You are on page 1of 477

‫جميل حمداوي‬

‫محاضرات في الديدكتيك العامة‬

‫‪1‬‬
‫المؤلف‪ :‬جميل حمداوي‬
‫العنوان ‪ :‬محاضرات في الديدكتيك العامة‬
‫الطبعة األولى‪2018:‬م‬
‫حقوق الطبع محفوظة للمؤلف‬
‫منشورات حمداوي الثقافية‪ ،‬تطوان‪ ،‬الهاتف‪0672354338:‬‬
‫‪jamilhamdaoui@yahoo.fr‬‬

‫‪2‬‬
‫اإلهـــــداء‬

‫أهدي هذا الكتاب إلى جميع الطلبة األساتذة الذين‬


‫أكونهم بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بالجهة‬
‫الشرقية‪ ،‬فرع الناظور‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫الفــهــــرس‬
‫اإلهــــــداء‬
‫الفهرس‪4....................................................................................‬‬
‫المقدمـــة‪5...................................................................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬مجاالت الديدكتيك ‪6 ....................................................‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المنهاج التربوي ومصطلحاته‪53......................................‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬مفاهيم الديدكتيك‪135....................................................‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬عوائق التعلم وصعوباته‪263 ..........................................‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬التدريس باألهداف‪310...............................................‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬التدريس بالكفايات‪324...............................................‬‬
‫الفصل السابع‪ :‬الوضعيات الديدكتيكية وغير الديدكتيكية‪349.......................‬‬
‫الفصل الثامن‪ :‬بناء الوضعيات الديدكتيكية‪398.......................................‬‬
‫الخاتمــــة‪451..............................................................................‬‬
‫ثبت المصادر والمراجع‪454..............................................................‬‬

‫‪4‬‬
‫المقدمــــة‬
‫يتناول هذا الكتاب مجموعة من الدروس والمحاضرات التي تندرج ضمن مادة‬
‫الديدكتيك‪ ،‬أو مادة التربية الخاصة‪ ،‬أو ضمن العملية التعليمية‪-‬التعلمية‪.‬ومن ثم‪،‬‬
‫يتوجه الكتاب إلى المكونين واألساتذة والطلبة المهتمين بقضايا التربية والتعليم‬
‫بصفة خاصة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يجمع هذا الكتاب المبسط والميسر مجموعة من المفاهيم‬
‫والمصطلحات المتعلقة بالديدكتيك‪ ،‬أو فن التدريس‪ .‬ويعني هذا أن الكتاب‬
‫تعريف مجمل بقضايا علم الديدكتيك ومجاالته‪ ،‬بالتوقف عند مفاهيمه ‪ ،‬ودراسة‬
‫مواضيعه المتشعبة‪ ،‬واستكشاف قضاياه المختلفة والمتعددة‪ ،‬واستقصاء‬
‫مرجعياته النظرية والتطبيقية‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬ينصب هذا الكتاب على مواضيع تربوية عدة ‪ ،‬مثل‪ :‬مجاالت‬
‫الديدكتيك ‪ ،‬والجهاز المفاهيمي للديدكتيك‪ ،‬و معوقات التعلم‪ ،‬والتدريس‬
‫باألهداف والكفايات‪ ،‬والوضعيات الديدكتيكية وغير الديدكتيكية‪ ،‬وبناء‬
‫الوضعيات الديدكتيكية‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬ينقسم الكتاب إلى مقدمة‪ ،‬وثمانية فصول ديدكتيكية ‪ ،‬وخاتمة‪ ،‬وثبت‬
‫للمصادر والمراجع‪ ،‬وفهرس عام وشامل‪.‬‬
‫وقد توسلنا‪ ،‬في كتابنا الديدكتيكي هذا ‪ ،‬بلغة عربية سهلة ومبسطة وواضحة‪،‬‬
‫مع االبتعاد قدر اإلمكان عن الحشو واإلطناب وركاكة اللغة من أجل أن يستفيد‬
‫منه الجميع‪.‬لذلك‪ ،‬بوبناه إلى مجموعة من الفصول المترابطة لتسهيل عملية‬
‫التنقيب والبحث واالستكشاف على الدارسين والمدرسين والباحثين والطلبة‬
‫على حد سواء‪ ،‬والسيما الذين يسعون جادين إلى تجميع المعلومات والبيانات‬
‫والمعطيات التي تتعلق بالتربية والتعليم‪.‬‬
‫وفي األخير‪ ،‬أسأل هللا عز وجل أن يلقى هذا الكتااب المتواضاع استحساانا لاد‬
‫المتلقي‪ .‬وأشكر هللا وأحمده على علمه ونعمه وفضائله الكثيارة التاي ال تعاد وال‬
‫تحصى‪ .‬وهللا ولي التوفيق‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫الفصل األول‪:‬‬
‫مفهوم الديدكتيك ومجاالته‬

‫‪6‬‬
‫قبل الخوض في مواضيع الديدكتيك العامة والخاصة‪ ،‬البد من التوقف عند‬
‫بعض المفاهيم اإلجرائية المهمة‪ ،‬مثل‪ :‬التربية‪ ،‬والبيداغوجيا‪ ،‬والديدكتيك‬
‫الخاصة‪ ،‬والديدكتيك العامة على النحو التالي‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهـــوم التربية‬


‫تعني التربية (‪ ، )Education‬في دالالتها اللغوية‪ ،‬الحفظ والعناية والرعاية‬
‫والتنشئة واإلصالح والتنمية وتهذيب الطفل وتأديبه وتأطيره وتكوينه وتربيته‪.‬‬
‫وأكثر من هذا فالتربية لها تاريخ طويل ‪ ،‬فهي " عبارة عن تراكمات من‬
‫الخبرات‪ ،‬حملها الكبار‪ ،‬ونقلوها للصغار‪ ،‬وهي بالتالي سلوكات رضي عنها‬
‫الجماعة ‪ ،‬ورضيت بها أسلوبا لحياتها ‪ ،‬وتفاعلها مع بعضها البعض‪ ،‬ومع ذلك‬
‫فهي ليست حكرا على أحد‪ ،‬وال هي مهمة إنسان دون آخر‪ ،‬فقد يقوم بها األب‪،‬‬
‫واألم‪ ،‬والمعلم‪ ،‬والسائق‪ ،‬والبائع‪ ،‬أو أي مخلوق قد تأهل لذلك‪ ،‬فعرف قيم‬
‫مجتمعه‪ ،‬ونظمه‪ ،‬وتقاليده‪ ،‬كما عرف ما يصلح ألمته وينهض بها‪.‬‬
‫يتضح ‪ ،‬مما تقدم‪ ،‬أن العملية التربوية عملية هامة لبني البشرية ‪ ،‬وأهميتها‬
‫تكمن في كونها الطريق المنظم لنقل التراث‪ ،‬واستمرار بقائه لكل األمم‪.‬‬
‫إن جذور التربية قديمة‪ ،‬عتيقة‪ ،‬وفروعها مستحدثة‪ ،‬متجددة‪ ،‬وثمارها مستمرة‪،‬‬
‫طيبة‪ ،‬وهي بالتالي شجرة باسقة الطول‪ ،‬جذورها في أعماق األرض‪ ،‬وفروعها‬
‫الخضراء الندية العطرة‪ ،‬صاعدة دائمة في أعالي السماء‪"1.‬‬
‫ويعني هذا أن التربية عملية إنسانية قديمة ظهرت مع ظهور اإلنسان الذي كان‬
‫يربي نفسه على العمل والخالل الفاضلة وعبادة هللا وحده‪ .‬ومن ناحية أخرى‪،‬‬
‫كان يرعى أبناءه وأفراد أسرته رعاية حسنة ومتكاملة‪.‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬فالتربية عملية ضرورية لتنشئة األبناء وتعليمهم وتأهيلهم‬
‫وتكوينهم من أجل أن يتكيفوا مع الواقع من جهة‪ .‬ويتأقلموا مع وضعياته الصعبة‬
‫والمعقدة والمركبة من جهة ثانية‪ .‬وكذلك من أجل أن يواجهوا الطبيعة بتسخريها‬

‫‪ - 1‬إبراهيم ناصر‪ :‬علم االجتماع التربوي‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان؛ مكتبة الرائد العلمية‪ ،‬عمان‪،‬‬
‫األردن‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.32:‬‬
‫‪7‬‬
‫وتغييرها والتحكم فيها‪ ،‬وكذلك من أجل الحصول على المكانة الالئقة بهم‪ ،‬ونيل‬
‫الفالح في الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫إذاً‪ ،‬فالتربية " عملية ضرورية لمواجهة الحياة ومتطلباتها‪ ،‬وتنظيم السلوكيات‬
‫العامة في المجتمع من أجل العيش بين الجماعة عيشة مالئمة‪ ،‬وضرورتها لكل‬
‫من الفرد والمجتمع معا‪ ،‬أما ضرورتها للفرد اإلنسان‪ ،‬فتكون للمحافظة على‬
‫جنسه‪ ،‬وتوجيه غرائزه‪ ،‬وتنظيم عواطفه‪ ،‬وتنمية ميوله‪ ،‬ونقل التراث الثقافي‬
‫إليه‪ ،‬وأنماط السلوك التي ترضى عنها الجماعة‪ ،‬وكل ذلك البد من اكتسابه‬
‫على مر األيام‪ ،‬ألن فترة الطفولة اإلنسانية طويلة بطبيعتها‪ ،‬والحياة البشرية‬
‫معقدة‪ ،‬وكثيرة التبديل والتغيير‪.‬وبنقل النمط السلوكي والتراث لألفراد يحتفظ‬
‫المجتمع بثقافته من الضياع‪ ،‬وليس هذا فقط‪ ،‬بل إن التراث عند نقله اليكتفى‬
‫بالمحافظة على التراث كما هو أو كما نقل من األجداد لآلباء‪ ،‬ومكن اآلباء‬
‫لألبناء‪ ،‬بل إن دور التربية هنا يظهر بإضافة أو حذف ما هو غير مناسب من‬
‫التراث‪ ،‬ولهذا نقول ‪ :‬إن ضرورة التربية لكل من المجتمع واألفراد تظهر في‬
‫نقل التراث الثقافي واالحتفاظ به وتنقيته من الشوائب وتعديله‪ ،‬وبالتالي‬
‫‪2‬‬
‫استمراره وازدهاره وتطوره وبقائه‪".‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يتضح لنا أن التربية عملية ضرورية في بناء الذات واألسرة والمجتمع‬
‫واألمة واإلنسانية جمعاء‪.‬‬
‫و للتربية وظائف عدة تتمثل في تهذيب اإلنسان ورعايته والعناية به‪ ،‬وتكوينه‬
‫وتأهيله مهاريا وتربويا وعمليا‪ ،‬وتنميته معرفيا ووجدانيا وحسيا وحركيا‪ .‬ومن‬
‫وظائفها األخرى" نقل األنماط السلوكية للفرد من المجتمع؛ ونقل التراث الثقافي‬
‫من األجيال السابقة لألجيال الالحقة؛ وتعديل التراث الثقافي‪ ،‬وتغيير مكوناته‬
‫بإضافة ما يفيد وحذف ما اليفيد؛ واكتساب الفرد خبرات اجتماعية نابعة من قيم‬
‫ومعتقدات ونظم وعادات وتقاليد وسلوك الجماعة التي يعيش بينها؛ وتنوير‬
‫‪3‬‬
‫الفرد بالمعلومات الحديثة التي تغزو الحياة اليومية في المجتمع‪".‬‬

‫‪ - 2‬إبراهيم ناصر‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.37-36:‬‬


‫‪ - 3‬إبراهيم ناصر‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.37:‬‬
‫‪8‬‬
‫إذاً‪ ،‬تهدف التربية إلى بناء اإلنسان بناء متكامال‪ ،‬والسمو به معرفيا وعاطفيا‬
‫ومهاريا‪ ،‬وتطهيره أخالقيا‪ ،‬ومساعدته على الحفاظ على قيم األجداد‪ ،‬ونقل‬
‫قيمهم وعاداتهم وثقافتهم وتراثهم من جيل إلى آخر‪ ،‬في إطار ما يسمى بالتطبيع‬
‫االجتماعي‪ .‬وتقوم التربية بوظيفة التنشئة االجتماعية‪ .‬عالوة على وظيفة‬
‫المحافظة على المجتمع‪ ،‬أو تغييره جزئيا أو كليا‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬تستند التربية إلى مجموعة من األسس الفلسفية‪ ،‬والنفسية‪،‬‬
‫واالجتماعية‪ ،‬والتاريخية‪ ،‬والديدكتيكية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬والدينية‪ ،‬والثقافية‪،‬‬
‫واالجتماعية‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فللتربية عالقة بالفلسفة مادامت تهدف إلى تنوير اإلنسان وتكوينه‬
‫عقليا وذهنيا الستخدام عقله في تأمل الكون‪ ،‬وتحصيل الحقائق‪ ،‬وتمثل القيم‬
‫الصادقة‪.‬‬
‫ويمكن الحديث عن ثالثة اتجاهات فلسفية في مجال التربية‪ ،‬كاالتجاه التسلطي‬
‫التقليدي الذي كان يركز على المدرس باعتباره سيد المعرفة؛ واالتجاه التقدمي‬
‫الديمقراطي الذي يعترف بمكانة المتعلم في إطار مقاربة تشاركية تجمع بين‬
‫المدرس والمتعلم؛ واالتجاه التحرري الطبيعي الذي يمثله روسو وكارل‬
‫روجرز ‪ .‬وينبني هذا التصور على تحرير المتعلم‪ ،‬ومساعدته على التعلم من‬
‫الطبيعة ‪ ،‬ويبقى المدرس مستشارا أو موجها إذا طلب منه ذلك‪.‬‬
‫في حين‪ ،‬يتمثل األساس التاريخي في ربط الماضي بالحاضر؛ حيث تعرفنا‬
‫التربية بماضي األجداد واآلباء‪ ،‬واستجالء مظاهر القوة والضعف في هذا‬
‫التاريخ‪ ،‬ودراسته بشكل جيد من أجل االعتبار به تمثال واقتداء وتطبيقا‪.‬‬
‫واليمكن الحديث عن التربية إال إذا ربطناها بعلم النفس؛ ألن التربية تتعامل مع‬
‫األطفال والمراهقين‪.‬وهنا‪ ،‬البد من معرفة مشاعرهم ورغباتهم وميولهم‪ ،‬وتفهم‬
‫حاجياتهم ومشاكلهم‪ ،‬وإيجاد الحلول المناسبة لعالجهم شعوريا والشعوريا‪.‬‬
‫كما للتربية عالقة باألساس االجتماعي ؛ألن التربية تشمل جميع مؤسسات‬
‫المجتمع من األسرة‪ ،‬والشارع‪ ،‬وروض األطفال‪ ،‬والمدرسة‪ ،‬واإلعدادية‪،‬‬
‫‪9‬‬
‫والثانوية‪ ،‬والجامعة‪ ،‬والنقابة‪ ،‬والحزب‪...‬فالتربية حاضرة في كل هذه الحقول‬
‫والمجاالت والميادين ‪ .‬والهدف منها هو تكوين مواطن صالح لنفسه‪ ،‬وأسرته‪،‬‬
‫ووطنه‪ ،‬وأمته‪.‬‬
‫وتستند التربية أيضا إلى أسس ثقافية ؛ إذ ينتقل اإلنسان من كائن بيولوجي إلى‬
‫كائن ثقافي بواسطة التربية والتعليم‪ ،‬باكتساب مجموعة من المهارات الكفائية‪،‬‬
‫وتملك التقنيات التي تساعده على تطوير قدراته وابتكاراته ومؤهالته‪ ،‬وخلق‬
‫ثقافته الخاصة به‪ .‬و" الصلة هنا بين الثقافة والتربية كبيرة جدا‪ ،‬إذ إن مادة‬
‫التربية هي الثقافة والتراث الثقافي المتراكم على مر األجيال‪ ،‬ومادامت التربية‬
‫عملية تكيف مع المجتمع المحيط الذي يعيش بطريقة معينة نابعة من تراثه‬
‫الذي أحبه‪ ،‬وتوارثه وأراد أن ينقله ويستمر في ممارسته وهو بالتالي ثقافته فإن‬
‫ذلك يعني أن أساس التربية هو الثقافة‪ ،‬وموضوعها األساسي الذي تبنى عليه‬
‫كل المواضيع األخرى هو الثقافة ‪ ،‬ثقافة المجتمع المحيط‪ .‬وأي صلة أكثر من‬
‫‪4‬‬
‫هذا؟"‬
‫كما تسعفنا التربية ‪ -‬دينيا‪ -‬في اختيار المعبود األوحد‪ ،‬ونبذ عبادة األصنام‬
‫واألوثان والتماثيل‪ ،‬وتوحيد هللا‪ ،‬وتمثل القيم الدينية ‪ ،‬والتعرف إلى أوامر هللا‬
‫ونواهيه‪ .‬لذلك‪،‬تقوم التربية بدور هام في تهذيب األبناء قيميا‪ ،‬وتنشئتهم دينيا‬
‫وأخالقيا؛ إذ تعرفهم بالعقيدة الصحيحة‪ ،‬وتقربهم إلى خالقهم األوحد واألكمل‬
‫واألعظم واألجل‪ ،‬وتنورهم بدورهم الحقيقي في الحياة العاجلة بغية الظفر‬
‫باآلجلة‪.‬‬
‫أما عالقة التربية باالقتصاد‪ ،‬فالتربية عملية اقتصادية بامتياز؛ إذ يتحسن‬
‫مستوى معيشة اإلنسان بالتربية والتعليم‪ .‬ويحصل على مكاسب وامتيازات‬
‫مادية ومعنوية عن طريق التربية والتعليم‪ ،‬وتملك الشهادات‪.‬‬
‫إذاً‪ ،‬فالعالقة بين االقتصاد والتربية " عالقة وثيقة‪ ،‬فمستوى المعيشة يرتبط‬
‫بالمستويات الثقافية والعلمية التي يصل إليها أفراد المجتمع‪ ،‬فوجود أعداد كبيرة‬

‫‪ - 4‬إبراهيم ناصر‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.45-44:‬‬


‫‪10‬‬
‫من األميين يؤدي إلى التخلف‪ ،‬وكلما ارتفع المستوى االقتصادي وزاد الدخل‬
‫القومي كلما ازداد التعليم وزاد عدد الطالبين للعلم‪.‬‬
‫وتتضح صلة التربية باألسس االقتصادية فيما لو نظرنا إلى التربية كقوة‬
‫ضاغطة في يد طبقة اجتماعية مسيطرة تتحكم بوسائل اإلنتاج وتنمية المهارات‬
‫والقدرات لدى الفئات المتعلمة‪ ،‬فالتعليم يزيد من القدرة على االبتكار ‪ ،‬ويسهم‬
‫في تحسين السلوك‪ ،‬ويطور في اإلنتاج‪.‬‬
‫أما عن تأثير التربية في النمو االقتصادي‪ ،‬فيتضح بقوة رأس المال المادي‬
‫وتأثيره وارتباطه بقدرات األفراد ومهاراتهم‪ ،‬ولما كان التعليم هو السبيل إلى‬
‫تكوين المهارات والقدرات عند األفراد‪ ،‬فإنه يعتبر األساس في التقدم االجتماعي‬
‫واالقتصادي وفي أحداث التنمية‪...‬‬
‫إن التربية عملية اقتصادية ألنها تعد كل فرد ليقوم بأداء مهنة معينة تكون‬
‫مصدرا لدخله‪ ،‬وكلما تعلم المهارات الالزمة لمهنته وأتقنها‪ ،‬زاد دخله‪ ،‬وفي‬
‫الوقت نفسه‪ ،‬كلما أتقن األفراد مهنهم على اختالف أنواعها‪ ،‬أدى ذلك إلى زيادة‬
‫دخل الفرد‪ .‬وبالتالي زاد دخل المجتمع"‪. 5‬‬
‫وللتربية عالقة وطيدة بالسياسة‪ ،‬فكل عنصر يتأثر باآلخر‪.‬بمعنى أن المدرسة‬
‫تعبير عن صراعات طبقية واجتماعية‪ ،‬وتعبير عن صراعات سياسية ونقابية‬
‫وإيديولوجية‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فثمة أنظمة سياسية تجعل من التربية وسيلة‬
‫للحفاظ على العادات والتقاليد والقيم التي يدافع عنها النظام السياسي‪ ،‬كما يبدو‬
‫ذلك واضحا في الدول االشتراكية واألنظمة الديكتاتورية(النازية والفاشية)‪.‬‬
‫وهناك أنظمة تريد أن تجعل من التربية أداة للتغيير‪ ،‬ووسيلة ناجعة للقضاء على‬
‫األمية بكل أنواعها (األلفبائية‪ ،‬والوظيفية‪ ،‬واإلعالمية)‪ ،‬مع تطوير المجتمع كما‬
‫في الدول الديمقراطية‪.‬‬
‫أما فيما يخص األسس البيداغوجية والديدكتيكية‪ ،‬فللتربية عالقة وثيقة بالمدرس‬
‫والمتعلم‪ ،‬بل تنفتح على اإلدارة واألسرة والمحيط الخارجي الذي يؤثر في‬

‫‪ -5‬إبراهيم ناصر‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.42:‬‬


‫‪11‬‬
‫المدرسة‪ .‬وقد تعني التربية مجموعة من الطرائق والتصرفات والخبرات‬
‫والتجارب التي تهدف إلى تنشئة المتعلم في مختلف جوانبه السلوكية والتعلمية‬
‫والتثقيفية‪...‬‬
‫وبناء على ماسبق‪ ،‬فالتربية فعل تربوي وتهذيبي وأخالقي‪ ،‬تهدف إلى تنشئة‬
‫المتعلم تنشئة اجتماعية صحيحة وسليمة‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬تسهم التربية في‬
‫الحفاظ على قيم المجتمع وعاداته وتقاليده‪ ،‬وتسعى جادة لتكوين المواطن‬
‫الصالح‪ .‬وكذلك تسعى إلى تغيير المجتمع بالتدريج‪ ،‬والدفع به نحو طريق التقدم‬
‫واالزدهار‪ ،‬بتحقيق الديمقراطية التشاركية‪ ،‬والعدالة االجتماعية‪ ،‬والمساواة‬
‫المثلى‪.‬عالوة على ذلك‪ ،‬فالتربية هي التي تنشئ المجتمع نشأة أخالقية‪ ،‬وترفع‬
‫مكانته وشأنه ومستواه التنموي‪ ،‬وتوصله إلى مصاف الدول المتقدمة‬
‫والمزدهرة‪ .‬وتسعى التربية جادة إلى إدماج الفرد في المجتمع تكيفا وتأقلما‬
‫وتصالحا وتغييرا‪ ،‬كما تسعى إلى" اإلنماء الكامل لشخصية اإلنسان‪ ،‬وتعزيز‬
‫حقوق اإلنسان والحريات األساسية‪ .‬يعني تكوين أفراد قادرين على االستقالل‬
‫الفكري واألخالقي‪ ،‬ويحترمون هذا االستقالل لدى اآلخرين‪ ،‬طبقا لقاعدة‬
‫‪6‬‬
‫التعامل بالمثل التي تجعل هذا االستقالل مشروعا بالنسبة إليهم‪".‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬فالتربية هي وسيلة لتحقيق اإلبداع واالبتكار‪ ،‬وطريقة في‬
‫االستكشاف والتأويل والبحث ودمقرطة المجتمع‪ ،‬وترتكز على الحرية‪،‬‬
‫والمبادرة الفردية‪ ،‬وسيادة النقاش الهادف ‪ ،‬وتمثل النقد البناء والحوار السليم‬
‫من أجل بناء مجتمع متقدم واع‪ ،‬يسهم في خلق الحداثة وبنائها‪ ،‬وإثراء العولمة‬
‫بما لديه من طاقات منتجة‪ ،‬واختراعات ومكتشفات‪ ،‬ومستجدات نظرية وتقنية‬
‫وعلمية ومعلوماتية‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬يقول محمد لبيب النجيحي ‪ ":‬ولما كان‬
‫هدف التربية األساسي هو تنمية التفكير واستغالل الذكاء ‪ ،‬فمعنى هذا أن التربية‬
‫تعمل من أجل الحرية اإلنسانية‪ .‬فالتأكيد على نمو الطفل إنما هو تأكيد على‬
‫تحرير قدراته العقلية من قيودها‪ ،‬وإتاحة الفرصة لها لالنطالق حتى تستطيع أن‬
‫تستخدم بطريقة فعالة إمكانيات البيئة التي يعيش فيها‪ .‬ويصبح المجتمع الحر هو‬
‫‪ - 6‬جان بياجي‪ :‬التوجهات الجديدة للتربية‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد الحبيب بلكوش‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬المغر ب‪ ،‬الطبعة األولى سنة‪1998‬م‪ ،‬ص‪.52:‬‬
‫‪12‬‬
‫المجتمع الذي يشترك أفراده أيضا في تطويره وتوجيه التغيير االجتماعي‬
‫الحادث له‪.‬‬
‫وعندما يتمتع أفراد المجتمع بالحرية‪ ،‬فتكون التربية بذلك قد أسهمت في بناء‬
‫مجتمع مفتوح‪ .‬ونعني بالمجتمع المفتوح المجتمع الذي يسعى عن قصد وتصميم‬
‫في سبيل تطوره‪ ،‬وال يعمل فقط على المحافظة على الوضع الراهن‪ .‬وهذا‬
‫المجتمع هو مجتمع قد نظم تنظيما يدخل في اعتباره حقيقة التغيير في األمور‬
‫اإلنسانية‪ .‬وهو مجتمع يقبل التغير على أنه وسيلة للقضاء على الفساد‬
‫واالنحالل‪ ،‬وأن الذكاء اإلنساني والمجهود التعاوني من جميع أفراد المجتمع‬
‫‪7‬‬
‫تؤدي جميعا إلى نمو اإلنسانية وتقدمها‪".‬‬
‫ويضاف إلى ذلك أن التربية تحقق مجموعة من الوظائف الجوهرية‪ ،‬كالتعليم‪،‬‬
‫والتثقيف‪ ،‬والتطهير‪ ،‬والتهذيب‪ ،‬والتنوير‪ ،‬وتحرير الفكر من قيود األسطورة‬
‫والخرافة والشعوذة‪ ،‬والسمو باإلنسان نحو آفاق إيجابية ومثالية‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مفهوم البيداغوجيـــا‬


‫تعني البيداغوجيا (‪ ، )La pédagogie‬في دالالتها اللغوية‪ ،‬تهذيب الطفل‬
‫وتأديبه وتأطيره وتكوينه وتربيته‪ .‬وقد تعني الذي يرافق المتعلم إلى المدرسة‪.‬‬
‫وتدل أيضا على التربية العامة‪ ،‬أو فن التعليم‪ ،‬أو فن التأديب‪ ،‬أو نظرية التربية‬
‫التي تنصب على جميع الطرائق والتطبيقات التربوية التي تمارس داخل‬
‫المؤسسة التعليمية‪.‬‬
‫وقد يكون المقصود بها أيضا ذلك العلم الذي يتناول التربية في أبعادها‬
‫الفيزيائية والثقافية واألخالقية‪ ،‬أو يدل على مجموعة من العلوم التربوية‬
‫النظرية والتطبيقية‪ ،‬كعلم النفس التربوي‪ ،‬وعلم االجتماع التربوي‪ ،‬وعلم‬
‫التخطيط التربوي‪ ،‬وعلم االقتصاد التربوي‪ ،‬وعلم اإلحصاء التربوي‪ ،‬وعلم‬
‫مناهج البحث‪ ،‬والسياسة التربوية‪ ،‬وفلسفة التربية‪ ،‬والديدكتيك‪...‬‬

‫‪ - 7‬محمد لبيب النجيحي‪ :‬مقدمة في فلسفة التربية‪ ،‬دار النهضة العربي للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬الطبعة األولى سنة‪1992‬م‪ ،‬ص‪.240:‬‬
‫‪13‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فكلمة البيداغوجيا " إغريقية األصل‪ ،‬وكانت تدل على العبد الذي‬
‫يرافق الطفل في تنقالته‪ ،‬وبخاصة من البيت إلى المدرسة‪ .‬ولقد تطور استعمال‬
‫الكلمة‪ ،‬وأصبح يدل على المربي (‪ .)Pédagogue‬والبيداغوجيا هي جملة‬
‫األنشطة التعليمية‪ -‬التعلمية التي تتم ممارستها من قبل المعلمين والمتعلمين‪".8‬‬
‫وأكثر من هذا فالبيداغوجيا نظرية تربوية علمية عامة ذات بعد نظري‬
‫وتطبيقي وتوجيهي‪ ،‬لها عالقة وثيقة بالمدرس والمتعلم‪ ،‬بل تنفتح على اإلدارة‬
‫واألسرة والمحيط الخارجي الذي يؤثر في المدرسة‪ .‬وقد تعني البيداغوجيا تلك‬
‫النظرية التربوية التي تهتم بالمتعلم في مختلف جوانبه السلوكية والتعلمية‬
‫والتثقيفية‪ ،‬وتقدم مجموعة من النظريات التي تسعف المتعلم في تعلمه وتكوينه‬
‫وتأطيره‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فالبيداغوجيا متعددة االختصاصات‪ .‬كما تنفتح على علوم‬
‫عدة‪ ،‬مثل‪ :‬علم النفس‪ ،‬وعلم االجتماع‪ ،‬والبيولوجيا‪ ،‬والديموغرافيا‪،‬‬
‫واإلحصاء‪ ،‬واالقتصاد‪ ،‬والفلسفة‪ ،‬والسياسة‪ ،‬وعلم التخطيط‪ ،‬وعلم التوجيه‪،‬‬
‫واللسانيات‪ ،‬والسيميوطيقا‪ ،‬وعلم التدبير‪ ،‬وعلم اإلدارة‪ ،‬وعلم اإلعالم‪...‬‬
‫وتنبني البيداغوجيا على ثالثة عناصر رئيسة هي‪ :‬المعلم‪ ،‬والمتعلم‪ ،‬والمعرفة‪.‬‬
‫أي‪ :‬إن المعلم هو الذي ينقل المعرفة إلى المتعلم عبر المضامين والمحتويات‪،‬‬
‫والطرائق البيداغوجية ‪ ،‬والوسائل الديدكتيكية‪...‬‬
‫ويعني هذا أن ثمة مرتكزات تربوية ثالثة‪ :‬المعلم‪ ،‬والمتعلم‪ ،‬والمعرفة‪ .‬فالمعلم‬
‫هو الذي يقوم بمهمة تكوين المتعلم ضمن عالقة بيداغوجية‪ .‬وما يعلمه المعلم‬
‫من معارف وأفكار ومحتويات ومضامين وخبرات وتجارب يدخل ذلك ضمن‬
‫عالقة ديدكتيكية ‪ .‬أما ما يحصله المتعلم من معارف ومعلومات يدخل ضمن‬
‫عالقات التعلم‪ .‬والجامع بين المرتكزات الثالثة يسمى بالفضاء أو الوسط‬
‫البيداغوجي‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يتضمن هذا الفضاء التربوي ثالث عالقات أساسية هي‪:‬‬
‫العالقة الديدكتيكية (المعلم‪ ‬التعليم‪ ‬المعرفة)‪ ،‬والعالقة البيداغوجية‬
‫(المعلم‪ ‬التكوين ‪‬المتعلم)‪ ،‬وعالقة التعلم(المتعلم‪ ‬التعلم ‪‬المعرفة)‬

‫‪ -8‬أحمد أوزي‪ :‬المعجم الموسوعي لعلوم التربية‪ ،‬دار النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪،‬‬
‫الطبعة األولى سنة ‪2006‬م‪ ،‬ص‪.150:‬‬
‫‪14‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬مفهـــوم الديدكتيـــك‬
‫إذا كانت البيداغوجيا تخصصا نظريا عاما ‪ ،‬يتحكم في العالقة التي تكون بين‬
‫المعلم والمتعلم‪ ،‬فإن الديدكتيك (‪ 9)La didactique‬هو تخصص عملي‬
‫تطبيقي يتعلق بتدريس مادة معينة؛ إذ نقول‪ :‬ديدكتيك العربية‪ ،‬وديدكتيك‬
‫الفرنسية‪ ،‬وديدكتيك الرياضيات‪ ،‬وديدكتيك العلوم‪.....‬ويعني هذا إذا كانت‬
‫البيداغوجيا مرتبطة بالمتعلم ونظريات التعلم‪ ،‬فإن الديدكتيك لها حيز ضيق‪،‬‬
‫يتعلق بمجال دراسي معين‪ ،‬أو ما يمكن تسميته كذلك بالتربية الخاصة‪ .‬ومن‬
‫هنا‪ ،‬تتميز الديدكتيك بطابعها اإلبستمولوجي(‪ )épistémologique‬الذي يعنى‬
‫بطبيعة المعارف والمعلومات المدرسة من جهة‪ ،‬وبطابع مضامينها المتعددة‬
‫التخصصات (‪.) des contenus disciplinaires‬‬

‫‪ - 9‬الديدكتيك لفظ يوناني (‪ )didaktikόs‬يعني التعليم‪ ،‬ويشتق من فعل ( ‪ )didáschein‬الذي يدل‬


‫على التثقيف والتعليم والتكوين‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬يمكن تقسيم الديدكتيك إلى قسمين رئيسين هما‪ :‬الديدكتيك العامة ( ‪La‬‬
‫‪ )didactique générale‬التي تعنى بالدروس والممارسة الصفية‪،‬‬
‫واالهتمام باألنشطة الدراسية الفردية والجماعية‪ ،‬وتبيان الكيفية التي يوظف بها‬
‫المتعلم المقرر الدراسي والكتاب المدرسي ‪.‬أي‪ :‬تهتم الديدكتيك العامة بطرائق‬
‫التدريس بصفة عامة‪ .‬في حين‪ ،‬تتعلق الديدكتيك الخاصة ( ‪La didactique‬‬
‫‪ )spéciale‬بمادة تدريسية على حدة‪ ،‬أو مستوى دراسي معين‪.‬‬
‫وإذا كان مصطلح البيداغوجيا قد ظهر قديما مع اليونان‪ ،‬وكان يعني تهذيب‬
‫الطفل وتأديبه‪ ،‬فإن مصطلح الديدكتيك قد ظهر في منتصف القرن العشرين ‪،‬‬
‫و" استخدم بمعنى فن التدريس أو فن التعليم (‪.)Art d’enseigner‬هذا هو‬
‫التعريف الذي قدمه قاموس (‪ )Le Robert‬سنة ‪ 1955‬وقاموس(‪)Le Littré‬‬
‫سنة ‪.1960‬وابتداء من هذا التاريخ‪ ،‬أصبح المصطلح لصيقا بميدان التدريس‪،‬‬
‫دون تحديد دقيق لوظيفته‪.‬وهناك من منظري علوم التربية من اعتبر هانس إبلي‬
‫(‪ )Hans Aebeli‬أول من اقترح عام ‪ 1951‬م إطارا عمليا لموضوع‬
‫الديدكتيك‪ ،‬في مؤلفه (‪ ،)La didactique psychologie‬حيث نظر إلى‬
‫‪10‬‬
‫الديداكتيك كمجال تطبيقي لنتائج السيكولوجيا التكوينية‪".‬‬
‫وهناك من يثبت أن مصطلح الديدكتيك قد استعمل في القرن السادس عشر‬
‫الميالدي ‪ ،‬وبالضبط سنة ‪1554‬م‪ .‬في حين‪ ،‬هناك من يرجعه ‪ -‬حسب الكتابات‬
‫القديمة ‪ -‬إلى الفالسفة اليونانيين وحضارات الشرق األوسط‪ ،‬والسيما‬
‫الصينيين‪ .‬وقد تعددت نظريات الديدكتيك وتنوعت وتشعبت من القرن الثامن‬
‫عشر إلى القرن العشرين بسبب تطور علم النفس‪ ،‬وعلم االجتماع‪،‬‬
‫واإلعالميات‪ ،‬ونظريات التعلم والتحفيز‪ ،‬إلخ‪...‬‬
‫إذاً‪ ،‬نعني بالديدكتيك طريقة التدريس‪ ،‬أو ما يسمى بالعملية التعليمية‪ -‬التعلمية‪،‬‬
‫وتجمع هذه العملية بين طرفين أساسين هما‪ :‬المعلم والمتعلم‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تنبني‬
‫العملية الديدكتيكية على المدخالت‪ ،‬والعمليات‪ ،‬والمخرجات‪ ،‬والتغذية‬
‫الراجعة‪.‬وقد تكون المدخالت أهدافا أو كفايات أو ملكات أو غيرها من‬

‫‪ -10‬أحمد أوزي‪ :‬المعجم الموسوعي لعلوم التربية‪ ، ،‬ص‪.140:‬‬


‫‪16‬‬
‫ وتستهدف هذه المدخالت‬.‫التصورات التربوية الجديدة المعترف بها رسميا‬
‫ في شكل أهداف إجرائية سلوكية‬،‫تسطير مجموعة من الكفايات المزمع تحقيقها‬
‫ ويحقق ذلك بوضع‬.‫ أو تنفيذ مجزوءة دراسية‬،‫قبل الدخول في مسار تعلمي‬
.‫امتحان تشخيصي قبلي في شكل وضعيات إدماجية أو ديدكتيكية‬
‫ويمكن الحديث عن مجموعة من الباحثين الغربيين الذين اهتموا بالديدكتيك في‬
G. (‫ وكاليسر‬،11)G. Brousseau( ‫ بروسو‬:‫مختلف العلوم أمثال‬
،)J.-F. Halté( ‫ وهالتي‬،13)Y. Chevallard(‫ وشوفاالر‬،12)Glaeser
،14)Goéry Delacôte( ‫ ودوالكوت‬،)J.-P. Bronckart(‫وبرونكار‬
‫ وجيوردان‬،15)et L. Viennot(‫ وفيينو‬،)J.L. Malgrange( ‫ومالكرانج‬

11
-Brousseau G. (1998) Théorie des situations didactiques. Grenoble : La
Pensée Sauvage.

-Glaeser G. (1999) Une introduction à la didactique expérimentale des


12

mathématiques. Grenoble : La Pensée Sauvage.


13
-Chevallard Y. (1985) La transposition didactique. Grenoble : La Pensée
Sauvage. (Nouvelle édition augmentée de « Un exemple de la transposition
didactique » avec M.-A. Johsua).

- Delacôte G. (1996) Savoir apprendre: les nouvelles méthodes. Paris :


14

Odile Jacob.

-Viennot L. (2003) Raisonner en physique: La part du sens commun.


15

De Boeck Université.
17
‫(‪ ،16 )Giordan A‬ونارسي كومب (‪ ،17)Narcy-Combes‬وتيريس‬
‫(‪ ،18)Terrisse A.‬وروتر( ‪ ،19 ) Reuter‬وآخرين‪...‬‬
‫ومن أهم الباحثين العرب الذين اهتموا بفن التدريس عبد العليم إبراهيم‪ ،20‬وعلي‬
‫أحمد مدكور‪ ،21‬ومحمد حسين آل ياسين‪ ،22‬ومحمد الدريج‪ ،23‬وأحمد أوزي‪،24‬‬
‫وعبد الكريم غريب‪ ،25‬ولحسن مادي‪ ،26‬وعبد الواحد أوالد الفقيهي‪ ،27‬ومحمد‬

‫‪16‬‬
‫‪-Giordan A. (1999) Une didactique pour les sciences expérimentales.‬‬
‫‪Paris : Belin.‬‬

‫‪- Narcy-Combes M.-F. (2005) Précis de didactique, devenir professeur‬‬


‫‪17‬‬

‫‪de langues. Ellipses.‬‬


‫‪18‬‬
‫‪-Terrisse A. (2000) Didactique des disciplines. Les références au‬‬
‫‪savoir. De Boeck Université.‬‬

‫‪- Reuter Y. dir. (2007/2010) Dictionnaire des concepts fondamentaux‬‬


‫‪19‬‬

‫‪des didactiques. Bruxelles : De Boeck.‬‬

‫‪ - 20‬عبد العليم إبراهيم‪ :‬الموجه الفني لمدرسي اللغة العربية‪ ،‬دار المعارف بمصر‪ ،‬الطبعة‬
‫السادسة‪.‬‬
‫‪ - 21‬علي أحمد مدكور‪ :‬طرق تدريس اللغة العربية‪ ،‬دار المسيرة‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة الثانية‬
‫‪2010‬م‪.‬‬
‫‪ - 22‬محمد حسين آل ياسين‪ :‬المبادئ األساسية في طرق التدريس العامة‪ ،‬منشورات دار القلم‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ومكتبة الشعب‪ ،‬بغداد‪ ،‬العراق‪.‬‬
‫‪ - 23‬محمد الدريج‪ :‬تحليل العملية التعليمية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪،‬‬
‫الطبعة األولى سنة ‪1983‬م‪.‬‬
‫‪ - 24‬أحمد أوزي‪ :‬التعليم والتعلم بمقاربة الذكاءات المتعددة‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫المغرب‪ ،‬طبعة ‪1999‬م‪.‬‬
‫‪ - 25‬عبد الكريم غريب والبشير اليعقوبي‪ :‬التدريس بواسطة المجزوءات‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪.‬‬
‫‪ - 26‬لحسن مادي‪ :‬تكوين المدرسين‪ ،‬نحو بدائل لبناء الكفايات‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة ‪ ،‬الدار‬
‫اليضاء‪،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2001‬م‪.‬‬
‫‪ - 27‬عبد الواحد أوالد الفقيهي‪ :‬الذكاءات المتعددة ‪ :‬التأسيس العلمي‪ ،‬منشورات مجلة علوم‬
‫التربية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى ‪2012‬م‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫‪،‬‬ ‫‪31‬‬
‫أمزيان‪ ،28‬وأحمد شبشوب‪ ،29‬والحسن اللحية‪ ،30‬وعبد الرحمن التومي‬
‫وجميل حمداوي‪...،32‬‬
‫وتنطلق العملية التعليمية‪ -‬التعلمية من مدخل أساسي يتمثل في تحديد األهداف‬
‫اإلجرائية أو الكفايات النوعية من أجل التثبت من تحقيقها‪ .‬لذا‪ ،‬البد أن يختار‬
‫المدرس المحتويات المناسبة‪ ،‬والطرائق البيداغوجية الكفيلة بالتبليغ وتسهيل‬
‫االكتساب واالستيعاب‪ .‬ثم هناك الوسائل الديدكتيكية التي يستعين بها المدرس‬
‫لتقديم درسه وتوضيحه بشكل جيد‪ .‬أما المخرجات‪ ،‬فتقترن بقياس األهداف‬
‫والقدرات والكفاءات لدى المتعلم على مستوى األداء والممارسة واإلنجاز‪.‬‬
‫ويتحقق هذا القياس عبر محطات التقويم التشخيصي‪ ،‬والمرحلي‪ ،‬والنهائي‪.‬‬
‫واليمكن الحكم على الهدف أو الكفاية إال بالتقويم الذي قد يكون تشخيصيا‪ ،‬أو‬
‫قبليا‪ ،‬أو تكوينيا‪ ،‬أو إجماليا‪ ،‬أو إشهاديا‪ ،‬أو مستمرا‪ ،‬أو إدماجيا‪...‬وبعد ذلك‪،‬‬
‫نلتجئ إلى التغذية الراجعة(الفيدباك ‪ ،) Feed back‬والدعم‪ ،‬والمعالجة الداخلية‬
‫والخارجية‪.‬‬
‫ويعني هذا كله أن الديدكتيك‪ ،‬أو التربية الخاصة‪ ،‬تعتمد على األهداف أو‬
‫الكفايات من ناحية أولى‪ ،‬والمضامين والطرائق والوسائل الديدكتيكية من ناحية‬
‫ثانية‪ ،‬والتقويم والفيدباك من ناحية ثالثة‪.‬‬

‫‪ - 28‬محمد أمزيان ‪ :‬بيداغوجيا المعرفة‪،‬أفريقيا الشرق‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪2016‬م‪.‬‬
‫‪ - 29‬أحمد شبشوب‪ :‬المدخل إلى الديدكتيك العامة‪ ،‬منشورات رمسيس‪ ،‬دفاتر في التربية ‪،‬‬
‫العدد‪1997/2‬م‪.‬‬
‫‪ - 30‬الحسن اللحية‪ :‬بيداغوجيا التعاقد‪ ،‬منشورات المعارف‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة‬
‫‪2010‬م‪.‬‬
‫‪ - 31‬عبد الرحمن التومي‪ :‬الجامع في ديدكتيك اللغة العربية‪ ،‬مطبعة المعارف‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪،‬‬
‫الطبعة الثانية ‪2016‬م‪.‬‬
‫‪ - 32‬جميل حمداوي ‪ :‬ديدكتيك األنشطة التربوية في التعليم األولي‪،‬أفريقيا الشرق‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2015‬م؛ األقسام المشتركة في التعليم االبتدائي المغربي‪،‬منشورات‬
‫مكتبة سلمى الثقافية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2015‬م؛‬
‫محطات العمل الديدكتيكي‪ ،‬منشورات مكتبة سلمى الثقافية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2015‬م؛ نحو تقويم تربوي جديد (التقويم اإلدماجي)‪ ،‬منشورات‬
‫مكتبة سلمى الثقافية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2015‬م‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬الفرق بين البيداغوجيا والديدكتيك‬
‫البد من التمييز بين البيداغوجيا والديدكتيك‪ ،‬فاألولى عبارة عن نظرية عامة‬
‫تعنى بتربية الطفل وقضايا التعليم ومشاكله بصفة عامة‪ ،‬أو تهتم بالتعليم‪ ،‬أو‬
‫الفعل التربوي‪ .‬بينما تهتم الثانية بالممارسات والتطبيقات الصفية‪ ،‬والتركيز‬
‫على المتعلم ونظريات التعلم وتبليغ المعارف‪ ،33‬والعناية بالتدريس فنا وعلما‪،‬‬
‫وتتخذ طابعا تطبيقيا خاصا‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬يتميز الديدكتيك بطابعه اإلبستمولوجي (الميتامعرفي) من جهة ‪ ،‬مادام‬
‫يهتم بمناهج التدريس‪ ،‬والتركيز على طرائق التعليم‪ ،‬وتبيان آليات اكتساب‬
‫المعرفة ‪ ،‬واستجالء اإلجراءات والتطبيقات والممارسات المختلفة المستعملة‬
‫في ذلك‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬يتخذ طابعا موسوعيا لكونه يدرس فن التدريس في‬
‫مختلف التخصصات والعلوم‪.‬ومن هنا‪ ،‬يهتم الديدكتيك بأسئلة التدريس‬
‫والتكوين‪ ،‬وبناء المعرفة لدى المتعلم‪ ،‬والتعرف إلى مختلف مناهج التعليم‬
‫وأسسها وأهدافها وآلياتها ونجاعتها‪ .‬وقد تطورت مناهج الديدكتيك منذ سنوات‬
‫السبعين من القرن الماضي في مختلف المواد المتعلقة بالعلوم اإلنسانية‬
‫والتجريبية والدقيقة‪.‬‬
‫وعلى الرغم من الفوارق الموجودة بين البيداغوجيا والديدكتيك‪ ،‬فإنهما‬
‫يشتركان في دراسة الظواهر التربوية والتعليمية‪ ،‬ويهدفان إلى معرفة التعلمات‬
‫ونظرياتها وتطبيقاتها‪.‬‬

‫المبحث الخامس‪ :‬عالقة الديدكتيك بالعلوم األخرى‬


‫يالحااااا أن للديااااادكتيك عالقاااااات وثيقاااااة ووطيااااادة بمجموعاااااة مااااان العلاااااوم‬
‫والتخصصاااات المعرفياااة‪ ،‬كعالقتهاااا بالفلسااافة‪ ،‬واإلبساااتمولوجيا‪ ،‬وعلااام الااانفس‬
‫السلوكي‪ ،‬وعلم النفس المعرفي‪ ،‬وعلم االجتماا‪ ،،‬والبياداجوجيا‪ ،‬واإلعالمياات‪،‬‬
‫واللسانيات‪ ،‬ون ريات التعلم‪ ،‬والبيولوجيا‪...‬‬

‫‪33‬‬
‫‪-A regarder : Pédagogie générales, Nancy, MAFPEN, 1987.‬‬
‫‪20‬‬
‫ويعني هذا كله أن للديدكتيك صلة وثيقة بعلم النفس ‪ ،‬فكثيار مان قضاايا التربياة‬
‫والتعليم لها أصول سيكولوجية‪ ،‬مثل‪ :‬سيكولوجية الطفال والمراهاق‪ ،‬ون رياات‬
‫النمااو والااتعلم‪ ،‬والساايكولوجيا المعرفيااة‪ .‬وماان ثاام‪ ،‬يعددد علددم الددنفس عبددارة عددن‬
‫خطددداب ميتدددامعرفي يطدددرح أسدددئلة جوهريدددة وعميقدددة حدددول الدددنفس اإلنسدددانية‬
‫ومشداعرها الروحيددة وانفعاالتهددا الوجدانيددة‪ .‬أضددف إلدى ذلددك أن علددم الددنفس هددو‬
‫الددذي يدددرس الحدداالت الذهنيددة والعمليددات الفكريددة عنددد الفددرد‪ ،‬مثددل‪ :‬التفكيددر‪،‬‬
‫والتذكر‪ ،‬والنسيان‪ ،‬واالنتبداه‪ ،‬والدتعلم‪ ،‬والدذكاء‪ ،‬والحفدظ‪ ،‬واكتسداب اللغدة‪...‬إلى‬
‫جانب دراسة دوافع اإلنسان وغرائزه وانفعاالته وحاجياته وميوله النفسية‪...‬‬
‫ثاام الننسااى العالقااات التااي توجااد بااين الدياادكتيك والفساايولوجيا‪ ،‬والبيولوجيااا‪،‬‬
‫والطاااب‪ ،‬وعلااام األخاااالق‪ ،‬والمنطاااق‪ ،‬والرياضااايات‪ ،‬وعلااام اإلحصااااء‪ ،‬وعلااام‬
‫المنااه االميتودولوجياا ‪ ،‬و ااداب‪ ،‬وعلاام الفان والجماال‪ ،‬والتااري ‪ ،‬ومناااه‬
‫البحث العلمي والتربوي‪...‬‬
‫ويعني هذا كله أن سلوك الفرد اهرة مركبة ومعقدة‪ ،‬تتحكم فياه مجموعاة مان‬
‫العوامل السياسية ‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬والتاريخية‪ ،‬والدينية‪،‬‬
‫والحضارية‪ ،‬والبيولوجية‪ ،‬والعرقية‪ ،‬والفلسفية‪ ،‬واألخالقية‪ ،‬والتربوية‪...‬‬
‫وعليااه‪ ،‬يناادر الدياادكتيك ضاامن العلااوم اإلنسااانية علااى جاارار علاام االجتمااا‪،،‬‬
‫واألنتروبولوجيااااا‪ ،‬واإلثنولوجيااااا‪ ،‬والتاري ‪...‬بيااااد أن علميتااااه نساااابية لوجااااود‬
‫مجموعااة ماان العوائااق التااي تحااول دون تحقيااق العلميااة الموضااوعية الحقيقيااة‬
‫الصااارمة‪ ،‬مثاال‪ :‬مشااكل الذاتيااة‪ ،‬ومشااكل التجريااب‪ ،‬ومشااكل الحتميااة‪ ،‬ومشااكل‬
‫القااانون‪ .‬ناهيااك عاان كااون اإلنسااان اااهرة مركبااة ومعقاادة ومتشااعبة‪ ،‬و اااهرة‬
‫حية‪ ،‬ومتغيرة‪ ،‬وإنسانية‪ ،‬وحرة‪ ،‬ومستقلة‪ .‬ومان هناا‪ ،‬يصاعب دراساتها دراساة‬
‫علميااة موضااوعية ك االعلوم التجريبيااة الوضااعية‪ .‬ولكاان يمكاان الحااد ماان الذاتيااة‬
‫نساابيا ‪ ،‬باتبااا‪ ،‬المناااه الكيفيااة والكميااة‪ ،‬واسااتخدام اإلحصاااء‪ ،‬واالرتكااان إلااى‬
‫دراسة الحالة‪ ،‬وتمثل التجريب االرتباطي بدل االرتباط السببي‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مفهــوم اإلبستمولوجيا‬


‫‪21‬‬
‫تعني كلمة اإلبستمولوجيا (‪ 34)Epistémologie‬خطاب حول العلم أو المعرفة‪.‬‬
‫أي‪ :‬تقديم تصورات ميتامعرفية حول العلوم ومناهجها وعوائقها وأزماتها‬
‫كدراسة العلوم الشكلية (الرياضيات والمنطق) ‪ ،‬والعلوم الدقيقة (الفيزياء وعلوم‬
‫الهندسة)‪ ،‬والعلوم الحية (البيولوجيا‪ ،‬والفيزيولوجيا‪ ،‬وعلم النبات‪ ، )...‬والعلوم‬
‫اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬مع التعريف بها‪ ،‬وتبيان خطواتها اإلجرائية في الدراسة‬
‫والبحث والتنقيب‪ ،‬واستكشاف مناهجها وأسسها ومبادئها‪ ،‬والتركيز على‬
‫أزماتها وعوائقها المنهجية‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬فاإلبستمولوجيا هي جزء من فلسفة العلوم‪ ،‬ويعد أهم محور ضمن‬
‫النسق الفلسفي إلى جانب علم الوجود‪ ،‬وعلم القيم‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فاإلبستمولوجيا‬
‫بمثابة الدراسة النقدية للعلوم‪ ،‬أو نقد المعرفة العلمية‪ .‬ويشبه هذا العلم ما يسمى‬
‫بالمنطق الحديث الذي يهتم بالتصورات النظرية والمنهجية والشكلية لمعرفة ما‬
‫‪.‬‬
‫وتجيب اإلبستمولوجيا عن مجموعة من األسئلة ذات الطابع الميتامعرفي على‬
‫النحو التالي‪:‬‬
‫‪ ‬ما األهداف العامة والخاصة‪ ،‬الظاهرة والمضمرة ‪ ،‬التي تصبو إليها‬
‫مختلف العلوم والمعارف‪ ،‬أو يهدف إليها علم ما على حدة؟‬
‫‪ ‬ما أهم اإلجراءات والطرائق والمناهج التي تستعملها هذه العلوم لتحقيق‬
‫أهدافها؟‬
‫‪ ‬ما مقومات هذه المناهج وثوابتها ومرتكزاتها وأسسها ؟‬
‫‪ ‬ما أزمات هذه العلوم ومشاكلها وعوائقها؟‬
‫‪ ‬ما العالقات الداخلية بين مختلف العلوم والمعارف؟‬
‫‪ ‬ما أهم المناهج والطرائق المستخدمة في تعليم مختلف العلوم والمعارف؟‬
‫‪ ‬ما أهم التداخالت المختلفة بين مختلف النظريات العلمية؟‬

‫‪ - 34‬اإلبستمولوجيا كلمية يونانية مشتقة من اإلبستيمي( ‪.)epistếmê‬أما اللغوس ‪ ،‬فهو الخطاب‪.‬‬


‫‪22‬‬
‫‪ ‬ما العالقات الموجودة بين النظريات العلمية وتطبيقاتها؟‬
‫إذاً‪ ،‬تعرف اإلبستمولوجيا بالعلم على حدة‪ ،‬و تبين موضوعه‪ ،‬وتكشف منهجيته‪،‬‬
‫وتبين إيجابياته وسلبياته وعوائقه‪.‬ومن هنا‪ ،‬فمهمته توصيفية وتحليلية ونقدية‪.‬‬
‫وهناك فرق بين اإلبستمولوجيا ونظرية المعرفة ‪ ،‬فالمفهوم األول عبارة عن‬
‫خطاب ميتامعرفي حول المعرفة‪.‬أي‪ :‬يهتم ببناء المعارف‪ ،35‬ويقوم بتوصيف‬
‫مناهج العلوم وتحليلها ونقدها وتوجيهها‪ .‬في حين‪ ،‬تعد المعرفة موضوعا‬
‫للفلسفة من خالل التساؤل عن مصدرها‪ ،‬وحقيقتها‪ ،‬ودورها في بناء الخطاب‬
‫الفلسفي وتعضيده أو تقويضه وتفكيكه‪ ،‬كما تحقق ذلك في القرنين السابع عشر‬
‫والثامن عشر الميالديين‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬تتخذ الديدكتيك طابعا إبستمولوجيا ‪ ،‬مادامت تهتم بمناهج التدريس‬
‫وطرائق التبليغ‪ ،‬وتبيان الكيفية التي تبنى بها المعرفة عند المتعلم‪ ،‬واستكشاف‬
‫طبيعة المعرفة المدرسة‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬علم النفس السلوكي‬


‫هرت المدرسة السلوكية ضمن النطاق األنجلوسكسوني بغية فهم مجموعة‬
‫من ال واهر النفسية والسلوكية‪ ،‬والسيما ما يتعلق بالتربية‪ ،‬والتعليم‪ ،‬والتكوين‪،‬‬
‫والتعلم‪.‬وقد لقيت هذه المدرسة انتشارا كبيرا في منتصف القرن العشرين‪،‬‬
‫ومازالت تمارس تأثيرها في الساحة التعليمية والتربوية إلى يومنا هذا‪ ،‬على‬
‫أساس أنها أكبر مدرسة سيكولوجية تعنى بمجال التعلم لد المتمدرس بطريقة‬
‫علمية موضوعية وتجريبية‪.‬‬
‫يمثاااال المدرسااااة الساااالوكية مجموعااااة ماااان الباااااحثين كاااااألمريكيين واطسااااون‬
‫ا‪ Watson‬ا‪1878-1958‬م ‪ ،‬وسااااااااااااااكينر ا‪ Skinner‬ا‪1904-1990‬م ‪،‬‬

‫‪35‬‬
‫‪-Jean Piaget, Introduction‬‬ ‫‪à‬‬ ‫‪l'épistémologie‬‬ ‫‪génétique,‬‬ ‫‪Paris,‬‬
‫‪PUF, 1950.‬‬

‫‪23‬‬
‫وثورناااااادايك ا‪)Thorndike‬ا‪1874-1949‬م ‪ ،...‬والطبيااااااب الفيزيولااااااوجي‬
‫الروسي بافلوف ا‪ Pavlov‬ا‪... ، 1849-1963‬‬
‫وقد تأثرت هذه المدرسة بالوضعية العلمية وفلسفة الوالياات المتحادة األمريكياة‬
‫فااي بدايااة القاارن العشاارين‪ .‬وقااد ركاازت علااى فكاارتين أساساايتين همااا‪ :‬الساالوك‬
‫المالح ا والبيئااة‪ ،‬مااع إقصاااء الااذات والعواطااف الشااعورية والعمليااات الذهنيااة‬
‫والعقلية والفكرية الداخلية‪.‬‬
‫وماان ثاام‪ ،‬ف االغرض ماان هااذه المدرسااة هااو دراسااة الساالوك الخااارجي ل نسااان‬
‫السوي‪ ،‬بربطاه باالمثيرا‪ Stimilus‬واالساتجابة ا‪ . Réponse‬ويعناي هاذا أن‬
‫السلوك اإلنساني هو نتاا للاتعلم‪ ،‬أو هاو رد فعال علاى مجموعاة مان المنبهاات‬
‫التي تأتينا من العالم الخارجي‪.‬‬
‫وقد هرت السلوكية سنة ‪1913‬م في الواليات المتحدة األمريكية مع واطسون‬
‫الاااذي أوجاااد مصاااطلة السااالوكية سااانة ‪1913‬م ا‪ Behavior‬لدراساااة مجمااال‬
‫الساالوكيات الموجااودة عنااد مختلااف الكائنااات الحيااة‪ ،‬فااي ارتباااط تااام بالبيئااة أو‬
‫المحيط الخارجي‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فقد استبعدت هذه المدرسة كل ماهو داخلي ‪ ،‬ساواء‬
‫أكان شعورا أم الشعورا‪ .‬ويعني هذا أن السلوكية مدرساة سايكولوجية تجريبياة‬
‫وعلميااة بامتياااز‪ ،‬هاادفها دراسااة الساالوك الخااارجي المالحا فااي عالقااة بااالمثير‬
‫واالساااتجابة‪.‬لذا‪ ،‬فقاااد أجريااات تجاربهاااا األولاااى علاااى الحيواناااات‪ ،‬مااان كاااالب‪،‬‬
‫وفئااران‪ ،‬وقطااط‪ ،‬وحمااام‪ ،‬بغيااة تطبيقهااا علااى اإلنسااان‪ .‬وبتعبياار آخاار‪ ،‬التكتفااي‬
‫الساالوكية بدراسااة الساالوك عنااد المااتعلم فحسااب‪ ،‬باال تاادرس ‪ ،‬عباار المالح ااة‬
‫الواصاافة‪ ،‬الكيفيااة التااي بهااا يااتحكم المااتعلم فااي المعرفااة بعااد أن يحقااق الهاادف‬
‫اإلجرائي المطلوب‪.‬‬
‫وقااد ارتبطاات الن ريااة الساالوكية بالتشااريط التعلمااي ا‪Conditionnement‬‬
‫عند بافلوف انطالقا من ثنائية المثير واالستجابة [‪ .]SR‬ولم تقتصر السلوكية‬
‫علااى ن ريااة المثياار واالسااتجابة البساايطة كمااا عنااد بااافلوف‪ ،‬باال تطااورت مااع‬
‫بيااداجوجيا األهااداف التااي اهتماات بتسااطير مجموعااة ماان األهااداف الساالوكية‬

‫‪24‬‬
‫المعرفياااااة والوجدانياااااة والحساااااية الحركياااااة‪.‬عالوة علاااااى التعلااااايم المبااااارم‬
‫ا‪ Enseignement programmé‬الااااذي اسااااتفاد ماااان تقنيااااات المدرسااااة‬
‫السااالوكية ‪ ،‬والتعلااايم الحاساااوبي الاااذي اماااتة إوالياتاااه الن رياااة والتطبيقياااة مااان‬
‫المدرسة السلوكية‪ .‬دون أن ننسى استفادة بيداجوجيا الكفايات مان هاذه الن رياة‬
‫مع تطويرها‪.‬‬
‫وللتوضية أكثر فاإلنسان يصادر سالوكه الخاارجي المالحا والمرصاود حينماا‬
‫يرتبط ذلك بمحفز واستجابة‪ .‬مثال‪ ،‬حينما يحاس اإلنساان باالعط ‪ ،‬يسامى هاذا‬
‫حااافزا‪ ،‬فهنااه يتجااه نحااو المكااان الااذي يوجااد فيااه الماااء‪ ،‬يساامى هااذا بالساالوك‬
‫الخارجي‪ ،‬فيشرب الماء‪ ،‬ويسمى هذا استجابة‪ .‬وينطبق هذا علاى حاافز الجاو‪،‬‬
‫وح اافز الااتعلم وحااافز الخااوف وجيرهااا ماان المثياارات الخارجيااة المدركااة‪.‬وإذا‬
‫كاناات المدرسااة الشااعورية تاادرس الشااعور الااداخلي‪ ،‬فااهن الساالوكية التعنااى إال‬
‫بمالح ة السلوك الخارجي القابل للدراسة والرصد والتجريب والتوصيف‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فكلما كان هناك مثير أو حافز أو منبه خارجي‪ ،‬كانت هنااك اساتجابة‬
‫سلوكية بمثابة رد فعل على هذا المنبه البيئي أو المحيطي‪ .‬وقد كان هذا القانون‬
‫الساايكولوجي نتيجااة مجموعااة ماان التجااارب التااي أجرياات علااى الحيوانااات فااي‬
‫روف ووضعيات تجريبية مختلفة بغية معرفة عالقة االرتبااط الموجاودة باين‬
‫المثير المدروس واالستجابة المتوقعة‪.‬‬
‫وأكثاار ماان هااذا تهااتم الساالوكية بدراسااة الوقااائع الذهنيااة والوجدانيااة المالح ااة‬
‫االصراخ‪ ،‬الضحك‪ ، ...‬وال تعنى بدراسة الحاالت جيار المالح اة أو المدركاة‬
‫االفااارو‪ ،‬والحااازن‪ ،‬والغضاااب‪. ...‬كما تااادرس عناصااار البيئاااة الحساااية‪ ،‬مثااال‪:‬‬
‫الحرارة‪ ،‬وعدد األفراد‪...‬ومن هنا‪ ،‬فالوضاعيات البيئياة هاي التاي تخلاق حاوافر‬
‫الفرد‪ ،‬وتستدعي ردود أفعاله واستجاباته‪.‬‬
‫وإذا كان بافلوف قد اهتم بدراسة االنعكاس المشروط‪ ،‬بدراسة ردود الفعل لد‬
‫الحيااوان فااي عالقتااه بااالمحيط الااذي يوجااد فيااه‪،‬فهن واطسااون أراد أن يبنااي‬
‫ن رية السلوك اإلنساني على وحدة بسيطة هي الفعل المانعكس‪ ،‬ودرس الفعال‬

‫‪25‬‬
‫الماانعكس فااي الحيوانااات الدنيئااة البساايطة والراقيااة ‪ ،‬واعتباار ساالوك اإلنسااان‬
‫‪36‬‬
‫مجموعة من األفعال المنعكسة الشرطية المعقدة ‪.‬‬
‫في حين‪ ،‬يعد إدوارد ثورندايكا‪ Edward Thorndike‬ا‪1874-1949‬م مان‬
‫العلماء األمريكيين الذين يحسبون على التيار السلوكي‪ ،‬وكان ساباقا إلاى وضاع‬
‫معادلة المثير واالساتجابة إطاارا مرجعياا للاتعلم وسايكولوجية السالوك‪ ،‬وطارو‬
‫تصورا ترابطيا للتعلم‪ .‬وقد عرف بن رية التعلم بالمحاولة والخطأ‪ .‬عالوة على‬
‫قانون األثر الذي ارتبط باسمه‪.‬‬
‫وتعنااي ن ريااة المحاولااة والخطااأ أن اإلنسااان يااتعلم بالخطااأ ‪ ،‬ونتيجااة تكاارار‬
‫المحاااوالت الكثياارة بغيااة الوصااول إلااى الهاادف المطلااوب‪ .‬وتقااوم هااذه الن ريااة‬
‫التعلمية على مجموعة من المفاهيم األساسية هي‪:‬‬
‫‪‬التكررر ا ‪ :‬يسااااعد الماااتعلم علاااى تجناااب الخطاااأ بعاااد القياااام بمجموعاااة مااان‬
‫المحااااوالت فاااي مااارات زمنياااة متعاااددة ‪ ،‬ماااع تصاااحية االساااتجابات الخاطئاااة‬
‫باالستجابات الصحيحة‪.‬‬
‫‪ ‬التدعيم أو التعزيز ‪ :‬يعناي التقاويم اإليجاابي بالمكافاأة لتشاجيع الماتعلم علاى‬
‫االستجابة‪.‬‬
‫‪ ‬االنطفررر ‪ :‬إذا لااام يتحقاااق التااادعيم‪ ،‬يقاااع االنطفااااء‪ ،‬أو تراجاااع الماااتعلم عااان‬
‫االستجابة الفورية‪.‬‬
‫بعااد عمليااة االنطفاااء‪ ،‬يمكاان للمااتعلم أن يسااترجع قااواه‬ ‫‪‬االسررت ع ا التائر‬
‫بطريقة تلقائية‪.‬‬
‫‪‬التعمريم ماا يتعلماه المااتعلم مان ماوارد يمكان أن يو فهااا ويادمجها فاي أثناااء‬
‫مواجهته لوضعيات متشابهة‪.‬‬

‫‪ - 36‬عبد العزيز القوصي‪ :‬علم النفس‪ :‬أسسه وتطبيقاته التربوية‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬طبعة ‪1978‬م‪ ،‬ص‪.76:‬‬
‫‪26‬‬
‫‪‬التمييررز‪ :‬يعنااي هااذا المباادأ أن المااتعلم إذا فشاال فااي حاال المشااكلة الوضااعية‬
‫الجديدة بناء على وضعيات سابقة مشابهة‪ ،‬فالبد مان االلتجااء إلاى مبادأ التميياز‬
‫للتفريق بين الموقف السابق والموقف الجديد‪.‬‬
‫‪‬العالق ت الزم نية يقوم الزماان بادور هاام فاي تقاويم التعلماات‪ ،‬فكلماا كانات‬
‫االستجابة فورية وفي مدة قصيرة كان التعلم ناجحا‪ ،‬وكلما طالت الفترة الزمنية‬
‫ضعف التعلم واالكتساب‪.‬‬
‫وماان خصااائه هااذه الن ريااة ارتباااط المثياار باالسااتجابة علااى مسااتو الااتعلم‪،‬‬
‫ووجود دافع أساساي للاتعلم‪ ،‬ثام تكارار المحااوالت التعلمياة بغياة الوصاول إلاى‬
‫الهدف‪ ،‬ثم إيجاد حل عن طريق الصدفة‪ ،‬ثم تعميم أثر الحل الصاحية فاي بااقي‬
‫الوضعيات السياقية األخر ‪.‬‬
‫وقااد توصاال ثورناادايك إلااى مجموعااة ماان القااوانين المتعلقااة بن ريااة المحاولااة‬
‫والخطااأ وهااي‪ :‬قااانون التكاارار الااذي يقااوي الااروابط بااين المثياار واالسااتجابة‪،‬‬
‫وقااانون األثاار القااائم علااى الثااواب‪ ،‬وقااد قااال بااه واطسااون‪ ،37‬وقااانون التهياا‬
‫واالستعداد المرتبط بالشعور بالرضا واالنزعاا ‪ ،‬وقاانون التمارين الاذي يقاوي‬
‫االرتباطاااات التعلميااااة‪ ،‬وقااااانون االنتمااااء الااااذي يقااااوي الرابطاااة بااااين المثياااار‬
‫واالستجابة عندما تكون االستجابة الصحيحة أكثر انتماء إلاى الموقاف‪ ،‬وقاانون‬
‫االسااتقطاب‪ ،‬والقااوانين الثانويااة‪ ،‬مثاال‪ :‬قااانون االسااتجابة المتعااددة التااي تسااتلزم‬
‫استجابات عدة ومتنوعاة‪ ،‬وقاانون االتجااه أو المن وماة‪ .‬ويعناي هاذا ماد تاأثر‬
‫التعلم باتجاهات الماتعلم وميولاه ودوافعاه‪ ،‬وقاانون االساتجابة بالمماثلاة‪ ،‬ويعناي‬
‫التعلم انطالقا مان المواقاف الساابقة المشاابهة‪ ،‬وقاانون االنتقاال الترابطاي الاذي‬
‫يعني تعلم المواقف في ارتباطها بالمواقف التعلمية األخر ‪...38‬‬

‫‪ - 37‬أحمد عزت راجح‪ :‬أصول عام النفس‪ ،‬المكتب المصري الحديث‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة‬
‫الثامنة‪1970 ،‬م‪ ،‬ص‪.207-206:‬‬

‫‪ -‬عبد المجيد نشواتي ‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬دار الفرقان للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن ‪،‬‬ ‫‪38‬‬

‫طبعة ‪1984‬م‪ ،‬ص‪.327:‬‬


‫‪27‬‬
‫ويمكاان تطبيااق الن ريااة الساالوكية علااى الحيوانااات‪ ،‬واألفااراد األسااوياء‪ ،‬وفااي‬
‫مجال سيكولوجيا الطفولة‪ ،‬والسيكولوجيا االجتماعية‪...‬‬
‫وماان جهااة أخاار ‪ ،‬تسااتند هااذه المدرسااة‪ ،‬علااى المسااتو اإلبسااتمولوجي‪ ،‬علااى‬
‫الفكاار العلمااي الوضااعي والموضااوعي والتجريبااي متااأثرة‪ ،‬فااي ذلااك‪ ،‬بااالعلوم‬
‫الفيزيائية والفيزيولوجياة والرياضاية والطبيعياة ‪ ،‬ماع تطبياق المانه التجريباي‬
‫القائم على المالح ة‪ ،‬والفرضية‪ ،‬والتجريب‪ ،‬والتكارار‪ ،‬والمقارناة‪ ،‬والقاانون‪،‬‬
‫والن رية‪ .‬دون أن ننسى أن هذه الن رية تقوم على مبدإ الحتمية العلمية‪ ،‬وربط‬
‫األسباب بالنتائ ‪ ،‬وتمثل الموضوعية العلمية في البحث التطبيقي‪.‬‬
‫وفاااي األخيااار‪ ،‬سااااهمت المدرساااة السااالوكية فاااي إجنااااء مجاااال التعلااايم والاااتعلم‬
‫والتكوين‪.‬ومن ثم‪ ،‬فالتعلم‪ ،‬في من ور المدرسة السلوكية‪ ،‬هو أن يكاون الماتعلم‬
‫قادرا على تقديم الجواب المناسب‪ ،‬أو يكون قادرا على حل الوضاعيات المعقادة‬
‫والمركباااة‪ ،‬أو يكاااون قاااادرا علاااى تقاااديم الحلاااول المالئماااة والمناسااابة لمختلاااف‬
‫المشاكل التي تواجهه في المدرسة من جهة‪ ،‬والحياة مان جهاة أخار ‪.‬ومن ثام‪،‬‬
‫يتحقق التعلم الحقيقي عند المتعلم بالجمع بين المثيار واالساتجابة وتكاراره عبار‬
‫الوحدات الدراسية والتعلمية‪.‬‬
‫أضااف إلااى ذلااك يتحقااق التعلاايم الساالوكي بتحديااد األهااداف اإلجرائيااة‪ ،‬وتقااديم‬
‫الوضااعيات المتدرجااة فااي السااهولة والصااعوبة لكااي يجيااب عنهااا المتعلم‪،‬وخلااق‬
‫السياقات ال رفية والبيئية التعليمية المختلفة للتثبت من مكتسبات المتعلم‪ ،‬رصد‬
‫مختلف استجاباته المعرفية‪ ،‬وتحديد مجمل المثيرات الدافعة نحو التعلم‪ ،‬وتبياان‬
‫نو‪ ،‬طبيعة السلوك التعلمي لد التلميذ بشكل علمي وموضوعي وتجريبي‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فقد رفضت المدرسة السلوكية البنياات العقلياة المتحكماة فاي الاتعلم كماا‬
‫لد السيكولوجيا المعرفية‪ ،‬بل اعتبرت السلوك المالح والمرصود هو أساس‬
‫المعرفااة الن رياااة والتطبيقياااة‪.‬بمعنى أن هااادف المدرساااة السااالوكية هاااو تحليااال‬
‫السلوك المعرفي والتعلمي المالح لد الماتعلم ووصافه بدقاة علمياة وقياساية‪،‬‬

‫‪28‬‬
‫فااي شااكل أهااداف ساالوكية وإجرائيااة فااي آخاار حصااة تعليميااة‪ -‬تعلميااة‪ .‬فمااا يهاام‬
‫السلوكية هو وصف األفعال السلوكية من قبيل‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكون التلميذ قادرا على رسم لوحة تشكيلية في وصف الطبيعة؛‬
‫‪ -‬أن يكون المتعلم قادرا على قفز حاجز من خمسة أمتار؛‬
‫‪ -‬أن يكون التلميذ قادرا على العد إلى المائة‪.‬‬
‫وماان هنااا‪ ،‬ينبنااي الفعاال الساالوكي علااى القاادرة زائااد فعاال الحركااة‪ .‬وال تبنااي‬
‫الساالوكية أهاادافها اإلجرائيااة والكفائيااة علااى األفعااال العقليااة والمعرفيااة‪ ،‬مثاال‪:‬‬
‫يتذكر‪ ،‬ويفهم‪ ،‬ويفكر‪... ،‬‬
‫وعلى الرجم من إيجابيات المدرساة السالوكية‪ ،‬فهنهاا تهمال جواناب سايكولوجية‬
‫أخاار تتعلااق بماااهو شااعوري‪ ،‬والشااعوري‪ ،‬ومعرفااي‪ .‬كمااا تسااقط فااي االيااة‬
‫الميكانيكياااة التكراريااااة‪.‬ثم‪ ،‬لااايس الااااتعلم مرتبطااااا بثنائياااة المثياااار واالسااااتجابة‬
‫بالضااارورة ‪ ،‬بااال قاااد يكاااون الاااتعلم نتاااا الرجباااة فاااي التعبيااار عااان المشااااعر‬
‫واألحاساايس الداخليااة التااي العالقااة لهااا بااالمحيط الخارجي‪.‬كمااا تملااك الااذات‬
‫م هالت وراثية وعقلية وذكائية تسمة لها باالتعلم واالكتسااب أكثار مماا يتيحهاا‬
‫المحيط الخارجي‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬علم النفس المعرفي‬


‫عرف علم النفس‪ ،‬عبر مساره التداريخي‪ ،‬عددة مراحدل مهمدة فدي دراسدة الدنفس‬
‫اإلنسانية‪ ،39‬ويمكن حصر هذه المراحل فيما يلي‪:‬‬
‫‪‬مرحلة النفس أو الروح أو الشعور؛‬
‫‪‬مرحلة التصرف أو السلوك الخارجي؛‬
‫‪‬مرحلة الالشعور أو التحليل النفسي؛‬
‫‪‬مرحلة العقل‪ ،‬أو المعلومة‪ ،‬أو معالجة المعرفة‪...‬‬

‫‪39‬‬
‫‪-Reuchlin, « Psychologie », Paris, 1999.‬‬
‫‪29‬‬
‫ومن هندا‪ ،‬يددرس علدم الدنفس الحداالت النفسدية الشدعورية والالشدعورية‪.‬ويدرس‬
‫أيضددا سددلوك الفددرد وتصددرفاته السددوية والشدداذة والمرضددية‪ ،‬أو يهددتم بمعالجددة‬
‫المعلومات‪ ،‬و تبيان الطرائق الكفيلة التي تكتسب بها المعرفة من حيث إدراكها‪،‬‬
‫وتذكرها‪ ،‬وتخزينها‪ ،‬ومعالجتها ذهنيا وعقليا‪...‬‬
‫ويعني هذا أن علم النفس المعرفي (‪ - )Psychologie Cognitive‬الذي ظهر‬
‫بالواليدددات المتحددددة األمريكيدددة مندددذ سدددنوات الخمسدددين مدددع العقدددل االصدددطناعي‬
‫والحاسددوبي‪ -‬هددو ذلددك العلددم الددذي يركددز علددى الدددماي البشددري الددذهني والعقلددي‬
‫بالتحليل والدراسة والتفسير والتشريح‪ ،‬بدالتوقف عندد مختلدف الوظدائف النفسدية‬
‫التددي يقددوم بهددا الكددائن البشددري علددى مسددتوى ‪ :‬التفكيددر‪ ،‬والددذاكرة‪ ،‬واالسددتدالل‪،‬‬
‫واالنتبدددداه‪ ،‬واللغددددة ‪ ،‬والددددذكاء‪ ،‬والتمددددثالت‪ ،‬واإلدراك ‪ ،‬والمعرفددددة‪ ،‬واإلبددددداع‪،‬‬
‫‪40‬‬
‫والعبقرية‪ ،‬وكيفية التعلم‪ ،‬وحل المسائل‪...‬‬
‫ويعنددي هددذا أن السدديكولوجيا المعرفيددة‪ ،‬فددي مفهومهددا العددام‪ ،‬هددي التددي تدددرس‬
‫المعرفدددة دراسدددة علميدددة‪ ،‬بدددالتركيز علدددى آليدددات الدددذاكرة‪ ،‬واالنتبددداه‪ ،‬واللغدددة‪،‬‬
‫واإلدراك‪ ،‬والذكاء‪ ،‬والوعي‪ ،‬وحدل الوضدعيات والمشداكل المستعصية‪،‬ودراسدة‬
‫السلوك الذهني والمعرفي لإلنسان‪.41‬‬
‫وبالمفهوم الضيق‪ ،‬يقصد بالسيكولوجيا المعرفية تلك المقاربة التدي تهدتم بالدذهن‬
‫اإلنسدداني ‪ ،‬بددالتوقف عنددد كيفيددة معالجددة المعلومددات‪ ،‬ودراسددة الحدداالت الذهنيددة‬
‫والعقليددة‪.‬أي‪ :‬تدددرس هددذه السدديكولوجيا الحركيددة الدينامكيددة للددذاكرة واالسددتدالل‬
‫البرهاني في مساره التطوري والنمائي والحركي‪ ،‬وتبيان وظائف تلك العمليدات‬
‫الذهنيددة التددي تتمثددل فددي ‪ :‬التنظدديم‪ ،‬والترتيددب‪ ،‬والتصددنيف‪ ،‬والتبويب‪،‬والتقسدديم‪،‬‬
‫والمعالجة‪ ،‬واالنتقاء‪ ،‬واإلخراج‪،‬والتنفيذ‪...‬‬
‫أي‪ :‬تعنددى السدديكولوجيا المعرفيددة بدراسددة اإلنسددان المعرفددي والعقلددي والددذهني‪،‬‬
‫بالتوقف عند مجموعة مدن األنشدطة الذهنيدة والعقليدة التدي يقدوم بهدا‪ ،‬مدع رصدد‬
‫‪40‬‬
‫‪-Jean-Luc Roulin (dir.), Psychologie cognitive, Bréal, Rosny-sous-Bois,‬‬
‫‪2006.‬‬
‫‪41‬‬
‫‪- J. Mehler : "Quand la science du comportement devient psychologie de‬‬
‫‪la connaissance", La Recherche N°100, mai 1979, Volume 10, p.540-541‬‬
‫‪30‬‬
‫المسارات المعرفية‪ ،‬وتحديد الوظدائف التدي تقدوم بهدا‪.‬أي‪ :‬تهدتم بالعقدل والدذهن‪،‬‬
‫والتهتم بالسلوك الخارجي‪.42‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يدرس علم النفس المعرفي ما يسمى بالمعرفة (‪،)la cognition‬‬
‫بالتوقف عند بنياتها‪ ،‬ومكوناتها‪ ،‬ووظائفها‪ ،‬وسيرورتها ‪ .‬فضال عن البحث في‬
‫األنشطة العقلية والذهنية ‪ ،‬وتحديد المسار الذي تتخذه هذه األنشطة ‪ ،‬وتبيان‬
‫مختلف الوظائف التي تؤديها‪.43‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬يهتم علم النفس المعرفي بالسلوك الذهني‪ ،‬وليس السلوك الخارجي‬
‫الظاهري المرتبط بالحافز واالستجابة كما عند السلوكيين التجريبيين‪ .‬كما تعتمد‬
‫السيكولوجيا المعرفية على المالحظة والتجريب والقولبة الحاسوبية في أثناء‬
‫التحليل والدراسة والفهم والتفسير وتشريح الدماي العصبي‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬فلقد اهتمت السيكولوجيا المعرفية بالفوارق الفردية في أثناء‬
‫رصد مختلف العمليات الذهنية أو العقلية التي يقوم بها اإلنسان‪ .‬ويعني هذا أن‬
‫السيكولوجيا المعرفية تهتم بالعقل والذهن والدماي البشري بفصيه األيمن‬
‫واأليسر‪ .‬كما تدرس أنواع الذكاء الذي يمتلكه اإلنسان‪ ،‬وتعداد المراحل التي‬
‫يمر بها في عالقة الذات مع الموضوع كما عند جان بياجيه )‪ ، (J.Piaget‬أو‬
‫البحث عن الكفاءة اللغوية عند مستعمل الكالم كما عند نوام‬
‫شومسكي(‪ ، )N.Chomsky‬أو تصنيف الذكاءات المتعددة كما عند هوارد‬
‫غاردنر)‪.44)H . Gardner‬‬
‫وأكثر من هذا فقد أصبح العقل مثل حاسوب مركب‪ ،‬يقوم بعمليات ذهنية‬
‫متنوعة ومتعددة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬أصبح العقل هو مدار الدراسة من خالل التشديد على‬
‫مدخالته‪ ،‬وعملياته‪ ،‬ومخرجاته‪ .‬وبهذا‪ ،‬تتجاوز السيكولوجيا المعرفية المدرسة‬

‫‪ - 42‬راجع‪ :‬عبد الكريم غريب‪ :‬علم النفس المعاصر‪ :‬التيارات والمدارس‪ ،‬منشورات عالم التربية‪،‬‬
‫مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2012‬م‪ 359 .‬صفحة‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫‪-Patrick Lemaire, Psychologie Cognitive, De Boeck, Bruxelles, 1999.‬‬
‫‪44‬‬
‫‪-Voir : H . Gardner : The Mind's New Science : A History of the‬‬
‫‪cognitive Revolution, New York, Basic books, 1985.‬‬
‫‪31‬‬
‫السلوكية التجريبية التي كانت تدرس السلوك الخارجي انطالقا من المثير‬
‫واالستجابة‪.‬‬
‫ويالحظ أن علم النفس المعرفي هو علم متعدد االختصاصات‪ ،‬يتداخل مع‬
‫الفلسفة‪ ،‬والرياضيات‪ ،‬والبيولوجيا‪ ،‬وعلم النفس‪ ،‬وعلم األعصاب‪ ،‬والتحليل‬
‫النفسي‪ ،‬والفيزيولوجيا‪ ،‬وعلوم التربية‪ ،‬واللسانيات‪ ،‬والطب‪ ،‬واإلعالميات‪،‬‬
‫وعلم التواصل‪ ،‬وعلم المنطق‪ ،‬والعلوم المعرفية‪ ،45‬والتكنولوجيا‪،‬‬
‫واإلبستمولوجيا التكوينية‪ ،‬والفينومونولوجيا (‪...46)phénoménologie‬‬
‫ويدرس علم النفس المعرفي عدة مواضيع تنتمي إلى المجال المعرفي والعقلي‬
‫والذهني والمنطقي والحسابي‪.47‬أي‪ :‬يدرس العمليات العقلية العليا لإلنسان‪،‬‬
‫مثل‪ :‬التفكير‪ ،‬واإلحساس‪ ،‬والذاكرة‪ ،‬واإلدراك‪ ،‬واللغة‪ ،‬والتعلم‪ ،‬والذكاء‪،‬‬
‫والكفاءة‪ ،‬والملكات‪ ،‬واإلبداع‪ ،‬والتفكير‪ ،‬واالستدالل‪ ،‬والمعرفة‪...‬وتقوم هذه‬
‫العمليات بعدة وظائف بارزة‪ ،‬والسيما الوظيفة المعرفية ‪.‬بمعنى أن هذه‬
‫العمليات تساعد اإلنسان على اإلحساس بالعالم الخارجي وإدراكه‪ ،‬وتحويله إلى‬
‫مدركات حسية أو تجريدية أو افتراضية وتخزينها في الذاكرة‪ ،‬والتعبير عنها‬
‫باللغة والفكر‪ ،‬وتحويلها إلى خبرات تعلمية مرتبطة بعمليات البرهنة واالستدالل‬
‫واإلبداع من أجل حل الوضعيات‪ -‬المشكالت‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬سوسيولوجيا التربية‬


‫يدرس علم اجتماع التربية (‪ ،)La sociologie de l’éducation‬أو علم‬
‫اجتماع المدرسة (‪ ،)La sociologie de l’école‬التربية أو المدرسة على‬
‫حد سواء‪ ،‬على أساس أن المدرسة ظاهرة اجتماعية أو مؤسسة اجتماعية لها‬

‫‪45‬‬
‫‪-F.J. Varela : Connaître. Les sciences cognitives, tendances et‬‬
‫‪perspectives, Editions du Seuil, Paris 1989.‬‬
‫‪46‬‬
‫‪-Voir Denis Fisette : La phénoménologie face aux sciences cognitives,‬‬
‫‪Dossier sur la phénoménologie, magazine littéraire N°403, novembre 2001.‬‬
‫‪47‬‬
‫‪-Flavell, J. H. (1979). Metacognition and cognitive monitoring.‬‬
‫‪American Psychologist, 34, 906-911‬‬

‫‪32‬‬
‫ثوابتها ومتغيراتها‪.‬أي‪ :‬تدرس سوسيولوجيا التربية أو المدرسة كل الظواهر‬
‫المتعلقة بمجال التربية والتعليم والمؤسسة الدراسية في عالقة تامة بالمجتمع‪.‬‬
‫ويعني هذا أن المدرسة تعكس محيطها االجتماعي بشكل مباشر أو غير مباشر‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬تركز هذه السوسيولوجيا على دراسة المؤسسة التربوية من الداخل‬
‫والخارج‪ ،‬بدراسة مكوناتها وعناصرها ونسقها الوظيفي الكلي‪ ،‬برصد مختلف‬
‫األنشطة التي تقوم بها المؤسسة التعليمية ‪ ،‬سواء كانت أنشطة مادية أم معنوية‪.‬‬
‫ثم رصد مختلف العالقات التفاعلية التي تجريها المؤسسة مع المجتمع‬
‫الخارجي‪ ،‬بالتوقف عند ثوابتها ومتغيراتها‪ ،‬واستجالء خصائصها ووظائفها‬
‫وأدوارها المجتمعية‪ ،‬ومدى مساهمتها في توعية المجتمع‪ ،‬وتنويره‪ ،‬وقيادته‬
‫تنمويا‪ ،‬واقتصاديا‪ ،‬واجتماعيا‪ ،‬وسياسيا‪ ،‬وثقافيا‪ ،‬وحضاريا‪ .‬عالوة على ذلك‪،‬‬
‫تتوقف سوسيولوجيا التربية عند مكونات المدرسة وعناصرها الفاعلة‬
‫والوظيفية‪ ،‬كالتوقف‪ -‬مثال‪ -‬عند التالميذ‪ ،‬والمدرسين‪ ،‬ورجال اإلدارة‪،‬‬
‫واألعوان والمساعدين‪ ،‬والمشرفين التربويين‪ ،‬وجمعيات اآلباء واألمهات‪،‬‬
‫بالتحليل والدراسة والرصد واستكشاف مهام هؤالء والوظائف المنوطة بهم‪.‬‬
‫ويعرف أحمد أوزي سوسيولوجيا التربيدة بقولده‪ ":‬يقدوم علدم االجتمداع التربدوي‬
‫بدراسددة أشكككال األنشككطة التربويككة للم سسككات‪ ،‬كأنشددطة المدرسددين والتالميددذ‬
‫واإلداريددين داخددل المؤسسددات المدرسددية‪ .‬كمددا يقددوم بوصددف طبيعددة العالقككات‬
‫واألنشكطة التككي تكتم بيككنهم‪ .‬كمدا يهددتم علدم االجتمدداع التربدوي بدراسددة العالقددات‬
‫التي تتم بين المدرسة وبين مؤسسات أخرى ‪ ،‬كاألسرة‪ ،‬والمسجد‪ ،‬والنادي‪ .‬كما‬
‫يهتم بالشروط االقتصادية والطبيعية التي تعيش فيها هذه المؤسسات‪ ،‬وتؤثر في‬
‫شروط وجودها وتعاملها‪"48.‬‬
‫أما عبد الكريم غريب‪ ،‬فيعرفها بقوله‪ ":‬علم يددرس التدثأثيرات االجتماعيدة التدي‬
‫تددؤثر فددي المسددتقبل الدراسددي لألفددراد؛ كمددا هددو الشددأن بالنسددبة لتنظدديم المنظومددة‬
‫المدرسية‪ ،‬وميكانيزمات التوجيه‪ ،‬والمستوى السوسيوثقافي ألسدر المتمدرسدين‪،‬‬

‫‪ -48‬أحمد أوزي‪ :‬المعجم الموسوعي لعلوم التربية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2006‬م‪ ،‬ص‪.167:‬‬
‫‪33‬‬
‫وتوقعددات المدرسددين واآلبدداء‪ ،‬وإدمدداج المعددايير والقدديم االجتماعيددة مددن طددرف‬
‫التالميذ‪ ،‬ومخرجات األنظمة التربوية‪...‬‬
‫يمكن تحديدد موضدوع سوسديولوجيا التربيدة فدي التسداؤل العلمدي حدول نوعيدة‬
‫الددروابط القائمددة بددين المؤسسددات التربويددة المختلفددة وبددين بدداقي البنيددات واألطددر‬
‫االجتماعية األخرى‪ :‬ماهي الوظيفة التي تقوم بها تلك المؤسسدات داخدل مجتمدع‬
‫مددا؛ ومامدددى مسدداهمتها فددي تنشددئة األفددراد ؟ وإلددى أي حددد تحدددث تعددديالت فددي‬
‫الهرمية االجتماعية القائمة (الحركية االجتماعية) ؛ ومامدى تأثيرها في البنيدات‬
‫الثقافية وماعالقتها بالبنيات المهنية والثقافية الموجودة؟‪...‬إلخ‪.‬تلك أهم التساؤالت‬
‫التدددي تطمدددح سوسددديولوجيا التربيدددة لإلجابدددة عنهدددا‪ ،‬مدددع األخدددذ بعدددين االعتبدددار‬
‫‪49‬‬
‫االختالفات القائمة بين المجتمعات المتنوعة‪".‬‬
‫ويعرف علدي الحدوات علدم االجتمداع التربدوي بقولده‪ " :‬هدو العلدم الدذي يخدتص‬
‫بدراسة اإلنسان حينما يدخل في عالقة مع إنسان آخر فكي إطكار تربكوي يهددف‬
‫إلدددى تكدددوين الخبدددرة ‪ ،‬أو المعرفدددة‪ ،‬أو الثقافدددة‪ ،‬أو التعلددديم‪ ،‬أو التددددريب"‪.‬أي‪:‬‬
‫العالقات التي تدتم بدين األفدراد فدي اإلطدار التربدوي (التعليمدي التعلمدي)‪ ،‬سدواء‬
‫أكانددت هددذه العالقددات بددين تلميددذ وآخددر‪ ،‬أو بددين تلميددذ ومعلددم‪ ،‬ثددم بددين التالميددذ‬
‫والمعلمين ككل‪ ،‬وبين كدل مدن فدي المؤسسدة التربويدة‪ ،‬والنظدام التربدوي بشدكل‬
‫عدام‪ ،‬وبددين كدل مددن فدي اإلطددار التربدوي والمؤسسددات االجتماعيدة األخددرى فددي‬
‫‪.50‬‬
‫المجتمع الكبير‪".‬‬
‫وعليدده‪ ،‬فسوسدديوبوجيا التربيددة هددي التددي تعنددى بدراسددة المدرسددة فددي عالقتهددا‬
‫بمحيطهددا المجتمعددي‪ ،‬ودراسددة مختلددف التفدداعالت االجتماعيددة داخددل المؤسسددة‬
‫التربويددة نفسددها‪ ،‬واالهتمددام بمختلددف األنشددطة واألدوار التددي تقددوم بهددا المدرسددة‬
‫التربوية‪ ،‬مع التركيدز علدى مجموعدة مدن الظدواهر االجتماعيدة التربويدة‪ ،‬مثدل‪:‬‬
‫سددلطة المدرسددة‪ ،‬والنجدداح واإلخفدداق‪ ،‬واالنتقدداء أو االصددطفاء التربددوي‪ ،‬ودور‬

‫‪ -49‬عبد الكريم غريب‪ :‬المنهل التربوي‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬منشورات عالم التربية‪ ،‬مطبعة النجاح‬
‫الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى ‪2006‬م‪ ،‬ص‪.864:‬‬
‫‪ - 50‬علي الحوات‪ :‬أسس علم االجتماع التربوي‪ ،‬جامعة الفاتح‪ ،‬طرابلس‪ ،‬ليبيا‪ ، ،‬طبعة ‪1979‬م‪،‬‬
‫ص‪.84:‬‬
‫‪34‬‬
‫المدرسددة فددي انتخدداب النخبددة‪ ،‬والفددوارق االجتماعيددة والطبقيددة داخددل المؤسسددة‪،‬‬
‫والهددددر المدرسدددي‪ ،‬وديناميكيدددة الجماعدددات‪ ،‬ومشدددروع المؤسسدددة‪ ،‬والشدددراكة‬
‫التربوية‪ ،‬والتوجيه التربوي‪ ،‬والمسالك المهنية‪ ،‬وديمقراطية التعلديم‪ ،‬وتفداعالت‬
‫المدرسة الداخلية والخارجية‪ ،‬وقضية الالمساواة الطبقية ‪ ،‬والمدرسة واإلعدالم‪،‬‬
‫أو موقددف المدرسددة مددن التحددديات اإلعالميددة للتلفزيددون واألنترنيددت‪ ،‬والتفاعددل‬
‫التربددوي داخددل المؤسسددة أو الفصددل الدراسددي‪ ،‬وطبيعددة العالقددة بددين المدرسددة‬
‫واألسرة‪ ،‬وقضية االنتماء االجتماعي‪ ،‬والتحصيل الدراسي‪ ،‬والنجاح المدرسي‪.‬‬
‫ويددرى محمددد الشددرقاوي أن سوسدديولوجيا التربيددة تعنددى بدراسددة أنظمددة التعلدديم‪،‬‬
‫ودراسددة الظددواهر المدرسددية‪ ،‬مددع دراسددة مختلددف العالقددات التددي تكددون بددين‬
‫المدرسددة ومخلددف المؤسسددات األخددرى‪ ،‬مثددل‪ :‬األسددرة‪ ،‬والسياسددة‪ ،‬واالقتصدداد‪.‬‬
‫أي‪ ":‬دراسددة اآلليددات المدرسددية كالمدددخالت و العمليددات والمخرجددات‪ .‬وتتمثددل‬
‫المدخالت في التالميذ والمدرسين واإلدارة‪.‬ويتميز تالميذ المدرسة‪ ،‬على أساس‬
‫أنهم ساكنة المدرسة ‪،‬بخصائص فيزيولوجية‪ ،‬ونفسية‪ ،‬واجتماعية‪ ،‬عدالوة علدى‬
‫السددمات التاليددة‪ :‬السددن‪ ،‬والجددنس‪ ،‬والمسددتوى الثقددافي‪ ،‬واألصددل االجتماعي‪.‬أمددا‬
‫المدرسددون واإلداريدددون‪ ،‬فيتميدددزون بددالمتغيرات المهنيدددة والحرفيدددة والسياسدددية‬
‫والنقابيددة ‪ ،‬مثددل‪ :‬مسددتوى التكددوين‪ ،‬وطريقددة التوظيددف‪ ،‬والوضددعية داخددل البنيددة‬
‫المجتمعية‪ ،‬والتوجهات السياسية والنقابية‪.‬‬
‫أمددا المخرجددات‪ ،‬فتتمثددل فددي النتددائج التددي تترتددب عددن توظيددف آليددات التطبيددع‬
‫االجتمدداعي واالصددطفاء‪.‬أي‪ :‬توظيددف مختلددف المعددارف والمهددارات مددن أجددل‬
‫تحقيق النجاح الدراسدي‪ ،‬ورصدد مختلدف آثدار الدتعلم فدي أسداليب الحيداة‪ ،‬أوفدي‬
‫السلوك السياسي أو القانون المجتعي النهائي‪.‬‬
‫وترتكز العمليات على نقل القيم األخالقية والمعارف‪ ،‬ثم االهتمدام بالبيدداغوجيا‪،‬‬
‫ثم قواعد التقويم‪ .‬ويعني هذا أن وظيفة المدرسدة هدي نقدل المعدارف والقديم وفدق‬
‫قواعد بيداغوجية وديدكتيكية معينة‪ ،‬مع االهتمام بأنظمة التقويم‪.‬‬
‫ويتضح ‪ ،‬مما سبق‪ ،‬أن مجال علدم االجتمداع المدرسدي هدو رصدد التحدول الدذي‬
‫ينتاب الفرد‪ ،‬وهو ينتقل من كائن بيولوجي غريدزي إلدى كدائن بيولدوجي إنسداني‬
‫‪35‬‬
‫وثقافي ‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فسوسيولوجيا التربيدة لدديها الكثيدر ممدا تقولده‪ .‬ومدن ثدم‪ ،‬فعلدم‬
‫االجتمدداع التربددوي مجددال واسددع ورحددب‪ ،‬ومتعدددد المواضدديع والقضددايا‪ ،‬وأن‬
‫المدرسة مجتمدع مصدغر‪.‬وبالتالي‪ ،‬تزخدر بكثيدر مدن الظدواهر والمجتمعيدة التدي‬
‫تنقلها من المحيط الذي يحوم بها‪.51‬‬
‫ولكن ينبغي لسوسيولوجيا التربية أن تتوسع وتتجاوز إطار المدرسة إلى أشدكال‬
‫ضددمنية أخددرى مددن الددتعلم‪ ،‬كددأن تتوقددف عنددد األسددرة والمحدديط وغيرهددا مددن‬
‫المواضيع المرتبطة بالتعلم ‪.‬‬
‫ومددن هنددا‪ ،‬تهددتم سوسدديولوجيا التربيددة بالعالقددات االجتماعيددة داخددل المؤسسددة‬
‫التربوية‪ ،‬ودراسة المؤسسات التي تقوم بوظيفدة التنشدئة التربويدة واالجتماعيدة‪،‬‬
‫وربط التكوين بوظيفته االجتماعية واإليديولوجية‪ ،‬والتركيز على وظيفة التنشئة‬
‫االجتماعية ووظيفة التمدرس‪.‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬تهتم سوسيولوجيا التربيدة بدراسدة األنظمدة التربويدة فدي عالقتهدا‬
‫بالمجتمع‪ ،‬وتبيان دورها في التغيير االجتماعي‪ ،‬والسيما أن التربيدة تسدعى إلدى‬
‫تحويددددددددددددددددددددددل كددددددددددددددددددددددائن غيددددددددددددددددددددددر اجتمدددددددددددددددددددددداعي ليصدددددددددددددددددددددددبح‬
‫اجتماعيددددددا‪.52http://almothaqaf.com/index.php/qadaya2009/67086.html - _ftn1‬ومددددددن ثددددددم‪،‬‬
‫فسوسدديولوجيا التربيددة مفهددوم عددام يدددرس مختلددف األنشددطة اإلنسددانية‪ ،‬وخاصددة‬
‫التربوية منها‪ .‬وإذا كانت سوسيولوجيا التربية تدرس الظدواهر المدرسدية ‪ ،‬فلهدا‬
‫أيضا عالقة وثيقة باألسرة والسياسة واالقتصاد‪.‬ويعني هذا أنها تدرس ما يتعلق‬
‫بالتربية بالتركيز على ثالثة عناصر رئيسة هي‪ :‬مدداخل التربيدة (المتمدرسدون‪،‬‬
‫و رجال التعليم‪ ،‬و أطر اإلدارة‪ ،‬واآلبداء‪ ،‬والمقدررون‪ ،‬والمفتشدون‪ ،)...‬وآلياتهدا‬
‫البيداغوجيددددة والديدكتيكيددددة والسوسدددديولوجية‪ ،‬ومخارجهددددا(التقويم‪ ،‬واالنتقدددداء‪،‬‬
‫واالصطفاء‪.)...‬‬
‫وهناك تعريف آخر لهذا الحقل المعرفي مفاده أن علم االجتمداع التربدوي يقدوم"‬
‫بدراسددة أشددكال األنشددطة التربويددة للمؤسسددات‪ ،‬كأنشددطة المدرسددين والتالميددذ‬

‫‪51‬‬
‫‪- Mohamed Cherkaoui:Sociologie de l'éducation, Que sais-je, PUF, 5‬‬
‫‪edition 1999, pp: 3-5.‬‬
‫‪52‬‬
‫‪-Mohamed Cherkaoui : Sociologie de l’éducation, PUF, Paris, France, 1‬‬
‫‪édition 1986, p : .3‬‬
‫‪36‬‬
‫واإلداريدددين داخدددل المؤسسدددات المدرسدددية‪.‬كما يقدددوم بوصدددف طبيعدددة العالقدددات‬
‫واألنشطة التي تتم بينهم‪.‬كما يهتم علم االجتماع التربوي بدراسدة العالقدات التدي‬
‫تتم بين المدرسة وبين مؤسسات أخرى‪ ،‬كاألسدرة‪ ،‬والمسدجد‪ ،‬والنادي‪.‬كمدا يهدتم‬
‫بالشددروط االقتصددادية والطبيعيددة التددي تعدديش فيهددا هددذه المؤسسددات‪ ،‬وتددؤثر فددي‬
‫شروط وجودها وتعاملها‪"53.‬‬
‫وهندداك مددن يعددرف سوسدديولوجيا التربيددة بأنهددا بمثابددة علددم" يدددرس التددأثيرات‬
‫االجتماعيددة التددي تددؤثر فددي المسددتقبل الدراسددي لألفددراد؛ كمددا هددو الشددأن بالنسددبة‬
‫لتنظدديم المنظومددة المدرسددية‪ ،‬وميكانيزمددات التوجيدده‪ ،‬والمسددتوى السوسدديوثقافي‬
‫ألسدددر المتمدرسدددين‪ ،‬وتوقعدددات المدرسدددين واآلبددداء‪ ،‬وإدمددداج المعدددايير والقددديم‬
‫االجتماعية من قبل التالميذ‪ ،‬ومخرجات األنظمة التربوية‪"54.‬‬
‫وبندداء علددى مددا سددبق‪ ،‬يقصددد بسوسدديولوجيا التربيددة ذلددك الحقددل المعرفددي الددذي‬
‫يسدددتعين بعلدددم االجتمددداع فدددي دراسدددة القضدددايا التربويدددة‪ ،‬فدددي عالقدددة بمختلدددف‬
‫المؤسسدددات المجتمعيدددة األخدددرى‪ ،‬علدددى أسددداس أن المؤسسدددة التعليميدددة مجتمدددع‬
‫مصغر يعكس‪ ،‬في جوهره ‪ ،‬مختلف التناقضات الجدلية التي يتضدمنها المجتمدع‬
‫األكبر‪ .‬وأهم مدا تعندى بده سوسديولوجيا التربيدة دراسدة المؤسسدة التعليميدة‪ ،‬مدع‬
‫تحديد دورها في بناء المجتمع‪ ،‬سواء أكان ذلك عبر التكييف االندماجي أم عبدر‬
‫عمليات التغيير‪ .‬أضف إلى ذلك أنها تهتم بفهم المدرسة باعتبارها بنية‪ ،‬وداللدة‪،‬‬
‫ومقصدية‪.‬أي‪ :‬ترصدد دورهدا فدي التغييدر االجتمداعي‪ .‬كمدا تهدتم بتبيدان مختلدف‬
‫وظائفها وأدوارها‪ ،‬واستكشاف عالقدة المدرسدة باألسدرة والسياسدة واالقتصداد‪،‬‬
‫ووصددف مختلددف الصددراعات الطبقيددة واالجتماعيددة التددي تعددج بهددا المؤسسددة‬
‫التعليميددة‪ ،‬والتركيددز علددى أهددم الفدداعلين فددي تحريددك هددذه المؤسسددة التربويددة‪ ،‬و‬
‫تفسير دور المدرسدة فدي المجتمدع الليبرالدي‪ ،‬مدن حيدث تحقيقهدا لفدرص النجداح‬
‫والفشل‪ ،‬وعالقة ذلك باألصول الطبقية واالجتماعية‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فلقدد اسدتفادت الديددكتيك كثيدرا مدن المقاربدة السوسديولوجية فدي دراسدة‬
‫الفشل الدراسي‪ ،‬وافتحاص المنظومة التربوية في مختلدف مسدتوياتها وأبعادهدا‪،‬‬
‫بعددد أن ارتبطددت لمدددة طويلددة بالمقاربددة السدديكولوجية التددي كانددت تعنددى بدراسددة‬
‫الظواهر الفردية ‪ ،‬كالنمو‪ ،‬والذكاء‪ ،‬والذاكرة‪ ،‬والتعلم‪...‬‬

‫‪ -53‬أحمد أوزي‪ :‬المعجم الموسوعي لعلوم التربية‪ ،‬ص‪.167:‬‬


‫‪ -54‬عبد الكريم غريب‪ :‬المنهل التربوي‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬ص‪.863:‬‬
‫‪37‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬اللسانيات التطبيقية‬
‫تعد اللسانيات التطبيقية (‪ )La linguistique appliquée‬فرعا من فروع‬
‫اللسانيات العامة‪ ،‬وتعنى بدراسة اللغة في بعدها المجتمعي‪ ،‬وهي مادة دراسية‬
‫متعددة االختصاصات‪ ،‬فهي التعنى بما هو لساني ولغوي فقط‪ ،‬بل تهتم أيضا‬
‫بالترجمة‪ ،‬وتدريس اللغات األجنبية‪ ،‬وتحسين ظروف تعلمها وتعليمها في‬
‫الوقت نفسه‪ ،‬والتقابل بينها لسانيا وثقافيا وحضاريا‪ ،‬وتهتم كذلك باالكتساب‬
‫اللغوي‪ ،‬وإعداد المناهج والبرامج الدراسية‪...‬‬
‫وقد تأثر هذا العلم بإنجازات نوام شومسكي (‪ )N.Chomsky‬في مجال‬
‫اللسانيات التوليدية التحويلية‪ ،‬وخاصة فيما يتعلق باكتساب الطفل للغته األم‬
‫ولغته الثانية والثالثة انطالقا من النحو الكلي الكوني‪.‬‬
‫وإذا كان هذا العلم قد استقل منذ سنوات الخمسين من القرن الماضي مع‬
‫دراسات نوام شومسكي في مجال االكتساب اللغوي‪ ،‬فإنه تطور في سنوات‬
‫السبعين ‪ ،‬وقد استقل عن اللسانيات النظرية ‪ ،‬وأصبحت له مراكز وجمعيات‬
‫ومنظمات عدة‪ ،‬مثل‪ :‬الجمعية األمريكية للسانيات التطبيقية‪ ،‬ومركز اللسانيات‬
‫التطبيقية بالواليات المتحدة‪ ،‬وغيرها من المنظمات بأمريكا والمملكة‬
‫المتحدة‪.‬وقد استفاد هذا العلم من أبحاث علم النفس‪ ،‬وعلم االجتماع‪ ،‬وعلم‬
‫اإلنسان‪ ،‬واللسانيات‪ ،‬والتربية والتعليم‪ ،‬وعلم النفس المعرفي‪ ،‬والدراسات‬
‫الحاسوبية‪...‬‬
‫ومن أهم المواضيع التي تنصب عليها اللسانيات التطبيقية طرائق تعليم اللغة‬
‫التربوية‪ ،‬ومحو األمية‪ ،‬وتدريس اللغات‪ ،‬واستخدام الحاسوب في التواصل‪،‬‬
‫وتحليل الحوار‪ ،‬والتقابل بين اللغات‪ ،‬ودراسة لغة اإلشارة‪ ،‬واالهتمام‬
‫باختبارات اللغة‪ ،‬وتحليل الخطاب‪ ،‬واكتساب اللغة الثانية‪ ،‬ودراسة المعاجم‬
‫وكيفية تطويرها‪ ،‬والعناية بالتخطيط اللغوي‪...‬‬

‫‪38‬‬
‫وعليه‪ ،‬تنطلق اللسانيات التطبيقية من التقابل بين اللغة األم واللغة الهدف ‪.‬أي‪:‬‬
‫اللغة األجنبية‪ .‬وترى أنه كلما كان التشابه بينهما كبيرا كلما كانت التداخالت‬
‫واألخطاء ضعيفة والعكس صحيح‪..‬‬

‫المطلب السادس‪ :‬علم اإلحصاء‬


‫يعرف اإلحصاء بأنه مجموعة من المقاييس والمالح ات المتعلقة بحالة أو‬
‫تطور اهرة ما‪ .‬ومن الصعب بمكان إيجاد تعريف دقيق ل حصاء‪ ،‬فقد‬
‫استعرض والتر ويلكوكس ا‪ Walter F. Willcox‬سنة ‪1935‬م ما بين‬
‫‪100‬و‪ 120‬تعريفا ل حصاء‪.‬‬
‫ويشتق اإلحصاء ا‪ statistique‬من مفهومين‪ :‬الدولة ا‪ status‬والسياسة‬
‫ا‪ . statista‬ويحيل هذا المصطلة على الدولة السياسية‪ .‬ومن الطبيعي أن‬
‫تكون الدولة هي التي تستخدم اإلحصاء بكثرة لتعداد السكان‪ ،‬وحساب الموارد‬
‫ألجراض عسكرية وضريبية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فقد توسع اإلحصاء ليدل على جمع‬
‫المعلومات والبيانات حول المواليد والوفيات واإلنتا والتوزيع واالستهالك‬
‫والثروة إلدارة ش ون البالد‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فاإلحصاء هو عبارة عن مجموعة من التقنيات اإلجرائية التي هدفها‬
‫جمع المعلومات وانتقا ها ومعالجتهما وتفسيرها‪ ،‬في ارتباط تام بمالح ة‬
‫مجموعة من األفراد أو الوحدات‪ .‬ويعني هدا أن اإلحصاء مرتبط بالرياضيات‬
‫ومنطق االحتماالت‪.‬‬
‫ويعرف علم اإلحصاء أيضا بأنه مالح ة المتغيرات ودراستها وصفا وتفسيرا‬
‫وتأويال وتنب ا‪ ،‬بعد عملية الجمع واالنتقاء والمالح ة الميدانية‪ ،‬أو هو العلم‬
‫الذي يبحث في جميع البيانات وعرضها وتبويبها وتحليلها‪.‬‬
‫ويعرف القاموس األمريكي علم اإلحصاء بأنه الرياضيات الخاصة بجمع‬
‫البيانات وتن يمها وتفسيرها‪ ،‬وخاصة تحليل خصائه الساكنة‪ ،‬وذلك عن‬
‫طريق االستدالل من عينة مأخوذة من الساكنة ‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫ويعرف عالم اإلحصاء اإلنجليزي فيشرا‪ Fisher‬علم اإلحصاء بأنه فر‪ ،‬من‬
‫فرو‪ ،‬الرياضيات التطبيقية‪ ،‬ويمكن الن ر إليه على أنه تطبيق للرياضيات‬
‫على البيانات المشاهدة ‪ .‬وير البعض أيضا أن علم اإلحصاء هو ن رية‬
‫معلومات تعتمد فيها الرياضيات بشكل أساسي‪ .‬وير البعض ااخر أن علم‬
‫اإلحصاء يخته بالطرائق العلمية بجمع البيانات وتن يمها وتلخيصها‬
‫وعرضها وتحليلها‪ ،‬وكذلك استخاله نتائ صحيحة مع صنع قرارات منطقية‬
‫على أساس هذا التحليل‪.‬‬
‫وهو أيضا بمثابة مجموعة من الن ريات والطرائق العلمية التي تبحث في‬
‫جمع البيانات وعرضها وتحليلها‪ ،‬واستخدام النتائ في التنب أو التقرير واتخاذ‬
‫القرار‪ .‬كما أنه طريقة كمية تستعمل العدد وسيلة للتعبير عن لغة الكالم ‪.55‬‬
‫وعليه‪ ،‬فعلم اإلحصاء هو عبارة عن مجموعة الن ريات والطرق العلمية‬
‫التي تبحث في جمع البيانات وعرضها وتحليلها واستخدام النتائ في التنب أو‬
‫‪56‬‬
‫التقرير واتخاذ القرار‪.‬‬
‫وبناء على ما سبق‪ ،‬يمكن القول‪ :‬إن علم اإلحصاء هو ذلك العلم الذي يمد‬
‫الباحث بمجموعة من األساليب والطرائق واألدوات اإلحصائية لدراسة اهرة‬
‫ما وصفا واستنتاجا‪ ،‬بجمع المعطيات وتن يمها وتبويبها وتحليلها وتلخيصها‪ ،‬و‬
‫إصدار قرارات تقويمية فيما يخه فرضية الدراسة تثبيتا وتفنيدا‪ .‬ومن ثم‪،‬‬
‫تندر عمليات الجمع والتن يم والتبويب والتحليل ضمن اإلحصاء الوصفي‪.‬‬
‫في حين‪ ،‬تندر عمليتا االستنتا وإصدار األحكام ضمن اإلحصاء االستنتاجي‬
‫أو االستداللي‪.‬‬
‫ال أحد ينكر أهمية اإلحصاء في الحياة اإلنسانية بصفة عامة‪ ،‬وفي البحث‬
‫العلمي بصفة خاصة‪ ،‬فال يخلو أي بحث علمي أو تربوي من أساليب المنه‬

‫‪ - 55‬نقال عن عبد العالي حمدولي‪( :‬اإلحصائيات التطبيقية في البحث التربوي)‪ ،‬مجلة اهتمامات‬
‫تربوية ‪ ،‬المغرب‪ ،‬العدد الثامن‪ ،‬األكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة تادال‪ -‬أزيالل‪2012 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪.177-176:‬‬
‫‪ - 56‬أحمد عبد السميع طبيه‪ :‬مبادئ اإلحصاء‪ ،‬دار البداية‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة األولى سنة‬
‫‪2008‬م‪ ،‬ص‪.13:‬‬
‫‪40‬‬
‫اإلحصائي وأدواته‪ ،‬بل نجده حتى في الدراسات األدبية والنقدية ‪ ،‬والسيما‬
‫الدراسات النقدية البنيوية والسيميائية التي تستعين بالجداول اإلحصائية‬
‫واألرقام الحسابية في دراسة ال واهر النصية‪ .‬ومن هنا‪ ،‬ال يمكن االستغناء‬
‫عن اإلحصاء‪ ،‬بأي حال من األحوال‪ ،‬في البحوث العلمية مهما كانت طبيعة‬
‫هذه البحوث رجبة في تحصيل نو‪ ،‬من الدقة العلمية والمشروعية األكاديمية‬
‫الرصينة‪.‬‬
‫وقد أصبة علم اإلحصاء أداة ناجعة ووسيلة مفيدة في شتى العلوم‪ ،‬ويستعمل‬
‫بكثرة في إدارة مرافق الدولة تخطيطا‪ ،‬وتدبيرا‪ ،‬وتقويما‪ .‬فال يمكن الحديث ‪-‬‬
‫إذا‪ -‬عن إدارة الجودة‪ ،‬أو مقاولة ناجحة‪ ،‬إال إذا كانت تعتمد اإلحصاء منهجا‬
‫في جمع البيانات ومعالجتها تفسيرا‪ ،‬واستنتاجا‪ ،‬وتنب ا‪ .‬ويعني هذا أن علم‬
‫اإلحصاء أصبة وسيلة وليس جاية‪.‬أي‪ :‬إنه أداة إجرائية لتحقيق نو‪ ،‬من‬
‫العقالنية والمصداقية العلمية بغية التحكم في األشياء وزمام األمور‪.‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬يقوم اإلحصاء بدور مهم في تلخيه البيانات ومعالجتها‪،‬‬
‫واستخاله النافع منها‪ ،‬مع االستعانة بالمبيانات لتوضية ال واهر المدروسة‬
‫بشكل كمي وكيفي بغية معالجتها حسابيا وهندسيا‪ .‬والغرض من هذا كله هو‬
‫الوصول إلى نتائ علمية دقيقة‪ ،‬يمكن الحكم على صحتها في ضوء جداول‬
‫إحصائية وضعت خصيصا لذلك‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يساعدنا علم اإلحصاء على التعليل‬
‫والتفسير واالستنتا والتنب ‪ ،‬ويسعفنا كذلك في اتخاذ القرارات الصائبة بشكل‬
‫علمي‪ ،‬بعد التحقق منها علميا وإجرائيا وإحصائيا‪ ،‬ويمكننا كذلك من امتالك‬
‫مختلف آليات الرقابة والتحكم في ال واهر‪.‬‬
‫و يشكل اإلحصاء في صورته الحديثة إحد الدعامات المنهجية الرئيسية‬
‫التي تقوم عليها البحوث التربوية العلمية‪ .‬وليس اإلحصاء في الحقيقة سو‬
‫مجموعة من اإلجراءات الرياضية لضبط مختلف العالقات والمتعلقات‬
‫المرتبطة بال اهرة المدروسة وتقديرها ضبطا وتقديرا كميين‪ ،‬بواسطة األعداد‬
‫والعمليات الحسابية المنطقية التي تسمة بها انطالقا من بعض المسلمات‬
‫والقواعد الرياضية‪ .‬والرياضيات ما هي إال لغة رفيعة من المنطق الرمزي‪،‬‬
‫‪41‬‬
‫على حد تعبير برتراند راسل‪ :‬أي‪ :‬إن اإلحصاء ماهو إال ممارسة علم‬
‫الرياضيات‪ ،‬بمختلف مضامينه الكمية على ال واهر أو الحوادث أو الصفات‬
‫أو السلوكيات التربوية المدروسة‪.‬‬
‫ويساعد اإلحصاء على تلخيه المالح ات والبيانات المبعثرة وتبويبها‪،‬‬
‫وتحويلها من صورتها األولية الخامة إلى بيانات مرصودة رصدا رياضيا‬
‫مركزا‪ ،‬الشيء الذي يجعلها قابلة للوصف اإلحصائي الشامل‪ ،‬ولالستنتا‬
‫المنطقي الذي يهدف إلى فهم العوامل األساسية التي ت ثر في ال اهرة‪ ،‬وإلى‬
‫الكشف االستقرائي للقوانين العامة التي تفسرها تفسيرا واقعيا صحيحا‪ ،‬وإلى‬
‫إجراء تنب ات علمية حول ذلك‪ .‬واإلحصاء‪ ،‬على هذا األساس‪ ،‬يساعد الباحث‬
‫على تقوية وسائل بحثه‪ ،‬وعلى تحقيق الثقة والصدق والموضوعية فيما‬
‫يتوصل إليه من نتائ وحقائق ضمن معايير يمكن اعتمادها للتحقق من فروض‬
‫‪57‬‬
‫البحث‪.‬‬
‫ول حصاء ‪ ،‬بنوعيه الوصفي واالستنتاجي ‪ ،‬أهمية كبر في دراسة ال واهر‬
‫التربوية والديدكتيكية لمعرفة األسباب والم اهر والنتائ والحلول الممكنة‪.‬أي‪:‬‬
‫يساعدنا على وصف ال واهر التربوية والديدكتيكية المرصودة علميا بغية‬
‫اتخاذ القرارات الحاسمة في المعالجة والتحكم والمراقبة‪ .‬و على الرجم مما‬
‫يوحي به علم اإلحصاء من صعوبات تطبيقية في المجال التربوي‪ ،‬إال أنه‬
‫يعتبر من الوسائل الفنية والعلمية األكثر سهولة ودقة واألكثر نفعا في المجال‬
‫التربوي‪ ،‬وخاصة في البحوث التطبيقية التي تعتمد على العينات‪.‬لذلك‪ ،‬أصبة‬
‫اإلحصاء من العلوم األساسية والضرورية التي يجب أن يلم بها كل مرب‬
‫إلجراء البحوث أو لتوجيه الممارسة التربوية توجيها يجعله على معرفة أثر‬
‫مختلف العوامل المحركة لسلوك التالميذ‪ ،‬والقدرة على تحديد هذا األثر تحديدا‬
‫كميا له قيمته وداللته العلمية‪ ،‬مع إمكانية التحكم في تلك العوامل‪ .‬وعندما‬
‫يطبق المربي االختبارات التربوية أو التحصيلية على تالميذه‪ ،‬فهنه يعتمد‪ ،‬في‬
‫إطار التقويم العلمي‪ ،‬على خبرته اإلحصائية في تطبيقه لهذه االختيارات‪،‬‬
‫‪ - 57‬مصطفى يوسف‪ :‬مبادئ وأسس اإلحصاء في مناهج البحث التربوي‪ ،‬بحث مطبوع‪ ،‬المركز‬
‫التربوي الجهوي‪ ،‬وجدة‪ ،‬المغرب‪ ،‬الموسد الدراسي ‪1988-1987‬م‪ ،‬ص‪.6-5:‬‬
‫‪42‬‬
‫وتفسير نتائجها‪ ،‬لتقديم أدق وأصدق نو‪ ،‬ممكن من األحكام الموضوعية على‬
‫مستويات تالميذه‪ ،‬والدقة والموضوعية هي من مميزات التفكير العلمي‪ .‬ومن‬
‫المعروف اان‪ ،‬أن التفكير اإلحصائي‪ ،‬والمنطق اإلحصائي‪ ،‬واالستدالل‬
‫‪58‬‬
‫اإلحصائي‪ ،‬كلها سمات فكرية ومنهجية علمية‪ ،‬من سمات المربي الناجة‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬ي دي علم اإلحصاء و ائف جمة‪ ،‬كتلخيه المعلومات‪ ،‬وتصحية‬
‫البيانات‪ ،‬والمقارنة بين ال واهر والمتغيرات‪ ،‬وتحديد الخاصية‪ .‬كما ينبني‬
‫اإلحصاء على مجموعة من الخطوات‪ ،‬مثل‪ :‬جمع البيانات والمعطيات‬
‫والمعلومات‪ ،‬والتن يم والتبويب‪ ،‬والتمثيل‪ ،‬والتحليل‪ ،‬والتفسير‪ ،‬واستخاله‬
‫النتائ ‪ .‬ومن جهة أخر ‪ ،‬ينبني اإلحصاء على مجموعة من أساليب المعالجة‬
‫القياسية التي اليمكن االستغناء عنها‪ ،‬فقد و فها العلماء لتحصيل النتائ اليقينية‬
‫الصادقة‪ ،‬مثل‪ :‬سيغموند فرويد‪ ،‬وجان بياجيه‪ ،‬وداروين‪ ،‬وإميل دوركايم‪...‬‬
‫المطلب السابع‪ :‬علم التدبير‬
‫يقصد بالتدبير (‪ ) Management/Gestion‬مجموعة من التقنيات التي‬
‫تستعملها مؤسسة‪ ،‬أو منظمة‪ ،‬أو مقاولة‪ ،‬أو شركة‪ ،‬لتحقيق أهدافها العامة‬
‫والخاصة‪ .‬وتتمثل هذه التقنيات في التخطيط‪ ،‬والتنظيم‪ ،‬والتنسيق‪ ،‬والقيادة‪،‬‬
‫والمراقبة‪ .‬وقد يعني التدبير مجموعة من األشخاص الذين يديرون اإلدارة‪ ،‬أو‬
‫المقاولة‪ ،‬أو المؤسسة‪ ،‬أو المنظمة‪ ،‬سواء أكانوا مديرين‪ ،‬أم مدبرين‪ ،‬أم أطرا‪،‬‬
‫أم مسيرين‪ ،‬أم موجهين‪...‬‬
‫وبصفة عامة‪ ،‬يعني التدبير مجمل التقنيات التي تعتمدها اإلدارة لتنفيذ أعمالها‬
‫وتصريفها‪ .‬وغالبا‪ ،‬ما يتخذ التدبير طابعا كميا باعتماده على المعايير الكمية‬
‫القائمة على اإلحصاء الرياضي والمحاسباتي‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يعني التدبير مجموعة من القواعد التي تتعلق بقيادة المقاولة‬
‫االقتصادية وتنظيمها وتسيير دفتها‪ .‬أي‪ :‬إن مفهوم التدبير مفهوم اقتصادي‬
‫بامتياز‪ ،‬يرتبط كل االرتباط بتسيير الشركات والمقاوالت‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فالتدبير‬

‫‪ - 58‬مصطفى يوسف‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.6:‬‬


‫‪43‬‬
‫بمثابة إدارة شاملة لمؤسسة أو مقاولة أو منظمة ما تعمل جادة لتحقيق الجودة‬
‫المطلوبة‪ ،‬وفق مجموعة من المبادئ المتدرجة والمتالحقة والمتكاملة التي‬
‫تتمثل في‪ :‬التخطيط‪ ،‬والتنظيم‪ ،‬والتنسيق‪ ،‬والقيادة‪ ،‬والمراقبة‪.‬‬
‫ولم يقتصر التدبير على ماهو اقتصادي ومقاوالتي وإداري فقط‪ ،‬بل تجاوز ذلك‬
‫إلى ماهو تربوي وديدكتيكي ‪ ،‬بالتركيز على المشاريع التربوية‪ ،‬وتدبير عملية‬
‫التكوين‪ ،‬واالهتمام بمختلف التعلمات في سيرورتها الديدكتيكية القائمة على‬
‫المدخالت (األهداف والكفايات )‪ ،‬والسيرورة (المضامين‪ ،‬والطرائق‪،‬‬
‫والوسائل)‪ ،‬والمخرجات(التقويم‪ ،‬والتغذية الراجعة‪ ،‬والمعالجة‪ ،‬والدعم)‪.‬‬
‫وإذا كان التخطيط تصورا نظريا استشرافيا ‪ ،‬فإن التدبير تنفيذ وإنجاز وتطبيق‬
‫لهذه الخطة النظرية التنبؤية‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬يقول محمد أمزيان بأن التدبير"‬
‫مرحلة التطبيق الفعلي للخطط والبرامج‪ ،‬ويتم خاللها تدبير وضعيات التعليم‬
‫والتعلم‪.‬كما يتم أيضا بناء الوضعيات التي تسمح بنقل المعارف والخبرات والقيم‬
‫للمستفيدين وفق خطة محكمة‪.‬‬
‫وللحكم على جودة هذه المرحلة‪ ،‬يتم تقويم نوعية الوضعيات المهنية المتبناة‬
‫لنقل لمعرفة‪ ،‬وكذا طبيعة الوسائل أو الشروط المتوفرة‪ ،‬ثم الموارد الموجودة‬
‫‪59‬‬
‫لمتابعة نتائج عملية التكوين أو إعادة التكوين ورصدها‪".‬‬
‫وتشتق كلمة التدبير من فعل دبر تدبيرا‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فكلمة" دبر نقيض كلمة‬
‫القبل‪ ،.‬ودبر البيت مؤخرته وزاويته‪ ،‬ودبر األمر وتدبره‪ :‬نظر في عاقبته‪،‬‬
‫واستدبره‪ :‬رأى في عاقبته ما لم ير في صدره‪ ،‬والتدبير في األمر‪ :‬أن تنظر إلى‬
‫ما تؤول إليه عاقبته‪ ،‬والتدبر‪ :‬التفكير فيه‪...‬والتدبير‪ :‬أن يتدبر الرجل أمره‬
‫‪60‬‬
‫ويدبره‪ .‬أي‪ :‬ينظر في عواقبه‪".‬‬

‫‪ - 59‬محمد أمزيان‪ :‬تدبير جودة التعليم‪ ،‬مطبعة أفريقيا الشرق‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى سنة ‪2005‬م‪ ،‬ص‪.103:‬‬
‫‪ - 60‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب ‪ ،‬الجزء الرابع‪ ،‬دار صبح بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬إديسوفت‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2006‬م‪ ،‬ص‪.277-273:‬‬
‫‪44‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فالتدبير هو التخطيط المعقلن ‪ ،‬وترصد العواقب قبل اإلقدام على فعل‬
‫شيء ما‪ ،‬والتفكير في األمور بجدية وعقالنية‪ .‬وقد ورد التدبير في القرآن‬
‫الكريم بمعنى تدبر المعنى فهما وتفسيرا وتأويال‪ ،‬كما ذهب إلى ذلك ابن كثير‬
‫في كتابه ( تفسير القرآن العظيم)‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬يقول ابن كثير في تفسير‬
‫هذه الكلمة‪ " :‬قد قال تعالى‪ ":‬أفال يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير هللا‬
‫لوجدوا فيه اختالفا كثيرا"‪ ،‬يقول تعالى آمرا لهم بتدبر القرآن‪ ،‬وناهيا لهم عن‬
‫‪61‬‬
‫اإلعراض عنه‪ ،‬وعن تفهم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة‪"...‬‬
‫وعليه‪ ،‬فالتدبير في مدلوله اللغوي بمعنى إعمال النظر والفكر‪ ،‬وتوقع العواقب‬
‫قبل اإلقدام عليها حذرا واحترازا واجتنابا‪.62‬‬
‫أما التدبير من حيث االصطالح‪ ،‬فهو عبارة عن مجموعة من العمليات‬
‫والتقنيات واآلليات والخطط اإلجرائية التي يعتمد عليها المدبر لتنفيذ األنشطة‬
‫والتعلمات والمشاريع في إطار زمكاني معين انطالقا من كفايات وأهداف‬
‫محددة‪ ،‬واعتمادا كذلك على مجموعة من الموارد والطرائق والوسائل‪ ،‬سواء‬
‫أكانت مادية أم معنوية‪.‬‬
‫و تؤدي كلمة التدبير (‪ ،)Management/Gestion‬في المعاجم والقواميس‬
‫األجنبية‪ ،‬المعاني نفسها التي تؤديها في اللغة العربية ‪ ،‬حيث تدل هذه الكلمة‬
‫على القيادة والتخطيط والتسيير والتنظيم والقيادة والمراقبة لتحقيق الجودة‬
‫والفعالية ‪.‬‬
‫ومن األكيد أن التدبير قد ارتبط باإلنسان قديما‪ ،‬منذ تواجده في المجتمع‬
‫البشري‪ ،‬فقد كان ينهج‪ ،‬في حياته العملية‪ ،‬سلوكا تدبيريا قائما على التخطيط ‪،‬‬
‫والتنظيم‪ ،‬والتنسيق‪ ،‬والقيادة‪ ،‬والمراقبة‪ ،‬ولكن بطريقة عفوية الواعية‬
‫والشعورية‪ ،‬تنقصها مجموعة من المبادئ العلمية والتقنين الموضوعي‪.‬‬

‫‪ - 61‬ابن كثير‪ :‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬دار طيبة‪ ،‬طبعة ‪1999‬م‪ ،‬صص‪.346-345:‬‬
‫‪ - 62‬خالد الصمدي‪ :‬مصطلحات تعليمية من التراث اإلسالمي‪ ،‬منشورات المنظمة اإلسالمية للتربية‬
‫والعلوم والثقافة ‪ -‬إيسيسكو‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2008‬م‪ ،‬ص‪.181:‬‬
‫‪45‬‬
‫ولم يظهر علم التدبير إال في حضن علم االقتصاد ‪ ،‬وقد تبلور في البداية في‬
‫شكل تصورات ونظريات وأفكار في القرن التاسع عشر‪ ،‬مع انبثاق الثورة‬
‫الصناعية األولى في أوروبا الغربية‪ ،‬حينما تطورت الرأسمالية اإلنتاجية بفضل‬
‫استخدام اآللة‪ ،‬وتطبيق نظمها في جميع مرافق الحياة‪ ،‬فحلت اآللة محل‬
‫اإلنسان‪ .‬و كان الهدف من ذلك هو الرفع من اإلنتاج‪ ،‬وتدبير الموارد بطريقة‬
‫عقالنية وعلمية منظمة بغية فهم النسق االقتصادي إنتاجا‪ ،‬وتوزيعا‪ ،‬وتبادال‪،‬‬
‫واستهالكا‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فقد ارتبط علم التدبير‪ ،‬في هذه الفترة‪ ،‬بنشأة المقاولة‪ ،‬لكن‬
‫النظريات العلمية المتعلقة بهذا العلم لم تتشكل إال في القرن العشرين‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فقد كان علم التدبير يسعى إلى فهم طبيعة العمل بالمصانع والمعامل‪،‬‬
‫وكيفية التعامل مع التقنيات الجديدة‪ ،‬وكيفية معالجة طرائق اإلنتاج من أجل‬
‫تحقيق مردودية ممكنة وبشكل أفضل‪.‬‬
‫ومن أهم رواد علم التدبير أدم سميث(‪ )Adam Smith‬الذي ركز على فكرة‬
‫تقسيم العمل في كتابه ( ثروة األمم)‪ ،‬وشارل بابيج (‪)Charles Babbage‬‬
‫الذي طرح مجموعة من األفكار التي تتعلق بعلم التدبير‪ ،‬مثل‪ :‬رصد تكاليف‬
‫اإلنتاج الصناعي‪ ،‬وكيفية تقديره‪ ،‬وتبيان المعايير الالزمة الختيار المكان‬
‫األفضل لتوطين الصناعة‪ ،‬و التركيز على أهمية مدة اإلنجاز لكل عملية‬
‫صناعية‪ ،‬مع العمل على كيفية تطوير عمليات اإلنتاج الصناعي‪.‬‬
‫وهناك أيضا هنري تاون(‪ )Henry Towne‬الذي نشر مجموعة من األفكار‬
‫التدبيرية في مجلة (المعامالت) التي كانت تشرف عليها الجمعية األمريكية‬
‫للمهندسين الميكانيكيين‪ .‬وقد ركز على النظرة الشاملة في تصريف األعمال‬
‫االقتصادية‪ ،‬واإللمام بالمعلومات التقنية في مجال التدبير‪ ،‬وتحديد أماكن تواجد‬
‫المواد األولية‪ ،‬والتثبت من تغير أسعارها‪ ،‬والتعرض إلى قضية األجور‬
‫والتكاليف وغيرها‪...‬‬

‫ويمكن الحديث عن مجموعة من المدارس في علم التدبير‪ ،‬و يمكن حصرها‬


‫فيما يلي‪:‬‬

‫‪46‬‬
‫الفرع األول‪ :‬المدرسة الكالسيكية‬
‫تبلورت هذه المدرسة في المجال الصناعي مع بداية القرن العشرين‪ ،‬وكان‬
‫هدفها هو رفع كفاءة العمل واإلنتاج‪ .‬وقد ساهمت هذه المدرسة في طرح‬
‫مجموعة من األفكار التي أصبحت من صلب عمل التدبير‪ .‬وتتفرع هذه‬
‫المدرسة إلى ثالثة اتجاهات‪ .‬فاالتجاه األول يعنى بالتنظيم العلمي للعمل‪،‬‬
‫بالتركيز على زاوية إنتاجية العمل‪ .‬ومن أهم ممثليه‪ :‬رالف تايلور(‪)F.Taylor‬‬
‫‪ ،‬وفرانك وليليان جلبرث)‪ ، (Frank et Liliane Gilberth‬وهنري جانت‬
‫)‪.(Henry Gantt‬‬
‫ويهتم االتجاه الثاني بالتنظيم الشامل إلدارة المقاولة‪ ،‬وبالطرائق التي تجعلها‬
‫أكثر فاعلية‪.‬ومن أهم ممثليه‪ :‬هنري فايول)‪ (Henry Fayol‬كما في كتابه‬
‫(اإلدارة الصناعية الشاملة) الذي صدر سنة ‪1916‬م‪ .‬وقد بنى فايول تدبير‬
‫اإلدارة على مجموعة من القواعد‪ ،‬مثل‪ :‬التنبؤ(تصور الهدف الذي ينبغي‬
‫تحقيقه)‪ ،‬والتنظيم‪ ،‬والتسيير أو القيادة‪ ،‬والتنسيق‪ ،‬والرقابة‪ .‬ويعرف فايول ‪،‬‬
‫في أدبيات علم التدبير‪ ،‬بالمبادئ األربعة عشرة التي تتمثل في‪ :‬تقسيم العمل(‬
‫احترام التخصص)‪ ،‬والتوازن بين السلطة والمسؤولية‪ ،‬وااللتزام بالنظام‬
‫(معرفة الواجبات والحدود الفاصلة بين المقررين والمنفذين)‪ ،‬ووحدة األمر‬
‫(مسؤول واحد)‪ ،‬والمركزية‪ ،‬والتراتبية اإلدارية‪ ،‬ورفع األجور والمكافآت‬
‫حسب اإلنتاجية والكفاءة العلمية والعملية‪ ،‬ووحدة الهدف‪ ،‬وإرساء النظام المالي‬
‫واالجتماعي‪ ،‬ومبدإ المساواة‪ ،‬ومبدإ االستقرار في العمل‪ ،‬ومبدإ المبادرة‪ ،‬ومبدإ‬
‫روح الفريق‪.‬‬
‫في حين‪ ،‬اهتم االتجاه الثالث بالبيروقراطية اإلدارية‪ ،‬بالتركيز على السلطة في‬
‫مجال اإلدارة واالقتصاد‪ ،‬وتبيان أشكال تنظيمها ‪ .‬ومن أهم ممثليه‪ :‬ميشيل‬
‫كروزيير(‪ ،)Michel Crozier‬وماكس فيبر(‪ )Max weber‬الذي قسم‬
‫السلطة إلى أنواع ثالثة‪ :‬السلطة الكاريزمية التي تعود إلى شخصية المسؤول‬
‫اآلسرة التي تجعل اآلخرين يلتزمون بأوامرها اقتناعا وإعجابا‪ .‬والسلطة‬

‫‪47‬‬
‫التقليدية القائمة على األعراف والتقاليد والوراثة‪ ،‬والسلطة الوظيفية الرسمية‬
‫(البيروقراطية)‪...‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬مدرسة العالقات اإلنسانية‬
‫إذا كانت المدرسة الكالسيكية مدرسة تقنية آلية ‪ ،‬فإن مدرسة العالقات ذات‬
‫طبيعة إنسانية‪ ،‬تهتم بالعامل من حيث الجوانب النفسية واالجتماعية واإلنسانية ‪،‬‬
‫وقد تبلورت أفكارها ما بين ‪1920‬و‪1950‬م مع ألتون مايو)‪.(Alton Mayo‬‬
‫بيد أن هناك أسماء أخرى سابقة مهدت لهذه المدرسة كروبرت أوين( ‪Robert‬‬
‫‪ ،)Owen‬وهيجو مانستر بيرج(‪ ،)Hugo Munster Berg‬وماري باركر‬
‫فولت(‪.)Mary Parker Follett‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬المدرسة السلوكية‬
‫ترتبط المدرسة السلوكية بالمثير واالستجابة‪ ،‬ولها عالقة بمدرسة العالقات‬
‫اإلنسانية‪ .‬وتعني هذه النظرية أن تحقيق الفعالية اإلنتاجية ال تكون إال بالتحفيز‬
‫المادي والمعنوي‪ ،‬وإشباع رغبات العمال وحاجياتهم العضوية والنفسية‪ .‬ومن‬
‫ثم‪ ،‬تركز هذه المدرسة كثيرا على مفهوم التحفيز من خالل ربط العالقة بين‬
‫العامل والمعمل‪ .‬وإذا كانت مدرسة العالقات تركز كثيرا على الحوافز المادية‪،‬‬
‫فإن المدرسة السلوكية تركز على الحوافز المعنوية‪.‬‬
‫ومن أهم نظريات هذه المدرسة نظرية أبراهام ماسلو(‪)Abraham Maslow‬‬
‫التي تنبني على مجموعة من الحاجات التي ينبغي تلبيتها وإشباعها‪ ،‬كالحاجة‬
‫الفيزيولوجية‪ ،‬والحاجة إلى األمن‪ ،‬والحاجة إلى االنتماء‪ ،‬والحاجة إلى احترام‬
‫الذات‪ ،‬والحاجة إلى تحقيق الذات‪.‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬المدرسة الحديثة‬
‫لم يتأسس علم التدبير‪ ،‬في الحقيقة‪ ،‬إال مع المدرسة الحديثة في سنوات‬
‫الخمسين األخيرة من القرن الماضي ‪ .‬وقد انقسمت هذه المدرسة بدورها إلى‬
‫اتجاهات وتيارات مختلفة ‪ ،‬ولكل تيار رواده ومفكروه‪ .‬ومن أهم هذه االتجاهات‬

‫‪48‬‬
‫اتجاه طرق التدبير الكمية الذي يعتمد على الرياضيات والهندسة واإلحصاء‬
‫والمعلوماتية‪ ،‬واتجاه السلوك التنظيمي الذي يهتم بالعالقات اإلنسانية بين‬
‫المديرين وفرق العمال‪ ،‬واتجاه نظرية النظم‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬هناك اتجاهات‬
‫حديثة في مجال التدبير‪ ،‬مثل‪ :‬أهمية عمل الفرق‪ ،‬وأهلية األطر‪ ،‬وثورة معايير‬
‫الجودة‪.‬‬
‫ولعلم التدبير وظيفة مركزية تتمثل في الوظيفة اإلدارية‪ ،‬لكن تتفرع عنها‬
‫مجموعة من الوظائف الفرعية التي يمكن حصرها في‪:‬‬
‫‪ ‬الوظيفة التقنية القائمة على التصنيع والتحويل واإلنتاج؛‬
‫‪‬الوظيفة التجارية القائمة على الشراء والبيع والتبادل؛‬
‫‪‬الوظيفة المالية التي تتمثل في التوظيف األمثل للموارد المالية؛ ‪‬الوظيفة‬
‫األمنية التي تكمن في حفظ األموال واألشخاص؛‬
‫‪‬الوظيفة الحسابية التي تعنى بحساب المداخيل والمصاريف بطريقة‬
‫إحصائية‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬يرى هنري فايول أن للتدبير أربع وظائف أساسية هي‪:‬‬
‫التخطيط( التنبؤ)‪ ،‬والتنظيم‪ ،‬والقيادة أو اإلدارة‪ ،‬والمراقبة على النحو التالي‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬التخطيط‬
‫يعرف التخطيط بأنه بمثابة مسار من خالله يحدد المدبر مجموعة من األهداف‬
‫لتحقيقها إجرائيا‪ ،‬مع اختيار إستراتيجيات العمل المناسبة لتبليغ هذه األهداف‪.‬‬
‫أي‪ :‬يهدف التخطيط إلى رسم الخطة العامة التي توصل المدبر أو المؤسسة إلى‬
‫تحقيق مجموعة من األهداف‪ ،‬في ضوء اإلمكانيات البشرية و المادية والمالية‬
‫والظروف السياقية‪.‬‬
‫وينبني التخطيط على مجموعة من األبعاد‪ ،‬مثل‪ :‬البعد الزمني (متى)‪ ،‬والبعد‬
‫الغرضي( تحقيق األهداف)‪ ،‬والبعد الشخوصي(من)‪ ،‬والبعد الكيفي (الطريقة‬
‫والوسيلة)‪ ،‬والعراقيل الممكنة (العوائق)‪.‬‬
‫‪49‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬التنظيم‬
‫الوظيفة الثانية للتدبير هي التنظيم‪ .‬بمعنى تقسيم المنفذين إلى فرق عمل‪،‬‬
‫والتنسيق بين أنشطتها‪ .‬بمعنى أن هذه الوظيفة تسعى إلى مساعدة األفراد‬
‫والجماعات لتحقيق أهدافها المشتركة‪ .‬وال تتحقق هذه الوظيفة إال بتوفير‬
‫الموارد البشرية والمادية والمالية والتقنية والوسائل الممكنة والنماذج المناسبة‪،‬‬
‫ورصد مختلف التفاعالت الموجودة بين األفراد والجماعات‪...‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬القيــــادة‬
‫يسعى المدبر إلى إدارة الموظفين الذين يقومون بمهمة تنفيذ األعمال‬
‫وتصريفها‪ ،‬والعمل على تطويرها‪ ،‬والرفع من وتيرة سرعتها بطريقة إيجابية‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬تقوم وظيفتا التواصل والتحفيز بأدوار هامة على مستوى التدبير‬
‫والقيادة واإلدارة واإلشراف والتوجيه‪ .‬والهدف من ذلك كله هو تسهيل العمل‪،‬‬
‫والرفع من وتيرة اإلنتاج‪ ،‬وتخفيض تكلفته‪ ،‬وتحفيز العاملين من أجل تحقيق‬
‫األهداف المرسومة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬تتوفر في القائد المدبر مجموعة من الشروط‪:‬‬
‫روح المبادرة واإلبداعية‪ ،‬وقوة التأثير‪ ،‬وكفاءة التنبؤ‪ ،‬والمرونة‪ ،‬والصبر‪،‬‬
‫والعمل باألهداف‪ ،‬والتركيز على العمل بدقة‪.‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬المراقبة‬
‫تسعى المراقبة إلى اختبار الخطط المرسومة من خالل نتائجها المتحققة في‬
‫عالقتها باألهداف المسطرة‪ .‬بمعنى أن المراقبة هي معالجة نقدية‪ ،‬وسيرورة‬
‫للبحث عن جودة المالءمة بين العمل وأهداف المؤسسة‪ .‬ويعني هذا كله أن‬
‫مهمة المراقبة مبنية على قياس التقدم المتحقق‪ ،‬عبر خطط ومستويات‪ ،‬لتبليغ‬
‫هدف معين‪ ،‬مع تبيان درجة االنحراف الحاصلة عن الوضعية الحالية‬
‫والوضعية المرغوب في تحقيقها‪ .‬فضال عن رصد األسباب والمعالجات‬
‫الضرورية‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬يرى هنري مينتزبيرج (‪ )Henry Mintzberg‬أن للتدبير‬
‫أدوارا أساسية ثالثة‪ :‬دورا عالئقيا‪ ،‬ودورا إعالميا ‪ ،‬ودورا تقريريا يتمثل في‬
‫أخذ القرار الصحيح والصائب والحسم في ذلك‪.‬‬

‫المبحث السادس‪ :‬مفاهيم الديدكتيك ومصطلحاته‬


‫يضم علم الديدكتيك مجموعة من المصطلحات العامة والخاصة والمشتركة التي‬
‫يوظفها على المستوى اإلبستمولوجي شرحا‪ ،‬وتفسيرا‪ ،‬وتأويال‪ ،‬واستعراضا‪.‬‬
‫وفي الوقت نفسه‪ ،‬يستعمل مصطلحات العلوم والمعارف والتخصصات‬
‫األخرى‪ .‬ومن بين هذه المفاهيم ‪ :‬المعرفة‪ ،‬والبنائية‪ ،‬والنقل الديدكتيكي‪،‬‬
‫والتعلم‪ ،‬والتمثالت‪ ،‬والبراديغم‪ ،‬والعملية التعليمية‪ -‬التعلمية‪ ،‬والعملية‬
‫الديدكتيكية‪ ،‬وألهداف‪ ،‬والكفايات‪ ،‬واإلدماج‪ ،‬والمدخالت‪ ،‬والعمليات‪،‬‬
‫والمخرجات‪ ،‬والتغذية الراجعة‪ ،‬والتقويم‪ ،‬والتقييم‪ ،‬والقياس‪ ،‬والسيرورة‬
‫الديدكتيكية‪ ،‬والمقاطع الديدكتيكية‪ ،‬والطرائق البيداغوجية‪ ،‬والمنهاج‪،‬‬
‫والبرنامج‪ ،‬والمقرر‪ ،‬والكتاب المدرسي‪ ،‬والمجزوءات‪ ،‬والوحدات‪ ،‬واإليقاعات‬
‫الزمنية‪ ،‬والتواصل ‪ ،‬والطرائق اليداغوجية‪ ،‬والمحتويات‪ ،‬والموارد‪ ،‬والوسائل‬
‫الديدكتيكية‪ ،‬والمعالجة‪ ،‬والدعم‪ ،‬تقنيات التنشيط‪ ،‬والوضعيات الديدكتيكية وغير‬
‫الديدكتيكية‪ ،‬واالمتحانات‪ ،‬واالختبارات‪ ،‬واألسئلة‪ ،‬واألنشطة الصفية وغير‬
‫الصفية‪ ،‬والمسرح الديدكتيكي‪ ،‬والذكاءات المتعددة‪ ،‬والوضعيات اإلدماجية‪،‬‬
‫والتفاعالت الصفية‪ ،‬والعوائق الديدكتيكية‪ ،‬وحل المشكالت‪ ،‬والجودة‪ ،‬والعقد‬
‫الديدكتيكي‪ ،‬والشراكة‪ ،‬والتخطيط‪ ،‬والتدبير‪ ،‬والدوسيمولوجيا‪ ،‬والمثلث‬
‫البيداغوجي والديدكتيكي‪ ،‬واإلبستمولوجيا‪ ،‬والميتامعرفة‪ ،‬واإلستراتيجية‪،‬‬
‫والتدريس‪ ،‬والتربية العامة‪ ،‬والتربية الخاصة‪ ،‬الديدكتيك العامة‪ ،‬والديدكتيك‬
‫الخاصة‪ ،‬والتعلمات‪ ،‬والتدبير الديدكتيكي‪ ،‬والتحفيز‪ ،‬والتعلم الذاتي‪ ،‬وديناميكية‬
‫الجماعات‪ ،‬والصراعات السوسيو‪ -‬معرفية‪ ،‬والمنهاج المندمج‪ ،‬وملكة الحفظ‪،‬‬
‫والمعرفة النظرية‪ ،‬والمعرفة التطبيقية‪ ،‬والمؤشرات‪ ،‬وتخطيط الدرس‪ ،‬وعلم‬
‫التدريس‪ ،‬وبناء التعلمات‪ ،‬والتنشيط‪ ،‬والوضعية المشكلة اإلدماجية‪ ،‬والسند‪،‬‬
‫والمهارات‪ ،‬والصنافات‪ ،‬والنموذج الديدكتيكي‪ ،‬والهدف‪/‬العائق‪ ،‬ومعيار‬
‫‪51‬‬
‫المالءمة‪ ،‬ومعيار االنسجام‪ ،‬ومعيار االستخدام السليم ألدوات المادة‪ ،‬ومعيار‬
‫اإلتقان والجودة‪ ،‬ومعيار الحد األدنى‪ ،‬و التعليمات‪،‬ودليل اإلدماج‪ ،‬وكراسة‬
‫الوضعيات اإلدماجية‪ ،‬وشبكة التحقق‪ ،‬وشبكة االستثمار‪ ،‬وشبكة التصحيح‪،‬‬
‫والمعالجة الديدكتيكية‪ ،‬والمعالجة النفسية‪ ،‬والمعالجة االجتماعية‪ ،‬وبيداغوجيا‬
‫األخطاء‪ ،‬والسلوك‪ ،‬وصيرورة التفاعل‪ ،‬والعمل في فريق‪ ،‬والمدرس الوسيط‪،‬‬
‫والمدرس المشرف‪ ،‬والمدبر‪ ،‬والقيادة‪ ،‬والوسط الديدكتيكي‪ ،‬والعقد الديدكتيكي‪،‬‬
‫والخريطة الذهنية‪ ،‬والتقطيع الديدكتيكي‪ ،‬والتخطيط الديدكتيكي‪ ،‬والتدبير‬
‫الديدكتيكي‪ ،‬والتقويم الديكتيكي‪...‬‬
‫وخالصة القول‪ ،‬هذه نظرة مختصرة إلى مفهوم التربية‪ ،‬والبيداغوجيا‪،‬‬
‫والديدكتيك العامة والخاصة‪ .‬وقد أثبتنا أن ثمة عالقة وثيقة بين الديدكتيك‬
‫والعلوم األخرى‪ ،‬والدليل على ذلك أن علم الديدكتيك يشتغل على مصطلحاتها‬
‫ومفاهيمها ‪.‬وفي الوقت نفسه‪ ،‬تبتكر الديدكتيك لنفسها مصطلحاتها الخاصة به‪.‬‬
‫وإذا كانت البيداغوجيا تعنى بالطفل وقضايا التربية ومشاكلها بصفة عامة‪ ،‬فإن‬
‫التدريس يهتم بالمتعلم‪ ،‬وطرائق بناء المعرفة وتبليغها‪ ،‬والتعريف بطرائق‬
‫التدريس ومنهجياته المختلفة‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫المنهاج التربوي ومصطلحاته‬

