هنا‪ ،‬إىل أن‬
‫احلسابات الوهمية اآللية اليت وظفت خالل االنتخابات األمريكية عام ‪2016‬م هي ذاتها‬
‫اليت نشطت خالل حملة االنتخابات الفرنسية ‪2017‬م‪ ،‬يف مؤشر إىل احتمال وجود سوق‬
‫سوداء مخصصة إلعادة إحياء واستخدام الروبوت يف مجال التضليل السيايس (‪.)Ibid‬‬

‫باختصــار‪ ،‬مــا تعــرض لــه “ماكــرون” هــو حملــة تضليــل مكتملــة األركان‪ ،‬الحتوائهــا عنصريــن‪ :‬يتعلــق األول بالطبيعــة غــر‬ ‫(*)‬

‫املؤكــدة للمعلومــات‪ ،‬يف حــن يتمثــل الثــاين يف اجلهــد املنســق الــذي ســعى إىل نشــر وتعميــم هــذه املعلومــات علــى أوســع‬
‫نطــاق‪ .‬ويمكــن القــول‪ ،‬أن غيــاب املوثوقيــة عــن الوثائــق املســربة جعــل مــن املعلومــات املتضمنــة فيهــا أقــرب للشــائعات‪.‬‬
‫وبرغــم الفحــص الــذي خضعــت لــه الوثائــق فيمــا بعــد‪ ،‬إال أن التحقيقــات الرســمية لــم تثبــت أنهــا مصطنعــة‪ ،‬لكنهــا أكــدت‬
‫علــى غيــاب األدلــة الــي تدعــم االدعــاءات حولهــا‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫هـذا وكشـفت نتـ�اجئ دراسـة تطرقـت ألنشـطة الروبـوت خلال حملـة االنتخابـات‬
‫الفرنسـية عـن تسـجيله نسـبة ‪ 18%‬مـن مجمـوع الكيانـات (إنسـاين‪ ،‬آيل) التي تداولـت‬
‫ملوضـوع التسـريب�ات علـى موقع تويرت‪ ،‬بتعداد بلـغ ‪ 18,324‬كيان روبويت مـن أصل ‪.99,378‬‬
‫ومـن امللفت للنظر أن تتسـق هـذه النت�اجئ مع أخرى تتعلق بالنمـوذج األمريكي‪ ،‬حيث بلغت‬
‫نسبة حضور الروبوت على موقع تويرت خالل حملة االنتخابات األمريكية ما يقرب من ‪15%‬‬
‫(‪.)Bessi & Ferrara:2016‬‬
‫أهم الروبوتات اليت اشرتكت يف التسريب�ات خالل حملة‬
‫االنتخابات الفرنسية على موقع تويرت‬

‫‪.Socialbot N‬‬ ‫‪Tweets‬‬ ‫‪Followers‬‬ ‫‪friends‬‬ ‫‪favourites‬‬ ‫‪listed‬‬

‫‪Vote__Marine‬‬ ‫‪737‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪61‬‬ ‫‪85‬‬ ‫‪0‬‬


‫‪DonTreadOnMemes‬‬ ‫‪427‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪35‬‬ ‫‪371‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪BrandonJBarber‬‬ ‫‪328‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪135‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Geoff_1337‬‬ ‫‪286‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪0‬‬
‫‪*********N‬‬ ‫‪252‬‬ ‫‪31‬‬ ‫‪99‬‬ ‫‪270‬‬ ‫‪4‬‬
‫_‪mai_201707‬‬ ‫‪225‬‬ ‫‪169‬‬ ‫‪231‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪gunbuster2020‬‬ ‫‪221‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪87‬‬ ‫‪574‬‬ ‫‪0‬‬
‫‪dixneuf2020‬‬ ‫‪213‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪81‬‬ ‫‪570‬‬ ‫‪0‬‬
‫‪bluecanti2020‬‬ ‫‪204‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪88‬‬ ‫‪575‬‬ ‫‪0‬‬
‫‪shogouki2020‬‬ ‫‪203‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪86‬‬ ‫‪573‬‬ ‫‪0‬‬

‫املصدر‪)Ferrara:2017( :‬‬

‫وبالتدقيق يف السلوك االتصايل للروبوتات‪ ،‬جند مشاركتها روابط حتيل إىل مواقع‬
‫تتبع إىل اليمني البديل‪ ،‬حبيث احتوت على معلومات مفربكة على عالقة مباشرة بموضوع‬
‫التسريب‪ ،‬مثل (‪.)Breitbart News, Infowars, The Gateway Pundit, Zero Hedge, GotNews‬‬
‫وما سبق يدل على اشتغال الروبوتات وفق آلية منسقة ومخططة‪ .‬فإىل جانب نشرها‬
‫للتسريب‪ ،‬عمدت إىل مشاركة روابط تعود ملواقع إخبارية بعضها مزيف‪ ،‬كي تضفي على‬
‫القضية مصداقية أمام املستخدمني‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫جدول يوضح بعض الروابط اليت شاركتها الروبوتات خالل حملة‬


‫االنتخابات الفرنسية‬

‫‪URL‬‬ ‫‪Frequency‬‬

‫‪http://www.thegatewaypundit.com/2017/05/breaking-wikileaks-‬‬
‫‪3018‬‬
‫‪confirms-leaked-macroncampaign-emails-authentic-macronleaks/‬‬

‫‪http://archive.is/eQtrm‬‬ ‫‪2766‬‬

‫‪http://www.zerohedge.com/news/2017-04-25/meet-real-emmanuel-ma-‬‬
‫‪2077‬‬
‫‪cron-consummatebanker-puppet-bizarre-elitist-creation‬‬

‫‪http://gotnews.com/busted-macronleaks-show-feminist-hypocrite-‬‬
‫‪1943‬‬
‫‪emmanuelmacronpays-female-campaign-workers-26-less-men/‬‬

‫‪https://www.pscp.tv/w/a9nszjF4ZUtXeEdWcnJhalB8MUJkeFl2bWtwa0RL-‬‬
‫‪1780‬‬
‫‪WI2X5caHtYkbfBlqL9jLCqUAewt8H54OrqhULHt16_h‬‬

‫املصدر‪)Ferrara:2017( :‬‬

‫‪ .2‬احلسابات الوهمية ‪Fake Accounts‬‬


‫ً ً‬
‫تؤدي مواقع الشبكات االجتماعية دورا هاما يف حياة املستخدمني‪ ،‬خاصة على صعيد‬
‫أنشطتهم اليومية‪ ،‬كصناعة املحتوى‪ ،‬مشاركة املنشورات‪ ،‬قراءة األخبار والردود‪ ،‬التفاعل‬
‫مع األحداث‪ ،‬مناقشة املوضوعات والقضايا الراجئة‪...‬إلخ‪ .‬وعلى الرغم من فوائدها‪ ،‬إال أن‬
‫مواقع الشبكات االجتماعية جذبت إليها أصناف من املستخدمني ال هم لهم سوى التخريب‬
‫عرب ممارسة سلوكيات سلبي�ة مثل التضليل‪ ،‬واالحتي�ال‪ ،‬وسرقة البي�انات الشخصية‪،‬‬
‫واملضايقة‪ ،‬والتصيد‪ ،‬والتشويه‪ ،‬وبث الفرقة واخلالف‪ ،‬ونشر األخبار والروابط الكاذبة‪...‬‬
‫إلخ‪ .‬ويعمد هذا النوع املؤذي من األفراد إىل استغالل خاصية االنفتاح والثقة السائدة بني‬
‫أفراد الشبكات االجتماعية بالعموم‪ ،‬حبيث يتقصد إنشاء حسابات وهمية لتنفيذ مآربه‪،‬‬
‫دون أن يتمكن الضحية من كشف هويت�ه احلقيقية (‪.)Wani et al.:2018‬‬

‫‪141‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫ويعد الفضاء السيرباين تربة صاحلة للتخفي لما تتيحه األنظمة والتطبيقات‬
‫واملنصات اإللكرتوني�ة والربمجية من طواعية تسمح بنحت هويات افرتاضية مصطنعة‪،‬‬
‫َّ‬
‫شكلت بمرور الوقت بيئ�ة مالئمة لظهور الذباب اإللكرتوين وانتشاره (احليدري‪ .)2019:‬وال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يمكن اعتب�ار جميع احلسابات الوهمية خطرا على املستخدمني‪ ،‬فغالبا ما يؤسس بعض‬
‫األفراد حلسابات إضافية بهدف املتعة والتسلية‪ ،‬أو لرغبتهم إقامة تواصل مع األصدقاء‬
‫واملعارف بشكل محجوب عن اآلخرين‪ .‬وبرغم براءة بواعثها‪ ،‬إال أن هذا النوع من احلسابات‬
‫غري قانوين‪ ،‬وذلك ملخالفته سياسات وقواعد مواقع الشبكات االجتماعية‪ ،‬اليت تنص على‬
‫عدم جواز حيازة املستخدم ألكرث من حساب واحد فقط‪ .‬وحبسب شروط االنتساب إىل‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫موقع فيسبوك‪ ،‬فأي حساب خيضع إلشراف مستخدم غري حسابه األسايس يعد حسابا‬
‫ً‬
‫وهميا (‪.)Facebook: n.d‬‬
‫ُ‬
‫وتعرف احلسابات الوهمية بكونها حسابات ينتحل اصحابها هوية مستخدمني‬
‫ً‬
‫آخرين‪ ،‬أو خيتلقون لهوية مزيفة غري موجودة أصال‪ ،‬كما حتمل بي�انات غري صحيحة‪،‬‬
‫كاالسم‪ ،‬والصورة‪ ،‬والعمر‪ ،‬وغريها‪ .‬هذا وتن�درج احلسابات الوهمية حتت ثالث‬
‫تصنيفات أو مستويات‪ ،‬تب�دأ باحلسابات اإلنساني�ة اليت تدار وتوجه جبهد بشري‬
‫ُ‬
‫يدوي خالص‪ ،‬ثم احلسابات الربمجية اآللية‪ ،‬اليت تشغل بشكل آيل حبت إما عن طريق‬
‫روبوت واحد أو مجموعة روبوتات‪ ،‬وحسابات اخلليط أو الهجين�ة اليت ختلط وتمزج‬
‫ً‬
‫بني اجلهدين اإلنساين واآليل معا‪ ،‬حبيث يكمل الروبوت عمل اإلنسان وبالعكس‬
‫(‪.)Kareen & Bhaya:2018‬‬
‫‪ 1.2‬استخدامات احلسابات الوهمية يف الدعاية‬
‫ُ‬
‫تستخدم احلسابات الوهمية لتحقيق طائفة كبرية من األهداف الدعائي�ة‪ ،‬فهي‬
‫ُ‬
‫توظف يف مجال تضليل الرأي العام الشبكي عرب قلب احلقائق وتشويش املعلومات‪ ،‬كما‬
‫ُ‬
‫تستخدم ألجل ضخ األخبار الكاذبة وزيادة انتشارها داخل البيئ�ة الشبكية‪ ،‬إىل جانب شن‬
‫هجمات فردية أو جماعية منسقة على شخصيات ومؤسسات معين�ة لتشويهها‪ ،‬إضافة‬
‫إىل قمع األصوات املعارضة وعرقلة حرية العمل اإلعاليم‪ .‬وال يقف األمر عند هذا احلد‪ ،‬بل‬

‫‪142‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫يتجاوزه حنو التحريض على العنف‪ ،‬وتعزيز نعرات الطائفية واالنقسام داخل املجتمعات‪،‬‬
‫وحرف مسار النقاشات واشعالها بغرض افقادها قيمتها احلقيقية‪.‬‬
‫وعرب احلسابات الوهمية يمكن لفت انظار املستخدمني إىل قضايا بعينها عرب تضخيم‬
‫ُ‬
‫ظهورها‪ ،‬كما تستخدم يف ترويج األفكار السياسية أو الديني�ة أو احلزبي�ة‪ ،‬إىل جانب‬
‫العالمات التجارية‪ .‬ويمكن استغاللها يف مجال اجلرائم اإللكرتوني�ة املرتبطة باالحتي�ال‬
‫واالخرتاق وسرقة البي�انات اخلاصة والمالية‪ ،‬أو االستيلاء على احلسابات واملساومة‬
‫عليها‪ ،‬إىل جانب نشر الشائعات ألغراض اإلرباك املجتمعي واالقتصادي والسيايس‪ ،‬أو‬
‫التأثري يف التوجهات االنتخابي�ة للمستخدمني‪ ،‬أو تطبيق اسرتاتيجيات صناعة االنطباع‬
‫املضلل ودعاية احلشد املزيف‪ .‬وجميع األهداف السابقة هي غيث من فيض‪ ،‬ويكفي‬
‫أن نشري إىل توظيف احلسابات الوهمية خالل االنتخابات األمريكية عام ‪ ،2016‬حيث‬
‫أسهمت يف جناح مرشح احلزب اجلمهوري “دونالد ترامب”‪ .‬كما تسببت يف وقوع صدامات‬
‫داخلية يف عديد من البلدان؛ مثل الهند‪ ،‬حني قام حساب مزيف بنشر إشاعة مفادها امتهان‬
‫عدد من االشخاص لتجارة األطفال‪ ،‬ما دفع جموع من القرويني إىل مهاجمة أفراد أبرياء‬
‫وقتل خمسة منهم (‪ .)Gowen:2018‬واألمثلة كثرية على صعيد التأثري املتعاظم للحسابات‬
‫الوهمية على االستقرار السيايس واالجتماعي لدول العالم‪ ،‬ال يتسع املجال لذكرها‪.‬‬
‫ً‬
‫واحلسابات الوهمية يف سياقها التواصلي‪ ،‬تقني�ة للتخفي االجتماعي‪ ،‬تفرز أطيافا‬
‫من الهويات املصطنعة‪ ،‬تمارس ألعابها البالغية املثرية يف فلك الويب‪ ،‬ساعية الستقطاب‬
‫الرأي وتوجيه األحداث وبن�اء الواقع وفق ما تمليه أجندة قوى الضغط والفاعلني يف‬
‫َّ‬
‫السياسة واالقتصاد والثقافة‪ .‬ولما كان أمر اخلوض يف قضايا الشأن العام منظ ًما ومسريا‬
‫ومراقبا من قبل أجهزة الدولة يف األنظمة الشمولية وحىت يف “الديمقراطيات الناشئة”‪ ،‬كان‬ ‫ُ‬
‫اللجوء إىل استعارة األسماء املصطنعة وحنت الهويات االفرتاضية والعشائرية احلل اآلمن‬
‫ُّ‬
‫املناسب للتعبري احلر عن تمثالت األفراد املتب�اين�ة للواقع والتصدي لنموذج عدم االعرتاف‬
‫باالختالف (احليدري‪.)2019:‬‬

‫‪143‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫ُ‬
‫وحني تقدم أجهزة الدولة السياسية واأليديولوجية على هدم جدلية االختالف‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫واالئتلاف يف املجتمع‪ ،‬يكون الفضاء السيرباين اجلديد مجال عموميا مالئما إلعادة‬
‫بن�اء الواقع االجتماعي عرب عمل تفكيكي مستمر يقوم به األفراد من وراء أقنعتهم‬
‫البالغية‪ ،‬داخل هويات افرتاضية متطابقة وغري متطابقة مع الدالالت احلقيقية‬
‫للمستخدمني(مسعودة‪ .)2011:‬فوترية التخفي وراء الهويات البديلة واألسماء املستعارة‪،‬‬
‫وإن تعددت أسبابها‪ ،‬فإنها ترتفع كلما اتسع طيف مصادرة احلريات وتعاظمت أمواج‬
‫العنف الفكري املسلط على األجيال‪ .‬لذلك جند ظاهرة الهويات املزدوجة مسرتسلة‬
‫عرب العصور ومنتشرة يف األوساط الفني�ة واألدبي�ة باخلصوص‪ُ ،‬معربة عن حالة من‬
‫االنقسام اليت تصيب الذات العميقة نتيجة ضغوط ثقافية وسياسية مختلفة لتنشطر إىل‬
‫مستويني‪ ،‬مستوى األنا احلقيقي ومستوى األنا االجتماعي (‪.)Ibid‬‬
‫‪ 2.2‬أنواع احلسابات الوهمية‬

‫ﺣﺴﺎﺑﺎت�ﻣﻨﺘﺤﻠﺔ�ﺧﺎرج�اﻟﺸﺒﻜﺔ‬

‫ﺣﺴﺎﺑﺎت�ﻣﻨﺘﺤﻠﺔ�داﺧﻞ�اﻟﺸﺒﻜﺔ‬ ‫ﺣﺴﺎﺑﺎت�ﻣﻨﺘﺤﻠﺔ‬

‫ﺣﺴﺎﺑــﺎت�ﻏ���ﻣﺨ��ﻗ ــﺔ‬ ‫ا��ﺴﺎﺑﺎت‬


‫ﺣﺴﺎﺑﺎت�ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ‬
‫رو�ﻮﺗﺎت�ﺿﺮر‬ ‫ﺣﺴﺎﺑ ــﺎت�ﻣﺨ��ﻗﺔ‬ ‫اﻟﻮهﻤﻴ ــﺔ‬

‫رو�ﻮﺗﺎت�اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‬

‫رو�ﻮﺗﺎت�إ��ﺎب‬ ‫ﺣﺴﺎﺑــﺎت�آﻟﻴﺔ�رو�ﻮت‬ ‫ﺣﺴﺎﺑﺎت�ﻣﺰ�ﻔﺔ‬


‫رو�ﻮﺗﺎت�ﺗﺄﺛ��‬ ‫ﺣﺴﺎﺑــﺎت�ﻣﺰدوﺟﺔ‬
‫رو�ﻮت�ﺷﺒﻜﺔ‬
‫ﺣﺴﺎﺑﺎت�‪Sybil‬‬

‫ﺣﺴﺎﺑ ــﺎت�‪Honey‬‬

‫املصدر‪)Wani et al.:2017( :‬‬

‫‪144‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫َ‬
‫أ‪ .‬حســابات ُمختقــة (مقرصنــة) ‪ :Compromised Profiles‬حســابات تتبــع‬
‫مســتخدمني حقيقيــن علــى الشــبكات االجتماعيــة‪ ،‬تــم اخرتاقهــا وقرصنتهــا بواســطة‬
‫جهــة مجهولــة؛ ليفقــد إصحابهــا القــدرة علــى الســيطرة أو التحكــم بهــا‪ .‬وتعــرف بكونهــا‬
‫حســابات تــم الولــوج إليهــا بواســطة طــرف ثالــث دون معرفــة أو أذن مالكهــا احلقيقــي‬
‫(‪ .)VanDam et al.:2017‬وهــي مــن األنــواع صعبــة الكشــف والتتبــع دون إعــان صاحــب‬
‫احلســاب األصلــي عــن ذلــك‪ ،‬وتتمــز بقيمتهــا العاليــة يف الفعــل الدعــايئ‪ ،‬لمــا تملكــه مــن‬
‫ُ‬
‫ثقــة وانتشــار داخــل شــبكتها االجتماعيــة‪ ،‬مســتمدة مــن هويــة صاحبهــا‪ .‬وتســتخدم يف‬
‫نشــر رســائل الدعايــة علــى نطــاق جماهــري واســع (حتــت غطــاء مضلــل مــن األمــان)‪،‬‬
‫أو االســتيلاء علــى بي�انــات صاحــب احلســاب احلقيقــي‪ ،‬أو ســرقة بي�انــات اصدقائــه‬
‫ومتابعيــه‪ .‬ولعــل مــن أخطــر املمارســات املرتبطــة بهــذا النــوع‪ ،‬قيــام املســتخدم احلقيقــي‬
‫بتســليم حســابه جلهــات دعائيــ�ة؛ وذلــك الســتغالله دون أن يعلــم أصدقــاءه ومتابعيــه‬
‫بذلــك‪ .‬وتصنــف احلســابات املخرتقــة ضمــن أربعــة مســتويات‪ :‬مســتوى املقالــب‬
‫واحليــل‪ ،‬وهنــا يســتخدم املخــرق احلســاب يف مشــاركة محتــوى مســلي بهــدف إضحــاك‬
‫املســتخدمني كمــا يشــمل محتــوى عشــوايئ كرســائل االعــراف واحلب‪ .‬مســتوى املشــاركة‬
‫اإلجباريــة‪ ،‬وهنــا يســتغل املخــرق احلســاب مــن أجــل نشــر محتــوى مضلــل أو مزيــف‬
‫ألهــداف خبيث ـ�ة‪ .‬ومســتوى املتابعــة اإلجباريــة‪ ،‬حيــث يقــوم املخــرق بمتابعــة حســابات‬
‫مزيفــة أو خبيث ـ�ة مــن نفــس احلســاب املخــرق‪ .‬مســتوى جمــع املعلومــات‪ ،‬حيــث يعمــل‬
‫املخــرق علــى جمــع معلومــات حساســة عــن صاحــب احلســاب مثــل الرقــم الســري (‪.)Ibid‬‬
‫المنتحلــة ‪ :Cloned-Impersonated Profiles‬وهــي حســابات‬ ‫ب‪ .‬احلســابات ُ‬
‫تنتحــل هويــة مســتخدم حقيقــي‪ ،‬عــر ســرقة واســتغالل بي�اناتــه الشــخصية املنشــورة‬
‫علــى حســابه (صورتــه الشــخصية‪ ،‬بي�انــات التعليــم‪ ،‬الهاتــف‪ ،‬العمــل‪ ،‬التحديثــ�ات‪...‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫إلــخ)‪ ،‬لتمنــح احلســاب اجلديــد ُ‬
‫(المنتحــل) شــكال حقيقيــا يصعــب علــى اآلخريــن‬
‫ً‬
‫كشــف زيفــه‪ .‬وغالبــا مــا تقــف جهــات معاديــة او مقربــة خلــف ســرقة بي�انــات‬
‫الشــخص املســتهدف‪ ،‬وذلــك لتحقيــق عــدة أهــداف‪ ،‬تــراوح بــن التقــرب مــن أصدقــاء‬
‫احلســاب االصلــي واســتخالص معلومــات منهــم‪ ،‬أو تشــويه صــورة صاحــب احلســاب‬

‫‪145‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫احلقيقــي‪ ،‬أو حــى للتســلية‪ .‬ومــن املمارســات اخلطــرة املرتبطــة بهــذا النــوع‪ ،‬قيــام‬
‫المنتحــل باإلبــاغ عــن احلســاب األصلــي بغــرض شــطبه مــن املنصــة‬ ‫احلســاب ُ‬
‫(‪ .)Wani et al.:2017‬ويرتبط باحلسابات ُ‬
‫المنتحلة نوعان‪:‬‬
‫‪ .1‬حســابات ُمنتحلــة داخــل الشــبكة ‪ :Intra‬وهنــا يقــوم املنتحــل بت�أســيس حســاب‬
‫للضحيــة علــى نفــس الشــبكة أو املنصــة‪ ،‬ثــم يقــوم بإرســال طلبــات صداقــة ومتابعــة‬
‫ألصدقــاء الضحيــة‪ ،‬الذيــن بدورهــم يصادقــون ويعتمــدون هــذه الطلبــات؛ ألنهــا قادمــة‬
‫مــن مصــدر ثقــة كمــا يب ـ�دو لهــم‪.‬‬
‫‪ .2‬حســابات ُمنتحلــة خــارج الشــبكة ‪ :Inter‬يقــوم املنتحــل بت�أســيس حســاب‬
‫للضحيــة علــى شــبكة أو منصــة جديــدة‪ ،‬ال يوجــد للضحيــة حســاب لــه عليهــا‪ ،‬ثــم تب ـ�دأ‬
‫اجلهــة بإرســال طلبــات صداقــة ومتابعــة إىل أصدقــاء الضحيــة‪ ،‬الذيــن تــم رصدهــم يف‬
‫املنصــة املوجــود عليهــا صاحــب احلســاب‪.‬‬
‫ج‪ .‬احلسابات املزيفة ‪ :Fake Profiles‬حسابات تعتمد على هوية غري حقيقية‪ ،‬مزيفة‬
‫بالكامـل‪ ،‬بغـرض حتقيـق أهـداف على مسـتوى نشـر الدعايـة‪ ،‬أو صناعـة االنطبـاع املضلل‪،‬‬
‫أو املشـاركة يف دعايـة احلشـد املزيف‪ ،‬أو الولوج إىل شـبكة اجتماعية من خلال تعزيز الثقة‬
‫واملصداقيـة باحلسـاب‪ ....‬إلـخ‪ .‬ويمكـن إنشـاء هـذا النـوع بطريقتين‪ :‬األوىل آليـة‪ ،‬تعتمـد‬
‫علـى الربمجـة ولغـة احلاسـوب‪ ،‬والثانيـ�ة يدويـة‪ ،‬تعتمـد علـى اجلهـد اإلنسـاين‪ .‬وختتلـف‬
‫احلسـابات املزيفـة عـن املنتحلـة يف وجـود حسـاب لشـخص حقيقـي يف الثانيـ�ة؛ بينمـا ال‬
‫يوجـد يف األوىل‪ .‬وتعتمـد احلسـابات املنتحلـة يف إنشـائها علـى بي�انـات حقيقيـة‪ ،‬بعكـس‬
‫املزيفـة التي تعتمـد علـى بي�انـات مصطنعـة ومزيفـة بالكامـل (‪ .)Ibid‬وتنقسـم احلسـابات‬
‫املزيفـة إىل عـدة أنـواع كاآليت‪:‬‬
‫‪ .1‬حســابات مزدوجــة ‪ :Sock Puppet‬حســابات وهميــة مزيفــة ثن�ائيــ�ة‬
‫العــدد علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪ ،‬يصدرهــا ويســيطر عليهــا مســتخدم‬
‫واحــد‪ .‬بمعــى حســابان أو أكــر يتحكــم بهــا وحيركهــا شــخص واحــد‪ .‬ويرتبــط دافــع‬
‫إنشــائها باألســاس بتعــرض حســاب املســتخدم األصلــي للحظــر أو املنــع‪ ،‬مــا يدفعــه‬

‫‪146‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫إىل تأســيس حســاب جديــد بهويــة مــزورة أو معدلــة للتحايــل علــى إجــراءات املنــع‪.‬‬
‫ومــن هنــا جــاء تشــبي�ه (دىم اجلــوارب)‪ ،‬الــي حيركهــا شــخص واحــد بكلتــا يديــه‪،‬‬
‫دون أن تضــح هويتــ�ه‪ .‬وهنــا‪ُ ،‬يطلــق علــى الشــخص الــذي يتحكــم بهــا “راعــي الدميــة‬
‫‪ ،”Master‬وتســى مجموعــة احلســابات الــي حيركهــا مســتخدم واحــد “مجموعــة‬
‫الــدىم ‪ ،”Group/Pair‬واحلســابات الــي تــؤدي مهــام أكــر مــن غريهــا “الــدىم االساســية‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫‪ ،”Primary‬واحلســابات األقــل جهــدا “الــدىم الثانويــة ‪ .”Secondary‬وتســتخدم هــذه‬
‫احلســابات لتحقيــق طائفــة أهــداف كبــرة‪ ،‬مثــل الرتويــج ألفــكار ومنتجــات معين�ة‪ ،‬أو شــن‬
‫هجمــات علــى مســتخدمني منتقــن‪ ،‬أو تزييــف املعلومــات واملعــارف‪ ،‬أو دعــم قضيــة أو‬
‫شــخصية مــا‪ ،‬أو مطــاردة ومالحقــة أحــد املســتخدمني لقيامــه حبظر حســاب ملســتخدم آخر‬
‫‪...stalker‬إلــخ‪ .‬وجميــع مــا ســبق ينفــذ حتــت غطــاء مــن الســرية‪ ،‬لتعمــد منــئ احلســاب‬
‫إخفــاء هويتـ�ه احلقيقيــة‪ .‬وتتجســد خطــورة حســابات الــدىم‪ ،‬يف دعمهــا وتعزيزهــا ملفهــوم‬
‫دعايــة التضليــل‪ ،‬مــن خــال اإلحيــاء بوجــود إجمــاع حــول قضيــة معين ـ�ة‪ ،‬دون إدراك مــن‬
‫املســتخدمني لطبيعــة الزتييــف احلاصــل‪.‬‬
‫‪ .2‬حسابات ‪ :Sybil‬مجموعة حسابات مزيفة تنشأ وتدار بشكل موجه من قبل‬
‫جهات مجهولة بهدف مهاجمة الشبكات‪ ،‬أو التأثري يف آليات توجيه وختزين البي�انات‪ ،‬أو‬
‫جتميع بي�انات خاصة واملساومة عليها‪ ،‬أو التأثري يف نت�اجئ التصويت‪...‬إلخ‪ .‬وعادة ما تنئش‬
‫اجلهات املعني�ة حلسابات كثرية من هذا النوع‪ ،‬بهدف تشكيل قاعدة مستخدمني وهمية‬
‫للتأثري على الشبكة‪ .‬على سبي�ل املثال‪ ،‬تقوم جهة ما بإنشاء عدة حسابات مزيفة‪ ،‬ثم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إقامة تفاعل بينها‪ ،‬كي تصنع انطباعا مضلال بوجود نشاط حقيقي‪ .‬وينشط هذا النوع يف‬
‫احلروب السيرباني�ة الشبكية‪ ،‬سيما ختريب وسرقة شبكات البتكوين‪.‬‬
‫‪ .3‬حسابات ‪ :Honey‬تسىم حسابات جذب االنتب�اه أو املصائد‪ ،‬مخصصة إلغواء‬
‫املستخدمني‪ ،‬بهدف حتقيق أهداف مثل جمع واستخالص البي�انات‪ ،‬أو تسويق منتجات أو‬
‫الرتويج لعالمة جتارية‪ ،‬أو حىت للتسلية‪ .‬وهنا تقوم اجلهة بإنشاء حساب مزيف من أجل‬
‫جذب املستخدمني إليها‪ ،‬ثم تركهم يتعرضون ملحتوى وموضوع احلساب‪ ،‬لفرتات قصرية‬
‫أو طويلة‪ ،‬حبسب الهدف‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫‪ .4‬حســابات روبــوت آليــة ‪ :Bots‬حســابات برمجيــة حاســوبي�ة حميــدة أو ضــارة‬


‫تعمــل بشــكل آيل‪ ،‬تتمــز بســرعتها وتزامنهــا وتنوعهــا بشــكل يفــوق قــدرة اإلنســان‪ .‬وتــؤدي‬
‫عــدة مهــام‪ ،‬أهمهــا التفاعــل مــع املســتخدمني مــن أجــل تغيــر ســلوكهم‪ ،‬أو إعــادة تغريــد‬
‫املنشــورات ومشــاركتها‪ ،‬أو التعليــق عليهــا‪ ،‬أو إرســال طلبــات صداقــة‪ ،‬أو تأســيس شــبكة‬
‫اجتماعية‪...‬إلــخ‪ .‬وخيتلــف هــذا النــوع عــن حســابات ‪ ،Sybil‬يف كــون األخــرة تــدار جبهــد‬
‫بشــري بعكــس األوىل الــي تعمــل بشــكل آيل‪ .‬وتنقســم إىل أنــواع‪:‬‬
‫‪ 1.4‬حســابات روبــوت ضــارة ‪ :Spam Bots‬حســابات مصممــة لألنشــطة اخلبيثــ�ة‬
‫الــي تتــم بشــكل آيل‪ ،‬كنشــر الروابــط الفريوســية‪ ،‬أو إغــراق الوســوم بإعالنــات وروابــط‬
‫اإلحالــة‪ ،‬أو دعــم انتشــار مضمــون معــن‪ ،‬أو صناعــة وجتميــع محتــوى دعايئ‪...‬إلــخ‪.‬‬
‫‪ 2.4‬حســابات روبــوت اجتماعيــة ‪ :Social Bots‬حســابات برمجيــة تفاعليــة معقــدة‬
‫مصممــة ملحــاكاة الســلوك اإلنســاين علــى املنصــات االجتماعيــة‪ ،‬لتبــ�دو وكأنهــا ختــص‬
‫مســتخدمني حقيقيــن‪ .‬علــى ســبي�ل املثــال‪ ،‬تقــوم هــذه احلســابات بإرســال طلبــات‬
‫الصداقــة‪ ،‬نشــر رســائل وحتديثـ�ات‪ ،‬كتابــة ردود وتعليقات‪...‬إلــخ‪ ،‬مــن أجــل جــذب االنتبـ�اه‬
‫إىل موضــوع أو شــخصية معينــ�ة‪ ،‬وذلــك بعــد أن تقــوم بالولــوج إىل الشــبكة االجتماعيــة‬
‫للمســتخدمني دون أن يشــعر أحــد حبقيقتهــا‪.‬‬
‫‪ 3.4‬حســابات روبــوت اإلعجــاب ‪ :Like Bots‬حســابات مخصصــة لتأديــة مهمــة‬
‫واحــدة فقــط تتمثــل يف تســجيل اإلعجــاب بصفحــة‪ ،‬أو مضمــون‪ ،‬أو منتــج‪ ،‬أو عالمــة‬
‫ً‬
‫جتارية‪...‬إلــخ‪ ،‬مــن أجــل جــذب املســتخدمني واكتســاب ثقتهــم‪ .‬وكثــرا مــا تقــوم جهــات‬
‫داخــل الشــبكات االجتماعيــة بشــراء “اإلعجابــات”‪ ،‬لدعــم صناعــة انطبــاع مضلــل لــدى‬
‫اجلمهــور حــول موضــوع أو قضيــة معينــ�ة‪ .‬وجتــدر اإلشــارة‪ ،‬إىل أن القاعــدة املركزيــة يف‬
‫االســتقطاب وتوجيــه الــرأي يف الفضــاء الســيرباين ليســت فــن اخلطــاب يف بعــده البالغــي‬
‫التقليــدي كمــا كانــت احلــال ً‬
‫قديمــا‪ ،‬وليســت قــوة األفــكار؛ إنمــا كميــة اإلعجــاب الــي‬
‫حتصدهــا تغريــدة أو مقطــع فيديــو‪ ،‬وهــي الــي تمنــح االنطبــاع يف األذهــان جبــودة األفــكار‬
‫َ ِّ‬
‫وتبــي أغلبي ـ�ة لهــا‪ ،‬حــى لــو كانــت ســاذجة (احليــدري‪.)2019:‬‬

‫‪148‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫‪ 4.4‬حســابات روبــوت للتأثــر ‪ :Influential Bots‬يتشــابه مــع الروبــوت االجتماعــي؛‬


‫ً‬
‫إال أنــه أكــر تعقيــدا‪ ،‬لكونــه هويــة رقميــة آليــة مصممــة لتأديــة أدوار تأثــر متنوعــة علــى‬
‫مســتوى اإلدراك بعــد احلصــول علــى ثقــة املســتخدمني‪ .‬ويتمــز بقدرتــه علــى إقامــة‬
‫ُعقــد اتصــال مــع شــبكة اجتماعيــة ممتــدة وواســعة‪ ،‬عــر التشــبيك مــع عــدد كبــر مــن‬
‫ً‬
‫املســتخدمني‪ ،‬تفــوق احيانــا كثــرة الشــبكات اخلاصــة باألفــراد احلقيقيــن؛ وذلــك بهــدف‬
‫ضمــان توســيع نطــاق التأثــر إىل أقــى حــد ممكــن‪ .‬ويمكــن إجيــاز مهمــة حســابات التأثــر‬
‫يف ســعيها إىل تغيــر آراء املســتخدمني حــول موضــوع أو قضيــة أو منتــج أو شــخصية مــا‪ ،‬أو‬
‫ً‬
‫علــى األقــل تغيــر أنمــاط تفكريهــم حولهــا‪ .‬ومــن أدواره أيضــا‪ ،‬كتابــة املنشــورات وتوزيعهــا؛‬
‫الـــمشاركة وإعــادة التغريــد‪ ،‬اإلعجاب‪...‬إلــخ‪.‬‬
‫‪ 5.4‬حســابات شــبكة روبوتــات ‪ :Botnets‬شــبكة روبوتــات مرتابطــة ومتصلــة‬
‫مصممــة لتأديــة مهــام بشــكل جماعــي‪ .‬وتســتخدم يف حمــات الدعايــة والتضليــل الــي‬
‫حتتــاج إىل جهــد متواصــل ومزتامــن‪ ،‬إىل جانــب أنشــطة أخــرى جتاريــة أو إجرامية‪...‬إلــخ‪.‬‬
‫‪ 3.2‬أساليب كشف احلسابات الوهمية‬
‫ً‬
‫عمليــا مــن اليســر إنشــاء حســاب علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪ ،‬ومــن الســهل‬
‫ً‬
‫أيضــا إنشــاء حســاب مزيــف ونســبه إىل شــخصية أو جهــة غــر ذات صلــة‪ .‬واألســاليب‬
‫أو املؤشــرات اآلتي ـ�ة‪ ،‬توضــح كيفيــة التفريــق بــن احلســابات احلقيقيــة والوهميــة‪ ،‬مــع‬
‫التأكيــد علــى عــدم قطعيتهــا أو ديمومتهــا‪ ،‬فقــد ختضــع للتب�ديــل والتغيــر‪ ،‬واإلضافــة‬
‫واحلــذف‪ ،‬حبســب طبيعــة التطــورات الــي قــد تشــهدها بيئـ�ة العمــل الدعــايئ علــى مواقــع‬
‫الشــبكات االجتماعيــة‪ .‬وأول هــذه األســاليب مــا يتعلــق خباصيــة التحقــق أو التأكيــد‬
‫الرســي ‪ ،Verification‬وهــي شــارة زرقــاء تســتخدمها مواقــع مثــل فيســبوك وتويــر‬
‫وإنســتغرام للتأكيــد علــى حقيقــة هويــة صاحــب احلســاب‪ .‬وهــذا يعــي أن وجــود الشــارة‬
‫كاف ليدلــل علــى موثوقيــة احلســاب وأصالتــه‪.‬‬
‫ٍ‬

‫‪149‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫جدول يلخص الفروق بني احلسابات الوهمية‬

‫‬ ‫‬ ‫‬ ‫‬


‫ƒ†‬ ‫‬ ‫‬
‫‪Sybil‬‬ ‫…„ƒ‚‬ ‫€­‪ ‬‬ ‫‬

‫ ¼‰ †‪ʄÆ‬‬ ‫Ÿ ‰¿ ¡‬ ‫ 


‡‬
‫ 
„ 
‬ ‫ š€¿¨‰¿ ˆ‬
‫ƒ‪¸ „
 ¨Ó‬‬ ‫‪Ò‬‬ ‫§‪Ç  œžŸ ƒ « ‬‬ ‫Š‰Š‰‡ Š
ƒ ‰ˆ‬ ‫ ‬
‫¾
ƒ  ‚© ‬ ‫‪’ƒ ƒ ½‘Ï •
Ð‬‬
‫Ÿ® ‪®‰ˆ¾ °‬‬ ‫ ‪‘È ¡ ¤‬‬ ‫‪ƒ ‹ Œ Ž  ‰ ‬‬
‫ š‪.‬‬ ‫ ‪. Ñ‬‬
‫ ‪. ¾„»† Á³‬‬ ‫   ‪.‬‬ ‫’ ‘ ‹‪.‬‬

‫ Ÿ ‪®‰©Ëƒ ¹‬‬ ‫


• ƒ ƒ’‬ ‫†– ƒ ‘
• ”“‪.‬‬
‫ ‰¿‪.‬‬ ‫ §› ƒ ‪´  ¤œ¿‰Ÿ°‬‬ ‫‪. ‰Ž” ƒ ŸÆ‬‬ ‫ ­™ ˜ —‬
‫  „‪´  ƒ ƒ ،‬‬ ‫ œ¦   ‪.£ Ê‬‬ ‫Ÿ ‰¿‬
‫ Ÿžœ› š‰‬
‫ ‪· ƒ Ì ƒ ͉ ‬‬ ‫ ‪.‰Ž  ‬‬ ‫ 
‡‪.‬‬ ‫

‫ ‪.¡¢‬‬
‫ ‪.¿‰¨Š ‬‬ ‫‪¡¢ ¯ ¦€Ë‬‬ ‫‘
• ƒ †– ”“‪.‬‬
‫ »š‪Š‰ˆ† ´  º‬‬ ‫ ‪ ´  « §°‬‬ ‫  ƒ ‪.‰ É‬‬
‫‪ £
Ÿ ¤Ÿ¥‬‬
‫ ‪°ÎÉ ½ ‚³‬‬ ‫ Ž‪.²‬‬ ‫ ‪.‰©‚°‬‬ ‫”‰‪.‬‬
‫ƒ ‪. Ÿ°‬‬

‫
‪،²³ Ã‬‬ ‫ 
ƒ‡‪Ã
 ،‬‬ ‫§­¡ ‪،¢‬‬ ‫§¦ ‪¡¢‬‬
‫ 
ƒ‡‪Ã
 ،‬‬ ‫ ‪،ºÅ‬‬ ‫ƒ·‰‪،‡Ä ،¾
¿‰À‬‬
‫ ‬
‫ ¬§‪Á· ©¾ ° ½¾Â „ ¬ ƒ –¨
§ ©¨ƒ ،« ‬‬
‫  ‪‰©‚°‬‬ ‫ ‪± ¥...ŸÆ‬‬ ‫
‪. Ã‬‬ ‫‪.‬‬ ‫ƒ‰–‪.‬‬ ‫ ‬

‫ ® ‬ ‫ ® ‬ ‫ ‬


‫  ‪‰©‚°‬‬ ‫  ‪،‰©‚°‬‬
‫  ‪.‰©‚°‬‬ ‫ ‪½ƒ
 ƒ ‰©‚°‬‬ ‫ ‪®
©¯ ،‰©‚°‬‬
‫ƒ © ‰‪.‬‬ ‫ƒ·‰‪.¾
¿‰À‬‬
‫ Žž‪.‬‬ ‫‪.± ¥... ²³ ´ ‬‬ ‫ 
‬

‫‪- Strawman sock‬‬


‫ƒ† ˜‪،‬‬ ‫‪.· ¸‘ „ ›­ -‬‬ ‫‪.µ…‚ ‹ ‘ -‬‬ ‫  ‬
‫‪...‬‬ ‫‪puppet.‬‬
‫ ‚©‰‪.ºš»† ،¡¼¥ ،‬‬ ‫‪- Meat puppet.‬‬
‫‪.· ¹‘ ›­ -‬‬ ‫‪.« ¶ ‹ ‘ -‬‬

‫ٌ‬
‫ثــاين األســاليب مــا يرتبــط بالصــور‪ ،‬فعديــد مــن احلســابات املزيفــة قــد ال ختصــص‬
‫صــورة مللــف التعريــف‪ ،‬أو قــد تعتمــد علــى صــور عامــة مأخــوذة عــن شــبكة اإلنرتنــت‬
‫(عراضــات أزيــاء‪ ،‬طبيعــة‪ ،‬حيوانــات‪ ،‬ممثلني‪...‬إلــخ)‪ ،‬أو مزيفــة بالكامــل‪ ،‬أو ختــص‬
‫مســتخدمني آخريــن‪ .‬ولكــن مــا ســبق ال يثبــت علــى وجــه اليقــن زيــف احلســاب‪ ،‬إمــا‬
‫لتجنــب كثــر مــن املســتخدمني عــرض صورهــم اخلاصــة‪ ،‬أو حلداثــة نشــأة احلســاب‬
‫وحاجــة صاحبــه إىل وقــت لضــخ صــور خاصــة بــه (‪ .)Computer Hope:2019‬وتعــد األخطــاء‬
‫ً‬
‫اإلمالئي ـ�ة املتعمــدة الظاهــرة علــى ملــف التعريــف (اســم املســتخدم) مؤشــرا علــى زيــف‬
‫احلســاب‪ .‬وجديــر بالتنويــه هنــا‪ ،‬ختصيــص موقــع فيســبوك لنظــام تعريــف يتيــح إمكانيـ�ة‬
‫ً‬
‫إنشــاء حســابات بأســماء تعريــف متشــابهة أو ُمســتخدمة ســابقا‪ ،‬بعكــس موقــع تويــر‬
‫ً‬
‫الــذي ال يســمح بتكــرار اســم تعريــف موجــود ســلفا‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫ويف ســياق التالعــب اللغــوي‪ ،‬تتعمــد بعــض احلســابات املزيفــة إضافــة حــرف‬
‫علــى اســم التعريــف ليشــابه اســم آخــر ‪ ،Haider/Haiider‬أو تســتب�دل حــرف بآخــر مشــابه‬
‫‪ Trump/Trunp‬يصعــب علــى املســتخدم العــادي رصــده دون تركــز قــوي‪ ،‬أو تضيــف عالمــة‬
‫وينصــح بفحــص قائمــة‬‫ترقيــم كالفاصلــة والنقطــة ‪ .Haider.Ibrahim، Haider,Ibrahim‬هــذا ُ‬

‫الصدقــات الــي حيتويهــا أي حســاب قبــل تأكيــد متابعتــه أو قبــول طلبــه‪ ،‬ويف حــال عــدم‬
‫التعــرف علــى أي هويــة أو غيــاب الصداقــات املشــركة‪ ،‬عندهــا يتعاظــم احتمــال زيــف‬
‫احلســاب‪ .‬كمــا يفضــل الولــوج إىل احلســاب‪ ،‬وتصفــح منشــوراته‪ ،‬ويف حــال عــدم وجــود‬
‫أي عالقــة بــن املنشــور والواقــع‪ ،‬أو غلــب علــى املنشــورات العشــوائي�ة‪ ،‬عندهــا مــن املمكــن‬
‫اعتب ـ�ار احلســاب مزيــف (‪.)*()Ibid‬‬
‫ً‬
‫ومــن األســاليب ايضــا‪ ،‬خاصــة علــى موقعــي تويــر وإنســتغرام‪ ،‬مــا يتعلــق باملتابعات؛‬
‫ً‬
‫فاحلســابات املزيفــة غالبــا مــا تت�ابــع اآلخريــن ‪ Follow‬بنســبة أعلــى بكثــر ممــا يتــم متابعتهــا‬
‫‪ .Following‬ومــن الضــروري التنويــه هنــا‪ ،‬إىل دعــم بعــض اجلهــات حلســاباتها املزيفــة‬
‫باســتخدام الروبــوت‪ ،‬حبيــث تتعمــد تفعيــل نمــط متابعــة آيل‪ ،‬تــزداد بموجبــه أعــداد متابعي‬
‫ً‬
‫احلســاب املزيــف‪ ،‬األمــر الــذي قــد جيــذب الحقــا متابعــات حقيقيــة للحســاب(*)‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وأخــرا‪ ،‬يعــد تاريــخ اإلنشــاء مؤشــرا مهمــا يف حتديــد زيــف احلســاب مــن عدمــه؛‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فغالبــا مــا تتمــز احلســابات الوهميــة حبداثتهــا نظــرا حلمــات التحييـ�د واإللغــاء املســتمرة‬
‫الــي تنفذهــا أنظمــة املنصــات االجتماعيــة‪.‬‬

‫تــدرك بعــض اجلهــات الدعائيــ�ة هــذه اخلطــوة االحرتازيــة‪ ،‬لذلــك تعمــد بشــكل مســبق إىل إرســال طلبــات صداقــة‬ ‫(*)‬

‫ومتابعــة ألصدقــاء الضحيــة‪ ،‬ثــم بعــد قبولهــا ترســل طلــب صداقــة أو متابعــة إىل الضحيــة‪ ،‬ليقــوم بــدوره بقبولهــا علــى‬
‫قاعــدة الصداقــات املشــركة املوجــودة بــن حســابه واحلســاب املزيــف‪ .‬وهــذا االســلوب يعكــس لعمليــة حتايــل مدروســة‬
‫(هندســة اجتماعيــة) تســتهدف منظــور األفــراد وإدراكهــم للحقائــق الماثلــة أمامهــم‪ .‬وهنــا‪ ،‬ينصــح املتخصصــون حــال‬
‫الكشــف عــن حســاب وهــي‪ ،‬إبــاغ األصدقــاء‪ ،‬الذيــن جتمعهــم صداقــة مــع احلســاب الوهــي‪ ،‬وحثهــم علــى إلغــاء‬
‫متابعتــه أو صداقتــه‪.‬‬
‫يف حال غياب دعم الروبوتات‪ ،‬قد تواجه احلسابات املزيفة قلة متابعة مقارنة مع احلسابات احلقيقية‪.‬‬ ‫(*)‬

‫‪151‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫‪ 4.2‬أنماط احلسابات اآللية‬


‫ً‬
‫نظرا ألهمية احلسابات اآللية يف نشر رسائل الدعاية‪ ،‬جند من الضروري التطرق إىل‬
‫األنماط اليت تؤشر على وجود اشتغال آيل من عدمه‪ .‬وبرغم تعددها وتنوعها‪ ،‬إال أن األنماط‬
‫واملؤشرات اليت سنتن�اولها ال تثبت على حنو قطعي ويقيين بأن احلساب يدار بطريقة آلية‪،‬‬
‫ولكنها يف حال اجتماعها قد ترفع من منسوب الشك حول حقيقتها‪ .‬ومن املؤشرات ارتفاع‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫معدل النشر بصورة كبرية جدا‪ ،‬وعلى مدار الساعة دون انقطاع‪ ،‬وأحيانا جيري النشر‬
‫على فرتات منتظمة ومختارة بدقة‪ .‬ثاين األنماط ما يرتبط بالسلوك التفاعلي‪ ،‬فأنشطة‬
‫ً‬
‫احلسابات اآللية منصبة غالبا حنو خاصييت اإلعجاب واملشاركة؛ لذلك نالحظ مشاركتها‬
‫ً‬
‫وإعادة تغريدها ملحتوى أصلي دون أن تصنع مضمون خاص بها‪ ،‬وهو أمر ملفت جدا خاصة‬
‫إذا تمت املشاركة عرب حسابات ومصادر بعينها دون غريها‪ .‬كما تتصف بإعادة نشرها‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ذات الروابط واملضامني ألكرث من مرة يوميا‪ ،‬وهو فعل نادرا ما تقوم به حسابات بشرية‬
‫ً‬
‫(‪ .)Hindman & Barash:2018‬وعادة ما تفتقد احلسابات اآللية للبي�انات األساسية الالزمة‬
‫ً‬
‫إلثب�ات عدم زيفها‪ ،‬وغالبا ما تستخدم صورة شخصية وهمية (‪.)Starbird:2017‬‬
‫ً‬
‫ومن األنماط أيضا إصدار احلساب ملئات املشاركات والتغريدات دون وجود‬
‫متابعني أو أصدقاء أو حىت تفاعل داخل احلساب‪ ،‬بعكس املستخدم احلقيقي الذي قد‬
‫يتوقف عن النشاط أو استخدام املنصة حال جتاهل مشاركاته‪ .‬إضافة لما سبق‪ ،‬تتصف‬
‫احلسابات اآللية‪ ،‬خاصة على موقع التدوين املصغر “تويرت”‪ ،‬بتساوي نسب املتابعات‬
‫واملتابعني‪ ،‬نتيجة تفعيل خاصية املتابعة التلقائي�ة فيما بني احلسابات املزيفة؛ وذلك‬
‫بهدف زيادة أعداد املتابعني وبالتايل تضليل املستخدمني‪ .‬وتتسم احلسابات اآللية‬
‫بالردود القصرية‪ ،‬املليئ�ة باألخطاء النحوية والرتكيبي�ة؛ ويرد سبب قصر الردود إىل‬
‫ً‬
‫محاولتها إخفاء عجزها اللغوي‪ ،‬إىل جانب سهولة برمجتها وتشغيلها آليا (& ‪Hindman‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ .)Barash:2018‬وأخريا‪ ،‬ال تعد األنماط السابقة دليال قطعيا ونهائي�ا‪ ،‬بل هي مؤشرات‬
‫تساعد فقط على التنبؤ‪ .‬وجدير بالذكر‪ ،‬أن جهود اكتشاف احلسابات اآللية باتت أقرب‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬
‫إىل سباق التسلح‪ ،‬حبيث تبتكر عديد من اجلهات لطرق تشغيل أكرث تعقيدا وتطورا من‬
‫ً‬
‫السابقة‪ ،‬خاصة تلك اليت جيري فهم آلية اشتغالها‪ ،‬وبالتايل حتيي�دها أو تعطيلها كليا (‪.)Ibid‬‬

‫‪152‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫ً‬ ‫ٌ‬
‫وقد كشفت عديد من األحباث عن وجود حسابات آلية تعمل بأنماط جديدة كليا يصعب‬
‫على اإلنسان العادي كشفها (‪.)Cresci et al.:2017‬‬
‫ج‪ .‬اخلوارزميات ‪Algorithms‬‬
‫شكل ظهور شبكة اإلنرتنت ثورة يف مجال االنعتاق من هيمنة االتصال آحادي االجتاه‪،‬‬
‫ً‬
‫فهي سمحت بنشوء وازدهار فضاء جماهريي مباشر ومتفاعل؛ متحررا عن وساطة وسائل‬
‫اإلعالم‪ ،‬وبعيد إىل حد كبري عن الرقابة واملالحقة والتتبع‪ .‬لكن أتضح بتقادم األيام وتعاظم‬
‫محاوالت مركزة أشكال االتصال احلديث�ة‪ ،‬إمكاني�ة السيطرة النسبي�ة على شبكة اإلنرتنت‪،‬‬
‫ٌ‬
‫لتغدو أقل حصانة كالوسائل اليت سبقتها (‪ .)Turner:2006‬فعديد من دول العالم تسعى إىل‬
‫دمجها ضمن سياساتها االتصالية احلكومية‪ ،‬لكن من دون أن تؤثر على صفتها األصلية‬
‫كمجال مفتوح يتيح التدفق احلر للمعلومات‪ ،‬ويسمح بنشوء خطاب جماهريي عمويم‬
‫متحرر إىل حد كبري عن هيمنة السلطة (‪ .)Caplan & Boyd:2016‬هذه الطبيعة ثن�ائي�ة االجتاه‬
‫لإلنرتنت‪ ،‬تعززت وترسخت بظهور مواقع الشبكات االجتماعية‪ ،‬اليت اضفت بدورها‬
‫طابع شخيص تفاعلي على العملية االتصالية باستخدام خوارزميات متخصصة‪ .‬وألن‬
‫التفاعل جيري على منصات تسيطر عليها شركات خاصة تعمل يف الغالب دون إشراف أو‬
‫رقابة عامة‪ ،‬بدأت الشكوك تزتايد حول مسؤولية اخلوارزميات عن تفتيت وجتزئة األفراد‬
‫ً‬
‫بدال من توحيدهم‪ ،‬خاصة مع ظهور تقني�ة االستهداف املخصص‪ ،‬وارتفاع االصوات اليت‬
‫ً‬
‫حتذر من تداعياتها السلبي�ة‪ .‬وبرزت مؤخرا أحباث علمية عدة ترصد لكيفية تشكل الفضاء‬
‫العام االفرتايض‪ ،‬والدور الذي تؤديه اخلوارزميات واألتمتة يف هذا املضمار‪ ،‬خاصة وإنها‬
‫مسؤولة بشكل مباشر عن تشكيل منظور املستخدمني جتاه مختلف األحداث والقضايا‬
‫ً‬
‫املحلية والعاملية بطريقة تقني�ة غري محسوسة (‪ .)Pariser:2011‬ونظرا لتحول أعداد كبرية‬
‫من اجلمهور إىل مواقع الشبكات االجتماعية‪ ،‬واتساع دورها كمصدر رئييس للمعلومات‪،‬‬
‫تعمل اخلوارزميات على التحكم يف عملية التعرض‪ ،‬من خالل تطبيق آلية تصفية تقرر من‬
‫ً‬ ‫ً ً‬ ‫ُ‬
‫خاللها وعلى حنو مستقل ما ُيقدم أو يجب (‪ .)Gillespie:2014‬وتؤدي أيضا دورا خطريا على‬
‫محركات البحث‪ ،‬عرب ترشيحها للمخرجات والنت�اجئ‪ ،‬فهي حتدد أي الروابط واملعلومات‬
‫هامة وضرورية‪ ،‬وايها تستجيب وتتن�اغم مع تفضيالت األفراد وسلوكياتهم على شبكة‬

‫‪153‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫اإلنرتنت‪ .‬ويف كلتا احلالتني هي اليت حتدد أولوية التعرض املعلومايت (‪.)Barthel et al.:2015‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وألنها أصبحت منطقا مستقال بذاتها تتحكم إىل حد كبري يف حركة تدفق املعلومات‬
‫ً‬
‫اليت نعتمد عليها‪ ،‬صار لزاما علين�ا فهم ماهيتها‪ ،‬ودورها الذي تؤديه يف مجال تشكيل‬
‫واقعنا ومنظورنا للعالم‪ ،‬إىل جانب توضيح عالقتها بالعمليات الدعائي�ة على الشبكات‬
‫االجتماعية‪ ،‬سيما ما يتصل حبمالت التضليل واألخبار الكاذبة والتالعب بمحركات البحث‬
‫وغريها من املمارسات‪.‬‬
‫‪ .1‬مفهوم اخلوارزميات‬
‫برغم امتالك اخلوارزميات ملعىن تقين محدد ودقيق‪ ،‬إال أن اخلطاب الشعيب‬
‫السائد يربطها باملهام اليت يؤديها احلاسب اآليل‪ .‬واخلوارزمية‪ ،‬مجموعة من العمليات‬
‫ُ‬
‫يتعني تنفيذها بشكل متسلسل‪ ،‬خطوة خبطوة‪ .‬ويف حال أحيل للحاسوب تنفيذ هذه‬
‫اخلطوات‪ ،‬عندئذ تقوم اخلوارزميات على أتمتة وتنظيم العملية‪ .‬وبمجرد تصميمها‪،‬‬
‫تعمل اخلوارزمية بشكل مستقل‪ ،‬حبيث تؤدي وظائفها دون أشراف بشري يذكر‬
‫ً‬
‫(‪ .)Zarsky:2016‬واملقدمة السابقة تؤشر ظاهريا إىل حيادية العميلة وعكسها للواقع دون‬
‫رتوش‪ .‬لكن التجارب العملية واملالحظات العلمية كشفت وأثبتت العكس؛ فاملهندسني‬
‫واملربمجني‪ ،‬خالل تصميمهم وتطويرهم للخوارزميات‪ ،‬يهيئون لقرارات وأوامر وعالقات‬
‫ال حصر لها‪ ،‬وعرب هذه التهيئ�ة جيري حقن النظام وترمزيه بتحزيات وقرارات ذاتي�ة جتعل‬
‫ُ‬
‫من اخلوارزمية أبعد ما تكون عن احليادية‪ .‬وتعرف اخلوارزميات على أنها مجموعة‬
‫ُ‬
‫من القواعد واألوامر اليت تنفذ بشكل تراتيب منظم حلل مشكلة أو تأدية وظيفة معين�ة‬
‫(مراد‪ .)2019 :‬وهي أسلوب يصف بالتفصيل كيفية القيام بأمر ما‪ ،‬عرب إضفاء الطابع‬
‫ً‬
‫احلسايب (الريايض) عليه‪ ،‬جلعله قابال للتنفيذ بوسيط رقيم‪ .‬وتتمزي بسرعة تنفيذها‬
‫للمهام‪ ،‬وإمكاني�ة تغيريها والتعديل عليها حبسب احلاجة‪ .‬وسميت باخلوارزمية نسبة‬
‫إىل العالم اإلساليم “أبو جعفر محمد اخلوارزيم”‪ ،‬وتهدف إىل اعتماد طرق منظمة حلل‬
‫املسائل احلسابي�ة‪ ،‬عرب جتزئة وتفكيك املسائل املعقدة إىل أخرى بسيطة‪ ،‬ثم البدء يف حل‬
‫ً‬
‫املسائل البسيطة وصوال إىل حل تلك املعقدة (‪.)Ibid‬‬

‫‪154‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫واخلوارزمية ليست لغة برمجة باملعىن الصريح؛ وإنما طريقة للتحليل والتفكري‬
‫يتم إتب�اعها أثن�اء كتابة الرموز واألوامر بشكل منطقي صحيح‪ .‬ومع الطفرة املزتايدة اليت‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تشهدها البي�انات الرقمية‪ ،‬وزيادة كميتها نوعا وكيفا‪ ،‬تغري مفهوم ومعىن اخلوارزمية‬
‫لريتبط بإدارة ومعاجلة البي�انات الضخمة ‪ ،Big Data‬عرب التنقيب عنها وانتقائها ثم‬
‫تصنيفها وحتويلها إىل معلومات‪ ،‬وبالتايل استنت�اج معان يسهل على املستخدم فهمها‪.‬‬
‫كما ارتبط معناها جبهود إنشاء ملفات التصنيف ‪ ،Profiles‬من خالل إجرائها عمليات‬
‫حسابي�ة على أنوع من البي�انات‪ ،‬يتم بموجبها استخالص تلك املتعلقة باملستخدمني‪ ،‬ثم‬
‫ً‬
‫تبويبها داخل ملفات منفصلة‪ ،‬واستغاللها الحقا يف مجاالت جتارية أو دعائي�ة أو سياسية‪.‬‬
‫وبرغم سهولة استيعاب املعىن العام للخوارزميات‪ ،‬إال أن العمليات اليت تقوم بها شديدة‬
‫التعقيد‪ ،‬ويصعب على املستخدم العادي فهمها (‪ .)Tufekci:2015‬ولعل أكرث ما يستقطب‬
‫اهتمام الباحثني‪ ،‬ما يتعلق بقدرة اخلوارزميات اختاذ قرارات ذاتي�ة على صعيد التصنيف‪،‬‬
‫والتخصيص‪ ،‬وحتديد األولويات‪ ،‬والتصفية‪ .‬ففي النهاية‪ ،‬جميع هذه القرارات تعكس‬
‫ألساليب حتليل ومعاجلة ختضع لها البي�انات الضخمة‪ ،‬حبيث جتعل منها ذات معىن وفائدة‬
‫(‪.)Diakopoulos:2013‬‬
‫وللخوارزميات أبعاد سلبي�ة مقلقة‪ ،‬خاصة ما يرتبط باستقاللية اشتغالها‪ ،‬وما يرتتب‬
‫ً‬
‫عن ذاتيتها من تأثري خطري على منظور املستخدمني للواقع‪ .‬فمثال‪ ،‬تتعامل خوارزميات‬
‫املنصات االجتماعية مع البي�انات اجلماهريية املدخلة‪ ،‬لهذا يزتايد احتمال اعتمادها على‬
‫ً‬
‫أنواع معيب�ة من املعلومات بشكل يرتد سلبا على منظور املستخدمني للقضايا (& ‪Caplan‬‬

‫‪ .)Boyd:2016‬كما تتخذ قرارات ني�ابة عن اإلنسان‪ ،‬وحتدد له الصالح واملفيد‪ ،‬أو حتجب عنه‬
‫ما تعتقد أنه غري ذي صلة؛ لقد صارت تتحكم يف حياتن�ا وتفاعالتن�ا بشكل غري مسبوق حىت‬
‫بتن�ا أسرى داخل فقاعة من صناعتها(*) (العويسات‪.)2019:‬‬

‫ً‬
‫مثــا‪ ،‬يعتمــد محــرك جوجــل علــى عــدة مؤشــرات تمكنــه مــن ختصيــص عمليــات البحــث‪ ،‬مثــل املوقــع اجلغــرايف وكلمــات‬ ‫(*)‬

‫البحــث الســابقة والســلوك التفاعلــي للمســتخدمني علــى الصفحــات االجتماعيــة‪ .‬ومــن تداعيــات هــذا االعتمــاد ظهــور‬
‫نت ـ�اجئ مختلفــة عنــد إجــراء عمليــات حبــث منفصلــة لــذات اجلمــل واملفــردات؛ حبيــث تتقــرر النتيجــة حبســب ســلوكيات‬
‫املســتخدم الســابقة‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫‪ .2‬مخاطر اخلوارزميات‬
‫تتعدد املخاطر املرتبطة باخلوارزميات‪ ،‬سواء على صعيد تشكيل تصورات األفراد‬
‫جتاه القضايا واألحداث‪ ،‬أو على منظورهم اخلاص للواقع واملعرفة ذاتها‪ .‬واملخاطر نابعة‬
‫باألساس من قدرة األنظمة التقني�ة على تشكيل الفضاء العام‪ ،‬والتأثري غري املباشر الذي‬
‫تضطلع به شركاتها الراعية يف حياة األفراد وقراراتهم وسلوكياتهم‪ .‬وبرغم كونها نظام آيل‪ ،‬إال‬
‫أنها تستطيع فلرتة وتصنيف املحتوى وحتديد األوىل بالظهور من عدمه‪ ،‬باالعتماد على قيم‬
‫متضمنة داخلها أو على أنشطة وتفضيالت األفراد (‪ .)Kacholia & jin:2013‬واخلوارزميات‬
‫أقرب لوظيفة ومهمة حارس البوابة ‪ ،Gate Keeper‬من ناحية اختاذها قرارات مستقلة‬
‫حول نوعية املعلومات اليت ستقدم وبأي سياق (‪ .)Tufekci :2015‬فعلى سبي�ل املثال‪ ،‬تت�أثر‬
‫االجتاهات واملوضوعات الراجئة ‪ Trends‬على موقع تويرت بتصميمه اخلوارزيم الذي يعمل‬
‫وفق قيم زمني�ة‪ ،‬حبيث يزود املستخدمني بتغذية آني�ة وحلظية حول أنشطة احلسابات‬
‫اليت يت�ابعونها‪ ،‬ما يضفي عليها حضور معلومايت عاجل غري مفلرت‪ ،‬مرتب حبسب املناطق‬
‫اجلغرافية (‪.)Constine:2014‬‬
‫ً‬
‫وعلى النقيض تماما‪ ،‬يعتمد موقع فيسبوك على تصميم خوارزيم ذي قيمة تفاعلية‪،‬‬
‫يتغذى على تفضيالت وسلوكيات املستخدمني‪ ،‬وبالتايل يرتهن ظهور املحتوى على جدار‬
‫التغذية اإلخبارية ‪ Newsfeed‬بنوعية تفاعل املستخدم‪ ،‬أو كثافة التفاعل اجلماهريي مع‬
‫مختلف املوضوعات (‪ .)Wagner:2015‬وهذا يعين أن تفاعل املستخدم مع قضايا وصفحات‬
‫وحسابات محددة‪ ،‬سواء باإلعجاب أو املشاركة‪ ،‬مسؤول عن ظهور محتوى بعين�ه دون‬
‫غريه‪ ،‬بعكس موقع تويرت الذي يعرض للمحتوى بن�اء على قيمته الزمني�ة(*)‪ .‬وللوهلة‬
‫ً‬
‫األوىل قد ال يب�دو السابق خطريا‪ ،‬لكن قدرة بعض اجلهات على التالعب باخلوارزميات‬
‫يقــوم موقــع فيســبوك علــى تســجيل تفاعــات املســتخدم مــع مســتخدمني آخريــن فيمــا يعــرف خباصيــة “اإليمــاءات‬ ‫(*)‬

‫االجتماعيــة ‪ ،”Social Gestures‬حبيــث تضــم هــذه اإليمــاءات عمليــات التعليــق واملشــاركة واإلعجــاب واالشــراك‬
‫وغريهــا‪ .‬كمــا يســجل تفاعــل املســتخدم مــع النظــام ذاتــه خــال اســتهالكه للمعلومــات‪ ،‬ثــم يقــوم حبفــظ وتأريــخ جميــع‬
‫ً‬
‫هــذه التفاعــات يف ســجل خــاص باملســتخدم‪ ،‬ليقــوم الحقــا وعلــى اســاس هــذا الســجل بالتخلــص مــن املعلومــات الــي ال‬
‫تتوافــق معهــا‪ ،‬أو يقــوم بإخفــاء محتــوى صــادر عــن أصدقــاء معينــن؛ ألن املســتخدم لــم يســبق وأن تفاعــل معهــم فــرة‬
‫زمنيـ�ة معينـ�ة‪ .‬ويعــرف مــا ســبق باســم خوارزميــات التخصيــص‪ ،‬املســؤولة عــن حتديــد محتــوى العــرض بالنظــر إىل ســجل‬
‫انشــطة املســتخدمني (‪.)Bozdag:2013‬‬

‫‪156‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫ً‬
‫من خالل التأثري يف ذكائها االصطناعي واكتسابها الذايت سيؤدي حتما إىل تشويه التعرض‬
‫ً‬
‫بشكل يستجيب ألهدافها(*)‪ .‬فمثال‪ ،‬يمكن باستخدام الروبوت إغراق املنصات االجتماعية‬
‫بوسم معني ليب�دو وكأنه فعل راجئ بني املستخدمني‪ ،‬وبالتايل التأثري يف خوارزميات حساب‬
‫االجتاه ‪ ،Trending‬اليت بدورها ستدفع هذه الوسوم إىل الواجهة العامة‪ .‬كما يمكن من‬
‫خالل ذات اآللية صناعة ضوضاء مفتعلة للتشويش على قضية معين�ة وحرف أنظار‬
‫املستخدمني عنها‪ ،‬وبالتايل تقليص قدرة املهتمني على تلقي حتديث�ات موضوعية حولها‬
‫(‪ .)Caplan & Boyd:2016‬وال يقف األمر هنا‪ ،‬بل يمكن للروبوت االجتماعي أن يتلاعب‬
‫ً‬
‫باخلوارزميات من خالل رفع أعداد املتابعني حلساب شخصية او مؤسسة ما‪ .‬فمثال‪،‬‬
‫تتن�افس العديد من احلسابات على موقع تويرت على أنظار واهتمام املستخدمني؛ لهذا‬
‫يتم توظيف الروبوتات لتضخيم أعداد متابعيها بشكل مزيف‪ ،‬وبالتايل إضفاء ظهور‬
‫ومصداقية أكرب لرسائلها بني املستخدمني‪ .‬ويف منصات أخرى‪ ،‬تمنح اخلوارزميات أولوية‬
‫بروز للمحتوى الصادر عن مستخدمني حيظون بنسب متابعة جماهريية عالية‪ ،‬وهنا‬
‫تستطيع أي جهة حال حتصيلها على متابعات مزيفة أن تتلاعب باخلوارزميات لصالح‬
‫توسيع رقعة وصولها وزيادة تأثريها يف أكرب عدد من املستخدمني (‪.)Shirky:2009‬‬
‫وينظر لتحزي اخلوارزميات بكونه وظيفة أو تداعيات ناجمة عن تفاعالت أشبه‬ ‫ُ‬
‫باالجتماعية‪ ،‬كما هو احلال عند تفاعل املستخدم مع النظام ذاته‪ .‬هذه الوظيفة مردها‬
‫إىل هيمنة نموذج التعلم اآليل (الذايت) على تشكيل وظائف التكنولوجيات املرتكزة على‬
‫البي�انات‪ .‬بمعىن آخر‪ ،‬يمكن ملدخالت املستخدم املعلوماتي�ة أن تصنع لتحزي اخلوارزميات‬
‫ً‬
‫بشكل غري مباشر‪ ،‬لتؤثر بدورها يف أفكار ومعتقدات املستخدمني‪ .‬فمثال‪ ،‬بينت دراسة‬
‫صادرة عن جامعة هارفرد عن وجود تميزي كبري داخل محرك جوجل بني أسماء تعود‬

‫التعلــم اآليل هــو أحــد أشــكال الــذكاء االصطناعــي‪ ،‬الــي تمنــح مختلــف األنظمــة القــدرة علــى التعلــم بشــكل تلقــايئ بمــرور‬ ‫(*)‬

‫الوقــت‪ ،‬مــن خــال التفاعــل مــع كميــات كبــرة مــن البي�انــات‪ .‬وتعتمــد علــى املالحظــة أو علــى البي�انــات املمثلــة‪ ،‬لتتمكــن‬
‫اخلوارزميــة مــن حتديــد أنمــاط التشــابه‪ ،‬وبالتــايل التنبــؤ بشــكل أفضــل‪ .‬وبهــذا املعــى‪ ،‬يمكــن النظــر إىل اخلوارزميــات‬
‫القائمــة علــى التعلــم اآليل بكونهــا خوارزميــات (أصليــة) تســتطيع مــن خــال تفاعلهــا مــع البي�انــات صناعــة خوارزميــات‬
‫ً‬
‫اخــرى (ذكيــة)‪ ،‬يشــار إليهــا بالنمــاذج‪ .‬فمثــا‪ ،‬تســتخدم خوارزميــات التوصيــة اخلاصــة بموقــع أمــازون ملفــات الزبائــن‬
‫لتعلــم أي املنتجــات أقــرب إلثــارة اهتمامهــم‪ ،‬وبالتــايل عنــد زيــارة املســتهلك للموقــع يقــوم نمــوذج التوصيــة (النــائش عــن‬
‫النظــام) بقــراءة ملــف الزبــون‪ ،‬ومــن ثــم تقديــم توصيــة شــخصية لــه‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫ألشخاص سود وأخرى لبيض‪ .‬فعند إخضاع أسماء السود للبحث برزت نت�اجئ على صلة‬
‫بسجالت االعتقال (‪ ،)Sweeney:2013‬بعكس البيض‪ .‬وهذا يعين أن اخلوارزمية عكست‬
‫لتحزي اجتماعي‪ ،‬ألنها اعتمدت يف استخراج النت�اجئ على مدخالت جماهريية سابقة‪ ،‬حبيث‬
‫قررت على حنو تنبؤي استجابتها وتطابقها مع رغبات مؤدي البحث‪ .‬ويمكن تفسري الواقعة‬
‫ً‬
‫تقني�ا‪ ،‬يف أن محرك جوجل ذاته اكتسب عنصرية املجتمع‪ ،‬ثم أعاد توجيهها للمستخدمني‬
‫مرة أخرى (‪ .)Ibid‬بهذه الطريقة‪ ،‬يمكن للتحزي أن يتغلغل داخل اخلوارزميات‪ ،‬ليؤسس‬
‫حلقة تغذية معلوماتي�ة‪ ،‬تصنع بدورها لتحزي داخل أنظمة معاجلة املعلومات مثل محركات‬
‫البحث(*)‪ .‬وهنا‪ُ ،‬يرد حتزي اخلوارزميات إىل مدخالت اجلماهري اليت هي يف أصلها متحزية‪،‬‬
‫أو إىل نظام التصنيف اخلاص باملوقع‪ ،‬حبيث تتعمد بعض الشركات تصميم خوارزميات‬
‫تعرض لنت�اجئ ومخرجات متحزية (‪.)kulshrestha el al.:2019‬‬
‫ويف ذات السياق‪ ،‬ينجم عن خوارزميات اختاذ القرار ‪ ،ADS‬تأثري يسىم “فقاعات‬
‫التصفية”‪ ،‬املسؤولة عن تصفية وترشيح املعلومات بالنظر إىل أنشطة املستخدمني‬
‫السابقة (سلوكيات النقر‪ ،‬التصفح‪ ،‬طبيعة األصدقاء‪ ،‬التفاعل مع املنشورات وغريها)‪.‬‬
‫ويف هذه احلالة‪ ،‬تتنب�أ اخلوارزميات باملعلومات اليت قد يفضل املستخدم التعرض لها‪ ،‬ثم‬
‫تعمل على تقديم محتوى شخيص مخصص ‪ ،Personalized‬ينعزل من خاللها املستخدم‬
‫عن بايق املضامني اليت ال تتفق مع ميوله‪ ،‬األمر الذي يؤدي إىل حجزه بشكل غري محسوس‬
‫داخل فقاعة معلوماتي�ة تفتقد إىل التنوع والرثاء الالزمة لتطوير منظوره وآرائه(*)‪ .‬كما ينجم‬
‫عن اخلوارزميات تأثري آخر معروف باسم “غرف الصدى”‪ ،‬يتعرض فيها املستخدمون‬
‫آلراء تتوافق مع اجتاهاتهم وأفكارهم بمعزل عن أي محتوى مخالف (‪ .)Pariser:2011‬ويف‬
‫هذا الصدد‪ ،‬يمكن للخوارزميات أن تقسم املجتمع الشبكي إىل صوامع رقمية‪ ،‬ال يسمع‬
‫املستخدمون فيها سوى صدى أصواتهم وأفكارهم (‪.)Sunstein:2007‬‬
‫ً‬
‫عنــد إصــدار أمــر حبــث‪ ،‬يقــوم املحــرك أوال باســتخراج مجموعــة مــن العناصــر علــى صلــة باملوضــوع مــن مجموعــة بي�انــات‬ ‫(*)‬

‫ضخمــة (روابــط ويــب أو منشــورات علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة)‪ ،‬ثــم يقــوم بتغذيتهــا إىل نظــام التصنيــف‪ ،‬الــذي‬
‫بــدوره يعرضهــا مرتبـ�ة علــى شــكل نتـ�اجئ متسلســلة مــن األهــم إىل األقــل أهميــة‪.‬‬
‫هائــل مــن البي�انــات إىل وقــوع تدفــق كبــر يعرقــل عمــل اخلــوادم؛ وحلــل‬
‫ٍ‬ ‫لكــم‬
‫يــؤدي إنتــ�اج املســتخدمني ومشــاركتهم ٍ‬ ‫(*)‬

‫املشــكلة‪ ،‬تلجــأ مواقــع الشــبكات االجتماعيــة إىل مبــدأ التصفيــة عــر تقديــم معلومــات مخصصــة تتوافــق مــع ميــول‬
‫واهتمامــات املســتخدم‪ ،‬وبالتــايل صناعــة تأثــر فقاعــات التصفيــة (العويســات‪.)2019:‬‬

‫‪158‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫ويعتمد الرأي السابق على قاعدة ميل األفراد الفطري لتصنيف أنفسهم على املستوى‬
‫االجتماعي‪ ،‬بطريقة تستجيب لتفضيالتهم األيديولوجية‪ .‬وهي آلية يشار اليها بالتماثل‬
‫‪ ،Homophily‬خاصة على صعيد تأسيس األفراد لعالقات قائمة على التجانس‪ .‬وظاهرة‬
‫التماثل يف عالقتها باخلوارزميات تهتم باالنفصال ‪ ،Disengagement‬وكيفية تكريس‬
‫ً‬
‫املستخدم لبيئ�ة خالية تماما‪ ،‬أو باحلد األدىن‪ ،‬من األصوات واملحتويات اليت ال يرغب يف‬
‫سماعها أو التعرض لها؛ لذلك يمكن النظر إىل العالقة‪ ،‬بوصفها آلية انفصال أو انعزال‪،‬‬
‫تتيح نشوء شبكات متجانسة لكنها متقوقعة على ذاتها (‪.)John & Gvirsman:2015‬‬
‫وتستشري مخاوف حول إسهام خوارزميات التوصية (االقرتاح) يف نشر محتوى دعايئ‬
‫ً‬
‫على حساب املحتوى املوضوعي واملتنوع‪ .‬فمثال‪ ،‬تعتمد خوارزميات التوصية اخلاصة‬
‫بموقع يوتيوب يف جذب اهتمام وانتب�اه املستخدمني وإطالة أمد تصفحهم للموقع على‬
‫آلية تتعمد فيها تقديم توصيات ومقرتحات مشاهدة تنسجم مع تفضيالت واهتمامات‬
‫رواد املوقع‪ .‬وهنا تقوم اخلوارزميات بقراءة سلوك وتفضيالت املستخدم السابقة داخل‬
‫املوقع‪ ،‬ثم تعرض له ما يتن�اغم معها‪ ،‬مما يزيد من احتمال تعرضه ملحتوى دعايئ يعزز‬
‫ً‬
‫ويرسخ ملعتقداته وآرائه‪ ،‬إىل جانب تعزيز فرص استقطابه سياسيا يف حال كان من رواد‬
‫املقاطع الصادرة عن جهات حزبي�ة (‪.)Nicas:2018‬‬
‫إضافة لما سبق‪ ،‬تتعمد بعض اجلهات تنفيذ عمليات تالعب مدروس باخلوارزميات‬
‫من أجل جذب اهتمام وسائل اإلعالم‪ ،‬ومن ثم توظيف هذا االهتمام يف تعميم رسائلها‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الدعائي�ة على نطاقات وشبكات تعد مغلقة نسبي�ا‪ .‬بمعىن آخر‪ ،‬التالعب باخلوارزميات‬
‫ً‬
‫من أجل استغالل قدرات وسائل اإلعالم لصالح جهة الدعاية دون أن تشعر بذلك‪ .‬فمثال‪،‬‬
‫تتعمد بعض األحزاب السياسية دفع محتوى إىل داخل مواقع الشبكات االجتماعية‪،‬‬
‫ثم تعزيزه عرب الروبوت من أجل جذب اهتمام املستخدمني‪ .‬وبمجرد اخنراط وتفاعل‬
‫املستخدمني‪ ،‬يب�دأ املحتوى بالتدفق واالنتقال بني الشبكات بمساعدة خوارزميات‬
‫حساب االجتاه‪ ،‬ليحتل يف النهاية صدارة املشهد‪ .‬عند هذه اللحظة‪ ،‬وبسبب شعبيت�ه‬
‫وكثافة تداوله وجدته‪ ،‬تب�دأ وسائل اإلعالم بت�داول موضوع املحتوى دون إدراك حلقيقته‬
‫الدعائي�ة اخلفية أو ارتب�اطه جبهات مجهولة (‪ .)Marwick & Lewis:2017‬بهذه الطريقة‪،‬‬

‫‪159‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫تستطيع أي جهة التالعب باخلوارزميات لصاحلها‪ ،‬لتب�دو املوضوعات وكأنها نابعة عن‬
‫نشاط جماهريي صرف ال عالقة ألي جهة به‪ .‬ويتطلب احلديث عن مخاطر اخلوارزميات‬
‫التطرق إىل دور الشركات الراعية لها‪ ،‬واحتمالية توظيفها للتقني�ة من أجل حتقيق أهداف‬
‫تتعارض مع مصالح املستخدمني‪ .‬وحنن عندما نتحدث عن األهداف‪ ،‬نعين تلك املصالح‬
‫اليت قد تنشأ بني مالكي املنصات وبعض الكيانات السياسية‪ .‬وقد شهدت الفرتة األخرية‬
‫دعوات باجتاه تقيي�د إمكانات مواقع الشبكات االجتماعية‪ ،‬واحلد من استخدامها يف مجال‬
‫نشر األخبار الكاذبة أو التدخل يف السياسات الداخلية للدول‪ .‬كما ترددت مزاعم حول‬
‫لقاءات جمعت هيئ�ات حكومية مع مالكي بعض املنصات‪ ،‬ختللها مناقشات حول سبل‬
‫ضمان مصالح الطرفني‪ ،‬يف ذات الوقت الذي بدأت فيه عدد من احلكومات حول العالم‬
‫تطبيق سياسات رقابة صارمة على محتوى الشبكات (‪ .)Chen:2014‬ومن النت�اجئ املرتتب�ة‬
‫عن اللقاءات‪ ،‬موافقة بعض الشركات‪ ،‬كفيسبوك‪ ،‬على إرساء قواعد وإجراءات حتد‬
‫من مخاوف احلكومات‪ ،‬من بينها تطوير خوارزمية ترصد وتشطب للمحتوى املخالف‪.‬‬
‫ويف هذا الصدد‪ ،‬كشفت تقارير عن اتفاق بني “إسرائي�ل”(*) وشركة فيسبوك‪ ،‬يرتتب‬
‫عليه تنفيذ إجراءات ضد املحتوى واحلسابات الفلسطيني�ة بدعوى مواجهة التحريض‬
‫(اجلزيرة‪ .)2019:‬وكشفت وزارة القضاء “اإلسرائيلية”‪ ،‬عن استجابة فيسبوك لما يقرب‬
‫من ‪ 85%‬من طلباتها‪ ،‬إما إلزالة وحظر محتوى فلسطيين أو تقديم بي�انات مرتبطة به‪ .‬ويف‬
‫أبريل من العام ‪ ،2019‬كشفت صحيفة هآرتس “اإلسرائيلية” عن استثمار كبري لفيسبوك‬
‫يف عمليات الذكاء االصطناعي داخل “إسرائي�ل” من خالل تأسيس مركز للبحث والتطوير‬
‫خاص بالشركة مصمم ملساعدة عمل املهندسني واملربمجني سواء العاملني داخلها أو من‬
‫خارجها (‪.)Ibid‬‬
‫وما سبق يدلل على إمكاني�ة توظيف اخلوارزميات لصالح دول جتمعها مصالح‬
‫اقتصادية وسياسية مشرتكة مع أصحاب املنصات‪ .‬ومن بني التدابري اليت أقرتها بعض‬
‫املنصات االجتماعية‪ ،‬التعديل على اخلوارزميات املسؤولة عن االستهداف املخصص‬

‫“إســرائي�ل”‪ :‬لفظــة تطلــق علــى الكيــان – غــر املعــرف بــه فلســطيني ً�ا ُ‬
‫‪-‬المحتــل لغالبيـ�ة أرض فلســطني التاريخيــة وأجــزاء‬ ‫(*)‬

‫مــن الــدول العربيـ�ة املحيطــة‪ ،‬أعلــن قيامــه علــى إثــر نكبــة ‪ 1948‬كدولــة ليهــود العالــم‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫أو فلرتة حائط التغذية اإلخبارية‪ ،‬إىل جانب توقيع عقود شراكة مع مؤسسات مستقلة‬
‫لتقيص احلقائق‪ ،‬واستثمارات إضافية يف مجال التعديل على املحتوى البشري واآليل‪...‬إلخ‪.‬‬
‫وجتدر اإلشارة هنا‪ ،‬إىل أن اخلطوات اليت اختذتها منصات مثل فيسبوك وجوجل وتويرت‪،‬‬
‫جاءت نتيجة الضغط املتصاعد الناجم عن فضيحة شركة كامربيدج أناليتيكا واستغاللها‬
‫لبي�انات مستخديم موقع فيسبوك‪ ،‬والتقارير اليت حتدثت عن بروز مواقع وروابط تنكر‬
‫للمحرقة على محرك جوجل‪ ،‬إىل جانب الدراسات اليت رصدت ملخاطر احلسابات الوهمية‬
‫والروبوتات على موقع تويرت (‪.)Taylor & Hoffmann:2019‬‬
‫‪ .3‬اخلوارزميات والتالعب بمحركات البحث ‪SEM‬‬
‫يعترب التالعب خبوارزميات محركات البحث ‪ Search Engine Manipulation‬من أخطر‬
‫ويقصد‬ ‫األنشطة الدعائي�ة‪ ،‬لما يرتتب عليها من تداعيات على آراء وتصورات األفراد‪ُ .‬‬
‫ً‬
‫بالتالعب‪ ،‬تلك اإلجراءات واخلطوات امللتوية اليت تؤديها جهات دعائي�ة‪ ،‬مجهولة غالبا‪،‬‬
‫من أجل التأثري يف آلية عمل اخلوارزميات اليت تعتمد عليها محركات البحث يف تصنيف‬
‫نت�اجئها ‪ .Ranking‬وخالل اآلونة األخرية‪ ،‬رصدت عدة تقارير ألنشطة تالعب معلومايت جتاه‬
‫ً‬
‫قضايا سياسية حساسة‪ .‬فمثال‪ ،‬كشفت عملية حبث باستخدام محرك جوجل‪ ،‬حول تقرير‬
‫وكالة املخابرات املركزية األمريكية ‪ CIA‬خبصوص التدخل الرويس يف االنتخابات الرئاسية‬
‫عام ‪ 2016‬م‪ ،‬عن تصدر نت�اجئ “روابط” تنفي االدعاءات الواردة يف التقرير‪ُ ،‬يرد معظمها‬
‫إىل وسائل إعالمية روسية تتصدرها مؤسسة “روسيا اليوم” (‪ .)Waddell:2017‬ويف مثال‬
‫آخر‪ ،‬وفور حادثة االعتداء اليت شهدتها مدين�ة الس فيغاس عام ‪ 2017‬م‪ ،‬تصدر محرك‬
‫حبث جوجل نت�اجئ تدعي تبعية مطلق النار إىل جهات أمريكية داخلية على عالقة بتنظيم‬
‫“داعش”‪ ،‬تن�اصب الرئيس “ترامب” العداء (‪.)Roose:2017‬‬
‫وبأخذ النماذج السابقة بعني االعتب�ار‪ ،‬نستدل على وجود جهود مقصودة تسعى‬
‫إىل التأثري يف آلية عمل اخلوارزميات بهدف توجيه املستخدمني حنو محتوى معني‪ .‬وبرغم‬
‫محاوالت مجابهته‪ ،‬إال أن هذا النوع من التالعب اخذ يف االزدياد‪ ،‬خاصة ما يرتبط جبهوده‬
‫تزييف منظور الرأي العام لألحداث‪ ،‬من خالل التأثري يف قدرات املستخدمني على التفريق‬
‫بني نت�اجئ البحث اليت تقدم حلقائق موضوعية وتلك اليت جيري تلفيقها ودفعها عن عمد إىل‬

‫‪161‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫الواجهة‪ .‬وألن تشكيل اآلراء والتأثري فيها هي غاية الدعاية على محركات البحث‪ ،‬فذلك‬
‫لن يتحقق إال عرب الدفع باملحتوى إىل قمة النت�اجئ‪ .‬وقد أكدت عدة دراسات أن التصنيف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الذي حتظى به النت�اجئ على محركات البحث يمتلك تأثريا كبريا على آراء األفراد وسلوكياتهم‬
‫االتصالية‪ .‬وحبسب إحداها‪ ،‬يميل األفراد إىل فحص النت�اجئ حبسب الرتتيب الذي تظهر به‪،‬‬
‫مع تركزيهم على النت�اجئ اليت حتتل املقدمة (‪ .)Joachims et al.: 2007‬كما بينت دراسة أخرى‪،‬‬
‫استقطاب املستوى األول من النت�اجئ عدد نقرات أكرث‪ ،‬إىل جانب قضاء االفراد وقت أطول‬
‫يف تصفح املواقع اليت تظهر على قمة التصنيف (‪ .)Jansen et al.:2000‬ويؤكد للمعطيات‬
‫السابقة‪ ،‬أن ‪ 91.5%‬من النقرات على محرك حبث جوجل جتري على صفحة النت�اجئ األوىل‪،‬‬
‫يف حني تستهدف نسبة ‪ 32.5%‬من النقرات النتيجة األوىل مقابل ‪ 17.6%‬للنتيجة الثاني�ة‪،‬‬
‫كما تتحصل النت�اجئ التحتي�ة الواردة يف الصفحة األوىل على عدد نقرات أكرث من النت�اجئ العليا‬
‫يف الصفحة الثاني�ة (‪ .)Chitika:2013‬وتؤكد جميع املعطيات أعاله على أهمية الرتتيب يف‬
‫جذب األفراد حنو املحتوى الدعايئ؛ لذلك ال عجب أن تنفق شركات يف الواليات املتحدة‬
‫ً‬
‫األمريكية وكندا أكرث من ‪ 20‬مليار دوالر سنويا من أجل ضمان أو تعزيز ظهور نت�اجئها‬
‫“روابطها” على قمة تصنيف محركات البحث‪ ،‬كمحرك حبث موقع جوج ل (�‪Econsultan‬‬

‫‪ .)cy:2014‬من ناحية أخرى‪ُ ،‬يرد ميل املستخدمني إىل اختي�ار النت�اجئ اليت تتموضع يف أعلى‬
‫وأدىن صفحة البحث األوىل إىل ظاهرتني نفسيتني يعرفا باسم تأثريي البداية واحلداثة‬
‫‪Primacy & Recency‬؛ فاألفراد يميلون إىل تذكر عناصر البحث األوىل واألخرية بعكس‬
‫العناصر اليت ترتكز يف منتصف الصفحة (‪ .)Epstein & Robertson:2015‬كما ُيرد اعتماد‬
‫املستخدمني على محركات البحث يف احلصول على املعلومات إىل الثقة اليت حتظى بها‪.‬‬
‫ويؤكد ذلك دراسة أجريت على عين�ة تضم ‪ 33‬ألف مستخدم‪ ،‬حبيث عربت نسبة ‪64%‬‬
‫عن ثقتها بمحركات البحث وأنها املصدر األكرث ثقة لألخبار‪ ،‬مقارنة بنسبة ‪ 57%‬لوسائل‬
‫اإلعالم التقليدية‪ ،‬ونسبة ‪ 51%‬للمواقع اإللكرتوني�ة‪ ،‬ونسبة ‪ 41%‬ملواقع الشبكات‬
‫االجتماعية (‪ .)Edelman:2017‬وحبسب استطالع ملؤسسة ‪ Pew‬األمريكية عام ‪2012‬م‪،‬‬
‫أكد ‪ 73%‬من املستطلعني على دقة نت�اجئ محركات البحث واعتربوها جديرة بالثقة‪ ،‬فيما‬
‫وصفتها نسبة ‪ 66%‬باملصادر املوضوعية وغري املتحزية للمعلومات (‪.)Purcell et al.:2012‬‬

‫‪162‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫‪ 1.3‬أساليب وتكنيكات التأثري يف خوارزميات محركات البحث‬


‫تنقسم التكنيكات املتبعة للتأثري يف خوارزميات محركات البحث إىل نوعني‪:‬‬
‫تكنيكيــــات شرعيـــة يطلق عليها اسم (‪، White Hat Search Engine Optimization (SEO‬‬
‫وتكنيكيات تالعب غري شرعية تسىم ‪ .Black Hat SEO‬أما النوع األول‪ ،‬فتقوم عليه شركات‬
‫تسويق تمتهن حتسني تصنيف وترتيب مواقع الويب على محركات البحث ألهداف‬
‫جتارية حبتة‪ ،‬أما النوع الثاين فهو عبارة عن أنشطة غري قانوني�ة تسعى إىل دفع محتوى معني‬
‫إىل قمة النت�اجئ ألسباب دعائي�ة‪ .‬ومن بني األساليب املستخدمة يف التالعب بمحركات‬
‫البحث اآليت‪:‬‬
‫ﺗﻼﻋﺐ�ﻋ���ا��ﺘﻮى‬

‫ﺗﻼﻋﺐ�ﻋ���اﻟﺮواﺑﻂ‬ ‫أﻧﻮاع�اﻟﺘﻼﻋﺐ‬
‫ﺗﻼﻋﺐ�ﻋ���ا���ﺐ‬

‫أ‪ .‬تالعب عرب املحتوى‪ :‬ويتم بأكرث من طريقة؛ كاآليت‪:‬‬


‫‪ .1‬حشو املحتوى بكلمات رئيسية ‪ :Key Words‬وهو تكنيك يقوم على حشو وملئ‬
‫املحتوى الدعايئ بكلمات مفتاحية‪ ،‬بهدف التالعب خبوارزميات التصنيف‪ ،‬وبالتايل دفع‬
‫املوقع لقمة النت�اجئ عند البحث عن هذه الكلمات واملصطلحات‪ .‬ومثال ذلك‪“ :‬حركة‬
‫حماس إرهابي�ة‪ ،‬لذلك ال داعي للتفاوض مع حركة حماس اإلرهابي�ة‪ ،‬فاإلرهاب متأصل‬
‫يف حركة حماس‪ ،‬وحنن ال نتعامل مع حركة إرهابي�ة كحماس‪ ،‬فاإلرهاب حماس‪ ،‬وحماس‬
‫اإلرهاب”‪ .‬ويالحظ من املثال السابق أن املحتوى مليء بكلمات رئيسية مثل اإلرهاب‬
‫وحماس‪ ،‬دون أن يعكس النص بمجمله ملعىن واضح‪.‬‬
‫‪ .2‬اإلخفاء‪ :‬أي إخفاء بعض الكلمات املفتاحية أو املضامني حني يقوم املتصفح‬
‫بعرض الصفحة؛ ويتم ذلك من خالل تمويه الكلمات واملصطلحات من خالل جعل لونها‬
‫كلون اخللفية نفسها‪ ،‬أو كتابتها بصورة متن�اهية يف الصغر (النشريت‪.)2012:‬‬

‫‪163‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫ً‬
‫‪ .3‬استنساخ املحتوى‪ :‬وهي آلية تعرف شعبي�ا باسم “القص واللصق”؛ حبيث‬
‫تعمد جهة الدعاية إىل نسخ املحتوى من موقع آخر ولصقه ونشره على املوقع اخلاص‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بها‪ .‬ومؤخرا‪ ،‬أجرى محرك جوجل حتديث�ا على خوارزميت�ه املخصصة للبحث والتصنيف‬
‫ً‬
‫حبيث بات قادرا على رصد التشابهات بني النصوص وتعطيل املواقع املخالفة‪ .‬لكن ذلك‬
‫لم يمنع املتالعبني من تطوير تقني�ة جديدة للتحايل عليها من خالل إعادة معاجلة املحتوى‬
‫‪Spinning‬؛ ليعطي ذات املعىن لكن برتتيب كلمات مختلف‪.‬‬
‫ب‪ .‬تالعب عرب الروابط‪ :‬تعتمد كثري من محركات البحث على حتليل الروابط بني‬
‫املواقع كمؤشر على اهمية املوقع‪ ،‬ودرجة الصلة بينها وبني املوضوعات املستفسر عنها‬
‫من قبل املستخدم (‪ .)Ibid‬ويقوم هذا النوع من التالعب على تغيري بني�ة الروابط املتضمنة‬
‫داخل املواقع للتأثري يف خوارزميات التصنيف أو الرتتيب عرب اآليت‪:‬‬
‫‪ .1‬تضمني روابط حتيل إىل صفحات ومواقع أخرى‪ ،‬وعادة ما تظهر داخل النصوص‬
‫على شكل معلومات أو كلمات مفتاحية أو استفسارية‪ ،‬مصحوبة بروابط مخفية ال تظهر‬
‫للمستخدم‪ ،‬تعمل على حتسني فرص ظهور املوقع على قمة نت�اجئ البحث‪.‬‬
‫‪ .2‬إضافة روابط ملواقع معروفة ذات شعبي�ة كبرية إىل داخل بني�ة املوقع على أمل أن‬
‫يتحول إىل مصدر لهذه املواقع‪ ،‬وبالتايل حتسني فرص ظهوره‪ .‬كما تشمل إنشاء عدة مواقع‬
‫يطلق عليها اسم مزارع الربط ‪ ،Link Farms‬مصممة لبن�اء الروابط بني املواقع‪ ،‬ثم ربطها‬
‫باملواقع املراد حتسني ظهورها على املحركات‪ .‬وكلما زاد عدد الروابط اخللفية ‪Back Links‬‬

‫املتضمنة اليت تشري إىل هذه املواقع كلما تعاظمت إمكاني�ة ظهورها يف صدارة النت�اجئ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ .3‬إعادة التوجيه‪ ،‬تقني�ة تقوم على خداع اخلوارزميات‪ ،‬وحتديدا متتبع ارتب�اطات‬
‫محرك البحث ‪ ،Search Engine Crawler‬من خالل نقر املستخدم على نتيجة حبث حتيله‬
‫إىل صفحة أخرى ال عالقة لها باملوضوع؛ بينما يتوجه املتتبع حنو صفحة أخرى مخالفة‪.‬‬
‫واخلداع هنا مرتبط بتكرار النقر على الرابط عند كل عملية حبث مماثل‪ ،‬ما يدفع اخلوارزمية‬
‫لالعتقاد بأهمية املوقع‪ ،‬وبالتايل رفع ترتيب�ه‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫‪ .4‬تكنيكيات أخرى‪ ،‬مثل تب�ادل الروابط بني املواقع‪ ،‬وشراء الروابط‪ ،‬وشراء النطاقات‬
‫منتهية الصالحية‪ ،‬ونشر الروابط عرب التعليقات على مواقع الشبكات االجتماعية‪...‬إلخ‪.‬‬
‫ج‪ .‬تالعب عرب احلجب‪ :‬عرب توجيه جزء من املحتوى ملحركات البحث‪ ،‬ثم حجبه‬
‫وتوجيه جزء آخر للمستخدم‪ .‬بمعىن‪ ،‬تتعمد جهة التالعب تقديم محتوى مخصص‬
‫خلوارزميات البحث محجوب عن املستخدم‪ ،‬ويف ذات الوقت تقديم محتوى مخصص‬
‫ً‬
‫للمستخدم محجوب عن خوارزميات البحث‪ .‬مثال‪ ،‬نفائج عند إجراءنا عملية حبث على‬
‫محرك جوجل حبصولنا على محتوى يتن�اقض مع نوعية وطبيعة النت�اجئ اليت تظهر على‬
‫صفحة البحث‪ .‬فعند نقرنا على رابط النتيجة جند أنفسنا امام محتوى مخالف للموضوع‬
‫الذي نسعى إليه‪ .‬ويعتمد هذه التكنيك على قيام اخلوادم برصد روبوتات البحث عرب حتديد‬
‫عناوينها ‪ IP Address‬ثم توفري محتوى خاص بها مخالف لذلك الذي تقدمه للمستخدمني‪.‬‬
‫ً‬
‫وأخريا‪ ،‬يلجأ عديد من املستخدمني إىل محركات البحث للحصول على معلومات‬
‫تتعلق بطائفة كبرية من القضايا منها السياسية‪ ،‬لذلك قد تستغل جهات دعائي�ة هذه‬
‫احلاجة لتنفيذ عمليات تالعب معلومايت تصب يف مصلحتها‪ ،‬خاصة خالل االنتخابات‪.‬‬
‫وحبسب نت�اجئ دراسة استطالعية حول التأثريات املرتتب�ة عن عمليات التالعب بمحركات‬
‫البحث ‪ ،SEME‬يت�أثر األفراد باملعطيات اليت حتتل صدارة النت�اجئ على محركات البحث‪،‬‬
‫خاصة أولئك املصوتني الذين تنت�ابهم حالة من الغموض واالرتب�اك حول الشخصية أو‬
‫ً‬
‫اجلهة اليت تستحق احلصول على ثقتها‪ .‬وإدراكا منها بأهمية املرتددين يف ترجيح كفتها‪ ،‬قد‬
‫تتوجه عديد من األحزاب السياسية إىل التالعب بنت�اجئ محركات البحث من أجل التأثري يف‬
‫ٌ‬
‫قرارات هذه الفئة لصاحلها‪ .‬وقد أثبتت عديد من الوقائع السياسية دورة الفئات الصغرية‬
‫يف تقرير نت�اجئ االنتخابات‪ ،‬ويكفي أن نشري إىل أن ‪ 50%‬من نت�اجئ االنتخابات الرئاسية‬
‫األمريكية قد حسمت بنسبة أقل من ‪.)Epstein & Robertson:2015( 7%‬‬

‫‪165‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫(*)‬
‫‪.4‬اخلوارزميات وغرف الصدى ‪Echo Chambers‬‬
‫تشري “غرف الصدى” إىل نزعة الفرد حنو املحتوى الذي يعزز ويرسخ ملعتقداته‪،‬‬
‫كما تدلل على ميله إىل التفاعل مع أفراد ومستخدمني يماثلونه يف التوجهات واألفكار‬
‫واملعتقدات‪ ،‬ومشاركة وتداول أفكار ومعلومات تتوافق مع قيم مجموعته‪ ،‬بشكل يعزز‬
‫للمعتقدات السائدة داخلها (‪ .)Sunstein:2009‬هذه امليول والرغبات‪ ،‬إىل جانب عوامل‬
‫أخرى‪ ،‬تسمح بنشوء جتمعات شبكية منعزلة عن األخرى‪ ،‬تضم أفراد مستقطبني‪،‬‬
‫يتشاركون ذات االهتمامات‪ ،‬ويتب�ادلون السرديات نفسها‪ ،‬ويتعرضون لذات اخلربات‬
‫والتجارب (‪ .)Garimella et al.:2018‬ونتيجة لذلك‪ ،‬يقع املستخدم يف وهم اإلجماع‪ ،‬عزز‬
‫لذلك قدرة تكنولوجيا الذكاء االصطناعي وأنظمة اخلوارزميات على إبراز أطر ايديولوجية‬
‫محددة وتضخيمها‪ ،‬ثم تأكيدها وترسيخها‪ .‬ويف البيئ�ة التفاعلية‪ُ ،‬يستخدم مصطلح غرف‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الصدى كتعبري مجازي للداللة على الوضعية أو احلالة اليت تصلب وتضخم فيها األفكار‬
‫واملعتقدات‪ ،‬من خالل النشر والتكرار والتفاعل بني عدد من املستخدمني داخل نظام‬
‫مغلق‪ .‬أي أنها تعبري عن عالم تفكك فيه املركز ليطفو على السطح سديم من “املراكز”‬
‫اجلديدة‪ ،‬املتشكلة يف هيئ�ة كيانات محلية صغرى حيكمها شعور قوي باالنتماء إىل املثي�ل‬
‫(احليدري‪.)2019:‬‬
‫ً‬
‫ومصطلح غرف الصدى استعارة مجازية مأخوذة من علم األصوات‪ ،‬وحتديدا احلالة‬
‫ً‬
‫اليت يرتد فيها الصوت وينعكس داخل فراغ أجوف‪ ،‬متخذا هيئ�ة رجع صدى‪ .‬وبنفس‬
‫الطريقة‪ ،‬تنتشر األصوات (املعلومات واألفكار واملواقف) وترتد داخل أنظمة مغلقة‪ ،‬ال‬
‫تسمح ألصوات مخالفة من خارجها بالرتدد داخلها‪ .‬وهي “عشائر إلكرتوني�ة”‪ ،‬على شكل‬
‫عناقيد من املراكز املتن�اثرة يف فضاء مواقع الشبكات االجتماعية‪ ،‬تتواجد بشكل مكثف يف‬
‫الزمن وليس يف املكان‪ ،‬وتتمزي بمرونة نزوح أفرادها من عشرية إىل أخرى‪ ،‬أو باالنتماء إىل‬
‫عشائر عديدة مختلفة يف آن واحد‪ .‬فاإلقليم املشرتك ليس األرض اليت يسكنونها‪ ،‬إنما‬
‫هو املصلحة املشرتكة يف الزمن‪ .‬والنسب الذي ينتمون إليه ال يعود إىل جد أعلى؛ بل يرجع‬

‫تشري كلمة (صدى) إىل املحتوى املنشور‪ ،‬بينما كلمة (غرف) إىل املكان الذي يتم فيه مشاركة ونشر املحتوى‪.‬‬ ‫(*)‬

‫‪166‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫ُ‬ ‫ُ‬
‫إىل تقابل امليول واألحاسيس (‪ .)Ibid‬وغرف الصدى أشبه باألوطان الصغرية‪ ،‬ترسم وتط‬
‫حدودها على اجلغرافيا الشبكية‪ ،‬وال حترتم إال قوانينها اخلاصة‪ ،‬مستخفة بقوانني املجتمع‬
‫العام الذي يضمها (لوبون‪ .)2014:‬وهي زمر تت�ألف من أفراد ليس لهم سوى آراء بيئتهم‬
‫الصغرية؛ وكي حتافظ على قوتها ال تتغاض هذه البيئ�ة عن أية مخالفة يف الرأي تب�دو من‬
‫أحد أفرادها‪ ،‬حبيث تصبح مسألة تكوين اآلراء واملعتقدات أقل سهولة عندما ال تسمح‬
‫البيئ�ة اليت ينتسب إليها املرء بأن يكون عنده رأي غري رأيها‪ ،‬وعندئذ تضيق حرية الفكر حىت‬
‫ً‬ ‫تصري ً‬
‫أمرا مستحيل (لوبون‪.)2014:‬‬
‫‪ 1.4‬تعريف غرف الصدى‬
‫ال يمكن الوقوف على تعريف محدد لغرف الصدى‪ .‬وهي بمفهومها األوسع مصطلح‬
‫ُيستخدم للتعبري عن حالة تتعزز فيها معلومات وأفكار ومعتقدات عن طريق تكرارها داخل‬
‫نظام مغلق ال يسمح حبرية تداول أفكار ومفاهيم بديلة أو منافسة (‪ ،)Pariser:2011‬أو هي‬
‫ظرف شبكي ال ينصت فيها املستخدم إال لصوته‪ ،‬وال يستهلك سوى محتوى ومعلومات‬
‫تعكس ملعتقداته اليت يؤمن بها (‪ .)Garimella et al.:2018‬ومن مدخلها التقين‪ ،‬أي يف سياق‬
‫عالقتها بالذكاء االصطناعي‪ ،‬هي تكنولوجيا محدودة من حيث التصميم والذكاء‪ ،‬غري‬
‫مهيئ�ة الستيعاب مجموعة كاملة من البي�انات‪ ،‬وتفشل يف التعامل مع جميع األفكار‬
‫املتداولة‪ ،‬حبيث تعاين من هندسة برمجية تعزز لتأثري غرف الصدى‪ ،‬كونها مخصصة فقط‬
‫ملعاجلة طيف صغري وضئي�ل من املدخالت املعلوماتي�ة العامة (‪ .)Dubois & Blank:2018‬كما‬
‫تعكس لتكنولوجيات ذكية معدة الختي�ار أجزاء من البي�انات من مصادر عام باالعتماد‬
‫ً‬
‫على االستنب�اط وقدرة اخلوارزميات على التعلم الذايت‪ .‬واجتماعيا‪ ،‬تعرب غرف الصدى‬
‫عن موقف يتفاعل فيه مجموعة من األفراد‪ ،‬جتمعهم ذات املصالح واآلراء‪ ،‬داخل جتمعات‬
‫خاصة‪ ،‬يتشاركون فيها معلومات تتوافق مع معايري املجموعة‪ ،‬بطريقة تعزز للمعتقدات‬
‫السائدة‪ .‬ومن الناحية النفسية‪ ،‬هي حالة يبحث املستخدم فيها عن راحته املعرفية‪ ،‬من‬
‫خالل مناقشة افكاره مع أفراد يشابهونه يف التفكري والرأي‪ .‬ويمكن اعتب�ارها‪ ،‬تأثري ناجت عن‬
‫قيام األفراد برتديد وتعزيز آراء نابعة عن أقران اجتماعيني ‪ Peers‬يشابهونهم يف املواقف‬
‫واملعتقدات واألفكار (‪ ،)Stinchcombe:2010‬أو ممارسة الشعورية للتحزي التوكيدي تتضح‬

‫‪167‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫من خالل حبثهم عن آراء ومعلومات تعزز ملواقفهم القائمة‪ .‬إضافة لما سبق‪ ،‬تعد غرف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الصدى محصلة طبيعية عن تفضيل أو اكتفاء مجموعة من املستخدمني بالتواصل‬
‫والتفاعل فيما بينهم‪ ،‬مع استبعاد الغرباء؛ وكلما تكاملت شبكة املستخدمني عرب تأسيس‬
‫مزيد من الروابط داخل املجموعة وفصلها مع من هم خارجها‪ ،‬كلما كانت أكرث انطواء‬
‫وعزلة عن وجهات النظر اخلارجية‪ ،‬األمر الذي يسمح فقط بانتشار وتداول وجهات نظر‬
‫ً‬
‫أعضائها على حنو واسع داخلها (‪ .)Burns:2017‬وأخريا‪ ،‬يمكن النظر لغرف الصدى بكونها أي‬
‫جتمع يغذي ويشارك نفس األفكار واآلراء بشكل متكرر (املجبل‪.)2018:‬‬
‫ويتســاءل عــدد مــن العلمــاء حــول مــدى ارتب ـ�اط ظاهــرة غــرف الصــدى بتكنولوجيــا‬
‫“فقاعــات التصفيــة”؟ ومــا إذا كانــت مســؤولة بشــكل مباشــر عــن نشــوئها؟ واحلقيقــة‪،‬‬
‫أن املســؤولية مزدوجــة‪ ،‬تــؤدي عوامــل اإلدراك الفرديــة واجلماعيــة إىل جانــب التكنولوجيــا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الذكيــة دورا مهمــا يف تشــكلها‪.‬‬
‫‪ 2.4‬غرف الصدى وعوامل اإلدراك الفردية واجلماعية‬
‫فيمــا يتعلــق بعوامــل اإلدراك الفرديــة‪ ،‬تفــي ظاهــرة التحــز التوكيــدي‪ ،‬إىل تكويــن‬
‫غــرف صــدى نفســية‪ ،‬ال هندســية مســتمدة مــن الــذكاء االصطناعــي‪ ،‬مردهــا إىل عــدم إيــاء‬
‫ً‬
‫املســتخدمني اهتمامــا باألفــكار واملعلومــات مــن خــارج أطرهــم املعرفيــة جتنبــ�ا للتن�افــر‬
‫املعــريف‪ .‬وهنــا‪ ،‬يتحمــل املســتخدم مســؤولية تأســيس جــدار صــد نفــي يمنعــه مــن‬
‫التفاعــل مــع أفــكار ومواقــف مختلفــة عمــا بداخلــه‪ .‬وللتبســيط أكــر‪ ،‬يرتبــط املســتخدم‬
‫ً‬
‫بطائفــة عالقــات واســعة علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪ ،‬وهــو منفتــح تلقائي ـ�ا علــى‬
‫ً‬
‫شــبكات أخــرى حتــوي أفــكار جديــدة‪ ،‬غالبــا مخالفــة‪ .‬لــذا‪ ،‬ال يمكــن اعتبــ�ار املســتخدم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مقيــد هندســيا أو هيكليــا داخــل غرفــة فعليــة‪ ،‬لكنــه محصــور داخــل غرفــة نفســية أو داخــل‬
‫حــدود عقلــه‪ ،‬الــذي يــأىب التفاعــل مــع اآلخــر املختلــف‪ ،‬أو يرفــض إيــاء اهتمــام متســاوي‬
‫للمعلومــات املقدمــة مــن روابــط خــارج شــبكته املنعزلــة‪ .‬واخلالصــة‪ ،‬أن غــرف الصــدى‬
‫ً‬
‫ال تعــي كونهــا حجــرة بــا أبــواب‪ ،‬بقــدر مــا هــي حجــرة تفتــح أبوابــا معين ـ�ة وتغلــق أخــرى‬
‫(‪.)Schlegel:2019‬‬

‫‪168‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫كما تعكس غرف الصدى لعملية إدراكية جمعية‪ ،‬ال تقف عند حدود االستهالك‬
‫اجلمعي للمحتوى؛ بل تتعداه حنو إنت�اجه ومشاركته بكيفية كلية‪ .‬وهنا تشمل غرف الصدى‬
‫مستويني‪ :‬يتمثل األول يف غرف جماعية تضم عدد من املستخدمني يت�داولون ويستهلكون‬
‫ويتفاعلون مع محتوى متن�اظر نتيجة تماثلهم يف املواقف واألفكار‪ ،‬بينما يتجسد الثاين يف‬
‫غرف فردية يؤسسها املستخدم داخل الغرف اجلماعية‪ ،‬تعكس لتفضيالته واختي�اراته‬
‫وعاداته اخلاصة ضمن بوتقة اجلماعة (‪ .)Pariser:2011‬وللتبسيط أكرث‪ ،‬يقوم املستخدم‬
‫دون وعي بإنشاء غرف صدى خاصة به عن طريق اختي�اره للمصادر اليت سيتلقى منها‬
‫املحتوى املالئم لتوجهاته‪ ،‬إال أنه لن يتمكن من حتقيق ذلك دون قيام مستخدمني آخرين‬
‫بإنت�اج ومشاركة هذا النوع من املحتوى املخصص‪ .‬لذلك‪ ،‬تعكس غرف الصدى ملسارين‪،‬‬
‫يتجسد األول يف شبكة من األفراد والصفحات اليت تضع وتصنع ألطر وروايات متشابهة‪،‬‬
‫بينما الثاين يف غرف معرفية خاصة بكل مستخدم على حدا (‪ .)Schlegel:2019‬وهنا تأيت‬
‫األبعاد البن�ائي�ة والتفاعلية لغرف الصدى‪ .‬فهي بن�ائي�ة بسبب قدرة اجلماعة على انت�اج‬
‫وتب�ادل املحتوى‪ ،‬حبيث يتحول خط إنت�اج املعىن على املستوى الفردي إىل عمليات إنت�اج‬
‫ً‬
‫الحقا عما ينتجه الفرد بذاته‪ .‬أي حتويل املعىن الفردي ُ‬
‫املسند‬ ‫جماعية شاملة‪ ،‬تستقل‬
‫للمحتوى إىل معىن جماعي متداول‪ .‬وهي تفاعلية؛ ألن التفسريات واألطر الناجتة عن‬
‫اإلنت�اج اجلماعي للمعىن يعاد تدوريها وضخها وتغذيتها مرة أخرى إىل داخل غرف صدى‬
‫فردية‪ .‬بهذه الطريقة يتم تشكيل وإعادة تشكيل اخلطاب وفق تأثري غرف الصدى على‬
‫املستويني اجلماعي والفردي (‪.)Ibid‬‬
‫‪ 3.4‬غرف الصدى والتكنولوجيا الذكية‬
‫ً‬
‫بالنسبة للعوامل التكنولوجية‪ ،‬تؤدي فقاعات التصفية دورا يف نشوء وترسيخ‬
‫تأثري غرف الصدى‪ .‬فهي قادرة على قراءة وتتبع وختزين تفضيالت املستخدم واختي�اراته‬
‫ومختلف تفاعالته‪ ،‬وفلرتتها وحتليلها‪ ،‬وتقديم محتوى ومعلومات تتوافق مع ميوله‬
‫ورغباته وأفكاره‪ .‬وهنا ال بد من توضيح فرق جوهري بني غرف الصدى وفقاعات التصفية‪.‬‬
‫ً‬
‫آت من أقران يعتنقون أفكارا ومواقف‬
‫فخالل األوىل‪ ،‬ال يتعرض املستخدم إال ملحتوى ٍ‬
‫متشابهة‪ ،‬يف حني أن الثاني�ة انعكاس لنظام خوارزيم متحزي‪ ،‬حيدد ويعرض للمستخدم‬

‫‪169‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫محتوى بالنظر إىل سلوكه الشبكي (زيارة وتصفح مواقع‪ ،‬سلوكيات إعجاب‪ ،‬أنشطة‬
‫تسوق‪ ،‬عمليات حبث‪...‬إلخ)‪ .‬ويتجسد التأثري الناجم عن فقاعات التصفية يف قيامها‬
‫بفصل املستخدمني عن املحتوى الذي يتعارض مع تفضيالتهم‪ ،‬ما يرتتب عليه صناعة‬
‫“فقاعة” ثقافية وأيديولوجية تعزل الفرد عن بايق “الفقاعات” املختلفة‪ .‬وبرغم ذلك‪ ،‬قد‬
‫ال تتحمل مواقع الشبكات االجتماعية وحدها مسؤولية ظهور فقاعات التصفية‪ ،‬وبالتايل‬
‫نشوء غرف الصدى‪ ،‬ولكن يمكن للرتابط الناجت عن استخدام الوسائط االجتماعية إىل‬
‫ً‬
‫جانب سلوك املستخدم يف ختصيص املحتوى أن يكون مسؤوال عن ذلك‪ .‬ويتضح الرتابط‬
‫من خالل اختي�ار القبيلة اخلاصة بن�ا واألفراد الذين نرغب بالتواصل معهم‪ ،‬كما يتضح‬
‫التخصيص‪ ،‬من خالل حتديدنا للواقع االجتماعي والسيايس اخلاص بن�ا(*)‪ .‬فالوسيلة‬
‫ً‬
‫املصممة أصال لربطنا يف عالم مفتوح‪ ،‬تتيح لنا يف ذات الوقت حجب أجزاء من هذا العالم‬
‫ال نرغب يف مواجهته أو التعرض له (‪ .)Schlegel:2019‬وتعكس غرف الصدى آلليات التجزئة‬
‫‪ Segmentation‬اليت يتعرض لها جمهور الشبكات االجتماعية‪ .‬والتجزئة عملية فصل‬
‫‪ُ ،Fragmentation‬يقسم فيها اجلمهور إىل فئات صغرية واسعة االنتشار حبسب االهتمامات‪،‬‬
‫بشكل قد يتسبب يف تعزيز االستقطاب ‪ .)Webster:2005) Polarization‬ويعتمد نشوء‬
‫االستقطاب داخل غرف الصدى بالدرجة األوىل على سلوك املستخدمني‪ ،‬من حيث‬
‫انتقائهم للوسائط واملضامني اإلعالمية من طائفة كبرية من اخليارات باالرتكاز على‬
‫دوافعهم النفسية واهتماماتهم الشخصية (‪ .)Prior:2007‬وعلى هذا النحو تستطيع مواقع‬
‫الشبكات االجتماعية ختصيص محتوى بن�اء على ميول وتفضيالت الفرد‪ ،‬وذلك بعد‬
‫جتزئة اجلمهور إىل أقسام ومجموعات منفصلة عن بعضها البعض‪ ،‬مما يؤدي إىل نشوء‬
‫غرف صدى قائمة على االستقطاب‪ .‬فعلى سبي�ل املثال‪ ،‬كلما ارتفع منسوب االستقطاب‬

‫يشــار يف هــذا املضمــار إىل عبــارة روبــرت بايتمــان ‪ Robert Bateman‬الشــهرية “بمجــرد أن حتظــى كل قريــة بأحمــق‪ُ ،‬ســيلقى‬ ‫(*)‬

