Professional Documents
Culture Documents
التوبة ()105
الربنامج الوطين لدار الكتب الفلسطيني�ة
بطاقة فهرسة أثن�اء النشر
وزارة الثقافة – اإلدارة العامة للمكتب�ات واملخطوطات
املصدر ،حيدر ابراهيم
الدعاية على الشبكات االجتماعية /حيدر ابراهيم املصدر.
غزة :مركز الدراسات اإلقليمية 2020 ،م.
( )414ص24*17 ،
رقم اإليداع2020 /1391 :
الفصل األول
19 الدعاية :خلفية تاريخية
ً
25 أوال :الدعاية خالل العصور الوسطى
ً
30 ثاني�ا :الدعاية خالل القرن الثامن عشر
ً
36 ثالثا :الدعاية خالل القرن التاسع عشر
ً
40 رابعا :الدعاية خالل القرن العشرين
الفصل الثاين
55 تطورات الدعاية بظهور الشبكات االجتماعية
ً
59 أوال :الدعاية املركزية
ً
65 ثاني�ا :الدعاية والتحول باجتاه الالمركزية
ً
68 ثالثا :اجلمهور الفاعل الدعايئ اجلديد
ً
81 رابعا :الدعاية من العمودية إىل األفقية
ً
83 خامسا :تطور بن�اء الرسالة الدعائي�ة
ً
92 سادسا :سرعة انتشار الدعاية
الفصل الثالث
99 الدعاية احلاسوبي�ة
ً
102 أوال :مفهوم الدعاية احلاسوبي�ة
ً
107 ثاني�ا :الدعاية احلاسوبي�ة وخاصية التنكر
ً
113 ثالثا :مكونات الدعاية احلاسوبي�ة
113 البي�انات السلوكية BEHAVIORAL DATA
الفصل الرابع
217 نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
ً
220 أوال :الهندسة االجتماعية SOCIAL ENGINEERING
ً
230 ثاني�ا :الزتييــف العميق DEEP FAKE
ً
246 ثالثا :صناعة االنطباع املضلل ASTROTURFING
ً
264 رابعا :دعاية احلشد املزيف CROWDTURFING
الفصل اخلامس
311 أساليب وتكنيكات الـدعاية
ً
315 أوال :األساليب والتكنيكات التقليدية
ً
356 ثاني�ا :األساليب والتكنيكات احلديث�ة
املراجع
380 املراجع العربيــة
385 املراجعة األجنبي�ة
تقديم
تزخــر املكتبــ�ة العربيــ�ة والفلســطيني�ة بعشــرات الكتــب عــن الدعايــة وتأثرياتهــا،
لكنهــا يف الغالــب ال تفــي متطلبــات مواجهــة احلــروب الدعائيــ�ة الــي تتعــرض لهــا
ّ
الشــعوب العربيــ�ة ،كمــا أن الكثــر منهــا قديــم ال يتمــاىش مــع التطــورات احلديثــ�ة ،وال
ويؤخــذ علــىيتصــدى لنمــاذج وأمثلــة واقعيــة بالتحليــل واالســتنت�اج والربــط واالســتقراءُ .
كتــب الدعايــة املحليــة جمودهــا ،وغيــاب حركــة جتديدهــا وتطويرهــا .فمعظمهــا يتن ـ�اول
مفاهيــم وأنــواع تقليديــة عفــى عليهــا الزمــن ،ويعــرض أســاليب وتكنيــكات تعــود إىل زمــن
جوزيــف جوبلــز يف النصــف األول مــن القــرن العشــرين ،ولعــل الســبب يف ذلــك أن غالبيـ�ة
محتواهــا العلــي منقــول عــن مصــادر أجنبي ـ�ة قديمــة.
وقــد مــارس االحتــال «اإلســرائيلي» منــذ مــدة طويلــة الدعايــة بأنواعهــا املختلفــة،
بــل واعتمــد عليهــا يف تهجــر الشــعب الفلســطيين واحتــال أرضــه ،وجعلهــا مــن الركائــز
األساســية لتقدمــه العســكري والســيايس واألمين ،ورغــم ذلك تفتقــر املكتب�ة الفلســطيني�ة
إىل مؤلفــات تتنــ�اول دعايــة االحتــال وتفســر أســباب جناحهــا وســبل التصــدي لهــا،
خاصــة مــا يتصــل بأشــكالها احلديثـ�ة الــي يمارســها عــر قنــوات اإلعــام اجلديــد ومواقــع
ّ
الشــبكات االجتماعيــة .كمــا أن وســائل الدعايــة وأســاليبها املختلفــة تطــورت بشــكل مهول
ً
خــال القــرن احلــادي والعشــرين خصوصــا مــع ظهــور منصــات التواصــل االجتماعــي الــي
جعلــت مــن العالــم ليــس قريــة واحــدة فحســب ،بــل غرفــة واحــدة صغــرة مزدحمــة بأكــر
ً ً
مــن ســبعة مليــار إنســان ،وأصبــح لهــا تأثــرا هائــا علــى األفــراد والسياســات والــدول،
ً ً
وبــات اســتخدامها مــن وســائل القــوة الناعمــة والدبلوماســية الدوليــة ،ومجــاال خصبــا
ملمارســة الدعايــة بأشــكالها كافــة.
مــن هنــا تــأيت أهميــة الكتــاب الــذي بــن أيدينـ�ا ،حيــث يأخذنــا املؤلــف يف رحلــة ممــزة
وبأســاليب شــيقة -فيهــا الكثــر مــن الرشــاقة والعمــق -إىل عالــم الدعايــة املعاصــر،
ً
وينتقــل بــن صفحاتــه إىل خلفيــات الدعايــة انطالقــا مــن العصــور القديمــة وحــى نهايــة
القــرن العشــرين ،ويعــرض للتطــورات الــي شــهدتها خــال القــرن احلــايل ،ثــم يبــن
15
ً
شــكلها احلاســويب ومكوناتــه ،وصــوال إىل اســتعراض عــدد مــن الظواهــر الدعائيـ�ة اخلطــرة
املتفشــية يف مواقــع التواصــل اإلجتماعــي ،ليختتــم كتابــه بعــرض مجموعــة مــن اســاليب
وتكنيــكات الدعايــة التقليديــة واحلديث ـ�ة.
ّ
وإذا كان هــذا الكتــاب هــو األول للمؤلــف حيــدر املصــدر بعــد مجموعــة مــن األحبــاث
املمــزة ،فهــو يمثــل نقلــة نوعيــة تتمثــل يف محاولتــه ســد النقــص القائــم يف الدراســات
ّ
اإلعالميــة العربيـ�ة يف مضمــار الدعايــة .وممــا ال شــك فيــه ،أن اتقانــه للغــة اإلجنلزييــة ُعــد
ً ً ً
عامــا إضافيــا مســاعدا مكنــه مــن الرجــوع إىل املصــادر األصيلــة مــن كتــب وأحبــاث رائــدة،
ً
خصوصــا أنــه مجــال بكــر مــا زال حيتــاج للكثــر مــن اجلهــد يف فهمــه وتن�اولــه وتقديمــه
للجمهــور العــام واملتخصــص ،وليــس أعظــم مــن هــذه القــدرة العاليــة عنــد الكاتــب ،هــذا
الكــم الكبــر مــن املراجــع العربيـ�ة واألجنبيـ�ة الــي اســتعان بهــا يف ســبي�ل ذلــك ،باإلضافــة إىل
ختصصــه الدقيــق يف هــذا احلقــل ،األمــر الــذي يضــع الكتــاب يف مقدمــة املؤلفــات العربي ـ�ة
ً ً ً ً
الــي ســتغدو مرجعــا مهمــا للدعايــة علــى الشــبكات االجتماعيــة ردحــا طويــا مــن الزمــن.
دكتور
طلعت عبداحلميد عيىس
أستاذ اإلعالم املشارك يف قسم
الصحافة باجلامعة اإلسالمية يف غزة
16
مقدمة
ً ً ً ً
احلمد هلل رب العاملني حمدا كثريا طيب�ا مباركا فيه ،احلمد هلل كما ينبغي جلالل
ً ً
وجهه وعظيم سلطانه ،حمدا جزيال يوايف نعمه وعطاياه ،والصالة والسالم على خري اخللق
واملرسلني ،سيدنا وحبيبن�ا وشفيعنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعني ،أما بعد؛
ً
راودتين فكرة إعداد الكتاب منذ عامني تقريب�ا ،ثم ظلت تالزمين ال تفارقين ،تزيد من
وطأتها يف كل مرة أحبث فيها دون جدوى عن دراسات ومؤلفات عربي�ة تتطرق للعالقة بني
مواقع الشبكات االجتماعية والدعاية ،لكن اللحظة احلاسمة اليت ألهبت همة االنطالق
داخلي تعود إىل منتصف العام 2019م ،خالل حضوري ندوة علمية خصصت للحديث
عن الدعاية السيرباني�ة «اإلسرائيلية» جتاه مسريات العودة الفلسطيني�ة ،وقد استمعت
خاللها ألطروحات متنوعة ،تنطلق غالبيتها من مسارات تقليدية ،ال تنسجم مع التطورات
اليت شهدتها الدعاية خالل القرن احلادي والعشرين ،ومنذ تلك اللحظة ،بدأت رحلة
التنقيب والبحث للتعرف على ما حتتويه املكتب�ة الغربي�ة ،فوقعت على مصادر متنوعة
ً ً
شجعتين فورا على البدء .وانطالقا من اإلحساس باملسؤولية جتاه قضيتن�ا وحاجة املكتب�ة
ً
الفلسطيني�ة والعربي�ة إىل مراجع علمية تساعد على فهم الدعاية الشبكية ،قررت متوكال
على هللا إعداد الكتاب الذي يت�ألف من خمسة فصول مقسمة على الوجه اآليت:
ً
الفصل األول ،يقدم ملحة مختصرة عن تاريخ تطور الدعاية انطالقا من العصور
القديمة وحىت نهاية القرن العشرين ،مع الرتكزي على كيفية حتول الدعاية من فعل تلقايئ
إىل نشاط مخطط ،ومن موهبة فردية إىل اشتغال مؤسسايت منظم يسعى حنو السيطرة.
أما الفصل الثاين ،فيتن�اول التطورات اليت شهدتها الدعاية بظهور مواقع الشبكات
االجتماعية ،خاصة حتولها من حالة مركزية إىل وضع المركزي ،ومن هبوط عامودي إىل
ً ً
تمدد أفقي ،يشارك الفرد فيها بوصفه فاعال قادرا على حتدي هيمنة السلطة ،كما تطرق
للتطورات على صعيد بن�اء الرسالة الدعائي�ة وأشكال انتشارها ،مع مقارنة جميع ما سبق
بمفاهيم الدعاية التقليدية اليت ظلت سائدة لسنوات طويلة.
17
ُ
وخصص الفصل الثالث للحديث عن الدعاية احلاسوبي�ة وماهيتها ،وما يرتبط بها من
مفاهيم ومكونات كالبي�انات السلوكية واألتمتة واخلوارزميات والدعم البشري ،كما
أفردنا مساحات إضافية للحديث عن االستهداف املخصص واملحتوى اخلفي وخاصية
التنكر والروبوتات االجتماعية واحلسابات الوهمية وغرف الصدى والتصيد وتشكيالت
السايرب وغريها من أدوات وأشكال الدعاية احلديث�ة.
وينتقل الكتاب يف فصله الرابع إىل عرض خمس ظواهر دعائي�ة حديث�ة ،فيتن�اول للهندسة
االجتماعية ،ثم يتفحص ظاهرة الزتييف العميق ،وينتقل بعدها إىل دعاية احلشد املزيف،
ثم دعاية التضليل «صناعة االنطباع املضلل» ،ليختم بظاهرة التنقيب الدعايئ اليت
عرضنا فيها دراسة حالة مستقاة من الواقع الفلسطيين ،وخالل الفصل اخلامس واألخري،
ً
يستعرض الكتاب عددا من أساليب الدعاية التقليدية واحلديث�ة ،اليت يكرث توظفيها على
مواقع الشبكات االجتماعية ،مع تقديم أمثلة عملية توضحها ،ثم خيتتم بطرح جملة من
املالحظات حول أساليب الدعاية.
ً
يف النهاية ،أجد نفيس ملزما برد الفضل إىل معليم ،ومشريف يف مرحلة الماجستري ،األستاذ
الدكتور جواد راغب الدلو ،املحاضر يف قسم الصحافة واإلعالم باجلامعة اإلسالمية ،الذي
ّ
شجعين على خوض غمار الدعاية ،وألزمين نصيحة هي لدي يف مقام الوصية ،أل أتوقف
عند القشور ،وأن ألج األعماق ما استطعت ،وأستخرج منه ما هو مفيد وصالح لقضيتن�ا
وأمتن�ا ،وآمل أن أكون جبهدي اخلجول هذا قد رددت إليه جزء من فضله ،كما أتمىن أن
َ
يفتح املؤلف الطريق أمام الباحثني الفلسطينيني والعرب لتطوير علم الدعاية ،وأن يكون
مساهمة متواضعة مين يف هذا املضمار.
َّ
وللا من وراء القصد،
وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب العاملني.
ّ
حيدر إبراهيم املصدر
18
الفصل األول
19
الفصل األول
ً
أوال :الدعايــة خــال العصــور الوســطى
ً
ثاني ـ�ا :الدعايــة خــال القــرن الثامــن عشــر
ً
ثالثــا :الدعايــة خــال القــرن التاســع عشــر
ً
رابعــا :الدعايــة خــال القــرن العشــرين
20
الدعايـــة :خلفيـة تاريخيــة
ّ
يعــري الكثــر مــن النــاس نزعة لالعتقــاد حبداثة الدعايــة ،وأن حقيقــة وجودها متصل
علــى حنــو وثيــق بظهــور وســائل اإلعــام الســائدة ،ولكـ ّـن هــذا االعتقــاد خاطــئ إىل حـ ٍـد كبــر،
فالدعايــة لهــا تاريــخ طويــل يمتــد آلالف الســنني ،وبــدون فهــم جذورهــا التاريخيــة يصعب
علينـ�ا إدراك أصلهــا احلقيقــي ،فاحلضــارات القديمــة ،كالبابلية ،والســامرية ،واآلشــورية،
واملصريــة ،امتلكــت فهمهــا اخلــاص للدعايــة؛ فهــي وظفتهــا بأشــكال اتصــال بدائيــ�ة،
كاأللــواح الطينيــ�ة ،والكتابــات الصوريــة (املســمارية) ،واملعابــد ،والنصــب ،وغريهــا؛
لعكــس مفاهيــم رمزيــة وأســطورية ،ترتبــط بمعتنقــات تصوريــة خرافيــة ،كاخللــود،
والتمجيــد اإللهــي ،وحيــاة ما بعد املــوت ،فالفراعنة على ســبي�ل املثال كان لهــم فهم للدعاية
يقــرن بالتأليــه والرتهيــب ،وهــو مــا تعكســه األهرامــات ،أو صــرح معبــد أبــو ســمبل الكبــر،
ـاز محتمــل الــذي شــيده “رمســيس الثــاين” لتخليــد انتصاراتــه ،وبــث اخلــوف يف نفــس أي غـ ٍ
(.)Jowett & O’Donnell:2012
وعلــى الرغــم مــن توظيــف هــذه احلضــارات للدعايــة بهيئــ�ات رمزيــة ذات أبعــاد
ّ
ســيكولوجية محــدودة ،إال أنهــا اتســمت بالتذبــذب والتبعــر ،وغيــاب املنهجيــة الناظمــة
أو املنطلــق الفلســفي ،بعكــس احلضــارات الالحقــة .ومــع بــزوغ فجــر احلضــارة اإلغريقيــة،
بــدأت الدعايــة حيــازة مفهومهــا شــبه املمنهــج ،ســواء يف املمارســة احلياتي ـ�ة أو احلربي ـ�ة،
فاملــدن اإلغريقيــة أخــذت باالتســاع ،لتتخــذ بمــرور الوقــت هيئــ�ة مجتمعــات منظمــة
مســتقلة عــن بعضهــا ،تتن�افــس فيمــا بينهــا علــى الســيطرة الثقافيــة والتجاريــة .هــذا
الصــراع ســمح للدعايــة باالزدهــار ،ولكــن بأشــكال ومضامــن أيقونيــ�ة وأســطورية
متنوعــة ،جســدتها املعابــد ،واملنحوتــات ،والتماثيـ�ل ،واملبــاين الضخمــة ،ومختلــف الفنــون
كالقصائــد امللحميــة؛ لمــا تعكســه مــن دالالت مجازيــة علــى قــوة واســتقاللية كل منهــا.
21
الفصل األول
بــدوره ســاهم الصــراع اإلغريقي-الفــاريس يف ظهــور الدعايــة احلربي ـ�ة ،عــر حملــة
التضليــل الــي نفذهــا القائــد اإلغريقــي ثيميســتوكليس “ ”Themistoclesخــال مواجهتــه
ً
جليــوش اكزركســيس “ ”Xerxesالفــاريس ،والــي أدت الحقــا إىل هزيمــة األخــر؛ هــذه
الواقعــة التاريخيــة ُســجلت بكونهــا أول اســتخدام متعمــد للتضليــل كحيلــة دعائيـ�ة (.)Ibid
تكتــف احلضــارة اإلغريقيــة بعكــس مســاهماتها الثقافيــة والعســكرية يف مجــال ِ ولــم
ً ً
الدعايــة ،بــل قدمــت أنموذجــا متطــورا آخــر ،تمثــل يف دعايــي الســيطرة واإلدمــاج بأبعادهما
السياســية واالجتماعيــة ،وهــو مــا يتضــح مــع اإلســكندر املقــدوين عندمــا أمــر بنقــش صوره
علــى العمــات املعدنيـ�ة وقطــع الفخــار ،وبنـ�اء لوحــات وتماثيـ�ل ونصــب تذكاريــة لــه علــى
امتــداد إمرباطوريتـ�ه؛ بهــدف تذكــر اخلاضعــن لســيطرته بهويــة ســيد العالــم احلقيقــي.
وبهــذا اخلصــوص يشــار إىل كــون اإلســكندر أول مــن أدرك أهميــة األبعــاد الرمزيــة للدعايــة
ً
يف احلفــاظ علــى تماســك إمرباطوريت ـ�ه ،وضمــان الســيطرة عليهــا سياســيا عــر مختلــف
ّ
األشــكال االتصاليــة ،فقــد تبــن لــه أنهــا بديــل ممتــاز عــن حضــوره الفعلــي ( .)Ibidومــع
ذلــك شــجع اإلســكندر علــى تنفيــذ ممارســات اجتماعيــة ذات أبعــاد دعائيــ�ة رمزيــة
ّ
لكنهــا اســراتيجية هدفهــا الدمــج بــن املجتمعــات اإلغريقيــة والفارســية ،ويتضــح ذلــك
بزواجــه مــن بارســن “ ”Barsineابن ـ�ة امللــك داريــوس” ،”Dariusورعايت ـ�ه لــزواج عــدد كبــر
مــن قادتــه وجنــده مــن الفارســيات (تايلــور .)2000 :بهــذه الطريقــة اســتطاع اإلســكندر
احتــواء شــعبني بثقافتــن متخاصمتــن علــى قاعــدة العــدل واملســاواة بينهمــا ،مــا يعكــس
ً
فهمــه املبكــر ألهميــة دمــج اخلصــم حتــت لوائــه؛ فبــدال مــن قتلــه وقهــره والتنكيــل
بــه ،ســعى إىل تشــيي�د مجتمــع مســتقر يمكــن الســيطرة عليــه ،واإلفــادة مــن مقدراتــه
خاصة البشرية منها.
ومــا بــن الســيطرة واإلدمــاج ارتبطــت الدعايــة يف فــرة زمنيــ�ة معينــ�ة باخلطابــة
والبالغــة واجلــدل ،أي بقاعــدة فلســفية ،فمــن وجهــة نظــر اإلغريــق الدعايــة أســاس
للحيــاة الشــخصية والعامــة يوظفهــا األفــراد والساســة ،لتنظيــم شــؤونهم اليوميــة،
ً ّ
مــا يعــي أنهــا حملــت وجهــا يبتغــي اإلقنــاع بالعقــل واملنطــق ( .)Cull et al.:2003ومــن
ً ً ّ
هنــا نبعــت حتذيــرات أفالطــون “مــن أن اجلــدل قــد جيعــل مــن األســوأ منطقــا جيــدا،
22
الدعايـــة :خلفيـة تاريخيــة
ً ً
مستســاغا ومقبــوال ” ( .)O’Shaughnessy:2012وجتــدر اإلشــارة إىل كــون اإلغريــق أول
مــن أســس للدعايــة القائمــة علــى احلقيقــة عــر كتــاب أرســطو “اخلطابــة ،”Rhetoric
ً
والــذي وضــع فيــه أســس وقواعــد إلرشــاد اخلطبــاء ،مطالبــا إياهــم بإقامــة حججهــم علــى
احلقيقــة بقولــه“ :احلقيقــة تهــزم الزيف”(تايلــور ،)2000:لريســخ بذلــك واحــدة مــن دعائــم
العمــل الدعــايئ احلديــث(*).
بدورهــا ويف دليــل واضــح علــى رســوخ فكــرة الدعايــة املمنهجــة بأبعادهــا النفســية اليت
بدأهــا اإلســكندر ،طــورت اإلمرباطوريــة الرومانيـ�ة اســراتيجيات دعائيـ�ة متعــددة تواكــب
احتي�اجاتهــا الــي فرضتهــا عوامــل توســعها اجلغــرايف ،وتنــوع الشــعوب واألعــراق اخلاضعة
ً
لســلطانها .فهــي باشــرت جهــدا حنــو تأكيــد قــوة ومركزيــة حكمهــا ،عــر اســتغالل كل
أشــكال االتصــال املتاحــة آنــذاك كالقطــع النقديــة ،واللوحــات اجلداريــة ،واملبــاين العامــة،
والتماثيــ�ل ،وفنــون الهندســة املعماريــة ،والشــعر ،والدرامــا ،واالحتفــاالت ،ومواكــب
االنتصــارات؛ بهــدف إجيــاد نظــام دعــايئ منظــم ومتكامــل ،قائــم علــى شــبكة منســجمة
مــن الرمــوز االتصاليــة ،ختلــق بكليتهــا اجلمعيــة صــورة ذهنيـ�ة عــن اإلمرباطوريــة بوصفهــا
كيــان متماســك ،قــوي وشــديد البــأس ( .)Jowett & O’Donnell:2012ويف ســياق آخــر برعــت
رومــا يف اســتغالل األبعــاد الثقافيــة حلضارتهــا كجــزء مــن مجهودهــا الدعــايئ .ومثلمــا
ّ ّ
تبــن لإلغريــق أن التوظيــف املــدروس لوســائل االتصــال قــد يعكــس صــورة مرغوبــة عــن
ً
حضارتهــا ،أدرك الرومــان األمــر ذاتــه ولكــن بأســلوب أكــر تفوقــا ،فمهــارات القياصــرة
الرومــان جتســدت يف إنت ـ�اج أعــداد ضخمــة مــن هــذه الرمــوز ،ونشــرها علــى نطــاق واســع
مــا جعــل تأثريهــا الثقــايف واحلضــاري يتجــذر لفــرات طويلــة .فالقيصــر يولويــس “”Julius
ُ
علــى ســبي�ل املثــال اشــتهر بقدرتــه علــى اســتغالل الفــراغ النــائش يف املناطــق اخلاضعــة لــه
ً
حديث ـ�ا ،مــن أجــل تعميــم أســاطري وثقافــة إمرباطوريت ـ�ه ،وبالتــايل ترســيخ طابعهــا الفــي
والفلســفي بــن أفــراد شــعوبها.
دعــا املفكــر الصيــي كونفوشــيوس يف كتابــه “التعاليــم” إىل محاولــة إقنــاع النــاس باســتخدام أشــكال كالميـــة وكتابيـــة ذات (*)
محتــوى بالغــي متقــن؛ مــا يعــي إســهام احلضــارة الصينيـ�ة يف تطــور الدعايــة ،ســواء مـــن ناحيـــة اإلعـــداد املســـبق للرســالة
اإلقناعيــة ،أو حتديــد قناتهــا األنســب.
23
الفصل األول
ً
وبعيــدا عــن الهيمنــة السياســية والثقافيــة ،حافــظ الرومــان علــى فكــرة اإلرادة
الشــعبي�ة رغــم جتاهلهــم لهــا يف الواقــع العملــي؛ فاالحتفــاالت ،واأللعــاب الســنوية،
ً ً
وغريهــا مثلــت اعرتافــا متقدمــا بأهميــة الــرأي العــام كســلعة يتــم صناعتهــا وتشــكيلها
مــن أجــل فــرض ســيطرة مــن نــوع مــا عليهــا ( .)O’Shaughnessy:2012وبهــذا اخلصــوص
تتطــرق إحــدى األدبيــ�ات العلميــة إىل األبعــاد النفســية للممارســة الدعائيــ�ة املخططــة
ً
عنــد الرومــان؛ فالقيصــر يوليــوس مثــا ســعى إىل حتويــل نظــام احلكــم مــن جمهــوري-
شــعيب إىل شــمويل-إمرباطوري ،وحــى يســتتب لــه ذلــك دمــج بــن نوعــن مــن الدعايــة:
التمجيــد والرتهيــب؛ فعــر صكــه لعمــات معدني ـ�ة جتســده بهيئ ـ�ات مختلفــة (محــارب،
آلهــة ،حــايم اإلمرباطوريــة) ،ورعايت ـ�ه ملهرجانــات مســرحية حتاكــي معاركــه وانتصاراتــه،
واتب�اعــه أســاليب قمــع مختلفــة داخــل بالطــه ،اســتطاع زرع تأثــر نفــي مرتاكــم يف عقــول
ّ ً
األفــراد مكنــه الحقــا مــن حصــد نت�اجئــه ( .)Jowett & O’Donnell:2012واملثــر أن هــذا النمــط
الدعــايئ ســيكرر نفســه يف حقــب تاريخيــة الحقــة.
ً
ومــع ظهــور الديانــة املســيحية خــال احلكــم الرومــاين ،أخــذت الدعايــة أبعــادا جديدة
قائمــة علــى اإلقنــاع ال اإلكــراه عــر التمــدد داخــل طبقــات املجتمــع ،ومخاطبــة أفرادهــا
علــى مختلــف مشــاربهم (عبي ـ�د ،فقــراء ،مضطهديــن ،مهمشــن)؛ مــن أجــل حثهــم علــى
اإليمــان باملعتقــد اجلديــد .ولعــل أكــر مــا مـ ّـز دعايــة هــذا املســعى (الدعايــة الديني ـ�ة)؛
توحدهــا مــع الظــروف االجتماعيــة لغالبي ـ�ة الســكان ،وتبنيهــا خلطــاب عاطفــي بســيط
ومفهــوم ،مرتكــز علــى فلســفة أخالقيــة روحانيـ�ة جتســدها حكايــات ومواعــظ رمزيــة ذات
اســتعارات مجازيــة بليغــة ،إضافــة إىل اعتمادهــا علــى شــخصيات كاريزميــة مقنعــة ومؤثرة
ً
تعــي مســبقا احتي�اجــات النــاس .وبرغــم غيــاب ســيطرة الدعايــة علــى املقــدرات االتصاليــة
ّ ّ
الســائدة آنــذاك ،إل أنهــا توجهــت حنــو اعتمــاد نمــط اتصــايل مباشــر (وجاهــي) ،قائــم علــى
تنظيــم جتمعــات وعظيــة تعتمــد التنقــل املســتمر ،لضمــان إيصــال رســالتها إىل أكــر عــدد
ً
معــان مبطنــة ،كرمــز الســمكة الــذي ٍ ممكــن مــن النــاس .كمــا اســتخدمت رمــوزا ذات
ً ً
جســد معــى يشــر إىل “املســيح” بوصفــه مخلصــا ومنقــذا ،وبالتــايل مالئمــة الرمــز لديانــة
ّ
ناشــئة اعتمــدت علــى املتطوعــن ،حيــث دل علــى مهمــة نشــر الديــن ،يف وقــت تعــرض
24
الدعايـــة :خلفيـة تاريخيــة
فيــه هــؤالء الضطهــاد الســلطات الروماني ـ�ة .فاملســيحيون أرادوا مــن خــال نقشــه علــى
اجلــدران واألشــجار أن يبعثــوا برســالة جماهرييــة تفيــد بزيــادة أعدادهــم وتعاظــم قوتهــم
( .)Dondis:1981باختصــار لقــد قامــت الدعايــة املســيحية خــال هــذا العصــر علــى اإلقنــاع،
حبيــث عكســت مفاهيــم دعويــة إجيابيـ�ة ترتبــط باخلــر واألخــاق ،خبــاف املعــاين الســلبي�ة
ً
الــي ســتتصف بهــا الحقــا.
ً
أوال :الدعاية خالل العصور الوسطى
حبلــول العصــور الوســطى ،وتمــدد الديانــة املســيحية يف أرجــاء كبــرة مــن القــارة
األوروبي ـ�ة ،أخــذ دور رجــال الديــن بالتعاظــم ،وبــدأت مالمــح االســتغالل الدعــايئ للديــن
ً
تتجلــى خدمــة ملصالــح دنيويــة نفعيــة مــا جعــل مفهــوم الدعايــة يت�دحــرج حنــو الســلبي�ة.
ً ّ
ولعــل احلمــات الصليبيــ�ة مــن أكــر األمثلــة وضوحــا علــى هــذا التحــول؛ فخــال
الســنوات الــي ســبقتها شــهدت أوروبــا حالــة مــن اخلالفــات املتداخلــة بــن الكنيســة
وبعــض الكيانــات امللكيــة واإلقطاعيــة ،أو حــى داخــل الكنيســة ذاتهــا ،ومــع دخــول
العــام 1095م كان مــن الفــوىض يف أوروبــا مــا يكفــي إلقنــاع “بابــا” الكنيســة الكاثوليكيــة
أوربــان الثــاين “ ”Urban IIاســتغالل مناشــدة اإلمرباطــور البزينطــي الكيســوس كومينــوس
“ ”Alexius Comnenusحمايــة املســيحية يف الشــرق ،مــن أجــل تنظيــم جتمــع كنيــي عــرف
باســم “ ،”Council of Clermontضــم شــخصيات مرموقــة وعامــة ،خاطبهــم فيــه عــن
“جرائــم” املســلمني حبــق املســيحيني ،بمــا يشــمل اغتصــاب النســاء ،ونهــب الكنائــس
وحتويلهــا إىل مســاجد ،كمــا تعمــد تقديــم وصــف دقيــق لتفاصيــل هــذه “الفظائــع” بغيــة
رفــع منســوب تأثريهــا العاطفــي؛ ليشــعل اللقــاء يف خاتمتــه حماســة (غوغائيـ�ة) لــن تنطفــأ
إال بانتهــاء احلــروب الصليبيــ�ة عــام 1291م (.)Jowett & O’Donnell:2012
ومــن اجلديــر ذكــره ،أن جهــود “البابــا” لــم تســتن�د علــى ركــزة أخالقيــة ،بــل علــى
مصالــح سياســية واقتصاديــة اكتســت رداء الديــن ،فالكنيســة الكاثوليكيــة رأت يف هــذه
احلمــات فرصــة مناســبة لنشــر عقيدتهــا يف فضــاء غريمتهــا التقليديــة األرثدوكســية،
أمــا ممالــك أوروبــا وأمــراء إقطاعهــا فحلمــوا بالــراء الــذي ســيعود عليهــم مــن الســيطرة
25
الفصل األول
أراض وأتبــ�اع جــدد ،يف حــن اعتربهــا أوربــان الثــاين فرصــة ملنــع احلــروب األهليــة
علــى ٍ
املحليــة عــر حتويــل الطاقــة العدواني ـ�ة الكامنــة لــدى فرســان ولصــوص أوروبــا وتوجيههــا
ّ
حنــو /أو تفريغهــا علــى غــر املســيحيني (تايلــور .)2000:ونســتخلص هنــا أن دعايــة احلروب
الصليبيـ�ة اســتن�دت علــى معرفــة مســبقة بالوضــع األورويب القائــم ،وســيادة لغــة املصالــح
فيــه ،كمــا وظفــت التحريــض املباشــر املغلــف بالكــذب إلشــعال جــذوة املواطنــن
والفالحــن ،ناهيــك عــن نرثهــا ملختلــف الوعــود الــي جســدتها مقــوالت أرض اللــن
والعســل ،وصكــوك الغفــران واخلــاص ،وغريهــا مــن الوعــود الــي المســت عواطــف
النــاس ،واســتغلتها لتجييشــهم كالقطعــان يف قضيــة خاســرة.
ويمكــن هنــا التطــرق إىل اجلوانــب االتصاليــة للدعايــة الصليبي ـ�ة يف مراحلهــا األوىل،
فهــي جتســدت يف رمــز الصليــب الــذي انتشــر علــى نطــاق واســع؛ ليعكــس تلــك الرغبــة يف
ً ً
االنتقــام ،ويــؤدي وظيفــة املثــر لعواطــف اجلماهــر واملوحــد لهــا ،مــا جعلــه إطــارا جامعــا،
(ذو داللــة ســيميائي�ة) ،يرتبــط بــكل مــا هــو مقــدس .كمــا تمثلــت يف اللقــاءات الشــعبي�ة
شــبه اليوميــة الــي نظمهــا الكهنــة والقساوســة ،إضافــة إىل التوزيــع اليــدوي للنشــرات
الدينيـ�ة املكتوبــة ،واملنحوتــات اخلشــبي�ة الــي صــورت املســلمني يدوســون علــى الصليــب
ّ
( .)Freemantle:1965ويالحــظ هنــا أن اســراتيجيات الدعايــة آنفــة الذكــر تأسســت علــى
قاعــدة اتصاليــة ميدانيـ�ة ،حتتــك باجلمهــور مباشــرة ،مــا جعلهــا شــديدة التأثــر ســواء علــى
مســتوى اكتســابها أو نقلهــا .ويف مرحلــة الحقــة مــن عمــر احلمــات أدت الــروح الصليبيـ�ة
ـال مرتبــط بالبطولة الراجئــة إىل شــيوع زهــو “الفروســية” بــن اجلماهــر ،بوصفهــا شــرف عـ ٍ
واإلقــدام .هــذه الصــورة املثاليــة جتســدت بهيئـ�ة اتصاليــة مثلتهــا القصائــد امللحميــة الــي
روجهــا الشــعراء الرحالــة خــال مرافقتهــم للمقاتلــن واحلجــاج يف طريقهــم حنــو الشــرق؛
فهــي وســيلة دعائيــ�ة تؤســس لفكــرة القتــال وخــوض احلــرب مــن أجــل قضيــة نبيلــة،
ُ
حبيــث صاغــت صــورة رومنطيقيــة لفــارس مثــايل ،واســتغلت لدعــوة الشــباب إىل إثب ـ�ات
ّ
جدارتهــم يف ميــدان القتــال واحلــرب .لذلــك فــإن مــن التأثــرات املرتتبــ�ة عــن صــورة
الفــارس الذهني ـ�ة ،دفــع املتحمســن إىل محاولــة تقمصهــا يف الواقــع احلقيقــي ،مــا جعلهــا
محــرك نفــي نشــط لتغذيــة جهــود الغــزو.
26
الدعايـــة :خلفيـة تاريخيــة
27
الفصل األول
الدعايــة املضــادة الــي بدأتهــا الكنيســة األرثدوكســية .ويف هــذا الصــدد يقــول دكــز
““ :”Dickensخــال العامــن 1520 - 1517م ،بيعــت مــن مطبوعــات لوثــر الثالثــن مــا يزيــد
ّ
عــن 300ألــف نســخة ،...وهــذا يعــي أنــه ألول مــرة يف التاريــخ اإلنســاين يتمكــن جمهــور
قــارئ مــن احلكــم علــى أفــكار ثــورة مــن خــال وســيلة اتصــال جماهرييــة وظفــت اللغــة
العاميــة بالتــوازي مــع فنــون الصحافــة والرســم” ( .)Dickens:1968إىل جانــب ذلــك عمــد
ً
لوثــر إىل تســخري أشــكال اتصــال إضافيــة ،رغبــة منــه يف ختطــي عقبــة األميــة املتفشــية،
واالســتفادة مــن قيمتهــا الرتفيهيــة ،فاســتغل القــوة العاطفيــة للموســيقى برتانيمهــا
الشــعبي�ة ،واســتعان بالعــروض املســرحية ،كمــا وظــف الرســوم املصــورة والكاريكاترييــة؛
بســبب قدرتهــا علــى التجســيد البصــري ،وســهولة ترجمــة معانيهــا وشــخصياتها.
باختصــار لقــد كان جلهــود لوثــر الدعائي ـ�ة ،ومــن تــاه مثــل جــون كالفــن “ ”John Calvinيف
سويســرا ،وجــون نوكــس “ ”John Knoxيف اســكوتلندا أكــر األثــر يف انتشــار أفــكار حركــة
اإلصــاح الديــي ،حبيــث حتولــت مــع مــرور الوقــت إىل عامــل دعــايئ مســرع ألعظــم أزمــة
يف تاريــخ الكنيســة الغربيــ�ة.
ً ً
وخــال القرنــن الســادس والســابع عشــر ،شــهدت الدعايــة حتــوال جوهريــا تمثــل
يف انتقالهــا مــن حالــة فرديــة إىل وضــع مؤسســايت ،أســهمت الكنيســة الكاثوليكيــة يف
وضــع لبنتـ�ه األوىل .ففــي العصــور الســابقة كانــت الدعايــة تعتمــد يف ختطيطهــا وتنفيذهــا
علــى أفــراد يتمتعــون بــذكاء فطــري ،وســيطرة سياســية واتصاليــة فعليــة ،كاإلســكندر
املقــدوين ويوليــوس قيصــر ،ولكــن الكنيســة الكاثوليكيــة عــر مواجهتهــا حلركــة اإلصــاح
أسســت لدعايــة موحــدة تمــزت بتن�اســق وتكامــل أذرعهــا ،واعتمادهــا -ألول مــرة -علــى
اإلعــداد والتأهيــل املســبق .فرجــل الديــن اجناتيــوس لويــا “ ،”Ignatius Loyolaأنشــأ
عــام 1543م جمعيــة اليســوعيني “ ،”Jesuitsالــي تمكنــت مــن إعــادة النمســا وأجــزاء مــن
بولنــدا للكاثوليكيــة ،يف حــن شــكل البابــا جريجــوري الثالــث عشــر “ ”Gregory XIIIيف العــام
1572م بعثــة ضمــت ثالثــة كرادلــة حتــت اســم “الدعايــة للعقيــدة ”De Propaganda Fide
ً
بهــدف نشــر العقيــدة الكاثوليكيــة يف املناطــق غــر املســيحية .الحقــا يف القــرن الســابع
ً
عشــر وحتديــدا عــام 1622م قــرر البابــا جريجــوري اخلامــس عشــر “ ”Gregory XVتوســيع
28
الدعايـــة :خلفيـة تاريخيــة
نطــاق أســاليب اليســوعيني عــر إنشــاءه إدارة اللجنــة املقدســة للرتويــج والدعايــة للعقيــدة
ُ
“ ،”Scara Congregation de Propaganda Fideكلفــت بمهمــة إحيــاء العقيــدة يف أوروبــا،
تلــى ذلــك خبمــس ســنوات تأســيس البابــا أوربــان الثامــن “ ”Urban VIIIلكليــة التهذيــب
“ ،”Collegium Urbanumوالــي حتــددت واجباتهــا يف تدريــب جيــل جديــد مــن الدعــاة علــى
األســاليب الــي يتعــن اتب�اعهــا يف نشــر العقيــدة بمــا يشــمل الســرية يف إنتـ�اج مــواد الدعاية
ويالحــظ أن املســلك الدعــايئ الــذي انتهجتــه هــذه املؤسســات أو توزيعهــا (ُ .)Fellows:1959
اعتمــد علــى التعليــم ،بمعــى جلــب النــاس إىل الكاثوليكيــة بشــكل طوعــي ،مــا منــح
ً
هامشــا لرجــال الديــن امليدانيــن تقديــر األســاليب املالئمــة لتحقيــق أهدافهــا .وبالنظــر
إىل مركزيــة االشــتغال والتوجيــه ،يمكــن اعتبــ�ار الكنيســة الكاثوليكيــة أول مــن أســس
للدعايــة جبوهرهــا احلديــث ،مــن خــال تشــديدها علــى مطلــب التحكــم يف اآلراء ،ومــن ثــم
علــى ســلوك األفــراد ،إضافــة إىل طرحهــا تعبــر جديــد يصــف ممارســات الســيطرة علــى
الــرأي العــام .ففــي البدايــة كان مصطلــح “الدعايــة” ُيســتخدم لإلشــارة إىل أي مؤسســة
ً
تعمــل علــى نشــر العقيــدة ،ثــم حتــول بعدهــا إىل وصــف العقيــدة ذاتهــا ،ليــدل أخــرا علــى
األســاليب املوظفــة لتغيــر اآلراء ونشــر العقيــدة (.)Cull et al.:2003
وتمدنــا حــرب الثالثــن ســنة (1648 - 1618م) بمعلومــات حــول اجلهــد الدعــايئ
الــذي بذلتــه القــوى الديني ـ�ة املتصارعــة مــن أجــل الســيطرة علــى الــرأي العــام لصاحلهــا،
فاحلــرب الــي شــملت كل أحنــاء ألمانيــ�ا وشــمال أوروبــا اتســمت باعتمادهــا يف نشــر
ً
مضمــون دعايتهــا علــى أشــكال اتصاليــة حديثــ�ة نســبي�ا كاملنشــورات ،والالفتــات،
والكتيبـ�ات ،وأوراق األخبــار ،وامللصقــات ،والرســوم ،والكاريكاتــر ،وغريهــا ،كمــا اســتفادت
ً
مــن تقنيـ�ة الطباعــة علــى األلــواح النحاســية ،مــا جعلهــا أكــر وضوحــا ودقــة .وعلــى الرغــم
ّ ّ
مــن اخنفــاض مســتوى اإللمــام بالقــراءة والكتابــة يف ذلــك الوقــت ،إل أن جميــع طبقــات
املجتمــع تعرضــت لهــذه الرســائل ،ســواء عــر وســيلة اتصاليــة معينـ�ة أو عــر عــدة وســائل
أخــرى وجاهيــة ( .)Jowett & O’Donnell:2012ولعــل مــا يثــر االنتبـ�اه هنــا هو االعتمــاد الكثيف
ّ
علــى النشــرات اإلخباريــة املطبوعــة يف عــرض وحشــية كل طــرف جتــاه اآلخــر ،مــا دل علــى
األهميــة الدعائي ـ�ة الــي حظــي بهمــا عامــا الوقــت واجلمهــور خــال تلــك الفــرة .وبهــذا
29
الفصل األول
اخلصــوص كتــب فيليــب تايلــور“ :لقــد أصبحــت الكراســات ذات الكتابــات القصــرة،
وذات اجلمــل قويــة الصياغــة واحلجــة الواضحــة ،واللغــة البســيطة ،مــن أجنــح وســائل
الصــراع األيديولــويج ،وأصبحــت أقــرب مــا يكــون لتوافــر نــوع مــن الدعايــة للجماهــر”
(تايلــور.)2000:
ولـــم تكتفـــي الكنيســـــة الكاثوليكيــــــة بانتهـــــاج اإلقنـــــاع كمبـــدأ للتغييـــــــر
والسيطــــرة ،بــــل توجهـــت حنــو دعـــم اإلجــراءات الرتهيبيــــة الــي كان ملحاكــــم
ً ً ً
التفتيــش دورا ميدانيــ�ا رئيســا فيهــا .فحــى العــام 1669م قامــت بطباعــة كتــاب
“خبائــث األشــرار ”Malle’s Male Ficarumألكــر مــن ثالثــن مــرة ،ووزعتــه علــى امتــداد
أوروبــا ،يف خطــوة تعكــس رغبتهــا املقصــودة للمزاوجــة بــن دعايــي الفعــل والرتهيــب.
ً
والكتــاب -الــذي حيــدد الصفــات الــي تؤهــل مــن يتســم بهــا أن حيــرق حيــا -وفــر املرجعيــة
الديني ـ�ة الالزمــة لشــرعنة املمارســات العقابي ـ�ة العنيفــة الــي نفذتهــا محاكــم التفتيــش
حبــق اإلصالحيــن الربوتســتانت ،كمــا أســهم يف نشــر الرعــب بــن النــاس لدفعهــم حنــو
الكاثوليكيــة علــى الرغــم مــن معارضــة اليســوعيني لــه لصالــح أســلوبهم املفضــل القائــم
علــى التعليــم ،وتعبئ ـ�ة عقــول النــاس باألقــوال العقائديــة املبســطة (.)Ibid
ً
ثاني�ا :الدعاية خالل القرن الثامن عشر
بانتهــاء حقبــة اإلصــاح الديــي ،دخلــت الدعايــة منعطــف جديــد مــن احليويــة
واإلقنــاع ،امتــد حــى نهايــة القــرن الثامــن عشــر ،فالقارتــن األوروبيــ�ة واألمريكيــة
شــهدتا موجــات متالحقــة مــن احلــروب األهليــة والثــورات الشــعبي�ة للمطالبــة باحلقــوق
واحلريــات املدنيــ�ة والسياســية ،ســاعد يف ذلــك انتشــار التعليــم ،وحتســن وســائل
املواصــات ،وانتشــار املطبعــة ،ومــا نتــج عنهــا مــن فيضــان هائــل لــكل أنــواع اإلقنــاع
املكتــوب واملصــور ( .)Jowett & O’Donnell:2012ولعــل التطــورات االجتماعيــة ،والكتابــات
رســخ مفهــوم الكيانــات الوطني ـ�ة ،إضافــة إىل زيــادة انغمــاس جمهــور العامــةالفكريــةّ ،وت ُ
يف احليــاة السياســية واألعمــال احلربيـ�ة ،أدت بمجملهــا إىل تعاظــم دور الدعايــة ،خاصــة يف
30
الدعايـــة :خلفيـة تاريخيــة
ً
املجالــن الثــوري والتحــرري ،لتتحــول تدريجيــا إىل ركــن أســاس مــن اســراتيجيات التغيــر
ً ّ
والتبشــر االجتماعــي والســيايس .وســنالحظ الحقــا أن غالبيـ�ة الصراعــات الرئيســة داخــل
املجتمــع قــد وفــرت للغرمــاء فرصــة ابتــكار وســائل تســاعد علــى نشــر رســائل الدعايــة ،أو
علــى األقــل احلــد منهــا ومواجهتهــا (.)O’Shaughnessy:2012
أ .الدعاية خالل احلرب األهلية اإلجنليـزية
خــال احلــرب األهليــة اإلجنلزييــة صــارت الدعايــة أداة ثوريــة للتغيــر تعــر عــن
المســاءلة والشــك، مواقــف شــعبي�ة حقيقيــة ،وتضــع بموجبهــا كل أنــواع الســلطة موضــع ُ
ً ً ً
لذلــك حــن شــن خصــوم امللــك تشــارلز األول “”Charles Iهجومــا دعائيــ�ا مكثفــا ضــده،
ً
“فإنهــم لــم يدافعــوا فقــط عــن حقوقهــم كمواطنــن إجنلــز ،بــل كانــوا أيضــا يطــورون
الدعايــة بوصفهــا قــوة حتريــر جديــدة” (تايلــور .)2000:فمنــذ حركــة اإلصــاح الديــي،
هيــأت تكنولوجيــا الطباعــة ،ومــا أفرزتــه مــن كتيب ـ�ات ومنشــورات وســيلة يســتطيع مــن
خاللهــا املقهــورون مهاجمــة قاهريهــم ،حبيــث بلغــت مــن القــوة درجــة أن فرضــت اســتجابة
مزدوجــة مــن جانــب الســلطات ،ســواء علــى شــكل دعايــة مضــادة ،أو قيــود رقابي ـ�ة (.)Ibid
ً
هــذا النــوع مــن االســتجابة الســلبي�ة شــكل يف جوهــره اعرتافــا بقــدرة الدعايــة الثوريــة علــى
ّ
التأثــر يف مؤسســة احلكــم ،خاصــة وأنهــا تبنــت شــعارات تدعــو إىل اإلصــاح ،واقتســام
الســلطة .لذلــك كان مــن الطبيعــي أن تنتهــي احلــرب األهليــة بظهــور مبــدأ حريــة الــرأي
والنشــر ضمــن حــدود األمــن القــويم ،كمــا كان مــن املنطقــي أن تتحــول املطبوعــات
ّ
إىل متنفــس للتعبــر عــن أفــكار واهتمامــات اجلماهــر؛ ســيما وأن أوليفــر كرومويــل
“ ”Oliver Cromwellكان قــد جنــح يف تأســيس دعايــة توحــد بــن املســارين امللكــي والربلمــاين
ً
بعكــس احلالــة الفرنســية الــي انتهــت ثورتهــا بــوأد امللكيــة تمامــا.
ب .الدعاية خالل الثورة األمريكية
ً ً ً
بدورهــا مثلــت الثــورة األمريكيــة صراعــا أيديولوجيــا حترريــا ضــد مســتعمر خــاريج،
نــزاع اجتماعــي داخلــي ،فاملســتعمرات
بعكــس احلالــة اإلجنلزييــة الــي أخــذت شــكل ٍ
الثــاث عشــرة تأثــرت علــى حنــو عميــق بأفــكار العديــد مــن املنظريــن األوروبيــن كجــون
31
الفصل األول
لــوك ،خاصــــة مطلــب ســيادة الشــعب ،وحقه اإلطاحــة بأي حكومــة ختفق يف كســب ثقته،
أو تفشــل يف اإليفاء بالزتاماتها .هذه األفكار املســتوردة هي اليت وضعت األســاس الفلســفي
ّ
لدعــوات وشــعارات االســتقالل الالحقــة عــن التــاج الربيطــاين ،ســيما وأن أطروحــات
عــدد مــن املنظريــن األمريكيــن مــن أمثــال تومــاس بايــن “ ”Thomas Paineوريتشــارد
ً
برايــس “ ،”Richard Priceكان لهــا أثــر دعــايئ فعــال جــدا يف حتريــض واســتدامة الثــورة
(.)Jowett & O’Donnell:2012
وتمــزت الدعايــة الثوريــة األمريكيــة بشــموليتها وتنــوع أســاليبها ،واعتمادهــا علــى
مهــارات بعــض القــادة ،مثــل :فرانكلــن وآدامز وواشــنطن وجيفرســون؛ كما تمحــورت حول
عــدة أهــداف خلصت بــن طياتها جميــع املمارســات الدعائي�ة (البيضاء والســوداء) ،ســواء
ً
تلــك املنفــذة ميداني ـ�ا ،أو عــر الصحــف والدوريــات وفنــون العالقــات العامــة .فبحســب
إحــدى األدبيـ�ات العلميــة ،قامــت الدعايــة األمريكيــة علــى خمــس ركائــز رئيســة ،تمثلــت
يف :تبريــر أهــداف الثــورة ،وإثــارة فعــل اجلماهــر مــن خــال بــث كراهيــة العــدو ،والرتكــز
علــى مزايــا جنــاح الثــورة ،وحتييــ�د األصــوات املعارضــة ،وطــرح القضايــا بشــكل مبســط
ً ّ
( .)Emery & Emery:1984وألن الثــورة كانــت نضــاال يف ســبي�ل كســب القلــوب والعقــول،
دأبــت الدعايــة األمريكيــة علــى اســتغالل أخطــاء الربيطانيــن ،عــر تضخيمهــا واملبالغــة يف
عــرض تفاصيلهــا ،كمــا اســتفادت مــن خصومــة بريطاني ـ�ا مــع عــدد مــن دول العالــم ،عــر
فتــح قنــوات عامــة ورســمية لتحصيــل دعــم مــادي ومعنــوي لقضيتهــا .وباملجمــل عكســت
الثــورة األمريكيــة تطــور الدعايــة ،حيــث كرســت ملبــدأ اســتغالل الــرأي العــام كــرأس مــال
اجتماعــي للتغيــر ،ورســخت ألهميــة الســاحات اخلارجيــة كأرضيــة إلطــاق عمــل دعــايئ
فعــال يســاند اجلهــد املحلــي ،كمــا أسســت لقاعــدة اخلطــاب الدعــايئ املوجــه حنــو جمهــور
اخلصــم ،ناهيــك عــن تثبيتهــا نهــج توزيــع األدوار يف الفعــل الدعــايئ املمنهــج.
32
الدعايـــة :خلفيـة تاريخيــة
33
الفصل األول
ّ
حــد بعيــد مــع مطالــب الثــوار
ضدهــا ،ســيما وأن أفــكار الثــورة األمريكيــة تطابقــت إىل ٍ
الفرنســيني ( .)Ibidهــذا األمــر وبالتــوازي مــع أخطــاء داخليــة أخــرى ،شــجع الثــوار علــى
تنفيــذ حمــات دعائيـ�ة ميدانيـ�ة تتجــاوز حالــة اإلطبــاق احلكــويم علــى وســائل االتصــال،
لتحتــك مباشــرة باجلمهــور دونمــا وســيط .فمــن أجــل تأليــب الشــعب واحلفــاظ علــى
جــذوة الثــورة مشــتعلة داخلــه ،نســق قــادة الثــورة جتمعــات ميدانيــ�ة منتظمــة ختللهــا
خطــب حتريضيــة ،وإطــاق أللعــاب ناريــة ،وحــرق ملجســمات تمثــل شــخصيات سياســية
ً
وارســتقراطية مكروهــة ،إضافــة إىل توظيفهــم للموســيقى رغبــة منهــم يف تأســيس روح
وطنيــ�ة جامعــة ومســتدامة ،كمــا برعــوا يف توظيــف الرمــوز الدعائيــ�ة كوســائل لنقــل
ً
وتوصيــل األفــكار املعقــدة بشــكل مبســط .فرمــز واحــد كمــا أشــار تايلــور “كان كفيــا أن يثري
ّ
مــن االنفعــاالت وأن حيــدد مــن الــوالءات مــا ال حيتاج إىل تفســر ،وإنمــا يولد الطاعــة وحدها،
فالعلــم ثــايث األلــوان (األبيــض واألحمــر واألزرق) ،والقلنســوة الفريجيــة ،Phrygian
ً
ومقابــض الفــؤوس الرومانيـ�ة ،كلهــا رمــوز مثلــت أفــكارا تدعــو للحريــة واملســاواة واإلخــاء”
( .)Taylor:1990وحبلــول العــام 1789م ،وإلقــاء القبــض علــى امللــك ،اســتطاعت الثــورة
ويعــد اقتحــام ســجن الباســتي�ل وهدم بعض املبــاين امللكية مــن األحداث تنصيــب أهدافهــا؛ ُ
الرمزيــة النموذجيــة الــي حملــت معــى دعــايئ مســتدام يشــر لنهايــة نظــام اســتب�دادي
(.)Jowett & O’Donnell:2012
د .الدعاية النابليوني�ة
بنهايــة القــرن الثامــن عشــر ،ســجل التاريــخ ظهــور أحــد أعظــم شــخصيات أوروبــا،
وأكرثهــا مهــارة وحنكــة علــى املســتوى الدعــايئ .فخــال حقبــة اإلمرباطــور الفرنــي نابليون
بونابــرت “ ”Napoleon Bonaparteبــدأت الدعايــة امتــاك مفهومهــا الوطــي الشــامل عــر
توظيفهــا للســيطرة والتحكــم يف كل منــايح احليــاة العامــة للدولــة .ونابليــون كان مــن أوائــل
ّ
الدعائيــن الذيــن أيقنــوا ضــرورة إقنــاع املجتمــع بــأن إرادة التضحيــة يف ســبي�ل اإلمرباطــور
ً
واألمــة أهــم بكثــر مــن حقــوق األفــراد أو حــى مصاحلهــم ( ،)Ibidوســباقا يف فهــم مكانــة
ً
الــرأي العــام ،وأهميــة دور املؤسســات يف تشــكيله ( ،)Boulan:2013كمــا كان واعيــا للحاجــة
إىل نظــام رقــايب صــارم ،يســيطر مــن خاللــه علــى حركــة تدفــق املعلومــات ،ويســاهم يف
34
الدعايـــة :خلفيـة تاريخيــة
جهــوده بنــ�اء فرنســا الــي أراد ،دونمــا عراقيــل أو انتقــادات .وعبقريــة نابليــون جتســدت
ً
أيضــا يف قدرتــه علــى ترجمــة أفــكاره الدعائي ـ�ة إىل خطــوات عمليــة ،يت�ابــع هــو بنفســه أدق
تفاصيلهــا؛ فالصحافــة بنظــره وســيلة شــديدة اخلطــورة ينبغــي للمــرء أن خيــاف منهــا أكــر
ّ
ممــا خيــاف مــن ألــف حربــة ،ويف هــذا يقــول“ :لــو أن ســمحت بصحافــة حــرة لمــا بقيــت أكــر
مــن ثالثــة أشــهر” (تايلــور .)2000:هــذا الفهــم لقــدرة الصحــف علــى التأثــر دفعــه جبانــب
تقليــص أعدادهــا إىل فــرض قوانــن تمنــع نشــر أي مــادة ال حتظــى بمصادقــة مســبقة ،كمــا
حفــزه ابتــكار مــا يشــبه نظريــة األجنــدة Agenda Settingيف حتديــد املوضوعــات الــي ينبغــي
للصحــف االهتمــام بهــا أو جتاهلهــا.
ـف نابليــون بالهيمنــة علــى الصحافــة ،بــل اجته للتحكــم يف مجــاالت اجتماعية ولــم يكتـ ِ
أخــرى ،كحركــة إنتــ�اج الكتــب ،وجهــود تدويــن التاريــخ ،واألنشــطة األدبيــ�ة والفنيــ�ة
ً
واملســرحية ،وحــى النظــام التعليــي والديــي برمتــه؛ إيمانــا منــه بأهميــة الصناعــة املبكــرة
ً ً
للــرأي العــام عوضــا عــن محاولــة تغيــره الحقــا ( .)Boulan:2013ولعــل أســلوب االســتفتاء
مــن األســلحة الداخليــة الــي تمدنــا بفهــم عملــي ملــدى جناعــة الدعايــة يف حتصيــل نت ـ�اجئ
مرغوبــة علــى املســتوى الوطــي؛ وذلــك عندمــا جنــح نابليــون يف احلصــول علــى أغلبيــ�ة
ً ً
شــعبي�ة ســاحقة تؤهلــه كــي يصبــح قنصــا مــدى احليــاة ،ثـ ّـم إمرباطــورا بعدهــا بعامــن.
وهنــا يشــار إىل اعتمــاد الدعايــة النابليونيـ�ة علــى الرمزيــة ،والطقــوس التمجيديــة بأبعادهــا
املثاليــة الطوباويــة ،مــع فهــم لدين�اميكيــات اجلمــع بــن القــوة والســلطة والدكتاتوريــة
العســكرية يف يــد واحــدة ،وهــي عناصــر ســتكرر نفســها خــال الـــ 150ســنة القادمــة
(.)O’Shaughnessy:2012
وضمــن ســياق توســع أدوارهــا خــال حكــم نابليــون ،شــهدت الدعايــة تطــورات
ً ُ
علــى صعيــد توظيفهــا خــارج حــدود فرنســا اجلغرافيــة ،كأداة ســتعرف الحقــا بمســميات
مختلفــة ،كاحلــرب النفســية أو العمليــات النفســية .وخــال حمالتــه العســكرية ومــا
ســبقهاَ ،عمــد نابليــون إىل زرع مــواد صحفيــة تؤيــد توجهاتــه يف عــدة صحــف أوروبيــ�ة،
خاصــة الناطقــة باإلجنلزييــة ،وأصــدر العديــد مــن الصحــف داخــل كيانــات خضعــت
ً
لــه ،كألماني ـ�ا ،كمــا أمــر بتوزيــع منشــورات داخــل املناطــق الــي خطــط الحتاللهــا الحقــا؛
35
الفصل األول
ّ
يف مســعى لكســب تأييــ�د ســكانها مــن خــال اللعــب علــى وتــر احلريــة ،ســيما وأن
االضطهــاد شــكل ممارســة سياســية يوميــة لــدى بعــض الكيانــات األوروبيــ�ة ،كإيطاليــا
ّ
( .)Thomson:1999ويتضــح هنــا أن الدعايــة العســكرية لــدى نابليــون اعتمــدت علــى
ً
منهجيــة منظمــة ،حبيــث هيــأت مســبقا لعملياتــه ،وســاندتها خــال وبعــد انتهائهــا ،كمــا
ً ً
عكســت هدفــا ضمنيــ�ا يف تصديــر أو اســتغالل أفــكار الثــورة الفرنســية خــارج حدودهــا.
ً
ثالثا :الدعاية خالل القرن التاسع عشر
بانتهــاء معركــة واترلــو عــام 1815م ،وســقوط نابليــون ،دخلــت الدعاية مرحلــة جديدة،
أســهمت التطــورات يف مجــاالت االتصــال واالقتصــاد والنقــل ،إضافــة إىل نمــو قــوة الــرأي
ً
العــام بــدور بــارز فيــه .فانطالقــا مــن الربــع الثــاين للقــرن التاســع عشــر شــهدت تكنولوجيــا
ً ً ً
االتصــال توســعا هائــا نتــج عنهــا زيــادة يف ســرعة انتشــار رســائل الدعايــة ،ومنــح فرصــا
جديــدة لصقلهــا كســاح شــامل ،حبيــث حتولــت مــع نهايــة القــرن إىل ركــن أســاس يف حيــاة
املجتمعــات احلديثـ�ة.
ّ
وألن قوتهــا تتعاظــم بتطــور وســائلها وقنواتهــا تأثــرت الدعايــة بالنقلــة الثوريــة الــي
ً
شــهدتها الصحــف ،بعــد ابتــكار األلمــاين Koenigللمطبعــة البخاريــة -الحقــا الكهربائيـ�ة،-
مــا أمكــن مــن إنتـ�اج ألــف نســخة يف الســاعة؛ لريتفــع الرقــم فيمــا بعــد إىل ثمانيـ�ة آالف بعــد
ً
أن ُوضعــت احلــروف علــى حامــل دائــري بــدال مــن املســطح .هــذه القفــزة أفضــت إىل نشــوء
صحافــة جماهرييــة يوميــة كثيفــة التوزيــع (صحافــة البنــس ،)Penny Pressتضاعــف
تأثريهــا الدعــايئ باســتخدام الصــور الفوتوغرافيــة إىل جانــب الكلمــات املطبوعــة؛ ســاعد يف
حتقيــق ذلــك اخــراع العالــم الفرنــي لويــس داجــر “ ”Louis Daguerreللتصويــر الضــويئ،
واســتحداث اإلجنلــزي وليــم تالبــوت “ ”William Talbotللطباعــة التصويريــة.
بــدوره أفــى انتشــار الســكك احلديدية إىل ســرعة توزيع وســائل الدعايــة كالصحف
واملجــات ،بينمــا أســفر اخــراع التلغــراف إىل مضاعفــة ســرعة نقــل املعلومــات مقارنــة مــع
وســائل أخــرى ،كاحلمــام الزاجــل وأجهــزة اإلشــارة اليدويــة ،Semaphoreكمــا أدى ربــط
36
الدعايـــة :خلفيـة تاريخيــة
القارتــن األوروبيـ�ة واألمريكيــة مــن خــال شــبكة لإلرســال واالســتقبال الربقـــي ،وظهــور
وكاالت األنب ـ�اء الكــرى كرويــرز ،إىل توســيع أنشــطة الدعايــة علــى مســتوى دويل ،بعــد أن
اقتصــرت علــى احلــدود املحليــة واإلقليميــة .هــذه التوســعات مجتمعــة أوجــدت ظاهــرة
تاريخيــة عرفــت باســم “جمهــور وســائل اإلعــام ”Mass Audience؛ فــأول مــرة يف تاريــخ
االتصــال توفــرت وســائل تســمح بنشــر املعلومــات علــى مجموعــات كبــرة وغــر متجانســة
ً
مــن اجلماهــر خــال وقــت قصــر نســبي�ا (.)Jowett & O’Donnell:2012
ّ
وأهميــة هــذه التطــورات للدعايــة أنهــا جتــاوزت مطلــي الســرعة واالتســاع ،لتدخــل
ً
يف صلــب قــدرة الوســيلة علــى الصعــود بهــا إىل مســتويات أكــر تعقيــدا .فوســائل اإلعــام
اجلماهرييــة خاصــة الصحــف بــدأت تكتســب هويتهــا املهني ـ�ة مــن خــال تنفيذهــا ألدوار
اجتماعيــة يف جمــع املعلومــات ونشــرها ،مــا منحهــا قــوة مؤثــرة بكونهــا ممــر لــكل أنــواع
الرســائل اإلقناعيــة ،وصانعــة لألفــكار واالجتاهــات؛ ســاهم يف ذلــك توفرهــا الدائــم،
وديمومتهــا الزمنيــ�ة ،واعتمــاد اجلماهري-خاصــة الطبقتــن الوســطى والعاملــة -عليهــا
يف مواكبــة التطــورات السياســية واالقتصاديــة .هــذا الــدور املقلــق بنظــر البعــض فجــر
مناقشــات حــول قدرتهــا الكامنــة واملحتملــة ،مدعومــة بفرضيــة تفاعــل اجلمهــور
ّ
واســتجابت�ه املتجانســة ألي حافــز يتعــرض لــه ،خاصــة وأن دراســات ســيكولوجيا االتصــال
اإلنســاين كانــت التــزال يف مهدهــا.
ومــع تنــ�ايم الدراســات االجتماعيــة ،وبــروز مفهوم“املجتمــع اجلماهــري
ً
،”Mass Societyأخــذت هــذه املناقشــات ُبعــدا آخــر ،إذ تنوعــت رؤيــة التي ـ�ارات الفكريــة
لــدور وســائل اإلعــام داخــل املجتمــع ،ترافــق ذلــك مــع تن ـ�ايم الدراســات األوروبي ـ�ة حــول
موضــوع الفــوىض االجتماعيــة ،وزيــادة احتماالت تفــكك املجتمع وتشــظيه .فالشــيوعيون
ً
واالشــراكيون مثــا اعتــروا وســائل اإلعــام أداة مــن أدوات النظــام الرأســمايل ،والــي تؤدي
باجلمهــور إىل حالــة مــن اخلمــول والبــادة ،تمنعــه مــن إدراك محنت ـ�ه احلقيقيــة يف كونــه
ُ
ضحيــة للرأســمالية ،بينمــا طــرح آخــرون فرضيــة تشــجيعها “للعــى الثقــايف” ،الــي تــريض
األذواق العامــة عنــد أدىن مســتوى ممكــن ،األمــر الــذي يعيــق محــاوالت الصعــود بإمكانــات
37
الفصل األول
البشــرية إىل أقــى طاقتهــا .لذلــك كان لهيمنــة االجتــاه الســليب حــول مفهــوم “املجتمــع
اجلماهــري” يف الدوائــر الفكريــة دور يف تن ـ�ايم محــاوالت الســيطرة علــى وســائل اإلعــام
اجلماهرييــة ،األمــر الــذي عــزز مــن فــرص الدعايــة علــى حنــو لــم يســبق لــه مثي ـ�ل .لذلــك
فاحلديــث عــن تطــور الدعايــة خــال القــرن العشــرين ســيتم عــر هــذا الســياق الفكــري،
كونهــا أسســت ملفاهيــم دعائيــ�ة جديــدة تت�أثــر بنوعيــة األنظمــة السياســية احلاكمــة،
ورؤيتهــا لــدور وســائل اإلعــام.
مــن زاويــة أخــرى أدى تطــور املؤسســات السياســية ،ومــا جنــم عنهــا مــن ممارســات
ديمقراطيــة إىل تن ـ�ايم اســتخدام الدعايــة .فقــد نتــج عــن زيــادة أعــداد النــاس ،وتعاظــم
اهتمامهــم باحليــاة السياســية أن حتولــوا إىل قــوة تأثــر ال يمكــن جتاهلهــا ،فحصــول
السياســيني علــى مراكزهــم أو بقائهــم فيهــا اعتمــد إىل حــد كبــر علــى تأييــ�د الناخبــن،
لهــذا بــرزت أهميــة االهتمــام بالــرأي العــام ،وضــرورة التأثــر فيــه بــكل الوســائل املتاحــة
ّ
(تايلــور .)2000:ويف هــذا الصــدد يشــر كوالــر “ ”Qualterإىل أن “أولئــك الذيــن لــم يتغــر
موقفهــم مــن دور الــرأي العــام يف السياســة ،وجــدوا مــن الضــروري تعلــم آليــات اإلقنــاع
الســليم بواســطة الدعايــة ،فمــع زيــادة عــدد الســكان ،وتوســع امتيــ�از حــق االنتخــاب،
ّ ً
صــار مــن املكلــف جــدا فعــل أي يشء آخــر” ( ،)Qualter:1962وهنــا نســتنتج أن االســتقرار
النســي الــذي ســاد القــرن أدى إىل تفاعــل أطــراف البيئـ�ة السياســية ،وبالتــايل ســمح لــدور
ً ّ
الدعايــة بالتمــدد ،ســيما وأنــه مكنهــا خلــع ردائهــا العســكري مؤقتــا ،وارتــداء ثــوب مــدين
ّ ً
يعتمــد التأثــر الناعــم ،لذلــك كان دور الصحــف محوريــا يف هــذا املضمــار ،خاصــة وأن إدراك
السياســيني املســبق ألهميــة الــرأي العــام وتنــوع أطيافــه تطلــب منهــم اعتمــاد جهــود
منســقة وموجهــة للتأثــر عليــه ،مــن خــال قــوى وســيطة تعمــل علــى تشــكيل االجتاهــات
العامــة.
وباحلديــث عــن القــوى الوســيطة ،فاحلريــة الــي توفــرت للصحــف خــال هــذا
القــرن ،مكنهــا مــن تأديــة دور الوســيط بــن الشــعب والســلطة ،وبالعكــس .وهــذا
ً
حتديــدا مــا أقلــق السياســيني ،حيــث اعتــادت الصحــف توجيــه ســهام نقدهــا للحكومــات
واألنظمــة القائمــة بصفتهــا ســلطة رابعــة .ونتيجــة لذلــك بــرزت محــاوالت حكوميــة
38
الدعايـــة :خلفيـة تاريخيــة
غــر مباشــرة للحــد مــن تأثريهــا ،ســواء عــر اســتمالتها لتصبــح قريب ـ�ة مــن توجهاتهــا ،أو
ً
عــر إطــاق صحــف رســمية تســعى لصناعــة تأثــر مضــاد ،القلــق أيضــا اتســع ليشــمل
املفكريــن خاصــة مــع زيــادة احتمــاالت التالعــب بالــرأي العــام مــن خــال أســاليب
ً
دعائيــ�ة جديــدة .فبحســب كوالــر “ال حيتكــم اجلمهــور تمامــا إىل املنطــق والعقــل،
ً
ولكنــه غالبــا مــا يتصــرف بنــ�اء علــى العاطفــة والغريــزة ،وهــذه بالتحديــد يمكــن أن
ً
تث ـ�ار عمــدا عــر توجيههــا بطريقــة تــؤدي يف نهايــة املطــاف إىل صناعــة اجتاهــات مرغوبــة
مــن قبــل اجلهــة املتالعبــة” ( .)Qualter:1962لهــذا ،بــدأت إرهاصــات اســتغالل البعــد
ً
العاطفــي للدعايــة تشــمل رجــال السياســية -الحقــا قــادة الــرأي -إىل جانــب وســائل
اإلعــام ،وهــو األمــر الــذي عــر عنــه الفيلســوف اإلجنلــزي الكبــر جراهــام واالس
ّ
“ ”Graham Wallasيف كتابــه “الطبيعــة اإلنســاني�ة يف السياســة” ،بقولــه “إن علــى اإلنســاني�ة
أن ختــى مــن تالعــب أولئــك السياســيني املحرتفــن يف الدافــع والفكــر الشــعيب”
(.)Wallas:1908
ّ
وألن الدعايــة تنشــط ضمــن ســياقات محــددة ،تعتــر احلربــان األهليــة األمريكيــة
والقــرم جتربتــن ميدانيتــن هامتــن نســتطيع مــن خاللهمــا رصــد تقــدم الدعايــة ،ســيما
ً ً ّ
وأن احلــروب لــم تعــد شــأنا حصريــا أو هوايــة لرجــال الدولــة واجلــراالت ،بــل صــارت
ً ً
همــا شــعبي�ا ،كونهــا تشــن باســمه ( .)Taylor:1990فظهــور املراســل احلــريب جعــل مــن
ّ ً ً
الدعايــة ســاحا مؤثــرا ،خاصــة وأن الصحــف اعتمــدت عليــه بكثافــة يف نقــل تفاصيــل
ً
حــرب القــرم ،دون االلتفــات إىل خطــورة مــا تنشــر أحيانــا ،األمــر الــذي أرق الســلطات
ً
الربيطاني ـ�ة ،ودفعهــا العتمــاد رقابــة عســكرية ،كان نابليــون أول مــن عمــل بهــا حتســبا مــن
ً
نشــر معلومــات قــد تكــون ذات فائــدة للعــدو ،أو خوفــا مــن طــرح حقائــق تن�اقــض روايتهــا
ً
أمــام جمهــور امتلــك رأيــا يف الشــؤون السياســية ،ويف ســلوك احلكومــة الــي تقــرر تلــك
السياســية .وعلــى اجلانــب اآلخــر مــن العالــم ،ســجلت احلــرب األهليــة األمريكيــة نزعــة
دعائي ـ�ة متن�اميــة ،قوامهــا تعمــد الصحــف تقديــم تقاريــر كاذبــة وملفقــة حبجــج مختلفــة
أبرزهــا احلفــاظ علــى الــروح املعنويــة للجمهــور .وبســبب انقســامها واصطفافهــا مــع
طــريف الــزاع ،ســاهمت الصحــف يف تأجيــج ونشــر الكراهيــة بــن الشــمال واجلنــوب،
39
الفصل األول
كمــا اشــتغلت بأســلوب افتقــد للوعــي والتخطيــط يف كثــر مــن املواضــع ،األمــر الــذي أضــر
بقضيتهــا أكــر ممــا أفادهــا.
وإذا كانــت جتربتــ�ا حــرب القــرم واحلــرب األهليــة األمريكيــة قــد بينــت للســلطات
ّ
أهميــة معاجلــة مســألة الرقابــة العســكرية بوصفهــا أداة مــن أدوات الدعايــة احلربيـ�ة ،فإن
ً
هاتــن التجربتــن قــد بينت ـ�ا للصحــف أيضــا ضــرورة االلــزام باملعايــر املهني ـ�ة يف تغطيتهــا
للحــرب .فاالهتمــام كان جيــب أن ينصــب حنــو ضمــان تكامــل إحســاس الســلطة والصحــف
ً
باملســؤولية وليــس تصادمهمــا ،كمــا كان يتعــن عليهمــا أن تتحــدا دعمــا للقضيــة ذاتهــا إذا
كان حلملــة الدعايــة القوميــة يف زمــن احلــرب أن تنجــح (.)Ibid
وخــال بقيــة القــرن اســتمرت الدعايــة بالتطــور ،ســواء مــن حيــث أســاليبها وقنواتها،
ً
أو مــن ناحيــة تقاطعهــا مــع علــوم أخــرى .فمثــا اســتفادت الدعايــة يف تعزيــز إمكاناتهــا
مــن “اإلعــان” ،باســتعارتها ألســاليب إقنــاع وحتفــز ســلوك املســتهلكني ،كمــا اســتفادت
مــن نمــو املجــات وقدرتهــا تشــكيل األجنــدة الشــعبي�ة .باختصــار ،عكــس القــرن التاســع
عشــر للتطــور الهائــل يف الدعايــة ،ومهــد الطريــق أمامهــا كــي تتحــول إىل علــم قائــم بذاتــه،
تتقاطــع داخلــه مجــاالت متنوعــة كعلــم االجتمــاع ،والنفــس ،والسياســة ،ودراســات
ّ
اإلعــام واجلمهــور وغريهــا .وألنهــا بــدأت بالــروز كقــوة حديثــ�ة خــال القــرن التاســع
ً
عشــر ،فقــد أصبحــت جــزءا ال يتجــزأ مــن احليــاة السياســية واالقتصاديــة واالجتماعيــة
يف القرن العشرين.
ً
رابعا :الدعاية خالل القرن العشرين
ً
تتبــع تطــور الدعايــة خــال القــرن العشــرين مــن املهــام الصعبــة ،إذ يتطلــب حصــرا
ملعظــم األدبيــ�ات العلميــة ذات العالقــة ،ودراســتها مــن منظــور األنظمــة السياســية
واأليديولوجيــة والثقافيــة والعلميــة الســائدة آنــذاك ،إىل جانــب مقاربتهــا مــن مداخــل
ّ
تكنولوجيــة وسوســيولوجية واتصاليــة .وألن جهدنــا يســتهدف تزويــد القــارئ بلمحــة
ُ
قصــرة عــن تطورهــا ،قررنــا تن ـ�اول الدعايــة خــال القــرن مــن زاويتــن فقــط ،تعــى األوىل
40
الدعايـــة :خلفيـة تاريخيــة
باملصطلــح ذاتــه ودور احلربــن العامليتــن األوىل والثاني ـ�ة يف ترســيخ اجتاهــه الســليب لــدى
اجلمهــور ،بينمــا تركــز الزاويــة الثانيـ�ة علــى التطــورات الــي شــهدتها تكنولوجيــا االتصــال
وأثــر ذلــك علــى الدعايــة.
أ .مصطلح الدعاية
ملعان ســلبي�ة .ويرد
شــهد القــرن العشــرين ســجاالت حــول الدعاية ،وأســباب اختاذهــا ٍ
ً
بعــض الباحثــن ظهــور مصطلــح “الدعايــة” إىل القــرن الســابع عشــر ،وحتديــدا فــرة بابوية
جريجــوري اخلامــس عشــر ،يف حــن نســبه البعض اآلخــر إىل البابــا جريجوري الثالث عشــر
خــال القــرن الســادس عشــر .وبغــض النظــر عــن تاريــخ بزوغــه ،جيــب التأكيــد علــى جــذور
املصطلــح الالتيني ـ�ة ،وارتب�اطــه حــى منتصــف القــرن الســادس عشــر بداللــة بيولوجيــة
تشــر إىل عمليــة التكاثــر لــدى النب�اتــات واحليوانــات ( .)Fellows:1959كمــا جيــب التأكيــد
علــى انتقالــه ابتـ�داء مــن منتصــف القــرن الســادس عشــر مــن معىن بيولــويج إىل ديــي ،ومن
اشــتغال مهمتــه نشــر الديــن فقط إىل اشــتغال منظم يســعى إىل تعديــل املعتنقــات الديني�ة
اخلاطئــة ،ومــن اعتماده علــى مهارات فرديــة إىل تعويله على التدريب والتأهيل املســبق(*).
وحبســب إحــدى الدراســات ،تــدرج مصطلــح “الدعايــة” مــن داللــة تشــر إىل أي
منظمــة تنشــأ بغــرض نشــر العقيــدة إىل إشــارة لألســاليب املســتخدمة يف نشــر العقيــدة
ّ
( .)Şutiu:2012والدعايــة هنــا أقــرب لوصــف إدوارد برينــز “ ”Edward Bernaysالــذي اعتــر أن
ً ً ً
“أي مجتمــع ســواء كان سياســيا أو ديني ـ�ا أو اجتماعيــا ،ويمتلــك معتقــدات معينـ�ة يســعى
إىل التعريــف بهــا والرتويــج لهــا ،ســواء بالكلمــة املنطوقــة أو املكتوبــة ،هــو مجتمــع يمــارس
ً
الدعايــة عمليــا” (.)Bernays:1928
ّ
وألن التبـ�دل يف املعــى مرتبــط بالتطــورات والتفاعــات األيديولوجيــة واالجتماعيــة،
تســببت جهــود الكنيســة الكاثوليكيــة يف حقــن املصطلــح بمدلــوالت ســلبي�ة .ويف هــذا
الشــأن ،نظــرت املجتمعــات الربوتســتانتي�ة إىل الدعايــة بســلبي�ة شــديدة الرتب�اطهــا
بمحــاوالت تعديــل قناعاتهــم الدينيــ�ة ( .)Fellows:1959فقــد أدى اســتخدام الكنيســة
جتــدر اإلشــارة هنــا ،أنــه وحــى بدايــة القــرن التاســع عشــر ،حافــظ املصطلــح علــى مفهــوم مؤســي إجيــايب غــر ســليب ،إذ (*)
عكــس إىل حــد كبــر ملهــام ديني ـ�ة تتعلــق بنشــر وتعديــل املعتقــدات.
41
الفصل األول
الكاثوليكيــة ألســاليب ملتويــة وعنيفــة لإلقنــاع بصحــة عقيدتهــا وأطروحاتهــا إىل فقــدان
مصطلــح “الدعايــة” ملعنــاه احليــادي ( .)O’Donnell & Jowett:2012ونالحــظ هنــا وجــود
ً
عالقــة بــن الدعايــة وفــرات التوتــر واالضطــراب الديــي ،الــي غالبــا مــا رافقهــا اســتخدام
للقــوة كمســار إقناعــي ،وهــو ارتب ـ�اط تســبب علــى مــا يب ـ�دو يف اكتســاء مصطلــح الدعايــة
ملدلــول اجتماعــي ســليب.
ً ً ً
وانطالقــا مــن منتصــف القــرن التاســع عشــر اكتســبت الدعايــة مدلــوال سياســيا
اســتمد جذوره من املمارســات الديني�ة .وحبســب أحــد القواميس اللغوية الغربيـ�ة الصادرة
عام 1843م ،اشــتقت الدعاية عن كلمة [نشــر اإليمان ،]Propagateوهو اشــتقاق ُيســتخدم
“يف اللغــة السياســية لإلشــارة إىل محاولــة اجلمعيــات الســرية نشــر مبــادئ ومعتقــدات
ترتعــب وتنفــر منهــا غالبي ـ�ة احلكومــات” ( .)Brande:1843وبالتدقيــق يف التعريــف نالحــظ
ّ
أن تصنيــف الدعايــة كممارســة ســرية ،حيظــى بداللــة ســلبي�ة لــدى احلكومــات ،دون أن
حيــدد التعريــف طبيعــة املمارســة وإذا مــا كانــت إجيابيـ�ة بنظــر الطــرف اآلخــر غــر احلكويم،
ّ
خاصــة وأنــه صــادر خــال فــرة شــهدت فيهــا بريطاني ـ�ا وأمريــكا وفرنســا حالــة مــن عــدم
االســتقرار الســيايس واالجتماعــي .وبالعمــوم ،تمتــع مصطلــح الدعاية خالل القرن التاســع
عشــر بداللتــن إجيابيـ�ة وســلبي�ة يف آن واحــد وذلك حبســب الســياق الســيايس واالجتماعي،
ً
إال أنــه عكــس معــى إجيابيــ�ا علــى املســتوى القامــويس .ويؤكــد ذلــك كتــاب “الدعايــة
واألخبــار” الــذي أشــار إىل ريق مصطلــح الدعايــة ،وانتمائــه للمفــردات الثقافيــة الســامية
الســائدة آنــذاك ،وأنــه حــى انــدالع احلــرب العامليــة األوىل دلــل علــى الوســائل الــي توظفهــا
طبقــة امللزتمــن بعقيــدة ديني ـ�ة أو فلســفة سياســية إلقنــاع غــر املؤمنــن أو غــر امللزتمــن
(.)Irwin:1936
االنتكاســة احلقيقيــة الــي تعــرض لهــا مصطلــح الدعايــة تعــود إىل زمــن احلــرب
ً
العامليــة األوىل ،إذ جســد ملحــاوالت التأثــر باســتخدام معلومــات ثبــت الحقــا زيــف
غالبيتهــا .وبالنســبة للمجتمعــات الــي عانــت مــن ويــات احلــرب ،ارتبطــت الدعايــة
باألنشــطة العســكرية ومحاولــة احلكومــات إقناعهــم جبــدوى املشــاركة يف احلــرب،
وهــي أنشــطة ومحــاوالت لــم تكــن مرغوبــة لــدى فئــات عديــدة ،كمــا لــم حتظــى
42
الدعايـــة :خلفيـة تاريخيــة
ّ
بإجمــاع شــعيب حقيقــي(*) .أضــف إىل ذلــك أن املجهــودات الــي حللــت ألرشــيف
الدعايــة فــور انتهــاء احلــرب كشــفت عــن ممارســات حكوميــة ملتويــة كنشــر
املعلومــات املزيفــة وتعمــد املبالغــة والتهويــل ،وهــو أمــر أســهمت الكثــر مــن املؤلفــات
ً
العلميــة يف ترســيخه الحقــا ،وبالتــايل تثبيــت املعــى الســليب للدعايــة لــدى اجلمهــور
( . )*() Fellows:1959ومــن أمثلــة تلــك املؤلفــات كتاب “أســاليب الدعايــة يف احلرب العاملية”
عــام 1927م ملؤلفــه هارولــد الســويل “ ،”Harold Lasswellوكتــاب “الكــذب يف زمــن احلــرب”
الصــادر عــام 1928م ملؤلفــه ارثــر بونســويب “ ،”Arthur Ponsonbyوكتــاب “نشــر فريوســات
الكراهيــة” عــام 1930م جلــورج فرييــك “ ،”George Viereckوكتــاب “دعايــة احللفــاء
وانهيــار اإلمرباطوريــة األلمانيــ�ة” عــام 1938م جلــورج برونــز “ ،”George Bruntzوكتــاب
ـكل مــن جايمــس مــوك وســيدريك الرســون “الكلمــات الــي فــازت باحلــرب” عــام 1939م لـ ٍ
“ ،”James Mock & Cedric Larsonوكتــاب “الدعايــة الوحشــية ”1919 - 1914ملؤلفــه
جايمــس مرغــن ريــد “ ”James Readالصــادر عــام 1941م ،وغريهــا الكثــر(*).
ويف ســياق متصــل ،أســهم الرتكــز علــى دراســة الدعايــة القادمــة مــن اخلــارج (دعايــة
اخلصــم) إىل ربــط املصطلــح باملمارســات الشــريرة ،وحصرهــا إىل حــد كبــر يف األنشــطة
ً
املعاديــة .فمثــا تركــزت األحبــاث واملؤلفــات خــال فــرة العشــريني�ات والثالثينيــ�ات
شهدت الواليات املتحدة حتركات مجتمعية رافضة للمشاركة يف احلرب ،قبل أن يقرر الرئيس ويلسون املشاركة. (*)
ً
بلغــت مجموعــة مكتب ـ�ة هارفــرد للكتــب والنشــرات اخلاصــة بدعايــة احلــرب العامليــة األوىل أربعــة وأربعــن مجلــدا مــن (*)
احلجــم الكبــر ،بمتوســط عناويــن يــراوح مــن أربعــن إىل خمســن يف كل منهــا.
نتيجــة للمفهــوم الســليب املكتســب عــن الدعايــة خــال احلــرب العامليــة األوىل ،ســعت العديــد مــن الــدول إىل جتنــب (*)
اســتخدام كلمــة الدعايــة ،فلــم تســتخدم الواليــات املتحــدة األمريكيــة وبريطانيــ�ا واحللفــاء يف احلــرب العامليــة الثانيــ�ة
ُ
املصطلــح ،إنمــا قامــت باســتب�داله بمصطلــح “إعــام” ،وأطلــق اســم وكاالت املعلومــات علــى الــوكاالت احلكوميــة للحلفــاء
الــي كانــت تمــارس الدعايــة ،فقــد اســتخدم األمريكيــون تعبــر احلــرب النفســية عنــد مهاجمــة العــدو ،أمــا اإلجنلــز فقــد
ّ
اســتخدموا تعبــر احلــرب السياســية ( .)Doob:1948وجتــدر اإلشــارة إىل أن مفهــوم الدعايــة خــال احلــرب العامليــة الثانيـ�ة
ً ً
مصاحبــا لألعمــال العســكرية ،ويف هــذا الصــدد يقــول (بارتلــت) ارتبــط حبــاالت احلــروب والطــوارئ ،بمعــى أنــه أخــذ ُبعــدا
ّ
إن احلــرب العامليــة األوىل والثــورة الروســية ســنة 1917م ،وثــورة هتلــر ســنة 1933م ،ثــم احلــرب العامليــة الثانيــ�ة ،وتطــور
ّ
احلــروب والثــورات منــذ ســنة 1944م يف الصــن ،الهنــد الصيني ـ�ة ،واجلزائــر ،واحلــرب البــاردة ،تعــد جميعهــا خطــوات يف
الدعايــة ،فــكل واحــدة مــن هــذه احلــروب والثــورات أدت إىل تنميــة الدعايــة العصريــة ،حيــث ازداد نموهــا يف كل حــرب ويف
كل ثــورة (مزاهــرة.)2012:
43
الفصل األول
علــى حتليــل الدعايــة األلماني ـ�ة خــال احلــرب العامليــة األوىل ،ثــم الدعايــة الشــيوعية أو
البلشــفية خــال الفــرة مــن 1919م إىل 1923م ،والدعايــة الفاشــية خــال الثالثينيـ�ات ،كما
ً ً
أفــردت اهتمامــا خاصــا بالدعايــة يف حقــل التعليــم خــال العشــريني�ات ( .)Ibidويالحــظ
هنــا قلــة االهتمــام بدراســة املمارســات الدعائيـ�ة الربيطانيـ�ة واألمريكيــة ،ربمــا لعــدم رغبــة
بعــض الهيئ ـ�ات العلميــة الغربي ـ�ة يف ربــط مصطلــح ذي داللــة ســلبي�ة مــن وجهــة نظرهــم
بمجهــودات تأثــر تعتربهــا إجيابي ـ�ة بســبب صدورهــا عــن حكومــات ودول تتبــع لهــا .وهــذا
ً
حبــد ذاتــه احنيــاز علــي ،ســتتضح معاملــه الحقــا عنــد تنـ�اول املســميات اجلديــدة الــي حلت
مــكان الدعايــة ،واجلــدول التــايل يوضــح اجتاهــات دراســة الدعايــة يف الواليــات املتحــدة
األمريكيــة خــال الفــرة مــن 1919م 1941 -م:
املصدر)Fellows:1959( :
وحبســب بي�انــات اجلــدول أعــاه يتبــن تصــدر االجتــاه الســليب ،كمــا يتضــح
اخنفاضــه خــال الفــرة الثالثــة ( )1941 - 1939يف مقابــل ارتفــاع لالجتــاه املحايــد .وهــو
مؤشــر يفيــد باستحســان البعــض للمصطلــح ال مــن زاويــة اجتــاه املعــى بــل مــن زاويــة
القــدرات والوســائل الــي يعــر عنهــا ،واحلاجــة الســتخدام الدعايــة كســاح إىل جانــب
األســلحة الماديــة خــال أوقــات األزمــات واحلــروب .ويؤكــد هــذا االســتنت�اج ،توظيــف
عــدة دول للدعايــة خــال احلــرب العامليــة األوىل مــن أجــل تشــجيع مجتمعاتهــا املحليــة
علــى الصمــود ،وحثهــم علــى املشــاركة يف املجهــود احلــريب ،إىل جانــب ترهيــب خصومهــم
وأعدائهــم ( .)Şutiu:2012ويالحــظ هنــا وجــود مســارين دالليــن للمصطلــح .فبالنســبة
للكثــر مــن الكيانــات السياســية جيــري تصنيــف الدعايــة كممارســة ســلبي�ة حــال صدورهــا
44
الدعايـــة :خلفيـة تاريخيــة
ُ
عــن خصــم باجتاههــا ،بينمــا تصنــف كفعــل محايــد أو إجيــايب حــال صدورهــا باجتــاه
ً ً
اخلصــم .ويرتتــب عــن الســابق عــدة مؤشــرات أهمهــا ارتبـ�اط اجتــاه الدعايــة ســلبا أو إجيابــا
بتقديــرات الســلطة ومــدى خدمتهــا لتطلعاتهــا وأهدافهــا .وبهــذا اخلصــوص ،ظهــرت
خــال احلــرب العامليــة األوىل هيئ ـ�ات متخصصــة يف العمــل الدعــايئ ،فأنشــأت بريطاني ـ�ا
مكتــب “الدعايــة احلربي ـ�ة” الــذي تمحــورت مهامــه يف توزيــع الرســائل املطبوعــة داخــل
ً
الــدول املحايــدة وداخــل مجتمــع عدوهــا اللــدود ألمانيــ�ا ذاتهــا .الحقــا أعــادت بريطانيــ�ا
تنظيــم مهــام مكتــب الدعايــة احلربيـ�ة لتنــئ “وزارة املعلومــات” عــام 1916م الــي اهتمــت
بالدعايــة املوجهــة إىل جماهــر العــدو ،كمــا أنشــأت “جلنــة أهــداف احلــرب الوطنيـ�ة” الــي
ركــزت علــى ممارســة الدعايــة داخــل بريطانيــ�ا .يف املقابــل أنشــأت احلكومــة األمريكيــة
“جلنــة املعلومــات العامــة” املعروفــة باســم جلنــة جريــل “ ،”Creelالــي وجهــت أنشــطتها
ً
حنــو الداخــل األمريكــي ،كمــا أنشــأت فرعــا للدعايــة داخــل اجليــش ،وبالتحديــد داخــل
شــعبة االســتخبارات العســكرية؛ ليكــون ذراعهــا الدعــايئ املوجــه للخــارج ،أمــا يف الشــرق
فقــد أســس االحتــاد الســوفييت بعــد انتهــاء الثــورة البلشــفية وزارة تتبــع للجنــة املركزيــة
للحــزب الشــيوعي “وزارة الدعايــة والتحريــض” ،هدفــت إىل تعليــم وترســيخ األيديولوجيــا
الشــيوعية داخــل املجتمعــات الســوفيتي�ة (.)*()Quayle et al.:2016
وباالنتقــال إىل احلــرب العامليــة الثاني ـ�ة جنــد تغلغــل النظــرة الســلبي�ة جتــاه الدعايــة
برغــم اســتخدامها كســاح رئيــس يف التأثــر .فاجلماهــر اعتربتهــا أداة مــن أدوات اخلــداع،
توظفهــا جهــات خفيــة مــن أجــل التالعــب بالعقــول والتأثــر يف األفــكار والتحكــم يف
الســلوك .هــذه النظــرة ترســخت أكــر خــال أحــداث ومحطــات احلــرب املختلفــة لتضــرب
ً
جبذورهــا عميقــا يف مخيــال اإلنســان إىل يومنــا هــذا .فاملصطلــح بــات يســتدعي إىل الذهــن
صــورة عــدو حيــاول اســتهداف الفكــر احلــر ويســعى إىل التحكــم يف حركــة تدفــق املعلومــات
لصاحلــه ،زاد الطــن بلــة إنشــاء ألمانيـ�ا النازيــة وزارة الدعايــة الــي ترأســها جوزيــف جوبلــز
“.”Joseph Goebbels
(*) حــى الفــرة الــي ســبقت نهايــة احلــرب العامليــة الثانيــ�ة ،نســتطيع التأكيــد علــى انتقــال الدعايــة مــن ســياق ديــي إىل
ً
عســكري ثــم الحقــا ســيايس ،خــال فــرة زمنيـ�ة ال تتجــاوز القرنــن ،ســببها انتقــال ســلطة القــوة داخــل املجتمع من الكنســية
إىل الدولــة .كمــا نســتنتج حتــول االجتــاه العــام حنــو الدعايــة مــن اإلجيابي ـ�ة إىل الســلبي�ة ،ألســباب تطرقنــا إليهــا باختصــار.
45
الفصل األول
ونتيجــة لذلــك قــررت العديــد مــن الــدول إحــال تســميات جديــدة تســتعيض بهــا
عــن مصطلــح “الدعايــة”؛ يف مســعى منهــا إىل جتنــب أي انتقــاد أو اتهــام ينطلــق مــن قاعــدة
توظيفهــا لنمــط اتصــايل مشــكوك يف حيــاده .وبهــذا اخلصــوص طفــى علــى الســطح
ً
مصطلــح “احلــرب النفســية” ،الــذي ظهــر حتديــدا خــال التحضــر إلنــزال “النورمنــدي”
عــام 1942م .واحلــرب النفســية هــي االســتخدام املخطــط للدعايــة يف املجهــود العســكري،
أو أنهــا العمليــة اخلوارزميــة اخلاصــة بالدعايــة العســكرية ،بمعــى أن كل مــا تغــر هــو
التســمية وســياق االســتخدام ،فاملصطلــح حصــر املمارســة الدعائيـ�ة يف اجليــش ويف أوقات
احلــرب فقــط ،دون أن يشــر إىل األنشــطة النفســية يف املجــال املــدين أو خــال فــرات
الســلم.
وتكشــف إحــدى املؤلفــات عــن تغليــف حكومــة الواليــات املتحــدة األمريكيــة
ألنشــطتها الدعائيــ�ة خــال احلــرب العامليــة الثانيــ�ة بمســميات بديلــة كنــوع مــن
التحايــل ،ومــن أمثلــة ذلــك تأسيســها وكاالت وأفــرع عديــدة بأســماء مختلفــة ال تــي
ً
ظاهريــا بــأي صلــة مــع الدعايــة ،مثــل مكتــب املعلومــات احلربيــ�ة ،ومكتــب اخلدمــات
االســراتيجية ،وفــرع احلــرب النفســية يف وزارة الدفــاع ،وقســم احلــرب اخلاصــة يف
ســاح البحريــة ،ومجلــس احلــرب االقتصاديــة ،ومكتــب الرقابــة ،وجلنــة االتصــال
الفدرالية...إلــخ .كل هــذه الهيئ ـ�ات مارســت األنشــطة الدعائي ـ�ة ســواء داخــل الواليــات
املتحــدة أو خارجهــا خــال احلــرب .وبانتهائهــا قامــت أمريــكا حبــل معظمهــا ،مــع إبقائهــا
علــى الفــرع النفــي داخــل اجليــش علــى حالــه ودمــج مكتــب اخلدمــات االســراتيجية
داخله-الدمــج تــم قبــل انتهــاء احلــرب بقليــل(*) .كمــا أنشــأت يف العــام 1953م وكالــة
املعلومــات األمريكيــة ( )USIAكــذراع دعائيــ�ة لهــا موجهــة للخــارج (.)Lilly:1951
ظــل مصطلــح “احلــرب النفســية” هــو الــدارج داخــل املؤسســة العســكرية األمريكيــة حــى انتهــاء احلــرب الكوريــة عــام (*)
،1950ليجــري بعدهــا البحــث عــن تســمية أخــرى تبتعــد عــن الداللــة العنيفــة الــي حملهــا االســم ،إضافــة إىل اإلشــكاالت
الــي صاحبــت صالحيــات اجلهــد النفــي ســواء بــن القطــاع العســكري مــن جهــة والقطــاع املــدين مــن جهــة أخــرى؛ لذلــك
ً
قــرر اجليــش أن مجهــود التأثــر الــذي سيســتخدم يف املعركــة سيشــار إليــه مــن اآلن فصاعــدا بـ”العمليــات النفســية”؛
ليؤســس وقتهــا لدائــرة كاملــة باســمها.
46
الدعايـــة :خلفيـة تاريخيــة
مــن ناحيــة أخــرى شــهدت الفــرة الــي ســبقت احلــرب العامليــة الثانيـ�ة وحــى بدايــة
ً
احلــرب البــاردة تشــابها بــن آراء العلمــاء والباحثــن حــول مدلــول الدعايــة .فالغالبيــ�ة
ً ً ً
اعتربهــا مجهــودا اتصاليــا خبيث ـ�ا ،وهــؤالء تأثــروا بت�داعيــات اســتخدامها خــال احلــروب
ويف الصراعــات السياســية واأليديولوجيــة الداخليــة واخلارجيــة الســائدة آنــذاك،
ً
ومنهــم هارولــد الســويل الــذي اعتربهــا أســلوبا إلدارة املواقــف اجلماعيــة أو التأثــر يف
ســلوك اإلنســان مــن خــال التالعــب بالرمــوز ( ،)Lasswell:1930ورائــد العالقــات العامــة
واإلعــان ادوارد برينــز الــذي وصفهــا بالوســيلة الــي تســتطيع مــن خاللهــا فئــة قليلــة
ً
مــن النــاس -حتكــم -املجتمــع فعليــا مــن التالعــب بالــرأي العــام ( ،)Bernays:1928ومنهــم
ً
أيضــا ليونــارد دوب “ ”Leonard Doobالــذي نظــر إليهــا كمحاولــة للتأثــر يف الشــخصية
ً
اإلنســاني�ة والتحكــم يف ســلوك األفــراد بهــدف حتقيــق غايــات مشــكوك فيهــا علميــا أو يف
قيمتهــا ملجتمــع مــا خــال حقبــة زمني ـ�ة معين ـ�ة ( .)Doob:1948أمــا الفرنــي ريتشــارد لبيــر
“ ”Richard La Piereفاعتربهــا وســيلة للهيمنــة عــر محاولتهــا دفــع األغلبي ـ�ة للتكيــف مــع
األقليــة املســيطرة ( ،)La Piere:1938بينمــا عرفهــا جوزيــف راوســك “ ”Joseph Roucekكجهــد
متعمــد للســيطرة علــى الســلوك وعلــى العالقــات داخــل املجموعــات االجتماعيــة مــن
خــال أســاليب تؤثــر علــى مشــاعر ومواقــف األفــراد الذيــن يشــكلون تلــك املجموعــات
( .)Roucek:1947وبرغــم تنــوع املداخــل الــي انطلــق منهــا العلمــاء والباحثــون يف حتديــد مفهوم
متفــق عليــه ،إال أنهــا باملجمــل رســخت لعــدد مــن اخلصائــص مــزت الدعايــة عــن غريهــا
مــن الظواهــر االجتماعيــة واالتصاليــة؛ فهــي متعمــدة ،وتســتن�د علــى التخطيــط ،وتوظــف
االســتماالت العاطفيــة أكثـــر مــن العقالنيــ�ة ،وتميــل إىل الســرية والتخفــي ،وتســعى
إىل تغيــر املواقــف واملعتقــدات أو حــث الســلوك ،كمــا ختــدم مصاحلهــا فقــط ال مصالــح
الفئــات املســتهدفة .وهنــا فـ ّـرق العلمــاء بــن الدعايــة والتعليــم ،فهــدف التعليــم يتلخــص
يف رغبت ـ�ه توســيع آفــاق اإلنســان عــر حقنــه بوجبــات علميــة متنوعــة صحيحــة وحياديــة
تنــي قدراتــه الفكريــة ،خبــاف الدعايــة الــي تســعى إىل تقليــص أو احلــد مــن قــدرة
األفــراد علــى بن ـ�اء تصــورات صحيحــة أو التفكــر بأســلوب نقــدي وموضوعــي .كمــا فرقــوا
بــن الدعايــة والعالقــات العامــة ،حبيــث تهــدف األوىل إىل خدمــة مصالــح راعيهــا فقــط عــر
التأثــر والتالعــب يف األفــراد بــأي وســيلة تراهــا ضروريــة ،بينمــا تهــدف العالقــات العامــة
47
الفصل األول
إىل إقامــة اتصــال ثنـ�ايئ بــن مؤسســة مــا واألفــراد ،قوامــه التفاهــم والقبــول والتعــاون عــر
أســلوب يعتمــد علــى الشــفافية والصراحــة والصــدق وبمــا خيــدم مصالــح جميــع األطــراف.
إضافــة لمــا ســبق مــز العلمــاء بــن الدعايــة واإلعــام ،يف كــون األخــر ذا وظيفــة
اجتماعيــة تنويريــة تعتمــد علــى نقــل املعلومــات الصحيحــة وتســمح بالرقابــة اجلماهرييــة
علــى أداء الســلطة ،يف حــن تعكــس الدعايــة ملحــاوالت الهيمنــة مــن خــال ســيطرتها علــى
حركــة تدفــق املعلومــات بشــكل خيــدم رؤى الســلطة ،وهــذه األخــرة أي الســيطرة هــي الــي
انطلــق منهــا العلمــاء يف تميــز وظائــف اإلعــام لــدى األنظمــة الديمقراطيــة والدكتاتوريــة.
وبدخــول حقبــة احلــرب البــاردة حافــظ مصطلــح الدعايــة علــى ســلبيت�ه املوروثــة،
ولــم يشــهد أي تغيــر أو تطــور باســتثن�اء بعــض املحــاوالت اجلــادة الــي تعمقــت يف
فهمــه بشــكل أســهم يف إثــراء دالالتــه ومعاني ـ�ه ،لعــل مــن أهمهــا وأكرثهــا حنكــة مســاهمة
ً ً ً
الفرنــي جــاك ايلــول “ ”Jacques Ellulيف اعتبــ�اره الدعايــة نشــاطا حياديــا وضروريــا يف
ً
جعــل أداء مؤسســات الدولــة احلديثـ�ة ممكنــا ( .)Tal & Gordon: 2016وبهــذا اخلصــوص لــم
ـف ايلــول باألبعــاد السياســية للدعايــة بــل أكــد علــى أبعادهــا االجتماعيــة ،وضرورتهــايكتـ ِ
يف املحافظــة علــى وحــدة واســتقرار املجتمــع .فالدعايــة اإلدماجيــة علــى ســبي�ل املثــال
تتوجــه حنــو دمــج األفــراد يف بيئتهــم االجتماعيــة مــن خــال إكســابهم املعتقــدات واألفــكار
ّ
املقبولــة داخــل املجتمــع ،وهــي هنــا شــبيهة بالدعايــة الســوفيتي�ة .واحلقيقــة أن ايلــول
ً ً
رفــض التصنيــف الــذي يعتــر الدعايــة نشــاطا سياســيا يقــوم علــى التحريــض فقــط
،Agitationبــل زاد عليهــا تصنيــف اجتماعــي يســعى إىل حتقيــق االندمــاج املجتمعــي
ً
،Integrationكمــا اعتــر الدعايــة نشــاطا يعتمــد علــى املنطــق Rationalبــذات القــدر الــذي
يعتمــد فيــه علــى العاطفــة .Irrationalوال تقــف مســاهماته عنــد هــذا احلــد ،بــل طــرح
ملفهــوم الدعايــة العاموديــة واألفقيــة ،Horizontal vs Verticalوأن انتشــار الدعايــة يتحقــق
بشــكل أفقــي ومــن داخــل حواضــن مجتمعيــة وال يكتفــي بهبوطــه مــن أعلــى إىل أســفل.
ً
ولعــل أفــكار ايلــول هــي الــي فتحــت البــاب واســعا ملقاربــة الدعايــة مــن مدخــل اجتماعــي،
ً
خاصــة مــع ظهــور مواقــع الشــبكات االجتماعيــة ،وهــو مــا ســنتن�اوله الحقــا يف الفصــول
القادمــة.
48
الدعايـــة :خلفيـة تاريخيــة
49
الفصل األول
ً
الدعايــة الســتغاللها واإلفــادة منهــا ،متجــاوزة بذلــك ســيطرة املؤسســات االجتماعيــة
التقليديــة كاألســرة واملدرســة وأماكــن العبــادة .وخــال القــرن العشــرين شــهد مســرح
االتصــال والدة وســائل جديــدة كالســينما والراديــو والتلفــاز وخطــوط الكابــل واألقمــار
ً ً ً
الصناعيــة وصــوال إىل شــبكة اإلنرتنــت ،وقــد ســبق ظهــور هــذه الوســائل انتشــارا كبــرا
ً
لألشــكال الورقيــة كالصحــف واملجــات والكتــب واملنشــورات .فمثــا اعتمــدت قطاعــات
جماهرييــة كبــرة علــى الصحــف كمصــدر أول للمعلومــات خــال احلربــن العامليتــن
األوىل والثانيــ�ة ،حيــث جــرى اســتغاللها بشــكل مكثــف كقنــاة لتمريــر رســائل الدعايــة،
ً ً
كمــا أدت الكتــب دورا محوريــا يف تشــكيل األفــكار واملواقــف الثقافيــة واالجتماعيــة،
ومنهــا مــا تســبب يف صراعــات سياســية أيديولوجيــة ،لــذا اعتــرت الكتــب أداة لتطويــر
أطروحــات متعمقــة تتجــاوز الرســائل العاديــة مــا جعلهــا واحــدة مــن أهــم وســائل الدعايــة
االســراتيجية .بــدوره غـ ّـر املذيــاع “الراديــو” مــن املمارســة الدعائي ـ�ة ،وجعــل مــن املمكــن
ً
إرســال رســائل تتخطــى احلــدود ومــن مســافات طويلــة جــدا دون احلاجــة إىل وجــود
مــادي .ويف هــذا الصــدد وصــف الزعيــم الشــيوعي فالديمــر أوليانــوف املعــروف بـ”لينــن”
الراديــو بأنــه “صحيفــة بــا ورق وبــا حــدود” ،وأنــه وســيلة واعــدة وهامــة إليصــال أفــكار
الشــيوعية إىل العمــال والفالحــن املشــتتني يف روســيا وأوروبــا وبــايق العالــم (.)Hale:1975
ومــع بدايــة احلــرب العامليــة الثاني ـ�ة امتلكــت العديــد مــن الــدول خلدمــة البــث اإلذاعــي
وصــل عددهــا إىل مــا يقــرب مــن 25دولــة ،ومــع توســع نطــاق احلــرب زادت علــى التــوازي
ً
أهميــة الراديــو يف تمريــر رســائل الدعايــة إىل مختلــف املجتمعــات .فمثــا أدخلــت محطــة
BBCالربيطاني ـ�ة مــا يقــرب مــن 23لغــة علــى خدمتهــا لتصــل مــع نهايــة احلــرب إىل 43
لغــة ،وبثــت حــوايل 78نشــرة إخباريــة يوميــة مفصلــة ،مــا جعلهــا الــذراع الدعــايئ األكــر
واألهــم لــدول احللفــاء .ويف الواليــات املتحــدة األمريكيــة قامــت احلكومــة باســتئجار
ً
خدمــات 12محطــة إذاعيــة حتــت إطــار عــرف الحقــا باســم “صــوت أمريــكا ،”VOA
وذلــك اســتجابة لتوصيــات صــادرة عــن مكتــب املعلومــات احلربيــ�ة .OWIوخــال
احلــرب خضعــت “صــوت أمريــكا” إلشــراف وحــدة العمليــات اخلارجيــة التابعــة ملكتــب
املعلومــات احلربيـ�ة ،وبنهايــة عــام 1943م وصــل عــدد موجــات البــث الصادرة عنهــا إىل ،36
50
الدعايـــة :خلفيـة تاريخيــة
ً
موزعــة علــى 46لغــة ،خصصــت 50ســاعة منهــا يوميــا لتن ـ�اول أخبــار وتطــورات احلــرب
(.)O’Donnell & Jowett:2012
وخــال العقــود الالحقــة ازدادت أهميــة الراديــو كأداة دعائيـ�ة ،وانضــم البــث اخلاريج
إىل ترســانة األســلحة الــي حتــرص الــدول علــى امتالكهــا واالهتمــام بهــا ،ســيما وأن احلــرب
البــاردة حتكمــت إىل حــد كبــر بدين�اميكيــات السياســة الدوليــة وتفاعالتهــا حــى نهايــة
القــرن .فمــن ناحيــة املعســكر الشرقـــي ،أدت ســيطرة الشــيوعيني علــى الصــن وحتــول
االحتــاد الســوفييت لقــوة عظــى إىل اتســاع موجــة البث اإلذاعــي الصــادرة عنهمــا وبمختلف
ً ً
اللغــات ،األمــر الــذي اعتربتــه الكتلــة الغربيــ�ة تهديــدا خطــرا علــى أمنهــا واســتقرارها.
ـرد علــى ذلــك ســعت العديــد مــن الــدول كألماني ـ�ا الغربي ـ�ة إىل توســيع نطــاق بثهــا ،كمــا وكـ ٍ
أسســت الواليــات املتحــدة إلذاعــات جديــدة مثــل إذاعــة أوروبــا احلــرة عــام 1951م ،وإذاعــة
احلريــة عــام 1953م ،وبنهايــة عقــد الســبعيني�ات حتــول الراديــو إىل الوســيلة األوىل يف مجال
الدعايــة اخلارجيــة.
ً
الحقــا أدى ظهــور التلفــاز إىل حتقيــق قفــزة اتصاليــة هائلــة اســتفادت منهــا الدعايــة.
ً
ومــع انطالقتــه ،اعتــر التلفــاز أداة محليــة للدعايــة ،لكنــه الحقــا حتــول إىل أداة عاملية خاصة
بعــد ظهــور خدمــات البــث الفضــايئ والكابــات .وأهميــة التلفــاز للدعايــة تمثــل يف الــدور
الــي باتــت تؤديــه الوســائط الــي تدمــج بــن الصــوت والصــورة يف التأثــر علــى جمهــور
املتلقــن ،وقدرتهــا علــى حتفــز توحــد املشــاهد مــع املوضوعــات الــي يتعــرض لهــا ،إضافــة
ـان وقيــم معينـ�ة ،وهــذه األخــرة هــي الــي جعلــت مــن الدعايــة أداة إىل إثارتهــا إحيــاءات ومعـ ٍ
ّ
مــن أدوات االخــراق والهيمنــة الثقافيــة ،خاصــة وأن انتشــار التلفــاز يف دول العالــم الثالــث
ً
تتطلــب توفــر برامــج إلشــباع احلاجــات اجلماهرييــة املزتايــدة ،مــا أدى الحقــا إىل حتولــه
لوســيلة غــرس غــر مباشــرة ،يــزرع يف العقــول مــا شــاء دون مواجهــة جديــة .ولعــل خطــورة
ً
التلفــاز دعائي ـ�ا تأطــره للواقــع بشــكل مقصــود ،وأخــذه بعــض اجلوانــب وجتاهــل أخــرى،
مــا جعلــه جهــاز اتصــال ال تواصــل .ويــورد عالــم االجتمــاع بيــر بورديــو “”Pierre Bourdieu
ّ
أن اســتخدامات التكنولوجيــا ليســت محايــدة ،وفيمــا يتعلــق بتكنولوجيــا االتصــاالت
واملعلومــات فــإن التوظيــف واملضمــون األيديولــويج لهــا جيــد أوضــح مثــال لــه يف الــدور
51
الفصل األول
الــذي يلعبــه التلفزيــون ،حيــث ال يقتصــر دوره اخلطــر علــى التأثــر املباشــر يف املشــاهدين
ولكــن يمتــد إىل مجــاالت اإلنتــ�اج الثقــايف برمتهــا (بروديــو .)2004:ومــن االســتفادة الــي
ً
قدمهــا التلفاز-خبــاف بلوغــه لعظــم الفئــات اجلماهرييــة تقريب ـ�ا -تطويــره لألســاليب
املســتخدمة للتأثــر يف األفــراد .وبعــد أن اعتمــدت الدعايــة لســنوات علــى حاســي الســمع
ً
والبصــر منفردتــن ،اســتطاع التلفــاز دمجهمــا معــا ،وبذلــك صــارت الدعايــة مطالبــة
بتطويــر أســاليب تراعــي التطــور اجلديــد ،وتدمــج بــن الصــوت والصــورة بطريقــة تســمح
بالتأثــر يف اجلوانــب الالشــعورية لإلنســان .باختصــار يعتــر التلفــاز مــن أكــر وســائل
ً
الدعايــة تأثــرا خــال النصــف الثــاين مــن القــرن العشــرين؛ لقدرتــه علــى بــث رســائل
دعائيــ�ة بأســاليب إقناعيــة عاليــة ،وحتقيقــه اســتجابة عاليــة عنــد الفئــات املســتهدفة،
كمــا تعلــق رســائله يف ذهــن املتلقــي لفــرات طويلــة ،األمــر الــذي يمنــح جهــة الدعايــة
ً
الفرصــة الســتدعائها مجــددا.
ومــع اقــراب نهايــة القــرن العشــرين ،أطلــت وســيلة ثوريــة جديــدة قلبــت موازيــن
ً
الدعايــة التقليديــة رأســا علــى عقــب .فبحلــول العقــد األخــر ظهــرت شــبكة اإلنرتنــت
كأحــد وســائل االتصــال احلديثـ�ة ،وبســببها ختطــت الدعايــة احلــدود اجلغرافيــة ،ووصلت
رســائلها إىل جماهــر لــم تكــن متاحــة يف الســابق .ومــا يمــز اإلنرتنــت أنــه جمــع كل الوســائل
ً
الــي اســتخدمتها الدعايــة ســابقا ،ومزجهــا يف بوتقــة واحــدة؛ لتصبــح مقــروءة ومســموعة
ً
ومرئيـ�ة يف آن واحــد .عــاوة علــى ذلــك ،أســهم اإلنرتنــت يف ظهــور العديــد مــن املواقــع الــي
ينشــط فيهــا املســتخدمون ،مثل مواقع الشــبكات االجتماعيــة ،ومواقع مشــاركة املحتوى،
واملدونــات ،وهــي بمجموعهــا غــرت مــن طبيعــة العمليــة االتصاليــة ،وصــار املســتخدم
ً
عرضــة للرســائل الدعائي ـ�ة بشــكل مباشــر ومكثــف ،ودون أي مخــاوف تتعلــق باحلظــر أو
التشــويش أو الرقابــة والتتبــع .لكــن التأثــر األكــر لإلنرتنــت لــم يرتبــط بإمكاناتــه كوســيلة
فقــط ،بــل يف زعزعتــه للقواعــد الــي تأسســت عليهــا الدعايــة لعقــود طويلــة .وحبســب
اوشــنيس حتولت الدعاية بســبب اإلنرتنت من وســيلة للتأثري يف الناس إىل وسيلة بي�د الناس
(.)O’Shaughnessy:2012
52
الدعايـــة :خلفيـة تاريخيــة
واملقصــود هنــا أن الدعايــة لــم تعــد أداة حصريــة بيــ�د فئــة عليــا متحكمــة ،بــل
أصبحــت أداة للــكل اجلماهــري ،يســتطيع أي فــرد مزاولتهــا وتنفيذهــا دون احلاجــة إىل
توفــر إمكانــات عاليــة ،لــم تكــن موجــودة لــوال ظهــور اإلنرتنــت.
ً
وأخــرا ،تاريــخ الدعايــة هــو تاريــخ تكنولوجيــا االتصــال ،وكل تطــور علــى صعيــد
ً ً
الوســائل ســيجلب معــه بالتأكيــد تطــورا ومنفعــة للدعايــة ،فهــي لــن تتــواىن يف تســخري كل
مــا هــو متــاح لتحقيــق أهدافهــا.
خاتمة الفصل
يتضــح مــن خــال عرضنــا املوجــز ارتب ـ�اط الدعايــة بمختلــف األنشــطة اإلنســاني�ة
ّ
ســواء الفــردي منهــا أو اجلماعــي ،وإن حقيقتهــا التاريخيــة بعيــدة كل البعــد عــن الســلبي�ة
الــي ُدمغــت بهــا يف أزمنــة الحقــة ،فالدوافــع واألهــداف ًأيــا كان منبعهــا هــي املســؤولة عــن
الوجهــة أو الســمت الــذي تتخــذه الدعايــة خــال محاولتهــا التأثــر يف أفــكار وســلوكيات
ُ ّ
خدمت ّإمــاالفئــات املســتهدفة .ومــا يؤكــد اســتنت�اجنا؛ أنهــا وعلــى مــر العصــور اســت ِ
لإلقنــاع ،أو الرتهيــب والتخويــف ،أو تدمــر املعنويــات ،أو تغيــر األفــكار ،أو حــث الســلوك،
ً
أو االحتــواء واإلدمــاج ...إلــخ .أيضــا اســتفادت الدعايــة مــن جميــع أشــكال االتصــال،
ً
واختــذت منهــا ممــرات لتحقيــق أهدافهــا ،بــدءا مــن االتصــال الوجاهــي ثــم األيقــوين ثــم
ً
املطبــوع واملكتــوب وصــوال إىل املســموع واملــريئ .وكمــا اتضــح ،لــم تقتصــر الدعايــة علــى
حقــل محــدد ،بــل نشــطت يف املجــاالت السياســية واالجتماعيــة والدينيــ�ة والعســكرية
والثقافيــة ،وهــو أمــر يؤكــد جوهرهــا األصيــل بوصفهــا نشــاط اتصــايل نابــع مــن رغبــة
ً
بشــرية للتأثــر يف اآلخريــن .وأخــرا ،يعــرض اجلــزء القــادم تطــورات الدعايــة خــال القــرن
احلــادي والعشــرين ،ومــدى تأثــر األشــكال االتصاليــة احلديثــ�ة يف قواعدهــا وأسســها
البنيويــة.