‫‪53‬‬
‫ما أحوج الحقل التربوي العربي بصفة عامة‪ ،‬والمغربي بصفة خاصة‪ ،63‬إلى‬
‫مقاربات ودراسات مصطلحية من أجل دراسة المصطلحات والمفاهيم التي‬
‫تنتمي إلى المجال البيداغوجي والديدكتيكي بغية االستفادة من تعاريفها المختلفة‬
‫اللغوية واالصطالحية والتقنية ‪ ،‬واستثمارها في إنجاز البحوث التربوية‬
‫المختلفة‪ ،‬سواء أكانت نظرية أم تطبيقية !‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬تستلزم المقاربة المصطلحية‪ ،‬في مجال التربية والتعليم‪،‬‬
‫استكشاف المصطلحات التي لها عالقة بالتربية العامة والخاصة‪ ،‬أو بعلم النفس‬
‫التربوي‪ ،‬أو بعلم االجتماع التربوي‪ ،‬وفق منهجية علمية دقيقة‪ ،‬تعتمد على تتبع‬
‫المصطلح سانكرونيا (تزمينا) أو دياكرونيا (تاريخيا)‪ ،‬باستعراض مختلف‬
‫النصوص واللوائح والوثائق والروايات والشواهد التي يرد فيها المصطلح‬
‫المقصود بالتحليل والدراسة بغية فهم المصطلح لغة واصطالحا‪ ،‬وتتبع مشتقاته‬
‫داخل النص وخارجه من أجل تكوين معاجم المصطلحات ‪ ،‬كما يفعل الدارسون‬
‫الغربيون الذين وفروا مجموعة من القواميس والمعاجم التي تنصب على‬
‫مصطلحات بعينها في ميدان أو مجال معين‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬سنتوقف عند ستة مصطلحات تربوية أساسية هي‪:‬‬
‫المنهاج(‪ ،)Curriculum‬والبرنامج(‪،)Programme‬والمقرر(‪،)Cursus‬‬
‫‪ -63‬ثمة دراسات مصطلحية مغربية منها‪ :‬المعجم الموسوعي لعلوم التربية ألحمد أوزي ‪ ،‬مطبعة‬
‫النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2006‬م؛ والمنهل التربوي لعبد الكريم‬
‫غريب‪ ،‬منشورات عالم التربية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫سنة ‪2006‬م؛ والمعجم في أعالم التربية والعلوم اإلنسانية‪،‬منشورات عالم التربية‪ ،‬مطبعة النجاح‬
‫الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2007‬م؛ ومصطلحات تعليمية من التراث‬
‫اإلسالمي لخالد الصمدي‪ ،‬منشورات المنظمة اإلسالمية للتربية والعلوم والثقافة – إيسيسكو‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى سنة ‪2008‬م؛ والمعجم الموسوعي الجديد لعلوم التربية ألحمد أوزي مطبعة النجاح‬
‫الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2015‬م؛ ومعجم األلفاظ والمصطلحات‬
‫التربوية في التراث العربي لمهداد الزبير‪ ،‬مركز عبد العزيز بن عبد العزيز الدولي لخدمة اللغة‬
‫العربية الطبعة األولى سنة ‪2016‬م‪.‬‬
‫‪54‬‬
‫والوحدة(‪،)Unit‬‬ ‫‪،‬‬ ‫)‬ ‫‪Le‬‬ ‫‪livre‬‬ ‫والكتاب المدرسي(‪scolaire‬‬
‫والمجزوءة(‪.)Module‬‬

‫المبحث األول‪ :‬المنهاج التربوي‬


‫إذا تصفحنا المعاجم والقواميس اللغوية للبحث عن مدلول المنهاج أو المنهج‪،‬‬
‫فسنجد شبكة من الدالالت اللغوية التي تحيل على الخطة‪ ،‬والنهج‪ ،‬والمسلك‪،‬‬
‫والتصميم‪ ،‬والطريقة‪ ،‬والهدف البين‪ ،‬والسير الواضح‪ ،‬والصراط المستقيم‪ .‬وفي‬
‫هذا‪ ،‬يقول ابن منظور في(لسان العرب)‪ ":‬نهج‪ :‬طريق نهج‪ :‬بين واضح وهو‬
‫النهج‪ ،‬والجمع نهجات ونهج ونهوج‪ ...‬وطرق نهجة وسبيل منهج‪ :‬كنهج‪.‬‬
‫ومنهج الطريق‪ :‬وضحه‪ .‬والمنهاج‪ :‬كالمنهج‪ .‬وفي التنزيل‪:‬لكل جعلنا منكم‬
‫شرعة ومنهاجا ‪.‬وأنهج الطريق‪ :‬وضح واستبان وصار نهجا واضحا بينا‪...‬‬
‫أي تعين وتقوي‪ .‬والمنهاج‪ :‬الطريق الواضح‪ .‬واستنهج الطريق‪ :‬صار نهجا‪.‬‬
‫وفي حديث العباس‪:‬لم يمت رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬حتى ترككم على‬
‫طريق ناهجة‪ ،‬أي واضحة بينة‪ .‬ونهجت الطريق‪ :‬أبنته وأوضحته‪ .‬يقال‪ :‬اعمل‬
‫على ما نهجته لك‪ .‬ونهجت الطريق‪ :‬سلكته‪ .‬وفالن يستنهج سبيل فالن أي يسلك‬
‫مسلكه‪.‬والنهج‪ :‬الطريق المستقيم‪ .‬ونهج األمر وأنهج‪ ،‬لغتان‪ ،‬إذا وضح‪"64.‬‬

‫ويعني هذا أن المنهاج عبارة عن مسلك أو تصميم أو طريقة واضحة المدخالت‬


‫والمخرجات‪ .‬وهو أيضا عبارة عن خطة واضحة الخطوات والمراقي‪ ،‬تنطلق‬
‫من البداية نحو النهاية عبر العمليات اإلجرائية التطبيقية‪ .‬ويعني هذا أن المنهج‬
‫ينطلق من مجموعة من الفرضيات واألهداف والغايات‪ ،‬ويمر عبر سيرورة من‬
‫الخطوات العملية واإلجرائية قصد الوصول إلى نتائج ملموسة ومحددة بدقة‬
‫مضبوطة‪.‬‬

‫ويقصد بالمنهاج‪ ،‬في مجال التربية والتعليم‪ ،‬ذلك المخطط العام الذي يعبر عن‬
‫فلسفة الدولة في التعليم والتربية‪ ،‬وهو عبارة عن فلسفة سياسية وغايات عامة‪،‬‬

‫‪ - 64‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬حرف النون‪ ،‬مادة نهج‪ ،‬الجزء الرابع عشر‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬الطبعة األولى ‪2003‬م‪.‬‬
‫‪55‬‬
‫تهدف إلى تكوين مواطن صالح متعلم وقادر على مواجهة الوضعيات الصعبة‬
‫والمعقدة في حياته الدراسية والواقعية‪ .‬بمعنى أن المنهاج المدرسي هو بمثابة‬
‫فلسفة الدولة في ميدان التربية والتعليم‪ .‬وتتأثر هذه الفلسفة بالظروف المحلية‬
‫والدولية على الصعيد السياسي‪ ،‬واالجتماعي‪ ،‬واالقتصادي‪ ،‬والثقافي‪،‬‬
‫والديني‪...‬‬
‫وعليه‪ ،‬فالمنهاج هو خطة العمل في المجال التربوي والتعليمي‪ ،‬ويشمل أنواع‬
‫الخبرات والدراسات والتجارب والمهارات والمواقف التي توصلها المدرسة‬
‫إلى التالميذ والمتعلمين‪ .‬بمعنى أن المنهاج هو تصور مستقبلي استشرافي في‬
‫مجال التربية والتعليم هدفه هو تنظيم المدرسة من جهة‪ ،‬وتوجيه العملية‬
‫التعليمية‪-‬التعليمية من جهة أخرى‪ ،‬أو هو بمثابة نوع من التخطيط والتشريع‬
‫والقوانين التي تنظم التربية بصفة عامة‪ ،‬والعملية الديدكتيكية بصفة خاصة‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يستند المنهاج إلى مجموعة من الغايات الكبرى واألهداف العامة‪ ،‬أو‬
‫مجموعة من التوجهات والمرامي واألغراض البعيدة التي تريدها الدولة من‬
‫التربية‪ .‬بتعبير آخر‪ ،‬الغايات هي فلسفة الدولة في مجال التربية والتعليم‪،‬‬
‫وتتجسد في المنهاج ‪ ،‬كأن نقول‪ " :‬أن يكون المتعلم مواطنا صالحا"‪ .‬ومن ثم‪،‬‬
‫فالمنهاج عبارة عن الغايات والمرامي الفلسفية والطموحات المستقبلية البعيدة‬
‫التي تتسم بالغموض والتجريد والعمومية‪ .‬ويعرف محمد الدريج غايات المنهاج‬
‫بقوله‪ ":‬إن الغايات هي غايات ألهداف تعبر عن فلسفة المجتمع‪ ،‬وتعكس‬
‫تصوراته للوجود والحياة ‪ ،‬أو تعكس النسق القيمي السائد لدى جماعة معينة‬
‫وثقافية معينة‪ ،‬مثل قولنا‪ ":‬على التربية أن تنمي لدى األفراد الروح‬
‫الديمقراطية"‪ ،‬أو "على المدرسة أن تكون مواطنين مسؤولين"‪ ،‬أو " على‬
‫المدرسة أن تمحو الفوارق االجتماعية‪..."...‬إلخ‪ .‬فهذه أهداف عامة تتموضع‬
‫على المستوى السياسي والفلسفي العام ‪ ،‬وتسعى إلى تطبيع الناشئة بما تراه‬
‫مناسبا للحفاظ على قيم المجتمع ومقوماته الثقافية والحضارية‪"65.‬‬

‫‪ - 65‬محمد الدريج‪ :‬تحليل العملية التعليمية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪،‬‬
‫الطبعة األولى سنة ‪1983‬م‪ ،‬ص‪.36:‬‬
‫‪56‬‬
‫ويهدف منهاج التعليم االبتدائي إلى تكوين متعلم صالح قادر على حل‬
‫الوضعيات والمشاكل التي تجابهه في الحياة‪ ،‬بعد أن يكون قد اكتسب مجموعة‬
‫من القدرات والمهارات والمواقف التي تؤهله للتكيف مع الواقع وتغييره‬
‫بصورة أفضل‪ ،‬والحفاظ على قيم المجتمع وثوابته وعاداته وأعرافه وقوانينه‪.‬‬
‫إذاً‪ " ،‬ينبغي أن يعمل المنهاج على تحقيق أهداف نوع معين من التعليم ‪ ،‬ما‬
‫دمنا بصدد الحديث عن المدرسة االبتدائية‪ ،‬فيجب أن تعمل المناهج على تحقيق‬
‫أهداف هذه المدرسة ‪ .‬وتعتبر المدرسة االبتدائية مرحلة قائمة بذاتها‪ .‬بمعنى أنها‬
‫ليست إعدادا للمرحلة الثانوية‪ ،‬ولكنها الحد األدنى من التعليم الذي يجب أن‬
‫يحصل عليه كل مواطن حتى يستحق صفة المواطنة ‪ ،‬فمنهاج المدرسة‬
‫االبتدائية على هذا األساس يجب أن يعمل على تكوين المواطن الصالح الذي‬
‫يعرف حقوقه وواجباته‪ ،‬ويستطيع المحافظة على صحته‪ ،‬وحل مشاكله بنفسه‪،‬‬
‫واستغالل وقت فراغه استغالال مفيدا‪ ،‬وممارسة حقوقه كمواطن‪ ،‬والشعور‬
‫‪66‬‬
‫بالوالء نحو الدولة‪ ،‬واحترام القانون‪"...‬‬
‫ويرتبط المنهاج بالغايات والمرامي الكبرى‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فالغايات هي أهداف‬
‫تربوية كبرى تختلط بالسياسة العامة للدولة‪.‬وغالبا‪ ،‬ما تكون أهدافا عامة‬
‫ومجردة وفضفاضة‪.‬ومن ثم‪ ،‬يعكس المنهاج فلسفة الدولة وغاياتها وطموحاتها‬
‫والغرض الذي يرمي إليه التعليم‪ ،‬وما يصبو إليه المجتمع من آمال ومآل‪.‬‬
‫و"لكل مجتمع فلسفة خاصة و أهداف معينة يعمل على تحقيقها عن طريق‬
‫التربية والتعليم‪ ،‬فالمجتمع اإلسبرطي القديم كان يهدف إلى تكوين الجنود الذين‬
‫يستطيعون الدفاع عن إسبرطة‪ ،‬وتحقيق النصر على أعدائها‪ ،‬ولهذا اتجهت في‬
‫التربية اتجاها عسكريا صرفا ‪ .‬بينما نرى أن مدينة يونانية معاصرة لها وهي‬
‫أثينا كانت تقوم مناهجها التعليمية على تكوين المواطن الديموقراطي الحر الذي‬
‫يستطيع أن يمارس حقوقه المدنية‪ ،‬وقد قامت السياسة التعليمية في ألمانيا النازية‬
‫على أساس فلسفة عنصرية قوامها تفوق العنصر األلماني ‪ ،‬أما في المغرب‪،‬‬
‫فيجب أن تعمل مناهج الدراسة على خلق المواطن الديموقراطي الذي يستطيع‬

‫‪ - 66‬أمينة اللوه وآخرون‪ :‬الموجز في التربية وعلم النفس‪ ،‬دار الكتب العربية‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫المغرب‪،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.78:‬‬
‫‪57‬‬
‫أن يساهم في بناء بالده‪ ،‬وتسيير شؤونها‪ ،‬واستغالل ثرواتها بحيث يكون‬
‫‪67‬‬
‫عضوا فعاال في بلد ذات شخصية متميزة ‪"...‬‬
‫ويقصد بالمنهاج‪ ،‬في مجال التربية والتعليم‪ ،‬ذلك المخطط العام الذي يعبر عن‬
‫فلسفة الدولة في التعليم والتربية‪ ،‬وهو عبارة عن أهداف وغايات عامة‪ ،‬تهدف‬
‫إلى تكوين مواطن صالح متعلم وقادر على مواجهة الوضعيات الصعبة‬
‫والمعقدة في حياته الدراسية والواقعية‪ .‬بمعنى أن المنهاج المدرسي هو بمثابة‬
‫فلسفة الدولة في ميدان التربية والتعليم‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تتأثر فلسفة المنهاج بالظروف‬
‫المحلية والدولية على الصعيد السياسي‪ ،‬واالجتماعي‪ ،‬واالقتصادي‪ ،‬والثقافي‪،‬‬
‫والديني‪...‬‬
‫إذا ً‪ ،‬يعبر المنهاج عن فلسفة الدولة في التعليم والتربية‪ ،‬وهو عبارة عن أهداف‬
‫وغايات عامة‪ ،‬تهدف إلى تكوين مواطن صالح متعلم وقادر على مواجهة‬
‫الوضعيات الحياتية والمهنية والتربوية‪ .‬بمعنى أن المنهاج المدرسي هو بمثابة‬
‫فلسفة الدولة في ميدان التربية والتعليم‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تتأثر فلسفة المنهاج بالظروف‬
‫المحلية والدولية‪...‬في حين‪ ،‬يعد البرنامج أقل عمومية من المنهاج‪ ،‬وأكثر‬
‫تجريدا من المقرر التعليمي‪ .‬بمعنى أن البرنامج يتضمن محتويات وقيما‬
‫وعناوين ومضامين عامة غير مفصلة بشكل إجرائي‪ ،‬وتستمد خبراتها من‬
‫فلسفة المنهاج‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬تتحول مضامين هذا البرنامج إلى مقررات دراسية‬
‫خاصة بكل مادة معينة‪ ،‬وتكون هذه المقررات مفصلة‪ ،‬وأكثر خصوصية‬
‫وإجرائية‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن الدولة أو السلطة الحاكمة هي المسؤولة عن السياسة التربوية‬
‫وفلسفة التربية والتعليم‪.‬ومن ثم‪ ،‬تكون وظيفة المنهاج هي التخطيط والتشريع‬
‫وأخذ القرار‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يرتبط المنهاج بالغايات البعيدة بخلق مواطن منفتح على‬
‫العالم‪.‬‬

‫‪ - 67‬أمينة اللوه وآخرون‪ :‬الموجز في التربية وعلم النفس‪ ،‬ص‪.79:‬‬


‫‪58‬‬
‫مخطط عام لمسار النسق التعليمي‬

‫مستوى القرار‬ ‫الوظيفة‬ ‫مستوى الهدف‬ ‫المستوى‬


‫السياسة التعليمية‬ ‫تخطيط وتقرير‬ ‫مقاصد النظام التربوي‬ ‫المنهاج الدراسي‬
‫ومراميه‬
‫المقررون‬
‫والمشرعون‬
‫يتضمن‬
‫‪ -‬النظام التعليمي‬ ‫برمجة ‪ +‬تدبير‬ ‫أهداف عامة وتوجيهات‬ ‫برامج دراسية‬
‫والمسالك الدراسية‬ ‫تدبيرية كفايات‬
‫السلطة السياسية‬ ‫استراتيجية‬
‫بالقطاع‬ ‫تتضمن مجموعة‬
‫من‬
‫الهياكل الدراسية‬ ‫أهداف عامة ونوعية أو‬ ‫الوحدات والمواد‬
‫ومدبرو الشأن التعليمي‬ ‫كفايات نوعية‬ ‫الدراسية‬
‫محليا‪.‬‬
‫هيكلة وتنظيم‬
‫تتضمن مجموعة من‬
‫النشاط الصفي‬ ‫إعداد وتحضير وتهيئ‬ ‫الدروس‬
‫ومدبرو الفعل‬
‫الديداكتيكي الخاص‬
‫أهداف خاصة أو قدرات‬ ‫تتضمن مجموعة‬
‫من‬
‫المدرس في تفاعل مع‬ ‫هندسة وتنفيذ‬ ‫أهداف إجرائية وموارد ‪:‬‬
‫المقاطع الديداكتيكية‬
‫المتعلم‬ ‫معرفة‪ ،‬معرفة الفعل ‪،‬‬
‫وموقف‬
‫تتضمن مجموعة من‬
‫تقويثثثم‬ ‫الوحدات الوظيفية‬
‫هدف نشاط‬

‫‪59‬‬
‫مستويات األهداف‬

‫صفاته‬ ‫صيغته‬ ‫مصدره‬ ‫مضمونه‬ ‫مستوى‬


‫الهدف‬
‫تتميز‪...‬‬ ‫على صيغة أو شكل‬ ‫فإنه يعبر عن‪ ...‬صادر من لدن‪...‬‬ ‫إذا كان‬
‫الهدف‬
‫السياسة مبادئ وقيم عليا بشكلها المثير‬ ‫رجال‬
‫فلسفة التربية‬ ‫غاية‬
‫والجذاب وكذلك‬ ‫ورغبات وتطلعات‬ ‫والجماعات‬ ‫وتوجهات‬
‫القابل للتأويل‬ ‫من‬ ‫الضاغطة‬ ‫السياسة‬
‫أحزاب ‪...‬‬ ‫التعليمية‬
‫إداريين ومؤطرين أهداف البرامج والمواد بارتباطها‬
‫نوايا المؤسسة‬ ‫مرمى‬
‫المباشر بالمواد‬ ‫ومفتشين ومسيري وأسالك التعليم‬ ‫التربوية‬
‫والوسائل‬ ‫التعليم‬‫ونظامها‬
‫والمناهج‬ ‫التعليمي‬
‫ومهارات تمركزها حول‬ ‫قدرات‬ ‫مؤطرين‬
‫أنماط شخصية‬ ‫عاما‬
‫وتغيرات نريد إحداثها التلميذ وقدراته‬ ‫ومدرسين‬
‫التلميذ العقلية‬
‫أو اكتسابها من طرف ومكتسباته‬ ‫والوجدانية‬
‫التلميذ‬ ‫والحس حركية‬
‫مدرسين أو تالميذ فعل سيقوم به التلميذ تصريحها بما‬ ‫محتوى درس‬ ‫خاصا‬
‫مرتبط بمحتوى درس سيقوم به التلميذ‬ ‫معين سينجز‬
‫في الدرس‬ ‫في حصة أو‬
‫أكثر‬
‫مدرسين أو تالميذ فعل اإلنجاز وشروطه تصريحها‬ ‫سلوكات‬ ‫إجرائيا‬
‫بأدوات التقييم‬ ‫ومعايير اإلتقان‬ ‫ينجزها التلميذ‬
‫وأشكاله‬ ‫عن‬ ‫ليبرهن‬
‫بلوغه الهدف‬

‫‪60‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬يمكن الحديث عن نوعين من المنهاج‪ :‬المنهاج التقليدي والمنهاج‬
‫الحديث على النحو التالي‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬المنهاج التقليدي‬
‫ينبني المنهاج التقليدي على فعل التدريس المحض‪ ،‬وليس بناء التعلمات بطريقة‬
‫تكوينية‪ .‬ناهيك عن االهتمام بالمعرفة الكمية‪ ،‬و العناية بالمدرس على حساب‬
‫المتعلم‪ ،‬وتغييب اللعب على أساس أنه مضعية للوقت‪.‬ومن ثم‪ ،‬يصبح المتعلم‬
‫متلقيا سلبيا‪ ،‬اليحاور واليبدي خياراته واقتناعاته وأسئلته التي تحيره‪ .‬ومن ثم‪،‬‬
‫ينبني المنهاج التقليدي على فلسفة العقاب‪ ،‬وعدم األخذ بالتصميم والتخطيط‬
‫وفلسفة التدبير‪ ،‬وعدم االستهداء بعلم النفس وعلم االجتماع‪ ،‬وعدم ربط التعليم‬
‫بالحياة واألنشطة والحرية ‪.‬وكان الهدف الرئيس من هذا التدريس هو شحن‬
‫عقول المتعلمين بالمعرفة واستظهارها وحفظها ‪ ،‬وتقويم المتعلمين في مدى‬
‫تمكنهم من تلك المعارف الموسوعية‪.‬‬
‫إذاً‪ ،‬فالمنهاج التقليدي هو ذلك المنهج الذي يركز على المضامين والمحتويات‬
‫والمعلومات‪ .‬وهو الذي ينطلق من مقاربة المضامين في شكل مقررات دراسية‬
‫ضيقة النطاق‪ ،‬دون احترام خصائص المتعلمين النمائية والبيولوجية‬
‫والفيزيولوجية والنفسية واالجتماعية ومتطلبات الحياة العملية واليدوية والمهنية‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فالمنهاج‪ ،‬بمفهومه التقليدي‪ ،‬حسب حلمي أحمد الوكيل ومحمد أمين‬
‫المفتي ‪ " ،‬عبارة عن مجموعة من المعلومات والحقائق والمفاهيم التي تعمل‬
‫المدرسة على إكسابها للتالميذ بهدف إعدادهم للحياة وتنمية قدراتهم عن طريق‬
‫اإللمام بخبرات اآلخرين واالستفادة منها‪ ،‬وقد كانت هذه المعلومات والحقائق‬
‫والمفاهيم تمثل المعرفة بجوانبها المختلفة‪ ،‬أي‪ :‬إنها كانت تتضمن معلومات‬
‫علمية ورياضية ولغوية وجغرافية وتاريخية وفلسفية ودينية وفنية‪...‬إلخ‪.‬‬
‫وحيث إن هذه المعلومات كانت تقدم في صورة مواد دراسية مختلفة موزعة‬
‫على مراحل الدراسة وسنواتها فمعنى ذلك أن المنهاج بمفهومه التقليدي هو‬
‫مجموعة المواد الدراسية التي يتولى المتخصصون إعدادها ويقوم التالميذ‬
‫‪61‬‬
‫بدراستها‪ ،‬ومن هنا أصبحت كلمة منهاج مرادفة لكلمة مقرر دراسي وبمرور‬
‫الوقت أصبح استخدام كلمة منهاج أعم وأشمل من استخدام كلمة مقرر حتى‬
‫أصبحنا نسمع بمنهاج الجغرافيا ومنهاج التاريخ ومنهاج العلوم‪...‬إلخ‪ .‬وكان‬
‫المدرسون أكثر الفئات استخداما لكلمة منهاج بالمعنى الذي أشرنا إليه والدليل‬
‫على ذلك أنهم كانوا يكتبون في أول صفحة من دفتر تحضير دروس المادة‬
‫"توزيع المنهاج على أشهر وأسابيع العام الدراسي" ‪ .‬والمقصود بالمنهاج هنا‬
‫هو المقرر الدراسي للمادة‪.‬‬
‫وبكل أسف فإن هذا المفهوم التقليدي للمنهاج مازال مستخدما حتى اآلن لدى‬
‫عامة الشعب بل ولدى الكثير من القائمين بالعملية التعليمية بالرغم من أن هذا‬
‫المفهوم قد تغير تغييرا جوهريا كما سنرى فيما بعد‪"68.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يالحظ أن هناك غموضا في تبيان المصطلحات التالية‪ :‬المنهاج‪،‬‬
‫والبرنامج‪ ،‬والمقرر‪ ،‬والكتاب المدرسي‪ ،‬كما يتبين ذلك في كتاب (أسس بناء‬
‫المناهج وتنظيماتها) لحلمي أحمد الوكيل ومحمد أمين المفتي وغيرهما من‬
‫الباحثين التربويين‪ .‬فالمنهاج مفهوم أكثر عمومية وتجريدا واتساعا‪ ،‬فهو‬
‫يتضمن فلسفة الدولة في مجال التربية والتعليم‪ ،‬في شكل غايات ومرامي بعيدة‬
‫المدى‪ .‬في حين‪ ،‬يتعلق البرنامج بتصميم مستوى دراسي‪ ،‬أو مادة دراسية‬
‫معينة‪ ،‬كبرنامج مادة العلوم في السلك االبتدائي‪ ،‬وبرنامج اللغة العربية في‬
‫السلك اإلعدادي‪ ،‬ومادة الفلسفة في السلك الثانوي التأهيلي‪ .‬كما يتضمن‬
‫البرنامج أهداف المادة وأغراضها وكفاياتها‪ ،‬ومواصفات المتعلم‪ ،‬والطرائق‬
‫البيداغوجية‪ ،‬وتفصيل البرنامج في شكل وحدات دراسية وعناوين عامة ‪ .‬في‬
‫حين‪ ،‬يتميز المقرر الدراسي بالطابع الحسي التشخيصي في شكل عناوين‬
‫مفصلة ومنوعة في إطار وحدات ومحاور دراسية‪ .‬أما الكتاب المدرسي ‪ ،‬فهو‬
‫وسيلة إجرائية يستعين بها المدرس في بناء دروسه ‪.‬‬

‫‪ - 68‬الوكيل حلمي أحمد‪ ،‬المفتي محمد أمين‪ ،‬أسس بناء المناهج وتنظيماتها‪ ،‬دار المسيرة للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬طبعة ‪2005‬م‪ ،‬ص‪.6:‬‬
‫‪62‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يتبين لنا أن هناك من الباحثين والدارسين من يخلط بين المنهاج‬
‫والبرنامج والمقرر والكتاب المدرسي‪ ،‬أو يرادف بين هذه المصطلحات‪ ،‬أو‬
‫يميز بين هذه المفاهيم بشكل واضح ودقيق‪.‬‬

‫إذا‪ ،‬يقوم المنهاج التقليدي على النظرة الكمية‪ ،‬وحشو رؤوس المتعلمين‬
‫بمعارف ومعلومات كثيرة‪ ،‬دون االستهداء بعلم النفس ومبادئه وقوانينه‪ .‬عالوة‬
‫على اإلشادة بسلطة المعلم باعتباره مصدر المعلومة‪ .‬أما المتعلم‪ ،‬فهو يتلقى‬
‫المعلومات فقط‪ ،‬دون محاولة بنائها أو تكوينها ذاتيا‪ ،‬أو المشاركة في مناقشة‬
‫المدرس والحوار معه عموديا‪ ،‬أو الحوار مع زمالئه أفقيا‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬فالمنهاج التقليدي سلبي من بعض الجوانب‪ ،‬فهو يعنى أكثر بالحفظ‬
‫والتكرار واالجترار فقط‪ ،‬وال يعنى بنمو الطفل من النواحي الذهنية والعقلية‬
‫والوجدانية والحسية الحركية‪ ،‬وال يعطي أهمية للعب أو مستجدات علم النفس‬
‫والسوسيولوجيا‪ ،‬وال يأخذ بالطرائق الحديثة و المعاصرة في التدريس‪ ،‬ويهمل‬
‫حاجات المتعلم وميوله واتجاهاته ومشاكله الذاتية والموضوعية‪ ،‬ويغفل عن‬
‫‪63‬‬
‫توجيه سلوكه نحو األفضل‪ .‬ويركز كثيرا على الكم على حساب الكيف‪،‬‬
‫واليراعي الفوارق الفردية‪ .‬كما يعد األخطاء التعلمية عيبا ومهانة وجريرة‬
‫التغتفر ‪ ،‬والينظر إليها على أنها طريقة مهمة ومفيدة في التعلم‪ .‬ويهمل أيضا‬
‫تكوين العادات واالتجاهات اإليجابية لدى التالميذ‪.‬ناهيك عن تضخم المقررات‬
‫الدراسية‪ ،‬وعدم ترابط المواد ‪.‬ويهمل كذلك الجانب العملي و األنشطة الصفية‬
‫الفردية والجماعية‪ ،‬واليهتم بالتعلم الذاتي‪ ،‬وتوجيه المتعلم توجيها صحيحا‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬المنهاج الحديث‬
‫ينطلق المنهاج الحديث من فلسفة التربية المعاصرة ‪ ،‬وعلم النفس التربوي‪،‬‬
‫وعلم االجتماع التربوي‪ ،‬وتمثل الطرائق البيداغوجية المعاصرة‪ ،‬وتجاوز‬
‫طرائق التلقين‪ ،‬واالرتكان إلى فلسفة األهداف والكفايات ‪ ،‬واالعتماد على‬
‫الوسائل الديدكتيكية الكفيلة بتنشيط التعلم الذاتي لدى المتعلم‪ ،‬وتحقيق أنجع‬
‫السبل لتحقيق التواصل الفعال الهادف والبناء والمثمر‪ .‬عالوة على اعتماد‬
‫الطرائق الجديدة في عملية التقويم‪ ،‬واالنطالق من مبادئ الدوسيمولوجيا‬
‫المعاصرة في بناء أسئلة االمتحانات الموضوعية وتقويمها‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬ترتبط المحتويات والمضامين باألهداف العامة والخاصة‪ ،‬كما تنطلق‬
‫أيضا من بيداغوجيا الكفايات واإلدماج‪ ،‬بعد أن كانت المدرسة التقليدية تلقن‬
‫معارفها للمتعلمين‪ ،‬دون أن يكون لها منطلق فلسفي أو أهداف معينة‪ ،‬أو تصدر‬
‫عن مقصدية كفائية واعية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فالمحتويات ‪ -‬حسب محمد الدريج‪ " -‬هي‬
‫كل الحقائق واألفكار التي تشكل الثقافة السائدة في مجتمع معين وفي حقبة‬
‫معينة‪.‬إنها مختلف المكتسبات العلمية واألدبية والفلسفية والدينية والتقنية‬
‫وغيرها مما تتألف منه الحضارة اإلنسانية‪ ،‬ومما تزخر به الثقافات الشعبية‬
‫المحلية في كل البقاع‪ ،‬والتي تصنف في النظام الدراسي إلى مواد مثل‪ :‬اللغة‬
‫والحساب والتاريخ والجغرافيا‪...‬إلخ‪ .‬على أن اختيار مادة دون غيرها أو قسطا‬
‫منها دون سواه يتم بناء على الغايات واألهداف المتوخاة‪ .‬في حين‪ ،‬يبقى تنظيم‬

‫‪64‬‬
‫المحتوى رهينا بمتطلبات العملية التعليمية ذاتها وبأشكال العمل الديدكتيكي ‪.‬أي‪:‬‬
‫ما يصطلح على تسميته بطرق التدريس"‪.69‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬تخضع المحتويات والمضامين الدراسية‪ ،‬ضمن المنهاج التربوي‬
‫المعاصر‪ ،‬لمجموعة من المقاييس‪ ،‬مثل‪ :‬مقياس االختيار‪ ،‬ومقياس التنظيم‪،‬‬
‫ومقياس التصنيف‪ ،‬ومقياس الوحدة أو الفروع‪ ،‬ومقياس التدرج‪ ،‬ومقياس‬
‫التنويع‪ ،‬ومقياس المدخالت والمخرجات‪ ،‬ومقياس المستويات‪ ،‬ومقياس الثقافة‪،‬‬
‫ومقياس علم النفس العقلي والنمائي‪ ،‬ومقياس التقويم‪ ،‬والمقياس المنهجي‪،‬‬
‫والمقياس الكمي والكيفي‪ ،‬ومقياس التوزيع‪ ،‬ومقياس التخطيط‪ ،‬ومقياس‬
‫التدبير‪...‬‬
‫وإذا كانت المدرسة التقليدية تختار المحتويات على أساس معرفي كمي‬
‫ومضموني‪ ،‬وتعد المعارف هي األساس في العملية التعليمية ‪ ،‬فإن المنهاج‬
‫الحديث ينطلق من األهداف والكفايات والمهارات وعلم النفس النمائي في وضع‬
‫المحتويات‪ ،‬وتقديمها للمتعلم‪.‬وفي هذا الصدد‪ ،‬يقول محمد الدريج‪ ":‬إننا بدأنا‬
‫نشاهد في السنوات األخيرة محاوالت الختيار المواد الدراسية‪ ،‬وتنظيمها بناء‬
‫على مقاييس أخرى أكثر انسجاما‪ ،‬متمشيا مع ما آلت إليه المجتمعات‬
‫المعاصرة‪ ،‬ومع وتيرة التقدم العلمي‪ .‬من هذه المقاييس مقياس اختيار مادة‬
‫التعليم وفق األهداف المرسومة‪ ،‬وفي انسجام تام مع الغايات المحددة‪.‬‬
‫ومن مقاييس اختيار المواد وتنظيم محتوياتها وتوزيعها على المستويات‪ ،‬هناك‬
‫االختيار الذي يرتكز على حقائق علم النفس‪ ،‬وخاصة علم النفس النمائي‬
‫ونظريات التعلم وغيرها من الفروع التي تمكن واضع البرامج ومخطط‬
‫المقررات من معطيات ثمينة عن شخصية التالميذ وقدراتهم العقلية وميولهم‬
‫النفسية ومراحل النمو التي يخضعون لها‪...‬وهكذا‪ ،‬يتم مراعاة الفترة المناسبة‬
‫من مراحل نمو الشخصية لتقديم مجموعة من المعارف والمهارات‪ .‬كما قد يتم‬

‫‪ -69‬محمد الدريج‪ :‬تحليل العملية التعليمية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬طبعة‬
‫‪1988‬م‪ ،‬ص‪.69:‬‬
‫‪65‬‬
‫تحديد المواد ومحتوياتها بناء على الثقافة السائدة في المجتمع‪ ،‬وانطالقا من‬
‫‪70‬‬
‫حاجياته وحاجيات التكوين المهني ومتطلبات التنمية‪"...‬‬
‫وعليه‪ ،‬تبنى المقررات والمضامين والمحتويات الدراسية‪ ،‬في المنهاج التربوي‬
‫الحديث والمعاصر ‪ ،‬على أساس علمي موضوعي قائم على مكتسبات علم‬
‫النفس العقلي واالرتقائي ‪ ،‬ويبنى كذلك على أساس األهداف والكفايات‬
‫اإلدماجية‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬المنهاج التربوي بالمغرب‬
‫عرف تخطيط المنهاج التربوي المغربي ثالث محطات كبرى‪ ،‬يمكن حصرها‬
‫فيما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬محطة المضامين والمحتويات‪ :‬يعتمد المنهاج على موضوعات أو تيمات أو‬
‫محاور أو وحدات أو مفاهيم معينة‪ ،‬مثل‪ :‬الدراسة‪ ،‬والطفولة‪ ،‬والهجرة‪،‬‬
‫والعمل‪ ،‬والسفر‪ ،‬ووسائل النقل‪ ،‬والمدينة‪ ،‬والبادية‪....‬‬
‫‪‬محطة األهداف التي واكبت فترة الثمانين من القرن العشرين‪ ،‬فقد قسمت‬
‫األهداف التربوية إلى أهداف وغايات عامة‪ ،‬وأهداف وسطى‪ ،‬وأهداف إجرائية‬
‫خاصة ‪ ،‬في ضوء منظور السيكولوجيا السلوكية( واطسون‪ ،‬وبافلوف‪،‬‬
‫وسكينر)‪.‬‬
‫‪‬محطة الكفايات التي تبلورت في المغرب في سنوات العقد األول من األلفية‬
‫الثالثة لربط التعليم بواقع الشغل والمهننة‪ .‬وقد انبنت هذه النظرية الجديدة على‬
‫مجموعة من التصورات اإلبستمولوجية‪ ،‬مثل‪ :‬النظرية المعرفية‪ ،‬والنظرية‬
‫التوليدية التحولية (نوام شومسكي)‪ ،‬والنظرية البنائية التكوينية (جان بياجي)‪،‬‬
‫وكل النظريات السياقية التي تربط الذات بالمحيط أو السياق الخارجي‪ .‬دون أن‬
‫ننسى النظريات التربوية القائمة على التعلم الذاتي‪ ،‬ومراعاة الفوارق الفردية‬
‫(البيداغوجيا الالتوجيهية‪ ،‬والبيداغوجيا المؤسساتية‪ ،‬وديناميكية الجماعات‪،‬‬
‫وبيداغوجيا التفريدية‪ ،‬وبيداغوجيا األخطاء‪)...‬‬

‫‪ -70‬محمد الدريج‪ :‬تحليل العملية التعليمية‪ ،‬ص‪.70:‬‬


‫‪66‬‬
‫وعليه‪ ،‬يقوم التخطيط السنوي بتجزيء المقررات التربوية‪ ،‬أو تقسيم المناهج‬
‫الدراسية سنويا‪ ،‬بتوزيعها إلى مجموعة من المراحل التكوينية‪ ،‬أوالمجزوءات‬
‫الدراسية ‪ ،‬واختيار أنجع السبل من أجل تقويم إجمالي أو نهائي مناسب بغية‬
‫التثبت من مكتسبات التالميذ‪ ،‬أو من مدى تحقق الكفاية اإلدماجية النهائية لدى‬
‫طلبة الفصل الدراسي‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يتكون التخطيط السنوي من أربع مراحل كبرى‪ ،‬وتتضمن كل مرحلة‬
‫ثمانية أسابيع‪ ،‬تخصص األسابيع الستة األولى إلرساء الموارد‪ ،‬ويخصص‬
‫األسبوعان الباقيان لإلدماج‪ ،‬كما يخصص األسبوعان الثالث والسادس ألنشطة‬
‫التوليف والتقويم والدعم‪ .‬وتشكل هذه األسابيع الثمانية ما يسمى بالمجزوءة التي‬
‫تبدأ بالكفاية‪ ،‬وتنتهي بالتقويم اإلجمالي‪ .‬ويالحظ أن عدد المجزوءات أربع‪،‬‬
‫يسبقها أسبوع للتقويم التشخيصي‪ ،‬وأسبوع في آخر السنة للتقويم اإلشهادي‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫ومن جهة أخرى ‪ ،‬يستند منهاج التربية والتعليم بالمغرب ‪ ،‬حسب الكتاب‬
‫األبيض‪ ،71‬إلى محددات ثالثة هي‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬التربية على االختيار‬
‫تعني التربية على االختيار أن يكون التلميذ قادرا على المقارنة والمفاضلة‬
‫والموازنة بين مجموعة من االختيارات التربوية الممكنة‪ ،‬مادام يمتلك الموارد‬
‫والمهارات والقدرات العقلية الكفائية ‪ .‬ويعني هذا أن تعمل المؤسسة التعليمية‬
‫المغربية على تأهيل المتعلم لتكون لديه ملكة االختيار والمفاضلة والمقارنة بين‬
‫مجموعة من االقتراحات ‪.‬أي‪ :‬يمتلك المتعلم القدرة على الحسم‪ ،‬وإصدار‬
‫القرارات عن وعي وإرادة وتدبر نظري وعملي‪.‬‬
‫وتستلزم التربية على االختيار أن يكون التلميذ ذا شخصية مستقلة‪ ،‬يستخدم‬
‫حريته بمسؤولية والتزام‪ ،‬ويوظف عقله بشكل سليم‪ ،‬ويتصرف بطريقة حرة‬
‫واعية‪ ،‬و يؤمن بالتعلم الذاتي من أجل بناء شخصيته وجوديا‪ ،‬وقيميا‪ ،‬وذهنيا ‪،‬‬
‫ووجدانيا‪ ،‬وحسيا حركيا‪ .‬ويميل إلى فلسفة العمل واإلنتاج واإلبداع واالبتكار‪،‬‬
‫يحب وطنه وأمته‪ ،‬ويدافع عن هويته‪ ،‬وينافح عن القيم اإلسالمية‪ ،‬ويكون‬
‫مواطنا صالحا لنفسه‪ ،‬وأسرته‪ ،‬ومجتمعه‪ ،‬وأمته‪ .‬فضال عن إيمانه الراسخ بقيم‬
‫المواطنة‪ ،‬والتشبث بحقوق اإلنسان‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فثمة اختيارات تربوية عديدة تمس جانب المضامين‪ ،‬والقيم‪ ،‬والتواصل‪،‬‬
‫والتقويم‪ ،‬والدعم والمعالجة‪ ،‬والمواد الدراسية‪ ،‬والمقررات‪ ،‬والمناهج‪،‬‬
‫والبرامج‪ ،‬والوسائل‪ ،‬والطرائق‪ ،‬وفلسفات التربية‪ ،‬واإليقاعات المدرسية من‬
‫حيث الزمان والمكان‪ ،‬والكتب المدرسية‪ ،‬والمدخالت والمخرجات‪...‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬التربية على القيم‬
‫يقصد بالقيم مجموعة من األخالق والتمثالت السلوكية والمبادئ الثابتة أو‬
‫المتغيرة التي ترتبط بشخصية اإلنسان إيجابا أو سلبا‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تحدد كينونته‬

‫‪ - 71‬وزارة التربية الوطنية‪ :‬مراجعة المناهج التربوية الكتاب األبيض‪ ،‬مشروع منقح ومزيد‪ ،‬نونبر‬
‫‪2002‬م‪.‬‬
‫‪68‬‬
‫وطبيعته وهويته انطالقا من مجموع تصرفاته األدائية والوجدانية والعملية ‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن كلمة القيم من الناحية الصرفية جمع قيمة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تحيل كلمة‬
‫القيمة على مكانة اإلنسان التي يتبوأها بين الناس‪ ،‬وشأنه في المجتمع‪ ،‬كما‬
‫ترتبط هذه القيمة حكما وتقييما باألفعال البشرية والتصرفات اإلنسانية بشكل‬
‫ذاتي وموضوعي ‪.‬‬
‫وتتخذ القيم أبعادا جمالية‪ ،‬وسياسية‪ ،‬واجتماعية‪ ،‬وثقافية‪ ،‬ودينية‪ ،‬وفلسفية‪.‬‬
‫ويعلم كل منا أن الكتب السماوية قد صورت القيم في كل تجلياتها المتنوعة‬
‫والمختلفة‪ ،‬وحثت اإلنسان على التمثل بالقيم الفضلى‪ ،‬وااللتزام باألخالق‬
‫السامية العليا من أجل الفوز بالجنة‪ ،‬واالبتعاد عن النار‪.‬وفي المقابل‪ ،‬نهته عن‬
‫اإلتيان بالقيم األخالقية المشينة المنافية لمبادئ الكتب السماوية‪ ،‬والمتعارضة‬
‫مع شرائعها الربانية ‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬فقد خصصت الفلسفة مبحثا للقيم سمته‬
‫باألكسيولوجيا(‪ ،)Axiologie‬إلى جانب مبحث الوجود‪ ،‬ومبحث المعرفة‪.‬‬
‫وربطت القيم بالخير‪ ،‬والحق‪ ،‬والجمال‪.‬وناقشت هذه القيم من خالل طرح‬
‫مجموعة من األسئلة حول طبيعتها ‪:‬هل هي قيم ذاتية أو موضوعية؟ وهل هي‬
‫مطلقة أو نسبية؟ وهل هي خالدة أومتغيرة؟‬
‫وتتوزع القيم ‪ ،‬في المنهاج التربوي المغربي‪ ،‬في جميع مستوياته وأسالكه‬
‫الدراسية‪ ،‬في ضوء بيداغوجيا الكفايات والمجزوءات‪ .‬وتخضع هذه القيم‪،‬‬
‫بالتالي‪ ،‬لمنطق الوضعيات ‪ -‬األسئلة التي تتدرج ديدكتيكيا من السهولة إلى‬
‫الصعوبة‪ .‬وتنصب هذه القيم على الجوانب الذهنية‪ ،‬والوجدانية‪ ،‬والحسية‬
‫الحركية‪ ،‬والمهارات األدائية‪ .‬وترتبط هذه القيم الكفائية بكفايات أخرى‪:‬‬
‫منهجية‪ ،‬ومعرفية‪ ،‬وثقافية‪ ،‬وتواصلية‪ ،‬وإستراتيجية ‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫أما من الناحية الديدكتيكية‪ ،‬فتستخلص القيم المدروسة المستهدفة‪ ،‬بمقاصدها‬
‫األخالقية والمعنوية والعملية‪ ،‬بالتركيز على المعطى النصي‪ ،‬والمرور‬
‫بمجموعة من المراحل التعلمية التي تتمثل في استقراء المعرفة الخلفية‪،‬‬
‫واللجوء إلى أنشطة االكتساب‪ ،‬ومالحظة النص‪ ،‬واالنتقال من الفهم إلى مراقي‬
‫معرفية أخرى‪ ،‬كالتحليل‪ ،‬والتطبيق‪ ،‬واإلنتاج‪ ،‬والتقويم ‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬تعتمد المناهج التربوية بالمدارس المغربية ‪ ،‬في اقتراح مواضيعها‪،‬‬
‫على مقاربتين أساسيتين‪ :‬مقاربة الكفايات‪ ،‬ومقاربة قيمية سلوكية أخالقية في‬
‫ضوء منظور جديد للقيم‪ ،‬يقوم على ضرورة االنفتاح على العالم الخارجي‪،‬‬
‫والتفتح على آفاق العولمة وفق سياسة التسامح مع اآلخر والغير المخالف لنا‪،‬‬
‫واألخذ بمنطق التعايش الحضاري‪ ،‬وانصهار الجميع في بوتقة حضارية‬
‫إنسانية‪ ،‬والذوبان في قرية كونية واحدة على مستوى المشاركة واإلعالم وبناء‬
‫العالم ‪.‬علما أن المغرب قد أخذ بهذا التوجه التربوي القيمي الجديد ألسباب‬
‫سياسية وأمنية وطنية وجهوية ودولية‪ ،‬بعد تنامي ظاهرة اإلرهاب والتطرف‬
‫والغلو‪ ،‬وانتشار فكرة صراع الحضارات واألديان …‬
‫ويالحظ أيضا أن هناك تجديدا في محتويات الكتب المدرسية المغربية التي‬
‫اتخذت متونها طابعا قيميا وأخالقيا وسلوكيا‪ ،‬وتنويعا في المضامين والخبرات‬
‫التعلمية المعرفية‪ .‬والتخرج قيم هذه المناهج التربوية في جوهرها عن قيمة‬
‫الخير (التنمية‪ ،‬والتعدد الثقافي‪ ،‬والتعايش‪ ،‬والتسامح‪ ،‬وحقيقة المواطنة‪ ،‬وبناء‬
‫المجتمع المدني‪ ،‬واالتصال‪ ،‬واالنفتاح‪ ،‬وتبني قيم الحداثة)‪ ،‬وقيمة الحق(حقوق‬

‫‪70‬‬
‫اإلنسان والديمقراطية‪ ،‬والهجرة‪ ،‬والهوية‪،‬والمعرفة‪،‬والعلم‪ ،)…،‬وقيمة‬
‫الجمال(الفنون الجمالية واألدبية والبصرية)‪...‬‬
‫و على الرغم من تنوع هذه القيم وتميزها بطابعها المثالي والالمادي‪ ،‬فإنها تبقى‬
‫قيما نظرية مجردة وطوباوية في ثنايا المناهج التربوية المقررة‪ ،‬بعيدة عن‬
‫التمثل الواقعي واألجرأة الميدانية بسبب تأثر المدرسة المغربية بآفات مجتمعها‬
‫المتردي على جميع األصعدة والمستويات‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬بيداغوجيا الكفايات‬
‫بيداغوجيا الكفايات هي مقاربة تربوية وديدكتيكية جديدة ومعاصرة ‪ ،‬تهدف‬
‫إلى تسليح المتعلم بمجموعة من الكفايات األساسية لمواجهة الوضعيات الصعبة‬
‫والمركبة التي يصادفها المتعلم في واقعه الدراسي أوالشخصي أوالموضوعي‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬فالكفايات هي بمثابة معارف وموارد ومهارات ومواقف وكفايات‬
‫معرفية وتواصلية ومنهجية وثقافية‪ ،‬يستضمرها المتعلم لحل مجموعة من‬
‫المشاكل أو الوضعيات ‪ -‬المشكالت بغية التكيف أو التأقلم مع المحيط‪ ،‬أو‬
‫االستجابة لمتطلبات سوق الشغل‪ ،‬أو قصد التميز الدراسي والكفائي والحرفي‬
‫والمهني‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فاكتساب الكفايات هو السبيل الحقيقي لتحصيل النجاح ‪ .‬وهو‬
‫أيضا أساس االستقاللية الشخصية‪ ،‬ومدخل ضروري إلى تحمل المسؤولية ‪،‬‬
‫واالعتماد على الذات في حل جميع المشاكل التي تطرحها الوضعيات أمام‬
‫المتعلم في أثناء مجابهته لواقعه الحي‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تنصب بيداغوجيا الكفايات على‬
‫المعطى الكيفي‪ ،‬وتركز على التعلم السياقي في عالقة جدلية بالكفايات‬
‫المستهدفة‪ ،‬سواء أكانت أساسية أم نوعية‪.‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬أنواع المناهج‬
‫يمكن الحديث عن أنواع عدة من المناهج الدراسية والتربوية على النحو التالي‪:‬‬
‫‪ ‬منهاج المواد المنفصلة‪ :‬يقصد به ذلك المنهاج الذي يقوم على تدريس‬
‫المواد التعليمية بطريقة منفصلة‪ ،‬والعناية بكل مادة دراسية مجزأة على حدة‪" ،‬‬
‫بتنظيم المعلومات والمهارات المطلوب إمداد التالميذ بها في صورة مواد‬
‫‪71‬‬
‫دراسية مستقلة " تاريخ‪ .‬جغرافية‪.‬لغة‪.‬رياضة‪ "...‬وقد يكون طابع هذا المنهاج‬
‫المغاالة في الفصل بين هذه المواد‪ ،‬وقد يالحظ فيه شيء من الربط بينها‪.‬‬
‫ومن خواص هذا المنهاج أن كل مادة تعتبر مستقلة استقالال تاما أو نسبيا عن‬
‫غيرها من المواد الدراسية‪ ،‬وأن لكل مادة منهجا معينا‪ ،‬ووقتا محددا‪ ،‬وكتابا‬
‫خاصا‪ ،‬وأن لكل مادة‪ -‬كذلك‪ -‬أهدافا ووسائل‪.‬‬
‫ومما يؤخذ على هذا المنهاج أنه يغفل ميول التالميذ؛ ألنهم قد يدرسون أشياء‬
‫التميل إليها نفوسهم‪ ،‬ومن عيوبه أيضا أن فيه تفريقا وتنافرا بين المعلومات في‬
‫أذهان التالميذ‪ ،‬فتصبح هذه المعلومات غير وظيفية‪ ،‬أي عاجزة عن حل‬
‫المشكالت الحيوية‪ ،‬كما أن المغاالة في األخذ بهذا المنهج قد تدعو إلى إهمال‬
‫األحداث الجارية والحياة المعاصرة‪ ،‬وقد يطغى اهتمام المدرس بالمادة على‬
‫حق التلميذ من المشاركة اإليجابية‪"72.‬‬
‫وعليه ‪ ،‬يدرس هذا المنهاج الخبرات التعليمية في شكل مجزوءات ووحدات‬
‫ومواد منفصلة‪ ،‬على الرغم من انصهارها ضمن الكل‪.‬والهدف من ذلك هو‬
‫تبسيط المعلومات والمعارف والمحتويات‪ ،‬وتسهيلها على مستوى األداء‬
‫واإلنجاز والتبليغ‪ ،‬والتمييز بين مختلف المكونات المستقلة‪.‬‬
‫إذاً‪ ،‬فمنهاج المواد المنفصلة هو" المنهاج التقليدي المعروف المكون من مواد‬
‫دراسية منفصلة موزعة على سنوات الدراسة المختلفة والتاريخ والجغرافيا‬
‫والعلوم والحساب والهندسة والرسم واألشغال‪ ،‬وفي هذا المنهاج ال توجد أية‬
‫رابطة بين مادة دراسية وبين باقي المواد ‪ ،‬فالخبرة فيه مفككة والمواد حسب‬
‫منطق الكبار والمتخصصين في المواد المختلفة‪ ،‬و البعد عن سيكولوجية‬
‫األطفال‪ ،‬كما أن المواد المختلفة المستوى التالميذ بل إنها في العادة فوق‬
‫مستواهم وذلك يرجع الى نظرية الملكات التي كانت مسيطرة على فلسفة التربية‬
‫والتي ترى أن العقل مقسم إلى ملكات‪ ،‬وأن كل مادة من مواد الدراسة تدرب‬
‫إحدى هذه الملكات‪ ،‬فالشعر يدرب ملكة الخيال‪ ،‬والحساب يدرب ملكة التفكير‬

‫‪ - 72‬عبد العليم إبراهيم‪ :‬الموجه الفني لمدرسي اللغة العربية‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫الطبعة السابعة‪1973 ،‬م‪ ،‬ص‪.37:‬‬
‫‪72‬‬
‫الى غير ذلك‪ ،‬وكلما زادت المواد الدراسية في الصعوبة كليا أدى ذلك إلى‬
‫تدريب أقوی وأعمق أثرا لملكات العقل‪ .‬كما أن هذا النوع من المناهج يعتبر‬
‫بعيدا كل البعد عن مواقف الحياة العادية بسبب التقسيم المصطنع مما يؤدي إلى‬
‫عدم اهتمام التالميذ به‪ ،‬والی اتباع طريقة التلقين والتقرير في توصيله إلى‬
‫‪73‬‬
‫أذهانهم‪".‬‬
‫ويشبه هذا المنهاج ما يسمى بنظرية الفروع التي يقصد بها تدريس اللغة العربية‬
‫أو اللغات األجنبية بطريقة فرعية مستقلة‪ .‬بمعنى أن المدرس يدرس مواد‬
‫مختلفة من اللغة العربية ‪ -‬مثال‪ -‬على أنها فروع مستقلة في منهاجها وبنياتها‬
‫الديدكتيكية والبيداغوجية‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬يرى عبد العليم إبراهيم أن المراد‬
‫بها في تعليم اللغة" أننا نقسم اللغة فروعا‪ ،‬لكل فرع منهجه وكتبه وحصصه‪،‬‬
‫مثل‪ :‬المطالعة‪ ،‬والمحفوظات‪ ،‬والتعبير‪ ،‬والقواعد‪ ،‬واإلمالء‪ ،‬واألدب‪،‬‬
‫والبالغة‪.‬‬
‫ولتطبيق هذه النظرية يعالج كل فرع من هذه الفروع على أساس منهجه‬
‫‪74‬‬
‫المرسوم في حصصه المقررة في الجدول الدراسي‪".‬‬
‫وقد تبنى المغرب هذه الطريقة إبان سنوات السبعين من القرن العشرين في‬
‫االبتدائي واإلعدادي والثانوي‪ ،‬فقد كان هناك كتاب للقواعد‪ ،‬وكتاب للقراءة‪،‬‬
‫وكتاب للمحفوظات‪ ،‬وكتاب للتاريخ‪ ،‬وكتاب للجغرافيا‪ ،‬وكتاب للتربية الوطنية‪،‬‬
‫وكتاب للتربية اإلسالمية‪ .‬وكانت لكل مادة طريقتها في التدريس‪ ،‬والتقويم‪،‬‬
‫والتوجيه‪...‬‬
‫‪ ‬منهاج المواد المترابطة‪ :‬يشبه منهاج المواد المنفصلة في المنهاج التقليدي‪،‬‬
‫ولكن هناك ترابط شكلي طفيف بين بعض المواد دون األخرى‪ ،‬كدراسة تاريخ‬
‫المغرب‪ ،‬وجغرافيا المغرب‪ ،‬وأدب المغرب‪ ،‬دون أن يمتد الترابط إلى باقي‬
‫المواد األخرى‪ .‬ومن ثم‪ ،‬مازالت فكرة االنفصال باقية ‪ ،‬ولم يحقق الترابط دوره‬
‫اإليجابي في توحيد المواد الدراسية كلها‪.‬‬

‫‪ - 73‬أمينة اللوه‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.76-75 :‬‬


‫‪ - 74‬عبد العليم إبراهيم‪ :‬الموجه الفني لمدرسي اللغة العربية‪ ،‬ص‪.51-50:‬‬
‫‪73‬‬
‫‪ ‬منهاج المواد المتشابهة أو المتسعة‪ :‬يعتمد هذا المنهاج على تدريس المواد‬
‫المتشابهة أو المتسعة كما في التعليم االبتدائي المغربي‪:‬‬
‫أ‪-‬قطب اللغات ‪:‬اللغة العربية‪ ،‬واللغة الفرنسية‪ ،‬واللغة األمازيغية؛‬
‫ب‪-‬قطب الرياضيات‪:‬الجبر‪ ،‬والهندسة‪ ،‬والقياس‪ ،‬إلخ‪...‬؛‬
‫ج‪ -‬قطب مواد التفتح‪ :‬التربية التشكيلية‪ ،‬والنشاط العلمي‪ ،‬والتربية البدنية‪،‬‬
‫والتربية اإلسالمية‪...،‬؛‬
‫وهكذا‪ ،‬يعتبر هذا النو‪ ،‬محاولة أخر إلدما المواد الدراسية بعضها في‬
‫بعض وهو أقرب إلى التكامل من منها المواد المرتبطة‪ ،‬وفيه تدم كل‬
‫مجموعة من المواد ذات عالقة ببعضها في مادة واحدة‪ ،‬فال تكون هناك مادة‬
‫للتاري ‪ ،‬وأخر للجغرافيا‪ ،‬وثالثة للتربية الوطنية أو األخالق‪ ،‬وإنما وال منها‬
‫مادة واحدة هي العلوم االجتماعية وكذلك في المواد العلمية والرياضية‬
‫والفنية‪.75‬‬
‫ويعني هذا خلق توأمة بين الدروس والمواد المتشابهة كتقسيمها إلى مواد العلوم‬
‫االجتماعية (التاريخ‪ ،‬والجغرافيا ‪ ،‬والتربية الوطنية)‪ ،‬والعلوم اإلنسانية(األدب‪،‬‬
‫والفلسفة‪ ،)...‬والمواد العلمية (الرياضيات‪ ،‬والفيزياء‪ ،‬والكيمياء‪ ،‬والعلوم‬
‫الطبيعية‪.)...‬‬
‫‪‬المنهاج المحوري أو المتمركز(‪ :)Consentré‬يقصد به ذلك المنهاج الذي‬
‫تتمحور حوله المواد الدراسية في إطار وحدة مترابطة ومتكاملة ؛ حيث تنصهر‬
‫فيه جميع الوحدات والمجزوءات التعليمية في بوتقة محورية متسلسلة ومتسقة‬
‫ومنسجمة ‪ .‬أي‪ :‬إنه" المنهاج الذي يقوم على الترابط والتكامل بين المواد‬
‫الدراسية‪ ،‬بحيث تتخذ إحدى هذه المواد محورا تدور حوله سائر الخبرات‬
‫األخرى‪ ،‬على أن يتجه السير بهذا المنهاج نحو مشكالت الحياة والمجتمع "‪.76‬‬

‫‪ - 75‬أمينة اللوه‪ :‬نفسها‪ ،‬ص‪.77-76:‬‬


‫‪ - 76‬عبد العليم إبراهيم‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.39:‬‬
‫‪74‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يعد المنهاج المحوري " خطوة موفقة نحو ترابط الخبرة وتكاملها ‪،‬‬
‫ونظام المنهاج المحوري باتخاذ إحدى المواد الدراسية نواة أو محورا تدور‬
‫حوله باقي المواد الدراسية األخرى‪ ،‬وقد اتخذ التاريخ كنواة في بداية األمر‬
‫بحيث يكون أساسا لدراسة الجغرافيا واألدب والتعبير اللغوي‪ .‬كما أن دروس‬
‫التعبير الفني كانت تدور حول رسم اآلثار والشخصيات التاريخية وعمل نماذج‬
‫لها‪ ،‬ثم عدل عن التاريخ‪ ،‬وحلت محله الجغرافيا ‪ ،‬ثم عدل عنها إلى العلوم‪،‬‬
‫ولكن وجد أنه ليس من الممكن أن تترابط جميع المواد حول مادة واحدة بطريقة‬
‫طبيعية دون تكلف أو افتعال‪ ،‬ولهذا أصبح المحور يقوم على مشكلة مشتقة من‬
‫‪77‬‬
‫المواد الدراسية أو من مواقف الحياة العامة‪" .‬‬
‫ويشبه هذا المنهاج ما يسمى بنظرية الوحدة التي تعني تدريس مادة ما‪ ،‬كأن‬
‫تكون اللغة العربية أو اللغة الفرنسية‪ ،‬على أنها وحدة مترابطة ومتكاملة مراعاة‬
‫لألسس التربوية والنفسية واللغوية‪ ،‬كأن نستثمر نص القراءة ‪ -‬مثال‪ -‬في التعبير‬
‫والتذوق واإلنشاء والشكل والنحو‪ .‬بمعنى أن نظرية الوحدة أو المنهاج‬
‫المحوري ‪ -‬حسب عبد العليم إبراهيم ‪ -‬هي" أن ننظر إلى اللغة على أنها وحدة‬
‫مترابطة متماسكة‪ ،‬وليست فروعا متفرقة مختلفة‪ ،‬ولتطبيق هذه النظرية في‬
‫تعليم اللغة يتخذ الموضوع أو النص محورا تدور حوله جميع الدراسات‬
‫اللغوية‪ ،‬فيكون هو موضوع القراءة‪ ،‬والتعبير‪ ،‬والتذوق‪ ،‬والحفظ‪ ،‬واإلمالء‪،‬‬
‫والتدريب اللغوي‪ ...‬وهكذا‪ ،‬وقد كانت هذه الطريقة هي السائدة في العهود‬
‫األولى تدريسا وتأليفا‪ ،‬وكتاب (الكامل) للمبرد يعد مثاال للتأليف على هذه‬
‫الطريقة؛ ففيه يعرض النص‪ ،‬ويعالج من الناحية اللغوية والنحوية والصرفية‬
‫وغيرها‪ .‬وطبيعي أن نظرية الوحدة التعترف بتخصيص حصص معينة لنوع‬
‫من أنواع الدراسات اللغوية"‪.78‬‬
‫ويضاف إلى ذلك أن المدارس العتيقة واألصيلة بالمغرب ‪ ،‬كجامع القرويين‪،‬‬
‫تتخذ هذا المنهاج في التعليم والتدريس؛ حيث يستثمر النص أو الكتاب المنطلق‬
‫ليكون وثيقة للدراسة الشاملة والكلية‪.‬‬
‫‪ - 77‬أمينة اللوه وآخرون‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.77:‬‬
‫‪ - 78‬عبد العليم إبراهيم‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.50:‬‬
‫‪75‬‬
‫إذاً‪ ،‬تنطلق المقاربة المحورية أو المركزية أو البؤرية " من مبدإ كلية المعارف‬
‫والمواد والتداخل فيما بينها ‪ ،‬بحيث اليمكن عزلها وتجزيئها إال بالتخلي عن‬
‫طابعها التكاملي المتناسق‪.‬لذا تؤكد هذه المقاربة على أنه ينبغي أن الننطلق من‬
‫المواد لبناء البرنامج أو المنهاج‪ ،‬بل ينبغي أن ننطلق من معايير أخرى تلتقي‬
‫عندها جميع المواد‪.‬ولقد أكد تطور األبحاث العلمية اليوم على الطابع المتداخل‬
‫والمتكامل للعلوم‪ .‬فتفسير ظاهرة كيميائية مثال اليمكن أن يتم في معزل عن‬
‫الفيزياء والبيولوجيا ‪ ،‬كما أن النظريات العلمية أصبحت تبحث عن نماذج‬
‫تفسيرية للظواهر تتسم بتعدد أبعادها ‪ ،‬وعدم اقتصارها على مجال علمي واحد‪.‬‬
‫وكذلك في التعليم وجهت الدعوة إلى إزالة الحواجز بين المواد‪ ،‬والتركيز على‬
‫‪79‬‬
‫األنشطة واإلنجازات التي تتميز بتداخل المعارف والمهارات‪".‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فالمنهاج المحوري هو الذي يركز على تداخل المعارف وتشابهها‬
‫وتكاملها ضمن نسق تربوي منفتح ومتعدد‪.‬‬
‫‪ ‬منهاج النشاط القائم على ميول التالميذ‪ :‬يراعي هذا المنهاج ميول الطفل‪،‬‬
‫ويهتم بسيكولوجيته ‪ ،‬ويقوم على فلسفة التنشيط الذاتي‪ ،‬بالتركيز على المواقف‬
‫الذاتية من جهة‪ ،‬والمشاريع الفردية الخاصة من جهة أخرى‪ .‬و يعد" هذا النوع‬
‫من المناهج ثورة على المناهج التقليدية حيث إنه أهمل العناية بالمواد الدراسية‪،‬‬
‫واهتم بميول التالميذ وحاجاتهم‪ ،‬وأصبحت المناهج تدور حول مشاكل تهم‬
‫التالميذ ويختارونها بأنفسهم‪ ،‬وأثناء قيامهم بحل هذه المشاكل يكتسبون خبرات‬
‫متنوعة ‪ .‬ويمتاز هذا المنهاج بتكامل الخبرة ومراعاة سيكولوجية التعلم‬
‫واالهتمام البالغ بميول التالميذ‪ ،‬ولكنه ال يوجه عنايته إلى الوظيفة االجتماعية‬
‫لعملية التعلم ومن أمثلة ذلك طريقة المشروعات المعروفة‪" .80‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يتبين لنا أن منهاج النشاط قد يكون فرديا من جهة‪ ،‬ومجتمعيا من جهة‬
‫أخرى‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يشكل هذا المنهاج قوام التربية الحديثة التي تعنى باللعب‬

‫‪ 79‬عبد اللطيف الفارابي وآخران‪ :‬البرامج والمناهج‪ ،‬دار الخطابي للطباعة والنشر‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫سنة ‪1990‬م‪ ،‬ص‪.93:‬‬
‫‪ - 80‬أمينة اللوه وآخرون‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.77:‬‬
‫‪76‬‬
‫والحرية واألنشطة الصفية والموازية التي تتالءم مع ميول المتعلم بصفة‬
‫خاصة‪.‬‬
‫‪ ‬منهاج النشاط القائم على مواقف الحياة االجتماعية‪ :‬اليكتفي هذا المنهاج‬
‫بما هو فردي‪ ،‬بل ينفتح على ما هو اجتماعي بحل المشاكل التي تواجه المتعلم‬
‫في المجتمع‪ .‬ومن هنا‪ " ،‬يعالج هذا المنهاج عيوب المنهج السابق‪ .‬أي‪ :‬المنهاج‬
‫القائم على ميول التالميذ‪ ،‬فهو بالرغم من عنايته بميول األطفال إال أنه ال يهمل‬
‫الجانب االجتماعی‪ ،‬ففي هذا النوع تختار مشاكل تهم التالميذ ‪ ،‬و لكنها ذات‬
‫صفة اجتماعية‪ ،‬أو ذات قيمة بالنسبة لحل مشاكل المجتمع‪ .‬أي‪ :‬إن مشاكل‬
‫‪81‬‬
‫المجتمع هي المحور الذي تدور حوله هذه المناهج‪" .‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬فهذا المنهاج أكثر انفتاحا من المنهاج السابق الذي يبقى منحصرا فيما‬
‫هو ذاتي وفردي وأنوي‪.‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬مقاربات بناء المنهاج‬
‫يمكن الحديث عن خمس مقاربات تربوية وديدكتيكية أساسية تستند إليها فلسفة‬
‫المنهاج التربوي المغربي على مستوى التخطيط والتدبير الديدكتيكي‪ ،‬ويمكن‬
‫حصرها في المقاربات التالية‪:‬‬
‫‪‬المقاربة البيداغوجية المتمركزة حول تبليغ المعرفة‪:‬‬

‫تهتم هذه المقاربة التي تطبقهدا المدرسدة التقليديدة بتقدديم المعدارف الموسدوعية ‪،‬‬

‫والتركيددز علددى المدددرس دون المددتعلم‪ ،‬واالهتمددام بددالكم علددى حسدداب الكيددف‪،‬‬

‫والعنايدة بددالتعليم دون الدتعلم‪ ،‬وتقددديس المعرفدة والمدددرس علدى حسدداب المددتعلم‪.‬‬

‫ومن ثم‪ ،‬يكون الهدف من هذه المقاربة المضمونية هو تكوين متعلم يحافظ علدى‬

‫‪ - 81‬أمينة اللوه وآخرون‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.78:‬‬


‫‪77‬‬
‫قيم المجتمع وعاداته وأعرافده وتقاليده‪،‬وينصدهر فدي المجتمدع كبداقي المدواطنين‬

‫اآلخرين‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يتبين لنا أن هدذه المقاربدة عبدارة عدن نسدق تربدوي ذي بعدد‬

‫معارفي‪ ،‬تولي أهميدة كبدرى لمركزيدة المددرس‪ ،‬ومركزيدة المعرفدة‪ ،‬ومركزيدة‬

‫الحفظ واالستظهار‪ ،‬والرغبة في إدماج المتعلم في مجتمع محافظ‪.‬‬

‫‪‬المقاربة البيداغوجية المتمركزة حول تعديل السلوك‪:‬‬


‫تتميز هذه المقاربة بالتدريس الهادف‪ ،‬أو التدريس التقني الذي يرمي إلى تغيير‬
‫السددلوك وفددق بيددداغوجيا األهددداف‪ ،‬بتسددطير مجموعددة مددن األهددداف اإلجرائيددة‬
‫المعرفيددة والوجدانيددة والحسددية الحركيددة مددن جهددة‪ ،‬وقيدداس السددلوك مددن جهددة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫وتسددتند هدددذه المقاربددة إلدددى السددديكولوجيا السددلوكية القائمدددة علددى ثنائيدددة المثيدددر‬
‫واالسددتجابة‪.‬ومن هنددا‪ ،‬تفتددت هددذه المقاربددة المعرفددة التربويددة والديدكتيكيددة إلددى‬
‫مجموعددة مددن األهددداف العامددة والوسددطى والخاصددة‪ ،‬وفددق المقدداطع التمهيديددة‬
‫والوسطية والنهائية‪ ،‬ووفق التقويم القبلي والتكويني واإلجمالي‪ ،‬من أجل التحقق‬
‫مددن نجاعددة األهددداف اإلجرائيددة المسددطرة عبددر المسددار الديدددكتيكي القددائم علددى‬
‫تحديد األهداف الخاصدة‪ ،‬وتقدديم المحتويدات‪ ،‬واالسدتعانة بالوسدائل الديدكتيكيدة‪،‬‬
‫واألخددذ بددالطرائق البيداغوجيددة‪ ،‬واالهتمددام بددالتنظيم الصددفي‪ ،‬وتنظدديم اإليقاعددات‬
‫الزمنية‪ ،‬وتحقيق التواصل اللفظي وغير اللفظي‪ ،‬واللجوء‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬إلى معايير‬
‫التقويم والفيدباك (التغذية الراجعة) لقياس مدى تغير السلوك لدى المدتعلم إيجابدا‬
‫أو سدددلبا ‪ .‬ومدددن هندددا‪ ،‬يتسدددم هدددذا المنهددداج بالطدددابع التقندددي النسدددقي ذي البعدددد‬

‫‪78‬‬
‫التكنولوجي‪ ،‬ويخلق لنا إنسدان التقنيدة الدذي يعندى بالعقالنيدة واإلنتاجيدة وتحقيدق‬
‫المردوية السلوكية‪.‬‬
‫‪‬المقاربة البيداغوجية المتمركزة حول شخصية المتعلم‪:‬‬
‫تعندددى هدددذه المقاربدددة بدددالمتعلم ‪ ،‬علدددى أسددداس أنددده محدددور العمليدددة التعليميدددة‪-‬‬
‫التعلميددة‪.‬في حددين‪ ،‬يعددد المدددرس موجهددا ومرشدددا لدديس إال ‪ .‬وبهددذا‪ ،‬يتميددز هددذا‬
‫النسددددق بطابعدددده اإلنسدددداني ‪ ،‬مددددادام يركددددز علددددى شخصددددية المددددتعلم النمائيددددة‪،‬‬
‫والفيزيولوجيدددددددة‪ ،‬والبيولوجيدددددددة‪ ،‬والنفسدددددددية‪ ،‬والوجدانيدددددددة‪ ،‬واالجتماعيدددددددة‪،‬‬
‫والوجودية‪.‬أي‪ :‬تهدف هذه المقاربة إلى خلق إنسان وجودي متميدز‪ ،‬يعتمدد علدى‬
‫نفسه وذاته في بناء التعلمات عبر األنشطة والمشاريع والوضعيات الفردية‪.‬‬
‫وتعد الالتوجيهية (‪ )le non-directivisme‬من أهم الطرائق التربوية التي‬
‫تمثل هذا التوجه ‪ ،‬وقد جاءت رد فعل على التيار اإللزامي و الفوضوي‪ .‬ومن‬
‫أهم ممثليها ‪ :‬الفرنسي جان جاك روسو‪ ،(J.Rousseau)82‬و الفرنسي أوليفيه‬
‫ريبول‪ ،(O.Reboul)83‬واألمريكي كارل روجرز(‪ .84)C.Rogers‬وتتأسس‬
‫هذه الطريقة على تربية الولد فردا وذاتا عكس البيداغوجيا المؤسساتية‬
‫(‪ )Pédagogie Institutionnelle‬التي تنصب على تربية الجماعة‪.‬‬
‫و إذا كانت المذاهب التجريبية تربي الولد من أجل المجتمع‪ ،‬فإن أنصار الطبيعة‬
‫يربون الولد من أجل الولد‪ .‬ومن ثم‪ ،‬ينزع االتجاه األول إلى إلزام الولد وإجباره‬

‫‪82‬‬
‫‪- Frédéric Worms, Rousseau, Émile ou de l'éducation, Livre IV, Paris,‬‬
‫‪Ellipses, 2001.‬‬
‫‪83‬‬
‫‪- O.Reboul : La philosophie de l'éducation (première édition 1971) -‬‬
‫‪9e éd. - Paris : PUF, 2001 - coll. Que sais-je ? n°2441.‬‬
‫‪84‬‬
‫‪- karl Rogers : Liberté pour apprendre, Dunod.1972.‬‬
‫‪79‬‬
‫تربويا‪ .‬أما اإلتجاه الثاني ‪ ،‬فيرى أن التنشئة السلطوية إنما هي تشويه لطبيعة‬
‫الولد‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فإخضاعه لقواعد خارج عن طاعته‪ ،‬و هو اإلنسان الخير‬
‫البريء‪ ،‬إنما هو إعدام لحريته و تقييد لمواهبه‪ .‬وعليه‪ ،‬يرفض أوليفيه ريبول‬
‫التربية اإلجبارية التي ال تهدف إال إلى امتثالية اجتماعية تسحق الفرد وتقهره‬
‫وتخرس لسانه‪ ،‬وهي أشبه بالتربية الفوضوية التي تحجر الولد في الطفولة‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬ينادي ريبول بتربية إنسانية تخول له أن يكمل طبيعته في ثقافة‬
‫إنسانية‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬فلقد استوحى كارل روجرز مبادئ نظريته الالتوجيهية من‬
‫روسو و الالتوجيهيين اآلخرين‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يرفض روجرز ما ذهب إليه فرويد‬
‫على أساس أن جوهر اإلنسان ينطوي على غرائز سيئة أو متوحشة بقوله‪:‬‬
‫"عندما نبلغ أعماق ما في الفرد‪ ،‬فإن ذلك األعمق هو بالذات ما نجزم جميعا‬
‫بأنه سيكون بنائيا‪ ،‬و سيميل إما إلى المجموعة‪ ،‬و إما إلى النمو األفضل صلة‬
‫بين األشخاص‪"85.‬‬
‫وعليه‪ ،‬ترتكز الالتوجيهية عند روجرز على التلميذ‪ ،‬و تلغي سلطة المدرس ال‬
‫منفعته؛ ألن اإلجبار ‪ ،‬باعتباره خطابا معياريا تقريريا‪ ،‬يخلق أناسا امتثاليين أو‬
‫متمردين وغير مبدعين‪ .‬و بالتالي‪ ،‬ينبغي على التعليم أن يهتم بالمتعلم بصفة‬
‫خاصة‪ ،‬بتحريره من ضغوط االمتحانات و البرامج ‪ ،‬وبنائه وجدانيا في إطار‬
‫دينامية الجماعة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فدور األستاذ بمثابة منشط وموجه ومرشد ليس إال‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫‪-A regarder Jean-Claude Filloux, « Carl Rogers, le non-directivisme et‬‬
‫‪les‬‬ ‫‪relations‬‬ ‫‪humaines », Bulletin‬‬ ‫‪de‬‬
‫‪o‬‬
‫‪psychologie, t. 16, n 214, 1963, p. 321-325.‬‬

‫‪80‬‬
‫أي‪ :‬هو ذلك الحاضر‪/‬الغائب الذي ال يتدخل إال في حالة عجز التالميذ التام عن‬
‫متابعة النشاط و التفكير الذاتيين‪ ،‬أو في حالة استعصاء مشكلة ما بإعطاء‬
‫توجيهات و إرشادات تساعد المتعلم على حلها اعتمادا على قدراته الذاتية‪ .‬ومن‬
‫هنا‪ ،‬يكتفي المدرس بتشجيع التالميذ على ممارسة النشاط الفكري‪ ،‬وتوفير‬
‫الشروط الموضوعية والظروف المالئمة و الوسائل المادية والمعنوية داخل‬
‫القسم‪ .‬ويشبه هذا الدور مانجده لدى أنصار التربية المؤسساتية؛ حيث اليعتلي‬
‫المدرس عندهم المنصة‪ ،‬وال يلقي دروسا‪ ،‬وإنما هو متعاون مثل باقي التالميذ‪،‬‬
‫إال أنه يمتاز بكونه المتعاون األكثر علما ‪ ،‬واألكثر تجربة‪ ،‬واألعلم بدينامية‬
‫المجموعة‪ ،‬و األكثر تمثيال للقانون والسلطة المدرسية‪ .‬فهو يحافظ على مؤسسة‬
‫القسم‪ ،‬ويعمل على توفير الوسائل المادية والمعنوية‪ ،‬وال يتدخل في المناقشة إال‬
‫بطلب من التالميذ‪.‬‬
‫وتستند الالتوجيهية إلى الحوار األصيل‪ ،‬أو الحوار الحر‪ ،‬أو المناقشة الحرة ‪،‬‬
‫ونعني به ذلك النوع الذي يشترك فيه المدرس مع التالميذ في إطار حوار‬
‫متبادل وبناء بوصفه طرفا من أطراف القسم‪ ،‬فهو يشارك متعلميه مشاركة الند‬
‫للند‪ ،‬وينحصر دوره في إدارة النقاش‪.‬‬
‫وتتضاءل قيمة المدرس عند روجرز ؛ ألنه يرفض سلطته ‪ ،‬ويرحب بتوجيهه‬
‫وإرشاده ومنفعته‪.‬أي‪ :‬إنه مجرد مرشد ومنشط و مستشار تقني للمتعلمين‪.‬‬
‫ويعني هذا أن التربية ‪ ،‬حسب أوليفيي ريبول‪ ،‬ال تبدأ إال حين تتوقف السلطة‪،‬‬
‫وأن اإلجبار التربوي الوحيد هو اإلجبار الذاتي‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫إذاً‪ ،‬تنطلق هذه المقاربة من " مبدإ مركزي في النظر إلى الشخصية اإلنسانية‪،‬‬
‫إذ يعتبرها شخصية متحررة في جوهرها من أية ضغوط خارجية‪ ،‬قادرة على‬
‫تحقيق ذاتها بذاتها‪ ،‬وعلى التطور والنمو‪ ،‬وبالتالي قادرة على التعلم الذاتي‪"86.‬‬
‫وتقوم الالتوجيهية على إيجابية شخصية المتعلم‪ ،‬وتأكيد طابعها اإلنساني‪ ،‬وأنها‬
‫ليست خاضعة للخوف والقلق‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فهي قادرة على التعلم الذاتي واإلبداع‬
‫واالبتكار والتحرر‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فالمتعلم ذات متفردة التقبل تدخل اآلخر أو ذات‬
‫أخرى مقابلة تعوقها عن النمو والتعلم‪.‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬تقوم المقاربة الالتوجيهية على التعلم الذاتي والتسيير الشخصي‪،‬‬
‫واعتماد المتعلم على نفسه في إنجاز واجباته‪ ،‬وأداء أعماله‪ ،‬ويتحول المدرس‬
‫– هنا‪ -‬إلى مشرف مرشد‪ ،‬وال يتدخل إال إذا طلب منه المتعلم ذلك‪ .‬وتعتمد‬
‫الالتوجيهية على الحرية والعفوية والتلقائية‪ ،‬وبناء المعرفة عن طريق التدري‬
‫المنطقي والشخصي‪ ،‬واالبتعاد عن طرائق التدريس التلقينية القائمة على‬
‫اإلكراه والتلقين والحف ‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬تزر‪ ،‬هذه الطريقة الالتوجيهية الحديثة الثقة في المتعلم‪ ،‬وتعوده على‬
‫المثابرة الشخصية والتعلم الذاتي وحب المغامرة‪ ،‬واالستعانة بكفاءاته وقدراته‬
‫الذاتية لحل المشاكل والوضعيات‪ ،‬وتطويع الصعوبات التي تواجهه في‬
‫المدرسة والحياة على حد سواء‪.‬‬
‫‪‬المقاربة البيداغوجية المتمركزة حول نشاط الجماعة‪:‬‬
‫ترتكز هذه المقاربة على دور الجماعة العضوية في بناء التعلمات ضمن فريدق‬
‫تربددوي‪ ،‬أو ضددمن سددياق اجتمدداعي‪ ،‬أو بمراعدداة مثيددرات البيئددة‪.‬ومن ثددم‪ ،‬يتميددز‬
‫‪ - 86‬عبد اللطيف الفارابي وآخران‪:‬البرامج والمناهج‪ ،‬سلسلة علوم التربية‪ ،‬دار الخطابي للطباعة‬
‫والنشر‪ ،‬الطبعة األولى يوليوز ‪1990‬م‪ ،‬ص‪.125:‬‬
‫‪82‬‬
‫الطابع التعلمي بخاصيته الجماعية‪ .‬وقد تأثرت هذه المقاربدة بدالفكر الماركسدي‪،‬‬
‫وعلددددددم الددددددنفس االجتمدددددداعي كمددددددا عنددددددد مورينددددددو(‪ ، )L.Moreno‬ووايددددددت‬
‫(‪ ،)P.H.White‬وكورت لوين (‪ ،)K.Lewin‬والبنائيدة االجتماعيدة ذات البعدد‬
‫االجتمدددداعي كمددددا عنددددد فيكوتسددددكي(‪ ،)Vygotski‬و ميددددد(‪ ،)Mead‬وفددددالون‬
‫فضددددال عددددن البيددددداغوجيا‬ ‫‪.)Galé‬‬ ‫(‪ ،)Wallon‬وغددددالي بيددددران (‪Perin‬‬
‫المؤسسدداتية التددي كددان يتزعمهددا كددل مددن الباسدداد(‪ ، )G.Lapassade‬وفاسددكيز‬
‫(‪ ،)A.Vasquez‬ولوبرو(‪ ،)M.Lobrot‬وفرينيه(‪…)C.freinet‬‬
‫وعليه‪ ،‬تعد البيداغوجيا المؤسساتية (‪)Pédagogie Institutionnelle‬‬
‫نموذجا للمقاربة المتمركزة حول نشاط الجماعة ‪ .‬ومفاد هذه المقاربة العضوية‬
‫أن جميع المربين ‪ ،‬دون استثناء‪ ،‬يرفضون تحويل الم سسة التربوية إلى‬
‫مؤسسة الثكنة أو فضاء بيروقراطي يكرس التمييز العنصري ‪ ،‬وي ج‬
‫الصرا‪ ،‬الطبقي‪ ،‬أو يتم إصالحها خارجيا ‪ ،‬بل ينبغي أن يكون اإلصالو‬
‫داخليا قائما على مبادئ البيداغوعي المؤسس تية ‪PIDAGOGIE‬‬
‫‪ INSTITUTIONNELLE‬التي ن ر لها كل من أوريا ‪، OURY‬‬
‫ولوبروا ‪ ، LOBROT‬والپاسادا ‪... LAPASSADE‬‬
‫وتعد المدرسة الم سساتية اتجاها تربويا حديثا في فرنسا ‪ ،‬وير هذا االتجاه‬
‫أن اإلصالو يجب أن يمر عبر الم سسة‪ ،‬باإلضافة إلى البنيات االقتصادية‬
‫واالجتماعية ‪ ،‬ومن ثمة يجب االهتمام بمفهوم اإلدارة الذاتية والتسيير الذاتي‬
‫من أجل تحقيق االستقالل الذاتي للمتربين في إطار م سسي مفتوو ‪.87‬‬
‫إذا‪ ،‬ترفض هذه البيداجوجيا الجديدة المدرسة الثكنة التي تخنق التلميذ بن امها‬
‫االنضباطي البيروقراطي الذي يحد من حرية التلميذ‪ ،‬فتتحول المدرسة إلى‬
‫صندوق أسود‪ ،‬أو إلى ثكنة عسكرية الت من إال بالن ام واالنضباط على‬
‫حساب حرية التلميذ ولعبه وأنشطته الثقافية ‪ ،‬والفنية‪ ،‬والرياضية‪ ،‬والعلمية‪.‬‬

‫‪ - 87‬أحمد أوزي‪ :‬المعجم الموسوعي لعلوم التربية‪،‬ص‪.103:‬‬


‫‪83‬‬
‫لهذا‪ ،‬تقترو البيداجوجيا الم سساتية مدرسة مرنة ومنفتحة‪ ،‬تنبع قوانينها من‬
‫التفاعل الداخلي ألفرادها قصد االنتقال بالمدرسة من م سسة التلقين والتوجيه‬
‫واالنضباط الوحشي نحو م سسة إبداعية فاعلة وفعالة مبدعة ومبتكرة‪ ،‬تسعى‬
‫إلى تحقيق التقدم واالزدهار‪.‬‬
‫ومن أهم الذين دعوا إلى الفكر الم سساتي التعاوني لدمقرطة المدارس‬
‫البروليتارية المربي الفرنسي سلستان فرينيها ‪ Célestin Freinet‬الذي‬
‫استعمل مجموعة من الوسائل التنشيطية لزر‪ ،‬الفكر التعاوني بين الناشئة‬
‫التربوية‪ .‬وتتمثل هذه الوسائل في استخدام المطبعة‪ ،‬والتراسل‪ ،‬والنصوه‬
‫الحرة‪ ،‬والتحقيقات الخارجية‪ ،‬واالستهداء بالعمل الجماعي‪ ،‬وتأسيس‬
‫التعاونيات المدرسية‪ ،‬واستعمال الجذاذات ‪ ،‬والسهر على إنشاء جريدة‬
‫األطفال‪ ،‬واالعتماد على التسيير الجماعي‪ ،‬واالعتناء بكتاب الحياة‪ ،‬وتن يم‬
‫خزانة العمل‪ ،‬وتشغيل االيات الحديثة كجهاز الفونو‪ ،‬واألسطوانات‪،‬‬
‫والسينما‪...‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فمن خالل العمل داخل فريق‪ ،‬يمكن تحقيق ديمقراطية التعلم‬
‫وديمقراطية التعليم‪ ،‬وأجرأة التربية الديمقراطية بحل المشكالت التي تواجه‬
‫المتعلم في عالمه الموضوعي بسهولة‪ ،‬بواسطة إنجاز األعمال المطلوبة منه‬
‫بشكل فعال‪ ،‬و عال الكثير من اافات النفسية الفردية الشعورية والالشعورية‪،‬‬
‫كاألنانية والنبذ والكراهية والنفور‪ ،‬واستبدالها بمشاعر أكثر نبال كاالنسجام‬
‫والتوافق والتشارك والتعاون واالبتكار الجماعي واإلبدا‪ ،‬الهادف‪.‬‬
‫وإلزالة القيم السلبية‪ ،‬والحد من المشاعر الفردية السيئة‪ ،‬البد من دفع المتعلم‬
‫إلى االنصهار داخل الجماعة ليكتسب سلوكيات جماعية‪ ،‬ويتعود على الفكر‬
‫االشتراكي العملي‪ ،‬بتدريب طاقته الجسدية والعقلية على تحقيق المردودية‬
‫واإلنتاجية كما يقول أنطون مكارينكوا‪ ، A. Makarenko‬وتعويد تالميذ‬
‫الفصل على العمل الحر داخل جماعات متجانسة من حيث السن والمستو‬
‫الدراسي‪ ،‬كما يقول كوزينيها‪ ، Cousinet‬وخلق فره للعمل الجماعي من‬
‫أجل بناء مجتمع ديمقراطي مبد‪ ،‬ومزدهر‪.‬‬
‫‪84‬‬
‫‪ ‬المقاربة البيداغوجية المتمركزة حول الكفاءة واإلدماج‪:‬‬
‫تستند هذه المقاربة على القدرات والكفايات الرئيسة والممتدة والنوعية بغية‬
‫تأهيل المتعلم على مواجهة الوضعيات الصعبة والمعقدة والمركبة من أجل‬
‫اكتساب الذكاء المعرفي والعملي‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فالكفاية هي بمثابة قدرات وموارد‬
‫ومهارات ومواقف يستضمرها المتعلم لمواجهة مختلف الوضعيات الحياتية‬
‫والمهنية والديدكتيكية التي تصادفها ‪ .‬وتمتح الكفايات أسسها النظرية والعملية‬
‫من اللسانيات التوليدية التحويلية لنوام شومسكي من جهة أولى‪ ،‬ومن علم النفس‬
‫المعرفي الوراثي من جهة ثانية‪ ،‬ومن بيداغوجيا اإلدماج من جهة ثالثة‪ .‬وبهذا‪،‬‬
‫تهدف هذه المقاربة إلى تكوين إنسان عقالني كفء ومؤهل قادر على مواجهة‬
‫العوائق كافة‪ ،‬سواء أكانت ديدكتيكية أم حياتية أم طبيعية‪...‬وتسعى هذه المقاربة‬
‫إلى تكوين إنسان قادر على التحدي ومواجهة الواقع ضمن سياق إدماجي ‪.‬‬
‫وقد ترتب على هذه المقاربة ظهور المقاربة اإلدماجية التي تتخذ بعدا تطبيقيا‪.‬‬
‫وإذا كان التقويم يقصد به قياس قدرات المتعلم وخبراته وتعلماته ودراياته‬
‫ومهاراته وإتقاناته‪ ،‬بتشخيص مواطن القوة والضعف لديه‪ ،‬فإن اإلدماج‬
‫(‪ )Intégration‬هو توظيف المكتسبات السابقة ‪ ،‬واستثمارها في معالجة‬
‫الوضعيات اإلدماجية المعقدة والصعبة‪ .‬بمعنى أن المتعلم يستدمج كل تعلماته‬
‫وموارده الدراسية وأبحاثه ومعلوماته المخزنة والمستضمرة في حل وضعية‬
‫إدماجية ما بغية التثبت من مدى تحقق الكفاية المستهدفة ‪ ،‬أو تحقق الكفاية‬
‫األساسية المطلوبة‪ .‬ويساعدنا اإلدماج أيضا على حسن استعمال معارفنا‬
‫ومهاراتنا في التعامل مع الوضعيات اإلدماجية ‪ ،‬سواء أكانت بسيطة أم مركبة‪،‬‬
‫ومعالجتها وفق معايير ومؤشرات كمية وكيفية بغية الحكم على المتعلم بالكفاءة‬
‫والتأهيل أو عدم استحقاقه ذلك‪ .‬والهدف من ذلك كله هو إعداد المتعلم للحياة‬
‫الواقعية أوالحرفية أو المهنية لكي يتكيف مع سوق الشغل‪ ،‬ويتأقلم مع‬
‫صعوبات الحياة ومشاكلها وعوائقها‪ .‬أي‪ :‬تسعف عملية اإلدماج المتعلم في‬
‫امتالك الذكاء الكفائي النظري والتطبيقي على حد سواء‪ ،‬وخلق متعلم كفء‬
‫ومحترف ومؤهل مهنيا‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬ينبني اإلدماج على التعلم الذاتي‪ ،‬والموارد والمكتسبات‪ ،‬والوضعيات‬
‫اإلدماجية‪ ،‬والحلول الناجعة‪ ،‬والتقويم‪ ،‬والتصحيح‪ ،‬والمعالجة‪ .‬ويشكل هذا كله‬
‫ما يسمى بالمقاربة اإلدماجية (‪ .)Approche intégratrice‬ومن ثم‪ ،‬يمكن‬
‫‪88‬‬
‫الحديث عن تخطيط إدماجي‪ ،‬وتدبير إدماجي‪ ،‬وتقويم إدماجي‪.‬‬
‫‪89‬‬
‫وقد ارتبطت المقاربة اإلدماجية بالمربي البلجيكي روجيرز كسافيي‬
‫(‪ ،)ROEGIERS‬وبشريكه دوكيتيل (‪ ،)DE KETELE‬كما يتجلى ذلك واضحا‬
‫في كتابهما (بيداغوجيا اإلدماج) الذي نشر سنة ‪2000‬م‪.‬‬
‫منهاج التدريس على ضوء‬
‫المنتوج البيداغوجي للنسق‬ ‫النسق التربوي‬
‫المقاربة البيداغوجية‬
‫النسق التربوي ذو البعد‬ ‫المقاربة المتمركزة على تبليغ‬
‫إنسان المحافظة‬
‫المعارفي‬ ‫المعرفة‬
‫النسق التربوي ذو البعد‬ ‫المقاربة المتمركزة حول‬
‫إنسان التقنية‬
‫التكنولوجي‬ ‫تعديل السلوك‬
‫النسق التربوي ذو البعد‬ ‫المقاربة المتمركزة حول‬
‫اإلنسان الوجودي‬
‫اإلنساني‬ ‫الكيان الوجداني‬

‫اإلنسان العضوي‬ ‫المقاربة المتمركزة حول‬


‫النسق التربوي ذو البعد‬
‫نشاط الجماعة‬
‫المجتمعي‪.‬‬

‫اإلنسان المحترف‬ ‫النسق ذو البعد المهني‬


‫المقاربة المتمركزة حول‬

‫‪ - 88‬عبد الكريم غريب‪ :‬بيداغوجيا اإلدماج‪ ،‬منشورات عالم التربية‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪،‬‬
‫الطبعة األولى سنة ‪2011‬م‪ ،‬صص‪.191-187:‬‬
‫‪89‬‬
‫‪- ROEGIERS, X.,Avec la collaboration de DE KETELE, J.-M. Une‬‬
‫‪pédagogie de l'intégration, Bruxelles-Paris : De Boeck Université,2000.‬‬
‫‪304 pages.‬‬

‫‪86‬‬
‫الكفايات واإلدماج‬

‫وخالصكة القككول‪ ،‬لقددد تمثدل المنهدداج التربددوي المغربدي خمددس مقاربددات للمنهدداج‬
‫الدراسي ‪ ،‬منها المقاربة المضامينية التي تعندى بدالمقررات الموجهدة بالمعرفدة‪،‬‬
‫والمقاربددة النسددقية التددي تقددوم علددى المخططددات الموجهددة باألهددداف‪ ،‬والمقاربددة‬
‫الالتوجيهية التدي تدؤمن بالمنهداج المبندي علدى مراعداة حاجيدات المدتعلم وميولده‬
‫واتجاهاتده ‪ ،‬والمقاربددة البيداغوجيددة المؤسسدداتية القائمددة علددى التسدديير الجمدداعي‬
‫والفكدر التعداوني ‪ ،‬والمقاربددة المتمركدزة علدى الكفايددات والوضدعيات اإلدماجيددة‬
‫القائمة على النسق المهني من جهة‪ ،‬وتكوين اإلنسان المحتدرف عمليدا مدن جهدة‬
‫أخرى‪.‬‬

‫المطلب السادس‪ :‬مرجعيات المنهاج‬


‫اليمكن فهم المنهاج إال إذا فهمنا أهدافه وغاياته ومرجعياته وأسسه وفلسفته‬
‫ومقاصده القريبة والبعيدة ‪ .‬ومن هنا‪ ،‬تشتق" أهداف المناهج من أهداف التربية‬
‫التي تحيلنا على تساؤالت متشابكة ندرجها بالكيفية التالية‪:‬‬
‫‪‬ما هي الغايات و األهداف والنتائج المنتظرة في التربية؟‬
‫‪‬من أين يستمد نظام تعليمي معين فلسفته التربوية واختياراته التعليمية؟‬
‫‪‬من أين تستمد أهداف التربية مشروعيتها؟‬
‫‪‬ما عالقة المناهج بالخصوصيات الحضارية للمجتمع عبر تاريخه‬
‫وبأوضاعه االقتصادية واالجتماعية الراهنة وبحاجاته وتطلعاته المستقبلية؟‬
‫‪‬ما عالقتها بحاجات المتعلمين وخصائصهم النهائية ومتطلباتها وسبل تعلمهم‬
‫وطبيعة اإلسهام المنتظر منهم؟‬
‫‪87‬‬
‫‪‬ما عالقتها بما وصلت اإلنسانية من خبرة حضارية ونتائج علمية في‬
‫المجاالت المختلفة بما في ذلك نتائج الدراسات ذات الصلة بالتربية والتعليم؟‬
‫فالمنهاج التعليمي ال يتحرك في فراي‪ ،‬وليس نسقا مغلقا ومنفصال عن‬
‫المشروع الحضاري المجتمعي للمنظومة الحضارية بكل أبعادها ‪"90.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬ينبني المنهاج التربوي المغربي على مجموعة من المرجعيات اإلحالية‬
‫التي تتمثل في المرجعيات المرتبطة بفلسفة التربية‪ ،‬والمرجعيات السياسية‪،‬‬
‫والمرجعيات القانونية والتشريعية‪ ،‬والمرجعيات القيمية واألخالقية‪،‬‬
‫والمرجعيات التربوية ‪ ،‬والمرجعيات الثقافية‪.‬‬
‫وإذا كانت " المناهج تستمد توجهاتها من الوسط التربوي‪ ،‬فهي تتفاعل كذلك‬
‫بكيفية غير مباشرة مع المحيط الخارجي من خالل السياسية التربوية‪ ،‬وقد أكدنا‬
‫في السابق أن هذا المحيط يتشكل من مجموع التفاعالت بين األنساق المتفاعلة‬
‫فيما بينها والتي تشكل السياسة التربوية‪.‬ومن العوامل التي تؤثر في المنهاج من‬
‫خالل تأثيرها في السياسة التربوية نذكر‪:‬‬
‫‪-‬التوجهات السياسية للمجتمع‪.‬‬
‫‪ -‬المعطيات االقتصادية والمادية‪.‬‬
‫‪ -‬المعطيات الديمغرافية والطبيعية‪.‬‬
‫‪ -‬طبيعة التسيير اإلداري العام ونظامه‪.‬‬
‫‪ -‬القيم الثقافية والفكرية السائدة‪"91.‬‬
‫وخالصة القول‪ ،‬يتبين لنا‪ ،‬مما سلف ذكره‪ ،‬أن المنهاج التربوي عبارة عن خطة‬
‫استشرافية توقعية تتعلق بغايات التربية والتعليم وفق المقاربة السياسية‪ .‬ومن ثم‪،‬‬
‫يتميز المنهاج الحديث والمعاصر عن المنهاج التربوي التقليدي باالعتماد على‬

‫‪ - 90‬ميلود أحبادو‪ ( :‬مقومات المنهاج التعليمي)‪ ،‬مجلة التدريس‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪ ،‬العدد السابع‪،‬‬
‫ص‪.50 :‬‬
‫‪ - 91‬عبد اللطيف الفاربي وآخران‪ :‬البرامج والمناهج‪ ،‬ص‪.63:‬‬
‫‪88‬‬
‫الحرية‪ ،‬وتعلم الحياة عبر الحياة‪ ،‬والتركيز على التعلم الذاتي‪ ،‬واالهتمام باللعب‪،‬‬
‫وتطبيق الطرائق التربوية الفعالة‪ ،‬واالسترشاد بعلم النفس وعلم االجتماع‪،‬‬
‫واالنطالق من األهداف والكفايات األساسية والنوعية‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يمكن الحديث عن أنواع عدة من المناهج التربوية‪ ،‬فهناك منهاج المواد‬
‫المنفصلة‪ ،‬ومنهاج المواد المترابطة‪ ،‬ومنهاج المواد المتشابهة‪ ،‬ومنهاج النشاط‬
‫الفردي والجماعي‪ ،‬ومنهاج الميول‪...‬‬
‫ويستند المنهاج التربوي المغربي إلى ثالثة محددات رئيسة هي‪ :‬االعتماد على‬
‫مبدإ االختيار‪ ،‬واألخذ بتربية القيم‪ ،‬وتطبيق بيداغوجيا الكفايات واإلدماج‪ .‬ومن‬
‫جهة أخرى‪ ،‬ينفتح المنهاج التربوي المغربي على خمس مقاربات متنوعة‬
‫كالمقاربة المضمونية‪ ،‬والمقاربة المتمركزة على تغيير السلوك‪ ،‬والمقاربة‬
‫المتمركزة على شخصية المتعلم‪ ،‬والمقاربة المتمركزة على األهداف‪ ،‬والمقاربة‬
‫المتمركزة على الكفايات واإلدماج‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬البرنامج الدراسي‬


‫يستند الفعل التربوي والديدكتيكي إلى مجموعة من الوثائق والمفاهيم الرئيسة‬
‫التي ينبغي اإللمام بها في بناء الدروس والتعلمات والوحدات والحلقات‬
‫الدراسية‪ .‬ومن الصعب بمكان استيعاب علم الديدكتيك‪ ،‬أو التربية الخاصة‪ ،‬دون‬
‫التوقف عند بعض المصطلحات الرئيسة كالمنهاج‪ ،‬والبرنامج‪ ،‬والمقرر‪،‬‬
‫والكتاب المدرسي‪ ،‬والمجزوءة‪ ،‬والوحدة التعلمية‪...‬‬
‫وما يهمنا في هذا المقام هو التوقف عند مفهوم البرنامج بالتحليل والفحص‬
‫والدرس والتقويم‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مفهوم البرنامج الدراسي‬
‫يعد البرنامج (‪ )Programme‬أقل عمومية من المنهاج‪ ،‬وأكثر تجريدا من‬
‫المقرر التعليمي‪ .‬بمعنى أن البرنامج يتضمن محتويات وقيما وعناوين‬
‫ومضامين عامة غير مفصلة بشكل إجرائي‪ ،‬وتستمد خبراتها وتوجيهاتها‬

‫‪89‬‬
‫وتعليماتها من فلسفة المنهاج‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬تتحول مضامين هذا البرنامج إلى‬
‫مقررات دراسية خاصة بكل مادة معينة‪ ،‬وتكون هذه المقررات مفصلة‪ ،‬وأكثر‬
‫خصوصية وإجرائية‪ ،‬ومن وظائف البرنامج البرمجة والتدبير‪.‬‬
‫ويعرفه أحمد أوزي بقوله‪ ":‬كلمة برنامج في معناها العام تطلق على التخطيط‬
‫المهيإ مسبقا‪ ،‬والذي تحدد فيه األشغال أو الساعات التي ستنجز فيها مجموعة‬
‫من األنشطة‪.‬مثل برنامج حفل‪،‬أو برنامج سفر سياحي‪ ،‬أو دراسي‪ ،‬أو برنامج‬
‫حكومي لمجموعة من المشاريع التي تتطلع إلى إنجازها في المستقبل‪.‬‬
‫أما في مجال التربية والتعليم‪ ،‬فإن كلمة برنامج غالبا ما تطلق على الوثيقة أو‬
‫الوثائق التي تحدد مختلف مراحل التمدرس‪ ،‬والمواد التي ينبغي تدريسها‪،‬‬
‫والمعارف المطلوبة في االمتحانات‪.‬وفي هذا المعنى يقال برنامج التعليم‬
‫اإلعدادي أو الثانوي أو برنامج العلوم في السنة األولى من التعليم‬
‫الثانوي‪...‬إلخ‪"92.‬‬
‫وتعرفه اليونيسكو أيضا بقولها‪":‬البرنامج هو تحديد للمواد المراد تعليمها‪،‬‬
‫وتكوين جدول لكل مادة يحدد عدد ساعات تدريسها وقائمة المحتويات التي‬
‫ينبغي اكتسابها أي المعارف المفروضة‪".93‬‬
‫وإذا كان مسيرو التعليم ومقرروه السياسيون هم الذين يخططون المنهاج في‬
‫شكل غايات ‪ ،‬وإذا كان المدرسون هم الذين يحددون األهداف اإلجرائية‬
‫السلوكية التي تنحصر في تنفيذ المقرر والكتاب المدرسي‪ ،‬فإن وزارة التربية‬
‫الوطنية ولجانها هي التي تسهر على وضع البرامج الدراسية وفق المرامي‪.94‬‬
‫إذاً‪ ،‬فالبرنامج الدراسي هو بمثابة نهج أو خطة تعليمية ‪/‬تعلمية موجهة إلى‬
‫متعلم فرد‪ ،‬أو صف دراسي‪ ،‬أو مستوى تعليمي معين‪ ،‬أو مسلك دراسي‪ ،‬أو‬
‫لمؤسسة تعليمية‪ ،‬أو لعدد من المؤسسات التعليمية‪ .‬وقد ينفذ هذا البرنامج ضمن‬
‫‪-92‬أحمد أوزي‪ :‬المعجم الموسوعي لعلوم التربية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪،‬‬
‫الطبعة األولى سنة ‪2006‬م‪ ،‬ص‪.50-49 :‬‬
‫‪ -93‬نقال عن أحمد أوزي‪ :‬المعجم الموسوعي لعلوم التربية‪،‬ص‪.50 :‬‬
‫‪ - 94‬عبد اللطيف الفاربي وآخران‪ :‬البرامج والمناهج‪ ،‬دار الخطابي للنشر‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫سنة ‪1990‬م‪ ،‬ص‪.61:‬‬
‫‪90‬‬
‫يوم دراسي واحد‪ ،‬أو أسبوع‪ ،‬أو مرحلة معينة‪ ،‬أو فترة دراسية‪ ،‬أو فصل‬
‫معين‪ ،‬أو دورة محددة‪ ،‬أو سنة كاملة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬محتويات البرنامج‬
‫يحوي البرنامج خطة المنهاج الدراسي من حيث األهداف والكفايات ‪ ،‬ويضم‬
‫مجموعة من مناهج التدريس‪ ،‬والمحتويات والمضامين الدراسية‪ ،‬واألنشطة‬
‫التعليمية المراد إنجازها‪ ،‬وكذا الطرائق البيداغوجية‪ ،‬والوسائل الديدكتكية‪،‬‬
‫واإليقاعات الزمنية والمكانية‪ ،‬وأنظمة التواصل‪ ،‬ووسائل التقويم والمعالجة‬
‫والمراجعة والدعم والتغذية ‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يمكن الحديث عن برنامج اللغة العربية‪،‬‬
‫وبرنامج التربية اإلسالمية‪ ،‬وبرنامج العلوم‪ ،‬وبرنامج الرياضيات‪ ،‬إلخ‪...‬‬
‫ويرتبط البرنامج الدراسي ببرمجة النظام التربوي وتدبيره في سلك دراسي‬
‫معين‪ ،‬أو بمادة دراسية معينة‪ ،‬ضمن نسق إيقاعي زمني ومكاني ‪ .‬ويستند إلى‬
‫األهداف العامة من التربية ‪.‬أي‪ :‬توجهات التربية والتعليم‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يتعلق‬
‫البرنامج بأهداف قطاع التربية والتعليم في مجال التربية والتكوين والتأطير‬
‫والتدريس‪ .‬فللتعليم االبتدائي أهدافه العامة‪ ،‬وللتعليم اإلعدادي والثانوي أهدافه‬
‫العامة‪ ،‬وللتعليم الجامعي أهدافه العامة‪ ،‬وللتكوين المهني كذلك أهدافه ومراميه‬
‫وأغراضه‪ .‬ويعني هذا أن مرامي البرنامج أقل عمومية من الغايات‪ ،‬وترتبط‬
‫بفلسفة قطاع التربية والتعليم‪ .‬في حين‪ ،‬ترتبط الغايات بسياسة الدولة العامة‪ ،‬أو‬
‫المنهاج العام للتربية‪ ،‬كأن نقول ‪ -‬مثال‪ -‬يهدف التعليم المهني إلى تكوين مهنيين‬
‫محترفين في مجال التكنولوجيا والصناعة‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يرتبط البرنامج بمستوى دراسي معين‪ ،‬ومادة معينة ‪ ،‬كأن‬
‫نقول برنامج مادة اللغة العربية في السلك االبتدائي‪ ،‬وبرنامج الرياضيات في‬
‫السلك اإلعدادي‪ ،‬وبرنامج الفلسفة في التعليم الثانوي‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يتضمن البرنامج‬
‫أهداف المواد الدراسية وكفاياتها المتنوعة‪ ،‬ومواصفات متعلمي السلك‬
‫الدراسي‪ ،‬ورصد عناوين المواد مع أهدافها ومقاصدها‪ ،‬وتبيان طرائق‬
‫التدريس‪ ،‬وتبيان آليات التقويم‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫ويعني هذا كله أن البرنامج جزء من المنهاج التربوي‪ ،‬يسهر عليه مسيرو‬
‫التعليم ومؤطروه ‪ ،‬وهو مجموعة من األغراض واألهداف الخاصة المتعلقة‬
‫بقطاع التربية والتعليم في سلك دراسي معين‪ ،‬وفي مادة معينة‪.‬ومن ثم‪ ،‬يتضمن‬
‫البرنامج الدراسي مجموعة من المحتويات والخبرات والتجارب مقدمة بطريقة‬
‫مستسلسلة‪ ،‬بتحديد مجموعة من المدخالت في شكل أهداف وكفايات‪ ،‬وتبيان‬
‫الطرائق والوسائل الديدكتيكية والبيداغوجية الكفيلة بتحقيق هذه المدخالت‪ ،‬مع‬
‫تنظيم اإليقاعات الزمنية والمكانية والصفية‪ ،‬وتحديد آليات التواصل اللفظي‬
‫وغير اللفظي‪ .‬كما يشتمل البرنامج على آليات التقويم المختلفة من امتحانات‬
‫واختبارات ومقاييس وطرائق الدعم والمعالجة والتقييم والتغذية الراجعة‪ .‬كما‬
‫يحوي البرنامج مواصفات المتعلمين من النواحي النمائية‪ ،‬والنفسية‪،‬‬
‫واالجتماعية‪ ،‬والتربوية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يتميز البرنامج بالمالءمة‪ ،‬والتماسك‪،‬‬
‫والفعالية‪ ،‬والقابلية للتطبيق‪.‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬قد يتضمن البرنامج المقرر الدراسي والتوزيع السنوي إلى‬
‫جانب المخطط الدراسي والوحدات الدراسية ومجاالتها ومختلف المكونات‬
‫المدرسة‪.‬عالوة على مواصفات المتعلم‪ ،‬ورصد لمختلف األهداف والكفايات‬
‫األساسية والنوعية‪ ،‬وتبيان الطرائق المنهجية في عملية التدريس الخاصة بكل‬
‫مكون على حدة‪ .‬وغالبا‪ ،‬ما يسمى البرنامج بالدليل (‪ ،)Le guide‬أو كتاب‬
‫األستاذ كما في التعليم االبتدائي‪ ،‬أو دليل تنفيذ المنهاج لمادة معينة في التعليم‬
‫اإلعدادي والثانوي التأهيلي‪ .‬وقد يكون البرنامج عبارة عن مذكرات وزارية‬
‫تفصل المقرر والبرنامج الدراسي بشكل واضح وجلي‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫وخالصة القول‪ ،‬يتبين لنا‪ ،‬مما سبق ذكره‪ ،‬أن البرنامج عبارة عن دليل أو خطة‬
‫واضحة المعالم والمالمح‪ ،‬تسعف المدرس في تحضير دروسه وتعلماته وفق‬
‫مجموعة من المواصفات واألهداف والكفايات على مستوى المدخالت‪.‬‬
‫وفيما يتعلق بالعمليات التعليمية‪-‬التعلمية‪ ،‬يهتم البرنامج بتبيان المحتويات‪،‬‬
‫وتحديد الوسائل الديدكتيكية المالئمة لكل درس‪ ،‬وتبيان مختلف الطرائق‬
‫البيداغوجية‪ ،‬واستجالء اإليقاعات الزمانية والمكانية‪ ،‬وتنظيم العملية التواصلية‬
‫من جميع جوانبها‪.‬‬
‫وفيما يتعلق بالمخرجات‪ ،‬يرتكز البرنامج على التقويم والتغذية الراجعة‬
‫والمعالجة والدعم على حد سواء‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬المقرر الدراسي‬
‫ثمة مجموعة من المصطلحات التربوية التي ينبغي أن يتوقف عندها الباحث أو‬
‫الدارس أو المكون أو طالب التربية بالبحث والتحليل والمناقشة وفق المقاربة‬
‫االصطالحية‪ ،‬قبل الخوض في مجال التربية الخاصة ‪ ،‬والتعمق في علوم‬
‫التربية‪ .‬ومن أهم المفاهيم التربوية التي تثير االضطراب واللبس والخلط مفهوم‬
‫‪93‬‬
‫المقرر الدراسي في عالقته بالمنهاج والبرنامج من جهة‪ ،‬والكتاب المدرسي من‬
‫جهة أخرى‪.‬‬
‫إذاً‪ ،‬ما مفهوم المقرر الدراسي؟ وما أسسه ومرتكزاته؟ وما وظيفته ضمن النسق‬
‫التربوي؟ وما عالقته بالبرنامج والكتاب المدرسي؟‬
‫هذا ما سوف نتطرق إليه في العناوين الفرعية الموالية‪:‬‬
‫المطلب االول‪ :‬مفهوم المقرر الدراسي‬
‫ينصب المقرر الدراسي (‪ )Cursus scolaire /Course‬على تفصيل‬
‫الدروس والمواد والمحتويات حسب الزمن الدراسي السنوي‪ ،‬وحسب‬
‫المجزوءات والمراحل والوحدات والفصول‪ .‬وبالتالي‪ ،‬يخضع المقرر الدراسي‬
‫لمنطق التوزيع‪ ،‬والتصنيف‪ ،‬والتراكم‪ ،‬والترتيب‪ ،‬والتجزيء‪ ،‬وتكييف الدروس‬
‫والمواد التعلمية حسب المناسبات واألوقات الطبيعية والمناسباتية التي تتالءم‬
‫مع أهداف الدرس وغاياته‪.‬‬
‫ويرتبط المقرر باألهداف العامة والكفايات النوعية من جهة‪ ،‬وبواضعي‬
‫المقررات الدراسية من جهة أخرى‪ .‬وهو عبارة عن وحدات ومواد دراسية‬
‫مرتبطة بمكوناتها ومجاالتها الرئيسة‪.‬والهدف الرئيس من المقرر هو التنظيم‬
‫والهيكلة وترتيب المحتويات والعناوين حسب المكونات والوحدات والمجاالت‬
‫واإليقاعات الزمنية والمكانية‪.‬‬
‫ويرى الحسن اللحية أن المقرر الدراسي " هو مرادف المواد أو الدروس‪ ،‬وهو‬
‫نفسه بالنسبة لجميع التالميذ ‪ .‬يحدد المقرر ما ينبغي أن يتعلمه التالميذ في كل‬
‫سنة دراسية وفي كل مادة من المواد المدرسة في السنة‪"95.‬‬
‫إذاً‪ ،‬فالمقرر الدراسي عبارة عن الئحة أو فهرس من المواد والمحتويات‬
‫الواجب تعلمها وتدريسها‪ .‬ويمكن القول‪ :‬إن المقرر الدراسي هو تفصيل‬
‫للدروس واألنشطة المصحوبة بالتوزيع السنوي‪.96‬‬
‫‪ - 95‬الحسن اللحية‪ :‬االمتحانات المهنية (علوم التربية)‪ ،‬منشورات المعارف‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪،‬‬
‫الطبعة األولى سنة ‪2011‬م‪ ،‬ص‪.242:‬‬
‫‪94‬‬
‫وعليه‪ ،‬فالمقرر الدراسي هو عبارة عن مواد ومحتويات ومضامين ووضعيات‬
‫ومفاهيم وموارد دراسية في شكل عناوين مترابطة ومتسلسلة ‪ ،‬أو هو جملة من‬
‫النصوص والمعارف والمعلومات والمهارات والموارد والمواقف والحقائق‬
‫والمفاهيم والمصطلحات التي يختارها مجموعة من الخبراء والمدرسين‬
‫والمفتشين واللجان التربوية لتكون رهن إشارة المتعلمين وفي خدمتهم‪ .‬وتلبي‬
‫ميول المتعلمين الذهنية والوجدانية والحسية الحركية‪ ،‬وتراعي اتجاهاتهم‬
‫النفسية‪ ،‬وتلبي حاجياتهم المختلفة والمتنوعة‪ .‬ويرد المقرر في شكل مواضيع‬
‫ودروس وموارد ومواقف ومهارات ووحدات ومحتويات وخبرات وتجارب‬
‫تكسب المتعلمين ما يحتاجونه من معارف ومعلومات وحقائق مهمة‬
‫الستضمارها بغية توظيفها في مجاالت الحياة المختلفة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬عالقة المقرر بالمنهاج والبرنامج والكتاب المدرسي‬
‫للمقرر المدرسي عالقة وثيقة بالمنهاج التربوي من جهة‪ ،‬والبرنامج الدراسي‬
‫من جهة أخرى‪ .‬أي‪ :‬إن ثمة عالقة وثيقة ونسقية قائمة على التجزيء‬
‫والتوضيح والتفصيل والتنويع‪ .‬ويعني هذا أن المقرر الدراسي يحترم تعليمات‬
‫المنهاج العام‪ ،‬ويستمد مشروعيته من البرنامج الدراسي‪ .‬ويتميز بطابعه‬
‫الملموس والحسي‪ ،‬مادام هذا المقرر يحوي عناوين واضحة وجلية بعيدة عن‬
‫خاصيتي التجريد والفلسفة اللتين يتسم بهما المنهاج التربوي العام‪ .‬ومن ثم‪،‬‬
‫فالمقرر الدراسي عبارة عن مواد دراسية ووحدات تعليمية تعلمية ‪ ،‬تختارها‬
‫لجن تربوية مشرفة تتكون من مفتشين وخبراء ومدرسين بشكل دقيق ‪ ،‬ثم‬
‫تدرس هذه المقررات في المدارس العمومية والخصوصية ‪ ،‬يقبل عليها‬
‫المتعلمون بإشراف المدرس‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فالمقرر الدراسي " هو عبارة ٌ عن خط ٍة مكتوب ٍة تَستخد ُم مجموعةً ِمن‬
‫العناوين الدّراسية التي تعتمد على المراجع والمناهج ال ُمعتمدة خالل الفصل‬
‫الدراسي الواحد‪ ،‬ومن تعريفات المقرر‪ :‬هو المحتوى الذي يُساعد في تحقيق‬
‫التّفاعل بين المعلم والطالب ومحتوى المادة الدّراسية سوا ًء أكان ُمعتمدا ً على‬

‫‪ 96‬الحسن اللحية‪ :‬نفسه ‪ ،‬ص‪.242:‬‬


‫‪95‬‬
‫الكتب الدّراسية‪ ،‬أم المراجع اإللكترونية من خالل جهاز الحاسوب‪ ،‬أم ّ‬
‫الزيارات‬
‫الميدانية‪.‬‬
‫دور الطالب في فهم‬ ‫َيهدف المقرر إلى تحقيق أفضل النّتائج باالعتماد على ِ‬
‫المادة الدّراسية بمساعدةِ المعلم‪ِ ،‬لذلك يُساهم ال ُمقرر في تطبيق منظوم ٍة تعليمي ٍة‬
‫مناسب ٍة داخل الغرفة الصفية‪ ،‬وتتوزع على مجموع ٍة من الوحدات الدّراسية‪،‬‬
‫ومصادر تعليمية خاصة‬
‫ُ‬ ‫هدف ُمحد ٍد يجب أ ْن يُحققه الطالب‪،‬‬‫ٌ‬ ‫ول ُك ِل وحدةٍ منها‬
‫ب مع الطالب‪".97‬‬‫ب سه ٍل ومناس ٍ‬‫بها تُساعد في تطبيق تعليم المقرر بأسلو ٍ‬
‫وعلى العموم‪ ،‬إذا كان البرنامج مفصال ومسهبا في مقتضياته وبنوده وتعليماته‬
‫وتوصياته‪ ،‬فإن المقرر عبارة عن عناوين عامة تحتاج إلى تنزيل وتفصيل‬
‫وتشخيص حسي‪ ،‬في شكل نصوص ودروس ووحدات وحلقات ومقاطع‬
‫ديدكتيكية‪ ،‬وهذا ما يقوم به الكتاب المدرسي‪.‬‬
‫ومن هنا‪ " ،‬يتناقض مفهوم المقرر الدراسي مع المنهاج الدراسي‪ ،‬فالمقرر‪،‬‬
‫بشكل عام‪ ،‬هو الئحة المواد الواجب تدريسها مصحوبة بتعليمات منهجية‬
‫تبررها وتقدم مؤشرات حول الطريقة أو المقاربة التي ينظر إليها مؤلفوها بأنها‬
‫‪98‬‬
‫األحسن أو األكثر دقة لتدريس تلك المحتويات‪".‬‬
‫وعليه‪ ،‬يتميز المقرر الدراسي عن المنهاج والبرنامج بخاصية الفهرسة من‬
‫جهة‪ ،‬وبالئحته العنوانية العريضة التي تضم مجموعة من المحتويات والمواد‬
‫والدروس المنفصلة المنعزلة عن سياقها الداللي والمرجعي والتربوي‬
‫والديدكتيكي من جهة أخرى‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬أسس المقرر التربوي ومرتكزاته‬
‫ينبني المقرر الدراسي على مجموعة من األسس والمبادىء التربوية والنفسية‬
‫واالجتماعية والديدكتيكية كمبدإ البرمجة‪ ،‬ومبدإ الهيكلة‪ ،‬ومبدإ التفصيل‪ ،‬ومبدإ‬

‫‪ - 97‬مجد خضر‪( :‬الفرق بين المنهج والمقرر)‬


‫‪http://mawdoo3.com/‬‬
‫‪ - 98‬الحسن اللحية‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.242:‬‬
‫‪96‬‬
‫التنظيم‪ ،‬ومبدأ العنونة‪ ،‬ومبدإ التوزيع‪ ،‬ومبدإ التصنيف‪ ،‬ومبدإ الترتيب‪ ،‬ومبدإ‬
‫التنويع‪ ،‬ومبدإ االنتقاء‪ ،‬ومبدإ االختيار‪ ،‬ومبدإ التخطيط‪ ،‬ومبدإ التوجيه‪ ،‬ومبدإ‬
‫التقسيم‪ ،‬ومبدإ التسلسل‪ ،‬ومبدإ التدريس‪ ،‬ومبدإ التوحيد‪ ،‬ومبدإ التجزيء‪ ،‬ومبدإ‬
‫التعميم‪ ،‬ومبدإ المراجعة‪ ،‬ومبدإ التغيير‪ ،‬ومبدإ التطوير‪ ،‬ومبدإ التجديد‪ ،‬ومبدإ‬
‫التجويد‪ ،‬ومبدإ التوصيف‪ ،‬ومبدإ االحتواء‪ ،‬ومبدإ الفهرسة‪ ،‬ومبدإ المالءمة‪،‬‬
‫ومبدإ الشمولية‪ ،‬ومبدإ التراكم‪ ،‬ومبدإ المجاالت‪ ،‬ومبدإ المكونات‪ ،‬ومبدإ‬
‫الوحدات‪...،‬‬
‫وخالصة القول‪ ،‬فالمقرر الدراسي عبارة عن مجموعة من المواضيع والعناوين‬
‫والوحدات التي ينبغي تدريسها لصف دراسي معين‪ ،‬وفي مادة معينة ‪.‬ومن ثم‪،‬‬
‫يراعي المقرر فلسفة المنهاج من جهة‪ ،‬ويحافظ على توجهات البرنامج من جهة‬
‫أخرى‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يتميز المقرر بتراكم المحتويات والعناوين وتفصيلها في لوائح‬
‫وجداول ومذكرات واستعماالت الزمن‪ ،‬وقد تكون محتويات المقرر إما‬
‫متناقضة و متنافرة و متباعدة ‪ ،‬وإما متشابهة ومترابطة ومتكاملة ‪.‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬يتميز المقرر الدراسي بطابع االنفصال والتراكم والتجزيء‬
‫والتتابع‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تكون المادة المقررة في تلك اللوائح دون داللة أو مقصدية أو‬
‫معنى ‪ ،‬مادامت منعزلة عن النصوص والمحتويات والمضامين ‪ ،‬ومنفصلة عن‬
‫بيئتها ومحيطها السوسيواقتصادي‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬الكتاب المدرسي‬


‫يعد الكتاب المدرسي (‪ )Le manuel scolaire‬وثيقة من الوثائق التربوية‬
‫والتعليمية التي يستعين بها المدرس والتلميذ معا في بناء الدرس‪ ،‬وتحقيق‬
‫األهداف الخاصة والوسطى والعامة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فله عالقة وثيقة بالمنهاج‬
‫والبرنامج والمقرر‪ ،‬مادام عنصرا بنيويا وجزءا فعاال ضمن النسق التربوي‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فالكتاب المدرسي بمثابة وعاء يشمل مجموعة من الدروس‬
‫والمضامين والمحتويات والموارد والتعلمات التي ينبغي للتلميذ التقيد بها‪،‬‬
‫وإنجازها داخل القسم أو خارجه‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫إذاً‪ ،‬ما مفهوم الكتاب المدرسي؟ وماعالقته بالمنهاج والبرنامج والمقرر ؟ وما‬
‫مواقف الباحثين والمربين والفالسفة من الكتاب المدرسي؟ وما الكتاب‬
‫اإللكتروني؟ وما عالقة الكتاب المدرسي بالصورة؟ وما إيجابياته وسلبياته؟‬
‫هذا ما سوف نتوقف عنده في هذه المطالب على الشكل التالي‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مفهوم الكتاب المدرسي‬
‫يعد الكتاب المدرسي وسيلة إجرائية تنفيذية ملموسة لتطبيق فلسفة المنهاج في‬
‫الواقع الميداني‪ ،‬وتمثل توجيهات البرنامج‪ ،‬وإنزال المقرر المدرسي إلى حيز‬
‫الوجود‪ .‬ويعني هذا أن الكتاب المدرسي وعاء حسي مشخص لمجموعة من‬
‫الدروس المتراكمة اتساقا وانسجاما‪ ،‬وفق تسلسل منطقي ‪ ،‬ووفق وحدات ‪،‬‬
‫ومجزوءات‪ ،‬واتجاهات‪ ،‬وتيمات‪ ،‬وفي ضوء اإليقاعات الزمانية والمكانية‬
‫الممكنة‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬يستند الكتاب المدرسي إلى مبدإ االختيار والتنوع وااللتزام بتوجيهات‬
‫المنهاج‪ ،‬واالنطالق من مبادئ البرنامج‪ ،‬وتفصيل عناوين المقرر ومواده‬
‫ومحاوره ووحداته‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يتوجه الكتاب المدرسي إلى التلميذ المتعلم أو المتمدرس بالخصوص‬
‫لمساعدته على استيعاب دروسه‪ ،‬وإنجاز األنشطة الدراسية داخل المدرسة‬
‫وخارجها‪ ،‬والتثبت من قدراته النمائية والكفائية ‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فهو عبارة عن‬
‫مجموعة من الدروس المبثوثة بين دفتي الكتاب‪ ،‬في شكل نصوص‪ ،‬وخبرات‪،‬‬
‫وتجارب‪ ،‬وأنشطة تعلمية تطبيقية‪ ،‬وكفايات ووضعيات‪ ،‬أو أهداف إجرائية ‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فلقد جاء في معجم (مصطلحات التربية والتعليم) أن الكتاب المدرسي "‬
‫هو الكتاب الذي يقدم للمتعلم كل ما يحتاجه من معلومات وحقائق بأسلوب‬
‫يتناسب ومستواه الفكري‪ .‬فهو وسيلة تعليمية أساسية في عملية التعليم والتعلم‪،‬‬
‫نظم بحسب المنهج التربوي المقرر من وزارة التربية الوطنية‪ ،‬وفي ضوء‬
‫القدرات المتاحة للمتعلمين لكي يستعينوا به لتنمية معارفهم‪ ،‬وفهم المعطيات‬
‫العلمية المطلوبة منهم‪ .‬لهذا اعتبر الكتاب المدرسي مرجعا يعود إليه المتعلم‪،‬‬
‫‪98‬‬
‫سواء كان ذلك داخل الصف أو خارجه؛ فهو يستعين به لتنفيذ ما هو مطلوب‬
‫منه‪ ،‬وبخاصة التمارين التطبيقية المتعلقة بكل درس من الدروس"‪.99‬‬
‫وأكثر من هذا " يمثل الكتاب المدرسي المصدر األساسي لتزويد التالميذ بهذه‬
‫المعلومات‪ ،‬ثم يتولى المدرس شرحها وتبسيطها وتحليلها والتعليق عليها ‪،‬‬
‫ويقوم التلميذ بفهمها أو حفظها أو استيعابها‪ ،‬وتعمل االمتحانات على‬
‫قياسها‪"100.‬‬
‫ويعرف عبد الكريم غريب الكتاب المدرسي بقوله‪ " :‬هو المرجع األساسي الذي‬
‫يستقي منه التالميذ معلوماتهم أكثر من غيره من المصادر‪ ،‬فضال عن أنه‪ ،‬أي‬
‫الكتاب ‪ ،‬هو األساس الذي يستند إليه المدرس في إعداد دروسه قبل أن يواجه‬
‫‪101‬‬
‫تالميذه في حجرة الدراسة"‪.‬‬
‫ويعرفه كذلك بأنه" الوعاء الذي يحتوي المادة التعلمية التي يفترض فيها أنها‬
‫األداة‪ ،‬أو إحدى األدوات على األقل التي تستطيع أن تجعل التالميذ قادرين على‬
‫بلوي أهداف المنهج المحددة سلفا‪"102.‬‬
‫ويعد الكتاب المدرسي كذلك «دعامة حقيقية‪ ،‬رائدة في تفعيل وإعمال مقتضيات‬
‫المبادئ والقيم واالختيارات التربوية العامة التي نص عليها الميثاق الوطني‬
‫للتربية والتكوين‪ ،‬والتي تؤكدها وثيقة االختيارات والتوجيهات التربوية‬
‫العامة»‪.103‬‬
‫وبناء على ما سبق‪ ،‬فالكتاب المدرسي هو الذي يتضمن مجموعة من األهداف‬
‫الخاصة والكفايات النوعية ‪ ،‬ويشتمل على مجموعة من الموارد والمهارات‬

‫‪ - 99‬جرجس ميشال جرجس‪ :‬معجم مصطلحات التربية والتعليم‪ ،‬دار النهضة العربية للطبع والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى ‪2005‬م‪ ،‬ص‪.415 :‬‬
‫‪ - 100‬الوكيل حلمي أحمد‪ ،‬المفتي محمد أمين‪ ،‬أسس بناء المناهج وتنظيماتها‪ ،‬دار المسيرة للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬طبعة ‪2005‬م‪ ،‬ص‪.7:‬‬
‫‪ - 101‬عبد الكريم غريب‪ :‬المنهل التربوي‪ ،‬ج‪ ،2‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪،‬‬
‫الطبعة األولى سنة ‪2006‬م‪ ،‬ص‪.575‬‬
‫‪ - 102‬عبد الكريم غريب‪ :‬المنهل التربوي‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.575‬‬
‫‪ - 103‬وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين األطر والبحث العلمي‪ ،‬الكتاب المدرسي مسار‬
‫إصالح ‪ ،‬مديرية المناهج‪ ،‬قطاع التربية الوطنية‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪، 2005‬‬
‫ص‪.25‬‬
‫‪99‬‬
‫والمواقف والمحتويات والمضامين التعلمية الموجهة إلى متعلم معين‪،‬‬
‫وبمواصفات خاصة‪ ،‬مع االستعانة بمجموعة من الطرائق والوسائل الديدكتيكية‪،‬‬
‫في إطار زمكاني محدد‪ ،‬وضمن وضعية تواصلية لفظية وغير لفظية‪ ،‬باستخدام‬
‫آليات التقويم والمعالجة والدعم المختلفة‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فالكتاب المدرسي هو الذي يشتمل على مجموعة من الدروس‬
‫والنصوص والمحتويات والمضامين والتجارب وفق أهداف نوعية خاصة بغية‬
‫تأهيل المتعلم وإكسابه مجموعة من القدرات والمهارات لمواجهة الوضعيات‪-‬‬
‫المشكالت بغية إيجاد الحلول المناسبة لها‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬يعد الكتاب المدرسي وسيلة لتنفيذ فلسفة المنهاج‪ ،‬وتطبيق توجيهات‬
‫البرنامج‪ ،‬وإنزال المقرر المدرسي إلى حيز الوجود‪ .‬ويعني هذا أن الكتاب‬
‫المدرسي وثيقة ووعاء حسي ملموس لمجموعة من الدروس المتراكمة اتساقا‬
‫وانسجاما‪ ،‬وفق تسلسل منطقي ‪ ،‬ووفق وحدات‪ ،‬ومجزوءات‪ ،‬واتجاهات‪،‬‬
‫وتيمات‪ ،‬ووفق معايير داللية‪ ،‬وزمانية‪ ،‬ومكانية ‪ ،‬وفنية‪ ،‬وجمالية‪ ،‬وتجنيسية‪...‬‬
‫و يستند الكتاب المدرسي إلى مبدإ االختيار والتنوع وااللتزام بتوجيهات‬
‫المنهاج‪ ،‬واالنطالق من مبادئ البرنامج‪ ،‬وتفصيل لعناوين المقرر ومواده ‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فالكتاب المدرسي عبارة عن مجموعة من الدروس المبثوثة بين دفتي‬
‫الكتاب‪ ،‬في شكل نصوص‪ ،‬وخبرات‪ ،‬وتجارب‪ ،‬وأنشطة تعلمية تطبيقية‪،‬‬
‫وكفايات ووضعيات‪ ،‬أو أهداف إجرائية ‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬موقف المربين والفالسفة من الكتاب المدرسي‬
‫يمكن الحديث عن مجموعة من المواقف تجاه الكتاب المدرسي‪ .‬فهناك من يعد‬
‫الكتاب التربوي دعامة أساسية وضرورية في التعليم اليمكن االستغناء عنه بأي‬
‫حال من األحوال‪ ،‬كما تذهب إلى ذلك المدرسة التقليدية‪ ،‬والفلسفة المثالية‬
‫العقالنية‪ ،‬وفالسفة عصر األنوار‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫في حين‪ ،‬هناك من يعد الكتاب المدرسي وسيلة وليس هدفا أو غاية أو مقصدية‬
‫ملحة وضرورية كما تذهب إلى ذلك الفلسفة البراجماتية مع وليم جيمس وجون‬
‫ديوي‪.‬‬
‫بينما هناك من يرفض الكتاب المدرسي‪ ،‬ويثبت أن الطبيعة واالكتساب من‬
‫المجتمع أفضل من التعلم في الكتاب المدرسي‪ ،‬كما يبدو ذلك عند جان جاك‬
‫روسو في كتابه (إميل‪.) Emile/‬‬
‫وهكذا‪" ،‬اختلفت اآلراء‪ ،‬وتعددت بصدد موضوع الكتاب المدرسي‪ ،‬وذلك‬
‫باختالف الفلسفات التربوية‪ ،‬وتعدد وجهات النظر‪ ،‬ففي التربية التقليدية حيث‬
‫تعتبر مادة الدراسات هي مركز االهتمام وتحصيل التراث العلمي هو موضع‬
‫العناية اكتسب الكتاب المدرسي أهمية كبرى وصارت وظيفة المعلم هي‬
‫مساعدة التالميذ على تحصيل ما تضمنته الكتب المدرسية من مادة علمية‬
‫تقيسها االمتحانات التقليدية المعروفة‪ ،‬بينما نرى أن الفلسفة الطبيعية في التربية‬
‫ال تهتم بالكتب‪ ،‬وإنما توجه عنايتها إلى الخبرة المباشرة التي يكتسبها التالميذ‬
‫نتيجة لتفاعل قواهم الطبيعية مع مؤثرات البيئة‪ ،‬ونرى أن رائدا كبيرا من رواد‬
‫الحركة الطبيعية وهو الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو يقترح في كتابه‬
‫(إميل) أن تكون تربية الطفل سلبية من سن الخامسة إلى سن الثانية عشر‪ ،‬وأال‬
‫يقرأ إميل أي كتاب إال كتابا واحدا هو كتاب الطبيعة‪ ،‬كما تكون التربية‬
‫االجتماعية عن طريق الممارسة الفعلية لحقوق الفرد المدنية بصفته عضوا في‬
‫مجتمع‪ ،‬أما الفلسفة البراجماتية أو العملية‪ ،‬فهي ترى أن المعلومات أو الكتب‬
‫ليست غايات في ذاتها‪ ،‬وإنما هي مجرد وسائل يستعين بها األفراد في حل‬
‫مشاكل حياتهم‪ ،‬وهو اتجاه عملي نفعي يتفق مع السمات والخصائص المميزة‬
‫‪104‬‬
‫لهذه الفلسفة‪".‬‬
‫ويتبين لنا‪ ،‬مما سبق ذكره‪ ،‬أن للكتاب المدرسي مؤيدين ومعارضين‪ .‬بيد أن‬
‫الكتاب المدرسي وثيقة ضرورية لتوجيه المتعلمين ومساعدتهم على التدريس‪،‬‬
‫وعدم تشتيت جهدهم في البحث عن النصوص والمحاور والمواضيع‪ .‬كما تمنع‬

‫‪ - 104‬أمينة اللوه وآخرون‪ :‬الموجز في التربية وعلم النفس‪ ،‬دار الكتب العربية‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪،‬‬
‫د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.48-47 :‬‬
‫‪101‬‬
‫المدرس من تبليغ إيديولوجيات وأهواء واقتناعات شخصية التمت بصلة إلى‬
‫العلم والمعرفة الموضوعية‪ .‬وفي الوقت نفسه‪ ،‬يمكن للمدرس تغيير النصوص‬
‫شرط االلتزام بمحاور المقرر وعناوينه الكبرى‪ ،‬واحترام منهاج الدولة‬
‫وبرنامجه العام‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬الكتاب المدرسي والصورة‬
‫لقد حقق الكتاب المدرسي المغربي ‪ -‬اليوم‪ -‬تطورا الفتا لالنتباه على مستو‬
‫تو يف الصورة البصرية والمرئية‪ ،‬وحقق أيضا نجاحا كبيرا في استثمارها‬
‫تربويا وديدكتيكيا مقارنة بالفترات السابقة عندما كان الكتاب المدرسي التقليدي‬
‫مجرد كتابة خطية أفقية وعمودية خالية من األلوان الضوئية أو التشكيلين مع‬
‫هيمنة اللون األسود الذي يتربع على صفحة البياض‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فقد كانت‬
‫صفحات هذا الكتاب مجرد أوراق تتقاطع فيها الخطوط واألسطر فوق فراغ‬
‫أبيض يمنة ويسرة ‪ ،‬دون أن تتخللها صور تربوية أو تعليمية أو ديدكتيكية‪ .‬مع‬
‫العلم أن المتعلم بصفة عامة‪ ،‬والطفل بصفة خاصة‪ ،‬ينجذب كثيرا إلى الصورة‬
‫المثيرة‪ ،‬ويتعلم من خاللها الكثير الكثير‪ ،‬والسيما إذا كان هذا المتعلم طفال في‬
‫المراحل األولى من التعليم األولي أو الدراسي؛ ألنه ال يتعلم إال بالمحسوس‬
‫والملموس والمشخه حسب التصور النفسي والمعرفي لجان بياجيه ا ‪Jean‬‬
‫‪. Piaget‬‬
‫وأكثر من هذا يقبل الطفل المتعلم كثيرا على الكتب والمجالت والوسائل‬
‫البصرية التي تستخدم الصورة‪ ،‬فينساق مع جمالياتها الفنية‪ ،‬ويتأثر بأشكالها‬
‫البصرية‪ ،‬وينده أللوانها الزاهية المثيرة‪ ،‬ويتيه مع عوالمها التخيليية‪ ،‬سواء‬
‫أكانت واقعية أم احتمالية أم مستحيلة‪ .‬كما يتلذذ ب اللها الجذابة‪ ،‬ويتمثل‬
‫رسائلها الهادفة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يرتاو الطفل المتعلم إلى الصورة المرئية أكثر مما‬
‫يرتاو إلى درس جاف مقرف‪ ،‬يستخدم فيه المدرس اللغة البيانية من بداية‬
‫الحصة حتى نهايتها‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فالصورة وسيلة مهمة في المجال التربوي‬
‫والتعليمي ن را لفوائدها الكثيرة وأدوارها الهامة‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫تطور‬ ‫ولقد عرف الكتاب المدرسي المغربي أربع مراحل على مستو‬
‫الصورة التربوية أو الديدكتيكية ‪ ،‬وهذه المراحل هي‪:‬‬
‫‪ ‬م حاة غي ب الصــو ة ترتبط هذه المرحلة ب هور المدارس العتيقة‬
‫والكتاتيب والجوامع القرآنية في المغرب‪ ،‬وفي هذه المرحلة لم تكن الكتب‬
‫المدرسية أو المقررات التعليمية تو ف الصور التربوية أو التعليمية‪ ،‬بل كان‬
‫التركيز على اللغة والبيان واإللقاء‪ .‬فقد كان المدرس يشرو الكتب التراثية‬
‫الصفراء تفسيرا وتأويال وتعليقا وتحشية‪ .‬ويعني هذا أن الكتاب المدرسي لم‬
‫يكن سو كتابة خطية أفقية وعمودية‪ ،‬ترسم فوق صفحة صفراء أو بيضاء‪.‬‬
‫وأكثر من هذا لم تتطور المطبعة بعد‪ ،‬في تلك الفترة‪ ،‬تقنيا وفنيا وجماليا‬
‫لتستفيد من التقنيات الحديثة على مستو الرقن أو الطبع أو الكتابة‪ ،‬كما هو‬
‫حال الكتب األجنبية في مجال القراءة والكتابة والرياضيات والعلوم‪ .‬وقد‬
‫استمر هذا الوضع حتى مرحلة الحماية األجنبية على المغرب‪ ،‬و لت الكتب‬
‫المدرسية المغربية جفال من الصور‪ ،‬باستثناء الكتب المدرسية اللبنانية‬
‫والمصرية التي كانت تدرس بالمغرب‪ ،‬وكانت تحوي صورا مختلفة‪...‬‬
‫‪ ‬م حاــة الصو ة الســودا بعد االستقالل‪ ،‬قررت وزارة التربية الوطنية‬
‫المغربية مجموعة من الكتب التعليمية المتنوعة والمختلفة حسب المواد‬
‫الدراسية‪ ،‬كانت تتضمن صورا سوداء جير ملونة حسب طبيعة المطبعة‬
‫السائدة آنذاك‪ ،‬كما ي هر ذلك جليا في كتب النصوه األدبية‪ ،‬والسيما كتاب‬
‫النصوه األدبية للسنة الرابعة من التعليم الثانوي في سنوات السبعين من‬
‫القرن الماضي‪ .‬فقد كانت صور الشعراء والكتاب في هذا الكتاب مرسومة‬
‫باللون األسود في كل أبعادها ومالمحها التخييلية ‪ ،‬وهذا يذكرنا بصور كتاب‬
‫ات يخ األدب الع ب للباحث اللبناني حنا الفاخوري‪.‬‬
‫‪‬مرحلــة الصورة الملونــة‪ :‬لقد استخدم الكتاب المدرسي الصورة الملونة‬
‫بكثرة مع سنوات الثمانين من القرن الفائت‪ ،‬وإن كان أحمد بوكماخ سباقا إلى‬
‫توظيف الصورة الملونة في سلسلة كتبه الدراسية المعنونة بث(اقرأ)‪ ،‬منذ‬
‫الستينيات من القرن العشرين (‪1960‬م)‪ ،‬وقد كان هذا الكتاب نموذجيا من حيث‬
‫‪103‬‬
‫كثرة الصور الزاهية والمثيرة التي تنمي قدرات التخييل لدى المتلقي‪ .‬وما تزال‬
‫كتبه ‪ -‬إلى حد اآلن‪ -‬تعتمد من قبل األفراد وبعض المؤسسات التربوية‬
‫والتعليمية المغربية‪ .‬والسبب في ذلك أنه كان كتابا تربويا متميزا بصوره‬
‫الرائعة‪ .‬وبالتالي‪ ،‬ال يمكن مجاراته إبداعيا وتربويا ‪ ،‬أو مضاهاته على مستوى‬
‫توظيف الصور في سياقاتها القرائية والتداولية وأجوائها األدبية والفنية‬
‫واإلبداعية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فلقد " انفرد أحمد بوكماخ في تأليف (اقرأ) بتوظيف‬
‫الرسوم بكل أشكالها وأجناسها وأنواعها‪ ،‬إذ شكلت هذه المنهجية سبقا‪ .‬ويرى‬
‫أحمد الفتوح‪ ،‬الناقد السينمائي ورئيس المنتدى الثقافي بطنجة‪ ،‬أنه باستثناء‬
‫الصور الفوتوغرافية التي تزين غالف األعداد‪ ،‬وظف أحمد بوكماخ الرسوم‬
‫كدعامة للنصوص‪ ،‬ومكملة لها‪ ،‬أو باعتبارها مواضيع مستقلة‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد استفاد بوكماخ من وظائف الصورة في تجميل النص‪ ،‬لتحفيز فضول‬
‫الطفل‪ ،‬وإثارة انتباهه لتحقيق متعة بصرية‪ ،‬وتشجيعه على القراءة‪ ،‬إضافة إلى‬
‫توظيف الرسوم لذاتها من خالل أسئلة حول موضوع الرسومات وشكلها‪ ،‬ثم‬
‫لكونها منطلقا للتعبير الشفوي والكتابي‪ .‬وهنا‪ ،‬تكمن الوظيفة التعبيرية‬
‫واللغوية‪...‬‬