‫علــى عاتــق اإلنرتنــت جمعهــم معــا” (‪ .)Singer & Brooking:2018‬وهــي مقولــة تصــف حجــم احلماقــة الــي تعصــف بمواقــع‬
‫الشــبكات‪ ،‬كمــا تشــر إىل الرتابــط املتأصــل يف التطبيقــات االجتماعيــة ومــا يعني ـ�ه ذلــك مــن تفــي القبليــة يف مجتمعــات‬
‫مــا بعــد احلداثــة‪ .‬ففــي البيئـ�ة االفرتاضيــة‪ ،‬خيتــار املســتخدم الشــبكة الــي يرغــب يف االنتمــاء إليهــا‪ ،‬وحــال اختــذت الشــبكة‬
‫مســلك متطــرف كذلــك ســيفعل هــو‪ .‬ويجــب التأكيــد هنــا علــى أن غــرف الصــدى كحالــة إدراكيــة فرديــة أو ككيانــات‬
‫جمعيــة إلنتـ�اج املعــى ال تــأيت إىل الوجــود مــن عــدم‪ .‬فتطــور هــذه الغــرف يعكــس لعمليــة‪ ،‬خيضــع الفــرد خــال أســره داخلهــا‬
‫ً‬
‫ملراحــل مختلفــة‪ ،‬تبــ�دأ بالتفاعــل البســيط‪ ،‬ثــم ضمــور يف عالقاتــه بمــن هــم خــارج الغرفــة‪ ،‬وأخــرا االنغمــاس التــام يف‬
‫أنشــطتها علــى حنــو قبلــي‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫بني األفراد فيما يتعلق بالقضايا السياسية يتصاعد على التوازي احتمال جتاهلهم لآلراء‬
‫واحلجج املخالفة‪ ،‬عرب إحاطة أنفسهم بمصادر إخبارية واجتماعية تعكس آلراء ينسجمون‬
‫معها (‪ .)Garimella et al.:2018‬وقد أثبتت عدة دراسات إمكاني�ة وقوع املستخدمني حتت‬
‫تأثري غرف الصدى حال جتنبهم التعرض ملضامني أو وسائط إعالمية متعددة‪ ،‬لذا يعد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫التنوع أداة فعالة للتحلل واخلالص من تأثريها وسيطرتها (‪.)Dubois & Blank:2018‬‬
‫‪ 4.4‬أسباب نشوء غرف الصدى‬
‫تتسبب عدد من املؤثرات يف نشوء غرف الصدى على الشبكات االجتماعية؛ وهي إما‬
‫مرتبطة بسلوكيات املستخدمني‪ ،‬أو بنوع املحتوى‪ ،‬أو حبسب التمركز والتموضع‪ ،‬أو نتيجة‬
‫ارتدادات التكنولوجيا الذكية‪ .‬وتصنف هذه املؤثرات ضمن ثالث مستويات‪ ،‬تتن�اول‬
‫األوىل تلك الناجمة عن الفرد‪ ،‬بينما تعالج الثاني�ة مسؤولية اجلماعة‪ ،‬يف حني تطرق الثالثة‬
‫إىل دور التكنولوجيا‪.‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬أسباب فردية‬
‫أ‪ .‬التماثل (التشابه) ‪ :Homophily‬جنوح املستخدم حنو إقامة عالقة مع آخرين‬
‫يوافقون ميوله واهتماماته‪ ،‬أي أنه يفرتض إمكاني�ة نشوء صالت بني أفراد متماثلني‬
‫بمعدالت أعلى من األفراد غري املتماثلني (‪ .)McPherson et al.:2001‬وبالنسبة ألنواع‬
‫التماثل‪ ،‬فهي متعددة‪ :‬كالتماثل القائم على السلوك‪ ،‬أو الرأي‪ ،‬أو األيديولوجيا‪ ،‬وكل ما من‬
‫شأنه أن حيتوي مجموعة من األفراد حتت مظلة واحدة متجانسة‪ .‬وحبسب املبدأ‪ُ ،‬يفضل‬
‫األفراد تشكيل مجموعات أو شبكات متن�اغمة‪ ،‬سواء يف العالم الفعلي أو االفرتايض‪،‬‬
‫يتجنبون من خاللها صالت ال توافق ميولهم‪ ،‬أو يب�اشرون عمليات إقصاء ألصوات من‬
‫داخل املجموعة غري متن�اغمة معها (‪ .)John & Gvirsman:2015‬والتماثل يف عالقته مع غرف‬
‫الصدى على الشبكات االجتماعية يهتم باالنفصال‪ ،‬وكيفية تكريس املستخدم لبيئ�ة‬
‫ً‬
‫نظيفة وخالية تماما‪ ،‬أو باحلد األدىن‪ ،‬من األصوات واملحتويات اليت ال يرغب يف سماعها‬
‫أو التعرض لها؛ لذلك يمكن النظر إىل العالقة‪ ،‬بوصفها آلية انفصال وانعزال‪ ،‬تتيح نشوء‬
‫ُ‬
‫شبكات متجانسة من األفراد‪ ،‬ذات لون وطبيعة واحدة (املصدر‪ .)2019:‬ويف هذا الصدد‪ ،‬ترد‬

‫‪171‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫أسباب نشوء “العشائر اإللكرتوني�ة” إىل الرغبة يف التطابق والعيش مع الشبي�ه يف حدود‬
‫بيئ�ة تواصلية تمزيها روابط وصالت مزتامنة لفضاءات مختلفة وكائن�ات بشرية وشبكات‬
‫إلكرتوني�ة معقدة ومتمددة بكثافة؛ مما جيعل االحتكام إىل األحاسيس واملشاعر السمة‬
‫البارزة للمناخ العشائري املتفسخ من قيم االحتكام إىل العقل (احليدري‪.)2019:‬‬
‫ب‪ .‬أنماط الشخصية ‪ :Personality Traits‬تؤدي األنماط الشخصية يف عالقتها‬
‫ً‬
‫بالتعرض والتفاعل مع املستخدمني أو املحتوى دورا يف تشكيل جتمعات شبكية حتفز لتأثري‬
‫ً‬
‫غرف الصدى‪ .‬ووفقا لدراسة صادرة عن مركز ‪ Pew‬لألحباث يف الواليات املتحدة األمريكية‪،‬‬
‫تبني أن املستخدمني الذين يصنفون أنفسهم كأصحاب أيديولوجيات ثابت�ة أقل عرضة‬
‫للتعرض إىل وجهات نظر ختالف ما يعتقدونه؛ وأن ‪ 47%‬من املستخدمني الذين صنفوا‬
‫أنفسهم كمحافظني‪ ،‬إىل جانب ‪ 32%‬ممن صنفوا أنفسهم كليرباليني‪ ،‬أكدوا نزعتهم‬
‫ً‬
‫للتعرض إىل آراء تتسق غالبا مع وجهات نظرهم (‪.)Mitchell & Weisel:2014‬‬
‫ً‬
‫ج‪ .‬التعرض االنتقايئ ‪ :Selective Exposure‬نزعة األفراد إىل التعرض اختي�اريا‬
‫للمعلومات اليت تنسجم مع وجهات نظرهم مع جتنب املتن�اقضة (‪ .)Frey:1986‬وهو‬
‫سلوك يعكس لتحزي منهيج يف تكوين األفراد‪ ،‬نابع من تعمد انتقاء معلومات تتن�اغم‬
‫مع مواقف سابقة‪ ،‬أو التعامل مع مصادر تعكس لتوجهات وافكار وسياسات متطابقة‬
‫(‪ .)Iyengar & Hahn:2009‬ويؤشر التعرض االنتقايئ إىل جنوح املستخدمني حنو مصادر‬
‫معلوماتي�ة تتلاءم وتعرب عن أفكارهم‪ ،‬مما يؤدي إىل ترسيخها وتعزيزها بصورة قد تصل‬
‫إىل درجة التطرف‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬تنشأ مجموعات شبكية منفصلة عن بعضها‪ ،‬تضم‬
‫أفراد يتشاركون ذات املواقف واألفكار‪ .‬وبهذا اخلصوص‪ ،‬بينت دراسة حبثي�ة اختي�ار‬
‫األفراد ملوضوعات إخبارية تتوافق مع ميولهم السياسية‪ ،‬وتؤكد لوجهات نظرهم املسبقة‬
‫(‪ .)Garrett:2009‬ويف دراسة أخرى حول أنماط اختي�ار وسائل اإلعالم وعالقتها بت�أكيد‬
‫ً‬
‫االجتاهات‪ ،‬تبني وجود تأثري يتخذ شكل دوامة تعزيز‪ ،‬حبيث جينح األفراد أوال حنو الوسائط‬
‫ً‬
‫اإلعالمية اليت تؤكد وتصلب ملعتقداتهم‪ ،‬ثم يعمدون الحقا إىل اختي�ار مزيد من املحتوى‬
‫اإلعاليم الذي يعيد تأكيد وتعزيز هذه املعتقدات (‪ .)Slater:2007‬وبكل األحوال‪ ،‬طريقة‬

‫‪172‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫تنسيق وتوزيع املحتوى على مواقع الشبكات االجتماعية جتعل من تعرض األفراد له‬
‫عملية مصنعة بالكاد فيها مجال للصدفة (‪.)Sunstein:2017‬‬
‫د‪ .‬التحزي التوكيدي (احنياز التأكيد أو التأيي�د) ‪ :Confirmation Bias‬هو جمع‬
‫انتقايئ لألدلة والرباهني اليت تدعم ما يؤمن به الفرد‪ ،‬وجتاهل ورفض أي أدلة أخرى تدعم‬
‫وتؤيد موقف مخالف‪ .‬أي أنه نزعة إىل تأيي�د املعلومات اليت تؤكد للمعتقدات وامليول بدون‬
‫تفني�دها‪ .‬وهو نوع من التحزي املعريف على مستوى اإلدراك‪ ،‬يشتد مع املوضوعات العاطفية‬
‫أو االفكار الراسخة‪ .‬وقد يتسبب التحزي التوكيدي يف نشوء غرف الصدى‪ ،‬إما بشكل مقصود‬
‫مرتبط باختي�ارات وتفضيالت املستخدم‪ ،‬أو بشكل تلقايئ مرتبط خبوارزميات مواقع‬
‫الشبكات االجتماعية(*)‪ .‬ويف مجال علم االجتماع السيايس‪ ،‬يكشف التحزي التوكيدي عن‬
‫ميل صانعي القرار إىل مالحظة األدلة املؤيدة لدعاواهم واالحتفاء بها والتماسها بهمة‪،‬‬
‫بينما يميلون إىل جتاهل األدلة اليت قد تن�ال من الدعاوى‪ ،‬وإىل التقاعس عن طلبها والبحث‬
‫عنها؛ وهو بهذا املعىن صورة من صور االحنياز االنتقايئ يف جمع األدلة (مصطفى‪.)2019:‬‬
‫ه‪ .‬االستيعاب املتحزي ‪ :Biased Assimilation‬مفهوم يشرح كيفية تعرض‬
‫املستخدم ملعلومات متنوعة متوافقة مع ميوله ومعتقداته أو العكس‪ ،‬وكيف يعمد إىل‬
‫استيعابها بشكل متحزي‪ ،‬عرب تفسريها بطريقة تدعم استنت�اجات مرغوبة ومحبب�ة إليه‬
‫(‪ .)Lord et al.:1979‬بمعىن‪ ،‬استيعاب املعلومات واألدلة اجلديدة وفق افرتاضات‬
‫ً‬
‫وتوقعات موجودة سلفا (‪ .)Lord & Taylor:2009‬ويعرب االستيعاب املتحزي عن نزعة شبه‬
‫متأصلة حنو تقييم املعلومات املتسقة مع معتقداتن�ا بشكل أكرث إجيابي�ة من غري املتوافقة‬
‫(‪ .)Greitemeyer:2014‬هذه املقايضة النفسية بني املزايا والنقائص اليت حتملها املعلومات‬
‫ُ‬
‫تتجلى يف أوضح صورة يف التأثري الكبري الذي تدثه توقعاتن�ا وتصوراتن�ا واعتقاداتن�ا املسبقة‬
‫على تأويلنا للمعلومات اجلديدة‪ ،‬فحني يكون الناس بصدد فحص األدلة املتصلة باعتقاد‬

‫عنــد التعــرض ملعلومــات جديــدة‪ ،‬يقــرر املســتخدم بشــكل تلقــايئ قبولهــا حــال أكــدت ملعتقداتــه القائمــة‪ ،‬وبالتــايل ســيعمد‬ ‫(*)‬
‫ً‬
‫إىل مشــاركتها‪ .‬أمــا إذا تعارضــت املعلومــة مــع املعتقــدات‪ ،‬فمــن املرجــح أن يتجاهلهــا حفاظــا علــى اتســاقه املعــريف‪ .‬وبــذات‬
‫الطريقــة‪ ،‬عنــد التعــرض ملعلومــات تتوافــق مــع املعتقــدات‪ ،‬ســيتم قبولهــا وتأكيدهــا بشــكل ســريع‪ ،‬بعكــس املعلومــات‬
‫املتعارضــة الــي حتتــاج إىل كثــر مــن الوقــت واألدلــة واإلثب�اتــات حــى تتمكــن مــن حتفــز رغبــة باجتــاه تغيــر املعتنــق القديــم‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫ما فإنهم جينحون إىل رؤية ما يتوقعون رؤيت�ه‪ ،‬واستنت�اج ما يتوقعون استنت�اجه؛ فاملعلومات‬
‫اليت تتسق مع اعتقاداتن�ا املسبقة تن�ال منا القبول‪ ،‬أما األدلة املضادة لها فنحن نتن�اولها‬
‫بالتمحيص النقدي ونسقطها من حسابن�ا‪ ،‬وهكذا ال تؤيت املعلومات اجلديدة أثرها فين�ا‬
‫َّ ُ‬
‫متضمناتها على اعتقادنا كما جيب (مصطفى‪.)2019:‬‬ ‫وال تفعل فعلها كما ينبغي لها‪ ،‬وال تؤثر‬
‫و‪ .‬حارس البوابة ‪ :Gate Keeper‬يشري املفهوم يف الدراسات االتصالية التقليدية‬
‫إىل اجلهة املسؤولة عن فلرتة املعلومات‪ ،‬وحتديد أيها صالح للعرض والنشر من عدمه‪.‬‬
‫وحارس البوابة يف عالقته بغرف الصدى على مواقع الشبكات االجتماعية‪ ،‬حييل إىل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مستخدم حيتل مركزا وسطا بني مجموعتني شبكيتني‪ ،‬تمكنه من استقبال واستهالك‬
‫معلومات قادمة من كالهما (استقبال باجتاهني)‪ ،‬لكنه خالل إنت�اجه للمحتوى يصطف‬
‫لرؤية وموقف أحداهما (انت�اج باجتاه واحد)‪ .‬وبلغة مبسطة‪ ،‬يقوم مستخدم مؤثر بفلرتة‬
‫املعلومات القادمة إليه من أكرث من اجتاه‪ ،‬ثم يعمد إىل إنت�اج وتمرير معلومات تتوافق مع‬
‫ميوله‪ ،‬تمهد بطريقة تراكمية إىل تشكل جتمعات تدور يف فلكه (‪ .)Garimella et al.:2018‬ويرد‬
‫سبب ظهور هذه النسخة اجلديدة من حراس البوابة إىل حالة التشظي والتفكك للمجال‬
‫العمويم امليدياتيكي‪ ،‬الناجمة عن فك االرتب�اط باملكان (احليدري‪.)2019:‬‬
‫ً‬
‫ثاني�ا‪ :‬أسباب جماعية‬
‫أ‪ .‬الهويــة االجتماعيــة ‪ :Social Identity‬هــي ذلــك اجلــزء مــن إدراك الفــرد‬
‫لنفســه وذاتــه‪ ،‬مســتمدة مــن عضويتــ�ه يف مجموعــة اجتماعيــة‪ ،‬مــع مــا يرتبــط بهــذه‬
‫العضويــة مــن قيمــة وداللــة عاطفيــة (‪ .)Taijfet:1974‬واملجموعــة االجتماعيــة حشــد‬
‫مــن األفــراد‪ ،‬يبصــرون أنفســهم كأعضــاء يف فئــة تتشــارك هويــة جامعــة‪ .‬والهويــة‬
‫االجتماعيــة يف عالقتهــا بغــرف الصــدى‪ ،‬نــوع مــن التحــز علــى مســتوى اجلماعــة‪،‬‬
‫يقــرن فيهــا األفــراد أنفســهم بهويــات اجتماعيــة محــددة‪ ،‬مثــل العــرق والديــن‬
‫واجلنــس والطبقــة وغريهــا‪ .‬وعندمــا ُيصنــف الفــرد نفســه كعضــو يف مجموعــة مــا‪،‬‬
‫حيــدث أن تن�دمــج وتتكامــل خصائــص املجموعــة مــع ذاتــه املكونــة لشــخصيت�ه‪ ،‬مــا‬
‫يدفعــه إىل إبصــار ســمات وســلوكيات املجموعــة علــى أنهــا تمثيــ�ل جلــزء مــن ذاتــه‬

‫‪174‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫(‪ .)Evertt et al.:2015‬لهــذا الســبب‪ ،‬قــد تنشــأ غــرف صــدى مغلقــة تعتمــد يف ضــم أعضائهــا‬
‫علــى الهويــة االجتماعيــة‪ ،‬بطريقــة تنعــزل فيهــا عــن الهويــات األخــرى املختلفــة‪ .‬ويف هــذا‬
‫الصــدد‪ ،‬تشــر دراســة عربيـ�ة إىل نمــو أشــكال مــن القبليــة والعشــائرية اإللكرتونيـ�ة داخــل‬
‫مواقــع الشــبكات‪ ،‬محكومــة برغبــة قويــة يف العيــش مــع الشــبي�ه بمقتــى أن قيمــة الفــرد‬
‫أضحــت ال تتجســد إال يف صلــب املجموعــة (احليــدري‪.)2019:‬‬
‫ب‪ .‬استقطاب اجلماعة ‪ :Group Polarization‬ميل األفراد إىل تبين أو التعبري عن‬
‫آراء ومواقف متشابهة‪ ،‬ينتج عنها حالة جذب مغناطييس تتيح نشوء مجموعات شبكية‬
‫(غرف صدى) مستن�دة على االستقطاب‪ .‬بمعىن آخر‪ ،‬يلتفت األفراد إىل سرديات وآراء‬
‫معين�ة‪ ،‬ثم يتوجهون إىل تشكيل أو االنضمام ملجموعات تتبىن هذه السرديات النسجامها‬
‫ً‬
‫مع مواقفهم‪ ،‬ما يتسبب الحقا يف تعزيز وتصليب اآلراء حىت لو كانت خاطئة‪ ،‬ورفض‬
‫تلك املتن�اقضة رغم صحتها (‪ .)Schmidt et al.:2018‬ولما كانت القاعدة الوظيفية لإلعالم‬
‫ُ ْ‬
‫الم َمأ َسس هي الضبط يف معاني�ه املجتمعية والسياسية‪ ،‬كما َّبينها كثري من‬ ‫اجلماهريي‬
‫العلماء والباحثني‪ ،‬فإن اخلاصية األوىل لإلعالم الفردي‪-‬اجلماهريي‪ ،‬واملقصود هنا مواقع‬
‫الشبكات االجتماعية‪ ،‬هي االستقطاب بمعاني�ه الفزييائي�ة؛ استقطاب أكرب عدد من‬
‫املستخدمني للشبكة؛ ألن جميع التحركات الذهني�ة والفكرية لألفراد يف نطاق الشبكة‬
‫َّ‬
‫تتحقق يف سياق الشعور باجلماعة (احليدري‪ .)2017:‬والشعور باجلماعة هو السياق‬
‫ُ‬
‫السوسيولويج الذي يتعزز يف وجوده فعل االستقطاب‪ ،‬فهي ت ْ ِبز يف الغالب نزعة األفراد‬
‫للدفاع عن مواقف وآراء‪ ،‬ونزعتهم للدعوة إىل إجراءات ال تتوافق مع المألوف‪ .‬كما يستمد‬
‫فكريا يف منظومة اإلنت�اج والنقاش‬‫االستقطاب معاني�ه من وجود جماهري متنوعة‪ ،‬منخرطة ًّ‬
‫والتب�ادل احلر للمعىن‪ .‬فاملستخدمون ملواقع الشبكات االجتماعية يعملون باستمرار على‬
‫نشر آرائهم وأفكارهم والتعريف بمواقفهم إزاء القضايا اخلصوصية وقضايا الشأن العام‪،‬‬
‫ويتفاعلون يف املقابل مع آراء نظرائهم وأفكارهم ومواقفهم‪ .‬ويجري كل ذلك على حنو يكون‬
‫َّ‬
‫يتحول القائم باالتصال‪،‬‬ ‫فيه القصد من الفعل التواصلي هو اجلذب والشد‪ ،‬بمعىن أن‬
‫وهو الفرد‪ ،‬إىل قطب مهم يف عمليات التواصل املركبة الالخطية (‪ .)Ibid‬وحيصل أن ينتج‬
‫عن حالة الشد واجلذب حالة اصطفاف‪ ،‬يقرر فيها األفراد اللجوء أو االنتماء إىل جتمعات‬

‫‪175‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫شبكية تعكس لتفضيالتهم الفكرية‪ ،‬ما يرتتب عليه بمرور الوقت نشوء غرف صدى‬
‫تواصل بدورها لعملية االستقطاب‪ ،‬إىل جانب ترسيخها للمفاهيم السائدة داخلها‪ .‬وقد‬
‫أكدت نت�اجئ عدة دراسات على دور اجلماعة يف تعزيز االستقطاب والتطرف على املستوى‬
‫الفردي داخل جتمعات اجتماعية مغلقة‪ ،‬حيث تبني أن آراء األفراد بعد املناقشات الداخلية‬
‫ً‬
‫أكرث تطرفا عنها قبل املناقشات (‪ ،)Moscovini & Zavalloni:1969‬كما كشف اختب�ار نفيس عن‬
‫حتول يف مواقف األفراد من االعتدال إىل التطرف بعد خوضهم مناقشات مع أفراد حيملون‬
‫ويعرب مفهوم استقطاب اجلماعة عن حالة صراع من‬ ‫وجهات نظهرهم (‪ُ .)Abelson:1995‬‬
‫أجل تقرير الواقع‪ ،‬يدور يف حلبة من االستفهامات املستعصية من قبي�ل من يكسب‬
‫شرعية بن�اء الواقع‪ ،‬ومن يرسم حدوده‪ ،‬ومن يعرتف به‪ ،‬ومن ال يعرتف‪ .‬وهو صراع معقد‪،‬‬
‫مواز لدرجة تعقد مستويات التواصل والتفاعل السارية يف فلك الويب‪ ،‬وحبجم األطراف‬ ‫ٍ‬
‫الفاعلة يف الصراع‪ .‬وهنا‪ ،‬تتحمل “العشائر اإللكرتوني�ة” مسؤولية تشكل مراكز استقطاب‬
‫من حيث خصوبة أفرادها يف إنت�اج املعىن (احليدري‪.)2019:‬‬
‫ج‪ .‬التفضيل ألفراد اجلماعة ‪ :In-Group Favoritism‬ألن الفرد جينح إىل االنتساب‬
‫ملجموعة اجتماعية‪ ،‬يؤدي ذلك إىل تبني�ه واكتسابه أنماط حتزي جتاه من هم خارجها‪ .‬فرغبة‬
‫الفرد يف حتقيق ذاته وتعزيز ثقته بنفسه إىل جانب الشعور باالتساق واالنسجام الداخلي‪،‬‬
‫قد تستحثه على تفضيل أعضاء املجموعة والتقليل من شأن األفراد خارجها (‪.)Taijfet:1974‬‬
‫والسابق قد يفسر الرغبة املتأصلة لدى بعض املستخدمني يف تكوين مجموعات على‬
‫مواقع الشبكات االجتماعية‪ ،‬تضم أفراد متماثلني‪ ،‬ال يتفاعلون إال مع بعضهم‪ ،‬وال‬
‫يعظمون إال آراء أعضاء املجموعة يف مقابل جتاهلهم وتبخيسهم من شأن اآلراء الصادرة عن‬
‫أفراد من خارجها (‪ .)Weigold :2017‬ويسمح هذا التفضيل املتحزي إىل بروز سلوكيات شبكية‪،‬‬
‫تتحشد داخل غرف صدى‪ ،‬ال حتوي سوى أفراد من خلفيات سياسية أو ثقافية أو اجتماعية‬
‫مشرتكة‪ .‬والتفضيل هنا مشابه ومتقاطع مع مفهوم التماثل‪ ،‬ويمكن اعتب�ار التفضيل جزء‬
‫منه‪ ،‬برغم أن األخري قد يعكس ملستوى فردي غري جماعي‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬أسباب مرتبطة بالوسيلة واملحتوى وأنماط الشخصية‬
‫أ‪ .‬حتزي الصفحات اإلعالمية ‪ :Media Bias‬يؤشر إىل صفحات إخبارية تعتنق أجندة‬
‫معين�ة‪ ،‬جتمع حولها طيف من املستخدمني يفضلون التعرض ملعلوماتها وموضوعاتها‬
‫نتيجة انسجامها مع معتقداتهم وأفكارهم‪ .‬هذا التجمع يتسبب يف نشوء “تعنقد‬
‫ُ َ‬
‫‪ ”Clustering‬أو جتمع شبكي حول الوسيلة‪ ،‬ثم بمرور الوقت وزيادة اجلذب تشكل غرف‬
‫صدى ال يرتدد داخلها سوى وجهة نظر واحدة‪ .‬وهنا يت�أثر استهالك املحتوى بزنعة األفراد إىل‬
‫قصر تعرضهم وتقيي�د تفاعلهم مع صفحات إعالمية محددة‪ .‬ومن خالل فحص أنشطة‬
‫املستخدمني عرب مختلف التجمعات الشبكية‪ ،‬وقياس مدى تمدد هذه األنشطة باجتاه‬
‫الصفحات اإلخبارية‪ ،‬يتبني تكاثف جتمعات منفصلة من املستخدمني‪ ،‬تتمركز وتلتف كل‬
‫واحدة منها حول صفحات إخبارية معين�ة‪ ،‬األمر الذي يعكس الحتمال نشوء غرف صدى‬
‫ناجمة عن حتزي إعاليم قادر على جذب واستقطاب األفراد حنوه (‪.)Schmidt et al.:2018‬‬
‫ب‪ .‬اخلوارزميات ‪ :Algorithms‬تتسبب أنظمة معاجلة البي�انات بنشوء غرف صدى‬
‫ناجمة عن قيام اخلوارزميات بتصفية وختصيص املعلومات؛ وذلك وفق تفضيالت األفراد‬
‫وخياراتهم وسلوكياتهم على الوسيلة (مواقع الشبكات االجتماعية)‪ .‬هذا التخصيص‪،‬‬
‫يسمح بنشوء جماعات متجانسة فيما بينهما من حيث االهتمامات‪ ،‬كما يتيح توجيه‬
‫محتوى يتقاطع مع رؤى ومعتقدات املستخدمني‪ ،‬وحيجب أي معلومات من املحتمل أن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تتحداها‪ .‬لذلك تؤدي اخلوارزميات دورا متحزيا على صعيد جتزئة اجلمهور‪ ،‬وبالتايل زيادة‬
‫حدة االستقطاب بني أفراده‪ ،‬مما يرتتب عليه جملة مؤثرات تتصدرها غرف الصدى‬
‫(‪.)Sırbu et al.:2019‬‬
‫ج‪ .‬املحتوى ‪ :Content‬قد ينبع تأثري غرف الصدى من املحتوى املنشور‪ .‬وقد أكدت‬
‫عدة دراسات تن�اولت عالقة املحتوى بأنماط تعرض وتفاعل املستخدمني وتأثري ذلك يف‬
‫تشكل غرف الصدى‪ ،‬إن املحتوى الذي يالمس معتقدات حيوية متأصلة لدى املستخدم‬
‫سريفع من احتمال مناقشتها داخل مجموعات شبكية مغلقة فقط (‪)Barbera et al.:2015‬؛‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وعلى النقيض تماما‪ ،‬فاملحتوى الذي ال يشكل حتديا ألفكار املستخدم‪ ،‬قد يزيد من احتمال‬
‫انفتاحه على مستخدمني آخرين من ذوي اآلراء واملعتقدات املختلفة (‪.)Liao & Fu:2013‬‬

‫‪177‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫‪ 5.4‬األخطار املرتتب�ة عن غرف الصدى‬


‫تتعدد األخطار املرتتب�ة عن غرف الصدى داخل مواقع الشبكات االجتماعية‪ ،‬ولعل‬
‫من أبرزها اآليت‪:‬‬
‫أ‪ .‬مسؤوليتها املباشرة عن نشوء مجتمعات شبكية مغلقة ومنفصلة عن‬
‫بعضها البعض‪ ،‬تتصف بالتماثل والتجانس‪ ،‬تضم أفراد يعتنقون التوجهات الفكرية‬
‫ً‬
‫وااليديولوجية والسياسية نفسها‪ ،‬برغم احتمال انتمائهم جميعا ملجتمع فعلي واحد‪ .‬وما‬
‫ً‬
‫سبق قد يتسبب يف تدهور اخلطاب اجلمعي‪ ،‬ومزيدا من التطرف والعنصرية واالستقطاب‬
‫خلف اآلراء السياسية واالجتماعية ذات الصبغة االحادية‪ .‬فاألفراد يميلون إىل الراحة‬
‫املعرفية عرب فتح نقاشات مع آخرين مشابهني لهم‪ ،‬وبالتايل تعزيز وتصليب مواقفهم‬
‫(‪ .)Dyagilev & Yom-Tov:2014‬ويف سياق الشبكات االجتماعية‪ ،‬يتحقق تأثري غرف الصدى‬
‫عندما يكتفي املستخدم بالتفاعل مع آخرين ينسجمون مع مواقفه‪ ،‬بشرط أال تشكل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫آراؤهم جتاه أي موضوع حتديا أو تن�افرا مع ما يؤمن به‪ .‬فالتكنولوجيا اليت أتاحت فرصة‬
‫ً‬
‫التفاعل الرثي مع طيف متنوع من اآلراء‪ ،‬سمحت أيضا بضبط هذا التعرض لصالح اآلراء‬
‫املنسجمة مع أفكار املستخدمني(‪ .)Himelboim et al.:2013‬وقد كشفت دراسة حول سلوك‬
‫إلغاء الصداقة بني املستخدمني الفلسطينيني خالل حراك “بدنا نعيش” يف قطاع غزة‬
‫عن ميل أكرث من نصف املبحوثني إىل إلغاء صالت افرتاضية مع مستخدمني آخرين‪ ،‬وأن‬
‫ً‬
‫متغريات االنتماء السيايس والتطرف احلزيب تؤدي دورا يف تفعيل سلوك إلغاء الصداقة‪ ،‬من‬
‫ناحية رغبة املبحوثني يف حتقيق مماثلة قائمة على األيديولوجيا (املصدر‪.)2019:‬‬
‫ً‬
‫ب‪ .‬احتمال مفاقمتها لزنعات تطرف اآلراء على أنواعها‪ .‬وبعيدا عن التأثري املعتدل‬
‫لآلراء املخالفة‪ ،‬يرتفع معدل تطرف اآلراء على املستوى األيديولويج حال التعرض ألخرى‬
‫تدعمها (‪)Lawless:2017‬؛ بمعىن كلما التقت اآلراء على صحتها أو علتها مع آراء أخرى‬
‫تؤيدها كلما تمسك بها األفراد‪ .‬وهنا قد يمتد التطرف باجتاه ترسيخ إيمان الفرد بآرائه‬
‫ً‬
‫لتصبح أقل مرونة وأكرث تصلبا (‪)Liao & Fu:2013‬؛ ويت�أىت ذلك من خالل مناقشة الفرد آلرائه‬
‫مع آخرين يعتنقون نفس توجهاته يف موقف اجتماعي مغلق‪ ،‬يزتود منهم عرب املناقشات‬

‫‪178‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫ً‬
‫باآلليات احلجاجية اليت يوظفونها لإلقناع بآرائهم‪ ،‬ما يمنحه وسائل أكرث إقناعا للتعبري‬
‫ً‬
‫واملحاجة عن آرائه اخلاصة الحقا (‪ .)Binder et al.:2009‬وال يعين ما سبق أن الرأي املعتدل‬
‫قد يتحقق بصورة قطعية حال التعرض لوجهات نظر متنوعة‪ ،‬خاصة إذا ما ارتبطت هذه‬
‫اآلراء بتهديدات متوقعة أو موضوعات ذات أهمية بالنسبة األفراد‪ .‬فقد اشارت إحدى‬
‫الدراسات إىل احتمال أن ينشأ التطرف السلوكي عن مواجهة آراء ومعلومات مخالفة‬
‫ً‬
‫بغض النظر عن موضوعها‪ ،‬نظرا لوجود حتزي يف آليات التفسري لدى املستخدمني (‪Lord et‬‬

‫‪ .)al.:1979‬هذه الزنعة الدائمة لالعتقاد واالقتن�اع بصحة منظورنا لألشياء‪ ،‬والناجمة عن‬
‫جتانس مناقشاتن�ا على املستوى االيديولويج‪ ،‬قد تتسبب بمرور االيام يف زيادة شكوكنا‬
‫حيال صحة وشرعية وجهات النظر املتن�اقضة معنا‪ .‬ويف هذا املضمار‪ ،‬تن�اولت دراسة‬
‫للعالقة اليت جتمع بني تأثري غرف الصدى والشكوك أعاله‪ ،‬ليتنب أن األيديولوجيا اليت‬
‫ينتسب إليها الفرد قد تملي عليه احلقائق اليت يمكن قبولها‪ ،‬حبيث يستن�د هذا اإلمالء‬
‫على مفهوم “اإلدراك الثقايف”‪ ،‬أي أن الهوية االجتماعية والسياسية للشخص قد‬
‫تتحكم يف معيار قبول احلقائق (‪ .)Kreiss:2009‬وما سبق يقودنا على حنو غري مقصود إىل‬
‫دور غرف الصدى يف خفض مظاهر الرتدد اليت تعرتي األفراد وتوظيفها لصاحلها‪ ،‬خاصة‬
‫يف الدعاية السياسية‪ .‬ويف هذا الشأن‪ ،‬يعكس الرتدد السلوكي ‪،Attitudinal Ambivalence‬‬
‫حلالة تذبذب من ناحية تأيي�د االفراد لالعتب�ارات املتن�افسة عند تقييم موضوع معني‬
‫(‪ .)Lavine:2001‬بمعىن امتالك الفرد لرأي مؤيد ومعارض يف ذات الوقت جتاه موضوع أو‬
‫قضية ما‪ .‬وغرف الصدى يف عالقتها بالرتدد على صعيد الدعاية السياسية‪ ،‬تستطيع‬
‫خفض تذبذب األفراد لصالح اجتاه سيايس معني‪ .‬وألنها عبارة عن شبكة متجانسة‪ ،‬فمن‬
‫النادر أن يقوم األفراد داخل غرف الصدى على إنت�اج محتوى أو مشاركة مواد إخبارية تنتقد‬
‫االجتاه السيايس الذي يسريون فيه ويتبنوه‪ .‬وبالتايل عند االنضمام إىل إحدى هذه الغرف‬
‫فمن غري املحتمل التعرض ملواقف متن�افسة‪ ،‬األمر الذي حيسم الرتدد لصالح االجتاه السائد‬
‫(‪ .)Justwana et al.:2018‬ويتجسد خطورة السين�اريو السابق يف قدرة غرف الصدى على‬
‫التحكم بعملييت اإلنت�اج والدفق املعلومايت لصالح اجتاه واحد‪ ،‬ما يصد التنوع املطلوب‬
‫لتكوين رأي سيايس موضوعي بعيد عن التأثريات والضغوطات اليت قد يشكلها التواجد‬
‫داخلها‪.‬‬
‫‪179‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫ج‪ .‬يمكن لغرف الصدى أن تتسبب يف زعزعة التماسك االجتماعي وزيادة معدالت‬
‫العدائي�ة واالنقسام بني أفراد املجموعات الشبكية املتعارضة‪ ،‬وانتقالها من العالم‬
‫االفرتايض إىل الفعلي‪ ،‬أو بالعكس‪ .‬فلو دققنا يف نت�اجئ بعض الدراسات‪ ،‬سنالحظ ميل‬
‫املستخدمني إىل إلغاء الصالت مع فئات اجتماعية مقربة‪ ،‬كزمالء الدراسة أو أفراد العائلة‬
‫ً‬
‫أو األصدقاء‪ ،‬مما يؤكد وجود تأثري عكيس االجتاه‪ .‬فبدال من أن جتد السلوكيات االجتماعية‬
‫طريقها إىل مواقع الشبكات االجتماعية‪ ،‬صار البعض منها ينشأ يف الفضاء االفرتايض‪ ،‬ثم‬
‫ً‬
‫يتعزز الحقا يف الواقع الفعلي على شكل ممارسات اجتماعية جديدة (املصدر‪ .)2019:‬لهذا‬
‫مهي للحفاظ على‬ ‫يمكن النظر لغرف الصدى كمحفز لتشكل فضاء عدواين‪ ،‬غري صالح أو ِّ‬
‫ديمومة الصالت االفرتاضية بني املستخدمني‪ ،‬ال سيما أصحاب وجهات النظر املختلفة؛‬
‫األمر الذي حيد من فرص التنوع اإلجيايب‪ ،‬لصالح التماثل السليب‪.‬‬
‫د‪ .‬يف السياق اإلعاليم‪ ،‬تعكس غرف الصدى خلطورة تسليع املعلومات‪ .‬ففي بيئ�ة‬
‫ً‬
‫الشبكات االجتماعية اليت ُينتقى فيها صنف من اآلراء عوضا عن التعرض ملجموعها‪،‬‬
‫حتولت املعلومات إىل ما يشبه سلعة داخل سوق افرتايض قائم على العرض والطلب‪،‬‬
‫يكتفي الفرد فيها باملنتجات اليت تعزز وترسخ ملواقفه‪ .‬فمن ناحية الطلب‪ ،‬يتوجه‬
‫املستخدم حنو املعلومات اليت تتن�اغم مع وجهة نظره‪ ،‬ومن ناحية العرض‪ ،‬تكتفي وسائل‬
‫اإلعالم باملعلومات اليت تستجيب لتحزي املستخدم‪ ،‬حبيث تسوق له منتج مخصص‬
‫يتوافق وينسجم مع ميوله‪ .‬وبمرور الوقت‪ ،‬تصاب وسائل اإلعالم بعدوى التحزي إلدراكها‬
‫املسبق بطباع وتوجهات املستهلك‪ ،‬الذي يرى يف املصادر اليت تؤكد ملعارفه أكرث مصداقية‬
‫وقابلية للتصديق‪ .‬وهي عرب ختصيصها ملنتج متحزي‪ ،‬تطمع يف أن يرفع املستهلك من رصيدها‬
‫وسمعتها (‪ .)Gentzkow & Shapiro:2006‬وهنا يتحول التحزي إىل ممارسة اتصالية مشروعة‪،‬‬
‫تعتمد يف تأدية وظائفها على أكرث من مسار إنت�اج‪ ،‬كل مسار خيدم ويليب احتي�اج فئة من‬
‫املستخدمني‪ ،‬األمر الذي يرتتب عليه نشوء وتمركز جتمعات حول صفحات إخبارية‬
‫بعينها‪.‬‬
‫ه‪ .‬فيما يتعلق بالتضليل‪ ،‬تغذي غرف الصدى‪ -‬سيما املتشكلة عن جتمعات‬
‫سياسية وحزبي�ة‪ -‬دون قصد ظاهرة األخبار املزيفة‪ ،‬كما تساعد بشكل غري مباشر على‬

‫‪180‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫تفيش اإلشاعات‪ .‬فهي تهبط بقدرة األفراد على استجواب املعلومات‪ -‬خاصة اآلتي�ة من‬
‫أقرانهم أو من وسائط يثقون بها‪ -‬يف ظل تطويرهم لقدرات دفاعية حتد من تفاعلهم مع‬
‫أي معلومات تتحدى قناعاتهم‪ .‬لذا يمكن لغرف الصدى أن تنعش الدعاية‪ ،‬بشكل يعرض‬
‫قاطنيها خلطر الرسائل املضللة على حنو ال تستطيع معه التعديالت الالحقة من تصحيح‬
‫مسار األثر الواقع واملتفيش بني أعضائها (‪ .)Paul & Matthews:2016‬وأثبتت عدة دراسات‪،‬‬
‫أن الشراحئ اجلماهريية القابعة حتت تأثري كبري من التضليل هي األقل احتماال لاللتفات أو‬
‫االستجابة للتصحيحات والتصويب�ات املعلوماتي�ة الالحقة (‪.)Born:2017‬‬
‫و‪ .‬قد تتسبب طبيعة غرف الصدى يف تفعيل تأثريي دوامة الصمت والرقابة الذاتي�ة‪،‬‬
‫سواء داخل املجموعة الشبكية أو خارجها‪ ،‬أو حىت يف الواقع الفعلي؛ وذلك لغياب الرغبة‬
‫يف طرح افكار تتن�اقض مع السائد‪ .‬فغرف الصدى‪ ،‬حبسب طبيعة تكوينها املتجانس‪ ،‬ال‬
‫تسمح بتنوع األصوات داخلها‪ ،‬خاصة تلك اليت تتحدى أفكار ومواقف مسيطرة‪ .‬وقد‬
‫ً‬
‫أثبتت نت�اجئ دراسة أمريكية ممارسة املستخدمني لرقابة ذاتي�ة عالية حتسبا من االختالف‬
‫مع اآلخرين أو التعرض للنقد (‪ .)Das & Kramer:2013‬وهذا يدلل أن حالة االستقطاب‬
‫ً‬
‫املرتتب�ة عن اخلالفات السياسية أو املنافسات االنتخابي�ة قد يؤدي دورا يف تكميم أصحاب‬
‫الفكر واملقاربات املختلفة داخل اجلماعات الشبكية‪ ،‬كما حيفز لدوامة صمت من ناحية‬
‫تفضيل املستخدمني عدم طرح وجهات نظرهم إال يف حال تأكدهم من موافقتها مع أفكار‬
‫اآلخرين (‪ .)Hampton et al.:2014‬وما سبق يؤكد قدرة غرف الصدى على توجيه املناقشات‬
‫واملداوالت يف اجتاه واحد فقط‪ ،‬مع رفض أي آراء مخالفة حىت لو كان مصدرها شخص من‬
‫ذات الشبكة‪ .‬ولعل األخطر برأيي‪ ،‬ما يتمثل يف صعوبة مالحظة األفراد القابعني داخلها‬
‫للتغريات والتطورات اليت جتري خارج حدود مجموعتهم الشبكية‪ ،‬وبالتايل تعسر فهم‬
‫ً‬
‫التغيريات املجتمعية الفعلية‪ ،‬وعدم القدرة على التعامل معها الحقا‪ .‬وما سبق يؤكد بما‬
‫ً‬
‫ال يدع مجاال للشك‪ ،‬أن التحدي األكرب الذي تفرضه غرف الصدى يتمثل يف تفني�دها على‬
‫ً‬
‫حنو عجيب ملفهوم احلرية واالنفتاح الذي ترتب تلقائي�ا على ظهور شبكة اإلنرتنت ومواقع‬
‫الشبكات االجتماعية‪ .‬هذا الرتاجع اآليت بأياد جماهريية يمركز الرقابة يف يد الفرد بعد أن‬
‫ً‬
‫انزتعها من السلطة نتيجة للتطورات التكنولوجية‪ .‬وتقليديا شكلت السلطة بهيئتها‬

‫‪181‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫املؤسساتي�ة أكرب تهديد حلرية الرأي والنقاش املفتوح‪ ،‬أما اآلن‪ ،‬فاخلطر على احلرية‬
‫والتنوع صادر عن املستخدم ذاته‪ ،‬ملراقبت�ه بيئت�ه املعلوماتي�ة اخلاصة‪ ،‬وحتصين�ه لنفسه‬
‫ضد أي أفكار تن�افس وتتحدى ما يعتقد ويؤمن به (‪.)Lawless:2017‬‬
‫ز‪ .‬إحتمال تأثري غرف الصدى يف خوارزميات مواقع الشبكات االجتماعية‪ .‬فمن‬
‫خالل رصدها لسلوكيات األفراد وحركة تفاعالتهم وتفضيالتهم‪ ،‬تستطيع اخلوارزميات‬
‫صناعة حالة من الفرز بني املستخدمني على أساس التماثل‪ ،‬وبالتايل رعاية غري مباشرة‬
‫لنشوء عقلية القطيع‪ .‬واخلوارزميات يف عالقتها بت�أثري غرف الصدى‪ ،‬تضمن إقامة اتصال‬
‫بني أفراد متشابهني فقط‪ ،‬فيما تعمل مرشحات التصفية كدرع حايم تمنع ولوج آراء‬
‫مختلفة إىل داخل الغرف‪ ،‬عرب جتليس املستخدم داخل فقاعة معلوماتي�ة معزولة عن البايق‪.‬‬
‫فعلى سبي�ل املثال‪ ،‬قد تعمل اخلوارزميات على ترشيح قوائم صداقة جديدة ملستخدمني‬
‫يمتلكون ذات االهتمامات وامليول‪ ،‬مع حجب تلك القوائم اليت ال تتقاطع مع أفكار‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫املستخدم‪ .‬ويعد ما سبق مؤشرا خطريا على دور متحزي مفرتض للخوارزميات يف تشكيل‬
‫ً‬
‫جتمعات متجانسة من األفراد‪ .‬وأخريا‪ ،‬أكرث ما يقلق هو صعوبة التخلص من غرف الصدى‪،‬‬
‫أو عدم التوصل إىل تدابري مضادة لوقف تأثريها‪ .‬فتغيري أنظمة التوصية الشخصية ومحاولة‬
‫تعديل مسار تعلم اخلوارزميات لن تصد على حنو نهايئ تدفق املحتوى املخصص‪ ،‬كما لن‬
‫تتصدى للتأثريات الناجمة عن التحزي‪ .‬أضف إىل ذلك أن تعطيل خاصية التخصيص وختلي‬
‫املستخدم عن قدرته على التحكم يف عملية التعرض سيفقد مواقع الشبكات االجتماعية‬
‫جاذبيتها‪ ،‬وبالتايل خسارة املستخدم لشغفه بها؛ لذلك من غري املرجح تفعيل أنظمة‬
‫وخيارات تتصدى خلطورة غرف الصدى‪ ،‬فهي وإن تعاظمت سلبي�اتها مقارنة باإلجيابي�ات‪،‬‬
‫تظل لدى كثيرين إحدى ركائز الرحب واجلذب والسيطرة اليت من غري املحتمل أن يتم التخلي‬
‫عنها بسهولة‪.‬‬
‫‪ 6.4‬خاطرة من الواقع الفلسطيين‬
‫معاناة يومية تلك اليت نعيشها على شبكة فيسبوك! ذات األفكار والصيغ‪ ،‬الكلمات‬
‫والتعبريات نفسها‪ ،‬وكأنن�ا داخل حجرة مغلقة‪ ،‬ال يرتدد داخلها إال اصواتن�ا‪ ،‬وال جند ما ننصت‬

‫‪182‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫ً‬
‫إليه إال صدى أنفسنا؛ ونادرا ما نصادف من خيالفها أو يتحداها‪ .‬شبكات التواصل االجتماعي‬
‫معضلة مستفحلة‪ ،‬فهي ال تدعم إال عقلية القطيع‪ ،‬وال تعزز إال سلوك االستقطاب‪ ،‬وقد‬
‫ً‬
‫نب�دو سذجا إذا اعتقدنا خدمتها لوحدتن�ا‪ ،‬أو تماسكنا االجتماعي‪ ،‬أو حىت ترابطنا األسري‪.‬‬
‫والواقع أن خوارزمية املنصات االجتماعية تعمل على ربط وتشبيك من يتشاركون ذات‬
‫املعتقدات والتوجهات‪ ،‬وتقدم لوجبات إخبارية ذات أجندة معين�ة‪ ،‬كما تنتقي املعلومات‬
‫واخليارات املعروضة‪ ،‬بعد أن تقوم بتصفية النت�اجئ بشكل يستجيب لسلوكنا السابق‬
‫معها‪ ،‬سواء عربنا عنه باإلعجابات واملشاركات‪ ،‬أو بإقامة مختلف الصالت والصداقات‪.‬‬
‫ً‬
‫فمثال‪ ،‬يقوم فيسبوك على عرض معطيات تتفق مع اهتماماتن�ا‪ ،‬حبيث يراقب ذكاءه‬
‫االصطناعي نشاطنا اليويم مع املستخدمني‪ ،‬أو يرصد عاداتن�ا مع صفحات بعينها‪ ،‬ليعمل‬
‫على استيعابها وحفظها‪ ،‬ومن ثم يرتجمها على شكل تغذية معلوماتي�ة تتوافق مع ميولنا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ولكن‪ ،‬هل حقا التكنولوجيا مسؤولة حصرا عن غياب التنوع لدين�ا؟‬
‫اجلواب بالتأكيد ال! فأنت بمفردك من حيدد للوسيلة سلوكها معك؛ هي فقط‬
‫تساعدك على ترسيخ حتزيك وحزبيتك ونزعاتك النفسية‪ .‬ختيل معي عزيزي املستخدم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أن قائمة أصدقائك من لون فكري واحد‪ ،‬فهل تتوقع تنوعا يف اآلراء؟ على العكس تماما‪،‬‬
‫ما حيصل أن جملة مواقفك ستتصلب لغياب الرأي الذي يتحداها‪ ،‬وإن تعرضت إلحداها‬
‫ً‬
‫مصادفة‪ ،‬فسرعان ما ستتجاهلها‪ ،‬أو ستخوض معها معركة صفرية لن تنتهي إال بقطيعة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫كاملة‪ .‬هي إذا دائرة مغلقة‪ ،‬ال تقبل رأيا منافسا أو مخالفا داخلها‪ ،‬تتمدد وتتضخم‬
‫إىل أن تصبح شبكة متكاملة‪ ،‬تضم مستخدمني مؤطرين‪ ،‬يعيشون داخل أفكارهم‬
‫ً‬
‫اخلاصة‪ ،‬ومعزولني إراديا عن بايق العوالم االفرتاضية‪ ،‬وهكذا دواليك‪ .‬بدورها تؤدي هذه‬
‫احلاضنة املغلقة إىل تفيش ظواهر سلبي�ة‪ ،‬من شأنها إحداث شروخ اجتماعية‪ ،‬وحالة من‬
‫االقصاء الفكري‪ ،‬من الصعب معاجلته بمرور الوقت‪ .‬فالعنصرية كما أشارت جمعية‬
‫السيكولوجيني األمريكية‪ ،‬قد تنتشر بني املستخدمني لدرجة تبين سلوكيات وألفاظ‬
‫عنيفة حبق املخالف لرأين�ا وتوجهاتن�ا‪.‬‬
‫عالوة على ما سبق‪ ،‬قد يضطر عديد من املستخدمني إىل جتنب التعبري عن مواقفهم‪،‬‬
‫وممارسة رقابة ذاتي�ة صارمة يف حال شعروا أن أطروحاتهم لن حتظى بت�أيي�د‪ ،‬أو قد جتابه‬

‫‪183‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫بنقد عنيف‪ .‬هذه السلبي�ات‪ -‬بظاهرها‪ -‬ال تصب إال باجتاه تعزيز عقلية القطيع‪ ،‬خاصة‬
‫ً‬
‫داخل املجتمعات اليت تعاين من حالة انقسام سيايس ومجتمعي عميق‪ .‬وأخريا‪ ،‬على‬
‫مستخديم الشبكات االجتماعي تنويع قوائم صداقاتهم‪ ،‬وعدم قصرها على لون واحد‪،‬‬
‫فما سقطت األمم إال بتقوقعها داخل ذاتها‪ ،‬دون أن تسمح ألفكار املختلفني باالنسياب‬
‫ً‬
‫إجيابا‪.‬‬
‫د‪ .‬الدعم والرعاية البشرية ‪Human Curation‬‬
‫بالعموم‪ُ ،‬ينظر للدعاية على مواقع الشبكات االجتماعية بكونها استخدام ألنظمة‬
‫املعلومات احلاسوبي�ة ألغراض سياسية‪ .‬وهي ترتكز وفق هذا املنطق املجرد‪ ،‬على الذكاء‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫االصطناعي حصرا من أجل تنفيذ أنشطتها بعيدا عن أي رعاية بشرية مباشرة‪ .‬وعلى‬
‫الرغم من القدرات اليت تتمتع بيها الدعاية احلاسوبي�ة‪ ،‬إال أنها ال تستطيع تطوير إمكاناتها‬
‫أو زيادة رقعة تأثريها دون دعم بشري‪ .‬فاألنظمة التقني�ة وإن تعاظمت دقتها وقدرتها على‬
‫محاكاة السلوكيات البشرية‪ ،‬إال أنها معرضة للخطأ والكشف والتحيي�د‪ .‬لذلك كان من‬
‫اجلوهري معاضدة ومؤازرة األنشطة الدعائي�ة اليت تؤديها الربامج احلاسوبي�ة بعناصر‬
‫ويعرف الدعم البشري بكونه جزء متمم لألنشطة‬ ‫بشرية لزيادة تأثريها على املستخدمني‪ُ .‬‬
‫الدعائي�ة احلاسوبي�ة على الشبكات االجتماعية‪ ،‬ال يقتصر على اإلسناد والدعم فقط؛ بل‬
‫على التطوير والتعديل اليت ختضع لها الربمجيات واألنظمة الدعائي�ة لزيادة ورفع كفاءتها‪.‬‬
‫من زاوية أخرى‪ ،‬ال جيب النظر إىل الدعم البشري من منظور مستقل‪ ،‬بل جيب‬
‫اعتب�اره جزء من مجهودات وحتركات احلكومات واملؤسسات الكربى ذات اإلمكانات‬
‫ً‬
‫العالية‪ ،‬بعيدا عن األنشطة الفردية اليت يؤديها املستخدم من تلقاء نفسه‪ ،‬واليت حتركها‬
‫دوافع واعتب�ارات ذاتي�ة‪ ،‬سياسية أو أيديولوجية أو اجتماعية‪ .‬وختضع الربامج احلاسوبي�ة‬
‫ً‬
‫الدعائي�ة لتعديالت بشرية على أنظمتها ولغتها اخلوارزمية التشغيلية‪ ،‬ويتضح ذلك جليا‬
‫ُ‬
‫يف الروبوتات االجتماعية‪ ،‬اليت تربمج لتأدية مهام بشكل آيل مثل مشاركة رسائل معين�ة‪ ،‬أو‬
‫النقل عن حسابات محددة‪ ،‬أو التفاعل مع طائفة مختارة من املستخدمني‪...‬إلخ‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫وتتطلب هذه الربمجة رعاية بشرية على حنو دائم ومستمر لضمان تطوير أداء‬
‫الروبوت وقدرته على مجابهة األنشطة املضادة املوجهة لكشفه وحتيي�ده‪ ،‬كما أن تنوع‬
‫العمليات الدعائي�ة يتطلب إعادة تعديل على املهام تعكس أنماط عمل متجددة‪ ،‬وهو‬
‫ما ال يت�أىت إال عرب تدخل بشري‪ .‬ويهدف اجلزء القادم إىل احلديث عن شكلني من اشكال‬
‫الدعم البشري ملهام الدعاية احلاسوبي�ة على مواقع الشبكات االجتماعية‪ ،‬واليت تؤسسها‬
‫وتشرف عليها جهات حكومية‪.‬‬
‫�ﺸﻜﻴﻼت�ﺳﺎﻳ��‬

‫ﻣﺘﺼﻴﺪون‬ ‫دﻋﻢ�اﳌهﺎم‬
‫اﻟﺮﻋﺎﻳﺔ�اﻟ�ﺸﺮ�ﺔ‬
‫ﺑﺮﻣﺠﺔ‬ ‫ﺗﺤﺪﻳﺪ�و�ﻌﺪﻳﻞ�ﻋ���اﳌهﺎم‬

‫�ﻌﺪﻳــﻞ‬

‫ﺗﻄﻮ�ــﺮ‬

‫‪ .1‬تشكيالت السايرب ‪Cyber Troops‬‬


‫ُ‬
‫ـات حيويــة إلنســان اليــوم‪ ،‬فهي مســؤولة إىل‬ ‫تعــد مواقــع الشــبكات االجتماعيــة منصـ ٍ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫حــد كبــر عــن تشــكيل آرائــه وانطباعاتــه حــول احليــاة والسياســة العامــة‪ ،‬وتعــد مصــدرا‬
‫ً‬
‫أساســيا للمعلومــات الــي يســتهلكها علــى حنــو يــويم‪ .‬وبرغــم فوائدهــا وإجيابي�اتهــا‪ ،‬إال أنهــا‬
‫حتولــت إىل أداة للتحكــم والســيطرة االجتماعيــة‪ .‬فقــد شــهدت الســنوات القليلــة الماضيــة‬
‫ختصيــص جهــات حكوميــة ملــوارد ماليــة وبشــرية كبــرة‪ ،‬بهــدف ضــخ محتــوى مناصــر‪،‬‬
‫يتيــح لهــا توجيــه الــرأي العــام لصاحلهــا‪ ،‬ويمكنهــا مــن التفاعــل بشــكل مباشــر مــع جماهــر‬
‫محليــة ودوليــة‪.‬‬
‫وتشــر تشــكيالت الســايرب‪ ،‬أو “اللجــان واجليــوش اإللكرتوني ـ�ة” كمــا حيلــو للبعــض‬
‫تســميتها‪ ،‬إىل مجموعــات بشــرية تابعــة‪ ،‬تمتهــن تنفيــذ أنشــطة تالعــب بالــرأي العــام علــى‬
‫مواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪ ،‬عــر تطبيــق طائفــة متنوعــة مــن أســاليب واســراتيجيات‬

‫‪185‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫ً‬
‫الدعايــة احلاســوبي�ة والشــبكية‪ ،‬تســاعدها علــى إنفــاذ مهــام ترتبــط غالبــا بصناعــة‬
‫ً‬
‫التصــورات العامــة حيــال قضايــا سياســية أو أمنيـ�ة أو عســكرية أو اجتماعيــة‪ ،‬بعيــدا عــن‬
‫األنشــطة املقرتنــة باألمــن الرقــي واجلرائــم اإللكرتوني ـ�ة‪.‬‬
‫ً‬
‫وتزايــدت‪ ،‬وفقــا لتقريــر صــادر عــن مشــروع أوكســفورد للدعايــة احلاســوبي�ة‪،‬‬
‫األخطــار املرتتب ـ�ة عــن تشــكيالت الســايرب‪ ،‬ســيما مــا يتعلــق بتكنيكاتهــا التنفيذيــة؛ فهــي‬
‫توظــف الروبوتــات السياســية مــن أجــل تضخيــم خطــاب الكراهيــة ونشــر املحتــوى‬
‫املضلــل‪ ،‬وتســتثمر جيــوش “املتصيديــن” للهجــوم علــى شــخصيات بعينهــا‪ ،‬كمــا جتمــع‬
‫بي�انــات شــخصية عــن املســتخدمني بشــكل غري قانــوين ألغــراض “االســتهداف املخصص”‬
‫(‪ .)Bradshaw & Howard:2017‬ومــا ســبق يؤكــد دون شــك‪ ،‬أن األنشــطة احلكوميــة املوجهــة‬
‫الــي تدمــج بــن صيغــي الدعايــة احلاســوبي�ة والبشــرية‪ ،‬باتــت مســؤولة بشــكل كبــر‬
‫عــن تشــكيل الــرأي العــام عــر مواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪ ،‬كمــا أضحــت أســاليبها‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫واســراتيجياتها جــزءا رئيســا يف احلمــات الرقميــة وجهــود الدبلوماســية العامــة‪.‬‬
‫وتتبــى تشــكيالت الســايرب شــكل مجموعــات بشــرية منظمــة‪ ،‬تتــوىل مؤسســات‬
‫حكوميــة وعســكرية وحزبيــ�ة مهمــة تأسيســها‪ ،‬ورعايــة وتوجيــه أنشــطتها علــى مواقــع‬
‫الشــبكات االجتماعيــة‪ .‬ففــي العــام ‪ 2015‬م‪ ،‬أعلنــت بريطاني ـ�ا عــن إقامــة تشــكيل داخــل‬
‫اجليــش حيمــل رقــم ‪ ،77‬مخصــص لتنفيــذ عمليــات نفســية ناعمــة علــى مواقــع الشــبكات‬
‫االجتماعيــة‪ ،‬خاصــة فيســبوك وتويــر؛ وذلــك بهــدف الســيطرة علــى “الروايــة”‪ ،‬عــر‬
‫صياغــة ســلوك جماهــري داخلــي تســتطيع مــن خاللــه مواجهــة حمــات الدعايــة املعاديــة‬
‫املوجهــة إىل فضائهــا الرقــي (‪.)Solon:2015‬‬
‫وبرغــم اســبقية اإلعــان الربيطانـــي‪ ،‬إال أن دول عديــدة حــول العالــم ســلكت ذات‬
‫الــدرب‪ ،‬وأطلقــت لتشــكيالتها الســيرباني�ة اخلاصــة؛ وذلــك بهــدف التأثــر يف حركــة تدفــق‬
‫املعلومــات‪ ،‬والتحكــم بقنــوات النفــاذ املســؤولة عــن تشــكيل الــرأي العــام الرقــي‪ .‬لذلــك‬
‫ً‬
‫تعــد تشــكيالت الســايرب ظاهــرة متفشــية عامليــا‪ ،‬ترتكــز علــى جتنيــ�د وختصيــص مــوارد‬
‫بشــرية ولوجســتي�ة‪ ،‬للتعاطــي مــع الــرأي العــام الشــبكي بمســتويي�ه املحلــي والــدويل‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫ُ‬
‫وتعرف تشكيالت السايرب بكونها طواقم وفرق حكومية أو عسكرية أو حزبي�ة تتوىل‬
‫ً‬
‫مهمة التالعب بالرأي العام عرب الشبكات االجتماعية‪ .‬وقد شهد العام ‪2019‬م ارتفاعا‬
‫ً‬
‫ملحوظا يف أنشطة تشكيالت السايرب حول العالم‪ .‬ففي العام ‪2017‬م‪ ،‬رصد مشروع‬
‫الدعاية احلاسوبي�ة ألنشطتها يف ‪ 28‬دولة‪ ،‬ليقفز إىل ‪ 48‬دولة يف العام ‪ 2018‬م‪ ،‬ثم ‪ 70‬دولة‬
‫عام ‪2019‬م (‪ .)Bradshaw & Howard:2019‬وهذا يعين‪ ،‬أن الدعاية الشبكية‪ ،‬ومن خلفها‬
‫تشكيالت السايرب‪ ،‬باتت مكون رئييس يف اسرتاتيجية االتصال املوجهة اليت تطبقها عديد‬
‫من دول العالم‪.‬‬
‫‪ 1.1‬األشكال الهيكلية لتشكيالت السايرب‬
‫تتخذ قوات السايرب أشكال تنفيذية متنوعة‪ ،‬تعكس لطائفة واسعة من العناصر‬
‫الفاعلة يف مجال عمليات التأثري‪ .‬ويف معظم احلاالت‪ ،‬تؤسس احلكومات لفرقها الداخلية‬
‫اخلاصة‪ ،‬على شكل موظفني عموميني‪ ،‬ويف حاالت أخرى تستعني بمواهب متخصصة أو‬
‫ً‬
‫متطوعني من داخل القطاع اخلاص‪ .‬وغالبا ما تأخذ هذه التشكيالت شكل وزارة مستقلة‪،‬‬
‫أو إدارة داخل وزارة‪ ،‬أو هيئ�ة تتبع للرئاسة‪ ،‬أو فرع عسكري‪ ،‬أو مبادرة حكومية دون تمثي�ل‬
‫إداري‪ .‬على سبي�ل املثال‪ ،‬تتبع تشكيالت السايرب يف فيتن�ام إىل إدارة الدعاية والتعليم‬
‫(‪ ،)Pham:2013‬ويف األرجنتني تتبع ملكتب الرئيس مباشرة (‪.)Rueda:2012‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وعلى حنو مختلف‪ ،‬تتبىن قوات السايرب شكال متداخال يف األحزاب واحلركات‬
‫السياسية‪ ،‬حبسب الطبيعة السياسية السائدة‪ .‬فهي ترتاوح بني وجود تشكيل هيكلي‬
‫يقوم عليه عناصر من داخل احلزب‪ ،‬وبني غياب هذا الهيكل لصالح االستعانة بمؤسسات‬
‫ومبادرات مدني�ة متخصصة يف مجال احلمالت السياسية والدعاية االنتخابي�ة‪ .‬على‬
‫سبي�ل املثال‪ ،‬استعانت عدة أحزاب وشخصيات سياسية يف الواليات املتحدة األمريكية‬
‫وبريطاني�ا بمؤسسات وشركات مختصة يف مجال االتصال االسرتاتييج مثل كامربيدج‬
‫أناليتيكا من أجل تنفيذ حمالت دعاية لصاحلها‪ ،‬سيما خالل االنتخابات‪.‬‬
‫ويمكن لتشكيالت السايرب أن تتخذ شكل متعاقدين من القطاع اخلاص‪ ،‬تستأجرهم‬
‫ً‬
‫احلكومة لتنفيذ مهام مؤقتة‪ .‬فمثال‪ ،‬استأجرت حكومة الواليات املتحدة األمريكية‬

‫‪187‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫خدمات شركة للعالقات العامة من أجل تطوير أداة يتم من خاللها التحكم وإدارة‬
‫ً‬
‫ملفات وحسابات وهمية على مواقع الشبكات االجتماعية (‪ .)Monbiot:2011‬وغالبا ما‬
‫تكون احلدود الفاصلة بني املتعاقد واحلكومة غري واضحة‪ .‬ففي روسيا‪ ،‬يوظف الكرملني‬
‫ً‬
‫خدمات وكالة أحباث اإلنرتنت لتنفيذ حمالت على مواقع الشبكات‪ ،‬ومن املعروف ظاهريا‬
‫أن الشركة تتبع للقطاع اخلاص‪ ،‬لكن من غري املؤكد إذا ما كان ذلك مجرد تمويه من عدمه‬
‫(‪ .)Benedictus:2016‬ومن تشكيالت السايرب اليت ال يمكن جتاهلها مجموعات “املتطوعني”‪.‬‬
‫واملتطوع شخص يتعاون مع هيئ�ات ومبادرات حكومية لنشر أيديولوجية سياسية أو رسائل‬
‫مناصرة للحكومة‪ .‬ويتخذ التطوع يف العادة شكل منظمات شبابي�ة‪ ،‬ترتبط باحلكومات من‬
‫خالل مبادرات متنوعة‪ ،‬فعلى سبي�ل املثال‪ ،‬تتعاون احلكومة “اإلسرائيلية” مع منظمات‬
‫يهودية تضم متطوعني طالب وآخرين مناصرين لـ”إسرائي�ل” من غري اليهود يف دعم جهود‬
‫“إسرائي�ل” على املستوى السيرباين (‪.)Sternhoffman:2013‬‬
‫كما تتخذ تشكيالت السايرب أشكال أخرى‪ ،‬كاحلركات الشبابي�ة‪ ،‬ومجموعات الهاكرز‪،‬‬
‫ومؤثري الشبكات االجتماعية‪ ،‬واحلركات الهامشية‪...‬إلخ‪ .‬وألن جميع األشكال السابقة‬
‫ً‬
‫اقتحمت مجال الدعاية الشبكية بكل قوة‪ ،‬صار صعبا تصنيف تشكيالت السايرب؛ ألنها‬
‫ويرد تنوع‬‫تضم أصناف رسمية وغري رسمية‪ ،‬كما تعكس ألنماط اشتغال علني�ة وسرية‪ُ .‬‬
‫تشكيالت السايرب إىل الطبيعة التكنولوجية السائدة‪ ،‬وما أفرزته من حرية على صعيد‬
‫ً‬
‫إنت�اج املحتوى الدعايئ ونشره‪ ،‬فهي مكنت اجلمهور يف تنظيم نفسه بعيدا على رقابة‬
‫السلطة وسيطرتها‪ ،‬وسمحت له تشكيل جتمعات قادرة على العمل الدعايئ دون تبعية‬
‫ً‬
‫رسمية‪ .‬إال أن ذلك ال يلغي دور العامل “اللوجسيت”‪ ،‬فالتب�اين يف اإلمكانات يؤدي دورا‬
‫َ‬
‫رئيسا يف حتديد الفروق بني تشكيالت السايرب‪ ،‬ومدى قدرتها وفعاليتها على تنفيذ مهامها‬
‫(‪.)Bradshaw & Howard:2017‬‬
‫‪ 2.1‬األنماط الزمني�ة لتشكيالت السايرب‬
‫ختتلف األنماط الزمني�ة لتشغيل قوات السايرب من كيان إىل آخر‪ .‬ففي بعض الدول‪،‬‬
‫جيري تشكيل “قوات السايرب” ألغراض مؤقتة مرتبطة بأحداث سياسية أو عسكرية‬

‫‪188‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫ً‬
‫تتطلب تشكيل رأي عام حولها‪ ،‬أو خالل االنتخابات‪ ،‬ثم يصار إىل حل هذه الهيئ�ات الحقا‬
‫بانتهاء املهمة اليت أنشأت من أجلها‪ .‬ويف دول أخرى‪ ،‬يتم دمجها أو تأسيسها ضمن األجهزة‬
‫االتصالية واإلعالمية‪ ،‬أو ضمن أفرع أخرى‪ ،‬لتأدية مهام رقابة وسيطرة وحتكم دعايئ بشكل‬
‫دائم ومستمر‪ .‬وفيما يتعلق بب�ايق الكيانات‪ ،‬كاألحزاب واملؤسسات واملبادرات الشعبي�ة‪،‬‬
‫فهي ترتاوح بني املؤقتة والدائمة‪ ،‬حبسب قدراتها اللوجستي�ة‪ ،‬ورأس مالها البشري‪ .‬وجدير‬
‫بالذكر هنا أن بعض الدول جتمع بني األنماط الدائمة واملؤقتة‪ ،‬حبسب حجم التحدي‬
‫الدعايئ الماثل‪.‬‬
‫‪ 3.1‬تعليق حول مفهوم املؤثر‬
‫ً‬
‫تستوقفين كثريا كلمة “مؤثر”‪ ،‬وتثري يف نفيس تساؤالت حول طبيعة الشخصية‬
‫“املؤثرة” يف املجال االفرتايض‪ ،‬وخصائصها‪ ،‬واالعتب�ارات اليت ينطلق منها مستخديم‬
‫مواقع الشبكات االجتماعية يف حتديد املؤثرين من عدمه‪ .‬ومما ال شك فيه أن التساؤالت‬
‫املطروحة معقدة‪ ،‬لكنها حيوية وعصرية‪ ،‬ملالمستها حتوالت راهنة خيضع لها مفهوم “قيادة‬
‫الرأي”‪ ،‬إىل جانب تطورات اخرى موازية تتعلق بالقياس املنهيج لدرجة التأثري‪ .‬وقد نواجه‬
‫صعوبة يف حتديد قائمة باألفراد املؤثرين على الشبكات االجتماعية؛ ألن أدواتن�ا املستخدمة‬
‫يف القياس قاصرة‪ ،‬ال تتجاوز النظر يف عدد األصدقاء واملتابعني‪ ،‬ومالحظة اشكال التفاعل‬
‫املباشر والصريح مع املضمون‪ ،‬سواء باإلعجاب أو التعليق أو املشاركة‪ .‬ورغم أهمية األدوات‬
‫ً‬
‫املذكورة‪ ،‬إال أنها ال تؤشر على حدود التأثري وتمدده داخل الفضاء األزرق‪ ،‬وال تكشف يقين�ا‬
‫عن الدوافع اليت تقف خلف التفاعل‪ .‬فهل يعود السبب إىل شهرة الشخصية؟ أم ملكانتها‬
‫ووظيفتها االجتماعية؟ أم لقربها من السلطة وصناعة القرار؟ أم لريق وجاذبي�ة محتواها‪،‬‬
‫وبالتايل قدرتها على تأجيج تفاعل كبري ومتنوع؟‬
‫األحباث الغربي�ة اليت تطرقت للموضوع قليلة‪ ،‬لكنها طرحت مقياس اويل غري مكتمل‪،‬‬
‫يتم من خالله حتديد الشخصيات املؤثرة باحلد األدىن‪ .‬املقياس يطبق عرب ثالث خطوات‬
‫متدرجة‪ ،‬تب�دأ باملالحظة املباشرة لدرجة نشاط مجموعة من املستخدمني‪ ،‬ثم استطالع‬
‫رواد الشبكات االجتماعية وسؤالهم عن الشخصيات اليت تؤثر فيهم بغض النظر عن‬

‫‪189‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫ً‬
‫املوضوع‪ ،‬وأخريا دمج البين�ات املستقاة عن املالحظة واالستطالع للخروج بتقييم نهايئ‪.‬‬
‫وبرغم علمية األسلوب‪ ،‬إال أنه فاقد للمصداقية والثب�ات‪ ،‬بسبب ضعف قدرته على التفريق‬
‫بني التأثري احلقيقي واملزيف‪ ،‬أو حتديد نوعه وديمومته‪ ،‬كما يتجاهل متغريات أساسية مثل‬
‫القدرة على اإلقناع أو النفاذ جلميع صنوف املستخدمني‪ .‬ويف فضائن�ا االفرتايض‪ ،‬تتحدد‬
‫الشخصيات املؤثرة بطريقة تشوبها الضعف‪ ،‬فنحن نركن للقياس الكيم البحت‪ ،‬دون أن‬
‫نعتين باجلوانب الكيفية‪ ،‬اليت تهتم بقياس نوع األفكار ومعدل تبنيها وتكرارها وانتشارها‬
‫بني املستخدمني‪ .‬كما نستثين مبدأ “املماثلة”‪ ،‬وما يعني�ه من جنوح املستخدمني حنو‬
‫ُ‬
‫اقرانهم من ذات البيت واحلزب واأليديولوجيا‪ .‬لذلك حتتاج ادواتن�ا إىل تطوير‪ ،‬وان تأخذ‬
‫ً‬
‫مناهج حتليل الشبكات االجتماعية‪ ،‬سواء النصية أو السلوكية أو اجلغرافية‪ ،‬حزيا من‬
‫جهودنا عندما نقرر حتديد الشخصيات املؤثرة‪ .‬كما ويجب التفريق بني “قائد الرأي”‬
‫بمفهومه التقليدي‪ ،‬و”املؤثر” بمفهومه احلديث‪ .‬فال يمكن لنا تطبيق ذات قواعد القياس‬
‫ً‬
‫القديمة على وسيلة اتصال حديث�ة‪ ،‬فقائد الرأي باملفهوم السيايس قد ال يكون مؤثرا البت�ة‪،‬‬
‫ويمكن لفرد عادي امتالك تأثري مضاعف ومتعاظم يف القضايا السياسية‪.‬‬
‫‪ 4.1‬أحجام ومستويات تشكيالت السايرب‬
‫ختتلف أحجام قوات السايرب من كيان آلخر؛ وذلك حبسب النمط الزمين لالشتغال‬
‫الدعايئ‪ ،‬ودرجة تنوعه وتعقيده اتساعه‪ ،‬ومدى اإلمكانات اللوجستي�ة‪ ،‬وطبيعة التشغيل‬
‫املعلومايت السائد‪ .‬وحبسب مشروع أكسفورد للدعاية احلاسوبي�ة‪ ،‬تنقسم أحجام قوات‬
‫السايرب إىل أربع مستويات (‪:)Bradshaw & Howard:2019‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬املستوى األول‪ :‬يتجسد يف مجموعات احلد األدىن‪ ،‬املشكلة حديث�ا‪ ،‬اليت تتمتع‬
‫بموارد متواضعة‪ ،‬وتطبق لعدد قليل من أساليب واسرتاتيجيات الدعاية احلاسوبي�ة‬
‫على عدد محدود من املنصات االجتماعية‪ .‬ويف العادة ال يضم هذا املستوى إال عدد قليل‬
‫ً‬
‫جدا من األفراد‪ ،‬وال تعمل إال ضمن نطاق محلي‪ ،‬دون أن توجه جهدها للخارج بسبب قلة‬
‫اإلمكانات‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫ً‬
‫‪ -‬املستوى الثاين‪ :‬يشتمل على فرق صغرية‪ ،‬تنشط مؤقتا يف مناسبات وحاالت‬
‫معين�ة‪ ،‬ثم تتوقف عن العمل‪ .‬ويميل هذا النوع إىل تطبيق عدد قليل من األساليب‬
‫واالسرتاتيجيات الدعائي�ة‪ ،‬مثل استخدام الروبوتات االجتماعية من مجال تضخيم‬
‫املعلومات‪ ،‬وشأنها شأن املستوى األول‪ ،‬تنشط هذه الفرق على نطاق محلي ال خارجـي‪.‬‬
‫‪ -‬املستوى الثالث‪ :‬يضم فرق بأحجام متوسطة العدد‪ ،‬لها شكل واسرتاتيجية أكرث‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اتساقا وتن�اغما من املستويات السابقة‪ .‬كما يشتمل على أفراد يعملون بدوام كامل على‬
‫مدار العام‪ ،‬بهدف السيطرة على الفضاء املعلومايت‪ .‬وفرق هذا املستوى تنسق مع أشكال‬
‫أخرى يف مجال األنشطة الدعائي�ة السيرباني�ة‪ ،‬ولها قدرة على تنفيذ أساليب واسرتاتيجيات‬
‫متنوعة على مواقع الشبكات االجتماعية‪ ،‬كما تستطيع تنفيذ عمليات دعائي�ة محلية‬
‫وخارجية على السواء‪.‬‬
‫‪ -‬املستوى الرابع‪ :‬يعترب األقوى من بني جميع املستويات السابقة‪ ،‬ويضم‬
‫مجموعات كبرية من املشتغلني‪ ،‬وختصص له مزياني�ات ضخمة سواء يف مجال الدعاية أو‬
‫العمليات النفسية أو حرب املعلومات‪ ،‬أو حىت يف مجاالت البحث والتطوير‪ .‬ويجري عرب‬
‫هذا املستوى‪ ،‬تطبيق طائفة كبرية من األساليب واالسرتاتيجيات الدعائي�ة‪ ،‬كجزء من‬
‫االسرتاتيجية العامة للدولة‪ ،‬بهدف تشكيل أو السيطرة على الفضاء املعلومايت‪ ،‬سواء على‬
‫املستوى املحلي أو الدويل‪.‬‬
‫‪ 5.1‬تأهيل وتدريب أفراد تشكيالت السايرب‬
‫ينخرط املنتيم إىل قوات السايرب يف أنشطة تدريبي�ة مكثفة ومتنوعة‪ ،‬تؤهله للعمل‬
‫يف مجال الدعاية السيرباني�ة‪ .‬ومن بني هذه األنشطة‪ ،‬اخلضوع لدروات متخصصة‬
‫تستهدف صقل مهاراته يف مجال إنت�اج ونشر الدعاية‪ ،‬وكيفية التعامل مع مستخديم‬
‫ً‬
‫مواقع الشبكات االجتماعية‪ ،‬إىل جانب امتالك مهارات تشغيلية تقني�ة متنوعة‪ .‬وعادة‬
‫ما ختصص احلكومات جوائز مالية حتفزيية لألفراد املتميزين‪ ،‬لتشجيعهم على االستمرار‬
‫والتطور‪ .‬على سبي�ل املثال‪ ،‬خيضع املتدرب يف روسيا لدورات يف اللغة اإلجنلزيية‪ ،‬من أجل‬
‫حتسني قدراته على االتصال مع اجلمهور اخلاريج‪ ،‬كما يتعرض لدورات سياسية مكثفة‪،‬‬

‫‪191‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫الستيعاب املنظور الرويس من مختلف األحداث والقضايا العاملية‪ .‬كما خيضع األفراد‬
‫لدورات على كيفية استخدام املدونات ومواقع الشبكات االجتماعية‪ ،‬مع عرض ألهم طرق‬
‫واسرتاتيجيات البلوغ والتأثري يف اجلماهري املرغوبة‪.‬‬
‫ً‬
‫وتتعامــل احلكومــات مــع نظــام املكافــآت بطــرق مختلفــة‪ ،‬وعــادة مــا يســر‬
‫ً‬
‫نظــام املكافــأة وعمليــة التأهيــل جنبــ�ا إىل جنــب‪ .‬علــى ســبي�ل املثــال‪ ،‬تعمــد احلكومــة‬
‫“اإلســرائيلية” إىل ختصيــص منــح دراســية لبعــض املتدربــن مقابــل جهودهــم يف مجــال‬
‫دعمهــا ومناصرتهــا علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة (‪ ،)SternHoffman:2013‬بينمــا يف‬
‫دول أخــرى‪ُ ،‬يمنــح املتــدرب جائــزة ماليــة تقديريــة تتحــدد قيمتهــا وفــق مجهــوده الدعــايئ‬
‫املبــذول علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪ .‬أمــا يف كوريــا الشــمالية‪ ،‬فيعمــد النظــام‬
‫إىل اختيــ�ار أفــراد إلحلاقهــم باجلامعــات العســكرية فقــط يف حــال عكســوا ملســتويات‬
‫تدريــب متقدمــة يف مجــال احلاســوب‪ .‬وعلــى العكــس‪ ،‬تقــوم بعــض الــدول كالواليــات‬
‫املتحــدة األمريكيــة باالســتثمار يف مجــاالت البحــث‪ ،‬كصيغــة تدريبيــ�ة غــر مباشــرة‬
‫لكــن فعالــة‪ ،‬فعلــى ســبي�ل املثــال‪ ،‬خصصــت احلكومــة األمريكيــة عــر مؤسســة ‪DARPA‬‬

‫مبلــغ ‪ 9‬مليــون دوالر لدراســة كيفيــة اســتخدام مواقــع الشــبكات االجتماعيــة للتأثــر يف‬
‫ســلوك املســتخدمني مــن خــال تتبــع مســار اســتجابتهم وتفاعلهــم مــع محتــوى اإلنرتنــت‬
‫(‪.)Bradshaw & Howard:2019‬‬
‫وبرغــم مســارات التأهيــل الداخليــة املختلفــة‪ ،‬إال أن الغمــوض يلــف مســتوى التعاون‬
‫بــن الــدول يف مجــال التدريــب اخلــاريج‪ .‬وكانــت بعــض التحقيقــات قــد كشــفت عــن‬
‫خضــوع عســكريني مــن تشــكيالت الســايرب يف دولــة ماينمــار لــدورات تدريبي ـ�ة يف روســيا‬
‫اإلحتاديــة‪ ،‬تشــمل طــرق التعامــل الفعــال مــع مواقــع التواصــل االجتماعــي (‪.)Mozur:2018‬‬
‫وعلــى حنــو مشــابه‪ ،‬خضعــت مجموعــات مــن ســريالنكا لــدورات مشــابهة يف الهنــد‪ ،‬كمــا‬
‫تلقــت مجموعــة تتبــع لوكالــة شــبكة املعلومــات األثيوبيــ�ة دورات تدريبيــ�ة رســمية يف‬
‫ً‬
‫الصــن (‪ .)Chala:2018‬وأخــرا‪ ،‬مــن غــر املعــروف حــى اللحظــة حجــم التعــاون بــن دول‬
‫العالــم علــى مســتوى تأهيــل وتدريــب تشــكيالت الســايرب‪ ،‬ولكــن مــن املؤكــد أن املصالــح‬
‫بينهــا تقتــي ذلــك‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫‪ 6.1‬تنظيم مهام تشكيالت السايرب‬


‫بمراجعة األدبي�ات العلمية املتوفرة يف مجال تنظيم ومتابعة تشكيالت السايرب‪،‬‬
‫رصدنا لعدد من األنماط الهيكلية واإلدارية املتشابهة‪ ،‬تعكس جميعها ملستوى مقبول من‬
‫السيطرة والتحكم يف األنشطة الدعائي�ة السيرباني�ة املوجهة‪ .‬ومن هذه األنماط‪ ،‬هرمية‬
‫ً‬
‫الهيكلية‪ ،‬حبيث تتوزع األدوار بشكل واضح ومتسلسل‪ ،‬ما بني ختطيط ومراجعة‪ ،‬مرورا‬
‫ً‬
‫بالتنسيق بني الوكاالت واألذرع‪ ،‬وصوال إىل التنفيذ وقياس األثر‪ .‬ويف كثري من احلاالت‪،‬‬
‫يتم تأسيس الشكل الهيكلي بطريقة تماثل القائم لدى الشركات أو املؤسسات احلكومية‪،‬‬
‫حبيث تفوض وتوزع املهام على اساس يويم منتظم‪ .‬على سبي�ل املثال تتلقى تشكيالت‬
‫السايرب يف روسيا والصني قائمة يومية باآلراء واملوضوعات اليت يفرتض الرتكزي عليها‪،‬‬
‫ً‬
‫وعادة ما ترتبط هذه املوضوعات بقضايا سياسية راهنة حتتاج إىل تركزي دعايئ (‪.)Chen:2015‬‬
‫وكجزء من مهام اإلشراف‪ ،‬يتوىل املسؤول املباشر أو هيئ�ات أعلى مهمة مراجعة وتقييم أداء‬
‫أفراد السايرب (‪.)Rujevic:2017‬‬
‫وتتقاطع يف بعض األحيان جهود أكرث من جهة على املستوى التنفيذي‪ ،‬كما هو احلال‬
‫يف الصني‪ ،‬حيث تتواجد تشكيالت على مستوى محلي بموازاة الوطين‪ .‬وهنا تنحصر مهام‬
‫كل تشكيل على نطاقه‪ ،‬بشرط التنسيق فيما بينها خبصوص رسائل الدعاية اليت قد حتمل‬
‫ً‬
‫أبعادا سياسية واجتماعية وطني�ة (‪ .)Lam:2013‬ومع حاالت مغايرة‪ ،‬سيما التشكيالت األقل‬
‫ً‬
‫تنظيما‪ ،‬تت�داخل األنشطة الدعائي�ة بشكل مزعج‪ ،‬ما يفقدها فاعليتها وتأثريها‪ .‬على سبي�ل‬
‫املثال‪ ،‬تمتلك اململكة العربي�ة السعودية تشكيلني‪ ،‬األول حيمل أسم “جيش السعودية‬
‫اإللكرتوين”‪ ،‬والثاين اسم “اجليش السلماين”‪ ،‬وكال التشكيلني يعمالن بشكل منفصل‬
‫بال أي تنسيق أو توجيه رسيم‪ ،‬ورغم ذلك فكالهما يمتلكان تأثري داخل بيئ�ة الشبكات‬
‫االجتماعية خاصة على موقع تويرت (حسني‪.)2017:‬‬
‫‪ 7.1‬اسرتاتيجيات وأساليب تشكيالت السايرب‬
‫تطبق تشكيالت السايرب طائفة متنوعة من االسرتاتيجيات واألساليب عرب مواقع‬
‫الشبكات االجتماعية‪ .‬وبشكل عام‪ ،‬ترتاوح بني إنشاء تطبيقات ومواقع ومنصات حكومية‬

‫‪193‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫مخصصة لنشر محتوى رسيم‪ ،‬أو إنشاء حسابات (حقيقية أو مزيفة أو آلية) لغرض‬
‫التمويه والتضليل‪ ،‬أو نشر محتوى تفاعلي متنوع (مكتوب‪ ،‬بصري) حبسب طبيعة‬
‫ً‬
‫االستجابة املطلوبة‪ .‬كما ختتلف أشكال تفاعل تشكيالت السايرب من دولة ألخرى‪ .‬فمثال‪،‬‬
‫قد يتفاعل تشكيل سيرباين يف دولة ما مع املستخدمني عرب نشر رسائل مؤيدة للحكومة‪،‬‬
‫أو تبين موقف إجيايب ووطين بالعموم؛ بينما تتفاعل مجموعة أخرى باستخدام اشكال‬
‫سلبي�ة كالتصيد والتهديد واملضايقة‪ .‬وتتشابه االسرتاتيجيات واألساليب التطبيقية بني‬
‫تشكيالت السايرب إىل حد كبري‪ ،‬خاصة تلك اليت تصنف كمستوى رابع‪ .‬فعديد منها قائم‬
‫على أدوات الدعاية احلاسوبي�ة؛ كالتالعب باخلوارزميات واالستهداف املخصص وغريها‪.‬‬
‫ولعل اخلالف بني الدول‪ ،‬يتمثل فقط يف مدى تنوع التنفيذ ودقته‪ .‬والشرح اآليت يستعرض‬
‫عدد من االسرتاتيجيات األساليب مقسمة على أربعة مستويات‪:‬‬
‫‪ -‬مســـتوى احلســـابات الوهمية واحلقيقية‪ :‬يتن�اول هذا املســـتوى اســـراتيجيات‬
‫وأساليب نشـــر وتضخيم رسائل الدعاية حتت ستار من السرية أو العلني�ة‪ .‬وهو مقسم إىل‬
‫ً‬
‫مؤخرا احلسابات ُ‬
‫المخرتقة (املقرصنة)‪.‬‬ ‫أربعة أنواع‪ :‬بشري‪ ،‬وآيل‪ ،‬وهجني‪ ،‬وانضمت اليه‬
‫ً‬
‫ووفقـــا ملؤشـــرات عاملية‪ ،‬تتصدر احلســـابات البشـــرية قائمـــة األنواع اليت تســـتخدمها‬
‫تشـــكيالت الســـايرب يف تنفيذ مهامها الدعائي�ة بنسبة ‪ ،87%‬ثم احلســـابات اآللية ‪،80%‬‬
‫ً‬
‫وأخـــرا احلســـابات ُ‬
‫المخرتقة (املقرصنة) بنســـبة ‪ 7%‬فقط‬ ‫واحلســـابات الهجين�ة ‪،11%‬‬
‫(‪ .)Bradshaw & Howard:2019‬وال تكتفي التشـــكيالت السيرباني�ة باسرتاتيجية احلسابات‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الوهميـــة‪ ،‬بل توظـــف أيضا ألســـلوب احلســـابات احلقيقيـــة‪ .‬ووفقا لتقريـــر صادر عن‬
‫ً‬
‫مشـــروع جامعة أكســـفورد للدعاية احلاســـوبي�ة‪ ،‬حتث عـــدة دول أفرادا من تشـــكيالتها‬
‫الســـيرباني�ة علـــى اســـتخدام حســـاباتهم احلقيقية يف نشـــر محتـــوى مؤيـــد‪ ،‬أو التصيد‬
‫للمعارضـــن‪ ،‬أو تنفيذ حملة بالغات جماعية‪ .‬وبســـبب التدابـــر االحرتازية اليت تتخذها‬
‫مواقع الشـــبكات االجتماعية للحد من أنشـــطة تشـــكيالت الســـايرب‪ ،‬فمـــن املحتمل أن‬
‫تتعزز اســـراتيجية النشـــر عرب احلســـابات احلقيقية يف الفـــرة القادمة‪.‬‬
‫ ‪ -‬مستوى الردود والتعليقات‪ :‬يتعلق بالتعليقات والردود الدعائي�ة املستخدمة يف‬
‫تأسيس اتصال تفاعلي مباشر مع مستخديم مواقع الشبكات االجتماعية؛ ويهدف يف‬

‫‪194‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫العادة إىل‪ :‬مناصرة احلكومات واألحزاب والشخصيات السياسية‪ ،‬أو تشويه املعارضة‬
‫واملعارضني‪ ،‬أو حتويل اجتاه املحادثات وحمالت النقد إىل اجتاهات أخرى بعيدة عن‬
‫املوضوع األسايس‪ ،‬أو تعزيز االستقطاب والفرقة‪ ،‬أو قمع املشاركات اجلادة واملوضوعية‪.‬‬
‫وتتجلى الصورة بوضوح‪ ،‬إذا ما علمنا أن ‪ 71%‬من تشكيالت السايرب يف سبعني دولة حول‬
‫العالم‪ ،‬نشرت تعليقات تن�اصر حكومات وأحزاب سياسية بعينها‪ ،‬وأن نسبة ‪ 89%‬نشرت‬
‫ردود وتعليقات تهاجم أحزاب وشخصيات‪ ،‬يف حني قام ‪ 34%‬بنشر تعليقات تهدف إىل‬
‫زيادة حدة االستقطاب (‪ .)Ibid‬وختتلف أنماط التعليقات بني تشكيل وآخر؛ فبعضها يطبق‬
‫ألشكال إجيابي�ة جذابة تدلل على اشتغال إقناعي مدروس يصب مباشرة يف صالح احلكومة‬
‫أو احلزب (‪ .)Bradshaw & Howard:2017‬على سبي�ل املثال‪ ،‬تطبق “إسرائي�ل” سياسيات‬
‫صارمة تقيد بموجبها أنماط التعليقات لتتخذ شكل إجيايب‪ ،‬خاصة مع أصحاب املواقف‬
‫ً‬
‫الناقدة والسلبي�ة (‪ .)Sternhoffman:2013‬وعلى النقيض تماما‪ ،‬تطبق تشكيالت أخرى لردود‬
‫وتعليقات سلبي�ة كاألذى اللفظي‪ ،‬سيما جتاه مستخدمني من أصحاب املواقف املعادية أو‬
‫الناقدة للحكومة (‪ .)Geybulla:2016‬ويف سياق متصل‪ ،‬ال تكتفي اسرتاتيجية تنويع الردود‬
‫باألنماط اإلجيابي�ة والسلبي�ة فقط‪ ،‬بل يمكن أن تتخذ شكل محايد‪ .‬وهنا تقوم تشكيالت‬
‫سايرب بنشر رسائل وتعليقات محايدة‪ ،‬تهدف إىل صرف األنظار أو االنتب�اه عن موضوعات‬
‫وقضايا جاري تداولها‪ .‬على سبي�ل املثال‪ ،‬طبقت تشكيالت سايرب تابعة للمملكة العربي�ة‬
‫السعودية أسلوب “تسميم الوسوم”‪ ،‬من خالل إرفاق الوسوم الراجئة بردود ومشاركات ال‬
‫عالقة له باملوضوع األصلي‪ ،‬ثم نشرها بكميات كبرية‪ ،‬ما أدى إىل حرف األنظار عن املوضوع‬
‫ً‬
‫الرئيس(‪ .)Freedom House:2013‬إضافة إىل ما سبق‪ ،‬قد تستخدم تشكيالت سايرب مزيجا‬
‫من الردود يف آن واحد‪ ،‬حبسب الظرف التشغيلي القائم‪ ،‬وطبيعة التفاعل اجلاري‪ .‬على‬
‫سبي�ل املثال‪ ،‬يتعمد أفراد من تشكيالت السايرب الصيني�ة نشر ردود عاطفية بغرض اجرتار‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫غضب املستخدمني حنوهم‪ ،‬بدال من بقاء هذا الغضب منصبا وموجها حنو احلكومة أو أي‬
‫موضوع وقضية أخرى (‪.)Weiwei:2012‬‬
‫‪ -‬مستوى تنويع الهجمات‪ :‬خيتص بالتنوع احلاصل يف شكل ونوع الهجمات‬
‫الدعائي�ة اليت تنفذها تشكيالت السايرب ومنها؛ اسرتاتيجية التالعب باملحتوى االتصايل‪،‬‬

‫‪195‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫عرب صناعة محتوى مفربك (مكتوب‪ ،‬بصري)‪ ،‬أو إطالق مواقع إخبارية مزيفة‪ ،‬أو منصات‬
‫ً‬
‫وهمية‪ ،‬لغرض تضليل املستخدمني‪ .‬ووفقا إلحصائي�ة صادرة عن مشروع جامعة أكسفورد‬
‫للدعاية احلاسوبي�ة‪ ،‬قامت ‪ 52‬دولة حول العالم من أصل ‪ 70‬بإطالق مواقع إخبارية مزيفة‪،‬‬
‫ونشر محتوى مفربك‪ ،‬إىل جانب تعميمها ملنصات وهمية؛ وذلك بهدف تضليل مستخديم‬
‫ً‬
‫الشبكات االجتماعية (‪ .)Bradshaw & Howard:2019‬وغالبا ما يستهدف املحتوى املفربك‬
‫الصادر عن تشكيالت السايرب فئات محددة من املستخدمني‪ ،‬عرب جمع بي�انات ومعلومات‬
‫وافية من مصادر شبكية أو فعلية‪ ،‬ثم استغاللها يف تصميم رسائل موجهة لفئة مختارة‪،‬‬
‫ً‬
‫سواء عرب اإلعالنات املمولة أو املنشورات اخلفية‪ .‬ومن االسرتاتيجيات أيضا تنفيذ حملة‬
‫بالغات جماعية ضد محتوى أو حساب معني كجزء من مهام الرقابة اليت تؤديها تشكيالت‬
‫السايرب‪ .‬وهنا يتم توجيه شبكة كبرية ومنسقة من أفراد السايرب لإلبالغ عن حساب أو‬
‫محتوى يتبع لشخصية او حزب‪ ،‬وبالتايل حذفه أو إغالقه‪ ،‬بعد التالعب يف خوارزمية‬
‫ُ‬
‫النظام املسؤولة بشكل آيل عن حتديد وشطب املحتوى أو احلساب املخالف‪ .‬وتستخدم‬
‫أنواع أخرى من االسرتاتيجيات مثل التضخيم والتصيد واملضايقة‪ .‬وبالعودة إىل تقرير‬
‫جامعة أكسفورد‪ ،‬شهد العام ‪2018‬م توظيف حوايل ‪ 27‬دولة ألسلوب التصيد‪ ،‬لريتفع‬
‫الرقم إىل ‪ 47‬دولة يف العام ‪ 2019‬م (‪.)Ibid‬‬
‫‪ 8.1‬خاطرة من الواقع الفلسطيين‬
‫الدعاية ليست مجرد مصطلح عابر‪ ،‬يقتصر على وصف ممارسة إعالمية؛ بل هي‬
‫يف أصلها نشاط إنساين‪ ،‬يعكس جلملة أفكار‪ ،‬يسعى كل طرف إىل تسويقها بوسائط‬
‫جماهريية متنوعة‪ .‬وإذا كانت مواقع الشبكات االجتماعية إحدى هذه الوسائل‪ ،‬فمن‬
‫الضروري اإلشارة إىل كونها عشوائي�ة‪ ،‬غري مركزية‪ ،‬تستحث مشاركة جماهريية‪ ،‬ال ترضخ‬
‫ً‬
‫غالبا ملبدأ التوجيه والضبط‪ ،‬وال تملك ذات مقدار الوعي الذي تتمزي به األشكال اإلعالمية‬
‫ً‬
‫التقليدية‪ .‬فغياب اإلدراك املطلوب لدى املستخدم‪ ،‬يعين كثريا من األخطاء‪ ،‬اليت قد جتد‬
‫طريقها للخصم‪ ،‬ليستغلها على أحسن وجه‪.‬‬
‫ً‬
‫وحىت نرسخ لوجهة نظرنا‪ ،‬اليت ترى قصورا يف املمارسة اجلماهريية الفلسطيني�ة على‬
‫الشبكات االجتماعية‪ ،‬ال بد من تأكيد حقيقة جلية‪ ،‬تعكس ملنهج خصمنا يف استغالل‬

‫‪196‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫أخطائن�ا‪ .‬فمنذ حلظة إعالن انطالقة مسرية العودة‪ ،‬حرصت ماكين�ة الدعاية “اإلسرائيلية”‬
‫على حتريك مختلف أذرعها‪ ،‬سيما السيرباني�ة‪ ،‬يف محاولة الحتواء التداعيات‪ ،‬وتقليص أي‬
‫ضرر متوقع على صورة الكيان‪ .‬لهذا‪ ،‬دأبت صفحاتها الرسمية الناطقة باللغة العربي�ة على‬
‫إعادة تدوير رسائل‪ -‬جلها مريئ وبمنهجية منتظمة‪ -‬لتحقيق أهداف عدة؛ ومن أهمها ربط‬
‫املسرية باإلرهاب‪ ،‬أو نزع طبيعتها الشعبي�ة السلمية‪.‬‬
‫وكي حتفظ لنفسها املصداقية‪ ،‬انتهجت “إسرائي�ل” أسلوب جديد‪ ،‬شديد الفاعلية‪،‬‬
‫أطلق عليه “التنقيب الدعايئ”‪ .‬فهذا األخري يقوم على رصد وجتميع املنشورات الشاذة‪،‬‬
‫الصادرة عن نشطاء مسرية العودة‪ ،‬الستغاللها يف إرساء دعاية مضادة‪ ،‬ترتكز على مبدأ‬
‫مجابهة الدعاية لذاتها‪ .‬أي أنه نشاط غري تقليدي‪ ،‬يقوم على استغالل مساوئ ممارسات‬
‫ً‬
‫“الصحفي املواطن” يف امليدان‪ ،‬لإلفادة منها دعائي�ا‪ ،‬عرب إبراز املتن�اقض منها مع أطروحات‬
‫ً‬
‫املسرية‪ .‬فالسلمية تتحول إىل إرهابي�ة بمجرد الوقوع على منشور جيسد أفردا حيملون‬
‫سكاكني‪ ،‬ويتوعدون “اليهود” بالذحب والثبور‪ .‬والعودة تصبح فوىض بمجرد نقل تصريح‬
‫يدعو حلرق املعابر‪ .‬واملطلب الشعيب يتحول ملخطط إيراين بمجرد نشر مقوالت تؤكد‬
‫مساهمتها تمويل األحالم الفلسطيني�ة‪...‬فالدعاية “اإلسرائيلية” باتت تتغذى على ما‬
‫ننشره‪ ،‬ال على اجتهادها اخلاص‪.‬‬
‫ً‬
‫“إسرائي�ل” اليت يتضح يوما بعد يوم‪ ،‬إلمامها التام بتكنيكاتن�ا اإلعالمية السيرباني�ة‪،‬‬
‫وقعت على ثغرة ترىق ملزنلة الكزن؛ فما ينشره املستخدم ‪-‬بوعي أو دونه‪ -‬وفر مادة مالئمة‬
‫تستجيب ملتطلبات اجلهد الدعايئ “اإلسرائيلي”‪ .‬وإذا كنا نظن أنن�ا حنسن صنعا‪،‬‬
‫فعلين�ا النظر إىل جانب الكأس الفارغ‪ .‬وقد جيادل أحدهم بتبين الصحف العاملية للرواية‬
‫ً‬
‫الفلسطيني�ة‪ ،‬ودليله إبرازها جرائم “إسرائي�ل” حبق املدنيني‪ ،‬محاوال اإلقناع بنجاح الفعل‬
‫ً‬
‫الرتوييج الفلسطيين‪ .‬عند هذه النقطة حتديدا نب�دأ تفكيك احلقيقة بتجرد؛ فالتغطية‬
‫الغربي�ة وأطروحاتها األقرب لنا‪ ،‬ال تعين استجابة لتكنيك فلسطيين ناجح؛ بل على العكس‬
‫ً‬
‫تماما هي تفاعل خلطوط حتريرية ترى يف “إسرائي�ل”‪ ،‬وبالتحديد نتني�اهو‪ ،‬معضلة إضافية‬
‫ابتليت بها السياسية العاملية‪ ،‬إىل جانب تلك اليت يشكلها ترامب‪ .‬فعديد من الصحف‬
‫األمريكية واألوروبي�ة لم تنطلق من قاعدة مناصرة احلق الفلسطيين‪ ،‬فهي بكل األحوال‬

‫‪197‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫ً‬
‫ال تتبىن مبدأ العودة أصال‪ ،‬ولكنها رأت يف اإلجرام “اإلسرائيلي” فرصة للتعبري عن رفضها‬
‫السياسة األمريكية‪ ،‬وخطواتها غري املحسوبة‪ ،‬خاصة ما يتعلق بنقل سفاراتها للقدس‪.‬‬
‫ً‬
‫هذه احلقيقة النسبي�ة‪ ،‬تستدعي تساؤال حول قدرتن�ا فهم تفاعالت السياسية العاملية‪،‬‬
‫وكيفية القفز يف الوقت املناسب إلجياد حالة تقاطع يف املصالح‪ ،‬تستفيد منها القضية‪،‬‬
‫ً‬
‫خاصة على صعيد الرتويج‪ .‬وحىت نتعمق جزئي�ا يف فهم املمارسة “اإلسرائيلية”‪ ،‬علين�ا‬
‫ً‬
‫العودة قليال إىل العام ‪2009‬م‪ ،‬الذي شهد أوىل مراحل تطور فعلها الدعايئ احلديث بشكله‬
‫ً‬
‫املتكامل‪ .‬فالوعي حبقيقة تدهور صورتها عامليا‪ ،‬دفع “إسرائي�ل” إىل تسمية مؤسسات‪،‬‬
‫وختصيص موارد بشرية ولوجستي�ة‪ ،‬مهمتها فقط التأثري يف املجال املعريف لألفراد حول‬
‫حقيقة الصراع‪ .‬وإلدراكها املسبق حباجة بعض اجلغرافيات العاملية إىل مقاربة فكرية‬
‫ً‬
‫مختلفة‪ ،‬تبنت “إسرائي�ل” مبدأ دعايئ يقوم على احلقيقة‪ ،‬بعيدا عن أي ممارسة حتمل‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يف طياتها تضليال أو مبالغة قد ترتد سلبا على جهودها‪ .‬لهذا وجدت يف بعض املحتوى‬
‫الفلسطيين ضالتها‪ ،‬عرب تدويره كما هو‪ ،‬ودون أن تت�دخل يف تكوين�ه‪ ،‬إال يف حدود التوجيه‬
‫املتعمد‪ .‬وحىت يتجلى املعىن أكرث‪ ،‬سارت الدعاية “اإلسرائيلية” وفق منىح متسلسل‪،‬‬
‫ً‬
‫استهلتها جبمع مختلف الهفوات اجلماهريية‪ ،‬ثم عاجلتها دعائي�ا‪ ،‬كي تعيد نشرها داخل‬
‫إطار معلومايت جديد خيدم خطابها‪ ،‬وكأنها دليل إثب�ات‪ُ ،‬مستشهد به من صاحب الرسالة‬
‫ً‬
‫األصلية‪ .‬فلو تأملنا مثال يف بعض الصور واملقاطع الفلسطيني�ة‪ ،‬لوجدنا بعضها ما خدم‬
‫الرواية “اإلسرائيلية” دون قصد‪ ،‬خاصة تلك ذات اللهجة العسكرية‪ ،‬أو اليت ارتبطت‬
‫باألطفال والنساء‪ .‬هذه املمارسة الدعائي�ة البيضاء‪ ،‬ارتكزت على توظيف جهل الناشط‬
‫الفلسطيين بمستوى تأثري ما ينشر من رسائل‪ ،‬وقدرة الكيان على توظيفها اآلين‪ ،‬ليتبني‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لنا يف النهاية‪ ،‬أن أسلوبا جديدا آخذ يف التشكل داخل أروقة التأثري “اإلسرائيلي”‪ ،‬ليدخل‬
‫اخلدمة الدعائي�ة من أوسع أبوابها‪.‬‬

‫‪.2‬الت ُ‬ ‫َ‬
‫صيد ‪Trolling‬‬
‫َ‬
‫للت ُ‬
‫صيد باعتب�اره معضلة اجتماعية وسيرباني�ة خطرية ومزعجة‪ ،‬فهو يتحدى‬ ‫ُينظر‬
‫َ‬
‫الت ُ‬
‫صيد‪ ،‬إىل جانب‬ ‫فكرة حرية التعبري والتدفق احلر والسلس لآلراء واألفكار‪ .‬وينتيم‬

‫‪198‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫مجموعة من املصطلحات ذات الصلة أو املتداخلة معه مثل التسلط‪ ،‬واملضايقة‪،‬‬


‫والتحرش‪ ،‬والتنمر‪ ،‬واالنتحال‪ ،‬وإساءة استخدام مواقع الشبكات االجتماعية‪ ،‬والرسائل‬
‫املزعجة‪ ،‬إىل نطاق أوسع من املمارسات االجتماعية السلبي�ة‪ ،‬التلقائي�ة واملقصودة‪،‬‬
‫الناجمة عن تعميم الوصول إىل اإلنرتنت ومنصات الشبكات االجتماعية‪ .‬فاألنشطة‬
‫املكثفة ملستخديم الوسائط الرقمية‪ ،‬كإنشاء املحتوى ومشاركته‪ ،‬انطوت بالتوازي على‬
‫للت ُ‬ ‫َ‬
‫صيد (‪.)Wellman & Rainie:2012‬‬ ‫درجة من االنكشاف الشخيص‪ ،‬اليت بدورها حفزت‬
‫واملتصيد شخص سليب يمارس سلوكيات استفزازية جتاه املستخدمني‪ ،‬بهدف جذب‬
‫ً‬
‫االنتب�اه إليه أو حتفزي رد فعل مشحونة جتاهه‪ ،‬مستفيدا من مزية السرية اليت توفرها شبكة‬
‫اإلنرتنت‪ ،‬األمر الذي يشجعه على التلفظ بأشياء لم يكن ليهمس بها يف أوضاع اجتماعية‬
‫َ‬
‫الت ُ‬
‫صيد إىل طائفة كبرية ومتنوعة من األنشطة‬ ‫وجاهية مباشرة‪ .‬ويف مجال الدعاية‪ ،‬يشري‬
‫العدواني�ة‪ ،‬وهو مشابه ملفهوم التنمر ‪ .Cyber-bullying‬فاألخري سلوك أو نشاط عدايئ حيدث‬
‫ً‬
‫على الشبكة العنكبوتي�ة‪ ،‬يتمزي بالتكرار والديمومة لفرتة طويلة نسبي�ا‪ ،‬ويستهدف فئات‬
‫ً‬
‫عمرية صغرية‪ ،‬كالطالب‪ ،‬بغرض األذية النفسية‪ ،‬وعادة ما ُيعرف املتنمر بشخصه‪ ،‬ألنه‬
‫مكشوف الهوية‪.‬‬
‫صيد فيختلف من حيث سرية هوية ُ‬ ‫َ‬
‫الت ُ‬
‫المتصيد‪ ،‬ورغبت�ه يف حتقيق أهداف دعائي�ة‬ ‫أما‬
‫متعددة‪ ،‬تتجاوز األذية النفسية إىل التخريب املجتمعي والسيايس‪ .‬ومن هذا املنطلق‪،‬‬
‫َ‬
‫الت ُ‬
‫صيد املظلة اليت تن�درج حتتها جميع األنشطة السلبي�ة بما فيها التنمر‪،‬‬ ‫يمكن اعتب�ار‬
‫ً‬
‫بعيدا عن تلك املتعلقة باالخرتاق والسرقة وغريها من اجلرائم اإللكرتوني�ة‪ .‬وفيما يتعلق‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫صيد سلوكا شائعا‪ ،‬وغالبا ما ُينظر للمتصيدين‬ ‫الت ُ‬ ‫بمواقع الشبكات االجتماعية‪ ،‬يعترب‬
‫باعتب�ارهم صناع جدل وفنت وكراهية واستقطاب‪ ،‬فهم يتعمدون إزعاج املستخدمني‬
‫وإحراجهم‪ ،‬والتقليل من شأن منشوراتهم‪ ،‬عرب كتابة تعليقات سلبي�ة أو مهين�ة‪ ،‬دون أي‬
‫عالقة مباشرة لهم باملستخدمني‪ ،‬أو دون سبب واضح وظاهري‪ .‬ومن هنا نستطيع القول‪،‬‬
‫المتصيد هو الشخص الذي ينرث بذور الفتن�ة والشقاق واالختالف ألهداف دعائي�ة‪،‬‬ ‫أن ُ‬
‫بأساليب متنوعة كإطالق اجلدل‪ ،‬أو إثارة الغضب‪ ،‬أو عن طريق رسائل مستفزة ال عالقة‬
‫لها بالسياق‪ ،‬بهدف اجرتار استجابة عاطفية أو تعطيل املناقشات واحلوارات اإلجيابي�ة‬
‫ونزع قيمتها وفائدتها لصالح مسار جديل عقيم‪.‬‬
‫‪199‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫َ‬
‫والت ُ‬
‫صيد بمنظوره التقليدي سلوك شائع ال ينشط إال يف زوايا مظلمة‪ ،‬ويتجسد‬
‫ً‬
‫غالبا على شكل ُمستخدم مجهول‪ ،‬يعمد إىل نشر تعليقات قاسية ومزعجة‪ ،‬ال ختدم‬
‫سوى أغراض اإلساءة وزرع الفنت وحتقيق األذى والصدمة النفسية‪ .‬هذا وسمحت مزية‬
‫السرية والقدرة على إخفاء الهوية اليت تتيحها تكنولوجيا االتصال الرقيم لسلوك التصيد‬
‫ً‬ ‫باالنتشار دون أي قدرة على مواجهته واحلد منه‪ ،‬حيث يستطيع ُ‬
‫المتصيد منفردا أو بشكل‬
‫جماعي إطالق العنان ألسوء غرائزه وأمراضه النفسية بدون كشف هويت�ه؛ حبيث يستمتع‬
‫وهو يشاهد اآلخرين يعانون نت�اجئ افعاله (‪.)Hannan:2018‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لكن ما بدأ كسلوك مجهول ومتخفي‪ ،‬أصبح بمرور الوقت طبيعيا وتلقائي�ا‪ ،‬لدرجة‬
‫َ‬
‫الت ُ‬ ‫ً‬ ‫أن السرية لم تعد ً‬
‫صيد إىل اشتغال مفتوح‪ ،‬ولم يعد‬ ‫شرطا ضروريا ملمارسته‪ .‬لقد حتول‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫المتصيد مهتما بالتسرت وراء اسم وهيم أو صورة مزيفة‪ ،‬ال بل جتذرت لديه حالة من الثقة‬
‫ونوع من الالمباالة خالل تصيده ملستخدمني آخرين‪ ،‬سواء من طائفة معارفه أو منافسيه‪.‬‬
‫وهذه االخرية تؤكد على البيئ�ة املسمومة اليت تتشح بها مواقع الشبكات االجتماعية‪،‬‬
‫َ‬
‫الت ُ‬
‫صيد أحد مكوناتها االساسية؛ فهي محيط تنحدر فيه اخلالفات حىت‬ ‫حبيث أصبح‬
‫بني األصدقاء واملعارف‪ ،‬لتتحول إىل معارك شرسة‪ ،‬تدمر معها الروابط الشخصية‬
‫َ‬
‫للت ُ‬
‫صيد‪ ،‬فمن جهة‪ ،‬هو سلوك دعايئ موجه‬ ‫واملجتمعية‪ .‬وما سبق يشري إىل الطبيعة املركبة‬
‫ومقصود‪ ،‬ومن جهة أخرى سلوك نفيس تلقايئ يعكس ألزمة نفسية ومجتمعية‪ .‬وهنا‬
‫َ‬
‫للت ُ‬
‫صيد‪ :‬متخفي مجهول‪ ،‬وعلين مفتوح‪ .‬وفيما يتعلق باألخري‪،‬‬ ‫نستطيع استخالص نوعان‬
‫أشارت ‪ Hannan‬إىل إسهامه يف صناعة الشعوبي�ة‪ ،‬ومسؤوليت�ه عن تفشيه بني مستخديم‬
‫الشبكات االجتماعية على حساب املنطق والعقل (‪.)Ibid‬‬
‫فالشعوبي�ة باتت حتمل قوة إقناع تتعدى يف كثري من األحيان قدرة وجاذبي�ة احلقيقة‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫نفسها‪ .‬ومع حاالت اخلالف املستعر‪ ،‬تعترب الواقعية والدقة ضربا من املغامرة غري‬
‫املحسوبة‪ ،‬فالقليل من املستخدمني يلتفتون إىل املنشورات املوضوعية املعمقة‪ ،‬وكثري‬
‫منهم تستهويه منشورات وتعليقات قصرية وتهكمية‪ .‬ونستنتج هنا أن املنطق قد ال‬
‫صيد‪ ،‬وأن ُ‬ ‫َ‬
‫للت ُ‬
‫المتصيد املدعوم جبيش جرار قد‬ ‫يستطيع حتصيل نت�اجئ فعالة خالل مواجهته‬
‫يتمكن من قيادة وتوجيه الشعوبي�ة باجتاهات قد تتحول معها احلقيقة إىل زيف‪ ،‬والنقد إىل‬

‫‪200‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫َ‬
‫فالت ُ‬
‫صيد قد جتاوز بالفعل حدود املستخدم العادي‪،‬‬ ‫إساءة‪ .‬وال يتوقف األمر عند هذا احلد‪،‬‬
‫ليقتحم فضاء السياسة‪ .‬فمن ناحية‪ ،‬يتصيد رجال السياسة لبعضهم‪ ،‬ومن ناحية أخرى‬
‫يتصيد اجلمهور للسياسيني‪ ،‬الذين بدورهم يتصيدون للجمهور‪ .‬إذا حنن نعاصر دائرة َت ُ‬
‫صيد‬
‫َ‬
‫بالت ُ‬
‫صيد‪ ،‬خاصة تلك‬ ‫ال تكاد تنتهي‪ ،‬حىت أن عديد من وسائل اإلعالم احلزبي�ة باتت حتتفي‬
‫السلوكيات اليت تهني منافس سيايس أو حتط من قدره‪ .‬ففي عالم الشعوبي�ة والبيئ�ات‬
‫صيد سلوك يسء بالضرورة‪ ،‬سيما إذا ما انتىم ُ‬ ‫َ‬
‫الت ُ‬
‫المتصيد‬ ‫السياسية املنقسمة‪ ،‬لم يعد‬
‫إلحدى قبائلها الشبكية‪ .‬وبرغم حداثة هذه البيئ�ة شبه الفوضوية‪ ،‬إال أنها مسرح لسباق‬
‫محموم حنو القاع‪ ،‬فاملنطق السائد والقاسم املشرتك بني اجلميع هو اإلهانة‪ ،‬وفقط ينتصر‬
‫من يمتلك ناصية األذية والتشويه باقتدار‪ .‬واحلقيقة إن ما نعاصره على مواقع الشبكات‬
‫االجتماعية أشبه بوالدة خطاب سيايس جماهريي ُمتصيد؛ ال بل فعل كاليم ُمتصيد‪ .‬فهذا‬
‫َ‬
‫الت ُ‬
‫صيد قائمة‬ ‫الفضاء‪ ،‬غري اخلاضع ملعايري املنطق‪ ،‬هو نوع متوحش من االتصال‪ ،‬يعتلي‬
‫ً‬
‫أسلحته األكرث فتكا‪.‬‬
‫َ‬
‫الت ُ‬
‫صيد‬ ‫‪ 1.2‬تعريف‬
‫َ‬
‫الت ُ‬
‫صيد يف شكله األصلي هو استخدام املنشورات والرسائل كطعم لدفع املستخدمني‬
‫إىل التقاطه من خالل الرد عليه‪ ،‬دون أن يدري هؤالء بأنهم تعرضوا للخداع‪ .‬وبمرور الوقت‬
‫وتطور البيئ�ة االتصالية‪ ،‬حتول مفهوم التصيد ليشري إىل طائفة واسعة من السلوكيات‬
‫َ‬
‫للت ُ‬
‫صيد‪،‬‬ ‫الالأخالقية السلبي�ة املختلفة‪ .‬وال يوجد أتفاق بني الباحثني على تعريف محدد‬
‫وعديد منهم مزجوا بين�ه وبني التنمر أو العنف وخطاب الكراهية‪ ،‬أو طرحوا لتعريفات‬
‫ختص أنواعه وأشكاله فقط‪ .‬ويؤكد عديد من الباحثني على صعوبة تعيني مفهوم محدد‬
‫للتصيد‪ ،‬فهو يعكس ملعان متعددة‪ ،‬غري متسقة أو متوافقة‪ ،‬حبسب سياق استخدام‬
‫َ‬
‫والت ُ‬
‫صيد سلوك يقوم على نشر تعليقات مستفزة‬ ‫املصطلح‪ ،‬وأهداف اجلهة اليت توظفه‪.‬‬
‫ً‬
‫بقصد إثارة اآلخرين‪ ،‬وجرهم إىل نزاع أو معركة جانبي�ة‪ ،‬بعيدا عن املوضوع أو االهتمام‬
‫ً‬
‫وعادة ما يتم من أجل الرتفيه‪ ،‬أو إلشباع حاجات نفسية لدى ُ‬
‫المتصيد‪ .‬كما‬ ‫األسايس‪.‬‬
‫يتسم بردة فعل عاطفية‪ ،‬من خالل تعليقات حادة ومؤذية تستجلب ردة فعل آني�ة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وسريعة غري مرتوية‪ .‬وهناك من يعده سلوكا ختريبي�ا مقصودا يف محيط اجتماعي على‬

‫‪201‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫شبكة اإلنرتنت‪ ،‬من دون غرض وظيفي واضح‪ .‬وعلى العكس‪ ،‬يوجد من يربطه بالفعل‬
‫املنظم‪ ،‬ويؤكد إىل تبعيت�ه جلهات تسعى إىل حتقيق أهداف دعائي�ة‪ ،‬يقف التشهري على‬
‫َ‬
‫والت ُ‬
‫صيد ظاهرة تستفيد من خاصية التفاعل؛ بهدف حتفزي وحث استجابة‬ ‫رأسها‪.‬‬
‫قوية من أكرب عدد من املستخدمني باستخدام محتوى هجويم عدايئ ميسء‪-‬مشحون‬
‫ً‬
‫عاطفيا‪ .‬وهو نشاط مقصود لنشر رسائل حتريضية أو مستفزة على اإلنرتنت بهدف إثارة‬
‫استجابة شديدة من مجموعة مستخدمني‪ .‬وهناك من يرى فيه تشويش متعمد حيدث‬
‫على اإلنرتنت‪ ،‬يف سياق خطاب اجتماعي‪ ،‬بني مستخدمني ال تربطهم عالقات يف البيئ�ة‬
‫احلقيقية الفعلية‪ .‬وهو فعل يقوم على نشر تعليقات عشوائي�ة غري مرغوب فيها أو مثرية‬
‫للجدل على مختلف منصات اإلنرتنت بقصد إثارة أو حث رد فعل عاطفي من مختلف‬
‫املستخدمني‪ ،‬وبالتايل استدراجهم إىل جدال ومعارك جانبي�ة‪ .‬من ناحية أخرى‪ ،‬يرى بعض‬
‫َ‬
‫الت ُ‬
‫صيد محاولة لتفعيل جدل‪ ،‬أو ملضايقة مستخدمني من خالل منشورات أو‬ ‫الباحثني يف‬
‫تعليقات مستفزة وخبيث�ة؛ أو هو تركزي متعمد على موضوعات خالفية أو مثرية‪ ،‬من خالل‬
‫بث منشورات بعيدة عن املوضوع األسايس؛ بهدف استفزاز ردود فعل نصية أو عاطفية‪.‬‬
‫وجميع التعريفات السابقة ال تشمل جميع االجتاهات البحثي�ة‪ ،‬وال تسرد للتسلسل الزمين‬
‫اخلاص بتطور املصطلح‪ .‬ومن غري الواضح مدى قدرة التعريفات الالحقة على تقديم‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫للت ُ‬
‫صيد‪ ،‬أو تثبيت�ه ضمن سياق مقبول عامليا‪.‬‬ ‫مفهوم واضح‬
‫‪ 2.2‬ماهية ُ‬
‫المتصيد‬
‫للمتصيد بكونه شخص غري سوي يعيث فوىض وختريب يف البيئ�ة االجتماعية‬ ‫يشار ُ‬
‫ً‬
‫االفرتاضية‪ .‬ونظرا للسرية اليت يتمزي بها الفضاء الرقيم‪ ،‬يصعب حتديد هويت�ه‪ ،‬ما لم يتم‬
‫القبض عليه‪ ،‬أو أن يتطوع هو بالكشف عن نفسه‪ .‬وتفرتض عديد من الدراسات والدة‬
‫َ‬
‫الت ُ‬ ‫ُ‬
‫صيد‪ ،‬وهناك‬ ‫المتصيد بأنماط وسمات بيولوجية ونفسية مهيئ�ة ملمارسة سلوك‬
‫َ‬
‫صيد بالقصدية‪ ،‬حبيث يمكن ألي فرد التحول إىل ُمتصيد طالما‬ ‫الت ُ‬ ‫دراسات أخرى تربط‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫رغب يف ذلك‪ .‬وتنفيذ الت ُ‬
‫صيد غري محصور أو مقيد بأقلية بشرية غري متكيفة اجتماعيا؛ بل‬
‫ً‬
‫تشمل أيضا فئات اجتماعية طبيعية ومتعايشة‪ ،‬يدفع املزاج اخلاص وسياق املناقشات‬
‫َ‬
‫الت ُ‬ ‫ً‬
‫صيد (‪.)Cheng et al.:2017‬‬ ‫املرتبط بموضوع ما دورا يف حتفزي ممارستها لسلوك‬