53
54
الفصل الثانـي
55
الفصل الثاين
ً
أوال :الدعاية املركزيــــة
ً
ثاني�ا :الدعاية والتحول باجتاه الالمركزية
ً
ثالثا :اجلمهور الفاعل الدعايئ اجلديد
ً
رابعا :الدعاية من العمودية إىل األفقية
ً
خامسا :تطور بن�اء الرسالة الدعائي�ة
ً
سادسا :سرعة انتشار الدعاية
56
تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية
لعقود طويلة ،ظلت األجزاء املكونة ملفهوم الدعاية ثابت�ة ال تتغري ،سواء من حيث
عمدية تنفيذها ،وخضوعها ملركزية التنظيم والتخطيط ،أو اقتصار ممارستها على جهات
ذات إمكانات حتكم وسيطرة لوجستي�ة ومالية عالية ،كالدول واألحزاب واملؤسسات
ّ
العمالقة .ويف حني بقيت األهداف والبىن األساسية متشابهة ،إال أن إنت�اج الدعاية
وتقني�ات نشرها تغري بصورة ملحوظة خالل اآلونة األخرية .فقد أدى ظهور شبكة اإلنرتنت،
وما رافقها من حرية على صعيد استخدامها ،إىل بروز مفهوم اإلنت�اج “الذايت” للدعاية.
فالشكل الكالسيكي لها خضع الحتكار جهات ُمتحكمة ،ولكن تكنولوجيا االتصال احلديث�ة،
وما أفرزته من أشكال رقمية أخلت بهذه املعادلة ،حبيث منحت األفراد سلطة إنت�اج ورعاية
حمالتهم الدعائي�ة اخلاصة ،متجاوزين بذلك حدود الرقابة والسيطرة التقليدية.
وعلى امتداد القرن العشرين اتصفت الدول بقدرتها على التحكم بساحتني،
احتكارها للقوة المادية ،وسيطرتها شبه الكاملة على حركة تدفق املعلومات .بدورها
ً ً
أوجدت التكنولوجيا الرقمية طريقا مغايرا ،فهي سمحت بالتواصل خارج إطار التسلسل
ً ً
الهريم التقليدي لالتصال ،ما أحدث انقالبا مفاهيميا باالنتقال من حالة اتصالية مركزية
إىل حالة ال مركزية أكرث عشوائي�ة .هذا االنقالب أثر يف الدعاية خاصة يف مجاالت إنت�اجها
واستهالكها ،أو حىت يف نطاق انتشارها ودرجة تأثريها .وعلى هذا النحو قد يكون اإلنرتنت
اخلط النهايئ الذي بلغته الدعاية يف وقتن�ا احلاضر.
هذا املسار اجلديد للدعاية خيتلف إىل حد كبري عن األشكال التقليدية يف العديد
من األوجه .فهو جيري على مسرح رقيم ال حتكمه ضوابط أو قوانني ،وتت�داخل فيه
العوالم احلقيقية واالفرتاضية ،ويدمج بني اجلهدين البشري واحلاسويب ،كما يستغل
57
الفصل الثاين
ً
قدرات الفروع العلمية األخرى؛ إلنت�اج أنواع جديدة كليا ،كالدعاية التشاركية ،ودعاية
الذكاء االصطناعي ،ودعاية االستهداف املخصص ،ودعاية اخلوارزميات ،وغريها من
تكنولوجيات تأثري ما بعد احلداثة .ويف هذا الصدد يقول اوشنيس“ :تاريخ الدعاية
ً
سيصبح تاريخا لتكنولوجيا االتصال .فظواهر مثل YouTube، Facebook، Twitter،
ً
،WhatsAppوغريها ،...تمثل طرقا لتقوية الدور الشخيص لألفراد يف حروب التأثري ،لهذا
ّ
فالدعاية لن تعود كالسابق” .وهنا يمكن االستنت�اج أن دور األفراد واجلماعات الهامشية
أو املضطهدة يف مجال الدعاية ،حتول من كونهم ضحايا لها ،إىل مشاركني فاعلني فيها
(.)O’Shaughnessy:2012
ّ
وبتفحص ما سبق يتضح أن تكنولوجيا االتصال أوجدت ما يتعدى العوملة ،وأفضت
إىل نشوء دعاية أكرث خطورة ،واليت من شأنها أن تفكك احلدود السياسية واالجتماعية،
ً ً
وأن تتجاوز قدرات الدول على مواجهتها .فأي تطور قد ال يصحب معه وجها حسنا فقط،
واإلنرتنت ليس استثن�اء .فالتكنولوجيا اليت مكنتن�ا من إجياد “قرية عاملية” يتواصل الناس
ً
من خاللها بطريقة مفتوحة ومجاني�ة ،تتجاوز عوائق العرق والطبقية ،جلبت معها أيضا
ً ً ً
عالما سفليا مظلما ،وشبكة متشعبة غري متحكم بها ،تعج بالدعاية ،والكراهية ،وغريها
من السلوكيات السلبي�ة .ويقول كريستوفر ساجن ““ :”Christopher Sungملواقع الشبكات
ً ً
االجتماعية جانب�ا شديد الظلمة ،فبعيدا عن كونها أداة طوباوية للحقيقة والديمقراطية
ً ً
والعدالة االجتماعية ،هي أيضا أداة بي�د أصحاب األجندات اخلفية ،وملعبا ملحاوالت
خبيث�ة لتضليل الناس ،وتشجيعهم على االعتقاد والتصرف بطرق معين�ة ،كما يمكن لها أن
ً
تأد النقاش ،وتضخم اخلالفات ،فهي ال تشجع دوما على التسامح ،أو استيعاب أصحاب
املعتقدات واآلراء املغايرة لوجهات نظرنا” ( .)Sung:2015باختصار غريت مواقع الشبكات
االجتماعية من طبيعة الدعاية ،حيث أضافت طبقة جديدة من التعقيدات على ساحتها،
ً
فالولوج شبه العاليم للبيئ�ة الشبكية منح فرصا المتن�اهية لتنفيذ حمالت دعائي�ة متنوعة،
هدفها يف الغالب التأثري على األحداث بمجاليها المادي واملعريف.
ومع إدراك خطورة مواقع الشبكات االجتماعية وإمكاناتها الكامنة ،أخذ االهتمام
ً
بهذا املجال ُبعدا آخر ،حبيث حتولت النظرة من كونها أداة تواصل إىل بيئ�ة ُيمكن استثمارها
58
تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية
لتحقيق أهداف سياسية وأمني�ة وعسكرية دعائي�ة .هذه الرؤية ألقت بظاللها على أرض
ً
الواقع ،ووجدت من يرتجمها إىل ممارسة تنفيذية فعلية .فمع حاالت بعينها نراها ساحة
ً ً
للدبلوماسية الرقمية ،ومع أخرى مسرحا للحرب السيرباني�ة ،أو حىت ذراعا للعمليات
ّ
املعلوماتي�ة .واحلقيقة أن هذه اجلهود ما هي إال تعبري عن عهد جديد تمازجت فيها
الدعاية مع سمات التكنولوجيا احلديث�ة ،وتطورات مظاهر الصراع الدويل ،حبيث أوجدت
لنفسها مساحة اشتغال إضافية تساعد يف حتقيق أهداف ورغبات مشغلها .ويف هذا
املضمار كشف التوظيف الدعايئ ملواقع الشبكات االجتماعية عن أشكال وممارسات
حديث�ة لم تكن مألوفة يف السابق ،فالعديد من الدراسات واألحباث العاملية رصدت
لقاعدة عريضة منها ،كالتصيد ،والتالعب باخلوارزميات ،والقرصنة ،واإلطباق على
الوسوم ،واالنتحال ،والروبوتات االجتماعية ،وغريها الكثري .هذه األشكال واملمارسات
كان لها العديد من التداعيات السياسية واالجتماعية واالقتصادية حول العالم ال يتسع
ً ّ
املجال لذكرها ،وحيث إن الفصل احلايل يهتم برصد تطورات الدعاية ،فهو يسعى أيضا
إىل استعراض أهم التغريات اليت خضعت لها بظهور مواقع الشبكات االجتماعية.
ً
أوال :الدعاية املركزية
تعترب الدعاية عملية مخططة وموجهة لصناعة الواقع أو التأثري فيه ،وتشرف عليها
فئات عليا تتمتع بإمكاني�ات لوجستي�ة وتقني�ة فائقة ،كالدول واحلكومات واملؤسسات
السياسية والعسكرية ،أو حىت الشركات االقتصادية والتجارية العمالقة .وصناعة
الواقع عملية معقدة ،تتطلب مقومات أهمها تمكني مبدأ التحكم املركزي ،وهو أحد
أهم شروط الدعاية بصيغتها التقليدية .والتحكم ببساطة يعين السيطرة املطلقة
على قنوات االتصال ،ومنع أي جهة من امتالك وسائل خاصة بها ،تمنحها فرصة
التحرر من سطوة اخلطاب الواحد لصالح آخر مخالف أو مضاد .وتتخذ السيطرة
ً
االتصالية أشكاال متعددة ،كتأسيس وسائل إعالم مملوكة للدولة ،أو إقامة مؤسسات
إعالمية كأدوات شبه حكومية ،أو إطالق حمالت عالقات عامة وإعالن ،أو جتني�د
الصحفيني...إلخ.
59
الفصل الثاين
تشــر بعــض املؤسســات إىل تزايــد مركــزة وســائل اإلعــام يف الواليــات املتحــدة ،وحبســب مجلــة :Business Insiderحبلــول (*)
عــام ،2012اســتحوذت 6مؤسســات علــى مــا نســبت�ه 90%مــن وســائل اإلعــام األمريكيــة ،باملقارنــة مــع 50مؤسســة يف
عــام .1983
60
تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية
ً ً
أدوات الهيمنة من خالل ضبط حركة معلوماتها املوجهة إىل اجلمهور .فنادرا ما جتد أخبارا
ً
تتعارض مع مصالح الدولة أو النخبة اليت حتكمها ،ومن النادر أيضا الوقوع على معلومات
ً
تشكل أساسا لوعي جماهريي يمكن أن يهدد استمرار أو استقرار الطبقة احلاكمة .وما
ً
سبق يشار إليه دعائي�ا باسم “مركزية السيطرة” ،اليت تعين بسط الدولة لنفوذها على
قنوات املعلومات ممثلة بوسائل االتصال اجلماهريي ،ما يسمح لها صناعة وتشكيل رأي
عام يستجيب وينسجم مع مصاحلها.
وال يقتصر مفهوم املركزية على التحكم يف مجرى االتصال وتدفقه ،بل يمتد ليشمل
مركزية التخطيط واملنشأ .ومركزية التخطيط تعين قيام جهات عليا يف الدولة ،أو فئات
متخصصة داخلها ،بمهمة نسج وختطيط الدعاية وفق مطلب احلكم ،وضمان إنفاذها
ّ
إىل املجتمع بشكل منسق ومتن�اغم غري متعارض أو متن�اقض .وهذا دليل على أن االجتهاد
ً ً
واالرتجال يف ختطيط الدعاية أو تنفيذها بعيدا عن رعاية السلطة مرفوض تماما ،بل
محرم؛ العتب�ارات يقف الفشل على رأسها.
والتخطيط يف صيغته السلطوية يعكس التحول يف مقاربة الدعاية خالل القرن
العشرين ،فهي مكون رئيس من مكونات أنشطة السلطة على املستوى الداخلي ،وجزء
ً
رئيس من هيكلية وعمليات االتصال املوجهة للخارج .وليس مستغربا إنفاق العديد من
دول العالم مئات املاليني من الدوالرات وتسخريها للعديد من املوارد البشرية والتقني�ة
بهدف إجياد دعم لسياساتها ،أو الرتويج لثقافاتها ،أو صناعة صورة إجيابي�ة عن نفسها.
وفيما يتعلق بمركزية املنشأ فهي إشارة إىل مكان والدة الدعاية ،واخلط الذي تسلكه
ً
وتنتشر عربه وصوال إىل الفئة املستهدفة ،وقد حدد العالم الفرنيس ايلول مسارين
خطيني ملنشأ الدعاية ،يتمثل األول يف الدعاية العامودية (سياسية) والدعاية األفقية
ً
(اجتماعية) ،وسنتطرق الحقا لهذا املوضوع خالل حديثن�ا عن اجلمهور كفاعل جديد يف
الدعاية.
61
الفصل الثاين
املصدر)Fellows:1959( :
62
تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية
وبالنظر إىل نموذجه اخلاص بالدعاية ،يشري تشومسكي إىل الوظيفة االجتماعية لوسائل
اإلعالم يف كونها أداة للدفاع عن أجندة الطبقة املهيمنة بأبعادها االقتصادية ،واالجتماعية،
والسياسية ،كما يتطرق إىل خمسة عوامل تؤثر يف توجهات وسائل اإلعالم جتاه مختلف
القضايا ،حيث َيفرتض أن امللكية ،واإلعالن ،واملصادر ،والسلطة ،واأليديولوجيا،
كلها عوامل تؤدي إىل حتول وسائل اإلعالم ألداة دعاية بي�د الدولة أو الطبقات املهيمنة
(.)Herman & Chomsky:2000
ويف سياق متصل يتطرق تشومسكي إىل األساليب اليت تستخدمها السلطة لتعزيز
وتصليب مواقعها كمصادر أساسية للمعلومات ،حبيث تشمل تزويد وسائل اإلعالم
خبطابات وتقارير حصرية ،وكتابة وحترير البي�انات بلغة جيدة ،ومراعاة توقيت تنظيم
املؤتمرات الصحفية بما ال يتعارض مع مواعيد النشر النهائي�ة ،ومساعدة وسائل اإلعالم
على إجراء مقابالت خاصة أو التقاط صور حصرية ( .)Ibidوبتقديم هذه اخلدمات مع
حتمل أعباء مالية عن وسائل اإلعالم تتمتع احلكومة واملؤسسات الكربى ما تعني�ه من ُّ
بمعاملة صحفية خاصة ،حبيث تتحول إىل مصادر روتيني�ة وأساسية للمعلومات ،حتظى
بأولوية متعاظمة دون غريها .وعرب هذه اخلدمات -إضافة إىل التهديد واملكافآت المالية
والعالقات الشخصية– تصبح بي�د اجلهات املهيمنة أداة تستخدمها للتأثري يف توجهات
ً
الوسيلة اإلعالمية ،ودفعها طواعية أو باإلكراه إىل نشر تقارير مشكوك يف صحتها ،أو
منعها من استضافة أصوات معارضة ،ويف حال امتنعت عن االستجابة يتم حرمانها من
ً
هذه االمتي�ازات .ويف العالم الثالث ،وحتديدا يف العالم العريبُ ،يتحكم بتوجهات وسائل
اإلعالم بطريقة مباشرة ،حبيث ختضع معظمها لإلشراف احلكويم سيما الشق األمين،
أما يف حالة املؤسسات اخلاصة واملستقلة فالتهديد بسحب الرتخيص أو احلجب أو
املصادرة أو حىت معاقبة وسجن الصحفيني ،هي األدوات اليت توظفها هذه الدول إلسكات
أي نقد أو صوت معارض (املصدر .)2016:وهكذا تتحول وسائل اإلعالم من أدوات تنوير
إىل أبواق دعاية .ويف سياق تعزيز وبسط نفوذها االتصايل تسعى قوى السلطة حنو صناعة
مصادرها اخلاصة اليت تتحدث باسمها وتدافع عنها ،حتت غطاء اخلبري أو املختص،
فتعمد إىل تمويل أحباثهم ،أو ترغيب مؤسسات التفكري فيهم ،أو تعيينهم كمستشارين،
63
الفصل الثاين
أو رشوتهم ،أو جتني�دهم بشكل سري...إلخ .بدورها تعمل وسائل اإلعالم على استضافة
ً
هذه الفئة ،وتمنحها املساحة والوقت الالزمني للتعبري عن مواقفها املنسجمة أصل مع رؤى
ً
السلطة يف مقابل جتاهلها للصوت اآلخر .هذا األسلوب يمنح انطباعا زائفا بتعددية اآلراء،
كما يؤدي باجلمهور إىل تبين آراء منسجمة مع أطروحات السلطة ،وما هي يف حقيقتها
ً
إال خدعة تصب يف مجرى السيطرة ،وبهذا اخلصوص يعلق تشومسكي قائل“ :عرب هذه
الوسائل جيري مأسسة التحزي لصالح القوى املهيمنة” (.)Herman & Chomsky:2000
وتت�أثر توجهات وسائل اإلعالم جتاه القضايا واألحداث باأليديولوجيا السياسية
السائدة ،فالتغطية اإلخبارية خالل األزمات اخلارجية عادة ما تتماىش مع رؤية الدولة
ومصاحلها ،حبيث يطغى عليها مفهوم “حنن وهم” ( .)Jang:2013هذا التماهي اإلعاليم
ُ
مع رؤى السلطة قد ال َينتج فقط عن سيطرة أو حتكم مباشر ،ففي كثري من األحيان
تتلاىق مصالح الوسيلة اإلعالمية مع النظام احلاكم ،األمر الذي ينعكس على تن�اولها
للعديد من القضايا املحلية أو الدولية .وبهذا اخلصوص ،تشري بعض الدراسات إىل
عدد من األساليب اليت تنتهجها وسائل اإلعالم لتحقيق رؤية الدولة جتاه قضية ما؛
فمن خالل التجهيل ،واالستشهاد املتكرر بمصادر محددة ،وتشجيع الرقابة الذاتي�ة،
إضافة إىل جتاهل قضايا وأحداث معين�ةُ ،يتحكم باملعلومات لصالح أيديولوجية السلطة
ً ّ
( .)Snow & Taylor:2006وأخريا ،إن التأثري يف اجلمهور ومحاولة تشكيل مجاله وضبطه
والسيطرة عليه هو غاية الدعاية لتحقيق أهدافها غري املعلنة ،ولكن هل من السهل التأثري
يف جمهور وسائل اإلعالم؟ .تشري بعض الدراسات إىل أن التأثري يف اجلمهور مسألة نسبي�ة
خاضعة للعديد من العوامل ،وعلى الرغم من سعي وسائل اإلعالم حنو تزويد اجلمهور
ّ
باآلراء واملعلومات حول مختلف القضايا واألحداث ،إال أن ذلك ال يعين إسهامها يف تشكيل
تأثريا من نوع ما قد حصل ،فالتأثري مرتبط بمدى اهتمام رؤيت�ه النهائي�ة حولها ،أو أن ً
واخنراط اجلمهور يف قضية ما من عدمه ،إضافة إىل خرباته املرتاكمة حولها .ويمكن اإلشارة
إىل عدد من املداخل املتعلقة بت�أثري وسائل اإلعالم يف اجلمهور ،فكلما ازداد اعتماد اجلمهور
على وسائل اإلعالم يف احلصول على املعلومات تعاظمت إمكاني�ة التأثري فيه وتوجيهه
الوجهة الدعائي�ة املرغوبة ،كما يزداد تأثري وسائل اإلعالم مع املوضوعات الغامضة اليت
64
تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية
ً
جيهلها اجلمهور ،وهو املدخل الذي تتخذ منه الدعاية مجال لتشكيل مدركات اجلمهور
حولها ،فتنفيذ الدعاية حيتاج إىل وجود حاجز بني اجلمهور واحلدث (.)Lippmann:1922
ويعتمد قبول ورفض املحتوى اإلعاليم على درجة انسجامه مع االجتاهات واملعتقدات
السائدة يف املجتمع .لذلك تعمل الدعاية على مسايرة هذا االجتاه وعدم االصطدام به،
خاصة وأن جتارب اجلمهور واحتكاكه املباشر ،إضافة إىل سعة اطالعه وتعرضه املتنوع
ملختلف اآلراء قد يقلص من تأثري الدعاية (املصدر .)2016:ويف ذات السياق يزداد تأثري
وسائل اإلعالم يف أوقات األزمات واحلروب ،حيث تتجلى حالة من الغموض تستغلها
الدعاية لصاحلها ،كما أن تأثريها مرتبط بنوع اجلمهور ومستوى أفراده الثقايف واالجتماعي
واالقتصادي ،إضافة إىل اجلوانب املعرفية والنفسية والسلوكية ،وألنها ال تستطيع
إغفال ما سبق تعمد الدعاية إىل توظيف أساليب تؤثر يف هذه اجلوانب بما خيدم أهدافها.
ً
ثاني�ا :الدعاية والتحول بإجتاه الالمركزية
ظهور شبكة اإلنرتنت وتغري طبيعة االتصال من نسق آحادي إىل ثن�ايئ دون وجود
ً
حراس بوابة ،أحدث حتوال يف طبيعة ونوعية التفاعل الدعايئ (.)Chang & Lin:2014
هذا التب�دل سحب البساط من حتت السلطة ،وأفقدها قدرتها على التحكم يف عملية
صناعة الواقع ،وفرض قوى جديدة تديل بدلوها يف عملية تمثيله وجتسيده على حنو أنهى
احتكار الشكل املركزي لها .وانتقال االتصال من حالة مركزية إىل المركزية منفتحة
متلق خامل
،Decentralizedوعشوائي�ة فوضوية ،Rhizomaticسمح للجمهور بالتحول من ٍ
ً
كما تظهره نظرية الرصاصة السحرية إىل منتج مشارك يف العملية االتصالية ،مستعين�ا
باحلرية اليت منحته إياها مواقع الشبكات االجتماعية .ويف العرف الدعايئ التقليدي
فقدان السيطرة على وسائط االتصال ،أو ظهور وسائط أخرى غري خاضعة لسلطان
ً
القوة والتوجيه ،يعين التأثري سلبا يف عملية التشكيل والتأثري اليت ترعاها وتنظمها الدولة
بغض النظر عن شكلها وهدفها .والدعاية باملنطق الالمركزي أقرب ملفهوم الدعاية
الشعبي�ة بوسائط تفاعلية تتم من أسفل إىل أعلى بشكل ال مركزي متحرر من الرقابة،
حبيث تتخذ مسارات اتصالية متنوعة من مجموعة إىل مجموعة ،أو ثن�ائي�ة ،أو متشعبة
65
الفصل الثاين
شديدة الفوضوية(*) .والالمركزية تعين إذابة احلواجز بني منتيج املعلومات ومستهلكيها،
يف تن�اقض صارخ مع نموذج االتصال املركزي اآليت من أعلى ،واملوجه من فئة قليلة إىل
جموع كبرية بنمط غري تفاعلي .ولعل الفرق بني الشكلني املركزي وغري املركزي ينحصر
يف تمثي�ل األول لألنظمة السلطوية اليت تسعى من خالل قنواتها االتصالية اململوكة إىل
تقيي�د االنفتاح املعلومايت والتحكم به وحصره يف زاوية مصاحلها ،بينما جيسد الثاين حلالة
فقدان االتزان الذي تعرضت له السلطة بتحرر الفرد النسيب من سطوتها االتصالية ومن
ثم السياسية ،مع ما يعني�ه ذلك من نشوء صيغة جديدة تعتمد على تقاسم القوة فيما
يتعلق باإلنت�اج والنشر والتأثري داخل البيئ�ة الرقمية ( .)Khamis et al.:2013وإذا كان ثمة من
فضل ُيذكر للثورة الرقمية فيب�دو أنه كامن باألساس يف قدرة مواقع الشبكات االجتماعية
الهائلة على ضمان مبدأ ديمقراطية الوصول والنفاذ إىل املعلومات ،ثم يف قدرتها على جتاوز
احتكار املعلومة من لدن الدولة ،واملعرفة من لدن النخب العاملة ،ثم يف خاصية املرونة اليت
ً
تمنحها الطبيعة العالئقية األفقية لبنيتها التنظيمية ،ثم يف إفساحها املجال واسعا أمام
ّ ً
اجلماهري لإلسهام يف مناقشة قضايا الشأن العام ،إعمال ملبدأ أن من يملك املعلومة يملك
ً َ
جزءا ُم ْعت ًربا منها على األقل (اليحياوي.)2015: السلطة ،أو
ويف سياق تقلص الدور املركزي ،تسببت البيئ�ة الشبكية يف مشكالت جمة على
ً
صعيد املمارسة التقليدية للدعاية ،فمن الصعب حاليا لفت انتب�اه اجلمهور باستخدام
ذات الوسائل القديمة اليت تعتمد يف تمثي�ل وضخ نصوص الدعاية على قنوات التلفاز
ً
واإلذاعة واملطبوعات بأصنافها ،كما بات صعبا جتليس رسائل الدعاية يف مواقع بعينها
على أمل التقاطها ومن ثم إعادة بثها أو طباعتها يف مواقع أخرى .واملشكلة اليت تواجه
الصيغة املركزية للدعاية ال تتعلق باملضمون أو الطريقة اليت يتم بها ختطيط وإعداد
ّ
الدعاية؛ ألنها حافظت على ذلك دون تغيري ،بل تنحصر يف كثافة الرسائل املتن�افسة
واملتن�افرة اليت تعج بها البيئ�ة الرقمية .ففي السابق استطاعت السلطة احتواء وتنفيذ
الدعاية ضمن جغرافيا محددة دون أن تواجه رسائلها وجهودها أي منافسة إال يف
ً
يقصد بالدعاية الشعبي�ة تلك اليت تصدر عن عموم املستخدمني بعيدا عن أي سيطرة أو رقابة حكومية. (*)
66
تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية
حدود ضيقة ،لكن البيئ�ة اجلديدة ألغت هذه احلدود وأوجدت قرية عاملية شديدة
ً ً ً ً
الرتابط ،سمحت بعجاجة دعائي�ة تعكس صراعا وتن�افسا عامليا محتدما على اجلمهور
دون أن تتمكن أي سلطة من جلم تمدده داخل حدودها الشبكية وبالتايل اجلغرافية
(.)Fitzgerald & Brantly:2017
ً
وتشري مواقع الشبكات االجتماعية كوسيلة اتصالية متحررة نسبي�ا من السيطرة
والضبط املركزي لإلمكانات املتعاظمة على صعيد حترر األفراد من سطوة القمع والتغول
السيايس ،بشكل وسمه ايلول باآلثار االستعبادية للدعاية ،واليت ال تهدف إىل االرتقاء
ً
باإلنسان بقدر ما تسعى إىل جعله خادما حتركه الوجهة اليت ترغب وبما حيقق منفعتها
فقط ( .)Ellul:1971لذلك فالالمركزية يف وجهها االجتماعي قد تعين صعود الفرد من
مستوى “خادم” إىل درجة “سيد” ،ومن “تابع” إىل “صانع” ،ولنأخذ مثال الثورات العربي�ة،
ً
ونتفحص كيف أسهمت تكنولوجيا االتصال ممثلة بالشبكات االجتماعية يف دمج
وحتشيد قطاعات شعبي�ة على مستوى القاعدة باجتاه إزاحة أنظمة احلكم؛ يف حتول جديد
تستقطب فيه البيئ�ة املتغرية لالتصال فئات فاعلة جديدة إىل املجال السيايس ،مع ما
يعني�ه ذلك من اشرتاك اجلماهري يف املناقشات والتفاعالت الداخلية واخلارجية ،وبشكل
ً
ينسف تماما نمط التبعية يف االستجابات التقليدية .وهنا تتن�اقض الالمركزية مع خاصية
الشمولية كشرط لتحقيق تأثري دعايئ فعال .وحبسب ايلول تمتلك األجهزة الدعائي�ة يف
األنظمة الديكتاتورية قدرة فائقة على ممارسة اإلقناع؛ لسيطرتها على الفضاء العام،
وانساللها إىل عموم اجلوانب احلياتي�ة ،ومحاصرتها للفرد بشكل محكم ،فهي ال تسمح ألي
رأي بأن يغرد خارج فضائها ،وال تتحمل وجود فكر مستقل متعارض معها ،لذلك تسعى
ً
دائما إىل إضعاف القدرات النقدية والفكرية للجمهور باستخدام التضليل ،ما يسمح لها
تطويعه على النحو الذي خيدم مصلحتها ( .)Ibidلكن وجود وسائل اتصال مجاني�ة غري
خاضعة للرقابة ،يتيح للجمهور ممارسة جهد دعايئ فعال يتحدى حتكم السلطة يف حركة
تدفق املعلومات ،ويتجاوز محاوالتها الدائمة صد ومنع انتشار رسائله وعلى سبي�ل املثال،
ً
تمزيت الثورة التونسية بقدرة أفرادها على إعداد محتوى معلومايت مدعوم بصريا ،ونشره
على فئات جماهريية واسعة برغم محاوالت النظام اعرتاضه والتشويش عليه أو حىت
67
الفصل الثاين
ً
منعه بالكلية ( .)Khamis et al.:2013ولقد أفرزت الثورة الرقمية على تمثالتها أشكال جديدة
يف التعبري ،وإىل بروز طرق غري معهودة لبلوغ جماهري متنوعة وبمواصفات متعددة ،وقدمت
إمكانات غري معتادة يف تفاعل املتلقي مع املضامني املعلوماتي�ة ،بل إن املتلقي قد بات يف
ً ً ً
ظلها يقوم بأدوار جعلته يف قلب منظومة إنت�اج القيمة جتميعا وصياغة وختزين�ا وتوزيعا
على نطاق يتجاوز بكثري ما عهدناه من ذي قبل (اليحياوي.)2015:
ً
ثالثا :اجلمهور الفاعل الدعايئ اجلديد
يف العقود اليت سبقت ظهور اإلنرتنت ،ومواقع الشبكات االجتماعية تمزيت الدعاية
ً ً ً ً
بكونها فعال مركزيا محصورا خاضعا لالحتكار ،تنفذه جهات عليا من أعلى إىل أسفل ،بهدف
(متلق)
ٍ صناعة إجماع جماهريي حول أطروحاتها ،لذا ُصنف اجلمهور بكونه مستقبل
سليب ،غري قادر على صد رسائل الدعاية أو مواجهة تأثريها والتعديل عليها ،لكن بدخول
القرن احلادي والعشرين انقلبت املعادلة ليتحول اجلمهور إىل فاعل إجيايب ،يستطيع صناعة
ً
الرسالة وبثها بعيدا عن قيود ورقابة السلطة .وبمرور األيام وتطور تكنولوجيا االتصال حتول
املستخدم إىل جزء أسايس يف العملية الدعائي�ة من ناحية املشاركة واإلنت�اج .هذا التطور أذاب
ً ً
التقسيم التقليدي اجلامد الذي اعترب الدعاية نشاطا اتصاليا من أعلى إىل أسفل ،أو ينحصر
يف مرسل (جهة الدعاية) ومستقبل (وجهة الدعاية) فقط ،ساعد يف ذلك توفر احلواسيب
واألجهزة النقالة الذكية وغريها من تقني�ات وبرامج اإلنت�اج واملشاركة اليت سمحت لألفراد
بتجاوز العائق اللوجسيت املطلوب لصناعة مادة دعائي�ة جذابة ومؤثرة ،وساهمت بطبيعتها
التفاعلية يف حتفزي املستخدمني على إنت�اج ومشاركة الدعاية .ففي السابق جتسدت أشكال
االتصال التقليدية بهيئ�ة مادية محسوسة كالصحف والتلفزيون ،ما جعل استهالك
محتواها عملية ذاتي�ة منعزلة ،وحىت يف حالة التعرض اجلماعي كما هو احلال مع املذياع،
ً
فاحلاجز الفاصل بني عملييت اإلنت�اج والتفاعل ظل قائما ،والفرد عندما يقرر أي املعلومات
يصدق أو يتجاهل فهو حيدد ذلك من مسافة بعيدة عن املوضوع غري خاضعة لتأثري التفاعل
اآلين .بدورها واجهت الدعاية التقليدية نفس الصيغة ،فاألفراد املتعرضون ملوضوعاتها
ً
حافظوا على مسافة غري تفاعلية نسبي�ا أتاحت إمكاني�ة الشك فيها .وعلى النقيض،
68
تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية
ضيقت خاصية التفاعلية -اليت تتمتع بها مواقع الشبكات االجتماعية -الفجوة بني
مساحة إنت�اج وتوزيع املحتوى من جهة ،ومساحة التفاعل معه من جهة أخرى ،وبات
ً
اجلمهور قادرا على إنت�اج املعرفة واملعلومات وتوزيعها ،ويف ذات الوقت التفاعل معها
بالتعليق واإلعجاب واملشاركة ،وهنا صهرت مواقع الشبكات االجتماعية عمليات اإلنت�اج
واالستهالك والتفاعل يف بوتقة واحدة ،ما أتاح نشوء مساحة متداخلة استثمرها اجلمهور
لالخنراط يف الدعاية.
إىل ذلك ،قلصت األشكال التفاعلية الفجوة بني عملييت التعرض واالستجابة
ً ً
السلوكية(*) ،وبالعودة قليال إىل الوراء اتسمت وسائل توزيع الدعاية بانفصالها زمني�ا
ً
ومكاني�ا عن أشكال االستجابة؛ كأن يتعرض اجلمهور للرسالة عن طريق منشور أو ملصق
ً ً
أو عرب صحيفة أو مجلة ،ثم يتبعها استجابة سلوكية غري مقرتنة بها زماني�ا ومكاني�ا ،وال
ً
بواسطة الوسيلة ذاتها ،ونظرا للطبيعة التفاعلية والتشاركية للمنصات االجتماعية،
ً
صار سهال حتقيق التوزيع واالستجابة ثم التفاعل واملشاركة يف نفس اللحظة واملكان
وبواسطة ذات الوسيلة ( .)Asmolov:2019ويشار هنا إىل القلق املرتبط خباصية التفاعلية،
فمن خاللها يمكن تشجيع املتلقي السليب على التحول لفاعل نشط ،يشارك كجندي يف
أي نشاط دعايئ ،ومن أي مكان ،وينبغي يف هذا السياق توضيح دور املمارسة واملعايشة
ً
يف دعم مشاركة اجلمهور يف الدعاية .فثال يرتفع حتصيل التلميذ حال نفذ أنشطة عملية
دون االكتفاء بالتلقي النظري ،وبذات الطريقة يمكن للجمهور التفاعل مع الدعاية بصورة
ً
جديدة ومغايرة عن السابق يف حال احتك ومارسها عمليا .وهنا تصبح املعايشة احلقيقية
جزء ال يتجزأ من واقع جتربت�ه احلياتي�ة اليت ستلغي بدورها للمسافة الفاصلة بين�ه وبني
الدعاية ،األمر الذي يرتتب عليه نقله من مربع الشك إىل ما يشبه اليقني ،فالقرب أو البعد
ً
عن الدعاية بات مسؤوال عن حتديد درجة اإليمان بها من عدمه .وال تن�درج فكرة مشاركة
اجلمهور يف إنت�اج ونشر الدعاية حتت مفهوم “الدعاية احلاسوبي�ة” ،فاألخرية تعطي ملحة
ّ
عن عالم االتصال اإلقناعي احلديث ،وكيف أن اجلمع بني اجلهود البشرية وتكنولوجيا
احلاسوب -وما يرشح عن األخرية من تكنيكات جديدة مستمدة من توظيف التقني�ة
االستجابة السلوكية :ردة الفعل اليت تصدر عن الفرد يف املواقف واملنبهات املختلفة وتتخذ هيئ�ة سلوك. (*)
69
الفصل الثاين
ذاتها -يمكن أن يسرع يف عملية إنت�اج ونشر الدعاية بني اجلماهري ،فالدعاية احلاسوبي�ة
ال تتطرق بشكل متعمق إىل دور األفراد يف الدعاية ،كما ال تعري أي اهتمام للجوانب النفسية
واإلدراكية ( .)Wooley & Howard:2016إضافة لما سبق يصنف اخنراط اجلمهور يف الفعل
الدعايئ ضمن مستويني :يقوم األول على مشاركة املستخدم يف جهود دعائي�ة ترعاها
وتقف خلفها جهات معين�ة ،فيما خيتص الثاين بإنت�اجه لرسائل الدعاية بشكل مستقل
ً
بعيدا عن أي تأثري ،وهناك مستوى آخر ينخرط فيه املستخدم دون وعي بعد أن تتمكن
الدعاية من تطبيق أنماط اجتماعية حتفز لسلوكه.
أ .مشاركة اجلمهور يف الدعاية
ين�درج دخول األفراد أو املستخدمني يف الفعل الدعايئ حتت مفهوم “دعاية
املشاركة ،”Participatoryوهي محاولة متعمدة ومنهجية لتشكيل التصورات والتالعب
باملعارف وتوجيه السلوك ،مع السعي إىل حث أفراد من اجلمهور املستهدف على املشاركة
الفعالة يف عملية نشر الرسائل؛ بهدف حتصيل استجابة تتسق مع أهداف ورغبات جهة
ً
الدعاية ( .)Wanless & Berk:2019وبتفحص التعريف ،نالحظ أوال محاولة الدعاية استمالة
جزء من اجلمهور إىل صفها ،حبيث تلتمس إشراكه يف نشر رسائلها؛ ما يزيد من فعاليتها
وقوة انتشارها وتأثريها .واملالحظة الثاني�ة امللفتة ما يرتبط بمحافظة الدعاية على هدفها
االصلي دون أي تغيري (تشكيل التصورات وتوجيه السلوك) ،ورغبتها يف حتفزي مشاركة
ّ
من داخل شبكة الفئة املستهدفة ذاتها ،أي أنها ال تكتفي حبواضنها األصلية ،بل تتوجه حنو
جذب أفراد من داخل املجموعة املستهدفة للمشاركة فيها.
والدعاية وفق النمط السابق تتجاوز صيغة االتصال التقليدي آحادي االجتاه،
باجتاه أسلوب جديد يعتمد صيغة اتصالية من واحد إىل مجموعة إىل مجموعات أخرى
.One to Many-to Many Moreهذا النمط باإلضافة إىل إبقائه على الفرد بوضعية املستهدف
حييل إىل موقف تعاوين-تشاركي ،-يتحول فيه الفرد إىل مصدر جديد ،ويعمل على إنت�اج
ومشاركة رسائل الدعاية مع مجموعات من داخل شبكته االجتماعية بطريقة تشبه تأثري
“كرة الثلج” .وبلغة عملية ،تستغل الدعاية املشاعر واألفكار اليت تعرتي اجلمهور ثم تعمل
على تعزيزها ومفاقمتها بأسلوب حيفز بعض مستهلكيها على التفاعل معها ومشاركتها
70
تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية
مع مستخدمني آخرين ،وحىت إذا خضعت الرسالة للتعديل خالل مرحلة التفاعل فهي
ستحافظ على فكرتها األصلية ،ولكن بصورة سردية ذاتي�ة ومحدثة تستجيب ألسلوب
إعادة إنت�اجها.
وتتخذ دعاية املشاركة العديد من األشكال والهيئ�ات ترتبط جلها بدعوات مفتوحة
للمشاركة ،أو تفرضها طبيعة التحديات املجتمعية والسياسية والثقافية السائدة.
فاملشاركة يمكن أن تتجسد مع دعاية الند للند ،وهي حالة يعايش فيها املستخدم جتربة
الدعاية على أنها فعل تؤديه وتقوم به دوائر اجتماعية مقربة منه ،كاألصدقاء وزمالء
العمل أو أفراد من األسرة ،وتتخذ شكل منشورات وتعليقات حول موضوعات معين�ة،
تسهم يف تشكيل آراءه وافرتاضاته حنوها .هذا النمط يستحث مشاركة األفراد فيها بشكل
تلقايئ على قاعدة انبث�اقها عن دوائر موثوقة من نفس املستوى االجتماعي .وقد وظفت
روسيا هذا الشكل خالل األزمة األوكراني�ة ،حبيث عمدت جيوشها من املتصيدين إىل
إنشاء حسابات وهمية ،ثم إنت�اج ونشر رسائل مؤيدة لروسيا ،تعرض لها أفراد من قائمة
متابعيهم الذين شاركوها داخل دوائرهم االجتماعية املقربة ،وهؤالء بدورهم أعادوا نشرها
على نطاق أوسع ،بشكل يعكس لعملية تضخيم ال تكاد تنتهي .وهنا يتضح تأثري دعاية
الند للند يف نشر رسائل التضليل من حيث مسؤولية املستخدم العادي عن جهود تضليل
ذاته واآلخرين من خالل استهالكه ومشاركته وتوزيعه ألخبار كاذبة دون أن يعلم حقيقتها
(.)Haigh et al.:2018
ً
وتأيت املشاركة أيضا على هيئ�ة دعوة مفتوحة صادرة عن حكومة ،أو حزب ،أو
ً
مؤسسة...إلخ ،تستميل املستخدمني ملشاطرتها جهودا دعائي�ة محلية ودولية ،أو
مقاسمتها جهد إنت�اج رسائلها وفق قاعدة مركزية التخطيط واستقاللية التنفيذ .وهنا
يتوجه األفراد إىل إنت�اج رسائل بلغتهم اخلاصة دون تقيد بنصوص وصيغ ورسائل
ً
دعائي�ة معدة سلفا ( .)Mejias & Vokuev:2017وتعترب الدعاية املضادة أحد هذه األشكال
حبيث تسعى إىل إشراك اجلمهور يف رصد وتتبع وفضح دعاية اخلصم خالل السلم أو
يف أوقات التوتر واملواجهة ( .)Khaldarova & Pantti:2016وهنا تصبح مواجهة الدعاية
منوطة بالكل املجتمعي كمشاركة تطوعية يف جهود مكافحتها .واملشاركة وفق األنماط
71
الفصل الثاين
السابقة أقرب ملفهوم االستثمار يف طاقات اجلمهور ،أي إنها انعكاس ملفهوم دعاية اإلدماج
ّ
.)*( Integrationونستنتج هنا أن دعاية القرن احلادي والعشرين قد ال تهتم بإنت�اج الواقع
أو صناعة اخليال داخل عقول اجلماهري ،بقدر ما تعكس ألسلوب جديد تهدف من خالله
السلطة إىل إعادة إنت�اج سيادتها على املستخدمني داخل بيئ�ة شبكية شديدة التشظي
والتنوع ،تسببت وال زالت يف إفقادها سيطرتها على مواطنيها.
باختصار حتاول الدعاية املؤسساتي�ة التخفيف من قدرة الشبكات على حتدي
هيمنتها ،ويف حال لم تتمكن يف فرض سلطتها عرب السيطرة على عمليات االتصال أو
حركة تدفق املعلومات ،فهي ستلجأ إىل التأثري يف طريقة تفسري وحتليل هذه املعلومات.
ومن الضروري هنا التفريق بني الدعوات املفتوحة اليت تستهدف إشراك اجلمهور يف جهود
دعائي�ة إجيابي�ة ألغراض وطني�ة ،وبني الدعوات اليت تسعى إىل تسخري قدراتها يف أنشطة
تالعب وتضليل سلبي�ة لصالح جهات مجهولة .فمن حيث طبيعة االنتساب تصنف
األوىل كمشاركة مجاني�ة ،فيما الثاني�ة بمقابل مادي؛ األوىل مفتوحة تتيح للجميع التطوع
فيها ،فيما تعول الثاني�ة على أصناف محددة من املستخدمني ،سيما أصحاب املهارات
االستثن�ائي�ة ،كما تقتصر األوىل على جهود الفضح ألغراض وأهداف معلومة ،فيما تتعمد
الثاني�ة نشر األخبار املزيفة وممارسة التضليل ألهداف مجهولة(*).
التكيــف أو االنســجام ،وتهــدف إىل اســتقرار املجتمــع ووحدتــه ،إضافــة إىل دعايــة اإلدمــاج :يطلــق عليهــا اســم دعايــة ُّ (*)
دمــج الفــرد يف بيئت ـ�ه عــر تشــكيل أفــكاره وأنمــاط ســلوكه ،بمــا حيقــق االنصهــار االجتماعــي ،والدعايــة اإلدماجيــة طويلــة
األمــد ،وتنشــط يف الــدول الديمقراطيــة الــي تســعى حلالــة مــن االســتقرار الدائــمً ،
علمــا أن تأثريهــا يــزداد يف البيئـ�ة املثقفــة
واملزدهــرة ،لذلــك تســعى جهــة الدعايــة إىل تفعيــل األدوات الالزمــة كافــة ،وعلــى رأســها وســائل االتصــال اجلماهــري مــن
أجــل حتقيــق هــدف االندمــاج ،كمــا ينشــط هــذا النــوع يف الــدول ذات النظــام الشــمويل ،كالصــن ،الــي تســعى إىل دمــج
األفــراد ضمــن نظــام مــن صناعتهــا ،حبيــث يتحــول الفــرد إىل فاعــل ســليب ،تابــع لهــذا النظــام ،وهنــا نشــر إىل أبعــاد االندمــاج
ً
الســلبي�ة واإلجيابيــ�ة ،فدعايــة االندمــاج اإلجيابيــ�ة تســعى للفــرد بكونــه فاعــا يف املجتمــع ،بعكــس الســلبي�ة الــي تريــد
الفرد ً
تابعا لها فقط.
ُ
تظهــر ســياقات احلــاالت الــي بــرز فيهــا دور األخبــار الكاذبــة يف محاصــرة الــرأي العــام بالبي�انــات املزيفــة ،وإغــراق املجــال (*)
ّ
العــام باملعطيــات والتحليــات املفربكــة ،إن إنت ـ�اج األخبــار الكاذبــة عمليــة اتصاليــة وصناعــة سياســية ال محــدودة كمــا
َّبينــت األزمــة اخلليجيــة الــي ســارعت خاللهــا الســعودية واإلمــارات والبحريــن ومصــر إىل فــرض حصــار بــري وجــوي
ُ َ
المف ْ ِب ِكــن الرســميني وغــر الرســميني وحبــري علــى دولــة قطــر؛ إذ تشــرك يف مســارات هــذه العمليــة شــبكة واســعة مــن
املرتبطــن بمصالــح مختلفــة ومؤسســات متنوعــة (إعالميــة ،وإعالني ـ�ة ،ودعائي ـ�ة ،وحبثي ـ�ة ،وعالقــات عامــة ،وأمني ـ�ة-
اســتخبارية ..إلــخ) لغايــات وأهــداف متعــددة ذات أبعــاد اســراتيجية (الــرايج.)2017:
72
تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية
أﻧﻮاع�اﳌﺸﺎرﻛﺔ
73
الفصل الثاين
ً ّ
ويؤكد ما سبق أن الدعاية باتت أقل اهتماما بتغيري آراء األفراد ،بل تسعى إىل توسيع
نطاق وزيادة أعداد املشتغلني واملشاركني يف جهودها ،حبيث حتولت إىل قوة تستطيع تكييف
أي صراع على املستوى االجتماعي ،ووسيلة قادرة على توسيع رقعة العدوى الناجمة عنها،
ً
مستفيدة من الطبيعة التفاعلية للفضاء الرقيم .ولعل األخطر قدرة الدعاية على حتديد
بني�ة وشكل املشاركة بطريقة ال ختدم سوى مصاحلها ،وبالتايل ربط النت�اجئ بها فقط (.)Ibid
وتستدعـــي دعايــــــــة املشاركــــة إلــى الواجهــــــة آليـــــــة االستهــداف املخصــــص
،Micro-Targetingوالكيفية اليت يتم بموجبها تطويع اجلوانب واالجتاهات النفسية يف
صناعة دعاية حتفز أفراد من اجلمهور لالخنراط فيها بطريقة غري مباشرة .ونشري يف هذا
ُ ً
املضمار إىل نموذج حديث نسبي�ا يضم ست تكنيكات متسلسلة تستخدم يف حض فئات
مستهدفة من اجلمهور للمشاركة يف الدعاية عرب املنصات االجتماعية؛ والنموذج -الذي
يقوم على دراسة وحتليل اجلمهور واستغالل النت�اجئ يف وضع مخطط يسترت حتت غطاء
سيايس أو أيديولويجُ -طبق خالل حملة االنتخابات األمريكية لصالح مرشح احلزب
اجلمهوري “دونالد ترامب”.
ب .تكنيكات حض الفئات املستهدفة على املشاركة
1تنفيذ حتليل يساعد على فهم اجلمهور ،Hyper-Targeted Audience Analysisثم .
التخطيط النفيس :طريقة ملعرفة فيما يفكر اجلمهور ،واألنماط أو أنواع الرسائل اليت قد حتفز سلوكه. (*)
74
تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية
2ختصيص وصياغة محتوى حترييض لكل فئة مستهدفة ،يشرتط قدرته على .
حتفزي ردة فعل عاطفية ،وبالتايل استفزاز األفراد للمشاركة ،ويفضل أن حيتوي
على معلومات مفربكة أو تسريب�ات أو صور هزلية ،بشرط أن يسترت على شكل
منشورات ال تظهر إال للفئة املعني�ة ،وعرب القنوات اليت تتغذى وتستقي منها
ّ
معلوماتها ،كغرف الصدى ،وذلك بهدف السيطرة والتحكم يف ردات الفعل
(.)Green & Issenberg:2016
3االستفادة من بي�انات املرحلة األوىل (كشف أماكن تموضع غرف الصدى) يف حقن .
باخلوارزميات من أجل منح رسائل الدعاية أولوية ظهور يف مقدمة نت�اجئ محركات
البحث أو صفحات التغذية اإلخبارية (.)Solon & Levin:2016
5تشجيع مناصري احلملة على إنت�اج ونشر محتوى مؤيد بموازاة حثهم على تنفيذ .
75
الفصل الثاين
قضية معين�ة ،وتتعمد إقناع مستخدمني آخرين من داخل شبكتهم االجتماعية بتبنيها
والذود عنها.
ج .املشاركة ومفهويم التكييف والتذويت
الدعاية اليت تقوم على أساس مشاركة اجلمهور تعتمد يف جذب األفراد على عمليتني
نفسيتني :التكييف ،Socializationوالتذويت .Internalizationوالتكييف أو التطبيع
االجتماعي عملية يتعلم من خاللها الفرد التأقلم داخل املجتمع عن طريق اكتساب سلوك
ترىض عنه اجلماعة ،وهي عملية تتحدد بموجبها نت�اجئ أي قضية بالنظر إىل حجم املشاركة
اجلماهريية ،بطريقة تعكس للعدوى اليت تصيب األفراد وتدفعهم لالخنراط فيها .كما
يعكس دور اجلهات السياسية يف السيطرة والتالعب بمنظور القضية من مدخلها
االجتماعي بما حيقق مصاحلهم .والتكييف يف عالقته باملشاركة الدعائي�ة يؤشر للجهود
اليت تب�ذلها الدعاية إلكساب األفراد خصائصها احلديث�ة عرب تفاعلهم املباشر مع وسائلها،
وتعتمد يف حتقيق ذلك على طبيعة املنصات االجتماعية ،وقدرتها على دمج عملييت
االستهالك والتفاعل يف بوتقة واحدة ،حبيث تتحول عملية التفاعل ذاتها إىل آلية مستقلة
لإلنت�اج واملشاركة يف الفعل الدعايئ .فتكنولوجيا املعلومات احلديث�ة كالشبكات االجتماعية
إىل جانب ممارسات التعهيد اجلماعي حفزت إمكاني�ة حتقيق استجابة اجتماعية تتجاوز
ً
احلدود اجلغرافية ،فهي وفرت خيار الفعل املشرتك بدال عن خيار التعرض املشرتك.
ً
ويف سياق متصل ،تعمد الدعاية إىل تذويت طبيعتها وخصائصها ،لتصبح جزءا
ً ً
من الذات الفردية للمستخدم ،ومكونا أساسيا لشخصيت�ه الشبكية .والتذويت يعين
انتقال القيمة من مستوى خاريج إىل مستوى داخلي ،يرتبط على حنو دائم بذات اإلنسان
ُ
وكينونت�ه ،ومن خالله تدمج املخرجات اإلنساني�ة العامة يف العملية اإلدراكية بشكل يساعد
على تشكيل عالقة اإلنسان بالواقع ،وعلى ذات النحو تصاغ ذواتن�ا وعالقاتن�ا داخل البيئ�ة
الشبكية بالنظر إىل طريقة تصميمها وإمكاناتها التفاعلية .وبالتايل ترتبط مشاركتن�ا يف
الدعاية بمدى تأثري هذه البيئ�ة يف مرشحاتن�ا املعرفية املسؤولة عن تشكيل تصوراتن�ا للواقع
(.)Asmolov:2019
76
تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية
ّ ّ
ولكن ماذا لو علمنا أن الدعاية ذاتها قد تكون مسؤولة عن تشكيل هذه البيئ�ة؟ ،إن
دور التذويت يف الدفع باملشاركة الدعائي�ة يمكن أن يتحدد من خالل رصد طريقة مقاربتن�ا
ملختلف القضايا ،واالعتب�ارات اليت ننطلق منها يف تقييم مختلف العناصر الفاعلة داخلها.
ً
والسابق يفرتض أن التكنولوجيات التفاعلية اليت وفرت طرقا متنوعة للمشاركة يف أي
ً
قضية أسهمت أيضا يف تكييفها على املستوى االجتماعي (زيادة نطاق املشاركني فيها)،
كما أسهمت يف إحداث تغيريات نفسية لدى املستخدمني .فالشكل التصمييم للشبكات
ً ً
االجتماعية مثال غري مسؤول فقط عن تشكيل نظرتن�ا جتاه قضايا محددة ،بل أيضا عن
ً
صياغة إدراكنا لبيئتن�ا بشكل عام ،فنحن نتصور اآلخرين وننظم سلوكنا جتاههم وفقا
ً
للكيفية اليت نموضع بها أنفسنا واآلخرين داخل العالم االجتماعي ،ووفقا للعالمة اليت
ندمغهم بها ( .)Shkurko:2014وعلى نفس املنوال فالتذويت يف أحد أوجهه قد يعين قدرة
الدعاية على تشكيل هياكل التصنيف اليت تنطلق منها تصوراتن�ا ،وبالتايل تستطيع الدعاية
الرقمية ترتيب عالقتن�ا مع بيئتن�ا بما يتجاوز القضايا الفرعية ،كما تسطيع إيقاع تغيري يف
جهازنا اإلدراكي الذي نعتمد عليه يف بن�اء تصوراتن�ا للحياة ككل .وكنتيجة ،يصبح ما تنتجه
الدعاية اإلطار املرجعي الذي نعتمد عليه يف احلكم على مختلف القضايا والتفاعالت
ّ
اإلنساني�ة .ويالحظ هنا أن الدعاية غريت من شكل األطر التفسريية اليت يلجأ إليها
ً
اجلمهور يف إصدار أحكامه؛ لريبطها بأطر جديدة .فمثال يمكن للفرد أن حيكم على اآلخر
ال من بوابة صفاته السلوكية أو العلمية ،ولكن عرب مواقفه من قضية ما (.)Asmolov:2019
ً
وكي نستطيع تلخيص مفهوم التكييف والتذويت بشكل واضح ،سنقدم مثاال
ً
ُمتخيال من الواقع املحلي الفلسطيين ،ولنفرتض أن شبكة رقمية تتوسط عالقة بني
ً
مستخدم من الكيان الصهيوين وآخر فلسطيين ،وتتوسط أيضا عرض جوانب الصراع بني
ً
الطرفني (احتالل فلسطني) .هنا يوفر الوسيط الرقيم أنواعا من املشاركة اجلماهريية
على عالقة مباشرة بالصراع ،مثل نشر رسائل ،اخرتاق حسابات ،إطالق مبادرات للدعم
المايل ،ومواجهة أنشطة التضليل...إلخ ،حبيث تن�درج جميعها حتت مفهوم التكييف
االجتماعي للصراع يف املقابل ،تساهم مشاركة املستخدم يف تكثيف حضور وبروز الصراع يف
حياته اليومية ،سيما ما يتعلق بتقييمه ملواقف اآلخرين من الصراع ،كاألحكام الصادرة عن
77
الفصل الثاين
دوائره االجتماعية املقربة أو الصادرة عن البيئ�ات األبعد ،ويف حال جاءت مواقف األصدقاء
والزمالء منافية لتصوراته ،عندها سيقوم باستبعادهم من شبكته ،وهذا بالتحديد ما يعني�ه
ّ
تذويت الصراع .وجدير بالذكر هنا أن التصنيفات املتنوعة للمواقف فيما خيص الصراع
ً
عادة ما تفرضها الدعاية املتضمنة يف صفحات التغذية اإلخبارية ،واليت يزداد تأثريها من
خالل التعليق واملشاركة بالتوازي مع إنت�اج محتوى يتضمن ذات السرديات الدعائي�ة.
د .إنت�اج اجلمهور للدعاية
تن�اولنا يف العرض السابق موضوع مشاركة اجلمهور يف اجلهد الدعايئ ،وسننتقل
ً
اآلن للحديث عن مفهوم إنت�اجه للدعاية بشكل مستقل ،بعيدا عن االستماالت اخلارجية
املباشرة وغري املباشرة .ومع انطالقة القرن احلادي والعشرين ،وزيادة تعقيد أنظمة
االتصال ،انتقلت الدعاية من الساحات املفتوحة واألماكن العامة إىل داخل فضائن�ا
ً
اخلاص ،مستفيدة يف استعمار تكنولوجيا االتصال ملواقع جديدة داخل عاملنا الفردي.
فاملساحات اليت نستهلك فيها املعلومات توسعت بشكل كبري ،خاصة مع ظهور تقني�ات
ً
الهاتف الذكي واحلواسيب املحمولة وغريها ،لذلك ليس غريب�ا أن حتتل الدعاية مواقع
إضافية سيما وأنن�ا نتفاعل مع قنواتها ووسائلها احلديث�ة بشكل مستمر .هذا التفاعل مع
ما يعني�ه من تعرض دائم ملختلف التطورات على الساحتني السياسية واالجتماعية سمح
بنشوء قوة ذاتي�ة داخلية قادرة على التعبري حبرية عن رأيها جتاه هذه التطورات ،خاصة وأن
مواقع الشبكات االجتماعية عززت ورسخت لذلك.
ويؤكد ما سبق ،قوة األشكال االتصالية احلديث�ة يف حتفزي عملية اإلنت�اج الفردي
للدعاية ،على حنو أورده اليحياوي يف دراسته حول املجال العام املغريب بوصفه مواقع
َّ
الشبكات االجتماعية كوسيط ال غىن عنه“ ،ليس فقط كونها خلصت الفرد من تراتبي�ة
ً
وهرمية أدوات التواصل التقليدية ،ولكن أيضا ألنها ثوت خلف انبعاث عالم افرتايض،
بات األفراد واجلماعات والتنظيمات من بني ظهراني�ه فاعلني مباشرين ،بمستطاعهم
إبداء آرائهم وتصوراتهم عن ويف القضايا اإلشكالية الكربى اليت ترهن حاضرهم أو من شأنها
ّ
التأثري يف مستقبلهم” (اليحياوي .)2015:وألن اإلنسان يف حالة تفاعل دائم مع محيطه ،تزتايد
78
تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية
رغبت�ه يف التأثري فيه لصالح تصورات ومعتقدات وأفكار يرى أنها صحيحة .والتأثري هنا حييل
إىل جهد مقصود ،حياول من خالله املستخدم إحداث تب�دل يف تصورات اآلخرين تتوافق مع
رؤيت�ه اخلاصة.
واإلنت�اج بهذا املعىن املستقل يفيد بانتقال الدعاية من وضعية مؤسساتي�ة إىل حالة
ذاتي�ة ناجمة عن تفاعل مجموعة من املشاعر والغرائز اإلنساني�ة الداخلية ،جتد طريقها
ً
للخارج على شكل تعبري كتايب أو سيميايئ عشوايئ فوضوي وأحيانا منظم ،واالنتقال إىل
الذاتي�ة ال يعين بالضرورة استدعاء نمط العصور القديمة اليت جتسدت مع اإلسكندر
األكرب ويوليوس قيصر وغريهم ،فتلك الدعاية ناجمة عن اندماج الذات بسطوة احلكم،
ُ ِّ
المتأله ،وقدرته على السيطرة والتحكم بوسائل حبيث استمدت وجودها من سلطة الفرد
التعبري الدعايئ من منحوتات وتماثي�ل وعمالت معدني�ة وغريها ،أما الدعاية الذاتي�ة اليت
نقصدها فتلك اليت تنطلق من ذات الفرد العادي املتجرد من سلطة القوة ،وهي هنا ليست
ّ ّ ً ً ً ً
فعال ختريبي�ا ،بل تعبريا نفسيا يتجسد بأشكال متعددة ،إجيابي�ة أو سلبي�ة ،إل أن ذلك ال
ينفي عدم تأثر الفرد بالقوى اخلارجية املحيطة به ،سيما إذا ما شعر بضغط يقيد ذاتيت�ه
املستقلة لصالح إنت�اج دعايئ مرهون ومحكوم باشرتاطات اخلوف .لذلك من الضروري عند
مقاربة مفهوم إنت�اج اجلمهور للدعاية استبعاد املدخل التقليدي ،والتوقف عن اعتب�ارها
فعل متعمد هابط من أعلى إىل أسفل ،بل جيب النظر إليها كعملية تنشأ داخل حواضن
مجتمعية تشهد حالة من الصراع ،وهذا االعتب�ار حييل إىل الدعاية األفقية اليت تطرق إليها
ايلول يف كتابه “.”The Formation of Men’s Attitudes
ه .خاطرة من الواقع الفلسطيين
ً
كثريا ما تستوقفنا مواقف وحتليالت يطلقها عدد من “قادة الرأي” على املواقع
ً
االجتماعية؛ ألتساءل حول حقيقة الدور الذي يؤدونه خدمة للقارئ ،فاملفرتض بهم حتليل
األحداث وتفسريها ،وتقديم الرأي واملشورة حولها بموضوعية وعمق ،دون االنزالق حنو
هاوية الرتويج ألجندات بعينها ،أو إشباع حاجات نفسية ال ختدم صالح اجلمهور .بيئتن�ا
ُ
الشبكية مليئ�ة بهؤالء ،ولم يعد معيار القرب من السلطة أو التمتع باملكانة االجتماعية
79
الفصل الثاين
80
تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية
التعليق املطلق على كل شاردة وواردة ،ضمن إطار سيايس أو اجتماعي ضيق ،مألت احلزبي�ة
ً
جوانب�ه .وأخريا وبقدر ما أسهمت تكنولوجيا االتصال يف إجياد بيئ�ة ديمقراطية للنقاش
ً ً ً
املوضوعي البن�اء ،إال أنها جلبت وبنفس املقدار عالما سفليا مظلما ،يتخذ من الكراهية
ً
ونب�ذ اآلخر أسلوب حياة ،ليبقى السؤال قائما هل هؤالء أصوات للتنوير أم أبواق للدعاية؟.
ً
رابعا :الدعاية من العمودية إىل األفقية
يفرق العالم ايلول بني الدعاية العامودية-الرأسية Verticalواألفقية ،Horizontal
فاألوىل دعاية تولد وتنشأ عن جهات عليا ،تشق طريقها حنو اجلمهور من أعلى إىل أسفل،
ألجل ذلك تتطلب سيطرة على وسائل االتصال لضمان إقناع اجلمهور بموضوعاتها ،أما
ّ ً
الدعاية األفقية فتولد داخل حواضن جماهريية ،وتتمدد أفقيا داخل املجتمع ،أي أنها
منبعثة من الداخل وليس من األعلى .ويتجسد الفرق بني الدعاية العمودية واألفقية من
ناحية التحكم املركزي يف حاجة األوىل إىل جهاز إعاليم ضخم ومسيطر عليه ،يمكن من
خالله بث رسائل إىل جميع فئات املجتمع ،أما الدعاية األفقية فال تتطلب سوى جتمعات
اجتماعية تضمن انتقال الدعاية وحتركها باجتاه فئات أخرى لذلك الدعاية العمودية
متصلة بشكل وثيق بالسيطرة االتصالية ،أما األفقية فهي منفصلة إىل حد كبري عنها.
ً
وعندما طرح ايلول مفهوم الدعاية األفقية فهو لم يبتعد كثريا عن مفهوم السيطرة،
لكنه أكد على تغلغلها غري املحسوس ،فاألفراد خيضعون لقيادة صغرى من ذات املستوى
االجتماعي ،ترعى مناقشات جماعية حول موضوعات معين�ة لكن بطريقة مدروسة
ً
وموجهة سلفا ،تؤدي إىل نت�اجئ ترغب اجلهات العليا يف تثبيتها وتمريرها بشكل غري مباشر،
ويف هذه احلالة ستشعر املجموعة وكأنها توصلت لالستنت�اجات واحلقائق بمفردها وعلى
طريقتها دون إكراه من أعلى ( .)Marlin:2014والصعوبة اليت تنطوي عليها الدعاية األفقية
تتمثل يف تن�افسها مع آراء مجموعات اجتماعية أخرى ،لكن بمجرد انتقال الشخص من
ً ّ
مجموعة إىل أخرى مختلفة فمن السهل عليها تكييفه داخلها؛ ألنها تعتمد غالبا على
اإلشراك ال الفرض.
81
الفصل الثاين
وال تتخذ الدعاية األفقية شكل رسائل مجردة ،بل تتسرت بهيئ�ة اجتماعية مقبولة
كاملؤسسات التعليمية واألندية الثقافية؛ من أجل تأسيس نمط حياة مشرتك ترغب جهة
الدعاية يف تثبيت�ه ،وهي بذلك تعكس للتجربة الصيني�ة ( .)Ellul:1971ولعل النقطة األهم ما
يتعلق بت�أثريها املمتد والطويل ،فهي تغرس مجموعة من املعتقدات األساسية يف الوقت
الذي تشجع فيه كل عضو من املجموعة على االخنراط واملشاركة مع األعضاء اآلخرين.
ّ ّ
وبرغم مالمسة فلسفة ايلول حلاضرنا إل أنها لم تؤكد على استقاللية إنت�اج اجلمهور
ً
للدعاية ،بل عرضت شكال خيضع لتوجيه ورعاية سياسية لكن بأسلوب اجتماعي ناعم
غري مرصود ،وهذا يعين أن مقاربت�ه لعملية اإلنت�اج ال تصلح أن تعمم ،سيما وأن تكنولوجيا
االتصال حتررت إىل حد نسيب من السيطرة التقليدية ،وأسهمت يف بروز قنوات تفاعلية
اجتماعية أتاحت بدورها نشوء دعاية مصدرها األفراد.
ولكن حىت هذا االستنت�اج غري نهايئ؛ فمواقع الشبكات االجتماعية اليت منحت
ً
اجلمهور حرية اتصالية كافية إلنت�اج ما يرغب من مضمون بعيدا عن الهيمنة احلكومية،
ً ً
سمحت أيضا بنشوء تداخل بني الصيغتني العامودية واألفقية ،وصار صعبا أكرث من ذي
قبل حتديد مصدر والدة الدعاية احلقيقي؛ وهنا تكيفت اجلهات العليا مع الصيغة األفقية،
وسخرتها لصاحلها ،فمن خالل أدوات الدعاية احلاسوبي�ة كالروبوتات االجتماعية يمكن
ً ّ
ممارسة التضليل ،وإيهام الفئات اجلماهريية أن منشأ الدعاية اجتماعي ،وهي أصال قادمة
ً
من أعلى .وهنا تؤدي األيديولوجيا يف عالقتها بالدعاية األفقية دورا يف حتفزي املستخدمني
على إنت�اج موضوعات ختدم الفئة احلاكمة ،برغم عدم رعايتها للعملية بشكل ظاهر .وعلى
أية حال ما يمزي الدعاية يف عصرنا احلايل هو قدرة رسائلها على االنبعاث من داخل املجتمع،
ً
وبأيدي أفراد مستقلني تماما عن أي أجندة سياسية أو حزبي�ة ،حبيث يمكن لها التنقل من
فرد آلخر بشكل سلس بعيد عن الرقابة ،ويرد سبب ذلك بالدرجة األوىل إىل فقدان مركزية
ً
االتصال ،وصعوبة التأثري يف الوعي اجلماهريي كما كان سائدا.
وإنت�اج اجلمهور للدعاية باملفهوم السابق يعين تعليب واختصار العملية يف املمارسة
املتحررة فقط ،دون النظر إىل اإلنت�اج الدعايئ بكونه عملية نفسية تفاعلية تت�أثر باملوروث
والسياق السائد وتؤثر فيه ،فالعوامل االجتماعية والثقافية والتربوية والتاريخية
82
تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية
ً
واأليديولوجية ،وكل ما يرتبط بتشكيل اإلطار املرجعي لإلنسان تؤدي دورا يف ضبط
وتوجيه عملية اإلنت�اج الذايت للدعاية ،كما تفيض البيئ�ة واللحظة الراهنة والسياق ونمط
التفاعالت إىل حتديد نوعية اخلطاب الدعايئ الصادر عن الفرد ،وهنا قد ال يستطيع
املستخدم الفكاك من تأثري كل ما سبق ،سيما إذا ما عكست ملوضوعات حتظى باهتمامه
وترتبط بواقعه احليايت بشكل مباشر ،لذلك قد ال يعرب إنت�اج اجلمهور للدعاية عن خيار
بال معىن ،بقدر ما يعكس حاجات نفسية كالتعبري عن الذات ،أو التنفيس عن ضغط،
ً
أو التخفيف عن النفس ،أو إشباع رغبة املشاركة والتفاعل مع اآلخرين .ومهما يكن وأيا
ً
كان مضمونها ،فنحن عمليا عند نشرنا لرسالة عرب مواقع الشبكات االجتماعية ننتج
لدعاية تؤدي بأولئك املتعرضني لها إىل التفكري بطريقة قد تتوافق إىل حد ما مع مقاصدنا،
وهي يف حالة اإلنت�اج اجلماعي دعاية شبكية متحررة غري مسيطر عليها ،تستطيع
التأثري يف املجالني االفرتايض والفعلي ،وليس مثال الثورات العربي�ة بمعزل عن ذلك.
ً
خامسا :تطور بن�اء الرسالة الدعائي�ة
تتمــز رســائل الدعايــة التقليديــة خباصيتــن ،وهمــا صدورهــا عــن جهــات كــرى،
وانســجامها مــع اآلراء واملعتقــدات الســائدة داخــل الفئــة املســتهدفة ،وهاتــان الســمتان
تعكســان جبــاء حجــم األعبــاء الضخمــة املرتبطــة بعمليــة بنـ�اء الرســالة خاصــة مــا يتعلــق
بالقيــاس ،وضــرورة حتصيــل معرفــة واســعة ومفصلــة عــن املجتمــع املســتهدف مــن حيــث
ميــول أفــراده واجتاهاتهــم وأوضاعهــم النفســية واالقتصاديــة .وعلــى هــذا النحــو لــم تؤثــر
مواقــع الشــبكات االجتماعيــة يف مقتضيــات بن ـ�اء الرســالة مــن منظورهــا املؤسســايت ،بــل
علــى العكــس حدثتهــا بمــا يتن�اســب مــع طبيعــة الوافــد االتصــايل اجلديــد ،ولعــل التطــور
الــذي يســتحق منــا عنــاء الفحــص هــو مــا يتعلــق بدخــول اجلمهــور علــى خــط إنتــ�اج
ً ً
الدعايــة ،واكتســاب رســائلها مذاقــا اجتماعيــا يعكــس لشــعوبي�ة فوضويــة أكــر منــه عــن
اشــتغال منظــم ومنســق.
83
الفصل الثاين
وبالنظر إىل تعريفنا للدعاية يف كونها ناجت تفاعل مجموعة من املشاعر والغرائز
الداخلية تشق طريقها للخارج على شكل تعبري كتايب أو سيميايئ ،نستطيع استنب�اط
التن�اقض املوجود بني املستويني املؤسسايت واجلماهريي يف بن�اء الرسالة الدعائي�ة ،فاألوىل
ً ً ً
تتطلب مسلكا منظما ُمسندا بدراسات واستطالعات موضوعية ختدم أهداف كربى،
فيما ال تتجاوز الثاني�ة حدود التعبري التلقايئ عن ما يعرتي النفس من تفاعالت داخلية غري
ً
مفهومة غالبا ،وهذا األخري ما يمزي رسائل الدعاية الصادرة عن مستخديم مواقع الشبكات
االجتماعية من حيث اعتمادها على اخليال أو نظرية املؤامرة أو الكراهية أو األماين أو الرغبة
يف طرح رأي “شبه” مستقل عن اآلخرين...إلخ.
ً
وبالعودة إىل مسار البن�اء التقليدي ،تتخذ رسائل الدعاية من اآلراء السائدة مدخال
لها؛ من أجل إجياد آراء أخرى متفرعة عنها يف محاولة منها تعزيز أيديولوجيتها أو حتفزي
ً
سلوكيات تصب يف صاحلها .وبدال من تغيري املواقف الراسخة تتجه الدعاية حنو التعبري عن
ما خيتلج يف صدور األفراد ،فهي تعمل على توجيه أنماط السلوك من خالل شبكة قنوات
ً
تتخذ من التن�اغم واملصداقية شرطا للتشبيك مع اجلمهور ،وبمجرد إقامة القناة تستطيع
ّ
توجيه األفراد من اجتاه إىل آخر بشرط أل تتعارض رسائلها مع املواقف املهيمنة .ومع ذلك
ً ً
تتطلب الرسالة قدرا كبريا من الوضوح من أجل فهم معانيها ،فهي ال تقبل التأويل ،وال
ً
تتطرق سوى ملوضوع واحد ،وإال انفض اجلمهور عنها ،كما تستلزم انسجاما مع الوسيلة،
فالرسالة املخصصة للصحف واملجالت واملواقع اإللكرتوني�ة ختتلف من حيث اخلصائص
عن تلك املعدة لإلذاعة والتلفاز؛ هذا وتقتيض الرسالة وجود توازن بني االستماالت
ً
العاطفية واملنطقية عرب جتنب الكذب الصريح لصالح أنصاف احلقائق ،وأخريا يشرتط
يف الرسالة مسؤولية جهة واحدة عن إصدارها ،وحاجتها إىل تدريب وتأهيل متخصص،
ً
ناهيك عن الوقت الطويل نسبي�ا الذي تستهلكه عملية إخراجها يف صورتها النهائي�ة.
وبظهور مواقع الشبكات االجتماعية ،شهدت الرسالة عدة تطورات منها سرعة
ً ً ً
جتهزيها ،فحىت فرتة قريب�ة تطلب بن�اء الرسالة وقتا طويال نظرا حلاجة جهة الدعاية إىل
ً
دراسة اجلمهور أوال ،ثم نسج مضمون مالئم للتأثري فيه ،لكن مواقع الشبكات االجتماعية
قلصت الفجوة الزمني�ة املطلوبة للتحليل وبالتايل مدة جتهزي الرسالة؛ كما تتمزي باإلجياز
84
تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية
85
الفصل الثاين
دعائي�ة خبيث�ة ،كما حدث مع مرشحة احلزب الديمقراطي “هيالري كلينتون” عندما جرى
االستيلاء على رسائل بريدها اإللكرتوين اخلاص بعد اخرتاقه من قبل هاكرز روس ،ثم تعمد
تسريب بعضها بهدف نسف حظوظها يف الفوز بمنصب الرئاسة (.)Ibid
ﺗﺄﺛ���ﻏ���ﻣﺘﻌﻤﺪ ﺗﺄﺛ���ﻣﺘﻌﻤﺪ
املصدر)Wardle 2019(:
من زاوية أخرى ،تقسم رسائل الدعاية على مواقع الشبكات االجتماعية حبسب
التأثريات املرتتب�ة عنها إىل عدة أنواع فرعية ،تصدر عن جهات كربى أو فئات جماهريية على
التوازي ،وفق الشكل اآليت:
ﻣﺤﺘﻮى�ﻣﺆﻃﺮ�:اﺳﺘﺨﺪام�اﳌﻌﻠﻮﻣﺎت�ﻟﺘﺄﻃ���
اﻟﻘﻀﺎﻳﺎ�واﻷﻓﺮاد��ﺸ�ﻞ�ﻣﺠ��أ�ﻏ���ﻣﻜﺘﻤﻞ.
املصدر)Ibid( :
86
تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية
87
الفصل الثاين
الفرنيس وهو يقوم تنظيف يديه خالل زيارة ميداني�ة ألحد املصانع ،وبمجرد انتشار التقرير،
وتداوله بشكل كثيف بني املستخدمني ،قام عامل بتحدي “ماكرون” قبول مصافحة يده
املتسخة خالل زيارة األخري ملصنع جديد ( .)Sénécat:2017ويؤكد املثال السابق كيفية تب�دل
سياق املحتوى من فكاهي إىل دعايئ من خالل إعادة تأطريه بطريقة تستحث تفسريات
أخرى ترتجم نفسها على شكل سلوكيات جدية حقيقة ذات أثر متعاظم على املستخدمني.
.2محتوى دعايئ للوصل “ربط”
ّ ويسىم باملحتوى ُ
الطعم؛ ألنه يعمد إىل حتفزي املستخدمني للنقر على روابط بعينها
من خالل استخدام محتوى وصل مضلل ال يعرب عن حقيقة املضمون .ومثال ذلك
استخدام بعض الصفحات اإلخبارية واخلاصة املزيفة لعنوان جذاب أو صورة مغرية
تدل على موضوع معني ،وحني النقر على الرابط جيد املستخدم نفسه أمام مضمون آخر
ً
مختلف ،وغالبا ما ُيستخدم هذا التكنيك لتحسني تصنيف بعض املواقع ،أو لغرض
تمرير برمجيات خبيث�ة إىل داخل أجهزة املستخدمني ،أو لزيادة انتشار الصفحة على مواقع
الشبكات االجتماعية .وبغض النظر عن هدفه يرفض بعض الباحثني تصنيفه كأحد أنواع
ً
املحتوى الدعايئ .ويرون فيه تكنيكا للجذب ال أكرث ( .)Wardle:2019وبرغم وجاهةالرأي إال
أنن�ا ال نتفق بالكلية معه ،خاصة وأنن�ا نعيش يف عصر منافسة محتدم ،تسعى فيه مختلف
اجلهات إىل جذب أكرب عدد ممكن من املستخدمني إىل موضوعاتها بغض النظر عن
طبيعة مضامينها ،إخبارية كانت أم غري ذلك .وطالما أن اجلذب يتم عرب املحتوى ،ويؤدي
إىل محتوى ،فقد تأصلت يف محتوى الربط صفة “الدعائي�ة”؛ ألنه يسعى إىل حتقيق اجلذب
من خالل التأثري يف سلوك املستخدمني اإلتصايل ،ويؤكد رأين�ا نتيجة دراسة صادرة عام
2016م ،يف أن نوع العنوان ومصدره يمكن أن حيدد إذا ما كانت ردة فعل املستخدم جتاه املنتج
اإلخباري أكرث أو أقل إجيابي�ة ،وما إذا كان ينوي التعامل مع جهة النشر من عدمه يف املستقبل
( .)Scacco & Muddiman:2016ورغم كونه محتوى للتحفزي ،إال أن له تداعيات سلبي�ة أهمها
فقدان املستخدمني للثقة يف الصفحات اليت تلجأ إىل هذا التكنيك ،وبالتايل جتنبهم الوقوع
يف شرك محتوى الربط املضلل مرة أخرى ،ولكن ذلك ال يعين أنه كتكنيك قد شارف على
88
تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية
ً
النهاية ،على العكس تماما فحاجة الصفحات إىل مضاعفة أعداد الزيارات من خالل حتفزي
ً
سلوكيات النقر قد ال يتم إشباعها قريب�ا.
.3محتوى دعايئ مؤطر “خارج السياق”
يتجسد املحتوى املؤطر يف العديد من التكنيكات ،سواء من خالل إعادة تأطري
العناوين ،أو االقتب�اس عن شخصيات محددة ،أو االستشهاد اجلزيئ باإلحصاءات
والتجارب ،أو إبراز جانب من احلدث وجتاهل جوانب أخرى ،أو اخلروج بتعميمات
واستنت�اجات دون عرض كامل للقضية...إلخ .ويعرب املحتوى املؤطر عن رغبة يف تقديم
املعلومات بطريقة تتوافق مع امليول والرغبات ،أو عن جنوح حنو التالعب بتصورات
اآلخرين حول مختلف القضايا .وخطورة هذا النوع أنه يقلب املعىن بالكلية ،ليحيله إىل
زوايا جديدة مخالفة لطبيعته األصلية ،أي أنه عملية مقصودة للخروج بتفسري مختلف
عن احلدث عرب حتويل منظور الشخص أو رؤيت�ه له باجتاه جديد أو إىل زاوية أخرى
( .)MacNamara:2012وينتشر املحتوى املؤطر بكثافة بني املستخدمني ،خاصة ما يتعلق
بإعادة تأطري الصور واملشاهد البصرية ،بهدف منحها داللة جديدة تتوافق مع النص
املرفق معها؛ فعلى سبي�ل املثال يتعمد بعض املستخدمني نشر صورة فوتوغرافية تظهر
حشد كبري من األفراد بهدف إسناد وتعزيز رأيهم (النيص) حول مدى الشعبي�ة اجلماهريية
الكبرية اليت يتمتع بها حزب سيايس ما ،ولكن ما ال يعلمه املتعرض للمنشور هو احتمال
خضوع الصورة املرفقة للتدليس ،من خالل اختي�ار زاوية معين�ة تعكس وجود حشد
ً
كبري مع أن احلقيقة قد تكون مختلفة تماما .كما يشمل املحتوى املؤطر ذلك الذي جيري
ً
تفسريه بطريقة ملتوية ،فمثال يقوم أحد املستخدمني
بنشر صورة صحيحة غري متالعب بها ثم يعمد إىل
تأويلها بشكل يتن�اقض مع سياقها احلقيقي ،وهنا
ً ً
تتخذ الصورة سياقا جديدا يتن�اغم مع هدف ناشرها.
ومن النماذج الشهرية اليت توضح كيفية تأطري املحتوى،
نشر أحد املستخدمني صورة تظهر فيها فتاة محجبة
تسري بالقرب من ضحية سقطت نتيجة هجمة تعرضت لها مدين�ة لندن عام 2017م،
89
الفصل الثاين
مرفقة بوسم ( Banislam#احجبوا اإلسالم) ،وبرغم محاولة إظهار الفتاة يف حالة من عدم
االكرتاث مردها إىل تعاليم الدين اإلساليم ،إال أن مقابلة الحقة معها كشفت أن إحجامها
عن االلتفات كان بدافع من االحرتام واخلصوصية للضحية ،كما اتضح أن احلساب
الذي نشر الصورة يتبع جلهات يف روسيا متخصصة يف تنفيذ عمليات تضليل على مواقع
الشبكات االجتماعية (.)Wardle:2019
.4محتوى دعايئ مفربك “معدل”
ُيقصد بعملية الفربكة ،خضوع املحتوى للتالعب من خالل التعديل عليه بالشطب
أو اإلضافة ،حبيث ينقله من حالته األصلية إىل حالة أخرى مغايرة .ويتجسد هذا النوع
بكثافة يف املحتوى البصري ،خاصة الصور واملقاطع األصلية اليت ختضع للتغيري كي
ً
تعكس معىن جديدا ال يتسق مع حالته احلقيقية ،فعلى سبي�ل املثال انتشرت على
َ
مواقع الشبكات االجتماعية صورة فوتوغرافية لربكة مياه تظهر فيها سمكة قرش خالل
إعصار “ساندي” الذي ضرب الواليات املتحدة األمريكية عام 2012م ،ولكن اتضح فيما
ّ
بعد أن الصورة خضعت للتالعب عرب دمج السمكة
فيها دون أن يتمكن أحد من كشف حقيقتها إال بعد
انتشارها بكثافة بني املستخدمني .وجتدر اإلشارة هنا
إىل أن املحتوى املفربك (خاضع للتالعب) خيتلف عن
املحتوى املؤطر ،فاألول خيضع لتعديل يف أصله أما
الثاين فيبقى على حالته األصلية ولكن يوضع يف سياق
جديد مخالف لألصلي.
.5محتوى دعايئ مزور
خبالف األنواع السابقة ،هذا النوع هو محتوى مزيف بالكامل ال أصل له يف الواقع،
أو هو قصص مصنعة من العدم ،ويف معظم احلاالت عمدا ،أي أنه أكاذيب ال أكرث
(الدلييم .)2018:وين�درج الزتييف العميق ،واإلشاعات ،واألخبار املزيفة Fake Newsحتت
هذا النوع من املحتوى ،ومن أشهر أمثلته مقطع الفيديو الذي أظهر هجوم نسر على طفل
90
تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية
بــرزت مشــكلة األخبــار والصــور املفربكــة والفيديوهــات املركبــة مــع االنتشــار الواســع لوســائط التواصــل االجتماعــي (*)
وطغيانهــا علــى احليــاة املعاصــرة وظهــور تأثرياتهــا علــى حياتنـ�ا ،وأصبحــت قضيــة تشــغل املجتمعــات واحلكومــات بســبب
ً
آثارهــا الســالبة واخلطــرة ،وخــال تواصلنــا اليــويم يمــر علين ـ�ا خــر أو فيديــو يتبــن الحقــا أنــه مفــرك ،أو صــورة يتضــح
ً
الحقــا أنهــا معدلــة أو موضوعــة يف خــارج ســياقها بهــدف التضليــل والتشــويش (الدليــي.)2018:
91
الفصل الثاين
ً
سادسا :سرعة انتشار الدعاية
شــهدت الدعايــة يف الســنوات األخــرة تطــورات علــى صعيــد ســرعة انتشــارها،
خاصــة مــع ظهــور مواقــع الشــبكات االجتماعيــة .وقبــل اخلــوض يف هــذه التطــورات ال
بــد مــن توضيــح الطــرق التقليديــة النتشــار الدعايــة حــى يســهل علينــ�ا عقــد املقارنــة،
وتبيــ�ان حجــم القفــزة الــي حتققــت خــال القــرن احلــادي والعشــرين .وبالغــوص يف
التاريــخ القديــم اختــذت الدعايــة هيئ ـ�ات متعــددة معظمهــا مــادي كالتماثي ـ�ل والعمــات
املعدنيــ�ة واملنقوشــات والرســومات ،وغريهــا مــن األشــكال البصريــة الــي توزعــت
علــى مســاحات جغرافيــة واســعة لتأكيــد ُســلطة احلاكــم ،مــا يعــي اعتمــاد الدعايــة يف
انتشــارها علــى قــدرة اإلمرباطــور أو الفرعــون علــى تشــيي�د التماثيــ�ل وصــك العمــات
ً
وتوزيعهــا علــى مســاحة جغرافيــة واســعة لتأكيــد ُمطلــق ســيطرته وأحيانــا “ألوهيت ـ�ه”.
وهــذا النــوع مــن االنتشــار لــم يأخــذ باحلســبان متطلبــات الســرعة بقــدر مــا ارتبــط
بزنعــات حنــو ختليــد الــذات وديمومــة بقائهــا بــن صفحــات التاريــخ ،وحــى لــو حضــرت
فــروض الســرعة ،فــاألدوات والوســائل املنتشــرة يف ذلــك الوقــت لــم تســمح بتلبيــ�ة
شــروطها بعكــس العصــور الالحقــة .ومــع بــدء ظهــور التجمعــات البشــرية كالقــرى
واملــدن الصغــرة بــدأت الدعايــة باالنتشــار بطريقــة وجاهيــة ،شــكلت الكلمــة أداتهــا
الرئيســة ،وباخــراع املطبعــة وظهــور املنشــورات والصحــف والكتيب ـ�ات وجــدت الدعايــة
ً
وســيلة أخــرى جديــدة لالنتشــار ولكــن علــى نطــاق أوســع جغرافيــا وبشــكل أســرع،
عــزز ذلــك تشــكل املجتمعــات اجلماهرييــة والصناعيــة الكــرى ،والــدور الــي باتــت تؤديــه
الصحافــة يف صناعــة تصــورات وآراء األفــراد.
وبدخــول القــرن العشــرين ،شــهدت وســائل نشــر الدعايــة انتعاشــة كبــرة،
خاصــة مــع اخــراع املذيــاع والتلفــاز وانتشــار تقنيــ�ة البــث الفضــايئ والكابــات
ّ ّ
والطائــرات والســكك احلديديــة وغريهــا ،إل أن مــا يمــز انتشــار الدعايــة خــال
جميــع احلقــب الســابقة هــو انتهاجهــا ملســار خطــي Linearمــن املصــدر إىل الفئــة
املســتهدفة مباشــرة ،ثــم قيــام جهــات اجتماعيــة تابعــة “للمصــدر” بتعزيــز انتشــارها
بــن اجلمهــور إمــا عــن طريــق املواجهــة االتصاليــة املباشــرة أو عــن طريــق العــدوى،
92
تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية
ً
كحالــة اإلشــاعات ،وهــو األمــر الــذي يتضــح جليــا مــع نمــوذج تدفــق املعلومــات علــى
مرحلتــني(*).
شكل يوضح نموذج إنتشار الدعاية على مرحلتني
تدفــق املعلومــات علــى مرحلتــني :انتقــال املعلومــات مــن وســائل اإلعــالم إىل قــادة الــرأي ومنهــم إىل اجلمهــور ،أي أنهــا (*)
ال تصــل مباشــرة إىل اجلمهــور بــل عــرب وســيط ،وتــرد النظريــة إىل العاملــني األمريكيــني إلياهــو كاتــز وبــول الزارســفيلد
.Paul Lazarsfeld & Elihu Katz
93
الفصل الثاين
يف حالة فيسبوك ،تستطيع الدعاية االنتشار بشكل مخصص ،أي استهداف فئات
ً
جماهريية محددة ومختارة سلفا ،دون أن تمتد رسائلها لفئات أخرى خبالف احلال مع
الوسائل التقليدية كالتلفاز واملذياع .واجلزء اآليت يستعرض ألهم تكنيكات نشر الدعاية
على الشبكات االجتماعية ،بما يعكس التطورات يف مجال سرعة تمددها وانتشارها بني
املستخدمني.
أ .أهم تكنيكات نشر الدعاية على الشبكات اإلجتماعية
1املشاركة :Sharingمصطلح يشري إىل جهد منسق من خالل قيام مستخدمني أو .
برامج آلية بمشاركة محتوى دعايئ معني من أجل زيادة رقعة انتشاره داخل مواقع
ّ
الشبكات االجتماعية .واملشاركة خاصية توفرها معظم املنصات االجتماعية إل
ّ
أنها حتولت إىل أداة دعائي�ة لتسريع عملية تمدد الدعاية.
ً
2الوسوم :Hashtagsبعيدا عن تعريف الهاشتاك ،تستفيد الدعاية من الوسوم .
ً
من أجل نشر رسائلها على نطاق شبكي محدد جيري اختي�اره سلفا ،فالوسم
ً
يعرب عن موضوع ما حيظى بأهمية لدى مطلقيه ،وعادة ما يعمل على تشبيك
ً
وربط املستخدمني بقضية محط اهتمام مشرتك بدال من تشتتهم ،وبمجرد أن
يسجل الوسم معدل ظهور معتدل داخل الشبكة ،Trendحىت يب�دأ بلفت أنظار
مستخدمني جدد إليه ،وبالتايل حث عملية تداول إضافية تؤدي يف النهاية إىل
تضخيم أثره.
ً
3خاصية التعبري :Impressionsال يمكن أبدا االستهانة بقدرة التفاعل مع .
املحتوى عرب زر التعبري (إعجاب ،غضب ،حزن ،حب...إلخ) على املساهمة يف
زيادة انتشار رسائل الدعاية؛ وتعود أهمية خاصية التعبري لما تمتلكه من قدرة
على كشف نوعية التفاعالت اليت يؤديها املستخدمني ،إىل جانب حتفزيها سلوك
ً
التقليد .فمثالُ ،يظهر تفاعل املستخدم مع موضوع ما عرب زر اإلعجاب مدى
أهمية املوضوع بالنسبة له ،األمر الذي يستحث متابعة من مستخدمني آخرين
لذات املوضوع ،ويف املحصلة ترويج وانتشار أكرب للموضوع أو الفكرة.
94
تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية
ً
4االنتشــار الفــرويس :Viralانتشــار يتحقــق مــن تلقــاء نفســه مســتفيدا مــن .
ّ ً
تلقائيـ�ة املســتخدمني وأحيانــا جهلهــم .وســي بالفــرويس؛ ألنــه كالعــدوى ينتقل
ً
مــن شــخص آلخــر بشــكل ســريع جــدا .وخاصيــة “املشــاركة” اليت ســبق احلديث
عنهــا مناقضــة إىل حــد مــا ملبــدأ االنتشــار الفــرويس ،والذي يعين انتشــار الرســائل
مــن تلقــاء نفســها دون تدخــل أو دعــم مــن جهــة الدعايــة .والفــرق بــن االثنــن
ً ُ
يكمــن يف حضــور مبــدأ املركزيــة ،إذ عــادة مــا توظــف “املشــاركة” مــن خــال
توجيــه مركــزي يتحــدد عــره نــوع املحتــوى املطلــوب إبــرازه وتعميمــه ،بعكــس
ً
االنتشــار الفــرويس الــذي ينتشــر ويتوالــد تلقائيـ�ا دون توجيــه أو رعايــة مركزيــة
ّ ّ
الرتب�اطــه بســلوكيات املســتخدمني واهتماماتهم .وبرغم الفروقــات إل أن كليهما
يســتجيب ملبــدأ التضخيــم ،فعلى ســبي�ل املثال تتعمــد جهة دعائيـ�ة احلديث عن
موضــوع مــا والطلــب مــن عــدد محــدود مــن املســتخدمني إبــداء رأيهــم ثــم نشــر
هــذا الــرأي علــى صفحاتهــم ،ومــا أن يتحقــق ذلــك حــى تب ـ�دأ شــبكة األصدقــاء
املحيطــة بهــؤالء املســتخدمني بقــراءة الــرأي والتعليــق عليــه ،ليدخــل املوضــوع يف
ً
حلقــة توالــد يصعــب الحقــا حتديــد مــدى تضخمهــا ،وجتســد روايــة “هــاري بوتــر”
ً ً
مثــاال حيــا علــى كيفيــة توالــد اآلراء مــن مدخــل تســويقي صــرف .فالكاتبــ�ة
تعمــدت مشــاركة الروايــة مــع ســبعة مســتخدمني ،وطلبــت منهــم قراءتهــا
وإبــداء رأيهــم فيهــا ،وفــور انتهائهــم ،كتــب الســبعة تعليقاتهــم حــول الروايــة
ونشــروها علــى صفحاتهــم الشــخصية عــر فيســبوك ،ومــن ثــم بــدأت الشــبكة
املحيطــة بهــم بقــراءة ومشــاركة تعليقاتهــم ،وهكــذا حــى تطــور األمــر مــن ســبعة
إىل 350مليــون شــخص يف أقــل مــن ســنة علــى صــدور الروايــة (املقــدادي.)2013:
وجتــدر اإلشــارة هنــا إىل الضجــة الكبــرة الــي قــد ترتتــب عــن االنتشــار الفــرويس
للدعايــة ،حبيــث يــردد صداهــا داخــل الشــبكات االجتماعيــة ،لتجــذب االنتب ـ�اه
حنوهــا ومــن ثــم زيــادة اخنــراط املســتخدمني مــع موضوعاتهــا بعــد أن يذيــع
صيتهــا علــى صفحــات املســتخدمني .ومــن املخاطــر املرتبطــة بهــذا النــوع مــن
االنتشــار ،احتمــال تبــ�دل معــى الرســالة الدعائيــ�ة نتيجــة التوالــد التلقــايئ،
95
الفصل الثاين
املصدر(:املؤلف نفسه)
ُ
أدوات الدعاية احلاسوبي�ة :وهي أدوات آلية حبتة تربمج لتأدية وظائف بشكل .5
شبه مستقل منها نشر رسائل الدعاية بشكل منسق ومزتامن وبأكرث من قناة.
ويقف على رأس هذه األدوات الروبوتات االجتماعية واخلوارزميات واحلسابات
الوهمية وغريها ،وسنتحدث يف فصول قادمة عن هذه األدوات بالتفصيل.
املشاهيــر والشخصيـــات املؤثـــرة :قـد تسـتعني الدعايـة بشـخصيات معروفـة .6
ً
جماهرييـا أو مؤثـرة داخـل مواقـع الشـبكات االجتماعيـة مـن أجـل نشـر رسـائلها
علـى قطـاع كبـري مـن املسـتخدمني ،وتسـتفيد الدعايـة مـن كـم املتابعـة الـيت
حتظـى بهـا هـذه الشـخصيات لتمريـر رسـائلها بشـكل سـريع ،علـى أمـل التفاعـل
معهـا وبالتـايل زيـادة نطـاق انتشـارها.
96
تطورات الدعاية بظهور مواقع الشبكات اإلجتماعية
خاتمة الفصل
أســهمت مواقــع الشــبكات االجتماعيــة يف تعظيــم قــدرة الدعايــة علــى الوصــول إىل
ً
جماهــر جديــدة ومتنوعــة لــم يكــن متاحــا بلوغهــا يف الســابق ،كمــا ســاعدت علــى زيــادة
ســرعة انتشــارها يف زمــن قيــايس لــم يســبق أن شــهدته يف عصــور خلــت ،وهــذا يؤكــد بمــا ال
ّ ّ ّ ً
يــدع مجــاال للشــك أن الدعايــة لــم تصــل إىل حدهــا النهــايئ بعــد ،وأن تطورهــا واســتمرارها
مرهــون بقــدرة اإلنســان علــى اخــراع وإجيــاد وســائل اتصــال جديــدة تســتغلها الدعايــة
ً ً
لصاحلهــا .أيضــا لــم تعــد الدعايــة كنشــاط موجــه ومــدروس حكــرا علــى الســلطة بــل
صــارت متاحــة ألي فــرد يرغــب يف ممارســة تأثــره علــى اآلخريــن ،مــا يعــي دخــول قطاعــات
ً
اجتماعيــة واســعة علــى خــط إنتـ�اج ونشــر الدعايــة مســتفيدة مــن املزايا الــي وفرتهــا مواقع
الشــبكات االجتماعيــة ،ولعــل أهــم تطــور مــن وجهــة نظرنــا مــا يرتبــط بمفهــوم اإلشــراك،
ّ
وميــل مختلــف اجلهــات املعنيــ�ة إىل حــث أكــر عــدد مــن املســتخدمني علــى مشــاركة
ّ
جهودهــا الدعائيـ�ة ،ويف هــذا داللــة صرحيــة علــى أن الدعايــة احلديثـ�ة باتــت تســتفيد مــن
قــدرات األفــراد ،بعــد أن كانــوا مجــرد متلقــن ســلبيني لرســائلها ال حــول لهــم وال قــوة.
97
98
الفصل الثالث
الدعايـــة احلاسوبي�ة
99
ً
أوال :مفهوم الدعاية احلاسوبي�ة
ً
ثاني�ا :الدعاية احلاسوبي�ة وخاصية التنكر
ً
ثالثا :مكونات الدعاية احلاسوبي�ة
100
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
َ
تعاظمت خالل السنوات القليلة الماضية املناقشات حول اسرتاتيجيات وطرق
التالعب بالرأي العام على مواقع الشبكات االجتماعية داخل األوساط السياسية
واألكاديمية ،عززتها نت�اجئ االنتخابات األمريكية ،وتداعيات استفتاء خروج بريطاني�ا من
االحتاد األورويب .هذه املفاجئات غري املتوقعة دعمت مخاوف متن�امية بشأن خطورة أشكال
الدعاية احلديث�ة على املسارات واالستحقاقات الديمقراطية حول العالم ،رسختها حقائق
ّ
علمية كشفت عن أن نسبة 20%من املحتوى السيايس املنشور على “تويرت” خالل حملة
انتخابات الرئاسة األمريكية جاءت من مصادر آلية “روبوت” ،وأن كيانات تتبع روسيا
وظفت خدمة اإلعالنات املمولة وأسلوب املنشورات املوجهة من أجل نشر مضمون
استقطايب على موقع “فيسبوك” ،بمساندة روبوتات اجتماعية وسعت من رقعة تمدده
داخل البيئ�ة الشبكية األمريكية ،لضمان التضخيم وزيادة التأثري .ويقدر موقع “فيسبوك”
عدد الذين تعرضوا للدعاية الروسية بــ 126مليون أمريكي ،أي ما نسبت�ه 40%من مجمل
التعداد السكاين (.)Santini et al.:2018
ّ ّ
وبرغم اخلري الكثري الذي جلبت�ه التكنولوجيا الرقمية إل أنها استدعت على التوازي
ً
أخطارا متنوعة ،فالعديد من املواقع والتطبيقات على شبكة اإلنرتنت ،مثل فيسبوك
ً ً
وتويرت وغريها ،تواجه صراعا محتدما للحد من استخدامها يف مجال التالعب السيايس
والدعاية ،خاصة ما يرتبط بالروبوتات ،والتالعب باخلوارزميات ،واألخبار املزيفة،
ً
واالستهداف املخصص وغريها .وبعد أن كانت حقال لالنفتاح والتفاعل بني األفراد،
تشهد هذه املنصات تغريات جوهرية قصرية باجتاه حتولها إىل مسرح للجهود التخريبي�ة
ً
املنظمة اليت تسعى إىل نرث بذور الفوىض ،لذلك ليس مستغربا استغالل العديد من األجهزة
العسكرية واالستخباراتي�ة للشبكات االجتماعية كقنوات للتخريب األمين والسيايس
101
الفصــل الثالـــث
ّ
واملجتمعي .وألنن�ا نعيش يف عصر استثن�ايئ يتخلله نهوض وأفول سريع للعديد من
الكيانات واحلركات حول العالم ،تفشت بشكل غري مسبوق أدوات تالعب حديث�ة مكرسة
لتضليل الرأي العام ،خاصة على مواقع الشبكات االجتماعية .وهنا برزت أسئلة تتمحور
حول كيفية توليف ومزج العديد من اجلهات لألنشطة البشرية والتقني�ة يف مضماري
التالعب والتأثري .عند هذه النقطة طفى على السطح داخل األوساط األكاديمية مصطلح
“الدعاية احلاسوبي�ة ،”Computational Propagandaكتعبري عن مجال درايس نائش حييل إىل
معىن يؤشر على اجلهود السلبي�ة املوجهة عرب الفضاء الرقيم(*).
ً
أوال :مفهوم الدعاية احلاسوبي�ة
ُ
تعرف الدعاية احلاسوبي�ة أو دعاية الربمجيات احلاسوبي�ة بكونها ممارسة اتصالية
ّ
(*)
مقصودة ،أو أنها االستخدام املتعمد للخوارزميات واألتمتة بالتوازي مع الرعاية البشرية
يف نشر معلومات مضللة على مواقع الشبكات االجتماعية كفيسبوك وتويرت وغريها
ّ
( .)Woolley & Howard:2016وألن التعريف تقين إىل حد بعيد ،فهو ال يتضمن األبعاد الثقافية
والسوسيولوجية املرتبطة بالدعاية احلاسوبي�ة بعكس مفهوم الدعاية الشبكية الذي
ً
سنشري إليه الحقا.
والدعاية احلاسوبي�ة هي استخدام لنظم املعلومات احلاسوبي�ة ألغراض سياسية،
بما يشمل اجلهود اليت تب�ذلها احلكومات للتأثري يف الرأي العام لبلد آخر من أجل
إحداث تغيري يف سياساتها أو عالقاتها اخلارجية ،أو إيقاع اضطرابات وشروخ يف جبهتها
الداخلية من خالل حتريض املواطنني على معارضتها واالنقالب عليها .وهناك من
يرى فيها محاولة للتأثري على الرأي العام والسلوك من خالل التوليف االسرتاتييج بني
مواقع الشبكات االجتماعية ،والوكالء (الفاعلني) ،واالستهداف املخصص ،وتنقيب
البي�انات بمشاركة نشطة من األفراد املستهدفني الذين يساعدون يف إدامة الرسالة
يعود أصل تسمية الدعاية احلاسوبي�ة إىل مشروع حبوث الدعاية احلاسوبي�ة التابع جلامعة أكسفورد. (*)
يقصد بالرعاية البشرية ،الدعم البشري الذي تتلقاه اجلهود الدعائي�ة اآللية على مواقع الشبكات االجتماعية. (*)
102
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
ً
مصطلح يطلق على أي يشء يعمل ذاتي�ا دون تدخل بشري. (*)
التخصيص :توجيه رسالة الدعاية إىل فئة معين�ة ومختارة من املستخدمني دون غريهم. (*)
103
الفصــل الثالـــث
104
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
التفاعلية،ليتحــول بعدهــا إىل ظاهــرة عامليــة(*) .وخــال اآلونــة األخــرة تعاظــم اعتمــاد
ً
الدعايــة احلاســوبي�ة علــى ذاتهــا وإمكاناتهــا ،حبيــث ختلــت نســبي�ا عــن العنصــر البشــري
الــذي شــاركها جهــد تطبيــق اســراتيجيات وتكنيــكات تالعــب ســيرباين لســنوات عديــدة،
لقــد باتــت قــادرة علــى تأديــة وظائفهــا بشــكل شــبه مســتقل ومتحــرر ،دون احلاجة ملســاندة
أو رعايــة بشــرية مكثفــة؛ عــزز ذلــك تطــور وتعاظــم تأثــر تكنولوجيــا الروبوتــات السياســية
يف الــرأي العــام ،ســيما علــى مســتوى التغيــر الســلوكي ،كمــا حتولــت مــن أداة حصريــة بيـ�د
جهــات حكوميــة ،تن ـ�درج حتــت تصنيفــات عســكرية واســتخباراتي�ة ،إىل ماكين ـ�ة جتاريــة
متاحــة للجميــع ،تســتطيع أي جهــة اســتثمارها وتســخريها لصاحلهــا .ويف هــذا الصــدد
مكنــت مــزة الســرية الــي وفرتهــا شــبكة اإلنرتنــت مــن إنتـ�اج ونشــر رســائل دعائيـ�ة دون أن
يتمكــن أحــد مــن كشــف اجلهــة احلقيقيــة الــي تقــف خلفهــا(*) (.)Ibid
ُ
وتتقاطع الدعاية احلاسوبي�ة مع مفهوم الدعاية الشبكية ،واألخرية تعىن باملجال
الذي تشتغل وتنتشر فيه الدعاية ،بينما تهتم األوىل بالتقني�ات احلديث�ة املستخدمة
داخل هذا املجال .وتداخل املفهومني ضروري الستيعاب طبيعة االشتغال الدعايئ
الروبوتــات االجتماعيــة عبــارة عــن أنظمــة تفاعليــة تســتطيع إنت ـ�اج مضمــون دعــايئ وتوزيعــه بشــكل مربمــج ،إىل جانــب (*)
مــزات أخــرى كالتفاعــل مــع اإلنســان ،والتعبــر عــن املشــاعر ،كمــا يمكــن لهــا محــاكاة ســلوك اإلنســان االتصــايل ،كاألنمــاط
الزمنيــ�ة إلنتــ�اج املحتــوى ونشــره ،وتتنــوع مهــام الروبــوت فهــو قــادر علــى اقتحــام املناقشــات السياســية ،والتالعــب
بأســواق األوراق الماليــة ،وســرقة املعلومــات الشــخصية ،وترويــج األخبــار الكاذبــة ،وصناعــة تضليــل جماهــري متعمــد
( ،)Ferrara et al.:2016كمــا يســتطيع إنشــاء وإدارة حســابات وهميــة بشــكل مطابــق ألســلوب اإلدارة البشــرية ،والعكــس
صحيــح (يمكــن لفئــات مختــارة مــن املســتخدمني إنتــ�اج وتوزيــع منشــورات بشــكل منتظــم وعلــى نطــاق واســع،
لتبــ�دو وكأنهــا فعــل آيل مربمــج) ،ويمتلــك الروبــوت قــدرة التســلل وتوســط مســارات روابــط االتصــال احلقيقيــة بــن
املســتخدمني ،وإنت ـ�اج محتــوى موثــوق عــر تبــي أنمــاط زمني ـ�ة تشــبه بصمــة اإلنســان؛ بهــدف التشــويش علــى جهــود
ً
تتبعــه وكشــفه ،ويمكــن لــه جمــع محتــوى بشــكل تلقــايئ مــن عــدة مصــادر محــددة ســلفا ،ونشــرها خــال فــرة زمني ـ�ة
فعليــة إىل جانــب إطــاق املحادثــات ،والتعليــق علــى املنشــورات ،واإلجابــة عــن األســئلة (.)Santini et al.:2018
علــى ســبي�ل املثــال ،وظفــت حملــة املرشــح اجلمهــوري دونالــد ترامــب خدمــات شــركة لالتصــال االســراتييج تدعــى (*)
كامربيــدج أناليتيــكا؛ مــن أجــل تنفيــذ حمــات تالعــب لصاحلهــا ،األمــر الــذي أســهم يف توليــه منصــب الرئاســة ،وال يعــي
ً
اســتقاللية الدعايــة احلاســوبي�ة اســتغنائها أو ختليهــا التــام عــن العنصــر البشــري ،فمؤخــرا بتنــ�ا نلحــظ أنشــطة باجتــاه
موائمــة املكونــن البشــري واآليل بهــدف صناعــة كائــن هجــن ،Cyborgمخصــص لتجــاوز القيــود املرتتبـ�ة عــن جنــاح العديــد
مــن الربامــج والتجــارب يف مجــال مكافحــة أنشــطة الروبوتــات التقليديــة وحتيي�دهــا عــن العمــل.
105
الفصــل الثالـــث
على املنصات االجتماعية .وتعزو الدعاية الشبكية أسباب التأثري اجلمعي يف املعتقدات
واملواقف إىل تفاعل وتكامل مجموعة متنوعة ومنفصلة من املصادر والقنوات الشبكية،
ّ
بمعىن أن التأثريات املرتتب�ة عن جهود اإلرباك والتشويش وزراعة املفاهيم املغلوطة ،واليت
تسهم يف إيقاع تب�دالت واسعة النطاق يف املواقف واملعتقدات ،ال تأيت من مصدر أو رسالة
واحدة ،بل من عدة منافذ خيضع بعضها لتحكم جهة الدعاية يف حني يستقل بعضها اآلخر
بذاته .هذه املنافذ تعمل على تكرار رسائل الدعاية بأسلوب يغذي أهميتها ومصداقيتها،
ويعاظم احتمالية تذكر واستدعاء اجلمهور لها ومشاركتها ،وبالتايل تعزيز فرص انتشارها
على نطاق واسع داخل بيئ�ة املجتمع املستهدف ( .)Benkler et al.:2018والدعاية الشبكية
وفق هذا الطرح أقدر على معاجلة ومقاربة العملية الدعائي�ة بشموليتها ،من ناحية دراسة
خصائص انتشار الدعاية وحتليل تأثري حمالتها ابت ً
�داء من املستوى األصغر (العقد الفردية
لالتصال) إىل املستوى األكرب (بني�ة الشبكة وهندستها ككل) ،ومن ثم فهم دور دين�اميكية
تدفق املعلومات يف دعم وتسريع انتشار الرسائل (.)Ibid
وتاريخ الدعاية احلاسوبي�ة قصري للغاية مقارنة مع تاريخ الدعاية التقليدية،
ولكن بالنظر إىل النت�اجئ يمكن اجلزم بتفوقها ،خاصة بعد جناحها يف ترجيح آراء جماهريية
خالل أحداث عاملية ساخنة كاالنتخابات األمريكية ،واستفتاء خروج بريطاني�ا من االحتاد
ّ
األورويب ،والصدامات امليداني�ة الروسية-األوكراني�ة .وبرغم تاريخ الدعاية الطويل إل
ّ
أن ظهور اإلنرتنت وبالتحديد مواقع الشبكات االجتماعية أسدل على حنو جذري ستار
ً
مشهدها القديم ،فهي شرعت الباب واسعا أمام اجلميع إلنت�اج ونشر الدعاية بعد أن كانت
ً ً ً
ميدانا مغلقا ،ومخصصا فقط ألصحاب السلطة ،كما سمحت بنشوء دعاية عابرة للحدود
ً
اجلغرافية مكنت من التدخل سلبا يف احلياة السياسية الداخلية لدول وكيانات عديدة.
ً ً ً
وقد شهدت السنوات اخلمس األخرية توظيفا استثن�ائي�ا ومهوال لتقني�ات وأساليب
الدعاية احلاسوبي�ة سواء يف مجال نشر املعلومات املضللة ،أو ممارسة الرقابة على
املستخدمني والصحفيني ،أو صناعة االجتاهات املزيفة (الرتندات) ،أو تضخيم خطاب
الكراهية وغريها الكثري ،األمر الذي يؤكد مدى القوة اليت بلغتها الدعاية يف وقتن�ا احلاضر
باملقارنة إىل إمكاناتها يف عصور سابقة خلت.
106
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
ً
وأخريا ،من الصعب فهم التأثريات االجتماعية املرتتب�ة عن الطبيعة املتغرية للدعاية،
فنحن ما زلنا يف البداية فقط ،وتطور هذا الفهم مرهون بقدرتن�ا على فك التعقيدات
الناجمة عن تزاوج االبعاد التقني�ة والسوسيولوجية للدعاية ،واليت لم تكن لتحصل لوال أن
مكنت لها شبكة اإلنرتنت.
ً
ثاني�ا :الدعاية احلاسوبي�ة وخاصية التنكر
اهتم العلماء خالل سنوات القرن العشرين بدراسة مصدر الدعاية ،وطريقة تمويهها
لنفسـها ورسـائلها دون مالحظـة اجلهـة املسـتهدفة .وبدخـول القـرن احلـادي والعشـرين،
ً
ترسـخ هذا االهتمام ليأخذ أبعادا جديدة مرده إىل مزية السـرية اليت تمنحها شـبكة اإلنرتنت
ومواقع الشبكات االجتماعية ،وقدرة أي فاعل سيايس أو اجتماعي على التخفي أو االنتحال
ً ً
خلال مباشـرته جهـدا دعائيـ�ا علـى البيئـ�ة االفرتاضيـة .ومـن املدخـل النظـري التقليـدي ال
ّ
مجـال لالجتهـاد يف حتديـد مصدر الدعاية ،ألنها كما يصفها أحـد الباحثني “حتمية ال مجال
للتشـكيك فيهـا” ،فهـي تقـف خلفهـا جهـات عليـا كاحلكومـات واملؤسسـات العسـكرية
( .)Sproule:1994وهـي بهـذا املعنى مجـال تنفيـذي ُمحتكـر بيـ�د فئـات محـددة ،تسـعى إىل
تمريـر أهـداف غير معلنة بأسـلوب منسـق وجذاب يصعب علـى اجلمهور حتديـد منبعها ما
لـم تفصـح عـن نفسـها .مـن جانـب آخـر ،يعزو عـدد مـن العلمـاء مصـدر الدعايـة إىل جهات
ً
اجتماعيـة ،ويرفضـون حتميتهـا أو قصرهـا علـى جهـات متحكمـة فقـط ،فمثلا يقسـم
الفرنسي ايلـول الدعايـة وفـق مصدرهـا إىل نوعين :أفقيـة وعاموديـة ،حبيـث يعتبر األوىل
ُ
سياسـية تنسـب إىل جهـات عليـا ،فيمـا الثانيـ�ة اجتماعيـة تنبـع مـن حواضن شـعبي�ة لكنها
ختضـع إلشـراف مـن أعلـى .وبرغـم دقـة وحيويـة التصنيـف ،إال أنـه ال يعبر عـن الطبيعـة
اجلديـدة لتكنولوجيـا االتصـال ،وال عـن التبـ�دالت التي تشـهدها الدعايـة علـى صعيـد
حتولهـا مـن حالـة هرميـة إىل غير هرميـة ،فاالكتفـاء بنسـب مصـدر الدعايـة إىل جهـات
كبرى قـد ال يتـلاءم مـع حقيقـة البيئـ�ة الرقميـة؛ لنفيـه احتمـال صدورهـا عن أكثر من جهة
يف آن واحد.
107
الفصــل الثالـــث
هﻮ�ــﺔ�اﻟﻌﻤﻞ�اﻟﺪﻋﺎ�ﻲ
دﻋﺎﻳﺔ�ﺧﻔﻴﺔ�ﺗﻘﻮم�ﻋﻠ��ﺎ�ﺟهﺎت�ﻣﺠهﻮﻟﺔ دﻋﺎﻳﺔ�ﻋﻠﻨﻴﺔ�ﺗﻘﻮم�ﻋﻠ��ﺎ�ﺟ��ﺎت�ﻣﻌﺮوﻓﺔ
ﺣﺴﺎﺑﺎت�ﻣﺰ�ﻔﺔ،
ﺟهــﺪ ﺟهــﺪ
ﻣﺘﺼﻴﺪون�،رو�ﻮﺗﺎت،
ﻣﺤﻮﺳﺐ �ﺸﺮي
��ﺎن�إﻟﻜ��وﻧﻴﺔ�...إ��
108
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
ً
التأثــر يف آراء وأفعــال أفــراد وجماعــات أخــرى لتحقيــق أهــداف محــددة ســلفا (.)IPA:1938
،”Shawnوالــذي “Parry-Gilse االســتثن�اء الثــاين ورد يف تعريــف شــون بــاري -جيلــس
يعتــر الدعايــة مجموعــة مــن الرســائل املتعمــدة واملخططــة الــي يتــم نشــرها
للجمهــور عــر مؤسســة بهــدف خلــق فعــل أو حــدث يصــب يف مصلحــة املصــدر
( .)Parry-Giles:2002ونالحــظ حصــر التعريفــان للفاعــل الدعــايئ يف أفــراد أو جماعــات
أو مؤسســات ،بشــكل يمــزج بــن الصيغتــن االجتماعيــة والسياســية ،وهــو األمــر الــذي
ً
نــراه مالئمــا كمدخــل لتوضيــح مفهــوم الفعــل الدعــايئ املتنكــر الــذي ينشــط علــى مواقــع
الشــبكات االجتماعيــة.
ّ ُ
وتعــرف الدعايــة املتنكــرة علــى أنهــا اســتخدام متعمــد للمصــادر املقنعــة لتشــكيل
املــدركات والتالعــب بهــا مــن أجــل حتقيــق نتــ�اجئ مرغوبــة (.)Farkas&Neumayer:2018
ويســتمد التعريــف جــذوره مــن نمــوذج حتليــل الدعايــة اخلــاص بـــ ،O’Donnell & Jowettكمــا
يعتــر الفعــل الدعــايئ املتخفــي نــوع مــن التالعــب ،يعتمــد يف أداء مهامــه علــى تكنيــكات
الغمــوض ونســب الفعــل إىل مصــدر آخــر .وهــي شــكل مــن أشــكال اخلــداع املســتن�د علــى
الهويــة بعكــس اخلــداع املســتن�د علــى الرســالة ،وعلــى هــذا النحــو يمكــن للدعايــة أن ُتـ ّ
ـزور
للمصــدر دون أن تتلاعــب باملحتــوى برغــم ترابطهمــا يف غالــب األحيــان (.)Hancock:2009
وتقســم الدعايــة املتنكــرة إىل نوعــن :مبهمــة (غامضــة) ومنتحلــة ،وكال النوعــن
ً
مرادفــن للدعايتــن الرماديــة والســوداء ،حبيــث قفــزا إىل الســطح كتســمية بديلــة؛ رغبــة
مــن بعــض الباحثــن يف التخلــص مــن املدلــول التاريــي الســليب الــذي ارتبــط بالتســميتني
التقليديتــن (.)*()Daniels:2009
وكريســتين�ا نيومايــر Johan Farkas ينســب التصنيــف اجلديــد ملصــدر الدعايــة إىل الباحثــن جوهــان فــاركاس (*)
،Christina Neumayerحيث ورد يف حبث نشر عام 2018م تن�اول الدعاية املتنكرة يف البيئ�ة الرقمية.