‫‪104‬‬
‫وتعتبر رسوم مجموعة (اقرأ) مجاال خصبا للدراسة والتحليل بالنسبة‬
‫للمتخصصين في سيميائيات الصورة‪ ،‬إذ تتجاوز عدد صفحات الكتاب الواحد‬
‫ثالث مرات‪ ،‬تختلف فيها تقنيات وأساليب إنجاز وابتكار هذه الرسوم‪.‬‬
‫لقد اشتغل أحمد بوكماخ مع الفنان التشكيلي محمد شبعة‪ ،‬والفنان المسرحي‬
‫والكاريكاتوري المرحوم أحمد الشنتوف‪ .‬وكان هذا التعاون بين الكاتب والرسام‬
‫أساسا لتأليف السلسلة وتنسيقها وإخراجها شكال ومضمونا‪ ،‬إضافة إلى تعاون‬
‫بوكماخ مع الشاعر أحمد الحرشني الذي كان يتقن عدة لغات أجنبية‪ ،‬وعمل‬
‫على مساعدة بوكماخ في ترجمة مجموعة من نصوص (اقرأ) من لغتها‬
‫األصلية إلى العربية"‪.105‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يتبين لنا أن أحمد بوكماخ كان سباقا إلى توظيف الصور الملونة في‬
‫الكتاب المدرسي المغربي‪ ،‬بعد أن كانت هذه الصور مقتصرة على الكتب‬
‫المصرية واللبنانية‪.‬‬
‫‪ ‬م حاــة الصــو ة ال قميـة لم تتبلور الصورة الرقمية في الكتاب‬
‫المدرسي إال مع سنوات األلفية الثالثة‪ ،‬بعد انتشار الحاسوب وتعميمه تجاريا‬
‫وإعالميا‪ ،‬وتطور الثورة الرقمية والتكنولوجية‪ ،‬وتكاثر الصور في مواقع‬
‫الشبكات العنقودية في مختلف أنواعها وتشكيالتها‪ .‬وبالتالي‪ ،‬أصبة عصرنا‬
‫هذا عصر الثورة الرقمية بامتياز‪ .‬لذلك‪ ،‬ساير الكتاب المدرسي المغربي هذه‬
‫الثورة بتطعيم نصوصه ومضامينه التعليمية‪ -‬التعلمية بمجموعة من الصور‬
‫الرقمية لكي يحتك بها المتعلم على مستو التلقي واالستثمار والتطبيق من‬
‫جهة‪ ،‬ويو فها المدرس في بناء درسه الديدكتيكي عبر مختلف مقاطعه‬
‫التدبيرية والتخطيطية من جهة أخر ‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يتبين لنا أن الصورة المرئية هي تمثيل محسوس للذات والعالم معا‪،‬‬
‫باستخدام العالمة البصرية التي يتحد فيها الدال والمدلول معا مع المرجع‬

‫‪ - 105‬زهور باقي‪( :‬أحمد بوكماخ من المسرح والسياسية إلى تأليف سلسلة “اقرأ")‪ ،‬موقع‬
‫هسبريس‪ ،‬المغرب‪ ،‬االثنين ‪ 12‬غشت ‪ 2013‬م‪.‬‬
‫‪http://hespress.com/portraits/86476.htm‬‬
‫‪105‬‬
‫الحسي لتشكيل الداللة الكلية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فالصورة البيداجوجية أو الديدكتيكية هي‬
‫تلك الصورة التي تتعلق بالمجال التربوي والتعليمي‪ ،‬وت دي و ائف تعليمية‪-‬‬
‫تعلمية جمة‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فلقد عرف الكتاب المدرسي المغربي أربع مراحل على‬
‫مستو تطور الصورة‪ :‬مرحلة جياب الصورة‪ ،‬ومرحلة الصورة السوداء‪،‬‬
‫ومرحلة الصورة الملونة‪ ،‬ومرحلة الصورة الرقمية‪.‬‬
‫ويتضمن هذا الكتاب المدرسي مجموعة من الصور المرئية‪ ،‬منها‪ :‬الصورة‬
‫التربوية‪ ،‬والصورة الديدكتيكية‪ ،‬والصورة التحسيسية‪ ،‬والصورة األيقونية‪،‬‬
‫والصورة اإلشهارية‪ ،‬والصورة السينمائية‪ ،‬والصورة الفوتوجرافية‪ ،‬والصورة‬
‫التشكيلية‪ ،‬والصورة المسرحية‪ ،‬والصورة الرقمية‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن للصورة في الكتاب المدرسي مجموعة من الو ائف‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫الو يفة التربوية والديدكتيكية‪ ،‬والو يفة التعبيرية‪ ،‬والو يفة األداتية‪،‬‬
‫والو يفة التأثيرية‪ ،‬والو يفة الجمالية‪ ،‬والو يفة المرجعية‪ ،‬والو يفة‬
‫األيقونية‪ ،‬والو يفة الحفا ية‪ ،‬والو يفة الثقافية‪ ،‬والو يفة السيميائية‪...‬‬
‫المطاب ال ابع الكت ب اإللكت ون‬
‫يمكن أن يستفيد المدرس والمتعلم على حد سواء من ثمرات الكتب اإللكترونية‬
‫والرقمية بغية التخفيف من عبء المحفظة التي تثقل كاهل المتعلم بمجموعة من‬
‫الكتب والكراريس واألدوات المدرسية‪ ،‬وتعويضها بكتاب رقمي وإلكتروني‬
‫واحد ‪ ،‬في شكل لوحة (‪ )tablette‬تشمل جميع المواد الدراسية‪ .‬وبالتالي‪،‬‬
‫يسهل حملها من مكان إلى آخر‪.‬‬
‫ومن إيجابيات هذا الكتاب أنه يسهم في الحفاظ على البيئة ‪ ،‬بحماية األشجار من‬
‫عملية التقطيع لكيال تتحول الجذوع واألغصان والفروع إلى أوراق وملفوفات‬
‫لصناعة الكتب المدرسية‪ .‬بيد أن هذا الكتاب ‪ ،‬لو عممناه على التالميذ كافة‪،‬‬
‫سيكلف الدولة ميزانية ضخمة التستطيع تحمل نفقاتها ‪ .‬فضال عن كون هذا‬
‫الكتاب اآللي يعوق فعل القراءة المثالية‪ ،‬ويسبب مشاكل الحصر لها كإإلدمان‬
‫وإرهاق الدماي والبصر‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬إيجابيات الكتاب المدرسي وسلبياته‬
‫للكتاب المدرسي إيجابيات وسلبيات‪ .‬فمن إيجابيات الكتاب المدرسي أنه يساعد‬
‫المدرس على تخطيط دروسه وتدبيرها وتنفيذها وتقويمها بطريقة تقنية عقالنية‬
‫واضحة ومنظمة وسهلة ومبرمجة‪ .‬كما يسعف المدرس في توجيه المتعلمين‬
‫عبر التمارين واألنشطة الصفية التي يحويها الكتاب‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬يتضمن هذا الكتاب عناوين المقرر بشكل مفصل ومجسد‬
‫بواسطة النصوص والوحدات والدروس والحلقات التعلمية‪ ،‬ويراعي مبادىء‬
‫المنهاج والبرنامج والمقرر على حد سواء‪ ،‬ويحترم ضوابط التشريع التربوي‬
‫في عدم الخروج عن هذا الكتاب الذي قد يكون وثيقة عامة تسري على جميع‬
‫تالميذ الوطن وطلبته توحيدا وإجبارا وتعميما وإلزاما بغية االستعداد‬
‫لالمتحانات الموحدة أو شبه الموحدة‪ .‬و" إن إهمال الكتب المدرسية اهماال تاما‬
‫فيه إهمال للتراث الثقافي والتجارب التي حصل عليها الجنس البشري عبر‬
‫القرون‪ ،‬واشترك فيها علماء وفالسفة في مختلف العصور والبيئات ونحن ال‬
‫يمكننا أن نغض الطرف عن هذا الميراث‪ ،‬ونترك للطفل مهمة إعادة‬
‫تحصيله‪"106.‬‬
‫وأكثر من هذا يتعرض المدرس للنسيان مهما كانت قدراته العقلية‪ .‬إذاً‪ ،‬فالبد من‬
‫االستعانة بالكتاب المدرسي الذي يستعمله التلميذ أيضا في المراجعة‪ ،‬وتذكر‬
‫القواعد‪ ،‬وإنجاز التمارين واالمتحانات واالختبارات‪ ،‬ويتخذه كذلك وسيلة‬
‫للمناقشة والحوار وإعداد الدروس‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فالكتاب المدرسي وسيلة تعليمية‬
‫مهمة يستغلها المعلم الكفء إلى جانب الوسائل األخرى كوسائل اإليضاح‬
‫والرحالت والسبورة‪ .‬عالوة على ذلك‪" ،‬يشتمل الكتاب المدرسي إذا أحسن‬
‫تأليفه وإخراجه على الكثير من وسائل اإليضاح كالصور والرسوم والخرائط‪.‬‬
‫وكذلك يتضمن الكثير من التمارين التطبيقية‪.‬‬

‫‪ - 106‬أمينة اللوه وآخرون‪ :‬الموجز في التربية وعلم النفس‪ ،‬ص‪.49:‬‬


‫‪107‬‬
‫ويحتوي الكتاب المدرسي على الحد األدنى من المعلومات التي يجب أن يحصل‬
‫عليها كل تلميذ استعدادا لالمتحان‪ ،‬ويمكن للمعلم أن يكيف طريقة تدريسه وفقا‬
‫لظروفه وإمكانياته‪ ،‬وأن يزود تالميذه بما يراه ضروريا من المعلومات‪.‬‬
‫والبد من وجود مذكرة في أيدي التالميذ للرجوع إليه عند الحاجة‪ ،‬فاإلنسان‬
‫عرضة للنسيان والكتاب المدرسي خير وسيلة لتأدية هذه المهمة‪"107.‬‬
‫وال ينبغي للمدرس االلتزام بالكتاب المدرسي حرفيا على مستوى تدريس‬
‫النصوص ‪ ،‬وتطبيق األنشطة التطبيقية التعلمية بحذافيرها‪ ،‬بل يمكن أن‬
‫يتصرف فيها ويجتهد قدر اإلمكان‪ ،‬باختيار النصوص التي تتالءم مع سن‬
‫المتعلم ورغبته والهدف الذي انطلق منه المدرس‪.‬‬
‫وغالبا‪ ،‬ما تكون المناهج التربوية ‪ ،‬ببرامجها ومقرراتها ومحتوياتها الدراسية ‪،‬‬
‫سببا في األخطاء التي يرتكبها المدرس والمتعلم معا بسب غياب فلسفة تربوية‬
‫واضحة‪ ،‬أو وجود أخطاء معرفية كثيرة في المنهاج الدراسي بصفة عامة‪،‬‬
‫والبرنامج والمقرر والكتاب المدرسي بصفة خاصة‪ .‬ويعني هذا أن المدرس قد‬
‫يوصل إلى المتعلم أخطاء معرفية ومنهجية وتقنية سببها المحتويات والمضامين‬
‫التي يعج بها المنهاج الدراسي‪ .‬و ليس هناك مراقبة للكتاب الدراسي وتتبع‬
‫تقويمي له‪ .‬وأكثر من هذا ليس هناك مراجعون لهذه الكتب قصد تصحيح هذه‬
‫األخطاء ومعالجتها‪ ،‬وتنبيه المؤلفين والمطابع إلى إعادة النظر فيها بالتصحيح‬
‫والمعالجة‪ .‬ويستحيل أن نجد كتابا مدرسيا من االبتدائي نحو التعليم العالي خاليا‬
‫من األخطاء المطبعية‪ ،‬والمعرفية‪ ،‬والصرفية‪ ،‬واإلمالئية‪ ،‬والتركيبية‪،‬‬
‫والمنهجية‪...‬ومن هنا‪ ،‬تتسرب هذه األخطاء كلها إلى المتعلم‪ ،‬ويتعلمها على أنها‬
‫صحيحة ويقينية وحقيقية‪.‬‬
‫المطلب السادس‪ :‬اقتراحات وتوصيات‬
‫من أجل الحصول على الجودة التربوية البد أن توفر الوزارة الكتب المدرسية‬
‫جميعها في الوقت المناسب‪ ،‬وبأثمان معقولة‪ .‬ومن المؤكد عليه أيضا أن تتالءم‬
‫كثافة المحتويات مع السياق الزمني للسنة الدراسية وإيقاعها المقنن‪ .‬ومن‬

‫‪ - 107‬أمينة اللوه وآخرون‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.50-49:‬‬


‫‪108‬‬
‫الضروري كذلك أن يعاد النظر في بعض الكتب ذات الكم الهائل ‪ ،‬والسيما في‬
‫مجاالت‪ :‬العلوم الطبيعية‪ ،‬والفيزيائية‪ ،‬والكيميائية‪ ،‬والرياضيات‪،‬‬
‫واالجتماعيات‪ ،‬والتربية اإلسالمية‪...‬‬
‫ونرى أنه من الالزم تغيير المقررات الدراسية مع تغير األوضاع االجتماعية‬
‫واالقتصادية والثقافية قصد مواكبة المستجدات الموجودة في الساحة العلمية‬
‫والفنية واألدبية والتقنية‪.‬‬
‫ويالحظ كذلك أنه من األفضل أن تتغير المؤلفات األدبية والفنية في التعليم‬
‫الثانوي التأهيلي كل أربع سنوات من أجل تفادي الملل والتكرار والروتين‪،‬‬
‫والسيما في شعبتي اللغة العربية والفرنسية‪.‬والبد أن تتأسس الكتب المدرسية‬
‫على معايير الحداثة والمعاصرة‪ ،‬وجودة المحتويات والشكل واإلخراج المطبعي‬
‫الملون‪ ،‬مراعين‪ ،‬في ذلك‪ ،‬شروط التلقي والتقبل‪ ،‬وسيكولوجية القراءة‪ ،‬والبعد‬
‫االجتماعي‪ ،‬وسيميولوجيا التواصل‪.‬‬
‫ومن الحضاري كذلك أن يكون هناك تنوع في الكتب المدرسية والكتب‬
‫الموازية‪ ،‬بشرط أن تستجيب لشروط دفتر التحمالت التي تفرضها وزارة‬
‫التربية والتعليم‪ ،‬وتكون مصححة ومنقحة‪ ،‬و تدقق في مفاهيمها ومصطلحاتها‬
‫العلمية المتفق عليها دوليا‪ ،‬ووطنيا‪ ،‬وعلميا‪ ،‬ومؤسساتيا‪ ،‬ولسانيا‪ .‬وهنا‪ ،‬البد‬
‫كذلك من توحيد اللجان التي تضع الكتب المدرسية لكي ال يقع نشاز بينها‪ ،‬أوعدم‬
‫التكامل والتنسيق مخافة من التناقض المنهجي أو المعرفي أو الديدكتيكي‪.‬ومن‬
‫المفيد مرجعيا وعلميا أن نسترشد بكتب محلية وجهوية تطبيقا لشعار الوزارة‪:‬‬
‫الجودة‪/‬الجهوية‪/‬القرب‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬لن تعطي العملية التربوية ثمارها إال إذا ألزمنا تالمذتنا‬
‫بإحضار الكتب المدرسية‪ ،‬وخاصة مع ندرة الوسائل الديدكتيكية‪ .‬والبد أن ننبه‬
‫إلى أمر مهم يتمثل في ترك الحرية لألستاذ الختيار كتاب المقرر المناسب‪،‬‬
‫مراعيا مستوى الفئة المدرسية المستهدفة‪ .‬عالوة على ضرورة تنويع المصادر‬
‫في تهييء المادة المعرفية لنجاح العملية الديدكتيكية داخل الفصل الدراسي‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫وما ينبغي أن نشير إليه أيضا أن تكون هذه الكتب المدرسية ذات محتويات‬
‫حيوية وديناميكية مرتبطة بالفضاء الذي يعيش فيه التلميذ‪ ،‬ومواكبة للمستجدات‬
‫في ميدان اإلعالم والتواصل واإلحصاء‪ ،‬كما هو الشأن في المواد االجتماعية‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬تراعي هذه الكتب والمقررات ميول التلميذ وأهوائه وقيمه الوطنية‬
‫والدينية والحضارية‪ ،‬وتبتعد ‪ -‬قدر اإلمكان‪ -‬عن تكريس إيديولوجيات معينة‪ ،‬بل‬
‫عليها أن تكون ذات محتويات إنسانية عادلة‪ ،‬وذات أبعاد اجتماعية ديموقراطية‪.‬‬
‫فضال عن ذلك‪ ،‬تكون متماثلة مع أهداف المنهاج وفلسفة الكفايات‪ ،‬و تكون‬
‫محتويات هذه الكتب عبارة عن وضعيات وسياقات تربوية قابلة للتقويم‬
‫واالختبار‪.‬‬
‫وخالصة القول‪ ،‬يعد الكتاب المدرسي وثيقة تربوية وديدكتيكية مهمة تساعد‬
‫المدرس والمتعلم على حد سواء في بناء الدروس والتعلمات‪ .‬ويعد أيضا وعاء‬
‫يجمع مجموعة من المجزوءات والمكونات والوحدات والمجاالت الدراسية التي‬
‫ينبغي للمتعلم االطالع عليها قصد تحضير دروسه وتهييئها وإعدادها بغية‬
‫تحقيق األهداف المرجوة من العملية التعليمية‪-‬التعلمية‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يمكن الحديث‬
‫عن كتاب مدرسي ورقي من جهة‪ ،‬وكتاب إلكتروني من جهة أخرى‪ ،‬ولكل‬
‫كتاب إيجابيات وسلبيات ‪ .‬واليمكن الحديث عن كتاب مدرسي حقيقي إال إذا‬
‫روعيت فيه مواصفات الجودة‪ ،‬والتميز‪ ،‬واالختيار‪ ،‬والتنويع‪ ،‬والتجديد‪،‬‬
‫والتطوير‪...‬‬

‫المبحث الخامس‪ :‬المجزوءة الدراسية‬


‫يعد التعليم بالمجزوءات أو المجزآت) ‪)Approche Modulaire‬من أهم‬
‫مظاهر التحديث التربوي المعاصر بغية إيجاد الحلول الناجعة للفشل الدراسي‬
‫والالتجانس الفصلي والهدر المدرسي‪ ،‬ومعالجة ظاهرة العزوف عن الدراسة‬
‫والبطالة المتفشية في معظم الدول العالم الثالث‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬فلقد جرب المغرب عدة نظريات تربوية مستنسخة عن الغرب قصد‬
‫استنباتها في الواقع التربوي المغربي‪ ،‬مثل‪ :‬نظرية فريديريك هربارت‪ ،‬ونظرية‬
‫جان بياجي ‪ ،‬والنظريات اللسانية‪ ،‬ونظرية مشروع المؤسسة‪ ،‬ونظرية الشراكة‬
‫‪110‬‬
‫البيداغوجية ‪ ،‬ونظرية الجودة التربوية‪ ،‬ونظرية األهداف ‪ ،‬ونظرية الكفايات‬
‫والمجزوءات‪...‬‬
‫إذاً‪ ،‬ما المجزوءات لغة واصطالحا؟ وما الفرق بين التعليم الموسوعي والتعليم‬
‫بالمجزوءات؟ وما سياق نظرية المجزوءات؟ وما مرجعياتها النظرية‬
‫والتطبيقية؟ وما مرتكزات هذا التعليم الجديد وأهدافه؟ وما هيكلة المجزوءة‬
‫وأنواعها؟ وكيف يمكن إعداد الدروس والبرامج والمناهج في ضوء‬
‫المجزوءات؟ وما أهم االنتقادات الموجهة إلى التعليم بالمجزوءات؟‬
‫المطلب األول‪ :‬المجزوءة لغة واصطالحا‬
‫ترجمت كلمة ( ‪ )Module‬الفرنسية بالمجزوءة‪ ،‬أو المصوغة‪ ،‬أو الوحدة‪ ،‬أو‬
‫‪) modulaire‬‬ ‫المنظومة‪ ...‬كما ترجمت عبارة ( ‪l’enseignement‬‬
‫بالتعليم بالمجزوءات‪ .‬وتشتق كلمة المجزوءة من فعل جزأ الذي يعني القطع‬
‫والتقسيم‪ .‬وينسجم هذا المفهوم مع مدلول ( ‪ ) module‬الذي يعني تقسيم السنة‬
‫الدراسية إلى مجزوءات إدماجية فصلية‪ ،‬ووحدات تربوية معينة‪ ،‬يمكن تقسيمها‬
‫بدورها إلى وحدات ومقاطع وفضاءات وحلقات قصد تحقيق مجموعة من‬
‫الكفايات المسطرة لمواجهة وضعيات سياقية‪ ،‬تستلزم من المتعلم إظهار قدراته‬
‫الذاتية وكفاءاته الفردية‪ .‬ومن هنا‪ ،‬الينسجم مصطلح مجزوءة صرفيا مع الفعل‬
‫الرباعي في اللغة العربية أال وهو جزأ الذي ينبغي أن تشتق منه كلمة مجزأة أو‬
‫مجزآت‪ .‬وسنتعامل مع كلمة المجزوءة الشائعة ‪ ،‬على الرغم من عدم صحتها‬
‫الصرفية‪ ،‬مادامت وزارة التربية الوطنية قد أقرت هذا المصطلح في الميثاق‬
‫الوطني للتربية والتكوين‪ ،‬ووظفته أيضا في الكتاب األبيض‪ ،‬كما استعمل في‬
‫الكثير من األدبيات التربوية والدراسات البيداغوجية‪. 108‬‬
‫أما المجزوءة اصطالحا ‪ ،‬فهي مجموعة من المواد المنسجمة‪ ،‬أو مجموع‬
‫الوحدات التعليمية في مجاالت متكاملة‪ .‬وتعرفها فيفيان دوالندشير ( ‪Viviane‬‬
‫‪ ) De Land Sheere‬بأنها"وحدة معيارية أو شبه معيارية تدخل في تأليف‬

‫‪ - 108‬ميلود التوري‪ :‬تدبير المجزوءات لبناء الكفايات‪،‬مطبعة سوماڰرام‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى سنة ‪.2006‬‬
‫‪111‬‬
‫كل متكامل (منهاج)‪ ،‬قابلة لإلدراك والتعديل والتكييف‪ ،‬فهي كفيلة ببناء برنامج‬
‫دراسي على القياس المطلوب‪". 109‬‬
‫ويعرفها روجيه فرانسوا غوتييه (‪)Roger François Gautier‬بأنها "تنظيم‬
‫خاص لجزء من التدريس بالتعليم الثانوي"‪. 110‬‬
‫ويعرفها كذلك المجلس الوطني للبرامج بفرنسا ))‪ )CNP‬بأنها" وحدة تعليمية‬
‫نوعية أو مستعرضة‪ ،‬تختار موضوعاتها من طرف األساتذة‪ ،‬انطالقا من‬
‫معايير يحددونها بعد التنسيق والتشاور فيما بينهم داخل فريق تربوي ‪"111.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فإن المجزوءة عبارة عن وحدات دراسية فصلية‪ ،‬يتم تقطيعها إلى مواد‬
‫ومجزوءات صغرى‪ ،‬بينها عالقات تكامل واندماج وترابط عضوي‪ ،‬سواء‬
‫داخل مسلك أم سلك دراسي‪ ،‬من أجل تنظيم الحياة المدرسية‪ ،‬وخلق القدرات‬
‫الكفائية لدى المتعلم من أجل مواجهة كل الوضعيات المحتملة التي يصادفها في‬
‫الواقع الذي يعيش فيه المتمدرس‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬التعليم الموسوعي والتعليم المجزوئي‬
‫يرتكز التعليم الموسوعي على المدرس‪ ،‬باعتباره صاحب سلطة معرفية يقدمها‬
‫للتلميذ جاهزة بواسطة مجموعة من األسئلة التي تستوجب الحفظ والتقليد‬
‫والتكرار‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يصبح التلميذ مرتكنا إلى مدرسه‪ ،‬اليستطيع أن يواجه ما‬
‫يتعرضه من المواقف المستجدة‪ ،‬أو يلبي طلبات المقاوالت الحديثة ؛ ألنه اليملك‬
‫الكفاءات والمهارات المهنية و المنهجية و التواصلية والذهنية واللغوية‪ ،‬بل يقف‬
‫مكتوف اليدين‪ ،‬عاجزا عن التأقلم والتكيف مع مستجدات الواقع االقتصادي‬
‫الجديد ‪.‬تبقى معارفه نظرية مجردة غير وظيفية‪ ،‬تنقصها الممارسة والخبرات‬
‫التجريبية ‪.‬ويكون االهتمام ‪ ،‬في التعليم الموسوعي‪ ،‬بالكم على حساب الكيف‪،‬‬

‫‪109‬‬
‫‪- Viviane De Land Sheere: L' éducation et la formation. P.U.F, 1987,‬‬
‫‪p: 167.‬‬
‫‪ - 110‬عبد الكريم غريب والبشير اليعكوبي‪ :‬المجزوءات‪،‬منشورات عالم التربية‪،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪ 2003‬م‪،‬ص‪.16:‬‬
‫‪111‬‬
‫‪- Françoise Clairc: Enseigner en Modules, Hachette, 1992, P.10.‬‬
‫‪112‬‬
‫ويلتجئ المدرس إلى التحفيز السلوكي الميكانيكي‪ ،‬باالسترشاد بثنائية الحافز‬
‫واالستجابة لتوجيه دفة القسم؛ مما ينتج عنه ردود أفعال التالميذ السلبية‪،‬‬
‫ونفورهم من القسم النعدام األنشطة الذاتية والخبرات الفردية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬ينكمشون‬
‫على أنفسهم خوفا أو خجال أو جهال بما يعطى لهم من دروس ومعارف كمية‪،‬‬
‫يصعب اإلحاطة بها في سنة كاملة‪.‬‬
‫أما التعليم المجزوئي‪ ،‬فهو تعليم قائم على بيداغوجيا الكفايات التي تستهدف‬
‫البحث عن القدرات الكفائية لدى المتعلم‪ ،‬بوضعه في وضعيات معقدة أو أقل‬
‫تعقيدا‪ .‬والغرض من ذلك هو اختبار أدائه السلوكي‪ ،‬وتقويم كفاءاته وقدراته في‬
‫التعامل مع مشاكل الواقع المحيطة به‪ .‬و يراعي هذا التعليم الفوارق الفردية‪،‬‬
‫وينكب على ظاهرة الالتجانس بدراسة كل حالة فردية‪ ،‬ودعم كل متعلم ‪،‬‬
‫وتحفيزه على إبراز قدراته وميوله واستعداداته‪ ،‬سواء في حلقة واحدة أم في‬
‫حلقات متعددة متواصلة ؛ألن المقياس ‪ -‬هنا‪ -‬ليس هو الدرس الذي ينتهي داخل‬
‫حصة زمنية محددة كما في التعليم الموسوعي‪ ،‬بل الحلقة الديدكتيكية المتوالية‬
‫التي تمتد عبر حصتين فأكثر ‪.‬‬
‫ويقدم التعليم المجزوئي المقرر الدراسي في شكل مجزوءات ووحدات دراسية‪،‬‬
‫تصغر بدورها في إطار مقاطع وحلقات وخبرات مرتبطة بكفايات نوعية أو‬
‫شاملة أو ممتدة قصد التدرج بالمتعلم لتحقيق كفايات عليا كلية ونهائية‪ .‬ويتم‬
‫التركيز‪ ،‬في هذا النوع من التعليم‪ ،‬على الكيف والمتعلم ؛ ألن المدرس مجرد‬
‫وصي أو مرشد ليس إال‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تصبح الدروس خبرات وممارسة كيفية‬
‫ومهارات وقدرات معرفية ووجدانية وحركية‪ .‬أي‪ :‬إن المتعلم هو الذي يكون‬
‫نفسه بنفسه‪ ،‬ويتعلم كيف يبحث ويفكر وينظم ما يبحث عنه منهجيا ووظيفيا‪.‬إن‬
‫التعليم بالمجزوءات‪ -‬كما يقول الباحث المغربي محمد الدريج‪"-‬يروم بناء‬
‫الكفايات لدى التلميذ‪ ،‬على اعتبار أن الكفايات هي قدرات شاملة‬
‫ودينامية(نشطة)‪ ،‬والتي اليمكن اختزالها في الئحة تحليلية من المحتويات‪ ،‬إنها‬
‫تشكيلة( تركيبة) ذكية من المعارف والمهارات واالتجاهات‪ .‬فأن نكون أكفاء ال‬
‫يعني أن نملك جملة من المعلومات والمهارات‪ ،‬فأن نكون أكفاء يعني أساسا أن‬

‫‪113‬‬
‫نكون قادرين على تجنيد تلك المعلومات والمهارات‪ ،‬وتوظيفها في مواقف معينة‬
‫ولحل مشكالت‪ ،‬أي أن نكون فعالين ومنتجين في وضعيات محددة‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬يصير بناء الكفايات بهذا المعنى أمرا معقدا وأمرا ذاتيا وشخصيا‪ .‬فيكون‬
‫من أولويات نشاط المدرسين مساعدة المتعلمين‪،‬لكن على المتعلمين مساعدة‬
‫أنفسهم في التعلم والتكوين الذاتي‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن التعليم بالمجزوءات يستدعي المتعلم‬
‫كمسؤول ويتعامل معه كمدبر لتكوينه ‪.112".‬‬
‫ويعني هذا كله أن التعليم بالمجزوءات قد ارتبط ارتباطا وثيقا ببيداغوجيا‬
‫الكفايات واإلدماج‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬مرتكزات التعليم المجزوئي ومقوماته‬
‫يستند التعليم المجزوئي إلى مجموعة من المقومات األساسية التي يمكن‬
‫حصرها في العناصر التالية‪:‬‬
‫‪‬ينبني هذا التعليم على بيداغوجيا الكفايات والوضعيات‪.‬‬
‫‪‬يحترم خصوصيات التالميذ وحاجياتهم من المعرفة والمهارة والخبرة‪،‬‬
‫ويراعي فوارقهم الفردية ومشاريعهم الشخصية‪...‬‬
‫‪‬يستفيد من البيداغوجيا الفارقية‪ ،‬ومن تفريد التعليم‪.‬‬
‫‪‬يركز على المتعلم‪ ،‬ويشجعه على إظهار قدراته ومهاراته وكفاءاته المضمرة‬
‫وغير المضمرة قصد إعداده لمواجهة وضعيات الواقع المعقدة‪.‬‬
‫‪‬يوزع المقررات الدراسية إلى مجزوءات فصلية أو دورية في شكل وحدات‬
‫ديدكتيكية وبيداغوجية‪ ،‬ويقطعها إلى حلقات دراسية نوعية أو عامة‪ ،‬بطريقة‬
‫متكاملة ومندمجة في بؤرة منصهرة ووحدة تربوية عضوية‪.‬‬

‫‪ - 112‬محمد الدريج‪:‬الكفايات في التعليم‪ ،‬منشورات سلسلة المعرفة للجميع‪ ،‬شتنبر ‪،2004‬‬


‫ص‪.254:‬‬
‫‪114‬‬
‫‪‬يقوم على التعلم الذاتي‪ ،‬والتكوين المستمر‪ ،‬ومد الجسور بين المراحل‬
‫التعليمية‪.‬‬
‫‪‬ينظم الدروس والحلقات والوحدات الدراسية في شكل كفايات مستهدفة‪،‬‬
‫وقدرات‪ ،‬ومهارات‪ ،‬وخبرات معرفية ومنهجية وتواصلية وتقنية وثقافية( يعني‬
‫أنه يأخذ بمدخل الكفايات في التدريس)‪.‬‬
‫‪‬يحول الدروس والبرامج والمقررات إلى وضعيات إشكالية وأسئلة للبحث‬
‫والتنشيط ‪ ،‬تتدرج من البسيط إلى المعقد‪ ،‬مع تنويع هذه الوضعيات في شكل‬
‫أنشطة وأعمال وأبحاث‪ ،‬واستقراء للوسائل البصرية والسمعية والمراجع‬
‫المدرسية‪.‬‬
‫‪‬يقسم متعلمو الفصل إلى مجموعات من التالميذ كفريق تربوي جماعي‬
‫تعاوني‪ ،‬أو يتعامل مع التالميذ كأفراد ‪ ،‬بتحفيزهم على ترجمة قدراتهم‬
‫ومهاراتهم الدفينة المضمرة إلى أفعال وأداءات إنجازية مرصودة بالتقويم‬
‫والمالحظة والقياس‪.‬‬
‫‪‬يهدف إلى تمهير المتعلم ذهنيا ووجدانيا وحركيا بقدرات كفائية لمواجهة‬
‫الواقع ووضعياته اإلشكالية‪.‬‬
‫‪ -11‬يعتمد على مرونة التعلم‪ ،‬والمنهاج المندمج‪ ،‬والتكامل بين األسالك‬
‫والمسالك واألقطاب الدراسية‪ ،‬في إطار شمولي نوعي وعام وممتد‪.‬‬
‫‪ -12‬يهدف إلى خلق مدرسة إبداعية‪ ،‬قوامها التمكن من آليات التقدم‬
‫والتكنولوجيا‪ ،‬بعيدا عن التقليد وقوانين إعادة اإلنتاج‪ ،‬وتكريس القيم المحافظة‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬سيـــاق التعليـــم المجزوئي‬
‫ظهرت تجربة المجزوءات ألول مرة ‪ ،‬باعتبارها ممارسة بيداغوجية‪ ،‬في كندا‬
‫بغية مواجهة ظاهرة الالتجانس الفصلي والمتعدد الرتب والدرجات‪ ،‬أوما يسمى‬
‫بالقسم المشترك الذي ينتشر كثيرا في القرى‪ ،‬والسيما في أفريقيا‪ ،‬وأمريكا‪،‬‬
‫وأوروبا‪ .‬وكان الحل هو التفكير في التدريس بالمجزوءات الكفائية قصد الخروج‬
‫من هذا اإلشكال الذي يثيره تعدد المستويات مقارنة بالقسم "المفردن"‪ .‬وقد‬
‫‪115‬‬
‫انتقلت التجربة إلى فرنسا في التسعينيات لحل مشكلة الفشل الدراسي في‬
‫الثانويات الفرنسية‪ ،‬بعد أن استقطبت هذه المؤسسات التعليمية متعلمين من‬
‫جذور وأصول عرقية واجتماعية وثقافية مختلفة ‪ .‬وفي سنة‪1992‬م‪ ،‬ارتأت‬
‫وزارة التربية الوطنية الفرنسية العمل بالمجزوءات )‪ (MODULES‬بغية‬
‫مواجهة األزمات التي بدأ يتخبط فيها التعليم الفرنسي‪ ،‬بعد أن أمضى سنين‬
‫طويلة في تطبيق البيداغوجيا الفردية والفارقية‪ .‬ويشكل الالتجانس بين التالميذ‬
‫والفشل الدراسي من األسباب الرئيسية التي دفعت وزير التربية الفرنسي ليونيل‬
‫جويسبان( ‪ ) Lynonnele Juspin‬لينادي إلى تنويع مسالك التكوين بين العام‬
‫والتقني والمهني‪ ،‬واإلفادة في ذلك من التعليم المجزوئي‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬يقول‬
‫في إحدى ندواته الصحفية سنة‪1991‬م‪ ":‬إن مساعدة المتعلمين بالنسبة لنا هي‬
‫أول جواب مستعجل عن سؤال الالتجانس‪ ،‬وهو جواب قابل للتطبيق الفوري في‬
‫النظام التربوي الحالي‪ .‬والذي يتحمل مسؤولية هذه المساعدة هم المدرسون دون‬
‫غيرهم إن أردنا أن نضمن جودة التعليم‪ ،‬فالدروس الخصوصية التي يتكفل بها‬
‫الراغبون والقادرون من اآلباء لن تلعب وحدها هذا الدور‪ .‬وللوصول إلى هذا‬
‫المبتغى البد من تطوير البنيات البيداغوجية للتعليم الثانوي‪ ،‬فبالمجزوءة نكون قد‬
‫قدمنا إطارا بيداغوجيا أكثر مرونة وفضاء جديدا لحرية تصرف المدرسين "‪.113‬‬
‫ولقد انتقلت التجربة إلى المغرب الذي أكد‪ ،‬بدوره ‪ ،‬ضرورة االعتماد على‬
‫بيداغوجيا المجزوءات في الميثاق الوطني للتربية والتكوين‪ ،‬حينما نص‪ ،‬إبان‬
‫حديثه عن البرامج والمناهج‪ ،‬على مراعاة المرونة الالزمة للسيرورة التربوية‪،‬‬
‫وقدرتها على التكيف ‪ ،‬بتجزيء المقررات السنوية إلى وحدات تعليمية‪ ،‬يمكن‬
‫التحكم فيها على مدى فصل بدل السنة الدراسية الكاملة إال عند االستحالة‪،‬‬
‫والحفاظ على التمفصل واالنسجام اإلجمالي لكل برنامج‪ ،‬مع مراعاة األهداف‬
‫المميزة لكل مرحلة من مراحل التعليم والتعلم التي يعنيها‪ .‬كما نص الميثاق‬
‫الوطني على وضع برامج تعتمد نظام الوحدات المجزوءة انطالقا من التعليم‬
‫الثانوي ‪ ،‬لتنويع االختيارات المتاحة‪ ،‬وتمكين كل متعلم من ترصيد المجزوءات‬

‫‪113‬‬
‫‪--Viviane De Land Sheere: L’éducation de la formation,p : 27.‬‬
‫‪116‬‬
‫التي اكتسبها‪ ،‬وتوزيع مجمل الدروس ووحدات التكوين والمجزوءات من التعليم‬
‫األولي إلى التعليم الثانوي على ثالثة أقسام متكاملة‪:‬‬
‫‪ ‬قسم إلزامي على الصعيد الوطني في حدود ‪ 70‬في المائة من مدة التكوين‬
‫بكل سلك؛‬
‫‪‬قسم تحدده السلطات التربوية الجهوية ‪ ،‬بإشراك المدرسين في حدود ‪ 15‬في‬
‫المائة من تلك المدة‪،‬وتتضمن بالضرورة تكوينا في الشأن المحلي وإطار الحياة‬
‫الجهوية؛‬
‫‪‬عدد من االختيارات تعرضها المدرسة على اآلباء والمتعلمين الراشدين في‬
‫حدود حوالي‪ 15‬في المائة ‪ ،‬وتخصص إما لساعات الدعم البيداغوجي لفائدة‬
‫المتعلمين المحتاجين لذلك‪ ،‬وإما ألنشطة مدرسية موازية وأنشطة للتفتح بالنسبة‬
‫للمتعلمين غير المحتاجين للدعم‪. 114‬‬
‫وينتظم التدريس بالمؤسسات الجامعية كذلك في مسالك وأسالك ومجزوءات‪،‬‬
‫ويتوج بشهادات وطنية ‪ ،‬وتحصل المجزوءات بالتقييم المنتظم‪ ،‬وترصيد‬
‫المكتسب منها ‪.‬‬
‫وقد ساير الكتاب األبيض ماذهب إليه الميثاق الوطني للتربية والتكوين حينما‬
‫دعا إلى استبدال السنة الدراسية‪ ،‬في التعليم الثانوي‪ ،‬بدورات فصلية قائمة على‬
‫تدريس المجزوءات ‪ .‬ويضم التعليم الثانوي التأهيلي ست دورات تدرس فيها‬
‫مجزوءات إجبارية(االمتحان الوطني) ومجزوءات اختيارية(االمتحان‬
‫الجهوي)‪،‬مع العلم أن كل مجزوءة تتكون من ثالثين ساعة ‪.‬أما السنة الدراسية‪،‬‬
‫فتضم أربعة وثالثين أسبوعا و‪ 1000‬إلى ‪ 1200‬ساعة دراسية‪ .‬كما يضم‬
‫اإلعدادي ست دورات دراسية على غرار التعليم الثانوي‪ .‬وقد أشار الكتاب‬
‫األبيض أيضا إلى عدة أقطاب وشعب ومسالك‪ ،‬مثل‪ :‬قطب التعليم األصيل‪،‬‬
‫وقطب اآلداب والعلوم اإلنسانية‪ ،‬وقطب الفنون والرياضة‪ ،‬وقطب العلوم‪،‬‬
‫وقطب التكنولوجيات ‪.‬‬
‫‪ - 114‬وزارة التربية الوطنية‪ :‬الميثاق الوطني للتربية والتكوين‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫سنة ‪2000‬م‪ ،‬ص‪.48-47:‬‬
‫‪117‬‬
‫وقد بدأ المغرب في تنفيذ نظام الوحدات والمصوغات في السلك الثانوي‬
‫التأهيلي‪ ،‬فوضع البرامج والمناهج الدراسية‪ ،‬وقد فعل بيداغوجيا المجزوءات‬
‫انطالقا من الموسم الدراسي ‪ ، 2004/2003‬بتغيير الكتب المدرسية‪ ،‬وتجديد‬
‫هيكلتها وطرائق عرضها‪.‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬مرجعيات التعليم المجزوئي‬
‫للتعليم المجزوئي مرجعيات وإحاالت مختلفة ومتنوعة‪ ،‬يمكن اختزالها في‬
‫المؤثرات التالية‪ :‬بيداغوجيا الكفايات‪ ،‬والبيداغوجيا الفارقية‪ ،‬والالتجانس‬
‫والفشل الدراسي‪ ،‬و اللسانيات التوليدية التحويلية التي تتبنى المقاربة اإلدراكية‬
‫الفطرية التي تعترف بالقدرات الوراثية للمتكلم المستمع التي تسمح بتوليد جمل‬
‫المتناهية العدد‪ ،‬بتحويل الكفاءة للبنى العميقة إلى بنى سطحية‪ ،‬و الفلسفة‬
‫الدكارتية التي تؤكد أهمية البنى الذهنية الرياضية والمنطقية في معرفة الحقيقة‪،‬‬
‫وأن ماهو عقلي فطري وراثي سابق على ماهو تجريبي خارجي‪ ،‬والسيكولوجيا‬
‫المعرفية واإلدراك‪ ،‬و فكر المقاولة الذي كان دائما ومازال يستوجب تمهير‬
‫المتعلمين بالمهارات‪ ،‬وتسليحهم بالقدرات والكفاءات النوعية والممتدة‬
‫والمتخصصة‪ .‬فضال عن ظاهرة العولمة ‪ ،‬ثم االقتصاد التنافسي الذي يستلزم‬
‫الطاقات البشرية المؤهلة ذات الكفاءات العالية‪ ،‬وذات المهارات المتنوعة‬
‫والقدرات الفائقة‪.‬‬
‫المطلب السادس‪ :‬بنية المجزوءة وأنواعها‬
‫تستند بنية المجزوءة التربوية والتعليمية إلى ثالثة عناصر أساسية ‪ ،‬يمكن‬
‫حصرها فيما يلي‪:‬‬
‫‪‬المدخالت ‪ :‬تستهدف تسطير مجموعة من الكفايات المزمع تحقيقها في شكل‬
‫أهداف إجرائية سلوكية قبل الدخول في مسار تعلمي‪ ،‬أو تنفيذ مجزوءة دراسية‪،‬‬
‫بوضع امتحان تشخيصي قبلي في شكل الوضعيات ‪-‬األسئلة‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫‪ ‬الهيكـــل ‪:‬يقسم المقرر إلى مجزوءات دراسية‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬تجزأ إلى‬
‫وحدات ديدكتيكية ومتواليات‪ ،‬أو حلقات تعلمية‪ ،‬تساعد المتعلم على التعلم الذاتي‬
‫والتكوين المستمر في شكل فردي أو جماعي‪.‬‬
‫‪‬المخرجات‪ :‬هنا‪ ،‬نتحقق من نجاعة القدرات والكفاءات التي أنجزها المتعلم‬
‫وأداها في أثناء سيرورة التعلم‪ .‬وهذا التقويم تشخيصي ومرحلي ونهائي‪.‬‬
‫أما عن أنواع المجزوءات‪ ،‬فهناك مجزوءات إجبارية ‪ ،‬ومجزوءات إجبارية‬
‫تكميلية‪ ،‬ومجزوءات اختيارية‪.‬‬
‫ويمكن أن تكون المجزوءة‪ ،‬في إطار سيرورتها اإلنجازية ‪ ،‬مجزوءة نوعية‪ ،‬أو‬
‫مجزوءة مستعرضة ممتدة‪.‬‬
‫ويمكن تصنيفها أيضا إلى مجزوءات تنظيمية ترتبط بالخبرة‪ ،‬وما يتم تعلمه‬
‫ذاتيا كالمجزوءات اإلجبارية واالختيارية والتكميلية‪ ،‬ومجزوءات‬
‫ديدكتيكية ترتبط بمحتويات المرجع الدراسي‪ ،‬مثل‪ :‬الكتاب المدرسي‪ ،‬والوثائق‬
‫السمعية والبصرية‪.‬‬
‫المطلب السابع‪ :‬كيف ندرس بواسطة التعليم المجزوئي‬
‫عند وضع البرامج والمناهج والمقررات الدراسية السنوية ‪ ،‬البد من تقسيمها‬
‫حسب الفصول الدراسية‪ ،‬أو الدورات الفصلية‪ ،‬أو في شكل مجزوءات دراسية‪،‬‬
‫تتضمن وحدات دراسية نوعية‪ ،‬تنقسم بدورها إلى حلقات أو متواليات تدرس في‬
‫حصص محددة زمانيا ومكانيا أو غير محددة‪ .‬كما يخضع هذا التقسيم لتوزيع‬
‫زمني ومكاني مدقق‪ ،‬يراعي ظروف المتعلم وسياق التعلم‪ .‬كما ينبغي وضع‬
‫البرنامج الدراسي في شكل وضعيات وأسئلة وأنشطة وخبرات‪ ،‬يراعى فيها‬
‫التدرج من البسيط إلى المركب‪ ،‬ومن الوضعيات السهلة إلى الوضعيات المعقدة‪.‬‬
‫وتحدد أيضا جميع الكفايات والقدرات المستهدفة الجزئية‪ ،‬أو الكفايات النهائية‬
‫النوعية والمستعرضة‪ ،‬في شكل سلوكيات مؤشرة بالقياس والرصد التقويمي‪.‬‬
‫كما يمكن االستعانة بتقويم قبلي تشخيصي أو تكويني أو إجمالي قصد تحديد‬
‫مستوى كل تلميذ في بداية السنة الدراسية ‪ ،‬أو بداية كل مجزوءة‪ ،‬أو في نهايتها‪.‬‬
‫‪119‬‬
‫ومن الواجب تدريس المتواليات الديدكتيكية في شكل مجموعات أو حسب‬
‫األفراد‪ ،‬فيكون محور التعليم هو التلميذ‪ ،‬وليس المدرس الذي ينبغي أن يكون‬
‫مستشارا يساعد المتعلمين على التعلم الذاتي والتكوين المستمر‪ ،‬باستثمار الوثائق‬
‫البصرية والسمعية والرقمية وكل الوسائل الديدكتيكية المتاحة‪.‬‬
‫وخالصة القول‪ ،‬على الرغم من أهمية بيداغوجيا المجزوءات‪ ،‬فما زالت‬
‫نظريتها غامضة ومبهمة وغير محددة بدقة‪ .‬لذلك‪ ،‬تبقى الممارسة متعثرة في‬
‫نظامنا التربوي المغربي الذي دائما يترقب ما يستجد في الساحة التربوية‬
‫الغربية‪ ،‬والسيما التجربتين الفرنسية والكندية منها‪ .‬وهكذا‪ ،‬نجد أنفسنا ننتقل من‬
‫نظرية تربوية إلى أخرى دون استيعابها بشكل جيد لتطبيقها في مدارسنا بشكل‬
‫ناجع وفعال‪.‬‬

‫المبحث السادس‪ :‬الوحدة التعلمية‬


‫ينقسم الكتاب المدرسي إلى مجموعة من الوحدات والمواضيع والمجاالت‬
‫والمحاور الداللية والمفاهيمية والمعجمية ‪.‬بمعنى أن كل مكون دراسي لمادة‬
‫معينة يتجزأ إلى وحدات دراسية ‪.‬وتتضمن كل وحدة مجموعة من العناوين‬
‫والدروس والحلقات والمفاهيم والحقائق ‪ .‬ويعني هذا كله أن الوحدة (‪)Unit‬‬
‫جزء من محتوى دراسي يتناول قضية أو موضوعا أو مفهوما واحدا‪ ،‬في إطار‬
‫وحدة عضوية وموضوعية متسقة ومنسجمة تربويا وديدكتيكيا‪.‬‬
‫إذاً‪ ،‬ما مفهوم الوحدة التعلمية؟ وما سياقها التاريخي؟ وما أسس الوحدة التعلمية‬
‫ومرتكزاتها؟ وكيف تدبر الوحدة التعلمية تربويا وديدكتيكيا؟ وما إيجابيات‬
‫التدريس بالوحدات وسلبياتها؟ هذا ما سوف نتبينه عبر العناوين التالية‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مفهوم الوحدة التعلمية‬
‫من الصعب جدا تحديد مفهوم الوحدة لتشعب مفاهيمه‪ ،‬واختالف مدلوالته من‬
‫باحث إلى آخر؛ نظرا لتعدد حقوله النظرية والتطبيقية‪ ،‬وتباين مجاالته‬
‫الدراسية‪ ،‬وتعدد التصورات المنهجية والرؤى الفكرية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يعد مفهوم‬
‫الوحدة من أعقد المصطلحات التربوية واألدبية والنقدية والفلسفية غموضا‬
‫‪120‬‬
‫وإشكاال‪ ،‬حتى إن الباحثين المحدثين قد استخدموها بتسميات عدة‪ ،‬نشأ عنها نوع‬
‫من فوضى االصطالح والتسمية‪ .‬فهناك مفهوم الوحدة‪ ،‬والتصميم‪ ،‬والوحدة‬
‫العضوية‪ ،‬والوحدة الموضوعية‪ ،‬ووحدة العنوان‪ ،‬والوحدة النفسية‪ ،‬ووحدة‬
‫االنطباع‪ ،‬والوحدة العاطفية‪ ،‬والوحدة الوجدانية‪ ،‬والوحدة المعنوية‪ ،‬والوحدة‬
‫المنطقية‪ ،‬ووحدة الصورة‪ ،‬والوحدة في التنوع‪ ،‬ووحدة الغرض‪ ،‬والوحدة‬
‫الموسيقية‪ ،‬ووحدة المقطع‪ ،‬ووحدة العمل‪ ،‬والوحدة التعلمية‪ ،‬والوحدات الثالث‬
‫التي تحدث عنها أرسطو (‪ )Aristote‬في كتابه (فن الشعر)‪ 115‬وهي‪ :‬وحدة‬
‫الحدث‪ ،‬ووحدة الزمان‪ ،‬وووحدة المكان ‪.‬‬
‫وهناك من الدارسين من يتحدث عن وحدة المتكلم‪ ،‬والوحدة الشعرية‪ ،‬ووحدة‬
‫التجربة‪ ،‬ووحدة األثر‪ ،‬والوحدة اللغوية ( ‪ ،)Morphème‬و الوحدة الصوتية (‬
‫‪ ،)Phonème‬ووحدة الوزن والقافية‪.‬‬
‫إال أن ما يهمنا من هذه الدوال االصطالحية التربوية واألدبية والنقدية واللسانية‬
‫مصطلح الوحدة التعلمية أو الدراسية‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬تحيل الوحدة ‪ ،‬من حيث الداللة اللغوية‪ ،‬على مفاهيم الربط والتماسك‬
‫واالنسجام واالتساق والتكامل واالنسجام‪...‬ومن ثم‪ ،‬فهي ضد االنفصال والبعثرة‬
‫والتفكك والتجزيء وضياع تسلسل الحلقات‪...‬‬
‫وتعني الوحدة ‪ -‬اصطالحا‪ -‬أن مادة دراسية ما تنقسم إلى وحدات تعلمية‬
‫ودراسية متكاملة‪ ،‬تتكون من مواد مترابطة ومتكاملة ومتشابكة‪ ،‬تندرج في‬
‫مجال من المجاالت كمجال القيم‪ ،‬ومجال البيئة‪ ،‬ومجال العلم والمعرفة‪ ،‬ومجال‬
‫التقنية‪ ،‬ومجال الفنون‪ ،‬ومجال الصحة اإلنسانية‪...‬‬
‫وقد تعني الوحدة التعلمية مجموعة من األنشطة والخبرات والتعلمات والموارد‬
‫التي تدور حول موضوع محوري معين‪ ،‬أو تنصب حول هدف محدد‪ ،‬أو تعالج‬
‫مشكلة معينة يتفق حولها المدرس مع تالمذته إليجاد حل لها‪ .‬ومن هنا‪ ،‬تخضع‬
‫الوحدة التعلمية لعمليات التخطيط‪ ،‬والتدبير‪ ،‬والتقويم‪ .‬وللوحدة عالقة وثيقة‬

‫‪ - 115‬أرسطو‪ :‬فن الشعر‪ ،‬ترجمة‪:‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية‪ ،‬طبعة ‪1953‬م‪.‬‬
‫‪121‬‬
‫بالمنهاج ‪ ،‬والبرنامج‪ ،‬والمقرر‪ ،‬والكتاب المدرسي‪.‬وتقوم الوحدة بوظيفة الهيكلة‬
‫والتنظيم وفق أهداف عامة وخاصة‪ ،‬أو وفق كفايات رئيسة ونوعية‪ .‬ومن هنا‪،‬‬
‫فالوحدة التعلمية وظيفية ‪ ،‬مادامت تقوم بدور التنظيم والهيكلة‪ .‬كما أنها وحدة‬
‫إجرائية وإنجازية مرتبطة بوظيفة التقويم‪.‬‬
‫وتتضمن الوحدة الدراسية ‪ -‬حسب أحمد أوزي‪ " -‬مدخال ومتنا وخاتمة‪ .‬في‬
‫المدخل يحدد المحتوى وأهدافه‪ ،‬مع إجراء تقييم قبلي للطالب الذين تتوجه إليهم‬
‫الوحدة الدراسية‪.‬ويتضمن المتن مختلف المواد التعليمية النظرية أو التطبيقية أو‬
‫‪116‬‬
‫هما معا‪.‬أما الخاتمة فتتضمن تقييما بعديا‪".‬‬
‫وتتسم الدراسة بالوحدات " باإلحاطة والشمول‪ ،‬وفي سبيل ذلك قد تتخطى‬
‫الحواجز الفاصلة بين فروع المادة الواحدة أو بين ميادين المعرفة وذلك تبعا‬
‫‪117‬‬
‫لنوع الوحدة‪".‬‬
‫ويذهب عبد الكريم غريب في كتابه (المنهل التربوي) إلى أن الوحدة التعلمية‬
‫"سلسلة ذات معنى من الخبرات وأنواع النشاط التعلمي‪ ،‬تدور حول موضوع‬
‫دراسي أو مشكلة يهتم بها المتعلمون ويخططون لها بالتعاون فيما بينهم تحت‬
‫إشراف المدرس وتوجيهه‪.‬وهذا المفهوم لمعنى الوحدة يشير إلى أنها نوعان‪:‬‬
‫النوع األول هو وحدة المادة الدراسية‪ ،‬والنوع الثاني هو وحدة الخبرة‪ .‬ومحور‬
‫النوع األول هو المادة الدراسية‪ ،‬بمعنى أن تقسم هذه المادة إلى محاور علمية‬
‫ذات أهمية خاصة لدى التالميذ‪ ،‬بحيث يضم كل محور المعارف والحقائق‬
‫المتصلة به دون التزام بالحدود التي تفصل بين المواد المتعددة‪ ،‬أو بين فروع‬
‫المادة الواحدة‪ ،‬ودون رعاية كذلك للتنظيم المنطقي في أي مادة‪ .‬أما محور‬
‫النوع الثاني‪ ،‬فهو حاجة المتعلم ومشكالته التي يواجهها في البيئة التي يعيش‬
‫فيها‪ .‬وهذا النوع أيضا اليعرف الفواصل بين المواد الدراسية أو المعارف‬

‫‪ - 116‬أحمد أوزي‪:‬المعجم الموسوعي لعلوم التربية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2006‬م‪ ،‬ص‪.264:‬‬
‫‪ -117‬الدمرداش سرحان ومنير كامل‪ :‬المناهج‪،‬دار العلوم للطباعة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة الثالثة‬
‫سنة ‪1972‬م‪ ،‬ص‪.274:‬‬
‫‪122‬‬
‫اإلنسانية‪ ،‬بل ينتفع بها جميعا في إشباع الحاجة أو حل مشكلة موضوع‬
‫‪118‬‬
‫الوحدة‪".‬‬
‫وبناء على ما سبق‪ ،‬تعني الوحدة التعلمية أن المعرفة اإلنسانية واحدة ومترابطة‬
‫ومتكاملة وغير منفصلة‪ .‬لذا‪ ،‬البد من ربط المدرسة بالحياة‪ ،‬كأن نربط‬
‫الوحدات التعلمية بالوضعيات الحياتية ومشكالت البيئة الطبيعية‪ .‬عالوة على‬
‫ربط الوحدات باألنشطة‪ ،‬وليس بالمعلومات والمعارف كما في المنهاج التربوي‬
‫التقليدي‪ .‬ويعني هذا كله تحقيق مبدأ شمول الخبرة التعلمية‪ ،‬ومراعاة األسس‬
‫السليمة في تقويم نمو المتعلم‪ .‬ومن هنا‪ ،‬تعني الوحدة الدراسية أن يقدم المدرس‬
‫للمتعلم المقرر الدراسي ومكوناته في شكل وحدات مترابطة بنيويا ونسقيا ‪،‬‬
‫ووفق نظام مجالي مترابط ومتماسك وموحد‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أسس الوحدة ومرتكزاتها‬
‫تنبني الوحدة الدراسية والتعلمية على مجموعة من األسس ‪ ،‬منها ماهو لغوي‪،‬‬
‫ونفسي‪ ،‬واجتماعي‪ ،‬وتربوي‪ ،‬ووظيفي‪...119‬ويعني هذا أن الوحدة عبارة عن‬
‫مضمون معرفي ‪ ،‬وشكل فني وجمالي يتخذ طابعا لغويا في شكل بنى صوتية‪،‬‬
‫وصرفية‪ ،‬وتركيبية‪ ،‬وداللية‪ ،‬وبالغية‪ ،‬وتداولية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يتخذ ملفوظ الوحدة‬
‫طابعا تلفظيا وصوتيا من جهة‪ ،‬وطابعا كتابيا من جهة أخرى‪.‬‬
‫وأكثر من هذا تنسجم الوحدة الدراسية نفسيا مع ميول المتعلم وحاجياته‬
‫واتجاهاته ‪ ،‬وتبعث فيه العمل والحياة ‪ ،‬وتبعد عنه الملل والروتين والنفور‪ .‬كما‬
‫تسهم الوحدة التعلمية في خلق نوع من التوازن التربوي بتوحيد المواد الدراسية‬
‫والتعلمية في بوتقة داللية ومجالية ومحورية واحدة‪ .‬ويعني هذا أن هناك نوعا‬
‫من التنوع والتواتر والتوازن على مستوى تقسيم المجاالت التعلمية‪ .‬كما تساعد‬
‫الوحدة الدراسية الوظيفية المتعلم على فهم المواد الدراسية ضمن إدراك كلي‬
‫نسقي غير منفصل وغير مفكك‪.‬‬
‫‪ - 118‬عبد الكريم غريب‪ :‬المنهل التربوي‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2006‬م‪ ،‬ص‪.968 :‬‬
‫‪ - 119‬نهاد الموسى‪ :‬األساليب مناهج ونماذج في تعليم اللغة العربية‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬طبعة ‪2003‬م‪،‬‬
‫ص‪ 57:‬ومابعدها‪.‬‬
‫‪123‬‬
‫ومن أسس الوحدة التعلمية كذلك توكيد وحدة المعرفة‪ ،‬وربط الدراسة بالحياة‪،‬‬
‫وإقامة الدراسة على أساس النشاط‪ ،‬وتحقيق مبدأ شمول الخبرة‪ ،‬ومراعاة‬
‫األسس السليمة في تقويم نمو التلميذ‪.120‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬تستند الوحدة الدراسية والتعلمية إلى مجموعة من المبادىء‬
‫التربوية والنفسية كمبدإ االنتقاء‪ ،‬ومبدإ التقسيم‪ ،‬ومبدإ االختيار‪ ،‬ومبدإ الترتيب‪،‬‬
‫ومبدإ التدرج‪ ،‬ومبدإ التخطيط‪ ،‬ومبدإ التدبير‪ ،‬ومبدإ التقويم‪ ،‬ومبدإ التكامل‪،‬‬
‫ومبدإ التوازن‪ ،‬ومبدإ التخفيف‪ ،‬ومبدإ التنوع‪ ،‬ومبدإ التواتر‪ ،‬و مبدإ الترابط‪،‬‬
‫ومبدإ الوحدة‪ ،‬ومبدإ التنظيم‪ ،‬ومبدإ ربط الوحدة بالحياة‪...،‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬أنواع الوحدات‬
‫يمكن تقسيم الوحدات التعلمية إلى نوعين رئيسين من الوحدات على النحو‬
‫التالي‪:‬‬
‫‪ ‬الوحدة القائمة على المادة الدراسية‪:‬‬
‫تدور الدراسة حول محور رئيس‪ ،‬أو تنصب على مجال داللي معين‪ ،‬في شكل‬
‫تيمات ومواضيع ومحاور ومفاهيم معينة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تشتمل الوحدة التعلمية على‬
‫مجموعة من المكونات والدروس والحلقات المترابطة‪ .‬كما التؤمن الوحدة‬
‫التعلمية بالمواد المنفصلة أو الفروع الدراسية‪ ،‬بل تدمج كل الدروس في بوتقة‬
‫مجالية واحدة‪ .‬وقد يكون محور الوحدة موضوعا من موضوعات المادة‬
‫الدراسية (الماء في حياة اإلنسان)‪ ،‬أو مفهوما من المفاهيم (التسامح)‪ ،‬أو مشكلة‬
‫ما ( كيف يؤثر البترول في حياة سكان الشرق األوسط؟)‪ ،‬أو قاعدة معممة‬
‫(تكاثر السكان يتطلب البحث عن موارد جديدة)‪ ،‬وقد تكون الوحدة مسحية (‬
‫الحضارة اليونانية)‪...‬‬
‫‪ ‬الوحدة القائمة على الخبرة والنشاط‪:‬‬

‫‪ - 120‬الدمرداش سرحان ومنير كامل‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.275:‬‬


‫‪124‬‬
‫تعتمد الوحدة التعلمية على الخبرة والنشاط والحاجيات الفردية والجماعية‪.‬‬
‫ويعني هذا أن الوحدة التكتفي بما هو دراسي ومعرفي فقط‪ ،‬بل تنفتح الوحدة‬
‫على األنشطة والخبرات الفردية والجماعية‪.‬وإذا كان موضوع الوحدة هو (كيف‬
‫أفهم نفسي؟) ‪ ،‬فالبد ‪ ،‬في هذا الصدد‪ ،‬من استحضار مجموعة من الدراسات‬
‫في وحدة تعلمية واحدة كالنفسي‪ ،‬واالجتماعي‪ ،‬والبيولوجي‪ ،‬والفيزيولوجي‪...‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فالخبرة في الحياة الواقعية " خبرة متكاملة غير مقسمة الى مواد‬
‫دراسية‪ ،‬ولكن أوجه النشاط اإلنساني تترابط فيها بطريقة طبيعية ‪ ،‬ولهذا فان‬
‫المواد المنفصلة تكون بعيدة الصلة بالحياة الخارجية؛ مما يؤدي الى عدم‬
‫‪121‬‬
‫اهتمام التالميذ بهذه المواد نظرا لعدم صلتها بمشكالت حياتهم‪".‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬ترتبط الوحدات الدراسية بالمنهاج التربوي الحديث والمعاصر‪،‬‬
‫وترتبط أيضا ببيداغوجيا الكفايات واإلدماج‪ ،‬مادامت لها صلة وثيقة‬
‫بالمجزوءات والمحاور والموارد الرئيسة ‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬سياق ظهور الوحدات‬
‫لم يظهر نموذج الوحدات في ميدان التدريس‪ ،‬ووضع المناهج التربوية‪ ،‬إال رد‬
‫فعل على المنهاج التقليدي الذي كان يدرس المواد الدراسية بطريقة منفصلة‪،‬‬
‫دون توفرها على وحدة معرفية شمولية‪ ،‬ودون مراعاة األسس النفسية‬
‫واالجتماعية والديدكتيكية والتربوية ‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فلقد " اتسم المنهج التقليدي‬
‫بكثير من العيوب‪ ،‬وفي مقدمتها أنه كان يلتزم بالحدود الفلصلة بين المواد بين‬
‫موضوعات المادة الواحدة‪.‬وقد أدى ذلك إلى تفكك الدراسة وضياع وحدتها‪.‬‬
‫كما أن االهتمام بجانب المعلومات دون غيرها من بقية أهداف التربية قد أدى‬
‫بكثير من المدرسين في ظل المناهج التقليدية إلى إهمال ربط الدراسة بالحياة‪،‬‬
‫واالعتماد في تقديم الحقائق إلى التالميذ على التلقين مما أدى بدوره إلى إهمال‬
‫النشاط وسلبية التلميذ‪.‬‬

‫‪ - 121‬أمينة اللوه‪ :‬الموجز في التربية وعلم النفس‪ ،‬دار الكتب العربية‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪ ،‬د‪.‬ت‪،‬‬
‫ص‪.71:‬‬
‫‪125‬‬
‫ومما يؤخذ على المناهج التقليدية كذلك عدم وضوح األهداف سواء بالنسبة‬
‫للمدرس أو التلميذ وقد أدى ذلك إلى سيادة هدف واحد في ظل الدراسة التقليدية‬
‫أال وهو تحصيل المادة واالستعداد لالمتحان وعبودية الكتاب المدرسي‪.‬‬
‫ولمحاولة عالج كثير من نقائص الدراسة التقليدية وطرقها وما أدت إليه من‬
‫آثار بالغة المدى في حياة التالميذ‪ ،‬ظهر التفكير في ضرورة تنظيم النشاط‬
‫التعليمي للتلميذ في صورة وحدات دراسية‪.‬وقد استهدفت الوحدات في أول‬
‫أمرها معالجة تفكك المنهج والعمل على إبراز وحدته‪ ،‬ثم تطورت الوحدات‬
‫فأكدت أيضا أهمية ربط الدراسة بالحياة‪ ،‬وإيجابية التالميذ ونشاطهم‪ ،‬وعملت‬
‫‪122‬‬
‫على مساعدة المدرس على تحقيق األهداف التربوية بصورة أعم وأشمل‪".‬‬
‫ويعني هذا كله أن المواد الدراسية ‪ ،‬في المناهج التربوية التقليدية‪ ،‬كانت‬
‫منفصلة عن بعضها البعض‪ ،‬في شكل حصص ومواد تعلمية مستقلة‪ " ،‬اليكاد‬
‫التلميذ يدرك العالقة بين فروع اللغة‪ ،‬أو يستغل في التعبير ما تعلمه في حصة‬
‫القراءة‪ ،‬أو مادرسه في حصة القواعد‪.‬‬
‫ولم يقف األمر عند هذا الحد‪ ،‬بل تعداه إلى تحاجز بين موضوعات الفرع‬
‫الواحد‪ .‬ففي علم النبات مثال‪ ،‬يدرس التلميذ شكل الورقة في باب‪ ،‬وتركيبها في‬
‫الداخلي في باب آخر‪ ،‬ووظائفها في باب ثالث‪ .‬ويترتب على ذلك أن يدرس‬
‫الموضوع الواحد بصورة مجزأة في أوقات متباعدة‪.‬وكأنما يفترض أن التلميذ‬
‫قادر على تجميع معلوماته حول الموضوع الواحد من هذه الدراسات المبعثرة‬
‫التي تعطى تحت ظروف مختلفة‪ ،‬وهو مالم يقم على صحته دليل‪ .‬فلو أنك سألت‬
‫تلميذا درس بالطريقة التقليدية عن المالءمة الوظيفية لورقة النبات‪ ،‬لعجز عن‬
‫أن يربط بين شكل الورقة وتركيبها ووظائفها‪.‬‬
‫والوحدة الدراسية محاولة إلبراز ما بين فروع المعرفة اإلنسانية من ترابط‬
‫‪123‬‬
‫وتماسك‪".‬‬

‫‪ - 122‬الدمرداش سرحان ومنير كامل‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.274:‬‬


‫‪ - 123‬الدمرداش سرحان ومنير كامل‪:‬نفسه‪ ،‬ص‪.277-276:‬‬
‫‪126‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يتبين لنا أن نظام الوحدات التعلمية هو جزء من المنهاج التربوي‬
‫الحديث المتكامل والمندمج الذي يقوم على األهداف‪ ،‬والكفايات‪ ،‬والنشاط‪،‬‬
‫والطرائق الفعالة في التدريس‪ ،‬وتعلم الحياة عبر الحياة‪...‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬تدبير الوحدة التعلمية‬
‫تنطلق الوحدة من أهداف عامة وكفايات رئيسة ونوعية‪ ،‬وتنبني على المحتويات‬
‫واألنشطة والوسائل التعلمية والطرائق البيداغوجية‪ ،‬وتستند إلى أساليب التقويم‬
‫والمعالجة والفيدباك والدعم‪ .‬وتنبني الوحدة التعلمية على المفاهيم والمجاالت‬
‫والدروس‪.‬ويعني هذا أن الوحدة حلقات دراسية متنوعة تمتح وجودها من‬
‫المجزوءة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬تعني الوحدات تنظيم األنشطة والخبرات التعليمية ‪-‬‬
‫التعلمية حول مجال أو موضوع ما ‪ ،‬وإيضاح مفاهيم علمية محددة ومرتبطة‬
‫ببعضها في نشاط علمي‪ ،‬نظريا كان أو علميا‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬تعتمد الوحدة الدراسية التعلمية على الموضوع‪ ،‬والمجاالت‪،‬‬
‫والمفاهيم‪ ،‬والمكونات الدراسية‪ ،‬والتقويم اإلجمالي‪ .‬وقد تختلط الوحدة‬
‫بالمجزوءة‪ ،‬أو تتميز عنها وفق التعاريف التي تعطى للمجزوءة أو للوحدة‬
‫الدراسية‪.‬‬
‫ولقد اعتمد التدريس بالتعليم االبتدائي المغربي في السنوات األخيرة على مبدإ‬
‫الوحدات‪ .‬وهكذا‪ ،‬نجد كتاب اللغة العربية بالقسم الرابع يتكون من مجموعة من‬
‫الوحدات التعلمية على النحو التالي‪:‬‬
‫‪‬القيم الوطنية واإلسالمية واإلنسانية ‪.‬‬
‫‪‬الحياة الثقافية و االجتماعية ‪.‬‬
‫‪‬الديموقراطية و حقوق الطفل ‪.‬‬
‫‪‬عالم االبتكار و اإلبداع ‪.‬‬
‫‪‬الخدمات االجتماعية ‪.‬‬
‫‪‬التغذية والصحة و الرياضة ‪.‬‬
‫‪127‬‬
‫‪‬التوازن الطبيعي وحماية البيئة ‪.‬‬
‫‪‬عالم األسفار والرحالت و األلعاب ‪.‬‬
‫وتتكون كل وحدة من عدة مكونات ‪ ،‬وتشتمل على عدد من الدروس ‪ ،‬وهذه‬
‫المكونات هي ‪ :‬القراءة ‪ ،‬والتراكيب والصرف والتحويل ‪ ،‬واإلمالء ‪ ،‬والشكل ‪،‬‬
‫واإلنشاء‪ .‬وهناك أنواع ثالثة من النصوص القرائية وهي‪ :‬النصوص القرائية‬
‫الوظيفية‪ ،‬والنصوص القرائية المسترسلة‪ ،‬والنصوص القرائية الشعرية‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يمكن الحديث عن مجموعة من المرتكزات التي تعتمد عليها وحدة‬
‫الدرس‪ ،‬ويمكن تحديدها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬أهداف الوحدة التعلمية وكفاياتها الرئيسة والنوعية‪.‬‬
‫‪ ‬مضامين الوحدة ومحتوياتها وخبراتها ومواردها‪.‬‬
‫‪ ‬أنشطة التعليم والتعلم المتعلقة بالوحدة المدروسة‪.‬‬
‫‪ ‬إجراءات تقويم الوحدة الدراسية‪.‬‬
‫‪ ‬أساليب الدعم والمعالجة والتغذية الراجعة المتعلقة بكل وحدة دراسية على‬
‫حدة‪.‬‬
‫وتتوخى الوحدة التعلمية ‪ ،‬بمختلف محاورها وحلقاتها ومقاطعها ومكوناتها‪،‬‬
‫تحقيق مجموعة من األهداف العامة والوسطى والخاصة واإلجرائية من جهة‪،‬‬
‫أو التثبت من الكفايات المعرفية‪ ،‬والكفايات اللغوية‪ ،‬والكفايات التواصلية ‪،‬‬
‫والكفايات المنهجية‪ ،‬والكفايات الثقافية‪ ،‬والكفايات التكنولوجية‪ ،‬والكفايات‬
‫اإلستراتيجية من جهة أخرى‪.‬‬
‫وتعتمد الوحدة الدراسية على مجموعة من الخطوات البارزة التي يمكن‬
‫حصرها فيما يلي‪:‬‬

‫‪ ‬أن يكون المدرس متمكنا من أهداف تدريس الوحدة الدراسية ‪.‬‬


‫‪‬أن يكون المدرس ملما بجميع جوانب الموضوع الذي يدرسه تالميذه ‪.‬‬
‫‪128‬‬
‫‪‬أن يكون المدرس متحكما في طرائق التدريس ‪ ،‬و يختار المالئم منها لتبليغ‬
‫موضوعات الوحدة‪ ،‬وتحقيق أهدافها اإلجرائية الخاصة‪.‬‬
‫‪‬أن ينوع المدرس األنشطة التعلمية قبل الشروع في التدريس‪ ،‬أو في أثنائه‪،‬‬
‫أو بعد ذلك‪.‬‬
‫‪‬أن يستعمل المدرس ما يناسب الدرس من وسائل ديدكتيكية‪.‬‬
‫‪ ‬أن يحدد المدرس المصادر و المراجع العلمية والتربوية التي تخدم تدريس‬
‫موضوعات الوحدة الدراسية‪.‬‬
‫وفيما يخص تقويم الوحدة الدراسية ‪ ،‬البد من اللجوء إلى أنواع التقويم التالية‪:‬‬
‫‪‬التقويم القبلي ‪ :‬ويكون الهددف منده التثبدت مدن المعرفدة الخلفيدة عندد المدتعلم‬
‫قبل الشروع في تقديم الوحدة الدراسية‪.‬‬
‫‪‬التقكويم التكككويني ‪ :‬يلتجدىء إليدده المدددرس فدي وسددط الحصدة الدراسددية‪ ،‬وفددي‬
‫أثندداء تقددديم الوحدددة وشددرحها وبندداء تعلماتهددا‪ ،‬وخددالل تدددريس الوحدددة التعلميددة‪،‬‬
‫مسترشدا بمجموعة من األسئلة والوضعيات واألنشطة والتمارين الصفية للتثبت‬
‫مددن تحقددق األهددداف المسددطرة بغيددة اللجددوء إلددى التغذيددة الراجعددة (الفيدددباك)‬
‫لتصحيح مسار العملية التعليمية‪ -‬التعلمية‪.‬‬
‫‪‬التقويم الختامي ‪ :‬يسعى إلى قياس مدى نجداح األهدداف المسدطرة فدي بدايدة‬
‫الوحدة الدراسية ‪ ،‬وتشخيص مواطن القدوة والضدعف فدي هدذه الوحددة التعلميدة‪،‬‬
‫وتبيان صعوبات المتعلم‪.‬‬
‫وعلدددى العمدددوم‪ ،‬يخضدددع تددددبير الوحددددة التعلميدددة للعمليدددات الدددثالث‪ :‬التخطددديط‪،‬‬
‫والتدبير‪ ،‬والتقويم‪ .‬ويمكن توضيح ذلك بالشكل التالي‪:‬‬
‫المرحلة االولى‪ :‬مرحلة تخطيط الوحدات التعلمية‬
‫‪ ‬تحديد الفئدات المسدتهدفة مدن الوحددة التعلميدة‪ ،‬بتبيدان مواصدفات المتعلمدين‪،‬‬
‫واسددتجالء قدددراتهم التعلميددة‪ ،‬ورصددد خصددائص نمددوهم النفسددي والفيزيولددوجي‬
‫والبيولوجي‪.‬‬
‫‪ ‬االسترشاد باألهداف العامة والخاصة واإلجرائية‪.‬‬
‫‪129‬‬
‫‪ ‬رصد الكفايات الرئيسة والنوعية والممتدة‪.‬‬
‫المرحلة الثانية‪ :‬مرحلة تدبير الوحدات التعلمية‬
‫‪ ‬تنظدديم المحتويددات والمضددامين والخبددرات واألنشددطة الفرديددة والجماعيددة‪،‬‬
‫وتبيان طرائق تجميعها في وحدات ومجاالت دراسية‪.‬‬
‫‪ ‬التوقف عند مختلف الطرائق اليداغوجية في تقديم الوحدة التعلمية‪.‬‬
‫‪ ‬انتقاء الوسائل الديدكتيكية اللفظية والبصرية والرقمية‪.‬‬
‫‪ ‬تحديد اإليقاعات الزمنية المناسبة لمختلف الوحدات التعلمية‪.‬‬
‫‪ ‬تنظيم قاعة الدرس صفيا لتالئم منهج الوحدات التعلمية‪.‬‬
‫‪ ‬التركيز على التواصل التربوي والديدكتيكي اللفظي وغير اللفظي‪.‬‬
‫المرحلة الثالثة‪ :‬مرحلة التقويم‬
‫‪ ‬تقدددويم الوحددددات التعلميدددة وفدددق التقدددويم التشخيصدددي‪ ،‬والقبلدددي‪ ،‬والتكدددويني‪،‬‬
‫واإلجمالي‪ ،‬واإلشهادي‪...‬‬
‫‪ ‬تقديم االمتحانات فدي شدكل خبدرات وأنشدطة ومشداكل ومشداريع ووضدعيات‬
‫وفق وحدات معينة‪.‬‬
‫‪ ‬االستعانة في تقويم الوحدة التعلمية بالتغذية الراجعدة‪ ،‬أو مدا يسدمى بالفيددباك‬
‫(‪.)feedback‬‬
‫‪ ‬معالجدة األخطدداء داخليدا وخارجيدا ‪ ،‬أو معالجتهددا وفدق المقاربدات النفسددية‪،‬‬
‫واالجتماعية‪ ،‬والديدكتيكية‪.‬‬
‫‪ ‬دعم المتعلمين المتعثرين وفق البيداغوجيا الفارقية‪.‬‬
‫المطلب السادس‪ :‬إيجابيات الوحدة التعلمية وسلبياتها‬
‫على الرغم من إيجابيات التدريس بالوحدة التعلمية على مستوى المكونات‬
‫الدراسية أم على مستوى الخبرات واألنشطة التعلمية‪ ،‬فإن مفهوم الوحدة مفهوم‬
‫‪130‬‬
‫غامض ومعقد ومتشابك مع مجموعة من المفاهيم األخرى كالمجزوءة التي‬
‫تعني ‪ ،‬وفق ما تعنيه‪ ،‬الوحدة الدراسية‪ .‬ويعني هذا أن هناك خلطا في تحديد‬
‫مدلول المجزوءة والوحدة الدراسية معا‪ ،‬ويصعب الفصل بينهما بشكل دقيق‪.‬‬
‫وال ينبغي أن تقتصر الوحدة على الدروس والحلقات والمجاالت الموضوعاتية‬
‫فحسب‪ ،‬بل البد من تحويل الوحدات إلى وضعيات ‪ -‬مشكالت‪ ،‬واالنتقال من‬
‫التدريس إلى التعلم‪ ،‬ومن الخبرات والمواد الدراسية واألنشطة إلى وضعيات‬
‫معقدة ومركبة لكي يوظف المتعلم موارده المستضمرة إليجاد الحلول المناسبة‬
‫لهذه الوضعية بغية خلق متعلم قادر وكفء ومؤهل ‪.‬‬
‫ويبقى السؤال الرئيس هل تستطيع الوحدات التعلمية أن تحقق نتائج أفضل‬
‫مقارنة بالدروس التقليدية أو بيداغوجيا الكفايات واإلدماج؟ !!‬
‫وخالصة القول‪ ،‬وهكذا يتبين لنا‪ ،‬مما سلف ذكره‪ ،‬أن الوحدة الوظيفية حلقة‬
‫تبدأ بالهدف المعبر عنه بصيغة إجرائية ‪ ،‬وعلى أساسه تنجز أفعال وأنشطة‪،‬‬
‫وتنتهي عندما يؤشر تقويم هذا اإلنجاز على بلوي الهدف المنشود‪ .‬إن وحدة‬
‫الدرس‪ -‬حسب هذا التعريف‪ -‬بنية صغرى تتكون من العناصر التالية‪ :‬الهدف‬
‫اإلجرائي المعبر عنه بصيغة ظاهرة واضحة‪ ،‬والنشاط المنجز لتحقيق الهدف‪،‬‬
‫والتقويم الذي يقيس مدى تحقق الهدف‪ ،‬ومن خالله يصحح الفعل أو النشاط‪.124‬‬
‫إذاً‪ ،‬فالوحدة التعلمية نمط من التعلم ‪ ،‬يقوم على الربط بين مختلف الدروس‬
‫ضمن حلقة دراسية واحدة‪ ،‬أو ضمن وحدة مجالية معينة‪ .‬وقد جاءت نظرية‬
‫الوحدة رد فعل على المناهج التربوية التقليدية التي كانت تؤمن بالمواد‬
‫المنفصلة والمنقسمة إلى فروع الصلة والرابط بينها على المستوى المنهجي‪.‬‬

‫‪ - 124‬ميلود التوري‪ :‬من درس األهداف إلى درس الكفايات‪ ،‬مطبعة أنفوبرانت‪ ،‬فاس‪ ،‬المغرب‪،‬‬
‫الطبعة األولى سنة ‪2004‬م‪ ،‬ص‪.58:‬‬
‫‪131‬‬
‫وخالصة القول‪ ،‬من أجل تحقيق الجودة المتميزة في مجال التربية‬
‫والتعليم‪ ،‬والوصول إلى األهداف المرجوة من العملية الديدكتيكية الهادفة‬
‫والبناءة‪ ،‬البد من االهتمام بالمناهج والبرامج والمقررات والكتب المدرسية‬
‫‪ ،‬وإعادة النظر فيها‪.‬‬
‫والبد من وضع مجموعة من المعايير والمقاييس والمواصفات‬
‫الضرورية‪ ،‬عند وضع المناهج والبرامج الدراسية‪ ،‬قصد تأهيل تعليمنا‬
‫لكي يلتحق بركب التنمية والتطور واالزدهار‪ .‬ومن أهم هذه المعايير‪:‬‬
‫األصالة والمعاصرة‪ ،‬واالستجابة لحاجيات المجتمع ومؤسساته‬
‫االقتصادية‪ ،‬واالنفتاح على مستجدات العلوم والفنون واآلداب‬
‫والتكنولوجيا ‪ ،‬مثل‪ :‬الدول المتقدمة أو السائرة في طريق النمو‪ ،‬كما هو‬
‫حال دول جنوب آسيا (الصين‪ ،‬وهونغ كونغ‪ ،‬وتايوان‪ ،‬وسانغفورة‪،‬‬
‫وكوريا الجنوبية)‪.‬‬
‫ومن األفضل أن تقوم هذه المناهج على فلسفة الكفايات استجابة لمتطلبات‬
‫السوق والعولمة‪ ،‬ومراعاة متطلبات المقاولة المغربية أو المستثمرة داخل‬
‫المغرب‪.‬‬
‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬البد أن تنطلق هذه المناهج من فلسفة ميثاق التربية‬
‫والتكوين ‪ ،‬و تعمل على تشرب مرتكزاته ودعاماته ومبادئه لتخطي كل‬
‫العقبات واألزمات التي يعانيها التعليم المغربي‪ ،‬علما أن الميثاق غني‬
‫بكثير من البنود والمقررات التي يمكن أن تسهم في إثراء منظومتنا‬
‫التربوية والتعليمية‪ .‬كما ينبغي أن تتطور هذه المناهج بتطور الطرائق‬
‫البيداغوجية الحديثة بغية مواكبة التطور العالمي في مجال التواصل‬
‫واإلعالميات والتطور التقني‪.‬‬
‫ومع توقيع المغرب على اتفاقية الكاط ‪ ،‬واتفاقيات التبادل الحر الثنائية أو‬
‫الجماعية‪ ،‬نرى أنه من الضروري أن يتحقق االنفتاح‪ ،‬ومسايرة متطلبات‬
‫العولمة على مستوى البرامج والمناهج الدراسية‪.‬وال يعني هذا إهمال‬
‫الموروث المحلي الخصوصي والقيم الوطنية ‪ ،‬فال بد من تجزيء المناهج‬
‫والبرامج لتراعي ثالثة جوانب أساسية هي‪:‬‬
‫‪‬الثقافة العالمية ذات البعد اإلنساني؛‬
‫‪‬الثقافة الوطنية؛‬
‫‪‬الثقافة المحلية‪.‬‬
‫‪132‬‬
‫وال ننسى كذلك ضرورة مواكبة هذه البرامج والمناهج لمعايير التقويم‬
‫والدوسيمولوجيا الحديثة لكي تكون المحتويات والخبرات الديدكتيكية أكثر‬
‫إجرائية وتطبيقا‪ ،‬وأكثر قابلية للمراجعة والنقد الذاتي والفيدباك‪.‬‬
‫وال يمكن أن يتحقق إصالح المناهج والبرامج إال بتوفير الوسائل المادية‬
‫والمعنوية والبشرية‪ ،‬وإال سيبقى هذا اإلصالح الذي تتطلع إليه وزارة‬
‫التربية والتعليم إصالحا طوباويا دونكيشوتيا خياليا‪ ،‬ال يعتمد على‬
‫مرتكزات حقيقية وواقعية وميدانية‪ .‬وال ينبغي أن تكون هذه البرامج‬
‫والمناهج إمالءات من دول أجنبية أو من قبل دول المركز ‪ ،‬نخضع لها‬
‫باعتبارنا دوال محيطة متروبوليا أو اقتصاديا أو سياسيا(مثل التبعية‬
‫الفرنكوفونية)‪ ،‬وأال تكون نتاجا للضغوط الدولية‪ ،‬وشروط األبناك المانحة‪،‬‬
‫كالبنك الدولي‪ ،‬وصندوق النقد العالمي‪ .‬أي‪ :‬أال يكون اإلصالح خارجيا‪.‬‬
‫وال يعني هذا أال نستفيد من خبرات الدول األجنبية‪ ،‬بل علينا أن نلم‬
‫بتجارب الدول المتقدمة‪،‬كألمانيا‪ ،‬والواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬وبريطانيا‪،‬‬
‫واليابان‪ ،‬وخبرات التنينات األربعة‪.‬‬
‫ومن األحسن أن نراعي‪ ،‬في وضع هذه البرامج‪ ،‬نظام الوحدات‬
‫والمجزوءات(‪ ،) les modules‬وتحقيق التناغم والتكامل بين وحدات‬
‫المقرر والمواد المدرسة بغية خلق االتساق واالنسجام البيداغوجي‪ ،‬تطابقا‬
‫مع فلسفة الكفايات والوضعيات‪ .‬كما ينبغي أن تكون هذه البرامج والمناهج‬
‫واضحة ودقيقة وقابلة لألجرأة والتطبيق‪.‬‬
‫ومن أولى األوليات أن يستشير مسؤولو الوزارة المركزية ‪ -‬الذين تناط بهم‬
‫مهمة وضع البرامج والمناهج‪ -‬مختلف الفاعلين التربويين كاألساتذة‪،‬‬
‫والمفتشين‪ ،‬والمتمدرسين‪ ،‬وأولياء التالميذ‪ ،‬وكذلك األطر اإلدارية‬
‫والشركاء الذين تستوجبهم مدرسة الحياة( ‪ ،)la vie scolaire‬وأال يكون‬
‫تنزيل البرامج والمناهج بشكل عمودي‪.‬‬
‫ومن األفضل كذلك أن ترتكز هذه البرامج والمناهج التربوية على ثوابت‬
‫األمة كالدين والعربية واألمازيغية‪ .‬أي‪ :‬أن تستجيب لمكونات الدولة‬
‫المغربية دون إيديولوجية أو عرقية شوفينية ومزايدات سياسوية أو نقابوية‬
‫أو إسالموية‪ ،‬ودون االنفصال عن المنظور اإلسالمي والعربي والقومي‪.‬‬
‫وعندما نصدر أي إصالح تربوي جديد أو أي تغيير‪،‬فالبد من تأهيل‬
‫األساتذة الستيعاب هذا اإلصالح‪ ،‬عن طريق التكوين والتأطير والشرح‬
‫‪133‬‬
‫والتفسير واإلعالم‪ ،‬وتمكينهم بكل المذكرات والقرارات الوزارية والجهوية‬
‫ليتمكنوا من تطبيق مقترحات الوزارة‪ ،‬وأجرأة قراراتها ومذكراتها في‬
‫أحسن الظروف‪.‬‬
‫وفي األخير‪ ،‬البد أن نشير إلى ما تم اإلشارة إليه سالفا ‪ ،‬وهو أن تتضمن‬
‫هذه البرامج والمناهج فلسفة وطنية قائمة على التواصل والتسامح واألخوة‪،‬‬
‫و تكون نابعة من التربة المحلية ومن الذات المغربية‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫مفاهيم الديدكتيك‬

‫‪135‬‬
‫توطئة البد منها‪:‬‬
‫يشتمل علم الديدكتيك (‪ ،)Didactique‬أو التربية الخاصة‪ ،‬أو العملية‬
‫التعليمية‪-‬التعلمية على مجموعة من المفاهيم والتصورات والدوال‬
‫األساسية التي تسعف الباحث في بناء معرفته في مجال التدريس والتكوين‬
‫والتعليم‪.‬ومن ثم‪ ،‬فهناك مجموعة من المفاهيم الديدكتيكية الرئيسة التي‬
‫اليمكن أن يستغني عنها الباحث التربوي في تناول القضايا والمواضيع‬
‫والظواهر الديدكتيكية‪ .‬ومن بين هذه المفاهيم التي ينبغي التوقف عندها‬
‫المفاهيم التالية‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهوم المفهوم‬


‫يشتق المفهوم(‪ ،)Compréhension/Concept‬في اللغة العربية‪ ،‬من‬
‫فعل فهم ومشتقاته‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فهو اسم مفعول يدل على المعرفة‪ ،‬والعقل‪،‬‬
‫والعلم‪ ،‬واإلدراك‪ ،‬والتصور‪ ،‬واالستيعاب‪ ...‬ويعني هذا أن المفهوم هو‬
‫الحد أو المعنى المجرد‪ ،‬أو هو عبارة عن فكرة عامة‪ ،‬أو مجموع الصفات‬
‫والخصائص الموضحة لمعنى كلي‪ .‬ويقصد بمفهوم الشيء‪ ،‬في المعرفة‬
‫العلمية‪ ،‬ما يفهم ويدرك بالعقل‪ ،‬وليس بالحواس المادية المباشرة‪ .‬ويقابله‬
‫في المنطق ما يسمى بالماصدق‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فالمفهوم عبارة عن آلية ذهنية مجردة إلدراك المدلوالت‪.‬ومن‬
‫ثم‪ ،‬يمثل الخصائص والثوابت األساسية التي يتسم بها الشيء‪ .‬وتتكون‬
‫المفاهيم ضمن إطار التجريد والتعميم من جهة‪ ،‬ونتيجة التحوالت التي‬
‫تطرأ على األفكار القائمة من جهة أخرى‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فالمفهوم هو‬
‫عبارة عن دال مجرد ‪ ،‬وبمثابة تصور منطقي عام‪ ،‬يحيل على مجموعة‬
‫من المضامين والمدلوالت الذهنية أو المرجعية التي تسمى بالماصدق‬
‫تضمنا‪ ،‬وشموال‪ ،‬وإحالة‪ ،‬ومرجعا‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫وعليه‪ ،‬فالمفهوم " نوع من التعميم القائم على التجريد للخصائص أو‬
‫العناصر المشتركة بين عدة أشياء أو مواقف أو ظواهر‪.‬وبناء على ذلك‬
‫يمكن تعريف المفهوم بأنه صورة ذهنية لمجموعة حقائق يعبر عنها بكلمة‬
‫أو مصطلح أو رمز‪ ،‬فالتعريف بالكلمة أو الرمز أو المصطلح هو الداللة‬
‫اللفظية للمفهوم‪"125.‬‬
‫ويعني هذا أن المفهوم تصور سيميائي عام ومشترك قائم على التجريد‪،‬‬
‫واإلطالق‪ ،‬والتدالل‪ ،‬والتعميم‪ ،‬وذهنية الصورة‪...‬‬
‫ويستند المفهوم إلى مجموعة من الخصائص والمميزات التي تفرده عن‬
‫باقي الدوال والتصورات األخرى‪ ،‬ويمكن تحديدها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬التجريد‪ :‬هو أن يقوم الذهن بهدراك الخصائه الثابتة المشتركة بين‬
‫طائفة من األشياء‪ ،‬أو عبارة عن تصور أو تمثل مجرد عام‪ .‬وهو يشتمل‬
‫على عدد معين من الصفات المستخلصة أو المجردة من تمثل‪.‬أي‪:‬‬
‫الصفات التي يتشرك فيها مجموعة من أفراد العينة الواحدة أو جنس‬
‫واحد عام‪ .‬فمفهوم القلم يتضمن مجموعة من الصفات ككونه مصنوعا‬
‫من مادة البالستيك مثال‪ ،‬ومنتهيا بريشة ثابتة‪ ،‬ومشتمال على مستود‪،‬‬
‫الحبر‪ .‬وتستخله هذه المواصفات من مجموعة من أقالم الحبر‬
‫المعروفة‪.‬‬
‫إذا‪ ،‬يمثل المفهوم فئة من األشياء تشترك في هذه الصفات والخصائه‬
‫والقواسم المشتركة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فالمفهوم عبارة عن تصور‬
‫ا‪ Compréhension ou Connotation‬يطلق على مجمو‪ ،‬الصفات‬
‫التي يجمع بينها التصور‪.‬أما ماصدق)‪ (Extension‬التصور‪ ،‬فهو‬
‫مجمو‪ ،‬األفراد الذين يصدق عليهم‪.‬والتصور عالقة بين ما صدق‬

‫‪ - 125‬محمد حمد الطيطي‪ :‬البنية المعرفية الكتساب المفاهيم تعلمها وتعليمها‪ ،‬دار األمل‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬إربد‪ ،‬األردن‪ ،‬طبعة ‪2010‬م‪ ،‬ص‪.47:‬‬
‫‪137‬‬
‫ومفهوم‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فالمفهوم عبارة عن صفات ودوال ذهنية مجردة‬
‫تنطبق على مجموعة من األشياء واألفراد والكائنات الحية والجامدة‪.126‬‬
‫‪ ‬التعميم‪ :‬يقصد به تطبيق المفهوم على كل األفراد التي تشترك في‬
‫الخصائه نفسها‪.‬‬
‫‪ ‬التضمن‪ :‬هو مجموعة الصفات والخصائص التي تعدين معندى الحدد أو‬
‫المفهددوم‪ ،‬وتكشددف محتددواه ومضددمونه‪.‬وللتمثيل‪ ،‬فكلمددة إنسددان حددد‪ ،‬أو اسددم‬
‫كلدددي‪ ،‬أو مفهدددوم يتضدددمن عددددة معددداني قائمدددة فدددي الدددذهن‪ :‬حيدددوان نددداطق‪،‬‬
‫اجتماعي‪ ،‬تقني‪ ،‬إلخ‪ ...‬أمدا الشدمول‪ ،‬فهدو مجموعدة األفدراد التدي يمكدن أن‬
‫يصدق عليها الحد أو االسم الكلي طبقا للصورة التدي حدددنا بهدا مضدمونه‪،‬‬
‫فإذا كان التضمن يتعلق بالصدفات‪ ،‬فدإن الشدمول هدو طائفدة األفدراد كعلدي‪،‬‬
‫وعثمددان‪ ،‬ومصددطفى‪ ،‬ومحمددد‪ ،‬وزهير‪...‬ويسددمى الشددمول عنددد المناطقددة‬
‫بالماصدق‪.127‬‬
‫‪ ‬الخاصية الذهنية‪ :‬ويعني هذا أن الذهن يقوم بتجريد المفاهيم والمعاني‪.‬‬
‫‪ ‬خاصية التصور‪:‬ويقصد بالتصورات تلك األلفاظ أو المعاني والمفاهيم‬
‫العامة‪ 128‬التي يجري عليها االستدالل‪ ،‬مثل‪ :‬إنسان‪ ،‬ومحفظة‪ ،‬وكرسي‪،‬‬
‫وتلميذ‪ ،‬وفان‪...‬ومن هنا‪ ،‬فالتصورات‪ ،‬سواء أكانت بسيطة أم مركبة‪ ،‬هي‬
‫التي نعبر عنها في اللغة باأللفاظ‪ ،‬وفي المنطق بالحدود‪ ،‬فكل لفظ يدل على‬
‫معنى محدد‪.‬وإذا كانت التصورات نتاج عالم المثل حسب أفالطون‪ ،‬فإنها‬
‫مرتبطة‪ ،‬عند أرسطو‪ ،‬بالواقع المحسوس؛ حيث ينتجها العقل اإلنساني‬
‫‪ - 126‬بول موي‪ :‬المنطق وفلسفة العلوم‪ ،‬ترجمة‪ :‬فؤاد حسن زكريا‪ ،‬دار نهضة مصر‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.31 :‬‬
‫‪- 127‬الماصدق(‪ )L’éxtension‬هم األفراد الذين يصدق عليهم التضمن‪ ،‬أو هو كل ما‬
‫ينطبق عليه المفهوم‪ ،‬تاليا هو الفرد أو مجموعة األفراد أو الجزئيات التي يصدق عليها‬
‫المفهوم (اللفظ)‪.‬وللتمثيل‪ :‬ماصدق لفظ معدن‪ :‬الفضة‪ ،‬والذهب‪ ،‬والحديد‪ ،‬والنحاس‪،‬‬
‫والرصاص‪ ،‬والقصدير‪...‬وتدل ما على الذي‪ ،‬وصدق على كلمة تدل‪.‬‬
‫وماصدق لفظ حيوان‪ :‬اإلنسان‪ ،‬الطير‪ ،‬الزواحف‪ ،‬النمر‪...‬‬
‫‪- 128‬المفهوم تصور مشترك ينطبق على عدد غير معين من األفراد والصور‪.‬‬
‫‪138‬‬
‫(مثل‪ :‬اإلنسان عاقل‬ ‫‪129‬‬
‫عبر عمليتين عقليتين هما‪ :‬التجريد والتعميم‬
‫وناطق)‪.‬‬
‫إذاً‪ ،‬تتحدددد المفدداهيم‪ 130‬والحدددود بتبيددان العددرض مددن الثابددت‪ ،‬ويكددون ذلددك‬
‫بدددالتعريف الجدددامع المدددانع‪ .‬والينصدددب التعريدددف إال علدددى األسدددماء الكليدددة‬
‫كإنسان‪ ،‬وحديد‪ ،‬وشدجر‪....‬أما األسدماء الجزئيدة ‪ ،‬فالتددل إال علدى موجدود‬
‫مفرد ومشخص‪ ،‬كعثمان‪ ،‬وعلي‪ ،‬ومحمد‪...‬‬
‫وعليه‪ ،‬فالمفهوم هو ما يدركه العقل من حقائق األشياء‪ .‬وهو أيضا تصور‬
‫مشترك ينطبق على عدد غير معين من األفراد والصور‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يعني المصطلح (‪ )Terme‬ذلك المعنى المشترك‪ ،‬وهو‬
‫جزء من المفهوم‪ .‬ويتميز بطابعه االتفاقي الخاص الذي يتغير من كينونة‬
‫بشرية ومجتمعية إلى أخرى‪ .‬ويعني هذا أن المصطلح خاضع للعالقة‬
‫االعتباطية بين الدال والمدلول‪ .‬وهو كذلك بمثابة المفاتيح واألدوات‬
‫العلمية اإلجرائية التي يستعين بها الباحث لتفكيك موضوع ما أو بنائه من‬
‫جديد‪.‬‬
‫وإذا كانت المفاهيم عامة ومجردة‪ ،‬فإن المصطلحات خاصة وقابلة للتمثل‬
‫والتطبيق واالستيعاب بسرعة‪ .‬وللمصطلح وظائف رئيسة كتوصيف العلم‬
‫ونقله وتأسيسه‪ .‬ولكل لعلم مصطلحاته الخاصة ‪.‬‬
‫أما فيما يخص التعريف‪ ،‬فهو مصطلح منطقي ذهني يقوم على الفصل‬
‫والنوع‪ .‬فعندما نقول‪ :‬اإلنسان حيوان ناطق‪ ،‬فلقد جئنا بصفة مانعة وهي‬
‫النطق التي التتوفر في الحيوان‪ ،‬ويسمى هذا بالفصل‪.‬وقد يتوفر النوع‬
‫على بعض الصفات التي التدخل في جوهر اإلنسان ‪ ،‬واليوصف بها‪،‬‬

‫‪ - 129‬التجريد هو أن يقوم الذهن بإدراك الخصائص الثابتة المشتركة بين طائفة من‬
‫األشياء‪.‬في حين‪ ،‬يقصد بالتعميم تطبيق المفهوم على كل األفراد التي تشترك في الخصائص‬
‫نفسها‪.‬‬
‫‪ - 130‬المفهوم (‪ )Compréhension‬هو مايدركه العقل من حقائق األشياء‪.‬‬
‫‪139‬‬
‫فالتخرج عن أن تكون خاصة به كالضحك‪ ،‬أو من األعراض العامة التي‬
‫يشترك فيها اإلنسان مع غيره كالمشي واألكل وما إلى ذلك ‪ ،‬واليعتد بها‬
‫كثيرا في تعريف األشياء تعريفا تاما‪ ،‬فالتعريف التام عند األرسطيين اليتم‬
‫إال بالجنس والفصل‪.‬‬
‫ويسمى االسم الكلي القابل للتعريف عند المناطقة نوعا‪ ،‬وهو معنى عدام أو‬
‫حقيقددة واحدددة مشددتركة تنطبددق علددى أفددراد يختلفددون عددن بعضددهم بددذواتهم‪،‬‬
‫مثددل‪ :‬اإلنسددان‪ .‬وعندددما نقددول‪ :‬اإلنسددان حيددوان ‪ ،‬فقددد انتقلنددا إلددى معيددار‬
‫الجنس‪.‬وفي هذا ‪ ،‬يتشترك اإلنسان مع القردة‪ ،‬والنمل ‪ ،‬والطيور‪...‬‬

‫ويسدددمى الجكككنس والنكككوع والفصكككل والخاصكككة والعكككرض العكككام بالكليدددات‬


‫الخمدددس‪ ،‬أو المحمدددوالت الخمس‪.‬ويتمثدددل الدددذاتي فدددي الندددوع‪ ،‬والجدددنس‪،‬‬
‫والفصل‪.‬أما العرض‪ ،‬فيتمثل في الخاصة والعرض العام‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مفهوم التمثالت‬


‫يعد مفهوم التمثالت (‪ )Représentations‬من أهم المفاهيم المعتمدة في‬
‫مجموعة من العلوم والمعارف‪ ،‬كعلم االجتماع‪ ،‬وعلم النفس‪ ،‬وعلم النفس‬
‫االجتماعي‪ ،‬وعلم الثقافة‪ ،‬والبيداغوجيا‪ ،‬والديدكتيك‪ ...‬ويعني هذا كله أن‬
‫دالالت هذا المفهوم تختلف من حقل معرفي إلى آخر‪ ،‬وإن كان هذا‬
‫المفهوم قد ارتبط في البداية بعلم النفس االجتماعي‪ .‬ويعني هذا المفهوم أن‬
‫" التمثل االجتماعي نمط خاص من المعارف حول الواقع تتقاسمه طائفة‬
‫من األفراد‪ ،‬ويتم إعداده وبناؤه جماعيا‪ .‬وهو نشاط ذهني يتميز بكونه‬
‫متنضمن لعملية إعادة إنتاج لخصائص موضوع معين والذي يتم على‬
‫مستوى عيني‪ ،‬وهو من حيث كونه بناء الواقع وإعادة اإلنتاج‪ ،‬فإنه يبدو‬
‫بمثابة إدراك‪.‬لذا‪ ،‬فالتمثيل االجتماعي بهذا المعنى يعكس سيرورة تدبير‬
‫إدراكي وذهني للواقع‪ ،‬والتي تحول الموضوعات االجتماعية (األشخاص‪،‬‬
‫‪140‬‬
‫الحاالت‪ ،‬األشياء‪ ،‬المواقف‪ )..‬إلى مقوالت رمزية ( معتقدات‪ ،‬قيم‪،‬‬
‫إيديولوجية‪ )...‬وتضفي عليها وضعا معرفيا يسمح بفهم مظاهر الحياة‬
‫‪131‬‬
‫العادية‪".‬‬
‫ويعني هذا كله أن ثمة تمثالت اجتماعية‪ ،‬وتمثالت ثقافية‪ ،‬وتمثالت نفسية‪،‬‬
‫وتمثالت تربوية‪ ،‬وتمثالت علمية‪...‬ينطلق منها الفرد في إدراك الذات‬
‫والعالم الخارجي على حد سواء‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬السياق النظري لمفهوم التمثالت‬
‫كان الباحث السوسيولوجي إميل دوركايم (‪ )Émile Durkheim‬سباقا‬
‫إلى استعمال مفهوم التمثالت االجتماعية‪ ،132‬وبالضبط عند حديثه عن‬
‫التنشئة االجتماعية والتربية األخالقية‪ ،‬وقد استعمله أيضا السوسيولوجي‬
‫سيرج موسكوفيتش (‪ )Serge Moscovici‬سنة ‪1961‬م في كتابه‬
‫(التحليل النفسي‪ :‬صورته وجمهوره)‪ .133‬بيد أن جان بياجيه ( ‪Jean‬‬
‫‪ )Piaget‬قد وظفه بكثرة في الحقلين السيكولوجي والتربوي ضمن‬
‫تصوره المتعلق بالبنيوية التكوينية‪.134‬‬
‫وبعد ذلك‪ ،‬استعمله كثير من الباحثين في مجالي التربية والتدريس‪ ،‬إما‬
‫بطريقة مختصرة مختزلة‪ ،‬وإما بطريقة مفصلة مسهبة‪ ،‬وإن تنظيرا‪ ،‬وإن‬
‫تطبيقا‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مفهوم التمثالت‬

‫‪ - 131‬ابن يعيش محمد‪ :‬مفاهيم أساسية في علم النفس االجتماعي‪ ،‬مطبعة تطوان‪ ،‬المغرب‪،‬‬
‫الطبعة األولى سنة ‪2015‬م‪ ،‬ص‪.231:‬‬
‫‪132‬‬
‫; ‪- Durkheim, L’éducation morale, 1902-1903, PUF, nouv.éd.1963‬‬
‫‪Éducation et sociologie, 1922. PUF, nouv.éd.1966.‬‬
‫‪133‬‬
‫‪-Moscovici S., 1961, la psychanalyse, son image et son public.‬‬
‫‪Presse Universitaire de France : Paris.‬‬
‫‪134‬‬
‫‪-Piaget, J. (1996). Le structuralisme. Paris : Presses universitaires‬‬
‫‪de France.‬‬
‫‪141‬‬
‫تعني التمثالت تلك المعارف العامية العادية التي يكتسبها الفرد ‪ ،‬وهو‬
‫يتكيف مع الطبيعة ويتأقلم معها للتعلم منها‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تتقابل التمثالت مع‬
‫المعرفة العلمية اليقينية‪ .‬وإذا كانت التمثالت قائمة على الظن والتخمين‬
‫واالحتمال وبادىء الظن‪ ،‬فإن المعرفة العلمية يقينية قائمة على التجريب‬
‫والبرهان واالستدالل‪.‬‬
‫وتتحقق التمثالت عبر التشكيل والفنون الجميلة واألعمال اليدوية‪ ،‬ومن‬
‫خالل الصور واأليقونات السيميائية والمشخصة‪ ،‬و بتجريد المدركات‬
‫الحسية‪ .‬وتتحول اللغة واألشياء معا إلى صور وتمثالت مجردة افتراضية‪،‬‬
‫يلتقطها الذهن البشري أو العقل المعرفي ليحولها إلى صور مفهومة‬
‫ومعلومات ومعارف وبيانات متنوعة أو واضحة‪ ،‬يخزنها الدماي البشري‬
‫في الذاكرة‪ ،‬أو يخضعها لإلدراك‪ ،‬والوعي‪ ،‬والتفسير‪ ،‬والتحليل‪،‬‬
‫والمعالجة المعرفية‪.‬‬
‫ويدل التمثل‪ ،‬في المعنى السيكولوجي‪ " ،135‬على استحضار موضوع‬
‫غائب إلى الذهن‪ ،‬موضوع غير واقعي أو يتعذر إدراكه بكيفية مباشرة ‪،‬‬
‫ولكن وعيه أو تصوره ذهنيا ممكن‪ ،‬وقد يشمل التمثل عدة صور‪.‬وهو‬
‫كالصورة يمكن تركيبه بواسطة الفاعلية الذهنية‪.‬كما يمكنه أن يستدعي‬
‫موضوعا غائبا‪...‬ورغم أن هذا المفهوم يستخدم في عدة علوم فإنها تكاد‬
‫تتفق على اعتباره نتاج عملية تفاعل بين المعطى النفسي والمعطى‬
‫االجتماعي‪ ،‬سواء تعلق األمر بتمثل الذات أو الموضوع أو تمثل اآلخر‪،‬‬
‫كما تتفق مختلف الدراسات على اعتبار أن التمثل يقوم بدور الوسيط‬
‫(‪ )Médiateur‬في التفاعالت التي تتم على مستوى الفرد صورة الذات أو‬

‫‪135‬‬
‫‪-Denis, M. (1999). Représentation mentale. In H. Bloch, R.‬‬
‫‪Chemana, E. Depet, A. Gallo, P. Lecomte, J.-F. Le Ny, J. Postel et M.‬‬
‫‪Reuchlin (dir.), Grand dictionnaire de la psychologie (p. 779-780).‬‬
‫‪Paris : Larousse-Bordas.‬‬
‫‪142‬‬
‫على مستوى التفاعل بين األفراد أو بين الجماعات االجتماعية أو على‬
‫مستوى المجتمع بشكل عام‪.‬‬
‫ويعد التمثل أحد الميكانيزمات التي تساعد الفرد على التكيف والتواصل‬
‫مع جماعته المرجعية‪.‬لذلك قد تكون بعض التمثالت الشائعة في الثقافة‬
‫‪136‬‬
‫التي تتداولها وسائل اإلعالم وسيلة من وسائل ربط الفرد بجماعته‪"...‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ " ،‬يعتمد التمثل باعتباره عملية ذهنية تركيبية‪ -‬على‬
‫جهاز نفسي بشري يستمد معطياته من الواقع انطالقا من المعلومات التي‬
‫يتلقاها الفرد من عدة مصادر كالحواس والخبرات التي تجتمع لديه‬
‫وتختزنها ذاكرته‪ ،‬ومن المعلومات التي يستقيها عن طريق العالقات التي‬
‫يربطها بغيره من األفراد أو الجماعات‪.‬ومجموع هذه المعلومات أو‬
‫الخبرات تصنف وتنظم في شكل نسق ذهني عام ومتماسك بكيفية تسمح‬
‫للفرد فهم العالم المحيط به أو أحد محتوياته‪ ،‬مما يجعل الفرد قادرا على‬
‫التأثير فيه والتكيف معه‪.‬ومهما كان نصيب التمثل من الصحة أو الخطأ‬
‫فهو يتم وفق تشكالت نفسية واجتماعية محددة التنفصل عن‬
‫بعضها‪.‬والتمثل يشمل ظاهرتين سيكولوجيتين هما مضمون الفاعلية‬
‫الذهنية من جهة‪ ،‬والعمليات الذهنية الخاصة المرتبطة بهذه الفعالية من‬
‫‪137‬‬
‫جهة ثانية‪"...‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فالتمثالت عبارة عن قيم ومعتقدات وأفكار ومفاهيم وصور‬
‫وخلفيات وإحاالت يؤمن بها الفرد تمثال واقتناعا وتطبيقا‪ ،‬بترسيخها‬
‫وتخزينها شعوريا والشعوريا‪ ،‬مع توظيفها في الوقت المالئم لالنفتاح على‬
‫الذات من جهة‪ ،‬أو فهم الواقع الخارجي الموضوعي من جهة أخرى‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬مكونات التمثالت‬
‫‪ - 136‬أحمد أوزي‪ :‬المعجم الموسوعي لعلوم التربية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫الطبعة األولى سنة ‪2006‬م‪ ،‬ص‪.114-113:‬‬
‫‪ - 137‬أحمد أوزي‪ :‬المعجم الموسوعي لعلوم التربية‪ ،‬ص‪.114 :‬‬
‫‪143‬‬
‫يستند التمثل (‪ )Représentation‬إلى مكونات ثالثة ‪ ،‬يمكن حصرها‬
‫فيما يلي‪:‬‬
‫‪‬عملية التمثل نفسها التي تتمثل في الكتابة واستخدام الرموز والصيغ‬
‫اللفظية في ترجمة التمثالت واستعمالها وتمثلها ‪ ،‬والتعبير عن المدركات‬
‫الذهنية ‪ ،‬وتحويلها إلى معارف حسية؛‬
‫‪‬الموضوع المتمثل (‪ ،)Représenté‬ويكون باستحضار الذات‬
‫واألشياء والموضوعات المدركة‪ ،‬وتحويلها إلى قوالب معرفية ومدركات‬
‫مفهومة يمكن التعبير عنها أو استعمالها؛‬
‫‪‬العالقة التمثلية(‪ ،)Relation de représentation‬وهي تلك‬
‫العالقة التي تجمع بين عملية التمثل نفسها والموضوع المتمثل‪.‬‬
‫إذاً‪ ،‬هناك عوالم ثالثة تتعلق بعملية التمثل‪ :‬عالم الشخص المتمثل (بكسر‬
‫الثاء)‪ ،‬والعالم المتمثل(بفتح الثاء)‪ ،‬والعالقة التمثلية التي تجمع بينهما‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فالتمثل عبارة عن عملية ذهنية وعقلية ومنطقية تندرج ضمن‬
‫علم النفس المعرفي‪ .‬ولهذا المفهوم عالقة وطيدة ووثيقة بعملية التعلم‬
‫واالكتساب واالستحضار واإلدماج‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬أنواع التمثالت‬
‫يمكن الحديث عن أنواع عدة من التمثالت ‪ ،‬مثل‪ :‬التمثالت الفطرية‬
‫الوراثية‪ ،‬والتمثالت المكتسبة من الواقع والتجربة‪ .‬فضال عن التمثالت‬
‫القبلية واآلنية والبعدية‪ .‬وهناك أيضا التمثالت االجتماعية‪ ،‬والتمثالت‬
‫النفسية‪ ،‬والتمثالت الثقافية‪ ،‬والتمثالت العلمية‪ ،‬والتمثالت البيداغوجية‪،‬‬
‫والتمثالت الديدكتيكية‪ ،‬والتمثالت القيمية‪ ،‬إلخ‪...‬‬
‫وثمة تمثالت صورية تتعلق بالمورفولوجيا كالشكل‪ ،‬والحجم‪ ،‬والبنية‪...‬؛‬
‫وتمثالت مفهومية مرتبطة باللغة واللفظ كالسعادة‪ ،‬والحق‪ ،‬والعدالة‪...،‬؛‬

‫‪144‬‬
‫وتمثالت عملية إنجازية تسعفنا في مواجهة وضعيات مهنية عملية؛‬
‫وتمثالت تتعلق بأشياء لم يسبق لنا إدراكها؛ وتمثالت ترتبط بأشياء مدركة‬
‫قبليا‪...‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬التمثالت الديدكتيكية‬
‫يرى التجريبيون أن اإلنسان يولد صفحة بيضاء‪.‬في حين‪ ،‬يولد هذا‬
‫اإلنسان ‪ -‬حسب الفالسفة العقالنيين‪ -‬مزودا بمجموعة من الملكات‬
‫الفطرية والعقلية والوراثية التي تسعفه في إدراك هللا‪ ،‬والذات‪ ،‬والعالم‪،‬‬
‫والوجود‪ .‬ويعني هذا أن اإلنسان‪ ،‬وخاصة عندما يكون كبيرا في السن‪،‬‬
‫يملك تمثالت وتصورات عميقة حول الحياة والوجود ‪ ،‬مادام قد احتك‬
‫بالحياة وخبرها جيدا‪ ،‬واستفاد من تجاربها وخبراتها ووضعياتها‪.‬وعندما‬
‫يواجه الوضعيات والمشاكل ‪ ،‬فإنه يستخدم تمثالته‪ ،‬ولوكانت عامية دون‬
‫التمثالت العلمية اليقينية‪ .‬ويعني هذا أن اإلنسان قد يتعلم بالتمثالت ‪ ،‬وإن‬
‫كانت خاطئة‪ ،‬فإنه سيصححها أو يعدلها‪ .‬وإن خالفت ماهو علمي‬
‫وتجريبي‪ ،‬فسيلغي تمثالته الخاطئة‪ ،‬ويستبدلها بتمثالت علمية يقينية‪.‬‬
‫واليقتصر هذا على الكبار فقط‪ ،‬بل نجد هذه التمثالت عند المتعلمين‬
‫والمدرسين أنفسهم‪ ،‬فإنهم يصدرون عن تمثالت قد تكون صحيحة أو‬
‫خاطئة حسب طبيعة النقل الديدكتيكي‪ ،‬أو حسب تعاملهم مع المعارف‬
‫والحقائق والمفاهيم والتصورات والخبرات والتجارب‪ .‬ومن هنا‪ ،‬البد‬
‫للمدرس والمتعلم معا من تعديل تمثالتهما أو تصويبها أو تثبيتها أو حذفها‬
‫أو إلغائها‪ .‬لذا‪ ،‬البد من إخضاع المدرس والمتعلم للتحليل النفسي ‪ ،‬كما‬
‫يقول باشالر‪ ،‬للتأكيد على أن اإلنسان يخطىء‪ ،‬وليس هناك من هو‬
‫معصوم من األخطاء‪ ،‬فالبأس‪ ،‬إذاً‪ ،‬من تصحيح التمثالت الموروثة أو‬
‫المكتسبة وتعديلها أو تصحيحها أو إلغائها‪.‬‬
‫وبناء على ما سبق‪ ،‬تعني التمثالت الديدكتيكية استحضار المتعلم لمجموعة‬
‫من األشياء والمواضيع من جديد في أثناء مواجهة الوضعيات التعلمية‬
‫‪145‬‬
‫الصعبة والمعقدة والمركبة (‪ ،)Représenter‬أو االستعانة بها وتمثلها‬
‫تطبيقيا في حل المسائل التي تقدم للمتعلم بصفة خاصة‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فلقد أصبح مفهوم التمثل من اآلليات الجوهرية التي يعتمد عليها‬
‫علم الديدكتيك‪ ،‬على أساس أن المتعلم يتعلم بالتمثالت التي تتحقق عنده بما‬
‫اكتسبه من موارد ومواقف وقدرات وكفايات ودرايات ومهارات سابقة‬
‫بغية استضمارها واستدماجها في أثناء تواجده أمام وضعيات صعبة‬
‫تتطلب منه أن يجد لها حال مالئما‪ .138‬و يدل توظيف المتعلم لتمثالته‬
‫الصحيحة على مدى كفاءته وصحة مؤهالته‪ .‬ومن هنا‪ ،‬تقوم التمثالت‬
‫بدور الوساطة في التعلم واالكتساب وتحصيل الكفايات والقدرات التعلمية‪.‬‬
‫فضال عن دور المماثلة والتكيف والتأقلم مع البيئة أو المحيط التعلمي عن‬
‫طريق المالءمة والمشابهة واالستيعاب والتمثل والمواجهة المعرفية‪.‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬تعني التمثالت مواضيع التعلم واالكتساب الذهني‪ ،‬أو‬
‫هي بمثابة وسائل التعلم واكتساب المعرفة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فالتمثالت من آليات‬
‫التعليم والتعلم في آن معا‪ .‬وتعد التمثالت بالنسبة للمدرس وسيلة لتحليل‬
‫الواقع الصفي للمتعلمين من أجل بناء التعلمات وتدبيرها وتقويمها‪ .‬وقد‬
‫يكون التمثل بواسطة العصف الذهني القائم على التفكير العميق بحثا عن‬
‫مختلف الحلول الممكنة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فالعصف الذهني هو" أسلوب تعليمي‬
‫يقوم على حرية التفكير‪ ،‬ويستخدم من أجل توليد أكبر كم من األفكار‬
‫لمعالجة موضوع من الموضوعات المفتوحة من المعنيين بالموضوع‬

‫‪138‬‬
‫‪- Sarrazy, B. (2002). Représentation versus modèle implicite dans‬‬
‫‪l’analyse des phénomènes d’enseignement : analyse didactique et‬‬
‫‪épistémologique des enjeux praxéologiques de cette distinction. In J.‬‬
‫‪Ardoino et G. Mialaret (dir.), L’année de la recherche en sciences de‬‬
‫‪l’éducation 2002. Des représentations (p. 91-125). Vauchrétien :‬‬
‫‪Presses de La Botellerie.‬‬
‫‪146‬‬
‫خالل جلسة قصيرة‪ ، 139".‬وقد يكون التمثل بواسطة حل المشكالت‪ ،‬وهي‬
‫تلك المهارة التي " تستخدم لتحليل ووضع إستراتيجيات تهدف إلى حل‬
‫سؤال صعب أو موقف معقد أو مشكلة تعيق التقدم في جانب من جوانب‬
‫الحياة‪ ،‬أو إنها عبارة عن إيجاد حل لمشكلة ما تواجه الفرد أو‬
‫الجماعة‪ ،"140‬وقد يكون التمثل باستحضار التصورات القبلية ‪ ،‬أو‬
‫استدعاء مواضيع وأشياء غائبة‪ ،‬وقد يكون أيضا بإدراك مواضيع حاضرة‬
‫باستحضار أشياء غير حاضرة ‪ .‬وقد أثبت جان ميني (‪)Jean Migne‬‬
‫ضرورة " انطالق التعليم من تمثالت التالميذ باعتبارها تصورات قبلية‬
‫حول مختلف موضوعات المعرفة (‪ )...‬وضرورة تغيير دور األستاذ من‬
‫‪141‬‬
‫مرسل للمعارف إلى منشط للمجموعة التي تتكون منه ومن تالميذه‪".‬‬
‫وتعني التمثالت الديدكتيكية أيضا إدراك المعاني المجردة‪ ،‬ومواجهة‬
‫الوضعيات والمواقف الحياتية الصعبة والشائكة ‪.‬كما أنها عبارة عن‬
‫تصورات ذهنية وتعلمية حول شيء أو موضوع معين‪ .‬وبالتالي‪،‬‬
‫فالتمثالت هي تلك المعاني التي يخلقها العقل البشري من أجل إدراك العالم‬
‫الخارجي وتمثله‪ ،‬أو هي عبارة عن عمليات ذهنية يقوم بها العقل إلدراك‬
‫المعاني المجردة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فالتمثالت عبارة عن صور ومواقف سلوكية‬
‫يتمثلها الفرد المتعلم في وضعيات معينة للمواجهة واالستجابة تجاه‬
‫مثيرات داخلية وخارجية في أثناء االحتكاك بالعالمين الداخلي والخارجي ‪.‬‬
‫وتعني التمثالت الديدكتيكية كذلك "مجموع المعارف والتصورات التي‬
‫يمتلكها المتعلم‪ ،‬في وقت محدد‪ ،‬حول األشياء واألحداث والقوانين‬
‫والمفاهيم‪.‬وتتكون بفعل تعلمات وخبرات سابقة مرتبطة أساسا بالمحيط‬
‫‪ - 139‬مندور عبد السالم فتح هللا‪ :‬تنمية مهارات التفكير‪ ،‬دار النشر الدولي‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫سنة ‪ ،2008‬ص‪.204:‬‬
‫‪ - 140‬سعادة جودت أحمد‪ :‬تدريس مهارات التفكير‪ ،‬دار الشروق للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى سنة ‪2015‬م‪ ،‬ص ‪.48:‬‬
‫‪ - 141‬العربي اسليماني‪ :‬المعين في التربية‪ ،‬المطبعة والوراقة الوطنية‪ ،‬مراكش‪ ،‬المغرب‪،‬‬
‫الطبعة األولى سنة ‪2018‬م‪ ،‬ص‪.327:‬‬
‫‪147‬‬
‫المباشر للطفل‪ ،‬ونتيجة للتفاعل المستمر مع محيطه الطبيعي‬
‫واالجتماعي‪.‬فهي بفعل ما يسمى بآلية الترسيخ ‪ ،‬تصبح جزءا من بنيته‬
‫الفكرية والذهنية والوجدانية والمهارية‪.‬‬
‫وتكون هذه البنية القاعدية سابقة لوضعية التعلم‪ ،‬ويمكن اعتبارها معارف‬
‫أولية‪ ،‬مهيكلة بشكل ما‪ ،‬وناتجة عن تصورات لواقع أو تجارب عاشها‬
‫الطفل أو خضع لها‪.‬فهي تمثل ما يمكن تسميته بالشعور معرفي‪.‬وبهذه‬
‫الصفة ‪ ،‬فهي التبرز إال تحت تأثير تحريضي ناتج عن وضعية مثيرة‪،‬‬
‫‪142‬‬
‫عفوية أو مفتعلة‪".‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فالتمثالت وسيلة من وسائل التعلم والتكوين واكتساب الخبرات‬
‫واستحضار األشياء من جديد ‪ .‬وقد تكون هذه التمثالت ذهنية وفطرية‬
‫ومكتسبة على حد سواء ‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فهي تلك الصور التي نسبغها على‬
‫العالم الخارجي‪ ،‬بمختلف عناصره ومكوناته وفئاته‪ ،‬في شكل تصورات ‪،‬‬
‫وأفكار‪ ،‬ورموز‪ ،‬واتجاهات‪ ،‬وميول‪ ،‬ومواقف‪ ،‬وأحكام‪...143‬‬
‫وقد تعني التمثالت الديدكتيكية كذلك تحويل المدركات المجردة إلى‬
‫مدركات حسية ‪ ،‬والعكس صحيح أيضا‪ ،‬أو هي عبارة عن تلك الصورة‬
‫اإلدراكية التي يرسمها المتعلم للعالم الظاهر الذي يعيش فيه‪ ،‬وهو‬
‫مشخص أمام أعينه‪ .‬وغالبا‪ ،‬ما تكون تلك التمثالت عبارة عن حقائق‬
‫وأفكار غير مكتملة تحتاج إلى شرح‪ ،‬وتوضيح‪ ،‬وتحليل‪ ،‬وبرهان‪،‬‬
‫واستدالل‪...‬ومن هنا‪ ،‬فقد تكون التمثالت التي يدركها المتعلم حول الذات‬

‫‪ - 142‬التومي عبد الرحمن وملوك محمد‪ :‬المقاربة بالكفايات‪ :‬بناء المناهج وتخطيط‬
‫التعلمات‪ ،‬مطبوعات الهالل‪ ،‬وجدة‪ ،‬المغرب‪ ،‬طبعة ‪2006‬م‪ ،‬ص‪.87:‬‬
‫‪143‬‬
‫‪-Janvier, C. (1994). Contextualisation et représentation dans‬‬
‫‪l’utilisation des mathématiques. In C. Garnier, N. Bednarz et I.‬‬
‫‪Ulanovskaya (dir.), Après Vygotski et Piaget : perspectives sociale et‬‬
‫‪constructiviste. Écoles russe et occidentale (p. 129-147). Bruxelles :‬‬
‫‪De Boeck.‬‬
‫‪148‬‬
‫أو المواضيع الخارجية إما تمثالت صحيحة ويقينية‪ ،‬وإما تمثالت زائفة‬
‫ومشوهة وغير حقيقية‪...‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يتبين لنا أن التمثالت من آليات التعلم على مستوى السيكولوجيا‬
‫الذهنية أو المعرفية‪ .144‬وتعد أيضا بمثابة وساطة تعلمية تسعف المتعلم في‬
‫استحضار المكتسبات السابقة لمواجهة المواضيع الجديدة أو المواقف‬
‫الصعبة‪ .‬ويكتسب المتعلم هذه التمثالت من خبراته الذاتية‪ ،‬ومن محيطه‬
‫الخارجي ‪ ،‬ومن معرفته الخاصة‪ ،‬وثقافته المحلية‪ ،‬والوطنية‪ ،‬والقومية‪،‬‬
‫والكونية‪...‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬فاالنطالق من تمثالت المتعلمين "لبناء معارف ومفاهيم‬
‫جديدة أمر ضروري من الناحية البيداغوجية والديدكتيكية؛ ألنها تلقي‬
‫الضوء على طبيعة التصورات الذهنية القبلية لدى المتعلم‪ ،‬والتي تدخل في‬
‫تفاعل مستمر خالل عملية بناء المفاهيم الجديدة‪.‬ويمكن أن تتخذ التمثالت‬
‫في سياق وضعية تعلمية أوضاعا مختلفة‪ ،‬فقد تكون صحيحة ‪ ،‬فتشكل‬
‫أساسا للمعرفة الجديدة‪ ،‬وفي هذه الحالة يتم تعزيزها وإغناؤها ودعمها‪،‬‬
‫وقد تكون خاطئة‪ ،‬فيتم تصحيحها وإعادة بنائها من أجل استيعابها وبناء‬
‫معرفة صحيحة منظمة ومدمجة في البنية المعرفية للمتعلم‪.‬ويمكن أن‬
‫تشكل عوائق كبيرة تحول دون فهم وضعية التعلم‪.‬وفي هذه الحالة ينبغي‬
‫‪145‬‬
‫تتبع تطورها وتغييرها كليا إلحداث قطيعة إبستمولوجية معها‪".‬‬
‫وللتمثالت أيضا دور إيجابي مهم ومثمر في تطوير مقاربة الكفايات‬
‫وإرساء بيداغوجيا اإلدماج؛ ألنها تساعد المتعلم على استحضار موارده‬
‫ومواقفه وقدراته وكفاياته ودراياته وتجاربه لمواجهة الوضعيات الصعبة‬
‫‪144‬‬
‫‪-Goldin, G.A. et Janvier, C. (1998). Representations and the‬‬
‫‪psychology of mathematics education. The Journal of Mathematical‬‬
‫‪Behavior, 17(1), 5-24.‬‬
‫‪ - 145‬عبد الرحمن التومي‪ :‬الجامع في ديدكتيك اللغة العربية‪ ،‬مطبعة المعارف‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫المغرب‪ ،‬الطبعة الثانية سنة ‪2016‬م‪ ،‬ص‪.21:‬‬
‫‪149‬‬
‫والمعقدة والمركبة التي يجابهها في حياته الدراسية أو الطبيعية أو المهنية‪.‬‬
‫وقد تسعف التمثالت المتعلم في بناء التعلمات من بداية الدرس حتى نهايته‪.‬‬
‫كما تقوم بدور تواصلي فعال داخل الفضاء الدراسي‪ ،‬قد تجعل المتعلم‬
‫يعدل تمثالته أو يصححها أو يقومها ذاتيا وجماعيا و تبادليا ‪.‬‬
‫المطلب السادس‪ :‬مواقف مختلفة من التمثالت‬
‫يمكن الحديث عن مواقف متباينة من التمثالت المعرفية والديدكتيكية‪.‬‬
‫فهناك من يعد التمثالت أداة إيجابية لبناء التعلمات الديدكتيكية كما عند جان‬
‫بياجيه)‪ (Piaget‬وإنهيلدر(‪ ،)Inhelder‬مثال‪ .146‬فمن خالل التمثالت‬
‫المتشابهة أو المستحضرة‪ ،‬يستطيع المتعلم التكيف مع المواقع أو المحيط‬
‫الخارجي باستحضار ما تعلمه واكتسبه من خبرات وتجارب ذاتية‬
‫وموضوعية‪ .‬والشيء نفسه نجده عند روجرز كزافيي ( ‪Xavier‬‬
‫‪ 147)Roegiers‬صاحب بيداغوجيا اإلدماج الذي يرى أن التمثالت تسعف‬
‫المتعلم في إدماج موارده المكتسبة لحل الوضعيات الصعبة والمعقدة‬
‫والمركبة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬نقول‪ :‬إننا نتعلم من خالل تمثالتنا التي ترسخت في‬
‫أذهاننا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة‪ ،‬أو بطريقة واعية أو الشعورية‪.‬‬
‫وقد نتعلم انطالقا من تمثالتنا الفطرية والمكتسبة‪ ،‬أو بفضل تمثالتنا كما‬
‫يرى ذلك غانيي(‪.148)Gagné‬‬
‫وفي المقابل‪ ،‬هناك من يعدها عائقا إبستمولوجيا سلبيا كغاستون باشالر‬
‫(‪ ،)Gaston Bachelard‬على أساس أن المعرفة العلمية اليقينية‬

‫‪146‬‬
‫‪- Piaget et Inhelder .B (1948) : La représentation de l’espace‬‬
‫‪chez l’enfant, P.U.F, Paris.‬‬
‫‪147‬‬
‫‪-ROEGIERS, X. Des situations pour intégrer les acquis.‬‬
‫‪Bruxelles : De Boeck Université.2003.‬‬
‫‪148‬‬
‫‪-Gagné R.M (1994) : les principes fondamentaux de‬‬
‫‪l’apprentissage : Application à l’enseignement, TRad par Robert‬‬
‫‪Brian et Raymond Paquin, HRW Ltés Montréal.‬‬
‫‪150‬‬
‫والحقيقية اليمكن إرساؤها إال بإحداث قطيعة إبستمولوجية مع التمثالت‬
‫والمعتقدات والمعارف السابقة الموروثة المبنية على الظن واالحتمال‬
‫والتخمين والشك‪ .‬وهكذا‪ ،‬يعد باشالر التمثالت الموروثة بمثابة عائق‬
‫معرفي‪ ،‬يمكن التخلص منه أيما تخلص من أجل تكوين معرفة علمية‬
‫صحيحة وبناءة‪ .‬فال يمكن ‪ -‬علميا‪ -‬بناء معارفنا واستدالالتنا واستقراءاتنا‬
‫وأقيستنا الرياضية والمنطقية والعلمية على مجموعة من اآلراء الشخصية‬
‫والتمثالت الواهية‪ ،‬والمعتقدات العامة أو الخاصة‪ ،‬أو االنطباعات‬
‫المشتركة والحدوس المشوهة؛ لكونها آراء ذاتية شخصية نابعة من‬
‫الوجدان والقلب والعاطفة‪ ،‬ومرتبطة بالمنافع البشرية والمصالح‬
‫اإليديولوجية‪ .‬بينما الحقيقة العلمية نموذج للمعرفة الموضوعية التي تقوم‬
‫على الحجاج االستداللي‪ ،‬والتماسك المنطقي ‪ ،‬والمعرفة الحقة ‪،‬‬
‫واالستنتاج المتماسك نظريا وتطبيقيا‪.‬وفي هذا‪ ،‬يقول باشالر‪ ":‬الرأي نوع‬
‫من التفكير السيئ‪ ،‬بل إنه ليس تفكيرا على اإلطالق‪.‬إنه يترجم الحاجات‬
‫إلى معارف من خالل تعيينه لألشياء وفق منفعتها‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬يحرم نفسه‬
‫من معرفتها‪.‬إننا ال نستطيع أن نؤسس أي شيء كيفما كان انطالقا من‬
‫الرأي‪ .‬ولذلك‪ ،‬يجب القضاء عليه أوال‪ .‬إن التفكير العلمي يمنعنا من تكوين‬
‫رأي بخصوص مسائل ال نفهمها‪ ،‬أي بخصوص مسائل ال نعرف كيفية‬
‫صياغتها بشكل واضح‪ .‬إذ ينبغي في البداية معرفة كيفية طرح المشاكل‪.‬‬
‫وهذا المعنى الذي تتخذه المشكلة هو الذي يمنح العقل العلمي خاصيته‬
‫‪149‬‬
‫الحقيقية"‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يرفض غاستون باشالر االعتماد على الرأي الشخصي والتمثالت‬
‫الموروثة؛ ألن ذلك ال يجدي‪ ،‬بأي حال من األحوال‪ ،‬في ميدان المعارف‬
‫العلمية‪ .‬لذلك‪ ،‬يستبدله بالحقيقة اليقينية القائمة على البرهان العقالني‬

‫‪149‬‬
‫‪- Bachelard: la formation de l’esprit scientifique, ED.Vrin 1970,‬‬
‫‪pp: 13-14.‬‬
‫‪151‬‬
‫نظرية وتطبيقا‪ .‬وما يريد أن يقوله باشالر ‪ ،‬فيما ذهب إليه من آراء‪ ،‬أننا‬
‫نتعلم ضد تمثالتنا‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يمكن الحد من التمثالت الواهية العامية التي تسيء إلى‬
‫المعرفة العلمية الموضوعية ببيداغوجيا التعديل والتصويب والتصحيح ‪،‬‬
‫أو ببيداغوجيا اإللغاء والتشطيب والحذف‪.‬‬
‫ويمكن الحديث كذلك عن موقف وسطي ثالث‪ ،‬يعطي أهمية للتمثالت في‬
‫بناء المعرفة الديدكتيكية والتربوية‪ ،‬بشرط أن تكون موافقة لشروط‬
‫المعرفة العلمية الصحيحة ومواضعاتها الصارمة والدقيقة والمضبوطة‪.‬‬
‫وخالصة القول‪ ،‬يتبين لنا ‪ ،‬مما سبق ذكره‪ ،‬أن التمثل عملية عقلية وذهنية‬
‫ومعرفية‪ ،‬يستعين بها المتعلم إلدراك الذات والموضوع واآلخر‪ ،‬وتساعده‬
‫على التعلم بالوساطة وفق االستحضار المتشابه ‪ ، 150‬أو االستحضار‬
‫المتماثل‪ ،‬أو استحضار الغائب لمواجهة الجديد‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تعد المقاربة‬
‫بالكفايات وبيداغوجيا اإلدماج من الطرائق التربوية التي تعتمد‪ ،‬بشكل‬
‫واضح ودقيق‪ ،‬على مفهوم التمثالت في إرساء التعلمات تخطيطا‪،‬‬
‫وتدبيرا‪ ،‬وتقويما‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬المثلث البيداغوجي‬


‫ينبني التفاعل الديداكتيكي على عناصر ثالثة هي‪ :‬المدرس‪ ،‬والمتعلم‪،‬‬
‫والمعرفة ضمن ما يسمى بالمثلث البيداغوجي ( ‪Le triangle‬‬
‫‪ .)pédagogique‬وإذا كانت التربية التقليدية تركز على المدرس‬
‫والمعرفة‪ ،‬وتجعل المدرس مالكا للمعرفة المطلقة‪ ،‬وتغيب المتعلم على‬
‫مستوى التواصل التفاعلي‪ ،‬و تجعله كائنا سلبيا يتلقى المعلومات فقط‪ ،‬دون‬

‫‪150‬‬
‫‪-Greer, B. et Harel, G. (1998). The role of isomorphisms in‬‬
‫‪mathematical‬‬ ‫‪cognition. The‬‬ ‫‪Journal‬‬ ‫‪of‬‬ ‫‪Mathematical‬‬
‫‪Behavior, 17(1), 5-24.‬‬
‫‪152‬‬
‫مناقشتها أو محاورة صاحبها‪ ،‬وينتج عن ذلك أن المتعلم ذات متلقية فقط‬
‫تحشى بالمعلومات والمعارف‪ ،‬فإن المقاربة بالكفايات تتميز بالتركيز على‬
‫التفاعل اإليجابي بين أقطاب ثالثة‪ :‬المعلم‪ ،‬والمتعلم‪ ،‬والمعرفة‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬تتحول المعرفة‪ ،‬في البيداغوجيا الكفائية‪ ،‬إلى وضعيات إجرائية‬
‫تطبيقية‪ ،‬في شكل مشاكل وعوائق ومسائل معقدة ومركبة‪ ،‬تستوجب‬
‫الحلول التعلمية المالئمة والناجعة والهادفة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تنطلق هذه المعرفة‬
‫من المقررات والمحتويات والمضامين‪ ،‬في ضوء مجموعة من الكفايات‬
‫األساسية والوضعيات‪ -‬المشكالت‪ .‬ويعني هذا أن المعرفة مرتبطة‬
‫بالكفايات والوضعيات على حد سواء‪.‬‬
‫أما مهمة المعلم التربوية‪ ،‬فتتمثل في تحضير الوضعيات التي تجعل‬
‫المتعلم يستضمر قدراته الذاتية لمواجهة هذه الوضعيات المركبة والمعقدة‪.‬‬
‫وعالوة على ذلك‪ ،‬فللمدرس أهداف ثالثة‪ :‬فهو يساعد المتعلم على تحديد‬
‫المشكلة أو موضوع الوضعية‪ ،‬ثم يوجهه إلى الموارد التي ينبغي‬
‫استثمارها في حل هذه المشكلة‪ ،‬ثم يساعده على تنظيم موارده بكيفية الئقة‬
‫وهادفة‪ .‬ويعني هذا أن دور المدرس توجيهي وإرشادي ومنهجي وكفائي‬
‫وتحفيزي ليس إال‪ .‬ومن هنا‪ ،‬لم تعد المعرفة ملكا للمدرس‪ ،‬بل هي من‬
‫مكتسبات المتعلم‪ .‬أي‪ :‬أضحت المعرفة مجموعة من الموارد التي يمتلكها‬
‫المتعلم‪ ،‬وتتكون هذه المعرفة من مهارات‪ ،‬ومعارف‪ ،‬ودرايات‪ ،‬ومواقف‪،‬‬
‫وإنجازات‪ ،‬وإتقانات‪ ،‬وكفايات معرفية وثقافية ومنهجية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فالكفاية‬
‫هي مجموعة من المعارف المختلفة التي يستعملها المتعلم‪ ،‬ويحركها حين‬
‫يواجه موقفا أو وضعية سياقية جديدة‪.‬‬
‫أما المتعلم ‪ ،‬فهو البطل الحقيقي في سيرورة التعلم؛ إذ يساعده المدرس‬
‫على حل الوضعيات السياقية المتدرجة في البساطة والتعقيد‪ ،‬مع توظيف‬
‫قدر ممكن من مكتسباته الكفائية والمنهجية ‪ ،‬واستعمال موارده بطريقة‬
‫الئقة وهادفة‪ .‬بمعنى أن كفاياته معرفية ووجدانية وحسية حركية‪ .‬ويعني‬
‫‪153‬‬
‫هذا أن هذه المقاربة تنمي الفكر المهاري لدى المتعلم‪ ،‬وتقوي إدراكاته‬
‫المنهجية والتواصلية‪ .‬في حين‪ ،‬يهتم التدريس السلوكي بتعليم شرطي آلي‬
‫محدود‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فهو تعليم قياسي وكمي‪ .‬بينما تساعد المقاربة الكفائية‬
‫المتعلم على البحث المنهجي اعتمادا على الذات‪ ،‬وحل المشاكل‬
‫المستعصية‪ ،‬ومواجهة الظروف الصعبة والمعقدة‪ ،‬والتأهب دائما لالعتماد‬
‫على النفس لحل جميع المشاكل المختلفة التي يواجهها في محيطه‬
‫الخارجي‪ .‬ويعني هذا أن هذه المقاربة طريقة دينامكية تساعد على اكتساب‬
‫الفكر المهاري والتعلم المنهجي للوصول إلى هدف ناجع‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫وتشكل هذه األقطاب الديدكتيكية الثالثة (المدرس‪ ،‬والمعرفة‪ ،‬والمتعلم) ما‬
‫يسمى بالمسار التعليمي‪ -‬التعلمي( ‪ )Un processus‬حسب جان هوساي‬
‫(‪ )Jean Houssaye‬الذي دافع عنه سنة ‪1986‬م‪ .151‬وقد أثبت هوساي‬
‫أن الفعل التربوي يرتكز على عناصر مترابطة ثالثة هي‪ :‬المدرس‪،‬‬
‫والمعرفة‪ ،‬والمتعلم‪ .‬ومن ثم‪ ،‬ينبني هذا الفعل التربوي والديدكتيكي على‬
‫ثالثة مسارات رئيسة هي‪:‬‬
‫‪ ‬فعل التعليم (‪ )Enseigner‬الذي يجمع بين المتعلم والمعرفة‪ .‬وهنا‪،‬‬
‫نتحدث عن ديدكتيك التعليم؛‬
‫‪ ‬فعل التكوين(‪ )Former‬الذي يجمع بين المدرس والمتعلم‪ .‬وهنا‪،‬‬
‫نتحدث عن التربية والتكوين‪ ،‬أو ما يسمى بالبيداغوجيا؛‬
‫‪ ‬فعل التعلم (‪ )Apprendre‬الذي يجمع بين المتعلم والمعرفة‪.‬‬
‫وهنا‪،‬نتحدث عن نظريات التعلم‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬هناك أنواع من العالقات المختلفة‪ ،‬كالعالقة الديدكتيكية‬
‫القائمة على ثنائية المدرس والمعرفة‪ ،‬ضمن ما يسمى بالنقل الديدكتيكي‬
‫(‪.)la transposition didactique‬‬
‫أما العالقة التي تجمع المدرس والمتعلم ‪ ،‬فهي عالقة بيداغوجية‬
‫وتربوية( ‪ ،)la relation pédagogique‬مادامت ترتكز على مختلف‬
‫التقنيات التي تتعلق بالتعليم‪.‬‬
‫وتتميز العالقة الموجودة بين المتعلم والمعرفة بأنها عالقة تعلم واكتساب‪.‬‬
‫كما أنها عالقة وثيقة بسيكولوجيا التعلم بصفة عامة‪ ،‬وسيكولوجيا المعرفة‬
‫بصفة خاصة‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫‪-Jean Houssaye, Le triangle pédagogique. Théorie et pratiques‬‬
‫‪de l'éducation scolaire, Peter Lang, Berne, 2000 (3e Éd., 1re Éd.‬‬
‫)‪1988‬‬
‫‪155‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬نتحدث عن ثالثة علوم رئيسة تسهم في إثراء الفعل التربوي‪،‬‬
‫وهي‪ :‬الديدكتيك (المدرس والمعرفة)‪ ،‬والبيداغوجيا (المدرس والتلميذ)‪،‬‬
‫والسيكولوجيا (المتعلم والمعرفة)‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬البد من التحكم في األقطاب الديدكتيكية الثالثة بشكل تفاعلي‬
‫نسقي‪ ،‬دون االهتمام بعنصر واحد على على حساب عنصر آخر‪ ،‬ويشكل‬
‫هذا ما يسمى باالنحرافات (‪ . )des dérives‬وهنا‪ ،‬يمكن الحديث عن‬
‫أنواع ثالثة من االنحراف ‪:‬‬
‫‪ ‬االنحراف المقرراتي الذي يعني التركيز على المقرر والمحتويات‬
‫والمضامين على حساب العناصر األخرى كالمتعلم والمعرفة‪.‬وهذا هو‬
‫السائد في التعليم التقليدي أوالكالسيكي؛‬
‫‪ ‬االنحراف السيكولوجي الذي يتمثل في التركيز على المتعلم‪ ،‬دون‬
‫االهتمام بالعناصر التفاعلية األخرى؛‬
‫‪ ‬االنحراف الوسيطي الذي يعنى بتقديس المدرس ‪ ،‬دون النظر إلى‬
‫أهمية العالقات التفاعلية ‪ ،‬أو االهتمام بالمعرفة‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يبدو لنا أن المثلث البيداغوجي والديدكتيكي‪ 152‬ينبني على عناصر‬
‫تربوية ثالثة متشابكة ومتفاعلة‪ ،‬من الصعب فصلها عن بعضها البعض‪،‬‬
‫وإالسيشكل ذلك ما يسمى باالنحراف البيداغوجي الذي قد يؤثر على‬
‫العملية ‪ -‬التعليمية التعلمية على جميع األصعدة والمستويات‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬الوساطة الديدكتيكية‬

‫‪152‬‬
‫‪-Jean Houssaye, Le triangle pédagogique. Théorie et pratiques de‬‬
‫‪l'éducation scolaire, Peter Lang, Berne, 2000 (3e Éd., 1re Éd. 1988).‬‬
‫‪156‬‬
‫إذا كان جان بياجيه (‪ 153)Jean Piaget‬يرى أن التعلم يتحقق بطريقة‬
‫مباشرة دون وسيط ديدكتيكي (‪.)médiation didactique‬بمعنى أن‬
‫الذات تتأقلم وتتكيف مباشرة ‪ ،‬ودون وسيط‪ ،‬مع البيئة أو المحيط عن‬
‫طريق التمثل واالستيعاب والمشابهة‪ .‬في حين‪ ،‬هناك من يثبت أن الذات‬
‫التتعلم إال بالوساطة كجيرار فيرنو ( ‪ .154)Gérard Vergnaud‬ومن‬
‫ثم‪ ،‬اليمكن للمتعلم أن يتزود بالمعارف والمعلومات والموارد والقدرات‬
‫والكفايات إال بواسطة مدرس وسيط يقدم للمتعلم مجموعة من الوضعيات‬
‫الصعبة والمعقدة والمركبة إليجاد الحلول المناسبة ‪ ،‬وفك غموضها‬
‫والتباسها‪ .‬ومن هنا‪ ،‬تحيل الوساطة على التفاعالت الصفية من جهة‪ ،‬وعلم‬
‫النفس االجتماعي من جهة أخرى‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يرتكز التعليم التقليدي الموسوعي على المدرس باعتباره‬
‫صاحب سلطة معرفية مطلقة‪ ،‬يقدمها للتلميذ جاهزة عن طريق مجموعة‬
‫من األسئلة التي تستوجب الحفظ والتقليد والتكرار‪ .‬ولقد كان التلميذ مرتكنا‬
‫إلى مدرسه‪ ،‬ال يستطيع أن يواجه ما يتعرض له من المواقف المستجدة‪ ،‬أو‬
‫يلبي طلبات المقاوالت الحديثة ؛ ألنه ال يملك الكفاءات والمهارات المهنية‬
‫و المنهجية و التواصلية والذهنية واللغوية‪ ،‬بل يقف مكتوف اليدين عاجزا‬
‫عن التأقلم والتكيف مع مستجدات الواقع االقتصادي الجديد؛ ألن معارفه‬
‫نظرية مجردة غير وظيفية‪ ،‬تنقصها الممارسة والخبرة التجريبية‪.‬‬
‫وفي التعليم الموسوعي أيضا‪ ،‬يكون االهتمام بالكم على حساب الكيف‪،‬‬
‫ويلتجئ المدرس إلى التحفيز السلوكي الميكانيكي اعتمادا على ثنائية‬
‫الحافز واالستجابة لتوجيه دفة القسم؛ مما ينتج عنه ردود أفعال التالميذ‬
‫‪153‬‬
‫‪-Piaget, J. La genèse du nombre chez l’enfant. Lausanne :‬‬
‫‪Delachaux et Niestlé, 1966 et 1991.‬‬
‫‪154‬‬
‫‪- Vergnaud., G. Le rôle de l’enseignant à la lumière des concepts‬‬
‫‪de schème et de champ conceptuel, in Artigue, M. et al. (eds) Vingt‬‬
‫‪ans de didactique des mathématiques en France. La Pensée Sauvage‬‬
‫‪édition, p.177 à 191,1994..‬‬
‫‪157‬‬
‫السلبية‪ ،‬ونفورهم من القسم لغياب األنشطة الذاتية والخبرات الفردية‪.‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬ينكمشون على أنفسهم انطواء أو خوفا أو خجال أو جهال بما‬
‫يعطى لهم من دروس ومعارف كمية‪ ،‬يصعب اإلحاطة بها في سنة كاملة‪.‬‬
‫أما التعليم بالكفايات القائم على علم النفس المعرفي‪ ،‬فهو تعليم قائم على‬
‫استكشاف القدرات الكفائية لدى المتعلم عبر أداءات وإنجازات طوال‬
‫سيرورة التعلم‪ ،‬ووضعه في وضعيات معقدة أو أقل تعقيدا الختبار أدائه‬
‫السلوكي ‪ ،‬وتقويم كفاءاته وقدراته في التعامل مع مشاكل الواقع المحيطة‬
‫به‪.‬‬
‫و يراعي هذا التعليم الفوارق الفردية‪ ،‬وينكب على ظاهرة الالتجانس من‬
‫خالل دراسة كل حالة فردية‪ ،‬ودعم كل متعلم بمجموعة من المهارات‬
‫الكفائية‪ ،‬وتحفيزه على إبراز قدراته وميوله واستعداداته ‪ ،‬سواء في حلقة‬
‫واحدة أم في حلقات متعددة متواصلة ؛ألن المقياس ‪ -‬هنا‪ -‬ليس هو الدرس‬
‫الذي ينتهي داخل حصة زمنية محددة كما في التعليم التقليدي الموسوعي‪،‬‬
‫بل الحلقة الديدكتيكية المتوالية التي تمتد عبر حصتين فأكثر ‪.‬‬
‫ويقدم التعليم الكفائي المقرر الدراسي في شكل مجزوءات ووحدات‬
‫دراسية ووضعيات مركبة ‪ ،‬تصغر بدورها في إطار مقاطع وحلقات‬
‫وخبرات مؤشرة في كفايات نوعية أو شاملة أو ممتدة قصد التدرج بالمتعلم‬
‫لتحقيق كفايات عليا كلية ونهائية‪ .‬ويركز هذا النوع من التعليم على الكيف‬
‫والمتعلم ؛ ألن المدرس مجرد وصي أو مرشد أو وسيط ليس إال‪ .‬وتصبح‬
‫الدروس خبرات وممارسة كيفية ومهارات وقدرات معرفية ووجدانية‬
‫وحركية‪ .‬أي‪ :‬إن المتعلم هو الذي يكون نفسه بنفسه‪ ،‬ويتعلم كيف يبحث‬
‫ويفكر‪ ،‬وينظم ما يبحث عنه منهجيا ووظيفيا‪ .‬ويروم التعليم بالكفايات عند‬
‫محمد الدريج" بناء الكفايات لدى التلميذ‪ ،‬على اعتبار أن الكفايات هي‬
‫قدرات شاملة ودينامية (نشطة) التي اليمكن اختزالها في الئحة تحليلية من‬
‫المحتويات‪ ،‬إنها تشكيلة ( تركيبة) ذكية من المعارف والمهارات‬