‫‪202‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫ومن خالل جتربة حتاكي املناقشات احلقيقية اليت جتري على مواقع الشبكات‬
‫َ‬
‫الت ُ‬
‫صيد إىل زيادة احتمال اخنراط‬ ‫االجتماعية‪ ،‬يؤدي املزاج السليب والتعرض املباشر لسلوك‬
‫للت ُ‬‫َ‬
‫صيد‪ .‬ولعل امللفت‪ ،‬إمكاني�ة انتقاله وانتشاره من شخص‬ ‫وممارسة املستخدم العادي‬
‫َ‬
‫إىل آخر داخل البيئ�ة الشبكية‪ ،‬فيما يشبه العدوى‪ ،‬تدفع الشخص إىل التصرف كمت ُ‬
‫صيد‬
‫بشرط توفر الظروف املالئمة لذلك‪ .‬وبن�اء على ما سبق‪ ،‬يمكن تعريف املتصيد بكونه فرد‬
‫يقوم على نشر رسائل مزعجة على شبكة اإلنرتنت بغرض إثارة املشاكل أو جذب االنتب�اه؛‬
‫أو أنه مستخدم خيفي نواياه حتت ستار من اإلجيابي�ة‪ ،‬من أجل االخنراط مع مجموعة معين�ة‬
‫ً‬
‫بهدف إثارة النعرات واالنقسام والصراع بني أعضاء املجموعة حتقيقا ألغراض خاصة‪،‬‬
‫كالتسلية‪ .‬ويف عالم املدونات‪ ،‬ينظر إىل املتصيد بكونه عضو يعمد إىل نشر رسائل استفزازية‬
‫على مجموعات أخبار أو لوحة التعليقات بقصد إثارة حالة من االرتب�اك واإلزعاج واجلدال‬
‫املستمر‪ .‬ويف عالم الدعاية‪ُ ،‬يعترب كمجند يؤدي أدوار موجهة بغرض حتقيق أهداف من‬
‫قبي�ل إثارة النعرات‪ ،‬وحتويل االنتب�اه‪ ،‬وقلب االجتاه‪ ،‬وإثارة اجلدل‪ ،‬والتشويه‪...‬إلخ‪ .‬أما‬
‫َ‬
‫الت ُ‬
‫صيد بشكل‬ ‫يف السياق االجتماعي والنفيس البحت‪ ،‬فاملتصيد شخص يمارس سلوك‬
‫متخفي‪ ،‬كجزء من هوايت�ه تضييع الوقت بشكل منتظم أو غري منتظم‪ ،‬ويسعى إىل التسلية‬
‫على حساب اآلخرين بوسائله اخلاصة‪ ،‬اليت ترتاوح بني الفكاهة املبت�ذلة إىل اإلساءة‬
‫الصرحية على أي منصة تفاعلية تروق له‪ .‬ومن الضروري هنا تأكيد الفرق بني املتصيد‬
‫العادي والدعايئ‪ ،‬فاألول يسعى إىل التسلية وإشباع حاجات نفسية‪ ،‬يف حني حياول الثاين‬
‫ً‬
‫حتقيق أهداف متنوعة غري ظاهرة للعيان‪ .‬كما أن السرية ليست شرطا للتصيد‪ ،‬فهناك من‬
‫ينفذ للسلوك بشكل مكشوف‪.‬‬
‫َ‬
‫الت ُ‬
‫صيد‬ ‫‪ 3.2‬خصائص‬
‫برغم تفاوت وتب�اين التعريفات‪ ،‬إال أن الباحثني أجمعوا على خصائص تعكس‬
‫َ‬
‫الت ُ‬
‫صيد يف املجال الدعايئ‪ .‬فهو سلوك جيري على الفضاء االفرتايض (اإلنرتنت)‪،‬‬ ‫لظاهرة‬
‫وينشط بكثافة داخل بيئ�ة تفاعلية مرتابطة مثل مواقع الشبكات االجتماعية واملنت�ديات‪،‬‬
‫كما يرتبط بمنفذ مجهول الهوية‪ ،‬يعمد إىل نشر رسائل حتريضية أو تشهريية أو عدائي�ة‪،‬‬
‫خارج املوضوع الرئيس‪ .‬ويتصف بالعمدية واالنتقائي�ة يف أحيان‪ ،‬والتلقايئ والعشوائي�ة‬

‫‪203‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫يف أحيان أخرى‪ ،‬كما جيري بصيغتني فردية أو جماعية حبسب طبيعة الباعث‪ .‬ويتصف‬
‫َ‬
‫الت ُ‬
‫صيد باخلصائص اآلتي�ة‪:‬‬
‫أ‪ .‬اخلداع‪ :‬التصرف بطريقة مضللة ختالف احلقيقة‪ ،‬كأن يتعامل ُ‬
‫المتصيد بطريقة‬
‫مغايرة لسلوكياته احلقيقية على أرض الواقع‪.‬‬
‫ب‪ .‬العدائي�ة‪ :‬سلوك عدواين تهجيم يتقصد مضايقة اآلخرين‪ ،‬ودفعهم إىل ردود فعل‬
‫عاطفية وانتقامية‪.‬‬
‫ج‪ .‬التشويش‪ :‬يتضمن محتوى تافه يهدف إىل جذب االنتب�اه‪ ،‬وبالتايل التشويش‬
‫على النقاشات األصلية املثمرة؛ كي تتحول إىل جدل عقيم دون فائدة‪.‬‬
‫د‪ .‬اإلصرار‪ :‬يلح على حتقيق استجابة‪ ،‬ويف حال الفشل تتعاظم محاوالته وبإصرار‬
‫شديد حىت حتقيق املبتغى‪.‬‬
‫َ‬
‫الت ُ‬
‫صيد‬ ‫‪ 4.2‬دوافع‬
‫َ‬
‫الت ُ‬
‫صيد بدوافع عديدة ومتنوعة‪ ،‬أهمها الباعث الذايت‪ .‬بمعىن أنه عند‬ ‫يرتبط‬
‫بعض املستخدمني غاية يف حد ذاته‪ ،‬سواء من أجل التسلية واللهو‪ ،‬أو بسبب فقدان‬
‫الثقة بالنفس‪ ،‬أو الرغبة يف جلب انتب�اه اآلخرين‪ ،‬أو نتيجة مرض نفيس متجذر‪ ،‬أو‬
‫الرتب�اطه بأنماط شخصية نفسية كالرنجسية (حب وتقدير الذات)‪ ،‬وامليكيافيلية (املكر‬
‫واالزدواجية)‪ ،‬والسادية (التمتع بإيذاء اآلخرين)‪ ،‬أو الخنفاض مستوى الوعي الثقايف‪ ،‬أو‬
‫غياب الوازع األخاليق الداخلي‪ ،‬أو لعدم القدرة على التعاطف‪ ،‬أو بمدعاة اختالف اآلخرين‬
‫َ‬
‫الت ُ‬
‫صيد بدوافع خارجية‪ ،‬أي أنه غاية مخططة وجهد مقصود حتركه جهات‬ ‫عنهم‪ .‬كما يقرتن‬
‫منظمة‪ ،‬سواء من أجل إحلاق األذى أو التشهري باآلخرين‪ ،‬أو بهدف إحداث اضطرابات‬
‫وقالقل‪ ،‬أو استفزاز املستخدمني وجرهم داخل دوامة من اجلدل العقيم غري املثمر‪ ،‬أو‬
‫َ‬
‫الت ُ‬ ‫ً‬
‫صيد‬ ‫كأداة إلسكات االصوات املعارضة‪ ،‬أو تفعيل دوامة صمت‪ .‬وأخريا‪ ،‬قد يتصل‬
‫َ‬
‫الت ُ‬
‫صيد قد يؤدي إىل تفعيل أنماط التقليد واملشابهة‬ ‫بدوافع عدوى‪ ،‬فالتعرض لسلوك‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫عند املستخدمني‪ .‬وقد أثبتت عدة أحباث أن املتعرضني للتصيد أكرث قابلية لالخنراط فيه‬
‫(‪.)Cheng et al.:2017‬‬

‫‪204‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫َ‬
‫الت ُ‬
‫صيد‬ ‫‪ 5.2‬أنواع‬
‫الت ُ‬‫َ‬
‫صيــد‪ ،‬إال إنهــا رصــدت‬ ‫برغــم قلــة الدراســات واالحبــاث الــي تعرضــت ألنــواع‬
‫تصنيفــات متنوعــة‪ ،‬ين ـ�درج جلهــا حتــت التوصيــف الســليب‪ .‬وحبســب إحــدى الدراســات‪،‬‬
‫صيــد ضمــن مســتويني‪َ :‬ت ُ‬
‫صيــد جــارح؛ يهــدف إىل اإلهانــة واإلســاءة واإليــذاء‪،‬‬
‫َ‬
‫الت ُ‬ ‫يصنــف‬
‫صيــد دعابــة؛ يســعى إىل حتفــز حالــة مــن الفكاهــة إلشــباع حاجــة التســلية اخلاصــة‬ ‫َوت ُ‬
‫َ‬
‫الت ُ‬
‫صيــد إىل نوعــن‪ :‬تصيــد أرعــن مغمــور‪ ،‬وتصيــد‬ ‫(‪ .)Bishop:2014‬كمــا يمكــن تقســيم‬
‫ســليب منحــرف‪ .‬ففــي األول‪ ،‬ومــن أجــل املتعــة فقــط‪ ،‬يســعى املتصيــد بشــكل يفتقــد إىل‬
‫ً‬
‫الــذوق واللياقــة إىل صناعــة فكاهتــه ومتعتــه اخلاصــة مســتفيدا مــن الفــوىض واخلــاف‬
‫القائــم بــن املســتخدمني إلثــارة ضيقهــم‪ .‬أمــا الثــاين‪ ،‬فيتجــاوز حــدود املتعــة إىل الســخرية‬
‫احلقيقيــة بهــدف احلــط مــن قــدر املســتخدمني بشــكل متعمــد وخبيــث ناجــم عــن دوافــع‬
‫للت ُ‬‫َ‬
‫صيــد‬ ‫كراهيــة (‪ .)Sanfilippo et al.:2018‬ويتضــح مــن التصنيفــات الســابقة‪ ،‬قولبتهــا‬
‫ضمــن إطاريــن‪ ،‬األول تلقــايئ عشــوايئ‪ ،‬بينمــا الثــاين مقصــود وانتقــايئ‪ .‬يف املقابــل‪ ،‬عرضــت‬
‫دراســات أخــرى تصنيفــات معقــدة ترتكــز علــى دوافــع وبواعــث املتصيــد والقضايــا الــي‬
‫َ‬
‫الت ُ‬
‫صيــد ضمــن‬ ‫ينشــط فيهــا مثــل دراســة (‪ )Fichman & Sanfilippo:2015‬الــي فهرســت‬
‫خمــس تصنيفــات‪ :‬إيديولــويج‪ ،‬وديــي‪ ،‬وســيايس‪ ،‬وحزيــن‪ ،‬وفكاهــي‪ .‬وتوجــد تصنيفــات‬
‫أخــرى‪ ،‬مثــل َت ُ‬
‫صيــد بالربيــد املزعــج‪ ،‬وبالنــوع (ذكــر‪ ،‬أنــى) وبالروبوتــات‪ ،‬وبرصــد األخطــاء‬
‫اللغويــة والنحويــة‪ ،‬وباإلغــراق‪ ،‬وبالتنغيــص وإفســاد املتعــة‪ ،‬وخبطــاب الكراهيــة‪ ،‬وبــدق‬
‫االســافني‪ ،‬وباجلــدل املســتمر‪...‬إلخ (‪ .)Nycyk:2017‬وبأخــذ مــا ســبق بعــن االعتب ـ�ار‪ ،‬فــإن‬
‫ً‬
‫التصنيــف الــذي نــراه مالئمــا للتصيــد يتلخــص يف اآليت‪:‬‬
‫صيــد بشــكل تلقــايئ مرتبــط بدوافــع ذاتيـ�ة ونفســية‬
‫َ‬
‫الت ُ‬ ‫أ‪َ .‬ت ُ‬
‫صيــد كالســيكي‪ :‬ممارســة‬
‫المتصيــد إىل احــداث تقلبــات مزاجيــة لــدى أفــراد‬ ‫ضمــن ســياق اجتماعــي‪ .‬وهنــا يســعى ُ‬
‫ً‬
‫آخريــن (غضــب‪ ،‬ختويــف‪ ،‬تهديــد‪ ،‬اســتفزاز) إشــباعا لرغبــات ذاتيــ�ة غــر مرتبطــة‬
‫بأيديولوجيــا أو جهــد موجــه‪ ،‬أو يســعى إىل لفــت االنتبــ�اه إليــه ألطــول فــرة ممكنــة‪.‬‬
‫واملحتــوى يف هــذه احلالــة مجــرد أداة لالســتفزاز‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫صيد بشكل مخطط وموجه وانتقايئ‪ ،‬ودوافع هذا‬


‫َ‬
‫الت ُ‬ ‫صيد هجني‪ :‬ممارسة‬‫ب‪َ .‬ت ُ‬
‫ً‬ ‫النوع خارجية‪ .‬وهنا يؤدي ُ‬
‫المتصيد أدوار مصممة سلفا كجزء من مهام حروب املعلومات‬
‫أو الدعاية‪ ،‬اليت تديرها جهات كربى‪ .‬ويسعى ُ‬
‫المتصيد يف هذه احلالة إىل نشر معلومات‬
‫مضللة‪ ،‬أو رسائل الدعاية‪ ،‬أو دعم جهة ما‪ ،‬أو التشهري بها‪ ،‬أو التسبب يف خالفات بني‬
‫املستخدمني‪ ،‬أو نشر نظريات املؤامرة‪...‬إلخ‪ ،‬وجميع ما سبق يتم بصيغ متنوعة‪.‬‬
‫َ‬
‫الت ُ‬
‫صيد الكالسيكي والهجني‪ ،‬وأن‬ ‫وما سبق‪ ،‬يدفعنا إىل اإلقرار بصعوبة التفريق بني‬
‫إمكاني�ة التميزي احلقيقي بينهما مرهون بتحديد طبيعة املضمون‪ ،‬وبالتايل الهدف‪ ،‬ومدى‬
‫َ‬
‫الت ُ‬ ‫ً‬
‫صيد صعبة للغاية‪ ،‬وال‬ ‫تعبريهما عن دوافع ذاتي�ة أو خارجية‪ .‬وأخريا‪ ،‬عملية تصنيف‬
‫يمكن إجياد إجماع حولها؛ ألسباب تتعلق باختالف السياقات والبيئ�ات البحثي�ة‪ ،‬وصعوبة‬
‫فهم كل تصنيف‪.‬‬
‫َ‬
‫الت ُ‬
‫صيد الهجني‬ ‫‪ 6.2‬أشكال‬
‫َ‬
‫الت ُ‬
‫صيد على األنشطة الفردية الشائعة‪ ،‬بل تتعداها حنو ممارسات‬ ‫ال تقتصر اشكال‬
‫َ‬
‫منسقة ذات تداعيات خطرية على الواقعني الفعلي واالفرتايض‪ .‬وتتنوع أشكال الت ُ‬
‫صيد‬
‫الهجني اليت تنفذ على مواقع الشبكات االجتماعية واملنت�ديات الرقمية‪ ،‬وهي مستمدة من‬
‫واقع املهام املنوطة ُ‬
‫بالمتصيد‪ .‬لذلك قد ال جند قائمة كاملة ووافية ترصد جلميع االشكال‪،‬‬
‫ً‬
‫وبرغم ذلك سنعرض ألكرثها شهرة‪ ،‬على الوجه اآليت‪:‬‬
‫صيد باالستقصاء‪ :‬فعل قائم على البحث والتنقيب عن املعلومات والبي�انات‬ ‫أ‪َ .‬ت ُ‬
‫الشخصية اخلاصة‪ ،‬وجتميع أكرب قدر منها‪ ،‬ثم نشرها على العموم (اإلنرتنت ومواقع‬
‫ً‬
‫الشبكات االجتماعية)‪ ،‬أو استغاللها ألغراض أخرى‪ .‬وغالبا ما ُيستخدم كتكنيك انتقايم‪،‬‬
‫لتعريض بعض الشخصيات للخطر أو املضايقة أو التهديد‪.‬‬
‫صيد بنظريات املؤامرة‪ :‬يهتم بإنت�اج نصوص طويلة تتعلق باملؤامرات‪ ،‬ثم‬ ‫ب‪َ .‬ت ُ‬
‫ربطها جبهة ما‪ ،‬وتكرارها ألطول فرتة ممكنة‪ .‬وهنا يتم طرح احلجج وتغليفها بأسلوب‬
‫منطقي‪ ،‬جلذب املستخدمني إليها‪ ،‬وبالتايل استخالص ذات النتيجة أو الفكرة اليت طرحها‬

‫‪206‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫المتصيد‪ ،‬يف مسؤولية اجلهة املشار إليها‪ .‬وخطورة هذا الشكل يتلخص يف قدرته حث‬ ‫ُ‬
‫املستخدمني على االخنراط معه بدافع من العدوى‪ ،‬وبالتايل تطوير نصوص املؤامرة إىل‬
‫أبعد حد ممكن‪.‬‬
‫صيد باملشاركة‪ :‬توظيف خاصية مشاركة معلومات من مصادر متنوعة مثل‬ ‫ج‪َ .‬ت ُ‬
‫ويكبي�ديا أو املواقع اإلخبارية أو املنت�ديات‪...‬إلخ؛ لدعم وجهة نظر معين�ة‪ .‬ويف الغالب ال‬
‫المتصيد يسعى إىل‬ ‫عالقة سياقية بني املعلومة ووجهة النظر بشكل مباشر وصريح‪ ،‬إال أن ُ‬
‫جر املستخدمني حنو استنت�اجات معين�ة‪ ،‬غالبا خاطئة أو غري منطقية أو غري مرتابطة حال‬
‫التدقيق فيها‪ .‬كما يشمل مشاركة روابط حتيل إىل مواقع إخبارية‪ ،‬أو إىل مواد بصرية كموقع‬
‫يوتيوب‪ ،‬تصب يف مصلحة ترويج فكرة معين�ة‪.‬‬
‫صيد باإلغراء‪ :‬يهتم بالتعليق على الرسائل املنشورة بأسلوب غاية يف البساطة‬ ‫د‪َ .‬ت ُ‬
‫َ‬
‫(ت ُ‬
‫صيد البيكيين ‪ ،)Bikini Trolling‬نسبة إىل الصور املغرية‬ ‫والسذاجة واإلجياز‪ .‬ويسىم بـ‬
‫المتصيد على إغراء الصورة من أجل نسج‬ ‫املستخدمة يف ملف التعريف‪ .‬وهنا يعتمد ُ‬
‫صداقات‪ ،‬ثم استغاللها يف التعليق على املوضوعات‪ ،‬اليت جتذب بدورها سلسلة طويلة‬
‫المتصيد يف أن تنتهي بإنفاذ وجهة نظره‪ .‬وهذا الشكل‬ ‫من التعليقات األخرى‪ ،‬اليت يرغب ُ‬
‫قادر على التكيف يف البيئ�ة الشبكية‪ ،‬وفقط عرب املالحظة الدقيقة للنص يمكن كشف‬
‫أهدافه‪ .‬وتتمزي نصوصه باالختصار واإلجياز‪.‬‬
‫صيد باإلغارة‪ :‬فعل جماعي منسق يشارك فيه أكرث من ُمتصيد ضد هدف معني‪.‬‬ ‫ه‪ َ .‬ت ُ‬
‫ويمتلك هذا الشكل أنماط اتصال متنوعة بني أعضائه‪ ،‬سواء عرب تأسيس مجموعة‬
‫َ‬
‫الت ُ‬
‫صيد‬ ‫مغلقة‪ ،‬أو التواجد على موقع إلكرتوين مخصص ملناقشة طريقة اإلغارة وأسلوب‬
‫املتبع‪ ،‬أو من خالل تنسيق غري مباشر يتم باملالحظة عرب تتبع املوضوعات الشائعة وتنفيذ‬
‫هجمات عليها‪.‬‬
‫المتصيد العدواين إىل حتفزي ردة فعل عاطفية سريعة‬‫صيد بالعدواني�ة‪ :‬يسعى ُ‬‫و‪َ .‬ت ُ‬
‫من خالل نشر رسائل عدواني�ة وتوجيه التهديدات وإطالق عبارات الكراهية واإلهانة‬
‫ً‬
‫والشتم على فرتات زمني�ة طويلة نسبي�ا؛ فاملغزى يتلخص يف رغبت�ه إطالة أمد اجلدل‬

‫‪207‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫وحالة الصراع مع‪/‬بني املستخدمني‪ .‬ويتمزي هذا الشكل بوضوح مواقفه من مختلف‬
‫القضايا سواء بالدعم أو الرفض‪.‬‬
‫صيد بالكآبة‪ :‬يعمد ُ‬
‫المتصيد إىل نشر جو من الكآبة والتعاسة على املنصات‬ ‫ز‪َ .‬ت ُ‬
‫االجتماعية‪ ،‬وبالتايل حتفزي استجابات تلقائي�ة على عالقة بالسياق االجتماعي أو السيايس‬
‫ً‬
‫حتقيقا ألجندة ُ‬
‫المتصيد‪.‬‬ ‫القائم‪،‬‬
‫ً‬ ‫ح‪َ .‬ت ُ‬
‫صيد حبرف االجتاه‪ :‬من خالل حتويل مسار النقاشات باجتاهات جديدة كليا‬
‫خترجها عن مغزاها وهدفها األصلي؛ والقصد صناعة جدل متعمد يتم من خالله حرف‬
‫ً‬
‫االجتاه‪ ،‬وعادة ما يظهر وينتشر يف التعليقات‪.‬‬
‫صيد بالروبوتات‪ :‬يف اآلونة األخرية‪ ،‬ظهرت مؤشرات على محاوالت باجتاه‬ ‫ط‪َ .‬ت ُ‬
‫َ‬
‫الت ُ‬
‫صيد‪ ،‬والتحول حنو أتمتة هذا السلوك‪،‬‬ ‫تقليص االعتماد على العنصر البشري يف تنفيذ‬
‫ً‬
‫أي جعله آليا‪ ،‬من خالل استخدام برامج روبوتات اجتماعية‪ ،‬تستطيع مضاعفة وتضخيم‬
‫المتصيدون على مواقع الشبكات االجتماعية‪.‬‬ ‫جهود وتأثري ُ‬
‫َ‬
‫الت ُ‬
‫صيد‬ ‫‪ 7.2‬اسرتاتيجيات‬
‫َ‬
‫الت ُ‬
‫صيد‪ ،‬وهي تقتصر على قالب محدد‪ ،‬والعديد من‬ ‫تتنوع اسرتاتيجيات تنفيذ‬
‫الدراسات العلمية رصدت لطائفة منها بالتفصيل‪ .‬وحبسب مجموعة من الباحثني‪،‬‬
‫يعمد املتصيد إىل تطبيق اسرتاتيجية من ثالث خطوات‪ ،‬تب�دأ بالظهور الصادق اجلذاب‬
‫ً‬
‫للمستخدمني‪ ،‬متبوعة بنصب طعم‪ ،‬ثم أخريا استفزازهم للمشاركة يف جدال سفسطايئ‬
‫غري نافع أو مجدي (‪.)Herring et al.: 2002‬‬
‫ويف سياق متصل‪ ،‬توجد ست اسرتاتيجيات تنفيذية غري مرتابطة أو منسقة‪ ،‬أقرب‬
‫َ‬
‫للت ُ‬
‫صيد ال عن اسرتاتيجية‪ ،‬تتمثل يف (‪:)Hardaker:2013‬‬ ‫للتعبري عن أشكال‬
‫ً‬
‫أ‪ .‬االستطراد مع املستخدمني‪ :‬يتعمد املتصيد حرف اجتاه املناقشة بعيدا عن هدفها‬
‫ً‬
‫األسايس من خالل‪ ،‬مثال‪ ،‬فتح موضوعات غري ذات صلة‪ ،‬ثم اإلصرار على مواصلة النقاش‬
‫دون نتيجة واضحة سوى اإلشغال‪.‬‬

‫‪208‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫ب‪ .‬حقن من النقد الناعم‪ :‬يعمد املتصيد إىل انتقاد اآلخرين بشكل مفرط لكن بشكل‬
‫ناعم وهادئ‪ ،‬أقرب للرياء والنفاق‪ ،‬مع أن القصد اإلحراج‪ .‬مثل التعليق على إخطاء لغوية‬
‫وحنوية عرب نشر منشور حيتوي ذات األخطاء‪.‬‬
‫ج‪ .‬استدعاء الكراهية والنفور‪ :‬حتفزي رد فعل عاطفي على منشور من إنت�اج املتصيد‬
‫ضمن سياق حساس واستعدايئ‪.‬‬
‫د‪ .‬التعريض للخطر‪ :‬يدعي املتصيد بإمكاني�ة التعاون من خالل تقديم نصاحئ أو‬
‫ً‬
‫معلومات خاطئة غري صاحلة للسياق‪ ،‬قد حتمل أخطارا‪.‬‬
‫ه‪ .‬تنفيذ هجمات عدواني�ة مباشرة‪ :‬يعمد املتصيد إىل تنفيذ هجوم ضد هدف بال أي‬
‫سبب أو مربر بهدف دفع املستهدف للرد أو االنتقام بطريقة عدواني�ة)‪.‬‬
‫و‪ .‬تفعيل الصدمات‪ :‬يتعمد املتصيد التصرف والتعليق بأسلوب يفتقد لإلحساس‬
‫والذوق جتاه موضوعات حساسة ختص األفراد أو الشأن العام‪ ،‬أو التعليق بشكل ميسء‬
‫على موضوعات تعترب عاطفية ومزعجة لآلخرين‪.‬‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬قد يتبىن املتصيد السرتاتيجية “اخلداع”‪ ،‬وتعين اخرتاق املتصيد‬
‫إلحدى املجتمعات الشبكية بشكل سري من خالل انتحال شخصية وهمية أو مزورة‪،‬‬
‫وبمجرد دخوله‪ ،‬يب�دأ بالتهجم على مستخدمني من خارج املجتمع ُ‬
‫المخرتق‪ ،‬أو حىت على‬
‫مستخدميـــن مــن داخـــل املجتمـــع (‪ .)Coles & West: 2016‬كما يمكــن للمتصيــد أن ينتهج‬
‫اسرتاتيجية “االهتمام”‪ ،‬حبيث يظهر حرصه واهتمامه باآلخرين وما يتعرضون له من أجل‬
‫ً‬
‫حتفزي وتوجيه عاطفتهم‪ .‬وهناك أيضا اسرتاتيجية “الضحية”‪ ،‬عرب الظهور كضحية بهدف‬
‫استدرار عطف املستخدمني‪ ،‬وبالتايل توجيه غضبهم حنو جهات معين�ة‪ .‬كما يعمد املتصيد‬
‫إىل اسرتاتيجية “اإلشارة”‪ ،‬من خالل استخدام كلمات إشارية الستدعاء متصيدين آخرين‬
‫ً ُ‬
‫ملشاركته يف مهمة ما (‪ .)Philips:2015‬فمثال‪ ،‬تستخدم كلمة “قصف” جلذب أكرب عدد من‬
‫ً‬
‫املتصيدين‪ ،‬بمعىن دعوتهم لالشرتاك يف مهمة(‪ .)Synnott et al.:2017‬وأخريا‪ ،‬ال يمكن حصر‬
‫َ‬
‫الت ُ‬
‫صيد‪ ،‬ويكفي أن نشري لعدد منها‪:‬‬ ‫اسرتاتيجيات‬

‫‪209‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫أ‪ .‬اسرتاتيجية هجوم الكاميكازي‪ :‬إنشاء املتصيد حلساب هدفه تنفيذ هجوم ضاري‪،‬‬
‫قبل أن يتم حذف احلساب من املنصة‪.‬‬
‫ب‪ .‬اسرتاتيجية الهجوم االنتقايئ‪ :‬يقوم املتصيد بالهجوم على أي مستخدم خيالفه‬
‫الرأي‪ ،‬أو أن يقوم حبظر املستخدم برغم تقديمه حلقائق حبتة‪.‬‬
‫ج‪ .‬اسرتاتيجية التهديد‪ :‬يف بعض احلاالت‪ ،‬يقوم املستخدم بمواجهة هجوم ملتصيد‪،‬‬
‫عندها يهدد املتصيد ذلك املستخدم بالكشف عن معلومات ختصه‪ ،‬ما يضطر األخري إىل‬
‫التجاوب أو االنسحاب‪.‬‬
‫د‪ .‬اسرتاتيجية التضليل‪ :‬يعمد املتصيدون إىل تضليل نواياهم من خالل اعتن�اقهم‬
‫َ‬
‫الت ُ‬ ‫ً‬
‫صيد‪ ،‬وبالتايل كسب شرعية أمام‬ ‫وترويجهم ألفكار أخالقية‪ ،‬جتنب�ا ألي اتهام بممارسة‬
‫املستخدمني حال باشروا تنفيذ مهامهم‪.‬‬
‫َ‬
‫الت ُ‬
‫صيد‬ ‫‪ 8.2‬اآلثار املرتتب�ة عن‬
‫َ‬
‫الت ُ‬
‫صيد عرب مواقع الشبكات االجتماعية‪ ،‬حبيث‬ ‫تتنوع اآلثار املرتتب�ة عن سلوك‬
‫تقسم إىل عدة مستويات‪ ،‬مرضية ونفسية وسلوكية‪ .‬وفيما يتعلق باآلثار املرضية‪ ،‬فهي‬
‫تتمحور بني األعراض السريرية ومحاوالت االنتحار وتعاطي العقاقري املهدئة أو املخدرة‬
‫(‪ .)Maltby et al.:2016‬أما اآلثـــار النفسيـــة‪ ،‬فتتـراوح بني زيادة الضيق والتوتــر‪ ،‬والشعــور‬
‫باخلوف واإلحراج‪ ،‬والقلق واالكتئ�اب‪ ،‬واالضطراب وفقدان الرتكزي‪ ،‬واخنفاض الثقة‬
‫ً‬
‫بالذات‪ ،‬والشعور باإلذالل‪ ،‬وغالبا العار (‪.)Englander:2017‬‬
‫أمــا الســلوكية واالجتماعيــة؛ فتشــمل االنســحاب مــن احليــاة‬
‫االجتماعيــة‪ ،‬ممارســة الرقابــة الذاتيــ�ة‪ ،‬تفعيــل دوامــة الصمــت‪ ،‬حتجيــم‬
‫ً‬
‫العالقــات الشــخصية وغالبــا قطعهــا‪ ،‬تفكيــك العالقــات األســرية‪ ،‬وغريهــا‬
‫َ‬
‫الت ُ‬
‫صيــد‪،‬‬ ‫(‪ .)Myers & Cowie:2017‬وبمراجعــة األدبيــ�ات املحــدودة الــي تن�اولــت آلثــار‬
‫تنبثــق عــدة عوامــل مســؤولة عــن حتديــد طبيعــة التأثــر الــذي قــد تتعــرض لــه الضحيــة‪.‬‬
‫الت ُ‬‫َ‬
‫صيــد‪ ،‬وتصــور‬ ‫ومــن ضمــن هــذه العوامــل مــا يتعلــق بالســياق الــذي جتــري فيــه عمليــة‬
‫الضحيــة لنفســها‪ ،‬وتصورهــا وتقييمهــا للتهديــد الــذي يشــكله املتصيــد‪ ،‬ومــا ينتــج عــن‬

‫‪210‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫ً‬
‫تفاعــل التصــوران مــن قــوة دين�اميكيــة بــن املتصيــد والضحيــة‪ .‬فمثــا‪ ،‬قــد يتجاهــل‬
‫مســتخدم لســلوك أحــد املتصيديــن يهــدف إىل جــذب االهتمــام لنفســه‪ ،‬بعكس مســتخدم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫آخــر تضــح عليــه عالمــات التأثــر نتيجــة لســلوك يــرى فيــه تهديــدا مباشــرا وحقيقيــا‬
‫ً‬
‫(‪ .)Maltby et al.:2016‬وهنــا خيتلــف نــوع التأثــر‪ ،‬فاملســتخدم األول ابــدى ثب�اتــا جتاه محاوالت‬
‫ً‬
‫املتصيــد برغــم تــايش تأثريها تقريبـ�ا‪ ،‬بعكس الثاين الــذي ظهرت عليه عالمات االســتجابة‬
‫َ‬
‫الت ُ‬
‫صيد‪،‬‬ ‫لشــدة العواقــب املرتتبـ�ة عــن التجاهــل‪ .‬ولكن حىت أولئــك الثابتني أمــام محــاوالت‬
‫ً‬
‫قــد يضطــرون الحقــا لتغيــر نــوع اســتجابتهم‪ ،‬ســيما إذا مــا وجهــت تهديــدات ألشــخاص‬
‫علــى عالقــة مباشــرة بهــم‪ ،‬كأفــراد العائلــة أو أي أفــراد آخريــن من املحيــط االجتماعــي األول‬
‫أو الثــاين‪ .‬ولنأخــذ مثــال إلحــدى الســيدات تقطــن يف الواليــات املتحــدة األمريكيــة وتدعــى‬
‫‪ ،Anita Sarkeesian‬حيــث تعرضــت حلمــات تنمــر ومضايقــة شــديدتني علــى مواقــع‬
‫الشــبكات االجتماعيــة كــرد فعــل علــى نشــرها سلســلة عــروض مرئيــ�ة حــول صــورة‬
‫ً‬
‫املــرأة يف ألعــاب الفيديــو‪ .‬وألنهــا اختــارت التحــدث عــن اإلســاءة الــي تعرضــت لهــا بــدال‬
‫ً‬
‫مــن الــزام الصمــت‪ ،‬اضطــرت الحقــا إىل إلغــاء محاضــرة مقــررة لهــا يف إحــدى اجلامعــات‬
‫األمريكيــة بعــد تلقــي اجلامعــة لتهديــد عــر الربيــد اإللكــروين مــن مصــدر مجهــول‪ ،‬يتوعــد‬
‫بتنفيــذ مجــزرة حبــق احلضــور والطــاب وطاقــم العاملــن علــى غــرار مــا حــدث يف مدين ـ�ة‬
‫مونرتيــال (‪.)Braithwaite:2016‬‬
‫وال يقف التأثري عند املحيط االجتماعي؛ بل يتعداه إىل داخل مزنل الضحية نفسها‪،‬‬
‫وممارسة أعضاء من املزنل لضغط على الضحية من أجل االنسحاب أو االستجابة‬
‫َ‬
‫الت ُ‬ ‫ً‬
‫صيد على موقع تويرت‪،‬‬ ‫لتهديدات املتصيد‪ .‬فمثال‪ ،‬تسرد ‪ Awan‬يف حبث لها عن جتربتها مع‬
‫حيث تؤكد تعرضها ملضايقات وصلت إىل حد التهديد بالقتل‪ ،‬نتيجة قيامها بنشر مواد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫توعوية حول ظاهرة اإلسالموفوبي�ا‪ ،‬األمر الذي جعلها مستزنفة عاطفيا وعصبي�ا خاصة‬
‫وأن خلفيتها الديني�ة إسالمية‪ .‬هنا بدأت عائلتها بمحاولة إقناعها بالتوقف عن الكتابة‬
‫والنشر‪ .‬ويوضح املثال السابق كيف أن للدائرة االجتماعية األوىل دور يف الضغط على‬
‫الضحية لالستجابة‪ ،‬وأن باعث املتصيد جتاهها لم يكن للمحتوى الذي تكتب بقدر ما كان‬
‫ً‬
‫مدفوعا بنظرة عنصرية قائمة على هويتها الديني�ة (‪.)Barlow & Awan:2016‬‬

‫‪211‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫َ‬
‫الت ُ‬
‫صيد‬ ‫‪ 9.2‬كشف سلوك‬
‫ينبغي على مستخديم مواقع الشبكات االجتماعية امتالك ثقافة وإطالع كاف‬
‫َ‬
‫الت ُ‬
‫صيد‪ .‬لذلك‪ ،‬يقدم اجلزء التايل مجموعة من‬ ‫تساعدهم على رصد وحتديد سلوكيات‬
‫اإلرشادات اليت تسهم يف كشف املتصيدين‪ ،‬إىل جانب اخلطوات الالزم إتب�اعها للتفريق‬
‫بني املتصيد البشري واآليل‪ ،‬بموازاة عدد من النصاحئ حول كيفية التعامل مع هذه الفئة‬
‫التخريبي�ة‪.‬‬
‫أ‪ .‬مؤشرات وجود سلوك َت ُ‬
‫صيد بشري‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ .1‬التعليق طويل جدا؛ يصل حىت أربعة سطور وربما يتخطاها‪.‬‬
‫‪ .2‬التعليق بعيد عن سياق املوضوع األسايس‪ ،‬أو ال يمت له بصلة‪.‬‬
‫‪ .3‬يتصف بالعدواني�ة والعدائي�ة وحب اجلدل دون توقف أو ملل‪.‬‬
‫‪ .4‬معرفة مستخدمني آخرين باملعلق وسلوكياته‪.‬‬
‫‪ .5‬ثقافة متواضعة؛ إال أن ذلك ال يعين عدم وجود متصيد عايل الثقافة‪.‬‬
‫‪ .6‬تكرار التعليقات عرب حسابات متنوعة‪ ،‬وبذات األسلوب على فرتات‬
‫زمني�ة طويلة‪ ،‬وحول مختلف املوضوعات والقضايا‪.‬‬
‫‪ .7‬يميل إىل توريط املستخدم يف حوارات يرغب من خاللها انزتاع مواقف‪.‬‬
‫ب‪ .‬مؤشرات وجود سلوك َت ُ‬
‫صيد آيل‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ .1‬الكتابة ركيكة‪ ،‬وأحيانا كثرية غري مفهومة‪.‬‬
‫‪ .2‬يميل إىل االقتب�اس عن مصادر ومستخدمني‪ ،‬ثم يعيد نشرها كتعليق‪.‬‬
‫‪ .3‬يتمزي املتصيد البشري بصفحة خاصة نشطة حتوي حتديث�ات للحالة‬
‫وبي�انات شخصية (مزورة يف الغالب)‪ ،‬إضافة إىل الصور والروابط‪ ،‬بعكس اآليل‬
‫الذي ال يلتفت إىل أي مما سبق‪.‬‬

‫‪212‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫‪ .4‬يتمزي النوع البشري بالديمومة لفرتات طويلة من الزمن بعكس اآليل‬


‫ُ‬
‫الذي سرعان ما ُيكتشف وييد‪.‬‬
‫ج‪ .‬كيفية التعامل مع املتصيد‪:‬‬
‫• الكشف‪ ،‬من خالل‪:‬‬
‫‪ .1‬كتابة تعليق توضح فيه للمستخدمني املشاركني أن الشخص متصيد‪.‬‬
‫‪ .2‬مشاركة لقطات شاشة لكشف املتصيد‪ ،‬وبالتايل حصر أنشطته‪.‬‬
‫‪ .3‬توعية املستخدمني باملتصيد البشري الذي عادة ما يعلق بلغة واضحة‪،‬‬
‫بعكس اآليل الذي يتجنب التعليق لسوء لغته وغياب االنسجام والرتابط بني‬
‫الكلمات واجلمل‪.‬‬
‫• التجاهل‪ ،‬من خالل‪:‬‬
‫جتنب الدخول يف حوارات ومناقشات معه لعدة أسباب منها‪:‬‬
‫أ‪ .‬كلما اشرتكت يف حوار أو مناقشة معه‪ ،‬كلما زادت مصداقيت�ه وجاذبيت�ه‪،‬‬
‫وبالتايل انتشاره بني املستخدمني‪.‬‬
‫ب‪ .‬كلما ارتفع عدد التعليقات اليت يتلقاها على مشاركاته‪ ،‬كلما كان قادرا على‬
‫مراكمة تأثري أكرب بمرور الوقت‪ ،‬وتعاظم فرص ظهوره عند مستخدمني آخرين‪.‬‬
‫ج‪ .‬إمكاني�ة توظيف املتصيد لردود األفعال الناجمة عن مشاركته يف‬
‫دق االسافني والتخريب‪ ،‬وإصدار التعميمات وغريها من األساليب الدعائي�ة‪.‬‬

‫‪ 10.2‬خاطرة من الواقع الفلسطيين‬


‫منذ ظهور مواقع الشبكات االجتماعية‪ ،‬واتساع رقعة استخدامها بني اجلمهور‪ ،‬وحنن‬
‫نلحظ تفيش سلوكيات سلبي�ة‪ ،‬بأشكال متنوعة ومتصاعدة‪ ،‬تسببت والزالت يف عديد‬
‫من األزمات واملشاكل االجتماعية واالقتصادية والسياسية على مستوى العالم‪ .‬وألنن�ا‬

‫‪213‬‬
‫الفصــل الثالـــث‬

‫كفلسطينيني جزء من هذه احلالة‪ ،‬فقد أسهم الفهم اخلاطئ لكيفية التعامل مع الوسيلة‪،‬‬
‫إىل ظهور سلوكيات فجة‪ ،‬تعكس ألنماط شخصية سايكوباثي�ة‪ ،‬تتغذى على حالة االنقسام‬
‫القائم‪ ،‬لتمارس عنصرية مقيت�ة جتاه اآلخر‪ ،‬املخالف ملعتقداتها واهتماماتها‪ .‬وبرغم شدة‬
‫ً‬
‫ترابط املجتمع الفلسطيين على املستوى العريف‪ ،‬إال أن هذه السلوكيات ستؤدي حتما إىل‬
‫تفسخه وخلخلة أركانه‪ ،‬وبالتايل خدمة جهود “إسرائيلية” حاولت وما زالت تنفيذ املهمة‪،‬‬
‫ً‬
‫دون أن تنجح‪ .‬وألن املوضوع يستحق االهتمام واملتابعة‪ ،‬صار لزاما رصد هذه االنماط‪،‬‬
‫وتقديمها للقارئ‪ ،‬بشكل يسهم يف رصدها وعزلها‪.‬‬
‫وأول هذه األنماط‪ ،‬ما يمكن تسميت�ه “بالشخصية االنتهازية”‪ ،‬اليت تعمل على‬
‫تصدير منشورات وتعليقات مرتبطة بأحداث أو قضايا معين�ة‪ ،‬من أجل حث سلوك‬
‫شعيب ميداين يستجيب ألطروحاته اليت حتض على الفوىض والعنف املجتمعي‪ .‬ومثل‬
‫ً‬
‫هذه الشخصيات استغاللية؛ ألنها تبحث عن القضايا اليت تشكل منفذا له لتمرير خباثت�ه‪.‬‬
‫واألمثلة يف احلالة الفلسطيني�ة عديدة‪ ،‬ليس أقلها تلك املنشورات اليت تتن�اول أخطاء يقع‬
‫فيها أطباء‪ ،‬حبيث يتم تضخيمها وتعميمها‪ ،‬بهدف استدعاء سلوك عنيف جتاههم‪ ،‬ما حييل‬
‫إىل إطار أعم‪ ،‬يفيد بفشل املؤسسة الصحية الرسمية يف تأدية مهامها بكفاءة‪.‬‬
‫والشخصية “املخادعة” أو املضللة‪ ،‬هي ثاين األنماط اليت تعج بها صفحاتن�ا‬
‫االجتماعية‪ ،‬خاصة فيسبوك‪ ،‬لدورها يف استغالل املعلومات املضللة‪ ،‬اليت ترتبط بأحداث‬
‫مشكوك يف صحتها‪ ،‬بهدف حتفزي خوف اجلمهور‪ ،‬وبالتايل مشاعر الكراهية‪ .‬فعرب االستفادة‬
‫من اإلشاعات واألخبار املزيفة‪ ،‬تقوم هذه الشخصية باستدعاء مخاوف األفراد‪ ،‬ليتم ربطها‬
‫جبهة ما‪ ،‬كي حتيل إىل سلوك تن�افري منها‪ .‬ومثال ذلك‪ ،‬ما يقوم به بعض املستخدمني من‬
‫توظيف للمعلومات “اإلسرائيلية”‪ ،‬بهدف تفعيل خوف اجلمهور من أي حرب‪ ،‬الرتب�اطها‬
‫حبركة حماس ال بالتصرفات العدواني�ة للعدو‪ ،‬وبالتايل تفعيل كراهيتها الدائمة لتسببها يف‬
‫المآيس املتوقعة‪.‬‬
‫ُ‬
‫ويف ذات السياق‪ ،‬تكشف بيئتن�ا االفرتاضية عن شخصية “حاملة” تعرب بصوت مرتفع‬
‫عما يعرتيها من رغبات ُمتخيلة‪ ،‬تتمىن وقوعها يف الواقع احلقيقي‪ .‬ومثل هؤالء خيلطون عن‬
‫عمد بني الواقع واخليال‪ ،‬ويرغبون يف حتقق أمانيهم‪ ،‬حىت لو عكست ألفكار دموية قد تؤذي‬

‫‪214‬‬
‫الدعايــــة احلاسوبيــــــــة‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫اآلخر‪ .‬وصفحات الفيسبوك مليئ�ة أيضا بمثل هذا الصنف‪ ،‬الذي يتمىن صراحة دخول‬
‫القوات “اإلسرائيلية” إىل قلب قطاع غزة‪ ،‬وقتل كل من له صلة باملقاومة‪ ،‬حىت يتحقق‬
‫خالصه ُ‬
‫المتخيل‪.‬‬
‫أما الشخصية “املنتج”‪ ،‬فهي اليت تعمل على إنت�اج مواد اتصالية حترض مباشرة على‬
‫الكراهية والعنف‪ ،‬كما أنها مرتبطة بشكل لصيق بشخصية أخرى أخرية تسىم “املوزع”‪،‬‬
‫الذي يهتم بتوزيع هذه املواد ونشرها على نطاق واسع‪ ،‬بغض النظر عن شكلها‪ .‬وهذان‬
‫النوعان مرتبطان بمؤسسات دعائي�ة‪ ،‬تنشط داخل الشبكات االجتماعي‪ ،‬بعكس األنماط‬
‫األخرى‪ ،‬اليت تعرب عن ميولها بطريقتها اخلاصة‪ ،‬بعد إدراكها ألهمية مشاركتها وتأثريها‬
‫املحتمل على جزء من متابعيها‪.‬‬

‫خاتمة الفصل‬
‫يكشف لنا العرض السابق مقدار التطور الذي شهدته الدعاية‪ ،‬من ناحية دخول‬
‫اآللة والربامج احلاسوبي�ة والذكاء االصطناعي على خط إنت�اجها ونشرها دون تدخل‬
‫بشري إال يف حدوده الدني�ا‪ .‬فالروبوتات االجتماعية‪ ،‬واخلوارزميات‪ ،‬واحلسابات اآللية‬
‫الوهمية‪ ،‬وتكنولوجيا االستهداف املخصص‪ ،‬والتالعب بمحركات البحث‪ ،‬وغريها باتت‬
‫مسؤولة إىل حد كبري عن تشكيل إدراكنا للواقع والقضايا من حولنا‪ .‬لكن ما سبق ال يعين‬
‫قدرة الدعاية احلاسوبي�ة على مباشرة جهودها من تلقاء ذاتها دون رعاية وإشراف أو إسناد‬
‫بشري سواء بشكل مباشر أو غري مباشر‪ ،‬وهو ما تطرقنا إليه وأوضحناه خالل حديثن�ا عن‬
‫تشكيالت السايرب وجيوش املتصيدين‪ ،‬وما يرتتب عن مختلف األنشطة اآللية والبشرية‬
‫من تداعيات تقف غرف الصدى على رأسها‪ .‬ويكفي أن نشري إىل مقولة منسوبة لصحيفة‬
‫ّ‬
‫وول سرتيت جورنال األمريكية من أنه “وبدون البشر مازال الذكاء االصطناعي شديد‬
‫ً‬
‫الغباء”‪ .‬هذه املقولة تنطبق تماما على الدعاية احلاسوبي�ة‪ ،‬فهي يف حقيقتها ترجمة محدثة‬
‫للتحزيات اليت تعرتي اإلنسان‪ ،‬وتؤكد رغبت�ه املستمرة يف حتقيق تأثري يستجيب ملصاحله‬
‫فقط وبأي شكل وأسلوب كان‪.‬‬

‫‪215‬‬
216
‫الفصل الرابع‬

‫نماذج دعائي�ة على‬


‫الشبكات االجتماعية‬

‫‪217‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫ً‬
‫أوال‪ :‬الهندسة االجتماعية‬
‫ً‬
‫ثاني�ا‪ :‬الزتييف العميق‬
‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬صناعة االنطباع املضلل‬
‫ً‬
‫رابعا‪ :‬دعاية احلشد املزيف‬
‫ً‬
‫خامسا‪ :‬التنقيب الدعائـي‬

‫‪218‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫تزخــر مواقــع الشــبكات اإلجتماعيــة بالعديــد مــن النمــاذج والظواهــر‪ ،‬وهــي يف‬
‫حقيقتهــا ترجمــة للتطــور الــذي تشــهده الدعايــة يف القــرن احلــادي والعشــرين‪ ،‬خاصــة وأن‬
‫العديــد منهــا جــزء مــن مبــادئ تشــغيلية تعتمدهــا العديــد مــن دول العالــم خــال ختطيطها‬
‫وتنفيذهــا عمليــات تأثــر أو حــروب معلوماتي ـ�ة علــى الفضــاء الســيرباين‪ .‬والنمــاذج الــي‬
‫ســنقوم بعرضهــا تــراوح بــن تلــك الــي تكتفــي باســتهداف املســتخدم‪ ،‬وتلــك الــي تعتمــد‬
‫ســواء بالكليــة أو بشــكل جــزيئ عليــه يف تنفيــذ انشــطتها وتوســيع رقعــة انتشــارها‪.‬‬
‫وقــد كشــف االســتخدام الدعــايئ ملواقــع الشــبكات االجتماعيــة عــن نمــاذج حديث ـ�ة‬
‫ً‬
‫نســبي�ا‪ .‬فالعديــد مــن الدراســات رصــدت لعــدد منهــا‪ ،‬كالهندســة اإلجتماعيــة‪ ،‬والتصيــد‪،‬‬
‫والزتييــف العميــق‪ ،‬ودعايــي التضليــل واحلشــد املزيــف‪ ،‬والتنقيــب الدعــايئ‪ ،‬واألخبــار‬
‫املزيفــة‪ ،‬واملعلومــات املفربكــة‪ ،‬واإلســتهداف املخصــص‪ ،‬والتالعــب باخلوارزميــات‪،‬‬
‫والروبوتــات اإلجتماعيــة‪ ،‬واحلســابات الوهميــة‪ ،‬وغــرف الصــدى‪ ،‬وتشــكيالت الســايرب‪،‬‬
‫وغريهــا الكثــر‪ .‬هــذه الظواهــر كان لهــا العديــد مــن اآلثــار الســلبي�ة حــول العالــم تن�اولنــا‬
‫بعضهــا يف فصــل ســابق‪ ،‬وسنشــر إىل أخــرى جديــدة يف هــذا الفصــل‪.‬‬
‫وتكمــن أهميــة التعــرف علــى بعــض مــن هــذه الظواهــر يف رغبتنــ�ا رفــع منســوب‬
‫الوعــي لــدى مســتخديم مواقــع الشــبكات اإلجتماعيــة‪ ،‬وبالتــايل تقليــص قــدرة جهــات‬
‫الدعايــة املعاديــة علــى حتقيــق أهدافهــا‪ ،‬خاصــة مــا يتصــل بت�دمــر املجتمعــات وصناعــة‬
‫األزمــات والقالقــل داخلهــا‪ .‬ويف هــذا املقــام‪ ،‬يســتحضرين مــا يقــوم بــه الكيــان (اإلســرائيلي)‬
‫جتــاه الشــعب الفلســطيين‪ ،‬واســتغالله الدائــم للمنصــات اإلجتماعيــة كفيســبوك يف زرع‬
‫بــذور الفتن ـ�ة بــن فئاتــه‪ ،‬واشــغاله بقضايــا فرعيــة علــى حســاب القضيــة الكــرى‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫ً‬
‫وأخــرا‪ ،‬يتنــ�اول الفصــل احلــايل خمســة ظواهــر أو نمــاذج دعائي ـ�ة‪ ،‬هــي‪ :‬الهندســة‬
‫اإلجتماعيــة‪ ،‬والزتييــف العميــق‪ ،‬وصناعــة اإلنطبــاع املضلــل‪ ،‬ودعايــة احلشــد املزيــف‪،‬‬
‫والتنقيــب الدعــايئ‪ .‬وقــد اخرتتهــا دون غريهــا خلطورتهــا وانتشــارها الكثيــف علــى مواقــع‬
‫الشــبكات اإلجتماعيــة‪ ،‬خاصــة داخــل البيئـ�ة الشــبكية الفلســطيني�ة‪ ،‬األمــر الــذي يتطلــب‬
‫توضيحهــا وكشــف آلياتهــا واســاليبها يف خــداع املســتخدمني واســتمالتهم لصالــح‬
‫الدعايــة‪.‬‬
‫الهندسة االجتماعية‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫تعــد الهندســة االجتماعيــة ‪ Social Engineering‬ظاهــرة نفســية بواجهــة تقنيــ�ة‪،‬‬
‫تنــ�درج ضمــن مجــال أمــن املعلومــات أو األمــن الرقــي‪ .‬وهــي باختصــار شــديد نظــام‬
‫لتحليــل واخــراق جــدار احلمايــة البشــري‪ ،‬تعتمــد يف تنفيــذ مهامهــا علــى األبعــاد النفســية‬
‫ال اجلوانــب التقنيـ�ة‪ .‬فنحــن عندمــا نســعى للهجــوم بأســلوب الهندســة االجتماعيــة‪ ،‬فإننـ�ا‬
‫ال نعــول علــى الربامــج التقني ـ�ة‪ ،‬بــل الطــرق النفســية‪ ،‬ألن الهــدف هــو حتقيــق اخــراق عــر‬
‫بوابــة اإلنســان‪ ،‬ال عــر احلواجــز اإللكرتونيـ�ة‪ .‬وعلــى عكــس معظــم التهديدات الــي ترتبص‬
‫باملعلومــات‪ ،‬يمكــن اعتب ـ�ار عالقــة الهندســة االجتماعيــة بالتكنولوجيــا عالقــة عرضيــة‪،‬‬
‫إذ أنهــا غــر مصممــة ملهاجمــة احلواســيب مباشــرة‪ ،‬بــل مهاجمــة األفــراد‪ ،‬ســيما أولئــك‬
‫غــر املتبصريــن‪ ،‬املكلفــن بتشــغيل وصيانــة وحمايــة أنظمــة تكنولوجيــا املعلومــات‪ ،‬أو‬
‫أصحــاب احلســابات الهامــة علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪ .‬كمــا تســتطيع الهندســة‬
‫االجتماعيــة حتــدي جميــع أنظمــة األمــان التقنيــ�ة‪ ،‬بغــض النظــر عــن متانتهــا ودرجــة‬
‫ً‬
‫تشــفريها‪ ،‬حبيــث تتوجــه إىل احللقــة األضعــف يف سلســلة األمــان‪ ،‬متمثلــة يف العنصــر‬
‫البشــري؛ تعتمــد يف ذلــك علــى احتماليــة ثقــة األفــراد ببعضهــم مقارنــة باألجهــزة التقنيـ�ة‪.‬‬
‫وألن الهندســة االجتماعيــة ترتكــز علــى التفاعــات البشــرية‪ ،‬تعتــر األجنــع يف‬
‫مجــال االخــراق‪ ،‬وال جيــدي معهــا أي حلــول فني ـ�ة‪ ،‬طالمــا لــم خيضــع األفــراد املســتهدفني‬
‫لتدريــب مكثــف‪ .‬فهــي ببســاطة شــديدة معــدة كــي تنفــذ عندمــا يعجــز املهاجــم عــن إجيــاد‬
‫ثغــرات تقنيـ�ة‪ .‬وحييــل مصطلــح الهندســة االجتماعيــة إىل ســياقان مختلفــان‪“ :‬تكنولوجيــا‬

‫‪220‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫املعلومــات” و “العلــوم السياســية”‪ .‬وهــو يف احلالــة الثاني ـ�ة رديــف للدعايــة‪ ،‬مــن ناحيــة‬
‫ســعيه للتأثــر يف عقــول اجلماهــر‪ ،‬باســتخدام أســاليب إقناعيــة وعاطفيــة‪ .‬أمــا ضمــن‬
‫تكنولوجيــا املعلومــات‪ ،‬فهــو إشــارة إىل محــاوالت اســتغالل اجلوانــب النفســية لإلنســان‬
‫مــن أجــل احلصــول علــى معلومــات وبي�انــات ســرية‪ ،‬أو الولــوج إىل أنظمــة حتكــم وســيطرة‪.‬‬
‫ً‬
‫لذلــك‪ ،‬الهندســة االجتماعيــة ليســت أســلوبا للتحكــم يف العقــل‪ ،‬كالدعايــة‪ ،‬بــل فــن وعلــم‬
‫متخصــص يف االحتيـ�ال النفــي‪ ،‬يهــدف إىل دفــع األفــراد حنــو إجنــاز مهــام بطريقــة تنســجم‬
‫مــع ســلوكياتهم االعتي�اديــة‪ .‬وجنــد مــن الضــروري هنــا التفريــق بــن الهندســة االجتماعيــة‬
‫ً‬
‫كأداة‪ ،‬وبــن النوايــا الــي تقــف خلفهــا؛ فالطبيــب مثــا يســتخدم الهندســة االجتماعيــة‬
‫ً‬
‫للتأثــر يف ســلوك املريــض إجيابــا‪ .‬وقــد يســتخدم شــخص محتــال الهندســة االجتماعيــة‬
‫يف خــداع مســتخدم ملواقــع الشــبكات االجتماعيــة مــن أجــل احلصــول علــى معلومــات‬
‫خاصــة‪ .‬ونالحــظ يف كلتــا احلالتــن أنهــا وظفــت كأداة‪ ،‬لكــن وفــق نوايــا مختلفــة‪ .‬وتؤكــد‬
‫معظــم األدبيــ�ات أن الهندســة االجتماعيــة «فــن» قبــل أن تكــون «علــم»‪ .‬فهــي عنــد‬
‫بعــض األفــراد موهبــة متأصلــة ال مهــارة مكتســبة‪ ،‬ســيما صفــات التالعــب والتضليــل‬
‫والتأثــر يف الالوعــي‪ .‬مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬ترتبــط خطــورة الهندســة االجتماعيــة علــى مواقــع‬
‫الشــبكات االجتماعيــة بمــدى الصعوبــة الــي يواجههــا املســتخدمني يف التعــرف علــى‬
‫احليــل النفســية املخصصــة لالخــراق‪ ،‬ســيما وأنــه يعتمــد علــى اإلقنــاع والثقــة‪.‬‬
‫ويف هــذا املضمــار‪ ،‬كشــفت العديــد مــن الدراســات عــن ثــاث مســتويات مرتبطــة‬
‫باإلقنــاع عــر الهندســة اإلجتماعيــة‪:‬‬
‫‌أ‪ .‬خصائص املصدر (املهاجم)‪.‬‬
‫‌ب‪ .‬خصائص الرسالة (املحتوى)‪.‬‬
‫‌ج‪ .‬خصائص الهدف (الشخص املستهدف)‪.‬‬
‫وفيمــا يتعلــق باملصــدر‪ ،‬يتطلــب اإلقنــاع باســتخدام الهندســة االجتماعيــة الظهــور‬
‫بمظهــر مطمــن ومريــح أمــام الشــخص املســتهدف‪ ،‬مــن خــال اســتغالل جوانــب اإلدراك‬
‫لديــه‪ ،‬مــا يدفعــه إىل االخنــراط مــع املهاجــم يف عالقــة مباشــرة‪ .‬أمــا مــا يتعلــق بالرســالة‪،‬‬

‫‪221‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫فيتطلــب اإلقنــاع ثقــة مســبقة تدفــع الشــخص املســتهدف إىل التعامــل مــع الرســالة‪ ،‬إمــا‬
‫بالنقــر علــى الرابــط الــذي حتتويــه‪ ،‬أو االمتث ـ�ال لعــرض أو طلــب ما‪...‬إلــخ‪ .‬وفيمــا خيتــص‬
‫خبصائــص‪ ،‬فاإلقنــاع يتطلــب دراســة مســبقة للشــخص املســتهدف‪ ،‬وجمــع أكــر قــدر مــن‬
‫املعلومــات عنــه‪ ،‬ثــم تصميــم نمــوذج نفــي مخصــص للتعامــل معــه‪.‬‬
‫ً‬
‫وأخـــرا‪ ،‬ال ترتبـــط الهندســـة االجتماعيـــة علـــى مواقـــع الشـــبكات االجتماعيـــة‬
‫باألنم ــاط التقليدي ــة فق ــط‪ ،‬ب ــل تتعداه ــا باجت ــاه اس ــتخدام أنم ــاط جدي ــدة‪ ،‬كاملنش ــورات‪،‬‬
‫والعالمــات‪ ،‬والتطبيقــات‪ ،‬واأللعــاب‪ ،‬واالنتحــال‪ ،‬أو حــى اإلقنــاع التفاعلــي املباشــر عــر‬
‫غ ــرف الدردش ــة وتطبيق ــات املراس ــلة الفوري ــة‪ .‬وجمي ــع م ــا س ــبق‪ ،‬يؤك ــد أن الهندس ــة‬
‫االجتماعي ــة ع ــر مواق ــع الش ــبكات االجتماعي ــة ه ــي عب ــارة ع ــن خ ــدع ت ــأيت عل ــى ش ــكل‬
‫رس ــائل‪ ،‬حتت ــوي عل ــى طل ــب‪ ،‬مط ــوب م ــن اله ــدف إم ــا املوافق ــة أو ال ــرد علي ــه‪ ،‬س ــواء‬
‫بالضغ ــط عل ــى راب ــط مرف ــق‪ ،‬أو االمتثـ ـ�ال اللتم ــاس عاطفي‪...‬إل ــخ‪.‬‬
‫‪ .1‬تعريف الهندسة االجتماعية‬
‫ُ‬
‫تع ــرف الهندس ــة االجتماعي ــة بكونه ــا عل ــم وف ــن دف ــع األف ــراد للتواف ــق والس ــر م ــع‬
‫رغباتــك‪ ،‬أو هــي تالعــب نفــي باألفــراد للقيــام بأنشــطة مــا أو إفشــاء معلومــات ســرية‪.‬‬
‫وهن ــاك م ــن يعتربه ــا محاول ــة مدروس ــة الس ــتغالل الثق ــة م ــن أج ــل جم ــع معلوم ــات‪ ،‬أو‬
‫ً‬
‫تنفي ــذ احتيــ�ال‪ ،‬أو الول ــوج إىل نظ ــام؛ أو ه ــي ف ــن اس ــتغالل النف ــس البش ــرية‪ ،‬ب ــدال م ــن‬
‫تقنيـــ�ات القرصنـــة‪ ،‬للولـــوج إىل النظـــم والبي�انـــات‪ .‬والهندســـة االجتماعيـــة هـــي تعبـــر‬
‫تلطيف ــي يش ــر إىل األس ــاليب غ ــر التكنولوجي ــة املصمم ــة ملهاجم ــة أنظم ــة املعلوم ــات‪،‬‬
‫مثـــل‪ :‬الكـــذب‪ ،‬واالنتحـــال‪ ،‬واخلـــداع‪ ،‬والرشـــوة‪ ،‬واالبـــزاز‪ ،‬والتهديـــد‪ ،‬كمـــا أنهـــا فـــن‬
‫التالعــب بشــخص مــا كــي يتخــذ إجــراء قــد يكــون أو ال يكــون يف مصلحتــه‪ ،‬وهــي بمــوازاة‬
‫كل م ــا س ــبق محاول ــة للتأث ــر يف اآلخري ــن والتالع ــب به ــم؛ لدفعه ــم كش ــف معلوم ــات‬
‫ش ــخصية حت ــت س ــتار م ــن الثق ــة‪ ،‬الس ــتغاللها ضده ــم‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫‪ .2‬مراحل هجمات الهندسة االجتماعية‬


‫علــى الرغــم مــن اختــاف أنــواع هجمــات الهندســة االجتماعيــة‪ ،‬إال أنهــا تتشــابه مــن‬
‫حيــث املراحــل واخلطــوات املطلوبــة لتنفيذهــا‪ .‬وتقســم هــذه املراحــل إىل اآليت‪:‬‬
‫‌أ‪ .‬مرحلــة اإلعــداد‪ :‬تشــمل حتديــد أهــداف الهجــوم‪ ،‬والفئــة املســتهدفة‪ ،‬ونــوع‬
‫الهجــوم‪.‬‬
‫‌ب‪.‬مرحلــة جمــع املعلومــات‪ :‬وتشــمل ثــاث خطــوات‪ :‬حتديــد املصــادر املحتملــة‬
‫(األفــراد املســتهدفني)‪ ،‬جمــع املعلومــات مــن املصــادر (مفتوحــة ومغلقــة) حــول األفــراد‪،‬‬
‫تقييــم كفايــة املعلومــات املجمعــة‪.‬‬
‫‌ج‪ .‬مرحلــة التحضــر‪ :‬يقــوم املهاجــم بتقييــم جــدوى املعلومــات وإعــداد صــورة وشــكل‬
‫ً‬
‫عــن الهجــوم مــن خــال‪ :‬أوال‪ :‬حتليــل املعلومــات وحتديــد أنمــاط الذرائــع املعقولــة الــي‬
‫ً‬
‫ستســتخدم يف االخــراق‪ .‬ثانيــ�ا‪ :‬حتديــد وســيلة الهجــوم (رســائل بريــد إلكــروين‪ ،‬روابــط‬
‫ضــارة‪ ،‬هندســة اجتماعيــة عكســية‪...‬إلخ)‪.‬‬
‫‌د‪ .‬مرحلــة تطويــر العالقــة مــع املســتهدف‪ :‬يقــوم املهاجــم بت�أســيس عالقــة مــع‬
‫الشــخص املســتهدف‪ ،‬وتهيئتـ�ه للهجــوم دون أن يشــعر‪ ،‬عــر كســب ثقتــه‪ .‬وهنــا يتــم إتبـ�اع‬
‫ً‬
‫مرحلتــن‪ :‬األوىل‪ :‬تأســيس اتصــال باســتخدام ذريعــة أو ادعــاء معــد ســلفا‪ .‬الثانيـ�ة‪ :‬تعميــق‬
‫وتعزيــز العالقــة‪ :‬وهــي أصعــب مرحلــة يف الهجــوم‪ ،‬إذ تتطلــب كســب ثقــة الضحيــة‪ ،‬مــن‬
‫خــال بن ـ�اء عالقــة إجيابي ـ�ة متين ـ�ة‪.‬‬
‫ً‬
‫‌ه‪ .‬مرحلــة اســتغالل العالقــة‪ :‬وهــي املرحلــة الفعليــة لبــدء الهجــوم‪ ،‬مــن خــال‪ :‬أوال‪:‬‬
‫التالعــب باملســتهدف لبلــوغ حالــة ذهنيـ�ة وعاطفيــة مطلوبــة‪ ،‬تتحصــل مــن خاللهــا الثقــة‬
‫ً‬
‫املطلوبــة لتوجيــه الطلــب‪ .‬ثاني ـ�ا‪ :‬اســتخراج املعلومــات املطلوبــة مــن املســتهدف‪ .‬وهــذه‬
‫املرحلــة هــي املقيــاس احلقيقــي الختيـ�ار مــدى مالئمــة وســيلة الهجــوم‪.‬‬
‫ً‬
‫‌و‪ .‬مرحلــة اإلحاطــة واالســتخالص‪ :‬وهــي املرحلــة األخــرة‪ ،‬وتتضمــن‪ :‬أوال‪ :‬اإلحاطــة‬
‫باملســتهدف وتثبيت ـ�ه مــن خــال التالعــب حبالتــه العاطفيــة مــرة أخــرى بغــرض ضمــان‬

‫‪223‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫ً‬
‫هدوئــه وراحتــه‪ ،‬وأال يشــعر أنــه تعــرض للخــداع‪ .‬ثانيـ�ا‪ :‬اســتخالص مــدى حتقــق الهــدف‪،‬‬
‫وإذا مــا يتطلــب إعــادة محاولــة‪ ،‬ومــن ثــم اســتغالل املعلومــات‪.‬‬
‫‪ .3‬العناصر املكونة للهندسة االجتماعية‬
‫تتكــون الهندســة االجتماعيــة مــن عناصــر متسلســلة بطريقــة منطقيــة تعكــس‬
‫خطــوات الهجــوم ومراحــه يوضحهــا الشــكل اآليت‪:‬‬

‫ﻣهﻨﺪس�إﺟﺘﻤﺎ��‬
‫ﻃﺮق�ﺟﺬب�ﻧﻔﺴﻴﺔ‬
‫ﺗﻜﺘﻴ�ﺎت�إﻳﻘﺎع‬
‫وﺳﻴ ــﻠﺔ‬
‫هﺪف‬
‫‪�-‬اﻟ��ﻳﺪ�اﻹﻟﻜ��و�ﻲ‪.‬‬ ‫‪�-‬ﺻﺪاﻗﺔ�وإ��ﺎب‪.‬‬
‫‪�-‬ﻣﺎل‪.‬‬ ‫‪�-‬وﺟهﺎ�ﻟﻮﺟﮫ‪.‬‬ ‫‪�-‬اﻹﺻﻄﻴﺎد‪.‬‬ ‫‪�-‬اﻟ��ام�وإ�ﺴﺎق‪.‬‬ ‫ﻣﻦ�اﳌﻤﻜﻦ�أن�ﻳ�ﻮن�‬
‫‪�-‬اﻟهﺎﺗﻒ‪.‬‬ ‫‪�-‬اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ�واﻹدﻋﺎء‪.‬‬ ‫‪�-‬اﻟﻨﺪرة‪.‬‬ ‫ً‬
‫‪�-‬ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت�ﺣﺴﺎﺳﺔ‪.‬‬ ‫��ﺼﺎ��ﻌﻤﻞ�ﻣﻦ�ﺗﻠﻘﺎء�‬
‫‪�-‬ﺗﺠﻨﻴﺪ‪.‬‬ ‫‪�-‬اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ�اﻟﻨﺼﻴﺔ‪.‬‬ ‫‪�-‬اﻟﻄﻌﻢ‪.‬‬ ‫‪�-‬اﻟﻔﺎﻋﻠﻴﺔ�اﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪.‬‬ ‫ذاﺗﮫ�أو�ﻳ�ﺒﻊ�ﳌﺆﺳﺴﺔ‪.‬‬
‫‪...�-‬إ��‪.‬‬ ‫‪�-‬اﻟﺸﺒ�ﺎت�اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪.‬‬ ‫‪�-‬اﳌﻘﺎﻳﻀﺔ‪.‬‬ ‫‪�-‬اﻟﺴﻠﻄﺔ‪.‬‬

‫طرق اجلذب النفسية‬


‫ً‬
‫‌أ‪ .‬الصداقــة واإلعجــاب‪ :‬ســيكون الضحيــة أكــر ميــا للتجــاوب يف حــال وجــود‬
‫اســتعداد مســبق أو صداقــة‪.‬‬
‫‌ب‪ .‬االلــزام أو االتســاق‪ :‬اســتغالل ميــل األفــراد حنــو تنفيــذ الزتاماتهــم‪ ،‬أو اتســاق‬
‫تصرفاتهــم مــع مواقفهــم‪.‬‬
‫ً‬
‫‌ج‪ .‬النــدرة‪ :‬اســتغالل ميــل األفــراد نفســيا حنــو تقديــر املــوارد الشــحيحة بغــض النظــر‬
‫عــن قيمتهــا الفعليــة‪.‬‬
‫‌د‪ .‬الفاعليــة االجتماعيــة‪ :‬اســتخدام الضغــط االجتماعــي عــر اســتغالل ميــل األفــراد‬
‫حنــو الســلوكيات املقبولــة اجتماعيــا‪.‬‬
‫‌ه‪ .‬الســلطة‪ :‬اســتغالل جتنــب األفــراد التعاطــي مــع طلبــات تــرد مــن أشــخاص‬
‫أصحــاب ســلطة‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫‪ .4‬أشكال هجمات الهندسة االجتماعية‬


‫توجــد عــدة تصنيفــات ألشــكال الهجمــات‪ ،‬منهــا مــا يعتمــد علــى اجلهــد البشــري‪،‬‬
‫ومنهــا علــى اجلهــد التقــي‪.‬‬

‫أﺷ�ﺎل���ﻤﺎت�اﻟهﻨﺪﺳﺔ�اﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‬

‫��ﻤﺎت�ﻗﺎﺋﻤﺔ�ﻋ���اﻟﻌﻨﺼﺮ�اﻟﺘﻘ��‬ ‫��ﻤﺎت�ﻗﺎﺋﻤﺔ�ﻋ���اﻟﻌﻨﺼﺮ�اﻟ�ﺸﺮي‬

‫‌أ‪ .‬الهجمــات القائمــة علــى العنصــر البشــري‪ :‬يقــوم املهاجــم‪ ،‬عــر هــذا النــوع مــن‬
‫ً‬
‫الهجمــات‪ ،‬بتنفيــذ الهجــوم شــخصيا‪ ،‬ويأخــذه علــى عاتقــه‪ ،‬مــن خــال التفاعــل املباشــر‬
‫مــع املســتهدف‪ ،‬بقصــد احلصــول علــى املعلومــات املرغوبــة‪ .‬ويعيــب هــذا النــوع‪ ،‬قلــة عــدد‬
‫الهجمــات الــي يمكــن للمهاجــم تنفيذهــا ضــد أكــر مــن هــدف‪.‬‬
‫‌ب‪ .‬الهجمــات القائمــة علــى العنصــر التقــي‪ :‬وهــي هجمــات تعتمــد يف حتصيــل‬
‫املعلومــات علــى أدوات تقني ـ�ة وبرمجيــة كاحلاســوب والهواتــف الذكيــة‪ .‬وتتمــز بقدرتهــا‬
‫تنفيــذ أكــر مــن هجــوم يف آن واحــد وضــد أكــر مــن هــدف‪.‬‬

‫وتقــرح دراســات تصنيــف آخــر ألشــكال هجمــات الهندســة االجتماعيــة‪ ،‬يعتمــد‬


‫علــى كيفيــة تنفيــذ الهجــوم‪ ،‬وفــق الشــكل اآليت‪:‬‬

‫أﺷ�ﺎل���ﻤﺎت�اﻟهﻨﺪﺳﺔ�اﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‬

‫��ﻮم�ﺗﻘ��‬ ‫��ﻮم�ﻣﺎدي‬ ‫��ﻮم�إﺟﺘﻤﺎ��‬

‫‌أ‪ .‬الهجمــات االجتماعيــة‪ :‬تعتمــد علــى قواعــد علــم النفــس‪ ،‬وتتــم عــر إقامــة عالقــة‬
‫مباشــرة مــع الضحيــة‪ ،‬ومــن ثــم التالعــب جبوانبهــا العاطفيــة لكســب ثقتهــا‪ .‬وهــي مــن‬
‫أخطــر األنــواع وأجنعهــا؛ ألنهــا تنطــوي علــى تفاعــل مباشــر‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫‌ب‪ .‬الهجمــات الماديــة‪ :‬تتــم عــر جهــد بــدين؛ أي أنهــا حتتــاج إىل نشــاط علــى األرض‬
‫للحصــول علــى املعلومــات‪ ،‬مثــل البحــث عــن الوثائــق يف مكــب النفايات‪...‬إلــخ‪.‬‬
‫‌ج‪ .‬الهجمــات التقنيــ�ة‪ :‬تتــم عــر الشــبكة العنكبوتيــ�ة‪ ،‬وتســتهدف الشــبكات‬
‫االجتماعيــة ومواقــع اخلدمــات اإللكرتونيــ�ة‪ ،‬مــن أجــل جمــع املعلومــات املطلوبــة‪ ،‬مثــل‬
‫كلمــات املــرور‪ ،‬تفاصيــل بطاقــات االئتمان‪...‬إلــخ‪.‬‬
‫‪ .5‬أنواع هجمات الهندسة االجتماعية‬
‫تتعــدد أنــواع هجمــات الهندســة االجتماعيــة؛ فهنــاك مــن يصنفهــا بالنظــر إىل‬
‫طبيعــة املهاجــم‪ :‬بشــري‪ ،‬تفــي؛ وهنــاك مــن يصنفهــا وفــق الكيفيــة الــي بموجبهــا يتــم‬
‫تطبيــق الهجــوم‪ :‬اجتماعيــة‪ ،‬تقني ـ�ة‪ ،‬وماديــة‪ .‬وبالنظــر إىل درجــة التب�ايــن والتعقيــد بــن‬
‫أنــواع هجمــات الهندســة االجتماعيــة‪ ،‬يمكــن تبــي تصنيــف ثالــث أكــر مرونــة وشــمولية‪،‬‬
‫يقســم األنــواع ضمــن فئتــن‪ :‬هجمــات مباشــرة‪ ،‬وغــر مباشــرة‪.‬‬
‫‌أ‪ .‬الهجمــات املباشــرة ‪ :Direct‬وهــي هجمــات تتــم بشــكل مباشــر‪ ،‬ســواء عــن طريــق‬
‫ً‬
‫املواجهــة املباشــرة‪ ،‬أو عــر االتصــال البصــري أو التفاعــل الصــويت‪ .‬وتتطلــب تواجــدا‬
‫للمهاجــم يف منطقــة الضحيــة أو بالقــرب منــه لتنفيذهــا‪ .‬ومــن أمثلــة هــذا النــوع‪:‬‬
‫‪ -‬الولــوج المــادي ‪ :Physical Access‬حضــور أو تواجــد املهاجــم يف مــكان املعلومــات‬
‫ً‬
‫واحلصــول عليهــا بشــكل شــخيص‪ ،‬بمــا يشــمل ســرقته للمعلومــات أيــا كانــت صيغتهــا‪.‬‬
‫‪ -‬تفتيــش القمامــة ‪ :Dumpster Diving‬البحــث يف القمامــة اخلاصــة بشــخص أو‬
‫مؤسســة مــا مــن أجــل الوقــوع علــى املعلومــات أو وســائل ختزينهــا‪ ،‬كالوثائــق‪ ،‬واحلواســيب‬
‫القديمــة‪ ،‬واألســطوانات املدمجــة‪ ،‬وذاكــرة التخزيــن املحمول‪...‬إلــخ‪.‬‬
‫ ‪ -‬الهندســة االجتماعيــة بالهاتــف ‪ :Phone Social Engineering‬هجمــات تتــم‬
‫عــر ادعــاء املهاجــم بكونــه شــخصية مــا‪ ،‬أو تبعيتـ�ه ملؤسســة مــا‪ ،‬ثــم يبـ�دأ باحلصــول علــى‬
‫معلومــات مــن الضحيــة عــر الهاتــف‪.‬‬

‫‪226‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫‪ -‬االنتحــال ‪ :Pretexting‬اختــاق ســين�اريوهات وهميــة‪ ،‬لكنهــا مقنعــة مــن أجــل‬


‫ســرقة املعلومــات الشــخصية للضحيــة‪ .‬وهــي تســتن�د إىل ذرائــع وقصــص وطلبــات تدفــع‬
‫الضحيــة إىل تصديــق املهاجــم والوثــوق بــه‪.‬‬
‫‪ -‬اســراق النظــر ‪ :Shoulder Surfing‬تركــز وتوجيــه النظــر إىل الضحيــة دون علمــه‬
‫خــال عمليــة إدخالــه ملعلومــات حساســة كالرقــم الســري‪.‬‬
‫‌ب‪ .‬الهجمــات غــر املباشــرة ‪ :Indirect‬ال يتطلــب هــذا النــوع وجــود مباشــر للمهاجــم‪،‬‬
‫حيــث يمكــن شــن الهجــوم عــن ُبعــد‪ ،‬ســواء عــر الربيــد اإللكــروين أو الرســائل أو عــر مواقــع‬
‫الشــبكات االجتماعية‪...‬إلــخ‪ .‬ومــن أمثلــة هــذا النــوع‪:‬‬
‫‪ -‬االصطيــاد اإللكــروين ‪ :Phishing‬أســلوب للتحايــل علــى مســتخديم اإلنرتنــت‬
‫عــر هيئـ�ة غــر مشــكوك فيهــا‪ ،‬كرســائل الربيــد اإللكــروين‪ ،‬واإلعالنــات‪ ،‬وبرامــج مكافحــة‬
‫الفريوســات‪ ،‬والعــروض املجانيــ�ة‪ ،‬واملواقــع املزيفة‪...‬إلــخ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬الربامــج املزيفــة ‪ :Fake Software‬وتســى أيضــا هجمــات مواقــع الويــب املزيفة‪،‬‬
‫ً‬
‫وتعتمــد علــى إعــداد موقــع مزيــف أو ترويــج برنامــج ضــار‪ ،‬يبـ�دو للضحيــة موثوقــا‪ ،‬وبالتايل‬
‫حتميــل الربنامــج‪ ،‬أو إدخــال البي�انــات الشــخصية علــى املوقــع املزيــف‪.‬‬
‫‪ -‬النوافــذ املنبثقــة ‪ :Pop-Up‬نوافــذ تظهــر علــى شاشــة حاســوب الضحيــة‪ ،‬كنوافــذ‬
‫اإلعالنــات‪ ،‬أو نوافــذ انقطــاع االتصــال‪ .‬وهنــا ُيطلــب مــن الضحيــة إمــا الضغــط علــى‬
‫النافــذة‪ ،‬وبالتــايل حتميــل برنامــج خبيــث‪ ،‬أو إدخــال بي�انــات االتصــال ليتــم ســرقتها‪.‬‬
‫‪ -‬الهندســة االجتماعيــة العكســية ‪ :Reverse Social Engineering‬تتــم عــر‬
‫خطــوات متالحقــة‪ ،‬تبـ�دأ بــريم طعــم للضحيــة إلثــارة فضولهــا‪ ،‬ثم انتظــار اتصــال الضحية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫باملهاجــم‪ ،‬وصــوال إىل احلصــول علــى املعلومــات‪ .‬فمثــا‪ ،‬يمكــن ملهاجــم أن يتســبب عــن‬
‫قصــد بمشــاكل تقنيــ�ة للشــبكة‪ ،‬ثــم يعلــن أنــه الوحيــد القــادر علــى إصالحهــا‪ ،‬ليقــوم‬
‫الضحيــة باالتصــال بــه حللهــا‪ ،‬وهنــا يتحقــق الهــدف دون إدراك مــن الضحيــة‪ .‬والفــرق بني‬
‫الهندســة االجتماعيــة العكســية وبــايق االنــواع‪ ،‬هــو أن الضحيــة هــو الــذي يبـ�ادر باالتصــال‬
‫علــى املهاجــم‪ ،‬بعكــس األنــواع األخــرى الــي يب ـ�ادر فيهــا املهاجــم‪.‬‬

‫‪227‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫وجميــع األنــواع الســابقة هــي غيــث مــن فيــض‪ ،‬إذ ال يمكنن ـ�ا حصــر جميــع األنــواع‪،‬‬
‫ً‬
‫ونــرك للقــارئ الكريــم فرصــة التبصــر شــخصيا حــول املوضــوع واالســزادة ملصلحتــه‬
‫املعرفيــة‪.‬‬
‫‪ .6‬قابلية املستخدم للوقوع يف شرك الهندسة االجتماعية‬
‫تشــر «القابليــة» إىل اخلــدع غــر املباشــرة الــي قــد تؤثــر يف إدراك مســتخدم مواقــع‬
‫الشــبكات االجتماعيــة‪ ،‬وتزيــد مــن فرصــة وقوعــه يف شــرك الهندســة االجتماعيــة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فالرســالة مثــا‪ ،‬قــد حتمــل خصائــص جــذب مفربكــة عمــدا تؤثــر علــى حكــم املســتخدم‪،‬‬
‫ً‬
‫حبيــث ترفــع مــن درجــة اســتعداده للتعامــل معهــا‪ ،‬وصــوال إىل الفــخ‪ .‬لذلــك هــو نــوع مــن‬
‫اخلــداع الظاهــري‪ ،‬املكتســب باملالحظــة‪ ،‬ســواء خلصائــص املصــدر أو الرســالة؛ وهــو‬
‫احتيــ�ال غــر مباشــر‪ ،‬يعتمــد علــى حتفــز املســتخدم‪ ،‬مــن خــال ختديــر مكامــن احلــذر‬
‫والفحــص لديــه‪ ،‬حــى اإليقــاع بــه‪.‬‬
‫‪ .7‬سمات شرك الهندسة اإلجتماعية‬
‫‌أ‪ .‬املصــدر (املهاجــم)‪ :‬يمكــن للمهاجــم أن جيــذب انتبـ�اه الهــدف‪ ،‬مــن خــال تأســيس‬
‫حســاب خــاص لــه علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪ ،‬وبالتــايل اكتســاب صداقتــه‪ .‬ولكــن‬
‫كيــف جيــذب املهاجــم الضحيــة إليــه؟ وهنــا جنيــب‪ ،‬أن بعــض املســتخدمني يتعمــدون‬
‫قبــول طلبــات الصداقــة فقــط يف حــال وجــود أصدقــاء مشــركني‪ .‬وحتــت ســقف هــذه‬
‫احلقيقــة‪ ،‬يســتطيع املهاجــم خــداع الهــدف‪ ،‬عــر تأســيس صداقــات مســبقة مــع أفــراد‬
‫مــن قائمــة أصدقائــه‪ ،‬وبالتــايل جذبــه إليــه‪ .‬ويفيــد هــذا اإلجــراء خــال مرحلــة تأســيس‬
‫االتصــال وبن ـ�اء العالقــة‪.‬‬
‫‌ب‪ .‬الرســالة (املحتــوى)‪ :‬وهنــا حيــاول املهاجــم جــذب املســتخدم إىل رســالته‪ ،‬الــي قــد‬
‫حتــوي علــى رابــط خبيــث‪ ،‬أو طلــب‪ ،‬أو رقــم هاتــف‪ ،...‬مــن خــال مراعــاة عــدة إجــراءات‪،‬‬
‫كاآليت‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬التالعــب باملنظــور املعلومــايت للرســالة‪ :‬فالرســالة الطويلــة‪ ،‬مثــا‪ ،‬تشــر إىل قيمــة‬
‫معلوماتي ـ�ة كبــرة‪ ،‬قــد جتــذب الشــخص املســتهدف إليهــا‪.‬‬

‫‪228‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫‪ -‬التالعــب باملنظــور اإلقناعــي للرســالة‪ :‬فالتنظيــم الداخلــي اجليــد للرســالة‪ ،‬مــع‬


‫مراعــاة قواعــد اإلمــاء والنحــو‪ ،‬إىل جانــب وجــود صــور أو مشــاهد فيديــو داعمــة‪ ،‬قــد تزيــد‬
‫مــن قابليــة الهــدف للتعامــل مــع الرســالة والوقــوع يف الفــخ‪.‬‬
‫‪ -‬التالعــب بمنظــور املخاطــرة‪ :‬قــد يرفــض املســتهدف التعامــل مــع محتــوى رســائل‬
‫تضــم روابــط أو تطبيقــات‪ ،‬لذلــك يعمــد املهاجــم إىل ختفيــف حــدة احلــذر مــن خــال‬
‫التالعــب بعــدد االعجابــات اخلاصــة بالرســالة‪ .‬فمــن خــال تكثيــف تعــداد خاصيــة‬
‫االعجــاب‪ ،‬قــد يطمــن املســتهدف للرســالة ومــا حتتويــه مــن محتــوى‪.‬‬

‫شكل يوضح مسارات اإلقناع اليت توظفها الهندسة االجتماعية‬


‫جتاه مستخديم الشبكات االجتماعية‬

‫اﳌﺴﺎر� اﳌﺮﻛﺰي‪ �:‬و�ﻌﺘﻤﺪ� ﻋ��� ﻗﺪرات� اﳌهﺎﺟﻢ�‬


‫اﻹﻗﻨﺎﻋﻴﺔ�وﺟﻮدة�رﺳﺎﺋﻠﮫ����إﻗﻨﺎع�اﳌﺴﺘﺨﺪم�و�ﺎﻟﺘﺎ���‬
‫ً‬
‫�ﻐﻴ���ﻣﻮاﻗﻔﮫ�إﻳﺠﺎﺑﺎ‪�،‬ﺣ���اﻟﻮﻗﻮع����اﻟﻔﺦ‪.‬‬

‫اﳌﺴﺎر�اﻻﻟﺘﻔﺎ��‪��:‬ﺴﺘﺨﺪم����ﺣﺎل�ﻗﻮة�اﻟﺘﺨﻄﻴﻂ�أو�‬
‫اﺗﻘﺎن�ا��ﺒﻜﺔ‪�،‬و�ﻌﺘﻤﺪ�ﺑﺎﻟﺪرﺟﺔ�اﻷو���ﻋ���اﳌﺴ��ﺪف�‬
‫وﻣﺪى� اﻗﺘﻨﺎﻋﮫ� واﻧﺠﺬاﺑﮫ� ﻟﻠﻄﻌﻢ� اﳌﻨﺼﻮب‪ �،‬ﺳﻮاء�‬
‫داﺧﻞ�ﻣﺤﺘﻮى�اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ‪�،‬أو�اﻟﺸ�ﻞ�اﻟﻈﺎهﺮي�ﻟﻠﺮﺳﺎﻟﺔ‪.‬‬

‫املصدر‪( :‬املؤلف نفسه)‬

‫‪229‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫الزتييف العميق‬
‫تشــهد اآلونــة األخــرة ســيطرة واضحــة للوســائط البصريــة يف مضمــار توثيــق‬
‫األحــداث ونقــل الرســائل حــول العالــم‪ .‬وبمــوازاة هــذه الهيمنــة‪ ،‬تــزداد علــى حنــو متعاظــم‬
‫األخطــار املرتتب ـ�ة عــن انتشــار املعلومــات املفربكــة واملزيفــة‪ .‬وحبســب مشــروع ملؤسســة‬
‫رويــرز لإلعــام بالتعــاون مــع موقــع فيســبوك‪ ،‬يعتــر املحتــوى البصــري‪ ،‬كالصــور ومقاطــع‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الفيديــو وغريهــا‪ ،‬احلاضــن األهــم للمعلومــات املزيفــة‪ ،‬ســيما وأنــه األكــر رواجــا وتــداوال‬
‫بــن املســتخدمني (‪.)Reuters:2019‬‬
‫ويت�ألــف مصطلــح الزتييــف العميــق ‪ Deep Fake‬مــن مقطعــن مدمجــن‪ ،‬التعلــم‬
‫العميــق والزتييــف‪ ،‬حبيــث يشــر بكليت ـ�ه إىل املــواد املزيفــة الــي جيــري صناعتهــا باالعتمــاد‬
‫علــى آليــة التعلــم العميــق ‪ ،Deep learning‬الــي هــي جــزء مــن تكنولوجيــا الــذكاء‬
‫االصطناعــي‪ ،‬القائمــة علــى تتبــع أنمــاط وخصائــص املحتــوى البصــري احلقيقــي بشــكل‬
‫ً‬
‫يســمح للحاســوب استنســاخ مقطــع مشــابه لــه تمامــا‪ ،‬أو صناعــة مشــهد مزيــف بالكليــة‪.‬‬
‫وهــو شــكل جديــد مــن التالعــب يتيــح إمكانيـ�ة توليــد محــاكاة واقعيــة لوجــه شــخص مــا أو‬
‫ً‬
‫صوتــه أو حركاتــه‪ ،‬حبيــث يبـ�دو كأن هــذا الشــخص قــد قــال أو فعــل أمــرا‪ ،‬وهــو لــم يقــم بــه‬
‫يف احلقيقيــة (اجلزيــرة‪.)2020:‬‬
‫وينظــر للزتييــف العميــق بكونــه جــزء مــن مجــال متخصــص‪ ،‬يطلــق عليــه «تالعــب‬
‫ســمعي‪-‬بصري ‪ ،»Audiovisual Manipulation‬يهــدف إىل التأثــر يف املــدركات والتفســرات‬
‫اخلاصــة باألفــراد بوســائل تقنيـ�ة اجتماعيــة (‪ .)Paris & Donovan:2019‬وينقســم املجــال إىل‬
‫ً‬
‫أشــكال تزييــف رخيصــة ‪ Cheap‬تعتمــد علــى تقنيـ�ات تقليديــة شــائعة غــر معقــدة نســبي�ا‪،‬‬
‫ً‬
‫وأشــكال تزيــف حديثــ�ة‪ ،‬معقــدة وعميقــة ‪ Deep‬ترتكــز حصــرا علــى تقنيــ�ات الــذكاء‬
‫االصطناعــي (‪.)Ibid‬‬
‫وقبــل احلديــث عــن تكنولوجيــا الزتييــف العميــق‪ ،‬جنــد أنفســنا ملزمــن بالتطــرق‬
‫إىل أنمــاط وأشــكال مــن التالعــب البصــري الشــائعة‪ ،‬ســيما وأنهــا ســمة عصريــة شــعبي�ة‬
‫ســلبي�ة‪ ،‬اكتســحت مجالنــا االفــرايض‪ ،‬وشــوهت ملنظــور احلقيقــة‪ ،‬حىت أصبح املســتخدم‬

‫‪230‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫ال يمــز بــن األصلــي واملزيــف‪ ،‬ســاعد يف ذلــك انتشــار الربامــج الــي تســاعد علــى الزتييــف‪،‬‬
‫وظهــور مواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪ ،‬إىل جانــب الســرعة الهائلــة يف انتشــار املحتــوى‪ ،‬دون‬
‫مراعــاة لقواعــد التحقــق‪.‬‬
‫‪ .1‬أشكال التالعب والزتييف‬
‫اﳌﻌﺎ��ﺔ�واﻟﺘﻌﺪﻳﻞ‬

‫اﻟﺘﻼﻋﺐ�ﺑﺎﻟﺴﻴﺎق‬ ‫أﺷ�ﺎل�ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ‬
‫اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ�واﳌﺸﺎ��ﺔ‬

‫اﻟ�ﺴﺮ�ﻊ�واﻟﺘﺒﻄﻲء‬ ‫ﺗﻼﻋﺐ‬
‫ﺳﻤ���‪�-‬ﺑﺼﺮي‬

‫اﻟﻌﺮوض�اﻹﻓ��اﺿﻴﺔ‬

‫اﺳ�ﺒﺪال�اﻟﻮﺟﮫ‬ ‫أﺷ�ﺎل�ﺣﺪﻳﺜﺔ‬

‫ﻣﺰاﻣﻨﺔ�اﻟﺸﻔﺎﻩ‬

‫اﻟﺘﻮﻟﻴﻒ�اﻟﺼﻮ�ﻲ‬

‫‌أ‪ .‬أشكال تالعب تقليدية‬


‫يقصــد باألشــكال التقليديــة‪ ،‬تلــك املــواد البصريــة الــي ختضــع للتعديــل والتالعــب‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫بأســاليب غــر معقــدة‪ ،‬تســتخدم فيهــا برامــج حاســوبي�ة متاحــة جماهرييــا‪ ،‬مثــل برامــج‬
‫«الفوتوشــوب‪ ،‬الربيميــر‪ »...‬وغريهــا‪ .‬والتالعــب وفــق هــذه الصيغــة ناجــم عــن امــزاج‬
‫تكنولوجيــا معاجلــة املحتــوى البصــري باألبعــاد االجتماعيــة‪ ،‬وقــدرة األفــراد علــى معاجلــة‬
‫ونشــر أي محتــوى بأســلوب يســتجيب ألهدافهــم‪ .‬والتــايل اســتعراض ألهــم االشــكال‬
‫التقليديــة‪:‬‬
‫‪ .1‬التالعــب باملعاجلــة والتعديــل‪ :‬هــو نطــاق يهتــم بإدخــال تغيــرات مــن طفيفــة إىل‬
‫متوســطة علــى املحتــوى البصــري‪ ،‬ســواء مــن حيــث اللــون واإلضــاءة واجلــودة‪ ،‬أو القــص‬
‫ً‬
‫والرتكيــب‪ ،‬أو التســريع والتبطــيء‪ ،‬أو توليــف واســتب�دال الصــوت؛ وعــادة مــا يســتخدم‬
‫برنامــي فوتوشــوب وبريمــر يف هــذا املجــال‪ ،‬عــر إنتـ�اج محتــوى بصــري تشــهريي؛ كرتكيــب‬

‫‪231‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫صــور فاضحــة لبعــض املشــاهري والسياســيني‪ ،‬أو تســريع صــوت مســؤول بغــرض التنـ�در‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عليــه‪ .‬ويف العمــل اإلعــايم‪ ،‬تعتــر عمليــة التالعــب عامــا أساســيا يف تصنيــف املحتــوى‬
‫كفعــل دعــايئ مقصــود؛ لذلــك جميــع التصنيفــات القادمــة ســتعتمد يف شــرحها علــى قاعدة‬
‫انطالقهــا مــن اشــتغال متعمــد‪ .‬والتالعــب باملعاجلــة والتحريــر حيتــوي عــدة أشــكال‪ ،‬مثــل‪:‬‬
‫‪ 1.1‬الصــوت‪ :‬هنــا حيافــظ املحتــوى البصــري علــى موثوقيت ـ�ه وتسلســله املــريئ‪ ،‬لكنــه‬
‫ً‬
‫خيضــع لتغيــر علــى مســتوى الصــوت‪ ،‬ســواء حبــذف األصلــي كليــا واســتب�داله أو تســريعه‬
‫أو تبطيئـ�ه أو تقطيعــه حبســب الهــدف‪ .‬فعلــي ســبي�ل املثــال‪ ،‬أفــادت مؤسســة رويــرز عــن‬
‫وجــود مقطــع فيديــو يوثــق حلادثــة ســقوط طائــرة عاموديــة مــن الســماء‪ ،‬يرافــق املشــهد‬
‫أصــوات يف اخللفيــة جلنــود حيتفلــون ويعلنــون مســؤولية إســقاطها‪ .‬لكــن أتضــح فيمــا‬
‫ً‬
‫بعــد‪ ،‬أن الصــوت مأخــوذ عــن مشــهد آخــر‪ ،‬حبيــث تــم تركيب ـ�ه بــدال عــن الصــوت األصلــي‬
‫للمقطــع (‪.)Reuters:2019‬‬
‫‪ 2.1‬األلــوان واإلضــاءة‪ :‬باملبــدأ الســابق نفســه‪ ،‬حتافــظ الصــورة أو املشــهد امللتقــط‬
‫ً‬
‫علــى موثوقيت ـ�ه‪ ،‬ولكنــه خيضــع لعمليــة تالعــب علــى مســتوى اإلضــاءة أو اللــون‪ .‬فمثــا‪،‬‬
‫يقــوم شــخص بالتقــاط صــورة أو مشــهد لتجمــع غيــوم كثيفــة‪ ،‬ثــم يضيــف عليهــا مرشــح‬
‫ً‬
‫لــوين غامــق جيعلهــا تب ـ�دو داكنــة وأكــر قتامــة‪ ،‬وبالتــايل أكــر رعبــا مــن ذي قبــل (‪.)Ibid‬‬
‫‪ 3.1‬عناصــر غــر أصيلــة‪ :‬هنــا‪ ،‬ختضــع الصــورة أو املشــهد إلضافــات غــر أصيلــة؛‬
‫ً‬
‫بهــدف بنـ�اء منظــور إدراكــي جديــد‪ .‬فمثــا‪ ،‬قــام مســتخدم بإضافــة عنصــر لســمكة قــرش‬
‫ً‬
‫ودمجهــا مــع صــورة أصلية لســباح‪ ،‬ونشــرها علــى موقع فيســبوك‪ ،‬حبيــث صنعــت انطباعا‬
‫ً‬
‫مزيفــا لــدى املتابعــن بمطــاردة القــرش للســباح‪ .‬وينقســم هــذا املســتوى مــن الزتييــف إىل‬
‫نوعــن‪ :‬األول يشــمل صــور ومقاطــع حقيقيــة يضــاف إليهــا عناصــر خارجيــة غــر أصيلــة‪،‬‬
‫بينمــا يضــم النــوع الثــاين صــور ومقاطــع غــر حقيقيــة بالكليــة‪ ،‬يقــوم جهــاز احلاســوب علــى‬
‫إعدادهــا بإشــراف بشــري ‪ .Computer-Generated Imagery‬وهــذا األخــر يتطلــب مهــارة‬
‫متقدمــة علــى اســتخدام برامــج متخصصــة يف صناعــة املؤثــرات البصريــة كاآلفرتإفكتــس‬
‫مــن أجــل تكويــن مشــهد أقــرب مــا يكــون إىل الواقــع‪ .‬وبرغــم قــدرة اجلمهــور على تميــز هذه‬
‫ً‬
‫األنمــاط‪ ،‬إال أنهــا قــد ختدعــه حــال دمــج العناصــر اخلارجيــة بمهــارة‪ ،‬حبيــث تتســق منطقيــا‬

‫‪232‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫ً‬
‫مــع املشــهد‪ .‬فمثــا‪ ،‬انتشــر مقطــع فيديــو علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة يظهــر لنمــر‬
‫ً‬
‫مزمجــر يتجــول يف الشــوارع بــن النــاس‪ ،‬ليتضــح الحقــا أن املشــهد لكلــب محلــي يركــض‬
‫ً‬
‫ناحبــا علــى المــارة‪ .‬واملثــال املقــدم‪ ،‬يبــن قــدرة املتاعــب علــى إخفــاء الكلــب مــن املشــهد‬
‫احلقيقــي واســتب�داله بعنصــر خــاريج يتجســد يف حيــوان مفــرس كالنمــر (‪.)Ibid‬‬
‫‪ .2‬التســريع والتبطــيء‪ :‬تــؤدي تقنيــي التســريع والتبطــيء داخــل املقطــع البصــري‬
‫ً‬
‫دورا يف صناعــة تفســرات محــددة‪ ،‬يرغــب املتاعــب يف إثارتهــا وحتفزهــا لــدى املشــاهد‪.‬‬
‫ً‬
‫فمثــا‪ ،‬تاعــب مؤيــدون لرئيــس الواليــات املتحــدة بمشــهد عضــو احلــزب الديمقراطــي‬
‫ورئيــس مجلــس النــواب نانــي بيلــويس «‪ »Nancy Pelosi‬مــن خــال تبطــيء ســرعة املشــهد‬
‫بنســبة ‪ ،75%‬مــا أدى إىل ظهورهــا وكأنهــا يف حالــة ثمالــة بالكامــل (‪.)*()The Gaurdian:2019‬‬
‫‪ .3‬التالعــب بالســياق احلقيقــي‪ :‬خيتلــف هــذا النــوع عــن ســابقه يف عــدم خضــوع‬
‫املحتــوى البصــري ألي تعديــل أو تزييــف مباشــر يف جوهــره‪ ،‬بــل توظيفــه بشــكل انتقــايئ يف‬
‫ســياق جديــد مختلــف عــن احلقيقــي ‪Re-contextualized‬؛ ومــن أشــكاله الراجئــة‪:‬‬
‫‪ 1.3‬االنتقــاء املتعمــد للقطــات الداخليــة‪ :‬يتعمــد املســتخدم انتقــاء لقطــات معني ـ�ة‬
‫ً‬
‫مــن محتــوى أصلــي موجــود ومنشــور ســلفا‪ ،‬مــن أجــل إنشــاء محتــوى مقلــص يعتمــد يف‬
‫بنـ�اءه علــى مشــاهد ُمقتطعــة ومنعزلــة بــا ســياق مرابــط‪ ،‬بهــدف صناعــة انطبــاع جديــد‪،‬‬
‫خيالــف التصــور الــذي قــد ينشــأ حــال التعــرض لكامــل املحتــوى األصلــي‪.‬‬
‫فعلــى ســبي�ل املثــال‪ ،‬قــام مســتخدمون بانتقــاء مشــاهد عــن مادة منشــورة علــى موقع‬
‫شكل يوضح اإلنتقاء املتعمد للقطات‬

‫املصدر‪( :‬املؤلف نفسه)‬


‫‪https://www.reuters.com/manipulatedmedia‬‬ ‫ملشاهدة املقطع احلقيقي واملزور‪:‬‬ ‫(*)‬

‫‪233‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫‪ ،YouTube‬ثــم إعــداد محتــوى جديــد مدتــه ‪ 4‬دقائــق يقــدم لقصــة مزيفــة عــن تصعيــد نــووي‬
‫بــن حلــف الناتــو وروســيا‪ ،‬ظهــرت فيــه عمليــات إخــاء مللكــة بريطانيـ�ا وانطــاق لصواريخ‬
‫مــن ســفن روســية إضافــة إىل مشــهد النفجــار نــووي‪ ،‬تــم نســبه إىل ‪ ،BBC‬ونشــره علــى‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تطبيــق ‪ ،WhatsApp‬حبيــث الىق رواجــا كبــرا بــن املســتخدمني‪ .‬تبــع ذلــك إصــدار ‪ BBC‬بيـ�ان‬
‫تعلــن فيــه أن اللقطــات املزيفــة مأخــوذة عــن مــادة مدتهــا ‪ 30‬دقيقــة‪ ،‬صــادرة عــن شــركة‬
‫تســويق إيرلنديــة‪ ،‬مصممــة كاختبــ�ار نفــي لقيــاس ردود األفعــال املرتبطــة بســين�اريو‬
‫ويالحــظ مــن خــال املثــال الســابق‪ ،‬أن توظيــف تطبيــق‬ ‫كارثــة (‪ُ .)Paris & Donovan:2019‬‬

‫‪ WhatsApp‬خلاصيــة التشــفري أوجــد حالــة مــن املوثوقيــة‪ ،‬ســيما إذا جــاءت املعلومــات‬
‫ً‬
‫مــن مصــادر معروفــة‪ .‬ولكــن هــذه احلالــة اآلمنــة هــي حتديــدا مــا يســتغله املتالعــب‪.‬‬
‫فبمجــرد اســتقباله مقطــع فيديــو أو صــورة مــن شــخص معــروف‪ ،‬ســينت�اب املســتخدم‬
‫شــعور بوجــوب مشــاركته مــع أفــراد آخريــن دون النظــر إىل مــدى صحتــه (‪.)Kreiss:2017‬‬
‫وبرغــم ســعي تطبيــق ‪ WhatsApp‬تقليــص هامــش اســتقبال وانتشــار املعلومــات املزيفــة‪،‬‬
‫عــر تأمينهــا إيصــال موثــوق بــن املســتخدمني‪ ،‬إال أن ذلــك مكــن املعلومــات املزيفــة مــن‬
‫التخفــي عــن حمــات الرصــد واملتابعــة والكشــف‪ .‬وال يقــف التالعــب بالســياق عنــد‬
‫هــذا احلــد‪ ،‬فالعديــد مــن التجــارب حــول العالــم قدمــت ألمثلــة حــول كيفيــة اســتغالال‬
‫املســتخدمني للســياقات العســكرية واالجتماعيــة والسياســية القائمــة يف أجــل نشــر‬
‫ً‬
‫محتــوى بصــري ال يبعــد عنهــا‪ ،‬حتقيقــا ألهــداف دعائي ـ�ة حبتــة‪.‬‬
‫‪ 2.3‬الربــط املزيــف بــن الصــور واألحــداث‪ :‬يتعمــد بعــض املســتخدمني ربــط صــورة‬
‫مــا حبــدث معــن مــن أجــل صناعــة إطبــاع تأكيــدي‪ ،‬يرتكــز علــى مبــدأ «الصــورة ال تكذب»‪.‬‬
‫ً‬
‫فمثــا‪ ،‬يقــوم مســتخدم بربــط صــورة لشــهداء فلســطينيني بالغارات الــي تشــنها الواليات‬
‫املتحــدة علــى أفغانســتان‪.‬‬
‫‪ 3.3‬االنتفــاء املتعمــد لزوايــا املشــهد‪ :‬يتقصــد بعــض املصوريــن اختيـ�ار زاويــة تصويــر‬
‫ً‬
‫تصنــع ملشــهد مخالــف لمــا هــو موجــود علــى أرض الواقــع‪ .‬فمثــا‪ ،‬يقــوم مصــور فوتوغــرايف‬

‫‪234‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫بالتقــاط صــورة مــن زاويــة ضيقــة حلشــد جماهــري تعكــس انطباعــات بضعــف املشــاركة‬
‫الشــعبي�ة‪ ،‬والعكــس صحيــح‪.‬‬
‫‪ .4‬التمثي ـ�ل واملشــابهة‪ :‬يعتمــد علــى ســين�اريو تمثيلــي‪ ،‬حيــاول مــن خاللــه املتالعــب‬
‫صناعــة محتــوى مزيــف بالكامــل يصــب يف خدمــة توجــه ســيايس أو اجتماعــي أو أيديولويج‬
‫ً‬
‫(‪ .)Reuters:2019‬فمثــا‪ ،‬تقــوم مجموعــة مــا بتصويــر مقطــع تمثيلــي تتخللــه عمليــة اعتــداء‬
‫علــى شــاب مــن طائفــة معينــ�ة‪ ،‬وتتعمــد إظهــار انتمــاء املعتديــن لطائفــة أخــرى‪ ،‬األمــر‬
‫الــذي قــد حيفــز صدامــات مجتمعيــة واســعة‪ .‬أمــا املشــابهة‪ ،‬فتعــي اســتغالل الشــبه‬
‫ً‬
‫القائــم بــن فرديــن يف صناعــة محتــوى مضلــل يصــب يف خدمــة هــدف مــا‪ .‬فمثــا‪ ،‬وظــف‬
‫املستشــار القانــوين للرئيــس الفلبيــي رودريجــو دوترتيـ�ه «‪ »Rodrigo Duterte‬شــريط فيديــو‬
‫إبــايح مزيــف ضــد الســين�اتور املعــارض ليلــي ديليمــا «‪ »Leila De Lima‬لتبريــر محاكمتهــا‬
‫ً‬
‫وإيداعهــا الســجن‪ ،‬وتبــن الحقــا أن الشــريط ألنــى شــبيهة (‪.)Philstar:2016‬‬
‫‌ب‪ .‬أشكال تالعب حديث�ة‬
‫يهــدد التالعــب احلديــث ‪ Artificial Intelligence-Generated Imagery‬علــى حنــو خطــر‬
‫قــدرة اإلنســان علــى تميــز املحتــوى البصــري احلقيقــي عــن املزيــف‪ .‬ويــرد الســبب إىل‬
‫ختطيــه لغــة احلاســوب التقليديــة‪ ،‬واعتمــاده بشــكل جوهــري علــى تكنولوجيــا الــذكاء‬
‫االصطناعــي‪ ،‬ومــا أفرزتــه مــن برامــج وتقنيـ�ات قــادرة علــى إكتــاب وصناعــة صــور وهميــة‬
‫يصعــب علــى املســتخدم العــادي كشــف زيفهــا‪ ،‬إال اإلكتســاب باســتخدامه ألدوات‬
‫متخصصــة‪ ،‬هــي يف العــادة غــر متوفــرة‪ .‬ويضــم التالعــب احلديــث طائفــة متنوعــة مــن‬
‫األشــكال‪ ،‬مثــل التجســيد االفــرايض‪ ،‬والتوليــف الصــويت‪ ،‬واســتب�دال الوجــه‪ ،‬ومزامنــة‬
‫الشــفاه؛ وجميعهــا تنتــي ملجــال الزتييــف العميــق ‪ ،Deep Fake‬أو كمــا حيلــو للبعــض‬
‫المصطنعــة ‪.Synthetic‬‬ ‫تســميت�ه بالوســائط ُ‬

‫وبالتــوازي مــع إمكاني ـ�ة اســتخدام هــذه األشــكال بصــورة مســتقلة عــن بعضهــا‪ ،‬إال‬
‫ً‬
‫أنــه يمكــن دمجهــا ومزجهــا معــا لصناعــة مــادة مزيفــة متن�اســقة إىل حــد كبــر‪ .‬وهنــا‪ ،‬يــزاوج‬
‫الزتييــف العميــق بــن اإلمكانــات املتولــدة عــن قــدرة احلاســوب‪ ،‬وبــن الدقــة والســرعة‬
‫الــي توفرهــا خوارزميــات التعلــم العميــق يف صناعــة محتــوى مــريئ شــديد التعقيــد‪ .‬وبرغــم‬

‫‪235‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫ممارســة بعــض الهــواة لصنعــة الزتييــف البصــري بنمطهــا التقليــدي الشــائع‪ ،‬إال أن عــدة‬
‫حواجــز حتــول دون اخنراطهــم يف إنت ـ�اج محتــوى مزيــف يعتمــد علــى الــذكاء االصطناعــي‪،‬‬
‫مثــل غيــاب اخلــرة الالزمــة‪ ،‬أو عــدم إتاحــة األدوات والتكنولوجيــات اخلاصــة بمثــل هــذا‬
‫االنت ـ�اج‪.‬‬
‫وتتطــرق مؤسســة رويــرز إىل خطــوات صناعــة الزتييــف العميــق‪ ،‬وتقســمها إىل‬
‫ُ‬
‫أربــع مراحــل متسلســلة‪ ،‬تســتهل بتغذيــة خوارزميــة برنامــج التعلــم اآليل بصــور ومشــاهد‬
‫خاصــة بشــخص أو موضــوع‪ ،‬ثــم تبــ�دأ الشــبكة العصبيــ�ة األساســية داخــل الربنامــج‬
‫بتعلــم واســتيعاب أنمــاط داخــل الصــورة أو املشــهد‪ ،‬ومــن ثــم تطويــر ركائــز وقواعــد تنطلــق‬
‫منهــا إلعــادة صناعتهــا وتشــكيلها‪ .‬ويف املرحلــة الثاني ـ�ة‪ ،‬تقــوم الشــبكة العصبي ـ�ة بتوليــد‬
‫مــادة جديــدة داخــل إطــار مزيــف ‪ Fake Frame‬مصمــم ملحــاكاة الصــورة أو املشــهد األصلــي‪.‬‬
‫يف ذات الوقــت‪ ،‬وكمرحلــة ثالثــة‪ ،‬يتــم تهيئــ�ة وتدريــب شــبكة عصبيــ�ة موازيــة علــى‬
‫املقارنــة والتميــز بــن المــادة املصنعــة واحلقيقيــة للتأكــد مــن درجــة تطابقهمــا‪ .‬وجتــدر‬
‫اإلشــارة هنــا‪ ،‬إىل أن تدريــب «شــبكات التميــز» يعتمــد بدرجــة أوىل علــى خضوعهــا الدائــم‬
‫واملســتمر لتعليــم وتطويــر باســتخدام صــور ولقطــات حقيقيــة‪ ،‬كــي تتمكــن آليــة التعلــم‬
‫ً‬
‫الــذايت لديهــا مــن اكتســاب أنمــاط جديــدة ومتنوعــة تؤهلهــا لعقــد املقارنــات‪ .‬أخــرا‪ ،‬ويف‬
‫املرحلــة الرابعــة‪ ،‬يتــم التقريــر بشــأن المــادة املصنعــة‪ ،‬إمــا برفضهــا حــال عــدم تطابقهــا مــع‬
‫أنمــاط شــبكة التميــز املكتســبة‪ ،‬أو قبولهــا حــال بــدت حقيقيــة ومتطابقــة (‪.)Reuters:2019‬‬
‫والتــايل عــرض ألهــم أشــكال الزتييــف البصــري العميــق باســتخدام تكنولوجيــات الــذكاء‬
‫االصطناعــي والتعلــم العميــق‪:‬‬
‫‪ .1‬التجســيد االفــرايض ‪ :Virtual Performances‬يقــوم هــذا النــوع مــن الزتييــف‬
‫العميــق علــى إنشــاء لقطــات ومشــاهد مزيفــة بالكامــل‪ ،‬مــن خــال جتســيد جميــع‬
‫التفاصيــل املتعلقــة باملشــهد أو اللقطــة‪ ،‬ســواء مــن جســد أو صــوت أو وجــه أو حركــة‪.‬‬
‫والتجســيد االفــرايض تقني ـ�ة مطــورة عــن املؤثــرات البصريــة التقليديــة الــي تدمــج عــر‬
‫الرتكيــب بــن مشــهد حقيقــي وآخــر مزيــف‪ ،‬حبيــث ختتــص وتمتهــن صناعــة مشــهد كامــل‬
‫أو تقليــده دون االعتمــاد علــى مصــادر أصليــة (‪ .)Paris & Donovan:2019‬ويشــمل التجســيد‬

‫‪236‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫ً‬
‫أيضــا صناعــة صــور مزيفــة بالكامــل ال وجــود لهــا يف الواقــع ‪ ،Generated Photos‬وهنــا‬
‫يتــم تغذيــة برنامــج التعلــم العميــق بــآالف مــن الصــور البشــرية احلقيقيــة كــي يكتســب‬
‫خصائصهــا وســماتها‪ ،‬ثــم يقــوم بعدهــا بصناعــة صــور مزيفــة ال أصــل لهــا وال مصــدر‬
‫(‪.)Reuters:2019‬‬
‫‪ .2‬اســتب�دال الوجــه ‪ :Face Swapping‬وهــي تقني ـ�ة تزييــف عميــق تــؤدي وظيفــة‬
‫اســتب�دال وجــه شــخصية معني ـ�ة (املصــدر) بوجــه لشــخص آخــر (الهــدف) داخــل إطــار‬
‫أصلــي‪ .‬وهنــا‪ ،‬يكتســب برنامــج التعلــم العميــق ســمات وأنمــاط وجهــي املصــدر والهــدف‬
‫ً‬
‫معــا‪ ،‬ثــم يعيــد توليــد ومحــاكاة وتركيــب وجــه الهــدف علــى جســد املصــدر‪ ،‬ولكــن بــذات‬
‫خصائــص وجــه املصــدر‪ ،‬وداخــل إطــار املشــهد األصلــي الــذي يظهــر فيــه املصــدر‪ .‬وتتعــدى‬
‫هــذه التقنيـ�ة حــدود االســتب�دال‪ ،‬لتتجــه حنــو إعــادة حتريــك الوجــه األصلــي وفــق خصائص‬
‫وســمات لوجــه آخــر‪ .‬وهنــا حيافــظ الوجــه األصلــي علــى وجــوده‪ ،‬لكنــه يتحــرك وفــق‬
‫ً‬
‫خصائــص وجــه آخــر‪ .‬ووفقــا ملؤسســة رويــرز‪ ،‬يكتســب ويتعلــم برنامــج التعلــم العميــق‬
‫حركــة وجهــي الهــدف واملصــدر‪ ،‬ثــم يعيــد الربنامــج توليــف وجــه املصــدر وفــق احلــركات‬
‫الــي جــرى تعيينهــا مــن وجــه الهــدف‪ .‬ويمكــن تطبيــق هــذه التقنيـ�ة علــى اجلســد بالكامــل‬
‫(‪.)Ibid‬‬
‫‪ .3‬التوليــف الصــويت ومزامنــة حركــة الشــفاه ‪:Voice Synthesis & Lip-synching‬‬
‫ختتــص هــذه التقني ـ�ة بتوليــد أصــوات جديــدة‪ ،‬أو محــاكاة أصــوات لشــخصيات معروفــة‬
‫وتركيبهــا علــى شــخصيات أخــرى‪ .‬وهنــا يكتســب التعليــم العميــق خصائــص وســمات‬
‫الصــوت البشــري ليعيــد إنت ـ�اج أنمــاط مزيفــة بالكامــل‪ ،‬أو أن يكتســب خصائــص صــوت‬
‫املصــدر‪ ،‬ثــم يعيــد توليفــه علــى الهــدف‪ .‬ويتطلــب حتقيــق توليــف صــويت محــرف مزامنــة‬
‫حركــة شــفاه املصــدر وتعيينهــا علــى الهــدف بشــكل دقيــق‪ .‬وهنــا يلتقــط الربنامــج تعبــرات‬
‫الوجــه والشــفاه اخلاصــة باملصــدر ثــم يمزجهــا مــع الهــدف داخــل اإلطــار األصلــي‪.‬‬
‫ويمكــن اعتبـ�ار املســار عمليــة اســتنطاق مزيــف ومصطنــع لكلمــات لــم يتفــوه بهــا املصــدر‪.‬‬
‫ومــن األمثلــة الشــهرية علــى ذلــك‪ ،‬قيــام مجموعــة مــن املتالعبــن بزتييــف مقطــع للرئيــس‬
‫األمريكــي الســابق بــاراك أوبامــا يتحــدث فيــه عــن مخاطــر التكنولوجيــا (‪.)Silverman: 2018‬‬

‫‪237‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫‪ .2‬املخاطر املرتتب�ة عن الزتييف العميق‬


‫يتضــح مــن خــال العــرض الســابق مــدى خطــورة التالعــب البصــري والصــويت‪،‬‬
‫ســيما يف املجــال االجتماعــي كالثــأر الشــخيص وتشــويه الســمعة‪ ،‬أو اإلجــرايم كاالبــزاز‬
‫المــايل والتحــرش‪ ،‬أو الســيايس كالتشــهري ودق األســافني‪ .‬ولعــل امللفــت هنــا‪ ،‬ضــرورة‬
‫وجــود قاعــدة بي�انــات كشــرط مســبق لتنفيــذ تزييــف بمهــارة وكفــاءة عاليتــن‪ ،‬األمــر الــذي‬
‫يســتدعي إىل الذهــن اإلمكانــات الــي قــد توفرهــا مواقــع الشــبكات االجتماعيــة يف هــذا‬
‫املضمــار‪.‬‬
‫وبعكــس الشــخصيات الشــهرية واالعتب�اريــة الــي حتافــظ علــى ظهــور بصــري دائــم‬
‫عــر الفضائيــ�ات واملنصــات الرقميــة مــا يســمح بتجميــع مقاطــع متنوعــة لهــا‪ ،‬يمكــن‬
‫للمتالعــب أن يســتغل مواقــع الشــبكات االجتماعيــة يف جمــع صــور ومقاطــع شــخصية‬
‫لألفــراد‪ ،‬بهــدف إنشــاء قاعــدة بي�انــات يســتغلها يف مجــال التالعــب‪ .‬واألخطــر ممــا ســبق‪،‬‬
‫أن جهــود الزتييــف عــادة مــا تتــم بشــكل ســري؛ لذلــك مــن الصعــب حتديــد هويــة اجلهــة‬
‫الــي تقــف خلفهــا‪ ،‬خاصــة مــع تفــي عــدد مــن الربامــج الــي تتيــح للهــواة تنفيــذ الزتييــف‬
‫دون قيــود مســبقة‪ ،‬مثــل‪ ،FakeApp، FaceSwap، DeepFace Lab :‬وغريهــا كثــر (‪.)Citron:2015‬‬
‫وألن التكنولوجيــا بوجهــن‪ ،‬فهــي ال تقتصــر علــى األبعــاد اإلجيابيـ�ة؛ بــل تشــمل ممارســات‬
‫ســلبي�ة توافــق طبيعــة البيئ ـ�ة الشــبكية‪ ،‬والتحــزات املعرفيــة وغــر املعرفيــة الــي تعــري‬
‫اإلنســان (‪ .)Chesney & Citron:2018‬ومــن هنــا نســتطيع رصــد عــدد مــن املخاطــر املرتتب ـ�ة‬
‫عــن تكنولوجيــا الزتييــف العميــق كاآليت‪:‬‬
‫اﻻﺳﺘﻐﻼل�واﻻﺑﺘـﺰاز‬