109
الفصــل الثالـــث
ّ ّ ً
ويأخذ اخلداع املستن�د على الهوية أشكاال متعددة ،إل أن جذوره ومسبب�اته
حافظت على نفسها دون أي تغري(*) ،ويمكن ألي جهة أن تتخفى خلف هوية شخصية
مزيفة أو موقع إلكرتوين دون أن يتمكن أحد من كشفها أو أن يشكك يف موثوقيتها
( .)Farkas & Neumayer:2018فالقدرة على إنشاء الصفحات واملدونات ،إىل جانب إنت�اج
ً
املحتوى وحتمل تكاليفه المادية اليسرية نسبي�ا جعلت من التخفي واالنتحال
ً
مسألة سهلة عمليا ( .)*()Dahlberg:2001وتعترب دعاية التضليل أحد األشكال
الراجئـــــة للدعايـــة املتنكــرة (املقنـعــــة) ،بموازاة كونهـــا دعايـــة عاموديـــة تصنع
النطبــــاع مزيـــف بأفقيتهـــا وانبث�اقهــــا عــــن قاعـــدة شعبيــــة حقيقيــة(*)،
الدعايــة الســوداء :هــي الدعايــة املســترتة الــي قــد تنســب إىل مصــدر آخــر مــن داخــل اجلهــة املســتهدفة ،حبيــث تســعى إىل (*)
زعزعــة اســتقرار املجتمــع أو التشــكيك يف قدراتــه مــن خــال احليــل واخلــداع أو نشــر اإلشــاعات واألكاذيــب واملعلومــات
املزيفــة ،وينشــط هــذا النــوع خــال األزمــات واحلــروب ،كمــا يعتمــد جناحهــا أو فشــلها علــى مــدى رغبــة املســتقبل يف
تبــي املعلومــات الــواردة فيهــا ،أو إىل براعــة رجــل الدعايــة يف صياغــة رســائله .أمــا الدعايــة الرماديــة :فتقــع يف الوســط بــن
علمــا أن مصدرهــا مشــوش غــر محــدد بدقــة ،فقــد يكشــف عــن نفســه أو خيفيهــا ،أمــا عــن الدعايتــن البيضــاء والســوداءً ،
مصداقيــة املعلومــات فهــي غــر واضحــة ،وحتتــاج إىل فحــص جيــد ،وهــي تكنيــك حيتــاج إىل براعــة وتمــرس ،إضافــة إىل
ً
امتــاك حجــم عالقــات وتأثــر واضــح علــى وســائل اإلعــام ،ولعــل الواليــات املتحــدة األمريكيــة مــن أكــر الــدول براعــة يف
اســتخدام هــذا النــوع ،حيــث تقــوم أجهــزة مختصــة لديهــا بنشــر معلومــات عــر وســائل إعالميــة لتحقيــق أهــداف دعائيـ�ة
ويعــرف هــذا التكنيــك باســم Planationأي الزراعــة ،بمعــى تزويــد وســائل اإلعــام بمعلومــات ذات أبعــاد دعائيـ�ة، معينـ�ةُ ،
ليتــم نشــرها علــى قاعــدة أن مصدرهــا هــو الوســيلة اإلعالميــة نفســها ،وأهميــة هــذا التكنيــك أنــه يمنــح املعلومــات
مصداقيــة وشــرعية أمــام املســتهدفني كونهــا صــادرة عــن جهــة إعالميــة معروفــة ،وهــو مــا يبقــي املصــدر األصلــي
ً
للدعاية مجهول.
ً ً
ُيعتــر موقــع “ ”martinlutherking.orgمثــاال واقعيــا للخــداع املســتن�د علــى الهويــة الــي يمكــن أن نصادفهــا علــى (*)
شــبكة اإلنرتنــت .واملوقــع الــذي أنــئ يف العــام 1999لغــرض عنصــري يتمثــل يف تأكيــد تفــوق العــرق األبيــض ،يســتن�د
باألســاس علــى هويــة صاحبــه املجهولــة ،كمــا يســتن�د علــى إخفــاء نوايــاه احلقيقيــة .وللوهلــة األوىل ،يب ـ�دو املوقــع كأنــه
مرجــع تعليــي وعلــي ،خيتــص يف تتبــع تاريــخ مارتــن لوثــر كنــج ،ومــع ذلــك جنــده يصــف الرجــل بألفــاظ عنصريــة مثــل
ً
املغتصــب والشــيوعي واملنحــرف جنســيا ومضطهــد النســاء...إلخ ،وباالرتــكاز علــى املفاهيــم الســابقة للدعايــة ،يمكــن
تصنيــف املوقــع بكونــه دعايــة مبهمــة (غامضــة) ،فهــو ال يكشــف هويــة مالكــه بوضــوح وال عــن املؤلفــن الذيــن يســتن�د
إليهــم يف طــرح أفــكاره ( ،)Daniels:2009ويف العــام 2008أجريــت دراســة اســتطالعية طلــب فيهــا مــن مراهقــن إعــداد
ورقــة دراســية حــول شــخصية مارتــن لوثــر كنــج عــر االســتعانة بمحــرك حبــث جوجــل ،وخلصــت نت�اجئهــا إىل عثــور
عــدد منهــم علــى املوقــع واعتمادهــم عليــه يف إعــداد الورقــة ،دون أن يتمكنــوا مــن حتديــد هويتــ�ه احلقيقيــة ،وبغــض
النظــر عــن طبيعــة املوقــع الغامضــة ،إال أنــه يصنــف كدعايــة أفقيــة ،ألنــه لــم يت�أســس علــى يــد جهــة رســمية عليــا ،بــل
علــى يــد شــخص يدعــى دون بــاك ،Don Blackوهــو مــن كبــار منتســي جماعــة Ku Klux Klanاألمريكيــة العنصريــة
( ،)Farkas & Neumayer:2018وكمــا يوضــح املثــال الســابق فــإن الدعايــة املتنكــرة يف اإلذاعــة والصحــف واألفــام
ّ ً ً ً
والتلفزيــون ترتبــط ارتب�اطــا تاريخيــا وثيقــا باملؤسســات العليــا؛ ألن هــذه الوســائل تتطلــب مــوارد كبــرة ،لكــن األمــر
مختلــف مــع الوســائط الرقميــة كاإلنرتنــت؛ ألن نفقــات إطــاق موقــع وصيانت ـ�ه قليلــة باملقارنــة مــع الوســائل التقليديــة .
لالسزتادة حول املوضوع ،مراجعة عنوان “دعاية التضليل”. (*)
110
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
واألمثلة اليت توضح ذلك كثرية منها إطالق شركة ميكروسوفت الشهرية ملوقع إلكرتوين
Americans For Technology Leadershipورعايتها له بأسلوب مسترت يويح بتبعيت�ه
وصدوره عن مؤسسة مدني�ة مستقلة ال تربطها بها أي عالقة ،بهدف صناعة انطباع
مضلل بوجود دعم قاعدي لها ( .)Leiser:2016وعلى أية حال نستطيع تأكيد دور البيئ�ة
الرقمية يف زيادة تعقيد املفاهيم املرتبطة بمصدر الدعاية ،ويب�دو أن احلدود الفاصلة
ً
بني الشكلني العامودي واألفقي يف عالقتها بالهوية على وشك أن ختتفي تماما
ُ
نتيجة اتساع رقعة استخدام الشبكات االجتماعية ،وتواجد فاعلني كرث على ساحتها
(.)Farkas & Neumayer:2018
وعند احلديث عن الدعاية املتنكرة يف عالقتها بالدعاية احلاسوبي�ة على الشبكات
االجتماعية ،ال جيب إغفال عدد من األنماط اليت صعدت خبطورة التنكر إىل حدود لم
يسبق لها مثي�ل ،ومنها الروبوتات االجتماعية ،واحلسابات الوهمية ،واملتصيدين ،وغريها
من األشكال اليت تعكس صيغ اشتغال برمجية ،وبشرية ،وهجين�ة ،فجميعها مخصصة
لتنفيذ أو إسناد حمالت دعاية ضخمة بنمط رمادي أو أسود (متنكر أو منتحل) ،بهدف
منح انطباع مضلل بصدورها عن مستخدمني حقيقيني من داخل املجتمع املستهدف،
خاصة وأن البن�اء الالمركزي للمنصات االجتماعية كفيسبوك وتويرت يدعم ويغذي
هذه اجلهود ،ويف الوقت نفسه جيعل من الصعب التعرف عليها ومواجهتها .وحبسب
نت�اجئ دراسة تن�اولت حملة االنتخابات الرئاسة األمريكية 2016م ،بلغت نسبة ما أنتجته
الروبوتات االجتماعية حوايل 19%من مجموع املشاركات املنشورة على موقع التدوين
املصغر تويرت خالل احلملة ( ،)Kollanyi et al.:2016كما بلغ عدد احلسابات الوهمية ُ
المدارة
ً
آليا من قبل الروبوتات خالل استفتاء خروج بريطاني�ا من االحتاد األورويب حوايل 13,493
ً
حسابا على ذات املوقع (.)Bastos & Mercea:2019
ّ
وبرغم املؤشرات السابقة إال أنه من الصعب بل من املستحيل حتديد أو كشف
اجلهات املسؤولة عن تشغيل وتوجيه الروبوتات االجتماعية دون مساعدة من إدارة
املنصات اليت تنشط عليها ،فأي جهة اليوم سواء فرد أو جماعة أو مؤسسة أو حىت حكومة
مع قليل من املعرفة واملوارد تستطيع توظيف الروبوت لصاحلها دون أن يتمكن أحد من
111
الفصــل الثالـــث
نسب أنشطتها الدعائي�ة جلهة محددة بشكل قطعي ( .)Bessi & Ferrara:2016وكشفت
حتقيقات ومراجعات أجرتها منصات اجتماعية كفيسبوك وتويرت ويوتيوب وإنستغرام،
عن مؤشرات لتدخل رويس محتمل يف االنتخابات األمريكية والربيطاني�ة ،فبحسب نت�اجئ
دراسة علمية بلغت عدد احلسابات الوهمية اليت تتبع جهات يف روسيا حوايل 36,746
ً ً
حسابا ،نشرت ما يقارب من 1.4مليون تغريدة ،من بينها 3,814حسابا يتبع شركة
ً
يطلق عليها اسم وكالة أحباث اإلنرتنت اليت تتخذ من مدين�ة بيرتزبورغ الروسية مقرا لها
( .)Bertrand:2017بدوره أكد فيسبوك استخدام ذات الشركة حسابات وصفحات وهمية
بهدف خداع وتضليل املستخدمني (.)*()Perlroth et al.:2018
ً
وأخريا ،من الصعوبة بمكان التقرير بشأن مصدر الدعاية ،أو التفريق بني صيغتيها
األفقية والعامودية ،فهل ما نتعرض له من رسائل مصدرها جهات عليا كاحلكومات
ّ
واألحزاب أم أن منشئها اجلمهور ذاته؟ أمر آخر يسرتعي منا االنتب�اه ،فالتنسيق بني اجلهات
العليا وبعض املستخدمني املؤثرين على مواقع الشبكات االجتماعية عقد من مهمة حتديد
ً
مصدر الدعاية احلقيقي ،فأحيانا تصاغ الرسالة من أعلى ثم تعمم على املستوى التنفيذي
األدىن ،واملتمثل يف مجموعة مستخدمني مختارين الذين بدورهم يؤدون وظيفة نشرها
على أوسع نطاق ،وهو شبي�ه بنموذج انتشار الدعاية على مرحلتني.
وكالــة أحبــاث اإلنرتنــت “ ”The Internet Research Agencyمؤسســة روســية مســتقلة ،ومســؤولة عــن تنظيــم حمــات (*)
دعايــة ســرية (متنكــرة) علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة ،كمــا تنفــذ عمليــات تصيــد باســتخدام هويــات مزيفــة بهــدف
التحريــض علــى العنــف والكراهيــة ،أو لتغذيــة اخلالفــات واالنقســامات داخــل املجتمعــات املســتهدفة ،إضافــة إىل
توظيفهــا العنصريــن البشــري واآليل يف تنفيــذ مهامهــا ،ومــن غــر املعــروف أو املؤكــد تبعيتهــا جلهــات حكوميــة يف روســيا
( .)Luhn:2017وكشــفت وثائــق مســربة تأســيس كل فــرد ملتحــق بهــا ســتة حســابات علــى موقــع فيســبوك وعشــرة علــى
ً
تويرت،وإداراتهــا بشــكل مزتامــن حتــت اســم مســتعار أو هويــة مزيفــة ،ونشــره ثــاث منشــورات يوميــا علــى فيســبوك
ً
وخمســن تغريــدة علــى تويــر ،ضمــن ورديــات عمــل تصــل مــدة كل منهــا إىل 12ســاعة يوميــا (. )seddon:2014
112
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
ً
ثالثا :مكونات الدعاية احلاسوبي�ة
تتكون الدعاية احلاسوبي�ة من أربعة عناصر رئيسة وهي :البي�انات السلوكية،
واألتمتة (التشغيل اآليل) ،واخلوارزميات ،والوكالء أو الوسطاء ،ويتفرع عن كل عنصر
مجموعة فرعية أخرى وفق الشكل املرفق أدناه.
اﻟﺪﻋﺎﻳـﺔ�ا��ﺎﺳﻮ�ﻴـﺔ
اﳌﺘﺼﻴﺪون اﻟﺮو�ﻮﺗﺎت�اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ
�ﺸﻜﻴﻼت�اﻟﺴﺎﻳ�� ا��ﺴﺎﺑﺎت�اﻟﻮهﻤﻴﺔ
113
الفصــل الثالـــث
البي�انــات الســلوكية بأكــر مــن طريقــة ،أخطرهــا مــا يتــم عــر ملفــات تعريــف االرتب ـ�اط
،Cookiesحيــث تقــوم املواقــع اإللكرتوني ـ�ة بتفعيــل الكوكــز خاصتهــا أو الــي تتبــع طــرف
ثالــث بهــدف تتبــع أنشــطة املســتخدمني داخلهــا ،ثــم اســتنب�اط الروتــن الســلوكي لــكل
فــرد ( .)Ghosh & Scott:2018وتقســم ملفــات تعريــف االرتبــ�اط إىل نوعــن ،يشــمل األول
تلــك الــي جيــري تطويرهــا وتنصيبهــا داخــل املوقــع مــن قبــل مالكــه األصلــي ،فيمــا يمثــل
ُ
النــوع الثــاين امللفــات الــي يتــم تطويرهــا مــن قبــل جهــات مهتمــة كــي تنصــب داخــل مواقــع
أخــرى بالتنســيق والشــراكة مــع ُمالكهــا ( .)Peterson:2013ويســاعد هــذا النمــط مــن التتبــع
الســلوكي مختلــف املواقــع اإللكرتونيـ�ة أو اجلهــات املرتبطــة بهــا علــى اســتنت�اج تفضيــات
واهتمامــات وأفــكار املســتخدمني ،وبالتــايل ختصيــص رســائل تنســجم معهــا ،وعــادة مــا
ُ
يتــم حفــظ هــذه البي�انــات يف مســتودعات ضخمــة تغــذى باســتمرار ،أو يتــم ربطهــا بعناويــن
بروتوكــول ختــص حواســيب وهواتــف نقالــة محــددة بهــدف حصــد املزيــد منهــا ،إمــا
الســتخدامها بشــكل حصــري ،أو بيعهــا لوســطاء يعملــون علــى دمجهــا مــع بي�انــات أخــرى
مــن أجــل ترويجهــا وبيعهــا إىل شــركات أخــرى مهتمــة(*)(.)Zomorodi:2017
ّ
ونســتنتج ممــا ســبق أن البي�انــات الســلوكية اخلاصــة باملســتخدمني يف عالقتهــا
بالبعديــن االقتصــادي والتجــاري هــي املصــدر األول للــرحب عنــد العديــد مــن الشــركات
واملنصــات علــى شــبكة اإلنرتنــت ،وأن البي�انــات أشــبه مــا تكــون بالبضاعــة الــي يتــم
تداولهــا لتحفــز تدفــق رأس المــال وضمــان اســتمراره ،برغــم التداعيــات السياســية
واالجتماعيــة املرتتبــ�ة عــن حصــد البي�انــات دون أذن مــن أصحابهــا.
بالنســبة للشــركات الــي تعمــل علــى نطــاق عالــي بمــا يف ذلــك محــركات البحــث ومواقــع الشــبكات االجتماعيــة ،ترتتــب (*)
قيمــة اقتصاديــة كبــرة عــن جمــع بي�انــات ســلوكية لســببني :األول أنــه كلمــا زاد حجــم البي�انــات الســلوكية املجمعــة عــن
املســتخدمني كلمــا تمكنــت مــن توجيــه إعالنــات مخصصــة تنســجم مــع اهتماماتهــم؛ أمــا الســبب الثــاين ،وهــو مرتبــط
ومكمــل لــأول ،فكلمــا تمكنــت هــذه الشــركات مــن تقديــم محتــوى علــى صلــة باهتمامــات املســتخدم ،كلمــا أمكنهــا
االحتفــاظ بــه علــى منصتهــا ،وبالتــايل زيــادة مســاحة اإلعــان إىل احلــد األقــى ،مــع مــا يرتتــب عــن ذلــك مــن مراكمــة
ً
يف األربــاح ،فمثــا ويف حالــة منصــات مثــل جوجــل وفيســبوك وتويــر ،يمكــن رصــد تفاعــل املســتخدم مــع املحتــوى
(نقــر ،إعجــاب ،نتـ�اجئ حبــث ،تفاعــل مــع صفحــة التغذيــة اإلخبارية...إلــخ) ،ومــن ثــم تســجيل وحفــظ البي�انــات الســلوكية
ً
يف ملفــات ،األمــر الــذي يســمح لهــا باســتهداف املســتخدمني باملحتــوى واإلعالنــات األكــر التصاقــا باهتماماتهــم
(.)Ghosh & Scott:2018
114
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
ً
وتنتهج العديد من الكيانات الدعائي�ة طرقا متنوعة يف جمع البي�انات السلوكية
ً
الالزمة إلعداد وختصيص رسائلها ،فمثال تقوم جهة الدعاية بت�أسيس موقع أو مدونة
إلكرتوني�ة مزيفة على شبكة اإلنرتنت ،ثم تزويدها بذات املضمون املنشور على صفحاتها
داخل مواقع الشبكات االجتماعية؛ بهدف استدراج تفاعل املستخدمني مع املضمون إىل
داخل املوقع أو املدونة ،األمر الذي يسمح لها برصد وجمع البي�انات السلوكية الناجمة
ً
عن التفاعل بواسطة ملفات تعريف ارتب�اط منصبة مسبقا .وهذه العملية أشبه بالطعم،
تتفادى فيها جهة الدعاية اللجوء إىل مؤسسات أخرى من أجل تزويدها بالبي�انات
واملعلومات املطلوبة لتخطيط رسائل الدعاية.
ً
ومن الطرق أيضا تنصيب جهة الدعاية ملفات تعريف ارتب�اط على مواقع إلكرتوني�ة
مستقلة تنشر محتوى على صلة بأنشطتها؛ بهدف توسيع نطاق جمعها للبي�انات
السلوكية ،كما يمكن لها احلصول على البي�انات عرب شرائها من وسطاء جتاريني أو شركات
ً
متخصصة ،فمثال يوفر موقع فيسبوك خدمة تتيح له تتبع أنشطة األفراد على مواقع ويب
خارجية من خالل كائن�ات ارتب�اط منصوبة على صفحات املواقع تتخذ شكل رمز “أعجبين”،
ويتمكن فيسبوك عرب هذه اخلاصية من جمع بي�انات سلوكية عن أنشطة مستخدميه
ً ً
خارج فضاءه األزرق ،أو ألفراد آخرين ال يمتلكون حسابا نشطا عليه ،ومن ثم ربطها خبدمته
،Audience Networkاألمر الذي يتيح لعمالئه فرصة استهداف أفراد من خارج منصته
برسائل وإعالنات متنوعة (.)Toor:2016
واخلاصية اليت يوفرها فيسبوك ال تمنح العمالء بي�انات شخصية مجردة عن
ً
املستخدمني ،ولكنها تتيح لهم دمجها يف خدمة اإلعالن اخلاصة به بطريقة فعالة جدا؛
ّ
ألنها تسمح بتصنيف وتقسيم اجلمهور إىل مجموعات ديموغرافية ،ومن ثم تركزي الرسائل
على فئات من األفراد متوقع استجابتهم لها ،حىت لو لم يمتلكوا صفحة خاصة على
فيسبوك (.)Vaas:2015
ً
وأخريا ،جميع البي�انات السلوكية اليت جيري جمعها ترسم صورة دقيقة عن الفئات
املستهدفة احلالية أو املحتملة ،فكلما زادت معرفة جهة الدعاية خبصائص اجلمهور
115
الفصــل الثالـــث
املستهدف وعاداته وتفضيالتهم ،كلما كان من السهل عليها العثور عليهم ومن ثم خداعهم
وتضليلهم (.)Ghosh & Scott:2018
.1البي�انات واالستهداف املخصص Micro-targeting
ُيعــد اســتخدام البي�انــات واملعلومــات ألغــراض احلمــات ممارســة دعائيــ�ة
وسياســية شــائعة يف جميــع أحنــاء العالــم ،والدعايــة املوجهــة الــي تتجاهــل مرحلــة التحليــل
والفهــم املتعمــق للمجموعــات املســتهدفة لــن حتقــق أي تأثــر .وخــال اآلونــة األخــرة،
ً
أحــدث التقــدم التكنولــويج طفــرة هائلــة يف كميــة املعلومــات الــي يمكــن اســتخالصها
مــن البي�انــات ،خاصــة تلــك املرتبطــة باســتخدامنا لشــبكة اإلنرتنــت ومواقــع الشــبكات
االجتماعيــة ،ويمكــن جلهــة الدعايــة مــن خــال حتليــل رزمــة مختــارة مــن البي�انــات جبايــة
فهــم غــر مســبوق لســلوك اجلمهــور وآرائــه ومشــاعره ،كمــا يتيــح لهــا تصنيفــه وتبويب ـ�ه
ضمــن فئــات ،بهــدف صناعــة رســالة تســتجيب وتتمــايش مــع ميــول واجتاهــات كل فئــة
ً
علــى حــدة ،فكلمــا كانــت املعلومــات املتاحــة عــن املجموعــة املســتهدفة أكــر تفصيــا كلمــا
اســتطاعت الدعايــة الهبــوط بالتأثــر إىل مســتوى الفــرد.
ويعتــر االســتهداف املخصــص أو الدقيــق ثــورة يف مجــال الدعايــة الرقميــة ،فهــو ُ
ً ً
يفــرض تغيــرا جذريــا يف كيفيــة تواصلهــا مــع اجلمهــور .وهــو عمليــة اســراتيجية تهــدف
إىل التأثــر يف مســتخديم اإلنرتنــت ومواقــع الشــبكات االجتماعيــة عــر نقــل محفــزات
ومثــرات يتــم تصميمهــا بن ـ ً�اء علــى خصائــص الفــرد وتفضيالتــه وتفاعالتــه .ويوصــف
بكونــه حتليــات تنبؤيــه تســاعد علــى جتزئــة اجلمهــور ومخاطبتــ�ه وفــق مجموعــة مــن
املعايــر ،يرتكــز يف ذلــك علــى جمــع كميــات ضخمــة مــن البي�انــات تتيــح رســم صــورة
تفصيليــة عــن اجتاهــات املســتخدمني وميولهــم وخصائصهــم السياســية واالجتماعيــة
ً
والثقافيــة .وعــادة مــا ُيســتخدم خــال احلمــات االنتخابي ـ�ة ،مــن خــال قيــام التي ـ�ارات
احلزبيــ�ة املتن�افســة واجلهــات السياســية املعنيــ�ة برصــد توجهــات الناخبــن مــن
أجــل تصميــم رســائل إقناعيــة تتيــح إمكانيــ�ة التأثــر يف املخرجــات أو النتــ�اجئ النهائيــ�ة
(.)Papakyriakopoulos et al.:2018
116
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
ً
وترتاوح املعطيات اليت يتم جمعها يدويا أو عرب آليات التنقيب ،بني بي�انات أولية
كأسماء املستخدمني وأعمارهم وعناوينهم ،أو معلومات مفصلة حول آرائهم واجتاهاتهم
جتاه القضايا السياسية وغري السياسية ،أو حول أنشطتهم االجتماعية وخلفياتهم
الثقافية .وبعد إتمام عملية اجلمع ،ختضع البي�انات للمعاجلة عرب خوارزميات تعلم اآللة
،Machine Learning Algorithmsحبيث تعتمد دقة النت�اجئ على نوع اخلوارزمية املطبقة
خالل املعاجلة (تعلم خاضع لإلشراف ،تعلم غري خاضع لإلشراف) ،وفور ذلك يمكن
احلصول على تنبؤ أو توقع مسبق حول متغريات بعينها ،كالنت�اجئ املحتملة ،أو مؤشرات
التطابق داخل البي�انات ،وهذا األخري يتيح للجهات السياسية أو الدعائي�ة كشف وتعقب
مجموعات فرعية من الناخبني يتشاركون سمات ديموغرافية وسلوكية مشرتكة
( .)Barbu:2014ويف املرحلة األخرية وبن ً�اء على النت�اجئ يمكن ختطيط إجراءات تنفيذية للتأثري
يف كل مجموعة فرعية بأسلوب يؤدي إما إىل استقطاب أفرادها وتعبئتهم ،أو تشتيتهم
وتفتيتهم.
ويعود استخدام االستهداف املخصص يف املجال الرقيم إىل العام 2000م ،عندما
ُطبق بشكل محدود داخل احلزب اجلمهوري خالل حملة االنتخابات الرئاسية األمريكية.
ً
الحقا يف العام 2008م ،وظفه احلزب الديمقراطي على نطاق جماهريي واسع األمر الذي
مهد لفوز مرشحه باراك أوباما بمقعد الرئاسة ( ،)Panagopoulos:2015ومنذ ذلك احلني
ً
وفرت الرقمنة املزتايدة للمجتمعات أرضا خصبة لتمدده كاسرتاتيجية سياسية ودعائي�ة.
وجتدر اإلشارة هنا إىل أسبقية ظهوره على اإلنرتنت ومواقع الشبكات االجتماعية وآليات
حتليل البي�انات الضخمة ،ومع ذلك فإن الدقة اليت يمكن أن يدار بها االستهداف يف العصر
الرقيم أحدث قفزة غري مسبوقة ( ،)IDEA:2018فخالل العقد األخري انتشرت بشكل كبري
بصمات رقمية لغالبي�ة مستخديم اإلنرتنت ،ما أتاح لعدة جهات تتصدرها شركات جتارية
جمع كميات هائلة من البي�انات الشخصية من أجل اإلجتار بها ألغراض سياسية ودعائي�ة
(.)Ibid
وترد أهمية االستهداف املخصص إىل قدرته ختطي العقبات اليت تفرضها أنماط
احلمالت الدعائي�ة واالنتخابي�ة التقليدية على الصعيدين االفرتايض والفعلي ،فهو
117
الفصــل الثالـــث
يستطيع رصد ميول واهتمامات الناخبني بشكل شبه كلي ،وبالتايل إدخال حتسين�ات
على صورة اجلهة الراعية بطريقة تتوافق مع نت�اجئ الرصد (.)Bond & Messing:2015
عالوة على ذلك تستطيع احلملة حتايش انفضاض قطاع من اجلمهور حال تعميمها
لرسائل جماعية محملة بموضوعات خالفية ،لذلك تفضل ختصيص رسائل مباشرة لكل
فئة على حدة ( .)Woo:2015مزية أخرى تتمثل يف إمكاني�ة استهدافه طائفة واسعة ومتنوعة
ً
من اجلماهري ،بدال من التقيد خبصائص ديموغرافية محددة ،هذا إىل جانب توفريه منهجية
استقراء يمكن من خاللها تفادي تلك القرارات اليت تعتمد فقط على استطالعات الرأي،
ً
واليت غالبا ما يثبت عدم دقتها (.)Panagopoulos:2015
ومن العقبات اليت تواجه تطبيق االستهداف املخصص ،غياب رقمنه املجتمعات،
والقيود القانوني�ة املفروضة على عملية جمع بي�انات املواطنني ،ونستثين من ذلك مواقع
الشبكات االجتماعية اليت تسمح حبصد بي�انات مستخدميها طالما ال تضر بمصاحلهم ،أو
ً ً ً
ال تشكل تهديدا لهم ،وهذا حتديدا ما جيعل منها أرضا خصبة لتنفيذ االستهداف املخصص،
إضافة مع ما توفره من مساحة اتصال مباشر بني جهة الدعاية واملستخدمني .وليس
ً
اإلطارين التكنولويج والقانوين ما يقفا عائقا أمام االستهداف املخصص ،فتحزي البي�انات
يمكن أن يهدد دقة التوقعات ،أو أن يؤدي إىل انتهاج مسار تنفيذي خاطئ ،ويرد السبب إىل
غياب التطابق بني العاملني االفرتايض والفعلي ،وعدم اعتب�ار اآلراء اليت تتجلى على الفضاء
الشبكي هي ذاتها على أرض الواقع ،فاالنطباعات املرتتب�ة عن نشاط مجموعة سياسية
ما قد ال تعكس توجه عام حقيقي وقاعدي عند األغلبي�ة الشعبي�ة (،)Ruths & Pfeffer:2014
ً ً ً ً ً ً كما أن الرأي ُ
المعرب عنه افرتاضيا قد ال يعكس موقفا سياسيا سائدا حقيقيا ومتماسكا،
ً ً
فالضغط على زر اإلعجاب ال يعين صوتا انتخابي�ا (.)Hegelich & Shahrezaye:2015
ً ً
وبرغم الفوائد املرتتب�ة عن االستهداف املخصص إال أن له وجها سلبي�ا يفيض إىل
العديد من املخاطر والتهديدات ،وهي ترتاوح بني احتمال جمع جهات سياسية لبي�انات
شخصية بكميات تفوق حاجتها ،وبني إمكاني�ة تالعب اخلوارزميات بما يراه ويقرأه
اجلمهور سيما مع املوضوعات اخلالفية ،األمر الذي قد يؤثر على ملكة األفراد النقدية،
وقدرتهم على التميزي بني احلقيقي واملزيف .وال يقف األمر هنا بل يتعداه حنو هواجس
118
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
مرتبطة بتهميش وتغييب قطاع من اجلمهور عرب صد حركة تدفق املعلومات خاصة خالل
ّ
احلمالت االنتخابي�ة ،كما أن احتكار البي�انات من قبل جهة حزبي�ة يمكن أن يشوش على
مساحة التن�افس الشريف املتاحة بني األحزاب .باإلضافة إىل ما سبق ،ترتبط املخاوف
ً
باحتمال توظيف االستهداف املتخصص يف حمالت التضليل ،اليت تستهدف غالبا صناعة
تصورات مزيفة من خالل التأثري يف منظومة اإلدراك اخلاصة باملستخدمني (.)IDEA:2018
.2كيفية اشتغال االستهداف املخصص ومراحله
يتطلب الوصول إىل الفئات املستهدفة مراعاة عدة خطوات ،تب�دأ جبمع البي�انات
وتنتهي باختي�ار القنوات االتصالية املالئمة لتحقيق الهدف .ويف اآلونة األخرية أتاح
االستخدام اجلماهريي الكثيف ملواقع الشبكات االجتماعية إمكاني�ة بلوغ فئات من األفراد
ً
لم يكن ممكنا بلوغه خالل أزمنة سبقت ،لهذا ويمر االستهداف املتخصص بعدة مراحل
على الرتتيب اآليت:
أ.جمع البي�انات وتصنيف اجلمهور :تعتمد عملية اجلمع على ثالثة مصادر ،يتم من
ً
خاللها حصد البي�انات وختزينها يف مجموعات متن�اسقة ،بعيدا عن التكديس الفوضوي.
ويتمثل املصدر األول يف البي�انات العامة ،واليت يمكن حتصيلها من قواعد البي�انات
احلكومية أو جلان االنتخابات أو مؤسسات اإلحصاء ،يف حني تشكل محركات البحث
واملواقع اإللكرتوني�ة وخدمات الربيد اإللكرتوين ومواقع الشبكات االجتماعية وغريها
ً ً
مصدرا ثاني�ا للبي�انات ،بينما يتجسد املصدر الثالث يف الشركات واملؤسسات التجارية
اليت تقوم على جمع البي�انات ألغراض التسويق والرتويج .وبعد االنتهاء من مرحلة
اجلمع والتخزين ،ختضع البي�انات للتحليل ،وبن ً�اء على النت�اجئ ُيصنف ويقسم اجلمهور إىل
مجموعات وفئات صغرية ،حبسب خصائص الشخصية وامليول واالجتاهات واالهتمامات
ّ
وغريها ،ومن اجلدير ذكره هنا أن جناح االستهداف املخصص يعتمد بدرجة كبرية على
مدى دقة التصنيف ،الذي يعتمد بدوره على حجم البي�انات املجمعة .فعلى سبي�ل املثال
يتيح القانون لألحزاب األمريكية احلصول على بي�انات مكثفة تصل حىت مستوى الفرد،
لذلك يستطيع كل من احلزبني اجلمهوري والديمقراطي الوصول إىل األفراد واستهدافهم
119
الفصــل الثالـــث
بشكل دقيق ،أما يف ألماني�ا اليت ال تتيح الهبوط بمستوى جمع البي�انات إىل حد األفراد،
فاالستهداف فيها أقل دقة مقارنة بالواليات املتحدة (.)Ibid
ب .تصميم رسائل مخصصة :تساعد املعلومات املستخلصة من البي�انات على
تقديم مؤشرات حول اهتمامات اجلمهور وأنماط سلوكه جتاه قضايا معين�ة .هذا األمر
يساعد جهة الدعاية على صياغة رسائل مخصصة لكل فئة على حدة ،تستجيب
خلصائص األفراد املندرجني حتتها ،وهنا تستطيع جهة الدعاية التواصل مباشرة مع
األفراد حول املوضوعات اليت تثري اهتماماتهم ،وبواسطة القناة املحبب�ة إليهم ،واللغة اليت
قد حتفز استجابة لديهم .وما سبق يمكن حتقيقه من خالل تطبيق اختب�ار ،A/Bعرب إرسال
نسخ مختلفة من ذات الرسالة إىل فئة من اجلمهور للوقوف على النسخة اليت تستطيع
حتقيق استجابة أكرب .وال يتوقف االستهداف املخصص عند القدرة على إيصال الرسائل
إىل الفئات املستهدفة ،بل يتعداه حنو جمع مدخالت اجلمهور من املعلومات ،فمن خالل
تنفيذ استطالعات ،وإجراء اختب�ارات حول الصيغ األنسب للرسائل ،يستطيع االستهداف
املخصص حتديد املوضوعات اليت حتظى باهتمام اجلمهور ،والرسائل اليت تستجيب بشكل
أفضل لهذه االهتمامات.
ج .قنوات إيصال الرسائل :ويقصد بها الطريقة اليت يتم بموجبها إيصال الرسائل
إىل الفئات املستهدفة .وهي عملية تكاملية ال جهد منعزل بني املشتغلني يف الواقع
ً
االفرتايض والفعلي .واختي�ار القنوات ليس باليشء اليسري ،إذ تتطلب فهما خلصائص
كل قناة ،وكيفية تعاطي اجلمهور معها .وتتنوع قنوات ايصال الرسائل ،بني مواقع
الشبكات االجتماعية كفيسبوك وتويرت ،وبني خدمات الربيد اإللكرتوين والهاتف والتلفاز
واإلذاعة ،بالتوازي مع اجلهود امليداني�ة ،سواء عرب تنظيم الزيارات املزنلية أو االلتقاء
باألفراد يف األماكن العامة.وتتطلب هنا التنسيق بني اجلهدين امليداين واالفرتايض ،إذ
يفيد أحدهما اآلخر على صعيد اتساق وانسجام الرسالة ،وعلى مستوى حتديد أسلوب
ً ّ
االحتكاك األفضل مع كل فئة جماهريية .ومن الضروري ذكره أيضا أن آلية االستهداف
املخصص توفر جلهة الدعاية بي�انات كافية تيسر من جهودها يف مجال بث الرسائل،
120
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
مثل حتديد الوسيلة األكرث فعالية يف أوقات الذروة اجلماهريية ،واحلسابات اخلاصة
باألفراد ،وأرقام الهواتف ،وعناوين الربيد اإللكرتوين...إلخ.
.3االستهداف باملنشورات اخلفية Dark Posts
ُيقصد باملنشورات اخلفية ،تلك الرسائل أو املنشورات أو اإلعالنات املمولة اليت
تستهدف فقط فئة مختارة من املستخدمني ،غري مرئي�ة إال لهذه الفئة ،وال يستطيع
مستخدم آخر مشاهدتها أو التعرض لها طالما بقي خارج دائرة االستهداف .وهي منشورات
يتم إنشاؤها من خالل حساب دون أن تظهر على هذا احلساب ،ومتاحة فقط جلمهور
معني من املستخدمني ( .)McLoughlin & Ward: 2019وهي محتوى ذو مظهر طبيعي ال تتم
مشاركته بشكل عضوي أصيل ،Organicولكن يتم إنشاؤه بشكل مدفوع Paidلتحقيق
أهداف مقصودة .ويوفر املحتوى اخلفي جلهة الدعاية إمكاني�ة التحكم بتوزيع وانتشار
ً
رسائلها عرب قصرها على فئة مختارة من املستخدمني ،فمثال يمكن للدعاية إرسال محتوى
جلمهور داخل يح يف مدين�ة القاهرة ،دون أن يتمكن مستخدمني من اليح اآلخر املالصق
من رؤيتها ،ويطلق على هذا النوع اسم االستهداف باملحتوى حسب التوزيع اجلغرايف
(الشبكي) ،Geo-targeted Postsويوجد نوع آخر يسىم االستهداف القائم على التشابه
،Lookalike Audiencesويسمح بنشر وتوجيه محتوى خفي ألفراد يتشاركون خصائص
وسمات متشابهة مع أشخاص آخرين .ويعتمد املحتوى اخلفي يف انتشاره على طبيعة
ً
البي�انات واملعلومات املتوفرة حول اجلمهور املستهدف ،فمثال يقدم موقع فيسبوك نوعني
منها:
-معلومات يوفرها املستخدم عن ذاته :وتشمل بي�انات ديموغرافية أولية حول
السن واجلنس والعمل واللغة والتعليم والسكن والهواية ومجال االهتمام وغريها.
-معلومات مستخلصة :ويتم االستدالل عليها من طريقة وأسلوب تفاعل
املستخدم مع املحتوى أو الصفحات داخل فيسبوك وخارجه سواء باإلعجاب أو املشاركة
أو التسجيل وغريها؛ فعلى سبي�ل املثال تستطيع جهة الدعاية استهداف فئة من اجلمهور
بن�اء على امليول السياسية اليت جرى استخالصها.
121
الفصــل الثالـــث
ُ
وتنسب فكرة املحتوى اخلفي إىل موقع فيسبوك عندما طور خدمة استهداف تسىم
“املحتوى غري املنشور ،”Unpublished Postsوخصصه للشركات التجارية ومجموعات
الناشرين اليت ترغب يف عدم ظهوره على صفحاتها اخلاصة أو جميع املستخدمني ،ولكن
لفئة مختارة فقط .وترد خطورة املحتوى اخلفي إىل صعوبة رصد مضمونه وموضوعه
أو فكرته ،وبالتايل استحالة التعرف على االسرتاتيجية الدعائي�ة املتبعة أو حجم اإلنفاق
ً
املخصص له ،كما أن التحقق وكشف اجلهة اليت تقف خلفه وترعاه صعب جدا .وبرغم
الفائدة املرتتب�ة عن املحتوى اخلفي خالل املنافسات االنتخابي�ة ،إال أنه يساعد على
انتشار املعلومات املضللة ،سيما للفئات املشوشة من الناخبني ودون أن يدرك أحد ذلك
( .)Goodman et al.:2017ويشري تقرير صادر عن مؤسسة Full Factإىل املخاطر املرتتب�ة عن
املحتوى اخلفي ،خاصة ما يتعلق حبياة وسالمة األفراد ،فهو قادر بأسلوب عاطفي على
إثارة غضب الفئة املستهدفة سيما إذا ما كانت مهيئ�ة ملمارسة العنف (.)Full Fact: 2018
و يعكس املحتوى اخلفي مخاطر تتعلق بإمكاني�ة ممارسة كيانات خارجية لعمليات
تأثري تستهدف جماهري محلية بشكل يصب يف خدمة أهدافها غري املعلنة .ويف هذا الصدد
نشري إىل ما كشفته نت�اجئ التحقيقات اخلاصة حول التدخل الرويس يف االنتخابات األمريكية
عام 2016م ،حيث أظهرت املعطيات صرف مبالغ مالية تعدت 100ألف دوالر ،خصصت
لنشر محتوى خفي بغرض التأثري يف النت�اجئ ،وتربط العديد من املصادر هذا اإلنفاق
بالعمليات املعلوماتي�ة الروسية املوجهة إىل داخل الساحة األمريكية (.)Weedon et al.:2017
.4نموذج شركة Cambridge Analytica
ً
من الناحية التاريخية ،تعد الدعاية أداة للتأثري على املستوى اجلمعي Macro؛ فالرسالة
هي ذاتها لعموم اجلمهور .لكن اليوم ،انتقلت العدوى لتهبط إىل درجة أدىن ،Microحبيث
باتت الرسائل شخصية على حنو كبري .واحلالة اليت سنتعرض لها هي مثال معاصر على
كيفية توظيف االستهداف املخصص بغرض حتصيل نت�اجئ مرغوبة على مستوى احلمالت
االنتخابي�ة؛ سيما ما يتعلق باستهداف قطاعات صغرى ومنتقاة من املستخدمني .وبالعودة
ً
للوراء قليال ،شهد العام 2016م حدثني عامليني بارزين ،تمثل األول يف انتخاب مرشح
122
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
احلزب اجلمهوري دونالد ترامب لرئاسة الواليات املتحدة األمريكية ،وجتسد اآلخر يف قرار
بريطاني�ا االنسحاب من االحتاد األورويب .وخطورة احلدثني ال يرتبط بنتيجتهما املفاجأة،
بل يف االسرتاتيجية االتصالية املتبعة ،واجلهة اخلفية صاحبة املسؤولية .وما سبق يدفعنا
للحديث إىل دور شركة كامربيدج أناليتيكا يف حتقيق مالم تتوقعه استطالعات الرأي حينها.
ً
وباحلديث عن التأسيس ومسار التطور ،علين�ا أوال العودة إىل العام 2008م،
عندما اكتشف باحثان من جامعة كامربيدج هما دافيد ستلمان “”David Stillman
(*) Openness to Experience, Conscientiousness (Work Ethic), Extraversion, Agreeableness, Natural Reactions.
ً
وفقــا ملجلــة Dasيف زيــورخ ،الــي تن�اولــت حبــث Kosinskiيف أواخــر عــام ،2016فإنــه عــر 10إعجابــات فقــط يمكــن للنمــوذج (*)
تقييــم شــخصية الفــرد أفضــل مــن تقييــم زميــل لــه يف العمــل .وعــر 70إعجــاب فقــط ،يمكــن للنمــوذج معرفــة الشــخص
أكــر مــن صديقــه .وعــر 150إعجــاب؛ فالنمــوذج قــادر علــى تقييــم الفــرد أفضــل مــن والديــه .ومــع 300إعجــاب فــإن نموذج
Kosinskiيمكــن أن يتنب ـ�أ بســلوك الشــخص أكــر مــن زوجتــه .ومــع إعجابــات أكــر يمكــن للنمــوذج أن يقيــم الشــخص
بشــكل يتجــاوز قــدرة الشــخص علــى تقييــم نفســه.
123
الفصــل الثالـــث
ً
تصادف يف ذات العام تأسيس كال من كريستوفر ويلي “ ”Christopher Wylieوزميله الكسندر
نكس“،”AlexanderNixلكامربيدجأناليتيكاكشركةتابعةملجموعة،SCLاليتيتمحور اهتمامها
ً
يفمجالاالتصالاالسرتاتييج،وحتديدايفإدارةنت�اجئاالنتخاباتأوالتأثريفيهاعلىنطاقعاليم
( .)Anderson & Horvath:2017فمن خالل توظيف تقني�ات تنقيب وحتليل معقدة ،تركزت
مهام املجموعة على تقديم نصاحئ للحكومات واملؤسسات العسكرية فيما يتعلق بربامج
التغيري السلوكي .لم يمض وقت طويل ،حىت طلب كوجان من كوسنكيس ترخيص
نموذجه لصالح مجموعة ،SCLإال أن األخري رفض الطلب.
ً
ووفقــا لتحقيــق أجرتــه صحيفــة اجلارديان-وبعــد فــرة مــن رفــض كوسنســكي
-قامــت مجموعــة SCLبالتعــاون مــع كوجــان باستنســاخ اختبــ�ار ،OCEANثــم عمــدت
علــى تطبيقــه علــى مجموعــة مــن عمــال شــركة أمــازون مقابــل دوالر واحــد ،بشــرط
إتاحــة كامــل بي�اناتهــم الشــخصية املوجــودة علــى فيســبوك .لكــن مــا لــم يعلمــه
ً
العمــال ،أن االختبــ�ار حصــد أيضــا بي�انــات أصدقائهــم .وبعــد مــرور عــام ،انفصــل
كوجـ�ان عـ�ن املجموعـ�ة ،وأسـ�س مـ�ع صديـ�ق لـ�ه جوزيـ�ف تشانسـ�يلو ر “�Joseph Chan
ً
،”cellorشــركة ،GSRالــي وقعــت عقــدا مــع شــركة كامربيــدج أناليتيــكا لتصميــم
تطبيــق مهمتــه جمــع بي�انــات ســيكومرتية عــن مســتخديم فيســبوك (.)Anderson:2017
وبن ـ�اء علــى العقــد ،تمكــن الصديقــان مــن اســتخراج بي�انــات ختــص 270ألــف مســتخدم
بالتــوازي مــع بي�انــات أصدقائهــم ،شــملت معلومــات تتعلــق بتحديثــ�ات احلالــة،
والرســائل اخلاصــة ،واإلعجابــات ،حبيــث شــكلت يف النهايــة لقاعــدة بي�انــات ختــص
87مليــون مســتخدم .بدورهــا اســتثمرت كامربيــدج أناليتيــكا بي�انــات كوجــان كقاعــدة
ً
إلطــاق نموذجهــا اخلــاص ،دون االعتمــاد علــى اختب ـ�ار OCEANالطويــل .الحقــا عــرض
ويلــي ونكــس إمكاني ـ�ات وقــدرات الشــركة علــى ســتيف بانــون “ ”Steve Bannonوروبــرت
مريســر “ ،”Robert Mercerليتلقــوا علــى إثــره دعــم مــايل علــى شــكل اســتثمار بلــغ حــوايل 18
مليــون دوالر ( .)Cook:2019ومــن هنــا ،انطلقــت الشــركة حنــو شــراء بي�انــات إضافيــة توفرهــا
شــركات أخــرى متخصصــة مثــل عــادات التســوق ،املتاجــر والكنائــس الــي يتــم زياراتهــا
والــردد عليهــا ،العقــارات اململوكــة ،املجــات الــي يتــم االشــراك بهــا ،ثــم قامــت بإحلاقهــا
124
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
إىل مســتودعها األصلــي ،وأضافــت عليهــا بي�انــات قوائــم الناخبــن ،وبي�انــات أخــرى متاحــة
ً
علــى اإلنرتنــت ،ودمجتهــم جميعــا داخــل نمــوذج يضــم ملفــات مالمــح نفســية شــخصية
ألكــر مــن 250مليــون مســتخدم يف الواليــات املتحــدة األمريكيــة ،ختضــع لتحديــث دوري
منتظــم (.)Anderson:2017
هــذه امللفــات أتاحــت للشــركة فرصــة التنبؤ بتوجهــات املســتخدمني ،وبالتــايل توجيه
ســلوكهم باالعتمــاد علــى حتليــل أنمــاط الشــخصية وآليــات االســتهداف املخصــص.
فعلــى ســبي�ل املثــال ،قامــت حملــة ترامــب يف العــام 2016م بالتعــاون مــع شــركة كامربيــدج
أناليتيــكا ،بتحميــل ملفــات الناخبــن (اســمائهم ،عناوينهــم ،تاريخهــم االنتخــايب) مــن
علــى فيســبوك ،ومــن خــال توظيــف خاصيــة LookalikeAudiencesاســتطاعت خوارزميــة
فيســبوك حتديــد املســتخدمني -أفــراد اشــركوا يف النشــرات اإلخباريــة اخلاصــة برتامــب،
أو اشــروا قبعــات خاصــة حبملتــه -الذيــن جتمعهــم آراء مشــركة وســمات متماثلــة جتــاه
حملــة ترامــب ،ثــم خصصــت رســائل حتفزييــة تســتهدفهم فقــط ( .)Cook:2019وبالتــوازي
مــع نشــرها رســائل تشــهريية ومعلومــات مفربكــة حبــق مرشــحة احلــزب الديمقراطــي
ً
هيــاري كلينتــون ،قامــت الشــركة أيضــا بتوظيــف بي�اناتهــا يف إعــداد رســائل تســتهدف
األمريكيــن مــن أصــل أفريقــي حلثهــم علــى عــدم املشــاركة يف االنتخابــات أو عــدم
ً ً
التصويــت لهيــاري ،خاصــة يف الواليــات الــي تشــهد تن�افســا محمومــا ،وذلــك عــر
ً
اســتخدام تقنيـ�ة املحتــوى اخلفــي .فمثــا ،كشــف مقــال منشــور علــى صحيفــة نيويــورك
تايمــز عــن اســتخدام حملــة ترامــب للمنشــورات اخلفيــة بهــدف التأثــر يف نســبة مشــاركة
مؤيــدي احلــزب الديمقراطــي يف االنتخابــات؛ حيــث قامــت بإرســال محتــوى مخصــص
لفئــة مــن األمريكيــن مــن أصــل أفريقــي تذكرهــم بالوصــف العنصــري الــذي صــدر عــن
هيــاري كلينتــون حبــق أحــد الشــباب ،كمــا أرســلت رســائل مخصصــة ألفــراد مــن يح
“هايــي” يف مدينـ�ة ميــايم تســتدعي إىل األذهــان فشــل مؤسســة كلينتــون يف التعاطــي مــع
تداعيــات زالزل العــام 2010م (.)Funk:2016
باإلضافــة إىل مــا ســبق ،وصــف الربوفســور جوناثــن الربيــت “ ”Jonathan Albrightمــا
قامــت بــه شــركة كامربيــدج أناليتيــكا بكونــه تالعــب غــر مــريئ ،يعتمــد علــى االصطيــاد
125
الفصــل الثالـــث
بنـ ً�اء علــى شــخصية الناخــب الفرديــة ،بهــدف خلــق حتــوالت كــرى يف الــرأي العــام ،ســاعد
علــى حتقيــق ذلــك أســراب الروبــوت ،ومنشــورات فيســبوك اخلفيــة ،واختب ـ�ارات ،)*(A/B
جبانــب الشــبكات اإلخباريــة املزيفــة .وكشــفت صحيفــة اجلارديــان عــن بــث حملــة
ً
ترامــب مــا بــن 40إىل 50ألــف نــوع مختلــف مــن اإلعالنــات املوجهــة يوميــا ،حبيــث تتمكن
مــن خاللهــا قيــاس شــكل وطبيعــة االســتجابة ،وبالتــايل تطويــر محتــوى الرســائل أو
ً
االســتفادة منهــا يف مجــال توجيــه احلملــة علــى املســتوى امليــداين ( .)Anderson:2017مثــا،
ً
رصــدت حملــة ترامــب تفاعــل بعــض املســتخدمني داخــل واليــات محســوبة تقليديــا علــى
الديموقراطيــن (ميشــيغن ،بنســلفاني�ا ،ويسكنســون) ،وبنـ�اء عليــه قــررت تنظيــم جولــة
ً
ميدانيـ�ة لرتامــب تســتهدف مواقــع محــددة داخــل هــذه الواليــات ،األمــر الــذي أســفر الحقــا
عــن حســمها لصاحلــه بهامــش ضئي ـ�ل (.)Funk:2016
ً
أخــرا ،وفــور انقضــاء االنتخابــات وفــوز ترامــب ،تعرضــت شــركة كامربيــدج أناليتيــكا
ومــن خلفهــا فيســبوك لهــزات عنيفــة ،كان مــن نت�اجئهــا إفــاس الشــركة ،وهبــوط أســهم
املوقــع بنســبة ،24%إىل جانــب تعطيــل نشــاط أكــر مــن 200تطبيــق داخــل فيســبوك.
وبرغــم انكشــاف أمــر الشــركة ،وتأكيــد تالعبهــا لصالــح ترامــب ،تواصــل مجموعــة SCL
االســتفادة مــن البي�انــات الــي ُحصــدت مــن فيســبوك ،حــى أنهــا أبرمــت عقــد عمــل مــع
وزارة اخلارجيــة األمريكيــة عــام 2017م.
ب.األتمتة “التشغيل اآليل” Automation
ً
التشغيل اآليل أو األتمتة أو امليكنة ،مصطلح ُمعرب يطلق على أي أداة تعمل ذاتي�ا
ً
دون تدخل من اإلنسان .وهي عملية تتيح للدعاية االعتماد على اجلهد الربميج بدال من
البشري .والدعاية يف عالقتها باألتمتة ليست جهد ميكانيكي باملعىن احلريف للكلمة ،كما
هو احلال مع آالت املصانع ،لكن وجود احلاسوب والشبكات واإلنرتنت أتاح لها تنفيذ
اختبــ�ار :A/Bيســمح باختبــ�ار اثنــن مــن املتغــرات (رســالتان) للكشــف عــن الرســالة أو املتغــر األكــر فعاليــة .وعــر (*)
االختبـ�ار يمكــن صياغــة نوعــن مــن الرســائل ،ونشــرها علــى عينـ�ة محــدودة مــن اجلمهــور ،ثــم حتصيــل نتـ�اجئ حــول الرســالة
األفضــل بالنظــر إىل معايــر التفاعــل معهــا كالنقــر أو اإلعجــاب ،ومــن ثــم جيــري اعتمــاد نســخة الرســالة األنســب وتعميمهــا
علــى بــايق اجلمهــور.
126
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
أنشطتها عرب وسائل برمجية ،تب�دو للمستخدم وكأنها ُمنفذة أو صادرة عن مستخدم آخر
حقيقي .وتعكس األتمتة لعمليات تنفيذ تلقايئ ومجدول للمهام الدعائي�ة على مواقع
ً
الشبكات االجتماعية ،بهدف التقليل من التدخالت البشرية والتخلص منها تدريجيا،
إضافة إىل تبسيط املهام املعقدة ،خاصة اليت تستهلك موارد بشرية ولوجستي�ة ،أو اليت
حتتاج لفرتات زمني�ة كبرية من أجل إتمامها .من زاوية أخرى ،تشمل األتمتة برامج جيري
تهيئتها من أجل تنفيذ مهام دعائي�ة ،مثل الروبوت االجتماعي ،Social Botnetكما تشري
للحاالت اليت تمتلك فيها بعض الربمجيات إرادة حرة شبه مستقلة تمكنها من تنفيذ
عمليات استقطاب وتضليل دون أن يشعر بها أحد كما هو احلال مع فقاعات التصفية
ُ
.Filter Bubblesومن الناحية الفلسفية ،تعرب األتمتة عن حالة اندماج بني اجلهود اإلنساني�ة
ُ
واآللية يف عالم ما بعد احلداثة ،كما تصف كيفية تأثر الدعاية باألبعاد التكنولوجية
للحاسوب ،بشكل يدعم فرضية مارشال ماكلوهان يف كون الوسيلة هي الرسالة .وألنن�ا يف
قرية عاملية صغرية على حد وصف العالم الكندي ،يستدعي ذلك منا الرتكزي على وسائل
الدعاية ال على املحتوى ،فهي تؤثر يف املجتمع ليس فقط بما تقدمه من محتوى ورسائل
ً
لكن أيضا خبصائصها التقني�ة اليت ال تكاد تنضب .لذا من األهمية بمكان فهم كيف تشكل
ً
تكنولوجيا الدعاية احلديث�ة عاملنا ،بدال من االستمرار يف ذات اخلط التقليدي الذي اكتفى
بتحليل املحتوى دون أي اعتب�ار للوسيلة.
.1الروبوتات االجتماعية Social Botnets
تعززت بظهور مواقع الشبكات االجتماعية قدرة قطاعات كبرية من اجلمهور على
تب�ادل ومشاركة املعلومات بشكل حر ومباشر دون أي رقابة أو تدخل .ومع ازدياد أهمية
هذه املواقع يف حياة األنسان اليومية ،وارتفاع أعداد األفراد امللتحقني بها ،تعاظمت على
التوازي إمكاني�ة استغاللها يف مجال إنت�اج وتوزيع املعلومات ،سواء أخذت شكل إعالنات أو
أخبار أو صور...إلخ .هذه الطاقة الكامنة ملواقع الشبكات االجتماعية ،إىل جانب خصائصها
َ
التقني�ة كوسيلة اتصال تفاعلية ،وسهولة الوصول لها بال أي تكلفة مالية ،جذبت عديدا
ً
من ذوي األجندات واملصالح ،الذين أيقنوا مبكرا إمكاناتها على صعيد تلبي�ة أهدافهم
بغض النظر عن نوعها وماهيتها وطبيعتها.
127
الفصــل الثالـــث
ً
ومنذ مطلع العام 2010م تقريب�ا ،بدأت التقارير اإلعالمية واألحباث العلمية
تتحدث عن أنشطة معلوماتي�ة سلبي�ة ُيستخدم فيها الروبوت االجتماعي ،كحمالت
التضليل ونشر اإلشاعات ومشاركة األخبار الكاذبة وغريها .وبتقادم السنوات ،حتولت
ظاهرة الروبوت االجتماعي إىل خطر حقيقي يهدد أمن واستقرار املجتمعات ،ويؤثر على
ممارساتها وخياراتها الديمقراطية؛ دعم ذلك نت�اجئ التحقيقات األمريكية اليت كشفت
عن تدخل رويس يف االنتخابات الرئاسية ،والدور الذي أدته الروبوتات يف مجال دعم جناح
مرشح احلزب اجلمهوري “دونالد ترامب” ،إىل جانب حملة التضليل املنسقة اليت تعرض
لها الرئيس الفرنيس “ايمانويل ماكرون” على مواقع الشبكات االجتماعية ،وغريها من
األحداث العاملية اليت ال مجال حلصرها جميعها .وحناول يف هذا اجلزء توضيح ماهية
الروبوت االجتماعي ،وأنواعه ،ومجاالت استخدامه كجزء من األنشطة اآللية للدعاية
احلاسوبي�ة على مواقع الشبكات االجتماعية.
1.1ماهية وتعريف الروبوت االجتماعي
ال يوجد إجماع بني العلماء والباحثني على مفهوم محدد للروبوت االجتماعي،
وكثري مما وقعنا عليه متب�اين ومتن�اقض بشكل كبري ،فمنها ما يركز على الزاوية التقني�ة،
وآخر يهتم خبصائصه االجتماعية أو التفاعلية .وبرغم وفرة األحباث اليت تتعرض لقدرته
وتأثريه ،إال أن التوافق على تعريف دقيق يب�دو مهمة صعبة املنال ،على األقل يف الوقت
الراهن .وكلمة Botمشتقة عن ،Robotوهي بمجموعها ( )Botnetsإشارة إىل مجموعة كبرية
من الروبوتات املنتشرة على أجهزة احلاسوب ،تشكل عند اتصالها باإلنرتنت شبكة من
الروبوتات املرتابطة .ويجب قبل االسرتسال يف املوضوع ،التميزي بني كلمة Socialbotكلفظ
واحد ،ومصطلح Social Botاملؤلف من كلمتني .والتفريق هنا ضروري الرتب�اط كل منهما
بنطاق عليم مختلف عن اآلخر؛ فاألول ينتيم إىل مجال أمن املعلومات ،باعتب�اره أحد
ً
التهديدات الرقمية املرتبطة غالبا حبسابات ،Sybilsاليت هي إشارة لفاعل شبكي يتحكم
ً
يف عقد اتصالية مزيفة ألغراض إجرامية .أما الثاين فيعد مفهوما ذا مرونة وعمومية أكرب،
يرتبط لدى الباحثني باجلهود اآللية عرب مواقع الشبكات االجتماعية.
128
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
وكما يويح املصطلح نفسه ،يستلزم تعريف الروبوت االجتماعي فهم طبيعته
املزدوجة ،فجزء منه ينتيم إىل عالم التقني�ة والربمجة ،يف حني ينتسب جزئه اآلخر إىل علم
االجتماع .وبالنسبة للمدخل التقين ،حييل معىن Botإىل مفاهيم برمجية كاخلوارزميات
وجوهرية يف عملية فهم ماهية الدعاية
ٍ أساسية
ٍ مكونات
ٍ والتشغيل اآليل ،اليت تعد
احلاسوبي�ة؛ إال أن حالة التداخل واالندماج بينها على املستوى التقين-الرتكييب والتنفيذي،
أدى إىل خلط أو سوء فهم حلقيقة الروبوت ووظائفه .وعلى أي حالُ ،ينظر للروبوت
ً
االجتماعي تقني�ا بكونه فاعل ذو برمجة آلية ( ،)Geiger:2016أو فاعل على شبكة اإلنرتنت
ذو برمجة آلية يتمتع خبصائص الذكاء االصطناعي ،وقادر على تأدية مهامه بشكل مستقل
ً
( .)Heinrich:2017أما املنظور السوسيولويج للروبوت ،فعادة ما يتصدى لآلثار الناجمة عن
ً
أنشطته على املستويني االجتماعي والسيايس ،كما يتطرق إىل خصائصه ومهامه عوضا
عن تعريفه؛ فهو قادر على محاكاة سلوك املستخدمني ،ويستطيع التالعب بالرأي العام،
ً
ويمكن له تعطيل االتصال التنظييم؛ حبيث يعدها كلها حالة خاصة ناجمة ومرتتب�ة عن
الروبوت االجتماعي (.)Wooley:2016
مــن ناحيــة أخــرى ،يســلط بعــض الباحثــن الضــوء علــى الطبيعــة السياســية
اخلفيــة للروبــوت االجتماعــي ،بصفتــه “فاعــل متخفــي ذو أجنــدة سياســية” ،ويفرقــون
بشــكل صريــح بينــ�ه وروبوتــات الدردشــة وتلــك املخصصــة للمســاعدة االســتفهامية
والــرد اآليل ( .)Hegelich:2016هــذا وتركــز دراســات عديــدة علــى خاصيــة “محــاكاة
الســلوك االتصــايل” بوصفهــا عنصــر اســايس يف تكويــن الروبــوت االجتماعــي الربمــي
( ،)Grimme et al.:2017بينمــا تتنـ�اول أخــرى قدرتــه علــى التفاعــل مــع املســتخدمني ،وتشــدد
ً
علــى كونهــا مــزة جوهريــة غــر مســبوقة ( .)Kollanyi et al.:2016ومؤخــرا فقــط ،أدركــت
العديــد مــن املنصــات االجتماعيــة ،خاصــة فيســبوك وتويــر ،اآلثــار الســلبي�ة املرتتبـ�ة عــن
أنشــطة الروبــوت االجتماعــي ،ســيما إمكاناتــه يف مجــال “التضخيــم املزيــف” ،لتحــاول
معاجلتهــا والتخفيــف مــن وطأتهــا.
وباالنتقال إىل الرتاث العليم العريب ،يطلق عبد هللا احليدري اسم “الذباب اإللكرتوين”
ً
على الروبوتات االجتماعية ،ويعده أسلوبا لتحقيق املعادلة الكمية األساسية يف بن�اء الرأي
129
الفصــل الثالـــث
وتوجيهه على النحو الذي خيدم مصالح املراكز املهيمنة يف املجتمع؛ وذلك عرب أساليب
ميدياتيكية مختلفة ترتاوح يف الغالب بني التغريد املتن�اعم والتعليق املكثف وإعداد
النشرات املضادة للرأي املخالف(احليدري .)2019:ويرى أن الروبوت ينخرط يف لعبة ِّ
الكم
َّ
إلسقاط معادلة كمية مضادة ،حبيث تتول منظمات إلكرتوني�ة فاعلة ،أو جلان حكومية،
تشكيله من خالل إنشاء عدد كبري من احلسابات الوهمية ،تكون جاهزة ل َت ُّ
حر ٍك ُم َ ْب َمج ِ
قصد إصابة توجهات وآراء غري مرغوب فيها .ويضيف احليدري ،أنه يف الوقت الذي يعمل
الذباب اإللكرتوين على فرض الواقع الذي تريده اجلهات الفاعلة بمنطق التأثري الكيم،
يتسرب منها ذباب اجتماعي “ذكي”، َّ “يوجد يف فلك الويب خنادق وسراديب إلكرتوني�ة ُ
بارع يف صناعة املفاهيم واملصطلحات اليت ينبغي على الذباب اإللكرتوين ترديدها بقوة،
كاألوصاف اليت أطلقت على رئيس التونيس االسبق املنصف املرزويق”(.)Ibid
ُ
وتعــرف الروبوتــات االجتماعيــة بكونهــا برمجيــات حاســوبي�ة مســؤولة عــن إنتــ�اج
محتــوى بشــكل آيل تلقــايئ ،وقــادرة علــى التفاعــل مــع اإلنســان علــى الشــبكات االجتماعية،
يف محاولــة منهــا محــاكاة ســلوكه أو علــى األقــل تغيــره ( .)Grimme et al.:2017ويتصــف هــذا
التعريــف بالشــمولية إىل حــد كبــر ،كونــه جيمــع حتــت لــواءه جميع أنــواع الروبوتــات ،إضافة
إىل اشــتماله علــى عناصــر التفاعــل ،واالتصــال ،والتقنيـ�ة ،واملجــال ،والهــدف .كمــا تعــرف
بكونهـ�ا حسـ�ابات عـبر الشـ�بكات تشـ�تغل بطريقـ�ة آليـ�ة حتاكـ�ي السـ�لوك البشـ�ر ي (�Kitz
.)ie et al.:2018ويمكــن لنــا تقديــم تعريــف للروبــوت االجتماعــي علــى املســتوى الدعــايئ
ً
بكونــه برمجيــات مصممــة لتنفيــذ طائفــة مهــام ســلبي�ة متعــددة ،عــادة مــا تســتوطن داخــل
األنظمــة التقني�ة-االجتماعيــة؛ كمواقــع الشــبكات االجتماعيــة.
2.1أنواع الروبوتات االجتماعية
ً
يعترب روبوت الدردشة Chat Botمن أكرث أنواع الروبوت شهرة يف العالم ،فهو نظام
برميج قادر على التفاعل والدردشة مع اإلنسان بلغته األم .وبرغم ذلك ذكاءه محدود،
ً
وغالبا ما يتم تطويره ألغراض محددة ،كالرد التلقايئ على املكالمات الهاتفية ،أو الرد على
املراسالت النصية عرب الربيد اإللكرتوين أو عرب خدمات الدردشة واالستفسار املباشر.
130
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
ونستنتج هنا ،أن روبوتات الدردشة مخصصة لتحل مكان اإلنسان يف تأدية وظائف
اتصالية بسيطة .وبعكس روبوت الدردشة املستن�د على نظام اتصال من فرد إىل فرد
(من عقدة إىل عقدة) ،يعتمد روبوت الربيد املزعج Spam Botsعلى نظام اتصايل من
واحد إىل مجموعة (من عقدة إىل مجموعة عقد) ،وبإمكانه الوصول إىل قطاعات كبرية
ً
من املستخدمني يف وقت واحد .وعادة ما يقوم هذا النوع على إرسال اإلعالنات املزعجة
واألخبار املزيفة وروابط االصطياد امللغومة ،أو تنفيذ هجمات حجب للخدمة DDOSني�ابة
عن جهة ما ،دون أن ينخرط يف حالة تفاعلية مع اإلنسان .ورغم غياب خاصية التفاعل ،إال
أنه يصنف ضمن الروبوتات االجتماعية.
وتنتشر على موقع تويرت روبوتات إعادة التغريد Retweet Botsاليت ختتص بتضخيم
ظهور موضوعات أو شخصيات بعينها وضمان بروزها على نطاق واسع داخل املوقع ،إما
عرب إعادة تغريد محتوى صادر عن مغردين بعينهم ،أو إعادة تغريد كلمات رئيسية محددة
مرتبطة بقضية ما .وين�درج حتت هذا النوع صنف آخر تسىم روبوتات األخبار ،News Bots
تهتم بإعادة تغريد محتوى صادر عن مؤسسات أو وكالت إخبارية عاملية أو محلية محددة
ً
سلفا ،كما يقوم بإعادة تغريد محتوى باالستن�اد إىل بعض الكلمات الرئيسة املتضمنة يف
النص اإلخباري (.)Mittal:2014
ويعترب الروبوت السيايس Political Botمن أهم األشكال االجتماعية للروبوتات،
لقدرته على نشر محتوى أيديولويج أو املشاركة يف النقاشات السياسية على مواقع
ً
الشبكات االجتماعية .وعادة ما يقف وراء تصميمه وبرمجته حكومات أو مجموعات
ترغب يف نشر وتعزيز آرائها وأفكارها ومواقفها السياسية .فعلى سبي�ل املثال ،يستطيع
الروبوت السيايس تضخيم شهرة شخصية سياسية ما أو ترويج فكرة أو موقف سيايس
معني ،باالعتماد على خاصية النشر أو اإلعجاب أو املتابعة أو املشاركة .كما يمكن له
التصدي وكبح املواقف السياسية املعارضة ،عرب قدرته حتديد أماكن تواجد املناقشات أو
املنشورات أو التعليقات السلبي�ة باالستفادة من خدمة “حتديد الكلمات الرئيسة” ،ومن
ً
ثم الولوج إليها ،وإغراقها بمحتوى دعايئ مضاد معد سلفا.
131
الفصــل الثالـــث
ويمكن للروبوت السيايس حتقيق تأثري مضاعف ،خاصة حال تعاون عدد كبري
منها؛ حيث تستطيع صناعة انطباع عام مضلل Astroturfingحول حدث أو استحقاق
ً
سيايس ما .فمثال تؤكد إحدى الدراسات استخدام الروبوتات السياسية يف تنفيذ حملة
تضليل منسقة ضد مرشح الرئاسة “إيمانويل ماكرون” خالل االنتخابات الفرنسية
ً ً ُ
( .)Ferrara:2017ويف املحصلة ،تعد الروبوتات السياسية عامال مؤثرا يف صناعة الرأي العام
وصياغة خطابه ،فهي قادرة على نشر رسائل الدعاية على نطاق واسع ،سواء عرب مواقع
الشبكات االجتماعية أو شبكة اإلنرتنت على اتساعها.
ويف سياق متصل ،يعد برنامج Siriاملثبت على الهواتف الذكية نوع آخر من أنواع
الروبوت االجتماعي ،فهو مصمم لرعاية اتصال بني اإلنسان واآللة باستخدام اللغة
األم .كما يستطيع تأدية طائفة مهام وسيطة بني اإلنسان والهاتف النقال مثل الرتجمة،
وتلقي األوامر ،وتنفيذ عمليات البحث...إلخ .ورغم مشابهته لروبوت الدردشة إال أن
ً
تقنيت�ه أكرث تطورا ،فهو يمتلك مزييت التعرف على الصوت ،وحتديد الكلمات الرئيسية.
وتوجد أنوع أخرى من الروبوتات لكنها غري مصنفة ضمن الفئة االجتماعية ،مثل روبوتات
، Curatorاملتخصصة يف جتميع املعلومات واملضامني من على شبكة اإلنرتنت ،ثم عرضها
على صفحات خاصة بطريقة منظمة ومرتب�ة .وخبالف الروبوتات االجتماعية ،ال يمتلك
هذا النوع خاصية اتصالية ،ويكتفي بت�أدية مهامه بشكل هادئ غري ملحوظ .ومن أنواعها
روبوتات ويكيبي�ديا ،Pywikibotاليت تؤدي وظائف مساندة تتمم أنشطة املدونني ،مثل
حذف املسافات البيضاء ،أو إنشاء روابط للصفحات ،أو تصحيح األخطاء الطباعية...إلخ.
ً
وأخريا ،ال يمكن حصر أنواع الروبوتات لكرثتها ،مثل روبوتات األلعاب ،Game Botsوأخرى
تعليمية Edu Botsوغريها الكثري .لكن ما يهمنا معرفته ،أن الروبوتات ختتلف باختالف
تصميمها وبرمجتها ،ولكل منها وظيفة معين�ة حبسب الهدف املراد حتقيقه.
3.1الشكل الهجني للروبوت
ُ
يسد الشكل الهجني للروبوت اإلجتماعي Hybrid Human-botحالة تمازج بني
ً
اإلنسان واآللة ،يشار إليها غالبا باسم ،Cyborgوتعين تنفيذ املهام واألنشطة الدعائي�ة
132
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
باالعتماد على اجلهدين البشري واآليل يف آن واحد .والصيغة الهجين�ة للروبوت ال تعمل
من تلقاء نفسها كما هو احلال مع الروبوت االجتماعي ،بل تـخضع لتوجيه من قبل
اإلنسان ،والعكس صحيح عندما َيسند الروبوت أنشطة اإلنسان على مواقع الشبكات
االجتماعية سواء يف مجال توسيع رقعة انتشار الرسائل أو تضخيم ظهور قضية معين�ة...
ً
إلخ .ومن أوائل التعريفات وأكرثها شيوعا للخلطة الهجين�ة بني اإلنسان والروبوت
على مواقع الشبكات االجتماعية ما تقدمه دراسة مشرتكة لعدد من الباحثني ،حيث
ً ً ً
تعده نشاطا روبويت بمساعدة وتوجيه إنساين أو نشاطا إنساني�ا بمساعدة روبوتي�ة
( .)Chu et al.:2010كما ُيعرف على أنه طبقة وسيطة جتمع بني الروبوت اآليل واملستخدم
البشري ( .)Grimme et al.:2017ومن غري املعلوم لدى الباحثني مقدار التدخل البشري
ً ً
املطلوب جلعل الروبوت هجين�ا ،أو مقدار التدخل الروبويت جلعل اإلنسان هجين�ا .وهنا
تقفز إىل الذهن عدة اسئلة ،فهل يمكن مقاربة االعتماد على الروبوت يف جدولة النشر على
أكرث من حساب ويف وقت مزتامن كنشاط هجني؟ وهل يمكن تصنيف احلسابات اخلاصة
ً
باملؤسسات -اليت تغرد تلقائي�ا برعاية بشرية محدودة -على أنها أنشطة روبوتي�ة حبتة؟ أم
ٌ ً
نشاط هجني؟ ومما يزيد مهمة التحديد غموضا وصعوبة ،تطوع عديد من املستخدمني
ً
حبساباتهم لصالح اشتغالها آليا ،بمعىن انتقال احلساب من حالة إشراف إنساين حبت إىل
ً
وضعية عمل روبوتي�ة ،حتقيقا ألهداف دعائي�ة سياسية؛ كما جرى خالل االنتخابات العامة
الربيطاني�ة (.)Gorwa & Guilbeault:2018
وعلى حنو مشابه ،رصدت دراسة لتفيش ظاهرة “عمال النقر ”Click Workers
ُ َْ
على الشبكات ،وهم مجموعات من املستخدمني ت ْستأ َج َر خدماتهم بمقابل مايل
ضئي�ل بهدف نشر محتوى دعايئ ،أو القيام بمهام إعجاب ومشاركة لبعض املحتويات
والصفحات على الشبكات االجتماعية ( .)Lee et al.:2014ويوفر هذا النوع من األنشطة
ً
بديال عن الروبوت؛ وذلك بسبب سلوكه احلقيقي الذي ال خيضع للرصد والتحيي�د
( .)Golumbia:2013هذا وتشري إحدى الدراسات إىل عدد من املؤشرات اليت تكشف عن
أنشطة هجين�ة يتعاون فيها الروبوت مع اإلنسان ،فهي تعمل على دفع املحتوى بأسلوب
يويح بصدورها عن مستخدم حقيقي ،وتتمتع حبصيلة لغوية أكرث ثراء وتنوع من الروبوت
133
الفصــل الثالـــث
املستقل بذاته ،كما أن رسائلها قصرية أو غري مكتملة حتتوي على روابط حتيل إىل اجلزء
املكمل للرسالة؛ وجميع ما سبق يؤكد وجود تدخل إنساين يف عملها (.)Gorwa:2017
ً
وأخريا ،يوفر الشكل الهجني العديد من املزايا والفوائد ،فهو منخفض التكلفة
ً
نسبي�ا ،كما يتحدى اسرتاتيجيات الرصد املصممة لتتبع أنشطة الروبوت االجتماعي،
كونه يعتمد على أنماط توجيه إنساين مباشر يصعب تصنيفها وجدولتها كنشاط آيل حبت
(.)Grimme et al.:2017
4.1دورة عمل الروبوت االجتماعي
تت�ألف منظومة الروبوت االجتماعي من ثالثة عناصر ،هي :الربامج ،System
ً خوادم السيطرة والتحكم ،Controlوالروبوت األم أو املسيطر ُ .Botmaster
ويصمم غالبا
ليصيب أو خيرتق أهداف مثل أجهزة احلاسوب والهواتف الذكية دون علم اصحابها،
ً
ليجعلها جزءا من شبكة روبوتات ختضع لسيطرة وتوجيه من الروبوت األم .وهنا يستطيع
الروبوت املسيطر من خالل اإلنرتنت وخوادم السيطرة والتحكم إرسال توجيهات دائمة
إىل الروبوتات الفرعية املنتشرة على أجهزة الضحايا ،لتقوم بدورها بتنفيذ مهام على حنو
يستجيب للتوجيهات واألوامر الواردة .والروبوت له دورة حياة ،تنتهي إما باالستغناء عنه
ويلخص الشكل اآليت دورة حياة الروبوت: من قبل األم ،أو تدمريه يف حال كشفهُ .
اﻟﻌﺪوى�اﻻﻧ�ﺸﺎر�:ﻳﺨ��ق�اﻟﺮو�ﻮت�اﻷﺟهﺰة�اﳌﺴ��ﺪﻓﺔ،
ﻟﺘﺘﺤﻮل�إ���رو�ﻮﺗﺎت�ﺟﺎهﺰة�ﻟﻠﻌﻤﻞ. 1
اﻟﺮ�ﻂ�:ﻳﺮﺗﺒﻂ�اﻟﺮو�ﻮت�ﺑﺨﺎدم�اﻟﺴﻴﻄﺮة�واﻟﺘﺤﻜﻢ�ﻷول�ﻣﺮة،
و�ﺆﺳﺲ�ﻣﻌﮫ�ﻗﻨﺎة�أﺗﺼﺎل. 2
اﻷواﻣﺮ�واﻟﺘﻘﺎر�ﺮ��:ﻳﺘﻠﻘﻰ�اﻟﺮو�ﻮت�أواﻣﺮ�ﻣﻦ�ا��هﺔ�اﻷم
ً
ﻟﺘﻨﻔﻴﺬهﺎ�،ﺛﻢ�ﻳﻘﺪم�ﺗﻘﺎر�ﺮ�اﻧﺠﺎز�،ﻣﻨﺘﻈﺮا�أواﻣﺮ�ﺟﺪﻳﺪة. 3
اﻟﺘﺨ���واﻟﺘﺤﻴﻴﺪ�:ﺣﺎل�ﻋﺪم�ﻣﻼﺋﻤﺘﮫ�أو�ﻗﺎﺑﻠﻴﺘﮫ�ﻟﻺﺳﺘﺨﺪام،
أو�إﻧ��ﺎء�اﻟﻐﺮض�ﻣﻨﮫ�،أو�رﺻﺪﻩ�وﺗﺤﻴﻴﺪﻩ�أو�ﺗﺪﻣ��ﻩ. 4
134
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
135
الفصــل الثالـــث
ب .صناعــة محتــوى دعــايئ ونشــره ،أو رصــد محتــوى بعين ـ�ه وتعميمــه أو مشــاركته
علــى نطــاق شــبكي واســع وبشــكل آيل .وهــذا األســلوب قديــم وغــر فعــال ،لســهولة كشــفه
وحتييـ�ده.
ج .تنفيــذ عمليــات احتيــ�ال باالســتن�اد علــى الهويــة ،مثــل انتحــال هويــة أحــد
املســتخدمني ،أو إنشــاء حســاب وهــي مزيــف حيمــل اســم شــخصية شــهرية؛ وذلــك بهــدف
االســتيلاء علــى بي�انــات خاصــة مثــل أرقــام هواتــف وعناويــن وصــور شــخصية وغريهــا
ً
مــن البي�انــات احلساســة الــي يمكــن اســتغاللها الحقــا يف اجلرائــم اإللكرتوني ـ�ة أو اجلهــود
الدعائيــ�ة.
د .التالعــب يف إدراك اجلمهــور للواقــع أو احلقيقــة مــن خــال التأثــر يف عمليــة
التعــرض املعلومــايت .وهنــا يســتفيد الروبــوت مــن خوارزميــات مواقــع الشــبكات
ُ
االجتماعيــة مــن أجــل التالعــب يف نــوع املحتويــات الــي تعــرض للمســتخدم .ومثــال ذلــك
مــا يرتبــط جبهــود صناعــة االنطبــاع املضلــل ،Astroturfingمــن ناحيــة تعمــد أســراب مــن
الروبــوت صناعــة ظهــور مزيــف لقضيــة أو رأي أو موقــف مــا ،عــر مشــاركتها وتكرارهــا على
نطــاق واســع ،حبيــث تبـ�دو للمســتخدم احلقيقــي وكأنهــا منبثقــة علــى رأي عــام أصيــل ،دون
أن يــدرك حقيقتهــا بكونهــا ممارســات تضليــل تهــدف إىل خداعــه.
ه .تنفيذ عمليات تغطية Smoke Screeningعلى بعض أجزاء من قضية ما باستخدام
وسـومها الراجئـة ،وذلـك بهـدف تشـتيت مناقشـات املسـتخدمني حولها ،وجرهـم إىل نقاط
ً
جديـدة بعيـدا عـن النقـاط الرئيسـية التي جيـري تداولهـا ،أو تنفيـذ عمليـات حتويـل انتبـ�اه
Misdirectionعـن القضيـة برمتهـا مـن خلال صناعـة محتـوى ال يرتبـط بهـا ،لكـن مذيـل
بوسـم القضيـة (.)Abokhodair et al.:2015
و .تضخيــم بــروز ظهــور محتــوى دعــايئ ،Amplificationعــر تكــرار نشــره ومشــاركته
علــى نطــاق واســع بني املســتخدمني ،ليبـ�دو وكأنه صــادر عن مؤسســات إعالميــة حقيقية.
ً
فمثــا ،خــال انتخابــات التجديد للنصف الثاين لعضويــــة الكونـجـــرس األمريكـــــي عــــــام
2010مُ ،اســتخدمت الروبوتــات بهــدف الرتويــج لبعــض املرشــحني وتشــويه منافســيهم،
136
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
عــر ضــخ مضامــن دعائيـ�ة تتضمن روابــط حتيل إىل مواقــع إلكرتونيـ�ة تعج باألخبــار املزيفة
( .)Ratkiewicz et al.:2011كمــا يشــمل التضخيــم ،ترويــج الروبوتــات لشــخصيات عرب تهويل
ظهورهــا ،ويت ـ�أىت ذلــك مــن خــال تالعبهــا حبجــم املتابعــن أو عــدد اإلعجابــات ،ليتوهــم
املســتخدم علــو قــدر هــذه الشــخصية .كمــا يمكــن للروبــوت الرتويــج لصفحــة الشــخصية
بشــكل آيل ،مــن خــال دفعهــا للظهــور علــى صفحــات ملســتخدمني مــن شــبكات أخــرى.
ً
ز .نشــر ومشــاركة األخبــار الكاذبــة واإلشــاعات يف ظــروف وحــاالت محــددة .فمثــا،
تزامــن مــع االنفجــار الــذي وقــع يف مدينـ�ة بوســطن األمريكيــة خــال مارثــون ريــايض قيــام
روبوتــات اجتماعيــة بنشــر ومشــاركة محتــوى مفــرك وأخبــار كاذبــة ،األمــر الــذي نتــج عنــه
موجــة ذعــر كبــرة بــن الســكان املحليــن (.)Mittal:2014
ح .تهديــد االســتقرار االجتماعــي أو الســيايس أو االقتصــادي .ومثــال ذلــك ،عندمــا
جنــح روبــوت يف اخــراق حســاب وكالــة Associated Pressعلــى موقــع تويــر عــام ،2013
ونشــره إلشــاعة تفيــد بوقــوع هجــوم إرهــايب علــى البيــت األبيــض وإصابــة الرئيــس
“بــاراك أوبامــا”؛ حبيــث ترتــب عنهــا هبــوط حــاد يف أســهم بورصــة ،Dow Jonesلتســجل
خســائر بلغــت املليــارات ،هــددت علــى حنــو خطــر اســتقرار االقتصــاد يف الواليــات املتحــدة
األمريكيــة (.)Prigg:2015
ط.إنشــاء حســابات وهميــة (منتحلــة أو مزيفــة) بشــكل آيل مــن أجــل الولــوج إىل
شــبكات العالقــات احلقيقيــة بــن املســتخدمني .وحــى يتمكــن الروبــوت مــن إضفــاء
مصداقيــة علــى للحســابات الــي ينشــئها ،فــا بــد لــه مــن محــاكاة الســلوك االتصــايل
للمســتخدمني؛ لــذا يقــوم علــى تزويــد احلســاب جبميــع املعلومــات الضروريــة (صــورة
مزيفــة ،بي�انــات شــخصية مفربكــة) حبيــث ختــدع الشــخص املســتهدف وحتفــزه للمصادقة
علــى احلســاب ضمــن قائمــة أصدقائــه أو متابعيــه .ويفيــد هــذا الســلوك يف العمليــات الــي
تهــدف إىل التأثــر يف تصــورات األفــراد للواقــع ،أو ممارســة ســلوك التصيــد ،الــذي خيــدم
جهــود التشــويش ،ومفاقمــة اخلالفــات بــن األطيــاف السياســية واأليديولوجية...إلــخ.
137
الفصــل الثالـــث
ي .محــاكاة الســلوك االتصــايل اإلنســاين علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة بشــكل
ً
مســتمر لضمــان املحافظــة علــى مصداقيــة احلســابات الــي ينشــئها .فمثــا ،يتعمــد
ً
الروبــوت تنقيــب شــبكة اإلنرتنــت حبثــا عــن محتــوى مالئــم بهــدف مشــاركته علــى
صفحتــه األمــر الــذي يمنحــه مظهــر بشــري حقيقــي غــر آيل ،كمــا يتعمــد نشــر املحتــوى
علــى فــرات زمني ـ�ة مجدولــة تماثــل األنمــاط الزمني ـ�ة لنشــاط املســتخدمني علــى مواقــع
الشــبكات االجتماعيــة .وتفيــد هــذه املحــاكاة يف توســيع الدائــرة االجتماعيــة للروبــوت ،مــن
ً
خــال زيــادة أعــداد املتابعــن واألصدقــاء ،بغيــة اســتغاللهم الحقــا.
ك .محاولــة التأثــر يف التوجهــات السياســية للمســتخدمني ،خاصــة خــال
االنتخابــات .فعلــى ســبي�ل املثــال ،كشــفت إحــدى الدراســات عــن وجــود 400ألــف
روبــوت اجتماعــي علــى موقــع تويــر خــال حملــة االنتخابــات الرئاســية األمريكيــة ،2016
نشــروا ألكــر مــن 3.8مليــون تغريــدة ،خصصــت جلهــا لدعــم وترويــج صــورة مرشــح
اجلمهوريــن “دونالــد ترامــب” علــى حســاب مرشــحة الديمقراطيــن “هيــاري كلينتــون”
(.)Bessi & Ferrara:2016
ً
ل .عرقلــة عمليــات حتليــل الشــبكات االجتماعيــة والتأثــر ســلبا يف نت�اجئهــا ،ســواء
اجلهــود املتعلقــة باملجــاالت البحثي ـ�ة ،أو املرتبطــة بقيــاس الــرأي العــام الشــبكي ،أو الــي
تهتــم بقيــاس وحتديــد درجــة ومســتوى وصــول وانتشــار الرســائل ،أو الــي حتــاول رصــد
تفاعــل املســتخدمني مــع موضوعــات ووســوم بعينهــا؛ وغريهــا كثــر مــن اجلهــود العمليــة
الرصينــ�ة.
7.1نموذج حملة االنتخابات الرئاسية الفرنسية 2017
يعود تاريخ الدراسات األوىل اليت تعرضت بالتحليل للحمالت الدعائي�ة املنسقة ضد
مرشحني سياسيني على مواقع الشبكات االجتماعية إىل العام .2010ومنذ ذلك التاريخ،
توالت الدراسات اليت ترصد ألنشطة التضليل خالل احلمالت االنتخابي�ة ،حبيث ركز
عدد ال بأس منها على كيفية إفادتها من االشتغال اآليل يف دعم وتأيي�د املرشحني ،أو تنفيذ
هجمات ضد منافسيهم .واالنتخابات الفرنسية اليت جرت يف العام 2017ليست بعيدة
138
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
عن هذا االهتمام ،خاصة وأنها شهدت حملة دعائي�ة مكثفة ضد مرشح الرئاسة ماكرون،
تضمنت توظيف روبوتات وحسابات وهمية؛ بهدف صناعة معارضة موجهة ،تفقده
حظوظه يف الفوز.
ً ُ
وال ترد أهمية النموذج الفرنيس إىل حضور وسائل الدعاية احلاسوبي�ة فقط؛ بل أيضا
إىل نمط االشتغال املنسق الذي ختلل احلملة ،والطريقة اليت جرى بموجبها استغالل
الروبوتات االجتماعية يف نشر محتوى دعايئ على نطاق شبكي واسع ،على أمل هيمنة
سرديات ملفقة على اخلطاب اجلماهريي العام ،علها حتيد به عن جادة املوضوعية ليصب
صوته يف صالح املرشحة املنافسة “ماري لوبان”.
وتمحورت حملـــة الدعايـــة املسمــاة “تسريبــات ماكــرون ،)*(”MacronLeaksحـــول
مسعاها جتريــم “ماكرون” من خالل تسريبهــا لوثائــق تفيــد بتهرب شركتــه الضريبــي
( .)Ferrara:2017ويعود تاريخها إىل اخلامس من مايو 2017م ،عندما نشر أحد املستخدمني
ً
املجهولني لوثائق عرب الربيد اإللكرتوين ،شقت طريقها سريعا إىل موقع تويرت بواسطة
روابط تداولها نشطاء من اليمني الفرنيس ،Alt-Rightالذين أسهموا بدورهم يف تضخيم
بروز هذه الوثائق ،لدرجة قيام حساب WikiLeaksالرسيم على موقع تويرت بمشاركتها ،مما
أدى إىل تعزيز ومفاقمة انتشارها على نطاق شبكي أوسع ( .)Ibidوجتدر اإلشارة هنا ،إىل أن
احلسابات الوهمية اآللية اليت وظفت خالل االنتخابات األمريكية عام 2016م هي ذاتها
اليت نشطت خالل حملة االنتخابات الفرنسية 2017م ،يف مؤشر إىل احتمال وجود سوق
سوداء مخصصة إلعادة إحياء واستخدام الروبوت يف مجال التضليل السيايس (.)Ibid
باختصــار ،مــا تعــرض لــه “ماكــرون” هــو حملــة تضليــل مكتملــة األركان ،الحتوائهــا عنصريــن :يتعلــق األول بالطبيعــة غــر (*)
املؤكــدة للمعلومــات ،يف حــن يتمثــل الثــاين يف اجلهــد املنســق الــذي ســعى إىل نشــر وتعميــم هــذه املعلومــات علــى أوســع
نطــاق .ويمكــن القــول ،أن غيــاب املوثوقيــة عــن الوثائــق املســربة جعــل مــن املعلومــات املتضمنــة فيهــا أقــرب للشــائعات.
وبرغــم الفحــص الــذي خضعــت لــه الوثائــق فيمــا بعــد ،إال أن التحقيقــات الرســمية لــم تثبــت أنهــا مصطنعــة ،لكنهــا أكــدت
علــى غيــاب األدلــة الــي تدعــم االدعــاءات حولهــا.
139
الفصــل الثالـــث
هـذا وكشـفت نتـ�اجئ دراسـة تطرقـت ألنشـطة الروبـوت خلال حملـة االنتخابـات
الفرنسـية عـن تسـجيله نسـبة 18%مـن مجمـوع الكيانـات (إنسـاين ،آيل) التي تداولـت
ملوضـوع التسـريب�ات علـى موقع تويرت ،بتعداد بلـغ 18,324كيان روبويت مـن أصل .99,378
ومـن امللفت للنظر أن تتسـق هـذه النت�اجئ مع أخرى تتعلق بالنمـوذج األمريكي ،حيث بلغت
نسبة حضور الروبوت على موقع تويرت خالل حملة االنتخابات األمريكية ما يقرب من 15%
(.)Bessi & Ferrara:2016
أهم الروبوتات اليت اشرتكت يف التسريب�ات خالل حملة
االنتخابات الفرنسية على موقع تويرت
املصدر)Ferrara:2017( :
وبالتدقيق يف السلوك االتصايل للروبوتات ،جند مشاركتها روابط حتيل إىل مواقع
تتبع إىل اليمني البديل ،حبيث احتوت على معلومات مفربكة على عالقة مباشرة بموضوع
التسريب ،مثل (.)Breitbart News, Infowars, The Gateway Pundit, Zero Hedge, GotNews
وما سبق يدل على اشتغال الروبوتات وفق آلية منسقة ومخططة .فإىل جانب نشرها
للتسريب ،عمدت إىل مشاركة روابط تعود ملواقع إخبارية بعضها مزيف ،كي تضفي على
القضية مصداقية أمام املستخدمني.
140
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
URL Frequency
http://www.thegatewaypundit.com/2017/05/breaking-wikileaks-
3018
confirms-leaked-macroncampaign-emails-authentic-macronleaks/
http://archive.is/eQtrm 2766
http://www.zerohedge.com/news/2017-04-25/meet-real-emmanuel-ma-
2077
cron-consummatebanker-puppet-bizarre-elitist-creation
http://gotnews.com/busted-macronleaks-show-feminist-hypocrite-
1943
emmanuelmacronpays-female-campaign-workers-26-less-men/
https://www.pscp.tv/w/a9nszjF4ZUtXeEdWcnJhalB8MUJkeFl2bWtwa0RL-
1780
WI2X5caHtYkbfBlqL9jLCqUAewt8H54OrqhULHt16_h
املصدر)Ferrara:2017( :
141
الفصــل الثالـــث
ً ً
ويعد الفضاء السيرباين تربة صاحلة للتخفي لما تتيحه األنظمة والتطبيقات
واملنصات اإللكرتوني�ة والربمجية من طواعية تسمح بنحت هويات افرتاضية مصطنعة،
َّ
شكلت بمرور الوقت بيئ�ة مالئمة لظهور الذباب اإللكرتوين وانتشاره (احليدري .)2019:وال
ً ً
يمكن اعتب�ار جميع احلسابات الوهمية خطرا على املستخدمني ،فغالبا ما يؤسس بعض
األفراد حلسابات إضافية بهدف املتعة والتسلية ،أو لرغبتهم إقامة تواصل مع األصدقاء
واملعارف بشكل محجوب عن اآلخرين .وبرغم براءة بواعثها ،إال أن هذا النوع من احلسابات
غري قانوين ،وذلك ملخالفته سياسات وقواعد مواقع الشبكات االجتماعية ،اليت تنص على
عدم جواز حيازة املستخدم ألكرث من حساب واحد فقط .وحبسب شروط االنتساب إىل
ً ُ
موقع فيسبوك ،فأي حساب خيضع إلشراف مستخدم غري حسابه األسايس يعد حسابا
ً
وهميا (.)Facebook: n.d
ُ
وتعرف احلسابات الوهمية بكونها حسابات ينتحل اصحابها هوية مستخدمني
ً
آخرين ،أو خيتلقون لهوية مزيفة غري موجودة أصال ،كما حتمل بي�انات غري صحيحة،
كاالسم ،والصورة ،والعمر ،وغريها .هذا وتن�درج احلسابات الوهمية حتت ثالث
تصنيفات أو مستويات ،تب�دأ باحلسابات اإلنساني�ة اليت تدار وتوجه جبهد بشري
ُ
يدوي خالص ،ثم احلسابات الربمجية اآللية ،اليت تشغل بشكل آيل حبت إما عن طريق
روبوت واحد أو مجموعة روبوتات ،وحسابات اخلليط أو الهجين�ة اليت ختلط وتمزج
ً
بني اجلهدين اإلنساين واآليل معا ،حبيث يكمل الروبوت عمل اإلنسان وبالعكس
(.)Kareen & Bhaya:2018
1.2استخدامات احلسابات الوهمية يف الدعاية
ُ
تستخدم احلسابات الوهمية لتحقيق طائفة كبرية من األهداف الدعائي�ة ،فهي
ُ
توظف يف مجال تضليل الرأي العام الشبكي عرب قلب احلقائق وتشويش املعلومات ،كما
ُ
تستخدم ألجل ضخ األخبار الكاذبة وزيادة انتشارها داخل البيئ�ة الشبكية ،إىل جانب شن
هجمات فردية أو جماعية منسقة على شخصيات ومؤسسات معين�ة لتشويهها ،إضافة
إىل قمع األصوات املعارضة وعرقلة حرية العمل اإلعاليم .وال يقف األمر عند هذا احلد ،بل
142
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
يتجاوزه حنو التحريض على العنف ،وتعزيز نعرات الطائفية واالنقسام داخل املجتمعات،
وحرف مسار النقاشات واشعالها بغرض افقادها قيمتها احلقيقية.
وعرب احلسابات الوهمية يمكن لفت انظار املستخدمني إىل قضايا بعينها عرب تضخيم
ُ
ظهورها ،كما تستخدم يف ترويج األفكار السياسية أو الديني�ة أو احلزبي�ة ،إىل جانب
العالمات التجارية .ويمكن استغاللها يف مجال اجلرائم اإللكرتوني�ة املرتبطة باالحتي�ال
واالخرتاق وسرقة البي�انات اخلاصة والمالية ،أو االستيلاء على احلسابات واملساومة
عليها ،إىل جانب نشر الشائعات ألغراض اإلرباك املجتمعي واالقتصادي والسيايس ،أو
التأثري يف التوجهات االنتخابي�ة للمستخدمني ،أو تطبيق اسرتاتيجيات صناعة االنطباع
املضلل ودعاية احلشد املزيف .وجميع األهداف السابقة هي غيث من فيض ،ويكفي
أن نشري إىل توظيف احلسابات الوهمية خالل االنتخابات األمريكية عام ،2016حيث
أسهمت يف جناح مرشح احلزب اجلمهوري “دونالد ترامب” .كما تسببت يف وقوع صدامات
داخلية يف عديد من البلدان؛ مثل الهند ،حني قام حساب مزيف بنشر إشاعة مفادها امتهان
عدد من االشخاص لتجارة األطفال ،ما دفع جموع من القرويني إىل مهاجمة أفراد أبرياء
وقتل خمسة منهم ( .)Gowen:2018واألمثلة كثرية على صعيد التأثري املتعاظم للحسابات
الوهمية على االستقرار السيايس واالجتماعي لدول العالم ،ال يتسع املجال لذكرها.
ً
واحلسابات الوهمية يف سياقها التواصلي ،تقني�ة للتخفي االجتماعي ،تفرز أطيافا
من الهويات املصطنعة ،تمارس ألعابها البالغية املثرية يف فلك الويب ،ساعية الستقطاب
الرأي وتوجيه األحداث وبن�اء الواقع وفق ما تمليه أجندة قوى الضغط والفاعلني يف
َّ
السياسة واالقتصاد والثقافة .ولما كان أمر اخلوض يف قضايا الشأن العام منظ ًما ومسريا
ومراقبا من قبل أجهزة الدولة يف األنظمة الشمولية وحىت يف “الديمقراطيات الناشئة” ،كان ُ
اللجوء إىل استعارة األسماء املصطنعة وحنت الهويات االفرتاضية والعشائرية احلل اآلمن
ُّ
املناسب للتعبري احلر عن تمثالت األفراد املتب�اين�ة للواقع والتصدي لنموذج عدم االعرتاف
باالختالف (احليدري.)2019:
143
الفصــل الثالـــث
ُ
وحني تقدم أجهزة الدولة السياسية واأليديولوجية على هدم جدلية االختالف
ً ً ً
واالئتلاف يف املجتمع ،يكون الفضاء السيرباين اجلديد مجال عموميا مالئما إلعادة
بن�اء الواقع االجتماعي عرب عمل تفكيكي مستمر يقوم به األفراد من وراء أقنعتهم
البالغية ،داخل هويات افرتاضية متطابقة وغري متطابقة مع الدالالت احلقيقية
للمستخدمني(مسعودة .)2011:فوترية التخفي وراء الهويات البديلة واألسماء املستعارة،
وإن تعددت أسبابها ،فإنها ترتفع كلما اتسع طيف مصادرة احلريات وتعاظمت أمواج
العنف الفكري املسلط على األجيال .لذلك جند ظاهرة الهويات املزدوجة مسرتسلة
عرب العصور ومنتشرة يف األوساط الفني�ة واألدبي�ة باخلصوصُ ،معربة عن حالة من
االنقسام اليت تصيب الذات العميقة نتيجة ضغوط ثقافية وسياسية مختلفة لتنشطر إىل
مستويني ،مستوى األنا احلقيقي ومستوى األنا االجتماعي (.)Ibid
2.2أنواع احلسابات الوهمية
ﺣﺴﺎﺑﺎت�ﻣﻨﺘﺤﻠﺔ�ﺧﺎرج�اﻟﺸﺒﻜﺔ
ﺣﺴﺎﺑﺎت�ﻣﻨﺘﺤﻠﺔ�داﺧﻞ�اﻟﺸﺒﻜﺔ ﺣﺴﺎﺑﺎت�ﻣﻨﺘﺤﻠﺔ
رو�ﻮﺗﺎت�اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ
ﺣﺴﺎﺑ ــﺎت�Honey
144
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
َ
أ .حســابات ُمختقــة (مقرصنــة) :Compromised Profilesحســابات تتبــع
مســتخدمني حقيقيــن علــى الشــبكات االجتماعيــة ،تــم اخرتاقهــا وقرصنتهــا بواســطة
جهــة مجهولــة؛ ليفقــد إصحابهــا القــدرة علــى الســيطرة أو التحكــم بهــا .وتعــرف بكونهــا
حســابات تــم الولــوج إليهــا بواســطة طــرف ثالــث دون معرفــة أو أذن مالكهــا احلقيقــي
( .)VanDam et al.:2017وهــي مــن األنــواع صعبــة الكشــف والتتبــع دون إعــان صاحــب
احلســاب األصلــي عــن ذلــك ،وتتمــز بقيمتهــا العاليــة يف الفعــل الدعــايئ ،لمــا تملكــه مــن
ُ
ثقــة وانتشــار داخــل شــبكتها االجتماعيــة ،مســتمدة مــن هويــة صاحبهــا .وتســتخدم يف
نشــر رســائل الدعايــة علــى نطــاق جماهــري واســع (حتــت غطــاء مضلــل مــن األمــان)،
أو االســتيلاء علــى بي�انــات صاحــب احلســاب احلقيقــي ،أو ســرقة بي�انــات اصدقائــه
ومتابعيــه .ولعــل مــن أخطــر املمارســات املرتبطــة بهــذا النــوع ،قيــام املســتخدم احلقيقــي
بتســليم حســابه جلهــات دعائيــ�ة؛ وذلــك الســتغالله دون أن يعلــم أصدقــاءه ومتابعيــه
بذلــك .وتصنــف احلســابات املخرتقــة ضمــن أربعــة مســتويات :مســتوى املقالــب
واحليــل ،وهنــا يســتخدم املخــرق احلســاب يف مشــاركة محتــوى مســلي بهــدف إضحــاك
املســتخدمني كمــا يشــمل محتــوى عشــوايئ كرســائل االعــراف واحلب .مســتوى املشــاركة
اإلجباريــة ،وهنــا يســتغل املخــرق احلســاب مــن أجــل نشــر محتــوى مضلــل أو مزيــف
ألهــداف خبيث ـ�ة .ومســتوى املتابعــة اإلجباريــة ،حيــث يقــوم املخــرق بمتابعــة حســابات
مزيفــة أو خبيث ـ�ة مــن نفــس احلســاب املخــرق .مســتوى جمــع املعلومــات ،حيــث يعمــل
املخــرق علــى جمــع معلومــات حساســة عــن صاحــب احلســاب مثــل الرقــم الســري (.)Ibid
المنتحلــة :Cloned-Impersonated Profilesوهــي حســابات ب .احلســابات ُ
تنتحــل هويــة مســتخدم حقيقــي ،عــر ســرقة واســتغالل بي�اناتــه الشــخصية املنشــورة
علــى حســابه (صورتــه الشــخصية ،بي�انــات التعليــم ،الهاتــف ،العمــل ،التحديثــ�ات...
ً ً إلــخ) ،لتمنــح احلســاب اجلديــد ُ
(المنتحــل) شــكال حقيقيــا يصعــب علــى اآلخريــن
ً
كشــف زيفــه .وغالبــا مــا تقــف جهــات معاديــة او مقربــة خلــف ســرقة بي�انــات
الشــخص املســتهدف ،وذلــك لتحقيــق عــدة أهــداف ،تــراوح بــن التقــرب مــن أصدقــاء
احلســاب االصلــي واســتخالص معلومــات منهــم ،أو تشــويه صــورة صاحــب احلســاب
145
الفصــل الثالـــث
احلقيقــي ،أو حــى للتســلية .ومــن املمارســات اخلطــرة املرتبطــة بهــذا النــوع ،قيــام
المنتحــل باإلبــاغ عــن احلســاب األصلــي بغــرض شــطبه مــن املنصــة احلســاب ُ
( .)Wani et al.:2017ويرتبط باحلسابات ُ
المنتحلة نوعان:
.1حســابات ُمنتحلــة داخــل الشــبكة :Intraوهنــا يقــوم املنتحــل بت�أســيس حســاب
للضحيــة علــى نفــس الشــبكة أو املنصــة ،ثــم يقــوم بإرســال طلبــات صداقــة ومتابعــة
ألصدقــاء الضحيــة ،الذيــن بدورهــم يصادقــون ويعتمــدون هــذه الطلبــات؛ ألنهــا قادمــة
مــن مصــدر ثقــة كمــا يب ـ�دو لهــم.
.2حســابات ُمنتحلــة خــارج الشــبكة :Interيقــوم املنتحــل بت�أســيس حســاب
للضحيــة علــى شــبكة أو منصــة جديــدة ،ال يوجــد للضحيــة حســاب لــه عليهــا ،ثــم تب ـ�دأ
اجلهــة بإرســال طلبــات صداقــة ومتابعــة إىل أصدقــاء الضحيــة ،الذيــن تــم رصدهــم يف
املنصــة املوجــود عليهــا صاحــب احلســاب.
ج .احلسابات املزيفة :Fake Profilesحسابات تعتمد على هوية غري حقيقية ،مزيفة
بالكامـل ،بغـرض حتقيـق أهـداف على مسـتوى نشـر الدعايـة ،أو صناعـة االنطبـاع املضلل،
أو املشـاركة يف دعايـة احلشـد املزيف ،أو الولوج إىل شـبكة اجتماعية من خلال تعزيز الثقة
واملصداقيـة باحلسـاب ....إلـخ .ويمكـن إنشـاء هـذا النـوع بطريقتين :األوىل آليـة ،تعتمـد
علـى الربمجـة ولغـة احلاسـوب ،والثانيـ�ة يدويـة ،تعتمـد علـى اجلهـد اإلنسـاين .وختتلـف
احلسـابات املزيفـة عـن املنتحلـة يف وجـود حسـاب لشـخص حقيقـي يف الثانيـ�ة؛ بينمـا ال
يوجـد يف األوىل .وتعتمـد احلسـابات املنتحلـة يف إنشـائها علـى بي�انـات حقيقيـة ،بعكـس
املزيفـة التي تعتمـد علـى بي�انـات مصطنعـة ومزيفـة بالكامـل ( .)Ibidوتنقسـم احلسـابات
املزيفـة إىل عـدة أنـواع كاآليت:
.1حســابات مزدوجــة :Sock Puppetحســابات وهميــة مزيفــة ثن�ائيــ�ة
العــدد علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة ،يصدرهــا ويســيطر عليهــا مســتخدم
واحــد .بمعــى حســابان أو أكــر يتحكــم بهــا وحيركهــا شــخص واحــد .ويرتبــط دافــع
إنشــائها باألســاس بتعــرض حســاب املســتخدم األصلــي للحظــر أو املنــع ،مــا يدفعــه
146
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
إىل تأســيس حســاب جديــد بهويــة مــزورة أو معدلــة للتحايــل علــى إجــراءات املنــع.
ومــن هنــا جــاء تشــبي�ه (دىم اجلــوارب) ،الــي حيركهــا شــخص واحــد بكلتــا يديــه،
دون أن تضــح هويتــ�ه .وهنــاُ ،يطلــق علــى الشــخص الــذي يتحكــم بهــا “راعــي الدميــة
،”Masterوتســى مجموعــة احلســابات الــي حيركهــا مســتخدم واحــد “مجموعــة
الــدىم ،”Group/Pairواحلســابات الــي تــؤدي مهــام أكــر مــن غريهــا “الــدىم االساســية
ُ ً
،”Primaryواحلســابات األقــل جهــدا “الــدىم الثانويــة .”Secondaryوتســتخدم هــذه
احلســابات لتحقيــق طائفــة أهــداف كبــرة ،مثــل الرتويــج ألفــكار ومنتجــات معين�ة ،أو شــن
هجمــات علــى مســتخدمني منتقــن ،أو تزييــف املعلومــات واملعــارف ،أو دعــم قضيــة أو
شــخصية مــا ،أو مطــاردة ومالحقــة أحــد املســتخدمني لقيامــه حبظر حســاب ملســتخدم آخر
...stalkerإلــخ .وجميــع مــا ســبق ينفــذ حتــت غطــاء مــن الســرية ،لتعمــد منــئ احلســاب
إخفــاء هويتـ�ه احلقيقيــة .وتتجســد خطــورة حســابات الــدىم ،يف دعمهــا وتعزيزهــا ملفهــوم
دعايــة التضليــل ،مــن خــال اإلحيــاء بوجــود إجمــاع حــول قضيــة معين ـ�ة ،دون إدراك مــن
املســتخدمني لطبيعــة الزتييــف احلاصــل.
.2حسابات :Sybilمجموعة حسابات مزيفة تنشأ وتدار بشكل موجه من قبل
جهات مجهولة بهدف مهاجمة الشبكات ،أو التأثري يف آليات توجيه وختزين البي�انات ،أو
جتميع بي�انات خاصة واملساومة عليها ،أو التأثري يف نت�اجئ التصويت...إلخ .وعادة ما تنئش
اجلهات املعني�ة حلسابات كثرية من هذا النوع ،بهدف تشكيل قاعدة مستخدمني وهمية
للتأثري على الشبكة .على سبي�ل املثال ،تقوم جهة ما بإنشاء عدة حسابات مزيفة ،ثم
ً ً
إقامة تفاعل بينها ،كي تصنع انطباعا مضلال بوجود نشاط حقيقي .وينشط هذا النوع يف
احلروب السيرباني�ة الشبكية ،سيما ختريب وسرقة شبكات البتكوين.
.3حسابات :Honeyتسىم حسابات جذب االنتب�اه أو املصائد ،مخصصة إلغواء
املستخدمني ،بهدف حتقيق أهداف مثل جمع واستخالص البي�انات ،أو تسويق منتجات أو
الرتويج لعالمة جتارية ،أو حىت للتسلية .وهنا تقوم اجلهة بإنشاء حساب مزيف من أجل
جذب املستخدمني إليها ،ثم تركهم يتعرضون ملحتوى وموضوع احلساب ،لفرتات قصرية
أو طويلة ،حبسب الهدف.
147
الفصــل الثالـــث
148
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
149
الفصــل الثالـــث
،²³ Ã
Ã
، §¡ ،¢ §¦ ¡¢
Ã
، ،ºÅ ·،Ä
،¾
¿À
¬§Á· ©¾ ° ½¾Â
¬ ¨
§ ©¨ ،«
©° ±
¥...Æ
.
à . .
ٌ
ثــاين األســاليب مــا يرتبــط بالصــور ،فعديــد مــن احلســابات املزيفــة قــد ال ختصــص
صــورة مللــف التعريــف ،أو قــد تعتمــد علــى صــور عامــة مأخــوذة عــن شــبكة اإلنرتنــت
(عراضــات أزيــاء ،طبيعــة ،حيوانــات ،ممثلني...إلــخ) ،أو مزيفــة بالكامــل ،أو ختــص
مســتخدمني آخريــن .ولكــن مــا ســبق ال يثبــت علــى وجــه اليقــن زيــف احلســاب ،إمــا
لتجنــب كثــر مــن املســتخدمني عــرض صورهــم اخلاصــة ،أو حلداثــة نشــأة احلســاب
وحاجــة صاحبــه إىل وقــت لضــخ صــور خاصــة بــه ( .)Computer Hope:2019وتعــد األخطــاء
ً
اإلمالئي ـ�ة املتعمــدة الظاهــرة علــى ملــف التعريــف (اســم املســتخدم) مؤشــرا علــى زيــف
احلســاب .وجديــر بالتنويــه هنــا ،ختصيــص موقــع فيســبوك لنظــام تعريــف يتيــح إمكانيـ�ة
ً
إنشــاء حســابات بأســماء تعريــف متشــابهة أو ُمســتخدمة ســابقا ،بعكــس موقــع تويــر
ً
الــذي ال يســمح بتكــرار اســم تعريــف موجــود ســلفا.
150
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
ويف ســياق التالعــب اللغــوي ،تتعمــد بعــض احلســابات املزيفــة إضافــة حــرف
علــى اســم التعريــف ليشــابه اســم آخــر ،Haider/Haiiderأو تســتب�دل حــرف بآخــر مشــابه
Trump/Trunpيصعــب علــى املســتخدم العــادي رصــده دون تركــز قــوي ،أو تضيــف عالمــة
وينصــح بفحــص قائمــةترقيــم كالفاصلــة والنقطــة .Haider.Ibrahim، Haider,Ibrahimهــذا ُ
الصدقــات الــي حيتويهــا أي حســاب قبــل تأكيــد متابعتــه أو قبــول طلبــه ،ويف حــال عــدم
التعــرف علــى أي هويــة أو غيــاب الصداقــات املشــركة ،عندهــا يتعاظــم احتمــال زيــف
احلســاب .كمــا يفضــل الولــوج إىل احلســاب ،وتصفــح منشــوراته ،ويف حــال عــدم وجــود
أي عالقــة بــن املنشــور والواقــع ،أو غلــب علــى املنشــورات العشــوائي�ة ،عندهــا مــن املمكــن
اعتب ـ�ار احلســاب مزيــف (.)*()Ibid
ً
ومــن األســاليب ايضــا ،خاصــة علــى موقعــي تويــر وإنســتغرام ،مــا يتعلــق باملتابعات؛
ً
فاحلســابات املزيفــة غالبــا مــا تت�ابــع اآلخريــن Followبنســبة أعلــى بكثــر ممــا يتــم متابعتهــا
.Followingومــن الضــروري التنويــه هنــا ،إىل دعــم بعــض اجلهــات حلســاباتها املزيفــة
باســتخدام الروبــوت ،حبيــث تتعمــد تفعيــل نمــط متابعــة آيل ،تــزداد بموجبــه أعــداد متابعي
ً
احلســاب املزيــف ،األمــر الــذي قــد جيــذب الحقــا متابعــات حقيقيــة للحســاب(*).
ً ً ً
وأخــرا ،يعــد تاريــخ اإلنشــاء مؤشــرا مهمــا يف حتديــد زيــف احلســاب مــن عدمــه؛
ً ً
فغالبــا مــا تتمــز احلســابات الوهميــة حبداثتهــا نظــرا حلمــات التحييـ�د واإللغــاء املســتمرة
الــي تنفذهــا أنظمــة املنصــات االجتماعيــة.
تــدرك بعــض اجلهــات الدعائيــ�ة هــذه اخلطــوة االحرتازيــة ،لذلــك تعمــد بشــكل مســبق إىل إرســال طلبــات صداقــة (*)
ومتابعــة ألصدقــاء الضحيــة ،ثــم بعــد قبولهــا ترســل طلــب صداقــة أو متابعــة إىل الضحيــة ،ليقــوم بــدوره بقبولهــا علــى
قاعــدة الصداقــات املشــركة املوجــودة بــن حســابه واحلســاب املزيــف .وهــذا االســلوب يعكــس لعمليــة حتايــل مدروســة
(هندســة اجتماعيــة) تســتهدف منظــور األفــراد وإدراكهــم للحقائــق الماثلــة أمامهــم .وهنــا ،ينصــح املتخصصــون حــال
الكشــف عــن حســاب وهــي ،إبــاغ األصدقــاء ،الذيــن جتمعهــم صداقــة مــع احلســاب الوهــي ،وحثهــم علــى إلغــاء
متابعتــه أو صداقتــه.
يف حال غياب دعم الروبوتات ،قد تواجه احلسابات املزيفة قلة متابعة مقارنة مع احلسابات احلقيقية. (*)
151
الفصــل الثالـــث
152
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
ً ٌ
وقد كشفت عديد من األحباث عن وجود حسابات آلية تعمل بأنماط جديدة كليا يصعب
على اإلنسان العادي كشفها (.)Cresci et al.:2017
ج .اخلوارزميات Algorithms
شكل ظهور شبكة اإلنرتنت ثورة يف مجال االنعتاق من هيمنة االتصال آحادي االجتاه،
ً
فهي سمحت بنشوء وازدهار فضاء جماهريي مباشر ومتفاعل؛ متحررا عن وساطة وسائل
اإلعالم ،وبعيد إىل حد كبري عن الرقابة واملالحقة والتتبع .لكن أتضح بتقادم األيام وتعاظم
محاوالت مركزة أشكال االتصال احلديث�ة ،إمكاني�ة السيطرة النسبي�ة على شبكة اإلنرتنت،
ٌ
لتغدو أقل حصانة كالوسائل اليت سبقتها ( .)Turner:2006فعديد من دول العالم تسعى إىل
دمجها ضمن سياساتها االتصالية احلكومية ،لكن من دون أن تؤثر على صفتها األصلية
كمجال مفتوح يتيح التدفق احلر للمعلومات ،ويسمح بنشوء خطاب جماهريي عمويم
متحرر إىل حد كبري عن هيمنة السلطة ( .)Caplan & Boyd:2016هذه الطبيعة ثن�ائي�ة االجتاه
لإلنرتنت ،تعززت وترسخت بظهور مواقع الشبكات االجتماعية ،اليت اضفت بدورها
طابع شخيص تفاعلي على العملية االتصالية باستخدام خوارزميات متخصصة .وألن
التفاعل جيري على منصات تسيطر عليها شركات خاصة تعمل يف الغالب دون إشراف أو
رقابة عامة ،بدأت الشكوك تزتايد حول مسؤولية اخلوارزميات عن تفتيت وجتزئة األفراد
ً
بدال من توحيدهم ،خاصة مع ظهور تقني�ة االستهداف املخصص ،وارتفاع االصوات اليت
ً
حتذر من تداعياتها السلبي�ة .وبرزت مؤخرا أحباث علمية عدة ترصد لكيفية تشكل الفضاء
العام االفرتايض ،والدور الذي تؤديه اخلوارزميات واألتمتة يف هذا املضمار ،خاصة وإنها
مسؤولة بشكل مباشر عن تشكيل منظور املستخدمني جتاه مختلف األحداث والقضايا
ً
املحلية والعاملية بطريقة تقني�ة غري محسوسة ( .)Pariser:2011ونظرا لتحول أعداد كبرية
من اجلمهور إىل مواقع الشبكات االجتماعية ،واتساع دورها كمصدر رئييس للمعلومات،
تعمل اخلوارزميات على التحكم يف عملية التعرض ،من خالل تطبيق آلية تصفية تقرر من
ً ً ً ُ
خاللها وعلى حنو مستقل ما ُيقدم أو يجب ( .)Gillespie:2014وتؤدي أيضا دورا خطريا على
محركات البحث ،عرب ترشيحها للمخرجات والنت�اجئ ،فهي حتدد أي الروابط واملعلومات
هامة وضرورية ،وايها تستجيب وتتن�اغم مع تفضيالت األفراد وسلوكياتهم على شبكة
153
الفصــل الثالـــث
اإلنرتنت .ويف كلتا احلالتني هي اليت حتدد أولوية التعرض املعلومايت (.)Barthel et al.:2015
ً ً
وألنها أصبحت منطقا مستقال بذاتها تتحكم إىل حد كبري يف حركة تدفق املعلومات
ً
اليت نعتمد عليها ،صار لزاما علين�ا فهم ماهيتها ،ودورها الذي تؤديه يف مجال تشكيل
واقعنا ومنظورنا للعالم ،إىل جانب توضيح عالقتها بالعمليات الدعائي�ة على الشبكات
االجتماعية ،سيما ما يتصل حبمالت التضليل واألخبار الكاذبة والتالعب بمحركات البحث
وغريها من املمارسات.