‫‪158‬‬
‫واالتجاهات‪ .‬فأن نكون أكفاء ال يعني أن نملك جملة من المعلومات‬
‫والمهارات‪ ،‬فأن نكون أكفاء يعني أساسا أن نكون قادرين على تجنيد تلك‬
‫المعلومات والمهارات‪ ،‬وتوظيفها في مواقف معينة ولحل مشكالت‪ .‬أي‪:‬‬
‫أن نكون فعالين ومنتجين في وضعيات محددة‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬يصير بناء الكفايات بهذا المعنى أمرا معقدا وأمرا ذاتيا وشخصيا‪.‬‬
‫فيكون من أولويات نشاط المدرسين مساعدة المتعلمين‪،‬لكن على المتعلمين‬
‫مساعدة أنفسهم في التعلم والتكوين الذاتي‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن التعليم بالمجزوءات‬
‫يستدعي المتعلم كمسؤول‪ ،‬ويتعامل معه كمدبر لتكوينه‪.155".‬‬
‫وهكذا‪ ،‬تتأسس المقاربة بالكفايات على المتعلم ال على المدرس كما هو‬
‫حال التعليم الكالسيكي‪ .‬بمعنى أن الدرس يتحول إلى مجموعة من‬
‫الوضعيات المعقدة والمشاكل المركبة التي ينبغي على المتعلم مواجهتها‬
‫من خالل الموارد التي يمتلكها ؛ حيث يوظفها بطريقة مالئمة ومناسبة من‬
‫أجل تحقيق الكفاية األساسية والهدف األنجع‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فالمدرس في هذا‬
‫التصور مرشد وموجه ووسيط ليس إال‪ ،‬يهيئ الوضعيات الجديدة‪،‬‬
‫ويقترح المشاكل المعقدة والمركبة التي ينبغي أن يحلها المتعلم‪ .‬ويعني هذا‬
‫أن الدرس يتحول إلى مجموعة من الوضعيات المتدرجة من البساطة إلى‬
‫التعقيد ؛ حيث تكون واضحة‪ ،‬ودالة ‪ ،‬وهادفة‪ ،‬وبناءة‪ ،‬ومحفزة على العمل‬
‫واالجتهاد والنجاح‪ .‬وهنا‪ ،‬ليس المدرس مالكا للمعرفة‪ ،‬بل هو مجرد‬
‫محضر لألسئلة والوضعيات المشكلة ‪.‬‬
‫و" ال يكون دور المدرس في الطرائق التي تتبنى البيداغوجيا المعرفية هو‬
‫تزويد المتعلم بالمعلومات أو المعارف الجاهزة من خالل التركيز على‬
‫المضامين‪ ،‬بل بالعكس يصبح دوره هو خلق وضعيات تعلمية تجعل‬
‫المتعلم يطلع على كيفية تعلمه كيف يبحث عن المعلومات ‪ ،‬كيف يحللها ‪،‬‬

‫‪ - 155‬محمد الدريج‪:‬الكفايات في التعليم‪ ،‬منشورات سلسلة المعرفة للجميع‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪،‬‬


‫شتنبر‪2004‬م‪ ،‬ص‪.254:‬‬
‫‪159‬‬
‫كيف يصوي استراتجيات تفكيره أثناء البرهنة والتحليل واالستنتاج‬
‫أواالكتشاف ‪.‬‬
‫ويعد فيورشتاين( ‪ ) Feuerstein‬أحد المنظرين لبيداغوجيا الوساطة‬
‫(‪ )Mediation‬؛ حيث يصبح دور المدرس هو مساعدة المتعلم ليس‬
‫إال‪ ،‬سواء بشكل مباشر أو غير مباشر ‪ ،‬بتوجيه أسئلة للمتعلم حول كيفية‬
‫تفكيره‪ ،‬وتبيان األسلوب الذي اعتمده في حل مشكلة معينة ‪ ،‬أو عن‬
‫طريق مقارنة أسلوبه هذا بأساليب أخرى مقترحة من لدن زمالئه في‬
‫الفصل الدراسي ‪ .‬وقد يتحقق هذا بشكل غير مباشر عندما يلجأ المدرس‬
‫إلى تنويع وضعيات التعلم قد تدفع المتعلم إلى تعديل أسلوب تفكيره‬
‫وتغييره خاصة عندما يكون األسلوب المتبع غير فعال ‪.‬‬
‫وتنطلق هذه الوساطة من مسلمة مفادها أن الصعوبات التي يواجهها‬
‫المتعلم في أثناء تعلمه التعود إلى الكيفية التي تقدم بها المضامين‪ ،‬بقدر ما‬
‫تعود إلى األسلوب الذي ينتهجه المتعلم في أثناء تعلمه ‪ .‬ولذلك‪ ،‬يمكن‬
‫الحصول على مردودية أكبر كلما تم تطوير القدرات والمهارات الذهنية‬
‫‪156‬‬
‫والمعرفية التي تسهل عليه عملية االكتساب والتعلم ‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬ترتكز الوساطة الديدكتيكية على الدور األساس الذي يقوم به‬
‫المدرس‪ ،‬أو المشرف على التدريب‪ ،‬أو الوسيط البيداغوجي في عملية‬
‫التعلم‪ .‬إنه بمثابة الوسيط االجتماعي كاألم أو األب الذي يأخذ بيد ابنه لكي‬
‫يحقق تكيفا سليما مع محيطه ‪ ،‬بتمثل مالحظاته‪ ،‬وخلق وضعيات غير‬
‫مألوفة لديه بتجريب خبراته ومهاراته ‪.‬‬

‫المبحث الخامس‪ :‬التعاقد الديدكتيكي‬

‫‪ -156‬محمد أمزيان ‪ :‬التربية المدرسية‪ :‬من بيداغوجيا األهداف إلى بيداغوجيا‬


‫المعرفة‪،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ 1999 ،‬م‪ ،‬ص ‪. 151 – 149 :‬‬

‫‪160‬‬
‫من المعروف أن القانون المدني (‪ )Civil law‬هو مجموعة من القوانين‬
‫التي نشأت في أروبا‪،‬وتعود أصلها إلى القانون الروماني‪ .‬ويمكن القول‬
‫بأنه هذا القانون قد تشكل مع انتقال اإلنسان من حالة الطبيعة إلى حالة‬
‫الدولة والقانون‪ .‬وقد تحدث جان جاك روسو عن العقد االجتماعي الذي‬
‫يجمع بين الراعي والرعية في كتابه (العقد االجتماعي) الذي نشره سنة‬
‫‪1762‬م‪.‬‬
‫ويدرس القانون المدني العالقات الموجودة بين األطراف المتعاقدة‪ ،‬سواء‬
‫أكانوا ماديين أم معنويين ‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فهو من مشموالت القانون الخاص إلى‬
‫جانب قانون التجارة‪ ،‬وقانون الدولي الخاص‪ ،‬والقانون الجنائي الخاص‪،‬‬
‫وقانون التعمير‪ ،‬وقانون البحار‪ ،‬والقانون الجوي‪ ،‬والقانون البيئي‪ ،‬وقانون‬
‫العمل‪...‬‬
‫ويعد القانون المدني أقدم القوانين اإلنسانية‪ ،‬مادام هذا القانون يدرس‬
‫الحقوق الشخصية أو االلتزامات القائمة على العالقة التي تجمع بين الدائن‬
‫والمدين في إطار العقد‪ ،‬أو اإلرادة المنفردة‪ ،‬أو العمل غير المشروع‪ ،‬أو‬
‫العمل النافع‪ ،‬أو القانون‪.‬‬
‫ويدرس أيضا الحقوق العينية القائمة على حق الملكية بسلطاته الثالث‬
‫كاالستعمال‪ ،‬واالستغالل‪ ،‬والتصرف‪ .‬فضال عن الحقوق المتفرعة عنه‬
‫كاالنتفاع‪ ،‬واالستعمال‪ ،‬والسكنى‪ ،‬وحق االحتكار ‪ .‬كما تشمل‬
‫أيضا ً الحقوق العينية التبعية التي توجد تابعة لحق الشخص كالرهن‬
‫الرسمي‪ ،‬والرهن الحيازي‪ ،‬وحق االمتياز‪ ،‬وحق االختصاص‪.‬‬
‫ويدرس القانون المدني كذلك األحوال الشخصية التي تتعلق بالعالقة‬
‫الموجودة بين الفرد وأسرته من زواج‪ ،‬وطالق‪ ،‬ووصية‪ ،‬وإرث‪ ،‬ونسب‪،‬‬
‫وقرابة ‪ ،‬و األهلية ‪ ،‬والوالية على المال وغيرها الموضوعات المدنية‬
‫األخرى‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫ويعد العقد (‪ )Contrat‬من أهم مواضيع قانون االلتزامات والعقود ‪ ،‬أو‬
‫القانون المدني‪.‬ومن ثم‪ ،‬يكون العقد بين طرفين وأكثر‪ ،‬وتترتب عليه آثار‬
‫وأحكام معينة ‪.‬‬
‫ويستند العقد إلى مجموعة من األركان الرئيسة كالرضا بين الطرفين‬
‫على تنفيذ العقد‪ ،‬والتعبير عن إرادة التعاقد بالتفاوض بكل حرية واختيار‪،‬‬
‫دون إكراه أو إلزام ضمني أوصريح‪ .‬وقد يكون العقد شفويا أو مكتوبا‪.‬‬
‫وينتج عن ذلك التفاوض مسؤولية تعاقدية‪ ،‬والتزام بتنفيذ العمل‪ ،‬أو تنفيذ‬
‫بنود العقد كليا أو جزئيا‪ ،‬إذا كان االتفاق يتضمن ذلك‪.‬‬
‫ومن األركان األخرى للعقد اإليجاب والقبول؛ فاليمكن تنفيذ العقد إطالقا‪،‬‬
‫إذا لم يتفق الطرفان على الموافقة والقبول بشكل إيجابي ‪ ،‬ويعبر عن ذلك‬
‫بالصيغة القانونية‪ .‬ومن عيوب ذلك الرضا أو اإليجاب والقبول الغلط‪،‬‬
‫والتدليس‪ ،‬واإلكراه‪ ،‬واالستغالل‪ .‬عالوة على ركن آخر يتمثل في محل‬
‫العقد أو موضوعه الذي يكمن في تحقيق العملية القانونية‪ ،‬كأن يكون‬
‫موضوع التعاقد هو البيع أو اإليجار أو الشراء إلخ‪...‬أما محل االلتزام‪،‬‬
‫فيكمن في اإلنجاز أو األداء الذي يجب على المدين أن يقوم به لصالح‬
‫الدائن‪ .‬أي‪ :‬أن يقوم بعمل ما أو يمتنع عن عمل‪.‬ويجيب عن السؤال‬
‫الرئيس‪ :‬بماذا التزم المدين؟‬
‫وهناك الركن األخير الذي يتمثل في السبب أو الدافع الذي يكون وراء‬
‫التعاقد أو االلتزام‪ ،‬وينبغي أن يكون التعاقد مشروعا‪ ،‬واليمنعه القانون‬
‫بأي حال من األحوال‪.‬‬
‫وقد تكون العقود ملزمة لطرفين كعقد البيع‪ ،‬أو ملزمة لطرف واحد كعقد‬
‫القرض‪ ،‬أو عقد الهبة‪ ،‬أو عقد الصدقة‪ ،‬أو عقد الجائزة‪...‬وقد تكون‬
‫المسؤولية عقدية عندما يمتنع الملتزم عن تنفيذ العقد جزئيا أو كليا‪ .‬وهنا‪،‬‬
‫يتحمل الطرف الملتزم مسؤولية خطئه بعدم تنفيذه شروط العقد‪ .‬ويكون‬

‫‪162‬‬
‫الحكم للعقد ‪ ،‬مادام العقد شريعة المتعاقدين‪ .‬وإذا كان الخطأ ناتجا عن‬
‫اإلضرار بالغير‪ ،‬فيسمى هذا بالمسؤولية التقصيرية التي يحم فيها القانون‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬ويقصد بالعقد الديدكتيكي(‪ 157)Le contrat didactique‬ذلك‬
‫التعاقد أو االتفاق المبرم بين طرفين أو أكثر‪.‬أي‪ :‬بين المدرس والمتعلم؛‬
‫حيث يضع المدرس المتعلم أمام وضعية مشكلة بسيطة أو صعبة ومعقدة‬
‫ومركبة من أجل إيجاد الحلول المناسبة لها‪ .‬ويعني هذا أن المتعلم مطالب‬
‫بتنفيذ التعليمة التي وضعها المدرس ‪ ،‬وقد تحوي تلك الوضعية ‪ -‬المشكلة‬
‫عوائق ديدكتيكية ظاهرة أو خفية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فالتعاقد الديدكتيكي هو التزام‬
‫تربوي وديدكتيكي باإلجابة عن مختلف األسئلة التي يضعها المدرس‬
‫لتلميذه للتثبت من قدراته الكفائية ومهاراته المستضمرة ‪ ،‬ومدى اكتسابه‬
‫لمختلف الموارد التي تلقاها إبان حصص التدريس‪ .‬وقد استعمل المصطلح‬
‫من قبل الديدكتيكي الفرنسي غوي بروسو (‪ 158) Guy Brousseau‬في‬
‫كتابه (نظرية الوضعيات الديدكتيكية) سنة ‪1998‬م‪.‬‬
‫إذاً‪ ،‬ينبني هذا التصور على احترام العقود؛ ألن العقد شريعة المتعاقدين‪.‬‬
‫ويعني هذا أن المتعلمين والمعلمين داخل الوسط الديكتيكي عليهم أن‬
‫يحترموا العقود والمواثيق في تنفيذ األنشطة‪ ،‬واحترام الوقت المخصص‬
‫لذلك‪.‬ويرتكز هذا التصور أيضا على تحديد مجموعة من األهداف العامة‬
‫والخاصة‪ ،‬واختيار وسائل العمل الناجعة‪ ،‬وتبيان عمليات التنفيذ‬
‫والممارسة واإلنجاز‪ ،‬وانتقاء فضاءات العمل التشاركي‪ ،‬واالنطالق من‬
‫التقويم اإليجابي الهادف والبناء‪ ،‬وتوزيع المسؤوليات والمهام واألدوار‬
‫بشكل ديمقراطي عادل‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫‪-Brousseau, G. (1990). Le contrat didactique et le concept de‬‬
‫‪milieu :‬‬ ‫‪dévolution. Recherches‬‬ ‫‪en‬‬ ‫‪didactique‬‬ ‫‪des‬‬
‫‪mathématiques, 9(3), 309-336.‬‬
‫‪158‬‬
‫‪-Brousseau G. (1998). Théorie des situations didactiques.‬‬
‫‪Grenoble, La Pensée sauvage.‬‬
‫‪163‬‬
‫ويعني العقد الديدكتيكي‪ -‬حسب روجرز كزافيي(‪-)Rogiers Xavier‬‬
‫ذلك التفاعل بين الذات والعمل الذي " يفضي إلى اتخاذ قرار بإنجاز‬
‫العمل‪ ،‬ويخلق شكال من التعاقد الضمني أو الصريح بين مقترح الوضعية‬
‫(المدرس) ومن يحلها ( التلميذ)‪.‬ويتعلق األمر في هذا الصدد بتجسيد لما‬
‫أسماه شوفالر (‪ )Chevallard‬وبروسو(‪ )Brousseau‬عقدا ديدكتيكيا‬
‫يربط المدرس بتالمذته في إطار التعلم المدرسي‪ .‬إن هذا العقد رهين‬
‫بسلسلة كاملة من العوامل‪ ،‬مثل نمط تنظيم الفصل وتحفيز التلميذ والطاقة‬
‫التي يتوفر عليها واإلفادة التي سيحققها من خالل إنجازه‪...‬إلخ‪ .‬وعلى هذا‬
‫المستوى ‪ ،‬يتموقع كل حيز للتفاوض المتواجد بخصوص حل الوضعية؛‬
‫إنه تفاوض بشأن التعلمات والمعلومات وشروط تحقيق الوضعية؛ ويتعلق‬
‫األمر في هذه الحالة بالوضعية عندما نعتبرها عقدا وقرارا للمرور إلى‬
‫العمل؛ وكما هو الحال في أي عقد‪ ،‬ينظر إلى الوضعية في اآلن نفسه على‬
‫أنها إكراه‪ ،‬وبشكل خاص على أنها فرصة أمام التلميذ لكي يكتسب‬
‫معارف وإتقانات جديدة لكي يحقق إفادات أخرى على المستوى الدراسي‬
‫أو على مستوى آخر‪ .‬وتبقى عدة متغيرات ممكنة‪ ،‬إذ يمكن قبول العقد‬
‫بحرية‪ ،‬أي إن المدرس يمنح التلميذ حرية االختيار في أن يلتزم بالوضعية‬
‫أوال‪ ،‬كما يترك له حرية اختيار أوجه العمل (عمل فردي‪ ،‬عمل في إطار‬
‫مجموعة‪ ،‬عمل بمراجع أو بدونها‪ ،)...‬أو على خالف ذلك‪ ،‬يمكن أن يكون‬
‫العقد إلزاميا بشكل ضمني في إطار التعلم‪ ،‬حيث يبقى للتلميذ هامش من‬
‫‪159‬‬
‫حرية التصرف أو ينعدم لديه‪".‬‬
‫ويتحمل المدرس مسؤولية مجموعة من األخطاء‪ ،‬وهي أخطاء معرفية ‪،‬‬
‫وأخطاء تربوية‪ ،‬وأخطاء ديدكتيكية‪ ،‬وأخطاء إدارية‪ ...‬ويعني هذا أن‬
‫المدرس قد يرتكب أخطاء كثيرة في أثناء حصة الدرس؛ إما لكونه لم يتلق‬

‫‪ - 159‬روجير كزافيي‪ :‬التدريس بالكفايات‪ ،‬وضعيات إلدماج المكتسبات‪ ،‬ترجمة عبد الكريم‬
‫غريب‪ ،‬منشورات عالم التربية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪2007‬م‪ ،‬ص‪.24-23:‬‬
‫‪164‬‬
‫تدريبا في مراكز التكوين التربوي‪ ،‬وإما ألنه لم يحسن التدبير في نقل‬
‫المعلومات إلى التالميذ بمراعاة أسس الديداكتيك‪ ،‬واحترام معطيات‬
‫البيداغوجيا‪ ،‬وإما لكونه لم يصرح باألهداف والكفايات‪ ،‬ولم يراع الميثاق‬
‫المبرم أو ذلك العقد الديدكتيكي الذي يجمع المدرس بالمتعلم‪ ،‬أو لم يحترم‬
‫خطوات التدرج في بناء الدرس انطالقا من الوضعية البدئية حتى‬
‫الوضعية النهائية‪ ،‬مرورا بالوضعية الوسيطة‪ ،‬وإما ألنه لم يوظف الوسائل‬
‫الديدكتيكية والطرائق البيداغوجية توظيفا حسنا‪ ،‬وإما لكونه لم ينجح في‬
‫عملية التواصل والتبليغ؛ حيث كان عاجزا عن نقل المعارف والتقنيات‬
‫والدرايات إلى متعلميه بطريقة واضحة وسلسلة ومفيدة وهادفة وبناءة‪.‬‬
‫ويمكن التمثيل للتعاقد الديكتيكي بهذا النموذج التوضيحي على النحو‬
‫التالي‪:‬‬
‫تقويم‬ ‫تنفيذ التعاقد‬ ‫زمن مكان‬ ‫اإلمكانيات‬ ‫موضوع‬ ‫أهداف طرفا التعاقد‬
‫التعاقد‬ ‫التعاقد التعاقد‬ ‫التعاقد‬ ‫التعاقد‬

‫تقويم‬ ‫تقديم‬ ‫تحديد تعيين ‪-‬‬ ‫‪-‬المادية‬ ‫يكون‬ ‫المدرس‬ ‫تحديد‬


‫التعاقد‬ ‫الوضعية‪.‬‬ ‫زمان مكان‬ ‫‪-‬المالية‬ ‫التعاقد‬ ‫والمتعلم‬ ‫أهداف‬
‫بعد‬ ‫شرح‬ ‫التعاقد التعاقد ‪-‬‬ ‫‪-‬البشرية‬ ‫خاصا‬ ‫التعاقد‬
‫مرحلة‬ ‫الوضعية‪.‬‬ ‫بشكل‬ ‫‪-‬التقنية‬ ‫بالمواضيع‬ ‫بطريقة‬
‫إنجاز‬ ‫تنفيذ‬ ‫‪-‬‬ ‫واضح‬ ‫‪-‬اللوجيستيكية‬ ‫التربوية‬ ‫صريحة‬
‫الوضعية‬ ‫الوضعية‪.‬‬ ‫ودقيق‬ ‫والتعليمية‬ ‫وواضحة‬
‫تقويم‬ ‫‪-‬‬ ‫وصريح‬ ‫كالدعم‪،‬‬ ‫ودقيقة في‬
‫الوضعية‪.‬‬ ‫والشراكة‪،‬‬ ‫إطار العتاقد‬
‫ومشروع‬ ‫التفاوضي‬
‫المؤسسة‪..‬‬ ‫التشاركي‬
‫‪.‬‬ ‫والتفاعلي‬
‫الديمقراطي‬

‫ويمكن أن يتكون التعاقد في شكل ميثاق شرف أخالقي صريح بين‬


‫المدرس والمتعلم‪ ،‬كأن يصرح التلميذ‪ ،‬مثال‪ ،‬بما يلي‪:‬‬

‫‪165‬‬
‫‪ ‬ألتزم بعدم التغيب والتأخر؛‬
‫‪ ‬ألتزم بالحفاظ على نظافة القسم؛‬
‫‪ ‬ألتزم بإحضار الكتب في كل حصة دراسية؛‬
‫‪ ‬ألتزم باالنضباط داخليا وخارجيا؛‬
‫‪ ‬ألتزم بإنجاز واجباتي المدرسية؛‬
‫‪ ‬ألتزم باحترام أستاذي وزمالئي؛‬
‫‪‬ألتزم بعدم إثارة الشغب داخل القسم‪...‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يتبين لنا أن التربية المعاصرة تنص على احترام المتعلم احتراما‬
‫حقوقيا ‪ ،‬بإبرام التعاقد التفاوضي والتشاركي معه بغية إنجاز مختلف‬
‫الوضعيات اإلدماجية الجزئية والنهائية‪ .‬ويعني هذا كله أن المدرس‬
‫والمتعلم البد أن يتعاقدا معا على الحقوق والواجبات من أجل استيفاء‬
‫المجزوءات والوحدات الدراسية في األجل المحدد بذلك‪ .‬لذا‪ ،‬البد أن يكون‬
‫التعاقد بين المدرس والمتعلم تفاوضيا صريحا في بداية السنة وطول السنة‬
‫الدراسية بكاملها‪ ،‬بتحديد األهداف والكفايات بشكل صريح‪ ،‬وانتقاء‬
‫المحتويات والمضامين المالئمة ‪ ،‬واختيار الوسائل والطرائق البيداغوجية‬
‫والديدكتيكية المساعدة على التعلم‪ ،‬وتعيين فضاء دراسي مناسب للتعلمات‪،‬‬
‫وتشجيع المتعلم على بناء التعلمات وفق مقاربة الكفايات وبيداغوجيا‬
‫اإلدماج‪.‬‬

‫المبحث السادس ‪ :‬النقل الديدكتيكي‬


‫يقصد بالنقل الديدكتيكي ( ‪ )transposition didactique‬نقل الدرس‬
‫وتحويله من الحالة العلمية إلى الحالة المدرسية‪ .‬ومن هنا‪ " ،‬يعتبر النقل‬
‫الديدكتيكي أحد اإلجراءات المساعدة على اقتطاع مادة معرفية من سياقاتها‬
‫النظرية العامة‪ ،‬لتكييفها مع المستوى النمائي للقائم بأفعال التعلم‪.‬إال أن‬
‫‪166‬‬
‫علماء السيكولوجيا المعرفية‪ ،‬وبشكل أخص أولئك الذين ذهبوا في اتجاه‬
‫توظيف خالصات األبحاث الميدانية داخل حقل البيداغوجيا‪ ،‬ارتأوا أن‬
‫الوقوف عند مستوى اإلعداد القبلي للمضمون المعرفي انطالقا من تحديده‬
‫وفق آليات النقل الديدكتيكي‪ ،‬اليفيد المتعلم في أي شيء‪ ،‬ألن عالقته به‬
‫تبقى عند مستوى التعرف لتحويله إلى مادة معرفية مخزنة في الذاكرة‬
‫البعيدة المدى فقط‪.‬‬
‫وهكذا أصبح اإلعداد القبلي للمادة المعرفية موضوع التعلم‪ ،‬اليتوقف عند‬
‫حد النقل الديدكتيكي لها بقدر ما يتم البحث عن أهم العمليات الذهنية‬
‫‪160‬‬
‫الواجب استهدافها لدى الطفل‪ ،‬حتى يحدث فعل التعلم وبناء المعارف‪".‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يمكن الحديث عن أنواع عدة من المعرفة المنقولة ديدكتيكيا‪،‬‬
‫ويمكن حصرها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬المعرفة العالمة‪ :‬وهي المعرفة العلمية األكاديمية والجامعية التي تتميز‬
‫بالعمق والتخصص والدقة والصعوبة ‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فهي تلك المعرفة التي‬
‫يتلقاها الطلبة في الجامعات والمعاهد العليا؛‬
‫‪ ‬المعرفة المدرسية‪ :‬هي تلك المعرفة المحولة إلى معارف بيداغوجية‪،‬‬
‫بمراعاة األسس النفسية واالجتماعية والبيولوجية للمتعلم‪.‬وغالبا‪ ،‬ما نجدها‬
‫في الكتب والمناهج والمقررات والبرامج المدرسية‪.‬وتتسم هذه المعرفة‬
‫بالتبسيط والتسهيل والتيسير وفق المقاربات والتصورات البيداغوجية‬
‫المرتبطة بالمتعلم وقدراته في االستيعاب واالكتساب؛‬
‫‪ ‬المعرفة المدرسة‪ :‬هي تلك المعرفة التي يحولها المدرس إلى المتعلم‬
‫بطرائق ديدكتيكية مناسبة وفعالة وميسرة ومبسطة‪ .‬ويعني هذا أن المدرس‬

‫‪ - 160‬محمد كجي‪( :‬التعلم وتربية الذهن على االشتغال)‪ ،‬سيكولوجية الطفل‪ ،‬مقاربات‬
‫معرفية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة‪2008‬م‪،‬‬
‫ص‪.82:‬‬
‫‪167‬‬
،‫ والسيما العلمية منها‬، ‫يقوم بدور كبير في تبسيط المعارف المدرسية‬
‫لتصل إلى المتلقي بأيسر السبل؛‬
‫ يقوم المتعلم بتحويل المعرفة المدرسة إلى معرفة‬:‫ المعرفة المكتسبة‬
‫ أو المعرفة‬،‫ ضمن ما يسمى بالمعرفة المكتسبة‬،‫تعلمية وفق قدراته الذاتية‬
. ‫المخزنة‬
‫ ما يتحدث علماء التربية عن النقل الديدكتيكي في المواد العلمية‬،‫وغالبا‬
‫ ومن أهم العلماء الذين اهتموا بذلك‬.‫ والسيما الرياضيات‬،‫والتجريبية‬
‫وشوفاالر‬ ،161 )Philippe Perrenoud( ‫فيليب بيرنو‬
(‫ و‬، )‫) في دراساته وأبحاثه كث(برامج النقل الديدكتيكي‬Chevallard(
‫ دون أن ننسى فرانسوا‬.162)‫من المعرفة العالمة إلى المعرفة المدرسة‬
‫ ومارتينان‬،)Arsac, G( ‫ وأرساك‬،163)Conne, F( ‫كون‬

161
-Perrenoud, Ph. (1986) Vers une lecture sociologique de la
transposition didactique, Genève, Faculté de psychologie et des
sciences de l’éducation ; (1990) La géographie scolaire entre deux
modèles de transposition didactique, Genève, Faculté de psychologie
et des sciences de l’éducation ; (1992) La souris et la tortue. Deux
usages sociaux de l’informatique et leur transposition didactique à
l’école primaire, in A. Vieke (dir.) Intégration de l’informatique en
classe, Genève, Service informatique de l’enseignement primaire, pp.
51-65.
162
- Chevallard, Y. (1991) La transposition didactique. Du savoir
savant au savoir enseigné, Grenoble, La Pensée Sauvage (2e édition
revue et augmentée, en coll. avec Marie-Alberte Joshua, 1re édition
1985).
163
-Conne, F. (1986) La transposition didactique à travers
l’enseignement des mathématiques en première et deuxième années
de l’école primaire, Lausanne, Conne/Couturier-Noverra ; (1992) Un
grain de sel à propos de la transposition didactique, Education et
Recherche, n° 1, pp. 57-71 ; Conne, F. (1996) Savoir et connaissance
dans la perspective de la transposition didactique, in Brun, J.
168
Caillot, ( ‫ وكايو‬،164)Tiberghien( ‫ وتبيرجيان‬،)Martinand(
167
)Joshua( ‫ وماري ألبيرت جوسيا‬،166)Durey(‫ ودوري‬،165)M
...168)Raisky( ‫وريسكي‬
‫ يبين لنا أن النقل الديدكتيكي هو الذي يسهم في تحويل الوضعيات‬،‫وهكذا‬
‫العلمية العالمة إلى وضعيات ديدكتيكية تعلمية بأيسر السبل والطرائق‬
‫الديدكتيكية المناسبة التي تدفع المتعلم إلى إظهار قدراته التعلمية في‬
.‫مواجهة الوضعيات اإلدماجية المدرسة‬

‫ الفضاء الديدكتيكي‬:‫المبحث السابع‬

(dir.) Didactique des mathématiques, Lausanne, Delachaux et Niestlé,


pp. 275-338.
164
-Arsac, G., Chevallard, Y., Martinand, J.-L., Tiberghien, A. (dir.)
(1994) La transposition didactique à l’épreuve, Grenoble, La Pensée
Sauvage Éditions.
165
-Caillot, M. (1996) La théorie de la transposition didactique est-elle
transposable ?, in Raisky, C. et Caillot, M. (dir.) Au-delà des
didactiques, le didactique. Débats autour de concepts fédérateurs,
Bruxelles, De Boeck, pp. 19-35.
166
- Durey, A. et Martinand, J.-L. (1994) Un analyseur pour la
transposition didactique entre pratiques de référence et activités
scolaires, in Arsac, G., Chevallard, Y., Martinand, J.-L., Tiberghien,
A. (dir.) La transposition didactique à l’épreuve, Grenoble, La
Pensée sauvage Éditions, pp. 73-104.
167
-Joshua, S. (1996) Le concept de transposition didactique n’est-il
propre qu’au mathématiques ?, in Raisky, C. et Caillot, M. (dir) Au-
delà des didactiques, le didactique. Débats autour de concepts
fédérateurs, Bruxelles, De Boeck, pp. 61-73.
168
-Raisky, C. (1996) Doit-on en finir avec la transposition
didactique ?, in Raisky, C. et Caillot, M. (dir.) Au-delà des
didactiques, le didactique. Débats autour de concepts fédérateurs,
Bruxelles, De Boeck, pp. 37-59.
169
‫يعني الفضاء الديدكتيكي ذلك الوسط الذي يتلقى فيه المتعلم تكوينه مع‬
‫مجموعة من زمالئه بإشراف المدرس وتوجيهه‪ .‬وقد يعني الفضاء‬
‫التعلمي مجموعة من الشروط والظروف الخارجية التي يعيش ضمنها‬
‫الفرد اإلنساني ويتطور من جميع الجوانب والمستويات‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يقوم‬
‫الوسط الديكتيكي بدور مهم في تنمية القدرات والكفايات والمهارات‬
‫وتطويرها لدى المتعلم من أجل مواجهة الوضعيات المختلفة التي‬
‫سيجابهها في الحياة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تشدد النظريات التربوية المعاصرة على‬
‫المحيط أو الوسط الديدكتيكي في بناء معارف المتعلم وتطويرها وتنميتها‬
‫ذهنيا ووجدانيا وحسيا حركيا بغية تحقيق األهداف المتوخاة‪ ،‬والسيما‬
‫المدرسة السلوكية التي تعطي أهمية كبرى للبيئة أو المحيط أو الوسط؛ لما‬
‫له من تأثير في حافزية المتعلم واستجاباته التعلمية المختلفة لوجود مثيرات‬
‫وحوافز يثيرها هذا الوسط التعلمي‪ .‬لذا‪ ،‬البد من إعادة خلق فضاء أو وسط‬
‫تعلمي ‪ /‬تعليمي مناسب ومالئم لتقديم التعلمات المختلفة الصالحة لتطوير‬
‫كفايات المتعلم‪ ،‬ودفع التلميذ إلى االندماج في الفعل التعاقدي الديدكتيكي‬
‫بغية تحقيق مجموعة من األهداف المنشودة في المنهاج الدراسي‪.‬‬
‫والبد أن يتميز هذا الوسط الديدكتيكي بالتفاعل الحي بين المعلم والمتعلم‬
‫والمعرفة‪ ،‬وتوظيف المعارف واإلحاالت المرجعية ‪ ،‬وتحقيق النقل‬
‫الديدكتيكي المثمر والهادف والبناء‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يصبح ذلك الوسط موضوعا‬
‫ثقافيا وتربويا وإبستمولوجيا‪ .‬ويتأسس الوسط الديدكتيكي على خلق‬
‫الوضعيات الديدكتيكية في إطار تعاقدي من أجل إيجاد الحلول المناسبة‬
‫لها‪.169‬‬

‫‪-Margolinas, C. (1998). Le milieu et le contrat, concepts pour la‬‬


‫‪169‬‬

‫‪construction et l’analyse de situations d’enseignement. In R.‬‬


‫‪Noirfalise (dir.), Analyse des pratiques enseignantes et didactique‬‬
‫‪des mathématiques, cours, Actes de l’Université d’Été (p. 3-17). La‬‬
‫‪Rochelle : IREM Clermont-Ferrand.‬‬
‫‪170‬‬
‫ولقد كان الفضاء الدراسي في المدرسة التقليدية فضاء عدوانيا مغلقا‬
‫رتيبا‪ ،‬يتحكم فيه المدرس بشخصيته الكاريزمية المتسلطة والمهيبة؛ حيث‬
‫يمتلك معرفة مطلقة ينبغي أن يستفيد منها المتعلم مهما كانت طريقة‬
‫التدريس شائنة‪ .‬وقد كان المتعلم مجرد متلقي سلبي ‪ ،‬ال يشارك في بناء‬
‫الدرس‪ ،‬بل يكتفي بالسمع والتدوين والحف والتحشية ‪ .‬وكان الفضاء‬
‫الدراسي جير من م وال مرتب ‪ ،‬بل كان فضاء ضيقا فارجا‪ ،‬أو م ثثا‬
‫بالحصائر أو الزرابي المعدودة‪ ،‬يجلس عليها المتعلمون في وضعيات‬
‫جير مناسبة‪ .‬وبالتالي‪ ،‬جير صالحة للتعلم والدراسة‪ .‬وكان هذا الفضاء‬
‫موبوءا بالعنف والقهر والصرامة‪ ،‬تختفي فيه الحوارية والمبادرة والنقد‬
‫والنقا ‪ ،‬وتغيب فيه الحياة السعيدة والروو الديمقراطية‪.‬‬

‫وإذا انتقلنا أيضا إلى المدرسة الغربية الكالسيكية‪ ،‬فقد كان الفصل‬
‫الدراسي بمثابة مقاعد أو كراسي دراسية مصطفة ‪ ،‬تتوجه نحو السبورة‬
‫المعلقة في وسط الجدار األمامي‪ .‬لكن هذا الفضاء الدراسي بدوره كان‬
‫فضاء رتيبا عمودي الطابع‪ .‬بمعنى أن المدرس كان مالك المعرفة‬
‫المطلقة‪ ،‬يوزعها على التالميذ في اتجاه عمودي من األعلى نحو األسفل‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فقد كان الفضاء الدراسي الكالسيكي فضاء صفيا عموديا‪،‬‬
‫تصطف فيه المقاعد إما بشكل فردي‪ ،‬وإما بشكل ثنائي‪ ،‬وإما بشكل‬
‫متعدد‪.‬‬

‫لكن المدرسة الحديثة‪ ،‬التي أخذت بالطرائق البيداجوجية الفعالة‪ ،‬قد‬


‫كسرت هذا الفضاء العمودي الرتيب المغلق‪ ،‬فانفتحت على أفضية‬
‫حميمة‪ ،‬كفضاء الساحة‪ ،‬وفضاء الحديقة‪ ،‬وفضاء اللعب‪ ،‬وفضاء‬
‫الروض‪ ،‬وفضاء التعاونيات‪ ،‬وفضاء البستنة‪ ،‬وفضاء الرحلة‪ ،‬وفضاء‬
‫المنزل‪ ،‬وفضاء الطبع والنشر‪ ،‬والفضاء المفتوو‪ ،‬والفضاء‬
‫الالمدرسي‪...‬كما تغير ن ام المقاعد ليتخذ بعدا عموديا ‪ ،‬وأفقيا ‪ ،‬ودائريا‪،‬‬
‫ونصف دائري‪ ،‬وشكل حذوة الحصان‪...‬‬
‫‪171‬‬
‫المبحث الثامن‪ :‬الصراع السوسيو‪ -‬معرفي‬
‫يعد مفهوم الصراع السوسيو‪ -‬معرفي (‪)le conflit sociocognitif‬‬
‫من أهم المفاهيم التي تمثلها البياجويون الجدد في أثناء حديثهم عن التعلم‬
‫والنمو ‪ ،‬باالنفتاح على المقاربات السيكواجتماعية من جهة‪ ،‬والمقاربات‬
‫السوسيومعرفية من جهة أخرى‪ .‬ويعني هذا أن جان بياجيه كان قد ألح‬
‫على وجود صراع معرفي داخلي‪ ،‬عندما يواجه المتعلم وضعيات جديدة لم‬
‫يكن قد اطلع عليها؛ مما يسبب له ذلك نوعا من عدم التوازن المعرفي‪.‬لذا‪،‬‬
‫يستحضر المتعلم تمثالته القديمة والغائبة لمواجهة تلك الوضعية الجديدة‪،‬‬
‫فيتحقق لها التعلم بشكل إيجابي‪ .‬ويسمى هذا بالصراع المعرفي الداخلي‬
‫المرتبط بالشخص في عالقته بالمعرفة من جهة‪ ،‬ومواجهة المحيط أو‬
‫البيئة التي يتواجد فيها من جهة أخرى‪.‬‬
‫بيد أن مينيي(‪ ،170)G.Mugny‬ودواز ( ‪ ، 171)W.Doize‬وجيلي‬
‫(‪ ،172)Gilly.M‬وفيكوتسكي(‪ 173 )Vygotsky‬قد تنبهوا إلى قصور هذا‬
‫التصور البياجوي‪ ،‬وأثبتوا أن ثمة تأثيرات اجتماعية مهمة ناتجة عن‬
‫التفاعل بين األفراد قد تسهم في توليد صراع من نوع آخر‪ ،‬وهو الصراع‬
‫المعرفي الخارجي ‪ ،‬أو الصراع السوسيو‪ -‬معرفي الناتج عن اختالف في‬
‫‪170‬‬
‫‪-Mugny, G. (Ed.) (1985). Psychologie sociale du développement‬‬
‫‪cognitif. Berne : Peter Lang.‬‬
‫‪171‬‬
‫‪- W.Doize et G.Mugny B (1981) : Le développement social de‬‬
‫‪l’intelligence, Paris, InterEditions.‬‬
‫‪172‬‬
‫‪- Gilly, M. (1995). Approches socio-constructives du‬‬
‫& ’‪développement cognitif de l’enfant d’âge scolaire. In G. Gaonach‬‬
‫‪C. Golder (Eds.), Manuel de Psychologie pour l’enseignement‬‬
‫‪(pp.130-167). Paris : Hachette.‬‬
‫‪173‬‬
‫‪Vygotsky, L. S. (1978). Mind in society. Cambridge, MA:‬‬
‫‪Harvard University Press. Vygotski, L.S (1985c/1933). Le problème‬‬
‫‪de l'enseignement et du développement mental à l'âge scolaire. In‬‬
‫‪B. Shneuwly & J.P. Bronckart (Eds.), Vygotski aujourd'hui (pp. 95-‬‬
‫‪117); Paris : Delachaux & Niestlé.‬‬
‫‪172‬‬
‫األجوبة أمام مشكل معرفي ؛ حيث تؤدي المواجهة بين هذه األجوبة إلى‬
‫إعادة ترتيب البنيات المعرفية الداخلية للفرد‪ .‬ومن ثم‪ ،‬اليمكن للفرد إغناء‬
‫تعلماته ومكتسباته وكفاءاته وتطويرها وتقويتها إال في فضاء تفاعلي‬
‫متعدد ومتنوع ومختلف‪ ،‬يتميز بالصراعات السوسيو‪ -‬معرفية ‪.‬ويعني هذا‬
‫أن التعلم من طبيعة اجتماعية محضة‪ ،‬وليس من طبيعة فردية‪ .‬وبالتالي‪،‬‬
‫فهذه المعرفة نتاج التفاعالت الصفية بين األفراد‪.‬ومن ثم‪ ،‬فالصراع‬
‫السوسيو ‪ -‬معرفي مصدر أساسي للتعلم واالكتساب وتطوير القدرات‬
‫الذاتية الفردية داخل منظومة ديدكتيكية جماعية‪ .‬وبذلك‪ ،‬يتحقق التعلم‬
‫بتجاوز الالتوازن الفردي إلى التوازن الجماعي‪.‬‬
‫ويعني هذا كله أن التفاعالت والصراعات المعرفية ذات الطابع‬
‫االجتماعي قد تساعد على التعلم اإليجابي‪ ،174‬وتطوير آلياته التكوينية‬
‫واالكتسابية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يدخل المتعلم في صراع معرفي ضد المدرس‬
‫والمتعلمين اآلخرين على أساس أن أفكاره وتمثالته يقينية وصحيحة‪،‬‬
‫ولكن يستطيع أن يغير تمثالته بعد أن يتأكد من صحة آراء زمالئه‬
‫اآلخرين‪ ،‬فيقوم بتعديل تعلماته أو تصحيحها أو إلغائها‪ ،‬وبناء تمثالت‬
‫معرفية وتعلمية جديدة‪ .‬وبهذا‪ ،‬تشدد سيكولوجيا التعلم على أهمية المحيط‬
‫والبيئة االجتماعية وصراعاتها في توليد تعلم إيجابي هادف ومثمر‪ ،‬يسهم‬
‫في تطوير القدرات الكفائية لدى المتعلم وفق أسس علمية جديدة‪.‬‬
‫ويعني الصراع السوسيو‪ -‬معرفي مواجهة مشكلة أو وضعية معقدة‬
‫ومركبة داخل وسط تعلمي متعدد‪ ،‬أو فضاء دراسي متنوع‪ ،‬يتشكل من‬
‫عدة متعلمين يتنافسون فيما بينهم ثقافيا ومجتمعيا وتربويا ‪ ،‬سواء أكان ذلك‬
‫التننافس إيجابيا أم سلبيا‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫‪- Perret-Clermont, A.N. (1979). La construction de l'intelligence‬‬
‫‪dans l'interaction sociale. Berne : Peter Lang.‬‬
‫‪173‬‬
‫ويعني هذا كله أن هذا الصراع السوسيو‪ -‬معرفي قد يكون في صالح‬
‫المتعلم عندما يكون واعيا بقدرات اآلخرين في عملية المواجهة‬
‫الديدكتيكية‪.‬ومن ثم‪ ،‬يتخذ ذلك الصراع المعرفي وظيفة تعليمية وتعلمية‬
‫وتكوينية على حد سواء ‪ ،‬بتحفيز جميع المتعلمين على التنافس والصراع‬
‫اإليجابي لتملك القدرات الكفائية والذكائية المختلفة‪ ،‬بحل الوضعيات ‪-‬‬
‫المشكالت التي يقدمها المدرس لجماعة الفصل‪ .‬ومن هنا‪ ،‬اليتحقق التعلم‬
‫بطريقة فردية كما كان سائدا في تصورات جان بياجيه‪ ،‬بل يتحقق أيضا‬
‫باالندماج في جماعة القسم أو صف المتعلمين بغية التنافس والتميز‬
‫وتحصيل وسائل النجاح‪ .‬فضال عن اختيار المتعلم للحل الصحيح للوضعية‬
‫المعطاة بمقارنته بمختلف الحلول التي قدمها اآلخرون لتلك الوضعية‬
‫نفسها داخل الصف الدراسي‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يتحقق الصراع السوسيو‪ -‬معرفي‪ ،‬أو ذلك الصراع الموجود بين‬
‫المتعلمين داخل الفضاء الديدكتيكي‪ ،‬بسبب اختالف وجهات النظر تجاه‬
‫حلول الوضعيات الصعبة والمركبة‪ .‬واليمكن الحديث عن هذا الصراع إال‬
‫من أجل فهم عملية التعلم ضمن سياقات ذات طابع جماعي واجتماعي‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يشارك المتعلمون في بناء التعلمات والمعارف وفق منطق‬
‫التنافس المعرفي‪ ،‬وإظهار القدرات والكفاءات التي تميز البعض عن‬
‫اآلخرين‪.‬ويعكس هذا الصراع المعرفي الصراع المجتمعي والطبقي‬
‫والعلمي والثقافي بشكل من األشكال‪.‬ومن ثم‪ ،‬البد للمدرس من مراعاة هذا‬
‫الصراع‪ ،‬وتفهمه بشكل جيد الستغالله في بناء التعلمات الدراسية‪،‬‬
‫وتحضير الوحدات التعلمية‪.‬‬
‫وخالصة القول‪ ،‬البد للمدرس من رصد التفاعالت الديناميكية الموجودة‬
‫داخل الفضاء الديدكتيكي بين المتعلمين‪ ،‬ومحاولة فهم التنافس الموجود‬
‫بين المتعلمين من أجل إثبات تميزهم‪ ،‬وإظهار مختلف القدرات والكفاءات‬
‫العملية والمهنية واالحترافية‪ ،‬وتوظيف ذلك لبناء التعلمات على أساس‬

‫‪174‬‬
‫وجود تمايز ثقافي واجتماعي ومعرفي‪ .‬وهنا‪ ،‬يركز المدرس على التعلم‬
‫الجماعي‪ ،‬أو تقسيم المتعلمين وفق الجماعات التعلمية‪ .‬وعلى المدرس‬
‫كذلك أن يستثمر آثار الصراع السوسيو ‪ -‬معرفي في سياق قائم على تبادل‬
‫المعارف والخبرات والتجارب والتعلمات‪.‬‬

‫المبحث التاسع‪ :‬الخريطة الذهنية‬


‫ترتبط الخريطة الذهنية (‪ ،)Carte mentale/Mental map‬أو الخريطة‬
‫المفاهيمية‪ ،‬أو الخريطة العلمية‪ ،‬أو الخريطة المعرفية‪ ،‬أو خريطة األفكار‪،‬‬
‫بالفيلسوف المنطقي اليوناني أرسطو من جهة‪ ،‬وبعلم النفس المعرفي الذي‬
‫تبلور في سنوات الخمسين من القرن الماضي‪ ،‬وبالخصوص في سنوات‬
‫السبعين من جهة ثانية‪ ،‬وبالعالم النفسي البريطاني طوني بوزان ( ‪Tony‬‬
‫‪ )Buzan‬من جهة ثالثة‪.175‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬فالخطاطة الذهنية نتاج األبحاث والدراسات التي أجريت في‬
‫الفلسفة‪ ،‬والسيكولوجيا المعرفية‪ ،‬والتواصل‪ ،‬واإلعالميات‪ ...‬وهي بمثابة‬
‫إطار توصيفي يبين الطريقة التي يشتغل بها الفكر في بناء المعارف‬
‫والمعلومات والمعارف‪.‬وبالتالي‪ ،‬فهي بمثابة الموسوعة الذهنية التي تقيم‬
‫العالقة بين المفهوم والفكرة والمعلومات ‪ .‬ويعني هذا كله أن الخريطة‬
‫الذهنية هي التي تسعف الباحث أو المتعلم في تحليل المضامين وتفريعها‬
‫وتنظيمها وترتيبها وتشعيبها وتوسيعها أو تلخيصها‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فهي ترتبط‬
‫بالدماي العصبي وفصيه يمنة ويسرة‪.‬‬
‫وتعرف الخريطة الذهنية على أساس أنها خريطة فكرية مفاهيمية بامتياز‪،‬‬
‫تنشط التفكير‪ ،‬وتثري الذهن اإلنساني‪ ،‬وتنظم عمليات التفكير‪ ،‬وتسهم في‬

‫‪175‬‬
‫‪Tony Buzan et‬‬ ‫‪Barry Buzan, Mind‬‬ ‫‪mapʼ :‬‬ ‫‪dessine-moi‬‬
‫‪l'intelligence,‬‬ ‫‪Paris,‬‬ ‫‪Éditions‬‬ ‫; ‪d'Organisation, 2003‬‬
‫‪Tony Buzan et Chris Griffiths, Le mind mapping au service du‬‬
‫‪manager, Paris, Eyrolles Ed. D’Organisation, 2011.‬‬
‫‪175‬‬
‫إغناء عمليات العقلنة وتوليد الفكر وتفتيقه وإنتاجه وخلقه‪.‬ومن ثم‪ ،‬فهي"‬
‫أدوات ديناميكية مختلفة في مقدمتها وأهدافها وتطبيقاتها ‪.‬إذ إنها مصممة‬
‫لتعكس أنماط تفكير عامة بدءا من المهارات المعرفية األساسية كالمقارنة‬
‫والتصنيف والتفكير حول السبب والنتيجة‪ ،‬وانتهاء باللغات البصرية‬
‫المتكاملة‪ ،‬وأن رسم ووصف ونمذجة تلك المهارات يؤدي إلى زيادة‬
‫القدرة على المرونة واإلبداع كما أنها أدوات فعالة لتنشيط عادات‬
‫‪176‬‬
‫العقل‪".‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬تستند الخريطة المفاهيمية إلى مجموعة من العمليات والمهارات‬


‫المعرفية من بينها‪ :‬التفكير‪ ،‬والتذكر‪ ،‬والتركيز‪ ،‬واالنتباه‪ ،‬والنسيان‪،‬‬
‫واالستيحاء‪ ،‬واالستدعاء‪ ،‬واالستظهار‪ ،‬والحفظ‪ ،‬والتوليد‪ ،‬والتحويل‪،‬‬

‫‪ - 176‬محمدوائل وعبد هللا العظيم ريم أحمد‪ :‬تصميم المنهج المدرسي‪ ،‬دار المسيرة‪ ،‬عمان‪،‬‬
‫األردن‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2011‬م‪ ،‬ص‪.270:‬‬
‫‪176‬‬
‫والتخييل‪ ،‬والتفتيق‪ ،‬واإلنتاج‪ ،‬والخلق‪ ،‬واالستعارة‪ ،‬والمحاكاة‪،‬‬
‫واالستيعاب‪ ،‬والمشابهة‪ ،‬والعصف الذهني‪ ،‬واإلدماج‪ ،‬والتقويم‪ ،‬وإصدار‬
‫الحكم والقرار‪ ،‬والمفهمة‪ ،‬واالصطالح‪ ،‬والتعريف‪ ،‬والمقارنة‪ ،‬والتمثل‪،‬‬
‫والتنظيم‪ ،‬والترتيب‪ ،‬والتلخيص‪ ،‬واالختزال‪ ،‬والتخصيص‪ ،‬والتعميم‪،‬‬
‫والتجريد‪ ،‬والعقلنة‪ ،‬والتوصيف‪ ،‬والنمذجة‪ ،‬والهيكلة‪ ،‬والتصميم‪،‬‬
‫والتخطيط‪ ،‬والتدبير‪ ،‬والتوجيه‪ ،‬والتنسيق‪ ،‬والتعبير‪ ،‬والنقل‪ ،‬والتشخيص‪،‬‬
‫والتأطير‪ ،‬واإلدراك‪ ،‬والتجميع‪،‬والربط‪ ،‬واالستدالل‪ ،‬والبرهنة‪ ،‬والحجاج‪،‬‬
‫والتصور‪ ،‬والسيمياء‪ ،‬والخريطة‪ ،‬والتفريع‪ ،‬والتشعيب‪ ،‬والرسم‬
‫التوضيحي‪،‬والخطاطات‪ ،‬والنماذج‪ ،‬والحدس‪ ،‬والمدونات‪ ،‬واألطر‪،‬‬
‫والسيناريوهات‪ ،‬واإلستراتيجيات‪ ،‬والتفريع‪... ،‬‬
‫و" تستخدم الخريطة الذهنية ‪ ،‬وتسمى كذلك المفاهيمية‪ ،‬كطريقة من طرق‬
‫استخدام الذاكرة‪ ،‬وتعتمد على الذاكرة البصرية في رسم توضيحي سهل‬
‫المراجعة والتذكر بقواعد وتعليمات ميسرة‪ ،‬وهي الطريقة الفعلية التي‬
‫يستخدمها العقل البشري في التفكير‪ :‬ربط الكلمات ومعانيها بصور‪ ،‬وربط‬
‫المعاني المختلفة ببعضها البعض بالفروع‪.‬وهي كذلك تستخدم فصي‬
‫الدماي األيمن واأليسر فترفع من كفاءة التعلم‪"177.‬‬
‫وتنبني الخريطة الذهنية على مجموعة من الخطوات الرئيسة التي تتمثل‬
‫في مايلي‪:‬‬
‫‪ ‬مرحلة العصف الذهني‪ ،‬بتجميع أكبر عدد من األفكار والمفاهيم‬
‫والحدوس والتمثالت والحقائق والخبرات والتجارب؛‬
‫‪ ‬مرحلة التنظيم والتجهيز واإلعداد والتنسيق؛‬
‫‪ ‬مرحلة الترتيب حسب األولوية واألهمية والقيمة ؛‬

‫‪ - 177‬عبد الرحيم الواثق العلوي‪ :‬تقويم الكفايات اللغوية وإستراتجيات تعليم وتعلم اللغة‪،‬‬
‫دار أبي رقراق‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2017‬م‪ ،‬ص‪.68:‬‬
‫‪177‬‬
‫‪ ‬مرحلة الربط واالتساق وخلق االنسجام بين المفاهيم واألفكار؛‬
‫‪ ‬مرحلة التوصيف والتحليل والمناقشة؛‬
‫‪ ‬مرحلة التركيب واالستنتاج؛‬
‫‪ ‬مرحلة التقويم والمراجعة والتثبت من تنظيمها؛‬
‫‪ ‬مرحلة الصياغة النهائية‪.178‬‬

‫عالوة على ذلك‪ ،‬تصف الخريطة المفاهيمية عمليات التخزين والتمثل‬


‫واإلدراك‪ ،‬ومعالجة البيانات والمعلومات والمعطيات وفق سياقاتها‬
‫الواقعية والذهنية والخيالية واإلدراكية‪ .‬وتتضمن مجموعة من المفاهيم‪،‬‬
‫والمصطلحات‪ ،‬والصور‪ ،‬والمتخيالت‪ ،‬والمدركات‪ ،‬واألفكار‪،‬‬
‫والفضاءات السياقية‪...‬والهدف من ذلك كله هو مساعدة الفرد على التكيف‬
‫‪ - 178‬أيت أوشان علي‪ :‬اللسانيات والتربية‪ ،‬المقاربة بالكفايات والتدريس‬
‫بالمفاهيم‪ ،‬دار أبي رقراق للطباعة والنشر‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة‬
‫‪2014‬م‪ ،‬ص‪.185:‬‬
‫‪178‬‬
‫مع المحيط بفهمه وتفسيره‪ ،‬أو الدخول في تواصل لفظي أو غير لفظي مع‬
‫اآلخرين‪.‬‬
‫وتتميز الخريطة الذهنية بكونها خريطة هرمية ومنظمة‪ ،‬ومترابطة‬
‫ومفسرة‪ ،‬وتكاملية‪ ،‬ومفاهيمية‪ .‬بمعنى أن هذه الخريطة ترسم بطريقة‬
‫هرمية منظمة من األسفل إلى األعلى‪ ،‬والعكس صحيح أيضا‪ ،‬سواء أكانت‬
‫تلفظية أم بصرية ‪ ،‬وخاصة في أثناء تجميع األفكار وتركيزها في بؤر‬
‫مركزية عامة‪ ،‬ثم تقسيمها إلى أفكار ثانوية وفرعية ومتشعبة‪ .‬وتقوم هذه‬
‫الخريطة على التوصيف والتحليل والتفسير واستنتاج مختلف الحلول‬
‫للمشاكل المطروحة بعد التعريف بها‪ ،‬بتدوين المالحظات واالقتراحات‬
‫وتقويمها‪ ،‬واختيار االقتراحات الصائبة والمفيدة والبناءة والمثمرة‪.‬‬

‫أضف إلى ذلك أن الخريطة الذهنية مجال معرفي مهم وواسع‪ ،‬تشتغل‬
‫عليها البيولوجيا‪ ،‬واألنتروبولوجيا‪ ،‬واللسانيات‪ ،‬والسيكولوجيا‪ ،‬والتربية‪،‬‬
‫والديدكتيك‪ ،‬واألدب ‪...‬وبالتالي‪ ،‬فهي عالم من الخطاطات‪ ،‬والصور‪،‬‬
‫والتخيالت‪ ،‬واألحالم‪ ،‬والمجردات‪ ،‬والتصورات‪ ،‬والمفاهيم‪ ،‬والتمثالت‪،‬‬

‫‪179‬‬
‫والحدوس‪ ،‬والمدركات ‪ ،‬واألطر‪ ،‬والمدونات‪ ،‬والمعارف الخلفية‪،‬‬
‫والسيناريوهات‪...‬‬
‫إذاً‪ ،‬فالخريطة المعرفية هي خطاطة فضائية وجغرافية ذهنية وعلمية‬
‫تصف الدماي البشري أو الحيواني أو اآللي‪ ،‬بالتوقف عند طرائق تنظيم‬
‫المعلومات والمعارف في الذهن البشري‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تهدف الخريطة الذهنية‬
‫إلى فهم العمليات الذهنية والعقلية في بناء المعارف والمعلومات ‪ ،‬وتفسير‬
‫ذلك في ضوء علم النفس المعرفي‪ .‬واليعني ذلك رسم خريطة جغرافية‬
‫للذهن فحسب‪ ،‬بل يمكن االستعانة بالوصف والتأويل والسرد في شرح هذه‬
‫الخريطة الذهنية التي ترد في شكل تمثالت‪ ،‬وصور‪ ،‬وتخيالت‪...‬‬
‫ويعني هذا كله أن الخريطة الذهنية تساعدنا على فهم مختلف الطرائق التي‬
‫تسهم في بناء المعلومات والمعارف الذهنية والعصبية والدماغية‬
‫فيزيولوجيا‪ ،‬وبيولوجيا‪ ،‬وسيكولوجيا‪ ،‬ومعرفيا‪...‬‬
‫ويمكن االستعانة بالخريطة الذهنية في مجالي البيداغوجيا والديدكتيك من‬
‫أجل فهم عمليات اإلدراك واالكتساب واالستيعاب واالنتباه والتمثل‬
‫والتخيل لدى المتعلم‪ .‬ويتحقق ذلك بتحويل أفكار ومعلومات الكتب‬
‫المدرسية إلى خطاطات وخرائط وصور بصرية ملونة تساعد المتعلم على‬
‫فهم آليات بناء الفكر ذهنيا ‪ .‬بمعنى أن الخريطة الذهنية تنظم مختلف‬
‫المعلومات المدرسية‪ ،‬وتبسطها بشكل واضح وبين وجلي‪.‬‬
‫وأكثر من هذا يمتلك كل متعلم خريطة ذهنية في دماغه العصبي‪ ،‬وتساعده‬
‫هذه الخريطة على تمثل مدركات الذات والعالم الخارجي‪ .‬كما يستطيع‪،‬‬
‫من خالل هذه الخريطة‪ ،‬بناء تعلمات الدرس القديمة والجديدة‪ ،‬بتحويل‬
‫المعطيات التعلمية إلى ملخصات موجزة‪ ،‬أو نقلها في شكل خطاطات‬
‫متشعبة لتيسير سبل التعلم واالكتساب واالختزال والتخزين‪.‬عالوة على‬
‫توظيف تمثالته التعلمية‪ ،‬واستحضار ما اكتسبه من موارد‪ ،‬وما خزنه من‬
‫خبرات وتجارب لمواجهة الوضعيات الحياتية والطبيعية ‪ ،‬باستخدام‬
‫‪180‬‬
‫العصف الذهني‪ ،‬واستعمال آليات التفكير المختلفة من تخيل‪ ،‬وتصور‪،‬‬
‫وتذكر‪ ،‬وانتباه‪ ،‬وتركيز‪ ،‬وتجريد‪ ،‬وتشخيص‪ ،‬وتمثيل‪ ،‬وتخزين‪ ،‬وحفظ‪،‬‬
‫واستظهار‪ ،‬واسترجاع‪ .‬فضال عن توظيف جميع حواسه في بناء الدرس‬
‫لفظيا وإيمائيا وإشاريا وبصريا‪ .‬واليمكن للدرس الديدكتيكي أن يحقق‬
‫أهدافه إال إذا وظفنا الخطاطات والعالمات والمجسمات في فهم التعلمات‬
‫وتخزينها وتوظيفها مرة أخرى ‪.‬‬
‫ومن وظائف الخريطة الذهنية كذلك أنها تساعد المتعلم على استحضار‬
‫التعلمات في شكل تمثالت إيجابية لحل الوضعيات اإلدماجية ومعالجتها ‪،‬‬
‫وخلق الروابط المنطقية الممكنة بين الظواهر والوضعيات المعطاة‪ ،‬وفهم‬
‫التعلمات وتفسيرها وتأويلها وفق السياقات المعرفية المخزنة‪ ،‬واستدعاء‬
‫المكتسبات والموارد واإلحاالت المعرفية للتحكم في المسائل والوضعيات‬
‫‪ -‬المشكالت‪ .‬فضال عن تدوين المعلومات وترتيبها وتنظيمها وتلخيصها‬
‫وتوضيحها بغية خلق تواصل لفظي وغير لفظي فعال ومفيد وبناء ومثمر‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يتبين لنا‪ ،‬مما سلف ذكره‪ ،‬أن الخريطة الذهنية من آليات‬
‫السيكولوجيا المعرفية ‪ ،‬ومن أساسيات التعلم الديدكتيكي‪ ،‬وأداة من أدوات‬
‫بناء التعلمات بشكل ذهني وعصبي ودماغي‪ .‬كما أنها تسعف المتعلم في‬
‫استيعاب دروسه‪ ،‬ومراجعة الوحدات التعلمية‪ ،‬وتمثل المكتسبات في حل‬
‫مشاكل التمارين والمسائل والوضعيات الجزئية واإلدماجية واإلشهادية‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫ويمكن أن تسعفنا الخريطة الذهنية في تدريس المفاهيم بتعريفها لغة‬
‫واصطالحا‪ ،‬والبحث في سياقاتها‪ ،‬وربط المفاهيم الجديدة بالمفاهيم‬
‫القديمة‪ ،‬وخلق الربط بينها‪ ،‬والبحث عن ماهيتها‪ ،‬ووظائفها‪ ،‬وأسسها ‪،‬‬
‫وتحديد منهجية البحث في التعامل معا‪ .‬ويمكن للمدرس أن يطالب المتعلم‬
‫بتحويل الدرس إلى خريطة ذهنية‪ ،‬أو إلى مجموعة من المفاهيم بتجميعها‪،‬‬
‫وتنظيمها‪ ،‬وترتيبها‪ ،‬وتخطيطها‪ ،‬وتوصيفها‪ ،‬وتحليلها‪ ،‬ومناقشتها‪،‬‬
‫وتقويمها‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫المبحث العاشر‪ :‬السيناريو البيداغوجي والديدكتيكي‬
‫السدديناريو(‪ ) Scénario‬كلمددة إيطاليددة تعنددي العددرض الوصددفي لكددل‬
‫المناظر واللقطات والمشاهد والحوارات التي سدينبني عليهدا الفديلم بطريقدة‬
‫مفصلة علدى الورقدة مدن التقطيدع حتدى التركيدب والمونتداج‪ .‬وتسدتمد فكدرة‬
‫السيناريو من قصاصات الصحف‪ ،‬أو من مضامين بعض المسدرحيات‪ ،‬أو‬
‫من القصص‪ ،‬أو من الروايات سواء أكانت قديمة أم حديثة‪ ،‬أو من أرشيف‬
‫المحكمددة‪ ،‬أو مددن التدداريخ ‪ ،‬أو مددن وقددائع اجتماعيددة وسياسددية وثقافيددة‪ ،‬أو‬
‫‪179‬‬
‫تقتبس من التراث األجنبي أو العالمي أو اإلنساني‪.‬‬
‫وإذا كان الفيلم عبارة عن قصة مصورة ومشخصة حركيا تروى للجمهور‬
‫علددى الشاشددة الصددغيرة أو الكبيددرة‪ ،‬أو هددو فددن سددرد القصددة بالصددور‪ ،‬فددإن‬
‫السيناريو هو التخطيط للفيلم على الورق‪ .‬أي‪ :‬إنه تخطديط للقصدة السدردية‬
‫الحكائية في شكل لقطات ومقاطع ومشاهد وبكرات وحوارات على الورقة‬
‫لكددي تكددون قابلددة للتشددخيص والتمثيددل والتمسددرح الدددرامي فددي األسددتوديو‬
‫الدددداخلي أو الخدددارجي‪ .‬كمدددا أن السددديناريو قصدددة سدددردية تكتدددب بطريقدددة‬
‫مشخصة بالحركات والنقل المرئي البصري‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فالسيناريو عبارة عدن شدريط سدردي ووصدفي يهددف إلدى تقدديم‬
‫األحداث والشخصيات والفضداء الزمكداني ‪ ،‬وتزويدد المشداهد بالمعلومدات‬
‫الضرورية كلها ‪ ،‬ونقلها عبر مكونات الحبكة السردية‪ .‬وهنداك نوعدان مدن‬
‫السدديناريو‪ :‬سككيناريو خككا يتعلددق بالسددينما‪ ،‬وسككيناريو عككام يوجدده إلددى‬
‫المسرح واإلذاعة وغير ذلك من االختصاصات اإلعالمية‪.‬‬
‫وماان هنااا‪ ،‬يلتجااىء الماادرس إلااى الساايناريو البيااداجوجي ماان أجاال تااأطير‬
‫أنشااطة المااتعلم‪ ،‬والتخطاايط للمراحاال التعلميااة ماان البدايااة حتااى النهايااة‪،‬‬

‫‪ - 179‬حسن الورياغلي‪ :‬المصنفات السينمائية بين المقتضيات الفنية والضوابط القانونية‪،‬‬


‫سليكي إخوان‪ ،‬طنجة‪ ،‬ط‪2005 ، 1‬م‪ ،‬ص‪.13:‬‬
‫‪183‬‬
‫بااالتركيز علااى األحااداث واألنشااطة و األفعااال التعلميااة‪ ،‬وتحديااد ممثلااي‬
‫العملية الديدكتيكية‪ ،‬وتعيين زمان اللقطاات التعلمياة ومكانهاا‪ ،‬والتنصايه‬
‫علاااى الحاااوارات التاااي تتعلاااق بكااال طااارف علاااى حااادة‪ ،‬وتصاااوير جمياااع‬
‫العالمات البصرية والقرائن واإلماءات المالح ة داخل الفضاء الدراسي‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يقوم السيناريو البيداجوجي بتوصايف المقااطع التعلمياة‪ ،‬بتحدياد‬
‫األهاااداف والكفاياااات النوعياااة والخاصاااة لكااال مقطاااع ديااادكتيكي‪ ،‬وتعياااين‬
‫الوسائل الديدكتيكية ‪ ،‬وتبيان مختلف الموارد التي ينبغاي للماتعلم اكتساابها‬
‫وتعلمها‪ .‬ومن هناا‪ ،‬فالسايناريو البياداجوجي هاو مشارو‪ ،‬أو نشااط تعلماي‬
‫يسااتوجب ‪،‬علااى مسااتو اإلخاارا ‪ ،‬التحقااق ماان مااد اكتساااب المااتعلم‬
‫للقدرات الكفائية المعلن عنها‪.‬‬
‫ويمكن الحديث عن سيناريو التعلم واالكتساب لدى المتعلم‪ ،‬وسيناريو‬
‫التأطير والتكوين والتدريس لدى المدرس‪ ،‬وسيناريو اإلدماج عند تقديم‬
‫الوضعيات اإلدماجية ومعالجتها وتقويمها‪...‬‬
‫وعليه‪ ،‬فالسيناريو البيداغوجي (‪ )Scénario pédagogique‬هو بمثابة‬
‫" تصور وتخطيط لكل مراحل الدرس من بدايته حتى نهايته؛ وهدف‬
‫السيناريو البيداغوجي هو تدبير التعلمات بشكل ناجع وفعال‪ ...‬وهو نتاج‬
‫سيرورة تصميم نشاط أو أنشطة تعلمية؛ يتكون من مقاطع وأدوار‬
‫وحركات كما نجد في السينما‪...‬ومراحل السيناريو خمس هي‪ :‬التشخيص‬
‫من أجل تحديد األهداف والحاجيات؛ والتصور؛ واإلعداد؛ والتنفيذ‪ ،‬ثم‬
‫التقويم والمراجعة‪.‬‬
‫وقد ارتبط هذا المفهوم باستدماج التكنولوجيا في التدريس ألن ذلك يتطلب‬
‫وضع تصور وتخطيط للدور أو المهمة التي ينتظر أن يقوم بها كل من‬
‫‪180‬‬
‫األستاذ والمتعلم والدعامة الرقمية المنشطة أو غير المنشطة‪".‬‬

‫‪ - 180‬العربي اسليماني‪ :‬المعين في التربية‪ ،‬ص‪.227:‬‬


‫‪184‬‬
‫إذا‪ ،‬يعتمد السيناريست البيداجوجي والديدكتيكي االمدرس الكفء علاى‬
‫مجموعة من الخطوات اإلجرائية التاي توصاله إلاى إمكانياة إخارا درس‬
‫تعلمااي ناااجة وهااادف‪ .‬وتتمثاال هااذه الخطااوات فااي رساام خطااة هندسااية أو‬
‫خطاااة ديدكتيكياااة وصااافية مرقماااة للمقااااطع والتعلماااات الديدكتيكياااة التاااي‬
‫تستلزم جميع المبادئ والقواعد التي تنبني عليها الحبكة التعلمية ومقومات‬
‫النموذ الديدكتيكي‪.‬‬
‫وإلاايكم مجموعااة مااان الخطااوات التاااي توضااة طريقاااة كتابااة السااايناريو‬
‫البيداجوجي والديدكتيكي في صورته التوضيحية التبسيطية‪:‬‬
‫‪ ‬تحدياد عناوان السايناريو الدراسااي بشاكل واضاة وهاادف‪ ،‬وبطريقااة‬
‫فنية ممتعة جذابة‪.‬‬
‫‪ ‬تبيان تيمته الكبر وفكرته المحورية‪.‬‬
‫‪ ‬كتابة السينوبسيس أو ملخه السيناريو‪.‬‬
‫‪ ‬تخيل الجنيريك في شكل وضعيات استكشافية بدئية قصد االسترشااد‬
‫به‪.‬‬
‫‪ ‬تصميم الحبكة التعلمية‪ ،‬باحترام الخطوات الثالث‪ :‬عرض المشاكلة‪،‬‬
‫وتعقيد المشكلة‪ ،‬وإيجاد حل للمشكلة‪.‬‬
‫‪ ‬تقطيع الدرس إلى أنشطة وتعلمات وأدوار في شكل لقطات ومشااهد‬
‫ومقاطع متسلسلة من البداية حتى النهاية‪.‬‬
‫‪ ‬مراعاااة االقتصاااد والتااوازن و التوقياات فااي عمليااة تقطيااع الاادرس‬
‫وتركيبه‪.‬‬
‫‪ ‬تحديااااد اإليقاعااااات الزمنيااااة والمكانيااااة إلنجاااااز مختلااااف التعلمااااات‬
‫واألنشطة واألدوار الديدكتيكية‪.‬‬
‫‪ ‬ضبط زاوية التواصل اللف ي وجير اللف ي‪.‬‬
‫‪ ‬تحديد أطراف التمثيل والتشخيه الديدكتيكي‪.‬‬
‫‪ ‬التأشااير علااى حركااة الاادرس احركااة بطيئااة‪ ،‬حركااة سااريعة‪ ،‬حركااة‬
‫مركزة‪ ،‬حركة متسارعة‪ ،‬حركة دائرية‪. ...‬‬

‫‪185‬‬
‫‪ ‬تعيين الشخصيات المتعلمة التي تنجز األحداث من خالل مواصفات‬
‫معينة ومحددة بدقة‪.‬‬
‫‪ ‬تو يااف الم ا ثرات الصااوتية والحركيااة واإليقاعيااة بغيااة بناااء درس‬
‫تعلمي ناجة‪.‬‬
‫‪ ‬االساااتعانة بالاااديكور واإلكسساااوارات علاااى مساااتو تااادبير الفضااااء‬
‫الدراسي‪.‬‬
‫‪ ‬كتابة الحوارات البسيطة العادية المقتضبة‪.‬‬
‫‪ ‬تحديد مدة الدرس وفق استعمال الزمن المخطط للدرس‪.‬‬
‫‪ ‬تخصيه عشر دقائق للبداية‪ ،‬وعشردقائق للنهاياة ‪ ،‬وأربعاين دقيقاة‬
‫للمقطع الدراسي الوسطي‪ ،‬أو حسب مدة كل درس على حدة‪.‬‬
‫‪ ‬جدولااة الساايناريو البيااداجوجي علااى الااورق بشااكل هندسااي مخطااط‪،‬‬
‫بمراعاااة جميااع المكونااات التااي ذكرناهااا سااالفا لحاجااة الماادرس والم ا طر‬
‫والمتعلم والمدير إلى نسخة من السيناريو البيداجوجي من أجل فهام الحبكاة‬
‫التعلميااة فااي جميااع جوانبهااا ‪ ،‬وتمثاال العماال جياادا فااي ضااوء عناصاارها‬
‫البارزة‪.‬‬
‫واان‪ ،‬إليكم سيناريو بيداجوجي لدرس التعبير واإلنشاء في التعليم األولي‬
‫في موضو‪ ،‬ا الطفل والنظ فة وفق المقاطع الديدكتيكية الثالثة‪:‬‬

‫سين يو األنشطـــــــــــــــــــــــــة الديــــــــدكتيكيــــــــــــــــــــــــــة‬ ‫خطوات‬


‫السين يو‬
‫أنشطـــــــــــــــــــة المتعاميــــــــــــــــن‬ ‫أنشطة األستـــــــــ ذ‬

‫يستمعون للحكاية‪.‬‬ ‫تبدأ المربية بتسميع حكاية الولد الن يف‪ ،‬ثم‬ ‫التسميع‬
‫من الصور ألدوات ومواد‬ ‫عرض مجموعة‬
‫يتطلع األطفال إلى الصور بتحفز‪.‬‬
‫و‬ ‫والفرشاة‪،‬‬ ‫الصابون‪،‬‬ ‫‪:‬‬ ‫التن يف‬
‫السنون‪،‬والغاسول‪ ،‬وقفاز الغسل‪ ...‬وصورة طفل‬

‫يتسابق األطفال مجيبين أن لديهم مثل هذه األدوات‬ ‫ين ف أسنانه‪ ،‬و آخر يستحم‪...‬‬

‫والمواد في منازلهم‪.‬‬ ‫يا أطفالي‪ ،‬من لديه مثل هذه األشياء؟‬ ‫الفهم‬
‫‪-‬هذا كريم ‪ -‬كريم في الحمام – كريم يستحم‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫يسمون بعضها بأسمائها الصحيحة {الصابون ‪} ...‬‬ ‫‪-‬من هذا؟ ‪-‬أين هو؟ ‪-‬ماذا يفعل؟‬

‫نن ف جسمنا بالماء و الصابون‪.‬‬ ‫تسألهم عن أسماء ما في الصور‪.‬‬

‫‪ -‬نن ف أسناننا بالفرشاة والسنون‪.‬‬ ‫تعرفهم باألسماء التي لم يتوصلوا إليها ‪.‬‬

‫نن ف مالبسنا بالماء ومسحوق الغسيل‪.‬‬ ‫بماذا نن ف جسمنا؟ بماذا نن ف أسناننا؟‬

‫يتقدم طفل ‪ ،‬ويقلد كريما ‪.‬‬ ‫بماذا نن ف مالبسنا؟‬

‫مجموعة من األطفال يشخصون حكاية الولد‬ ‫التشخيه من يقوم بدور كريم و ين ف أسنانه مثله؟‬
‫الن يف {لعب األدوار}‪.‬‬
‫االستثمار بماذا تن ف وزرتك؟ بماذا تغسل يديك؟‪...‬‬
‫يردد المتعلمون الحديث‪.‬‬
‫قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم)الن افة من‬ ‫الترسي‬
‫أنا الفتى الن يف مهذب لطيف‪.‬‬ ‫اإليمان(‪.‬‬

‫الطفل الن يف يحبه هللا‪ ،‬و تحبه المربية ‪،‬‬

‫و يحبه أصدقا ه‪...‬‬ ‫التقويم‬


‫هذا مشط‪ – .‬هذه فرشاة‪ – .‬هذا مقه أ افر ‪...‬‬ ‫عرض بطاقات أدوات الن افة ليذكر المتعلمون‬
‫أسماءها‪ ،‬و يحاولوا استعمالها في جمل بسيطة‪.‬‬
‫أمشط شعري بالمشط‪.‬‬

‫‪...‬‬

‫وهكذا‪ ،‬يتبين لنا ‪ ،‬في األخير‪ ،‬أن السيناريو البيداغوجي هو تخطيط مسبق‬
‫للعملية التعليمية‪-‬التعلمية من أجل تحقيق مجموعة من األهداف الخاصة ‪،‬‬
‫والسعي بجدية إلى تثبيت الكفايات النوعية لدى المتعلم‪ ،‬وترسيخها وفق‬
‫مشاهد ولقطات ومقاطع تعلمية منطقية متسلسلة ومتدرجة من البداية حتى‬
‫النهاية‪ ،‬تنطلق من لحظة تقديم المشكلة إلى لحظة معالجتها وحلها‬
‫وتقويمها‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فالسيناريو البيداغوجي والديدكتيكي هو تخطيط ورقي‬
‫وتوصيف إجرائي لمختلف العمليات التي يمر بها الدرس الهادف‬
‫‪187‬‬
‫والكفائي‪ ،‬في شكل مشاهد ومقاطع محددة بإيقاعاتنها الزمانية والمكانية‬
‫والشخوصية والتواصلية والحوارية والبصرية‪.‬‬

‫المبحث الحادي عشر‪:‬التقطيع الديدكتيكي‬


‫يتمثل التقطيع الديدكتيكي في إفراغ التعلمات واألنشطة في مجموعة من‬
‫المراحل الرئيسة‪ ،‬بعد تحديد األهداف اإلجرائية‪ ،‬وتعيين الكفاية النوعية‬
‫والممتدة والمستهدفة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يضم الدرس ثالث مراحل ديدكتيكية‪ ،‬أو‬
‫ثالثة مقاطع أساسية‪ ،‬ويمكن حصرها فيما يلي ‪:‬‬
‫‪‬المئطع التمهيدي أو االبتدا أو االستهالل ‪ :‬يكون في شكل مراجعة‪،‬‬
‫أو تقويم تشخيصي‪ ،‬أو استكشاف توقعي لتمثالت التالميذ حول الموضو‪،‬‬
‫المدروس؛‬
‫‪ ‬المئطع التكوين ‪ :‬يرتكز على أنشطة المعلم والمتعلم في شكل أفعال‬
‫كفائية وقدرات مرصودة‪ ،‬مع تبيان الطرائق البيداجوجية والموارد‬
‫والوسائل الديدكتيكية وتقويمها؛‬
‫أو الخت م أو التئويم ‪ :‬يكون بمثابة تطبيقات‬ ‫‪‬المئطع النه‬
‫واستنتاجات واستثمارات وأنشطة ل نجاز والتقويم النهائي أو اإلجمالي‪.‬‬
‫ويمكن تشخيه هذه المراحل في النموذ التقني التالي‪:‬‬

‫عـــذاذة نموذعية‪-‬‬ ‫‪-‬‬

‫قم األست ذ ‪.....................‬‬ ‫الت يخ ‪........................‬‬


‫‪..‬‬ ‫العذاذة ‪.............‬‬ ‫‪...‬‬
‫الم دة ‪ ..................‬عنوان الد س ‪.............‬‬ ‫المؤسسة ‪......................‬‬
‫‪...‬‬ ‫‪..‬‬

‫‪188‬‬
‫المدة الزمنية ‪ ..........‬الوحدة ‪.....................‬‬ ‫المستوى ‪......................‬‬
‫‪..‬‬ ‫‪..‬‬
‫مكون الوحدة األسبوا ‪...................‬‬ ‫قم‬
‫‪...‬‬ ‫الوحدة ‪......................‬‬

‫‪...........................................................................‬‬ ‫الكف ية‬


‫‪...........................................................................‬‬ ‫المستهدفة‬
‫‪...........................................................................‬‬
‫تئويم‬ ‫الط ا ق‬ ‫الوس ل‬ ‫األهداف األنشطة الديدكتيكية‬
‫ودعم‬ ‫اإلع ا ية المد س المتعام الديدكتيكية البيداغوعية‬
‫تئويم‬ ‫المئطع‬
‫قبا‬ ‫التمهيدي‬
‫تئويم‬ ‫المئطع‬
‫تكوين‬ ‫التكوين‬
‫تئويم‬ ‫المئطع‬
‫إعم ل‬ ‫النه‬

‫المبحث الثاني عشر‪ :‬النموذج الديدكتيكي‬


‫النموذج الديدكتيكي (‪) Modèle didactique‬عبارة عن نموذج شكلي‪،‬‬
‫أو قالب نظري‪ ،‬هدفه هو توصيف العملية التعليمية‪ -‬التعلمية‪ ،‬واستجالء‬
‫طرائق بناء التعلمات فهما وتفسيرا واستكشافا‪.‬‬
‫ويعد النموذج أو النمط الديدكتيكي مقولة وصفية عامة ومجردة‪ ،‬تساعدنا‬
‫على فهم مجموعة من الظواهر التربوية والديدكتيكية وتفسيرها والتنظير‬
‫لها‪ .‬وليس من الضروري أن تكون خصائص هذا النمط متوفرة دائما‪،‬‬
‫وبشكل جيد‪ ،‬في الظواهر المالحظة والمدركة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فهدف النموذج‬
‫هو تكوين صورة عامة للظاهرة الديدكتيكية أو منظور هادف لها‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫واليحيلنا مفهوم النموذج على الجودة واإلتقان والحكم اإليجابي فقط‪ ،‬بل‬
‫هو دليل لبناء الفرضيات‪ ،‬ونموذج لفهم الظواهر التربوية المدركة في‬
‫الواقع‪ ،‬أو تعبير عن الفكر المنظم‪ .‬بمعنى أن النموذج هو نتاج لعملية‬
‫تركيبية لمجموعة من السمات والمواصفات لظاهرة ما‪ ،‬قد تكون مجردة‬
‫وعامة‪ ،‬وتصنيفها ضمن نموذج فكري وعقلي ومنطقي متسق‪.‬‬
‫وللتمثيل‪ ،‬حينما ندرس الظواهر الديدكتيكية ‪ ،‬فإننا ندرسها بطريقة مثالية‬
‫عامة ‪ ،‬بالتركيز على خصائصها ومميزاتها المجردة والمشتركة في‬
‫عمومها لقولبتها ضمن نموذج مفهومي ووصفي ما‪ .‬أضف إلى ذلك أن‬
‫النموذج الديدكتيكي هو نتيجة لمجموعة من المقارنات والعمليات الوصفية‬
‫لظاهرة ديدكتيكية ما‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فالنموذج العالقة له بالقيمة‪ ،‬بل يرتبط‬
‫بمنظومة من الخصائص واألوصاف والسمات المشتركة الناتجة عن‬
‫مالحظة ظاهرة ما‪.‬‬
‫وبتعبير آخر‪ ،‬يعني النموذج تجريد أو تحويل الظاهرة الديدكتيكية المدركة‬
‫والمالحظة إلى نموذج ذهني مجرد في شكل خصائص ومكونات وسمات‬
‫مشتركة مجردة وعامة‪.‬أي‪ :‬االنتقال من المحسوس إلى المجرد المثالي‪.‬‬
‫فحينما يرصد المالحظ ظاهرة مدركة ما ومعزولة ‪ ،‬فإنه يختزلها في‬
‫مجموعة من المكونات والخصائص والسمات العامة والمجردة لبناء‬
‫نمطها المثالي والمفهومي‪.‬‬
‫إذاً‪ ،‬فالنموذج أداة تصورية وإجرائية أساسية‪ ،‬أو هو بمثابة منهاج ‪ ،‬أو‬
‫مقياس‪ ،‬أو نموذج تركيبي يستخدم لوصف الوقائع الديدكتيكية وتقييمها‪.‬‬
‫ويعني هذا أن النموذج هو أداة للفهم وإدراك الظواهر التربوية والتعليمية‬
‫إدراكا مباشرا وبدهيا وواضحا‪ .‬ويرى أنتوني غيدنز(‪ )Giddens‬أن "‬
‫األنماط المثالية هي نماذج مفهومية وتحليلية يمكن استخدامها لفهم العالم‪.‬‬
‫وقلما توجد هذه النماذج في العالم الواقعي‪.‬وربما التوجد على اإلطالق‪.‬‬
‫وفي أغلب الحاالت تتضح جوانب أو مالمح قليلة منها في الواقع‪ .‬غير أن‬
‫‪190‬‬
‫هذه النماذج االفتراضية قد تكون مفيدة جدا‪ ،‬عندما نحاول فهم األوضاع‬
‫الفعلية في العالم بمقارنتها بواحد من هذه األنماط المثالية‪.‬وفي هذا السياق‪،‬‬
‫‪181‬‬
‫تكون األنماط المثالية بمثابة نقطة مرجعية ثابتة‪"...‬‬
‫إذاً‪ ،‬فالنموذج هو تشييد فكري اليعكس الواقع التجريبي المرصود فحسب‪،‬‬
‫بل يسمح بتحليل مكوناته وخصائصه‪ .‬ويتحقق النموذج بالربط بين عدد‬
‫من الظواهر‪ ،‬بتصنيفها وتنظيمها وترتيبها ضمن نموذج فكري منسجم‬
‫ومتسق‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬يعد النموذج بمثابة قالب للتوصيف والتجريد والتقعيد والتصنيف‬
‫والنمذجة ‪ ،‬وتحويل الواقع الديدكتيكي إلى قوانين وبناءات لها قيمة كشفية‬
‫كبيرة جدا‪ .‬أي‪ :‬يقوم النموذج المثال على ربط النظرية بالواقع بغية تحديد‬
‫األشكال والمفاهيم المجردة‪ ،‬وصوال إلى تصنيف نوعي‪ ،‬وتبيان للمكونات‬
‫الجوهرية ‪ ،‬وتحديد للسمات الثانوية‪ ،‬وتصنيف لألنماط‪ .‬ومن هنا‪،‬‬
‫فإن"النظام المنطقي للمفاهيم من جانب‪ ،‬والترتيب التجريبي لما هو خاضع‬
‫للتصور في إطار الزمان والمكان‪ ،‬إلى جانب الترابط السببي من جانب‬
‫آخر‪ ،‬كل ذلك سيبدو مترابطا إلى درجة أن محاولة اإلساءة إلى الواقع‪،‬‬
‫لتؤكد فيه القابلية الفعلية للبناء‪ ،‬ستبدو محاولة اليمكن مقاومتها‪"182.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يستهدف النموذج الديدكتيكي فهم الظواهر التربوية والديدكتيكية‬
‫فهما حقيقيا‪ ،‬وتوصيفها تجريدا وتقعيدا وتصنيفا‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يمكن الحديث‬
‫عن نموذج التعليم من جهة‪ ،‬ونموذج للتعلم من جهة أخرى‪ .‬ويعني هذا‬
‫وصف سيرورة التدريس التي يتوالها المدرس في مختلف مراحلها‪،‬‬
‫ووصف سيرورة التعلم التي يقوم بها المتعلم في مختلف خطواتها‬
‫اإلجرائية‪ .‬وبهذا‪ ،‬يكون النموذج التربوي هو الذي يصف مسارات التعليم‬
‫‪- 181‬أنتوني غدينز‪ :‬علم االجتماع‪ ،‬ترجمة‪ :‬فايز الصياي‪ ،‬منشورات المنظمة العربية‬
‫للترجمة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2005‬م‪ ،‬ص‪.71:‬‬
‫‪ - 182‬كاترين كوليو تيلين‪ :‬ماكس فيبر والتاريخ‪ ،‬ترجمة‪ :‬جورج كتورة‪ ،‬المؤسسة الجامعية‬
‫للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪1994‬م‪ ،‬ص‪.119:‬‬
‫‪191‬‬
‫والتعلم على حد سواء‪ .‬وإذا كانت الطريقة (‪ )Méthode‬عبارة عن‬
‫ممارسة إجرائية وتطبيقية ‪ ،‬فإن النموذج)‪ )Modèle‬عبارة عن تصور‬
‫بنيوي نظري‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يعنى النموذج التربوي بتقسيم الدرس إلى مقاطع‬
‫التعلمات‪ ،‬ورصد أنشطة التعلم‪ ،‬وتبيان أشكال التعلمات‪ ،‬وتحديد أساليب‬
‫التعلم‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يرتكز النموذج الديدكتيكي على فهم المثلث البيداغوجي‪ ،‬وتبيان‬
‫النموذج المثالي في عملية التدريس‪ ،‬كأن يرتكز هذا النموذج على تحديد‬
‫األهداف العامة والخاصة واإلجرائية من جهة‪ ،‬وتعيين مجموعة من‬
‫الكفايات النوعية والمستهدفة والنهائية والممتدة‪ .‬ثم‪ ،‬اختيار مجموعة من‬
‫الموارد في شكل قدرات وكفايات ودرايات ومواقف ومعارف لتبليغها‬
‫للمتعلم ‪ ،‬مع تقديم مجموعة من الدروس في شكل دعم وتوليف ضمن ما‬
‫يسمى باإلدماج الجزئي‪.‬وبعد ذلك‪ ،‬يقدم للمتعلم وضعيات صعبة ومركبة‬
‫ومعقدة للتثبت من مدى تحقق الكفاءة لديه ضمن ما يسمى ببيداغوجيا‬
‫اإلدماج‪.‬ويعني ذلك أن يدمج المتعلم ما اكتسبه من موارد في حل‬
‫الوضعيات التي يواجهها في الفضاء الدراسي‪ ،‬أو في المحيط الخارجي‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يمكن الحديث عن النموذج الديدكتيكي المعرفي الموسوعي‬
‫المرتبط بالمدرسة التقليدية أو الكالسيكية‪ .‬عالوة على النموذج الديدكتيكي‬
‫الهادف القائم على فلسفة األهداف السلوكية‪ ،‬والنموذج الديدكتيكي الكفائي‬
‫الذي يعتمد على المقاربة بالكفايات وبيداغوجيا اإلدماج‪ .‬ومن جهة أخرى‪،‬‬
‫يمكن الحديث عن نماذجة ديدكتيكية أخرى كالنموذج اإلبداعي‪ ،‬والنموذج‬
‫الملكاتي‪ ،‬والنموذج اإلعالمي الترابطي‪...‬‬
‫وفي األخير‪ ،‬يمكن الحديث عن نماذج بيداغوجية وتربوية وديدكتيكية‬
‫متنوعة‪ ،‬يمكن حصرها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي التلقيني كما في المدرسة التقليدية؛‬

‫‪192‬‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي الحواري كما في التربية الحديثة؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي الهادف القائم على بيداغوجيا األهداف؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي الكفائي القائم على المقاربة بالكفايات؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي الهربارتي القائم على التمهيد‪ ،‬وبناء الدرس‪،‬‬
‫والربط المنطقي بين مراحل الدرس‪ ،‬واالستنتاج‪ ،‬والتطبيق؛‬
‫‪ ‬النموذج اإلدماجي القائم على تنفيذ الوضعيات اإلدماجية؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي التنشيطي القائم على التنشيط الفردي والجماعي؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي اإلبداعي الذي يهدف إلى جعل المتعلم مبدعا في‬
‫أسرته ومدرسته ومجتمعه؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي الملكاتي القائم على الذكاءات المتعددة؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي الترابطي(‪ )Connectivité‬القائم على توظيف‬
‫اإلعالميات الرقمية في التدريس‪.‬‬

‫المبحث الثالث عشر‪ :‬الوضعية الديدكتيكية‬


‫اليمكن استيعاب مورفولوجيا الوضعية الديدكتيكية التعلمية إال بتحديد‬
‫الوضعية لغة واصطالحا‪ ،‬والتوقف عند الوضعية المسألة‪ ،‬وتبيان‬
‫خصائصها ومواصفاتها‪ ،‬وتبيان المقصود من العائق الذي يشكل دعامة‬
‫رئيسة للوضعية ‪ -‬المشكلة‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مفهوم الوضعية‬
‫إذا تصفحنا معاجم اللغة العربية كلسان العرب والمعجم الوسيط‪ ،‬فإننا ال‬
‫نجد كلمة الوضعية بهذه الصيغة؛ بل نجد كلمة وضع موضعا ومواضع‬
‫الدالة على اإلثبات في المكان‪ .‬أي‪ :‬إن الوضعية بمثابة إطار مكاني للذات‬

‫‪193‬‬
‫والشيء‪ .183‬ولكننا نجد ‪ ،‬في اللغات األجنبية‪ ،‬حضورا لهذا المفهوم بشكل‬
‫واضح ومحدد؛ حيث نجد ‪ ،‬في معجم أكسفورد اإلنجليزي‪ ،‬أن الوضعية‬
‫(‪ )Situation‬تعني " معظم الظروف واألشياء التي تقع في وقت خاص‪،‬‬
‫وفي مكان خاص"‪.184‬‬
‫وتقترن الوضعية بداللة أخرى‪ ،‬وهي السياق الذي هو" عبارة عن وضعية‬
‫يقع فيها شيء‪ ،‬وتساعدك ‪ -‬بالتالي‪ -‬على فهمه"‪.185‬‬
‫أما معجم روبير(‪ ، )Robert‬فيرى أن الوضعية هي " أن تكون في مكان‬
‫أو حالة حيث يوجد الشيء أو يتموقع"‪ . 186‬أي‪ :‬إن الوضعية هي التموقع‬
‫المكاني أو الحالي في مكان أو وضع ما‪ ،‬بينما يحدد السياق في هذا المعجم‬
‫على أنه " مجموعة من الظروف التي تحيط بالحدث"‪.187‬‬
‫ويمكن أن نفهم من هذا كله أن الوضعية هي مجموعة من الظروف‬
‫المكانية والزمانية والحالية التي تحيط بالحدث‪ ،‬وتحدد سياقه‪ .‬وقد تتداخل‬
‫الوضعية مع السياق ‪،‬والظروف‪ ،‬والعوائق‪ ،‬والمواقف‪ ،‬والمشكالت‪،‬‬
‫والصعوبات‪ ،‬والمسائل‪ ،‬واالختبارات‪ ،‬والمحكات‪ ،‬والحالة‪ ،‬والواقع‪،‬‬
‫والدعامة‪ ،‬واإلطار‪ ،‬واإلشكالية…إلخ‪.‬‬
‫وتعرف الوضعية ‪ ،‬في مجال التربية والديدكتيك‪ ،‬بأنها" وضعية ملموسة‬
‫تصف‪ ،‬في الوقت نفسه‪ ،‬اإلطار األكثر واقعية‪ ،‬والمهمة التي يواجه التلميذ‬

‫‪ - 183‬ابن منظور‪ :‬لسان اللسان ‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪ ،1993‬ص‪743:‬؛ والمعجم الوسيط ألحمد حسن الزيات وآخرين‪ ،‬المكتبة اإلسالمية‪،‬‬
‫إستانبول‪ ،‬تركيا‪ ،‬ص‪.1039 :‬‬

‫‪184‬‬
‫‪- A.Regarder: Oxford advanced learners, Dictionary Oxford‬‬
‫‪university press 2000; p: 1109.‬‬
‫‪185‬‬
‫‪-Ibid, p : 247.‬‬
‫‪186‬‬
‫‪- Paul Robert : Le Petit Robert, Paris, éd, 1992, p : 378.‬‬
‫‪187‬‬
‫‪-Ibid, p : 1820 .‬‬
‫‪194‬‬
‫من أجل تشغيل المعارف المفاهيمية والمنهجية الضرورية لبلورة الكفاية‬
‫والبرهنة عليها"‪ .188‬أي‪ :‬إن الوضعية واقعية ملموسة‪ ،‬يواجهها التلميذ‬
‫بقدراته ومهاراته وكفاءاته بحلها‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فليست الوضعيات سوى التقاء‬
‫عدد من العوائق والمشاكل في إطار شروط وظروف معينة‪ .‬إن الوضعية‪-‬‬
‫حسب محمد الدريج‪ " -‬تطرح إشكاال عندما تجعل الفرد أمام مهمة عليه‬
‫أن ينجزها‪ ،‬مهمة ال يتحكم في كل مكوناتها وخطواتها‪ ،‬وهكذا يطرح‬
‫التعلم كمهمة تشكل تحديا معرفيا للمتعلم‪ ،‬بحيث يشكل مجموع القدرات‬
‫والمعارف الضرورية لمواجهة الوضعية وحل اإلشكال‪ ،‬ما يعرف‬
‫بالكفاية"‪.189‬‬

‫وتأسيسا على ما سبق‪ ،‬يتبين لنا أن الوضعية هي مجموعة من المشاكل‬


‫والعوائق والظروف التي تستوجب إيجاد حلول لها من قبل المتعلم من أجل‬
‫الحكم على مدى كفاءته وأهليته التعليمية ‪ -‬التعلمية والمهنية‪ .‬وتعد المواد‬
‫الدراسية مجموعة من المشاكل والوضعيات‪ .‬ومن هنا‪ ،‬ينبغي علينا أن‬

‫‪ - 188‬بيير ديشي‪ :‬تخطيط الدرس لتنمية الكفايات‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبد الكريم غريب‪ ،‬منشورات‬
‫عالم التربية‪ ،‬مطبعة دار النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى‪2003 ،‬م‪ ،‬ص‪.181:‬‬
‫‪ - 189‬محمد الدريج‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.60 :‬‬
‫‪195‬‬
‫نعد التلميذ للحياة والواقع لمواجهة التحديات والصعوبات التي يفرضها‬
‫عالمنا اليوم‪ ،‬و يتعلم الحياة عن طريق الحياة‪ ،‬وأال يبقى رهين النظريات‬
‫المجردة البعيدة عن الواقع الموضوعي‪ ،‬أو حبيس الفصول الدراسية‬
‫واألقسام المغلقة والمسيجة بالمثاليات والمعلومات التي تجاوزها الواقع‪ ،‬أو‬
‫التي أصبحت غير مفيدة لإلنسان‪ .‬أي‪ :‬تنبني فلسفة الوضعيات على أسس‬
‫البراجماتية‪ ،‬كالمنفعة‪ ،‬واإلنتاجية‪ ،‬والمردودية‪ ،‬والفعالية‪ ،‬واإلبداعية‪،‬‬
‫والفائدة المرجوة من المنتج ‪ ،‬وهو تصور الفلسفة الذرائعية لدى جيمس‬
‫جويس‪ ،‬وجون ديوي ‪ ،‬وبرغسون‪ ،‬والثقافة األنجلو سكسونية بصفة عامة‪.‬‬
‫وخالصة القول‪ :‬ترتبط الكفايات بمواجهة المشاكل المركبة والوضعيات‬
‫المعقدة‪ .‬والمقصود بأن تكون كفئا ومؤهال‪ .‬أي‪ :‬أن تكون إنسانا ناجحا‬
‫ومتمكنا من أسباب النجاح‪.‬‬
‫ومن مواصفات الوضعية أنها مركبة تشتمل على مجموعة من الموارد‬
‫والمواقف المختلفة‪ .‬كما أنها ذات هدف معين‪ .‬وهي كذلك تفاعلية على‬
‫أساس أن المتعلم يتسلح بمجموعة من القدرات المستضمرة للتفاعل مع‬
‫المحيط‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تنفتح على مجموعة من الحلول الواقعية والممكنة‬
‫والمحتملة‪ .‬وهي محفزة على النجاح والتفوق والتميز‪ .‬ومن جهة أخرى‪،‬‬
‫ينبغي أن تكون الوضعية مدعمة باألسناد والوثائق والتعليمات‬
‫والنصوص‪ ،‬ومعايير التقويم‪ ،‬ومؤشرات التصحيح‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الوضعية‪ -‬المشكلة‬
‫تنتج الوضعية المسألة عن تفاعل بين ذات ‪ ،‬سواء أكان ذلك شخصا‬
‫واحدا أم مجموعة من األشخاص‪ ،‬وموضوع معين‪،‬أو معلومات مبنية تبعا‬
‫لعمل يتعين إنجازه؛ " إال أنه يوجد في هذا اإلطار وسيط مقترح للوضعية‬
‫إن جاز التعبير‪ ،‬فهو يتدخل كوسيط بين الدعامة والقائم بالحل‪ ،‬أي التلميذ‪.‬‬
‫وبإمكاننا التعرف إلى أربع مراحل أساسية في هذا التفاعل‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ ‬بروز حاجة معيشة أو مبنية لنية إنجاز أو الدفع إلى إنجاز عمل تبعا‬
‫لمعلومات معينة (المرحلة األولى)؛‬
‫‪ ‬تنظيم المدرس لمجموعة هذه المعلومات من أجل أهداف تعلمية‬
‫(المرحلة الثانية)؛‬
‫‪ ‬إبرام عقد مع التلميذ لكي يمر إلى إنجاز العمل (المرحلة الثالثة)؛‬
‫‪190‬‬
‫‪ ‬إنجاز العمل في حد ذاته (المرحلة الرابعة)‪".‬‬
‫وللوضعيات أهمية كبيرة في اختبار المناهج الدراسية‪ ،‬وتقييم المدرسة‬
‫المعاصرة‪ ،‬والتمييز بين التقليدية منها والجديدة ‪ ،‬ومعرفة المدرسة‬
‫المنغلقة من المدرسة الوظيفية والمنفتحة‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن الوضعيات هي محك‬
‫الكفاءة والمردودية‪ ،‬وإبراز للقدرات والمهارات والمواهب المضمرة‬
‫والظاهرة‪ .‬إنها تربية على حل المشاكل المستعصية‪ ،‬واقتراح الحلول‬
‫المناسبة والممكنة‪ ،‬والتحفيز على التعلم الذاتي‪ ،‬وتجاوز الطرائق التقليدية‬
‫القائمة على التلقين والحفظ‪ ،‬وتقديم المعرفة والمحتويات بواسطة المدرس‬
‫إلى التلميذ السلبي‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن التربية بالوضعيات هي التي تفرز الكفاءات والقدرات‬
‫العقلية المتميزة ‪ .‬فهي التي تربط المدرسة بالواقع وسوق الشغل ‪ ،‬وليس‬

‫‪ - 190‬روجيه كزافيي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.22:‬‬


‫‪197‬‬
‫ذلك بالشهادات والدبلومات و المؤهالت‪ ،‬بل بالشهادات ‪ -‬الكفايات‪ .‬بيد أن‬
‫هذه الوضعيات والكفايات ليست عصا سحرية لمعالجة كل مشاكل‬
‫وزارات التربية والتعليم ‪ ،‬مثل‪ :‬معالجة اكتظاظ التالميذ في الفصول‬
‫الدراسية‪ ،‬ونقص في تكوين المدرسين‪ ،‬وإيجاد الحلول المناسبة للوضعية‬
‫االجتماعية للمدرسين‪ ،‬وتوفير الوسائل واإلمكانيات المادية والبشرية‪ ،‬بل‬
‫إن طريقة التعليم بالكفايات والوضعيات طريقة بيداغوجية لعقلنة العملية‬
‫الديدكتيكية تخطيطا وتدبيرا وتسييرا وتقويما‪ ،‬وتفعيلها بطريقة علمية‬
‫موضوعية على أسس معيارية وظيفية‪ ،‬وربط المدرسة بالحياة وسوق‬
‫العمل‪ ،‬وتلبية حاجيات أرباب العمل‪ ،‬وتحقيق الجودة والمنافسة ‪ ،‬والسير‬
‫وفق مقتضيات العولمة‪ .‬ويتطلب هذا كله تغيير عقلية اإلدارة والمدرس‬
‫والتلميذ واآلباء والمجتمع كله‪ .‬وال ينبغي أن تبقى الوضعيات والكفايات‬
‫في إطارها الشكلي‪ ،‬أو بمثابة موضة عابرة ‪ ،‬أو حبيسة مقدمات الكتب‬
‫المدرسية‪ ،‬أو رهينة توجيهات البرامج الدراسية وفلسفتها البعيدة‪،‬‬
‫باعتبارها غايات ومواصفات مثالية نظرية‪ ،‬دون تطبيق‪ ،‬أو دون تنزيل‬
‫واقعي‪ ،‬أو دون ممارسة فعلية وميدانية‪ .‬وهنا‪ ،‬أستحضر قولة معبرة بكل‬
‫وضوح لما نريد أن نقصده لمبلور الكفايات فيليب‬
‫پيرنو(‪":)Perrenoud‬إذا ظلت المقاربة بالكفايات على مستوى الخطاب‬
‫لهثا وراء الموضة‪ ،‬فإنها ستغير النصوص لتسقط في النسيان… […] أما‬
‫إذا كانت تطمح إلى تغيير الممارسات‪ ،‬فستصبح إصالحا من (النمط‬
‫‪191‬‬
‫الثالث) ال يستغني عن مساءلة معنى المدرسة وغايتها"‬
‫وعليه‪ ،‬فللوضعيات أهمية كبرى في مجال التربية والتعليم ؛ ألنها تؤهل‬
‫المتعلم ليكون إنسانا كفئا ومواطنا مسؤوال‪ ،‬يعتمد على نفسه في مواجهة‬
‫المواقف الصعبة والوضعيات المستعصية‪.‬‬

‫‪ - 191‬حسن بوتكالي‪ (:‬مفهوم الكفايات وبناؤها عند فيليب پيرنو)‪ ،‬الكفايات في التدريس بين‬
‫التنظير والممارسة‪ ،‬مطبعة أكدال‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪ ،2004‬ص‪.24:‬‬
‫‪198‬‬
‫وال يمكن فهم الوضعيات إال إذا وضعناها في سياقها االجتماعي‬
‫والتاريخي؛ فلقد استلزم التطور العلمي والتكنولوجي المعاصر ‪ ،‬منذ‬
‫منتصف القرن العشرين‪ ،‬توفير أطر مدربة أحسن تدريب لتشغيل اآللة‬
‫بكل أنماطها؛ مما دفع المجتمع الغربي ليعيد النظر في المدرسة وطبيعتها‬
‫ووظيفتها‪ ،‬بربطها بالواقع والحياة وسوق الشغل قصد محاربة البطالة‪،‬‬
‫وأسباب الفشل المدرسي‪ ،‬وإيجاد حل للالمساواة االجتماعية‪ .‬ويعني هذا‬
‫ربط المدرسة بالمقاولة والحياة المهنية والعولمة والقدرة التنافسية‬
‫المحمومة‪ .‬أي ‪ :‬على المدرسة أن تنفتح على الواقع والمجتمع معا‬
‫لتغييرهما ‪ ،‬وإمدادهما باألكفاء واألطر المدربة الماهرة والمتميزة؛ فال‬
‫قيمة للمعارف والمحتويات الدراسية‪ ،‬إذا لم تقترن بما هو وظيفي ومهني‬
‫وتقني وحرفي‪ .‬إذاً‪ ،‬فكل هذه العوامل هي التي كانت وراء عقلنة المناهج‬
‫التربوية‪ ،‬وجعلها فعالة ناجعة ذات مردودية تأطيرية وإبداعية‪.‬‬
‫وقد حاولت دول العالم الثالث‪ ،‬بما فيها الدول العربية ( المغرب‪،‬‬
‫والجزائر‪ ،‬و تونس‪ ،‬وسلطنة عمان ‪ -‬مثال‪ ،)...-‬أن تتمثل هذا النموذج‬
‫التربوي القائم على المقاربة بالكفايات‪ ،‬وتمثل الوضعيات اإلدماجية‬
‫لمسايرة المستجدات العالمية‪ ،‬واإلنصات إلى متطلبات السوق الليبرالية‬
‫بغية الحد من البطالة‪ ،‬وتفادي الثورات االجتماعية ‪ ،‬والحد من ظاهرة‬
‫الهجرة بكل أنواعها‪ ،‬مع تبيئتها في مدارسها لخلق الجودة والعقالنية‪،‬‬
‫وتحصيل المردودية الفعالة‪ .‬وبذلك‪ ،‬أصبحت التربية تابعة للسياسة‬
‫االقتصادية للدولة وظروفها االجتماعية والتمويلية‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬يقول‬
‫نيكو هيرت (‪ ":)Nico Hirtt‬ما هو إذا عالم اليوم هذا ؟ يتميز محيطنا‬
‫االقتصادي بعنصرين اثنين ‪ :‬أوال تقلب بالغ ‪ ،‬وثنائية اجتماعية قوية‪ .‬ينجم‬
‫عن احتدام الصراعات التنافسية‪ ،‬وإعادة الهيكلة ‪ ،‬وإغالق المصانع‪،‬‬
‫وترحيل وحدات اإلنتاج‪ ،‬واللجوء المتسارع إلى اختراعات تكنولوجية‬
‫زائلة أكثر فأكثر(سواء في مجال اإلنتاج أم في مجال االستهالك)‪ .‬وفي‬
‫هذا السياق‪ ،‬تتمثل إحدى أهم مساعي أرباب العمل في المرونة‪ .‬أي‪:‬‬
‫‪199‬‬
‫مرونة سوق العمل‪ ،‬ومرونة العامل المهنية واالجتماعية‪ ،‬ومرونة أنظمة‬
‫التربية والتكوين‪ ،‬وقابلية تكيف المستهلك‪.‬‬
‫مازالت سوق العمل حاليا منظمة بشكل قوي على أسس المؤهالت‪ .‬أي‪:‬‬
‫على أساس الشهادات‪ .‬وتمثل الشهادة جملة معارف ومهارات معترف بها‪،‬‬
‫تخضع لمفاوضات جماعية‪ ،‬وتخول حقوقا بشأن األجور وشروط العمل أو‬
‫الحماية االجتماعية‪ .‬وإلتاحة دوران أكثر ليونة لليد العاملة‪ ،‬بات أرباب‬
‫العمل يسعون لتدمير هذا الثنائي المتصلب‪ :‬مؤهالت‪ -‬شهادات‪ ،‬واستبداله‬
‫بالثنائي كفايات‪ -‬شهادات مبنية على وحدات تكوين( مصوغات أو‬
‫‪192‬‬
‫مجزوءات ‪").Modulaire‬‬
‫ويتمثل سياق الوضعيات في االنفصال بين النظرية والتطبيق‪ ،‬أو في غربة‬
‫المدرسة عن الواقع و سوق الشغل‪.‬‬

‫وثمة مجموعة من الخصائص التي يجب أن تتميز بها الوضعية المشكلة‪-‬‬


‫حسب أستوفلي (‪ -193)ASTOLFI‬نذكر منها‪:‬‬
‫‪ ‬ينبغي أن تحدد الوضعية عائقا ينبغي حله‪.‬‬
‫‪ ‬أن تكون الوضعية حقيقية ملموسة وواقعية تفرض على التلميذ صياغة‬
‫فرضيات وتخمينات‪.‬‬
‫‪ ‬تشبه هذه الوضعية لغزا حقيقيا ينبغي حله‪ ،‬و مواجهته بالقدرات‬
‫المكتسبة‪.‬‬
‫‪ ‬تكون ذات خصوصية تحدد مجال فعل الكفاية‪.‬‬

‫‪ - 192‬نيكو هرت‪ (:‬بصدد المقاربة عبر الكفايات هل نحتاج إلى عمال أكفاء أم إلى مواطنين‬
‫نقديين؟)‪ ،‬الكفايات في التدريس بين النظرية والممارسة‪ ،‬مطبعة أكدال‪،‬الرباط‪،‬الطبعة‬
‫األولى سنة ‪2004‬م‪ ،‬ص‪.50 -49:‬‬
‫‪193‬‬
‫‪- Astolfi, j, p : ( Placer les élèves en situation – problème ? ), dans‬‬
‫‪Probio revue, 16, 4, Bruxelles : Association des professeurs de‬‬
‫‪biologie (ASBL) ,1993.‬‬
‫‪200‬‬
‫‪ ‬توصف ضمن لغة واضحة ومفهومة من قبل التلميذ‪.‬‬
‫‪ ‬تتطلب الوضعية معارف وقدرات ومهارات‪ ،‬تسهم في تكوين الكفاية‬
‫في شتى مستوياتها المعرفية والحركية والوجدانية‪.‬‬
‫‪ ‬تتشابه مع وضعية حقيقية يمكن أن تواجه األفراد خارج المدرسة‪،‬‬
‫ضمن الحياة المهنية‪ ،‬أو الحياة الخاصة‪.‬‬
‫‪ ‬ينبغي أن يكون المشكل الذي يعد للتلميذ مشكال حقيقيا‪ ،‬ال يكون فيه‬
‫الحل بديهيا‪.‬‬
‫خبراته‪.‬‬ ‫التلميذ‬ ‫‪ ‬تشكل الوضعية فرصة يثري فيها‬
‫‪ ‬تحدد الوضعية وفق المستوى المعرفي للتلميذ‪.‬‬
‫إذاً‪ ،‬يواجه المتعلم وضعية تتطلب حل مشكلة ما ‪ ،‬إما بشكل فردي‪ ،‬وإما‬
‫بشكل جماعي‪ ،‬بالتفكير في حيثيات المشكلة بمراعاة سياقها التداولي‪،‬‬
‫وتدبرها بشكل جيد‪ ،‬ثم اقتراح الحلول المناسبة والممكنة لمعالجة هذه‬
‫المشكلة‪ .‬ومن ثم‪ " ،‬يحقق التعلم بحل المشكالت نتائج أفضل من نشاط‬
‫االستكشاف‪ ،‬في إيصال مفهوم دقيق؛ ألنه يقترح وضعية‪ -‬مشكلة‬
‫معقدة‪،‬تستلزم أن يقوم التلميذ بتعلمات متعددة‪ ،‬متداخلة ومتمحورة حول‬
‫هذه الوضعية في اآلن نفسه‪ .‬وهي ليست نشاطا يستغرق دقائق أو ساعات‬
‫معدودة‪ ،‬وإنما يتطلب عدة أيام‪ ،‬وأسابيع‪ ،‬أو حتى عدة أشهر‪ ...‬وتعتمد هذه‬
‫‪194‬‬
‫المقاربة حاليا في التعليم العالي بالخصوص‪".‬‬
‫ويرتبط البحث الذي يقوم به المتعلم بفرضية أو مشكلة ما‪ ،‬تستوجب‬
‫البحث والتنقيب معا‪ ،‬وجمع المادة إليجاد حل لها‪.‬‬
‫ويلتجئ المتعلم إلى أنشطة اإلدماج بعد اكتساب الموارد ‪ ،‬وبعد عمليات‬
‫التوليف والتركيب والدعم والمراجعة من أجل مواجهة وضعية واحدة أو‬
‫مجموعة من الوضعيات الصعبة بغية تثبيت كفاية ما تمهيدا وتطبيقا‪.‬‬
‫‪ - 194‬انظر‪ :‬بيداغوجيا اإلدماج‪ ،‬ص‪.86:‬‬
‫‪201‬‬
‫وبتعبير آخر‪ ،‬يستدمج المتعلم كل موارده المكتسبة لتوظيفها لحل‬
‫الوضعية‪.‬أي‪ :‬إن" نشاط اإلدماج هو نشاط ديدكتيكي يتوخى استدراج‬
‫التلميذ لتحريك المكتسبات التي كانت موضوع تعلمات منفصلة‪ ،‬فهي ‪-‬‬
‫إذا ً‪ -‬لحظات تعلمية تقوم على إعطاء معنى لتلك المكتسبات‪.‬‬
‫ويمكن أن نلجأ إلى أنشطة اإلدماج في أية لحظة من التعلم‪ ،‬والسيما في‬
‫نهاية بعض التعلمات التي تشكل كال داال‪ ،‬أي‪ :‬عندما نريد ترسيخ كفاية‪،‬‬
‫أو تحقيق الهدف النهائي لإلدماج‪.‬‬
‫وتتغير أنشطة اإلدماج هاته‪ ،‬فأثناء التعلمات االعتيادية‪ ،‬قد تكون أنشطة‬
‫قصيرة (ال تتجاوز دقائق معدودات) لوضع مكتسبات عديدة ضمن سياق‪.‬‬
‫‪195‬‬
‫وفي نهاية التعلم‪ ،‬تصير المدة مهمة‪ :‬قد تمتد من ساعة إلى عدة أيام‪".‬‬
‫وعليه‪ ،‬ينبني نشاط اإلدماج على فعالية المتعلم باعتباره بطال رئيسا في‬
‫عملية بناء التعلمات‪ ،‬وحل الوضعيات المشكالت‪ .‬كما يستلزم اإلدماج من‬
‫المتعلم أن يعبئ كل موارده المستضمرة ‪ ،‬بشكل من األشكال‪ ،‬لحل‬
‫الوضعية المطروحة عليه‪ .‬كما أن نشاط المتعلم نشاط ذو معنى‪ ،‬ومرتبط‬
‫بوضعية جديدة‪ ،‬وموجه نحو كفاية أو نحو هدف إدماج نهائي‪.‬‬
‫ومن أمثلة األنشطة اإلدماجية نشاط حول حل المشكالت‪ ،‬ونشاط خاص‬
‫بوضعية تواصل‪ ،‬ومهمة معقدة تنجز في سياق معطى‪ ،‬وإنتاج حول‬
‫موضوع معين‪ ،‬وزيارة ميدانية‪ ،‬وأعمال تطبيقية ومختبرية‪ ،‬وابتكار عمل‬
‫فني‪ ،‬وتدريب عملي‪ ،‬وإنجاز مشروع بيداغوجي أو مشروع القسم‪...‬‬
‫ويرتكز نشاط اإلدماج على تحديد الكفاية المستهدفة‪ ،‬وتحديد التعلمات التي‬
‫نريد دمجها‪ ،‬واختيار وضعية ما تكون دالة وجديدة تراعي مستوى‬
‫المتعلم‪ ،‬وتتيح فرصة إلدماج ما نريد أن يتعلمه التلميذ‪ ،‬ووضع صيغ‬
‫التطبيق‪ ،‬مثل‪ :‬ما يقوم به المتعلم‪ ،‬وما يقوم به المدرس‪ ،‬وإعداد الوسائل‬

‫‪ - 195‬انظر‪ :‬بيداغوجيا اإلدماج‪ ،‬ص‪.92-91:‬‬


‫‪202‬‬
‫المتوفرة‪ ،‬وتحديد المطلوب بدقة‪ ،‬وتبيان أشكال العمل(فردي ‪ -‬جماعي‪-‬‬
‫المجموعات‪ ،)...‬وتوضيح مراحل العمل‪ ،‬واإلشارة إلى بعض المزالق‬
‫التي ينبغي تجنبها‪.‬‬
‫يتضمن التقويم اإلدماجي الوضعية المسألة التي تتكون من الوضعية من‬
‫جهة‪ ،‬والمسألة من جهة أخرى‪.‬بمعنى أن الوضعية تحوي موضوعا‬
‫وسياقا‪ .‬في حين‪ ،‬تتوفر المسألة على عائق أو مشكل ينبغي أن نجد له حال‪.‬‬
‫وكل من وجد هذا الحل‪ ،‬فهو شخص كفء أو مؤهل‪ .196‬ومن ثم‪ ،‬تكون‬
‫الوضعية في خدمة التعلمات الجديدة‪ .‬ويعني هذا أننا نتعلم كيف نحل‬
‫المشاكل‪ .‬وتذكرنا هذه الطريقة ببيداغوجيا حل المشكالت‪ .‬ومن هنا‪،‬‬
‫فالوضعية المسألة هي" وضعية تضع عائقا معينا تبعا لسلسلة من‬
‫التعلمات‪ ،‬مثل‪ :‬الوضعية المسألة التي تقتضي إنشاء مجسم للمدرسة‪،‬‬
‫باستعمال مواد معينة‪ ،‬بهدف تقديم المدرسة في إطار معرض‪.‬‬
‫الوضعية المسألة التي تقتضي إيجاد اإلجراءات التي يتعين اتخاذها في‬
‫مواجهة مشكلة بيئية مطروحة‪.‬‬
‫الوضعية المسألة التي تقتضي شرح بنية اجتماعية تتسم بطابع الصراع‬
‫اعتمادا على وقائع تاريخية سابقة‪"197.‬‬
‫ويمكن الحديث عن أنواع عدة من الوضعيات‪ ،‬فهناك وضعيات حياتية‪،‬‬
‫ووضعيات طبيعية‪ ،‬ووضعيات مهنية‪ ،‬ووضعيات تعلمية أو بنائية أو‬
‫ديدكتيكية وتربوية‪ .‬وفي هذا يقول‪ ،‬كزافيي‪ ":‬الوضعية المسألة ‪ ،‬بشكل‬
‫عام‪ ،‬هي وضعية تجيب عن إشكال مطروح‪ .‬وفي الحياة اليومية‪ ،‬تملى‬
‫الوضعيات المسائل من قبل األحداث التي يواجهها كل شخص يوميا؛ كما‬

‫‪ - 196‬كسافيي روجييرز ‪ :‬التدريس بالكفايات(وضعيات إلدماج المكتسبات)‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبد‬


‫الكريم غريب‪ ،‬منشورات عالم التربية‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2007‬م‪،‬‬
‫ص‪.11:‬‬
‫‪ - 197‬كسافيي روجييرز ‪ :‬التدريس بالكفايات‪ ،‬ص‪.13:‬‬
‫‪203‬‬
‫هو الشأن بالنسبة للوضعية المسألة التي تتعلق بتوليف مواعيد عدة‪،‬‬
‫والوضعية المسألة التي تتعلق بضياع المفاتيح‪...‬إلخ‪.‬ونتكلم عن وضعيات‬
‫حياتية مثلما نتكلم عن وضعيات مهنية‪ ،‬عندما نطرح هذه األخيرة في‬
‫إطار مزاولة مهنة‪ ،‬مثل‪ :‬مواجهة مشكلة عطب في آلة‪ ،‬وفي حال التزامنا‬
‫بأجل محدد لإلنتاج‪.‬وكل هذه األمثلة تشكل وضعيات يمكن وصفها‬
‫بوضعيات طبيعية‪ .‬في اإلطار المدرسي‪ ،‬الوضعية المسألة هي وضعية‬
‫‪...‬يتم بناؤها أيضا على اعتبار أن الوضعية المسألة تتموضع داخل سلسلة‬
‫مخطط لها للتعلم‪.‬وسيكون هناك على سبيل المثال عدد أقل من المعطيات‬
‫المشوشة‪ ،‬كما هو األمر في وضعية حياتية‪ ،‬أو معطيات يتم تقديمها للتلميذ‬
‫وفق ترتيب معين لكي يحترم التدرج فيما يخص الصعوبات التي يتعين‬
‫‪198‬‬
‫عليه تجاوزها‪".‬‬
‫ولكن ما يهمنا من الوضعيات ‪ -‬المسائل الوضعيات الديدكتيكية‪ ،‬وهي‬
‫الوضعيات التي يقترحها المدرس لجماعة الفصل قاطبة في سياق تعلم‬
‫جديد‪ :‬درايات‪ ،‬وإتقانات جديدة‪...‬انطالقا من الموارد اإلدماجية‪ .‬وتسمى‬
‫أيضا هذه الوضعيات بوضعيات االستكشاف التي تهدف إلى تملك تعلمات‬
‫جديدة ‪ ،‬بحل المشاكل المستعصية‪.‬ويكون االستكشاف بطرح أسئلة حول‬
‫موضوع ما‪ ،‬وطرح فرضيات حوله‪....‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يمكن الحديث عن الوضعيات اإلدماجية‪ ،‬أو ما يسمى‬
‫بالوضعيات المستهدفة‪ ،‬أو وضعيات إعادة االستثمار‪ ،‬أو وضعيات‬
‫األهداف‪ ،‬ويلتجىء إليها المتعلم بعد االنتهاء من اكتساب الموارد‪،‬‬
‫والدخول في عملية اإلدماج‪ ،‬أو استثمار المعلومات لحل المشاكل‬
‫المستعصية أو المعقدة التي تطرحها الوضعيات المشكالت‪ ،‬أو المسائل‬
‫المعقدة والصعبة والمركبة‪.‬‬

‫‪ - 198‬كسافيي روجييرز ‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.18:‬‬


‫‪204‬‬
‫وإذا كانت الوضعيات الديدكتيكية توظف لتيسير التعلم الجيد‪ ،‬فإن‬
‫الوضعيات األهداف أو الوضعيات اإلدماجية تقوم بدمج المعلومات‬
‫والموارد السابقة من أجل حل وضعية جديدة بغية التثبت من مدى تحقق‬
‫الكفاية المستهدفة‪ .‬وفي هذا‪ ،‬يقول كزافيي‪ ":‬التقتضي وضعية مسألة‬
‫هدف مجاورة تمارين صغيرة ‪ ،‬ألن هذا قد يكون مجرد مراجعة؛ بل‬
‫تقتضي وضعية معقدة ‪ ،‬يكون فيها على التلميذ القيام بمفصلة وتوليف عدة‬
‫درايات وإتقانات صادفها من قبل‪ .‬إن األمر يتعلق في اآلن نفسه بوضعية‬
‫مسألة في شكل سيرورة‪ ،‬تستعمل لتعلم اإلدماج‪ ،‬ووضعية مسألة منتوج‪،‬‬
‫تستعمل كشاهد على ما يتعين أن يتمكن منه التلميذ‪ .‬وحتى التلتبس هذه‬
‫الوضعيات بالوضعيات المسائل الديدكتيكية ‪ ،‬فنسميها وضعيات‬
‫أهداف‪".199‬‬
‫وعليه‪ ،‬تصبح الوضعية دعامة خامة بمعلوماتها المفصلة‪ ،‬ثم هي أداة‬
‫ديدكتيكية تساعد التلميذ على التعلم وحل المشكلة‪ ،‬ثم هي عقد مبرم بين‬
‫المتعلم والمدرس الذي يقترح الوضعيات(عقد ديدكتيكي)‪ .‬وهي كذلك‬
‫إنجاز وعمل وتنفيذ إجرائي‪.‬إذاً‪ ،‬هناك تفاعل بين المتعلم والمعلومات‪،‬‬
‫وتفاعل بين المتعلم والمدرس‪ ،‬وتفاعل بين المتعلم والعمل‪ ،‬من خالل تعاقد‬
‫صريح أو ضمني بين مقترح الوضعية ومن يحلها (المتعلم)‪.‬‬
‫كما تتنوع الحلول إلى حل موجه‪ ،‬وحل مستقل‪ ،‬وحل فردي‪ ،‬وحل‬
‫جماعي‪...‬‬

‫‪ - 199‬كسافيي روجييرز ‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.34:‬‬


‫‪205‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬الهدف العائق‬
‫تعرف اإلعاقة على أنها نوع من التأخر في التعلم واالكتساب في بعض‬
‫النواحي من شخصية الطفل؛ إذ يمكن استدراكها بعد الترويض والتدريب‬
‫والتمرين والعالج الداخلي والخارجي‪ .‬كما توجد لدى المصاب إمكانيات‬
‫أخرى سليمة وصحيحة كامنة لديه‪ ،‬يمكن توظيفها إيجابيا ‪ ،‬بشكل من‬
‫األشكال‪ ،‬واستثمارها بالتدريج ‪ ،‬جزئيا أو كليا‪ ،‬إلرجاع ما افتقده من‬
‫حواس أو تعلمات أو اكتسابات‪ .‬ويمكن كذلك توجيهها في مناح تعلمية‬
‫ومهنية هادفة وبناءة ووظيفية‪ ،‬كتعليم األعمى ‪ -‬مثال‪.-‬‬
‫أما العاهة‪ ،‬فهي إصابة مستدامة من حيث األثر المترسب؛ إذ اليمكن‬
‫عالجها أو إرجاعها أو استدراكها؛ ألنها تعود إلى عوامل وراثية‬
‫وبيولوجية‪ ،‬من الصعب إعادتها أو التحكم فيها ‪ ،‬مثل‪ :‬عاهة الصم‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫ويمكن الحديث عن أنواع من العوائق في مجال التدريس‪ ،‬وهي العوائق‬
‫اإلبستمولوجية‪ ،‬والعوائق الديدكتيكية‪ ،‬والعوائق التي تتعلق بتحقيق‬
‫األهداف والكفايات‪.‬‬
‫وتنبني الوضعية المسألة على الهدف العائق‪.‬أي‪ :‬مواجهة العائق وتجاوزه‬
‫انطالقا من الموارد المكتسبة التي استضمرها المتعلم بغية إدماجها لحل‬
‫الوضعية‪ -‬المشكلة‪ .‬إذاً‪ ،‬يضع المدرس هدفا ‪ ،‬ويتمثل هذا الهدف في طرح‬
‫مشكلة أو عائق ينبغي تجاوزه وإيجاد حل له‪ .‬ويسمى هذا الهدف بالهدف‬
‫العائق‪ ،‬وهو يصدر عن المواجهة بين منطقين‪:‬‬
‫" منطق األهداف المحددة من لدن الخبير (المدرس‪ ،‬وأخصائيو‬
‫المحتويات) ‪ ،‬والتي تنتج عن تحليل المحتويات؛‬
‫ومنطق تحليل الصعوبات التي تعترض المتعلم لكي يتجاوز ويتوصل إلى‬
‫الدرايات المراد تكوينها انطالقا من تمثالته الخاصة‪.‬‬
‫وتحاول األهداف المعيقات أن توفق بين هذين المنطقين‪ :‬منطق الخبير‬
‫ومنطق المتعلم‪:‬‬
‫من جهة‪ ،‬يدرس الهدف بطريقة معينة‪ ،‬حيث يشكل التعلم تقدما فكريا لدى‬
‫التالميذ؛‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يدرس الهدف بشكل يمكن من االشتغال على معيق قابل‬
‫للتجاوز من قبل المتعلم‪.‬‬
‫‪200‬‬
‫يتعلق األمر‪-‬إذا ً‪ -‬بنوع من التفاوض بخصوص الهدف‪".‬‬
‫وتختلف طبيعة الوضعية ‪ -‬المسألة من فرد إلى آخر‪ ،‬ومن لحظة إلى‬
‫أخرى‪ ،‬فقد تكون صعبة ومعقدة عند فرد ما‪ ،‬وسهلة ومتداولة عند فرد‬
‫آخر‪ ،‬وقد تكون مشكلة ما في لحظة معينة‪ ،‬والتكون كذلك في لحظة‬

‫‪ - 200‬كسافيي روجييرز ‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.28:‬‬


‫‪207‬‬
‫أخرى‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬يقول كزافيي‪ ":‬إن مفهوم الوضعية المسألة نسبي‬
‫أساسا‪ ،‬ألنه يرتبط في جزئه األكبر بمن يتكلف بحل هذه الوضعية‪.‬ويمكن‬
‫أن تكون وضعية معينة‪ ،‬وضعية مسألة بالنسبة لفرد ما؛ لكنها تبقى‬
‫وضعية متداولة بالنسبة لفرد آخر‪.‬وبالمثل‪ ،‬يمكن أن تشكل وضعية معينة‪،‬‬
‫وضعية مسألة بالنسبة لفرد ما في لحظة معينة‪ ،‬والتطرح له أي إشكال في‬
‫‪201‬‬
‫لحظة أخرى‪".‬‬
‫وقد تكون الوضعية ‪ -‬المسألة معرفية ‪ ،‬أو وضعية وجدانية ‪ ،‬أو وضعية‬
‫حسية حركية‪.‬‬
‫ويكون التلميذ هو المستهدف بحل وضعيته اإلدماجية ‪.‬أي‪ :‬يكون قادرا‬
‫على إدماج مكتسباته لحل الوضعية المعقدة الجديدة بناء على موارده‬
‫المكتسبة التي استضمرها‪ .‬بمعنى أن يكون التلميذ فاعال في اإلدماج‪ ،‬أو‬
‫هو الذي يقوم بعملية اإلدماج‪ " ،‬وهذا الينفي بعض أشكال العمل الجماعي‬
‫التعاوني أحيانا؛ وهي أشكال عمل قد تخدم بعض التالميذ فيما يخص‬
‫مقصدية إدماج المكتسبات؛ ذلك أن المهم هو التأكد من أن كل تلميذ‪،‬‬
‫‪202‬‬
‫خصوصا الضعيف‪ ،‬لديه فرصة مهمة لتجنيد تفكيره‪"...‬‬
‫وعليه‪ ،‬ترتبط الوضعية ‪ -‬المسألة بالتعلمات والموارد( الدرايات‪،‬‬
‫واإلتقانات‪ ،‬والمهارات)‪ ،‬والوضعيات الديدكتيكية ‪ ،‬والوضعيات‬
‫اإلدماجية‪ .‬كما أن األنشطة التعلمية أنواع‪ :‬أنشطة تعليمية ‪ -‬تعلمية مجردة‬
‫من السياق‪ ،‬وأنشطة تعليمية ‪ -‬تعلمية مسيقة‪ ،‬وأنشطة تعليمية ‪ -‬تعلمية في‬
‫وضعية طبيعية‪ ،‬وأنشطة التمارين والتطبيق‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬للوضعية المسألة وظيفة إدماجية من جهة (التقويم اإلدماجي)‪،‬‬
‫ووظيفة تقويمية من جهة أخرى(التقويم التكويني أو اإلجمالي)‪ .‬بل يمكن‬
‫الحديث عن أهداف تشخيصية لوضعيات إدماجية في بداية السنة‬
‫‪ - 201‬كسافيي روجييرز ‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.29:‬‬
‫‪ - 202‬كسافيي روجييرز ‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.43:‬‬
‫‪208‬‬
‫الدراسية(التقويم التشخيصي)‪ ،‬أو ألهداف التوجيه والضبط واإلشهاد في‬
‫آخر السنة الدراسية(التقويم اإلشهادي)؛ حيث يقول كزافيي‪ ":‬هذا ما يتيحه‬
‫اإلدماج للتالميذ‪ ،‬باعتبارها فرصة للتقدم‪ ،‬وخصوصا ألضعفهم؛ ذلك أن‬
‫الفوارق بين التالميذ النبهاء والضعاف منهم‪ ،‬مردها إلى كون التالميذ‬
‫النبهاء يستطيعون اإلدماج بشكل تلقائي؛ إنهم ليسوا بحاجة إلى تعلم نوعي‬
‫من أجل إعادة استثمار مكتسباتهم‪.‬وبالتالي‪ ،‬فإن المستفيد من تطوير‬
‫وضعيات اإلدماج‪ ،‬هم التالميذ النبهاء على اعتبار أن مثل هذه‬
‫الوضعيات‪ ،‬تشكل لهم فرصا للتمرن‪ ،‬كما يستفيد منها التالميذ الضعاف‬
‫بدورهم؛ إذ تشكلت بالنسبة لهم تعلما حقيقيا‪.‬إنه تعلم قلما تتاح لهم الفرصة‬
‫لتلقيه‪ ،‬مادام قد ترسخت لديهم بشكل قوي الفكرة التي مفادها أن المساعدة‬
‫الوحيدة للتالميذ الضعاف‪ ،‬تكمن في تبسيط التعلمات‪ .‬ومن المؤكد أن هذا‬
‫صحيح في بعض اللحظات‪ ،‬لكنهم يحتاجون فيما بعد‪ ،‬للعودة إلى لحظات‬
‫‪203‬‬
‫تعلم ماهو مركب‪".‬‬
‫إذاً‪ ،‬اليمكن الحديث عن تقويم إدماجي إال باستحضار الوضعية اإلدماجية‪،‬‬
‫والموارد المكتسبة‪ ،‬والكفايات المستهدفة‪ ،‬وأنشطة الدعم والتوليف‪،‬‬
‫والحلول المقترحة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يمر التقويم اإلدماجي بعدة مراحل أساسية‬
‫هي‪ :‬تعلم الموارد‪ ،‬وتعلم كيفية دمج هذه الموارد‪ ،‬وتقويم عملية الدمج لهذه‬
‫الموارد‪.‬‬
‫ويعني هذا كله أن التعلم الحقيقي اليكون بطرح التمارين والمسائل التقليدية‬
‫البسيطة أو المباشرة أو الصعبة‪ ،‬بل بتقديم وضعيات مركبة ومعقدة‬
‫وصعبة بغية أن يجيب عنها المتعلم‪ ،‬باستحضار تعلماته القديمة‬
‫والجديدة‪.‬وبهذا‪ ،‬يكون العائق مجرد صعوبة ومشكلة ‪ ،‬تتدرج من البساطة‬
‫حتى التعقيد‪ ،‬وتكون مشكلة ديدكتيكية وتعلمية وإدماجية تسعف المتعلم في‬
‫إدماج تعلماته المكتسبة لحل المشاكل التي تطرحها تلك الوضعيات‪.‬ومن‬

‫‪ - 203‬كسافيي روجييرز ‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.64-63:‬‬


‫‪209‬‬
‫هنا‪ ،‬نثبت أن التعلم دون عوائق ومشاكل وصعوبات‪ ،‬مادام اإلنسان يواجه‬
‫في حياته مشاكل طبيعية وحياتية ومهنية وتعلمية وديدكتيكية‪.‬لذا‪ ،‬فالبد من‬
‫التسلح بمجموعة من القدرات والدراسات والكفايات لحل مشاكل هذه‬
‫الوضعيات المعقدة والمركبة والجديدة‪.‬‬

‫المبحث الرابع عشر‪ :‬التعلم ونظرياته‬


‫ثمة مجموعة من التيارات والمدارس واالتجاهات النفسية التي اهتمت‬
‫بالتعلم فهما وتفسيرا وتأويال‪.‬ويمكن تحديدها في المدرسة السلوكية‪،‬‬
‫والمدرسة الجشطلتية‪ ،‬والمدرسة التكوينية‪ ،‬والمدرسة البنائية االجتماعية‪،‬‬
‫ونظرية الذكاءات المتعددة‪،‬ونظرية الملكات‪ ،‬والبيداغوجيا اإلبداعية‪...‬‬
‫إذاً‪ ،‬ما التعلم؟ وما شروطه؟ وما أهميته؟ وما أهم النظريات والتصورات‬
‫التي تناولت التعلم ؟‬
‫المطلب األول‪ :‬مفهــــوم التعلـــم‬
‫يقصددد بددالتعلم إدراك األشددياء واستبصددارها وتنظيمهددا‪ ،‬وتملددك المعددارف‬
‫واكتسدددابها إمدددا وراثيدددا ‪ ،‬وإمدددا تجريبيدددا عبدددر المدددران والتددددريب والصدددقل‬
‫والدراسة والتجربة‪.‬‬
‫ويعني هذا أن التعلم يتحقق بالعقل والتجربة معا‪.‬ومن هنا‪ ،‬فدالتعلم هدو ذلدك‬
‫النشاط الذي يقدوم بده اإلنسدان للتدزود باألفكدار‪ ،‬والمعدارف‪ ،‬والمعلومدات‪،‬‬
‫والمواقف‪ ،‬والمهارات‪ ،‬والقيم‪...‬وال يتحقق ذلك بشكل عفوي أو فجائي‪ ،‬بل‬
‫بالنضج البيولدوجي‪ ،‬والتطدور النمدائي واالرتقدائي لجسدم اإلنسداني وذكائده‬
‫وعقلددده‪ .‬ويتحقدددق ذلدددك أيضدددا بالتددددريب‪ ،‬والتعلددديم‪ ،‬والمدددران‪ ،‬والصدددقل‬
‫المستمر‪.‬‬
‫ويدددرتبط الدددتعلم كدددذلك بالدافعيدددة التدددي تتجلدددى فدددي مجموعدددة مدددن الددددوافع‬
‫والحاجيددات والحددوافز التددي تدددفع اإلنسددان إلددى الددتعلم ‪ ،‬كإشددباع رغباتدده‬

‫‪210‬‬
‫المعرفيدددة والوجدانيدددة والحسدددية الحركيدددة‪ ،‬أو إشدددباع حاجياتددده البيولوجيدددة‬
‫والنفسية والعقلية‪ ،‬أو من أجل تحقيق طموحه ‪ ،‬أو من أجل إثبدات ذاتده‪ ،‬أو‬
‫من أجل تحقيق التوازن أو التكيف مع البيئة‪ ،‬أو المحيط‪.‬‬
‫ومددن ثددم‪ ،‬ينصددب الددتعلم علددى اكتسدداب األفكددار‪ ،‬والتشددبع بددالقيم ‪ ،‬وتعلددم‬
‫المهدددارات‪ ،‬وحدددل الوضدددعيات‪-‬المشدددكالت‪ ،‬وإبدددداع النصدددوص واألشدددكال‬
‫والنظريات‪ ،‬واكتشاف المجهول‪...‬‬
‫وال يتحقق التعلم كذلك إال بوضدع المدتعلم أو اإلنسدان أمدام وضدعية مشدكلة‬
‫معقدة أو صعبة أو مركبة من أجل إيجاد جواب أو حل لها‪.‬‬
‫إذاً‪ ،‬فالتعلم‪ ،‬في مفهومه الواسع‪ ،‬عبارة عن خبرات يكتسدبها الكدائن الحدي‪،‬‬
‫بتفاعله واحتكاكه المستمر ببيئته ومحيطهوواقعه المجالي والموضوعي‪.‬‬
‫والدددتعلم كدددذلك هدددو البحدددث عدددن مختلدددف الطرائدددق واألسددداليب والمنددداهج‬
‫والتقنيددات التددي يسددتطيع بهددا اإلنسددان أن يلبددي حاجياتدده الناميددة والمسددتجدة‬
‫باستمرار‪.‬وبذلك‪ ،‬يعد اإلنسان الكائن األكثر حاجة إلى التعلم لتحقيق تدالؤم‬
‫أفضل مع المحيط الذي يعيش فيه‪ ،‬وأيضا من أجل إشباع حاجياته المتعددة‬
‫والمستجدة والملحة والمتكررة والمستمرة‪.‬‬
‫و لدديس الددتعلم فعددال فطريددا طبيعيددا عاديددا‪ ،‬بددل هددو فعددل اكتسددابي قددائم علددى‬
‫المران والتدريب والتجريب والتكرار‪،‬ويكون استجابة لدافع أو حاجيدة مدن‬
‫حاجيات اإلنسان البيولوجية‪ ،‬أو النفسية‪ ،‬أو الفكرية‪ ،‬أو الثقافية‪...‬‬
‫ويحتداج الددتعلم كدذلك إلددى بدذل المجهددود مدن أجددل اكتسداب خبددرات جديدددة‪،‬‬
‫واكتشدداف المجهددول‪ ،‬وبندداء المعددارف والعددادات الجديدددة‪ .‬ويتحقددق الددتعلم‬
‫باكتسدداب المهددارات‪ ،‬والتددزود بالمعلومددات واألفكددار والبيانددات‪ ،‬ومجابهددة‬
‫المواقف والوضعيات‪ ،‬وحل المشاكل التي يستلزمها الواقع واألحداث‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫ومن ثدم‪ ،‬فهنداك فدرق كبيدر بدين العدادة والدتعلم‪ .‬فالعدادة عمليدة سدهلة بددون‬
‫مشقة ‪ ،‬قد تساعد المتعلم على إدراك بعض األشياء‪ ،‬لكن التعلم يحتداج إلدى‬
‫جهد وصبر مشقة ومران من أجل التزود باألفكار‪ ،‬وتمثدل القديم وتشدربها‪،‬‬
‫وامتالك التقنيات‪ ،‬والتعرف إلى المناهج والنظريات والمعارف‪...‬‬
‫أضف إلى ذلك أن التعلم عبدارة عدن عمليدة نفسدية بامتيداز‪ ،‬تخضدع آلليدات‬
‫وقددوانين وشددروط محددددة‪ ،‬تنشددأ عنهددا عددادات مختلفددة قددد تكددون صددالحة أو‬
‫طالحددة ‪ ،‬والتربيددة هددي وحدددها الكفيلددة بددالتمييز بددين الصددالح والطددالح‪.‬ومن‬
‫هنا‪ ،‬فالتعلم هو اكتساب لمجموعة من العدادات العقليدة والذهنيدة والفكريدة‪،‬‬
‫والعادات الوجدانية واالنفعالية‪ ،‬والعادات الحسية ‪ -‬الحركية‪.‬‬
‫أمدا الفدرق بدين الدذكاء والدتعلم‪ ،‬فالددذكاء هدو القددرة علدى الدتعلم واالكتسدداب‬
‫وإدراك األشدددياء وفهمهدددا وتفسددديرها وتأويلهدددا‪ .‬أمدددا الدددتعلم‪ ،‬فوظيفدددة مدددن‬
‫الوظائف األساسية للذكاء‪ ،‬وبه تنكشدف الفدوارق البيداغوجيدة والديدكتيكيدة‬
‫بين المتعلمين‪ ،‬وبده يتميدز الدذكاء البشدري عدن الدذكاء الحيدواني‪.‬ومن هندا‪،‬‬
‫ترتبط سرعة التعلم وبطؤه بطبيعة الذكاء ونوعه ودرجته ومعدله‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬شروط التعلم وأهميته‬
‫ينبني الدتعلم علدى مجموعدة مدن الشدروط األساسدية‪ .‬ويمكدن حصدرها فيمدا‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪‬النضكككج البيولكككوجي‪ :‬اليمكدددن أن يتحقدددق الدددتعلم لددددى اإلنسدددان إال بنمدددو‬
‫جسددمه‪ ،‬وتصددلب عضددالته‪ ،‬وامددتالك اللغددة‪ ،‬واكتسدداب الجهدداز الصددوتي‪،‬‬
‫ونضج بنيته الجسدية جزئيا أو كليا‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يرتبط تعلم الكتابة بقوة اليدين‪.‬ويرتبط تعلم الرياضة بقوة الجسد‪.‬‬
‫ويددرتبط تعلددم السددباحة بتصددلب العضددالت‪ ،‬واكتسدداب بعددض المهددارات‪،‬‬
‫ونضج األعضاء والساقين‪ ،‬والتدريب على التنفس الصحيح‪ ،‬والتوفر علدى‬
‫قوة األعصاب والعظام‪...‬‬
‫‪212‬‬
‫‪ ‬النضج العقلي‪ :‬ويعني هذا أن التعلم مرتبط ارتباطا شديدا بالنمو العقلي‬
‫والددذكائي‪.‬فاليمكن أن نطالددب الطفددل‪ ،‬فددي السددنوات األولددى‪ ،‬بكتابددة إنشدداء‬
‫فلسفي قائم على التجريد‪ ،‬بينما الطفل لم يتجاوز مرحلة اإلدراك الحسي‪.‬‬
‫ويعنددي هددذا ضددرورة مراعدداة النمددو العقلددي لدددى الطفددل‪ ،‬وتحديددد الفتددرة‬
‫العمريددة ونددوع الددذكاء المناسددب لتلدك الفتددرة المرصددودة‪.‬ومن ثددم‪ ،‬اليكتفددي‬
‫التعلم بماهو بيولوجي ووراثي فقط‪ ،‬بدل البدد مدن امدتالك خصدائص عقليدة‬
‫منطقية ورياضية لفهم العالقات بين العناصر تماثال‪ ،‬وتقابال‪ ،‬واستنتاجا‪.‬‬
‫‪ ‬الدافـــعية‪:‬يدرتبط الددافع إلدى الدتعلم بمجموعدة مدن الحاجيات‪.‬فدالحيوان‬
‫يتعلم من أجل إشباع رغبدات بيولوجيدة كاألكدل‪ ،‬وإرواء العطدش‪ ،‬وتحقيدق‬
‫الرغبة الجنسية‪ .‬في حين‪ ،‬يسعى اإلنسان إلى تحقيق رغبات أخرى ‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫تحقيدددق الدددذات‪ ،‬والسدددعي مدددن أجدددل االمدددتالك‪ ،‬وإشدددباع الرغبدددات الفكريدددة‬
‫والثقافية والعلمية ‪ ،‬والبحث عن التوازن النفسي والديني والروحي‪...‬‬
‫‪ ‬موضككوع الككتعلم‪:‬يددرتبط الددتعلم باكتسدداب المهاراتالمتنوعددة والمختلفددة‪،‬‬
‫وتعلدددم التقنيدددات والطرائدددق‪ ،‬والدددتمكن مدددن اسدددتخدام المنددداهج واألسددداليب‪،‬‬
‫واكتسدداب األفكددار والمعددارف القديمددة والجديدددة‪ ،‬والتشددبع بددالقيم والمواقددف‬
‫والتمددثالت‪ ،‬وتعلددم الحركددات‪ ،‬واكتشدداف المعلددوم‪ ،‬والددتحكم فددي المجهددول‪،‬‬
‫وحل الوضعيات والمشاكل‪ ،‬وإيجاد األجوبة للمسائل العويصة والمعقدة‪...‬‬
‫‪ ‬سياق التعلم‪ :‬يتأسس التعلم على حل مجموعة من الوضعيات الصعبة‬
‫والمعقدة التي ترتبط بسياق ما‪ .‬وتحمل تلك الوضعيات والمواقف عوائق‬
‫ومشاكل تتطلب حلوال ناجعة من المتعلم‪.‬‬
‫وترد الوضعية التعليمية السياقية في شكل مسألة معقدة وصعبة‪ ،‬تستلزم‬
‫حلوال مناسبة ومالئمة‪ .‬وكلما وجد المتعلم حلوال لهذه الوضعيات المركبة‬
‫والصعبة والمعقدة ‪ ،‬كان المتعلم كفئا ومؤهال وذكيا‪ .‬وبالتالي‪ ،‬استحق‬
‫التنويه واإلشادة به‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫وللتعلم أهمية كبرى في حياة اإلنسان‪ .‬فهي عملية أساسية في نماء اإلنسدان‬
‫وارتقائدده‪ ،‬بدددالتكيف مدددع الطبيعدددة واسددتغاللها وتغييرهدددا‪ .‬وبالتدددالي‪ ،‬يتميدددز‬
‫اإلنسددان عددن بدداقي الكائنددات األخددرى بخاصددية الددتعلم القددائم علددى المددران‪،‬‬
‫واالكتساب‪ ،‬والتجريب‪ ،‬والتدريب‪.‬‬
‫وبهذا التعلم‪ ،‬يستطيع اإلنسان بناء مدنيته وحضارته وكتابدة تاريخده‪ .‬وهدذا‬
‫مددا جعددل البدداحثين يهتمددون بدراسددة الددتعلم‪ ،‬والبحددث عددن قوانيندده وآلياتدده‬
‫المتنوعددة والمختلفة‪.‬لددذا‪ ،‬انقسددموا إلددى تيددارات سدديكولوجية متنوعددة‪ ،‬وإلددى‬
‫مدارس نفسية مختلفة‪ ،‬واتجاهات منهجية متضاربة‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪:‬التعلم في منظور المدرسة السلوكيـــة‬
‫ظهرت المدرسة السلوكية ضمن النطاق األنجلوسكسوني بغية فهم‬
‫مجموعة من الظواهر النفسية والسلوكية‪ ،‬والسيما ما يتعلق بالتربية‪،‬‬
‫والتعليم‪ ،‬والتكوين‪ ،‬والتعلم‪.‬وقد لقيت هذه المدرسة انتشارا كبيرا في‬
‫منتصف القرن العشرين‪ ،‬ومازالت تمارس تأثيرها في الساحة التعليمية‬
‫والتربوية إلى يومنا هذا‪ ،‬على أساس أنها أكبر مدرسة سيكولوجية تعنى‬
‫بمجال التعلم لدى المتمدرس بطريقة علمية موضوعية وتجريبية‪.‬‬
‫يمثددل المدرسددة السددلوكية مجموعددة مددن البدداحثين كدداألمريكيين واطسددون‬
‫(‪1878-1958()Watson‬م) ‪ ،‬وسكينر (‪1904-1990( )Skinner‬م)‪،‬‬
‫وثورندددايك (‪1874-1949()Thorndike‬م)‪ ،...‬والطبيددب الفيزيولددوجي‬
‫الروسي بافلوف (‪... ،)1849-1963()Pavlov‬‬
‫وقددد تددأثرت هددذه المدرسددة بالوضددعية العلميددة وفلسددفة الواليددات المتحدددة‬
‫األمريكية فدي بدايدة القدرن العشدرين‪ .‬وقدد ركدزت علدى فكدرتين أساسديتين‬
‫همددا‪ :‬السددلوك المالحددظ والبيئددة‪ ،‬مددع إقصدداء الددذات والعواطددف الشددعورية‬
‫والعمليات الذهنية والعقلية والفكرية الداخلية‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫الغرض من هذه المدرسدة هدو دراسدة السدلوك الخدارجي لإلنسدان السدوي‪،‬‬
‫بربطددده بدددالمثير(‪ )Stimilus‬واالسدددتجابة (‪ .)Réponse‬ويعندددي هدددذا أن‬
‫السدددلوك اإلنسددداني هدددو نتددداج للدددتعلم‪ ،‬أو هدددو رد فعدددل علدددى مجموعدددة مدددن‬
‫المنبهات التي تأتينا من العالم الخارجي‪.‬‬
‫ومدددن هندددا‪ ،‬فقدددد ظهدددرت السدددلوكية سدددنة ‪1913‬م فدددي الواليدددات المتحددددة‬
‫األمريكيدددة مدددع واطسدددون الدددذي أوجدددد مصدددطلح السدددلوكية سدددنة ‪1913‬م‬
‫(‪ )Behavior‬لدراسة مجمدل السدلوكيات الموجدودة عندد مختلدف الكائندات‬
‫الحية‪ ،‬في ارتباط تام بالبيئة‪ ،‬أو المحيط الخارجي‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬فقد استبعدت هذه المدرسة كل ماهو داخلدي ‪ ،‬سدواء أكدان شدعورا‬
‫أم الشعورا‪ .‬ويعني هذا أن السدلوكية مدرسدة سديكولوجية تجريبيدة وعلميدة‬
‫بامتيددداز‪ ،‬هددددفها دراسدددة السدددلوك الخدددارجي المالحدددظ فدددي عالقدددة بدددالمثير‬
‫واالستجابة‪.‬لذا‪ ،‬فقد أجريدت تجاربهدا األولدى علدى الحيواندات‪ ،‬مدن كدالب‪،‬‬
‫وفئران‪ ،‬وقطط‪ ،‬وحمام‪ ،‬بغية تطبيقها على اإلنسان‪ .‬وبتعبير آخر‪ ،‬التكتفي‬
‫السلوكية بدراسة السلوك عند المتعلم فحسب‪ ،‬بدل تددرس ‪ ،‬عبدر المالحظدة‬
‫الواصفة‪ ،‬الكيفية التي بها يتحكم المتعلم في المعرفة‪ ،‬بعدد أن يحقدق الهددف‬
‫اإلجرائي المطلوب‪.‬‬