‫اﻟﺘﺨﺮ�ﺐ�و�ﺸﻮ�ﮫ�اﻟﺴﻤﻌﺔ‬ ‫أذى������‬ ‫ﻣﺨﺎﻃﺮ‬


‫��ﺪﻳﺪ�اﻟﺴﻼﻣﺔ�اﻟﻌﺎﻣﺔ‬ ‫زﻋﺰﻋﺔ�ﻣﻨﻄﻠﻘﺎت�ا��ﻄﺎب�اﻟﺴﻴﺎ���‬ ‫أذى�ﻣﺠﺘﻤ��‬ ‫اﻟ��ﻳﻴﻒ�اﻟﻌﻤﻴﻖ‬

‫ﺗﻘﻮ�ﺾ�اﻟﻌﻼﻗﺎت�اﻟﺪﺑﻠﻮﻣﺎﺳﻴﺔ‬ ‫اﻟﺘﺄﺛ������اﻻﻧﺘﺨﺎﺑﺎت‬

‫��ﺪﻳﺪ�اﻟﻌﻤﻠﻴﺎت�اﻟﻌﺴﻜﺮ�ﺔ‬ ‫ﺿﺮب�اﻟﺜﻘﺔ�ﺑﺎﳌﺆﺳﺴﺎت‬

‫�ﺸﻮ�ﺶ�اﳌﺴﺎر�اﻹﻋﻼﻣﻲ‬ ‫ﻣﻔﺎﻗﻤﺔ�اﻻﻧﻘﺴﺎﻣﺎت�ا��ﺘﻤﻌﻴﺔ‬

‫‪238‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫‌أ‪ .‬األذى الشخيص‬


‫تتنــوع التداعيــات وردود األفعــال املرتبطــة بالزتييــف العميــق علــى املســتوى‬
‫الشــخيص‪ ،‬فمنهــا مــا يتســبب باإلحــراج‪ ،‬ومنهــا مــا يــؤدي إىل إذالل الشــخص وحتطيمــه‪،‬‬
‫ً‬
‫وتوجــد أنــواع حتفــز ملوجــات مــن الغضــب والعنــف ال حيمــد عقباهــا‪ .‬وأيــا كان الشــكل‬
‫الــذي تتخــذه ردة الفعــل‪ ،‬فالقاعــدة األساســية الــي ينطلــق منهــا الزتييــف العميــق تتمثــل‬
‫يف اخلــداع البصــري‪ ،‬ومــدى القــدرة علــى إجادتــه واإلقنــاع بــه بطريقــة تســتجلب متابعــة‬
‫جماهرييــة واســعة تســتجيب ألهــداف ورغبــات املتالعــب‪ .‬وينقســم األذى الشــخيص‬
‫الناجــم عــن الزتييــف إىل مســتويني‪:‬‬
‫‪ .1‬االســتغالل واالبــزاز‪ :‬يقــوم املتالعــب باصطنــاع مــادة بصريــة مزيفــة الســتغاللها‬
‫ً‬
‫إمــا جلــي منافــع معين ـ�ة أو إحلــاق األذى بالفــرد املســتهدف ودائرتــه االجتماعيــة‪ .‬وعــادة‬
‫مــا يعتمــد علــى حتصيــل بي�انــات بصريــة كافيــة عــن املســتهدف ألجــل إعــداد مــادة قابلــة‬
‫للتصديــق‪ .‬والزتييــف يف عالقتــه باالبــزاز‪ ،‬يرتكــز علــى القيمــة واملنفعــة الــي يمكــن‬
‫انزتاعهــا‪ ،‬ومــن طبيعــة املخــاوف الــي قــد تعــري الشــخص املســتهدف حــال عــدم‬
‫االســتجابة‪ .‬فيمكــن للمتالعــب أن يتحصــل علــى منافــع محسوســة كالمــال واملعلومــات‬
‫ً‬
‫الســرية أو حــى الصــور اخلاصــة‪ ،‬مســتغال عــدم قدرة املســتهدف علــى كشــف الزتييف‪ ،‬أو‬
‫معاجلــة تداعيــات نشــر المــادة املزيفــة بصــورة عاجلــة وفعالــة‪ .‬كمــا يمكــن لــه أن يتحصــل‬
‫علــى منافــع حســية‪ ،‬تشــبع رغبــات مرضيــة تتملــك املتالعــب؛ كرتكيــب مشــاهد جنســية‬
‫ألفــراد علــى عالقــة بهــم‪ ،‬أو ملشــاهري وشــخصيات اعتب�اريــة (‪.)Dodge & Johnstone:2018‬‬
‫ومــا ســبق‪ ،‬ال يعــي اقتصــار الزتييــف علــى تلبيـ�ة منافــع محسوســة وحســية خاصــة فقــط‬
‫بــل يمكــن أن يوجــه لغــرض ترهيــب الضحيــة‪ ،‬األمــر الــذي يرتتــب عليــه تداعيــات نفســية‬
‫جمــة‪ ،‬كالشــعور بــاإلذالل واخلــوف الشــديد‪ ،‬واالنكفــاء علــى الــذات‪ ،‬أو االنســحاب مــن‬
‫احليــاة االجتماعيــة‪ ،‬وغريهــا مــن التداعيــات الســلبي�ة (‪.)Harwell:2018‬‬
‫‪ .2‬التخريــب وتشــويه الســمعة‪ :‬ال تقتصــر تداعيــات الزتييــف البصــري علــى‬
‫اجلوانــب النفســية املباشــرة‪ ،‬بــل تمتــد للتخريــب علــى الفــرد املســتهدف يف دوائــره‬

‫‪239‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫اخلاصــة‪ .‬فيمكــن لهــا التخريــب داخــل محيطــه االجتماعــي مــع األهــل واألقــارب‬
‫والزوجــة‪ ،‬أو يف مجــال العمــل‪ ،‬أو يف أي دائــرة يعتقــد املتالعــب أنهــا مالئمــة لتحقيــق‬
‫الضــرر‪ .‬ويف العــادة يرتبــط التخريــب بأجــواء املنافســة أو مشــاعر احلقــد والكراهيــة جتــاه‬
‫ً‬
‫الشــخص املســتهدف‪ ،‬حبيــث يرغــب املتالعــب يف تدمــره نهائيــ�ا وبــا رحمــة‪ .‬ويرصــد‬
‫باحثــان ألشــكال مــن التداعيــات املرتبطــة بالزتييــف‪ ،‬مثــل فقــدان دعــم األصدقــاء‪ ،‬ومنــع‬
‫الرتقيــة‪ ،‬وضيــاع فــرص التوظيــف والعمــل‪ ،‬وتهديــد الرتابــط األســري‪ ،‬وغريهــا‪ .‬فاملتالعــب‬
‫قــادر علــى تصويــر الشــخص بعــدة وضعيــات تنـ�ايف القيــم املجتمعيــة الســائدة واملقبولــة‪،‬‬
‫مثــل اصطناعــه مشــهد للمســتهدف وهــو يف حالــة ســكر تــؤدي بــه إىل تدمــر املمتلــكات‪ ،‬أو‬
‫تظهــره يف وضعيــة ســرقة‪ ،‬أو يف حالــة صــراخ هســتريي‪ ،‬أو يتلفــظ بكلمــات عنصريــة؛ وأي‬
‫ســلوك معــادي للمجتمــع (‪ .)Chesney & Citron:2018‬وجديــر باإلشــارة هنــا‪ ،‬أن التأثــرات‬
‫الناجمــة عــن الزتويــر مرتبطــة بالســياق والتوقيــت وحجــم انتشــار المــادة وتداولهــا بــن‬
‫املســتخدمني‪ .‬وهنــا قــد ال جتــدي محــاوالت العــاج الالحقــة يف تقليــل حجــم الضــرر‪ ،‬ســيما‬
‫ً‬
‫وأن خصائــص تكنولوجيــا االتصــال احلديثـ�ة تســهم بمــا ال يــدع مجــاال للشــك يف تســريع‬
‫جهــود التخريــب والتدمــر بشــكل غــر مســبوق‪ ،‬كمــا تســاعد علــى بقــاء المــادة حيــة لفرتات‬
‫طويلــة برغــم اجلهــود الــي قــد تب ـ�ذل لشــطبها‪.‬‬
‫‌ب‪ .‬األذى املجتمعي‬
‫تتخطــى مخاطــر الزتييــف البصــري حــدود األفــراد إىل املجتمــع ككل‪ ،‬لقدرتــه اســتنفار‬
‫مشــكالت ال حصــر لهــا‪ ،‬كتشــويه اخلطــاب الســيايس‪ ،‬والتأثــر يف االنتخابــات‪ ،‬وضــرب‬
‫الثقــة يف املؤسســات العامــة واخلاصــة‪ ،‬وتعزيــز وترســيخ االنقســامات املجتمعيــة‪ ،‬وتهديد‬
‫العمليــات األمنيــ�ة والعســكرية‪ ،‬إىل جانــب حتفــزه ملشــكالت اقتصاديــة‪ ،‬أو ختريبــ�ه‬
‫لعالقــات دوليــة‪ .‬واآليت اســتعراض ألهــم املخاطــر املرتتبــ�ة عــن الزتييــف العميــق علــى‬
‫املســتوى املجتمعــي‪:‬‬
‫‪ .1‬زعزعــة منطلقــات اخلطــاب الســيايس‪ :‬يعــاين اخلطــاب العــام املرتبــط بقضايــا‬
‫سياســية مــن مخاطــر انتشــار املعلومــات الكاذبــة‪ ،‬لتقويضهــا مكانــة ومصداقيــة الفاعلــن‬
‫فيــه‪ ،‬أو تســببها يف تــآكل األســس والقواعــد العامــة املســؤولة عــن تشــكيله‪ .‬وألن الزتييــف‬

‫‪240‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫العميــق أحــد أشــكال املعلومــات املفربكــة‪ ،‬ســيؤدي بــدوره إىل مفاقمــة معانــاة اخلطــاب‬
‫العــام الســيايس بشــكل غــر مســبوق (‪ .)Foer:2018‬لذلــك‪ ،‬قــد تســعى عديــد مــن اجلهــات‬
‫الفاعلــة إىل توظيفــه مــن أجــل صناعــة معلومــات مــزورة وبالتــايل التالعــب والتأثــر يف‬
‫تصــورات األفــراد بشــكل خيــدم جهودهــا املوجهــة ضــد خصومهــا (‪ .)Warzel:2017‬وقــد يــؤدي‬
‫الزتييــف هنــا إىل دفــع األفــراد للعيــش داخــل واقــع خــاص‪ ،‬تتغــذى فيــه معتقداتهــم علــى‬
‫الزيــف املصطنــع‪ .‬بــدوره‪ ،‬قــد يرتــد هــذا الواقــع الفــردي علــى اخلطــاب اجلمعــي‪ ،‬لتجعلــه‬
‫ً‬
‫ينطلــق مــن قواعــد مختلقــة خياليــة بــدال مــن ارتــكازه علــى حقائــق ومعلومــات أصيلــة‬
‫(‪ .)Chesney & Citron:2108‬ولنتخيــل جتيســد مقطــع فيديــو مزيــف ملســؤول ســيايس‬
‫ً‬
‫يتلقــى رشــوة‪ ،‬أو يتحــدث بعنصريــة‪ ،‬أو يمــارس الرذيلــة؛ ولنتخيــل أيضــا تــردد مســؤولني‬
‫حكوميــن علــى أماكــن لــم يزوروهــا قــط‪ ،‬أو يفعلــون أشــياء لــم يفعلوهــا (‪)Weeks:2015‬؛‬
‫مــاذا ســيحص حينهــا؟ بالتأكيــد ســتنبثق بيئ ـ�ة معلوماتي ـ�ة تؤطــر ألفــكار وآراء اجلماهــر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بصــورة مزيفــة؛ ومــن خــال تراكــم الزتييــف نوعيــا وزمني ـ�ا‪ ،‬ســتت�أثر طــرق بن ـ�اء وتشــكل‬
‫اخلطــاب الســيايس علــى املســتوى اجلمعــي‪ ،‬وبالتــايل نشــوء شــكل يفتقــد للمنطلقــات‬
‫والســياق الســليم‪.‬‬
‫‪ .2‬التأثــر يف االنتخابــات‪ :‬باإلضافــة إىل قــدرة الزتييــف العميــق علــى ضــخ األكاذيــب‬
‫ً‬
‫داخــل فضــاء اخلطــاب الســيايس‪ ،‬فهــو قــادر أيضــا علــى التســبب بارتــدادات قاســية‬
‫خــال االنتخابــات‪ .‬ولنتخيــل أن صــورة أو مقطــع مزيــف جيســد ملرشــح يف وضعيــة مريبـ�ة‪،‬‬
‫كااللتقــاء مــع مجرمــن أو شــخصيات مكروهــة‪ ،‬أو جتســده يتلفــظ بكلمــات نابيـ�ة‪ ،‬بالتأكيد‬
‫ســيقود ذلــك إىل ردة فعــل خطــرة‪ ،‬قــد تــراوح بــن الغضــب الشــعيب العــارم أو فتــح حتقيق‪،‬‬
‫عندهــا فقــط قــد تت�أثــر حظــوظ املرشــح يف الفــوز أو االســتمرار داخــل مضمــار الســباق‬
‫االنتخــايب (‪ .)Goel & Frenkel:2019‬وجتــدر اإلشــارة هنــا إىل دهــاء بعــض املتالعبــن‪ ،‬ســيما مــا‬
‫ً‬
‫يتعلــق بالزمــن‪ ،‬حبيــث يعمــدون إىل توزيــع المــادة املزيفــة يف توقيــت يعلمــون مســبقا أنــه‬
‫ســيجذب اهتمــام اجلمهــور الذيــن سيســاعدون علــى انتشــارها بصــورة فريوســية‪ ،‬وبالتــايل‬
‫عرقلــة أي فعــل مضــاد لفضحــه بســرعة تــوازي ســرعة انتشــاره‪ .‬فصاحــب الطلقــة األوىل‬
‫هــو مــن حيــدد مســار املعركــة واجتاههــا وربمــا نتيجتهــا‪ .‬ولنأخــذ مثــال االنتخابات الفرنســية‬

‫‪241‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫ُ‬
‫عــام ‪ ،2017‬حيــث زعــم عــن الــروس محاولتهــم منــع فــوز إيمانويــل ماكــرون برئاســة‬
‫اجلمهوريــة‪ ،‬مــن خــال شــن حملــة دعائيـ�ة مزجــت بــن التجســس اإللكــروين والتالعــب‪،‬‬
‫تضمنــت ســرقة أعــداد كبــرة مــن الوثائــق ثــم التعديــل عليهــا ونشــرها علــى مســتخديم‬
‫مواقــع الشــبكات االجتماعيــة حتــت ســتار متخفــي (‪ .)Breeden et al:2017‬وبرغــم فشــل‬
‫املحاولــة‪ ،‬ألســباب عــدة ال مجــال لذكرهــا هنــا‪ ،‬إال أن احلملــة عكســت الحتمــال توظيــف‬
‫ً‬
‫الزتييــف العميــق مســتقبال خــال االنتخابــات‪ ،‬ســيما وأن تكنولوجيــا الزتييــف باتــت‬
‫ً‬
‫متاحــة نســبي�ا للــدول واألفــراد علــى الســواء؛ مــا يعــي أن أي تدخــل للتأثــر يف املســارات‬
‫الديمقراطيــة حــول العالــم لــن يقتصــر علــى اجلهــات الرســمية صاحبــة اإلمكانــات‪ ،‬بــل‬
‫ً‬
‫ستشــمل أيضــا أفــراد مــن أصحــاب الدوافــع الذاتي ـ�ة‪ .‬وهنــا‪ ،‬يتطــرق باحثــان إىل اآلليــات‬
‫الــي يمكــن مــن خاللهــا احلــد مــن هكــذا تدخــات مفرتضــة يف املســتقبل‪ ،‬حيــث يؤكــدان‬
‫ً‬
‫علــى أهميــة تقييــ�د انتشــار وســائل الزتييــف بــدال مــن الرتكــز علــى الدافــع؛ فالســماح‬
‫للجمهــور بامتــاك وســائل تتيــح إمكاني ـ�ة إنت ـ�اج مشــاهد مزيفــة عاليــة اجلــودة قــد يــؤدي‬
‫إىل تــآكل جهــود التقييــ�د‪ ،‬وبالتــايل توســيع دائــرة املنخرطــن يف عمليــات ضــخ الزتييــف‬
‫داخــل بيئ ـ�ة جاهــزة ومهيئ ـ�ة الســتقبالها وتداولهــا‪ .‬لهــذا‪ ،‬مــن املمكــن للدائــرة املتســعة أن‬
‫تؤثــر يف نتيجــة االنتخابــات‪ ،‬أو ســتلقي علــى األقــل بظــال ثقيلــة مــن عــدم الشــرعية علــى‬
‫العمليــة االنتخابيــ�ة نفســها (‪.)Chesney & Citron:2018‬‬
‫‪ .3‬ضــرب الثقــة يف املؤسســات‪ :‬يقصــد باملؤسســات تلك الكيانــات اخلاصــة والعامة‬
‫ســواء علــى املســتوى املحلــي أو الــدويل الــي قــد تتعــرض لضربــة قويــة ناجمــة عــن إنت ـ�اج‬
‫وتــداول مقطــع مــريئ مزيــف جيســدها يف موقــف معــادي للمجتمــع أو للجمهــور‪ .‬وجــرت‬
‫العــادة أنــه كلمــا تعاظمــت أهميــة ودور املؤسســة داخــل املجتمــع‪ ،‬ارتفــع علــى التــوازي‬
‫احتمــال تعرضهــا حلملــة تشــويه عــر الزتييــف العميــق‪ .‬ولنتخيــل قيــام بعــض املتالعبــن‬
‫بزتويــر فيديــو ملوظفــي اســتقبال يعملــون يف مؤسســة أو وزارة تعــى بالشــؤون االجتماعيــة‪،‬‬
‫يســيئون فيــه لعــدد مــن املراجعــن الفقــراء أو أصحــاب الدخــل املحــدود‪ .‬كيــف ســتكون‬
‫ردة الفعــل املجتمعيــة؟ بالتأكيــد ستســري حالــة مــن الغضــب‪ ،‬وقــد يتصاعــد األمــر إىل حــد‬
‫إقالــة رئيــس املؤسســة أو الوزيــر‪ ،‬أو حــى إخضــاع العاملــن للتحقيــق أو لعقوبــات جزائيـ�ة‪.‬‬

‫‪242‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫ولكــن هــذه اإلجــراءات قــد ال تكفــي لتحســن صــورة املؤسســة الــي تضــررت بفعــل الفيديو‬
‫املزيــف‪ ،‬أو حــى الســتعادة الثقــة فيهــا‪ .‬وعلــى هــذا النحــو‪ ،‬قــد يــؤدي الزتييــف العميــق إىل‬
‫تــآكل الثقــة يف املؤسســات‪ ،‬خاصــة إذا مــا ارتبطــت بســمعة ســيئ�ة ســائدة‪ ،‬تتيــح للجمهــور‬
‫قبــول أي روايــة ضدهــا حــى لــو كانــت مزيفــة (‪.)Calmes:2015‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ .4‬مفاقمــة االنقســامات املجتمعيــة‪ :‬يــؤدي الزتييــف العميــق دورا خطــرا يف مفاقمــة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫االنقســامات داخــل املجتمــع‪ ،‬ســيما إذا كان مهيــأ ومســتعدا لهــا‪ .‬ولننظــر إىل حــال الســاحة‬
‫الفلســطيني�ة املنقســمة علــى ذاتهــا‪ ،‬وكيــف للصــورة احلقيقيــة واملزيفــة أن تســعر لنــار‬
‫اخلــاف الســيايس واحلــزيب وحــى اجلماهــري‪ .‬ولعــل اخلطــورة الــي يســتثمرها الزتييــف‬
‫تتجســد يف قابليــة أطــراف اخلــاف تصديــق وترويــج أي محتــوى مــريئ يشــوه للطــرف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اآلخــر حــى لــو كان مزيفــا أو فاقــدا للســياق احلقيقــي‪ ،‬مــا يرتتــب عليــه دوامــة متجــددة‬
‫مــن االنقســامات قــد تطيــح باحلالــة ككل‪ .‬ونســتدعي يف هــذا املضمــار مــا تقــوم بــه‬
‫«إســرائي�ل» مــن تغذيــة دائمــة لالنقســام الفلســطيين‪ ،‬و اشــغال اجلمهــور باملشــاحنات‬
‫ً‬
‫الداخليــة الهامشــية بــدال مــن حتصيــل إجمــاع جتــاه املســائل السياســية الهامــة‪ .‬ويتعــدى‬
‫الزتييــف العميــق حــدود ترســيخ االنقســام‪ ،‬باجتــاه تعبئ ـ�ة اجلماهــر حنــو فعــل ميــداين قــد‬
‫ً‬
‫يــودي باملجتمــع إىل الفــوىض‪ .‬ولنتخيــل مقطــع مــزور يظهــر مســؤوال يتبــع لفصيــل ســيايس‬
‫يعتــدي علــى مواطــن ينتــي لفصيــل آخــر‪ ،‬أو أن مســئول محســوب علــى شــرحية مجتمعيــة‬
‫أطلــق العنــان لكلمــات نابيـ�ة جتــاه شــرحية أخــرى؛ بالتأكيــد ســيؤدي ذلــك إىل إحــداث شــرخ‬
‫يف املجتمــع‪ ،‬أو إىل حتفــز ردة فعــل عاطفيــة تتطــور إىل ســلوك عنيــف‪.‬‬
‫‪ .5‬تقويــض العالقــات الدبلوماســية‪ :‬قــد يتســبب الزتييــف العميــق يف تقويــض‬
‫العالقــات الدبلوماســية بــن الــدول وتعكــر صفوهــا‪ .‬ولنأخــذ األزمــة اخلليجيــة كمثــال‬
‫للمقاربــة‪ ،‬حيــث تمكنــت إحــدى اجلهــات املجهولــة مــن اخــراق نظــام وكالــة األنبــ�اء‬
‫القطريــة علــى شــبكة اإلنرتنــت‪ ،‬ونشــرت ملعلومــات كاذبــة علــى صفحتهــا مصحوبــة‬
‫باقتب�اســات مــزورة منســوبة إىل أمــر قطــر (‪ .)Calamur:2017‬نتــج عــن هــذه احلادثــة قطــع‬
‫للعالقــات الدبلوماســية بــن الســعودية واإلمــارات والبحريــن مــن وجهــة وقطــر مــن جهــة‬
‫أخــرى‪ .‬ولكــن مــاذا لــو تمكــن املخــرق مــن إســناد املعلومــات الكاذبــة بمحتــوى بصــري‬

‫‪243‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫مزيــف؟ ويف ســياق آخــر‪ ،‬قــد ُيســتخدم الزتييــف للتأثــر علــى جــدول أعمــال احلكومــة‬
‫ً‬
‫فيمــا خيــص عالقتهــا بــدول أخــرى‪ .‬فمثــا يمكــن نشــر مقطــع مــزور بغــرض إلهــاب الــرأي‬
‫تعــاط مختلــف مــع‬
‫ٍ‬ ‫العــام‪ ،‬الــذي بــدوره ســيمارس ضغــط باجتــاه تبــي حكومتــه ملســار‬
‫حكومــة أخــرى‪ .‬ومــن هنــا نســتطيع أن نســتنتج مــدى قــدرة الزتييــف العميــق علــى التأثــر‬
‫يف العالقــات الدبلوماســية بــن الــدول واحلكومــات‪.‬‬
‫‪ .6‬تهديــد الســامة العامــة‪ :‬قــد تبــ�دو االمثلــة الســابقة كافيــة لتخيــل شــكل‬
‫التهديــد املرتتــب عــن الزتييــف علــى الســامة العامــة‪ .‬ولكــي أرى عــدم كفايتهــا‪ ،‬خاصــة‬
‫إذا مــا تســبب بموجــة واســعة مــن الذعــر والرعــب بــن الســكان‪ ،‬تغذيهــا قوتــه اإلقناعيــة‬
‫وانتشــاره الســريع عــر مواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪ .‬ويكفــي أن نســتدعي مــن الذاكــرة‬
‫مــا قامــت بــه روســيا علــى صعيــد نشــر معلومــات مزيفــة تتعلــق بكارثــة كيميائيــ�ة يف‬
‫واليــة لويزيانــا‪ ،‬وانتشــار لوبــاء اإليبــوال يف واليــة أتالنت ـ�ا‪ ،‬بهــدف إثــارة الذعــر بــن الســكان‬
‫(‪ .)Chen:2015‬وبرغــم تواضــع النتـ�اجئ‪ ،‬إال أنــه يمكــن ختيــل حجــم الذعــر حــال تنفيــذ املخطط‬
‫عــر الزتييــف العميــق‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪ .7‬تهديــد العمليــات العســكرية‪ :‬تعــد العمليــات العســكرية مجــاال غني ـ�ا لتطبيــق‬
‫الزتييــف العميــق‪ ،‬ســيما إذا مــا اختــذ شــكل تضليــل لدعــم جهــود اخلــداع علــى املســتوى‬
‫االســراتييج والتشــغيلي والتكتيكــي‪ .‬لكــن هــذا ال ينفــي حتــول الزتييــف إىل صــداع دائــم‪،‬‬
‫ســيما للــدول الــي ختــوض مواجهــات عســكرية وتســعى إىل كســب الــرأي العــام الداخلــي‬
‫والعالــي لصفهــا‪ .‬فمجــرد االحتــكاك باملدنيــن ســواء باالحتالل املباشــر أو التواجــد املؤقت‬
‫ً‬
‫كاف ليحفــز حملــة مــن الزتييــف تــروج الرتكابهــا فظائــع حبــق املدنيــن تــرىق أحيانــا جلرائــم‬ ‫ٍ‬
‫حــرب‪ ،‬األمــر الــذي قــد يرتتــب عليــه تداعيــات ســلبي�ة علــى الــرأي العــام‪ ،‬أو علــى مســار‬
‫املواجهــة الدعائيـ�ة‪ ،‬تنتهــي إىل نتـ�اجئ عكســية لــم تكــن باحلســبان‪ ،‬كزيــادة التأييـ�د الشــعيب‬
‫ً‬
‫لعمليــات التصــدي‪ ،‬أو رفــع نســبة املنخرطــن فعليــا يف املقاومــة‪ ،‬أو حــى إنهــاء العمليــات‬
‫العســكرية‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ .8‬التشــويش علــى املســار اإلعــايم‪ :‬نظــرا النتشــار أدوات الزتييــف العميــق‪،‬‬
‫ســتواجه املؤسســات اإلعالميــة معضلــة تتعلــق بمــدى قدرتهــا علــى التفريــق بــن املــواد‬

‫‪244‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫األصليــة واملفربكــة‪ .‬هــذه املعضلــة لهــا جانــب ســليب آخــر يتجســد يف كــم الوقــت الــذي‬
‫تســتهلكه جهــود التحقــق‪ ،‬وبالتــايل صعوبــة االلــزام أو حتقيــق مطلــب ســرعة النشــر‬
‫(‪ .)Funke:2017‬وال يقتصــر األمــر علــى ذلــك‪ ،‬بــل قــد تتعــرض املؤسســات اإلعالميــة خلطــر‬
‫اإليقــاع بهــا‪ ،‬عــر تلقيهــا ونشــرها محتــوى مفــرك لــم تتمكــن يف مرحلــة أوىل مــن كشــف‬
‫زيفــه‪ .‬وهنــا‪ ،‬قــد تتقلــص رغبــة املؤسســات يف اســتقبال ونشــر مــواد مصــورة إال بعــد‬
‫التأكــد مــن صحتهــا‪ ،‬وإال ســتجد صعوبــة يف االلــزام بواجبهــا األخــايق جتــاه اجلمهــور‬
‫خاصــة إذا لــم تمتلــك لــأدوات املناســبة الــي تؤهلهــا للتحقــق بشــكل ســريع (‪.)Ibid‬‬

‫‪245‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫صناعة اإلنطباع املضلل‬


‫تنــ�درج دعايــة التضليــل أو صناعــة اإلنطبــاع املضلــل ‪ Astroturfing‬حتــت بنــ�د‬
‫املمارســات املخادعــة الــي تســتهدف صناعــة إجمــاع بأســلوب ملتــوي ومــدروس جتــاه‬
‫ً‬
‫يشء مــا‪ ،‬وعــادة مــا يوظفهــا رجــال التســويق والسياســية خللــق انطبــاع مزيــف لــدى الفئــة‬
‫املســتهدفة بــأن حتــرك أو حملــة نشــأت وتطــورت بشــكل عضــوي عفــوي‪ ،‬وأنهــا انبثقــت‬
‫ً‬
‫عــن قواعــد شــعبي�ة ومؤسســاتي�ة أصيلــة‪ ،‬بينمــا احلقيقــة عكــس ذلــك تمامــا‪ .‬وتشــمل‬
‫دعايــة التضليــل‪ ،‬بشــكلها التجــاري الكالســيكي‪ ،‬اســتئجار أو اســتخدام خدمــات وكالء‬
‫مدفوعــن بهــدف نشــر آراء ومشــاعر مزيفــة جتــاه منتــج أو خدمــة معينـ�ة‪ ،‬وبالتــايل التأثري يف‬
‫قــرارات الفئــة املســتهدفة بشــكل ينســجم مــع مبــدأ «غريــزة القطيــع»‪ .‬بمعــى‪ ،‬أن املوقف‬
‫ً‬
‫أو احلالــة املــزورة الماثلــة ســتحث أو تشــجع األفــراد علــى تبنيــ�ه أســوة بالبــايق‪ ،‬وبذلــك‬
‫تتحقــق أهــداف اجلهــة الراعيــة لعمليــة التضليــل‪.‬‬
‫وترجــع جــذور املصطلــح ‪ AstroTurf‬إىل عــام ‪ ،1966‬وبالتحديــد مدينــ�ة هيوســن‬
‫األمريكيــة‪ ،‬الــي شــهدت تركيــب أول عشــب صناعــي يف تاريخهــا (‪.)Tigner:2010‬‬
‫واملصطلــح بمعنــاه احلــريف يشــر إىل العشــب ُ‬
‫المصنــع‪ ،‬واملصمــم كــي يبـ�دو وكأنــه طبيعــي‪،‬‬
‫ً‬ ‫لكنــه يف الواقــع صناعــي مزيــف‪ .‬الحقـ ًـا يف العــام ‪ ،1985‬أكتســب املصطلــح معـ ً‬
‫ـى سياســيا‬
‫علــى يــد الســين�اتور األمريكــي للويــد بنســن «‪ ،»Lloyd Bentsen‬عندمــا وصــف حتــركات‬
‫لشــركات عالقــات عامــة بكونهــا حمــات ضغــط مزيــف ‪ ،Astroturf Lobbying‬عــر إرســالها‬
‫المصنعــة‪ ،‬إليهامــه بأنهــا صــادرة عــن حتــرك جلماعــات قاعديــة‬ ‫فيــض مــن الرســائل ُ‬
‫شــعبي�ة‪ ،‬لكنهــا يف حقيقتهــا حتــرك خفــي لشــركات تأمــن (‪.)Zhang et al.:2013‬‬
‫وتتمــز دعايــة التضليــل بمزيتــن‪ ،‬تتمثــل األوىل يف توظيفهــا للخــداع بهــدف التســر‬
‫علــى طبيعتهــا املدبــرة والزائفــة‪ ،‬بينمــا تتجســد الثانيــ�ة يف قدرتهــا علــى إخفــاء هويــة‬
‫محركهــا احلقيقــي‪ .‬وهنــا‪ ،‬تتخــدر قــدرات الفــرد العــادي علــى التفكــر والتقييــم املنطقــي‬
‫الســليم‪ ،‬لســبب بســيط‪ ،‬أن احلملــة تبـ�دو لــه مــن بعيــد وكأنهــا منبثقــة عــن فعــل حقيقــي‬
‫وعفــوي‪.‬‬

‫‪246‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫وتســتهدف عمليــة صناعــة االنطبــاع املضلــل بالعمــوم‪ ،‬تعزيــز وحمايــة املصالــح‬


‫االقتصاديــة والسياســية والتجاريــة جلهــة مــا‪ .‬لذلــك‪ ،‬تســعى هــذه اجلهــات إىل تضليــل‬
‫املنافســن بأســلوب التفــايف‪ ،‬مــن خــال التالعــب والتأثــر يف منظورهــم للواقــع القائــم‪،‬‬
‫األمــر الــذي يتســبب يف اســتدراجهم دون وعــي حنــو أهدافهــا‪ .‬ويف املجــال الســيايس‪ ،‬تعمــد‬
‫الكثــر مــن اجلهــات الفاعلــة إىل تمويــه هويتهــا كراعــي حقيقــي ألي حملــة‪ ،‬مــن خــال‬
‫إيهــام اجلمهــور بانبعاثهــا عــن كيــان آخــر موثــوق غــر مرتبــط بهــا‪ ،‬أو ال جتمعهــا بــه أي‬
‫عالقــة مباشــرة‪ .‬ويؤكــد أحــد الباحثــن علــى أن الســلوك االســراتييج لبعــض مجموعــات‬
‫املصالــح قــد يــؤدي بن ـ�ا لالعتقــاد بمشــاركة اجلمهــور يف عمليــة صياغــة القواعــد العامــة‪،‬‬
‫ً‬
‫لكــن احلقيقــة عكــس ذلــك تمامــا (‪.)Figueiredo:2006‬‬
‫وبالعــودة للــوراء‪ ،‬أي بدايــة القــرن العشــرين‪ ،‬اســتطاعت عاملــة االجتمــاع كارولــن يل‬
‫«‪ »Caroline Lee‬كشــف إحــدى حــاالت دعايــة التضليــل‪ ،‬عندمــا رصــدت حملــة اســتهدفت‬
‫إقنــاع اجلمهــور عــن االســتخدام املشــرك للكــؤوس املعدنيـ�ة يف شــرب ميــاه اآلبــار لصالــح‬
‫أخــرى ورقيــة أقــل تكلفــة وقابــل للتجديــد‪ .‬وبعــد تدقيقهــا‪ ،‬اتضــح لهــا أن املنشــورات الــي‬
‫ختللــت «حملــة الــكأس»‪ُ ،‬طبعــت حتــت إشــراف ســري مــن هيــو مــور «‪،»Hugh Moore‬‬
‫مؤســس شــركة ‪ -Public Cup Vendor‬تغــر اســمها إىل ‪ -Dixie Cup‬حيــث حرضــت اجلمهــور‬
‫حتــت ســتار اجتماعــي وشــعيب مضلــل علــى املشــاركة يف معركــة التخلــص مــن الوســيلة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫األكــر إنت�اجــا ونشــرا لألمــراض‪ .‬بهــذه الطريقــة‪ ،‬اســتطاع مــور أن يــروج بضاعتــه مــن‬
‫الكــؤوس الورقيــة‪ ،‬دون أن يظهــر هــو يف الصــورة‪ ،‬أو يتمكــن اجلمهــور مــن كشــف أهــداف‬
‫حملتــه املصطنعــة (‪.)Leiser:2016‬‬
‫ويف ســياق متصــل‪ ،‬جــرت العــادة أن تســتهدف دعايــة التضليــل بصيغتهــا التقليديــة‬
‫ً‬
‫صنــاع القــرار واملشــرعني‪ .‬فمثــا‪ ،‬وجهــت مجموعــات ضغــط‪ ،‬حتــت ســتار مؤسســايت‬
‫مزيــف‪ ،‬رســائل إىل مشــرعني يف الكوجنــرس يدعمــون فيهــا قانــون التعديــن الصــادر عــام‬
‫ً‬
‫‪ ،1872‬ليتضــح الحقــا أن احلملــة مضللــة‪ ،‬ترعاهــا مجموعــة شــركات كــرى‪ ،‬لهــا مصالــح‬
‫قويــة يف احلفــاظ علــى أحــكام القانــون دون تعديــل (‪ .)Ibid‬ويف مثــال آخــر‪ ،‬وكجــزء مــن‬
‫اســراتيجية شــركة مايكروســوفت للدفــاع عــن نفســها خــال خضوعهــا للمحاكمــة‬

‫‪247‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫ً‬
‫بتهمــة االحتــكار‪ ،‬نظمــت مجموعــة ‪ Americans for Technology Leadership‬اســتطالعا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫شــعبي�ا مزيفــا‪ ،‬وأرســلت رســائل تعاطــف مــع مايكروســوفت‪ ،‬إلقنــاع املشــرعني بوجــود‬
‫ً‬
‫تأيي ـ�د شــعيب لصالــح حكــم يــرئ الشــركة‪ .‬وأتضــح الحقــا زيــف احلملــة‪ ،‬وأن املجموعــة‬
‫تلقــت تمويلهــا مــن شــركة مايكروســوفت ذاتهــا (‪ .)Ibid‬وفيمــا يتعلــق باملصطلــح (دعايــة‬
‫التضليــل)‪ ،‬نؤكــد هنــا علــى ضبابيتـ�ه‪ ،‬وعــدم كفايتـ�ه اللغويــة للتعبــر عــن حقيقــة وأبعــاد‬
‫الظاهــرة‪ .‬ويــرد ســبب ذلــك‪ ،‬إىل غيــاب الرتجمــة العربيــ�ة املهنيــ�ة املعتمــدة‪ ،‬واالكتفــاء‬
‫بالرتجمــة احلرفيــة (الدعايــة الشــعبي�ة الزائفــة)‪ .‬لذلــك‪ ،‬نــرى مــن اجلائــز إعــادة صياغــة‬
‫املصطلــح‪ ،‬واســتب�دال تســمية «دعايــة التضليــل» أو «الدعايــة الشــعبي�ة الزائفــة»‬
‫ً‬
‫بتســمية أخــرى أكــر وضوحــا تتمثــل يف «صناعــة االنطبــاع املضلــل»‪ ،‬أو «صناعــة الظهــور‬
‫املزيــف»‪ ،‬ألن العمليــة برمتهــا مربمجــة ومقصــودة وأقــرب ملفهــوم الصناعــة‪ ،‬كمــا تتوجــه‬
‫مباشــرة حنــو اجلانــب اإلدراكــي لإلنســان‪ ،‬لتتلاعــب بــه‪ ،‬مــن أجــل تكويــن صــورة مزيفــة‬
‫وعكســية‪ .‬ومــا ســبق يصــب يف خدمــة صناعــة انطباعــات محــددة‪ ،‬حتفــز ســلوكيات‬
‫بعينهــا‪ ،‬علــى قاعــدة اتســاق وتماثــل هــذه الســلوكيات مــع أخــرى‪ ،‬هــي باألصــل مزيفــة‪.‬‬
‫وتتصــف االشــكال احلديثـ�ة لدعايــة التضليــل بتســللها خلســة علــى شــكل حمــات‬
‫مصممــة مــن أجــل حصــد قبــول أو دعــم جماعــي لصالــح أيديولوجيــة أو سياســة أو قــرار أو‬
‫المتحصــل ذو ماهيــة‬ ‫موقف‪...‬إلــخ‪ ،‬مــن خــال خــداع اجلمهــور لالعتقــاد بــأن (الدعــم) ُ‬
‫عضويــة‪ ،‬نــى وتشــعب بشــكل طبيعــي وتلقــايئ؛ وبالتــايل‪ ،‬لــن يــدرك ضحايــا احلملــة بــأن‬
‫(الدعــم) ذاتــه قــد خضــع للصناعــة مــن قبــل مصــدر مجهــول‪.‬‬
‫كمــا تعتمــد دعايــة التضليــل علــى التخفــي املتعمــد كاســراتيجية‪ ،‬عــر صناعــة حالــة‬
‫مــن املناصــرة أو الضغــط الوهــي املزعــوم‪ ،‬بهــدف حتقيــق مكاســب خاصــة‪ .‬وهــي تســتغل‬
‫اجلانــب الســيكولويج لإلنســان‪ ،‬مــن خــال التأثــر يف طريقــة أدراكــه للواقــع‪ ،‬وبالتــايل‬
‫دفعــه حنــو تكويــن انطبــاع مغشــوش حــول حقيقــة األشــياء والتحــركات الماثلــة أمامــه‪.‬‬
‫بمعــى أنهــا جهــود خفيــة ومســترتة لتضليــل اجلمهــور‪ ،‬عــر صناعــة ظهــور مزيــف يؤثــر يف‬
‫حكمــه وقــراره النهــايئ‪.‬‬

‫‪248‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫‪ .1‬دعاية التضليل والفضاء السيرباين‬


‫تتمــز حمــات دعايــة التضليــل عــر الفضــاء الســيرباين ‪ Cyberturfing‬بانتشــارها‬
‫الســريع واملتشــعب‪ .‬وبمجــرد زراعــة بــذرة التضليــل‪ ،‬تبــ�دأ الرســالة بالنمــو والتضخــم‬
‫باضطــراد ســريع‪ ،‬دون انكشــاف مصدرهــا أو اجلهــة الراعيــة لهــا‪ .‬ويمكــن لهــا التمــدد حتــت‬
‫تأثــر العــدوى‪ ،‬لتب ـ�دأ صغــرة‪ ،‬ثــم تتوســع حــى تتحــول إىل فيضــان كاســح‪ ،‬دون أن يعــي‬
‫اجلمهــور اخنراطــه يف حملــة زائفــة شــديدة التنظيــم‪ .‬املــزة الثاني ـ�ة تتلخــص يف طبيعتهــا‬
‫املخادعــة‪ ،‬فاجلمهــور خــال تعرضــه لرســائلها لــن يتمكــن مــن إدراك وكشــف طبيعــة‬
‫االتصــال والتوجيــه القائــم بــن الرســالة ومصدرهــا احلقيقــي‪ .‬وبرغــم فعاليــة أشــكال‬
‫وأســاليب دعايــة التضليــل علــى املســتوى التقليــدي‪ ،‬إال أن ظهــور اإلنرتنــت غــر مــن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قواعدهــا االتصاليــة‪ ،‬لتصبــح أكــر تنوعــا‪ .‬ونظــرا لصعوبــة التأكــد مــن هويــة املســتخدمني‬
‫عــر الفضــاء الرقــي‪ ،‬صــار مــن اليســر إنشــاء حســابات وهميــة‪ ،‬بهــدف دعــم رأي أو‬
‫فكــرة‪ ،‬لكــن بصــورة مخادعــة تــويح بصــدور هــذا الدعــم عــن حســابات حقيقيــة‪ .‬وهنــا‪،‬‬
‫يســتطيع أي فــرد إنشــاء أكــر مــن حســاب‪ ،‬حتــت أســماء مســتعارة‪ ،‬والتحكــم بهــا بطريقــة‬
‫تــويح لآلخريــن بــأن رأي أو موقــف حيظــى بموافقــة ودعــم عفويــن مــن عــدد مســتخدمني‬
‫كبــر (‪ .)Wilson & Stajano:2011‬فالهــدف االســايس يتمثــل يف صناعــة انطبــاع مضلــل يمكــن‬
‫مــن خاللــه التأثــر والتحكــم باملنظــور اإلدراكــي للجمهــور‪ ،‬وذلــك باالســتفادة مــن خليــط‬
‫الســرية والتفاعليــة الــي يمتــاز بهــا االتصــال الشــبكي‪ .‬وال يقــف األمــر عنــد احلســابات‬
‫الوهميــة‪ ،‬بــل يســتطيع أي فــرد إنشــاء أكــر مــن مدونــة والتحكــم بهــا‪ ،‬أو اســتخدام خدمــة‬
‫التعقيــب لنشــر تعليقــات ومراجعــات مضللــة علــى املواقــع السياســية وصفحــات‬
‫التجــارة اإللكرتوني ـ�ة‪ ،‬أو توظيــف خاصيــة اإلعجــاب واملشــاركة‪ ،‬أو تكنولوجيــا الروبوتــات‬
‫االجتماعيــة‪.‬‬
‫وجميــع األســاليب الســابقة زادت مــن خطــورة دعايــة التضليــل الســيرباني�ة‪ ،‬مقارنــة‬
‫بأســاليبها التقليديــة الــي اعتمــدت علــى الرســائل الورقيــة والهاتــف واملنشــورات وغريهــا‬
‫ً‬
‫مــن وســائل االتصــال القديمــة‪ .‬كمــا ال ننــى أنهــا أقــل تكلفــة وأكــر تأثــرا باملقارنــة مــع‬
‫ً‬
‫الشــكل التقليــدي‪ .‬ويف ذات الســياق‪ ،‬وبرغــم اخنفــاض التكلفــة نســبي�ا‪ ،‬إال أن تنفيذهــا‬

‫‪249‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫يتطلــب رأس مــال بشــري كبــر‪ ،‬ومــوارد حاســوبي�ة كافيــة‪ ،‬وبروتوكــوالت واضحــة ألغراض‬
‫اإلدارة االســراتيجية الفعالــة‪ .‬وبوجــود هــذه العناصــر‪ ،‬يســتطيع راعــي احلملــة حتديــد‬
‫الفئــات املســتهدفة بدقــة‪ ،‬واختي ـ�ار الدوافــع (سياســية‪ ،‬عســكرية‪ ،)..‬ونوعيــة االتصــال‬
‫املطلــوب (احــادي‪ ،‬تفاعلــي)‪ ،‬أو طبيعــة التنفيــذ (آيل‪ ،‬إنســاين)‪ ،‬أو األســلوب األمثــل‬
‫لصياغــة رســائل مضللــة قويــة (‪.)Zhang et al.:2013‬‬
‫‪ .2‬الفرق بني دعاية التضليل والتحرك القاعدي‬
‫ال يمكــن فهــم دعايــة التضليــل‪ ،‬دون هضــم معــى التحــرك القاعــدي ‪.Grassroots‬‬
‫فاألخــر ينشــط علــى املســتوى الشــعيب‪ -‬املحلــي‪ ،‬مــع متطوعــن مــن املجتمــع املــدين‪،‬‬
‫ً‬
‫ويتمحــور هدفــه الرئيــس يف صياغــة جهــود جماعيــة تب ـ�دأ مــن املســتوى األدىن‪ ،‬صعــودا‬
‫إىل األعلــى‪ ،‬مــن أجــل دعــم أو مناصــرة قضيــة محليــة أو عامليــة‪ ،‬جيــدون يف تأيي�دهــا‬
‫فائــدة للمجتمــع (‪ .)Haikarainen:2014‬لهــذا التحــركات القاعديــة علــى ربــط اجلمهــور‬
‫بقضايــا تن�اصــر حقــوق مجتمعيــة معينــ�ة‪ ،‬كقضايــا البيئــ�ة والصحــة والتعليــم وغريهــا‬
‫(‪.)Cho et al.:2011‬‬
‫ويتمثــل االختــاف بــن دعايــة التضليــل والتحــركات القاعديــة‪ ،‬يف أن األخــرة تنشــأ‬
‫بشــكل تلقــايئ وحقيقــي يصــب يف خدمــة مصلحــة جماعيــة‪ ،‬بينمــا األوىل تنشــأ بشــكل‬
‫متعمــد ومضلــل علــى يــد منظمــات ومؤسســات جتاريــة أو حكوميــة أو حزبي ـ�ة؛ كــي تب ـ�دو‬
‫وكأنهــا صــادرة عــن حتــرك قاعــدي شــعيب حقيقــي‪ ،‬لكنــه يصــب يف خدمــة مصلحــة خاصــة‪.‬‬
‫ويف املحصلــة‪ ،‬دعايــة التضليــل هــي التعبــر املشــوه عــن التحــرك القاعــدي‪.‬‬

‫‪250‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫شكل يوضح الفرق بن التحرك القاعدي ودعاية التضليل‬

‫املصدر‪( :‬املؤلف نفسه)‬

‫‪ .3‬تعريف دعاية التضليل‬


‫تتنــوع تعريفــات دعايــة التضليــل حبســب املجــال الــذي تنطلــق منــه‪ .‬ويف الســياق‬
‫ُ‬
‫األكاديــي العــام‪ ،‬تعــرف بكونهــا حتــركات قاعديــة مضللــة (‪ ،)Truett:1996‬أو جهــود‬
‫تأييــ�د مصطنعــة (‪ ،)Dworkowitz:2005‬وهنــاك مــن يربطهــا باجلهــة الــي تقــف خلفهــا‪،‬‬
‫بوصفهــا حــركات قاعديــة مزيفــة يتــم تمويلهــا مــن قبــل منظمــات ومؤسســات كــربى‬
‫(‪ .)Henderson:2007‬وبعــض التعريفــات تشــر إىل طبيعتهــا املنظمــة واملوجهــة‪ ،‬يف كونهــا‬
‫أســلوب حياكــي عمليــات التعبئـ�ة التلقائيـ�ة علــى مســتوى القاعــدة‪ ،‬ولكــن بشــكل منظــم‪،‬‬
‫أو كونهــا حملــة مزيفــة تهــدف إىل التاعــب باجلمهــور‪ ،‬أو حملــة ختفــي راعيهــا ومؤيديهــا‬
‫ً‬
‫لتب ـ�دو وكأنهــا ناشــئة عــن مشــاركة قاعديــة حقيقيــة‪ .‬ومــن التعريفــات التقليديــة أيضــا‪،‬‬
‫مــا يشــر إليهــا بكونهــا محــاكاة للحمــات القاعديــة‪ ،‬تهــدف إىل التاعــب بفئــة معين ـ�ة‪،‬‬
‫حبيــث ال يمكــن التعــرف علــى الغــرض مــن ورائهــا‪ ،‬لكونهــا جهــد يتنكــر علــى شــكل حتــرك‬
‫قاعــدي حقيقــي‪.‬‬

‫‪251‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫أمــا بالنســبة للتعريفــات التجاريــة‪ ،‬فدعايــة التضليــل هــي حملــة تنظمهــا مجموعات‬
‫ضغــط أو خــراء يف العالقــات العامــة لصناعــة أو عكــس صــورة قاعديــة مزيفــة أو مضللــة‬
‫(‪)Johnson:2009‬؛ أو هــي كيــان وهــي يتقمــص شــكل حــركات شــعبي�ة قاعديــة‪ ،‬يتــم‬
‫إنشــاؤها ودعمهــا مــن قبــل شــركات لتعزيــز ودعــم وجهــات نظرهــا ومطالباتهــا ومنتجاتهــا‪،‬‬
‫أو حتســن تصنيفهــا وترتيبهــا علــى محــركات البحــث اخلاصــة بشــبكة اإلنرتنــت‬
‫(‪ .)Bruinius:2013‬وهنــاك تعريــف إجــرايئ يصفهــا علــى شــكل مجموعــة الطــرق الــي تنفذها‬
‫ً‬
‫مؤسســات ملنــح عمــاء محتملــن انطباعــا بــأن مســتخدمني حقيقيــن عــر اإلنرتنــت‬
‫يوصــون بمنتجاتهــا وخدماتهــا‪ ،‬وهــذه التوصيــات هــي باألصــل مــن صنــع هــذه املؤسســات‬
‫(‪.)Leiser:2016‬‬
‫ويف املجــال الســيايس‪ ،‬تعــرف دعايــة التضليــل علــى أنهــا جهــود تســعى إىل التأثــر يف‬
‫السياســيني بطريقــة غــر مباشــرة (‪)Kolbert:1995‬؛ أو أنهــا إجــراءات سياســية تتنكــر علــى‬
‫هيئــ�ة جهــود قاعديــة شــعبي�ة (‪)Gordon:2012‬؛ أو هــي محاولــة لصناعــة انطبــاع وهــي‬
‫بوجــود دعــم شــعيب لسياســة أو ســيايس‪ ،‬بينمــا احلقيقــة عكــس ذلــك‪ .‬وهنــا يتــم اســتخدام‬
‫هويــات ومجموعــات ضغــط وهميــة لتضليــل اجلمهــور لالعتقــاد بــأن الــرأي (جتــاه سياســة‬
‫أو ســيايس) هــو الســائد بــن اجلمهــور(‪.)Bienkov:2012‬‬
‫وفيمــا خيتــص باملجــال الرقــي‪ ،‬هــي ممارســة لنشــر رســائل عــر شــبكة االنرتنــت‬
‫بشــكل مجهــول‪ ،‬او باســتخدام اســماء مزيفــة او وهميــة‪ ،‬مــن أجــل صناعــة ضجــة أو توجــه‬
‫ســليب حول‪/‬جتــاه جهــة أو قضيــة أو قــرار مــا (‪ .)Wright:2004‬ويف تعريــف آخــر‪ ،‬هــي عمليــات‬
‫منســقة أو حمــات علــى شــبكة اإلنرتنــت‪ ،‬تقــوم علــى نشــر رســائل تدعــم أجنــدة معينـ�ة‪،‬‬
‫ً‬
‫بأســلوب مخــادع؛ كــي ختلــق انطباعــا بصدورهــا عــن كيــان مســتقل (‪ .)Simpson:2011‬وهناك‬
‫ً‬
‫مــن يعدهــا نشــرا لــآراء املخادعــة عــر اإلنرتنــت مــن قبــل محتالــن يتصرفــون كأفــراد‬
‫مســتقلني بهــدف الرتويــج ألجنــدة معينــ�ة (‪ .)Zhang et al.: 2013‬وهنــا يتــم دفــع مقابــل‬
‫ً‬
‫مــادي للمحتالــن مــن أجــل نشــر ودعــم بعــض املفاهيــم ني�ابــة عــن اجلهــة الراعيــة‪ .‬ومــن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أفضــل التعريفــات‪ ،‬بــرأيي‪ ،‬مــا يعدهــا نشــاطا اســراتيجيا (مــن أعلــى إىل أســفل)‪ ،‬مخــادع‬
‫ً‬
‫ومصطنــع علــى شــبكة اإلنرتنــت‪ ،‬ترعــاه جهــات فاعلــة رقميــا (سياســية أو غــر سياســية)‬

‫‪252‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫مــن خــال محاكاتهــا لألنشــطة احلقيقيــة (مــن أســفل إىل أعلــى) الــي تنفذهــا جهــات‬
‫مســتقلة حقيقيــة (‪.)Kovic et al.:2018‬‬
‫ً‬
‫وأخــرا‪ ،‬يمكــن لنــا تعريــف عمليــة صناعــة االنطبــاع املضلــل بمســتواها الدعــايئ‬
‫الرقــي‪ ،‬ويف حــدود عالقتهــا بمواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪ ،‬بكونهــا‪ :‬عمليــة أو حملــة‬
‫سياســية ترعاهــا جهــة مــا متخفيــة‪ ،‬مــن خــال وســطاء‪ ،‬لنشــر معلومــات‪ ،‬أو صناعــة ظهور‬
‫مزيــف يب ـ�دو للمســتخدم العــادي وكأنــه نابــع عــن حتــركات قاعديــة حقيقيــة المركزيــة‪،‬‬
‫تلقائيـ�ة وعفويــة‪ .‬وبالنظــر إىل التعريــف املقــدم‪ ،‬يمكــن رصــد خصائــص دعايــة التضليــل‪.‬‬
‫‪ .4‬خصائص دعاية التضليل‬
‫‪ -‬جهد منظم جيري على مسرح سيرباين‪.‬‬
‫ ‪ -‬يقف خلفها فاعل سيايس‪.‬‬
‫‪ -‬تتجسد بشكل مصطنع‪ ،‬بغرض اخلداع؛ لتحقيق أهداف اسرتاتيجية‪.‬‬
‫وهــي مصطنعــة؛ ألنهــا ال تعــر بشــكل صريــح عــن آراء فرديــة مســتقلة‪ ،‬بــل حتاكــي‬
‫هــذه اآلراء لتبـ�دو وكأنهــا مســتقلة‪ .‬كمــا أنهــا مخادعــة؛ ألن غايتهــا اإليقــاع بالهــدف‪ ،‬ودفعه‬
‫لالعتقــاد أن النشــاط املزيــف القائــم حقيقــي‪ .‬وهــي اســراتيجية ألن الفاعــل الســيايس‬
‫يســعى عربهــا إىل حتقيــق أهــداف معين ـ�ة تتجــاوز مربــع املراوغــة التكتيكيــة‪.‬‬
‫‪ .5‬الفرق بني الشكلني التقليدي والرقيم‬
‫ال توجــد فــروق كبــرة بــن الصيغتــن التقليديــة احلديث ـ�ة لدعايــة التضليــل‪ ،‬حيــث‬
‫يمكــن لعناصرهمــا االندمــاج لتحقيــق تأثــر كبــر ومضاعــف‪ .‬والفــروق بينهمــا علــى قلتهــا‬
‫مفاهيميــة مرتبطــة بالنطــاق التشــغيلي‪ ،‬فالصيغــة الرقميــة ظاهــرة ثن�ائيــ�ة تتــم عــر‬
‫الفضــاء الرقــي‪ ،‬وتعتمــد علــى عنصــري اخلــداع والتخفــي‪ ،‬ويمكــن ألي جهــة مؤسســاتي�ة‬
‫تنفيذهــا‪ ،‬وهــي شــديدة اخلطــورة لتنــوع الفئــات الــي تســتطيع اســتهدافها‪ ،‬كمــا أنهــا غــر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مقيــدة زماني ـ�ا ومكاني ـ�ا‪ ،‬ويمكــن تطبيقهــا يف أي وقــت وبــأي شــكل‪ ،‬وجتــاه أي فئــة‪ ،‬محليــة‬
‫أو دوليــة‪ .‬يف املقابــل‪ ،‬تتطلــب الصيغــة التقليديــة وجــود أكــر مــن عنصــر علــى مســتوى‬

‫‪253‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫التنفيــذ‪ ،‬كاحلاجــة إىل وســطاء (واجهــة) وإمكانــات ماديــة وغريهــا‪ ،‬وهــي تســتهدف فئــات‬
‫معينـ�ة مثــل رجــال السياســية واملشــرعني والقانونيــن ولوبيـ�ات الضغــط‪ ،‬كمــا أنهــا مقيدة‬
‫الزمــان واملــكان؛ لذلــك تنعكــس خطورتهــا علــى الواقــع املحلــي ال الــدويل‪.‬‬
‫جدول يوضح الفرق بني بني الشكلني التقليدي والرقيم لدعاية التضليل‬

‫ž•„œ‬ ‫‬
‫Œ    ­‪ ‬‬ ‫

    ‬
‫’‘ Ž‰ ‬

‫•‰„„„„ ˆ„„„‡ ”“„„„‚‪ ‬‬


‫‬ ‫‰„„ ˆ‡ „„† …„„ ƒ‚€ ‬
‫„‚—„„ † –… ‬
‫‰‹Š ‰„„„ )„„  „„(‬
‫›š )–™ ˜ †(‬

‫ ‬ ‫„„„ „„˜‬


‫›ƒ‚ˆ„„„˜ ƒ‚€ ‬
‫‬ ‫‬
‫   ‬ ‫ ­‪  ‬‬

‫‪ .6‬دوافع دعاية التضليل على املستوى السيرباين‬


‫تتحــدد دوافــع دعايــة التضليــل بالعوائــد املتحصلــة مــن وراء التالعــب بمنظــور وآراء‬
‫املســتخدمني‪ .‬ففــي العالقــات العامــة‪ ،‬ينظــر إىل دعايــة التضليــل بكونهــا تكنيــك للتالعــب‬
‫ً‬
‫عــر طــرف ثالــث‪ .‬فمثــا‪ ،‬قــام ســيايس أمريكــي يدعــى وول مــارت «‪ »Wal Mart‬بتوظيــف‬
‫خدمــات شــركة للعالقــات العامــة بشــكل ســري بهــدف حتســن صورتــه‪ ،‬والتقليــل مــن‬
‫ُ‬
‫شــأن منتقديــه‪ .‬لذلــك‪ ،‬أطلقــت الشــركة موقعــن إلكرتونيــن‪ ،‬خصــص األول لعــرض‬
‫إجنازاتــه‪ ،‬فيمــا الثــاين للهجــوم علــى منتقديــه‪ ،‬دون أن يظهــر هــو يف الصــورة (‪.)Daniels:2009‬‬
‫ويف إطــار التن�افــس الســيايس‪ ،‬ســيما خــال االنتخابــات‪ ،‬يســتخدم عديــد مــن‬
‫السياســيني مواقــع الشــبكات االجتماعيــة لغــرض نشــر أطروحاتهــم ومواقفهــم‪ ،‬وزيــادة‬
‫ً‬
‫انتشــارها مــن خــال تكنيكيــات التضخيــم‪ .‬فمثــا‪ ،‬خــال انتخابــات التجديــد لعضويــة‬
‫مجلــس الكوجنــرس عــن واليــة ماساشوســتس‪ ،‬قامــت مجموعــة مدفوعــة مــن مؤيــدي‬
‫األطــراف املتن�افســة بإنشــاء حســابات وهميــة علــى موقــع تويــر واســتثمارها يف إنتــ�اج‬

‫‪254‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫مئــات الرســائل يف وقــت قصــر بهــدف الوصــول إىل أكــر شــرحية مــن اجلمهــور‪ ،‬مــن دون‬
‫أن يشــعر أنهــا صــادرة عــن املتن�افســن أو حتــت رعايتهــم (‪.)Mustafaraj & Metaxas:2010‬‬
‫وفيمــا خيــص شــركة احلاســوب الشــهرية ‪ ،IBM‬كشــفت دراســة عــن حضهــا موظفيهــا نشــر‬
‫رســائل وتدوينــ�ات لصاحلهــا وضــد منافســيها‪ ،‬بطريقــة بــدت وكأنهــا منبثقــة عــن رأي‬
‫حقيقــي (‪ .)Cox et al.:2008‬كمــا كشــفت دراســة أخــرى أجريــت علــى موقــع ‪ ،Amazon‬عــن‬
‫وجــود مراجعــات مزيفــة ‪ Fake Reviews‬هدفــت إىل التأثــر يف القــرارات الشــرائي�ة لألفــراد‬
‫لصالــح أكــر مــن جهــة جتاريــة (‪.)Hu et al.:2011‬‬
‫باإلضافــة إىل مــا ســبق‪ ،‬ال بــد مــن إفــراد مســاحة كافيــة للحديــث عــن الدوافــع‬
‫السياســية الــي تقــف خلــف اشــتغال دعايــة التضليــل علــى مواقــع الشــبكات االجتماعية‪.‬‬
‫فبحســب (‪ ،)Kovic:2018‬تتنــوع الدوافــع إىل درجــة ال يمكــن حصرهــا‪ ،‬لكــن أكرثهــا أهميــة‬
‫مــا يتلخــص يف مجالــن‪ :‬يتمثــل األول يف دعــم أو معارضــة سياســة معين ـ�ة‪ ،‬فيمــا يتجســد‬
‫الثــاين يف دعــم أو معارضــة فاعلــن سياســيني‪ .‬وبالنســبة لــأول‪ ،‬يســخر العديــد مــن رجــال‬
‫السياســية دعايــة التضليــل مــع قضايــا سياســية معينـ�ة بهــدف إمــا التأثــر يف الــرأي العــام‬
‫أو بعــض الفاعلــن السياســيني؛ وذلــك لدفعهــم إمــا تأيي ـ�د مواقفهــم مــن هــذه القضايــا‪،‬‬
‫أو معارضــة مواقــف منافســيهم جتاههــا‪ .‬أمــا بالنســبة لتوظيــف دعايــة التضليــل يف دعــم‬
‫أو معارضــة فاعلــن سياســيني‪ ،‬فالهــدف هنــا يتمثــل يف صناعــة زعــم وهــي بوجــود تأييـ�د‬
‫شــعيب ألنفســهم‪ ،‬أو صناعــة زعــم مقابــل بعــدم شــعبي�ة منافســيهم (‪ .)Ibid‬وجميــع مــا‬
‫ســبق يتــم بــأدوات خفيــة مســترتة‪ ،‬تضمــن صناعــة انطبــاع أو ظهــور مضلــل لــدى الطــرف‬
‫اآلخــر حبقيقتهــا‪.‬‬
‫جدول يوضح عناصر دعاية التضليل بشكلها املنظم على الشبكات االجتماعية‬
‫اﻟﻨ�ﻴﺠﺔ‬ ‫اﻟﻌﻤﺎل‬ ‫اﻟﻮﺳﻴﻂ‬ ‫اﻟﺮاﻋـ ــﻲ‬
‫ّ‬
‫ﺻﻨﺎﻋﺔ�إﻧﻄﺒﺎع�ﻣﻀﻠﻞ‪.‬‬ ‫ﻣ�ﻠﻒ�ﺑﺎﻟﺘﻨﻔﻴﺬ‪.‬‬ ‫ﺗﺨﻄﻴﻂ�ﺣﻤﻠﺔ�اﻟﺪﻋﺎﻳﺔ‪.‬‬ ‫ا��هﺔ�اﻟﺮاﻋﻴﺔ�ﻟﻠﺘﻀﻠﻴﻞ‪.‬‬
‫ﺗﺤﻔﻴـﺰ�اﺳﺘﺠﺎﺑﺔ�ﺳﻠﻮﻛﻴﺔ‪.‬‬ ‫ﻣﺘﺨﻔﻲ���ﻮ�ﺔ�ﻣﺰورة‪.‬‬ ‫ﺗﺤﺪﻳﺪ�ﻧﻮع�اﻻﺷﺘﻐﺎل‪.‬‬ ‫ﻣﺘﺨﻔﻴﺔ�ﺳﺮ�ﺔ‪.‬‬
‫ﺗﺤﻘﻴـﻖ�ﻣ�ﺎﺳـﺐ‪.‬‬ ‫ﺷ�ﻞ��ﺸﺮي�أو�آﻟــﻲ‪.‬‬ ‫ﺗﺠﻨﻴﺪ�وﺗﻮﺟﻴﮫ�اﻟﻌﻤﺎل‪.‬‬ ‫إﻣ�ﺎﻧﺎت�ﻟﻮﺟﺴ�ﻴﺔ‪.‬‬

‫‪255‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫‪ .7‬شروط ووسائل دعاية التضليل‬


‫ال حتقــق دعايــة التضليــل أهدافهــا إال عــر االلــزام بمجموعــة مــن املتطلبــات‪ ،‬ومنهــا‪:‬‬
‫اســتخدام وســيلة أو قنــاة اتصاليــة ذات تأثــر وفعاليــة‪ ،‬وأن تقــف خلفهــا وترعاهــا جهــات‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مؤسســاتي�ة ذات إمكانــات لوجســتي�ة عاليــة؛ حيــث يعتــر التمويــل متطلبــا أساســيا‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫للنجــاح‪ ،‬وشــرطا جوهريــا يف توســيع نطــاق احلملــة‪ .‬ومــن املتطلبــات أيضــا اكتفائهــا‬
‫بتحقيــق هــدف واضــح يصــب يف خدمــة مصلحــة خاصــة‪ ،‬بهــدف تعزيــز ودعــم وضعيــة‬
‫اجلهــة الراعيــة أمــام منافســيها؛ لذلــك مــن الضــروري االعتمــاد علــى وســيط تنفيــذي أو‬
‫أكــر كشــركات العالقــات العامــة‪ ،‬واملســتخدمني املدفوعــن‪ ،‬والروبوتات‪...‬إلــخ‪ ،‬بمعــى‬
‫انتهــاج مبــدأ املركزيــة يف التخطيــط والتوجيــه والتنفيــذ‪ .‬وتتطلــب دعايــة التضليــل إتقــان‬
‫تكنيكيــات اخلــداع واالصطنــاع بشــكل محكــم‪ ،‬دون أن يتمكــن أحــد مــن كشــف حقيقتهــا‪،‬‬
‫أو فضــح هويــة جهتهــا الراعيــة أو منفذيهــا‪.‬‬
‫ويف العــادة‪ ،‬تنجــح دعايــة التضليــل عندمــا تقــرر اجلهــة الراعيــة إخفــاء حملتهــا حتــت‬
‫ســتار أو هويــة وهميــة جامعــة‪ .‬ويقــاس جنــاح دعايــة التضليــل بمــدى قدرتهــا علــى صناعــة‬
‫انطبــاع مضلــل لــدى اجلمهــور‪ ،‬بشــرط االســتفادة أو اســتغالل التصــورات الســائدة‬
‫بــن األفــراد‪ ،‬والتنويــع يف مصــادر الرســالة أو احلملــة‪ ،‬ومراعــاة الدوافــع النفســية للفئــة‬
‫املســتهدفة‪ ،‬إىل جانــب إثارتهــا للفضــول وجذبهــا لالنتب ـ�اه‪ .‬وجميــع مــا ســبق خيــدم جهــود‬
‫احلفــاظ علــى ســريتها‪ ،‬بطريقــة ال يســتطيع اجلمهــور تميزيهــا‪ ،‬ال بــل تدفعــه لالشــراك‬
‫واالخنــراط فيهــا دون معرفــة مســبقة حبقيقتها‪ .‬ويف ســياق متصــل‪ ،‬تتعدد الطرق والوســائل‬
‫الــي يمكــن اســتخدامها مــن أجــل تنفيــذ دعايــة التضليــل‪ ،‬وهــي تــراوح بــن األســاليب‬
‫البشــرية واآلليــة (‪ .)Zhang et al.: 2013‬وبالنســبة للوســائل اآلليــة‪ ،‬فهــي ضروريــة لتوســيع‬
‫رقعــة انتشــار الرســالة علــى املســتوى الشــبكي (‪ ،)Jakobsson:2012‬إضافــة لقدرتهــا تفعيــل‬
‫تأثــر العــدوى بــن املســتخدمني احلقيقيــن‪ .‬وبمجــرد انتشــار رســالة التضليــل‪ ،‬يقــع‬
‫العديــد مــن املســتخدمني ضحايــا لهــا‪ ،‬ويشــرعون يف تداولهــا ومشــاركتها أو إنتـ�اج أشــكال‬
‫جديــدة منهــا‪ ،‬ممــا يــؤدي إىل تضخمهــا باضطــراد حــى تصــل إىل مجموعــات شــبكية أخــرى‬
‫داخــل املنصــات االجتماعيــة (‪.)Ratkiewicz et al.:2011‬‬

‫‪256‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫يف املقابــل‪ ،‬وعلــى صعيــد الوســائل البشــرية‪ ،‬حتتــاج دعايــة التضليــل إىل مجموعــات‬
‫كاف‪ ،‬وقــدرة فعالــة علــى اإلدارة‬
‫كبــرة مــن املســتخدمني واملشــغلني بشــرط توفــر تمويــل ٍ‬
‫والتوجيــه‪ .‬وبرغــم دنــو فعاليــة األشــكال البشــرية علــى صعيــد مســاحة االنتشــار‪ ،‬إال‬
‫ً‬
‫أنهــا أكــر تأثــرا مــن نظريتهــا اآلليــة‪ .‬فهــي تســتطيع الدفــاع عــن آراء مشــغليها وحتقيــق‬
‫أهدافهــم بشــكل مباشــر‪ ،‬مــن خــال التســلل إىل غــرف الدردشــة‪ ،‬أو املدونــات‪ ،‬أو مواقــع‬
‫الشــبكات االجتماعيــة‪ ،‬أو املواقــع اإللكرتونيـ�ة‪ .‬كمــا تتمــز بقدرتهــا علــى التكيــف الســريع‬
‫مــع املتغــرات املفاجئــة الــي قــد تتعــرض لهــا احلملــة‪ ،‬إىل جانــب إمكاناتهــا علــى صعيــد‬
‫التفاعــل واإلقنــاع‪ .‬وبرغــم االســتقاللية الظاهــرة‪ ،‬إال أن العمــال ملزتمــون باخلطــوط‬
‫العامــة الــي حتددهــا اجلهــة الراعيــة‪ .‬فالرســائل الــي ينشــرونها مصممــة بعنايــة لتن�اســب‬
‫البيئـ�ة والفئــة املســتهدفة‪ ،‬وبالتــايل ال مجــال لالجتهــاد‪ .‬ويشــرط يف حملــة دعايــة التضليل‬
‫(صناعــة االنطبــاع املضلــل) علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة أن تأخــذ اآليت باحلســبان‪:‬‬
‫‌أ‪ .‬زيــادة وصــول العامــل‪ :‬عــر تأســيس أكــر مــن حســاب وهــي بأســماء مســتعارة؛‬
‫بهــدف صناعــة انطبــاع مضلــل لــدى املســتخدمني يفيد وجــود أفــراد حقيقيني يشــاركونهم‬
‫نفــس اآلراء‪.‬‬
‫‌ب‪ .‬تفعيــل العــدوى وتضخيــم األثــر‪ :‬بمجــرد نشــر الرســائل‪ ،‬يقــع عديــد مــن‬
‫املســتخدمني ضحيــة لهــا‪ ،‬فيقومــون علــى مشــاركتها أو إنت ـ�اج أشــكال جديــدة منهــا دون‬
‫وعــي منهــم؛ ممــا يــؤدي إىل تضخيــم األثــر‪.‬‬
‫‌ج‪ .‬املزاوجــة بــن األشــكال البشــرية واآلليــة والهجينــ�ة‪ :‬يمكــن تنفيذهــا بواســطة‬
‫نظــام برمــي ‪ Bot‬أو بشــري ‪ Human‬أو هجــن ‪ .Cyborg‬وعــر اآليل يمكــن بلــوغ نطــاق شــبكي‬
‫كبــر‪ ،‬بينمــا الوســيط البشــري قــادر علــى التفاعــل بكفــاءة‪ ،‬فيمــا يدمــج الهجــن قــدرات‬
‫ً‬
‫الشــكلني معــا‪.‬‬
‫‌د‪ .‬تنظيــم وتنســيق اجلهــود‪ :‬إتبــ�اع تكنيــكات تنفيــذ منســقة تتحــاىش كشــف‬
‫أنمــاط اشــتغال مزتامنــة ومتشــابهة كــي ال يتــم كشــف حقيقتهــا املضللــة‪ .‬وتضمــن جهــود‬
‫التنظيــم صياغــة أشــكال متنوعــة مــن النصــوص‪ ،‬وبــث الرســائل عــر وســائط متنوعــة‪،‬‬

‫‪257‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫وتوزيــع توقيتهــا‪ ،‬وحتديــد نطــاق انتشــارها‪ .‬وجتاهــل مــا ســبق‪ ،‬يــؤدي إىل كشــفها‪ ،‬ســيما‬
‫مــا يتعلــق باستنســاخ الرســالة النصيــة‪ .‬ويف كثــر مــن األحيــان‪ ،‬تتســبب مراعــاة مــا ســبق‬
‫يف ظهــور معضــات طارئــة‪ .‬فجدولــة الرســائل علــى مســاحة زمني ـ�ة قــد يؤثــر علــى عــدد‬
‫الرســائل الصــادرة يف كل فــرة‪ ،‬كمــا أن صياغــة رســائل بصيــغ متعــددة حتتــاج اىل وقــت‬
‫ومــوارد‪ ،‬ورأس مــال بشــري كبــر‪.‬‬
‫‌ه‪ .‬توجيــه وضبــط ســلوك العمــال‪ :‬مطلــوب مــن الوســيط‪ ،‬تنفيــذ رقابــة صارمــة‬
‫علــى أداء العمــال‪ ،‬عــر حســاب عــدد الرســائل الــي قامــوا بنشــرها‪ ،‬واحلســابات الوهميــة‬
‫الــي قامــوا بإنشــائها‪ ،‬وجهدهــم الــدوري املبــذول يف مجــال حتديــث احلســابات كــي تب ـ�دو‬
‫حقيقيــة‪ .‬وهنــا‪ ،‬قــد تتســبب الرقابــة الصارمــة يف اخنفــاض جــودة العمــل‪ ،‬علــى حســاب‬
‫اجلهــد الرئيــي يف تمويــه األنشــطة‪ .‬لذلــك قــد يعمــد الوســيط إىل جتميــع العمــال يف مــكان‬
‫واحــد لتنفيــذ الرقابــة‪ ،‬ولكــن حــى هــذا اإلجــراء قــد ال حيقــق نتـ�اجئ إجيابيـ�ة‪ ،‬لتوقــف العامــل‬
‫عــن النشــاط فــور مغادرتــه مــكان العمــل‪.‬‬
‫‪ .8‬دعاية التضليل وآليات التأثري واإلقناع‬
‫يتســق تأثــر دعايــة التضليــل علــى مســتوى علــم النفــس االجتماعــي مــع تلــك‬
‫الناجمــة عــن ظاهــرة «التأثــر االجتماعــي املعلومــايت ‪،»Informational Social Influence‬‬
‫وظاهــرة «الدليــل االجتماعــي ‪ .»Social Proof‬ففــي احلالــة األوىل‪ ،‬يتحقــق اإلقنــاع عندمــا‬
‫يميــل املســتخدم إىل اعتبـ�ار املعلومــات الصــادرة عــن مســتخدمني آخريــن كدليــل يؤخــذ بــه‬
‫عنــد تشــكيل رأي أو حكــم جتــاه قضيــة مــا (‪ .)Deutsch et al.:1955‬وقــد أوضــح علمــاء النفــس‬
‫أن اإلنســان معــرض للخضــوع إىل رأي األغلبي ـ�ة يف حــال وجــود إجمــاع علــى رأي مــا‪ ،‬أو يف‬
‫حــال الغمــوض املعلومــايت‪ ،‬أو شــدة اجنــذاب الفــرد للمجموعــة ورغبتـ�ه يف االنضمــام إليهــا‪.‬‬
‫أمــا يف احلالــة الثانيــ�ة‪ ،‬فيتحقــق اإلقنــاع باســتخدام قــوة وجاذبيــ�ة النظــر‪ ،‬وهــي‬
‫ظاهــرة نفســية يتكيــف فيهــا املســتخدم مــع ممارســات ملســتخدمني آخريــن‪ ،‬حبيــث‬
‫يتولــد اعتقــاد لديــه بضــرورة ممارســة نفــس مــا يمارســه اآلخــرون‪ ،‬بمعــى التشــبه‬
‫بهــم‪ .‬وبرغــم التأثــرات اإلقناعيــة الســابقة‪ ،‬القائمــة علــى اإلدراك واملشــابهة؛ إال‬

‫‪258‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫أنــه ال جيــب إغفــال تأثــر يطلــق عليــه اســم «نمــوذج بلــورة األرجحيــة يف اإلقنــاع‬
‫‪ ،»Elaboration likelihood Model of Persuasion‬سيمــــا مـــا يتعلــــق بطريقــــة معاجلــــة‬
‫املســتخدمني للمعلومــات والرســائل اخلاصــة بدعايــة التضليــل‪.‬‬
‫ويف املســار األول اخلــاص بالنمــوذج‪ ،‬حتــت اســم املســار املركــزي ‪ ،Central Route‬يميــل‬
‫املســتخدم إىل فحــص الرســالة بعنايــة شــديدة‪ ،‬مــن خــال التفكــر بعمــق يف محتواهــا‪،‬‬
‫وتأمــل األفــكار واملعلومــات الــي تتضمنهــا‪ ،‬وحتليــل األدلــة واألســباب الــواردة فيهــا‪ .‬وهــذا‬
‫النــوع مــن املســتخدمني يتمــز بدافعيــة كبــرة جتــاه حتليــل الرســالة‪ ،‬لذلــك تســعى دعايــة‬
‫التضليــل إىل بــث رســائل تمتــع بقــوة حجاجيــه عاليــة‪ ،‬يصعــب كشــف زيفهــا‪ ،‬يف مواجهــة‬
‫هــذا النــوع مــن املســتخدمني‪ .‬أمــا الثــاين‪ ،‬املســار الســطيح (اإللتفــايف) ‪،Peripheral Route‬‬
‫فيتمــز فيــه املســتخدم بالســطحية‪ ،‬حبيــث يبتعــد عــن ممارســة اجلهــد املعــريف املعمــق‬
‫لصالــح االعتمــاد علــى خصائــص الرســالة الظاهــرة من أجــل تقييمهــا‪ ،‬مثل طريقة ســردها‬
‫وبالغتهــا ومــدى اســتمالتها لعاطفته‪...‬إلــخ‪ .‬ويف كلتــا احلالتــن يعتمــد‪ ،‬بنـ�اء رســائل دعاية‬
‫التضليــل علــى مــدى التعمــق يف دراســة الفئــة املســتهدفة (‪ .)Zhang et al.: 2013‬وتهــدف‬
‫رســالة دعايــة التضليــل إىل إقنــاع مســتقبلها بعــدم زيفهــا‪ ،‬عــر تأكيــد عقالني ـ�ة وجديــة‬
‫محتواهــا‪ ،‬وأن مضمونهــا يعكــس إلرادة حقيقيــة مســتقلة‪ ،‬صــادرة عــن مســتخدم حيمــل‬
‫وجهــة نظــر أصيلــة‪ .‬وهنــا‪ ،‬حتــاول دعايــة التضليــل إمــا تغيــر رأي املســتخدم حــول قضيــة‬
‫مــا‪ ،‬أو إثــارة الشــكوك يف نفســه حــول وجهــة نظــر مــا‪ ،‬مــن خــال حملــة منســقة‪ ،‬يتــم‬
‫خاللهــا إغــراق املنصــة املســتهدفة بعشــرات الرســائل املضللــة‪ .‬ومــن هنــا نســتطيع وصــف‬
‫التأثــر الناجــم عــن دعايــة التضليــل عــر مواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪ ،‬بكونــه الدرجــة‬
‫الــي تســتطيع بموجبهــا حملــة دعايــة التضليــل تغيــر رأي املتلقــي أو التأثــر يف قناعاتــه‬
‫وأفــكاره جتــاه موضــوع معــن (‪ .)Cialdini:2001‬وبن ـ�اء علــى مــا ســبق‪ ،‬يمكــن رد تأثــر دعايــة‬
‫التضليــل إىل أربــع آليــات‪ ،‬علــى الوجــه اآليت‪:‬‬
‫‌أ‪ .‬منظــور املصــادر املتعــددة‪ :‬حبســب عديــد مــن الدراســات‪ ،‬تــؤدي املصــادر املتنوعــة‬
‫ً‬
‫واحلجــج اآلتيـ�ة مــن مصــادر مختلفــة دورا يف اإلقنــاع بعمليــات ورســائل دعايــة التضليــل‪.‬‬
‫ويــرد الســبب إىل التصــورات اإلدراكيــة الــي تنشــأ يف عقــول املســتخدمني‪ ،‬علــى صعيــد‬

‫‪259‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫بنـ�اء قناعــة نفســية تفيــد بتنــوع اآلراء طالمــا أن التنــوع نابــع عــن مصــادر مختلفــة ومتعددة‬
‫(‪ .)Harkins et al.:1987‬وهنــا تســتطيع احلملــة صناعــة أكــر مــن مصــدر لتفعيــل هــذا‬
‫التأثــر لــدى املســتخدمني‪ .‬إضافــة لمــا ســبق‪ ،‬يشــكك كثــر مــن املســتخدمني باملعلومــات‬
‫الصــادرة عــن املؤسســات والهيئـ�ات الرســمية‪ ،‬ونتيجــة لذلــك‪ ،‬يتوجــه الكثــر منهــم لطلــب‬
‫املعلومــات مــن مصــادر بديلــة‪ ،‬مثــل مواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪ ،‬العتقادهــم أنهــا أكــر‬
‫موثوقيــة‪ .‬وهنــا يتعاظــم دور دعايــة التضليــل يف إقنــاع األفــراد‪ ،‬ســيما إذا مــا ختفــت علــى‬
‫شــكل مســتخدمني عاديــن‪.‬‬
‫‌ب‪ .‬منظــور الغمــوض وانعــدم اليقــن‪ :‬يف كثــر مــن احلــاالت‪ ،‬ســيما يف مجــايل‬
‫السياســة والتجــارة‪ ،‬جتتــاح املســتخدمني حالــة مــن انعــدام اليقــن والغمــوض خبصــوص‬
‫موضــوع أو قضيــة أو ســلعة أو شــخصية مــا على مواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪ ،‬لذلك يلجأ‬
‫ً‬
‫هــؤالء املســتخدمني إىل آخريــن طلبــا للمعلومــات‪ ،‬مــا يرتتــب عليــه اعتمادهــم واعتن�اقهــم‬
‫للمعلومــات الــي ينشــرها نظرائهــم‪ .‬ويف هــذه احلالــة‪ ،‬تســتطيع دعايــة التضليــل توظيــف‬
‫أدوات ظاهــرة «التأثــر االجتماعــي املعلومــايت» يف مجــال تغيــر رأي املســتخدم‪ ،‬أو‬
‫التشــويش علــى آرائــه الســابقة فيمــا خيــص قضيــة وفكــرة معين ـ�ة (‪.)Wooten et al. 1998‬‬
‫ً‬
‫‌ج‪ .‬منظــور التشــابه‪ :‬غالبــا مــا تت�أثــر معتقــدات الفــرد وآرائــه بشــأن موضــوع مــا‬
‫بمعتقــدات وآراء أفــراد آخريــن مشــابهني لــه ومــن نفــس املســتوى أو النــوع االجتماعــي؛‬
‫لذلــك يتصاعــد احتمــال أن تت�أثــر معتقــدات املســتخدم باملعلومــات واآلراء الــي ينشــرها‬
‫مســتخدمون آخــرون مشــابهني لهــم‪ ،‬وإن كانــت مزيفــة ومضللــة (‪.)Cialdini:2001‬‬
‫وهنــا‪ ،‬نســتنتج ميــل األفــراد إىل التماثــل والتشــابه مــع اآلخريــن علــى حســاب مضمــون‬
‫الرســالة‪ .‬مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬يشــر (‪ )Ibid‬إىل أهميــة نبــوع التأثــر مــن مســتوى أفقــي ال‬
‫عامــودي؛ ألن األول قــادم مــن مســتوى ودرجــة اجتماعيــة مماثلــة‪ ،‬بعكــس الثــاين الهابــط‬
‫مــن مســتويات عليــا‪ .‬وألنهــا ال تعتمــد علــى إقامــة صــات مباشــرة مــع املســتقبل‪،‬‬
‫تتعمــد دعايــة التضليــل أن تب ـ�دو رســائلها وكأنهــا صــادرة عــن مســتخدم مســتقل يتمــز‬
‫بمواصفــات قريبــ�ة ومماثلــة مــن املســتخدمني اآلخريــن‪ .‬لذلــك‪ ،‬الرســائل الــي حتمــل‬
‫صفــة ســلطوية سياســية أو جتاريــة‪ ،‬قــد ال حتقــق التأثــر املــراد منهــا‪ .‬ويؤكــد باحثــان علــى‬

‫‪260‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫إمكانيـ�ة ختطــي الفــروق االجتماعيــة بــن مرســلي ومســتقبلي املعلومــات يف مجــال التأثــر‪،‬‬
‫مــن خــال توظيــف تكنيكيــات خــداع تســهم يف تقصــر املســافة النفســية بــن الطرفــن‪،‬‬
‫عــر ظهــور اجلهــة الراعيــة لدعايــة التضليــل وكأنهــا نظــر أو مــكائف اجتماعــي للمســتهدف‬
‫(‪.)Kinniburgh & Denning:2007‬‬
‫‌د‪ .‬منظــور الدافــع النفــي‪ :‬باالرتــكاز علــى نمــوذج بلــورة األرجحيــة‪ ،‬تــؤدي الدوافــع‬
‫ً‬
‫النفســية دورا يف حتديــد شــكل اخنــراط األفــراد مــع الرســالة‪ ،‬وبالتــايل حتقيــق التأثــر مــن‬
‫عدمــه‪ .‬علــى ســبي�ل املثــال‪ ،‬يميــل األفــراد الذيــن يتمتعــون حبمــاس ورغبــة قويــة جتــاه‬
‫املعلومــات‪ ،‬إىل فحــص رســالة احلملــة بدقــة‪ ،‬لذلــك يتطلــب إعــداد مضمونهــا حنكــة‬
‫عاليــة‪ ،‬وإال فشــلت‪ .‬أمــا يف حالــة األفــراد فاقــدي احلمــاس والدافعيــة‪ ،‬فيميلــون إىل‬
‫التعــرض للرســالة بشــكل ســطيح غــر متعمــق‪ ،‬حبيــث تتمكــن مــن التأثــر فيهــم‪ ،‬خاصــة‬
‫حــال تضمنــت اســتماالت عاطفية تســتحث الوجــدان (‪ .)Cacioppo et al.:1986‬وباإلســقاط‬
‫علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪ ،‬يميــل مســتخدميها مــن اصحــاب الدوافــع القويــة إىل‬
‫ســلوك املســار املركــزي يف هضــم املعلومــات‪ ،‬علــى عكــس أصحــاب الدافعيــة املنخفضــة‬
‫الذيــن يميلــون إىل املســار الســطيح (‪.)Metzger:2007‬‬
‫‪ .9‬نماذج عن دعاية التضليل‬
‫تعتمــد دوافــع هــذا النــوع مــن احلمــات املضللــة علــى الفوائــد املســتمدة مــن‬
‫التالعــب بــآراء وتصــورات مســتقبلي الرســالة‪ .‬والفوائــد هنــا متنوعــة حبســب اجلهــة‪،‬‬
‫ســواء كانــت سياســية‪ ،‬او اقتصاديــة‪ ،‬او جتاريــة‪ ،‬او عســكرية‪...‬إلخ‪ .‬ومــن األمثلــة الــي‬
‫ً‬
‫تســاعد علــى فهــم معــى حمــات دعايــة التضليــل (صناعــة االنطبــاع املضلــل) عمليــا‪،‬‬
‫اآليت‪:‬‬
‫‌أ‪ .‬تلجــأ شــركات اقتصاديــة إىل تأســيس مؤسســات وهميــة‪ ،‬أو اســتئجار خدمــات‬
‫مؤسســة للعالقــات العامــة؛ مــن أجــل ممارســة ضغــط مصطنــع علــى مشــرعني‪ ،‬إمــا‬
‫لتمريــر قانــون خيدمهــا أو إلغــاء قــرار يضرهــا‪ ،‬مــن خــال إيهــام املشــرعني بــأن الضغــط‬
‫امتــداد حلــراك قاعــدي حقيقــي‪ ،‬وهــو يف حقيقتــه وهــي مزيــف‪ ،‬ال خيــدم ســوى مصلحــة‬

‫‪261‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫الشــركة فقــط‪ .‬كمــا يمكــن لهــا توظيــف االتصــاالت اآلليــة‪ ،‬أو تأســيس مواقــع علــى‬
‫ُ‬
‫اإلنرتنــت‪ ،‬إضافــة إىل رســائل الربيــد اإللكرتوين‪...‬إلــخ‪ ،‬وجميعهــا تســتخدم لتضليــل اجلهــة‬
‫املســتهدفة‪.‬‬
‫‌ب‪ .‬رســالة إىل املحــرر‪ ،‬الــي هــي خدمــة صحفيــة موجــودة علــى الصحــف واملواقــع‬
‫اإللكرتونيـ�ة‪ ،‬تتيــح للقــارئ تقديــم وجهــة نظــره حــول مقــال مــا‪ ،‬علــى أن تتعهــد الصحيفــة‬
‫بنشــره حــال مالئمتــه‪ .‬وهنــا‪ ،‬تقــوم جهــات سياســية باســتغالل هــذه اخلدمــة عــر الدفــع‬
‫بأشــخاص لكتابــة هــذه الرســائل لتبــ�دو كأنهــا صــادرة عــن رأي حقيقــي‪ ،‬مــا يؤثــر علــى‬
‫السياســة التحريريــة للصحيفــة‪ .‬وتنشــط «إســرائي�ل» يف هــذا املضمــار مــع الصحــف‬
‫األمريكيــة‪.‬‬
‫ً‬
‫‌ج‪ .‬مراجعــات اإلنرتنــت املضللــة ‪ ،Online Reviews‬فمثــا‪ ،‬يعتمــد املســتهلكون اعتمادا‬
‫ـرا علــى آراء مســتهلكني آخريــن ألخــذ قــرار بشــأن شــراء منتــج عــر اإلنرتنــت‪ .‬يــدرك‬ ‫كبـ ً‬
‫البائعــون هــذا األمــر؛ لذلــك يقومــون علــى صناعــة مراجعــات تــؤدي إىل حتفــز املســتهلكني‬
‫لشــرائها‪ .‬بمعــى‪ ،‬صناعــة مراجعــات وآراء مزيفــة غــر حقيقيــة للتأثــر يف آراء املســتهلكني‬
‫حــول املنتــج‪ .‬وهنــاك وجــه متطــور للمرجعــات‪ ،‬يــأيت بهيئــ�ة رســائل غــر مرغــوب فيهــا‬
‫‪ .Spam‬ومــا يســري علــى املنتــج‪ ،‬يســري علــى املعلومــات‪ ،‬فالتعليقــات الســلبي�ة أو‬
‫املعلومــات ذات التصنيــف املنخفــض ســتؤدي باألفــراد إىل جتاهلهــا حــى وإن كانــت‬
‫ً‬
‫صحيحــة‪ ،‬والعكــس صحيــح‪ .‬وهنــا جتــدر اإلشــارة‪ ،‬أن كثــرا مــن هــذه املعلومــات قــد تكــون‬
‫مزيفــة او متالعــب بهــا‪ ،‬منشــورة عــن طريــق وســيط‪ ،‬مهمتــه نشــر رســائل محــددة لصالــح‬
‫ُ‬
‫اجلهــة الراعيــة‪ .‬ومثــال علــى ذلــك الصفحــات الــي تنشــأ علــى موقــع ‪.Wikipedia‬‬
‫‌د‪ .‬نشــر محتــوى غــر قانــوين تشــهريي علــى شــكل شــائعات‪ ،‬أو إعالنــات كاذبــة‪ ،‬أو‬
‫رســائل سياســية مشــبوهة‪ ،‬مــن خــال وســطاء‪ ،‬وذلــك للتأثــر يف حظــوظ املنافــس‪.‬‬
‫‌ه‪ .‬دفــع رســوم رمزيــة ألفــراد مــن أجــل التطــرق ملنتــج عــر اإلنرتنــت لزيــادة رواجــه‬
‫‪‌.Branding‬‬

‫‪262‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫و‪ .‬التالعــب بالتصنيــف ‪ .Ranking‬وهنــا تعمــد بعــض املؤسســات اإلعالميــة إىل‬


‫التالعــب حبقيقــة تصنيفهــا علــى محــركات البحــث‪ ،‬مــن خــال دفــع أفــراد لتأديــة مهــام‬
‫تســاعد علــى حتقيــق ذلــك‪.‬‬
‫‌ز‪ .‬الطلــب مــن الكتــاب واملدونــن املســتقلني كتابــة منشــورات تمجــد سياســيني‪،‬‬
‫وتنتقــد أي محــاوالت ســلبي�ة للمــس بهــم أو انتقادهــم‪ .‬وهنا جتــب اإلشــارة‪ ،‬إىل أن عديد من‬
‫الرســائل السياســية علــى اإلنرتنــت تتظاهــر وكأنهــا رأي حقيقــي صــادر عــن مســتخدمني‪،‬‬
‫لكنهــا عكــس ذلــك؛ ألنهــا ختفــي هويــة راعيهــا األصلــي‪.‬‬
‫‌ح‪ .‬االستشــهاد باملشــاهري واخلــراء‪ ،‬أو آراء املســتخدمني وتقييماتهــم‪ ،‬أو إبــراز عــدد‬
‫اإلجابــات واملشــاركات‪...‬إلخ‪.‬‬
‫‌ط‪ .‬الطلــب مــن التشــكيالت الســيرباني�ة تنفيــذ حملــة ضغــط مضللــة؛ وذلــك بهــدف‬
‫ً‬
‫التأثــر يف القــرارات احلكوميــة‪ ،‬وعــادة ال تعــر هــذه احلمــات عن نبــض الشــارع احلقيقي؛‬
‫إال أنهــا تســتطيع نشــر العــدوى‪ ،‬وبالتــايل حــث مشــاركة معها‪.‬‬

‫‪263‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫دعاية احلشد املزيف‬


‫تعتــر دعايــة احلشــد املزيــف ‪ Crowdturfing‬الوجــه الماكــر واخلبيــث للتعهيــد‬
‫اجلماعــي‪ ،‬والقالــب املتطــور عــن صناعــة االنطبــاع املضلــل‪ .‬أي انهــا خليــط‪ ،‬جيمــع بــن‬
‫خصائــص الظاهرتــن‪ ،‬بغــرض اســتخدام فئــات جماهرييــة لتأديــة مهــام دعائي ـ�ة موجهــة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بشــكل مســترت‪ ،‬تعكــس انطباعــا مزيفــا بنشــأتها مــن قاعــدة شــعبي�ة‪ .‬وهنــاك مــن يصنفهــا‬
‫كنــوع مــن أنــواع دعايــة التضليــل‪ ،‬يتــم تنســيق عمــل املشــاركني فيهــا بطريقــة التعهيــد‬
‫اجلماعــي‪ .‬بمعــى أن املنخرطــن يف دعايــة التضليــل إذا مــا تــم تنظيمهــم بطريقــة التعهيــد‬
‫اجلماعــي عندهــا تتحــول العمليــة إىل دعايــة حشــد مزيــف (‪ .)Wu & Liu:2017‬وبــدأت‬
‫ً‬
‫الظاهــرة بالــزوغ خــال نهايــة العقــد األول للقــرن احلــادي والعشــرين‪ ،‬مســتفيدة مــن‬
‫إمكاني ـ�ة تنظيــم وإشــراك عــدد كبــر مــن األفــراد مقابــل بــدل مــايل بســيط‪ .‬وينشــط هــذا‬
‫ً‬
‫النــوع يف جميــع املنصــات الشــبكية تقريب ـ�ا؛ كاملنت�ديــات‪ ،‬ومواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪،‬‬
‫واملواقــع اإللكرتونيــ�ة وغريهــا‪.‬‬
‫وتعــرف دعايــة احلشــد املزيــف مــن مدخــل جتــاري بكونهــا نظــام يطلــق فيــه «الزبون»‬
‫حملــة دعائيـ�ة‪ ،‬يرتتــب عليهــا تأديــة مســتخدمني «ملهــام» بســيطة‪ ،‬تتعــارض مــع سياســة‬
‫ً‬
‫املســتخدمني املقبولــة‪ ،‬مقابــل بــدل مــايل (‪ .)Wang et al.:2012‬وتعــرف أيضــا بكونهــا جمــوع‬
‫مــن املســتخدمني املســتقطبني إمــا بمقابــل مــايل أو تطوعــي‪ ،‬يتخــذون شــكل قاعــدي‬
‫ُمصطنــع‪ ،‬للقيــام بمهــام دعائي ـ�ة علــى شــبكة اإلنرتنــت‪ ،‬ومواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪.‬‬
‫ولهــذه الظاهــرة وجــه حديــث غــر جتــاري‪ ،‬يتمثــل يف «الدعايــة التشــاركية»‪ ،‬الــي هــي‬
‫دعــوة موجهــة ملســتخديم مواقــع الشــبكات االجتماعيــة مــن أجــل املشــاركة يف اجلهــود‬
‫الدعائيــ�ة الهجوميــة والدفاعيــة الــي تقــوم عليهــا جهــة سياســية مــا‪ .‬واملشــاركة هنــا‪،‬‬
‫تعــي ممارســة مهــام وأنشــطة بشــكل جمعــي‪ ،‬موزعــة بــن مجموعــة مــن املســتخدمني‬
‫واجلهــة السياســية‪ .‬ويرتكــز هــذا الشــكل (الدعايــة التشــاركية) علــى العوامــل احلزبي ـ�ة‬
‫واأليديولوجيــة يف اســتقطاب األفــراد‪ ،‬دون مقابــل مــايل‪ .‬وتعتمــد حمــات دعايــة احلشــد‬
‫املزيــف يف التنفيــذ علــى العنصــر البشــري بالدرجــة األوىل‪ ،‬مــع االســتغناء عــن العناصــر‬
‫اآلليــة والهجينـ�ة‪ .‬ويــرد الســبب إىل ســهولة رصــد وحتييـ�د األدوات الربمجيــة‪ ،‬األمــر الــذي‬

‫‪264‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫ويعاظــم مــن خطورتهــا‪ .‬ولكــن‪ ،‬قبــل أن نتعمــق يف احلديــث عــن دعايــة احلشــد‬‫يضاعــف ُ‬
‫املزيــف‪ ،‬ال بــد يف البدايــة مــن توضيــح مفهــوم التعهيــد اجلماعــي؛ ألن عــدم هضــم املعــى‬
‫الكلــي لهــا ســيؤثر علــى إدراك مقاربــات وأشــكال دعايــة احلشــد املزيــف‪.‬‬
‫‪ .1‬التعهيد اجلماعي ‪CROWDSOURCING‬‬

‫يف الســنوات األخــرة‪ ،‬كشــفت شــبكة اإلنرتنــت عــن قــدرات اســتثن�ائي�ة يف مجــال‬
‫تســخري واســتغالل قــوة اجلمهــور لصالــح مهــام محــددة‪ .‬وكان مــن بــن هــذه القــدرات‪،‬‬
‫مــا يعــرف بالتعهيــد اجلماعــي(*)‪ ،‬الــذي هــو مجموعــة مــن املهــام الــي ُيعهــد للجمهــور‬
‫ً‬
‫تنفيذهــا‪ .‬فعديــد مــن املواقــع والتطبيقــات املفتوحــة علــى شــبكة اإلنرتنــت‪ ،‬اتاحــت مجــاال‬
‫لربــط املســتخدمني بعديــد مــن الوظائــف واملهــام‪ ،‬الــي تنفــذ بمقابــل مــادي أو تطوعــي‪.‬‬
‫ً‬
‫ومصطلــح التعهيــد اجلماعــي جديــد نســبي�ا يف األدبي ـ�ات العلميــة‪ ،‬صــك بواســطة مــارك‬
‫روبنســون «‪ »Mark Robinson‬وجيــف هــاو «‪ »Jeff Howe‬يف مقالــة لهمــا نشــرتها مجلــة‬
‫‪ Weird Magazine‬عام ‪2006‬م (‪.)Whitla:2009‬‬
‫ويعرف التعهيد اجلماعي بكونه عملية تستعني فيها مؤسسات جتارية أو جهات‬ ‫ُ‬
‫سياسية أو حكومية بمصادر خارجية (جماهريية) من خارج اإلطار الوظيفي للجهة‬
‫ً‬
‫املتعهدة‪ -‬سواء فرد أو حشد جماهريي موزع جغرافيا ‪ -‬لتأدية مهمة أو وظيفة أو نشاط‪ ،‬أو‬
‫املشاركة يف حل مشكلة أو مسألة تعاين منها اجلهة املتعهدة بشكل مدفوع أو تطوعي (‪Wang‬‬
‫ً‬
‫‪ .)et al.:2012‬ويعرف أيضا بكونه نداء مفتوح ألي شخص للمشاركة يف مهمة متاحة عرب‬
‫اإلنرتنت (‪ .)Aitamurto:2012‬وبشكل أسايس‪ ،‬يسعى التعهيد اجلماعي إىل استحضار الذكاء‬
‫اجلماعي لألفراد‪ ،‬على افرتاض أن املعرفة تتشكل بدقة عندما تمزتج مجموعة أفكار مختلفة‬
‫مع بعضها‪ .‬وما سبق‪ ،‬يعين أنها عملية تشاركية تتم عن ُبعد‪ ،‬تقوم على طلب املساعدة بشكل‬
‫مباشر من جمهور اإلنرتنت‪ ،‬سواء من خالل مواقع ويب‪ ،‬أو عرب مواقع الشبكات االجتماعية‪.‬‬
‫ً‬
‫ويف املجال السيايس‪ُ ،‬يعد التعهيد اجلماعي مسلكا باجتاه واحد يهتم بصياغة الرأي العام‬
‫وتوجيهه من خالل مشاركة املواطن للحكومة‪ ،‬ومشاركة أعضاء احلزب مع قيادته‬
‫ً‬
‫ُيعــرف التعهيــد اجلماعــي أيضــا باســم “حشــد املصــادر”‪ ،‬وهــذه األخــرة تعــرف بكونهــا التأثــر والتحفــز واالســتفادة مــن‬ ‫(*)‬

‫التجمعــات القائمــة علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة لزتويــدك باملعلومــات ومســاعدتك يف حــل االشــياء‪.‬‬

‫‪265‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫(‪ .)Lastovka:2015‬وحيقق التعهيد اجلماعي مصلحة متب�ادلة بني طريف التعهيد‪ .‬فبالنسبة‬
‫للجهة املتعهدة‪ ،‬تتحقق االستفادة من خالل تقليص هامش التكلفة المالية‪ ،‬أو خفض‬
‫الوقت‪ ،‬أو ضمان التنوع‪ ،‬أو البقاء يف املنافسة‪ ،‬إىل جانب فوائد أخرى عديدة حبسب‬
‫توجهاتها‪ .‬أما بالنسبة للمعهود اليه‪ ،‬فترتاوح االستفادة بني الرحب المايل‪ ،‬أو املعنوي‬
‫كإشباع احلاجة للربوز االجتماعي وحتقيق الذات واالندماج مع اجلماعة‪...‬إلخ‪ ،‬أو املهاري‬
‫على صعيد تطوير قدراته‪ .‬وعادة ما ُيصمم التعهيد اجلماعي على شكل دعوات مفتوحة‬
‫اىل اجلماهري‪ ،‬أو عرب اإلعالن عن مسابقة‪ .‬ومن أمثلة التعهيد اجلماعي‪ ،‬ترجمة الكتب‬
‫والدراسات‪ ،‬أو رسم مجسمات ثالثي�ة األبعاد‪ ،‬أو املشاركة يف إعداد البحوث‪ ،‬أو إنت�اج‬
‫املحتوى‪ ،‬أو حتصيل التربعات‪ ،‬أو جمع املعلومات‪ ،‬أو تسويق األفكار واملنتجات‪ ،‬أو كتابة‬
‫النصوص الربمجية‪...‬إلخ‪ .‬وجميع ما سبق يرتكز على قاعدة االستفادة من قوة اجلماهري‪،‬‬
‫عرب توزيع اجلهد على أكرث من مشرتك‪ ،‬إلجناز املطلوب يف أقل وقت متاح‪.‬‬

‫شكل يوضح مراحل التعهيد اجلماعي‬

‫ﺗﻠﻘﻲ‬
‫ﺗﻮز� ــﻊ�اﳌ�ﺎﻓﺄة‪.‬‬ ‫ا��ﻤهﻮر�ﻟﻠﻤﻄﻠﺐ‬ ‫ﺟهﺔ�ﻟﺪ��ﺎ‬
‫و�ﻌهﺪﻩ���ﺎ‪.‬‬ ‫ﻣﻄﻠﺐ‪.‬‬

‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬


‫ﺗﺤﻘﻴﻖ�ﻣﻨﺎﻓﻊ�ﻣﺸ��ﻛﺔ‬ ‫اﻟﺘﻌﺎون����ﺗﺤﻘﻴﻖ‬ ‫إﻋﻼن�ا��هﺔ�ﻋﻦ‬
‫ﺑ�ن�ا��ﻤهﻮر�وا��هﺔ‬ ‫اﳌﻄﻠﺐ�ﺑ�ن�ا��ﻤهﻮر‬ ‫اﳌﻄﻠﺐ�و�ﻌهﻴﺪهﺎ‬
‫اﳌﻌﻠﻨﺔ‪.‬‬ ‫وا��هﺔ�اﳌﻌﻠﻨﺔ‪.‬‬ ‫ﻟ��ﻤهﻮر‪.‬‬

‫املصدر‪(:‬املؤلف نفسه)‬
‫ويتخطــى التعهيــد اجلماعــي حــدود االقتصــاد والتجــارة‪ ،‬لينتقــل إىل مســاحات‬
‫ً‬
‫جديــدة كليــا‪ ،‬كالطلــب مــن اجلمهــور املســاعدة يف جميــع بي�انــات محــددة ألغــراض‬
‫أمنيـ�ة‪ ،‬أو حتليــل معلومــات‪ ،‬أو تصميــم اخلرائــط ‪ ،Crowdmapping‬أو جمــع تربعــات ماليــة‬
‫‪...Crowdfunding‬إلخ‪.‬‬

‫‪266‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫وقــد ســبق لكتائــب القســام‪ ،‬اجلنــاح املســلح حلركــة املقاومــة اإلســامية حمــاس‬
‫يف فلســطني أن اســتخدمت التعهيــد اجلماعــي عــر مواقــع الشــبكات االجتماعيــة يف‬
‫مناســبتني‪ :‬األوىل عندمــا طلبــت مــن اجلمهــور التــرع لهــا باســتخدام العملــة اإللكرتونيـ�ة‪،‬‬
‫والثانيـ�ة خــال عمليــة «حــد الســيف» شــرق مدينـ�ة خانيونــس‪ ،‬عندمــا دعــت اجلمهور إىل‬
‫تقديــم معلومــات عــن اخلليــة «اإلســرائيلية» الــي تســللت داخــل قطــاع غــزة بغــرض زرع‬
‫ً‬
‫أجهــزة جتسســيه‪ .‬ومــن أمثلــة التعهيــد اجلماعــي املعاصــرة أيضــا؛ مشــاركة قراصنــة مــن‬
‫مختلــف دول العالــم‪ ،‬يف تنفيــذ هجمــات منســقة علــى مواقــع إلكرتوني ـ�ة «إســرائيلية»‪،‬‬
‫وحجبهــا أو تدمريهــا أو إفســادها‪...‬إلخ‪ .‬لذلــك فــإن مبــدأ التعهيــد اجلماعــي يســتجيب‬
‫ً‬
‫وينســجم تمامــا مــع حقيقــة دخــول اجلمهــور علــى خــط التأثــر وانتـ�اج الدعايــة‪ .‬وجميــع ما‬
‫ســبق يؤكــد أن للتعهيــد اجلماعــي مجــاالن‪ :‬األول ســاكن (مرتبــط بالعمــل علــى املســتوى‬
‫االفــرايض فقــط)‪ ،‬ودين�اميكــي متحــرك (مرتبــط بالفعــل والنشــاط علــى مســتوى الواقــع‬
‫الفعلــي)‪.‬‬
‫و جيمــع التعهيــد بــن املســتويني‪ ،‬مــن حيــث انتقــال املســتخدم مــن مســتقبل إىل‬
‫فاعــل نشــط‪ ،‬يتشــارك مــع اجلهــات العليــا يف مهــام علــى املســتوى الوطــي‪ .‬مــن ناحيــة‬
‫ً‬
‫أخــرى‪ ،‬تشــكل أنظمــة التعهيــد اجلماعــي خطــرا علــى آليــات التأمــن الــي تســتخدمها‬
‫ً‬
‫عديــد مــن املنصــات واملواقــع ملواجهــة خطــر األنظمــة الربمجيــة اخلبيث ـ�ة‪ .‬فمثــا‪ ،‬يســعى‬
‫موقعــي تويــر وفيســبوك علــى الــدوام إىل اكتشــاف وإزالــة احلســابات الوهميــة‪ ،‬وبالتــايل‬
‫احلــد مــن انتشــار الروابــط اخلبيث ـ�ة والربيــد العشــوايئ‪ .‬وألن اجلهــود الســابقة منصبــة‬
‫علــى أنمــاط املخاطــر اآلليــة‪ ،‬تســببت أنظمــة التعهيــد االجتماعــي بمضاعفــة اخلطــر‬
‫كونهــا تعتمــد علــى اجلهــد البشــري ال الربمــي‪ ،‬ســيما وأن املواقــع الســابقة انطلقــت مــن‬
‫افــراض مفــاده أن األنشــطة الســلبي�ة ال تتــم جبهــد بشــري لشــدة تعقيدهــا‪ ،‬وهــو افــراض‬
‫اتضــح عــدم صوابيتــ�ه بانتشــار أدوات التعهيــد اجلماعــي‪ ،‬ومــن ورائهــا حمــات دعايــة‬
‫التضليــل ودعايــة احلشــد املزيــف‪ .‬واملقلــق يف التعهيــد اجلماعــي مــا يرتبــط بإمكانيــ�ة‬
‫جتنيــ�د مســتخدمني يف مجــال جمــع املعلومــات االســتخباراتي�ة‪ .‬والتجنيــ�د بطريقــة‬
‫ً‬
‫التعهيــد اجلماعــي يعــي اســتقبال معلومــات مفصلــة حــول أي يشء تقريبــ�ا‪ ،‬خاصــة يف‬

‫‪267‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫حــال جتني ـ�د عــدد كبــر مــن املســتخدمني‪ .‬وتتجســد خطورتهــا يف صعوبــة رصــد عمليــة‬
‫ً‬
‫التجنيــ�د‪ ،‬واســتحالة تتبــع حركــة املعلومــات‪ ،‬فجميعهــا جتــري بســرية مســتفيدة مــن‬
‫خصائــص مواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪ .‬وهنــا‪ ،‬يســتطيع أي فــرد إنشــاء صفحــة مزيفــة‬
‫حتــت اســم مســتعار مــزودة ببي�انــات غــر حقيقيــة‪ ،‬ثــم إقامــة قنــاة اتصــال مــع اجلهــات‬
‫املعاديــة دون درايــة مــن أحــد‪.‬‬
‫‪ .2‬نموذج للتعهيد اجلماعي من الواقع الفلسطيين‬
‫ال يمكــن ختطــي موضــوع فضــح هويــة اخلليــة «اإلســرائيلية» دون مقاربتهــا‬
‫وإســقاطها علــى مفهــوم «التعهيــد اجلماعــي»؛ فالبيــ�ان الصــادر عــن كتائــب القســام‬
‫بت�اريــخ الثــاين والعشــرين مــن نوفمــر عــام ‪ 2018‬م بعنــوان «حــد الســيف»‪ ،‬والــذي‬
‫احتــوى صــور شــخصية ألعضــاء املجموعــة األمنيــ�ة املتســللة داخــل مدينــ�ة خانيونــس‪،‬‬
‫أظهــر ممارســة بديهيــة يف ظاهرهــا‪ ،‬اســتثن�ائي�ة يف باطنهــا‪ .‬ويســجل للتاريــخ‪ ،‬أنهــا املــرة‬
‫األوىل الــي جيــري فيهــا تعهيــد مهــام للجمهــور ومســتخديم مواقــع الشــبكات االجتماعيــة‬
‫يف قطــاع غــزة مــن أجــل املســاعدة يف اســتكمال كشــف خيــوط قضيــة أمني ـ�ة‪ ،‬كانــت ومــا‬
‫زالــت اختصــاص حصــري ومغلــق وســري ألجهــزة األمــن‪ .‬ويعتمــد «التعهيــد اجلماعــي»‬
‫بمســتواه املعلومــايت يف املثــال احلــايل‪ ،‬علــى تنشــيط مهمــة محــددة‪ ،‬تســتوجب مــن‬
‫اجلمهــور تقديــم معلومــات مرتبطــة بالشــخصيات املعلــن عنهــا يف بيـ�ان القســام‪ .‬وكنتيجة‬
‫متوقعــة‪ ،‬يبــ�دأ الفــرد يف اســتدعاء ذاكرتــه قصــرة وطويلــة املــدى‪ ،‬بغــرض التوصــل إىل‬
‫تطابــق ســيميايئ علــى مســتوى العالمــة‪ ،‬الجــرار أو اســتخالص معلومــات مفيــدة‪ ،‬تشــمل‬
‫خــط ســر وعمــل الوحــدة داخــل قطــاع غــزة؛ فاملهمــة ال تقتصــر علــى الفــرد األمــي؛ بــل‬
‫تتســع لتشــمل جمهــور القطــاع بأطيافــه كافــة‪.‬‬
‫وبن ـ�اء علــى مــا ســبق‪ ،‬نســتنتج عــدد مــن املالحظــات املرتتب ـ�ة عــن تفعيــل التعهيــد‬
‫ً‬
‫اجلماعــي جماهرييــا‪:‬‬
‫‪ -‬أمــا علــى مســتوى العــدو‪ ،‬فــا يمكــن كبــح جمــاح الفضــول املعلومــايت النــائش لدى‬
‫ً‬
‫جماهــره‪ ،‬مــا يعــي تعاظــم إمكاني ـ�ة مشــاركته يف العمليــة املعلوماتيـ�ة رغمــا عنــه وبشــكل‬

‫‪268‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫تلقــايئ‪ ،‬دون أن تتمكــن الرقابــة «اإلســرائيلية» فعــل يشء‪ ،‬ســوى إطــاق التحذيــر تلــو‬
‫األخــر‪ .‬ونشــر هنــا‪ ،‬إىل أن البيئــ�ة االتصاليــة اجلديــدة‪ ،‬مكنــت اجلمهــور مــن املشــاركة‬
‫بقــوة يف التفاعــات املعلوماتيــ�ة‪ ،‬بعكــس البيئــ�ة التقليديــة‪ ،‬الــي خيضــع فيهــا تدفــق‬
‫املعلومــات لســيطرة مركزيــة‪ .‬وباإلســقاط علــى مفهــوم التعهيــد‪ ،‬ال يمكــن ضبــط حركــة‬
‫التفاعــل مــع القضيــة داخــل البيئ ـ�ة الشــبكية للخصــم‪ ،‬وجــل مــا يمكــن القيــام بــه تقليــل‬
‫هامــش اخلســارة ال أكــر‪.‬‬
‫‪ -‬املالحظــة الثاني ـ�ة‪ ،‬والــي أعتربهــا أكــر أهميــة‪ ،‬هــي تعمــد القســام رفــع منســوب‬
‫الوعــي األمــي لــدى جمهــور قطــاع غــزة‪ ،‬واالنتقــال بــه مــن حالــة مســتقبل خامــل إىل وضــع‬
‫فاعــل نشــط‪ .‬وهــذا حبــد ذاتــه ســلوك اســراتييج؛ ألنــه يضمــن ممارســة أمني ـ�ة شــعبي�ة‬
‫دائمــة‪ ،‬ترصــد للمواقــف والشــخصيات والتحــركات الغريب ـ�ة واملشــبوهة‪ ،‬لتتبــى ســلوك‬
‫مضــاد جتاههــا‪ ،‬أقلهــا اإلبــاغ عنهــا‪ .‬ولنــا أن نتخيــل حجــم الضــرر الــذي تعرضــت لــه أجهــزة‬
‫األمــن «اإلســرائيلية»‪ ،‬وضيــق مســاحة العمــل املســتقبلي‪ ،‬إن لــم يكــن اســتحالتها‪ .‬فالــكل‬
‫الشــعيب اآلن مجنــد خلدمــة وحفــظ وتصليــب املوقــف األمــي الداخلــي‪.‬‬
‫‪ -‬أمــا املالحظــة الثالثــة واألخــرة‪ ،‬فتتنــ�اول للبعــد الدعــايئ الــذي حيتويــه البيــ�ان‪.‬‬
‫ولــن نب�الــغ حــن نقــول إنهــا شــكلت صدمــة محســوبة للخصــم‪ ،‬عرتــه أمــام جمهــوره‪،‬‬
‫بشــكل ين�اقــض مــا دأب علــى تثبيتــ�ه لســنوات طويلــة‪ .‬فاالرتــدادات ال تشــمل محيــط‬
‫املعركــة مــع غــزة‪ ،‬بــل يتعداهــا حنــو جغرافيــات إقليميــة ودوليــة‪ ،‬تعمــد القســام فضحهــا‬
‫علــى هــذا النحــو‪ ،‬حبيــث أحــال أفرادهــا إىل التقاعــد اإلجبــاري‪ ،‬أو حــى للمالحقــة القانونيـ�ة؛‬
‫يف حــال ثبــت ضلوعهــم تنفيــذ مهــام داخــل دول بعينهــا‪.‬‬
‫‪ .3‬مكونات دعاية احلشد املزيف‬
‫برغــم اســبقية ظهــور شــبكة اإلنرتنــت‪ ،‬إال أن إمكاني ـ�ة اســتقطاب إعــداد كبــرة مــن‬
‫املســتخدمني عــر آليــات التعهيــد اجلماعــي قــد ضاعــف بشــكل غــر مســبوق مــن قــوة‬
‫دعايــة التضليــل‪ .‬هــذه القــوة بدورهــا تعاظمــت إىل احلــد الــذي ســمح بإنتـ�اج شــكل جديــد‬
‫يعتمــد علــى العنصــر البشــري‪ .‬وتتكــون دعايــة احلشــد املزيــف عــر الفضــاء االفــرايض‬
‫مــن ثــاث مكونــات رئيســية (‪:)Wang et al.:2012‬‬

‫‪269‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫‌أ‪ .‬الزبائــن‪ :‬وتتمثــل يف األفــراد أو الشــركات أو املؤسســات أو الهيئــ�ات أو اجلهــات‬


‫الــي تتقــدم بطلــب خدمــة علــى مســتوى حمــات التضليــل واخلــداع‪ ،‬ولهــا مصلحــة مــن‬
‫ورائهــا‪ ،‬ومســؤولة عــن تقديــم مقابــل مــايل عــن اخلدمــة‪.‬‬
‫‌ب‪ .‬الــوكالء‪ :‬وســطاء احلملــة الذيــن يتولــون مســؤولية ختطيطهــا وإدارتهــا‪ ،‬وتوفــر‬
‫مســتلزماتها‪ ،‬بمــا ينســجم مــع أهــداف احلملــة ومتطلبــات الزبائــن‪.‬‬
‫‌ج‪ .‬العمــال‪ :‬يتجســدون يف مســتخديم شــبكة اإلنرتنــت ومواقــع الشــبكات‬
‫االجتماعيــة املســتقطبني ألداء مهــام محــددة مقابــل عوائــد ماليــة متفــق عليهــا‪.‬‬
‫وبنــ�اء علــى املكونــات الســابقة‪ ،‬تتشــكل كل حملــة لدعايــة احلشــد املزيــف مــن‬
‫ً‬
‫مجموعــة مهــام موزعــة ومنســقة‪ .‬فمثــا‪ ،‬إذا مــا أردنــا تنفيــذ حملة هدفهــا إنت�اج منشــورات‬
‫وتعليقــات إجيابيـ�ة حــول حــزب ســيايس مــا‪ ،‬يف هــذه احلالــة‪ ،‬سـ ُـيعهد للعمــال تنفيــذ مهــام‬
‫تأخــذ شــكل منشــور أو تعليــق إجيــايب واحــد‪ ،‬وعنــد إجنــاز املهمــة‪ ،‬يرســل العمــال مــا يثبــت‬
‫تنفيذهــا كدليــل‪ ،‬مثــل رابــط أو لقطــة شاشــة‪ .‬ويف املرحلــة الثاني ـ�ة‪ ،‬يقــوم الــوكالء بت�أكيــد‬
‫إجنــاز املهمــة وتقييمهــا‪ ،‬ثــم إرســالها للزبــون‪ ،‬الــذي يعمــل علــى اعتمادهــا وحتويــل املقابــل‬
‫المــادي إىل العامــل عــن طريــق الوكيــل‪ .‬والشــكل التــايل يوضــح مراحــل تسلســل تنفيــذ‬
‫احلملــة‪.‬‬
‫شكل يوضح مراحل التعهيد اجلماعي‬