.1مفهوم اخلوارزميات
برغم امتالك اخلوارزميات ملعىن تقين محدد ودقيق ،إال أن اخلطاب الشعيب
السائد يربطها باملهام اليت يؤديها احلاسب اآليل .واخلوارزمية ،مجموعة من العمليات
ُ
يتعني تنفيذها بشكل متسلسل ،خطوة خبطوة .ويف حال أحيل للحاسوب تنفيذ هذه
اخلطوات ،عندئذ تقوم اخلوارزميات على أتمتة وتنظيم العملية .وبمجرد تصميمها،
تعمل اخلوارزمية بشكل مستقل ،حبيث تؤدي وظائفها دون أشراف بشري يذكر
ً
( .)Zarsky:2016واملقدمة السابقة تؤشر ظاهريا إىل حيادية العميلة وعكسها للواقع دون
رتوش .لكن التجارب العملية واملالحظات العلمية كشفت وأثبتت العكس؛ فاملهندسني
واملربمجني ،خالل تصميمهم وتطويرهم للخوارزميات ،يهيئون لقرارات وأوامر وعالقات
ال حصر لها ،وعرب هذه التهيئ�ة جيري حقن النظام وترمزيه بتحزيات وقرارات ذاتي�ة جتعل
ُ
من اخلوارزمية أبعد ما تكون عن احليادية .وتعرف اخلوارزميات على أنها مجموعة
ُ
من القواعد واألوامر اليت تنفذ بشكل تراتيب منظم حلل مشكلة أو تأدية وظيفة معين�ة
(مراد .)2019 :وهي أسلوب يصف بالتفصيل كيفية القيام بأمر ما ،عرب إضفاء الطابع
ً
احلسايب (الريايض) عليه ،جلعله قابال للتنفيذ بوسيط رقيم .وتتمزي بسرعة تنفيذها
للمهام ،وإمكاني�ة تغيريها والتعديل عليها حبسب احلاجة .وسميت باخلوارزمية نسبة
إىل العالم اإلساليم “أبو جعفر محمد اخلوارزيم” ،وتهدف إىل اعتماد طرق منظمة حلل
املسائل احلسابي�ة ،عرب جتزئة وتفكيك املسائل املعقدة إىل أخرى بسيطة ،ثم البدء يف حل
ً
املسائل البسيطة وصوال إىل حل تلك املعقدة (.)Ibid
154
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
واخلوارزمية ليست لغة برمجة باملعىن الصريح؛ وإنما طريقة للتحليل والتفكري
يتم إتب�اعها أثن�اء كتابة الرموز واألوامر بشكل منطقي صحيح .ومع الطفرة املزتايدة اليت
ً ً
تشهدها البي�انات الرقمية ،وزيادة كميتها نوعا وكيفا ،تغري مفهوم ومعىن اخلوارزمية
لريتبط بإدارة ومعاجلة البي�انات الضخمة ،Big Dataعرب التنقيب عنها وانتقائها ثم
تصنيفها وحتويلها إىل معلومات ،وبالتايل استنت�اج معان يسهل على املستخدم فهمها.
كما ارتبط معناها جبهود إنشاء ملفات التصنيف ،Profilesمن خالل إجرائها عمليات
حسابي�ة على أنوع من البي�انات ،يتم بموجبها استخالص تلك املتعلقة باملستخدمني ،ثم
ً
تبويبها داخل ملفات منفصلة ،واستغاللها الحقا يف مجاالت جتارية أو دعائي�ة أو سياسية.
وبرغم سهولة استيعاب املعىن العام للخوارزميات ،إال أن العمليات اليت تقوم بها شديدة
التعقيد ،ويصعب على املستخدم العادي فهمها ( .)Tufekci:2015ولعل أكرث ما يستقطب
اهتمام الباحثني ،ما يتعلق بقدرة اخلوارزميات اختاذ قرارات ذاتي�ة على صعيد التصنيف،
والتخصيص ،وحتديد األولويات ،والتصفية .ففي النهاية ،جميع هذه القرارات تعكس
ألساليب حتليل ومعاجلة ختضع لها البي�انات الضخمة ،حبيث جتعل منها ذات معىن وفائدة
(.)Diakopoulos:2013
وللخوارزميات أبعاد سلبي�ة مقلقة ،خاصة ما يرتبط باستقاللية اشتغالها ،وما يرتتب
ً
عن ذاتيتها من تأثري خطري على منظور املستخدمني للواقع .فمثال ،تتعامل خوارزميات
املنصات االجتماعية مع البي�انات اجلماهريية املدخلة ،لهذا يزتايد احتمال اعتمادها على
ً
أنواع معيب�ة من املعلومات بشكل يرتد سلبا على منظور املستخدمني للقضايا (& Caplan
.)Boyd:2016كما تتخذ قرارات ني�ابة عن اإلنسان ،وحتدد له الصالح واملفيد ،أو حتجب عنه
ما تعتقد أنه غري ذي صلة؛ لقد صارت تتحكم يف حياتن�ا وتفاعالتن�ا بشكل غري مسبوق حىت
بتن�ا أسرى داخل فقاعة من صناعتها(*) (العويسات.)2019:
ً
مثــا ،يعتمــد محــرك جوجــل علــى عــدة مؤشــرات تمكنــه مــن ختصيــص عمليــات البحــث ،مثــل املوقــع اجلغــرايف وكلمــات (*)
البحــث الســابقة والســلوك التفاعلــي للمســتخدمني علــى الصفحــات االجتماعيــة .ومــن تداعيــات هــذا االعتمــاد ظهــور
نت ـ�اجئ مختلفــة عنــد إجــراء عمليــات حبــث منفصلــة لــذات اجلمــل واملفــردات؛ حبيــث تتقــرر النتيجــة حبســب ســلوكيات
املســتخدم الســابقة.
155
الفصــل الثالـــث
.2مخاطر اخلوارزميات
تتعدد املخاطر املرتبطة باخلوارزميات ،سواء على صعيد تشكيل تصورات األفراد
جتاه القضايا واألحداث ،أو على منظورهم اخلاص للواقع واملعرفة ذاتها .واملخاطر نابعة
باألساس من قدرة األنظمة التقني�ة على تشكيل الفضاء العام ،والتأثري غري املباشر الذي
تضطلع به شركاتها الراعية يف حياة األفراد وقراراتهم وسلوكياتهم .وبرغم كونها نظام آيل ،إال
أنها تستطيع فلرتة وتصنيف املحتوى وحتديد األوىل بالظهور من عدمه ،باالعتماد على قيم
متضمنة داخلها أو على أنشطة وتفضيالت األفراد ( .)Kacholia & jin:2013واخلوارزميات
أقرب لوظيفة ومهمة حارس البوابة ،Gate Keeperمن ناحية اختاذها قرارات مستقلة
حول نوعية املعلومات اليت ستقدم وبأي سياق ( .)Tufekci :2015فعلى سبي�ل املثال ،تت�أثر
االجتاهات واملوضوعات الراجئة Trendsعلى موقع تويرت بتصميمه اخلوارزيم الذي يعمل
وفق قيم زمني�ة ،حبيث يزود املستخدمني بتغذية آني�ة وحلظية حول أنشطة احلسابات
اليت يت�ابعونها ،ما يضفي عليها حضور معلومايت عاجل غري مفلرت ،مرتب حبسب املناطق
اجلغرافية (.)Constine:2014
ً
وعلى النقيض تماما ،يعتمد موقع فيسبوك على تصميم خوارزيم ذي قيمة تفاعلية،
يتغذى على تفضيالت وسلوكيات املستخدمني ،وبالتايل يرتهن ظهور املحتوى على جدار
التغذية اإلخبارية Newsfeedبنوعية تفاعل املستخدم ،أو كثافة التفاعل اجلماهريي مع
مختلف املوضوعات ( .)Wagner:2015وهذا يعين أن تفاعل املستخدم مع قضايا وصفحات
وحسابات محددة ،سواء باإلعجاب أو املشاركة ،مسؤول عن ظهور محتوى بعين�ه دون
غريه ،بعكس موقع تويرت الذي يعرض للمحتوى بن�اء على قيمته الزمني�ة(*) .وللوهلة
ً
األوىل قد ال يب�دو السابق خطريا ،لكن قدرة بعض اجلهات على التالعب باخلوارزميات
يقــوم موقــع فيســبوك علــى تســجيل تفاعــات املســتخدم مــع مســتخدمني آخريــن فيمــا يعــرف خباصيــة “اإليمــاءات (*)
االجتماعيــة ،”Social Gesturesحبيــث تضــم هــذه اإليمــاءات عمليــات التعليــق واملشــاركة واإلعجــاب واالشــراك
وغريهــا .كمــا يســجل تفاعــل املســتخدم مــع النظــام ذاتــه خــال اســتهالكه للمعلومــات ،ثــم يقــوم حبفــظ وتأريــخ جميــع
ً
هــذه التفاعــات يف ســجل خــاص باملســتخدم ،ليقــوم الحقــا وعلــى اســاس هــذا الســجل بالتخلــص مــن املعلومــات الــي ال
تتوافــق معهــا ،أو يقــوم بإخفــاء محتــوى صــادر عــن أصدقــاء معينــن؛ ألن املســتخدم لــم يســبق وأن تفاعــل معهــم فــرة
زمنيـ�ة معينـ�ة .ويعــرف مــا ســبق باســم خوارزميــات التخصيــص ،املســؤولة عــن حتديــد محتــوى العــرض بالنظــر إىل ســجل
انشــطة املســتخدمني (.)Bozdag:2013
156
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
ً
من خالل التأثري يف ذكائها االصطناعي واكتسابها الذايت سيؤدي حتما إىل تشويه التعرض
ً
بشكل يستجيب ألهدافها(*) .فمثال ،يمكن باستخدام الروبوت إغراق املنصات االجتماعية
بوسم معني ليب�دو وكأنه فعل راجئ بني املستخدمني ،وبالتايل التأثري يف خوارزميات حساب
االجتاه ،Trendingاليت بدورها ستدفع هذه الوسوم إىل الواجهة العامة .كما يمكن من
خالل ذات اآللية صناعة ضوضاء مفتعلة للتشويش على قضية معين�ة وحرف أنظار
املستخدمني عنها ،وبالتايل تقليص قدرة املهتمني على تلقي حتديث�ات موضوعية حولها
( .)Caplan & Boyd:2016وال يقف األمر هنا ،بل يمكن للروبوت االجتماعي أن يتلاعب
ً
باخلوارزميات من خالل رفع أعداد املتابعني حلساب شخصية او مؤسسة ما .فمثال،
تتن�افس العديد من احلسابات على موقع تويرت على أنظار واهتمام املستخدمني؛ لهذا
يتم توظيف الروبوتات لتضخيم أعداد متابعيها بشكل مزيف ،وبالتايل إضفاء ظهور
ومصداقية أكرب لرسائلها بني املستخدمني .ويف منصات أخرى ،تمنح اخلوارزميات أولوية
بروز للمحتوى الصادر عن مستخدمني حيظون بنسب متابعة جماهريية عالية ،وهنا
تستطيع أي جهة حال حتصيلها على متابعات مزيفة أن تتلاعب باخلوارزميات لصالح
توسيع رقعة وصولها وزيادة تأثريها يف أكرب عدد من املستخدمني (.)Shirky:2009
وينظر لتحزي اخلوارزميات بكونه وظيفة أو تداعيات ناجمة عن تفاعالت أشبه ُ
باالجتماعية ،كما هو احلال عند تفاعل املستخدم مع النظام ذاته .هذه الوظيفة مردها
إىل هيمنة نموذج التعلم اآليل (الذايت) على تشكيل وظائف التكنولوجيات املرتكزة على
البي�انات .بمعىن آخر ،يمكن ملدخالت املستخدم املعلوماتي�ة أن تصنع لتحزي اخلوارزميات
ً
بشكل غري مباشر ،لتؤثر بدورها يف أفكار ومعتقدات املستخدمني .فمثال ،بينت دراسة
صادرة عن جامعة هارفرد عن وجود تميزي كبري داخل محرك جوجل بني أسماء تعود
التعلــم اآليل هــو أحــد أشــكال الــذكاء االصطناعــي ،الــي تمنــح مختلــف األنظمــة القــدرة علــى التعلــم بشــكل تلقــايئ بمــرور (*)
الوقــت ،مــن خــال التفاعــل مــع كميــات كبــرة مــن البي�انــات .وتعتمــد علــى املالحظــة أو علــى البي�انــات املمثلــة ،لتتمكــن
اخلوارزميــة مــن حتديــد أنمــاط التشــابه ،وبالتــايل التنبــؤ بشــكل أفضــل .وبهــذا املعــى ،يمكــن النظــر إىل اخلوارزميــات
القائمــة علــى التعلــم اآليل بكونهــا خوارزميــات (أصليــة) تســتطيع مــن خــال تفاعلهــا مــع البي�انــات صناعــة خوارزميــات
ً
اخــرى (ذكيــة) ،يشــار إليهــا بالنمــاذج .فمثــا ،تســتخدم خوارزميــات التوصيــة اخلاصــة بموقــع أمــازون ملفــات الزبائــن
لتعلــم أي املنتجــات أقــرب إلثــارة اهتمامهــم ،وبالتــايل عنــد زيــارة املســتهلك للموقــع يقــوم نمــوذج التوصيــة (النــائش عــن
النظــام) بقــراءة ملــف الزبــون ،ومــن ثــم تقديــم توصيــة شــخصية لــه.
157
الفصــل الثالـــث
ألشخاص سود وأخرى لبيض .فعند إخضاع أسماء السود للبحث برزت نت�اجئ على صلة
بسجالت االعتقال ( ،)Sweeney:2013بعكس البيض .وهذا يعين أن اخلوارزمية عكست
لتحزي اجتماعي ،ألنها اعتمدت يف استخراج النت�اجئ على مدخالت جماهريية سابقة ،حبيث
قررت على حنو تنبؤي استجابتها وتطابقها مع رغبات مؤدي البحث .ويمكن تفسري الواقعة
ً
تقني�ا ،يف أن محرك جوجل ذاته اكتسب عنصرية املجتمع ،ثم أعاد توجيهها للمستخدمني
مرة أخرى ( .)Ibidبهذه الطريقة ،يمكن للتحزي أن يتغلغل داخل اخلوارزميات ،ليؤسس
حلقة تغذية معلوماتي�ة ،تصنع بدورها لتحزي داخل أنظمة معاجلة املعلومات مثل محركات
البحث(*) .وهناُ ،يرد حتزي اخلوارزميات إىل مدخالت اجلماهري اليت هي يف أصلها متحزية،
أو إىل نظام التصنيف اخلاص باملوقع ،حبيث تتعمد بعض الشركات تصميم خوارزميات
تعرض لنت�اجئ ومخرجات متحزية (.)kulshrestha el al.:2019
ويف ذات السياق ،ينجم عن خوارزميات اختاذ القرار ،ADSتأثري يسىم “فقاعات
التصفية” ،املسؤولة عن تصفية وترشيح املعلومات بالنظر إىل أنشطة املستخدمني
السابقة (سلوكيات النقر ،التصفح ،طبيعة األصدقاء ،التفاعل مع املنشورات وغريها).
ويف هذه احلالة ،تتنب�أ اخلوارزميات باملعلومات اليت قد يفضل املستخدم التعرض لها ،ثم
تعمل على تقديم محتوى شخيص مخصص ،Personalizedينعزل من خاللها املستخدم
عن بايق املضامني اليت ال تتفق مع ميوله ،األمر الذي يؤدي إىل حجزه بشكل غري محسوس
داخل فقاعة معلوماتي�ة تفتقد إىل التنوع والرثاء الالزمة لتطوير منظوره وآرائه(*) .كما ينجم
عن اخلوارزميات تأثري آخر معروف باسم “غرف الصدى” ،يتعرض فيها املستخدمون
آلراء تتوافق مع اجتاهاتهم وأفكارهم بمعزل عن أي محتوى مخالف ( .)Pariser:2011ويف
هذا الصدد ،يمكن للخوارزميات أن تقسم املجتمع الشبكي إىل صوامع رقمية ،ال يسمع
املستخدمون فيها سوى صدى أصواتهم وأفكارهم (.)Sunstein:2007
ً
عنــد إصــدار أمــر حبــث ،يقــوم املحــرك أوال باســتخراج مجموعــة مــن العناصــر علــى صلــة باملوضــوع مــن مجموعــة بي�انــات (*)
ضخمــة (روابــط ويــب أو منشــورات علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة) ،ثــم يقــوم بتغذيتهــا إىل نظــام التصنيــف ،الــذي
بــدوره يعرضهــا مرتبـ�ة علــى شــكل نتـ�اجئ متسلســلة مــن األهــم إىل األقــل أهميــة.
هائــل مــن البي�انــات إىل وقــوع تدفــق كبــر يعرقــل عمــل اخلــوادم؛ وحلــل
ٍ لكــم
يــؤدي إنتــ�اج املســتخدمني ومشــاركتهم ٍ (*)
املشــكلة ،تلجــأ مواقــع الشــبكات االجتماعيــة إىل مبــدأ التصفيــة عــر تقديــم معلومــات مخصصــة تتوافــق مــع ميــول
واهتمامــات املســتخدم ،وبالتــايل صناعــة تأثــر فقاعــات التصفيــة (العويســات.)2019:
158
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
ويعتمد الرأي السابق على قاعدة ميل األفراد الفطري لتصنيف أنفسهم على املستوى
االجتماعي ،بطريقة تستجيب لتفضيالتهم األيديولوجية .وهي آلية يشار اليها بالتماثل
،Homophilyخاصة على صعيد تأسيس األفراد لعالقات قائمة على التجانس .وظاهرة
التماثل يف عالقتها باخلوارزميات تهتم باالنفصال ،Disengagementوكيفية تكريس
ً
املستخدم لبيئ�ة خالية تماما ،أو باحلد األدىن ،من األصوات واملحتويات اليت ال يرغب يف
سماعها أو التعرض لها؛ لذلك يمكن النظر إىل العالقة ،بوصفها آلية انفصال أو انعزال،
تتيح نشوء شبكات متجانسة لكنها متقوقعة على ذاتها (.)John & Gvirsman:2015
وتستشري مخاوف حول إسهام خوارزميات التوصية (االقرتاح) يف نشر محتوى دعايئ
ً
على حساب املحتوى املوضوعي واملتنوع .فمثال ،تعتمد خوارزميات التوصية اخلاصة
بموقع يوتيوب يف جذب اهتمام وانتب�اه املستخدمني وإطالة أمد تصفحهم للموقع على
آلية تتعمد فيها تقديم توصيات ومقرتحات مشاهدة تنسجم مع تفضيالت واهتمامات
رواد املوقع .وهنا تقوم اخلوارزميات بقراءة سلوك وتفضيالت املستخدم السابقة داخل
املوقع ،ثم تعرض له ما يتن�اغم معها ،مما يزيد من احتمال تعرضه ملحتوى دعايئ يعزز
ً
ويرسخ ملعتقداته وآرائه ،إىل جانب تعزيز فرص استقطابه سياسيا يف حال كان من رواد
املقاطع الصادرة عن جهات حزبي�ة (.)Nicas:2018
إضافة لما سبق ،تتعمد بعض اجلهات تنفيذ عمليات تالعب مدروس باخلوارزميات
من أجل جذب اهتمام وسائل اإلعالم ،ومن ثم توظيف هذا االهتمام يف تعميم رسائلها
ً ً
الدعائي�ة على نطاقات وشبكات تعد مغلقة نسبي�ا .بمعىن آخر ،التالعب باخلوارزميات
ً
من أجل استغالل قدرات وسائل اإلعالم لصالح جهة الدعاية دون أن تشعر بذلك .فمثال،
تتعمد بعض األحزاب السياسية دفع محتوى إىل داخل مواقع الشبكات االجتماعية،
ثم تعزيزه عرب الروبوت من أجل جذب اهتمام املستخدمني .وبمجرد اخنراط وتفاعل
املستخدمني ،يب�دأ املحتوى بالتدفق واالنتقال بني الشبكات بمساعدة خوارزميات
حساب االجتاه ،ليحتل يف النهاية صدارة املشهد .عند هذه اللحظة ،وبسبب شعبيت�ه
وكثافة تداوله وجدته ،تب�دأ وسائل اإلعالم بت�داول موضوع املحتوى دون إدراك حلقيقته
الدعائي�ة اخلفية أو ارتب�اطه جبهات مجهولة ( .)Marwick & Lewis:2017بهذه الطريقة،
159
الفصــل الثالـــث
تستطيع أي جهة التالعب باخلوارزميات لصاحلها ،لتب�دو املوضوعات وكأنها نابعة عن
نشاط جماهريي صرف ال عالقة ألي جهة به .ويتطلب احلديث عن مخاطر اخلوارزميات
التطرق إىل دور الشركات الراعية لها ،واحتمالية توظيفها للتقني�ة من أجل حتقيق أهداف
تتعارض مع مصالح املستخدمني .وحنن عندما نتحدث عن األهداف ،نعين تلك املصالح
اليت قد تنشأ بني مالكي املنصات وبعض الكيانات السياسية .وقد شهدت الفرتة األخرية
دعوات باجتاه تقيي�د إمكانات مواقع الشبكات االجتماعية ،واحلد من استخدامها يف مجال
نشر األخبار الكاذبة أو التدخل يف السياسات الداخلية للدول .كما ترددت مزاعم حول
لقاءات جمعت هيئ�ات حكومية مع مالكي بعض املنصات ،ختللها مناقشات حول سبل
ضمان مصالح الطرفني ،يف ذات الوقت الذي بدأت فيه عدد من احلكومات حول العالم
تطبيق سياسات رقابة صارمة على محتوى الشبكات ( .)Chen:2014ومن النت�اجئ املرتتب�ة
عن اللقاءات ،موافقة بعض الشركات ،كفيسبوك ،على إرساء قواعد وإجراءات حتد
من مخاوف احلكومات ،من بينها تطوير خوارزمية ترصد وتشطب للمحتوى املخالف.
ويف هذا الصدد ،كشفت تقارير عن اتفاق بني “إسرائي�ل”(*) وشركة فيسبوك ،يرتتب
عليه تنفيذ إجراءات ضد املحتوى واحلسابات الفلسطيني�ة بدعوى مواجهة التحريض
(اجلزيرة .)2019:وكشفت وزارة القضاء “اإلسرائيلية” ،عن استجابة فيسبوك لما يقرب
من 85%من طلباتها ،إما إلزالة وحظر محتوى فلسطيين أو تقديم بي�انات مرتبطة به .ويف
أبريل من العام ،2019كشفت صحيفة هآرتس “اإلسرائيلية” عن استثمار كبري لفيسبوك
يف عمليات الذكاء االصطناعي داخل “إسرائي�ل” من خالل تأسيس مركز للبحث والتطوير
خاص بالشركة مصمم ملساعدة عمل املهندسني واملربمجني سواء العاملني داخلها أو من
خارجها (.)Ibid
وما سبق يدلل على إمكاني�ة توظيف اخلوارزميات لصالح دول جتمعها مصالح
اقتصادية وسياسية مشرتكة مع أصحاب املنصات .ومن بني التدابري اليت أقرتها بعض
املنصات االجتماعية ،التعديل على اخلوارزميات املسؤولة عن االستهداف املخصص
“إســرائي�ل” :لفظــة تطلــق علــى الكيــان – غــر املعــرف بــه فلســطيني ً�ا ُ
-المحتــل لغالبيـ�ة أرض فلســطني التاريخيــة وأجــزاء (*)
مــن الــدول العربيـ�ة املحيطــة ،أعلــن قيامــه علــى إثــر نكبــة 1948كدولــة ليهــود العالــم.
160
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
أو فلرتة حائط التغذية اإلخبارية ،إىل جانب توقيع عقود شراكة مع مؤسسات مستقلة
لتقيص احلقائق ،واستثمارات إضافية يف مجال التعديل على املحتوى البشري واآليل...إلخ.
وجتدر اإلشارة هنا ،إىل أن اخلطوات اليت اختذتها منصات مثل فيسبوك وجوجل وتويرت،
جاءت نتيجة الضغط املتصاعد الناجم عن فضيحة شركة كامربيدج أناليتيكا واستغاللها
لبي�انات مستخديم موقع فيسبوك ،والتقارير اليت حتدثت عن بروز مواقع وروابط تنكر
للمحرقة على محرك جوجل ،إىل جانب الدراسات اليت رصدت ملخاطر احلسابات الوهمية
والروبوتات على موقع تويرت (.)Taylor & Hoffmann:2019
.3اخلوارزميات والتالعب بمحركات البحث SEM
يعترب التالعب خبوارزميات محركات البحث Search Engine Manipulationمن أخطر
ويقصد األنشطة الدعائي�ة ،لما يرتتب عليها من تداعيات على آراء وتصورات األفرادُ .
ً
بالتالعب ،تلك اإلجراءات واخلطوات امللتوية اليت تؤديها جهات دعائي�ة ،مجهولة غالبا،
من أجل التأثري يف آلية عمل اخلوارزميات اليت تعتمد عليها محركات البحث يف تصنيف
نت�اجئها .Rankingوخالل اآلونة األخرية ،رصدت عدة تقارير ألنشطة تالعب معلومايت جتاه
ً
قضايا سياسية حساسة .فمثال ،كشفت عملية حبث باستخدام محرك جوجل ،حول تقرير
وكالة املخابرات املركزية األمريكية CIAخبصوص التدخل الرويس يف االنتخابات الرئاسية
عام 2016م ،عن تصدر نت�اجئ “روابط” تنفي االدعاءات الواردة يف التقريرُ ،يرد معظمها
إىل وسائل إعالمية روسية تتصدرها مؤسسة “روسيا اليوم” ( .)Waddell:2017ويف مثال
آخر ،وفور حادثة االعتداء اليت شهدتها مدين�ة الس فيغاس عام 2017م ،تصدر محرك
حبث جوجل نت�اجئ تدعي تبعية مطلق النار إىل جهات أمريكية داخلية على عالقة بتنظيم
“داعش” ،تن�اصب الرئيس “ترامب” العداء (.)Roose:2017
وبأخذ النماذج السابقة بعني االعتب�ار ،نستدل على وجود جهود مقصودة تسعى
إىل التأثري يف آلية عمل اخلوارزميات بهدف توجيه املستخدمني حنو محتوى معني .وبرغم
محاوالت مجابهته ،إال أن هذا النوع من التالعب اخذ يف االزدياد ،خاصة ما يرتبط جبهوده
تزييف منظور الرأي العام لألحداث ،من خالل التأثري يف قدرات املستخدمني على التفريق
بني نت�اجئ البحث اليت تقدم حلقائق موضوعية وتلك اليت جيري تلفيقها ودفعها عن عمد إىل
161
الفصــل الثالـــث
الواجهة .وألن تشكيل اآلراء والتأثري فيها هي غاية الدعاية على محركات البحث ،فذلك
لن يتحقق إال عرب الدفع باملحتوى إىل قمة النت�اجئ .وقد أكدت عدة دراسات أن التصنيف
ً ً
الذي حتظى به النت�اجئ على محركات البحث يمتلك تأثريا كبريا على آراء األفراد وسلوكياتهم
االتصالية .وحبسب إحداها ،يميل األفراد إىل فحص النت�اجئ حبسب الرتتيب الذي تظهر به،
مع تركزيهم على النت�اجئ اليت حتتل املقدمة ( .)Joachims et al.: 2007كما بينت دراسة أخرى،
استقطاب املستوى األول من النت�اجئ عدد نقرات أكرث ،إىل جانب قضاء االفراد وقت أطول
يف تصفح املواقع اليت تظهر على قمة التصنيف ( .)Jansen et al.:2000ويؤكد للمعطيات
السابقة ،أن 91.5%من النقرات على محرك حبث جوجل جتري على صفحة النت�اجئ األوىل،
يف حني تستهدف نسبة 32.5%من النقرات النتيجة األوىل مقابل 17.6%للنتيجة الثاني�ة،
كما تتحصل النت�اجئ التحتي�ة الواردة يف الصفحة األوىل على عدد نقرات أكرث من النت�اجئ العليا
يف الصفحة الثاني�ة ( .)Chitika:2013وتؤكد جميع املعطيات أعاله على أهمية الرتتيب يف
جذب األفراد حنو املحتوى الدعايئ؛ لذلك ال عجب أن تنفق شركات يف الواليات املتحدة
ً
األمريكية وكندا أكرث من 20مليار دوالر سنويا من أجل ضمان أو تعزيز ظهور نت�اجئها
“روابطها” على قمة تصنيف محركات البحث ،كمحرك حبث موقع جوج ل (�Econsultan
.)cy:2014من ناحية أخرىُ ،يرد ميل املستخدمني إىل اختي�ار النت�اجئ اليت تتموضع يف أعلى
وأدىن صفحة البحث األوىل إىل ظاهرتني نفسيتني يعرفا باسم تأثريي البداية واحلداثة
Primacy & Recency؛ فاألفراد يميلون إىل تذكر عناصر البحث األوىل واألخرية بعكس
العناصر اليت ترتكز يف منتصف الصفحة ( .)Epstein & Robertson:2015كما ُيرد اعتماد
املستخدمني على محركات البحث يف احلصول على املعلومات إىل الثقة اليت حتظى بها.
ويؤكد ذلك دراسة أجريت على عين�ة تضم 33ألف مستخدم ،حبيث عربت نسبة 64%
عن ثقتها بمحركات البحث وأنها املصدر األكرث ثقة لألخبار ،مقارنة بنسبة 57%لوسائل
اإلعالم التقليدية ،ونسبة 51%للمواقع اإللكرتوني�ة ،ونسبة 41%ملواقع الشبكات
االجتماعية ( .)Edelman:2017وحبسب استطالع ملؤسسة Pewاألمريكية عام 2012م،
أكد 73%من املستطلعني على دقة نت�اجئ محركات البحث واعتربوها جديرة بالثقة ،فيما
وصفتها نسبة 66%باملصادر املوضوعية وغري املتحزية للمعلومات (.)Purcell et al.:2012
162
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
ﺗﻼﻋﺐ�ﻋ���اﻟﺮواﺑﻂ أﻧﻮاع�اﻟﺘﻼﻋﺐ
ﺗﻼﻋﺐ�ﻋ���ا���ﺐ
163
الفصــل الثالـــث
ً
.3استنساخ املحتوى :وهي آلية تعرف شعبي�ا باسم “القص واللصق”؛ حبيث
تعمد جهة الدعاية إىل نسخ املحتوى من موقع آخر ولصقه ونشره على املوقع اخلاص
ً ً
بها .ومؤخرا ،أجرى محرك جوجل حتديث�ا على خوارزميت�ه املخصصة للبحث والتصنيف
ً
حبيث بات قادرا على رصد التشابهات بني النصوص وتعطيل املواقع املخالفة .لكن ذلك
لم يمنع املتالعبني من تطوير تقني�ة جديدة للتحايل عليها من خالل إعادة معاجلة املحتوى
Spinning؛ ليعطي ذات املعىن لكن برتتيب كلمات مختلف.
ب .تالعب عرب الروابط :تعتمد كثري من محركات البحث على حتليل الروابط بني
املواقع كمؤشر على اهمية املوقع ،ودرجة الصلة بينها وبني املوضوعات املستفسر عنها
من قبل املستخدم ( .)Ibidويقوم هذا النوع من التالعب على تغيري بني�ة الروابط املتضمنة
داخل املواقع للتأثري يف خوارزميات التصنيف أو الرتتيب عرب اآليت:
.1تضمني روابط حتيل إىل صفحات ومواقع أخرى ،وعادة ما تظهر داخل النصوص
على شكل معلومات أو كلمات مفتاحية أو استفسارية ،مصحوبة بروابط مخفية ال تظهر
للمستخدم ،تعمل على حتسني فرص ظهور املوقع على قمة نت�اجئ البحث.
.2إضافة روابط ملواقع معروفة ذات شعبي�ة كبرية إىل داخل بني�ة املوقع على أمل أن
يتحول إىل مصدر لهذه املواقع ،وبالتايل حتسني فرص ظهوره .كما تشمل إنشاء عدة مواقع
يطلق عليها اسم مزارع الربط ،Link Farmsمصممة لبن�اء الروابط بني املواقع ،ثم ربطها
باملواقع املراد حتسني ظهورها على املحركات .وكلما زاد عدد الروابط اخللفية Back Links
املتضمنة اليت تشري إىل هذه املواقع كلما تعاظمت إمكاني�ة ظهورها يف صدارة النت�اجئ.
ً
.3إعادة التوجيه ،تقني�ة تقوم على خداع اخلوارزميات ،وحتديدا متتبع ارتب�اطات
محرك البحث ،Search Engine Crawlerمن خالل نقر املستخدم على نتيجة حبث حتيله
إىل صفحة أخرى ال عالقة لها باملوضوع؛ بينما يتوجه املتتبع حنو صفحة أخرى مخالفة.
واخلداع هنا مرتبط بتكرار النقر على الرابط عند كل عملية حبث مماثل ،ما يدفع اخلوارزمية
لالعتقاد بأهمية املوقع ،وبالتايل رفع ترتيب�ه.
164
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
.4تكنيكيات أخرى ،مثل تب�ادل الروابط بني املواقع ،وشراء الروابط ،وشراء النطاقات
منتهية الصالحية ،ونشر الروابط عرب التعليقات على مواقع الشبكات االجتماعية...إلخ.
ج .تالعب عرب احلجب :عرب توجيه جزء من املحتوى ملحركات البحث ،ثم حجبه
وتوجيه جزء آخر للمستخدم .بمعىن ،تتعمد جهة التالعب تقديم محتوى مخصص
خلوارزميات البحث محجوب عن املستخدم ،ويف ذات الوقت تقديم محتوى مخصص
ً
للمستخدم محجوب عن خوارزميات البحث .مثال ،نفائج عند إجراءنا عملية حبث على
محرك جوجل حبصولنا على محتوى يتن�اقض مع نوعية وطبيعة النت�اجئ اليت تظهر على
صفحة البحث .فعند نقرنا على رابط النتيجة جند أنفسنا امام محتوى مخالف للموضوع
الذي نسعى إليه .ويعتمد هذه التكنيك على قيام اخلوادم برصد روبوتات البحث عرب حتديد
عناوينها IP Addressثم توفري محتوى خاص بها مخالف لذلك الذي تقدمه للمستخدمني.
ً
وأخريا ،يلجأ عديد من املستخدمني إىل محركات البحث للحصول على معلومات
تتعلق بطائفة كبرية من القضايا منها السياسية ،لذلك قد تستغل جهات دعائي�ة هذه
احلاجة لتنفيذ عمليات تالعب معلومايت تصب يف مصلحتها ،خاصة خالل االنتخابات.
وحبسب نت�اجئ دراسة استطالعية حول التأثريات املرتتب�ة عن عمليات التالعب بمحركات
البحث ،SEMEيت�أثر األفراد باملعطيات اليت حتتل صدارة النت�اجئ على محركات البحث،
خاصة أولئك املصوتني الذين تنت�ابهم حالة من الغموض واالرتب�اك حول الشخصية أو
ً
اجلهة اليت تستحق احلصول على ثقتها .وإدراكا منها بأهمية املرتددين يف ترجيح كفتها ،قد
تتوجه عديد من األحزاب السياسية إىل التالعب بنت�اجئ محركات البحث من أجل التأثري يف
ٌ
قرارات هذه الفئة لصاحلها .وقد أثبتت عديد من الوقائع السياسية دورة الفئات الصغرية
يف تقرير نت�اجئ االنتخابات ،ويكفي أن نشري إىل أن 50%من نت�اجئ االنتخابات الرئاسية
األمريكية قد حسمت بنسبة أقل من .)Epstein & Robertson:2015( 7%
165
الفصــل الثالـــث
(*)
.4اخلوارزميات وغرف الصدى Echo Chambers
تشري “غرف الصدى” إىل نزعة الفرد حنو املحتوى الذي يعزز ويرسخ ملعتقداته،
كما تدلل على ميله إىل التفاعل مع أفراد ومستخدمني يماثلونه يف التوجهات واألفكار
واملعتقدات ،ومشاركة وتداول أفكار ومعلومات تتوافق مع قيم مجموعته ،بشكل يعزز
للمعتقدات السائدة داخلها ( .)Sunstein:2009هذه امليول والرغبات ،إىل جانب عوامل
أخرى ،تسمح بنشوء جتمعات شبكية منعزلة عن األخرى ،تضم أفراد مستقطبني،
يتشاركون ذات االهتمامات ،ويتب�ادلون السرديات نفسها ،ويتعرضون لذات اخلربات
والتجارب ( .)Garimella et al.:2018ونتيجة لذلك ،يقع املستخدم يف وهم اإلجماع ،عزز
لذلك قدرة تكنولوجيا الذكاء االصطناعي وأنظمة اخلوارزميات على إبراز أطر ايديولوجية
محددة وتضخيمها ،ثم تأكيدها وترسيخها .ويف البيئ�ة التفاعليةُ ،يستخدم مصطلح غرف
ُ ُ
الصدى كتعبري مجازي للداللة على الوضعية أو احلالة اليت تصلب وتضخم فيها األفكار
واملعتقدات ،من خالل النشر والتكرار والتفاعل بني عدد من املستخدمني داخل نظام
مغلق .أي أنها تعبري عن عالم تفكك فيه املركز ليطفو على السطح سديم من “املراكز”
اجلديدة ،املتشكلة يف هيئ�ة كيانات محلية صغرى حيكمها شعور قوي باالنتماء إىل املثي�ل
(احليدري.)2019:
ً
ومصطلح غرف الصدى استعارة مجازية مأخوذة من علم األصوات ،وحتديدا احلالة
ً
اليت يرتد فيها الصوت وينعكس داخل فراغ أجوف ،متخذا هيئ�ة رجع صدى .وبنفس
الطريقة ،تنتشر األصوات (املعلومات واألفكار واملواقف) وترتد داخل أنظمة مغلقة ،ال
تسمح ألصوات مخالفة من خارجها بالرتدد داخلها .وهي “عشائر إلكرتوني�ة” ،على شكل
عناقيد من املراكز املتن�اثرة يف فضاء مواقع الشبكات االجتماعية ،تتواجد بشكل مكثف يف
الزمن وليس يف املكان ،وتتمزي بمرونة نزوح أفرادها من عشرية إىل أخرى ،أو باالنتماء إىل
عشائر عديدة مختلفة يف آن واحد .فاإلقليم املشرتك ليس األرض اليت يسكنونها ،إنما
هو املصلحة املشرتكة يف الزمن .والنسب الذي ينتمون إليه ال يعود إىل جد أعلى؛ بل يرجع
تشري كلمة (صدى) إىل املحتوى املنشور ،بينما كلمة (غرف) إىل املكان الذي يتم فيه مشاركة ونشر املحتوى. (*)
166
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
ُ ُ
إىل تقابل امليول واألحاسيس ( .)Ibidوغرف الصدى أشبه باألوطان الصغرية ،ترسم وتط
حدودها على اجلغرافيا الشبكية ،وال حترتم إال قوانينها اخلاصة ،مستخفة بقوانني املجتمع
العام الذي يضمها (لوبون .)2014:وهي زمر تت�ألف من أفراد ليس لهم سوى آراء بيئتهم
الصغرية؛ وكي حتافظ على قوتها ال تتغاض هذه البيئ�ة عن أية مخالفة يف الرأي تب�دو من
أحد أفرادها ،حبيث تصبح مسألة تكوين اآلراء واملعتقدات أقل سهولة عندما ال تسمح
البيئ�ة اليت ينتسب إليها املرء بأن يكون عنده رأي غري رأيها ،وعندئذ تضيق حرية الفكر حىت
ً تصري ً
أمرا مستحيل (لوبون.)2014:
1.4تعريف غرف الصدى
ال يمكن الوقوف على تعريف محدد لغرف الصدى .وهي بمفهومها األوسع مصطلح
ُيستخدم للتعبري عن حالة تتعزز فيها معلومات وأفكار ومعتقدات عن طريق تكرارها داخل
نظام مغلق ال يسمح حبرية تداول أفكار ومفاهيم بديلة أو منافسة ( ،)Pariser:2011أو هي
ظرف شبكي ال ينصت فيها املستخدم إال لصوته ،وال يستهلك سوى محتوى ومعلومات
تعكس ملعتقداته اليت يؤمن بها ( .)Garimella et al.:2018ومن مدخلها التقين ،أي يف سياق
عالقتها بالذكاء االصطناعي ،هي تكنولوجيا محدودة من حيث التصميم والذكاء ،غري
مهيئ�ة الستيعاب مجموعة كاملة من البي�انات ،وتفشل يف التعامل مع جميع األفكار
املتداولة ،حبيث تعاين من هندسة برمجية تعزز لتأثري غرف الصدى ،كونها مخصصة فقط
ملعاجلة طيف صغري وضئي�ل من املدخالت املعلوماتي�ة العامة ( .)Dubois & Blank:2018كما
تعكس لتكنولوجيات ذكية معدة الختي�ار أجزاء من البي�انات من مصادر عام باالعتماد
ً
على االستنب�اط وقدرة اخلوارزميات على التعلم الذايت .واجتماعيا ،تعرب غرف الصدى
عن موقف يتفاعل فيه مجموعة من األفراد ،جتمعهم ذات املصالح واآلراء ،داخل جتمعات
خاصة ،يتشاركون فيها معلومات تتوافق مع معايري املجموعة ،بطريقة تعزز للمعتقدات
السائدة .ومن الناحية النفسية ،هي حالة يبحث املستخدم فيها عن راحته املعرفية ،من
خالل مناقشة افكاره مع أفراد يشابهونه يف التفكري والرأي .ويمكن اعتب�ارها ،تأثري ناجت عن
قيام األفراد برتديد وتعزيز آراء نابعة عن أقران اجتماعيني Peersيشابهونهم يف املواقف
واملعتقدات واألفكار ( ،)Stinchcombe:2010أو ممارسة الشعورية للتحزي التوكيدي تتضح
167
الفصــل الثالـــث
من خالل حبثهم عن آراء ومعلومات تعزز ملواقفهم القائمة .إضافة لما سبق ،تعد غرف
ً ً
الصدى محصلة طبيعية عن تفضيل أو اكتفاء مجموعة من املستخدمني بالتواصل
والتفاعل فيما بينهم ،مع استبعاد الغرباء؛ وكلما تكاملت شبكة املستخدمني عرب تأسيس
مزيد من الروابط داخل املجموعة وفصلها مع من هم خارجها ،كلما كانت أكرث انطواء
وعزلة عن وجهات النظر اخلارجية ،األمر الذي يسمح فقط بانتشار وتداول وجهات نظر
ً
أعضائها على حنو واسع داخلها ( .)Burns:2017وأخريا ،يمكن النظر لغرف الصدى بكونها أي
جتمع يغذي ويشارك نفس األفكار واآلراء بشكل متكرر (املجبل.)2018:
ويتســاءل عــدد مــن العلمــاء حــول مــدى ارتب ـ�اط ظاهــرة غــرف الصــدى بتكنولوجيــا
“فقاعــات التصفيــة”؟ ومــا إذا كانــت مســؤولة بشــكل مباشــر عــن نشــوئها؟ واحلقيقــة،
أن املســؤولية مزدوجــة ،تــؤدي عوامــل اإلدراك الفرديــة واجلماعيــة إىل جانــب التكنولوجيــا
ً ً
الذكيــة دورا مهمــا يف تشــكلها.
2.4غرف الصدى وعوامل اإلدراك الفردية واجلماعية
فيمــا يتعلــق بعوامــل اإلدراك الفرديــة ،تفــي ظاهــرة التحــز التوكيــدي ،إىل تكويــن
غــرف صــدى نفســية ،ال هندســية مســتمدة مــن الــذكاء االصطناعــي ،مردهــا إىل عــدم إيــاء
ً
املســتخدمني اهتمامــا باألفــكار واملعلومــات مــن خــارج أطرهــم املعرفيــة جتنبــ�ا للتن�افــر
املعــريف .وهنــا ،يتحمــل املســتخدم مســؤولية تأســيس جــدار صــد نفــي يمنعــه مــن
التفاعــل مــع أفــكار ومواقــف مختلفــة عمــا بداخلــه .وللتبســيط أكــر ،يرتبــط املســتخدم
ً
بطائفــة عالقــات واســعة علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة ،وهــو منفتــح تلقائي ـ�ا علــى
ً
شــبكات أخــرى حتــوي أفــكار جديــدة ،غالبــا مخالفــة .لــذا ،ال يمكــن اعتبــ�ار املســتخدم
ً ً
مقيــد هندســيا أو هيكليــا داخــل غرفــة فعليــة ،لكنــه محصــور داخــل غرفــة نفســية أو داخــل
حــدود عقلــه ،الــذي يــأىب التفاعــل مــع اآلخــر املختلــف ،أو يرفــض إيــاء اهتمــام متســاوي
للمعلومــات املقدمــة مــن روابــط خــارج شــبكته املنعزلــة .واخلالصــة ،أن غــرف الصــدى
ً
ال تعــي كونهــا حجــرة بــا أبــواب ،بقــدر مــا هــي حجــرة تفتــح أبوابــا معين ـ�ة وتغلــق أخــرى
(.)Schlegel:2019
168
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
كما تعكس غرف الصدى لعملية إدراكية جمعية ،ال تقف عند حدود االستهالك
اجلمعي للمحتوى؛ بل تتعداه حنو إنت�اجه ومشاركته بكيفية كلية .وهنا تشمل غرف الصدى
مستويني :يتمثل األول يف غرف جماعية تضم عدد من املستخدمني يت�داولون ويستهلكون
ويتفاعلون مع محتوى متن�اظر نتيجة تماثلهم يف املواقف واألفكار ،بينما يتجسد الثاين يف
غرف فردية يؤسسها املستخدم داخل الغرف اجلماعية ،تعكس لتفضيالته واختي�اراته
وعاداته اخلاصة ضمن بوتقة اجلماعة ( .)Pariser:2011وللتبسيط أكرث ،يقوم املستخدم
دون وعي بإنشاء غرف صدى خاصة به عن طريق اختي�اره للمصادر اليت سيتلقى منها
املحتوى املالئم لتوجهاته ،إال أنه لن يتمكن من حتقيق ذلك دون قيام مستخدمني آخرين
بإنت�اج ومشاركة هذا النوع من املحتوى املخصص .لذلك ،تعكس غرف الصدى ملسارين،
يتجسد األول يف شبكة من األفراد والصفحات اليت تضع وتصنع ألطر وروايات متشابهة،
بينما الثاين يف غرف معرفية خاصة بكل مستخدم على حدا ( .)Schlegel:2019وهنا تأيت
األبعاد البن�ائي�ة والتفاعلية لغرف الصدى .فهي بن�ائي�ة بسبب قدرة اجلماعة على انت�اج
وتب�ادل املحتوى ،حبيث يتحول خط إنت�اج املعىن على املستوى الفردي إىل عمليات إنت�اج
ً
الحقا عما ينتجه الفرد بذاته .أي حتويل املعىن الفردي ُ
املسند جماعية شاملة ،تستقل
للمحتوى إىل معىن جماعي متداول .وهي تفاعلية؛ ألن التفسريات واألطر الناجتة عن
اإلنت�اج اجلماعي للمعىن يعاد تدوريها وضخها وتغذيتها مرة أخرى إىل داخل غرف صدى
فردية .بهذه الطريقة يتم تشكيل وإعادة تشكيل اخلطاب وفق تأثري غرف الصدى على
املستويني اجلماعي والفردي (.)Ibid
3.4غرف الصدى والتكنولوجيا الذكية
ً
بالنسبة للعوامل التكنولوجية ،تؤدي فقاعات التصفية دورا يف نشوء وترسيخ
تأثري غرف الصدى .فهي قادرة على قراءة وتتبع وختزين تفضيالت املستخدم واختي�اراته
ومختلف تفاعالته ،وفلرتتها وحتليلها ،وتقديم محتوى ومعلومات تتوافق مع ميوله
ورغباته وأفكاره .وهنا ال بد من توضيح فرق جوهري بني غرف الصدى وفقاعات التصفية.
ً
آت من أقران يعتنقون أفكارا ومواقف
فخالل األوىل ،ال يتعرض املستخدم إال ملحتوى ٍ
متشابهة ،يف حني أن الثاني�ة انعكاس لنظام خوارزيم متحزي ،حيدد ويعرض للمستخدم
169
الفصــل الثالـــث
محتوى بالنظر إىل سلوكه الشبكي (زيارة وتصفح مواقع ،سلوكيات إعجاب ،أنشطة
تسوق ،عمليات حبث...إلخ) .ويتجسد التأثري الناجم عن فقاعات التصفية يف قيامها
بفصل املستخدمني عن املحتوى الذي يتعارض مع تفضيالتهم ،ما يرتتب عليه صناعة
“فقاعة” ثقافية وأيديولوجية تعزل الفرد عن بايق “الفقاعات” املختلفة .وبرغم ذلك ،قد
ال تتحمل مواقع الشبكات االجتماعية وحدها مسؤولية ظهور فقاعات التصفية ،وبالتايل
نشوء غرف الصدى ،ولكن يمكن للرتابط الناجت عن استخدام الوسائط االجتماعية إىل
ً
جانب سلوك املستخدم يف ختصيص املحتوى أن يكون مسؤوال عن ذلك .ويتضح الرتابط
من خالل اختي�ار القبيلة اخلاصة بن�ا واألفراد الذين نرغب بالتواصل معهم ،كما يتضح
التخصيص ،من خالل حتديدنا للواقع االجتماعي والسيايس اخلاص بن�ا(*) .فالوسيلة
ً
املصممة أصال لربطنا يف عالم مفتوح ،تتيح لنا يف ذات الوقت حجب أجزاء من هذا العالم
ال نرغب يف مواجهته أو التعرض له ( .)Schlegel:2019وتعكس غرف الصدى آلليات التجزئة
Segmentationاليت يتعرض لها جمهور الشبكات االجتماعية .والتجزئة عملية فصل
ُ ،Fragmentationيقسم فيها اجلمهور إىل فئات صغرية واسعة االنتشار حبسب االهتمامات،
بشكل قد يتسبب يف تعزيز االستقطاب .)Webster:2005) Polarizationويعتمد نشوء
االستقطاب داخل غرف الصدى بالدرجة األوىل على سلوك املستخدمني ،من حيث
انتقائهم للوسائط واملضامني اإلعالمية من طائفة كبرية من اخليارات باالرتكاز على
دوافعهم النفسية واهتماماتهم الشخصية ( .)Prior:2007وعلى هذا النحو تستطيع مواقع
الشبكات االجتماعية ختصيص محتوى بن�اء على ميول وتفضيالت الفرد ،وذلك بعد
جتزئة اجلمهور إىل أقسام ومجموعات منفصلة عن بعضها البعض ،مما يؤدي إىل نشوء
غرف صدى قائمة على االستقطاب .فعلى سبي�ل املثال ،كلما ارتفع منسوب االستقطاب
يشــار يف هــذا املضمــار إىل عبــارة روبــرت بايتمــان Robert Batemanالشــهرية “بمجــرد أن حتظــى كل قريــة بأحمــقُ ،ســيلقى (*)
علــى عاتــق اإلنرتنــت جمعهــم معــا” ( .)Singer & Brooking:2018وهــي مقولــة تصــف حجــم احلماقــة الــي تعصــف بمواقــع
الشــبكات ،كمــا تشــر إىل الرتابــط املتأصــل يف التطبيقــات االجتماعيــة ومــا يعني ـ�ه ذلــك مــن تفــي القبليــة يف مجتمعــات
مــا بعــد احلداثــة .ففــي البيئـ�ة االفرتاضيــة ،خيتــار املســتخدم الشــبكة الــي يرغــب يف االنتمــاء إليهــا ،وحــال اختــذت الشــبكة
مســلك متطــرف كذلــك ســيفعل هــو .ويجــب التأكيــد هنــا علــى أن غــرف الصــدى كحالــة إدراكيــة فرديــة أو ككيانــات
جمعيــة إلنتـ�اج املعــى ال تــأيت إىل الوجــود مــن عــدم .فتطــور هــذه الغــرف يعكــس لعمليــة ،خيضــع الفــرد خــال أســره داخلهــا
ً
ملراحــل مختلفــة ،تبــ�دأ بالتفاعــل البســيط ،ثــم ضمــور يف عالقاتــه بمــن هــم خــارج الغرفــة ،وأخــرا االنغمــاس التــام يف
أنشــطتها علــى حنــو قبلــي.
170
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
بني األفراد فيما يتعلق بالقضايا السياسية يتصاعد على التوازي احتمال جتاهلهم لآلراء
واحلجج املخالفة ،عرب إحاطة أنفسهم بمصادر إخبارية واجتماعية تعكس آلراء ينسجمون
معها ( .)Garimella et al.:2018وقد أثبتت عدة دراسات إمكاني�ة وقوع املستخدمني حتت
تأثري غرف الصدى حال جتنبهم التعرض ملضامني أو وسائط إعالمية متعددة ،لذا يعد
ً ً
التنوع أداة فعالة للتحلل واخلالص من تأثريها وسيطرتها (.)Dubois & Blank:2018
4.4أسباب نشوء غرف الصدى
تتسبب عدد من املؤثرات يف نشوء غرف الصدى على الشبكات االجتماعية؛ وهي إما
مرتبطة بسلوكيات املستخدمني ،أو بنوع املحتوى ،أو حبسب التمركز والتموضع ،أو نتيجة
ارتدادات التكنولوجيا الذكية .وتصنف هذه املؤثرات ضمن ثالث مستويات ،تتن�اول
األوىل تلك الناجمة عن الفرد ،بينما تعالج الثاني�ة مسؤولية اجلماعة ،يف حني تطرق الثالثة
إىل دور التكنولوجيا.
ً
أوال :أسباب فردية
أ .التماثل (التشابه) :Homophilyجنوح املستخدم حنو إقامة عالقة مع آخرين
يوافقون ميوله واهتماماته ،أي أنه يفرتض إمكاني�ة نشوء صالت بني أفراد متماثلني
بمعدالت أعلى من األفراد غري املتماثلني ( .)McPherson et al.:2001وبالنسبة ألنواع
التماثل ،فهي متعددة :كالتماثل القائم على السلوك ،أو الرأي ،أو األيديولوجيا ،وكل ما من
شأنه أن حيتوي مجموعة من األفراد حتت مظلة واحدة متجانسة .وحبسب املبدأُ ،يفضل
األفراد تشكيل مجموعات أو شبكات متن�اغمة ،سواء يف العالم الفعلي أو االفرتايض،
يتجنبون من خاللها صالت ال توافق ميولهم ،أو يب�اشرون عمليات إقصاء ألصوات من
داخل املجموعة غري متن�اغمة معها ( .)John & Gvirsman:2015والتماثل يف عالقته مع غرف
الصدى على الشبكات االجتماعية يهتم باالنفصال ،وكيفية تكريس املستخدم لبيئ�ة
ً
نظيفة وخالية تماما ،أو باحلد األدىن ،من األصوات واملحتويات اليت ال يرغب يف سماعها
أو التعرض لها؛ لذلك يمكن النظر إىل العالقة ،بوصفها آلية انفصال وانعزال ،تتيح نشوء
ُ
شبكات متجانسة من األفراد ،ذات لون وطبيعة واحدة (املصدر .)2019:ويف هذا الصدد ،ترد
171
الفصــل الثالـــث
أسباب نشوء “العشائر اإللكرتوني�ة” إىل الرغبة يف التطابق والعيش مع الشبي�ه يف حدود
بيئ�ة تواصلية تمزيها روابط وصالت مزتامنة لفضاءات مختلفة وكائن�ات بشرية وشبكات
إلكرتوني�ة معقدة ومتمددة بكثافة؛ مما جيعل االحتكام إىل األحاسيس واملشاعر السمة
البارزة للمناخ العشائري املتفسخ من قيم االحتكام إىل العقل (احليدري.)2019:
ب .أنماط الشخصية :Personality Traitsتؤدي األنماط الشخصية يف عالقتها
ً
بالتعرض والتفاعل مع املستخدمني أو املحتوى دورا يف تشكيل جتمعات شبكية حتفز لتأثري
ً
غرف الصدى .ووفقا لدراسة صادرة عن مركز Pewلألحباث يف الواليات املتحدة األمريكية،
تبني أن املستخدمني الذين يصنفون أنفسهم كأصحاب أيديولوجيات ثابت�ة أقل عرضة
للتعرض إىل وجهات نظر ختالف ما يعتقدونه؛ وأن 47%من املستخدمني الذين صنفوا
أنفسهم كمحافظني ،إىل جانب 32%ممن صنفوا أنفسهم كليرباليني ،أكدوا نزعتهم
ً
للتعرض إىل آراء تتسق غالبا مع وجهات نظرهم (.)Mitchell & Weisel:2014
ً
ج .التعرض االنتقايئ :Selective Exposureنزعة األفراد إىل التعرض اختي�اريا
للمعلومات اليت تنسجم مع وجهات نظرهم مع جتنب املتن�اقضة ( .)Frey:1986وهو
سلوك يعكس لتحزي منهيج يف تكوين األفراد ،نابع من تعمد انتقاء معلومات تتن�اغم
مع مواقف سابقة ،أو التعامل مع مصادر تعكس لتوجهات وافكار وسياسات متطابقة
( .)Iyengar & Hahn:2009ويؤشر التعرض االنتقايئ إىل جنوح املستخدمني حنو مصادر
معلوماتي�ة تتلاءم وتعرب عن أفكارهم ،مما يؤدي إىل ترسيخها وتعزيزها بصورة قد تصل
إىل درجة التطرف .ونتيجة لذلك ،تنشأ مجموعات شبكية منفصلة عن بعضها ،تضم
أفراد يتشاركون ذات املواقف واألفكار .وبهذا اخلصوص ،بينت دراسة حبثي�ة اختي�ار
األفراد ملوضوعات إخبارية تتوافق مع ميولهم السياسية ،وتؤكد لوجهات نظرهم املسبقة
( .)Garrett:2009ويف دراسة أخرى حول أنماط اختي�ار وسائل اإلعالم وعالقتها بت�أكيد
ً
االجتاهات ،تبني وجود تأثري يتخذ شكل دوامة تعزيز ،حبيث جينح األفراد أوال حنو الوسائط
ً
اإلعالمية اليت تؤكد وتصلب ملعتقداتهم ،ثم يعمدون الحقا إىل اختي�ار مزيد من املحتوى
اإلعاليم الذي يعيد تأكيد وتعزيز هذه املعتقدات ( .)Slater:2007وبكل األحوال ،طريقة
172
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
تنسيق وتوزيع املحتوى على مواقع الشبكات االجتماعية جتعل من تعرض األفراد له
عملية مصنعة بالكاد فيها مجال للصدفة (.)Sunstein:2017
د .التحزي التوكيدي (احنياز التأكيد أو التأيي�د) :Confirmation Biasهو جمع
انتقايئ لألدلة والرباهني اليت تدعم ما يؤمن به الفرد ،وجتاهل ورفض أي أدلة أخرى تدعم
وتؤيد موقف مخالف .أي أنه نزعة إىل تأيي�د املعلومات اليت تؤكد للمعتقدات وامليول بدون
تفني�دها .وهو نوع من التحزي املعريف على مستوى اإلدراك ،يشتد مع املوضوعات العاطفية
أو االفكار الراسخة .وقد يتسبب التحزي التوكيدي يف نشوء غرف الصدى ،إما بشكل مقصود
مرتبط باختي�ارات وتفضيالت املستخدم ،أو بشكل تلقايئ مرتبط خبوارزميات مواقع
الشبكات االجتماعية(*) .ويف مجال علم االجتماع السيايس ،يكشف التحزي التوكيدي عن
ميل صانعي القرار إىل مالحظة األدلة املؤيدة لدعاواهم واالحتفاء بها والتماسها بهمة،
بينما يميلون إىل جتاهل األدلة اليت قد تن�ال من الدعاوى ،وإىل التقاعس عن طلبها والبحث
عنها؛ وهو بهذا املعىن صورة من صور االحنياز االنتقايئ يف جمع األدلة (مصطفى.)2019:
ه .االستيعاب املتحزي :Biased Assimilationمفهوم يشرح كيفية تعرض
املستخدم ملعلومات متنوعة متوافقة مع ميوله ومعتقداته أو العكس ،وكيف يعمد إىل
استيعابها بشكل متحزي ،عرب تفسريها بطريقة تدعم استنت�اجات مرغوبة ومحبب�ة إليه
( .)Lord et al.:1979بمعىن ،استيعاب املعلومات واألدلة اجلديدة وفق افرتاضات
ً
وتوقعات موجودة سلفا ( .)Lord & Taylor:2009ويعرب االستيعاب املتحزي عن نزعة شبه
متأصلة حنو تقييم املعلومات املتسقة مع معتقداتن�ا بشكل أكرث إجيابي�ة من غري املتوافقة
( .)Greitemeyer:2014هذه املقايضة النفسية بني املزايا والنقائص اليت حتملها املعلومات
ُ
تتجلى يف أوضح صورة يف التأثري الكبري الذي تدثه توقعاتن�ا وتصوراتن�ا واعتقاداتن�ا املسبقة
على تأويلنا للمعلومات اجلديدة ،فحني يكون الناس بصدد فحص األدلة املتصلة باعتقاد
عنــد التعــرض ملعلومــات جديــدة ،يقــرر املســتخدم بشــكل تلقــايئ قبولهــا حــال أكــدت ملعتقداتــه القائمــة ،وبالتــايل ســيعمد (*)
ً
إىل مشــاركتها .أمــا إذا تعارضــت املعلومــة مــع املعتقــدات ،فمــن املرجــح أن يتجاهلهــا حفاظــا علــى اتســاقه املعــريف .وبــذات
الطريقــة ،عنــد التعــرض ملعلومــات تتوافــق مــع املعتقــدات ،ســيتم قبولهــا وتأكيدهــا بشــكل ســريع ،بعكــس املعلومــات
املتعارضــة الــي حتتــاج إىل كثــر مــن الوقــت واألدلــة واإلثب�اتــات حــى تتمكــن مــن حتفــز رغبــة باجتــاه تغيــر املعتنــق القديــم.
173
الفصــل الثالـــث
ما فإنهم جينحون إىل رؤية ما يتوقعون رؤيت�ه ،واستنت�اج ما يتوقعون استنت�اجه؛ فاملعلومات
اليت تتسق مع اعتقاداتن�ا املسبقة تن�ال منا القبول ،أما األدلة املضادة لها فنحن نتن�اولها
بالتمحيص النقدي ونسقطها من حسابن�ا ،وهكذا ال تؤيت املعلومات اجلديدة أثرها فين�ا
َّ ُ
متضمناتها على اعتقادنا كما جيب (مصطفى.)2019: وال تفعل فعلها كما ينبغي لها ،وال تؤثر
و .حارس البوابة :Gate Keeperيشري املفهوم يف الدراسات االتصالية التقليدية
إىل اجلهة املسؤولة عن فلرتة املعلومات ،وحتديد أيها صالح للعرض والنشر من عدمه.
وحارس البوابة يف عالقته بغرف الصدى على مواقع الشبكات االجتماعية ،حييل إىل
ً ً
مستخدم حيتل مركزا وسطا بني مجموعتني شبكيتني ،تمكنه من استقبال واستهالك
معلومات قادمة من كالهما (استقبال باجتاهني) ،لكنه خالل إنت�اجه للمحتوى يصطف
لرؤية وموقف أحداهما (انت�اج باجتاه واحد) .وبلغة مبسطة ،يقوم مستخدم مؤثر بفلرتة
املعلومات القادمة إليه من أكرث من اجتاه ،ثم يعمد إىل إنت�اج وتمرير معلومات تتوافق مع
ميوله ،تمهد بطريقة تراكمية إىل تشكل جتمعات تدور يف فلكه ( .)Garimella et al.:2018ويرد
سبب ظهور هذه النسخة اجلديدة من حراس البوابة إىل حالة التشظي والتفكك للمجال
العمويم امليدياتيكي ،الناجمة عن فك االرتب�اط باملكان (احليدري.)2019:
ً
ثاني�ا :أسباب جماعية
أ .الهويــة االجتماعيــة :Social Identityهــي ذلــك اجلــزء مــن إدراك الفــرد
لنفســه وذاتــه ،مســتمدة مــن عضويتــ�ه يف مجموعــة اجتماعيــة ،مــع مــا يرتبــط بهــذه
العضويــة مــن قيمــة وداللــة عاطفيــة ( .)Taijfet:1974واملجموعــة االجتماعيــة حشــد
مــن األفــراد ،يبصــرون أنفســهم كأعضــاء يف فئــة تتشــارك هويــة جامعــة .والهويــة
االجتماعيــة يف عالقتهــا بغــرف الصــدى ،نــوع مــن التحــز علــى مســتوى اجلماعــة،
يقــرن فيهــا األفــراد أنفســهم بهويــات اجتماعيــة محــددة ،مثــل العــرق والديــن
واجلنــس والطبقــة وغريهــا .وعندمــا ُيصنــف الفــرد نفســه كعضــو يف مجموعــة مــا،
حيــدث أن تن�دمــج وتتكامــل خصائــص املجموعــة مــع ذاتــه املكونــة لشــخصيت�ه ،مــا
يدفعــه إىل إبصــار ســمات وســلوكيات املجموعــة علــى أنهــا تمثيــ�ل جلــزء مــن ذاتــه
174
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
( .)Evertt et al.:2015لهــذا الســبب ،قــد تنشــأ غــرف صــدى مغلقــة تعتمــد يف ضــم أعضائهــا
علــى الهويــة االجتماعيــة ،بطريقــة تنعــزل فيهــا عــن الهويــات األخــرى املختلفــة .ويف هــذا
الصــدد ،تشــر دراســة عربيـ�ة إىل نمــو أشــكال مــن القبليــة والعشــائرية اإللكرتونيـ�ة داخــل
مواقــع الشــبكات ،محكومــة برغبــة قويــة يف العيــش مــع الشــبي�ه بمقتــى أن قيمــة الفــرد
أضحــت ال تتجســد إال يف صلــب املجموعــة (احليــدري.)2019:
ب .استقطاب اجلماعة :Group Polarizationميل األفراد إىل تبين أو التعبري عن
آراء ومواقف متشابهة ،ينتج عنها حالة جذب مغناطييس تتيح نشوء مجموعات شبكية
(غرف صدى) مستن�دة على االستقطاب .بمعىن آخر ،يلتفت األفراد إىل سرديات وآراء
معين�ة ،ثم يتوجهون إىل تشكيل أو االنضمام ملجموعات تتبىن هذه السرديات النسجامها
ً
مع مواقفهم ،ما يتسبب الحقا يف تعزيز وتصليب اآلراء حىت لو كانت خاطئة ،ورفض
تلك املتن�اقضة رغم صحتها ( .)Schmidt et al.:2018ولما كانت القاعدة الوظيفية لإلعالم
ُ ْ
الم َمأ َسس هي الضبط يف معاني�ه املجتمعية والسياسية ،كما َّبينها كثري من اجلماهريي
العلماء والباحثني ،فإن اخلاصية األوىل لإلعالم الفردي-اجلماهريي ،واملقصود هنا مواقع
الشبكات االجتماعية ،هي االستقطاب بمعاني�ه الفزييائي�ة؛ استقطاب أكرب عدد من
املستخدمني للشبكة؛ ألن جميع التحركات الذهني�ة والفكرية لألفراد يف نطاق الشبكة
َّ
تتحقق يف سياق الشعور باجلماعة (احليدري .)2017:والشعور باجلماعة هو السياق
ُ
السوسيولويج الذي يتعزز يف وجوده فعل االستقطاب ،فهي ت ْ ِبز يف الغالب نزعة األفراد
للدفاع عن مواقف وآراء ،ونزعتهم للدعوة إىل إجراءات ال تتوافق مع المألوف .كما يستمد
فكريا يف منظومة اإلنت�اج والنقاشاالستقطاب معاني�ه من وجود جماهري متنوعة ،منخرطة ًّ
والتب�ادل احلر للمعىن .فاملستخدمون ملواقع الشبكات االجتماعية يعملون باستمرار على
نشر آرائهم وأفكارهم والتعريف بمواقفهم إزاء القضايا اخلصوصية وقضايا الشأن العام،
ويتفاعلون يف املقابل مع آراء نظرائهم وأفكارهم ومواقفهم .ويجري كل ذلك على حنو يكون
َّ
يتحول القائم باالتصال، فيه القصد من الفعل التواصلي هو اجلذب والشد ،بمعىن أن
وهو الفرد ،إىل قطب مهم يف عمليات التواصل املركبة الالخطية ( .)Ibidوحيصل أن ينتج
عن حالة الشد واجلذب حالة اصطفاف ،يقرر فيها األفراد اللجوء أو االنتماء إىل جتمعات
175
الفصــل الثالـــث
شبكية تعكس لتفضيالتهم الفكرية ،ما يرتتب عليه بمرور الوقت نشوء غرف صدى
تواصل بدورها لعملية االستقطاب ،إىل جانب ترسيخها للمفاهيم السائدة داخلها .وقد
أكدت نت�اجئ عدة دراسات على دور اجلماعة يف تعزيز االستقطاب والتطرف على املستوى
الفردي داخل جتمعات اجتماعية مغلقة ،حيث تبني أن آراء األفراد بعد املناقشات الداخلية
ً
أكرث تطرفا عنها قبل املناقشات ( ،)Moscovini & Zavalloni:1969كما كشف اختب�ار نفيس عن
حتول يف مواقف األفراد من االعتدال إىل التطرف بعد خوضهم مناقشات مع أفراد حيملون
ويعرب مفهوم استقطاب اجلماعة عن حالة صراع من وجهات نظهرهم (ُ .)Abelson:1995
أجل تقرير الواقع ،يدور يف حلبة من االستفهامات املستعصية من قبي�ل من يكسب
شرعية بن�اء الواقع ،ومن يرسم حدوده ،ومن يعرتف به ،ومن ال يعرتف .وهو صراع معقد،
مواز لدرجة تعقد مستويات التواصل والتفاعل السارية يف فلك الويب ،وحبجم األطراف ٍ
الفاعلة يف الصراع .وهنا ،تتحمل “العشائر اإللكرتوني�ة” مسؤولية تشكل مراكز استقطاب
من حيث خصوبة أفرادها يف إنت�اج املعىن (احليدري.)2019:
ج .التفضيل ألفراد اجلماعة :In-Group Favoritismألن الفرد جينح إىل االنتساب
ملجموعة اجتماعية ،يؤدي ذلك إىل تبني�ه واكتسابه أنماط حتزي جتاه من هم خارجها .فرغبة
الفرد يف حتقيق ذاته وتعزيز ثقته بنفسه إىل جانب الشعور باالتساق واالنسجام الداخلي،
قد تستحثه على تفضيل أعضاء املجموعة والتقليل من شأن األفراد خارجها (.)Taijfet:1974
والسابق قد يفسر الرغبة املتأصلة لدى بعض املستخدمني يف تكوين مجموعات على
مواقع الشبكات االجتماعية ،تضم أفراد متماثلني ،ال يتفاعلون إال مع بعضهم ،وال
يعظمون إال آراء أعضاء املجموعة يف مقابل جتاهلهم وتبخيسهم من شأن اآلراء الصادرة عن
أفراد من خارجها ( .)Weigold :2017ويسمح هذا التفضيل املتحزي إىل بروز سلوكيات شبكية،
تتحشد داخل غرف صدى ،ال حتوي سوى أفراد من خلفيات سياسية أو ثقافية أو اجتماعية
مشرتكة .والتفضيل هنا مشابه ومتقاطع مع مفهوم التماثل ،ويمكن اعتب�ار التفضيل جزء
منه ،برغم أن األخري قد يعكس ملستوى فردي غري جماعي.
176
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
ً
ثالثا :أسباب مرتبطة بالوسيلة واملحتوى وأنماط الشخصية
أ .حتزي الصفحات اإلعالمية :Media Biasيؤشر إىل صفحات إخبارية تعتنق أجندة
معين�ة ،جتمع حولها طيف من املستخدمني يفضلون التعرض ملعلوماتها وموضوعاتها
نتيجة انسجامها مع معتقداتهم وأفكارهم .هذا التجمع يتسبب يف نشوء “تعنقد
ُ َ
”Clusteringأو جتمع شبكي حول الوسيلة ،ثم بمرور الوقت وزيادة اجلذب تشكل غرف
صدى ال يرتدد داخلها سوى وجهة نظر واحدة .وهنا يت�أثر استهالك املحتوى بزنعة األفراد إىل
قصر تعرضهم وتقيي�د تفاعلهم مع صفحات إعالمية محددة .ومن خالل فحص أنشطة
املستخدمني عرب مختلف التجمعات الشبكية ،وقياس مدى تمدد هذه األنشطة باجتاه
الصفحات اإلخبارية ،يتبني تكاثف جتمعات منفصلة من املستخدمني ،تتمركز وتلتف كل
واحدة منها حول صفحات إخبارية معين�ة ،األمر الذي يعكس الحتمال نشوء غرف صدى
ناجمة عن حتزي إعاليم قادر على جذب واستقطاب األفراد حنوه (.)Schmidt et al.:2018
ب .اخلوارزميات :Algorithmsتتسبب أنظمة معاجلة البي�انات بنشوء غرف صدى
ناجمة عن قيام اخلوارزميات بتصفية وختصيص املعلومات؛ وذلك وفق تفضيالت األفراد
وخياراتهم وسلوكياتهم على الوسيلة (مواقع الشبكات االجتماعية) .هذا التخصيص،
يسمح بنشوء جماعات متجانسة فيما بينهما من حيث االهتمامات ،كما يتيح توجيه
محتوى يتقاطع مع رؤى ومعتقدات املستخدمني ،وحيجب أي معلومات من املحتمل أن
ً ً
تتحداها .لذلك تؤدي اخلوارزميات دورا متحزيا على صعيد جتزئة اجلمهور ،وبالتايل زيادة
حدة االستقطاب بني أفراده ،مما يرتتب عليه جملة مؤثرات تتصدرها غرف الصدى
(.)Sırbu et al.:2019
ج .املحتوى :Contentقد ينبع تأثري غرف الصدى من املحتوى املنشور .وقد أكدت
عدة دراسات تن�اولت عالقة املحتوى بأنماط تعرض وتفاعل املستخدمني وتأثري ذلك يف
تشكل غرف الصدى ،إن املحتوى الذي يالمس معتقدات حيوية متأصلة لدى املستخدم
سريفع من احتمال مناقشتها داخل مجموعات شبكية مغلقة فقط ()Barbera et al.:2015؛
ً ً
وعلى النقيض تماما ،فاملحتوى الذي ال يشكل حتديا ألفكار املستخدم ،قد يزيد من احتمال
انفتاحه على مستخدمني آخرين من ذوي اآلراء واملعتقدات املختلفة (.)Liao & Fu:2013
177
الفصــل الثالـــث
178
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
ً
باآلليات احلجاجية اليت يوظفونها لإلقناع بآرائهم ،ما يمنحه وسائل أكرث إقناعا للتعبري
ً
واملحاجة عن آرائه اخلاصة الحقا ( .)Binder et al.:2009وال يعين ما سبق أن الرأي املعتدل
قد يتحقق بصورة قطعية حال التعرض لوجهات نظر متنوعة ،خاصة إذا ما ارتبطت هذه
اآلراء بتهديدات متوقعة أو موضوعات ذات أهمية بالنسبة األفراد .فقد اشارت إحدى
الدراسات إىل احتمال أن ينشأ التطرف السلوكي عن مواجهة آراء ومعلومات مخالفة
ً
بغض النظر عن موضوعها ،نظرا لوجود حتزي يف آليات التفسري لدى املستخدمني (Lord et
.)al.:1979هذه الزنعة الدائمة لالعتقاد واالقتن�اع بصحة منظورنا لألشياء ،والناجمة عن
جتانس مناقشاتن�ا على املستوى االيديولويج ،قد تتسبب بمرور االيام يف زيادة شكوكنا
حيال صحة وشرعية وجهات النظر املتن�اقضة معنا .ويف هذا املضمار ،تن�اولت دراسة
للعالقة اليت جتمع بني تأثري غرف الصدى والشكوك أعاله ،ليتنب أن األيديولوجيا اليت
ينتسب إليها الفرد قد تملي عليه احلقائق اليت يمكن قبولها ،حبيث يستن�د هذا اإلمالء
على مفهوم “اإلدراك الثقايف” ،أي أن الهوية االجتماعية والسياسية للشخص قد
تتحكم يف معيار قبول احلقائق ( .)Kreiss:2009وما سبق يقودنا على حنو غري مقصود إىل
دور غرف الصدى يف خفض مظاهر الرتدد اليت تعرتي األفراد وتوظيفها لصاحلها ،خاصة
يف الدعاية السياسية .ويف هذا الشأن ،يعكس الرتدد السلوكي ،Attitudinal Ambivalence
حلالة تذبذب من ناحية تأيي�د االفراد لالعتب�ارات املتن�افسة عند تقييم موضوع معني
( .)Lavine:2001بمعىن امتالك الفرد لرأي مؤيد ومعارض يف ذات الوقت جتاه موضوع أو
قضية ما .وغرف الصدى يف عالقتها بالرتدد على صعيد الدعاية السياسية ،تستطيع
خفض تذبذب األفراد لصالح اجتاه سيايس معني .وألنها عبارة عن شبكة متجانسة ،فمن
النادر أن يقوم األفراد داخل غرف الصدى على إنت�اج محتوى أو مشاركة مواد إخبارية تنتقد
االجتاه السيايس الذي يسريون فيه ويتبنوه .وبالتايل عند االنضمام إىل إحدى هذه الغرف
فمن غري املحتمل التعرض ملواقف متن�افسة ،األمر الذي حيسم الرتدد لصالح االجتاه السائد
( .)Justwana et al.:2018ويتجسد خطورة السين�اريو السابق يف قدرة غرف الصدى على
التحكم بعملييت اإلنت�اج والدفق املعلومايت لصالح اجتاه واحد ،ما يصد التنوع املطلوب
لتكوين رأي سيايس موضوعي بعيد عن التأثريات والضغوطات اليت قد يشكلها التواجد
داخلها.
179
الفصــل الثالـــث
ج .يمكن لغرف الصدى أن تتسبب يف زعزعة التماسك االجتماعي وزيادة معدالت
العدائي�ة واالنقسام بني أفراد املجموعات الشبكية املتعارضة ،وانتقالها من العالم
االفرتايض إىل الفعلي ،أو بالعكس .فلو دققنا يف نت�اجئ بعض الدراسات ،سنالحظ ميل
املستخدمني إىل إلغاء الصالت مع فئات اجتماعية مقربة ،كزمالء الدراسة أو أفراد العائلة
ً
أو األصدقاء ،مما يؤكد وجود تأثري عكيس االجتاه .فبدال من أن جتد السلوكيات االجتماعية
طريقها إىل مواقع الشبكات االجتماعية ،صار البعض منها ينشأ يف الفضاء االفرتايض ،ثم
ً
يتعزز الحقا يف الواقع الفعلي على شكل ممارسات اجتماعية جديدة (املصدر .)2019:لهذا
مهي للحفاظ على يمكن النظر لغرف الصدى كمحفز لتشكل فضاء عدواين ،غري صالح أو ِّ
ديمومة الصالت االفرتاضية بني املستخدمني ،ال سيما أصحاب وجهات النظر املختلفة؛
األمر الذي حيد من فرص التنوع اإلجيايب ،لصالح التماثل السليب.
د .يف السياق اإلعاليم ،تعكس غرف الصدى خلطورة تسليع املعلومات .ففي بيئ�ة
ً
الشبكات االجتماعية اليت ُينتقى فيها صنف من اآلراء عوضا عن التعرض ملجموعها،
حتولت املعلومات إىل ما يشبه سلعة داخل سوق افرتايض قائم على العرض والطلب،
يكتفي الفرد فيها باملنتجات اليت تعزز وترسخ ملواقفه .فمن ناحية الطلب ،يتوجه
املستخدم حنو املعلومات اليت تتن�اغم مع وجهة نظره ،ومن ناحية العرض ،تكتفي وسائل
اإلعالم باملعلومات اليت تستجيب لتحزي املستخدم ،حبيث تسوق له منتج مخصص
يتوافق وينسجم مع ميوله .وبمرور الوقت ،تصاب وسائل اإلعالم بعدوى التحزي إلدراكها
املسبق بطباع وتوجهات املستهلك ،الذي يرى يف املصادر اليت تؤكد ملعارفه أكرث مصداقية
وقابلية للتصديق .وهي عرب ختصيصها ملنتج متحزي ،تطمع يف أن يرفع املستهلك من رصيدها
وسمعتها ( .)Gentzkow & Shapiro:2006وهنا يتحول التحزي إىل ممارسة اتصالية مشروعة،
تعتمد يف تأدية وظائفها على أكرث من مسار إنت�اج ،كل مسار خيدم ويليب احتي�اج فئة من
املستخدمني ،األمر الذي يرتتب عليه نشوء وتمركز جتمعات حول صفحات إخبارية
بعينها.
ه .فيما يتعلق بالتضليل ،تغذي غرف الصدى -سيما املتشكلة عن جتمعات
سياسية وحزبي�ة -دون قصد ظاهرة األخبار املزيفة ،كما تساعد بشكل غري مباشر على
180
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
تفيش اإلشاعات .فهي تهبط بقدرة األفراد على استجواب املعلومات -خاصة اآلتي�ة من
أقرانهم أو من وسائط يثقون بها -يف ظل تطويرهم لقدرات دفاعية حتد من تفاعلهم مع
أي معلومات تتحدى قناعاتهم .لذا يمكن لغرف الصدى أن تنعش الدعاية ،بشكل يعرض
قاطنيها خلطر الرسائل املضللة على حنو ال تستطيع معه التعديالت الالحقة من تصحيح
مسار األثر الواقع واملتفيش بني أعضائها ( .)Paul & Matthews:2016وأثبتت عدة دراسات،
أن الشراحئ اجلماهريية القابعة حتت تأثري كبري من التضليل هي األقل احتماال لاللتفات أو
االستجابة للتصحيحات والتصويب�ات املعلوماتي�ة الالحقة (.)Born:2017
و .قد تتسبب طبيعة غرف الصدى يف تفعيل تأثريي دوامة الصمت والرقابة الذاتي�ة،
سواء داخل املجموعة الشبكية أو خارجها ،أو حىت يف الواقع الفعلي؛ وذلك لغياب الرغبة
يف طرح افكار تتن�اقض مع السائد .فغرف الصدى ،حبسب طبيعة تكوينها املتجانس ،ال
تسمح بتنوع األصوات داخلها ،خاصة تلك اليت تتحدى أفكار ومواقف مسيطرة .وقد
ً
أثبتت نت�اجئ دراسة أمريكية ممارسة املستخدمني لرقابة ذاتي�ة عالية حتسبا من االختالف
مع اآلخرين أو التعرض للنقد ( .)Das & Kramer:2013وهذا يدلل أن حالة االستقطاب
ً
املرتتب�ة عن اخلالفات السياسية أو املنافسات االنتخابي�ة قد يؤدي دورا يف تكميم أصحاب
الفكر واملقاربات املختلفة داخل اجلماعات الشبكية ،كما حيفز لدوامة صمت من ناحية
تفضيل املستخدمني عدم طرح وجهات نظرهم إال يف حال تأكدهم من موافقتها مع أفكار
اآلخرين ( .)Hampton et al.:2014وما سبق يؤكد قدرة غرف الصدى على توجيه املناقشات
واملداوالت يف اجتاه واحد فقط ،مع رفض أي آراء مخالفة حىت لو كان مصدرها شخص من
ذات الشبكة .ولعل األخطر برأيي ،ما يتمثل يف صعوبة مالحظة األفراد القابعني داخلها
للتغريات والتطورات اليت جتري خارج حدود مجموعتهم الشبكية ،وبالتايل تعسر فهم
ً
التغيريات املجتمعية الفعلية ،وعدم القدرة على التعامل معها الحقا .وما سبق يؤكد بما
ً
ال يدع مجاال للشك ،أن التحدي األكرب الذي تفرضه غرف الصدى يتمثل يف تفني�دها على
ً
حنو عجيب ملفهوم احلرية واالنفتاح الذي ترتب تلقائي�ا على ظهور شبكة اإلنرتنت ومواقع
الشبكات االجتماعية .هذا الرتاجع اآليت بأياد جماهريية يمركز الرقابة يف يد الفرد بعد أن
ً
انزتعها من السلطة نتيجة للتطورات التكنولوجية .وتقليديا شكلت السلطة بهيئتها
181
الفصــل الثالـــث
املؤسساتي�ة أكرب تهديد حلرية الرأي والنقاش املفتوح ،أما اآلن ،فاخلطر على احلرية
والتنوع صادر عن املستخدم ذاته ،ملراقبت�ه بيئت�ه املعلوماتي�ة اخلاصة ،وحتصين�ه لنفسه
ضد أي أفكار تن�افس وتتحدى ما يعتقد ويؤمن به (.)Lawless:2017
ز .إحتمال تأثري غرف الصدى يف خوارزميات مواقع الشبكات االجتماعية .فمن
خالل رصدها لسلوكيات األفراد وحركة تفاعالتهم وتفضيالتهم ،تستطيع اخلوارزميات
صناعة حالة من الفرز بني املستخدمني على أساس التماثل ،وبالتايل رعاية غري مباشرة
لنشوء عقلية القطيع .واخلوارزميات يف عالقتها بت�أثري غرف الصدى ،تضمن إقامة اتصال
بني أفراد متشابهني فقط ،فيما تعمل مرشحات التصفية كدرع حايم تمنع ولوج آراء
مختلفة إىل داخل الغرف ،عرب جتليس املستخدم داخل فقاعة معلوماتي�ة معزولة عن البايق.
فعلى سبي�ل املثال ،قد تعمل اخلوارزميات على ترشيح قوائم صداقة جديدة ملستخدمني
يمتلكون ذات االهتمامات وامليول ،مع حجب تلك القوائم اليت ال تتقاطع مع أفكار
ً ً
املستخدم .ويعد ما سبق مؤشرا خطريا على دور متحزي مفرتض للخوارزميات يف تشكيل
ً
جتمعات متجانسة من األفراد .وأخريا ،أكرث ما يقلق هو صعوبة التخلص من غرف الصدى،
أو عدم التوصل إىل تدابري مضادة لوقف تأثريها .فتغيري أنظمة التوصية الشخصية ومحاولة
تعديل مسار تعلم اخلوارزميات لن تصد على حنو نهايئ تدفق املحتوى املخصص ،كما لن
تتصدى للتأثريات الناجمة عن التحزي .أضف إىل ذلك أن تعطيل خاصية التخصيص وختلي
املستخدم عن قدرته على التحكم يف عملية التعرض سيفقد مواقع الشبكات االجتماعية
جاذبيتها ،وبالتايل خسارة املستخدم لشغفه بها؛ لذلك من غري املرجح تفعيل أنظمة
وخيارات تتصدى خلطورة غرف الصدى ،فهي وإن تعاظمت سلبي�اتها مقارنة باإلجيابي�ات،
تظل لدى كثيرين إحدى ركائز الرحب واجلذب والسيطرة اليت من غري املحتمل أن يتم التخلي
عنها بسهولة.
6.4خاطرة من الواقع الفلسطيين
معاناة يومية تلك اليت نعيشها على شبكة فيسبوك! ذات األفكار والصيغ ،الكلمات
والتعبريات نفسها ،وكأنن�ا داخل حجرة مغلقة ،ال يرتدد داخلها إال اصواتن�ا ،وال جند ما ننصت
182
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
ً
إليه إال صدى أنفسنا؛ ونادرا ما نصادف من خيالفها أو يتحداها .شبكات التواصل االجتماعي
معضلة مستفحلة ،فهي ال تدعم إال عقلية القطيع ،وال تعزز إال سلوك االستقطاب ،وقد
ً
نب�دو سذجا إذا اعتقدنا خدمتها لوحدتن�ا ،أو تماسكنا االجتماعي ،أو حىت ترابطنا األسري.
والواقع أن خوارزمية املنصات االجتماعية تعمل على ربط وتشبيك من يتشاركون ذات
املعتقدات والتوجهات ،وتقدم لوجبات إخبارية ذات أجندة معين�ة ،كما تنتقي املعلومات
واخليارات املعروضة ،بعد أن تقوم بتصفية النت�اجئ بشكل يستجيب لسلوكنا السابق
معها ،سواء عربنا عنه باإلعجابات واملشاركات ،أو بإقامة مختلف الصالت والصداقات.
ً
فمثال ،يقوم فيسبوك على عرض معطيات تتفق مع اهتماماتن�ا ،حبيث يراقب ذكاءه
االصطناعي نشاطنا اليويم مع املستخدمني ،أو يرصد عاداتن�ا مع صفحات بعينها ،ليعمل
على استيعابها وحفظها ،ومن ثم يرتجمها على شكل تغذية معلوماتي�ة تتوافق مع ميولنا.
ً ً
ولكن ،هل حقا التكنولوجيا مسؤولة حصرا عن غياب التنوع لدين�ا؟
اجلواب بالتأكيد ال! فأنت بمفردك من حيدد للوسيلة سلوكها معك؛ هي فقط
تساعدك على ترسيخ حتزيك وحزبيتك ونزعاتك النفسية .ختيل معي عزيزي املستخدم
ً ً
أن قائمة أصدقائك من لون فكري واحد ،فهل تتوقع تنوعا يف اآلراء؟ على العكس تماما،
ما حيصل أن جملة مواقفك ستتصلب لغياب الرأي الذي يتحداها ،وإن تعرضت إلحداها
ً
مصادفة ،فسرعان ما ستتجاهلها ،أو ستخوض معها معركة صفرية لن تنتهي إال بقطيعة
ً ً ً ً
كاملة .هي إذا دائرة مغلقة ،ال تقبل رأيا منافسا أو مخالفا داخلها ،تتمدد وتتضخم
إىل أن تصبح شبكة متكاملة ،تضم مستخدمني مؤطرين ،يعيشون داخل أفكارهم
ً
اخلاصة ،ومعزولني إراديا عن بايق العوالم االفرتاضية ،وهكذا دواليك .بدورها تؤدي هذه
احلاضنة املغلقة إىل تفيش ظواهر سلبي�ة ،من شأنها إحداث شروخ اجتماعية ،وحالة من
االقصاء الفكري ،من الصعب معاجلته بمرور الوقت .فالعنصرية كما أشارت جمعية
السيكولوجيني األمريكية ،قد تنتشر بني املستخدمني لدرجة تبين سلوكيات وألفاظ
عنيفة حبق املخالف لرأين�ا وتوجهاتن�ا.
عالوة على ما سبق ،قد يضطر عديد من املستخدمني إىل جتنب التعبري عن مواقفهم،
وممارسة رقابة ذاتي�ة صارمة يف حال شعروا أن أطروحاتهم لن حتظى بت�أيي�د ،أو قد جتابه
183
الفصــل الثالـــث
بنقد عنيف .هذه السلبي�ات -بظاهرها -ال تصب إال باجتاه تعزيز عقلية القطيع ،خاصة
ً
داخل املجتمعات اليت تعاين من حالة انقسام سيايس ومجتمعي عميق .وأخريا ،على
مستخديم الشبكات االجتماعي تنويع قوائم صداقاتهم ،وعدم قصرها على لون واحد،
فما سقطت األمم إال بتقوقعها داخل ذاتها ،دون أن تسمح ألفكار املختلفني باالنسياب
ً
إجيابا.
د .الدعم والرعاية البشرية Human Curation
بالعمومُ ،ينظر للدعاية على مواقع الشبكات االجتماعية بكونها استخدام ألنظمة
املعلومات احلاسوبي�ة ألغراض سياسية .وهي ترتكز وفق هذا املنطق املجرد ،على الذكاء
ً ً
االصطناعي حصرا من أجل تنفيذ أنشطتها بعيدا عن أي رعاية بشرية مباشرة .وعلى
الرغم من القدرات اليت تتمتع بيها الدعاية احلاسوبي�ة ،إال أنها ال تستطيع تطوير إمكاناتها
أو زيادة رقعة تأثريها دون دعم بشري .فاألنظمة التقني�ة وإن تعاظمت دقتها وقدرتها على
محاكاة السلوكيات البشرية ،إال أنها معرضة للخطأ والكشف والتحيي�د .لذلك كان من
اجلوهري معاضدة ومؤازرة األنشطة الدعائي�ة اليت تؤديها الربامج احلاسوبي�ة بعناصر
ويعرف الدعم البشري بكونه جزء متمم لألنشطة بشرية لزيادة تأثريها على املستخدمنيُ .
الدعائي�ة احلاسوبي�ة على الشبكات االجتماعية ،ال يقتصر على اإلسناد والدعم فقط؛ بل
على التطوير والتعديل اليت ختضع لها الربمجيات واألنظمة الدعائي�ة لزيادة ورفع كفاءتها.
من زاوية أخرى ،ال جيب النظر إىل الدعم البشري من منظور مستقل ،بل جيب
اعتب�اره جزء من مجهودات وحتركات احلكومات واملؤسسات الكربى ذات اإلمكانات
ً
العالية ،بعيدا عن األنشطة الفردية اليت يؤديها املستخدم من تلقاء نفسه ،واليت حتركها
دوافع واعتب�ارات ذاتي�ة ،سياسية أو أيديولوجية أو اجتماعية .وختضع الربامج احلاسوبي�ة
ً
الدعائي�ة لتعديالت بشرية على أنظمتها ولغتها اخلوارزمية التشغيلية ،ويتضح ذلك جليا
ُ
يف الروبوتات االجتماعية ،اليت تربمج لتأدية مهام بشكل آيل مثل مشاركة رسائل معين�ة ،أو
النقل عن حسابات محددة ،أو التفاعل مع طائفة مختارة من املستخدمني...إلخ.
184
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
وتتطلب هذه الربمجة رعاية بشرية على حنو دائم ومستمر لضمان تطوير أداء
الروبوت وقدرته على مجابهة األنشطة املضادة املوجهة لكشفه وحتيي�ده ،كما أن تنوع
العمليات الدعائي�ة يتطلب إعادة تعديل على املهام تعكس أنماط عمل متجددة ،وهو
ما ال يت�أىت إال عرب تدخل بشري .ويهدف اجلزء القادم إىل احلديث عن شكلني من اشكال
الدعم البشري ملهام الدعاية احلاسوبي�ة على مواقع الشبكات االجتماعية ،واليت تؤسسها
وتشرف عليها جهات حكومية.
�ﺸﻜﻴﻼت�ﺳﺎﻳ��
ﻣﺘﺼﻴﺪون دﻋﻢ�اﳌهﺎم
اﻟﺮﻋﺎﻳﺔ�اﻟ�ﺸﺮ�ﺔ
ﺑﺮﻣﺠﺔ ﺗﺤﺪﻳﺪ�و�ﻌﺪﻳﻞ�ﻋ���اﳌهﺎم
�ﻌﺪﻳــﻞ
ﺗﻄﻮ�ــﺮ
185
الفصــل الثالـــث
ً
الدعايــة احلاســوبي�ة والشــبكية ،تســاعدها علــى إنفــاذ مهــام ترتبــط غالبــا بصناعــة
ً
التصــورات العامــة حيــال قضايــا سياســية أو أمنيـ�ة أو عســكرية أو اجتماعيــة ،بعيــدا عــن
األنشــطة املقرتنــة باألمــن الرقــي واجلرائــم اإللكرتوني ـ�ة.
ً
وتزايــدت ،وفقــا لتقريــر صــادر عــن مشــروع أوكســفورد للدعايــة احلاســوبي�ة،
األخطــار املرتتب ـ�ة عــن تشــكيالت الســايرب ،ســيما مــا يتعلــق بتكنيكاتهــا التنفيذيــة؛ فهــي
توظــف الروبوتــات السياســية مــن أجــل تضخيــم خطــاب الكراهيــة ونشــر املحتــوى
املضلــل ،وتســتثمر جيــوش “املتصيديــن” للهجــوم علــى شــخصيات بعينهــا ،كمــا جتمــع
بي�انــات شــخصية عــن املســتخدمني بشــكل غري قانــوين ألغــراض “االســتهداف املخصص”
( .)Bradshaw & Howard:2017ومــا ســبق يؤكــد دون شــك ،أن األنشــطة احلكوميــة املوجهــة
الــي تدمــج بــن صيغــي الدعايــة احلاســوبي�ة والبشــرية ،باتــت مســؤولة بشــكل كبــر
عــن تشــكيل الــرأي العــام عــر مواقــع الشــبكات االجتماعيــة ،كمــا أضحــت أســاليبها
ً ً
واســراتيجياتها جــزءا رئيســا يف احلمــات الرقميــة وجهــود الدبلوماســية العامــة.
وتتبــى تشــكيالت الســايرب شــكل مجموعــات بشــرية منظمــة ،تتــوىل مؤسســات
حكوميــة وعســكرية وحزبيــ�ة مهمــة تأسيســها ،ورعايــة وتوجيــه أنشــطتها علــى مواقــع
الشــبكات االجتماعيــة .ففــي العــام 2015م ،أعلنــت بريطاني ـ�ا عــن إقامــة تشــكيل داخــل
اجليــش حيمــل رقــم ،77مخصــص لتنفيــذ عمليــات نفســية ناعمــة علــى مواقــع الشــبكات
االجتماعيــة ،خاصــة فيســبوك وتويــر؛ وذلــك بهــدف الســيطرة علــى “الروايــة” ،عــر
صياغــة ســلوك جماهــري داخلــي تســتطيع مــن خاللــه مواجهــة حمــات الدعايــة املعاديــة
املوجهــة إىل فضائهــا الرقــي (.)Solon:2015
وبرغــم اســبقية اإلعــان الربيطانـــي ،إال أن دول عديــدة حــول العالــم ســلكت ذات
الــدرب ،وأطلقــت لتشــكيالتها الســيرباني�ة اخلاصــة؛ وذلــك بهــدف التأثــر يف حركــة تدفــق
املعلومــات ،والتحكــم بقنــوات النفــاذ املســؤولة عــن تشــكيل الــرأي العــام الرقــي .لذلــك
ً
تعــد تشــكيالت الســايرب ظاهــرة متفشــية عامليــا ،ترتكــز علــى جتنيــ�د وختصيــص مــوارد
بشــرية ولوجســتي�ة ،للتعاطــي مــع الــرأي العــام الشــبكي بمســتويي�ه املحلــي والــدويل.
186
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
ُ
وتعرف تشكيالت السايرب بكونها طواقم وفرق حكومية أو عسكرية أو حزبي�ة تتوىل
ً
مهمة التالعب بالرأي العام عرب الشبكات االجتماعية .وقد شهد العام 2019م ارتفاعا
ً
ملحوظا يف أنشطة تشكيالت السايرب حول العالم .ففي العام 2017م ،رصد مشروع
الدعاية احلاسوبي�ة ألنشطتها يف 28دولة ،ليقفز إىل 48دولة يف العام 2018م ،ثم 70دولة
عام 2019م ( .)Bradshaw & Howard:2019وهذا يعين ،أن الدعاية الشبكية ،ومن خلفها
تشكيالت السايرب ،باتت مكون رئييس يف اسرتاتيجية االتصال املوجهة اليت تطبقها عديد
من دول العالم.
1.1األشكال الهيكلية لتشكيالت السايرب
تتخذ قوات السايرب أشكال تنفيذية متنوعة ،تعكس لطائفة واسعة من العناصر
الفاعلة يف مجال عمليات التأثري .ويف معظم احلاالت ،تؤسس احلكومات لفرقها الداخلية
اخلاصة ،على شكل موظفني عموميني ،ويف حاالت أخرى تستعني بمواهب متخصصة أو
ً
متطوعني من داخل القطاع اخلاص .وغالبا ما تأخذ هذه التشكيالت شكل وزارة مستقلة،
أو إدارة داخل وزارة ،أو هيئ�ة تتبع للرئاسة ،أو فرع عسكري ،أو مبادرة حكومية دون تمثي�ل
إداري .على سبي�ل املثال ،تتبع تشكيالت السايرب يف فيتن�ام إىل إدارة الدعاية والتعليم
( ،)Pham:2013ويف األرجنتني تتبع ملكتب الرئيس مباشرة (.)Rueda:2012
ً ً
وعلى حنو مختلف ،تتبىن قوات السايرب شكال متداخال يف األحزاب واحلركات
السياسية ،حبسب الطبيعة السياسية السائدة .فهي ترتاوح بني وجود تشكيل هيكلي
يقوم عليه عناصر من داخل احلزب ،وبني غياب هذا الهيكل لصالح االستعانة بمؤسسات
ومبادرات مدني�ة متخصصة يف مجال احلمالت السياسية والدعاية االنتخابي�ة .على
سبي�ل املثال ،استعانت عدة أحزاب وشخصيات سياسية يف الواليات املتحدة األمريكية
وبريطاني�ا بمؤسسات وشركات مختصة يف مجال االتصال االسرتاتييج مثل كامربيدج
أناليتيكا من أجل تنفيذ حمالت دعاية لصاحلها ،سيما خالل االنتخابات.
ويمكن لتشكيالت السايرب أن تتخذ شكل متعاقدين من القطاع اخلاص ،تستأجرهم
ً
احلكومة لتنفيذ مهام مؤقتة .فمثال ،استأجرت حكومة الواليات املتحدة األمريكية
187
الفصــل الثالـــث
خدمات شركة للعالقات العامة من أجل تطوير أداة يتم من خاللها التحكم وإدارة
ً
ملفات وحسابات وهمية على مواقع الشبكات االجتماعية ( .)Monbiot:2011وغالبا ما
تكون احلدود الفاصلة بني املتعاقد واحلكومة غري واضحة .ففي روسيا ،يوظف الكرملني
ً
خدمات وكالة أحباث اإلنرتنت لتنفيذ حمالت على مواقع الشبكات ،ومن املعروف ظاهريا
أن الشركة تتبع للقطاع اخلاص ،لكن من غري املؤكد إذا ما كان ذلك مجرد تمويه من عدمه
( .)Benedictus:2016ومن تشكيالت السايرب اليت ال يمكن جتاهلها مجموعات “املتطوعني”.
واملتطوع شخص يتعاون مع هيئ�ات ومبادرات حكومية لنشر أيديولوجية سياسية أو رسائل
مناصرة للحكومة .ويتخذ التطوع يف العادة شكل منظمات شبابي�ة ،ترتبط باحلكومات من
خالل مبادرات متنوعة ،فعلى سبي�ل املثال ،تتعاون احلكومة “اإلسرائيلية” مع منظمات
يهودية تضم متطوعني طالب وآخرين مناصرين لـ”إسرائي�ل” من غري اليهود يف دعم جهود
“إسرائي�ل” على املستوى السيرباين (.)Sternhoffman:2013
كما تتخذ تشكيالت السايرب أشكال أخرى ،كاحلركات الشبابي�ة ،ومجموعات الهاكرز،
ومؤثري الشبكات االجتماعية ،واحلركات الهامشية...إلخ .وألن جميع األشكال السابقة
ً
اقتحمت مجال الدعاية الشبكية بكل قوة ،صار صعبا تصنيف تشكيالت السايرب؛ ألنها
ويرد تنوعتضم أصناف رسمية وغري رسمية ،كما تعكس ألنماط اشتغال علني�ة وسريةُ .
تشكيالت السايرب إىل الطبيعة التكنولوجية السائدة ،وما أفرزته من حرية على صعيد
ً
إنت�اج املحتوى الدعايئ ونشره ،فهي مكنت اجلمهور يف تنظيم نفسه بعيدا على رقابة
السلطة وسيطرتها ،وسمحت له تشكيل جتمعات قادرة على العمل الدعايئ دون تبعية
ً
رسمية .إال أن ذلك ال يلغي دور العامل “اللوجسيت” ،فالتب�اين يف اإلمكانات يؤدي دورا
َ
رئيسا يف حتديد الفروق بني تشكيالت السايرب ،ومدى قدرتها وفعاليتها على تنفيذ مهامها
(.)Bradshaw & Howard:2017
2.1األنماط الزمني�ة لتشكيالت السايرب
ختتلف األنماط الزمني�ة لتشغيل قوات السايرب من كيان إىل آخر .ففي بعض الدول،
جيري تشكيل “قوات السايرب” ألغراض مؤقتة مرتبطة بأحداث سياسية أو عسكرية
188
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
ً
تتطلب تشكيل رأي عام حولها ،أو خالل االنتخابات ،ثم يصار إىل حل هذه الهيئ�ات الحقا
بانتهاء املهمة اليت أنشأت من أجلها .ويف دول أخرى ،يتم دمجها أو تأسيسها ضمن األجهزة
االتصالية واإلعالمية ،أو ضمن أفرع أخرى ،لتأدية مهام رقابة وسيطرة وحتكم دعايئ بشكل
دائم ومستمر .وفيما يتعلق بب�ايق الكيانات ،كاألحزاب واملؤسسات واملبادرات الشعبي�ة،
فهي ترتاوح بني املؤقتة والدائمة ،حبسب قدراتها اللوجستي�ة ،ورأس مالها البشري .وجدير
بالذكر هنا أن بعض الدول جتمع بني األنماط الدائمة واملؤقتة ،حبسب حجم التحدي
الدعايئ الماثل.
3.1تعليق حول مفهوم املؤثر
ً
تستوقفين كثريا كلمة “مؤثر” ،وتثري يف نفيس تساؤالت حول طبيعة الشخصية
“املؤثرة” يف املجال االفرتايض ،وخصائصها ،واالعتب�ارات اليت ينطلق منها مستخديم
مواقع الشبكات االجتماعية يف حتديد املؤثرين من عدمه .ومما ال شك فيه أن التساؤالت
املطروحة معقدة ،لكنها حيوية وعصرية ،ملالمستها حتوالت راهنة خيضع لها مفهوم “قيادة
الرأي” ،إىل جانب تطورات اخرى موازية تتعلق بالقياس املنهيج لدرجة التأثري .وقد نواجه
صعوبة يف حتديد قائمة باألفراد املؤثرين على الشبكات االجتماعية؛ ألن أدواتن�ا املستخدمة
يف القياس قاصرة ،ال تتجاوز النظر يف عدد األصدقاء واملتابعني ،ومالحظة اشكال التفاعل
املباشر والصريح مع املضمون ،سواء باإلعجاب أو التعليق أو املشاركة .ورغم أهمية األدوات
ً
املذكورة ،إال أنها ال تؤشر على حدود التأثري وتمدده داخل الفضاء األزرق ،وال تكشف يقين�ا
عن الدوافع اليت تقف خلف التفاعل .فهل يعود السبب إىل شهرة الشخصية؟ أم ملكانتها
ووظيفتها االجتماعية؟ أم لقربها من السلطة وصناعة القرار؟ أم لريق وجاذبي�ة محتواها،
وبالتايل قدرتها على تأجيج تفاعل كبري ومتنوع؟
األحباث الغربي�ة اليت تطرقت للموضوع قليلة ،لكنها طرحت مقياس اويل غري مكتمل،
يتم من خالله حتديد الشخصيات املؤثرة باحلد األدىن .املقياس يطبق عرب ثالث خطوات
متدرجة ،تب�دأ باملالحظة املباشرة لدرجة نشاط مجموعة من املستخدمني ،ثم استطالع
رواد الشبكات االجتماعية وسؤالهم عن الشخصيات اليت تؤثر فيهم بغض النظر عن
189
الفصــل الثالـــث
ً
املوضوع ،وأخريا دمج البين�ات املستقاة عن املالحظة واالستطالع للخروج بتقييم نهايئ.
وبرغم علمية األسلوب ،إال أنه فاقد للمصداقية والثب�ات ،بسبب ضعف قدرته على التفريق
بني التأثري احلقيقي واملزيف ،أو حتديد نوعه وديمومته ،كما يتجاهل متغريات أساسية مثل
القدرة على اإلقناع أو النفاذ جلميع صنوف املستخدمني .ويف فضائن�ا االفرتايض ،تتحدد
الشخصيات املؤثرة بطريقة تشوبها الضعف ،فنحن نركن للقياس الكيم البحت ،دون أن
نعتين باجلوانب الكيفية ،اليت تهتم بقياس نوع األفكار ومعدل تبنيها وتكرارها وانتشارها
بني املستخدمني .كما نستثين مبدأ “املماثلة” ،وما يعني�ه من جنوح املستخدمني حنو
ُ
اقرانهم من ذات البيت واحلزب واأليديولوجيا .لذلك حتتاج ادواتن�ا إىل تطوير ،وان تأخذ
ً
مناهج حتليل الشبكات االجتماعية ،سواء النصية أو السلوكية أو اجلغرافية ،حزيا من
جهودنا عندما نقرر حتديد الشخصيات املؤثرة .كما ويجب التفريق بني “قائد الرأي”
بمفهومه التقليدي ،و”املؤثر” بمفهومه احلديث .فال يمكن لنا تطبيق ذات قواعد القياس
ً
القديمة على وسيلة اتصال حديث�ة ،فقائد الرأي باملفهوم السيايس قد ال يكون مؤثرا البت�ة،
ويمكن لفرد عادي امتالك تأثري مضاعف ومتعاظم يف القضايا السياسية.
4.1أحجام ومستويات تشكيالت السايرب
ختتلف أحجام قوات السايرب من كيان آلخر؛ وذلك حبسب النمط الزمين لالشتغال
الدعايئ ،ودرجة تنوعه وتعقيده اتساعه ،ومدى اإلمكانات اللوجستي�ة ،وطبيعة التشغيل
املعلومايت السائد .وحبسب مشروع أكسفورد للدعاية احلاسوبي�ة ،تنقسم أحجام قوات
السايرب إىل أربع مستويات (:)Bradshaw & Howard:2019
ً
-املستوى األول :يتجسد يف مجموعات احلد األدىن ،املشكلة حديث�ا ،اليت تتمتع
بموارد متواضعة ،وتطبق لعدد قليل من أساليب واسرتاتيجيات الدعاية احلاسوبي�ة
على عدد محدود من املنصات االجتماعية .ويف العادة ال يضم هذا املستوى إال عدد قليل
ً
جدا من األفراد ،وال تعمل إال ضمن نطاق محلي ،دون أن توجه جهدها للخارج بسبب قلة
اإلمكانات.
190
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
ً
-املستوى الثاين :يشتمل على فرق صغرية ،تنشط مؤقتا يف مناسبات وحاالت
معين�ة ،ثم تتوقف عن العمل .ويميل هذا النوع إىل تطبيق عدد قليل من األساليب
واالسرتاتيجيات الدعائي�ة ،مثل استخدام الروبوتات االجتماعية من مجال تضخيم
املعلومات ،وشأنها شأن املستوى األول ،تنشط هذه الفرق على نطاق محلي ال خارجـي.
-املستوى الثالث :يضم فرق بأحجام متوسطة العدد ،لها شكل واسرتاتيجية أكرث
ً ً
اتساقا وتن�اغما من املستويات السابقة .كما يشتمل على أفراد يعملون بدوام كامل على
مدار العام ،بهدف السيطرة على الفضاء املعلومايت .وفرق هذا املستوى تنسق مع أشكال
أخرى يف مجال األنشطة الدعائي�ة السيرباني�ة ،ولها قدرة على تنفيذ أساليب واسرتاتيجيات
متنوعة على مواقع الشبكات االجتماعية ،كما تستطيع تنفيذ عمليات دعائي�ة محلية
وخارجية على السواء.
-املستوى الرابع :يعترب األقوى من بني جميع املستويات السابقة ،ويضم
مجموعات كبرية من املشتغلني ،وختصص له مزياني�ات ضخمة سواء يف مجال الدعاية أو
العمليات النفسية أو حرب املعلومات ،أو حىت يف مجاالت البحث والتطوير .ويجري عرب
هذا املستوى ،تطبيق طائفة كبرية من األساليب واالسرتاتيجيات الدعائي�ة ،كجزء من
االسرتاتيجية العامة للدولة ،بهدف تشكيل أو السيطرة على الفضاء املعلومايت ،سواء على
املستوى املحلي أو الدويل.
5.1تأهيل وتدريب أفراد تشكيالت السايرب
ينخرط املنتيم إىل قوات السايرب يف أنشطة تدريبي�ة مكثفة ومتنوعة ،تؤهله للعمل
يف مجال الدعاية السيرباني�ة .ومن بني هذه األنشطة ،اخلضوع لدروات متخصصة
تستهدف صقل مهاراته يف مجال إنت�اج ونشر الدعاية ،وكيفية التعامل مع مستخديم
ً
مواقع الشبكات االجتماعية ،إىل جانب امتالك مهارات تشغيلية تقني�ة متنوعة .وعادة
ما ختصص احلكومات جوائز مالية حتفزيية لألفراد املتميزين ،لتشجيعهم على االستمرار
والتطور .على سبي�ل املثال ،خيضع املتدرب يف روسيا لدورات يف اللغة اإلجنلزيية ،من أجل
حتسني قدراته على االتصال مع اجلمهور اخلاريج ،كما يتعرض لدورات سياسية مكثفة،
191
الفصــل الثالـــث
الستيعاب املنظور الرويس من مختلف األحداث والقضايا العاملية .كما خيضع األفراد
لدورات على كيفية استخدام املدونات ومواقع الشبكات االجتماعية ،مع عرض ألهم طرق
واسرتاتيجيات البلوغ والتأثري يف اجلماهري املرغوبة.
ً
وتتعامــل احلكومــات مــع نظــام املكافــآت بطــرق مختلفــة ،وعــادة مــا يســر
ً
نظــام املكافــأة وعمليــة التأهيــل جنبــ�ا إىل جنــب .علــى ســبي�ل املثــال ،تعمــد احلكومــة
“اإلســرائيلية” إىل ختصيــص منــح دراســية لبعــض املتدربــن مقابــل جهودهــم يف مجــال
دعمهــا ومناصرتهــا علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة ( ،)SternHoffman:2013بينمــا يف
دول أخــرىُ ،يمنــح املتــدرب جائــزة ماليــة تقديريــة تتحــدد قيمتهــا وفــق مجهــوده الدعــايئ
املبــذول علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة .أمــا يف كوريــا الشــمالية ،فيعمــد النظــام
إىل اختيــ�ار أفــراد إلحلاقهــم باجلامعــات العســكرية فقــط يف حــال عكســوا ملســتويات
تدريــب متقدمــة يف مجــال احلاســوب .وعلــى العكــس ،تقــوم بعــض الــدول كالواليــات
املتحــدة األمريكيــة باالســتثمار يف مجــاالت البحــث ،كصيغــة تدريبيــ�ة غــر مباشــرة
لكــن فعالــة ،فعلــى ســبي�ل املثــال ،خصصــت احلكومــة األمريكيــة عــر مؤسســة DARPA
مبلــغ 9مليــون دوالر لدراســة كيفيــة اســتخدام مواقــع الشــبكات االجتماعيــة للتأثــر يف
ســلوك املســتخدمني مــن خــال تتبــع مســار اســتجابتهم وتفاعلهــم مــع محتــوى اإلنرتنــت
(.)Bradshaw & Howard:2019
وبرغــم مســارات التأهيــل الداخليــة املختلفــة ،إال أن الغمــوض يلــف مســتوى التعاون
بــن الــدول يف مجــال التدريــب اخلــاريج .وكانــت بعــض التحقيقــات قــد كشــفت عــن
خضــوع عســكريني مــن تشــكيالت الســايرب يف دولــة ماينمــار لــدورات تدريبي ـ�ة يف روســيا
اإلحتاديــة ،تشــمل طــرق التعامــل الفعــال مــع مواقــع التواصــل االجتماعــي (.)Mozur:2018
وعلــى حنــو مشــابه ،خضعــت مجموعــات مــن ســريالنكا لــدورات مشــابهة يف الهنــد ،كمــا
تلقــت مجموعــة تتبــع لوكالــة شــبكة املعلومــات األثيوبيــ�ة دورات تدريبيــ�ة رســمية يف
ً
الصــن ( .)Chala:2018وأخــرا ،مــن غــر املعــروف حــى اللحظــة حجــم التعــاون بــن دول
العالــم علــى مســتوى تأهيــل وتدريــب تشــكيالت الســايرب ،ولكــن مــن املؤكــد أن املصالــح
بينهــا تقتــي ذلــك.
192
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
193
الفصــل الثالـــث
مخصصة لنشر محتوى رسيم ،أو إنشاء حسابات (حقيقية أو مزيفة أو آلية) لغرض
التمويه والتضليل ،أو نشر محتوى تفاعلي متنوع (مكتوب ،بصري) حبسب طبيعة
ً
االستجابة املطلوبة .كما ختتلف أشكال تفاعل تشكيالت السايرب من دولة ألخرى .فمثال،
قد يتفاعل تشكيل سيرباين يف دولة ما مع املستخدمني عرب نشر رسائل مؤيدة للحكومة،
أو تبين موقف إجيايب ووطين بالعموم؛ بينما تتفاعل مجموعة أخرى باستخدام اشكال
سلبي�ة كالتصيد والتهديد واملضايقة .وتتشابه االسرتاتيجيات واألساليب التطبيقية بني
تشكيالت السايرب إىل حد كبري ،خاصة تلك اليت تصنف كمستوى رابع .فعديد منها قائم
على أدوات الدعاية احلاسوبي�ة؛ كالتالعب باخلوارزميات واالستهداف املخصص وغريها.
ولعل اخلالف بني الدول ،يتمثل فقط يف مدى تنوع التنفيذ ودقته .والشرح اآليت يستعرض
عدد من االسرتاتيجيات األساليب مقسمة على أربعة مستويات:
-مســـتوى احلســـابات الوهمية واحلقيقية :يتن�اول هذا املســـتوى اســـراتيجيات
وأساليب نشـــر وتضخيم رسائل الدعاية حتت ستار من السرية أو العلني�ة .وهو مقسم إىل
ً
مؤخرا احلسابات ُ
المخرتقة (املقرصنة). أربعة أنواع :بشري ،وآيل ،وهجني ،وانضمت اليه
ً
ووفقـــا ملؤشـــرات عاملية ،تتصدر احلســـابات البشـــرية قائمـــة األنواع اليت تســـتخدمها
تشـــكيالت الســـايرب يف تنفيذ مهامها الدعائي�ة بنسبة ،87%ثم احلســـابات اآللية ،80%
ً
وأخـــرا احلســـابات ُ
المخرتقة (املقرصنة) بنســـبة 7%فقط واحلســـابات الهجين�ة ،11%
( .)Bradshaw & Howard:2019وال تكتفي التشـــكيالت السيرباني�ة باسرتاتيجية احلسابات
ً ً
الوهميـــة ،بل توظـــف أيضا ألســـلوب احلســـابات احلقيقيـــة .ووفقا لتقريـــر صادر عن
ً
مشـــروع جامعة أكســـفورد للدعاية احلاســـوبي�ة ،حتث عـــدة دول أفرادا من تشـــكيالتها
الســـيرباني�ة علـــى اســـتخدام حســـاباتهم احلقيقية يف نشـــر محتـــوى مؤيـــد ،أو التصيد
للمعارضـــن ،أو تنفيذ حملة بالغات جماعية .وبســـبب التدابـــر االحرتازية اليت تتخذها
مواقع الشـــبكات االجتماعية للحد من أنشـــطة تشـــكيالت الســـايرب ،فمـــن املحتمل أن
تتعزز اســـراتيجية النشـــر عرب احلســـابات احلقيقية يف الفـــرة القادمة.
-مستوى الردود والتعليقات :يتعلق بالتعليقات والردود الدعائي�ة املستخدمة يف
تأسيس اتصال تفاعلي مباشر مع مستخديم مواقع الشبكات االجتماعية؛ ويهدف يف
194
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
العادة إىل :مناصرة احلكومات واألحزاب والشخصيات السياسية ،أو تشويه املعارضة
واملعارضني ،أو حتويل اجتاه املحادثات وحمالت النقد إىل اجتاهات أخرى بعيدة عن
املوضوع األسايس ،أو تعزيز االستقطاب والفرقة ،أو قمع املشاركات اجلادة واملوضوعية.