‫‪215‬‬
‫وقد ارتبطت النظرية السلوكية بالتشريط التعلمي (‪)Conditionnement‬‬
‫عند بافلوف انطالقا من ثنائية المثير واالستجابة [‪.]SR‬‬
‫ولددم تقتصددر السددلوكية علددى نظريددة المثيددر واالسددتجابة البسدديطة كمددا عنددد‬
‫بافلوف فحسب‪ ،‬بل تطورت مع بيدداغوجيا األهدداف التدي اهتمدت بتسدطير‬
‫مجموعدددددة مدددددن األهدددددداف السدددددلوكية المعرفيدددددة والوجدانيدددددة والحسدددددية‬
‫الحركية‪.‬عالوة على التعلديم المبدرمج (‪)Enseignement programmé‬‬
‫الذي استفاد من تقنيات المدرسة السلوكية ‪ ،‬والتعلديم الحاسدوبي الدذي امدتح‬
‫إوالياته النظرية والتطبيقية مدن المدرسدة السدلوكية‪ .‬دون أن ننسدى اسدتفادة‬
‫بيداغوجيا الكفايات من هذه النظرية مع تطويرها‪.‬‬
‫وللتوضيح أكثر‪ ،‬فاإلنسان يصددر سدلوكه الخدارجي المالحدظ والمرصدود‪،‬‬
‫حينما يرتبط ذلك بمحفز واستجابة‪ .‬مدثال‪ ،‬حينمدا يحدس اإلنسدان بدالعطش ‪،‬‬
‫يسمى هذا حافزا‪ ،‬فإنه يتجه نحو المكان الدذي يوجدد فيده المداء‪ ،‬يسدمى هدذا‬
‫بالسلوك الخارجي‪ ،‬فيشرب ‪ ،‬ويسمى هذا استجابة‪ .‬وينطبق هذا على حافز‬
‫الجددوع وحددافز الددتعلم وحددافز الخددوف وغيرهددا مددن المثيددرات الخارجيددة‬
‫المدركة‪.‬‬
‫وإذا كانددت المدرسددة الشددعورية تدددرس الشددعور الددداخلي‪ ،‬فددإن السددلوكية‬
‫التعنى إال بمالحظة السلوك الخارجي القابدل للدراسدة والرصدد والتجريدب‬
‫والتوصيف‪.‬‬
‫ومددن هنددا‪ ،‬فكلمددا كددان هندداك مثيددر أو حددافز أو منبدده خددارجي‪ ،‬كانددت هندداك‬
‫استجابة سدلوكية بمثابدة رد فعدل علدى هدذا المنبده البيئدي أو المحيطدي‪ .‬وقدد‬
‫كان هذا القدانون السديكولوجي نتيجدة مجموعدة مدن التجدارب التدي أجريدت‬
‫على الحيوانات في ظروف ووضعيات تجريبية مختلفة بغية معرفة عالقدة‬
‫االرتباط الموجودة بين المثير المدروس واالستجابة المتوقعة‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫وأكثر من هذا‪ ،‬تهتم السلوكية بدراسة الوقائع الذهنية والوجدانية المالحظة‬
‫(الصددراخ‪ ،‬الضددحك‪ ،)...‬وال تعنددى بدراسدددة الحدداالت غيددر المالحظدددة أو‬
‫المدركة (الفرح‪ ،‬والحزن‪ ،‬والغضب‪.)...‬كما تدرس عناصر البيئة الحسية‪،‬‬
‫مثل‪ :‬الحرارة‪ ،‬وعدد األفراد‪...‬ومن هنا‪ ،‬فالوضعيات البيئية هي التي تخلق‬
‫حوافر الفرد‪ ،‬وتستدعي ردود أفعاله واستجاباته‪.‬‬
‫وإذا كان بافلوف قد اهتم بدراسة االنعكاس المشروط‪ ،‬بدراسة ردود الفعدل‬
‫لدى الحيوان في عالقته بدالمحيط الدذي يوجدد فيده‪،‬فإن واطسدون " أراد أن‬
‫يبنددي نظريددة السددلوك اإلنسدداني علددى وحدددة بسدديطة هددي الفعددل المددنعكس‪،‬‬
‫ودرس الفعل المنعكس في الحيواندات الدنيئدة البسديطة والراقيدة ‪ ،‬واعتبدر‬
‫سلوك اإلنسان مجموعة من األفعال المنعكسة الشرطية المعقدة ‪"204.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فقد كانت السلوكية تنظر إلدى الدتعلم وفدق منظدور إشدراطي‪ ،‬بدربط‬
‫التعلم بثنائية المثير واالستجابة‬

‫‪ - 204‬عبد العزيز القوصي‪ :‬علم النفس‪ :‬أسسه وتطبيقاته التربوية‪ ،‬مكتبة النهضة‬
‫المصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬طبعة ‪1978‬م‪ ،‬ص‪.76:‬‬
‫‪217‬‬
‫‪1874-( )Edward‬‬ ‫هددددددذا‪ ،‬ويعددددددد إدوارد ثورندددددددايك(‪Thorndike‬‬
‫‪1949‬م)من العلماء األمريكيين الذين يحسبون على التيار السلوكي‪ ،‬وكدان‬
‫سددددباقا إلددددى وضددددع معادلددددة المثيددددر واالسددددتجابة إطددددارا مرجعيددددا للددددتعلم‬
‫وسيكولوجية السلوك‪ ،‬مع طرح تصور ترابطي للتعلم‪ .‬وقد عدرف بنظريدة‬
‫الددتعلم بالمحاولددة والخطددأ‪ .‬عددالوة علددى قددانون األثددر الددذي ارتددبط باسددمه‪.‬‬
‫ويُطلق أيضا على نظرية ثورنددايك اسدم الترابطيدة(‪Connexionnisme‬‬
‫) ‪ ،‬على أساس أن عمليدة الدتعلم هدي نتداج الدربط بدين المثيدر واالسدتجابة‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬تتقوى عملية التعلم أوتضعف حسب قوة الترابط وضعفه‪.‬‬
‫وتعني نظرية المحاولة والخطدأ أن اإلنسدان يدتعلم بالخطدأ ‪ ،‬ونتيجدة تكدرار‬
‫المحاوالت الكثيرة بغية الوصول إلى الهدف المطلوب‪ .‬وتقوم هذه النظرية‬
‫التعلمية على مجموعة من المفاهيم األساسية هي‪:‬‬
‫‪‬التكككرار ‪ :‬يسدداعد المددتعلم علددى تجنددب الخطددأ بعددد القيددام بمجموعددة مددن‬
‫المحدداوالت فددي مددرات زمنيددة متعددددة ‪ ،‬مددع تصددحيح االسددتجابات الخاطئددة‬
‫باالستجابات الصحيحة‪.‬‬
‫‪‬التدعيم أو التعزيز‪ :‬يعني التقويم اإليجابي بالمكافأة لتشجيع المتعلم على‬
‫االستجابة‪.‬‬
‫‪ ‬االنطفككاء‪ :‬إذا لددم يتحقددق التدددعيم‪ ،‬يقددع االنطفدداء‪ ،‬أو تراجددع المددتعلم عددن‬
‫االستجابة الفورية‪.‬‬
‫‪‬االسترجاع التلقائي‪ :‬بعد عملية االنطفاء‪ ،‬يمكن للمتعلم أن يسترجع قواه‬
‫بطريقة تلقائية‪.‬‬
‫‪‬التعميم‪ :‬ما يتعلمه المتعلم من موارد يمكن أن يوظفها ويدمجها في أثناء‬
‫مواجهته لوضعيات متشابهة‪.‬‬

‫‪218‬‬
‫‪‬التمييز‪ :‬يعني هذا المبدأ أن المدتعلم إذا فشدل فدي حدل المشدكلة الوضدعية‬
‫الجديدددة بندداء علددى وضددعيات سددابقة مشددابهة‪ ،‬فالبددد مددن االلتجدداء إلددى مبدددأ‬
‫التمييز للتفريق بين الموقف السابق والموقف الجديد‪.‬‬
‫‪‬العالقككات الزمانيككة‪ :‬يقددوم الزمددان بدددور هددام فددي تقددويم التعلمددات‪ ،‬فكلمددا‬
‫كانت االستجابة فوريدة وفدي مددة قصديرة كدان الدتعلم ناجحدا‪ ،‬وكلمدا طالدت‬
‫الفترة الزمنية ضعف التعلم واالكتساب‪.‬‬
‫وقد أحضر ثورندايك صندوقا للقطط‪ ،‬ووضدع الطعدام خدارج البداب ليحفدز‬
‫القطددط ويطوعهددا علددى فددتح البدداب الحديدددي للظفددر بددذلك الطعددام‪ .‬وبطبيعددة‬
‫الحددال‪ ،‬لددن يتحقددق لدده ذلددك بسددهولة ومرونددة ويسددر إال بالضددغط علددى أداة‬
‫حديدية مساعدة‪ ،‬تسنده في فتح باب القفص إلشباع رغبته البيولوجية‪.‬‬
‫ويالحظ أن القط يكرر محاوالته الخاطئدة فدي فدتح البداب مدرات عددة حتدى‬
‫يحصل له المرام والمبتغى والغاية‪ ،‬فيخرج من قفصه الحديدي‪.‬‬
‫وقد رسم ثورندايك مبيانا إحصائيا تكراريا للتثبت من عدد المحاوالت التي‬
‫تسمح للقط بالخروج من القفص بسرعة‪ .‬وقد تحسن أداء القدط بعدد( ‪)117‬‬
‫محاولة خاطئة لمدة أسبوع‪ .‬وتضاءلت المدة الزمنية التدي اسدتغرقها الدتعلم‬
‫لدى القط عن طريق المحاولة والخطإ‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫وعليه‪ ،‬تعني نظريدة المحاولدة والخطدأ أن اإلنسدان يدتعلم بالخطدأ ‪ ،‬ونتيجدة‬
‫تكرار المحاوالت الكثيرة بغية الوصول إلى الهددف المطلدوب‪ .‬وتقدوم هدذه‬
‫النظرية التعلمية على مجموعة من المفاهيم األساسية هي‪:‬‬
‫‪‬التكككرار ‪ :‬يسدداعد المددتعلم علددى تجنددب الخطددأ بعددد القيددام بمجموعددة مددن‬
‫المحدداوالت فددي مددرات زمنيددة متعددددة ‪ ،‬مددع تصددحيح االسددتجابات الخاطئددة‬
‫باالستجابات الصحيحة‪.‬‬
‫‪220‬‬
‫‪‬التدعيم أو التعزيز‪ :‬يعني التقويم اإليجابي بالمكافأة لتشجيع المتعلم على‬
‫االستجابة‪.‬‬
‫‪ ‬االنطفككاء‪ :‬إذا لددم يتحقددق التدددعيم‪ ،‬يقددع االنطفدداء‪ ،‬أو تراجددع المددتعلم عددن‬
‫االستجابة الفورية‪.‬‬
‫‪‬االسترجاع التلقائي‪ :‬بعد عملية االنطفاء‪ ،‬يمكن للمتعلم أن يسترجع قواه‬
‫بطريقة تلقائية‪.‬‬
‫‪‬التعميم‪ :‬ما يتعلمه المتعلم من موارد يمكن أن يوظفها ويدمجها في أثناء‬
‫مواجهته لوضعيات متشابهة‪.‬‬
‫‪‬التمييز‪ :‬يعني هذا المبدأ أن المدتعلم إذا فشدل فدي حدل المشدكلة الوضدعية‬
‫الجديدددة بندداء علددى وضددعيات سددابقة مشددابهة‪ ،‬فالبددد مددن االلتجدداء إلددى مبدددأ‬
‫التمييز للتفريق بين الموقف السابق والموقف الجديد‪.‬‬
‫‪‬العالقككات الزمانيككة‪ :‬يقددوم الزمددان بدددور هددام فددي تقددويم التعلمددات‪ ،‬فكلمددا‬
‫كانت االستجابة فوريدة وفدي مددة قصديرة كدان الدتعلم ناجحدا‪ ،‬وكلمدا طالدت‬
‫الفترة الزمنية ضعف التعلم واالكتساب‪.‬‬
‫ومن خصائص هذه النظرية ارتباط المثير باالستجابة على مستوى الدتعلم‪،‬‬
‫ووجود دافع أساسدي للدتعلم‪ ،‬ثدم تكدرار المحداوالت التعلميدة بغيدة الوصدول‬
‫إلى الهدف‪ ،‬ثم إيجاد حل عن طريق الصدفة‪ ،‬ثم تعمديم أثدر الحدل الصدحيح‬
‫على باقي الوضعيات السياقية األخرى‪.‬‬
‫ويعني هذا كله أن نظرية ثورندايك قائمة على ثالثة قوانين كبرى هي‪:‬‬
‫‪‬قانون االستعداد الذي يتمثل في رغبدة اإلنسدان أو الحيدوان فدي الدتعلم ‪،‬‬
‫باالستعداد والتحضير والتهيؤ وتوفير جميدع اإلمكاندات النفسدية والعضدوية‬
‫إلنجاز المهمة عن طريق التشجيع والتحفيز والتطويع‪ ،‬أو مدا يسدمى أيضدا‬
‫بقانون الدافعية؛‬
‫‪221‬‬
‫‪‬قانون األثر‪ :‬ويعندي أن يكدون للعمدل أو اإلنجداز المشدروط أثدرا إيجابيدا‬
‫فددي المنجددز‪ ،‬كددأن يشددبع رغباتدده‪ ،‬ويحقددق متمنياتدده‪ ،‬ويرضددي طموحاتدده‪،‬‬
‫ويكون ذلك بالثواب والتشجيع والتقويم والمكافأة؛‬
‫‪‬قككانون الممارسككة‪ :‬ال يتحقددق الددتعلم الترابطددي إال بالتدددريب المسددتمر‪،‬‬
‫والتمارين المتكررة‪ ،‬والمحاوالت الخاطئة مدن أجدل الظفدر بالمبتغى‪.‬والبدد‬
‫أن يكون التمرين هادفدا وناجحدا وبنداء بامتيداز‪ ،‬يسداعد المدتعلم علدى الدتعلم‬
‫وحل الوضعيات المشكالت‪.‬‬
‫وقد توصل ثورندايك إلى مجموعة من القوانين المتعلقدة بنظريدة المحاولدة‬
‫والخطأ ‪ ،‬و هذه القوانين هي‪:‬‬
‫‪‬قانون التكرار الذي يقوي الروابط بين المثير واالستجابة؛‬
‫‪‬قانون األثر القائم على الثواب‪ ،‬وقد قال به واطسون‪205‬؛‬
‫‪‬قكككانون التهيككك واالسكككتعداد المدددرتبط بالشدددعور بالرضدددا واالنزعددداج؛‬
‫‪‬قانون التمرين الذي يقوي االرتباطات التعلمية؛‬
‫‪‬قانون االنتماء الذي يقوي الرابطة بين المثير واالستجابة‪ ،‬عندما تكدون‬
‫االستجابة الصحيحة أكثر انتماء إلى الموقف؛‬
‫‪‬قااانون االسااتقطاب الااذي يعنااي أن الااتعلم يتحقااق بطريقااة التاارابط‬
‫الميسر بدل التارابط المانعكس الصاعب‪ ،‬كاأن ناتعلم معااني مفاردات‬
‫اللغااة الفرنسااية بالعربيااة أسااهل ماان تعلمهااا بالفرنسااية‪ ،‬كااأن نااذكر‬
‫المفردة الفرنسية ثم نذكر معناها بالعربية‪ .‬وهذا أفضل إذا طلب منا‬
‫أن نذكر معنى المفردة العربية بالفرنسية‪.‬‬

‫‪ -‬أحمد عزت راجح‪:‬أصول علم النفس‪ ،‬المكتب المصري الحديث‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪،‬‬ ‫‪205‬‬

‫الطبعة الثامنة ‪1970‬م‪ ،‬ص‪.207-206:‬‬

‫‪222‬‬
‫عالوة على وجود مجموعة من القوانين الثانوية‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫‪‬قكككانون االسكككتجابة المتعكككددة التدددي تسدددتلزم اسدددتجابات عددددة ومتنوعدددة؛‬
‫‪‬قككانون االتجككاه أو المنظومككة الددذي يعنددي مدددى تددأثر الددتعلم باتجاهددات‬
‫المتعلم وميوله ودوافعه ورغباته وقناعاته؛‬
‫‪‬قانون االستجابة بالمماثلة‪ ،‬ويعني الدتعلم انطالقدا مدن المواقدف السدابقة‬
‫المشابهة؛‬
‫‪‬قكككانون االنتقكككال الترابطكككي الدددذي يعندددي تعلدددم المواقدددف فدددي ارتباطهدددا‬
‫بالمواقف التعلمية األخرى‪...206‬‬
‫ويمكن تطبيق النظرية السلوكية على الحيوانات‪ ،‬واألفدراد األسدوياء‪ ،‬وفدي‬
‫مجال سيكولوجيا الطفولة‪ ،‬والسيكولوجيا االجتماعية‪...‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬تستند هذه المدرسة‪ ،‬على المستوى اإلبستمولوجي‪ ،‬على‬
‫الفكر العلمي الوضعي والموضوعي والتجريبي متدأثرة‪ ،‬فدي ذلدك‪ ،‬بدالعلوم‬
‫الفيزيائيدددة والفيزيولوجيدددة والرياضدددية والطبيعيدددة ‪ ،‬مدددع تطبيدددق المدددنهج‬
‫التجريبدددي القدددائم علدددى المالحظدددة‪ ،‬والفرضدددية‪ ،‬والتجريدددب‪ ،‬والتكدددرار‪،‬‬
‫والمقارنة‪ ،‬والقانون‪ ،‬والنظرية‪ .‬دون أن ننسدى أن هدذه النظريدة تقدوم علدى‬
‫مبدإ الحتمية العلمية‪ ،‬وربط األسباب بالنتدائج‪ ،‬وتمثدل الموضدوعية العلميدة‬
‫في البحث التطبيقي‪.‬‬
‫وفي األخير‪ ،‬فلقد ساهمت المدرسة السلوكية في إغناء مجال التعليم والتعلم‬
‫والتكددوين‪.‬ومن ثددم‪ ،‬فددالتعلم‪ ،‬فددي منظددور المدرسددة السددلوكية‪ ،‬هددو أن يكددون‬
‫المددتعلم قدددادرا علدددى تقددديم الجدددواب المناسدددب‪ ،‬أو يكددون قدددادرا علدددى حدددل‬

‫‪ -‬عبد المجيد نشواتي ‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬دار الفرقان للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪،‬‬ ‫‪206‬‬

‫األردن ‪ ،‬طبعة ‪1984‬م‪ ،‬ص‪.327:‬‬

‫‪223‬‬
‫الوضعيات المعقدة والمركبدة‪ ،‬أو يكدون قدادرا علدى تقدديم الحلدول المالئمدة‬
‫والمناسبة لمختلف المشاكل التي تواجهه في المدرسة من جهة‪ ،‬والحياة من‬
‫جهة أخرى‪.‬ومن ثم‪ ،‬يتحقق التعلم الحقيقي عندد المدتعلم بدالجمع بدين المثيدر‬
‫واالستجابة وتكراره عبر الوحدات الدراسية والتعلمية‪.‬‬
‫أضف إلى ذلك يتحقق التعليم السلوكي بتحديدد األهدداف اإلجرائيدة‪ ،‬وتقدديم‬
‫الوضدددددعيات المتدرجدددددة فدددددي السدددددهولة والصدددددعوبة لكدددددي يجيدددددب عنهدددددا‬
‫المتعلم‪،‬وخلددق السددياقات الظرفيددة والبيئيددة التعليميددة المختلفددة للتثبددت مددن‬
‫مكتسدددبات المدددتعلم‪ ،‬رصدددد مختلدددف اسدددتجاباته المعرفيدددة‪ ،‬وتحديدددد مجمدددل‬
‫المثيددرات الدافعددة نحددو الددتعلم‪ ،‬وتبيددان نددوع طبيعددة السددلوك التعلمددي لدددى‬
‫التلميذ بشكل علمي‪ ،‬وموضوعي‪ ،‬وتجريبي‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فقد رفضت المدرسة السلوكية البنيدات العقليدة المتحكمدة فدي الدتعلم‬
‫كما لدى السيكولوجيا المعرفية‪ ،‬بل اعتبدرت السدلوك المالحدظ والمرصدود‬
‫هو أساس المعرفة النظرية والتطبيقيدة‪.‬بمعنى أن هددف المدرسدة السدلوكية‬
‫هو تحليل السدلوك المعرفدي والتعلمدي المالحدظ لددى المدتعلم ووصدفه بدقدة‬
‫علمية وقياسية‪ ،‬في شكل أهداف سلوكية وإجرائية في آخر حصة تعليميدة‪-‬‬
‫تعلمية‪ .‬فما يهم السلوكية هو وصف األفعال السلوكية من قبيل‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكون التلميذ قادرا على رسم لوحة تشكيلية في وصف الطبيعة؛‬
‫‪ -‬أن يكون المتعلم قادرا على قفز حاجز من خمسة أمتار؛‬
‫‪ -‬أن يكون التلميذ قادرا على العد إلى المائة‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬ينبندي الفعدل السدلوكي علدى القددرة زائدد فعدل الحركدة‪ .‬وال تبندي‬
‫السلوكية أهدافها اإلجرائية والكفائية على األفعال العقلية والمعرفيدة‪ ،‬مثدل‪:‬‬
‫يتذكر‪ ،‬ويفهم‪ ،‬ويفكر‪... ،‬‬
‫وعلدددى الدددرغم مدددن إيجابيدددات المدرسدددة السدددلوكية‪ ،‬فإنهدددا تهمدددل جواندددب‬
‫سدديكولوجية أخددرى تتعلددق بمدداهو شددعوري‪ ،‬والشددعوري‪ ،‬ومعرفددي‪ .‬كمددا‬

‫‪224‬‬
‫تسددقط فددي اآلليددة الميكانيكيددة التكراريددة‪.‬ثم‪ ،‬إن الددتعلم لدديس مرتبطددا بثنائيددة‬
‫المثير واالستجابة بالضرورة ‪ ،‬بل قد يكون التعلم نتاج الرغبدة فدي التعبيدر‬
‫عن المشاعر واألحاسيس الداخلية التي العالقة لها بالمحيط الخارجي‪.‬كمدا‬
‫تملك الذات مؤهالت وراثية وعقلية وذكائيدة تسدمح لهدا بدالتعلم واالكتسداب‬
‫أكثر مما يتيحها المحيط الخارجي‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬نظريات التعلم بعد المرحلة السلوكية‬
‫يمكن الحديث عن مجموعة من النظريات والتصورات التي اقترنت بالتعلم‬
‫في مرحلة ما بعد المدرسة السلوكية اإلشراطية‪ ،‬ويمكن حصرها في‬
‫المدرسة الجشطلتية األلمانية‪ ،‬واإلبستمولوجيا التكوينية لجان بياجي‪،‬‬
‫والسوسيوبنائية‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الجشطلتية والتعلم باالستبصار‬
‫تعني الجشدطلتية‪ ،‬فدي اللغدة األلمانيدة‪ ،‬الشدكل ‪ ،‬أو الصديغة‪ ،‬أو الهيئدة‪ ،‬أو‬
‫الصورة‪ ،‬أو البنية‪ ،‬أو النسق الكلي‪...‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬تعني الجشطلتية العلدم بالكليدات الدذي يددل علدى الجزئيدات‪.‬بمعنى‬
‫أن الجشطلت عبارة عن نسق بنيوي كلي‪ ،‬يتكون من مجموعة من البنيدات‬
‫الجزئيددة التددي لهددا دور أو وظيفددة داخددل هددذا النسددق الددذي يتسددم باالتسدداق‬
‫واالنسجام‪ .‬وأي تغيير يحدث في أي جزء أو بنية داخل النسدق‪ ،‬يدؤثر ذلدك‬
‫‪ ،‬بددددوره‪ ،‬فدددي تغييدددر النسدددق الكلدددي‪ ،‬سدددواء أكدددان ذلدددك التغييدددر جزئيدددا أو‬
‫كليددا‪.‬ويعني هددذا كلدده أن المددرء يددتعلم األشددياء بنيويددا ونسددقيا‪ ،‬ويدددركها فددي‬
‫كلياتها التي تتضمن جزئياتها الصغرى‪.‬‬
‫وقددد ظهددرت سدديكولوجيا الشددكل(‪ ، )Psychologie de la forme‬أو‬
‫النظريدددة الجشدددطلتية (‪ )Gestaltthéorie‬فدددي بدددرلين ‪ ،‬مدددا بدددين ‪-1910‬‬
‫‪1920‬م‪ .‬وترتبط بمجموعة من األسدماء هدي‪ :‬فيرتيميدر(‪،)Wertheimer‬‬
‫وكوهلر(‪ ،)Köhler‬وكوفكا(‪...)Koffka‬‬
‫‪225‬‬
‫وتددددرس النظريدددة الجشدددطلتية الظدددواهر السددديكولوجيا باعتبارهدددا وحددددات‬
‫منظمة ضمن شدكل معدين‪ .‬ويعندي الجشدطالت الكدل المتكامدل األجدزاء‪ ،‬أو‬
‫الصيغة اإلجماليدة الكليدة التدي تتضدمن‪ ،‬فدي طياتهدا‪ ،‬عناصدرها وأجزاءهدا‬
‫المكونة‪.‬‬
‫وتهتم الجشطلتية برصد األشكال في تمايزهدا وتنظيمهدا وتناسدقها وانتقالهدا‬
‫مدددن وضدددعية إلدددى أخدددرى‪ .‬وتركدددز كثيدددرا علدددى اإلدراك والدددذكاء عندددد‬
‫الحيوان‪.‬وقد تشكلت هذه المدرسة السيكولوجية " في وقت أسرف فيه كثير‬
‫مدن علمدداء الددنفس فدي تحليددل الظددواهر النفسددية إلدى عناصددر جزئيددة‪ .‬كددانوا‬
‫يحللون اإلدراك إلى إحساسات جزئية ‪ ،‬وعملية التعلم إلى روابط عصبية‪،‬‬
‫والشخصية إلى سمات مختلفة ‪ ،‬فكدان مدن الطبيعدي أن يدؤدي ذلدك إلدى رد‬
‫فعددل شددديد‪ .‬وقددد كددان ذلددك علددى يددد هددذه المدرسددة التددي تددرى أن الظددواهر‬
‫النفسددية وحدددات كليددة منظمددة‪ ،‬وليسددت مجموعددات مددن عناصددر وأجددزاء‬
‫متراصددة ‪ .‬فدداإلدراك أو الددتعلم أو بندداء الشخصددية لدديس كددل منهددا كالحددائط‬
‫المكددون مددن قوالددب ملتصددقة ‪ ،‬بددل كالمركددب الكيميددائي اندددمجت عناصددره‬
‫بعضددها فددي بعددض‪ .‬ولددو حللنددا المركددب إلددى عناصددره تالشددى المركددب‬
‫‪207‬‬
‫نفسه‪".‬‬
‫فمثال‪ ،‬لو تأملنا شكل المربع‪ ،‬فإننا نراه جملة‪ ،‬وال ندراه علدى أنده مجموعدة‬
‫أضددالع‪ ،‬وزوايددا‪ ،‬ورؤوس‪ ،‬بددل نددرى تلددك العناصددر كلهددا علددى أنهددا كددل‪،‬‬
‫الضلع ضلع مربدع‪ ،‬والزاويدة زاويدة مربدع‪ ،‬والدرأس رأس مربدع‪ .‬وهكدذا‪،‬‬
‫دواليك‪.‬أي‪ :‬إن صفات الجزء تكون مشتقة من صفة الكدل الدذي ينتمدي إليده‬
‫‪208‬‬
‫هذا الجزء‪.‬‬

‫‪ - 207‬أحمد عزت راجح‪ :‬أصول علم النفس‪ ،‬المكتب المصري الحديث‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫الطبعة الثامنة‪ ،1970 ،‬ص‪.44:‬‬
‫‪ - 208‬عبد العزيز القوصي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.85:‬‬
‫‪226‬‬
‫‪ -‬إدراك الجزئيات في طابعها الكلي‪-‬‬
‫واليمكن فهم القصيدة وتحليلها نقديا إال باستيعاب النسق الكلي ‪ .‬فكثيدر مدن‬
‫المعدداني الجزئيددة اليمكددن فهمهددا إال بوضددعها داخددل سددياقها الددداللي الكلددي‪.‬‬
‫وينطبددق هددذا أيضددا علددى الصددورة‪ ،‬فددنحن الندددرك منهددا إال طابعهددا الكلددي‪،‬‬
‫وتتضح أجزاؤها وعناصرها ضمن إطارها الهندسي الكلي‪.‬‬
‫وبندداء علددى ماسددبق‪ ،‬ترتكددز النظريددة الجشددطلتية علددى المجددال اإلدراكددي‬
‫الكلي لألجزاء‪ .‬بمعنى أننا ندرك الكل فداألجزاء‪ .‬وهدذا يقدرب النظريدة مدن‬
‫التيار البنيوي الدذي يددرس النسدق فدي كليتده وشدموليته‪.‬بمعنى أنده يتضدمن‬
‫مجموعددة مددن العناصددر الجزئيددة التددي تنتمددي إلددى هددذا الكددل عبددر عالقددات‬
‫بنيوية وظيفية قائمة على االختالف‪ .‬وبالتالي‪ ،‬يتولد المعنى مدن خدالل هدذا‬
‫المختلددف مددن األجددزاء والعناصددر والعالقددات‪ .‬ومددن ثددم‪ ،‬يعنددي الجشددطلت‬
‫الشكل‪ ،‬أو الصيغة‪ ،‬أو المجال‪ ،‬أو النسدق الكلدي الدذي يتمثدل فدي مجموعدة‬
‫من األشكال والصيغ واألنساق المدركة ‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فللجشطلتية أبعاد ثقافية‬
‫مختلفة متنوعة‪ .‬فهي تهتم باآلليات اإلدراكية ومعالجة المعلومات التي يقوم‬
‫‪227‬‬
‫بها الذهن أو العقل‪ ،‬مع إعطاء ندوع مدن االتسداق للظدواهر المدركدة‪ .‬ومدن‬
‫ثم‪ ،‬يتحقق التعلم لدى األفراد بإدراك ماهو كلي‪ ،‬ثم يعقبه ماهو جزئي‪ .‬أي‪:‬‬
‫يتضمن العلم الكليات التي تتضمن بدورها الجزئيات‪.‬‬
‫وقددد اسددتفادت هددذه النظريددة مددن فلسددفات الددوعي فددي القددرن السددابع عشددر‬
‫الميالدي‪ ،‬بتمثل منهج المالحظة والتجريب العلمي في القرن التاسع عشر‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬تركز النظرية على الشكل الذي يسمح لنا بإدراك األشياء الجزئية‬
‫األخرى‪.‬فالوعي يقدوم بدإدراك الكدل ثدم األجدزاء ‪.‬ومدن ثدم الكدل أسدمى مدن‬
‫الجزء‪.‬‬
‫وإذا كانت السلوكية تعنى بخلق وضعيات بيئية تحفيزية أمام الفرد للتفاعدل‬
‫معهددا‪ ،‬فددإن الجشددطلتية تركددز علددى كيفيددة معالجددة الددوعي للمعلومددات‪.‬ومن‬
‫هنا‪ ،‬تدؤمن الجشدطلتية أن اإلنسدان أو الحيدوان يدتعلم باالسكتبطار واإلدراك‬
‫معددا‪.‬ويعني االستبصددار إدراك المجددال اإلدراكددي بسددهولة‪ ،‬وتبددين مختلددف‬
‫الحلول لمعالجة الموقف‪.‬بمعنى أن االستبصار هو نوع من النشاط الدذكائي‬
‫الذهني المتوقد الذي يدفع المتعلم إلى فهم عناصر الوضعية وتفهمها بشدكل‬
‫جيددد ‪ .‬وبعددد تأمددل عميددق لمختلددف عناصددر الموقددف أو الوضددعية‪ ،‬يتوصددل‬
‫المتعلم ‪ ،‬بشكل فجائي وسريع‪ ،‬إلى الحل المناسب‪.‬‬
‫وللتمثيل‪ ،‬إذا أعطيت لإلنسان مجموعة من المفاتيح لفدتح بداب مغلدق‪ ،‬فإنده‬
‫لن يفتح الباب بشكل عشدوائي إال إذا كدان مغمدض العيندين‪ ،‬أمدا إذا حررندا‬
‫حواسدده مددن كددل عددائق‪ ،‬فإندده سدديالحظ القفددل‪ ،‬ويددنظم مجالدده اإلدراكددي‪ ،‬ثددم‬
‫يتثبت من شكل القفل وصورته وهيئته‪ ،‬ثم يبحث عدن طبيعدة المفتداح الدذي‬
‫يتشددابه مددع القفددل‪ ،‬ثددم يدددخل المفتدداح المنتقددى فددي ذلددك القفل‪.‬آنددذاك‪ ،‬تتحقددق‬
‫النتيجة اليقينية بفتح الباب على مصراعيه‪ .‬ويعندي هدذا أن االستبصدار هدو‬
‫تعلددم ندداتج عدددن عمليددة ذكائيدددة محكمددة للمجددال اإلدراكدددي الكلددي‪ ،‬بتنظددديم‬
‫عناصره ‪ ،‬وإدراك جزئياته‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬أجرى كوهلر تجدارب عددة‬
‫علدددى الحيدددوان‪ ،‬والسددديما فئدددة القدددردة مدددن الشدددامبانزي‪ ،‬لبنددداء نظريتددده‬
‫‪228‬‬
‫الجشددددطلتية‪ ،‬فقددددد تصددددل إلددددى أن الحيددددوان يددددتعلم باالستبصددددار واإلدراك‬
‫كاإلنسان‪.‬‬

‫أما اإلدراك‪ ،‬فهو عبارة عن عملية تأويل لمختلدف بنيدات النسدق الكلدي‪ ،‬أو‬
‫هددو انتقددال مددن مرحلددة المحسددوس إلددى مرحلددة التجريددد والتعمدديم وبندداء‬
‫القددددوانين والنظريددددات‪ ،‬واسددددتنتاج القواعددددد الكلية‪.‬ويعتمددددد اإلدراك علددددى‬
‫مجموعددة مددن آليددات الددتعلم‪ ،‬مثددل‪ :‬قددانون التماثددل‪ ،209‬وقددانون التشددابه‪،210‬‬
‫وقدددانون التقدددارب‪ ،211‬وقدددانون اإلغدددالق‪ ،212‬وقدددانون الحجدددم النسدددبي‪،213‬‬
‫وقانون االستمرار‪.214‬‬

‫‪ -209‬قانون التماثل هو إدراك األشياء المتقابلة على أساس أنها تتماثل وتتوحد‪.‬‬
‫‪ -210‬قانون التشابه هو الذي يتأسس على إدراك تشابه األشياء والموضوعات في خصائص‬
‫موحدة ومعينة‪.‬‬
‫‪ -211‬قانون التقارب يدل على تقارب األشياء وتجاورها حتى يسهل إدراكها بيسر‪.‬‬
‫‪ -212‬قانون اإلغالق‪ ،‬ويعني أن األشياء الناقصة وغير التامة يقوم اإلنسان بإتمامها وإغالقها‬
‫حتى يتم إدراكها‪.‬‬
‫‪ -213‬قانون الحجم النسبي يتحقق بإدراك الصيغ الصغيرة كأشكال‪.‬في حين‪ ،‬تدرك الصيغ‬
‫الكبيرة على أساس أنها أرضية لهذه األشكال‪.‬‬
‫‪ -214‬قانون االستمرار‪ ،‬ويعني أن األشياء والعناصر التي تتجه نحو اتجاه معين تدفعنا إلى‬
‫إدراكها على أنها ستستمر في ذلك االتجاهبشكل النهائي‪.‬‬
‫‪229‬‬
‫تلكددم‪ ،‬إذاً‪ ،‬نظددرة مقتضددبة ومختصددرة إلددى مفهددوم الددتعلم لدددى المدرسددة‬
‫الجشدطلتية التدي تحصدره فدي إدراك المجدال الكلدي الدذي يتضدمن‪ ،‬بددوره‪،‬‬
‫إدراك الجزئيات‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬فالجشطلتية نظرية بنيوية مجالية وإدراكية بامتياز‪ ،‬ترى أن التعلم‬
‫يتحقق لدى الحيوان واإلنسان معا بإدراك النسق أو المجال الكلدي‪ .‬وبدذلك‪،‬‬
‫تتجدداوز المدرسددة السددلوكية التددي اهمددت بددربط السددلوك الخددارجي بثنائيددة‬
‫المثير واالستجابة نحو سيكولوجيا معرفية وذهنية وإدراكية ومجالية‪ ،‬تهدتم‬
‫بماهو معرفي وعقلي وذكائي داخلي‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪:‬السيكولــوجيا التكوينية‬
‫ظهدددرت السددديكولوجيا التكوينيدددة(‪ ، )Epistémologie génétique‬أو‬
‫المقاربددة البنائيددة (‪ ،)Constructivisme‬فددي منتصددف القددرن العشددرين‪،‬‬
‫متددأثرة فددي ذلددك بالبنيويددة اللسددانية‪ ،‬و البنيويددة التكوينيددة التددي تمثلهددا بييددر‬
‫بورديو (‪ )P.Bourdieu‬ولوسيان كولدمان (‪ )Lucien Goldmann‬في‬
‫سنوات الستين من القرن الماضي‪.‬‬
‫‪230‬‬
‫ويعدددرف جدددان بياجيددده (‪1896-1980(215)Jean Piaget‬م) بنظرياتددده‬
‫المشهورة في التعليم والتعلم التي تندرج ضمن السيكولوجيا البنائيدة‪ ،‬مدادام‬
‫يتحدث عن تفاعل تماثلي وثيق بين البنية والمحيط‪ .‬وقد اهتم كثيدرا بتطدور‬
‫الطفل النمائي المعرفي والذكائي حتى مرحلدة المراهقدة ‪.‬وبالتدالي‪ ،‬يحسدب‬
‫أيضا على السيكولوجيا المعرفية(‪.)Psychologie cognitive‬‬
‫ومددن ثددم‪ ،‬فقددد قسددم جددان بياجيدده التطددور المعرفددي والددذهني والددذكائي لدددى‬
‫اإلنسددان إلددى أربددع مراحددل أساسددية‪ ،‬تبدددأ مددن مرحلددة الطفولددة إلددى مرحلددة‬
‫المراهقة‪ ،‬وقد حدددها فدي ‪ :‬المرحلدة الحسدية ‪ -‬الحركيدة (مدن فتدرة المديالد‬
‫إلددى السددنتين)‪ ،‬ومرحلددة ماقبددل العمليددات الحسددية (مددن السددنتين إلددى سددبع‬
‫سنوات)‪ ،‬ومرحلة العمليات المشخصة (مدن سدبع إلدى اثنتدي عشدرة سدنة)‪،‬‬
‫ومرحلة العمليات الصورية (من اثنتي عشرة سنة إلى مافوق)‪.‬‬

‫‪ -215‬جان بياجيه (‪1980-1896‬م) هو االبن األكبر للسويسري آرثر بياجيه والفرنسية‬


‫ريبيكا جاكسون‪ .‬كان عالم نفس وفيلسوفا سويسريا‪ .‬وقد طور نظرية التطور المعرفي عند‬
‫األطفال‪ ،‬فيما يعرف اآلن بعلم المعرفة الوراثية‪.‬‬
‫‪231‬‬
‫وقد تمثل جان بياجيه ‪ ،‬في دراساته السيكولوجية المعرفية‪ ،‬المالحظة‬
‫العلمية المنظمة في تجاربه المخبرية الواصفة‪ ،‬في أثناء رصد مختلف‬
‫المراحل التي كان يمر بها طفله إلى أن وصل إلى فترة المراهقة‪.‬‬
‫كما استرشد أيضا بتعاليم فلسفة كانط األلماني حينما بين أن الطفل‪ ،‬في‬
‫تعلمه‪ ،‬ال يعتمد فقط على حواسه‪ ،‬بل يشغل أيضا قدراته العقلية والفطرية‬
‫والمنطقية في اكتساب المعرفة‪ .‬وبالتالي‪ ،‬يعرف مجموعة من العمليات‬
‫المنطقية البديهية؛ مثل‪ :‬السببية‪ ،‬والزمان‪ ،‬والمكان‪ ،‬وديمومة األشياء‪...‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬يرى بياجيه أن الذكاء ناتج عن الترابط البنيوي بين الخبرة‬
‫والنضج‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فالذكاء عبارة عن عمليات عقلية ناضجة‪ ،‬تساعد الطفل‬
‫على التكيف والتأقلم إيجابيا مع بيئته‪ .‬ويعني هذا أن الطفل الذكي هو الذي‬
‫يستعمل مجموعة من اإلستراتيجيات العقلية والمنطقية للتعامل مع بيئته‬
‫تكيفا عبر طريقين هما‪ :‬التمثيل (االستيعاب) من جهة‪ ،‬والمالءمة‬
‫(المشابهة) من جهة أخرى‪.‬‬
‫ويقصد بالتمثيل استيعاب خبرات البيئة ‪ ،‬بالتحكم فيها أو تغييرها جزئيا أو‬
‫كليا لتحقيق نوع من التوازن مع الواقع الخارجي‪ ،‬وهو بمثابة تعلم جديد‪.‬‬
‫عالوة على مالءمة الخبرات القديمة والمتشابهة مع الوقائع الجديدة في‬
‫أثناء التعامل مع البيئة‪ .‬ويعني التوازن عند بياجيه انسجام الطفل عقليا‬
‫وجسديا مع متطلبات المحيط وبيئته‪.‬‬
‫ويضاف إلى هذا أن جان بياجيه حدد أربع مراحل نفسية وتربوية‪ ،‬هي‪:‬‬
‫المرحلة الحسية الحركية‪ ،‬وتمتد من لحظة الميالد حتى السنة الثانية؛‬
‫ومرحلة ما قبل العمليات‪ ،‬وتبتدئ من السنة الثانية حتى السنة السابعة؛‬
‫ومرحلة العمليات المادية أو الحسية‪ ،‬وتبتدئ من السنة السابعة حتى السنة‬
‫الحادية عشرة؛ ومرحلة التفكير المجرد‪ ،‬وتبتدئ من السنة الثانية عشرة‬
‫إلى بداية فترة المراهقة‪ .‬ويعني هذا أن الطفل‪ ،‬في تعلمه ونموه العقلي‬
‫والجسدي‪ ،‬ينتقل من المستوى المحسوس إلى المستوى المجرد‪.‬‬
‫‪232‬‬
‫وإذا كان الطفل مياال‪ ،‬في تعلمه‪ ،‬إلى ماهو حسي وحركي ومشخص‬
‫ومجسد‪ ،‬فإن الفرد ‪ ،‬في فترة المراهقة‪ ،‬يميل إلى التجريد والخيال‬
‫واإلبداع واالبتكار‪ .‬ويعني هذا كله أن جان بياجي قد ركز‪ ،‬في مختلف‬
‫دراساته‪ ،‬على تبيان الكيفية التي بها يتطور التفكير عند الطفل ‪ ،‬من خالل‬
‫مروره بمجموعة من المراحل العمرية المختلفة‪ ،‬وكيف يحقق نوعا من‬
‫التوازن مع الخارج‪ ،‬عبر التفاعل البنيوي التكويني بين الذات والموضوع‪،‬‬
‫أو بين الذكاء والبيئة‪.‬‬

‫ولم تقتصر أبحاثه العلمية على دراسة سيكولوجيا الطفل فحسب‪ ،‬بل درس‬
‫أيضا سيكولوجيا المراهقة مع شريكته إينهيلدر (‪ ،)Inhelder‬ضمن‬
‫مقاربته النفسية التكوينية‪ .‬وقد بين أن فترة المراهقة تتسم بالتجريد على‬
‫الصعيد الذهني والمنطقي والذكائي والمعرفي‪ .‬ويعني هذا أن السيكولوجيا‬
‫التكوينية قد قاربت فترة المراهقة من منظور عقلي وذهني ومعرفي‪.‬‬
‫وركزت كثيرا على السيرورة النمائية الذكائية والعقلية‪ .‬وبذلك‪ ،‬كانت من‬
‫المدارس األولى التي مهدت للسيكولوجيا المعرفية في منتصف القرن‬
‫العشرين‪.216‬‬
‫وتتميز مرحلة المراهقة ‪ -‬عند جان بياجي‪ -‬بخاصية التجريد ‪ ،‬والميل نحو‬
‫العمليددددات المنطقيددددة‪ ،‬واالبتعدددداد عددددن الفكددددر الحسددددي الملمددددوس العيدددداني‬
‫(‪ .)Concret‬ويعني هدذا أن الدذكاء المنطقدي والرياضدي ‪ -‬عندد المراهدق‪-‬‬
‫‪216‬‬
‫‪- Piaget J:La psychologie de l'enfant, Que sais-je? P.U.F, Paris,‬‬
‫‪1973.‬‬
‫‪233‬‬
‫ينتقددل مددن مرحلددة العمليددات المشخصددة نحددو البندداء الصددوري المنطقددي‪ ،‬أو‬
‫ينتقددل مددن الطددابع الحسددي نحددو الطددابع الرمددزي المجرد‪.‬ويعددود ذلددك إلددى‬
‫السيرورة الطبيعية للنمو الذهني والمعرفي الذي يتماثدل‪ -‬بنيويدا‪ -‬مدع النمدو‬
‫البيولددوجي ‪ ،‬وتطددور المحدديط والبيئددة‪ .‬وبتعبيددر آخددر‪ ،‬يتطددور الددذكاء عنددد‬
‫المراهق باستخذام لغة الرموز والدذكاء المنطقدي‪ ،‬وإيجداد الحلدول المناسدبة‬
‫للوضعيات التي يطرحها المحيط الخارجي‪.‬‬
‫أضددف إلددى ذلددك أن الطفددل ‪ -‬فددي هددذه المرحلددة‪ -‬يكتسددب آليددات االسددتدالل‬
‫والبرهنددة واالفتددراض اسددتقراء واسددتنباطا‪ ،‬ويحددل الوضددعيات الرياضددية‬
‫والمنطقية المعقدة‪ ،‬ويميل إلدى التفكيدر الفلسدفي والنسدقي‪ .‬ويجعلده هدذا كلده‬
‫فددي تددوازن تددام مددع الطبيعددة أوالبيئددة التددي تحدديط بدده‪ ،‬مسددتخدما فددي ذلددك‬
‫مجموعة من العمليات ‪ ،‬مثدل‪ :‬التكيدف‪ ،‬والتدأقلم‪ ،‬والمماثلدة‪ ،‬واالسدتيعاب‪،‬‬
‫والتوافق‪ ،‬والمواءمة‪ ،‬واالنسجام‪...‬‬
‫وفي هذا الصدد‪ ،‬يدرى جدان بيداجي أن" جميدع الكائندات الحيدة لدديها قابليدة‬
‫فطريدددة إليجددداد عالقدددة توافدددق أو تكيدددف مدددع البيئدددة مدددن خدددالل مدددا يسدددمى‬
‫بالتوازن‪ .‬وهذا التوازن هو القابلية الفطريدة لتهيئدة قددرات الفدرد وخبراتده‬
‫لتحقيددق أكبددر قدددر ممكددن مددن التكيككف‪ .‬ويمكددن تعريددف التددوازن بأندده نجدداح‬
‫الفددرد فددي توظيددف إمكاناتدده مددع متطلبددات البيئددة حولدده ‪ .‬وتسددمى عمليددة‬
‫االسددتجابة للبيئددة طبقددا للبندداء المعرفددي للفددرد بعمليددة التمثيككل‪ ،‬والتددي تعتمددد‬
‫على نوع التفاعل بدين البندى المعرفيدة والبيئدة الطبيعيدة ‪ ،‬والبندى المعرفيدة‬
‫الماثلة فدي أي لحظدة إنمدا تشدمل مدا أمكدن للكدائن الحدي اسكتيعابه وتمثلده ‪.‬‬
‫ومن الواضح أنه إذا كان التمثيل هو العملية المعرفيدة الوحيددة‪ ،‬فلدن يكدون‬
‫هندداك نمددو عقلددي‪ ،‬حيددث إن الطفددل سددوف يعتمددد فددي تمثيددل خبراتدده علددى‬
‫اإلطددار المحدددد لمددا هددو ماثددل فددي بنيتدده المعرفيددة‪ .‬لددذا‪ ،‬فددإن العمليددة الثانيددة‬
‫تسمى المواءمكة‪ ،‬والموائمدة هدي العمليدة التدي بواسدطتها تتكيدف أو تتعددل‬
‫البنى المعرفية ويحدث من خاللهدا النمدو المعرفدي ‪ .‬أي‪ :‬إن عمليدة التمثيدل‬

‫‪234‬‬
‫تسدددمح للكدددائن الحدددي ليسدددتجيب للموقدددف الدددراهن فدددي ضدددوء المعرفدددة أو‬
‫الخبرات السابقة لديه‪ .‬وبسبب الخصائص الفريدة التدي ال يمكدن االسدتجابة‬
‫لها في ضوء المعرفة السابقة وحدها ‪ ،‬فإنه يمكن القدول بدأن هدذه الخبدرات‬
‫الجديدة للفرد تسبب اضطرابا أو عدم توازن في بنائه المعرفدي فدي بدادىء‬
‫األمر ‪ .‬ثم ال تلبث أن تنسجم وتتزن مدع البنداء المعرفدي‪ ،‬وبمدا أن التدوازن‬
‫حاجة فطرية‪ ،‬فإن البنى المعرفية تتغير لكي تتوائم مع خصائص الخبدرات‬
‫الجديدددة أو المواقددف الجديدددة‪ .‬وبالت دالي‪ ،‬يحدددث االتككزان المعرفككي ‪ .‬وهددذا‬
‫التناقض التدريجي في االعتماد على البيئة الطبيعيدة والزيدادة فدي اسدتخدام‬
‫القدرات أو البناء المعرفي هدو مدا يسدمى باالسدتدخال‪ ،‬ومدع اسدتدخال قددر‬
‫أكبر من الخبرات‪ ،‬يصبح التفكير أداة للتكيف مع البيئة ‪"217.‬‬
‫وكددذلك‪ ،‬تتميددز هددذه المرحلددة بميددل المراهددق إلددى االنتبدداه مددن حيددث المدددة‬
‫والطول والعمق‪ .‬كما يتبين ذلك بجالء حين متابعته لفيلم طويدل‪ ،‬أو مبداراة‬
‫في كرة القدم‪ ،‬أو قصدة طويلدة مسترسدلة‪ .‬عدالوة علدى قدرتده علدى التخيدل‬
‫والتخييل والتذكر واإلبداع واالبتكار‪ ،‬والميل إلدى الشدرود وأحدالم اليقظدة‪،‬‬
‫واإلكثار من الرحالت وحب المغامرة واالستطالع‪ ،‬والتحرر مدن البدرامج‬
‫الدراسدددية‪ ،‬والميدددل إلدددى القدددراءة الحدددرة ‪ ،‬والسددديما قدددراءة الكتدددب العلميدددة‬
‫والدينية‪ ،‬وقدراءة شدعر الغدزل‪ ،‬وسدماع األغداني الشدبابية لددى الدذكور‪ ،‬أو‬
‫سماع األغاني الرومانسية عند اإلناث‪.‬‬
‫ويالحددظ أن عددالم الطفددل يختلددف عددن عددالم المراهددق ‪ ،‬فالعددالم األول عددالم‬
‫محدود وضيق‪ ،‬ومسيج بالحسدية والتشدخيص واإلحيائيدة‪ .‬فدي حدين‪ ،‬يتميدز‬
‫العدالم الثدداني بخاصددية التجريددد والتخييددل والتجداوز لمددا هددو حسددي وعقلددي‪.‬‬

‫‪ -217‬فتحي مصطفى الزيات‪:‬األسس المعرفية للتكوين العقلي وتجهيز المعلومات‪ ،‬دار‬


‫الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬المنصورة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪1995‬م‪ ،‬ص‪185 :‬‬
‫– ‪.188‬‬

‫‪235‬‬
‫وفي هذا النطاق‪ ،‬يقول أحمد أوزي أن " العالم العقلي للمراهق يختلف عن‬
‫العددالم العقلددي للطفددل‪ ،‬إذ إن عددالم المراهقددة أكثددر تناسددقا وانتظامددا وأكثددر‬
‫معنويددة وتجريدددا ممددا يسددمح للمراهددق باالسددتمتاع بالنشدداط العقلددي وقضدداء‬
‫أوقددات طويلددة فددي التفكيددر والتأمددل فددي مسددائل معنويددة كددالخير والفضدديلة‬
‫والشددجاعة والعدالدددة ومعندددى الحيددداة‪ .‬حتدددى إنددده يمكدددن القدددول بدددأن مرحلدددة‬
‫المراهقة هي مرحلة الفلسفة المعقلنة ‪ ،‬بعدد أن كاندت فتدرة الطفولدة األولدى‬
‫فترة الفلسفة الساذجة والبسيطة‪ .‬فاألسئلة الفلسفية التي يلقيهدا طفدل الرابعدة‬
‫أو الخامسددة يجيبدده عنهددا اآلبدداء والمدرسددون فددي جميددع الحدداالت‪ .‬بخددالف‬
‫األسئلة الفلسفية التي تشغل المراهدق فدي هدذه الفتدرة‪ ،‬فهدي أسدئلة يطرحهدا‬
‫على نفسه‪ ،‬ويبحث فيها بقدرته العقلية‪ .‬ألنه لم يعد ذلك الطفل المتقبدل لكدل‬
‫شيء‪.‬إن المراهق يطدرح للنقداش العقلدي المبدادىء الخلقيدة التدي تلقاهدا مدن‬
‫قبل‪ ،‬ويتساءل عن ضرورتها‪.‬كما أنه يتساءل عن علل الكون والحياة وعن‬
‫الدين وقيمته الروحية واالجتماعية‪ .‬وبقدر ما يناقش المراهق هدذه المسدائل‬
‫بالمنطق والعقل‪ ،‬فإنه يؤكد ذاته ووجوده من خالل هذا التفكير الذي يشعره‬
‫بين رفاقه بقيمته‪ .‬كما يعود إلدى ذاتده بعدد كدل نقداش يخوضده وينتصدر فيده‬
‫ليقددارن معرفتدده ووضددعه الفكددري بوضددع الطفولددة وسددذاجتها‪.‬لهذا‪ ،‬يددرفض‬
‫من اآلن فصاعدا اعتباره طفال‪ ،‬فهو علدى اسدتعداد لمناقشدة األب واألسدتاذ‬
‫والصديق‪ ،‬بل وتحدي هؤالء جميعا إذا لم يعترفوا له بالوجود والقيمة‪.‬‬
‫ومدددن خدددالل تفاعدددل المراهدددق مدددع مختلدددف أفدددراد مجتمعددده واسدددتخدامه‬
‫لإلمكانيات والقدرات العقلية تتكون اتجاهاتده وتتبلدور‪ .‬فمدن خدالل مختلدف‬
‫المواقف التي يخبرها في مجتمعه تتكدون اتجاهاتده التدي تدتحكم فدي سدلوكه‬
‫وتوجهه‪ .‬لهذا‪ ،‬نجدد للمراهدق فدي هدذه الفتدرة وجهدات نظدره الخاصدة التدي‬
‫‪218‬‬
‫يتحمس للدفاع عنها في مختلف المجالس واألندية‪".‬‬

‫‪ -218‬أحمد أوزي‪ :‬سيكولوجية المراهقة‪ ،‬دار النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬طبعة‬
‫‪1986‬م‪ ،‬ص‪.23:‬‬
‫‪236‬‬
‫وعليه‪ ،‬تتسم هذه المرحلة بقدوة اإلدراك والمالحظدة عندد المراهدق‪ ،‬ونمدو‬
‫قدراتددده العقليدددة والمعرفيدددة والكفائيدددة‪ ،‬واتسددداع دماغددده الدددذهني والعصدددبي‬
‫والذكائي‪ ،‬وقدرته علدى التمثدل واالسدتيعاب والحفدظ والبرهندة والتجريدب‬
‫والتخييل واإلبداع والتجريد‪.‬‬
‫وأهم ميزة يتصف بها جان بياجيه أنه نظم مراحل التعلم بشكل دقيق‪،‬‬
‫وحدد بداياتها ونهاياتها الزمنية بشكل علمي مقنن؛ مما جعل كثيرا من‬
‫األنظمة التربوية المعاصرة تسترشد بآراء جان بياجيه السديدة‪ ،‬وتستهدي‬
‫بنظرياته الوجيهة في مجال التعليم والتعلم والتكوين‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فقد حدد جان بياجيه أربع مراحل نفسية وتربوية متعاقبة‬
‫ومتدرجة ومتوافقة‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪‬المرحلة الحسية الحركية‪ :‬تمتد من لحظة الميالد حتى السنة الثانية؛‬
‫‪‬مرحلة ما قبل العمليات‪ :‬تبتدئ من السنة الثانية حتى السنة السابعة؛‬
‫‪‬مرحلة العمليات المادية أو الحسية‪ :‬تبتدئ من السنة السابعة حتى السنة‬
‫الحادية عشرة؛‬
‫‪‬مرحلة التفكير المجرد‪ :‬تبتدئ من السنة الثانية عشرة إلى بداية فترة‬
‫المراهقة‪.‬‬
‫ويتوافق التعليم األولي مع مرحلة ما قبل العمليات الحسية الحركية‪ ،‬أو ما‬
‫يسمى بالتفكير الرمزي عن طريق اللغة والصور الذهنية‪ .‬وإذا كانت‬
‫المرحلة األولى مرحلة فكرية حسية حركية‪ ،‬تمتد من الميالد حتى نهاية‬
‫السنة الثانية‪ ،‬ويعتمد فيها الطفل على مجموعة من السلوكيات الفطرية‬
‫الغريزية؛ مثل‪ :‬المص والقبض وغيرهما‪ ،‬ويتعلم من البيئة مجموعة من‬
‫السلوكيات والمهارات والتوافقات الحسية البسيطة‪ ،‬ويتعامل مع األشياء‬
‫بطريقة حسية وإدراكية بسيطة غير مركزة أو واعية‪ ،‬فإن المرحلة الثانية‬

‫‪237‬‬
‫من مراحل تطور الطفل تسمى بمرحلة التفكير الرمزي‪ ،‬أو مرحلة ما قبل‬
‫العمليات العيانية أو الحسية‪ .‬وتبدأ هذه المرحلة في النصف الثاني من‬
‫السنة الثانية حتى سنالسابعة تقريباً‪ .‬وفي هذه المرحلة‪ ،‬يبدأ الطفل في تعلم‬
‫اللغة‪ ،‬والميل نحو التمثياللرمزي لألشياء‪ ،‬وتكوين األفكار البسيطة‬
‫والصور الذهنية‪ ،‬ويتحول تفكير الطفلتدريجيا ً من صورته الحركية إلى‬
‫صورة تفكير رمزي غير مجرد‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬ال بد أن تراعي مؤسسات التعليم األولي ورياض األطفال‬
‫الجوانب النفسية واالجتماعية والتربوية لدى المتعلم‪ ،‬باالسترشاد بعلم‬
‫النفس وعلم االجتماع‪ ،‬وتمثل الطرائق البيداغوجية الحديثة والنظريات‬
‫التربوية المعاصرة‪ .‬وفي هذا اإلطار‪ ،‬يقول غالي أحرشاو‪" :‬إذا كانت‬
‫األسرة هي التي تسهر على تربية الطفل خالل الفترة الممتدة من الوالدة‬
‫إلى سن الثالثة أو الرابعة‪ ،‬فإن مؤسسات التعليم األولي هي التي تضطلع‬
‫بهذه المهمة في الفترة الممتدة من الثالثة أو الرابعة إلى حدود السادسة التي‬
‫تمثل سن االلتحاق بالسلك األول من التعليم االبتدائي‪.‬‬
‫إن التربية المقصودة هنا تتحدد في جميع أشكال رعاية الطفل االجتماعية‬
‫والنفسية والتربوية والمعرفية‪ ،‬والتي تتوزع على هاتين الفترتين؛ بحيث‬
‫تتكفل األسرة بتنشئته ورعايته خالل الفترة األولى‪ ،‬وتسهر مؤسسات‬
‫التعليم األولي على تهييئه وإعداده للتعليم االبتدائي أثناء الفترة الثانية‪.‬‬
‫فهي‪ ،‬بالمعنى الذي يوجهها على امتداد هذه الفترة األخيرة‪ ،‬عبارة عن‬
‫ممارسة بيداغوجية تحكمها مجموعة من االعتبارات الموضوعية‬
‫والمستجدات العلمية‪ ،‬وتؤطرها جملة من األسس النظرية والمرجعيات‬
‫السيكولوجية‪ ،‬وتشرطها سلسلة من المرتكزات البيداغوجية والدعامات‬
‫اإلجرائية‪ .‬وهي بهذا التحديد‪ ،‬حتى وإن كانت تشكل الميدان المعقد الذي‬
‫يستدعي مقاربة متعددة التخصصات‪ ،‬تشمل بالخصوص علم النفس‬
‫والتربية واالجتماع‪ ،‬فإنها عبارة عن ممارسة تربوية تحكمها مرجعية‬

‫‪238‬‬
‫سيكولوجية ذات توجه معرفي‪ ،‬تتحدد على التوالي في سيكولوجية نمو‬
‫‪219‬‬
‫المعارف واكتسابها‪ ،‬وفي سيكولوجية التدريس وتعلم الكفاءات‪".‬‬
‫ويعني هذا أنه ال بد من تبني بيداغوجيا تعلمية كفائية متنوعة فعالة‬
‫ونشيطة‪ ،‬تتعامل مع أفضية لعبية متنوعة‪ ،‬باعتماد األنشطة الثقافية والفنية‬
‫واألدبية والرياضية والموسيقية‪ .‬فضال عن بيداغوجيا فارقية تهتم‬
‫بالفوارق الفردية‪ ،‬وتعنى أيضا بالذكاءات المتعددة‪ .‬أي‪ :‬البد من االعتماد‬
‫على" بيداغوجيا تعددية‪ ،‬يحكمها فضاء تربوي غني ومتنوع‪ ،‬من حيث‬
‫وسائله البيداغوجية‪ ،‬وموارده البشرية‪ ،‬وغاياته التعليمية‪ .‬بمعنى‬
‫البيداغوجيا التي تؤطرها رؤية إستراتيجية للواقع وإمكاناته وآفاقه‪،‬‬
‫‪220‬‬
‫ويجسدها خيار فكري مدرك لظروفه وأهدافه ومعوقاته‪".‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يتبين لنا أن جان بياجيه قد أرسى نظرياته في التعلم على أسس‬
‫السيكولوجيا المعرفية التي تهتم بآليات الذهن والمعرفة العقلية وتطور‬
‫الذكاء اإلنساني‪ .‬كما تميز مشروعه العلمي بتقسيم التعلم إلى مجموعة من‬
‫المراحل الذهنية‪ :‬مرحلة الحسية الحركية‪ ،‬ومرحلة ماقبل العمليات‬
‫المشخصة‪ ،‬ومرحلة العمليات المشخصة‪ ،‬ومرحلة التجريد المنطقي‪.221‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬البنـــائية االجتماعيـــة‬
‫‪l’approche‬‬ ‫(‬ ‫االجتماعية‬ ‫البنائية‬ ‫المدرسة‬ ‫ظهرت‬
‫رد فعل على المدرسة البنائية لجان بياجيه ‪ ،‬على‬ ‫‪222‬‬
‫‪)sociocognitive‬‬

‫‪ -219‬غالي أحرشاو‪ :‬غالي أحرشاو‪ :‬الطفل بين األسرة والمدرسة‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2009‬م‪ ،‬ص‪.40:‬‬
‫‪ -220‬غالي أحرشاو‪ :‬الطفل بين األسرة والمدرسة‪ ،‬ص‪.59:‬‬
‫‪221‬‬
‫‪- Piaget, La naissance de l'intelligence chez l'enfant, Paris,‬‬
‫‪Delachaux et Niestlé, 1936 ; La construction du réel chez l'enfant,‬‬
‫‪Paris, Delachaux et Niestlé, 1937‬‬
‫‪222‬‬
‫‪-BERTRAND, Y. Théories contemporaines de l'éducation,‬‬
‫‪Paris, Editions Nouvelles, Chronique Sociale.1998.‬‬

‫‪239‬‬
‫أساس أن هناك تفاعال بين البنية والمجتمع‪ .‬وقد تشكلت هذه المدرسة مع‬
‫الروسي فيكوتسكي(‪ ،)Vygotski‬وبرونور (‪ ،223)Bruner‬ودواز‬
‫وبيري كليرمون (‪ ،224)Doise & Perret-Clermont‬وغابرييل مونيي‬
‫(‪...225)Gabriel Mugny‬‬
‫وترى هذه المدرسة أن التعلم ال تتحكم فيه المؤثرات البيولوجية والوراثية‬
‫فقط‪ ،‬بل يخضع أيضا لعوامل ثقافية وتاريخية ومجتمعية‪ .‬بمعنى إذا كان‬
‫جان بياجيه يعطي أهمية كبرى لما هو وراثي وعقلي وذكائي في مجال‬
‫التعلم‪ ،‬فإن فيكوتسكي يقر بأهمية المجتمع في بناء تعلمات المتعلم‬
‫وتعزيزها وتطويرها‪ .‬أي‪ :‬يقر بأهمية التفاعل الموجود بين الذات‬
‫والمجتمع‪ ،‬أو بأهمية التفاعل بين التلميذ والمدرس‪ ،‬وبأهمية التفاعل بين‬
‫التلميذ والمجتمع‪.‬ومن هنا‪ ،‬أهمية االنصهار واالندماج في المجتمع ‪ ،‬أو‬
‫االنتماء إلى فريق تربوي ما‪ ،‬أو التوحد مع اآلخرين في جماعة ديناميكية‬
‫معينة ‪.‬ويعني هذا أن السيكولوجيا اإلنسانية نتاج لماهو مجتمعي في شكل‬
‫رموز تفاعلية ‪ .‬وبتعبير خر‪ ،‬يتحقق التفاعل بين الذات المتعلمة والمجتمع‬
‫بواسطة مجموعة من الرموز المتفقة عليها من أجل تحقيق تفاعل إيجابي‬
‫بناء وهادف‪.‬ومن ثم‪ ،‬يقر فيكوتسكي أن الوظائف السيكولوجية العليا‬

‫‪223‬‬
‫‪BRUNER J. L'éducation, entrée dans la culture : les problèmes‬‬
‫‪de l'école à la lumière de la psychologie culturelle, Paris, éd.‬‬
‫‪Retz.1996.‬‬
‫‪224‬‬
‫‪- Willem Doise et Gabriel Mugny, Le développement social de‬‬
‫‪l'intelligence, Paris, InterÉditions, 1981. Willem Doise et Gabriel‬‬
‫‪Mugny, Psychologie sociale et développement cognitif, Paris, Armand‬‬
‫‪Colin, « U », 1997.‬‬
‫‪225‬‬
‫‪-Willem Doise et Gabriel Mugny, Le développement social de‬‬
‫‪l'intelligence, Paris, InterÉditions, 1981. Willem Doise et Gabriel‬‬
‫‪Mugny, Psychologie sociale et développement cognitif, Paris, Armand‬‬
‫‪Colin, « U », 1997.‬‬
‫‪240‬‬
‫لإلنسان اليمكن فصلها عن الوظائف االجتماعية في أبعادها التفاعلية‬
‫والرمزية‪.‬‬
‫وأكثر من هذا يرى فيكوتسكي أن التطور الثقافي لدى الطفل ليس راجعا‬
‫إلى المكونات البيولوجية والجينية والوراثية والفطرية والعقلية والفردية ‪،‬‬
‫بل يرجع ذلك إلى اندماج الطفل في جماعات بشرية ما‪.‬وبهذا‪ ،‬يكون التعلم‬
‫مجتمعيا وليس فرديا‪.‬وتسعفنا هذه النظرية كثيرا في فهم تطور التعلم‬
‫واالكتساب لدى الطفل في مساره النمائي واالرتقائي والذكائي والمعرفي‪.‬‬
‫وتتمثل نظرية فيكوتسكي في أن التعلم هو بمثابة صيرورة استيعاب‬
‫لمختلف األنظمة الثقافية ووسائلها‪.‬أي‪ :‬إن التعلم فعل ثقافي ومجتمعي‬
‫بامتياز‪ .‬وبالتالي‪ ،‬اليمكن للتعلم أن يتعلم باالعتماد على قدراته الوراثية‬
‫والعقلية فقط‪ ،‬بل البد من االندماج في مجتمع من أجل اكتساب أنماطه‬
‫الثقافية ‪ .‬ويعني هذا أن المتعلم اليمكن له االستغناء عن المدرس من جهة‪،‬‬
‫وال عن جماعة األصدقاء والرفقاء من جهة أخرى‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يتكون‬
‫الذكاء لدى الطفل عبر آليات سيكولوجية يمتحها الطفل من محيطه ‪،‬‬
‫مثل‪ :‬اللغة التي يستعملها الطفل‪ ،‬وهي ذات طابع مجتمعي‪ ،‬ويوظفها‬
‫للتعبير عن منتجه الفكري والعقلي‪ .‬ومن ثم‪ ،‬ينفي الباحث ما يسمى‬
‫بالتمركز اللغوي‪ ،‬أو تمركز الطفل على الذات‪ ،‬فهذا كله نتاج المجتمع‪،‬‬
‫مادام الطفل يستعمل اللغة التي وجدها في المجتمع‪ ،‬ثم يحولها إلى آلية‬
‫نفسية داخلية‪ .‬في حين‪ ،‬إن مصدرها مجتمعي‪ ،‬وليس فرديا أو‬
‫داخليا‪.‬وبهذا‪ ،‬يكون الذكاء نتاج تعلم خارجي مجتمعي وثقافي وتاريخي‪،‬‬
‫وليس نتاج ماهو وراثي أو بيولوجي‪ .‬وبهذا‪ ،‬يتعلم الطفل باالسترشاد‬
‫بشاب بالغ‪ ،‬أو بمدرس كفء‪ ،‬يزوده بمختلف الموارد التي تسعفه في‬
‫التعلم الذاتي‪ ،‬واكتساب المعارف‪.226‬‬

‫‪226‬‬
‫‪- Lev Vygotski : Pensée et langage (1934) (traduction de Françoise‬‬
‫‪Sève, avant-propos de Lucien Sève), suivi de « Commentaires sur les‬‬
‫‪241‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يتبين لنا أن البنائية االجتماعية تجمع بين ماهو بنيوي ومجتمعي‪،‬‬
‫أو تجمع بين الذات والمجتمع في إطار عملية التفاعل المتبادل والرمزي‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬نظرية الذكاءات المتعـــددة‬
‫تعد نظريدة الدذكاءات المتعدددة مدن أهدم النظريدات السديكولوجية والتربويدة‬
‫المعاصرة‪ .‬وقد جاءت رد فعل على التصور البياجوي الذي يؤمن بأحادية‬
‫الددذكاء الرياضددي المنطقددي الددذي يعددد نمددوذج الفكددر اإلنسدداني‪ ،‬وغلددو جددان‬
‫بياجي في النزعة العقالنية الموحدة للعقدل اإلنسداني بدالمفهوم الدديكارتي‪":‬‬
‫العقل أعدل قسمة متساوية بين البشر"‪ .‬ناهيك عن استبعاده لعوامل الوسدط‬
‫والفوارق الفرديدة‪ .‬وعلدى العكدس‪ ،‬تدؤمن نظريدة الدذكاءات المتعدددة‪ -‬التدي‬
‫تبلددددورت فددددي سددددنوات الثمددددانين مددددن القددددرن الماضددددي مددددع هددددووارد‬
‫غاردنر(‪ -)Howard Gardner‬بوجود ذكاءات متعددة ومتنوعة ومستقلة‬
‫لدى المتعلم‪ ،‬يمكن صقلها وشحذها عن طريدق التشدجيع والتحفيدز والتعلديم‬
‫والتدددريب‪ ،‬وتنميددة المواهددب والعبقريددات والمبددادرات‪ .‬بمعنددى أن نظريددة‬
‫الذكاءات المتعدددة تدؤمن بعبقريدة المدتعلم‪ ،‬وقدرتده علدى العطداء واإلنتداج‬
‫واالبتكار واإلبداع‪ ،‬وحل المشاكل الصعبة‪ ،‬ومواجهة الوضعيات المعقدة‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تعريف نظرية الذكـــاءات المتعددة‬


‫يعني الذكاء الفطنة والحدة والتوقد والحدس وقوة التخييل والتجريد ‪،‬‬
‫وامتالك قدرات ومهارات خارقة لمواجهة الصعوبات التعليمية‪ -‬التعلمية‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬يعرف الذكاء بأنه هو التكيف السريع مع المستجد من‬
‫المشكالت والوضعيات والظروف ‪ ،‬سواء أكانت سهلة أم صعبة‪ .‬والذكاء‬

‫‪remarques critiques de Vygotski » de Jean Piaget, (Collection‬‬


‫‪« Terrains», Éditions Sociales, Paris, 1985) ; Rééditions : La Dispute,‬‬
‫‪Paris, 1997.‬‬
‫‪242‬‬
‫‪ -‬وفق غارندر ‪ -‬هو "القدرة على ح ِّل المشكالت أو ت َ ْشكيل منتجات لها‬
‫س ِقها الثقافي أو عدة أنساق ثقافية‪." 227‬‬
‫قيمة في ن َ‬
‫ومن ثم‪ ،‬فالذكاءات المتعددة عبارة عن قدرات وملكات مختلفة ومتنوعة‬
‫ومستقلة عن بعضها البعض‪ ،‬يمكن تنميتها‪ ،‬وصقلها‪ ،‬وشحذها‪ ،‬وتثقيفها‪،‬‬
‫وتقويمها‪ ،‬وتعديلها‪ ،‬وتنميتها‪ ،‬وتطويرها بشكل إيجابي بغية التعلم‬
‫واالكتساب‪ .‬وفي هذا اإلطار‪ ،‬يقول غاردنر‪ ":‬إن العناصر األكثر أهمية‬
‫هي نتائج البحوث التي توصلت إليها مع األطفااللعاديين والموهوبين‪،‬‬
‫وكذلك مع معالجين راشدين تعرضوا لتلف دماغي‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬أدركت‬
‫أن القوة أو الضعف في مجال عقلي معين ال يسمح بالتنبؤبأن الشيء نفسه‬
‫يحدث في مجال عقلي آخر‪ .‬وخلصت حينئذ إلى أن التصور المعياريللذكاء‬
‫(والذي وفقه ال يوجد سوى ذكاء واحد هو الذكاء العام) خاطئ‪ .‬وبذلك‪،‬‬
‫وضعت ثمانية معايير لتحديد مفهوم الذكاء‪ ،‬وقمت بفحص عدة ذكاءات‬
‫"مرشحة "بهدف التأكد أي منها يمكن أن تنطبق عليه تلك‬
‫الخاصية‪/‬المعيار‪ .‬وفي سنة ‪1985‬أبرزت سبعة ذكاءات‪ ،‬واليوم ارتفع‬
‫عددها إلى ثمانية أو تسعة‪".228‬‬
‫وتأسيسا على ماسبق‪ ،‬فنظرية الذكاءات المتعددة هي أس اإلبداع واإلنتاج‬
‫واالبتكار ‪ ،‬وآلية إجرائية ناجعة لتفتيق المواهب الظاهرة والمضمرة‪ ،‬بل‬
‫هي دليل العبقرية والتميز والتفرد‪ .‬واليمكن الحديث اليوم عن ذكاء واحد‪،‬‬
‫كما عند جان بياجي‪ ،‬يقاس بالدرجة أو بمعامل الذكاء‪ ،‬فيقال ذكاء مرتفع‪،‬‬
‫وذكاء منخفض‪ ،‬بل هناك ذكاءات متعددة‪ ،‬ومواهب مختلفة‪ ،‬وعبقريات‬

‫‪- A regarder : Howard Gardner : Les formes de l’intelligence, ED‬‬


‫‪227‬‬

‫‪Odel Jacob, Paris, 1997.‬‬

‫‪ -228‬هاوارد غاردنر ‪( :‬حوار مع هوارد غاردنر حول الذكاءات المتعددة‪ :‬من التأسيس‬
‫العلمي إلى التطبيق البيداغوجي)‪ ،‬ترجمة وتقديم‪ :‬عبد الواحد أوالد الفقيهي‪،‬‬

‫‪http://www.aljabriabed.net/n68_08lafkih.htm‬‬
‫‪243‬‬
‫متميزة‪ .‬وبالتالي‪ ،‬يختلف الذكاء من ثقافة إلى أخرى‪ .‬فإذا كانت الثقافة‬
‫الغربية تؤمن بالذكاء الرياضي المنطقي‪ ،‬فإن هناك ثقافات أخرى تؤمن‬
‫بالذكاء الفلسفي‪ ،‬أو الذكاء الطبيعي‪ ،‬أوالذكاء الفني‪ ،‬أو الذكاء الجسمي‬
‫الحركي‪ ،‬أو الذكاء الفضائي البصري‪...‬فالمتعلم قد يكون ضعيفا في‬
‫تخصص علمي ما‪ ،‬لكنه قد يكون ناجحا وقويا في مجال علمي أو حياتي‬
‫آخر‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يتعلم الطفل حسب طبيعة ذكائه النمائي‪ .‬وبالتالي‪ ،‬يختلف التعلم‬
‫من ذكاء إلى آخر‪.‬وللذكاء دورهم مهم في اكتساب المعارف‪ ،‬وتحصيل‬
‫المعلومات‪ ،‬وتنظيم المدارك‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬سياق ظهور نظرية الذكاءات المتعددة‬


‫إذا كان جان بياجي(‪ )Jean Piaget‬يقول بأحادية الذكاء اإلنساني على‬
‫المستوى المعرفي‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يحصره في الذكاء الرياضي المنطقي‬
‫باعتباره أرقى الذكاءات اإلنسانية‪ ،‬فإن هناك من يقول بتعدد الذكاءات لدى‬
‫اإلنسان‪ ،‬وخاصة الباحث السيكولوجي األمريكي هووارد‬
‫غاردنر(‪ )Howard gardner‬الذي ألف مجموعة من الدراسات حول‬
‫نظرية الذكاءات المتعددة منذ ‪1983‬م‪ ،‬ونذكر من بين هذه الدراسات(أطر‬
‫الذكاء)‪ ،229‬و(الذكاءات المتعددة)‪...230‬‬
‫ويعني هذا أن هوارد غاردنر قد تجاوز النظرية الذكائية األحادية التي‬
‫ظهرت مع بداية القرن العشرين لقياس الذكاء المعرفي الرياضي‬
‫والمنطقي‪ ،‬عبر مجموعة من الروائز واالختبارات والفروض بغية تحديد‬
‫مراتب الذكاء ‪ ،‬وتصنيف الناس حسب مقاييس إحصائية معينة‪ ،‬كما يبدو‬
‫ذلك واضحا عند ألفرد بينيه‪ ،‬وإيسنك‪ ،‬وجالتن‪ ،‬وجنسن‪ ،‬وسبرمان‪....‬‬

‫‪229‬‬
‫‪- Howard Gardner : Les formes de l’intelligence,ED Odel‬‬
‫‪Jacob,Paris,1997.‬‬
‫‪230‬‬
‫‪- Howard Gardner : Les Intelligences multiples, traduit par‬‬
‫‪PH.Evans-Clark, M.Muracciole et N.Weinwurzel, Retz, Paris, 1996.‬‬
‫‪244‬‬
‫وفي هذا الصدد‪ ،‬يقول عبد الواحد أوالد الفقيهي‪ ":‬منذ بداية القرن‬
‫الماضي‪ ،‬تساءل العديد من الباحثين عن طبيعة الذكاء‪ .‬ومن أهم المقاربات‬
‫التي سادت تاريخيا مقاربة القياس النفسي والتحليل العاملي‪.‬فإذا كان الكثير‬
‫من هؤالء العلماء قد تبنوا معامل الذكاء أو دافعوا عن وجود عامل عام‬
‫للذكاء‪ .‬فهناك آخرون من رواد التحليل العاملي (ثورستون ‪/Thurstone‬‬
‫وجيلفورد ‪ )Guilford‬لم يقبلوا ذلك‪ ،‬ودافعوا بالمقابل عن فكرة أن الذكاء‬
‫يتضمن عددا كبيرا من العوامل والمكونات‪ .‬لكن على الرغم من مساهمة‬
‫التحليل العاملي في اكتشاف تعقد مكونات الذكاء وتعددها‪ ،‬فإنه ظل حبيس‬
‫استخدام بنود االختبارات التي تعرضت النتقادات عدة‪ ،‬كما أن النتائج التي‬
‫توصل إليها تعكس بشكل مباشر فرضيات رياضية تتخذ وسيلة لتحديد‬
‫عوامل الذكاء وتمييزها‪ .‬بمعنى آخر‪ ،‬إن رواد التحليل العاملي لم يتمكنوا‬
‫من الحسم في النقاش الذي ظل قائما حول الطبيعة الحقيقية للذكاء‪ .‬ومع‬
‫تمكن العديد من الباحثين من االنزياح عن إرث القياس النفسي والتحليل‬
‫العاملي‪ .‬ونهجوا طريقا آخر في الكشف عن تعدد الذكاء اإلنساني‪.‬إن‬
‫التعدد الذي تنطوي عليه الذكاءات يعني أن هناك عددا مستقال من القدرات‬
‫المختلفة‪ ،‬ومجموعة متباينة من أوجه النشاط المعرفي اإلنساني‪ ،‬يسميها‬
‫‪231‬‬
‫غاردنر بالذكاءات اإلنسانية المتعددة‪".‬‬
‫ويضاف إلى هذا أن نظرية الذكاءات المتعددة قد استخدمت‪ ،‬في البداية‪،‬‬
‫في مجال السيكولوجيا‪ ،‬ليتم تجريبها ‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬في مجال التربية والتعليم‬
‫سعيا إلى ترقية العقل اإلنساني‪ ،‬وتطوير بنياته المعرفية‪ ،‬وصقل قدراته‬
‫الذهنية والعصبية والدماغية‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬لم تكتشف بعد طاقات‬
‫الدماي البشري وإمكانياته الزاخرة‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬يقول عبد الواحد‬
‫أوالد الفقيهي ‪ ":‬خالل العقود األخيرة‪ ،‬ستبرز وتتبلور توجهات‪ -‬على‬
‫مستوى المنظمات الدولية واألبحاث العلمية‪ -‬سعت إلى نقد التصور‬
‫األحادي للذكاء وتجاوزه‪ ،‬وربطت تغيير األنظمة التعليمية وإصالحها‬
‫وتجديدها باستثمار تعدد الطاقات‪ ،‬وغنى اإلمكانات اإلنسانية ‪ .‬ففي سنة‬
‫‪ 1972‬أعلن تقرير لليونيسكو أن للدماي اإلنساني إمكانات لم يتم استعمالها‬

‫‪ -231‬عبد الواحد أوالد الفقيهي‪ :‬الذكاءات المتعددة ‪ :‬التأسيس العلمي‪ ،‬منشورات مجلة علوم‬
‫التربية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى ‪2012‬م‪،‬ص‪.21:‬‬
‫‪245‬‬
‫بشكل واسع‪ ،‬وأن مهمة التربية هي تشغيل هذه اإلمكانات غير المستعملة‬
‫وتحقيقها‪ .‬وفي سنة ‪ 1979‬صدر عن نادي روما تقرير نص في مقدمته‬
‫على أن اإلنسان مازال يتوفر على كثير من الطاقات والموارد التي لم‬
‫تكتشف‪ ،‬ولم تختبر بعد؛ ولذلك فهو يظل في حاجة دائمة إلى تعلم كيف‬
‫يكشف عن طاقاته الكامنة‪ ،‬وكيف يستخدمها بصورة واعية وهادفة‬
‫‪232‬‬
‫وذكية‪".‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد بلور هوارد غاردنر نظريته في الذكاءات المتعددة تنظيرا‬
‫وتطبيقا‪ ،‬بعد أن اشتغل تجريبيا على مشروع الطيف التربوي منذ‬
‫‪1984‬م‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬يقول غاردنر‪ ":‬إنمشروع الطيف هو مجهود‬
‫لتقييم مختلف أصناف الذكاءات لدى األطفال الصغار‪،‬ويمكن تكييفه‬
‫ليتالءم مع السنوات المبكرة‪ .‬مبدئيا ليس لدي أي اعتراض لتقييمالذكاءات‬
‫ما دام هذا التقييم يتم بطريقة عادلة ومنصفة‪ ،‬وليس بواسطة‬
‫اختبارمعياري من صنف اختبارات "الورقة والقلم"‪ .‬فإذا أردت – مثال‪-‬‬
‫تقييم الذكاءالفضائي لشخص ما فال تقدم له اختبارا‪ ،‬بل علمه خط سير‬
‫جديد‪ ،‬ثم الحظ بأيةسرعة سيصل إلى التحكم في اتجاه السير‪ ،‬وكيف‬
‫سيقوم بتذكره‪.‬‬
‫هناك باحثون آخرون قاموا بتطوير اختبارات الذكاء‪ ،‬ولست من أنصار‬
‫هذهاالختبارات‪ ،‬لكني أحكم عليها حسب حالة كل اختبار‪ .‬وأعتقد أننا‬
‫أمضينا وقتاطويال في تقييم األطفال وتصنيفهم‪ ،‬ولم نمنحهم سوى وقتا‬
‫ضئيال لمساعدتهم ‪.‬لذلك‪ ،‬فالمبرر الوحيد‪ ،‬بالنسبة إلي‪ ،‬لتقييم الذكاءات هو‬

‫‪ -232‬عبد الواحد أوالد الفقيهي‪ :‬الذكاءات المتعددة ‪ :‬التأسيس العلمي‪ ،‬منشورات مجلة علوم‬
‫التربية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى ‪2012‬م‪.‬‬
‫‪246‬‬
‫مساعدة المتعلمينللتعلم بشكل جيد‪ ،‬وذلك بتوظيف الذكاءات األكثر تفوقا‪،‬‬
‫‪233‬‬
‫وتقوية الذكاءات التيهي في حاجة إلى ذلك‪ ،‬في الوقت نفسه‪".‬‬
‫ويضيف الباحث شارحا مشروعه المسمى بالطيف التربوي بقوله‪ ":‬إنه‬
‫برنامج تربوي يقدم لألطفال الصغار (بين ‪ 3‬و‪ 6‬سنوات) بيئة‬
‫غنيةوخصبة من شأنها أن تثير عددا كبيرا من الذكاءات‪ ،‬بحيث يمكن‬
‫لهؤالء األطفاالستكشاف هذا الوسط الذي يعتبر بمثابة متحف لهم أكثر مما‬
‫هو حجرة فصل عادي‪،‬ومن خالل مالحظة الطريقة التي يستثمرون بها‬
‫مختلف المواد والعناصر المحيطةبهم‪ ،‬يمكن استنباط جانبيتهم في الذكاء‪.‬‬
‫هناك طبعا "مهام الطيف" األكثرشكلية والمخصصة لتحديد أصناف‬
‫الذكاءات القوية والذكاءات الضعيفة لطفل ما‪،‬سواء في ارتباطها مع‬
‫الذكاءات األخرى لدى نفس الطفل‪ ،‬أم بمقارنتها معذكاءات األطفال‬
‫اآلخرين‪ .‬لقد تم تحويل نتائج هذا التقييم إلى "جانبيةالطيف"‪ ،‬والذي‬
‫يتضمن اقتراحات عملية حول األنشطة التي يجب مباشرتها مع الطفلحسب‬
‫جاذبيته الخاصة من حيث مكامن القوة والضعف‪.‬‬

‫أليس هناك خطر اإلخالل بالتوازن حين يتعلق األمر بتفضيل أو تشجيع‬
‫‪234‬‬
‫مجال للذكاء يوجد مسبقا وبقوة لدى طفل ما؟"‬
‫وهكذا‪ ،‬فلقد ظهرت نظرية الذكاءات المتعددة منذ الثمانينيات من القرن‬
‫الماضي بالواليات المتحدة األمريكية مع هوارد غاردنر ‪ ،‬بعد أن جربها‬
‫صاحبها مدة عشرين سنة في مجال السيكولوجيا والبيداغوجيا إلى أن‬

‫‪ -233‬هاوارد غاردنر ‪( :‬حوار مع هوارد غاردنر حول الذكاءات المتعددة‪ :‬من التأسيس‬
‫العلمي إلى التطبيق البيداغوجي)‪ ،‬ترجمة وتقديم‪ :‬عبد الواحد أوالد الفقيهي‪،‬‬

‫‪http://www.aljabriabed.net/n68_08lafkih.htm‬‬

‫‪ -234‬هاوارد غاردنر ‪ :‬الحوار نفسه‪.‬‬

‫‪247‬‬
‫حققت نجاحا باهرا في المدرسة التربوية أكثر مما حققته في ميادين‬
‫ومجاالت وحقول معرفية أخرى‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬التصور النظري لنظرية الذكاءات المتعددة‬
‫يتحدث هوارد غاردنر عن مجموعة من الذكاءات المتعددة التي تتأثر بما‬
‫هو وراثي فطري يولد مع اإلنسان من جهة‪ ،‬ومما هو مكتسب من البيئة‬
‫والوسط (األسرة‪ ،‬والشارع‪ ،‬والمدرسة‪ ،‬والتربية‪ ،‬والمجتمع‪ .)...‬ويعني‬
‫هذا أن الذكاء وراثي ومكتسب معا‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فليس هناك ذكاء واحد ‪ ،‬كما‬
‫يقول جان بياجي وعلماء مقاييس الذكاء المعرفي‪ .‬وإذا فقد اإلنسان ذكاء‬
‫واحدا‪ ،‬فإنه بال شك‪ ،‬في هذه الحالة ‪ ،‬سيستخدم باقي ذكاءاته األخرى‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬تختلف درجة الذكاء من شخص إلى آخر‪ ،‬كما يختلف مفهوم‬
‫الذكاء من ثقافة إلى أخرى‪ .‬وعليه‪ ،‬تستند نظرية الذكاءات المتعددة إلى‬
‫القدرة على حل المشاكل‪ ،‬و مواجهة وضعياتها البسيطة و المركبة ‪ ،‬ضمن‬
‫نسق ثقافي معين‪ ،‬والقدرة على إيجاد مشاكل أخرى للتعلم والتدرب‪،‬‬
‫وإنتاج خدمات وأفكار وقيم جديدة وأصيلة‪ .‬بمعنى أن هذه النظرية تؤهل‬
‫المتعلم ليتسلح بمجموعة من القدرات المهارية لحل المشكالت وإيجادها‪،‬‬
‫وتملك المهارة الذكائية‪ ،‬مع اكتساب ملكة اإلبداع لمواجهة الوضعيات‬
‫والتحديات المعرفية والواقعية‪ ،‬وتعويده على التعلم الذاتي‪ ،‬واستخدام‬
‫قدراته الذكائية في مواجهة الظروف والمعوقات الذاتية والموضوعية‪.‬‬
‫وينطلق غاردنر من فرضية أساسية تقول بتعدد الذكاءات‪ ،‬واستقاللها عن‬
‫بعضها البعض‪ ،‬حيث يقول غاردنر ‪ ":‬بالنسبة لي توجد أدلة مقنعة على‬
‫أن اإلنسان يتوفر على كفايات ذهنية مستقلة نسبيا؛ سوف أسميها بشكل‬
‫مختصر" الذكاءات اإلنسانية""‪ .235‬ويعتمد وصف الذكاء عند هوارد‬
‫غاردنر على مجموعة من المعايير التي يحددها في مايلي‪:‬‬
‫‪ -1‬التاريخ التطوري لكل ذكاء‪.‬‬
‫‪ -2‬عزل الذكاء عند إصابة الدماي‪.‬‬

‫‪- H.Gardner : Les formes de l’intelligence, p : 18.‬‬


‫‪235‬‬

‫‪248‬‬
‫‪ -3‬وجود ذكاءات فائقة ومتميزة لدى فئات غير عادية‪.‬‬
‫‪ -4‬المسار النمائي المتميز لكل ذكاء‪.‬‬
‫‪ -5‬وجود عملية أساسية أو مجموعة عمليات محددة‪.‬‬
‫‪ -6‬قابلية الترميز في نسق رمزي معين‪.‬‬
‫‪ -7‬الدعم المستمد من علم النفس التجريبي‪.‬‬
‫‪ -8‬سند نتائج القياس النفسي‪.236‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يحدد غاردنر تسعة أنواع من الذكاء ‪ ،‬وهي‪ :‬الذكاء الرياضي‬
‫المنطقي‪ ،‬والذكاء اللغوي‪ ،‬والذكاء الموسيقي‪ ،‬والذكاء البصري‬
‫والفضائي‪ ،‬والذكاء الجسمي الحركي‪ ،‬والذكاء الطبيعي‪ ،‬والذكاء الكوني‪،‬‬
‫والذكاء التفاعلي‪ ،‬والذكاء الذاتي‪ .‬فمن لم يكن ذكيا في مادة أو تخصص‬
‫معرفي ما‪ ،‬فقد يكون ذكيا في مجاالت أخرى‪ .‬وليس من الضروري أن‬
‫يكون الذكي هو الذي يعرف حل العمليات الرياضيات والمنطقية‪ ،‬بل قد‬
‫يكون الذكي هو الذي يتقن الموسيقا‪ ،‬ويبدع فيها مثال‪ ،‬أو له قدرة على‬
‫اإلبداع اللغوي‪ ،‬أو يملك الذكاء العاطفي أو االجتماعي‪...‬ومن ثم‪ ،‬يختلف‬
‫الذكاء من ثقافة إلى أخرى حسب اختالف السياقات الرمزية والحضارية‪.‬‬
‫وتعد نظرية الذكاءات المتعددة نظرية سيكوبيداغوجية مهمة لتطوير‬
‫مجموعة من الذكاءات لدى المتعلم‪ ،‬واالهتمام باألنشطة الفنية‪ ،‬والبصرية‪،‬‬
‫والجسمية‪ ،‬والحركية‪ ،‬والطبيعية‪ ،‬والكونية‪ ،‬واللغوية‪...‬ومن ثم‪ ،‬لم يعد‬
‫الذكاء مرتبطا كما في الثقافة الغربية بالرياضيات والعمليات المنطقية‪،‬‬
‫فالذكاء أوسع من الذكاء الرياضي المنطقي‪ .‬لذا‪ ،‬ينبغي تربويا تنمية الذكاء‬
‫التعليمي‪ ،‬بمعرفة أنواع الذكاء لدى المتعلم ‪ ،‬وتبيان مواصفات هذا الذكاء‪،‬‬
‫ورصد مختلف التعثرات التي تمنع من إبراز ذكاء معين‪ .‬ويعني هذا أن‬
‫نظرية الذكاءات المتعددة مفيدة في فهم اإلعاقات الخاصة وتفسيرها نفسيا‬
‫وبيولوجيا واجتماعيا ومعرفيا‪ .‬ويضاف إلى ذلك أنها تنفعنا في تأسيس‬
‫بيداغوجيا فارقية جديدة‪ ،‬تعترف بوجود ذكاء معين لدى كل تلميذ‪ .‬فليس‬

‫‪ -236‬انظر عبد الواحد أوالد الفقيهي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.19-14:‬‬


‫‪249‬‬
‫هناك تلميذ غبي أو أبله أو كسول‪ ،‬فلكل متعلم ذكاؤه الخاص‪ ،‬ينبغي‬
‫صقله‪ ،‬وشحذه‪ ،‬واستكشافه‪ ،‬وتنميته ذهنيا ووجدانيا وحركيا‪.‬وتشدد هذه‬
‫النظرية على أهمية الفنون في بلورة الذكاء البشري‪ .‬عالوة على أهمية‬
‫الذكاء العاطفي واالجتماعي والذاتي في تحقيق التوازن النفسي‪ ،‬وخلق‬
‫لحمة وجدانية إيجابية بين األنا واآلخر ‪...‬‬
‫وللتوضيح أكثر‪ ،‬يرى هوارد غاردنر أن ثمة تسعة ذكاءات تشتغل‪ ،‬بشكل‬
‫مستقل‪ ،‬عن باقي الذكاءات األخرى‪ .‬وترتبط مواقع هذه الذكاءات بالدماي‬
‫العصبي وفصوصه المختلفة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يرتبط الذكاء اللغوي بالبالغة‬
‫والفصاحة ‪ ،‬و استخدام اللغة استخداما جيدا على المستوى الصوتي‬
‫والصرفي والتركيبي والداللي والبالغي والتداولي‪ ،‬والتحكم في هذه‬
‫المستويات اللسانية بيانا وبالغة وتصويتا وفصاحة وإبداعا‪ ،‬واستعمالها‬
‫في كتابة النصوص األدبية السردية والشعرية والدرامية والحكائية والفنية‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬يتموقع الذكاء اللغوي في الفصوص الصدغية والجبهة اليسرى‪،‬‬
‫كمنطقة بروكا‪ ،‬ومنطقة فرنيك‪.‬‬
‫أما الذكاء الرياضي المنطقي الذي يعتمد على عمليات التجريد والتخييل‬
‫واالحتمال‪ ،‬فيستخدم في حل المشاكل المتعلقة بالرياضيات والمنطق‬
‫والهندسة‪ ،‬واليمكن فصل الرياضيات عن المنطق كما يقول وايتهايد نظرا‬
‫للعالقة الجدلية التي توجد بينهما‪ .‬ويتموقع هذا الذكاء في الفصوص‬
‫الجدارية اليسرى واليمنى‪ ،‬والفصوص الجبهية اليسرى‪ .‬في حين‪ ،‬يتموقع‬
‫الذكاء الموسيقي في الفص الصدغي األيمن‪ ،‬ويتجسد هذا الذكاء في إبداع‬
‫النوتات واأللحان واألنغام والموسيقا ‪...‬‬
‫ويرتكن الذكاء البصري الفضائي إلى استغالل المكان في عالقته بالزمان‬
‫هندسيا وبصريا وتشكيليا ومعماريا‪ .‬ويتموقع هذا الذكاء في المناطق‬
‫الجدارية والقفوية من النصف األيمن‪ .‬أما الذكاء الجسمي الحركي‪ ،‬فيوجد‬
‫في المخيخ والنويات القاعدية والمنطقة الحركية‪ .‬ويظهر هذا الذكاء‪،‬‬
‫بجالء‪ ،‬في الكوريغرافيا‪ ،‬والرقص‪ ،‬والرياضة البدنية‪ ،‬والمسرح‪،‬‬
‫والسينما‪ ،‬وحركات الجسد بصفة عامة‪...‬‬

‫‪250‬‬
‫في حين‪ ،‬يتميز الذكاء التفاعلي بأنه ذكاء اجتماعي‪ ،‬تتفاعل فيه الذات مع‬
‫اآلخر االجتماعي شخصا كان أو مؤسسة اجتماعية‪ .‬ويوجد هذا الذكاء في‬
‫الفصوص الجبهية‪ ،‬والفص الصدغي ‪ ،‬وخاصة في النصف األيمن‪،‬‬
‫والجهاز اللعبي‪ .‬أما الذكاء الذاتي‪ ،‬فيوجد في الفصوص الجبهية‪،‬‬
‫والفصوص الجدارية‪ ،‬والجهاز اللعبي‪ .‬ويستخدم هذا الذكاء في مجال علم‬
‫النفس‪ ،‬واألنساق الدينية والعرفانية‪ ،‬والرموز الذاتية‪...‬‬
‫أما الذكاء الطبيعي‪ ،‬فيتعلق بكل مكونات الطبيعة من حيوانات‪ ،‬ونباتات‪،‬‬
‫وصخور‪ ،‬ومعادن‪ ،‬وما يرتبط بالطبيعة كالعالج الطبيعي الشعبي‪ ،‬ومواد‬
‫التجميل‪ ،‬واالستهالك اليومي‪ .‬ويوجد هذا الذكاء في الفص الجداري‬
‫األيسر ‪ .‬وهو مهم في التمييز بين األشياء الحية وغير الحية‪ .‬ويتميز الذكاء‬
‫الوجودي بوجود نزعات التفلسف الكونية‪ ،‬وممارسة الطقوس والعقائد‬
‫‪237‬‬
‫والرياضات الروحية والصوفية‪ ،‬وإنتاج النظريات الفلسفية‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يتبين لنا أن الذكاء أنواع مختلفة ومتعددة‪ ،‬ويرتبط بمواقع دماغية‬
‫وعصبية معينة‪ ،‬وأن هذه الذكاءات مستقلة باستقالل مواقعها ‪ .‬وبالتالي‪،‬‬
‫إذا أتلف ذكاء معين‪ ،‬فثمة ذكاء آخر يعوضه‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فنظرية الذكاءات‬
‫المتعددة طريقة مفيدة في إصالح المنظومة التربوية‪ ،‬بتنمية الذكاءات‬
‫الموجودة لدى المتعلم ‪ ،‬وصقلها بالدربة والممارسة والتمكين وفق أحدث‬
‫الطرائق التربوية والسيكولوجية‪ .‬ومن هنا‪ ،‬تعمل النظرية المتعددة‬
‫الذكاءات على حل المشكالت‪ ،‬وإيجاد مشكالت جديدة الكتساب معارف‬
‫جديدة‪ ،‬وإبداع أفكار ومنتجات وقيم جديدة وأصيلة‪.‬‬

‫‪ -237‬أنظر عبد الواحد أوالد الفقيهي ‪ :‬نفسه‪.155 ،‬‬


‫‪251‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬كتابات حول نظرية الذكاءات المتعددة‬
‫ثمة مجموعة من الدراسات الغربية التي اهتمت بنظرية الذكاءات المتعددة‬
‫تنظيرا وتطبيقا‪ ،‬مثل ما كتبه كل من‪ :‬توماس أرمسترونغ‪Thomas ( 238‬‬
‫‪ )Armstrong‬حول ‪( :‬الذكاءات المتعددة في القسم)‪ ،‬وبروس‬
‫كامبل(‪ )Bruce Campbell‬في كتابه (الذكاءات المتعددة‪ :‬الدليل‬
‫التطبيقي)‪...239‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬فقد انتشرت هذه النظرية عربيا مع مجموعة من‬
‫الباحثين المغاربة الذين كانوا سباقين إلى تمثلها سيكولوجيا وتربويا ‪،‬‬
‫وخاصة أحمد أوزي في كتابه (التعليم والتعلم بمقاربة الذكاءات‬
‫‪238‬‬
‫‪- Thomas Armstrong : les intelligences multiples dans votre‬‬
‫‪classe, traduit de l’américain par : Jean Blaquière, Chenelière,‬‬
‫‪Montréal, 1999.‬‬
‫‪239‬‬
‫‪- Bruce Campbell, les intelligences multiples : Guide pratique,‬‬
‫‪traduit par : Danièle Bellchumeur, Chenelière, Montréal, 1999.‬‬
‫‪252‬‬
‫المتعددة)‪ ،240‬وتلميذيه‪ :‬عبد الواحد أوالد الفقيهي في مجموعة من‬
‫دراساته‪ ،‬مثل‪( :‬نظرية الذكاءات المتعددة من التأسيسالعلمي‬
‫إلى التوظيف البيداغوجى)‪ ،241‬و (الذكاءات المتعددة ‪ :‬التأسيس‬
‫العلمي)‪ ،242‬ومحمد أمزيان في كتابه (الذكاءات المتعددة وتطوير‬
‫الكفايات‪ ...)243‬وفي هذا السياق‪ ،‬يقول أحمد أوزي‪ ":‬إن نظرية الذكاءات‬
‫المتعددة أحدثت منذ ظهورها وتطبيقها في العديد من األنظمة التربوية‬
‫تغييرا كبيرا حبب المدرسة إلى المتعلمين‪ ،‬وجعلتهم يحققون ذواتهم خالل‬
‫ممارسة مختلف األنشطة التي تتفق واهتماماتهم وأساليب تعليمهم‬
‫وتعلمهم‪ ،‬مما جعل هذه النظرية تعرف انتشارا كبيرا‪ ،‬وتغدو مفاهيمها‬
‫مدرجة في البرامج والمناهج التعليمية المتطورة‪ ،‬خالل وضعها‬
‫وتخطيطها لمختلف األنشطة التعليمية في كل المستويات‪ .‬والحقيقة أن‬
‫المغرب كان سباقا في العالم العربي إلى التعرف على هذه المقاربة‬
‫البيداغوجية المتطورة خالل قيامنا بتنشيط ورشات تطوير أساليب وتجويد‬
‫أداء العمل المهني لنساء ورجال التربية والتعليم في بعض منماطق‬
‫المغرب منذ التسعينيات من القرن الماضي‪ ،‬ومنذ ذلك الوقت سعينا إلى‬
‫إدخال هذه المقاربة إلى مجال البحث العلمي األكاديمي ليتعرف عليها‬
‫طالب الدراسات العليا بكلية علوم التربية بجامعة محمد الخامس‪،‬‬
‫‪244‬‬
‫ويستفيدون من نتائجها القيمة‪".‬‬

‫‪ -240‬أحمد أوزي‪ :‬التعليم والتعلم بمقاربة الذكاءات المتعددة‪،‬الشركة المغربية للطباعة‬


‫والنشر‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة‪1999‬م‪ 134،‬من الصفحات‪.‬‬
‫‪ -241‬عبد الواحد أوالد الفقيهى ‪(:‬نظرية الذكاءات المتعددة من التأسيسالعلمي إلى التوظيف‬
‫البيداغوجى) مجلة علوم التربية‪ ،‬المغرب ‪ ،‬المجلدالثالث ‪ ،‬العدد الرابع والعشرون‪،‬‬
‫‪2003‬م‪.‬‬
‫‪ -242‬عبد الواحد أوالد الفقيهي‪ :‬الذكاءات المتعددة‪ :‬التأسيس العلمي‪ ،‬منشورات مجلة علوم‬
‫التربية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2012‬م‬
‫‪ -243‬محمد أمزيان‪ :‬الذكاءات المتعددة وتطوير الكفايات‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة ‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2004‬م‪.‬‬
‫‪ -244‬أحمد أوزي‪( :‬تقديم)‪ ،‬الذكاءات المتعددة ‪ :‬التأسيس العلمي‪ ،‬لعبد الواحد أوالد الفقيهي‪،‬‬
‫منشورات مجلة علوم التربية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى سنة‬
‫‪2012‬م‪ ،‬ص‪.6:‬‬
‫‪253‬‬
‫بيد أن هناك دراسات عربية سابقة ظهرت في الشرق في سنوات الثمانين‬
‫من القرن الماضي قد تبنت نظرية الذكاءات المتعددة‪ ،‬مثل‪ :‬دراسة‬
‫(العالقة بين الذكاءات المتعددة لدى الطلبة المعاقين سمعيا ومتغيرات‬
‫درجة اإلعاقة والجنس والعمر) لسالم سليمان حمد الجعافرة‪ .245‬ومن‬
‫الدراسات العربية األخرى التي تنصب في هذا االهتمام نذكر ما كتبه جابر‬
‫عبد الحميد جابر في كتابه‪( :‬الذكاءات المتعددة والفهم‪ :‬تنمية وتعميق)‪،246‬‬
‫وما كتبه أيضا محمد عبد الهادي حسين في كثير من م لفاته التي‬
‫طورت نظرية الذكاءات المتعددة‪ ،‬مثل‪( :‬مدرسة الذكاءات المتعددة)‪، 247‬‬
‫و(مدخل إلى نظرية الذكاءات المتعددة) ‪ ،248‬و (الذكاءات المتعددة وتنمية‬
‫الموهبة)‪ ، 249‬و(الذكاءات المتعددة‪ :‬أنواع العقول البشرية)‪،250‬‬
‫و(ديناميكية التكيف العصبى وقوة الذكاءات المتعددة)‪ ،251‬و(التفكير‬
‫اإلبداعى فى ضوء نظرية الذكاء المتعلم‪ ،)252‬و(دليلك العملي الى قوة‬

‫‪ -245‬سالم سليمان حمد الجعافرة ‪ :‬العالقة بين الذكاءات المتعددة لدى الطلبة المعاقين سمعيا‬
‫ومتغيرات درجة اإلعاقة والجنس والعمر‪ ،‬الجامعة االردنية‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة األولى سنة‬
‫‪1983‬م‪.‬‬
‫‪ -246‬جابر عبد الحميد جابر‪ :‬الذكاءات المتعددة والفهم‪ :‬تنمية وتعميق‪ ،‬دار الفكر العربى‬
‫للطباعة والنشر‪2003‬م‪.‬‬
‫‪ -247‬محمد عبد الهادي حسين‪ :‬مدرسة الذكاءات المتعددة‪ ،‬دار العلوم للتحقيق والطباعة‬
‫والنشر والتوزيع ‪ 600, 2005 -‬من الصفحات‪.‬‬
‫‪ -248‬محمد عبد الهادي حسين‪ :‬مدخل إلى نظرية الذكاءات المتعددة‪ ،‬دار العلوم للتحقيق‬
‫والطباعة والنشر والتوزي‪ ،‬الطبعة األولى ‪2008‬م‪.‬‬
‫‪ -249‬محمد عبد الهادي حسين‪ :‬الذكاءات المتعددة وتنمية الموهبة‪ ،‬دار العلوم للتحقيق‬
‫والطباعة والنشر والتوزيع‪2006‬م‪ 632،‬من الصفحات‪.‬‬
‫‪ -250‬محمد عبد الهادي حسين‪:‬الذكاءات المتعددة‪ :‬أنواع العقول البشرية‪ ،‬دار العلوم للتحقيق‬
‫والطباعة والنشر والتوزيع‪2000،‬م‪.‬‬
‫‪ -251‬محمد عبد الهادي حسين‪ :‬ديناميكية التكيف العصبي وقة الذكاءات المتعددة‪ ،‬دار العلوم‬
‫للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع‪. 2008‬‬

‫‪ -252‬محمد عبد الهادي حسين‪:‬التفكير االبداعى فى ضوء نظرية الذكاء المتعلم‪ ،‬دار العلوم‬
‫للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع‪2008‬م‪.‬‬
‫‪254‬‬
‫سيناريوهات دروس الذكاءات المتعددة)‪ ،253‬و(إيقاظ العبقرية داخل‬
‫فصولنا الدراسية)‪ ،254‬و (الذكاءات المتعددة ‪ :‬مراجعات وامتحانات)‪، 255‬‬
‫و(االكتشاف المبكر لقدرات الذكاءات المتعددة بمرحلة الطفولة)‪،256‬‬
‫و(مباردة الذكاءات المتعددة ومجتمع التعلم الذكى)‪ .257‬ونستحضر أيضا ما‬
‫كتبه كل من وليد محمد أبو المعاطي في كتابه (الذكاء المعرفي‬
‫واالنفعالي واالجتماعي وأساليب التعلم) ‪ ،258‬وحمدان ممدوح إبراهيم‬
‫الشامي فيكتابه (أثر برنامج تعليمى قائم على نظرية الذكاءات المتعددة‬
‫فى تحصيل الرياضيات لدى تالميذ الحلقة الثانية من التعليم األساسى‬
‫المنخفضين تحصيليا)‪،259‬وبدر محمد العدل في كتابه(فعالية برنامج‬
‫قائمعلى نظرية الذكاءات المتعددة)‪ ،260‬وأحمد السيد علي في كتابه‬

‫‪ -253‬محمد عبد الهادي حسين‪ :‬دليلك العملى الى قوة سيناريوهات دروس الذكاءات‬
‫المتعددة‪ ،‬دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع‪. 2008.‬‬
‫‪ -254‬محمد عبد الهادي حسين‪ :‬إيقاظ العبقرية داخل فصولنا الدراسية‪ ،‬دار العلوم للتحقيق‬
‫والطباعة والنشر والتوزيع‪. 2008.‬‬
‫‪ -255‬محمد عبد الهادي حسين‪ :‬الذكاءات المتعددة ‪ :‬مراجعات وامتحانات‪ ،‬دار العلوم للتحقيق‬
‫والطباعة والنشر والتوزيع‪. 2008.‬‬
‫‪ -256‬محمد عبد الهادي حسين‪ :‬االكتشاف المبكر لقدرات الذكاءات المتعددة بمرحلة‬
‫الطفولة‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪2005‬م‪ 496،‬من الصفحات‪.‬‬
‫‪ -257‬محمد عبد الهادي حسين‪ :‬مبادرة الذكاءات المتعددة ومجتمع التعلم الذكى‪،‬دار العلوم‬
‫للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع‪2008،‬م‪.‬‬
‫‪ -258‬وليد محمد أبو المعاطي ‪:‬الذكاء المعرفي واالنفعالي واالجتماعي واساليب التعلم‪،‬‬
‫جامعة المنصورة كلية التربية‪2005‬م‪ 236،‬من الصفحات‪.‬‬
‫‪ -259‬حمدان ممدوح إبراهيم الشامي ‪ :‬أثر برنامجتعليمى قائم على نظرية الذكاءات المتعددة‬
‫فى تحصيل الرياضيات لدى تالميذ الحلقة الثانية من التعليم األساسى المنخفضين تحصيليا‪،‬‬
‫جامعة القاهرة ‪ -‬كلية التربية‪. 2007.‬‬
‫‪ -260‬بدر محمد العدل‪ :‬فعالية برنامج قائم على نظرية الذكاءات المتعددة‪ ،‬جامعة‬
‫المنصورة‪ ،‬مصر‪ ،‬كلية التربية‪2006‬م‪ 290 ،‬من الصفحات‪.‬‬

‫‪255‬‬
‫(نظرية الذكاءات المتعددة وتطبيقاتها في مجاالت صعوبات التعلم (رؤية‬
‫مستقبلية))‪...261‬‬
‫الفرع الخامس‪ :‬توظيف نظرية الذكاءات المتعددة في المدرسة‬
‫من المعلوم أن لنظرية الذكاءات المتعددة مجموعة من األهداف التربوية‬
‫والديدكتيكية التي يمكن تحقيقها ‪ .‬ويمكن حصرها في األهداف التالية‪:‬‬
‫‪ ‬تؤمن النظرية بتعدد الذكاءات لدى المتعلم؛ إذ يمكن الحديث عن الذكاء‬
‫اللغوي‪ ،‬والذكاء الرياضي المنطقي‪ ،‬والذكاء الطبيعي‪ ،‬والذكاء التفاعلي‪،‬‬
‫والذكاء الذاتي‪ ،‬والذكاء الوجودي‪ ،‬والذكاء الموسيقي‪ ،‬والذكاء الجسمي‬
‫الحركي‪ ،‬والذكاء الفضائي البصري‪...‬؛‬
‫‪ ‬تساهم هذه النظرية في حل المشاكل المتعلقة بالفوارق الفردية؛‬
‫‪ ‬تسعى إلى تنمية العبقرية والموهبة وقدرات اإلنتاج واالبتكار واإلبداع؛‬
‫‪ ‬تكشف مواطن الضعف والقوة عند المتعلم‪ ،‬وخاصة أنها تعالج مواطن‬
‫التعثر وصعوبات التعلم ‪ .‬ومن ثم‪ ،‬إذا كانت نظريات الذكاء التقليدية تركز‬
‫على مواطن الضعف لدى المتعلم‪ ،‬فإن نظرية الذكاءات المتعددة تهتم‬
‫بماهو إيجابي لدى المتعلم‪ ،‬وتستكشف مالديه من قدرات ذكائية أخرى؛‬
‫‪ ‬تطوير الطرائق البيداغوجية والديدكتيكية؛‬
‫‪ ‬تنمية القدرات الذكائية‪ ،‬وتطوير المهارات الكفائية لدى المتعلم من أجل‬
‫حل المشكالت‪ ،‬والعمل على االبتكار واإلنتاج واإلبداع؛‬
‫‪ ‬استثمار القدرات الذكائية لدى المتعلمين في تعليمهم األكاديمي من‬
‫خالل أنشطة تعليمية في مجاالت هذه الذكاءات؛‬

‫‪ -261‬السيد علي أحمد‪ :‬نظرية الذكاءات المتعددة وتطبيقاتها في مجاالت صعوبات التعلم‬
‫(رؤية مستقبلية)‪ ،‬جامعة الملك سعود‪ ،‬الرياض‪2005 ،‬م‪.‬‬

‫‪256‬‬
‫‪ ‬صالحية النظرية لتمثلها في برامج التدريس لألطفال العاديين وذوي‬
‫االحتياجات الخاصة؛‬
‫‪ ‬التركيز على األنشطة المختلفة للذكاءات المتعددةلكي يستفيد كل طفل‬
‫من النشاط الذي يوافق ذكاءاته؛‬
‫‪ ‬تسمح هذه النظرية لكل متعلم على حدة بتحقيق ذاته‪ ،‬والتميز بالجوانب‬
‫التي ينفرد بها‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فليست" نظرية الذكاءات المتعددة – حسب هوارد غاردنر‪ -‬غاية‬
‫في ذاتها‪ ،‬بل هي أداة للمدرسينالمتبصرين الذين يسعون إلى تطوير قدرات‬
‫معينة لدى تالمذتهم‪ .‬مثال‪ :‬إذا كنانبتغي أن يكون األطفال متخلقين فيما‬
‫بينهم‪ ،‬سنحتاج إلى تنمية ذكائهمالشخصي‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬طبعا‪ ،‬تمكن‬
‫هذه النظرية من تحسين تقديمالمواد الدراسية‪ ،‬مثال‪ :‬إذا كان على كل تلميذ‬
‫أن يتلقى مادة التاريخ أوالجغرافية‪ ،‬فليس هناك أي مبرر كي يتعلم كل‬
‫واحد هذه المواد بالطريقة نفسها أويخضع للتقييم نفسه‪.‬‬
‫لقد مكن مشروع الطيف من تعيين جوانب التفوق المتميزة لدى العديد‬
‫مناألطفال‪ ،‬وكان من الممكن أن تبقى مجهولة بدون ذلك؛ فأثناء القيام‬
‫بإحدىالتحريات مع فريقي في البحث صادفنا طفال في السادسة من عمره‪،‬‬
‫ينحدر من أسرةمفككة‪ ،‬ويواجه خطرا كبيرا ناتجا عن الفشل الدراسي‪،‬‬
‫وبحكم أن نتائجه لمتتغير خالل حصص التحضيري‪ ،‬فقد قررت مدرسته‬
‫إجباره على التكرار بعد شهرين منحضوره داخل فصلها‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فقد‬
‫كان الطفل ناجحا بشكل يفوق اآلخرين في فكتركيب مواد مستعملة‬
‫وإعادتها‪ .‬بعد تصويره‪ ،‬وهو يقوم بأنشطة عرضت سلسلة‬
‫اللقطاتالمصورة على معلمته‪ ،‬وكم كان ذهول هذه األخيرة كبيرا جراء ما‬
‫رأت! إلى درجةأنها لم تذق راحة النوم لمدة ثالث ليال‪ .‬منذ تلك اللحظة‬

‫‪257‬‬
‫غيرت بشكل جذرينظرتها حول الطفل‪ ،‬وبدأت النتائج المدرسية لهذا‬
‫األخير تتحسن بشكل ملموس"‪.262‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬فنظرية الذكاءات المتعددة طريقة إبداعية تؤمن بالتنشيط‬


‫المدرسي والحياة المدرسية السعيدة‪ ،‬وتعترف بالفوارق الفردية بين‬
‫المتعلمين‪ ،‬وتكشف نوع الذكاء لدى المتعلم‪ ،‬وتتسم طرائقها الديدكتيكية‬
‫بالفاعلية والمعنى والتشويق‪ ،‬مادامت تسعى إلى تعزيز النمو اإلدراكي‬
‫لدى المتعلم‪ ،‬واالنطالق من فلسفة التنشيط‪ ،‬واالستفادة من آخر البحوث‬
‫التي أجريت على الدماي اإلنساني‪ ،‬والعمل على تصنيف القدرات الدماغية‬
‫التي تختلف من شخص إلى آخر‪ ،‬وهي مستقلة عن بعضها البعض‪.‬‬
‫ويضاف إلى ذلك أن نظرية الذكاءات المتعددة‪ ،‬مادامت تعترف بموهبة‬
‫المتعلمين وعبقريتهم في العطاء واإلنتاج‪ ،‬وتراعي ميولهم‪ ،‬تقلل من الهدر‬
‫المدرسي‪ ،‬وتخفف من العنف والشغب والفوضى والالمباالة لدى المتعلم‪،‬‬
‫وتساهم في خلق المتعلم المفكر‪ ،‬وتصنف المتعلمين حسب احتياجاتهم‬
‫العلمية والمعرفية والنفسية‪.‬‬
‫وقد بلور أحمد أوزي مجموعة من اآلليات الديدكتيكية والمنهجية في‬
‫التعامل مع الذكاءات المتعددة على الشكل التالي‪ :‬ما أهداف الدرس؟ وما‬
‫الوسائل الالزمة إلبالغه على أفضل وجه؟ وما الكفاءات الذهنية الموجودة‬
‫لدى المتعلمين الذين يوجه إليهم الدرس؟ وكيف يمكن تقديم الدرس بكيفيات‬
‫مختلفة مع مراعاة الذكاءات المتعددة؟ وكيف يمكن توضيح الغايات‬
‫وحصيلة المتعلم في كل درس للتأكد من مساهمة كل درس بكيفية مباشرة‬
‫في تحقيق الغاية المنشودة؟‬
‫وعالوة على ذلك‪ ،‬يقترح أحمد أوزي مجموعة من المداخل المنهجية‬
‫لتطبيق نظرية الذكاءات المتعددة في المدرسة‪ ،‬حيث ينبغي‪ ،‬عند إعداد‬
‫الدرس‪ ،‬إدخال ما هو ممكن من الذكاءات بحسب ما يحتمل‬

‫‪ -262‬هاوارد غاردنر‪:‬الحوار نفسه‪.‬‬

‫‪258‬‬
‫الدرس‪،‬واستحضار ذكاءات المتعلمين عند تحضير الدروس‪ .‬وقبل تصميم‬
‫الدرس‪ ،‬ينبغي التفكير في المحتوى الموجود في الدرس أو الوحدة لكي‬
‫يتسنى انتقاء الذكاءات المناسبة إلدخالها ديدكتيكيا‪ .‬وينبغي دوما ً األخذ‬
‫بعين االعتبار الطرائق التي يتعلم بها التالميذ‪ ،‬ويرتاحون لها‪ .‬وينبغي‬
‫التعاون مع المعلمين في تحضير الدروس‪ ،‬ومناقشة اآلراء‪ .‬وليس مهما ً‬
‫إدخال كل الذكاءات في أي درس أو وحدة‪ ،‬فقد يتم أحيانا ً االكتفاء بإدراج‬
‫ثالثة ذكاءات أو أربعة‪ ،‬وإذا لم يحتمل هذا الدرس يراعى ذلك في الدرس‬
‫القادم‪.263‬‬
‫ومن المعلوم أن نظرية الذكاءات المتعددة ليس هدفها الرئيس هو اكتشاف‬
‫العباقرة داخل الفضاء التربوي‪ ،‬بل هو تبيان مواطن الضعف والقوة لدى‬
‫المتعلم فحسب‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬يقول غاردنر‪ ":‬ليس هناك أبدا ارتباط‬
‫مباشر بين نظرية علمية وبرنامج تعليمي‪ ،‬فكلنظرية علمية حول الذهن‬
‫اإلنساني تقترح العديد من التطبيقات التربويةالممكنة‪ ،‬والتجربة وحدها‬
‫يمكن أن تدل على نوع التطبيقات التي يكون لها معنىأو تلك التي ال معنى‬
‫لها‪ .‬وحتى أجيب بشكل دقيق عن السؤال‪ ،‬ال أعتقد أنهينبغي تركيز‬
‫االهتمام على مجال خاص من القوة لدى الطفل‪ .‬في الواقع‪ ،‬إنمسعاي ليس‬
‫على اإلطالق تحويل األطفال إلى عباقرة في المجال الذي يتفوقونفيه‪ ،‬بل‬
‫ينبغي فقط اكتشاف ما هي مجاالت القوة والضعف لديهم‪ .‬وبعد ذلك‪،‬‬
‫تبقىلكل واحد‪ ،‬انطالقا من تقييمه الخاص‪ ،‬الحرية في أن يقرر ما إذا كان‬
‫يفضالالهتمام أكثر بجوانب القوة أو بجوانب الضعف للطفل‪ ،‬أو يفضل‬
‫تجاهل النتائج ‪.‬وبالمقابل‪ ،‬ليس هناك أي مبرر لالعتقاد بأن الشخص الذي‬
‫يبدو ضعيف الذكاء فيلحظة ما ال يمكن أن يصبح متفوقا‪ ،‬بل إن مالحظة‬
‫قصور في ذكاء ما من شأنه أنيدفع هذا الشخص كي يتصرف بحماس من‬
‫أجل تطوير ذلك الذكاء‪ ،‬فهناك العديد مناألشخاص عوضوا نواقصهم‬
‫الظاهرية بالعمل الجاد‪ ،‬بل وأحرزوا أحيانا تفوقا فيتلك المجاالت‪ .‬وأكثر‬
‫‪ -263‬أحمد أوزي‪ :‬التعليم والتعلم بمقاربة الذكاءات المتعددة‪،‬ص‪.88-87:‬‬
‫‪259‬‬
‫من ذلك‪ ،‬يمكنني أن أقدم مثاال شخصيا‪ :‬فأنا دالتوني]مصاب بعمى لوني‬
‫يحول دون التمييز بين األحمر واألخضر] ‪ ،‬ولدي رؤية مجسادية‬
‫‪Stréoscopique‬ناقصة‪ ،‬وأحتاج إلى عدسات قوية مقومة‪ ،‬ومع ذلك‬
‫اخترت أن أكرسأطروحتي للدكتوراه حول الفنون البصرية‪ ،‬وقضيت وقتا‬
‫البصري‪.‬‬ ‫عنالعالم‬ ‫الكتابة‬ ‫في‬ ‫طويال‬
‫هكذا يبدو أن نظرية الذكاءات المتعددة ليست هي القائمة على الحتمية‪،‬‬
‫بل‪،‬باألحرى‪ ،‬أن األفراد‪ ،‬الذين يالحظون قصورا عاديا لديهم‪ ،‬عوض أن‬
‫يقوموابتعويض ذلك القصور‪ ،‬يعتبرون ذلك عالمة تدفعهم إلى التنازل عن‬
‫مكامن تفوقهموإهمالها‪".264‬‬
‫وما أحوج مدارسنا العربية اليوم إلى تطبيق نظرية الذكاءات المتعددة‬
‫إلصالح منظوماتنا التربوية القائمة على تنمية الذكاء الواحد! فقد آن‬
‫األوان للبحث عن الذكاءات األخرى لدى المتعلم في ضوء فلسفة إبداعية‬
‫تنشيطية متعددة المقاربات‪.‬‬

‫الفرع السادس‪ :‬تقويم نظرية الذكاءات المتعددة‬


‫تعد نظرية الذكاءات المتعددة فلسفة سيكوبيداغوجية جديدة‪ ،‬تؤمن بالتنشيط‬
‫الفعال‪ ،‬وخلق المواهب والمبادرات والعبقريات المختلفة والمتنوعة‪.‬‬
‫وتساعد المتعلمين على التعلم الذاتي‪ ،‬واستغالل قدراتهم الذكائية في‬
‫مجاالت متنوعة‪ .‬وتسعى هذه النظرية أيضا إلى إعادة الثقة في المتعلم في‬
‫مختلف الثقافات األخرى التي تتعارض مع الثقافة الغربية المركزية؛ ألن‬
‫الذكاء الرياضي المنطقي ليس هو الذكاء الوحيد الذي يحقق النجاح في‬
‫الحياة‪ .‬فثمة ذكاءات أخرى مبدعة تؤمن المستقبل للمتعلم‪ .‬كما تتميز‬
‫نظرية الذكاءات المتعددة بأنها عبارة عن آليات ديدكتيكية وبيداغوجية‬
‫فعالة ‪ ،‬تساهم في تنشيط الدروس‪ ،‬وتحويلها إلى مهارات وقدرات كفائية‬

‫‪ -264‬هاوارد غاردنر ‪ :‬الحوار نفسه‪.‬‬

‫‪260‬‬
‫إجرائية ‪ ،‬تعمل على تمهير المتعلم‪ ،‬وجعله أمام وضعيات معقدة‬
‫لمواجهتها أوالتأقلم معها‪ .‬كما أنها نظرية صالحة لمعالجة التعثر الدراسي‪،‬‬
‫ومحاربة العنف والشغب داخل الفضاءات التربوية التعليمية‪ ،‬والقضاء‬
‫على التسرب والهدر والفشل الدراسي‪ ،‬ومعالجات الكثير من معوقات‬
‫التعلم لدى المتعلمين العاديين‪ ،‬أو من ذوي الحاجيات الخاصة‪ .‬وأهم ميزة‬
‫تتسم بها النظرية أنها تنبني على فلسفة التشجيع والتحفيز وغرس الدافعية‬
‫في نفسية المتعلم‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬تستند إلى الطرائق البيداغوجية الفعالة‬
‫التي تشوق المعلم والمتعلم على حد سواء‪ ،‬وتعمل على تقوية الطالب‬
‫والمتعلم معا‪...‬‬
‫وقد نجحت نظرية الذكاءات المتعددة بشكل جيد في مجال التربية‬
‫والديدكتيك‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬يقول غاردنر‪ ":‬إن نظريتي (حول الذكاءات‬
‫المتعددة) تؤثر بشكل كبير في الممارسة التربوية؛ ألنها تتفق مع المالحظة‬
‫الجماعية للمدرسين واآلباء‪ ،‬والتي تكشف عن وجوداختالفات بين األطفال‬
‫على الصعيد المعرفي‪ .‬فكلنا يتوفر على عناصر تفوقوجوانب قصور‬
‫متفاوتة في مختلف المجاالت العقلية‪ ،‬لكن معظم الجهود في مجااللتربية ال‬
‫تعترف بوجود تلك الفوارق‪ ،‬وتشجع نمط التفكير القائم على‬
‫اللغةوالمنطق‪ ،‬وتلك بالضبط هي حالة التفكير الديكارتي‪/‬المنهجي العقالني‬
‫فيفرنسا‪ .‬وعلى النقيض من ذلك‪ ،‬تنطلق مقاربتي من الجانبيات العقلية‬
‫المختلفة‪.‬لذلك‪ ،‬أقترح أن تأخذ التربية بعين االعتبار هذه الفوارق إلنجاز‬
‫تعليم بأعلىمستوى من الفعالية‪ .‬فإذا أردنا توجيه التعليم إلى كل األطفال‪،‬‬
‫وليس فقطحصره على أولئك الذين يتوفرون على استعدادات منطقية‬
‫ولغوية‪ ،‬ينبغي األخذبعين االعتبار االكتشافات التي توصلت إليها نظرية‬
‫الذكاءات المتعددة‪.‬‬
‫وأخيرا‪ ،‬لم يكن للباحثين في حقل التربية موقف نقدي خاص تجاه النظرية‪،‬‬
‫بل إنبعضهم سعى فعال إلى تطويرها‪ .‬كان ذلك هو هدف مجموعة من‬

‫‪261‬‬
‫طلبتي المرموقين‪،‬أمثال – ‪-Tom Hatch – Mara Krechevsky‬‬
‫‪ ،Mindy Kornhaber – Bruce Torff‬وغيرهم‪"..265‬‬

‫وثمة انتقادات موجهة إلى هذه النظرية؛ إذ يشير غاردنر إلى بعضها‬
‫فيقول‪":‬معظم علماء النفس‪ ،‬خاصة المحسوبين على القياس النفسي‪،‬‬
‫عارضوا هذه النظرية ‪ .‬ويمكن فهم موقفهم بسهولة ما دامت نظرية‬
‫الذكاءات المتعددة تهدد مواردعيشهم‪ ،‬بل ومبرر وجودهم‪ .‬لكن مقابل ذلك‬
‫هناك علماء متخصصون‪ .‬كالبيولوجيينمثال‪ ،‬وجدوا في النظرية ما يكفي‬
‫من األهمية‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬كانت لنظريةالذكاءات المتعددة أصداء قوية‬
‫داخل الوسط التعليمي األمريكي‪ ،‬فأثناء العقداألخير لم يحتل سوى عدد‬
‫محدود من األفكار التربوية نفس قيمة هذه النظريةبالواليات المتحدة‪ .‬ولكن‬
‫ذلك ال يعني تأييدا لها بالضرورة‪ ،‬فهناك الكثير منالتطبيقات تبقى سطحية‪،‬‬
‫كما أن جزءا من هذا التأييد كان في الواقع مجردتقليعة‪".266‬‬
‫ومن االنتقادات األخرى لهذه النظرية انعدام االختبارات واالمتحانات‬
‫الملموسة للتأكد من مدى نجاعة هذه النظرية واقعا وممارسة كما عند‬
‫علماء الذكاء الكالسيكيين‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬مهما دافعنا عن الذكاءات‬
‫األخرى‪ ،‬فيبقى الذكاء الرياضي المنطقي أس الذكاءات الموجودة‪ .‬فهو‬
‫مرتكز التفوق والتمدن والتحضر‪ ،‬مادام هذا الذكاء الحسابي آلة في خدمة‬
‫اإلنتاج واالقتصاد والتصنيع واالبتكار ‪ ،‬وتطوير بنيات المجتمع الغربي‬
‫الحديث‪ ،‬فكيف يمكن مقارنته بالذكاء اللغوي أو الموسيقي أو الفلسفي؟‬
‫ويمكن الحديث أيضا عن ذكاء عاشر‪ ،‬يمكن تسميته اليوم بالذكاء الرقمي‬
‫أو اإلعالمي الذي يمتلكه متعلمونا بشكل الفت لالنتباه‪ .‬عالوة على ذلك‪،‬‬
‫هل يمكن أن تنجح نظرية الذكاءات المتعددة في مدارسنا العربية التي‬
‫تغيب فيها الموارد المادية والمالية والبشرية ‪ ،‬وتقل فيها السياسات‬
‫التعليمية الهادفة‪ ،‬وتهمش فيها الكفاءات الحقيقية؟!‬

‫‪ -265‬هاوارد غاردنر ‪ :‬الحوار نفسه‪.‬‬

‫‪ -266‬هاوارد غاردنر ‪ :‬الحوار نفسه‪.‬‬

‫‪262‬‬
‫وخالصة القول‪ :‬تعد نظرية الذكاءات المتعددة من أهم النظريات‬
‫السيكوبيداغوجية التي استطاعت تحقيق قطيعة معرفية مع النظريات‬
‫التربوية السابقة؛ ألنها تنبني على اإلنتاج‪ ،‬واالبتكار‪ ،‬واإلبداعية‪ ،‬وتمثل‬
‫فلسفة التنشيط‪ ،‬وخلق المواهب والمبادرات والعبقريات‪ ،‬واستكشاف‬
‫ذكاءات المتعلمين‪ ،‬واستثمارها في األنشطة والتمارين الكفائية التي تزود‬
‫المتعلم بالمهارات والقدرات لحل المشاكل‪ ،‬وإيجاد مشكالت أخرى‪،‬‬
‫وإنتاج قيم وأفكار وخدمات جديدة حداثية وأصيلة‪ .‬وماتزال نظرية‬
‫الذكاءات المتعددة قابلة للتطوير والتغيير واإلثراء كما يقول صاحبها‬
‫هوارد غاردنر ‪ ":‬أتمنى تطوير النظرية في اتجاهات مختلفة‪ .‬لكن ما‬
‫يهمني بشكل أساسي أن نفهم كيف يمكن لطفل استعمال ذكائه أو ذكاءاته‬
‫بهدف التحكم الجيد في المواد الدراسية‪ ،‬و يجد له مكانة داخل المجتمع‬
‫وتطويرها‪ ..‬عالوة على ذلك أتوخى مستقبال اكتشاف ذكاءات أخرى‪،‬‬
‫وفهم الكيفية التي تشتغل بها‪ .‬وأريد بطبيعة الحال أن أعرف بشكل جيد‬
‫كيف يتم التعبير عن الذكاء نفسه داخل مختلف األوساط الثقافية‪ .‬وأود‬
‫كذلك معرفة كيف تتمكن الذكاءات المتعددة من االشتغال بيسر وسهولة‪،‬‬
‫وكيف يمكن تنميتها منفصلة عن بعضها ‪ ،‬وفي ارتباط بعضها البعض‪،‬‬
‫وكذا استكشاف العالقات الموجودة بين الذكاءات واالبتكار والقيادة‪.‬‬

‫أما بالنسبة إلى الطرق المسدودة التي ينبغي تجنبها‪ ،‬أرى واحدة هي‬
‫أهمها‪ :‬ال ينبغي السعي من أجل المقارنة بين المجموعات بمصطلحات‬
‫الذكاء (كالمقارنة بين الرجال والنساء أو بين المجموعات العرقية‪ ،‬إلخ‪)..‬‬
‫نظرا إلى المخاطر المترتبة على وقائع محرفة‪ .‬وكمثال على ذلك‪ ،‬أنه في‬
‫استراليا تم وضع الئحة لكل مجموعة عرقية‪ ،‬من خالل جزء من األدوات‬
‫المدرسية المعتمدة من طرف إحدى الواليات‪ .‬وداخل كل الئحة تم تحديد‬
‫الذكاءات التي تتفوق وتضعف فيها كل مجموعة بدون أي سند علمي‪.‬‬
‫اعتبرت ذلك انزالقا‪ ،‬وأعلنت موقفي في برنامج بالتلفزة األسترالية‪ .‬وفي‬

‫‪263‬‬
‫اليوم التالي‪ ،‬مباشرة بعد تصريحي‪ ،‬قام الوزير األول بإلغاء هذا "الخلط"‬
‫‪267‬‬
‫التربوي الذي يتأسس على الوهم العلمي‪".‬‬

‫تلكم‪-‬إذا ً‪ -‬نظرة مقتضبة إلى نظرية الذكاءات المتعددة لدى هوارد غاردنر‬
‫مفهوما‪ ،‬وتأريخا‪ ،‬وتنظيرا ‪ ،‬وتصنيفا‪ ،‬وتطبيقا‪ ،‬وتقويما‪.‬‬

‫وخالصة القول‪ ،‬يتبين لنا‪ ،‬مما سبق ذكره‪ ،‬أن التعلم هو القدرة على‬
‫االكتساب والمران والتدريب‪ ،‬والقدرة على تحصيل المعارف والمعلومات‬
‫والقيم والمهارات‪.‬‬
‫وللتعلم عالقة وطيدة بالذكاء‪ ،‬مادام التعلم هو نتاج القدرات الذكائية‪ ،‬ونتاج‬
‫مجموعة من الملكات الفطرية التي يمتلكها اإلنسان‪ .‬في حين‪ ،‬يعد التعلم‬
‫نتيجة طبيعية لذلك الذكاء‪.‬‬
‫وبناء على ما سبق‪ ،‬تختلف نظريات التعلم من مدرسة سيكولوجية إلى‬
‫أخرى‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تربط المدرسة السلوكية عملية التعلم بثنائية الحافز أو‬
‫االستجابة‪ ،‬أو الربط بينهما في إطار ترابطي قائم على تكرار المحاوالت‪،‬‬
‫على الرغم من وجود عنصر الخطإ‪ ،‬كما يبدو ذلك جليا عند ثورندايك‪.‬‬
‫في حين‪ ،‬ترى النظرية الجشطالتية األلمانية أن التعلم يكون بإدراك المجال‬
‫الكلي بكل جزئياته المتنوعة والمختلفة‪ ،‬بشكل بنيوي نسقي معرفي‬
‫وذهني‪.‬‬
‫أما اإلبستمولوجيا التكوينية عند جان بياجي‪ ،‬فترى أن التعلم نتيجة التوازن‬
‫بين الذكاء الوراثي والواقع الموضوعي‪.‬أي‪ :‬ينتج التعلم عن طريق التماثل‬

‫‪ -267‬هاوارد غاردنر ‪ :‬الحوار نفسه‪.‬‬

‫‪264‬‬
‫بين البنيات العقلية والذهنية والذكائية من جهة‪ ،‬والوضعيات الموضوعية‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬بواسطة عمليات التكيف والتأقلم واالستيعاب والتشابه‪.‬‬
‫بينما ترى المدرسة البنائية االجتماعية أن التعلم نتاج التحصيل‬
‫المجتمعي‪.‬بمعنى أن المجتمع هو الوسط الذي يكتسب منه الفرد كل‬
‫تعلماته وخبراته وتجاربه بشكل بنائي نسقي‪.‬‬
‫وخالصة القول‪ ،‬يتبين لنا مما سلف ذكره‪ ،‬أن الديدكتيك علم تطبيقي‬
‫يتضمن مجموعة من المفاهيم اإلجرائية التي تساعد الباحث التربوي على‬
‫استيعاب محتويات التربية الخاصة‪ ،‬واكتساب مضامينها المختلفة‪ .‬ومن‬
‫ثم‪ ،‬يقوم التعلم على مفهوم التمثالت الديدكتيكية التي تسهم في بناء تعلمات‬
‫المتعلمين‪ ،‬ومجابهة الوضعيات اإلدماجية من أجل إيجاد الحلول المناسبة‬
‫لتلك الوضعيات المعقدة والمركبة‪.‬‬
‫وال يتحقق التعلم النموذجي والتربوي السليم إال في إطار المثلث‬
‫البيداغوجي القائم على التفاعل النسقي والبنيوي بين المدرس والمتعلم‬
‫والمعرفة‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬اليكون الدرس درسا هادفا وكفائيا مثمرا إال‬
‫في سياق التعاقد الديدكتيكي التفاوضي والتشاركي بين المدرس والمتعلم‪،‬‬
‫مع مراعاة الصراع السوسيو‪ -‬معرفي‪.‬‬
‫أما التعلم‪ ،‬فهو القدرة على االكتساب والمران والتدريب‪ ،‬والقدرة على‬
‫تحصيل المعارف والمعلومات والقيم والمهارات‪ .‬وللتعلم عالقة وطيدة‬
‫بالذكاء‪ ،‬مادام التعلم هو نتاج القدرات الذكائية‪ ،‬ونتاج مجموعة من‬
‫الملكات الفطرية التي يمتلكها اإلنسان‪ .‬في حين‪ ،‬يعد التعلم نتيجة طبيعية‬
‫لذلك الذكاء‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬يستند الديدكتيك إلى تقطيع الدروس والوحدات‬
‫التعلمية إلى ثالثة مقاطع وظيفية ‪ ،‬تتمثل في المقطع التمهيدي‪ ،‬والمقطع‬

‫‪265‬‬
‫الوسطي‪،‬والمقطع النهائي‪ .‬ويشكل هذا كله ما يسمى بالسيناريو‬
‫البيداغوجي الذي يتالءم مع نموذج ديدكتيكي أو بيداغوجي معين‪.‬‬
‫وفي األخير‪ ،‬يمكن الحديث عن نماذج بيداغوجية وتربوية وديدكتيكية‬
‫متنوعة‪ ،‬يمكن حصرها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي التلقيني كما في المدرسة التقليدية؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي الحواري كما في التربية الحديثة؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي الهادف القائم على بيداغوجيا األهداف؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي الكفائي القائم على المقاربة بالكفايات؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي الهربارتي القائم على التمهيد‪ ،‬وبناء الدرس‪،‬‬
‫والربط المنطقي بين مراحل الدرس‪ ،‬واالستنتاج‪ ،‬والتطبيق؛‬
‫‪ ‬النموذج اإلدماجي القائم على تنفيذ الوضعيات اإلدماجية؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي التنشيطي القائم على التنشيط الفردي والجماعي؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي اإلبداعي الذي يهدف إلى جعل المتعلم مبدعا في‬
‫أسرته ومدرسته ومجتمعه؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي الملكاتي القائم على الذكاءات المتعددة؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي الترابطي(‪ )Connectivité‬القائم على توظيف‬
‫اإلعالميات الرقمية في التدريس‪.‬‬

‫‪266‬‬
‫الفصل الرابع‪:‬‬
‫عوائق التعلم وصعوباته‬

‫‪267‬‬
‫يواجه المتعلم داخل الفضاء الديدكتيكي مجموعة من العوائق والصعوبات‬
‫الذاتية والموضوعية‪ ،‬ويمكن أن تكون تلك العوائق نفسية‪ ،‬واجتماعية‪،‬‬
‫وتربوية‪ ،‬وديدكتيكية‪ ،‬وإبستمولوجية‪ ،‬ولسانية‪...‬لذا‪ ،‬يهتم التدبير‬
‫الديدكتيكي والبيداغوجي بتشخيص هذه العوائق‪ ،‬وتصنيفها وفق أنواعها‪،‬‬
‫والبحث عن أسبابها الداخلية والخارجية‪ ،‬وتبيان مختلف الحلول والطرائق‬
‫والمعالجات للحد من هذه العوائق بغية بناء شخصية تعلمية سليمة قادرة‬
‫على مواجهة الوضعيات الحياتية والمهنية والتربوية والتعلمية‪.‬‬
‫إذاً‪ ،‬ما مفهوم العائق؟ وما أنواع العوائق؟ و ما العائق الديدكتيكي؟ وكيف‬
‫يمكن تشخيص الصعوبات التعلمية المختلفة ؟ وما أسبابها الذاتية‬
‫والموضوعية؟ وما الطرائق الممكنة لمعالجة العوائق والحد منها؟ هذا ما‬
‫سوف نتعرف إليه في هذه المباحث الموالية‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهوم العائق‬