‫اﻟﺰ�ﻮن‬ ‫اﻟﻮﻛﻴﻞ‬ ‫اﻟﺰ�ﻮن‬

‫اﻟﻮﻛﻴﻞ‬ ‫اﻟﻌﺎﻣﻞ‬ ‫اﻟﻮﻛﻴﻞ‬ ‫اﻟﻌﺎﻣﻞ‬

‫املصدر‪(:‬املؤلف نفسه)‬

‫‪270‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫‪ .4‬البىن الهيكلية لدعاية احلشد املزيف‬


‫تتشــكل دعايــة احلشــد املزيــف مــن بــى حتتيــ�ة أساســية تســتخدم للربــط بــن‬
‫مكوناتهــا الثــاث‪ .‬وتهــدف هــذه البــى الهيكليــة إىل تبســيط العمــل مــن ناحيــة توزيــع‬
‫املهــام‪ ،‬ورصــد األداء‪ ،‬وصــرف البــدالت الماليــة‪ .‬وجــرت العــادة أن يؤســس لهــا الــوكاء‪،‬‬
‫وهــي تتشــابه مــع هيــاكل عمليــة التعهيــد اجلماعــي؛ إال أنهــا ختتلــف معهــا يف ناحيــة‬
‫الهــدف‪ ،‬مــن حيــث تلقيهــا طلبــات تتعلــق بمهــام ســلبي�ة غــر أخاقيــة‪ .‬وتتخــذ دعايــة‬
‫احلشــد املزيــف شــكلن رئيســين‪ ،‬املركــزي واملــوزع‪ ،‬واجلــزء القــادم ســيتعرض لهمــا مــن‬
‫حيــث الركيــب والفــروق بينهمــا‪.‬‬
‫أ‪ .‬الشكل الهيكلي املوزع ‪:Distributed‬‬

‫ينتشــر هــذا الشــكل الهيكلــي داخــل منصــات الراســل الرســائل الفوريــة‪ ،‬وغــرف‬
‫الدردشــة‪ ،‬والقوائم الربيدية‪ ،WhatsApp، Telegram ،‬الي يؤسســها ويســتضيفها املوجهن‬
‫(قــادة املجموعــات)‪ .‬ومــزة هــذا النــوع أنــه مقــاوم للتهديــدات اخلارجيــة مثــل الرقابــة‪،‬‬
‫ويصعــب حتديدهــا واجيادهــا ألنهــا تعمــل يف اخلفــاء وعلــى نطــاق جماهــري محــدود‪،‬‬
‫ويمكــن تفكيكهــا وإعــادة تشــكيلها يف أي وقــت‪ .‬ومــن عيوبــه‪ ،‬صعوبــة اســتقطاب العمــال‪،‬‬
‫لســريتها‪ ،‬كمــا أن مراقبــة تنفيــذ املهــام وتعديــل األداء صعــب فيهــا‪ ،‬ومــن غــر املضمــون‬

‫‪271‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫حصــول العمــال علــى عوائــد ماديــة‪ ،‬لعــدم قــدرة الزبــون علــى تقييــم الفعاليــة التطبيقيــة‪،‬‬
‫وبالتــايل حتقيــق األهــداف‪ .‬لذلــك‪ ،‬قــد يصلــح هــذا الشــكل فقــط لتوزيــع األوامــر‪ ،‬أو‬
‫تنفيــذ مهــام محــدودة‪ ،‬أو التأثــر يف جمهــور قليــل العــدد (‪ .)Ibid‬ويف احلالــة الفلســطيني�ة‪،‬‬
‫تســتخدم مجموعــة (‪#‬اهبــد) اإللكرونيـ�ة هــذا النمــط يف مجــال توزيــع األوامــر واملهــام‪ ،‬أو‬
‫تنســيق الهجمــات‪ ،‬حبيــث جتــذب مهامهــا الكثــر مــن مســتخديم فيســبوك الذيــن يرغبــون‬
‫يف االنضمــام إليهــا دون مقابــل مــايل‪ ،‬لتقــوم بدورهــا باختي�ارهــم وإحلــاق املائــم منهــم عــرب‬
‫إرســال روابــط لالتحــاق‪.‬‬
‫ب‪ .‬الشكل الهيكلي املركزي ‪:Centralized‬‬

‫يتخــذ الهيــكل املركــزي شــكل موقــع إلكــروين علــى شــبكة اإلنرنــت‪ ،‬يعمــل علــى‬
‫ً‬
‫حتقيــق الربــط املباشــر مــع الزبائــن أو أحيانــا العمــال‪ ،‬ومــن أمثلتــه الشــهرة مواقــع‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ .Microworkers.com, ShortTask.com, Rapidworkers.com‬وتطبيقيــــــا‪ ،‬يقــــوم الزبــــون‬
‫باإلعــان عــن مهــام ومكافــآت علــى صفحــة املوقــع‪ ،‬ليقــوم العامــل بالتســجيل‪ ،‬واالخنــراط‬
‫يف املهمــة‪ .‬ويتمثــل الــدور الرئيــي للوســطاء‪ ،‬يف احلفــاظ علــى موقــع الويــب وحمايت ـ�ه‪،‬‬
‫إضافــة إىل التحقــق مــن الطلبــات املقدمــة مــن العمــال‪ ،‬بنـ�اء علــى طلــب مــن الزبــون‪ .‬ومزة‬
‫هــذا الشــكل انــه بســيط‪ ،‬يســمح بالربــط بــن الزبــون والعامــل بشــكل مباشــر‪ ،‬كمــا يمكــن‬
‫إجيــاد مواقــع اخلدمــة بســهولة‪ ،‬كمــا تســمح بمتابعــة أداء العمــال وضبطــه بشــكل أكــرب‪.‬‬

‫‪272‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫ومــن عيوبــه‪ ،‬قابليــة الرقابــة علــى املوقــع واخراقــه مــن أطــراف ثالثــة‪ ،‬كمــا يمكــن حتليــل‬
‫انشــطته عــن بعــد‪ ،‬واخلــروج بنت ـ�اجئ رقميــة شــاملة حــول نوعيــة املهــام ونطــاق اشــتغالها‬
‫(‪ .)Ibid‬وبرغــم جتاريــة االشــكال الهيكليــة الســابقة‪ ،‬إال انــه يمكــن تســخرها بشــكل ارتجــايل‬
‫مــن قبــل جهــات حزبيــ�ة أو حكوميــة‪ ،‬ترغــب يف تأســيس شــكل هيكلــي مائــم لهــا علــى‬
‫مواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪.‬‬
‫ج‪ .‬الشكل الهيكلي املتصل ‪:Linked‬‬

‫ينشــط اســتخدام الشــكل الهيكلــي املتصــل داخــل مواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪،‬‬


‫حبيــث تبــ�دأ الرحلــة مــن موقــع إلكــروين متخصــص يف تقديــم خدمــات دعايــة احلشــد‬
‫املزيــف‪ ،‬ثــم تنتقــل إىل املنصــات االجتماعيــة عــرب العمــال بعــد تلقــي املهــام مــن الزبــون‬
‫مباشــرة‪ ،‬أو عــرب وســيط‪ .‬وبمجــرد الولــوج‪ ،‬تب ـ�دأ عمليــة جديــدة عمادهــا املؤثــر الوســيط‪،‬‬
‫الــذي يتخــذ وضعيــة مركزيــة داخــل الشــبكة؛ بهــدف مشــاركة منشــوراته أو تغريداتــه مــن‬
‫قبــل العمــال‪ ،‬وبالتــايل ضمــان تعــرض وتفاعــل املســتخدم العــادي معهــا‪ .‬ويعتمــد العامــل‬
‫يف هــذا الشــكل علــى إنشــاء روابــط مــع عديــد مــن املســتخدمن يف مرحلــة تاليــة‪ ،‬مــن أجــل‬
‫ً‬
‫اســتغالها الحقــا يف زيــادة انتشــار رســائل الدعايــة‪ ،‬أو تفعيــل أثــر العــدوى لتضخيمهــا‪.‬‬

‫‪273‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫‪ .5‬أهم املهام املنوطة بدعاية احلشد املزيف‬


‫تتنــوع املهــام املنوطــة بدعايــة احلشــد املزيــف‪ ،‬وهــي مرتبطــة بشــكل كبــر بطلبــات‬
‫الزبائــن‪ .‬وقــد رصــدت عــدة دراســات ألنــواع مــن املهــام‪ ،‬علــى الشــكل اآليت‪:‬‬
‫‌أ‪ .‬نشــر روابــط ‪ URL‬علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪ ،‬وتتنــوع هــذه الروابــط بــن‬
‫اخلبيثـ�ة املخصصــة لالخــراق‪ ،‬وبــن تلــك املخصصــة لتحســن ترتيــب موقــع إلكــروين مــا‪.‬‬
‫ً‬
‫وعــادة مــا حيــاول العمــال إغــراء املســتخدم للنقــر علــى الرابــط‪ ،‬باالعتمــاد علــى تكنيكيــات‬
‫جــذب مختلفــة‪.‬‬
‫ً‬
‫‌ب‪ .‬البحــث عــن كلمــة أو عبــارة أو محتــوى على محــركات البحــث (معروفة مســبقا)‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ومــن ثــم النقــر علــى رابــط ظاهــر يف نتـ�اجئ البحــث (الرابــط أيضــا معــروف مســبقا)‪ .‬ومــن‬
‫خــال هــذا اإلجــراء‪ ،‬يتمكــن الزبــون يف زيــادة تصنيــف صفحــة أو موقــع مــا‪.‬‬
‫‌ج‪ .‬نشــر رســائل أو صــور‪ ،‬ومشــاركة منشــورات معينــ�ة‪ ،‬واإلعجــاب ببعــض‬
‫الصفحــات أو املنتجــات‪ ،‬وكتابــة املراجعــات علــى املواقــع التجاريــة‪ ،‬وكتابــة موضــوع علــى‬
‫املدونــة اخلاصــة بالعامــل‪ ،‬واســتهداف اخلدمــات الشــعبي�ة ألغــراض جتاريــة‪.‬‬
‫‌د‪ .‬التســجيل يف مواقــع معينــ�ة‪ ،‬أو دفــع املســتخدم العــادي لذلــك؛ وذلــك بهــدف‬
‫جمــع معلومــات عنهــم‪ ،‬أو زيــادة إعــداد املســجلني يف املوقــع‪.‬‬
‫ً‬
‫‌ه‪ .‬املشــاركة يف اســتطالعات الــرأي؛ وذلــك بهــدف التأثــر علــى نت ـ�اجئ التصويــت أيــا‬
‫كان مجــال اهتمامهــا واختصاصهــا‪.‬‬
‫‌و‪ .‬التأثــر يف جــودة املعلومــات عــر اإلنرتنــت‪ ،‬واملــس بالفائــدة العلميــة للعديــد مــن‬
‫املواقــع‪ ،‬وتنفيــذ حمــات تشــويش علــى النقاشــات‪ ،‬نشــر مشــاركات ومضامــن تدعــم او‬
‫تؤيــد جهــة مــا‪ ،‬وإغــراق الشــبكات االجتماعيــة بســيل مــن الرســائل‪ ،‬وجــذب انتبـ�اه األجهزة‬
‫احلكوميــة واالســتخبارية ملوضوعــات وقضايــا معينـ�ة‪.‬‬

‫‪274‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫ويؤكــد جميــع مــا ســبق أن دعايــة احلشــد املزيــف قائمــة علــى اســتغال وتعبئــ�ة‬
‫املــوارد البشــرية لصالــح جهــة الدعايــة‪ ،‬وأنهــا تســعى إىل الظهــور بشــكل شــعيب قاعــدي‪،‬‬
‫مــن خــال جتني ـ�د املســتخدمن لصاحلهــا؛ كــي ال يتــم كشــفها‪ ،‬وبالتــايل فقــدان تأثرهــا‪.‬‬
‫وبرغــم األشــكال الهيكليــة املتنوعــة لدعايــة احلشــد املزيــف‪ ،‬إال أنهــا ال تفســر كيفيــة‬
‫اخنــراط املســتخدمن معهــا بدافــع ذايت؟ وال كيفيــة اختي�ارهــم للموضوعــات الدعائيــ�ة‬
‫ً‬
‫بعيــدا عــن توجيــه وإشــراف جهــة ناظمــة؟ ولعــل احلالــة الفلســطيني�ة مــن احلــاالت الــي‬
‫يشــهد فضائهــا االفــرايض مشــاركات دعائيــ�ة ملفتــة دون توجيــه مركــزي‪ .‬وهنــا يمكــن‬
‫افــراض نوعــن مــن التأثــر احلديــث‪ ،‬يقــود املســتخدمن حنــو فعــل يصــب يف مصلحــة‬
‫دعايــة احلشــد املزيــف‪:‬‬
‫أ‪ .‬تأثــر مباشــر‪ :‬نــاجت عــن دعاية احلشــد املزيف؛ حبيــث يت�أثــر املســتخدم بأطروحاتها‬
‫ورســائلها املزيفــة بشــكل مباشــر‪ ،‬ليتفاعــل وينخــرط معهــا دون دعــوة أو معرفــة مســبقة‬
‫حبقيقتهــا املضللــة‪.‬‬
‫شكل يوضح نموذج التأثر املباشر لدعاية احلشد املزيف‬

‫املصدر‪( :‬املؤلف نفسه)‬

‫‪275‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫ب‪ .‬تأثــر غــر مباشــر‪ :‬نــاجت عــن العوامــل االجتماعيــة واالقتصاديــة والسياســية‬
‫الســائدة‪ ،‬والــي تؤثــر يف املســتخدم‪ ،‬وحتفــزه علــى إنتــ�اج أطروحــات دعائيــ�ة تعــرب عــن‬
‫واقعــه املعــاش‪ .‬وقــد ينخــرط عديــد مــن املســتخدمن مــع دعايــة احلشــد املزيــف بشــكل‬
‫غــر مباشــر حــال عكســت أطروحاتهــا ورســائلها املزيفــة الظــروف املعاشــة القائمــة الــي‬
‫يت�أثــرون بهــا‪ ،‬ومــن أمثلتهــا اإلشــاعات‪.‬‬
‫شكل يوضح نموذج التأثر غر املباشر لدعاية احلشد املزيف‬

‫املصدر‪( :‬املؤلف نفسه)‬


‫‪ .6‬الفرق بن دعاية التضليل واحلشد املزيف‬
‫  ‬ ‫ ‬

‫ ‪ ” /‬‬ ‫‬ ‫ ‬


‫…™¦¬ „Š› œ‬ ‫  ˜ © ¨
 §¦­‹‬
‫ ‬
‫¯ ‰ ®‪.‬‬ ‫ «‘€ «™™ ‪.ª £‬‬

‫€ ‚„Š‘Ž  ­‪ ‬‬ ‫ ‬


‫†…„ƒ ‚€  ­‪. ‬‬
‫‚“’ ­‪. ‬‬ ‫
 ‬
‫Š •  —‚ –‘ ‪.‬‬ ‫Š • ‪.‬‬ ‫‬
‫‪.›œ ž  Ÿ¡ ¢£ ¤Š¥‬‬ ‫Œ‹ „Š‰ ˆ‡  ‪.‬‬ ‫
‬
‫™ ˜ ‪.š /‬‬ ‫™ ˜‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪276‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫التنقيب الدعائـي‬
‫قبــل تبيـ�ان التنقيــب الدعــايئ ‪ ،Propaganda Mining‬ال بــد مــن توضيــح مفهــوم تنقيــب‬
‫البي�انــات ‪ .Data Mining‬ففهــم األخــرة يســاعد علــى تفكيــك مكونــات األوىل‪ .‬وتنقيــب‬
‫ويعــرف‬ ‫البي�انــات أو املعلومــات‪ ،‬مصطلــح ظهــر يف أواخــر ثمانينيــ�ات القــرن المــايض‪ُ ،‬‬
‫بكونــه عمليــة اكتشــاف للمعرفــة مــن كميــة بي�انــات ضخمــة‪ ،‬موجــودة داخــل مســتودعات‬
‫ضخمــة للبي�انــات‪ ،‬أو داخــل الشــبكة العنكبوتيـ�ة‪ ،‬أو علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪...‬‬
‫إلــخ؛ بغــض النظــر عــن كونهــا بي�انــات منظمــة‪ ،‬أو عشــوائي�ة غــر منظمــة (‪.)Han et al.:2012‬‬
‫ً‬
‫وبالتدقيــق يف التعريــف‪ ،‬نالحــظ دورا لآللــة‪ ،‬أي أن «التنقيــب» عملية برمجية‪ ،‬الســتنب�اط‬
‫أنمــاط ومعــارف مفيــدة‪ ،‬مــن غــر املمكــن الوصــول إليهــا إال عــر جهــد اصطناعي حاســويب‪-‬‬
‫ذكــي‪ .‬فاالنتشــار الواســع لتقني ـ�ات ووســائل االتصــال‪ ،‬ضاعــف كميــة البي�انــات املخزنــة‪،‬‬
‫حبيــث أضــى مصطلــح «بي�انــات ضخمــة ‪ ،»Big Data‬إشــارة داللية‪-‬علميــة متفــق عليهــا‪،‬‬
‫لوصــف كــم كثيــف مــن املعلومــات اخلفيــة‪ ،‬متنوعــة املوضوعــات واألنــواع واملصــادر‪،‬‬
‫ً‬
‫يصعــب اســتخالصها يدويــا‪ ،‬إال عــر أجهــزة متخصصــة‪ ،‬كاحلاســوب‪.‬‬
‫ويرتكــز «تنقيــب البي�انــات» علــى عــدة عناصــر أساســية‪ :‬كالبي�انــات اخلــام‪ :‬الــي هي‬
‫حقائــق وأرقــام ونصــوص (مجــردة) جيــري جمعهــا بهــدف معاجلتهــا؛ واملعلومــات‪ :‬الــي‬
‫تــدل علــى نمــاذج وعالقــات بــن البي�انــات يرشــح عنهــا معــى معــن؛ واملعرفــة‪ :‬وهــي نــاجت‬
‫عالقــة املعلومــات ببعضهــا‪ ،‬حبيــث تأخــذ شــكل معرفــة ذات داللــة منطقيــة‪ ،‬تفيــد يف قــراءة‬
‫واقــع معــن‪ ،‬أو التنبــؤ بأحــداث مســتقبلية (ســيد‪ .)2016:‬إضافــة لمــا ســبق‪ ،‬ختتلــف أنــواع‬
‫ً‬
‫البي�انــات‪ ،‬فمنهــا املهيكلــة‪ ،‬الــي تأخــذ شــكل جــداول أو قواعــد بي�انــات منظمــة تمهيــدا‬
‫ملعاجلتهــا‪ ،‬ومنهــا غــر املهيكلــة‪ -‬غــر منظمــة‪ ،‬وتشــكل النســبة األكــر‪ ،‬لكونهــا جتســيد لمــا‬
‫ً‬
‫ينشــره مســتخدمو اإلنرتنــت يوميــا مــن كتابــات نصيــة‪ ،‬وصــور‪ ،‬ومقاطــع فيديــو‪ ،‬ورســائل‬
‫بريــد إلكــروين‪ ،‬وروابط‪...‬إلــخ‪ .‬ويوجــد نــوع ثالــث‪ ،‬البي�انــات شــبه املهيكلــة‪ ،‬وهــو أقــرب‬
‫للنــوع األول‪ ،‬إال أنــه غــر ُمنظــم ضمــن جــداول‪ .‬ومــع ظهــور مواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪،‬‬
‫كفيســبوك‪ ،‬وتويــر‪ ،‬ولينكــد إن‪ ،‬وجوجــل بلــس‪ ،‬وإنســتغرام‪ ،‬وغريهــا‪ ،‬قفــزت كميــة‬
‫ً‬
‫البي�انــات بشــكل هائــل‪ ،‬ليصــل مقدارهــا يوميــا إىل مئــات البي�ابيتــ�ات أو الكوينتيليــات‪،‬‬

‫‪277‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫مقارنــة بمــا رشــح عــن مواقــع اإلنرتنــت عنــد نشــأتها؛ التصافهــا باجلمــود‪ ،‬وغيــاب خاصيــة‬
‫التفاعليــة (حايــك‪ .)2014:‬فتكنولوجيــا شــبكة الويــب ‪ ،Web 2.0‬ومــا أفرزته مــن نمط اتصايل‬
‫ثــوري (مــن مجموعــة إىل مجموعــة)‪ ،‬إضافــة إىل خاصيــة التفاعــل مــع املضمــون‪ ،‬منحــت‬
‫املســتخدمني فرصــة نشــر محتــوى بأشــكال عديــدة (صــور‪ ،‬مقاطــع فيديــو‪ ،‬نصــوص‪...‬‬
‫ً‬
‫إلــخ)‪ ،‬الــذي بــدوره حفــز حالــة تفاعــل آين ومســتمر‪ ،‬اجــر معــه محتــوى إضــايف‪ ،‬أدى وال‬
‫يــزال إىل تعاظــم حجــم البي�انــات مــع كل ثانيـ�ة تمــر‪ .‬هــذا الكــم املعلومــايت الهائــل‪ ،‬بالتــوازي‬
‫ً‬
‫مــع مــا ينشــره اجلمهــور مــن بي�انــات شــخصية‪ ،‬فتــح آفاقــا جديــدة أمــام عديــد العلــوم‬
‫األخــرى‪ ،‬كعلــم النفــس واالجتمــاع والسياســية واالقتصــاد واألمــن والدفــاع واإلعــان‬
‫واإلعــام والتســويق وغريهــا‪ ،‬حبيــث اجتهــت حنــو تســخري هــذه البي�انــات لفائدتهــا(*)‪ .‬إال‬
‫أن هــذه االســتفادة لــم تكــن لتتــم لــوال ظهــور علــوم جديــدة‪ ،‬وأخــرى متفرعــة عنهــا‪ ،‬عــززت‬
‫مبــدأ تمــازج العلــوم؛ كعلــم البي�انــات‪ ،‬الــذي احنــدر عنــه علــم حتليــل شــبكات التواصــل‬
‫االجتماعــي‪ ،‬املرتبــط بــدوره مــع فــرع علــم االجتمــاع احلاســويب‪ :‬القائــم علــى اســتخدام‬
‫خوارزميــات برمجيــة حســابي�ة لدراســة األفــراد واملجموعــات‪ ،‬أو العالقــات الــي تربطهــم‪،‬‬
‫أو أصحــاب التأثــر داخلهم‪...‬إلــخ (عمــروش‪.)2015:‬‬
‫وتتنــوع أشــكال البي�انــات الــي يمكــن احلصــول عليهــا عــر الشــبكات االجتماعيــة‪،‬‬
‫فمنهــا مرتبــط باملعلومــات الشــخصية‪ ،‬وآخــر بالرســائل والتغريــدات واملنشــورات‬
‫والهاشــتاكات‪ ،‬ســواء أخــذت أشــكال نصيــة أو مصــورة؛ وهنــاك مــا يتعلــق بأشــكال تفاعــل‬
‫املســتخدم مــع املحتــوى‪ ،‬كاإلعجابــات‪ ،‬والتعليقــات‪ ،‬واملشــاركة‪ ،‬وإعــادة التغريــد‪ .‬كمــا‬
‫تتنــوع اجتاهــات وتقني ـ�ات جتميــع وحتليــل البي�انــات‪ ،‬مثــل‪ :‬اجتــاه حتليــل ســلوكيات االفــراد‬
‫واملجموعــات‪ ،‬أو تتبــع ومراقبــة املوضوعــات‪ ،‬أو تنقيــب النصــوص‪ ،‬أو حتليــل املــزاج العــام‪،‬‬
‫أو حتديــد وتتبــع االفــراد‪ ،‬أو خارطــة انتشــار املعلومــات واألخبار‪...‬إلــخ (‪.)Barbier & Liu:2011‬‬

‫علــى ســبي�ل املثــال‪ ،‬اســتفادت حملــة الرئيــس ترامــب مــن شــركة ‪ Cambridge Analytica‬وعمليــة التنقيــب‪ ،‬يف توفــر‬ ‫(*)‬

‫بي�انــات عــن الناخبــن‪ ،‬وآرائهــم وميولهــم ورغباتهــم؛ بهــدف املســاعدة علــى صياغــة خطــاب انتخــايب يتوافــق وهــذه امليــول‪.‬‬

‫‪278‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫‪ .1‬تنقيب البي�انات وإنت�اج املستخدم للمحتوى‬


‫يمتلــك أي مســتخدم ملواقــع الشــبكات االجتماعــي حريــة إنتــ�اج ونشــر أي نــوع‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مــن املحتــوى‪ ،‬وبــدون أي عوائــد ماليــة تقريبــ�ا‪ ،‬تلبيــ�ة لرزمــة إشــباعات نفســية تــراوح‬
‫بــن املتعــة‪ ،‬أو الشــهرة‪ ،‬أو التعبــر عــن النفــس‪ ،‬أو حــى املشــاركة يف وقائــع سياســية‬
‫وميداني ـ�ة‪ .‬ويف الغالــب‪ ،‬يقــوم أفــراد هــواة غــر محرتفــن علــى عمليــة إنت�اجــه‪ ،‬ويتخــذون‬
‫مــن تكنولوجيــا الهواتــف النقالــة الذكيــة وغريهــا‪ ،‬وســيلة لتيســر نشــره ومشــاركته‬
‫ً‬
‫(‪ .)Comminos:2011‬ويمتلــك املســتخدمون فهمــا حــول إمكانــات مواقــع الشــبكات‬
‫االجتماعيــة تلبي ـ�ة أهدافهــم‪ ،‬خاصــة تضخيــم أطروحاتهــم‪ ،‬ونقلهــا مــن حالــة عابــرة إىل‬
‫مســتوى يقــع يف بــؤرة االهتمــام اجلماهــري‪ .‬لذلــك يعمــد العديــد منهــم إىل نشــر محتــوى‬
‫مرتبــط بعــزم معــن‪ ،‬يــراوح بــن جــذب مؤيديــن إىل صفوفهــم‪ ،‬أو مواجهــة دعايــة‬
‫ً‬
‫خصمهــم‪ ،‬أو إثــارة اهتمــام وســائل اإلعــام؛ عــر تزويدهــا بشــكل غري مباشــر وأحيانا مباشــر‬
‫بمعلومــات محدثــة‪ ،‬خاصــة إذا كانــت محظــورة عــن العمــل (‪ .)Ibid‬وال يمكــن اعتبـ�ار مواقــع‬
‫الشــبكات االجتماعيــة أداة حصريــة بي ـ�د فئــة معين ـ�ة مــن املســتخدمني‪ ،‬بــل هــي مســرح‬
‫ً‬
‫مفتــوح‪ ،‬يتيــح مجــال للتن�افــس خاصــة علــى صعيــد املحتــوى‪ ،‬مــا جيعــل اخلصــم قــادرا على‬
‫توظيفهــا خلدمتــه‪ ،‬بغــض النظــر عــن ســياق الصــراع‪ .‬لذلــك‪ ،‬تســعى عديــد الكيانــات إىل‬
‫امتــاك أدوات تســاعدها يف مواجهــة مضمــون غريمهــا‪ ،‬كنظــم املراقبــة والتتبــع‪ ،‬أو حتديــد‬
‫املجموعــات الشــبكية‪ ،‬أو برامــج جمــع وحتليــل البي�انات‪...‬وغريهــا‪.‬‬
‫ويف احلالــة الفلســطيني�ة‪ ،‬الــي يواجــه فيهــا النشــطاء كيــان متطــور علــى صعيــد‬
‫تكنولوجيــا املعلومــات‪ ،‬تتعمــد «إســرائي�ل» توظيــف جملــة أســاليب ســيرباني�ة ملواجهــة‬
‫املحتــوى الفلســطيين؛ كتحديــد هويــة منتجيــه‪ ،‬أو حذفــه وإغــاق حســاباته النشــطة‪ ،‬أو‬
‫ً‬
‫جمعــه واســتغالله يف جهــود الدعايــة املضادة‪...‬إلــخ‪ .‬وأخــرا‪ ،‬عالقــة املحتــوى بالتنقيــب‬
‫هــي صلــة تــازم‪ .‬فأينمــا نشــأ املضمــون وتكاثــر‪ ،‬انبعثــت بموازاتــه أدوات للتنقيــب عنــه‬
‫وحتليلــه‪ .‬وطالمــا إن اإلنســان هــو مصــدر املحتــوى‪ ،‬فهــو ذاتــه مــن سيســعى إىل فهمــه‪،‬‬
‫وتوظيفــه ملصلحتــه‪.‬‬

‫‪279‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫‪ .2‬مفهوم التنقيب الدعايئ‬


‫ً‬
‫كلمــة «تنقيــب» حبــد ذاتهــا‪ ،‬إشــارة إىل عمليــة حبــث‪ ،‬ترتبــط ذهنيــ�ا بأشــغال‬
‫التفتيــش عــن املعــادن واملــوارد الطبيعيــة الثمينــ�ة‪ .‬وألن البي�انــات نفســها ذات قيمــة‬
‫عاليــة‪ ،‬فــإن التنقيــب عنهــا‪ ،‬يشــابه محــاوالت اســتخراج النفيــس مــن باطــن األرض‪ .‬إال‬
‫أن التنقيــب الــذي نعني ـ�ه هنــا‪ ،‬ال يرتبــط بالبي�انــات املجــردة‪ ،‬بــل يهتــم بــاآلراء واملعلومــات‬
‫الــي حتظــى بقيمــة دعائيــ�ة؛ تلــك الــي يمكــن اســتغاللها يف جهــود التأثــر علــى اآلخــر‪.‬‬
‫فالدعايــة هــي جهــود اتصاليــة‪ ،‬يتــم اختي ـ�ار محتواهــا وشــكلها لتحقيــق هــدف يتمثــل يف‬
‫دفــع اجلمهــور املســتهدف حنــو تبــي مواقــف ومعتقــدات‪ ،‬هــي يف األصــل مــن اختيـ�ار راعــي‬
‫العمليــة االتصاليــة (‪ .)Carey:1996‬ولــو تمعنــا يف التعريــف‪ ،‬ســنالحظ كلمــة «اختيــ�ار»‪،‬‬
‫الــي تشــمل‪ ،‬برأينـ�ا‪ ،‬جهــد متسلســل ينطلــق مــن «البحــث»‪ ،‬لينتهــي بــــــ «االنتفــاء»‪ .‬كمــا‬
‫يتضمــن كلمــة «دفــع»‪ ،‬الــي تشــر إىل لــون دعــايئ جديــد‪ ،‬ال يعتمــد التوجــه اجلمعــي‪ ،‬بــل‬
‫املنفــرد؛ يف اســتغالل جلــي خلصائــص التكنولوجيــا‪ .‬فالدعايــة جتــاوزت مرحلــة اخلطــاب‬
‫اجلمعــي‪ ،‬وصــارت تتعامــل مــع األفــراد كحــزم منعزلــة‪ .‬ولكــن‪ ،‬كيــف يتــم «التنقيــب‬
‫الدعــايئ» بلغــة تكنولوجيــة؟ إن عمليــة البحــث عــن معلومــات ذات أبعــاد دعائيـ�ة‪ ،‬حتتــاج‬
‫إىل تقنيــ�ة متخصصــة؛ تســتطيع اســتخراج املهــم‪ ،‬وتتجاهــل عديــم القيمــة ‪ .Noisy‬هــذا‬
‫األمــر يتطلــب حتديــد املوضوعــات املــراد جتميــع بي�اناتهــا‪ ،‬ثــم حصــر جمهورهــا‪ ،‬فحصدهــا‬
‫وفلرتتهــا‪ ،‬لنصــل إىل قائمــة نهائيـ�ة بالبي�انــات املطلوبــة‪ .‬ولنأخــذ مثــال نظــام التحليــل األمين‬
‫للشــبكات االجتماعيــة ‪ ،Social Intelligence Analyzer‬فالنظــام يســتطيع توفــر كل أشــكال‬
‫ً‬
‫البي�انــات خــال ســياقها الزمــي الفعلــي‪ ،‬وبــكل اللغــات تقريبــ�ا‪ ،‬مــع مراعاتــه للهجــات‬
‫املحليــة‪ ،‬ليســتخلص النت ـ�اجئ بشــكل حاســويب ذكــي‪ ،‬بعــد أن يقــوم باســتبعاد النصــوص‬
‫غــر الهامــة‪ .‬كمــا يمتلــك قــدرة حتليــل املــزاج العــام للجمهــور‪ ،‬مــن خــال رصــده مشــاركات‬
‫وتعليقــات وحــوارات االفــراد حــول قضيــة معين ـ�ة‪ ،‬وتصنيفهــا ضمــن ثالثــة مســتويات‪:‬‬
‫إجيابيـ�ة‪ ،‬محايــدة‪ ،‬ســلبي�ة‪ .‬وجتــدر اإلشــارة هنــا‪ ،‬أن عمليــة اجلمــع يمكــن تقيي�دهــا جبغرافيــا‬
‫معين ـ�ة‪ ،‬لتســتهدف مجتمعــات شــبكية بعينهــا‪.‬‬

‫‪280‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫شكل يوضح مراحل جمع بي�انات مواقع الشبكات االجتماعية‬


‫  ‬
‫ †…  „ƒ‚‬ ‫
  ‬
‫ ­  Œ‹‬
‫ ƒ‰ˆ ‡  ­‬ ‫‪ ،‬‬
‫ •” ‘“ƒ’‘Ž‪.‬‬
‫Š  ‪.‬‬ ‫   ‬
‫‬
‫€­‪. ‬‬

‫املصدر‪ :‬املؤلف نفسه‬


‫وألن عمليــة جمــع املحتــوى تمنــح القائــم بالدعايــة فرصــة االطــاع علــى معظــم مــا‬
‫ينشــره اجلمهــور‪ ،‬إال أنهــا غــر كافيــة بمفردهــا لتفســر كيفيــة اســتغال ظاهــرة التنقيــب‬
‫الدعــايئ للبي�انــات املختــارة يف إعــداد رســائل دعائي ـ�ة‪ .‬ويمكــن القــول إن اجلهــة أو القائــم‬
‫بالدعايــة بعــد انتقائــه للمنشــورات يعمــد إىل تدويرهــا أو إعــادة بثهــا مــع املحافظــة علــى‬
‫جوهرهــا قــدر اإلمــكان‪ ،‬أي يبحــث عــن تلــك املنشــورات الفرديــة الــي توافــق توجهــه‬
‫الدعــايئ ليعيــد توجيههــا باســتخدام قنواتــه بعــد حتديــده للجمهــور املســتهدف‪ .‬وجتــدر‬
‫اإلشــارة هنــا‪ ،‬إىل اســتفادة الظاهــرة مــن حالــة العشــوائي�ة‪ ،‬وانعــدام الســيطرة املركزيــة‬
‫ُّ‬
‫علــى املعلومــات؛ فالــدول لــم تعــد مســؤولة حصـ ًـرا عــن التحكــم يف تفاعــات أي صــراع‪ ،‬أو‬
‫تقيي ـ�د تدفــق معلوماتــه‪ ،‬واملواجهــات احلديث ـ�ة باتــت تســتدعي مشــاركة واســعة مــن كل‬
‫ً‬
‫أطيــاف الشــعب‪ ،‬ليتحــول الفــرد مــن متلقــي ســليب إىل فاعــل إجيــايب‪ ،‬مســتفيدا مــن حريــة‬
‫النشــر والتفاعــل الــي توفرهــا منصــات الشــبكات االجتماعيــة؛ إال أن هــذه اإلجيابي ـ�ة قــد‬
‫تتحــول إىل نقطــة ضعــف ينفــذ منهــا القائــم بالدعايــة‪.‬‬
‫شكل يبن خطوات توجيه الرسالة الدعائي�ة بعد إتمام عملية االنتقاء‬

‫املصدر‪ ( :‬املؤلف نفسه)‬

‫‪281‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫ويثــر أســلوب «التنقيــب الدعــايئ» قضيــة غايــة يف األهميــة‪ ،‬يصعــب جتاهلهــا؛‬


‫الرتب�اطهــا بســلوك مســتخديم مواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪ ،‬وقدرتهــم التعبــر بشــكل‬
‫دعــايئ مقصــود أو تلقــايئ عــن أفكارهــم‪ .‬فلــو افرتضنــا أن الدعايــة هــي نت ـ�اج تفاعــل غرائــز‬
‫ومشــاعر إنســاني�ة‪ ،‬جتــد طريقهــا علــى شــكل أفــكار وآراء‪ ،‬قــد تتحــول بمــرور الوقــت إىل‬
‫ً‬
‫ســلوك‪ ،‬إذا ســنعترب أن معظــم مــا ينشــر علــى مواقــع التواصــل هــو «دعايــة ذاتيــ�ة»‪،‬‬
‫تســتحث تأثريهــا علــى اآلخــر عــر قدرتهــا التفاعــل مــع خرباتــه‪ ،‬وآرائــه‪ ،‬ومشــاعره بشــكل‬
‫منفــرد‪ ،‬وبالتــايل اكتســاب حالــة جتــدد مــن خــال حتفــز ســلوكه‪ .‬ولكــن مــا عالقــة ذلــك‬
‫بالتنقيــب الدعــايئ؟ العالقــة باختصــار‪ ،‬أن التنقيــب بشــكله اآليل‪-‬الذكــي قــد ال يمتلــك‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫منفــردا قــدرة رصــد تفاعــات متغــرة ومتجــددة‪ ،‬لهــذا يتطلــب األمــر تدخــا بشــريا‬
‫ً‬
‫مكمــا‪ ،‬ال مــن ناحيــة االختيـ�ار‪ ،‬بــل مــن منظــور متابعــة تفاعــل اآلخــر مــع املحتــوى املنشــور‪،‬‬
‫وإمكانيـ�ة اســتغالل مــا قــد يرشــح عنــه‪ .‬لذلــك‪ ،‬مــن الطبيعــي أن تتضمــن عمليــة التنقيب‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫جهــدا بشــريا بنكهــة آني ـ�ة‪ ،‬تعمــل علــى رصــد حالــة التفاعــل تلــك‪ ،‬لتســتفيد منهــا فــورا‪،‬‬
‫دون احلاجــة لالعتمــاد علــى تقنيـ�ات الــذكاء االصطناعــي‪ .‬فعلــى ســبي�ل املثــال‪ ،‬قــد يعمــد‬
‫ناشــط ينتــي حلركــة فتــح علــى اســتغالل منشــور صــادر عــن ناشــط منتــي حلركــة‬
‫ً‬
‫حمــاس‪ -‬حيمــل يف طياتــه انتقــادا لهــا‪ -‬بكونــه دليــل إثب ـ�ات علــى خطــأ نهــج «حركتــه»‪.‬‬
‫هــذا االســتغالل الدعــايئ للمنشــور قــد ال يتوفــر باالعتمــاد احلصــري علــى اآللــة‪ ،‬ألنهــا ال‬
‫تأخــذ باحلســبان احتمــال شــطب املحتــوى أو تعديلــه؛ ذلــك خبــاف املتابعــة البشــرية‪،‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫الــي ترصــد املحتــوى حلظــة نشــره‪ ،‬لتســتغله فــورا‪ ،‬حــى وإن ُعــدل أو شــطب الحقــا‪ .‬وهــذا‬
‫اجلهــد األخــر يعكــس ألســلوب بنـ�اء الوعــي الظــريف ‪ ،Situational Awareness‬الــذي ختضــع‬
‫فيــه مشــاركات األفــراد للرقابــة؛ بهــدف تشــكيل وعــي املراقــب‪ ،‬ومنحــه فرصــة متابعــة‬
‫ً‬
‫تطــور قضيــة أو حــدث مــا‪ ،‬وبالتــايل توفــر مــادة أو فكــرة تســمح باســتغاللها دعائي ـ�ا‪.‬‬
‫ويتقاطــع «التنقيــب الدعــايئ» مــع جهــود تنقيــب اآلراء وحتليــل املشــاعر‪ ،‬فالكشــف‬
‫ً‬
‫عــن قناعــات األفــراد وانفعاالتهــم جتــاه موضوعــات معينــ�ة‪ ،‬يشــكل مدخــا لعمــل‬
‫دعــايئ فعــال‪ .‬وعلــى الرغــم مــن ذلــك‪ ،‬خيتلــف «التنقيــب الدعــايئ» عنهــم يف حضــور‬
‫مبــدأ االســتغالل؛ ففــي حــن تتعامــل األســاليب املذكــورة مــع اآلراء واملشــاعر بوصفهــا‬

‫‪282‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫معلومــات حبتــة‪ ،‬يتعامــل التنقيــب معهــا بوصفهــا اســتجابة ملتطلبــات وشــروط العمــل‬
‫الدعــايئ القائــم علــى وجــود معلومــات مالئمــة توفــر أرضيــة الســتغاللها ضــد اخلصــم‪.‬‬
‫إضافــة لمــا ســبق‪ ،‬يســتدعي «التنقيــب الدعــايئ» إىل الذهــن تلــك اجلهــود‬
‫الســيرباني�ة املوجهــة حنــو اخــراق الشــبكات واحلواســيب واحلســابات وقواعــد‬
‫البي�انــات‪ ،‬للحصــول علــى معلومــات ســرية غــر متاحــة‪ .‬هــذه املعلومــات‪ ،‬قــد يمتلــك‬
‫ً‬
‫بعضــا منهــا قيمــة دعائيــ�ة‪ ،‬يمكــن اســتغاللها يف حمــات موجهــة ذات ابعــاد سياســية‪.‬‬
‫ولنأخــذ تســريب�ات ‪ ،Wiki Leaks‬كمثــال‪ ،‬فاملؤسســة غــر الرحبيــة بقيــادة جوليــان اســاجن‬
‫«‪ ،»Julian Assange‬قامــت بنشــر معلومــات مصدرهــا رســائل بريــد إلكــروين مقرصنــة‪،‬‬
‫خاصــة بمرشــحة الرئاســة األمريكيــة هيــاري كلينتــون‪ ،‬األمــر الــذي أدى جبانــب عوامــل‬
‫أخــرى إىل خســارتها لالنتخابــات (‪.)Murdock:2017‬‬
‫وهنــا نالحــظ‪ ،‬أن مفهــوم التنقيــب‪ ،‬ال يقتصــر علــى املعلومــات املســتقاة عــن مصــادر‬
‫مفتوحــة‪ ،‬بــل يمتــد ليشــمل تلــك املقرصنــة مــن مصــادر مغلقــة‪ .‬وحيــث أن موضوعنــا‬
‫يميــل أكــر حنــو املصــادر املفتوحــة‪ ،‬نالحــظ أن «التنقيــب الدعــايئ»‪ ،‬يســعى حنــو معلومــات‬
‫متاحــة‪ ،‬موجــودة ومتداولــة داخــل مواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪ ،‬خيطــئ اخلصــم أو‬
‫جمهوره‪-‬عــن وعــي أو دون وعــي‪ -‬يف نشــرها‪ ،‬مــن أجــل اســتغاللها ضــده؛ إمــا بكونهــا دليــل‬
‫إثبـ�ات‪ ،‬أو أنهــا ناجتــة عــن اســتجابة جماهرييــة عامــة (تعميــم)؛ مــا يعــي أنــه يعتمــد علــى‬
‫جهــل اجلمهــور‪ ،‬أو تلقائيت ـ�ه‪ ،‬أو عــدم درايت ـ�ه‪ ،‬ألبعــاد مــا يكتــب وينشــر حــول قضيــة مــا‪.‬‬
‫وعنــد هــذه املرحلــة‪ ،‬نســتطيع تقديــم تعريــف لألســلوب بكونــه‪« :‬عمليــة غــر‬
‫حصريــة‪ ،‬بشــرية‪ -‬حاســوبي�ة ذكيــة‪ ،‬مقصــودة أو تلقائيـ�ة‪ ،‬للتنقيــب عــن معلومــات وآراء‪،‬‬
‫موجــودة داخــل مواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪ ،‬ينشــرها أفــراد ومجموعــات يعتنقــون‬
‫فكــر معــن؛ بهــدف اســتغالل الشــاذ منهــا يف إعــداد وتوجيــه رســالة دعائي ـ�ة تمــس أصــل‬
‫املعتنــق‪ ،‬وبشــكل خيــدم أهــداف مشــغل الدعايــة»‪.‬‬

‫‪283‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫شكل يوضح آلية تطبيق «التنقيب الدعايئ» عرب مواقع الشبكات االجتماعية‬

‫„  ‪­† ‘
’  ‬‬ ‫   ‬ ‫  ‬
‫–­­‰ “‰ •” “‰‪،‬‬ ‫…„ƒ ‚ €­‪   ‬‬ ‫ 
 ‪ ،‬‬

†‰ ‚  ‰‪.‬‬ ‫‡ † ‪.‬‬ ‫ 
‪.‬‬

‫Ÿ ž‰ ˆ


›  “œ› …„š ™˜ ˆ—‬

‰ ¨§ ¦‪ ¡ ’ ¢£ ¤ ،‰
 ¥‬‬ ‫ Š ‰ ˆ‬
‫© ‚Š š ‪.‰
 ‰ ¡ ‰œ£‬‬ ‫Ž†‰ Œ‹‰‪.‬‬

‫املصدر ‪( :‬املؤلف نفسه)‬

‫‪ .3‬خصائص التنقيب الدعايئ‬


‫بالنظر إىل التعريف السابق‪ ،‬نستخلص عددا من خصائص التنقيب الدعايئ كاآليت‪:‬‬
‫‌أ‪ .‬عملية غري حصرية؛ يستطيع اجلمهور تنفيذها إىل جانب الهيئ�ات الرسمية‪.‬‬
‫‌ب‪ .‬يعتمد على جهل الفرد‪ ،‬أو تلقائيت�ه وعدم درايت�ه باألبعاد الدعائي�ة لما ينشر‪.‬‬
‫‌ج‪ .‬يستفيد من حالة الالمركزية وغياب السيطرة املعلوماتي�ة‪.‬‬
‫‌د‪ .‬يدمــج بــن اجلهديــن البشــري واآليل‪ ،‬لكونــه حيتــاج إىل جمــع حاســويب ثــم اختي ـ�ار‬
‫ً‬
‫وتوجيــه بشــري‪ ،‬األمــر الــذي ال يت ـ�أىت إال بانصهارهمــا معــا‪.‬‬
‫‌ه‪ .‬يمتــاز بالقصديــة والعمديــة يف حــال التخطيــط والتوجيــه املركــزي؛ إال أنــه يف‬
‫أحيــان أخــرى تلقــايئ‪ ،‬الرتب�اطــه بممارســات جماهرييــة عشــوائي�ة غــر مقصــودة‪ ،‬إال أنهــا‬
‫تمتلــك مــن الوقــع الدعــايئ الكثــر‪.‬‬
‫‌و‪ .‬يتقاطــع مــع املجهــودات االســتخباراتي�ة يف توفــر معلومــات صاحلــة لالســتخدام‬
‫الدعــايئ‪.‬‬
‫‌ز‪ .‬يســمح للدعايــة بإعــادة إنتــ�اج ذاتهــا‪ ،‬بشــرط تفاعــل اجلمهــور املســتهدف مــع‬
‫رســائلها؛ خاصــة إذا ســار التفاعــل يف االجتــاه الــذي يرغــب بــه املشــغل‪ ،‬واســتطاع التحكــم‬
‫يف موضوعاتهــا الناشــئة ومجــرى انتشــارها وتشــعبها‪.‬‬

‫‪284‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫‪ .4‬التنقيب الدعايئ وأنشطة «اجلمع االستخبارايت»‬


‫ال يمكــن فهــم التداخــل بــن مفهــوم التنقيــب الدعــايئ وأنشــطة «اجلمــع‬
‫االســتخبارايت‪ ،‬عــر الشــبكات االجتماعيــة‪ ،‬إال بشــرح مفهــوم «احلــرب الهجينــ�ة‬
‫‪ .»Hybrid Warfare‬فاألخــر‪ ،‬تعبــر عــن صبغــة مطــورة لشــكل الصــراع‪ ،‬يشــمل‬
‫أســاليب تقليديــة وغــر تقليديــة‪ ،‬عســكرية وغــر عســكرية‪ ،‬علنيــ�ة وخفيــة‪ ،‬ســيرباني�ة‬
‫ومعلوماتيـ�ة؛ بهــدف إجيــاد حالــة إربــاك وغمــوض حــول طبيعــة ومصــدر هــذه اإلجــراءات‬
‫(‪ .)Andersson:2015‬مــا يعــي‪ ،‬أن احلــرب الهجينــ�ة‪ ،‬تصهــر أكــر مــن مســتوى تنفيــذي‬
‫ً‬
‫داخــل بوتقــة عملياتيــ�ة واحــدة‪ ،‬اســتجابة منهــا ملتطلبــات وتطــورات مظاهــر الصــراع‬
‫الــدويل احلديــث‪ .‬وألن البيئــ�ة االفرتاضيــة حتولــت إىل ســاحة مواجهــة رئيســة‪ ،‬فاآلثــار‬
‫الــي قــد تتســبب فيهــا املعلومــات‪ ،‬قــد تؤثــر علــى مســار تطــور أي صــراع؛ خاصــة وأن‬
‫إدراك اجلماهــر ملســتخلصاته بــات أهــم مــن حقائقــه التفصيليــة الفعليــة علــى األرض‬
‫(‪ .)Nato:2016‬وحبســب دافيــد ســتابلز «‪ :»David Stupples‬حــرب املعلومــات‪ ،‬الــي تدمــج‬
‫بــن احلــرب اإللكرتونيــ�ة وحــرب الســايرب والعمليــات النفســية (الدعايــة)‪ ،‬ســتكون‬
‫مركزيــة جلميــع حــروب املســتقبل؛ فاخلصائــص التكنولوجيــة احلديثــ�ة‪ -‬الــي جعلــت‬
‫مــن مشــاركة اجلماهــر حتميــة‪ -‬فرضــت علــى عديــد الكيانــات (الدول‪-‬وأشــباه الــدول)‬
‫اختـ�اذ إجـ�راءات ثوريـ�ة للسـ�يطرة علـ�ى تصـ�ورات وسـ�لوك اجلماهـير خـلال أي صـ�را ع (�‪Stup‬‬

‫‪ .)ples:2015‬ولكــن مــا املقصــود باإلجــراءات الثوريــة؟‬


‫ً‬
‫يف معرض اإلجابة‪ ،‬تطرح دراســة حديث�ة نســبي�ا ســتة مهام متداخلة‪ ،‬يمكن من خاللها‬
‫اســتغالل الشــبكات االجتماعيــة يف احلــرب الهجين�ة‪ ،‬هي‪ :‬جمــع املعلومات االســتخباراتي�ة‬
‫‪ ،Intelligence Collection‬واالســتهداف ‪ ،Targeting‬واإلعــام والتأثــر (الدعايــة والعمليــات‬
‫النفســية) ‪ ، Inform & Influence‬والعمليــات الســيرباني�ة ‪ ،Cyber Operations‬والدفــاع‬
‫‪ ،Defense‬والقيــادة والســيطرة ‪ .Command & Control‬هــذه املســتويات‪ ،‬تكمــل إحداهــا‬
‫ً‬
‫األخــرى‪ ،‬فمثــا‪ :‬ال يمكــن اســتهداف جمهــور معــن عــر شــبكة فيســبوك؛ إال بعــد توفــر‬
‫املعلومــات الالزمــة عنــه (‪.)Nissen:2015‬‬

‫‪285‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫شكل يوضح نموذج األنشطة واآلثارعلى مواقع الشبكات اإلجتماعية‬


‫ –Š•‬
‫Š‬
‫”‬
‫’“’‬ ‫—‬

‫‪¢“£— ‬‬
‫ƒ‬ ‫‬ ‫‪‘
— ‬‬
‫‬ ‫ ™‚˜‬ ‫ ‰‬
‫‡š‬
‫Ÿ¡‬

‫¦‘‬ ‫‬ ‫‬ ‫ˆ›š‬


‫ 
‬ ‫‬
‫Ÿ‘‬
‫¨ §‬ ‫‬ ‫‚žœ‬
‫‬
‫‬ ‫‬
‫ƒŠ‰‬ ‫‪‘ ‬‬
‫‬ ‫ 
‬

‫‹‹‬ ‫‪¤¥‬‬
‫Ž‚Œ‬ ‫‬ ‫ƒ’‡‬

‫‪ ‬‬
‫ˆ‡†‬
‫ ƒ‚€­‬

‫…„‬ ‫ƒ‬

‫املصدر ‪)Thomas Nissen:2015( :‬‬

‫عنــد هــذه النقطــة‪ ،‬تبــ�دأ عمليــة جــاء املقصــود باجلمــع االســتخبارايت وحــدود‬
‫تقاطعــه مــع التنقيــب الدعــايئ‪ .‬فاجلمــع االســتخبارايت عــر مواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪،‬‬
‫هــو عمليــة ملراقبــة األنشــطة والســلوكيات علــى شــبكة اإلنرتنــت‪ ،‬مــن أجــل اإلحاطــة‬
‫باملعلومــات والبي�انــات املوجــودة علــى الشــبكات والتطبيقــات االجتماعيــة‪ ،‬بمــا يشــمل‬
‫بي�انــات األفــراد ومــن يقفــون خلفهــم‪ ،‬ثــم جمعهــا وحتليلهــا‪ ،‬للوصــول إىل فهــم ومعرفــة‬
‫عامــة‪ ،‬أو مســاندة مختلــف األنشــطة االخــرى‪ ،‬كاالســتهداف ‪.)Ibid( Targeting‬‬
‫ب‬

‫‪286‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫شكل يوضح مستويات تأثري اجلمع االستخباري‬

‫اﻻﺳﺘﻐﻼل‬ ‫ا��ﻤﻊ‬ ‫اﳌﺮاﻗﺒﺔ‬


‫اﺳﺘﻐ ـ ــﻼل�اﳌﻌﻠﻮﻣـ ــﺎت�واﻟﺒﻴﺎﻧـ ـ ــﺎت�‬ ‫‪�-‬ﺑﺤـ ــﺚ�وﺗﺤﺼﻴـ ـ ـ ــﻞ�اﳌﻌﻠﻮﻣـ ـ ـ ـ ــﺎت�‬ ‫‪�-‬ﻓﺤﺺ�وﻣﺮاﻗﺒﺔ�ﺗﻄﻮر����ء�ﻣﺎ‬
‫ﻓـﻲ�أهﺪاف�ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ�ﻣ��ـﺎ�اﻟﺪﻋﺎﻳــﺔ‪.‬‬ ‫ﺑﻄﺮق�ﻣﻨ��ﻴـ ــﺔ�ﺳﺮ�ﺔ�أو�ﻋﻠﻨﻴ ــﺔ‪.‬‬ ‫وإﺑﻘﺎﺋــﮫ�ﺗﺤـ ــﺖ�اﻟﺮﻗﺎﺑ ـ ـ ــﺔ�ﻟﻔﺘ ـﺮات�‬
‫ﻃﻮ�ﻠـ ـ ــﺔ‪.‬‬

‫املصدر‪)Thomas Nissen:2015( :‬‬

‫وباإلشــارة إىل جهــد «التحليــل»‪ ،‬يقــول تومــاس نيســن «‪،»Thomas Nissen‬‬


‫أن األجهــزة االســتخباراتي�ة املختصــة تنفــذ عــدة أنــواع‪ ،‬مثــل‪ :‬حتليــل االجتاهــات‬
‫والشــبكات‪ ،‬واملضمــون‪ ،‬واملشــاعر‪ ،‬واملعلومــات‪ ،‬واجلغرافيــا ‪... ،Geo-Tag‬إلــخ؛ حبيــث‬
‫ً‬
‫يمكــن تســخري بعضــا مــن نت�اجئهــا بالتــوازي مــع نظــام حتليــل اجلمهــور املســتهدف‬
‫‪ Target Audience Analysis‬يف جهــود الدعايــة‪ ،‬خاصــة يف مجــاالت تطويــر مضمونهــا‪ ،‬أو‬
‫حتديــد جمهورهــا‪ ،‬أو التحكــم يف مــدى كثافــة ورقعــة انتشــار رســائلها‪ .‬ويف هــذا الصــدد‪،‬‬
‫«يمكــن للجيــش اســتخدام التحليــل عنــد التحضــر حلملــة دعايــة‪ ،‬أو مســاندة حملــة‬
‫للدبلوماســية العامــة‪ ،‬أو االســتفادة مــن اجلمهــور كأدوات اســتخباراتي�ة‪ ،‬كمــا يف حالــة‬
‫التعهيــد اجلماعــي ‪Crowd-sourcing‬؛ فهــذه العمليــات تســتن�د بشــكل أســايس علــى‬
‫رصــد مشــاعر اجلمهــور جتــاه قضيــة مــا‪ ،‬والــي ال يمكــن التعــرف عليهــا إال بالتحليــل‬
‫(‪ .)Albright:2015‬ويتضــح ممــا ســبق‪ ،‬أن املمارســة الدعائيـ�ة احلديثـ�ة عــر مواقع الشــبكات‬
‫االجتماعيــة‪ ،‬ال تســتقيم إال بتقاطعهــا مــع أنشــطة البحــث وجمــع املعلومــات‪ .‬مــا يعــي‬
‫أن مفهــوم «التنقيــب الدعــايئ» وأنشــطة «اجلمــع االســتخبارايت» هــي تعبــر عــن يشء‬
‫واحــد مــن الناحيــة التقنيـ�ة‪ .‬فكالهمــا يســتخدم ذات الربامــج والوســائل‪ ،‬إال أنهمــا خيتلفــان‬
‫مــن الناحيــة الوظيفيــة‪ .‬فــاألول يســتهدف املعلومــات واآلراء الشــاذة ألغــراض وأهــداف‬
‫دعائي ـ�ة حبتــة‪ ،‬بينمــا يســعى الثــاين حنــو كل أنــواع البي�انــات واملعلومــات‪ ،‬ســواء بأســلوب‬
‫علــي أو خفــي‪ ،‬بغيــة دعــم مجهــودات سياســية أو عســكرية أو اقتصاديــة أو أمنيــ�ة‪ ،‬أو‬
‫حــى دعائي ـ�ة‪ .‬ومــن هنــا نســتنتج‪ ،‬أن «اجلمــع االســتخبارايت» أشــمل‪ ،‬ويمكــن أن يضــم‬

‫‪287‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫ُ‬
‫«التنقيــب الدعــايئ» حتــت لوائــه‪ ،‬وليــس العكــس‪ .‬وتعــد طبيعــة العالقــات القائمــة بــن‬
‫ً‬
‫الــدول عنصــرا يتجلــى مــن خاللــه فــرق جوهــري بــن املفهومــن‪« .‬فاجلمــع االســتخبارايت»‬
‫عمليــة مســتمرة‪ ،‬تســتمد ديمومتهــا مــن كونهــا وظيفــة متفــق علــى شــرعيتها‪ ،‬ذات أبعــاد‬
‫حيويــة واســراتيجية‪ ،‬بغــض النظــر عــن طبيعــة العالقــة السياســية القائمــة بــن الــدول‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫حربــا كانــت أم ســلما‪ ،‬أو حــى حتالفــا‪ .‬أمــا «التنقيــب الدعــايئ» فهــو مرتبــط حبالــة سياســية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫داخليــة أو خارجيــة حرجــة‪ ،‬يكتنفهــا صــراع بــن كيانــات‪ ،‬ســواء أخــذت شــكال عنيفــا أو‬
‫ً‬
‫ناعمــا‪ .‬ويف نقطــة أخــرى‪ ،‬قــد خيتلــف «اجلمــع االســتخبارايت» عــن «التنقيــب الدعــايئ»‬
‫يف كــون األول يســعى إىل املعلومــات مــن مصادرهــا املفتوحــة واملغلقــة‪ ،‬بعكــس الثــاين الــذي‬
‫يرتكــز باألســاس علــى املصــادر املفتوحــة‪ ،‬كونهــا مرتبطــة بأنشــطة جماهرييــة‪ .‬إال أن هــذا‬
‫ً‬
‫االختــاف ال يعــي عــدم اســتغالل الثاني ـ�ة لمــا تقدمــه األوىل‪ ،‬كمــا أوضحنــا ســابقا‪ ،‬فهــو‬
‫يصــب يف إطــار التكامــل الوظيفــي بــن األنشــطة الســيرباني�ة الــي أشــار إليهــا نيســن‪.‬‬
‫والفــروق أعــاه‪ ،‬تســتدعي إىل الواجهــة مســألة املمارســة الدعائي ـ�ة وعالقتهــا بــكال‬
‫املفهومــن‪ .‬فاألجهــزة االســتخباراتي�ة حــول العالــم تــزاول مهــام عــدة‪ ،‬الدعايــة إحداهــا‪،‬‬
‫مــا يتطلــب واليــزال جمــع معلومــات مــن مصــادر مختلفــة ألجــل تنفيذهــا‪ .‬لهــذا كال‬
‫املفهومــن حاضريــن يف أروقتهــا‪ .‬أمــا بالنســبة للجمهــور‪ ،‬فاحلريــة علــى صعيــد اســتخدام‬
‫مواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪ ،‬منحتــه فرصــة ممارســة الدعايــة دون قيــود‪ ،‬األمــر الــذي‬
‫جيعــل مــن «التنقيــب الدعــايئ» عمليــة مفتوحــة غــر حصريــة‪ ،‬يســتفيد منهــا األفــراد‬
‫واملؤسســات بالتــوازي مــع بــايق األجهــزة احلكوميــة‪ .‬يف النهايــة‪ ،‬احلــدود الفاصلــة بــن‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫املفهومــن دقيقــة جــدا‪ ،‬وبالــكاد تالحــظ‪ ،‬فهمــا متداخــان بدرجــة كبــرة‪ ،‬كمــا أن التجــارب‬
‫علــى أرض الواقــع أثبتــت ذلــك‪ .‬فروســيا االحتاديــة علــى ســبي�ل املثــال‪ ،‬اســتغلت قدراتهــا‬
‫يف اجلمــع االســتخبارايت لتوفــر بي�انــات عــن اجتاهــات وميــول الناخبــن األمريكيــن‪ ،‬مــن‬
‫أجــل اســتخدامها للتأثــر فيهــم خــال انتخابــات الرئاســة عــام ‪ 2016‬م‪ ،‬والــي انتهــت بفــوز‬
‫دونالــد ترامــب‪ .‬كمــا أن مؤسســة مدنيــ�ة‪ ،‬تدعــى ‪ ،Cambridge Analytica‬قامــت بشــراء‬
‫ً‬
‫بينـ�ات مســتخديم شــبكة فيســبوك‪ ،‬للمســاعدة يف انتخــاب ذات الرئيــس‪ ،‬مســتفيدة مــن‬
‫قدراتهــا يف مجــال الــذكاء االصطناعــي‪ ،‬وتطويرهــا نمــوذج قــادر على ترجمــة تلــك البي�انات‪،‬‬

‫‪288‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫ُ‬
‫وحتويلهــا إىل ملفــات شــخصية ‪ ،Profiling‬تســتخدم ألغــراض االســتطالع والتنبــؤ‪ ،‬ومــن ثم‬
‫تغيــر آراء وســلوكيات املســتخدمني بمــا حيقــق أهدافهــا (‪.)Anderson & Horvath :2017‬‬
‫‪ .5‬التنقيب الدعايئ يف «إسرائي�ل»‬
‫ً‬ ‫تمثــل الدعايــة يف «إســرائي�ل» حالــة فريــدة ً‬ ‫ِّ‬
‫وانتهــاء باجلهــات‬ ‫بــدءا مــن التســمية‬
‫الناشــطة فيهــا‪ .‬فمســى «الهاســبارا» ‪ ،Hasbara‬علــى ســبي�ل املثــال‪ ،‬مصطلــح عــري‪،‬‬
‫يعــي الشــرح والتفســر‪ ،‬اعتمدتــه «إســرائي�ل» كنــوع مــن التحايــل وااللتفــاف علــى‬
‫ًّ‬
‫ســلبي�ا يتعــارض مــع قيــم‬ ‫ً‬
‫نشــاطا‬ ‫تســمية «الدعايــة»‪ ،‬حيــث تــرى أن املســى يعكــس‬
‫ومبــادئ الديمقراطيــة لديهــا (‪ .)Schleifer:2014‬وتتنــوع اجلهــات احلكوميــة الــي تــزاول‬
‫الدعايــة داخــل «إســرائي�ل»‪ ،‬وهــي مهيكلــة بطريقــة تســمح ملعظــم الهيئــ�ات واألفــرع‬
‫بممارســتها ضمــن أنمــاط اشــتغال منســقة‪ ،‬حبســب مجــال ونطــاق اختصاصهــا‪ .‬كمــا‬
‫يقــوم بعضهــا‪ ،‬علــى رعايــة جهــود جماهرييــة داخليــة وخارجيــة لدعــم أنشــطتها املركزيــة‪.‬‬
‫وبالعــودة إىل اخلصائــص جنــد أن التنقيــب الدعــايئ جهــد اتصــايل تســتطيع احلكومــات‬
‫واألفــراد القيــام بــه‪ ،‬لكــن بدرجــات وأشــكال متفاوتــة‪ .‬وألن جهــود التأثــر يف «إســرائي�ل»‬
‫ًّ‬ ‫ً‬
‫حكوميــا كونهــا تتطلــب شــرعية قانونيـ�ة‬ ‫مركزيــة‪ ،‬فعمليــة جمــع البي�انــات قــد تتخــذ شــكل‬
‫وإمكانــات كبــرة‪ ،‬مــن غــر املتــاح للجمهــور احلصــول عليهــا‪ .‬ويف «إســرائي�ل» توجــد عــدة‬
‫أجهــزة تنفيذيــة تهتــم باملعلومــات‪ ،‬وجمعهــا وحتليلهــا‪ ،‬ألغــراض الدعايــة الســيرباني�ة‪ .‬كمــا‬
‫أنهــا تتفــاوت يف طريقــة تنفيــذ التنقيــب الدعــايئ؛ فمنهــا مــا يقــوم بالعمليــة برمتهــا بـ ً‬
‫ـدءا‬
‫ـاء باســتغاللها‪ ،‬ومنهــا مــن يقــوم باســتغاللها بعــد أن تقــوم جهــة‬ ‫مــن جمــع املعلومــات وانتهـ ً‬
‫أخــرى بتوفــر املعلومــات‪ .‬لذلــك فمفهــوم التنقيــب الدعــايئ لــدى األذرع «اإلســرائيلية»‪،‬‬
‫يقــوم علــى مبــدأ التكامــل والتقاطــع يف املهــام‪ ،‬بشــكل يتســق وإدارة الدعايــة املركزيــة‪.‬‬
‫‪ 1.5‬أذرع وزارية مدني�ة‬
‫ ‌أ‪ .‬وزارة شؤون الشتات‬
‫تــرى «إســرائي�ل» نفســها مســؤولة عــن شــؤون اليهــود حــول العالــم؛ لهــذا أنشــأت‬
‫ُ‬
‫وزارة «شــؤون الشــتات»‪ ،‬الــي تعــى بتعزيــز العالقــة معهــم وحتقيــق االســتفادة منهــم‪.‬‬

‫‪289‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫كمــا أن للــوزارة مهــام دعائي ـ�ة تقــوم علــى مواجهــة أنشــطة «معــاداة الســامية» عــر رفــع‬
‫منســوب الوعــي حولهــا‪ ،‬وتفعيــل الــزام األفــراد والهيئــ�ات واحلكومــات األجنبيــ�ة يف‬
‫مواجهتهــا‪ ،‬إضافــة إىل إعــداد تقاريــر ودراســات دوريــة ترصدهــا ًّ‬
‫عامليــا؛ كمــا تعمــل علــى‬
‫إقامــة وتعزيــز العالقــات مــع املجتمعــات الــي ترحــب باليهــود مــن خــال رعايــة أنشــطة‬
‫ثقافيــة وســياحية وتعليمية‪...‬إلــخ‪ ،‬تعــود بالنفــع علــى جهــود «إســرائي�ل» يف مكافحــة‬
‫«الالســامية» مــن جهــة‪ ،‬وحتســن صورتهــا مــن جهــة أخــرى‪ .‬إضافــة لمــا ســبق‪ ،‬حتــاول‬
‫الــوزارة اســتثمار قــدرات املســتقدمني إليهــا‪ ،‬عــر توظيــف قدراتهــم اللغويــة املتنوعــة يف‬
‫ً‬
‫أنشــطة الدعايــة؛ وعــادة مــا جيــري تنســيق مســبق بينهــا والوكالــة اليهوديــة بهــذا الشــأن‬
‫(‪)Aouragh:2016‬؛ خاصــة وأن محــاوالت حبثهــا عــن كل مــن لــه عالقــة بالديانــة اليهوديــة‬
‫حــول العالــم قــد أشــتد يف اآلونــة األخــرة (مجلــي‪ .)2018 :‬وخبصــوص التنقيــب الدعــايئ‪،‬‬
‫يشــر موقــع ‪ ،Big News Network‬إىل تطويــر الــوزارة لنظــام يتيــح رصــد أنشــطة معــاداة‬
‫ً‬
‫«الســامية» علــى املواقــع االجتماعيــة‪ ،‬ويســتهدف أيضــا املواقــف املعاديــة لـ»إســرائي�ل»‬
‫علــى مســتوى العالــم‪ .‬ألجــل ذلــك‪ ،‬قامــت بإنشــاء مركــز قيــادة ُيعــى بمراقبــة األنشــطة‬
‫املشــار إليهــا‪ ،‬وجمــع معطياتهــا‪ ،‬وحتويلهــا للجهــات املعنيــ�ة‪ ،‬ألخــذ اإلجــراءات بشــأنها‬
‫(‪ .)Jackson:2018‬ومــن غــر املعــروف مــا إذا كانــت اإلجــراءات تشــمل االســتغالل الدعــايئ من‬
‫عدمــه‪ .‬لكــن مــا نســتنتجه‪ ،‬أن أنشــطة الــوزارة علــى عالقــة بسياســية «تكميــم األفــواه»‪،‬‬
‫وإســكات أي صــوت معــارض‪ ،‬حبجــة معــادة الســامية‪ .‬ويف هــذه السياســية روح دعائي ـ�ة‪،‬‬
‫ّ‬
‫كونهــا تــؤدي إىل هيمنــة روايــة واحــدة‪ ،‬بعــد أن تعمــد إىل تفعيــل نزعــات اخلــوف والــردد‬
‫مــن أي مالحقــة قانوني ـ�ة‪.‬‬
‫ ‌ب‪ .‬وزارة الشؤون اإلسرتاتيجية واملعلومات‬
‫تهتــم وزارة الشــؤون االســراتيجية واملعلومــات‪ ،‬بمواجهــة جهــود نــزع شــرعية‬
‫«إســرائي�ل» علــى املســتويني العالــي واملحلــي‪ ،‬خاصــة مــا يتعلــق بمواجهــة أنشــطة‬
‫حركــة املقاطعــة وحــركات مناهضــة االســتيطان (‪ .)Handel & Dayan:2017‬وتضــم الــوزارة‬
‫ثــاث إدارات‪ ،‬هــي‪ :‬االســتخبارات‪ ،‬وتهتــم بمراقبــة وجمــع املعلومــات عــن حــركات‬
‫املقاطعــة وناشــطيها‪ ،‬إضافــة للشــخصيات واملجموعــات الــي تســاندها‪ ،‬باالعتمــاد‬

‫‪290‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫علــى مصــادر مفتوحــة أو ســرية‪ ،‬ميدانيــ�ة وســيرباني�ة؛ وإدارة الوعــي‪ ،‬الــي تنشــط‬
‫يف التأثــر علــى توجهــات وســائل اإلعــام الدوليــة أو اجلمهــور عــر مواقــع الشــبكات‬
‫االجتماعيــة؛ وإدارة العمليــات‪ :‬الــي تعمــل علــى تنفيــذ اخلطــط املقــرة (‪.)Melman:2016‬‬
‫وفيمــا يتعلــق بـــ «التنقيــب الدعــايئ»‪ ،‬تقــوم الــوزارة علــى حتليــل املواقــع االجتماعيــة‪ ،‬مــن‬
‫حيــث املحتــوى‪ ،‬والبني ـ�ة الشــبكية والتكنولوجيــة‪ ،‬إضافــة لرصــد مراكــز الثقــل والرتكــز‪،‬‬
‫وحتديــد األفــراد واملؤسســات والصفحــات الناشــطة‪ ،‬كمــا تقــوم بدراســة أســاليب وأنمــاط‬
‫احلمــات؛ بهــدف تشــكيل رؤيــة ملواجهتهــا (‪ .)Blau:2017‬وال تنتهــي أنشــطة الــوزارة عنــد‬
‫الرصــد والتتبــع‪ ،‬بــل تعمــل علــى توظيــف املعلومــات يف جهــود اتصاليــة دعائي ـ�ة ميداني ـ�ة‬
‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬
‫وعامليــا‪ ،‬وتتخــذ‬ ‫محليــا‬ ‫وســيرباني�ة‪ .‬وتقــوم أيضــا بالتحريــض ضــد نشــطاء هــذه احلــركات‬
‫ألجــل ذلــك إجــراءات قانونيــ�ة مــن قبيــ�ل منــع دخولهــم «إســرائي�ل»؛ حيــث جنحــت يف‬
‫تمريــر قانــون عــر الكنيســت يفــرض عقوبــات علــى املؤيديــن لهــا‪ ،‬أو مــن يعتنقــون‬
‫أفكارهــا‪ ،‬حــى لــو كانــوا مواطنــن «إســرائيليني» (‪ .)Ibid‬ويؤكــد موقــع ‪،Middle East Eye‬‬
‫أن جـ ً‬
‫ـزءا مــن تركــز الــوزارة منصــب علــى اجلمهــور الداخلــي لرغبتهــا نــزع الشــرعية عــن أي‬
‫حــراك معــارض لالســتيطان (‪ .)Melman:2016‬إضافــة لمــا ســبق‪ ،‬جتتهــد الــوزارة يف إنشــاء‬
‫أذرع وكيانــات داعمــة لـــ “إســرائي�ل” ًّ‬
‫عامليــا‪ ،‬كمــا تنظــم فعاليــات تبــ�ادل علــي وثقــايف‬
‫وريــايض (‪ ،)Winstanley:2018‬ناهيــك عــن فتــح آفــاق تعــاون مــع شــخصيات وهيئـ�ات ذات‬
‫ً‬
‫تأثــر يمكــن اســتغاللها الحقــا‪ .‬وليســت هــذه األنشــطة مجتمعــة إال اســتجابة ملعطيــات‬
‫«التنقيــب»‪ ،‬توظفهــا الــوزارة يف صياغــة اســراتيجية اتصاليــة تســاعد علــى ترجيــح كفــة‬
‫«إســرائي�ل» يف الــدول الــي تتعاظــم داخلهــا جهــود تشــويهها‪ .‬فعلــى ســبي�ل املثــال‪ ،‬تلقــت‬
‫الــوزارة عــام ‪ 2018‬مبلــغ ‪ 37‬مليــون دوالر‪ ،‬إلنشــاء مؤسســة تدعــى ‪ ،Kella Shlomo‬ختتــص‬
‫بتنفيــذ «أنشــطة وعــي جمعــي» علــى املواقــع االجتماعيــة‪ ،‬وذلــك باســتخدام أســاليب‬
‫ً‬
‫شــبكية معقــدة جــدا (‪ .)RussiaToday:2018‬وألن املقصــود بالتكنيكيــات غــر واضــح‪ ،‬إال أننـ�ا‬
‫نــرى اشــتمالها علــى أســاليب دعائي ـ�ة‪ ،‬خفيــة وعلني ـ�ة‪ ،‬مرســخة كمبــادئ تشــغيلية علــى‬
‫الفضــاء الشــبكي‪ .‬وبهــذا اخلصــوص‪ ،‬قــام متطوعــون مؤيــدون لـ “إســرائي�ل”‪ ،‬خــال حرب‬
‫‪ 2014‬علــى غــزة‪ ،‬بت�دليــس مجموعــة مــن احلقائــق‪ ،‬مــن خــال تنفيــذ عمليــات تالعــب‬

‫‪291‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫وتزييــف لعــدد مــن الصــور الفوتوغرافيــة‪ ،‬أو نســب اقتب�اســات مؤيــدة لـــ “إســرائي�ل”‬
‫إىل شــخصيات شــهرية‪ ،‬أو إتبــ�اع أســلوب «التصيــد» بغــرض توجيــه اتهامــات لنشــطاء‬
‫مناصريــن للفلســطينيني بمعــاداة الســامية (‪.)Aouragh:2016‬‬
‫ ‌ج‪ .‬وزارة الشؤون اخلارجية‬
‫خبــاف مهمتهــا الرئيســة يف إقامــة جســور االتصــال الدبلومــايس مــع احلكومــات‬
‫والكيانــات الرســمية حــول العالــم‪ ،‬تهتــم وزارة الشــؤون اخلارجيــة بتنظيــم جهــود حتســن‬
‫صــورة «إســرائي�ل» علــى الصعيــد اخلــاريج‪ ،‬مــن خــال إدارة الدبلوماســية العامــة‪ ،‬الــي‬
‫تضــم أقســام للشــؤون اإلعالميــة والثقافيــة والعلميــة والرقميــة (‪ ،)Ibid‬وإدارة اإلعــام‬
‫والعالقــات العامــة‪ ،‬الــي ترعــى عــدد مــن الصفحــات االجتماعيــة‪ ،‬أهمهــا صفحــة‬
‫«إســرائي�ل» الــي تتكلــم بالعربيــ�ة‪ .‬واحلقيقةجتمــع آليــة عمــل الــوزارة بــن الصيغتــن‬
‫التقليديــة واملســتحدثة‪ .‬فهــي مــن جهــة‪ ،‬تقــوم علــى تنفيــذ مهــام إعالميــة رســمية‬
‫كجــزء مــن اســراتيجية الــوزارة االتصاليــة حنــو اخلــارج‪ ،‬ومــن جهــة أخــرى‪ ،‬ترعــى تنظيــم‬
‫ً‬
‫وتوجيــه أنشــطة موجهــة للجمهــور بنكهــة «دبلوماســية» بعيــدا عــن الربوتوكــوالت‬
‫الرســمية التقليديــة‪ .‬ويســى هــذا اجلهــد بـــ «الدبلوماســية العامــة»‪ ،‬ولــه وجــه ســيرباين‬
‫«الدبلوماســية الرقميــة» أو الهاســبارا ‪ .2.0‬وتنخــرط إدارة الدبلوماســية العامــة يف عــدة‬
‫أنشــطة دعائيــ�ة‪ ،‬أهمهــا التفاعــل مــع الشــركات اخلاصــة واالحتــادات الطالبيــ�ة حلثهــا‬
‫علــى املشــاركة يف جهــود الدبلوماســية الرقميــة‪ ،‬كمــا تنشــط يف مجــال رعايــة وتوجيــه‬
‫متطوعــي مواقــع الشــبكات االجتماعيــة الداعمــة «إلســرائي�ل» حــول العالــم‪ ،‬مــن خــال‬
‫تنســيق وتوجيــه مشــاركاتهم‪ ،‬بمــا يتـلاءم ومخطــط الدعايــة املركــزي‪ .‬وألجــل ذلــك‪ ،‬قامــت‬
‫يف فــرات ســابقة بإصــدار نشــرات خاصــة‪ ،‬حتــدد املفــردات والتوجهــات الدعائيـ�ة الواجــب‬
‫اســتخدامها علــى نطــاق عالــي‪ ،‬ســواء عــر املنصــات االجتماعيــة‪ ،‬أو خــال املناظــرات‬
‫املباشــرة (‪.)Ibid‬‬
‫وفيمــا خيتــص بـــ «التنقيــب الدعــايئ»‪ ،‬تتعــاون وزارة اخلارجيــة مــع نظريتهــا للشــؤون‬
‫االســراتيجية‪ ،‬يف تنســيق جهــود الدعايــة الســيرباني�ة‪ .‬فعــر الدمــج بــن القــدرات‬
‫الدبلوماســية لــأوىل‪ ،‬وقنواتهــا املتعــددة مــن جهــة‪ ،‬واملهــارة البحثيـ�ة والتشــغيلية للثانيـ�ة‬

‫‪292‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫ً‬
‫مــن جهــة أخــرى‪ ،‬صــار ممكنــا حتقيــق مبــدأ توزيــع املهــام‪ ،‬وممارســة قاعــدة الرتكــز‬
‫الدعــايئ‪ .‬مــا يعــي‪ ،‬أن الثانيـ�ة باتــت مصــدر معلومــايت لــأوىل‪ ،‬أو بوصلــة توجيــه‪ ،‬حتــدد لهــا‬
‫أي املناطــق يف العالــم حتتــاج إىل جهــد دعــايئ بلــون دبلومــايس‪ .‬إال أن ذلــك ال يعــي غيــاب‬
‫الفــروق بينهمــا‪ ،‬خاصــة مســلك التنفيــذ‪ .‬ففــي حــن تنتهــج وزارة اخلارجيــة أســلوبا قائمــا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫علــى احلــوار‪ ،‬تتبــى الثاني ـ�ة مدخــا أمني ـ�ا يعتمــد علــى الرقابــة‪ ،‬وبأســاليب ناعمــة أكــر‬
‫عدائيــ�ة (‪.)Blau:2017‬‬
‫‌د‪ .‬مكتب رئيس الوزراء‬
‫إذا مــا تفحصنــا هيكليــة مكتــب رئيــس الــوزراء «اإلســرائيلي»‪ ،‬جندهــا تضــم عــدة‬
‫إدارات وهيئــ�ات‪ ،‬ختتــص كل منهــا بمهــام شــبه متداخلــة‪ .‬إال أن أهمهــا‪ ،‬إدارة املعلومــات‬
‫الوطني ـ�ة الــي تهتــم بتنســيق أنشــطة الدبلوماســية العامــة ملختلــف الهيئ ـ�ات والــوزارات‬
‫احلكوميــة «اإلســرائيلية» يف مجــاالت األمــن‪ ،‬والسياســة اخلارجيــة‪ ،‬والقضايــا‬
‫االقتصادية‪-‬االجتماعيــة‪ .‬وإدارة املعلومــات الوطنيــ�ة ‪-‬الــي تــم إنشــائها عقــب حــرب‬
‫لبنــ�ان الثانيــ�ة عــام ‪ ،2006‬كأحــد توصيــات جلنــة فينوغــراد ‪ -‬تتقاطــع مــع مختلــف‬
‫الــوزارات علــى أســاس يــويم‪ ،‬وحتــدد لهــا الرســائل األساســية؛ لتجنــب أي تعــارض بينهــا‬
‫(‪ .)Shabi:2009‬ويمكــن القــول‪ ،‬أن إنشــائها جــاء ملعاجلــة وتــدارك انهيــار صــورة «إســرائي�ل»‬
‫علــى الصعيــد الــدويل‪ ،‬مــن خــال إشــرافها علــى توحيــد الروايــة الداخليــة أمــام العالــم‬
‫(‪.)Dart:2016‬‬
‫ـزءا مــن توصيــات جلنــة «فينوغــراد» توجهــت‬ ‫وبهــذا الصــدد‪ ،‬يشــر باحثــن إىل أن جـ ً‬
‫ُ‬
‫حنــو تأســيس وحــدة تعــى بتنســيق أعمــال الدعايــة واملعلومــات عــر الوســائل اإلعالميــة‬
‫التقليديــة واجلديــدة‪ ،‬إضافــة إىل األذرع الدبلوماســية (‪ .)Clila & Ephraim:2018‬وفيمــا‬
‫يتعلــق بالدعايــة الســيرباني�ة‪ ،‬ترعــى اإلدارة عــدد مــن الصفحــات علــى مواقــع الشــبكات‬
‫االجتماعيــة‪ ،‬كصفحــي رئيــس الــوزراء‪ ،‬والناطــق باســمه لإلعــام العــريب‪ ،‬كمــا تنشــط يف‬
‫تشــكيل غــرف مخصصــة للنشــطاء املحليــن‪ ،‬خاصــة أوقــات الطــوارئ‪ ،‬بهــدف االســتفادة‬
‫مــن خرباتهــم وقدراتهــم (‪ .)Abunimah:2013‬كمــا تســعى اإلدارة حنــو إقامــة صــات مــع‬

‫‪293‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫شــخصيات وهيئ ـ�ات غــر حكوميــة ناشــطة داخليــا وخارجيــا‪ ،‬لتوجيــه أنشــطتها‪ ،‬بشــكل‬
‫خيــدم مســعى الدعايــة الرســي (‪ .)Shabi:2009‬ونســتنتج هنــا‪ ،‬أن مهــام الدائــرة يف مجــال‬
‫تنســيق وضبــط الرســالة الدعائي ـ�ة‪ ،‬يتجــاوز املؤسســات احلكوميــة‪ ،‬ليمتــد حنــو املدونــن‬
‫والنشــطاء‪ ،‬وأي مؤسســة تنشــط يف دعــم «إســرائي�ل»‪.‬‬
‫ً‬
‫وبهــذا اخلصــوص‪ ،‬أطلقــت «إســرائي�ل» يف العــام ‪ 2017‬تطبيقــا‪ ،‬يتيــح لنشــطاء‬
‫الشــبكات االجتماعيــة عــر العالــم املشــاركة يف جهــود الدعايــة «اإلســرائيلية»‪ .‬التطبيــق‬
‫‪ -‬املخصــص للهواتــف النقالــة‪ -‬حيتــوي علــى مــا يقــارب ‪ 30‬مهمــة‪ُ ،‬يطلــب مــن املشــركني‬
‫االخنــراط فيهــا بطــرق متنوعــة‪ :‬إعجــاب‪ ،‬مشــاركة‪ ،‬تعليــق‪ ،‬إعــادة تغريــد‪ ،‬توقيــع عرائــض‪،‬‬
‫وصــف بـــ «قبــة احلقيقــة‬ ‫تقديــم شــكاوى‪...‬إلخ (‪ .)Rubin:2017‬ويســمح املشــروع الــذي ُ‬
‫ً‬
‫احلديديــة» أيضــا بمشــاركة مــواد إعالميــة منحــازة لـــ «إســرائي�ل»‪ ،‬أو تقديــم شــكاوى ضد‬
‫فعاليــات نشــطة علــى مواقــع كفيســبوك وتويــر ويوتيــوب‪ ،‬أو حــى توجيــه مراســات‬
‫لشــخصيات وهيئــ�ات دوليــة تطالبهــا بوقــف حتزيهــا ضــد «إســرائي�ل» (‪.)Sommer:2017‬‬
‫ونســتنتج هنــا‪ ،‬أن املشــروع الــذي يأخــذ شــكل تعهيــد جماعــي‪ ،‬حيــاول مركــزة عمــل الدعاية‬
‫اجلماهرييــة عــر توجيــه أنشــطة األفــراد بشــكل منســق كــي خيلــق كثافــة دعائي ـ�ة تب ـ�دو‬
‫وكأنهــا صــادرة عــن رأي عــام شــبكي حقيقــي‪.‬‬
‫‪ 2.5‬أذرع عسكرية‬
‫يضــم اجليــش «اإلســرائيلي» عــدد مــن الهيئ ـ�ات واألقســام‪ ،‬تنخــرط يف مجهــودات‬
‫التأثــر النفــي‪ ،‬بشــكليها املباشــر وغــر املباشــر؛ حيــث تتــوزع علــى مختلــف األذرع‪،‬‬
‫خاصــة قيــادة األركان‪ ،‬وشــعبيت العمليــات واالســتخبارات‪ .‬وتتنــوع مهــام كل منهــا‪ ،‬حبســب‬
‫التوزيــع املعتمــد للمهــام الدعائي ـ�ة‪.‬‬
‫ ‌أ‪ .‬هيئ�ة ‪Sigint‬‬

‫تنشـــط هيئـــ�ة ‪ ،Sigint 8200‬يف مجـــال اجلمـــع االســـتخباري علـــى الشـــبكات‬


‫االجتماعيـــة‪ ،‬وتضـــم قاعـــدة بي�اناتهـــا‪ -‬إىل جانـــب املعلومـــات األمنيـــ�ة‪ -‬معلومـــات‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫سياســـية وشـــخصية‪ ،‬تكـــدس الســـتخدامها الحقـــا يف جهـــود التضليـــل حـــول العالم‬

‫‪294‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫(‪ .)The Garadian:2014‬والهيئـــ�ة ‪ -‬اليت تتخذ من مقولة «كل البي�انـــات متاحة» مبدأ لها‪-‬‬
‫ال تراعي مســـائل اخلصوصيـــة‪ ،‬وتعترب جميـــع أنواع املعلومـــات ذات أهميـــة‪ ،‬وإن تأجل‬
‫ظهـــور تأثريها‪ .‬وهنا‪ ،‬نســـتطيع تميزي نوعني مـــن املعلومات ذات جوهر دعايئ‪ :‬النشـــطة‬
‫ً‬
‫واخلاملـــة‪ .‬فـــاألوىل مخصصة لالســـتخدام بشـــكل ســـريع‪ ،‬خدمـــة ملســـاعي متنوعة‪،‬‬
‫كتجني�د العمالء‪ ،‬أو تطبيق أســـاليب دعائيـــ�ة خالل زمن فعلي‪ .‬أما الثاني�ة‪ ،‬فاســـراتييج؛‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫تفظ الســـتغاللها الحقا‪ ،‬حبســـب نوع التطور الذي قد تشـــهده البيئ�ة املستهدفة (‪.)Ibid‬‬
‫ونســـتنتج‪ ،‬أن الهيئـــ�ة قد تمارس التنقيـــب الدعايئ‪ ،‬ألجل احلصول علـــى معلومات ذات‬
‫طبيعـــة جماهريية ‪ -‬بغـــض النظر عن نطـــاق تمركزها الشـــبكي اجلغرايف‪ -‬ثـــم تمريرها‬
‫للجهـــات املختصة بعـــد حتليلها بهدف تســـخريها يف جهـــود الدعاية الســـيرباني�ة املركزية‬
‫(‪ .)Global Investigative Reporting:2017‬أي أن عملهـــا قـــد يشـــكل حلقـــة مـــن سلســـلة‬
‫وظيفيـــة متكاملة‪ ،‬تبـــ�دأ باجلمع‪ ،‬وتنتهي باالســـتغالل‪.‬‬
‫‌ب‪ .‬قسم عمليات الوعي‬
‫يتبــع قســـــم عمليــــات الوعـــي إلــى شعبــــة العمليـــــات يف هيئــة األركـــان‪،‬‬
‫مهني�ا فينســق مع شعبة االستخبارات العسكريـــة‪،‬‬ ‫إداريا معهــا؛ أما ًّ‬
‫ًّ‬ ‫وينظــم أعمالــه‬
‫ناهيــك عـن ترتيــب بعض مهامه يف مجال الدعايـــة الدفاعيـــة مع وحــدة الناطــــق‬
‫ً‬ ‫(‪ُ ،)Maheshwari & Kumar:2016‬‬
‫ويعد مسؤول عن الدعاية بمستواها العمليايت والتكتيكي‬
‫طور القسم من نطاق عمله ليشمل التأثري على‬ ‫خالل احلروب‪ .‬لكن يف اآلونة األخرية‪َّ ،‬‬
‫ً‬
‫وسائل اإلعالم‪ ،‬والرأي العام املحلي والدويل‪ ،‬رغبة منه يف دعم أنشطة اجليش على جميع‬
‫املستويات ما يعين ضمه للعمليات «الناعمة» خالل فرتات الهدوء (‪ .)Harel:2018‬كما‬
‫طور اجليش «اإلسرائيلي» أساليب جديدة للتأثري يف وعي اجلماهري على مواقع الشبكات‬ ‫َّ‬
‫االجتماعية حيث يتوىل القسم تنفيذ أشكالها اخلفية (‪ .)Shai:2018‬فعلى سبي�ل املثال‪،‬‬
‫يرعى القسم تنفيذ أنشطة التالعب املعلومايت حتت ستار خفي؛ بهدف ممارسة التضليل‪،‬‬
‫أو التأثري يف املنظومة اإلدراكية ملستخديم الشبكات االجتماعية (‪.)Ibid‬‬

‫‪295‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫‌ج‪ .‬وحدة الناطق العسكري‬


‫تنشــط وحــدة الناطــق العســكري‪ ،‬داخــل شــعبة العمليــات‪ ،‬ويعدهــا قائدهــا عضـ ًـوا‬
‫ً‬
‫يف هيئ ـ�ة األركان‪ ،‬كمــا تضــم عــددا مــن الناطقــن بمختلــف اللغــات‪ ،‬إضافــة لعــدة فــروع‪،‬‬
‫منهــا فــرع اســراتييج‪ ،‬وآخــر إعــايم ينشــط يف االتصــال الشــبكي مــن خــال إدارة مختلــف‬
‫املواقــع والصفحــات واملدونــات اخلاصــة باجليــش (‪ .)Leong:2015‬ومنــذ انطالقــة فــرع‬
‫اإلعــام االجتماعــي عــام ‪ ،2009‬تزايــد حضــور الناطــق علــى شــبكات التواصــل بهــدف‬
‫ً‬
‫االنفتــاح علــى جمهــور دويل‪ ،‬حتقيقــا لنت ـ�اجئ مرغوبــة علــى صعيــد الرتويــج‪ .‬وفيمــا خيــص‬
‫علنيـ�ا مباشـ ًـرا‪ ،‬يقــوم على اســتغالل احلقائــق‪ ،‬دون‬
‫ـلوبا ًّ‬
‫العمــل الدعــايئ‪ ،‬تنتهــج الوحــدة أسـ ً‬
‫أي تالعــب‪ ،‬يف محاولــة لتميــز نفســها عــن قســم عمليــات الوعــي الــذي ينتهــج أســاليب‬
‫دعائيــ�ة تــراوح بــن الدعايــة الســوداء والرماديــة؛ مــا يعكــس رغبتهــا يف احلفــاظ علــى‬
‫مصداقيــة رســائلها أمــام اجلمهــور عــر االكتفــاء بممارســة الدعايــة البيضــاء (‪.)Shai:2018‬‬
‫بصريــا‪ ،‬وبــث مشــاهد‬‫ًّ‬ ‫لهــذا‪ ،‬تســتخدم الوحــدة أســاليب منوعــة‪ ،‬كنشــر مــواد جذابــة‬
‫جلــوالت عســكرية أو تدريبيــ�ة‪ ،‬إضافــة الخنراطهــا يف جهــود «الهاســبارا» بمختلــف‬
‫اللغات‪...‬إلــخ (‪.)Leong:2015‬‬
‫وباحلديــث عــن الدبلوماســية العامــة‪ ،‬يشــر باحثــان إىل اخنــراط الوحــدة يف‬
‫«الدبلوماســية العامــة العســكرية» عــر اإلنرتنــت لرغبتهــا يف إقامــة اتصــال ثنـ�ايئ االجتــاه‬
‫مــع اجلمهــور‪ ،‬خاصــة العــريب‪ ،‬الــذي يقــوم عليــه أفيخــاي أدرعــي (‪)Azran & Yarchi:2018‬؛‬
‫كمــا تهتــم بنشــر تقاريــر خاصــة عــن عمليــات اجليــش لوســائل اإلعــام‪ ،‬واجلمهــور‬
‫الشــبكي‪ ،‬إلبــراز قيــم إنســاني�ة وأخالقيــة يتحلــى بهــا (‪ .)Ibid‬باإلضافــة إىل مــا ســبق‪ ،‬تمــارس‬
‫الوحــدة التنقيــب الدعــايئ وفــق املعلومــات الــي توفرهــا مختلــف األذرع األخــرى‪ ،‬كهيئ ـ�ة‬
‫ًّ‬ ‫ً‬
‫اتصاليــا‬ ‫‪ ،8200‬أو تلــك الــي حتصــل عليهــا بواســطة العاملــن فيهــا‪ ،‬أي انهــا تمــارس جهــدا‬
‫ً‬ ‫ًّ‬
‫دعائي ـ�ا مكمــا ألنشــطة الهيئ ـ�ات التقني ـ�ة األخــرى‪.‬‬
‫‌د‪ .‬وحدة تنسيق أعمال احلكومة «املنسق»‬
‫تتبــع وحــدة تنســيق أعمــال احلكومــة «اإلســرائيلية» إىل وزيــر الدفــاع ويرأســها‬
‫ًّ‬
‫إعالميــا يشــرف علــى موقعهــا اإللكــروين‬ ‫عضــو يف هيئــ�ة األركان‪ ،‬كمــا تضــم ً‬
‫مكتبــ�ا‬

‫‪296‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫وصفحاتهــا علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة (ابــو عامــر‪ .)2018:‬وفيمــا خيــص الدعايــة‪،‬‬
‫ً‬
‫تســعى الوحــدة إىل فتــح حــوار مباشــر مــع اجلمهــور الفلســطيين أمــا يف حتســن وترويــج‬
‫صــورة «إســرائي�ل» مــن جهــة‪ ،‬وحتقيــق نتـ�اجئ علــى املســتوى االســتخبارايت مــن جهــة أخرى‪.‬‬
‫ويمكــن وصــف اجلهــد الدعــايئ لصفحــة منســق أعمــال احلكومــة علــى شــبكة فيســبوك‬
‫ً‬
‫اســتثمارا يف األنشــطة املدنيــ�ة ألجــل جتفيــف منابــع البيئــ�ة الشــعبي�ة احلاضنــة‬ ‫بكونــه‬
‫ً‬
‫للمقاومــة عــر اســتغالل احلالــة االقتصاديــة والماديــة املرتديــة‪ .‬لذلــك‪ ،‬غالبــا مــا تنشــر‬
‫مــواد دعائيـ�ة مرتبطــة حبيــاة الســكان‪ .‬وبالعــودة إىل التنقيــب الدعــايئ‪ ،‬وبعــد تفحــص عــدد‬
‫مــن منشــوراتها‪ ،‬نت�أكــد مــن تلقــي صفحــة منســق أعمــال احلكومــة ملعلومــات محدثــة عــن‬
‫تطــورات الوضــع يف قطــاع غــزة‪ ،‬خاصــة اإلنســاني�ة منهــا‪ .‬فمــن الواضــح أن األجهــزة الــي‬
‫دوريــا‪ ،‬خاصــة تلــك الــي يصلــح توظيفهــا‬ ‫ُتعــى بالرصــد واجلمــع‪ ،‬تزودهــا باملعلومــات ًّ‬
‫يف مجــال الدعايــة الســيرباني�ة‪ ،‬األمــر الــذي يؤكــده وجــود مقاطــع حدوديــة وجويــة علــى‬
‫صفحتهــا‪ .‬ويف نقطــة أخــرى‪ ،‬تســتفيد الدعايــة «اإلســرائيلية» مــن احلالــة النفســية‬
‫للجمهــور الفلســطيين‪ .‬فعــر مراقبــة املنشــورات‪ ،‬ذات صيغــة «التعبــر الــذايت»‪ ،‬تســتطيع‬
‫صفحــة املنســق‪ ،‬وغريهــا‪ ،‬التعــرف علــى املوضوعــات الــي تشــغل عقــول األفــراد‪ ،‬وتؤثــر يف‬
‫ً‬
‫حيواتهــم‪ ،‬مــا يســمح لهــا بتوجيــه دفــة الدعايــة حنوهــا أمــا يف إجيــاد حالــة مــن االســتجابة‬
‫والتفاعــل النفــي مــع رســائلها‪ .‬لهــذا‪ ،‬فــإن مراقبــة مــا يصــدر عــن املواقــع االجتماعيــة‪،‬‬
‫وضمــن نطــاق جغــرايف محــدد‪ ،‬يســمح باحلصــول علــى معلومــات حلظيــة‪ ،‬مــن غــر املمكــن‬
‫احلصــول عليهــا إال بعــد وقــت‪ ،‬مــا يؤخــر جهــود اســتغاللها الفــوري‪.‬‬
‫‪ .6‬نمــوذج تطبيقــي‪ :‬التنقيــب الدعــايئ «اإلســرائيلي» خــال مســرات‬
‫العــودة‬
‫خــال متابعتنـ�ا بعــض الصفحــات الرســمية «اإلســرائيلية» الناطقــة باللغــة العربي�ة‬
‫علــى موقــع فيســبوك‪ ،‬الحظنــا اســتغاللها للمحتــوى الــذي ينتجــه نشــطاء فعاليات مســرة‬
‫العــودة يف قطــاع غــزة مــن أجــل حتقيــق أهــداف دعائي ـ�ة حبتــة‪ .‬كمــا رصدنــا آلليــة ممنهجــة‬
‫تقــوم علــى رصــد وجتميــع املحتويــن املكتــوب واملــريئ ومــن ثــم إعــادة نشــره علــى صفحاتهــا‬
‫دعائيــ�ا بشــكل يتوافــق وأهدافهــا السياســية‪ .‬وهــو مــا يمكــن تســميت�ه‬ ‫ًّ‬ ‫بعــد معاجلتــه‬

‫‪297‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫بـــ «التنقيــب الدعــايئ» الــذي يصــب يف تفســر مفهــوم إنتـ�اج الدعايــة لذاتهــا‪ ،‬والــي تعــي‬
‫باختصــار تكاثــر وانتشــار املوضوعــات الدعائيـ�ة بشــكل تشــعيب غــر منتظــم االجتــاه‪ ،‬حيــث‬
‫ًّ‬ ‫ً‬
‫متلقيــا لهــا فقــط‪ .‬وتبحــث الدراســة يف‬ ‫يصبــح اجلمهــور فاعــا يف بن�ائهــا‪ ،‬متأثـ ًـرا بهــا‪ ،‬ال‬
‫ظاهــرة «التنقيــب الدعــايئ» ضمــن ســياق فعاليــات مســرة العــودة يف قطــاع غــزة مــن‬
‫خــال حتليــل املنشــورات والصــور الــي نشــرتها بعــض الصفحــات «اإلســرائيلية»‪ ،‬حيــث‬
‫تســعى إىل فهــم كيــف وظفــت ماكينــ�ة الدعايــة «اإلســرائيلية» «التنقيــب الدعــايئ»‬
‫خــال فعاليــات مســرة العــودة الكــرى يف غــزة‪ ،‬والكشــف عــن أســاليب الدعايــة األخــرى‬
‫الــي نشــطت بموازاتــه‪ ،‬واآلثــار املرتتب ـ�ة عنــه وســبل مواجهتهــا‪.‬‬
‫وتمثــل مجتمــع الدراســة يف الصفحــات الرســمية «اإلســرائيلية» الناشــطة علــى‬
‫فيســبوك‪ ،‬والــي تســتخدم اللغــة العربيــ�ة يف توجيــه خطابهــا للجمهــور‪ ،‬مثــل‪ :‬صفحــة‬
‫رئيــس الــوزراء «اإلســرائيلي»‪ ،‬وصفحــة منســق أعمــال احلكومــة «اإلســرائيلية»‪،‬‬
‫وصفحــة الناطــق باســم اجليــش «اإلســرائيلي» باللغــة العربيــ�ة‪ -‬أفيخــاي ادرعــي‪،‬‬
‫وصفحــة إســرائي�ل تتكلــم بالعربي ـ�ة التابعــة لــوزارة اخلارجيــة‪ ،‬وصفحــة املتحــدث باســم‬
‫رئيــس الــوزراء لإلعــام العــريب‪ -‬أوفري جندلمــان‪ ،‬وصفحــة «إســرائي�ل» يف األردن‪ ،‬وصفحة‬
‫«إســرائي�ل» يف مصر‪...‬إلــخ‪ .‬أمــا العينـ�ة‪ ،‬فتمثلــت يف أربــع صفحــات‪ ،‬وهــي‪ :‬صفحة منســق‬
‫أعمــال احلكومــة‪ ،‬وصفحــة الناطــق باســم اجليــش «اإلســرائيلي»‪ ،‬وصفحــة املتحــدث‬
‫باســم رئيــس الــوزراء لإلعــام العــريب‪ ،‬وصفحــة «إســرائي�ل» تتكلــم بالعربيــ�ة‪.‬‬
‫‌أ‪ .‬معطيات عامة‬
‫باالطــاع إىل معطيــات اجلــدول أدنــاه‪ ،‬يتبــن إحــراز التنقيــب الدعــايئ ‪ 142‬تكـ ً‬
‫ـرارا‪،‬‬
‫بنســبة ‪ 24.4%‬مــن إجمــايل العينـ�ة الــي بلــغ عــدد وحداتهــا ‪ 582‬منشـ ً‬
‫ـورا‪ ،‬إضافــة إىل نســبة‬
‫‪ 56.8%‬مــن إجمــايل املــواد الــي تن�اولــت مســرة العــودة‪ ،‬البالــغ عددهــا ‪ .250‬وبالتدقيــق‬
‫أكــر يف نســب املنشــورات املرتبطــة باملســرة‪ ،‬نالحــظ مــيء صفحــة «الناطــق باســم‬
‫ً‬
‫اجليــش «اإلســرائيلي»‪ -‬أفيخــاي ادرعــي» أول بنســبة ‪ ،38%‬بينمــا حلــت صفحــة‬
‫ً‬
‫«املتحــدث باســم رئيــس الوزراء‪-‬أوفــر جندلمــان» ثاني ـ�ا بنســبة ‪ ،34.8%‬تلتهــا صفحــة‬
‫ـرا صفحــة «إســرائي�ل»‬ ‫«منســق أعمــال احلكومــة «اإلســرائيلية» بنســبة (‪ ،)20.4%‬وأخـ ً‬

‫‪298‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫تتكلــم بالعربيـ�ة» بنســبة (‪ .)6.8%‬وبمقارنــة تكــرارات ظهــور التنقيــب الدعــايئ الكليــة على‬
‫صفحــات الدراســة‪ ،‬مــع التكــرارات الكليــة ملنشــوراتها اخلاصــة باملســرة‪ ،‬نالحــظ ارتفــاع‬
‫وتــرة توظيــف التنقيــب الدعــايئ‪ ،‬ليتجــاوز النصــف‪ .‬فعنــد صفحــة الناطــق باســم اجليــش‬
‫«اإلســرائيلي»‪ ،‬مثـ ًـا‪ ،‬ســجل ‪ 57‬تكـ ً‬
‫ـرارا مــن أصــل ‪ ،95‬فيمــا أحــرز ‪ 50‬تكـ ً‬
‫ـرارا عنــد املتحــدث‬
‫باســم رئيــس الــوزراء‪ ،‬و‪ 26‬عنــد منســق أعمــال احلكومــة «اإلســرائيلية» مــن أصــل ‪،51‬‬
‫و‪ 9‬تكرارات لدى صفحة «إسرائي�ل» تتكلم بالعربي�ة من أصل ‪.17‬‬
‫™­˜€š‬
‫™­˜ —–ƒ •” ƒ“‬ ‫ ‬
‫Ÿž ­œ›‬
‫‬
‫‚¡ ‬ ‫‚¡ ‬ ‫‚¡ ‬
‫‪›‡¢£‬‬ ‫‚€š‬ ‫‬ ‫כ‬ ‫‪٪‬‬ ‫כ‬ ‫‪٪‬‬ ‫כ‬
‫­‬
‫ ‬
‫‪40.2%‬‬ ‫‪22.8%‬‬ ‫‪9.8%‬‬ ‫‪57‬‬ ‫‪38%‬‬ ‫‪95‬‬ ‫‪28.5%‬‬ ‫‪166‬‬ ‫ 

‫  ‬
‫‪35.2%‬‬ ‫‪20%‬‬ ‫‪8.6%‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪34.8%‬‬ ‫‪87‬‬ ‫‪34.9%‬‬ ‫‪203‬‬
‫  ‬

‫‚€­ ‪ ‬‬
‫‪18.3%‬‬ ‫‪10.4%‬‬ ‫‪4.5%‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪20.4%‬‬ ‫‪51‬‬ ‫‪21.8%‬‬ ‫‪127‬‬
‫…„ƒƒ‚‬

‫‡ƒ†‬
‫‪6.3%‬‬ ‫‪3.6%‬‬ ‫‪1.5%‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪6.8%‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪14.8%‬‬ ‫‪86‬‬ ‫»‹Š‰ ‡«‬

‫‪100%‬‬ ‫‪56.8%‬‬ ‫‪24.4%‬‬ ‫‪142‬‬ ‫‪100%‬‬ ‫‪250‬‬ ‫‪100%‬‬ ‫‪582‬‬ ‫‘Ž‬

‫‌ب‪ .‬استغالل املحتوى الفلسطيين‬


‫عنــد متابعــة عشــرات الصــور ومشــاهد الفيديــو الــي ظهــرت علــى الصفحــات‬
‫«اإلســرائيلية» محــل الدراســة‪ ،‬جنــد أن معظمهــا يعــود إىل صفحــات فلســطيني�ة؛ وكأن‬
‫الدعايــة «اإلســرائيلية» «تتغــذى» علــى مــا تنشــره هــذه الصفحــات مــن محتــوى‪.‬‬
‫فعديــد مــن املنشــورات الفلســطيني�ة تضمنــت موضوعــات متنوعــة‪ ،‬كإشــعال اإلطــارات‪،‬‬
‫ورشــق احلجــارة‪ ،‬وزيــارات ملســؤولني‪ ،‬وزجاجــات مولوتــوف‪ ،‬وشــهداء‪ ،‬وجــرىح‪،‬‬
‫واحتفــاالت تأبــن‪ ،‬ومحــاوالت قطــع أو اجتي ـ�از للخــط الفاصل‪...‬إلــخ‪ .‬هــذه املوضوعــات‬
‫خضعــت ملعاجلــات «إســرائيلية» متنوعــة‪ ،‬حبســب الهــدف الدعــايئ املركــزي‪ .‬فمنهــا‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫مثــا‪ ،‬مــا اســتخدم لتكذيــب أطروحــات حركــة حمــاس‪ ،‬وأخــرى وظفــت لشــيطنتها‪،‬‬

‫‪299‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫أو تأكيــد روايــة اســتغاللها لألطفــال والنســاء كــدروع بشــرية‪ ،‬وهنــاك ما ُوظــف لربطها مع‬
‫جمهوريــة إيــران‪ ،‬أو بالنازيــة‪ .‬ويمكــن رد هــذا االســتغالل‪ ،‬إىل تنــوع مشــاركات الناشــطني‬
‫الفلســطينيني‪ ،‬وقيامهــم بنشــر جــل مــا يوثقــون علــى شــبكة فيســبوك‪ ،‬بوعــي أو بدونــه‪،‬‬
‫األمــر الــذي خــدم جهــود «إســرائي�ل» علــى املســتوى الدعــايئ‪ .‬فعلــى ســبي�ل املثــال‪ ،‬قامــت‬
‫صفحــة «املتحــدث باســم رئيــس الــوزراء» باســتغالل تــداول املســتخدمني صــورة جتمــع‬
‫خمســة شــهداء بلبــاس عســكري لضــرب روايــة ســلمية املســرات‪ ،‬والتأكيــد علــى أنهــا‬
‫ليســت نابعــة عــن رغبــة شــعبي�ة‪ ،‬وإنمــا حتركهــا جهــات «إرهابي ـ�ة»‪ .‬ويف مثــال آخــر‪ ،‬نشــر‬
‫ناشــطون صــورة لعلــي فلســطني يتوســطهما علــم‬
‫أبيــض حيمــل شــعار الصليــب املعكــوف‪ .‬هــذا اخلطــأ‪،‬‬
‫تلقفتــه «إســرائي�ل» لغــرض شــيطنة الفعاليــات‪ ،‬عــر‬
‫االدعــاء بأنهــا تســتقي أيديولوجيتهــا مــن النازيــة ذاتهــا‪.‬‬
‫ويمكــن القــول إن شــعار ســلمية الفعاليــات‪ ،‬وعدالــة‬
‫مطالبهــا‪ ،‬تتن�اقــض إىل حــد مــا مــع دالالت بعــض املــواد املرئي ـ�ة املنشــورة‪ ،‬وهــو مــا يشــر‬
‫إىل غيــاب الوعــي الــكايف لــدى البعــض بثقافــة الصــورة‪ .‬ويســتدعي الرتكــز «اإلســرائيلي»‬
‫ً‬
‫علــى املــواد املرئيــ�ة تســاؤل حــول الفــرق بينهــا وبــن النصــوص علــى صعيــد العمــل‬
‫الدعــايئ؟ وهنــا نــرى أن املشــاهد املرئيـ�ة أكــر قابليــة للتصديــق مــن النصــوص املجــردة‪ ،‬اليت‬
‫ُ‬
‫قــد تكــذب بســهولة‪ .‬وهــذا يعــي‪ ،‬انتهــاج «إســرائي�ل» الســراتيجية دعائي ـ�ة تعتمــد مبــدأ‬
‫حربــا لتحســن صورتهــا املتدهــورة‪ .‬ويؤكــد‬ ‫احلقيقــة‪ ،‬أو أنصافهــا‪ ،‬خاصــة وأنهــا ختــوض ً‬
‫هــذا االســتنت�اج‪ ،‬مــا أشــار إليــه ناكمــان شــاي‪ ،‬مــن حتديــد آلليــة اشــتغال «الناطــق باســم‬
‫اجليــش «اإلســرائيلي»» علــى املنصــات االجتماعيــة‪ ،‬حيــث يرغــب اجليــش باملحافظــة‬
‫علــى مصداقيــة مــا يصــدر عنــه للجمهــور‪ ،‬وبالتــايل ينحصــر دوره يف ممارســة إجــراءات‬
‫بيضــاء (‪ .)Shai:2018‬لذلــك‪ ،‬فالصــورة‪ ،‬أبلــغ يف إيصــال الرســالة‪ ،‬كمــا أن مقــدار مواجهتهــا‬
‫أضعــف ممــا قــد حيتملــه النــص‪.‬‬
‫مــن جهــة أخــرى‪ ،‬ال يقتصــر مفهــوم اســتغالل املحتــوى الفلســطيين علــى االســتخدام‬
‫املجــرد‪ ،‬بــل يتعــداه حنــو إنتـ�اج فنــون أخــرى‪ .‬فالعديــد مــن الصــور ومقاطــع الفيديــو شــكلت‬

‫‪300‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫مــادة ثريــة إلعــداد تصميمــات تســاعد علــى إيصــال رســائل بصريــة أكــر عمقــا‪ .‬فمثــا‪،‬‬
‫ً‬
‫تصميمــا احتــوى صــورة لرئيــس الــوزراء‬ ‫نشــرت صفحــة «إســرائي�ل» تتكلــم بالعربي ـ�ة»‬
‫ً‬
‫«اإلســرائيلي» بني�امــن نتني�اهــو‪ ،‬حامــا قطعــة مــن طائــرة اســتطالع إيراني ـ�ة محطمــة‪،‬‬
‫ويقابلهــا يف ذات التصميــم صــورة طائــرة ورقيــة حتمــل شــعار النازيــة‪ .‬هــذا التصميــم‬
‫ِّ‬
‫ُوظــف خلدمــة هــدف ربــط حركــة حمــاس بإيــران‪ ،‬واالدعــاء بأنهمــا يشــربان مــن كأس‬
‫إرهــايب واحــد‪ .‬وجديــر بالذكــر‪ ،‬أن بعــض املحتويــات‪،‬‬
‫وفــرت فرصــة التهــام حمــاس باســتخدام املدنيــن كــدروع‬
‫بشــرية‪ ،‬مــا منــح «إســرائي�ل» فرصــة التأكيــد علــى اتب ـ�اع‬
‫جيشــها اإلجــراءات الالزمــة ً‬
‫منعــا إلحلــاق األذى بهــم “أي‬
‫املدنيــن”‪ ،‬وبالتــايل إبــراز علــو أخالقــه وســمو إنســانيت�ه‪.‬‬
‫‌ج‪ .‬عمليــة إعادة تأطيــر‬
‫تبــن خــال البحــث‪ ،‬وجــود عمليــة ممنهجــة تقــوم علــى إعــادة تأطــر املــواد البصرية‪،‬‬
‫مرغوبــا‪ ،‬مــن خــال االســتعانة بت�أثــر النــص‪ .‬ويــرى كارتــر‬‫ً‬ ‫ًّ‬
‫دعائيــ�ا‬ ‫كــي ختــدم معــى‬
‫ماكنمــرا أن «إعــادة التأطــر» مــا هــي إال عمليــة للخــروج بتفســر مختلــف للحــدث‪ ،‬عــر‬
‫حتويـ�ل منظـ�ور الشـ�خص أو رؤيتـ��ه للحـ�دث باجتـ�اه جديـ�د‪ ،‬أو إىل زاويـ�ة أخـ�ر ى (�‪McNama‬‬

‫‪ .)ra:2012‬وباإلســقاط علــى الصفحــات «اإلســرائيلية»‪،‬‬


‫جندهــا تتعمــد اختيـ�ار صــور ومشــاهد ذات معــى مجــرد‪،‬‬
‫ثــم ترفقهــا بنــص مصــاغ بعنايــة إلخراجهــا أو نزعهــا‬
‫مــن إطارهــا الــداليل األصلــي‪ ،‬فتكتســب معــى آخــر‬
‫ً‬
‫جديــدا ينســجم مــع مضمــون النــص الدعــايئ‪ .‬فعلــى‬
‫ســبي�ل املثــال‪ ،‬وظفــت صفحــة «منســق أعمــال احلكومــة «اإلســرائيلية»» صــورة طفــل‬
‫فلســطيين يمســك زجاجــة حليــب وهــو بوضعيــة شــبه عاريــة‪ ،‬مــن أجــل التأكيــد علــى أن‬
‫ً‬
‫حمــاس تــريب جيــا مــن األطفــال ال يعــرف ســوى العنــف واإلرهــاب‪ .‬وعنــد التدقيــق يف‬
‫الصــورة‪ ،‬دون اعتب ـ�ار نصهــا املرفــق‪ ،‬جنــد أن ال داللــة تربطهــا باإلرهــاب أو حبركــة حمــاس‪،‬‬
‫ولكــن صفحــة «منســق أعمــال احلكومــة» اســتغلتها بوصفهــا صــورة ملتقطــة خــال‬

‫‪301‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫ً‬ ‫الفعاليــات‪ ،‬مــن أجــل حصرهــا داخــل إطــار‪ ،‬يعكــس منظـ ً‬


‫ـورا جديــدا؛ أي أنــه انتقــل بهــا مــن‬
‫إطــار «الطفولــة» إىل إطــاري «العنــف واإلرهــاب»‪.‬‬
‫د‪ .‬مصدر تغذية مركزي‬
‫باإلشارة إىل مركزية الدعاية يف «إسرائي�ل»‪ ،‬وتنوع اجلهات املسؤولة عن التنقيب‬
‫الدعايئ‪ ،‬ناحظ إشارات قوية تدل على وجود مصدر موحد‪ ،‬يعمل على تغذية صفحات‬
‫الدراسة ببعض املعلومات والصور املتعلقة بفعاليات مسرة العودة‪ .‬وعلى الرغم من‬
‫ً‬
‫غموض هويت�ه‪ ،‬إال أن تشابه املواد املرئي�ة املنشورة‪ ،‬يؤكد حضوره‪ .‬فمثا‪ ،‬تماثلت صفحات‬
‫«منسق أعمال احلكومة»‪ ،‬و»الناطق باسم اجليش»‪ ،‬و»املتحدث باسم رئيس الوزراء»‬
‫شابا يهم بإلقاء حجر لرتطم برأس شاب آخر يقف خلفه‪.‬‬ ‫يف نشر مقطع فيديو يظهر ًّ‬
‫املشهد الذي ُوظف بصورة هزلية‪-‬كوميدية‪ ،‬منح الصفحات املذكورة حرية اختي�ار النص‬
‫املائم لها‪ ،‬ما يعين أن املصدر (اخلفي) ينشط فقط يف مجال تزويدها باملعلومات‪ ،‬دون‬
‫ًّ‬
‫دعائي�ا؛ على الرغم من اتفاق الصفحات على تأطر املشهد‬ ‫أن يت�دخل يف طريقة معاجلتها‬
‫َّ‬
‫بكونه «إصابة ستدعي «حماس» مسؤولية «إسرائي�ل» عنها‪ .‬العديد من احلاالت األخرى‬
‫املشابهة‪ ،‬الي ال يتسع املجال لعرضها‪ ،‬تدفعنا إىل تصور آلية عمل دعائي�ة‪ ،‬تنسق العاقة‬
‫بن مصدر التغذية‪ ،‬والصفحات الرسمية «اإلسرائيلية» على فيسبوك‪ ،‬وفق اآليت‪:‬‬

‫شكل يوضح العاقة بن مصدر املعلومات الدعائي�ة ومنصات نشرها‬

‫املصدر‪ (:‬املؤلف نفسه)‬

‫‪302‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫وجــود مصــدر موحــد للتغذيــة‪ ،‬ال يعــي عــدم قيــام صفحــات الدراســة جبمــع موادهــا‬
‫اخلاصــة بنفســها‪ ،‬فعديــد مــن الصــور واملشــاهد املرئيـ�ة ظهــرت حصـ ًـرا لــدى بعضهــا‪ ،‬دون‬
‫األخــرى‪ .‬ورغــم حصدهــا ملــواد حصريــة‪ ،‬إال أنهــا توحــدت يف إرفــاق وســوم معهــا‪ ،‬إضافــة‬
‫إىل تركزيهــا علــى موضوعــات دعائيــ�ة بعينهــا مــا يــدل علــى وجــود خطــوط عامــة حتــدد‬
‫مســار العمــل الدعــايئ ونقــاط تركــزه؛ ممــا جيعــل عمليــة اجلمــع محــددة ومرتبطــة بهــا‪.‬‬
‫ويتصاعــد احتمــال قيــام مصــدر التغذيــة بتحويــل مجمــوع مــا حيصــده مــن معلومــات‬
‫مباشــرة إىل الصفحــات لتقــوم بدورهــا باختيــ�ار املالئــم منهــا‪ ،‬حبســب نطــاق تركزيهــا‪،‬‬
‫ً‬
‫ونوعيــة جمهورهــا‪ .‬فمثــا‪ ،‬تقــوم صفحــة «منســق أعمــال احلكومــة» بنشــر مــواد ذات‬
‫ُبعــد إنســاين مرتبــط حبيــاة الفلســطينيني‪ ،‬بينمــا تركــز صفحــة «الناطــق باســم اجليــش»‬
‫علــى مــواد ذات عالقــة بتصرفــات الفلســطينيني علــى احلــدود‪ ،‬وحالــة ضبــط النفــس‬
‫الــي يب�ديهــا اجليــش‪.‬‬
‫‌ه‪ .‬عملية مشاركة محتوى‬
‫تســتخدم معظــم الصفحــات «اإلســرائيلية» أســلوب مشــاركة املحتــوى‪ ،‬ســواء‬
‫عــن بعضهــا البعــض‪ ،‬أو عــن صفحــات لوســائل إعــام «إســرائيلية»‪ .‬واملشــاركة عمليــة‬
‫اســتدعاء ملحتــوى صــادر عــن مســتخدم آخــر بغــرض إظهــاره علــى واجهــة صفحتــك‬
‫اخلاصــة‪ .‬ويف حاالتهــا االعتي�اديــة‪ ،‬يقــوم املســتخدمون علــى مشــاركة مضامــن يرونهــا‬
‫ً‬
‫تنســجم مــع توجهاتهــم الفكريــة أو مشــاعرهم العاطفيــة؛ ويف حــاالت أخــرى‪ ،‬حتديــدا‬
‫الدعــايئ منهــا‪ ،‬يعمــدون‪ -‬خاصــة أولئــك املدفعــون سياسـ ًّـيا‪ -‬علــى مشــاركة محتويــات‬
‫حتقــق أغــراض مختلفــة‪ ،‬تــراوح بــن نشــر أطروحــة مــا‪ ،‬أو تضخيمهــا وترويجهــا‪ ،‬أو تنفيــذ‬
‫عمليــات تشــهري حبــق رافضيهــا‪ ،‬أو تضليــل جمهورها‪...‬إلــخ‪ .‬ويف احلالــة «اإلســرائيلية»‪،‬‬
‫نالحــظ مشــاركة متب�ادلــة بــن الصفحــات لبعــض املحتــوى الصــادر عنهــا‪ ،‬أو عــن مواقــع‬
‫أخــرى‪ ،‬بشــكل دعــايئ مرتبــط بطريقــة نشــر الرســالة‪.‬‬