وتتجلى الصورة بوضوح ،إذا ما علمنا أن 71%من تشكيالت السايرب يف سبعني دولة حول
العالم ،نشرت تعليقات تن�اصر حكومات وأحزاب سياسية بعينها ،وأن نسبة 89%نشرت
ردود وتعليقات تهاجم أحزاب وشخصيات ،يف حني قام 34%بنشر تعليقات تهدف إىل
زيادة حدة االستقطاب ( .)Ibidوختتلف أنماط التعليقات بني تشكيل وآخر؛ فبعضها يطبق
ألشكال إجيابي�ة جذابة تدلل على اشتغال إقناعي مدروس يصب مباشرة يف صالح احلكومة
أو احلزب ( .)Bradshaw & Howard:2017على سبي�ل املثال ،تطبق “إسرائي�ل” سياسيات
صارمة تقيد بموجبها أنماط التعليقات لتتخذ شكل إجيايب ،خاصة مع أصحاب املواقف
ً
الناقدة والسلبي�ة ( .)Sternhoffman:2013وعلى النقيض تماما ،تطبق تشكيالت أخرى لردود
وتعليقات سلبي�ة كاألذى اللفظي ،سيما جتاه مستخدمني من أصحاب املواقف املعادية أو
الناقدة للحكومة ( .)Geybulla:2016ويف سياق متصل ،ال تكتفي اسرتاتيجية تنويع الردود
باألنماط اإلجيابي�ة والسلبي�ة فقط ،بل يمكن أن تتخذ شكل محايد .وهنا تقوم تشكيالت
سايرب بنشر رسائل وتعليقات محايدة ،تهدف إىل صرف األنظار أو االنتب�اه عن موضوعات
وقضايا جاري تداولها .على سبي�ل املثال ،طبقت تشكيالت سايرب تابعة للمملكة العربي�ة
السعودية أسلوب “تسميم الوسوم” ،من خالل إرفاق الوسوم الراجئة بردود ومشاركات ال
عالقة له باملوضوع األصلي ،ثم نشرها بكميات كبرية ،ما أدى إىل حرف األنظار عن املوضوع
ً
الرئيس( .)Freedom House:2013إضافة إىل ما سبق ،قد تستخدم تشكيالت سايرب مزيجا
من الردود يف آن واحد ،حبسب الظرف التشغيلي القائم ،وطبيعة التفاعل اجلاري .على
سبي�ل املثال ،يتعمد أفراد من تشكيالت السايرب الصيني�ة نشر ردود عاطفية بغرض اجرتار
ً ً ً
غضب املستخدمني حنوهم ،بدال من بقاء هذا الغضب منصبا وموجها حنو احلكومة أو أي
موضوع وقضية أخرى (.)Weiwei:2012
-مستوى تنويع الهجمات :خيتص بالتنوع احلاصل يف شكل ونوع الهجمات
الدعائي�ة اليت تنفذها تشكيالت السايرب ومنها؛ اسرتاتيجية التالعب باملحتوى االتصايل،
195
الفصــل الثالـــث
عرب صناعة محتوى مفربك (مكتوب ،بصري) ،أو إطالق مواقع إخبارية مزيفة ،أو منصات
ً
وهمية ،لغرض تضليل املستخدمني .ووفقا إلحصائي�ة صادرة عن مشروع جامعة أكسفورد
للدعاية احلاسوبي�ة ،قامت 52دولة حول العالم من أصل 70بإطالق مواقع إخبارية مزيفة،
ونشر محتوى مفربك ،إىل جانب تعميمها ملنصات وهمية؛ وذلك بهدف تضليل مستخديم
ً
الشبكات االجتماعية ( .)Bradshaw & Howard:2019وغالبا ما يستهدف املحتوى املفربك
الصادر عن تشكيالت السايرب فئات محددة من املستخدمني ،عرب جمع بي�انات ومعلومات
وافية من مصادر شبكية أو فعلية ،ثم استغاللها يف تصميم رسائل موجهة لفئة مختارة،
ً
سواء عرب اإلعالنات املمولة أو املنشورات اخلفية .ومن االسرتاتيجيات أيضا تنفيذ حملة
بالغات جماعية ضد محتوى أو حساب معني كجزء من مهام الرقابة اليت تؤديها تشكيالت
السايرب .وهنا يتم توجيه شبكة كبرية ومنسقة من أفراد السايرب لإلبالغ عن حساب أو
محتوى يتبع لشخصية او حزب ،وبالتايل حذفه أو إغالقه ،بعد التالعب يف خوارزمية
ُ
النظام املسؤولة بشكل آيل عن حتديد وشطب املحتوى أو احلساب املخالف .وتستخدم
أنواع أخرى من االسرتاتيجيات مثل التضخيم والتصيد واملضايقة .وبالعودة إىل تقرير
جامعة أكسفورد ،شهد العام 2018م توظيف حوايل 27دولة ألسلوب التصيد ،لريتفع
الرقم إىل 47دولة يف العام 2019م (.)Ibid
8.1خاطرة من الواقع الفلسطيين
الدعاية ليست مجرد مصطلح عابر ،يقتصر على وصف ممارسة إعالمية؛ بل هي
يف أصلها نشاط إنساين ،يعكس جلملة أفكار ،يسعى كل طرف إىل تسويقها بوسائط
جماهريية متنوعة .وإذا كانت مواقع الشبكات االجتماعية إحدى هذه الوسائل ،فمن
الضروري اإلشارة إىل كونها عشوائي�ة ،غري مركزية ،تستحث مشاركة جماهريية ،ال ترضخ
ً
غالبا ملبدأ التوجيه والضبط ،وال تملك ذات مقدار الوعي الذي تتمزي به األشكال اإلعالمية
ً
التقليدية .فغياب اإلدراك املطلوب لدى املستخدم ،يعين كثريا من األخطاء ،اليت قد جتد
طريقها للخصم ،ليستغلها على أحسن وجه.
ً
وحىت نرسخ لوجهة نظرنا ،اليت ترى قصورا يف املمارسة اجلماهريية الفلسطيني�ة على
الشبكات االجتماعية ،ال بد من تأكيد حقيقة جلية ،تعكس ملنهج خصمنا يف استغالل
196
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
أخطائن�ا .فمنذ حلظة إعالن انطالقة مسرية العودة ،حرصت ماكين�ة الدعاية “اإلسرائيلية”
على حتريك مختلف أذرعها ،سيما السيرباني�ة ،يف محاولة الحتواء التداعيات ،وتقليص أي
ضرر متوقع على صورة الكيان .لهذا ،دأبت صفحاتها الرسمية الناطقة باللغة العربي�ة على
إعادة تدوير رسائل -جلها مريئ وبمنهجية منتظمة -لتحقيق أهداف عدة؛ ومن أهمها ربط
املسرية باإلرهاب ،أو نزع طبيعتها الشعبي�ة السلمية.
وكي حتفظ لنفسها املصداقية ،انتهجت “إسرائي�ل” أسلوب جديد ،شديد الفاعلية،
أطلق عليه “التنقيب الدعايئ” .فهذا األخري يقوم على رصد وجتميع املنشورات الشاذة،
الصادرة عن نشطاء مسرية العودة ،الستغاللها يف إرساء دعاية مضادة ،ترتكز على مبدأ
مجابهة الدعاية لذاتها .أي أنه نشاط غري تقليدي ،يقوم على استغالل مساوئ ممارسات
ً
“الصحفي املواطن” يف امليدان ،لإلفادة منها دعائي�ا ،عرب إبراز املتن�اقض منها مع أطروحات
ً
املسرية .فالسلمية تتحول إىل إرهابي�ة بمجرد الوقوع على منشور جيسد أفردا حيملون
سكاكني ،ويتوعدون “اليهود” بالذحب والثبور .والعودة تصبح فوىض بمجرد نقل تصريح
يدعو حلرق املعابر .واملطلب الشعيب يتحول ملخطط إيراين بمجرد نشر مقوالت تؤكد
مساهمتها تمويل األحالم الفلسطيني�ة...فالدعاية “اإلسرائيلية” باتت تتغذى على ما
ننشره ،ال على اجتهادها اخلاص.
ً
“إسرائي�ل” اليت يتضح يوما بعد يوم ،إلمامها التام بتكنيكاتن�ا اإلعالمية السيرباني�ة،
وقعت على ثغرة ترىق ملزنلة الكزن؛ فما ينشره املستخدم -بوعي أو دونه -وفر مادة مالئمة
تستجيب ملتطلبات اجلهد الدعايئ “اإلسرائيلي” .وإذا كنا نظن أنن�ا حنسن صنعا،
فعلين�ا النظر إىل جانب الكأس الفارغ .وقد جيادل أحدهم بتبين الصحف العاملية للرواية
ً
الفلسطيني�ة ،ودليله إبرازها جرائم “إسرائي�ل” حبق املدنيني ،محاوال اإلقناع بنجاح الفعل
ً
الرتوييج الفلسطيين .عند هذه النقطة حتديدا نب�دأ تفكيك احلقيقة بتجرد؛ فالتغطية
الغربي�ة وأطروحاتها األقرب لنا ،ال تعين استجابة لتكنيك فلسطيين ناجح؛ بل على العكس
ً
تماما هي تفاعل خلطوط حتريرية ترى يف “إسرائي�ل” ،وبالتحديد نتني�اهو ،معضلة إضافية
ابتليت بها السياسية العاملية ،إىل جانب تلك اليت يشكلها ترامب .فعديد من الصحف
األمريكية واألوروبي�ة لم تنطلق من قاعدة مناصرة احلق الفلسطيين ،فهي بكل األحوال
197
الفصــل الثالـــث
ً
ال تتبىن مبدأ العودة أصال ،ولكنها رأت يف اإلجرام “اإلسرائيلي” فرصة للتعبري عن رفضها
السياسة األمريكية ،وخطواتها غري املحسوبة ،خاصة ما يتعلق بنقل سفاراتها للقدس.
ً
هذه احلقيقة النسبي�ة ،تستدعي تساؤال حول قدرتن�ا فهم تفاعالت السياسية العاملية،
وكيفية القفز يف الوقت املناسب إلجياد حالة تقاطع يف املصالح ،تستفيد منها القضية،
ً
خاصة على صعيد الرتويج .وحىت نتعمق جزئي�ا يف فهم املمارسة “اإلسرائيلية” ،علين�ا
ً
العودة قليال إىل العام 2009م ،الذي شهد أوىل مراحل تطور فعلها الدعايئ احلديث بشكله
ً
املتكامل .فالوعي حبقيقة تدهور صورتها عامليا ،دفع “إسرائي�ل” إىل تسمية مؤسسات،
وختصيص موارد بشرية ولوجستي�ة ،مهمتها فقط التأثري يف املجال املعريف لألفراد حول
حقيقة الصراع .وإلدراكها املسبق حباجة بعض اجلغرافيات العاملية إىل مقاربة فكرية
ً
مختلفة ،تبنت “إسرائي�ل” مبدأ دعايئ يقوم على احلقيقة ،بعيدا عن أي ممارسة حتمل
ً ً ً
يف طياتها تضليال أو مبالغة قد ترتد سلبا على جهودها .لهذا وجدت يف بعض املحتوى
الفلسطيين ضالتها ،عرب تدويره كما هو ،ودون أن تت�دخل يف تكوين�ه ،إال يف حدود التوجيه
املتعمد .وحىت يتجلى املعىن أكرث ،سارت الدعاية “اإلسرائيلية” وفق منىح متسلسل،
ً
استهلتها جبمع مختلف الهفوات اجلماهريية ،ثم عاجلتها دعائي�ا ،كي تعيد نشرها داخل
إطار معلومايت جديد خيدم خطابها ،وكأنها دليل إثب�اتُ ،مستشهد به من صاحب الرسالة
ً
األصلية .فلو تأملنا مثال يف بعض الصور واملقاطع الفلسطيني�ة ،لوجدنا بعضها ما خدم
الرواية “اإلسرائيلية” دون قصد ،خاصة تلك ذات اللهجة العسكرية ،أو اليت ارتبطت
باألطفال والنساء .هذه املمارسة الدعائي�ة البيضاء ،ارتكزت على توظيف جهل الناشط
الفلسطيين بمستوى تأثري ما ينشر من رسائل ،وقدرة الكيان على توظيفها اآلين ،ليتبني
ً ً
لنا يف النهاية ،أن أسلوبا جديدا آخذ يف التشكل داخل أروقة التأثري “اإلسرائيلي” ،ليدخل
اخلدمة الدعائي�ة من أوسع أبوابها.
.2الت ُ َ
صيد Trolling
َ
للت ُ
صيد باعتب�اره معضلة اجتماعية وسيرباني�ة خطرية ومزعجة ،فهو يتحدى ُينظر
َ
الت ُ
صيد ،إىل جانب فكرة حرية التعبري والتدفق احلر والسلس لآلراء واألفكار .وينتيم
198
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
َ
والت ُ
صيد بمنظوره التقليدي سلوك شائع ال ينشط إال يف زوايا مظلمة ،ويتجسد
ً
غالبا على شكل ُمستخدم مجهول ،يعمد إىل نشر تعليقات قاسية ومزعجة ،ال ختدم
سوى أغراض اإلساءة وزرع الفنت وحتقيق األذى والصدمة النفسية .هذا وسمحت مزية
السرية والقدرة على إخفاء الهوية اليت تتيحها تكنولوجيا االتصال الرقيم لسلوك التصيد
ً باالنتشار دون أي قدرة على مواجهته واحلد منه ،حيث يستطيع ُ
المتصيد منفردا أو بشكل
جماعي إطالق العنان ألسوء غرائزه وأمراضه النفسية بدون كشف هويت�ه؛ حبيث يستمتع
وهو يشاهد اآلخرين يعانون نت�اجئ افعاله (.)Hannan:2018
ً ً
لكن ما بدأ كسلوك مجهول ومتخفي ،أصبح بمرور الوقت طبيعيا وتلقائي�ا ،لدرجة
َ
الت ُ ً أن السرية لم تعد ً
صيد إىل اشتغال مفتوح ،ولم يعد شرطا ضروريا ملمارسته .لقد حتول
ً ُ
المتصيد مهتما بالتسرت وراء اسم وهيم أو صورة مزيفة ،ال بل جتذرت لديه حالة من الثقة
ونوع من الالمباالة خالل تصيده ملستخدمني آخرين ،سواء من طائفة معارفه أو منافسيه.
وهذه االخرية تؤكد على البيئ�ة املسمومة اليت تتشح بها مواقع الشبكات االجتماعية،
َ
الت ُ
صيد أحد مكوناتها االساسية؛ فهي محيط تنحدر فيه اخلالفات حىت حبيث أصبح
بني األصدقاء واملعارف ،لتتحول إىل معارك شرسة ،تدمر معها الروابط الشخصية
َ
للت ُ
صيد ،فمن جهة ،هو سلوك دعايئ موجه واملجتمعية .وما سبق يشري إىل الطبيعة املركبة
ومقصود ،ومن جهة أخرى سلوك نفيس تلقايئ يعكس ألزمة نفسية ومجتمعية .وهنا
َ
للت ُ
صيد :متخفي مجهول ،وعلين مفتوح .وفيما يتعلق باألخري، نستطيع استخالص نوعان
أشارت Hannanإىل إسهامه يف صناعة الشعوبي�ة ،ومسؤوليت�ه عن تفشيه بني مستخديم
الشبكات االجتماعية على حساب املنطق والعقل (.)Ibid
فالشعوبي�ة باتت حتمل قوة إقناع تتعدى يف كثري من األحيان قدرة وجاذبي�ة احلقيقة
ً ُ
نفسها .ومع حاالت اخلالف املستعر ،تعترب الواقعية والدقة ضربا من املغامرة غري
املحسوبة ،فالقليل من املستخدمني يلتفتون إىل املنشورات املوضوعية املعمقة ،وكثري
منهم تستهويه منشورات وتعليقات قصرية وتهكمية .ونستنتج هنا أن املنطق قد ال
صيد ،وأن ُ َ
للت ُ
المتصيد املدعوم جبيش جرار قد يستطيع حتصيل نت�اجئ فعالة خالل مواجهته
يتمكن من قيادة وتوجيه الشعوبي�ة باجتاهات قد تتحول معها احلقيقة إىل زيف ،والنقد إىل
200
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
َ
فالت ُ
صيد قد جتاوز بالفعل حدود املستخدم العادي، إساءة .وال يتوقف األمر عند هذا احلد،
ليقتحم فضاء السياسة .فمن ناحية ،يتصيد رجال السياسة لبعضهم ،ومن ناحية أخرى
يتصيد اجلمهور للسياسيني ،الذين بدورهم يتصيدون للجمهور .إذا حنن نعاصر دائرة َت ُ
صيد
َ
بالت ُ
صيد ،خاصة تلك ال تكاد تنتهي ،حىت أن عديد من وسائل اإلعالم احلزبي�ة باتت حتتفي
السلوكيات اليت تهني منافس سيايس أو حتط من قدره .ففي عالم الشعوبي�ة والبيئ�ات
صيد سلوك يسء بالضرورة ،سيما إذا ما انتىم ُ َ
الت ُ
المتصيد السياسية املنقسمة ،لم يعد
إلحدى قبائلها الشبكية .وبرغم حداثة هذه البيئ�ة شبه الفوضوية ،إال أنها مسرح لسباق
محموم حنو القاع ،فاملنطق السائد والقاسم املشرتك بني اجلميع هو اإلهانة ،وفقط ينتصر
من يمتلك ناصية األذية والتشويه باقتدار .واحلقيقة إن ما نعاصره على مواقع الشبكات
االجتماعية أشبه بوالدة خطاب سيايس جماهريي ُمتصيد؛ ال بل فعل كاليم ُمتصيد .فهذا
َ
الت ُ
صيد قائمة الفضاء ،غري اخلاضع ملعايري املنطق ،هو نوع متوحش من االتصال ،يعتلي
ً
أسلحته األكرث فتكا.
َ
الت ُ
صيد 1.2تعريف
َ
الت ُ
صيد يف شكله األصلي هو استخدام املنشورات والرسائل كطعم لدفع املستخدمني
إىل التقاطه من خالل الرد عليه ،دون أن يدري هؤالء بأنهم تعرضوا للخداع .وبمرور الوقت
وتطور البيئ�ة االتصالية ،حتول مفهوم التصيد ليشري إىل طائفة واسعة من السلوكيات
َ
للت ُ
صيد، الالأخالقية السلبي�ة املختلفة .وال يوجد أتفاق بني الباحثني على تعريف محدد
وعديد منهم مزجوا بين�ه وبني التنمر أو العنف وخطاب الكراهية ،أو طرحوا لتعريفات
ختص أنواعه وأشكاله فقط .ويؤكد عديد من الباحثني على صعوبة تعيني مفهوم محدد
للتصيد ،فهو يعكس ملعان متعددة ،غري متسقة أو متوافقة ،حبسب سياق استخدام
َ
والت ُ
صيد سلوك يقوم على نشر تعليقات مستفزة املصطلح ،وأهداف اجلهة اليت توظفه.
ً
بقصد إثارة اآلخرين ،وجرهم إىل نزاع أو معركة جانبي�ة ،بعيدا عن املوضوع أو االهتمام
ً
وعادة ما يتم من أجل الرتفيه ،أو إلشباع حاجات نفسية لدى ُ
المتصيد .كما األسايس.
يتسم بردة فعل عاطفية ،من خالل تعليقات حادة ومؤذية تستجلب ردة فعل آني�ة
ً ً ً
وسريعة غري مرتوية .وهناك من يعده سلوكا ختريبي�ا مقصودا يف محيط اجتماعي على
201
الفصــل الثالـــث
شبكة اإلنرتنت ،من دون غرض وظيفي واضح .وعلى العكس ،يوجد من يربطه بالفعل
املنظم ،ويؤكد إىل تبعيت�ه جلهات تسعى إىل حتقيق أهداف دعائي�ة ،يقف التشهري على
َ
والت ُ
صيد ظاهرة تستفيد من خاصية التفاعل؛ بهدف حتفزي وحث استجابة رأسها.
قوية من أكرب عدد من املستخدمني باستخدام محتوى هجويم عدايئ ميسء-مشحون
ً
عاطفيا .وهو نشاط مقصود لنشر رسائل حتريضية أو مستفزة على اإلنرتنت بهدف إثارة
استجابة شديدة من مجموعة مستخدمني .وهناك من يرى فيه تشويش متعمد حيدث
على اإلنرتنت ،يف سياق خطاب اجتماعي ،بني مستخدمني ال تربطهم عالقات يف البيئ�ة
احلقيقية الفعلية .وهو فعل يقوم على نشر تعليقات عشوائي�ة غري مرغوب فيها أو مثرية
للجدل على مختلف منصات اإلنرتنت بقصد إثارة أو حث رد فعل عاطفي من مختلف
املستخدمني ،وبالتايل استدراجهم إىل جدال ومعارك جانبي�ة .من ناحية أخرى ،يرى بعض
َ
الت ُ
صيد محاولة لتفعيل جدل ،أو ملضايقة مستخدمني من خالل منشورات أو الباحثني يف
تعليقات مستفزة وخبيث�ة؛ أو هو تركزي متعمد على موضوعات خالفية أو مثرية ،من خالل
بث منشورات بعيدة عن املوضوع األسايس؛ بهدف استفزاز ردود فعل نصية أو عاطفية.
وجميع التعريفات السابقة ال تشمل جميع االجتاهات البحثي�ة ،وال تسرد للتسلسل الزمين
اخلاص بتطور املصطلح .ومن غري الواضح مدى قدرة التعريفات الالحقة على تقديم
ً َ
للت ُ
صيد ،أو تثبيت�ه ضمن سياق مقبول عامليا. مفهوم واضح
2.2ماهية ُ
المتصيد
للمتصيد بكونه شخص غري سوي يعيث فوىض وختريب يف البيئ�ة االجتماعية يشار ُ
ً
االفرتاضية .ونظرا للسرية اليت يتمزي بها الفضاء الرقيم ،يصعب حتديد هويت�ه ،ما لم يتم
القبض عليه ،أو أن يتطوع هو بالكشف عن نفسه .وتفرتض عديد من الدراسات والدة
َ
الت ُ ُ
صيد ،وهناك المتصيد بأنماط وسمات بيولوجية ونفسية مهيئ�ة ملمارسة سلوك
َ
صيد بالقصدية ،حبيث يمكن ألي فرد التحول إىل ُمتصيد طالما الت ُ دراسات أخرى تربط
ً َ
رغب يف ذلك .وتنفيذ الت ُ
صيد غري محصور أو مقيد بأقلية بشرية غري متكيفة اجتماعيا؛ بل
ً
تشمل أيضا فئات اجتماعية طبيعية ومتعايشة ،يدفع املزاج اخلاص وسياق املناقشات
َ
الت ُ ً
صيد (.)Cheng et al.:2017 املرتبط بموضوع ما دورا يف حتفزي ممارستها لسلوك
202
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
ومن خالل جتربة حتاكي املناقشات احلقيقية اليت جتري على مواقع الشبكات
َ
الت ُ
صيد إىل زيادة احتمال اخنراط االجتماعية ،يؤدي املزاج السليب والتعرض املباشر لسلوك
للت َُ
صيد .ولعل امللفت ،إمكاني�ة انتقاله وانتشاره من شخص وممارسة املستخدم العادي
َ
إىل آخر داخل البيئ�ة الشبكية ،فيما يشبه العدوى ،تدفع الشخص إىل التصرف كمت ُ
صيد
بشرط توفر الظروف املالئمة لذلك .وبن�اء على ما سبق ،يمكن تعريف املتصيد بكونه فرد
يقوم على نشر رسائل مزعجة على شبكة اإلنرتنت بغرض إثارة املشاكل أو جذب االنتب�اه؛
أو أنه مستخدم خيفي نواياه حتت ستار من اإلجيابي�ة ،من أجل االخنراط مع مجموعة معين�ة
ً
بهدف إثارة النعرات واالنقسام والصراع بني أعضاء املجموعة حتقيقا ألغراض خاصة،
كالتسلية .ويف عالم املدونات ،ينظر إىل املتصيد بكونه عضو يعمد إىل نشر رسائل استفزازية
على مجموعات أخبار أو لوحة التعليقات بقصد إثارة حالة من االرتب�اك واإلزعاج واجلدال
املستمر .ويف عالم الدعايةُ ،يعترب كمجند يؤدي أدوار موجهة بغرض حتقيق أهداف من
قبي�ل إثارة النعرات ،وحتويل االنتب�اه ،وقلب االجتاه ،وإثارة اجلدل ،والتشويه...إلخ .أما
َ
الت ُ
صيد بشكل يف السياق االجتماعي والنفيس البحت ،فاملتصيد شخص يمارس سلوك
متخفي ،كجزء من هوايت�ه تضييع الوقت بشكل منتظم أو غري منتظم ،ويسعى إىل التسلية
على حساب اآلخرين بوسائله اخلاصة ،اليت ترتاوح بني الفكاهة املبت�ذلة إىل اإلساءة
الصرحية على أي منصة تفاعلية تروق له .ومن الضروري هنا تأكيد الفرق بني املتصيد
العادي والدعايئ ،فاألول يسعى إىل التسلية وإشباع حاجات نفسية ،يف حني حياول الثاين
ً
حتقيق أهداف متنوعة غري ظاهرة للعيان .كما أن السرية ليست شرطا للتصيد ،فهناك من
ينفذ للسلوك بشكل مكشوف.
َ
الت ُ
صيد 3.2خصائص
برغم تفاوت وتب�اين التعريفات ،إال أن الباحثني أجمعوا على خصائص تعكس
َ
الت ُ
صيد يف املجال الدعايئ .فهو سلوك جيري على الفضاء االفرتايض (اإلنرتنت)، لظاهرة
وينشط بكثافة داخل بيئ�ة تفاعلية مرتابطة مثل مواقع الشبكات االجتماعية واملنت�ديات،
كما يرتبط بمنفذ مجهول الهوية ،يعمد إىل نشر رسائل حتريضية أو تشهريية أو عدائي�ة،
خارج املوضوع الرئيس .ويتصف بالعمدية واالنتقائي�ة يف أحيان ،والتلقايئ والعشوائي�ة
203
الفصــل الثالـــث
يف أحيان أخرى ،كما جيري بصيغتني فردية أو جماعية حبسب طبيعة الباعث .ويتصف
َ
الت ُ
صيد باخلصائص اآلتي�ة:
أ .اخلداع :التصرف بطريقة مضللة ختالف احلقيقة ،كأن يتعامل ُ
المتصيد بطريقة
مغايرة لسلوكياته احلقيقية على أرض الواقع.
ب .العدائي�ة :سلوك عدواين تهجيم يتقصد مضايقة اآلخرين ،ودفعهم إىل ردود فعل
عاطفية وانتقامية.
ج .التشويش :يتضمن محتوى تافه يهدف إىل جذب االنتب�اه ،وبالتايل التشويش
على النقاشات األصلية املثمرة؛ كي تتحول إىل جدل عقيم دون فائدة.
د .اإلصرار :يلح على حتقيق استجابة ،ويف حال الفشل تتعاظم محاوالته وبإصرار
شديد حىت حتقيق املبتغى.
َ
الت ُ
صيد 4.2دوافع
َ
الت ُ
صيد بدوافع عديدة ومتنوعة ،أهمها الباعث الذايت .بمعىن أنه عند يرتبط
بعض املستخدمني غاية يف حد ذاته ،سواء من أجل التسلية واللهو ،أو بسبب فقدان
الثقة بالنفس ،أو الرغبة يف جلب انتب�اه اآلخرين ،أو نتيجة مرض نفيس متجذر ،أو
الرتب�اطه بأنماط شخصية نفسية كالرنجسية (حب وتقدير الذات) ،وامليكيافيلية (املكر
واالزدواجية) ،والسادية (التمتع بإيذاء اآلخرين) ،أو الخنفاض مستوى الوعي الثقايف ،أو
غياب الوازع األخاليق الداخلي ،أو لعدم القدرة على التعاطف ،أو بمدعاة اختالف اآلخرين
َ
الت ُ
صيد بدوافع خارجية ،أي أنه غاية مخططة وجهد مقصود حتركه جهات عنهم .كما يقرتن
منظمة ،سواء من أجل إحلاق األذى أو التشهري باآلخرين ،أو بهدف إحداث اضطرابات
وقالقل ،أو استفزاز املستخدمني وجرهم داخل دوامة من اجلدل العقيم غري املثمر ،أو
َ
الت ُ ً
صيد كأداة إلسكات االصوات املعارضة ،أو تفعيل دوامة صمت .وأخريا ،قد يتصل
َ
الت ُ
صيد قد يؤدي إىل تفعيل أنماط التقليد واملشابهة بدوافع عدوى ،فالتعرض لسلوك
ُ َ
عند املستخدمني .وقد أثبتت عدة أحباث أن املتعرضني للتصيد أكرث قابلية لالخنراط فيه
(.)Cheng et al.:2017
204
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
َ
الت ُ
صيد 5.2أنواع
الت َُ
صيــد ،إال إنهــا رصــدت برغــم قلــة الدراســات واالحبــاث الــي تعرضــت ألنــواع
تصنيفــات متنوعــة ،ين ـ�درج جلهــا حتــت التوصيــف الســليب .وحبســب إحــدى الدراســات،
صيــد ضمــن مســتوينيَ :ت ُ
صيــد جــارح؛ يهــدف إىل اإلهانــة واإلســاءة واإليــذاء،
َ
الت ُ يصنــف
صيــد دعابــة؛ يســعى إىل حتفــز حالــة مــن الفكاهــة إلشــباع حاجــة التســلية اخلاصــة َوت ُ
َ
الت ُ
صيــد إىل نوعــن :تصيــد أرعــن مغمــور ،وتصيــد ( .)Bishop:2014كمــا يمكــن تقســيم
ســليب منحــرف .ففــي األول ،ومــن أجــل املتعــة فقــط ،يســعى املتصيــد بشــكل يفتقــد إىل
ً
الــذوق واللياقــة إىل صناعــة فكاهتــه ومتعتــه اخلاصــة مســتفيدا مــن الفــوىض واخلــاف
القائــم بــن املســتخدمني إلثــارة ضيقهــم .أمــا الثــاين ،فيتجــاوز حــدود املتعــة إىل الســخرية
احلقيقيــة بهــدف احلــط مــن قــدر املســتخدمني بشــكل متعمــد وخبيــث ناجــم عــن دوافــع
للت َُ
صيــد كراهيــة ( .)Sanfilippo et al.:2018ويتضــح مــن التصنيفــات الســابقة ،قولبتهــا
ضمــن إطاريــن ،األول تلقــايئ عشــوايئ ،بينمــا الثــاين مقصــود وانتقــايئ .يف املقابــل ،عرضــت
دراســات أخــرى تصنيفــات معقــدة ترتكــز علــى دوافــع وبواعــث املتصيــد والقضايــا الــي
َ
الت ُ
صيــد ضمــن ينشــط فيهــا مثــل دراســة ( )Fichman & Sanfilippo:2015الــي فهرســت
خمــس تصنيفــات :إيديولــويج ،وديــي ،وســيايس ،وحزيــن ،وفكاهــي .وتوجــد تصنيفــات
أخــرى ،مثــل َت ُ
صيــد بالربيــد املزعــج ،وبالنــوع (ذكــر ،أنــى) وبالروبوتــات ،وبرصــد األخطــاء
اللغويــة والنحويــة ،وباإلغــراق ،وبالتنغيــص وإفســاد املتعــة ،وخبطــاب الكراهيــة ،وبــدق
االســافني ،وباجلــدل املســتمر...إلخ ( .)Nycyk:2017وبأخــذ مــا ســبق بعــن االعتب ـ�ار ،فــإن
ً
التصنيــف الــذي نــراه مالئمــا للتصيــد يتلخــص يف اآليت:
صيــد بشــكل تلقــايئ مرتبــط بدوافــع ذاتيـ�ة ونفســية
َ
الت ُ أَ .ت ُ
صيــد كالســيكي :ممارســة
المتصيــد إىل احــداث تقلبــات مزاجيــة لــدى أفــراد ضمــن ســياق اجتماعــي .وهنــا يســعى ُ
ً
آخريــن (غضــب ،ختويــف ،تهديــد ،اســتفزاز) إشــباعا لرغبــات ذاتيــ�ة غــر مرتبطــة
بأيديولوجيــا أو جهــد موجــه ،أو يســعى إىل لفــت االنتبــ�اه إليــه ألطــول فــرة ممكنــة.
واملحتــوى يف هــذه احلالــة مجــرد أداة لالســتفزاز.
205
الفصــل الثالـــث
206
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
المتصيد ،يف مسؤولية اجلهة املشار إليها .وخطورة هذا الشكل يتلخص يف قدرته حث ُ
املستخدمني على االخنراط معه بدافع من العدوى ،وبالتايل تطوير نصوص املؤامرة إىل
أبعد حد ممكن.
صيد باملشاركة :توظيف خاصية مشاركة معلومات من مصادر متنوعة مثل جَ .ت ُ
ويكبي�ديا أو املواقع اإلخبارية أو املنت�ديات...إلخ؛ لدعم وجهة نظر معين�ة .ويف الغالب ال
المتصيد يسعى إىل عالقة سياقية بني املعلومة ووجهة النظر بشكل مباشر وصريح ،إال أن ُ
جر املستخدمني حنو استنت�اجات معين�ة ،غالبا خاطئة أو غري منطقية أو غري مرتابطة حال
التدقيق فيها .كما يشمل مشاركة روابط حتيل إىل مواقع إخبارية ،أو إىل مواد بصرية كموقع
يوتيوب ،تصب يف مصلحة ترويج فكرة معين�ة.
صيد باإلغراء :يهتم بالتعليق على الرسائل املنشورة بأسلوب غاية يف البساطة دَ .ت ُ
َ
(ت ُ
صيد البيكيين ،)Bikini Trollingنسبة إىل الصور املغرية والسذاجة واإلجياز .ويسىم بـ
المتصيد على إغراء الصورة من أجل نسج املستخدمة يف ملف التعريف .وهنا يعتمد ُ
صداقات ،ثم استغاللها يف التعليق على املوضوعات ،اليت جتذب بدورها سلسلة طويلة
المتصيد يف أن تنتهي بإنفاذ وجهة نظره .وهذا الشكل من التعليقات األخرى ،اليت يرغب ُ
قادر على التكيف يف البيئ�ة الشبكية ،وفقط عرب املالحظة الدقيقة للنص يمكن كشف
أهدافه .وتتمزي نصوصه باالختصار واإلجياز.
صيد باإلغارة :فعل جماعي منسق يشارك فيه أكرث من ُمتصيد ضد هدف معني. ه َ .ت ُ
ويمتلك هذا الشكل أنماط اتصال متنوعة بني أعضائه ،سواء عرب تأسيس مجموعة
َ
الت ُ
صيد مغلقة ،أو التواجد على موقع إلكرتوين مخصص ملناقشة طريقة اإلغارة وأسلوب
املتبع ،أو من خالل تنسيق غري مباشر يتم باملالحظة عرب تتبع املوضوعات الشائعة وتنفيذ
هجمات عليها.
المتصيد العدواين إىل حتفزي ردة فعل عاطفية سريعةصيد بالعدواني�ة :يسعى ُوَ .ت ُ
من خالل نشر رسائل عدواني�ة وتوجيه التهديدات وإطالق عبارات الكراهية واإلهانة
ً
والشتم على فرتات زمني�ة طويلة نسبي�ا؛ فاملغزى يتلخص يف رغبت�ه إطالة أمد اجلدل
207
الفصــل الثالـــث
وحالة الصراع مع/بني املستخدمني .ويتمزي هذا الشكل بوضوح مواقفه من مختلف
القضايا سواء بالدعم أو الرفض.
صيد بالكآبة :يعمد ُ
المتصيد إىل نشر جو من الكآبة والتعاسة على املنصات زَ .ت ُ
االجتماعية ،وبالتايل حتفزي استجابات تلقائي�ة على عالقة بالسياق االجتماعي أو السيايس
ً
حتقيقا ألجندة ُ
المتصيد. القائم،
ً حَ .ت ُ
صيد حبرف االجتاه :من خالل حتويل مسار النقاشات باجتاهات جديدة كليا
خترجها عن مغزاها وهدفها األصلي؛ والقصد صناعة جدل متعمد يتم من خالله حرف
ً
االجتاه ،وعادة ما يظهر وينتشر يف التعليقات.
صيد بالروبوتات :يف اآلونة األخرية ،ظهرت مؤشرات على محاوالت باجتاه طَ .ت ُ
َ
الت ُ
صيد ،والتحول حنو أتمتة هذا السلوك، تقليص االعتماد على العنصر البشري يف تنفيذ
ً
أي جعله آليا ،من خالل استخدام برامج روبوتات اجتماعية ،تستطيع مضاعفة وتضخيم
المتصيدون على مواقع الشبكات االجتماعية. جهود وتأثري ُ
َ
الت ُ
صيد 7.2اسرتاتيجيات
َ
الت ُ
صيد ،وهي تقتصر على قالب محدد ،والعديد من تتنوع اسرتاتيجيات تنفيذ
الدراسات العلمية رصدت لطائفة منها بالتفصيل .وحبسب مجموعة من الباحثني،
يعمد املتصيد إىل تطبيق اسرتاتيجية من ثالث خطوات ،تب�دأ بالظهور الصادق اجلذاب
ً
للمستخدمني ،متبوعة بنصب طعم ،ثم أخريا استفزازهم للمشاركة يف جدال سفسطايئ
غري نافع أو مجدي (.)Herring et al.: 2002
ويف سياق متصل ،توجد ست اسرتاتيجيات تنفيذية غري مرتابطة أو منسقة ،أقرب
َ
للت ُ
صيد ال عن اسرتاتيجية ،تتمثل يف (:)Hardaker:2013 للتعبري عن أشكال
ً
أ .االستطراد مع املستخدمني :يتعمد املتصيد حرف اجتاه املناقشة بعيدا عن هدفها
ً
األسايس من خالل ،مثال ،فتح موضوعات غري ذات صلة ،ثم اإلصرار على مواصلة النقاش
دون نتيجة واضحة سوى اإلشغال.
208
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
ب .حقن من النقد الناعم :يعمد املتصيد إىل انتقاد اآلخرين بشكل مفرط لكن بشكل
ناعم وهادئ ،أقرب للرياء والنفاق ،مع أن القصد اإلحراج .مثل التعليق على إخطاء لغوية
وحنوية عرب نشر منشور حيتوي ذات األخطاء.
ج .استدعاء الكراهية والنفور :حتفزي رد فعل عاطفي على منشور من إنت�اج املتصيد
ضمن سياق حساس واستعدايئ.
د .التعريض للخطر :يدعي املتصيد بإمكاني�ة التعاون من خالل تقديم نصاحئ أو
ً
معلومات خاطئة غري صاحلة للسياق ،قد حتمل أخطارا.
ه .تنفيذ هجمات عدواني�ة مباشرة :يعمد املتصيد إىل تنفيذ هجوم ضد هدف بال أي
سبب أو مربر بهدف دفع املستهدف للرد أو االنتقام بطريقة عدواني�ة).
و .تفعيل الصدمات :يتعمد املتصيد التصرف والتعليق بأسلوب يفتقد لإلحساس
والذوق جتاه موضوعات حساسة ختص األفراد أو الشأن العام ،أو التعليق بشكل ميسء
على موضوعات تعترب عاطفية ومزعجة لآلخرين.
من ناحية أخرى ،قد يتبىن املتصيد السرتاتيجية “اخلداع” ،وتعين اخرتاق املتصيد
إلحدى املجتمعات الشبكية بشكل سري من خالل انتحال شخصية وهمية أو مزورة،
وبمجرد دخوله ،يب�دأ بالتهجم على مستخدمني من خارج املجتمع ُ
المخرتق ،أو حىت على
مستخدميـــن مــن داخـــل املجتمـــع ( .)Coles & West: 2016كما يمكــن للمتصيــد أن ينتهج
اسرتاتيجية “االهتمام” ،حبيث يظهر حرصه واهتمامه باآلخرين وما يتعرضون له من أجل
ً
حتفزي وتوجيه عاطفتهم .وهناك أيضا اسرتاتيجية “الضحية” ،عرب الظهور كضحية بهدف
استدرار عطف املستخدمني ،وبالتايل توجيه غضبهم حنو جهات معين�ة .كما يعمد املتصيد
إىل اسرتاتيجية “اإلشارة” ،من خالل استخدام كلمات إشارية الستدعاء متصيدين آخرين
ً ُ
ملشاركته يف مهمة ما ( .)Philips:2015فمثال ،تستخدم كلمة “قصف” جلذب أكرب عدد من
ً
املتصيدين ،بمعىن دعوتهم لالشرتاك يف مهمة( .)Synnott et al.:2017وأخريا ،ال يمكن حصر
َ
الت ُ
صيد ،ويكفي أن نشري لعدد منها: اسرتاتيجيات
209
الفصــل الثالـــث
أ .اسرتاتيجية هجوم الكاميكازي :إنشاء املتصيد حلساب هدفه تنفيذ هجوم ضاري،
قبل أن يتم حذف احلساب من املنصة.
ب .اسرتاتيجية الهجوم االنتقايئ :يقوم املتصيد بالهجوم على أي مستخدم خيالفه
الرأي ،أو أن يقوم حبظر املستخدم برغم تقديمه حلقائق حبتة.
ج .اسرتاتيجية التهديد :يف بعض احلاالت ،يقوم املستخدم بمواجهة هجوم ملتصيد،
عندها يهدد املتصيد ذلك املستخدم بالكشف عن معلومات ختصه ،ما يضطر األخري إىل
التجاوب أو االنسحاب.
د .اسرتاتيجية التضليل :يعمد املتصيدون إىل تضليل نواياهم من خالل اعتن�اقهم
َ
الت ُ ً
صيد ،وبالتايل كسب شرعية أمام وترويجهم ألفكار أخالقية ،جتنب�ا ألي اتهام بممارسة
املستخدمني حال باشروا تنفيذ مهامهم.
َ
الت ُ
صيد 8.2اآلثار املرتتب�ة عن
َ
الت ُ
صيد عرب مواقع الشبكات االجتماعية ،حبيث تتنوع اآلثار املرتتب�ة عن سلوك
تقسم إىل عدة مستويات ،مرضية ونفسية وسلوكية .وفيما يتعلق باآلثار املرضية ،فهي
تتمحور بني األعراض السريرية ومحاوالت االنتحار وتعاطي العقاقري املهدئة أو املخدرة
( .)Maltby et al.:2016أما اآلثـــار النفسيـــة ،فتتـراوح بني زيادة الضيق والتوتــر ،والشعــور
باخلوف واإلحراج ،والقلق واالكتئ�اب ،واالضطراب وفقدان الرتكزي ،واخنفاض الثقة
ً
بالذات ،والشعور باإلذالل ،وغالبا العار (.)Englander:2017
أمــا الســلوكية واالجتماعيــة؛ فتشــمل االنســحاب مــن احليــاة
االجتماعيــة ،ممارســة الرقابــة الذاتيــ�ة ،تفعيــل دوامــة الصمــت ،حتجيــم
ً
العالقــات الشــخصية وغالبــا قطعهــا ،تفكيــك العالقــات األســرية ،وغريهــا
َ
الت ُ
صيــد، ( .)Myers & Cowie:2017وبمراجعــة األدبيــ�ات املحــدودة الــي تن�اولــت آلثــار
تنبثــق عــدة عوامــل مســؤولة عــن حتديــد طبيعــة التأثــر الــذي قــد تتعــرض لــه الضحيــة.
الت َُ
صيــد ،وتصــور ومــن ضمــن هــذه العوامــل مــا يتعلــق بالســياق الــذي جتــري فيــه عمليــة
الضحيــة لنفســها ،وتصورهــا وتقييمهــا للتهديــد الــذي يشــكله املتصيــد ،ومــا ينتــج عــن
210
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
ً
تفاعــل التصــوران مــن قــوة دين�اميكيــة بــن املتصيــد والضحيــة .فمثــا ،قــد يتجاهــل
مســتخدم لســلوك أحــد املتصيديــن يهــدف إىل جــذب االهتمــام لنفســه ،بعكس مســتخدم
ً ً ً
آخــر تضــح عليــه عالمــات التأثــر نتيجــة لســلوك يــرى فيــه تهديــدا مباشــرا وحقيقيــا
ً
( .)Maltby et al.:2016وهنــا خيتلــف نــوع التأثــر ،فاملســتخدم األول ابــدى ثب�اتــا جتاه محاوالت
ً
املتصيــد برغــم تــايش تأثريها تقريبـ�ا ،بعكس الثاين الــذي ظهرت عليه عالمات االســتجابة
َ
الت ُ
صيد، لشــدة العواقــب املرتتبـ�ة عــن التجاهــل .ولكن حىت أولئــك الثابتني أمــام محــاوالت
ً
قــد يضطــرون الحقــا لتغيــر نــوع اســتجابتهم ،ســيما إذا مــا وجهــت تهديــدات ألشــخاص
علــى عالقــة مباشــرة بهــم ،كأفــراد العائلــة أو أي أفــراد آخريــن من املحيــط االجتماعــي األول
أو الثــاين .ولنأخــذ مثــال إلحــدى الســيدات تقطــن يف الواليــات املتحــدة األمريكيــة وتدعــى
،Anita Sarkeesianحيــث تعرضــت حلمــات تنمــر ومضايقــة شــديدتني علــى مواقــع
الشــبكات االجتماعيــة كــرد فعــل علــى نشــرها سلســلة عــروض مرئيــ�ة حــول صــورة
ً
املــرأة يف ألعــاب الفيديــو .وألنهــا اختــارت التحــدث عــن اإلســاءة الــي تعرضــت لهــا بــدال
ً
مــن الــزام الصمــت ،اضطــرت الحقــا إىل إلغــاء محاضــرة مقــررة لهــا يف إحــدى اجلامعــات
األمريكيــة بعــد تلقــي اجلامعــة لتهديــد عــر الربيــد اإللكــروين مــن مصــدر مجهــول ،يتوعــد
بتنفيــذ مجــزرة حبــق احلضــور والطــاب وطاقــم العاملــن علــى غــرار مــا حــدث يف مدين ـ�ة
مونرتيــال (.)Braithwaite:2016
وال يقف التأثري عند املحيط االجتماعي؛ بل يتعداه إىل داخل مزنل الضحية نفسها،
وممارسة أعضاء من املزنل لضغط على الضحية من أجل االنسحاب أو االستجابة
َ
الت ُ ً
صيد على موقع تويرت، لتهديدات املتصيد .فمثال ،تسرد Awanيف حبث لها عن جتربتها مع
حيث تؤكد تعرضها ملضايقات وصلت إىل حد التهديد بالقتل ،نتيجة قيامها بنشر مواد
ً ً
توعوية حول ظاهرة اإلسالموفوبي�ا ،األمر الذي جعلها مستزنفة عاطفيا وعصبي�ا خاصة
وأن خلفيتها الديني�ة إسالمية .هنا بدأت عائلتها بمحاولة إقناعها بالتوقف عن الكتابة
والنشر .ويوضح املثال السابق كيف أن للدائرة االجتماعية األوىل دور يف الضغط على
الضحية لالستجابة ،وأن باعث املتصيد جتاهها لم يكن للمحتوى الذي تكتب بقدر ما كان
ً
مدفوعا بنظرة عنصرية قائمة على هويتها الديني�ة (.)Barlow & Awan:2016
211
الفصــل الثالـــث
َ
الت ُ
صيد 9.2كشف سلوك
ينبغي على مستخديم مواقع الشبكات االجتماعية امتالك ثقافة وإطالع كاف
َ
الت ُ
صيد .لذلك ،يقدم اجلزء التايل مجموعة من تساعدهم على رصد وحتديد سلوكيات
اإلرشادات اليت تسهم يف كشف املتصيدين ،إىل جانب اخلطوات الالزم إتب�اعها للتفريق
بني املتصيد البشري واآليل ،بموازاة عدد من النصاحئ حول كيفية التعامل مع هذه الفئة
التخريبي�ة.
أ .مؤشرات وجود سلوك َت ُ
صيد بشري:
ً
.1التعليق طويل جدا؛ يصل حىت أربعة سطور وربما يتخطاها.
.2التعليق بعيد عن سياق املوضوع األسايس ،أو ال يمت له بصلة.
.3يتصف بالعدواني�ة والعدائي�ة وحب اجلدل دون توقف أو ملل.
.4معرفة مستخدمني آخرين باملعلق وسلوكياته.
.5ثقافة متواضعة؛ إال أن ذلك ال يعين عدم وجود متصيد عايل الثقافة.
.6تكرار التعليقات عرب حسابات متنوعة ،وبذات األسلوب على فرتات
زمني�ة طويلة ،وحول مختلف املوضوعات والقضايا.
.7يميل إىل توريط املستخدم يف حوارات يرغب من خاللها انزتاع مواقف.
ب .مؤشرات وجود سلوك َت ُ
صيد آيل:
ً
.1الكتابة ركيكة ،وأحيانا كثرية غري مفهومة.
.2يميل إىل االقتب�اس عن مصادر ومستخدمني ،ثم يعيد نشرها كتعليق.
.3يتمزي املتصيد البشري بصفحة خاصة نشطة حتوي حتديث�ات للحالة
وبي�انات شخصية (مزورة يف الغالب) ،إضافة إىل الصور والروابط ،بعكس اآليل
الذي ال يلتفت إىل أي مما سبق.
212
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
213
الفصــل الثالـــث
كفلسطينيني جزء من هذه احلالة ،فقد أسهم الفهم اخلاطئ لكيفية التعامل مع الوسيلة،
إىل ظهور سلوكيات فجة ،تعكس ألنماط شخصية سايكوباثي�ة ،تتغذى على حالة االنقسام
القائم ،لتمارس عنصرية مقيت�ة جتاه اآلخر ،املخالف ملعتقداتها واهتماماتها .وبرغم شدة
ً
ترابط املجتمع الفلسطيين على املستوى العريف ،إال أن هذه السلوكيات ستؤدي حتما إىل
تفسخه وخلخلة أركانه ،وبالتايل خدمة جهود “إسرائيلية” حاولت وما زالت تنفيذ املهمة،
ً
دون أن تنجح .وألن املوضوع يستحق االهتمام واملتابعة ،صار لزاما رصد هذه االنماط،
وتقديمها للقارئ ،بشكل يسهم يف رصدها وعزلها.
وأول هذه األنماط ،ما يمكن تسميت�ه “بالشخصية االنتهازية” ،اليت تعمل على
تصدير منشورات وتعليقات مرتبطة بأحداث أو قضايا معين�ة ،من أجل حث سلوك
شعيب ميداين يستجيب ألطروحاته اليت حتض على الفوىض والعنف املجتمعي .ومثل
ً
هذه الشخصيات استغاللية؛ ألنها تبحث عن القضايا اليت تشكل منفذا له لتمرير خباثت�ه.
واألمثلة يف احلالة الفلسطيني�ة عديدة ،ليس أقلها تلك املنشورات اليت تتن�اول أخطاء يقع
فيها أطباء ،حبيث يتم تضخيمها وتعميمها ،بهدف استدعاء سلوك عنيف جتاههم ،ما حييل
إىل إطار أعم ،يفيد بفشل املؤسسة الصحية الرسمية يف تأدية مهامها بكفاءة.
والشخصية “املخادعة” أو املضللة ،هي ثاين األنماط اليت تعج بها صفحاتن�ا
االجتماعية ،خاصة فيسبوك ،لدورها يف استغالل املعلومات املضللة ،اليت ترتبط بأحداث
مشكوك يف صحتها ،بهدف حتفزي خوف اجلمهور ،وبالتايل مشاعر الكراهية .فعرب االستفادة
من اإلشاعات واألخبار املزيفة ،تقوم هذه الشخصية باستدعاء مخاوف األفراد ،ليتم ربطها
جبهة ما ،كي حتيل إىل سلوك تن�افري منها .ومثال ذلك ،ما يقوم به بعض املستخدمني من
توظيف للمعلومات “اإلسرائيلية” ،بهدف تفعيل خوف اجلمهور من أي حرب ،الرتب�اطها
حبركة حماس ال بالتصرفات العدواني�ة للعدو ،وبالتايل تفعيل كراهيتها الدائمة لتسببها يف
المآيس املتوقعة.
ُ
ويف ذات السياق ،تكشف بيئتن�ا االفرتاضية عن شخصية “حاملة” تعرب بصوت مرتفع
عما يعرتيها من رغبات ُمتخيلة ،تتمىن وقوعها يف الواقع احلقيقي .ومثل هؤالء خيلطون عن
عمد بني الواقع واخليال ،ويرغبون يف حتقق أمانيهم ،حىت لو عكست ألفكار دموية قد تؤذي
214
الدعايــــة احلاسوبيــــــــة
ً ً
اآلخر .وصفحات الفيسبوك مليئ�ة أيضا بمثل هذا الصنف ،الذي يتمىن صراحة دخول
القوات “اإلسرائيلية” إىل قلب قطاع غزة ،وقتل كل من له صلة باملقاومة ،حىت يتحقق
خالصه ُ
المتخيل.
أما الشخصية “املنتج” ،فهي اليت تعمل على إنت�اج مواد اتصالية حترض مباشرة على
الكراهية والعنف ،كما أنها مرتبطة بشكل لصيق بشخصية أخرى أخرية تسىم “املوزع”،
الذي يهتم بتوزيع هذه املواد ونشرها على نطاق واسع ،بغض النظر عن شكلها .وهذان
النوعان مرتبطان بمؤسسات دعائي�ة ،تنشط داخل الشبكات االجتماعي ،بعكس األنماط
األخرى ،اليت تعرب عن ميولها بطريقتها اخلاصة ،بعد إدراكها ألهمية مشاركتها وتأثريها
املحتمل على جزء من متابعيها.
خاتمة الفصل
يكشف لنا العرض السابق مقدار التطور الذي شهدته الدعاية ،من ناحية دخول
اآللة والربامج احلاسوبي�ة والذكاء االصطناعي على خط إنت�اجها ونشرها دون تدخل
بشري إال يف حدوده الدني�ا .فالروبوتات االجتماعية ،واخلوارزميات ،واحلسابات اآللية
الوهمية ،وتكنولوجيا االستهداف املخصص ،والتالعب بمحركات البحث ،وغريها باتت
مسؤولة إىل حد كبري عن تشكيل إدراكنا للواقع والقضايا من حولنا .لكن ما سبق ال يعين
قدرة الدعاية احلاسوبي�ة على مباشرة جهودها من تلقاء ذاتها دون رعاية وإشراف أو إسناد
بشري سواء بشكل مباشر أو غري مباشر ،وهو ما تطرقنا إليه وأوضحناه خالل حديثن�ا عن
تشكيالت السايرب وجيوش املتصيدين ،وما يرتتب عن مختلف األنشطة اآللية والبشرية
من تداعيات تقف غرف الصدى على رأسها .ويكفي أن نشري إىل مقولة منسوبة لصحيفة
ّ
وول سرتيت جورنال األمريكية من أنه “وبدون البشر مازال الذكاء االصطناعي شديد
ً
الغباء” .هذه املقولة تنطبق تماما على الدعاية احلاسوبي�ة ،فهي يف حقيقتها ترجمة محدثة
للتحزيات اليت تعرتي اإلنسان ،وتؤكد رغبت�ه املستمرة يف حتقيق تأثري يستجيب ملصاحله
فقط وبأي شكل وأسلوب كان.
215
216
الفصل الرابع
217
الفصــل الرابــع
ً
أوال :الهندسة االجتماعية
ً
ثاني�ا :الزتييف العميق
ً
ثالثا :صناعة االنطباع املضلل
ً
رابعا :دعاية احلشد املزيف
ً
خامسا :التنقيب الدعائـي
218
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
تزخــر مواقــع الشــبكات اإلجتماعيــة بالعديــد مــن النمــاذج والظواهــر ،وهــي يف
حقيقتهــا ترجمــة للتطــور الــذي تشــهده الدعايــة يف القــرن احلــادي والعشــرين ،خاصــة وأن
العديــد منهــا جــزء مــن مبــادئ تشــغيلية تعتمدهــا العديــد مــن دول العالــم خــال ختطيطها
وتنفيذهــا عمليــات تأثــر أو حــروب معلوماتي ـ�ة علــى الفضــاء الســيرباين .والنمــاذج الــي
ســنقوم بعرضهــا تــراوح بــن تلــك الــي تكتفــي باســتهداف املســتخدم ،وتلــك الــي تعتمــد
ســواء بالكليــة أو بشــكل جــزيئ عليــه يف تنفيــذ انشــطتها وتوســيع رقعــة انتشــارها.
وقــد كشــف االســتخدام الدعــايئ ملواقــع الشــبكات االجتماعيــة عــن نمــاذج حديث ـ�ة
ً
نســبي�ا .فالعديــد مــن الدراســات رصــدت لعــدد منهــا ،كالهندســة اإلجتماعيــة ،والتصيــد،
والزتييــف العميــق ،ودعايــي التضليــل واحلشــد املزيــف ،والتنقيــب الدعــايئ ،واألخبــار
املزيفــة ،واملعلومــات املفربكــة ،واإلســتهداف املخصــص ،والتالعــب باخلوارزميــات،
والروبوتــات اإلجتماعيــة ،واحلســابات الوهميــة ،وغــرف الصــدى ،وتشــكيالت الســايرب،
وغريهــا الكثــر .هــذه الظواهــر كان لهــا العديــد مــن اآلثــار الســلبي�ة حــول العالــم تن�اولنــا
بعضهــا يف فصــل ســابق ،وسنشــر إىل أخــرى جديــدة يف هــذا الفصــل.
وتكمــن أهميــة التعــرف علــى بعــض مــن هــذه الظواهــر يف رغبتنــ�ا رفــع منســوب
الوعــي لــدى مســتخديم مواقــع الشــبكات اإلجتماعيــة ،وبالتــايل تقليــص قــدرة جهــات
الدعايــة املعاديــة علــى حتقيــق أهدافهــا ،خاصــة مــا يتصــل بت�دمــر املجتمعــات وصناعــة
األزمــات والقالقــل داخلهــا .ويف هــذا املقــام ،يســتحضرين مــا يقــوم بــه الكيــان (اإلســرائيلي)
جتــاه الشــعب الفلســطيين ،واســتغالله الدائــم للمنصــات اإلجتماعيــة كفيســبوك يف زرع
بــذور الفتن ـ�ة بــن فئاتــه ،واشــغاله بقضايــا فرعيــة علــى حســاب القضيــة الكــرى.
219
الفصــل الرابــع
ً
وأخــرا ،يتنــ�اول الفصــل احلــايل خمســة ظواهــر أو نمــاذج دعائي ـ�ة ،هــي :الهندســة
اإلجتماعيــة ،والزتييــف العميــق ،وصناعــة اإلنطبــاع املضلــل ،ودعايــة احلشــد املزيــف،
والتنقيــب الدعــايئ .وقــد اخرتتهــا دون غريهــا خلطورتهــا وانتشــارها الكثيــف علــى مواقــع
الشــبكات اإلجتماعيــة ،خاصــة داخــل البيئـ�ة الشــبكية الفلســطيني�ة ،األمــر الــذي يتطلــب
توضيحهــا وكشــف آلياتهــا واســاليبها يف خــداع املســتخدمني واســتمالتهم لصالــح
الدعايــة.
الهندسة االجتماعية
ً ً ُ
تعــد الهندســة االجتماعيــة Social Engineeringظاهــرة نفســية بواجهــة تقنيــ�ة،
تنــ�درج ضمــن مجــال أمــن املعلومــات أو األمــن الرقــي .وهــي باختصــار شــديد نظــام
لتحليــل واخــراق جــدار احلمايــة البشــري ،تعتمــد يف تنفيــذ مهامهــا علــى األبعــاد النفســية
ال اجلوانــب التقنيـ�ة .فنحــن عندمــا نســعى للهجــوم بأســلوب الهندســة االجتماعيــة ،فإننـ�ا
ال نعــول علــى الربامــج التقني ـ�ة ،بــل الطــرق النفســية ،ألن الهــدف هــو حتقيــق اخــراق عــر
بوابــة اإلنســان ،ال عــر احلواجــز اإللكرتونيـ�ة .وعلــى عكــس معظــم التهديدات الــي ترتبص
باملعلومــات ،يمكــن اعتب ـ�ار عالقــة الهندســة االجتماعيــة بالتكنولوجيــا عالقــة عرضيــة،
إذ أنهــا غــر مصممــة ملهاجمــة احلواســيب مباشــرة ،بــل مهاجمــة األفــراد ،ســيما أولئــك
غــر املتبصريــن ،املكلفــن بتشــغيل وصيانــة وحمايــة أنظمــة تكنولوجيــا املعلومــات ،أو
أصحــاب احلســابات الهامــة علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة .كمــا تســتطيع الهندســة
االجتماعيــة حتــدي جميــع أنظمــة األمــان التقنيــ�ة ،بغــض النظــر عــن متانتهــا ودرجــة
ً
تشــفريها ،حبيــث تتوجــه إىل احللقــة األضعــف يف سلســلة األمــان ،متمثلــة يف العنصــر
البشــري؛ تعتمــد يف ذلــك علــى احتماليــة ثقــة األفــراد ببعضهــم مقارنــة باألجهــزة التقنيـ�ة.
وألن الهندســة االجتماعيــة ترتكــز علــى التفاعــات البشــرية ،تعتــر األجنــع يف
مجــال االخــراق ،وال جيــدي معهــا أي حلــول فني ـ�ة ،طالمــا لــم خيضــع األفــراد املســتهدفني
لتدريــب مكثــف .فهــي ببســاطة شــديدة معــدة كــي تنفــذ عندمــا يعجــز املهاجــم عــن إجيــاد
ثغــرات تقنيـ�ة .وحييــل مصطلــح الهندســة االجتماعيــة إىل ســياقان مختلفــان“ :تكنولوجيــا
220
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
املعلومــات” و “العلــوم السياســية” .وهــو يف احلالــة الثاني ـ�ة رديــف للدعايــة ،مــن ناحيــة
ســعيه للتأثــر يف عقــول اجلماهــر ،باســتخدام أســاليب إقناعيــة وعاطفيــة .أمــا ضمــن
تكنولوجيــا املعلومــات ،فهــو إشــارة إىل محــاوالت اســتغالل اجلوانــب النفســية لإلنســان
مــن أجــل احلصــول علــى معلومــات وبي�انــات ســرية ،أو الولــوج إىل أنظمــة حتكــم وســيطرة.
ً
لذلــك ،الهندســة االجتماعيــة ليســت أســلوبا للتحكــم يف العقــل ،كالدعايــة ،بــل فــن وعلــم
متخصــص يف االحتيـ�ال النفــي ،يهــدف إىل دفــع األفــراد حنــو إجنــاز مهــام بطريقــة تنســجم
مــع ســلوكياتهم االعتي�اديــة .وجنــد مــن الضــروري هنــا التفريــق بــن الهندســة االجتماعيــة
ً
كأداة ،وبــن النوايــا الــي تقــف خلفهــا؛ فالطبيــب مثــا يســتخدم الهندســة االجتماعيــة
ً
للتأثــر يف ســلوك املريــض إجيابــا .وقــد يســتخدم شــخص محتــال الهندســة االجتماعيــة
يف خــداع مســتخدم ملواقــع الشــبكات االجتماعيــة مــن أجــل احلصــول علــى معلومــات
خاصــة .ونالحــظ يف كلتــا احلالتــن أنهــا وظفــت كأداة ،لكــن وفــق نوايــا مختلفــة .وتؤكــد
معظــم األدبيــ�ات أن الهندســة االجتماعيــة «فــن» قبــل أن تكــون «علــم» .فهــي عنــد
بعــض األفــراد موهبــة متأصلــة ال مهــارة مكتســبة ،ســيما صفــات التالعــب والتضليــل
والتأثــر يف الالوعــي .مــن ناحيــة أخــرى ،ترتبــط خطــورة الهندســة االجتماعيــة علــى مواقــع
الشــبكات االجتماعيــة بمــدى الصعوبــة الــي يواجههــا املســتخدمني يف التعــرف علــى
احليــل النفســية املخصصــة لالخــراق ،ســيما وأنــه يعتمــد علــى اإلقنــاع والثقــة.
ويف هــذا املضمــار ،كشــفت العديــد مــن الدراســات عــن ثــاث مســتويات مرتبطــة
باإلقنــاع عــر الهندســة اإلجتماعيــة:
أ .خصائص املصدر (املهاجم).
ب .خصائص الرسالة (املحتوى).
ج .خصائص الهدف (الشخص املستهدف).
وفيمــا يتعلــق باملصــدر ،يتطلــب اإلقنــاع باســتخدام الهندســة االجتماعيــة الظهــور
بمظهــر مطمــن ومريــح أمــام الشــخص املســتهدف ،مــن خــال اســتغالل جوانــب اإلدراك
لديــه ،مــا يدفعــه إىل االخنــراط مــع املهاجــم يف عالقــة مباشــرة .أمــا مــا يتعلــق بالرســالة،
221
الفصــل الرابــع
فيتطلــب اإلقنــاع ثقــة مســبقة تدفــع الشــخص املســتهدف إىل التعامــل مــع الرســالة ،إمــا
بالنقــر علــى الرابــط الــذي حتتويــه ،أو االمتث ـ�ال لعــرض أو طلــب ما...إلــخ .وفيمــا خيتــص
خبصائــص ،فاإلقنــاع يتطلــب دراســة مســبقة للشــخص املســتهدف ،وجمــع أكــر قــدر مــن
املعلومــات عنــه ،ثــم تصميــم نمــوذج نفــي مخصــص للتعامــل معــه.
ً
وأخـــرا ،ال ترتبـــط الهندســـة االجتماعيـــة علـــى مواقـــع الشـــبكات االجتماعيـــة
باألنم ــاط التقليدي ــة فق ــط ،ب ــل تتعداه ــا باجت ــاه اس ــتخدام أنم ــاط جدي ــدة ،كاملنش ــورات،
والعالمــات ،والتطبيقــات ،واأللعــاب ،واالنتحــال ،أو حــى اإلقنــاع التفاعلــي املباشــر عــر
غ ــرف الدردش ــة وتطبيق ــات املراس ــلة الفوري ــة .وجمي ــع م ــا س ــبق ،يؤك ــد أن الهندس ــة
االجتماعي ــة ع ــر مواق ــع الش ــبكات االجتماعي ــة ه ــي عب ــارة ع ــن خ ــدع ت ــأيت عل ــى ش ــكل
رس ــائل ،حتت ــوي عل ــى طل ــب ،مط ــوب م ــن اله ــدف إم ــا املوافق ــة أو ال ــرد علي ــه ،س ــواء
بالضغ ــط عل ــى راب ــط مرف ــق ،أو االمتثـ ـ�ال اللتم ــاس عاطفي...إل ــخ.
.1تعريف الهندسة االجتماعية
ُ
تع ــرف الهندس ــة االجتماعي ــة بكونه ــا عل ــم وف ــن دف ــع األف ــراد للتواف ــق والس ــر م ــع
رغباتــك ،أو هــي تالعــب نفــي باألفــراد للقيــام بأنشــطة مــا أو إفشــاء معلومــات ســرية.
وهن ــاك م ــن يعتربه ــا محاول ــة مدروس ــة الس ــتغالل الثق ــة م ــن أج ــل جم ــع معلوم ــات ،أو
ً
تنفي ــذ احتيــ�ال ،أو الول ــوج إىل نظ ــام؛ أو ه ــي ف ــن اس ــتغالل النف ــس البش ــرية ،ب ــدال م ــن
تقنيـــ�ات القرصنـــة ،للولـــوج إىل النظـــم والبي�انـــات .والهندســـة االجتماعيـــة هـــي تعبـــر
تلطيف ــي يش ــر إىل األس ــاليب غ ــر التكنولوجي ــة املصمم ــة ملهاجم ــة أنظم ــة املعلوم ــات،
مثـــل :الكـــذب ،واالنتحـــال ،واخلـــداع ،والرشـــوة ،واالبـــزاز ،والتهديـــد ،كمـــا أنهـــا فـــن
التالعــب بشــخص مــا كــي يتخــذ إجــراء قــد يكــون أو ال يكــون يف مصلحتــه ،وهــي بمــوازاة
كل م ــا س ــبق محاول ــة للتأث ــر يف اآلخري ــن والتالع ــب به ــم؛ لدفعه ــم كش ــف معلوم ــات
ش ــخصية حت ــت س ــتار م ــن الثق ــة ،الس ــتغاللها ضده ــم.
222
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
223
الفصــل الرابــع
ً
هدوئــه وراحتــه ،وأال يشــعر أنــه تعــرض للخــداع .ثانيـ�ا :اســتخالص مــدى حتقــق الهــدف،
وإذا مــا يتطلــب إعــادة محاولــة ،ومــن ثــم اســتغالل املعلومــات.
.3العناصر املكونة للهندسة االجتماعية
تتكــون الهندســة االجتماعيــة مــن عناصــر متسلســلة بطريقــة منطقيــة تعكــس
خطــوات الهجــوم ومراحــه يوضحهــا الشــكل اآليت:
ﻣهﻨﺪس�إﺟﺘﻤﺎ��
ﻃﺮق�ﺟﺬب�ﻧﻔﺴﻴﺔ
ﺗﻜﺘﻴ�ﺎت�إﻳﻘﺎع
وﺳﻴ ــﻠﺔ
هﺪف
�-اﻟ��ﻳﺪ�اﻹﻟﻜ��و�ﻲ. �-ﺻﺪاﻗﺔ�وإ��ﺎب.
�-ﻣﺎل. �-وﺟهﺎ�ﻟﻮﺟﮫ. �-اﻹﺻﻄﻴﺎد. �-اﻟ��ام�وإ�ﺴﺎق. ﻣﻦ�اﳌﻤﻜﻦ�أن�ﻳ�ﻮن�
�-اﻟهﺎﺗﻒ. �-اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ�واﻹدﻋﺎء. �-اﻟﻨﺪرة. ً
�-ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت�ﺣﺴﺎﺳﺔ. ��ﺼﺎ��ﻌﻤﻞ�ﻣﻦ�ﺗﻠﻘﺎء�
�-ﺗﺠﻨﻴﺪ. �-اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ�اﻟﻨﺼﻴﺔ. �-اﻟﻄﻌﻢ. �-اﻟﻔﺎﻋﻠﻴﺔ�اﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ. ذاﺗﮫ�أو�ﻳ�ﺒﻊ�ﳌﺆﺳﺴﺔ.
...�-إ��. �-اﻟﺸﺒ�ﺎت�اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ. �-اﳌﻘﺎﻳﻀﺔ. �-اﻟﺴﻠﻄﺔ.
224
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
أﺷ�ﺎل���ﻤﺎت�اﻟهﻨﺪﺳﺔ�اﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ
��ﻤﺎت�ﻗﺎﺋﻤﺔ�ﻋ���اﻟﻌﻨﺼﺮ�اﻟﺘﻘ�� ��ﻤﺎت�ﻗﺎﺋﻤﺔ�ﻋ���اﻟﻌﻨﺼﺮ�اﻟ�ﺸﺮي
أ .الهجمــات القائمــة علــى العنصــر البشــري :يقــوم املهاجــم ،عــر هــذا النــوع مــن
ً
الهجمــات ،بتنفيــذ الهجــوم شــخصيا ،ويأخــذه علــى عاتقــه ،مــن خــال التفاعــل املباشــر
مــع املســتهدف ،بقصــد احلصــول علــى املعلومــات املرغوبــة .ويعيــب هــذا النــوع ،قلــة عــدد
الهجمــات الــي يمكــن للمهاجــم تنفيذهــا ضــد أكــر مــن هــدف.
ب .الهجمــات القائمــة علــى العنصــر التقــي :وهــي هجمــات تعتمــد يف حتصيــل
املعلومــات علــى أدوات تقني ـ�ة وبرمجيــة كاحلاســوب والهواتــف الذكيــة .وتتمــز بقدرتهــا
تنفيــذ أكــر مــن هجــوم يف آن واحــد وضــد أكــر مــن هــدف.
أﺷ�ﺎل���ﻤﺎت�اﻟهﻨﺪﺳﺔ�اﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ
أ .الهجمــات االجتماعيــة :تعتمــد علــى قواعــد علــم النفــس ،وتتــم عــر إقامــة عالقــة
مباشــرة مــع الضحيــة ،ومــن ثــم التالعــب جبوانبهــا العاطفيــة لكســب ثقتهــا .وهــي مــن
أخطــر األنــواع وأجنعهــا؛ ألنهــا تنطــوي علــى تفاعــل مباشــر.
225
الفصــل الرابــع
ب .الهجمــات الماديــة :تتــم عــر جهــد بــدين؛ أي أنهــا حتتــاج إىل نشــاط علــى األرض
للحصــول علــى املعلومــات ،مثــل البحــث عــن الوثائــق يف مكــب النفايات...إلــخ.
ج .الهجمــات التقنيــ�ة :تتــم عــر الشــبكة العنكبوتيــ�ة ،وتســتهدف الشــبكات
االجتماعيــة ومواقــع اخلدمــات اإللكرتونيــ�ة ،مــن أجــل جمــع املعلومــات املطلوبــة ،مثــل
كلمــات املــرور ،تفاصيــل بطاقــات االئتمان...إلــخ.
.5أنواع هجمات الهندسة االجتماعية
تتعــدد أنــواع هجمــات الهندســة االجتماعيــة؛ فهنــاك مــن يصنفهــا بالنظــر إىل
طبيعــة املهاجــم :بشــري ،تفــي؛ وهنــاك مــن يصنفهــا وفــق الكيفيــة الــي بموجبهــا يتــم
تطبيــق الهجــوم :اجتماعيــة ،تقني ـ�ة ،وماديــة .وبالنظــر إىل درجــة التب�ايــن والتعقيــد بــن
أنــواع هجمــات الهندســة االجتماعيــة ،يمكــن تبــي تصنيــف ثالــث أكــر مرونــة وشــمولية،
يقســم األنــواع ضمــن فئتــن :هجمــات مباشــرة ،وغــر مباشــرة.
أ .الهجمــات املباشــرة :Directوهــي هجمــات تتــم بشــكل مباشــر ،ســواء عــن طريــق
ً
املواجهــة املباشــرة ،أو عــر االتصــال البصــري أو التفاعــل الصــويت .وتتطلــب تواجــدا
للمهاجــم يف منطقــة الضحيــة أو بالقــرب منــه لتنفيذهــا .ومــن أمثلــة هــذا النــوع:
-الولــوج المــادي :Physical Accessحضــور أو تواجــد املهاجــم يف مــكان املعلومــات
ً
واحلصــول عليهــا بشــكل شــخيص ،بمــا يشــمل ســرقته للمعلومــات أيــا كانــت صيغتهــا.
-تفتيــش القمامــة :Dumpster Divingالبحــث يف القمامــة اخلاصــة بشــخص أو
مؤسســة مــا مــن أجــل الوقــوع علــى املعلومــات أو وســائل ختزينهــا ،كالوثائــق ،واحلواســيب
القديمــة ،واألســطوانات املدمجــة ،وذاكــرة التخزيــن املحمول...إلــخ.
-الهندســة االجتماعيــة بالهاتــف :Phone Social Engineeringهجمــات تتــم
عــر ادعــاء املهاجــم بكونــه شــخصية مــا ،أو تبعيتـ�ه ملؤسســة مــا ،ثــم يبـ�دأ باحلصــول علــى
معلومــات مــن الضحيــة عــر الهاتــف.
226
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
227
الفصــل الرابــع
وجميــع األنــواع الســابقة هــي غيــث مــن فيــض ،إذ ال يمكنن ـ�ا حصــر جميــع األنــواع،
ً
ونــرك للقــارئ الكريــم فرصــة التبصــر شــخصيا حــول املوضــوع واالســزادة ملصلحتــه
املعرفيــة.
.6قابلية املستخدم للوقوع يف شرك الهندسة االجتماعية
تشــر «القابليــة» إىل اخلــدع غــر املباشــرة الــي قــد تؤثــر يف إدراك مســتخدم مواقــع
الشــبكات االجتماعيــة ،وتزيــد مــن فرصــة وقوعــه يف شــرك الهندســة االجتماعيــة.
ً ً
فالرســالة مثــا ،قــد حتمــل خصائــص جــذب مفربكــة عمــدا تؤثــر علــى حكــم املســتخدم،
ً
حبيــث ترفــع مــن درجــة اســتعداده للتعامــل معهــا ،وصــوال إىل الفــخ .لذلــك هــو نــوع مــن
اخلــداع الظاهــري ،املكتســب باملالحظــة ،ســواء خلصائــص املصــدر أو الرســالة؛ وهــو
احتيــ�ال غــر مباشــر ،يعتمــد علــى حتفــز املســتخدم ،مــن خــال ختديــر مكامــن احلــذر
والفحــص لديــه ،حــى اإليقــاع بــه.
.7سمات شرك الهندسة اإلجتماعية
أ .املصــدر (املهاجــم) :يمكــن للمهاجــم أن جيــذب انتبـ�اه الهــدف ،مــن خــال تأســيس
حســاب خــاص لــه علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة ،وبالتــايل اكتســاب صداقتــه .ولكــن
كيــف جيــذب املهاجــم الضحيــة إليــه؟ وهنــا جنيــب ،أن بعــض املســتخدمني يتعمــدون
قبــول طلبــات الصداقــة فقــط يف حــال وجــود أصدقــاء مشــركني .وحتــت ســقف هــذه
احلقيقــة ،يســتطيع املهاجــم خــداع الهــدف ،عــر تأســيس صداقــات مســبقة مــع أفــراد
مــن قائمــة أصدقائــه ،وبالتــايل جذبــه إليــه .ويفيــد هــذا اإلجــراء خــال مرحلــة تأســيس
االتصــال وبن ـ�اء العالقــة.
ب .الرســالة (املحتــوى) :وهنــا حيــاول املهاجــم جــذب املســتخدم إىل رســالته ،الــي قــد
حتــوي علــى رابــط خبيــث ،أو طلــب ،أو رقــم هاتــف ،...مــن خــال مراعــاة عــدة إجــراءات،
كاآليت:
ً
-التالعــب باملنظــور املعلومــايت للرســالة :فالرســالة الطويلــة ،مثــا ،تشــر إىل قيمــة
معلوماتي ـ�ة كبــرة ،قــد جتــذب الشــخص املســتهدف إليهــا.
228
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
اﳌﺴﺎر�اﻻﻟﺘﻔﺎ����:ﺴﺘﺨﺪم����ﺣﺎل�ﻗﻮة�اﻟﺘﺨﻄﻴﻂ�أو�
اﺗﻘﺎن�ا��ﺒﻜﺔ�،و�ﻌﺘﻤﺪ�ﺑﺎﻟﺪرﺟﺔ�اﻷو���ﻋ���اﳌﺴ��ﺪف�
وﻣﺪى� اﻗﺘﻨﺎﻋﮫ� واﻧﺠﺬاﺑﮫ� ﻟﻠﻄﻌﻢ� اﳌﻨﺼﻮب �،ﺳﻮاء�
داﺧﻞ�ﻣﺤﺘﻮى�اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ�،أو�اﻟﺸ�ﻞ�اﻟﻈﺎهﺮي�ﻟﻠﺮﺳﺎﻟﺔ.
229
الفصــل الرابــع
الزتييف العميق
تشــهد اآلونــة األخــرة ســيطرة واضحــة للوســائط البصريــة يف مضمــار توثيــق
األحــداث ونقــل الرســائل حــول العالــم .وبمــوازاة هــذه الهيمنــة ،تــزداد علــى حنــو متعاظــم
األخطــار املرتتب ـ�ة عــن انتشــار املعلومــات املفربكــة واملزيفــة .وحبســب مشــروع ملؤسســة
رويــرز لإلعــام بالتعــاون مــع موقــع فيســبوك ،يعتــر املحتــوى البصــري ،كالصــور ومقاطــع
ً ً
الفيديــو وغريهــا ،احلاضــن األهــم للمعلومــات املزيفــة ،ســيما وأنــه األكــر رواجــا وتــداوال
بــن املســتخدمني (.)Reuters:2019
ويت�ألــف مصطلــح الزتييــف العميــق Deep Fakeمــن مقطعــن مدمجــن ،التعلــم
العميــق والزتييــف ،حبيــث يشــر بكليت ـ�ه إىل املــواد املزيفــة الــي جيــري صناعتهــا باالعتمــاد
علــى آليــة التعلــم العميــق ،Deep learningالــي هــي جــزء مــن تكنولوجيــا الــذكاء
االصطناعــي ،القائمــة علــى تتبــع أنمــاط وخصائــص املحتــوى البصــري احلقيقــي بشــكل
ً
يســمح للحاســوب استنســاخ مقطــع مشــابه لــه تمامــا ،أو صناعــة مشــهد مزيــف بالكليــة.
وهــو شــكل جديــد مــن التالعــب يتيــح إمكانيـ�ة توليــد محــاكاة واقعيــة لوجــه شــخص مــا أو
ً
صوتــه أو حركاتــه ،حبيــث يبـ�دو كأن هــذا الشــخص قــد قــال أو فعــل أمــرا ،وهــو لــم يقــم بــه
يف احلقيقيــة (اجلزيــرة.)2020:
وينظــر للزتييــف العميــق بكونــه جــزء مــن مجــال متخصــص ،يطلــق عليــه «تالعــب
ســمعي-بصري ،»Audiovisual Manipulationيهــدف إىل التأثــر يف املــدركات والتفســرات
اخلاصــة باألفــراد بوســائل تقنيـ�ة اجتماعيــة ( .)Paris & Donovan:2019وينقســم املجــال إىل
ً
أشــكال تزييــف رخيصــة Cheapتعتمــد علــى تقنيـ�ات تقليديــة شــائعة غــر معقــدة نســبي�ا،
ً
وأشــكال تزيــف حديثــ�ة ،معقــدة وعميقــة Deepترتكــز حصــرا علــى تقنيــ�ات الــذكاء
االصطناعــي (.)Ibid
وقبــل احلديــث عــن تكنولوجيــا الزتييــف العميــق ،جنــد أنفســنا ملزمــن بالتطــرق
إىل أنمــاط وأشــكال مــن التالعــب البصــري الشــائعة ،ســيما وأنهــا ســمة عصريــة شــعبي�ة
ســلبي�ة ،اكتســحت مجالنــا االفــرايض ،وشــوهت ملنظــور احلقيقــة ،حىت أصبح املســتخدم
230
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
ال يمــز بــن األصلــي واملزيــف ،ســاعد يف ذلــك انتشــار الربامــج الــي تســاعد علــى الزتييــف،
وظهــور مواقــع الشــبكات االجتماعيــة ،إىل جانــب الســرعة الهائلــة يف انتشــار املحتــوى ،دون
مراعــاة لقواعــد التحقــق.
.1أشكال التالعب والزتييف
اﳌﻌﺎ��ﺔ�واﻟﺘﻌﺪﻳﻞ
اﻟﺘﻼﻋﺐ�ﺑﺎﻟﺴﻴﺎق أﺷ�ﺎل�ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ
اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ�واﳌﺸﺎ��ﺔ
اﻟ�ﺴﺮ�ﻊ�واﻟﺘﺒﻄﻲء ﺗﻼﻋﺐ
ﺳﻤ����-ﺑﺼﺮي
اﻟﻌﺮوض�اﻹﻓ��اﺿﻴﺔ
اﺳ�ﺒﺪال�اﻟﻮﺟﮫ أﺷ�ﺎل�ﺣﺪﻳﺜﺔ
ﻣﺰاﻣﻨﺔ�اﻟﺸﻔﺎﻩ
اﻟﺘﻮﻟﻴﻒ�اﻟﺼﻮ�ﻲ
231
الفصــل الرابــع
صــور فاضحــة لبعــض املشــاهري والسياســيني ،أو تســريع صــوت مســؤول بغــرض التنـ�در
ً ً
عليــه .ويف العمــل اإلعــايم ،تعتــر عمليــة التالعــب عامــا أساســيا يف تصنيــف املحتــوى
كفعــل دعــايئ مقصــود؛ لذلــك جميــع التصنيفــات القادمــة ســتعتمد يف شــرحها علــى قاعدة
انطالقهــا مــن اشــتغال متعمــد .والتالعــب باملعاجلــة والتحريــر حيتــوي عــدة أشــكال ،مثــل:
1.1الصــوت :هنــا حيافــظ املحتــوى البصــري علــى موثوقيت ـ�ه وتسلســله املــريئ ،لكنــه
ً
خيضــع لتغيــر علــى مســتوى الصــوت ،ســواء حبــذف األصلــي كليــا واســتب�داله أو تســريعه
أو تبطيئـ�ه أو تقطيعــه حبســب الهــدف .فعلــي ســبي�ل املثــال ،أفــادت مؤسســة رويــرز عــن
وجــود مقطــع فيديــو يوثــق حلادثــة ســقوط طائــرة عاموديــة مــن الســماء ،يرافــق املشــهد
أصــوات يف اخللفيــة جلنــود حيتفلــون ويعلنــون مســؤولية إســقاطها .لكــن أتضــح فيمــا
ً
بعــد ،أن الصــوت مأخــوذ عــن مشــهد آخــر ،حبيــث تــم تركيب ـ�ه بــدال عــن الصــوت األصلــي
للمقطــع (.)Reuters:2019
2.1األلــوان واإلضــاءة :باملبــدأ الســابق نفســه ،حتافــظ الصــورة أو املشــهد امللتقــط
ً
علــى موثوقيت ـ�ه ،ولكنــه خيضــع لعمليــة تالعــب علــى مســتوى اإلضــاءة أو اللــون .فمثــا،
يقــوم شــخص بالتقــاط صــورة أو مشــهد لتجمــع غيــوم كثيفــة ،ثــم يضيــف عليهــا مرشــح
ً
لــوين غامــق جيعلهــا تب ـ�دو داكنــة وأكــر قتامــة ،وبالتــايل أكــر رعبــا مــن ذي قبــل (.)Ibid
3.1عناصــر غــر أصيلــة :هنــا ،ختضــع الصــورة أو املشــهد إلضافــات غــر أصيلــة؛
ً
بهــدف بنـ�اء منظــور إدراكــي جديــد .فمثــا ،قــام مســتخدم بإضافــة عنصــر لســمكة قــرش
ً
ودمجهــا مــع صــورة أصلية لســباح ،ونشــرها علــى موقع فيســبوك ،حبيــث صنعــت انطباعا
ً
مزيفــا لــدى املتابعــن بمطــاردة القــرش للســباح .وينقســم هــذا املســتوى مــن الزتييــف إىل
نوعــن :األول يشــمل صــور ومقاطــع حقيقيــة يضــاف إليهــا عناصــر خارجيــة غــر أصيلــة،
بينمــا يضــم النــوع الثــاين صــور ومقاطــع غــر حقيقيــة بالكليــة ،يقــوم جهــاز احلاســوب علــى
إعدادهــا بإشــراف بشــري .Computer-Generated Imageryوهــذا األخــر يتطلــب مهــارة
متقدمــة علــى اســتخدام برامــج متخصصــة يف صناعــة املؤثــرات البصريــة كاآلفرتإفكتــس
مــن أجــل تكويــن مشــهد أقــرب مــا يكــون إىل الواقــع .وبرغــم قــدرة اجلمهــور على تميــز هذه
ً
األنمــاط ،إال أنهــا قــد ختدعــه حــال دمــج العناصــر اخلارجيــة بمهــارة ،حبيــث تتســق منطقيــا
232
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
ً
مــع املشــهد .فمثــا ،انتشــر مقطــع فيديــو علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة يظهــر لنمــر
ً
مزمجــر يتجــول يف الشــوارع بــن النــاس ،ليتضــح الحقــا أن املشــهد لكلــب محلــي يركــض
ً
ناحبــا علــى المــارة .واملثــال املقــدم ،يبــن قــدرة املتاعــب علــى إخفــاء الكلــب مــن املشــهد
احلقيقــي واســتب�داله بعنصــر خــاريج يتجســد يف حيــوان مفــرس كالنمــر (.)Ibid
.2التســريع والتبطــيء :تــؤدي تقنيــي التســريع والتبطــيء داخــل املقطــع البصــري
ً
دورا يف صناعــة تفســرات محــددة ،يرغــب املتاعــب يف إثارتهــا وحتفزهــا لــدى املشــاهد.
ً
فمثــا ،تاعــب مؤيــدون لرئيــس الواليــات املتحــدة بمشــهد عضــو احلــزب الديمقراطــي
ورئيــس مجلــس النــواب نانــي بيلــويس « »Nancy Pelosiمــن خــال تبطــيء ســرعة املشــهد
بنســبة ،75%مــا أدى إىل ظهورهــا وكأنهــا يف حالــة ثمالــة بالكامــل (.)*()The Gaurdian:2019
.3التالعــب بالســياق احلقيقــي :خيتلــف هــذا النــوع عــن ســابقه يف عــدم خضــوع
املحتــوى البصــري ألي تعديــل أو تزييــف مباشــر يف جوهــره ،بــل توظيفــه بشــكل انتقــايئ يف
ســياق جديــد مختلــف عــن احلقيقــي Re-contextualized؛ ومــن أشــكاله الراجئــة:
1.3االنتقــاء املتعمــد للقطــات الداخليــة :يتعمــد املســتخدم انتقــاء لقطــات معني ـ�ة
ً
مــن محتــوى أصلــي موجــود ومنشــور ســلفا ،مــن أجــل إنشــاء محتــوى مقلــص يعتمــد يف
بنـ�اءه علــى مشــاهد ُمقتطعــة ومنعزلــة بــا ســياق مرابــط ،بهــدف صناعــة انطبــاع جديــد،
خيالــف التصــور الــذي قــد ينشــأ حــال التعــرض لكامــل املحتــوى األصلــي.
فعلــى ســبي�ل املثــال ،قــام مســتخدمون بانتقــاء مشــاهد عــن مادة منشــورة علــى موقع
شكل يوضح اإلنتقاء املتعمد للقطات
233
الفصــل الرابــع
،YouTubeثــم إعــداد محتــوى جديــد مدتــه 4دقائــق يقــدم لقصــة مزيفــة عــن تصعيــد نــووي
بــن حلــف الناتــو وروســيا ،ظهــرت فيــه عمليــات إخــاء مللكــة بريطانيـ�ا وانطــاق لصواريخ
مــن ســفن روســية إضافــة إىل مشــهد النفجــار نــووي ،تــم نســبه إىل ،BBCونشــره علــى
ً ً
تطبيــق ،WhatsAppحبيــث الىق رواجــا كبــرا بــن املســتخدمني .تبــع ذلــك إصــدار BBCبيـ�ان
تعلــن فيــه أن اللقطــات املزيفــة مأخــوذة عــن مــادة مدتهــا 30دقيقــة ،صــادرة عــن شــركة
تســويق إيرلنديــة ،مصممــة كاختبــ�ار نفــي لقيــاس ردود األفعــال املرتبطــة بســين�اريو
ويالحــظ مــن خــال املثــال الســابق ،أن توظيــف تطبيــق كارثــة (ُ .)Paris & Donovan:2019
WhatsAppخلاصيــة التشــفري أوجــد حالــة مــن املوثوقيــة ،ســيما إذا جــاءت املعلومــات
ً
مــن مصــادر معروفــة .ولكــن هــذه احلالــة اآلمنــة هــي حتديــدا مــا يســتغله املتالعــب.
فبمجــرد اســتقباله مقطــع فيديــو أو صــورة مــن شــخص معــروف ،ســينت�اب املســتخدم
شــعور بوجــوب مشــاركته مــع أفــراد آخريــن دون النظــر إىل مــدى صحتــه (.)Kreiss:2017
وبرغــم ســعي تطبيــق WhatsAppتقليــص هامــش اســتقبال وانتشــار املعلومــات املزيفــة،
عــر تأمينهــا إيصــال موثــوق بــن املســتخدمني ،إال أن ذلــك مكــن املعلومــات املزيفــة مــن
التخفــي عــن حمــات الرصــد واملتابعــة والكشــف .وال يقــف التالعــب بالســياق عنــد
هــذا احلــد ،فالعديــد مــن التجــارب حــول العالــم قدمــت ألمثلــة حــول كيفيــة اســتغالال
املســتخدمني للســياقات العســكرية واالجتماعيــة والسياســية القائمــة يف أجــل نشــر
ً
محتــوى بصــري ال يبعــد عنهــا ،حتقيقــا ألهــداف دعائي ـ�ة حبتــة.
2.3الربــط املزيــف بــن الصــور واألحــداث :يتعمــد بعــض املســتخدمني ربــط صــورة
مــا حبــدث معــن مــن أجــل صناعــة إطبــاع تأكيــدي ،يرتكــز علــى مبــدأ «الصــورة ال تكذب».
ً
فمثــا ،يقــوم مســتخدم بربــط صــورة لشــهداء فلســطينيني بالغارات الــي تشــنها الواليات
املتحــدة علــى أفغانســتان.
3.3االنتفــاء املتعمــد لزوايــا املشــهد :يتقصــد بعــض املصوريــن اختيـ�ار زاويــة تصويــر
ً
تصنــع ملشــهد مخالــف لمــا هــو موجــود علــى أرض الواقــع .فمثــا ،يقــوم مصــور فوتوغــرايف
234
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
بالتقــاط صــورة مــن زاويــة ضيقــة حلشــد جماهــري تعكــس انطباعــات بضعــف املشــاركة
الشــعبي�ة ،والعكــس صحيــح.
.4التمثي ـ�ل واملشــابهة :يعتمــد علــى ســين�اريو تمثيلــي ،حيــاول مــن خاللــه املتالعــب
صناعــة محتــوى مزيــف بالكامــل يصــب يف خدمــة توجــه ســيايس أو اجتماعــي أو أيديولويج
ً
( .)Reuters:2019فمثــا ،تقــوم مجموعــة مــا بتصويــر مقطــع تمثيلــي تتخللــه عمليــة اعتــداء
علــى شــاب مــن طائفــة معينــ�ة ،وتتعمــد إظهــار انتمــاء املعتديــن لطائفــة أخــرى ،األمــر
الــذي قــد حيفــز صدامــات مجتمعيــة واســعة .أمــا املشــابهة ،فتعــي اســتغالل الشــبه
ً
القائــم بــن فرديــن يف صناعــة محتــوى مضلــل يصــب يف خدمــة هــدف مــا .فمثــا ،وظــف
املستشــار القانــوين للرئيــس الفلبيــي رودريجــو دوترتيـ�ه « »Rodrigo Duterteشــريط فيديــو
إبــايح مزيــف ضــد الســين�اتور املعــارض ليلــي ديليمــا « »Leila De Limaلتبريــر محاكمتهــا
ً
وإيداعهــا الســجن ،وتبــن الحقــا أن الشــريط ألنــى شــبيهة (.)Philstar:2016
ب .أشكال تالعب حديث�ة
يهــدد التالعــب احلديــث Artificial Intelligence-Generated Imageryعلــى حنــو خطــر
قــدرة اإلنســان علــى تميــز املحتــوى البصــري احلقيقــي عــن املزيــف .ويــرد الســبب إىل
ختطيــه لغــة احلاســوب التقليديــة ،واعتمــاده بشــكل جوهــري علــى تكنولوجيــا الــذكاء
االصطناعــي ،ومــا أفرزتــه مــن برامــج وتقنيـ�ات قــادرة علــى إكتــاب وصناعــة صــور وهميــة
يصعــب علــى املســتخدم العــادي كشــف زيفهــا ،إال اإلكتســاب باســتخدامه ألدوات
متخصصــة ،هــي يف العــادة غــر متوفــرة .ويضــم التالعــب احلديــث طائفــة متنوعــة مــن
األشــكال ،مثــل التجســيد االفــرايض ،والتوليــف الصــويت ،واســتب�دال الوجــه ،ومزامنــة
الشــفاه؛ وجميعهــا تنتــي ملجــال الزتييــف العميــق ،Deep Fakeأو كمــا حيلــو للبعــض
المصطنعــة .Synthetic تســميت�ه بالوســائط ُ
وبالتــوازي مــع إمكاني ـ�ة اســتخدام هــذه األشــكال بصــورة مســتقلة عــن بعضهــا ،إال
ً
أنــه يمكــن دمجهــا ومزجهــا معــا لصناعــة مــادة مزيفــة متن�اســقة إىل حــد كبــر .وهنــا ،يــزاوج
الزتييــف العميــق بــن اإلمكانــات املتولــدة عــن قــدرة احلاســوب ،وبــن الدقــة والســرعة
الــي توفرهــا خوارزميــات التعلــم العميــق يف صناعــة محتــوى مــريئ شــديد التعقيــد .وبرغــم
235
الفصــل الرابــع
ممارســة بعــض الهــواة لصنعــة الزتييــف البصــري بنمطهــا التقليــدي الشــائع ،إال أن عــدة
حواجــز حتــول دون اخنراطهــم يف إنت ـ�اج محتــوى مزيــف يعتمــد علــى الــذكاء االصطناعــي،
مثــل غيــاب اخلــرة الالزمــة ،أو عــدم إتاحــة األدوات والتكنولوجيــات اخلاصــة بمثــل هــذا
االنت ـ�اج.
وتتطــرق مؤسســة رويــرز إىل خطــوات صناعــة الزتييــف العميــق ،وتقســمها إىل
ُ
أربــع مراحــل متسلســلة ،تســتهل بتغذيــة خوارزميــة برنامــج التعلــم اآليل بصــور ومشــاهد
خاصــة بشــخص أو موضــوع ،ثــم تبــ�دأ الشــبكة العصبيــ�ة األساســية داخــل الربنامــج
بتعلــم واســتيعاب أنمــاط داخــل الصــورة أو املشــهد ،ومــن ثــم تطويــر ركائــز وقواعــد تنطلــق
منهــا إلعــادة صناعتهــا وتشــكيلها .ويف املرحلــة الثاني ـ�ة ،تقــوم الشــبكة العصبي ـ�ة بتوليــد
مــادة جديــدة داخــل إطــار مزيــف Fake Frameمصمــم ملحــاكاة الصــورة أو املشــهد األصلــي.
يف ذات الوقــت ،وكمرحلــة ثالثــة ،يتــم تهيئــ�ة وتدريــب شــبكة عصبيــ�ة موازيــة علــى
املقارنــة والتميــز بــن المــادة املصنعــة واحلقيقيــة للتأكــد مــن درجــة تطابقهمــا .وجتــدر
اإلشــارة هنــا ،إىل أن تدريــب «شــبكات التميــز» يعتمــد بدرجــة أوىل علــى خضوعهــا الدائــم
واملســتمر لتعليــم وتطويــر باســتخدام صــور ولقطــات حقيقيــة ،كــي تتمكــن آليــة التعلــم
ً
الــذايت لديهــا مــن اكتســاب أنمــاط جديــدة ومتنوعــة تؤهلهــا لعقــد املقارنــات .أخــرا ،ويف
املرحلــة الرابعــة ،يتــم التقريــر بشــأن المــادة املصنعــة ،إمــا برفضهــا حــال عــدم تطابقهــا مــع
أنمــاط شــبكة التميــز املكتســبة ،أو قبولهــا حــال بــدت حقيقيــة ومتطابقــة (.)Reuters:2019
والتــايل عــرض ألهــم أشــكال الزتييــف البصــري العميــق باســتخدام تكنولوجيــات الــذكاء
االصطناعــي والتعلــم العميــق:
.1التجســيد االفــرايض :Virtual Performancesيقــوم هــذا النــوع مــن الزتييــف
العميــق علــى إنشــاء لقطــات ومشــاهد مزيفــة بالكامــل ،مــن خــال جتســيد جميــع
التفاصيــل املتعلقــة باملشــهد أو اللقطــة ،ســواء مــن جســد أو صــوت أو وجــه أو حركــة.
والتجســيد االفــرايض تقني ـ�ة مطــورة عــن املؤثــرات البصريــة التقليديــة الــي تدمــج عــر
الرتكيــب بــن مشــهد حقيقــي وآخــر مزيــف ،حبيــث ختتــص وتمتهــن صناعــة مشــهد كامــل
أو تقليــده دون االعتمــاد علــى مصــادر أصليــة ( .)Paris & Donovan:2019ويشــمل التجســيد
236
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
ً
أيضــا صناعــة صــور مزيفــة بالكامــل ال وجــود لهــا يف الواقــع ،Generated Photosوهنــا
يتــم تغذيــة برنامــج التعلــم العميــق بــآالف مــن الصــور البشــرية احلقيقيــة كــي يكتســب
خصائصهــا وســماتها ،ثــم يقــوم بعدهــا بصناعــة صــور مزيفــة ال أصــل لهــا وال مصــدر
(.)Reuters:2019
.2اســتب�دال الوجــه :Face Swappingوهــي تقني ـ�ة تزييــف عميــق تــؤدي وظيفــة
اســتب�دال وجــه شــخصية معني ـ�ة (املصــدر) بوجــه لشــخص آخــر (الهــدف) داخــل إطــار
أصلــي .وهنــا ،يكتســب برنامــج التعلــم العميــق ســمات وأنمــاط وجهــي املصــدر والهــدف
ً
معــا ،ثــم يعيــد توليــد ومحــاكاة وتركيــب وجــه الهــدف علــى جســد املصــدر ،ولكــن بــذات
خصائــص وجــه املصــدر ،وداخــل إطــار املشــهد األصلــي الــذي يظهــر فيــه املصــدر .وتتعــدى
هــذه التقنيـ�ة حــدود االســتب�دال ،لتتجــه حنــو إعــادة حتريــك الوجــه األصلــي وفــق خصائص
وســمات لوجــه آخــر .وهنــا حيافــظ الوجــه األصلــي علــى وجــوده ،لكنــه يتحــرك وفــق
ً
خصائــص وجــه آخــر .ووفقــا ملؤسســة رويــرز ،يكتســب ويتعلــم برنامــج التعلــم العميــق
حركــة وجهــي الهــدف واملصــدر ،ثــم يعيــد الربنامــج توليــف وجــه املصــدر وفــق احلــركات
الــي جــرى تعيينهــا مــن وجــه الهــدف .ويمكــن تطبيــق هــذه التقنيـ�ة علــى اجلســد بالكامــل
(.)Ibid
.3التوليــف الصــويت ومزامنــة حركــة الشــفاه :Voice Synthesis & Lip-synching
ختتــص هــذه التقني ـ�ة بتوليــد أصــوات جديــدة ،أو محــاكاة أصــوات لشــخصيات معروفــة
وتركيبهــا علــى شــخصيات أخــرى .وهنــا يكتســب التعليــم العميــق خصائــص وســمات
الصــوت البشــري ليعيــد إنت ـ�اج أنمــاط مزيفــة بالكامــل ،أو أن يكتســب خصائــص صــوت
املصــدر ،ثــم يعيــد توليفــه علــى الهــدف .ويتطلــب حتقيــق توليــف صــويت محــرف مزامنــة
حركــة شــفاه املصــدر وتعيينهــا علــى الهــدف بشــكل دقيــق .وهنــا يلتقــط الربنامــج تعبــرات
الوجــه والشــفاه اخلاصــة باملصــدر ثــم يمزجهــا مــع الهــدف داخــل اإلطــار األصلــي.
ويمكــن اعتبـ�ار املســار عمليــة اســتنطاق مزيــف ومصطنــع لكلمــات لــم يتفــوه بهــا املصــدر.
ومــن األمثلــة الشــهرية علــى ذلــك ،قيــام مجموعــة مــن املتالعبــن بزتييــف مقطــع للرئيــس
األمريكــي الســابق بــاراك أوبامــا يتحــدث فيــه عــن مخاطــر التكنولوجيــا (.)Silverman: 2018
237
الفصــل الرابــع
ﺗﻘﻮ�ﺾ�اﻟﻌﻼﻗﺎت�اﻟﺪﺑﻠﻮﻣﺎﺳﻴﺔ اﻟﺘﺄﺛ������اﻻﻧﺘﺨﺎﺑﺎت
��ﺪﻳﺪ�اﻟﻌﻤﻠﻴﺎت�اﻟﻌﺴﻜﺮ�ﺔ ﺿﺮب�اﻟﺜﻘﺔ�ﺑﺎﳌﺆﺳﺴﺎت
�ﺸﻮ�ﺶ�اﳌﺴﺎر�اﻹﻋﻼﻣﻲ ﻣﻔﺎﻗﻤﺔ�اﻻﻧﻘﺴﺎﻣﺎت�ا��ﺘﻤﻌﻴﺔ
238
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
239
الفصــل الرابــع
اخلاصــة .فيمكــن لهــا التخريــب داخــل محيطــه االجتماعــي مــع األهــل واألقــارب
والزوجــة ،أو يف مجــال العمــل ،أو يف أي دائــرة يعتقــد املتالعــب أنهــا مالئمــة لتحقيــق
الضــرر .ويف العــادة يرتبــط التخريــب بأجــواء املنافســة أو مشــاعر احلقــد والكراهيــة جتــاه
ً
الشــخص املســتهدف ،حبيــث يرغــب املتالعــب يف تدمــره نهائيــ�ا وبــا رحمــة .ويرصــد
باحثــان ألشــكال مــن التداعيــات املرتبطــة بالزتييــف ،مثــل فقــدان دعــم األصدقــاء ،ومنــع
الرتقيــة ،وضيــاع فــرص التوظيــف والعمــل ،وتهديــد الرتابــط األســري ،وغريهــا .فاملتالعــب
قــادر علــى تصويــر الشــخص بعــدة وضعيــات تنـ�ايف القيــم املجتمعيــة الســائدة واملقبولــة،
مثــل اصطناعــه مشــهد للمســتهدف وهــو يف حالــة ســكر تــؤدي بــه إىل تدمــر املمتلــكات ،أو
تظهــره يف وضعيــة ســرقة ،أو يف حالــة صــراخ هســتريي ،أو يتلفــظ بكلمــات عنصريــة؛ وأي
ســلوك معــادي للمجتمــع ( .)Chesney & Citron:2018وجديــر باإلشــارة هنــا ،أن التأثــرات
الناجمــة عــن الزتويــر مرتبطــة بالســياق والتوقيــت وحجــم انتشــار المــادة وتداولهــا بــن
املســتخدمني .وهنــا قــد ال جتــدي محــاوالت العــاج الالحقــة يف تقليــل حجــم الضــرر ،ســيما
ً
وأن خصائــص تكنولوجيــا االتصــال احلديثـ�ة تســهم بمــا ال يــدع مجــاال للشــك يف تســريع
جهــود التخريــب والتدمــر بشــكل غــر مســبوق ،كمــا تســاعد علــى بقــاء المــادة حيــة لفرتات
طويلــة برغــم اجلهــود الــي قــد تب ـ�ذل لشــطبها.
ب .األذى املجتمعي
تتخطــى مخاطــر الزتييــف البصــري حــدود األفــراد إىل املجتمــع ككل ،لقدرتــه اســتنفار
مشــكالت ال حصــر لهــا ،كتشــويه اخلطــاب الســيايس ،والتأثــر يف االنتخابــات ،وضــرب
الثقــة يف املؤسســات العامــة واخلاصــة ،وتعزيــز وترســيخ االنقســامات املجتمعيــة ،وتهديد
العمليــات األمنيــ�ة والعســكرية ،إىل جانــب حتفــزه ملشــكالت اقتصاديــة ،أو ختريبــ�ه
لعالقــات دوليــة .واآليت اســتعراض ألهــم املخاطــر املرتتبــ�ة عــن الزتييــف العميــق علــى
املســتوى املجتمعــي:
.1زعزعــة منطلقــات اخلطــاب الســيايس :يعــاين اخلطــاب العــام املرتبــط بقضايــا
سياســية مــن مخاطــر انتشــار املعلومــات الكاذبــة ،لتقويضهــا مكانــة ومصداقيــة الفاعلــن
فيــه ،أو تســببها يف تــآكل األســس والقواعــد العامــة املســؤولة عــن تشــكيله .وألن الزتييــف
240
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
العميــق أحــد أشــكال املعلومــات املفربكــة ،ســيؤدي بــدوره إىل مفاقمــة معانــاة اخلطــاب
العــام الســيايس بشــكل غــر مســبوق ( .)Foer:2018لذلــك ،قــد تســعى عديــد مــن اجلهــات
الفاعلــة إىل توظيفــه مــن أجــل صناعــة معلومــات مــزورة وبالتــايل التالعــب والتأثــر يف
تصــورات األفــراد بشــكل خيــدم جهودهــا املوجهــة ضــد خصومهــا ( .)Warzel:2017وقــد يــؤدي
الزتييــف هنــا إىل دفــع األفــراد للعيــش داخــل واقــع خــاص ،تتغــذى فيــه معتقداتهــم علــى
الزيــف املصطنــع .بــدوره ،قــد يرتــد هــذا الواقــع الفــردي علــى اخلطــاب اجلمعــي ،لتجعلــه
ً
ينطلــق مــن قواعــد مختلقــة خياليــة بــدال مــن ارتــكازه علــى حقائــق ومعلومــات أصيلــة
( .)Chesney & Citron:2108ولنتخيــل جتيســد مقطــع فيديــو مزيــف ملســؤول ســيايس
ً
يتلقــى رشــوة ،أو يتحــدث بعنصريــة ،أو يمــارس الرذيلــة؛ ولنتخيــل أيضــا تــردد مســؤولني
حكوميــن علــى أماكــن لــم يزوروهــا قــط ،أو يفعلــون أشــياء لــم يفعلوهــا ()Weeks:2015؛
مــاذا ســيحص حينهــا؟ بالتأكيــد ســتنبثق بيئ ـ�ة معلوماتي ـ�ة تؤطــر ألفــكار وآراء اجلماهــر
ً ً
بصــورة مزيفــة؛ ومــن خــال تراكــم الزتييــف نوعيــا وزمني ـ�ا ،ســتت�أثر طــرق بن ـ�اء وتشــكل
اخلطــاب الســيايس علــى املســتوى اجلمعــي ،وبالتــايل نشــوء شــكل يفتقــد للمنطلقــات
والســياق الســليم.
.2التأثــر يف االنتخابــات :باإلضافــة إىل قــدرة الزتييــف العميــق علــى ضــخ األكاذيــب
ً
داخــل فضــاء اخلطــاب الســيايس ،فهــو قــادر أيضــا علــى التســبب بارتــدادات قاســية
خــال االنتخابــات .ولنتخيــل أن صــورة أو مقطــع مزيــف جيســد ملرشــح يف وضعيــة مريبـ�ة،
كااللتقــاء مــع مجرمــن أو شــخصيات مكروهــة ،أو جتســده يتلفــظ بكلمــات نابيـ�ة ،بالتأكيد
ســيقود ذلــك إىل ردة فعــل خطــرة ،قــد تــراوح بــن الغضــب الشــعيب العــارم أو فتــح حتقيق،
عندهــا فقــط قــد تت�أثــر حظــوظ املرشــح يف الفــوز أو االســتمرار داخــل مضمــار الســباق
االنتخــايب ( .)Goel & Frenkel:2019وجتــدر اإلشــارة هنــا إىل دهــاء بعــض املتالعبــن ،ســيما مــا
ً
يتعلــق بالزمــن ،حبيــث يعمــدون إىل توزيــع المــادة املزيفــة يف توقيــت يعلمــون مســبقا أنــه
ســيجذب اهتمــام اجلمهــور الذيــن سيســاعدون علــى انتشــارها بصــورة فريوســية ،وبالتــايل
عرقلــة أي فعــل مضــاد لفضحــه بســرعة تــوازي ســرعة انتشــاره .فصاحــب الطلقــة األوىل
هــو مــن حيــدد مســار املعركــة واجتاههــا وربمــا نتيجتهــا .ولنأخــذ مثــال االنتخابات الفرنســية
241
الفصــل الرابــع
ُ
عــام ،2017حيــث زعــم عــن الــروس محاولتهــم منــع فــوز إيمانويــل ماكــرون برئاســة
اجلمهوريــة ،مــن خــال شــن حملــة دعائيـ�ة مزجــت بــن التجســس اإللكــروين والتالعــب،
تضمنــت ســرقة أعــداد كبــرة مــن الوثائــق ثــم التعديــل عليهــا ونشــرها علــى مســتخديم
مواقــع الشــبكات االجتماعيــة حتــت ســتار متخفــي ( .)Breeden et al:2017وبرغــم فشــل
املحاولــة ،ألســباب عــدة ال مجــال لذكرهــا هنــا ،إال أن احلملــة عكســت الحتمــال توظيــف
ً
الزتييــف العميــق مســتقبال خــال االنتخابــات ،ســيما وأن تكنولوجيــا الزتييــف باتــت
ً
متاحــة نســبي�ا للــدول واألفــراد علــى الســواء؛ مــا يعــي أن أي تدخــل للتأثــر يف املســارات
الديمقراطيــة حــول العالــم لــن يقتصــر علــى اجلهــات الرســمية صاحبــة اإلمكانــات ،بــل
ً
ستشــمل أيضــا أفــراد مــن أصحــاب الدوافــع الذاتي ـ�ة .وهنــا ،يتطــرق باحثــان إىل اآلليــات
الــي يمكــن مــن خاللهــا احلــد مــن هكــذا تدخــات مفرتضــة يف املســتقبل ،حيــث يؤكــدان
ً
علــى أهميــة تقييــ�د انتشــار وســائل الزتييــف بــدال مــن الرتكــز علــى الدافــع؛ فالســماح
للجمهــور بامتــاك وســائل تتيــح إمكاني ـ�ة إنت ـ�اج مشــاهد مزيفــة عاليــة اجلــودة قــد يــؤدي
إىل تــآكل جهــود التقييــ�د ،وبالتــايل توســيع دائــرة املنخرطــن يف عمليــات ضــخ الزتييــف
داخــل بيئ ـ�ة جاهــزة ومهيئ ـ�ة الســتقبالها وتداولهــا .لهــذا ،مــن املمكــن للدائــرة املتســعة أن
تؤثــر يف نتيجــة االنتخابــات ،أو ســتلقي علــى األقــل بظــال ثقيلــة مــن عــدم الشــرعية علــى
العمليــة االنتخابيــ�ة نفســها (.)Chesney & Citron:2018
.3ضــرب الثقــة يف املؤسســات :يقصــد باملؤسســات تلك الكيانــات اخلاصــة والعامة
ســواء علــى املســتوى املحلــي أو الــدويل الــي قــد تتعــرض لضربــة قويــة ناجمــة عــن إنت ـ�اج
وتــداول مقطــع مــريئ مزيــف جيســدها يف موقــف معــادي للمجتمــع أو للجمهــور .وجــرت
العــادة أنــه كلمــا تعاظمــت أهميــة ودور املؤسســة داخــل املجتمــع ،ارتفــع علــى التــوازي
احتمــال تعرضهــا حلملــة تشــويه عــر الزتييــف العميــق .ولنتخيــل قيــام بعــض املتالعبــن
بزتويــر فيديــو ملوظفــي اســتقبال يعملــون يف مؤسســة أو وزارة تعــى بالشــؤون االجتماعيــة،
يســيئون فيــه لعــدد مــن املراجعــن الفقــراء أو أصحــاب الدخــل املحــدود .كيــف ســتكون
ردة الفعــل املجتمعيــة؟ بالتأكيــد ستســري حالــة مــن الغضــب ،وقــد يتصاعــد األمــر إىل حــد
إقالــة رئيــس املؤسســة أو الوزيــر ،أو حــى إخضــاع العاملــن للتحقيــق أو لعقوبــات جزائيـ�ة.
242
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
ولكــن هــذه اإلجــراءات قــد ال تكفــي لتحســن صــورة املؤسســة الــي تضــررت بفعــل الفيديو
املزيــف ،أو حــى الســتعادة الثقــة فيهــا .وعلــى هــذا النحــو ،قــد يــؤدي الزتييــف العميــق إىل
تــآكل الثقــة يف املؤسســات ،خاصــة إذا مــا ارتبطــت بســمعة ســيئ�ة ســائدة ،تتيــح للجمهــور
قبــول أي روايــة ضدهــا حــى لــو كانــت مزيفــة (.)Calmes:2015
ً ً
.4مفاقمــة االنقســامات املجتمعيــة :يــؤدي الزتييــف العميــق دورا خطــرا يف مفاقمــة
ً ً
االنقســامات داخــل املجتمــع ،ســيما إذا كان مهيــأ ومســتعدا لهــا .ولننظــر إىل حــال الســاحة
الفلســطيني�ة املنقســمة علــى ذاتهــا ،وكيــف للصــورة احلقيقيــة واملزيفــة أن تســعر لنــار
اخلــاف الســيايس واحلــزيب وحــى اجلماهــري .ولعــل اخلطــورة الــي يســتثمرها الزتييــف
تتجســد يف قابليــة أطــراف اخلــاف تصديــق وترويــج أي محتــوى مــريئ يشــوه للطــرف
ً ً
اآلخــر حــى لــو كان مزيفــا أو فاقــدا للســياق احلقيقــي ،مــا يرتتــب عليــه دوامــة متجــددة
مــن االنقســامات قــد تطيــح باحلالــة ككل .ونســتدعي يف هــذا املضمــار مــا تقــوم بــه
«إســرائي�ل» مــن تغذيــة دائمــة لالنقســام الفلســطيين ،و اشــغال اجلمهــور باملشــاحنات
ً
الداخليــة الهامشــية بــدال مــن حتصيــل إجمــاع جتــاه املســائل السياســية الهامــة .ويتعــدى
الزتييــف العميــق حــدود ترســيخ االنقســام ،باجتــاه تعبئ ـ�ة اجلماهــر حنــو فعــل ميــداين قــد
ً
يــودي باملجتمــع إىل الفــوىض .ولنتخيــل مقطــع مــزور يظهــر مســؤوال يتبــع لفصيــل ســيايس
يعتــدي علــى مواطــن ينتــي لفصيــل آخــر ،أو أن مســئول محســوب علــى شــرحية مجتمعيــة
أطلــق العنــان لكلمــات نابيـ�ة جتــاه شــرحية أخــرى؛ بالتأكيــد ســيؤدي ذلــك إىل إحــداث شــرخ
يف املجتمــع ،أو إىل حتفــز ردة فعــل عاطفيــة تتطــور إىل ســلوك عنيــف.
.5تقويــض العالقــات الدبلوماســية :قــد يتســبب الزتييــف العميــق يف تقويــض
العالقــات الدبلوماســية بــن الــدول وتعكــر صفوهــا .ولنأخــذ األزمــة اخلليجيــة كمثــال
للمقاربــة ،حيــث تمكنــت إحــدى اجلهــات املجهولــة مــن اخــراق نظــام وكالــة األنبــ�اء
القطريــة علــى شــبكة اإلنرتنــت ،ونشــرت ملعلومــات كاذبــة علــى صفحتهــا مصحوبــة
باقتب�اســات مــزورة منســوبة إىل أمــر قطــر ( .)Calamur:2017نتــج عــن هــذه احلادثــة قطــع
للعالقــات الدبلوماســية بــن الســعودية واإلمــارات والبحريــن مــن وجهــة وقطــر مــن جهــة
أخــرى .ولكــن مــاذا لــو تمكــن املخــرق مــن إســناد املعلومــات الكاذبــة بمحتــوى بصــري
243
الفصــل الرابــع
مزيــف؟ ويف ســياق آخــر ،قــد ُيســتخدم الزتييــف للتأثــر علــى جــدول أعمــال احلكومــة
ً
فيمــا خيــص عالقتهــا بــدول أخــرى .فمثــا يمكــن نشــر مقطــع مــزور بغــرض إلهــاب الــرأي
تعــاط مختلــف مــع
ٍ العــام ،الــذي بــدوره ســيمارس ضغــط باجتــاه تبــي حكومتــه ملســار
حكومــة أخــرى .ومــن هنــا نســتطيع أن نســتنتج مــدى قــدرة الزتييــف العميــق علــى التأثــر
يف العالقــات الدبلوماســية بــن الــدول واحلكومــات.
.6تهديــد الســامة العامــة :قــد تبــ�دو االمثلــة الســابقة كافيــة لتخيــل شــكل
التهديــد املرتتــب عــن الزتييــف علــى الســامة العامــة .ولكــي أرى عــدم كفايتهــا ،خاصــة
إذا مــا تســبب بموجــة واســعة مــن الذعــر والرعــب بــن الســكان ،تغذيهــا قوتــه اإلقناعيــة
وانتشــاره الســريع عــر مواقــع الشــبكات االجتماعيــة .ويكفــي أن نســتدعي مــن الذاكــرة
مــا قامــت بــه روســيا علــى صعيــد نشــر معلومــات مزيفــة تتعلــق بكارثــة كيميائيــ�ة يف
واليــة لويزيانــا ،وانتشــار لوبــاء اإليبــوال يف واليــة أتالنت ـ�ا ،بهــدف إثــارة الذعــر بــن الســكان
( .)Chen:2015وبرغــم تواضــع النتـ�اجئ ،إال أنــه يمكــن ختيــل حجــم الذعــر حــال تنفيــذ املخطط
عــر الزتييــف العميــق.