‫تعرف اإلعاقة على أنها نوع من التأخر في التعلم واالكتساب في بعض‬
‫النواحي من شخصية الطفل‪ ،‬ويمكن استدراكها بعد الترويض والتدريب‬
‫والتمرين والعالج الداخلي والخارجي‪ .‬كما توجد لدى المصاب إمكانيات‬
‫أخرى سليمة وصحيحة كامنة لديه‪ ،‬يمكن توظيفها إيجابيا ‪ ،‬بشكل من‬
‫األشكال‪ ،‬واستثمارها بالتدريج ‪ ،‬جزئيا أو كليا‪ ،‬إلرجاع ما افتقده من‬
‫حواس أو تعلمات أو اكتسابات‪ .‬ويمكن كذلك توجيهها في مناحي تعلمية‬
‫ومهنية هادفة وبناءة ووظيفية‪ ،‬كتعليم األعمى ‪ -‬مثال‪.-‬‬
‫أما العاهة‪ ،‬فهي إصابة مستدامة من حيث األثر المترس؛ إذ اليمكن‬
‫عالجها أو إرجاعها أو استدراكها؛ ألنها تعود إلى عوامل وراثية‬
‫وبيولوجية‪ ،‬من الصعب إعادتها أو التحكم فيها ‪ ،‬مثل‪ :‬عاهة الصم‪.‬‬
‫ويقصد بالعائق التربوي والديدكتيكي ذلك االضطراب الذي يجعل المتعلم‬
‫غير قادر على تحقيق تكيفه المناسب والمتالئم مع محيطه أو بيئته‬
‫‪268‬‬
‫التعلمية‪ ،‬أو يقصد به مجموعة من الصعوبات أو الحواجز التي تمنع‬
‫المتعلم من تحقيق توازنه أو نجاحه‪ ،‬أو الوصول إلى الهدف المرجو من‬
‫تعلمه‪ .‬وقد يقصد به ذلك التعثر الذي يعوق المتعلم من تحقيق كفاياته‬
‫وقدراته ‪ ،‬أو اكتساب التعلمات أو الدرايات والمواقف والمهارات‬
‫والموارد‪ .‬وقد يكون العائق عبارة عن مشكلة معقدة و صعبة ومركبة‬
‫تستوجب أن يكون المتعلم مؤهال وقادرا على حل هذه المشكلة بإدماج‬
‫قدراته وكفاياته ‪ ،‬وهذا ما تنص عليه المقاربة بالكفايات وبيداغوجيا‬
‫اإلدماج على حد سواء‪.‬‬
‫ومن جانب آخر‪ ،‬قد يكون العائق إيجابيا عندما يحفز المتعلم على تحقيق‬
‫نموه الذكائي‪ ،‬أو تحصيل درجات النجاح‪ ،‬بالتحكم في الوضعيات‪-‬‬
‫المشكالت بإيجاد الحلول المناسبة لها‪ ،‬وقد يكون ذلك العائق سلبيا عندما‬
‫يمنع المتعلم من بناء تعلماته بطريقة صحيحة‪ ،‬أو يبعده التعثر عن‬
‫استكمال دراساته‪ ،‬أو يسبب له العجز والفشل والتعثر‪ ،‬ويسهم في انقطاعه‬
‫عن المدرسة وفق ما يسمى بظاهرة الهدر المدرسي‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الفرق بين الطفل السوي والطفل المعاق أو‬


‫الشاذ‬
‫ليس من السهولة التفريق بين الشخص السوي والشخص المعاق أو الشاذ‪،‬‬
‫فثمة معايير مختلفة في ذلك‪ ،‬مثل‪ :‬المعيار اإلحصائي‪ ،‬والمعيار المثالي‪،‬‬
‫والمعيار الحضاري‪ ،‬والمعيار الباثولوجي‪ .‬فمن الناحية اإلحصائية‪،‬‬
‫فالسوي هو الذي ال ينحرف كثيرا عن درجة المتوسط ‪ ،‬أو هو ذلك‬
‫المتوسط الذي يمثله كثير من الناس‪ ،‬إذا تمثلنا المنحنى االعتدالي‪ .‬في‬
‫حين‪ ،‬يكون الشاذ هو الذي ينحرف كثيرا عن المتوسط‪ ،‬ويلتوي التواء‬
‫سالبا‪.‬‬

‫‪269‬‬
‫أما من حيث المعيار المثالي‪ ،‬فالسوي هو اإلنسان الذي يقترب من الكمال‬
‫على المستوى العقلي والشخصي واالجتماعي واللغوي والقرائي‪ .‬أما الشاذ‬
‫أو المعاق‪ ،‬فهو الذي يعرف نقصا في هذه الميزات والخصائص المثالية‪.‬‬
‫أما فيما يخص المعيار االجتماعي والحضاري‪ ،‬فالسوي هو المتوافق مع‬
‫المحيط والمجتمع‪ ،‬من حيث قيمه وعاداته وتقاليده وأعرافه وأهدافه‬
‫ومعاييره وقوانينه‪ .‬أما الشاذ‪ ،‬فهو الذي يتصرف تصرفا بدائيا‪ ،‬يوحي‬
‫بطابع التوحش والشذوذ واالنعزالية‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بالمعيار الباتولوجي‪ ،‬فالشخص المعاق أو الشاذ يتميز عن‬
‫السوي أو العادي بأعراض إكلينيكية معينة ‪ ،‬مثل‪ :‬المخاوف الشاذة‪،‬‬
‫والوساوس‪ ،‬واألفكار المتسلطة ‪ ،‬وارتفاع مستوى القلق عند العصابيين‪...‬‬
‫وعليه‪ ،‬فالطفل السوي هو الذي يستخدم كل حواسه بطريقة سليمة‬
‫وصحيحة‪ ،‬ويعرف نموا ارتقائيا عاديا مثل باقي األطفال اآلخرين ذهنيا‬
‫وعقليا ووجدانيا وحسيا حركيا‪ .‬في حين‪ ،‬يعد الطفل المعاق ذلك الشخص‬
‫الذي اليستطيع التكيف مع الواقع الموضوعي؛ بسبب فقدانه لقدرة ما‪ ،‬أو‬
‫لمجموعة من القدرات النمائية التي تجعله يتأخر في نموه البيولوجي أو‬
‫العقلي أو الحركي أو االجتماعي مقارنة بالطفل السوي‪.‬‬
‫كما يفتقد المعاق القدرة على القراءة أو الكتابة أو النطق أو التواصل أو‬
‫التعبير أو الفهم أو التعلم أو إدراك ذاته أو إدراك العالم الخارجي‪ .‬لذا‪،‬‬
‫يسمى الطفل غير السوي بالطفل المعاق أو الطفل الشاذ أو الطفل ذي‬
‫االحتياجات الخاصة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فهما يختلفان من حيث التعلم واالكتساب‪.‬‬

‫‪270‬‬
‫" ففي حين‪ ،‬نرى الطفل السليم والسوي قابال لالكتساب والتعلم في كل‬
‫البيئات والمجتمعات‪ ،‬نرى أن الطفل المعاق يتطلب تمرينا ذهنيا وجسديا‬
‫على االكتساب‪ ،‬في معاهد وعيادات خاصة‪"268.‬‬
‫ويرى ويتي (‪ )Witty‬أن الطفل السوي " هو الذي يقوم وينتج أعماال قيمة‬
‫في بعض المجاالت ومظاهر التعبير األخرى‪ ،‬مسجال إنجازات هامة في‬
‫سلم التطور اإلنساني‪".269‬‬
‫ويعني هذا أن الطفل السوي هو ذلك الشخص العادي الذي يقوم بما يقوم‬
‫به األطفال اآلخرون في سنه‪ ،‬ويمر بالمراحل نفسها التي يمر بها األطفال‬
‫اآلخرون (المرحلة الحسية الحركية‪ -‬مرحلة ماقبل العمليات‪ ،‬ومرحلة‬
‫العمليات الحسية‪ ،‬ومرحلة التجريد)‪ ،‬في فترات زمنية محددة أو متقاربة‪.‬‬
‫في حين‪ ،‬يتميز الطفل المعاق بالتأخر الكلي أو الجزئي على المستوى‬
‫العقلي أو الذهني‪ ،‬أو يعرف باالضطراب النفسي والجسدي واالجتماعي‪،‬‬
‫أو يحدد بفقدان القدرات اللغوية والقرائية‪ .‬فالسوي‪ -‬مثال‪ -‬يوظف اللغة‬
‫كتابة وشفاهة توظيفا تواصليا سليما وصحيحا‪.‬بينما يوظفها المعاق توظيفا‬
‫مشوها بسبب الزيادة والنقص والتحوير واالستبدال والحذف‪ .‬وفي هذا‬
‫الصدد‪ ،‬يقول األلسني اللبناني جورج كالس‪ ":‬فاألفكار المتسلسلة في‬
‫خبرات األطفال وقدرة الذهن على تنظيمها وترتيبها‪ ،‬هي العامل األول‬
‫على إدراك للعالقات وربطها بمعانيها‪ .‬ففي مقابل ذخيرته من المفاهيم‪،‬‬
‫وقدرته على فهم المعاني‪ ،‬هناك قدرة الطفل على الحديث‪ .‬فالطفل في‬
‫كالمه يعاني من عادات سيئة من حيث النطق‪ ،‬كحذف أو إضافة بعض‬
‫العناصر للكلمة‪ ،‬أو التفخيم والترقيق في غير مكانهما‪ .‬بينما يتمكن الطفل‬

‫‪ - 268‬جورج كالس‪ :‬األلسنية ولغة الطفل العربي‪ ،‬دار النهار للنشر‪ ،‬بيروت‪،‬لبنان‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى سنة ‪1981‬م‪ ،‬ص‪.164:‬‬
‫‪ - 269‬جورج كالس‪ :‬األلسنية ولغة الطفل العربي‪،‬ص‪.164:‬‬
‫‪271‬‬
‫السوي من صياغة أفكاره في عبارات بسيطة بعيدة عن التعقيد‬
‫واإلبهام‪".270‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬فالفرد السوي أو العادي هو الذي يتواصل مع محيطه‬
‫بطريقة عادية سليمة وصحيحة‪ .‬في حين‪ ،‬يجد المعاق صعوبات جزئية أو‬
‫كلية في االندماج داخل المجتمع‪ ،‬أو يلقى صعوبات في حل الوضعيات‬
‫اإلدماجية‪ ،‬أو في التوافق نفسيا واجتماعيا وتربويا مع تالميذ الفصل‬
‫العادي‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬صعوبات التعلم وأسبابها‬


‫الترتبط الصعوبات التعلمية بالطفل المعاق أو الشاذ فقط‪ ،‬بل أيضا بالطفل‬
‫السوي الذي اليستطيع أن يتكيف مع ذاته من جهة‪ ،‬والمحيط المجتمعي من‬
‫جهة أخرى‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فاألطفال"الذين يعانون من صعوبات التعلم هم‬
‫أطفال عاديون اليختلفون عن اآلخرين إال في كونهم يمثلون حاالت معينة‬
‫في الوضع التعلمي‪ ،‬وفي بعض االستجابات واالستعدادات الموروثة‪،‬‬
‫وتفاصيل مشاكل التعلم التي يمكن أن يعاني منها هؤالء األطفال ترجع في‬
‫الواقع إلى خصوصيات نشأتهم وتكوينهم وبنيتهم الفيزيولوجية‪ ،‬فتنعكس‬
‫هذه الخصوصيات على قدراتهم على التعلم‪ ،‬ليجد أحدهم صعوبات في‬
‫مادة تعلمية واحدة كالرياضيات‪ ،‬أو في القدرة على التفكير الحسابي‪ ،‬بينما‬
‫يجدها اآلخر في القراءة أو في فك رموزها أو فيهما معا‪ ،...‬وللتصدي‬
‫لهذه الصعوبات ينغي تحليل حالة كل طفل على حدة‪ ،‬وتحديد أسباب الخلل‬
‫التعلمي لديه بشكل موضوعي حتى يتم التمكن من مساعدته على الفهم‬
‫والتقويم السليم لقدراته وحاجاته ليختار األساليب والوسائل المناسبة‬
‫‪271‬‬
‫للتعامل معها‪".‬‬

‫‪ - 270‬جورج كالس‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.168:‬‬


‫‪ - 271‬عبد الرحمن أدراوي‪ :‬بيداغوجيا تعلم التعلم أو تدبير التعلم‪ ،‬مطبعة الجسور‪ ،‬وجدة‪،‬‬
‫المغرب‪ ،‬طبعة ‪2009‬م‪ ،‬ص‪15:‬‬
‫‪272‬‬
‫ولصعوبات التعلم وعوائقه أسباب ذاتية وموضوعية ‪ ،‬مثل‪ :‬األسباب‬
‫العضوية التكوينية والوراثية والجينية ‪ ،‬واألسباب البيئية التي تحيط‬
‫بالمتعلمين ؛ حيث تجعلهم غير قادرين على الكالم أو الحركة أو اإلدراك‬
‫أو االنتباه أو التركيز‪...‬وأسباب أخرى تعود إلى التأخر في النمو العقلي‬
‫والذهني والبيولوجي والحسي‪.‬ناهيك عن أسباب نفسية تتمثل في‬
‫االضطراب النفسي‪ ،‬والالتوازن المعرفي‪ ،‬والقلق‪ ،‬والخوف‪ ،‬والخجل‪،‬‬
‫والفزع‪ ،‬وعدم ضبط السلوك‪ .‬عالوة على أسباب ثقافية تتمثل في نقص‬
‫الرعاية التربوية المبكرة ‪ ،‬ونقص الخبرات العقلية واالجتماعية التي تؤثر‬
‫سلبا في نمو المتعلم مجتمعيا وتربويا‪ .‬وقد يرجع سبب صعوبة التعلم إلى‬
‫عوائق المعرفة المدرسية‪ ،‬وعوائق المنهاج التربوي والكتاب المدرسي‪،‬‬
‫وعوائق التبليغ والتدريس‪ ،‬أو ترجع إلى عوائق موضوعية تتعلق‬
‫باألسرة‪ ،‬والشارع‪ ،‬والمحيط العام‪...‬‬
‫أما عن مظاهر صعوبات التعلم‪ ،‬فيمكن حصرها في ما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬صعوبات التحكم في اللغات؛‬
‫‪ ‬صعوبات في القراءة بطريقة معبرة جيدة ومحكمة؛‬
‫‪ ‬صعوبات في الكتابة بطريقة وظيفية سليمة وجيدة ومتميزة‪ ،‬والسيما‬
‫في مجاالت الخط واإلمالء والنقل؛‬
‫‪ ‬صعوبات في اإلنشاء والتعبير الكتابي والشفوي؛‬
‫‪ ‬الصعوبات في الرياضيات والحساب الرياضي؛‬
‫‪ ‬الصعوبات المعرفية التي تتمثل في أخطاء في الفهم‪ ،‬وأخطاء في‬
‫التمثالت المعرفية‪ ،‬وأخطاء في بنيوية المعرفة وبنائها ‪ ،‬وأخطاء في‬

‫‪273‬‬
‫مواجهة الوضعيات اإلدماجية والتعلمية‪ ،‬وأخطاء في استعمال‬
‫اإلستراتيجيات المناسبة‪ ، 272‬وعدم المرونة في نظام التمثل‪.273‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬العوائق البيداغوجية والديدكتيكية‬


‫نعني بالعوائق البيداغوجية والديدكتيكية ما يتعلق بالصعوبات التي‬
‫يواجهها المتعلم في أثناء التعلم‪ ،‬أو داخل الفضاء المدرسي‪ .‬وتتعلق هذه‬
‫العوائق والصعوبات بعدم تحديد األهداف بشكل واضح ودقيق لقياسها‬
‫وتقويمها في آخر الحصة الدراسية‪.‬‬
‫وتعود هذه الصعوبات أيضا إلى غياب التعاقد الديدكتيكي التفاعلي‬
‫والتفاوضي الصريح بين المدرس والمتعلم في بداية السنة الدراسية‪ ،‬أو في‬
‫كل مرحلة أو حصة دراسية‪ ،‬إلشراك المتعلم في بناء الدرس بغية تحقيق‬
‫األهداف النوعية‪ .‬كما يعود غموض الدرس إلى انطواء المدرس على‬
‫نفسه أو على المعرفة بشكل مبالغ فيه‪ ،‬وعدم االهتمام بالمتعلم وفق‬
‫المقاربة بالكفايات بغية تأهيل المتعلم‪ ،‬وتزويده بمجموعة من الموارد‬
‫إلدماجها في مواجهة الوضعيات الصعبة والمعقدة‪.‬‬
‫ناهيك عن عوائق تتعلق بالمحتويات والمضامين‪ ،‬كأن تكون مفاهيم‬
‫مجردة‪ ،‬أو التتناسب مع مستوى المتعلمين‪ ،‬أو التنسجم مع البيئة التي‬
‫يعيش فيها المتعلم‪ ،‬أو التراعي المنظومة القيمية التي يتمثلها المتعلم‪ ،‬أو‬

‫‪ - 272‬اإلستراتيجيات المعرفية ‪ ،‬حسب محمد أدراوي‪ ،‬هي " مجموع اإلجراءات الذهنية‬
‫المنظمة من طرف الفرد للتحكم والتوجيه المعقلن في سيرورات االنتباه‪ ،‬وسيرورات التعلم‪،‬‬
‫كما يمكن اعتبارها كذلك مجموع اإلجراءات األدائية الفكرية أو الموظفة عند مواجهة مواقف‬
‫ووضعيات قصد بلوي هدف أو أهداف معينة‪.‬فهي مهارات منظمة داخليا توظف عند محاولة‬
‫إيجاد حلول جديدة لمواقف وإشكاالت أخرى جديدة‪ ،‬وتتتميز باآللية والعمومية‪ ".‬بيداغوجيا‬
‫تعلم التعلم أو تدبير التعلم‪ ،‬مطبعة الجسور‪ ،‬وجدة‪ ،‬المغرب‪ ،‬طبعة ‪2009‬م‪ ،‬ص‪15:‬‬
‫‪ - 273‬عبد الرحمن أدراوي‪ :‬بيداغوجيا تعلم التعلم أو تدبير التعلم‪ ،‬ص‪15:‬‬
‫‪274‬‬
‫تفرض تلك المحتويات على المتعلم دون اختياره‪ ،‬أو دون احترام التعاقد‬
‫الديدكتيكي‪ ،‬أو دون األخذ بمبدأ االختيار‪.‬‬
‫وال ننسى تلك العوائق الديدكتيكية التي تتعلق بالمعرفة والمفاهيم والحقائق‬
‫العلمية التي تحتاج إلى النقل الديدكتيكي المالئم‪ .‬وقد تنتج تلك العوائق عن‬
‫طبيعة المادة المدرسة التي التتالءم مع المتعلم فيزيولوجيا‪ ،‬وبيولوجيا‪،‬‬
‫وعقليا‪ ،‬ونفسيا‪ ،‬واجتماعيا‪ ،‬وذوقيا‪ .‬باإلضافة إلى عوائق أخرى تتعلق‬
‫بالمفاهيم األساسية‪ ،‬وعوائق الكتاب المدرسي‪ ،‬وعوائق المنهاج والبرنامج‬
‫والمقرر والمجزوءات والوحدات الدراسية ‪ ،‬وعوائق األمثلة التي يقترحها‬
‫المنهاج التربوي‪ .‬ناهيك عن عوائق تتعلق بنمط التعلم لدى المتعلم‪،‬‬
‫وعوائق اإلجراءات التربوية‪.‬‬
‫وهناك عوائق أخرى تتعلق بالطرائق البيداغوجية والوسائل الديدكتيكية‬
‫التي التكون مالئمة للتعلمات الحديثة‪ ،‬أو التلبي ميول المتعلم ورغباته‬
‫واتجاهاته‪ .‬وقد تكون اإليقاعات الزمنية والمكانية والتواصلية أيضا منفرة‬
‫وغير مشجعة على التعلم الحميم داخل فضاء دراسي متوتر يعرف‬
‫صراعات سوسيو‪ -‬معرفية‪ .‬فضال عن عوائق تتصل باالختبارات‪،‬‬
‫واالمتحانات‪ ،‬والقياس‪ ،‬والتقويم‪ ،‬والدعم‪ ،‬والمعالجة الداخلية والخارجية‪،‬‬
‫والتغذية الراجعة‪.‬‬

‫المبحث الخامس‪ :‬العوائق اللسانية‬


‫تتعلق العوائق اللسانية بما هو تلفظي وكالمي ولغوي ؛ وهذا يؤثر ‪،‬‬
‫بطبيعة الحال‪ ،‬في انحراف التعبير الكتابي والشفوي عن معايير السالمة‬
‫اللغوية‪ ،‬والخروج عن أساسيات التداول الفصيح والبليغ‪ .‬وثمة عوائق‬
‫لسانية عدة‪ ،‬يمكن حصرها فيما يلي‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬األفازيا‬

‫‪275‬‬
‫تعد اإلعاقة اللغوية‪ ،‬أو األفازيا (‪ ،)l’aphasie‬أو الحبسة الكالمية من أهم‬
‫العوائق التي تؤثر في اللغة سلبا‪ ،‬فتمنعها من وظيفة التواصل‪ .‬بمعنى أن‬
‫األفازيا اضطراب يصيب اللغة جزئيا أو كليا‪ .‬كما تصيب الكفاءة اللغوية‬
‫واإلنجازية‪ .‬وهي التقتصر على النطق اللغوي فقط‪ ،‬بل تمتد هذه اإلعاقة‬
‫إلى الكتابة والقراءة وفهم دالالت اللغة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬ففقدان اللغة اليعني بمكان‬
‫اإلعاقة الذهنية‪ ،‬فالمعاق ذهنيا يستطيع أن يفكر ويقوم ويحكم على‬
‫الوضعيات السياقية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يكون أفكارا منطقية سليمة عقالنيا‪ .‬أي‪ :‬إن‬
‫االفازيا هي إصابة للغة عبر إصابة لحاء المخ‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فاإلعاقة اللغوية هي صعوبة في النطق والكالم ‪ ،‬وتلعثم في ترديد‬
‫كلمات اللغة‪ ،‬وإصدار أصوات خاطئة‪ ،‬كأن ينطق المتعلم الثاء تاء‪ .‬بل‬
‫تصيب هذه اإلعاقة حتى النظام اإلشاري واإليمائي لدى المتعلم‪ .‬بمعنى أن‬
‫اإلنسان يتميز عن الحيوان باللغة المنطوقة واللغة السيميائية القائمة على‬
‫العالمات واإلشارات‪ .‬بيد أن هذه اللغة تتعرض الضطرابات مخية‬
‫وعصبية ودماغية ونفسية واجتماعية ووراثية؛ مما يؤثر ذلك سلبا في‬
‫المنظومة اللغوية واإلشارية لدى المتكلم‪ ،‬كأن يستخدم لغته استخداما سيئا‪،‬‬
‫أو يوظف اإلشارات توظيفا اليتالءم مع ماهو متعارف عليه اجتماعيا‪.‬‬
‫ويعرف سانفورد (‪ )Stanford‬األفازيا بأنها " اضطرابات في اللغة‪ ،‬أو‬
‫في الوظائف اللغوية تنتج عن إصابة في المخ‪ ،‬وقد تكون اضطرابات‬
‫حسية أو حركية أو حسية – حركية معا ‪.‬‬
‫في حين‪ ،‬يشير سترانج (‪ )J.R.Strange‬إلى أن األفازيا هي فقدان اللغة‪،‬‬
‫أو العجز اللغوي الناتج عن إصابة المخ‪ ،‬ألنها فقدان القدرة على التفاهم‬
‫بالرمز‪ ،‬فهي تعرقل الكالم‪ ،‬وتعيق التعبير عن األفكار بالرمز‪ ،‬بحيث‬
‫يبدي المريض في هذه الحال اضطرابا وعجزا عن النطق والكتابة‪ .‬كما‬
‫تشمل األفازيا االضطراب الوظيفي في الكالم الناتج عن فساد لحاء المخ‪.‬‬

‫‪276‬‬
‫وتدل األفازيا ‪ ،‬بشكل عام‪ ،‬على عدم القدرة على استخدام الكلمات أو‬
‫فهمها‪"274.‬‬
‫ويعني هذا أن األفازيا هي فقدان القدرة على التواصل والتفاهم والكالم‬
‫واالستقبال والقراءة والكتابة إما جزئيا‪ ،‬وإما كليا‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فقد تكون‬
‫األفازيا متعلقة باللغة (أفازيا الكفاءة) ‪ ،‬أو متعلقة بالكالم (أفازيا اإلنجاز)‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فاألفازيا نوع من االضطراب الذي يمس مجموعة من‬
‫المستويات اللغوية‪ ،‬مثل‪ :‬النطق‪ ،‬والقراءة‪ ،‬والكتابة‪ ،‬والفهم‪ ،‬والتواصل‪،‬‬
‫والحوار‪ ،‬والمناقشة‪ ،‬واإلنتاج اللغوي‪ ،‬بل أكثر من ذلك فالشخص األفازي‬
‫هو الذي اليستطيع أن يسمي األشياء أو األسماء‪ ،‬وال يقدر على فهم‬
‫الكلمات أو الجمل‪ ،‬وال يستعمل جمال سليمة‪ ،‬وال يستطيع أن يجيب عن‬
‫األسئلة بنعم أوال‪ ...‬وهذا كله له عالقة بالنظام العصبي أو المخي‪.‬‬
‫وقد استخدم مصطلح األفازيا من قبل أرماند تروصو ( ‪Armand‬‬
‫‪ )Trousseau‬سنة ‪1864‬م‪.‬وبعد ذلك‪ ،‬بدأ المصطلح في االنتشار‬
‫واالستعمال‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فاألفازيا إصابة نوعية تمس الجهاز النطقي واللغوي‬
‫والكالمي‪.‬‬
‫ومن الذين اهتموا باألفازيا نذكر الطبيب الجراح بول بروكا ( ‪Paul‬‬
‫‪ )Broca‬والعالم فيرنيك (‪ ".)Wernike‬ففي سنة ‪1865‬م‪ ،‬توصل‬
‫الطبيب الفرنسي بول بروكا(‪ ) 1880 -1824( )Paul Broca‬أثناء‬
‫عمليات جراحية إلى أن فقدان القدرة على اللغة المنطوقة يحدث نتيجة‬
‫تلف في الجزء األسفل من الفص الجبهي األيسر‪ .‬والحظ أن المريض‬
‫(‪ )Tan-Tan‬فقد قدرته على الكالم‪ ،‬ولم يستطع أن يردد سوى مقطعي‬
‫اسمه‪ ،‬ولكنه ظل يفهم ما يقال له‪ .‬واستنتج من ذلك أن مركز اللغة يوجد‬
‫في هذه المنطقة التي أصبحت تعرف منذ ذلك الوقت بمنطقة بروكا‬
‫كمنطقة مسؤولة عن التعبير أوإنتاج اللغة‪.‬‬
‫‪ -274‬جورج كالس‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.163-162:‬‬
‫‪277‬‬
‫وفي سنة ‪ ، 1874‬تمكن فرنيك (‪ )1848-1905( )Carl Wernicke‬من‬
‫دراسة حاالت مرضى يعانون من صعوبة في فهم اللغة‪ ،‬حيث لم يكونوا‬
‫قادرين‪ ،‬جزئيا أو كليا‪ ،‬على فهم الرسائل اللغوية‪ ،‬واالحتفاظ بالمعاني‬
‫الصحيحة للكلمات‪ ،‬بالرغم من توفرهم على طالقة اللسان‪ .‬فتوصل إلى‬
‫تحديد منطقة أخرى تقع في الجزء العلوي من الفص الصدغي األيسر‬
‫‪275‬‬
‫مسؤولة عن فهم اللغة‪ ،‬تعرف بمنطقة فرنيك‪".‬‬

‫وثمة دراسات أخرى‪ ،‬نحت منحى بروكا وفرنيك في دراسة الحبسة‬


‫الكالمية ‪ ،‬بتشخيص أسبابها‪ ،‬ورصد مظاهرها‪ ،‬وتبيان طرائق عالجها ‪،‬‬
‫وتحديد مركز اإلصابة‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬يقول الباحث المغربي عبد‬
‫الواحد أوالد الفقيهي‪ ":‬وخالل القرن الماضي‪ ،‬توصلت دراسات عديدة‪،‬‬
‫خاصة حول حاالت الحبسة الكالمية أو األفازيا‪ ،‬إلى تحديد مواضع‬
‫وروابط وقدرات لغوية أخرى في الجزء األيسر من الدماغ‪ .‬فاضطرابات‬
‫الفص الجبهي من هذا الشق تؤدي إلى اضطرابات في الحركات المطلوبة‬
‫لنطق اللغة‪ ،‬وانخفاض في القدرة على الكالم‪ ،‬وصعوبات في التحكم في‬
‫‪276‬‬
‫الحركات المطلوبة للكتابة‪ ،‬كما تجعل اللغة تلغرافية‪".‬‬

‫‪ - 275‬عبد الواحد أوالد الفقيهي‪ :‬الذكاءات المتعددة ‪ -‬التأسيس العلمي‪،‬مطبعة النجاح‬


‫الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى ‪2012‬م‪ ،‬ص‪.25:‬‬
‫‪ - 276‬عبد الواحد أوالد الفقيهي‪ :‬الذكاءات المتعددة – التأسيس العلمي‪،‬ص‪.25:‬‬
‫‪278‬‬
‫إذاً‪ ،‬ترجع اإلعاقة اللغوية واللسانية إلى اضطرابات في المخ أو فصوص‬
‫الدماي العصبي‪.‬‬
‫الطلب الثاني‪ :‬عوائق لسانية ولغوية أخرى‬
‫يعرف الطفل ‪ ،‬في أثناء تطوره النمائي‪ ،‬مجموعة من اإلعاقات اللغوية‬
‫واللسانية‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫‪‬البكم النفسي (‪ )Mutism‬عبارة عن رفض كالمي ناتج عن عدم‬
‫الرغبة في التواصل الجماعي‪ ،‬يطول لفترات مختلفة‪ ،‬ويعود ذلك إلى‬
‫اضطراب انفعالي عميق عند الطفل‪ .‬ويمكن معالجة هذه الظاهرة في‬
‫المستشفيات والمؤسسات العالجية" التي تعيد تأهيل الطفل على الكالم مع‬
‫ضرورة إصالح اضطرابات محيط الطفل‪.‬كما أن للخبرات االنفعالية‬
‫المضطربة التي يمر بها الطفل أثرها في تردده في الكالم‪ .‬وللضغوط التي‬
‫يمارسها اآلباء على الولد لمحاولة استعجال عملية النطق " والتكلم‬
‫بوضوح األثر في ظهور اللجلجة أو اللكنة أو التمتمة أو اللثغة أو الثهثهة‬
‫‪277‬‬
‫في حديثه‪".‬‬
‫‪‬ظاهرة اللجلجلة‪ ،‬وهي سلسلة من الترددات غير المنتظمة والتكرارات‬
‫في الكالم‪ ،‬أو هي اإلعادة أو التكرار غير اإلرادي للصوت أو المقطع أو‬
‫الكلمة‪ .278‬ينتج عن ذلك تشنج في عضالت التنفس والنطق‪ ،‬كأن ننطق‬
‫كلمة مريم مرات عدة‪:‬م م م م م مرمريم مريم مريم‪.‬‬
‫‪‬ظاهرة التلعثم التي تعني العجز عن نطق أي كلمة كاملة واحدة‪ ،‬وهي‬
‫حالة من أحوال اللجلجة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فاللجلجلة والتلعثم اضطرابان خطيران‪،‬‬
‫لكنهما قابالن للشفاء؛ وسببهما عامل نفسي ناتج عن القلق والتوتر‪ ،‬يتجلى‬

‫‪ - 277‬جورج كالس ‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.171-170:‬‬


‫‪ - 278‬جورج كالس‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.171:‬‬
‫‪279‬‬
‫في سوء التكيف االجتماعي والنفسي‪.279‬ومن هنا‪ ،‬يتميز التلعثم عن‬
‫اللجلجلة بكونه وقفة صوتية يلتجىء إليها المتكلم الناطق‪ ،‬ثم يكمل الكلمة‪،‬‬
‫مثل‪ :‬م‪‬ريم‪ .‬كما يمكن أن يتوقف المتكلم قبل النطق‪ ،‬ثم ينطق الكلمة‬
‫دفعة واحدة‪ ،‬مثل‪ :‬مريم‬
‫ويالحظ أن اللجلجة أكثر عند الذكور من اإلناث‪ .‬وفي هذا‪ ،‬يقول جورج‬
‫كالس‪ ":‬أما بالنسبة ألثر الفروقات الجنسية في اللجلجلة‪ ،‬فإن اإلناث من‬
‫األطفال‪ ،‬في مجال النمو اللغوي‪ ،‬يبدين تفوقا بالنسبة للسن الذي يبدآن فيه‬
‫الكالم‪ .‬وهذا التفوق باد في حجم المفردات اللغوية وفي بناء أو تركيب‬
‫الجمل وعدد األصوات الكالمية‪ ،‬ويستمر هذا التفوق في مراحل الحياة‬
‫الالحقة‪ ،‬وتشير الدراسات إلى أن اللجلجلة أكثر انتشارا بين الذكور منها‬
‫بين اإلناث الصغار‪ .‬ويرجع دنلوب (‪ )Dunlop‬اللجلجلة عند الطفل من‬
‫‪280‬‬
‫التلفظ بالبذيء من األلفاظ ‪ ،‬أو استخدام بعض التعابير المحرمة ‪".‬‬
‫وهناك أشكال أخرى من اضطرابات النطق ‪ ،‬ويمكن حصرها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬اضطرابات اإلبدال‪ :‬يغير المتلكم صوتا بصوت آخر؛ مما يسبب في‬
‫غموض اإلرسالية‪ ،‬وعدم فهمها واستيعابها من قبل المتلقي أو السامع‪،‬‬
‫كأن ينطق كلمة (سماء ) بثث (عماء)؛ حيث يتحول صوت السين إلى عين‪.‬‬
‫وأكثر الحروف التي يحدث فيها إبدال نجد‪:‬‬
‫خ ‪‬ح‬
‫ي‪‬ع‬
‫ك‪‬ت‬
‫ق‪‬د‬

‫‪ - 279‬جورج كالس‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.172:‬‬


‫‪ - 280‬جورج كالس‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.173:‬‬
‫‪280‬‬
‫ر‪‬ل‪ ،‬ي‪،‬و‬
‫س‪‬ث‬
‫ص‪‬ث‬
‫ش‪‬ث‬
‫ز‪‬ذ‬
‫‪‬اضطرابات التحريف‪ :‬يقصد به استبدال أكثر من حرف في الكلمة‬
‫بأحرف أخرى تؤدي إلى تغيير في المعنى‪.281‬‬
‫‪ ‬اضطرابات الحذف‪ :‬يحذف المتكلم بعض أصوات الكلمة‪ ،‬فينطق جزءا‬
‫منها مما يفقد معناها‪.‬‬
‫‪ ‬اضطرابات اإلضافة‪ :‬يضيف المتكلم بعض الحروف إلى الكلمة‪.‬‬
‫‪‬اضطرابات الضغط أو النبر‪ :‬تتطلب بعض الحروف من المتكلم الضغط‬
‫بلسانه على أعلى سقف الحلق‪ ،‬مثل‪ :‬الراء والالم‪.‬‬
‫‪‬اضطرابات الترتيب‪ :‬تعود هذه االضطرابات إلى سوء في ترتيب‬
‫الحروف أو الكلمات‪ ،‬مثل‪( :‬مريم البليدة تقرأ مريم اللبيدة)‪.282‬‬
‫ويتحدث رومان جاكبسون (‪ )R.Jakobson‬عن نوعين من أمراض‬
‫الكالم والنطق هما‪:‬‬
‫‪ ‬األمراض اللغوية التي تسبب خلال في المحور األفقي المتعلق‬
‫بالتركيب‪ .‬بمعنى أن يكون المتعلم عاجزا عن تركيب الكلمات والجمل‬

‫‪ - 281‬عصام حسين‪ :‬التربية الخاصة لألطفال غير العاديين‪ ،‬دار الصحوة للنشر والطبع‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2009‬م‪ ،‬ص‪.164:‬‬
‫‪ - 282‬لقي صاحب هذا الكتاب ‪ ،‬بسبب هذا التحريف اللغوي‪ ،‬ضربة عنيفة على الرأس من‬
‫قبل مدرسه‪ ،‬وهو تلميذ في السنة الثالثة من التعليم االبتدائي‪ ،‬وقد انفجر رأسه دما‪ ،‬ومازال‬
‫يتذكر الكاتب هذه الضربة‪ ،‬ولن ينساها أبدا‪.‬‬
‫‪281‬‬
‫وسبكها وتأليفها ضمن عالقات المجاورة والتأليف‪ .‬ويمكن تسميتها‬
‫بأمراض التركيب أو التأليف‪.‬‬
‫‪ ‬األمراض اللغوية التي تتعلق بالمحور االستبدالي‪ .‬أي‪ :‬يكون المتعلم‬
‫عاجزا عن استبدال الكلمات واألصوات بنظيراتها حسب السياق انتقاء‬
‫واختيارا‪.‬في حين‪ ،‬يكون محور التركيب مستقرا وثابتا‪ .‬ويمكن تسميتها‬
‫باألمراض االستبدالية‪.‬‬
‫كما ميز جاكبسون بين اإلصابات العائدة إلى الفونيمات كعدم التمييز بين‬
‫فونيم السين والفونيم الشين‪ ،‬واإلصابات العائدة إلى المورفيمات التي‬
‫تتعلق بعدم التمييز بين معاني الكلمات( عبلة‪/‬علبة)‪.283‬‬
‫أما فيما يخص عالج ظاهرة األفازيا‪ ،‬فيقول جورج كالس‪ ":‬ليس من‬
‫السهل إيجاد العالج الكامل للجلجلة‪ ،‬لكن هذا العالج ممكن بقدر ما يتطلب‬
‫مزيدا من الفهم العميق لحالة الولد المريض‪.‬وتتم معالجة الذين يعانون هذه‬
‫الحالة بإرسالهم إلى عيادات عالج‪ ،‬حيث تتسم االختبارات والفحوصات‬
‫لألصوات التي يصدرها‪ ،‬ويتلقى تمرينات على نطق أصعب األصوات‪،‬‬
‫وتصحيح لفظها‪ ،‬والتعامل مع حياته االنفعالية‪ ،‬إضافة إلى توعية الوالدين‬
‫على فهم صعوبات طفلهم‪ ،‬كما أنه بإمكان الولد أن يجد المناسب من‬
‫الكالم‪ ،‬ويتخلص من اللجلجة بسرعة‪ ،‬إذا ما فهمت على أنها واحدة من‬
‫مراحل النمو في تعلم اللغة‪ ،‬على أن تعالج بطريقة تؤدي إلى تدعيم‬
‫قاموس الطفل اللغوي‪.‬‬
‫وباإلمكان إعادة تأهيل المعاق أو المساهمة في محاولة تأهيله‪ ،‬بالتركيز‬
‫على الناحية اإليجابية في شخصيته ليتخطى اإلعاقة التي تؤخره‪.‬‬

‫‪283‬‬
‫‪-R.Jakobson :Langage‬‬ ‫‪enfantin‬‬ ‫‪et‬‬ ‫‪aphasie,‬‬ ‫‪Editions‬‬
‫‪Minuit,1969,p :100.‬‬
‫‪282‬‬
‫من هنا‪ ،‬فاالهتمام بالتعلم في بعض المؤسسات التي تقدم التدريب‪ ،‬وتوفر‬
‫الطبابة والعالج الفيزيائي‪ ،‬إضافة إلى االستفادة من االختبارات السابقة‪،‬‬
‫يكون ضروريا للعمل على إعادة التأهيل أو المساعدة في التعلم‪ ،‬دون أن‬
‫يكون كافيا للتغلب على واقع العاهة وعدم التكيف‪.‬‬
‫وعند األطفال الصم‪ ،‬فإن ضعف السمع يسبب عدم التمييز بين الكلمات‬
‫المتشابهة بأصواتها ومخارجها‪ .‬فيأتي خلطهم بين الصوت واآلخر في‬
‫إدراكهم السمعي نتيجة لعدم مالحظتهم الفرق بين نطقهم للكلمة والنطق‬
‫‪284‬‬
‫الصحيح لها‪".‬‬
‫إذاً‪ ،‬تتجلى اإلعاقة اللغوية بوضوح في ظاهرة األفازيا التي تحتاج إلى‬
‫ترويض صوتي‪ ،‬ومعالجة طبية ونفسية واجتماعية ولسانية وتربوية‬
‫وديداكتيكية‪ ،‬ورعاية أسرية دؤوبة‪ ،‬ورعاية مؤسساتية خاصة أو عامة‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬عائق القراءة‬
‫إذا كانت الحبسة اللغوية أو األفازيا تصيب اللغة بمختلف تجلياتها‬
‫التصويتية إرساال واستقباال‪ ،‬فإن ديسليكسيا(‪ )dyslexie‬أو أليكسيا‬
‫(‪ ،)alexie‬هي بطء في القراءة‪ ،‬أو عمى قرائي‪ ،‬أو اضطراب يصيب‬
‫تعلم القراءة على مستوى الحروف والمقاطع والكلمات والتراكيب والجمل‬
‫والتعابير‪ .‬ويعرفها جورج كالس بقوله‪ ":‬هي العجز في التعبير الكالمي‪.‬‬
‫اضطراب في القراءة ناجم عن تضرر القشرة الدماغية الكائنة في الناحية‬
‫الخلفية للمنطقة المختصة باللغة‪ ،‬واليتبعه ضرر نظري‪"285.‬‬
‫وقد يكون هذا الخلل ناتجا عن فقدان الحواس ‪ ،‬مثل‪ :‬حاسة البصر‪ ،‬أو‬
‫ربما راجع إلى الفشل الدراسي‪ ،‬أو إلى عدم اكتساب آليات اإلمالء‪ ،‬أو‬
‫راجع إلى إصابات عصبية مخية‪ .‬ويعني هذا إصابة الفص القفوي‬

‫‪ - 284‬جورج كالس‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.174-173:‬‬


‫‪ - 285‬جورج كالس‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.179:‬‬
‫‪283‬‬
‫باضطراب دماغي يسبب صعوبات في القراءة‪ ،‬و اضطرابات معينة في‬
‫فهم اللغة ‪ .‬أي‪ :‬إن اإلصابات الدماغية في الشق األيسر تمس الجوانب‬
‫اللغوية تصويتا وتركيبا وقراءة وداللة‪ .‬في حين‪ ،‬يتأثر النظامان التداولي‬
‫والعروضي بالشق األيمن من الدماي‪.‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬تصيب هذه اإلعاقة األشخاص الذين كانوا يقرأون بطريقة‬
‫سليمة‪ ،‬لكنهم حينما أصيبوا على مستوى النظام العصبي المركزي‪ ،‬فإنهم‬
‫فقدوا هذه القدرة العادية بشكل كلي أو جزئي‪ .‬وتظهر هذه اإلعاقة جليا عند‬
‫الطفل المتعلم الذي يجد صعوبة كبيرة في أثناء القراءة ‪ ،‬فال يستطيع أن‬
‫يتهجى الحروف‪ ،‬أو يتعرف إلى المقاطع والمورفيمات‪ ،‬أو يقرأ الكلمات‬
‫والعبارات‪ ،‬أو يقرأ الجمل‪ .‬وتظهر هذه اإلعاقة جليا في الوسط التربوي‬
‫التعليمي في أثناء اكتساب التعلمات‪ ،‬ويؤثر في الطفل من الناحية النفسية‬
‫والوجدانية واالجتماعية‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فالديسليكسيا إعاقة تصيب مهارة‬
‫القراءة‪ ،‬وتمس قدرة اكتساب التعلمات‪ .‬وقد انتشرت هذه اإلعاقة كثيرا في‬
‫‪284‬‬
‫مجتمعاتنا المعاصرة ‪ -‬حسب المنظمة العالمية للصحة‪ -‬التي صرحت سنة‬
‫‪1991‬م بأنها تصيب ‪ 8‬إلى ‪% 12‬من الساكنة‪ ،‬من بينها ‪ 5‬إلى ‪ % 15‬هم‬
‫أطفال‪.‬‬
‫ومن الذين اهتموا باإلعاقة القرائية أزوالد بيكان (‪)Oswald Berkhan‬‬
‫سنة ‪1881‬م‪ ،‬ورودولف بيرلين (‪)Rudolf Berlin‬سنة ‪1887‬م‪،‬‬
‫وبرينغل و مورغان (‪ ) Morgan/W. Pringle‬سنة ‪1898‬م‪ ،‬وجيمس‬
‫هينس وود (‪ ، )James Hinshelwood‬وصامويل أورطون ( ‪Samuel‬‬
‫‪ )T. Orton‬سنة ‪1929‬م ‪ ،‬وكريك (‪ )Krik‬سنة ‪1963‬م‪ .‬فضال عن‬
‫المنظمة العالمية للصحة التي اعترفت به سنة ‪1991‬م‪ ،‬واعتبرته‬
‫اضطرابا يصيب التعلمات المدرسية والصفية‪.‬‬
‫وثمة عوامل كثيرة وراء اإلعاقة القرائية أغلبها عوامل نفسية ومعرفية‬
‫وبيولوجية وطبية‪ ،‬ويمكن تسطيرها على الوجه التالي‪:‬‬
‫‪‬األسبـــاب التربويــــة‪:‬‬
‫ثمة أسباب تربوية عدة تسهم في تأخر فعل القراءة لدى المتعلم‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫تردي الوضع التربوي بنية وهيكلة ووظيفة وتحفيزا وتفعيال وتدبيرا‪،‬‬
‫وكثرة عدد التالميذ داخل الفصل الواحد اليسمح للمتعلم بالمتابعة والقراءة‬
‫في الوقت نفسه‪ ،‬وتباين المستويات الدراسية كما في القسم المشترك‪،‬‬
‫وفشل العمليات الديدكتيكية لخلق أجواء دراسية فعالة‪ ،‬وتراجع المستوى‬
‫الثقافي‪ ،‬واإلحساس بالخوف واالختناق داخل الفصل الدراسي‪ ،‬وقلة المدة‬
‫الزمنية المخصصة لمادة القراءة (ثالثون دقيقة‪ ،‬أو خمس وأربعون دقيقة‪،‬‬
‫أو ساعة كاملة) أمام العدد الكبير من المتعلمين داخل الفصل الواحد‬
‫(أربعون‪ ،‬أو خمسة وأربعون‪ ،‬أو خمسون تلميذا )‪ ،‬وكثرة الغياب‬
‫والتأخرات مما يشكل خطرا على علمية االكتساب وتجويد القراءة ‪ .‬وقد‬
‫يكون نظام التدريس‪ ،‬وخاصة تدريس القراءة‪ ،‬ونقص جودة التعليم‪ ،‬من‬

‫‪285‬‬
‫بين األسباب المؤدية إلى ذلك‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تصيب هذه اإلعاقة قدرة التمييز‬
‫بين ماهو صوتي وخطي‪.‬‬
‫‪‬عدم مراعاة الفوارق الفردية‪:‬‬
‫يقصد بالبيداغوجيا الفارقية (‪ )Pédagogie différenciée‬وجود‬
‫مجموعة من التالميذ يختلفون في القدرات العقلية والذكائية والمعرفية‬
‫والذهنية والقرائية‪ ،‬والميول الوجدانية‪ ،‬والتوجهات الحسية الحركية‪ ،‬على‬
‫الرغم من وجود مدرس واحد‪ ،‬داخل فصل دراسي واحد‪ .‬ويعني هذا‬
‫وجود متعلمين داخل قسم واحد‪ ،‬أمام مدرس واحد‪ ،‬مختلفين على مستوى‬
‫القراءة واالستيعاب والتمثل والفهم والتفسير والتطبيق واالستذكار‬
‫والتقويم‪ .‬ومن هنا‪ ،‬جاءت البيداغوجيا الفارقية لتهتم ‪ -‬أساسا‪ -‬بالطفل‬
‫المتمدرس‪ ،‬بإيجاد حلول إجرائية وتطبيقية وعملية للحد من هذه الفوارق‬
‫المختلفة والمتنوعة كما وكيفا‪ ،‬سواء أكانت هذه الحلول نفسية أم اجتماعية‬
‫أم بيداغوجية أم ديدكتيكية أم معرفية‪...‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬تنطلق البيداغوجيا الفارقية من القناعة القائلة بأن" أطفال الفصل‬
‫الواحد يختلفون في صفاتهم الثقافية واالجتماعية والمعرفية والوجدانية‪،‬‬
‫بكيفية تجعلهم غير متكافئي الفرص أمام الدرس الموحد الذي يقدمه لهم‬
‫المعلم‪ .‬ويؤول تجاهل المدرس لهذا المبدإ إلى تفاوت األطفال في تحصيلهم‬
‫المدرسي‪ .‬وتأتي البيداغوجيا الفارقية للتخفيف من هذا التفاوت‪ .‬ويعرف‬
‫لوي لوگران (‪ )Louis Legrand‬البيداغوجيا الفارقية كاآلتي‪ ":‬هي‬
‫تمش تربوي‪ ،‬يستعمل مجموعة من الوسائل التعليمية‪ -‬التعلمية‪ ،‬قصد‬
‫إعانة األطفال المختلفين في العمر والقدرات والسلوكيات‪ ،‬والمنتمين إلى‬
‫فصل واحد‪ ،‬من الوصول بطرائق مختلفة إلى األهداف نفسها "‪.286‬‬

‫‪ - 286‬أحمد أوزي‪ :‬المعجم الموسوعي لعلوم التربية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2006‬م‪ ،‬ص‪.55-54:‬‬
‫‪286‬‬
‫ويعرفها الباحث التونسي مراد بهلول بقوله‪ " :‬تتمثل البيداغوجيا الفارقية‬
‫في وضع الطرائق واألساليب المالئمة للتفريق بين األفراد‪ ،‬والكفيلة‬
‫بتمكين كل فرد من تملك الكفايات المشتركة (المستهدفة من قبل المنهج)‪.‬‬
‫فهي سعي متواصل لتكييف أساليب التدخل البيداغوجي تبعا للحاجيات‬
‫الحقيقية لألفراد المتعلمين‪ .‬هذا هو التفريق الوحيد الكفيل بمنح كل فرد‬
‫أوفر حظوظ التطور واالرتقاء المعرفي‪"287.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يعرفها عبد الكريم غريب بأنها" إجراءات وعمليات‬
‫تهدف إلى جعل التلميذ متكيفا مع الفوارق الفردية بين المتعلمين‪ ،‬قصد‬
‫جعلهم يتحكمون في األهداف المتوخاة‪"288.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فالبيداغوجيا الفارقية هي تلك البيداغوجيا التعددية التي تعترف‬
‫بوجود مجموعة من الفوارق الفردية الكمية بين المتعلمين داخل الفصل‬
‫الدراسي الواحد‪ .‬وتفاديا لإلخفاق والهدر المدرسي اللذين ينتجان غالبا عن‬
‫ظاهرة تعدد الفوارق الفردية في المدرسة الواقعية الموحدة‪ ،‬تلتجئ هذه‬
‫البيداغوجيا إلى تسطير أهداف وكفايات تتناسب مع فلسفة التنويع‬
‫واالختالف والتعدد ‪ ،‬بتقديم أنشطة ومحتويات تتالءم مع مستويات التالميذ‬
‫المختلفة والمتعددة قوة وضعفا‪ ،‬باتباع طرائق بيداغوجية مناسبة‪ ،‬وتشغيل‬
‫وسائل ديدكتيكية مختلفة تصلح للتقليل من تلك الفوارق المعرفية والمهارية‬
‫والذهنية‪ ،‬وتوظيف أساليب التقويم والدعم والمعالجة المناسبة للحد من هذه‬
‫الظواهر الالفتة لالنتباه‪.‬‬
‫وبناء على ما سبق‪ ،‬يختلف المتعلمون على مستوى القراءة‪ .‬فهناك أصناف‬
‫مختلفة من القراء المتمدرسين‪ ،‬يمكن تحديدهم في الفئات التالية‪:‬‬

‫‪287‬‬
‫‪-Mourad Bahloul : La pédagogie de la différence: l’exemple de‬‬
‫‪l'école tunisienne , M. Ali Editions, 2003 – 159 Pages.‬‬
‫‪- 288‬عبد الكريم غريب‪ :‬المنهل التربوي‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬منشورات عالم التربية‪ ،‬دار النجاح‬
‫الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2006‬م‪ ،‬ص‪.728:‬‬
‫‪287‬‬
‫‪‬متعلمون متفوقون وحاذقون في القراءة بشكل كبير؛‬
‫‪‬متعلمون لهم مستوى متوسط في القراءة؛‬
‫‪‬تالميذ ضعاف في القراءة؛‬
‫‪‬تالميذ عاجزون عن القراءة جزئيا أو كليا‪.‬‬

‫وتعود هذه الفوارق الفردية‪ ،‬على مستوى القراءة ‪ ،‬إلى عوامدل قدد تكدون‬
‫وراثية فطرية‪ ،‬أو قد تكون نتاج عوامل موضوعية خارجية‪ ،‬أو نتاجا لهما‬
‫معا‪ .‬وبالنسدبة للفدرد‪ ،‬فهدو خاضدع بطبيعدة الحدال لمداهو فطدري مدن جهدة‪،‬‬
‫وماهو مكتسب من جهة أخرى‪ .‬لكن بالنسبة للفوارق بين األفراد‪ ،‬قد تكون‬
‫عوامددل وراثيددة فيمددا يتعلددق بالقدددرات واالسددتعدادات الوراثيددة والذاتيددة و‬
‫الذكاء‪.‬أما فيما يتعلق بالميول واالتجاهدات والتفداعالت االجتماعيدة‪ ،‬فتعدود‬
‫إلددى مدداهو اجتمدداعي ومكتسددب‪ .‬ويعنددي هددذا أننددا ال نتحدددث عددن " األهميددة‬
‫النسددبية لكددل مددن الوراثددة والبيئددة إال إذا كنددا نقددارن فددردا بددآخر‪ ،‬ونددود أن‬
‫نعرف ما الذي يجعل (زيدا) يفوق (بكرا) في القوة أو الطدول أو الدذكاء أو‬
‫الشخصية؟ أهي الوراثة أم البيئة؟ هنا نكدون كمدن يسدأل‪ :‬هدل تفدوق سديارة‬
‫أخددرى لجددودة ماكنتهددا أو لجددودة البنددزين أو لهمددا معددا‪ .‬فيكددون الجددواب أن‬
‫الفوارق بينهما قدد ترجدع إلدى الوراثدة وحددها أو إلدى البيئدة وحددها أو إلدى‬
‫كلتيهما‪ ..‬وتفصيل ذلك أن وراثة أحددهما تختلدف مدن دون شدك عدن وراثدة‬
‫اآلخر‪ ،‬إال أن يكونا توأمين صنوين‪ ،‬لذا يرجع بعض االختالف بينهما إلدى‬
‫الوراثة‪ .‬والشك أيضا في أن البيئة السيكولوجية ألحدهما تختلدف عدن بيئدة‬
‫اآلخر حتى إن كانا يعيشان في بيت واحد‪ ،‬ويذهبان إلى مدرسة واحدة‪ ،‬لدذا‬
‫يرجع بعض االختالف بينهما‪ -‬خاصة في الصفات النفسية‪ -‬إلدى البيئدة‪.‬إذاً‪،‬‬
‫فالفارق بدين فدردين أو أكثدر يرجدع عدادة إلدى كدل مدن الوراثدة والبيئدة‪.‬لكن‬
‫أيهمددا أكثددر أهميددة فددي أحددداث هددذا االخددتالف‪ ،‬الوراثددة أم البيئددة؟ الجددواب‬
‫يتوقددف علددى نددوع الصددفة التددي نحددن بصددددها‪ ...‬فددإذا كنددا بصدددد صددفات‬

‫‪288‬‬
‫جسدمية كدالمظهر والحيويدة ‪ ،‬فدأي اخددتالف بينهمدا عندد المديالد يرجدع إلددى‬
‫وراثة مختلفة؛ ألن المرجح أن تكون بيئة الرحم لكل منهما متشابهة‪ .‬وحتى‬
‫بعد الميالد فاختالف بيئة أحدهما عن بيئة اآلخدر ال يدؤدي إال إلدى تغيدرات‬
‫جسمية سطحية‪ .‬غير أننا إذا كنا بصدد قدرة كالذكاء‪ ،‬هنا قد تكون الوراثدة‬
‫عامال هاما‪ ،‬لكنندا النسدتطيع التأكدد مدن ذلدك تأكددنا منده فدي حالدة الصدفات‬
‫الجسمية‪ ،‬والطريق الوحيد لمعرفة األثر النسبي لكل من الوراثة والبيئة في‬
‫حالة الذكاء والشخصية وأمثالهما من الصفات‪...‬هو إجدراء التجارب‪...‬وقدد‬
‫دلت التجارب على أن الفوارق الفردية ترجع‪ )1( :‬إما إلى الوراثدة وحددها‬
‫كالفوارق في لون العين‪ )2(.‬أو إلى البيئة وحدها كالفوارق في االتجاهات‪،‬‬
‫كالفوارق في االتجاهات االجتماعية والميول والصفات الخلقية (‪ )3‬أو إلى‬
‫كل من الوراثدة والبيئدة بنسدب متفاوتدة كدالفوارق فدي الدذكاء‪ ،‬إال فدي حالدة‬
‫‪289‬‬
‫التوائم الصنوية‪ ،‬إذ يرجع االختالف كله بينها إلى عوامل بيئية‪".‬‬

‫وهكذا‪ ،‬يتبين لنا أن العوامل التي تتحكم في الفوارق الفردية ‪ ،‬والسيما في‬
‫حالة المقارنة بين أشدخاص متعدددين‪ ،‬قدد تكدون وراثيدة محضدة‪ ،‬إذا كاندت‬
‫ذات طبيعة جينية أو خلويدة أو فطريدة ‪ ،‬وقدد تكدون ذات عوامدل بيئيدة‪ ،‬إذا‬
‫كانت مرتبطة بماهو واقعي وموضوعي وخارجي واجتماعي‪...‬‬

‫‪‬أسباب عضوية وجسمية ونفسية‪:‬‬


‫تعود صعوبات القراءة واضطراباتها إلى أسباب نفسية واجتماعية‬
‫ودماغية وجسمية وعضوية وعصبية ‪ ،‬وخاصة تعرض المتعلم للمعاناة‬
‫النفسية واالجتماعية والذهنية من جهة‪ ،‬و إصابته باالختالل العصبي‬
‫والمخي من جهة أخرى‪ .‬ناهيك عن كثرة اضطرابات الحواس ‪ ،‬والسيما‬
‫حاسة البصر التي تؤثر سلبا في عملية القراءة لدى المتعلم‪ .‬بمعنى أن‬
‫تدميع العينين ‪ ،‬وتغطية عين واحدة في أثناء القراءة‪ ،‬وفرك العينين‬
‫‪ - 289‬أحمد عزت راجح‪ :‬أصول علم النفس‪ ،‬المكتب المصري الحديث للطباعة والنشر‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة الثامنة‪1970 ،‬م‪ ،‬ص‪.314:‬‬
‫‪289‬‬
‫باستمرار‪ ،‬والشكوى من حرقة أو حكة في العينين بعد القراءة‪ ،‬وضعف‬
‫النظر‪ ،‬وتقريب الكتاب من العين حتى اليضل مكان القراءة‪ ،‬إلى جانب‬
‫مشكل النظارتين‪ ،‬ثم قفز عدة أسطر دون وعي بذلك‪ ،‬والشعور بالصداع‬
‫في أثناء القراءة كل هذا يؤدي إلى ضعف القراءة وعسرها لدى المتعلم‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬هناك مشكالت سمعية لها تأثير في عملية القراء؛ إذ‬
‫اليسمع المتعلم ما ينطق من أصوات بسبب آالم حادة في األذن أو سيالنه‬
‫باستمرار‪ ،‬أو عدم اتباع تعليمات المدرس بسبب سوء التقاط كلماته ‪،‬‬
‫وعدم القدرة عن التمييز بين األصوات والكلمات‪ ،‬وخوف المتعلمين من‬
‫ارتكاب األخطاء في أثناء القراءة الجهرية؛ ألن ذلك سيعرضهم لسخرية‬
‫زمالئهم في الصف الدراسي‪.‬ناهيك عن اضطرابات النطق والكالم الناتجة‬
‫عن أخطاء في حركة الفك والشفاه واللسان‪ ،‬أو عدم تسلسلها بشكل‬
‫مناسب‪.‬‬
‫وثمة أسباب أخرى عقلية وذهنية ومعرفية تتصل بالذكاء‪ ،‬وخبرات‬
‫الشخص‪ ،‬وقوة اإلدراك الحسي لدى المتعلم‪ ،‬ودرجة انتباهه وتركيزه‪،‬‬
‫ورصيده من اللغة واألصوات والمفردات والتعابير والتراكيب التي خزنها‬
‫في ذاكرته الذهنية‪ ،‬وطريقة توظيفها واستثمارها‪.‬‬
‫هذه األسباب والمعطيات كلها تجعل الطفل أو المتعلم عاجزا عن النطق‬
‫والقراءة والكتابة‪ ،‬وتشويه الحروف المنطوقة‪ ،‬والعجز التام عن نطق‬
‫الحروف المكتوبة تلعثما‪ ،‬وجلجلة‪ ،‬وحبسة‪ ،‬وتحريفا‪...‬‬

‫‪290‬‬
‫‪‬األسبـــاب البيئيـــــة‪:‬‬
‫للبيئة دور مهم في تعزيز ملكة القراءة لدى المتعلم‪ ،‬والسيما إذا كانت‬
‫األسرة مثقفة ومتنورة وعالمة‪ ،‬متعودة على فعل القراءة داخل المنزل‪.‬‬
‫ومن الطبيعي‪ ،‬أن يكتسب االبن عادة القراءة بفعل التقليد والتعود على‬
‫القراءة المستمرة تأثرا بوالديه النموذجيين‪ .‬ومن هنا‪ ،‬تقوم البيئة الثقافية‬
‫بتقوية الدافع القرائي لدى المتعلم الذي ينحدر من تلك البيئة‪.‬في حين‪ ،‬تكون‬
‫البيئة الفقيرة والضعيفة سببا في ضعف القراءة لدى المتعلم الذي ينحدر‬
‫من تلك الطبقة نفسها‪.‬‬
‫وبناء على ما سبق‪ ،‬تقترن البيداغوجيا الفارقية بالتمثالت الذهنية المختلفة‬
‫لدى المتعلمين‪ ،‬سواء أكانوا فقراء أم أغنياء‪ ،‬أو كانوا حضريين أم‬
‫بدويين‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فالبيداغوجيا الفارقية هي" بيداغوجيا الكفايات والقدرات؛‬
‫فهي تقتضي مراعاة الفوارق بين التالميذ؛ إال أن الفوارق التي تعنيها هنا‪،‬‬
‫هي في التمثالت الذهنية ‪ ،‬وليست في االنتماءات الطبقية‪ .‬وفي هذا‬
‫السياق‪ ،‬يمكن التساؤل حول التمثالت األكثر داللة وغنى‪ :‬أهي تمثالت‬
‫التالميذ المنحدرين من أسر فقيرة أم تمثالت المنحدرين من أسر غنية؟ إن‬
‫األخذ بنظرية الشفرتين لبرنشتاين (‪ )Basil Bernstein‬يسقطنا في نوع‬

‫‪291‬‬
‫من التعميم؛ بينما يؤدي األخذ بنتائج أبحاث دوكري(‪ )Duccret. B‬إلى‬
‫‪290‬‬
‫قناعات وتأكيدات فجة‪" .‬‬
‫بمعنى أن نظرية برنشتاين تذهب إلى أن الفقراء يوظفون شفرة ضيقة‬
‫ومحدودة على مستوى التواصل اللغوي؛ مما يجعلهم هذا الواقع في‬
‫وضعية صعبة على مستوى األداء واإلنجاز والكتابة والقراءة؛ حيث ال‬
‫يستطيعون التعبير أو القراءة أو الكتابة بسهولة وثراء وغنى‪ ،‬كما هي‬
‫شفرة األغنياء التي تتميز باالتساع والثراء على مستوى المعجم والثقافة‬
‫والخبرة؛ مما يؤهلهم ذلك إلى التفوق والنجاح في دروسهم‪.‬‬
‫وفيما يخص تشخيص هذه اإلعاقة‪ ،‬تتمثل هذه اإلعاقة ‪ ،‬بوضوح ‪ ،‬في‬
‫اإلكثار من األخطاء على مستوى القراءة‪ ،‬مثل‪ :‬األخطاء السمعية (عدم‬
‫تبين األصوات والحروف بشكل جيد)‪ ،‬واألخطاء البصرية(عدم التمييز‬
‫بين ب وت وث)‪ ،‬وأخطاء قلب الحروف (جلس‪ -‬لجس)‪ ،‬وقراءة جزئية‬
‫للحروف (كتا‪ ،‬بدال من كتاب)‪ ،‬وقراءة سيئة للمقاطع( يلعبون يقرأ يل‪ -‬ع‪-‬‬
‫ب‪ -‬ون)‪ ،‬وبطء في قراءة المكتوب‪ .‬ناهيك عن إعاقة فونولوجية‪ ،‬وإعاقة‬
‫صوتية‪ ،‬وإعاقة إمالئية‪ ،‬وإعاقة داللية ‪ ،‬وإعاقة قرائنية التي تعني سوء‬
‫استخدام المؤشرات التلفظية أو الزمانية أو المكانية‪...‬‬
‫وتنتج عن هذه اإلعاقة مجموعة من األخطاء القرائية ‪ ،‬مثل‪ :‬األخطاء‬
‫الصوتية‪ ،‬واألخطاء اإلمالئية‪ ،‬واألخطاء الصرفية‪ ،‬واألخطاء التركيبية‪،‬‬
‫واألخطاء الداللية‪ ،‬واألخطاء اللغوية‪ ،‬واألخطاء التواصلية‪ ،‬واالضطراب‬
‫السمعي والحسي والبصري‪...‬‬
‫وتتلخص مظاهر الضعف القرائي لدى المتعلم كذلك في إضافة أصوات‬
‫غير موجودة أساسا في أثناء نطقها (رأيت بدال من رأت)‪ ،‬وانتقال العين‬
‫بشكل خاطىء على السطر الواحد‪ ،‬أو االنتقال المضطرب من سطر إلى‬
‫‪ - 290‬العربي اسليماني ورشيد الخديمي‪ :‬قضايا تربوية‪ ،‬منشورات عالم التربية‪ ،‬مطبعة‬
‫النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2005‬م‪ ،‬ص‪.72-71:‬‬
‫‪292‬‬
‫آخر‪ ،‬دون مراعاة التسلسل الخطي والقرائي والكرافيكي‪ ،‬وحذف بعض‬
‫األصوات من الكلمات ( فتان بدل فستان)‪ ،‬وعدم القدرة على التمييز بين‬
‫األصوات المتشابهة والمتقاربة (س ش ص‪/‬ص ض)‪ ،‬وعدم القدرة على‬
‫التمييز بين الالم الشمسية والالم القمرية‪ ،‬واستبدال كلمة بأخرى كالنطق‬
‫بثث(بحر بدال من حرب)‪ ،‬وقراءة الجملة حرفا حرفا أو مقطعا مقطعا أو‬
‫كلمة كلمة‪ ،‬وعدم االلتزام بعالمات الترقيم قراءة وضبطا وتنغيما‪،‬‬
‫والتوقف الخاطىء قبل نهاية الجملة‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فالديسليكسيا هي بطء في القراءة‪ ،‬وصعوبة في التمييز بين‬
‫الحروف والكلمات والجمل ‪ ،‬وعجز عن فهم دالالت المكتوب والمقروء‪،‬‬
‫وعجز المتعلم عن معرفة هوية الكلمات المنعزلة عن بعضها البعض‪،‬‬
‫وعدم قدرته على القراءة المجهورة‪.‬‬
‫ويمكن الحديث عن أنوع من الديسليكسيا‪ ،‬أو العسر القرائي‪ ،‬ويمكن‬
‫حصرها في األصناف التالية‪:‬‬

‫‪‬الديسليكسيا البصرية (‪ :)la dyslexie visuelle‬تنتج عن عجز‬


‫الجهاز البصري على مستوى التركيز واالنتباه‪ .‬ومن أمثلة ذلك‪ :‬صعوبة‬
‫في قراءة الكلمات المجردة‪ ،‬وارتكاب األخطاء من نوع بصري (أخطاء‬
‫االستبدال‪ ،‬وأخطاء الحذف واإلسقاط‪.)...‬‬
‫‪ ‬ديسليكسيا اإلهمال ( ‪ :)la dyslexie par négligence‬تعني‬
‫مجمل الصعوبات الناتجة عن عدم تركيز االنتباه على الحروف التي توجد‬
‫في نهاية الكلمات وأواخرها‪.‬‬
‫‪‬الديسليكسيا العميقة (‪ : )La dyslexie profonde‬تتحدد بوجود‬
‫صعوبات تتعلق بقراءة الكلمات ذات المفاهيم المجردة‪ .‬وتعود هذه اإلعاقة‬
‫إلى عجز ثقافي‪.‬‬
‫‪ ‬الديسليكسيا الفونولوجية أو الصوتية ( ‪la dyslexie‬‬
‫‪ :)phonologique‬تعني صعوبة التحكم في الجهاز الصوتي‪ ،‬وعدم‬
‫‪293‬‬
‫القدرة على توظيفه بشكل جيد؛ ألن الكلمات غير واضحة‪ ،‬وغير بارزة‬
‫بشكل جيد‪ ،‬وغير منطوقة بشكل دقيق‪ .‬ومن هنا‪ ،‬صعوبة قراءة المقاطع‬
‫واألحرف واألصوات المكتوبة ‪.‬‬
‫‪ ‬ديسليكسيا المساحة( ‪ :)la dyslexie de surface‬تتعلق بالتوظيف‬
‫الرديء والمنحرف للنظام المعجمي والداللي‪ .‬وتظهر الكلمات غير العادية‬
‫على أنها عادية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يصعب قراءتها بشكل جيد‪ ،‬والتمييز بين‬
‫الحروف المتقاربة صوتيا وخطيا‪ ،‬مثل‪ :‬س‪ ،‬ش‪ /‬ب‪ ،‬ت‪ ،‬ث ‪ /‬ج‪،‬ح‪ ،‬خ‬
‫‪/‬ص‪ ،‬ض‪ ،‬ط‪ ،‬ظ‪ ...‬بمعنى أن هناك أخطاء بصرية أو خطية‪.‬‬
‫‪ ‬الديسليكسيا المختلطة ( ‪ :)la dyslexie mixte‬تعني عدم التوظيف‬
‫الجيد للنظامين الصوتي والمعجمي بدرجات مختلفة؛ حيث تتداخل‬
‫اضطرابات الذهن والذاكرة مع اضطرابات اللغة‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يمكن التمييز بين أنواع أخرى من العجز القرائي‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫‪ ‬العجز اللغوي الكتابي (‪ :)Alexie littérale‬يعني أن المتعلم يقرأ‬
‫الكلمات بشكل جيد‪ ،‬لكن يجد صعوبة في قراءة األحرف‪.‬‬
‫‪ ‬العجز الكالمي (‪ :)Alexie verbale‬يقصد به تمكن المتعلم من‬
‫قراءة األحرف‪ ،‬وعجزه عن قراءة الكلمات‪.‬‬
‫‪ ‬العجز عن قراءة الجمل (‪ :)Alexie phrastique‬يتمكن المتعلم من‬
‫قراءة األحرف والكلمات على حد سواء‪ ،‬ويعجز عن قراءة الجمل‬
‫وفهمها‪.‬‬
‫‪ ‬الكتابة المشوشة ‪ /‬الكرافيا (‪ :)Agraphie‬ويقصد بها تشويش في‬
‫الكتابة‪ ،‬وتحريف آللياتها المعروفة‪ ،‬والتواء في التخطيط والكتابة والرسم‪،‬‬
‫ويعود سبب ذلك إلى تضرر القشرة الدماغية‪ ،‬وارتباط بالحبسة ‪ ،‬وتتبدل‬
‫خصائصه المختلفة حسب طبيعة الحبسة‪ ،‬أكانت حبسة حركية أم حبسة‬
‫‪291‬‬
‫حسية‪.‬‬

‫‪ - 291‬جورج كالس ‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.180-179:‬‬


‫‪294‬‬
‫وقد قدمت مجموعة من الحلول للحد من هذه الظاهرة وعالجها‪ ،‬من بينها‪:‬‬
‫ماهو بيولوجي ( وراثي)‪ ،‬وطبي‪ ،‬و نفسي‪ ،‬واجتماعي‪ ،‬وتربوي‪،‬‬
‫وديدكتيكي‪ ،‬بناء على تشخيص مرضي متعدد ومركب وفارقي‪ .‬ومن هنا‪،‬‬
‫فهذه اإلعاقة لها عالقة وثيقة بما هو نفسي‪ ،‬وماهو تعلمي تربوي‬
‫وديدكتيكي‪.‬‬
‫وما يهمنا من هذه العالجات ما هو تربوي وتعليمي بغية تشخيص اإلعاقة‪،‬‬
‫بمعرفة عواملها ومظاهرها لتقديم الحلول اإلجرائية الناجعة‪ ،‬بتطبيق‬
‫المنهجية الشاملة أو الجزئية‪ ،‬و تحديد أنواع األخطاء(الفونولوجية‪،‬‬
‫والمقطعية‪ ،‬واإلمالئية‪ ،‬والداللية‪ ،‬والبصرية‪)...‬‬
‫ويمكن أن نقدم مجموعة من الحلول للحد من هذه اإلعاقة على المستوى‬
‫البيداغوجي والديدكتيكي على النحو التالي‪:‬‬
‫‪ ‬إعطاء المدرس الوقت الكافي للقراءة الصامتة والمجهورة‪ ،‬والتعامل‬
‫بنوع من المرونة وسعة الصدر مع المتعثرين في القراءة‪ ،‬وعدم االهتمام‬
‫فقط بالمتفوقين على حساب المتعثرين‪.‬فالبد من بذل الجهد الكافي لتنمية‬
‫القدرات القرائية‪ ،‬وتقديم الدعم الالزم لتقوية فعل القراءة لدى هؤالء‬
‫المتعثرين تحقيقا لمبدإ المساواة والعدالة واإلنصاف‪ ،‬مع مراعاة الفوارق‬
‫الفردية‪ ،‬والحد منها ديدكتيكيا‪ ،‬وتربويا‪ ،‬ونفسيا‪ ،‬واجتماعيا‪.‬‬
‫‪ ‬قراءة األسئلة أو التعليمات من قبل المصاب أو من قبل زميله قراءة‬
‫مجهورة وواضحة وبارزة‪.‬‬
‫‪ ‬التثبت من مدى فهم التالميذ للتعليمات المقروءة‪.‬‬
‫‪ ‬اإلكثار من التمارين النحوية واإلمالئية والصرفية للحد من األخطاء‬
‫اإلمالئية‪.‬‬

‫‪295‬‬
‫‪ ‬وضع خطوط تحت الكلمات المهمة في النص قراءة‪ ،‬وكتابة‪ ،‬ونطقا‪،‬‬
‫وفهما‪.‬‬
‫‪ ‬غرس روح الثقة والطمأنينة في نفسية المتعلم المصاب بتشجيعه‬
‫وتحفيزه ماديا ومعنويا‪.‬‬
‫‪ ‬تعويد المتعلم المصاب على التصحيح الذاتي‪.‬‬
‫‪‬العمل الجاد على تنمية قدرات الذاكرة لدى المتعلم المصاب‪ ،‬بالدعم‬
‫والتوليف والتثبيت والتكرار والدعم‪ ،‬والمعالجة الداخلية والخارجية‪،‬‬
‫والتغذية الراجعة‪.‬‬
‫‪ ‬التقليل من حجم اإلنشاء الكتابي‪.‬‬
‫‪ ‬مساعدة المتعلم المصاب على تصحيح أخطائه عبر الكمبيوتر أو‬
‫المصحح الرقمي‪.‬‬
‫‪ ‬كتابة األحرف على السبورة بخط واضح ودقيق‪.‬‬
‫‪ ‬تقديم نصوص القراءة بخط كبير‪ ،‬ومقبول للقراءة‪.‬‬
‫‪ ‬اختيار مجموعة من الكلمات ذات الخصوصية اإلمالئية الختبار المتعلم‬
‫المصاب‪ ،‬والتركيز عليها معرفيا‪ ،‬وبصريا‪ ،‬وخطيا‪ ،‬وإمالئيا ‪ ،‬ودالليا‪.‬‬
‫‪ ‬تقويم معرفة المصاب شفويا قبل الكتابة‪.‬‬
‫‪ ‬تدريب المتعلم المصاب على قراءة النص جهرا بطريقة انفرادية‪،‬‬
‫وليس أمام تالميذ الفصل‪.‬‬
‫‪ ‬تنويع القراءة بأن تكون قراءة سماعية‪ ،‬وقراءة بصرية وظيفية‪ ،‬وقراءة‬
‫صامتة‪ ،‬وقراءة مجهورة‪ ،‬وقراءة مسترسلة‪...‬‬
‫‪ ‬مساعدة المتعلم على واجباته وفروضه الدراسية‪.‬‬

‫‪296‬‬
‫‪ ‬مساعدة األسرة للمتعلم على إنجاز واجباته بقراءة األسئلة ‪.‬‬
‫‪ ‬مساعدة المصاب على قراءة ثلث النص بدل قراءته كامال‪.‬‬
‫‪ ‬تحديد مجموعة من األهداف الجوهرية بدل األهداف الشكلية لرصدها‬
‫لدى المتعلم المصاب‪.‬‬
‫‪ ‬عدم معاقبة المصاب على األخطاء اإلمالئية ولو تكررت‪.‬‬
‫‪ ‬ينبغي للمدرس‪ ،‬في حصة اإلمالء‪ ،‬أن يحسب عدد األخطاء مقارنة‬
‫بعدد الكلمات‪.‬‬
‫‪ ‬التركيز على التصحيح الذاتي‪.‬‬
‫‪ ‬ضرورة االهتمام ‪ ،‬داخل كل مؤسسة تربوية‪ ،‬بمشاريع الدعم التي‬
‫تستهدف تقوية القدرات التعلمية لدى المتعثرين والمعوقين خاصة‪،‬سواء‬
‫على مستوى القراءة‪ ،‬أم على مستوى الكتابة‪ ،‬أم على مستوى النطق‪ ،‬أم‬
‫على مستوى االستخدام األمثل للبنيات الجسدية والعقلية والبصرية‬
‫والسمعية‪.‬‬
‫‪ ‬يمكن لألستاذ أن يستعين بجميع األدوات والوسائل الديدكتيكية والكتب‬
‫المدرسية التي تسمح له بتقوية فعل القراءة لدى المتعلم بشكل فوري أو‬
‫متدرج‪.‬‬
‫‪ ‬متابعة تغيبات المتعلم وتأخراته‪ ،‬بتنسيق مع األسرة واإلدارة التربوية‪،‬‬
‫للحد منها ؛ بسبب تأثيرها السلبي في اكتساب القراءة والكتابة وتعلم‬
‫التعبير‪.‬‬
‫‪‬عقد اجتماعات فورية أو دورية مع األسرة واألخصائيين النفسانيين‬
‫واالجتماعيين لمعالجة العسر القرائي لدى المتعثرين‪ ،‬وتشخيص ذلك بغية‬
‫إيجاد الحلول المناسبة لذلك‪.‬‬

‫‪297‬‬
‫‪ ‬التقليل من عدد التالميذ‪ ،‬داخل الفصل الواحد‪ ،‬لتتاح الفرصة أمام جميع‬
‫المتعثرين وضعاف القراءة لينالوا حظهم‪ ،‬كباقي التالميذ المتفوقين‬
‫والبارزين‪ ،‬من القراءة والكتابة والنطق‪.‬‬
‫‪ ‬تشجيع القراءة الهادفة والبناءة‪ ،‬بمختلف أنواعها وأشكالها‪ ،‬إما داخل‬
‫المنزل بتخصيص مكتبة ركنية لألوالد المتعثرين في القراءة‪ ،‬وإما داخل‬
‫الفصل الدراسي بتأثيثه بمكتبة تضم مختلف الكتب والقصص المثيرة‬
‫والمشوقة‪ ،‬ومطالبة التالميذ بتلخيصها والتعليق عليها‪ ،‬وإما داخل‬
‫المؤسسة التربوية بإيجاد مرفق للمكتبة تكون عامرة بالكتب التراثية‬
‫والحديثة والمعاصرة‪ ،‬ومنفتحة على تالميذ المؤسسة بدون استثناء‪.‬‬
‫وخالصة القول ‪ ،‬تتتعلق اإلعاقة القرائية أو الديسليكسيا بالتعلمات‬
‫المدرسية أو الصفية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬ترتبط هذه اإلعاقة بالقراءة والكتابة‪ .‬ومن‬
‫ثم‪ ،‬فهناك عالقة وطيدة بينهما على المستوى البيداغوجي والديدكتيكي‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يظهر نوع من العسر القرائي لدى الطفل أو المتعلم‪ ،‬قد يكون‬
‫جزئيا أو كليا‪ ،‬يحول دون نطق الكلمات نطقا جيدا ‪ ،‬أو قراءة الحروف‬
‫والكلمات قراءة بارزة وواضحة؛ مما يسبب غموضا على مستوى استقبال‬
‫المقروء‪ ،‬وعدم فهم معناه بشكل جيد‪ ،‬واستيعاب دالالته وأبعاده الرمزية‬
‫استيعابا تاما‪.‬‬

‫المبحث السادس‪ :‬العوائق النفسية‬


‫يقصد بالعوائق النفسية أو السيكولوجية تلك العوائق التي تتعلق بالمناحي‬
‫السلوكية والشعورية والالشعورية والعقلية والذهنية واالنفعالية والوجدانية‬
‫والحسية الحركية‪.‬بمعنى أن ثمة عوائق نفسية تتعلق باالنتباه‪ ،‬والتركيز‪،‬‬
‫والذاكرة‪ ،‬واللغة‪ ،‬واالستيعاب‪ ،‬والتمثالت‪ ،‬والتمركز على الذات‪.‬ناهيك‬
‫عن اضطرابات وصدمات واضطرابات على مستوى الدماي العصبي‬
‫والخريطة الذهنية‪ .‬عالوة على صعوبة االستدالل والتعميم والبرهنة‬

‫‪298‬‬
‫والحجاج والقياس والحكم والتقويم‪...‬و" كذلك الفشل في القيام ببعض‬
‫المهارات العقلية واإلستراتيجيات المعرفية التي سبق الحديث عنها‪.‬وتعزى‬
‫هذه العوائق إلى اضطراب أو خلل في وظيفة الدماي أو الجهاز العصبي‪،‬‬
‫أو إلى تأخر في النمو العقلي للطفل‪.‬كما يتمظهر هذا النوع من العوائق في‬
‫تمثالت المتعلم للمعرفة والدرس؛ فقد يتعثر تعلمه بسبب مواقفه السلبية من‬
‫المدرسة أو المادة الدراسية أو معاملة المدرس له‪ ،‬كأن يقمعه أو يشهر به‬
‫أو يرفض مشاركته لكونه يخطىء اإلجابة كثيرا‪ ،‬أو اليستطيع أن يجيد‬
‫‪292‬‬
‫التعبير شفويا أو كتابيا‪".‬‬
‫ويعد الخجل واإلحساس بالنقص من أهم االضطرابات النفسية التي يعاني‬
‫منها المتعلم في فضاء دراسي يتميز بالصراع السوسيو‪ -‬معرفي‪.‬‬
‫وتتضمن العوائق النفسية ما يسمى باإلعاقة الذهنية والعقلية تلك اإلعاقة‬
‫التي تصيب القدرات العقلية والذكائية بشكل جزئي أو كلي‪ ،‬أو هو نوع من‬
‫التخلف العقلي الذي يتحدد بظاهرة االنحراف" عن متوسط الذكاء بدرجة‬
‫‪293‬‬
‫ملحوظة‪ ،‬إما ألسباب طبيعية أو مرضية"‬
‫ويعرف عن المتخلف عقليا بأنه بطيء التعلم في المجال التربوي التعليمي‪.‬‬
‫بمعنى أنه " الشخص الذي ال يستطيع التحصيل الدراسي في نفس مستوى‬
‫‪294‬‬
‫زمالئه في الفصل الدراسي‪ ،‬وتقع نسبة ذكائه بين ‪ 50‬و‪".75‬‬
‫وعليه‪ ،‬فالتخلف العقلي هو" عبارة عن حالة خلل وظيفي في القدرات‬
‫العقلية دون المتوسط نتيجة عن الوراثة أو ظروف بيئية‪ ،‬وهذا الخلل يؤثر‬

‫‪- 292‬العربي اسليماني‪ :‬المعين في التربية‪ ،‬ص‪.315:‬‬


‫‪ - 293‬محمد شعالن‪ :‬االضطرابات النفسية في األطفال‪ ،‬الجهاز المركزي للكتب الجماعية‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪1979‬م‪.‬‬
‫‪294‬‬
‫‪-Christine Ingram :Education of the slow- learning‬‬
‫‪child,NewYork,The Ronald press Company, 1953.‬‬
‫‪299‬‬
‫في سلوك الفرد‪ ،‬وعدم تكيفه مع البيئة المحيطة به‪ .‬وبالتالي‪ ،‬هو في حاجة‬
‫إلى مساعدة اآلخرين‪"295.‬‬
‫ويعود هذا التخلف إلى عوامل وراثية وبيئية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يكون الفرد ‪ ،‬في‬
‫هذه الحالة‪ ،‬غير قادر على التكيف مع ذاته والبيئة التي تحيط به‪.‬‬
‫ويمكن الحديث عن أقسام وأصناف عدة من المتخلفين عقليا‪ ،‬أو أعمار‬
‫ذكائية مختلفة ومتفاوتة قياسيا‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ ‬الموهوبون عقليا (‪ :)Les intelligents‬وهم األذكياء الذين‬
‫يمتلكون نسبة كبيرة من درجة الذكاء‪ ،‬تصل إلى ‪ 130‬أو أعلى من‬
‫‪.140‬ومن هنا‪ ،‬يكونون متقدمين على أقرانهم العاديين في الفصل‬
‫الدراسي‪.‬ومن األفضل‪ ،‬أن يتعلموا في مدارس أو فصول دراسية خاصة‪،‬‬
‫تسمى بمدارس التميز أو مدارس الموهوبين واألذكياء والعباقرة‪ .‬وغالبا‪،‬‬
‫ما يكون عددهم قليال جدا مقارنة بالمتعلمين العاديين اآلخرين‪.‬‬
‫‪‬البلهاء)‪ : (les Imbeciles‬هم الذين عمرهم العقلي يقل عن ثماني‬
‫سنوات‪ ،‬و"تتراوح نسبة ذكاء هؤالء األشخاص بين ‪26‬و‪ ،50‬وقد يصلون‬
‫في نضجهم االجتماعي إلى ما يعادل سن الرابعة من حيث المستوى‪ ،‬أو قد‬
‫يصل هذا النضج في حاالت قليلة لما يعادل سن التاسعة‪ .‬وعلى الرغم من‬
‫عدم قدرة هؤالء األشخاص على االستفادة من التعليم العادي‪ ،‬فإن كثيرا‬
‫منهم يقدرون على وقاية أنفسهم من األخطار العادية‪ ،‬وعلى تعلم األعمال‬
‫السهلة ذات الطبيعة العيانية المشاهدة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإذا تطلب أي عمل‬
‫مبادأة أو تجريدا أو قدرة على التذكر أو انتباها طويال‪ ،‬فإن البلهاء عند‬
‫ذلك يرتبكون ويشرد ذهنهم‪ ،‬ومن النادر أن نستطيع تعليمهم القراءة أو‬
‫الكتابة‪ ،‬ولكن بعضهم يستطيع الكالم مع قدرة معتدلة على التحكم في‬
‫األلفاظ‪ ،‬واستخدامها عن نحو مناسب ‪ ،‬ويمثلون صورة الشخصية الوديعة‬

‫‪ - 295‬عصام حسين‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.37:‬‬


‫‪300‬‬
‫الغبية التافهة إلى حد ما‪ ،‬وهو يعانون في العادة عيبا أو شذوذا جسميا‬
‫‪296‬‬
‫مزمنا‪".‬‬
‫ويعني أن البلهاء لهم مستوى ذكائي ضعيف جدا مقارنة باألسوياء على‬
‫مستوى التعلم واالكتساب والتدريب‪.‬‬
‫‪‬األغبياء )‪(Les idiots‬أو المعتوهون‪ :‬هم الذين عمرهم العقلي يقل‬
‫عن ثالث سنوات‪.‬ويعني هذا أن العته يعتبر" أقسى درجات الضعف‬
‫العقلي‪ ،‬واألفراد الذين يقعون في هذا القسم تقل نسب ذكائهم عن‪ ، 25‬وهم‬
‫ضعاف جدا في نموهم االجتماعي‪ ،‬وغير قادرين على القيام بأسهل‬
‫األعمال‪ .‬وتشيع العيوب الحسية والعجز الحركي في هذه الفئة‪ ،‬بجانب‬
‫التأخر في النمو وكذلك الخلل الفسيولوجي والحساسية الشديدة‬
‫للمرض‪.‬وإذا استطاعوا التخاطب‪ ،‬فيكون ذلك في صورة بدائية‪"297.‬‬
‫ويعني هذا أن العته هو أقصى مرحلة في ضعف الذكاء‪ ،‬ويدل على مدى‬
‫الصعوبة في التوافق مع الذات والمجتمع‪.‬‬
‫‪ ‬المورون (‪ :)Moron‬يعدون أفضل درجة على مستوى ضعاف‬
‫العقول مقارنة بالنماذج السابقة ‪ ،‬و" تتراوح نسب ذكائهم بين‪ 51‬و‪، 70‬‬
‫ويظهر في سلوكهم عادة درجة من األلفة والعشرة التي تميز المراهقين‪،‬‬
‫ولكن مع قدر ضئيل مما قد يكون لدى المراهق السوي من التصور‬
‫واالبتكار والحكم‪ ،‬ولديهم شيء ما من الجرأة‪ ،‬ولكن ينبغي توجيههم ألنهم‬
‫ال يستطيعون االضطالع بالمسؤولية ‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬يمكنهم أن يستفيدوا من‬
‫التعليم االبتدائي(وفي بعض الحاالت يبلغون مستوى الصف الرابع أو‬
‫الخامس)‪ ،‬إذا توافر لهم اإلشراف والتوجيه السليم‪ .‬ولما كانت معظم‬
‫حياتهم توجه عن طريق ما يتكون لديهم من عادت مبكرة‪ ،‬وما يتاح لهم‬

‫‪ - 296‬جابر عبد الحميد جابر‪ :‬علم النفس التربوي‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫طبعة ‪1977‬م‪ ،‬ص‪.623:‬‬
‫‪ - 297‬جابر عبد الحميد جابر‪ :‬علم النفس التربوي‪ ،‬ص‪.623:‬‬
‫‪301‬‬
‫من تدريب مبكر‪ ،‬لذا ينبغي أن يعنى بتشخيصهم في وقت مبكر ‪،‬‬
‫ومساعدتهم مساعدة فعالة على قدر اإلمكان‪ ،‬وعلى الرغم من وجود بعض‬
‫العيوب الجسمية عندهم‪ ،‬فإنه يمكن إلحاقهم باألعمال التي تتطلب قدرا‬
‫‪298‬‬
‫ضئيال من اللباقة والحكمة والذكاء‪".‬‬
‫بيد أن هناك من يشكك في هذه التصنيفات‪ ،‬ويرفضها جملة وتفصيال‪.‬‬
‫فهناك من يقسم المتخلفين عقليا إلى فئتين‪ :‬المعابون عقليا والمتأخرون‬
‫عقليا كما هو حال الرابطة القومية لألطفال المتأخرين‪ .‬وهناك من يجمع‬
‫بين المعتوهين والبلهاء في فئة واحدة‪ ،‬تندرج ضمن أعلى درجات‬
‫الضعف العقلي‪ ،‬وبعده الضعف العقلي المتوسط‪ ،‬ثم الضعف العقلي‬
‫الخفيف‪ ،‬كما عند اتحاد األطباء النفسيين األمريكيين( ‪American‬‬
‫‪.299)psychio association‬‬
‫ويحتاج المتخلف العقلي إلى عالج متعدد التخصصات‪ :‬طبي‪ ،‬ونفسي‪،‬‬
‫وتربوي‪ ،‬واجتماعي‪ ،‬وبيولوجي‪ ...‬ويعني هذا " أن اإلعاقة العقلية‬
‫متعددة األبعاد والجوانب‪ ،‬فهي مشكلة صحية ونفسية وتربوية واجتماعية‪،‬‬
‫وهذه المشكالت أو األبعاد متشابكة ومتداخلة‪ ،‬حيث يعاني الشخص من‬
‫العديد من المشكالت في آن واحد‪.‬لذا‪ ،‬فإن مفهوم تشخيص اإلعاقة يقترب‬
‫من مفهوم التقييم الشامل للحالة‪.‬‬
‫ويجب اإلشارة إلى أن هناك حاالت من التخلف العقلي شديدة‪ ،‬وبهذا يسهل‬
‫التعرف إليها واكتشافها مبكرا‪ ،‬إال أن هناك حاالت من التخلف العقلي‬
‫البسيط‪ ،‬والتي يكون التعرف عليها أمرا صعبا‪ ،‬ومن ثم يكون اكتشافها‬
‫‪300‬‬
‫وعالجها متأخرا بالضرورة ‪".‬‬

‫‪ - 298‬جابر عبد الحميد جابر‪ :‬نفسه‪،‬ص‪.624-623:‬‬


‫‪ - 299‬جابر عبد الحميد جابر‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.624:‬‬
‫‪ - 300‬عصام حسين‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.37:‬‬
‫‪302‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يحتاج المتخلف العقلي إلى رعاية عقلية أو نفسية أو تعليمية أو‬
‫مهنية أو طبية‪ ...‬سواء أكانت رعاية نهارية‪ ،‬أم رعاية نهارية وليلية ‪ ،‬أم‬
‫رعاية منزلية‪ ،‬أم رعاية الحقة بعد تخرجهم من مراكز التدريب‪،‬‬
‫وتشغيلهم في المؤسسات الحكومية أو األهلية‪ .‬وأكثر من هذا‪ ،‬ال ينبغي "‬
‫االعتماد على اختبارات الذكاء وحدها في تحديد التخلف العقلي‪ ،‬بل‬
‫االهتمام بالتشخيص الشامل للجوانب الطبية والصحية والنفسية واألسرية‬
‫‪301‬‬
‫واالجتماعية والتربوية والتعليمية‪".‬‬
‫وعليه‪ ،‬فالمتخلفون عقليا يتطلبون الرقابة والعزل والرعاية والمساعدة من‬
‫اآلخرين‪ ،‬و" كثيرا ما يتم ذلك في مؤسسات أنشئت لتوفير هذه العناية على‬
‫مدار الليل والنهار‪ .‬وليس من المحتمل أن نقابل أطفاال في هذا المستوى‬
‫في المدارس العامة‪.‬ذلك أن تأخرهم عاد لدرجة أنه يتم التعرف عليهم‪ ،‬قبل‬
‫أن يبلغوا سن االلتحاق برياض األطفال أو بالصف األول االبتدائي"‪.302‬‬
‫كما يحتاج هؤالء المتخلفون عقليا إلى التدريب واإلشراف والترويض‬
‫والتمارين العقلية والذهنية‪ ،‬وتخصص لهم فصول دراسية خاصة‪ ،‬كما‬
‫يقبلون التعليم جزئيا أو كليا‪ .‬إال أن هناك من يدمجهم في التعليم العمومي‪،‬‬
‫وهناك من يدمجهم في فصول دراسية‪ ،‬أو في مؤسسات تعليمية خاصة‪.‬‬
‫واليمكن عزلهم إال بإجراء فحوص طبية واختبارات تربوية وسيكولوجية‬
‫صارمة‪ .‬وفي هذه الحالة‪ ،‬يقدم للمتعلم تعليما خاصا يستند إلى تحديد‬
‫أهداف نوعية وخاصة تتالءم مع هذه الفئة؛ واختيار محتويات مضمونية‬
‫تتناسب مع مستواهم الذكائي؛ واستعمال وسائل ديدكتيكية مشخصة‬
‫وملموسة؛ واالستعانة بطرائق بيداغوجية فعالة خاصة بضعاف العقول‪،‬‬
‫تساعد هؤالء على النجاح؛ مع اختيار األسئلة التي تتطلب إجابات‬
‫صحيحة‪ ،‬واإلكثار من التغذية الراجعة لتثبيت التعلمات وتقويتها ‪ ،‬وتعزيز‬

‫‪ - 301‬عصام حسين‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.39:‬‬


‫‪ - 302‬جابر عبد الحميد جابر‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.627:‬‬
‫‪303‬‬
‫االستجابات الصحيحة بشكل مباشر وواضح ماديا ومعنويا؛ وتمثل مبدأ‬
‫التدرج في إيصال المعلومات والمعارف‪ ،‬والرفع من مستوى المتعلم‪،‬‬
‫واالرتقاء به عقليا وذهنيا‪ ،‬واستعمال التكرار لتقوية اإلفادة‪ ،‬وتوزيع المادة‬
‫على فترات زمنية متباعدة أفضل من تجميعها في فترة زمنية قصيرة‪،‬‬
‫وتحريك دوافع المتعلم لبذل المزيد من الجهد ‪ ،‬مع التقليل من المفاهيم‬
‫والوضعيات واألسئلة ‪ ،‬وترتيب المادة ترتيبا سليما‪.‬‬
‫وينبغي أن تكون األنشطة غير معقدة‪ ،‬ومحدودة العناصر والمفاهيم‪،‬‬
‫ويكون النجاح ممكنا في كل مرحلة تعلمية‪ ،‬ضمن تقويم كفائي وإدماجي‬
‫معين‪ ،‬مع تطبيق األنشطة على األشياء والمواقف والمشكالت‬
‫والوضعيات اإلدماجية والكفائية ‪ ،‬وتكون ‪ -‬بطبيعة الحال‪ -‬لها ذات صلة‬
‫بالمتعلم‪.‬‬
‫ويشكل المعاقون شخصيا واجتماعيا نوعا آخر من اإلعاقة اإلنسانية‪،‬‬
‫وهم‪ :‬العصابيون(‪ )les Nevroses‬والذهانيون (‪. )les Psychoses‬‬
‫فالعصابيون هم الذين يعانون القلق أو مرض العصاب‪ .‬وهو "اضطراب‬
‫وظيفي في الشخصية يبدو في صورة أعراض نفسية وجسمية مختلفة‪،‬‬
‫منها‪ :‬القلق والوساوس واألفكار المتسلطة والمخاوف الشاذة والتردد‬
‫المفرط والشكوك التي ال أساس لها وأفعال قسرية يجد المريض نفسه‬
‫مضطرا إلى أدائها‪ ،‬بالرغم من عدم إرادته‪ .‬ومن هذه األعراض تعطل‬
‫حاسة من الحواس أو شلل عضو من األعضاء‪ ،‬دون أن يكون لهذا التعطل‬
‫أو الشلل سبب جسمي أو عصبي‪..‬هذا هو المرض النفسي من حيث‬
‫أعراضه‪ ،‬أما من حيث هدفه‪ ،‬فهو محاولة شاذة لحل أزمة نفسية‬
‫مستعصية‪.‬إن العصابي التكفيه الحيل الدفاعية المعتدلة في خفض مالديه‬
‫من قلق‪ ،‬لذا يلجأ إلى اإلسراف فيها طمعا في استعادة توازنه‪ .‬وليست هذه‬

‫‪304‬‬
‫الحيل المشتطة إال أعراض المرض‪ .‬ومن األمراض النفسية ‪ :‬الهستيريا‬
‫‪303‬‬
‫وعصاب القلق وعصاب الوسواس وغيرها‪".‬‬
‫لذا‪ ،‬فالعصابيون هم مرضى األعصاب‪.‬لذا‪ ،‬يعانون القلق والتوتر الناتجين‬
‫عن ضغوطات الواقع النفسي واالجتماعي والعملي‪.‬‬
‫أما األشخاص الذهانيون‪ ،‬فهم المصابون بالذهان الوظيفي أو النفسي‬
‫المنشأ ‪،‬وال يعرف له" حتى اليوم أساس عضوي معروف‪ ،‬أو هو الذهان‬
‫الذي التكفي العوامل العضوية‪ ،‬العصبية والكيميائية‪ ،‬لتفسير نشأته‬
‫وأعراضه‪ ،‬بل تكون العوامل النفسية جوهرية غالبة في هذا التفسير‪.‬‬
‫وللذهانات أصناف وفئات وشعب‪...‬ويشترك الذهان مع العصاب في بعض‬
‫األعراض كالوساوس واالندفاعات القسرية والمخاوف الشاذة‪ ،‬غير أن‬
‫الذهان يتفرد ببعض األعراض منها الهالوس والهذاءات ‪.‬أما الهالوس‬
‫فمدركات حسية خاطئة التنشأ عن موضوعات واقعية في العالم‬
‫الخارجي‪.‬وأما الهذاء‪ ،‬فاعتقاد باطل راسخ يتشبث به المريض‪ ،‬بالرغم من‬
‫سخفه‪ ،‬وقيام األدلة الموضوعية على خطئه‪ ،‬وبالرغم من تأثيره الخطير‬
‫في التوافق االجتماعي للفرد‪...‬‬
‫ومما يذكر أن المريض في هالوسه وهذاءاته يحسب الخيال حقيقة واقعة‪،‬‬
‫غير أن الخيال في الهالوس صورة ذهنية‪ ،‬بينما هو في الهذاء فكرة‬
‫واعتقاد‪ .‬وفي كل منهما يشوه إدراك الذهاني للواقع‪ .‬فهو يرى العالم‬
‫الخارجي مصدر تهديد واضطهاد أو خداع وخيانة‪...‬وبعبارة أخرى‪ ،‬فهو‬
‫يعجز عن التمييز ين الخيال والواقع‪ ،‬كما أنه يدرك الواقع على غير ما‬
‫‪304‬‬
‫يدركه الناس‪".‬‬

‫‪ - 303‬أحمد عزت راجح‪ :‬أصول علم النفس‪ ،‬المكتب المصري الحديث‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫الطبعة الثامنة‪1970 ،‬م‪ ،‬ص‪.475-474:‬‬
‫‪ - 304‬أحمد عزت راجح‪ :‬أصول علم النفس‪ ،‬ص‪.483-482:‬‬
‫‪305‬‬
‫ولعالج هؤالء المعاقين نفسانيا واجتماعيا ‪ ،‬البد من استحضار العالج‬
‫النفسي الذي يقوم على التنفيس االنفعالي‪ ،‬واالستبصار الذاتي‪ ،‬وتجديد‬
‫التعلم‪ .‬وقد يحدث هذا" خالل مقابالت شخصية أو تحت تأثير مخدر‪ ،‬أو‬
‫أثناء عملية التداعي الحر في التحليل النفسي‪ ،‬أو أثناء النوم المغناطيسي‪،‬‬
‫أو خالل مناقشة غير مباشرة ين المعالج والمريض‪...‬كما قد يقتضي‬
‫العالج ساعة في كل يوم‪ ،‬أو خمس ساعات في األسبوع كما في التحليل‬
‫النفسي‪ ،‬أو مرة واحدة في األسبوع‪..‬وكل هذه تفاصيل فنية تحددها طبيعة‬
‫الحالة الفردية‪.‬غير أنه مما اليدعو إلى االستغراب أن يستمر العالج أحيانا‬
‫عامين أو ثالثة لتقويم شخصية دب فيها االضطراب طوال عشرين أو‬
‫ثالثين عاما‪"305.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فالعصابيون و الذهانيون هم في حاجة ماسة إلى تحليل نفسي‪،‬‬
‫وعالج متعدد التخصصات بغية إدماجهم في الحياة العادية لكي يتوافقوا‬
‫مع ذواتهم ومجتمعهم‪.‬‬

‫المبحث السابع‪ :‬العوائق االجتماعية واإليديولوجية‬


‫ينطلق المتعلم من مجموعة من التمثالت االجتماعية واألخالقية‬
‫واالقتناعات واألفكار السلبية المسبقة‪ ،‬أو يحتكم إلى مجموعة من‬
‫التصورات االجتماعية والقيمية المحرفة والمشوهة والمؤدلجة قد تتعارض‬
‫مع المعارف المدرسية ‪ ،‬أو تتقابل مع التعلمات التي تدرس في الفضاء‬
‫الدراسي‪ ،‬فينتج عن ذلك اضطراب في االكتساب‪ ،‬أو التوازن في التفاعل‬
‫داخل القسم‪ ،‬أو اإلحساس بعدم الرغبة في االندماج الصفي‪ ،‬ويسمى هذا‬
‫كله بالعوائق االجتماعية واإليديولوجية‪ .‬عالوة على ذلك" أن تنشئة الفرد‬
‫على قيم محددة أو اكتسابه لثقافة معينة أو تشبعه بإيديولوجية ما‪ ،‬كلها‬
‫عوامل تساعد على تعلمه إذا كانت متالئمة مع المعرفة العلمية‬
‫والمدرسية‪ ،‬وتعرقل تعلمه إذا كانت غير متالئمة‪.‬وكلنا نتذكر ما أحدثته‬
‫‪ - 305‬أحمد عزت راجح‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.193-492:‬‬
‫‪306‬‬
‫العوائق االجتماعية في العصر الوسيط من إعاقات معرفية لكروية‬
‫األرض ودورانها لدرجة إعدام صاحب النظرية كوبرنيك‪.‬كما نعرف أن‬
‫بعض المتعلمين اليفهمون الدرس ألنهم يرون فيه ما يتعارض مع‬
‫‪306‬‬
‫قناعاتهم العقدية أو السياسية‪".‬‬
‫وقد تساهم التنشئة االجتماعية في عرقة نمو الفرد وتطوره بسبب عوامل‬
‫ذاتية وموضوعية تتعلق بالتربية والتعليم والتكوين والتأطير‪.‬أي‪ ":‬قد تعاق‬
‫عمليات النمو في التنشئة االجتماعية بسبب مؤثرات تطرأ على الفرد‬
‫فتعوق نمو شخصيته‪ ،‬ومن هذه المؤثرات التي تعوق نمو الشخصية‬
‫وتعرقل التنشئة االجتماعية‪ :‬الصراع بين مكونات الجهاز النفسي للفرد‪-‬‬
‫تجريد الفرد من أدواره االجتماعية‪ -‬انعزال الفرد من أفراد جماعته التي‬
‫تشجع حاجاته‪ -‬ظروف تتعلق باألسرة مثل الطرق الخاطئة في معاملة‬
‫الوالدين ألبنائهم‪ -‬عدم االستقرار العائلي‪ -‬عدم صالحية البيئة المدرسية‪-‬‬
‫أو بيئة المجتمع‪.‬‬
‫وعندما يحدث هذا األثر العكسي في التنشئة االجتماعية اليكدف الفدرد ذاتده‬
‫والجماعددات التددي تتعامددل معدده علددى أن تعيددد للفددرد توازندده فددي التنشددئة‬
‫‪307‬‬
‫االجتماعية " إعادة التطبيع االجتماعي(‪"")Resocialization‬‬
‫المبحث الثامن‪ :‬العوائق اإلبستمولوجية‬
‫تتمثل العوائق اإلبستمولوجية في وجود تمثالت سلبية أو محرفة أو‬
‫مشوهة أو مؤدلجة لدى المتعلم تؤثر سلبا في المعرفة العلمية العالمة ؛ مما‬
‫ينبغي التخلص منها بإحداث قطيعة إبستمولوجية مع األفكار السائدة القائمة‬
‫على الظن‪ ،‬والشك‪ ،‬واالحتمال‪ ،‬واألفكار العامية‪...‬ومن ثم‪ ،‬تتقدم المعرفة‬
‫اإلنسانية بتصحيح المعارف السابقة وانتقادها وتجاوزها‪ ،‬وبناء معارف‬
‫جديدة التي بدورها تصبح معارف خاطئة مع مرور الزمان‪.‬وهكذا‪،‬‬

‫‪- 306‬العربي اسليماني‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.315:‬‬


‫‪ -307‬خليل ميخائيل معوض‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.113:‬‬
‫‪307‬‬
‫فالمعرفة اإلنسانية معرفة قطائع إبستمولوجية‪ ،‬أو معرفة أخطاء ينبغي‬
‫تصحيحها كل مرة‪ ،‬بهدف تحقيق التطور والتقدم واالزدهار ‪.‬‬
‫ويرى جاستون باشالر( ‪1884-1962() G.Bachelard‬م)أن الحقيقة ‪،‬‬
‫في المجال العلمي‪ ،‬تعترضها مجموعة من العوائق اإلبستمولوجية‬
‫(المعرفية) كالظن‪ ،‬والخطأ‪ ،‬والوهم‪ ،‬والرأي‪ .‬لذا‪ ،‬ينبغي التحرر من هذه‬
‫األخطاء والعوائق لبناء حقيقة علمية يقينية وصادقة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فالحقيقة‬
‫العلمية هي بمثابة خطأ تم تصحيحه علميا‪ .‬وكل الحقائق العلمية ‪ ،‬في‬
‫وجودنا الكوني والمعرفي‪ ،‬هي عبارة عن أخطاء بالمفهوم اإليجابي للخطإ‬
‫ال بالمفهوم السلبي ‪ .‬إذ يأتي كل عالم ليصحح أخطاء سابقيه من الوجهة‬
‫العلمية نظرية وتطبيقا‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فالتاريخ العلمي في الحقيقة هو تصحيح‬
‫لألخطاء ‪ .‬كما أن العلم يتطور ويتقدم بتصحيح النظريات والتجارب‬
‫العلمية السابقة كما يقول أيضا كارل بوبر(‪ .)Karl Popper‬ومن ثم‪،‬‬
‫فالحقيقة عند باشالر هي القائمة على الخطإ العلمي المصحح؛ حيث " يتم‬
‫التوصل إلى الحقيقة العلمية عبر العودة إلى األخطاء الماضية‪ .‬أي‪ :‬عبر‬
‫عملية ندم ومراجعة فكريين‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬فالمعرفة العلمية هي معرفة تتم‬
‫دوما ضد معرفة سابقة‪ ،‬وذلك بتقويض المعارف غير المصاغة صياغة‬
‫جيدة‪ ،‬وبتخطي ما شكل‪ ،‬في النفس المفكرة‪ ،‬عائقا أمام عملية التعقل‬
‫المعرفي‪.‬‬
‫إن العلم‪ ،‬من حيث حاجته إلى االكتمال كما في مبدئه نفسه‪ ،‬يتعارض‬
‫تعارضا مطلقا مع الرأي‪ .‬وإذا حصل أن أعطى العلم الشرعية للرأي‪،‬‬
‫فذلك ألسباب أخرى غير األسباب التي يقوم عليها الرأي‪ :‬لدرجة تسمح‬
‫بالقول بأن الرأي‪ ،‬من الناحية المبدئية‪ ،‬هو دوما خاطئ‪.‬‬
‫الرأي يفكر تفكيرا ناقصا‪ ،‬بل ال يفكر‪ :‬إنه يعبر عن حاجات معرفية‪ .‬إن‬
‫الرأي وهو يتناول الموضوعات من زاوية نفعها وفائدتها‪ ،‬يحرم على نفسه‬
‫معرفتها‪ .‬لذا ال يمكن أن نؤسس أي شيء على الرأي بل يجب أوال أن‬
‫‪308‬‬
‫نقضي عليه‪.‬إنه العائق األول الذي يتعين تجاوزه في مجال المعرفة‬
‫‪308‬‬
‫العلمية‪".‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يشتغل باشالر على الحقيقة والخطأ ضمن حقل المعرفة العلمية‪،‬‬
‫أوما يسمى باإلبستمولوجيا‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يثبت باشالر أن الحقائق العلمية مبنية‬
‫على تاريخ األخطاء‪ ،‬وأن هذه األخطاء تتقدم عبر صراع النظريات‪،‬‬
‫وتصحيح بعضها البعض‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يبدو أن التصور اإلبستمولوجي للخطأ تصور مهم ومتقدم‪ ،‬مادام‬
‫ينظر إلى الخطأ نظرة إيجابية ‪ ،‬على أساس أنه السبيل الوحيد لتقدم العلم‬
‫وتطويره وتجديده‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬ثمة عوائق إبستمولوجية ديدكتيكية تتمثل في وجود‬
‫تمثالت سلبية تمنع المتعلم من التعلم الصحيح‪ ،‬وإعادة النظر إلى األخطاء‬
‫الديدكتيكية على أساس أنها أخطاء إيجابية ‪ .‬بمعنى أن الخطأ وسيلة للتعلم‬
‫والتكوين واالستكشاف واإلبداع واالبتكار‪ .‬ويعني هذا أن الخطأ ليس عيبا‬
‫أو مذمة أو قدحا أو مزلة‪ ،‬بل هو عبارة عن طريقة بيداغوجية فعالة في‬
‫بناء معارف المتعلم المختلفة والمتنوعة‪ ،‬وآلية إجرائية للتعلم الذاتي من‬
‫أجل تطوير كفاءاته الذهنية والمهارية‪ ،‬واستثمار قدراته في االكتساب‬
‫ومواجهة الوضعيات الصعبة والمعقدة‪.‬‬
‫وإذا كان الخطأ ‪ ،‬في المجال العلمي والتجريبي‪ ،‬طريقا مفيدا لالستكشاف‬
‫واالختراع واالبتكار واإلبداع‪ ،‬بتصحيح النظريات العلمية السابقة‪،‬‬
‫وتطويرها بشكل إيجابي‪ ،‬فإن الخطأ في المجال التربوي يسعف المتعلم في‬
‫بناء معارفه الذهنية‪ ،‬واكتساب القيم الوجدانية واألخالقية‪ ،‬ويساعده كذلك‬
‫على تطوير قدراته الحسية الحركية بشكل أفضل وأجدى‪.‬‬

‫‪308‬‬
‫‪- Bachelard: la formation de l’esprit scientifique, ED.Vrin 1970,‬‬
‫‪pp: 13-14.‬‬
‫‪309‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فالخطأ هو ذلك الجواب أو السلوك الذي يصدر عن المتعلم‪.‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬فهو اليتالءم جزئيا أو كليا مع السؤال المطلوب‪ ،‬أو التعليمة‬
‫المسطرة‪ ،‬أو الجواب المنتظر‪ .‬وبالتالي‪ ،‬لم يعد الخطأ‪ ،‬كما كان في التربية‬
‫التقليدية ‪ ،‬ظاهرة سلبية مشينة أقرب إلى الغلط األخالقي‪ ،‬بل أصبح‪،‬‬
‫اليوم‪ ،‬منهجية للتعلم الحقيقي والمتميز‪ ،‬وبناء المعارف بشكل متدرج‪،‬‬
‫وتصحيح المعارف الموروثة والمحفوظة عن عدم وعي أو فهم أو علم‪.‬‬
‫وهو أيضا السبيل الوحيد إلعادة تكوين المتعلم تكوينا جيدا‪ ،‬وبناء‬
‫شخصيته وسلوكه بطريقة ذاتية‪ ،‬وتقوية الثقة واالطمئنان في شخصية‬
‫المتعلم‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬يعد الخطأ ظاهرة تربوية مقبولة وإيجابية في الصف الدراسي‪ ،‬وال‬
‫يمكن تجنبه إطالقا‪ ،‬أو تفاديه بشكل جذري‪ ،‬أو التخلص منه نهائيا؛ ألنه‬
‫يتكرر باستمرار لدى المتعلم‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فالتعلم هو تصحيح األخطاء ذاتيا‪،‬‬
‫وتجاوزها بشكل علمي موضوعي بناء على القدرات المستضمرة‪،‬‬
‫واالعتماد على التصحيح الهادف والبناء‪ ،‬واالستعانة بالمعالجة الداخلية‬
‫والخارجية‪.‬‬
‫وباختصار‪ ،‬فالخطأ أداة للتعلم والتكوين واالكتساب وحل الوضعيات‬
‫الصعبة والمركبة والمعقدة‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬يعد الخطأ منهجية أو مقاربة‬
‫في التدريس‪ ،‬أو طريقة بيداغوجية في بناء الدرس تشخيصا‪ ،‬وتكوينا‪،‬‬
‫وتطبيقا‪.‬‬
‫وخالصة القول‪ ،‬تتمثل العوائق اإلبستمولوجية في مشكل المالحظة‪،‬‬
‫ومشكل بناء الفرضيات‪ ،‬ومشكل طرح التساؤالت واإلشكاالت الرئيسة‪،‬‬
‫ومشكل التجريب وتكراره‪ ،‬ومشكل المعرفة العامية‪ ،‬ومشكل الذاتية‬
‫والموضوعية‪ ،‬ومشكل إصدار القوانين العلمية‪ ،‬ومشكل التعميم‪ ،‬ومشكل‬
‫البرهنة واالستدالل‪ ،‬ومشكل تغير النظريات والبراديغمات من عالم إلى‬

‫‪310‬‬
‫آخر كتجاوز إنشتاين صاحب الفيزياء النسبية ألفكار ونظريات نيوتن‬
‫صاحب الفيزياء الكالسيكية المطلقة‪.‬‬

‫المبحث التاسع‪ :‬العوائق اإلدارية والقانونية‬


‫يمكن الحديث عن مجموعة من العوائق اإلدراية والمؤسساتية والقانونية‬
‫التي التتالءم مع ميول المتعلمين ورغباتهم واتجاهاتهم واستجاباتهم‪،‬‬
‫كتعقيد المساطر اإلدارية التي التكون في صالح بعض المتعلمين‪،‬‬
‫وبيروقراطية اإلدارة في التعامل مع مصالحهم‪ ،‬وعدم االستجابة‬
‫لحاجياتهم النفسية والوجدانية والذهنية والعقلية والحسية الحركية‪ ،‬وسوء‬
‫تعامل اإلدارة التربوية مع المتعلمين مقارنة بتعاملها مع المدرسين‬
‫والمؤطرين وجمعيات المجتمع المدني‪.‬‬
‫ويعنااي هااذا أن الم سسااة أو اإلدارة التربويااة قااد أضااحت ثكنااة عسااكرية‬
‫قوامهااا االنضااباط والصاارامة وكثاارة التأديااب‪ ،‬وصااارت فضاااء للخااوف‬
‫والعقاب والعنف واإلرهااب‪ .‬وقاد تحولات أيضاا إلاى فضااء للصاراعات‬
‫االجتماعية والطبقية واإليديولوجية بدل أن تكون فضاء للتعاي والتسامة‬
‫والمحبة والصداقة‪ .‬فضال عن فضاء للتعلم والتكوين وطلب العلم‪.‬‬
‫لااذا‪ ،‬ينبغااي علااى اإلدارة أن تعتااد بالعالقااات التااي يخلقهااا المااتعلم مااع ذاتااه‬
‫وااخاارين والمجتمااع‪ ،‬وتحتاارم رجباتااه الشااعورية والالشااعوية‪ ،‬وتااتفهم‬
‫ميولااه وحاجياتاااه واتجاهاتاااه النفسااية والعاطفياااة‪ ،‬وتضااامن لااه نوعاااا مااان‬
‫الحماية على جميع األصعدة والمستويات‪.‬‬
‫وكااذلك‪ ،‬ينبغااي أن تبتعااد اإلدارة المدرسااية عاان األساالوب الساالطوي فااي‬
‫التعامااال ماااع المتعلماااين داخااال فصاااول الدراساااة‪ ،‬واساااتبداله بالخطااااب‬
‫التحاااوري التشاااركي والتفاوضااي‪ ،‬مااع دم ا المااتعلم فااي فاارق وجماعااات‬
‫العمل لدفعه إلى تحمل المس ولية وااللتزام بها‪.‬‬

‫‪311‬‬
‫وليس من الضروري أن تكون اإلدارة في تعاملها مع المتعلم إدارة‬
‫للصرا‪ ،‬والتطاحن االجتماعي‪ ،‬بل يمكن أن تكون إدارة ديمقراطية‪،‬‬
‫وفضاء للحرية واإلبدا‪ ،‬واالبتكار‪ ،‬ومكانا إلذابة الفوارق االجتماعية‪،‬‬
‫وتعاي الطبقات‪ ،‬وتوحيد الر والتطلعات بين المتعلمين ‪ .‬ومن ثم‪،‬‬
‫على الم سسة أو اإلدارة التربوية أن تذيب كل الخالفات الموجودة بين‬
‫المتعلمين على المستو االقتصادي واالجتماعي والثقافي واللغوي‪،‬‬
‫وتحرير المتعلمين المنحدرين من الفئة الدنيا من عقدهم الطبقية الشعورية‬
‫المشاريع‬ ‫والالشعورية‪ ،‬وتخليصهم من مركب النقه‪ ،‬بتنفيذ‬
‫الم سساتية‪ ،‬وتقديم األنشطة إلمتا‪ ،‬التالميذ وتسليتهم وترفيههم‪ ،‬وتكوينهم‬
‫تكوينا ذاتيا يمحي كل الفوارق التي يمكن أن توجد بين المتمدرسين داخل‬
‫المدرسة الواحدة‪.‬‬
‫ومن أهم الو ائف األساسية والبارزة ل دارة إيجاد حالة من التوازن‬
‫بين عناصر البيئة االجتماعية‪ ،‬وذلك بأن تمنة لكل فرد الفرصة لتحريره‬
‫من قيود طبقته االجتماعية التي ولد فيها‪ ،‬وأن يكون أكثر اتصاال وتفاعال‬
‫‪309‬‬
‫مع بيئته االجتماعية والمذاهب الدينية‪. .‬‬
‫و البد أن تسهم اإلدارة في خلق عالقات إيجابية مثمرة بين التالميذ فيما‬
‫بينهم من جهة‪ ،‬وبين المتعلمين وأطر التربية واإلدارة من جهة أخر ‪،‬‬
‫تكون مبنية على التعاون واألخوة والتسامة والتواصل والتآلف‬
‫والمشاركة الوجدانية والتكامل اإلدراكي‪ ،‬ونبذ كل عالقة قائمة على‬
‫الصرا‪ ، ،‬والعدوان‪ ،‬والكراهية‪ ،‬واإلقصاء‪ ،‬والتهمي ‪ ،‬والتنافر‪،‬‬
‫والكراهية‪ ،‬والتغريب‪ ،‬والجمود‪ ،‬والتطرف‪ ،‬واإلرهاب‪.‬‬
‫والبد ل دارة من االحتكام إلى منطق المساواة‪ ،‬وتوفير العدالة والعمل‬
‫على تحقيق تكاف الفره‪ ،‬ودمقرطة التعليم من أجل تكوين مواطن‬

‫‪ - 309‬أمحمددد عليلددوش‪ :‬التربيككة والتعلككيم مككن أجككل التنميككة‪ ،‬مطبعددة النجدداح الجديدددة‪ ،‬الدددار‬
‫البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2007‬م‪ ،‬ص‪.123:‬‬
‫‪312‬‬
‫صالة ينفع وطنه وأمته‪ ،‬ويحاف على ثوابت المجتمع‪ ،‬ويعمل جاهدا من‬
‫أجل تحديث البلد ‪ ،‬وتغييره إيجابيا‪ ،‬والرفع من مستواه التنموي‪ ،‬والسير‬
‫به نحو آفاق رحبة من االزدهار والرفاهية‪.‬‬

‫وخالصة الئول‪ ،‬يعاني المتعلم من مجموعة من العوائق والصعوبات التي‬


‫تا ثر فااي تعلمااه إيجابااا أو ساالبا‪ ،‬منهااا العوائااق البيداجوجيااة والديدكتيكيااة‪،‬‬
‫والعوائااااق النفسااااية‪ ،‬والعوائااااق االجتماعيااااة واإليديولوجيااااة‪ ،‬والعوائااااق‬
‫اإلبستمولوجية‪ ،‬والعوائق اللسانية‪ ،‬والعوائق القانونية واإلدارية‪.‬‬
‫وتعود هذه العوائق والصعوبات إلى أسباب وعوامل ذاتية وموضاوعية ‪،‬‬
‫وراثيااة أو مكتساابة‪ ،‬ثابتااة أو طارئااة‪ .‬واليمكاان الحااد منهااا إال باتبااا‪ ،‬ساابل‬
‫العااال النفسااي واالجتماااعي والتربااوي والدياادكتيكي المالئاام والمناساااب‬
‫للماااتعلم‪ ،‬وفاااق مجموعاااة مااان المااادارس الن رياااة والتطبيقياااة التاااي تكاااون‬
‫مختصااة فااي نااو‪ ،‬ماان العااال الماارتبط بهعاقااة أو صااعوبة مااا‪ ،‬واتبااا‪،‬‬
‫الطرائاااق الديدكتيكياااة الفعالاااة والنشااايطة والهادفاااة مااان أجااال الحاااد مااان‬
‫الصعوبات والعوائق المختلفة التي يعاني منها المتعلم على جميع األصعدة‬
‫والمستويات‪.‬‬

‫‪313‬‬
‫الفصل الخامس‪:‬‬
‫التدريس باألهداف‬

‫‪314‬‬
‫عرف قطاع التربية والتعليم في المغرب‪ ،‬وبالضبط في سنوات الثمانين‬
‫من القرن العشرين‪ ،‬مقاربة تربوية جديدة تسمى بنظرية األهداف‪.‬‬
‫والغرض من هذه النظرية أو هذه المقاربة هو عقلنة العملية الديدكتيكية‬
‫تخطيطا وتدبيرا وتسييرا وتقويما‪ ،‬مع أجرأة الفلسفة التربوية التعليمية‬
‫الفضفاضة في شكل أهداف عامة وخاصة‪ .‬والغرض من ذلك كله هو‬
‫تقويم المنظومة التربوية بصفة عامة‪ ،‬والبحث عن مواطن الضعف والقوة‬
‫بصفة خاصة‪.‬فضال عن تحفيز المدرسين وتشجيعهم على تقديم الدروس‬
‫بطريقة علمية هادفة وواعية ومركزة ومخططة‪ ،‬في ضوء تسطير‬
‫مجموعة من األهداف اإلجرائية السلوكية الخاصة‪ ،‬مع انتقاء المعايير‬
‫الكفيلة بالتقويم والمالحظة والرصد والقياس واالختبار‪ .‬ومن ثم‪ ،‬العمل‬
‫على تقويم مدى تحقق النتيجة أو الهدف في آخر الحصة الدراسية؛ ألن‬
‫ذلك هو الذي يحكم على الدرس بالنجاح أو اإلخفاق‪ .‬فإذا تحقق الهدف‬
‫المسطر في بداية الدرس‪ ،‬فقد تحقق نجاح العملية الديدكتيكية‪ .‬وإذا لم‬
‫يتحقق ذلك‪ ،‬فقد أخفق المدرس في عمليته التعليمية‪ -‬التعلمية‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فما‬
‫عليه سوى أن يعيد الدرس من جديد‪ ،‬بتمثل التغذية الراجعة منهجا وقائيا‪،‬‬
‫ومعيارا تشخيصيا‪ ،‬ومؤشرا تقويميا لسد النواقص الكائنة‪ ،‬ودرء الشوائب‬
‫غير المتوقعة‪ ،‬والحد من أسباب التعثر الدراسي‪ ،‬بتصحيح كل األخطاء‬
‫التي ارتكبها في أثناء تقديم مقاطع الدرس في مختلف مراحلها الثالث‪:‬‬
‫االستكشافية‪ ،‬والتكوينية‪ ،‬والنهائية‪.‬‬
‫وقد أخذت المؤسسات التربوية المغربية بهذه المقاربة التربوية الجديدة مع‬
‫بداية الثمانينيات من القرن الماضي‪ .‬بيد أنها سرعان ما تخلت عنها بدون‬
‫روية أو تفكير أو عمق‪ ،‬لتجد نفسها أمام مقاربات تربوية مرتجلة أخرى‪،‬‬
‫مثل‪ :‬تطبيق دليل الحياة المدرسية‪ ،‬واألخذ بفلسفة الشراكة والمشروع‪،‬‬
‫وتمثل تربية الجودة‪ ،‬واألخذ ببداغوجيا الكفايات واإلدماج‪ ،‬واالستفادة من‬
‫مدرسة النجاح‪ ،‬أو االستهداء بالميثاق الوطني للتربية والتكوين‪ ...‬بمعنى‬
‫أن المغرب قد أصبح حقال للتجارب التربوية الغربية بامتياز‪،‬حيث عرف‬
‫‪315‬‬
‫تقلبات بيداغوجية عدة‪ ،‬وتعرض كذلك الهتزازات تربوية مجتمعية مرات‬
‫ومرات بسبب تذبذب وزارة التربية الوطنية سياسة وتدبيرا وتخطيطا‪،‬‬
‫وعجزها عن اختيار إستراتيجية تربوية واضحة ودقيقة وناجعة‪ .‬ربما‬
‫يكون هذا التقلب راجعا إلى عوامل ذاتية ومزاجية‪ ،‬أو نتيجة لعوامل‬
‫سياسية ومجتمعية داخلية‪ ،‬أو يكون ذلك نتاجا لعوامل خارجية تتمثل في‬
‫ضغوطات المؤسسات الدولية‪ ،‬والسيما المؤسسات المالية والبنكية التي‬
‫تفرض على المغرب شروطا معينة في تدبير قطاع التربية والتعليم مقابل‬
‫االستفادة من المنح والقروض واالمتيازات‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهــوم بيداغوجيــا األهــداف‬


‫إذا كانت المقاربة بالكفايات تعنى بتحديد الكفايات والقدرات األساسية‬
‫والنوعية لدى المتعلم في أثناء مواجهته لمختلف الوضعيات‪ -‬المشكالت‬
‫في سياق ما‪ ،‬فإن التدريس باألهداف هي مقاربة تربوية تشتغل على‬
‫المحتويات والمضامين في ضوء مجموعة من األهداف التعليمية‪ -‬التعلمية‬
‫ذات الطبيعة السلوكية‪ ،‬سواء أكانت هذه األهداف عامة أم خاصة‪ ،‬ويتم‬
‫ذلك التعامل أيضا في عالقة مترابطة مع الغايات والمرامي البعيدة للدولة‬
‫وقطاع التربية والتعليم‪ .‬وبتعبير آخر‪ ،‬تهتم بيداغوجيا األهداف بالدرس‬
‫الهادف تخطيطا وتدبيرا وتقويما ومعالجة‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أنــــواع األهـــداف‬


‫من المعروف أن الهدف مصطلح عسكري يعني الدقة والتحديد والتركيز‬
‫في اإلصابة‪ .‬ويعني اصطالحا وضع خطة أو إستراتيجية معينة على‬
‫أساس التخطيط والتدبير والتسيير بغية الوصول إلى نتيجة معينة‪ .‬ومن ثم‪،‬‬
‫يخضعالهدف للتقويم والرصد والقياس واالختبار والتغذية الراجعة‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فثمة مجموعة من األهداف‪ ،‬مثل‪ :‬الغايات‪ ،‬واألغراض‪ ،‬واألهداف‬
‫العامة‪ ،‬واألهداف الخاصة‪ ،‬ويمكن توضيحها على النحو التالي‪:‬‬
‫‪316‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الغــايات‬
‫هي مجموعة من األهداف العامة‪،‬أو هي التوجهات والمرامي واألغراض‬
‫البعيدة التي تريدها الدولة من التربية‪ .‬بتعبير آخر‪ ،‬الغايات هي فلسفة‬
‫الدولة في مجال التربية والتعليم‪ ،‬وتتجسد في المنهاج والبرامج الدراسية‬
‫والمقررات التعليمية ومحتويات الدروس‪ ،‬مثل‪ :‬عبارة " أن يكون مواطنا‬
‫صالحا"‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فالغايات هي مرام فلسفية وطموحات مستقبلية بعيدة‪،‬‬
‫تتسم بالغموض والتجريد والعمومية‪ .‬ويعرفها محمد الدريج بقوله‪ ":‬إن‬
‫الغايات هي غايات ألهداف تعبر عن فلسفة المجتمع‪ ،‬وتعكس تصوراته‬
‫للوجود والحياة ‪ ،‬أو تعكس النسق القيمي السائد لدى جماعة معينة وثقافية‬
‫معينة‪ ،‬مثل قولنا‪ ":‬على التربية أن تنمي لدى األفراد الروح الديمقراطية"‬
‫أو "على المدرسة أن تكون مواطنين مسؤولين" أو " على المدرسة أن‬
‫تمحو الفوارق االجتماعية‪..."...‬إلخ‪ .‬فهذه أهداف عامة تتموضع على‬
‫المستوى السياسي والفلسفي العام ‪ ،‬وتسعى إلى تطبيع الناشئة بما تراه‬
‫مناسبا للحفاظ على قيم المجتمع ومقوماته الثقافية والحضارية‪"310.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬فالغايات هي أهداف تربوية كبرى تختلط بالسياسة العامة للدولة‪.‬‬
‫وغالبا‪ ،‬ما تكون أهدافا عامة ومجردة وفضفاضة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬األهداف العامة أو األغراض‬
‫يقصد باألغراض‪ ،‬أو األهداف العامة‪ ،‬توجهات التربية والتعليم‪.‬أي‪ :‬تتعلق‬
‫بأهداف قطاع التربية والتعليم في مجال التكوين والتأطير والتدريس‪ .‬ومن‬
‫ثم‪ ،‬فللتعليم االبتدائي أهدافه العامة‪ ،‬وللتعليم اإلعدادي والثانوي أهدافه‬
‫العامة‪ ،‬وللتعليم الجامعي أهدافه العامة‪ ،‬وللتكوين المهني كذلك أهدافه‬
‫ومراميه وأغراضه‪ .‬ويعني هذا أن األغراض أقل عمومية من الغايات‪،‬‬

‫‪ -310‬محمد الدريج‪ :‬تحليل العملية التعليمية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪،‬‬
‫الطبعة األولى سنة ‪1983‬م‪ ،‬ص‪.36:‬‬
‫‪317‬‬
‫وترتبط بفلسفة قطاع التربية والتعليم‪ .‬في حين‪ ،‬ترتبط الغايات بسياسية‬
‫الدولة العامة‪ ،‬كأن نقول ‪ -‬مثال‪ -‬يهدف التعليم المهني إلى تكوين مهنيين‬
‫محترفين في مجال التكنولوجيا والصناعة‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬األهداف الوسطى‬
‫تتموقع األهداف الوسطى بين األهداف العامة واألهداف الخاصة‪ .‬بمعنى‬
‫أنها أقل عمومية وتجريدا من األهداف العامة‪ ،‬وأقل إجرائية وتطبيقا من‬
‫األهداف الخاصة‪ .‬وبالتالي‪،‬فالصنافات المعرفية واالنفعالية والحسية‬
‫الحركية عبارة عن مراق ألهداف متدرجة في العمومية‪ ،‬بيد أنها تقترب‬
‫من الخصوصية‪ ،‬مثل‪ :‬أن يعرف التلميذ أخوات كان‪ ،‬و يستظهر القصيدة‬
‫الشعرية‪ ،‬و يتذوق الشعر‪ ،‬ويقفز بالزانة‪...‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬األهداف الخاصة‬
‫يقصد باألهداف الخاصة األهداف السلوكية أو األهداف اإلجرائية‪ .‬ونعني‬
‫باألهداف اإلجرائية تلك األهداف التعليمية القابلة للمالحظة والقياس‬
‫والتقييم‪ .‬وغالبا‪ ،‬ما تصاي في شكل أفعال مضارعة محددة بدقة‪ .‬ويعني‬
‫هذا أن الهدف اإلجرائي هو إنجاز فعلي خاضع للقياس والمالحظة‬
‫الموضوعية‪ ،‬وقد يكون هدفا معرفيا‪ ،‬أو هدفا وجدانيا ‪ ،‬أو هدفا حسيا‬
‫حركيا‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬نقيس سلوك المتعلم‪ ،‬ال سلوك المدرس‪ ،‬بأفعال‬
‫مضارعة محددة بدقة قياسية‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬يقول محمد الدريج‪ ":‬يمكن‬
‫أن نالحظ بأن صياغة األهداف الخاصة تكون دائما صياغة واضحة ‪،‬‬
‫وتكون لكلماتها معاني واحدة غير قابلة للتأويل‪ .‬إن صياغة الهدف الخاص‬
‫يجب أن تتجنب العبارات الضبابية التي توحي بعدد كبير من التأويالت‬
‫التي قد يفرضها تباين األشخاص‪ ،‬واختالف المواقف؛ مما قد يؤدي إلى‬
‫تعطل التواصل بين المدرس والتالميذ وبينه وبين زمالئه في الفصل‪.‬‬

‫‪318‬‬
‫ثم إن ما يميز األهداف الخاصة هو كونها تصف سلوكا قابال‬
‫‪311‬‬
‫للمالحظة‪...‬ثم إن األهداف الخاصة تحدد شروط ظهور السلوك‪"...‬‬
‫وعليه‪ ،‬فاألهداف الخاصة أو اإلجرائية هي أهداف سلوكية تعليمية‬
‫معرفية‪ ،‬وانفعالية‪ ،‬وحسية حركية‪ ،‬تقيس إنجازات المتعلم بعبارات‬
‫واضحة ودقيقة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تكون قابلة للمالحظة والقياس والتقييم‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬السيـــاق التاريخـــي لبيداغوجيا األهداف‬


‫تبلورت نظرية األهداف في الواليات المتحدة األمريكية في سنة ‪1948‬م‬
‫لمناقشة أسباب الفشل الدراسي في المؤسسات التعليمية‪ ،‬وقد انعقد‬
‫االجتماع في بوسطن بمناسبة تنظيم مؤتمر الجمعية األمريكية‬
‫للسيكولوجيا‪ ،‬وقد ترتب عليه قرار باإلجماع لتوصيف السلوك التربوي‪،‬‬
‫وتحديد استجابات المتعلمين في ضوء سلوك إجرائي محدد بدقة لقياسه‬
‫إجرائيا‪ .‬بمعنى أن المؤتمرين قد وصلوا إلى أن ترقية التعليم وتطويره‪،‬‬
‫والحد من ظاهرة اإلخفاق‪ ،‬سببه غياب األهداف اإلجرائية‪.‬أي‪ :‬إن المدرس‬
‫ال يسطر األهداف التي يريد تحقيقها في الحصة الدراسية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬آن‬
‫األوان للتفكير في صنافات األهداف المعرفية والوجدانية والحسية الحركية‬
‫لوصف مختلف استجابات المتعلم ‪ ،‬بصياغتها في عبارات سلوكية محددة‬
‫ودقيقة‪ ،‬وتصنيفها في مراق متراكبة‪ ،‬تتدرج من السهولة إلى الصعوبة‬
‫والتعقيد‪ .‬ومن ثم‪ ،‬خرج المؤتمر السيكولوجي بنظرية تربوية جديدة‪،‬‬
‫تسمى بنظرية األهداف أو الدرس الهادف الذي يقوم على تحديد مجموعة‬
‫من األهداف السلوكية المرصودة والمالحظة‪ ،‬سواء أكانت أهدافا عامة أم‬
‫خاصة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فقد ارتبطت نظرية األهداف بجماعة شيكاغو‪ ،‬وقد كان‬
‫رالف تيلر( ‪ )Ralph Tyler‬سباقا إلى تحديد مجموعة من األهداف‬
‫باعتبارها مداخل أساسية لتطوير التعليم ‪ ،‬والرفع من مستواه ‪ .‬بمعنى أن‬
‫رالف تايلر كان سباقا منذ سنة ‪1935‬م إلى عقلنة العملية اإلنتاجية انطالقا‬
‫‪ -311‬محمد الدريج‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.38:‬‬
‫‪319‬‬
‫من تحديد مجموعة من األهداف ‪ .‬وفي هذا اإلطار‪ ،‬يقول محمد الدريج‪":‬‬
‫والحقيقة أن الفضل يعود في الدرجة األولى إلى رالف تايلر( ‪Ralph‬‬
‫‪ ، )Tyler‬إذ كان من أبرز الداعين إلى تعيين األهداف التي يجب أن‬
‫يرمي إليها التعليم‪ ،‬وخاصة في كتيب له تحت عنوان (أساسيات‬
‫المناهج)‪ ،‬والذي نقله إلى العربية أحمد خيري كاظم وجابر عبد الحميد‬
‫جابر منذ سنة ‪1962‬م‪.‬‬
‫وقد انطلق تايلر من أن التحقق من صحة أساليب التعليم وأساليب‬
‫االمتحان‪ ،‬ال يتم بالرجوع إلى نصوص الكتب المدرسية والمناهج‬
‫المقررة‪ ،‬إنما بالرجوع إلى األهداف التي وراء هذه النصوص والمناهج‪،‬‬
‫ألن النصوص والمناهج في نظره‪ ،‬يمكن أن تدرس بطرق متعددة‪،‬‬
‫ولتحقيق غايات كثيرة‪ ،‬فهي التصلح إذن أن تكون المرجع للتحقق من‬
‫صحة التعليم وسالمته أو صدق االمتحانات‪ ،‬ولذلك فمن الضروري أن‬
‫يكون ضبط األهداف سابقا للنشاط التعليمي‪.‬‬
‫وقد وجدت نظرية تايلر صدى كبيرا في األوساط التربوية والتعليمية‪،‬‬
‫وستظهر مصنفات كثيرة في االتجاه نفسه‪ ،‬ومتأثرة بآرائه‪ .‬ومن أهمها‬
‫المصنف الذي سبقت اإلشارة إليه‪ ،‬والذي نشرته لجنة القياس‬
‫واالمتحانات(مجموعة شيكاغو)‪ -‬وجل أعضائها من تالميذ تايلر‪ -‬والتي‬
‫‪312‬‬
‫شددت على األهداف التعليمية كأساس لتنظيم التربية‪".‬‬
‫وقد نتج عن هذا المؤتمر ‪ -‬الذي سلف ذكره ‪ -‬مجموعة من الصنافات‬
‫تعنى بتنميط األهداف اإلجرائية في مراق متدرجة‪ ،‬مثل‪ :‬مصنف بلوم‬
‫الذي عنوانه(تصنيف األهداف التربوية‪ ،‬المجال العقلي المعرفي) ونشر‬
‫سنة ‪1956‬م‪ ،‬بإشراف بنيامين بلوم (‪ ، )B.Bloom‬وأعقبه الجزء الثاني‬
‫بعنوان (تصنيف األهداف التربوية‪ ،‬المجال االنفعالي العاطفي) بإشراف‬
‫كراثهول (‪.)D.Krathwohl‬‬
‫‪ -312‬محمد الدريج‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.33:‬‬
‫‪320‬‬
‫وقد انتشرت نظرية األهداف في أمريكا وأوروبا منذ الستينيات من القرن‬
‫الماضي‪ ،‬وأصبحت موضة تربوية معاصرة أكثر انتشارا في سنوات‬
‫السبعين‪ .‬وقد أخذ المغرب بهذه المقاربة الجديدة منذ سنوات الثمانين من‬
‫القرن الماضي‪ ،‬بعد أن أرسلت بعثة من أساتذة كلية علوم التربية بالرباط‬
‫إلى بلجيكا للتكوين والتدريب على نظرية األهداف التربوية‪ ،‬بما فيها‪:‬‬
‫‪313‬‬
‫الدكتور محمد الدريج صاحب كتاب(التدريس الهادف)‬
‫وعليه‪ ،‬ترتبط نظرية األهداف التربوية بالنظرية السلوكية القائمة على‬
‫ثنائية المثير واالستجابة؛ ألن بيداغوجيا األهداف تسعى إلى قياس السلوك‬
‫التعليمي الخارجي‪ ،‬ورصده مالحظة وقياسا وتقويما‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬شــروط صياغــة الهـــدف‬


‫تستوجب صياغة الهدف التعليمي الذي يرتبط بسلوك المتعلم اإلنجازي ‪-‬‬
‫حسب ماجر (‪ – )Mager‬شروطا أساسية ثالثة ‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ ‬أن تتضمن صياغة الهدف النتائج التي سيحصل عليها التلميذ‪ .‬بمعنى‬
‫أن يحدد المدرس سلوك المتعلم بدقة ووضوح‪.‬‬
‫‪ ‬أن تتضمن الصياغة توصيفا للظروف السياقية للسلوك المنجز من قبل‬
‫المتعلم‪.‬‬
‫‪ ‬أن تشتمل صياغة الهدف على تحديد دقيق للمستوى األدنى للنجاح‬
‫الذي يحيلنا على تحقق قدر معين من الهدف‪.314‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يذهل گانيي(‪ )Gangné‬إلى أن الهدف اإلجرائي‬
‫الخاص يتميز بمجموعة من السمات التالية‪ ،‬مثل‪:‬‬

‫‪ -313‬محمد الدريج‪ :‬التدريس الهادف‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪،‬‬
‫الطبعة األولى سنة ‪1990‬م‪.‬‬
‫‪314‬‬
‫‪- A regarder Mager,Robert: Comment definer des objectifs‬‬
‫‪pédagogiques,Traduction G.Décote.Gauthier-Villars, Paris, 1981.‬‬
‫‪321‬‬
‫‪ ‬إن الهدف الغامض يسبب الغموض وتعدد االحتماالت والتأويالت‪.‬‬
‫بمعنى أن يكون الهدف واضحا بدقة ومحددا بالشكل الكافي‪.‬‬
‫‪ ‬أن يكون الهدف صادقا ‪ .‬بمعنى أن يفهمه اثنان بالمعنى نفسه‪ ،‬ويتفقان‬
‫حوله‪.‬‬
‫‪ ‬أن يكون قابال للتحقق واإلنجاز‪ ،‬فال يمكن تقويم هدف مرتبط بسلوك‬
‫مستحيل‪ ،‬أو صعب تحقيقه‪.‬‬
‫‪ ‬أن تكون األهداف متدرجة ومتنوعة على مستوى المراقي‪ .‬بمعنى أن‬
‫تكون األهداف متدرجة في السهولة والصعوبة‪ ،‬فنبدأ بالبسيط‪ ،‬لنتدرج‬
‫حتى المركب والمعقد‪.‬‬
‫‪ ‬أن تكون األهداف المرجوة تعبيرا صادقا عن فلسفة التربية المعتمدة‪.‬‬
‫بمعنى أن تكون جزءا ال يتجزأ من فلسفة الدولة وغاياته البعيدة المحصلة‬
‫من فعل التربية والتعليم‪.315‬‬

‫المبحث الخامس‪ :‬تصنيف األهــــداف التربوية‬


‫يمكن الحديث عن أنواع ثالثة من األهداف‪ ،‬وهي‪ :‬األهداف المعرفية‪،‬‬
‫واألهداف الوجدانية‪ ،‬واألهداف الحسية الحركية‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬صنافة األهداف المعرفية‬
‫الهدف المعرفي هو الذي يهدف إلى نقل المعلومات واستقبالها‪ ،‬ويركز‬
‫على الجوانب المعرفية ومراقيها‪ .‬أو بتعبير آخر‪ ،‬إنه يركز على‬
‫اإلنتاجيةوالمردودية‪ .‬ويهدف هذا الهدف إلى نقل الخبرات والتجارب إلى‬
‫المتلقي‪،‬وتعليمه طرائقالتركيب والتطبيق والفهم والتحليل والتقويم‪.‬‬
‫إنهيهدف إلى تزويد المتلقيبالمعرفة والمعلومات الهادفة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يقوم‬
‫هذاالهدف على تبادل اآلراء‪ ،‬ونقاللمعارف وتجارب السلف إلى الخلف‪.‬‬
‫‪ -315‬نقال عن محمد الدريج‪ :‬تحليل العملية التعليمية‪ ،‬ص‪.45:‬‬
‫‪322‬‬
‫وثمةصنافات بيداغوجية في مجال التواصل المعرفيكصنافة‬
‫بلوم(‪)Bloom‬التي تم االنتهاء منها سنة ‪1956‬م‪ .‬وتتضمن ستة مراق‬
‫هي‪ :‬المعرفة‪ ،‬والفهم‪ ،‬والتطبيق‪ ،‬والتحليل‪ ،‬والتركيب‪ ،‬والتقييم‪ .‬وتتميز‬
‫هذه المراقي الستة بالتدرج والترابط والتكامل الوظيفي‪ .‬ويعني هذا أن هذه‬
‫المراقي تتجرد من البسيط نحو المعقد‪ ،‬وتترابط على مستوى العمليات‬
‫الذهنية من أبسط فعل ذهني هو المعرفة إلى أعقد عملية تتمثل في التقييم‬
‫والنقد والمناقشة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬صنافة األهداف الوجدانية‬
‫يقصدبالهدف الوجداني في مجال البيداغوجيا اكتساب الميول واالتجاهات‬
‫والقيم‪ ،‬وتقدير جهود اآلخرين‪ ،‬من خالل تفاعل المتعلم مع المادة‬
‫المدروسة‪ ،‬واكتسابهللخبراتبأنواعها المباشرة وغير المباشرة‪ .‬ولقد‬
‫خصص للمجال الوجدانيصنافات بيداغوجية‪ ،‬ومنبين المهتمين بهذا المجال‬
‫( كراتهول‪)Krathwol/‬الذي خصصهابصنافة سنة ‪1964‬م ‪ ،‬تتكون من‬
‫خمسة مستويات ذات صلة وثيقة بالمواقف والقيمواالهتماماتواالنفعاالت‬
‫واألحاسيس والتوافق والمعتقدات واالتجاهات‪ :‬فكريةكانت أو خلقية‪.‬‬
‫وهذهالمستويات هي ‪ :‬التقبل‪ ،‬واالستجابة‪ ،‬والحكم القيمي‪ ،‬والتنظيم‪،‬‬
‫والتمييز بواسطة قيمة أو بواسطة منظومة من القيم‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬صنافة األهداف الحسية الحركية‬
‫يمكن الحديث عن الهدف الحسي الحركي الذي يتناول ماهو‬
‫غيرمعرفيووجداني‪ .‬ويظهر هذا التواصل في إطار السبرينطيقا واآللية‬
‫والمسرح الميميوالرياضة الحركية‪...‬‬
‫ويتضمنهذا الهدف في المجال التربوي مجموعةمتسلسلة من األهداف‬
‫المتدرجة التي تعمل علىتنمية المهارات الحركية والجسدية والتواصلية‪،‬‬
‫واستعمال العضالت والحركاتالجسمية‪ ..‬ومن أهمصنافات هذا التواصل‬
‫‪323‬‬
‫الحركي صنافة هارو( ‪ ) Harrow‬التي وضعها صاحبها سنة ‪1972‬م‪.‬‬
‫وتتكون هذه الصنافة من ستة مراق أساسية‪ ،‬وهي‪ :‬الحركات االرتكاسية‪،‬‬
‫والحركات الطبيعية األساسية‪ ،‬واالستعدادات اإلدراكية‪ ،‬والصفات البدنية‪،‬‬
‫والمهارات الحركية لليد‪ ،‬والتواصل غير اللفظي‪.‬‬

‫المبحث السادس‪ :‬تخطيـــط الــدرس الهـــادف‬


‫يخضع التدريس أو الدرس الهادف لمجموعة من المحطات اإلجرائية التي‬
‫تتمثل في تحديد المداخل األولية ‪ ،‬بتسطير مجموعة من األهداف العامة‬
‫والخاصة المتعلقة بدرس معين‪ ،‬حيث نبدأ بتحديد الهدف العام‪ ،‬ثم نتبعه‬
‫باألهداف السلوكية اإلجرائية حسب طبيعتها‪ :‬معرفية‪ ،‬ووجدانية ‪ ،‬وحسية‬
‫حركية‪ ،‬كما يظهر ذلك جليا في األمثلة التالية التي تتعلق بدرسنا‬
‫االفتراضي (المبتدأ والخبر)‪.‬‬
‫الهدف العام‪:‬‬
‫أن يستوعب المتعلم درس المبتدإ والخبر‪.‬‬
‫األهداف اإلجرائية‪:‬‬
‫‪ ‬أن يعرف التلميذ الجملة الفعلية في مستهل الدرس‪.‬‬
‫‪ ‬أن يذكر التلميذ قاعدة المبتدإ والخبر أثناء المرحلة التكوينية‪.‬‬
‫‪ ‬أن يحدد التلميذ أنواع الخبر أثناء المرحلة التكوينية‪.‬‬
‫‪ ‬أن يذكر التلميذ خمس جمل اسمية فيها مبتدأ وخبر في آخر الحصة‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يحدد المدرس‪ ،‬بمعية المتعلم‪ ،‬األهداف األولية المرتبطة بالمقطع‬
‫التعليمي التمهيدي الذي يرتبط باألنشطة المكتسبة وبعملية المراجعة‬
‫واالستكشاف‪ .‬ثم يحدد األهداف الوسيطة في أثناء مرحلة المقطع الوسطي‬
‫أو التقويم التكويني‪ .‬لينتهي الدرس باألهداف النهائية مع اختتام الدرس‪.‬‬