‫‪303‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫أهداف عملية مشاركة املحتوى‪:‬‬


‫‪ .1‬تضخيم املحتوى‪ ،‬وضمان انتشاره؛ من خالل زيادة أعداد املتعرضني له‪.‬‬
‫‪ .2‬اســتغالل دوافــع اجلمهــور‪ ،‬خاصــة املعارضــن لفعاليــات مســرة العــودة‪ ،‬عــر‬
‫ً‬
‫توفــر رســائل مــن مصــادر مختلفــة‪ ،‬حتفــز ســلوك مشــاركتها؛ تلبي ـ�ة إلشــباعات نفســية‪،‬‬
‫تأخــذ باحلســبان حالــة االنقســام القائــم‪.‬‬
‫‪ .3‬اختــاف هويــة اجلمهــور املتابــع لــكل صفحــة‪ ،‬وتنــوع توزيعــه الشــبكي املفــرض‪،‬‬
‫دفــع هــذه الصفحــات‪ -‬مــن خالل مشــاركة محتــوى صفحــة أخــرى‪ -‬إىل تعريــض متابعيها‬
‫لرســائل الصفحــة األساســية‪ ،‬بغــرض إشــهارها‪ ،‬وبالتــايل دفــع املســتخدم إىل تســجيل‬
‫ً‬
‫تعرضــا ً‬
‫دائمــا لرســائلها بمــوازاة الصفحــة األصليــة‪ ،‬األمــر الــذي‬ ‫اإلعجــاب بهــا‪ ،‬مــا يضمــن‬
‫حيقــق مبــدأي التكثيــف واإلشــباع الدعــايئ‪.‬‬
‫‌و‪ .‬أساليب دعائي�ة بالتوازي مع التنقيب‬
‫التنقيــب الدعــايئ عمليــة اتصاليــة جتمــع بــن جهديــن إلكــروين وبشــري‪ ،‬لذلــك‬
‫ًّ‬
‫دعائيـ�ا عــن أهــداف القائــم بالدعايــة؛ إذ يرتبــط بآليــة‬ ‫فهــو غــر قــادر بمفــرده علــى التعبــر‬
‫حبــث تســعى جبانــب أســاليب أخــرى إىل التأثــر يف اجلمهــور املســتهدف‪ .‬وقــد وجدنــا‬
‫ً‬
‫عــددا مــن األســاليب الــي شــكلت بمجموعهــا حالــة فريــدة مــن حيــث اســتغالل جهــة‪/‬‬
‫القائــم بالدعايــة لمــا ينشــره اخلصــم بهــدف توظيفهــا ضــده‪ .‬وأول هــذه األســاليب‪،‬‬
‫«االستشــهاد»‪ ،‬حيــث تنوعــت اســتخداماته بصــورة ملفتــة‪ ،‬تراوحــت بــن االســتعانة‬
‫بمــا ينشــره النشــطاء‪ ،‬أو مــا توثقــه كامــرات الرصــد احلــدودي‪ ،‬أو الــي تقــوم علــى‬
‫نشــره صفحــات فلســطيني�ة وأجنبي�ة‪...‬إلــخ‪ .‬وألن التنقيــب الدعــايئ حبــد ذاتــه عمليــة‬
‫للبحــث عــن آراء ومعلومــات شــاذة‪ ،‬فــإن االستشــهاد مــن هــذه الزاويــة مطابــق لــه‪،‬‬
‫كونــه انعــكاس ملســعى حيــاول التأثــر يف تماســك احلاضنــة الشــعبي�ة للفعاليــات‪ .‬وبهــذا‬
‫اخلصــوص‪ ،‬نشــرت صفحــة «منســق أعمــال احلكومــة» صــورة علــى شــكل لقطــة شاشــة‬
‫‪ ،Screen Shot‬لعــدة تعليقــات صــادرة عــن ناشــطني فلســطينيني‪ ،‬ينتقــدون فيهــا‬
‫«حمــاس»‪ ،‬ويتســاءلون عــن املســتقبل‪ .‬ويف حالــة أخــرى‪ ،‬نشــرت صــورة لصفحــة تطلــق‬

‫‪304‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫علــى نفســها اســم «مدين ـ�ة رفــح‪ -‬الصفحــة الرســمية»‪ ،‬تتهكــم فيهــا علــى واقــع غــزة‪.‬‬
‫باختصــار‪ ،‬أرادت صفحــة «منســق أعمــال احلكومــة» مــن خــال االستشــهاد بهــذه‬
‫احلــاالت‪ ،‬التأكيــد علــى أطروحــة عــدم اهتمــام حمــاس بالواقــع املعيــي لســكان قطــاع‬
‫ً‬
‫غــزة‪ .‬ونشــط أيضــا أســلوب «نــزع الشــرعية» بصــورة ملحوظــة يف جميــع صفحــات‬
‫الدراســة‪ ،‬يف إشــارة إىل رغبــة املنقــب الدعــايئ إجيــاد مــا يالئــم أطروحاتــه مــن معلومــات‬
‫وصــور‪ ،‬تــزع أي مشــروعية ختــص الفعاليــات‪ .‬وبهــذا الشــأن‪ ،‬توزعــت اجلهــود بــن نــزع‬
‫شــرعية حركــة «حمــاس»‪ ،‬أو ســلمية الفعاليــات وشــعبيتها‪ ،‬أو عدالــة مطلــب العــودة‬
‫ذاته‪...‬إلــخ‪ .‬ويف ســياق آخــر‪ ،‬وظفــت «إســرائي�ل» أســلوب «حتويــل االنتبــ�اه» حلــرف‬
‫األنظــار عــن الفعاليــات‪ ،‬والرتكــز علــى مســؤولية حمــاس‬
‫عــن ســوء األوضــاع الــي وصــل إليهــا قطــاع غــزة‪ .‬كمــا‬
‫وظفــت أســاليب أخــرى‪ ،‬مثــل «إطــاق التســميات»‪،‬‬
‫و«الربــط»‪ ،‬و«الشــيطنة»‪ ،‬وغريهــا‪ .‬وهنــا‪ ،‬يتضــح أن‬
‫التنقيــب الدعــايئ ال يعمــل مــن فــراغ‪ ،‬وأنــه جهــد اتصــايل‬
‫رئيــي يف حــال أرادت جهــة الدعايــة توفــر معلومــات تســاعدها علــى تفعيــل قــدرات‬
‫أســاليب أخــرى‪ ،‬خاصــة وأن اســتغالل املــواد الــي ينشــرها اخلصــم أكــر مصداقيــة وقــوة‬
‫يف حــال ُأحســن التعامــل معهــا‪.‬‬
‫‌ز‪ .‬تأثريات التنقيب الدعايئ‬
‫تســتدعي خطــورة ظاهــرة التنقيــب الدعــايئ اإلشــارة إىل جــزء مــن تأثرياتهــا املحتملــة‬
‫علــى املســتويات املعرفيــة والنفســية والســلوكية لألفــراد‪ ،‬الســيما مــا يتعلــق بفعاليــات‬
‫مســرة العــودة‪ .‬فبالنســبة لآلثــار املعرفيــة‪ ،‬يمكــن للظاهــرة إعــادة تركيــب وبنـ�اء األحــداث‬
‫بشــكل يشــوه ظهورهــا العــام‪ ،‬لمــا تتعــرض لــه مــن انتقائي ـ�ة وإعــادة تأطــر متعمــد‪ ،‬تؤثــر‬
‫ُ‬
‫يف إدراك املتلقــي لتطوراتهــا ونت�اجئهــا احلقيقيــة‪ .‬وللمفارقــة‪ ،‬تســهم ســلوكيات بعــض‬
‫املســتخدمني‪ ،‬يف تفعيــل نتـ�اجئ الظاهــرة لصالــح الطــرف اخلصــم‪ ،‬مــع مــا يعنيـ�ه ذلــك مــن‬
‫ُ‬
‫مشــاركة عفويــة يف تقديــم معرفــة يمكــن أن تســتغل لصناعــة أو ترســيخ صــور نمطيــة‪.‬‬
‫ويف حالــة مســرة العــودة‪ ،‬حاولــت «إســرائي�ل» اســتغالل املحتــوى الصــادر عــن نشــطاء‬

‫‪305‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫فلســطينيني لبنــ�اء دوامــة معلوماتيــ�ة مغلوطــة ختــدم تشــكيل أطــر معينــ�ة يف ذهــن‬
‫املتلقــي‪ .‬فمــن خــال إعــادة تدويــر منشــورات تدعــم بشــكل غــر مقصــود أطروحــات‬
‫الفــوىض‪ ،‬والعنــف‪ ،‬واإلرهاب‪...‬اســتطاعت تقديــم أدلــة تؤكــد رؤيتهــا‪ ،‬الســيما تلــك الــي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تؤســس ملفاهيــم سياســية وثقافيــة واجتماعيــة جديــدة‪ ،‬تــرى يف الفلســطيين عبئـ�ا ثقيــا‪،‬‬
‫جيــب التخلــص منــه؛ إذ يتمثــل الهــدف يف التشــويش علــى الواقــع احلقيقــي‪ ،‬وضــرب‬
‫القناعــات بشــأنه إلجيــاد معتقــد مزيــف‪ ،‬ين�اقــض مطلــب العــودة‪ ،‬وينســجم مــع الــرؤى‬
‫«اإلســرائيلية»‪.‬‬
‫وتتجــاوز اآلثــار املعرفيــة للظاهــرة حــدود اإلقليــم لتشــمل املجتمــع الشــبكي بأســره‪،‬‬
‫دوليــا؛ إذ مــن املعلــوم أن حــركات مناهضتهــا‬‫مــا يمنــح «إســرائي�ل» فرصــة حتســن صورتهــا ًّ‬
‫تســتمد قوتهــا وديمومتهــا مــن مشــروعية النضــال الفلســطيين ومصداقيت ـ�ه الــي تســهم‬
‫عشــرات الصــور واملقاطــع يف جتذيــره‪ ،‬خاصــة إذا مــا وثقــت جلرائــم االحتــال‪ .‬لهــذا‪ ،‬فــإن‬
‫ســاحا يرتــد بالســلب‬‫ً‬ ‫أي منشــورات جماهرييــة تن�اقــض هــذه املصداقيــة‪ ،‬ستشــكل‬
‫علــى صــورة الفلســطيين‪ ،‬وتدعــم بشــكل غــر مباشــر جهــود االحتــال‪ .‬فالظاهــرة‪ ،‬قــادرة‬
‫ً‬
‫علــى إجهــاض أي جهــد شــعيب حقيقــي‪ ،‬جيــد تفاعــا ومتابعــة علــى مواقــع الشــبكات‬
‫االجتماعيــة‪ ،‬لكونهــا مرتبطــة بـــأنشطة فرديــة غــر مركزيــة ال ختلــو مــن األخطــاء‪ ،‬يســتطيع‬
‫الطــرف «اإلســرائيلي» رصدهــا‪ ،‬وتوظيفهــا ملصلحتــه‪ .‬فهــي مســلك ال يتســبب بــأي حــرج‬
‫لهــا‪ ،‬طالمــا أن املحتــوى نابــع مــن طــرف آخــر‪ .‬وبهــذا اخلصــوص‪ ،‬يمكــن للتنقيــب أن يؤثــر‬
‫يف أي حملــة إعالميــة‪ ،‬داخليــة وخارجيــة‪ ،‬فقــط عــر رصــد اآلراء املحليــة الــي تعارضهــا‪،‬‬
‫لتصبــح مصــدر تغذيــة دائمــة للجهــود املضــادة‪ ،‬وكأنهــا حتــارب ذاتهــا بذاتهــا‪.‬‬
‫وفيمــا يتعلــق باجلوانــب النفســية أو الوجــداين‪ ،‬فالظاهــرة قــادرة علــى توليــد عــدد‬
‫مــن املشــاعر الســلبي�ة كاإلحبــاط واليــأس والشــك‪ ،‬الالزمــة إلفشــال الفعاليــة‪ .‬فمــن‬
‫خــال رصــد احلالــة املزاجيــة للمواطــن الفلســطيين‪ ،‬ومراقبــة مشــاعره جتــاه األوضــاع‬
‫القائمــة‪ ،‬تســتطيع «إســرائي�ل» إعــداد تصــور ملخطــط دعــايئ‪ ،‬ين�اســب مســعاها‪ ،‬خاصــة‬
‫إذا مــا اســتفادت مــن التداعيــات النفســية للفقــر واحلاجــة‪ ،‬اللتــان جتــدان مــن يرتجمهمــا‬
‫ًّ‬
‫نفســيا زيــادة الشــرخ‬ ‫علــى شــكل منشــورات‪ .‬ولعــل أســوء مــا قــد ينجــم عــن الظاهــرة‬

‫‪306‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫بــن الفلســطينيني أنفســهم‪ ،‬أو صناعــة اخلــاف بينهــم وشــعوب وكيانــات أخــرى‪.‬‬
‫فالتعبــر عــن اآلراء عــر الشــبكات االجتماعيــة‪ ،‬خاصــة احلــاد منهــا‪ ،‬قــد يشــكل مــادة‬
‫ثريــة لـــ «إســرائي�ل»؛ الــي ال تنفــك تــزرع الشــقاق والفرقــة‪ ،‬يف واحــدة مــن أكــر ممارســاتها‬
‫الدعائي ـ�ة اســتمرارية علــى مــر الســنني‪ .‬باختصــار‪ ،‬تســتطيع الظاهــرة حتويــل األمــل إىل‬
‫يــأس‪ ،‬والدافعيــة إىل إحبــاط‪ ،‬واليقــن إىل شــك‪ ،‬فهــي تســتغل تقلبــات اإلنســان النفســية‪،‬‬
‫وحالــة الرتاجــع الــي قــد ُيبتلــى بهــا البعــض‪.‬‬
‫وخبصــوص التأثــرات الســلوكية‪ ،‬فبمجــرد أن يتــم تشــكيل معــارف وتصــورات‬
‫اجلمهــور حــول احلــدث بصــورة محــددة‪ ،‬تســعى الدعايــة يف خطــوة ثانيـ�ة إىل حــث ســلوك‬
‫األفــراد باجتاهــات معينــ�ة مرغوبــة‪ .‬وتســتهدف التأثــرات املتوقعــة فئتــ�ان‪ :‬داخليــة‬
‫وخارجيــة‪ .‬أمــا األوىل‪ ،‬أي اجلمهــور الفلســطيين‪ ،‬فالظاهــرة عــر رصدهــا وتدويرهــا‬
‫لألخطــاء‪ ،‬تســهم يف حتفــز ســلوك تن�افــري‪ ،‬يمتنــع عــن املشــاركة أو تقديــم الدعــم ملســرات‬
‫العــودة‪ ،‬كمــا تســتثري ســلوكيات معارضــة‪ ،‬مــن خــال تأكيدهــا علــى مفهــوم األجنــدة‬
‫«احلمســاوية»‪ ،‬واســتغاللها لعنــوان وطــي «العــودة»‪ ،‬مــن أجــل حتقيــق مكاســب حزبي�ة‪،‬‬
‫كاالعــراف بشــرعيتها يف وجــه الســلطة‪ .‬وعلــى صعيــد اخلــارج‪ ،‬أي اجلمهــور الغــريب‪ ،‬فعــر‬
‫تركزيهــا علــى ســرديات معينــ�ة كاإلرهــاب والعنــف‪ ،‬تســعى الظاهــرة إىل اســتث�ارة ردود‬
‫فعــل رافضــة للفعاليــات‪ ،‬األمــر الــذي قــد يؤثــر علــى أي جهــود مســتقبلية حنــو توفــر مظلــة‬
‫دعــم ميــداين ومــايل وســيايس لهــا‪ .‬وجديــر بالذكــر‪ ،‬أن «إســرائي�ل» مــن خــال إبرازهــا ألطــر‬
‫محــددة (إرهــاب‪ ،‬تهديــد‪ ،‬جتريــم‪ ،‬فــوىض) حتــاول التن�اغــم مــع العقــل الغــريب؛ لذلــك‪ ،‬ومــن‬
‫خــال ربطهــا حبركــة حمــاس‪ ،‬تســعى الظاهــرة إىل شــخصنة الفعاليــات‪ ،‬وتركزيهــا يف بوتقة‬
‫محــددة‪ ،‬مــن خــال تدويرهــا للمنشــورات ذات األبعــاد العاطفيــة ال العقليــة‪.‬‬
‫‌ح‪ .‬سبل مواجهة التنقيب الدعايئ‬
‫ال يمكــن ادعــاء وصفــة ســحرية تســتطيع صــد الدعايــة‪ ،‬كمــا ال يتوافــر نمــط واضــح‬
‫يوقــف تأثــرات التنقيــب الدعــايئ‪ ،‬خاصــة إذا مــا علمنــا ارتب�اطــه بالنشــاط االتصــايل‬
‫لألفــراد أو املؤسســات أو حــى الــدول يف التعبــر عــن ذاتهــا بشــى الطــرق‪ .‬ولكــن‪ ،‬مــا‬

‫‪307‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫نســتطيع تأكيــده‪ ،‬أن الوعــي اإلنســاين‪ ،‬يتصــدر أهــم األســلحة‪ ،‬القــادرة علــى مجابهــة أي‬
‫محاولــة للتأثــر يف ذواتنـ�ا‪ .‬لهــذا‪ ،‬فــإن الناشــط يف مواقع الشــبكات االجتماعية الفلســطيين‪،‬‬
‫مطالــب بامتــاك بصــرة كافيــة‪ ،‬تؤهلــه للتميــز بــن مــا هــو نافــع أو ضــار للــذات‪ ،‬وقضيت�ه‪.‬‬
‫كمــا أنــه مطالــب بالتوقــف للحظــة مــع نفســه‪ ،‬وأن يتســاءل حــول كيفيــة اســتفادة عــدوه‬
‫ممــا ينشــر‪ .‬وألننـ�ا نعلــم شــعبي�ة الوســيلة‪ ،‬وصعوبــة اســتدعاء وعــي ذايت كايف‪ ،‬فاملؤسســات‬
‫ً‬
‫الفلســطيني�ة احلكوميــة واحلزبيــ�ة واخلاصــة‪ ،‬مطالبــة أيضــا بت�أســيس حالــة ثقافيــة‬
‫جماعيــة تســهم يف ضبــط املمارســة املعلوماتيــ�ة للمســتخدمني‪ ،‬بمــا يشــمل التعريــف‬
‫بســبل «إســرائي�ل» الدعائيــ�ة‪ ،‬وطرقهــا يف اســتغالل املحتــوى الفلســطيين لصاحلهــا‪.‬‬
‫بدورهــا‪ ،‬األجهــزة املختصــة يف مجــال تكنولوجيــا املعلومــات‪ ،‬مدعــوة للتعمــق أكــر يف‬
‫عــرض خطــورة مواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪ ،‬ومــا يرتتــب عليهــا مــن حتصيــل للبي�انــات‪،‬‬
‫ًّ‬
‫دعائيـ�ا‪ .‬باإلضافــة إىل مــا ســبق‪ ،‬يقــع‬ ‫وبالتــايل خدمــة جهــود أي طــرف يرغــب يف اســتغاللها‬
‫ســر جنــاح أي حملــة يف ختطيطهــا املســبق‪ ،‬وقدرتهــا التنبــؤ بأســاليب وخطــوات احلمــات‬
‫الدعائيــ�ة املضــادة‪ .‬لهــذا‪ ،‬فــإن مركزيــة التوجيــه أساســية وضروريــة‪ ،‬كمــا أن املتابعــة‬
‫ُ‬
‫الدائمــة ألنمــاط اشــتغال اخلصــم تســاعد علــى ختطــي اســتغالله ألي أخطــاء ترتكــب‪.‬‬
‫ً‬
‫وأخــرا‪ ،‬تكشــف ظاهــرة التنقيــب الدعــايئ مــدى خطــورة املمارســات الدعائيــ�ة‬
‫عامليــا‪ ،‬ومســتوى إفادتهــا مــن غيــاب الوعــي الشــبكي الــكايف لــدى مســتخديم‬ ‫املســتجدة ً‬
‫ُ‬
‫مواقــع الشــبكات االجتماعيــة؛ خاصــة يف مجــال حتصيلهــا ملعلومــات وبي�انــات تســتخدم‬
‫يف تشــكيل انطبــاع مزيــف‪ ،‬يؤثــر يف مــدركات اجلمهــور للواقــع احلقيقــي وســياقات تطــوره‪.‬‬
‫ُ‬
‫كمــا تظهــر درجــة االقــران بــن التطــورات التقنيــ�ة احلديثــ�ة مــن جهــة‪ ،‬والدعايــة مــن‬
‫جهــة أخــرى‪ ،‬وسعيها‪-‬البشــري واآليل‪ -‬حنــو اآلراء واملنشــورات الشــاذة بغيــة اســتغاللها‪،‬‬
‫ً‬
‫مســتفيدة مــن غيــاب املركزيــة االتصاليــة‪ ،‬وصعوبــة الســيطرة علــى حركــة تدفــق‬
‫املعلومــات يف البيئــ�ة الرقميــة‪.‬‬
‫ويتضــح مــن خــال املالحظــة‪ ،‬أن التنقيــب الدعايئ‪-‬كاســراتيجية تنفيذ‪-‬يــرىق‬
‫ملســتوى أســلوب دعــايئ ســيرباين‪ ،‬األمــر الــذي يؤكــد طبيعــة الدعايــة‪ ،‬يف كونهــا جهــد‬
‫مخطــط يرتبــط بنشــاط إنســاين يســتطيع اســتحداث أشــكال تأثــر مبتكــرة‪ .‬فالدعايــة‬

‫‪308‬‬
‫نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية‬

‫«اإلســرائيلية» علــى شــبكة فيســبوك‪ ،‬ســارت وفــق منــى متسلســل‪ ،‬اســتهلتها جبمــع‬
‫ً‬
‫دعائي ـ�ا؛ كــي تعيــد نشــرها داخــل إطــار معلومــايت جديــد‬ ‫مختلــف الهفــوات‪ ،‬ثــم عاجلتهــا‬
‫خيــدم خطابهــا‪ ،‬وكأنهــا دليــل إثب ـ�ات‪ُ ،‬يستشــهد بــه مــن صاحــب الرســالة األصليــة‪ .‬ولعــل‬
‫أهــم مــا كشــفته الظاهــرة‪ ،‬انتهــاج «إســرائي�ل» مبــدأ مواجهــة الدعايــة لذاتهــا‪ ،‬يف ممارســة‬
‫غــر تقليديــة‪ ،‬تســتغل مســاوئ ممارســات املســتخدم أو «الصحفــي املواطــن»‪ ،‬عــر إبــراز‬
‫املتن�افــر واملتن�اقــض منهــا مــع أطروحــات املســرة‪ .‬وهنــا‪ ،‬عمــدت «إســرائي�ل» إىل دراســة‬
‫طبيعــة تفاعــل شــراحئ اجلمهــور الفلســطيين مــع دعــوات مســرة العــودة‪ ،‬مــن خــال‬
‫مراقبــة مــا يصــدر عنهــم مــن تعليقــات وصــور؛ لتتمكــن مــن ختطيــط إســراتيجية اتصاليــة‬
‫دعائيــ�ة‪ ،‬تســتجيب ألهدافهــا إجهــاض احلاضنــة الشــعبي�ة للمســرة‪ ،‬وبالتــايل حتويلهــا‬
‫مــن مطلــب عــادل ذو طبيعــة ســلمية‪ ،‬إىل حتــرك إرهــايب عنيــف بطبعــه‪.‬‬
‫ً‬
‫ورغبــة منهــا بلــوغ أقــى درجــات التأثــر‪ ،‬ركــزت الصفحــات «اإلســرائيلية» علــى‬
‫اســتغالل املنشــورات املرئيـ�ة‪ ،‬إلمكاناتهــا اإلقناعيــة‪ ،‬الــي تتجــاوز قــدرات النــص‪ ،‬إضافــة‬
‫إىل توظيفهــا ألســاليب دعائي ـ�ة متنوعــة‪ ،‬كالربــط واالستشــهاد‪ ،‬يف إشــارة جليــة إىل قــدرة‬
‫التنقيــب الدعــايئ تنشــيط أســاليب تأثــر أخــرى بموازاتــه‪ .‬وألن خطــورة الظاهــرة باتــت‬
‫ملحــا‪ ،‬خاصــة جلهــة رفــع منســوب وعــي‬ ‫مطلبــا ً‬
‫ً‬ ‫واضحــة‪ ،‬فتبــي جهــود تثقيفيــة بــات‬
‫مســتخديم مواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪ ،‬وأولئــك املنخرطــون يف جهــود نضاليــة شــعبي�ة‪،‬‬
‫ـرا‪ ،‬يســتدعي مــا ســبق جملــة مــن التســاؤالت‪ ،‬حــول كيفيــة‬ ‫كاحلالــة الفلســطيني�ة‪ .‬وأخـ ً‬
‫ممارســة األفــراد للتنقيــب الدعــايئ‪ ،‬والــدور الذي يؤديــه يف ســياقات مختلفــة؛ كاالنتخابات‬
‫واحلــروب واألزمــات االقتصاديــة؛ ومــدى قدرتــه تفكيــك احلالــة االجتماعيــة‪ ،‬أو التأثــر‬
‫علــى األنشــطة الســيرباني�ة املوجهــة‪ ،‬خاصــة اجلماعــي منهــا‪.‬‬

‫‪309‬‬
‫الفصــل الرابــع‬

‫خاتمة الفصل‬
‫حرصنــا خــال هــذا الفصــل علــى عــرض وشــرح مجموعــة مــن أخطــر ظواهــر الدعايــة‬
‫الســائدة علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪ ،‬فتن�اولنــا للهندســة االجتماعيــة‪ ،‬والزتييــف‬
‫العميــق ودعايــي التضليــل واحلشــد املزيــف‪ ،‬ثــم اختتمنــا بالتنقيــب الدعــايئ‪ ،‬الــذي‬
‫عرضنــا خاللــه لنمــوذج تطبيقــي مســتمد مــن واقــع التجربــة الفلســطيني�ة‪.‬‬
‫ّ‬
‫ودون نفــي وجــود ظواهــر أخــرى‪ ،‬إال أن املعــروض يؤكــد حجــم املخاطــر املحيطــة‬
‫باملســتخدمني داخــل املجتمعــات االفرتاضيــة‪ ،‬وهــي تتنــوع بــن انتهــاك اخلصوصيــة‪،‬‬
‫وســرقة البي�انــات واســتغاللها‪ ،‬والتعــرض لألخبــار الكاذبــة واملفربكــة‪ ،‬ورفــع منســوب‬
‫خطــاب التطــرف والكراهيــة‪ ،‬وتهديــد التماســك املجتمعــي أو احليــاة السياســية‪ ...‬إلــخ‪.‬‬
‫وتســتدعي هــذه األخطــار ضــرورة العمــل علــى إجيــاد ثقافــة اتصاليــة عامــة‪ ،‬تســاعد‬
‫مرتــادي املواقــع االجتماعيــة علــى مجابهتهــا واحلــد منهــا أو علــى األقــل التحصــن مــن‬
‫تداعيتهــا‪ ،‬ودون ذلــك فالــدول والكيانــات معرضــة إىل أخطــار جديــدة ال يعلــم أحــد شــكل‬
‫تأثريهــا أو طبيعــة ارتداداتهــا‪.‬‬

‫‪310‬‬
‫الفصل اخلامس‬

‫أساليب وتكنيكات الدعاية‬

‫‪311‬‬
‫الفصــل اخلامس‬

‫ً‬
‫أوال‪ :‬األساليب والتكنيكات التقليدية‬
‫ً‬
‫ثاني�ا‪ :‬األساليب والتكنيكات احلديث�ة‬

‫‪312‬‬
‫أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة‬

‫يأت من فراغ‪ ،‬بل ألسباب‬ ‫أساليب الدعاية كثرية وال يمكن حصرها‪ .‬هذا التنوع لم ِ‬
‫عدة‪ ،‬أهمها تعدد أوجه النشاط اإلنساين اليت تسعى الدعاية إىل التأثري فيه‪ .‬وبالنظر إىل‬
‫الدراسات واألحباث اليت تن�اولت أساليب الدعاية‪ ،‬جند أنها انبثقت عن حقول علمية‬
‫مختلفة‪ ،‬مثل‪ :‬اإلعالن‪ ،‬واإلعالم‪ ،‬والعالقات العامة‪ ،‬والسياسية‪ ،‬وعلم النفس‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫هذه الشمولية عكست الطبيعة احلقيقية للدعاية‪ ،‬يف كونها عملية تعتمد التأثري كمجال‬
‫لتحقيق مصالح ُمحركها‪ .‬لكن عملية التأثري ال تتم من العدم‪ ،‬لهذا السبب جيري ترجمتها‬
‫عرب أساليب وتكنيكيات متنوعة‪ ،‬يمكن أن نطلق عليها اسم «أساليب التأثري»‪.‬‬
‫وختتلف أساليب الدعاية باختالف اجلهة اليت تقف ورائها‪ ،‬واجلمهور املستهدف‪،‬‬
‫واألهداف اليت تسعى لتحقيقها‪ ،‬إىل جانب السياق الزمين واملكاين وطبيعة األحداث‬
‫والقضايا نفسها (مزاهرة‪ .)2012:‬فرجل الدعاية يف حقيقته فنان متمرس يعتمد الربغماتي�ة‬
‫القائمة على قاعدة أن «الغاية تربر الوسيلة»‪ ،‬وسالحه يف ذلك مجموعة من األساليب‬
‫والتكنيكيات املدروسة (‪ .)Merrill:1997‬لذلك‪ ،‬لن جيد أي غضاضة يف توظيف الكذب‪،‬‬
‫ً‬
‫والتشويه‪ ،‬والتجهيل‪ ،‬والتنميط‪ ،‬والتأطري‪ ،‬وكل ما يراه مناسبا من أساليب تالعب تصب‬
‫يف حتقيق تأثري متعمد ومخطط يف اجلمهور‪.‬‬
‫وتعددت اجلهود البحثي�ة واملؤلفات العلمية حول أساليب الدعاية‪ .‬وتعود البداية‬
‫ً‬
‫احلقيقية إىل النصف األول من القرن العشرين‪ ،‬وحتديدا خالل احلرب العاملية الثاني�ة‪،‬‬
‫عندما سعت مجموعة من الباحثني األمريكيني إىل تفكيك وفهم الدعاية األلماني�ة‪ ،‬وحتليل‬
‫ُ‬
‫نشئت يف الواليات املتحدة مؤسسة حتليل‬ ‫تأثريها على املجتمع األمريكي‪ .‬ففي عام ‪ 1937‬م‪ ،‬أ ِ‬
‫الدعاية ‪ ،)IPA) Institute for Propaganda Analysis‬وتمحورت مهامها األساسية يف توعية‬
‫املجتمع األمريكي بطرق وأساليب الدعاية املعادية‪ ،‬إضافة إىل املهارات املطلوبة لرصدها‬

‫‪313‬‬
‫الفصــل اخلامس‬

‫ً‬
‫والوقاية منها‪ .‬الحقا‪ ،‬يف عام ‪1963‬م‪ ،‬أجرى باحث أمريكي دراسة حول األساليب املستخدمة‬
‫يف حتريض اجلماهري عرب وسائل اإلعالم (‪ ،)Brown:1963‬بعدها بعامني صدرت دراسة حول‬
‫كيفية تنميط مجلة الـ ‪ Time‬لثالثة من الرؤساء األمريكيني (‪ ،)Merrill:1965‬تبعتها يف العام‬
‫‪ 1971‬م دراستني كشفت األوىل عن مجموعة من األساليب اليت يوظفها الصحفيون خالل‬
‫العملية اإلخبارية (‪ ،)Merrill & Lowenstein:1971‬فيما تطرقت الثاني�ة إىل أشكال التحزي‬
‫الذي تمارسه وسائل اإلعالم بهدف تضليل الرأي العام (‪ .)Cirino:1971‬وبالقفز إىل العام‬
‫‪2009‬م‪ ،‬صدرت دراسة حول أساليب الدعاية املستخدمة يف القنوات الفضائي�ة العراقية‬
‫(املوسوي والشجريي‪ ،)2009:‬تبعها يف العام ‪2011‬م دراسة علمية أزاحت الستار عن األساليب‬
‫اليت توظفها قناة ‪ Fox News‬األمريكية لغسل دماغ املشاهد (‪ ،)Boaz:2011‬ثم دراسة أخرى‬
‫عام ‪2016‬م صادرة عن مؤسسة أمريكية حول أساليب الدعاية خالل احلروب واألزمات‬
‫(‪ .)Propaganda Critic:2016‬وتوجد صعوبة يف رصد تصنيف ثابت وشامل ألساليب‬
‫الدعاية؛ فعديد من الدراسات واملؤلفات تصدت للمهمة دون أن ختلص إىل تصنيف محدد‪،‬‬
‫ولعل مرد ذلك إىل طبيعة املواقف اليت تواجه رجل الدعاية‪ ،‬واليت تفرض عليه استحداث‬
‫أساليب تالئمها وتنسجم مع أهدافه‪ .‬ويؤكد هذه احلقيقة ما قاله وزير الدعاية النازي‬
‫جوزيف غوبلز‪« :‬ليس للدعاية طريقة أساسية‪ ،‬بل هدف واحد يتمثل يف غزو اجلماهري‬
‫والسيطرة عليها‪ ،‬وكل وسيلة ختدم هذا الهدف تعترب مقبولة»(سميسم‪.)2005:‬‬
‫وتب�اينت اآلراء حول حقيقة االختالف بني األسلوب والتكنيك يف الدعاية؛ فهناك من‬
‫يفرق بينهما على قاعدة أن األسلوب أقرب إىل اإلسرتاتيجية‪ ،‬بينما التكنيك تطبيق عملي‬
‫لالسرتاتيجية ذاتها‪ ،‬ولكن بأشكال مختلفة‪ .‬وبهذا اخلصوص‪ ،‬تقول حميدة سميسم‪:‬‬
‫«إن التكنيك هو العنصر التنفيذي لألسلوب‪ ،‬إنه عامل مساعد‪ ،‬عامل تنفيذي يف تطبيق‬
‫وتكثيف جزيئ�ات أو وحدات األسلوب الفين؛ بينما األسلوب هو مجموعة من العناصر‬
‫القادرة على خلق رد فعل معني مقصود لدى املستقبل‪.)Ibid( »...‬‬
‫على اجلانب اآلخر‪ ،‬هناك من يعتقد عدم وجود فروق بني االثنني‪ ،‬وأن كليهما تعبري‬
‫ً‬
‫عن يشء واحد‪ .‬ويرتكز هذا الفريق يف طرحه على تب�اين الرتجمات العربي�ة للمصطلح نقل‬
‫عن األدبي�ات الغربي�ة‪ ،‬حبيث أدت إىل بروز انطباعات بوجود فروق‪ .‬وعلى أي حال‪ ،‬يميل‬

‫‪314‬‬
‫أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة‬

‫املؤلف إىل اعتن�اق الرأي األول الذي يفيد بوجود فروق‪ .‬فاألسلوب تعبري عن هدف‪ ،‬بينما‬
‫التكنيك مجموعة من الطرق االلتفافية لتحقيق الهدف‪ ،‬وسنعرض فيما يلي أهم أساليب‬
‫ً‬
‫الدعاية الشائعة يف املمارسة اإلعالمية التقليدية‪ ،‬علما بأنها مازالت سارية ومستخدمة‬
‫على مواقع الشبكات االجتماعية‪.‬‬

‫ً‬
‫أوال‪ :‬األساليب والتكنيكيات التقليدية‬
‫ً‬
‫‪ .1‬أسلوب إطالق التسميات ‪ :Name-Calling‬يطلق عليه أيضا اسم «استب�دال‬
‫األسماء»‪ ،‬ويهدف إىل إثارة مشاعر الكراهية واخلوف والرفض لدى اجلمهور‪ ،‬عرب تسمية‬
‫شخص‪ ،‬أو جماعة‪ ،‬أو فكرة‪ ،‬أو معتقد‪ ،‬أو سياسة‪ ،‬بمسميات ذات دالالت سلبي�ة‪.‬‬
‫بمعىن آخر‪ ،‬يقوم رجل الدعاية بإطالق تسميات غري ذات صلة باألشياء اليت تدل عليها‪،‬‬
‫األمر الذي يدفع اجلمهور باجتاه تبين أحكام رافضة ومنتقدة لها‪ ،‬دون االعتماد على أدلة‬
‫وبراهني (‪ .)IPA:1938‬ومن التسميات الدارجة مصطلحات مثل‪ :‬الفاشية‪ ،‬والدكتاتورية‪،‬‬
‫واإلرهاب‪ ،‬والتطرف‪ ،‬والراديكالية‪ ،‬واألخونة‪ ،‬والعصابات‪ ،‬وامليليشيات‪ ،‬ومعاداة‬
‫السامية‪ ،‬والهولوكوست‪ ...‬وغريها كثري‪ .‬ومن زاوية أخرى‪ ،‬يشري أحد الباحثني إىل فئتني‬
‫من التسميات تن�درجان حتت هذا األسلوب (‪:)Brown:1963‬‬
‫‪ -‬تسميات مباشرة‪ :‬أسماء ذات املعىن الواحد الصريح‪ ،‬وتستخدم يف حالة كان‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حياديا مع جهود الدعاية‪ ،‬مثل‪ :‬إرهايب‪ ،‬قذر‪ ،‬جاسوس‪.‬‬ ‫اجلمهور متعاطفا أو‬
‫ً‬
‫معىن‬ ‫‪ -‬تسميات غري مباشرة‪ :‬أسماء حتمل أكرث من معىن‪ ،‬حبيث تعكس يف ظاهرها‬
‫ً‬
‫حياديا؛ إال أن باطنها يدل على معىن آخر‪ .‬ويستخدم هذا النوع يف حالة عدم تقبل اجلمهور‬
‫للكلمات ذات املعىن املزعج (مستوطنة تصبح مستعمرة)‪.‬‬
‫‪ .2‬أسلوب التعميمات الرباقة ‪ :Glittering Generalities‬إثارة مشاعر احلب‬
‫واالنتماء والقبول لدى اجلمهور‪ ،‬من خالل تغليف شخص‪ ،‬أو جماعة‪ ،‬أو حدث‪ ،‬أو ُمعتنق‪،‬‬
‫أو فعل‪ ،‬بمسميات إجيابي�ة حتظى بقبول عام‪ .‬بمعىن أنها كلمات ترتبط بقيم ومعتقدات‬
‫ذات قيمة عالية حتمل قوة اإلقناع‪ ،‬حبيث تنشد حب الوطن‪ ،‬والسالم‪ ،‬واحلرية‪ ،‬وغريها‪.‬‬

‫‪315‬‬
‫الفصــل اخلامس‬

‫وهنا يقوم رجل الدعاية بتغليف حملته الدعائي�ة بمفاهيم عليا‪ ،‬عرب استخدام مصطلحات‬
‫تدل عليها؛ وذلك بهدف دفع اجلمهور إىل االعرتاف بها وقبولها‪ ،‬دون احلاجة إىل أدلة‬
‫وبراهني‪ .‬وهناك من يرى يف التعميمات الرباقة إطالق تسمية ولكن بشكل معكوس‪« .‬فإذا‬
‫ُ‬
‫كانت عملية إطالق التسمية تتطلب تكوين قرار أو حكم بالرفض‪ ،‬وأن ندين بدون برهان أو‬
‫فحص للدليل‪ ،‬فإن التعميمات الرباقة ال حتتاج ذلك لتجعلنا نوافق أو نقبل؛ ألنها تمثل ً‬
‫أفكارا‬
‫عميقة وثابت�ة نؤمن بها ونكافح من أجلها»(آل بهيش‪ .)2012:‬ومن أمثلتها‪ :‬الديمقراطية‪،‬‬
‫العدالة‪ ،‬احلرية‪ ،‬الوطن‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫‪ .3‬أسلوب التحويل أو الربط ‪ :Transfer‬حتظى بعض الرموز والنصوص‬
‫والشخصيات حبمولة (شهرة) إجيابي�ة أو سلبي�ة عند اجلمهور‪ .‬لذلك‪ ،‬يقوم رجل الدعاية‬
‫بربط هذه احلمولة بفكرة أو قضية معين�ة؛ وذلك بهدف إقناع اجلمهور بقبولها أو رفضها‪.‬‬
‫بمعىن آخر‪ ،‬توظيف قيمة يشء معني وربطه بيشء آخر‪ ،‬حبيث يصنف األخري حبسب داللة‬
‫األول عند اجلمهور (‪ .)IPA:1938‬ويكرث استخدامه يف اإلعالنات التجارية‪ ،‬مثل استقدام‬
‫المعلن شهرة الطبيب إلقناع اجلمهور‬‫طبيب مشهور للرتويج ملعجون أسنان‪ .‬وهنا يوظف ُ‬
‫بالمنتج‪ .‬ومكانة الشخصية هي املعيار يف هذا األسلوب؛ فالشخصيات االعتب�ارية‬ ‫ُ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫واملحبوبة عادة ما تلقى قبول لدى اجلمهور‪ ،‬بعكس املجهولة أو املكروهة‪ ،‬حيث يعمد رجل‬
‫الدعاية إىل استغالل هذه املكانة حبسب الهدف‪ .‬أما يف املمارسة اإلعالمية؛ فيستخدم هذا‬
‫األسلوب يف ربط شخص أو جماعة أو قضية أو معتقد ما برموز ومصطلحات وشخصيات‬
‫وكيانات ذات حمولة‪ ،‬حبيث تنتج عنها قوالب وأنماط ذات دالالت سلبي�ة أو إجيابي�ة حبسب‬
‫الهدف‪ .‬ومثال ذلك ربط اإلسالم باإلرهاب‪ ،‬أو ربط شن احلروب بالديمقراطية واحلرية‪.‬‬
‫وين�درج أسلوب أو تكنيك الربط عرب الذنب ‪ Guilt by Association‬حتت هذا التصنيف‪ ،‬وهو‬
‫يعين ربط شخص أو جماعة أو فكرة‪ ،‬بأشخاص أو جماعات أو أفكار أخرى مكروهة من‬
‫قبل اجلمهور‪ ،‬من أجل تدمريها أو احلط من قدرها (‪ ،)Boaz:2011‬ومثال ذلك‪ :‬عندما قامت‬
‫وسيلة إعالمية بنشر صورة ملسؤول فلسطيين مع وزيرة اخلارجية «اإلسرائيلية» تسييب‬
‫ليفين‪ .‬هنا تم ربط املسؤول بشخصية يكرهها اجلمهور الفلسطيين‪ ،‬لذلك يتحول الكره‬
‫ً‬
‫تلقائي�ا للمسؤول بسبب ما يعتقد أنه ذنب قد اقرتفه‪.‬‬

‫‪316‬‬
‫أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة‬

‫‪ .4‬أسلوب االستشهاد ‪ :Testimonial‬ويعين (االستعانة بــ) أو (االقتب�اس‬


‫عن) شخصيات‪ ،‬أو أفكار‪ ،‬أو نصوص‪ ،‬أو جتارب‪ ،‬أو إحصاءات‪ ،‬أو أحداث سابقة‪ ،‬أو‬
‫مأثورات؛ وذلك من أجل دعم أو رفض قضية‪ ،‬أو ُمنتج‪ ،‬أو فكرة‪ ،‬أو سياسة (‪.)IPA:1938‬‬
‫ويكرث استخدام هذا األسلوب يف اإلعالنات التجارية وخالل حمالت االنتخابات‬
‫السياسية‪ ،‬كأن يقوم رجل الدعاية باالستشهاد برأي شخصية لدعم أو انتقاد مشروع‬
‫سيايس‪ ،‬أو االستشهاد برأي خبري لدعم مشروع طيب‪ ،‬أو االستشهاد بتجربة ربة مزنل‬
‫مع مسحوق غسيل معني‪ .‬ويف املمارسة اإلعالمية يوظف هذا األسلوب عرب اقتب�اس‬
‫أو استشهاد انتقايئ للمصادر يصب يف مصلحة الدعاية‪ .‬كما ُيستخدم خالل اخلطب‬
‫السياسية‪ ،‬عند االستعانة بنصوص ديني�ة لإلقناع ببعض األطروحات‪ .‬من جانب‬
‫آخر‪ ،‬ين�درج حتت هذا األسلوب ما يعرف بسلطة الشاهد أو اللجوء إىل الشخصيات‬
‫واملصادر ‪ ،Appeal to Authority‬ويعين استخدام شهادات أناس من ذوي اخلربة‬
‫احلقيقية أو املزيفة‪ ،‬أو من ذوي الشهرة والصيت‪ ،‬ألجل إسناد أو دحض فكرة أو توجه‬
‫ً‬
‫(‪ .)Merrill & Lowenstein:1971‬وعادة ما يستفيد رجل الدعاية من «سلطة‬
‫املزنلة العلمية والفكرية والسياسية للمرجع الذي ننسب الكالم إليه‪ ،‬حيث إن‬
‫ً‬
‫اجلمهور أكرث ميل لتصديق الفكرة إذا ما ُدعمت برأي خبري أو متخصص يف املجال‬
‫‪( Appeal to Expert Opinion‬بهيش وامليايل‪ .)2013:‬ولكن هذا ال يعين أن االستشهاد يعتمد‬
‫ً‬
‫فقط على خبري حقيقي‪ ،‬بل يمكن أن يكون مزيفا‪ ،‬حبيث ُيدفع إىل الواجهة ألغراض العمل‬
‫الدعايئ‪ .‬وتقوم وسائل اإلعالم باالحتكام إىل مصادر مجهلة لتمرير معلومة معين�ة‪ ،‬حبيث‬
‫تظهر يف العديد من النصوص‪ ،‬كاآليت‪ :‬زعم مصدر مسؤول‪ ،‬أفادت مصادر أمني�ة‪ ،‬ذكر‬
‫ُ‬
‫شهود عيان‪ ...‬إلخ‪ .‬عالوة على ما سبق‪ ،‬يعد أسلوب اللجوء إىل الدين ‪Appeal to Religion‬‬

‫أحد أنواع االستشهاد‪ ،‬حيث يلجأ البعض إىل االقتب�اس من نصوص أو شخصيات ديني�ة‬
‫من أجل إضفاء شرعية على أفعاله أو أقواله (‪ .)Boaz:2011‬وهنا تعمد وسائل اإلعالم إىل‬
‫ً‬
‫انعكاسا لتعاليم‬ ‫تأطري بعض القرارات والتصرفات السياسية واحلزبي�ة والشخصية بكونها‬
‫خروجا عن الدين نفسه‪ .‬وهذا‬‫ً‬ ‫ومهام ديني�ة‪ ،‬وبالتايل التحذير من مغبة معارضتها‪ ،‬كونها‬
‫كبريا على أفراد الشعب (خاصة الشعوب املتدين�ة) حلجم الهالة‬ ‫تأثريا ً‬
‫األسلوب حيقق ً‬

‫‪317‬‬
‫الفصــل اخلامس‬

‫اليت حتظى بها تعاليم الدين‪ .‬ومن أمثلته‪ ،‬وصف الرئيس بوش االبن احلرب على العراق‬
‫وأفغانستان بكونها حملة صليبي�ة‪ ،‬هدفها حماية الدين املسييح من إرهاب املسلمني‪.‬‬
‫‪ .5‬أسلوب اللحاق بالركب ‪ :Band Wagon‬أسلوب يرتكز يف حتقيق أهدافه على‬
‫ميل األفراد الفطري حنو االنتماء للجماعة‪ ،‬ومسايرة االجتاه السائد‪ ،‬وله مسميات عدة‪،‬‬
‫مثل‪ :‬غريزة القطيع‪ ،‬واجلوقة املوسيقية (‪ .)Boaz:2011‬وهنا حياول رجل الدعاية إقناع‬
‫األفراد بتبين فكرة معين�ة أو مسلك محدد‪ ،‬على قاعدة أن غالبي�ة اجلماعة تتبين الفكرة‬
‫نفسها أو املسلك ذاته؛ لذلك عليهم (األفراد) اللحاق بركب اجلماعة وعدم تفويت�ه‪.‬‬
‫ونالحظ أن األسلوب يستغل بشكل أساس مشاعر االنتماء واخلوف واالنتهازية لدى‬
‫األفراد‪ ،‬فيسعى حنو إقناعهم باالنضمام إىل اجلانب الراحب على قاعدة اخنراط الغالبي�ة‬
‫(‪ .)Kadir & Hassan:2014‬ويف املمارسة اإلعالمية يتضح هذا األسلوب عند احلديث‬
‫بصيغة الرتجيح والتوقع مثل‪« :‬من املتوقع فوز حركة فتح باالنتخابات»‪« ،‬غزة ستصوت‬
‫حلماس»‪« ،‬ال أحد يشك يف ذلك»‪ ...‬إلخ‪ .‬وهنا يسارع بعض األفراد إىل االنضمام للجهة‬
‫ً‬
‫الراحبة‪ ،‬إما ملصلحة ما‪ ،‬أو خوفا من التبعات‪.‬‬
‫‪ .6‬أسلوب تقمص البساطة ‪ :Plain Folks‬ويطلق عليه البعض اسم «من الشعب‬
‫‪ ،»Populism‬وهو أسلوب يقوم على ارتداء ثوب البساطة للفوز بمحبة وثقة اجلماهري‬
‫ً‬
‫(‪ .)IPA:1938‬وعادة ما يستخدمه السياسيون والقادة‪ ،‬عرب االختالط باجلماهري‪ ،‬والظهور‬
‫بمظهر املواطن العادي الذي ال خيتلف عن بايق أفراد الشعب يف تصرفاته واهتماماته‪ ،‬فهو‬
‫منهم وال خيتلف عنهم‪ .‬ومن أمثلة هذا األسلوب أن يقوم رئيس ما باجللوس يف مدرجات‬
‫ً‬
‫بسيطا ال يمزيه عن بايق أفراد الشعب أو أن‬ ‫مرتديا ً‬
‫زيا‬ ‫ً‬ ‫فئة اجلماهري خالل مباراة كرة قدم‪،‬‬
‫يتوجه إىل مطعم بسيط لتن�اول الغداء‪ ،‬بما يعكس ممارسة حياتي�ة طبيعية كبايق طبقات‬
‫الشعب‪ .‬هذا األسلوب يعمل على رفع رصيد الشخصية لدى اجلمهور‪ ،‬فيفوز بمحبت�ه‬
‫ودعمه‪ .‬عالوة على ذلك‪ُ ،‬يستخدم هذا األسلوب خالل املمارسة السياسية‪ ،‬عندما حياول‬
‫قائد ما إقناع اجلمهور بصالحية أفكاره ألنها من الشعب وخلدمته‪ ،‬عرب توظيفه كلمات‬
‫وجمل تعرب عن حالة توحد مع اجلمهور‪ ،‬األمر الذي يؤدي إىل إثارة العواطف‪ ،‬وبالتايل‬
‫القبول‪ .‬ومن أمثلتها‪« :‬أنا كمواطن فلسطيين سأعيش على الدقة والزعرت والزيتون‪ ،‬ولن‬

‫‪318‬‬
‫أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة‬

‫أطأطئ رأيس لسياسة احلصار»‪ .‬كما ينشط هذا األسلوب خالل احلمالت االنتخابي�ة‪،‬‬
‫بالتوازي مع أسلوب كبش الفداء‪ ،‬حبيث تقود وسائل اإلعالم حملة للرتويج للمرشح على‬
‫ً‬
‫قاعدة أنه من الشعب‪ ،‬ويف الوقت نفسه حتاول حشد اجلمهور ضد اخلصم بوصفه فردا‬
‫ً‬
‫مختلفا‪ ،‬أو من الطبقة العليا اليت ال تمت للشعب بأي صلة (‪.)Ibid‬‬
‫‪ .7‬أســلوب الصــور (القوالــب) النمطيــة ‪ :Stereotypes‬الصــورة النمطيــة هــي‬
‫اعتقــاد مبالــغ فيــه يرتبــط بفئــة أو أمــة‪ ،‬وظيفتهــا تبريــر الســلوك إزاء تلــك الفئــة‪ .‬وهــو‬
‫أســلوب دعــايئ يقــوم علــى تبســيط الوقائــع‪ ،‬عــر تقديمهــا ببعــد أو قالــب واحــد‪ .‬وهنــا‬
‫تقــوم وســائل اإلعــام خبلــق صــورة مزيفــة عــن حــدث‪ ،‬أو شــخصية‪ ،‬أو جماعــة‪ ،‬أو دولــة‪،‬‬
‫مــن خــال تغليفهــا بقالــب فكــري ســليب‪ ،‬حبيــث تتحــول مــع مــرور الوقــت والتكــرار إىل‬
‫صــورة نمطيــة ثابتــ�ة يف أذهــان اجلماهــر (‪ .)Merrill & Lowenstein:1971‬ويــزداد تأثــر هــذا‬
‫األســلوب عنــد غيــاب التجربــة أو االحتــكاك املباشــر للجمهــور مــع احلــدث أو الشــخصية‪،‬‬
‫حبيــث يبــي تصوراتــه وفــق مــا تقدمــه وســائل اإلعــام‪ .‬وأمثلــة هــذا األســلوب متنوعــة‪،‬‬
‫لعــل مــن أهمهــا تنميــط وســائل اإلعــام الغربيــ�ة للعــرب واملســلمني بكونهــم «راكــي‬
‫ولصوصــا‪ ،‬ومفجــري طائرات»(شــفيق‪.)2011:‬‬ ‫ً‬ ‫جمــال‪ ،‬وشــهوانيني‪ ،‬وإرهابيــن‪،‬‬
‫‪ .8‬أسلوب رص األوراق ‪ :Card Stacking‬أسلوب يعرب عن محاوالت رجل الدعاية‬
‫توظيف كل فنون اخلداع من أجل إقناع اجلمهور بمواقفه وأفكاره ومعتقداته وسياساته؛‬
‫فهو يلجأ إىل انتقاء احلقائق اليت تصب يف مصلحته‪ ،‬كما يلجأ إىل الكذب والزتييف‪ ،‬أو‬
‫يستشهد بمصادر محددة ويتجاهل أخرى‪ ،‬أو يقوم جبذب االنتب�اه حنو قضايا أقل أهمية‬
‫(‪ .)IPA:1938‬ويمكن القول إن هذا األسلوب يعرب عن أساليب أخرى كثرية انفصلت عنه مع‬
‫الوقت‪ .‬كما يعد من أقدم األساليب‪ ،‬حيث وضعته مؤسسة حتليل الدعاية عام ‪.1937‬‬
‫‪ .9‬أسلوب تقديم الرأي كحقيقة ‪ :Opinion as Fact‬أسلوب يقوم على عرض‬
‫الرأي بكونه حقيقة‪ ،‬حيث يعمد الصحفي إىل إقحام رأيه اخلاص وحتزياته يف النص دون‬
‫ً‬
‫شيوعا يف املمارسة اإلعالمية‪،‬‬ ‫أن يشعر اجلمهور بذلك‪ .‬وهذا األسلوب من أكرث األساليب‬
‫فيصعب على اجلمهور التفريق بني ما هو رأي خالص أو بني كونه حقيقة واقعة‬

‫‪319‬‬
‫الفصــل اخلامس‬

‫(‪ .)Merrill & Lowenstein:1971‬ومن أمثلتها‪« :‬حظي محمود عباس خالل زيارته إىل غزة‬
‫باستقبال حمايس لم يسبق له مثي�ل»‪.‬‬
‫‪ .10‬أسلوب التحزي باإلسناد ‪ :Biased Attribution‬يشري إىل ممارسات متحزية عرب‬
‫توظيف األفعال والصفات‪ .‬فرجل الدعاية يعمد إىل انتقاء كلمات وصفات تثري شحنة‬
‫نفسية إجيابي�ة أو سلبي�ة لدى اجلمهور‪ .‬فالفعل «قال» يدل على معىن حيادي‪ ،‬ال يستثري أي‬
‫شحنة نفسية‪ ،‬بعكس الفعل «زعم» الذي يثري شحنة سلبي�ة قوامها التهوين واالستحقار‬
‫ً‬
‫(‪ .)Ibid‬وهذا األسلوب شائع جدا يف العمل اإلعاليم‪ ،‬مثل‪ :‬ادعى‪ ،‬ما يسىم‪.‬‬
‫‪ .11‬أسلوب اختي�ار املعلومات ‪ :Information Selection‬ويطلق عليه أسماء التحزي‬
‫باالنتقاء واحلذف‪ ،‬أو الرقابة ‪ ،Censorship‬أو املعاجلة ‪ ،Spin‬أو التأطري ‪ ،Framing‬أو أنصاف‬
‫احلقائق ‪ .Half Truth‬وهو عملية اختي�ار مقصودة ملعلومات حول حدث معني‪ .‬وهنا يقرر رجل‬
‫ُ‬ ‫الدعاية ّ‬
‫أي املعلومات ستورد داخل القصة‪ ،‬وبأي ترتيب وشكل‪ ،‬وأي منها سيتم جتاهله‪.‬‬
‫ويف العادة‪ ،‬تؤدي هذه العملية إىل نزع القصة الصحفية عن سياقها الدقيق؛ ألنها تشمل‬
‫الرتكزي على أبعاد محددة‪ ،‬فيما تتجاهل أخرى‪ ،‬حبيث تصبح احلقيقة مشوهة ومجزتأة‪.‬‬
‫كما ين�درج حتت هذا األسلوب ما يسىم «التحزي باختي�ار القصص واملوضوعات»‪ :‬وتعين‬
‫قيام الوسيلة اإلعالمية بانتقاء قصص وموضوعات معين�ة تعمل على طباعتها أو بثها‪ ،‬يف‬
‫مقابل جتاهل موضوعات أخرى ال توافق أجندة الوسيلة (‪.)Cirino:1971‬‬
‫‪ .12‬أسلوب العناوين اخلادعة ‪ :Misleading Headlines‬يستغل رجل الدعاية‬
‫اكتفاء عديد األفراد بقراءة العنوان دون التعرض ملجمل القصة‪ .‬لذلك يقوم بتضمين�ه‬
‫بمعلومة مضللة على قاعدة أنها جزء من حقائق واردة داخل القصة‪ ،‬حبيث يضمن تبين‬
‫غالبي�ة اجلمهور لها‪ .‬بهذه الطريقة تستغل الدعاية عادات اجلمهور مع الوسيلة اإلعالمية‬
‫لتحقيق أهدافها‪ .‬من جانب آخر‪ ،‬يستخدم العنوان كجزء من ممارسات التحزي الصحفية‪،‬‬
‫حيث يتلاعب رجل الدعاية حبجمه ولونه ومفرداته ملمارسة حتزي جتاه جهة ما‪.‬‬
‫‪ .13‬أسلوب التحزي بالصور الفوتوغرافية ‪ :Biased Photographs‬الصورة الصحفية‬
‫ال تكذب‪ ،‬ولكنها يف كثري من األحيان خادعة‪ .‬وفق هذه القاعدة يقوم رجل الدعاية‬

‫‪320‬‬
‫أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة‬

‫باستغالل الصورة الفوتوغرافية بشكل يوافق أهدافه‪ .‬فزوايا اللقطة‪ ،‬واملعاين اليت حتملها‪،‬‬
‫ُ‬
‫واملدلوالت اليت تشري إليها‪ ،‬كلها عناصر توظف الختي�ار الصورة األفضل‪ ،‬واليت توافق‬
‫موضوع الدعاية‪ .‬ولعل املثال الذي حيضرنا‪ ،‬هو قيام الصحف احلزبي�ة بعرض صور منتقاة‬
‫لتجمعات جماهريية خالل احتفاالتها‪ ،‬األمر الذي يؤدي إىل صناعة انطباع زائف حبجم‬
‫الشعبي�ة اليت تتمتع بها‪ .‬وين�درج هذا األسلوب حتت آخر يسىم توظيف الرموز البصرية‬
‫‪ ،Evocative Visual Symbols‬الذي ُيعىن بإثارة عواطف اجلمهور؛ وذلك بهدف تعزيز اجلبهة‬
‫الداخلية عرب توظيف كل ما هو متاح من رموز بصرية مثل‪ :‬التماثي�ل‪ ،‬الرايات‪ ،‬امللصقات‪،‬‬
‫الكاريكاتري‪ ...‬إلخ (‪.)Propaganda Critic:2016‬‬
‫‪ .14‬أسلوب التكرار ‪ :Repetition‬تعمد وسائل اإلعالم إىل تكرار بعض الشعارات‬
‫واألفكار واملصطلحات والرسائل بشكل دائم وبوسائط متعددة‪ ،‬ما ُيسهم يف تثبيتها يف‬
‫وعي اجلماهري‪ .‬والتكرار ال يشمل العناصر أعاله فقط؛ بل يتضمن نهج الوسيلة اإلعالمية‬
‫يف تن�اولها ملختلف األحداث والقضايا‪ ،‬أو ما يسىم السياسة التحريرية املعتمدة‪ .‬يقول‬
‫مرارا على مسامع‬‫جوزيف جوبلز‪« :‬حىت الكذبة الكبرية يمكن أن ُتصدق طالما أنها ُتكرر ً‬
‫اجلماهري»‪ .‬لذلك‪ ،‬فتكرار مصطلحات وشعارات على فرتات زمني�ة طويلة يؤدي إىل‬
‫تثبيتها يف وعي اجلماهري (‪.)Brown:1963‬‬
‫‪ .15‬أسلوب التعاطي السليب ‪ :Negativism‬تقول القاعدة النفسية إن اجلمهور‬
‫ينجذب حنو القضايا السلبي�ة أكرث من اإلجيابي�ة‪ .‬لذلك‪ ،‬تفضل وسائل اإلعالم انتهاج‬
‫مسلك عدايئ يف بعض معاجلاتها اإلعالمية‪ .‬على اجلانب اآلخر‪ ،‬يستفيد رجل الدعاية من‬
‫هذه القاعدة‪ ،‬عرب توجيه وسائل اإلعالم حنو قضايا وشخصيات محددة‪ ،‬لتقوم بالرتكزي على‬
‫جوانبها السلبي�ة بشكل متكرر‪ ،‬بما حيقق فائدة دعائي�ة مرجوة (‪.)Merrill & Lowenstein:1971‬‬
‫‪ .16‬أسلوب الرواية أو اخليال ‪ً :Fictionalizing‬‬
‫نادرا ما تقوم وسائل اإلعالم باختالق‬
‫ونشر وقائع وقصص من ويح اخليال‪ .‬ولكن ما حيدث يف بعض األحيان أن الصحفيني‬
‫حيقنون هيكل القصة الصحفية أو حقائقها جبرعة معين�ة من اخليال‪ ،‬عرب اختالق وقائع‬
‫ومصادر ال وجود لها؛ بهدف سد الفجوات املعلوماتي�ة‪ .‬وهذا األسلوب خيتلف عن أسلوب‬
‫الكذب الصريح ‪ ،Downright Lying‬حيث يقوم األخري باختالق أحداث ووقائع من ويح‬

‫‪321‬‬
‫الفصــل اخلامس‬

‫خيال رجل الدعاية‪ ،‬دون تضمينها أي حقيقة‪ .‬ويكرث استخدام األسلوبني خالل احلروب‪،‬‬
‫حبيث ال يستطيع اجلمهور التفريق بني ما هو حقيقي وكذب صريح‪ .‬ومن مساوئهما أنهما‬
‫يؤديان بمصداقية رجل الدعاية إىل الهاوية يف حال تم كشفه (‪.)Brown:1963‬‬
‫ً‬
‫‪ .17‬أسلوب حتديد العدو ‪ :Pinpointing the Enemy‬يطلق عليه أيضا اسم كبش‬
‫الفداء‪ ،‬أو كبش املحرقة ‪ .Scapegoat‬ويقوم على تبسيط املواقف املعقدة من خالل وضعها‬
‫يف إطارين متن�افرين (الشر‪ ،‬اخلري)‪( ،‬احلق‪ ،‬الباطل)‪( ،‬الصواب‪ ،‬اخلطأ)‪ ،‬أو تبسيطها‬
‫بوضع اللوم على شخصية أو جماعة (عدو وهيم أو حقيقي)‪ ،‬على اعتب�ار أنها مصدر‬
‫كل الشرور والتعقيدات‪ ،‬وسبب املشاكل االقتصادية واالجتماعية واألمني�ة القائمة‪.‬‬
‫ً‬
‫وعادة ما ُيستخدم هذا النوع خالل احلروب واألزمات أو احلمالت السياسية‪ ،‬أو يف حالة‬
‫َ‬
‫شعور اجلمهور باخلوف وانعدام األمان (‪ .)Ibid‬ومن أمثلتها‪ :‬حتميل هتلر اليهود مسؤولية‬
‫تدهور االقتصاد يف ألماني�ا بعد احلرب العاملية األوىل‪ ،‬وأنهم مصدر الشرور لتسببهم‬
‫حنو متصل‪ ،‬يتشابه هذا األسلوب مع آخر «شيطنة اخلصم‬ ‫يف احلرب ذاتها‪ .‬على ٍ‬
‫ً‬ ‫‪ ،»Demonization‬بمعىن الرتويج للخصم بكونه ً‬
‫شرا مطلقا (شيطان رجيم)‪ .‬وهنا تقوم‬
‫ً‬
‫وسائل اإلعالم باإلعالن صراحة عن العدو‪ ،‬فهو يقف جبالء أمام اجلمهور بكونه قاتل‪،‬‬
‫ومصدرا لكل تهديد‪ .‬وحيقق هذا األسلوب تأثريه عندما يرتكب‬‫ً‬ ‫ً‬
‫وعدواني�ا‪ ،‬وسفاك دماء‪،‬‬
‫العدو مجازر ضد النساء واألطفال واملواطنني العزل؛ مما يؤدي إىل سريان شعور بالغضب‬
‫والكراهية‪ ،‬تتعاىل معه صيحات اجلمهور باالنتقام‪.‬‬
‫‪ .18‬أسلوب التوكيد ‪ :Assertion‬يطلق عليه اسم الكذبة الكبرية ‪ .Big Lie‬وهو عبارة‬
‫عن جملة أو تصريح ُيقدم للجمهور بكونه حقيقة ثابت�ة ال حتتاج إىل دليل أو برهان (‪ .)Ibid‬كما‬
‫يكرث استخدامه يف اإلعالنات التجارية‪ ،‬أو خالل اخلطب اجلماهريية والسياسية‪ ،‬حبيث‬
‫ً‬
‫ُيغلف بطابع حمايس‪ .‬وعادة ما يرافقه أسلوب التكرار‪ ،‬لزيادة التأكيد على صحته‪ .‬ومن‬
‫أمثلتها‪« :‬فتح أقوى من أي وقت مىض»‪« ،‬شامبو ‪ Sunsilk‬هو األفضل بكل تأكيد»‪.‬‬
‫‪ .19‬أسلوب القراءة املركبة ‪ :Conflation‬دمج قراءتني مختلفتني خللق مفهوم‬
‫أو داللة معين�ة‪ .‬ويف هذا السياق‪ ،‬يتخذ أحد الباحثني من قناة ‪ Fox News‬مثال لتوضيح‬
‫ً‬
‫األسلوب‪ ،‬فهي تعرض موقف «مناصرة» احلرب بكونها جتسيدا لبطولة‪ ،‬بينما تعرض‬

‫‪322‬‬
‫أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة‬

‫«معارضتها» كحالة ضعف‪ .‬واملقصود هنا‪ ،‬كيفية تأطري القناة للسياسيني من زاوية‬
‫مناصرة أو معارضة احلرب (‪ .)Boaz:2011‬وهذا األسلوب ال خيتلف عن أسلوب الربط أو‬
‫التأطري‪ ،‬إال أنه خيتلف معها يف اخلطورة‪ .‬حيث تعمد وسائل اإلعالم إىل تركيب مصطلحات‬
‫تروج للعنف واحلرب بكونها ممارسة رياضية‪ ،‬مثل مصطلحات‪« :‬استعراض القوة»‪،‬‬
‫«عرض عضالت»‪« ،‬مبارزة عسكرية»‪ ،‬األمر الذي يؤدي باجلمهور إىل مناصرتها على‬
‫اعتب�ار أنها جتسيد للقوة والشجاعة‪ .‬وكنتيجة‪ ،‬تصبح مناصرة احلرب مرادفة للقوة‬
‫والبطولة‪ ،‬بينما معارضتها مرادفة للضعف واجلنب‪.‬‬
‫‪ .20‬أسلوب إعادة كتابة التاريخ ‪ :Rewriting History‬تشويه أحداث تاريخية‬
‫معين�ة‪ ،‬ثم عرضها على اجلمهور بكونها حقائق ثابت�ة‪ ،‬وذلك من أجل حتقيق أهداف‬
‫سياسية أو اجتماعية خاصة‪ .‬وهنا يراهن رجل الدعاية على قدرة اجلمهور املحدودة على‬
‫ً‬
‫عموما (‪ .)Ibid‬ومثال ذلك‪ ،‬أن تعمد وسيلة‬ ‫تذكر أحداث تاريخية قريب�ة‪ ،‬أو جهله بالتاريخ‬
‫إعالمية فلسطيني�ة على تأريخ بدء الفلتان األمين بلحظة فوز حماس باالنتخابات‪ ،‬بينما‬
‫تتعمد جتاهل أن الفلتان تفىش مع فقدان السيطرة على أجهزة أمن السلطة فور اغتي�ال‬
‫الرئيس ياسر عرفات‪ .‬كما يشمل هذا األسلوب املحاوالت املتعمدة لتفسري التاريخ بشكل‬
‫خاطئ ‪ ،False Analysis of History‬حيث يعمد البعض إىل تفسري أحداث تاريخية بشكل‬
‫مشوه من أجل ترويج فكرة ما‪ .‬ومثال ذلك‪ ،‬القول بأن هزيمة ألماني�ا النازية كانت بسبب‬
‫تدخل الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬وجتاهل أن الهزيمة كانت بسبب األخطاء العسكرية‬
‫لهتلر نفسه‪.‬‬
‫‪ .21‬أسلوب ترويج الذعر ‪ :Panic Mongering‬إبقاء املشاهد (اجلمهور) يف حالة‬
‫رعب وذعر دائمة؛ وذلك بهدف حتيي�د قدرته على التفكري املنطقي‪ .‬وهنا تقوم الوسيلة‬
‫اإلعالمية بضخ سلسلة متواصلة من األخبار والقصص شديدة السلبي�ة؛ مما يؤدي إىل‬
‫طغيان شعور دائم باخلوف‪ ،‬يفقد معها الفرد قدرته على التفكري املنطقي‪ ،‬وبالتايل يصبح‬
‫ً‬
‫أكرث استعدادا لتصديق كل ما تعرضه الوسيلة (‪ .)Ibid‬ومثال ذلك سلسلة األخبار اليت تنشر‬
‫على سكان قطاع غزة (احلرب‪ ،‬األمراض‪ ،‬الكهرباء‪ ،‬املعرب‪...‬إلخ)‪.‬‬

‫‪323‬‬
‫الفصــل اخلامس‬

‫‪ .22‬أسلوب االستئساد أو التنمر ‪ :Bullying‬محاولة االستقواء على اخلصم ودفعه‬


‫إىل التسليم واملهادنة‪ .‬ويشيع استخدامه يف الربامج احلوارية التلفزيوني�ة‪ ،‬حيث يقوم‬
‫املحاور أو أحد الضيوف بمحاولة االستقواء على غريه عرب املقاطعة‪ ،‬والصراخ‪ ،‬والتبخيس‬
‫من أهمية أطروحاته‪ ،‬أو وصفه بكلمات خشنة وجارحة‪ ...‬وهو ما يقود اآلخر إىل اإلذعان‪،‬‬
‫ً‬
‫رغبة منه يف التخلص من حالة اإلحراج واخلجل‪ .‬ويقول حسنني شفيق‪ ،‬إن اختي�ار شخصية‬
‫ضعيفة لتمثي�ل قضية ما‪ ،‬سيساعد على تشويهها واإلضرار بها (شفيق‪ .)2011:‬وحيقق هذا‬
‫جناحا عندما يتصف الضيف بضعف الشخصية‪ ،‬انعدام الثقة‪ ،‬غياب املعرفة‬ ‫األسلوب ً‬
‫حبقائق املوضوع حتت النقاش‪.‬‬
‫‪ .23‬أسلوب اإلرباك ‪ :Confusion‬التشويش املقصود على مناظرة أو مناقشة حبجة‬
‫ً‬
‫أنها تفتقر إىل املنطق أو الرتتيب أو املدخل الصحيح‪ ،‬وذلك إلرباك اجلمهور (‪ .)Ibid‬وعادة‬
‫ما يستخدمه ضيوف الربامج احلوارية‪ ،‬من خالل اإلصرار على انعدام املنطق‪ ،‬واالدعاء‬
‫(عرب التلميح فقط) بأنها محاولة من الوسيلة اإلعالمية للتالعب باجلمهور‪ ،‬وأن املغفل‬
‫ً‬
‫وعادة ما حيقق هذا األسلوب ً‬
‫تأثريا على‬ ‫فقط من ال يشاطره (الضيف) الرأي نفسه‪.‬‬
‫األفراد األقل ثقة بأنفسهم (أو ذوي التعليم واملطالعة املتواضعة)‪ ،‬على قاعدة أنه نوع من‬
‫التفكري املعقد الذي جتيده فئة من الناس‪ ،‬وبالتايل يصبح منطق الضيف حقيقة ال غبار‬
‫عليها‪ .‬ومثال ذلك‪ ،‬أسلوب محمد حسنني هيكل خالل استضافته يف الربامج احلوارية‪،‬‬
‫وتشويشه املتواصل على منطق سرب القضايا‪ ،‬واالدعاء (بتهذيب) بأن مداخلها تفتقر إىل‬
‫الدقة واملنطق‪ ،‬حبيث يتمكن من توجيه احلوار إىل وجهة منطقية أخرى تن�اسبه‪ ،‬ما يقود‬
‫األفراد لالعتقاد بأن هذا الرجل لديه قدرة على رؤية األشياء بمنظار مختلف‪ ،‬مستمدة من‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫عقل وتفكري شديدي التعقيد‪ .‬هذا االعتقاد حتديدا ما جيعل جزء كبري من اجلمهور يصدق‬
‫كل كلمة يقولها هيكل‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ .24‬أسلوب قلب الصورة ‪ :Flipping/Projection‬يسىم أيضا بالواقع املعكوس أو‬
‫املقلوب ‪ .Reversal of Reality‬وهو أسلوب يقوم على شقلبة احلقيقة أو الواقع‪ ،‬وعكسها‬
‫باجتاه آخر‪ ،‬ما يؤدي إىل حالة من احلرية والتي�ه عند اجلمهور‪ ،‬مثل‪:‬‬

‫‪324‬‬
‫أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة‬

‫‪ -‬تقــوم جهــة (‪ )A‬باتهــام جهــة (‪ )B‬بممارســة أفعــال معين ـ�ة حبقهــا أو حبــق غريهــا‪،‬‬
‫وهــي يف حقيقتهــا ممارســات تقــوم بهــا (‪)A‬؛ ومــن أمثلتهــا‪ :‬تقــوم حركــة فتــح باتهــام حركــة‬
‫حمــاس بقمــع املقاومــة الفتحاويــة الــي تنطلــق مــن غــزة عــر حراســتها حــدود قطــاع غــزة‬
‫لصالــح «إســرائي�ل»؛ بينمــا احلقيقــة أن فتــح (ممثلــة بالســلطة) هــي مــن تنســق ً‬
‫أمني ـ�ا‬
‫حلمايــة «إســرائي�ل» مــن املقاومــة‪.‬‬
‫‪ -‬تقــوم جهــة (‪ )A‬بتنفيــذ أفعــال ضــد (‪ ،)C‬ثــم تتهــم (‪ )B‬بتنفيذهــا أو التســبب بهــا؛‬
‫ومــن أمثلتهــا‪ :‬تقــوم الســلطة بقطــع رواتــب املوظفــن يف غــزة‪ ،‬ثــم تتهــم حمــاس بأنهــا‬
‫الســبب يف قــرار القطــع بســبب انقالبهــا علــى الشــرعية‪ ،‬أو أن تقــوم مصــر بإغــاق معــر‬
‫رفــح يف وجــه املســافرين‪ ،‬ثــم تتهــم حركــة حمــاس بأنهــا املســؤولة عــن معانــاة املســافرين‪.‬‬
‫ ‪ -‬تقــوم جهــة (‪ )A‬بتفنيــ�د اتهامــات جهــة (‪ )B‬عــر شــقلبتها؛ ومــن أمثلتهــا‪ :‬تقــوم‬
‫الســلطة بالــرد علــى اتهامــات حركــة حمــاس خبصــوص أزمــة الكهربــاء‪ ،‬عــر اتهامهــا‬
‫(حمــاس) أنهــا املتســبب يف األزمــة‪.‬‬
‫‪ -‬تقــوم جهــة (‪ )A‬بالرتكــز علــى أخطــاء وهفــوات جهــة (‪ )B‬من أجــل مــواراة أخطائها؛‬
‫ومــن أمثلتهــا‪ :‬تقــوم حركــة فتــح بالرتكــز علــى أخطــاء وهفــوات حركــة حمــاس يف قطــاع‬
‫غــزة‪ ،‬مــن أجــل التغطيــة أو لفــت األنظــار عــن أخطائهــا يف الضفــة الغربي ـ�ة‪.‬‬
‫‪ .25‬أسلوب اإللهاء أو حتويل االجتاه ‪ :Diversion‬املقصود هنا حتويل اجتاه احلوار‪،‬‬
‫ً‬
‫وعادة ما يقوم ُ‬
‫المستضيف بتحويل‬ ‫وليس حتويل انتب�اه اجلمهور عن قضية ما (‪.)Boaz:2011‬‬
‫اجتاه احلوار لتجنب مسارات خطرية قد تؤدي إىل فقدان السيطرة‪ ،‬وبالتايل الدخول يف‬
‫تفسريات ال تصب يف صالح الوسيلة اإلعالمية‪ ،‬أو أن يتجنب الضيف اإلجابة عن أسئلة‬
‫ً‬
‫حساسة‪ ،‬فيعمد إىل جتنبها عرب حتويل االجتاه عنها‪ .‬عالوة على ما سبق‪ ،‬خيتلف هذا األسلوب‬
‫عن أسلوب «ذر الرماد يف العيون» ‪ ،Red Herring‬حيث إن األول حتويل لالجتاه‪ ،‬مع البقاء يف‬
‫ً‬
‫ذات املوضوع‪ ،‬بينما الثاين انتقال ملوضوع آخر بعيدا عن املوضوع الرئيس‪.‬‬
‫‪ .26‬أسلوب اإلشباع ‪ :saturation‬تقوم وسائل اإلعالم بالرتكزي على موضوع معني‬
‫إىل أن يبلغ اجلمهور درجة من اإلشباع‪ ،‬تقوده إىل تبين املوضوع‪ ،‬بغض النظر عن صدقه‪.‬‬

‫‪325‬‬
‫الفصــل اخلامس‬

‫ولإلشباع شروط ثالثة هي‪ :‬التكرار‪ :‬بمعين تكرار الرسالة على الدوام‪ ،‬التنوع‪ :‬تصدر عن‬
‫وسائل إعالمية متنوعة‪ ،‬حبيث حتاصر اجلمهور وتالحقه‪ ،‬الثب�ات‪ :‬بمعىن تن�اغم املعلومات‬
‫اليت تصدر عن مختلف الوسائل‪ .‬ومن أمثلة هذا النوع‪ ،‬قيام وسائل اإلعالم األمريكية‬
‫باحلديث عن أسلحة الدمار الشامل العراقية‪ ،‬يف تن�اغم منقطع النظري‪ ،‬األمر الذي أدى إىل‬
‫ً‬
‫غزو العراق‪ ،‬وتدمريه الحقا‪.‬‬
‫‪ .27‬أسلوب االستخفاف بالتعليم ‪ :Disparaging Education‬أسلوب يرتكز‬
‫على ازدراء املتعلمني واملثقفني واحلط من قدرهم أمام عامة الشعب‪ .‬ورغم غرابة هذا‬
‫األسلوب؛ إال أنه جتسيد لسعي بعض املؤسسات اإلعالمية سحب البساط من حتت‬
‫أقدام فئة أو طبقة معين�ة سيطرت على احلياة السياسية يف بعض الدول‪ ،‬مثل الواليات‬
‫املتحدة األمريكية؛ كي تمنح نفسها حق احلديث والتحليل دون منافسة أو حتدي‪ .‬ومن‬
‫آلياتها تأطري املتعلمني كطبقة خنبوية ال عالقة لها بالشعب‪ ،‬أو أن امتالك شهادات عليا ال‬
‫يعكس مصداقية ما بقدر ما يعرب عن فقدانها‪ ،‬أو معظم احلروب واألزمات االقتصادية هي‬
‫من صناعة حملة الشهادات‪ ،‬لذلك هي (الشهادات) ال تمنح صفة احلكمة والقدرة على‬
‫إصدار األحكام‪.‬‬
‫‪ .28‬أسلوب إثارة العواطف ‪ :Emotional Appeals‬ويطلق عليه اسم اللجوء‬
‫للعواطف ‪ ،Appeal to Emotions‬وهو أسلوب يقوم على مخاطبة وإثارة مشاعر اجلمهور؛‬
‫ً‬
‫وذلك بهدف حتقيق استجابة مرغوبة جتاه قضية ما‪ .‬وعادة ما تركز وسائل اإلعالم على‬
‫ً‬
‫مشاعر اخلوف‪ ،‬على قاعدة أن اجلمهور املرتعب أكرث استعدادا لتصديق رسائل الدعاية‪.‬‬
‫كما يستهدف مجموعة متنوعة من العواطف (سلبي�ة أو إجيابي�ة) حبسب طبيعة الدعاية‬
‫(هجومية أو دفاعية)‪ ،‬على الشكل اآليت‪ :‬الغضب والكراهية‪ ،‬الشك والغموض‪ ،‬اخلوف‬
‫من املوت‪ ،‬اخلوف من املستقبل‪ ،‬شهوة السلطة‪ ،‬الغرور‪ ،‬انعدام األمن‪ ،‬الطمع‪ ،‬الوحدة‪،‬‬
‫احلب‪ ،‬األمل‪ ،‬الرتغيب‪ ،‬البطولة‪ ،‬الطموح‪ ،‬احلنني‪ ،‬وغريها‪ .‬ومن اجلدير ذكره‪ ،‬أن مخاطبة‬
‫ً‬
‫اجلوانب العاطفية للجمهور‪ ،‬بعيدا عن اجلوانب العقلية‪ ،‬تهدف إىل حتقيق استجابة‬
‫جتاوبا مع الرسائل اليت ترتبط بواقعه الشخيص‪،‬‬ ‫ً‬ ‫سريعة‪ ،‬على قاعدة أن اجلمهور أكرث‬
‫أو واقع املقربني منه‪ .‬وأمثلة هذا األسلوب كثرية ومتنوعة‪ ،‬ولكنن�ا سنكتفي باملثال اآليت‪:‬‬

‫‪326‬‬
‫أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة‬

‫بعد احلرب العاملية األوىل‪ ،‬دأبت وزارة الدعاية األلماني�ة على إثارة مشاعر الكراهية جتاه‬
‫اليهود‪ ،‬حبيث شنت حملة حتريض واسعة ضدهم‪ ،‬على قاعدة أنهم سبب البالء الذي حل‬
‫بالشعب‪ .‬ومع بداية احلرب العاملية الثاني�ة‪ ،‬ترجمت هذه احلملة إىل سلوك عملي‪ ،‬ليب�دأ‬
‫ً‬
‫اجليش النازي بمالحقة كل من هو يهودي يف ألماني�ا‪ ،‬بموافقة ومباركة الشعب املعبأ أصل‬
‫ضدهم‪.‬‬
‫‪.29‬أسلوب سبب كل الشرور ‪ :Pan-malefic‬اتهام شخص أو جماعة أو فكرة أو‬
‫معتقد بأنه سبب كل املشاكل واألزمات والشرور اليت يعاين منها األفراد‪ ،‬أو اجلماعات‪،‬‬
‫أو املجتمعات أو الدول‪ .‬ويرتكز هذا األسلوب على ميل األفراد حنو اإلجابات املبسطة‬
‫للمشاكل املعقدة‪ ،‬لذلك تعمد وسائل اإلعالم (خاصة اليت ختضع لألنظمة الديكتاتورية‬
‫والسلطوية) إىل تبسيط املعضالت بإلصاقها جبهة ما على قاعدة أنها ُ‬
‫المسبب�ة لها‬
‫(‪ .)Orange Papers: n.d‬ومن أمثلتها‪ :‬قيام وسائل اإلعالم املصرية باتهام جماعة اإلخوان‬
‫املسلمني بأنها سبب أزمة الكهرباء‪ ،‬والغاز‪ ...‬وغريها‪ .‬ومن اجلدير ذكره‪ ،‬أن هذا األسلوب‬
‫يستخدم بالتوازي مع أسلوب «العالج أو احللول ‪ ،»Panacea‬حيث تعمد الوسيلة‬
‫اإلعالمية إىل طرح حلول للمشكالت القائمة‪ ،‬حبيث تتوافق مع توجهات معين�ة‪ .‬ومثال‬
‫ذلك‪« :‬تسليم حماس للمعرب؛ كي يتم حل مشكلة إغالقه»‪.‬‬
‫‪ .30‬أســلوب التهديــد والوعيــد ‪ :Threat & Menace‬إثــارة مشــاعر اخلــوف والرهبــة‬
‫يف نفــس اخلصــم؛ وذلــك عــر التلويــح بإجــراءات قاســية تعــود عليــه بالضــرر يف حــال عــدم‬
‫ً‬
‫االســتجابة‪ .‬وعــادة مــا يســتخدم هــذا األســلوب خــال احلــروب أو األزمــات‪ ،‬حبيــث يأخــذ‬
‫عــدة أشــكال‪ ،‬مثــل التهديــد بــــــ‪ :‬شــن حملــة أو عمليــة عســكرية‪ ،‬فــرض حصــار اقتصــادي‪،‬‬
‫قطــع العالقــات الدبلوماســية‪ ،‬قطــع العالقــات التجاريــة‪ ...‬إلــخ‪.‬‬
‫‪ .31‬أسلوب التحزي باألشكال الصحفية ‪ : Form Bias‬توظف وسائل اإلعالم األشكال‬
‫الصحفية‪ ،‬مثل‪ :‬فن احلديث أو مواد الرأي واالفتت�احيات ملمارسة حتزياتها‪ ،‬من خالل اختي�ار‬
‫أو استضافة شخصيات معين�ة توافق توجهاتها‪ ،‬يف مقابل جتاهل أخرى‪ ،‬أو من خالل نشر‬
‫املقاالت اليت توافق أهدافها‪ ،‬على قاعدة أنها تعبري عن كاتبها ال عن توجهاتها (‪.)Cirino:1971‬‬

‫‪327‬‬
‫الفصــل اخلامس‬

‫‪ .32‬أسلوب التحزي بمكان وحجم القصة الصحفية ‪:Space & Size Bias‬‬
‫وذلك من خالل نشر قصة معين�ة على صدر الصفحة األوىل (صحف‪ ،‬مجالت)‪ ،‬أو‬
‫افتت�اح النشرة اإلخبارية بها (التلفاز‪ ،‬الراديو)‪ .‬إضافة إىل ختصيص مساحة أو وقت‬
‫ً‬
‫مخادعا‬ ‫ً‬
‫شعورا‬ ‫أكرب مما تستحقه‪ ،‬ناهيك عن عناصر اإلبراز املصاحبة‪ ،‬واليت تعكس‬
‫بأهمية القصة (‪.)Ibid‬‬
‫‪ .33‬أسلوب الفكاهة (النكات) ‪ :Humor‬خالل احلرب يطغى شعور نفيس بقوة‬
‫العدو؛ لذلك يعمد رجل الدعاية إىل إطالق النكات بهدف التقليل واحلد من شعور الرهبة‬
‫الذي خيتلج صدور اجلماهري (‪ .)Propaganda Critic:2016‬ويعكس هذا األسلوب شعور‬
‫األفراد بالظلم والقهر يف األنظمة السياسية اليت تقوم على كبت الصوت املعارض‪ ،‬فيعمد‬
‫اجلمهور إىل إطالق نكاته كشكل من أشكال التنفيس أو املقاومة اخلفية لنظام احلكم‬
‫وسياسته القهرية جتاههم‪.‬‬
‫‪ .34‬أسلوب الكليشيهات ‪ :Catchy slogans‬جمل قصرية مقرتنة حبدث معني‪،‬‬
‫يسهل تذكرها‪ .‬وبمرور الوقت تتحول إىل شعار ذي داللة شائعة داخل املجتمع (كاحلكم‬
‫والمأثورات)‪ .‬وخالل احلرب‪ ،‬يعمد رجل الدعاية إىل استدعاء ذاكرة اجلمهور عرب نشر‬
‫هذه الشعارات بشكل متواصل إلبقائه يف حالة حتفز وحذر‪ ،‬ما يؤدي إىل دعم قوي للجهود‬
‫العسكرية على األرض‪ .‬ومن أمثلتها‪« :‬ال تنسوا صربا وشاتيلا»‪« ،‬مجزرة دير ياسني»‪،‬‬
‫«وهل خيفى القمر»‪« ،‬شعرة معاوية»‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫‪ .35‬أسلوب خفض سقف التوقعات ‪ :Low Expectations‬ويعين تهيئ�ة اجلمهور‬
‫نفسيا الحتمال حدوث األسوأ‪ .‬وهنا يقوم رجل الدعاية بتبين استنت�اج سوداوي مسبق‬ ‫ً‬
‫جتاه حدث أو قضية ما‪ ،‬ثم يعمد إىل مطالبة اجلمهور بعدم رفع سقف توقعاته‪ .‬ويمكن‬
‫القول‪ ،‬إنه نوع من اإلجراء الوقايئ الذي يهدف إىل احتواء حالة اإلحباط اليت قد تنشأ يف حال‬
‫تصادمت أمني�ات اجلمهور مع النت�اجئ‪ .‬كما أنه شكل من أشكال املراوغة‪ ،‬فرجل الدعاية‬
‫يرفض توقع األفضل كي ال يثبت العكس فتت�أثر مصداقيت�ه‪ ،‬وحيبذ توقع األسوأ كي ال‬
‫يتضرر يف حال وقوع األفضل‪ .‬ومثال ذلك‪ ،‬قيام وسائل اإلعالم الفلسطيني�ة خبفض سقف‬
‫توقعات جناح لقاءات املصاحلة الفلسطيني�ة‪.‬‬

‫‪328‬‬
‫أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة‬

‫‪ .36‬أسلــــوب التهويـــــل واملبالغــــــة ‪:Exaggeration & Hyperbole‬تشــويه‬


‫احلقيقــة مــن خــال تضخيمهــا واملبالغــة فيهــا؛ ممــا يــؤدي إىل تكويــن انطبــاع زائــف‬
‫(مــط للحقيقــة)‪ ،‬بمعــى أن رجــل الدعايــة‬ ‫ّ‬ ‫حولهــا‪ .‬وهنــاك مــن يــرى فيهــا عمليــة‬
‫يكتفــي بعــرض جانــب معــن مــن جوانــب احلقيقــة‪ ،‬ليب ـ�دأ بعدهــا باملبالغــة والتضخيــم‬
‫(‪ .)Durham:2014‬ومــن أمثلتهــا‪ :‬قيــام وزيــر اخلارجيــة األمريكــي «كولــن بــاول» بتضخيــم‬
‫قــوة اجليــش العــرايق‪ ،‬عــر اتهامــه حبيــازة أســلحة للدمــار الشــامل‪ .‬وباإلشــارة إىل احلقيقــة‪،‬‬
‫فــإن اجليــش العــرايق كان يمتلــك أســلحة كيميائيـ�ة فقــط‪ ،‬ولكــن اإلدارة األمريكيــة عملــت‬
‫علــى تشــويه احلقيقــة واملبالغــة فيهــا عــر اتهامــه حبيــازة أســلحة نوويــة‪ ،‬مــن خــال‬
‫توظيفهــا املخــادع ملصطلــح «دمــار شــامل»‪.‬‬
‫‪ .37‬أسلوب التبرير ‪ :Justification‬ويعين تبرير املواقف بشكل منطقي ومقبول‪،‬‬
‫مع إخفاء األسباب احلقيقية (املوسوي والشجريي‪ .)2009:‬ويستخدم هذا األسلوب لتبرير‬
‫سياسات ال حتظى بقبول شعيب‪.‬‬
‫‪ .38‬أسلوب االفرتاض املسبق ‪ :Fallacy of Presupposition‬التشكيك يف قضية‬
‫ما‪ ،‬عرب إحراج الطرف اآلخر وإظهاره بمظهر املخادع أو املراوغ أو املحتال‪ .‬وهنا يقوم رجل‬
‫الدعاية بدعوة اخلصم لتفسري قضية ما زالت حتت البحث أو قيد اإلثب�ات‪ ،‬من خالل‬
‫طرحه الفرتاض مسبق‪ ،‬يسعى عربه النزتاع رأي أو توجه معني‪ ،‬مالئم ألهداف الدعاية‬
‫(‪ .)Orange Papers: n.d‬ومن أمثلتها‪ ،‬قيام وسيلة إعالمية بطرح افرتاض مسبق على‬
‫قيادي من حماس مفاده اآليت‪« :‬لو افرتضنا جناح جهود املصاحلة الوطني�ة‪ ،‬هل ستسلم‬
‫حماس سالحها للسلطة الشرعية»‪ .‬وبما أن املصاحلة لم تتم بعد‪ ،‬فالوسيلة اإلعالمية‬
‫ً‬
‫ستجد مدخل للجدال مع القيادي‪ ،‬من خالل حتديها له إثب�ات صدق نوايا حماس جتاه‬
‫املصاحلة عرب تسليمها للسالح‪ .‬ويف حال رفض القيادي احتمال تسليم السالح‪ ،‬عندها‬
‫ستعمل الوسيلة على التشكيك يف نوايا حماس‪ ،‬بالقول إنها تفضل مصلحتها اخلاصة‬
‫على حساب الوطن‪.‬‬
‫‪ .39‬أسلوب اخلداع بعلة وحيدة ‪ :The Fallacy of a Single Cause‬يقوم على ربط‬
‫النتيجة بعلة واحدة فقط (مسبب واحد)‪ ،‬مع جتاهل بايق األسباب اليت أسهمت فيها‪ .‬ومن‬
‫‪329‬‬
‫الفصــل اخلامس‬

‫أمثلتها أن تقوم وسيلة إعالمية باالدعاء أن أزمة رواتب املوظفني (نتيجة) كانت بسبب‬
‫سوء إدارة حماس للملف السيايس (مسبب واحد)‪ ،‬بينما تتجاهل بايق األسباب‪ ،‬مثل‬
‫احلصار املفروض على قطاع غزة‪ ،‬أو ختلي حكومة الوفاق عنهم‪.‬‬
‫‪ .40‬أسلوب التعايل (الزنعة الفوقية) ‪ :Superiority‬ادعاء بأن جهة ما أفضل من‬
‫ً‬
‫أخرى‪ ،‬وفق أسلوب يقوم على التعايل والتكرب‪ .‬وعادة ما تتب�اهى الشخصيات‪ ،‬واجلماعات‪،‬‬
‫ً‬
‫والدول‪ ،‬بأنها أرفع شأنا ومزنلة عن خصومها سواء يف‪ :‬العرق‪ ،‬االقتصاد‪ ،‬الثقافة‪ ،‬التاريخ‪،‬‬
‫القوة‪ ،‬االنفتاح‪ ،‬الذكاء‪ ....‬وهنا تعمد وسائل اإلعالم إىل تزيني كلماتها بلغة فوقية خالل‬
‫هجومها على أحد اخلصوم‪ .‬ويشيع استخدامه يف الربامج احلوارية وبرامج الـ ‪،Talk Show‬‬
‫ً‬
‫ومقاالت الرأي‪ .‬ومن أمثلته‪ :‬قول أحد املذيعني العرب «انتو مني أصل (غزة)؟‪ ،‬انتو مش‬
‫عارفني احنا مني؟‪ ...‬دحنا نمسحكم يف ثاني�ة‪ ،‬انتو وال حاجة»‪.‬‬
‫‪ .41‬أسلوب أهون الشرور ‪ :Least of Evils‬االدعاء بأن اخليارات والبدائل املطروحة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫سيئ�ة بمجملها وغري مرغوب فيها؛ إال أن تبين أحدها سيؤدي إىل نت�اجئ أقل سوءا أو أقل ثمنا‬
‫ً‬
‫(‪ .)Constitution Society: n.d‬وعادة ما ُيستخدم هذا األسلوب لتبرير توجهات عنيفة ضد‬
‫جهة ما‪ ،‬أو وضع قيود على احلريات العامة والشخصية‪ .‬كما يستخدم بالتوازي مع أسلوب‬
‫المتخذة‪ .‬ومثال ذلك‪:‬‬‫كبش الفداء؛ وذلك بهدف وضع اللوم على جهة بذاتها لتبرير التدابري ُ‬
‫«قيام وسائل اإلعالم اململوكة للسلطة الفلسطيني�ة بتبرير «التنسيق األمين» بكونه أقل‬
‫سوءا‪ ،‬حيث إن البدائل (إلغائها) ستؤدي إىل انهيار السلطة‪ ،‬وذلك بسبب النهج‬ ‫اخليارات ً‬
‫التدمريي لـ «إسرائي�ل» ‪.‬‬
‫‪ .42‬أسلوب توقع املستقبل ‪ :Assume Future or Future Results‬أسلوب قائم‬
‫ً‬
‫على توقع أحداث مستقبلية معين�ة‪ ،‬أو نت�اجئ قد تقع مستقبل‪ .‬ويستفيد رجل الدعاية‬
‫ً‬ ‫من مختلف القضايا واألحداث والتجارب اليت يعايشها اجلمهور ً‬
‫حاليا أو عايشها سابقا‪،‬‬
‫من أجل رسم صورة مستقبلية معين�ة يف أذهانهم توافق أهدافه‪ .‬ومثال ذلك‪ ،‬قيام بعض‬
‫وسائل اإلعالم الفلسطيني�ة برسم صورة قاتمة ملستقبل سكان قطاع غزة‪ ،‬خاصة مع‬
‫ً‬
‫استمرار حكم حماس‪ .‬وعادة ما يتم استخدام هذا األسلوب بطريقة سلبي�ة‪ ،‬لتحريض‬
‫ّ‬
‫حتمية املستقبل املنظور‪.‬‬ ‫اجلماهري من أجل تغيري الواقع‪ ،‬وبالتايل تغيري‬

‫‪330‬‬
‫أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة‬

‫‪ .43‬أسلوب الهجوم ‪ :Attack‬الهجوم على شخصية أو جماعة بشكل مباشر أو غري‬


‫مباشر‪ .‬ويتضمن هذا األسلوب نوعني‪:‬‬
‫‪ -‬الهجوم غري املباشر (‪ :Apophasis (Paralipsis‬الهجوم على شخصية أو جماعة‬
‫بشكل منمق من خالل ادعاء املهاجم عدم نيت�ه إثارة موضوع ما‪ ،‬إال أنه يأيت على ذكره بشكل‬
‫غري مباشر (مقصود)‪ .‬بمعىن آخر‪ ،‬ادعاء شخص عدم نيت�ه التطرق إىل موضوع ما‪ ،‬ولكنه يف‬
‫احلقيقة أشار إليه بطريقة غري مباشرة‪ ،‬وهنا خيتئب الشخص وراء ستار (الني�ة احلسنة)‬
‫لشن هجومه غري املباشر‪ .‬ويشيع استخدام هذا األسلوب يف املناظرات التلفزيوني�ة‪ ،‬أو‬
‫كتابات الرأي‪ .‬ومن أمثلتها‪ :‬يقوم كاتب رأي ما بالقول‪« :‬لن أشري إىل انتهاكات حماس حبق‬
‫ً‬
‫أفراد فتح‪ ،‬ولكنين أدعوها إىل تغليب املصلحة الوطني�ة»‪ ،‬أو «بعيدا عن ممارسات فتح‬
‫حبق املقاومة يف الضفة‪ ،‬على الرئيس محمود عباس إعادة ترتيب البيت الفلسطيين»‪.‬‬
‫‪ -‬الهجوم املباشر (اغتي�ال الشخصية)‪:Ad Hominem, Character Assassination‬‬
‫يقوم على شن هجوم مباشر على اخلصم يف حال تبني�ه ألفكار ومواقف تتعارض مع جهة‬
‫الدعاية‪ .‬وهنا تقوم الوسيلة اإلعالمية بإغفال املعاجلة العقالني�ة واحلوار الهادف‪ ،‬لتب�اشر‬
‫وشرسا‪ ،‬تشكك عربه يف مصداقية اخلصم‪ ،‬ودوافعه‪ ،‬وشخصيت�ه‪ ،‬وكل‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫مباشرا‬ ‫ً‬
‫هجوما‬
‫معنويا أمام اجلمهور‪ .‬بمعىن أن اخلصم هو الذي يتعرض للهجوم؛ ال‬ ‫ً‬ ‫ما يمكن أن يغتاله‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫الفكرة (‪ .)Boaz:2011‬وعادة ما يستخدم هذا األسلوب خالل حلقات النقاش التلفزيوني�ة‪،‬‬
‫أو مواد الرأي الصحفية‪ ،‬ومن أمثلتها‪ :‬السباب والشتائم واملزاودات اليت يتب�ادلها ضيوف‬
‫برنامج فيصل القاسم «االجتاه املعاكس» على قناة اجلزيرة الفضائي�ة‪.‬‬
‫‪ .44‬أسلوب اإلطراء املخادع ‪ :Deceitful Flattery‬إثارة مشاعر الغرور عند األفراد‬
‫أو اجلماعات أو الدول من أجل قبول طرح ما‪ ،‬أو تعزيز تصرف معني‪ .‬بمعىن آخر‪ ،‬يستخدم‬
‫رجل الدعاية اإلطراء والثن�اء لإلشادة جبهة ما‪ ،‬من أجل حفزها على قبول أطروحاته‪ ،‬أو حثها‬
‫على االستمرار يف مسارها احلايل (‪ .)Orange Papers: n.d‬وخري مثال على هذا األسلوب‪ ،‬ما‬
‫تقوم به «إسرائي�ل» مع السلطة الفلسطيني�ة‪ .‬حيث دأبت على اإلشادة جبهودها األمني�ة‬
‫يف صد وقمع أي محاولة تهدف للمس بأمن «إسرائي�ل»‪ ،‬أو يمكن أن تعود بالضرر على‬

‫‪331‬‬
‫الفصــل اخلامس‬

‫اتفاقية السالم املوقعة‪ .‬ويمكن القول‪ ،‬إن األسلوب مالئم جلهود الفرقة والوقيعة بني‬
‫الكيانات املتن�افسة‪.‬‬
‫‪ .45‬أسلوب نزع الشرعية ‪ :Delegitimization‬يعين نزع الشرعية عن حقيقة ما‪ ،‬أو‬
‫خصم معني‪ .‬ويتضمن هذا األسلوب نوعني‪:‬‬
‫‪ -‬نزع الشرعية عن احلقائق ‪ :Spurious Delegitimization of Evidence‬التشكيك‬
‫يف شرعية بعض احلقائق واألدلة (املزعجة ألطراف معين�ة) من خالل انتهاج عدد من‬
‫التكنيكيات على الشكل اآليت‪:‬‬
‫‌أ‪ .‬تكنيك املبين للمجهول ‪ :Passive Voice‬ومثالها‪« :‬االنتخابات الفلسطيني�ة‬
‫مشكوك يف نت�اجئها»‪ .‬من الذي شكك يف نت�اجئها‪ ،‬ومىت‪ ،‬وأين‪ ،‬وكيف‪.‬‬
‫‌ب‪ .‬تكنيك العامل الزمين ‪ :Dismiss by Antiquity‬رفض أو نزع الشرعية عن‬
‫ّ‬
‫حقيقة لقدمها‪ ،‬مثل‪« :‬اتفاق القاهرة عدى عليه الزمن‪ ،‬لنبحث عن آخر جديد»‪.‬‬
‫‌ج‪ .‬تكنيك شن الهجوم ‪ :Ad Hominem‬نزع الشرعية عن حقيقة معين�ة من خالل‬
‫الهجوم املباشر عليها أو على صاحبها‪ .‬ومثالها‪« :‬أنت تنتقد سوء معاملة «إسرائي�ل»‬
‫ومعاد للسامية»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫للشعب الفلسطيين ألنك عنصري‬
‫‌د‪ .‬تكنيك االستشهاد ‪ :Testimonial‬نزع الشرعية عرب االستشهاد بتجارب حية‪ ،‬أو‬
‫أحداث‪ ،‬أو آراء مختصني‪ ،‬أو عرب نصوص قانوني�ة‪ ،‬أو تشريعية‪ ،‬أو ديني�ة‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫‌ه‪ .‬تكنيك اإلجماع ‪ :Consent‬نزع شرعية يشء ألن الغالبي�ة تقر بهذه احلقيقة‪.‬‬
‫ومثالها‪« :‬اجلميع يعتقد أن حماس ضد اإلجماع الوطين»‪.‬‬
‫ ‪ -‬نزع الشرعية عن اخلصم ‪ :Delegitimize One›s Opponent‬نزع صفة اإلنساني�ة‪،‬‬
‫والقانوني�ة‪ ،‬والشرعية‪ ،‬عن شخص‪ ،‬أو حزب‪ ،‬أو جماعة‪ ،‬عرب التشكيك بأن أفعالها‬
‫وتصرفاتها وأهدافها تن�اقض وتنتهك أبسط القيم والسلوكيات واألعراف االجتماعية‬
‫السائدة‪ .‬وهو خيتلف عن النوع األول يف كونه يتوجه إىل شرعية اخلصم ال شرعية احلقيقة‪،‬‬
‫من خالل التشكيك بكينونت�ه وأطروحاته وأفكاره ومطالباته وقدراته‪ .‬ويشيع استخدامه‬

‫‪332‬‬
‫أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة‬

‫خالل األزمات اليت تن�دلع بني األطراف السياسية‪ ،‬وبالتحديد عندما يشعر أحد أطراف‬
‫الزناع أن أهدافه وخططه عرضة للتهديد من قبل اخلصم‪ .‬من زاوية أخرى‪ ،‬يتم تنفيذ هذا‬
‫النوع بانتهاج عدد من التكنيكيات على الشكل اآليت (‪:)Bar-Tal:2014‬‬
‫‌أ‪ .‬نزع الصفة اإلنساني�ة ‪ :Dehumanization‬استخدام مصطلحات جتسد اخلصم‬
‫«كحيوان»‪ ،‬مثل‪ :‬هميج‪ ،‬متوحش‪ ،‬بربري‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫‌ب‪ .‬الوسم بالسمات ‪ :Trait Characterization‬نعت اخلصم بسمات وأوصاف‬
‫شديدة السلبي�ة ومرفوضة داخل مجتمع ما‪ ،‬مثل‪ :‬قاتل‪ ،‬إرهايب‪ ،‬متآمر‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫‌ج‪ .‬النب�ذ بالتشبي�ه والربط ‪ :Out-Casting & Transfer‬نب�ذ اخلصم عرب تشبيهه أو‬
‫ربطه بشخصيات وجماعات سياسية أو اجتماعية‪ ،‬يرى فيها اآلخر أنها تنتهك أو ختالف‬
‫األعراف والسلوكيات والقيم السائدة‪ ،‬مثل‪ :‬نازي‪ ،‬فايش‪ ،‬شيوعي‪ ،‬إخواين‪ ...‬إلخ‪ .‬ونالحظ‬
‫هنا‪ ،‬إمكاني�ة إدراج التكنيكيات السالفة حتت أسلوب القوالب النمطية‪ ،‬فهي ال ختتلف‬
‫عنها ً‬
‫كثريا‪ .‬ومن أمثلتها‪« :‬هؤالء املحتجون ما هم إال مجموعة من الشباب املغرر بهم‬
‫لصالح أجندة معين�ة»‪« ،‬احتجاجات حماس اجلماهريية ضد إغالق معرب رفح جزء من‬
‫مؤامرة إلحراج مصر أمام العرب»‪.‬‬
‫ و يمكن رصد مخاطر استخدام هذا األسلوب يف اآليت‪:‬‬
‫‪ -‬تعاظم الزناع واخلالف بني األطراف‪ ،‬األمر الذي يسهم يف ترسيخ انطباع بأن كل‬
‫طرف حياول تصفية اآلخر ونفيه عن الوجود‪( .‬اختفاء صيغة التعايش املشرتك)‪.‬‬
‫‪ -‬صعوبة تسكني حدة اخلالفات‪ ،‬خاصة مع استمرار جهود نزع الشرعية‪ ،‬وتوصيف‬
‫كل طرف لآلخر بأنماط شديدة السلبي�ة‪ ،‬األمر الذي يؤدي إىل تفيش مشاعر الكره والبغضاء‬
‫بني أفراد كل جماعة جتاه اآلخر‪.‬‬
‫‪ -‬تؤدي إىل قولبة جميع أعضاء اجلماعة ‪-‬اليت تتعرض جلهود نزع الشرعية ‪-‬ضمن‬
‫كينونة واحدة‪ ،‬حبيث ال تسمح بربوز اآلراء األخرى أو املختلفة داخلها‪ .‬واملقصود هنا أنها‬
‫تعمل على خلق جتانس فكري بني أفراد اجلماعة‪ ،‬حبيث تعرقل ظهور أصحاب الرأي‬
‫ً‬
‫خروجا عن االجتاه املهيمن‪.‬‬ ‫والنظرة املختلفة‪ ،‬باعتب�ارها‬

‫‪333‬‬
‫الفصــل اخلامس‬

‫‪ -‬تصليب انطباعات اجلمهور حول اجلماعة لفرتات طويلة‪ ،‬حبيث يصعب‬


‫التخلص منها طالما استمر الزناع‪.‬‬
‫ ‪ -‬تفريخ جيل من األفراد ال يؤمن بالتعايش مع اآلخر‪ ،‬إال وفق شروطه‪.‬‬
‫وخري مثال نورده عن هذا األسلوب‪ ،‬ما تقوم به وسائل إعالم حركيت فتح وحماس من‬
‫محاوالت لزنع شرعية اآلخر‪ .‬وهو اجلهد الذي أدى إىل بروز صورة نمطية شديدة السلبي�ة‬
‫بينهما حرجة (على األقل يف الوقت‬‫وجعل من فرص التعايش ُ‬ ‫عند كل طرف جتاه اآلخر‪َ ،‬‬
‫احلاضر)‪ .‬كما كان لهذا األسلوب أثره على أفراد كل حركة‪ ،‬حبيث تفشت لغة التخوين‬
‫واإلقصاء‪ ،‬وصار بروز أصحاب الرأي اآلخر داخل كل جماعة ً‬
‫حتديا الجتاهات األغلبي�ة‪.‬‬
‫‪ .46‬أسلوب التعميم ‪ :Generalize‬تعميم حكم أو نتيجة أو رأي أو استقراء دون‬
‫كاف على صدقه‪ .‬وهنا يقوم رجل الدعاية بإصدار تعميمات‬ ‫تقديم برهان أو دليل عليم ٍ‬
‫نهائي�ة من خالل االعتماد على حد أدىن من املعلومات واحلقائق‪ .‬ومن تكنيكاته اآليت‪:‬‬
‫‌أ‪ .‬تكنيك االستشهاد ‪ :Testimonial‬تقوم وسيلة إعالمية باستضافة ثالثة شبان من‬
‫قطاع غزة للحديث عن واقع الشباب الفلسطيين؛ وبعد أن يقرر الشباب أن الوضع سئي‪،‬‬
‫تقوم الوسيلة بإصدار حكم وتعميم نهايئ بأن واقع كل الشباب الفلسطيين يف غزة سئي‪ ،‬من‬
‫خالل االستشهاد برأي ثالثة شبان فقط‪.‬‬
‫‌ب‪ .‬تكنيك اختي�ار حالة ‪ :Case‬وتعين اختي�ار حالة أو مثال لتعميم حكم على قضية أو‬
‫جماعة‪ .‬ومثال ذلك‪ :‬تقوم وسيلة إعالمية بالرتكزي على قضية «مصعب حسن يوسف»‪،‬‬
‫إلصدار حكم نهايئ أن حركة حماس هي صناعة صهيوني�ة‪.‬‬
‫‌ج‪ .‬تكنيك القوالب النمطية ‪ :Stereotypes‬استدعاء القالب النمطي الدال على‬
‫شخص أو جماعة معين�ة‪ ،‬لتعميم حكم ما‪ .‬ومثال ذلك‪ :‬تقوم وسائل اإلعالم السعودية‬
‫بالقول إن حركة حماس إرهابي�ة‪ ،‬لذلك ال يستطيع النظام السعودي التعامل معها‪.‬‬
‫‌د‪ .‬تكنيك إثب�ات التعميم ‪ :Proof by Anecdote‬مغالطة تهدف إىل إثب�ات التعميم‬
‫الصادر حبق شخص أو قضية من خالل إيراد أمثلة وأحداث تؤكد عليها (يف العادة ال تكون‬
‫األمثلة حقيقية أو صادقة‪ ،‬أو أن يتم جتاهل أحداث تنفيها)‪ .‬ومثال ذلك‪ :‬تقوم وسائل‬

‫‪334‬‬
‫أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة‬

‫ً‬
‫اإلعالم املصرية بإصدار حكم أو تعميم بأن حركة حماس إرهابي�ة‪ ،‬ثم تورد مثال للتأكيد‬
‫على صحة تعميمها بالقول إن حماس هي من قتلت اجلنود املصريني خالل شهر رمضان‪.‬‬
‫‪ .47‬أسلوب ادعاء املعرفة احلصرية ‪ :Special & Secret Knowledge‬االدعاء‬
‫حبيازة معلومات سرية أو حصرية تربر املوقف ُ‬
‫المتخذ جتاه قضية ما‪ .‬وهنا يقوم رجل‬
‫الدعاية بالتالعب باجلمهور من خالل إثارة إحساسه باجلهل ألجل حتصيل قبوله‪ ،‬أو على‬
‫األقل عدم معارضة موقفه‪ .‬ومن أمثلتها‪« :‬أن يقوم كاتب مصري باالدعاء أن حماس هي‬
‫من قتلت اجلنود يف سين�اء‪ ،‬وأن اتهامه مبين على معلومات سرية»‪ ،‬أو «أن يقوم كاتب‬
‫مقال بالتحذير من عملية إرهابي�ة ستنفذها جهة معين�ة بن�اء على معلومات سرية حصل‬
‫ً‬
‫عليها»‪ .‬ونالحظ أن هذا األسلوب ال يلمح إطالقا إىل جهة أو مصدر املعلومات‪ ،‬ولكنه‬
‫ً‬
‫يكتفي باإلشارة إىل سريتها وحصريتها‪ .‬وعادة ما يشيع استخدامه يف مقاالت الرأي‪،‬‬
‫واحلوارات التلفزيوني�ة‪ ،‬واملقابالت املباشرة‪ ،‬أو حىت يف النشرات اإلخبارية واخلطابات‬
‫السياسية‪ .‬كما ين�درج حتت هذا األسلوب‪ ،‬عدد من األساليب الفرعية‪ ،‬على الشكل اآليت‪:‬‬
‫‌أ‪ .‬االدعاء بدون دليل ‪ :Unsupported Claim‬طرح ادعاء غري مدعوم بأدلة أو براهني‪.‬‬
‫ومثال ذلك‪ ،‬أن يدعي رجل سيايس‪« :‬أن بني يديه قائمة من ‪ 25‬شخصية تتحمل مسؤولية‬
‫قتل املتظاهرين»‪ .‬وهنا يتحاىش صاحب االدعاء اإلعالن عن أسماء األشخاص؛ ألنها‬
‫ً‬
‫أصل غري حقيقية‪ ،‬ولكنه يكتفي بالتلويح بها كنوع من التأكيد‪.‬‬
‫‌ب‪ .‬الدليل املزيف ‪ :Imaginary Evidence‬يعتمد على أدلة مزيفة لدعم حجة أو‬
‫ادعاء‪ .‬كما يشمل إساءة قراءة نت�اجئ دراسات وأحباث علمية من أجل إسناد االدعاء‪ .‬ومن‬
‫أمثلتها‪« :‬أثبتت الدراسات العلمية أن طريقة زراعة الطماطم يف قطاع غزة تؤدي إىل‬
‫اإلصابة بالسرطان»‪ .‬وهنا يتحاىش رجل الدعاية حتديد نوع الدراسة أو ذكر اسم صاحبها‪،‬‬
‫أو املؤسسة الصادرة عنها‪ ،‬حبيث يعتمد على بريق «العلم» من أجل التحايل على اجلمهور‪.‬‬
‫‪ .48‬أسلوب االستهزاء باخلصم ‪ :Mocking the Opponent‬احلط من قدر اخلصم‪،‬‬
‫عرب االستهزاء به‪ ،‬وبقدراته‪ ،‬وأفكاره‪ ،‬وأفعاله‪ ،‬وكل ما يصدر عنه‪ .‬وهنا تعتمد وسائل‬
‫اإلعالم على عدد من التكنيكيات يف توظيف األسلوب على الشكل اآليت‪:‬‬

‫‪335‬‬
‫الفصــل اخلامس‬

‫‌أ‪ .‬التنكري‪ :‬وتعين قيام وسائل اإلعالم بإظهار اخلصم وكأنه نكرة‪ .‬ومثال ذلك‪« :‬ما‬
‫تسىم حبركة حماس»‪ ،‬أو «ما تسىم بكتائب القسام»‪.‬‬
‫‌ب‪ .‬السخرية‪ :‬وتعين احلط من قدر اخلصم باستخدام النكات‪ ،‬أو عرب التقليد‬
‫واملحاكاة‪ .‬ومثال ذلك برامج الـ ‪ ،Talk Show‬مثل «برنامج باسم يوسف»‪.‬‬
‫‌ج‪ .‬توظيف املصطلحات والكلمات‪ :‬وتعين استخدام كلمات ومصطلحات دالة على‬
‫توجه ساخر حنو اخلصم‪ ،‬مثل‪« :‬طائرات إف ‪ 16‬القسامية‪ ،‬املواسري الطائرة»‪.‬‬
‫‌د ‪ .‬توظيف الصور والرسوم والكاريكاتري‪ :‬مشابه للتكنيك السابق‪ ،‬لكنه خيتلف‬
‫يف الفن‪.‬‬
‫‪ .49‬أسلوب الطرف الثالث ‪ :Third Party Technique‬يعتمد على مبدأ ميل‬
‫اجلمهور حنو حتصيل املعلومات واآلراء حول قضية خالفية ما عن طريق جهة مستقلة‬
‫وحيادية‪ .‬لذلك‪ ،‬فهو يبتعد (اجلمهور) عن اجلهات اليت يعتقد أنها تتلاعب باملعلومات‬
‫والنت�اجئ لصالح تعزيز وجهة نظرها‪ .‬وهنا يقوم رجل الدعاية بنشر معلوماته أو حجته عن‬
‫طريق طرف ثالث‪ ،‬يظن اجلمهور أنه مستقل وذو مصداقية‪ .‬ومن تكنيكيات هذا األسلوب‬
‫(‪:)Durham:2014‬‬
‫‌أ‪ .‬استخدام الصحفيني ‪ :Hiring Journalists‬توظيف صحفيني داخل مؤسسة‬
‫إعالمية ذات مصداقية من أجل تبين كتابات وآراء تتفق مع توجهات رجل الدعاية‪ ،‬وبالتايل‬
‫نشرها‪.‬‬
‫‌ب‪ .‬استغالل المال واإلعالن والسلطة ‪ :Money, Advertising & Power‬وذلك‬
‫للضغط على مؤسسات إعالمية ذات مصداقية من أجل تبين وجهة نظر معين�ة‪.‬‬
‫‌ج‪ .‬توظيف مؤسسات استطالع الرأي ‪ :Opinion Polls‬عرب الدفع بها من أجل تبين‬
‫استطالعات رأي مزورة أو متالعب بها‪ ،‬لتحقيق أهداف الدعاية‪.‬‬
‫‌د‪ .‬توظيف مراكز الدراسات واألحباث ‪ :Think Tanks‬عرب الدفع بها إلعداد تقارير‬
‫ودراسات تتوافق مع رأي وحجة رجل الدعاية‪.‬‬