ً ً ُ
.7تهديــد العمليــات العســكرية :تعــد العمليــات العســكرية مجــاال غني ـ�ا لتطبيــق
الزتييــف العميــق ،ســيما إذا مــا اختــذ شــكل تضليــل لدعــم جهــود اخلــداع علــى املســتوى
االســراتييج والتشــغيلي والتكتيكــي .لكــن هــذا ال ينفــي حتــول الزتييــف إىل صــداع دائــم،
ســيما للــدول الــي ختــوض مواجهــات عســكرية وتســعى إىل كســب الــرأي العــام الداخلــي
والعالــي لصفهــا .فمجــرد االحتــكاك باملدنيــن ســواء باالحتالل املباشــر أو التواجــد املؤقت
ً
كاف ليحفــز حملــة مــن الزتييــف تــروج الرتكابهــا فظائــع حبــق املدنيــن تــرىق أحيانــا جلرائــم ٍ
حــرب ،األمــر الــذي قــد يرتتــب عليــه تداعيــات ســلبي�ة علــى الــرأي العــام ،أو علــى مســار
املواجهــة الدعائيـ�ة ،تنتهــي إىل نتـ�اجئ عكســية لــم تكــن باحلســبان ،كزيــادة التأييـ�د الشــعيب
ً
لعمليــات التصــدي ،أو رفــع نســبة املنخرطــن فعليــا يف املقاومــة ،أو حــى إنهــاء العمليــات
العســكرية.
ً
.8التشــويش علــى املســار اإلعــايم :نظــرا النتشــار أدوات الزتييــف العميــق،
ســتواجه املؤسســات اإلعالميــة معضلــة تتعلــق بمــدى قدرتهــا علــى التفريــق بــن املــواد
244
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
األصليــة واملفربكــة .هــذه املعضلــة لهــا جانــب ســليب آخــر يتجســد يف كــم الوقــت الــذي
تســتهلكه جهــود التحقــق ،وبالتــايل صعوبــة االلــزام أو حتقيــق مطلــب ســرعة النشــر
( .)Funke:2017وال يقتصــر األمــر علــى ذلــك ،بــل قــد تتعــرض املؤسســات اإلعالميــة خلطــر
اإليقــاع بهــا ،عــر تلقيهــا ونشــرها محتــوى مفــرك لــم تتمكــن يف مرحلــة أوىل مــن كشــف
زيفــه .وهنــا ،قــد تتقلــص رغبــة املؤسســات يف اســتقبال ونشــر مــواد مصــورة إال بعــد
التأكــد مــن صحتهــا ،وإال ســتجد صعوبــة يف االلــزام بواجبهــا األخــايق جتــاه اجلمهــور
خاصــة إذا لــم تمتلــك لــأدوات املناســبة الــي تؤهلهــا للتحقــق بشــكل ســريع (.)Ibid
245
الفصــل الرابــع
246
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
247
الفصــل الرابــع
ً
بتهمــة االحتــكار ،نظمــت مجموعــة Americans for Technology Leadershipاســتطالعا
ً ً
شــعبي�ا مزيفــا ،وأرســلت رســائل تعاطــف مــع مايكروســوفت ،إلقنــاع املشــرعني بوجــود
ً
تأيي ـ�د شــعيب لصالــح حكــم يــرئ الشــركة .وأتضــح الحقــا زيــف احلملــة ،وأن املجموعــة
تلقــت تمويلهــا مــن شــركة مايكروســوفت ذاتهــا ( .)Ibidوفيمــا يتعلــق باملصطلــح (دعايــة
التضليــل) ،نؤكــد هنــا علــى ضبابيتـ�ه ،وعــدم كفايتـ�ه اللغويــة للتعبــر عــن حقيقــة وأبعــاد
الظاهــرة .ويــرد ســبب ذلــك ،إىل غيــاب الرتجمــة العربيــ�ة املهنيــ�ة املعتمــدة ،واالكتفــاء
بالرتجمــة احلرفيــة (الدعايــة الشــعبي�ة الزائفــة) .لذلــك ،نــرى مــن اجلائــز إعــادة صياغــة
املصطلــح ،واســتب�دال تســمية «دعايــة التضليــل» أو «الدعايــة الشــعبي�ة الزائفــة»
ً
بتســمية أخــرى أكــر وضوحــا تتمثــل يف «صناعــة االنطبــاع املضلــل» ،أو «صناعــة الظهــور
املزيــف» ،ألن العمليــة برمتهــا مربمجــة ومقصــودة وأقــرب ملفهــوم الصناعــة ،كمــا تتوجــه
مباشــرة حنــو اجلانــب اإلدراكــي لإلنســان ،لتتلاعــب بــه ،مــن أجــل تكويــن صــورة مزيفــة
وعكســية .ومــا ســبق يصــب يف خدمــة صناعــة انطباعــات محــددة ،حتفــز ســلوكيات
بعينهــا ،علــى قاعــدة اتســاق وتماثــل هــذه الســلوكيات مــع أخــرى ،هــي باألصــل مزيفــة.
وتتصــف االشــكال احلديثـ�ة لدعايــة التضليــل بتســللها خلســة علــى شــكل حمــات
مصممــة مــن أجــل حصــد قبــول أو دعــم جماعــي لصالــح أيديولوجيــة أو سياســة أو قــرار أو
المتحصــل ذو ماهيــة موقف...إلــخ ،مــن خــال خــداع اجلمهــور لالعتقــاد بــأن (الدعــم) ُ
عضويــة ،نــى وتشــعب بشــكل طبيعــي وتلقــايئ؛ وبالتــايل ،لــن يــدرك ضحايــا احلملــة بــأن
(الدعــم) ذاتــه قــد خضــع للصناعــة مــن قبــل مصــدر مجهــول.
كمــا تعتمــد دعايــة التضليــل علــى التخفــي املتعمــد كاســراتيجية ،عــر صناعــة حالــة
مــن املناصــرة أو الضغــط الوهــي املزعــوم ،بهــدف حتقيــق مكاســب خاصــة .وهــي تســتغل
اجلانــب الســيكولويج لإلنســان ،مــن خــال التأثــر يف طريقــة أدراكــه للواقــع ،وبالتــايل
دفعــه حنــو تكويــن انطبــاع مغشــوش حــول حقيقــة األشــياء والتحــركات الماثلــة أمامــه.
بمعــى أنهــا جهــود خفيــة ومســترتة لتضليــل اجلمهــور ،عــر صناعــة ظهــور مزيــف يؤثــر يف
حكمــه وقــراره النهــايئ.
248
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
249
الفصــل الرابــع
يتطلــب رأس مــال بشــري كبــر ،ومــوارد حاســوبي�ة كافيــة ،وبروتوكــوالت واضحــة ألغراض
اإلدارة االســراتيجية الفعالــة .وبوجــود هــذه العناصــر ،يســتطيع راعــي احلملــة حتديــد
الفئــات املســتهدفة بدقــة ،واختي ـ�ار الدوافــع (سياســية ،عســكرية ،)..ونوعيــة االتصــال
املطلــوب (احــادي ،تفاعلــي) ،أو طبيعــة التنفيــذ (آيل ،إنســاين) ،أو األســلوب األمثــل
لصياغــة رســائل مضللــة قويــة (.)Zhang et al.:2013
.2الفرق بني دعاية التضليل والتحرك القاعدي
ال يمكــن فهــم دعايــة التضليــل ،دون هضــم معــى التحــرك القاعــدي .Grassroots
فاألخــر ينشــط علــى املســتوى الشــعيب -املحلــي ،مــع متطوعــن مــن املجتمــع املــدين،
ً
ويتمحــور هدفــه الرئيــس يف صياغــة جهــود جماعيــة تب ـ�دأ مــن املســتوى األدىن ،صعــودا
إىل األعلــى ،مــن أجــل دعــم أو مناصــرة قضيــة محليــة أو عامليــة ،جيــدون يف تأيي�دهــا
فائــدة للمجتمــع ( .)Haikarainen:2014لهــذا التحــركات القاعديــة علــى ربــط اجلمهــور
بقضايــا تن�اصــر حقــوق مجتمعيــة معينــ�ة ،كقضايــا البيئــ�ة والصحــة والتعليــم وغريهــا
(.)Cho et al.:2011
ويتمثــل االختــاف بــن دعايــة التضليــل والتحــركات القاعديــة ،يف أن األخــرة تنشــأ
بشــكل تلقــايئ وحقيقــي يصــب يف خدمــة مصلحــة جماعيــة ،بينمــا األوىل تنشــأ بشــكل
متعمــد ومضلــل علــى يــد منظمــات ومؤسســات جتاريــة أو حكوميــة أو حزبي ـ�ة؛ كــي تب ـ�دو
وكأنهــا صــادرة عــن حتــرك قاعــدي شــعيب حقيقــي ،لكنــه يصــب يف خدمــة مصلحــة خاصــة.
ويف املحصلــة ،دعايــة التضليــل هــي التعبــر املشــوه عــن التحــرك القاعــدي.
250
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
251
الفصــل الرابــع
أمــا بالنســبة للتعريفــات التجاريــة ،فدعايــة التضليــل هــي حملــة تنظمهــا مجموعات
ضغــط أو خــراء يف العالقــات العامــة لصناعــة أو عكــس صــورة قاعديــة مزيفــة أو مضللــة
()Johnson:2009؛ أو هــي كيــان وهــي يتقمــص شــكل حــركات شــعبي�ة قاعديــة ،يتــم
إنشــاؤها ودعمهــا مــن قبــل شــركات لتعزيــز ودعــم وجهــات نظرهــا ومطالباتهــا ومنتجاتهــا،
أو حتســن تصنيفهــا وترتيبهــا علــى محــركات البحــث اخلاصــة بشــبكة اإلنرتنــت
( .)Bruinius:2013وهنــاك تعريــف إجــرايئ يصفهــا علــى شــكل مجموعــة الطــرق الــي تنفذها
ً
مؤسســات ملنــح عمــاء محتملــن انطباعــا بــأن مســتخدمني حقيقيــن عــر اإلنرتنــت
يوصــون بمنتجاتهــا وخدماتهــا ،وهــذه التوصيــات هــي باألصــل مــن صنــع هــذه املؤسســات
(.)Leiser:2016
ويف املجــال الســيايس ،تعــرف دعايــة التضليــل علــى أنهــا جهــود تســعى إىل التأثــر يف
السياســيني بطريقــة غــر مباشــرة ()Kolbert:1995؛ أو أنهــا إجــراءات سياســية تتنكــر علــى
هيئــ�ة جهــود قاعديــة شــعبي�ة ()Gordon:2012؛ أو هــي محاولــة لصناعــة انطبــاع وهــي
بوجــود دعــم شــعيب لسياســة أو ســيايس ،بينمــا احلقيقــة عكــس ذلــك .وهنــا يتــم اســتخدام
هويــات ومجموعــات ضغــط وهميــة لتضليــل اجلمهــور لالعتقــاد بــأن الــرأي (جتــاه سياســة
أو ســيايس) هــو الســائد بــن اجلمهــور(.)Bienkov:2012
وفيمــا خيتــص باملجــال الرقــي ،هــي ممارســة لنشــر رســائل عــر شــبكة االنرتنــت
بشــكل مجهــول ،او باســتخدام اســماء مزيفــة او وهميــة ،مــن أجــل صناعــة ضجــة أو توجــه
ســليب حول/جتــاه جهــة أو قضيــة أو قــرار مــا ( .)Wright:2004ويف تعريــف آخــر ،هــي عمليــات
منســقة أو حمــات علــى شــبكة اإلنرتنــت ،تقــوم علــى نشــر رســائل تدعــم أجنــدة معينـ�ة،
ً
بأســلوب مخــادع؛ كــي ختلــق انطباعــا بصدورهــا عــن كيــان مســتقل ( .)Simpson:2011وهناك
ً
مــن يعدهــا نشــرا لــآراء املخادعــة عــر اإلنرتنــت مــن قبــل محتالــن يتصرفــون كأفــراد
مســتقلني بهــدف الرتويــج ألجنــدة معينــ�ة ( .)Zhang et al.: 2013وهنــا يتــم دفــع مقابــل
ً
مــادي للمحتالــن مــن أجــل نشــر ودعــم بعــض املفاهيــم ني�ابــة عــن اجلهــة الراعيــة .ومــن
ً ً
أفضــل التعريفــات ،بــرأيي ،مــا يعدهــا نشــاطا اســراتيجيا (مــن أعلــى إىل أســفل) ،مخــادع
ً
ومصطنــع علــى شــبكة اإلنرتنــت ،ترعــاه جهــات فاعلــة رقميــا (سياســية أو غــر سياســية)
252
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
مــن خــال محاكاتهــا لألنشــطة احلقيقيــة (مــن أســفل إىل أعلــى) الــي تنفذهــا جهــات
مســتقلة حقيقيــة (.)Kovic et al.:2018
ً
وأخــرا ،يمكــن لنــا تعريــف عمليــة صناعــة االنطبــاع املضلــل بمســتواها الدعــايئ
الرقــي ،ويف حــدود عالقتهــا بمواقــع الشــبكات االجتماعيــة ،بكونهــا :عمليــة أو حملــة
سياســية ترعاهــا جهــة مــا متخفيــة ،مــن خــال وســطاء ،لنشــر معلومــات ،أو صناعــة ظهور
مزيــف يب ـ�دو للمســتخدم العــادي وكأنــه نابــع عــن حتــركات قاعديــة حقيقيــة المركزيــة،
تلقائيـ�ة وعفويــة .وبالنظــر إىل التعريــف املقــدم ،يمكــن رصــد خصائــص دعايــة التضليــل.
.4خصائص دعاية التضليل
-جهد منظم جيري على مسرح سيرباين.
-يقف خلفها فاعل سيايس.
-تتجسد بشكل مصطنع ،بغرض اخلداع؛ لتحقيق أهداف اسرتاتيجية.
وهــي مصطنعــة؛ ألنهــا ال تعــر بشــكل صريــح عــن آراء فرديــة مســتقلة ،بــل حتاكــي
هــذه اآلراء لتبـ�دو وكأنهــا مســتقلة .كمــا أنهــا مخادعــة؛ ألن غايتهــا اإليقــاع بالهــدف ،ودفعه
لالعتقــاد أن النشــاط املزيــف القائــم حقيقــي .وهــي اســراتيجية ألن الفاعــل الســيايس
يســعى عربهــا إىل حتقيــق أهــداف معين ـ�ة تتجــاوز مربــع املراوغــة التكتيكيــة.
.5الفرق بني الشكلني التقليدي والرقيم
ال توجــد فــروق كبــرة بــن الصيغتــن التقليديــة احلديث ـ�ة لدعايــة التضليــل ،حيــث
يمكــن لعناصرهمــا االندمــاج لتحقيــق تأثــر كبــر ومضاعــف .والفــروق بينهمــا علــى قلتهــا
مفاهيميــة مرتبطــة بالنطــاق التشــغيلي ،فالصيغــة الرقميــة ظاهــرة ثن�ائيــ�ة تتــم عــر
الفضــاء الرقــي ،وتعتمــد علــى عنصــري اخلــداع والتخفــي ،ويمكــن ألي جهــة مؤسســاتي�ة
تنفيذهــا ،وهــي شــديدة اخلطــورة لتنــوع الفئــات الــي تســتطيع اســتهدافها ،كمــا أنهــا غــر
ً ً
مقيــدة زماني ـ�ا ومكاني ـ�ا ،ويمكــن تطبيقهــا يف أي وقــت وبــأي شــكل ،وجتــاه أي فئــة ،محليــة
أو دوليــة .يف املقابــل ،تتطلــب الصيغــة التقليديــة وجــود أكــر مــن عنصــر علــى مســتوى
253
الفصــل الرابــع
التنفيــذ ،كاحلاجــة إىل وســطاء (واجهــة) وإمكانــات ماديــة وغريهــا ،وهــي تســتهدف فئــات
معينـ�ة مثــل رجــال السياســية واملشــرعني والقانونيــن ولوبيـ�ات الضغــط ،كمــا أنهــا مقيدة
الزمــان واملــكان؛ لذلــك تنعكــس خطورتهــا علــى الواقــع املحلــي ال الــدويل.
جدول يوضح الفرق بني بني الشكلني التقليدي والرقيم لدعاية التضليل
254
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
مئــات الرســائل يف وقــت قصــر بهــدف الوصــول إىل أكــر شــرحية مــن اجلمهــور ،مــن دون
أن يشــعر أنهــا صــادرة عــن املتن�افســن أو حتــت رعايتهــم (.)Mustafaraj & Metaxas:2010
وفيمــا خيــص شــركة احلاســوب الشــهرية ،IBMكشــفت دراســة عــن حضهــا موظفيهــا نشــر
رســائل وتدوينــ�ات لصاحلهــا وضــد منافســيها ،بطريقــة بــدت وكأنهــا منبثقــة عــن رأي
حقيقــي ( .)Cox et al.:2008كمــا كشــفت دراســة أخــرى أجريــت علــى موقــع ،Amazonعــن
وجــود مراجعــات مزيفــة Fake Reviewsهدفــت إىل التأثــر يف القــرارات الشــرائي�ة لألفــراد
لصالــح أكــر مــن جهــة جتاريــة (.)Hu et al.:2011
باإلضافــة إىل مــا ســبق ،ال بــد مــن إفــراد مســاحة كافيــة للحديــث عــن الدوافــع
السياســية الــي تقــف خلــف اشــتغال دعايــة التضليــل علــى مواقــع الشــبكات االجتماعية.
فبحســب ( ،)Kovic:2018تتنــوع الدوافــع إىل درجــة ال يمكــن حصرهــا ،لكــن أكرثهــا أهميــة
مــا يتلخــص يف مجالــن :يتمثــل األول يف دعــم أو معارضــة سياســة معين ـ�ة ،فيمــا يتجســد
الثــاين يف دعــم أو معارضــة فاعلــن سياســيني .وبالنســبة لــأول ،يســخر العديــد مــن رجــال
السياســية دعايــة التضليــل مــع قضايــا سياســية معينـ�ة بهــدف إمــا التأثــر يف الــرأي العــام
أو بعــض الفاعلــن السياســيني؛ وذلــك لدفعهــم إمــا تأيي ـ�د مواقفهــم مــن هــذه القضايــا،
أو معارضــة مواقــف منافســيهم جتاههــا .أمــا بالنســبة لتوظيــف دعايــة التضليــل يف دعــم
أو معارضــة فاعلــن سياســيني ،فالهــدف هنــا يتمثــل يف صناعــة زعــم وهــي بوجــود تأييـ�د
شــعيب ألنفســهم ،أو صناعــة زعــم مقابــل بعــدم شــعبي�ة منافســيهم ( .)Ibidوجميــع مــا
ســبق يتــم بــأدوات خفيــة مســترتة ،تضمــن صناعــة انطبــاع أو ظهــور مضلــل لــدى الطــرف
اآلخــر حبقيقتهــا.
جدول يوضح عناصر دعاية التضليل بشكلها املنظم على الشبكات االجتماعية
اﻟﻨ�ﻴﺠﺔ اﻟﻌﻤﺎل اﻟﻮﺳﻴﻂ اﻟﺮاﻋـ ــﻲ
ّ
ﺻﻨﺎﻋﺔ�إﻧﻄﺒﺎع�ﻣﻀﻠﻞ. ﻣ�ﻠﻒ�ﺑﺎﻟﺘﻨﻔﻴﺬ. ﺗﺨﻄﻴﻂ�ﺣﻤﻠﺔ�اﻟﺪﻋﺎﻳﺔ. ا��هﺔ�اﻟﺮاﻋﻴﺔ�ﻟﻠﺘﻀﻠﻴﻞ.
ﺗﺤﻔﻴـﺰ�اﺳﺘﺠﺎﺑﺔ�ﺳﻠﻮﻛﻴﺔ. ﻣﺘﺨﻔﻲ���ﻮ�ﺔ�ﻣﺰورة. ﺗﺤﺪﻳﺪ�ﻧﻮع�اﻻﺷﺘﻐﺎل. ﻣﺘﺨﻔﻴﺔ�ﺳﺮ�ﺔ.
ﺗﺤﻘﻴـﻖ�ﻣ�ﺎﺳـﺐ. ﺷ�ﻞ��ﺸﺮي�أو�آﻟــﻲ. ﺗﺠﻨﻴﺪ�وﺗﻮﺟﻴﮫ�اﻟﻌﻤﺎل. إﻣ�ﺎﻧﺎت�ﻟﻮﺟﺴ�ﻴﺔ.
255
الفصــل الرابــع
256
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
يف املقابــل ،وعلــى صعيــد الوســائل البشــرية ،حتتــاج دعايــة التضليــل إىل مجموعــات
كاف ،وقــدرة فعالــة علــى اإلدارة
كبــرة مــن املســتخدمني واملشــغلني بشــرط توفــر تمويــل ٍ
والتوجيــه .وبرغــم دنــو فعاليــة األشــكال البشــرية علــى صعيــد مســاحة االنتشــار ،إال
ً
أنهــا أكــر تأثــرا مــن نظريتهــا اآلليــة .فهــي تســتطيع الدفــاع عــن آراء مشــغليها وحتقيــق
أهدافهــم بشــكل مباشــر ،مــن خــال التســلل إىل غــرف الدردشــة ،أو املدونــات ،أو مواقــع
الشــبكات االجتماعيــة ،أو املواقــع اإللكرتونيـ�ة .كمــا تتمــز بقدرتهــا علــى التكيــف الســريع
مــع املتغــرات املفاجئــة الــي قــد تتعــرض لهــا احلملــة ،إىل جانــب إمكاناتهــا علــى صعيــد
التفاعــل واإلقنــاع .وبرغــم االســتقاللية الظاهــرة ،إال أن العمــال ملزتمــون باخلطــوط
العامــة الــي حتددهــا اجلهــة الراعيــة .فالرســائل الــي ينشــرونها مصممــة بعنايــة لتن�اســب
البيئـ�ة والفئــة املســتهدفة ،وبالتــايل ال مجــال لالجتهــاد .ويشــرط يف حملــة دعايــة التضليل
(صناعــة االنطبــاع املضلــل) علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة أن تأخــذ اآليت باحلســبان:
أ .زيــادة وصــول العامــل :عــر تأســيس أكــر مــن حســاب وهــي بأســماء مســتعارة؛
بهــدف صناعــة انطبــاع مضلــل لــدى املســتخدمني يفيد وجــود أفــراد حقيقيني يشــاركونهم
نفــس اآلراء.
ب .تفعيــل العــدوى وتضخيــم األثــر :بمجــرد نشــر الرســائل ،يقــع عديــد مــن
املســتخدمني ضحيــة لهــا ،فيقومــون علــى مشــاركتها أو إنت ـ�اج أشــكال جديــدة منهــا دون
وعــي منهــم؛ ممــا يــؤدي إىل تضخيــم األثــر.
ج .املزاوجــة بــن األشــكال البشــرية واآلليــة والهجينــ�ة :يمكــن تنفيذهــا بواســطة
نظــام برمــي Botأو بشــري Humanأو هجــن .Cyborgوعــر اآليل يمكــن بلــوغ نطــاق شــبكي
كبــر ،بينمــا الوســيط البشــري قــادر علــى التفاعــل بكفــاءة ،فيمــا يدمــج الهجــن قــدرات
ً
الشــكلني معــا.
د .تنظيــم وتنســيق اجلهــود :إتبــ�اع تكنيــكات تنفيــذ منســقة تتحــاىش كشــف
أنمــاط اشــتغال مزتامنــة ومتشــابهة كــي ال يتــم كشــف حقيقتهــا املضللــة .وتضمــن جهــود
التنظيــم صياغــة أشــكال متنوعــة مــن النصــوص ،وبــث الرســائل عــر وســائط متنوعــة،
257
الفصــل الرابــع
وتوزيــع توقيتهــا ،وحتديــد نطــاق انتشــارها .وجتاهــل مــا ســبق ،يــؤدي إىل كشــفها ،ســيما
مــا يتعلــق باستنســاخ الرســالة النصيــة .ويف كثــر مــن األحيــان ،تتســبب مراعــاة مــا ســبق
يف ظهــور معضــات طارئــة .فجدولــة الرســائل علــى مســاحة زمني ـ�ة قــد يؤثــر علــى عــدد
الرســائل الصــادرة يف كل فــرة ،كمــا أن صياغــة رســائل بصيــغ متعــددة حتتــاج اىل وقــت
ومــوارد ،ورأس مــال بشــري كبــر.
ه .توجيــه وضبــط ســلوك العمــال :مطلــوب مــن الوســيط ،تنفيــذ رقابــة صارمــة
علــى أداء العمــال ،عــر حســاب عــدد الرســائل الــي قامــوا بنشــرها ،واحلســابات الوهميــة
الــي قامــوا بإنشــائها ،وجهدهــم الــدوري املبــذول يف مجــال حتديــث احلســابات كــي تب ـ�دو
حقيقيــة .وهنــا ،قــد تتســبب الرقابــة الصارمــة يف اخنفــاض جــودة العمــل ،علــى حســاب
اجلهــد الرئيــي يف تمويــه األنشــطة .لذلــك قــد يعمــد الوســيط إىل جتميــع العمــال يف مــكان
واحــد لتنفيــذ الرقابــة ،ولكــن حــى هــذا اإلجــراء قــد ال حيقــق نتـ�اجئ إجيابيـ�ة ،لتوقــف العامــل
عــن النشــاط فــور مغادرتــه مــكان العمــل.
.8دعاية التضليل وآليات التأثري واإلقناع
يتســق تأثــر دعايــة التضليــل علــى مســتوى علــم النفــس االجتماعــي مــع تلــك
الناجمــة عــن ظاهــرة «التأثــر االجتماعــي املعلومــايت ،»Informational Social Influence
وظاهــرة «الدليــل االجتماعــي .»Social Proofففــي احلالــة األوىل ،يتحقــق اإلقنــاع عندمــا
يميــل املســتخدم إىل اعتبـ�ار املعلومــات الصــادرة عــن مســتخدمني آخريــن كدليــل يؤخــذ بــه
عنــد تشــكيل رأي أو حكــم جتــاه قضيــة مــا ( .)Deutsch et al.:1955وقــد أوضــح علمــاء النفــس
أن اإلنســان معــرض للخضــوع إىل رأي األغلبي ـ�ة يف حــال وجــود إجمــاع علــى رأي مــا ،أو يف
حــال الغمــوض املعلومــايت ،أو شــدة اجنــذاب الفــرد للمجموعــة ورغبتـ�ه يف االنضمــام إليهــا.
أمــا يف احلالــة الثانيــ�ة ،فيتحقــق اإلقنــاع باســتخدام قــوة وجاذبيــ�ة النظــر ،وهــي
ظاهــرة نفســية يتكيــف فيهــا املســتخدم مــع ممارســات ملســتخدمني آخريــن ،حبيــث
يتولــد اعتقــاد لديــه بضــرورة ممارســة نفــس مــا يمارســه اآلخــرون ،بمعــى التشــبه
بهــم .وبرغــم التأثــرات اإلقناعيــة الســابقة ،القائمــة علــى اإلدراك واملشــابهة؛ إال
258
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
أنــه ال جيــب إغفــال تأثــر يطلــق عليــه اســم «نمــوذج بلــورة األرجحيــة يف اإلقنــاع
،»Elaboration likelihood Model of Persuasionسيمــــا مـــا يتعلــــق بطريقــــة معاجلــــة
املســتخدمني للمعلومــات والرســائل اخلاصــة بدعايــة التضليــل.
ويف املســار األول اخلــاص بالنمــوذج ،حتــت اســم املســار املركــزي ،Central Routeيميــل
املســتخدم إىل فحــص الرســالة بعنايــة شــديدة ،مــن خــال التفكــر بعمــق يف محتواهــا،
وتأمــل األفــكار واملعلومــات الــي تتضمنهــا ،وحتليــل األدلــة واألســباب الــواردة فيهــا .وهــذا
النــوع مــن املســتخدمني يتمــز بدافعيــة كبــرة جتــاه حتليــل الرســالة ،لذلــك تســعى دعايــة
التضليــل إىل بــث رســائل تمتــع بقــوة حجاجيــه عاليــة ،يصعــب كشــف زيفهــا ،يف مواجهــة
هــذا النــوع مــن املســتخدمني .أمــا الثــاين ،املســار الســطيح (اإللتفــايف) ،Peripheral Route
فيتمــز فيــه املســتخدم بالســطحية ،حبيــث يبتعــد عــن ممارســة اجلهــد املعــريف املعمــق
لصالــح االعتمــاد علــى خصائــص الرســالة الظاهــرة من أجــل تقييمهــا ،مثل طريقة ســردها
وبالغتهــا ومــدى اســتمالتها لعاطفته...إلــخ .ويف كلتــا احلالتــن يعتمــد ،بنـ�اء رســائل دعاية
التضليــل علــى مــدى التعمــق يف دراســة الفئــة املســتهدفة ( .)Zhang et al.: 2013وتهــدف
رســالة دعايــة التضليــل إىل إقنــاع مســتقبلها بعــدم زيفهــا ،عــر تأكيــد عقالني ـ�ة وجديــة
محتواهــا ،وأن مضمونهــا يعكــس إلرادة حقيقيــة مســتقلة ،صــادرة عــن مســتخدم حيمــل
وجهــة نظــر أصيلــة .وهنــا ،حتــاول دعايــة التضليــل إمــا تغيــر رأي املســتخدم حــول قضيــة
مــا ،أو إثــارة الشــكوك يف نفســه حــول وجهــة نظــر مــا ،مــن خــال حملــة منســقة ،يتــم
خاللهــا إغــراق املنصــة املســتهدفة بعشــرات الرســائل املضللــة .ومــن هنــا نســتطيع وصــف
التأثــر الناجــم عــن دعايــة التضليــل عــر مواقــع الشــبكات االجتماعيــة ،بكونــه الدرجــة
الــي تســتطيع بموجبهــا حملــة دعايــة التضليــل تغيــر رأي املتلقــي أو التأثــر يف قناعاتــه
وأفــكاره جتــاه موضــوع معــن ( .)Cialdini:2001وبن ـ�اء علــى مــا ســبق ،يمكــن رد تأثــر دعايــة
التضليــل إىل أربــع آليــات ،علــى الوجــه اآليت:
أ .منظــور املصــادر املتعــددة :حبســب عديــد مــن الدراســات ،تــؤدي املصــادر املتنوعــة
ً
واحلجــج اآلتيـ�ة مــن مصــادر مختلفــة دورا يف اإلقنــاع بعمليــات ورســائل دعايــة التضليــل.
ويــرد الســبب إىل التصــورات اإلدراكيــة الــي تنشــأ يف عقــول املســتخدمني ،علــى صعيــد
259
الفصــل الرابــع
بنـ�اء قناعــة نفســية تفيــد بتنــوع اآلراء طالمــا أن التنــوع نابــع عــن مصــادر مختلفــة ومتعددة
( .)Harkins et al.:1987وهنــا تســتطيع احلملــة صناعــة أكــر مــن مصــدر لتفعيــل هــذا
التأثــر لــدى املســتخدمني .إضافــة لمــا ســبق ،يشــكك كثــر مــن املســتخدمني باملعلومــات
الصــادرة عــن املؤسســات والهيئـ�ات الرســمية ،ونتيجــة لذلــك ،يتوجــه الكثــر منهــم لطلــب
املعلومــات مــن مصــادر بديلــة ،مثــل مواقــع الشــبكات االجتماعيــة ،العتقادهــم أنهــا أكــر
موثوقيــة .وهنــا يتعاظــم دور دعايــة التضليــل يف إقنــاع األفــراد ،ســيما إذا مــا ختفــت علــى
شــكل مســتخدمني عاديــن.
ب .منظــور الغمــوض وانعــدم اليقــن :يف كثــر مــن احلــاالت ،ســيما يف مجــايل
السياســة والتجــارة ،جتتــاح املســتخدمني حالــة مــن انعــدام اليقــن والغمــوض خبصــوص
موضــوع أو قضيــة أو ســلعة أو شــخصية مــا على مواقــع الشــبكات االجتماعيــة ،لذلك يلجأ
ً
هــؤالء املســتخدمني إىل آخريــن طلبــا للمعلومــات ،مــا يرتتــب عليــه اعتمادهــم واعتن�اقهــم
للمعلومــات الــي ينشــرها نظرائهــم .ويف هــذه احلالــة ،تســتطيع دعايــة التضليــل توظيــف
أدوات ظاهــرة «التأثــر االجتماعــي املعلومــايت» يف مجــال تغيــر رأي املســتخدم ،أو
التشــويش علــى آرائــه الســابقة فيمــا خيــص قضيــة وفكــرة معين ـ�ة (.)Wooten et al. 1998
ً
ج .منظــور التشــابه :غالبــا مــا تت�أثــر معتقــدات الفــرد وآرائــه بشــأن موضــوع مــا
بمعتقــدات وآراء أفــراد آخريــن مشــابهني لــه ومــن نفــس املســتوى أو النــوع االجتماعــي؛
لذلــك يتصاعــد احتمــال أن تت�أثــر معتقــدات املســتخدم باملعلومــات واآلراء الــي ينشــرها
مســتخدمون آخــرون مشــابهني لهــم ،وإن كانــت مزيفــة ومضللــة (.)Cialdini:2001
وهنــا ،نســتنتج ميــل األفــراد إىل التماثــل والتشــابه مــع اآلخريــن علــى حســاب مضمــون
الرســالة .مــن ناحيــة أخــرى ،يشــر ( )Ibidإىل أهميــة نبــوع التأثــر مــن مســتوى أفقــي ال
عامــودي؛ ألن األول قــادم مــن مســتوى ودرجــة اجتماعيــة مماثلــة ،بعكــس الثــاين الهابــط
مــن مســتويات عليــا .وألنهــا ال تعتمــد علــى إقامــة صــات مباشــرة مــع املســتقبل،
تتعمــد دعايــة التضليــل أن تب ـ�دو رســائلها وكأنهــا صــادرة عــن مســتخدم مســتقل يتمــز
بمواصفــات قريبــ�ة ومماثلــة مــن املســتخدمني اآلخريــن .لذلــك ،الرســائل الــي حتمــل
صفــة ســلطوية سياســية أو جتاريــة ،قــد ال حتقــق التأثــر املــراد منهــا .ويؤكــد باحثــان علــى
260
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
إمكانيـ�ة ختطــي الفــروق االجتماعيــة بــن مرســلي ومســتقبلي املعلومــات يف مجــال التأثــر،
مــن خــال توظيــف تكنيكيــات خــداع تســهم يف تقصــر املســافة النفســية بــن الطرفــن،
عــر ظهــور اجلهــة الراعيــة لدعايــة التضليــل وكأنهــا نظــر أو مــكائف اجتماعــي للمســتهدف
(.)Kinniburgh & Denning:2007
د .منظــور الدافــع النفــي :باالرتــكاز علــى نمــوذج بلــورة األرجحيــة ،تــؤدي الدوافــع
ً
النفســية دورا يف حتديــد شــكل اخنــراط األفــراد مــع الرســالة ،وبالتــايل حتقيــق التأثــر مــن
عدمــه .علــى ســبي�ل املثــال ،يميــل األفــراد الذيــن يتمتعــون حبمــاس ورغبــة قويــة جتــاه
املعلومــات ،إىل فحــص رســالة احلملــة بدقــة ،لذلــك يتطلــب إعــداد مضمونهــا حنكــة
عاليــة ،وإال فشــلت .أمــا يف حالــة األفــراد فاقــدي احلمــاس والدافعيــة ،فيميلــون إىل
التعــرض للرســالة بشــكل ســطيح غــر متعمــق ،حبيــث تتمكــن مــن التأثــر فيهــم ،خاصــة
حــال تضمنــت اســتماالت عاطفية تســتحث الوجــدان ( .)Cacioppo et al.:1986وباإلســقاط
علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة ،يميــل مســتخدميها مــن اصحــاب الدوافــع القويــة إىل
ســلوك املســار املركــزي يف هضــم املعلومــات ،علــى عكــس أصحــاب الدافعيــة املنخفضــة
الذيــن يميلــون إىل املســار الســطيح (.)Metzger:2007
.9نماذج عن دعاية التضليل
تعتمــد دوافــع هــذا النــوع مــن احلمــات املضللــة علــى الفوائــد املســتمدة مــن
التالعــب بــآراء وتصــورات مســتقبلي الرســالة .والفوائــد هنــا متنوعــة حبســب اجلهــة،
ســواء كانــت سياســية ،او اقتصاديــة ،او جتاريــة ،او عســكرية...إلخ .ومــن األمثلــة الــي
ً
تســاعد علــى فهــم معــى حمــات دعايــة التضليــل (صناعــة االنطبــاع املضلــل) عمليــا،
اآليت:
أ .تلجــأ شــركات اقتصاديــة إىل تأســيس مؤسســات وهميــة ،أو اســتئجار خدمــات
مؤسســة للعالقــات العامــة؛ مــن أجــل ممارســة ضغــط مصطنــع علــى مشــرعني ،إمــا
لتمريــر قانــون خيدمهــا أو إلغــاء قــرار يضرهــا ،مــن خــال إيهــام املشــرعني بــأن الضغــط
امتــداد حلــراك قاعــدي حقيقــي ،وهــو يف حقيقتــه وهــي مزيــف ،ال خيــدم ســوى مصلحــة
261
الفصــل الرابــع
الشــركة فقــط .كمــا يمكــن لهــا توظيــف االتصــاالت اآلليــة ،أو تأســيس مواقــع علــى
ُ
اإلنرتنــت ،إضافــة إىل رســائل الربيــد اإللكرتوين...إلــخ ،وجميعهــا تســتخدم لتضليــل اجلهــة
املســتهدفة.
ب .رســالة إىل املحــرر ،الــي هــي خدمــة صحفيــة موجــودة علــى الصحــف واملواقــع
اإللكرتونيـ�ة ،تتيــح للقــارئ تقديــم وجهــة نظــره حــول مقــال مــا ،علــى أن تتعهــد الصحيفــة
بنشــره حــال مالئمتــه .وهنــا ،تقــوم جهــات سياســية باســتغالل هــذه اخلدمــة عــر الدفــع
بأشــخاص لكتابــة هــذه الرســائل لتبــ�دو كأنهــا صــادرة عــن رأي حقيقــي ،مــا يؤثــر علــى
السياســة التحريريــة للصحيفــة .وتنشــط «إســرائي�ل» يف هــذا املضمــار مــع الصحــف
األمريكيــة.
ً
ج .مراجعــات اإلنرتنــت املضللــة ،Online Reviewsفمثــا ،يعتمــد املســتهلكون اعتمادا
ـرا علــى آراء مســتهلكني آخريــن ألخــذ قــرار بشــأن شــراء منتــج عــر اإلنرتنــت .يــدرك كبـ ً
البائعــون هــذا األمــر؛ لذلــك يقومــون علــى صناعــة مراجعــات تــؤدي إىل حتفــز املســتهلكني
لشــرائها .بمعــى ،صناعــة مراجعــات وآراء مزيفــة غــر حقيقيــة للتأثــر يف آراء املســتهلكني
حــول املنتــج .وهنــاك وجــه متطــور للمرجعــات ،يــأيت بهيئــ�ة رســائل غــر مرغــوب فيهــا
.Spamومــا يســري علــى املنتــج ،يســري علــى املعلومــات ،فالتعليقــات الســلبي�ة أو
املعلومــات ذات التصنيــف املنخفــض ســتؤدي باألفــراد إىل جتاهلهــا حــى وإن كانــت
ً
صحيحــة ،والعكــس صحيــح .وهنــا جتــدر اإلشــارة ،أن كثــرا مــن هــذه املعلومــات قــد تكــون
مزيفــة او متالعــب بهــا ،منشــورة عــن طريــق وســيط ،مهمتــه نشــر رســائل محــددة لصالــح
ُ
اجلهــة الراعيــة .ومثــال علــى ذلــك الصفحــات الــي تنشــأ علــى موقــع .Wikipedia
د .نشــر محتــوى غــر قانــوين تشــهريي علــى شــكل شــائعات ،أو إعالنــات كاذبــة ،أو
رســائل سياســية مشــبوهة ،مــن خــال وســطاء ،وذلــك للتأثــر يف حظــوظ املنافــس.
ه .دفــع رســوم رمزيــة ألفــراد مــن أجــل التطــرق ملنتــج عــر اإلنرتنــت لزيــادة رواجــه
.Branding
262
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
263
الفصــل الرابــع
264
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
ويعاظــم مــن خطورتهــا .ولكــن ،قبــل أن نتعمــق يف احلديــث عــن دعايــة احلشــديضاعــف ُ
املزيــف ،ال بــد يف البدايــة مــن توضيــح مفهــوم التعهيــد اجلماعــي؛ ألن عــدم هضــم املعــى
الكلــي لهــا ســيؤثر علــى إدراك مقاربــات وأشــكال دعايــة احلشــد املزيــف.
.1التعهيد اجلماعي CROWDSOURCING
يف الســنوات األخــرة ،كشــفت شــبكة اإلنرتنــت عــن قــدرات اســتثن�ائي�ة يف مجــال
تســخري واســتغالل قــوة اجلمهــور لصالــح مهــام محــددة .وكان مــن بــن هــذه القــدرات،
مــا يعــرف بالتعهيــد اجلماعــي(*) ،الــذي هــو مجموعــة مــن املهــام الــي ُيعهــد للجمهــور
ً
تنفيذهــا .فعديــد مــن املواقــع والتطبيقــات املفتوحــة علــى شــبكة اإلنرتنــت ،اتاحــت مجــاال
لربــط املســتخدمني بعديــد مــن الوظائــف واملهــام ،الــي تنفــذ بمقابــل مــادي أو تطوعــي.
ً
ومصطلــح التعهيــد اجلماعــي جديــد نســبي�ا يف األدبي ـ�ات العلميــة ،صــك بواســطة مــارك
روبنســون « »Mark Robinsonوجيــف هــاو « »Jeff Howeيف مقالــة لهمــا نشــرتها مجلــة
Weird Magazineعام 2006م (.)Whitla:2009
ويعرف التعهيد اجلماعي بكونه عملية تستعني فيها مؤسسات جتارية أو جهات ُ
سياسية أو حكومية بمصادر خارجية (جماهريية) من خارج اإلطار الوظيفي للجهة
ً
املتعهدة -سواء فرد أو حشد جماهريي موزع جغرافيا -لتأدية مهمة أو وظيفة أو نشاط ،أو
املشاركة يف حل مشكلة أو مسألة تعاين منها اجلهة املتعهدة بشكل مدفوع أو تطوعي (Wang
ً
.)et al.:2012ويعرف أيضا بكونه نداء مفتوح ألي شخص للمشاركة يف مهمة متاحة عرب
اإلنرتنت ( .)Aitamurto:2012وبشكل أسايس ،يسعى التعهيد اجلماعي إىل استحضار الذكاء
اجلماعي لألفراد ،على افرتاض أن املعرفة تتشكل بدقة عندما تمزتج مجموعة أفكار مختلفة
مع بعضها .وما سبق ،يعين أنها عملية تشاركية تتم عن ُبعد ،تقوم على طلب املساعدة بشكل
مباشر من جمهور اإلنرتنت ،سواء من خالل مواقع ويب ،أو عرب مواقع الشبكات االجتماعية.
ً
ويف املجال السيايسُ ،يعد التعهيد اجلماعي مسلكا باجتاه واحد يهتم بصياغة الرأي العام
وتوجيهه من خالل مشاركة املواطن للحكومة ،ومشاركة أعضاء احلزب مع قيادته
ً
ُيعــرف التعهيــد اجلماعــي أيضــا باســم “حشــد املصــادر” ،وهــذه األخــرة تعــرف بكونهــا التأثــر والتحفــز واالســتفادة مــن (*)
التجمعــات القائمــة علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة لزتويــدك باملعلومــات ومســاعدتك يف حــل االشــياء.
265
الفصــل الرابــع
( .)Lastovka:2015وحيقق التعهيد اجلماعي مصلحة متب�ادلة بني طريف التعهيد .فبالنسبة
للجهة املتعهدة ،تتحقق االستفادة من خالل تقليص هامش التكلفة المالية ،أو خفض
الوقت ،أو ضمان التنوع ،أو البقاء يف املنافسة ،إىل جانب فوائد أخرى عديدة حبسب
توجهاتها .أما بالنسبة للمعهود اليه ،فترتاوح االستفادة بني الرحب المايل ،أو املعنوي
كإشباع احلاجة للربوز االجتماعي وحتقيق الذات واالندماج مع اجلماعة...إلخ ،أو املهاري
على صعيد تطوير قدراته .وعادة ما ُيصمم التعهيد اجلماعي على شكل دعوات مفتوحة
اىل اجلماهري ،أو عرب اإلعالن عن مسابقة .ومن أمثلة التعهيد اجلماعي ،ترجمة الكتب
والدراسات ،أو رسم مجسمات ثالثي�ة األبعاد ،أو املشاركة يف إعداد البحوث ،أو إنت�اج
املحتوى ،أو حتصيل التربعات ،أو جمع املعلومات ،أو تسويق األفكار واملنتجات ،أو كتابة
النصوص الربمجية...إلخ .وجميع ما سبق يرتكز على قاعدة االستفادة من قوة اجلماهري،
عرب توزيع اجلهد على أكرث من مشرتك ،إلجناز املطلوب يف أقل وقت متاح.
ﺗﻠﻘﻲ
ﺗﻮز� ــﻊ�اﳌ�ﺎﻓﺄة. ا��ﻤهﻮر�ﻟﻠﻤﻄﻠﺐ ﺟهﺔ�ﻟﺪ��ﺎ
و�ﻌهﺪﻩ���ﺎ. ﻣﻄﻠﺐ.
املصدر(:املؤلف نفسه)
ويتخطــى التعهيــد اجلماعــي حــدود االقتصــاد والتجــارة ،لينتقــل إىل مســاحات
ً
جديــدة كليــا ،كالطلــب مــن اجلمهــور املســاعدة يف جميــع بي�انــات محــددة ألغــراض
أمنيـ�ة ،أو حتليــل معلومــات ،أو تصميــم اخلرائــط ،Crowdmappingأو جمــع تربعــات ماليــة
...Crowdfundingإلخ.
266
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
وقــد ســبق لكتائــب القســام ،اجلنــاح املســلح حلركــة املقاومــة اإلســامية حمــاس
يف فلســطني أن اســتخدمت التعهيــد اجلماعــي عــر مواقــع الشــبكات االجتماعيــة يف
مناســبتني :األوىل عندمــا طلبــت مــن اجلمهــور التــرع لهــا باســتخدام العملــة اإللكرتونيـ�ة،
والثانيـ�ة خــال عمليــة «حــد الســيف» شــرق مدينـ�ة خانيونــس ،عندمــا دعــت اجلمهور إىل
تقديــم معلومــات عــن اخلليــة «اإلســرائيلية» الــي تســللت داخــل قطــاع غــزة بغــرض زرع
ً
أجهــزة جتسســيه .ومــن أمثلــة التعهيــد اجلماعــي املعاصــرة أيضــا؛ مشــاركة قراصنــة مــن
مختلــف دول العالــم ،يف تنفيــذ هجمــات منســقة علــى مواقــع إلكرتوني ـ�ة «إســرائيلية»،
وحجبهــا أو تدمريهــا أو إفســادها...إلخ .لذلــك فــإن مبــدأ التعهيــد اجلماعــي يســتجيب
ً
وينســجم تمامــا مــع حقيقــة دخــول اجلمهــور علــى خــط التأثــر وانتـ�اج الدعايــة .وجميــع ما
ســبق يؤكــد أن للتعهيــد اجلماعــي مجــاالن :األول ســاكن (مرتبــط بالعمــل علــى املســتوى
االفــرايض فقــط) ،ودين�اميكــي متحــرك (مرتبــط بالفعــل والنشــاط علــى مســتوى الواقــع
الفعلــي).
و جيمــع التعهيــد بــن املســتويني ،مــن حيــث انتقــال املســتخدم مــن مســتقبل إىل
فاعــل نشــط ،يتشــارك مــع اجلهــات العليــا يف مهــام علــى املســتوى الوطــي .مــن ناحيــة
ً
أخــرى ،تشــكل أنظمــة التعهيــد اجلماعــي خطــرا علــى آليــات التأمــن الــي تســتخدمها
ً
عديــد مــن املنصــات واملواقــع ملواجهــة خطــر األنظمــة الربمجيــة اخلبيث ـ�ة .فمثــا ،يســعى
موقعــي تويــر وفيســبوك علــى الــدوام إىل اكتشــاف وإزالــة احلســابات الوهميــة ،وبالتــايل
احلــد مــن انتشــار الروابــط اخلبيث ـ�ة والربيــد العشــوايئ .وألن اجلهــود الســابقة منصبــة
علــى أنمــاط املخاطــر اآلليــة ،تســببت أنظمــة التعهيــد االجتماعــي بمضاعفــة اخلطــر
كونهــا تعتمــد علــى اجلهــد البشــري ال الربمــي ،ســيما وأن املواقــع الســابقة انطلقــت مــن
افــراض مفــاده أن األنشــطة الســلبي�ة ال تتــم جبهــد بشــري لشــدة تعقيدهــا ،وهــو افــراض
اتضــح عــدم صوابيتــ�ه بانتشــار أدوات التعهيــد اجلماعــي ،ومــن ورائهــا حمــات دعايــة
التضليــل ودعايــة احلشــد املزيــف .واملقلــق يف التعهيــد اجلماعــي مــا يرتبــط بإمكانيــ�ة
جتنيــ�د مســتخدمني يف مجــال جمــع املعلومــات االســتخباراتي�ة .والتجنيــ�د بطريقــة
ً
التعهيــد اجلماعــي يعــي اســتقبال معلومــات مفصلــة حــول أي يشء تقريبــ�ا ،خاصــة يف
267
الفصــل الرابــع
حــال جتني ـ�د عــدد كبــر مــن املســتخدمني .وتتجســد خطورتهــا يف صعوبــة رصــد عمليــة
ً
التجنيــ�د ،واســتحالة تتبــع حركــة املعلومــات ،فجميعهــا جتــري بســرية مســتفيدة مــن
خصائــص مواقــع الشــبكات االجتماعيــة .وهنــا ،يســتطيع أي فــرد إنشــاء صفحــة مزيفــة
حتــت اســم مســتعار مــزودة ببي�انــات غــر حقيقيــة ،ثــم إقامــة قنــاة اتصــال مــع اجلهــات
املعاديــة دون درايــة مــن أحــد.
.2نموذج للتعهيد اجلماعي من الواقع الفلسطيين
ال يمكــن ختطــي موضــوع فضــح هويــة اخلليــة «اإلســرائيلية» دون مقاربتهــا
وإســقاطها علــى مفهــوم «التعهيــد اجلماعــي»؛ فالبيــ�ان الصــادر عــن كتائــب القســام
بت�اريــخ الثــاين والعشــرين مــن نوفمــر عــام 2018م بعنــوان «حــد الســيف» ،والــذي
احتــوى صــور شــخصية ألعضــاء املجموعــة األمنيــ�ة املتســللة داخــل مدينــ�ة خانيونــس،
أظهــر ممارســة بديهيــة يف ظاهرهــا ،اســتثن�ائي�ة يف باطنهــا .ويســجل للتاريــخ ،أنهــا املــرة
األوىل الــي جيــري فيهــا تعهيــد مهــام للجمهــور ومســتخديم مواقــع الشــبكات االجتماعيــة
يف قطــاع غــزة مــن أجــل املســاعدة يف اســتكمال كشــف خيــوط قضيــة أمني ـ�ة ،كانــت ومــا
زالــت اختصــاص حصــري ومغلــق وســري ألجهــزة األمــن .ويعتمــد «التعهيــد اجلماعــي»
بمســتواه املعلومــايت يف املثــال احلــايل ،علــى تنشــيط مهمــة محــددة ،تســتوجب مــن
اجلمهــور تقديــم معلومــات مرتبطــة بالشــخصيات املعلــن عنهــا يف بيـ�ان القســام .وكنتيجة
متوقعــة ،يبــ�دأ الفــرد يف اســتدعاء ذاكرتــه قصــرة وطويلــة املــدى ،بغــرض التوصــل إىل
تطابــق ســيميايئ علــى مســتوى العالمــة ،الجــرار أو اســتخالص معلومــات مفيــدة ،تشــمل
خــط ســر وعمــل الوحــدة داخــل قطــاع غــزة؛ فاملهمــة ال تقتصــر علــى الفــرد األمــي؛ بــل
تتســع لتشــمل جمهــور القطــاع بأطيافــه كافــة.
وبن ـ�اء علــى مــا ســبق ،نســتنتج عــدد مــن املالحظــات املرتتب ـ�ة عــن تفعيــل التعهيــد
ً
اجلماعــي جماهرييــا:
-أمــا علــى مســتوى العــدو ،فــا يمكــن كبــح جمــاح الفضــول املعلومــايت النــائش لدى
ً
جماهــره ،مــا يعــي تعاظــم إمكاني ـ�ة مشــاركته يف العمليــة املعلوماتيـ�ة رغمــا عنــه وبشــكل
268
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
تلقــايئ ،دون أن تتمكــن الرقابــة «اإلســرائيلية» فعــل يشء ،ســوى إطــاق التحذيــر تلــو
األخــر .ونشــر هنــا ،إىل أن البيئــ�ة االتصاليــة اجلديــدة ،مكنــت اجلمهــور مــن املشــاركة
بقــوة يف التفاعــات املعلوماتيــ�ة ،بعكــس البيئــ�ة التقليديــة ،الــي خيضــع فيهــا تدفــق
املعلومــات لســيطرة مركزيــة .وباإلســقاط علــى مفهــوم التعهيــد ،ال يمكــن ضبــط حركــة
التفاعــل مــع القضيــة داخــل البيئ ـ�ة الشــبكية للخصــم ،وجــل مــا يمكــن القيــام بــه تقليــل
هامــش اخلســارة ال أكــر.
-املالحظــة الثاني ـ�ة ،والــي أعتربهــا أكــر أهميــة ،هــي تعمــد القســام رفــع منســوب
الوعــي األمــي لــدى جمهــور قطــاع غــزة ،واالنتقــال بــه مــن حالــة مســتقبل خامــل إىل وضــع
فاعــل نشــط .وهــذا حبــد ذاتــه ســلوك اســراتييج؛ ألنــه يضمــن ممارســة أمني ـ�ة شــعبي�ة
دائمــة ،ترصــد للمواقــف والشــخصيات والتحــركات الغريب ـ�ة واملشــبوهة ،لتتبــى ســلوك
مضــاد جتاههــا ،أقلهــا اإلبــاغ عنهــا .ولنــا أن نتخيــل حجــم الضــرر الــذي تعرضــت لــه أجهــزة
األمــن «اإلســرائيلية» ،وضيــق مســاحة العمــل املســتقبلي ،إن لــم يكــن اســتحالتها .فالــكل
الشــعيب اآلن مجنــد خلدمــة وحفــظ وتصليــب املوقــف األمــي الداخلــي.
-أمــا املالحظــة الثالثــة واألخــرة ،فتتنــ�اول للبعــد الدعــايئ الــذي حيتويــه البيــ�ان.
ولــن نب�الــغ حــن نقــول إنهــا شــكلت صدمــة محســوبة للخصــم ،عرتــه أمــام جمهــوره،
بشــكل ين�اقــض مــا دأب علــى تثبيتــ�ه لســنوات طويلــة .فاالرتــدادات ال تشــمل محيــط
املعركــة مــع غــزة ،بــل يتعداهــا حنــو جغرافيــات إقليميــة ودوليــة ،تعمــد القســام فضحهــا
علــى هــذا النحــو ،حبيــث أحــال أفرادهــا إىل التقاعــد اإلجبــاري ،أو حــى للمالحقــة القانونيـ�ة؛
يف حــال ثبــت ضلوعهــم تنفيــذ مهــام داخــل دول بعينهــا.
.3مكونات دعاية احلشد املزيف
برغــم اســبقية ظهــور شــبكة اإلنرتنــت ،إال أن إمكاني ـ�ة اســتقطاب إعــداد كبــرة مــن
املســتخدمني عــر آليــات التعهيــد اجلماعــي قــد ضاعــف بشــكل غــر مســبوق مــن قــوة
دعايــة التضليــل .هــذه القــوة بدورهــا تعاظمــت إىل احلــد الــذي ســمح بإنتـ�اج شــكل جديــد
يعتمــد علــى العنصــر البشــري .وتتكــون دعايــة احلشــد املزيــف عــر الفضــاء االفــرايض
مــن ثــاث مكونــات رئيســية (:)Wang et al.:2012
269
الفصــل الرابــع
املصدر(:املؤلف نفسه)
270
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
ينتشــر هــذا الشــكل الهيكلــي داخــل منصــات الراســل الرســائل الفوريــة ،وغــرف
الدردشــة ،والقوائم الربيدية ،WhatsApp، Telegram ،الي يؤسســها ويســتضيفها املوجهن
(قــادة املجموعــات) .ومــزة هــذا النــوع أنــه مقــاوم للتهديــدات اخلارجيــة مثــل الرقابــة،
ويصعــب حتديدهــا واجيادهــا ألنهــا تعمــل يف اخلفــاء وعلــى نطــاق جماهــري محــدود،
ويمكــن تفكيكهــا وإعــادة تشــكيلها يف أي وقــت .ومــن عيوبــه ،صعوبــة اســتقطاب العمــال،
لســريتها ،كمــا أن مراقبــة تنفيــذ املهــام وتعديــل األداء صعــب فيهــا ،ومــن غــر املضمــون
271
الفصــل الرابــع
حصــول العمــال علــى عوائــد ماديــة ،لعــدم قــدرة الزبــون علــى تقييــم الفعاليــة التطبيقيــة،
وبالتــايل حتقيــق األهــداف .لذلــك ،قــد يصلــح هــذا الشــكل فقــط لتوزيــع األوامــر ،أو
تنفيــذ مهــام محــدودة ،أو التأثــر يف جمهــور قليــل العــدد ( .)Ibidويف احلالــة الفلســطيني�ة،
تســتخدم مجموعــة (#اهبــد) اإللكرونيـ�ة هــذا النمــط يف مجــال توزيــع األوامــر واملهــام ،أو
تنســيق الهجمــات ،حبيــث جتــذب مهامهــا الكثــر مــن مســتخديم فيســبوك الذيــن يرغبــون
يف االنضمــام إليهــا دون مقابــل مــايل ،لتقــوم بدورهــا باختي�ارهــم وإحلــاق املائــم منهــم عــرب
إرســال روابــط لالتحــاق.
ب .الشكل الهيكلي املركزي :Centralized
يتخــذ الهيــكل املركــزي شــكل موقــع إلكــروين علــى شــبكة اإلنرنــت ،يعمــل علــى
ً
حتقيــق الربــط املباشــر مــع الزبائــن أو أحيانــا العمــال ،ومــن أمثلتــه الشــهرة مواقــع:
ً
.Microworkers.com, ShortTask.com, Rapidworkers.comوتطبيقيــــــا ،يقــــوم الزبــــون
باإلعــان عــن مهــام ومكافــآت علــى صفحــة املوقــع ،ليقــوم العامــل بالتســجيل ،واالخنــراط
يف املهمــة .ويتمثــل الــدور الرئيــي للوســطاء ،يف احلفــاظ علــى موقــع الويــب وحمايت ـ�ه،
إضافــة إىل التحقــق مــن الطلبــات املقدمــة مــن العمــال ،بنـ�اء علــى طلــب مــن الزبــون .ومزة
هــذا الشــكل انــه بســيط ،يســمح بالربــط بــن الزبــون والعامــل بشــكل مباشــر ،كمــا يمكــن
إجيــاد مواقــع اخلدمــة بســهولة ،كمــا تســمح بمتابعــة أداء العمــال وضبطــه بشــكل أكــرب.
272
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
ومــن عيوبــه ،قابليــة الرقابــة علــى املوقــع واخراقــه مــن أطــراف ثالثــة ،كمــا يمكــن حتليــل
انشــطته عــن بعــد ،واخلــروج بنت ـ�اجئ رقميــة شــاملة حــول نوعيــة املهــام ونطــاق اشــتغالها
( .)Ibidوبرغــم جتاريــة االشــكال الهيكليــة الســابقة ،إال انــه يمكــن تســخرها بشــكل ارتجــايل
مــن قبــل جهــات حزبيــ�ة أو حكوميــة ،ترغــب يف تأســيس شــكل هيكلــي مائــم لهــا علــى
مواقــع الشــبكات االجتماعيــة.
ج .الشكل الهيكلي املتصل :Linked
273
الفصــل الرابــع
274
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
ويؤكــد جميــع مــا ســبق أن دعايــة احلشــد املزيــف قائمــة علــى اســتغال وتعبئــ�ة
املــوارد البشــرية لصالــح جهــة الدعايــة ،وأنهــا تســعى إىل الظهــور بشــكل شــعيب قاعــدي،
مــن خــال جتني ـ�د املســتخدمن لصاحلهــا؛ كــي ال يتــم كشــفها ،وبالتــايل فقــدان تأثرهــا.
وبرغــم األشــكال الهيكليــة املتنوعــة لدعايــة احلشــد املزيــف ،إال أنهــا ال تفســر كيفيــة
اخنــراط املســتخدمن معهــا بدافــع ذايت؟ وال كيفيــة اختي�ارهــم للموضوعــات الدعائيــ�ة
ً
بعيــدا عــن توجيــه وإشــراف جهــة ناظمــة؟ ولعــل احلالــة الفلســطيني�ة مــن احلــاالت الــي
يشــهد فضائهــا االفــرايض مشــاركات دعائيــ�ة ملفتــة دون توجيــه مركــزي .وهنــا يمكــن
افــراض نوعــن مــن التأثــر احلديــث ،يقــود املســتخدمن حنــو فعــل يصــب يف مصلحــة
دعايــة احلشــد املزيــف:
أ .تأثــر مباشــر :نــاجت عــن دعاية احلشــد املزيف؛ حبيــث يت�أثــر املســتخدم بأطروحاتها
ورســائلها املزيفــة بشــكل مباشــر ،ليتفاعــل وينخــرط معهــا دون دعــوة أو معرفــة مســبقة
حبقيقتهــا املضللــة.
شكل يوضح نموذج التأثر املباشر لدعاية احلشد املزيف
275
الفصــل الرابــع
ب .تأثــر غــر مباشــر :نــاجت عــن العوامــل االجتماعيــة واالقتصاديــة والسياســية
الســائدة ،والــي تؤثــر يف املســتخدم ،وحتفــزه علــى إنتــ�اج أطروحــات دعائيــ�ة تعــرب عــن
واقعــه املعــاش .وقــد ينخــرط عديــد مــن املســتخدمن مــع دعايــة احلشــد املزيــف بشــكل
غــر مباشــر حــال عكســت أطروحاتهــا ورســائلها املزيفــة الظــروف املعاشــة القائمــة الــي
يت�أثــرون بهــا ،ومــن أمثلتهــا اإلشــاعات.
شكل يوضح نموذج التأثر غر املباشر لدعاية احلشد املزيف
276
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
التنقيب الدعائـي
قبــل تبيـ�ان التنقيــب الدعــايئ ،Propaganda Miningال بــد مــن توضيــح مفهــوم تنقيــب
البي�انــات .Data Miningففهــم األخــرة يســاعد علــى تفكيــك مكونــات األوىل .وتنقيــب
ويعــرف البي�انــات أو املعلومــات ،مصطلــح ظهــر يف أواخــر ثمانينيــ�ات القــرن المــايضُ ،
بكونــه عمليــة اكتشــاف للمعرفــة مــن كميــة بي�انــات ضخمــة ،موجــودة داخــل مســتودعات
ضخمــة للبي�انــات ،أو داخــل الشــبكة العنكبوتيـ�ة ،أو علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة...
إلــخ؛ بغــض النظــر عــن كونهــا بي�انــات منظمــة ،أو عشــوائي�ة غــر منظمــة (.)Han et al.:2012
ً
وبالتدقيــق يف التعريــف ،نالحــظ دورا لآللــة ،أي أن «التنقيــب» عملية برمجية ،الســتنب�اط
أنمــاط ومعــارف مفيــدة ،مــن غــر املمكــن الوصــول إليهــا إال عــر جهــد اصطناعي حاســويب-
ذكــي .فاالنتشــار الواســع لتقني ـ�ات ووســائل االتصــال ،ضاعــف كميــة البي�انــات املخزنــة،
حبيــث أضــى مصطلــح «بي�انــات ضخمــة ،»Big Dataإشــارة داللية-علميــة متفــق عليهــا،
لوصــف كــم كثيــف مــن املعلومــات اخلفيــة ،متنوعــة املوضوعــات واألنــواع واملصــادر،
ً
يصعــب اســتخالصها يدويــا ،إال عــر أجهــزة متخصصــة ،كاحلاســوب.
ويرتكــز «تنقيــب البي�انــات» علــى عــدة عناصــر أساســية :كالبي�انــات اخلــام :الــي هي
حقائــق وأرقــام ونصــوص (مجــردة) جيــري جمعهــا بهــدف معاجلتهــا؛ واملعلومــات :الــي
تــدل علــى نمــاذج وعالقــات بــن البي�انــات يرشــح عنهــا معــى معــن؛ واملعرفــة :وهــي نــاجت
عالقــة املعلومــات ببعضهــا ،حبيــث تأخــذ شــكل معرفــة ذات داللــة منطقيــة ،تفيــد يف قــراءة
واقــع معــن ،أو التنبــؤ بأحــداث مســتقبلية (ســيد .)2016:إضافــة لمــا ســبق ،ختتلــف أنــواع
ً
البي�انــات ،فمنهــا املهيكلــة ،الــي تأخــذ شــكل جــداول أو قواعــد بي�انــات منظمــة تمهيــدا
ملعاجلتهــا ،ومنهــا غــر املهيكلــة -غــر منظمــة ،وتشــكل النســبة األكــر ،لكونهــا جتســيد لمــا
ً
ينشــره مســتخدمو اإلنرتنــت يوميــا مــن كتابــات نصيــة ،وصــور ،ومقاطــع فيديــو ،ورســائل
بريــد إلكــروين ،وروابط...إلــخ .ويوجــد نــوع ثالــث ،البي�انــات شــبه املهيكلــة ،وهــو أقــرب
للنــوع األول ،إال أنــه غــر ُمنظــم ضمــن جــداول .ومــع ظهــور مواقــع الشــبكات االجتماعيــة،
كفيســبوك ،وتويــر ،ولينكــد إن ،وجوجــل بلــس ،وإنســتغرام ،وغريهــا ،قفــزت كميــة
ً
البي�انــات بشــكل هائــل ،ليصــل مقدارهــا يوميــا إىل مئــات البي�ابيتــ�ات أو الكوينتيليــات،
277
الفصــل الرابــع
مقارنــة بمــا رشــح عــن مواقــع اإلنرتنــت عنــد نشــأتها؛ التصافهــا باجلمــود ،وغيــاب خاصيــة
التفاعليــة (حايــك .)2014:فتكنولوجيــا شــبكة الويــب ،Web 2.0ومــا أفرزته مــن نمط اتصايل
ثــوري (مــن مجموعــة إىل مجموعــة) ،إضافــة إىل خاصيــة التفاعــل مــع املضمــون ،منحــت
املســتخدمني فرصــة نشــر محتــوى بأشــكال عديــدة (صــور ،مقاطــع فيديــو ،نصــوص...
ً
إلــخ) ،الــذي بــدوره حفــز حالــة تفاعــل آين ومســتمر ،اجــر معــه محتــوى إضــايف ،أدى وال
يــزال إىل تعاظــم حجــم البي�انــات مــع كل ثانيـ�ة تمــر .هــذا الكــم املعلومــايت الهائــل ،بالتــوازي
ً
مــع مــا ينشــره اجلمهــور مــن بي�انــات شــخصية ،فتــح آفاقــا جديــدة أمــام عديــد العلــوم
األخــرى ،كعلــم النفــس واالجتمــاع والسياســية واالقتصــاد واألمــن والدفــاع واإلعــان
واإلعــام والتســويق وغريهــا ،حبيــث اجتهــت حنــو تســخري هــذه البي�انــات لفائدتهــا(*) .إال
أن هــذه االســتفادة لــم تكــن لتتــم لــوال ظهــور علــوم جديــدة ،وأخــرى متفرعــة عنهــا ،عــززت
مبــدأ تمــازج العلــوم؛ كعلــم البي�انــات ،الــذي احنــدر عنــه علــم حتليــل شــبكات التواصــل
االجتماعــي ،املرتبــط بــدوره مــع فــرع علــم االجتمــاع احلاســويب :القائــم علــى اســتخدام
خوارزميــات برمجيــة حســابي�ة لدراســة األفــراد واملجموعــات ،أو العالقــات الــي تربطهــم،
أو أصحــاب التأثــر داخلهم...إلــخ (عمــروش.)2015:
وتتنــوع أشــكال البي�انــات الــي يمكــن احلصــول عليهــا عــر الشــبكات االجتماعيــة،
فمنهــا مرتبــط باملعلومــات الشــخصية ،وآخــر بالرســائل والتغريــدات واملنشــورات
والهاشــتاكات ،ســواء أخــذت أشــكال نصيــة أو مصــورة؛ وهنــاك مــا يتعلــق بأشــكال تفاعــل
املســتخدم مــع املحتــوى ،كاإلعجابــات ،والتعليقــات ،واملشــاركة ،وإعــادة التغريــد .كمــا
تتنــوع اجتاهــات وتقني ـ�ات جتميــع وحتليــل البي�انــات ،مثــل :اجتــاه حتليــل ســلوكيات االفــراد
واملجموعــات ،أو تتبــع ومراقبــة املوضوعــات ،أو تنقيــب النصــوص ،أو حتليــل املــزاج العــام،
أو حتديــد وتتبــع االفــراد ،أو خارطــة انتشــار املعلومــات واألخبار...إلــخ (.)Barbier & Liu:2011
علــى ســبي�ل املثــال ،اســتفادت حملــة الرئيــس ترامــب مــن شــركة Cambridge Analyticaوعمليــة التنقيــب ،يف توفــر (*)
بي�انــات عــن الناخبــن ،وآرائهــم وميولهــم ورغباتهــم؛ بهــدف املســاعدة علــى صياغــة خطــاب انتخــايب يتوافــق وهــذه امليــول.
278
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
279
الفصــل الرابــع
280
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
281
الفصــل الرابــع
282
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
معلومــات حبتــة ،يتعامــل التنقيــب معهــا بوصفهــا اســتجابة ملتطلبــات وشــروط العمــل
الدعــايئ القائــم علــى وجــود معلومــات مالئمــة توفــر أرضيــة الســتغاللها ضــد اخلصــم.
إضافــة لمــا ســبق ،يســتدعي «التنقيــب الدعــايئ» إىل الذهــن تلــك اجلهــود
الســيرباني�ة املوجهــة حنــو اخــراق الشــبكات واحلواســيب واحلســابات وقواعــد
البي�انــات ،للحصــول علــى معلومــات ســرية غــر متاحــة .هــذه املعلومــات ،قــد يمتلــك
ً
بعضــا منهــا قيمــة دعائيــ�ة ،يمكــن اســتغاللها يف حمــات موجهــة ذات ابعــاد سياســية.
ولنأخــذ تســريب�ات ،Wiki Leaksكمثــال ،فاملؤسســة غــر الرحبيــة بقيــادة جوليــان اســاجن
« ،»Julian Assangeقامــت بنشــر معلومــات مصدرهــا رســائل بريــد إلكــروين مقرصنــة،
خاصــة بمرشــحة الرئاســة األمريكيــة هيــاري كلينتــون ،األمــر الــذي أدى جبانــب عوامــل
أخــرى إىل خســارتها لالنتخابــات (.)Murdock:2017
وهنــا نالحــظ ،أن مفهــوم التنقيــب ،ال يقتصــر علــى املعلومــات املســتقاة عــن مصــادر
مفتوحــة ،بــل يمتــد ليشــمل تلــك املقرصنــة مــن مصــادر مغلقــة .وحيــث أن موضوعنــا
يميــل أكــر حنــو املصــادر املفتوحــة ،نالحــظ أن «التنقيــب الدعــايئ» ،يســعى حنــو معلومــات
متاحــة ،موجــودة ومتداولــة داخــل مواقــع الشــبكات االجتماعيــة ،خيطــئ اخلصــم أو
جمهوره-عــن وعــي أو دون وعــي -يف نشــرها ،مــن أجــل اســتغاللها ضــده؛ إمــا بكونهــا دليــل
إثبـ�ات ،أو أنهــا ناجتــة عــن اســتجابة جماهرييــة عامــة (تعميــم)؛ مــا يعــي أنــه يعتمــد علــى
جهــل اجلمهــور ،أو تلقائيت ـ�ه ،أو عــدم درايت ـ�ه ،ألبعــاد مــا يكتــب وينشــر حــول قضيــة مــا.
وعنــد هــذه املرحلــة ،نســتطيع تقديــم تعريــف لألســلوب بكونــه« :عمليــة غــر
حصريــة ،بشــرية -حاســوبي�ة ذكيــة ،مقصــودة أو تلقائيـ�ة ،للتنقيــب عــن معلومــات وآراء،
موجــودة داخــل مواقــع الشــبكات االجتماعيــة ،ينشــرها أفــراد ومجموعــات يعتنقــون
فكــر معــن؛ بهــدف اســتغالل الشــاذ منهــا يف إعــداد وتوجيــه رســالة دعائي ـ�ة تمــس أصــل
املعتنــق ،وبشــكل خيــدم أهــداف مشــغل الدعايــة».
283
الفصــل الرابــع
شكل يوضح آلية تطبيق «التنقيب الدعايئ» عرب مواقع الشبكات االجتماعية
،
،
. .
.
284
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
285
الفصــل الرابــع
¢£
¡
¤¥
عنــد هــذه النقطــة ،تبــ�دأ عمليــة جــاء املقصــود باجلمــع االســتخبارايت وحــدود
تقاطعــه مــع التنقيــب الدعــايئ .فاجلمــع االســتخبارايت عــر مواقــع الشــبكات االجتماعيــة،
هــو عمليــة ملراقبــة األنشــطة والســلوكيات علــى شــبكة اإلنرتنــت ،مــن أجــل اإلحاطــة
باملعلومــات والبي�انــات املوجــودة علــى الشــبكات والتطبيقــات االجتماعيــة ،بمــا يشــمل
بي�انــات األفــراد ومــن يقفــون خلفهــم ،ثــم جمعهــا وحتليلهــا ،للوصــول إىل فهــم ومعرفــة
عامــة ،أو مســاندة مختلــف األنشــطة االخــرى ،كاالســتهداف .)Ibid( Targeting
ب
286
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
287
الفصــل الرابــع
ُ
«التنقيــب الدعــايئ» حتــت لوائــه ،وليــس العكــس .وتعــد طبيعــة العالقــات القائمــة بــن
ً
الــدول عنصــرا يتجلــى مــن خاللــه فــرق جوهــري بــن املفهومــن« .فاجلمــع االســتخبارايت»
عمليــة مســتمرة ،تســتمد ديمومتهــا مــن كونهــا وظيفــة متفــق علــى شــرعيتها ،ذات أبعــاد
حيويــة واســراتيجية ،بغــض النظــر عــن طبيعــة العالقــة السياســية القائمــة بــن الــدول،
ً ً ً
حربــا كانــت أم ســلما ،أو حــى حتالفــا .أمــا «التنقيــب الدعــايئ» فهــو مرتبــط حبالــة سياســية
ً ً
داخليــة أو خارجيــة حرجــة ،يكتنفهــا صــراع بــن كيانــات ،ســواء أخــذت شــكال عنيفــا أو
ً
ناعمــا .ويف نقطــة أخــرى ،قــد خيتلــف «اجلمــع االســتخبارايت» عــن «التنقيــب الدعــايئ»
يف كــون األول يســعى إىل املعلومــات مــن مصادرهــا املفتوحــة واملغلقــة ،بعكــس الثــاين الــذي
يرتكــز باألســاس علــى املصــادر املفتوحــة ،كونهــا مرتبطــة بأنشــطة جماهرييــة .إال أن هــذا
ً
االختــاف ال يعــي عــدم اســتغالل الثاني ـ�ة لمــا تقدمــه األوىل ،كمــا أوضحنــا ســابقا ،فهــو
يصــب يف إطــار التكامــل الوظيفــي بــن األنشــطة الســيرباني�ة الــي أشــار إليهــا نيســن.
والفــروق أعــاه ،تســتدعي إىل الواجهــة مســألة املمارســة الدعائي ـ�ة وعالقتهــا بــكال
املفهومــن .فاألجهــزة االســتخباراتي�ة حــول العالــم تــزاول مهــام عــدة ،الدعايــة إحداهــا،
مــا يتطلــب واليــزال جمــع معلومــات مــن مصــادر مختلفــة ألجــل تنفيذهــا .لهــذا كال
املفهومــن حاضريــن يف أروقتهــا .أمــا بالنســبة للجمهــور ،فاحلريــة علــى صعيــد اســتخدام
مواقــع الشــبكات االجتماعيــة ،منحتــه فرصــة ممارســة الدعايــة دون قيــود ،األمــر الــذي
جيعــل مــن «التنقيــب الدعــايئ» عمليــة مفتوحــة غــر حصريــة ،يســتفيد منهــا األفــراد
واملؤسســات بالتــوازي مــع بــايق األجهــزة احلكوميــة .يف النهايــة ،احلــدود الفاصلــة بــن
ُ ً
املفهومــن دقيقــة جــدا ،وبالــكاد تالحــظ ،فهمــا متداخــان بدرجــة كبــرة ،كمــا أن التجــارب
علــى أرض الواقــع أثبتــت ذلــك .فروســيا االحتاديــة علــى ســبي�ل املثــال ،اســتغلت قدراتهــا
يف اجلمــع االســتخبارايت لتوفــر بي�انــات عــن اجتاهــات وميــول الناخبــن األمريكيــن ،مــن
أجــل اســتخدامها للتأثــر فيهــم خــال انتخابــات الرئاســة عــام 2016م ،والــي انتهــت بفــوز
دونالــد ترامــب .كمــا أن مؤسســة مدنيــ�ة ،تدعــى ،Cambridge Analyticaقامــت بشــراء
ً
بينـ�ات مســتخديم شــبكة فيســبوك ،للمســاعدة يف انتخــاب ذات الرئيــس ،مســتفيدة مــن
قدراتهــا يف مجــال الــذكاء االصطناعــي ،وتطويرهــا نمــوذج قــادر على ترجمــة تلــك البي�انات،
288
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
ُ
وحتويلهــا إىل ملفــات شــخصية ،Profilingتســتخدم ألغــراض االســتطالع والتنبــؤ ،ومــن ثم
تغيــر آراء وســلوكيات املســتخدمني بمــا حيقــق أهدافهــا (.)Anderson & Horvath :2017
.5التنقيب الدعايئ يف «إسرائي�ل»
ً تمثــل الدعايــة يف «إســرائي�ل» حالــة فريــدة ً ِّ
وانتهــاء باجلهــات بــدءا مــن التســمية
الناشــطة فيهــا .فمســى «الهاســبارا» ،Hasbaraعلــى ســبي�ل املثــال ،مصطلــح عــري،
يعــي الشــرح والتفســر ،اعتمدتــه «إســرائي�ل» كنــوع مــن التحايــل وااللتفــاف علــى
ًّ
ســلبي�ا يتعــارض مــع قيــم ً
نشــاطا تســمية «الدعايــة» ،حيــث تــرى أن املســى يعكــس
ومبــادئ الديمقراطيــة لديهــا ( .)Schleifer:2014وتتنــوع اجلهــات احلكوميــة الــي تــزاول
الدعايــة داخــل «إســرائي�ل» ،وهــي مهيكلــة بطريقــة تســمح ملعظــم الهيئــ�ات واألفــرع
بممارســتها ضمــن أنمــاط اشــتغال منســقة ،حبســب مجــال ونطــاق اختصاصهــا .كمــا
يقــوم بعضهــا ،علــى رعايــة جهــود جماهرييــة داخليــة وخارجيــة لدعــم أنشــطتها املركزيــة.
وبالعــودة إىل اخلصائــص جنــد أن التنقيــب الدعــايئ جهــد اتصــايل تســتطيع احلكومــات
واألفــراد القيــام بــه ،لكــن بدرجــات وأشــكال متفاوتــة .وألن جهــود التأثــر يف «إســرائي�ل»
ًّ ً
حكوميــا كونهــا تتطلــب شــرعية قانونيـ�ة مركزيــة ،فعمليــة جمــع البي�انــات قــد تتخــذ شــكل
وإمكانــات كبــرة ،مــن غــر املتــاح للجمهــور احلصــول عليهــا .ويف «إســرائي�ل» توجــد عــدة
أجهــزة تنفيذيــة تهتــم باملعلومــات ،وجمعهــا وحتليلهــا ،ألغــراض الدعايــة الســيرباني�ة .كمــا
أنهــا تتفــاوت يف طريقــة تنفيــذ التنقيــب الدعــايئ؛ فمنهــا مــا يقــوم بالعمليــة برمتهــا بـ ً
ـدءا
ـاء باســتغاللها ،ومنهــا مــن يقــوم باســتغاللها بعــد أن تقــوم جهــة مــن جمــع املعلومــات وانتهـ ً
أخــرى بتوفــر املعلومــات .لذلــك فمفهــوم التنقيــب الدعــايئ لــدى األذرع «اإلســرائيلية»،
يقــوم علــى مبــدأ التكامــل والتقاطــع يف املهــام ،بشــكل يتســق وإدارة الدعايــة املركزيــة.
1.5أذرع وزارية مدني�ة
أ .وزارة شؤون الشتات
تــرى «إســرائي�ل» نفســها مســؤولة عــن شــؤون اليهــود حــول العالــم؛ لهــذا أنشــأت
ُ
وزارة «شــؤون الشــتات» ،الــي تعــى بتعزيــز العالقــة معهــم وحتقيــق االســتفادة منهــم.
289
الفصــل الرابــع
كمــا أن للــوزارة مهــام دعائي ـ�ة تقــوم علــى مواجهــة أنشــطة «معــاداة الســامية» عــر رفــع
منســوب الوعــي حولهــا ،وتفعيــل الــزام األفــراد والهيئــ�ات واحلكومــات األجنبيــ�ة يف
مواجهتهــا ،إضافــة إىل إعــداد تقاريــر ودراســات دوريــة ترصدهــا ًّ
عامليــا؛ كمــا تعمــل علــى
إقامــة وتعزيــز العالقــات مــع املجتمعــات الــي ترحــب باليهــود مــن خــال رعايــة أنشــطة
ثقافيــة وســياحية وتعليمية...إلــخ ،تعــود بالنفــع علــى جهــود «إســرائي�ل» يف مكافحــة
«الالســامية» مــن جهــة ،وحتســن صورتهــا مــن جهــة أخــرى .إضافــة لمــا ســبق ،حتــاول
الــوزارة اســتثمار قــدرات املســتقدمني إليهــا ،عــر توظيــف قدراتهــم اللغويــة املتنوعــة يف
ً
أنشــطة الدعايــة؛ وعــادة مــا جيــري تنســيق مســبق بينهــا والوكالــة اليهوديــة بهــذا الشــأن
()Aouragh:2016؛ خاصــة وأن محــاوالت حبثهــا عــن كل مــن لــه عالقــة بالديانــة اليهوديــة
حــول العالــم قــد أشــتد يف اآلونــة األخــرة (مجلــي .)2018 :وخبصــوص التنقيــب الدعــايئ،
يشــر موقــع ،Big News Networkإىل تطويــر الــوزارة لنظــام يتيــح رصــد أنشــطة معــاداة
ً
«الســامية» علــى املواقــع االجتماعيــة ،ويســتهدف أيضــا املواقــف املعاديــة لـ»إســرائي�ل»
علــى مســتوى العالــم .ألجــل ذلــك ،قامــت بإنشــاء مركــز قيــادة ُيعــى بمراقبــة األنشــطة
املشــار إليهــا ،وجمــع معطياتهــا ،وحتويلهــا للجهــات املعنيــ�ة ،ألخــذ اإلجــراءات بشــأنها
( .)Jackson:2018ومــن غــر املعــروف مــا إذا كانــت اإلجــراءات تشــمل االســتغالل الدعــايئ من
عدمــه .لكــن مــا نســتنتجه ،أن أنشــطة الــوزارة علــى عالقــة بسياســية «تكميــم األفــواه»،
وإســكات أي صــوت معــارض ،حبجــة معــادة الســامية .ويف هــذه السياســية روح دعائي ـ�ة،
ّ
كونهــا تــؤدي إىل هيمنــة روايــة واحــدة ،بعــد أن تعمــد إىل تفعيــل نزعــات اخلــوف والــردد
مــن أي مالحقــة قانوني ـ�ة.
ب .وزارة الشؤون اإلسرتاتيجية واملعلومات
تهتــم وزارة الشــؤون االســراتيجية واملعلومــات ،بمواجهــة جهــود نــزع شــرعية
«إســرائي�ل» علــى املســتويني العالــي واملحلــي ،خاصــة مــا يتعلــق بمواجهــة أنشــطة
حركــة املقاطعــة وحــركات مناهضــة االســتيطان ( .)Handel & Dayan:2017وتضــم الــوزارة
ثــاث إدارات ،هــي :االســتخبارات ،وتهتــم بمراقبــة وجمــع املعلومــات عــن حــركات
املقاطعــة وناشــطيها ،إضافــة للشــخصيات واملجموعــات الــي تســاندها ،باالعتمــاد
290
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
علــى مصــادر مفتوحــة أو ســرية ،ميدانيــ�ة وســيرباني�ة؛ وإدارة الوعــي ،الــي تنشــط
يف التأثــر علــى توجهــات وســائل اإلعــام الدوليــة أو اجلمهــور عــر مواقــع الشــبكات
االجتماعيــة؛ وإدارة العمليــات :الــي تعمــل علــى تنفيــذ اخلطــط املقــرة (.)Melman:2016
وفيمــا يتعلــق بـــ «التنقيــب الدعــايئ» ،تقــوم الــوزارة علــى حتليــل املواقــع االجتماعيــة ،مــن
حيــث املحتــوى ،والبني ـ�ة الشــبكية والتكنولوجيــة ،إضافــة لرصــد مراكــز الثقــل والرتكــز،
وحتديــد األفــراد واملؤسســات والصفحــات الناشــطة ،كمــا تقــوم بدراســة أســاليب وأنمــاط
احلمــات؛ بهــدف تشــكيل رؤيــة ملواجهتهــا ( .)Blau:2017وال تنتهــي أنشــطة الــوزارة عنــد
الرصــد والتتبــع ،بــل تعمــل علــى توظيــف املعلومــات يف جهــود اتصاليــة دعائي ـ�ة ميداني ـ�ة
ًّ ًّ ً
وعامليــا ،وتتخــذ محليــا وســيرباني�ة .وتقــوم أيضــا بالتحريــض ضــد نشــطاء هــذه احلــركات
ألجــل ذلــك إجــراءات قانونيــ�ة مــن قبيــ�ل منــع دخولهــم «إســرائي�ل»؛ حيــث جنحــت يف
تمريــر قانــون عــر الكنيســت يفــرض عقوبــات علــى املؤيديــن لهــا ،أو مــن يعتنقــون
أفكارهــا ،حــى لــو كانــوا مواطنــن «إســرائيليني» ( .)Ibidويؤكــد موقــع ،Middle East Eye
أن جـ ً
ـزءا مــن تركــز الــوزارة منصــب علــى اجلمهــور الداخلــي لرغبتهــا نــزع الشــرعية عــن أي
حــراك معــارض لالســتيطان ( .)Melman:2016إضافــة لمــا ســبق ،جتتهــد الــوزارة يف إنشــاء
أذرع وكيانــات داعمــة لـــ “إســرائي�ل” ًّ
عامليــا ،كمــا تنظــم فعاليــات تبــ�ادل علــي وثقــايف
وريــايض ( ،)Winstanley:2018ناهيــك عــن فتــح آفــاق تعــاون مــع شــخصيات وهيئـ�ات ذات
ً
تأثــر يمكــن اســتغاللها الحقــا .وليســت هــذه األنشــطة مجتمعــة إال اســتجابة ملعطيــات
«التنقيــب» ،توظفهــا الــوزارة يف صياغــة اســراتيجية اتصاليــة تســاعد علــى ترجيــح كفــة
«إســرائي�ل» يف الــدول الــي تتعاظــم داخلهــا جهــود تشــويهها .فعلــى ســبي�ل املثــال ،تلقــت
الــوزارة عــام 2018مبلــغ 37مليــون دوالر ،إلنشــاء مؤسســة تدعــى ،Kella Shlomoختتــص
بتنفيــذ «أنشــطة وعــي جمعــي» علــى املواقــع االجتماعيــة ،وذلــك باســتخدام أســاليب
ً
شــبكية معقــدة جــدا ( .)RussiaToday:2018وألن املقصــود بالتكنيكيــات غــر واضــح ،إال أننـ�ا
نــرى اشــتمالها علــى أســاليب دعائي ـ�ة ،خفيــة وعلني ـ�ة ،مرســخة كمبــادئ تشــغيلية علــى
الفضــاء الشــبكي .وبهــذا اخلصــوص ،قــام متطوعــون مؤيــدون لـ “إســرائي�ل” ،خــال حرب
2014علــى غــزة ،بت�دليــس مجموعــة مــن احلقائــق ،مــن خــال تنفيــذ عمليــات تالعــب
291
الفصــل الرابــع
وتزييــف لعــدد مــن الصــور الفوتوغرافيــة ،أو نســب اقتب�اســات مؤيــدة لـــ “إســرائي�ل”
إىل شــخصيات شــهرية ،أو إتبــ�اع أســلوب «التصيــد» بغــرض توجيــه اتهامــات لنشــطاء
مناصريــن للفلســطينيني بمعــاداة الســامية (.)Aouragh:2016
ج .وزارة الشؤون اخلارجية
خبــاف مهمتهــا الرئيســة يف إقامــة جســور االتصــال الدبلومــايس مــع احلكومــات
والكيانــات الرســمية حــول العالــم ،تهتــم وزارة الشــؤون اخلارجيــة بتنظيــم جهــود حتســن
صــورة «إســرائي�ل» علــى الصعيــد اخلــاريج ،مــن خــال إدارة الدبلوماســية العامــة ،الــي
تضــم أقســام للشــؤون اإلعالميــة والثقافيــة والعلميــة والرقميــة ( ،)Ibidوإدارة اإلعــام
والعالقــات العامــة ،الــي ترعــى عــدد مــن الصفحــات االجتماعيــة ،أهمهــا صفحــة
«إســرائي�ل» الــي تتكلــم بالعربيــ�ة .واحلقيقةجتمــع آليــة عمــل الــوزارة بــن الصيغتــن
التقليديــة واملســتحدثة .فهــي مــن جهــة ،تقــوم علــى تنفيــذ مهــام إعالميــة رســمية
كجــزء مــن اســراتيجية الــوزارة االتصاليــة حنــو اخلــارج ،ومــن جهــة أخــرى ،ترعــى تنظيــم
ً
وتوجيــه أنشــطة موجهــة للجمهــور بنكهــة «دبلوماســية» بعيــدا عــن الربوتوكــوالت
الرســمية التقليديــة .ويســى هــذا اجلهــد بـــ «الدبلوماســية العامــة» ،ولــه وجــه ســيرباين
«الدبلوماســية الرقميــة» أو الهاســبارا .2.0وتنخــرط إدارة الدبلوماســية العامــة يف عــدة
أنشــطة دعائيــ�ة ،أهمهــا التفاعــل مــع الشــركات اخلاصــة واالحتــادات الطالبيــ�ة حلثهــا
علــى املشــاركة يف جهــود الدبلوماســية الرقميــة ،كمــا تنشــط يف مجــال رعايــة وتوجيــه
متطوعــي مواقــع الشــبكات االجتماعيــة الداعمــة «إلســرائي�ل» حــول العالــم ،مــن خــال
تنســيق وتوجيــه مشــاركاتهم ،بمــا يتـلاءم ومخطــط الدعايــة املركــزي .وألجــل ذلــك ،قامــت
يف فــرات ســابقة بإصــدار نشــرات خاصــة ،حتــدد املفــردات والتوجهــات الدعائيـ�ة الواجــب
اســتخدامها علــى نطــاق عالــي ،ســواء عــر املنصــات االجتماعيــة ،أو خــال املناظــرات
املباشــرة (.)Ibid
وفيمــا خيتــص بـــ «التنقيــب الدعــايئ» ،تتعــاون وزارة اخلارجيــة مــع نظريتهــا للشــؤون
االســراتيجية ،يف تنســيق جهــود الدعايــة الســيرباني�ة .فعــر الدمــج بــن القــدرات
الدبلوماســية لــأوىل ،وقنواتهــا املتعــددة مــن جهــة ،واملهــارة البحثيـ�ة والتشــغيلية للثانيـ�ة
292
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
ً
مــن جهــة أخــرى ،صــار ممكنــا حتقيــق مبــدأ توزيــع املهــام ،وممارســة قاعــدة الرتكــز
الدعــايئ .مــا يعــي ،أن الثانيـ�ة باتــت مصــدر معلومــايت لــأوىل ،أو بوصلــة توجيــه ،حتــدد لهــا
أي املناطــق يف العالــم حتتــاج إىل جهــد دعــايئ بلــون دبلومــايس .إال أن ذلــك ال يعــي غيــاب
الفــروق بينهمــا ،خاصــة مســلك التنفيــذ .ففــي حــن تنتهــج وزارة اخلارجيــة أســلوبا قائمــا
ً ً
علــى احلــوار ،تتبــى الثاني ـ�ة مدخــا أمني ـ�ا يعتمــد علــى الرقابــة ،وبأســاليب ناعمــة أكــر
عدائيــ�ة (.)Blau:2017
د .مكتب رئيس الوزراء
إذا مــا تفحصنــا هيكليــة مكتــب رئيــس الــوزراء «اإلســرائيلي» ،جندهــا تضــم عــدة
إدارات وهيئــ�ات ،ختتــص كل منهــا بمهــام شــبه متداخلــة .إال أن أهمهــا ،إدارة املعلومــات
الوطني ـ�ة الــي تهتــم بتنســيق أنشــطة الدبلوماســية العامــة ملختلــف الهيئ ـ�ات والــوزارات
احلكوميــة «اإلســرائيلية» يف مجــاالت األمــن ،والسياســة اخلارجيــة ،والقضايــا
االقتصادية-االجتماعيــة .وإدارة املعلومــات الوطنيــ�ة -الــي تــم إنشــائها عقــب حــرب
لبنــ�ان الثانيــ�ة عــام ،2006كأحــد توصيــات جلنــة فينوغــراد -تتقاطــع مــع مختلــف
الــوزارات علــى أســاس يــويم ،وحتــدد لهــا الرســائل األساســية؛ لتجنــب أي تعــارض بينهــا
( .)Shabi:2009ويمكــن القــول ،أن إنشــائها جــاء ملعاجلــة وتــدارك انهيــار صــورة «إســرائي�ل»
علــى الصعيــد الــدويل ،مــن خــال إشــرافها علــى توحيــد الروايــة الداخليــة أمــام العالــم
(.)Dart:2016
ـزءا مــن توصيــات جلنــة «فينوغــراد» توجهــت وبهــذا الصــدد ،يشــر باحثــن إىل أن جـ ً
ُ
حنــو تأســيس وحــدة تعــى بتنســيق أعمــال الدعايــة واملعلومــات عــر الوســائل اإلعالميــة
التقليديــة واجلديــدة ،إضافــة إىل األذرع الدبلوماســية ( .)Clila & Ephraim:2018وفيمــا
يتعلــق بالدعايــة الســيرباني�ة ،ترعــى اإلدارة عــدد مــن الصفحــات علــى مواقــع الشــبكات
االجتماعيــة ،كصفحــي رئيــس الــوزراء ،والناطــق باســمه لإلعــام العــريب ،كمــا تنشــط يف
تشــكيل غــرف مخصصــة للنشــطاء املحليــن ،خاصــة أوقــات الطــوارئ ،بهــدف االســتفادة
مــن خرباتهــم وقدراتهــم ( .)Abunimah:2013كمــا تســعى اإلدارة حنــو إقامــة صــات مــع
293
الفصــل الرابــع
ً ً
شــخصيات وهيئ ـ�ات غــر حكوميــة ناشــطة داخليــا وخارجيــا ،لتوجيــه أنشــطتها ،بشــكل
خيــدم مســعى الدعايــة الرســي ( .)Shabi:2009ونســتنتج هنــا ،أن مهــام الدائــرة يف مجــال
تنســيق وضبــط الرســالة الدعائي ـ�ة ،يتجــاوز املؤسســات احلكوميــة ،ليمتــد حنــو املدونــن
والنشــطاء ،وأي مؤسســة تنشــط يف دعــم «إســرائي�ل».
ً
وبهــذا اخلصــوص ،أطلقــت «إســرائي�ل» يف العــام 2017تطبيقــا ،يتيــح لنشــطاء
الشــبكات االجتماعيــة عــر العالــم املشــاركة يف جهــود الدعايــة «اإلســرائيلية» .التطبيــق
-املخصــص للهواتــف النقالــة -حيتــوي علــى مــا يقــارب 30مهمــةُ ،يطلــب مــن املشــركني
االخنــراط فيهــا بطــرق متنوعــة :إعجــاب ،مشــاركة ،تعليــق ،إعــادة تغريــد ،توقيــع عرائــض،
وصــف بـــ «قبــة احلقيقــة تقديــم شــكاوى...إلخ ( .)Rubin:2017ويســمح املشــروع الــذي ُ
ً
احلديديــة» أيضــا بمشــاركة مــواد إعالميــة منحــازة لـــ «إســرائي�ل» ،أو تقديــم شــكاوى ضد
فعاليــات نشــطة علــى مواقــع كفيســبوك وتويــر ويوتيــوب ،أو حــى توجيــه مراســات
لشــخصيات وهيئــ�ات دوليــة تطالبهــا بوقــف حتزيهــا ضــد «إســرائي�ل» (.)Sommer:2017
ونســتنتج هنــا ،أن املشــروع الــذي يأخــذ شــكل تعهيــد جماعــي ،حيــاول مركــزة عمــل الدعاية
اجلماهرييــة عــر توجيــه أنشــطة األفــراد بشــكل منســق كــي خيلــق كثافــة دعائي ـ�ة تب ـ�دو
وكأنهــا صــادرة عــن رأي عــام شــبكي حقيقــي.
2.5أذرع عسكرية
يضــم اجليــش «اإلســرائيلي» عــدد مــن الهيئ ـ�ات واألقســام ،تنخــرط يف مجهــودات
التأثــر النفــي ،بشــكليها املباشــر وغــر املباشــر؛ حيــث تتــوزع علــى مختلــف األذرع،
خاصــة قيــادة األركان ،وشــعبيت العمليــات واالســتخبارات .وتتنــوع مهــام كل منهــا ،حبســب
التوزيــع املعتمــد للمهــام الدعائي ـ�ة.
أ .هيئ�ة Sigint
294
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
( .)The Garadian:2014والهيئـــ�ة -اليت تتخذ من مقولة «كل البي�انـــات متاحة» مبدأ لها-
ال تراعي مســـائل اخلصوصيـــة ،وتعترب جميـــع أنواع املعلومـــات ذات أهميـــة ،وإن تأجل
ظهـــور تأثريها .وهنا ،نســـتطيع تميزي نوعني مـــن املعلومات ذات جوهر دعايئ :النشـــطة
ً
واخلاملـــة .فـــاألوىل مخصصة لالســـتخدام بشـــكل ســـريع ،خدمـــة ملســـاعي متنوعة،
كتجني�د العمالء ،أو تطبيق أســـاليب دعائيـــ�ة خالل زمن فعلي .أما الثاني�ة ،فاســـراتييج؛
ً ُ
تفظ الســـتغاللها الحقا ،حبســـب نوع التطور الذي قد تشـــهده البيئ�ة املستهدفة (.)Ibid
ونســـتنتج ،أن الهيئـــ�ة قد تمارس التنقيـــب الدعايئ ،ألجل احلصول علـــى معلومات ذات
طبيعـــة جماهريية -بغـــض النظر عن نطـــاق تمركزها الشـــبكي اجلغرايف -ثـــم تمريرها
للجهـــات املختصة بعـــد حتليلها بهدف تســـخريها يف جهـــود الدعاية الســـيرباني�ة املركزية
( .)Global Investigative Reporting:2017أي أن عملهـــا قـــد يشـــكل حلقـــة مـــن سلســـلة
وظيفيـــة متكاملة ،تبـــ�دأ باجلمع ،وتنتهي باالســـتغالل.
ب .قسم عمليات الوعي
يتبــع قســـــم عمليــــات الوعـــي إلــى شعبــــة العمليـــــات يف هيئــة األركـــان،
مهني�ا فينســق مع شعبة االستخبارات العسكريـــة، إداريا معهــا؛ أما ًّ
ًّ وينظــم أعمالــه
ناهيــك عـن ترتيــب بعض مهامه يف مجال الدعايـــة الدفاعيـــة مع وحــدة الناطــــق
ً (ُ ،)Maheshwari & Kumar:2016
ويعد مسؤول عن الدعاية بمستواها العمليايت والتكتيكي
طور القسم من نطاق عمله ليشمل التأثري على خالل احلروب .لكن يف اآلونة األخريةَّ ،
ً
وسائل اإلعالم ،والرأي العام املحلي والدويل ،رغبة منه يف دعم أنشطة اجليش على جميع
املستويات ما يعين ضمه للعمليات «الناعمة» خالل فرتات الهدوء ( .)Harel:2018كما
طور اجليش «اإلسرائيلي» أساليب جديدة للتأثري يف وعي اجلماهري على مواقع الشبكات َّ
االجتماعية حيث يتوىل القسم تنفيذ أشكالها اخلفية ( .)Shai:2018فعلى سبي�ل املثال،
يرعى القسم تنفيذ أنشطة التالعب املعلومايت حتت ستار خفي؛ بهدف ممارسة التضليل،
أو التأثري يف املنظومة اإلدراكية ملستخديم الشبكات االجتماعية (.)Ibid
295
الفصــل الرابــع
296
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
وصفحاتهــا علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة (ابــو عامــر .)2018:وفيمــا خيــص الدعايــة،
ً
تســعى الوحــدة إىل فتــح حــوار مباشــر مــع اجلمهــور الفلســطيين أمــا يف حتســن وترويــج
صــورة «إســرائي�ل» مــن جهــة ،وحتقيــق نتـ�اجئ علــى املســتوى االســتخبارايت مــن جهــة أخرى.
ويمكــن وصــف اجلهــد الدعــايئ لصفحــة منســق أعمــال احلكومــة علــى شــبكة فيســبوك
ً
اســتثمارا يف األنشــطة املدنيــ�ة ألجــل جتفيــف منابــع البيئــ�ة الشــعبي�ة احلاضنــة بكونــه
ً
للمقاومــة عــر اســتغالل احلالــة االقتصاديــة والماديــة املرتديــة .لذلــك ،غالبــا مــا تنشــر
مــواد دعائيـ�ة مرتبطــة حبيــاة الســكان .وبالعــودة إىل التنقيــب الدعــايئ ،وبعــد تفحــص عــدد
مــن منشــوراتها ،نت�أكــد مــن تلقــي صفحــة منســق أعمــال احلكومــة ملعلومــات محدثــة عــن
تطــورات الوضــع يف قطــاع غــزة ،خاصــة اإلنســاني�ة منهــا .فمــن الواضــح أن األجهــزة الــي
دوريــا ،خاصــة تلــك الــي يصلــح توظيفهــا ُتعــى بالرصــد واجلمــع ،تزودهــا باملعلومــات ًّ
يف مجــال الدعايــة الســيرباني�ة ،األمــر الــذي يؤكــده وجــود مقاطــع حدوديــة وجويــة علــى
صفحتهــا .ويف نقطــة أخــرى ،تســتفيد الدعايــة «اإلســرائيلية» مــن احلالــة النفســية
للجمهــور الفلســطيين .فعــر مراقبــة املنشــورات ،ذات صيغــة «التعبــر الــذايت» ،تســتطيع
صفحــة املنســق ،وغريهــا ،التعــرف علــى املوضوعــات الــي تشــغل عقــول األفــراد ،وتؤثــر يف
ً
حيواتهــم ،مــا يســمح لهــا بتوجيــه دفــة الدعايــة حنوهــا أمــا يف إجيــاد حالــة مــن االســتجابة
والتفاعــل النفــي مــع رســائلها .لهــذا ،فــإن مراقبــة مــا يصــدر عــن املواقــع االجتماعيــة،
وضمــن نطــاق جغــرايف محــدد ،يســمح باحلصــول علــى معلومــات حلظيــة ،مــن غــر املمكــن
احلصــول عليهــا إال بعــد وقــت ،مــا يؤخــر جهــود اســتغاللها الفــوري.
.6نمــوذج تطبيقــي :التنقيــب الدعــايئ «اإلســرائيلي» خــال مســرات
العــودة
خــال متابعتنـ�ا بعــض الصفحــات الرســمية «اإلســرائيلية» الناطقــة باللغــة العربي�ة
علــى موقــع فيســبوك ،الحظنــا اســتغاللها للمحتــوى الــذي ينتجــه نشــطاء فعاليات مســرة
العــودة يف قطــاع غــزة مــن أجــل حتقيــق أهــداف دعائي ـ�ة حبتــة .كمــا رصدنــا آلليــة ممنهجــة
تقــوم علــى رصــد وجتميــع املحتويــن املكتــوب واملــريئ ومــن ثــم إعــادة نشــره علــى صفحاتهــا
دعائيــ�ا بشــكل يتوافــق وأهدافهــا السياســية .وهــو مــا يمكــن تســميت�ه ًّ بعــد معاجلتــه
297
الفصــل الرابــع
بـــ «التنقيــب الدعــايئ» الــذي يصــب يف تفســر مفهــوم إنتـ�اج الدعايــة لذاتهــا ،والــي تعــي
باختصــار تكاثــر وانتشــار املوضوعــات الدعائيـ�ة بشــكل تشــعيب غــر منتظــم االجتــاه ،حيــث
ًّ ً
متلقيــا لهــا فقــط .وتبحــث الدراســة يف يصبــح اجلمهــور فاعــا يف بن�ائهــا ،متأثـ ًـرا بهــا ،ال
ظاهــرة «التنقيــب الدعــايئ» ضمــن ســياق فعاليــات مســرة العــودة يف قطــاع غــزة مــن
خــال حتليــل املنشــورات والصــور الــي نشــرتها بعــض الصفحــات «اإلســرائيلية» ،حيــث
تســعى إىل فهــم كيــف وظفــت ماكينــ�ة الدعايــة «اإلســرائيلية» «التنقيــب الدعــايئ»
خــال فعاليــات مســرة العــودة الكــرى يف غــزة ،والكشــف عــن أســاليب الدعايــة األخــرى
الــي نشــطت بموازاتــه ،واآلثــار املرتتب ـ�ة عنــه وســبل مواجهتهــا.
وتمثــل مجتمــع الدراســة يف الصفحــات الرســمية «اإلســرائيلية» الناشــطة علــى
فيســبوك ،والــي تســتخدم اللغــة العربيــ�ة يف توجيــه خطابهــا للجمهــور ،مثــل :صفحــة
رئيــس الــوزراء «اإلســرائيلي» ،وصفحــة منســق أعمــال احلكومــة «اإلســرائيلية»،
وصفحــة الناطــق باســم اجليــش «اإلســرائيلي» باللغــة العربيــ�ة -أفيخــاي ادرعــي،
وصفحــة إســرائي�ل تتكلــم بالعربي ـ�ة التابعــة لــوزارة اخلارجيــة ،وصفحــة املتحــدث باســم
رئيــس الــوزراء لإلعــام العــريب -أوفري جندلمــان ،وصفحــة «إســرائي�ل» يف األردن ،وصفحة
«إســرائي�ل» يف مصر...إلــخ .أمــا العينـ�ة ،فتمثلــت يف أربــع صفحــات ،وهــي :صفحة منســق
أعمــال احلكومــة ،وصفحــة الناطــق باســم اجليــش «اإلســرائيلي» ،وصفحــة املتحــدث
باســم رئيــس الــوزراء لإلعــام العــريب ،وصفحــة «إســرائي�ل» تتكلــم بالعربيــ�ة.
أ .معطيات عامة
باالطــاع إىل معطيــات اجلــدول أدنــاه ،يتبــن إحــراز التنقيــب الدعــايئ 142تكـ ً
ـرارا،
بنســبة 24.4%مــن إجمــايل العينـ�ة الــي بلــغ عــدد وحداتهــا 582منشـ ً
ـورا ،إضافــة إىل نســبة
56.8%مــن إجمــايل املــواد الــي تن�اولــت مســرة العــودة ،البالــغ عددهــا .250وبالتدقيــق
أكــر يف نســب املنشــورات املرتبطــة باملســرة ،نالحــظ مــيء صفحــة «الناطــق باســم
ً
اجليــش «اإلســرائيلي» -أفيخــاي ادرعــي» أول بنســبة ،38%بينمــا حلــت صفحــة
ً
«املتحــدث باســم رئيــس الوزراء-أوفــر جندلمــان» ثاني ـ�ا بنســبة ،34.8%تلتهــا صفحــة
ـرا صفحــة «إســرائي�ل» «منســق أعمــال احلكومــة «اإلســرائيلية» بنســبة ( ،)20.4%وأخـ ً
298
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
تتكلــم بالعربيـ�ة» بنســبة ( .)6.8%وبمقارنــة تكــرارات ظهــور التنقيــب الدعــايئ الكليــة على
صفحــات الدراســة ،مــع التكــرارات الكليــة ملنشــوراتها اخلاصــة باملســرة ،نالحــظ ارتفــاع
وتــرة توظيــف التنقيــب الدعــايئ ،ليتجــاوز النصــف .فعنــد صفحــة الناطــق باســم اجليــش
«اإلســرائيلي» ،مثـ ًـا ،ســجل 57تكـ ً
ـرارا مــن أصــل ،95فيمــا أحــرز 50تكـ ً
ـرارا عنــد املتحــدث
باســم رئيــس الــوزراء ،و 26عنــد منســق أعمــال احلكومــة «اإلســرائيلية» مــن أصــل ،51
و 9تكرارات لدى صفحة «إسرائي�ل» تتكلم بالعربي�ة من أصل .17
¡ ¡ ¡
¢£ כ ٪ כ ٪ כ
40.2% 22.8% 9.8% 57 38% 95 28.5% 166
35.2% 20% 8.6% 50 34.8% 87 34.9% 203
18.3% 10.4% 4.5% 26 20.4% 51 21.8% 127
6.3% 3.6% 1.5% 9 6.8% 17 14.8% 86 » «
299
الفصــل الرابــع
أو تأكيــد روايــة اســتغاللها لألطفــال والنســاء كــدروع بشــرية ،وهنــاك ما ُوظــف لربطها مع
جمهوريــة إيــران ،أو بالنازيــة .ويمكــن رد هــذا االســتغالل ،إىل تنــوع مشــاركات الناشــطني
الفلســطينيني ،وقيامهــم بنشــر جــل مــا يوثقــون علــى شــبكة فيســبوك ،بوعــي أو بدونــه،
األمــر الــذي خــدم جهــود «إســرائي�ل» علــى املســتوى الدعــايئ .فعلــى ســبي�ل املثــال ،قامــت
صفحــة «املتحــدث باســم رئيــس الــوزراء» باســتغالل تــداول املســتخدمني صــورة جتمــع
خمســة شــهداء بلبــاس عســكري لضــرب روايــة ســلمية املســرات ،والتأكيــد علــى أنهــا
ليســت نابعــة عــن رغبــة شــعبي�ة ،وإنمــا حتركهــا جهــات «إرهابي ـ�ة» .ويف مثــال آخــر ،نشــر
ناشــطون صــورة لعلــي فلســطني يتوســطهما علــم
أبيــض حيمــل شــعار الصليــب املعكــوف .هــذا اخلطــأ،
تلقفتــه «إســرائي�ل» لغــرض شــيطنة الفعاليــات ،عــر
االدعــاء بأنهــا تســتقي أيديولوجيتهــا مــن النازيــة ذاتهــا.
ويمكــن القــول إن شــعار ســلمية الفعاليــات ،وعدالــة
مطالبهــا ،تتن�اقــض إىل حــد مــا مــع دالالت بعــض املــواد املرئي ـ�ة املنشــورة ،وهــو مــا يشــر
إىل غيــاب الوعــي الــكايف لــدى البعــض بثقافــة الصــورة .ويســتدعي الرتكــز «اإلســرائيلي»
ً
علــى املــواد املرئيــ�ة تســاؤل حــول الفــرق بينهــا وبــن النصــوص علــى صعيــد العمــل
الدعــايئ؟ وهنــا نــرى أن املشــاهد املرئيـ�ة أكــر قابليــة للتصديــق مــن النصــوص املجــردة ،اليت
ُ
قــد تكــذب بســهولة .وهــذا يعــي ،انتهــاج «إســرائي�ل» الســراتيجية دعائي ـ�ة تعتمــد مبــدأ
حربــا لتحســن صورتهــا املتدهــورة .ويؤكــد احلقيقــة ،أو أنصافهــا ،خاصــة وأنهــا ختــوض ً
هــذا االســتنت�اج ،مــا أشــار إليــه ناكمــان شــاي ،مــن حتديــد آلليــة اشــتغال «الناطــق باســم
اجليــش «اإلســرائيلي»» علــى املنصــات االجتماعيــة ،حيــث يرغــب اجليــش باملحافظــة
علــى مصداقيــة مــا يصــدر عنــه للجمهــور ،وبالتــايل ينحصــر دوره يف ممارســة إجــراءات
بيضــاء ( .)Shai:2018لذلــك ،فالصــورة ،أبلــغ يف إيصــال الرســالة ،كمــا أن مقــدار مواجهتهــا
أضعــف ممــا قــد حيتملــه النــص.
مــن جهــة أخــرى ،ال يقتصــر مفهــوم اســتغالل املحتــوى الفلســطيين علــى االســتخدام
املجــرد ،بــل يتعــداه حنــو إنتـ�اج فنــون أخــرى .فالعديــد مــن الصــور ومقاطــع الفيديــو شــكلت
300
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
ً ً
مــادة ثريــة إلعــداد تصميمــات تســاعد علــى إيصــال رســائل بصريــة أكــر عمقــا .فمثــا،
ً
تصميمــا احتــوى صــورة لرئيــس الــوزراء نشــرت صفحــة «إســرائي�ل» تتكلــم بالعربي ـ�ة»
ً
«اإلســرائيلي» بني�امــن نتني�اهــو ،حامــا قطعــة مــن طائــرة اســتطالع إيراني ـ�ة محطمــة،
ويقابلهــا يف ذات التصميــم صــورة طائــرة ورقيــة حتمــل شــعار النازيــة .هــذا التصميــم
ِّ
ُوظــف خلدمــة هــدف ربــط حركــة حمــاس بإيــران ،واالدعــاء بأنهمــا يشــربان مــن كأس
إرهــايب واحــد .وجديــر بالذكــر ،أن بعــض املحتويــات،
وفــرت فرصــة التهــام حمــاس باســتخدام املدنيــن كــدروع
بشــرية ،مــا منــح «إســرائي�ل» فرصــة التأكيــد علــى اتب ـ�اع
جيشــها اإلجــراءات الالزمــة ً
منعــا إلحلــاق األذى بهــم “أي
املدنيــن” ،وبالتــايل إبــراز علــو أخالقــه وســمو إنســانيت�ه.
ج .عمليــة إعادة تأطيــر
تبــن خــال البحــث ،وجــود عمليــة ممنهجــة تقــوم علــى إعــادة تأطــر املــواد البصرية،
مرغوبــا ،مــن خــال االســتعانة بت�أثــر النــص .ويــرى كارتــرً ًّ
دعائيــ�ا كــي ختــدم معــى
ماكنمــرا أن «إعــادة التأطــر» مــا هــي إال عمليــة للخــروج بتفســر مختلــف للحــدث ،عــر
حتويـ�ل منظـ�ور الشـ�خص أو رؤيتـ��ه للحـ�دث باجتـ�اه جديـ�د ،أو إىل زاويـ�ة أخـ�ر ى (�McNama
301
الفصــل الرابــع
302
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
وجــود مصــدر موحــد للتغذيــة ،ال يعــي عــدم قيــام صفحــات الدراســة جبمــع موادهــا
اخلاصــة بنفســها ،فعديــد مــن الصــور واملشــاهد املرئيـ�ة ظهــرت حصـ ًـرا لــدى بعضهــا ،دون
األخــرى .ورغــم حصدهــا ملــواد حصريــة ،إال أنهــا توحــدت يف إرفــاق وســوم معهــا ،إضافــة
إىل تركزيهــا علــى موضوعــات دعائيــ�ة بعينهــا مــا يــدل علــى وجــود خطــوط عامــة حتــدد
مســار العمــل الدعــايئ ونقــاط تركــزه؛ ممــا جيعــل عمليــة اجلمــع محــددة ومرتبطــة بهــا.
ويتصاعــد احتمــال قيــام مصــدر التغذيــة بتحويــل مجمــوع مــا حيصــده مــن معلومــات
مباشــرة إىل الصفحــات لتقــوم بدورهــا باختيــ�ار املالئــم منهــا ،حبســب نطــاق تركزيهــا،
ً
ونوعيــة جمهورهــا .فمثــا ،تقــوم صفحــة «منســق أعمــال احلكومــة» بنشــر مــواد ذات
ُبعــد إنســاين مرتبــط حبيــاة الفلســطينيني ،بينمــا تركــز صفحــة «الناطــق باســم اجليــش»
علــى مــواد ذات عالقــة بتصرفــات الفلســطينيني علــى احلــدود ،وحالــة ضبــط النفــس
الــي يب�ديهــا اجليــش.
ه .عملية مشاركة محتوى
تســتخدم معظــم الصفحــات «اإلســرائيلية» أســلوب مشــاركة املحتــوى ،ســواء
عــن بعضهــا البعــض ،أو عــن صفحــات لوســائل إعــام «إســرائيلية» .واملشــاركة عمليــة
اســتدعاء ملحتــوى صــادر عــن مســتخدم آخــر بغــرض إظهــاره علــى واجهــة صفحتــك
اخلاصــة .ويف حاالتهــا االعتي�اديــة ،يقــوم املســتخدمون علــى مشــاركة مضامــن يرونهــا
ً
تنســجم مــع توجهاتهــم الفكريــة أو مشــاعرهم العاطفيــة؛ ويف حــاالت أخــرى ،حتديــدا
الدعــايئ منهــا ،يعمــدون -خاصــة أولئــك املدفعــون سياسـ ًّـيا -علــى مشــاركة محتويــات
حتقــق أغــراض مختلفــة ،تــراوح بــن نشــر أطروحــة مــا ،أو تضخيمهــا وترويجهــا ،أو تنفيــذ
عمليــات تشــهري حبــق رافضيهــا ،أو تضليــل جمهورها...إلــخ .ويف احلالــة «اإلســرائيلية»،
نالحــظ مشــاركة متب�ادلــة بــن الصفحــات لبعــض املحتــوى الصــادر عنهــا ،أو عــن مواقــع
أخــرى ،بشــكل دعــايئ مرتبــط بطريقــة نشــر الرســالة.
303
الفصــل الرابــع
304
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
علــى نفســها اســم «مدين ـ�ة رفــح -الصفحــة الرســمية» ،تتهكــم فيهــا علــى واقــع غــزة.