‫‪324‬‬
‫ويعني هذا أن الدرس عبارة عن مجموعة من المحطات واألنشطة‬
‫الديدكتيكية ‪ ،‬سواء أتعلقت بأنشطة المدرس أم بأنشطة المتعلمالتي تتالءم‬
‫مع أنواع ثالثة من األهداف‪ :‬أهداف أولية‪ ،‬وأهداف وسيطة‪ ،‬وأهداف‬
‫نهائية‪.316‬‬

‫المبحث السابع‪ :‬مزايا الــدرس الهادف وعيوبـــه‬


‫من المعلوم أن للدرس الهادف مجموعة من النقط اإليجابية والمزايا‬
‫الحميدة‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬
‫‪‬العقلنة‪ :‬ويعني أن األهداف اإلجرائية تعقلن العملية التعليمية‪ -‬التعلمية‬
‫تخطيطا وتدبيرا وتقويما‪ .‬وبذلك‪ ،‬يتجاوز الدرس الهادف العفوية‬
‫واالرتجال والعشوائية التي كان يتسم بها الدرس التقليدي‪.‬‬
‫‪‬األجرأة‪ :‬تسعى األهداف الخاصة إلى تحويل األهداف العامة إلى أهداف‬
‫سلوكية إجرائية قابلة للمالحظة والقياس والتقويم ‪ ،‬وتفتيت المحتويات إلى‬
‫أهداف صغرى وأكثر تجزيئا‪.‬‬
‫‪‬البرمجة‪ :‬ويقصد بها خضوع العملية التعليمية لخطة مبرمجة لها‬
‫مداخل وعمليات ومخارج‪ .‬بمعنى أن تحقيق الهدف يمر عبر عمليات‬
‫وسطى إلى أن تتحقق النتيجة النهائية عبر مؤشرات التقويم والقياس‪.‬‬
‫وبتعبير آخر‪ ،‬تعني البرمجة تنظيم مختلف العمليات الديدكتيكية من أجل‬
‫الوصول إلى هدف معين‪ ،‬عبر خطة مفصلة دقيقة وموضوعية ومقننة‪.‬‬
‫ويرى محمد الدريج‪ ،‬في كتابه (تحليل العملية التعليمية)‪ ،‬أن لألهداف‬
‫اإلجرائية فوائد كثيرة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ ‬إن الهدف اإلجرائي هدف واضح وشفاف ال يخفي شيئا‪.‬‬

‫‪ -316‬انظر مادي لحسن‪ :‬األهداف والتقييم في التربية‪ ،‬شركة بابل للطباعة والنشر‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪1990‬م‪ ،‬ص‪.158-155:‬‬
‫‪325‬‬
‫‪ ‬تشدد النظريات التربوية المعاصرة على ضرورة تحديد األهداف‬
‫المتعلقة بالتعليم المبرمج‪ ،‬أو في تسطير البرامج والمناهج والمقررات‬
‫الدراسية‪.‬‬
‫‪ ‬يساعد وضوح األهداف المدرس في اختيار المحتويات والطرائق‬
‫البيداغوجية والوسائل الديدكتيكية ومعايير التقويم المناسبة‪.‬‬
‫‪ ‬إن تحديد المعايير واألهداف بوضوح ودقة يساهم في تحصيل تقويم‬
‫أفضل لعمل المتعلم‪.‬‬
‫‪ ‬تمكن األهداف المدرس من تقويم درسه عبر توظيف التغذية الراجعة‬
‫أو الفيدباك لسد النواقص‪ ،‬وتشخيص مواطن القوة والضعف‪.‬‬
‫‪ ‬تساهم الصياغة اإلجرائية لألهداف في تجويد العملية الديدكتيكية بصفة‬
‫خاصة‪ ،‬وتطوير المنظومة التربوية بصفة عامة‪.‬‬
‫‪ ‬ضرورة إطالع المتعلمين على األهداف اإلجرائية في بداية كل حصة‬
‫دراسية لكي يركزوا انتباههم على العناصر الضرورية والجوهرية‪،‬‬
‫وتحييد العناصر العرضية أو الثانوية‪.‬‬
‫بيد أن للدرس الهادف عيوبا وسلبيات‪ ،‬يمكن حصرها فيما يلي‪:‬‬
‫‪‬تتسم نظرية األهداف بالنزعة السلوكية والنظرة التقنية على حساب‬
‫النظرة الشمولية‪ .‬كما تخضع لثنائية المثير واالستجابة‪.‬‬
‫‪ ‬تعطي نظرية األهداف أهمية كبرى لتجزيء المحتويات وتفتيتها‬
‫بشكل مبالغ فيه‪.‬‬
‫‪ ‬تعنى نظرية األهداف كثيرا بالمحتوى‪ ،‬وتغض الطرف عن الطرائق‬
‫والمناهج والوسائل الديدكتيكية‪.‬‬

‫‪326‬‬
‫‪ ‬تقسيم الذات اإلنسانية – حسب الصنافات‪ -‬إلى مستويات مستقلة‬
‫هي‪ :‬الجانب المعرفي ‪ ،‬و الجانب الوجداني ‪ ،‬والجانب الحسي الحركي‪.‬‬
‫في حين‪ ،‬إن اإلنسان وحدة نفسية وعضوية مركبة ومترابطة ومتكاملة‪.‬‬
‫‪ ‬إن كثيرا من المدرسين ذوي الخبرة قد نجحوا في دروسهم كل‬
‫النجاح‪ ،‬دون أن يستندوا‪،‬بحال من األحوال‪ ،‬إلى نظرية األهداف‪.‬‬

‫وخالصة القول‪ ،‬تعد بيداغوجيا األهداف نظرية تربوية جديدة قائمة على‬
‫العلم ‪ ،‬والعقالنية‪ ،‬والتخطيط‪ ،‬والقياس‪ ،‬والتكنولوجيا‪ ،‬والتحقق‬
‫الموضوعي‪ .‬وقد انتشرت هذه النظرية في المغرب في سنوات الثمانين‬
‫من القرن العشرين‪ ،‬فقد كانت ‪ -‬فعال‪ -‬بديال للدرس الهربارتي التقليدي‬
‫الذي كان يقوم على مجموعة من المراحل ‪ ،‬مثل‪ :‬المراجعة ‪ ،‬والشرح‪،‬‬
‫وبناء القاعدة‪ ،‬والربط‪ ،‬واالستنتاج‪ ،‬والتطبيق‪ .‬وكان هذا الدرس يقدم في‬
‫غياب أهداف مسطرة‪ ،‬فقد كان المدرس يلقي درسه بطريقة غير واعية‪،‬‬
‫وغير مخططة بدقة؛ مما يوقعه ذلك في صعوبات جمة على مستوى‬
‫التقويم والتصحيح والمعالجة‪.‬‬
‫لذا‪ ،‬جاءت بيداغوجيا األهداف لتنظيم العملية الديدكتيكية وعقلنتها‬
‫وعلمنتها تخطيطا وتدبيرا وتسييرا وتقويما‪ ،‬بل أصبحت هذه النظرية‬
‫معيارا إجرائيا لقياس الحصيلة التعليمية‪ -‬التعلمية لدى المتعلم والمدرس‬
‫معا‪ ،‬ومحكا موضوعيا لتشخيص مواطن قوة المنظومة التربوية على‬
‫مستوى المردودية واإلنتاجية واإلبداعية‪ ،‬وأداة ناجعة لتبيان نقط ضعفها‬
‫وفشلها وإخفاقها‪ .‬وتعد كذلك آلية فعالة في مجال التخطيط والتقويم وبناء‬
‫الدرس الهادف‪.‬‬

‫‪327‬‬
‫الفصل السادس‪:‬‬
‫التدريس بالكفايات‬

‫‪328‬‬
‫التدريس بالكفايات عبارة عن مقاربة تربوية وديدكتيكية جديدة ومعاصرة‪،‬‬
‫تهدف إلى تسليح المتعلم بمجموعة من الكفايات األساسية لمواجهة‬
‫الوضعيات الصعبة والمركبة التي يصادفها المتعلم في واقعه الدراسي‬
‫أوالشخصي أوالموضوعي‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فالكفايات هي بمثابة معارف‬
‫ومهارات ومواقف وكفايات معرفية وتواصلية ومنهجية وثقافية‪،‬‬
‫يستضمرها المتعلم لحل مجموعة من المشاكل أو الوضعيات ‪ -‬المشكالت‬
‫بغية التكيف أو التأقلم مع المحيط‪ ،‬أو االستجابة لمتطلبات سوق الشغل‪ ،‬أو‬
‫قصد التميز الدراسي والكفائي والحرفي والمهني‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فاكتساب‬
‫الكفايات هو السبيل الحقيقي لتحصيل النجاح ‪ .‬وهو أيضا أساس‬
‫االستقاللية الشخصية‪ ،‬ومدخل ضروري إلى تحمل المسؤولية ‪ ،‬واالعتماد‬
‫على الذات في حل جميع المشاكل التي تطرحها الوضعيات أمام المتعلم‬
‫في أثناء مجابهته لواقعه الحي‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تنصب بيداغوجيا الكفايات على‬
‫المعطى الكيفي‪ ،‬وتركز على التعلم السياقي في عالقة جدلية بالكفايات‬
‫المستهدفة‪ ،‬سواء أكانت أساسية أم نوعية‪.‬‬
‫إذاً‪ ،‬ما التدريس بالكفايات؟ وما سياقه المرجعي؟ وما الوضعيات؟ وما‬
‫الفرق بين نظرية الكفايات ونظرية األهداف؟ وما مرتكزات المقاربة‬
‫الكفائية نظرية وتطبيقا؟ وما مزاياها وعيوبها؟ تلكم هي أهم العناصر التي‬
‫سنتوقف عندها في المطالب التالية‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهوم التدريس بالكفايات‬


‫تعرف الكفاية (‪ )compétence‬على أنها عبارة عن قدرات وملكات ذاتية‬
‫أساسية ونوعية‪ ،‬يتسلح بها المتعلم في أثناء مواجهته لوضعية أو مشكلة ما‬
‫في واقعه الشخصي أو الموضوعي‪ .‬وبتعبير آخر‪ ،‬الكفاية هي تلك القدرة‬
‫التي يستدمجها المتعلم حين وجوده أمام وضعيات جديدة معقدة ومركبة‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬فالذكاء الفعلي يتمثل في توظيف الكفايات والقدرات في حل‬
‫المشاكل المستعصية بيداغوجيا وديدكتيكيا وواقعيا‪ .‬ويعني هذا كله أن‬
‫‪329‬‬
‫الكفايات تشمل مجموعة من المعارف والموارد والمهارات والمواقف التي‬
‫يستضمرها المتعلم لمواجهة الوضعيات التي يواجهها في محيطه‪ .‬ويعني‬
‫هذا أن المتعلم يستثمر موارده حين مواجهة المشاكل المعقدة والوضعيات‬
‫الجديدة‪ ،‬باختيار الحلول المناسبة‪ ،‬أو التوليف بين مجموعة من‬
‫االختيارات لحل المشاكل التي يواجهها في حياته الشخصية والعملية‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬تعرف الكفاية عند جيلي (‪ )GILLET‬بأنها " نظام من المعارف‬
‫المفاهيمية (الذهنية) والمهارية ( العملية) التي تنتظم في خطاطات‬
‫إجرائية‪،‬تمكن في إطار فئة من الوضعيات‪ ،‬من التعرف على المهمة –‬
‫اإلشكالية‪ ،‬وحلها بنشاط وفعالية"‪.317‬‬
‫وتعرف الكفاية كذلك على أنها بمثابة " هدف‪ -‬مرمى‪ ،‬متمركزة‬
‫حواللبلورة الذاتية لقدرة التلميذ على الحل الجيد للمشاكل المرتبطة‬
‫بمجموعة من الوضعيات‪ ،‬باعتماد معارف مفاهيمية ومنهجية مندمجة‬
‫ومالئمة"‪ .318‬ويعرفها فيليب پيرنو (‪ )Perrenoud‬بأنها" القدرة على‬
‫تعبئة مجموعة من الموارد المعرفية ( معارف‪ ،‬وقدرات‪ ،‬ومعلومات‪،‬‬
‫إلخ)‪ ،‬بغية مواجهة جملة من الوضعيات بشكل مالئم وفعال"‪.319‬‬

‫‪317‬‬
‫‪-GILLET , P : ) L’ utilisation des objectifs en formation , contexte‬‬
‫‪et évolution (, Education permanent , Nr :85 , octobre 1986 , p :17-‬‬
‫‪37.‬‬
‫‪ -318‬بيير ديشي‪ :‬تخطيط الدرس لتنمية الكفايات‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبد الكريم غريب‪ ،‬منشورات‬
‫عالم التربية‪ ،‬مطبعة دارالنجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى‪،2003 ،‬‬
‫ص‪.121 :‬‬
‫‪ -319‬باوال جونتيل وروبير تابنتشيني‪ (:‬بناء الكفايات‪ :‬مقابلة مع فليب پيرنو)‪ ،‬الكفايات في‬
‫التدريس بين التنظير والممارسة‪ ،‬تعريب‪ :‬محمد العمارتي والبشير اليعكوبي‪ ،‬مطبعة‬
‫أكدال‪،‬الرباط‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2004‬م‪ ،‬ص‪.41:‬‬
‫‪330‬‬
‫ويرى محمد الدريج أن هذه الكفايات" ينظر إليها على أنها إجابات‬
‫عنوضعيات‪ -‬مشاكل تتألف منها المواد الدراسية"‪.320‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬فالكفاية هي مجموعة من القدرات والمهارات والمعارف‪،‬‬
‫يتسلح بها التلميذ لمواجهة مجموعة من الوضعيات والعوائق والمشاكل‬
‫التي تستوجب إيجاد الحلول الناجعة لها بشكل مالئم وفعال‪.‬‬
‫ويظهر لنا ‪ ،‬من خالل مجموعة من التعاريف التي انصبت على تحديد‬
‫مفهوم الكفاية‪ ،‬أنها تنبني على عناصر أساسية‪ ،‬يمكن حصرها في‪:‬‬
‫‪ ‬القدرات والمهارات‪.‬‬
‫‪‬اإلنجاز أو األداء‪.‬‬
‫‪ ‬الوضعية أو المشكل‪.‬‬
‫‪‬حل الوضعية بشكل فعال وصائب‪.‬‬
‫‪ ‬تقويم الكفاية بطريقة موضوعية‪.‬‬
‫وهكذا‪،‬يبدو لنا أن الكفاية مرتبطة أشد االرتباط بالوضعية‪ -‬اإلشكال‪.‬أي‪:‬‬
‫إن الكفاية قائمة على إنجاز المهمات الصعبة‪ ،‬وإيجاد الحلول المناسبة‬
‫للمشاكل المطروحة في الواقع الموضوعي‪ .‬إذا‪ ،‬فالعالقة الموجودة بين‬
‫الكفاية والوضعية هي عالقة جدلية وثيقة ومتينة‪ ،‬وعالقة استلزام اختباري‬
‫وتقييمي وديدكتيكي‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أنـــواع الكفايـــات‬


‫تنقسم الكفايات‪ ،‬في مجال التربية والتعليم‪ ،‬إلى أنواع عدة‪ ،‬يمكن حصرها‬
‫فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -320‬محمد الدريج‪ :‬الكفايات في التعليم‪ ،‬المعرفة للجميع‪ ،‬أكتوبر ‪ ،2000‬العدد‪ ،16‬ص‪:‬‬


‫‪.61‬‬
‫‪331‬‬
‫‪‬الكفايات النوعية ‪ :‬تتحدد هذه الكفايات في مقابل الكفايات الممتدة أو‬
‫المستعرضة‪ .‬ويعني هذا أن الكفايات النوعية هي التي يكتسبها المتعلم في‬
‫فترة مدرسية محددة‪ .‬أي‪ :‬إن هذه الكفايات مرتبطة بمادة دراسية معينة‪،‬‬
‫أو مجال نوعي‪،‬أو تخصص مهني معين‪ .‬لذلك‪ ،‬فهي أقل شمولية وعمومية‬
‫من الكفاية المستعرضة‪ .‬وهي السبيل إلى تحقيق الكفايات الممتدة‪.‬‬
‫‪‬الكفايات الممتدة أو المستعرضة ‪ :‬هي تلك الكفايات المشتركة التي‬
‫تجمع بين تخصصات متعددة‪ .‬بمعنى أن الكفاية الموسعة هي التي تتوزع‬
‫بين مجموعة من المواد والتخصصات‪ ،‬ويمكن امتالكها بعد فترة من التعلم‬
‫والتحصيل الدراسي‪ ،‬مثل‪ :‬اكتساب منهجية التفكير العلمي‪ ،‬وهي كفاية‬
‫توجد في جميع المواد الدراسية‪ .‬وتمتاز الكفايات الموسعة بأنها كفايات‬
‫عليا وقصوى وختامية‪ ،‬تتطلب نوعا من اإلتقان واالنضباط والمهارة‬
‫واالحتراف‪ .‬وتستوجب أيضا كثرة التعلم والتحصيل الدراسي؛ ألن هذه‬
‫الكفاية هي نتاج تفاعل مع تخصصات ومواد دراسية عدة‪.‬‬
‫‪ ‬الكفايات األساسية‪ :‬هي كفايات قاعدية أو جوهرية أو دنيا‪ .‬وهي‬
‫كفايات ضرورية في مجال التربية والتعليم‪ ،‬مثل‪ :‬كفاية القراءة‪ ،‬وكفاية‬
‫الكتابة‪ ،‬وكفاية الحساب‪ ،‬بالنسبة للتعليم االبتدائي‪ .‬بمعنى أن الكفايات‬
‫األساسية هي التي تنبني عليها العملية التعليمية‪ -‬التعلمية‪ ،‬أو يبنى عليها‬
‫النسق التربوي‪.‬‬
‫‪ ‬كفاية اإلتقان‪ :‬هي كفاية تكميلية‪ ،‬وليست أساسية وضرورية ‪ ،‬فعدم‬
‫الغرق في أثناء السباحة هي كفاية أساسية‪ .‬بيد أن الرشاقة‪ ،‬والسرعة‪،‬‬
‫والسباحة في فريق‪ ،‬واحترام قواعد السباحة‪ ،‬هي كلها كفايات تكميلية‪ ،‬أو‬
‫كفايات إتقان وجودة‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬تصنف الكفايات كذلك إلى معارف‪ ،‬ومواقف‪،‬‬
‫ومهارات‪ ،‬وكفايات ثقافية‪ ،‬وكفايات تواصلية‪ ،‬وكفايات منهجية‪...‬‬

‫‪332‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬تعريــف الوضعيـــات‬
‫إذا تصفحنا معاجم اللغة العربية‪ ،‬كلسان العرب والمعجم الوسيط‪ ،‬فإننا ال‬
‫نجد كلمة الوضعية بهذه الصيغة؛ بل نجد كلمة وضع موضعا ومواضع‬
‫الدالة على اإلثبات في المكان‪ .‬أي‪ :‬إن الوضعية بمثابة إطار مكاني للذات‬
‫والشيء‪ .321‬ولكن في اللغات األجنبية‪ ،‬نجد حضورا لهذا المفهوم بشكل‬
‫واضح ومحدد‪ .‬ففي معجم أكسفورد اإلنجليزي‪ ،‬تعني الوضعية " معظم‬
‫الظروف واألشياء التي تقع في وقت خاص‪ ،‬وفي مكان خاص"‪.322‬‬
‫وتقترن الوضعية بداللة أخرى‪ ،‬وهي السياق الذي هو" عبارة عن وضعية‬
‫يقع فيها شيء‪ ،‬وتساعدك ‪ -‬بالتالي‪ -‬على فهمه"‪.323‬‬
‫أما معجم روبير(‪ ، )Robert‬فيرى أن الوضعية هي " أن تكون في مكان‬
‫أو حالة حيث يوجد الشيء أو يتموقع"‪ . 324‬أي‪ :‬إن الوضعية هي التموقع‬
‫المكاني أو الحالي في مكان أو وضع ما‪ ،‬بينما يحدد السياق في هذا المعجم‬
‫على أنه " مجموعة من الظروف التي تحيط بالحدث"‪.325‬‬
‫ويمكن أن نفهم‪ ،‬من هذا كله‪ ،‬أن الوضعية هي مجموعة من الظروف‬
‫المكانية والزمانية والحالية التي تحيط بالحدث‪ ،‬وتحدد سياقه‪ .‬وقد تتداخل‬
‫الوضعية مع السياق والظروف والعوائق والمواقف والمشكالت‬
‫والصعوبات واالختبارات والمحكات والحالة والواقع واإلطار‬
‫واإلشكال…إلخ‪.‬‬

‫‪ -321‬ابن منظور‪ :‬لسان اللسان‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪ ،1993‬ص‪743:‬؛ والمعجم الوسيط ألحمد حسنالزيات وآخرين‪ ،‬المكتبة اإلسالمية‪،‬‬
‫استانبول‪ ،‬تركيا‪ ،‬ص‪.1039 :‬‬
‫‪322‬‬
‫‪- A.Regarder: Oxford advanced learner’s, Dictionary Oxford‬‬
‫‪university press 2000; p: 1109.‬‬
‫‪323‬‬
‫‪-Ibid, p : 247.‬‬
‫‪324‬‬
‫‪- Paul robert : Le Petit Robert, Paris, éd, 1992, p : 378.‬‬
‫‪325‬‬
‫‪-Ibid, p : 1820 .‬‬
‫‪333‬‬
‫وتعرف الوضعية في مجال التربية والديدكتيك بأنها" وضعية ملموسة‬
‫تصف‪ ،‬في الوقت نفسه‪ ،‬اإلطاراألكثر واقعية‪ ،‬والمهمة التي يواجه التلميذ‬
‫من أجل تشغيل المعارف المفاهيمية والمنهجية الضرورية‪ ،‬لبلورة الكفاية‬
‫والبرهنة عليها"‪ .326‬أي‪ :‬إن الوضعية واقعية ملموسة يواجهها التلميذ‬
‫بقدراته ومهاراته وكفاءاته عن طريق حلها‪ .‬وليست الوضعيات سوى‬
‫التقاء عدد من العوائق والمشاكل في إطار شروط وظروف معينة‪ .‬إن‬
‫الوضعية‪ -‬حسب محمد الدريج‪ " -‬تطرح إشكاال عندما تجعل الفرد أمام‬
‫مهمة عليه أن ينجزها‪ ،‬مهمة ال يتحكم في كل مكوناتها وخطواتها‪،‬وهكذا‬
‫يطرح التعلم كمهمة تشكل تحديا معرفيا للمتعلم‪ ،‬بحيث يشكل مجموع‬
‫القدرات والمعارف الضرورية لمواجهة الوضعية وحل اإلشكال‪ ،‬ما‬
‫يعرف بالكفاية"‪.327‬‬
‫وتأسيسا على ماسبق‪ ،‬نفهم أن الوضعية هي مجموعة من المشاكل‬
‫والعوائق والظروف التي تستوجب إيجاد حلول لها من قبل المتعلم للحكم‬
‫على مدى كفاءته وأهليته التعليمية ‪ -‬التعلمية والمهنية‪ .‬وتعتبر المواد‬
‫الدراسية مجموعة من المشاكل والوضعيات‪ .‬ومن هنا‪ ،‬ينبغي علينا أن‬
‫نعد التلميذ للحياة والواقع لمواجهة التحديات والصعوبات التي يفرضها‬
‫عالمنا اليوم‪ ،‬و يتعلم الحياة عن طريق الحياة‪ ،‬وأال يبقى رهين النظريات‬
‫المجردة البعيدة عن الواقع الموضوعي‪ ،‬أو حبيس الفصول الدراسية‬
‫واألقسام المغلقة والمسيجة بالمثاليات والمعلومات التي تجاوزها الواقع‪ ،‬أو‬
‫التي أصبحت غير مفيدة لإلنسان‪ .‬أي‪ :‬إن فلسفة الوضعيات مبنية على‬
‫أسس البراجماتية‪ ،‬كالمنفعة‪ ،‬واإلنتاجية‪ ،‬والمردودية‪،‬والفعالية‪،‬‬
‫واإلبداعية‪ ،‬والفائدة المرجوة من المنتج ‪ ،‬وهو تصور الفلسفة الذرائعية‬
‫لدى جيمس جويس‪ ،‬وجون ديوي ‪ ،‬وبرغسون‪ ،‬والثقافة األنجلو سكسونية‬
‫بصفةعامة‪.‬‬

‫‪ -326‬بيير ديشي‪ :‬تخطيط الدرس لتنمية الكفايات‪ ،‬ص‪.181:‬‬


‫‪ -327‬محمد الدريج‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.60 :‬‬
‫‪334‬‬
‫وخالصة القول‪ :‬ترتبط الكفايات بمواجهة المشاكل المركبة والوضعيات‬
‫المعقدة‪ .‬والمقصود بأن تكون كفئا ‪ ،‬يعني أن تكون إنسانا ناجحا ومتمكنا‬
‫من أسباب النجاح‪.‬‬
‫ومن مواصفات الكفاية أنها مركبة تشتمل على مجموعة من الموارد‬
‫والمواقف المختلفة‪ .‬كما أنها ذات هدف معين‪ .‬وهي كذلك تفاعلية‪ .‬بمعنى‬
‫أن المتعلم يتسلح بمجموعة من القدرات المستضمرة للتفاعل مع المحيط‪.‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬فهي مفتوحة على مجموعة من الحلول الواقعية والممكنة‬
‫والمحتملة‪ .‬وهي محفزة على النجاح والتفوق والتميز‪ .‬ومن جهة أخرى‪،‬‬
‫ينبغي أن تكون الوضعية مدعمة باألسناد والوثائق والتعليمات والنصوص‬
‫ومعايير التقويم‪ ،‬ومؤشرات التصحيح‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬أنــــواع الوضعيـــات‬


‫إن الوضعيات هي مجموعة من األطر والمؤشرات والظروف السياقية‬
‫التي تحدد المشكالت والعوائق والصعوبات التي تواجه التلميذ الذي يتسلح‬
‫بدوره بمجموعة من المعارف والقدرات والكفايات الوظيفية قصد حل هذه‬
‫الوضعيات المعقدة والمركبة‪ ،‬والحصول على إجابات وافية وصحيحة‬
‫للبرهنة على صدق هذه الكفايات والقدرات المكتسبة‪ ،‬عبر مجموعة من‬
‫التعلمات والموارد المدرسية المنجزة مسبقا‪ .‬ويمكن أن نضع التلميذ أمام‬
‫عدة وضعيات تبرز طبيعة الكفاية لديه‪ ،‬وهذه هي التي ستحدد لنا أنماط‬
‫الوضعيات ‪ -‬المشاكل على مستوى مؤشرات األطر السياقية‪.‬‬
‫ويمكن أن نحدد أنواعا أخرى من الوضعيات الموقفية قياسا على ما ذهب‬
‫إليه إيريبان (‪ )IRIBANE‬في تصنيفه للكفايات‪:328‬‬
‫‪ ‬وضعيات التقليد والمحاكاة‪:‬‬

‫‪328‬‬
‫‪-A regarder : A , IRRIBANE : La compétitivité, Défi Social,‬‬
‫‪Enjeu éducatif, CNRS, Paris, 1989.‬‬
‫‪335‬‬
‫ترتكز على مهمات التقليد‪ ،‬وإعادة المعارف والمهارات المكتسبة عن‬
‫طريق التطبيق والمماثلة والحفظ واإلعادة ( وضعيات االجترار)‪.‬‬

‫‪ ‬وضعيات التحويل‪:‬‬
‫تنطلق من وضعية معينة من العمل لتطبيقها على وضعيات غير متوقعة ‪،‬‬
‫بيد أنها قريبة بالتفكير بالمثل‪ ،‬واالستفادة من الوضعيات السابقة لحل‬
‫الصعوبات‪ ،‬عن طريق تحويلها إليجاد الحلول المناسبة (وضعيات‬
‫االستفادة واالمتصاص)‪.‬‬
‫‪‬وضعيات التجديد‪:‬‬
‫تنطلق من مواجهة مشاكل وصعوبات وعراقيل جديدة‪ ،‬وتقديم حلول‬
‫مناسبة لها‪ ( .‬وضعيات الحوار و اإلبداع)‪.‬‬
‫ويمكن تصنيف الوضعيات من الناحية التقويمية المعيارية على النحو‬
‫التالي‪:‬‬
‫‪‬وضعية أولية‪ :‬يتم طرح مجموعة من الوضعيات اإلشكالية للتلميذ في‬
‫أثناء بداية الدرس‪ ،‬أو قبل الشروع فيه‪ .‬وتتعلق هذه الوضعيات بمراجعة‬
‫الدرس السابق‪ ،‬أو دفعه إلى االستكشاف‪ ،‬أو حثه وتشجيعه على استعمال‬
‫قدراته الذاتية والمهارية‪.‬‬
‫‪‬وضعية وسيطية‪ :‬يقدم المعلم للمتعلم مجموعة من الوضعيات في أثناء‬
‫مرحلة التكوين والتعلم الذاتي لحل مشاكلها اعتمادا على األسناد والوثائق‬
‫والنصوص والتعليمات ومعايير التقويم‪ .‬والهدف من ذلك كله هو التثبت‬
‫من قدرات التلميذ التعلمية والمفاهيمية والمهارية‪.‬‬
‫‪‬وضعية نهائية‪ :‬يواجه التلميذ في نهاية الدرس وضعيات نهاية إجمالية‬
‫أو نهائية هي التي تحكم على التلميذ إن كان كفئا أم ال؟ وهل تحققت عنده‬
‫الكفاية األساسية أو النوعية أم ال؟ وهل أصبح قادرا على مواجهة‬
‫‪336‬‬
‫الصعوبات والوضعيات اإلشكالية والمواقف الواقعية الصعبة أم ال؟ وهل‬
‫تحقق الهدف المبتغى والغاية المنشودة من التكوين والتعلم الذاتي أم ال؟‬
‫وينبغي لهذه الوضعيات أن تتناسب تماثليا مع التقويم األولي والتكويني‬
‫واإلجمالي في إطار العملية التعليمية ‪ -‬التعلمية‪.‬‬
‫وعلى مستوى المحتوى أو المضمون والخبرات‪ ،‬فهناك وضعيات معرفية‬
‫( ثقافية)‪ ،‬ووضعيات منهجية‪ ،‬ووضعيات تواصلية‪ ،‬ووضعيات وجدانية‬
‫وأخالقية‪ ،‬ووضعيات حركية‪ ،‬ووضعيات مهنية تقنية…‬

‫المبحث الخامس‪ :‬أهمية الوضعيات‪ -‬المشـــاكل‬


‫من المعلوم أن للوضعيات أهمية كبيرة في اختبار المناهج الدراسية‪ ،‬وتقييم‬
‫المدرسة المعاصرة‪ ،‬والتمييز بين التقليدية منها والجديدة ‪ ،‬ومعرفة‬
‫المدرسة المنغلقة من المدرسة الوظيفية والمنفتحة‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن الوضعيات‬
‫هي محك الكفاءة والمردودية‪ ،‬وإبراز للقدرات والمهارات والمواهب‬
‫المضمرة والظاهرة‪ .‬إنها تربية على حل المشاكل المستعصية‪ ،‬واقتراح‬
‫الحلول المناسبة والممكنة‪ ،‬والتحفيز على التعلم الذاتي‪ ،‬وتجاوز للطرائق‬
‫التقليدية القائمة على التلقين والحفظ‪ ،‬وتقديم المعرفة والمحتويات بواسطة‬
‫المدرس إلى التلميذ السلبي‪.‬‬
‫ومن األكيد أن التربية بالوضعيات هي التي تفرزالكفاءات والقدرات‬
‫العقلية المتميزة ‪ .‬فهي التي تربط المدرسة بالواقع وسوق الشغل ‪ ،‬وليس‬
‫ذلك من خالل الشهادات والدبلومات و المؤهالت‪ ،‬بل من خالل الشهادات‪-‬‬
‫الكفايات‪ .‬بيد أن هذه الوضعيات والكفايات ليست عصا سحرية لمعالجة‬
‫كل مشاكل وزارات التربية والتعليم‪ ،‬مثل‪ :‬معالجة اكتظاظ التالميذ في‬
‫الفصول الدراسية‪ ،‬ونقص في تكوين المدرسين‪ ،‬وإيجاد الحلول المناسبة‬
‫للوضعية االجتماعية للمدرسين‪ ،‬وتوفير الوسائل واإلمكانيات المادية‬
‫والبشرية‪ ،‬بل إن طريقة التعليم بالكفايات والوضعيات طريقة بيداغوجية‬
‫‪337‬‬
‫لعقلنة العملية الديدكتيكية تخطيطا وتديرا وتسييرا وتقويما‪ ،‬وتفعيلها‬
‫بطريقة علمية موضوعية على أسس معيارية وظيفية‪ ،‬وربط المدرسة‬
‫بالحياة ‪ ،‬وسوق العمل‪ ،‬وتلبية حاجيات أرباب العمل‪ ،‬وتحقيق الجودة‬
‫والمنافسة ‪ ،‬والسير وفق مقتضيات العولمة‪ .‬ويتطلب هذا كله تغيير عقلية‬
‫اإلدارة والمدرس والتلميذ واآلباء والمجتمع كله‪ .‬وال ينبغي أن تبقى‬
‫الوضعيات والكفايات في إطارها الشكلي‪ ،‬أو بمثابة موضة عابرة أو‬
‫حبيسة مقدمات الكتب المدرسية‪ ،‬أو رهينة لتوجيهات البرامج الدراسية‬
‫وفلسفتها البعيدة باعتبارها غايات ومواصفات مثالية نظرية دون تطبيق أو‬
‫ممارسة فعلية وميدانية‪ .‬وهنا‪ ،‬أستحضر قولة معبرة بكل وضوح لما نريد‬
‫أن نقصده لمبلور الكفايات فيليب پيرنو(‪":)Perrenoud‬إذا ظلت المقاربة‬
‫بالكفايات على مستوى الخطاب لهثا وراء الموضة‪ ،‬فإنها ستغير‬
‫النصوص لتسقط في النسيان… […] أما إذا كانت تطمح إلى تغيير‬
‫الممارسات‪ ،‬فستصبح إصالحا من (النمط الثالث) ال يستغني عن مساءلة‬
‫‪329‬‬
‫معنى المدرسة وغايتها"‬
‫وعليه‪ ،‬فللوضعيات أهمية كبرى في مجال التربية والتعليم ؛ ألنها تؤهل‬
‫المتعلم ليكون إنسانا كفئا ومواطنا مسؤوال‪ ،‬يعتمد على نفسه في مواجهة‬
‫المواقف الصعبة والوضعيات المستعصية‪.‬‬

‫المبحث السادس‪ :‬سياق الوضعيات‬


‫ال يمكن فهم الوضعيات إال إذا وضعناها في سياقها االجتماعي والتاريخي‪.‬‬
‫فلقد استلزم التطور العلمي والتكنولوجي المعاصر منذ منتصف القرن‬
‫العشرين توفير أطر مدربة أحسن تدريب لتشغيل اآللة بكل أنماطها؛ مما‬
‫دفع بالمجتمع الغربي إلى إعادة النظر في المدرسة وطبيعتها ووظيفتها‪،‬‬
‫بربطها بالواقع والحياة وسوق الشغل قصد محاربة البطالة‪ ،‬و البحث عن‬

‫‪ -329‬حسن بوتكالي‪ (:‬مفهوم الكفايات وبناؤها عند فيليب پيرنو)‪ ،‬الكفايات في التدريس بين‬
‫التنظيروالممارسة‪ ،‬مطبعة أكدال‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪ ،2004‬ص‪.24:‬‬
‫‪338‬‬
‫أسباب الفشل المدرسي‪ ،‬وإيجاد حل للالمساواة االجتماعية‪ .‬ويعني هذا‬
‫ربط المدرسة بالمقاولة والحياة المهنية والعولمة والقدرة التنافسية‬
‫المحمومة‪ .‬أي ‪ :‬على المدرسة أن تنفتح على الواقع والمجتمع معا‬
‫لتغييرهما وإمدادهما باألكفاء واألطر المدربة الماهرة والمتميزة‪ .‬فال قيمة‬
‫للمعارف والمحتويات الدراسية‪ ،‬إذا لم تقترن بما هو وظيفي ومهني وتقني‬
‫وحرفي‪ .‬إذاً‪ ،‬فكل هذه العوامل هي التي كانت وراء عقلنة المناهج‬
‫التربوية‪ ،‬وجعلها فعالة ناجعة ذات مردودية تأطيرية وإبداعية‪.‬‬
‫وقد حاولت دول العالم الثالث‪ ،‬بما فيهاالدول العربية ( المغرب‪ ،‬والجزائر‪،‬‬
‫و تونس‪ ،‬ولبنان‪ ،‬وسلطنة عمان ‪ -‬مثال‪ ،)...-‬أن تتمثل هذا النموذج‬
‫التربوي القائم على بيداغوجيا الكفايات والوضعيات لمسايرة المستجدات‬
‫العالمية‪ ،‬واإلنصات إلى متطلبات السوق الليبرالية بغية الحد من البطالة‪،‬‬
‫وتفادي الثورات االجتماعية‪ ،‬والحد من ظاهرة الهجرة بكل أنواعها‪ ،‬مع‬
‫تبيئتها في مدارسها لخلق الجودة والعقالنية‪ ،‬وتحصيل المردودية الفعالة‪.‬‬
‫وبذلك‪ ،‬أصبحت التربية تابعة للسياسة االقتصادية للدولة وظروفها‬
‫االجتماعية والتمويلية‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬يقول نيكو هيرت ( ‪Nico‬‬
‫‪ ":)Hirtt‬ما هو إذا عالم اليوم هذا ؟ يتميز محيطنا االقتصادي بعنصرين‬
‫اثنين ‪ :‬أوال تقلب بالغ ‪ ،‬وثنائية اجتماعية قوية‪ .‬ينجم عن احتدام‬
‫الصراعات التنافسية‪،‬وإعادة الهيكلة ‪ ،‬وإغالق المصانع‪ ،‬وترحيل وحدات‬
‫اإلنتاج‪ ،‬واللجوء المتسارعإلى اختراعات تكنولوجية زائلة أكثر‬
‫فأكثر(سواء في مجال اإلنتاج أم في مجاالالستهالك)‪ .‬وفي هذا السياق‪،‬‬
‫تتمثل إحدى أهم مساعي أرباب العمل في المرونة‪.‬أي‪ :‬مرونة سوق‬
‫العمل‪ ،‬ومرونة العامل المهنية واالجتماعية‪ ،‬ومرونة أنظمة التربية‬
‫والتكوين‪ ،‬وقابلية تكيف المستهلك‪.‬‬
‫مازالت سوق العمل حاليا منظمة بشكل قوي على أسس المؤهالت‪ .‬أي‪:‬‬
‫على أساس الشهادات‪ .‬وتمثل الشهادة جملة معارف ومهارات معترف بها‪،‬‬

‫‪339‬‬
‫تخضع لمفاوضات جماعية‪ ،‬وتخول حقوقا بشأن األجور وشروط العمل أو‬
‫الحماية االجتماعية‪ .‬وإلتاحة دوران أكثر ليونة لليد العاملة‪ ،‬بات أرباب‬
‫العمل يسعون لتدمير هذا الثنائي المتصلب‪ :‬مؤهالت‪ -‬شهادات ‪ ،‬واستبداله‬
‫بالثنائي كفايات‪ -‬شهادات مبنية على وحدات تكوين( مصوغات أو‬
‫‪330‬‬
‫مجزوءات ‪").Modulaire‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يتبين لنا أن سياق الوضعيات يتمثل في االنفصال بين النظرية‬
‫والتطبيق‪ ،‬أو في غربة المدرسة عن الواقع و سوق الشغل‪.‬‬

‫المبحث السابع‪:‬خصائص الوضــعية‪ -‬المشكل‬


‫ثمة مجموعة من الخصائص التي يجب أن تتميز بها الوضعية المشكلة‪-‬‬
‫حسب أستوفلي (‪ 331)ASTOLFI‬منها‪:‬‬
‫‪‬ينبغي أن تحدد الوضعية عائقا ينبغي حله‪.‬‬
‫‪‬أن تكون الوضعية حقيقية ملموسة وواقعية تفرض على التلميذ صياغة‬
‫فرضيات وتخمينات‪.‬‬
‫‪‬تشبه هذه الوضعية لغزا حقيقيا ينبغي حله‪ ،‬و مواجهته بالقدرات‬
‫المكتسبة‪.‬‬
‫‪‬تكون ذات خصوصية تحدد مجال فعل الكفاية‪.‬‬
‫‪‬توصف ضمن لغة واضحة ومفهومة من قبل التلميذ‪.‬‬
‫‪‬تتطلب الوضعية معارف وقدرات ومهارات تسهم في تكوين الكفاية في‬
‫شتى مستوياتها المعرفية والحركية والوجدانية‪.‬‬
‫‪ -330‬نيكو هرت‪ (:‬بصدد المقاربةعبر الكفايات هل نحتاج إلى عمال أكفاء أم إلى مواطنين‬
‫نقديين؟)‪ ،‬الكفايات في التدريس بين النظرية والممارسة‪ ،‬مطبعة أكدال‪،‬الرباط‪،‬الطبعة‬
‫األولى سنة ‪2004‬م‪ ،‬ص‪.50 /49:‬‬
‫‪331‬‬
‫‪- Astolfi, j, p : ( Placer les élèves en situation – problème ? ). Dans‬‬
‫‪Probio revue, 16, 4, Bruxelles : Association des professeurs de‬‬
‫‪biologie (ASBL) ,1993.‬‬
‫‪340‬‬
‫‪‬تتشابه مع وضعية حقيقية يمكن أن تواجه األفراد خارج المدرسة‪،‬‬
‫ضمن الحياة المهنية أو الحياة الخاصة‪.‬‬
‫‪ ‬ينبغي أن يكون المشكل الذي يعد للتلميذ مشكال حقيقيا‪ ،‬ال يكون فيه‬
‫الحل بديهيا‪.‬‬
‫خبراته‪.‬‬ ‫التلميذ‬ ‫‪‬تشكل الوضعية فرصة يثري فيها‬
‫‪‬تحدد الوضعية وفق المستوى المعرفي للتلميذ‪.‬‬

‫المبحث الثامن‪ :‬سياق بيداغوجيا الكفايات‬


‫ظهرت بيداغوجيا الكفايات بعد أزمة التشغيل التي كانت تعاني منها‪،‬‬
‫ومازالت تعاني منها دول العالم الثالث؛ ألن المدرسة لم تعد وظيفية تسهم‬
‫في التنمية الشاملة‪ ،‬وتحقق المستقبل السعيد للمتعلمين وخريجي الجامعات‬
‫الذين يتزايدون سنة بعد سنة‪ .‬وقد ساهمت هذه المدرسة غير الوظيفية في‬
‫تزايد أفواج العاطلين بشكل خطير‪ .‬لذا‪ ،‬فكرت الدول أن تربط المدرسة‬
‫بالمحيط وسوق الشغل‪ ،‬بتأهيل المتعلمين تأهيال وظيفيا ‪ ،‬وتكوينهم تكوينا‬
‫كفائيا‪ ،‬بتسليحهم بمجموعة من القدرات والكفايات المهارية والمعرفية‬
‫والمنهجية واألدائية لمواجهة تحديات الواقع الموضوعي‪ .‬بمعنى آخر‪،‬‬
‫تزويد المتعلمين أو الخريجين بكفايات ضرورية وأساسية‪ ،‬يحتاجونها في‬
‫أثناء مواجهتهم لوضعيات جديدة أو صعبة أو مركبة أو معقدة أو متنوعة‬
‫بغية التكيف مع الواقع الموضوعي‪ ،‬والسيما واقع الشغل أو العمل‪.‬‬
‫وفي هذا السياق بالذات‪ ،‬ظهرت المقاربة بالكفايات لتعيد النظر في وظيفة‬
‫المدرسة التي تركز كثيرا على المعارف الكمية على حساب الكفايات‬
‫والمهارات والقدرات الوظيفية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فلقد ركزت هذه النظرية الجديدة‬
‫على ثالثة مكونات ضرورية‪ ،‬هي‪ :‬الكفايات‪ ،‬والوضعيات‪ ،‬والسياق‬
‫الوظيفي‪ .‬ومن ثم‪ ،‬أصبحت مقاربة إجرائية ناجعة في معالجة مشاكل‬
‫التربية والتعليم‪ ،‬وخاصة مشكل التقويم الذي يعتمد على مفهوم جديد‪ ،‬هو‬

‫‪341‬‬
‫مفهوم اإلدماج الذي يعني إدماج المتعلم لموارده المكتسبة حين مواجهة‬
‫الوضعيات الصعبة ‪.‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬تسعى المقاربة بالكفايات إلى تأهيل رجال الغد ونسائه‬
‫لتحمل مسؤولياتهم بطريقة قائمة على اإلبداعية‪ ،‬والمسؤولية الشخصية‪،‬‬
‫واالرتكان إلى التعلم الذاتي‪ ،‬و مواجهة المشاكل والوضعيات الجديدة‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬تسعى إلى تشجيع المتعلم والطالب على البحث‬
‫واالستكشاف واالبتكار‪ ،‬ومواجهة الظروف الصعبة‪ .‬كما تساعده على‬
‫التحلي بروح العمل ‪ ،‬وتحقيق الجودة‪ ،‬والمثابرة الجادة‪ ،‬والمبادرة الحرة ‪،‬‬
‫وتحمل المسؤولية‪ .‬أي‪ :‬تكوين مواطن مسؤول وكفء ‪.‬‬
‫ويضاف إلى ذلك أن هذه النظرية التربوية الجديدة تهدف إلى تمهير‬
‫المتعلم بمجموعة من الكفايات األساسية والمستعرضة التي تجعله يواجه‬
‫مختلف الوضعيات التي تواجهه في الحياة العملية‪ .‬لذا‪ ،‬فقد ارتبطت هذه‬
‫النظرية بسوق الشغل‪ ،‬وكان الهدف منها هو تمهين المتعلم لكي يواكب‬
‫مختلف التطورات التي قد تصادفه في سوق العمل‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬البد‬
‫للتعليم أن يكون وظيفيا مرتبطا بسوق الشغل بغية القضاء على البطالة‬
‫واألمية الوظيفية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فالمدرسة ‪ -‬حسب نظرية الكفايات‪ -‬هي آلية‬
‫من آليات اإلبداع و االبتكار واالختراع واإلنتاج والعمل والتطور‬
‫الديناميكي‪.‬‬

‫المبحث التاسع‪ :‬مقارنة بين بيداغوجيا األهداف وبيداغوجيا‬


‫الكفايات‬
‫إذا كانت نظرية األهداف تعنى بوصف سلوك المتعلم من خالل التشديد‬
‫على طبيعة السلوك ‪ ،‬و ربطه بصاحبه‪ ،‬وتعيين الهدف المرجو تحقيقه من‬
‫وراء إنجاز هذا السلوك‪ ،‬وتبيان الظروف التي تحيط بهذا السلوك‪ ،‬وتحديد‬
‫معايير القياس التي يتم بها تقويم السلوك المالحظ‪ ،‬مع تجزيء المحتويات‬

‫‪342‬‬
‫التعليمية ‪ -‬التعلمية إلى أهداف جزئية إجرائية مفتتة‪ ،332‬فإن المقاربة‬
‫بالكفايات هي التي تربط الكفايات بوضعياتها الحقيقية والسياقية‪ ،‬فتعليم لغة‬
‫ما ‪ -‬مثال‪ -‬ال يمكن أن يكون ناجعا إال في سياق اللغة المرجعي واللغوي‬
‫والتداولي‪.‬‬
‫كما أن هذه المقاربة الكفائية كيفية ومهارية تقوي ملكات العقل ‪ ،‬وتنمي‬
‫المواقف والكفايات المعرفية والمنهجية‪ ،‬وتتحول فيها المحتويات إلى‬
‫قدرات وكفايات ووضعيات مترابطة‪ .‬ويعني هذا أن المقررات الدراسية‬
‫تنتظم في شكل كفايات ووضعيات متدرجة من السهولة إلى الصعوبة‬
‫فالتعقيد ‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تتميز هذه الوضعيات بالتنوع وتعدد مسالكها‬
‫وتخصصاتها الدراسية‪.‬‬
‫وإليكم ‪ -‬اآلن‪ -‬جدوال توضيحيا للمقارنة بين نظرية األهداف ونظرية‬
‫الكفايات‪:‬‬
‫المقاربة بالكفايات‬ ‫نظرية األهداف‬
‫‪ -‬تعتمد على مدخل الوضعيات‪.‬‬ ‫‪ -‬تعتمد على مدخل المحتويات‪.‬‬
‫‪ -‬البحث عن السلوك المالحظ عبر ‪ -‬البحث عن استعماالت للقدرات‬
‫ضمن وضعيات مختلفة ومتنوعة‪.‬‬ ‫المحتوى‪.‬‬
‫‪ -‬التركيز على أنشطة المتعلم‪.‬‬ ‫‪ -‬التركيز على إلقاء المدرس‪.‬‬
‫‪ -‬تحديد السياق‪.‬‬ ‫‪ -‬عدم االرتباط بالسياق‪.‬‬
‫‪ -‬موارد محددة في سلوكيات ‪ -‬البحث عن معنى للتعلمات‪.‬‬
‫وأهداف إجرائية خاضعة للقياس‪ - .‬تعدد الموارد‪.‬‬
‫‪ -‬التركيز على عملية التعليم‪،‬‬
‫‪332‬‬
‫‪-V. etG. Landsheere : Définir les objectifs de l’éducation, Liège et‬‬
‫‪George Thoune 1975, p202.‬‬
‫‪343‬‬
‫‪ -‬تصنيف الوضعيات الكفائية التي‬ ‫وليس على التعلم‪.‬‬
‫تسمح بتكوين المتعلم لمواجهة‬
‫‪ -‬إنتاج معارف تخصصية‪.‬‬
‫والمشاكل‬ ‫العوائق‬ ‫مختلف‬
‫والوضعيات المعقدة والمركبة في‬ ‫‪ -‬المقاربة السلوكية‪.‬‬
‫الواقعين التربوي والمرجعي‪.‬‬
‫‪ -‬مقاربة ذات نماذج معرفية‬
‫وإبستمولوجية متنوعة‪.‬‬

‫المبحثالعاشر‪ :‬تخطيط الدرس الكفائي‬


‫ينبني تخطيط الدرس‪ ،‬في ضوء بيداغوجيا الكفايات‪ ،‬على مجموعة من‬
‫الخطوات الضرورية التي تكمن في ما يلي‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تسطير الكفايـــات‬
‫تتكون جذاذة الدرس من كفايات مسطرة في شكل قدرات كفائية أساسية‪،‬‬
‫أو كفايات نوعية‪ ،‬أو كفايات مستعرضة وممتدة‪ ،‬كأن نقول مثال‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكون التلميذ قادرا‪ ،‬في آخر الحصة‪ ،‬على تركيب إنشاء في ستة‬
‫أسطر‪ ،‬يصف فيه مسجد الحي موظفا في ذلك جملتين حاليتين وجملتين‬
‫نعتيتين‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكون المتعلم قادرا‪ ،‬في آخر الحصة الدراسية‪ ،‬على إنجاز جميع‬
‫التطبيقات الكتابية في ظرف ربع ساعة‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكون المتعلم قادرا على استظهار آية قرآنية مع تفسير مضامينها‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكون المتعلم قادرا على بناء قاعدة الدرس في أثناء المرحلة‬
‫التكوينية‪.‬‬
‫‪344‬‬
‫وقد تكون الكفايات المسطرة معرفية‪ ،‬أو وجدانية ‪ ،‬أو حسية حركية‪ ،‬أو‬
‫منهجية‪ ،‬أو ثقافية‪ ،‬أو تواصلية‪...‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬تحويل المحتويات إلى أنشطة ووضعيات‬
‫تكون محتويات الدرس عبارة عن أنشطة تعلمية ووضعيات متنوعة‬
‫ومتدرجة ‪ ،‬سواء أكانت وضعيات معرفية أم وجدانية أم حسية حركية‪.‬‬
‫وتتوزع هذه األنشطة بين ما يعود إلى المدرس وما يعود إلى المتعلم‪.‬‬
‫بمعنى أن هناك أنشطة المدرس وأنشطة المتعلم‪ .‬ومن المعلوم‪ ،‬أن المدرس‬
‫هو الذي يحضر الوضعيات ‪ -‬المشكالت ليجيب عنها المتعلم‪ .‬وقد ميز‬
‫دوكتيل (‪ )DE KETELE‬بين خمسة أنماط من األنشطة التعلمية المرتبطة‬
‫ببيداغوجيا اإلدماج‪ ،‬وهي‪:333‬‬
‫‪‬أنشطة االستكشاف أو االستثمار‪.‬‬
‫‪ ‬أنشطة التعلم النسقي‪.‬‬
‫‪ ‬أنشطة البناء‪.‬‬
‫‪ ‬أنشطة اإلدماج‪.‬‬
‫‪ ‬أنشطة التقويم‪.‬‬
‫واليمكن التمكن من هذه األنشطة الكفائية بشكل جيد ودقيق إال بتبيانها‬
‫على النحو التالي‪:‬‬
‫‪‬أنشطة االستكشاف أو االستثمار‪.‬‬
‫تقوم أنشطة االستكشاف على إثارة المتعلم ذهنيا ووجدانيا وحركيا‪ ،‬وجذبه‬
‫إلى الوضعية الجديدة بغية إيجاد حلول مناسبة لما تطرحها من مشاكل‬

‫‪ -333‬انظر‪ :‬بيداغوجيا اإلدماج‪ ،‬ترجمة‪ :‬لحسن بوتكالي‪ ،‬منشورات مجلة علوم التربية‪،‬‬
‫مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة الثانية‪2009 ،‬م‪ ،‬ص‪.78-77:‬‬
‫‪345‬‬
‫عويصة‪ ،‬ودفعه إلى التفكير فيها‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تكون هذه األنشطة تمهيدية‬
‫متزامنة مع التقويم التمهيدي أو القبلي أو التشخيصي ‪ ،‬وتتمحور حول‬
‫التعلمات االعتيادية أو المكتسبة أو التعلمات السابقة‪ .‬والفرق بين‬
‫االستكشاف في التعليم التقليدي والتعليم المعاصر إال من باب وجود‬
‫السياق؛ ألن الوضعيات ال تأخذ معناها ودالالتها الوظيفية إال في سياق‬
‫تداولي ومرجعي ما‪ .‬بيد أن ما يالحظ على مرحلة االستكشاف أن المتعلم‬
‫هو الذي يقوم بهذا االستكشاف‪ .‬في حين‪ ،‬يحضر المدرس وضعيات‬
‫االستكشاف الصعبة ليحلها المتعلم بطريقة منهجية فاعلة وهادفة‪ .‬ويعني‬
‫هذا أن المتعلم ينطلق في استكشافه من وضعية المشكلة‪ ،‬فيختار الحلول‬
‫الممكنة لحل هذه المشكلة المعقدة‪.‬‬
‫‪ ‬أنشطة التعلم النسقي‪.‬‬
‫تعتمد أنشطة التعلم النسقي على بناء المعارف بطريقة تدريجية متناسقة‪،‬‬
‫مع مراعاة التدرج في عملية الترابط واالتساق واالنسجام بين الموارد‬
‫األساسية التي ترتبط بكفاية ما‪ .‬وبتعبير آخر‪ ،‬فأنشطة التعلم النسقي هي"‬
‫تلك األنشطة التي تتوخى تنظيم مختلف المعارف والخبرات التي تمت‬
‫معالجتها أثناء أنشطة االستكشاف‪ :‬ترسيخ المفاهيم‪ ،‬وبنينة المكتسبات‬
‫وممارستها‪"334.‬‬
‫وتذكرنا هذه األنشطة بطريقة المربي األلماني هربارت القائمة على‬
‫التنسيق المنطقي بين مجموعة من العمليات الديدكتيكية‪ ،‬مثل‪ :‬المراجعة‪،‬‬
‫وقراءة األمثلة‪ ،‬واستخراج القاعدة‪ ،‬والتنسيق بين الفقرات‪ ،‬والتطبيق‪.‬‬
‫‪ ‬أنشطــــة البنـــــاء‪.‬‬
‫تتمثل أنشطة البناء أو البنينة في الربط بين المكتسبات القديمة والجديدة‪ ،‬أو‬
‫الربط بين المفاهيم المتقاربة‪ ،‬أو المقارنة بين المفاهيم والقضايا المتباعدة‬

‫‪ -334‬انظر‪ :‬بيداغوجيا اإلدماج‪ ،‬ص‪.87:‬‬


‫‪346‬‬
‫أو المتكاملة‪ .‬ويعني هذا أن ثمة أنشطة‪ ،‬مثل‪ :‬التمارين التطبيقية التي‬
‫تسعف المتعلم في عملية الربط والدمج بين المعارف المكتسبة والمعارف‬
‫الجديدة‪ .‬وقد تكون هذه البنينة في مستهل الدرس‪ ،‬أو في نهايته ‪ ،‬بتجميع‬
‫األفكار األساسية والثانوية والفرعية كلها في خالصة عامة ‪ .‬كما تعتمد‬
‫أنشطة البناء على الجمع بين عدة عمليات عقلية ومنطقية ورياضية‪،‬‬
‫كالجمع بين الجمع والضرب وحساب النسبة المائوية في عملية واحدة ما ‪،‬‬
‫أو المقارنة بين رسمين‪...‬ومن هنا‪ ،‬فإذا كانت" جل أنشطة االستكشاف‬
‫ترتبط بتعلم اعتيادي‪ ،‬فقد نتصور أنشطة استكشاف ترتبط بمجموع‬
‫التعلمات‪ ،‬من أجل بنينة هذه التعلمات في البداية‪.‬‬
‫وقد يتعلق األمر بإدخال بعض األفكار األساسية والتمثيلية التي تفسر‬
‫للتلميذ جوهر المحتوى كله‪ ،‬عن طريق األمثلة و‪ /‬أو التمارين‪ ،‬مما يمكنه‬
‫‪335‬‬
‫من ربط المعارف الجديدة بمعارفه السابقة وبتجربته‪".‬‬
‫ويعني هذا أن أنشطة البناء تهدف إلى الربط بين التعلمات السابقة‬
‫والتعلمات الجديدة‪.‬‬
‫‪ ‬أنشطة التعلم بحل المشكالت‪.‬‬
‫يواجه المتعلم وضعية تتطلب حل مشكلة ما إما بشكل فردي‪ ،‬وإما بشكل‬
‫جماعي‪ ،‬بالتفكير في حيثيات المشكلة من خالل سياقها التداولي‪ ،‬وتدبرها‬
‫بشكل جيد‪ ،‬ثم اقتراح الحلول المناسبة والممكنة لمعالجة هذه المشكلة‪ .‬ومن‬
‫ثم‪ " ،‬يحقق التعلم بحل المشكالت نتائج أفضل من نشاط االستكشاف‪ ،‬في‬
‫إيصال مفهوم دقيق؛ ألنه يقترح وضعية‪ -‬مشكلة معقدة‪،‬تستلزم أن يقوم‬
‫التلميذ بتعلمات متعددة‪ ،‬متداخلة ومتمحورة حول هذه الوضعية في اآلن‬
‫نفسه‪ .‬وهي ليست نشاطا يستغرق دقائق أو ساعات معدودة‪ ،‬وإنما يتطلب‬

‫‪ -335‬انظر‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.91-90:‬‬


‫‪347‬‬
‫عدة أيام‪ ،‬وأسابيع‪ ،‬أو حتى عدة أشهر‪ ...‬وتعتمد هذه المقاربة حاليا في‬
‫‪336‬‬
‫التعليم العالي بالخصوص‪".‬‬
‫ويعني هذا أن البحث الذي يقوم به المتعلم يرتبط بفرضية أو مشكلة ما‪،‬‬
‫تستوجب البحث والتنقيب معا‪ ،‬وجمع المادة إليجاد حل لها‪.‬‬
‫‪ ‬أنشطـــة اإلدمـــاج‪.‬‬
‫يلتجئ المتعلم إلى أنشطة اإلدماج‪ ،‬بعد اكتساب الموارد ‪ ،‬وبعد عمليات‬
‫التوليف والتركيب والدعم والمراجعة من أجل مواجهة وضعية أو‬
‫مجموعة من الوضعيات الصعبة بغية تثبيت كفاية ما تمهيدا وتطبيقا‪.‬‬
‫وبتعبير آخر‪ ،‬يستدمج المتعلم كل موارده المكتسبة لتوظيفها لحل‬
‫الوضعية‪.‬أي‪ :‬إن" نشاط اإلدماج هو نشاط ديدكتيكي يتوخى استدراج‬
‫التلميذ لتحريك المكتسبات التي كانت موضوع تعلمات منفصلة‪ ،‬فهي ‪-‬‬
‫إذا ً‪ -‬لحظات تعلمية تقوم على إعطاء معنى لتلك المكتسبات‪.‬‬
‫ويمكن أن نلجأ إلى أنشطة اإلدماج في أية لحظة من التعلم‪ ،‬السيما في‬
‫نهاية بعض التعلمات التي تشكل كال داال‪ ،‬أي‪ :‬عندما نريد ترسيخ كفاية‪،‬‬
‫أو تحقيق الهدف النهائي لإلدماج‪.‬‬
‫وتتغير أنشطة اإلدماج هاته‪ ،‬فأثناء التعلمات االعتيادية‪ ،‬قد تكون أنشطة‬
‫قصيرة (ال تتجاوز دقائق معدودات) لوضع مكتسبات عديدة ضمن سياق‪.‬‬
‫‪337‬‬
‫وفي نهاية التعلم‪ ،‬تصير المدة مهمة‪ :‬قد تمتد من ساعة إلى عدة أيام‪".‬‬
‫وعليه‪ ،‬ينبني نشاط اإلدماج على فعالية المتعلم باعتباره فاعال رئيسيا في‬
‫عملية بناء التعلمات‪ ،‬وحل الوضعيات المشكالت‪ .‬كما يستلزم اإلدماج من‬
‫المتعلم أن يعبئ كل موارده المستضمرة‪ ،‬بشكل من األشكال‪ ،‬لحل‬

‫‪ -336‬انظر‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.86:‬‬


‫‪ -337‬انظر‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.92-91:‬‬
‫‪348‬‬
‫الوضعية المطروحة عليه‪ .‬كما أن نشاط المتعلم نشاط ذو معنى‪ ،‬ومرتبط‬
‫بوضعية جديدة‪ ،‬وموجه نحو كفاية أو نحو هدف إدماج نهائي‪.‬‬
‫ومن أمثلة األنشطة اإلدماجية نشاط حول حل المشكالت‪ ،‬ونشاط خاص‬
‫بوضعية تواصل‪ ،‬ومهمة معقدة تنجز في سياق معطى‪ ،‬وإنتاج حول‬
‫موضوع معين‪ ،‬وزيارة ميدانية‪ ،‬وأعمال تطبيقية ومختبرية‪ ،‬وابتكار عمل‬
‫فني‪ ،‬وتدريب عملي‪ ،‬وإنجاز مشروع بيداغوجي أو مشروع القسم‪...‬‬
‫ويرتكز نشاط اإلدماج على تحديد الكفاية المستهدفة‪ ،‬وتحديد التعلمات التي‬
‫نريد دمجها‪ ،‬واختيار وضعية ما تكون دالة وجديدة تراعي مستوى‬
‫المتعلم‪ ،‬وتتيح فرصة إلدماج ما نريد أن يتعلمه التلميذ‪ ،‬ووضع صيغ‬
‫التطبيق‪ ،‬مثل‪ :‬ما يقوم به المتعلم‪ ،‬وما يقوم به المدرس‪ ،‬وإعداد الوسائل‬
‫المتوفرة‪ ،‬وتحديد المطلوب بدقة‪ ،‬وتبيان أشكال العمل(فردي – جماعي‪-‬‬
‫المجموعات‪ ،)...‬وتوضيح مراحل العمل‪ ،‬واإلشارة إلى بعض المزالق‬
‫التي ينبغي تجنبها‪.‬‬
‫‪ ‬أنشطـــة التقويــم‪.‬‬
‫يرتبط التقويم بعمليات اإلدماج‪ .‬بمعنى أن التقويم في هذا المجال إدماجي‬
‫يقيس كفايات المتعلم وطريقة استدماجه للموارد‪ ،‬وكيفية حله للوضعية‬
‫المشكلة‪ .‬ويقوم التقويم على أنشطة التقدير والقياس والتصحيح والمعالجة‪.‬‬
‫ويعني هذا أن أنشطة التقويم هي بمثابة وضعيات استدماجية تتطلب حال‬
‫من قبل المتعلم اعتمادا على مجموعة من موارده ومكتسباته السابقة ‪ ،‬مع‬
‫مراعاة السياق التداولي والنصي والمرجعي والشخصي‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬اختيار الوسائـل والطرائق الديدكتيكية المناسبة‬
‫البد من تمثل الطرائق البيداغوجية التي تتالءم مع المقاربة بالكفايات‬
‫واإلدماج‪ ،‬باالنفتاح على الوسائل اللفظية والبصرية والرقمية المتنوعة‬
‫والمختلفة‪ ،‬واستعمال النصوص والوثائق والمصادر والمراجع واألسناد‬
‫‪349‬‬
‫واألسئلة والتعليمات ومعايير التصحيح ومؤشرات التقويم‪ .‬إذاً‪ ،‬فمن‬
‫األجدى اختيار طريقة بيداغوجية تالئم نشاطا كفائيا ما ‪ ،‬و"ال يخفى أن‬
‫هناك طرائق عديدة يمكن اتباعها؛ ومنها الطرائق التي تركز على نشاط‬
‫التلميذ مثل طريقة حل المشكالت‪ ،‬أو الطرائق التي تنظم التعلمات حول‬
‫مشروع معين(بيداغوجيا المشروع)‪ ،‬أو حول نشاط وظيفي( دوكرولي‪-‬‬
‫فريني)‪ ،‬ومنها أيضا مجموع الممارسات البيداغوجية التي تفردن األنشطة‬
‫حسب مواصفات التالميذ واهتماماتهم‪ .‬وهو إجراء مهم من منظور‬
‫اإلدماج‪ ،‬بحيث إن المكتسبات المختلفة تترسخ بشكل فردي لدى التلميذ‪،‬‬
‫بما فيها األهداف النوعية والقدرات والكفايات‪"338.‬‬
‫ويعني هذا كله أن بيداغوجيا الكفايات تستفيد من كل الطرائق البيداغوجية‬
‫والوسائل الديدكتيكية الممكنة التي تساعد المتعلم على حل جميع‬
‫الوضعيات التي يواجهها في واقعه الحي‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬التطبيــق الكفائي‬
‫من أجل تثبيت كفاية ما لدى المتعلم‪ ،‬أو التأكد من تحقيقها ‪ ،‬البد من تقديم‬
‫للمتعلم مجموعة من التطبيقات واألنشطة التقويمية في شكل وضعيات‬
‫قصيرة أو طويلة ‪ ،‬تتدرج في البساطة والتعقيد‪ .‬وتستلزم أن يوظف المتعلم‬
‫كل مكتسباته السابقة وموارده القديمة لمواجهة وضعية جديدة ‪ ،‬محددة في‬
‫الزمان والمكان والسياق‪.‬‬
‫وثمة كتب وكراسات عبارة عن تطبيقات حول الوضعيات الكفائية‬
‫واالستدماجية ‪ .‬وهي بمثابة أنشطة ووضعيات متدرجة في البساطة‬
‫والتعقيد‪ ،‬وتكون التمارين الموجودة في الكتب المدرسية والكراريس‬
‫التطبيقية مرتبطة بكفاية ما‪ .‬لذا‪ ،‬تتنوع األنشطة على الرغم من اشتراكها‬
‫في خدمة كفاية معينة‪.‬‬

‫‪ -338‬انظر‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.84:‬‬


‫‪350‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فدور المدرس هو بلورة مجموعة من الوضعيات والمشكالت‬
‫الضرورية وتنظيمها من أجل مساعدة المتعلم على اكتساب كفايات معينة‪،‬‬
‫في عالقة بمحتويات ومضامين المقررات الدراسية‪ .‬ويعني هذا أن‬
‫المدرس يحدد كفاية أساسية ما ‪ ،‬مثل‪ :‬كفاية القراءة أو الكتابة أو التعبير ‪،‬‬
‫ثم يحدد مجموعة من األنشطة في شكل وضعيات ومشاكل متدرجة في‬
‫ترابط تام مع المحتويات المقررة‪.‬‬
‫وخالصة القول‪ ،‬يتبين لنا ‪ -‬مما سبق ذكره‪ -‬أن بالمقاربة بالكفايات هي‬
‫التي تنصب على المتعلم‪ ،‬وتعنى بتطوير الكفايات والقدرات لديه‪ ،‬بوضعه‬
‫أمام الوضعيات‪ -‬المشكالت التي تستوجب حال ناجعا انطالقا من سياق ما‪.‬‬
‫بمعنى أن المقاربة بالكفايات هي مقاربة تربوية جديدة‪ ،‬تعطي األولوية‬
‫للمتعلم الذي يملك القدرة على اكتساب المعارف والموارد التي ينبغي‬
‫توظيفها في أثناء مواجهته للوضعيات الصعبة والمعقدة‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬تهدف هذه المقاربة التربوية المعاصرة إلى تكوين متعلم كفء‪،‬‬
‫يعرف كيف يستثمر المعرفة ويوظفها‪ ،‬ويعرف كيف ينمي تفكيره بطريقة‬
‫ميتامعرفية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬ال تهتم هذه المقاربة بالمحتويات والمعارف كما هو‬
‫حال المدرسة التقليدية‪ ،‬بقدر ما تهتم بالكيف والوعي بطريقة اكتساب‬
‫المعارف والمهارات والمواقف والكفايات التواصلية والثقافية والمنهجية‪.‬‬
‫ويعني هذا أن هذه النظرية تربط الكفايات بالوضعيات داخل سياق تداولي‬
‫ما‪.‬‬
‫وأهم إيجابية تمتاز بها هذه المقاربة التربوية هو إعادة النظر في مقاييس‬
‫التقويم واالختبار‪ ،‬واالستعانة بالتقويم اإلدماجي الكفائي في الحكم على‬
‫الكفاءات والقدرات التعلمية‪ .‬ومن مزايا هذه المقاربة كذلك أنها تتبع الحياة‬
‫الشخصية للمتعلم طوال مساره الدراسي‪ ،‬فتقيم عالقة تفاعلية إيجابية بين‬
‫المتعلم والمعلم‪ ،‬مع تجذير النشاط التعلمي في الحياة الشخصية‬
‫للمتعلم‪.‬فضال عن التركيز على ماهو كيفي ومنهجي ومهاري‪.‬‬
‫‪351‬‬
‫بيد أنه اليمكن تطبيق هذه المقاربة في األقسام التعليمية المكتظة بالتالميذ‪.‬‬
‫واليمكن أيضا تمثلها في الفصول الدراسية العادية التي فيها تعدد في‬
‫الفوارق الفردية الناتجة عن سياسة الخريطة المدرسية‪ .‬ويتعذر أيضا‬
‫تطبيقها في األقسام المشتركة كما هو الشأن في المغرب‪ .‬كما تستوجب هذه‬
‫المقاربة أن يحضر المدرس الكفائي مجموعة من الوضعيات الصعبة التي‬
‫تتناسب مع مستوى المتعلم‪ .‬ناهيك عن تعقد مساطير التقويم اإلدماجي‬
‫بالنسبة للمدرس‪ .‬كما أن الحاجة ماسة إلى تكوين المدرس في إطار هذه‬
‫البيداغوجيا تكوينا كفائيا حقيقيا ومنتجا ومبدعا وهادفا‪ ،‬حيث يصبح‬
‫المدرس موجها ومرشدا ومحضرا للوضعيات اإلدماجية‪ ،‬وليس معلما‪ ،‬أو‬
‫ملقنا‪ ،‬أو مالكا للمعرفة الموسوعية التي يريد أن يشحن بها عقل المتعلم‬
‫كما‪ ،‬وليس كيفا‪.‬‬

‫‪352‬‬
‫الفصل السابع‪:‬‬

‫الوضعيات الديدكتيكية وغير الديدكتيكية‬

‫‪353‬‬
‫إذا كانت التربية التقليدية أو الكالسيكية تعتمد على المسائل والتمارين‬
‫واالختبارات والمسائل المباشرة في عملية التقويم‪ ،‬فهن التربية الحديثة‬
‫والمعاصرة تأخذ بالوضعيات الديدكتيكية واإلدماجية في بناء‬
‫التعلمات‪،‬والسيما مع هور المقاربة بالكفايات وبيداجوجيا اإلدما ‪ .‬ومن‬
‫هنا‪ ،‬يمكن الحديث عن أنوا‪ ،‬ثالثة من الوضعيات على النحو التالي‪:‬‬
‫‪ ‬الوضعيات الديدكتيكية‪.‬‬
‫‪ ‬الوضعيات جير الديدكتيكية‪.‬‬
‫‪‬الوضعيات اإلدماجية‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬تنبني المقاربة بالكفايات على إعداد الوضعيات‪ -‬المسائل في‬
‫شكل عوائق ديدكتيكية وتربوية قصد التكيف معها ‪ ،‬وإيجاد الحلول‬
‫المناسبة لها بغية بناء التعلمات الجديدة‪ ،‬واستكشاف المجهول‪.‬ومن ثم‪،‬‬
‫يكون الغرض من بناء هذه الوضعيات هو تحقيق أهداف تعلمية محضة‬
‫لتحسين جودة التعلمات لد التلميذ في فضاء تربوي وديدكتيكي ‪ ،‬ضمن‬
‫ما يسمى بالوضعي ت الديدكتيكية(‪ .)Situations didactiques‬في‬
‫حين‪ ،‬ثمة وضعيات أخر تلقائية وعفوية أخر اليكون هدفها هو تحقيق‬
‫األجراض واألهداف التعلمية ‪ ،‬كالتعلم في أثناء اللعب أو األنشطة‬
‫األخر ‪ ،‬وتسمى ب لوضعي ت غي الديدكتيكية ( ‪Situations‬‬
‫‪ .)adidactiques‬ومن جهة أخر ‪ ،‬يمكن الحديث عن وضعيات‬
‫إدماجية)‪ (Situations intégrales‬يكون الهدف منها هو إدما‬
‫الموارد التي استضمرها المتعلم في حل الوضعيات المعقدة والمركبة بغية‬
‫التحقق من قدرات المتعلم وكفاءاته وم هالته المختلفة‪.‬‬

‫‪354‬‬
‫ولقد ميز جوي بروسو ا‪ 339 Brousseau‬وروجي كزافييا ‪Rogier‬‬
‫‪ Xavier‬وجيرهما بين الوضعيات الديدكتيكية وجير الديدكتيكية وفق‬
‫مجموعة من االيات اإلجرائية المخصصة لكل نو‪ ،‬على حدة‪.‬‬
‫إذا‪ ،‬ما الفرق بين الوضعيات الديدكتيكية وجير الديكتيكية؟ وما مميزات‬
‫كل وضعية على حدة؟ وما خصوصياتها؟ وما أهدافها؟ وكيف نصوغ‬
‫الوضعيات الديدكتيكية وجير الديدكتيكية؟ هذا ما سوف نتبينه في المباحث‬
‫التالية‪.‬‬

‫المبحث األول مفهوم الوضعية والوضعية ‪ -‬المشكاة‬


‫قبل الحديث عن الوضعيات الديدكتيكية ‪ ،‬البد من التوقف عند الوضعية ‪-‬‬
‫المشكلة التي يبنى عليها الدرس التعلمي‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فهي ترتبط بالمقاربة‬
‫بالكفايات وبيداجوجيا اإلدما على مستو التحويل واالستثمار‪ .‬و يحتل‬
‫مفهوم الوضعية أو الوضعية ‪ -‬المشكلة مكانة مركزية في هندسة التكوين‬
‫بصفة عامة؛ ن را ألن عدة التكوين أو المنها ‪ ،‬يستعمل‪ ،‬من البداية إلى‬
‫النهاية‪ ،‬الوضعية كهطار أو وعاء لتعبئة المكتسبات‪ ،‬سواء كان ذلك في‬
‫تعلم التحويل‪ ،‬أو في تقويم القدرة عليه ‪ ،‬أو في تحديد أو تقويم درجة‬
‫التحكم في الكفايات‪.‬‬

‫‪339‬‬
‫‪-G. BROUSSEAU(1998), Théorie des Situations Didactiques,‬‬
‫‪La pensée sauvage ; G. BROUSSEAU(1997), Théories des‬‬
‫‪situations‬‬ ‫‪didactiques,‬‬ ‫‪Conférence‬‬ ‫‪de‬‬ ‫‪Montreal,‬‬
‫]‪http://math.unipa.it/~grim/brousseau_montreal_03.pdf;[3‬‬ ‫‪G.‬‬
‫‪BROUSSEAU(2000),‬‬ ‫‪Education‬‬ ‫‪et‬‬ ‫‪didactique‬‬ ‫‪des‬‬
‫‪mathématiques,http://math.unipa.it/~grim/brousseau_didact_03.pdf‬‬

‫‪355‬‬
‫يمكن القول بأن الوضعية إطار سياقي يجعل المتعلم يحس بأنه في وضع‬
‫مألوف‪ ،‬جير أن هذا اإلطار يضعه أمام عائق جديد ومركب‪ ،‬وهذا‬
‫العائق‪ ،‬الذي يتم تصوره كمشكل يجب حله أو كمهمة يكلف إنجازها في‬
‫كل مرة جهدا أكبر‪ ،‬يتطلب تعبئة انتقائية ومدمجة لموارد أو معارف تم‬
‫اكتسابها في السابق‪ .‬ويساهم تعدد الوضعيات التي تتميز بتصاعد وتيرة‬
‫متطلباتها على المد القريب في بناء معارف ومهارات جديدة‪ ،‬وعلى‬
‫‪340‬‬
‫المد المتوسط أو البعيد في التحكم التدريجي في الكفايات‪.‬‬
‫إذا‪ ،‬تستلزم الوضعية وجود ذات م هلة تتفاعل مع وضعية مأخوذة من‬
‫المحيط أو البيئة التي تعي فيها هذه الذات ‪.‬وتتميز تلك الوضعية السياقية‬
‫بكونها معقدة أو مركبة أو صعبة‪.‬أي‪ :‬إنها بمثابة عائق كبير يثير مشاكل‬
‫وتحديات وصعوبات للمتعلم ‪ ،‬وتتطلب منه أن يجد لها حلوال مناسبة ‪ ،‬قد‬
‫تكون تلك الحلول فردية أو ثنائية أو جماعية‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يقصد بالوضعية مجموعة من ال روف البيئية التي يوجد فيها‬
‫المتعلم ‪ ،‬أو هي تلك العالقة التي تجمع الذات المفردة أو المتعددة‬
‫بموضو‪ ،‬ما‪.‬‬

‫الوضعي ت الديدكتيكية‬ ‫المبحث الث ن‬


‫تعني الوضعيات الديدكتيكية تلك الوضعيات‪ -‬المسائل التي يكون الهدف‬
‫منها الرجبة في التعليم أو التعلم ‪ ،‬إما بطريقة مباشرة ‪ ،‬وإما بطريقة‬
‫جير مباشرة‪ .‬ومن هنا‪ " ،‬فالوضعي ت المس ل الديدكتيكية هي‬
‫الوضعيات التي ين مها المدرس لجماعة الفصل قاطبة في سياق تعلم‬
‫جديد‪ :‬درايات‪ ،‬إتقانات جديدة إل ‪ .‬وإليكم فيما يلي التعريف الذي يقدمه‬

‫‪ - 340‬وزارة التربية الوطنية‪ :‬دليل المقاربة بالكفايات‪ ،‬مكتبة المدارس‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫المغرب‪ ،‬الطبعة األولى دجنبر‪2009‬م‪ ،‬ص‪.27-26:‬‬
‫‪356‬‬
‫كل من راينالا‪ Raynal‬وريونييا‪ : Rieunier‬وضعية بيداجوجية‬
‫موضوعة من قبل أخصائي في التربية بهدف‪:‬‬
‫‪ ‬خلق فضاء تفكير وتحليل للتالميذ حول مسألة يتعين حلها‪ ،‬أو حول‬
‫عائق ينبغي تجاوزه تبعا الصطالو ا‪. Martinand‬‬
‫‪ ‬تمكين التالميذ من مفهمة تمثالت جديدة بخصوه موضو‪ ،‬محدد‬
‫انطالقا من هذا الفضاء المسألة‪.‬‬
‫لقد أطلق ا‪ Deketele‬على هذه الوضعيات تسمية وضعي ت‬
‫االستكش ف؛ وهي تستجيب للمبدإ الذي يكتسب التالميذ من خالله وبشكل‬
‫أفضل ‪ ،‬درايات وإتقانات ساهموا في إرسائها وكانت محط تفكيرهم‬
‫‪341‬‬
‫واستطاعوا أن يقوموا ببحث حولها‪.‬‬
‫ويعني هذا أن الوضعيات الديدكتيكية هي التي تحمل في طياتها مشكلة أو‬
‫عائقا تربويا وديدكتيكيا ينبغي حله من قبل المتعلم ‪.‬ومن ثم‪ ،‬تكون تلك‬
‫الوضعية من وضع أخصائيين في مجال التربية والتعليم‪ ،‬ويكون هدفها‬
‫تعليمي محض‪ ،‬والغرض منها إكساب المتعلم درايات ومهارات جديدة ‪،‬‬
‫وحثه على استخدام عقله وتفيكيره في مواجهة الوضعيات المعقدة بغية‬
‫بناء معارفه‪ ،‬واستكشاف الجديد‪ ،‬ويتحقق ذلك كله في وسط أو فضاء‬
‫ديدكتيكي مالئم للتعلم‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬يقول روجر كزافيي‪ :‬إننا‬
‫النبحث بالضرورة عن التحقق من تمكن كل تلميذ على حدة من هذا‬
‫االكتساب؛ بل نبحث عن خلق فعالية قصو للتعلم لد أكبر عدد ممكن‬
‫من التالميذ‪.‬يتعلق األمر ‪ -‬إذا‪ -‬بوضعية مسألة في هيئة سيرورة تستعمل‬
‫من أجل التحسين األفضل لجودة تعلم معين‪.‬وتندر ضمن هذه الفئة‬
‫التحديات المطروحة على التالميذ‪ ،‬كاأللعاب والمشاريع؛ وبصفة عامة‪،‬‬

‫‪ - 341‬كسافيي روجييرز ‪ :‬التدريس بالكفايات(وضعيات إلدماج المكتسبات)‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبد‬


‫الكريم غريب‪ ،‬منشورات عالم التربية‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2007‬م‪،‬‬
‫ص‪.33:‬‬
‫‪357‬‬
‫مجمو‪ ،‬األنشطة الموضوعة بهدف التعليم بطريقة تحفيزية‪.‬ويمكنها أن‬
‫تكون أيضا وضعية مسألة مفتوحة‪ ،‬تقترو من قبيل االستكشاف اطرو‬
‫أسئلة حول‪ ،...‬طرو فرضيات حول‪ ، ...‬وتوجه لتحضير عمل‬
‫‪342‬‬
‫الحق‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فالوضعيات الديدكتيكية هي تلك الوضعيات التي يكون الهدف‬
‫منها التعلم الكفائي‪ ،‬وإدما المعارف والموارد لحل الوضعيات‪-‬‬
‫المشكالت‪ ،‬ضمن فضاء ديدكتيكي تعاقدي تفاوضي‪.‬‬
‫إذا‪ ،‬نعني بالوضعيات الديدكتيكية ‪ 343‬تلك الوضعيات التعلمية التي‬
‫يختارها المدرس لمتعلميه من أجل التثبت من كفاءاتهم الرئيسة والنوعية‬
‫والمرحلية والنهائية والممتدة ‪ .‬ويكون الغرض منها هو بناء التعلمات‬
‫بطريقة إدماجية جزئية أو كلية‪ .‬واليمكن الحديث عن وضعيات ديدكتيكية‬
‫إال بوجود المثلث الديدكتيكي الذي يتمثل في المدرس من جهة أولى‪،‬‬
‫والمتعلم من جهة ثانية‪ ،‬والمعرفة من جهة ثالثة‪.‬عالوة على ذلك التعاقد‬
‫المبرم بين المدرس والتلميذ إلنجاز الوضعيات وإيجاد الحلول المناسبة‬
‫لها‪ ،‬أو من أجل بناء التعلمات حسب المقاطع الديدكتيكية امقطع البداية‪،‬‬
‫مقطع الوسط‪ ،‬ومقطع النهاية ‪.‬‬
‫ويعني التعاقد هنا التزام الطرف الثاني أال وهو المتعلم بتنفيذ الوضعية‪،‬‬
‫بعد استيعاب مضامينها وتعليماتها ومحتوياتها ‪ ،‬وفهم م شراتها الكمية‬
‫والكيفية‪ ،‬والتزام الطرف األول بتأهيل المتعلم تأهيال جيدا‪ ،‬بهكسابه‬
‫مجموعة من المعارف والموارد والمواقف والمهارات والدرايات لحل‬
‫الوضعيات‪ ،‬سواء أكانت معقدة أم مركبة‪ .‬ويشترط في الوضعيات‬
‫الديدكتيكية أن تكون داخل الفضاء أو الوسط الديدكتيكي لتكون وضعيات‬

‫‪ - 342‬روجر كزافيي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.33:‬‬


‫‪343‬‬
‫‪-Brousseau, G. (1998). Théories des situations didactiques. La‬‬
‫‪pensée Sauvage, Grenoble.‬‬
‫‪358‬‬
‫تعلمية ديدكتيكية تمييزا عن الوضعيات جير الديدكتيكية التي يكون‬
‫جرضها أيضا التعلم‪ ،‬ولكن في فضاءات بعيدة عن فضاء القسم ‪ ،‬أو‬
‫الفضاء الدراسي‪.‬‬
‫وجالبا‪ ،‬ما تسمى الوضعيات الديدكتيكية بالوضعيات االستكشافية‪،‬‬
‫وتو ف في بداية الدرس ‪ ،‬أو في بداية التعلم‪ ،‬أو في أثناء بناء المقطع‬
‫األولي أو التمهيدي‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فالوضعية الديدكتيكية هي وضعية تعلمية يقترحها المدرس على‬
‫المتعلمين في إطار عملية االستكشاف وتعلم معارف ومهارات جديدة‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬تستند الوضعيات الديدكتيكية إلى مجموعة من الشروط والمبادئ‬
‫الرئيسة‪:‬‬
‫‪ ‬إرساء التعلمات والتداريب‪.‬‬
‫‪ ‬التعلم عن طريق الوضعيات المعقدة والمركبة‪.‬‬
‫‪ ‬التعاقد الديدكتيكي‪.‬‬
‫‪ ‬وجود فضاء ديدكتيكي‪.‬‬
‫‪ ‬مراعاة المثلث الديدكتيكي‪.‬‬
‫‪ ‬تحقيق األهداف والكفايات‪.‬‬
‫‪ ‬االستكشاف وبناء التعلمات الجديدة‪.‬‬
‫‪ ‬وجود واسطة تأهيلية‪.‬‬
‫‪ ‬التركيز على التعلم الديدكتيكي‪.‬‬
‫‪ ‬تنفيذ الوضعيات‪ -‬المشكالت وتقويمها وتصحيحها ومعالجتها‪.‬‬

‫‪359‬‬
‫وتنقسم الوضعيات الديدكتيكية إلى وضعيات تعلمية ووضعيات إدماجية‬
‫‪.‬وهنا‪ ،‬الينبغي الخلط بين وضعية اإلدما ووضعية التعلم‪.‬فو يفة هذه‬
‫األخيرة‪ ،‬هي اكتساب المتعلمين موارد جديدة‪ :‬امفهوم جديد‪ ،‬قاعدة‬
‫جديدة‪ ،‬مهارة جديدة‪ ،‬إل ‪.‬فمثال عندما يقترو عليهم المدرس صنع علبة‪،‬‬
‫انطالقا من ورق مقو ‪ ،‬من أجل جعلهم يكتشفون المكعب أو جيره من‬
‫المجسمات الهندسية‪ ،‬فهن األمر يتعلق بوضعية تعلم‪ .‬وبالمثل‪ ،‬عندما‬
‫يقترو المدرس على المتعلمين نصا‪ ،‬ويطلب منهم أن يتعرفوا الكلمات‬
‫التي تعوض األسماء‪ ،‬من أجل جعلهم يكتشفون الضمائر‪ ،‬فهن األمر‬
‫يتعلق مرة أخر بوضعية التعلم‪.‬‬
‫فهذا كانت وضعيات اإلدما تو ف بعد اكتساب مجموعة من التعلمات‬
‫الجزئية قصد إدماجها‪ ،‬فهن وضعيات التعلم تصلة لبناء مفاهيم ومهارات‬
‫جديدة‪.‬‬
‫إن لوضعيات التعلم أهمية خاصة‪ ،‬لكن العمل بها ليس ضروريا ‪ ،‬منذ‬
‫البداية‪ ،‬بالنسبة للمدرس الحديث العهد بالمقاربة بالكفايات‪.‬‬
‫وفي بعض األحيان‪ ،‬يعوض مصطلة وضعية التعلم بمصطلة آخر هو‬
‫الوضعية الديدكتيكية‪.‬وفي الواقع وضعيات اإلدما قد تصلة أيضا‬
‫لتحقيق التعلم‪ ،‬عندما نستعملها لتدريب المتعلمين على إدما مكتسباتهم‬
‫‪344‬‬
‫وتنمية كفاياتهم‪.‬‬
‫إذا‪ ،‬يكون العمل بالوضعيات التعلمية في مرحلة بداية الدرس في شكل‬
‫استكشاف استثماري وتحفيزي ‪ ،‬واالستعداد لبناء الدرس‪ ،‬وتقطيع‬
‫تعلماته‪.‬‬

‫‪ - 344‬وزارة التربية الوطنية‪ :‬دليل بيداغوجيا اإلدماج‪ ،‬مكتبة المدارس‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2009‬م‪ ،‬ص‪.49:‬‬
‫‪360‬‬
‫بينما تكون الوضعيات اإلدماجية في آخر المرحلة الدراسية‪ ،‬أو في آخر‬
‫أسابيع اإلدما ‪.‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬فالوضعيات الديدكتيكية هي تلك الوضعيات التعلمية التي تقدم‬


‫في األسابيع الست األولى‪ ،‬ضمن ما يسمى بهرساء الموارد في شكل‬
‫معارف‪ ،‬وتعلمات‪ ،‬ودرايات‪ ،‬ومواقف‪ ،‬ومهارات‪...‬ومن ثم‪ ،‬تدرس هذه‬
‫التعلمات وفق بيداجوجيا األهداف‪ ،‬وتقوم وفق إدما جزئي في شكل‬
‫دعم‪ ،‬وتوليف‪ ،‬ومراجعة‪ .‬وجالبا‪ ،‬ماترتبط هذه الوضعيات بالتعلمات‬
‫الجديدة انطالقا من كفايات نوعية جديدة‪ .‬وتستند إلى تعلمات المقرر‬
‫الدراسي من جهة‪ ،‬والتعلمات المكتسبة خالل مراحل الدرس من جهة‬
‫أخر ‪.‬‬

‫المبحث الث لث الوضعي ت غي الديدكتيكية‬


‫نعني بالوضعيات جير الديدكتيكية ا‪Situations non didactiques‬‬
‫تلك الوضعيات التي تقدم للمتعلمين والمهنيين والحرفيين خار الفضاء‬
‫الديدكتيكي‪ ،‬وخار التعاقد الديدكتيكي‪ ،‬وخار المثلث الديدكتيكي‪ .‬ومن‬
‫هنا‪ ،‬يمكن الحديث عن مجموعة من الوضعيات التعلمية التي تقدم‬
‫للمتعلمين أو المتدربين في فضاءات مهنية أو تدريبية‪ ،‬أو في معامل‬
‫ومصانع يراد بها التعلم‪ ،‬ولكن ليست ديدكتيكية ‪ ،‬مادام ليس هناك فضاء‬
‫دراسي للتعلم‪ ،‬وليس هناك تعاقد تربوي‪ ،‬أو ليس هناك تبادل ديدكتيكي‬
‫‪361‬‬
‫بين األطراف الملتزمة الثالثة وهي‪ :‬المعلم‪ ،‬والمتعلم‪ ،‬والمعرفة‪ .‬ومن‬
‫أمثلة ذلك تعلم قيادة الدراجة‪ ،‬أو تعلم سياقة السيارات‪ ،‬أو تعلم طرائق‬
‫تفصيل اللباس‪ ،‬أو تعلم مباد ء التمثيل المسرحي والسينمائي‪...‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬يتحقق هذا التعلم خار الفضاء الدراسي‪ ،‬أو خار الفضاء‬
‫الديدكتيكي‪.‬ويعني هذا أن التعلم لم يتحقق في بيئة ديدكتيكية تعلمية‪ ،‬بل‬
‫تحقق في فضاءات خار الصف الدراسي‪ ،‬أو خار الم سسة التعليمية‪-‬‬
‫التعلمية‪.‬ومن هنا‪ ،‬ترتبط الوضعيات جير الديدكتيكية باكتساب المعارف‪،‬‬
‫ولكن بطرائق جير ديدكتيكية‪ ،‬وخار الفضاء الصفي أو الدراسي‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فالوضعيات جير الديدكتيكية هي تلك الوضعيات التي يواجهها‬
‫فرد ما ليس بغرض التعلم الديدكتيكي‪ ،‬أو اكتساب مفهوم تعلمي تدريسي‬
‫ما‪ .‬فالوضعيات جير الديدكتيكية هي تلك الوضعيات التي لم تبن من أجل‬
‫هدف تعلمي‪ ،‬بل هي وضعية عادية العالقة لها بالتعلمات الدراسية‬
‫كالوضعيات الحياتية والطبيعية والمهنية المنفصلة عن المجال‬
‫البيداجوجي والديدكتيكي‪ .‬ويعني هذا أن الوضعية الطبيعية مستقلة عن‬
‫الحاجة التعليمية؛ فهي التبنى من أجل أهداف تعلمية‪ .‬فبهمكاني أن أخيط‬
‫فستانا لتلبية طلب ما‪ ،‬ويكون الحال أفضل إذا صادفت أهدافي‬
‫البيداجوجية هذا الطلب الحقيقي؛ وبهمكاني كذلك أن أخلق الحاجة لخياطة‬
‫فستان في إطار التعلم‪.‬ورجم أن المنتو االفستان سيصلة في واقع‬
‫األمر لشخه ما‪ ،‬فأنا ال أبني حاجة حقيقية‪ .‬ففي الحياة المدرسية‪،‬‬
‫يصعب إيجاد وضعيات تلبي حاجة حقيقية‪ ،‬فقد تقترب منها أحيانا في‬
‫وضعيات مثل إنتا مجلة‪ ،‬أو تن يم حفلة أو خرجة‪.‬‬

‫‪362‬‬
‫من حيث طبيعة هذه الوضعيات‪ ،‬فهي ليست ديدكتيكية؛ واليعني هذا أن‬
‫من يقوم بحلها اليتعلم؛ إننا نتعلم بطبيعة الحال في أي سن؛ ويعن هذا‬
‫‪345‬‬
‫أنه ليست منظمة من قبل شخص معين ألهداف تعامية‪".‬‬
‫وعلى الرجم من وجود و يفة التعلم في الوضعيات جير الديدكتيكية‪ ،‬فهن‬
‫هذه الوضعيات التخضع للوساطة الديدكتيكية من جهة أولى‪ ،‬واليكون‬
‫الهدف منها هو التعلم الدراسي أو الديدكتيكي من جهة ثانية‪ ،‬والتنجز في‬
‫وسط تعلمي ديدكتيكي من جهة رابعة‪ ،‬والتخضع للتعاقد الديدكتيكي‬
‫التفاوضي التشاركي الموجود بين المدرس والمتعلم من جهة خامسة‪ ،‬وال‬
‫تنبني على فلسفة الكفايات وبيداجوجيا اإلدما من جهة سادسة‪.‬‬
‫وبهذا‪ ،‬التستهدف الوضعية جير الديدكتيكية ما هو تعليمي وتعلمي ‪ ،‬بل‬
‫تصاغ الوضعية أو المسألة ألهداف أخر جير التعلم الدراسي‪ .‬وأكثر‬
‫من هذا قد تكون تعلمات هذه الوضعيات واقعية حقيقية‪.‬في حين‪ ،‬تبنى‬
‫الوضعيات الديدكتيكية بشكل تعلمي جير حقيقي وجير واقعي‪ ،‬وتستند إلى‬
‫تعلمات جديدة‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يمكن ترتيب الوضعيات بطريقة تنازلية‪ ،‬فهناك وضعيات جير‬
‫ديدكتيكية‪ ،‬ووضعيات ضعيفة ديدكتيكيا‪ ،‬ووضعيات قوية ديدكتيكيا‪ .‬ومن‬
‫هنا‪ ،‬فالوضعيات جير الديدكتيكية هي وضعيات أهداف طبيعية‪ .‬وهي‬
‫الوضعيات التي تطرحها الحياة اليومية والمهنية بكامل تنوعها‪ ،‬كتحرير‬
‫رسالة من أجل هدف محدد‪ ،‬وإرسالها إلى مرسل؛ وتن يم حملة توعية‬
‫يتحقق حدوثها بشكل فعلي؛ وتشخيه عطب في سيارة وإصالحه؛‬
‫وخياطة لباس بطلب شخه ما حتى يتسنى به أن يرتديه فعال‪ ،‬وتعلم‬
‫سياقة الدراجة أو قيادة السيارة‪...‬‬

‫‪ - 345‬روجرز كزافيي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.51-50:‬‬


‫‪363‬‬
‫أما الوضعيات الضعيفة ديدكتيكيا‪ ،‬فهي وضعيات أهداف مستغلة في‬
‫إطار مدرسي من أجل تعلم إدما المكتسبات وتقويمها ‪.‬ويعني هذا أن‬
‫وضعية الهدف هي التي ينبغي على المتعلم القيام بحلها في إطار‬
‫مدرسي‪ ،‬إال أنه قد يكون لزما بحلها في إطار جير مدرسي شأنه في ذلك‬
‫شأن أي شخه آخر‪ .‬ومن هنا‪ ،‬ترتبط الوضعيات الضعيفة ديدكتيكيا‬
‫بوضعيات األهداف وهذه الوضعيات مكملة للوضعيات اإلدماجية ذات‬
‫الطابع الديدكتيكي‪.‬‬
‫أما الوضعيات القوية ديدكتيكيا ‪ ،‬فهي الوضعيات‪ -‬المسائل المن مة من‬
‫أجل تعلمات جديدة‪ .‬وهي وضعيات مبنية ألهداف تعلمية وديدكتيكية‬
‫محضة‪.‬‬

‫المبحث ال ابع الوضعي ت اإلدم عية‬


‫نعني بالوضعيات اإلدماجية ا‪ Situations integrales‬تلك‬
‫الوضعيات ‪-‬المشكالت المرتبطة ببيداجوجيا اإلدما ‪ .‬والمراد منها إدما‬
‫المتعلم لمجموعة من الموارد التي اكتسبها المتعلم أو استضمرها في شكل‬
‫قدرات ومحتويات ومعارف ومهارات ومواقف ودرايات‪ ،‬كان هذا المتعلم‬
‫قد تدرب عليها إبان أسابيع إرساء الموارد‪ ،‬أو في أثناء حصه التوليف‬
‫والدعم والمراجعة ‪ ،‬أو ما يسمى أيضا باإلدما الجزئي بغية وضع‬
‫المتعلم أمام وضعيات إدماجية معقدة ومركبة إليجاد الحلول المناسبة التي‬
‫تجعل منه إنسانا كفئا وم هال لمواجهة الوضعيات التعلمية والحياتية على‬
‫حد سواء‪.‬‬
‫وتسمى وضعيات اإلدما أيضا بوضعيات الهدف عند روجرز كزافيي؛‬
‫حيث يعرفها بقوله في كتابه ابيداغوعي اإلدم ج ‪ :‬وضعيات اإلدما ‪ ،‬أو‬
‫وضعيات الهدف هي الوضعيات التي يقترحها المدرس أو المكون ‪،‬‬
‫والتي يجب على كل متعلم أن يكون قادرا على حلها بمفرده‪ ،‬بتعبئة‬

‫‪364‬‬
‫الموارد المكتسبة خالل تعلمات الموارد ‪.‬وتتحدد‪ ،‬تلك الوضعيات‪ ،‬بحكم‬
‫طبيعتها ‪ ،‬من خالل الوضعية‪ -‬المشكلة ‪ ،‬مادام التلميذ أو الطالب‬
‫اليستطيع أن يدم مكتسبا معينا إال إذا واجه عدة وضعيات‪ -‬مشكلة‬
‫مركبة‪.‬يوجد‪ ،‬إذا‪ ،‬تطابق قوي بين وضعية اإلدم ج كما ين مها المدرس‬
‫والوضعية‪ -‬المشكاة موضو‪ ،‬اإلدما ‪.‬لهذا السبب‪ ،‬نتحدث عن وضعية‬
‫اإلدما دزون إضافة أي نعت لها‪.‬‬
‫ترتبط وضعيات اإلدما ارتباطا وثيقا بالكفايات التي يجب تنميتها‪.‬ولها‪،‬‬
‫بالتالي‪ ،‬عالقة مباشرة بالملمة الخاه للتلميذ أو الطالب عند التخر ‪.‬‬
‫وهي مناسبة بالنسبة لهذا األخير لتنمية الكفاية المستهدفة وترسي الموارد‬
‫المكتسبة ‪.‬‬
‫تستعمل بعض وضعيات اإلدما لتعايم اإلدم ج‪ ،‬ويستعمل بعضها ااخر‬
‫‪346‬‬
‫لغايات التئويم‪.‬‬
‫وإذا كانت الوضعيات الديدكتيكية التعلمية واالستكشافية مرتبطة ببداية‬
‫الحصة الدراسية‪ ،‬فهن الوضعية اإلدماجية تكون في آخر أسابيع المرحلة‬
‫‪ ،‬أو في نهاية المجزوءة الدراسية‪،‬ويكون الهدف منها هو اإلدما من‬
‫جهة‪ ،‬أو التقويم من جهة أخر ‪ .‬بل يمكن الحديث عن إدما جزئي إبان‬
‫حصه الدعم والتقوية والمراجعة والتوليف‪ ،‬وإدما كلي في آخر‬
‫المرحلة يكون بتنمية الكفاءة المستهدفة وإدماجها ‪.‬‬
‫إذا‪ ،‬يعتبر اإلدما ‪ ،‬في الخطاب البيداجوجي‪ ،‬سيرورة لتعبئة للمكتسبات‬
‫التعلمية الجزئية من أجل تو يفها بطريقة مدمجة‪،‬وتعد الوضعية‬
‫اإلدماجية من زاوية المقاربة بالكفايات‪ ،‬وضعية مركبة‪ ،‬حسب المبادئ‬
‫الواردة في التعريف أعاله‪ ،‬ومهيأة لتستغل عند نهاية مقطع من التعلمات‬
‫المجزأة‪.‬‬
‫‪ - 346‬روجريرس كزافييه‪ :‬بيداغوجيا اإلدماج‪ ،‬ترجمة نصر الدين الحافي وحماني أقفلي‪،‬‬
‫مكتبة المدارس‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2011‬م‪ ،‬ص‪.304:‬‬
‫‪365‬‬
‫تصاغ الوضعيات اإلدماجية‪ ،‬من جهة‪ ،‬لتمكن التلميذ من تعلم إدما‬
‫المكتسبات والتحقق من قدرته على ذلك‪ ،‬وعلى تدبير المركب‪ ،‬في القسم‬
‫أوال ثم في الحياة اليومية ثانيا‪ ،‬ومن جهة أخر ‪ ،‬تسمة للمدرس بتقويم‬
‫قدرة المتعلم على اإلدما ومستو تحكمه في المضامين المهارات‬
‫‪347‬‬
‫والقدرات التي أرستها مقاطع التعلمات المجزأة‪.‬‬
‫ويعني هذا أن السنة الدراسية ‪ ،‬وفق بيداجوجيا اإلدما ‪ ،‬مقسمة إلى أربع‬
‫مراحل‪ ،‬وتتكون كل مرحلة من ثمانية أسابيع‪ ،‬وتكون األسابيع الستة‬
‫األولى في خدمة الموارد المدعمة بالتوليف والمراجعة والدعم‪،‬أو ما‬
‫يسمى بالتعلمات الجزئية‪ ،‬أو اإلدما الجزئي‪ ،‬لتنتهي المرحلة بهدما‬
‫التعلمات ضمن ما يسمى بالوضعيات المركبة في جميع المواد الدراسية‪.‬‬
‫وتمتاز الوضعية اإلدماجية عن المسائل والتمارين التقليدية بكونها‬
‫وضعيات مرتبطة بسياقات حياتية تداولية‪ ،‬نابضة بالحياة‪ ،‬وفي عالقة‬
‫وثيقة بأسنادها ووثائقها وتعليماتها وم شراتها الكمية والكيفية‪ .‬ومن‬
‫شروطها أيضا أنها وضعية دالة ونابضة بالحياة ومستمدة من محيط‬
‫التلميذ‪ ،‬تخاطبه مباشرة‪ ،‬وتتضمن وسائل اإليضاو المناسبة ارسوم‪،‬‬
‫وصور‪ ،‬ونصوه‪ ،‬ووثائق‪ ...‬؛ ويدم فيها ما يسمى بكفايات الحياة‬
‫والقيم كالتربية البيئية‪ ،‬والتربية على التضامن‪ ،‬والسلم؛ وتتضمن تعليمات‬
‫سهلة وواضحة‪ ،‬تمكن المتعلم من العمل بكيفية فردية؛ وتستند‪ ،‬ما أمكن‪،‬‬
‫إلى وثائق حقيقية ‪.348‬‬
‫ويعني هذا كله أن الهدف من الوضعيات اإلدماجية هو تحقيق الكفاية‬
‫النمائية النوعية واألساسية‪ ،‬بهدما مختلف الموارد لحل الوضعية ‪-‬‬

‫‪ - 347‬وزارة التربية الوطنية‪ :‬دليل المقاربة بالكفايات‪ ،‬ص‪.27:‬‬


‫‪ - 348‬وزارة التربية الوطنية‪ :‬دليل بيداغوجيا اإلدماج‪ ،‬مكتبة المدارس‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2009‬م‪ ،‬ص‪.19:‬‬
‫‪366‬‬
‫المشكلة التي يجابهها المتعلم داخل الفضاء الديدكتيكي‪ ،‬ووفق التعاقد‬
‫الديكتيكي‪ ،‬وعبر الوساطة الديدكتيكية‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬تنقسم الوضعية اإلدماجية إلى قسمين‪ :‬وضعية إدماجية بهدف‬
‫اإلدما ‪ ،‬ووضعية إدماجية تقويمية لتقويم مد نماء القدرة الكفائية لد‬
‫المتعلم‪.‬وجالبا‪ ،‬ما يكون اإلدما التقويمي مرتبطا باالمتحانات ‪ ،‬والسيما‬
‫التقويم اإلشهادي والتقويم المستمر االمراقبة المستمرة ‪.‬‬
‫غي الوضعية اإلدم عية‬ ‫الوضعية الديدكتيكية الوضعية‬
‫الديدكتيكية‬
‫وضعية إدم عية من‬ ‫وضعيات‬ ‫هي‬ ‫هي وضعيات تعلمية‬
‫أجل إدما الموارد‬ ‫وحياتية‬ ‫طبيعية‬ ‫هادفة‪،‬‬ ‫ديدكتيكية‬
‫عند‬ ‫المكتسبة‬ ‫جير‬ ‫ومهنية‬ ‫تنجز إبان مراحل‬
‫وضعية‪-‬‬ ‫مواجهة‬ ‫وليس‬ ‫ديدكتيكية‪،‬‬ ‫الموارد‪،‬‬ ‫إرساء‬
‫مشكلة ما من أجل‬ ‫هدفها هو إرساء‬ ‫والهدف منها هو‬
‫الحلول‬ ‫إيجاد‬ ‫التعلمات التربوية‬ ‫الجزئي‬ ‫اإلدما‬
‫المناسبة لها‪.‬‬ ‫وإدماجها وتقويمها‪.‬‬ ‫بالدعم‪ ،‬والمراجعة‪،‬‬
‫والتوليف‪.‬‬
‫إدم عية‬ ‫وضعية‬
‫تئويمية يراد منها‬
‫تحقق‬ ‫تقويم مد‬
‫القدرة الكفائية لد‬
‫المتعلم‪ ،‬ويكون ذلك‬
‫التقويم‬ ‫إبان‬
‫اإلشهادي‪ ،‬أو تقويم‬
‫المراقبة المستمرة‪...‬‬

‫‪367‬‬
‫المبحث ال ابع التعايم وفق الوضعي ت الديدكتيكية‬
‫ينبني التعلم‪ ،‬أو التدريس‪ ،‬أو التعليم‪ ،‬وفق الوضعيات الديدكتيكية بمراعاة‬
‫المدخالت‪ ،‬والعمليات‪ ،‬والمخرجات‪ .‬أي‪ :‬البد من استحضار ثالث‬
‫عمليات رئيسة يقوم بها المدرس الكفء ‪ ،‬ويمكن حصرها في عملية‬
‫التخطيط‪ ،‬وعملية التدبير‪ ،‬وعملية التقويم‪.‬‬
‫المطاب األول تخطيط الوضعي ت الديدكتيكية‬
‫اليمكن تحصيل كل ما يتعلق بالتخطيط المتعلق بالوضعيات الكفائية‬
‫واإلدماجية إال باتبا‪ ،‬الخطوات التالية‪:‬‬

‫‪368‬‬
‫الف ا األول مفهوم التخطيط الديدكتيك‬
‫التخطيط الديدكتيكي هو ذلك المسار العالئقي الذي يسمة لنا بمعرفة‬
‫جميع العناصر البيداجوجية والعملية الضرورية من أجل تحقيق الكفاية‬
‫األساسية أو الهدف المنشود‪ .‬ويمكن أن يكون التخطيط الديدكتيكي الئحة‬
‫من المحتويات المنت مة بطريقة تراتبية متعاقبة‪ ،‬وقد يكون موضوعات‬
‫وتيمات‪ ،‬وقد يكون عبارة عن أهداف وكفايات متعاقبة ومتسلسلة‪ ،‬وقد‬
‫يكون عبارة عن موارد تربوية وم سساتية وبشرية ومالية وفضائية‬
‫وزمنية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فالتخطيط هو أول مرحلة من مراحل الفعل البيداجوجي‬
‫الذي يمهد لمرحلة اإلنجاز‪ ،‬ومرحلة التقويم‪ ،‬ومرحلة اإلدما ‪ ،‬ومرحلة‬
‫المعالجة‪.‬‬
‫ويذهب عبد الكريم جريب إلى أن التخطيط الديدكتيكي هو بمثابة عملية‬
‫تن يم وتصميم الوضعيات الديدكتيكية ‪ ،‬باعتبارها من العناصر المنسجمة‬
‫امدرس‪ ،‬ومادة‪ ،‬وتالميذ والمكونات المترابطة اأهداف‪ ،‬ووسائل‪،‬‬
‫وتقييم ‪...‬؛ ويتصل التخطيط الديدكتيكي للوضعيات بالبنيات الكبر ‪،‬‬
‫مثل‪ :‬البرام والمناه والوحدات الصغر ‪ ،‬مثل‪ :‬الدروس‪.‬‬
‫وتشير صفة اديدكتيك المتصلة بالتخطيط إلى شكل التفاعل بين المدرس‬
‫والتالميذ والمادة ألجل تحقيق أهداف معينة‪ ،‬ويتطلب تحديد هذا الشكل‪:‬‬
‫‪ ‬تقييم المنطلقات والمكتسبات السابقة إلزالة عوائق التعلم‪.‬‬
‫‪ ‬برمجة التعليم حسب تدرج األهداف المراد تحقيقها مرحليا‪.‬‬
‫‪349‬‬
‫‪ ‬تشخيص صعوبات التعلم وعالجها‪".‬‬
‫ويعني هذا أن التخطيط الديدكتيكي يشمل مختلف المراحل التي يقطعها‬
‫الدرس من البداية حتى النهاية‪.‬أي‪ :‬ينطلق من مرحلة تحديد األهداف‬
‫والكفايات‪ ،‬إلى مرحلة التقويم والمعالجة والتغذية الراجعة والدعم‪ ،‬مرورا‬
‫‪ - 349‬عبد الكريم غريب‪ :‬المنهل التربوي‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬منشورات عالم التربية‪ ،‬مطبعة‬
‫النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2006‬م‪ ،‬ص‪.761:‬‬

‫‪369‬‬
‫بمرحلة العمليات التي تتمثل في المحتويات والطرائق البيداغوجية‬
‫والوسائل الديدكتيكية‪ .‬وبتعبير آخر‪ ،‬يضم التخطيط الديدكتيكي المدخالت‬
‫والعمليات والمخرجات بشكل نسقي متعاقب‪.‬‬
‫ويمكن الحديث عن أنوا‪ ،‬ثالثة من التخطيط فيما يخه التعليم‬
‫بالوضعيات‪ ،‬ويمكن حصرها فيما يلي‪:‬‬
‫الف ا األول التخطيط عاى المدى البعيد (التخطيط السنوي)‬
‫يتخذ التخطيط الديدكتيكي مسارا هندسيا رباعيا‪ ،‬ففي بداية السنة‬
‫الدراسية‪ ،‬نعتمد على التقويم التشخيصي القبلي أو التمهيدي الذي يهدف‬
‫إلى توجيه المدرس توجيها تربويا صحيحا لكي يتفهم وضعيات الفصل‪،‬‬
‫ويحدد الفوارق البيداجوجية الموجودة عنده بغية خلق نو‪ ،‬من التقارب‬
‫بين التالميذ‪ .‬بمعنى أن التقويم التمهيدي التشخيصي بمثابة وصفة استباقية‬
‫وتوقعية توجه المدرس إلى مواطن القوة والضعف من أجل تدارك‬
‫الوضع التربوي‪ ،‬ومعالجته ديدكتيكيا‪ ،‬أو في ضوء معالجة داخلية أو‬
‫خارجية‪.‬‬
‫وبعد ذلك‪ ،‬تأتي فترة التعلمات التكوينية في شكل متتاليات أسبوعية‪ ،‬يقوم‬
‫فيها المدرس بهرساء الموارد ‪ ،‬و اختيار المحتويات‪ ،‬والطرائق‬
‫البيداجوجية‪ ،‬والوسائل الديدكتيكية المالئمة‪ .‬وتستهدف هذه المراحل‬
‫التكوينية نماء الكفاية وتثبيتها وإرسائها‪ .‬وتنقسم كل متوالية زمنية تكوينية‬
‫إلى مقاطع ووحدات دراسية مرتبطة بكفايات فرعية وأهداف محددة تخدم‬
‫الكفاية األساسية التي تتمثل في السلك االبتدائي‪ ،‬إما في كفاية التعبير‬
‫الشفوي‪ ،‬وإما في كفاية القراءة‪ ،‬وإما في كفاية الكتابة‪ ،‬وإما في كفاية‬
‫استيعاب علوم اللغة‪ ،‬واستثمارها و يفيا وسياقيا‪ .‬وتتخلل هذه المراحل‬
‫التكوينية مجزوءات إدماجية بينية بعد ستة أسابيع من التكوين‪ .‬وبهذا‪،‬‬
‫ينبني البرنام السنوي على أربع مجزوءات أسبوعية متسقة ومنسجمة‬
‫ومتطورة ‪ .‬وتتكون كل مجزوءة من ستة أسابيع‪ ،‬يتبعها أسبوعان‬

‫‪370‬‬
‫ل دما تعلما وإنجازا وتقويما ومعالجة‪ .‬وبهذا‪ ،‬يكون عدد أسابيع التعلم‬
‫ثمانية وثالثين أسبوعا‪ ،‬يضاف إليها أسبو‪ ،‬التقويم التشخيصي‪ ،‬وأسبو‪،‬‬
‫التقويم اإلشهادي‪ .‬وفي نهاية السنة الدراسية‪ ،‬نلتجئ إلى المجزوءة‬
‫اإلدماجية النهائية التي تشخه لنا مد تحقق الهدف اإلدماجي النهائي‬
‫السنوي‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن الوحدة األساسية لتدبير ا‪ la gestion‬التعلمات هي‬
‫المجزوءة ا‪ le module‬التي ت من بشكل متسق ومنسجم مجموعة من‬
‫الكفايات عبر ثالث محطات رئيسة هي‪:‬‬
‫‪ -1‬مرحلة استيعاب أو اكتساب التعلمات األساسية‪.‬‬
‫‪ -2‬مرحلة إدما التعلمات‪.‬‬
‫‪ -3‬مرحلة التقويم أو المعالجة‪.350‬‬
‫ومن باب العلم‪ ،‬فالمجزوءات أنوا‪ ،‬مختلفة ‪ :‬مجزوءات إجبارية‪،‬‬
‫ومجزوءات داعمة‪ ،‬ومجزوءات تكميلية‪ ،‬ومجزوءات اختيارية‪...‬‬
‫وقد أثبت كزافيي روجرز أن التعلمات تن م عمليا حسب تناوب نوعين‬
‫من التعلم‪ :‬تعلمات محدودة الهدف اتعام الموا د وتعام اإلدم ج‪ .‬يهدف‬
‫تعلم الموارد إلى تنمية الموارد الضرورية الكتساب الكفاية اقواعد‬
‫النحو‪ ،‬الصرف‪ ،‬اإلمالء‪ ،‬تقنيات الحساب‪. ...‬ويتم بالطريقة المعتادة وفق‬
‫بيداجوجيا األهداف‪ ،‬وذلك طوال ستة أسابيع‪.‬وفي األسبوعين السابع‬
‫والثامن‪ ،‬يتوقف المعلم كليا عن تدريس مفاهيم جديدة على أن يقترو على‬
‫المتعلمين‪ ،‬خالل هذين األسبوعين في كل مادة من المواد المقررة‪ ،‬حل‬

‫‪350‬‬
‫‪- Roegiers, X, la pédagogie de l’intégration en bref, Rabat, 2006,‬‬
‫‪PP.9-10.‬‬
‫‪371‬‬
‫وضعيات مركبة تتطلب تجنيد ما تعلمه المتعلم من موارد خالل األسابيع‬
‫‪351‬‬
‫الست السابقة‪.‬‬
‫ويرتبط التخطيط السنوي ا‪ la planification annuelle‬بالمنها أو‬
‫المقرر الدراسي‪ .‬وقد عرف تخطيط المنها ثالث محطات كبر ‪ :‬محطة‬
‫المضامين والمحتويات؛ حيث كان يعتمد في تخطيط المنها الدراسي‬
‫على موضوعات أو تيمات أو مفاهيم معينة‪ ،‬مثل‪ :‬الدراسة‪ ،‬والطفولة‪،‬‬
‫والهجرة‪ ،‬والعمل‪ ،‬والسفر‪ ،‬ووسائل النقل‪ ،‬والمدينة‪ ،‬والبادية‪....‬‬
‫أما المحطة الثانية‪ ،‬فهي محطة األهداف التي واكبت فترة الثمانين من‬
‫القرن العشرين‪ ،‬فقد قسمت األهداف التربوية إلى أهداف وجايات عامة‪،‬‬
‫وأهداف وسطى‪ ،‬وأهداف إجرائية خاصة ‪ ،‬في ضوء المن ور اللساني‬
‫السلوكيا واطسون‪ ،‬وبافلوف‪ ،‬وسكينر ‪.‬‬
‫أما المحطة الثالثة‪ ،‬فهي محطة الكفايات التي تبلورت في المغرب في‬
‫سنوات العقد األول من األلفية الثالثة لربط التعليم بواقع الشغل والمهننة‪.‬‬
‫وقد انبنت هذه الن رية الجديدة على مجموعة من التصورات‬
‫اإلبستمولوجية‪ ،‬مثل‪ :‬الن رية المعرفية‪ ،‬والن رية التوليدية التحولية انوام‬
‫شومسكي ‪ ،‬والن رية البنائية التكوينية اجان بياجي ‪ ،‬وكل الن ريات‬
‫السياقية التي تربط الذات بالمحيط أو السياق الخارجي‪ .‬دون أن ننسى‬
‫الن ريات التربوية القائمة على التعلم الذاتي‪ ،‬ومراعاة الفوارق الفردية‬
‫االبيداجوجيا الالتوجيهية‪ ،‬والبيداجوجيا الم سساتية‪ ،‬وديناميكية‬
‫الجماعات‪ ،‬وبيداجوجيا التفريدية‪ ،‬وبيداجوجيا األخطاء‪...‬‬
‫و يهدف التخطيط السنوي إلى تجزيء المقررات التربوية ‪ ،‬أو تقسيم‬
‫المناه الدراسية سنوي ‪ ،‬بتوزيعها إلى مجموعة من المراحل التكوينية‬

‫‪ -351‬نقال عن وزارة التربية الوطنية ‪ :‬دليل األساتذة الجدد بالتعليم االبتدائي‪ ،‬منشورات‬
‫مديرية تكوين األطر‪ ،‬مركز اإلمام الغزالي لتكوين المعلمين والمعلمات‪ ،‬أكادير‪ ،‬المغرب‪،‬‬
‫‪2011-2010‬م‪ ،‬ص‪.26:‬‬
‫‪372‬‬
‫أوالمجزوءات الدراسية ‪ ،‬واختيار أنجع السبل من أجل تقويم إجمالي أو‬
‫نهائي مناسب بغية التثبت من مكتسبات التالميذ‪ ،‬أو من مد تحقق الكفاية‬
‫اإلدماجية النهائية لد طلبة الفصل الدراسي‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يتكون التخطيط السنوي من أربع مراحل كبر ‪ ،‬وتتضمن كل‬
‫مرحلة ثمانية أسابيع‪ ،‬تخصه األسابيع الستة األولى إلرساء الموارد‪،‬‬
‫ويخصه األسبوعان الباقيان ل دما ‪ ،‬كما يخصه األسبوعان الثالث‬
‫والسادس ألنشطة التوليف والتقويم والدعم‪ .‬وتشكل هذه األسابيع الثمانية‬
‫ما يسمى بالمجزوءة التي تبدأ بالكفاية‪ ،‬وتنتهي بالتقويم اإلدماجي‬
‫اإلجمالي والنهائي‪ .‬ويالح أن عدد المجزوءات أربع‪ ،‬يسبقها أسبو‪،‬‬
‫للتقويم التشخيصي‪ ،‬وأسبو‪ ،‬في آخر السنة للتقويم اإلشهادي‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬تنت م السنة الدراسية‪ ،‬في التعليم االبتدائي واإلعدادي والثانوي‪،‬‬
‫وفق التخطيط الكفائي واإلدماجي‪ ،‬بتحديد الكفايات النهائية أو األساسية‬
‫التي تتحقق في آخر السنة الدراسية‪ ،‬وتحديد مختلف الموارد التي سيتلقاها‬
‫المتعلم إلدماجها بطريقة جزئية أو كلية‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يتكون الغالف الزمني‬
‫للتعلمات من أربعة وثالثين أسبوعا كامال من النشاط الفعلي‪ ،‬يطابقها‬
‫حجم حصصي من ‪1000‬إلى ‪1200‬ساعة‪ .‬وتنقسم السنة الدراسية إلى‬
‫أربع مراحل أو درجات ‪ ،‬وتتكون كل مرحلة من ثمانية أسابيع؛ إذ‬
‫يخصه األسبو‪ ،‬األول والثاني والرابع والخامس إلرساء موارد الكفاية‪،‬‬
‫ويخصه األسبو‪ ،‬الثالث من كل مرحلة للربط والتوليف والدعم‬
‫والتقويم‪ ،‬أو ما يسمى كذلك باإلدما الجزئي‪ .‬بينما يخصه األسبو‪،‬‬
‫السابع والثامن ل دما ‪ ،‬فالسابع إلنماء الكفاية‪ ،‬ويخصه األسبو‪،‬‬
‫الثامن لتقويمها معالجة وتصحيحا ودعما‪.‬‬

‫‪373‬‬
‫ويستند تخطيط الوضعيات إلى الكتب المدرسية من جهة أولى‪ ،‬أو‬
‫وضعيات التعلم من جهة ثانية‪ ،‬أو كراسة الوضعيات اإلدماجية من جهة‬
‫ثالثة‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬تبدأ السنة الدراسية بتقويم تشخيصي للتعلمات التي اكتسبها المتعلم‬
‫في السنة المنصرمة بغية التحقق من الكفاية النهائية ‪ ،‬ومد ترسخها‬
‫عبر اإلنجاز التطبيقي‪ ،‬و عال مختلف التعثرات التي يمكن أن يقع فيها‬
‫المتعلم دعما وتقوية وتعزيزا‪.‬‬
‫وبعد ذلك‪ ،‬يخصه المدرس فترة للتقويمات التكوينية المرحلية وعال‬
‫التعلمات‪ ،‬وتخصيه أسبوعين في نهاية السنة الدراسية القتراو‬
‫وضعيات تعكس الكفايات األساسية للسنة الدراسية ‪ ،‬أو تحديد الهدف‬
‫النهائي ل دما لطور دراسي اإذا كنا في نهاية طور ‪.‬‬
‫عالوة على تخصيه أسبوعين بعد كل ستة أسابيع لمجزوءات اإلدما ‪،‬‬
‫يقوم المتعلم خاللها بحل ثالث وضعيات بالنسبة لكل كفاية نهائية‪ .‬ومن‬
‫ثم‪ ،‬يقترو المدرس وضعية للتدريب على اإلدما يمكن حلها في‬
‫مجموعات من ثالثة متعلمين‪ ،‬ووضعية للتقويم التكويني ينبغي حلها‬
‫بشكل فردي‪ ،‬ووضعية للعال أو التقوية ينبغي حلها بشكل فردي كذلك‪،‬‬
‫وتوزيع التعلمات الجزئية المرتبطة بالموارد على الفترات المتبقية‪.‬‬
‫‪374‬‬
‫ويمكن توضية ذلك كله على النحو التالي‪:352‬‬
‫األنشطة التعامية‬ ‫األس بيع‬
‫تقويم تشخيصي في بداية السنة‬ ‫‪1‬‬
‫الدراسية‬
‫‪2-7‬؛‪15-10‬؛‪23-18‬؛‪ .31-26‬التعلمات الجزئية‬
‫مجزوءة اإلدما المرحلية‬ ‫‪8-9‬؛‪17-16‬؛‪.25-24‬‬
‫تقويم تكويني‬
‫لنهاية السنة‬ ‫مجزوءة اإلدما‬ ‫‪.32-33‬‬
‫الدراسية‪.‬‬
‫تقويم الكفاية النهائية اخر السنة‬ ‫‪34‬‬

‫التخطيط عاى المدى المتوسط (م حاة كف ية‪ -‬ثم نية‬ ‫الف ا الث ن‬
‫أس بيع)‬
‫ينبني التخطيط المرحلي (‪)Planification intérmidiaire‬إلى توزيع‬
‫التعلمات الدراسية‪ ،‬أو تجزيء المقررات أو المناهج التربوية حسب‬
‫مراحل زمنية تكوينية معينة‪ :‬إما باتباع التكوين األسدوسي (ستة أشهر)‪،‬‬
‫وإما باختيار التكوين األثلوثي (ثالثة أشهر) ‪ ،‬وإما بانتهاج التكوين‬
‫التربوي والديدكتيكي حسب المجزوءات‪ .‬ويسمى هذا التخطيط أيضا‬
‫بالتخطيط المرحلي‪ ،‬أو التخطيط البيني‪ ،‬أو التخطيط التكويني‪ .‬وبتعبير‬
‫آخر‪ ،‬فالتقويم المرحلي ‪ -‬في الحقيقة‪ -‬مرتبط بإنجاز مجزوءة معينة في‬

‫‪ - 352‬وزارة التربية الوطنية‪ :‬دليل بيداغوجيا اإلدماج‪ ،‬مكتبة المدارس ‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2009‬م‪ ،‬ص‪.38:‬‬
‫‪375‬‬
‫ضوء كفاية أساسية معينة‪ ،‬بعد المرور بطبيعة الحال بمحطة اإلدماج‬
‫السياقي‪.‬‬

‫س‪8‬‬ ‫س‪7‬‬ ‫س‪6‬‬ ‫س‪5‬‬ ‫س‪4‬‬ ‫س‪3‬‬ ‫س‪2‬‬ ‫س‪1‬‬ ‫حاة‪1‬‬ ‫الم‬
‫س‪8‬‬ ‫س‪7‬‬ ‫س‪6‬‬ ‫س‪5‬‬ ‫س‪4‬‬ ‫س‪3‬‬ ‫س‪2‬‬ ‫س‪1‬‬ ‫حاة‪2‬‬ ‫الم‬
‫س‪8‬‬ ‫س‪7‬‬ ‫س‪6‬‬ ‫س‪5‬‬ ‫س‪4‬‬ ‫س‪3‬‬ ‫س‪2‬‬ ‫س‪1‬‬ ‫حاة‪3‬‬ ‫الم‬
‫س‪8‬‬ ‫س‪7‬‬ ‫س‪6‬‬ ‫س‪5‬‬ ‫س‪4‬‬ ‫س‪3‬‬ ‫س‪2‬‬ ‫س‪1‬‬ ‫حاة‪4‬‬ ‫الم‬

‫تتكون كل مرحلة من ثمانية أسابيعاس ‪ ،‬ستة أسابيع إلرساء الموارد‬


‫والتعلمات الدراسية ‪ .‬وهناك أسبوعان لتقديم الوضعيات اإلدماجية‬
‫وتقويمها وتصحيحها ومعالجتها‪.‬‬
‫الف ا الث لث التخطيط عاى المدى الئ يب(تخطيط د س أو مئطع‬
‫تعام )‬
‫نعني بالتخطيط اليومي ما ينجزه المدرس من تعلمات وكفايات مستعرضة‬
‫متعلقة بدرس أو حصة أو مقطع ديدكتيكي معين‪ ،‬وفق منهجيات المواد‬
‫المدرسة‪ ،‬ووفق تدبير محكم لمختلف اإليقاعات الزمنية التي على هديها‬
‫يقدم الوحدات المقطعية والمضامين التعلمية في مختلف المواد التي يقبل‬
‫عليها المتعلم في يومه الدراسي‪.‬‬
‫تدبي الوضعي ت الديدكتيكية‬ ‫المطاب الث ن‬
‫اليمكن فهم تدبير الوضعيات وتمثل مفاهيمها وأسسها وخطواتها‬
‫ومراحلها إال باالنت ام منهجيا وفق الخطوات التالية‪:‬‬
‫الف ا األول مفهوم التدبي الديدكتيك‬
‫يتعلق التدبير الديدكتيكي بتدبير العملية التعليمية ‪ -‬التعلمية على مستو‬
‫المدخالت ااألهداف والكفايات ‪ ،‬وعلى مستو العمليات االمحتويات‪،‬‬
‫‪376‬‬
‫والطرائق‪ ،‬ووسائل اإليضاو ‪ ،‬وعلى مستو المخرجات االتقويم‪،‬‬
‫والفيدباك‪ ،‬والمعالجة‪ ،‬والدعم ‪ .‬وال ننسى أيضا تدبير التعلمات‪ ،‬وتدبير‬
‫اإليقاعات الزمانية‪ ،‬وتدبير الفضاءات الدراسية‪ ،‬وتدبير عملية المراقبة‬
‫والتقويم‪.‬‬
‫وللتدبير الديدكتيكي عالقة وثيقة بمصطلحات أخر ‪ ،‬مثل‪ :‬اإللقاء‪،‬‬
‫والتدريس‪ ،‬وإدارة الصف‪ ،‬وقيادته ‪ ،‬وتدبيره‪...‬‬
‫و يعنى التدبير الديدكتيكي ببناء وضعيات تعليمية‪ -‬تعلمية تطبيقية في مدة‬
‫معينة‪ ،‬وتدبيرها في مستو دراسي معين‪ ،‬أو ضمن مستويات دراسية‬
‫مختلفة من مستويات المدرسة االبتدائية أو اإلعدادية أو التأهيلية‪ ،‬إما‬
‫داخل فصل دراسي أحادي‪ ،‬وإما داخل فصل دراسي مشترك‪ ،‬اعتمادا‬
‫على مجموعة من الوثائق والبرام الرسمية‪ ،‬باستعمال أشكال التنفيذ وفق‬
‫مقاربات متنوعة ومختلفة‪ ،‬مثل‪ :‬المقاربة اإلبداعية‪ ،‬والمقاربة‬
‫بالمضامين‪ ،‬والمقاربة باألهداف‪ ،‬والمقاربة بالذكاءات المتعددة‪ ،‬والمقاربة‬
‫بالملكات‪ ،‬والمقاربة بالكفايات و اإلدما ‪...‬‬
‫ويعني هذا أن التدبير الديدكتيكي هو بناء الدرس في شكل وضعيات‬
‫ديداكتيكية وإدماجية‪ ،‬حسب مقاطع فضائية وزمانية معينة‪ ،‬بالتركيز على‬
‫مجموعة من األنشطة التي يقوم بها المعلم والمتعلم معا‪ ،‬وفق طرائق‬
‫بيداجوجية ووسائل ديدكتيكية معينة‪ ،‬مع تمثل معايير وم شرات محددة‬
‫في التقويم والمعالجة‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬ينصب التدبير الديدكتيكي على تدبير الفصل الدراسي‪ ،‬وتدبير‬
‫التعلمات وفق مقاربات مختلفة‪ .‬لذا‪ ،‬فمهمة تدبير الفصل الدراسي مهمة‬
‫مركبة‪ ،‬تتطلب من المدرس قدرات متعددة‪ ،‬سواء تعلق األمر بتن يم‬
‫وضعيات التعلم‪ ،‬أم بتدبير التعلمات‪ ،‬أم بتحفيز المتعلمين‪ ،‬أم بضبط‬
‫القسم‪ .‬وبالتالي‪ ،‬يشكل تدبير التعلمات جانبا من جوانب تدبير الفصل‬
‫الدراسي‪.‬‬
‫‪377‬‬
‫ويهتم التدبير الديدكتيكي بالوضعيات التعليمية‪ -‬التعلمية وفق مقاطعها‬
‫المتنوعة والمختلفة‪ ،‬كأن يكون مقطعا دراسيا ابتدائيا‪ ،‬أو وسطيا‪ ،‬أو‬
‫نهائيا‪ .‬كما ينبني هذا التدبير على فلسفة األهداف والكفايات اإلدماجية ‪،‬‬
‫سواء أكانت نمائية أم مستعرضة‪ ،‬مع االنفتاو على تقنيات التربية‬
‫الخاصة وعلوم التربية تخطيطا‪ ،‬وتن يما‪ ،‬وتنسيقا‪ ،‬وقيادة‪ ،‬وتقويما‪.‬‬
‫وتتمثل أهداف التدبير الديدكتيكي في أجرأة الكفايات واألهداف في أرض‬
‫الواقع التعلمي‪ ،‬بتنفيذها وفق وضعيات ديدكتيكية مجسدة ‪ ،‬في شكل‬
‫خطاطات مفصلة‪ ،‬وجذاذات مقطعية قابلة للتنفيذ والتطبيق‪ .‬كما يهدف‬
‫التدبير الديدكتيكي إلى بناء وضعيات ديدكتيكية إجرائية وتطبيقية ‪ ،‬في‬
‫شكل مقاطع تعليمية ‪ -‬تعلمية‪ ،‬تشمل مختلف أنشطة المعلم والمتعلم‪،‬‬
‫وأنوا‪ ،‬التقويم والمعالجة ‪ ،‬في إطار مكان محدد‪ ،‬وزمان معين‪ .‬بمعنى أن‬
‫التدبير ينصب على تن يم مختلف العمليات الديدكتيكية في وضعيات‬
‫إشكالية بسيطة ومعقدة في المدرسة االبتدائية‪ ،‬أو جيرها من األسالك‬
‫الدراسية ‪ ،‬سواء أكان ذلك في األقسام الصفية األحادية‪ ،‬أم في األقسام‬
‫الصفية المتعددة والمشتركة‪ .‬وجالبا‪ ،‬ما يتخذ التدبير طابع التخطيط‬
‫والتن يم وفق وضعيات إدماجية قابلة للتقويم والمعالجة والقياس‬
‫واإلشهاد‪ ،‬في شكل مقاطع دراسية محددة ديدكتيكيا وإيقاعيا‪.‬‬
‫ويالح أن للـتدبير الديداكتيكي أهمية كبر ‪ .‬وتتمثل هذه األهمية‬
‫اإلستراتيجية في عقلنة العملية التعليمية ‪ -‬التعلمية‪ ،‬وربط التخطيط بالتنفيذ‬
‫والتطبيق والتقويم‪ ،‬وتحويل التمثالت المجردة إلى مخططات عملية‬
‫سلوكية‪ ،‬وأجرأة الكفايات واألهداف المسطرة تطبيقا وتنفيذا‪ .‬كما أن‬
‫التدبير آلية ضرورية لتحقيق الجودة الكمية والكيفية‪ ،‬وأداة ناجعة‬
‫للتخله من االضطراب والعشوائية والعفوية‪ .‬أضف إلى ذلك أن‬
‫التدبير آلية مهمة لتحسين القيادة التربوية وتجويدها‪ ،‬وتن يم العملية‬
‫التعليمية‪ -‬التعلمية وفق مقاييس منهجية علمية مقننة وموضوعية‪ .‬ومن‬

‫‪378‬‬
‫ثم‪ ،‬فالتدبير إدارة شاملة لجميع العمليات التي تعرفها العملية الديدكتيكية‬
‫من بدايتها حتى نهايتها‪.‬‬
‫إذا‪ ،‬ينبني التدبير الديدكتيكي على مجموعة من المرتكزات المنهجية التي‬
‫يمكن حصرها في أنشطة المعلم وأنشطة المتعلم التي تقدم عبر مجموعة‬
‫من المقاطع الدراسية االمقطع االستهاللي‪ ،‬والمقطع التكويني‪ ،‬والمقطع‬
‫النهائي ‪ ،‬واالنطالق من مجموعة من األهداف والكفايات المسطرة‪،‬‬
‫وتحديد فضاء التدبير‪ ،‬والتركيز على اإليقا‪ ،‬الزمني تشخيصا وتكوينا‬
‫ومعالجة‪ ،‬ورصد الوضعيات الديدكتيكية واإلدماجية‪ ،‬وتن يمها في شكل‬
‫جذاذة دراسية تخطيطا وتطبيقا وتنفيذا‪ ،‬واختيار أنوا‪ ،‬الطرائق‬
‫البيداجوجية والوسائل الديدكتيكية التي تسعف المدرس والمتعلم معا في‬
‫التعامل مع الوضعيات الكفائية وأنوا‪ ،‬الوضعيات المقدمة األخر ‪.‬‬
‫ويعني هذا كله أن التدبير يأتي بعد مرحلة التخطيط السنوي والمرحلي‬
‫والديدكتيكي‪ ،‬وينصب اهتمامه على مجال التعلم ببلورة وضعيات التعلم ‪،‬‬
‫وتبيان كيفيات إنجاز الدرس‪ ،‬وتحديد طرائق تدبير القسم‪ ،‬وذلك كله في‬
‫عالقة جدلية بمجال التخطيط من جهة‪ ،‬ومجال التقويم والدعم من جهة‬
‫أخر ‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يتطلب التدبير الديدكتيكي أن يتعرف المدرس إلى مختلف‬
‫منهجيات التدريس في مختلف المستويات واألسالك التعليمية ااالبتدائي‪،‬‬
‫واإلعدادي‪ ،‬والثانوي ‪ ،‬كأن يعرف منهجية القراءة‪ ،‬ومنهجية الخط‬
‫والكتابة‪ ،‬ومنهجية التعبير‪ ،‬ومنهجية النحو والصرف واإلمالء والشكل‪،‬‬
‫ومنهجية المحفو ات‪ ،‬ومنهجية التربية اإلسالمية‪ ،‬ومنهجية الوضعيات‬
‫اإلدماجية والتقويمية‪...‬و يعرف أيضا كيف تتوز‪ ،‬الحصه الدراسية‬
‫وجالفها الزمني‪ ،‬ويعرف كذلك أنوا‪ ،‬وضعيات التعلم من أجل تحديد‬
‫الطرائق البيداجوجية والوسائل الديدكتيكية المالئمة لتقديم المقطع‬
‫الدراسي‪ ،‬أو مجموعة من المقاطع الديدكتيكية‪.‬‬
‫‪379‬‬
‫ومن جهة أخر ‪ ،‬يستلزم التدبير الديدكتيكي التعرف إلى تقنيات التنشيط‬
‫والتواصل‪ ،‬وإعداد معينات ديدكتيكية مالئمة للمقطع االموارد ‪ ،‬وتكييف‬
‫مختلف التقنيات التنشيطية والتواصلية مع خصوصيات القسم اقسم‬
‫حضري‪ ،‬وقسم مشترك‪ ،‬وقسم مكت ‪ ، ...‬و تنويع تقنيات التواصل‬
‫اللف ي وجير اللف ي‪ ،‬مع التمركز حول المتعلم ‪ ،‬واستثارة قدراته‬
‫الكفائية واإلدماجية‪ ،‬واالنطالق من ن ريات التعلم في أثناء عملية‬
‫التدبير‪ ،‬وبناء الدرس‪ ،‬كاالنطالق ‪ -‬مثال ‪ -‬من الن رية السلوكية‪ ،‬أو‬
‫الن رية الجشطالتية‪ ،‬أو الن رية التكوينية لجان بياجيه‪ ،‬أو البيداجوجيا‬
‫الفارقية‪ ،‬أو المقاربة الالتوجيهية‪ ،‬أو البيداجوجيا الم سساتية‪ ...‬ومن‬
‫الضروري‪ ،‬أن يتعرف المدرس والمتعلم معا إلى مبادئ اإلدما ‪،‬‬
‫وطريقة إنجاز مالئمة للوضعية‪.‬أي‪ :‬رصد مختلف معايير التقويم ‪،‬‬
‫وتحديد م شراته ‪ ،‬ووضع خطط افتراضية للدعم والمعالجة والتصحية‪.‬‬

‫وتراعى مجموعة من الشروط المهمة في التدبير الديدكتيكي ‪ ،‬ويمكن‬


‫حصرها في األنوا‪ ،‬التالية‪:‬‬
‫‪‬مراعاة الشروط السوسيوتربوية ااألقسام الحضرية‪ ،‬واألقسام‬
‫المكت ة‪ ،‬واألقسام المشتركة‪ ...‬؛‬
‫‪ ‬مراعاة خصوصيات التالميذ النفسية واالجتماعية واالقتصادية؛‬
‫‪‬مراعاة الفوارق الفردية بتطبيق البيداجوجيا الفارقية؛‬
‫‪ ‬مراعاة اإلمكانيات البشرية والمادية والمالية والعدة اإلدارية؛‬
‫‪‬االنطالق من بيئة التالميذ ومحيطهم النفسي واالجتماعي والثقافي‬
‫والديني والسياسي واالقتصادي؛‬
‫‪‬احترام اإليقاعات الزمنية والتن يمات المكانية والصفية؛‬
‫‪‬االلتزام بالمقررات الرسمية والتوجيهات الوزارية ؛‬
‫‪380‬‬
‫‪ ‬تمثل فلسفة التربية التي تنتهجها الدولة ‪ ،‬كاالنطالق من بيداجوجيا‬
‫الكفايات واإلدما ‪ -‬مثال‪ -‬؛‬
‫‪‬العمل على تحقيق الجودة كما وكيفا؛‬
‫‪‬ربط مخرجات التدبير الديدكتيكي بمدخالته الرئيسية‪.‬‬
‫تدبيـــ الوضعي ت اإلدم عية‬ ‫الف ا الث ن‬
‫من المعروف أن المدرس المدبر يقدم للمتعلم ثالثة أنوا‪ ،‬من األنشطة‬
‫الدراسية‪ :‬أنشطة ديدكتيكية تعلمية‪ ،‬أو ما يسمى أيضا بالموارد أو‬
‫التعلمات‪ ،‬وترد في شكل معارف عقلية وذهنية‪ ،‬وقيم ومواقف وجدانية‪،‬‬
‫ومهارات سلوكية حسية حركية‪ .‬وهناك أيضا أنشطة موازية تكميلية‬
‫تهدف إلى خدمة المتعلم تسلية وإفادة‪ .‬وهناك كذلك الوضعيات اإلدماجية‬
‫التي تو ف األسناد المكتوبة والمصورة لحمل المتعلم على تعبئة الموارد‬
‫التي اكتسبها في أثناء أسابيع تعلم الموارد‪.‬‬
‫ويستلزم تدبير الوضعية اإلدماجية أن يقدم المدرس للتلميذ المتعلم‬
‫مجموعة من الموارد في شكل وضعيات مركبة متنوعة بغية أن يستدم‬
‫كل مكتسباته المعرفية ومواقفه الوجدانية ومهاراته الحسية الحركية من‬
‫أجل إيجاد حلول مناسبة لتلك الوضعيات المتدرجة في السهولة والصعوبة‬
‫‪ .‬وينتقل المتعلم إلى إنماء كفايته الشفوية أو الكتابية ‪ ،‬بهنجاز مجموعة‬
‫من الوضعيات اإلدماجية تعلما وتطبيقا‪ ،‬بعد مجموعة من أسابيع إرساء‬
‫الموارد‪ ،‬والربط بين التعلمات توليفا وتقويما‪.‬‬

‫‪381‬‬
‫وبعد االنتهاء من اإلدما ‪ ،‬يلتجئ المدرس إلى تقويم الكفايات المستهدفة‬
‫وتصحيحها في ضوء معايير الدعم المناسبة من جهة‪ ،‬وم شرات التقويم‬
‫اإلدماجي من جهة أخر ‪ ،‬رجبة في إيجاد حلول عالجية داخلية‬
‫وخارجية‪.‬‬
‫وهكذا‪،‬يعتمد المدرس في تدبير الوضعية اإلدماجية على دفتر أو كراسة‬
‫من‬ ‫مجموعة‬ ‫تتضمن‬ ‫التي‬ ‫اإلدماجية‬ ‫الوضعيات‬
‫الوضعيات‪،‬واألسناد‪،‬والصور األيقونية‪،‬والوثائق الديدكتيكية‪،‬مع مجموعة‬
‫من التعليمات ‪ ،‬وسلم التنقيط‪ .‬ومن جهة أخر ‪ ،‬هناك دليل اإلدما الذي‬
‫يشتمل على بطاقات التمرير أو االستثمار‪ ،‬وشبكات التحقق‪ ،‬وكذلك‬
‫شبكات التصحية‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬يستوجب تدبير الوضعية اإلدماجية أربع مراحل متكاملة ومتتابعة‬
‫هي‪:‬‬

‫‪382‬‬
‫أوال‪ ،‬فهم الوضعية اإلدم عية عنوانا‪ ،‬وسياقا‪ ،‬وأسنادا‪ ،‬وصورا‪،‬‬
‫ومقصودا‪ ،‬واستيعاب التعليمات بشكل جيد‪.‬‬
‫وث ني ‪ ،‬إنع ز العمل المطاوب باحترام تعليمات الوضعية‪ ،‬وإنجاز العمل‬
‫كما هو مطلوب وموصوف‪ ،‬واستثمار الصور والوثائق بشكل جيد لخدمة‬
‫الموضو‪.،‬‬
‫انطالقا من مراعاة المواصفات‪،‬‬ ‫وث لث ‪ ،‬التحئق من جودة اإلنتا‬
‫ومقارنة قيمة اإلنتا باإلنتا المنت ر‪.‬‬
‫و ابع ‪ ،‬المع لعة الداخاية والخ عية تقويما وتصحيحا ودعما من أجل‬
‫تطوير اإلنتا ‪ .‬وهنا‪ ،‬يعتمد التصحية الذاتي وتحسين اإلنتا ‪.‬‬
‫وإليكم هذا الجدول الذي يوضع خطوات تدبير الوضعية اإلدماجية بالشكل‬
‫الواضة‪:‬‬
‫تقديم الوضعية باكتشافها وفهمها‬ ‫م حاة فهم الوضعية‬
‫ومالح ة صورها والتفكير‬
‫مختلف‬ ‫باستحضار‬ ‫فيها‪،‬‬
‫التمثالت التعلمية القائمة على‬
‫العصف الذهني‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬تقرأ‬
‫الوضعية قراءة جهرية أو‬
‫صامتة ‪ ،‬ثم يحلل العنوان‬
‫ويناق ‪ ،‬وتشرو بعض الكلمات‬
‫الصعبة ‪ .‬كما تحلل األسناد‬
‫أيضا من أجل‬ ‫وتناق‬
‫استثمارها في أثناء اإلنجاز‪.‬‬
‫عالوة على قراءة التعلميات لفهم‬
‫المطلوب‪.‬‬

‫‪383‬‬
‫يقوم اإلنتا على إعطاء مهلة‬ ‫م حاة اإلنع ز واإلنت ج‬
‫للمتعلمين من أجل التفكير قبل‬
‫الشرو‪ ،‬في العمل‪ ،‬ثم إدماجهم‬
‫في مجموعات ثنائية أو جماعية‪.‬‬
‫وبعد ذلك‪ ،‬يكون اإلنتا فرديا‪.‬‬
‫ثم‪ ،‬يلتزم المتعلم بالتعليمات‬
‫المطلوبة‬ ‫والمواصفات‬
‫والمتوخاة من إنجاز الوضعية‪.‬‬
‫يتحقق المدرس من مد تمكن‬ ‫م حاة التحئق‬
‫المتعلم من الكفاية اإلدماجية ‪،‬‬
‫بتقييم المنت ‪،‬وتبيان مواطن‬
‫الضعف والقوة‪ ،‬بتقويم األعمال‬
‫وتصحيحها‪ ،‬وتثمينها وفق‬
‫المعايير والتعليمات المرصودة ‪.‬‬
‫وينتقل المتعلم إلى التحقق أو‬
‫التقويم الذاتي بمقارنة عمله‬
‫بالمعايير المطلوبة‪.‬‬
‫يمكن الحديث عن معالجة‬ ‫م حاة المع لعة‬
‫ديدكتيكية‪ ،‬ومعالجة نفسية‪،‬‬
‫ومعالجة اجتماعية‪ .‬ويعني هذا‬
‫أن المدرس يرصد معوقات‬
‫التعلم وصعوباته‪ ،‬بتبيان أسباب‬
‫تعثر نماء الكفاية لد المتعلم‪،‬‬
‫وتشخيه األخطاء ‪ ،‬والتثبت‬
‫من صحة التشخيه‪ ،‬واقتراو‬

‫‪384‬‬
‫بتطبيق‬ ‫عالجية‪،‬‬ ‫أنشطة‬
‫بيداجوجيا الخطأ والبيداجوجيا‬
‫الفارقية‪...‬‬