‫‪336‬‬
‫أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة‬

‫‪ .50‬أسلوب المأزق املزدوج ‪ :Double Bind‬موقف جتد فيه اجلماعات نفسها‬


‫مرغمة على اختي�ار بدائل صعبة وغري مرضية؛ بمعىن آخر‪ ،‬مجابهتها خبيارات متن�اقضة‪،‬‬
‫تلحق بها الضرر بكل األحوال (خياران أحالهما مر)‪ .‬ومن أمثلة هذا األسلوب؛ ما تقوم به‬
‫«إسرائي�ل» مع السلطة الفلسطيني�ة‪ ،‬بتخيريها بني السالم معها‪ ،‬أو الوحدة مع حماس‪.‬‬
‫ُ‬
‫ففي حال اختارت األوىل ستتهم باخليانة‪ ،‬وبالتايل ختسر شعبها‪ ،‬أما إذا اختارت الثاني�ة‬
‫فستتعرض للحصار والتدمري والتجويع‪ ،‬وربما االنهيار‪.‬‬
‫‪ .51‬أسلوب تمرير كذبة باالنتقال املفاجـئ ‪ :Hypnotic Bait and Switch‬التحايل‬
‫عرب إيراد احلقائق بشكل منطقي متسلسل‪ ،‬ومن ثم اعرتاضها (فجأة) بمعلومة كاذبة‬
‫دون أن يشعر القارئ بذلك‪ .‬وهذا األسلوب يعتمد على تدفق احلقائق لإليقاع بالقارئ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫(طعم ‪ .)Bait‬فخالل انتقاله من حقيقة إىل أخرى وإقراره بصحة كل منها‪ ،‬يتملك القارئ‬
‫ً‬ ‫ٌ‬
‫شعور باالطمئن�ان جتاه بايق القصة (تنويم ‪ ،)Hypnotic‬وأن املعلومات اليت سرتد الحقا‬
‫ً‬
‫حقيقية وغري مشكوك فيها‪ .‬وهنا حتديدا يتم تمرير الكذبة‪ ،‬عرب التحول الفجايئ عن‬
‫احلقائق (االنتقال ‪ ،)Switch‬وإيراد املعلومة الكاذبة اليت يريد رجل الدعاية تثبيتها‪.‬‬
‫وهنا ال يشعر القارئ أنه تعرض للخداع؛ ألن حواسه خضعت للتخدير منذ البداية‪.‬‬
‫والشكل التايل يوضح آلية عمل هذا األسلوب‪:‬‬
‫شكل يوضح أسلوب تمرير كذبة باالنتقال املفائج‬

‫ﺣﻘﻴﻘﺔ�‪1‬‬
‫ﺗﺪﻓﻖ�ﻳ�ﺘﺞ‬
‫ﻋﻨﮫ�ﺗﺨﺪﻳﺮ‬
‫ﺣﻘﻴﻘﺔ�‪2‬‬

‫ﺣﻘﻴﻘﺔ�‪3‬‬

‫اﻻﻧﺘﻘﺎل�‬
‫اﻟﻜﺬﺑـﺔ‬

‫ﺣﻘﻴﻘﺔ�‪4‬‬

‫املصدر‪( :‬املؤلف نفسه)‬

‫‪337‬‬
‫الفصــل اخلامس‬

‫‪ .52‬أسلوب التذرع بالوطني�ة ‪ :Flag waving‬يلجأ رجل الدعاية إىل املشاعر القومية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫منافيا لها‪ .‬وين�درج‬ ‫أو الوطني�ة ليدعم بها حجته أو موقفه‪ ،‬أو ليقوض موقفا آخر باعتب�اره‬
‫حتت هذا األسلوب التلويح بأي رمز أو التلفح بأي راية‪ :‬سياسية‪ ،‬أو مذهبي�ة‪ ،‬أو ديني�ة‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حني يكون ذلك افتعال وتكلفا غري ذي صلة باحلجة املعني�ة (مصطفى‪ .)2007:‬ومن أمثلته‪:‬‬
‫أن تدعي حركة فتح اآليت‪ :‬ليس من الوطني�ة أن تمنع حركة حماس أبن�اء فتح من ممارسة‬
‫حقهم يف املقاومة املسلحة!!! أو أن تتهم السلطة الفلسطيني�ة حركة حماس بمغادرة مربع‬
‫الوطني�ة عرب تبنيها ألجندات خارجية‪.‬‬
‫‪ .53‬أسلوب اإليهام باإلجماع ‪ :Illusion Consent‬إيهام اآلخر بأن قضية‪ ،‬أو ً‬
‫رأيا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فكرة‪ ،‬أو ً‬
‫استقراء‪ ،‬أو سياسة‪ ،‬حتظى بإجماع وقبول جماهريي‪ .‬وهو‬ ‫قرارا‪ ،‬أو دعوة‪ ،‬أو‬ ‫أو‬
‫مشابه لـــ «أسلوب اللحاق بالركب»‪ ،‬إال أنه خيتلف عنه يف أن األخري أسلوب ترجيح حلشد‬
‫ً‬
‫موضوعا ما حيظى بإجماع‬ ‫اجلمهور مع جهة ما‪ ،‬أما األول فهو أسلوب خداع لإليهام بأن‬
‫بني اجلماهري‪ .‬وبغض النظر عن الفروقات‪ ،‬فكالهما يكمل اآلخر‪ .‬ومن تكنيكيات هذا‬
‫األسلوب‪:‬‬
‫‌أ‪ .‬استخدام كلمات دالة على حالة إجماع‪ :‬مثل‪ :‬حنن‪ ،‬كل‪ ،‬معظم‪ ،‬غالبي�ة‪ ...‬إلخ‪ .‬ومن‬
‫أمثلته‪ ،‬أن يصرح أحد املسؤولني «أن غالبي�ة الشعب الفلسطيين مع توجهات محمود‬
‫عباس السياسية»‪ ،‬أو «حنن كشعب فلسطيين ال نقبل تدخل قطر يف الشأن الداخلي»‪.‬‬
‫‌ب‪ .‬الكذب باستخدام اإلحصاءات ‪ :Lie with Statistics‬وهو أحد تكنيكيات الكذب؛‬
‫إال أنه يستخدم يف محاوالت اإليهام‪ .‬ومن أمثلته‪ ،‬أن تقوم مؤسسة إعالمية بالقول‪« :‬أكرث‬
‫من ‪ 90%‬من سكان قطاع غزة مع وقف املقاومة»‪ ،‬أو «‪ 80%‬من سكان غزة يعتقدون أن‬
‫حماس تت�دخل يف الشأن املصري»‪.‬‬
‫‪.54‬أسلوب إلقاء اللوم ‪ :Blame‬حتميل اآلخرين مسؤولية أحداث ووقائع ال عالقة‬
‫لهم بها‪ ،‬أو لم يتسببوا وحدهم حبدوثها‪ ،‬هي يف األصل من تنفيذ جهة الدعاية أو جهة‬
‫أخرى‪ .‬وهنا يقوم رجل الدعاية بإلقاء اللوم على اآلخرين لتبرير أخطائه وزالته‪ .‬ويتضمن‬
‫هذا األسلوب عدة تكنيكيات على الشكل اآليت‪:‬‬

‫‪338‬‬
‫أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة‬

‫‌أ‪ .‬تكنيــك كبــش الفــداء ‪ :Blame a Scapegoat‬إلقــاء اللــوم علــى شــخص أو جماعــة‬
‫معلــويم الهويــة لــدى اجلمهــور‪ .‬ومثــال ذلــك‪ ،‬اتهــام فتــح حلمــاس بأنهــا ســبب تشــقق‬
‫البيــت الفتحــاوي‪.‬‬
‫‌ب‪ .‬تكنيــك لــوم الضحيــة ‪ :Blame the victim‬عنــد وقــوع جريمــة أو مجــزرة أو‬
‫ً‬
‫واقعــة اغتصــاب أو اغتيــ�ال‪ ...‬يعمــد رجــل الدعايــة إىل إلقــاء اللــوم علــى الضحيــة بــدل‬
‫عــن منفذهــا‪ ،‬بمعــى حتميــل الضحيــة مســؤولية اخلطــأ‪ .‬ومثــال ذلــك‪ ،‬قيــام الســلطات‬
‫املصريــة بتحميــل معتصــي رابعــة مســؤولية املجــزرة الــي وقعــت حبقهــم‪.‬‬
‫‌ج‪ .‬تكنيــك اللــوم بالعمــوم ‪ :Blame Anybody Else‬وهــو مشــابه للتكنيــك األول؛ إال‬
‫أنــه خيتلــف مــن ناحيــة أن اللــوم يوجــه إىل جهــة غــر معلومــة (عامــة)‪ .‬ومثــال ذلــك‪ ،‬إلقــاء‬
‫الســطات األمريكيــة اللــوم علــى اإلرهــاب لتبريــر حمــات التصنــت علــى املواطنــن‪.‬‬
‫‪ .55‬أســلوب التحريــض (التهييــج) ‪ :Agitate‬وهــو مخاطبــة العواطــف‪ ،‬مــن أجــل‬
‫إشــعال حماســة اجلماهــر‪ ،‬وحتفزيهــا باجتــاه تبــي فعــل أو حــراك‪ ،‬يتوافــق مــع هــدف‬
‫ً‬
‫الدعايــة‪ .‬وعــادة مــا ُيوظــف بهــدف تغيــر الوضــع القائــم‪ ،‬عــر حشــد اجلماهــر ضــد نظــام‬
‫حكــم‪ ،‬أو جماعــة‪ ،‬أو معتقــد‪ ،‬أو سياســة‪ .‬وهنــا يعمــد رجــل الدعايــة إىل تأجيــج مشــاعر‬
‫الغضــب‪ ،‬والكراهيــة‪ ،‬والرفــض‪ ،‬والظلــم لــدى اجلمهــور‪ ،‬وبالتــايل حتفــزه للقيــام حبــراك‬
‫فعلــي يــؤدي إىل تغيــر صــورة املشــهد الراهــن‪ .‬وتعــد حــاالت العصيــان املــدين‪ ،‬والتمــرد‪،‬‬
‫واالنتفاضــة الشــعبي�ة‪ ،‬واملظاهــرات‪ ،‬واالعتصامــات‪ ،‬مــن التحــركات الــي قــد يلجــأ لهــا‬
‫اجلمهــور لتحقيــق التغيــر‪ .‬أمــا يف املمارســة اإلعالميــة‪ ،‬فالتحريــض ُينفــذ بتكنيكيــات علــى‬
‫الشــكل اآليت (‪:)Ellul:1971‬‬
‫‌أ‪ .‬التعاطــي الســليب ‪ :Negativism‬تركــز وســائل اإلعــام علــى املمارســات الســلبي�ة‬
‫الــي تؤثــر يف حيــاة األفــراد‪ ،‬وتتجاهــل أي ممارســات إجيابيــ�ة أخــرى‪ ،‬مثــل‪ :‬حــاالت‬
‫االضطهــاد والقمــع‪ ،‬والفقــر والعــوز‪ ،‬وســوء قطاعــات التعليــم والصحــة‪ ...‬إلــخ‪.‬‬
‫‌ب‪ .‬التكــرار ‪ :Repetition‬تعمــد وســائل اإلعــام علــى تكــرار نمــط تغطيتهــا الســليب‪،‬‬
‫كمــا تتعمــد تكــرار املطالبــات بإصــاح الوضــع القائــم‪ ،‬حــى تســتقر يف وجــدان اجلماهــر‪.‬‬

‫‪339‬‬
‫الفصــل اخلامس‬

‫‌ج‪ .‬االستشــهاد ‪ :Testimonial‬تؤكــد وســائل اإلعــام علــى ســوء حالــة األفــراد عــر‬
‫االستشــهاد بــآراء بعضهــم‪ ،‬ســواء عــر املقابــات الشــخصية أو بالقصــص الصحفيــة‪.‬‬
‫‌د‪ .‬حتديــد مصــدر املعانــاة ‪ :Pinpointing the Enemy‬تقــوم وســائل اإلعــام بتحديــد‬
‫ً‬
‫ـام احلكــم‪ ،‬أو وزيـ ًـرا فاســدا‪ ...‬إلــخ‪.‬‬
‫ســبب معانــاة املواطنــن‪ ،‬ســواء كان نظـ َ‬

‫‌ه‪ .‬التحريــض باجتــاه الفعــل ‪ :Acting‬تبــ�دأ وســائل اإلعــام بتبــي لغــة حتريضيــة‬
‫تدعــو اجلمهــور إىل تغيــر واقعــه وأخــذ أقــداره بيـ�ده‪ .‬وليــس بالضــرورة أن تمــارس وســائل‬
‫اإلعــام دعــوات التحريــض بشــكل صريــح؛ بــل يمكــن أن تكتفــي بالتلميحــات فقــط‪.‬‬
‫‌و‪ .‬التحريــض بإثــارة شــعور العــار ?‪ :Are You Afraid‬تعــي اتهــام األفــراد باخلــوف‬
‫واجلــن بهــدف إشــعال مشــاعر العــار‪ ،‬واخلجــل‪ ،‬واإلحــراج‪ ،‬يف نفوســهم‪ .‬وهــذا التكنيــك‬
‫نــوع مــن التحريــض املباشــر‪ ،‬ألن الفــرد يرفــض أن ُيتهــم باجلــن‪ ،‬وبالتــايل هــو مســتعد‬
‫لتنفيــذ أي يشء إلثبـ�ات عكــس ذلــك‪ .‬وقــد ينجــح هــذا التكنيــك يف اإلقنــاع علــى املســتوى‬
‫الفــردي‪ ،‬إال أنــه عســر مــع جماعــات كبــرة مــن النــاس‪.‬‬
‫‌ز‪ .‬التحريــض باللجــوء إىل التاريــخ ‪ :Recalling History‬يعمــد رجــل الدعايــة إىل‬
‫التحريــض عــر اســتدعاء التاريــخ املشــرف لألجــداد‪ ،‬أو الرمــوز الوطنيــ�ة‪ ،‬أو احلــركات‬
‫واألحــزاب‪ .‬ومثــال ذلــك؛ قيــام حمــاس بتحريــض شــباب فتــح عــر اســتدعاء تاريــخ فتــح‪.‬‬
‫‪ .56‬أسلــــوب دفن احلقيقــــة األهم ‪ :Bury the Lead‬تذييــــل المادة الصحفية بأهم‬
‫حقيقــة تتضمنهــا القصــة‪ ،‬بمعــى إيــراد احلقيقــة األهــم يف الفقــرة األخــرة‪ .‬وهــو أســلوب‬
‫شــائع يف الكتابــة الصحفيــة‪ ،‬حيــث يعمــد الصحفــي إىل التقليــل مــن أهميــة األحــداث‬
‫عــن طريــق جتاهــل أهــم حقائقهــا‪ ،‬ودون أن يضطــر إىل حذفهــا؛ كــي ال يتهــم بالتحــز‪.‬‬
‫ومثال ذلك اآليت‪:‬‬

‫‪340‬‬
‫أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة‬

‫زﻋﻤﺖ�ﻣﺼﺎدر�ﻋ��ﻳﺔ�أ��ﺎ�ﻗﺎﻣﺖ�ﺑﻘﺼﻒ�ﺟﻮي�‬
‫و�ﺤﺮي���ﻤﻮﻋﺔ�ﻣﻦ�اﳌﻘﺎوﻣ�ن�ﺷﻤﺎل�ﻗﻄﺎع�‬ ‫ﺣﻘﻴﻘﺔ�أﻗﻞ�أهﻤﻴــﺔ‬
‫ﻏﺰة�ﺑﺰﻋﻢ�ﻣﺤﺎوﻟ��ﺎ�زرع�ﻋﺒﻮات�ﻧﺎﺳﻔﺔ�ﻋ���‬
‫اﻟﺴﻴﺎج� ا��ﺪودي� اﻟﻔﺎﺻﻞ‪ �.‬وﻋﻠﻢ� ﻣﺮاﺳﻞ�‬
‫اﻟ��ﻴﻔﺔ�أن�ا���ﺶ�ﻃﻠﺐ�ﻣﻦ�اﳌﺴﺘﻮﻃﻨ�ن�‬
‫اﳌﺰارﻋ�ن� ��� اﳌﻨﻄﻘﺔ� ﻋﺪم� اﻻﻗ��اب� ﻣﻦ�‬
‫اﻟﺴﻴ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎج�ا��ـ ــﺪودي‪�،‬واﻟﺒﻘـ ـ ـ ــﺎء�ﻋﻠ ـ ـ ـ ــﻰ��ﻌ ـ ـ ــﺪ‬
‫ﻛﻴﻠﻮﻣﺘ ـ ـﺮ�واﺣــﺪ‪�،‬ﻋ���اﻷﻗ ــﻞ‪�،‬ﻣﻦ�اﻟﺴﻴﺎج‪..‬‬
‫ﺎ�ﻓﻠﺴﻄﻴ�ﻴﺎ�اﺳ�ﺸهﺪ‪�،‬ﻓﻴﻤﺎ�‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫�ﺸﺎر‪�،‬إ���أن�ﺷﺎﺑ‬
‫ا��ﻘﻴﻘﺔ�اﻷهﻢ����ا����‬
‫أﺻ�ﺐ� ﺛﻼﺛﺔ� آﺧﺮون� ﺟﺮاء� ﻗﺼﻒ� ﻃﺎﺋﺮة�‬
‫اﺳﺘﻄﻼع�"إﺳﺮاﺋﻴﻠﻴﺔ"���ﻤﻮﻋﺔ�ﻣﻦ�اﳌﻮاﻃﻨ�ن�‬
‫ﻏﺮب�ﺑﻠﺪة�ﺑ�ﺖ�ﻻهﻴﺎ�ﺷﻤﺎل�ﻏﺮب�ﻗﻄﺎع�ﻏﺰة‪�،‬‬
‫ﻗﺮب�اﻟﺸﺮ�ﻂ�ا��ﺪودي‪.‬‬

‫ً‬
‫‪ .57‬أســلوب االحتــكام للجهــل ‪ :Appeal to Ignorance‬ويعــي أن شــيئ�ا مــا «حــق»‬
‫بالضــرورة مــا دام لــم يربهــن أحــد علــى أنــه «باطــل»‪ ،‬والعكــس صحيــح‪ .‬ففــي كلتــا‬
‫احلالتــن‪ُ ،‬يؤخــذ غيــاب الدليــل مأخــذ الدليــل‪ ،‬ويتــم التــذرع بغيــاب املعلومــات الــي تثبــت‬
‫ً‬
‫شــيئ�ا مــا كدليــل علــى بطــان ذلــك الــيء (‪ .)Ibid‬ومــن أمثلتهــا‪ :‬ليــس هنــاك دليــل علــى أن‬
‫ً‬
‫حمــاس تشــبه تنظيــم داعــش‪ ،‬إذا حمــاس ليســت داعــش‪ .‬أو ال يوجــد دليــل علــى أن محمــد‬
‫ً‬
‫دحــان قتــل عرفــات‪ ،‬إذا دحــان بــريء‪.‬‬
‫‪ .58‬أســلوب ادعــاء احلتميــة ‪ :Argue Inevitability‬التأكيــد علــى مصــر أو نتيجــة‬
‫ً‬
‫مــا‪ ،‬عــر افــراض حتميتهــا واســتحالة اجتن�ابهــا‪ .‬وعــادة مــا يســتخدم للتشــكيك يف مســار‬
‫معــن‪ ،‬حتــاول مــن خاللــه بعــض اجلهــات جتنــب نتيجــة أو مصــر مــا‪ .‬ومــن أمثلتــه‪ :‬أن‬
‫تقــوم وســيلة إعالميــة بادعــاء حتميــة الثــورة علــى حكــم حمــاس؛ عــر التأكيــد علــى أن كل‬
‫ً‬
‫مــا تقــوم بــه األخــرة لــن يغــر يف مصريهــا شــيئ�ا‪ .‬أو أن يقــول ســيايس فلســطيين‪ :‬اســتمرار‬
‫الصــراع مــع «إســرائي�ل» حتميــة قرآني ـ�ة‪ ،‬لذلــك فمحــاوالت الســلطة التوصــل إىل ســام‬
‫دائــم معهــا لــن تغــر حتميــة مصريهــا‪ .‬أو أن تعلــن «إســرائي�ل» أن اجلولــة الرابعــة مــع‬
‫كتائــب القســام قادمــة ال محالــة‪ ،‬وأن محــاوالت التهدئــة لــن تغــر مــن حقيقــة الــيء‪.‬‬

‫‪341‬‬
‫الفصــل اخلامس‬

‫‪ .59‬أسلوب مفرتق الطرق ‪ :Bifurcation‬يطلق عليه اسم القياس املتن�اقض‪ ،‬أو‬


‫القسمة الثن�ائي�ة الزائفة ‪ .False Dichotomy‬ويعين باختصار أن «ال حلول وسط أو منطقة‬
‫رمادية»‪ ،‬حبيث يصنف اآلخر بن�اء على مغالطات منطقية وفق اآليت‪:‬‬
‫‌أ‪ .‬التصنيف بن�اء على االختي�ار‪ :‬يقوم رجل الدعاية بتحديد خيارين متن�اقضني‬
‫فقط‪ ،‬مع حجبه ألي خيارات أخرى‪ ،‬وعلى اخلصم التقاط أحدهما (إما ‪ x‬أو)‪،‬‬
‫(أبيض ‪ x‬أسود)‪ .‬وهنا معيار التصنيف سيتحدد عرب نوع االختي�ار‪ .‬ومن أمثلته اآليت‪« :‬إما‬
‫جزءا من املشكلة»‪ ،‬أو «إما أن تكون معنا‪ ،‬أو ضدنا»‪ .‬ونالحظ‬ ‫جزءا من احلل‪ ،‬أو ً‬‫أن تكون ً‬
‫بن�اء على املثالني السابقني‪ ،‬أن الشخص مدفوع باجتاه خيارين فقط‪ ،‬وال يستطيع تبين‬
‫ً ً‬
‫حياديا مثل)‪ ،‬حبيث يصنف بن�اء على االختي�ار‪ .‬فلو اختار أن يكون‬ ‫خيار ثالث (أن يكون‬
‫معهم‪ ،‬فهو ضدنا‪ ،‬والعكس صحيح‪ .‬ولعل املثال األشهر‪ ،‬ما جاء على لسان جورج بوش‬
‫االبن حني قال‪« :‬عندما يتعلق األمر باالختي�ار بني الدفاع عن أمريكا أو تصديق كلمات‬
‫رجل مجنون‪ ،‬فإنين بالتأكيد سأختار الدفاع عن أمريكا»(*)‪.‬‬
‫‌ب‪ .‬التصنيف عرب االستنت�اج واالفرتاض الزائف‪ :‬ويعين تصنيف الدول أو اجلماعات‬
‫أو األفراد وفق استنت�اج واحد غري منطقي قائم على فرضني فقط‪ ،‬حبيث تستبعد أي‬
‫استنت�اجات أخرى‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫ً ً‬
‫‪ -‬عدو الشر بالتأكيد إنسان جيد‪( .‬ال يعين أن يكون إنسانا جيدا)‪.‬‬
‫صديق عدوي بالتأكيد عدوي‪( .‬ليس بالضرورة أن يكون عدوك)‪.‬‬ ‫ ‪-‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إذا كنت مكروها من إنسان سئي؛ فأنا إنسان جيد‪( .‬ال يعين أن تكون جيدا)‪.‬‬ ‫‪ -‬‬
‫ً‬
‫إيران دولة شيعية‪ ،‬حماس تتلقى الدعم من إيران؛ إذا حماس شيعية‪.‬‬ ‫‪ -‬‬
‫ً‬
‫فتح حركة علماني�ة‪ ،‬العلماني�ة منهج كافر؛ وإذا فتح حركة كافرة‪.‬‬ ‫‪ -‬‬

‫تصريــح الرئيــس بــوش جــاء يف معــرض رده علــى كلمــات “‪ ”Hans Blick‬أحــد أعضــاء جلنــة األمــم املتحــدة للتفتيــش عــن‬ ‫(*)‬

‫أســلحة الدمــار الشــامل‪ ،‬عندمــا أقــر بعــدم وجــود أســلحة مــن هــذا النــوع يف العــراق‪.‬‬

‫‪342‬‬
‫أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة‬

‫‌ج‪ .‬التصنيف بن�اء على الرفض والقبول‪ :‬ويعين إرغام الدول أو اجلماعات أو األفراد‬
‫ً‬
‫على التقرير خبصوص بديل واحد فقط‪ ،‬ومن ثم تصنيفها بن�اء على قبولها أو رفضها‪ .‬وعادة‬
‫ما يأخذ صيغة تهديد‪ ،‬أو مساومة‪ ،‬أو ضغط‪ .‬ومن أمثلته‪:‬‬
‫‪ -‬إما أن تقبل حماس مبادرة حل أزمة املعرب‪ ،‬أو أن يتم سحبها‪.‬‬
‫‪ -‬إما أن توقف السلطة التنسيق األمين‪ ،‬أو لن يتم حتقيق الوحدة الوطني�ة‪.‬‬
‫ُ‬
‫ونالحظ هنا‪ ،‬أن حماس ستصنف (وفق املثال األول) بكونها غري مكرتثة بعذابات‬
‫ُ‬
‫الشعب (والعكس صحيح)؛ بينما السلطة (وفق املثال الثاين) ستصنف بأنها اختارت‬
‫ً‬
‫«إسرائي�ل» بدل عن أبن�اء جلدتها (والعكس صحيح)‪.‬‬
‫ً‬
‫‌د‪ .‬التصنيف برصد اخلطأ‪ :‬مغالطة مختلفة قليل عن سابقاتها؛ إال أنها ال خترج‬
‫عن إطار تصنيف اخلصم‪ .‬وهي تقوم على قاعدة أن ما يطرحه اخلصم حيمل وجهني أو‬
‫احتمالني فقط ال ثالث لهما‪ ،‬إما كذب أو حقيقة‪ .‬وهنا يرتصد رجل الدعاية حلظة وقوع‬
‫اخلصم يف خطأ ما‪ ،‬ليب�اشر تكذيب األطروحة بأكملها‪ ،‬حىت لو احتمل معظمها الصواب‪.‬‬
‫ً‬
‫فهو يستغل هذه الزلة لزنع شرعية اخلصم‪ ،‬والتقليل من شأن بايق أطروحاته‪ ،‬متجاهل أن‬
‫اخلصم قد خيطئ يف يشء‪ ،‬ويصيب يف أشياء أخرى كثري (‪.)The Philosophy Index: n.d‬‬
‫‪.60‬أسلـــوب االحتكــــــــام لألرقـــــــــام ‪ :Appeal to Numbers‬نــوع مــن التحايــل‪،‬‬
‫منهجــا للتأكيــد علــى صحــة توجــه أو قضيــة أو فــرض أو‬ ‫ً‬ ‫يتخــذ مــن لغــة األرقــام‬
‫طــرح‪ .‬وهــو مشــابه ألســلوب اللحــاق بالركــب‪ ،‬مــن حيــث االلتجــاء إىل مبــدأ اإلجمــاع‬
‫اجلماهــري لتحقيــق أهــداف الدعايــة‪ .‬ومــن أمثلتــه‪ :‬ادعــاء مؤسســة إعالميــة مشــاركة‬
‫عشــرات آالف املواطنــن يف احتفــاالت انطالقــة حــزب الشــعب بغــزة‪ ،‬أو ادعــاء مؤسســة‬
‫أخــرى أن عــدد املنتســبني لكتائــب القســام بلــغ ‪ 300‬ألــف‪ .‬ويعتــر الرفــض باألرقــام‬
‫‪ ،Dismiss by Numbers‬الوجــه النقيــض لألســلوب املذكــور‪ .‬حيــث يعمــد رجــل الدعايــة‬
‫إىل توظيــف األرقــام للتقليــل مــن شــأن حقيقــة أو حجــة أو موقــف مــا‪ ،‬وذلــك عــر االدعــاء‬
‫بتمثيلهــا ألقليــة بــن اجلمهــور‪ .‬وجتــدر اإلشــارة هنــا‪ ،‬إىل وجــود فــرق بــن اســتخدام رقــم‬
‫محــدد‪ ،‬وبــن رقــم ترجيــي‪ .‬فــاألول يقــود إىل االعتقــاد بصحــة الطــرح‪ ،‬مثــل‪ :‬بلــغ تعــداد‬

‫‪343‬‬
‫الفصــل اخلامس‬

‫الســكان ‪ 10‬آالف؛ أمــا الثــاين فأقــل تأكيـ ًـدا‪ ،‬كونــه يتبــى ً‬


‫أرقامــا ترجيحيــة‪ ،‬مثــل‪ :‬بلــغ عــدد‬
‫الســكان حــوايل ‪ 10‬آالف‪ .‬ومــن اجليــد اإلشــارة إىل حــذر رجــل الدعايــة الشــديد عنــد‬
‫توظيفــه لألســلوب؛ وذلــك لتجنــب فضحــه‪.‬‬
‫‪ .61‬أسلوب االحتكام للتقاليد ‪ :Appeal to Tradition‬الدعوة لاللزتام أو التقيد‬
‫بأفعال وتصرفات‪ ،‬أو التصديق بأفكار وتوجهات‪ ،‬ألنها تعرب عن تقليد أو ثقافة أو معتنق‬
‫أو ممارسة راسخة منذ أمد بعيد‪ .‬ومثال ذلك‪ ،‬أن تقوم وسيلة إعالمية بدعوة سكان قطاع‬
‫غزة للتكافل‪ ،‬ألنه تعبري عن أصالة الفلسطيين‪ .‬أو أن تقوم وسيلة إعالمية «إسرائيلية»‬
‫بالدعوة إىل رفض االنسحاب من الضفة الغربي�ة‪ ،‬بزعم أنه يتعارض مع معتقدات اليهود‪.‬‬
‫‪ .62‬أسلوب احلوار الالعقالين ‪ :Antirationalism‬مراوغة للهروب أو جتنب‬
‫االعرتاف باحلقيقة؛ وذلك عرب االدعاء بأن ال يشء مؤكد‪ .‬وهنا يعمد رجل الدعاية إىل تأطري‬
‫ً‬
‫احلوار بكونه مجموعة من اآلراء املتصارعة‪ ،‬وأن احلقائق واألدلة الدامغة ال تعين شيئ�ا‪،‬‬
‫طالما أنها تعرب عن رأي شخيص حيتمل الصدق واخلطأ‪ .‬ومن أمثلته‪ ،‬رفض «إسرائي�ل»‬
‫االعرتاف باغتي�ال محمود املبحوح يف دولة اإلمارات‪ ،‬عرب االدعاء بأن االتهام ال يعدو كونه‬
‫مجرد رأي حيتمل وجهني‪ ،‬إما الصدق أو اخلطأ‪ ،‬فما من يشء مؤكد‪.‬‬
‫‪ .63‬أسلوب ادعاء الفضل ‪ :Undeserved Credit‬أن تعزو حدوث األشياء اجليدة‬
‫إىل شخص أو جماعة أو دولة‪ .‬وهنا يقوم رجل الدعاية بنسب الفضل إىل جهة معين�ة من‬
‫أجل التسويق والرتويج لها أمام اجلمهور‪ .‬ويشيع استخدامه يف وسائل اإلعالم‪ ،‬خاصة‬
‫ً‬
‫احلزبي�ة والسلطوية‪ ،‬حبيث تسارع إىل ربط نتيجة إجيابي�ة جبهة ما‪ ،‬متجاهلة أي عوامل‬
‫أخرى أسهمت يف حتقيق هذه النتيجة‪ .‬ومن أمثلته‪ ،‬نسب اإلعالم األمريكي الفضل‬
‫للرئيس ريغان يف انهيار جدار برلني‪ ،‬أو أن اسرتاتيجيت�ه هي اليت مهدت النهيار االحتاد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فلسطيني�ا‪ ،‬نسب حركة فتح الفضل للرئيس محمود عباس‬ ‫السوفييت سابقا‪ .‬ومن أمثلته‬
‫ً‬
‫يف اعرتاف بعض العواصم العاملية بالدولة الفلسطيني�ة‪ ،‬متجاهلة حجم التضحيات اليت‬
‫قدمها الشعب الفلسطيين بكل أطيافه‪ .‬أو نسب حركة حماس الفضل لكتائب القسام‬
‫ً‬
‫بأنها السبب يف انسحاب اجليش «اإلسرائيلي» من غزة‪ ،‬متجاهلة العوامل السياسية‬
‫الدولية واإلقليمية يف هذا املضمار‪.‬‬

‫‪344‬‬
‫أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة‬

‫‪ .64‬أســلوب إنتــ�اج عالقــة زائفــة ‪:Confusion Of Causation & Correlation‬‬


‫مغالطــة منطقيــة تقــوم علــى طــرح اســتنت�اجات زائفــة‪ ،‬هدفهــا إربــاك اجلمهــور‪ ،‬وذلــك‬
‫بالبحــث عــن عالقــة ســببي�ة أو ارتب�اطيــة بــن األحــداث‪ ،‬دون دليــل أو برهــان منطقــي علــى‬
‫صحــة العالقــة‪ .‬وهنــا يقــوم رجــل الدعايــة بربــط نت ـ�اجئ أحــداث منفصلــة بمســبب�ات غــر‬
‫ذات صلــة‪ ،‬أو أن يقــوم خبلــق ارتبـ�اط بــن حدثــن منفصلــن‪ ،‬حبيــث تبـ�دو للجمهــور وكأنهــا‬
‫منطقيــة ً‬
‫تمامــا‪ .‬وهــذا النــوع لــه عــدة تكنيكيــات علــى الشــكل اآليت‪:‬‬
‫‌أ‪ .‬االســتنت�اج بإجيــاد عالقــة ســببي�ة (‪ :Post Hoc (coincidence‬االدعــاء بــأن نتيجــة‬
‫حــدث مــا كانــت بســبب حــدث آخــر ســبقه ً‬
‫زمنيـ�ا‪ ،‬أو تزامــن معــه يف ذات الوقــت‪ .‬بمعــى أن‬
‫حــدث ‪ A‬وقــع قبــل حــدث ‪B‬؛ لذلــك فاحلــدث ‪ A‬تســبب يف احلــدث ‪ .B‬وبذلــك نســتنتج أن‬
‫ً‬
‫احلــدث األول هــو املســؤول عــن نتيجــة احلــدث الثــاين ألنــه حصــل أول‪ ،‬وذلــك علــى الرغــم‬
‫مــن غيــاب العالقــة بينهمــا‪ .‬ومــن أمثلتــه‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫احلدث ‪ :1‬وصول سفري دولة قطر «العمادي» يوم األحد إىل غزة لتفقد مشاريع البني�ة التحتي�ة‪.‬‬
‫احلدث ‪ :2‬أعلنت شركة الكهرباء يوم اإلثنني العودة جلدول ‪ 4‬ساعات بسبب نفاد السوالر‪.‬‬
‫االستنت�اج السبيب الزائف اخلاص برجل الدعاية‪ :‬زيارة العمادي هي اليت تسببت يف عودة األزمة‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫احلدث ‪ :1‬مصر تعلن فتح معرب رفح يوم الثالثاء لعبور املسافرين‪.‬‬
‫احلدث ‪ :2‬وقوع انفجار يف منطقة الشيخ زويد شمال سين�اء يوم األربعاء‪.‬‬

‫االستنت�اج السبيب الزائف اخلاص برجل الدعاية‪ :‬فتح معرب رفح تسبب يف وقوع االنفجار‪ ،‬حيث سمح‬
‫لعدد من املتطرفني بالعبور إىل مصر‪.‬‬

‫‌ب‪ .‬االســتنت�اج بإجيــاد عالقــة ارتب�اطيــة ‪ :correlation and association‬وهي تشــر‬


‫إىل حدثــن أو ظاهرتــن منفصلتــن ً‬
‫تمامــا‪ ،‬يتــم الربــط بينهمــا للحصــول علــى اســتنت�اج‬
‫يوافــق أهــداف رجــل الدعايــة‪ .‬ومــن أمثلتــه فلسـ ً‬
‫ـطيني�ا‪:‬‬

‫‪345‬‬
‫الفصــل اخلامس‬

‫(‪)1‬‬
‫احلدث ‪ :1‬حماس تعلن أنها ستتصدى للجرائم «اإلسرائيلية» حبق أبن�اء الضفة الغربي�ة‪.‬‬
‫احلدث ‪ :2‬مراسل القناة الثاني�ة يفيد بوقوع انفجار يف تل أبيب‪ ،‬وخلفية احلدث مجهولة‪.‬‬
‫االستنت�اج االرتب�اطي الزائف اخلاص برجل الدعاية‪ :‬من املحتمل وقوف حماس خلف التفجري؛ ألنها‬
‫ً‬
‫هددت سابقا بأنها ستتصدى للجرائم «اإلسرائيلية»‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫احلدث ‪ :1‬حماس جتري جتارب صاروخية مكثفة يف عرض البحر‪.‬‬
‫احلدث ‪« :2‬إسرائي�ل» تلمح إلمكاني�ة شن حرب على قطاع غزة‪.‬‬

‫االستنت�اج االرتب�اطي الزائف اخلاص برجل الدعاية‪ :‬جتارب حماس الصاروخية تأيت يف إطار االستعداد‬
‫حلرب قريب�ة مع «إسرائي�ل»‪.‬‬

‫‪ .65‬أسلوب االحتكام للعقاب ‪ :Appeal to Force‬ويعين استغالل اخلوف يف نفوس‬


‫اجلماهري‪ ،‬أو اجلماعات‪ ،‬أو الدول‪ ،‬عرب التحذير من مصري قاتم حال االستمرار يف‪ /‬أو‬
‫السعي إىل‪ /‬نهج أو مسلك معني‪ .‬كما يمكن القول إنه دعوة للتغيري‪ ،‬حبيث يرتتب على‬
‫ً‬
‫عدم االستجابة عقاب‪ ،‬مثل (املوت‪ ،‬السجن‪ ...‬إلخ)‪ .‬وعادة ما يستخدم مع التكنيكيات‬
‫اآلتي�ة‪:‬‬
‫‌أ‪ .‬تكنيك إثب�ات التعميم ‪ :Proof by Anecdote‬يعمد رجل الدعاية إىل إيراد أمثلة‬
‫تاريخية حلاالت تعرضت للعقاب نتيجة رفضها اإلصغاء لدعوات التغيري‪ .‬ويهدف من‬
‫خالل ذلك إىل دفع املستهدف لالتعاظ من أحداث التاريخ‪.‬‬
‫‌ب‪ .‬املحاجة بالعواقب الوخيمة ‪:Argue from Adverse Consequences‬‬
‫وتعين ممارسة ضغوط على صانع القرار من خالل اإلشارة إىل العواقب الوخيمة ألي‬
‫قرار غري مالئم أو خاطئ أو غري مدروس‪ .‬وهذا التكنيك مشابه ألسلوب املنحدر الزلق‬
‫ً‬
‫ضئيلا أو ً‬ ‫ً‬
‫تافها حبد ذاته‪ ،‬سوف جير وراءه سلسلة‬ ‫‪ ،Slippery Slope‬الذي يعين أن فعل ما‪،‬‬
‫محتومة من العواقب تؤدي يف نهاية املطاف إىل نتيجة كارثي�ة‪ .‬فكل حدث يف هذه السلسلة‬
‫هو نتيجة ضرورية لما قبله وسبب للحدث الذي يليه‪ ،‬مثل‪:‬‬

‫‪346‬‬
‫أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة‬

‫ً‬
‫إذا ســمحنا اليــوم ببعــض الضوابــط القانونيـ�ة علــى الكتابــة الصحفيــة‪ ،‬فســوف نســمح غــدا بمزيــد‬
‫مــن القيــود‪ ،‬وهكــذا حــى يــأيت اليــوم الــذي جنــد أنفســنا فيــه نعيــش يف ظــل دولــة بوليســية دكتاتوريــة‪ .‬أو‪،‬‬
‫ً‬
‫إذا وافقــت حمــاس علــى تســليم املعــر‪ ،‬فســوف تســمح غــدا بعــودة جهــاز األمــن الوقــايئ‪ ،‬وهكــذا حــى جنــد‬
‫حمــاس خــارج إطــار اللعبــة السياســية بالكامــل‬

‫مــن بــاب آخــر‪ُ ،‬يعــر هــذا األســلوب عــن حــاالت اللجــوء إىل التهديــد والوعيــد لدفــع‬
‫اجلهــة املســتهدفة حنــو تبــي ســلوك يوافــق هــدف رجــل الدعايــة‪ ،‬بمعــى االرتــكاز علــى‬
‫منطــق أن «القــوة «العصــا» تصنــع احلــق»‪ .‬وبهــذا اخلصــوص‪ ،‬يقــول عــادل مصطفــى‪:‬‬
‫«بوســعك أن تفــرض الســلوك القويــم بالقــوة‪ ،‬ولكــن ليــس بوســع أحــد قــط أن يفــرض‬
‫ً‬
‫الــرأي العقلــي بالقــوة‪ .‬وأن ألــف ســيف ُمســلط علــى رقبتــك لــن تنهــض لــك دليــا علــى أن‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫اثنــن واثنــن تســاوي خمســة مثــا! قــد تشــري رقبتــك بالطبــع‪ ،‬وتســلم للمأفونــن بأنهــا‬
‫كذلــك؛ ولكــن االنصيــاع ال يعــي االقتن ـ�اع» (مصطفــى‪.)2007:‬‬
‫‪ .66‬أسلوب استغالل األماين ‪ُ :Exploit Wishful Thinking‬يطلق عليه اسم‬
‫«التفكري بالتمين»‪ ،‬ويعين تبين الفرد العتقاد أو قرار حبسب انسجامه مع أماني�ه ورغباته‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫المتخيلة‪ ،‬بعيدا عن العقالني�ة والواقعية‪ .‬بمعىن آخر‪ ،‬تعاطي الفرد مع أفكار وتوجهات‬
‫توافق أمني�ات يرغب يف أن تصبح حقيقة على أرض الواقع‪ .‬وهذا النوع من التفكري يمنح‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫التفكري‬ ‫إحساسا بالسعادة والراحة؛ ألنه ينسجم مع أماني�ه‪ .‬وعادة ما يرافق هذا‬ ‫صاحبه‬
‫ٌ‬
‫فعل ٌّ‬
‫قوي على األرض باجتاه حتقيق األمني�ة‪ ،‬وإال أصبح مجرد حلم غري مقدر له الوجود‪ .‬من‬
‫ً‬
‫حقيقيا‪ ،‬كما‬ ‫زاوية أخرى‪ ،‬يفضل اجلمهور التصديق حبقيقة يشء ألنه يرغب بشدة أن يكون‬
‫ً‬ ‫يفضل االستماع ليشء ألنه يتوافق ً‬
‫تماما مع أماني�ه‪ .‬وهنا حتديدا يب�دأ عمل رجل الدعاية‪،‬‬
‫حبيث يعمد إىل منح اجلمهور ما يرغب يف سماعه أو تصديقه ملالمسته أماني�ه‪ .‬ومن أمثلته‪،‬‬
‫أن يقوم مرشح رئايس بإطالق وعد بالعالج املجاين لكل املواطنني يف حال انتخابه‪ .‬وألن‬
‫اجلمهور يرى يف العالج املجاين أمني�ة‪ ،‬سيقوم بتبين وعد املرشح‪ ،‬وسيعمل على انتخابه‪،‬‬
‫ّ‬
‫ألنه يريد لها أن تتجسد على أرض الواقع‪ .‬من باب آخر‪ُ ،‬يعد هذا األسلوب شديد اخلطورة‬
‫يف حال تعارض األماين مع الواقع‪ ،‬واستحالة إخراجها إىل حزي الوجود‪ .‬ولنأخذ «الوعد‬
‫بتحرير املقاومة للقدس خالل عامني» كمثال‪ .‬فعند سماع اجلمهور لهذا الوعد‪ ،‬يتهلل‬

‫‪347‬‬
‫الفصــل اخلامس‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫طربا وفرحة به‪ ،‬ألنه يوافق أمني�ة لطالما أراد لها أن تتحقق‪ .‬هنا تب�دأ حلقة حساسة من‬
‫ثالث مراحل تسىم «دائرة اخليال»‪ .‬ودائرة اخليال هي نمط متكرر يف املمارسة احلياتي�ة‪،‬‬
‫أو السياسية‪ ،‬أو التاريخية‪ ،‬حبيث تشري إىل مراحل الفعل احلقيقي لتحقيق األماين‪ ،‬على‬
‫الشكل اآليت‪:‬‬
‫‪ -‬مرحلة احللم‪ :‬ين�دفع األفراد حنو حتقيق األمني�ة (حترير القدس خالل عامني) عرب‬
‫اخنراطهم يف فعل تنفيذي (التحضري للتحرير)‪ ،‬متجاهلني حقيقة الواقع‪ ،‬أو مدى عقالني�ة‬
‫ً‬
‫األمني�ة‪ .‬وعادة ما تسري هذه املرحلة بسالسة دون أي عوائق‪.‬‬
‫‪ -‬مرحلة اإلحباط‪ :‬تواجه األمني�ة يف هذه املرحلة صعوبات جمة (حصار‪ ،‬أزمات‬
‫داخلية‪ ،‬نقص معدات‪ ،‬نقص تمويل‪...‬إلخ)‪ ،‬ما يؤدي إىل تسلل شعور باإلحباط داخل‬
‫نفوس األفراد‪ .‬وهنا يتعاظم شعور داخلي قوامه الرغبة يف حتدي الصعوبات‪ ،‬لين�دفع‬
‫بعدها األفراد حنو بذل مزيد من اجلهود‪ ،‬للتغلب على اإلحباط النائش‪ .‬ونالحظ يف هذه‬
‫املرحلة غياب التفكري املنطقي‪ ،‬وبدء انسالخ الفرد عن واقعه‪ ،‬ما سيمهد للمرحلة الثالثة‪.‬‬
‫‪ -‬مرحلة الكابوس‪ :‬تصطدم األمني�ة ً‬
‫أخريا جبدار الواقع واحلقيقة‪ ،‬ويقر األفراد‬
‫بصعوبة تنفيذها‪ .‬عندها تعم حالة من االنهيار النفيس؛ ألن األمني�ة قد تالشت‪.‬‬
‫ً‬
‫فلسطيني�ا‪ ،‬عند تبين جهة معين�ة لوعد يالمس أماين‬ ‫وتتجلى خطورة هذا األسلوب‬
‫اجلمهور‪ ،‬دون اعتب�ار لعقالني�ة وواقعية تنفيذه‪ .‬وما إن يصطدم جبدار الواقع‪ ،‬حىت يرتد على‬
‫ُ‬
‫ذات اجلهة‪ ،‬حبيث تتهم باستغالل تطلعات اجلماهري لصاحلها‪ ،‬وبالتايل تفقد مصداقيتها‪.‬‬
‫ومن أمثلتها الكثري‪:‬‬
‫تعدكم حركة فتح أن جتعل غزة كسنغافورة‪.‬‬
‫ً‬
‫ونشري أيضا‪ ،‬إىل أن تكرار استخدام األسلوب على فرتات قصرية‪ ،‬سيفقد اجلهة‬
‫ً‬
‫املعني�ة قدرتها على إقناع اجلماهري مستقبل‪ ،‬كما ستتحول إىل مادة للتن�در والتهكم‬
‫والسخرية‪ ،‬وستؤدي باجلمهور إىل حالة من اإلحباط النفيس الهائل‪ ،‬وترسيخ قناعة‬
‫بعدم جدوى املقاومة يف ظل الواقع احلايل‪ ،‬وبالتايل عدم قدرتها على حتقيق أماين وتطلعات‬
‫ً‬
‫الشعب مستقبل‪.‬‬

‫‪348‬‬
‫أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة‬

‫‪ .67‬أســلوب االختبــ�اء وراء اآلخــر ‪ :Hide Behind Others‬مخادعــة تقــوم علــى‬


‫إخفــاء نوايــا أو أفــكار أو أطروحــات‪ ،‬شــخص أو حــزب معــن‪ ،‬باســتخدام صيغــة‬
‫التعميــم أو اجلمــع‪ ،‬حبيــث يبــ�دو رجــل الدعايــة وكأنــه ُيمثــل أو ُيعــر عــن إجمــاع‬
‫(‪ .)Orange Paper: n.d‬ومن أمثلته التايل‪:‬‬
‫حنن كشعب فلسطيين ضد اتفاقية أوسلو‬
‫هنــا‪ ،‬يظهــر رجــل الدعايــة وكأنــه يتحــدث باســم الشــعب‪ ،‬يف محاولــة منــه جتنــب‬
‫الظهــور بمظهــر املعــر عــن رأيه اخلــاص‪ ،‬أو رأي حزبــه‪ .‬كما نالحظ‪ ،‬أن اســتخدام األســلوب‬
‫بشــكله الســابق‪ ،‬يــؤدي باجلمهــور إىل مســايرة الــرأي أو املوقــف الســائد‪ ،‬وهــو مــا أشــرنا إليه‬
‫ً‬
‫ســابقا عنــد تن�اولنــا لــــ «أســلوب اللحــاق بالركــب»‪ .‬كمــا يشــتمل هــذا األســلوب علــى نــوع‬
‫«أنطــق النــاس بمقولتــك»‪ ،‬أو بمعــى آخــر «أجـ ِـر كالمــك علــى لســان‬ ‫آخــر يطلــق عليــه ِ‬
‫اآلخريــن» ‪ .Put Words Into Other People’s Mouths‬وهنــا يقــوم رجــل الدعايــة بنســب‬
‫الــكالم ألحــد آخــر (يف العــادة مجهــول)‪ ،‬وهــو يف حقيقتــه كالم رجــل الدعايــة نفســه‪ .‬ومــن‬
‫أمثلتــه اآليت‪:‬‬
‫قال يل صديق مقرب إن حماس ستسلم قطاع غزة للسلطة ً‬
‫قريب�ا‬
‫هنــا يتحــاىش رجــل الدعايــة نســب الــكالم لنفســه؛ ألنــه يرغــب أن تب ـ�دو املعلومــة‬
‫ً‬
‫وكأنهــا منقولــة عــن لســان شــخص آخــر‪ .‬وعــادة مــا ُيســتخدم بهــدف التخريــب علــى توجــه‬
‫معــن‪ ،‬أو رصــد ردود أفعــال اجلماهــر جتــاه قضيــة معين ـ�ة (بالــون اختب ـ�ار)‪ ،‬أو توظيفهــا‬
‫مــن أجــل الدفــع بفضيحــة سياســية‪ ،‬أو اســتخدامها يف جهــود اإلشــاعة‪.‬‬
‫‪ .68‬أســلوب نشــر التشــاؤم ‪ :Pessimism‬رفــع منســوب اإلحبــاط بــن اجلماهــر مــن‬
‫خــال الرتكــز علــى اجلوانــب الســلبي�ة فقــط‪ ،‬دون االلتفــات ألي إجيابيـ�ة‪ .‬وهنــا يعمــد رجــل‬
‫الدعايــة إىل عكــس واقــع ســوداوي للظــروف اآلنيـ�ة‪ ،‬إضافــة إىل رســمه لصــورة مســتقبلية‬
‫بالغــة الســوء‪ ،‬كمــا يهــدف إىل نــر اإلحبــاط بــن األفــراد نتيجــة واقعهــم املعــاش‪ ،‬وبالتــايل‬
‫حتصيــل نظرتهــم التشــاؤمية حيــال املســتقبل‪ .‬ومــن أمثلتــه التــايل‪:‬‬
‫واقع غزة لم يعد يطاق؛ فالفساد بلغ ذروته‪ ،‬الظلم طال اجلميع‪.‬‬

‫‪349‬‬
‫الفصــل اخلامس‬

‫البشر يف حالة تي�ه‪ ،‬ال أحد هناك ليأخذ بأيديهم‪.‬‬


‫أال يكفي غزة ثالثة حروب‪ ،‬آالف الشهداء واجلرىح‪ ،‬وما زالت تزنف‪ .‬إىل مىت هذا احلال‬
‫ُ‬ ‫يا غزة‪ .‬لعل ً‬
‫حربا رابعة تفين غزة عن الوجود‪ ،‬فريتاح أهلها من ظلم أهلها‪.‬‬
‫‪ .69‬أسلوب الغموض ‪ :Vagueness‬استخدام مقصود لكلمات وعبارات ُمبهمة‬
‫الداللة أو املعىن أو القصد‪ ،‬حبيث ُيرتك للجمهور تأويلها وفق منطقه اخلاص‪ .‬بمعىن‬
‫آخر‪ ،‬االمتن�اع عن طرح األفكار أو اآلراء بشكل صريح ومباشر؛ وذلك لتجنب اجلدل حول‬
‫صحتها‪ ،‬أو واقعيتها‪ ،‬أو أهميتها‪ ،‬أو قابليتها للتنفيذ‪ .‬وتقوم آلية هذا األسلوب على إثارة‬
‫معان ال يمكن‬
‫إحساس بالتشويش وعدم الفهم لدى األفراد‪ ،‬ما يدفعهم إىل استخالص ٍ‬
‫إثب�اتها أو التأكد من صحتها‪ .‬وبهذه الطريقة‪ ،‬يتجنب رجل الدعاية تقديم تفسريات‬
‫ً‬
‫إعالميا اآليت‪:‬‬ ‫واضحة من املمكن أن تعود بالضرر عليه‪ .‬ومن أمثلته‬
‫إن ما جيري يف قطاع غزة يستدعي احلوار‪ ،‬واملزيد من لغة احلوار وليس التمرد‪ ،‬كما يطالب‬
‫بعض املرجفني يف املدين�ة‪ ..‬نعم‪ ،‬أحوال القطاع تبعث على اخلوف والقلق‪ ،‬ومؤشرات التوتر‬
‫تستدعي أن تكون بينن�ا حوارات وطني�ة‪ ،‬والتوصل إىل تفاهمات وموقف جامع يلتقي عليه الكل‬
‫الوطين واإلساليم‪ ،‬وهو مطلب الصغري والكبري‪ ،‬حىت ال خترج األمور عن السيطرة‪ ،‬اليت يريدها‬
‫البعض‪ ،‬ويف سياق غري ما يرغب به املخلصون من أهل هذا البلد‪ ،‬وخيططون له (يوسف‪.)2016:‬‬

‫‪ .70‬أسلوب تقمص دور الضحية ‪ :Self-Victimization‬الظهور كمفعول به‪،‬‬


‫وليس كفاعل‪ ،‬لكسب تأيي�د وتعاطف اآلخرين‪ .‬هنا حياول رجل الدعاية إقناع اجلمهور أنه‬
‫ضحية جرائم‪ ،‬ومؤامرات‪ ،‬وحمالت تشهري‪ ،‬وافرتاءات‪ ...‬يرتكبها أو يسوقها الغري حبقه‪.‬‬
‫ومن أمثلته‪ :‬ادعاء ألماني�ا يف احلرب العاملية الثاني�ة أن هجومها على بولندا كان ً‬
‫دفاعا عن‬
‫النفس؛ ألن األخرية هي من بدأت احلرب‪ ،‬أو ادعاء «إسرائي�ل» أنها ضحية اإلرهاب العريب‪،‬‬
‫لذلك فهي مضطرة للدفاع عن نفسها‪ .‬كما نالحظ استخدام «إسرائي�ل» لهذا األسلوب‬
‫خالل حروبها العسكرية‪ ،‬حيث تعمد إىل إطالق تسميات تعرب عن ُبعد دفاعي وليس‬
‫ً‬
‫هجوميا‪ ،‬مثل «احلافة الوقائي�ة»(*)‪ .‬من باب آخر‪ ،‬ال ُينفذ هذا األسلوب بالكلمات فقط؛‬
‫احلافــة الوقائيـ�ة “‪ :”Protective Edge‬مــرادف لتســمية “اجلــرف املنهــار”‪ ،‬اســتخدمته إســرائي�ل ملخاطبــة وســائل اإلعــام‬ ‫(*)‬

‫الغربيـ�ة‪.‬‬

‫‪350‬‬
‫أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫وتأثريا من الكلمة‪ .‬ومثال ذلك‪ :‬صورة الطفل‬ ‫بل يوظف الصورة أيضا‪ ،‬لكونها أشد فاعلية‬
‫محمد الدرة الذي قتل جبوار أبي�ه مع انطالقة االنتفاضة الفلسطيني�ة الثاني�ة عام ‪2000‬م‪،‬‬
‫حيث قامت «إسرائي�ل» باالدعاء أنه طفل «إسرائيلي» قتله فلسطيين‪.‬‬
‫‪ .71‬أسلوب األنسنة ‪ :Humanization‬إلصاق صفة اإلنساني�ة بشخص‪ ،‬أو‬
‫جماعة‪ ،‬أو تصرف‪ .‬بمعىن آخر‪ ،‬محاولة جتميل ما هو قبيح يف أعني اجلماهري‪ ،‬عرب ضخ‬
‫روح اإلنساني�ة فيه (‪ .)Constitution Society: n.d‬ولعل املثال املستحضر يف هذا املضمار‪ ،‬ما‬
‫تقوم به وسائل اإلعالم املصرية من جتميل لصورة الرئيس عبد الفتاح السييس‪ ،‬خاصة‬
‫ُ‬
‫بعد املجازر اليت ارتكبت حبق املتظاهرين يف ساحيت رابعة واحلرس اجلمهوري‪ .‬كما تشمل‬
‫جهود رجل الدعاية إبراز الشخص املعين بصورة أبوية‪ ،‬أو بصورة احلكيم واسع التجربة‪ ،‬أو‬
‫بصورة املعايش آلالم الناس ومعاناتهم‪ .‬من جانب آخر‪ ،‬يتقاطع هذا األسلوب مع أسلويب‬
‫ً‬
‫«تقمص دور الضحية» و «استدرار العطف»‪ ،‬من زاوية أن كل منهما يسعى إىل صياغة‬
‫قالب إنساين للموضوع‪ ،‬وبالتايل دمغ صورة نمطية جديدة يف أذهان اجلماهري‪.‬‬
‫‪ .72‬أسلوب استدرار العطف (مناشدة الشفقة) ‪ :Appeal to Pity‬حتقيق الهدف‬
‫عرب إثارة مشاعر العطف والشفقة‪ .‬وهنا يعمد رجل الدعاية إىل استخدام لغة أو صورة‬
‫مشحونة بالعواطف الستدرار عطف اجلمهور‪ ،‬وبالتايل حتصيل دعمه‪ .‬والعطف شعور‬
‫تماما كما تفعل «إسرائي�ل» حني تستغل‬ ‫إنساين نبي�ل‪ُ ،‬يستغل لهدف دعايئ خبيث‪ً ،‬‬
‫روايات الناجني من «املحرقة» يف مناشدة عطف العالم‪ ،‬وبالتايل حتصيل دعمهم (مال‪،‬‬
‫سرقة وطن‪ ،‬سالح‪ ...‬إلخ)‪ .‬كما جتدر اإلشارة إىل تشابه هذا األسلوب مع «تقمص دور‬
‫الضحية»؛ إال أن األول يصلح مع قصص إنساني�ة واجتماعية‪ ،‬بينما يوظف الثاين يف‬
‫املنازعات السياسية (مصطفى‪ .)2007:‬وأمثلة هذا النوع كثرية على املستوى الفلسطيين‪،‬‬
‫قصصا إنساني�ة منوعة‪ ،‬تهدف إىل كسب تأيي�د العالم‪ ،‬وحتصيل دعمه‬ ‫ً‬ ‫حبيث تشمل‬
‫السيايس والمايل‪.‬‬
‫‪ .73‬أســلوب التفريــق والتشــتيت ‪ :Divisive‬إثــارة الكراهيــة والبغضــاء‪ ،‬وكل مــا مــن‬
‫شــأنه حتقيــق الفرقــة واخلــاف‪ .‬ولــه عــدة مســتويات‪ ،‬مثــل‪:‬‬

‫‪351‬‬
‫الفصــل اخلامس‬

‫ ‪ -‬الفرقة بني األحزاب‪ ،‬أو بني األحزاب والدولة‪ ،‬أو بني الشعوب‪ ،‬أو الدول‪.‬‬
‫ ‪ -‬تشتيت أبن�اء الشعب الواحد‪ ،‬أو التفريق بني الشعب والدولة‪ ،‬أو قيادته‪.‬‬
‫ولتحقيق هدف التفريق‪ ،‬يعمد رجل الدعاية يف مرحلة أوىل‪ ،‬إىل دراسة الفئة‬
‫املستهدفة بشكل مستفيض‪ ،‬عرب رصد املوضوعات والقضايا اليت من املمكن استغاللها‪،‬‬
‫أو اليت تشكل مواطن خالف حايل أو محتمل‪ ،‬ومن أمثلتها اآليت‪:‬‬
‫‪ -‬الفروق العرقية واالثني�ة والديني�ة داخل الدولة أو اإلقليم‪.‬‬
‫‪ -‬حتديد مراكز الرثوة‪ ،‬والفروقات يف احلالة االقتصادية‪ ،‬إضافة إىل حتديد‬
‫ً‬
‫اقتصاديا على حساب فئات أخرى‪.‬‬ ‫املستفيدين‬
‫ ‪ -‬رصد اخلالفات السياسية بني أفراد الطبقة احلاكمة‪ ،‬أو بني احللفاء‪ ،‬أو بني‬
‫سلطة احلكم وبايق األحزاب والشخصيات خارج إطار احلكم‪ ،‬أو بني األحزاب السياسية‬
‫والديني�ة‪ .‬إضافة إىل حتديد موضوعاتها‪ ،‬ومدى تعارضها أو انسجامها مع تطلعات‬
‫اجلماهري‪.‬‬
‫ً‬
‫ ‪ -‬رصد القرارات االقتصادية اليت تشكل عبئ�ا على غالبي�ة املواطنني‪ ،‬وال يستفيد‬
‫منها سوى فئة معين�ة (الضرائب كمثال)‪.‬‬
‫ ‪ -‬رصد القرارات السياسية السلبي�ة للدول أو األحزاب أو القيادة السياسية‪ ،‬وحتديد‬
‫ممارساتها اخلاطئة‪ ،‬وتأثريها على أماين األفراد حبياة مستقرة ومزدهرة‪.‬‬
‫ ‪ -‬دراسة تاريخ الدول واألحزاب واألعراق والشعوب‪ ،‬ورصد ما عانت�ه يف المايض‪.‬‬
‫‪ -‬دراسة عادات وتقاليد وثقافة املجتمعات والشعوب‪ ،‬والرتكزي على أوجه التن�اقض‬
‫واخلالف بينها‪ .‬إضافة إىل حتديد املوضوعات والقضايا اخلالفية بني أفراد الشعب‪ ،‬أو بني‬
‫الشعوب ببعضها‪ ،‬أو بني أبن�اء األحزاب‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫ويف مرحلــة ثانيـ�ة‪ ،‬يمــارس رجــل الدعايــة مجموعــة مــن التكنيكيــات لتحقيــق هــدف‬
‫التفريــق أو الوقيعــة‪ ،‬منهــا‪:‬‬

‫‪352‬‬
‫أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة‬

‫‌أ‪ .‬اســتخدام التلميحــات ‪ :Insinuation‬التلميــح تكنيــك يســتخدم إلثــارة شــكوك‬


‫اجلمهــور املســتهدف حنــو شــخصية‪ ،‬أو جماعــة‪ ،‬أو فكــرة‪ ،‬وذلــك باســتعمال عــدد مــن‬
‫األدوات مثــل‪ :‬األســئلة املوجهــة‪ ،‬والنــكات‪ ،‬والرمــوز البصريــة‪ ،‬وأســلوب الربــط عــر‬
‫ً‬
‫ضمنيــ�ا إىل يشء مــا‪،‬‬ ‫الذنــب‪ ...‬وغريهــا‪ .‬وهنــا تقــوم جهــة الدعايــة باإلشــارة أو التلميــح‬
‫يــؤدي باجلمهــور إىل اســتنت�اج محــدد‪ .‬ومــن أمثلتــه اآليت‪:‬‬
‫ماذا يفعل محمد دحالن يف مصر؟‬
‫هنــا‪ ،‬توظــف جهــة الدعايــة االســتفهام مــن أجــل اســتخالص نتيجــة واحــدة‪ .‬فأبنـ�اء‬
‫حمــاس ســيقولون إن زيارتــه لهــا عالقــة بتشــديد احلصــار علــى غــزة‪ ،‬أمــا أبنــ�اء فتــح‬
‫فســيقولون إنهــا زيــارة للتآمــر علــى القيــادة الشــرعية متمثلــة يف الرئيــس محمــود عبــاس‪.‬‬
‫ومــن اجليــد اإلشــارة إىل اســتفادة رجــل الدعايــة مــن تاريــخ دحــان مــع حركــي فتــح‬
‫وحمــاس‪ ،‬مــن أجــل توجيــه أفرادهــا الســتنت�اج ســليب محــدد جتاهــه‪ ،‬األمــر الــذي ســيقود‬
‫إىل تعزيــز الشــقاق معــه‪.‬‬
‫أين تذهب ضرائب قطاع غزة؟‬
‫ســؤال بــريء يف ظاهــره؛ إال أنــه تلميــح حيمــل مــن االســتنت�اجات الكثــر‪ .‬وهنــا تعــي‬
‫جهــة الدعايــة بشــكل مســبق األوضــاع االقتصاديــة الصعبــة لســكان قطــاع غــزة‪ ،‬كمــا تعلم‬
‫األزمــة الماليــة الــي تمــر بهــا حركــة حمــاس‪ ،‬إضافــة إىل حجــم الضرائــب املفروضــة‪ .‬لذلــك‬
‫تعمــد إىل إثــارة شــكوك املواطنــن‪ ،‬وبالتــايل حتصيــل اســتنت�اجات تصــب يف مجــرى الوقيعــة‬
‫بــن املواطــن وحركــة حمــاس‪ ،‬علــى الشــكل اآليت‪ :‬حمــاس ال تكــرث باملواطــن‪ ،‬وأبن�اؤهــا‬
‫يعتاشــون علــى آهــات الشــعب‪ ...‬إلــخ‪.‬‬
‫‌ب‪ .‬صناعــة االختــاف ‪ :Granfalloon‬كلمــة ‪ Granfalloon‬تشــر إىل الفــوارق‬
‫واالختالفــات الــي بموجبهــا يتــم تميــز جماعــة مــن األفــراد عــن بــايق األفــراد خــارج إطارهــا‪.‬‬
‫وهنــا يعمــد رجــل الدعايــة إىل صناعــة التمايــز وتعزيــز االختــاف بــن اجلماعــات أو األفــراد‬
‫أو الشــعوب (حنــن ‪ x‬هــم)‪ ،‬عــن طريــق توظيــف كل مــا مــن شــأنه حتقيــق ذلــك‪ ،‬حــى لــو‬
‫بــدا بعضهــا غــر ذي صلــة‪ ،‬مثــل‪ :‬الديــن‪ ،‬القوميــة‪ ،‬العــرق‪ ،‬احلــزب‪ ،‬الرايــات‪ ،‬القبعــات‪...‬‬
‫ً‬
‫إلــخ‪ .‬وعــادة مــا ينتــج عــن اســتخدام هــذا التكنيــك تشــبث األفــراد بقوميتهــم أو عرقهــم أو‬

‫‪353‬‬
‫الفصــل اخلامس‬

‫حزبهــم‪ ،‬وزيــادة والئهــم والزتامهــم حنــوه‪ ،‬وهــو مقصــد رجــل الدعايــة مــن األســاس‪ .‬ولعــل‬
‫املثــال التاريــي األشــهر‪ ،‬مــا قــام بــه هتلــر عنــد بدايــة تأسيســه للحزب النــازي‪ ،‬حيــث طلب‬
‫مــن املنتســبني ارتــداء ســرات بنيـ�ة اللــون لتميزيهــم عــن غريهــم مــن خــارج إطــار احلــزب‪.‬‬
‫ً‬
‫يف ذلــك الوقــت‪ ،‬جوبــه هــذا التصــرف بانتقــادات ســاخرة‪ ،‬إال أنــه كان كفيــا بتوثيــق ترابــط‬
‫ً‬
‫أفــراده‪ ،‬وزيــادة التفافهــم حــول هتلــر‪ ،‬ممــا قــاد الحقــا إىل ســيطرته علــى مقاليــد احلكــم يف‬
‫ألمانيـ�ا‪ .‬ونســتنتج هنــا‪ ،‬أنــه وبمجــرد تفعيــل تكنيــك «صناعــة االختــاف»‪ ،‬فــإن أي جهــود‬
‫ً‬
‫إلعــادة اللحمــة قــد تســتغرق وقتــا قــد يمتــد ألجيــال‪ .‬ومــن أمثلــة هــذا التكنيــك يف املمارســة‬
‫اإلعالميــة اآليت‪:‬‬
‫‪ -‬اســتخدام كلمــات ومصطلحــات للداللــة‪ :‬صقور‪/‬حمائــم‪ ،‬محافظ‪/‬ليــرايل‪،‬‬
‫حمســاوي‪/‬فتحاوي‪ ،‬دحالين‪/‬عرفــايت‪ ،‬شيعي‪/‬ســي‪ ،‬علماين‪/‬إســايم‪ ،‬حكومــة غــزة‪/‬‬
‫حكومــة الضفــة‪.‬‬
‫ ‪ -‬توظيــف شــعارات ورمــوز للداللــة‪ :‬رايــة خضراء‪/‬رايــة صفــراء‪ ،‬قبعــة حمــراء‪/‬‬
‫قبعــة ســوداء‪ ،‬هالل‪/‬صليــب‪ ...‬إلــخ‪.‬‬
‫‪ -‬فرض التمايز‪« :‬لن تستطيعوا تذوق حالوة اجلهاد‪ ،‬فأنتم لستم مقاومني»‪.‬‬
‫‌ج‪ .‬التســريب�ات ‪ :Leaks‬هنــاك مــن يطلــق علــى هــذا التكنيــك اســم «دق‬
‫األســافني»‪ ،‬مــن حيــث اعتمــاده علــى معلومــات ووقائــع صحيحــة‪ ،‬إال أنهــا مجهولــة وغــر‬
‫معلنــة‪ .‬وهنــا يعمــد رجــل الدعايــة إىل تســريب أي معلومــة مــن شــأنها اإليقــاع والتفرقــة‬
‫(املوســوي والشــجريي‪ .)2009:‬ومثــال ذلــك‪ ،‬التســريب�ات الــي أشــارت إليهــا وســائل اإلعالم‬
‫عــن علــم الســلطة الفلســطيني�ة املســبق بني ـ�ة «إســرائي�ل» شــن حــرب علــى غــزة يف عــام‬
‫‪2008‬م‪ .‬أو تســريب «إســرائي�ل» التفــاق مــع الســلطة يقــي بإجهــاض االنتفاضــة‪...‬‬
‫وغريهــا‪ .‬وينــ�درج مــا يقــوم بــه «اإلســرائيلي» «إيــدي كوهــن» علــى موقــع التدويــن‬
‫املصغــر تويــر حتــت هــذا التصنيــف‪.‬‬
‫‌د‪ .‬التحريــض واالتهــام املتبـ�ادل‪ :‬تشــجيع منــاخ التحريــض‪ ،‬وتغذيــة االتهامــات بــن‬
‫اجلماعــات واألفــراد؛ ممــا يــؤدي إىل شــيوع الكراهيــة‪ ،‬ونزعــات اإلقصــاء (‪ .)Ellul:1971‬ومــن‬
‫اجلديــر ذكــره‪ ،‬أن جهــود التحريــض ضــد جهــة مــا تســتدعي تالحــم والتفــاف أفرادهــا‪،‬‬

‫‪354‬‬
‫أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة‬

‫األمــر الــذي يزيــد مــن رقعــة الفرقــة بــن األطــراف‪ ،‬وقــد تصــل يف بعــض األحيــان إىل حــد‬
‫املواجهــة املســلحة‪ .‬وخــر مثــال‪ ،‬مــا تقــوم بــه حركــة حمــاس مــن حتريــض ضــد الســلطة يف‬
‫الضفــة الغربي ـ�ة‪ ،‬األمــر الــذي أدى إىل تالحــم والتفــاف أبن ـ�اء فتــح حولهــا‪ ،‬علــى قاعــدة أن‬
‫حمــاس ال تعمــل إال ملصلحتهــا اخلاصــة‪.‬‬
‫‌ه‪ .‬الشــائعات ‪ :Rumors‬معلومــات أو أخبــار ال أســاس لهــا مــن الواقــع‪ ،‬تســتهدف‬
‫صناعــة الفرقــة بــن األفــراد واجلماعــات واألمــم‪ ،‬مثــل شــائعات الكراهيــة والعنصريــة‬
‫والفضــاحئ‪ ...‬إلــخ (مزاهــرة‪ .)2012:‬ومثالهــا‪ :‬شــائعة طلــب إيــران مــن حمــاس قطــع عالقتهــا‬
‫مــع الســعودية كشــرط الســتئن�اف املســاعدات الماليــة‪.‬‬
‫‌و‪ .‬الربــط املقصــود‪ :‬الربــط بــن أحــداث معينـ�ة مــن أجــل إقنــاع األطــراف أن أحدهمــا‬
‫يت�آمــر علــى اآلخــر (‪ .)IPA:1937‬ومثــال ذلــك؛ الربــط بــن زيــارة الرئيــس عبــاس إىل مصــر‬
‫وإغــاق معــر رفــح‪.‬‬
‫‌ز‪ .‬عقــد املقارنــات‪ :‬وتعــي حتقيــق الفرقــة باتبــ�اع أســلوب املقارنــة‪ ،‬مثــل‪ :‬مقارنــة‬
‫احلــال االقتصاديــة بــن الضفــة وغــزة (فتــح‪ ،‬حمــاس)‪ ،‬أو مقارنــة أحــوال األفــراد‬
‫املعيشــية قبــل وبعــد فــوز حمــاس باالنتخابــات التشــريعية‪ ،‬أو مقارنــة احلــال املعيشــية‬
‫بــن املواطنــن والقــادة‪.‬‬

‫‪355‬‬
‫الفصــل اخلامس‬

‫ً‬
‫ثاني�ا‪ :‬األساليب والتكنيكيات احلديث�ة‬
‫يســتعرض اجلــزء احلــايل أهــم أســاليب وتكنيكيــات الدعايــة علــى مواقــع الشــبكات‬
‫االجتماعيــة؛ وذلــك وفــق اآليت‪:‬‬
‫‪ .1‬أســلوب التضخيــم ‪ :Amplification‬يشــري إىل مجموعــة مــن اخلطــوات املركزيــة‬
‫املنســقة مــن أجــل زيــادة انتشــار رســائل الدعايــة داخــل مواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪،‬‬
‫حبيــث تعتمــد علــى مكونــات بشــرية وآليــة لتحقيــق مطلــيب الســرعة واالتســاع‪ ،‬يوضحهــا‬
‫الشــكل املرفــق‪.‬‬

‫شكل يوضح أسلوب زيادة إنتشار الرسالة الدعائي�ة‬

‫املصدر‪( :‬املؤلف نفسه)‬

‫‪356‬‬
‫أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة‬

‫‪ .2‬أسلوب اإلطباق على الوسوم ‪ :Hashtag Latching‬استغالل وقرصنة وسوم‬


‫عاملية مشهورة ودارجة بهدف الرتويج لقضية معين�ة من خالل الوصول إىل أكرب عدد من‬
‫املستخدمني‪ .‬بمعىن آخر‪ ،‬تعمد جهة الدعاية على نشر محتوى‪ ،‬مرفق بوسم شائع ال يمت‬
‫للمضمون الذي تريد إيصاله للجمهور بصلة؛ وذلك بهدف تعميم املوضوع على أكرب شرحية‬
‫من املستخدمني‪ ،‬خاصة أولئك املتابعني لتطورات الوسم‪ .‬وإىل جانب كونه أسلوب للفت‬
‫ً‬
‫األنظار‪ ،‬فقد يستخدم أيضا للتخريب على وسوم راجئة معين�ة ‪ ،Hashtag Spamming‬من‬
‫خالل إرفاق الوسم بمحتوى يعارض القضية اليت يدعو أو حياول الرتويج لها‪ .‬على سبي�ل‬
‫املثال‪ ،‬تتعمد جهة ما‪ ،‬من أجل إظهار اعرتاضها على قوانني أو قرارات سياسية‪ ،‬إىل تدشني‬
‫حملة يتخللها وسم رئييس يعرب عن هذا الرفض‪ .‬هنا‪ ،‬قد تقوم جلان إلكرتوني�ة تابعة‬
‫للحكومة بالتخريب عليها من خالل نشر محتوى مذيل بذات وسم احلملة الرئييس؛ إال‬
‫أنه يقلل من أهمية القضية اليت تتبن�اها أو يشكك فيها‪ ،‬أو يقدم ملعلومات وآراء مناقضة‬
‫قد تطيح بها وتفشلها‪ .‬ومزية التكنيك أنه يقدم ملتابعي احلملة حول العالم محتوى‬
‫يصنع النطباع مزيف بعدم وجود اجماع أو التفاف شعيب حول مطالب احلملة‪ .‬ومن‬
‫النماذج العاملية اليت توضح لهذا األسلوب ما قام به تنظيم «داعش» من استغالل لوسم‬
‫‪ napaquake#‬أو ‪#‬زلزال_نابا‪ ،‬الذي شمل تغريدات عن زلزال ضرب اجلزء الشمايل من والية‬
‫كاليفورني�ا‪ ،‬يف نشر صور ورسائل تهديد للواليات املتحدة األمريكية (‪.)Nissen:2015‬‬
‫ً‬
‫‪ .3‬أسلوب حتويل االجتاه ‪ :Misdirection‬ال خيتلف كثريا عن األسلوب التقليدي‬
‫الوارد يف اجلزء األول‪ ،‬ويتبىن املبدأ نفسه‪ .‬كما يرتبط باألسلوب السابق «اإلطباق»‪،‬‬
‫ً‬
‫إذ يقوم على حتويل تركزي املستخدمني إىل موضوع جديد بعيدا عن املوضوع االصلي‬
‫ً‬
‫الذي حيظى باهتمامهم يف حلظة زمني�ة ما‪ .‬وعادة ما يستخدم إللهاء املستخدمني؛‬
‫وذلك بهدف فرض سيطرة وحتكم اتصايل‪ ،‬مخافة انفالت مجرى الرواية لغري صالح‬
‫جهة الدعاية‪ .‬وين�درج حتت أسلوب حتويل االجتاه تكنيك يطلق عليه اسم التغطية‬
‫‪ُ ،Smoke Screening‬يطبق عند محاولة جهة الدعاية حرف االهتمام حنو زاوية جديدة من‬
‫القضية غري تلك اليت جيري تداولها‪ .‬وهو نوع من التشتيت املعلومايت إلفقاد املستخدمني‬
‫ً‬
‫تركزيهم‪ .‬فمثال‪ ،‬تعمد جهة الدعاية إىل توجيه اهتمام املستخدمني حنو دور التجار يف رفع‬

‫‪357‬‬
‫الفصــل اخلامس‬

‫ً‬
‫االسعار بعيدا عن مداوالت دور احلكومة يف ضبط األسعار ومعاقبة التجار‪ .‬ومن األمثلة‬
‫العاملية اليت توضح ألسلوب حتويل االجتاه قيام جهات روسية بنشر معلومات مضللة ودفق‬
‫معلومايت كبري لتشتيت االنتب�اه عن حادثة اختفاء الطائرة المالزيية ‪ ،MH17‬من خالل بث‬
‫عدد كبري من التفسريات واملربرات املتن�اقضة حول أسباب حتطم الطائرة (‪ .)Ibid‬وين�درج‬
‫ً‬
‫تكنيك السطو على املوضوعات ‪ Thread-jacking‬حتت هذا األسلوب‪ ،‬وغالبا ما يلجأ إليه‬
‫املتصيدون لتخريب املناقشات اليت جتري داخل املنت�ديات‪ ،‬أو لتحويل اجتاه التعليقات‬
‫املصاحبة ملنشور ما‪ .‬على سبي�ل املثال‪ ،‬قد يتعمد متصيد ما‪ ،‬عند نشر أحد املستخدمني‬
‫ملحتوى حول حركة «حماس»‪ ،‬التعليق عليه إما بشتم صاحب املنشور أو احلركة بغية‬
‫التحكم يف طبيعة ونوعية التعليقات الالحقة‪ ،‬أو طرح قضية معين�ة غري تلك اليت أرادها‬
‫املستخدم‪ .‬وخطورة التكنيك‪ ،‬أنه يرتكز على عادة املستخدمني تصفح التعليقات من أجل‬
‫اجرتار وحث سلوكيات يرغب بها‪ .‬وتزخر بيئتن�ا الفلسطيني�ة بهذا النوع من السلوكيات‪،‬‬
‫إذ يتقصد البعض حتفزي أنواع سيئ�ة من التعليقات بعيدة عن الفائدة املرجوة من املنشور‪،‬‬
‫ً‬
‫حبيث يتحول إىل حلبة للمزاودة والتشكيك وتب�ادل االتهامات تصل أحيانا إىل ما هو أبعد‬
‫من ذلك‪.‬‬
‫‪ .4‬أسلوب اإلغراق ‪ :Flooding‬يشري إىل محاولة جهة الدعاية صناعة حالة من احلرية‬
‫وفقدان الرتكزي والتي�ه لدى املستخدمني من خالل إغراق وسائل اإلعالم ومواقع الشبكات‬
‫االجتماعية بسيل من الرسائل واملعلومات املتن�اقضة واملتضاربة‪ .‬على سبي�ل املثال‪ ،‬تتعمد‬
‫جهة دعائي�ة ما إغراق موقع فيسبوك بسيل ضخم من املعلومات والتقارير املتضاربة‬
‫حول حدث معني‪ ،‬ما يرتتب عليه حالة من التشويش الشديد تصيب املستخدمني عند‬
‫ً‬
‫محاولتهم فهم واستيعاب احلدث‪ .‬وعادة ما تستخدم الروبوتات االجتماعية واحلسابات‬
‫الوهمية إىل جانب اللجان اإللكرتوني�ة والنشطاء واملؤثرين بشكل مزتامن يف تنفيذ األسلوب‪.‬‬
‫وال يقف اإلغراق عند حدود التشويش؛ بل يتعداه حنو الرتويج لقضية أو شخصية أو فكرة‪،‬‬
‫من خالل بث رسائل بكميات كبرية جتذب انتب�اه املستخدمني‪ ،‬لتنشأ عملية تفاعلية‬
‫كاف منه‪ .‬وتتجلى خطورة اإلغراق‬ ‫قوامها مشاركة اجلمهور يف عملية اإلغراق دون وعي ٍ‬
‫أكرث عندما تتمكن جهة الدعاية من موضعة نفسها على شكل عقد شبكية موزعة‪ ،‬تسمح‬

‫‪358‬‬
‫أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة‬

‫بت�دفق رسائلها يف جميع االجتاهات‪ ،‬وبالتايل تعرض أكرب قدر من املستخدمني لها‪.‬‬
‫‪ .5‬أسلوب صناعة الرتندات املزيفة ‪ :False Trends‬ويعين صناعة جهة الدعاية‬
‫لرتند مزيف من أجل لفت اإلنظار إىل موضوع معني‪ ،‬أو التخريب على ترندات حقيقية‬
‫قائمة من خالل تقليص االهتمام اجلماهريي بها أو ضربها وإفشالها قبل انتشارها‪.‬‬
‫وسيم باملزيف ألن منشأه جهات مجهولة تسعى إىل أن يب�دو «الرتند» صادر عن حراك‬
‫شعيب قاعدي حقيقي ‪ .Astroturfing‬وعادة ما تتم صناعة الرتند املزيف باستخدام‬
‫الروبوتات‪ ،‬مدعومة جبهود بشرية تتوالها جلان إلكرتوني�ة تابعة جلهات دعائي�ة‪.‬‬
‫فعلى سبي�ل املثال‪ ،‬بلغ عدد الروبوتات االجتماعية املشاركة يف صناعة ونشر ترند‬
‫«‪#‬اجلزيرة_تهني_امللك_سلمان» حوايل ‪ ،4375‬خالل األزمة اخلليجية اليت تعرضت‬
‫فيها دولة قطر حلصار ومقاطعة رباعية من قبل السعودية واإلمارات والبحرين ومصر‬
‫(‪.)Jones:2019‬‬

‫جدول يوضح املوضوعات املتداولة مع ترند «‪#‬اجلزيرة_تهني_امللك_سلمان»‬


‫اﻟﺮو�ﻮﺗﺎت‬ ‫اﻟﺘـﺮﻧ ــﺪ‬
‫اﳌﻀﻤﻮن�اﳌﺮﻓﻖ�ﻣﻊ�اﻟهﺎﺷﺘﺎك‬
‫اﳌﺸـﺎرﻛــﺔ‬ ‫اﻟﺮﺋ����‬

‫ﻗﻄﺮ�داﻋﻤﺔ�اﻹرهﺎب�ﻋ���ﻗﻨﺎة�ا��ﺰ�ﺮة‪.‬‬ ‫‪357‬‬

‫اﻟﻘﻄﺮ��ن�اﻟﺸﻌﺐ�اﻟﻌﺮ�ﻲ�اﻟﻮﺣﻴﺪ�اﻟﺬي‬
‫‪161‬‬
‫‪#‬ا��ﺰ�ﺮة ـ� ــ����ن�ــ�اﳌﻠﻚ�ــ�ﺳﻠﻤﺎن‬

‫�ﺴﺘﻘﺒﻞ�»اﻹﺳﺮاﺋﻠﻴ�ن«����ﻗﻄﺮ�ﺑﺎﻟﻄﺒﻮل‪.‬‬

‫اﻹﺧﻮان�ا��ﺮﻣ�ن�ﻳﺘﻠﻘﻮن�دﻋﻢ�ﻛﺒ���ﻣﻦ�ﻗﻄﺮ‪.‬‬ ‫‪106‬‬
‫داﻋﺶ��ﺸ��ي�اﻷﺳ��ﺔ�ﺑﺄﻣﻮال�ﻗﻄﺮ�ــﺔ‪.‬‬ ‫‪75‬‬

‫ﻗﻄﺮ�اﻟﻈهﺮ�اﻟﺪاﻋﻢ�ﻟﻺرهﺎب�اﻹﻳﺮا�ﻲ‪.‬‬ ‫‪52‬‬
‫ا��ﻜﻮﻣﺔ�اﻟﻘﻄﺮ�ﺔ�ﺣﻜﻮﻣﺔ�ﺧﺎﺋﻨﺔ‬
‫وﺗﺘﺼﻒ�ﺑﺼﻔﺎت�اﻟ��ﻮد�اﻟﻜﻼب‪.‬‬ ‫‪55‬‬

‫ﻗﻨﺎة�ا��ﺰ�ـﺮة�وﺳﻴﻠﺔ�ﺑﻴﺪ�اﻟﺼهﺎﻳﻨﺔ‪.‬‬ ‫‪9‬‬
‫هﺪف�ا����ﻳﺮة�هﻮ�زرع�اﻟﻔﺘﻨﺔ�ﺑ�ن�اﻟﺪول�اﻟﻌﺮ�ﻴ ــﺔ‪.‬‬ ‫‪27‬‬

‫املصدر‪)Jones:2019( :‬‬

‫‪359‬‬
‫الفصــل اخلامس‬

‫ويرتتــب علــى صناعــة االجتاهــات املزيفــة علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة جــذب‬
‫انتبـ�اه وســائل اإلعــالم وتشــكيل خطابهــا جتــاه األزمــات‪ .‬فعلــى ســبي�ل املثــال‪ ،‬قامــت قنــاة‬
‫‪ BBC‬الربيطانيـ�ة برصــد هاشــتاك «‪#‬اجلزيرة_تهني_امللك_ســلمان»‪ ،‬وأفــردت لــه تغطيــة‬
‫إعالميــة‪ ،‬برغــم كونــه صناعــة موجهــة ومزيفــة لروبوتــات متخصصــة (‪ .)Ibid‬ومــا ســبق‬
‫حييــل إىل تكنيــك ســيرباين شــائع يســىم «املحاصــرة» تقــوم مــن خاللــه جهــات دعائيــ�ة‬
‫علــى تشــكيل حســابات وهميــة ثــم موضعتهــا داخــل الشــبكة حــول وســيلة إعالميــة‪،‬‬
‫ً‬
‫بشــكل يــويح ذهنيـ�ا بمحاصرتهــا لصفحــة الوســيلة‪ .‬ومــا أن تبـ�دأ هــذه احلســابات بالتغريد‬
‫بهــدف صناعــة ترنــد مزيــف‪ ،‬حــىت تلتقطهــا هــذه الوســائل حبيــث تفرد لهــا تغطيــة إعالمية‬
‫ً‬
‫واســعة نســبي�ا دون أن تــدرك أنهــا صناعــة مزيفــة ال عالقــة لهــا باالجتاهــات اجلماهرييــة‬
‫احلقيقيــة‪.‬‬

‫شكل يوضح تكنيك محاصرة صفحة وسيلة إعالمية‬

‫املصدر‪(:‬املؤلف نفسه)‬

‫‪ .6‬أسلوب التالعب باخلوارزميات ‪ :Algorithms Manipulation‬يشري‬


‫إىل تعمد جهة الدعاية التالعب خبوارزميات تصنيف نت�اجئ البحث أو تلك املسؤولة عن‬
‫ُ‬
‫ترشيح وتصفية املعلومات اليت تقدم للمستخدمني؛ وذلك بهدف التأثري يف أفكارهم‬

‫‪360‬‬
‫أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة‬

‫وتصوراتهم جتاه مختلف القضايا وبالتايل التحكم وتوجيه السلوكيات بما يتن�اغم مع‬
‫أهداف الدعاية(*)‪.‬‬
‫‪ .7‬أسلوب االنتحال ‪ :Impersonating‬تقمص جهة الدعاية هويات مستخدمني‬
‫حقيقيني؛ وذلك بهدف تنفيذ أنشطة تأثري متنوعة‪ ،‬من بينها تدمري سمعة املستخدم‬
‫ُ‬
‫املن َ‬
‫تحلة هويت�ه‪ ،‬أو جذب مستخدمني إىل الصفحة باالستفادة من شهرة الشخصية‪ ،‬أو بث‬
‫محتوى وإشاعات ومعلومات مفربكة بشكل مسترت خيفي لهوية جهة الدعاية احلقيقية‪ ،‬أو‬
‫استدراج مستخدمني للكشف عن معلومات معين�ة‪...‬إلخ‪ .‬ومن أمثلة االنتحال العاملية‪،‬‬
‫انتحال ناشطني من حركة «طالبان» األفغاني�ة لهويات مستخدمني «نساء جذابات»‬
‫على موقع فيسبوك لإليقاع جبنود من اجليش األسرتايل من أجل احلصول على معلومات‬
‫يمكن االستفادة منها يف عملياتهم العسكرية‪ .‬ويطلق على هذا التكنيك اسم ‪،Catfishing‬‬
‫وهو عملية انتحال لشخصية أو هوية مزيفة لإليقاع بالهدف ضمن إطار إقناعي نفيس‬
‫يعرف بالهندسة االجتماعية‪.‬‬
‫‪ .8‬أسلوب التوجيه ‪ :Directing‬ويعين مشاركة جهة الدعاية لروابط أو نشر رسائل‬
‫حتتوي على روابط إلكرتوني�ة حتيل إىل صفحات ومواقع محددة‪ ،‬إما لرتويج أجندة سياسية‬
‫أو فكرية‪ ،‬أو الخرتاق جهاز الضحية وجمع معلوماته‪ .‬وخطورة األسلوب تنبع من قدرته‬
‫الدفع بأجندة جهة الدعاية إىل الواجهة من خالل توجيه املستخدمني إىل مواقع وصفحات‬
‫تشبه يف شكلها ومضمونها مواقع ملؤسسات إعالمية أصيلة؛ إال أنها يف احلقيقة غري ذلك‪.‬‬
‫وهنا تقوم جهة الدعاية بشكل مسبق بإطالق صفحة أو موقع إعاليم وهيم مخصص‬
‫ً‬
‫ألغراض التأثري ثم الحقا توجيه املستخدمني إليه‪ ،‬دون أن يتمكن أحد منهم من كشف‬
‫تبعيت�ه أو زيفه بصورة فورية‪.‬‬
‫‪ .9‬أسلوب استهداف رواية اخلصم ‪ :Targeting Enemy Narratives‬ويعين‬
‫محاولة صد أو حظر محتوى اخلصم من خالل توجيه تقارير وطلبات «بالغات» إىل‬
‫إدارة مواقع الشبكات االجتماعية حتثها أو تدعوها إىل إزالة محتوى صادر عن صفحات‬

‫للتعمق أكرث مراجعة الفصل الثالث من الكتاب‪ ،‬وعنوان اخلوارزميات‪.‬‬ ‫(*)‬

‫‪361‬‬
‫الفصــل اخلامس‬

‫أو حسابات محددة بزعم احتوائها معان ومضامني مسيئ�ة ختالف سياسة النشر‪ .‬كما‬
‫يشمل محاولة احلصول على معلومات حول بعض شخصيات اخلصم لتوظيفها يف‬
‫عملية تشويهه أو السخرية منه واحلد من قدره‪ ،‬وبالتايل ردعه عن نشر محتوى معارض‪.‬‬
‫إضافة لما سبق‪ ،‬ينشط تكنيك نشر اإلشاعات واملعلومات املفربكة مع هذا األسلوب‪ ،‬من‬
‫خالل الرتكزي على أخطاء للخصم أو عرب صناعة وفربكة اخطاء وهمية‪ .‬على سبي�ل املثال‪،‬‬
‫نشرت احلكومة الروسية عرب منصاتها الدعائي�ة معلومات وصور مزيفة تزعم ارتكاب‬
‫اجليش األوكراين ألعمال وحشية حبق املدنيني‪ ،‬تتضمن صور ملقابر جماعية‪ ،‬ومدنيني‬
‫تعرضوا لإلجتار بأعضائهم‪ ،‬وعمليات تعذيب جماعية (‪ .)Nissen:2015‬وين�درج تكنيك‬
‫الفضح ‪ Disclose‬حتت أسلوب االستهداف‪ ،‬خاصة إذا ما ارتبط جبهود دعائي�ة مضادة‪.‬‬
‫وجهود الفضح حيوية للحد من التأثريات املحتملة لرسائل الدعاية املعادية‪ ،‬لما لها من‬
‫تداعيات خطرية حال غيابها‪ .‬لذلك فتوعية اجلمهور بأهدافها وطرقها وأساليبها‪ ،‬أساسية‬
‫يف جناح جهود احلمالت املضادة‪ .‬ويف أوكراني�ا‪ ،‬على سبي�ل املثال‪ ،‬أطلقت مؤسسات‬
‫املجتمع املدين‪ ،‬موقع مخصص لفضح الدعاية الروسية ‪ ،Stopfake.org‬يهتم بفحص‬
‫املعلومات للتأكد من صحتها‪ ،‬ثم فضح املزيف واملضلل منها‪ .‬بدورها‪ ،‬قامت دائرة‬
‫اإلجراءات اخلارجية يف االحتاد األورويب بتشكيل فرقة عمل مهمتها إعداد مراجعة أسبوعية‬
‫ُ‬
‫‪ ،The Disinformation Review‬تعرض من خاللها أدلة وأمثلة على حمالت التضليل اليت‬
‫تشنها روسيا داخل أوروبا أو خارجها‪ .‬وبمراجعة حالتن�ا الفلسطيني�ة‪ ،‬نالحظ غياب مثل‬
‫هذه اجلهود؛ إال من صيغتها الفردية غري املنسقة‪ ،‬مع غياب شبكة عمل منظمة‪ ،‬تمتاز‬
‫باالستمرارية‪ .‬وجدير بالذكر هنا‪ ،‬أن جهود الفضح ال تقتصر على شكل اتصايل معني؛‬
‫بل ترصد جميع الوسائل‪ ،‬وحتلل ما تقدمه من معطيات‪ ،‬لتقوم بفضح تلك الدعائي�ة‪ ،‬مع‬
‫تقديم تفسريات ألسبابها وأهدافها‪ .‬ومن اجليد تبين مبدأ «كل ما يصدر عن العدو هو‬
‫دعاية مالم يثبت العكس»‪ .‬ويف كثري من األحيان‪ُ ،‬ينظر جلهود الفضح بكونها قاصرة أو‬
‫غري قادرة لوحدها على مواجهة الدعاية‪ ،‬خاصة وإنها قد تعمل على ترسيخ أطروحاتها‬
‫لدى اجلمهور‪ ،‬العتب�ارات نفسية تتعلق بانتقائي�ة الفرد املستهدف وسلوكه مع الوسيلة‪.‬‬
‫ونتيجة لذلك من الضروري تبين أسلوب الرواية املضادة‪ ،‬لقدرته خفض تأثري الدعاية‪ ،‬من‬

‫‪362‬‬
‫أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة‬

‫خالل تقديمه وجهة نظر أخرى‪ ،‬تعكس للواقع احلقيقي‪ .‬وإعداد رواية مضادة يتطلب‬
‫حتقيق عدة شروط‪ ،‬كفهم سيكولوجية اخلصم‪ ،‬وحتليل طبيعة التفاعالت االجتماعية‬
‫والثقافية والسياسية داخله‪ ،‬مع اعتماد طرق وأساليب حيوية؛ كالتحدث بلغته‪ ،‬واالبتعاد‬
‫عن املصطلحات اليت ال تتوافق وثقافته‪ ،‬وتقديم نماذج وأمثلة من جتربت�ه‪ ،‬والتنويع يف‬
‫قوالب وأشكال الرواية‪ .‬ومن الضروري احلرص على أال تن�اقض الرواية املضادة نفسها‬
‫أو أن تصمم بشكل ين�اقض احلقائق على األرض‪ .‬فاملوضوعية‪ ،‬والشفافية مطلوبت�ان‬
‫لتحقيق استجابة سريعة‪ ،‬وربما بن�اء حالة من املصداقية عند جمهور اخلصم(*)‪.‬‬
‫‪ .10‬أسلوب ُ‬
‫الطعم املعلومايت ‪ :Bait‬ويعين نشر جهة الدعاية معلومات أولية غري مكتملة‬
‫حول قضية ما‪ ،‬يلتقطها املستخدم‪ ،‬ليعيد نشرها دون التأكد من موثوقيتها‪ ،‬أو االنتظار‬
‫حىت اكتمال أركانها‪ .‬وهو أسلوب إيقاع‪ ،‬يمهد الطريق لظهور وتداول اإلشاعات واملعلومات‬
‫املزيفة واملفربكة داخل البيئ�ة الشبكية للخصم‪ .‬ويتخذ هيئ�ة برقيات آني�ة‪ ،‬تنشط يف سياق‬
‫إخباري عاجل‪ ،‬تقدم جزء من املعلومة‪ ،‬وكأنها طبق غري مكتمل‪ ،‬تتصف بغياب التأكيد ال‬
‫الكذب‪ ،‬على األقل حلظة بدء تداولها‪ .‬ويشبه إىل حد ما اإلشاعة التقليدية‪ ،‬إال أنه خيتلف‬
‫عنها يف كون األخرية جتسيد ملعلومة كاذبة تنتشر بني األفراد بطريقة وجاهية مباشرة‪ ،‬يف‬
‫حني يعرب هو عن معلومة أولية غري مؤكدة‪ ،‬تتخذ هيئ�ة منشور قصري حول قضية ما‪ ،‬جيري‬
‫تداولها بني املستخدمني‪ ،‬وتنتظر من يؤكد صحتها أو ينفيها‪ ،‬او تفني�د اجزائها الصحيحة‬
‫عن املزيفة‪ .‬وبتصفحنا موقع فيسبوك‪ ،‬نالحظ تداول املستخدمني ملعلومات غري مكتملة‬
‫صادرة عن جهة الدعاية‪ ،‬دون التنب�ه لطبيعتها األولية أو احتمالية زيفها‪ .‬وهنا نستنتج أمر‬
‫يــرى بعــض املختصــن‪ ،‬أن مواجهــة الدعايــة عمليــة مرهقــة‪ ،‬لذلــك طرحــوا فرضيــة حتصــن اجلمهــور بشــكل مســبق‪ ،‬عــر‬ ‫(*)‬

‫تأهيلهــم بصــورة يمكنهــم مــن حتديــد املعلومــات املزيفــة أو احلمــات املضللــة الــي تســتهدفهم‪ .‬واحلقيقــة‪ ،‬أن مثــل هــذه‬
‫اجلهــود قديمــة‪ ،‬فقــد تبنتهــا جلنــة ‪ Creel‬األمريكيــة خــال احلــرب العامليــة الثاني ـ�ة‪ .‬ويف حالتن ـ�ا الفلســطيني�ة‪ ،‬تتطلــب‬
‫جهــود التوعيــة بالدعايــة اإلســرائيلية مــا هــو أكــر مــن “محــو أميــة”‪ ،‬مــن خــال تزويــد اجلمهــور باملهــارات والقــدرات‬
‫الالزمــة لرصــد الدعايــة والتعــرف عليهــا‪ ،‬إضافــة إىل إجيــاد رغبــة وميــل نفــي باجتــاه تفعيــل واســتخدام هــذه القــدرات‪.‬‬
‫فاملطلــوب ثقافــة نقديــة‪ ،‬تعكــس ملجتمــع ُمطلــع‪ ،‬يعقــد مهمــة الدعايــة اإلســرائيلية‪ .‬فالفــرد املثقــف قــادر علــى تفني ـ�د‬
‫اإلشــاعات‪ ،‬ويســتطيع التصــدي لهــا حلظــة بروزهــا‪ .‬ويســتحضرين يف هــذا املقــام‪ ،‬مشــروع جامعــة ‪Stony Brook‬‬
‫األمريكيــة‪ ،‬املخصــص لتثقيــف اجلمهــور بســبل الدعايــة‪ .‬فهــو يســاعد علــى حتديــد الفــرق بــن املعلومــات اإلعالميــة‬
‫وغريهــا مــن أنــواع املعلومــات‪ ،‬والتفريــق بــن الصحفيــن وغريهــم مــن مــزودي املعلومــات‪ ،‬إىل جانــب التميــز بــن اخلــر‬
‫والــرأي‪ ،‬والتوكيــد والتأكيــد‪ ،‬والدليــل واالســتدالل‪ ،‬ناهيــك عــن تقييــم وتفكيــك التقاريــر اإلخباريــة اســتن�ادا علــى نوعيــة‬
‫املعلومــات املقدمــة وموثوقيــة املصادر‪...‬إلــخ‪.‬‬

‫‪363‬‬
‫الفصــل اخلامس‬

‫بالغ األهمية‪ ،‬فقابلية التصديق اليت تغلف «املعلومة الطعم «جتذب إليها املستخدم لتحفز‬
‫سلوك نقلها‪ ،‬األمر الذي يتوافق مع نت�اجئ حبثي�ة‪ ،‬أثبتت ميل املستخدمني إىل نقل معلومات‬
‫«الطعم» بسلوكيات‬‫غري مكتملة‪ ،‬لم ُيتحقق بعد من صحتها‪ .‬ويرتبط انتشار املعلومات ُ‬
‫محددة‪ ،‬منها التواجد الدائم على املنصات االجتماعية‪ ،‬ومشاركة املستخدم وتعليقه على‬
‫كل حدث وقضية حىت لو خالفت اهتماماته الشخصية‪ .‬ويعمد هذا النوع من املستخدمني‬
‫إىل نقل وتكرار املعلومات دون أي مهارة اتصالية‪ ،‬او ثقافة نقدية‪ ،‬تؤهله للتعامل‬
‫معها(*)‪ .‬إضافة إىل ما سبق‪ ،‬ردت احباث علمية انتشار املعلومات غري املكتملة على‬
‫مواقع الشبكات االجتماعية إىل سببني‪ ،‬يتعلق األول باألحداث الهامة من وجهة نظر‬
‫اجلمهور‪ ،‬بينما يتجلى الثاين يف غموض أو غياب األدلة املتعلقة بها‪ .‬بمعىن آخر‪ ،‬كلما‬
‫جسد احلدث لقضية مصريية زاد احتمال انت�اج ونقل وانتشار املعلومات‪ ،‬وبالتايل كلما‬
‫غابت املعلومات اليت تؤكدها أو تنفيها‪ ،‬أدى ذلك إىل تعاظم نسبة تداولها ومشاركتها‪.‬‬
‫وهذا دليل على أن املعلومات اليت ال جتد نفي أو تأكيد من مصادر موثوقة‪ ،‬عرضة ملزيد‬
‫من االنتشار‪ .‬ويف نقطة أخرى‪ ،‬يمكن لتحديد نوع املعلومات أن يساعد على تفسري‬
‫سبب تداولها الكثيف‪ .‬فاألحباث العلمية حددت لثالث أنواع تتفىش بسرعة دون‬
‫غريها‪ .‬أولها املعلومات اليت ترتبط باألماين‪ ،‬واملعلومات «الغامضة» اليت تزيد من‬
‫ً‬
‫منسوب القلق واخلوف‪ ،‬واخريا معلومات «دق االسافني»‪ ،‬اليت حتفز مشاعر الكراهية‪.‬‬
‫ً‬
‫ولو تمعنا قليال‪ ،‬سنالحظ ارتب�اط االنواع السابقة بالنفس البشرية‪ ،‬خالل تعبريها عما‬
‫خيتلج يف نفسها من مشاعر‪ ،‬سيما إذا واكبت ألوضاع اجتماعية واقتصادية وسياسية‬
‫سيئ�ة‪ .‬ونستنتج مما سبق‪ ،‬أن املعلومات املرتبطة باألنواع السابقة‪ ،‬عرضة لإلنت�اج‬
‫والتداول بني املستخدمني‪ ،‬خاصة وأنها تعكس حلالة ينعدم فيها اليقني‪ ،‬ينتج عنها‬
‫مشاركات وتعليقات وردود كثيفة‪ ،‬حتفز انت�اج معلومات أخرى فرعية‪ ،‬من شأنها التأثري‬

‫لــو أردنــا تقديــم مثــال فلســطيين‪ ،‬لــن نعجــز مالحظــة ذلــك النقــل الكثيــف عــن املصــادر اإلســرائيلية‪ ،‬الــي يتوســط نشــرها‬ ‫(*)‬
‫ُ‬
‫اصحــاب صفــة “النشــاط التكــراري”‪ ،‬مــا يــؤدي بمســتخدمني آخريــن إىل التســليم بصحــة املعلومــة‪ ،‬بعــد أن تــدر قدراتهــم‬
‫النقديــة‪ .‬وال يقــف األمــر عنــد هــذا احلــد‪ ،‬بــل أن خاصيــة “حــب الظهــور”‪ ،‬والرغبــة يف خــوض ســباق ماراثــوين حنــو املعلومــة‪،‬‬
‫ً‬
‫أثــرت ســلبا علــى إدراكنــا لألحــداث‪ ،‬وحقيقــة تفاعالتهــا‪ ،‬مــا جعلنــا عرضــة لدعايــة اخلصــم‪ .‬ومــن اجليــد التنويــه‪ ،‬أن‬
‫النقــل الســريع يعمــل علــى حتفــز مشــاركة أســرع‪ ،‬تــؤدي إىل انتقــال املعلومــة مــن شــبكة مســتخدمني إىل أخــرى‪ ،‬يصعــب‬
‫ً‬
‫الحقــا تعميــم زيفهــا‪.‬‬

‫‪364‬‬
‫أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة‬

‫يف منظومة إدراك االفراد للحقيقة‪ .‬فاملستخدم يدعم نشر املعلومات يف حالتها الرمادية‬
‫غري املتحقق منها‪ ،‬لغياب األدلة املضادة؛ كما جيتهد يف تقديم ادلة على صحتها او خطأها‬
‫وهي يف ذات احلالة‪.‬‬
‫‪ .11‬أسلوب اإلعالنات املوجهة ‪ :Ads‬ويعين توظيف واستغالل جهة الدعاية خلدمة‬
‫اإلعالنات املمولة ‪ Sponsored Ads‬أو خدمة تعزيز وتدعيم املنشورات ‪ ،Boost Post‬اليت‬
‫توفرها مواقع الشبكات االجتماعية‪ ،‬من أجل توجيه أو ترويج رسائل محددة لصنف معني‬
‫من املستخدمني‪ .‬ويف الغالب‪ ،‬تعتمد جهة الدعاية على البي�انات اليت جيري جمعها عن‬
‫املستخدمني من أجل صياغة واختب�ار وتوجيه رسائل تتسق مع تفضيالتهم وتوجهاتهم‪.‬‬
‫ومزية األسلوب‪ ،‬أنه يسمح جلهة الدعاية بالتحكم يف عملية النشر‪ ،‬مثل ختصيص اجلمهور‬
‫املستهدف (الفئة العمرية‪ ،‬واملوقع اجلغرايف‪ ،‬واجلنس) أو حتديد املدة الزمني�ة‪...‬إلخ‪.‬‬
‫كما تتيح خيارات من قبي�ل انتقاء مكان ظهور اإلعالن أو صيغة ظهوره (صورة‪ ،‬فيديو‪،‬‬
‫صور مجمعة‪...‬إلخ)‪ .‬وين�درج حتت هذا األسلوب تكنيك يطلق عليه اسم «املنشورات‬
‫اخلفية»‪ ،‬اليت ال تظهر إال للفئة املستهدفة فقط‪ .‬وجرى استخدام التكنيك خالل حملة‬
‫االنتخابات الرئاسية األمريكية عام ‪2016‬م‪ ،‬قبل أن تقرر شركة فيسبوك وقف اخلدمة‬
‫ً‬
‫نظرا لالتهامات حول وجود تدخل رويس يف االنتخابات صب يف صالح املرشح اجلمهوري‬
‫«دونالد ترامب»‪.‬‬
‫‪.12‬أسلوب صناعة الضغط ‪ :Pressure‬ويعين تعمد جهة الدعاية نشر رسالة (نص‪،‬‬
‫صورة‪ ،‬مشهد) على مواقع الشبكات االجتماعية‪ ،‬تتن�اول قضية أو حدث معني‪ ،‬بهدف‬
‫ويعرب‬‫صناعة رأي عام ضاغط على الفئة املستهدفة (حكومات‪ ،‬أحزاب‪ ،‬أصحاب قرار)‪ُ .‬‬
‫األسلوب عن محاولة جهة الدعاية التحكم يف األجندة اجلماهريية من خالل شد انتب�اهها‬
‫وتوجيهه إىل مسار محدد‪ ،‬أو هو عملية حتكم من بعيد وبشكل غري مباشر يف تصرفات‬
‫وقرارات الفئة املستهدفة‪ .‬على سبي�ل املثال‪ ،‬تقرر جهة الدعاية نشر مشهد أو صورة‬
‫العتداء قوات األمن على أحد املواطنني بهدف تشكيل رأي عام ضاغط ضد احلكومة‪،‬‬
‫ً‬
‫ثم التحكم به وتوجيهه حلصد نت�اجئ تتن�اغم مع أهدافها الدعائي�ة‪ .‬وغالبا ما تقع الفئة‬
‫ً‬
‫املستهدفة فريسة لهذا األسلوب؛ ألن جتاهله سيؤدي بها إىل أزمات عديدة‪ ،‬أقلها ضررا ما‬

‫‪365‬‬
‫الفصــل اخلامس‬

‫ً‬
‫يرتبط بصورتها وسمعتها لدى اجلمهور‪ .‬ويتكامل األسلوب مع مبدأ حديث نسبي�ا يسىم‬
‫«التحكم الالإرادي ‪ .»Reflexive Control‬وهو مفهوم رويس‪ ،‬يشري إىل الطريقة اليت يتم‬
‫ً‬
‫بمقتضاها تشكيل إدراك اخلصم للواقع أو الصراع‪ ،‬تؤدي به طواعية إىل انتهاج مسلك أو‬
‫ً‬
‫تبين قرارات تصب يف مصلحة املشغل‪ ،‬الذي توقعها وتنب�أ بها سلفا‪ .‬ويتشابه املفهوم مع‬
‫نظريه األمريكي «‪ ،»Perception Management‬ويعرف بأنه وسيلة لنقل معلومات معدة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫مسبقا إىل شريك أو خصم جتعله يميل طوعا إىل تبين قرارات متوقعة سلفا من قبل صانع‬
‫احلدث‪ .‬ويرتكز املفهوم على التنبؤ‪ ،‬ثم محاولة التأثري عرب ضخ حزمة معلوماتي�ة‪ ،‬يتشربها‬
‫اخلصم بشكل يؤثر يف آلية صنع قراره‪ ،‬أو يف نوع القرار ذاته‪ .‬وكلما امتلك املشغل قدرة‬
‫دقيقة على التنبؤ بالسلوك‪ ،‬ارتفعت على التوازي قدرته على تقديم وجبة معلوماتي�ة‬
‫ً‬
‫معدة سلفا تتسق مع التنبؤ‪ ،‬تدفع اخلصم إىل خوض املسار املرغوب‪ .‬وتتخذ احلزم‬
‫املعلوماتي�ة أشكال منها‪:‬‬
‫‌أ‪ .‬ممارسة الضغط من خالل إظهار القوة‪ :‬كالضغط االقتصادي والدبلومايس‪ ،‬أو‬
‫التهديد بفرض عقوبات‪ ،‬أو تنفيذ حترك عسكري‪ ،‬أو رفع درجة االستعداد‪...‬إلخ؛ وذلك‬
‫بهدف إثارة ردة فعل عاطفية (خوف أو رهبة)‪.‬‬
‫‌ب‪ .‬تقديم معلومات مزيفة ومضللة‪ :‬عرب توظيف مهارات التمويه واحلرمان واخلداع‬
‫والدعاية على جميع املستويات؛ وذلك بهدف التالعب بقدرة إدراك اخلصم للواقع‪.‬‬
‫‌ج‪ .‬التأثري يف عملية صنع القرار وتوقيت�ه‪ :‬من خالل النمذجة املنهجية للعمليات‬
‫ً‬
‫(اتب�اع مراحل مدروسة)‪ ،‬ونشر مبادئ وعقائد مشوهة عمدا‪ ،‬باإلضافة إىل حقن معلومات‬
‫كاذبة ومزيفة داخل نظام صناعة القرار لدى اخلصم وشخصياته املؤثرة‪.‬‬
‫‌د‪ .‬التأثري يف توقيت القرار‪ :‬تضليل اخلصم من خالل دفعه إىل الرتكزي على قضايا‬
‫محددة من الصراع وإشغاله بها لكسب الوقت وتأجيل ردة فعله األساسية‪.‬‬
‫‪ .13‬أسلوب التصيد ‪ :Trolling‬سلوك شائع على مواقع الشبكات االجتماعية‪ ،‬وتلجأ‬
‫إليه جهة الدعاية عند محاولتها صناعة جدل أو فنت وكراهية واستقطاب بني املستخدمني‪.‬‬
‫ويتعمد املتصيد إزعاج املستخدمني وإحراجهم‪ ،‬والتقليل من شأن منشوراتهم؛ عرب كتابة‬

‫‪366‬‬
‫أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة‬

‫تعليقات سلبي�ة أو مهين�ة‪ ،‬دون أي عالقة مباشرة لهم باملستخدمني‪ ،‬أو دون سبب واضح‬
‫وظاهري‪ُ .‬‬
‫والمتصيد شخص حياول نرث بذور الفتن�ة والشقاق واالختالف ألهداف دعائي�ة‪،‬‬
‫بأساليب متنوعة كإطالق اجلدل‪ ،‬أو إثارة الغضب‪ ،‬أو عن طريق رسائل مستفزة ال عالقة‬
‫لها بالسياق‪ ،‬بهدف اجرتار استجابة عاطفية أو تعطيل املناقشات واحلوارات اإلجيابي�ة‬
‫ونزع قيمتها وفائدتها لصالح مسار جديل عقيم(*)‪.‬‬
‫‪ .14‬أسلوب التحيي�د ‪ :Neutralize‬يستخدم عندما ترغب جهة الدعاية (حكومة‪،‬‬
‫حزب‪ ،‬مؤسسة) يف حتيي�د مستخديم مواقع الشبكات االجتماعية عن قضايا معين�ة‪.‬‬
‫ً‬
‫وهو أسلوب احتواء دفاعي على مستوى الدعاية أكرث منه هجويم‪ .‬وعادة ما ُيستخدم‬
‫مع القضايا اخلارجية اليت حتاول جهة الدعاية صرف أنظار املستخدمني عنها أو جلم‬
‫تعليقاتهم حولها؛ وذلك بهدف تاليف أي تداعيات سياسية أو اجتماعية أو حىت اقتصادية‬
‫ً‬
‫قد تنشأ عنها‪ .‬وتزخر البيئ�ة الشبكية الفلسطيني�ة بهذا النوع من األساليب‪ ،‬إذ غالبا ما‬
‫توجه دعوات للمستخدمني والناشطني بتجنب التعليق على أحداث وقضايا إقليمية‬
‫خشية أن ترتد بالسلب على احلالة الفلسطيني�ة‪.‬‬
‫‪ .15‬أسلوب استدعاء اآلخر ‪ :Whataboutism‬عقد مقارنات مخلة من أجل دعم رواية‬
‫ً‬
‫معدة سلفا أو تسويغ سياسات وأفعال من خالل استحضار اآلخر كتبرير‪ .‬ومن أمثلتها‪:‬‬
‫ً‬
‫«قد نكون حنن يف فتح سيئني‪ ،‬ولكن حماس أيضا سيئ�ة بذات القدر»‪« ،‬فشل السلطة‬
‫يف احتواء فريوس كورونا بالضفة مثل فشل حركة حماس يف غزة»‪ .‬وهنا‪ ،‬تتعمد جهة‬
‫الدعاية استدعاء «اآلخر» من أجل تبرير قضية أو سلوك مرتكزة على معرفتها املسبقة‬
‫بفاعلية األسلوب يف صد محاوالت الرد‪ ،‬أو بهدف املساواة بني طرفني من غري املحتمل‬
‫أن يتشابها عند إجراء مقارنات منطقية وموضوعية‪ .‬واألسلوب أقرب للمقولة الشعبي�ة‬
‫«حنن يف السوء سواء»‪ ،‬حبيث حتاول جهة الدعاية عرب تشكيالتها السيرباني�ة احتواء دفاع‬
‫الطرف اآلخر من خالل استدعائها لذاكرة وخربات املستخدمني القصرية‪ .‬ويرتتب عن‬
‫األسلوب ما يعرف بالتوازن املزيف‪ ،‬اي الظهور بهيئ�ة املوضوعي واملتوازن‪ ،‬دون أن يدرك‬

‫للتعمق أكرث مراجعة الفصل الثالث من الكتاب‪ ،‬وعنوان التصيد‪.‬‬ ‫(*)‬

‫‪367‬‬
‫الفصــل اخلامس‬

‫املستخدم العادي أنه مجرد تكنيك يهدف إىل تمرير افكار وآراء دعائي�ة حتت ستار أو غطاء‬
‫من املوضوعية‪.‬‬
‫‪ .16‬أسلوب نظريـــة املؤامـــرة ‪ :Conspiracy Theory‬أسلوب يعتمد على توظيف‬
‫الشائعات واألساطري واالدعاءات بالتآمر من أجل تشتيت اجلمهور‪ ،‬ومن ثم توجيه‬
‫طريقة تفكريه وانماط تفسريه لألحداث حنو مسار معني خيدم أهداف جهة الدعاية‪.‬‬
‫وقوة نظرية املؤامرة انها ترتكز على تفسري خفي لألحداث‪ ،‬وافرتاضات ال يمكن نفيها‪ ،‬وقد‬
‫تمنحها نزعتها «التوليدية» قدرة على التجدد والتوالد والتمدد داخل البيئ�ات الشبكية‬
‫(الرفاعي‪ .)2019:‬وتعرف «نظرية املؤامرة» بأنها تفسري مقرتح لبعض األحداث التاريخية‬
‫والراهنة‪ ،‬وإحالة أسباب أو احتمال وقوعها إىل جهات خفية‪ ،‬تت�آمر بشكل سري غري‬
‫ً‬
‫مرصود (‪ .)Brian:1999‬وغالبا ما تستفيد جهة الدعاية من غياب اليقني وقلة املعلومات‪،‬‬
‫وعدم قدرة وسائل اإلعالم وصناع القرار أو النخب املجتمعية على تفسري وحتليل بعض‬
‫األحداث‪ ،‬حبيث تستغل جميع ما سبق من أجل حقن اجلمهور بأفكار حتيل إىل نظرية‬
‫املؤامرة‪ .‬وأشارت دراسات علمية إىل عدد من التكنيكيات واالسرتاتيجيات اليت تنتهجها‬
‫جهات الدعاية من أجل تعزيز نظرية املؤامرة بني املستخدمني‪ ،‬كاآليت (‪:)kou et al.: 2017‬‬
‫‌أ‪ .‬تصليب فكرة املؤامرة‪ُ :‬يعىن بتقوية فكرة املؤامرة لدى املستخدمني من خالل‬
‫أبعاد علمية ونظرية على‬
‫ٍ‬ ‫حتسني منطقها السردي‪ .‬وهنا تقوم جهة الدعاية بإضفاء‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫املؤامرة‪ ،‬جتعلها أكرث قبوال ورواجا بني املستخدمني‪ .‬والتصليب يتعزز من خالل االستشهاد‬
‫بمصادر إعالمية أو حكومية أو علمية‪ ،‬أو اللجوء إىل الثقافة الشعبي�ة من جتارب وخربات‬
‫وإصدارات تلفزيوني�ة وسينمائي�ة‪ ،‬أو ربط املؤامرة بأحداث أخرى‪ ،‬أو استخدام اخليال‬
‫املحض يف تفصيل سين�اريو منطقي وشبه واقعي مقبول للمؤامرة‪.‬‬
‫‌ب‪ .‬إضعاف سلطة التفسري‪ :‬وتعين تعمد جهة الدعاية إضعاف رواية اجلهات اليت‬
‫تعمل على تفني�د فكرة املؤامرة ذاتها وختريب جهودها‪ ،‬من خالل عدة تكنيكيات‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫إطالق حوارات دائمة بني املستخدمني ملناقشة املؤامرة‪ ،‬تفعيل الشكوك وإدامتها‪ ،‬حتفزي‬
‫اخلطاب اإليديولويج واحلزيب‪ ،‬اعتماد املبين للمجهول وإحالة املناقشات إىل سناريوهات‬
‫مجهولة غري مفهومة‪.‬‬