باختصــار ،أرادت صفحــة «منســق أعمــال احلكومــة» مــن خــال االستشــهاد بهــذه
احلــاالت ،التأكيــد علــى أطروحــة عــدم اهتمــام حمــاس بالواقــع املعيــي لســكان قطــاع
ً
غــزة .ونشــط أيضــا أســلوب «نــزع الشــرعية» بصــورة ملحوظــة يف جميــع صفحــات
الدراســة ،يف إشــارة إىل رغبــة املنقــب الدعــايئ إجيــاد مــا يالئــم أطروحاتــه مــن معلومــات
وصــور ،تــزع أي مشــروعية ختــص الفعاليــات .وبهــذا الشــأن ،توزعــت اجلهــود بــن نــزع
شــرعية حركــة «حمــاس» ،أو ســلمية الفعاليــات وشــعبيتها ،أو عدالــة مطلــب العــودة
ذاته...إلــخ .ويف ســياق آخــر ،وظفــت «إســرائي�ل» أســلوب «حتويــل االنتبــ�اه» حلــرف
األنظــار عــن الفعاليــات ،والرتكــز علــى مســؤولية حمــاس
عــن ســوء األوضــاع الــي وصــل إليهــا قطــاع غــزة .كمــا
وظفــت أســاليب أخــرى ،مثــل «إطــاق التســميات»،
و«الربــط» ،و«الشــيطنة» ،وغريهــا .وهنــا ،يتضــح أن
التنقيــب الدعــايئ ال يعمــل مــن فــراغ ،وأنــه جهــد اتصــايل
رئيــي يف حــال أرادت جهــة الدعايــة توفــر معلومــات تســاعدها علــى تفعيــل قــدرات
أســاليب أخــرى ،خاصــة وأن اســتغالل املــواد الــي ينشــرها اخلصــم أكــر مصداقيــة وقــوة
يف حــال ُأحســن التعامــل معهــا.
ز .تأثريات التنقيب الدعايئ
تســتدعي خطــورة ظاهــرة التنقيــب الدعــايئ اإلشــارة إىل جــزء مــن تأثرياتهــا املحتملــة
علــى املســتويات املعرفيــة والنفســية والســلوكية لألفــراد ،الســيما مــا يتعلــق بفعاليــات
مســرة العــودة .فبالنســبة لآلثــار املعرفيــة ،يمكــن للظاهــرة إعــادة تركيــب وبنـ�اء األحــداث
بشــكل يشــوه ظهورهــا العــام ،لمــا تتعــرض لــه مــن انتقائي ـ�ة وإعــادة تأطــر متعمــد ،تؤثــر
ُ
يف إدراك املتلقــي لتطوراتهــا ونت�اجئهــا احلقيقيــة .وللمفارقــة ،تســهم ســلوكيات بعــض
املســتخدمني ،يف تفعيــل نتـ�اجئ الظاهــرة لصالــح الطــرف اخلصــم ،مــع مــا يعنيـ�ه ذلــك مــن
ُ
مشــاركة عفويــة يف تقديــم معرفــة يمكــن أن تســتغل لصناعــة أو ترســيخ صــور نمطيــة.
ويف حالــة مســرة العــودة ،حاولــت «إســرائي�ل» اســتغالل املحتــوى الصــادر عــن نشــطاء
305
الفصــل الرابــع
فلســطينيني لبنــ�اء دوامــة معلوماتيــ�ة مغلوطــة ختــدم تشــكيل أطــر معينــ�ة يف ذهــن
املتلقــي .فمــن خــال إعــادة تدويــر منشــورات تدعــم بشــكل غــر مقصــود أطروحــات
الفــوىض ،والعنــف ،واإلرهاب...اســتطاعت تقديــم أدلــة تؤكــد رؤيتهــا ،الســيما تلــك الــي
ً ً
تؤســس ملفاهيــم سياســية وثقافيــة واجتماعيــة جديــدة ،تــرى يف الفلســطيين عبئـ�ا ثقيــا،
جيــب التخلــص منــه؛ إذ يتمثــل الهــدف يف التشــويش علــى الواقــع احلقيقــي ،وضــرب
القناعــات بشــأنه إلجيــاد معتقــد مزيــف ،ين�اقــض مطلــب العــودة ،وينســجم مــع الــرؤى
«اإلســرائيلية».
وتتجــاوز اآلثــار املعرفيــة للظاهــرة حــدود اإلقليــم لتشــمل املجتمــع الشــبكي بأســره،
دوليــا؛ إذ مــن املعلــوم أن حــركات مناهضتهــامــا يمنــح «إســرائي�ل» فرصــة حتســن صورتهــا ًّ
تســتمد قوتهــا وديمومتهــا مــن مشــروعية النضــال الفلســطيين ومصداقيت ـ�ه الــي تســهم
عشــرات الصــور واملقاطــع يف جتذيــره ،خاصــة إذا مــا وثقــت جلرائــم االحتــال .لهــذا ،فــإن
ســاحا يرتــد بالســلبً أي منشــورات جماهرييــة تن�اقــض هــذه املصداقيــة ،ستشــكل
علــى صــورة الفلســطيين ،وتدعــم بشــكل غــر مباشــر جهــود االحتــال .فالظاهــرة ،قــادرة
ً
علــى إجهــاض أي جهــد شــعيب حقيقــي ،جيــد تفاعــا ومتابعــة علــى مواقــع الشــبكات
االجتماعيــة ،لكونهــا مرتبطــة بـــأنشطة فرديــة غــر مركزيــة ال ختلــو مــن األخطــاء ،يســتطيع
الطــرف «اإلســرائيلي» رصدهــا ،وتوظيفهــا ملصلحتــه .فهــي مســلك ال يتســبب بــأي حــرج
لهــا ،طالمــا أن املحتــوى نابــع مــن طــرف آخــر .وبهــذا اخلصــوص ،يمكــن للتنقيــب أن يؤثــر
يف أي حملــة إعالميــة ،داخليــة وخارجيــة ،فقــط عــر رصــد اآلراء املحليــة الــي تعارضهــا،
لتصبــح مصــدر تغذيــة دائمــة للجهــود املضــادة ،وكأنهــا حتــارب ذاتهــا بذاتهــا.
وفيمــا يتعلــق باجلوانــب النفســية أو الوجــداين ،فالظاهــرة قــادرة علــى توليــد عــدد
مــن املشــاعر الســلبي�ة كاإلحبــاط واليــأس والشــك ،الالزمــة إلفشــال الفعاليــة .فمــن
خــال رصــد احلالــة املزاجيــة للمواطــن الفلســطيين ،ومراقبــة مشــاعره جتــاه األوضــاع
القائمــة ،تســتطيع «إســرائي�ل» إعــداد تصــور ملخطــط دعــايئ ،ين�اســب مســعاها ،خاصــة
إذا مــا اســتفادت مــن التداعيــات النفســية للفقــر واحلاجــة ،اللتــان جتــدان مــن يرتجمهمــا
ًّ
نفســيا زيــادة الشــرخ علــى شــكل منشــورات .ولعــل أســوء مــا قــد ينجــم عــن الظاهــرة
306
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
بــن الفلســطينيني أنفســهم ،أو صناعــة اخلــاف بينهــم وشــعوب وكيانــات أخــرى.
فالتعبــر عــن اآلراء عــر الشــبكات االجتماعيــة ،خاصــة احلــاد منهــا ،قــد يشــكل مــادة
ثريــة لـــ «إســرائي�ل»؛ الــي ال تنفــك تــزرع الشــقاق والفرقــة ،يف واحــدة مــن أكــر ممارســاتها
الدعائي ـ�ة اســتمرارية علــى مــر الســنني .باختصــار ،تســتطيع الظاهــرة حتويــل األمــل إىل
يــأس ،والدافعيــة إىل إحبــاط ،واليقــن إىل شــك ،فهــي تســتغل تقلبــات اإلنســان النفســية،
وحالــة الرتاجــع الــي قــد ُيبتلــى بهــا البعــض.
وخبصــوص التأثــرات الســلوكية ،فبمجــرد أن يتــم تشــكيل معــارف وتصــورات
اجلمهــور حــول احلــدث بصــورة محــددة ،تســعى الدعايــة يف خطــوة ثانيـ�ة إىل حــث ســلوك
األفــراد باجتاهــات معينــ�ة مرغوبــة .وتســتهدف التأثــرات املتوقعــة فئتــ�ان :داخليــة
وخارجيــة .أمــا األوىل ،أي اجلمهــور الفلســطيين ،فالظاهــرة عــر رصدهــا وتدويرهــا
لألخطــاء ،تســهم يف حتفــز ســلوك تن�افــري ،يمتنــع عــن املشــاركة أو تقديــم الدعــم ملســرات
العــودة ،كمــا تســتثري ســلوكيات معارضــة ،مــن خــال تأكيدهــا علــى مفهــوم األجنــدة
«احلمســاوية» ،واســتغاللها لعنــوان وطــي «العــودة» ،مــن أجــل حتقيــق مكاســب حزبي�ة،
كاالعــراف بشــرعيتها يف وجــه الســلطة .وعلــى صعيــد اخلــارج ،أي اجلمهــور الغــريب ،فعــر
تركزيهــا علــى ســرديات معينــ�ة كاإلرهــاب والعنــف ،تســعى الظاهــرة إىل اســتث�ارة ردود
فعــل رافضــة للفعاليــات ،األمــر الــذي قــد يؤثــر علــى أي جهــود مســتقبلية حنــو توفــر مظلــة
دعــم ميــداين ومــايل وســيايس لهــا .وجديــر بالذكــر ،أن «إســرائي�ل» مــن خــال إبرازهــا ألطــر
محــددة (إرهــاب ،تهديــد ،جتريــم ،فــوىض) حتــاول التن�اغــم مــع العقــل الغــريب؛ لذلــك ،ومــن
خــال ربطهــا حبركــة حمــاس ،تســعى الظاهــرة إىل شــخصنة الفعاليــات ،وتركزيهــا يف بوتقة
محــددة ،مــن خــال تدويرهــا للمنشــورات ذات األبعــاد العاطفيــة ال العقليــة.
ح .سبل مواجهة التنقيب الدعايئ
ال يمكــن ادعــاء وصفــة ســحرية تســتطيع صــد الدعايــة ،كمــا ال يتوافــر نمــط واضــح
يوقــف تأثــرات التنقيــب الدعــايئ ،خاصــة إذا مــا علمنــا ارتب�اطــه بالنشــاط االتصــايل
لألفــراد أو املؤسســات أو حــى الــدول يف التعبــر عــن ذاتهــا بشــى الطــرق .ولكــن ،مــا
307
الفصــل الرابــع
نســتطيع تأكيــده ،أن الوعــي اإلنســاين ،يتصــدر أهــم األســلحة ،القــادرة علــى مجابهــة أي
محاولــة للتأثــر يف ذواتنـ�ا .لهــذا ،فــإن الناشــط يف مواقع الشــبكات االجتماعية الفلســطيين،
مطالــب بامتــاك بصــرة كافيــة ،تؤهلــه للتميــز بــن مــا هــو نافــع أو ضــار للــذات ،وقضيت�ه.
كمــا أنــه مطالــب بالتوقــف للحظــة مــع نفســه ،وأن يتســاءل حــول كيفيــة اســتفادة عــدوه
ممــا ينشــر .وألننـ�ا نعلــم شــعبي�ة الوســيلة ،وصعوبــة اســتدعاء وعــي ذايت كايف ،فاملؤسســات
ً
الفلســطيني�ة احلكوميــة واحلزبيــ�ة واخلاصــة ،مطالبــة أيضــا بت�أســيس حالــة ثقافيــة
جماعيــة تســهم يف ضبــط املمارســة املعلوماتيــ�ة للمســتخدمني ،بمــا يشــمل التعريــف
بســبل «إســرائي�ل» الدعائيــ�ة ،وطرقهــا يف اســتغالل املحتــوى الفلســطيين لصاحلهــا.
بدورهــا ،األجهــزة املختصــة يف مجــال تكنولوجيــا املعلومــات ،مدعــوة للتعمــق أكــر يف
عــرض خطــورة مواقــع الشــبكات االجتماعيــة ،ومــا يرتتــب عليهــا مــن حتصيــل للبي�انــات،
ًّ
دعائيـ�ا .باإلضافــة إىل مــا ســبق ،يقــع وبالتــايل خدمــة جهــود أي طــرف يرغــب يف اســتغاللها
ســر جنــاح أي حملــة يف ختطيطهــا املســبق ،وقدرتهــا التنبــؤ بأســاليب وخطــوات احلمــات
الدعائيــ�ة املضــادة .لهــذا ،فــإن مركزيــة التوجيــه أساســية وضروريــة ،كمــا أن املتابعــة
ُ
الدائمــة ألنمــاط اشــتغال اخلصــم تســاعد علــى ختطــي اســتغالله ألي أخطــاء ترتكــب.
ً
وأخــرا ،تكشــف ظاهــرة التنقيــب الدعــايئ مــدى خطــورة املمارســات الدعائيــ�ة
عامليــا ،ومســتوى إفادتهــا مــن غيــاب الوعــي الشــبكي الــكايف لــدى مســتخديم املســتجدة ً
ُ
مواقــع الشــبكات االجتماعيــة؛ خاصــة يف مجــال حتصيلهــا ملعلومــات وبي�انــات تســتخدم
يف تشــكيل انطبــاع مزيــف ،يؤثــر يف مــدركات اجلمهــور للواقــع احلقيقــي وســياقات تطــوره.
ُ
كمــا تظهــر درجــة االقــران بــن التطــورات التقنيــ�ة احلديثــ�ة مــن جهــة ،والدعايــة مــن
جهــة أخــرى ،وسعيها-البشــري واآليل -حنــو اآلراء واملنشــورات الشــاذة بغيــة اســتغاللها،
ً
مســتفيدة مــن غيــاب املركزيــة االتصاليــة ،وصعوبــة الســيطرة علــى حركــة تدفــق
املعلومــات يف البيئــ�ة الرقميــة.
ويتضــح مــن خــال املالحظــة ،أن التنقيــب الدعايئ-كاســراتيجية تنفيذ-يــرىق
ملســتوى أســلوب دعــايئ ســيرباين ،األمــر الــذي يؤكــد طبيعــة الدعايــة ،يف كونهــا جهــد
مخطــط يرتبــط بنشــاط إنســاين يســتطيع اســتحداث أشــكال تأثــر مبتكــرة .فالدعايــة
308
نماذج دعائي�ة على الشبكات االجتماعية
«اإلســرائيلية» علــى شــبكة فيســبوك ،ســارت وفــق منــى متسلســل ،اســتهلتها جبمــع
ً
دعائي ـ�ا؛ كــي تعيــد نشــرها داخــل إطــار معلومــايت جديــد مختلــف الهفــوات ،ثــم عاجلتهــا
خيــدم خطابهــا ،وكأنهــا دليــل إثب ـ�اتُ ،يستشــهد بــه مــن صاحــب الرســالة األصليــة .ولعــل
أهــم مــا كشــفته الظاهــرة ،انتهــاج «إســرائي�ل» مبــدأ مواجهــة الدعايــة لذاتهــا ،يف ممارســة
غــر تقليديــة ،تســتغل مســاوئ ممارســات املســتخدم أو «الصحفــي املواطــن» ،عــر إبــراز
املتن�افــر واملتن�اقــض منهــا مــع أطروحــات املســرة .وهنــا ،عمــدت «إســرائي�ل» إىل دراســة
طبيعــة تفاعــل شــراحئ اجلمهــور الفلســطيين مــع دعــوات مســرة العــودة ،مــن خــال
مراقبــة مــا يصــدر عنهــم مــن تعليقــات وصــور؛ لتتمكــن مــن ختطيــط إســراتيجية اتصاليــة
دعائيــ�ة ،تســتجيب ألهدافهــا إجهــاض احلاضنــة الشــعبي�ة للمســرة ،وبالتــايل حتويلهــا
مــن مطلــب عــادل ذو طبيعــة ســلمية ،إىل حتــرك إرهــايب عنيــف بطبعــه.
ً
ورغبــة منهــا بلــوغ أقــى درجــات التأثــر ،ركــزت الصفحــات «اإلســرائيلية» علــى
اســتغالل املنشــورات املرئيـ�ة ،إلمكاناتهــا اإلقناعيــة ،الــي تتجــاوز قــدرات النــص ،إضافــة
إىل توظيفهــا ألســاليب دعائي ـ�ة متنوعــة ،كالربــط واالستشــهاد ،يف إشــارة جليــة إىل قــدرة
التنقيــب الدعــايئ تنشــيط أســاليب تأثــر أخــرى بموازاتــه .وألن خطــورة الظاهــرة باتــت
ملحــا ،خاصــة جلهــة رفــع منســوب وعــي مطلبــا ً
ً واضحــة ،فتبــي جهــود تثقيفيــة بــات
مســتخديم مواقــع الشــبكات االجتماعيــة ،وأولئــك املنخرطــون يف جهــود نضاليــة شــعبي�ة،
ـرا ،يســتدعي مــا ســبق جملــة مــن التســاؤالت ،حــول كيفيــة كاحلالــة الفلســطيني�ة .وأخـ ً
ممارســة األفــراد للتنقيــب الدعــايئ ،والــدور الذي يؤديــه يف ســياقات مختلفــة؛ كاالنتخابات
واحلــروب واألزمــات االقتصاديــة؛ ومــدى قدرتــه تفكيــك احلالــة االجتماعيــة ،أو التأثــر
علــى األنشــطة الســيرباني�ة املوجهــة ،خاصــة اجلماعــي منهــا.
309
الفصــل الرابــع
خاتمة الفصل
حرصنــا خــال هــذا الفصــل علــى عــرض وشــرح مجموعــة مــن أخطــر ظواهــر الدعايــة
الســائدة علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة ،فتن�اولنــا للهندســة االجتماعيــة ،والزتييــف
العميــق ودعايــي التضليــل واحلشــد املزيــف ،ثــم اختتمنــا بالتنقيــب الدعــايئ ،الــذي
عرضنــا خاللــه لنمــوذج تطبيقــي مســتمد مــن واقــع التجربــة الفلســطيني�ة.
ّ
ودون نفــي وجــود ظواهــر أخــرى ،إال أن املعــروض يؤكــد حجــم املخاطــر املحيطــة
باملســتخدمني داخــل املجتمعــات االفرتاضيــة ،وهــي تتنــوع بــن انتهــاك اخلصوصيــة،
وســرقة البي�انــات واســتغاللها ،والتعــرض لألخبــار الكاذبــة واملفربكــة ،ورفــع منســوب
خطــاب التطــرف والكراهيــة ،وتهديــد التماســك املجتمعــي أو احليــاة السياســية ...إلــخ.
وتســتدعي هــذه األخطــار ضــرورة العمــل علــى إجيــاد ثقافــة اتصاليــة عامــة ،تســاعد
مرتــادي املواقــع االجتماعيــة علــى مجابهتهــا واحلــد منهــا أو علــى األقــل التحصــن مــن
تداعيتهــا ،ودون ذلــك فالــدول والكيانــات معرضــة إىل أخطــار جديــدة ال يعلــم أحــد شــكل
تأثريهــا أو طبيعــة ارتداداتهــا.
310
الفصل اخلامس
311
الفصــل اخلامس
ً
أوال :األساليب والتكنيكات التقليدية
ً
ثاني�ا :األساليب والتكنيكات احلديث�ة
312
أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة
يأت من فراغ ،بل ألسباب أساليب الدعاية كثرية وال يمكن حصرها .هذا التنوع لم ِ
عدة ،أهمها تعدد أوجه النشاط اإلنساين اليت تسعى الدعاية إىل التأثري فيه .وبالنظر إىل
الدراسات واألحباث اليت تن�اولت أساليب الدعاية ،جند أنها انبثقت عن حقول علمية
مختلفة ،مثل :اإلعالن ،واإلعالم ،والعالقات العامة ،والسياسية ،وعلم النفس ،وغريها.
هذه الشمولية عكست الطبيعة احلقيقية للدعاية ،يف كونها عملية تعتمد التأثري كمجال
لتحقيق مصالح ُمحركها .لكن عملية التأثري ال تتم من العدم ،لهذا السبب جيري ترجمتها
عرب أساليب وتكنيكيات متنوعة ،يمكن أن نطلق عليها اسم «أساليب التأثري».
وختتلف أساليب الدعاية باختالف اجلهة اليت تقف ورائها ،واجلمهور املستهدف،
واألهداف اليت تسعى لتحقيقها ،إىل جانب السياق الزمين واملكاين وطبيعة األحداث
والقضايا نفسها (مزاهرة .)2012:فرجل الدعاية يف حقيقته فنان متمرس يعتمد الربغماتي�ة
القائمة على قاعدة أن «الغاية تربر الوسيلة» ،وسالحه يف ذلك مجموعة من األساليب
والتكنيكيات املدروسة ( .)Merrill:1997لذلك ،لن جيد أي غضاضة يف توظيف الكذب،
ً
والتشويه ،والتجهيل ،والتنميط ،والتأطري ،وكل ما يراه مناسبا من أساليب تالعب تصب
يف حتقيق تأثري متعمد ومخطط يف اجلمهور.
وتعددت اجلهود البحثي�ة واملؤلفات العلمية حول أساليب الدعاية .وتعود البداية
ً
احلقيقية إىل النصف األول من القرن العشرين ،وحتديدا خالل احلرب العاملية الثاني�ة،
عندما سعت مجموعة من الباحثني األمريكيني إىل تفكيك وفهم الدعاية األلماني�ة ،وحتليل
ُ
نشئت يف الواليات املتحدة مؤسسة حتليل تأثريها على املجتمع األمريكي .ففي عام 1937م ،أ ِ
الدعاية ،)IPA) Institute for Propaganda Analysisوتمحورت مهامها األساسية يف توعية
املجتمع األمريكي بطرق وأساليب الدعاية املعادية ،إضافة إىل املهارات املطلوبة لرصدها
313
الفصــل اخلامس
ً
والوقاية منها .الحقا ،يف عام 1963م ،أجرى باحث أمريكي دراسة حول األساليب املستخدمة
يف حتريض اجلماهري عرب وسائل اإلعالم ( ،)Brown:1963بعدها بعامني صدرت دراسة حول
كيفية تنميط مجلة الـ Timeلثالثة من الرؤساء األمريكيني ( ،)Merrill:1965تبعتها يف العام
1971م دراستني كشفت األوىل عن مجموعة من األساليب اليت يوظفها الصحفيون خالل
العملية اإلخبارية ( ،)Merrill & Lowenstein:1971فيما تطرقت الثاني�ة إىل أشكال التحزي
الذي تمارسه وسائل اإلعالم بهدف تضليل الرأي العام ( .)Cirino:1971وبالقفز إىل العام
2009م ،صدرت دراسة حول أساليب الدعاية املستخدمة يف القنوات الفضائي�ة العراقية
(املوسوي والشجريي ،)2009:تبعها يف العام 2011م دراسة علمية أزاحت الستار عن األساليب
اليت توظفها قناة Fox Newsاألمريكية لغسل دماغ املشاهد ( ،)Boaz:2011ثم دراسة أخرى
عام 2016م صادرة عن مؤسسة أمريكية حول أساليب الدعاية خالل احلروب واألزمات
( .)Propaganda Critic:2016وتوجد صعوبة يف رصد تصنيف ثابت وشامل ألساليب
الدعاية؛ فعديد من الدراسات واملؤلفات تصدت للمهمة دون أن ختلص إىل تصنيف محدد،
ولعل مرد ذلك إىل طبيعة املواقف اليت تواجه رجل الدعاية ،واليت تفرض عليه استحداث
أساليب تالئمها وتنسجم مع أهدافه .ويؤكد هذه احلقيقة ما قاله وزير الدعاية النازي
جوزيف غوبلز« :ليس للدعاية طريقة أساسية ،بل هدف واحد يتمثل يف غزو اجلماهري
والسيطرة عليها ،وكل وسيلة ختدم هذا الهدف تعترب مقبولة»(سميسم.)2005:
وتب�اينت اآلراء حول حقيقة االختالف بني األسلوب والتكنيك يف الدعاية؛ فهناك من
يفرق بينهما على قاعدة أن األسلوب أقرب إىل اإلسرتاتيجية ،بينما التكنيك تطبيق عملي
لالسرتاتيجية ذاتها ،ولكن بأشكال مختلفة .وبهذا اخلصوص ،تقول حميدة سميسم:
«إن التكنيك هو العنصر التنفيذي لألسلوب ،إنه عامل مساعد ،عامل تنفيذي يف تطبيق
وتكثيف جزيئ�ات أو وحدات األسلوب الفين؛ بينما األسلوب هو مجموعة من العناصر
القادرة على خلق رد فعل معني مقصود لدى املستقبل.)Ibid( »...
على اجلانب اآلخر ،هناك من يعتقد عدم وجود فروق بني االثنني ،وأن كليهما تعبري
ً
عن يشء واحد .ويرتكز هذا الفريق يف طرحه على تب�اين الرتجمات العربي�ة للمصطلح نقل
عن األدبي�ات الغربي�ة ،حبيث أدت إىل بروز انطباعات بوجود فروق .وعلى أي حال ،يميل
314
أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة
املؤلف إىل اعتن�اق الرأي األول الذي يفيد بوجود فروق .فاألسلوب تعبري عن هدف ،بينما
التكنيك مجموعة من الطرق االلتفافية لتحقيق الهدف ،وسنعرض فيما يلي أهم أساليب
ً
الدعاية الشائعة يف املمارسة اإلعالمية التقليدية ،علما بأنها مازالت سارية ومستخدمة
على مواقع الشبكات االجتماعية.
ً
أوال :األساليب والتكنيكيات التقليدية
ً
.1أسلوب إطالق التسميات :Name-Callingيطلق عليه أيضا اسم «استب�دال
األسماء» ،ويهدف إىل إثارة مشاعر الكراهية واخلوف والرفض لدى اجلمهور ،عرب تسمية
شخص ،أو جماعة ،أو فكرة ،أو معتقد ،أو سياسة ،بمسميات ذات دالالت سلبي�ة.
بمعىن آخر ،يقوم رجل الدعاية بإطالق تسميات غري ذات صلة باألشياء اليت تدل عليها،
األمر الذي يدفع اجلمهور باجتاه تبين أحكام رافضة ومنتقدة لها ،دون االعتماد على أدلة
وبراهني ( .)IPA:1938ومن التسميات الدارجة مصطلحات مثل :الفاشية ،والدكتاتورية،
واإلرهاب ،والتطرف ،والراديكالية ،واألخونة ،والعصابات ،وامليليشيات ،ومعاداة
السامية ،والهولوكوست ...وغريها كثري .ومن زاوية أخرى ،يشري أحد الباحثني إىل فئتني
من التسميات تن�درجان حتت هذا األسلوب (:)Brown:1963
-تسميات مباشرة :أسماء ذات املعىن الواحد الصريح ،وتستخدم يف حالة كان
ً ً
حياديا مع جهود الدعاية ،مثل :إرهايب ،قذر ،جاسوس. اجلمهور متعاطفا أو
ً
معىن -تسميات غري مباشرة :أسماء حتمل أكرث من معىن ،حبيث تعكس يف ظاهرها
ً
حياديا؛ إال أن باطنها يدل على معىن آخر .ويستخدم هذا النوع يف حالة عدم تقبل اجلمهور
للكلمات ذات املعىن املزعج (مستوطنة تصبح مستعمرة).
.2أسلوب التعميمات الرباقة :Glittering Generalitiesإثارة مشاعر احلب
واالنتماء والقبول لدى اجلمهور ،من خالل تغليف شخص ،أو جماعة ،أو حدث ،أو ُمعتنق،
أو فعل ،بمسميات إجيابي�ة حتظى بقبول عام .بمعىن أنها كلمات ترتبط بقيم ومعتقدات
ذات قيمة عالية حتمل قوة اإلقناع ،حبيث تنشد حب الوطن ،والسالم ،واحلرية ،وغريها.
315
الفصــل اخلامس
وهنا يقوم رجل الدعاية بتغليف حملته الدعائي�ة بمفاهيم عليا ،عرب استخدام مصطلحات
تدل عليها؛ وذلك بهدف دفع اجلمهور إىل االعرتاف بها وقبولها ،دون احلاجة إىل أدلة
وبراهني .وهناك من يرى يف التعميمات الرباقة إطالق تسمية ولكن بشكل معكوس« .فإذا
ُ
كانت عملية إطالق التسمية تتطلب تكوين قرار أو حكم بالرفض ،وأن ندين بدون برهان أو
فحص للدليل ،فإن التعميمات الرباقة ال حتتاج ذلك لتجعلنا نوافق أو نقبل؛ ألنها تمثل ً
أفكارا
عميقة وثابت�ة نؤمن بها ونكافح من أجلها»(آل بهيش .)2012:ومن أمثلتها :الديمقراطية،
العدالة ،احلرية ،الوطن ...إلخ.
.3أسلوب التحويل أو الربط :Transferحتظى بعض الرموز والنصوص
والشخصيات حبمولة (شهرة) إجيابي�ة أو سلبي�ة عند اجلمهور .لذلك ،يقوم رجل الدعاية
بربط هذه احلمولة بفكرة أو قضية معين�ة؛ وذلك بهدف إقناع اجلمهور بقبولها أو رفضها.
بمعىن آخر ،توظيف قيمة يشء معني وربطه بيشء آخر ،حبيث يصنف األخري حبسب داللة
األول عند اجلمهور ( .)IPA:1938ويكرث استخدامه يف اإلعالنات التجارية ،مثل استقدام
المعلن شهرة الطبيب إلقناع اجلمهورطبيب مشهور للرتويج ملعجون أسنان .وهنا يوظف ُ
بالمنتج .ومكانة الشخصية هي املعيار يف هذا األسلوب؛ فالشخصيات االعتب�ارية ُ
ً ً
واملحبوبة عادة ما تلقى قبول لدى اجلمهور ،بعكس املجهولة أو املكروهة ،حيث يعمد رجل
الدعاية إىل استغالل هذه املكانة حبسب الهدف .أما يف املمارسة اإلعالمية؛ فيستخدم هذا
األسلوب يف ربط شخص أو جماعة أو قضية أو معتقد ما برموز ومصطلحات وشخصيات
وكيانات ذات حمولة ،حبيث تنتج عنها قوالب وأنماط ذات دالالت سلبي�ة أو إجيابي�ة حبسب
الهدف .ومثال ذلك ربط اإلسالم باإلرهاب ،أو ربط شن احلروب بالديمقراطية واحلرية.
وين�درج أسلوب أو تكنيك الربط عرب الذنب Guilt by Associationحتت هذا التصنيف ،وهو
يعين ربط شخص أو جماعة أو فكرة ،بأشخاص أو جماعات أو أفكار أخرى مكروهة من
قبل اجلمهور ،من أجل تدمريها أو احلط من قدرها ( ،)Boaz:2011ومثال ذلك :عندما قامت
وسيلة إعالمية بنشر صورة ملسؤول فلسطيين مع وزيرة اخلارجية «اإلسرائيلية» تسييب
ليفين .هنا تم ربط املسؤول بشخصية يكرهها اجلمهور الفلسطيين ،لذلك يتحول الكره
ً
تلقائي�ا للمسؤول بسبب ما يعتقد أنه ذنب قد اقرتفه.
316
أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة
أحد أنواع االستشهاد ،حيث يلجأ البعض إىل االقتب�اس من نصوص أو شخصيات ديني�ة
من أجل إضفاء شرعية على أفعاله أو أقواله ( .)Boaz:2011وهنا تعمد وسائل اإلعالم إىل
ً
انعكاسا لتعاليم تأطري بعض القرارات والتصرفات السياسية واحلزبي�ة والشخصية بكونها
خروجا عن الدين نفسه .وهذاً ومهام ديني�ة ،وبالتايل التحذير من مغبة معارضتها ،كونها
كبريا على أفراد الشعب (خاصة الشعوب املتدين�ة) حلجم الهالة تأثريا ً
األسلوب حيقق ً
317
الفصــل اخلامس
اليت حتظى بها تعاليم الدين .ومن أمثلته ،وصف الرئيس بوش االبن احلرب على العراق
وأفغانستان بكونها حملة صليبي�ة ،هدفها حماية الدين املسييح من إرهاب املسلمني.
.5أسلوب اللحاق بالركب :Band Wagonأسلوب يرتكز يف حتقيق أهدافه على
ميل األفراد الفطري حنو االنتماء للجماعة ،ومسايرة االجتاه السائد ،وله مسميات عدة،
مثل :غريزة القطيع ،واجلوقة املوسيقية ( .)Boaz:2011وهنا حياول رجل الدعاية إقناع
األفراد بتبين فكرة معين�ة أو مسلك محدد ،على قاعدة أن غالبي�ة اجلماعة تتبين الفكرة
نفسها أو املسلك ذاته؛ لذلك عليهم (األفراد) اللحاق بركب اجلماعة وعدم تفويت�ه.
ونالحظ أن األسلوب يستغل بشكل أساس مشاعر االنتماء واخلوف واالنتهازية لدى
األفراد ،فيسعى حنو إقناعهم باالنضمام إىل اجلانب الراحب على قاعدة اخنراط الغالبي�ة
( .)Kadir & Hassan:2014ويف املمارسة اإلعالمية يتضح هذا األسلوب عند احلديث
بصيغة الرتجيح والتوقع مثل« :من املتوقع فوز حركة فتح باالنتخابات»« ،غزة ستصوت
حلماس»« ،ال أحد يشك يف ذلك» ...إلخ .وهنا يسارع بعض األفراد إىل االنضمام للجهة
ً
الراحبة ،إما ملصلحة ما ،أو خوفا من التبعات.
.6أسلوب تقمص البساطة :Plain Folksويطلق عليه البعض اسم «من الشعب
،»Populismوهو أسلوب يقوم على ارتداء ثوب البساطة للفوز بمحبة وثقة اجلماهري
ً
( .)IPA:1938وعادة ما يستخدمه السياسيون والقادة ،عرب االختالط باجلماهري ،والظهور
بمظهر املواطن العادي الذي ال خيتلف عن بايق أفراد الشعب يف تصرفاته واهتماماته ،فهو
منهم وال خيتلف عنهم .ومن أمثلة هذا األسلوب أن يقوم رئيس ما باجللوس يف مدرجات
ً
بسيطا ال يمزيه عن بايق أفراد الشعب أو أن مرتديا ً
زيا ً فئة اجلماهري خالل مباراة كرة قدم،
يتوجه إىل مطعم بسيط لتن�اول الغداء ،بما يعكس ممارسة حياتي�ة طبيعية كبايق طبقات
الشعب .هذا األسلوب يعمل على رفع رصيد الشخصية لدى اجلمهور ،فيفوز بمحبت�ه
ودعمه .عالوة على ذلكُ ،يستخدم هذا األسلوب خالل املمارسة السياسية ،عندما حياول
قائد ما إقناع اجلمهور بصالحية أفكاره ألنها من الشعب وخلدمته ،عرب توظيفه كلمات
وجمل تعرب عن حالة توحد مع اجلمهور ،األمر الذي يؤدي إىل إثارة العواطف ،وبالتايل
القبول .ومن أمثلتها« :أنا كمواطن فلسطيين سأعيش على الدقة والزعرت والزيتون ،ولن
318
أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة
أطأطئ رأيس لسياسة احلصار» .كما ينشط هذا األسلوب خالل احلمالت االنتخابي�ة،
بالتوازي مع أسلوب كبش الفداء ،حبيث تقود وسائل اإلعالم حملة للرتويج للمرشح على
ً
قاعدة أنه من الشعب ،ويف الوقت نفسه حتاول حشد اجلمهور ضد اخلصم بوصفه فردا
ً
مختلفا ،أو من الطبقة العليا اليت ال تمت للشعب بأي صلة (.)Ibid
.7أســلوب الصــور (القوالــب) النمطيــة :Stereotypesالصــورة النمطيــة هــي
اعتقــاد مبالــغ فيــه يرتبــط بفئــة أو أمــة ،وظيفتهــا تبريــر الســلوك إزاء تلــك الفئــة .وهــو
أســلوب دعــايئ يقــوم علــى تبســيط الوقائــع ،عــر تقديمهــا ببعــد أو قالــب واحــد .وهنــا
تقــوم وســائل اإلعــام خبلــق صــورة مزيفــة عــن حــدث ،أو شــخصية ،أو جماعــة ،أو دولــة،
مــن خــال تغليفهــا بقالــب فكــري ســليب ،حبيــث تتحــول مــع مــرور الوقــت والتكــرار إىل
صــورة نمطيــة ثابتــ�ة يف أذهــان اجلماهــر ( .)Merrill & Lowenstein:1971ويــزداد تأثــر هــذا
األســلوب عنــد غيــاب التجربــة أو االحتــكاك املباشــر للجمهــور مــع احلــدث أو الشــخصية،
حبيــث يبــي تصوراتــه وفــق مــا تقدمــه وســائل اإلعــام .وأمثلــة هــذا األســلوب متنوعــة،
لعــل مــن أهمهــا تنميــط وســائل اإلعــام الغربيــ�ة للعــرب واملســلمني بكونهــم «راكــي
ولصوصــا ،ومفجــري طائرات»(شــفيق.)2011: ً جمــال ،وشــهوانيني ،وإرهابيــن،
.8أسلوب رص األوراق :Card Stackingأسلوب يعرب عن محاوالت رجل الدعاية
توظيف كل فنون اخلداع من أجل إقناع اجلمهور بمواقفه وأفكاره ومعتقداته وسياساته؛
فهو يلجأ إىل انتقاء احلقائق اليت تصب يف مصلحته ،كما يلجأ إىل الكذب والزتييف ،أو
يستشهد بمصادر محددة ويتجاهل أخرى ،أو يقوم جبذب االنتب�اه حنو قضايا أقل أهمية
( .)IPA:1938ويمكن القول إن هذا األسلوب يعرب عن أساليب أخرى كثرية انفصلت عنه مع
الوقت .كما يعد من أقدم األساليب ،حيث وضعته مؤسسة حتليل الدعاية عام .1937
.9أسلوب تقديم الرأي كحقيقة :Opinion as Factأسلوب يقوم على عرض
الرأي بكونه حقيقة ،حيث يعمد الصحفي إىل إقحام رأيه اخلاص وحتزياته يف النص دون
ً
شيوعا يف املمارسة اإلعالمية، أن يشعر اجلمهور بذلك .وهذا األسلوب من أكرث األساليب
فيصعب على اجلمهور التفريق بني ما هو رأي خالص أو بني كونه حقيقة واقعة
319
الفصــل اخلامس
( .)Merrill & Lowenstein:1971ومن أمثلتها« :حظي محمود عباس خالل زيارته إىل غزة
باستقبال حمايس لم يسبق له مثي�ل».
.10أسلوب التحزي باإلسناد :Biased Attributionيشري إىل ممارسات متحزية عرب
توظيف األفعال والصفات .فرجل الدعاية يعمد إىل انتقاء كلمات وصفات تثري شحنة
نفسية إجيابي�ة أو سلبي�ة لدى اجلمهور .فالفعل «قال» يدل على معىن حيادي ،ال يستثري أي
شحنة نفسية ،بعكس الفعل «زعم» الذي يثري شحنة سلبي�ة قوامها التهوين واالستحقار
ً
( .)Ibidوهذا األسلوب شائع جدا يف العمل اإلعاليم ،مثل :ادعى ،ما يسىم.
.11أسلوب اختي�ار املعلومات :Information Selectionويطلق عليه أسماء التحزي
باالنتقاء واحلذف ،أو الرقابة ،Censorshipأو املعاجلة ،Spinأو التأطري ،Framingأو أنصاف
احلقائق .Half Truthوهو عملية اختي�ار مقصودة ملعلومات حول حدث معني .وهنا يقرر رجل
ُ الدعاية ّ
أي املعلومات ستورد داخل القصة ،وبأي ترتيب وشكل ،وأي منها سيتم جتاهله.
ويف العادة ،تؤدي هذه العملية إىل نزع القصة الصحفية عن سياقها الدقيق؛ ألنها تشمل
الرتكزي على أبعاد محددة ،فيما تتجاهل أخرى ،حبيث تصبح احلقيقة مشوهة ومجزتأة.
كما ين�درج حتت هذا األسلوب ما يسىم «التحزي باختي�ار القصص واملوضوعات» :وتعين
قيام الوسيلة اإلعالمية بانتقاء قصص وموضوعات معين�ة تعمل على طباعتها أو بثها ،يف
مقابل جتاهل موضوعات أخرى ال توافق أجندة الوسيلة (.)Cirino:1971
.12أسلوب العناوين اخلادعة :Misleading Headlinesيستغل رجل الدعاية
اكتفاء عديد األفراد بقراءة العنوان دون التعرض ملجمل القصة .لذلك يقوم بتضمين�ه
بمعلومة مضللة على قاعدة أنها جزء من حقائق واردة داخل القصة ،حبيث يضمن تبين
غالبي�ة اجلمهور لها .بهذه الطريقة تستغل الدعاية عادات اجلمهور مع الوسيلة اإلعالمية
لتحقيق أهدافها .من جانب آخر ،يستخدم العنوان كجزء من ممارسات التحزي الصحفية،
حيث يتلاعب رجل الدعاية حبجمه ولونه ومفرداته ملمارسة حتزي جتاه جهة ما.
.13أسلوب التحزي بالصور الفوتوغرافية :Biased Photographsالصورة الصحفية
ال تكذب ،ولكنها يف كثري من األحيان خادعة .وفق هذه القاعدة يقوم رجل الدعاية
320
أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة
باستغالل الصورة الفوتوغرافية بشكل يوافق أهدافه .فزوايا اللقطة ،واملعاين اليت حتملها،
ُ
واملدلوالت اليت تشري إليها ،كلها عناصر توظف الختي�ار الصورة األفضل ،واليت توافق
موضوع الدعاية .ولعل املثال الذي حيضرنا ،هو قيام الصحف احلزبي�ة بعرض صور منتقاة
لتجمعات جماهريية خالل احتفاالتها ،األمر الذي يؤدي إىل صناعة انطباع زائف حبجم
الشعبي�ة اليت تتمتع بها .وين�درج هذا األسلوب حتت آخر يسىم توظيف الرموز البصرية
،Evocative Visual Symbolsالذي ُيعىن بإثارة عواطف اجلمهور؛ وذلك بهدف تعزيز اجلبهة
الداخلية عرب توظيف كل ما هو متاح من رموز بصرية مثل :التماثي�ل ،الرايات ،امللصقات،
الكاريكاتري ...إلخ (.)Propaganda Critic:2016
.14أسلوب التكرار :Repetitionتعمد وسائل اإلعالم إىل تكرار بعض الشعارات
واألفكار واملصطلحات والرسائل بشكل دائم وبوسائط متعددة ،ما ُيسهم يف تثبيتها يف
وعي اجلماهري .والتكرار ال يشمل العناصر أعاله فقط؛ بل يتضمن نهج الوسيلة اإلعالمية
يف تن�اولها ملختلف األحداث والقضايا ،أو ما يسىم السياسة التحريرية املعتمدة .يقول
مرارا على مسامعجوزيف جوبلز« :حىت الكذبة الكبرية يمكن أن ُتصدق طالما أنها ُتكرر ً
اجلماهري» .لذلك ،فتكرار مصطلحات وشعارات على فرتات زمني�ة طويلة يؤدي إىل
تثبيتها يف وعي اجلماهري (.)Brown:1963
.15أسلوب التعاطي السليب :Negativismتقول القاعدة النفسية إن اجلمهور
ينجذب حنو القضايا السلبي�ة أكرث من اإلجيابي�ة .لذلك ،تفضل وسائل اإلعالم انتهاج
مسلك عدايئ يف بعض معاجلاتها اإلعالمية .على اجلانب اآلخر ،يستفيد رجل الدعاية من
هذه القاعدة ،عرب توجيه وسائل اإلعالم حنو قضايا وشخصيات محددة ،لتقوم بالرتكزي على
جوانبها السلبي�ة بشكل متكرر ،بما حيقق فائدة دعائي�ة مرجوة (.)Merrill & Lowenstein:1971
.16أسلوب الرواية أو اخليال ً :Fictionalizing
نادرا ما تقوم وسائل اإلعالم باختالق
ونشر وقائع وقصص من ويح اخليال .ولكن ما حيدث يف بعض األحيان أن الصحفيني
حيقنون هيكل القصة الصحفية أو حقائقها جبرعة معين�ة من اخليال ،عرب اختالق وقائع
ومصادر ال وجود لها؛ بهدف سد الفجوات املعلوماتي�ة .وهذا األسلوب خيتلف عن أسلوب
الكذب الصريح ،Downright Lyingحيث يقوم األخري باختالق أحداث ووقائع من ويح
321
الفصــل اخلامس
خيال رجل الدعاية ،دون تضمينها أي حقيقة .ويكرث استخدام األسلوبني خالل احلروب،
حبيث ال يستطيع اجلمهور التفريق بني ما هو حقيقي وكذب صريح .ومن مساوئهما أنهما
يؤديان بمصداقية رجل الدعاية إىل الهاوية يف حال تم كشفه (.)Brown:1963
ً
.17أسلوب حتديد العدو :Pinpointing the Enemyيطلق عليه أيضا اسم كبش
الفداء ،أو كبش املحرقة .Scapegoatويقوم على تبسيط املواقف املعقدة من خالل وضعها
يف إطارين متن�افرين (الشر ،اخلري)( ،احلق ،الباطل)( ،الصواب ،اخلطأ) ،أو تبسيطها
بوضع اللوم على شخصية أو جماعة (عدو وهيم أو حقيقي) ،على اعتب�ار أنها مصدر
كل الشرور والتعقيدات ،وسبب املشاكل االقتصادية واالجتماعية واألمني�ة القائمة.
ً
وعادة ما ُيستخدم هذا النوع خالل احلروب واألزمات أو احلمالت السياسية ،أو يف حالة
َ
شعور اجلمهور باخلوف وانعدام األمان ( .)Ibidومن أمثلتها :حتميل هتلر اليهود مسؤولية
تدهور االقتصاد يف ألماني�ا بعد احلرب العاملية األوىل ،وأنهم مصدر الشرور لتسببهم
حنو متصل ،يتشابه هذا األسلوب مع آخر «شيطنة اخلصم يف احلرب ذاتها .على ٍ
ً ،»Demonizationبمعىن الرتويج للخصم بكونه ً
شرا مطلقا (شيطان رجيم) .وهنا تقوم
ً
وسائل اإلعالم باإلعالن صراحة عن العدو ،فهو يقف جبالء أمام اجلمهور بكونه قاتل،
ومصدرا لكل تهديد .وحيقق هذا األسلوب تأثريه عندما يرتكبً ً
وعدواني�ا ،وسفاك دماء،
العدو مجازر ضد النساء واألطفال واملواطنني العزل؛ مما يؤدي إىل سريان شعور بالغضب
والكراهية ،تتعاىل معه صيحات اجلمهور باالنتقام.
.18أسلوب التوكيد :Assertionيطلق عليه اسم الكذبة الكبرية .Big Lieوهو عبارة
عن جملة أو تصريح ُيقدم للجمهور بكونه حقيقة ثابت�ة ال حتتاج إىل دليل أو برهان ( .)Ibidكما
يكرث استخدامه يف اإلعالنات التجارية ،أو خالل اخلطب اجلماهريية والسياسية ،حبيث
ً
ُيغلف بطابع حمايس .وعادة ما يرافقه أسلوب التكرار ،لزيادة التأكيد على صحته .ومن
أمثلتها« :فتح أقوى من أي وقت مىض»« ،شامبو Sunsilkهو األفضل بكل تأكيد».
.19أسلوب القراءة املركبة :Conflationدمج قراءتني مختلفتني خللق مفهوم
أو داللة معين�ة .ويف هذا السياق ،يتخذ أحد الباحثني من قناة Fox Newsمثال لتوضيح
ً
األسلوب ،فهي تعرض موقف «مناصرة» احلرب بكونها جتسيدا لبطولة ،بينما تعرض
322
أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة
«معارضتها» كحالة ضعف .واملقصود هنا ،كيفية تأطري القناة للسياسيني من زاوية
مناصرة أو معارضة احلرب ( .)Boaz:2011وهذا األسلوب ال خيتلف عن أسلوب الربط أو
التأطري ،إال أنه خيتلف معها يف اخلطورة .حيث تعمد وسائل اإلعالم إىل تركيب مصطلحات
تروج للعنف واحلرب بكونها ممارسة رياضية ،مثل مصطلحات« :استعراض القوة»،
«عرض عضالت»« ،مبارزة عسكرية» ،األمر الذي يؤدي باجلمهور إىل مناصرتها على
اعتب�ار أنها جتسيد للقوة والشجاعة .وكنتيجة ،تصبح مناصرة احلرب مرادفة للقوة
والبطولة ،بينما معارضتها مرادفة للضعف واجلنب.
.20أسلوب إعادة كتابة التاريخ :Rewriting Historyتشويه أحداث تاريخية
معين�ة ،ثم عرضها على اجلمهور بكونها حقائق ثابت�ة ،وذلك من أجل حتقيق أهداف
سياسية أو اجتماعية خاصة .وهنا يراهن رجل الدعاية على قدرة اجلمهور املحدودة على
ً
عموما ( .)Ibidومثال ذلك ،أن تعمد وسيلة تذكر أحداث تاريخية قريب�ة ،أو جهله بالتاريخ
إعالمية فلسطيني�ة على تأريخ بدء الفلتان األمين بلحظة فوز حماس باالنتخابات ،بينما
تتعمد جتاهل أن الفلتان تفىش مع فقدان السيطرة على أجهزة أمن السلطة فور اغتي�ال
الرئيس ياسر عرفات .كما يشمل هذا األسلوب املحاوالت املتعمدة لتفسري التاريخ بشكل
خاطئ ،False Analysis of Historyحيث يعمد البعض إىل تفسري أحداث تاريخية بشكل
مشوه من أجل ترويج فكرة ما .ومثال ذلك ،القول بأن هزيمة ألماني�ا النازية كانت بسبب
تدخل الواليات املتحدة األمريكية ،وجتاهل أن الهزيمة كانت بسبب األخطاء العسكرية
لهتلر نفسه.
.21أسلوب ترويج الذعر :Panic Mongeringإبقاء املشاهد (اجلمهور) يف حالة
رعب وذعر دائمة؛ وذلك بهدف حتيي�د قدرته على التفكري املنطقي .وهنا تقوم الوسيلة
اإلعالمية بضخ سلسلة متواصلة من األخبار والقصص شديدة السلبي�ة؛ مما يؤدي إىل
طغيان شعور دائم باخلوف ،يفقد معها الفرد قدرته على التفكري املنطقي ،وبالتايل يصبح
ً
أكرث استعدادا لتصديق كل ما تعرضه الوسيلة ( .)Ibidومثال ذلك سلسلة األخبار اليت تنشر
على سكان قطاع غزة (احلرب ،األمراض ،الكهرباء ،املعرب...إلخ).
323
الفصــل اخلامس
324
أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة
-تقــوم جهــة ( )Aباتهــام جهــة ( )Bبممارســة أفعــال معين ـ�ة حبقهــا أو حبــق غريهــا،
وهــي يف حقيقتهــا ممارســات تقــوم بهــا ()A؛ ومــن أمثلتهــا :تقــوم حركــة فتــح باتهــام حركــة
حمــاس بقمــع املقاومــة الفتحاويــة الــي تنطلــق مــن غــزة عــر حراســتها حــدود قطــاع غــزة
لصالــح «إســرائي�ل»؛ بينمــا احلقيقــة أن فتــح (ممثلــة بالســلطة) هــي مــن تنســق ً
أمني ـ�ا
حلمايــة «إســرائي�ل» مــن املقاومــة.
-تقــوم جهــة ( )Aبتنفيــذ أفعــال ضــد ( ،)Cثــم تتهــم ( )Bبتنفيذهــا أو التســبب بهــا؛
ومــن أمثلتهــا :تقــوم الســلطة بقطــع رواتــب املوظفــن يف غــزة ،ثــم تتهــم حمــاس بأنهــا
الســبب يف قــرار القطــع بســبب انقالبهــا علــى الشــرعية ،أو أن تقــوم مصــر بإغــاق معــر
رفــح يف وجــه املســافرين ،ثــم تتهــم حركــة حمــاس بأنهــا املســؤولة عــن معانــاة املســافرين.
-تقــوم جهــة ( )Aبتفنيــ�د اتهامــات جهــة ( )Bعــر شــقلبتها؛ ومــن أمثلتهــا :تقــوم
الســلطة بالــرد علــى اتهامــات حركــة حمــاس خبصــوص أزمــة الكهربــاء ،عــر اتهامهــا
(حمــاس) أنهــا املتســبب يف األزمــة.
-تقــوم جهــة ( )Aبالرتكــز علــى أخطــاء وهفــوات جهــة ( )Bمن أجــل مــواراة أخطائها؛
ومــن أمثلتهــا :تقــوم حركــة فتــح بالرتكــز علــى أخطــاء وهفــوات حركــة حمــاس يف قطــاع
غــزة ،مــن أجــل التغطيــة أو لفــت األنظــار عــن أخطائهــا يف الضفــة الغربي ـ�ة.
.25أسلوب اإللهاء أو حتويل االجتاه :Diversionاملقصود هنا حتويل اجتاه احلوار،
ً
وعادة ما يقوم ُ
المستضيف بتحويل وليس حتويل انتب�اه اجلمهور عن قضية ما (.)Boaz:2011
اجتاه احلوار لتجنب مسارات خطرية قد تؤدي إىل فقدان السيطرة ،وبالتايل الدخول يف
تفسريات ال تصب يف صالح الوسيلة اإلعالمية ،أو أن يتجنب الضيف اإلجابة عن أسئلة
ً
حساسة ،فيعمد إىل جتنبها عرب حتويل االجتاه عنها .عالوة على ما سبق ،خيتلف هذا األسلوب
عن أسلوب «ذر الرماد يف العيون» ،Red Herringحيث إن األول حتويل لالجتاه ،مع البقاء يف
ً
ذات املوضوع ،بينما الثاين انتقال ملوضوع آخر بعيدا عن املوضوع الرئيس.
.26أسلوب اإلشباع :saturationتقوم وسائل اإلعالم بالرتكزي على موضوع معني
إىل أن يبلغ اجلمهور درجة من اإلشباع ،تقوده إىل تبين املوضوع ،بغض النظر عن صدقه.
325
الفصــل اخلامس
ولإلشباع شروط ثالثة هي :التكرار :بمعين تكرار الرسالة على الدوام ،التنوع :تصدر عن
وسائل إعالمية متنوعة ،حبيث حتاصر اجلمهور وتالحقه ،الثب�ات :بمعىن تن�اغم املعلومات
اليت تصدر عن مختلف الوسائل .ومن أمثلة هذا النوع ،قيام وسائل اإلعالم األمريكية
باحلديث عن أسلحة الدمار الشامل العراقية ،يف تن�اغم منقطع النظري ،األمر الذي أدى إىل
ً
غزو العراق ،وتدمريه الحقا.
.27أسلوب االستخفاف بالتعليم :Disparaging Educationأسلوب يرتكز
على ازدراء املتعلمني واملثقفني واحلط من قدرهم أمام عامة الشعب .ورغم غرابة هذا
األسلوب؛ إال أنه جتسيد لسعي بعض املؤسسات اإلعالمية سحب البساط من حتت
أقدام فئة أو طبقة معين�ة سيطرت على احلياة السياسية يف بعض الدول ،مثل الواليات
املتحدة األمريكية؛ كي تمنح نفسها حق احلديث والتحليل دون منافسة أو حتدي .ومن
آلياتها تأطري املتعلمني كطبقة خنبوية ال عالقة لها بالشعب ،أو أن امتالك شهادات عليا ال
يعكس مصداقية ما بقدر ما يعرب عن فقدانها ،أو معظم احلروب واألزمات االقتصادية هي
من صناعة حملة الشهادات ،لذلك هي (الشهادات) ال تمنح صفة احلكمة والقدرة على
إصدار األحكام.
.28أسلوب إثارة العواطف :Emotional Appealsويطلق عليه اسم اللجوء
للعواطف ،Appeal to Emotionsوهو أسلوب يقوم على مخاطبة وإثارة مشاعر اجلمهور؛
ً
وذلك بهدف حتقيق استجابة مرغوبة جتاه قضية ما .وعادة ما تركز وسائل اإلعالم على
ً
مشاعر اخلوف ،على قاعدة أن اجلمهور املرتعب أكرث استعدادا لتصديق رسائل الدعاية.
كما يستهدف مجموعة متنوعة من العواطف (سلبي�ة أو إجيابي�ة) حبسب طبيعة الدعاية
(هجومية أو دفاعية) ،على الشكل اآليت :الغضب والكراهية ،الشك والغموض ،اخلوف
من املوت ،اخلوف من املستقبل ،شهوة السلطة ،الغرور ،انعدام األمن ،الطمع ،الوحدة،
احلب ،األمل ،الرتغيب ،البطولة ،الطموح ،احلنني ،وغريها .ومن اجلدير ذكره ،أن مخاطبة
ً
اجلوانب العاطفية للجمهور ،بعيدا عن اجلوانب العقلية ،تهدف إىل حتقيق استجابة
جتاوبا مع الرسائل اليت ترتبط بواقعه الشخيص، ً سريعة ،على قاعدة أن اجلمهور أكرث
أو واقع املقربني منه .وأمثلة هذا األسلوب كثرية ومتنوعة ،ولكنن�ا سنكتفي باملثال اآليت:
326
أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة
بعد احلرب العاملية األوىل ،دأبت وزارة الدعاية األلماني�ة على إثارة مشاعر الكراهية جتاه
اليهود ،حبيث شنت حملة حتريض واسعة ضدهم ،على قاعدة أنهم سبب البالء الذي حل
بالشعب .ومع بداية احلرب العاملية الثاني�ة ،ترجمت هذه احلملة إىل سلوك عملي ،ليب�دأ
ً
اجليش النازي بمالحقة كل من هو يهودي يف ألماني�ا ،بموافقة ومباركة الشعب املعبأ أصل
ضدهم.
.29أسلوب سبب كل الشرور :Pan-maleficاتهام شخص أو جماعة أو فكرة أو
معتقد بأنه سبب كل املشاكل واألزمات والشرور اليت يعاين منها األفراد ،أو اجلماعات،
أو املجتمعات أو الدول .ويرتكز هذا األسلوب على ميل األفراد حنو اإلجابات املبسطة
للمشاكل املعقدة ،لذلك تعمد وسائل اإلعالم (خاصة اليت ختضع لألنظمة الديكتاتورية
والسلطوية) إىل تبسيط املعضالت بإلصاقها جبهة ما على قاعدة أنها ُ
المسبب�ة لها
( .)Orange Papers: n.dومن أمثلتها :قيام وسائل اإلعالم املصرية باتهام جماعة اإلخوان
املسلمني بأنها سبب أزمة الكهرباء ،والغاز ...وغريها .ومن اجلدير ذكره ،أن هذا األسلوب
يستخدم بالتوازي مع أسلوب «العالج أو احللول ،»Panaceaحيث تعمد الوسيلة
اإلعالمية إىل طرح حلول للمشكالت القائمة ،حبيث تتوافق مع توجهات معين�ة .ومثال
ذلك« :تسليم حماس للمعرب؛ كي يتم حل مشكلة إغالقه».
.30أســلوب التهديــد والوعيــد :Threat & Menaceإثــارة مشــاعر اخلــوف والرهبــة
يف نفــس اخلصــم؛ وذلــك عــر التلويــح بإجــراءات قاســية تعــود عليــه بالضــرر يف حــال عــدم
ً
االســتجابة .وعــادة مــا يســتخدم هــذا األســلوب خــال احلــروب أو األزمــات ،حبيــث يأخــذ
عــدة أشــكال ،مثــل التهديــد بــــــ :شــن حملــة أو عمليــة عســكرية ،فــرض حصــار اقتصــادي،
قطــع العالقــات الدبلوماســية ،قطــع العالقــات التجاريــة ...إلــخ.
.31أسلوب التحزي باألشكال الصحفية : Form Biasتوظف وسائل اإلعالم األشكال
الصحفية ،مثل :فن احلديث أو مواد الرأي واالفتت�احيات ملمارسة حتزياتها ،من خالل اختي�ار
أو استضافة شخصيات معين�ة توافق توجهاتها ،يف مقابل جتاهل أخرى ،أو من خالل نشر
املقاالت اليت توافق أهدافها ،على قاعدة أنها تعبري عن كاتبها ال عن توجهاتها (.)Cirino:1971
327
الفصــل اخلامس
.32أسلوب التحزي بمكان وحجم القصة الصحفية :Space & Size Bias
وذلك من خالل نشر قصة معين�ة على صدر الصفحة األوىل (صحف ،مجالت) ،أو
افتت�اح النشرة اإلخبارية بها (التلفاز ،الراديو) .إضافة إىل ختصيص مساحة أو وقت
ً
مخادعا ً
شعورا أكرب مما تستحقه ،ناهيك عن عناصر اإلبراز املصاحبة ،واليت تعكس
بأهمية القصة (.)Ibid
.33أسلوب الفكاهة (النكات) :Humorخالل احلرب يطغى شعور نفيس بقوة
العدو؛ لذلك يعمد رجل الدعاية إىل إطالق النكات بهدف التقليل واحلد من شعور الرهبة
الذي خيتلج صدور اجلماهري ( .)Propaganda Critic:2016ويعكس هذا األسلوب شعور
األفراد بالظلم والقهر يف األنظمة السياسية اليت تقوم على كبت الصوت املعارض ،فيعمد
اجلمهور إىل إطالق نكاته كشكل من أشكال التنفيس أو املقاومة اخلفية لنظام احلكم
وسياسته القهرية جتاههم.
.34أسلوب الكليشيهات :Catchy slogansجمل قصرية مقرتنة حبدث معني،
يسهل تذكرها .وبمرور الوقت تتحول إىل شعار ذي داللة شائعة داخل املجتمع (كاحلكم
والمأثورات) .وخالل احلرب ،يعمد رجل الدعاية إىل استدعاء ذاكرة اجلمهور عرب نشر
هذه الشعارات بشكل متواصل إلبقائه يف حالة حتفز وحذر ،ما يؤدي إىل دعم قوي للجهود
العسكرية على األرض .ومن أمثلتها« :ال تنسوا صربا وشاتيلا»« ،مجزرة دير ياسني»،
«وهل خيفى القمر»« ،شعرة معاوية» ...إلخ.
.35أسلوب خفض سقف التوقعات :Low Expectationsويعين تهيئ�ة اجلمهور
نفسيا الحتمال حدوث األسوأ .وهنا يقوم رجل الدعاية بتبين استنت�اج سوداوي مسبق ً
جتاه حدث أو قضية ما ،ثم يعمد إىل مطالبة اجلمهور بعدم رفع سقف توقعاته .ويمكن
القول ،إنه نوع من اإلجراء الوقايئ الذي يهدف إىل احتواء حالة اإلحباط اليت قد تنشأ يف حال
تصادمت أمني�ات اجلمهور مع النت�اجئ .كما أنه شكل من أشكال املراوغة ،فرجل الدعاية
يرفض توقع األفضل كي ال يثبت العكس فتت�أثر مصداقيت�ه ،وحيبذ توقع األسوأ كي ال
يتضرر يف حال وقوع األفضل .ومثال ذلك ،قيام وسائل اإلعالم الفلسطيني�ة خبفض سقف
توقعات جناح لقاءات املصاحلة الفلسطيني�ة.
328
أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة
أمثلتها أن تقوم وسيلة إعالمية باالدعاء أن أزمة رواتب املوظفني (نتيجة) كانت بسبب
سوء إدارة حماس للملف السيايس (مسبب واحد) ،بينما تتجاهل بايق األسباب ،مثل
احلصار املفروض على قطاع غزة ،أو ختلي حكومة الوفاق عنهم.
.40أسلوب التعايل (الزنعة الفوقية) :Superiorityادعاء بأن جهة ما أفضل من
ً
أخرى ،وفق أسلوب يقوم على التعايل والتكرب .وعادة ما تتب�اهى الشخصيات ،واجلماعات،
ً
والدول ،بأنها أرفع شأنا ومزنلة عن خصومها سواء يف :العرق ،االقتصاد ،الثقافة ،التاريخ،
القوة ،االنفتاح ،الذكاء ....وهنا تعمد وسائل اإلعالم إىل تزيني كلماتها بلغة فوقية خالل
هجومها على أحد اخلصوم .ويشيع استخدامه يف الربامج احلوارية وبرامج الـ ،Talk Show
ً
ومقاالت الرأي .ومن أمثلته :قول أحد املذيعني العرب «انتو مني أصل (غزة)؟ ،انتو مش
عارفني احنا مني؟ ...دحنا نمسحكم يف ثاني�ة ،انتو وال حاجة».
.41أسلوب أهون الشرور :Least of Evilsاالدعاء بأن اخليارات والبدائل املطروحة
ً ً
سيئ�ة بمجملها وغري مرغوب فيها؛ إال أن تبين أحدها سيؤدي إىل نت�اجئ أقل سوءا أو أقل ثمنا
ً
( .)Constitution Society: n.dوعادة ما ُيستخدم هذا األسلوب لتبرير توجهات عنيفة ضد
جهة ما ،أو وضع قيود على احلريات العامة والشخصية .كما يستخدم بالتوازي مع أسلوب
المتخذة .ومثال ذلك:كبش الفداء؛ وذلك بهدف وضع اللوم على جهة بذاتها لتبرير التدابري ُ
«قيام وسائل اإلعالم اململوكة للسلطة الفلسطيني�ة بتبرير «التنسيق األمين» بكونه أقل
سوءا ،حيث إن البدائل (إلغائها) ستؤدي إىل انهيار السلطة ،وذلك بسبب النهج اخليارات ً
التدمريي لـ «إسرائي�ل» .
.42أسلوب توقع املستقبل :Assume Future or Future Resultsأسلوب قائم
ً
على توقع أحداث مستقبلية معين�ة ،أو نت�اجئ قد تقع مستقبل .ويستفيد رجل الدعاية
ً من مختلف القضايا واألحداث والتجارب اليت يعايشها اجلمهور ً
حاليا أو عايشها سابقا،
من أجل رسم صورة مستقبلية معين�ة يف أذهانهم توافق أهدافه .ومثال ذلك ،قيام بعض
وسائل اإلعالم الفلسطيني�ة برسم صورة قاتمة ملستقبل سكان قطاع غزة ،خاصة مع
ً
استمرار حكم حماس .وعادة ما يتم استخدام هذا األسلوب بطريقة سلبي�ة ،لتحريض
ّ
حتمية املستقبل املنظور. اجلماهري من أجل تغيري الواقع ،وبالتايل تغيري
330
أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة
331
الفصــل اخلامس
اتفاقية السالم املوقعة .ويمكن القول ،إن األسلوب مالئم جلهود الفرقة والوقيعة بني
الكيانات املتن�افسة.
.45أسلوب نزع الشرعية :Delegitimizationيعين نزع الشرعية عن حقيقة ما ،أو
خصم معني .ويتضمن هذا األسلوب نوعني:
-نزع الشرعية عن احلقائق :Spurious Delegitimization of Evidenceالتشكيك
يف شرعية بعض احلقائق واألدلة (املزعجة ألطراف معين�ة) من خالل انتهاج عدد من
التكنيكيات على الشكل اآليت:
أ .تكنيك املبين للمجهول :Passive Voiceومثالها« :االنتخابات الفلسطيني�ة
مشكوك يف نت�اجئها» .من الذي شكك يف نت�اجئها ،ومىت ،وأين ،وكيف.
ب .تكنيك العامل الزمين :Dismiss by Antiquityرفض أو نزع الشرعية عن
ّ
حقيقة لقدمها ،مثل« :اتفاق القاهرة عدى عليه الزمن ،لنبحث عن آخر جديد».
ج .تكنيك شن الهجوم :Ad Hominemنزع الشرعية عن حقيقة معين�ة من خالل
الهجوم املباشر عليها أو على صاحبها .ومثالها« :أنت تنتقد سوء معاملة «إسرائي�ل»
ومعاد للسامية».
ٍ للشعب الفلسطيين ألنك عنصري
د .تكنيك االستشهاد :Testimonialنزع الشرعية عرب االستشهاد بتجارب حية ،أو
أحداث ،أو آراء مختصني ،أو عرب نصوص قانوني�ة ،أو تشريعية ،أو ديني�ة ...إلخ.
ه .تكنيك اإلجماع :Consentنزع شرعية يشء ألن الغالبي�ة تقر بهذه احلقيقة.
ومثالها« :اجلميع يعتقد أن حماس ضد اإلجماع الوطين».
-نزع الشرعية عن اخلصم :Delegitimize One›s Opponentنزع صفة اإلنساني�ة،
والقانوني�ة ،والشرعية ،عن شخص ،أو حزب ،أو جماعة ،عرب التشكيك بأن أفعالها
وتصرفاتها وأهدافها تن�اقض وتنتهك أبسط القيم والسلوكيات واألعراف االجتماعية
السائدة .وهو خيتلف عن النوع األول يف كونه يتوجه إىل شرعية اخلصم ال شرعية احلقيقة،
من خالل التشكيك بكينونت�ه وأطروحاته وأفكاره ومطالباته وقدراته .ويشيع استخدامه
332
أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة
خالل األزمات اليت تن�دلع بني األطراف السياسية ،وبالتحديد عندما يشعر أحد أطراف
الزناع أن أهدافه وخططه عرضة للتهديد من قبل اخلصم .من زاوية أخرى ،يتم تنفيذ هذا
النوع بانتهاج عدد من التكنيكيات على الشكل اآليت (:)Bar-Tal:2014
أ .نزع الصفة اإلنساني�ة :Dehumanizationاستخدام مصطلحات جتسد اخلصم
«كحيوان» ،مثل :هميج ،متوحش ،بربري ...إلخ.
ب .الوسم بالسمات :Trait Characterizationنعت اخلصم بسمات وأوصاف
شديدة السلبي�ة ومرفوضة داخل مجتمع ما ،مثل :قاتل ،إرهايب ،متآمر ...إلخ.
ج .النب�ذ بالتشبي�ه والربط :Out-Casting & Transferنب�ذ اخلصم عرب تشبيهه أو
ربطه بشخصيات وجماعات سياسية أو اجتماعية ،يرى فيها اآلخر أنها تنتهك أو ختالف
األعراف والسلوكيات والقيم السائدة ،مثل :نازي ،فايش ،شيوعي ،إخواين ...إلخ .ونالحظ
هنا ،إمكاني�ة إدراج التكنيكيات السالفة حتت أسلوب القوالب النمطية ،فهي ال ختتلف
عنها ً
كثريا .ومن أمثلتها« :هؤالء املحتجون ما هم إال مجموعة من الشباب املغرر بهم
لصالح أجندة معين�ة»« ،احتجاجات حماس اجلماهريية ضد إغالق معرب رفح جزء من
مؤامرة إلحراج مصر أمام العرب».
و يمكن رصد مخاطر استخدام هذا األسلوب يف اآليت:
-تعاظم الزناع واخلالف بني األطراف ،األمر الذي يسهم يف ترسيخ انطباع بأن كل
طرف حياول تصفية اآلخر ونفيه عن الوجود( .اختفاء صيغة التعايش املشرتك).
-صعوبة تسكني حدة اخلالفات ،خاصة مع استمرار جهود نزع الشرعية ،وتوصيف
كل طرف لآلخر بأنماط شديدة السلبي�ة ،األمر الذي يؤدي إىل تفيش مشاعر الكره والبغضاء
بني أفراد كل جماعة جتاه اآلخر.
-تؤدي إىل قولبة جميع أعضاء اجلماعة -اليت تتعرض جلهود نزع الشرعية -ضمن
كينونة واحدة ،حبيث ال تسمح بربوز اآلراء األخرى أو املختلفة داخلها .واملقصود هنا أنها
تعمل على خلق جتانس فكري بني أفراد اجلماعة ،حبيث تعرقل ظهور أصحاب الرأي
ً
خروجا عن االجتاه املهيمن. والنظرة املختلفة ،باعتب�ارها
333
الفصــل اخلامس
334
أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة
ً
اإلعالم املصرية بإصدار حكم أو تعميم بأن حركة حماس إرهابي�ة ،ثم تورد مثال للتأكيد
على صحة تعميمها بالقول إن حماس هي من قتلت اجلنود املصريني خالل شهر رمضان.
.47أسلوب ادعاء املعرفة احلصرية :Special & Secret Knowledgeاالدعاء
حبيازة معلومات سرية أو حصرية تربر املوقف ُ
المتخذ جتاه قضية ما .وهنا يقوم رجل
الدعاية بالتالعب باجلمهور من خالل إثارة إحساسه باجلهل ألجل حتصيل قبوله ،أو على
األقل عدم معارضة موقفه .ومن أمثلتها« :أن يقوم كاتب مصري باالدعاء أن حماس هي
من قتلت اجلنود يف سين�اء ،وأن اتهامه مبين على معلومات سرية» ،أو «أن يقوم كاتب
مقال بالتحذير من عملية إرهابي�ة ستنفذها جهة معين�ة بن�اء على معلومات سرية حصل
ً
عليها» .ونالحظ أن هذا األسلوب ال يلمح إطالقا إىل جهة أو مصدر املعلومات ،ولكنه
ً
يكتفي باإلشارة إىل سريتها وحصريتها .وعادة ما يشيع استخدامه يف مقاالت الرأي،
واحلوارات التلفزيوني�ة ،واملقابالت املباشرة ،أو حىت يف النشرات اإلخبارية واخلطابات
السياسية .كما ين�درج حتت هذا األسلوب ،عدد من األساليب الفرعية ،على الشكل اآليت:
أ .االدعاء بدون دليل :Unsupported Claimطرح ادعاء غري مدعوم بأدلة أو براهني.
ومثال ذلك ،أن يدعي رجل سيايس« :أن بني يديه قائمة من 25شخصية تتحمل مسؤولية
قتل املتظاهرين» .وهنا يتحاىش صاحب االدعاء اإلعالن عن أسماء األشخاص؛ ألنها
ً
أصل غري حقيقية ،ولكنه يكتفي بالتلويح بها كنوع من التأكيد.
ب .الدليل املزيف :Imaginary Evidenceيعتمد على أدلة مزيفة لدعم حجة أو
ادعاء .كما يشمل إساءة قراءة نت�اجئ دراسات وأحباث علمية من أجل إسناد االدعاء .ومن
أمثلتها« :أثبتت الدراسات العلمية أن طريقة زراعة الطماطم يف قطاع غزة تؤدي إىل
اإلصابة بالسرطان» .وهنا يتحاىش رجل الدعاية حتديد نوع الدراسة أو ذكر اسم صاحبها،
أو املؤسسة الصادرة عنها ،حبيث يعتمد على بريق «العلم» من أجل التحايل على اجلمهور.
.48أسلوب االستهزاء باخلصم :Mocking the Opponentاحلط من قدر اخلصم،
عرب االستهزاء به ،وبقدراته ،وأفكاره ،وأفعاله ،وكل ما يصدر عنه .وهنا تعتمد وسائل
اإلعالم على عدد من التكنيكيات يف توظيف األسلوب على الشكل اآليت:
335
الفصــل اخلامس
أ .التنكري :وتعين قيام وسائل اإلعالم بإظهار اخلصم وكأنه نكرة .ومثال ذلك« :ما
تسىم حبركة حماس» ،أو «ما تسىم بكتائب القسام».
ب .السخرية :وتعين احلط من قدر اخلصم باستخدام النكات ،أو عرب التقليد
واملحاكاة .ومثال ذلك برامج الـ ،Talk Showمثل «برنامج باسم يوسف».
ج .توظيف املصطلحات والكلمات :وتعين استخدام كلمات ومصطلحات دالة على
توجه ساخر حنو اخلصم ،مثل« :طائرات إف 16القسامية ،املواسري الطائرة».
د .توظيف الصور والرسوم والكاريكاتري :مشابه للتكنيك السابق ،لكنه خيتلف
يف الفن.
.49أسلوب الطرف الثالث :Third Party Techniqueيعتمد على مبدأ ميل
اجلمهور حنو حتصيل املعلومات واآلراء حول قضية خالفية ما عن طريق جهة مستقلة
وحيادية .لذلك ،فهو يبتعد (اجلمهور) عن اجلهات اليت يعتقد أنها تتلاعب باملعلومات
والنت�اجئ لصالح تعزيز وجهة نظرها .وهنا يقوم رجل الدعاية بنشر معلوماته أو حجته عن
طريق طرف ثالث ،يظن اجلمهور أنه مستقل وذو مصداقية .ومن تكنيكيات هذا األسلوب
(:)Durham:2014
أ .استخدام الصحفيني :Hiring Journalistsتوظيف صحفيني داخل مؤسسة
إعالمية ذات مصداقية من أجل تبين كتابات وآراء تتفق مع توجهات رجل الدعاية ،وبالتايل
نشرها.
ب .استغالل المال واإلعالن والسلطة :Money, Advertising & Powerوذلك
للضغط على مؤسسات إعالمية ذات مصداقية من أجل تبين وجهة نظر معين�ة.
ج .توظيف مؤسسات استطالع الرأي :Opinion Pollsعرب الدفع بها من أجل تبين
استطالعات رأي مزورة أو متالعب بها ،لتحقيق أهداف الدعاية.
د .توظيف مراكز الدراسات واألحباث :Think Tanksعرب الدفع بها إلعداد تقارير
ودراسات تتوافق مع رأي وحجة رجل الدعاية.
336
أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة
ﺣﻘﻴﻘﺔ�1
ﺗﺪﻓﻖ�ﻳ�ﺘﺞ
ﻋﻨﮫ�ﺗﺨﺪﻳﺮ
ﺣﻘﻴﻘﺔ�2
ﺣﻘﻴﻘﺔ�3
اﻻﻧﺘﻘﺎل�
اﻟﻜﺬﺑـﺔ
ﺣﻘﻴﻘﺔ�4
337
الفصــل اخلامس
.52أسلوب التذرع بالوطني�ة :Flag wavingيلجأ رجل الدعاية إىل املشاعر القومية
ً ً
منافيا لها .وين�درج أو الوطني�ة ليدعم بها حجته أو موقفه ،أو ليقوض موقفا آخر باعتب�اره
حتت هذا األسلوب التلويح بأي رمز أو التلفح بأي راية :سياسية ،أو مذهبي�ة ،أو ديني�ة،
ً ً
حني يكون ذلك افتعال وتكلفا غري ذي صلة باحلجة املعني�ة (مصطفى .)2007:ومن أمثلته:
أن تدعي حركة فتح اآليت :ليس من الوطني�ة أن تمنع حركة حماس أبن�اء فتح من ممارسة
حقهم يف املقاومة املسلحة!!! أو أن تتهم السلطة الفلسطيني�ة حركة حماس بمغادرة مربع
الوطني�ة عرب تبنيها ألجندات خارجية.
.53أسلوب اإليهام باإلجماع :Illusion Consentإيهام اآلخر بأن قضية ،أو ً
رأيا،
ً ً ً ً
فكرة ،أو ً
استقراء ،أو سياسة ،حتظى بإجماع وقبول جماهريي .وهو قرارا ،أو دعوة ،أو أو
مشابه لـــ «أسلوب اللحاق بالركب» ،إال أنه خيتلف عنه يف أن األخري أسلوب ترجيح حلشد
ً
موضوعا ما حيظى بإجماع اجلمهور مع جهة ما ،أما األول فهو أسلوب خداع لإليهام بأن
بني اجلماهري .وبغض النظر عن الفروقات ،فكالهما يكمل اآلخر .ومن تكنيكيات هذا
األسلوب:
أ .استخدام كلمات دالة على حالة إجماع :مثل :حنن ،كل ،معظم ،غالبي�ة ...إلخ .ومن
أمثلته ،أن يصرح أحد املسؤولني «أن غالبي�ة الشعب الفلسطيين مع توجهات محمود
عباس السياسية» ،أو «حنن كشعب فلسطيين ال نقبل تدخل قطر يف الشأن الداخلي».
ب .الكذب باستخدام اإلحصاءات :Lie with Statisticsوهو أحد تكنيكيات الكذب؛
إال أنه يستخدم يف محاوالت اإليهام .ومن أمثلته ،أن تقوم مؤسسة إعالمية بالقول« :أكرث
من 90%من سكان قطاع غزة مع وقف املقاومة» ،أو « 80%من سكان غزة يعتقدون أن
حماس تت�دخل يف الشأن املصري».
.54أسلوب إلقاء اللوم :Blameحتميل اآلخرين مسؤولية أحداث ووقائع ال عالقة
لهم بها ،أو لم يتسببوا وحدهم حبدوثها ،هي يف األصل من تنفيذ جهة الدعاية أو جهة
أخرى .وهنا يقوم رجل الدعاية بإلقاء اللوم على اآلخرين لتبرير أخطائه وزالته .ويتضمن
هذا األسلوب عدة تكنيكيات على الشكل اآليت:
338
أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة
أ .تكنيــك كبــش الفــداء :Blame a Scapegoatإلقــاء اللــوم علــى شــخص أو جماعــة
معلــويم الهويــة لــدى اجلمهــور .ومثــال ذلــك ،اتهــام فتــح حلمــاس بأنهــا ســبب تشــقق
البيــت الفتحــاوي.
ب .تكنيــك لــوم الضحيــة :Blame the victimعنــد وقــوع جريمــة أو مجــزرة أو
ً
واقعــة اغتصــاب أو اغتيــ�ال ...يعمــد رجــل الدعايــة إىل إلقــاء اللــوم علــى الضحيــة بــدل
عــن منفذهــا ،بمعــى حتميــل الضحيــة مســؤولية اخلطــأ .ومثــال ذلــك ،قيــام الســلطات
املصريــة بتحميــل معتصــي رابعــة مســؤولية املجــزرة الــي وقعــت حبقهــم.
ج .تكنيــك اللــوم بالعمــوم :Blame Anybody Elseوهــو مشــابه للتكنيــك األول؛ إال
أنــه خيتلــف مــن ناحيــة أن اللــوم يوجــه إىل جهــة غــر معلومــة (عامــة) .ومثــال ذلــك ،إلقــاء
الســطات األمريكيــة اللــوم علــى اإلرهــاب لتبريــر حمــات التصنــت علــى املواطنــن.
.55أســلوب التحريــض (التهييــج) :Agitateوهــو مخاطبــة العواطــف ،مــن أجــل
إشــعال حماســة اجلماهــر ،وحتفزيهــا باجتــاه تبــي فعــل أو حــراك ،يتوافــق مــع هــدف
ً
الدعايــة .وعــادة مــا ُيوظــف بهــدف تغيــر الوضــع القائــم ،عــر حشــد اجلماهــر ضــد نظــام
حكــم ،أو جماعــة ،أو معتقــد ،أو سياســة .وهنــا يعمــد رجــل الدعايــة إىل تأجيــج مشــاعر
الغضــب ،والكراهيــة ،والرفــض ،والظلــم لــدى اجلمهــور ،وبالتــايل حتفــزه للقيــام حبــراك
فعلــي يــؤدي إىل تغيــر صــورة املشــهد الراهــن .وتعــد حــاالت العصيــان املــدين ،والتمــرد،
واالنتفاضــة الشــعبي�ة ،واملظاهــرات ،واالعتصامــات ،مــن التحــركات الــي قــد يلجــأ لهــا
اجلمهــور لتحقيــق التغيــر .أمــا يف املمارســة اإلعالميــة ،فالتحريــض ُينفــذ بتكنيكيــات علــى
الشــكل اآليت (:)Ellul:1971
أ .التعاطــي الســليب :Negativismتركــز وســائل اإلعــام علــى املمارســات الســلبي�ة
الــي تؤثــر يف حيــاة األفــراد ،وتتجاهــل أي ممارســات إجيابيــ�ة أخــرى ،مثــل :حــاالت
االضطهــاد والقمــع ،والفقــر والعــوز ،وســوء قطاعــات التعليــم والصحــة ...إلــخ.
ب .التكــرار :Repetitionتعمــد وســائل اإلعــام علــى تكــرار نمــط تغطيتهــا الســليب،
كمــا تتعمــد تكــرار املطالبــات بإصــاح الوضــع القائــم ،حــى تســتقر يف وجــدان اجلماهــر.
339
الفصــل اخلامس
ج .االستشــهاد :Testimonialتؤكــد وســائل اإلعــام علــى ســوء حالــة األفــراد عــر
االستشــهاد بــآراء بعضهــم ،ســواء عــر املقابــات الشــخصية أو بالقصــص الصحفيــة.
د .حتديــد مصــدر املعانــاة :Pinpointing the Enemyتقــوم وســائل اإلعــام بتحديــد
ً
ـام احلكــم ،أو وزيـ ًـرا فاســدا ...إلــخ.
ســبب معانــاة املواطنــن ،ســواء كان نظـ َ
ه .التحريــض باجتــاه الفعــل :Actingتبــ�دأ وســائل اإلعــام بتبــي لغــة حتريضيــة
تدعــو اجلمهــور إىل تغيــر واقعــه وأخــذ أقــداره بيـ�ده .وليــس بالضــرورة أن تمــارس وســائل
اإلعــام دعــوات التحريــض بشــكل صريــح؛ بــل يمكــن أن تكتفــي بالتلميحــات فقــط.
و .التحريــض بإثــارة شــعور العــار ? :Are You Afraidتعــي اتهــام األفــراد باخلــوف
واجلــن بهــدف إشــعال مشــاعر العــار ،واخلجــل ،واإلحــراج ،يف نفوســهم .وهــذا التكنيــك
نــوع مــن التحريــض املباشــر ،ألن الفــرد يرفــض أن ُيتهــم باجلــن ،وبالتــايل هــو مســتعد
لتنفيــذ أي يشء إلثبـ�ات عكــس ذلــك .وقــد ينجــح هــذا التكنيــك يف اإلقنــاع علــى املســتوى
الفــردي ،إال أنــه عســر مــع جماعــات كبــرة مــن النــاس.
ز .التحريــض باللجــوء إىل التاريــخ :Recalling Historyيعمــد رجــل الدعايــة إىل
التحريــض عــر اســتدعاء التاريــخ املشــرف لألجــداد ،أو الرمــوز الوطنيــ�ة ،أو احلــركات
واألحــزاب .ومثــال ذلــك؛ قيــام حمــاس بتحريــض شــباب فتــح عــر اســتدعاء تاريــخ فتــح.
.56أسلــــوب دفن احلقيقــــة األهم :Bury the Leadتذييــــل المادة الصحفية بأهم
حقيقــة تتضمنهــا القصــة ،بمعــى إيــراد احلقيقــة األهــم يف الفقــرة األخــرة .وهــو أســلوب
شــائع يف الكتابــة الصحفيــة ،حيــث يعمــد الصحفــي إىل التقليــل مــن أهميــة األحــداث
عــن طريــق جتاهــل أهــم حقائقهــا ،ودون أن يضطــر إىل حذفهــا؛ كــي ال يتهــم بالتحــز.
ومثال ذلك اآليت:
340
أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة
زﻋﻤﺖ�ﻣﺼﺎدر�ﻋ��ﻳﺔ�أ��ﺎ�ﻗﺎﻣﺖ�ﺑﻘﺼﻒ�ﺟﻮي�
و�ﺤﺮي���ﻤﻮﻋﺔ�ﻣﻦ�اﳌﻘﺎوﻣ�ن�ﺷﻤﺎل�ﻗﻄﺎع� ﺣﻘﻴﻘﺔ�أﻗﻞ�أهﻤﻴــﺔ
ﻏﺰة�ﺑﺰﻋﻢ�ﻣﺤﺎوﻟ��ﺎ�زرع�ﻋﺒﻮات�ﻧﺎﺳﻔﺔ�ﻋ���
اﻟﺴﻴﺎج� ا��ﺪودي� اﻟﻔﺎﺻﻞ �.وﻋﻠﻢ� ﻣﺮاﺳﻞ�
اﻟ��ﻴﻔﺔ�أن�ا���ﺶ�ﻃﻠﺐ�ﻣﻦ�اﳌﺴﺘﻮﻃﻨ�ن�
اﳌﺰارﻋ�ن� ��� اﳌﻨﻄﻘﺔ� ﻋﺪم� اﻻﻗ��اب� ﻣﻦ�
اﻟﺴﻴ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎج�ا��ـ ــﺪودي�،واﻟﺒﻘـ ـ ـ ــﺎء�ﻋﻠ ـ ـ ـ ــﻰ��ﻌ ـ ـ ــﺪ
ﻛﻴﻠﻮﻣﺘ ـ ـﺮ�واﺣــﺪ�،ﻋ���اﻷﻗ ــﻞ�،ﻣﻦ�اﻟﺴﻴﺎج..
ﺎ�ﻓﻠﺴﻄﻴ�ﻴﺎ�اﺳ�ﺸهﺪ�،ﻓﻴﻤﺎ� ً ً
�ﺸﺎر�،إ���أن�ﺷﺎﺑ
ا��ﻘﻴﻘﺔ�اﻷهﻢ����ا����
أﺻ�ﺐ� ﺛﻼﺛﺔ� آﺧﺮون� ﺟﺮاء� ﻗﺼﻒ� ﻃﺎﺋﺮة�
اﺳﺘﻄﻼع�"إﺳﺮاﺋﻴﻠﻴﺔ"���ﻤﻮﻋﺔ�ﻣﻦ�اﳌﻮاﻃﻨ�ن�
ﻏﺮب�ﺑﻠﺪة�ﺑ�ﺖ�ﻻهﻴﺎ�ﺷﻤﺎل�ﻏﺮب�ﻗﻄﺎع�ﻏﺰة�،
ﻗﺮب�اﻟﺸﺮ�ﻂ�ا��ﺪودي.
ً
.57أســلوب االحتــكام للجهــل :Appeal to Ignoranceويعــي أن شــيئ�ا مــا «حــق»
بالضــرورة مــا دام لــم يربهــن أحــد علــى أنــه «باطــل» ،والعكــس صحيــح .ففــي كلتــا
احلالتــنُ ،يؤخــذ غيــاب الدليــل مأخــذ الدليــل ،ويتــم التــذرع بغيــاب املعلومــات الــي تثبــت
ً
شــيئ�ا مــا كدليــل علــى بطــان ذلــك الــيء ( .)Ibidومــن أمثلتهــا :ليــس هنــاك دليــل علــى أن
ً
حمــاس تشــبه تنظيــم داعــش ،إذا حمــاس ليســت داعــش .أو ال يوجــد دليــل علــى أن محمــد
ً
دحــان قتــل عرفــات ،إذا دحــان بــريء.
.58أســلوب ادعــاء احلتميــة :Argue Inevitabilityالتأكيــد علــى مصــر أو نتيجــة
ً
مــا ،عــر افــراض حتميتهــا واســتحالة اجتن�ابهــا .وعــادة مــا يســتخدم للتشــكيك يف مســار
معــن ،حتــاول مــن خاللــه بعــض اجلهــات جتنــب نتيجــة أو مصــر مــا .ومــن أمثلتــه :أن
تقــوم وســيلة إعالميــة بادعــاء حتميــة الثــورة علــى حكــم حمــاس؛ عــر التأكيــد علــى أن كل
ً
مــا تقــوم بــه األخــرة لــن يغــر يف مصريهــا شــيئ�ا .أو أن يقــول ســيايس فلســطيين :اســتمرار
الصــراع مــع «إســرائي�ل» حتميــة قرآني ـ�ة ،لذلــك فمحــاوالت الســلطة التوصــل إىل ســام
دائــم معهــا لــن تغــر حتميــة مصريهــا .أو أن تعلــن «إســرائي�ل» أن اجلولــة الرابعــة مــع
كتائــب القســام قادمــة ال محالــة ،وأن محــاوالت التهدئــة لــن تغــر مــن حقيقــة الــيء.
341
الفصــل اخلامس
تصريــح الرئيــس بــوش جــاء يف معــرض رده علــى كلمــات “ ”Hans Blickأحــد أعضــاء جلنــة األمــم املتحــدة للتفتيــش عــن (*)
أســلحة الدمــار الشــامل ،عندمــا أقــر بعــدم وجــود أســلحة مــن هــذا النــوع يف العــراق.
342
أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة
ج .التصنيف بن�اء على الرفض والقبول :ويعين إرغام الدول أو اجلماعات أو األفراد
ً
على التقرير خبصوص بديل واحد فقط ،ومن ثم تصنيفها بن�اء على قبولها أو رفضها .وعادة
ما يأخذ صيغة تهديد ،أو مساومة ،أو ضغط .ومن أمثلته:
-إما أن تقبل حماس مبادرة حل أزمة املعرب ،أو أن يتم سحبها.
-إما أن توقف السلطة التنسيق األمين ،أو لن يتم حتقيق الوحدة الوطني�ة.
ُ
ونالحظ هنا ،أن حماس ستصنف (وفق املثال األول) بكونها غري مكرتثة بعذابات
ُ
الشعب (والعكس صحيح)؛ بينما السلطة (وفق املثال الثاين) ستصنف بأنها اختارت
ً
«إسرائي�ل» بدل عن أبن�اء جلدتها (والعكس صحيح).
ً
د .التصنيف برصد اخلطأ :مغالطة مختلفة قليل عن سابقاتها؛ إال أنها ال خترج
عن إطار تصنيف اخلصم .وهي تقوم على قاعدة أن ما يطرحه اخلصم حيمل وجهني أو
احتمالني فقط ال ثالث لهما ،إما كذب أو حقيقة .وهنا يرتصد رجل الدعاية حلظة وقوع
اخلصم يف خطأ ما ،ليب�اشر تكذيب األطروحة بأكملها ،حىت لو احتمل معظمها الصواب.
ً
فهو يستغل هذه الزلة لزنع شرعية اخلصم ،والتقليل من شأن بايق أطروحاته ،متجاهل أن
اخلصم قد خيطئ يف يشء ،ويصيب يف أشياء أخرى كثري (.)The Philosophy Index: n.d
.60أسلـــوب االحتكــــــــام لألرقـــــــــام :Appeal to Numbersنــوع مــن التحايــل،
منهجــا للتأكيــد علــى صحــة توجــه أو قضيــة أو فــرض أو ً يتخــذ مــن لغــة األرقــام
طــرح .وهــو مشــابه ألســلوب اللحــاق بالركــب ،مــن حيــث االلتجــاء إىل مبــدأ اإلجمــاع
اجلماهــري لتحقيــق أهــداف الدعايــة .ومــن أمثلتــه :ادعــاء مؤسســة إعالميــة مشــاركة
عشــرات آالف املواطنــن يف احتفــاالت انطالقــة حــزب الشــعب بغــزة ،أو ادعــاء مؤسســة
أخــرى أن عــدد املنتســبني لكتائــب القســام بلــغ 300ألــف .ويعتــر الرفــض باألرقــام
،Dismiss by Numbersالوجــه النقيــض لألســلوب املذكــور .حيــث يعمــد رجــل الدعايــة
إىل توظيــف األرقــام للتقليــل مــن شــأن حقيقــة أو حجــة أو موقــف مــا ،وذلــك عــر االدعــاء
بتمثيلهــا ألقليــة بــن اجلمهــور .وجتــدر اإلشــارة هنــا ،إىل وجــود فــرق بــن اســتخدام رقــم
محــدد ،وبــن رقــم ترجيــي .فــاألول يقــود إىل االعتقــاد بصحــة الطــرح ،مثــل :بلــغ تعــداد
343
الفصــل اخلامس
344
أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة
االستنت�اج السبيب الزائف اخلاص برجل الدعاية :فتح معرب رفح تسبب يف وقوع االنفجار ،حيث سمح
لعدد من املتطرفني بالعبور إىل مصر.
345
الفصــل اخلامس
()1
احلدث :1حماس تعلن أنها ستتصدى للجرائم «اإلسرائيلية» حبق أبن�اء الضفة الغربي�ة.
احلدث :2مراسل القناة الثاني�ة يفيد بوقوع انفجار يف تل أبيب ،وخلفية احلدث مجهولة.
االستنت�اج االرتب�اطي الزائف اخلاص برجل الدعاية :من املحتمل وقوف حماس خلف التفجري؛ ألنها
ً
هددت سابقا بأنها ستتصدى للجرائم «اإلسرائيلية».
()2
احلدث :1حماس جتري جتارب صاروخية مكثفة يف عرض البحر.
احلدث « :2إسرائي�ل» تلمح إلمكاني�ة شن حرب على قطاع غزة.
االستنت�اج االرتب�اطي الزائف اخلاص برجل الدعاية :جتارب حماس الصاروخية تأيت يف إطار االستعداد
حلرب قريب�ة مع «إسرائي�ل».
346
أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة
ً
إذا ســمحنا اليــوم ببعــض الضوابــط القانونيـ�ة علــى الكتابــة الصحفيــة ،فســوف نســمح غــدا بمزيــد
مــن القيــود ،وهكــذا حــى يــأيت اليــوم الــذي جنــد أنفســنا فيــه نعيــش يف ظــل دولــة بوليســية دكتاتوريــة .أو،
ً
إذا وافقــت حمــاس علــى تســليم املعــر ،فســوف تســمح غــدا بعــودة جهــاز األمــن الوقــايئ ،وهكــذا حــى جنــد
حمــاس خــارج إطــار اللعبــة السياســية بالكامــل
مــن بــاب آخــرُ ،يعــر هــذا األســلوب عــن حــاالت اللجــوء إىل التهديــد والوعيــد لدفــع
اجلهــة املســتهدفة حنــو تبــي ســلوك يوافــق هــدف رجــل الدعايــة ،بمعــى االرتــكاز علــى
منطــق أن «القــوة «العصــا» تصنــع احلــق» .وبهــذا اخلصــوص ،يقــول عــادل مصطفــى:
«بوســعك أن تفــرض الســلوك القويــم بالقــوة ،ولكــن ليــس بوســع أحــد قــط أن يفــرض
ً
الــرأي العقلــي بالقــوة .وأن ألــف ســيف ُمســلط علــى رقبتــك لــن تنهــض لــك دليــا علــى أن
ُ ً
اثنــن واثنــن تســاوي خمســة مثــا! قــد تشــري رقبتــك بالطبــع ،وتســلم للمأفونــن بأنهــا
كذلــك؛ ولكــن االنصيــاع ال يعــي االقتن ـ�اع» (مصطفــى.)2007:
.66أسلوب استغالل األماين ُ :Exploit Wishful Thinkingيطلق عليه اسم
«التفكري بالتمين» ،ويعين تبين الفرد العتقاد أو قرار حبسب انسجامه مع أماني�ه ورغباته
ً ُ
المتخيلة ،بعيدا عن العقالني�ة والواقعية .بمعىن آخر ،تعاطي الفرد مع أفكار وتوجهات
توافق أمني�ات يرغب يف أن تصبح حقيقة على أرض الواقع .وهذا النوع من التفكري يمنح
َ ً ً
التفكري إحساسا بالسعادة والراحة؛ ألنه ينسجم مع أماني�ه .وعادة ما يرافق هذا صاحبه
ٌ
فعل ٌّ
قوي على األرض باجتاه حتقيق األمني�ة ،وإال أصبح مجرد حلم غري مقدر له الوجود .من
ً
حقيقيا ،كما زاوية أخرى ،يفضل اجلمهور التصديق حبقيقة يشء ألنه يرغب بشدة أن يكون
ً يفضل االستماع ليشء ألنه يتوافق ً
تماما مع أماني�ه .وهنا حتديدا يب�دأ عمل رجل الدعاية،
حبيث يعمد إىل منح اجلمهور ما يرغب يف سماعه أو تصديقه ملالمسته أماني�ه .ومن أمثلته،
أن يقوم مرشح رئايس بإطالق وعد بالعالج املجاين لكل املواطنني يف حال انتخابه .وألن
اجلمهور يرى يف العالج املجاين أمني�ة ،سيقوم بتبين وعد املرشح ،وسيعمل على انتخابه،
ّ
ألنه يريد لها أن تتجسد على أرض الواقع .من باب آخرُ ،يعد هذا األسلوب شديد اخلطورة
يف حال تعارض األماين مع الواقع ،واستحالة إخراجها إىل حزي الوجود .ولنأخذ «الوعد
بتحرير املقاومة للقدس خالل عامني» كمثال .فعند سماع اجلمهور لهذا الوعد ،يتهلل
347
الفصــل اخلامس
ً ً
طربا وفرحة به ،ألنه يوافق أمني�ة لطالما أراد لها أن تتحقق .هنا تب�دأ حلقة حساسة من
ثالث مراحل تسىم «دائرة اخليال» .ودائرة اخليال هي نمط متكرر يف املمارسة احلياتي�ة،
أو السياسية ،أو التاريخية ،حبيث تشري إىل مراحل الفعل احلقيقي لتحقيق األماين ،على
الشكل اآليت:
-مرحلة احللم :ين�دفع األفراد حنو حتقيق األمني�ة (حترير القدس خالل عامني) عرب
اخنراطهم يف فعل تنفيذي (التحضري للتحرير) ،متجاهلني حقيقة الواقع ،أو مدى عقالني�ة
ً
األمني�ة .وعادة ما تسري هذه املرحلة بسالسة دون أي عوائق.
-مرحلة اإلحباط :تواجه األمني�ة يف هذه املرحلة صعوبات جمة (حصار ،أزمات
داخلية ،نقص معدات ،نقص تمويل...إلخ) ،ما يؤدي إىل تسلل شعور باإلحباط داخل
نفوس األفراد .وهنا يتعاظم شعور داخلي قوامه الرغبة يف حتدي الصعوبات ،لين�دفع
بعدها األفراد حنو بذل مزيد من اجلهود ،للتغلب على اإلحباط النائش .ونالحظ يف هذه
املرحلة غياب التفكري املنطقي ،وبدء انسالخ الفرد عن واقعه ،ما سيمهد للمرحلة الثالثة.
-مرحلة الكابوس :تصطدم األمني�ة ً
أخريا جبدار الواقع واحلقيقة ،ويقر األفراد
بصعوبة تنفيذها .عندها تعم حالة من االنهيار النفيس؛ ألن األمني�ة قد تالشت.
ً
فلسطيني�ا ،عند تبين جهة معين�ة لوعد يالمس أماين وتتجلى خطورة هذا األسلوب
اجلمهور ،دون اعتب�ار لعقالني�ة وواقعية تنفيذه .وما إن يصطدم جبدار الواقع ،حىت يرتد على
ُ
ذات اجلهة ،حبيث تتهم باستغالل تطلعات اجلماهري لصاحلها ،وبالتايل تفقد مصداقيتها.
ومن أمثلتها الكثري:
تعدكم حركة فتح أن جتعل غزة كسنغافورة.
ً
ونشري أيضا ،إىل أن تكرار استخدام األسلوب على فرتات قصرية ،سيفقد اجلهة
ً
املعني�ة قدرتها على إقناع اجلماهري مستقبل ،كما ستتحول إىل مادة للتن�در والتهكم
والسخرية ،وستؤدي باجلمهور إىل حالة من اإلحباط النفيس الهائل ،وترسيخ قناعة
بعدم جدوى املقاومة يف ظل الواقع احلايل ،وبالتايل عدم قدرتها على حتقيق أماين وتطلعات
ً
الشعب مستقبل.
348
أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة
349
الفصــل اخلامس
الغربيـ�ة.
350
أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة
ً ً
وتأثريا من الكلمة .ومثال ذلك :صورة الطفل بل يوظف الصورة أيضا ،لكونها أشد فاعلية
محمد الدرة الذي قتل جبوار أبي�ه مع انطالقة االنتفاضة الفلسطيني�ة الثاني�ة عام 2000م،
حيث قامت «إسرائي�ل» باالدعاء أنه طفل «إسرائيلي» قتله فلسطيين.
.71أسلوب األنسنة :Humanizationإلصاق صفة اإلنساني�ة بشخص ،أو
جماعة ،أو تصرف .بمعىن آخر ،محاولة جتميل ما هو قبيح يف أعني اجلماهري ،عرب ضخ
روح اإلنساني�ة فيه ( .)Constitution Society: n.dولعل املثال املستحضر يف هذا املضمار ،ما
تقوم به وسائل اإلعالم املصرية من جتميل لصورة الرئيس عبد الفتاح السييس ،خاصة
ُ
بعد املجازر اليت ارتكبت حبق املتظاهرين يف ساحيت رابعة واحلرس اجلمهوري .كما تشمل
جهود رجل الدعاية إبراز الشخص املعين بصورة أبوية ،أو بصورة احلكيم واسع التجربة ،أو
بصورة املعايش آلالم الناس ومعاناتهم .من جانب آخر ،يتقاطع هذا األسلوب مع أسلويب
ً
«تقمص دور الضحية» و «استدرار العطف» ،من زاوية أن كل منهما يسعى إىل صياغة
قالب إنساين للموضوع ،وبالتايل دمغ صورة نمطية جديدة يف أذهان اجلماهري.
.72أسلوب استدرار العطف (مناشدة الشفقة) :Appeal to Pityحتقيق الهدف
عرب إثارة مشاعر العطف والشفقة .وهنا يعمد رجل الدعاية إىل استخدام لغة أو صورة
مشحونة بالعواطف الستدرار عطف اجلمهور ،وبالتايل حتصيل دعمه .والعطف شعور
تماما كما تفعل «إسرائي�ل» حني تستغل إنساين نبي�لُ ،يستغل لهدف دعايئ خبيثً ،
روايات الناجني من «املحرقة» يف مناشدة عطف العالم ،وبالتايل حتصيل دعمهم (مال،
سرقة وطن ،سالح ...إلخ) .كما جتدر اإلشارة إىل تشابه هذا األسلوب مع «تقمص دور
الضحية»؛ إال أن األول يصلح مع قصص إنساني�ة واجتماعية ،بينما يوظف الثاين يف
املنازعات السياسية (مصطفى .)2007:وأمثلة هذا النوع كثرية على املستوى الفلسطيين،
قصصا إنساني�ة منوعة ،تهدف إىل كسب تأيي�د العالم ،وحتصيل دعمه ً حبيث تشمل
السيايس والمايل.
.73أســلوب التفريــق والتشــتيت :Divisiveإثــارة الكراهيــة والبغضــاء ،وكل مــا مــن
شــأنه حتقيــق الفرقــة واخلــاف .ولــه عــدة مســتويات ،مثــل:
351
الفصــل اخلامس
-الفرقة بني األحزاب ،أو بني األحزاب والدولة ،أو بني الشعوب ،أو الدول.
-تشتيت أبن�اء الشعب الواحد ،أو التفريق بني الشعب والدولة ،أو قيادته.
ولتحقيق هدف التفريق ،يعمد رجل الدعاية يف مرحلة أوىل ،إىل دراسة الفئة
املستهدفة بشكل مستفيض ،عرب رصد املوضوعات والقضايا اليت من املمكن استغاللها،
أو اليت تشكل مواطن خالف حايل أو محتمل ،ومن أمثلتها اآليت:
-الفروق العرقية واالثني�ة والديني�ة داخل الدولة أو اإلقليم.
-حتديد مراكز الرثوة ،والفروقات يف احلالة االقتصادية ،إضافة إىل حتديد
ً
اقتصاديا على حساب فئات أخرى. املستفيدين
-رصد اخلالفات السياسية بني أفراد الطبقة احلاكمة ،أو بني احللفاء ،أو بني
سلطة احلكم وبايق األحزاب والشخصيات خارج إطار احلكم ،أو بني األحزاب السياسية
والديني�ة .إضافة إىل حتديد موضوعاتها ،ومدى تعارضها أو انسجامها مع تطلعات
اجلماهري.
ً
-رصد القرارات االقتصادية اليت تشكل عبئ�ا على غالبي�ة املواطنني ،وال يستفيد
منها سوى فئة معين�ة (الضرائب كمثال).
-رصد القرارات السياسية السلبي�ة للدول أو األحزاب أو القيادة السياسية ،وحتديد
ممارساتها اخلاطئة ،وتأثريها على أماين األفراد حبياة مستقرة ومزدهرة.
-دراسة تاريخ الدول واألحزاب واألعراق والشعوب ،ورصد ما عانت�ه يف المايض.
-دراسة عادات وتقاليد وثقافة املجتمعات والشعوب ،والرتكزي على أوجه التن�اقض
واخلالف بينها .إضافة إىل حتديد املوضوعات والقضايا اخلالفية بني أفراد الشعب ،أو بني
الشعوب ببعضها ،أو بني أبن�اء األحزاب ...إلخ.
ويف مرحلــة ثانيـ�ة ،يمــارس رجــل الدعايــة مجموعــة مــن التكنيكيــات لتحقيــق هــدف
التفريــق أو الوقيعــة ،منهــا:
352
أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة
353
الفصــل اخلامس
حزبهــم ،وزيــادة والئهــم والزتامهــم حنــوه ،وهــو مقصــد رجــل الدعايــة مــن األســاس .ولعــل
املثــال التاريــي األشــهر ،مــا قــام بــه هتلــر عنــد بدايــة تأسيســه للحزب النــازي ،حيــث طلب
مــن املنتســبني ارتــداء ســرات بنيـ�ة اللــون لتميزيهــم عــن غريهــم مــن خــارج إطــار احلــزب.
ً
يف ذلــك الوقــت ،جوبــه هــذا التصــرف بانتقــادات ســاخرة ،إال أنــه كان كفيــا بتوثيــق ترابــط
ً
أفــراده ،وزيــادة التفافهــم حــول هتلــر ،ممــا قــاد الحقــا إىل ســيطرته علــى مقاليــد احلكــم يف
ألمانيـ�ا .ونســتنتج هنــا ،أنــه وبمجــرد تفعيــل تكنيــك «صناعــة االختــاف» ،فــإن أي جهــود
ً
إلعــادة اللحمــة قــد تســتغرق وقتــا قــد يمتــد ألجيــال .ومــن أمثلــة هــذا التكنيــك يف املمارســة
اإلعالميــة اآليت:
-اســتخدام كلمــات ومصطلحــات للداللــة :صقور/حمائــم ،محافظ/ليــرايل،
حمســاوي/فتحاوي ،دحالين/عرفــايت ،شيعي/ســي ،علماين/إســايم ،حكومــة غــزة/
حكومــة الضفــة.
-توظيــف شــعارات ورمــوز للداللــة :رايــة خضراء/رايــة صفــراء ،قبعــة حمــراء/
قبعــة ســوداء ،هالل/صليــب ...إلــخ.
-فرض التمايز« :لن تستطيعوا تذوق حالوة اجلهاد ،فأنتم لستم مقاومني».
ج .التســريب�ات :Leaksهنــاك مــن يطلــق علــى هــذا التكنيــك اســم «دق
األســافني» ،مــن حيــث اعتمــاده علــى معلومــات ووقائــع صحيحــة ،إال أنهــا مجهولــة وغــر
معلنــة .وهنــا يعمــد رجــل الدعايــة إىل تســريب أي معلومــة مــن شــأنها اإليقــاع والتفرقــة
(املوســوي والشــجريي .)2009:ومثــال ذلــك ،التســريب�ات الــي أشــارت إليهــا وســائل اإلعالم
عــن علــم الســلطة الفلســطيني�ة املســبق بني ـ�ة «إســرائي�ل» شــن حــرب علــى غــزة يف عــام
2008م .أو تســريب «إســرائي�ل» التفــاق مــع الســلطة يقــي بإجهــاض االنتفاضــة...
وغريهــا .وينــ�درج مــا يقــوم بــه «اإلســرائيلي» «إيــدي كوهــن» علــى موقــع التدويــن
املصغــر تويــر حتــت هــذا التصنيــف.
د .التحريــض واالتهــام املتبـ�ادل :تشــجيع منــاخ التحريــض ،وتغذيــة االتهامــات بــن
اجلماعــات واألفــراد؛ ممــا يــؤدي إىل شــيوع الكراهيــة ،ونزعــات اإلقصــاء ( .)Ellul:1971ومــن
اجلديــر ذكــره ،أن جهــود التحريــض ضــد جهــة مــا تســتدعي تالحــم والتفــاف أفرادهــا،
354
أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة
األمــر الــذي يزيــد مــن رقعــة الفرقــة بــن األطــراف ،وقــد تصــل يف بعــض األحيــان إىل حــد
املواجهــة املســلحة .وخــر مثــال ،مــا تقــوم بــه حركــة حمــاس مــن حتريــض ضــد الســلطة يف
الضفــة الغربي ـ�ة ،األمــر الــذي أدى إىل تالحــم والتفــاف أبن ـ�اء فتــح حولهــا ،علــى قاعــدة أن
حمــاس ال تعمــل إال ملصلحتهــا اخلاصــة.
ه .الشــائعات :Rumorsمعلومــات أو أخبــار ال أســاس لهــا مــن الواقــع ،تســتهدف
صناعــة الفرقــة بــن األفــراد واجلماعــات واألمــم ،مثــل شــائعات الكراهيــة والعنصريــة
والفضــاحئ ...إلــخ (مزاهــرة .)2012:ومثالهــا :شــائعة طلــب إيــران مــن حمــاس قطــع عالقتهــا
مــع الســعودية كشــرط الســتئن�اف املســاعدات الماليــة.
و .الربــط املقصــود :الربــط بــن أحــداث معينـ�ة مــن أجــل إقنــاع األطــراف أن أحدهمــا
يت�آمــر علــى اآلخــر ( .)IPA:1937ومثــال ذلــك؛ الربــط بــن زيــارة الرئيــس عبــاس إىل مصــر
وإغــاق معــر رفــح.
ز .عقــد املقارنــات :وتعــي حتقيــق الفرقــة باتبــ�اع أســلوب املقارنــة ،مثــل :مقارنــة
احلــال االقتصاديــة بــن الضفــة وغــزة (فتــح ،حمــاس) ،أو مقارنــة أحــوال األفــراد
املعيشــية قبــل وبعــد فــوز حمــاس باالنتخابــات التشــريعية ،أو مقارنــة احلــال املعيشــية
بــن املواطنــن والقــادة.
355
الفصــل اخلامس
ً
ثاني�ا :األساليب والتكنيكيات احلديث�ة
يســتعرض اجلــزء احلــايل أهــم أســاليب وتكنيكيــات الدعايــة علــى مواقــع الشــبكات
االجتماعيــة؛ وذلــك وفــق اآليت:
.1أســلوب التضخيــم :Amplificationيشــري إىل مجموعــة مــن اخلطــوات املركزيــة
املنســقة مــن أجــل زيــادة انتشــار رســائل الدعايــة داخــل مواقــع الشــبكات االجتماعيــة،
حبيــث تعتمــد علــى مكونــات بشــرية وآليــة لتحقيــق مطلــيب الســرعة واالتســاع ،يوضحهــا
الشــكل املرفــق.
356
أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة
357
الفصــل اخلامس
ً
االسعار بعيدا عن مداوالت دور احلكومة يف ضبط األسعار ومعاقبة التجار .ومن األمثلة
العاملية اليت توضح ألسلوب حتويل االجتاه قيام جهات روسية بنشر معلومات مضللة ودفق
معلومايت كبري لتشتيت االنتب�اه عن حادثة اختفاء الطائرة المالزيية ،MH17من خالل بث
عدد كبري من التفسريات واملربرات املتن�اقضة حول أسباب حتطم الطائرة ( .)Ibidوين�درج
ً
تكنيك السطو على املوضوعات Thread-jackingحتت هذا األسلوب ،وغالبا ما يلجأ إليه
املتصيدون لتخريب املناقشات اليت جتري داخل املنت�ديات ،أو لتحويل اجتاه التعليقات
املصاحبة ملنشور ما .على سبي�ل املثال ،قد يتعمد متصيد ما ،عند نشر أحد املستخدمني
ملحتوى حول حركة «حماس» ،التعليق عليه إما بشتم صاحب املنشور أو احلركة بغية
التحكم يف طبيعة ونوعية التعليقات الالحقة ،أو طرح قضية معين�ة غري تلك اليت أرادها
املستخدم .وخطورة التكنيك ،أنه يرتكز على عادة املستخدمني تصفح التعليقات من أجل
اجرتار وحث سلوكيات يرغب بها .وتزخر بيئتن�ا الفلسطيني�ة بهذا النوع من السلوكيات،
إذ يتقصد البعض حتفزي أنواع سيئ�ة من التعليقات بعيدة عن الفائدة املرجوة من املنشور،
ً
حبيث يتحول إىل حلبة للمزاودة والتشكيك وتب�ادل االتهامات تصل أحيانا إىل ما هو أبعد
من ذلك.
.4أسلوب اإلغراق :Floodingيشري إىل محاولة جهة الدعاية صناعة حالة من احلرية
وفقدان الرتكزي والتي�ه لدى املستخدمني من خالل إغراق وسائل اإلعالم ومواقع الشبكات
االجتماعية بسيل من الرسائل واملعلومات املتن�اقضة واملتضاربة .على سبي�ل املثال ،تتعمد
جهة دعائي�ة ما إغراق موقع فيسبوك بسيل ضخم من املعلومات والتقارير املتضاربة
حول حدث معني ،ما يرتتب عليه حالة من التشويش الشديد تصيب املستخدمني عند
ً
محاولتهم فهم واستيعاب احلدث .وعادة ما تستخدم الروبوتات االجتماعية واحلسابات
الوهمية إىل جانب اللجان اإللكرتوني�ة والنشطاء واملؤثرين بشكل مزتامن يف تنفيذ األسلوب.
وال يقف اإلغراق عند حدود التشويش؛ بل يتعداه حنو الرتويج لقضية أو شخصية أو فكرة،
من خالل بث رسائل بكميات كبرية جتذب انتب�اه املستخدمني ،لتنشأ عملية تفاعلية
كاف منه .وتتجلى خطورة اإلغراق قوامها مشاركة اجلمهور يف عملية اإلغراق دون وعي ٍ
أكرث عندما تتمكن جهة الدعاية من موضعة نفسها على شكل عقد شبكية موزعة ،تسمح
358
أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة
بت�دفق رسائلها يف جميع االجتاهات ،وبالتايل تعرض أكرب قدر من املستخدمني لها.
.5أسلوب صناعة الرتندات املزيفة :False Trendsويعين صناعة جهة الدعاية
لرتند مزيف من أجل لفت اإلنظار إىل موضوع معني ،أو التخريب على ترندات حقيقية
قائمة من خالل تقليص االهتمام اجلماهريي بها أو ضربها وإفشالها قبل انتشارها.
وسيم باملزيف ألن منشأه جهات مجهولة تسعى إىل أن يب�دو «الرتند» صادر عن حراك
شعيب قاعدي حقيقي .Astroturfingوعادة ما تتم صناعة الرتند املزيف باستخدام
الروبوتات ،مدعومة جبهود بشرية تتوالها جلان إلكرتوني�ة تابعة جلهات دعائي�ة.
فعلى سبي�ل املثال ،بلغ عدد الروبوتات االجتماعية املشاركة يف صناعة ونشر ترند
«#اجلزيرة_تهني_امللك_سلمان» حوايل ،4375خالل األزمة اخلليجية اليت تعرضت
فيها دولة قطر حلصار ومقاطعة رباعية من قبل السعودية واإلمارات والبحرين ومصر
(.)Jones:2019
ﻗﻄﺮ�داﻋﻤﺔ�اﻹرهﺎب�ﻋ���ﻗﻨﺎة�ا��ﺰ�ﺮة. 357
اﻟﻘﻄﺮ��ن�اﻟﺸﻌﺐ�اﻟﻌﺮ�ﻲ�اﻟﻮﺣﻴﺪ�اﻟﺬي
161
#ا��ﺰ�ﺮة ـ� ــ����ن�ــ�اﳌﻠﻚ�ــ�ﺳﻠﻤﺎن
�ﺴﺘﻘﺒﻞ�»اﻹﺳﺮاﺋﻠﻴ�ن«����ﻗﻄﺮ�ﺑﺎﻟﻄﺒﻮل.
اﻹﺧﻮان�ا��ﺮﻣ�ن�ﻳﺘﻠﻘﻮن�دﻋﻢ�ﻛﺒ���ﻣﻦ�ﻗﻄﺮ. 106
داﻋﺶ��ﺸ��ي�اﻷﺳ��ﺔ�ﺑﺄﻣﻮال�ﻗﻄﺮ�ــﺔ. 75
ﻗﻄﺮ�اﻟﻈهﺮ�اﻟﺪاﻋﻢ�ﻟﻺرهﺎب�اﻹﻳﺮا�ﻲ. 52
ا��ﻜﻮﻣﺔ�اﻟﻘﻄﺮ�ﺔ�ﺣﻜﻮﻣﺔ�ﺧﺎﺋﻨﺔ
وﺗﺘﺼﻒ�ﺑﺼﻔﺎت�اﻟ��ﻮد�اﻟﻜﻼب. 55
ﻗﻨﺎة�ا��ﺰ�ـﺮة�وﺳﻴﻠﺔ�ﺑﻴﺪ�اﻟﺼهﺎﻳﻨﺔ. 9
هﺪف�ا����ﻳﺮة�هﻮ�زرع�اﻟﻔﺘﻨﺔ�ﺑ�ن�اﻟﺪول�اﻟﻌﺮ�ﻴ ــﺔ. 27
املصدر)Jones:2019( :
359
الفصــل اخلامس
ويرتتــب علــى صناعــة االجتاهــات املزيفــة علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة جــذب
انتبـ�اه وســائل اإلعــالم وتشــكيل خطابهــا جتــاه األزمــات .فعلــى ســبي�ل املثــال ،قامــت قنــاة
BBCالربيطانيـ�ة برصــد هاشــتاك «#اجلزيرة_تهني_امللك_ســلمان» ،وأفــردت لــه تغطيــة
إعالميــة ،برغــم كونــه صناعــة موجهــة ومزيفــة لروبوتــات متخصصــة ( .)Ibidومــا ســبق
حييــل إىل تكنيــك ســيرباين شــائع يســىم «املحاصــرة» تقــوم مــن خاللــه جهــات دعائيــ�ة
علــى تشــكيل حســابات وهميــة ثــم موضعتهــا داخــل الشــبكة حــول وســيلة إعالميــة،
ً
بشــكل يــويح ذهنيـ�ا بمحاصرتهــا لصفحــة الوســيلة .ومــا أن تبـ�دأ هــذه احلســابات بالتغريد
بهــدف صناعــة ترنــد مزيــف ،حــىت تلتقطهــا هــذه الوســائل حبيــث تفرد لهــا تغطيــة إعالمية
ً
واســعة نســبي�ا دون أن تــدرك أنهــا صناعــة مزيفــة ال عالقــة لهــا باالجتاهــات اجلماهرييــة
احلقيقيــة.