‫‪368‬‬
‫أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة‬

‫‌ج‪ .‬الدفــاع عــن فكــرة املؤامــرة‪ :‬وتعــي إضفــاء صبغــة منطقيــة علــى املؤامــرة‪،‬‬
‫وصناعــة جوانــب عقالني ـ�ة لهــا‪ ،‬أو ربطهــا بأدلــة مخلــة صعبــة التفني ـ�د‪ ،‬أو الهجــوم علــى‬
‫الشــخصيات واملؤسســات اإلعالميــة الــي ترفضهــا ‪...‬إلــخ‪.‬‬
‫‪ .17‬أسلوب التفسري االحتي�ايل ‪ :Ad-Hoc Explanation‬ويعين‪ ،‬حتايل جهة الدعاية‬
‫على املستخدمني من أجل دفعهم إىل اعتن�اق اعتقادات خاطئة ومن ثم اجرتار تبريرات منهم‬
‫ً‬ ‫هي باألصل غري مطلوبة بسبب خطأ وزيف ُ‬
‫المعطى املقدم‪ .‬فمثال‪ ،‬تدفع جهة دعائي�ة ما‬
‫بعض املستخدمني لالعتقاد خبطأ تصرفهم‪ ،‬ليسارعوا إىل تفسري وتبرير اخلطأ برغم كون‬
‫التصرف صحيح ومقبول ومشروع‪ .‬وتتجسد خطورة األسلوب يف قدرته تسطيح التفكري‬
‫اإلنساين‪ ،‬ودفعه إىل تفسري جميع الظواهر من حوله حىت لو كانت عشوائي�ة‪ ،‬أو غري مرتب�ة‪،‬‬
‫ً‬
‫وغالبا وهمية غري واقعية‪ .‬واألخطر أن يفسر املستخدمون للظواهر الوهمية باالستن�اد إىل‬
‫قناعاتهم وميولهم السابقة‪ ،‬فيحيد تقييمهم وتفسريهم عن املوضوعية‪ ،‬وقد يرسخ فرتات‬
‫طويلة من الزمن دون مواجهة أي حتدي حقيقي‪.‬‬
‫‪ .18‬أسلوب املالحقة والفضح ‪ :Chasing & Disclosing‬قيام جهة الدعاية‬
‫بمالحقة وتتبع شخصيات وناشطني على مواقع الشبكات االجتماعية‪ ،‬وفضح جهودهم‬
‫وأنشطتهم‪ ،‬وتعريتها أمام اجلمهور‪ .‬وهو أسلوب دفاعي‪ ،‬حياول تقليل أثر الهجمات‬
‫الدعائي�ة املعادية‪ ،‬من خالل كشف زيفها وتوضيح أهدافها املسترتة‪ ،‬مع حتديد الكيانات‬
‫ً‬
‫اليت تؤازرها وتساندها‪ ،‬ومهاجمتها بشكل جماعي عنيف إلسكاتها وحتيي�دها‪ .‬وغالبا ما‬
‫جيري توظيف املالحقة والفضح إلسناد عمليات الرقابة األمني�ة‪ ،‬أو صد محاوالت اإلرباك‬
‫والتشويش على احلياة املجتمعية‪ .‬ومن أهم التكنيكيات املتبعة مع أسلوب الفضح ما‬
‫يعرف باإلشارة ‪ ،Tag‬ويعين قيام جهة الدعاية بإصدار إشارة للجانها السيرباني�ة وتوجيههم‬
‫للهجوم على الصفحة أو الشخصية الواردة يف اإلشارة‪.‬‬
‫‪ .19‬أسلــوب اإليـحاء ‪ :Suggestion‬أسلوب للتأثري يف تفكري األفراد وحث سلوكهم‬
‫دون اللجوء إىل استماالت إقناعية مباشرة‪ ،‬ويكتفي باإلحياء غري املباشر إليصال فكرته أو‬
‫ً‬
‫مطلبه‪ .‬ويرتتب عن اإلحياء دفع الفرد تلقائي�ا إىل حتويل فكرة معين�ة إىل سلوك أو تصرف‬
‫دون أن ينتقدها أو يت�أكد منها‪ .‬وينقسم إىل نوعان‪ :‬إحياء خاريج وإحياء داخلي‪ .‬وما يعنين�ا‬

‫‪369‬‬
‫الفصــل اخلامس‬

‫هنا هو اإلحياء اخلاريج الذي يأيت من املحيط اخلاريج‬


‫الذي حيىي فيه اإلنسان‪ ،‬حيث يقوم باإلمالء على ذهن‬
‫الفرد ما حيمله من أفكار وتوجهات‪ ،‬فيؤثر على تفكريه‬
‫ً‬
‫ويدفعه الإراديا إىل جتسيد تلك األفكار والتوجهات‬
‫فعليا على أرض الواقع‪ ،‬دون حتقق‪ُ .‬‬ ‫ً‬
‫ويعرف اإلحياء‬
‫اخلاريج بأنه القوة اليت تدفع فكرة ما لكي تتجسد‬
‫ً‬
‫واقعيا‪ ،‬بسبب تأثري مشاعر وصور دخلت إىل العقل الباطين من مصدر خاريج‪ .‬ويف عالم‬
‫الشبكات االجتماعية‪ ،‬تتعمد بعض اجلهات الدعائي�ة نشر محتوى مكتوب أو بصري‬
‫حيمل إحياء من نوع ما‪ ،‬تشكل يف ذهن املتعرض فكرة معين�ة تدفعه إىل التعبري عنها بشكل‬
‫ينسجم مع هدف اإلحياء بصورة تلقائي�ة‪ .‬واألسلوب ال يعتمد على مخاطبة األفراد مباشرة؛‬
‫بل يكتفي بنشر فكرته ويرتك لهم استخالص إحيائها اخلاص‪ ،‬والذي يشرتط تن�اغمه مع‬
‫سياق حدث آين‪ .‬على سبي�ل املثال‪ ،‬ويف سياق احلالة الفلسطيني�ة‪ ،‬نشرت جهة ما صورة‬
‫فوتوغرافية يظهر فيها عدد من غرف احلجر الصيح اليت جيري انشاؤها ملواجهة فايروس‬
‫ً‬
‫«كورونا املستجد»‪ .‬وبالتدقيق أكرث يف الصورة يتضح وجود شبه بينها والسجون‪ .‬الحقا‬
‫تعمد مستخدمون نشر الصورة وفق أسلوب اإلحياء لتحقيق أهداف دعائي�ة منها التقليل‬
‫من جهود حكومة غزة يف مواجهة الوباء والتن�در عليها‪ ،‬دون إرفاق الصورة بأي كلمة‪ ،‬حبيث‬
‫تركوا للمستخدمني حرية استنب�اط اإلحياء دون أي محاولة إلقناعهم بالفكرة اليت يسعون‬
‫ً‬
‫لرتويجها‪ .‬والصورة ككيان مجرد بعيدا عن أي سياق ال تستدعي لدى املستخدم سوى‬
‫ُ‬
‫صورة السجن‪ .‬وألنها نشرت يف وقت تواجه فيه غزة وباء خطري يتطلب اجراءات عاجلة‪،‬‬
‫فقد أوجدت لنفسها سياق معني سهل على املستخدم ربطها بغرف احلجر الصيح‪ ،‬ثم‬
‫مقارنتها مع مثي�التها العاملية‪ ،‬أو التساؤل حول سبب تشابهها مع املحابس االنفرادية‪.‬‬
‫ولكن يف حال أرفقناها بمصطلح «حجر صيح» عندها سينشأ تن�اقض لدى املستخدم بني‬
‫اإلحياء الذي تشكل داخله (سجن‪ ،‬زنزانة) وبني كونها غرف حجر صيح‪ .‬هذا التن�اقض هو‬
‫ما سيحفز املستخدم إىل التعبري عن رفضه للغرف برغم خدمتها للصالح العام‪.‬‬

‫‪370‬‬
‫أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة‬

‫‪ .20‬أسلوب توظيف املؤثرين ‪ :Influncers‬ينظر كثري من الباحثني إىل مؤثري مواقع‬


‫الشبكات االجتماعية كقادة رأي‪ ،‬يمتلكون ذات القدرة اليت تتمتع بها السلطة سواء من‬
‫ناحية حتديد األجندة اإلخبارية للجمهور أو التعليق على األحداث وحتليلها وتشكيل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫االجتاهات حولها وصوال إىل تقييمها‪ .‬وتقليديا يمتلك قادة الرأي قدرة على التأثري يف آراء‬
‫وتوجهات اجلماهري أو حىت على سلوكهم‪ ،‬لما يتمزيون به من خصائص تؤهلهم دون‬
‫غريهم على تأدية هذا الدور‪ ،‬كاملزنلة االجتماعية أو الوضع االقتصادي أو درجة القرب من‬
‫السلطة ومصادر املعلومات‪ ،‬وغريها من اخلصائص اليت جتعل من آرائهم ذات وزن لدى‬
‫عامة اجلمهور‪ ،‬خاصة وأن العالقات االجتماعية غري الرسمية تقوم بدور اسايس يف حتديد‬
‫الطريقة اليت يستجيب بها الفرد جتاه الرسالة‪ .‬وخالل عصرنا احلايل‪ ،‬استطاع العديد من‬
‫ً‬
‫قادة الرأي سيما املهمشون إعالميا االستقالل والتحرر من هيمنة السلطة عرب إقامة قناة‬
‫اتصال مباشرة مع اجلمهور مستغلني ما توفره الشبكات االجتماعية من حرية اتصالية‪،‬‬
‫يستعاض بها عن وسائل اإلعالم احلكومية أو احلزبي�ة‪ .‬هذه احلرية االتصالية سمحت‬
‫ً‬
‫أيضا بظهور قادة رأي جدد‪ ،‬يطلق عليهم «املؤثرون» ويمتاز هؤالء بسمات شخصية‬
‫ترتكز على املؤهالت والقبول أكرث منها على الوضع االجتماعي واالقتصادي‪ ،‬كالصحفيني‪،‬‬
‫والرياضيني‪ ،‬واألكاديميني‪ ،‬واصحاب املبادرات االجتماعية‪ ،‬وصناع املحتوى وغريهم‬
‫من األفراد الذين يتمتعون بقدرات تؤهلهم تقديم رأي يؤثر يف املستخدمني خارج إطار‬
‫حتكم السلطة ورقابتها(*)‪ .‬وهنا نالحظ اتساع مفهوم قيادة الرأي ليضم إىل جانب الشكل‬
‫التقليدي مؤثرين من خارج دوائر الشبكتني السياسية واالجتماعية القائمة على االنتقاء‬
‫واملعرفة املسبقة‪ .‬واملؤثر بالصيغة الدعائي�ة اليت حناول توضيحها‪ ،‬ذلك الناشط الذي‬
‫يمتلك قدرة على إقناع جزء كبري من شبكته االفرتاضية بصحة ووجاهة رأي صادر عن‬
‫جهة الدعاية‪ .‬وهو بهذا املعىن أداة تستخدمها الدعاية لتمرير أفكارها بشكل غري مباشر‬
‫وذلك باالعتماد على مسار اتصايل من مرحلتني كما اوضحتها نظرية «تدفق املعلومات‬

‫قــادة الــرأي أو “املؤثــرون” مجموعــة مــن املســتخدمني يتمتعــون بنشــاط كبــر علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪،‬‬ ‫(*)‬

‫ويمتلكــون مصداقيــة واحــرام‪ ،‬كمــا يتمــزون بعمــق تن�اولهــم للقضايــا الهامــة مــن وجهــة نظــر متابعيهــم‪ ،‬وعــادة مــا يلجــأ‬
‫ً‬
‫إليهــم األفــراد للحصــول علــى معلومــات وتفســرات أو حــى طلبــا للمشــورة والنصــح‪ .‬واملؤثــر هنــا أقــرب لتأديــة دور احلكــم‬
‫أو املقيــم ملختلــف التطــورات واألحــداث حبيــث حيظــى التقييــم الصــادر عنــه بثقــة متابعيــه‪.‬‬

‫‪371‬‬
‫الفصــل اخلامس‬

‫على مرحلتني» لصاحبها ‪ . Lazarsfeld‬والتأثري يف هذه احلالة هو محاولة لتمرير أجندة جهة‬
‫الدعاية بشكل غري مباشر عرب االستعانة بمؤثرين من أجل إحداث تب�دالت يف مزاج الرأي‬
‫العام على الساحة االفرتاضية‪ .‬ومن املهام اليت يؤديها املؤثرون يف خدمة الدعاية احلكومية‬
‫أو احلزبي�ة ما يلي(*)‪:‬‬
‫‌أ‪ .‬تلميع وحتسني صورة أي قرار وحترك سيايس أو اجتماعي جلهة الدعاية‪.‬‬
‫‌ب‪.‬صناعة اإلحياءات وقدح األفكار باجتاه معني يصب يف خدمة جهة الدعاية‪.‬‬
‫‌ج‪ .‬توفــر رأي بمزنلــة الدليــل لغــرض االستشــهاد بــه؛ وهــي هنــا أقــرب الســتغالل‬
‫ســلطة املزنلــة العلميــة الــي يتمتــع بهــا املؤثــر لصالــح الدعايــة‪.‬‬
‫‌د‪ .‬فلــرة بعــض املضامــن اإلعالميــة‪ ،‬وإعــادة نشــرها بشــكل يتســق وأهــداف‬
‫الدعايــة‪.‬‬
‫‌ه‪ .‬تضخيم وتوجيه االنتب�اه إىل بعض القضايا اليت تصب يف صالح جهة الدعاية‪.‬‬
‫‌و‪ .‬صناعــة تــوازن مــع آراء مؤثريــن آخريــن ال ينتمــون جلهــة الدعايــة أو ال يعــرون عــن‬
‫تطلعاتهــا وأهدافهــا‪.‬‬
‫وبالرغــم مــن التأثــر املحتمــل لهــذا النــوع مــن قــادة الــرأي؛ إال أنــه ســريع التــايش‪،‬‬
‫حيــث يمكــن ملؤثــر أن يســتقطب املســتخدمني بعــد نشــره موضــوع يســرعي االنتب ـ�اه مــا‬
‫يــؤدي إىل تشــكل فضــاء عمــويم حولــه خــال دقائــق‪ ،‬ليحــل محلــه موضــوع آخــر نشــره‬
‫مؤثــر آخــر ممــا يســتلزم فضــاء عمــويم آخــر‪ ،‬وهكــذا دوليــك‪ .‬والســابق يثبــت أن التأثــر‬
‫ً‬
‫الناجــم عــن املؤثريــن مؤقــت وســريع النســيان نظــرا لســرعة تدافــع وتلــف املعلومــات‬
‫واآلراء‪ ،‬وأن صفــة املؤثــر غــر متأصلــة بهويــة معينـ�ة؛ بــل مرتبطــة بكل مســتخدم يســتطيع‬
‫ً‬
‫لفــت النظــر إىل موضــوع مــا خــال فــرة زمنيـ�ة مــا (حنــان‪ .)2019:‬وتــؤدي هويــة املؤثــر دورا‬

‫بظهــور اإلنرتنــت ومواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪ ،‬فقــدت الســلطة قدرتهــا بشــكل نســي علــى التحكــم يف حركــة تدفــق‬ ‫(*)‬

‫املعلومــات وعلــى تشــكيل الــرأي العــام‪ ،‬بمعــى أن الســلطة االتصاليــة تشــظت وتوزعــت بــن الســلطة واجلمهــور علــى‬
‫ً‬
‫الســواء‪ .‬ولتــدارك املوقــف‪ ،‬كان لزامــا علــى الســلطة إجيــاد آليــات تســتطيع مــن خاللهــا إعــادة فــرض ســيطرتها وقدرتهــا‬
‫علــى تشــكيل الــرأي العــام‪ ،‬ومــن هنــا جــاءت احلاجــة إىل إجيــاد مؤثريــن علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة أو صناعتهــم‬
‫ملصلحتهــا‪.‬‬

‫‪372‬‬
‫أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة‬

‫يف جنــاح دوره‪ ،‬أو يف محاوالتــه إقنــاع املســتخدمني بتوجهــات وأفــكار جهــة الدعايــة وإن‬
‫حضــرت بطريقــة غــر مباشــرة‪ .‬وكلمــا كانــت هويت ـ�ه السياســية واأليديولوجيــة واضحــة‬
‫للمســتخدمني تقلصــت علــى التــوازي قدرتــه علــى التأثــر واإلقنــاع‪ .‬وعلــى النقيــض‪ ،‬كلمــا‬
‫ختفــت أو غابــت الهويــة السياســية أو األيديولوجيــة كلمــا تمكــن املؤثــر مــن الوصــول إىل‬
‫ً‬
‫اإلقنــاع املرغــوب‪ .‬وكثــرا مــا تصدفنــا حــاالت علــى موقــع فيســبوك‪ ،‬يقــدم فيهــا أكــر مــن‬
‫مؤثــر لــذات الــرأي؛ إال أن القبــول والتفاعــل مــع رأي كل منهــم مختلــف ومتفــاوت إىل حــد‬
‫كبــر‪ .‬وهنــا‪ ،‬تتخــذ العمليــة الدعائي ـ�ة هيئ ـ�ة مســتقلة؛ ألن فجاجتهــا املفرطــة تتســبب يف‬
‫فقدانهــا تأثريهــا املرغــوب علــى املســتخدمني‪.‬‬
‫‪ .21‬أســلوب االحتــواء ‪ :Containment‬هــو أســلوب دفاعــي تســعى جهــة الدعايــة‬
‫مــن خاللــه إىل احتــواء نقــد أو غضــب جماهــري بشــكل مســبق‪ ،‬أو احتــواء عمليــة دعائي ـ�ة‬
‫هجوميــة قبــل وقوعهــا أو تمددهــا وانتشــارها‪ .‬ويف بيئــ�ة الشــبكات االجتماعيــة‪ ،‬تتعمــد‬
‫بعــض اجلهــات رصــد املشــاكل املجتمعيــة واحلزبيــ�ة واســتغاللها بمــا خيــدم أجندتهــا؛‬
‫لذلــك تســعى جهــة الدعايــة إىل احتــواء فرضيــة االســتغالل بشــكل حاســم وســريع عــر‬
‫توجيــه تشــكيالتها الســيرباني�ة حنــو املوضــوع‪ ،‬والطلــب منهــم اخلــوض فيــه بطريقــة‬
‫ُمتحكــم بهــا ال ختــرج عــن الســيطرة‪ .‬بمعــى التحكــم يف مســار الروايــة وتطورهــا‪ .‬ويفيــد‬
‫األســلوب يف قطــع الطريــق عــن أي محاولــة للتأثــر علــى املجتمــع أو التفــرد بــه‪ ،‬عــر‬
‫توظيــف مســتخدمني يف مواجهــة مســتخدمني آخريــن دون أن تظهــر جهــة الدعايــة يف‬
‫الصــورة بشــكل جلــي وصريــح‪.‬‬
‫ً‬
‫وأخــرا‪ ،‬يمكــن االطــاع علــى مزيــد مــن أســاليب الدعايــة الشــائعة علــى مواقــع‬
‫الشــبكات االجتماعيــة مــن خــال مراجعــة العناويــن الــواردة يف الكتــاب‪ ،‬مثــل‪( :‬صناعــة‬
‫االنطبــاع املضلــل «دعايــة التضليــل»‪ ،‬احلشــد املزيــف‪ ،‬التصيــد‪ ،‬التنقيــب الدعــايئ‪،‬‬
‫الهندســة االجتماعيــة‪ ،‬احلســابات املزيــف‪ ،‬الزتييــف العميــق‪ ،‬الروبوتــات االجتماعيــة‪،‬‬
‫التالعــب اخلوارزميــات ونتــ�اجئ محــركات البحــث‪ ،‬التنكــر‪ ،‬املحتــوى اخلفــي‪ ،‬التعهيــد‬
‫اجلماعــي) وغريهــا مــن األســاليب والتكنيكيــات الــي أفردنــا لهــا اهتمــام خــاص دون‬
‫غريهــا‪.‬‬

‫‪373‬‬
‫الفصــل اخلامس‬

‫خاتمة الفصل‬
‫ً‬
‫إعالميــا‬ ‫بعــد اســتعراض مجموعــة مــن أســاليب الدعايــة الشــائع اســتخدامها‬
‫ً‬
‫وســيرباني�ا‪ ،‬يمكــن تســجيل مجموعــة مــن املالحظــات علــى النحــو اآليت‪:‬‬
‫‪ .1‬اختي ـ�ار األســلوب ال يتــم بمعــزل عــن الهــدف؛ فتحديــد الهــدف الدعــايئ خطــوة‬
‫أوىل تســبق تعيــن أي األســاليب َ‬
‫مالءمــة لتحقيقــه‪.‬‬
‫‪ .2‬صعوبــة حصــر ورصــد قائمــة شــاملة ونهائي ـ�ة ألســاليب الدعايــة؛ وذلــك كونهــا‬
‫ً‬
‫انعكاســا لنشــاط إنســاين متعــدد األوجــه‪ ،‬يتمــز بطابــع االســتمرارية وعــدم الثب ـ�ات‪ .‬ويف‬
‫هــذا الصــدد تقــول حميــدة سميســم‪« :‬إنــه يصعــب علين ـ�ا حتديــد األســاليب الدعائي ـ�ة‬
‫الفنيــ�ة بتصنيفــات وحتديــدات موحــدة‪ ،‬ناهيــك عمــا يســتجد مــن أســاليب تفرضهــا‬
‫طبيعــة املواقــف الــي تواجــه رجــل الدعايــة» (سميســم‪.)2005:‬‬
‫‪ .3‬تســعى الدعايــة إىل االســتنب�اط عــن شــى العلــوم كل مــا مــن شــأنه التأثــر يف‬
‫عقــل ووجــدان املتلقــي‪ .‬لــذا جنــد مــن األســاليب مــا هــو مغالطــة منطقيــة ‪،Logical Fallacy‬‬
‫أو ممارســة نفســية ‪ ،Psychological Practice‬أو نشــاط لغــوي ‪ ،Lingual Activity‬أو تعبــر‬
‫بصــري ‪ ،Visual Expression‬مســتقى مــن ختصصــات متنوعــة‪ ،‬مثــل‪ :‬علــم النفــس‪،‬‬
‫واالجتمــاع‪ ،‬واملنطــق‪ ،‬والفلســفة‪ ،‬واللغويــات‪ ...‬إلــخ‪ .‬ويــرى الباحــث‪ ،‬أن أصــل هــذا‬
‫االتــكاء‪ ،‬يعــود إىل الرغبــة يف اســتعارة واســتنب�اط كل مــا يصــب يف مجــرى التحايــل واخلداع‪،‬‬
‫حبيــث تصبــح صفــات مالزمــة لألســلوب‪ ،‬تمنحــه هويتــ�ه اخلاصــة‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ .4‬حتظى بعض األساليب بأكرث من تسمية‪ ،‬تعزى لألسباب اآلتي�ة‪:‬‬
‫‪ -‬رغبة كل باحث بعكس معىن يتن�اسب مع مجال ختصصه‪.‬‬
‫‪ -‬اختــاف ثقافــة الباحثــن‪ ،‬ومــا يرتتــب عليهــا مــن تســميات تن�اســب ثقافــة‬
‫مجتمعــه ‪.‬‬
‫‪ -‬انتهــاج مســلكني يف الرتجمــة والنقــل عنــد الباحثــن العــرب‪ :‬ترجمــة حرفيــة‬
‫للنــص‪ ،‬وترجمــة لــروح النــص‪ .‬ولنأخــذ أســلوب حتويــل االنتبــ�اه كمثــال للتعميــم‪.‬‬

‫‪374‬‬
‫أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة‬

‫فمصطلــح ‪ ،Red Herring‬يعــي الرجنــة احلمــراء‪ ،‬وهــو نــوع مــن األســماك ســخره اللصــوص‬
‫لتضليــل الــكالب البوليســية‪ ،‬لقــوة راحئتــه‪ .‬هنــا‪ ،‬قامــت األدبيــ�ات الغربيــ�ة باســتعارة‬
‫التشــبي�ه‪ ،‬للداللــة علــى محــاوالت حتويــل انتبــ�اه اجلمهــور عــن القضايــا احلساســة‪.‬‬
‫وكنتيجــة‪ ،‬تب�اينــت ترجمــة املصطلــح بــن الباحثــن العــرب‪ ،‬فهنــاك مــن أبقــى علــى‬
‫ً‬
‫وواضحــا‬ ‫ً‬
‫مباشــرا‬ ‫ً‬
‫معــى‬ ‫التســمية األصليــة «الرجنــة احلمــراء»‪ ،‬وهنــاك مــن أعطاهــا‬
‫ً‬
‫مجازيــا «ذر الرمــاد يف العيــون»‪.‬‬ ‫ً‬
‫معــى‬ ‫«حتويــل االنتبــ�اه»‪ ،‬وهنــاك مــن أعطاهــا‬
‫‪ .5‬إمكانيـ�ة توظيــف أكــر مــن أســلوب لتحقيــق هــدف دعــايئ واحــد؛ فرجــل الدعايــة‬
‫يتحــاىش الوســائل املنطقيــة والنقاشــات الصرحيــة قــدر اإلمــكان‪ ،‬حيــث تقوم إســراتيجيت�ه‬
‫علــى جتنــب احلــوار العقــاين‪ ،‬مــع الرتكــز علــى اجلوانــب النفســية والعاطفيــة لــدى‬
‫اجلمهــور (‪ .)Merrill:1997‬وبالتــوازي مــع هــذه االســراتيجية‪ ،‬يوظــف رجــل الدعايــة‬
‫ً‬
‫مجموعــة عريضــة مــن األســاليب بطــرق مختلفــة‪ ،‬فإمــا أن َيســتعمل أســلوبا واحــدا فقــط‪،‬‬
‫أو أن يقــوم بدمــج ومــزج أكــر مــن أســلوب لتحقيــق تأثــر مضاعــف؛ وذلــك حبســب الهــدف‬
‫ونوعيــة اجلمهــور‪.‬‬
‫‪ .6‬يقــود الدمــج بــن بعــض األســاليب إىل بــروز أســاليب بمســميات جديــدة قائمــة‬
‫بذاتهــا؛ فالتأثــر النــاجت عــن دمــج أســلويب التكــرار وإطــاق التســميات ســيؤدي إىل ترســيخ‬
‫قالــب نمطــي معــن‪ ،‬والقوالــب أو الصــور النمطيــة هــي حبــد ذاتهــا أســلوب دعــايئ‪.‬‬
‫‪ .7‬األســاليب أقــرب للتعبــر عــن اســراتيجيات سياســية أو نفســية أو إعالميــة‬
‫شــاملة‪ ،‬ال عــن ممارســة طارئــة تفرضهــا ســياقات الظــروف واألحــداث‪ .‬ولعــل تســمية‬
‫تــأت مــن فــراغ‪ .‬فهــي باختصــار‪،‬‬
‫بعــض األدبيــ�ات الغربيــ�ة لهــا «باالســراتيجية»‪ ،‬لــم ِ‬
‫مجهــودات متالحقــة تهــدف إىل إخضــاع األفــراد‪ ،‬عــر محاولــة التأثــر يف توجهاتهــم وأنمــاط‬
‫معيشــتهم‪.‬‬
‫‪ .8‬يف بعــض األحيــان‪ ،‬تتجســد أســاليب الدعايــة بهيئـ�ات مختلفــة‪ ،‬يصعــب التعــرف‬
‫عليهــا‪ .‬فلــو تأملنــا نظريــة «ترتيــب األجنــدة» لوجدناهــا تعبـ ً‬
‫ـرا عــن أســلوب دعــايئ قائــم‬
‫علــى حتديــد أولويــة القضايــا الــي حتظــى بأهميــة النشــر واملتابعــة‪ ،‬بمعــى حتديــد أي‬

‫‪375‬‬
‫الفصــل اخلامس‬

‫القضايــا هــي محــل اهتمــام أو جتاهــل‪ .‬هــذا االنتقــاء املتعمــد هــو يف باطنــه ترجمــة ملمارســة‬
‫دعائي ـ�ة ولكــن بأســلوب غــر مباشــر‪ ،‬حبيــث تتجســد علــى هيئ ـ�ة نظــم وتوجيهــات عامــة‪،‬‬
‫ُ‬
‫تقــوم عليهــا فئــات عليــا داخــل املؤسســة اإلعالميــة‪ .‬وتعــد نظريــة «اإلطــار اإلعــايم»‬
‫ً‬
‫جتســيدا آخــر لبعــض أســاليب الدعايــة‪ .‬فممارســة التأطــر عــر االنتقــاء املتعمــد لبعــض‬
‫أجــزاء احلــدث أو الواقــع‪ ،‬يمكــن أن يؤثــر يف طريقــة تفكــر اجلمهــور‪ .‬لهــذا فالتأطــر هــو‬
‫أســلوب دعــايئ يتجســد علــى شــكل معاجلــة واعيــة ومقصــودة للنصــوص يؤديهــا مختلــف‬
‫الصحفيــن‪ .‬باإلضافــة إىل مــا ســبق‪ ،‬يمكــن اعتب ـ�ار كتيــب املصطلحــات اإلعالميــة أحــد‬
‫أســاليب الدعايــة غــر املباشــرة‪ .‬فمعظــم وســائل اإلعــام لديهــا قائمــة باملصطلحــات‬
‫واملســميات الــي تتعمــد اســتخدامها حبســب طبيعــة احلــدث‪ ،‬أو هويــة اجلهــة حتــت‬
‫ـيدا ً‬‫ً‬ ‫ّ‬
‫ماديــا ملجموعــة مــن األســاليب الدعائي ـ�ة‬ ‫التغطيــة‪ .‬لهــذا الســبب يعــد الكتيــب جتسـ‬
‫ً‬
‫ولكــن بهيئــ�ة أكــر قبــول‪ .‬فأســاليب مثــل إطــاق التســميات والشــعارات والتعميمــات‬
‫الرباقــة‪ ،‬هــي يف حقيقتهــا مجموعــة مــن املصطلحــات ذات املدلــول الســليب أو اإلجيــايب‪ ،‬يتــم‬
‫اســتخدامها بمــا يتوافــق مــع سياســة الوســيلة‪.‬‬
‫‪ .9‬خطــورة أســاليب الدعايــة يف املمارســة اإلعالميــة‪ ،‬خاصــة إذا مــا ارتبطــت‬
‫مؤسســات اإلعــام بنظــام حكــم‪ ،‬أو تقاطعــت مصاحلهــا معــه‪ .‬فهــي محــرك لصــب‬
‫القوالــب ونــر الكراهيــة‪ ،‬وســبب للتأزيــم والتخويــن‪ ،‬ومعــول هــدم وتقســيم وتفريــق‪.‬‬
‫‪ .10‬شــكل احلــدث يؤثــر يف نــوع األســلوب املســتخدم؛ ففــي أوقــات األزمــات‬
‫واحلــروب‪ ،‬يكــر اســتخدام أســاليب مثــل اإلشــاعة‪ ،‬والكــذب‪ ،‬واالستشــهاد‪ .‬أمــا يف حــاالت‬
‫املنافســة السياســية (االنتخابــات)؛ فأســاليب مثــل الهجــوم والشــعارات تنتشــر علــى‬
‫نطــاق واســع‪.‬‬
‫‪ .11‬فاعليــة أســاليب الدعايــة مرهونــة باحلقيقــة واملصداقيــة‪ .‬ففــي الســابق‪ ،‬كان‬
‫ً‬
‫ضروريــا لزيــادة فاعليــة الدعايــة عــر وســائل اإلعــام‪.‬‬ ‫ُينظــر إىل الكــذب بوصفــه أســلوبا‬
‫هــذا املبــدأ لــم يعــد يلقــى ً‬
‫رواجــا‪ ،‬خاصــة وأنــه أطــاح بالعديــد مــن احلمــات الدعائيــ�ة‬
‫بعــد أن تمــت مواجهتهــا باســتخدام احلقائــق واألدلــة‪ .‬لهــذا الســبب صــار العمــل الدعــايئ‬

‫‪376‬‬
‫أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة‬

‫يعتمــد يف كثــر مــن أســاليب�ه علــى احلقائــق‪ .‬ويشــر ‪ Konrad‬إىل أن «الدعايــة احلديثــ�ة‬
‫ختلــت منــذ زمــن عــن الكــذب الســخيف‪ ،‬كمــا هجــرت ً‬
‫أنواعــا مــن الدعايــة‪ .‬لقــد صــارت‬
‫تتعامــل مــع احلقيقــة نفســها وفــق معاجلــة تقــوم علــى أنصــاف احلقائــق‪ ،‬أو حقائــق‬
‫محــدودة‪ ،‬أو حقائــق خــارج الســياق» (‪ .)Ellul:1971‬واملقصــود مــن كالم ‪ ،Konrad‬أن الدعايــة‬
‫باتــت تفضــل االرتــكاز علــى مغالطــات منطقيــة يصعــب كشــفها‪ ،‬وذلــك لزيــادة تأثريهــا‪،‬‬
‫مــع االبتعــاد قــدر اإلمــكان عــن الكــذب الصريــح‪ .‬مــن زاويــة أخــرى‪ ،‬فــإن فاعليــة األســلوب‬
‫مرهونــة بمصداقيــة الوســيلة أو املرســل؛ فــإذا أرادت الدعايــة االعتمــاد علــى احلقائــق‪ ،‬فــا‬
‫بــد أن تأخــذ باحلســبان وجــود أدلــة ملموســة‪ ،‬حــى ال تفقــد مصداقيتهــا أمــام اجلمهــور‪.‬‬
‫فالتجربــة اإلنســاني�ة املرتاكمــة مــع الوســيلة اإلعالميــة هــي الــي تفتــح البــاب أمــام احتمال‬
‫قبــول الدعايــة مــن عدمــه‪ .‬فكلمــا كانــت الوســيلة صادقــة يف نظــر اجلمهــور‪ ،‬زاد احتمــال‬
‫تأثــر األســلوب‪ ،‬والعكــس صحيــح‪ .‬وبنــ�اء علــى مــا ســبق‪ ،‬نســتنتج أن وســائل اإلعــام‬
‫‪-‬الــي ختــى علــى مصداقيتهــا‪ ،‬وتســعى للحفــاظ علــى تأثريهــا‪ -‬ال تســتطيع توظيــف‬
‫جميــع أســاليب الدعايــة املعروفــة؛ بــل هــي مقيــدة بمجموعــة معينـ�ة‪ ،‬خاصــة يف ظــل ثــورة‬
‫املعلومــات وتعــدد النوافــذ اإلخباريــة‪.‬‬
‫‪ .12‬نــوع الوســيلة اإلعالميــة يؤثــر يف نــوع األســلوب‪ ،‬فمــا يصلــح مــع التلفــاز قــد ال‬
‫يصلــح مــع الصحيفــة‪ .‬كمــا تشــمل هــذه القاعــدة نــوع الوظيفــة اإلعالميــة‪ ،‬فأســاليب‬
‫كاتــب الــرأي ختتلــف عــن تلــك اخلاصــة باملحــرر اإلخبــاري‪ .‬لذلــك فــكل فــن إعــايم لــه‬
‫أســاليب�ه املؤثــرة يف اجلمهــور‪ .‬ولكــن هــذه القاعــدة ليســت علــى إطالقهــا‪ ،‬فعديــد مــن‬
‫األســاليب قــد حتظــى باســتخدام مــزدوج‪ ،‬ومــع أكــر مــن فــن‪ ،‬مثــل أســاليب التكــرار‪،‬‬
‫والتســميات‪ ،‬واالستشــهاد‪.‬‬
‫‪ .13‬ارتــداد أســاليب الدعايــة إىل املربــع اإلنســاين ومغادرتهــا مربــع احلصريــة‬
‫واالحتــكار‪ .‬ويعــزى ذلــك إىل شــبكة اإلنرتنــت‪ ،‬ومــا أفرزتــه مــن حريــة شــخصية علــى صعيــد‬
‫إنتـ�اج الدعايــة ونشــرها‪ ،‬مــع مــا يتطلبــه ذلــك مــن توظيــف ألســاليب تســتجيب لرغبــات‬
‫املســتخدمني خاصــة علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة‪.‬‬

‫‪377‬‬
378
‫الـمراجــع‬

‫‪379‬‬
‫املراجع العربي�ة‬
‫ ‪1.‬أبـــو عامـــر‪ ،‬عدنـــان‪ 5 ،2018( ،‬مـــارس)‪ .‬صفحـــة ّ‬
‫املنســـق اإلســـرائيلي‪ :‬جتـــاوز‬
‫ّ‬
‫اإلنســـاين إىل الســـيايس واألمـــي‪ .‬تاريـــخ االطـــاع‪ 20 :‬مـــارس ‪2020‬م‪ ،‬املوقـــع‪:‬‬
‫‪.http://adnanabuamer.com/post/834‬‬
‫ ‪2.‬أحم ــد فايــز أحم ــد س ــيد (‪ .)1620‬أدوات التنقي ــب ع ــن البي�ان ــات مفتوح ــة املص ــدر‪:‬‬
‫دراســة حتليليــة تقييميــة‪ .‬مجلــة جامعــة طيب ـ�ة لــآداب والعلــوم اإلنســاني�ة‪ ،‬اململكــة‬
‫العربي ـ�ة الس ــعودية‪.865 - 791 ،)10(5 ،‬‬
‫ ‪3.‬بهي ــش‪ ،‬رج ــاء (‪ 2012‬م)‪ .‬س ــيمياء إط ــاق التس ــميات يف اخلط ــاب الدع ــايئ‪ .‬مجل ــة‬
‫الباح ــث اإلع ــايم‪ ،‬الع ــراق‪ ،‬ب ــدون رق ــم مجل ــد‪ ،‬الع ــدد (‪.24 - 9 ،)18‬‬
‫ ‪4.‬بهي ــش‪ ،‬رج ــاء‪ ،‬واملي ــايل‪ ،‬ع ــادل (‪2013‬م)‪ .‬املنط ــق الدع ــايئ واحلجاجي ــة اإلقناعي ــة‪.‬‬
‫مجلـــة األســـتاذ‪ ،‬العـــراق‪.552 - 529 ،)204(1 ،‬‬
‫ ‪5.‬بورديـــو‪ ،‬بيـــر‪ .)2004( .‬التلفزيـــون وآليـــات التالعـــب بالعقـــول‪ ،‬ط‪( ،1‬ترجمـــة‪:‬‬
‫درويـــش احللـــويج)‪ .‬دمشـــق‪ :‬دار كنعـــان‪.‬‬
‫ ‪6.‬تايلـــور‪ ،‬فيليـــب‪ .)2000( .‬قصـــف العقـــول‪ :‬الدعايـــة للحـــرب مـــن القديـــم حـــى‬
‫العصـــر النـــووي‪( ،‬ترجمـــة ســـايم خشـــبة)‪ .‬الكويـــت‪ :‬عالـــم املعرفـــة‪.‬‬
‫ ‪7.‬اجلزي ــرة (‪2019‬م‪ 13 ،‬س ــبتمرب)‪ .‬بس ــبب مصال ــح م ــع إس ــرائي�ل‪ :‬فيس ــبوك متهم ــة‬
‫بمحاربـــة املحتـــوى الفلســـطيين‪ .‬تاريـــخ االطـــاع‪ 25 :‬مـــارس ‪2020‬م‪ ،‬املوقـــع‪:‬‬
‫‪https://www.aljazeera.net/news/politics/2019/9/13/%D9%81%D9%8A%D8%B3%D‬‬

‫ ‪8.‬حنـــان‪ ،‬عـــزوز (‪ .)2019‬الفضـــاء االفـــرايض‪ :‬إعـــادة النظـــر يف نظريـــة قـــادة الـــرأي‪.‬‬


‫مجلـــة قبـــس للدراســـات اإلنســـاني�ة واالجتماعيـــة‪ ،‬اجلزائـــر‪.705 - 689 ،)2(3 ،‬‬

‫‪380‬‬
‫املراجع‬

‫ ‪9.‬احليـــدري‪ ،‬عبـــد هللا الزيـــن (‪2017‬م‪ 25 ،‬ين�ايـــر)‪ .‬امليديـــا االجتماعيـــة‪:‬‬


‫املصانـــع اجلديـــدة للـــرأي العـــام‪ .‬تاريـــخ االطـــاع‪ 25 :‬مـــارس ‪2020‬م‪ ،‬املوقـــع‪:‬‬
‫‪https://studies.aljazeera.net/sites/default/files/articles/mediastudies/documents/‬‬

‫‪.d44befef99b140eaa6f7af52b7237eb0_100.pdf‬‬
‫ ‪10.‬احليــدري‪ ،‬عبــدهللا الزيــن (‪2019‬م‪ 17 ،‬أكتوبــر)‪ .‬زمــن الذبــاب والعشــائر اإللكرتونيـ�ة‪:‬‬
‫مع ــارك اإلثب ـ�ات واإلبط ــال يف مج ــرة ال ــذكاء االصطناع ــي‪ .‬مجل ــة لب ــاب‪ ،‬قط ــر‪ :‬مرك ــز‬
‫اجلزيــرة للدراس ــات‪ ،‬الع ــدد الثال ــث‪.203 - 169 ،‬‬
‫ ‪11.‬الدلي ــي‪ ،‬عب ــد ال ــرزاق (‪ 2018‬م‪ 27 ،‬يولي ــو)‪ .‬اش ــكاليات األخب ــار املفربك ــة وتأثريه ــا‬
‫يف تشـــكيل الـــراي العـــام‪ .‬مركـــز اجلزيـــرة للدراســـات‪ ،‬تاريـــخ االطـــاع‪ 25 :‬مـــارس‬
‫‪20200‬م‪ ،‬املوقـــع‪https://studies.aljazeera.net/sites/default/files/articles/medias� :‬‬

‫‪.tudies/documents/893bced5cf72499ca42563df0f9c2879_100.pdf‬‬
‫ ‪12.‬الدلي ــي‪ ،‬عب ــد ال ــرزاق‪ .)2010( .‬الدعاي ــة واإلره ــاب‪ .‬ط‪ .1‬عم ــان‪ :‬دار جري ــر للنش ــر‬
‫والتوزي ــع‪.‬‬
‫ ‪13.‬الــرايج‪ ،‬محمــد (‪ 17 ،2018‬مايــو)‪ .‬صناعــة األخبــار الكاذبــة ولولــب احلصــار املعلومــايت‬
‫للــرأي العــام‪ .‬مركــز اجلزيــرة للدراســات‪ ،‬تاريــخ االطــاع‪ 30 :‬مــارس ‪2020‬م‪ ،‬املوقــع‬
‫‪.https://studies.aljazeera.net/ar/mediastudies/2018/05/180527110035087.html‬‬

‫ ‪14.‬الرفاعـــي‪ ،‬نـــور الديـــن (‪2019‬م‪ 8 ،‬ابريـــل)‪ .‬كيـــف تصبـــح نظريـــة املؤامـــرة‬


‫ً‬
‫ســـاحا ذو حديـــن؟‪ .‬تاريـــخ االطـــاع ‪ 28‬مـــارس ‪2020‬م‪ :‬املوقـــع‪:‬‬
‫‪.https://blogs.aljazeera.net/blogs/2019/4/8/%D9%83%D9%8A%D9%81-‬‬

‫ ‪15.‬رفعـــت‪ ،‬محمـــد (‪ .)2018‬الـــراي العـــام يف الواقـــع االفـــرايض وفـــوة التعبئـــ�ة‬


‫االفرتاضيـــة‪ .‬ط‪ .1‬القاهـــرة‪ :‬دار العـــريب للنشـــر والتوزيـــع‪.‬‬
‫ ‪16.‬سميس ــم‪ ،‬حمي ــدة‪2005( .‬م)‪ .‬احل ــرب النفس ــية‪( .‬د‪.‬ط)‪ .‬القاه ــرة‪ :‬ال ــدار الثقافي ــة‬
‫للنش ــر‪.‬‬

‫‪381‬‬
‫ ‪17.‬شـــفيق‪ ،‬حســـنني‪2011( .‬م)‪ .‬التضليـــل اإلعـــايم والغيبوبـــة املهنيـــ�ة‪( .‬د‪.‬ط)‪.‬‬
‫القاهـــرة‪ :‬دار فكـــر وفـــن للطباعـــة والنشـــر والتوزيـــع‪.‬‬
‫ ‪18.‬شـــيللر‪ ،‬هربـــرت (‪ .)1999‬املتالعبـــون بالعقـــول‪ ،‬ط‪( ،2‬ترجمـــة‪ :‬عبـــد الســـام‬
‫رضـــوان)‪ .‬الكويـــت‪ :‬عالـــم املعرفـــة‪.‬‬
‫ ‪19.‬العويســـات‪ ،‬جمانـــة (‪ 2019‬م‪ 15 ،‬يونيـــو)‪ .‬كيـــف ختطـــط اخلوارزميـــات حياتنـــ�ا؟‪.‬‬
‫تاريـــخ االطـــاع‪ 25 :‬مـــارس ‪2020‬م‪ ،‬املوقـــع‪.https://www.idareact.org :‬‬
‫ ‪20.‬ف ــادي عم ــروش (‪ 15 ،2015‬س ــبتمرب)‪ .‬مقدم ــة يف عل ــم حتلي ــل الش ــبكات االجتماعي ــة‪.‬‬
‫تاريــخ االطــاع‪ 20 :‬مــارس ‪2020‬م‪ ،‬املوقــع‪.http://fadyamr.com/blog/archives/791 :‬‬
‫ ‪21.‬لوب ــون‪ ،‬غوس ــتاف (‪ .)2014‬اآلراء واملعتق ــدات‪( ،‬ترجم ــة‪ :‬ع ــادل زعي ــر)‪ .‬القاه ــرة‪:‬‬
‫هن ــداوي للنش ــر والتوزي ــع‪.‬‬
‫ ‪22.‬املجبــــــل‪ ،‬ليــــــث (‪ 2018‬م‪ 9 ،‬يوليــــــو)‪ .‬مــــــا هــــــي غــــرف الصــــــدى؟‬
‫وكيـــف خنـــرج منهـــا؟‪ .‬تاريــــــخ االطـــاع‪ 25 :‬مـــارس ‪2020‬م‪ ،‬املوقـــع‪:‬‬
‫‪.-http://www.idareact.org/%D9%85%D8%A7-%D9%87%D9%8A‬‬
‫ ‪23.‬مجلـــي‪ ،‬نظـــر (‪ 28 ،2018‬مـــارس)‪ .‬وزارة إســـرائيلية تبتكـــر طريقـــة اســـتثن�ائي�ة‬
‫لزيـــادة عـــدد اليهـــود يف إســـرائي�ل‪ .‬تاريـــخ االطـــاع‪ 20 :‬مـــارس ‪ 2020‬م‪ ،‬املوقـــع‪:‬‬
‫‪.https://aawsat.com/print/1220551‬‬
‫ ‪24.‬مــراد‪ ،‬غســان (‪2019‬م‪ 17 ،‬أكتوبــر)‪ .‬خوارزميــات غوغــل والشــبكات حتبســنا يف فقاعــة‪.‬‬
‫تاريخ االطالع‪ 25 :‬مــارس ‪2020‬م‪ ،‬املوقع‪.%/http://arabiyaa.com/2019/10/17 :‬‬
‫ ‪25.‬مزاه ــرة‪ ،‬من ــال‪2012( .‬م)‪ .‬الدعاي ــة‪ :‬أس ــاليبها ومدارس ــها‪ .‬ط‪ .1‬عم ــان‪ :‬دار املس ــرة‬
‫للنش ــر والتوزي ــع والطباع ــة‪.‬‬
‫ ‪26.‬مســـعودة‪ ،‬بايوســـف (‪2011‬م)‪ .‬الهويـــة االفرتاضيـــة‪ :‬اخلصائـــص واألبعـــاد‪.‬‬
‫مجلـــة الباحـــث يف العلـــوم اإلنســـاني�ة واالجتماعيـــة‪ ،‬العـــراق‪ ،‬جامعـــة بغـــداد‪،‬‬
‫‪.487 - 465 ،)5(3‬‬

‫‪382‬‬
‫املراجع‬

‫ ‪27.‬املص ــدر‪ ،‬حي ــدر (‪ .)2016‬أس ــاليب الدعاي ــة يف الصح ــف اإللكرتونيــ�ة املصري ــة اجت ــاه‬
‫حركــة حمــاس‪ :‬دراســة حتليليــة مقارنــة‪( .‬رســالة ماجســتري غــر منشــورة)‪ .‬اجلامعــة‬
‫اإلس ــامية‪ ،‬غ ــزة‪.‬‬
‫ ‪28.‬املصـــدر‪ ،‬حيـــدر (‪ .)2019‬إلغـــاء الصداقـــة علـــى شـــبكات التواصـــل االجتماعـــي‪:‬‬
‫دراســة حالــة مســتخديم فيســبوك بقطــاع غــزة‪ .‬مجلــة لبــاب‪ ،‬قطــر‪ :‬مركــز اجلزيــرة‬
‫للدراســـات‪ ،‬العـــدد الثالـــث‪.244 - 203 ،‬‬
‫ ‪29.‬مصطف ــى‪ ،‬ع ــادل (‪ .)2019‬احلن ــن إىل اخلراف ــة‪ :‬فص ــول يف العل ــم الزائ ــف‪ .‬القاه ــرة‪:‬‬
‫هن ــداوي للنش ــر والتوزي ــع‪.‬‬
‫ ‪30.‬مصطف ــى‪ ،‬ع ــادل‪2007( .‬م)‪ .‬املغالط ــات املنطقي ــة‪ .‬ط‪ .1‬القاه ــرة‪ :‬املجل ــس األعل ــى‬
‫للثقاف ــة‪.‬‬
‫ ‪31.‬معهـــد اجلزيـــرة لإلعـــام (‪ .)2020‬دليـــل التحقـــق مـــن عمليـــات التضليـــل‬
‫والتالعـــب اإلعالمـــــي‪ .‬تاريـــــخ االطـــاع‪ 6 :‬أكتوبـــــر ‪2020‬م‪ ،‬املوقـــــع‪:‬‬
‫‪.https://institute.aljazeera.net/ar/publications‬‬
‫ ‪32.‬املق ــدادي‪ ،‬خال ــد (‪ .)2013‬ث ــورة الش ــبكات االجتماعي ــة‪ .‬ط‪ .1‬عم ــان‪ :‬دار النفائ ــس‬
‫للنش ــر والتوزي ــع‪.‬‬
‫ ‪33.‬املوســوي‪ ،‬حســن‪ ،‬والشــجريي‪ ،‬بشــرى (‪2009‬م)‪ .‬األســاليب الدعائي ـ�ة يف القنــوات‬
‫الفضائيــ�ة العراقي ــة إزاء االنتخاب ــات املحلي ــة ‪ :2009‬دراس ــة مقارن ــة لربام ــج قن ــايت‬
‫(آفاق‪-‬بغ ــداد)‪ .‬مجل ــة كلي ــة الرتبيــ�ة األساس ــية‪ ،‬الع ــراق‪.206 - 185 ،)62(14 ،‬‬
‫ ‪34.‬النشـــريت‪ ،‬مؤمـــن (‪ .)2012‬التحديـــات الـــي تواجـــه خوارزميـــات محـــركات‬
‫البحـــث يف اســـرجاع املحتـــوى العـــريب علـــى الشـــبكة العنكبوتيـــ�ة‬
‫العامليـــة‪ :‬دراســـة مســـحية حتليليـــة‪ ،Cybrarians Journal .‬العـــدد ‪،30‬‬
‫‪http://www.journal.cybrarians.org/index.php?option=com_content&view=arti-‬‬

‫‪.cle&id=633:search&catid=257:studies&Itemid=90‬‬

‫‪383‬‬
‫ ‪35.‬هـــزازي‪ ،‬حســـن (‪2017‬م‪ 14 ،‬يونيـــو)‪ 150 .‬ســـعودية يتســـلحن يف «اجليـــش‬
‫الســـلماين» لصـــد الهجمـــات اإللكرتونيـــ�ة املعاديـــة‪ .‬تاريـــخ االطـــاع‪ 25 :‬مـــارس‬
‫‪2020‬م‪ ،‬املوقـــع‪.https://www.okaz.com.sa/local/na/1553356 :‬‬
‫ ‪36.‬هيــــــــــام حايـــــــــك (‪ 27 ،2014‬مـــــــارس)‪ .‬التنقيــــــــب فــــــي البي�انـــــــــــات‬
‫‪ Data mining‬واســـتخراج املعرفـــة‪ .‬تاريـــخ االطـــاع‪ 20 :‬مـــارس ‪2020‬م‪ ،‬املوقـــع‪:‬‬
‫‪.http://blog.naseej.com/2014/03/27/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D9%82‬‬

‫ ‪37.‬اليحيــــــاوي‪ ،‬حييــــــى (‪2015‬م‪ 8 ،‬نوفمبــــــــر)‪ .‬الشبكـــــات االجتماعيــــــة‬


‫َّ ْ‬ ‫َّ ُّ‬
‫واملجـــال العـــام باملغـــرب‪ :‬مظاهـــر التحكـــم والد َمق َر َطـــة‪ .‬مركـــز‬
‫اجلزيـــرة للدراســـات‪ ،‬تاريـــخ االطـــاع‪ 25 :‬مـــارس ‪2020‬م‪ ،‬املوقـــع‪:‬‬
‫‪.https://studies.aljazeera.net/ar/mediastudies/2015/11/201511885144375848.html‬‬
‫ ‪38.‬يوســـف‪ ،‬أحمـــد (‪2016‬م‪ 18 ،‬ين�ايـــر)‪ .‬خـــذوا حـــذوا حذركـــم‪« ،‬حملـــة تمـــرد»‬
‫ال تنتســـب لهـــذا الوطـــن‪ .‬تاريـــخ االطـــاع‪ 23 :‬مايـــو ‪ 2016‬م‪ ،‬املوقـــع‪:‬‬
‫‪.http://samanews.com/ar/index.php?act=post&id=259395‬‬

‫‪384‬‬
‫املراجع‬

‫املراجع األجنبي�ة‬
1. Abelson, R. P. (1995). Attitude extremity. In R. E. Petty & J. A. Krosnick (Eds.), Ohio
State University series on attitudes and persuasion, Vol. 4. Attitude strength:
Antecedents and consequences, pp. 25–41. Lawrence Erlbaum Associates, Inc.

2. Abokhodair, N., Daisy, Y. & David, W. M. (2015). Dissectinging a Social Botnet:


Growth, Content and Influence in Twitter. In: Proceedings of the 18th ACM
Conference on Computer Supported Cooperative Work & Social Computing, pp.
839–851. ACM, New York, https://doi.org/10.1145/2675133.2675208.

3. Abunimah, A. (2013). Israel setting up “covert units” to Tweet, Facebook


government propaganda. Retrieved March 11, 2020 from: https://electronicintifada.net/
blogs/ali-abunimah/israel-setting-covert-units-tweet-facebook-government-propaganda.

4. Aitamurto, T. (2012, April). Crowdsourcing for Democracy: A New Era in


Policy-Making. Publications of the Committee for the Future. Helsinki, Finland.
Retrieved March 23, 2020 from: https://ssrn.com/abstract=2716771.

5. Albright, D. (2015). How Social Media is the Newest Military Battleground.


Retrieved March 11, 2020 from:
https://www.makeuseof.com/tag/social-media-newest-military-battleground/.

6. Anderson, B. & Horvath, B. (2017, February). The Rise of the Weaponized AI


Propaganda Machine. Retrieved March 30, 2020 From: https://medium.com/join-scout/
the-rise-of-the-weaponized-ai-propaganda-machine-86dac61668b.

7. Anderson, B., Horvath, B. (2017). The Rise of the Weaponized AI Propaganda


Machine. Retrieved March 11, 2020 from: https://scout.ai/story/the-rise-of-the-weaponized-
ai-propaganda-machine.

8. Andersson, J.J. (2015). Hybrid operations: Lessons from the past. Retrieved March
11, 2020 from: https://www.iss.europa.eu/sites/default/files/EUISSFiles/Brief%2033%20Hybrid%20
operations.pdf.

385
9. Aouragh, M. (2016). Hasbara 2.0: Israel’s Public Diplomacy in the Digital Age,
Middle East Critique, vol 25 (3), 271-297.

10. Asmolov, G. (2019). The Effects of Participatory Propaganda: From Socialization to


Internalization of Conflicts. Journal of Design and
Science, (6). https://doi.org/10.21428/7808da6b.833c9940.

11. Azran, T. S., & Yarchi, M. (2018). Military Public Diplomacy 2.0: The Arabic
Facebook Page of the Israeli Defense Forces’ Spokesperson, The Hague Journal of
Diplomacy, 13(3), 1-22.

12. Barbera, P., John T. J., Jonathan, N., Joshua, A. T. & Richard, B. (2015). Tweeting
From Left to Right: Is Online Political Communication More Than an Echo
Chamber?. Psychological Science, 26 (10), 1531–1542.

13. Barbier, G. & Liu, H. (2011). Data mining in social media. C.C. Aggarwal (Ed.), Social
network data analytics. USA: Springer.

14. Barbu, O. (2014). Advertising, Microtargeting and Social Media, Procedia: Social
and Behavioral Sciences, vol.163, 44–49.

15. Barlow, C., Awan, I. (2016). You Need to Be Sorted Out With a Knife: The
Attempted Online Silencing of Women and People of Muslim Faith Within Academ-
ia. Social Media + Society, 2(4), 1-11.

16. Bar-Tal, D. (2004, September). Delegitimization. Retrieved January 13, 2016 from:
http://www.beyondintractability.org/essay/delegitimization.

17. Barthel, M., Shearer, E., Gottfried, J. & Mitchell, A. (2015, July). The Evolving Role of
News on Twitter and Facebook. Retrieved March 20, 2020 From: https://www.journal-
ism.org/2015/07/14/the-evolving-role-of-news-on-twitter-and-facebook/.

18. Bastos, M. T. & Mercea, D. (2019). The Brexit Botnet and User-Generated
Hyperpartisan News, Social Science Computer Review, 37(1), 38–54.

19. Benedictus, L. (2016, November). Invasion of the troll armies: from Russian Trump
supporters to Turkish state stooges. Retrieved March 25, 2020 From: https://www.
theguardian.com/media/2016/nov/06/troll-armies-social-media-trump-russian.

20. Benkler, Y., Faris, R., & Roberts, H. (2018). Network Propaganda:Manipulation,

386
‫املراجع‬

Disinformation, and Radicalization in AmericanPolitics. New York: Oxford


University Press.

21. Benkler, Y., Faris, R., Roberts, H., and Zuckerman, E. (2017, March). Breitbart-led
right-wing media ecosystem altered broader media agenda. Retrieved 25 March,
2020 From: https://www.cjr.org/analysis/breitbart-media-trump-harvard-study.php.

22. Bernays, E. (1928). Propaganda. New York: Horaca Liverlght.

23. Bertrand, N. (2017, October). Twitter will tell Congress that Russia’s election
meddling was worse than we first thought. Business Insider. Retrieved March 25,
2020 From: https://www.businessinsider.com/twitter-russia-facebook-election-accounts-2017-10.

24. Bessi, A. & Ferrara, E. (2016). Social bots distort the 2016 US Presidential election
online discussion, First Monday, 21(11): doi:21. 10.5210/fm.v21i11.7090.

25. Bienkov, A. (2012, February). Astroturfing: what is it and why does it matter?.
Retrieved March 23, 2020 from:
https://www.theguardian.com/commentisfree/2012/feb/08/what-is-astroturfing.

26. Binder, A.R., Dalrymple, K.E., Brossard, D. & Scheufele, D. (2009). The Soul of a
Polarized Democracy: Testing Theoretical Linkages between Talk and Attitude
Extremity during the 2004 Election. Communication Research, 36(3), 315-340.

27. Bishop, J. (2014). Digital Teens and the ‘Antisocial Network›:


Prevalence of Troublesome Online Youth Groups and Internet trolling in Great
Britain. International Journal of E-Politics, 5(3), 1-15.

28. Blau, U. (2017). Inside the Clandestine World of Israel›s ‹BDS-busting› Ministry.
Retrieved March 11, 2020 from: https://www.haaretz.com/israel-news/MAGAZINE-in-
side-the-clandestine-world-of-israels-bds-busting-ministry-1.5453212.

29. Boaz, C.(2011, July). Fourteen Propaganda Techniques Fox «News» Uses to
Brainwash Americans». Retrieved January 7, 2016 from: http://www.truth-out.org/news/
item/1964:fourteen-propaganda-techniques-fox-news-uses-to-brainwash-americans.

30. Bolsover, G. & Howard, P. (2017). Computational Propaganda and Political Big Data:
Moving Toward a More Critical Research Agenda, Big Data, 5(4): 273-276.

31. Bond, R. & Messing, S. (2015). Quantifying Social Media›s Political Space:

387
Estimating Ideology from Publicly Revealed Preferences on Facebook, American
Political Science Review, 109(1), 62–78.

32. Booker, C. (n.d). What happens when the great fantasies, like wind power or
European Union, collide with reality?. Retrieved January 16, 2016 from: http://www.
telegraph.co.uk/comment/columnists/christopherbooker/8440423/What-happens-when-the-great-
fantasies-like-wind-power-or-European-Union-collide-with-reality.html.

33. Born, K. (2017, June). The Future of Truth: Can Philanthropy Help Mitigate
Misinformation?. Retrieved 25 March, 2020 From:
https://hewlett.org/future-truth-can-philanthropy-help-mitigate-misinformation/.

34. Boulan, V. (2013, August). How important was Napoleon Bonaparte’s use of
propaganda and censorship in the rise and consolidation of his power in France?.
Retrieved 26 March, 2020 From: https://publishistory.wordpress.com/2013/07/31/how-impor-
tant-was-napoleon-bonapartes-use-of-propaganda-and-censorship-in-the-rise-and-consolidation-of-
his-power-in-france-part-1/.

35. Bozdag, E. (2013). Bias in Algorithmic Filtering and Personalization, Ethics and
Information Technology, vol.15, 209-222.

36. Bradshaw, S. & Howard, P. N. (2017, March). Troops, Trolls and Troublemakers: A
Global Inventory of Organized Social Media Manipulation. In: S. Woolley and P. N.
Howard (eds). Working Paper 2017.12. Oxford, UK: Project on Computational Prop-
aganda. Retrieved March 25, 2020 From: http://comprop.oii.ox.ac.uk/.

37. Bradshaw, S. & Howard, P. N. (2019, September). The Global Disinformation Order:
2019 Global Inventory of Organised Social Media Manipulation. Working Paper
2019.3. Oxford, UK: Project on Computational Propaganda. Retrieved March 25,
2020 From: https://comprop.oii.ox.ac.uk/research/cybertroops2019/.

38. Braithwaite, A. (2016). It’s about ethics in games journalism? Gamergaters and
geek masculinity. Social Media+ Society, 2(4), 1-10.

39. Brande, W.T.(1843). A Dictionary of Science, Literature, and Art. New York: Harper
& Brothers.

40. Breeden, A. (2017, May). Macron Campaign Says It Was Target of ‘Massive’ Hacking
Attack. Retrieved March 23, 2020 from:
https://www.nytimes.com/2017/05/05/world/europe/france-macron-hacking.html.

388
‫املراجع‬

41. Brian, L. K. (1999). Of Conspiracy Theories. Journal of Philosophy, vol.96, 109-126.

42. Brown, J. (1963). Techniques of Persuasion: From Propaganda to Brainwashing.


Baltimore: Penguin Books.

43. Bruinius, H. (2013, September). Best yogurt ever! Fake online reviews targeted by
N.Y. attorney general. Retrieved March 23, 2020 from: https://www.csmonitor.com/Busi-
ness/2013/0923/Best-yogurt-ever!-Fake-online-reviews-targeted-by-N.Y.-attorney-general.

44. Bruns, A, (2017, September). Echo chamber? What echo chamber? Reviewing the
Evidence. In 6th Biennial Future of Journalism
Conference (FOJ17), Cardiff: UK. Retrieved 25 March, 2020 From:
http://snurb.info/files/2017/Echo%20Chamber.pdf.

45. Cacioppo, J.T., Petty, R.E., Kao, C.F., & Rodriguez, R. (1986). Central and peripheral
routes to persuasion: An individual difference perspective, Journal of Personality
and Social Psychology 51(5), 1032–1043.

46. Calamur, K. (2017, June). Did Russian Hackers Target Qatar?. Retrieved March
23, 2020 from: https://www.theatlantic.com/news/archive/2017/06/qatar-russian-hacker-fake-
news/529359/.

47. Calmes, J. (2015, August).Planned Parenthood Videos Were Altered: Analysis


Finds. Retrieved March 23, 2020 from: https://www.nytimes.com/2015/08/28/us/abor-
tion-planned-parenthood-videos.html.

48. Caplan, R. & Boyd, D. (2016). Who Controls the Public Sphere in an Era of
Algorithms?. Mediation , Automation, Power, 1-19. Retrieved March 20, 2020 From:
https://datasociety.net/pubs/ap/MediationAutomationPower_2016.pdf.

49. Carey, A. (1996). Taking the risk out of democracy: Corporate propaganda versus
freedom and liberty. Urbana: University of Illinois Press.

50. Chala, E. (2018, January). Leaked Documents Show That Ethiopia’s Ruling Elites
Are Hiring Social Media Trolls (And Watching Porn).
Retrieved March 25, 2020 From: https://globalvoices.org/2018/01/20/leaked-documents-
show-that-ethiopias-ruling-elites-are-hiring-social-media-trolls-and-watching-porn/.

51. Chang, T.K. & Lin, F. (2014). From Propaganda to Public Diplomacy: Assessing
China’s International Practice and its Image, 1950–2009. Public Relations Review,
40(3), 450–458.

389
52. Chen, A. (2014, October). The laborers who keep dick pics and beheadings out of
your Facebook feed. Retrieved 25 March, 2020 From:
https://www.wired.com/2014/10/content-moderation/.

53. Chen, A. (2015, June). The Agency. Retrieved March 23, 2020 from:
https://www.nytimes.com/2015/06/07/magazine/the-agency.html.

54. Chen, A. (2015, June). The Agency. Retrieved March 25, 2020 From:
https://www.nytimes.com/2015/06/07/magazine/the-agency.html.

55. Cheng, J., Bernstein, M., Danescu-Niculescu, M. C. & Leskovec, J. (2017). Anyone
Can Become a Troll: Causes of Trolling Behavior in Online Discussions. In CSCW
’17 Proceedings of the 2017 ACM Conference on Computer Supported Cooperative
Work and Social Computing, 1217–1230. New York: ACM.

56. Chesney, R. & Citron, D. (2018). Deep Fakes: A Looming Challenge for Privacy,
Democracy, and National Security, SSRN Scholarly. Available at:
https://papers.ssrn.com/abstract=3213954.

57. Chitika Insight (2013, June). The value of Google Result Positioning. Retrieved 25
March, 2020 From: http://info.chitika.com/uploads/4/9/2/1/49215843/chitikainsights-valueof-
googleresultspositioning.pdf.

58. Cho, C., Martens, M., Kim, H. & Rodrigue, M. (2011). Astroturfing Global Warming:
It Isn’t Always Greener on the Other Side of the Fence, Journal of Business Ethics,
104, 571–587.

59. Chu, Z., Gianvecchio, S., Wang, H., & Jajodia, S. (2010). Who is Tweeting on Twitter:
Human, Bot, or Cyborg?. In Proceedings of the 26th Annual Computer Security
Applications Conference, New York: USA, ACSAC ’10, ACM, 21–30.

60. Cialdini, R.B. (2001). Harnessing the science of persuasion, Harvard Business
Review 79(9), 72-81.

61. Cirino, R.(1971). Don’t Blame the People: How the News Media Use Bias,Distortion,
and Censorship to Manipulate Public Opinion. Los Angeles: Diversity Press.

62. Citron, D. (2015). Addressing Cyber Harassment: An Overview of Hate Crimes in


Cyberspace, Journal of Law Technology & the Internet, 6(1). Available at:
https://papers.ssrn.com/sol3/papers.cfm?abstract_id=2932358.

390
‫املراجع‬

63. Clila, M,. & Ephraim, L. (2018). Israel›s military public diplomacy evolution:
Historical and conceptual dimensions, Public Relations Review, 44(2), 287-298.

64. Coles, B. A. & West, M. (2016). Weaving the internet together: Imagined communi-
ties in newspaper comment threads. Computers in Human Behavior, vol.60, 44-53.

65. Comninos, A. (2011).User-generated content and social networking in the Arab


spring and beyond. Retrieved March 11, 2020 from:
https://www.apc.org/en/pubs/issue/user-generated-content-and-social-networking-arab-.

66. Computer Hope (2019, November). How Do you Know If an Account is Real or
Fake?. Retrieved March 20, 2020 From:
https://www.computerhope.com/issues/ch001850.htm.

67. Constine, J. (2014, Jan). Facebook Launches Trending Topics on Web with
Descriptions of Why Each is Popular. Retrieved 25 March, 2020 From:
https://techcrunch.com/2014/01/16/facebook-trending/.

68. Cook, K. (2019). The Psychology of Silicon Valley: Ethical Threats and Emotional
Unintelligence in the Tech Industry. Switzerland: Palgrave Macmillan.

69. Cox, J.L., Martinez, E.R., & Quinlan, K.B. (2008), Blogs and the Corporation:
Managing the Risk, Reaping the Benefits, The Journal of Business Strategy,
29(3), 4-12.

70. Cresci, S., Roberto, D. P., Marinella, P., Angelo, S. & Maurizio, T. (2017). The
Paradigm-Shift of Social Spambots: Evidence, Theories, and Tools for the Arms
Race. Proceedings of the 26th International Conference on World Wide Web
Companion. Perth: Australia, 963–972.

71. Cull, N.J., Culbert, D. & Welch, D. (2003). Propaganda and Mass Persuasion:
A Historical Encyclopedia, 1500 to the Present. Santa Barbara, CA: ABC Clio.

72. Dahlberg, L. (2001). Computer-mediated Communication and the Public Sphere:


A Critical Analysis, Journal of Computer-Mediated Communication, 7(1):
10.1111/j.1083-6101.2001.tb00137.x.

73. Daniels, J. (2009). Cloaked websites: propaganda, cyber-racism and epistemology


in the digital era. New Media Society, 11:659–683.
https://doi.org/10.1177/1461444809105345.

391
74. Daniels, J. (2009). Cloaked websites: Propaganda, Cyber-Racism and Epistemology
in the Digital Era, New Media & Society 11(5), 659-683.

75. Dart, J. (2016). Brand Israel: Hasbara and Israeli Sport, Sport in Society,
19(10), 1402-1418.

76. Das, S., & Kramer, A.D. (2013). Self-Censorship on Facebook. Proceedings of the
7th International Conference on Weblogs and Social Media, ICWSM, 120-127.

77. De Figueiredo, J. (2006). Law E-Rulemaking: Bringing Data to Theory at the


Federal Communications Commission, Duke Law Journal, 55(5), 969-993.

78. Delwiche, A. (2020). Computational propaganda and the Rise of the Fake Audience.
In P. Baines, N. O›Shaughnessy & N. Snow, The SAGE Handbook of propaganda
(pp. 105-125). London: SAGE Publications.

79. Deutsch, M., & Gerard, H.B. (1955). A study of normative and informational social
influences upon individual judgment, The journal of abnormal and social
psychology 51(3), 629–636.

80. Diakopoulos, N. (2013). Sex, Violence, and Autocomplete Algorithms: Methods and
Context. Retrieved March 20, 2020 From: https://slate.com/technology/2013/08/words-
banned-from-bing-and-googles-autocomplete-algorithms.html.

81. Dickens, A. G. (1968). Reformation and society in sixteenth century Europe. New
York: Harcourt Brace Jovanovich.

82. Dodge, A. & Johnstone, E. (2018). Using Fake Video Technology To Perpetuate
Intimate Partner Abuse. Available at: https://www.cpedv.org/sites/main/files/webform/deep-
fake_domestic_violence_advisory.pdf.

83. Dondis, D. (1981). Signs and symbols. In R. Williams (Ed.), Contact: Human
communication and its history (pp. 71–86). New York: Thomas & Hudson.

84. Doob, W.L. (1948). Public Opinion and Propaganda. New York: Henry Holt.

85. Dubois, E. & Blank, G. (2018) The Echo Chamber is Overstated: the moderating
effect of political interest and diverse media. Information, Communication &
Society, 21(5), 729-745.

86. Durham, R. (2014). False Flags, Covert Operations, & Propaganda. USA: Lulu.com.

392
‫املراجع‬

87. Dworkowitz, A. (2005, August). In letters to the editor, too many copycats?.
Retrieved March 23, 2020 from: https://www.csmonitor.com/2005/0804/p02s02-ussc.html.

88. Dyagilev, K. & Yom-Tov, E. (2014). Evidence for echo chamber and disagreement
effects in the political activity of Twitter users. Social Science Computer Review,
32(2), 195-204.

89. Econsultancy (2014, January). SEMPO state of search marketing


report 2013. Retrieved 25 March, 2020 From: https://perma.cc/A3KH-6QVB.

90. Edelman (2017, January). 2017 Edelman Trust Barometer. Retrieved 25 March, 2020
From: https://www.edelman.com/research/2017-edelman-trust-barometer.

91. Ellul, J. (1971). Propaganda: The Formation of Men›s Attitudes. New York: Vintage
Books.

92. Emery, E. & Emery, M. (1984). The press and America. Englewood Cliffs, NJ:
Prentice Hall.

93. Englander, E. (2017). Defining Cyber-bullying. Pediatrics,140(2),148-151.

94. Epstein, R. & Robertson, R. (2015). The Search Engine Manipulation Effect (SEME)
and its Possible Impact on the outcomes of Elections. PNAS, 112 (33), 4512-4521.

95. Everett, J. A. C., Faber, N. S. & Crockett, M. (2015). Preferences and beliefs in
ingroup favoritism. Frontiers in Behavioral Neuroscience, vol.9, Article 15.

96. Facebook (N.D). Legal Terms. Retrieved March 20, 2020 From:
https://www.facebook.com/legal/terms)

97. Farkas, J. & Neumayer, C. (2018). Disguised propaganda from digital to social me-
dia. In J. Hunsinger, L. Klastrup & M. M. Allen (Eds.), Second international hand-
book of internet research (pp. 1–17). New York, NY: Springer.

98. Fellows, E. (1957). Propaganda History of a Word. American Speech, 34(3), 182-189.

99. Ferrara, E. (2017). Disinformation and Social Bot Operation in the Run up to the
2017 French Presidential Election, First Monday, 22(8),
https://doi.org/10.5210/fm.v22i8.8005.

100. Ferrara, E., Varol, O., Davis, C., Menczer, F., & Flammini, A. (2016). The rise of
social bots, Communications of the ACM, 59(7), 96-104.

393
101. Fichman, P., & Sanfilippo, M. R. (2015). The bad boys and girls of cyberspace: How
gender and context impact perception of and reaction to trolling. Social science
computer review, 33(2), 163-180.

102. Fitzgerald, C.W & Brantly, A.F. (2017). Subverting Reality: The Role of Propaganda
in 21st Century Intelligence. International Journal of Intelligence and Counter-
Intelligence, 30(2), 215-240.

103. Foer, F. (2018, May). The Era of Fake Video Begins. Retrieved March 23, 2020 from:
https://www.theatlantic.com/magazine/archive/2018/05/realitys-end/556877/.

104. Freedom House. (2013). Saudi Arabia. Retrieved March 25, 2020 From: https://free-
domhouse.org/report/freedom-world/2013/saudi-arabia.

105. Freemantle, A. (1965). The age of faith. New York: Time-Life Books.

106. Frey, D. (1986). Recent Research on Selective Exposure to Information. Advances


in Experimental Social Psychology, Vol. 19, 41-80.

107. Full Fact. (2018). Tackling Misinformation in an open society.Retrieved March 30,
2020 From:
https://fullfact.org/media/uploads/full_fact_tackling_misinformation_in_an_open_society.pdf.

108. Funk, M. (2016, November). Cambridge Analytica and the Secret Agenda of
a Facebook Quiz. Retrieved March 30, 2020 From:
https://www.nytimes.com/2016/11/20/opinion/cambridge-analytica-facebook-quiz.html.

109. Funke, D. (2017, November). U.S. Newsrooms are ‘Largely Unprepared’ to Address
Misinformation Online. Retrieved March 23, 2020 from: https://www.poynter.org/
fact-checking/2017/u-s-newsrooms-are-largely-unprepared-to-address-misinformation-online/.

110. Garimella, K., Morales, D.F.G., Gionis, A. & Mathioudakis, M. (2018). Political
Discourse on Social Media: Echo chambers, gatekeepers, and the price of
bipartisanship. In: Proceedings of the 2018 World Wide Web Conference on World
Wide Web. International World Wide Web Conferences Steering Committee,
913–922.

111. Garrett, K. (2009). Politically Motivated Reinforcement Seeking: Reframing the


Selective Exposure Debate. Journal of Communication, 59(4), 676-699.

112. Geiger, R.S. (2016). Bot-Based Collective Blocklists in Twitter: The Counterpublic

394
‫املراجع‬

Moderation of Harassment in a Networked Public Space. Information,


Communication & Society, vol.19,787–803.

113. Gentzkow, M. & Shapiro, J.M. (2006). Media Bias and Reputation. Journal of
Political Economy, vol. 114, 280-316.

114. Geybulla, A. (2016, November). In the crosshairs of Azerbaijan’s patriotic trolls.


Retrieved March 25, 2020 From:
https://www.opendemocracy.net/en/odr/azerbaijan-patriotic-trolls/.

115. Ghosh, D., & Scott, B. (2018, January). Digital Deceit: The Technologies Behind
Precision Propaganda on the Internet. New America. Retrieved March 25, 2020
From: https://www.newamerica.org/public-interest-technology/policy-papers/digitaldeceit/.

116. Gillespie, T. (2014). The Relevance of Algorithms. In T. Gillespie, P. Boczkowski,


& K. Foot (Eds.), Media technologies: Essays on communication, materiality, and
society (pp. 167–194). Cambridge, MA: MIT Press.

117. Global Investigative Reporting, (2017). In-depth Report: Israeli Intelligence.


Retrieved March 11, 2020 from: https://globalinvestigativereporting.wordpress.com/2017/01/27/
in-depth-report-israeli-intelligence/.

118. Goel, V. & Frenkel, S. (2019, April). In India Election, False Posts and Hate Speech
Flummox Facebook. Retrieved March 23, 2020 from:
https://www.nytimes.com/2019/04/01/technology/india-elections-facebook.html.

119. Golumbia, D. (2013). Commercial Trolling: Social Media and the Corporate
Deformation of Democracy, SSRN Electronic Journal: https://sci-hub.tw/http://dx.doi.
org/10.2139/ssrn.2394716.

120. Goodman, E., Labo S., Moore, M., & Tambini, D. (2017). The new political
campaigning. Media Policy Brief 19. London: Media Policy Project, London School
of Economics and Political Science. Retrieved March 30, 2020 From: http://eprints.lse.
ac.uk/71945/7/LSE%20MPP%20Policy%20Brief%2019%20-%20The%20new%20political%20campaign-
ing_final.pdf.

121. Gordon, C. (2012, January). Occupy AstroTurf. Retrieved March 23, 2020 from:
https://www.wsj.com/articles/SB10001424052970204661604577187004069109534.

122. Gorwa, R. & Guilbeault, D (2018).Unpacking the Social Media Bot: A Typology to
Guide Research and Policy, Policy & Internet: https://doi.org/10.1002/poi3.184.

395
123. Gorwa, R. (2017). Computational Propaganda in Poland: False Amplifiers and the
Digital Public Sphere. Oxford, UK: Project on Computational Propaganda
Working Paper Series:
https://blogs.oii.ox.ac.uk/politicalbots/wp-content/uploads/sites/89/2017/06/Comprop-Poland.pdf.

124. Gowen, A. (2018). As Mob Iynchings Fueled by WhatsApp Messages Sweep India,
Authorities Struggle to Combat Fake News. Retrieved March 20, 2020 From:
https://www.washingtonpost.com/world/asia_pacific/as-mob-lynchings-fueled-by-whatsapp-sweep-
india-authorities-struggle-to-combat-fake-news/2018/07/02/683a1578-7bba-11e8-ac4e-421ef7165923_
story.html.

125. Green, J. & Issenberg, S. (2016, October). Inside the Trump Bunker, With Days to
Go. Retrieved 25 March, 2020 From: https://www.bloomberg.com/news/articles/2016-10-27/
inside-the-trump-bunker-with-12-days-to-go.

126. Greitemeyer, T. (2014). Playing Violent Video Games Increases Intergroup Bias.
Personality and Social Psychology Bulletin, vol.40, 70-78.

127. Grimme, C., Preuss, M., Adam, L. & Trautmann, H. (2017) Social Bots: Human-Like
by Means of Human Control, Big Data 5(4), 279–293.

128. Haigh, M., Haigh, T. & Kozak, N.I. (2018). Stopping Fake News. Journalism Studies,
19(14), 2062-2087.

129. Haikarainen, J. (2014). Astroturfing As a Global Phenomenon, (Unpublished Master


Thesis), University of Jyväskylä, Finland.

130. Hale, J. (1975). Radio power. Philadelphia: Temple University Press.

131. Hampton, K., Rainie, L., Lu, W., Dwyer, M., Shin, I. & Purcell, K. (2014). Social Media
and the ‘Spiral of Silence’. Washington, D.C.: Pew Research Center. Retrieved 25
March, 2020 From:
https://www.pewresearch.org/internet/2014/08/26/social-media-and-the-spiral-of-silence/.

132. Han, J., Kamber, M., & Pei, J.(2012). Data mining: Concepts and techniques. 3th ed.
Philadelphia, PA: Elsevier.

133. Hancock, J.T. (2009). Digital deception: When, where and how people lie online. In
K. McKenna, T. Postmes, U. Reips & A.N. Joinson (eds.) Oxford Handbook of
Internet Psychology (pp. 287-301). Oxford: Oxford University Press.

396
‫املراجع‬

134. Handel, A., & Dayan, H. (2017). Multilayered surveillance in Israel/Palestine:


Dialectics of inclusive exclusion, Surveillance & Society, 15 (3/4), 471-476.

135. Hannan, J. (2018). Trolling ourselves to death? Social media and post-truth politics.
European Journal of Communication, 33(2) 214–226.

136. Hardaker, C. (2013). Uh… not to be nitpicky,,, but…the past tense of drag is dragged,
not drug: An overview of trolling strategies. Journal of Language Aggression and
Conflict. Vol.1, 58-86.

137. Harel, A. (2018). Israeli Army Sets Up ‹Consciousness Ops› Unit to Influence
Enemy Armies, Foreign Media and Public Opinion. Retrieved March 11, 2020 from:
https://www.haaretz.com/israel-news/with-eye-on-hearts-and-minds-israeli-army-sets-up-conscious-
ness-ops-1.5888362.

138. Harkins, S.G., & Petty, R.E. (1987). Information Utility and the Multiple Source
Effect, Journal of personality and social psychology, 52(2), 260-268.

139. Harwell, D. (2018, December). Fake-Porn Videos Are Being Weaponized to Harass
and Humiliate Women: Everybody is a Potential Target. Retrieved March 23, 2020
from: https://www.washingtonpost.com/technology/2018/12/30/fake-porn-videos-are-being-weap-
onized-harass-humiliate-women-everybody-is-potential-target/.

140. Hegelich, S. & Shahrezaye, M. (2015). The Communication Behavior of German


MPS on Twitter: Preaching to the Converted and Attacking Opponents, European
Policy Analysis 1(2), 155–174.

141. Heinrich, B. S.(2017, February). Social bots. Retrieved March 30, 2020 From:
https://www.boell.de/de/2017/02/09/social-bots.

142. Henderson, D. (2007, January). Pfizer drafting customers to lobby; Drug maker
hopes form letters opposing price controls get forwarded to Congress. Retrieved
March 23, 2020 from: http://archive.boston.com/business/technology/biotechnology/arti-
cles/2007/01/27/pfizer_drafting_customers_to_lobby/.

143. Herman, E. & Chomsky, N. (2000). Manufacturing Consent: The Political Economy
of the Mass Media, (2ed). New York: Pantheon Books.

144. Herring, S., Job-Sluder, K., Scheckler, R. & Barab, S. (2002). Searching for Safety
Online: Managing “Trolling” in a Feminist Forum. The Information Society, vol.18,
371-384.

397
145. Hildenbrand, K.J. (2018). Israel launches secret squad to challenge negative image
& boycott campaign. Retrieved March 11, 2020 from: https://on.rt.com/8wjd.

146. Himelboim, I., McCreery, S. & Smith, M. (2013). Birds of a feather tweet together:
Integrating network and content analyses to examine cross-ideology exposure on
Twitter. Journal of Computer Mediated Communication,18(2), 40–60.

147. Hindman, M. & Barash, V. (2018, October). Disinformation, Fake News and
Influence Campaigns on Twitter. Retrieved March 20, 2020 From: https://knightfoun-
dation.org/reports/disinformation-fake-news-and-influence-campaigns-on-twitter/.

148. Hu, N., Liu, L., & Sambamurthy, V. (2011), Fraud Detection in Online Consumer
Reviews, Decision Support Systems, 50(3), 614-626.

149. Institute for Propaganda Analysis (1938). Propaganda Analysis: How to detect
Propaganda, 1(2), 1-8.

150. International Institute for Democracy and Electoral Assistance-IDEA. (2018).


Digital Microtargeting. Retrieved March 25, 2020 From:
https://www.idea.int/sites/default/files/publications/digital-microtargeting.pdf.

151. Irwin, W. (1936). Propaganda and the News. New York: Whittlesey House.

152. Iyengar, S., & Hahn, K. S. (2009). Red media, blue media: Evidence of ideological
selectivity in media use. Journal of Communication, 59(1), 19–39.

153. Jackson, J. (2018). Israeli government to spy on social media users worldwide. Re-
trieved March 11, 2020 from: https://www.bignewsnetwork.com/news/256255130/israeli-gov-
ernment-to-spy-on-social-media-users-worldwide.

154. Jakobsson, M. (2012). The Death of the Internet. Wiley-IEEE Computer Society
Press.

155. Jang, W.Y. (2013). News as Propaganda: A Comparative Analysis of US and Korean
press coverage of the Six-Party Talks 2003-2007. The International
Communication Gazette, 75(2), 188-204.

156. Jansen, B.J., Spink, A. & Saracevic, T. (2000). Real life, real users, and real needs:
A study and analysis of user queries on the web. Information, Processing
& Management, 36(2), 207–227.

157. Joachims T., Granka, L., Pan, B., Hembrooke, H., Radlinski, F. & Gay, G. (2007).

398
‫املراجع‬

Evaluating the Accuracy of Implicit Feedback from Clicks and Query


Reformulations in Web Search. Association for Computing Machinery Transactions
on Information Systems 25(2), 1-26.

158. John, N. A. & Gvirsman, S. (2015). I Don›t Like You Any More: Facebook Unfriend-
ing by Israelis During the Israel-Gaza Conflict of 2014. Journal of Communication,
65(6), 953–974.

159. Johnson, B. (2009, September). Dealing with fake support. Retrieved March 23,
2020 from:
https://www.thehindu.com/opinion/op-ed/Dealing-with-fake-support/article16879591.ece.

160. Jones, M. (2019). Propaganda, Fake News, and Fake Trends: The Weaponization
of Twitter Bots in the Gulf Crisis, International Journal of Communication, 13,
1389–1415.

161. Jowett, S.G. & O›Donnell, V. (2012). Propaganda & Persuasion, (5th ed). California:
Sage.

162. Justwan, F., Baumgaertner, B., Carlisle, J.E., Clark, A.K. & Clark, M. (2018). Social
media echo chambers and satisfaction with democracy among Democrats and
Republicans in the aftermath of the 2016 US elections. J Elect Public Opin Parties,
28(4): 424–442.

163. Kacholia, V. & Jin, M. (2013, December). News Feed FYI: Helping You Find More
News to Talk About. Retrieved 25 March, 2020 From: https://about.fb.com/news/2013/12/
news-feed-fyi-helping-you-find-more-news-to-talk-about/.

164. Kadir, S. & Hassan, S. (2014). A Content Analysis of Propaganda in Harakah


Newspaper, Centre for Media and Information Warfare Studies, 5, 73-116.

165. Kareem, R. & Bhaya, W. (2018). Fake Profiles Types of Online Social Networks:
A Survey, International Journal of Engineering & Technology, 7(4-19), 919-925.

166. Khaldarova, I. & Pantti, M. (2016). Fake News. Journalism Practice 10(7), 891–901.

167. Khamis, S., Gold, P. B. & Vaughn, K. (2013). Propaganda in Egypt and Syria’s
Cyberwars: Contexts, actors, tools, and tactics. In J. Auerbach & R. Castronova
(Eds.), The Oxford handbook of propaganda studies, pp. 418–438. New York, NY:
Oxford University Press.

399
168. Kinniburgh, J. B. & Denning, D. E. (2007). Blogs and Military Information Strategy.
In J. Arquill & D. A. Borer (Eds.) Information Strategy and Warfare: A Guide to
Theory and Practice (pp. 212-221). Abingdon/New York: Routledge.

169. Kitzie, V., Mohammadi, E. & Amir, K. (2018). Life never matters in the Democrats
Mind: Examining Strategies of Retweeted Social Bots During a Mass Shooting
Event,. In the 81st Annual Proceedings of the Association for Information Science
and Technology 55(1), 254-263. https://arxiv.org/ftp/arxiv/papers/1808/1808.09325.pdf.

170. Kolbert, E. (1995). Labeled Astroturf, lobbyists are devising grassroot campaigns.
Austin American Statesman.

171. Kollanyi, B., Howard, P.N. & Woolley, S.C. (2016). Bots and Automation over Twitter
during the U.S. Election. Data Memo .4. Oxford, UK: Project on Computational
Propaganda: https://comprop.oii.ox.ac.uk/research/working-papers/bots-and-automation-over-
twitter-during-the-u-s-election/.

172. Kollanyi, B., Howard, P.N., & Woolley, S.C. (2016). Bots and automation over Twitter
during the U.S. Election. Data Memo 2016.4. Oxford, UK: Project on Computational
Propaganda. Retrieved March 25, 2020 From: https://comprop.oii.ox.ac.uk/research/work-
ing-papers/bots-and-automation-over-twitter-during-the-u-s-election/.

173. Kou, Y., Gui, X., Chen, I.Y. & Pine, K.H. (2017). Conspiracy Talk on Social Media:
Collective Sensemaking During a Public Health Crisis.In: Proceedings of the ACM
on Human-Computer Interaction, vol. 1(2), CSCW, Article 61.
https://doi.org/10.1145/3134696.

174. Kovic, M., Rauchfleisch, A., Sele, M., & Caspar, C. (2018). Digital astroturfing in
politics: Definition, typology, and countermeasures, Studies in Communication
Sciences 18(1), 69–85.

175. Kreiss, D. (2017). The Fragmenting of the Civil Sphere: How Partisan Identity
Shapes the Moral Evaluation of Candidates and Epistemology, American Journal of
Cultural Sociology, 5(3), 443-459.

176. Kreiss, D. (2009). Developing the “good citizen”: Digital artifacts, peer networks,
and formal organization during the 2003–2004 Howard Dean campaign.
The Journal of Information Technology and Politics, vol.6, 281–297.

400
‫املراجع‬

177. Kulshrestha, J., Eslami, M. & Messias, J., Zafar, M.B., Ghosh, S., Gummadi, K.
& Karahalios, K. (2019). Search bias quantification: investigating political bias in
social media and web search, Information Retrieval Journal, vol.22, 188–227.

178. La Piere, T.R. (1938). Collective Behavior. New York: McGraw Hill.

179. Lam, O. (2013, October). China Beefs Up ‹50 Cent’ Army of Paid Internet Propa-
gandists. Retrieved March 25, 2020 From: https://advox.globalvoices.org/2013/10/17/china-
beefs-up-50-cent-army-of-paid-internet-propagandists/.

180. Lasswell, H.D. (1930). Propaganda: Encyclopaedia of the Social Sciences. New
York: Macmillan.

181. Lastovka, M. (2015). Crowdsourcing as New Instrument in Policy-making: Making


the Democratic Process More Engaging, European View, 14(1), 93–99.

182. Lavine, H. (2001). The Electoral Consequences of Ambivalence toward Presidential


Candidates. American Journal of Political Science, 45(4), 915–929.

183. Lawless, H. (2017). Social Media Echo Chambers & Democratic Discourse.
Retrieved 25 March, 2020 From:
https://pacscenter.stanford.edu/publication/social-media-echo-chambers-democratic-discourse/.

184. Lee, K., Steve, W. & Hancheng, G. (2014). The Dark Side of Micro-Task
Marketplaces: Characterizing Fiverr and Automatically Detecting Crowdturfing.
In International Conference on Weblogs and Social Media (ICWSM).
https://arxiv.org/pdf/1406.0574.pdf.

185. Leiser, M. (2016). AstroTurfing, ‹CyberTurfing› and other Online Persuasion


Campaigns. European Journal Of Law and Technology, 7(1), 1-27.

186. Leong, D. (2015). Battlefront New Media: Lessons For The SAF Based On A Study
Of The Information Campaign During Operation Pillar Of Defence, Pointer Journal
of Singapore Armed Forces, 41(4), 55-68.

187. Liao, Q.V. & Fu, W.T. (2013). Beyond the Filter Bubble: Interactive Effects of
Perceived Threat and Topic Involvement on Selective Exposure to Information. In
CHI 2013: Changing Perspectives, Conference Proceedings - The 31st Annual CHI
Conference on Human Factors in Computing Systems (pp. 2359-2368).

401
188. Lilly, E. (1951). The development of American Psychological Operations 1945-1951.
Retrieved 30 March, 2020 From:
https://www.cia.gov/library/readingroom/document/cia-rdp86b00269r000900020001-9.

189. Lippmann, W. (1922). Public opinion. New York: The Free Press.

190. Lord, C. G., Ross, L. & Lepper, M. R. (1979). Biased Assimilation and Attitude
Polarization: The Effects of Prior Theories on Subsequently Considered Evidence.
Journal of Personality and Social Psychology, 37(11), 2098-2109.

191. Lord, C.G. & Taylor, C.A. (2009). Biased Assimilation: Effects of Assumptions and
Expectations on the Interpretation of New Evidence. Social and Personality
Psychology Compass, 3(5), 827-841.

192. Luhn, A. (2018, February). Inside Russia›s ‹troll factory›: The Internet Research
Agency accused of interfering in the US election. Retrieved March 25, 2020 From:
https://www.telegraph.co.uk/news/2017/10/20/inside-russian-troll-factory-reached-millions-us-vot-
ers-inflammatory/.

193. Macnamara, J. (2012). Journalism and public relations: unpacking myths and
stereotypes. Australian Journalism Review, 34(1), 33-50.

194. Maheshwari, N. & Kumar, V. (2016). Military psychology: concepts, trends and
interventions. New York: Sage Publications.

195. Maltby, J., Day, L., Hatcher, R.M., Tazzyman, S., Flowe, H.D., Palmer, E.J., Frosch,
C.A., O›Reilly, M., Jones, C., Buckley, C.A., Knieps, M. & Cutts, K. (2016). Implicit
Theories of Online Trolling: Evidence that Attention-Seeking Conceptions are
Associated with Increased Psychological Resilience. British journal of psychology,
107(3), 448-466.

196. Marantz, A. (2016, October). Trolls For Trump: Meet Mike Cernovich, the meme
mastermind of the alt-right. Retrieved 25 March, 2020 From: https://www.newyorker.
com/magazine/2016/10/31/trolls-for-trump.

197. Marlin, R. (2014). Jacques Ellul and the Nature of Propaganda in the Media.
In Robert S. Fortner, P. Mark Fackler (Eds.). The Handbook of Media and Mass
Communication Theory. New Jersey: John Wiley & Sons, Inc.

198. Marwick, A. & Lewis, R. (2017). Media Manipulation and Disinformation Online.

402
‫املراجع‬

Retrieved 25 March, 2020 From:


https://datasociety.net/library/media-manipulation-and-disinfo-online/.

199. McLoughlin, L. & Ward, S. (2019). Dark ads & micro-targeting vs. pro-transparency
activism: Normalisation vs Equalisation in the context of political ‘dark’ advertising
in the U.S 2016 Presidential, 2018 Midterm elections, and 2017 U.K General. ECPR
Joint Sessions of Workshops, Mons, Belgium. 8-12 April 2019. Retrieved March 30,
2020 From: https://ecpr.eu/Filestore/PaperProposal/1f23ff28-cecd-4f30-84db-666a66c9d1f9.pdf

200. McNamara, C. (2012). Basic Guidelines to Reframing -to Seeing Things Differently.
Retrieved March 11, 2020 from: https://managementhelp.org/blogs/personal-and-profession-
al-coaching/2012/02/02/basic-guidelines-to-reframing-to-seeing-things-differently/.

201. McPherson, M., Lovin, L.S. & Cook, J. (2001). Birds of a feather: Homophily in social
networks. Annual review of sociology, Vol. 27, 415-444.

202. Mejias, U.A. & Vokuev, N.E. (2017). Disinformation and the Media: The Case of
Russia and Ukraine. Media, Culture & Society, 39(7), 1027–1042.

203. Melman, Y. (2016). Israel›s anti-BDS campaign: Propaganda and dirty tricks. Re-
trieved March 11, 2020 from:
http://www.middleeasteye.net/columns/israels-anti-bds-campaign-973473055.

204. Merrill, J. & Lowenstein, R. (1971). Media, Messages, and Men: New
Perspectives in Communication. New York: David McKay Company.

205. Merrill, J. (1965). How Time Stereotyped Three U. S. Presidents», Journalism


& Mass Communication Quarterly, 42(4), 563-570.

206. Merrill, J. (1997). Journalism Ethics: Philosophical Foundations for Journalism Eth-
ics. New York: St. Martin›s Press.

207. Metzger, M.J. (2007). Making sense of credibility on the Web: Models for evaluating
online information and recommendations for future research, Journal of the Amer-
ican Society for Information Science and Technology 58(13), 2078-2091.

208. Mitchell, A. & Weisel, R. (2014, October). Political Polarization &Media Habits From
Fox News to Facebook, How Liberals and Conservatives Keep Up with Politics.
Retrieved 20 March, 2020 From: https://www.pewresearch.org/wp-content/uploads/
sites/8/2014/10/Political-Polarization-and-Media-Habits-FINAL-REPORT-11-10-14-2.pdf.

209. Mittal, S. (2014). Broker Bots: Analyzing Automated Activity during High Impact

403
Events on Twitter. (Unpublished Master Thesis), Indraprastha Institute of Informa-
tion Technology, New Delhi.

210. Mittal, S. (2014). Broker Bots: Analyzing Automated Activity During High Impact
Events on Twitter. (Unpublished Master Thesis). Indraprastha Institute of
Information Technology, New Delhi.

211. Monbiot, G. (2011, February). The need to protect the internet from “astroturfing”
grows ever more urgent. Retrieved March 25, 2020 From: https://www.theguardian.
com/environment/georgemonbiot/2011/feb/23/need-to-protect-internet-from-astroturfing.

212. Moscovici, S., & Zavalloni, M. (1969). The group as a polarizer of attitudes. Journal
of Personality and Social Psychology, 12(2), 125–135

213. Mozur, P. (2018, October). A Genocide Incited on Facebook, With Posts From
Myanmar’s Military. Retrieved March 25, 2020 From: https://www.nytimes.
com/2018/10/15/technology/myanmar-facebook-genocide.html.

214. Murdock, J. (2017). Hillary Clinton blames WikiLeaks and Russian hackers for
election loss to Donald Trump. Retrieved March 11, 2020 from: https://www.ibtimes.
co.uk/hillary-clinton-blames-wikileaks-russian-hackers-election-loss-donald-trump-1615993.

215. Mustafaraj, E., & Metaxas, P. (2010, April). From Obscurity to Prominence in
Minutes: Political Speech and Real-Time Search. In Proceedings of the WebSci10:
Extending the Frontiers of Society On-Line:
http://cs.wellesley.edu/~pmetaxas/Metaxas-Obscurity-to-prominence.pdf.

216. Myers, C.A. & Cowie, H. (2017). Bullying at University: The Social and Legal
Contexts of Cyber-bullying Among University Students. Journal of Cross-Cultural
Psychology, 48(8), 1172-1182.

217. NATO Strategic Communications Centre of Excellence (2016). Social Media as


a Tool of Hybrid warfare. Retrieved March 11, 2020 from:
https://www.stratcomcoe.org/social-media-tool-hybrid-warfare.

218. Nicas, J. (2018). How YouTube Drives People to the Internet’s Darkest Corners.
Retrieved 25 March, 2020 From: https://www.wsj.com/articles/how-youtube-drives-viewers-
to-the-internets-darkest-corners-1518020478.

219. Nissen, T. (2015). The Weaponization of Social Media.

404
‫املراجع‬

Copenhagen, Denmark: Royal Danish Defence College:


https://www.stratcomcoe.org/thomas-nissen-weaponization-social-media.

220. Nissen, T. (2015). The Weaponization of Social Media: Characters of Contemporary


Conflicts. Copenhagen: Royal Danish Defence College.

221. Nycyk, M. (2017). Trolls and Trolling: An Exploration of Those That Live
Under the Internet Bridge. Retrived 25 March, 2020 From: https://www.academia.
edu/35415567/Trolls_and_Trolling_An_Exploration_of_Those_That_Live_Under_The_Internet_Bridge.

222. O’Shaughnessy, N. (2012). The Death and Life of Propaganda. Journal of Public
Affair, 12(1), 29-38.

223. Panagopoulos, C. (2015). All about that base. Party Politics, 22(2), 22–190.

224. Papakyriakopoulos, O., Hegelich, S., Shahrezaye, M., & Serrano, J.C.M. (2018). So-
cial Media and Microtargeting: Political Data Processing and the Consequences for
Germany, Big Data & Society,1(15): https://doi.org/10.1177/2053951718811844.

225. Paris, B. & Donovan, J. (2019, September). Deep fakes and Cheap fakes: The Manip-
ulation of Audio and Visual Evidence. Retrieved March 23, 2020 from:
https://datasociety.net/library/deepfakes-and-cheap-fakes/.

226. Pariser, E. (2011). The Filter Bubble. The Penguin Press.

227. Parry-Giles, S.J. (2002).The Rhetorical Presidency, Propaganda, and the Cold War,
1945-1955.London: Praeger.

228. Paul, C. & Matthews, M. (2016). The Russian “Firehose of Falsehood” Propaganda
Model. Retrieved 25 March, 2020 From: https://www.rand.org/pubs/perspectives/
PE198.html.

229. Perlroth, N. Frenkel, S. & Shane, S. (2018). Facebook Exit Hints at Dissent on
Handling of Russian Trolls. Retrieved March 25, 2020 From:
https://www.nytimes.com/2018/03/19/technology/facebook-alex-stamos.html.

230. Peterson, T. (2013, September). A Google Cookie Replacement Could Upend Online
Advertising. Retrieved March 25, 2020 From: https://adage.com/article/digital/a-goog-
le-cookie-replacement-uproot-online-advertising/244241.

231. Pham, N. (2013, January). Vietnam admits deploying bloggers to support

405
government. Retrieved March 25, 2020 From:
https://www.bbc.com/news/world-asia-20982985.

232. Philips, W. (2015). This is Why We Can’t Have Nice Things: Mapping the Relation-
ship between Online Trolling and Mainstream Culture. Cambridge, Massachusetts:
MIT Press.

233. Philstar Global. (2016, October). De Lima on Sex Video: It Is Not Me. Retrieved
March 23, 2020 from:
https://www.philstar.com/headlines/2016/10/06/1630927/de-lima-sex-video-it-not-me.

234. Prigg, M. (2015, May). The tweet that cost $139 BILLION: Researchers analyse
impact of hacked 2013 message claiming President Obama had been injured by
White House explosion. Retrieve 20 March, 2020 From: https://www.dailymail.co.uk/sci-
encetech/article-3090221/The-tweet-cost-139-BILLION-Researchers-analyse-impact-hacked-message-
claiming-President-Obama-injured-White-House-explosion.html.

235. Prior, M. (2007). Post-broadcast Democracy: How media choice increases


inequality in political involvement and polarizes elections. Cambridge University
Press.

236. Propaganda Critic (n.d). War Propaganda. Retrieved January 9, 2016 from:
http://www.propagandacritic.com/articles/ww1.demons.html.

237. Purcell, K., Brenner, J. & Rainie, L. (2012). Search engine use 2012. Retrieved 25
March, 2020 From: https://www.pewresearch.org/internet/wp-content/uploads/sites/9/media/
Files/Reports/2012/PIP_Search_Engine_Use_2012.pdf.

238. Qualter, T. H. (1962). Propaganda and psychological warfare. New York: Random
House.

239. Quayle, D., Schiltz, J, & Stangle, S. (2016). Rethinking Psyop: How Could
Restructure to Compete in the Information Environment, (Unpublished Master
Thesis), Naval Postgraduate School, California.

240. Rainie, L. & Wellman, B. (2012). Networked: The New Social Operating System.
The MIT Press. Cambridge: Massachusetts.

241. Ratkiewicz, J., Conover, M., Meiss, M., Gonçalves, B., Patil, S., Flammini, A., &
Menczer, F. (2011). Truthy: Mapping the Spread of Astroturf in Microblog Streams.

406
‫املراجع‬

In Proceedings of the 20th international conference companion on World wide


web (WWW ’11). Association for Computing Machinery, New York, NY, USA,
249–252. DOI: https://doi.org/10.1145/1963192.1963301.

242. Ratkiewicz, J., Michael, C., Mark, M., Bruno, G.C., Snehal, P., Alessandro, F.
& Filippo, M. (2011). Truthy: Mapping the Spread of Astroturf in Microblog Streams.
In: Proceedings of the 20th International Conference Companion on World Wide
Web, pp. 249–52. Association for Computing Machinery, New York, NY, USA,
https://doi.org/10.1145/1963192.1963301.

243. Reuters. (2019). Identifying and Tackling Manipulated Media. Retrieved March
27, 2020 from: https://www.reuters.com/manipulatedmedia.

244. Roose, K. (2017, October). After Las Vegas Shooting, Fake News Regains Its Mega-
phone. Retrieved 25 March, 2020 From:
https://www.nytimes.com/2017/10/02/business/las-vegas-shooting-fake-news.html.

245. Roucek, S.J. (1947). Social Control. New York: Van Nostrand.

246. Rubin, J.(2017). “In war against ‘cell phones,’ Israeli launches social media app”,
Retrieved March 11, 2020 from: http://mondoweiss.net/2017/07/against-israeli-launches/.

247. Rueda, M. (2012, December). 2012›s Biggest Social Media Blunders in LatAm
Politics. Retrieved March 25, 2020 From: https://abcnews.go.com/ABC_Univision/ABC_Uni-
vision/2012s-biggest-social-media-blunders-latin-american-politics/story?id=18063022.

248. Rujevic, N. (2017, January). Serbian government trolls in the battle for the internet.
Retrieved March 25, 2020 From:
https://www.dw.com/en/serbian-government-trolls-in-the-battle-for-the-internet/a-37026533.

249. Ruths, D. & Pfeffer, J. (2014). Social Media for Large Studies of Behavior, Science,
346(6213), 1063–1064.

250. Sanfilippo, M. R., Fichman, P. & Yang, S. (2018). Multidimensionality of Online


Trolling Behaviors. The Information Society, 34(1), 27-39.

251. Santini, R.M., Agostini, L., Barros, C.E., Carvalho, D., Rezende, R.C., Salles, D., Seto,
K., Terra, C., & Tucci, G. (2018). Software Power as Soft Power: A literature review
on computational propaganda effects in public opinion and political process,
Partecipazione e conflitto, 11(2), 332-360.

407
252. Scacco, J.M. & Muddiman, A. (2016, August) Investigating the Influence of Clickbait
Headlines. Retrieved 25 March, 2020 From:
https://mediaengagement.org/research/clickbait-headlines/.

253. Schlegel, L. (2019, October). Chambers of Secrets? Cognitive Echo Cambers and
the Role of Social Media in Facilitating Them. Retrieved 25 March, 2020 From:
https://www.voxpol.eu/chambers-of-secrets-cognitive-echo-chambers-and-the-role-of-social-media-
in-facilitating-them/.

254. Schleifer, R. (2014). Psychological Warfare in the Arab-Israeli Conflict. New York:
Palgrave Macmillan.

255. Schmidt, A., Zollo, F., Scala, A., Betsch, C. & Quattrociocchi, W. (2018). Polarization
of the Vaccination Debate on Facebook. Vaccine, vol.36, 3606-3612.

256. Seddon, M. (2014, June). Documents Show How Russia’s Troll Army Hit America.
Retrieved March 25, 2020 From: https://www.buzzfeednews.com/article/maxseddon/docu-
ments-show-how-russias-troll-army-hit-america.

257. Sénécat, A. (2017, April), Macron et les «mains sales» des ouvriers : l’intox qui
a entaché l’image du candidat. Retrieved 25 March, 2020 From: https://www.lemonde.
fr/les-decodeurs/article/2017/04/27/macron-et-les-mains-sales-des-ouvriers-l-intox-qui-a-entache-l-
image-du-candidat_5118677_4355770.html.

258. Shabi, R. (2009). Special spin body gets media on message, says Israel”. Retrieved
March 11, 2020 from: https://www.theguardian.com/world/2009/jan/02/israel-palestine-pr-spin.

259. Shai, N. (2018). Hearts and Minds: Israel and the Battle for Public Opinion.
Translated by: Ira Moskowitz. NY: State University of New York Press.

260. Shirky, C. (2009, November). A Speculative Post on the Idea of Algorithmic


Authority. Retrieved 25 March, 2020 From: https://stoweboyd.typepad.com/mes-
sage/2009/11/a-speculative-post-on-the-idea-of-algorithmic-authority-clay-shirky.html.

261. Shkurko, A.V.(2014). Cognitive Mechanisms of Ingroup/Outgroup Distinction.


Journal for the Theory of Social Behaviour, 45(2), 188-213.

262. Silverman, C. (2018, April). How To Spot a Deep Fake Like The Barack Obama-Jor-
dan Peele Video. Retrieved March 23, 2020 from: https://www.buzzfeed.com/craigsilver-
man/obama-jordan-peele-deepfake-video-debunk-buzzfeed.

408
‫املراجع‬

263. Simpson, T. (2011). E-Trust and Reputation, Ethics and Information Technology, vol.
13, 29–38.

264. Singer, P. & Brooking, E. (2018). Like War: The Weaponization of Social Media.
Houghton Mifflin Harcourt Publishing Company: New York.

265. Sîrbu, A., Pedreschi, D., Giannotti, F. & Kertész, J. (2019) Algorithmic bias amplifies
opinion fragmentation and polarization: A bounded confidence model.
PLOS ONE 14(3): https://doi.org/10.1371/journal.pone.0213246.

266. Slater, M.D. (2007). Reinforcing Spirals: The Mutual Influence of Media
Selectivity and Media Effects and their Impact on Individual Behavior and Social
Identity. Communication Theory, 17(3), 281-303.

267. Snow, N. & Taylor, P. (2006). The revival of the State of Propaganda: US
Propaganda at Home and Abroad since 9/11. The International Communication
Gazette, 68(5-6), 389-407.

268. Solon O. & Levin S. (2016, December). How Google›s search algorithm spreads
false information with a right-wing bias. Retrieved 25 March, 2020 From:
https://www.theguardian.com/technology/2016/dec/16/google-autocomplete-rightwing-bias-algo-
rithm-political-propaganda.

269. Solon, O. (2015, January). Cyber warfare: Army seeks Twitter troops and Facebook
warriors. Retrieved 25 March, 2020 From: https://www.mirror.co.uk/news/technology-sci-
ence/technology/cyber-warfare-army-seeks-twitter-5076931.

270. Sommer, A.K. (2017). “Sexy Women, ‹Missions› and Bad Satire: Israeli Government
App Recruits Online Soldiers in anti-BDS Fight”, Retrieved March 11, 2020 from:
https://www.haaretz.com/israel-news/.premium-how-israel-recruits-online-foot-soldiers-to-fight-
bds-1.5483038.

271. Sproule, M. (1994). Channels of Propaganda. Indiana, Bloomington: EDINFO Press


and ERIC Clearinghouse on Reading, English, and Communication.

272. Starbird, K. (2017, March). Information Wars: A Window into the Alternative Media
Ecosystem. Retrieved March 20, 2020 From: https://medium.com/hci-design-at-uw/infor-
mation-wars-a-window-into-the-alternative-media-ecosystem-a1347f32fd8f.

273. Stern-Hoffman, G. (2013, August). Government to use citizens as army in

409
social media war. Retrieved March 25, 2020 From:https://www.jpost.com/Diploma-
cy-and-Politics/Government-to-use-citizens-as-army-in-social-media-war-322972.

274. Stinchcombe, A. L. (2010). Review: Going to Extremes: How Like Minds Unite and
Divide, by Cass R. Sunstein. New York: Oxford University Press, Contemporary
Sociology, 39(2), 205–206.

275. Stupples, D. (2015, November). The Next Big War Will Be Digital and We’re Not
Ready For It. Retrieved 11 Mars, 2020 From: https://gizmodo.com/the-next-big-war-will-be-
digital-and-we-re-not-ready-fo-1744865435.

276. Sung, T.B.C. (2015, July). Malaysian social media regulation? Welcome to the dark
side of social media. Retrieved 25 Mars, 2020 From:
http://www.christopherteh.com/blog/2015/07/naive-msians/.

277. Sunstein, R.C. (2007). Ideological Amplification. Constellations, 14(2), 273-279.

278. Sunstein, C. R. (2009). Republic.com 2.0. Princeton, NJ: Princeton University Press.

279. Sunstein, C. R. (2017). #Republic: Divided Democracy in the Age of Social Media.
Princeton University Press.

280. Sutiu, C. (2012). Propaganda: How a Good Word Become Bad. Agathos,
3(2), 122-130.

281. Sweeney, L. (2013). Discrimination in Online Ad Delivery, Communications of the


ACM, 56(5), 44-54.

282. Synnott, J., Coulias, A. & Ioannou, M. (2017). Online Trolling: The Case of Madeleine
McCann. Computers in Human Behavior, vol.71, 70-78.

283. Tajfel, H. (1974). Social identity and intergroup behaviour. Information


(International Social Science Council), 13(2), 65–93.

284. Tal, D. & Gordon, A. (2016). Jacques Ellul Revisited: 55 Years of Propaganda Study.
Society, vol.35, 182-187.

285. Taylor, E. & Hoffman, S. (2019,November). Industry Responses to Computational


Propaganda and Social Media Manipulation. Working Paper 2019.4. Oxford, UK:
Project on Computational Propaganda. Retrieved 25 March, 2020 From:
https://comprop.oii.ox.ac.uk/research/industry-responses/.

410
‫املراجع‬

286. Taylor, P. M. (1990). Munitions of the mind: War propaganda from the ancient
world to the nuclear age. Manchester, UK: Manchester University Press.

287. The Constitution Society (n.d). Propaganda Techniques. Retrieved January 12, 2016
from: http://www.constitution.org/col/propaganda_army.htm.

288. The Guardian (2019, May). Real V Fake: Debunking the ‘drunk’ Nancy Pelosi
Footage. Retrieved March 23, 2020 from: https://www.theguardian.com/us-news/vid-
eo/2019/may/24/real-v-fake-debunking-the-drunk-nancy-pelosi-footage-video.

289. The Guardian, (2014). Any Palestinian is exposed to monitoring by the


Israeli Big Brother. Retrieved March 11, 2020 from:
https://www.theguardian.com/world/2014/sep/12/israeli-intelligence-unit-testimonies.

290. The Orange Papers (n.d). Propaganda and debating Techniques. Retrieved January
11, 2016 from: http://www.orange-papers.org/orange-propaganda.html#drama_queen.

291. The Philosophy Index (n.d). False Dilemma or Dichotomy.


Retrieved January 14, 2016 From:
http://www.philosophy-index.com/logic/fallacies/false-dilemma.php.

292. Thomson, O. (1999). Easily led: A history of propaganda. Phoenix Mill, UK: Sutton.

293. Tigner, R. (2010). Online Astroturfing and the European Union’s Unfair Commercial
Practices Directive. Retrieved March 23, 2020 from:
http://www.droit-eco-ulb.be/fileadmin/fichiers/Ronan_Tigner_-_Online_astroturfing.pdf.

294. Toor, A. (2016, May). Facebook begins tracking non-users around the internet.
Retrieved March 25, 2020 From:
https://www.theverge.com/2016/5/27/11795248/facebook-ad-network-non-users-cookies-plug-ins.

295. Truett, W. (1996). Astroturf, on Capitol Hill, means fake grassroots. Philadelphia
Tribune, 112(112), 7-A.

296. Tufekci, Z.(2015). Algorithmic Harms Beyond Facebook and Google: Emergent
Challenges of Computational Agency, Journal on Telecommunications & High
Technology Law, vol. 13, 203-217.

297. Turner, F. (2006). From Counterculture to Cyberculture. Chicago, IL: University of


Chicago Press.

411
298. U.K .Parliament. (2018, March). Evidence from Christopher Wylie, Cambridge
Analytica whistle blower, published. Retrieved 25 March, 2020 From: https://
www.parliament.uk/business/committees/committees-a-z/commons-select/digital-culture-me-
dia-and-sport-committee/news/fake-news-evidence-wylie-correspondence-17-19/.

299. Vaas, L. (2015, November). Belgium to Facebook: Stop tracking non Facebook users
or face $267K daily fines. Retrieved March 25, 2020 From: https://nakedsecurity.sophos.
com/2015/11/11/belgium-to-facebook-stop-tracking-non-facebook-users-or-face-267k-daily-fines/.

300. VanDam, C., Tang, J & Tan, P.N. (2017).Understanding Compromised accounts on
Twitter. In Proceedings of the International Conference on Web Intelligence
(WI ’17). Association for Computing Machinery, New York, NY, USA, 737–744.

301. Waddell, K. (2017, January). Kremlin-Sponsored News Does Really Well on Google.
Retrieved 25 March, 2020 From: https://www.theatlantic.com/technology/archive/2017/01/
kremlin-sponsored-news-does-really-well-on-google/514304/

302. Wagner, K. (2015, August). How Facebook Decides What’s Trending. Retrieved 25
March, 2020 From:
https://www.editorandpublisher.com/news/how-facebook-decides-what-s-trending/.

303. Wallas, G. (1908). Human Nature in Politics. London: A. Constable and Co., Limited.

304. Wang, G., Wilson, C., Zhao, X., Zhu, Y., Mohanlal, M., Zheng, H., & Zhao, B. Y.
(2012). Serf and Turf: Crowdturfing for Fun and Profit. In the Proceedings of the
International World Wide Web Conference (WWW2012), April 16–20, 2012, Lyon,
France. arXiv:1111.5654v2

305. Wani, M., Jabin, S., Yazdani, G. & Ahmad, N. (2018). Sneak into Devil›s Colony:
A study of Fake Profiles in Online Social Networks and the Cyber Law. Retrieved
March 20, 2020 From: https://arxiv.org/ftp/arxiv/papers/1705/1705.09929.pdf.

306. Wanless, A. & Berk, M. (2017). Participatory Propaganda: The Engagement of


Audiences in the Spread of Persuasive Communications. In P. Baines,
N.O’Shaughnessy & N. Snow (Eds.), The SAGE Handbook of Propaganda,p. 85-104,
London: Sage.

307. Wardle, C. (2019, October). Understanding Information Disorder. Retrieved 25


March, 2020 From: https://firstdraftnews.org/wp-content/uploads/2019/10/Information_Disor-
der_Digital_AW.pdf?x76701.

412
‫املراجع‬

308. Warzel, C. (2017, December). 2017 Was the Year Our Internet Destroyed Our
Shared Reality. Retrieved March 23, 2020 from: https://www.buzzfeednews.com/article/
charliewarzel/2017-year-the-internet-destroyed-shared-reality.

309. Webster J.G. (2005). Beneath the veneer of fragmentation: Television audience
polarization in a multichannel world. Journal of Communication, 55(2), 366–382.

310. Weedon, J., Nuland, W., & Stamos, A. (2017). Information Operations and
Facebook. Retrieved March 30, 2020 From: https://fbnewsroomus.files.wordpress.
com/2017/04/facebook-and-information-operations-v1.pdf.

311. Weeks, B. (2015).Emotions, Partisanship, and Misperceptions: How Anger and


Anxiety Moderate the Effect of Partisan Bias on Susceptibility to Political
Misinformation, Journal of Communication, 65(4), 699-719.

312. Weigold, E. (2017). The Echo Chamber: Is Social Media to Blame?. Retrieved 25
March, 2020 From:
https://bedfordbugle.wordpress.com/2017/03/16/the-echo-chamber-is-social-media-to-blame/.

313. Weiwei, A. (2012, October). China’s Paid Trolls: Meet the 50-Cent Party.
Retrieved March 25, 2020 From: https://www.newstatesman.com/politics/politics/2012/10/
china%E2%80%99s-paid-trolls-meet-50-cent-party.

314. Whitla, P. (2009). Crowdsourcing and Its Application in Marketing Activities.


Contemporary Management Research, 5(1), 15-28.

315. Wilson, P., & Stajano, F.(2011). Understanding Scam Victims: Seven Principles for
Systems Security, Communications of the ACM 54(3), 70-75.

316. Winstanley, A. (2018). Meet the spies injecting Israeli propaganda into your news
feed. Retrieved March 11, 2020 from: https://electronicintifada.net/blogs/asa-winstanley/
meet-spies-injecting-israeli-propaganda-your-news-feed.

317. Woo, H.Y. (2015). Strategic Communication with Verifiable Messages. (PhD Thesis),
University of California: USA.

318. Wooley S. C. & Howard, P. N. (2016). Political Communication, Computational


Propaganda, and Autonomous Agents. International Journal of Communication,
vol. 10, 4882–4890.

413
319. Woolley S. (2016). Automating Power: Social Bot Interference in Global Politics,
First Monday, 21(4), http://dx.doi.org/10.5210/fm.v21i4.6161.

320. Woolley, S. & Howard, P. (2016). Political Communication, Computational


Propaganda, and Autonomous Agents, International Journal of Communication,
Vol. 10,4882–4890.

321. Wooten, D.B., & Reed II, A. (1998). Informational influence and the ambiguity of
product experience: Order effects on the weighting of evidence, Journal of
Consumer Psychology, 7(1), 79-99.

322. Wright, R. (2004, June). Jboss Astroturfs. Retrieved March 23, 2020 from:
https://www.crn.com/news/channel-programs/22102497/jboss-astroturfs.htm.

323. Wu, L., & Liu, H. (2017). Detecting Crowdturfing in Social Media. In Encyclopedia of
Social Network Analysis and Mining, pp.1-9, Springer, New York.

324. Zarsky, T. (2016). The Trouble with Algorithmic Decisions: An Analytic Road Map
to Examine Efficiency and Fairness in Automated and Opaque Decision Making.
Science, Technology, & Human Values, 41(1), 118–132.

325. Zhang, J., Carpenter, D., & Ko, M. (2013). Online Astroturfing:
A Theoretical Perspective. In Proceedings of the Nineteenth Americas
Conference on Information Systems:
https://pdfs.semanticscholar.org/b149/f00a49c6360fab86abbaaa6ba8d13b85872d.pdf?_
ga=2.118548297.1509789113.1582904363-1919673845.1582904363.

326. Zhang, J., Xu, C., Chang, K. & Long, C. (2013, October). Uncovering Collusive
Spammers in Chinese Review Websites. CIKM ‹13: Proceedings of the 22nd ACM
international conference on Information & Knowledge Management, pp: 979–988:
https://doi.org/10.1145/2505515.2505700

327. Zomorodi, M. (2017, March). Do You Know How Much Private Information You
Give Away Every Day?. Retrieved March 25, 2020 From:
https://time.com/4673602/terms-service-privacy-security/.

414

You might also like