املصدر(:املؤلف نفسه)
360
أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة
وتصوراتهم جتاه مختلف القضايا وبالتايل التحكم وتوجيه السلوكيات بما يتن�اغم مع
أهداف الدعاية(*).
.7أسلوب االنتحال :Impersonatingتقمص جهة الدعاية هويات مستخدمني
حقيقيني؛ وذلك بهدف تنفيذ أنشطة تأثري متنوعة ،من بينها تدمري سمعة املستخدم
ُ
املن َ
تحلة هويت�ه ،أو جذب مستخدمني إىل الصفحة باالستفادة من شهرة الشخصية ،أو بث
محتوى وإشاعات ومعلومات مفربكة بشكل مسترت خيفي لهوية جهة الدعاية احلقيقية ،أو
استدراج مستخدمني للكشف عن معلومات معين�ة...إلخ .ومن أمثلة االنتحال العاملية،
انتحال ناشطني من حركة «طالبان» األفغاني�ة لهويات مستخدمني «نساء جذابات»
على موقع فيسبوك لإليقاع جبنود من اجليش األسرتايل من أجل احلصول على معلومات
يمكن االستفادة منها يف عملياتهم العسكرية .ويطلق على هذا التكنيك اسم ،Catfishing
وهو عملية انتحال لشخصية أو هوية مزيفة لإليقاع بالهدف ضمن إطار إقناعي نفيس
يعرف بالهندسة االجتماعية.
.8أسلوب التوجيه :Directingويعين مشاركة جهة الدعاية لروابط أو نشر رسائل
حتتوي على روابط إلكرتوني�ة حتيل إىل صفحات ومواقع محددة ،إما لرتويج أجندة سياسية
أو فكرية ،أو الخرتاق جهاز الضحية وجمع معلوماته .وخطورة األسلوب تنبع من قدرته
الدفع بأجندة جهة الدعاية إىل الواجهة من خالل توجيه املستخدمني إىل مواقع وصفحات
تشبه يف شكلها ومضمونها مواقع ملؤسسات إعالمية أصيلة؛ إال أنها يف احلقيقة غري ذلك.
وهنا تقوم جهة الدعاية بشكل مسبق بإطالق صفحة أو موقع إعاليم وهيم مخصص
ً
ألغراض التأثري ثم الحقا توجيه املستخدمني إليه ،دون أن يتمكن أحد منهم من كشف
تبعيت�ه أو زيفه بصورة فورية.
.9أسلوب استهداف رواية اخلصم :Targeting Enemy Narrativesويعين
محاولة صد أو حظر محتوى اخلصم من خالل توجيه تقارير وطلبات «بالغات» إىل
إدارة مواقع الشبكات االجتماعية حتثها أو تدعوها إىل إزالة محتوى صادر عن صفحات
361
الفصــل اخلامس
أو حسابات محددة بزعم احتوائها معان ومضامني مسيئ�ة ختالف سياسة النشر .كما
يشمل محاولة احلصول على معلومات حول بعض شخصيات اخلصم لتوظيفها يف
عملية تشويهه أو السخرية منه واحلد من قدره ،وبالتايل ردعه عن نشر محتوى معارض.
إضافة لما سبق ،ينشط تكنيك نشر اإلشاعات واملعلومات املفربكة مع هذا األسلوب ،من
خالل الرتكزي على أخطاء للخصم أو عرب صناعة وفربكة اخطاء وهمية .على سبي�ل املثال،
نشرت احلكومة الروسية عرب منصاتها الدعائي�ة معلومات وصور مزيفة تزعم ارتكاب
اجليش األوكراين ألعمال وحشية حبق املدنيني ،تتضمن صور ملقابر جماعية ،ومدنيني
تعرضوا لإلجتار بأعضائهم ،وعمليات تعذيب جماعية ( .)Nissen:2015وين�درج تكنيك
الفضح Discloseحتت أسلوب االستهداف ،خاصة إذا ما ارتبط جبهود دعائي�ة مضادة.
وجهود الفضح حيوية للحد من التأثريات املحتملة لرسائل الدعاية املعادية ،لما لها من
تداعيات خطرية حال غيابها .لذلك فتوعية اجلمهور بأهدافها وطرقها وأساليبها ،أساسية
يف جناح جهود احلمالت املضادة .ويف أوكراني�ا ،على سبي�ل املثال ،أطلقت مؤسسات
املجتمع املدين ،موقع مخصص لفضح الدعاية الروسية ،Stopfake.orgيهتم بفحص
املعلومات للتأكد من صحتها ،ثم فضح املزيف واملضلل منها .بدورها ،قامت دائرة
اإلجراءات اخلارجية يف االحتاد األورويب بتشكيل فرقة عمل مهمتها إعداد مراجعة أسبوعية
ُ
،The Disinformation Reviewتعرض من خاللها أدلة وأمثلة على حمالت التضليل اليت
تشنها روسيا داخل أوروبا أو خارجها .وبمراجعة حالتن�ا الفلسطيني�ة ،نالحظ غياب مثل
هذه اجلهود؛ إال من صيغتها الفردية غري املنسقة ،مع غياب شبكة عمل منظمة ،تمتاز
باالستمرارية .وجدير بالذكر هنا ،أن جهود الفضح ال تقتصر على شكل اتصايل معني؛
بل ترصد جميع الوسائل ،وحتلل ما تقدمه من معطيات ،لتقوم بفضح تلك الدعائي�ة ،مع
تقديم تفسريات ألسبابها وأهدافها .ومن اجليد تبين مبدأ «كل ما يصدر عن العدو هو
دعاية مالم يثبت العكس» .ويف كثري من األحيانُ ،ينظر جلهود الفضح بكونها قاصرة أو
غري قادرة لوحدها على مواجهة الدعاية ،خاصة وإنها قد تعمل على ترسيخ أطروحاتها
لدى اجلمهور ،العتب�ارات نفسية تتعلق بانتقائي�ة الفرد املستهدف وسلوكه مع الوسيلة.
ونتيجة لذلك من الضروري تبين أسلوب الرواية املضادة ،لقدرته خفض تأثري الدعاية ،من
362
أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة
خالل تقديمه وجهة نظر أخرى ،تعكس للواقع احلقيقي .وإعداد رواية مضادة يتطلب
حتقيق عدة شروط ،كفهم سيكولوجية اخلصم ،وحتليل طبيعة التفاعالت االجتماعية
والثقافية والسياسية داخله ،مع اعتماد طرق وأساليب حيوية؛ كالتحدث بلغته ،واالبتعاد
عن املصطلحات اليت ال تتوافق وثقافته ،وتقديم نماذج وأمثلة من جتربت�ه ،والتنويع يف
قوالب وأشكال الرواية .ومن الضروري احلرص على أال تن�اقض الرواية املضادة نفسها
أو أن تصمم بشكل ين�اقض احلقائق على األرض .فاملوضوعية ،والشفافية مطلوبت�ان
لتحقيق استجابة سريعة ،وربما بن�اء حالة من املصداقية عند جمهور اخلصم(*).
.10أسلوب ُ
الطعم املعلومايت :Baitويعين نشر جهة الدعاية معلومات أولية غري مكتملة
حول قضية ما ،يلتقطها املستخدم ،ليعيد نشرها دون التأكد من موثوقيتها ،أو االنتظار
حىت اكتمال أركانها .وهو أسلوب إيقاع ،يمهد الطريق لظهور وتداول اإلشاعات واملعلومات
املزيفة واملفربكة داخل البيئ�ة الشبكية للخصم .ويتخذ هيئ�ة برقيات آني�ة ،تنشط يف سياق
إخباري عاجل ،تقدم جزء من املعلومة ،وكأنها طبق غري مكتمل ،تتصف بغياب التأكيد ال
الكذب ،على األقل حلظة بدء تداولها .ويشبه إىل حد ما اإلشاعة التقليدية ،إال أنه خيتلف
عنها يف كون األخرية جتسيد ملعلومة كاذبة تنتشر بني األفراد بطريقة وجاهية مباشرة ،يف
حني يعرب هو عن معلومة أولية غري مؤكدة ،تتخذ هيئ�ة منشور قصري حول قضية ما ،جيري
تداولها بني املستخدمني ،وتنتظر من يؤكد صحتها أو ينفيها ،او تفني�د اجزائها الصحيحة
عن املزيفة .وبتصفحنا موقع فيسبوك ،نالحظ تداول املستخدمني ملعلومات غري مكتملة
صادرة عن جهة الدعاية ،دون التنب�ه لطبيعتها األولية أو احتمالية زيفها .وهنا نستنتج أمر
يــرى بعــض املختصــن ،أن مواجهــة الدعايــة عمليــة مرهقــة ،لذلــك طرحــوا فرضيــة حتصــن اجلمهــور بشــكل مســبق ،عــر (*)
تأهيلهــم بصــورة يمكنهــم مــن حتديــد املعلومــات املزيفــة أو احلمــات املضللــة الــي تســتهدفهم .واحلقيقــة ،أن مثــل هــذه
اجلهــود قديمــة ،فقــد تبنتهــا جلنــة Creelاألمريكيــة خــال احلــرب العامليــة الثاني ـ�ة .ويف حالتن ـ�ا الفلســطيني�ة ،تتطلــب
جهــود التوعيــة بالدعايــة اإلســرائيلية مــا هــو أكــر مــن “محــو أميــة” ،مــن خــال تزويــد اجلمهــور باملهــارات والقــدرات
الالزمــة لرصــد الدعايــة والتعــرف عليهــا ،إضافــة إىل إجيــاد رغبــة وميــل نفــي باجتــاه تفعيــل واســتخدام هــذه القــدرات.
فاملطلــوب ثقافــة نقديــة ،تعكــس ملجتمــع ُمطلــع ،يعقــد مهمــة الدعايــة اإلســرائيلية .فالفــرد املثقــف قــادر علــى تفني ـ�د
اإلشــاعات ،ويســتطيع التصــدي لهــا حلظــة بروزهــا .ويســتحضرين يف هــذا املقــام ،مشــروع جامعــة Stony Brook
األمريكيــة ،املخصــص لتثقيــف اجلمهــور بســبل الدعايــة .فهــو يســاعد علــى حتديــد الفــرق بــن املعلومــات اإلعالميــة
وغريهــا مــن أنــواع املعلومــات ،والتفريــق بــن الصحفيــن وغريهــم مــن مــزودي املعلومــات ،إىل جانــب التميــز بــن اخلــر
والــرأي ،والتوكيــد والتأكيــد ،والدليــل واالســتدالل ،ناهيــك عــن تقييــم وتفكيــك التقاريــر اإلخباريــة اســتن�ادا علــى نوعيــة
املعلومــات املقدمــة وموثوقيــة املصادر...إلــخ.
363
الفصــل اخلامس
بالغ األهمية ،فقابلية التصديق اليت تغلف «املعلومة الطعم «جتذب إليها املستخدم لتحفز
سلوك نقلها ،األمر الذي يتوافق مع نت�اجئ حبثي�ة ،أثبتت ميل املستخدمني إىل نقل معلومات
«الطعم» بسلوكياتغري مكتملة ،لم ُيتحقق بعد من صحتها .ويرتبط انتشار املعلومات ُ
محددة ،منها التواجد الدائم على املنصات االجتماعية ،ومشاركة املستخدم وتعليقه على
كل حدث وقضية حىت لو خالفت اهتماماته الشخصية .ويعمد هذا النوع من املستخدمني
إىل نقل وتكرار املعلومات دون أي مهارة اتصالية ،او ثقافة نقدية ،تؤهله للتعامل
معها(*) .إضافة إىل ما سبق ،ردت احباث علمية انتشار املعلومات غري املكتملة على
مواقع الشبكات االجتماعية إىل سببني ،يتعلق األول باألحداث الهامة من وجهة نظر
اجلمهور ،بينما يتجلى الثاين يف غموض أو غياب األدلة املتعلقة بها .بمعىن آخر ،كلما
جسد احلدث لقضية مصريية زاد احتمال انت�اج ونقل وانتشار املعلومات ،وبالتايل كلما
غابت املعلومات اليت تؤكدها أو تنفيها ،أدى ذلك إىل تعاظم نسبة تداولها ومشاركتها.
وهذا دليل على أن املعلومات اليت ال جتد نفي أو تأكيد من مصادر موثوقة ،عرضة ملزيد
من االنتشار .ويف نقطة أخرى ،يمكن لتحديد نوع املعلومات أن يساعد على تفسري
سبب تداولها الكثيف .فاألحباث العلمية حددت لثالث أنواع تتفىش بسرعة دون
غريها .أولها املعلومات اليت ترتبط باألماين ،واملعلومات «الغامضة» اليت تزيد من
ً
منسوب القلق واخلوف ،واخريا معلومات «دق االسافني» ،اليت حتفز مشاعر الكراهية.
ً
ولو تمعنا قليال ،سنالحظ ارتب�اط االنواع السابقة بالنفس البشرية ،خالل تعبريها عما
خيتلج يف نفسها من مشاعر ،سيما إذا واكبت ألوضاع اجتماعية واقتصادية وسياسية
سيئ�ة .ونستنتج مما سبق ،أن املعلومات املرتبطة باألنواع السابقة ،عرضة لإلنت�اج
والتداول بني املستخدمني ،خاصة وأنها تعكس حلالة ينعدم فيها اليقني ،ينتج عنها
مشاركات وتعليقات وردود كثيفة ،حتفز انت�اج معلومات أخرى فرعية ،من شأنها التأثري
لــو أردنــا تقديــم مثــال فلســطيين ،لــن نعجــز مالحظــة ذلــك النقــل الكثيــف عــن املصــادر اإلســرائيلية ،الــي يتوســط نشــرها (*)
ُ
اصحــاب صفــة “النشــاط التكــراري” ،مــا يــؤدي بمســتخدمني آخريــن إىل التســليم بصحــة املعلومــة ،بعــد أن تــدر قدراتهــم
النقديــة .وال يقــف األمــر عنــد هــذا احلــد ،بــل أن خاصيــة “حــب الظهــور” ،والرغبــة يف خــوض ســباق ماراثــوين حنــو املعلومــة،
ً
أثــرت ســلبا علــى إدراكنــا لألحــداث ،وحقيقــة تفاعالتهــا ،مــا جعلنــا عرضــة لدعايــة اخلصــم .ومــن اجليــد التنويــه ،أن
النقــل الســريع يعمــل علــى حتفــز مشــاركة أســرع ،تــؤدي إىل انتقــال املعلومــة مــن شــبكة مســتخدمني إىل أخــرى ،يصعــب
ً
الحقــا تعميــم زيفهــا.
364
أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة
يف منظومة إدراك االفراد للحقيقة .فاملستخدم يدعم نشر املعلومات يف حالتها الرمادية
غري املتحقق منها ،لغياب األدلة املضادة؛ كما جيتهد يف تقديم ادلة على صحتها او خطأها
وهي يف ذات احلالة.
.11أسلوب اإلعالنات املوجهة :Adsويعين توظيف واستغالل جهة الدعاية خلدمة
اإلعالنات املمولة Sponsored Adsأو خدمة تعزيز وتدعيم املنشورات ،Boost Postاليت
توفرها مواقع الشبكات االجتماعية ،من أجل توجيه أو ترويج رسائل محددة لصنف معني
من املستخدمني .ويف الغالب ،تعتمد جهة الدعاية على البي�انات اليت جيري جمعها عن
املستخدمني من أجل صياغة واختب�ار وتوجيه رسائل تتسق مع تفضيالتهم وتوجهاتهم.
ومزية األسلوب ،أنه يسمح جلهة الدعاية بالتحكم يف عملية النشر ،مثل ختصيص اجلمهور
املستهدف (الفئة العمرية ،واملوقع اجلغرايف ،واجلنس) أو حتديد املدة الزمني�ة...إلخ.
كما تتيح خيارات من قبي�ل انتقاء مكان ظهور اإلعالن أو صيغة ظهوره (صورة ،فيديو،
صور مجمعة...إلخ) .وين�درج حتت هذا األسلوب تكنيك يطلق عليه اسم «املنشورات
اخلفية» ،اليت ال تظهر إال للفئة املستهدفة فقط .وجرى استخدام التكنيك خالل حملة
االنتخابات الرئاسية األمريكية عام 2016م ،قبل أن تقرر شركة فيسبوك وقف اخلدمة
ً
نظرا لالتهامات حول وجود تدخل رويس يف االنتخابات صب يف صالح املرشح اجلمهوري
«دونالد ترامب».
.12أسلوب صناعة الضغط :Pressureويعين تعمد جهة الدعاية نشر رسالة (نص،
صورة ،مشهد) على مواقع الشبكات االجتماعية ،تتن�اول قضية أو حدث معني ،بهدف
ويعربصناعة رأي عام ضاغط على الفئة املستهدفة (حكومات ،أحزاب ،أصحاب قرار)ُ .
األسلوب عن محاولة جهة الدعاية التحكم يف األجندة اجلماهريية من خالل شد انتب�اهها
وتوجيهه إىل مسار محدد ،أو هو عملية حتكم من بعيد وبشكل غري مباشر يف تصرفات
وقرارات الفئة املستهدفة .على سبي�ل املثال ،تقرر جهة الدعاية نشر مشهد أو صورة
العتداء قوات األمن على أحد املواطنني بهدف تشكيل رأي عام ضاغط ضد احلكومة،
ً
ثم التحكم به وتوجيهه حلصد نت�اجئ تتن�اغم مع أهدافها الدعائي�ة .وغالبا ما تقع الفئة
ً
املستهدفة فريسة لهذا األسلوب؛ ألن جتاهله سيؤدي بها إىل أزمات عديدة ،أقلها ضررا ما
365
الفصــل اخلامس
ً
يرتبط بصورتها وسمعتها لدى اجلمهور .ويتكامل األسلوب مع مبدأ حديث نسبي�ا يسىم
«التحكم الالإرادي .»Reflexive Controlوهو مفهوم رويس ،يشري إىل الطريقة اليت يتم
ً
بمقتضاها تشكيل إدراك اخلصم للواقع أو الصراع ،تؤدي به طواعية إىل انتهاج مسلك أو
ً
تبين قرارات تصب يف مصلحة املشغل ،الذي توقعها وتنب�أ بها سلفا .ويتشابه املفهوم مع
نظريه األمريكي « ،»Perception Managementويعرف بأنه وسيلة لنقل معلومات معدة
ً ً ً
مسبقا إىل شريك أو خصم جتعله يميل طوعا إىل تبين قرارات متوقعة سلفا من قبل صانع
احلدث .ويرتكز املفهوم على التنبؤ ،ثم محاولة التأثري عرب ضخ حزمة معلوماتي�ة ،يتشربها
اخلصم بشكل يؤثر يف آلية صنع قراره ،أو يف نوع القرار ذاته .وكلما امتلك املشغل قدرة
دقيقة على التنبؤ بالسلوك ،ارتفعت على التوازي قدرته على تقديم وجبة معلوماتي�ة
ً
معدة سلفا تتسق مع التنبؤ ،تدفع اخلصم إىل خوض املسار املرغوب .وتتخذ احلزم
املعلوماتي�ة أشكال منها:
أ .ممارسة الضغط من خالل إظهار القوة :كالضغط االقتصادي والدبلومايس ،أو
التهديد بفرض عقوبات ،أو تنفيذ حترك عسكري ،أو رفع درجة االستعداد...إلخ؛ وذلك
بهدف إثارة ردة فعل عاطفية (خوف أو رهبة).
ب .تقديم معلومات مزيفة ومضللة :عرب توظيف مهارات التمويه واحلرمان واخلداع
والدعاية على جميع املستويات؛ وذلك بهدف التالعب بقدرة إدراك اخلصم للواقع.
ج .التأثري يف عملية صنع القرار وتوقيت�ه :من خالل النمذجة املنهجية للعمليات
ً
(اتب�اع مراحل مدروسة) ،ونشر مبادئ وعقائد مشوهة عمدا ،باإلضافة إىل حقن معلومات
كاذبة ومزيفة داخل نظام صناعة القرار لدى اخلصم وشخصياته املؤثرة.
د .التأثري يف توقيت القرار :تضليل اخلصم من خالل دفعه إىل الرتكزي على قضايا
محددة من الصراع وإشغاله بها لكسب الوقت وتأجيل ردة فعله األساسية.
.13أسلوب التصيد :Trollingسلوك شائع على مواقع الشبكات االجتماعية ،وتلجأ
إليه جهة الدعاية عند محاولتها صناعة جدل أو فنت وكراهية واستقطاب بني املستخدمني.
ويتعمد املتصيد إزعاج املستخدمني وإحراجهم ،والتقليل من شأن منشوراتهم؛ عرب كتابة
366
أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة
تعليقات سلبي�ة أو مهين�ة ،دون أي عالقة مباشرة لهم باملستخدمني ،أو دون سبب واضح
وظاهريُ .
والمتصيد شخص حياول نرث بذور الفتن�ة والشقاق واالختالف ألهداف دعائي�ة،
بأساليب متنوعة كإطالق اجلدل ،أو إثارة الغضب ،أو عن طريق رسائل مستفزة ال عالقة
لها بالسياق ،بهدف اجرتار استجابة عاطفية أو تعطيل املناقشات واحلوارات اإلجيابي�ة
ونزع قيمتها وفائدتها لصالح مسار جديل عقيم(*).
.14أسلوب التحيي�د :Neutralizeيستخدم عندما ترغب جهة الدعاية (حكومة،
حزب ،مؤسسة) يف حتيي�د مستخديم مواقع الشبكات االجتماعية عن قضايا معين�ة.
ً
وهو أسلوب احتواء دفاعي على مستوى الدعاية أكرث منه هجويم .وعادة ما ُيستخدم
مع القضايا اخلارجية اليت حتاول جهة الدعاية صرف أنظار املستخدمني عنها أو جلم
تعليقاتهم حولها؛ وذلك بهدف تاليف أي تداعيات سياسية أو اجتماعية أو حىت اقتصادية
ً
قد تنشأ عنها .وتزخر البيئ�ة الشبكية الفلسطيني�ة بهذا النوع من األساليب ،إذ غالبا ما
توجه دعوات للمستخدمني والناشطني بتجنب التعليق على أحداث وقضايا إقليمية
خشية أن ترتد بالسلب على احلالة الفلسطيني�ة.
.15أسلوب استدعاء اآلخر :Whataboutismعقد مقارنات مخلة من أجل دعم رواية
ً
معدة سلفا أو تسويغ سياسات وأفعال من خالل استحضار اآلخر كتبرير .ومن أمثلتها:
ً
«قد نكون حنن يف فتح سيئني ،ولكن حماس أيضا سيئ�ة بذات القدر»« ،فشل السلطة
يف احتواء فريوس كورونا بالضفة مثل فشل حركة حماس يف غزة» .وهنا ،تتعمد جهة
الدعاية استدعاء «اآلخر» من أجل تبرير قضية أو سلوك مرتكزة على معرفتها املسبقة
بفاعلية األسلوب يف صد محاوالت الرد ،أو بهدف املساواة بني طرفني من غري املحتمل
أن يتشابها عند إجراء مقارنات منطقية وموضوعية .واألسلوب أقرب للمقولة الشعبي�ة
«حنن يف السوء سواء» ،حبيث حتاول جهة الدعاية عرب تشكيالتها السيرباني�ة احتواء دفاع
الطرف اآلخر من خالل استدعائها لذاكرة وخربات املستخدمني القصرية .ويرتتب عن
األسلوب ما يعرف بالتوازن املزيف ،اي الظهور بهيئ�ة املوضوعي واملتوازن ،دون أن يدرك
367
الفصــل اخلامس
املستخدم العادي أنه مجرد تكنيك يهدف إىل تمرير افكار وآراء دعائي�ة حتت ستار أو غطاء
من املوضوعية.
.16أسلوب نظريـــة املؤامـــرة :Conspiracy Theoryأسلوب يعتمد على توظيف
الشائعات واألساطري واالدعاءات بالتآمر من أجل تشتيت اجلمهور ،ومن ثم توجيه
طريقة تفكريه وانماط تفسريه لألحداث حنو مسار معني خيدم أهداف جهة الدعاية.
وقوة نظرية املؤامرة انها ترتكز على تفسري خفي لألحداث ،وافرتاضات ال يمكن نفيها ،وقد
تمنحها نزعتها «التوليدية» قدرة على التجدد والتوالد والتمدد داخل البيئ�ات الشبكية
(الرفاعي .)2019:وتعرف «نظرية املؤامرة» بأنها تفسري مقرتح لبعض األحداث التاريخية
والراهنة ،وإحالة أسباب أو احتمال وقوعها إىل جهات خفية ،تت�آمر بشكل سري غري
ً
مرصود ( .)Brian:1999وغالبا ما تستفيد جهة الدعاية من غياب اليقني وقلة املعلومات،
وعدم قدرة وسائل اإلعالم وصناع القرار أو النخب املجتمعية على تفسري وحتليل بعض
األحداث ،حبيث تستغل جميع ما سبق من أجل حقن اجلمهور بأفكار حتيل إىل نظرية
املؤامرة .وأشارت دراسات علمية إىل عدد من التكنيكيات واالسرتاتيجيات اليت تنتهجها
جهات الدعاية من أجل تعزيز نظرية املؤامرة بني املستخدمني ،كاآليت (:)kou et al.: 2017
أ .تصليب فكرة املؤامرةُ :يعىن بتقوية فكرة املؤامرة لدى املستخدمني من خالل
أبعاد علمية ونظرية على
ٍ حتسني منطقها السردي .وهنا تقوم جهة الدعاية بإضفاء
ً ً
املؤامرة ،جتعلها أكرث قبوال ورواجا بني املستخدمني .والتصليب يتعزز من خالل االستشهاد
بمصادر إعالمية أو حكومية أو علمية ،أو اللجوء إىل الثقافة الشعبي�ة من جتارب وخربات
وإصدارات تلفزيوني�ة وسينمائي�ة ،أو ربط املؤامرة بأحداث أخرى ،أو استخدام اخليال
املحض يف تفصيل سين�اريو منطقي وشبه واقعي مقبول للمؤامرة.
ب .إضعاف سلطة التفسري :وتعين تعمد جهة الدعاية إضعاف رواية اجلهات اليت
تعمل على تفني�د فكرة املؤامرة ذاتها وختريب جهودها ،من خالل عدة تكنيكيات ،مثل:
إطالق حوارات دائمة بني املستخدمني ملناقشة املؤامرة ،تفعيل الشكوك وإدامتها ،حتفزي
اخلطاب اإليديولويج واحلزيب ،اعتماد املبين للمجهول وإحالة املناقشات إىل سناريوهات
مجهولة غري مفهومة.
368
أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة
ج .الدفــاع عــن فكــرة املؤامــرة :وتعــي إضفــاء صبغــة منطقيــة علــى املؤامــرة،
وصناعــة جوانــب عقالني ـ�ة لهــا ،أو ربطهــا بأدلــة مخلــة صعبــة التفني ـ�د ،أو الهجــوم علــى
الشــخصيات واملؤسســات اإلعالميــة الــي ترفضهــا ...إلــخ.
.17أسلوب التفسري االحتي�ايل :Ad-Hoc Explanationويعين ،حتايل جهة الدعاية
على املستخدمني من أجل دفعهم إىل اعتن�اق اعتقادات خاطئة ومن ثم اجرتار تبريرات منهم
ً هي باألصل غري مطلوبة بسبب خطأ وزيف ُ
المعطى املقدم .فمثال ،تدفع جهة دعائي�ة ما
بعض املستخدمني لالعتقاد خبطأ تصرفهم ،ليسارعوا إىل تفسري وتبرير اخلطأ برغم كون
التصرف صحيح ومقبول ومشروع .وتتجسد خطورة األسلوب يف قدرته تسطيح التفكري
اإلنساين ،ودفعه إىل تفسري جميع الظواهر من حوله حىت لو كانت عشوائي�ة ،أو غري مرتب�ة،
ً
وغالبا وهمية غري واقعية .واألخطر أن يفسر املستخدمون للظواهر الوهمية باالستن�اد إىل
قناعاتهم وميولهم السابقة ،فيحيد تقييمهم وتفسريهم عن املوضوعية ،وقد يرسخ فرتات
طويلة من الزمن دون مواجهة أي حتدي حقيقي.
.18أسلوب املالحقة والفضح :Chasing & Disclosingقيام جهة الدعاية
بمالحقة وتتبع شخصيات وناشطني على مواقع الشبكات االجتماعية ،وفضح جهودهم
وأنشطتهم ،وتعريتها أمام اجلمهور .وهو أسلوب دفاعي ،حياول تقليل أثر الهجمات
الدعائي�ة املعادية ،من خالل كشف زيفها وتوضيح أهدافها املسترتة ،مع حتديد الكيانات
ً
اليت تؤازرها وتساندها ،ومهاجمتها بشكل جماعي عنيف إلسكاتها وحتيي�دها .وغالبا ما
جيري توظيف املالحقة والفضح إلسناد عمليات الرقابة األمني�ة ،أو صد محاوالت اإلرباك
والتشويش على احلياة املجتمعية .ومن أهم التكنيكيات املتبعة مع أسلوب الفضح ما
يعرف باإلشارة ،Tagويعين قيام جهة الدعاية بإصدار إشارة للجانها السيرباني�ة وتوجيههم
للهجوم على الصفحة أو الشخصية الواردة يف اإلشارة.
.19أسلــوب اإليـحاء :Suggestionأسلوب للتأثري يف تفكري األفراد وحث سلوكهم
دون اللجوء إىل استماالت إقناعية مباشرة ،ويكتفي باإلحياء غري املباشر إليصال فكرته أو
ً
مطلبه .ويرتتب عن اإلحياء دفع الفرد تلقائي�ا إىل حتويل فكرة معين�ة إىل سلوك أو تصرف
دون أن ينتقدها أو يت�أكد منها .وينقسم إىل نوعان :إحياء خاريج وإحياء داخلي .وما يعنين�ا
369
الفصــل اخلامس
370
أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة
قــادة الــرأي أو “املؤثــرون” مجموعــة مــن املســتخدمني يتمتعــون بنشــاط كبــر علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة، (*)
ويمتلكــون مصداقيــة واحــرام ،كمــا يتمــزون بعمــق تن�اولهــم للقضايــا الهامــة مــن وجهــة نظــر متابعيهــم ،وعــادة مــا يلجــأ
ً
إليهــم األفــراد للحصــول علــى معلومــات وتفســرات أو حــى طلبــا للمشــورة والنصــح .واملؤثــر هنــا أقــرب لتأديــة دور احلكــم
أو املقيــم ملختلــف التطــورات واألحــداث حبيــث حيظــى التقييــم الصــادر عنــه بثقــة متابعيــه.
371
الفصــل اخلامس
على مرحلتني» لصاحبها . Lazarsfeldوالتأثري يف هذه احلالة هو محاولة لتمرير أجندة جهة
الدعاية بشكل غري مباشر عرب االستعانة بمؤثرين من أجل إحداث تب�دالت يف مزاج الرأي
العام على الساحة االفرتاضية .ومن املهام اليت يؤديها املؤثرون يف خدمة الدعاية احلكومية
أو احلزبي�ة ما يلي(*):
أ .تلميع وحتسني صورة أي قرار وحترك سيايس أو اجتماعي جلهة الدعاية.
ب.صناعة اإلحياءات وقدح األفكار باجتاه معني يصب يف خدمة جهة الدعاية.
ج .توفــر رأي بمزنلــة الدليــل لغــرض االستشــهاد بــه؛ وهــي هنــا أقــرب الســتغالل
ســلطة املزنلــة العلميــة الــي يتمتــع بهــا املؤثــر لصالــح الدعايــة.
د .فلــرة بعــض املضامــن اإلعالميــة ،وإعــادة نشــرها بشــكل يتســق وأهــداف
الدعايــة.
ه .تضخيم وتوجيه االنتب�اه إىل بعض القضايا اليت تصب يف صالح جهة الدعاية.
و .صناعــة تــوازن مــع آراء مؤثريــن آخريــن ال ينتمــون جلهــة الدعايــة أو ال يعــرون عــن
تطلعاتهــا وأهدافهــا.
وبالرغــم مــن التأثــر املحتمــل لهــذا النــوع مــن قــادة الــرأي؛ إال أنــه ســريع التــايش،
حيــث يمكــن ملؤثــر أن يســتقطب املســتخدمني بعــد نشــره موضــوع يســرعي االنتب ـ�اه مــا
يــؤدي إىل تشــكل فضــاء عمــويم حولــه خــال دقائــق ،ليحــل محلــه موضــوع آخــر نشــره
مؤثــر آخــر ممــا يســتلزم فضــاء عمــويم آخــر ،وهكــذا دوليــك .والســابق يثبــت أن التأثــر
ً
الناجــم عــن املؤثريــن مؤقــت وســريع النســيان نظــرا لســرعة تدافــع وتلــف املعلومــات
واآلراء ،وأن صفــة املؤثــر غــر متأصلــة بهويــة معينـ�ة؛ بــل مرتبطــة بكل مســتخدم يســتطيع
ً
لفــت النظــر إىل موضــوع مــا خــال فــرة زمنيـ�ة مــا (حنــان .)2019:وتــؤدي هويــة املؤثــر دورا
بظهــور اإلنرتنــت ومواقــع الشــبكات االجتماعيــة ،فقــدت الســلطة قدرتهــا بشــكل نســي علــى التحكــم يف حركــة تدفــق (*)
املعلومــات وعلــى تشــكيل الــرأي العــام ،بمعــى أن الســلطة االتصاليــة تشــظت وتوزعــت بــن الســلطة واجلمهــور علــى
ً
الســواء .ولتــدارك املوقــف ،كان لزامــا علــى الســلطة إجيــاد آليــات تســتطيع مــن خاللهــا إعــادة فــرض ســيطرتها وقدرتهــا
علــى تشــكيل الــرأي العــام ،ومــن هنــا جــاءت احلاجــة إىل إجيــاد مؤثريــن علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة أو صناعتهــم
ملصلحتهــا.
372
أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة
يف جنــاح دوره ،أو يف محاوالتــه إقنــاع املســتخدمني بتوجهــات وأفــكار جهــة الدعايــة وإن
حضــرت بطريقــة غــر مباشــرة .وكلمــا كانــت هويت ـ�ه السياســية واأليديولوجيــة واضحــة
للمســتخدمني تقلصــت علــى التــوازي قدرتــه علــى التأثــر واإلقنــاع .وعلــى النقيــض ،كلمــا
ختفــت أو غابــت الهويــة السياســية أو األيديولوجيــة كلمــا تمكــن املؤثــر مــن الوصــول إىل
ً
اإلقنــاع املرغــوب .وكثــرا مــا تصدفنــا حــاالت علــى موقــع فيســبوك ،يقــدم فيهــا أكــر مــن
مؤثــر لــذات الــرأي؛ إال أن القبــول والتفاعــل مــع رأي كل منهــم مختلــف ومتفــاوت إىل حــد
كبــر .وهنــا ،تتخــذ العمليــة الدعائي ـ�ة هيئ ـ�ة مســتقلة؛ ألن فجاجتهــا املفرطــة تتســبب يف
فقدانهــا تأثريهــا املرغــوب علــى املســتخدمني.
.21أســلوب االحتــواء :Containmentهــو أســلوب دفاعــي تســعى جهــة الدعايــة
مــن خاللــه إىل احتــواء نقــد أو غضــب جماهــري بشــكل مســبق ،أو احتــواء عمليــة دعائي ـ�ة
هجوميــة قبــل وقوعهــا أو تمددهــا وانتشــارها .ويف بيئــ�ة الشــبكات االجتماعيــة ،تتعمــد
بعــض اجلهــات رصــد املشــاكل املجتمعيــة واحلزبيــ�ة واســتغاللها بمــا خيــدم أجندتهــا؛
لذلــك تســعى جهــة الدعايــة إىل احتــواء فرضيــة االســتغالل بشــكل حاســم وســريع عــر
توجيــه تشــكيالتها الســيرباني�ة حنــو املوضــوع ،والطلــب منهــم اخلــوض فيــه بطريقــة
ُمتحكــم بهــا ال ختــرج عــن الســيطرة .بمعــى التحكــم يف مســار الروايــة وتطورهــا .ويفيــد
األســلوب يف قطــع الطريــق عــن أي محاولــة للتأثــر علــى املجتمــع أو التفــرد بــه ،عــر
توظيــف مســتخدمني يف مواجهــة مســتخدمني آخريــن دون أن تظهــر جهــة الدعايــة يف
الصــورة بشــكل جلــي وصريــح.
ً
وأخــرا ،يمكــن االطــاع علــى مزيــد مــن أســاليب الدعايــة الشــائعة علــى مواقــع
الشــبكات االجتماعيــة مــن خــال مراجعــة العناويــن الــواردة يف الكتــاب ،مثــل( :صناعــة
االنطبــاع املضلــل «دعايــة التضليــل» ،احلشــد املزيــف ،التصيــد ،التنقيــب الدعــايئ،
الهندســة االجتماعيــة ،احلســابات املزيــف ،الزتييــف العميــق ،الروبوتــات االجتماعيــة،
التالعــب اخلوارزميــات ونتــ�اجئ محــركات البحــث ،التنكــر ،املحتــوى اخلفــي ،التعهيــد
اجلماعــي) وغريهــا مــن األســاليب والتكنيكيــات الــي أفردنــا لهــا اهتمــام خــاص دون
غريهــا.
373
الفصــل اخلامس
خاتمة الفصل
ً
إعالميــا بعــد اســتعراض مجموعــة مــن أســاليب الدعايــة الشــائع اســتخدامها
ً
وســيرباني�ا ،يمكــن تســجيل مجموعــة مــن املالحظــات علــى النحــو اآليت:
.1اختي ـ�ار األســلوب ال يتــم بمعــزل عــن الهــدف؛ فتحديــد الهــدف الدعــايئ خطــوة
أوىل تســبق تعيــن أي األســاليب َ
مالءمــة لتحقيقــه.
.2صعوبــة حصــر ورصــد قائمــة شــاملة ونهائي ـ�ة ألســاليب الدعايــة؛ وذلــك كونهــا
ً
انعكاســا لنشــاط إنســاين متعــدد األوجــه ،يتمــز بطابــع االســتمرارية وعــدم الثب ـ�ات .ويف
هــذا الصــدد تقــول حميــدة سميســم« :إنــه يصعــب علين ـ�ا حتديــد األســاليب الدعائي ـ�ة
الفنيــ�ة بتصنيفــات وحتديــدات موحــدة ،ناهيــك عمــا يســتجد مــن أســاليب تفرضهــا
طبيعــة املواقــف الــي تواجــه رجــل الدعايــة» (سميســم.)2005:
.3تســعى الدعايــة إىل االســتنب�اط عــن شــى العلــوم كل مــا مــن شــأنه التأثــر يف
عقــل ووجــدان املتلقــي .لــذا جنــد مــن األســاليب مــا هــو مغالطــة منطقيــة ،Logical Fallacy
أو ممارســة نفســية ،Psychological Practiceأو نشــاط لغــوي ،Lingual Activityأو تعبــر
بصــري ،Visual Expressionمســتقى مــن ختصصــات متنوعــة ،مثــل :علــم النفــس،
واالجتمــاع ،واملنطــق ،والفلســفة ،واللغويــات ...إلــخ .ويــرى الباحــث ،أن أصــل هــذا
االتــكاء ،يعــود إىل الرغبــة يف اســتعارة واســتنب�اط كل مــا يصــب يف مجــرى التحايــل واخلداع،
حبيــث تصبــح صفــات مالزمــة لألســلوب ،تمنحــه هويتــ�ه اخلاصــة.
ُ
.4حتظى بعض األساليب بأكرث من تسمية ،تعزى لألسباب اآلتي�ة:
-رغبة كل باحث بعكس معىن يتن�اسب مع مجال ختصصه.
-اختــاف ثقافــة الباحثــن ،ومــا يرتتــب عليهــا مــن تســميات تن�اســب ثقافــة
مجتمعــه .
-انتهــاج مســلكني يف الرتجمــة والنقــل عنــد الباحثــن العــرب :ترجمــة حرفيــة
للنــص ،وترجمــة لــروح النــص .ولنأخــذ أســلوب حتويــل االنتبــ�اه كمثــال للتعميــم.
374
أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة
فمصطلــح ،Red Herringيعــي الرجنــة احلمــراء ،وهــو نــوع مــن األســماك ســخره اللصــوص
لتضليــل الــكالب البوليســية ،لقــوة راحئتــه .هنــا ،قامــت األدبيــ�ات الغربيــ�ة باســتعارة
التشــبي�ه ،للداللــة علــى محــاوالت حتويــل انتبــ�اه اجلمهــور عــن القضايــا احلساســة.
وكنتيجــة ،تب�اينــت ترجمــة املصطلــح بــن الباحثــن العــرب ،فهنــاك مــن أبقــى علــى
ً
وواضحــا ً
مباشــرا ً
معــى التســمية األصليــة «الرجنــة احلمــراء» ،وهنــاك مــن أعطاهــا
ً
مجازيــا «ذر الرمــاد يف العيــون». ً
معــى «حتويــل االنتبــ�اه» ،وهنــاك مــن أعطاهــا
.5إمكانيـ�ة توظيــف أكــر مــن أســلوب لتحقيــق هــدف دعــايئ واحــد؛ فرجــل الدعايــة
يتحــاىش الوســائل املنطقيــة والنقاشــات الصرحيــة قــدر اإلمــكان ،حيــث تقوم إســراتيجيت�ه
علــى جتنــب احلــوار العقــاين ،مــع الرتكــز علــى اجلوانــب النفســية والعاطفيــة لــدى
اجلمهــور ( .)Merrill:1997وبالتــوازي مــع هــذه االســراتيجية ،يوظــف رجــل الدعايــة
ً
مجموعــة عريضــة مــن األســاليب بطــرق مختلفــة ،فإمــا أن َيســتعمل أســلوبا واحــدا فقــط،
أو أن يقــوم بدمــج ومــزج أكــر مــن أســلوب لتحقيــق تأثــر مضاعــف؛ وذلــك حبســب الهــدف
ونوعيــة اجلمهــور.
.6يقــود الدمــج بــن بعــض األســاليب إىل بــروز أســاليب بمســميات جديــدة قائمــة
بذاتهــا؛ فالتأثــر النــاجت عــن دمــج أســلويب التكــرار وإطــاق التســميات ســيؤدي إىل ترســيخ
قالــب نمطــي معــن ،والقوالــب أو الصــور النمطيــة هــي حبــد ذاتهــا أســلوب دعــايئ.
.7األســاليب أقــرب للتعبــر عــن اســراتيجيات سياســية أو نفســية أو إعالميــة
شــاملة ،ال عــن ممارســة طارئــة تفرضهــا ســياقات الظــروف واألحــداث .ولعــل تســمية
تــأت مــن فــراغ .فهــي باختصــار،
بعــض األدبيــ�ات الغربيــ�ة لهــا «باالســراتيجية» ،لــم ِ
مجهــودات متالحقــة تهــدف إىل إخضــاع األفــراد ،عــر محاولــة التأثــر يف توجهاتهــم وأنمــاط
معيشــتهم.
.8يف بعــض األحيــان ،تتجســد أســاليب الدعايــة بهيئـ�ات مختلفــة ،يصعــب التعــرف
عليهــا .فلــو تأملنــا نظريــة «ترتيــب األجنــدة» لوجدناهــا تعبـ ً
ـرا عــن أســلوب دعــايئ قائــم
علــى حتديــد أولويــة القضايــا الــي حتظــى بأهميــة النشــر واملتابعــة ،بمعــى حتديــد أي
375
الفصــل اخلامس
القضايــا هــي محــل اهتمــام أو جتاهــل .هــذا االنتقــاء املتعمــد هــو يف باطنــه ترجمــة ملمارســة
دعائي ـ�ة ولكــن بأســلوب غــر مباشــر ،حبيــث تتجســد علــى هيئ ـ�ة نظــم وتوجيهــات عامــة،
ُ
تقــوم عليهــا فئــات عليــا داخــل املؤسســة اإلعالميــة .وتعــد نظريــة «اإلطــار اإلعــايم»
ً
جتســيدا آخــر لبعــض أســاليب الدعايــة .فممارســة التأطــر عــر االنتقــاء املتعمــد لبعــض
أجــزاء احلــدث أو الواقــع ،يمكــن أن يؤثــر يف طريقــة تفكــر اجلمهــور .لهــذا فالتأطــر هــو
أســلوب دعــايئ يتجســد علــى شــكل معاجلــة واعيــة ومقصــودة للنصــوص يؤديهــا مختلــف
الصحفيــن .باإلضافــة إىل مــا ســبق ،يمكــن اعتب ـ�ار كتيــب املصطلحــات اإلعالميــة أحــد
أســاليب الدعايــة غــر املباشــرة .فمعظــم وســائل اإلعــام لديهــا قائمــة باملصطلحــات
واملســميات الــي تتعمــد اســتخدامها حبســب طبيعــة احلــدث ،أو هويــة اجلهــة حتــت
ـيدا ًً ّ
ماديــا ملجموعــة مــن األســاليب الدعائي ـ�ة التغطيــة .لهــذا الســبب يعــد الكتيــب جتسـ
ً
ولكــن بهيئــ�ة أكــر قبــول .فأســاليب مثــل إطــاق التســميات والشــعارات والتعميمــات
الرباقــة ،هــي يف حقيقتهــا مجموعــة مــن املصطلحــات ذات املدلــول الســليب أو اإلجيــايب ،يتــم
اســتخدامها بمــا يتوافــق مــع سياســة الوســيلة.
.9خطــورة أســاليب الدعايــة يف املمارســة اإلعالميــة ،خاصــة إذا مــا ارتبطــت
مؤسســات اإلعــام بنظــام حكــم ،أو تقاطعــت مصاحلهــا معــه .فهــي محــرك لصــب
القوالــب ونــر الكراهيــة ،وســبب للتأزيــم والتخويــن ،ومعــول هــدم وتقســيم وتفريــق.
.10شــكل احلــدث يؤثــر يف نــوع األســلوب املســتخدم؛ ففــي أوقــات األزمــات
واحلــروب ،يكــر اســتخدام أســاليب مثــل اإلشــاعة ،والكــذب ،واالستشــهاد .أمــا يف حــاالت
املنافســة السياســية (االنتخابــات)؛ فأســاليب مثــل الهجــوم والشــعارات تنتشــر علــى
نطــاق واســع.
.11فاعليــة أســاليب الدعايــة مرهونــة باحلقيقــة واملصداقيــة .ففــي الســابق ،كان
ً
ضروريــا لزيــادة فاعليــة الدعايــة عــر وســائل اإلعــام. ُينظــر إىل الكــذب بوصفــه أســلوبا
هــذا املبــدأ لــم يعــد يلقــى ً
رواجــا ،خاصــة وأنــه أطــاح بالعديــد مــن احلمــات الدعائيــ�ة
بعــد أن تمــت مواجهتهــا باســتخدام احلقائــق واألدلــة .لهــذا الســبب صــار العمــل الدعــايئ
376
أساليـــب وتكنيكيــات الدعايـــة
يعتمــد يف كثــر مــن أســاليب�ه علــى احلقائــق .ويشــر Konradإىل أن «الدعايــة احلديثــ�ة
ختلــت منــذ زمــن عــن الكــذب الســخيف ،كمــا هجــرت ً
أنواعــا مــن الدعايــة .لقــد صــارت
تتعامــل مــع احلقيقــة نفســها وفــق معاجلــة تقــوم علــى أنصــاف احلقائــق ،أو حقائــق
محــدودة ،أو حقائــق خــارج الســياق» ( .)Ellul:1971واملقصــود مــن كالم ،Konradأن الدعايــة
باتــت تفضــل االرتــكاز علــى مغالطــات منطقيــة يصعــب كشــفها ،وذلــك لزيــادة تأثريهــا،
مــع االبتعــاد قــدر اإلمــكان عــن الكــذب الصريــح .مــن زاويــة أخــرى ،فــإن فاعليــة األســلوب
مرهونــة بمصداقيــة الوســيلة أو املرســل؛ فــإذا أرادت الدعايــة االعتمــاد علــى احلقائــق ،فــا
بــد أن تأخــذ باحلســبان وجــود أدلــة ملموســة ،حــى ال تفقــد مصداقيتهــا أمــام اجلمهــور.
فالتجربــة اإلنســاني�ة املرتاكمــة مــع الوســيلة اإلعالميــة هــي الــي تفتــح البــاب أمــام احتمال
قبــول الدعايــة مــن عدمــه .فكلمــا كانــت الوســيلة صادقــة يف نظــر اجلمهــور ،زاد احتمــال
تأثــر األســلوب ،والعكــس صحيــح .وبنــ�اء علــى مــا ســبق ،نســتنتج أن وســائل اإلعــام
-الــي ختــى علــى مصداقيتهــا ،وتســعى للحفــاظ علــى تأثريهــا -ال تســتطيع توظيــف
جميــع أســاليب الدعايــة املعروفــة؛ بــل هــي مقيــدة بمجموعــة معينـ�ة ،خاصــة يف ظــل ثــورة
املعلومــات وتعــدد النوافــذ اإلخباريــة.
.12نــوع الوســيلة اإلعالميــة يؤثــر يف نــوع األســلوب ،فمــا يصلــح مــع التلفــاز قــد ال
يصلــح مــع الصحيفــة .كمــا تشــمل هــذه القاعــدة نــوع الوظيفــة اإلعالميــة ،فأســاليب
كاتــب الــرأي ختتلــف عــن تلــك اخلاصــة باملحــرر اإلخبــاري .لذلــك فــكل فــن إعــايم لــه
أســاليب�ه املؤثــرة يف اجلمهــور .ولكــن هــذه القاعــدة ليســت علــى إطالقهــا ،فعديــد مــن
األســاليب قــد حتظــى باســتخدام مــزدوج ،ومــع أكــر مــن فــن ،مثــل أســاليب التكــرار،
والتســميات ،واالستشــهاد.
.13ارتــداد أســاليب الدعايــة إىل املربــع اإلنســاين ومغادرتهــا مربــع احلصريــة
واالحتــكار .ويعــزى ذلــك إىل شــبكة اإلنرتنــت ،ومــا أفرزتــه مــن حريــة شــخصية علــى صعيــد
إنتـ�اج الدعايــة ونشــرها ،مــع مــا يتطلبــه ذلــك مــن توظيــف ألســاليب تســتجيب لرغبــات
املســتخدمني خاصــة علــى مواقــع الشــبكات االجتماعيــة.
377
378
الـمراجــع
379
املراجع العربي�ة
1.أبـــو عامـــر ،عدنـــان 5 ،2018( ،مـــارس) .صفحـــة ّ
املنســـق اإلســـرائيلي :جتـــاوز
ّ
اإلنســـاين إىل الســـيايس واألمـــي .تاريـــخ االطـــاع 20 :مـــارس 2020م ،املوقـــع:
.http://adnanabuamer.com/post/834
2.أحم ــد فايــز أحم ــد س ــيد ( .)1620أدوات التنقي ــب ع ــن البي�ان ــات مفتوح ــة املص ــدر:
دراســة حتليليــة تقييميــة .مجلــة جامعــة طيب ـ�ة لــآداب والعلــوم اإلنســاني�ة ،اململكــة
العربي ـ�ة الس ــعودية.865 - 791 ،)10(5 ،
3.بهي ــش ،رج ــاء ( 2012م) .س ــيمياء إط ــاق التس ــميات يف اخلط ــاب الدع ــايئ .مجل ــة
الباح ــث اإلع ــايم ،الع ــراق ،ب ــدون رق ــم مجل ــد ،الع ــدد (.24 - 9 ،)18
4.بهي ــش ،رج ــاء ،واملي ــايل ،ع ــادل (2013م) .املنط ــق الدع ــايئ واحلجاجي ــة اإلقناعي ــة.
مجلـــة األســـتاذ ،العـــراق.552 - 529 ،)204(1 ،
5.بورديـــو ،بيـــر .)2004( .التلفزيـــون وآليـــات التالعـــب بالعقـــول ،ط( ،1ترجمـــة:
درويـــش احللـــويج) .دمشـــق :دار كنعـــان.
6.تايلـــور ،فيليـــب .)2000( .قصـــف العقـــول :الدعايـــة للحـــرب مـــن القديـــم حـــى
العصـــر النـــووي( ،ترجمـــة ســـايم خشـــبة) .الكويـــت :عالـــم املعرفـــة.
7.اجلزي ــرة (2019م 13 ،س ــبتمرب) .بس ــبب مصال ــح م ــع إس ــرائي�ل :فيس ــبوك متهم ــة
بمحاربـــة املحتـــوى الفلســـطيين .تاريـــخ االطـــاع 25 :مـــارس 2020م ،املوقـــع:
https://www.aljazeera.net/news/politics/2019/9/13/%D9%81%D9%8A%D8%B3%D
380
املراجع
.d44befef99b140eaa6f7af52b7237eb0_100.pdf
10.احليــدري ،عبــدهللا الزيــن (2019م 17 ،أكتوبــر) .زمــن الذبــاب والعشــائر اإللكرتونيـ�ة:
مع ــارك اإلثب ـ�ات واإلبط ــال يف مج ــرة ال ــذكاء االصطناع ــي .مجل ــة لب ــاب ،قط ــر :مرك ــز
اجلزيــرة للدراس ــات ،الع ــدد الثال ــث.203 - 169 ،
11.الدلي ــي ،عب ــد ال ــرزاق ( 2018م 27 ،يولي ــو) .اش ــكاليات األخب ــار املفربك ــة وتأثريه ــا
يف تشـــكيل الـــراي العـــام .مركـــز اجلزيـــرة للدراســـات ،تاريـــخ االطـــاع 25 :مـــارس
20200م ،املوقـــعhttps://studies.aljazeera.net/sites/default/files/articles/medias� :
.tudies/documents/893bced5cf72499ca42563df0f9c2879_100.pdf
12.الدلي ــي ،عب ــد ال ــرزاق .)2010( .الدعاي ــة واإلره ــاب .ط .1عم ــان :دار جري ــر للنش ــر
والتوزي ــع.
13.الــرايج ،محمــد ( 17 ،2018مايــو) .صناعــة األخبــار الكاذبــة ولولــب احلصــار املعلومــايت
للــرأي العــام .مركــز اجلزيــرة للدراســات ،تاريــخ االطــاع 30 :مــارس 2020م ،املوقــع
.https://studies.aljazeera.net/ar/mediastudies/2018/05/180527110035087.html
381
17.شـــفيق ،حســـنني2011( .م) .التضليـــل اإلعـــايم والغيبوبـــة املهنيـــ�ة( .د.ط).
القاهـــرة :دار فكـــر وفـــن للطباعـــة والنشـــر والتوزيـــع.
18.شـــيللر ،هربـــرت ( .)1999املتالعبـــون بالعقـــول ،ط( ،2ترجمـــة :عبـــد الســـام
رضـــوان) .الكويـــت :عالـــم املعرفـــة.
19.العويســـات ،جمانـــة ( 2019م 15 ،يونيـــو) .كيـــف ختطـــط اخلوارزميـــات حياتنـــ�ا؟.
تاريـــخ االطـــاع 25 :مـــارس 2020م ،املوقـــع.https://www.idareact.org :
20.ف ــادي عم ــروش ( 15 ،2015س ــبتمرب) .مقدم ــة يف عل ــم حتلي ــل الش ــبكات االجتماعي ــة.
تاريــخ االطــاع 20 :مــارس 2020م ،املوقــع.http://fadyamr.com/blog/archives/791 :
21.لوب ــون ،غوس ــتاف ( .)2014اآلراء واملعتق ــدات( ،ترجم ــة :ع ــادل زعي ــر) .القاه ــرة:
هن ــداوي للنش ــر والتوزي ــع.
22.املجبــــــل ،ليــــــث ( 2018م 9 ،يوليــــــو) .مــــــا هــــــي غــــرف الصــــــدى؟
وكيـــف خنـــرج منهـــا؟ .تاريــــــخ االطـــاع 25 :مـــارس 2020م ،املوقـــع:
.-http://www.idareact.org/%D9%85%D8%A7-%D9%87%D9%8A
23.مجلـــي ،نظـــر ( 28 ،2018مـــارس) .وزارة إســـرائيلية تبتكـــر طريقـــة اســـتثن�ائي�ة
لزيـــادة عـــدد اليهـــود يف إســـرائي�ل .تاريـــخ االطـــاع 20 :مـــارس 2020م ،املوقـــع:
.https://aawsat.com/print/1220551
24.مــراد ،غســان (2019م 17 ،أكتوبــر) .خوارزميــات غوغــل والشــبكات حتبســنا يف فقاعــة.
تاريخ االطالع 25 :مــارس 2020م ،املوقع.%/http://arabiyaa.com/2019/10/17 :
25.مزاه ــرة ،من ــال2012( .م) .الدعاي ــة :أس ــاليبها ومدارس ــها .ط .1عم ــان :دار املس ــرة
للنش ــر والتوزي ــع والطباع ــة.
26.مســـعودة ،بايوســـف (2011م) .الهويـــة االفرتاضيـــة :اخلصائـــص واألبعـــاد.
مجلـــة الباحـــث يف العلـــوم اإلنســـاني�ة واالجتماعيـــة ،العـــراق ،جامعـــة بغـــداد،
.487 - 465 ،)5(3
382
املراجع
27.املص ــدر ،حي ــدر ( .)2016أس ــاليب الدعاي ــة يف الصح ــف اإللكرتونيــ�ة املصري ــة اجت ــاه
حركــة حمــاس :دراســة حتليليــة مقارنــة( .رســالة ماجســتري غــر منشــورة) .اجلامعــة
اإلس ــامية ،غ ــزة.
28.املصـــدر ،حيـــدر ( .)2019إلغـــاء الصداقـــة علـــى شـــبكات التواصـــل االجتماعـــي:
دراســة حالــة مســتخديم فيســبوك بقطــاع غــزة .مجلــة لبــاب ،قطــر :مركــز اجلزيــرة
للدراســـات ،العـــدد الثالـــث.244 - 203 ،
29.مصطف ــى ،ع ــادل ( .)2019احلن ــن إىل اخلراف ــة :فص ــول يف العل ــم الزائ ــف .القاه ــرة:
هن ــداوي للنش ــر والتوزي ــع.
30.مصطف ــى ،ع ــادل2007( .م) .املغالط ــات املنطقي ــة .ط .1القاه ــرة :املجل ــس األعل ــى
للثقاف ــة.
31.معهـــد اجلزيـــرة لإلعـــام ( .)2020دليـــل التحقـــق مـــن عمليـــات التضليـــل
والتالعـــب اإلعالمـــــي .تاريـــــخ االطـــاع 6 :أكتوبـــــر 2020م ،املوقـــــع:
.https://institute.aljazeera.net/ar/publications
32.املق ــدادي ،خال ــد ( .)2013ث ــورة الش ــبكات االجتماعي ــة .ط .1عم ــان :دار النفائ ــس
للنش ــر والتوزي ــع.
33.املوســوي ،حســن ،والشــجريي ،بشــرى (2009م) .األســاليب الدعائي ـ�ة يف القنــوات
الفضائيــ�ة العراقي ــة إزاء االنتخاب ــات املحلي ــة :2009دراس ــة مقارن ــة لربام ــج قن ــايت
(آفاق-بغ ــداد) .مجل ــة كلي ــة الرتبيــ�ة األساس ــية ،الع ــراق.206 - 185 ،)62(14 ،
34.النشـــريت ،مؤمـــن ( .)2012التحديـــات الـــي تواجـــه خوارزميـــات محـــركات
البحـــث يف اســـرجاع املحتـــوى العـــريب علـــى الشـــبكة العنكبوتيـــ�ة
العامليـــة :دراســـة مســـحية حتليليـــة ،Cybrarians Journal .العـــدد ،30
http://www.journal.cybrarians.org/index.php?option=com_content&view=arti-
.cle&id=633:search&catid=257:studies&Itemid=90
383
35.هـــزازي ،حســـن (2017م 14 ،يونيـــو) 150 .ســـعودية يتســـلحن يف «اجليـــش
الســـلماين» لصـــد الهجمـــات اإللكرتونيـــ�ة املعاديـــة .تاريـــخ االطـــاع 25 :مـــارس
2020م ،املوقـــع.https://www.okaz.com.sa/local/na/1553356 :
36.هيــــــــــام حايـــــــــك ( 27 ،2014مـــــــارس) .التنقيــــــــب فــــــي البي�انـــــــــــات
Data miningواســـتخراج املعرفـــة .تاريـــخ االطـــاع 20 :مـــارس 2020م ،املوقـــع:
.http://blog.naseej.com/2014/03/27/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D9%82
384
املراجع
املراجع األجنبي�ة
1. Abelson, R. P. (1995). Attitude extremity. In R. E. Petty & J. A. Krosnick (Eds.), Ohio
State University series on attitudes and persuasion, Vol. 4. Attitude strength:
Antecedents and consequences, pp. 25–41. Lawrence Erlbaum Associates, Inc.
8. Andersson, J.J. (2015). Hybrid operations: Lessons from the past. Retrieved March
11, 2020 from: https://www.iss.europa.eu/sites/default/files/EUISSFiles/Brief%2033%20Hybrid%20
operations.pdf.
385
9. Aouragh, M. (2016). Hasbara 2.0: Israel’s Public Diplomacy in the Digital Age,
Middle East Critique, vol 25 (3), 271-297.
11. Azran, T. S., & Yarchi, M. (2018). Military Public Diplomacy 2.0: The Arabic
Facebook Page of the Israeli Defense Forces’ Spokesperson, The Hague Journal of
Diplomacy, 13(3), 1-22.
12. Barbera, P., John T. J., Jonathan, N., Joshua, A. T. & Richard, B. (2015). Tweeting
From Left to Right: Is Online Political Communication More Than an Echo
Chamber?. Psychological Science, 26 (10), 1531–1542.
13. Barbier, G. & Liu, H. (2011). Data mining in social media. C.C. Aggarwal (Ed.), Social
network data analytics. USA: Springer.
14. Barbu, O. (2014). Advertising, Microtargeting and Social Media, Procedia: Social
and Behavioral Sciences, vol.163, 44–49.
15. Barlow, C., Awan, I. (2016). You Need to Be Sorted Out With a Knife: The
Attempted Online Silencing of Women and People of Muslim Faith Within Academ-
ia. Social Media + Society, 2(4), 1-11.
16. Bar-Tal, D. (2004, September). Delegitimization. Retrieved January 13, 2016 from:
http://www.beyondintractability.org/essay/delegitimization.
17. Barthel, M., Shearer, E., Gottfried, J. & Mitchell, A. (2015, July). The Evolving Role of
News on Twitter and Facebook. Retrieved March 20, 2020 From: https://www.journal-
ism.org/2015/07/14/the-evolving-role-of-news-on-twitter-and-facebook/.
18. Bastos, M. T. & Mercea, D. (2019). The Brexit Botnet and User-Generated
Hyperpartisan News, Social Science Computer Review, 37(1), 38–54.
19. Benedictus, L. (2016, November). Invasion of the troll armies: from Russian Trump
supporters to Turkish state stooges. Retrieved March 25, 2020 From: https://www.
theguardian.com/media/2016/nov/06/troll-armies-social-media-trump-russian.
20. Benkler, Y., Faris, R., & Roberts, H. (2018). Network Propaganda:Manipulation,
386
املراجع
21. Benkler, Y., Faris, R., Roberts, H., and Zuckerman, E. (2017, March). Breitbart-led
right-wing media ecosystem altered broader media agenda. Retrieved 25 March,
2020 From: https://www.cjr.org/analysis/breitbart-media-trump-harvard-study.php.
23. Bertrand, N. (2017, October). Twitter will tell Congress that Russia’s election
meddling was worse than we first thought. Business Insider. Retrieved March 25,
2020 From: https://www.businessinsider.com/twitter-russia-facebook-election-accounts-2017-10.
24. Bessi, A. & Ferrara, E. (2016). Social bots distort the 2016 US Presidential election
online discussion, First Monday, 21(11): doi:21. 10.5210/fm.v21i11.7090.
25. Bienkov, A. (2012, February). Astroturfing: what is it and why does it matter?.
Retrieved March 23, 2020 from:
https://www.theguardian.com/commentisfree/2012/feb/08/what-is-astroturfing.
26. Binder, A.R., Dalrymple, K.E., Brossard, D. & Scheufele, D. (2009). The Soul of a
Polarized Democracy: Testing Theoretical Linkages between Talk and Attitude
Extremity during the 2004 Election. Communication Research, 36(3), 315-340.
28. Blau, U. (2017). Inside the Clandestine World of Israel›s ‹BDS-busting› Ministry.
Retrieved March 11, 2020 from: https://www.haaretz.com/israel-news/MAGAZINE-in-
side-the-clandestine-world-of-israels-bds-busting-ministry-1.5453212.
29. Boaz, C.(2011, July). Fourteen Propaganda Techniques Fox «News» Uses to
Brainwash Americans». Retrieved January 7, 2016 from: http://www.truth-out.org/news/
item/1964:fourteen-propaganda-techniques-fox-news-uses-to-brainwash-americans.
30. Bolsover, G. & Howard, P. (2017). Computational Propaganda and Political Big Data:
Moving Toward a More Critical Research Agenda, Big Data, 5(4): 273-276.
31. Bond, R. & Messing, S. (2015). Quantifying Social Media›s Political Space:
387
Estimating Ideology from Publicly Revealed Preferences on Facebook, American
Political Science Review, 109(1), 62–78.
32. Booker, C. (n.d). What happens when the great fantasies, like wind power or
European Union, collide with reality?. Retrieved January 16, 2016 from: http://www.
telegraph.co.uk/comment/columnists/christopherbooker/8440423/What-happens-when-the-great-
fantasies-like-wind-power-or-European-Union-collide-with-reality.html.
33. Born, K. (2017, June). The Future of Truth: Can Philanthropy Help Mitigate
Misinformation?. Retrieved 25 March, 2020 From:
https://hewlett.org/future-truth-can-philanthropy-help-mitigate-misinformation/.
34. Boulan, V. (2013, August). How important was Napoleon Bonaparte’s use of
propaganda and censorship in the rise and consolidation of his power in France?.
Retrieved 26 March, 2020 From: https://publishistory.wordpress.com/2013/07/31/how-impor-
tant-was-napoleon-bonapartes-use-of-propaganda-and-censorship-in-the-rise-and-consolidation-of-
his-power-in-france-part-1/.
35. Bozdag, E. (2013). Bias in Algorithmic Filtering and Personalization, Ethics and
Information Technology, vol.15, 209-222.
36. Bradshaw, S. & Howard, P. N. (2017, March). Troops, Trolls and Troublemakers: A
Global Inventory of Organized Social Media Manipulation. In: S. Woolley and P. N.
Howard (eds). Working Paper 2017.12. Oxford, UK: Project on Computational Prop-
aganda. Retrieved March 25, 2020 From: http://comprop.oii.ox.ac.uk/.
37. Bradshaw, S. & Howard, P. N. (2019, September). The Global Disinformation Order:
2019 Global Inventory of Organised Social Media Manipulation. Working Paper
2019.3. Oxford, UK: Project on Computational Propaganda. Retrieved March 25,
2020 From: https://comprop.oii.ox.ac.uk/research/cybertroops2019/.
38. Braithwaite, A. (2016). It’s about ethics in games journalism? Gamergaters and
geek masculinity. Social Media+ Society, 2(4), 1-10.
39. Brande, W.T.(1843). A Dictionary of Science, Literature, and Art. New York: Harper
& Brothers.
40. Breeden, A. (2017, May). Macron Campaign Says It Was Target of ‘Massive’ Hacking
Attack. Retrieved March 23, 2020 from:
https://www.nytimes.com/2017/05/05/world/europe/france-macron-hacking.html.
388
املراجع
43. Bruinius, H. (2013, September). Best yogurt ever! Fake online reviews targeted by
N.Y. attorney general. Retrieved March 23, 2020 from: https://www.csmonitor.com/Busi-
ness/2013/0923/Best-yogurt-ever!-Fake-online-reviews-targeted-by-N.Y.-attorney-general.
44. Bruns, A, (2017, September). Echo chamber? What echo chamber? Reviewing the
Evidence. In 6th Biennial Future of Journalism
Conference (FOJ17), Cardiff: UK. Retrieved 25 March, 2020 From:
http://snurb.info/files/2017/Echo%20Chamber.pdf.
45. Cacioppo, J.T., Petty, R.E., Kao, C.F., & Rodriguez, R. (1986). Central and peripheral
routes to persuasion: An individual difference perspective, Journal of Personality
and Social Psychology 51(5), 1032–1043.
46. Calamur, K. (2017, June). Did Russian Hackers Target Qatar?. Retrieved March
23, 2020 from: https://www.theatlantic.com/news/archive/2017/06/qatar-russian-hacker-fake-
news/529359/.
48. Caplan, R. & Boyd, D. (2016). Who Controls the Public Sphere in an Era of
Algorithms?. Mediation , Automation, Power, 1-19. Retrieved March 20, 2020 From:
https://datasociety.net/pubs/ap/MediationAutomationPower_2016.pdf.
49. Carey, A. (1996). Taking the risk out of democracy: Corporate propaganda versus
freedom and liberty. Urbana: University of Illinois Press.
50. Chala, E. (2018, January). Leaked Documents Show That Ethiopia’s Ruling Elites
Are Hiring Social Media Trolls (And Watching Porn).
Retrieved March 25, 2020 From: https://globalvoices.org/2018/01/20/leaked-documents-
show-that-ethiopias-ruling-elites-are-hiring-social-media-trolls-and-watching-porn/.
51. Chang, T.K. & Lin, F. (2014). From Propaganda to Public Diplomacy: Assessing
China’s International Practice and its Image, 1950–2009. Public Relations Review,
40(3), 450–458.
389
52. Chen, A. (2014, October). The laborers who keep dick pics and beheadings out of
your Facebook feed. Retrieved 25 March, 2020 From:
https://www.wired.com/2014/10/content-moderation/.
53. Chen, A. (2015, June). The Agency. Retrieved March 23, 2020 from:
https://www.nytimes.com/2015/06/07/magazine/the-agency.html.
54. Chen, A. (2015, June). The Agency. Retrieved March 25, 2020 From:
https://www.nytimes.com/2015/06/07/magazine/the-agency.html.
55. Cheng, J., Bernstein, M., Danescu-Niculescu, M. C. & Leskovec, J. (2017). Anyone
Can Become a Troll: Causes of Trolling Behavior in Online Discussions. In CSCW
’17 Proceedings of the 2017 ACM Conference on Computer Supported Cooperative
Work and Social Computing, 1217–1230. New York: ACM.
56. Chesney, R. & Citron, D. (2018). Deep Fakes: A Looming Challenge for Privacy,
Democracy, and National Security, SSRN Scholarly. Available at:
https://papers.ssrn.com/abstract=3213954.
57. Chitika Insight (2013, June). The value of Google Result Positioning. Retrieved 25
March, 2020 From: http://info.chitika.com/uploads/4/9/2/1/49215843/chitikainsights-valueof-
googleresultspositioning.pdf.
58. Cho, C., Martens, M., Kim, H. & Rodrigue, M. (2011). Astroturfing Global Warming:
It Isn’t Always Greener on the Other Side of the Fence, Journal of Business Ethics,
104, 571–587.
59. Chu, Z., Gianvecchio, S., Wang, H., & Jajodia, S. (2010). Who is Tweeting on Twitter:
Human, Bot, or Cyborg?. In Proceedings of the 26th Annual Computer Security
Applications Conference, New York: USA, ACSAC ’10, ACM, 21–30.
60. Cialdini, R.B. (2001). Harnessing the science of persuasion, Harvard Business
Review 79(9), 72-81.
61. Cirino, R.(1971). Don’t Blame the People: How the News Media Use Bias,Distortion,
and Censorship to Manipulate Public Opinion. Los Angeles: Diversity Press.
390
املراجع
63. Clila, M,. & Ephraim, L. (2018). Israel›s military public diplomacy evolution:
Historical and conceptual dimensions, Public Relations Review, 44(2), 287-298.
64. Coles, B. A. & West, M. (2016). Weaving the internet together: Imagined communi-
ties in newspaper comment threads. Computers in Human Behavior, vol.60, 44-53.
66. Computer Hope (2019, November). How Do you Know If an Account is Real or
Fake?. Retrieved March 20, 2020 From:
https://www.computerhope.com/issues/ch001850.htm.
67. Constine, J. (2014, Jan). Facebook Launches Trending Topics on Web with
Descriptions of Why Each is Popular. Retrieved 25 March, 2020 From:
https://techcrunch.com/2014/01/16/facebook-trending/.
68. Cook, K. (2019). The Psychology of Silicon Valley: Ethical Threats and Emotional
Unintelligence in the Tech Industry. Switzerland: Palgrave Macmillan.
69. Cox, J.L., Martinez, E.R., & Quinlan, K.B. (2008), Blogs and the Corporation:
Managing the Risk, Reaping the Benefits, The Journal of Business Strategy,
29(3), 4-12.
70. Cresci, S., Roberto, D. P., Marinella, P., Angelo, S. & Maurizio, T. (2017). The
Paradigm-Shift of Social Spambots: Evidence, Theories, and Tools for the Arms
Race. Proceedings of the 26th International Conference on World Wide Web
Companion. Perth: Australia, 963–972.
71. Cull, N.J., Culbert, D. & Welch, D. (2003). Propaganda and Mass Persuasion:
A Historical Encyclopedia, 1500 to the Present. Santa Barbara, CA: ABC Clio.
391
74. Daniels, J. (2009). Cloaked websites: Propaganda, Cyber-Racism and Epistemology
in the Digital Era, New Media & Society 11(5), 659-683.
75. Dart, J. (2016). Brand Israel: Hasbara and Israeli Sport, Sport in Society,
19(10), 1402-1418.
76. Das, S., & Kramer, A.D. (2013). Self-Censorship on Facebook. Proceedings of the
7th International Conference on Weblogs and Social Media, ICWSM, 120-127.
78. Delwiche, A. (2020). Computational propaganda and the Rise of the Fake Audience.
In P. Baines, N. O›Shaughnessy & N. Snow, The SAGE Handbook of propaganda
(pp. 105-125). London: SAGE Publications.
79. Deutsch, M., & Gerard, H.B. (1955). A study of normative and informational social
influences upon individual judgment, The journal of abnormal and social
psychology 51(3), 629–636.
80. Diakopoulos, N. (2013). Sex, Violence, and Autocomplete Algorithms: Methods and
Context. Retrieved March 20, 2020 From: https://slate.com/technology/2013/08/words-
banned-from-bing-and-googles-autocomplete-algorithms.html.
81. Dickens, A. G. (1968). Reformation and society in sixteenth century Europe. New
York: Harcourt Brace Jovanovich.
82. Dodge, A. & Johnstone, E. (2018). Using Fake Video Technology To Perpetuate
Intimate Partner Abuse. Available at: https://www.cpedv.org/sites/main/files/webform/deep-
fake_domestic_violence_advisory.pdf.
83. Dondis, D. (1981). Signs and symbols. In R. Williams (Ed.), Contact: Human
communication and its history (pp. 71–86). New York: Thomas & Hudson.
84. Doob, W.L. (1948). Public Opinion and Propaganda. New York: Henry Holt.
85. Dubois, E. & Blank, G. (2018) The Echo Chamber is Overstated: the moderating
effect of political interest and diverse media. Information, Communication &
Society, 21(5), 729-745.
86. Durham, R. (2014). False Flags, Covert Operations, & Propaganda. USA: Lulu.com.
392
املراجع
87. Dworkowitz, A. (2005, August). In letters to the editor, too many copycats?.
Retrieved March 23, 2020 from: https://www.csmonitor.com/2005/0804/p02s02-ussc.html.
88. Dyagilev, K. & Yom-Tov, E. (2014). Evidence for echo chamber and disagreement
effects in the political activity of Twitter users. Social Science Computer Review,
32(2), 195-204.
90. Edelman (2017, January). 2017 Edelman Trust Barometer. Retrieved 25 March, 2020
From: https://www.edelman.com/research/2017-edelman-trust-barometer.
91. Ellul, J. (1971). Propaganda: The Formation of Men›s Attitudes. New York: Vintage
Books.
92. Emery, E. & Emery, M. (1984). The press and America. Englewood Cliffs, NJ:
Prentice Hall.
94. Epstein, R. & Robertson, R. (2015). The Search Engine Manipulation Effect (SEME)
and its Possible Impact on the outcomes of Elections. PNAS, 112 (33), 4512-4521.
95. Everett, J. A. C., Faber, N. S. & Crockett, M. (2015). Preferences and beliefs in
ingroup favoritism. Frontiers in Behavioral Neuroscience, vol.9, Article 15.
96. Facebook (N.D). Legal Terms. Retrieved March 20, 2020 From:
https://www.facebook.com/legal/terms)
97. Farkas, J. & Neumayer, C. (2018). Disguised propaganda from digital to social me-
dia. In J. Hunsinger, L. Klastrup & M. M. Allen (Eds.), Second international hand-
book of internet research (pp. 1–17). New York, NY: Springer.
98. Fellows, E. (1957). Propaganda History of a Word. American Speech, 34(3), 182-189.
99. Ferrara, E. (2017). Disinformation and Social Bot Operation in the Run up to the
2017 French Presidential Election, First Monday, 22(8),
https://doi.org/10.5210/fm.v22i8.8005.
100. Ferrara, E., Varol, O., Davis, C., Menczer, F., & Flammini, A. (2016). The rise of
social bots, Communications of the ACM, 59(7), 96-104.
393
101. Fichman, P., & Sanfilippo, M. R. (2015). The bad boys and girls of cyberspace: How
gender and context impact perception of and reaction to trolling. Social science
computer review, 33(2), 163-180.
102. Fitzgerald, C.W & Brantly, A.F. (2017). Subverting Reality: The Role of Propaganda
in 21st Century Intelligence. International Journal of Intelligence and Counter-
Intelligence, 30(2), 215-240.
103. Foer, F. (2018, May). The Era of Fake Video Begins. Retrieved March 23, 2020 from:
https://www.theatlantic.com/magazine/archive/2018/05/realitys-end/556877/.
104. Freedom House. (2013). Saudi Arabia. Retrieved March 25, 2020 From: https://free-
domhouse.org/report/freedom-world/2013/saudi-arabia.
105. Freemantle, A. (1965). The age of faith. New York: Time-Life Books.
107. Full Fact. (2018). Tackling Misinformation in an open society.Retrieved March 30,
2020 From:
https://fullfact.org/media/uploads/full_fact_tackling_misinformation_in_an_open_society.pdf.
108. Funk, M. (2016, November). Cambridge Analytica and the Secret Agenda of
a Facebook Quiz. Retrieved March 30, 2020 From:
https://www.nytimes.com/2016/11/20/opinion/cambridge-analytica-facebook-quiz.html.
109. Funke, D. (2017, November). U.S. Newsrooms are ‘Largely Unprepared’ to Address
Misinformation Online. Retrieved March 23, 2020 from: https://www.poynter.org/
fact-checking/2017/u-s-newsrooms-are-largely-unprepared-to-address-misinformation-online/.
110. Garimella, K., Morales, D.F.G., Gionis, A. & Mathioudakis, M. (2018). Political
Discourse on Social Media: Echo chambers, gatekeepers, and the price of
bipartisanship. In: Proceedings of the 2018 World Wide Web Conference on World
Wide Web. International World Wide Web Conferences Steering Committee,
913–922.
112. Geiger, R.S. (2016). Bot-Based Collective Blocklists in Twitter: The Counterpublic
394
املراجع
113. Gentzkow, M. & Shapiro, J.M. (2006). Media Bias and Reputation. Journal of
Political Economy, vol. 114, 280-316.
115. Ghosh, D., & Scott, B. (2018, January). Digital Deceit: The Technologies Behind
Precision Propaganda on the Internet. New America. Retrieved March 25, 2020
From: https://www.newamerica.org/public-interest-technology/policy-papers/digitaldeceit/.
118. Goel, V. & Frenkel, S. (2019, April). In India Election, False Posts and Hate Speech
Flummox Facebook. Retrieved March 23, 2020 from:
https://www.nytimes.com/2019/04/01/technology/india-elections-facebook.html.
119. Golumbia, D. (2013). Commercial Trolling: Social Media and the Corporate
Deformation of Democracy, SSRN Electronic Journal: https://sci-hub.tw/http://dx.doi.
org/10.2139/ssrn.2394716.
120. Goodman, E., Labo S., Moore, M., & Tambini, D. (2017). The new political
campaigning. Media Policy Brief 19. London: Media Policy Project, London School
of Economics and Political Science. Retrieved March 30, 2020 From: http://eprints.lse.
ac.uk/71945/7/LSE%20MPP%20Policy%20Brief%2019%20-%20The%20new%20political%20campaign-
ing_final.pdf.
121. Gordon, C. (2012, January). Occupy AstroTurf. Retrieved March 23, 2020 from:
https://www.wsj.com/articles/SB10001424052970204661604577187004069109534.
122. Gorwa, R. & Guilbeault, D (2018).Unpacking the Social Media Bot: A Typology to
Guide Research and Policy, Policy & Internet: https://doi.org/10.1002/poi3.184.
395
123. Gorwa, R. (2017). Computational Propaganda in Poland: False Amplifiers and the
Digital Public Sphere. Oxford, UK: Project on Computational Propaganda
Working Paper Series:
https://blogs.oii.ox.ac.uk/politicalbots/wp-content/uploads/sites/89/2017/06/Comprop-Poland.pdf.
124. Gowen, A. (2018). As Mob Iynchings Fueled by WhatsApp Messages Sweep India,
Authorities Struggle to Combat Fake News. Retrieved March 20, 2020 From:
https://www.washingtonpost.com/world/asia_pacific/as-mob-lynchings-fueled-by-whatsapp-sweep-
india-authorities-struggle-to-combat-fake-news/2018/07/02/683a1578-7bba-11e8-ac4e-421ef7165923_
story.html.
125. Green, J. & Issenberg, S. (2016, October). Inside the Trump Bunker, With Days to
Go. Retrieved 25 March, 2020 From: https://www.bloomberg.com/news/articles/2016-10-27/
inside-the-trump-bunker-with-12-days-to-go.
126. Greitemeyer, T. (2014). Playing Violent Video Games Increases Intergroup Bias.
Personality and Social Psychology Bulletin, vol.40, 70-78.
127. Grimme, C., Preuss, M., Adam, L. & Trautmann, H. (2017) Social Bots: Human-Like
by Means of Human Control, Big Data 5(4), 279–293.
128. Haigh, M., Haigh, T. & Kozak, N.I. (2018). Stopping Fake News. Journalism Studies,
19(14), 2062-2087.
131. Hampton, K., Rainie, L., Lu, W., Dwyer, M., Shin, I. & Purcell, K. (2014). Social Media
and the ‘Spiral of Silence’. Washington, D.C.: Pew Research Center. Retrieved 25
March, 2020 From:
https://www.pewresearch.org/internet/2014/08/26/social-media-and-the-spiral-of-silence/.
132. Han, J., Kamber, M., & Pei, J.(2012). Data mining: Concepts and techniques. 3th ed.
Philadelphia, PA: Elsevier.
133. Hancock, J.T. (2009). Digital deception: When, where and how people lie online. In
K. McKenna, T. Postmes, U. Reips & A.N. Joinson (eds.) Oxford Handbook of
Internet Psychology (pp. 287-301). Oxford: Oxford University Press.
396
املراجع
135. Hannan, J. (2018). Trolling ourselves to death? Social media and post-truth politics.
European Journal of Communication, 33(2) 214–226.
136. Hardaker, C. (2013). Uh… not to be nitpicky,,, but…the past tense of drag is dragged,
not drug: An overview of trolling strategies. Journal of Language Aggression and
Conflict. Vol.1, 58-86.
137. Harel, A. (2018). Israeli Army Sets Up ‹Consciousness Ops› Unit to Influence
Enemy Armies, Foreign Media and Public Opinion. Retrieved March 11, 2020 from:
https://www.haaretz.com/israel-news/with-eye-on-hearts-and-minds-israeli-army-sets-up-conscious-
ness-ops-1.5888362.
138. Harkins, S.G., & Petty, R.E. (1987). Information Utility and the Multiple Source
Effect, Journal of personality and social psychology, 52(2), 260-268.
139. Harwell, D. (2018, December). Fake-Porn Videos Are Being Weaponized to Harass
and Humiliate Women: Everybody is a Potential Target. Retrieved March 23, 2020
from: https://www.washingtonpost.com/technology/2018/12/30/fake-porn-videos-are-being-weap-
onized-harass-humiliate-women-everybody-is-potential-target/.
141. Heinrich, B. S.(2017, February). Social bots. Retrieved March 30, 2020 From:
https://www.boell.de/de/2017/02/09/social-bots.
142. Henderson, D. (2007, January). Pfizer drafting customers to lobby; Drug maker
hopes form letters opposing price controls get forwarded to Congress. Retrieved
March 23, 2020 from: http://archive.boston.com/business/technology/biotechnology/arti-
cles/2007/01/27/pfizer_drafting_customers_to_lobby/.
143. Herman, E. & Chomsky, N. (2000). Manufacturing Consent: The Political Economy
of the Mass Media, (2ed). New York: Pantheon Books.
144. Herring, S., Job-Sluder, K., Scheckler, R. & Barab, S. (2002). Searching for Safety
Online: Managing “Trolling” in a Feminist Forum. The Information Society, vol.18,
371-384.
397
145. Hildenbrand, K.J. (2018). Israel launches secret squad to challenge negative image
& boycott campaign. Retrieved March 11, 2020 from: https://on.rt.com/8wjd.
146. Himelboim, I., McCreery, S. & Smith, M. (2013). Birds of a feather tweet together:
Integrating network and content analyses to examine cross-ideology exposure on
Twitter. Journal of Computer Mediated Communication,18(2), 40–60.
147. Hindman, M. & Barash, V. (2018, October). Disinformation, Fake News and
Influence Campaigns on Twitter. Retrieved March 20, 2020 From: https://knightfoun-
dation.org/reports/disinformation-fake-news-and-influence-campaigns-on-twitter/.
148. Hu, N., Liu, L., & Sambamurthy, V. (2011), Fraud Detection in Online Consumer
Reviews, Decision Support Systems, 50(3), 614-626.
149. Institute for Propaganda Analysis (1938). Propaganda Analysis: How to detect
Propaganda, 1(2), 1-8.
151. Irwin, W. (1936). Propaganda and the News. New York: Whittlesey House.
152. Iyengar, S., & Hahn, K. S. (2009). Red media, blue media: Evidence of ideological
selectivity in media use. Journal of Communication, 59(1), 19–39.
153. Jackson, J. (2018). Israeli government to spy on social media users worldwide. Re-
trieved March 11, 2020 from: https://www.bignewsnetwork.com/news/256255130/israeli-gov-
ernment-to-spy-on-social-media-users-worldwide.
154. Jakobsson, M. (2012). The Death of the Internet. Wiley-IEEE Computer Society
Press.
155. Jang, W.Y. (2013). News as Propaganda: A Comparative Analysis of US and Korean
press coverage of the Six-Party Talks 2003-2007. The International
Communication Gazette, 75(2), 188-204.
156. Jansen, B.J., Spink, A. & Saracevic, T. (2000). Real life, real users, and real needs:
A study and analysis of user queries on the web. Information, Processing
& Management, 36(2), 207–227.
157. Joachims T., Granka, L., Pan, B., Hembrooke, H., Radlinski, F. & Gay, G. (2007).
398
املراجع
158. John, N. A. & Gvirsman, S. (2015). I Don›t Like You Any More: Facebook Unfriend-
ing by Israelis During the Israel-Gaza Conflict of 2014. Journal of Communication,
65(6), 953–974.
159. Johnson, B. (2009, September). Dealing with fake support. Retrieved March 23,
2020 from:
https://www.thehindu.com/opinion/op-ed/Dealing-with-fake-support/article16879591.ece.
160. Jones, M. (2019). Propaganda, Fake News, and Fake Trends: The Weaponization
of Twitter Bots in the Gulf Crisis, International Journal of Communication, 13,
1389–1415.
161. Jowett, S.G. & O›Donnell, V. (2012). Propaganda & Persuasion, (5th ed). California:
Sage.
162. Justwan, F., Baumgaertner, B., Carlisle, J.E., Clark, A.K. & Clark, M. (2018). Social
media echo chambers and satisfaction with democracy among Democrats and
Republicans in the aftermath of the 2016 US elections. J Elect Public Opin Parties,
28(4): 424–442.
163. Kacholia, V. & Jin, M. (2013, December). News Feed FYI: Helping You Find More
News to Talk About. Retrieved 25 March, 2020 From: https://about.fb.com/news/2013/12/
news-feed-fyi-helping-you-find-more-news-to-talk-about/.
165. Kareem, R. & Bhaya, W. (2018). Fake Profiles Types of Online Social Networks:
A Survey, International Journal of Engineering & Technology, 7(4-19), 919-925.
166. Khaldarova, I. & Pantti, M. (2016). Fake News. Journalism Practice 10(7), 891–901.
167. Khamis, S., Gold, P. B. & Vaughn, K. (2013). Propaganda in Egypt and Syria’s
Cyberwars: Contexts, actors, tools, and tactics. In J. Auerbach & R. Castronova
(Eds.), The Oxford handbook of propaganda studies, pp. 418–438. New York, NY:
Oxford University Press.
399
168. Kinniburgh, J. B. & Denning, D. E. (2007). Blogs and Military Information Strategy.
In J. Arquill & D. A. Borer (Eds.) Information Strategy and Warfare: A Guide to
Theory and Practice (pp. 212-221). Abingdon/New York: Routledge.
169. Kitzie, V., Mohammadi, E. & Amir, K. (2018). Life never matters in the Democrats
Mind: Examining Strategies of Retweeted Social Bots During a Mass Shooting
Event,. In the 81st Annual Proceedings of the Association for Information Science
and Technology 55(1), 254-263. https://arxiv.org/ftp/arxiv/papers/1808/1808.09325.pdf.
170. Kolbert, E. (1995). Labeled Astroturf, lobbyists are devising grassroot campaigns.
Austin American Statesman.
171. Kollanyi, B., Howard, P.N. & Woolley, S.C. (2016). Bots and Automation over Twitter
during the U.S. Election. Data Memo .4. Oxford, UK: Project on Computational
Propaganda: https://comprop.oii.ox.ac.uk/research/working-papers/bots-and-automation-over-
twitter-during-the-u-s-election/.
172. Kollanyi, B., Howard, P.N., & Woolley, S.C. (2016). Bots and automation over Twitter
during the U.S. Election. Data Memo 2016.4. Oxford, UK: Project on Computational
Propaganda. Retrieved March 25, 2020 From: https://comprop.oii.ox.ac.uk/research/work-
ing-papers/bots-and-automation-over-twitter-during-the-u-s-election/.
173. Kou, Y., Gui, X., Chen, I.Y. & Pine, K.H. (2017). Conspiracy Talk on Social Media:
Collective Sensemaking During a Public Health Crisis.In: Proceedings of the ACM
on Human-Computer Interaction, vol. 1(2), CSCW, Article 61.
https://doi.org/10.1145/3134696.
174. Kovic, M., Rauchfleisch, A., Sele, M., & Caspar, C. (2018). Digital astroturfing in
politics: Definition, typology, and countermeasures, Studies in Communication
Sciences 18(1), 69–85.
175. Kreiss, D. (2017). The Fragmenting of the Civil Sphere: How Partisan Identity
Shapes the Moral Evaluation of Candidates and Epistemology, American Journal of
Cultural Sociology, 5(3), 443-459.
176. Kreiss, D. (2009). Developing the “good citizen”: Digital artifacts, peer networks,
and formal organization during the 2003–2004 Howard Dean campaign.
The Journal of Information Technology and Politics, vol.6, 281–297.
400
املراجع
177. Kulshrestha, J., Eslami, M. & Messias, J., Zafar, M.B., Ghosh, S., Gummadi, K.
& Karahalios, K. (2019). Search bias quantification: investigating political bias in
social media and web search, Information Retrieval Journal, vol.22, 188–227.
178. La Piere, T.R. (1938). Collective Behavior. New York: McGraw Hill.
179. Lam, O. (2013, October). China Beefs Up ‹50 Cent’ Army of Paid Internet Propa-
gandists. Retrieved March 25, 2020 From: https://advox.globalvoices.org/2013/10/17/china-
beefs-up-50-cent-army-of-paid-internet-propagandists/.
180. Lasswell, H.D. (1930). Propaganda: Encyclopaedia of the Social Sciences. New
York: Macmillan.
183. Lawless, H. (2017). Social Media Echo Chambers & Democratic Discourse.
Retrieved 25 March, 2020 From:
https://pacscenter.stanford.edu/publication/social-media-echo-chambers-democratic-discourse/.
184. Lee, K., Steve, W. & Hancheng, G. (2014). The Dark Side of Micro-Task
Marketplaces: Characterizing Fiverr and Automatically Detecting Crowdturfing.
In International Conference on Weblogs and Social Media (ICWSM).
https://arxiv.org/pdf/1406.0574.pdf.
186. Leong, D. (2015). Battlefront New Media: Lessons For The SAF Based On A Study
Of The Information Campaign During Operation Pillar Of Defence, Pointer Journal
of Singapore Armed Forces, 41(4), 55-68.
187. Liao, Q.V. & Fu, W.T. (2013). Beyond the Filter Bubble: Interactive Effects of
Perceived Threat and Topic Involvement on Selective Exposure to Information. In
CHI 2013: Changing Perspectives, Conference Proceedings - The 31st Annual CHI
Conference on Human Factors in Computing Systems (pp. 2359-2368).
401
188. Lilly, E. (1951). The development of American Psychological Operations 1945-1951.
Retrieved 30 March, 2020 From:
https://www.cia.gov/library/readingroom/document/cia-rdp86b00269r000900020001-9.
189. Lippmann, W. (1922). Public opinion. New York: The Free Press.
190. Lord, C. G., Ross, L. & Lepper, M. R. (1979). Biased Assimilation and Attitude
Polarization: The Effects of Prior Theories on Subsequently Considered Evidence.
Journal of Personality and Social Psychology, 37(11), 2098-2109.
191. Lord, C.G. & Taylor, C.A. (2009). Biased Assimilation: Effects of Assumptions and
Expectations on the Interpretation of New Evidence. Social and Personality
Psychology Compass, 3(5), 827-841.
192. Luhn, A. (2018, February). Inside Russia›s ‹troll factory›: The Internet Research
Agency accused of interfering in the US election. Retrieved March 25, 2020 From:
https://www.telegraph.co.uk/news/2017/10/20/inside-russian-troll-factory-reached-millions-us-vot-
ers-inflammatory/.
193. Macnamara, J. (2012). Journalism and public relations: unpacking myths and
stereotypes. Australian Journalism Review, 34(1), 33-50.
194. Maheshwari, N. & Kumar, V. (2016). Military psychology: concepts, trends and
interventions. New York: Sage Publications.
195. Maltby, J., Day, L., Hatcher, R.M., Tazzyman, S., Flowe, H.D., Palmer, E.J., Frosch,
C.A., O›Reilly, M., Jones, C., Buckley, C.A., Knieps, M. & Cutts, K. (2016). Implicit
Theories of Online Trolling: Evidence that Attention-Seeking Conceptions are
Associated with Increased Psychological Resilience. British journal of psychology,
107(3), 448-466.
196. Marantz, A. (2016, October). Trolls For Trump: Meet Mike Cernovich, the meme
mastermind of the alt-right. Retrieved 25 March, 2020 From: https://www.newyorker.
com/magazine/2016/10/31/trolls-for-trump.
197. Marlin, R. (2014). Jacques Ellul and the Nature of Propaganda in the Media.
In Robert S. Fortner, P. Mark Fackler (Eds.). The Handbook of Media and Mass
Communication Theory. New Jersey: John Wiley & Sons, Inc.
198. Marwick, A. & Lewis, R. (2017). Media Manipulation and Disinformation Online.
402
املراجع
199. McLoughlin, L. & Ward, S. (2019). Dark ads & micro-targeting vs. pro-transparency
activism: Normalisation vs Equalisation in the context of political ‘dark’ advertising
in the U.S 2016 Presidential, 2018 Midterm elections, and 2017 U.K General. ECPR
Joint Sessions of Workshops, Mons, Belgium. 8-12 April 2019. Retrieved March 30,
2020 From: https://ecpr.eu/Filestore/PaperProposal/1f23ff28-cecd-4f30-84db-666a66c9d1f9.pdf
200. McNamara, C. (2012). Basic Guidelines to Reframing -to Seeing Things Differently.
Retrieved March 11, 2020 from: https://managementhelp.org/blogs/personal-and-profession-
al-coaching/2012/02/02/basic-guidelines-to-reframing-to-seeing-things-differently/.
201. McPherson, M., Lovin, L.S. & Cook, J. (2001). Birds of a feather: Homophily in social
networks. Annual review of sociology, Vol. 27, 415-444.
202. Mejias, U.A. & Vokuev, N.E. (2017). Disinformation and the Media: The Case of
Russia and Ukraine. Media, Culture & Society, 39(7), 1027–1042.
203. Melman, Y. (2016). Israel›s anti-BDS campaign: Propaganda and dirty tricks. Re-
trieved March 11, 2020 from:
http://www.middleeasteye.net/columns/israels-anti-bds-campaign-973473055.
204. Merrill, J. & Lowenstein, R. (1971). Media, Messages, and Men: New
Perspectives in Communication. New York: David McKay Company.
206. Merrill, J. (1997). Journalism Ethics: Philosophical Foundations for Journalism Eth-
ics. New York: St. Martin›s Press.
207. Metzger, M.J. (2007). Making sense of credibility on the Web: Models for evaluating
online information and recommendations for future research, Journal of the Amer-
ican Society for Information Science and Technology 58(13), 2078-2091.
208. Mitchell, A. & Weisel, R. (2014, October). Political Polarization &Media Habits From
Fox News to Facebook, How Liberals and Conservatives Keep Up with Politics.
Retrieved 20 March, 2020 From: https://www.pewresearch.org/wp-content/uploads/
sites/8/2014/10/Political-Polarization-and-Media-Habits-FINAL-REPORT-11-10-14-2.pdf.
209. Mittal, S. (2014). Broker Bots: Analyzing Automated Activity during High Impact
403
Events on Twitter. (Unpublished Master Thesis), Indraprastha Institute of Informa-
tion Technology, New Delhi.
210. Mittal, S. (2014). Broker Bots: Analyzing Automated Activity During High Impact
Events on Twitter. (Unpublished Master Thesis). Indraprastha Institute of
Information Technology, New Delhi.
211. Monbiot, G. (2011, February). The need to protect the internet from “astroturfing”
grows ever more urgent. Retrieved March 25, 2020 From: https://www.theguardian.
com/environment/georgemonbiot/2011/feb/23/need-to-protect-internet-from-astroturfing.
212. Moscovici, S., & Zavalloni, M. (1969). The group as a polarizer of attitudes. Journal
of Personality and Social Psychology, 12(2), 125–135
213. Mozur, P. (2018, October). A Genocide Incited on Facebook, With Posts From
Myanmar’s Military. Retrieved March 25, 2020 From: https://www.nytimes.
com/2018/10/15/technology/myanmar-facebook-genocide.html.
214. Murdock, J. (2017). Hillary Clinton blames WikiLeaks and Russian hackers for
election loss to Donald Trump. Retrieved March 11, 2020 from: https://www.ibtimes.
co.uk/hillary-clinton-blames-wikileaks-russian-hackers-election-loss-donald-trump-1615993.
215. Mustafaraj, E., & Metaxas, P. (2010, April). From Obscurity to Prominence in
Minutes: Political Speech and Real-Time Search. In Proceedings of the WebSci10:
Extending the Frontiers of Society On-Line:
http://cs.wellesley.edu/~pmetaxas/Metaxas-Obscurity-to-prominence.pdf.
216. Myers, C.A. & Cowie, H. (2017). Bullying at University: The Social and Legal
Contexts of Cyber-bullying Among University Students. Journal of Cross-Cultural
Psychology, 48(8), 1172-1182.
218. Nicas, J. (2018). How YouTube Drives People to the Internet’s Darkest Corners.
Retrieved 25 March, 2020 From: https://www.wsj.com/articles/how-youtube-drives-viewers-
to-the-internets-darkest-corners-1518020478.
404
املراجع
221. Nycyk, M. (2017). Trolls and Trolling: An Exploration of Those That Live
Under the Internet Bridge. Retrived 25 March, 2020 From: https://www.academia.
edu/35415567/Trolls_and_Trolling_An_Exploration_of_Those_That_Live_Under_The_Internet_Bridge.
222. O’Shaughnessy, N. (2012). The Death and Life of Propaganda. Journal of Public
Affair, 12(1), 29-38.
223. Panagopoulos, C. (2015). All about that base. Party Politics, 22(2), 22–190.
224. Papakyriakopoulos, O., Hegelich, S., Shahrezaye, M., & Serrano, J.C.M. (2018). So-
cial Media and Microtargeting: Political Data Processing and the Consequences for
Germany, Big Data & Society,1(15): https://doi.org/10.1177/2053951718811844.
225. Paris, B. & Donovan, J. (2019, September). Deep fakes and Cheap fakes: The Manip-
ulation of Audio and Visual Evidence. Retrieved March 23, 2020 from:
https://datasociety.net/library/deepfakes-and-cheap-fakes/.
227. Parry-Giles, S.J. (2002).The Rhetorical Presidency, Propaganda, and the Cold War,
1945-1955.London: Praeger.
228. Paul, C. & Matthews, M. (2016). The Russian “Firehose of Falsehood” Propaganda
Model. Retrieved 25 March, 2020 From: https://www.rand.org/pubs/perspectives/
PE198.html.
229. Perlroth, N. Frenkel, S. & Shane, S. (2018). Facebook Exit Hints at Dissent on
Handling of Russian Trolls. Retrieved March 25, 2020 From:
https://www.nytimes.com/2018/03/19/technology/facebook-alex-stamos.html.
230. Peterson, T. (2013, September). A Google Cookie Replacement Could Upend Online
Advertising. Retrieved March 25, 2020 From: https://adage.com/article/digital/a-goog-
le-cookie-replacement-uproot-online-advertising/244241.
405
government. Retrieved March 25, 2020 From:
https://www.bbc.com/news/world-asia-20982985.
232. Philips, W. (2015). This is Why We Can’t Have Nice Things: Mapping the Relation-
ship between Online Trolling and Mainstream Culture. Cambridge, Massachusetts:
MIT Press.
233. Philstar Global. (2016, October). De Lima on Sex Video: It Is Not Me. Retrieved
March 23, 2020 from:
https://www.philstar.com/headlines/2016/10/06/1630927/de-lima-sex-video-it-not-me.
234. Prigg, M. (2015, May). The tweet that cost $139 BILLION: Researchers analyse
impact of hacked 2013 message claiming President Obama had been injured by
White House explosion. Retrieve 20 March, 2020 From: https://www.dailymail.co.uk/sci-
encetech/article-3090221/The-tweet-cost-139-BILLION-Researchers-analyse-impact-hacked-message-
claiming-President-Obama-injured-White-House-explosion.html.
236. Propaganda Critic (n.d). War Propaganda. Retrieved January 9, 2016 from:
http://www.propagandacritic.com/articles/ww1.demons.html.
237. Purcell, K., Brenner, J. & Rainie, L. (2012). Search engine use 2012. Retrieved 25
March, 2020 From: https://www.pewresearch.org/internet/wp-content/uploads/sites/9/media/
Files/Reports/2012/PIP_Search_Engine_Use_2012.pdf.
238. Qualter, T. H. (1962). Propaganda and psychological warfare. New York: Random
House.
239. Quayle, D., Schiltz, J, & Stangle, S. (2016). Rethinking Psyop: How Could
Restructure to Compete in the Information Environment, (Unpublished Master
Thesis), Naval Postgraduate School, California.
240. Rainie, L. & Wellman, B. (2012). Networked: The New Social Operating System.
The MIT Press. Cambridge: Massachusetts.
241. Ratkiewicz, J., Conover, M., Meiss, M., Gonçalves, B., Patil, S., Flammini, A., &
Menczer, F. (2011). Truthy: Mapping the Spread of Astroturf in Microblog Streams.
406
املراجع
242. Ratkiewicz, J., Michael, C., Mark, M., Bruno, G.C., Snehal, P., Alessandro, F.
& Filippo, M. (2011). Truthy: Mapping the Spread of Astroturf in Microblog Streams.
In: Proceedings of the 20th International Conference Companion on World Wide
Web, pp. 249–52. Association for Computing Machinery, New York, NY, USA,
https://doi.org/10.1145/1963192.1963301.
243. Reuters. (2019). Identifying and Tackling Manipulated Media. Retrieved March
27, 2020 from: https://www.reuters.com/manipulatedmedia.
244. Roose, K. (2017, October). After Las Vegas Shooting, Fake News Regains Its Mega-
phone. Retrieved 25 March, 2020 From:
https://www.nytimes.com/2017/10/02/business/las-vegas-shooting-fake-news.html.
245. Roucek, S.J. (1947). Social Control. New York: Van Nostrand.
246. Rubin, J.(2017). “In war against ‘cell phones,’ Israeli launches social media app”,
Retrieved March 11, 2020 from: http://mondoweiss.net/2017/07/against-israeli-launches/.
247. Rueda, M. (2012, December). 2012›s Biggest Social Media Blunders in LatAm
Politics. Retrieved March 25, 2020 From: https://abcnews.go.com/ABC_Univision/ABC_Uni-
vision/2012s-biggest-social-media-blunders-latin-american-politics/story?id=18063022.
248. Rujevic, N. (2017, January). Serbian government trolls in the battle for the internet.
Retrieved March 25, 2020 From:
https://www.dw.com/en/serbian-government-trolls-in-the-battle-for-the-internet/a-37026533.
249. Ruths, D. & Pfeffer, J. (2014). Social Media for Large Studies of Behavior, Science,
346(6213), 1063–1064.
251. Santini, R.M., Agostini, L., Barros, C.E., Carvalho, D., Rezende, R.C., Salles, D., Seto,
K., Terra, C., & Tucci, G. (2018). Software Power as Soft Power: A literature review
on computational propaganda effects in public opinion and political process,
Partecipazione e conflitto, 11(2), 332-360.
407
252. Scacco, J.M. & Muddiman, A. (2016, August) Investigating the Influence of Clickbait
Headlines. Retrieved 25 March, 2020 From:
https://mediaengagement.org/research/clickbait-headlines/.
253. Schlegel, L. (2019, October). Chambers of Secrets? Cognitive Echo Cambers and
the Role of Social Media in Facilitating Them. Retrieved 25 March, 2020 From:
https://www.voxpol.eu/chambers-of-secrets-cognitive-echo-chambers-and-the-role-of-social-media-
in-facilitating-them/.
254. Schleifer, R. (2014). Psychological Warfare in the Arab-Israeli Conflict. New York:
Palgrave Macmillan.
255. Schmidt, A., Zollo, F., Scala, A., Betsch, C. & Quattrociocchi, W. (2018). Polarization
of the Vaccination Debate on Facebook. Vaccine, vol.36, 3606-3612.
256. Seddon, M. (2014, June). Documents Show How Russia’s Troll Army Hit America.
Retrieved March 25, 2020 From: https://www.buzzfeednews.com/article/maxseddon/docu-
ments-show-how-russias-troll-army-hit-america.
257. Sénécat, A. (2017, April), Macron et les «mains sales» des ouvriers : l’intox qui
a entaché l’image du candidat. Retrieved 25 March, 2020 From: https://www.lemonde.
fr/les-decodeurs/article/2017/04/27/macron-et-les-mains-sales-des-ouvriers-l-intox-qui-a-entache-l-
image-du-candidat_5118677_4355770.html.
258. Shabi, R. (2009). Special spin body gets media on message, says Israel”. Retrieved
March 11, 2020 from: https://www.theguardian.com/world/2009/jan/02/israel-palestine-pr-spin.
259. Shai, N. (2018). Hearts and Minds: Israel and the Battle for Public Opinion.
Translated by: Ira Moskowitz. NY: State University of New York Press.
262. Silverman, C. (2018, April). How To Spot a Deep Fake Like The Barack Obama-Jor-
dan Peele Video. Retrieved March 23, 2020 from: https://www.buzzfeed.com/craigsilver-
man/obama-jordan-peele-deepfake-video-debunk-buzzfeed.
408
املراجع
263. Simpson, T. (2011). E-Trust and Reputation, Ethics and Information Technology, vol.
13, 29–38.
264. Singer, P. & Brooking, E. (2018). Like War: The Weaponization of Social Media.
Houghton Mifflin Harcourt Publishing Company: New York.
265. Sîrbu, A., Pedreschi, D., Giannotti, F. & Kertész, J. (2019) Algorithmic bias amplifies
opinion fragmentation and polarization: A bounded confidence model.
PLOS ONE 14(3): https://doi.org/10.1371/journal.pone.0213246.
266. Slater, M.D. (2007). Reinforcing Spirals: The Mutual Influence of Media
Selectivity and Media Effects and their Impact on Individual Behavior and Social
Identity. Communication Theory, 17(3), 281-303.
267. Snow, N. & Taylor, P. (2006). The revival of the State of Propaganda: US
Propaganda at Home and Abroad since 9/11. The International Communication
Gazette, 68(5-6), 389-407.
268. Solon O. & Levin S. (2016, December). How Google›s search algorithm spreads
false information with a right-wing bias. Retrieved 25 March, 2020 From:
https://www.theguardian.com/technology/2016/dec/16/google-autocomplete-rightwing-bias-algo-
rithm-political-propaganda.
269. Solon, O. (2015, January). Cyber warfare: Army seeks Twitter troops and Facebook
warriors. Retrieved 25 March, 2020 From: https://www.mirror.co.uk/news/technology-sci-
ence/technology/cyber-warfare-army-seeks-twitter-5076931.
270. Sommer, A.K. (2017). “Sexy Women, ‹Missions› and Bad Satire: Israeli Government
App Recruits Online Soldiers in anti-BDS Fight”, Retrieved March 11, 2020 from:
https://www.haaretz.com/israel-news/.premium-how-israel-recruits-online-foot-soldiers-to-fight-
bds-1.5483038.
272. Starbird, K. (2017, March). Information Wars: A Window into the Alternative Media
Ecosystem. Retrieved March 20, 2020 From: https://medium.com/hci-design-at-uw/infor-
mation-wars-a-window-into-the-alternative-media-ecosystem-a1347f32fd8f.
409
social media war. Retrieved March 25, 2020 From:https://www.jpost.com/Diploma-
cy-and-Politics/Government-to-use-citizens-as-army-in-social-media-war-322972.
274. Stinchcombe, A. L. (2010). Review: Going to Extremes: How Like Minds Unite and
Divide, by Cass R. Sunstein. New York: Oxford University Press, Contemporary
Sociology, 39(2), 205–206.
275. Stupples, D. (2015, November). The Next Big War Will Be Digital and We’re Not
Ready For It. Retrieved 11 Mars, 2020 From: https://gizmodo.com/the-next-big-war-will-be-
digital-and-we-re-not-ready-fo-1744865435.
276. Sung, T.B.C. (2015, July). Malaysian social media regulation? Welcome to the dark
side of social media. Retrieved 25 Mars, 2020 From:
http://www.christopherteh.com/blog/2015/07/naive-msians/.
278. Sunstein, C. R. (2009). Republic.com 2.0. Princeton, NJ: Princeton University Press.
279. Sunstein, C. R. (2017). #Republic: Divided Democracy in the Age of Social Media.
Princeton University Press.
280. Sutiu, C. (2012). Propaganda: How a Good Word Become Bad. Agathos,
3(2), 122-130.
282. Synnott, J., Coulias, A. & Ioannou, M. (2017). Online Trolling: The Case of Madeleine
McCann. Computers in Human Behavior, vol.71, 70-78.
284. Tal, D. & Gordon, A. (2016). Jacques Ellul Revisited: 55 Years of Propaganda Study.
Society, vol.35, 182-187.
410
املراجع
286. Taylor, P. M. (1990). Munitions of the mind: War propaganda from the ancient
world to the nuclear age. Manchester, UK: Manchester University Press.
287. The Constitution Society (n.d). Propaganda Techniques. Retrieved January 12, 2016
from: http://www.constitution.org/col/propaganda_army.htm.
288. The Guardian (2019, May). Real V Fake: Debunking the ‘drunk’ Nancy Pelosi
Footage. Retrieved March 23, 2020 from: https://www.theguardian.com/us-news/vid-
eo/2019/may/24/real-v-fake-debunking-the-drunk-nancy-pelosi-footage-video.
290. The Orange Papers (n.d). Propaganda and debating Techniques. Retrieved January
11, 2016 from: http://www.orange-papers.org/orange-propaganda.html#drama_queen.
292. Thomson, O. (1999). Easily led: A history of propaganda. Phoenix Mill, UK: Sutton.
293. Tigner, R. (2010). Online Astroturfing and the European Union’s Unfair Commercial
Practices Directive. Retrieved March 23, 2020 from:
http://www.droit-eco-ulb.be/fileadmin/fichiers/Ronan_Tigner_-_Online_astroturfing.pdf.
294. Toor, A. (2016, May). Facebook begins tracking non-users around the internet.
Retrieved March 25, 2020 From:
https://www.theverge.com/2016/5/27/11795248/facebook-ad-network-non-users-cookies-plug-ins.
295. Truett, W. (1996). Astroturf, on Capitol Hill, means fake grassroots. Philadelphia
Tribune, 112(112), 7-A.
296. Tufekci, Z.(2015). Algorithmic Harms Beyond Facebook and Google: Emergent
Challenges of Computational Agency, Journal on Telecommunications & High
Technology Law, vol. 13, 203-217.
411
298. U.K .Parliament. (2018, March). Evidence from Christopher Wylie, Cambridge
Analytica whistle blower, published. Retrieved 25 March, 2020 From: https://
www.parliament.uk/business/committees/committees-a-z/commons-select/digital-culture-me-
dia-and-sport-committee/news/fake-news-evidence-wylie-correspondence-17-19/.
299. Vaas, L. (2015, November). Belgium to Facebook: Stop tracking non Facebook users
or face $267K daily fines. Retrieved March 25, 2020 From: https://nakedsecurity.sophos.
com/2015/11/11/belgium-to-facebook-stop-tracking-non-facebook-users-or-face-267k-daily-fines/.
300. VanDam, C., Tang, J & Tan, P.N. (2017).Understanding Compromised accounts on
Twitter. In Proceedings of the International Conference on Web Intelligence
(WI ’17). Association for Computing Machinery, New York, NY, USA, 737–744.
301. Waddell, K. (2017, January). Kremlin-Sponsored News Does Really Well on Google.
Retrieved 25 March, 2020 From: https://www.theatlantic.com/technology/archive/2017/01/
kremlin-sponsored-news-does-really-well-on-google/514304/
302. Wagner, K. (2015, August). How Facebook Decides What’s Trending. Retrieved 25
March, 2020 From:
https://www.editorandpublisher.com/news/how-facebook-decides-what-s-trending/.
303. Wallas, G. (1908). Human Nature in Politics. London: A. Constable and Co., Limited.
304. Wang, G., Wilson, C., Zhao, X., Zhu, Y., Mohanlal, M., Zheng, H., & Zhao, B. Y.
(2012). Serf and Turf: Crowdturfing for Fun and Profit. In the Proceedings of the
International World Wide Web Conference (WWW2012), April 16–20, 2012, Lyon,
France. arXiv:1111.5654v2
305. Wani, M., Jabin, S., Yazdani, G. & Ahmad, N. (2018). Sneak into Devil›s Colony:
A study of Fake Profiles in Online Social Networks and the Cyber Law. Retrieved
March 20, 2020 From: https://arxiv.org/ftp/arxiv/papers/1705/1705.09929.pdf.
412
املراجع
308. Warzel, C. (2017, December). 2017 Was the Year Our Internet Destroyed Our
Shared Reality. Retrieved March 23, 2020 from: https://www.buzzfeednews.com/article/
charliewarzel/2017-year-the-internet-destroyed-shared-reality.
309. Webster J.G. (2005). Beneath the veneer of fragmentation: Television audience
polarization in a multichannel world. Journal of Communication, 55(2), 366–382.
310. Weedon, J., Nuland, W., & Stamos, A. (2017). Information Operations and
Facebook. Retrieved March 30, 2020 From: https://fbnewsroomus.files.wordpress.
com/2017/04/facebook-and-information-operations-v1.pdf.
312. Weigold, E. (2017). The Echo Chamber: Is Social Media to Blame?. Retrieved 25
March, 2020 From:
https://bedfordbugle.wordpress.com/2017/03/16/the-echo-chamber-is-social-media-to-blame/.
313. Weiwei, A. (2012, October). China’s Paid Trolls: Meet the 50-Cent Party.
Retrieved March 25, 2020 From: https://www.newstatesman.com/politics/politics/2012/10/
china%E2%80%99s-paid-trolls-meet-50-cent-party.
315. Wilson, P., & Stajano, F.(2011). Understanding Scam Victims: Seven Principles for
Systems Security, Communications of the ACM 54(3), 70-75.
316. Winstanley, A. (2018). Meet the spies injecting Israeli propaganda into your news
feed. Retrieved March 11, 2020 from: https://electronicintifada.net/blogs/asa-winstanley/
meet-spies-injecting-israeli-propaganda-your-news-feed.
317. Woo, H.Y. (2015). Strategic Communication with Verifiable Messages. (PhD Thesis),
University of California: USA.
413
319. Woolley S. (2016). Automating Power: Social Bot Interference in Global Politics,
First Monday, 21(4), http://dx.doi.org/10.5210/fm.v21i4.6161.
321. Wooten, D.B., & Reed II, A. (1998). Informational influence and the ambiguity of
product experience: Order effects on the weighting of evidence, Journal of
Consumer Psychology, 7(1), 79-99.
322. Wright, R. (2004, June). Jboss Astroturfs. Retrieved March 23, 2020 from:
https://www.crn.com/news/channel-programs/22102497/jboss-astroturfs.htm.
323. Wu, L., & Liu, H. (2017). Detecting Crowdturfing in Social Media. In Encyclopedia of
Social Network Analysis and Mining, pp.1-9, Springer, New York.
324. Zarsky, T. (2016). The Trouble with Algorithmic Decisions: An Analytic Road Map
to Examine Efficiency and Fairness in Automated and Opaque Decision Making.
Science, Technology, & Human Values, 41(1), 118–132.
325. Zhang, J., Carpenter, D., & Ko, M. (2013). Online Astroturfing:
A Theoretical Perspective. In Proceedings of the Nineteenth Americas
Conference on Information Systems:
https://pdfs.semanticscholar.org/b149/f00a49c6360fab86abbaaa6ba8d13b85872d.pdf?_
ga=2.118548297.1509789113.1582904363-1919673845.1582904363.
326. Zhang, J., Xu, C., Chang, K. & Long, C. (2013, October). Uncovering Collusive
Spammers in Chinese Review Websites. CIKM ‹13: Proceedings of the 22nd ACM
international conference on Information & Knowledge Management, pp: 979–988:
https://doi.org/10.1145/2505515.2505700
327. Zomorodi, M. (2017, March). Do You Know How Much Private Information You
Give Away Every Day?. Retrieved March 25, 2020 From:
https://time.com/4673602/terms-service-privacy-security/.
414