‫وتعتمد مرحلة تدبير الوضعية على شبكة التمرير أو بطاقة االستثمار أو‬
‫جذاذة تو يف الوضعية ا‪، Fiche d’exploitation de la situation‬‬
‫وهي تلك الشبكة التي تستعمل لمصاحبة المتعلم خالل اإلنجاز قصد‬
‫تدبير محكم لتعلم حل الوضعية اإلدماجية‪ ،‬بفهم هذه الوضعية‪ ،‬ومعرفة‬
‫المهام‪ ،‬وإنجاز المطلوب وفق مواصفات اإلنتا المنت ر‪.‬‬
‫ويقصد ببطاقة تمرير وضعية أو بطاقة استثمار تلك البطاقة التي تتضمن‬
‫توضيحات وتفسيرات تشرو للمتعلم كيفية تمرير الوضعية‪ ،‬وسبل‬
‫استثمارها‪ .‬وأكثر من هذا‪ ،‬فهي خارطة طريق منهجية يرافق بها األستاذ‬
‫التالميذ في مختلف مراحل إنجاز الوضعيات‪.‬‬
‫وبتعبير آخر‪ ،‬فهي أداة إجرائية تساعد المتعلم على تدبير الوضعيات‬
‫اإلدماجية حسب الهدف اتعلم اإلدما ‪ :‬الوضعية األولى‪ ،‬وتقويم تعلم‬
‫اإلدما ‪ :‬الوضعية الثانية ‪ ،‬وخصوصية المادة اشفوية ‪/‬كتابية ‪ ،‬وأنساق‬
‫التعلم تفاديا للسقوط في النمطية‪ ،‬ودون تفكيك مكونات الوضعية أو‬
‫‪353‬‬
‫الموارد المراد تعبئتها اجتنابا للتعامل مع التعليمة كمجرد تمرين‪.‬‬
‫وتستند شبكة استثمار الوضعيات المتعلقة بوضعية تعلم اإلدما‬
‫االوضعية األولى إلى مجموعة من المحطات‪:‬‬
‫‪ ‬المحطة األولى تعنى بتئديم الوضعية ‪ ،‬بمشاهدتها‪ ،‬وقراءة العنوان‬
‫بغية الفهم واإلنجاز‪ ،‬وقراءة التعليمات لفهم المهمة ومواصفات اإلنتا‬
‫‪ - 353‬وزارة التربية الوطنية‪ :‬دليل اإلدماج‪ ،‬المستوى الثالث من التعليم االبتدائي‪ ،‬مطبعة‬
‫األحداث‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2010‬م‪ ،‬ص‪.3:‬‬
‫‪385‬‬
‫المنت ر‪ ،‬والتحقق من فهم المتعلمين للمهمة المطلوبة إنجازها‪ ،‬بالتعبير‬
‫عن ذلك بلغتهم وأسلوبهم الشخصي‪ ،‬وتدوين مواصفات اإلنتا المنت ر‬
‫على السبورة بلغة واضحة وبسيطة‪.‬‬
‫‪ ‬المحطة الثانية تتعلق بإنع ز المهمة ‪ ،‬بهعطاء مهلة للمتعلمين من أجل‬
‫التفكير‪ ،‬وتقسيم التالميذ إلى مجموعات‪ ،‬والحث على العمل الفردي‪،‬‬
‫والمرور بين صفوف التالميذ لتشجيعهم وتحفيزهم على العمل‪ ،‬والتوقف‬
‫عند اإليجابيات وتثمينها‪ ،‬وتصحية التعثرات بشكل فوري وذاتي‪ ،‬مع‬
‫نصة المتعلمين بااللتزام بالمواصفات المنصوه عليها في السبورة‪.‬‬
‫‪ ‬المحطة الثالثة تتعلق ب لتحئق والمع لعة؛ إذ يختار المدرس مجموعة‬
‫من اإلنتاجات لمدارستها ‪ ،‬ويدعو المتعلمين إلى التحقق الذاتي‪ ،‬بالعودة‬
‫إلى مواصفات اإلنتا المنت ر‪ ،‬ويحثهم أيضا على التحقق الجماعي‬
‫انطالقا من مواصفات اإلنتا المنت ر‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يدلي بحكمه على مطابقة‬
‫اإلنتا للمواصفات‪ ،‬ويدون الصعوبات التي تحتا إلى معالجة مركزة‪.‬‬
‫وبعد ذلك‪ ،‬يهيء المدرس أنشطة للدعم والمعالجة حسب الحاجة‪ ،‬ثم يقوم‬
‫أثر المعالجة‪.‬‬
‫أما فيما يخه وضعية التقويم االوضعية الثانية ‪ ،‬فهناك المحطات الثالث‬
‫نفسها بتلك المواصفات نفسها التي رأيناها في الوضعية األولى‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬تنبني بطاقة التمرير أو جذاذة االستثمار والتو يف على مكونين‬
‫منهجيين هما‪ :‬اختيار المعلومات‪ ،‬ومعالجة المعلومات‪ .‬ويكون اختيار‬
‫المعلومات بالقراءة األولية‪ ،‬وتوضية العوائق ادالالت الكلمات‬
‫والعبارات ‪ ،‬وشرو المفاهيم العلميةاالتوضيحات واألسناد ‪ ،‬وتحديد‬
‫المطلوب من قبل المتعلمين‪ ،‬وتحديد الموارد المستعملة من قبل‬
‫المتعلمين‪.‬‬

‫‪386‬‬
‫وتكون معالجة المعلومات بالعمل في نطاق المجموعاتاالتذكير بتو يف‬
‫المعلومات والموارد السابقة‪ ،‬واالرتكان إلى المعالجة الجماعية ‪ ،‬مع‬
‫تشجيع المنتو الفردي‪ ،‬ومتابعة عمل المجموعات برصد نو‪ ،‬التعثر ‪،‬‬
‫أو بطريقة فردية االتذكير بتو يف المعطيات والموارد السابقة لحل‬
‫الوضعية‪ ،‬والتذكير بالمنت الفردي‪ ،‬ومتابعة عمل الفرد برصد تعثره‪،‬‬
‫وتحديد طبيعته‪ ،‬وطريقة معالجته ‪.‬‬
‫‪354‬‬
‫شبكة استثم الوضعي ت‬
‫وضعية تعام اإلدم ج الوضعيــــة األولــــــى‬
‫المتعام‬ ‫المد س‬ ‫المحط ت‬
‫مشاهدة ‪ ...‬يستخر من العنوان‬ ‫يطلب‬ ‫‪...‬‬ ‫المحطة‪1‬‬
‫بيانت مساعدة على الفهم‬ ‫الوضعية؛‬
‫تئديم الوضعية‬
‫واإلنجاز؛‬
‫‪ ...‬يطلب قراءة العنوان‬
‫أو يقرأ العنوان من أجل ‪...‬يستخر من السياق‬
‫البيانات بيانات مساعدة على الفهم‬ ‫استخرا‬
‫المساعدة على الفهم واإلنجاز؛‬
‫فاإلنجاز؛‬
‫‪...‬يستخر من األسناد‬
‫‪ ...‬قراءة السياق أو يقرأ بيانات مساعدة على الفهم‬
‫السياق من أجل استخرا واإلنجاز؛‬
‫البيانات المساعدة على‬
‫‪...‬يحدد بعباراته المهمة‬
‫الفهم واإلنجاز؛‬
‫المطلوبة؛‬
‫‪ ...‬يحث على استثمار‬
‫بعباراته‬ ‫‪...‬يحدد‬
‫األسناد قصد استخرا‬
‫اإلنتا‬ ‫مواصفات‬
‫البيانات المساعدة على‬
‫المنت ر‪.‬‬

‫‪ - 354‬وزارة التربية الوطنية‪ :‬دليل اإلدماج‪ ،‬المستوى الثالث من التعليم االبتدائي‪ ،‬ص‪.6:‬‬
‫‪387‬‬
‫الفهم واإلنجاز؛‬
‫‪ ...‬يحث على قراءة‬
‫التعليمات‪ ،‬أو يقرأ‬
‫التعليمات من أجل فهم‬
‫ومواصفات‬ ‫المهمة‬
‫اإلنتا المنت ر؛‬
‫‪ ...‬يتحقق من أن‬
‫المتعلمين فهموا جيدا‬
‫المهمة المراد إنجازها‬
‫من خالل التعبير عن ذلك‬
‫بلغتهم وبأسلوبهم؛‬
‫‪ ...‬يدون على السبورة‬
‫بلغة مبسطة مواصفات‬
‫اإلنتا المنت ر‪.‬‬
‫‪...‬يعطي مهلة للتفكير ‪...‬يفكر في اإلنتا ويدون‬ ‫المحطة‪2‬‬
‫ر وس أقالم إن كان‬ ‫الفردي؛‬
‫إنع ز المهمة‬
‫قادرا على الكتابة؛‬
‫‪...‬يدعو إلى التقاسم في‬
‫‪...‬يتقاسم األفكار مع‬ ‫مجموعات صغر ؛‬
‫زمالئه من أجل إنجاز‬
‫‪...‬يحث على العمل‬
‫المهمة؛‬
‫الفردي؛‬
‫‪...‬ينجز العمل بمفرده‪.‬‬
‫‪...‬يمر بين المتعلمين‬
‫أنجزوا‬ ‫ما‬ ‫لتثمين‬
‫وللمساعدة على التصحية‬
‫الذاتي والفوري؛‬
‫االلتزام‬ ‫على‬ ‫‪...‬يحث‬

‫‪388‬‬
‫بالمواصفات المنصوه‬
‫عليها في السبورة‪.‬‬
‫‪...‬حسب كثافة الفصل ‪... ،‬يقدم إنتاجه؛‬ ‫المحطة‪3‬‬
‫يطلب من المتعلمين تقديم‬
‫‪...‬يقوم إنتاجه انطالقا من‬ ‫التحئق والمع لعة‬
‫إنتاجهم أو يختار إنتاجات‬
‫المواصفات المنصوه‬
‫تمثل مختلف األوجه‬
‫عليها ‪ ،‬ويحلل طريقة‬
‫المعبرة عن إنتاجات‬
‫إنجازه للوقوف على‬
‫الفصل؛‬
‫الخطأ ومصدره؛‬
‫‪ ...‬يحث على التحقق‬
‫زمالئه‬ ‫‪...‬يقوم إنتا‬
‫إلى‬ ‫بالعودة‬ ‫الذاتي‬
‫بالعودة إلى مواصفات‬
‫اإلنتا‬ ‫مواصفات‬
‫اإلنتا المنت ر؛‬
‫المنت ر؛‬
‫‪...‬ينجز أنشطة العال ؛‬
‫‪...‬يحث على التحقق‬
‫الجماعي بالعودة إلى ‪...‬يطور إنتاجه أو يحل‬
‫اإلنتا وضعية‪.3‬‬ ‫مواصفات‬
‫المنت ر؛‬
‫‪...‬يدلي بحكمه على‬
‫اإلنتا‬ ‫مطابقة‬
‫للمواصفات؛‬
‫‪...‬يدون الصعوبات التي‬
‫إلى معالجة‬ ‫تحتا‬
‫مركزة؛‬
‫‪...‬يعد أنشطة للمعالجة‬
‫حسب الحاجة؛‬
‫‪...‬يعالة جسب الحاجة؛‬

‫‪389‬‬
‫‪...‬يقوم أثر المعالجة‬
‫اتطوير اإلنتا ‪ /‬وضعية‬
‫‪3‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬تدبير وضعية إدماجية‬

‫‪390‬‬
391
‫المطاب الث لث تئويم الوضعي ت‬
‫اليمكن إدراك مرحلة تقويم الوضعيات إال بتعريف التقويم‪ ،‬وتبيان‬
‫المعايير والم شرات‪ ،‬وتحديد سبل المعالجة على النحو التالي‪:‬‬
‫الف ا األول مفهوم التئويم‬
‫التقويم هو أهم عملية إجرائية في العملية التعليمية‪ -‬التعلمية؛ ألنه هو الذي‬
‫يحكم على مد تحقق الهدف أو الكفاية‪ ،‬أو هو معيار إجرائي نستعين به‬
‫للتثبت من تحكم المتعلم في الكفاية المستهدفة أو األساسية أو النوعية أو‬
‫المستعرضة‪ ،‬والتأكد كذلك من مد تمكنه من حصيلة الموارد والمعارف‬
‫والمهارات والدرايات التي اكتسبها بطريقة مستضمرة عبر سيرورة‬
‫التعلم‪.‬‬
‫وإذا كان التقويم التقليدي يعنى بقياس المعارف ‪ ،‬واالهتمام بالكم‪،‬‬
‫والتثبت من قدرات الحف واالستيعاب لد المتعلم‪ ،‬فهن التقويم اإلدماجي‬
‫يهتم بتقويم القدرات الكفائية لد المتعلم‪ ،‬بوضعه أمام وضعيات إشكالية‬
‫صعبة ومعقدة من أجل أن يجد لها حلوال ناجعة‪ ،‬وتكون تلك الوضعيات‬
‫مستمدة من الحياة اليومية أو الواقعية أو الحياة المدرسية‪ .‬ويعني هذا أن‬
‫المتعلم يتعلم الحياة عبر الحياة ذاتها‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فالتقويم اإلدماجي هو‬
‫السبيل المنهجي للحكم على المتعلم المتمكن أو الكفء أو الم هل‪ ،‬والحكم‬
‫أيضا على المن ومة التربوية والديدكتيكية‪ ،‬وتقويم مستو التعليم في‬
‫وطننا العربي مقارنة بالتعليم في الدول الغربية أو الدول المتقدمة والنامية‬
‫‪ .‬ومن هنا‪ ،‬اليمكن الحديث عن التقويم اإلدماجي إال بالحديث عن‬
‫المقاربة البيداجوجية بالكفايات‪.‬‬
‫ومن باب التذكير‪ ،‬يمكن الحديث عن أنوا‪ ،‬عدة من التقويم ‪ ،‬مثل‪ :‬التقويم‬
‫التشخيصي‪ ،‬والتقويم القبلي‪ ،‬والتقويم التكويني‪ ،‬والتقويم اإلجمالي‪،‬‬
‫والتقويم اإلشهادي‪ ،‬والتقويم المستمر‪ ،‬والتقويم اإلعالمي‪ ،‬والتقويم الذاتي‪.‬‬
‫‪392‬‬
‫وما يهمنا في هذا الموضو‪ ،‬هو التوقف عند التقويم اإلدماجي الذي يرتبط‬
‫ارتباطا وثيقا بالتقويم الكفائي‪.‬‬
‫المع يي والمش ات‬ ‫الف ا الث ن‬
‫يهدف التقويم الكفائي إلى قياس القدرات الكفائية لمتعلم ما وفق وضعيات‬
‫معقدة ومركبة محددة ‪ .‬وتعمل على تقويم أو تقدير مختلف القدرات لد‬
‫المتعلم في أثناء استدماجه لموارده التعلمية بغية حل الوضعيات ‪-‬‬
‫المشكالت‪ .‬لذا‪ ،‬يسمى هذا التقويم أيضا بالتقويم اإلدماجي‪ .‬ويهدف هذا‬
‫التقويم إلى تطوير الكفايات النمائية‪ ،‬وقياس قدرات المتعلمين في أثناء‬
‫حلهم للوضعيات‪-‬المشكالت‪.‬‬
‫ويستند هذا التقويم إلى مجموعة من المعايير التي نحصرها فيما يلي‪:‬‬
‫‪‬معي المال مة ‪ :‬مالءمة الحل للمشكل الموضو‪.،‬‬
‫‪‬معي التصحيح‪ :‬يعني صحة األجوبة المقترحة في عالقتها مع‬
‫الوضعية ‪ -‬المشكلة‪ .‬أي‪ :‬أن تكون الموارد المو فة منسجمة مع‬
‫الوضعية‪-‬المشكلة‪ ،‬و يكون التصحية واضحا ودقيقا‪ ،‬فيه نو‪ ،‬من العدالة‬
‫والمصداقية واإلنصاف والمساواة‪.‬‬
‫‪‬معي اإلتئ ن أو الكم ل‪ :‬أن يكون حل الوضعية مكتمال وشامال لجميع‬
‫عناصر الوضعية‪ -‬المشكلة‪.‬‬
‫‪‬معي األص لة‪ :‬يتمثل في اقتراو أفكار شخصية جديدة لحل الوضعية‪-‬‬
‫المشكلة‪.‬‬
‫أما عن المبادئ األساسية لتقويم الكفايات‪ ،‬فتتمثل في ترابط الوضعيات‬
‫بالسياق ‪ ،‬وتو يف جميع المعارف والموارد المستعرضة لحل الوضعية‬
‫المشكلة‪ ،‬و االعتماد على وضعيات ‪ -‬مشكالت‪ ،‬أو وضعيات معقدة‬
‫ومركبة وجديدة‪.‬‬
‫‪393‬‬
‫وقد يتطلب حل وضعية ما مشاركة ثنائية تجمع المتعلم وزميله في‬
‫الفصل الدراسي أو متعددة يشارك فيها بعض المتعلمين‪ .‬ويستند التصحية‬
‫إلى إستراتيجيات معرفية وميتامعرفية لرصد األخطاء ومعالجتها‪.‬‬
‫وللتوضية أكثر ترتبط بيداجوجيا اإلدما بالبلجيكي روجرز كزافيي‬
‫ا‪ ،355 Xavier Roegiers‬وتهدف إلى تطوير الكفايات في التعليم‬
‫االبتدائي واإلعدادي والعالي‪ ،‬بهعطاء المعنى للتعلمات‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فقد كان‬
‫التقويم ينصب على المعارف واإلنتا دون االهتمام بالكفايات‪ .‬ومن ثم‪،‬‬
‫تساعد هذه الطريقة على النجاو والتفوق والتميز‪ ،‬بتمهير المتعلم‬
‫بمجموعة من الكفايات اإلدماجية التي تسعفه في حل مشاكل الواقع‪.‬‬
‫وللتمثيل‪ :‬حينما نقول من الضروري أن نحمي البيئة‪ ،‬فهذا هدف عام‪ ،‬ال‬
‫يمكن تقويمه بشكل من األشكال‪.‬لكن حينما نضع هذا الهدف في شكل‬
‫وضعية بالتركيز على األسباب والحلول‪ ،‬يمكن الحديث آنذاك عن‬
‫وضعية مشكلة هادفة وبناءة‪ .‬وبالتالي‪ ،‬اليمكن أن تتعد الكفايات ثالثا‬
‫في السنة في تخصه معين‪ ،‬وإذا تعدينا ذلك‪ ،‬فسنلتجئ إلى التقطيع‬
‫وتجزيء المحتويات أكثر فأكثر‪.‬‬
‫و البد أن يكون التقويم عبارة عن وضعيات معقدة ومركبة من أجل‬
‫التثبت من مد تملك المتعلم للكفايات الحقيقية‪ ،‬والبد أن توضع تلك‬
‫الوضعيات في سياقات واقعية حية‪ ،‬بتقديم مجموعة من الصور واألسناد‬
‫والبيانات لمعالجتها‪ .‬ويترتب على ذلك صدق التقويم وثباته‪ .‬وهذا ما‬
‫يسمى ببيداجوجيا اإلدما ‪ ،‬أو المقاربة بالكفايات األساسية‪.‬‬
‫وبناء على ما سبق‪ ،‬ننت ر من المتعلم إجابات أصيلة ومبدعة لحل‬
‫وضعية ما‪ ،‬والبد من تقويم ما أنتجه المتعلم في ضوء مجموعة من‬
‫‪- ROEGIERS, X : Des situations pour intégrer les acquis.‬‬
‫‪355‬‬

‫‪Bruxelles : De Boeck Université, 2003.‬‬

‫‪394‬‬
‫المعايير التي يسميها روجرز م شرات التصحية ا ‪critères de‬‬
‫‪ . correction‬ومن ثم‪ ،‬فمعيار التصحية هو ذلك الم شر الذي ينبغي‬
‫مراعاته في إنتا التلميذ‪ ،‬مثل‪ :‬اإلنتا الواضة الدقيق‪ ،‬واإلنتا‬
‫المنسجم‪ ،‬واإلنتا األصيل‪....‬إذا‪ ،‬فالم شر هو وجهة ن ر من خاللها‬
‫نقوم عمال ما‪ .‬فهذا أردنا أن نقوم العبا رياضيا ما‪ ،‬فقد نركز على األناقة‪،‬‬
‫وجودة اللعب‪ ،‬وانسجام الفريق‪ ،‬واإلنتاجية‪.‬‬
‫ومن أهم م شرات التقويم المؤش األدنى ا‪ Critère minimal‬وم شر‬
‫اإلتقان‪ .‬فم شر األدنى هو الذي يحدد بعض الشروط لتحقيق كفاية ما‪،‬‬
‫كأن نقول بأن السباو الكفء هو الذي ال يغرق‪ .‬وبالتالي‪ ،‬يحاف على‬
‫توازنه‪ .‬أما إذا أضفنا كفايات أخر ‪ ،‬مثل‪ :‬السرعة‪ ،‬وشدة الحركة ‪،‬‬
‫واألناقة‪ ،‬واحترام القواعد‪ ،‬فهننا ننتقل إلى مؤش اإلتئ ن( ‪critère de‬‬
‫‪.)perfectionnement‬‬
‫والبد من التقليل من الم شرات الدنيوية وإال سنكون قساة مع المتعلمين‬
‫حينما تتضخم هذه الم شرات التقويمية‪ .‬ويعني هذا أن التقويم اليبنى على‬
‫محك األخطاء‪ ،‬بل يبنى على قياس الكفايات المهارية‪ ،‬فليس هناك من ال‬
‫يخطئ‪ ،‬وال يعقل أن يكون الخطأ هو المعيار الوحيد للتقويم ‪.‬‬
‫ويمكن االستعانة‪ ،‬في أثناء التقويم اإلدماجي‪ ،‬بقاعدة دوكيتيل ا ‪De‬‬
‫‪ Ketele‬التي تسمى بقاعدة ‪ . 3/2‬بمعنى أن نسبة النجاو الكفائي هو‬
‫اإلجابة عن وضعيتين من ثالث وضعيات‪ 356.‬والبد من االحتكام أوال إلى‬
‫الم شر األدنى بدال من االحتكام إلى م شر اإلتقان التكميلي‪.‬‬
‫والبد أن تكون معايير م شر األدنى مستقلة عن بعضها البعض‪ ،‬فال يعقل‬
‫أن تكون األسئلة مترابطة ومتتابعة ومتناسلة‪ ،‬ألننا لن نكون منصفين في‬
‫‪356‬‬
‫? ‪- DE KETELE, J.M : L'évaluation des acquis scolaires : quoi‬‬
‫‪Pourquoi ? Pour quoi ? Revue Tunisienne des Sciences de‬‬
‫‪l'Éducation, 23,1996 p. 17-36.‬‬
‫‪395‬‬
‫تقويمنا للمتعلمين‪ ،‬بل البد أن تكون األسئلة منفصلة ومستقلة عن بعضها‬
‫البعض لكي تكون هناك ح و متوفرة أمام المتعلم‪ .‬عالوة على وجود‬
‫معيار االنسجام الذي يستلزم ترابط أجزاء الموضو‪ ،‬منهجيا ومنطقيا‪،‬‬
‫ومعيار المالءمة الذي يعني تال م أجوبة المتعلم مع تعليمات الوضعية‬
‫ومعطياتها‪ ،‬ومعيار االستعمال السليم لتقنيات التخصه‪ ،‬ومعيار االتساق‬
‫الداخلي‪ .‬وبطبيعة الحال‪ ،‬هذا له عالقة بالكفاية األساسية والكفاية النوعية‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬يتضمن اختبار التقويم ثالثة شروط هي‪:‬‬
‫‪ ‬أن يتالءم التقويم مع الكفايات المطلوبة تقويمها‪.‬‬
‫‪ ‬أن تكون الكفايات دالة ومحفزة على العمل‪.‬‬
‫‪ ‬أن تنصب الكفايات على قيم إيجابية كالمواطنة وحماية البيئة مثال‪.357‬‬
‫كما يبنى االختبار اإلدماجي عبر مجموعة من المحطات على النحو‬
‫التالي‪:‬‬
‫‪‬تحديد الكفايات التي ينبغي تقويمها‪.‬‬
‫‪‬بناء وضعية أو وضعيتين جديدتين مالئمتين للكفاية‪.‬‬
‫‪‬وضع معايير التقويم المستقلة بشكل واضة ودقيق في ضوء قاعدة ‪/2‬‬
‫‪.3‬‬
‫‪ ‬كتابة األسناد والتعليمات لكي تكون المهمة التي ينبغي إنجازها من قبل‬
‫المتعلم واضحة‪.‬‬
‫‪ ‬تحديد م شرات التصحية التي سيعتمد عليها المدرس حين تصحية‬
‫ورقة االختبار‪.‬‬

‫‪357‬‬
‫‪-ROEGIERS, X. : Des situations pour intégrer les acquis.‬‬
‫‪Bruxelles : De Boeck Université, 2003.‬‬
‫‪396‬‬
‫‪ ‬وضع شبكة التصحية‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فمن األفضل واألجد االكتفاء بوضعية واحدة أو وضعيتين على‬
‫األقل‪ ،‬وعدم تقسيم التعليمات إلى أسئلة فرعية جزئية متعددة‪ ،‬يجعل‬
‫المتعلم أمام صعوبات معرفية ومنهجية؛ بسبب تعدد األسئلة التي قد تكون‬
‫متشابهة وتابعة للتعليمة األولى أو الثانية أو الثالثة‪ .‬بمعنى بناء أسئلة‬
‫مستقلة هادفة وناجعة‪ .‬والبد من تجذير الوضعية داخل سياقها التداولي‪،‬‬
‫وتكون وضعية جديدة‪ ،‬ويكون اإلنتا أصيال‪ .‬كما يجب االبتعاد عن‬
‫نصوه ووثائق وأسناد معروفة‪ ،‬فالبد أن تكون جديدة وموضوعة ضمن‬
‫سياق جديد‪.‬‬
‫وتقوم الم شرات بدور هام في توفير تصحية عادل ومنصف ‪ ،‬فقد يكون‬
‫م شرا كيفيا‪ ،‬كأن نطالب المتعلم بتو يف أفعال أو صفات أو أحوال أو‬
‫تشابيه أو استعارات في وصفه‪ ،‬وقد يكون م شرا كميا‪ ،‬حينما نطالب‬
‫المتعلم على مستو التركيب بتو يف ثلثي من الجمل صحيحة لكي ينال‬
‫‪.3 / 2‬‬
‫وعليه‪ ،‬فللتقويم الخاضع للمعايير والم شرات فوائد مهمة ‪ -‬حسب‬
‫روجرز ‪ -‬هي‪:358‬‬
‫‪ ‬تكون النئط ع دلة‪ .‬بمعنى أن التقويم ينصب ‪ -‬هنا‪ -‬على الكفايات‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬فكثير من الراسبين في التربة التقليدية قد يكونوا ناجحين‪ ،‬وكم‬
‫من ناجة يستحق اإلخفاق في الن رية الجديدة‪ ،‬مادام الهدف هو التركيز‬
‫على الكفايات والقدرات المهارية‪ ،‬وليس على المعلومات وكثرة‬
‫المعارف‪.‬‬

‫‪- ROEGIERS, X : L'école et l'évaluation. Bruxelles: De Boeck‬‬


‫‪358‬‬

‫‪Université, 2004.‬‬
‫‪397‬‬
‫‪ ‬تثمين النئط اإليع بية‪ ،‬بتقويم العناصر األساسية ‪ ،‬وإ هار مواطن‬
‫القوة والعناصر اإليجابية في إنتاجات المتعلمين‪.‬‬
‫‪ ‬تحديد هوية التاميذ الذي يستحق النع ح أو اإلخف ق‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬البد من تخفيض م شرات التقويم لتحقيق مدرسة النجاو واألمل‬
‫واإلنصاف والمساواة‪ .‬فكلما زادت معايير التقويم‪ ،‬ضا‪ ،‬التلميذ بين هذه‬
‫الم شرات‪ .‬وبالتالي‪ ،‬ال يستطيع التحكم في األجوبة المتعددة‪ .‬لذا‪ ،‬فالبد‬
‫من االكتفاء بم شرين أو ثالثة‪ .‬كما يمكن االكتفاء بكفايتين أو ثالث‬
‫كفايات أساسية‪ .‬وكلما أكثرنا من م شرات التقويم‪ ،‬خاصة إذا كانت‬
‫م شرات تابعة وجير مستقلة‪ ،‬فهننا نرتكب لما في حق المتعلم الذي‬
‫نعاقبه مرات متعددة على الخطأ نفسه‪ .‬ومن األفضل كذلك أن يعرف‬
‫المتعلم معايير التقويم لكي يستأنس بها‪ ،‬فيعطي كل ما لديه ‪ .‬و بالتالي‪،‬‬
‫يمكن أن يلتجئ إلى التقويم الذاتي‪.‬‬
‫وتأسيسا على ما سبق‪ ،‬يعتمد التقويم اإلدماجي على تسطير وضعية معينة‬
‫مرتبطة بمواردها وسندها وحاملها وتعليماتها ومعاييرها وم شراتها‬
‫التقويمية‪ .‬باإلضافة إلى وضع شبكات التمرير والتحقق والمعالجة والدعم‬
‫واالستدراك‪.‬‬
‫الف ا الث لث التئويم ب لمع لعة (‪)remédiation‬‬
‫تعد المعالجة الطريقة التي تدفع المتعلم إلى تحقيق النجاو الدراسي‪.‬‬
‫ويلتجئ إليها المدرس بعد االنتهاء من عملية تصحية الفروض أو‬
‫االختبارات واالمتحانات والروائز بغية تشخيه مواطن الضعف‬
‫والقوة‪ ،‬بتمثل المعالجة الداخلية التربوية والديدكتيكية ‪ ،‬وتمثل المعالجة‬
‫الخارجية ذات الطابعين النفسي واالجتماعي‪ .‬بمعنى أن المعالجة تهدف‬
‫إلى اكتشاف األخطاء‪ ،‬وتشخيصها ‪ ،‬ووصفها‪ ،‬وتقديم معالجة إجرائية‬
‫ناجعة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تستند المعالجة الديدكتيكية إلى أربع مراحل‪:‬‬

‫‪398‬‬
‫‪ ‬الكشف عن األخطاء‪.‬‬
‫‪ ‬وصف األخطاء‪.‬‬
‫‪ ‬البحث عن مصادر الخطه‪.‬‬
‫‪ ‬تهييء عدة المعالجة‪.‬‬
‫ويعني هذا أن المصحة أو المقوم يبدأ بتحديد األخطاء التي ارتكبها‬
‫المتعلم في موضوعه حسب سياقها وم انها‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬يصف األخطاء‬
‫المرصودة في اإلنتا الشخصي‪ ،‬فيصنفها إلى أنوا‪ ،،‬مثل‪ :‬أخطاء‬
‫صوتية‪ ،‬وأخطاء إمالئية‪ ،‬وأخطاء صرفية‪ ،‬وأخطاء داللية‪ ،‬وأخطاء‬
‫تركيبية‪ ،‬وأخطاء تداولية‪...‬وبالتالي‪ ،‬يحدد مواطن الضعف والقوة لد‬
‫المتعلم‪ ،‬بالبحث عن أسباب هذه األخطاء‪ ،‬متسائال عن مصدرها‪ :‬هل‬
‫ترجع إلى مصدر داخلي ديدكتيكي وتربوي أم إلى مصدر خارجي نفسي‬
‫واجتماعي؟! بمعنى البحث عن عوامل ذاتية وموضوعية‪.‬‬
‫وفي األخير‪ ،‬يقترو مجموعة من اإلستراتيجيات لتجاوز هذه األخطاء‬
‫والنواقه والتعثرات التي قد ترتبط بالمدرس أو المتعلم أو بالن ام‬
‫التربوي العام‪ .‬وال تتم المعالجة إال إذا تكرر الخطأ مرات عدة‪.‬أما الذي‬
‫يقوم بالمعالجة‪ ،‬فقد يكون المدرس نفسه‪ ،‬أو المتعلم نفسه في إطار‬
‫التصحية الذاتي‪ ،‬أو تلميذ آخر ‪ ،‬أو قد يكون أخصائيا نفسانيا‪ ،‬أو‬
‫أخصائيا اجتماعيا‪ ،‬أو ملحقا إداريا أو تربويا ‪ ،‬وقد يلتجئ كذلك إلى‬
‫وسائل اإلعالم والسجالت الذاتية والبرام الرقمية‪...‬‬
‫ومن أهم اإلستراتيجيات في المعالجة أنه يمكن االعتماد على‪:‬‬
‫‪ ‬التغذية الراجعة أو الفيدباك لتصحية العملية الديدكتيكية‪ ،‬وسد ثغراتها‬
‫المختلفة والمتنوعة‪ ،‬وتفادي نواقصها وعيوبها‪ ،‬سواء أقام بتلك التغذية‬
‫الراجعة المدرس أم التلميذ نفسه اعتمادا على أدلة التصحية‪.‬‬

‫‪399‬‬
‫‪ ‬المعالجة بالتكرار أو بالعمليات التكميلية‪.‬أي‪ :‬بمراجعة المكتسبات‬
‫السابقة‪ ،‬وإضافة تمارين تكميلية مساعدة للتقوية وتثبيت المعارف‬
‫والقواعد األساسية‪.‬‬
‫‪ ‬تمثل منهجيات تعلمية جديدة‪ ،‬كمنهجية اإلدما ‪ ،‬ومنهجية‬
‫االستكشاف‪ ،‬واالعتماد على التعلم الذاتي‪ ،‬وتمثل التعلم النسقي‪.‬‬
‫‪ ‬إجراء تغييرات في العوامل األساسية‪ ،359‬كتوفير الحياة المدرسية‬
‫داخل الم سسة‪ ،‬وإعادة توجيه المتعلم من جديد‪ ،‬وتغيير فضاء المدرسة‪،‬‬
‫وخلق أجواء م سساتية ديمقراطية ‪ ،‬واالستعانة باألسرة أو علماء النفس‬
‫واالجتما‪ ،‬والطب لتغيير العوامل السلبية التي يعيشها المتعلم في لها‪.‬‬
‫وخالصة الئول‪ ،‬يتبين لنا ‪ -‬مما سلف ذكره‪ -‬أن التقويم اإلدماجي تقويم‬
‫تربوي وديدكتيكي جديد ‪ ،‬جاء لتعميق مكتسبات بيداجوجيا الكفايات‪ .‬ومن‬
‫هنا‪ ،‬اليمكن الحديث عن التقويم اإلدماجي إال باستحضار الوضعيات‬
‫اإلدماجية بأسنادها ومعلوماتها ووثائقها وصورها وتعليماتها ومعاييرها‬
‫وم شراتها‪ .‬وإذا كان التقويم الكالسيكي يعتمد على معيار اإلتقان كثيرا‪،‬‬
‫ويحاكم المتعلم على أخطائه بقسوة‪ ،‬فهن التقويم اإلدماجي يهتم بمعايير‬
‫أساسية مستهدفة ‪ ،‬وهي‪ :‬معيار المالءمة‪ ،‬ومعيار االنسجام‪ ،‬ومعيار‬
‫االستخدام السليم ألدوات المادة‪ .‬ويعني هذا أن معيار الحد األدنى يرجة‬
‫على معيار اإلتقان والجودة‪ .‬واليمكن الحديث أيضا عن المعايير إال‬
‫بالحديث عن الم شرات الكمية والكيفية التي تتحكم في تلك المعايير بنو‪،‬‬
‫من الدقة اإلجرائية‪.‬‬
‫والينحصر التقويم اإلدماجي فيما هو ن ري‪ ،‬بل هو عبارة عن ممارسة‬
‫تقويمية عملية‪ ،‬إذ يعتمد‪ -‬إجرائيا‪ -‬على دليل اإلدما الذي يتمثل في‬

‫‪ - 359‬انظر‪ :‬بيداغوجيا اإلدماج‪ ،‬بيداغوجيا اإلدماج‪ ،‬ترجمة‪ :‬لحسن بوتكالي‪ ،‬منشورات‬


‫مجلة علوم التربية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة الثانية‪2009 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪.129:‬‬
‫‪400‬‬
‫كراسة الوضعيات اإلدماجية‪ ،‬وشبكة التمرير واالستثمار‪ ،‬وشبكة التحقق‪،‬‬
‫وشبكة التصحية‪ .‬وبعد هذه الشبكات المتكاملة والمتجاورة فيما بينها‪،‬‬
‫تحضر عملية المعالجة الديدكتيكية ‪ ،‬والمعالجة النفسية ‪ ،‬والمعالجة‬
‫االجماعية‪.‬‬
‫وف الخ تمة‪ ،‬يتبين لنا ‪ -‬مما سلف ذكره‪ -‬أن ثمة وضعيات ديدكتيكية‬
‫تعلمية مرتبطة بهرساء الموارد الجديدة ‪ ،‬ويكون الهدف منها هو‬
‫االستكشاف والتعلم واإلدما الجزئي‪.‬ومن جهة أخر ‪ ،‬هناك وضعيات‬
‫تعلمية جير ديدكتيكية ؛ألنها الترتبط بالفضاء الديدكتيكي‪ ،‬والتخضع‬
‫للتعاقد القائم على المدرس والمتعلم‪ ،‬وتكون خار الوسط التعلمي‬
‫والدراسي‪ .‬ومن ناحية أخر هناك وضعيات إدماجية ‪ ،‬قد يكون الهدف‬
‫منها اإلدما بتعبئة الموارد المكتسبة والمخزنة بهدف إدماجها لحل‬
‫الوضعية‪ -‬المشكلة‪ ،‬أو يكون الهدف منها تقويم القدرة على اإلدما ‪.‬‬
‫واليمكن تدريس الوضعيات اإلدماجية وتعلمها إال باتبا‪ ،‬ثالث مراحل‬
‫رئيسة هي‪ :‬مرحلة تخطيط الوضعيات‪ ،‬ومرحلة تدبير الوضعيات‪،‬‬
‫ومرحلة تقويم الوضعيات‪.‬‬

‫‪401‬‬
‫الفصل الثامن‪:‬‬
‫بناء الوضعيات الديدكتيكية‬

‫‪402‬‬
‫نعني بالوضعيات الديدكتيكية تلك الوضعيات التعلمية المرتبطة بالوسط‬
‫الديدكتيكي الذي يشمل المدرس والمتعلم والمعرفة ضمن المثلث‬
‫الديكتيكي‪.‬ومن ثم‪ ،‬تتضمن تلك الوضعيات الديدكتيكية مسائل في شكل‬
‫مواضيع مرتبطة بسياقاتها التربوية والدراسية ‪ .‬وغالبا‪ ،‬ما تكون بمثابة‬
‫مشاكل وعوائق تعلمية تستلزم أن يجد لها المتعلم الحلول الكفائية والذكائية‬
‫المناسبة‪.‬ومن ثم‪ ،‬تساعد الوضعيات الديدكتيكية على نماء التعلمات وبنائها‬
‫بشكل جيد ومفيد ومثمر بعيدا عن المسائل التقليدية المباشرة والمنفصلة‬
‫عن سياقاتها الواقعية والتعلمية‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهوم الوضعية ‪ -‬المسألة‬


‫الوضعية المسألة ‪ ،‬أو الوضعية المشكلة‪ ،‬هي تلك الوضعية العائق التي‬
‫يجابهها الفرد أو المتعلم في حياته الطبيعية أو المهنية أو الدراسية ‪.‬‬
‫وتتضمن تلك الوضعية مشكلة (عائقا)‪ ،‬وموضوعا‪ ،‬وسياقا‪ ،‬وهدفا ‪ .‬ومن‬
‫ثم‪ ،‬فهي تتميز بكونها دالة ومعقدة وصعبة للغاية تستلزم أن نجد لها‬
‫الحلول المناسبة‪ .‬وليست الوضعية المسألة هي تلك المسألة القديمة التي‬
‫ترتبط بالتربية التقليدية‪ ،‬وتعنى بما هو معرفي من جهة‪ ،‬وماهو كمي من‬
‫جهة أخرى‪ .‬وتكون في شكل أسئلة مباشرة منفصلة عن سياقها التربوي‬
‫والمجتمعي‪ ،‬وتستهدف الحفظ واالستظهار‪ ،‬والتساعد المتعلم على بناء‬
‫معارفه الذاتية‪ ،‬أو اكتساب القدرات والكفايات والمهارات والمواقف‬
‫الحقيقية‪.‬ومن هنا‪ " ،‬يثير مفهوم المسألة المعروف جدا في هذه المواد‬
‫الدراسية شيئا ما منفصل عن الحياة‪ ،‬ويبعث على الملل‪ ،‬وفاري من‬
‫المعنى‪ ،‬ويكون أقرب إلى تطبيق عادي منه إلى وضعية مسألة حقيقية‬

‫‪403‬‬
‫مسيقة ومثيرة لالهتمام وحاملة لمعنى بالنسبة للتلميذ‪.‬إنها مسألة نية لكنها‬
‫‪360‬‬
‫تبقى كذلك مسألة صياغة‪".‬‬
‫ويعني هذا كله أن الوضعيات المطلوبة في بيداغوجيا اإلدماج هي تلك‬
‫الوضعيات التي تثير صعوبات وتحديات وعوائق‪ ،‬وتتطلب من المتعلم أن‬
‫يدمج مختلف كفاياته وقدراته وموارده ليجد لها الحلول المناسبة ‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أنواع الوضعيات‪ -‬المسألة‬


‫هناك وضعيات يعيشها اإلنسان في حياته الطبيعية تسمى بالوضعيات‬
‫الطبيعية ‪ ،‬كأن تكون وضعيات حياتية تتمثل في مواجهة اإلنسان‬
‫لمجموعة من العوائق والمشاكل في حياته تستوجب منه أن يجد لها حلوال‪،‬‬
‫أو وضعيات مهنية يصادفها اإلنسان في حياته المهنية كإيجاد حل لعطب‬
‫اآللة بالنسبة للمهندس‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬هناك وضعيات بنائية تعليمية‬
‫وتربوية تقدم للمتعلم من أجل إيجاد مختلف الحلول المالئمة للتحقق من‬
‫مدى اكتساب الكفاية النمائية أو النوعية‪.‬أي‪ :‬للوضعية المسألة في اإلطار‬
‫المدرسي وظيفة محددة ‪.‬إنها تكون في خدمة التعلمات؛ فالتعلمات الجديدة‬
‫تتحقق من خالل عائق أو عدة عوائق على التالميذ تجاوزها‪ .361‬وفي هذا‪،‬‬
‫يقول روجي كسافيي(‪ ":)Roger Xzavier‬الوضعية المسألة‪ ،‬بشكل‬
‫عام‪ ،‬وضعية تجيب عن إشكال مطروح‪.‬وفي الحياة اليومية‪ ،‬تملى‬
‫الوضعيات المسائل من قبل األحداث التي يواجهها كل شخص يوميا؛ كما‬
‫هو الشأن بالنسبة للوضعية المسألة التي تتعلق بتوليف مواعيد عدة‪،‬‬
‫والوضعية المسألة التي تتعلق بضياع المفاتيح‪...‬إلخ‪.‬ونتكلم عن وضعيات‬
‫حياتية مثلما نتكلم عن وضعيات مهنية‪ ،‬عندما تطرح هذه األخيرة في‬

‫‪ - 360‬روجر كزافيي‪ :‬التدريس بالكفايات‪ ،‬وضعيات إلدماج المكتسبات‪ ،‬ترجمة عبد الكريم‬
‫غريب‪ ،‬منشورات عالم التربية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدرا ابليضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪2007‬م‪ ،‬ص‪.19:‬‬
‫‪ - 361‬روجر كزافيي‪ :‬التدريس بالكفايات‪ ،‬وضعيات إلدماج المكتسبات‪ ،‬ص‪.12:‬‬
‫‪404‬‬
‫إطار مزاولة مهنة مثل مواجهة مشكلة عطب في آلة‪ ،‬وفي حال التزامنا‬
‫بأجل محدد لإلنتاج‪ .‬وكل هذه األمثلة تشكل وضعيات يمكن وصفها‬
‫بوضعيات طبيعية‪.‬في اإلطار المدرسي‪ ،‬الوضعية المسألة هي وضعية‬
‫تطرح ما أسماه دولونجفيل وهوبير (‪)Delongeville et Hubert‬‬
‫بالزحزحة البنائية؛ وهي ليست بنائية فحسب‪ ،‬بل غالبا ما يتم بناؤها أيضا‬
‫على اعتبار أن الوضعية المسألة تتموضع داخل سلسلة مخطط لها‬
‫للتعلم‪.‬وسيكون هناك على سبيل المثال عدد أقل من المعطيات المشوشة‪،‬‬
‫كما هو األمر في وضعية حياتية‪ ،‬أو معطيات يتم تقديمها للتلميذ وفق‬
‫ترتيب معين لكي يحترم التدرج فيما يخص الصعوبات التي يتعين عليه‬
‫تجاوزها‪.‬‬
‫في مفهوم الوضعية المسألة‪ ،‬هناك نية لدى المدرس الشتغال الوضعية‬
‫والمسألة بالنسبة لسلسلة تعلمية ؛وبعبارة أخرى ‪ ،‬تغطي الوضعية المسألة‬
‫األقطاب الثالثة للمثلث الديكتيكي؛ وبطريقة ما‪ ،‬تمر العالقة دعامة ‪ -‬تلميذ‬
‫عبر المدرس الذي يلعب دور الوسيط بينهما‪ ،‬فهو الذي ينتقي الدعامة أو‬
‫يبنيها‪ ،‬وهو من يختار لحظة وشكل تقديمها للتلميذ تبعا للسلسلة‬
‫التعلمية‪.‬وبصيغة أخرى‪ ،‬هناك سيرورة إلضفاء طابع ديدكتيكي على‬
‫المسألة‪"362.‬‬
‫إذاً‪ ،‬فالوضعيات الديدكتيكية واإلدماجية والتقويمية هي التي تثير المتعلم ‪،‬‬
‫مادامت تحمل مشكال ما أو عائقا معينا‪.‬لذا‪ ،‬تستلزم منه أن يتسلح بمجموعة‬
‫من الموارد والقدرات لمواجهة هذه الوضعيات بإيجاد الحلول المناسبة لها‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬أهداف الوضعيات‪ -‬المسائل‬


‫تهدف الوضعيات المسائل إلى الحد من الفوارق البيداغوجية داخل الفصل‬
‫الدراسي بمساعدة الضعاف والنبهاء على حل الوضعيات الديدكتيكية‬

‫‪ - 362‬روجر كزافيي‪ :‬التدريس بالكفايات‪ ،‬وضعيات إلدماج المكتسبات‪ ،‬ص‪.19-18:‬‬


‫‪405‬‬
‫ومعالجتها بطريقة تسعفهم في تعلم ما هو جديد‪ ،‬وربط تعلماتهم بالحياة‬
‫الواقعية الحقيقية‪ ،‬بتقديم مجموعة من الوضعيات المدرسية ذات الهدف‬
‫التعلمي‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فالفوارق بين التالميذ النبهاء والضعاف منهم" مردها‬
‫إلى كون التالميذ النبهاء يستطيعون اإلدماج بشكل تلقائي؛ إنهم ليسوا‬
‫بحاجة إلى تعلم نوعي من أجل إعادة استثمار مكتسباتهم؛ وبالتالي‪ ،‬فإن‬
‫المستفيد من تطوير وضعيات اإلدماج‪ ،‬هم التالميذ النبهاء‪ ،‬على اعتبار أن‬
‫مثل هذه الوضعيات‪ ،‬تشكل لهم فرصا للتمرن‪ ،‬كما يستفيد منا التالميذ‬
‫الضعاف بدورهم؛ إذ تشكل بالنسبة لهم تعلما حقيقيا‪ .‬إنه تعلم قلما تتاح‬
‫لهم الفرصة لتلقيه‪ ،‬مادام قد ترسخت لديهم بشكل قوي الفكرة التي مفادها‬
‫أن المساعدة الوحيدة للتالميذ الضعاف‪ ،‬تكمن في تبسيط التعلمات‪.‬ومن‬
‫المؤكد أن هذا صحيح في بعض اللحظات‪ ،‬لكنهم يحتاجون فيما بعد ‪،‬‬
‫‪363‬‬
‫للعودة إلى لحظات تعلم ماهو مركب‪".‬‬
‫ومن أهداف هذه الوضعيات كذلك تحقيق وظيفة اإلدماج ‪ ،‬بتوظيف‬
‫الموارد والتعلمات التي درسها المتعلم في حل الوضعيات المعقدة ‪.‬عالوة‬
‫على وظيفة التقويم التي تسعف المتعلم في تقويم منتجه الديدكتيكي من‬
‫جهة‪ ،‬وتقويم نفسه من جهة أخرى في إطار ما يسمى بالتقويم الذاتي‬
‫(‪ ،)Auto-evaluation‬أو تقويمه من قبل المدرس تشخيصيا أو قبليا أو‬
‫تكوينيا أوإشهاديا أو توجيهيا أو إعالميا‪ ،‬أو تقويمه وفق األهداف الثالثة‬
‫للتقويم التي تتمثل في التوجيه‪ ،‬والضبط‪ ،‬واإلشهاد‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬للوضعيات الديدكتيكية ثالث وظائف أساسية هي‪:‬‬
‫‪ ‬وظيفة ديدكتيكية تعلمية ‪ :‬تتمثل هذه الوضعية في كونها تقوم بدور‬
‫تعلم دراية أو إتقان أو حسن تواجد؛‬

‫‪ - 363‬كزافيي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.64-63:‬‬


‫‪406‬‬
‫‪ ‬وظيفة إدماجية‪ :‬يساعد المدرس التعلم على إدماج مكتسابته لحل‬
‫وضعية إدماجية معينة؛‬
‫‪ ‬وظيفة تقويمية‪ :‬قد يكون الغرض من الوضعية أن تسهم في تقويم‬
‫المتعلم من أجل التثبت من تحقق الكفاية‪ ،‬وقد يكون التقويم في شكل‬
‫تشخيص‪ ،‬أو تقويم قبلي‪ ،‬أو تكويني‪ ،‬أو إشهادي‪ ،‬أو توجيهي‪...‬‬
‫إذاً‪ ،‬تهدف الوضعيات الديدكتيكية إلى التعلم من جهة أولى‪ ،‬واإلدماج من‬
‫جهة ثانية‪ ،‬والتقويم من جهة ثالثة‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬بناء الوضعيات الديدكتيكية‬


‫تبنى الوضعية الديدكتيكية وفق مكونين رئيسين هما‪ :‬الدعامة والتعليمة‪.‬‬
‫ومن هنا ‪ ،‬تعرف الدعامة (‪ )Support‬بأنها " مجموع العناصر المادية‬
‫الني نقدمها للمتعلم‪ :‬نص مكتوب‪ ،‬ورسوم توضيحية وصورة‪...‬؛ إنها‬
‫‪364‬‬
‫مجموعة من العناصر المرتبطة بسياق ما‪ ،‬ولها وظيفة محددة‪".‬‬
‫وتعرف الدعامة بثالثة عناصر هي‪:‬‬
‫‪ ‬سياق يصف البيئة التي نتموضع فيها؛‬
‫‪ ‬المعلومة التي يتدخل المتعلم على أساسها تبعا للحاالت‪.‬ويمكن أن تكون‬
‫المعلومة تامة‪ ،‬أو تحتوي على نواقص مالئمة أو مشوشة؛‬
‫‪‬وظيفة تثير الهدف الذي يتحقق اإلنتاج من أجله‪ ،‬ويتعلق األمر بالدعامة‬
‫الخام‪.‬‬
‫أما التعليمة (‪ ،)la Consigne‬فهي " مجموع تعليمات العمل التي تعطى‬
‫للمتعلم بشكل صريح‪ ،‬انطالقا من الدعامة المعروضة (سياق‪ ،‬معلومة ‪،‬‬

‫‪ - 364‬كزافيي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.76-75:‬‬


‫‪407‬‬
‫وظيفة)؛ إنها تترجم البيئة البيداغوجية المستهدفة من خالل استغالل‬
‫الوضعية‪"365.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فالتعليمة عبارة عن إنجاز تنفيذي‪.‬بمعنى أنها" ترجمة لمهمة‪،‬‬
‫نطلب من التلميذ القيام بها‪.‬وهذه المهمة هي نشاطه بالمعنى التام‬
‫‪366‬‬
‫للعبارة‪".‬‬
‫ويمكن للدعامة أن تأخذ أشكاال متعددة‪:‬‬
‫‪ ‬تحرير نص؛‬
‫‪ ‬إنجاز سيناريو؛‬
‫‪ ‬إيجاد حل لمسألة؛‬
‫‪ ‬إبداء اقتراحات؛‬
‫‪ ‬إنجاز عمل أصلي؛‬
‫‪‬إلخ‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬تحدد التعليمة المهمة والنشاط واإلنجاز ‪ ،‬أو تلون ذلك كله‪ ،‬أو‬
‫تحصره بشكل مفيد ومثمر‪ ،‬وتحدد مميزات المنتوج المرتقب‪ ،‬وتبيان‬
‫خصائصه ‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يصاي السياق بشكل واضح وصريح ومسهب‪ ،‬بالتركيز‬
‫على مجموع عناصر الوضعية‪ .‬وغالبا‪ ،‬ما يوصف السياق في نص‬
‫تمهيدي‪ ،‬أو رسم توضيحي يعرض الديكور‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬تتواجد المعلومة في الوضعية‪ ،‬إال أنه قد يحدث أن تدعو المتعلم‬
‫إلى البحث بنفسه عن المعلومات المالئمة من أجل حل الوضعية‪.‬وغالبا‪،‬ما‬

‫‪ - 365‬كزافيي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.76:‬‬


‫‪ - 366‬كزافيي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.78-77:‬‬
‫‪408‬‬
‫تكون الوظيفة صريحة‪ ،‬وقد تكون ضمنية‪ .‬ويمكن للتعلمية أن تكون‬
‫بدورها صريحة أو ضمنية‪.‬‬
‫ويستدعي بناء الوضعيات الديدكتيكية مجموعة من اآلليات والدعامات‬
‫اإلجراية الضرورية التي يمكن حصرها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬تحديد الكفاية النوعية وفق وضعية المشكلة؛‬
‫‪‬ربط الوضعية المشكلة بالسياق؛‬
‫‪ ‬تسييج الوضعية المشكلة باألسناد الضرورية؛‬
‫‪ ‬تقديم مجموعة من المعلومات والبيانات والمعطيات والصور والوثائق‬
‫المختلفة والمتنوعة التي تسعف المتعلم في حل الوضعية المشكلة؛‬
‫‪ ‬التركيز على المهمة التي يتعين المتعلم إنجازها؛‬
‫‪ ‬تقديم التعليمة بشكل واضح وهادف ومثمر وبناء؛‬
‫‪‬إرفاق التعليمة بالمؤشرات التقويمية الكمية والكيفية‪.‬‬
‫وتعد هذه الوضعيات وتبنى من قبل المدرس‪ ،‬أو أخصائيين في التربية‬
‫والتعليم وبناء المناهج‪ ،‬أو من قبل التلميذ نفسه‪ .‬وترفق الوضعيات‬
‫بالوثائق المصاحبة للوضعية المشكلة‪ ،‬وتحضير الكتب المدرسية‪ ،‬وإعداد‬
‫اختبارات التقويم‪ .‬ويسمى هذا كله بالدعامة‪ .‬وتعني الدعامة الوضعية‬
‫"مجموع العناصر المادية التي يتم تقويمها للتلميذ؛ فدعامة الوضعية هي‬
‫مايوجد في كتاب مدرسي‪ ،‬أو في بطاقة (‪ ،)Fichier‬أو في دليل‬
‫بيداغوجي‪ ،‬أو على وثيقة مستنسخة‪.‬إن الوضعية بمعناها التام‪.‬أي‪ :‬بمعنى‬
‫الوضعية العقد‪ ،‬والوضعية العمل؛ هي ما يعاش من لدن التلميذ وداخل‬
‫جماعة الفصل انطالقا من هذه الدعامة‪"367.‬‬

‫‪ - 367‬كزافيي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.58-87:‬‬


‫‪409‬‬
‫ويمكن أيضا الحديث عن نوعين من دعامة الوضعية على الشكل التالي‪:‬‬
‫‪‬دعامة خامة ‪ :‬هي التي تحتوي على ملفوظ الوضعية‪ ،‬مع توضيحات‬
‫وتعليمة؛ لكن في استقاللية عما نريد أن نعمل بها في القسم‪ ،‬وبخصوص‬
‫طريقة استغاللها‪.‬‬
‫‪ ‬دعامة الغاية ‪ :‬هي التي يتم إعدادها ألهداف بيداغوجية تبعا لما نريد‬
‫أن نسخرها له في سلسلة من التعلمات‪ ،‬كاالستغالل الجماعي‪ ،‬أو‬
‫االستغالل عن طريق مجموعة صغيرة‪ ،‬أو االستغالل الفردي‪ ،‬أو‬
‫التقييم‪...‬إلخ ‪ ،‬ونذكر بأنها الوضعية بالمعنى الذي نتبناه في كتابنا هذا‪.‬‬
‫وقد ترتبط الوضعيات بأهداف معينة تفرضها بيداغوجيا األهداف‪.‬وهنا‪،‬‬
‫البد من دفع المتعلمين إلى إدماجها وإعادة استثمارها‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬خطوات بناء الوضعيات الديدكتيكية‬


‫يرتكز بناء الوضعيات الديدكتيكية على مجموعة من المرتكزات التي‬
‫يمكن تحديدها في ‪ :‬الموارد‪ ،‬والدعم والتوليف‪ ،‬والوضعية‪ -‬اإلدماجية‪،‬‬
‫والكفاية المستهدفة‪ ،‬والحلول اإلدماجية‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬المـــوارد التعلميــــة‬
‫نعني بالموارد (‪ )Ressources‬مجموعة من التعلمات‪ ،‬والمعارف‪،‬‬
‫والمعطيات‪ ،‬والخبرات‪ ،‬والتجارب‪ ،‬والمهارات‪ ،‬والممارسات‪،‬‬
‫والتطبيقات‪ ،‬والدرايات‪ ،‬واإلتقانات‪ ،‬والبحوث‪ ،‬واألنشطة المتنوعة التي‬
‫تعرف إليها المتعلم سابقا في فصله الدراسي‪ ،‬أو مقرره التعليمي‪ ،‬أو في‬
‫مؤسسته التربوية‪ .‬وهذه الموارد قد تكون مستوحاة من المدرس مباشرة‪،‬‬
‫أو اكتسبها المتعلم شخصيا عبر التعلم الذاتي‪ ،‬أوعبر العروض المنجزة‪،‬‬
‫أو بواسطة البحوث الفردية واألعمال الميدانية‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الدعـــم والتوليــف‬
‫‪410‬‬
‫يخضع اإلدماج لعملية الدعم والتوليف‪ ،‬بعد مرحلة اكتساب الموارد‬
‫واستيعابها وتخزينها بطريقة مستضمرة‪ ،‬واليمكن اللجوء إلى وضع‬
‫المتعلم أمام وضعيات إدماجية إال بعد فترة الدعم والتطبيق والتوليف‬
‫والتركيب بين المعارف‪ ،‬بعد أن اكتسبها المتعلم بطريقة منفصلة‪ .‬وبتعبير‬
‫آخر‪ ،‬يقصد بعملية الدعم والتوليف اسثمار مكتسبات المتعلم في شكل‬
‫مراجعة عامة ومفصلة ودقيقة وواضحة وناجعة‪ ،‬بإنجاز مجموعة من‬
‫األنشطة اإلدماجية المسبقة لتعويد المتعلم ‪ -‬مستقبال‪ -‬على إنجاز‬
‫الوضعيات اإلدماجية‪ .‬أضف إلى ذلك أن المتعلم قد اكتسب مجموعة من‬
‫التعلمات والخبرات والدرايات المنفصلة ليجمع بينها ويركبها بشكل‬
‫منسجم ومتسق في أثناء حصص الدعم والتوليف التي تعقب مباشرة‬
‫حصص الموارد والمكتسبات والتعلمات‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فعملية التوليف والدعم‬
‫هي مرحلة متقدمة وسابقة في نطاق التقويم اإلجمالي؛ تأتي مباشرة‪ ،‬بعد‬
‫حصص الدروس والتعلمات وتخزين الموارد‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬الوضعية اإلدماجيـــــة‬
‫يقصد بالوضعية اإلدماجية تلك األنشطة الصعبة والمعقدة التي تحمل في‬
‫طياتها عوائق ومشاكل تتطلب حلوال ناجعة من المتعلم‪ ،‬وترتبط ارتباطا‬
‫وثيقا بالكفاية المستهدفة أو األساسية ‪ .‬وأكثر من هذا تتضمن الوضعية‬
‫اإلدماجية معلومات ضمنية وصريحة‪ ،‬وأسنادا‪ ،‬وصورا‪ ،‬ووثائق‪،‬‬
‫وخطاطات‪ ،‬وتعليمات‪ ،‬ومعايير‪ ،‬ومؤشرات كمية وكيفية‪ .‬وترد في شكل‬
‫مسألة معقدة تستلزم حلوال ‪ ،‬وكلما وجد المتعلم حلوال لهذه الوضعيات‬
‫المركبة والصعبة والمعقدة ‪ ،‬كان المتعلم كفئا ومؤهال وذكيا‪ .‬وبالتالي‪،‬‬
‫استحق شهادة التفوق أو دبلوم النجاح‪.‬‬
‫ويعرف عبد الكريم غريب الوضعية اإلدماجية بقوله‪ ":‬يقصد بوضعية‬
‫اإلدماج (‪ )Situation d’intégration‬الوضعية التي ينبغي للتلميذ أن‬
‫يكشف في إطارها عن قدراته على تجنيد موارد عدة؛ وبتفكيك هذه‬
‫‪411‬‬
‫الوضعية بشكل يتيح للمتعلم اإلجابة عن أسئلة جزئية أو إنجاز مجموعة‬
‫من المهام البسيطة‪ ،‬فقد يكون هنالك انزياح عما يراد القيام به؛ وهو األمر‬
‫الذي يعني أن المسألة تهم بالتحديد إثارة إدماج الدرايات واإلتقانات ‪،‬‬
‫وليس القيام بمجاورتها‪"368.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يتبين لنا أن الوضعية اإلدماجية هي أساس اإلدماج والتحقق من‬
‫مدى تمكن المتعلم من الكفاية األساسية المستهدفة‪ .‬وقد يكون اإلدماج‬
‫جزئيا(وضعية إدماجية جزئية في بداية الدرس)‪ ،‬أومرحليا(وضعية‬
‫إدماجية عند نهاية مرحلة من المراحل األربع)‪ ،‬أو نهائيا(الوضعية‬
‫اإلدماجية في آخر السنة الدراسية)‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬الكفايـــة المستهدفة‬
‫يرتبط اإلدماج بتقويم الكفاية المستهدفة أو الكفاية األساسية (كفاية معيار‬
‫الحد األدنى) بغية التثبت من مدى تحققها في إنتاج المتعلم‪ ،‬والتأكد من‬
‫مدى اكتساب المتعلم لمختلف موارده التعلمية‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فالكفاية‬
‫المستهدفة هي التي تركز عليها تعليمات الوضعية اإلدماجية‪ ،‬وهي أساس‬
‫النجاح‪ ،‬ويشترط فيها المالءمة ‪ ،‬واالستعمال السليم ألدوات ومفاهيم‬
‫المادة‪ ،‬واالنسجام‪ .‬وتتقابل الكفاية المستهدفة األساسية مع كفاية اإلتقان‪ ،‬أو‬
‫كفاية جودة اإلنتاج‪ .‬ويعني هذا كله أنه يستحيل الحديث عن إدماج في‬
‫غياب الكفاية األساسية‪ ،‬أو الكفاية المستهدفة؛ ألنها هي المعيار المستعمل‬
‫الختبار عمل المتعلم‪ ،‬وفحص قدراته الكفائية من خالل الحلول التي قدمها‬
‫هذا المتعلم لمعالجة الوضعية اإلدماجية‪.‬‬
‫وتأسيسا على ماسبق‪ ،‬ينبغي أن تكون الكفاية قابلة للتقويم‪ .‬لذا‪ ،‬البد أن‬
‫تصاي بطريقة إجرائية واقعية‪ .‬وإذا أخذنا على سبيل المثال هذه العبارة‪:‬‬
‫"احترام البيئة"‪ ،‬فهذه العبارة اليمكن تجسيدها كفائيا أو مهاريا‪ ،‬واليمكن‬
‫‪ - 368‬عبد الكريم غريب‪ :‬بيداغوجيا اإلدماج‪ ،‬نماذج وأساليب التطبيق والتقييم‪ ،‬منشورات‬
‫عالم التربية‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2010‬م‪ ،‬ص‪.197:‬‬
‫‪412‬‬
‫تقويمها عمليا‪.‬لذا‪ ،‬البد من وضعها في وضعية معقدة ‪ ،‬أو في سياق‬
‫إشكالي ما ‪ ،‬ضمن أسناد (نصوص ‪ ،‬وصور‪ ،‬وتعليمات‪ ،‬وإرشادات‪،‬‬
‫وتوجيهات‪ ،)...‬وتحويل الوضعية إلى كفاية إجرائية واقعية‪ ،‬يمكن تقويمها‬
‫إجرائيا‪ ،‬والتحقق منها فعليا وعمليا‪ .‬كأن نقدم للمتعلمين ‪ -‬مثال‪ -‬وضعية‬
‫إيكولوجية (تتعلق بالبيئة)‪ ،‬نطالب فيها المتعلمين بتحديد األسباب والنتائج‬
‫والحلول‪ ،‬مع االستعانة بما درسوه من مفاهيم لغوية‪ ،‬أو صرفية‪ ،‬أو‬
‫نحوية‪ ،‬أو تركيبية‪ ،‬أو داللية‪ ...‬وهنا‪ ،‬يمكن الحديث عن وضعية‬
‫مشخصة‪ ،‬وملموسة‪ ،‬وواقعية‪ ،‬وقابلة للتقويم‪ .‬بمعنى أن تكون الكفاية‬
‫إجرائية وملموسة ومعطاة ضمن وضعية مركبة ومعقدة‪ ،‬تستلزم حلوال‬
‫من المتعلم‪ ،‬وهذه الحلول المقدمة هي التي تحكم على مدى كفاءته من‬
‫عدمها‪.‬‬
‫وإليكم وضعية إدماجية تحث على الحفاظ على البيئة بصفة عامة‪ ،‬والحفاظ‬
‫الماء بصفة خاصة‪.‬‬

‫المرحلة ‪ 2‬الوضعية ‪2‬‬ ‫الكفاية ‪2‬‬ ‫اللغة العربية المستوى‬


‫السادس‬

‫لنحافـــظ على المـــاء‬

‫أقمت مدة لدى صديق لك‪ ،‬فالحظت أنه يفرط في استعمال الماء‪ ،‬اكتب له‬
‫بعد عودتك إلى منزلك‪.‬‬

‫‪413‬‬
‫استقطبت الموارد الطبيعية اهتمام علماء البيئة‪ ،‬نظرا لدورها في حياة‬
‫الكائنات والمجتمعات‪ ،‬ولقد أدرك اإلنسان أن البيئة أصبحت معرضة‬
‫للتدهور والتبذير‪ ،‬ومن الموارد المهددة باالستنزاف الغابة والماء‪.‬‬
‫أحمد الحطاب‪ :‬السكان والبيئة ‪ :‬التربية السكانية بالمغرب‪1991‬م‪،‬‬
‫‪.203:‬‬

‫التعليمات‪:‬‬
‫انطالقا من الوثيقة والصورة‪ ،‬اكتب له رسالة من إحدى عشرة جملة على‬
‫األقل‪:‬‬
‫‪ -‬تذكره باألضرار الناجمة عن تبذير الماء؛‬
‫‪ -‬تحدثه عن منافع الماء؛‬
‫‪ -‬تقدم له أربع نصائح لترشيد استعمال الماء‪.369‬‬
‫تجسد هذه الوضعية اإلدماجية الكفاية المطلوبة التي تتمثل في مدى قدرة‬
‫المتعلم على كتابة رسالة في موضوع البيئة (الحفاظ على الماء)‪ ،‬بالتركيز‬
‫‪ - 369‬وزارة التربية الوطنية‪ :‬كراسة الوضعيات اإلدماجية‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬المستوى السادس‪،‬‬
‫مطبعة المعارف الجديدة‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪2010 ،‬م‪ ،‬ص‪.11:‬‬
‫‪414‬‬
‫على أضرار تبذير الماء‪ ،‬وذكر منافعه‪ ،‬وتقديم النصائح بغية ترشيد‬
‫استعمال الماء‪.‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬الحلــــول اإلدماجيـــة‬
‫الحلول أنواع عدة منها‪ :‬الحلول المباشرة‪ ،‬وحلول الحفظ‪ ،‬وحلول الذكاء‪،‬‬
‫وحلول التركيب واالستنتاج‪ ،‬والحلول الثقافية‪ ،‬والحلول الموجهة‪،‬‬
‫والحلول المستقلة‪ ،‬والحلول الفردية‪ ،‬والحلول الجماعية‪ ،‬والحلول الشفوية‪،‬‬
‫والحلول الكتابية‪ ،‬والحلول اآلنية الفورية‪ ،‬والحلول المؤجلة‪...‬بيد أن ما‬
‫يهمنا ‪ ،‬في هذا السياق‪ ،‬هو الحلول اإلدماجية التي ترتبط ارتباطا وثيقا‬
‫بالتقويم اإلدماجي من جهة‪ ،‬والوضعية اإلدماجية من جهة ثانية‪.‬‬
‫ويعني هذا أن الوضعية اإلدماجية‪ ،‬بسياقها‪ ،‬وأسنادها‪ ،‬وتعليماتها‪،‬‬
‫ومعاييرها‪ ،‬ومؤشراتها‪ ،‬هي التي تستلزم الحلول المطلوبة‪ ،‬انطالقا من‬
‫معايير أساسية هي‪ :‬معيار المالءمة‪ ،‬ومعيار االستخدام السليم لألدوات‪،‬‬
‫ومعيار االنسجام‪ .‬عالوة على معايير ثانوية تتمثل في معيار الجودة‬
‫واإلتقان‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يتميز الحل الحقيقي والمعتبر بتمثل هذه المعايير‬
‫التقويمية كلها‪ ،‬سواء أكانت أساسية أم ثانوية‪ ،‬بالجمع والتوليف بينها‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬الوضعيـــة اإلدماجية‬
‫ينبغي أن تصاي نماذج التقويم اإلدماجي في إطار وضعيات معقدة ومركبة‬
‫وفق الكفاية األساسية المراد تنميتها لدى المتعلم‪ .‬واليعني هذا أن تكون‬
‫الوضعيات المقدمة للمتعلم وضعيات طبيعية أو معاشة ‪ ،‬بل وضعيات‬
‫أقرب إلى الواقع‪ ،‬في شكل نصوص‪ ،‬ووثائق‪ ،‬وصور‪ ،‬ومستندات‪،‬‬
‫وخطاطات توضيحية‪...‬تتطلب نوعا من المعالجة من المتعلم وفق الموارد‬
‫التي اكتسبها في حصص التعلم والتمهير والدعم والتوليف‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬تنبني الوضعية اإلدماجية على مجموعة من العناصر‬
‫والمكونات األساسية التي يمكن حصرها فيما يلي‪:‬‬
‫‪415‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الوضعية ‪ -‬المسألة‬
‫يتضمن التقويم اإلدماجي الوضعية ‪ -‬المسألة التي تتكون من الوضعية من‬
‫جهة‪ ،‬والمسألة من جهة أخرى‪.‬بمعنى أن الوضعية تحوي موضوعا‬
‫وسياقا‪ .‬في حين‪ ،‬تتوفر المسألة على عائق أو مشكل ينبغي أن نجد له حال‪.‬‬
‫وكل من وجد هذا الحل‪ ،‬فهو شخص كفء أو مؤهل‪ .370‬ومن ثم‪ ،‬تكون‬
‫الوضعية في خدمة التعلمات الجديدة‪ .‬ويعني هذا أننا نتعلم كيف نحل‬
‫المشاكل‪ .‬وتذكرنا هذه الطريقة ببيداغوجيا حل المشكالت‪ .‬ومن هنا‪،‬‬
‫فالوضعية المسألة هي" وضعية تضع عائقا معينا تبعا لسلسلة من‬
‫التعلمات‪ ،‬مثل‪ :‬الوضعية المسألة التي تقتضي إنشاء مجسم للمدرسة‪،‬‬
‫باستعمال مواد معينة‪ ،‬بهدف تقديم المدرسة في إطار معرض‪.‬‬
‫الوضعية المسألة التي تقتضي إيجاد اإلجراءات التي يتعين اتخاذها في‬
‫مواجهة مشكلة بيئية مطروحة‪.‬‬
‫الوضعية المسألة التي تقتضي شرح بنية اجتماعية تتسم بطابع الصراع‬
‫اعتمادا على وقائع تاريخية سابقة‪"371.‬‬
‫ويمكن الحديث عن أنواع عدة من الوضعيات‪ ،‬فهناك وضعيات حياتية‪،‬‬
‫ووضعيات طبيعية‪ ،‬ووضعيات مهنية‪ ،‬ووضعيات تكوينية‪ ،‬ووضعيات‬
‫تعلمية أو بنائية ‪ ،‬ووضعيات إدماجية‪ ،‬ووضعيات تقويمية‪ .‬وفي هذا يقول‪،‬‬
‫كزافيي‪ ":‬الوضعية المسألة ‪ ،‬بشكل عام‪ ،‬هي وضعية تجيب عن إشكال‬
‫مطروح‪ .‬وفي الحياة اليومية‪ ،‬تملى الوضعيات المسائل من قبل األحداث‬
‫التي يواجهها كل شخص يوميا؛ كما هو الشأن بالنسبة للوضعية المسألة‬
‫التي تتعلق بتوليف مواعيد عدة‪ ،‬والوضعية المسألة التي تتعلق بضياع‬

‫‪ - 370‬كسافيي روجييرز ‪ :‬التدريس بالكفايات(وضعيات إلدماج المكتسبات)‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبد‬


‫الكريم غريب‪ ،‬منشورات عالم التربية‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2007‬م‪،‬‬
‫ص‪.11:‬‬
‫‪ - 371‬كسافيي روجييرز ‪ :‬التدريس بالكفايات‪ ،‬ص‪.13:‬‬
‫‪416‬‬
‫المفاتيح‪...‬إلخ‪.‬ونتكلم عن وضعيات حياتية مثلما نتكلم عن وضعيات مهنية‪،‬‬
‫عندما نطرح هذه األخيرة في إطار مزاولة مهنة‪ ،‬مثل‪ :‬مواجهة مشكلة‬
‫عطب في آلة‪ ،‬وفي حال التزامنا بأجل محدد لإلنتاج‪.‬وكل هذه األمثلة‬
‫تشكل وضعيات يمكن وصفها بوضعيات طبيعية‪ .‬في اإلطار المدرسي‪،‬‬
‫الوضعية المسألة هي وضعية ‪...‬يتم بناؤها أيضا على اعتبار أن الوضعية‬
‫المسألة تتموضع داخل سلسلة مخطط لها للتعلم‪.‬وسيكون هناك على سبيل‬
‫المثال عدد أقل من المعطيات المشوشة‪ ،‬كما هو األمر في وضعية حياتية‪،‬‬
‫أو معطيات يتم تقديمها للتلميذ وفق ترتيب معين لكي يحترم التدرج فيما‬
‫‪372‬‬
‫يخص الصعوبات التي يتعين عليه تجاوزها‪".‬‬
‫ولكن ما يهمنا من الوضعيات ‪ -‬المسائل الوضعيات الديدكتيكية‪ ،‬وهي‬
‫الوضعيات التي يقترحها المدرس لجماعة الفصل قاطبة في سياق تعلمي‬
‫جديد‪ :‬درايات‪ ،‬وإتقانات جديدة‪...‬انطالقا من الموارد اإلدماجية‪ .‬وتسمى‬
‫أيضا هذه الوضعيات بوضعيات االستكشاف التي تهدف إلى تملك تعلمات‬
‫جديدة ‪ ،‬بحل المشاكل المستعصية‪.‬ويكون االستكشاف بطرح أسئلة حول‬
‫موضوع ما‪ ،‬وطرح فرضيات حوله‪....‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يمكن الحديث عن الوضعيات اإلدماجية‪ ،‬أو ما يسمى‬
‫بالوضعيات المستهدفة‪ ،‬أو وضعيات إعادة االستثمار‪ ،‬أو وضعيات‬
‫األهداف‪ ،‬ويلتجىء إليها المتعلم بعد االنتهاء من اكتساب الموارد‪،‬‬
‫والدخول في عملية اإلدماج أو استثمار المعلومات لحل المشاكل‬
‫المستعصية أو المعقدة التي تطرحها الوضعيات المشكالت‪ ،‬أو المسائل‬
‫المعقدة والصعبة والمركبة‪.‬‬
‫وإذا كانت الوضعيات الديدكتيكية توظف لتيسير التعلم الجيد‪ ،‬فإن‬
‫الوضعيات األهداف‪ ،‬أو الوضعيات اإلدماجية تقوم بدمج المعلومات‬
‫والموارد السابقة من أجل حل وضعية جديدة بغية التثبت من مدى تحقق‬
‫‪ - 372‬كسافيي روجييرز ‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.18:‬‬
‫‪417‬‬
‫الكفاية المستهدفة‪ .‬وفي هذا‪ ،‬يقول كزافيي‪ ":‬التقتضي وضعية مسألة‬
‫هدف مجاورة تمارين صغيرة ‪ ،‬ألن هذا قد يكون مجرد مراجعة؛ بل‬
‫تقتضي وضعية معقدة ‪ ،‬يكون فيها على التلميذ القيام بمفصلة وتوليف عدة‬
‫درايات وإتقانات صادفها من قبل‪ .‬إن األمر يتعلق في اآلن نفسه بوضعية‬
‫مسألة في شكل سيرورة‪ ،‬تستعمل لتعلم اإلدماج‪ ،‬ووضعية مسألة منتوج‪،‬‬
‫تستعمل كشاهد على ما يتعين أن يتمكن منه التلميذ‪ .‬وحتى التلتبس هذه‬
‫الوضعيات بالوضعيات المسائل الديدكتيكية ‪ ،‬فنسميها وضعيات‬
‫أهداف‪".373‬‬
‫وعليه‪ ،‬تصبح الوضعية دعامة خامة بمعلوماتها المفصلة‪ ،‬ثم هي أداة‬
‫ديدكتيكية تساعد التلميذ على التعلم وحل المشكلة‪ ،‬ثم هي عقد مبرم بين‬
‫المتعلم والمدرس الذي يقترح الوضعيات(عقد ديدكتيكي)‪ ،‬وهي كذلك‬
‫إنجاز وعمل وتنفيذ إجرائي‪.‬إذاً‪ ،‬هناك تفاعل بين المتعلم والمعلومات‪،‬‬
‫وتفاعل بين المتعلم والمدرس‪ ،‬وتفاعل بين المتعلم والعمل من خالل تعاقد‬
‫صريح أو ضمني بين مقترح الوضعية ومن يحلها (المتعلم)‪.‬‬
‫كما تتنوع الحلول إلى حل موجه‪ ،‬وحل مستقل‪ ،‬وحل فردي‪ ،‬وحل‬
‫جماعي‪...‬‬
‫وتنبني الوضعية المسألة على الهدف العائق‪.‬أي‪ :‬مواجهة العائق وتجاوزه‬
‫انطالقا من الموارد المكتسبة التي استضمرها المتعلم بغية إدماجها لحل‬
‫الوضعية‪ -‬المشكلة‪ .‬إذاً‪ ،‬يضع المدرس هدفا ‪ ،‬ويتمثل هذا الهدف في طرح‬
‫مشكلة أو عائق ينبغي تجاوزه وإيجاد حل له‪ .‬ويسمى هذا الهدف بالهدف‬
‫العائق‪ ،‬وهو يصدر عن المواجهة بين منطقين‪:‬‬
‫" منطق األهداف المحددة من لدن الخبير (المدرس‪ ،‬وأخصائيو‬
‫المحتويات) ‪ ،‬والتي تنتج عن تحليل المحتويات؛‬

‫‪ - 373‬كسافيي روجييرز ‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.34:‬‬


‫‪418‬‬
‫ومنطق تحليل الصعوبات التي تعترض المتعلم لكي يتجاوز ويتوصل إلى‬
‫الدرايات المراد تكوينها انطالقا من تمثالته الخاصة‪.‬‬
‫وتحاول األهداف المعيقات أن توفق بين هذين المنطقين‪ :‬منطق الخبير‬
‫ومنطق المتعلم‪:‬‬
‫من جهة‪ ،‬يدرس الهدف بطريقة معينة‪ ،‬حيث يشكل التعلم تقدما فكريا لدى‬
‫التالميذ؛‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يدرس الهدف بشكل يمكن من االشتغال على معيق قابل‬
‫للتجاوز من قبل المتعلم‪.‬‬
‫‪374‬‬
‫يتعلق األمر‪-‬إذا ً‪ -‬بنوع من التفاوض بخصوص الهدف‪".‬‬
‫وتختلف طبيعة الوضعية ‪ -‬المسألة من فرد إلى آخر‪ ،‬ومن لحظة إلى‬
‫أخرى‪ ،‬فقد تكون صعبة ومعقدة عند فرد ما‪ ،‬وسهلة ومتداولة عند فرد‬
‫آخر‪ ،‬وقد تكون مشكلة ما في لحظة معينة‪ ،‬والتكون كذلك في لحظة‬
‫أخرى‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬يقول كزافيي‪ ":‬إن مفهوم الوضعية المسألة نسبي‬
‫أساسا‪ ،‬ألنه يرتبط في جزئه األكبر بمن يتكلف بحل هذه الوضعية‪.‬ويمكن‬
‫أن تكون وضعية معينة‪ ،‬وضعية مسألة بالنسبة لفرد ما؛ لكنها تبقى‬
‫وضعية متداولة بالنسبة لفرد آخر‪.‬وبالمثل‪ ،‬يمكن أن تشكل وضعية معينة‪،‬‬
‫وضعية مسألة بالنسبة لفرد ما في لحظة معينة‪ ،‬والتطرح له أي إشكال في‬
‫‪375‬‬
‫لحظة أخرى‪".‬‬
‫وقد تكون الوضعية ‪ -‬المسألة معرفية ‪ ،‬أو وضعية وجدانية ‪ ،‬أو وضعية‬
‫حسية حركية‪.‬‬
‫ويكون التلميذ هو المستهدف بحل وضعيته اإلدماجية ‪.‬أي‪ :‬يكون قادرا‬
‫على إدماج مكتسباته لحل الوضعية المعقدة الجديدة‪ ،‬بناء على موارده‬
‫‪ - 374‬كسافيي روجييرز ‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.28:‬‬
‫‪ - 375‬كسافيي روجييرز ‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.29:‬‬
‫‪419‬‬
‫المكتسبة التي استضمرها‪ .‬بمعنى أن يكون التلميذ فاعال في اإلدماج أو هو‬
‫الذي يقوم بعملية اإلدماج؛ " وهذا الينفي بعض أشكال العمل الجماعي‬
‫التعاوني أحيانا؛ وهي أشكال عمل قد تخدم بعض التالميذ فيما يخص‬
‫مقصدية إدماج المكتسبات؛ ذلك أن المهم هو التأكد من أن كل تلميذ‪،‬‬
‫‪376‬‬
‫خصوصا الضعيف‪ ،‬لديه فرصة مهمة لتجنيد تفكيره‪"...‬‬
‫وعليه‪ ،‬ترتبط الوضعية ‪ -‬المسألة بالتعلمات والموارد( الدرايات‪،‬‬
‫واإلتقانات‪ ،‬والمهارات)‪ ،‬والوضعيات الديدكتيكية ‪ ،‬والوضعيات‬
‫اإلدماجية‪ .‬كما أن األنشطة التعلمية أنواع‪ :‬أنشطة تعليمية ‪ -‬تعلمية مجردة‬
‫من السياق‪ ،‬وأنشطة تعليمية ‪ -‬تعلمية مرتبطة بالسياق‪ ،‬وأنشطة تعليمية ‪-‬‬
‫تعلمية في وضعية طبيعية‪ ،‬وأنشطة التمارين والتطبيق‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬للوضعية المسألة وظيفة إدماجية من جهة (التقويم اإلدماجي)‪،‬‬
‫ووظيفة تقويمية من جهة أخرى(التقويم التكويني‪ ،‬أو التقويم اإلجمالي‪ ،‬أو‬
‫التقويم المستمر‪ ،‬أوالتقويم اإلشهادي)‪ .‬بل يمكن الحديث عن أهداف‬
‫تشخيصية لوضعيات إدماجية في بداية السنة الدراسية(التقويم‬
‫التشخيصي)‪ ،‬أو ألهداف التوجيه والضبط واإلشهاد في آخر السنة‬
‫الدراسية(التقويم اإلشهادي)‪ .‬وفي هذا‪ ،‬يقول كزافيي‪ ":‬هذا ما يتيحه‬
‫اإلدماج للتالميذ‪ ،‬باعتبارها فرصة للتقدم‪ ،‬وخصوصا ألضعفهم؛ ذلك أن‬
‫الفوارق بين التالميذ النبهاء والضعاف منهم‪ ،‬مردها إلى كون التالميذ‬
‫النبهاء يستطيعون اإلدماج بشكل تلقائي؛ إنهم ليسوا بحاجة إلى تعلم نوعي‬
‫من أجل إعادة استثمار مكتسباتهم‪.‬وبالتالي‪ ،‬فإن المستفيد من تطوير‬
‫وضعيات اإلدماج‪ ،‬هم التالميذ النبهاء على اعتبار أن مثل هذه‬
‫الوضعيات‪ ،‬تشكل لهم فرصا للتمرن‪ ،‬كما يستفيد منها التالميذ الضعاف‬
‫بدورهم؛ إذ تشكلت بالنسبة لهم تعلما حقيقيا‪.‬إنه تعلم قلما تتاح لهم الفرصة‬
‫لتلقيه‪ ،‬مادام قد ترسخت لديهم بشكل قوي الفكرة التي مفادها أن المساعدة‬

‫‪ - 376‬كسافيي روجييرز ‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.43:‬‬


‫‪420‬‬
‫الوحيدة للتالميذ الضعاف‪ ،‬تكمن في تبسيط التعلمات‪ .‬ومن المؤكد أن هذا‬
‫صحيح في بعض اللحظات‪ ،‬لكنهم يحتاجون فيما بعد‪ ،‬للعودة إلى لحظات‬
‫‪377‬‬
‫تعلم ماهو مركب‪".‬‬
‫إذاً‪ ،‬اليمكن الحديث عن تقويم إدماجي إال باستحضار الوضعية اإلدماجية‪،‬‬
‫والموارد المكتسبة‪ ،‬والكفايات المستهدفة‪ ،‬وأنشطة الدعم والتوليف‪،‬‬
‫والحلول المقترحة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يمر التقويم اإلدماجي بعدة مراحل أساسية‬
‫هي‪ :‬تعلم الموارد‪ ،‬وتعلم كيفية دمج هذه الموارد‪ ،‬وتقويم عملية الدمج لهذه‬
‫الموارد‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الســــنـــد‬

‫نعني بالسند‪ ،‬أو األسناد (‪ ،)Support‬تلك العناصر أو الدعامات المادية‬


‫التي تعتمد عليها الوضعية المسألة أو الوضعية اإلدماجية ‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫النصوص‪ ،‬والوثائق‪ ،‬والصور‪ ،‬واأليقونات‪ ،‬والخرائط‪ ،‬والبيانات‪،‬‬
‫والجداول‪ ،‬واألشكال الهندسية ‪ ،‬والخطاطات‪ ...‬ويرتكز السند على ثالثة‬
‫عناصر هي‪ :‬السياق‪ ،‬والمعلومة‪ ،‬والوظيفة‪.‬‬
‫وهذه األسناد إما لفظية (نصوص ووثائق)‪ ،‬وإما بصرية(صور وخرائط‬
‫وجداول وبيانات‪ ،)...‬وإما رقمية( معطيات الحاسوب)‪ .‬ويمكن توضيح‬
‫ذلك كله بالشكل التالي‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬السيــــاق‬
‫يقصد بالسياق البيئة التي تتم فيها الوضعية‪ ،‬أو هو ذلك اإلطار الذي‬
‫يصف البيئة التي تتموضع فيها الذات‪ .‬أي‪ :‬ترتبط الوضعية بالسياق الذي‬

‫‪ - 377‬كسافيي روجييرز ‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.64-63:‬‬


‫‪421‬‬
‫يعني مجموعة من الظروف التي يتموقع فيها األشخاص داخلها‪.‬أي‪:‬‬
‫"مجموعة من الظروف في لحظة معينة "‪.378‬‬
‫وقد يكون السياق طبيعيا‪ ،‬أو حياتيا‪ ،‬أو مهنيا‪ ،‬أو مدرسيا‪...‬ومن هنا‪،‬‬
‫فالسياق هو البيئة التي يتم فيها عمل التالميذ‪ ،‬ويشتمل على مكونات عدة‪:‬‬
‫اإلطار المختار( اإلطار المدرسي مثال)‪ ،‬والفضاء الذي تحل فيه الوضعية‬
‫(السياق المكاني)‪ ،‬وزمن الوضعية (السياق الزمني)‪ ،‬ويتضمن أيضا البيئة‬
‫االجتماعية للوضعية‪.‬أي‪ :‬العمل بشكل فردي أو بمساعدة وصي في إطار‬
‫مجموعة (السياق االجتماعي)‪.‬‬
‫أضف إلى ذلك‪ ،‬فالسياق هو " البيئة التي تعرض فيها المسألة كسياق‬
‫حفل أو سياق مراسلة مدرسية أو سياق الدفاع عن البيئة أو سياق محاربة‬
‫داء السيدا إلخ‪...‬إنه يتعلق بمحتوى المسألة‪ ،‬وليس بحلها‪ ،‬مادام من النادر‬
‫أن يكون بإمكاننا استباق ظروف تحقيق هذه األخيرة‪.‬ويمكن أن يكون‬
‫السياق معيشا من قبل التالميذ‪ ،‬عندما تعرض الوضعية بشكل‬
‫طبيعي‪.‬وعلى خالف ذلك‪ ،‬عندما يتعلق األمر بوضعية مبنية‪ ،‬يكون على‬
‫التالميذ بذل مجهود لكي يلجوا هذا السياق الذي يبقى بالنسبة لهم بناء‬
‫خارجيا بشكل قبلي‪.‬وطبيعة هذا المجهود ‪ ،‬على الخصوص‪ ،‬هي التي‬
‫‪379‬‬
‫تجعل وضعية معينة تكتسي داللة أو التكتسبها بالنسبة للتلميذ‪".‬‬
‫وينبغي أن يرتبط السياق بالقيم التي نود غرسها في المتعلم‪ ،‬مثل‪ :‬قيم‬
‫المواطنة‪ ،‬وقيم التسامح‪ ،‬وقيم التعاون‪ ،‬وقيم التضامن‪ ،‬وقيم السلم‪،‬‬
‫والتربية على الصحة‪ ،‬ومحاربة السيدا‪ ،‬وقيم التربية السكانية‪ ،‬وقيمة‬
‫الحفاظ على البيئة‪...‬‬

‫‪ - 378‬كسافيي روجييرز ‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.12:‬‬


‫‪ - 379‬كسافيي روجييرز ‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.85:‬‬
‫‪422‬‬
‫وغالبا‪ ،‬ما يتم وصف السياق في نص تمهيدي‪ ،‬أو في رسم توضيحي‬
‫يعرض ديكور الوضعية‪ ،‬كالشخص‪ ،‬ومميزات المرسل والمرسل إليه‪،‬‬
‫والتحديدات المكانية والزمانية المتعلقة بالوضعية‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يعتمد السياق‪ ،‬في تدريس اللغات‪ ،‬على السياق التواصلي كاعتماد‬
‫المراسلة ‪ ،‬واستحضار كل أطراف التواصل ( المرسل‪-‬المرسل إليه‪-‬‬
‫الرسالة‪ -‬الزمان‪ -‬المكان‪ -‬آثار التلفظ)‪ .‬في حين‪ ،‬يرتكز السياق ‪ ،‬في مواد‬
‫العلوم اإلنسانية‪ ،‬على الوثائق التي يتعين استغاللها‪ .‬ويتكىء السياق‪ ،‬في‬
‫المواد األدبية ‪ ،‬على النصوص الشعرية أو النثرية أو النقدية‪ .‬أما السياق‬
‫في العلوم التجريبية والحقة ‪ ،‬فيتغير حسب ضرورات اإلدماج‪.‬‬
‫وللتمثيل نأخذ هذا النموذج ‪:‬‬
‫الكفاية‪2‬‬ ‫المرحلة ‪2‬‬ ‫الكتابة‬ ‫المستوى‬ ‫التاريخ‬
‫السادس‬ ‫والتربية‬
‫على‬
‫المواطنة‬

‫المغرب قبل الفتح اإلسالمي‬

‫سجل عزيز نفسه للمشاركة في رحلة سياسية إلى الموقع األثري‬


‫الروماني بوليلي‪ ،‬تنظمها جمعية تهتم بالطفولة والثقافة‪ ،‬فدعاك لتزويده‬
‫بمعلومات حول هذه المعلمة التاريخية بالمغرب‪.‬‬
‫الوثيقـــة ‪1‬‬

‫‪423‬‬
‫لعب الفينيقيون دورا هاما في الميدان التجاري في كل من حوض‬
‫البحر المتوسط والساحل األطلسي في المغرب‪ ...‬وأدخلوا الكتابة‬
‫األبجدية‪.‬‬

‫الوثيقة ‪2‬‬
‫التعليمات‪:‬‬
‫انطالقا من الصورة والنص ومادرسته في التاريخ وفي التربية على‬
‫المواطنة‪:‬‬
‫‪ ‬حدثه عن هذه المعلمة التاريخية؛‬
‫‪ ‬اقترح عليه خطة لحمايتها؛‬

‫‪424‬‬
‫‪ ‬حدثه عن تأثير الفينيقيين في سكان المغرب‪.380‬‬
‫يتحدث سياق هذه الوضعية اإلدماجية عن مشاركة سياحية لعزيز حيال‬
‫الموقع األثري الروماني بوليلي‪ ،‬في إطار األنشطة الجمعوية‪ .‬لذا‪ ،‬قرر‬
‫البحث عن معلومات تتعلق بهذه المدينة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فقد كانت الوثيقتان في‬
‫خدمة عزيز للتعرف إلى مدينة وليلي سياحيا وتاريخيا‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬المعلومـــــات‬
‫المعلومات هي معطيات الوضعية ومواردها األساسية‪ .‬بمعنى أن‬
‫المعلومات هي بمثابة محتويات ومضامين يغلف بها السياق‪ ،‬ويعضد‬
‫دالليا‪ .‬وغالبا‪ ،‬ماتكون المعلومات هي عناصر للسياق‪ ،‬مثل‪ :‬الذوات‬
‫الحاضرة في السياق‪ ،‬والمعطيات الزمانية والمكانية‪ ،‬والوثائق‪،‬‬
‫والنصوص‪ ،‬والخبرات التي يتضمنها النص السياقي‪ .‬وفي هذا‪ ،‬يقول‬
‫كسافيي‪":‬وأحيانا‪ ،‬تكون الحدود دقيقة جدا على مستوى التمييز بين‬
‫المعطيات (المعلومات) وعناصر السياق؛ حيث يمكن أال يكون لتحديد‬
‫المكان والتاريخ أي تأثير في بعض الحاالت‪ ،‬ونعتبره عنصر سياق؛ وفي‬
‫حاالت أخرى‪ ،‬يمكن أن يكون له تأثير‪ ،‬لدرجة أنه يعتبر معطى‪ .‬فمن‬
‫الصعب جدا إرساء هذه الحدود‪ ،‬لدرجة أن بعض المعطيات تكون في‬
‫الوقت نفسه عناصر السياق‪"381.‬‬
‫ويعني هذا أن المعلومة عبارة عن معطيات من شأنها أن تتدخل في حل‬
‫وضعية معينة‪.‬ويمكن أن تكون المعلومة تامة أو ناقصة من جهة‪ ،‬أو تكون‬
‫مالئمة أو مشوهة من جهة أخرى‪ .‬وغالبا‪ ،‬ما تكون المعلومة متضمنة في‬
‫الوثائق التي يعرضها السند‪ .‬وبصفة عامة‪ ،‬تتواجد المعلومة في الوضعية‪،‬‬
‫إال أنه قد يحدث أن تدعو المتعلم إلى البحث بنفسه عن المعلومات المالئمة‬
‫من أجل حل الوضعية‪.‬‬
‫‪ - 380‬وزارة التربية الوطنية‪ :‬كراسة الوضعيات اإلدماجية‪ ،‬ص‪.27:‬‬
‫‪ - 381‬كسافيي روجييرز ‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.89:‬‬
‫‪425‬‬
‫وتتخذ معلومات السياق عدة مظاهر‪ ،‬كأن تكون عناصر رسم يتعين‬
‫مالحظته‪ ،‬أو مقدار عددي يتعين استعماله‪ ،‬أو مادة ينبغي استعمالها لصنع‬
‫شيء معين‪ ،‬أو تفاصيل واردة في وثيقة يتعين تحليلها‪ ،‬أو كلمات ينبغي‬
‫توظيفها في إنتاج معين‪...‬‬
‫وترد المعلومات في أشكال عدة‪ ،‬كأن ترد في شكل أدبي (سردي‬
‫وحكائي)‪ ،‬أو في شكل تصميم أو خطاطة‪ ،‬أو في شكل وثائق يتعين‬
‫تحليلها‪...‬ويمكن أن تتواجد المعلومات والمعطيات السياقية في ملفوظ‬
‫الوضعية أو على خالف ذلك‪ ،‬ويمكن أن تبرز مجتمعة وشاملة ( حالة‬
‫نص سردي) ‪ ،‬أو منفصلة بطريقة مقطعية( حالة الوثائق)‪ .‬وقد تمتزج‬
‫المعلومات والمعطيات بالسياق أو تتميز عنه‪ .‬وقد تكون المعلومات رقمية‬
‫(التوفر على أعداد أو أرقام) أو غير رقمية ‪ ،‬وقد تكون حقيقية (معقولة)‬
‫أو خيالية‪ ،‬وقد تكون فردية (موجهة إلى فرد واحد) أو جماعية( موجهة‬
‫إلى جماعة الفصل)‪ ،‬وقد تكون ثابتة أو قابلة للتكيف (تكييفها مع السياق‬
‫البيئي أو الواقعي الذي يوجد فيه المتعلم)‪.‬‬
‫وقد تكون المعلومات والمعطيات موجودة داخل الوضعية‪ .‬وفي حاالت‬
‫أخرى‪ ،‬ينبغي للمتعلم أن يبحث عنها في أماكن أخرى ‪ ،‬مثل‪ :‬األنترنت‪،‬‬
‫والكتب‪ ،‬وبنك المعلومات‪...‬وهناك معطيات مساعدة أو معطيات مشوشة‬
‫غير مالئمة التتدخل في حل المسألة‪ ،‬ولكن يمكن أن تكون معطى‬
‫ضروريا لحل المسألة‪ .‬وثمة معطيات أو معلومات ينبغي تحويلها قبل‬
‫استعمالها أو توظيفها أو استعمالها ‪ ،‬مثل‪ :‬تحويل اللترات إلى أمتار مكعبة‬
‫في الرياضيات ‪ -‬مثال‪.-‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬الوظيفــــــة‬
‫تثير الوظيفة الهدف الذي يتحقق اإلنتاج من أجله‪.‬أي‪ :‬يجيب مفهوم‬
‫الوظيفة على السؤال التالي‪ :‬ماذا نستهدف بالوضعية؟ ولم تصلح هذه‬

‫‪426‬‬
‫الوضعية؟ وما وظيفتها اإلجرائية؟ وما المفروض الذي ينبغي أن تجيب‬
‫عنه الوضعية؟ وما هي وظيفتها البيداغوجية؟‬
‫ومن هنا‪ ،‬فالوظيفة اإلجرائية للوضعية هي الحاجة التي يفترض أن‬
‫تستجيب لها الوضعية‪ .‬لذا‪ ،‬فالوضعية" بإمكانها أن تأخذ طابعا إجرائيا‬
‫أوال‪ ،‬فإن لها وظيفة بيداغوجية‪ ،‬تخدم التعلمات بطريقة خاصة‪.‬ويمكن‬
‫القول‪ :‬إن بإمكان وضعية مسألة معينة أن تلعب بشكل أساسي ثالث‬
‫وظائف بيداغوجية "‪ ، 382‬وهي‪ :‬وظيفة ديدكتيكية لتعلمات مضبوطة‪،‬‬
‫ووظيفة إدماجية‪ ،‬ووظيفة تقييمية‪.‬‬
‫وغالبا‪ ،‬ماتكون الوظيفة ضمنية‪ ،‬إال أنه بإمكانها أن تبرز بشكل صريح‬
‫وواضح وبارز‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬التعليمــــات‬
‫التعليمات(‪ )Consignes‬هي مجموعة من التعليمات واألسئلة التي تعطى‬
‫للمتعلم قصد التقيد بها في أثناء معالجة الوضعية اإلدماجية ‪ ،‬ولكن بشكل‬
‫صريح وواضح‪ ،‬انطالقا من األسناد المعروضة (سياق‪ ،‬ومعلومة‪،‬‬
‫ووظيفة)؛ " إنها تترجم البيئة البيداغوجية المستهدفة من خالل استغالل‬
‫‪383‬‬
‫الوضعية‪".‬‬
‫وعليه‪ ،‬فان التعليمة بمثابة مهمة ينبغي أن يقوم بها المتعلم‪ ،‬وقد تكون هذه‬
‫المهمة تحرير نص‪ ،‬أو إنجاز سيناريو‪ ،‬أو إيجاد حل لمسألة أو مشكلة ما‪،‬‬
‫أو إبداء اقتراحات‪ ،‬أو إنتاج عمل أصيل‪...‬‬

‫‪ - 382‬كسافيي روجييرز ‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.82:‬‬


‫‪ - 383‬كسافيي روجييرز ‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.76:‬‬

‫‪427‬‬
‫وعموما‪ ،‬تكون التعليمة صريحة إال أنها يمكن أن تكون في بعض الحاالت‬
‫ضمنية؛ ألنها تفرض نفسها من ذاتها‪.384‬‬
‫إذاً‪ ،‬تتعلق التعليمة بالمهمة‪ .‬أي‪ :‬بما نريد أن يكتسبه المتعلم بنفسه‪ .‬وهي‬
‫بمثابة أداء وإنجاز وتنفيذ وترجمة ما اكتسبه المتعلم من موارد في أرض‬
‫الواقع‪ .‬وفي هذا ‪ ،‬يقول كسافيي‪ ":‬إن هذه المهمة ليست صريحة‬
‫بالضرورة؛ بل ينبغي أحيانا البدء بولوج الوضعية لتحديد المهمة المراد‬
‫إنجازها‪ .‬أي‪ :‬لوضع تقرير لما ينتظر من التلميذ‪ .‬ففي أغلب األحيان‪،‬‬
‫تكون التعليمة هي التي تعكس بشكل جيد نوع المهمة المنتظرة‪ .‬وتبعا‬
‫للحاالت‪ ،‬يمكن التعبير عن المهمة بالمفاهيم التالية‪:‬‬
‫‪‬حل المسائل؛‬
‫‪ ‬إبداع جديد؛‬
‫‪‬إنجاز مهمة معتادة؛‬
‫‪‬اقتراح عمل؛‬
‫‪385‬‬
‫‪ ‬اختيار جواب من اختيار متعدد‪ ،‬مثال‪".‬‬
‫وللتمثيل‪:386‬‬

‫‪ - 384‬كسافيي روجييرز ‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.80:‬‬


‫‪ - 385‬كسافيي روجييرز ‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.100:‬‬
‫‪ - 386‬كسافيي روجييرز ‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.76:‬‬
‫‪428‬‬
‫أنت صحفي‪ ،‬وبادرت الجريدة‬ ‫سياق‬
‫اليومية التي تعمل بها إلى نشر‬
‫سلسلة من المقاالت حول‬
‫موضوع (الواليات المتحدة‬
‫االمريكية‪ :‬أرض الحريات؟)‬

‫أنت مكلف بتحرير مقال تاريخي‬ ‫وظيفة‬


‫مخصص للمرحلة الممتدة ما بين‬
‫نهاية القرن الثامن عشر ونهاية‬
‫القرن التاسع عشر؛ وفي هذا‬
‫اإلطار‪ ،‬تولدت لديك نية استجواب‬
‫م رخ أمريكي كبير‪.‬‬

‫بفعل هاجس جودة اإلعداد‬ ‫سياق‬


‫الستجوابك‪ ،‬قمت بتجميع بعض‬
‫الوثائق المالئمة حول تاريخ هذه‬
‫المرحلة‪.‬‬

‫‪ -1‬صغ خمسة أسئلة يطرحها‬ ‫تعليمة‬


‫عليك تحليل هذه الوثائق‬
‫ومقارنتها‪ ،‬ثم نظمها منطقيا‬
‫‪429‬‬
‫بالشكل الذي يجعلك تهيء‬
‫استجوابك بصورة جيدة‪ ،‬ويتم‬
‫فيها بناء األسئلة التي ستطرح‬
‫فعال على الم رخ اعتمادا على‬
‫مجموعة األسئلة األولى‪.‬‬
‫‪-2‬التنس توظيف مفهوم عرفته‬
‫في الفصل الدراسي (استعمار‪-‬‬
‫أزمة‪ -‬نمو‪-‬هجرة‪)...‬‬

‫الوثيقة ‪1‬‬ ‫معلومة‬


‫الوثيقة‪2‬‬
‫الوثيقة ‪3‬‬
‫الوثيقة ‪4‬‬
‫الوثيقة ‪5‬‬

‫ويشترط في التعليمة أن تكون واضحة (تعليمة صريحة وبديهية وشفافة)‪،‬‬


‫ومختزلة(مركزة )‪ ،‬وتامة (تستوفي جميع العناصر)‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬معاييـــــر التقويــــم اإلدماجي‬
‫ينبني التقويم اإلدماجي على مجموعة من المعايير األساسية (‪)Critères‬‬
‫المستعملة في تقويم إنتاج المتعلم‪ ،‬واختبار إنتاجه الشخصي‪ ،‬بمراعاة‬
‫الكفاية المستهدفة أو الكفاية األساسية‪ .‬وتسمى أيضا عند كسافيي روجرز‬
‫بمعايير التصحيح (‪ .)critères de correction‬ومن ثم‪ ،‬فمعيار‬
‫‪430‬‬
‫التصحيح هو ذلك المقياس الذي ينبغي مراعاته في إنتاج التلميذ‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫اإلنتاج الواضح الدقيق‪ ،‬واإلنتاج المنسجم‪ ،‬واإلنتاج األصيل‪....‬إذاً‪،‬‬
‫فالمعيار هو وجهة نظر من خاللها نقوم عمال ما‪ .‬فإذا أردنا أن نقوم العبا‬
‫رياضيا ما‪ ،‬فإننا نركز على األناقة‪ ،‬وجودة اللعب‪ ،‬وانسجام الفريق‪،‬‬
‫واإلنتاجية‪.‬‬
‫وللحديث عن معايير التصحيح‪ ،‬البد من تعريف المعيار‪ ،‬وتبيان أنواع‬
‫المعايير‪ ،‬على الوجه التالي‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تعريــف المعيـــار‬
‫نعني بالمعيار وجهة نظر من خاللها نقوم كفاية ما‪ ،‬أو هي صفة مميزة‬
‫البد أن تتوفر في عمل المتعلم‪ ،‬مثل‪ :‬وضوح اإلنتاج‪ ،‬وانسجام العمل‪،‬‬
‫وأصالة العمل‪...‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فالمعيار بمثابة أداة لتقويم إنتاج المتعلم‪ ،‬أو هو بمثابة منظور‬
‫نقوم من خالله العمل المقدم من قبل المتعلم‪ .‬وكلما تعددت معايير التقويم‪،‬‬
‫كان من األجدى تغيير زوايا النظر إلى اإلنتاج ليكون التقويم أكثر مالءمة‬
‫ومناسبة للموضوع‪ .‬فعندما نقوم عمال رياضيا‪ ،‬نركز ‪ -‬مثال‪ -‬على اللياقة‪،‬‬
‫أو المهارة‪ ،‬أو االحترافية‪ ،‬واحترام القواعد‪ ،‬وروح الفريق‪...‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬المعيـــار بين الكفايـــة واألخطــــاء‬
‫بادىء ذي بدء‪ ،‬كثير من األكفاء من األطباء والمهندسين والرياضيين‬
‫والسياسيين يخطئون كباقي الناس‪ ،‬والينتقص هذا من كفاءتهم ومؤهالتهم‬
‫العلمية أو المهنية أو الحرفية‪ .‬بمعنى أن المتعلم الكفء مثل هؤالء قد‬
‫يرتكب أخطاء قليلة أو كثيرة ‪ ،‬سواء أكانت صوتية أم صرفية أم إمالئية‬
‫أم تركيبية أم داللية ‪ ...‬فمن األخطاء يتعلم اإلنسان‪ .‬وقلما نجد شخصا في‬
‫الواقع اليخطىء‪ ،‬مهما كانت مكانته العلمية ومؤهالته الكفائية‪ .‬فالخطأ‬
‫وارد في كل لحظة ودقيقة‪ .‬لذا‪ ،‬الينبغي أن نركز ‪ -‬أثناء عملية التقويم‪-‬‬
‫‪431‬‬
‫على األخطاء المرتكبة أو المرصودة‪ ،‬فنعاقب المتعلم على ذلك بقسوة‬
‫مرات ومرات عدة‪ ،‬وننسى الكفاية األساسية أو التعليمات المهمة‪ .‬بمعنى‬
‫أن تقويم الموضوع ينبغي أن يراعي مدى مالءمة إجابات المتعلم‬
‫للتعليمات المطروحة‪ .‬وبهذا‪ ،‬التقتصر الكفاءة على تفادي األخطاء‬
‫فحسب‪ ،‬بل التثبت من مدى التمكن من الكفاية المستهدفة أو الكفاية‬
‫األساسية ‪ ،‬والقدرة على التحكم فيها‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يبقى معيار الحد األدنى‬
‫هو الضابط الحقيقي في عملية التقويم اإلدماجي‪.‬‬
‫وللتمثيل‪ ،‬إذا أجاب المتعلم ‪ ،‬في امتحان التاريخ المعاصر‪ ،‬عن مجموع‬
‫تعليمات الوضعية اإلدماجية المتعلقة بالحرب العالمية الثانية‪ ،‬باستعراض‬
‫أسباب هذه الحرب‪ ،‬وذكر مراحلها‪ ،‬وتعداد نتائجها‪ ،‬مع كتابة مقدمة‬
‫وخاتمة تامتين ومستوفيتين‪.‬بيد أنه ارتكب أخطاء نحوية قليلة أو كثيرة‪،‬‬
‫فهذا لن يؤثر في كفاءة التلميذ ومجهوده الشخصي‪ .‬فقد تحققت ‪ -‬فعال‪-‬‬
‫كفاية الوضعية ‪ ،‬بمجرد احترامه لبنود الوضعية وتعليماتها‪ ،‬وتالؤم‬
‫إجاباته مع ماهو مطلوب‪.‬أما ما ارتكبه من أخطاء‪ ،‬أو ما استعمله من‬
‫تشطيب أو سوء تنظيم للورقة‪ ،‬فإن هذا لن يؤثر في قدراته الكفائية؛ ألنه‬
‫أصاب الهدف المرجو أو المبتغى ‪ ،‬فحقق النجاح المنشود‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬أنــــواع المعاييــــر‬
‫يستند التقويم اإلدماجي إلى مجموعة من المعايير‪ ،‬نحصرها فيما يلي‪:‬‬
‫‪‬معيار المالءمة ‪ ،‬ويقصد به مالءمة الحل للمشكل الموضوع؛‬
‫‪‬معيار االستعمال السليم لموارد المادة ‪ ،‬و يعني سالمة االستعمال‪،‬‬
‫وحسن االستثمار لمختلف الموارد والمفاهيم والمصطلحات التي اكتسبها‬
‫المتعلم في حصص التعلم والدعم والتوليف؛‬

‫‪432‬‬
‫‪‬معيار االنسجام ‪ ،‬والمقصود بذلك استعمال خطة منطقية التناقض فيها‪،‬‬
‫والتوصل إلى نتائج معقولة النتائج ‪ ،‬والحفاظ على تسلسل في األقوال‬
‫والكتابة‪ ،‬وتوظيف للروابط المنطقية بشكل جيد؛‬
‫‪‬معيار اإلتقان أو الكمال أو الجودة‪ .‬بمعنى أن يكون حل الوضعية‬
‫مكتمال وشامال لجميع عناصر الوضعية‪ -‬المشكلة‪ .‬كأن يتميز العمل‬
‫بأصالة اإلنتاج‪ ،‬وجودة العرض‪ ،‬ومقروئية الخط‪ ،‬والتنظيم الجيد للورقة‪...‬‬

‫التعاريـــــــف‬ ‫المعاييــــــر‬

‫مالءمة الحل لماهو مطلوب‪.‬‬ ‫المعيار األول‪ :‬معيار المالءمة‬


‫المعيار الثاني‪ :‬االستعمال السليم االستثمار الجيد للموارد التي‬
‫اكتسبها المتعلم ‪.‬‬ ‫ألدوات المادة‬
‫ترابط النص واتساقه منطقيا‬ ‫المعيار الثالث‪ :‬االنسجام‬
‫ومعنويا‪.‬‬
‫جودة العرض‪ ،‬ومقروئية الخط‪،‬‬ ‫المعيار الرابع‪ :‬اإلتقان والجودة‬
‫وتنظيم الورقة‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬المعيار األدنى ومعيار اإلتقان‬


‫ينبني التقويم اإلدماجي على معيارين أساسيين هما‪ :‬معيار الحد األدنى‬
‫ومعيار اإلتقان‪ ،‬فمعيار الحد األدنى (‪ )Critère minimal‬هو الذي‬
‫يساعدنا على التثبت من مدى تحقق الكفاية‪ ،‬ويتحقق ذلك بمعيار‬
‫المالءمة‪.‬أي‪ :‬مالءمة الحل لتعليمات الوضعية اإلدماجية‪ ،‬وكذلك انسجام‬
‫‪433‬‬
‫األجوبة مع المطلوب‪ .‬وإذا أفلح المتعلم في حل الوضعية المعطاة له‪ ،‬فقد‬
‫حقق الهدف المنشود من تلك الوضعية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فهو كفء ومؤهل وناجح‬
‫في عمله‪ .‬ويعني هذا أن الحد األدنى هو مقياس النجاح‪ ،‬وليس معيار‬
‫اإلتقان والجودة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يرتبط معيار الحد األدنى بالكفاية األساسية أو‬
‫المستهدفة ارتباطا وثيقا وعضويا وسببيا‪ .‬على أساس أن هذا المعيار هو‬
‫أساس تحقق الكفاية ‪ ،‬وأساس النجاح والتأهيل ‪.‬‬
‫وللتمثيل‪ :‬لكي نحكم على سباح بأنه كفء‪ ،‬فهناك على األقل معياران‪:‬‬
‫معيار التحرك داخل المسبح‪ ،‬ومعيار التوازن (عدم الغرق)‪ .‬وثمة معايير‬
‫أخرى‪ ،‬يمكن االستئناس بها‪ ،‬ولكنها أقل أهمية مقارنة بمعيار الحد األدنى‪،‬‬
‫مثل‪ :‬السرعة‪ ،‬واللياقة‪ ،‬و تنويع أوضاع السباحة‪ ،‬وتدخل هذه المواصفات‬
‫ضمن معيار اإلتقان والجودة(م شر اإلتقان‪critère de /‬‬
‫‪.)perfectionnement‬‬
‫ويعني هذا أن معيار اإلتقان اليعتبر أساسيا في تقويم الكفاية المستهدفة‪ ،‬بل‬
‫هو معيار ثانوي ومكمل‪ ،‬واليؤخذ بعين االعتبار إذا تحقق المعيار السابق‬
‫(معيار الحد األدنى)‪.‬‬
‫لكن الينبغي أن نضخم في الئحة المعايير األساسية‪.‬إذ ينبغي أن نتجنب‬
‫اإلكثار من المعايير الدنيا لكي النكون قساة مع متعلمينا‪ .‬إذاً‪ ،‬البد من‬
‫التقليل من معايير التصحيح والتقويم‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يرجح كفة معيار الحد‬
‫األدنى (معيار المالءمة) في أثناء التصحيح على معيار اإلتقان الذي يعنى‬
‫بجودة المنتوج‪ ،‬ومحاسبة المتعلم على أخطائه‪ .‬فالتلميذ الذي كتب‬
‫موضوعا إنشائيا جيدا في تحليل النص األدبي‪ ،‬بمراعاة جميع التعليمات‬
‫التي تتطلبها الوضعية اإلدماجية ‪ ،‬هو تلميذ كفء ومؤهل‪ ،‬على الرغم‬
‫من ارتكابه لعدد من األخطاء اللغوية واإلمالئية والتركيبية ‪.‬‬
‫ألن المهم ‪ -‬هنا‪ -‬ليس هو اإلتقان‪ ،‬وجودة العرض‪ ،‬وحسن الخط‪ ،‬بل هو‬
‫معيار المالءمة‪.‬بمعنى ضرورة االحتكام إلى معيار الحد األدنى بدل‬
‫‪434‬‬
‫االحتكام إلى معيار اإلتقان‪ .‬بتعبير آخر‪ ،‬فقد كان المدرسون‪ ،‬في التربية‬
‫التقليدية‪ ،‬يحاكمون التلميذ انطالقا من رداءة الخط‪ ،‬وعدم تنظيم ورقته‪،‬‬
‫دون االحتكام إلى األجوبة ومدى تطابقها مع األسئلة المطروحة‪ .‬لذا‪ ،‬نحكم‬
‫على كل تلميذ أو متعلم استوفى جوابه كل عناصر المطلوب بالنجاح‪،‬‬
‫على الرغم من رداءة الخط‪ ،‬وكثرة األخطاء‪ ،‬بشرط أال تكون نقط اإلتقان‬
‫أكثر من نقط المالءمة‪ ،‬وأال تتعدى ثلث مجموع النقط‪.‬أي‪ :‬اليبنى التقويم‬
‫على محك األخطاء‪ ،‬بل يبنى على قياس الكفايات المهارية‪ ،‬فليس هناك‬
‫من ال يخطئ‪ ،‬فالالعب الرياضي الماهر يخطىء عندما ال يسجل أهدافا‪،‬‬
‫والطباخ الماهر قد يخطىء بدوره أثناء الطهي‪ ،‬فال يعقل أن يكون الخطأ‬
‫هو المعيار الوحيد للتقويم ‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬البد أن تكون معايير الحد األدنى مستقلة عن بعضها‬
‫البعض‪ ،‬فال يعقل أن تكون األسئلة مترابطة ومتتابعة ومتناسلة‪ ،‬كما نجد‬
‫ذلك في امتحانات ومسائل الرياضيات والفيزياء والعلوم الطبيعية ؛ ألن‬
‫هذا ظلم وإجحاف في حق المتعلم ‪ ،‬بل البد أن تكون األسئلة منفصلة‬
‫ومستقلة عن بعضها البعض‪ ،‬لكي تكون هناك حظوظ متوفرة أمام المتعلم‪.‬‬

‫‪435‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬قاعدة ‪3/2‬‬
‫ترتبط قاعدة ‪ 3/2‬بدوكتيل(‪ ، 387)De Ketele‬وفحواها أن التلميذ لن‬
‫يكون مؤهال وناجحا إال إذا أجاب عن وضعيتين مستقلتين من ثالث‪،‬‬
‫باحترام معيار الحد األدنى في اإلنتاج‪ .‬ومن ثم‪ ،‬البد من تقديم ثالث‬
‫فرص مستقلة للتحقق من المعيار‪ .‬والتثبت كفاءة المتعلم إال في فرصتين‬
‫على ثالث‪ .‬ومن هنا‪ ،‬البد أن يتوفر نموذج التقويم المقدم للمتعلم على‬
‫ثالث وضعيات ‪ -‬مشكالت لحلها في الرياضيات أو في أية وحدة دراسية‬
‫أخرى‪ ،‬أو تقديم وضعية واحدة بثالث تعلميات مستقلة ومختلفة ‪ ،‬كتكوين‬
‫ثالث جمل في اللغة العربية بالنسبة للتلميذ المبتدىء‪.‬‬

‫‪387‬‬
‫? ‪- DE KETELE, J.M. L'évaluation des acquis scolaires : quoi‬‬
‫‪Pourquoi ? Pour quoi ?, Revue Tunisienne des Sciences de‬‬
‫‪l'Éducation, 23,1996, p. 17-36.‬‬
‫‪436‬‬
‫وعليه‪ ،‬تعني قاعدة دوكيتيل (‪ )De Ketele‬التي تسمى بقاعدة ‪ 3/2‬أن‬
‫‪388‬‬
‫نسبة النجاح الكفائي هو اإلجابة عن وضعيتين من ثالث وضعيات‪.‬‬
‫والبد من االحتكام أوال إلى معيار الحد األدنى بدل االحتكام إلى معيار‬
‫اإلتقان التكميلي‪.‬‬
‫المطلب السادس‪ :‬قاعدة ‪4/3‬‬
‫الينبغي أن نرجح كفة معيار اإلتقان ‪ ،‬بأي حال من األحوال‪ ،‬على معيار‬
‫الحد األدنى الذي يتمثل في معيار المالءمة‪ ،‬ومعيار االنسجام‪ ،‬ومعيار‬
‫االستخدام السليم ألدوات المادة؛ ألن السبب في فشل المتعلم وتعثره يعود‬
‫إلى اهتمام المدرس المقوم بمعايير اإلتقان بدل معيار الحد األدنى‪ .‬كما‬
‫ينبغي التقليص من مؤشرات معايير اإلتقان ‪ .‬فالرسوب الواهم يعود إلى‬
‫ترجيح كفة معيار اإلتقان على معيار الحد األدنى عند الكثير من المدرسين‬
‫التقليديين‪.‬لذا‪ ،‬قدم دوكيتيل قاعدة ¾ ليبين لنا أن معيار اإلتقان الينبغي أن‬
‫يتعدى الثلث من مجموع النقط‪.389‬‬

‫معيار اإلتقان‬ ‫معايير الحد األدنى‬

‫المعيار ‪4‬‬ ‫المعيار ‪3‬‬ ‫المعيار ‪2‬‬ ‫المعيار ‪1‬‬

‫تقديم الورقة‬ ‫االنسجام‬ ‫االستعمال السليم‬ ‫المالءمة‬


‫ألدوات المادة‬
‫‪1/0‬‬ ‫‪3/0‬‬ ‫‪3/0‬‬
‫‪3/0‬‬

‫الورقة ‪1‬‬

‫الورقة ‪2‬‬

‫‪388‬‬
‫? ‪- DE KETELE, J.M. L'évaluation des acquis scolaires : quoi‬‬
‫‪Pourquoi ? Pour quoi ? P. 17-36.‬‬
‫‪389‬‬
‫? ‪-DE KETELE, J.M. L'évaluation des acquis scolaires : quoi‬‬
‫‪Pourquoi ? Pour quoi, p. 17-36.‬‬
‫‪437‬‬
‫الورقة ‪3‬‬

‫الورقة ‪4‬‬

‫الورقة ‪5‬‬

‫الورقة ‪6‬‬

‫الورقة ‪7‬‬

‫الورقة ‪8‬‬

‫الورقة ‪9‬‬

‫الورقة ‪10‬‬

‫المبحث السابع ‪ :‬الم شــــــرات‬


‫المؤشر (‪ )Indicateur‬هو عالمة واضحة ودقيقة وملموسة قابلة‬
‫للمالحظة تسمح بأجرأة معيار معين‪ .‬ويعني هذا أن المؤشرات في خدمة‬
‫معايير التقويم‪ ،‬كمعيار المالءمة‪ ،‬ومعيار االنسجام‪ ،‬ومعيار الجودة‬
‫واإلتقان‪ ،‬ومعيار االستخدام السليم ألدوات المادة‪ .‬وينبغي أن تكون‬
‫المؤشرات واضحة وملموسة وقابلة للتطبيق‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فهي التي تسعفنا في‬
‫الحكم على مدى تمكن المتعلم من كفاية ما‪ .‬وهي التي تجعل المعايير أيضا‬
‫أكثر وضوحا وانسجاما ومقبولية ضمن الوضعية اإلدماجية‪.‬‬
‫وتنقسم المؤشرات إلى قسمين‪ :‬مؤشرات كمية‪ ،‬ومؤشرات كيفية‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الم شـــرات الكمـــية‬
‫تستند المؤشرات الكمية إلى النقط العددية والدرجات والمقادير والنسب‬
‫المائوية‪ ،‬وتحديد األعداد واألحجام‪ ،‬كأن يكتب المتعلم إنشاء فيه على األقل‬
‫عشرة أسطر لينال ثالث نقط تامة‪ ،‬وإذا كتب أقل من ذلك‪ ،‬فينال نقطتين أو‬
‫نقطة واحدة‪ .‬بمعنى أن المؤشر الكمي هو توصيف مادي وعددي ونقطي‪.‬‬
‫‪438‬‬
‫ويعني هذا أن المؤشرات الكمية تعنى بسلم التنقيط‪ ،‬وتحدد عتبات النجاح‬
‫واإلخفاق‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الم شرات الكيفيــة‬
‫تهتم المؤشرات الكيفية بتحديد مجموعة من المواصفات التي ينبغي أن‬
‫تتوفر في اإلنتاج‪ ،‬مثل‪ :‬استخدام الجمل الفعلية‪ ،‬أو االستشهاد باآليات‬
‫القرآنية واألحاديث النبوية‪ ،‬واستخالص الجمل اإلنشائية‪ ،‬والتثبت من‬
‫حضور عنصر أو غيابه‪ ،‬كحضور الفعل في الجملة‪ ،‬وكتابة جمل‬
‫صحيحة وسليمة وخالية من األخطاء‪ ،‬واحترام المنهجية‪.‬‬
‫وتتخذ المؤشرات الكيفية طابعا وصفيا ‪ ،‬وتنصب على تبيان األخطاء‬
‫وتصحيحها ومعالجتها‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬تقوم المؤشرات بدور هام في توفير تصحيح عادل‪ ،‬فقد يكون‬
‫مؤشرا كيفيا‪ ،‬كأن نطالب المتعلم بتوظيف أفعال أو صفات أو أحوال أو‬
‫تشابيه أو استعارات في وصفه‪ ،‬وقد يكون مؤشرا كميا‪ ،‬حينما نطالب‬
‫المتعلم على مستوى التركيب بتوظيف ثلثي من الجمل صحيحة لكي ينال‬
‫‪.3 / 2‬‬
‫المبحث العاشر‪ :‬دليل اإلدمــــاج‬
‫اليمكن الحديث عن التقويم اإلدماجي إال باستحضار مجموعة من األدلة‬
‫العملية التي تساعد المدرس والمتعلم معا على إنجاز الوضعيات اإلدماجية‬
‫تخطيطا وتدبيرا وتقويما‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يتضمن دليل اإلدماج للمدرسين كراسة‬
‫الوضعيات اإلدماجية‪ ،‬وهو دفتر الوضعيات الخاص بالمتعلم‪ ،‬ويشتمل‬
‫على مجموعة من الوضعيات اإلدماجية المأخوذة والمستوحاة من حياته‬
‫اليومية وبيئته‪ .‬وهذه الكراسة هي تكملة للكتب المدرسية المقررة‪ .‬وتستثمر‬
‫هذه الوضعيات‪ ،‬في السلك االبتدائي‪ ،‬من قبل المتعلم في أثناء أسابيع‬
‫اإلدماج والدعم والتقويم في مختلف المواد‪ :‬اللغة العربية‪ ،‬واللغة الفرنسية‪،‬‬
‫‪439‬‬
‫واللغة األمازيغية‪ ،‬والتربية اإلسالمية‪ ،‬والتاريخ‪ ،‬والرياضيات‪ ،‬والتربية‬
‫التشكيلية‪ ،‬والنشاط العلمي‪...‬‬
‫وقد تنوعت هذه الوضعيات حسب المراحل األربع للسنة الدراسية‬
‫اإلدماجية‪ ،‬وخصص لكل مرحلة وضعيتان‪ .‬وقد أرفقت هذه الوضعيات‬
‫اإلدماجية بالصور والوثائق واألسناد والتعليمات‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يمكن الحديث عن ثالث شبكات أساسية في إطار‬
‫الوضعية اإلدماجية وهي‪ :‬شبكة التمرير أو االستثمار‪ ،‬وشبكة التحقق‪،‬‬
‫وشبكة التصحيح ‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬شبكة التمرير أو االستثمار‬


‫نعني بشبكة التمرير‪ ،‬أو بطاقة االستثمار‪ ،‬أو جذاذة توظيف الوضعية‬
‫(‪ )Fiche d’exploitation de la situation‬تلك الشبكة التي تستعمل‬
‫لمصاحبة المتعلم خالل اإلنجاز قصد تدبير محكم لتعلم حل الوضعية‬

‫‪440‬‬
‫اإلدماجية‪ ،‬بفهم هذه الوضعية‪ ،‬ومعرفة المهام‪ ،‬وإنجاز المطلوب وفق‬
‫مواصفات اإلنتاج المنتظر‪.‬‬
‫ويقصد ببطاقة تمرير وضعية أو بطاقة استثمار تلك البطاقة التي تتضمن‬
‫توضيحات وتفسيرات تشرح للمتعلم كيفية تمرير الوضعية‪ ،‬وسبل‬
‫استثمارها‪ .‬وأكثر من هذا‪ ،‬فهي خارطة طريق منهجية يرافق بها األستاذ‬
‫التالميذ في مختلف مراحل إنجاز الوضعيات‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬شبكــــة التحقــــق‬

‫يقصد بشبكة التحقق تلك الشبكة التي تستعمل للتثبت من مدى تحقق‬
‫المعايير في إطار التقويم الذاتي‪ .‬ويستعملها المتعلم للتأكد من مدى احترامه‬
‫للتعليمات والمعايير المطلوبة‪ ،‬كأن يقارن إنتاجه بتلك المعايير التي تذيلت‬
‫بها الوضعية اإلدماجية‪.‬‬
‫و تدخل شبكة التحقق ضمن التقويم الذاتي (‪ )autoévaluation‬الذي‬
‫يقصد به أن يصحح المتعلم أخطاءه بنفسه‪ ،‬اعتمادا على مجموعة من‬
‫المؤشرات ومعايير التصحيح الواضحة والدقيقة والبسيطة‪ .‬ومن ثم‪،‬‬
‫يساعد هذا التقويم المتعلم على تنظيم التعلمات وفق بيداغوجيا كفائية‬
‫إدماجية‪.‬‬
‫وتستعمل شبكة التحقق‪ ،‬أو شبكة التقويم الذاتي‪ ،‬من قبل المتعلم لقياس‬
‫درجة نمو الكفاية المرصودة‪ ،‬ومدى التحكم فيها‪ .‬وترتكز هذه الشبكة‬
‫القائمة على التحقق من صحة المعلومات‪ ،‬والتثبت من الحلول المقترحة‬
‫لمعالجة الوضعية المعطاة‪ .‬كما يستعملها المدرس للتثبت من مدى تمكن‬
‫المتعلم من الكفاية المستهدفة‪.‬‬

‫‪441‬‬
‫وتتضمن شبكة التحقق مجموعة من المعطيات على الوجه التالي‪:‬‬
‫‪ ‬المعايير‪ :‬معيار المالءمة‪ ،‬ومعيار االستخدام السليم ألدوات المادة‪،‬‬
‫ومعيار انسجام اإلنتاج‪ ،‬ومعيار اإلتقان‪ ،‬أو جودة عرض اإلنتاج‪.‬‬
‫‪‬الم شرات‪ :‬تتفرع المعايير إلى مجموعة من المؤشرات الكمية‬
‫والكيفية التي تساعد المتعلم على التقويم الذاتي بطريقة صحيحة‬
‫وموضوعية‪.‬‬
‫أما عن أدوار شبكة التحقق وأهدافها‪ ،‬فتتمثل في ما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬تمكن المتعلم بمقارنة إنتاجه بماهو مطلوب (معيار المالءمة)؛‬
‫‪ ‬تسهم في التحقق من مدى اكتساب المتعلم للكفاية األساسية ؛‬
‫‪ ‬مساعدته على التعلم الذاتي؛‬
‫‪ ‬مشاركة المدرس للمتعلم في التقويم الذاتي‪ ،‬والتعرف إلى معايير‬
‫الوضعية اإلدماجية ومؤشراتها التقويمية؛‬
‫‪ ‬التعرف إلى جوانب الضعف والقوة في العمل المنجز؛‬
‫‪ ‬الكشف الذاتي عن األخطاء والنواقص والتعثرات؛‬
‫‪ ‬التعود على التصحيح الذاتي في ضوء فلسفة التعلم الذاتي؛‬
‫‪ ‬التغذية الراجعة بإعادة النظر في المعارف‪ ،‬وترتيب المعلومات ‪،‬‬
‫وتوظيف الموارد المكتسبة بطريقة تخدم الكفاية األساسية؛‬
‫‪‬مرافقة المتعلم قصد اجتناب األخطاء الناجمة عن السهو والتسرع؛‬
‫‪ ‬استغاللها قبل اإلنجاز للتعاقد مع المتعلم بشأن مواصفات اإلنتاج‬
‫المنتظر‪ ،‬واستعمالها بعد اإلنجاز والتصحيح بهدف التقويم الذاتي والتقويم‬
‫المتبادل‪.‬‬

‫‪442‬‬
‫نموذج أول من نماذج شبكة التحقق‬
‫المادة‪.....:‬اسم التلميذ‪..........:‬المستوى‪......:‬المرحلة‪..:‬‬
‫خاص باألستاذ‬ ‫خاص بالمتعلم‬
‫التحكم األدنى‬ ‫المعيار ‪: 1‬المالءمة‬
‫أتحقق‪..........‬‬
‫•إذا ‪..............‬‬
‫•إذا ‪..............‬‬
‫•إذا ‪..............‬‬
‫مالحظة‪ 3 :‬مؤشرات أساسية قي كل وضعية‬
‫التحكم األدنى‬ ‫المعيار ‪ : 2‬االستعمال السليم ألدوات المادة‬
‫أتحقق‪..........‬‬
‫•إذا ‪..............‬‬
‫•إذا ‪..............‬‬
‫•إذا ‪..............‬‬
‫مالحظة‪ 3 :‬مؤشرات أساسية قي كل وضعية‬
‫التحكم األدنى‬ ‫المعيار ‪ : 3‬االنسجام‬
‫أتحقق‪..........‬‬
‫•إذا ‪..............‬‬
‫•إذا ‪..............‬‬
‫•إذا ‪..............‬‬

‫‪443‬‬
‫مالحظة‪ 3 :‬مؤشرات أساسية قي كل وضعية‬
‫المعيار ‪: 4‬اإلتقان‬
‫أتحقق‪..........‬‬
‫•إذا ‪..............‬‬

‫نموذج ثان من شبكات التحقق‬

‫المعيار ‪ .1‬مالءمة اإلنتاج‪ :‬أتحقق ما إذا‪:‬‬


‫كتبت رسالة بـ ‪ 10‬أسطر‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫تحدثت عن خطرين على األقل يهددان مستقبل األطفال المنقطعين‬ ‫‪‬‬
‫عن الدراسة‪.‬‬
‫حددت أهمية الدراسة بالنسبة لمستقبل األطفال‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫أقنعت زميلي بالعودة إلى المدرسة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وعدته بالمساعدة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫المعيار ‪ .2‬االستخدام السليم ألدوات المادة ‪ :‬أتحقق ما إذا‪:‬‬


‫احترمت قواعد الصرف والتراكيب (‪ 3‬أخطاء على األكثر)‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫احترمت قواعد اإلمالء (‪ 3‬أخطاء على األكثر)‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫احترمت عالمات الترقيم‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫استعملت األزمنة الثالثة استعماالً سلي ًما‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫المعيار ‪ .3‬انسجام اإلنتاج‪ :‬أتحقق من‪:‬‬

‫‪444‬‬
‫أخطارا منطقية واقعية لإلنقطاع عن الدراسة‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ ‬ذكرتُ‬
‫‪ ‬قدمت حج ًجا منطقية للعودة إلى الدراسة‪.‬‬
‫‪ ‬استعملت أدوات الربط‪.‬‬

‫المعيار ‪ .4‬جودة عرض اإلنتاج‪ :‬أتحقق من‪:‬‬


‫‪ ‬مقروئية الخط‪.‬‬
‫‪ ‬عدم وجود تشطيب‪.‬‬

‫نموذج ثالث من شبكات التحقق (تحليل النص األدبي )‬


‫ال‬ ‫نعم‬ ‫طريقة التحقق‬ ‫المعيار‬
‫هل أطرت‬ ‫‪‬‬ ‫المالءمة‬
‫النص األدبي في‬
‫إطاره العام؟‬
‫حددت‬ ‫‪‬هل‬
‫فرضية القراءة؟‬
‫‪ ‬هل عرفت‬
‫أحمد‬ ‫بالشاعر‬
‫شوقي؟‬
‫‪ ‬هل لخصت‬
‫النص جيدا؟‬
‫‪ ‬هل استخرجت‬
‫داللين‪،‬‬ ‫حقلين‬
‫العالقة‬ ‫وبينت‬
‫الموجودة بينهما؟‬
‫‪ ‬هل تحدثت عن‬
‫اإليقاع الخارجي‬
‫والداخلي؟‬
‫‪ ‬هل ذكرت‬
‫‪445‬‬
‫أساليب‬ ‫خمسة‬
‫إنشائية؟‬
‫‪ ‬هل ذكرت‬
‫الصور البالغية‬
‫األمثلة‬ ‫مع‬
‫والوظائف؟‬
‫‪ ‬هل أشرت إلى‬
‫مدى تمثل النص‬
‫األدبي‬ ‫لالتجاه‬
‫الذي ينتمي إليه؟‬
‫‪ ‬هل احترمت‬ ‫االستعمال‬
‫السليم ألدوات قواعد اللغة؟‬
‫‪‬هل كتبت بلغة‬ ‫المادة‬
‫عربية سليمة؟‬
‫‪‬هل وظفت‬
‫مفاهيم الدرس‬
‫اللغوي بشكل‬
‫مناسب؟‬
‫جودة العرض ‪ ‬هل خطي‬
‫مقروء؟‬
‫‪ ‬هل ابتعدت عن‬
‫التشطيب؟‬
‫‪‬هل ورقتني‬
‫منظمة بشكل جيد؟‬

‫المطلب الثالث‪ :‬شبكة التصحيح‬


‫تعرف شبكة التصحيح بأنها" أداة تقدير معيار عبر المؤشرات المحددة‬
‫بدقة‪.‬وبلغة أخرى‪ ،‬فإن الشبكة تجيب عن هم توحيد التصحيح‪.‬وبلغة‬
‫‪446‬‬
‫بيداغوجية تشكل أداة للمساعدة على تصحيح إنتاجات التالميذ‪.‬وهي‬
‫تستعمل بغايتين كذلك هما‪:‬‬
‫‪‬ضمان حد أقصى من الموضوعية في التصحيح‪.‬‬
‫‪‬تغيير رؤية المدرسين إلنتاجات التالميذ‪.‬‬
‫يمكن النظر إلى شبكة التصحيح من جانب كمي أو كيفي‪" 390.‬‬
‫إذاً‪ ،‬يقوم المدرس إنتاج المتعلمين اعتمادا على شبكة التصحيح‪ ،‬بهدف‬
‫التثبت من مدى تحكم المتعلم في المعايير ‪ ،‬ومدى فهمه واستيعابه‬
‫للتعليمات‪ ،‬وكذلك التأكد من مدى تحقق الكفاية المستهدفة أو الكفاية‬
‫األساسية‪ ،‬عبر مرحلة معينة‪ ،‬أو في آخر السنة الدراسية‪ ،‬أو حسب‬
‫الدورات الدراسية‪ .‬ويترجم التقويم تلك المعطيات التقديرية إلى أرقام‬
‫عددية ‪ ،‬كما يثبت ذلك سلم التنقيط‪ ،‬أو تحيل عليها المؤشرات الكمية‪.‬‬
‫وينقسم جدول شبكة التصحيح إلى خانتين‪ :‬خانة خاصة بالمعايير المندرجة‬
‫ضمن ما يسمى بمعيار الحد األدنى‪ ،‬وهي‪ :‬معيار المالءمة‪ ،‬ومعيار‬
‫االستعمال السليم ألدوات المادة‪ ،‬ومعيار االنسجام‪ .‬وفي الخانة الثانية‪،‬‬
‫توجد ثالث تعليمات لكل معيار‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬ينقط المدرس المتعلمين حسب‬
‫هذه المعايير والتعليمات الثالث‪ .‬وهناك المعيار الرابع هو معيار اإلتقان ‪،‬‬
‫ويتعلق بجودة العمل خطا وقراءة‪ ،‬وخلوه من التشطيب‪.‬‬
‫نموذج لشبكة التصحيح‬

‫المعـــــــــــــاييــــــــــــــــــــــــــــــر‬
‫االستعمال السليم‬
‫االنسجام‬ ‫المالءمة‬
‫اإلتقان‬ ‫للموارد‬
‫مج‪.‬‬ ‫مج‪ .‬ت ت ت مج‪ .‬ت ت ت‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫أسماء المتعلمين‬

‫‪ - 390‬الحسن اللحية‪ :‬بيداغوجيا اإلدماج‪ ،‬منشورات المعرفة‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة‬


‫األولى سنة ‪2010‬م‪ ،‬ص‪.200:‬‬
‫‪447‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪3‬‬
‫‪4‬‬
‫‪5‬‬
‫‪6‬‬
‫‪7‬‬
‫‪8‬‬
‫‪9‬‬
‫‪10‬‬
‫‪11‬‬
‫‪12‬‬
‫‪13‬‬
‫‪14‬‬
‫‪15‬‬
‫‪16‬‬
‫‪17‬‬
‫‪18‬‬
‫‪19‬‬
‫‪20‬‬
‫‪21‬‬
‫‪22‬‬
‫‪23‬‬
‫‪24‬‬
‫‪25‬‬
‫‪26‬‬
‫‪27‬‬
‫‪28‬‬
‫‪29‬‬
‫‪30‬‬
‫مجموع عدم التحكم‬
‫نسبة عدم التحكم‬

‫نموذج آخر من نماذج شبكة التصحيح‬

‫‪448‬‬
‫معيار اإلتقان‬ ‫معايير الحد األدنى‬
‫المعيار ‪4‬‬ ‫المعيار ‪3‬‬ ‫المعيار ‪2‬‬ ‫المعيار ‪1‬‬
‫تقديم الورقة‬ ‫االنسجام‬ ‫االستعمال السليم‬ ‫المالءمة‬
‫ألدوات المادة‬
‫‪1/0‬‬ ‫‪3/0‬‬ ‫‪3/0‬‬
‫‪3/0‬‬

‫الورقة ‪1‬‬

‫الورقة ‪2‬‬

‫الورقة ‪3‬‬

‫الورقة ‪4‬‬

‫الورقة ‪5‬‬

‫الورقة ‪6‬‬

‫الورقة ‪7‬‬

‫الورقة ‪8‬‬

‫الورقة ‪9‬‬

‫الورقة‬
‫‪10‬‬

‫تصحيح اإلنشاء‬

‫‪449‬‬
‫سلـم التنقيـط‬ ‫تعريفـه‬ ‫المعيـار‬
‫‪ 3‬نقط‬ ‫عدد األسطر التي يتكون منها منتوج من ‪ 8‬أسطر إلى ‪ 12‬سطرا ماعدا ذلك‬ ‫الحجم‬
‫‪ 0‬نقطة‬ ‫ملحوظة ‪ :‬السطر يعني أربع كلمات فما فوق إال إذا‬ ‫التلميذ‬
‫كانت كلمة واحدة أو كلمتان أو ثالث كلمات كافية‬
‫لتشكيل جملة حوارية‬

‫‪ 6‬نقط‬ ‫حضور المكونات الثالثة‬ ‫يراعى حضور المكونات‬ ‫نمط الكتابة‬


‫‪ 3‬نقط‬ ‫حضور المكونين (‪ )3+1‬أو (‪)2+1‬‬ ‫الثالث اآلتية ‪:‬‬ ‫الحوارية‬

‫‪ 0‬نقطة‬ ‫حضور المكونين (‪ )3+2‬أو مكون واحد‬ ‫‪ )1‬تناوب الحوار ‪...‬‬


‫‪ )2‬دفاع كل منهما عن رأيه ‪...‬‬
‫‪ )3‬عدم إبداء التلميذ وجهة نظره ‪...‬‬

‫‪ 6‬نقط‬ ‫مالءمة تامة (حضور العناصر الثالثة)‬ ‫مالءمة المكتوب للمطلوب ‪:‬‬ ‫المالءمة‬

‫‪ 3‬نقط‬ ‫مالءمة جزئية ‪ :‬حضور العنصرين (‪ )3+1‬أو‬


‫(‪)2+3‬‬

‫‪ 0‬نقطة‬ ‫حضور العنصرين (‪ )1+2‬أو أحدهما فقط‬

‫‪ 3‬نقط‬ ‫الشروع في الحوار مباشرة‬ ‫الترتيب‬


‫‪ 0‬نقطة‬ ‫وضع مقدمة الحوار‬

‫‪ 3‬نقط‬ ‫وضوح الخط بغض النظر عن ارتباط ‪ 3‬كلمات غير مقروءة على األكثر‬ ‫المقروئية‬
‫‪ 0‬نقطة‬ ‫أكثر من ‪ 3‬كلمات غير مقروءة‬ ‫المحتوى بالمطلوب‬

‫‪ 6‬نقط‬ ‫‪ 4‬أخطاء على األكثر كيفما كان نوع الخطأ‬ ‫تراعى المؤشرات اآلتية ‪:‬‬ ‫اللغة‬
‫األخطاء اللغوية‪ ،‬األخطاء‬
‫‪ 3‬نقط‬ ‫ما بين ‪ 5‬أخطاء و ‪ 7‬أخطاء‬
‫النحوية‪ ،‬األخطاء اإلمالئية‪،‬‬
‫‪ 0‬نقطة‬ ‫ما فوق ‪ 7‬أخطاء‬ ‫األخطاء الصرفية‪ ،‬األخطاء‬
‫التركيبية‪ ،‬األخطاء التعبيرية‬

‫‪ 3‬نقط‬ ‫االستعمال الخاطئ لعالمات الترقيم ‪ 3‬مرات على‬ ‫استعمال عالمات الترقيم‬ ‫عالمات الترقيم‬
‫األكثر‬ ‫استعماال سليما‬
‫استعمال عالمات الترقيم استعماال خاطئا‪ ،‬أكثر من‬
‫‪ 3‬مرات أو عدم استعمالها إطالقا‬
‫‪ 0‬نقطة‬

‫يالحظ أن شبكة التصحيح تستخدم للتقويم والمعالجة ‪ ،‬والهدف منها هو‬


‫التثبت من مدى التحكم في المعايير‪ ،‬ومدى تحقق الكفاية المستهدفة‪،‬‬

‫‪450‬‬
‫اعتمادا على مجموعة من المؤشرات الكيفية (الحجم المحدد‪ ،‬وجودة‬
‫المقروئية‪ ،‬وسالمة اللغة‪ ،‬وتوظيف عالمات الترقيم‪ ،‬والترتيب‪،‬‬
‫والمالءمة‪ ،‬ونمط الكتابة المستخدمة ‪ ،)...‬والمؤشرات الكمية (سلم‬
‫التنقيط)‪ .‬ويمكن للمدرس والمتعلم معا أن يستعينا بشبكة التصحيح بغية‬
‫تقويم اإلنتاج كما وكيفا‪.‬‬

‫شبكة تفريغ وتصنيف نتائج المتعلمين‬


‫االستخدام السليم‬
‫درجة‬ ‫االنسجام‬ ‫درجة‬ ‫للموارد‬ ‫درجة‬ ‫المالءمة‬
‫التحكم‬ ‫التحكم‬ ‫التحكم‬
‫المتعلمون‬

‫بالمعالجة‬
‫اللمالحظة‬

‫المستهدفون‬

‫المستهدفون‬
‫المستهدفون‬

‫تع‬ ‫تع‬ ‫تع‬ ‫تع‬ ‫تع‬ ‫تع‬ ‫تع‬ ‫تع‬ ‫تع‬


‫بالمعالجة‬

‫بالمعالجة‬
‫النقطة‬

‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪3‬‬
‫‪4‬‬
‫‪5‬‬
‫‪6‬‬
‫‪7‬‬
‫‪8‬‬
‫‪9‬‬
‫‪10‬‬
‫‪11‬‬
‫‪12‬‬
‫‪13‬‬
‫‪14‬‬
‫‪15‬‬
‫‪16‬‬
‫‪17‬‬
‫‪18‬‬
‫‪19‬‬
‫‪20‬‬
‫‪21‬‬
‫‪22‬‬
‫‪23‬‬
‫‪24‬‬
‫‪25‬‬
‫‪26‬‬
‫‪27‬‬

‫المبحث الحادي عشر‪ :‬المعالجــــــة‬


‫‪451‬‬
‫تعد المعالجة(‪ )remédiation‬الطريقة التي تدفع المتعلم إلى تحقيق‬
‫النجاح الدراسي‪ .‬ويلتجئ إليها المدرس بعد االنتهاء من عملية تصحيح‬
‫الفروض أو االختبارات واالمتحانات والروائز‪ ،‬بغية تشخيص مواطن‬
‫الضعف والقوة‪ ،‬بتمثل المعالجة الداخلية التربوية والديدكتيكية ‪ ،‬وتمثل‬
‫المعالجة الخارجية ذات الطابعين النفسي واالجتماعي‪ .‬بمعنى أن المعالجة‬
‫تهدف إلى اكتشاف األخطاء‪ ،‬وتشخيصها ‪ ،‬ووصفها‪ ،‬وتقديم معالجة‬
‫إجرائية ناجعة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تستند المعالجة الديدكتيكية إلى أربع مراحل‪:‬‬
‫‪ ‬الكشف عن األخطاء‪.‬‬
‫‪ ‬وصف األخطاء‪.‬‬
‫‪ ‬البحث عن مصادر الخطإ‪.‬‬
‫‪ ‬تهييء عدة المعالجة‪.‬‬
‫ويعني هذا أن المصحح أو المقوم يبدأ بتحديد األخطاء التي ارتكبها‬
‫المتعلم في موضوعه حسب سياقها ومظانها‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬يصف األخطاء‬
‫المرصودة في اإلنتاج الشخصي‪ ،‬فيصنفها إلى أنواع‪ ،‬مثل‪ :‬أخطاء‬
‫صوتية‪ ،‬وأخطاء إمالئية‪ ،‬وأخطاء صرفية‪ ،‬وأخطاء داللية‪ ،‬وأخطاء‬
‫تركيبية‪ ،‬وأخطاء تداولية‪...‬وبالتالي‪ ،‬يحدد مواطن القوة والضعف لدى‬
‫المتعلم‪ ،‬بالبحث عن أسباب هذه األخطاء‪ ،‬متسائال عن مصدرها‪ :‬هل‬
‫ترجع إلى مصدر داخلي ديدكتيكي وتربوي أم إلى مصدر خارجي نفسي‬
‫واجتماعي؟! بمعنى البحث عن العوامل الذاتية والموضوعية التي تكون‬
‫سببا في تلك األخطاء‪.‬‬
‫وفي األخير‪ ،‬يقترح المصحح أو المقوم مجموعة من اإلستراتيجيات‬
‫لتجاوز هذه األخطاء والنواقص والتعثرات التي قد ترتبط بالمدرس‪ ،‬أو‬
‫المتعلم‪ ،‬أو بالنظام التربوي العام‪ .‬وال تتم المعالجة إال إذا تكرر الخطأ‬
‫مرات عدة‪.‬أما الذي يقوم بالمعالجة‪ ،‬فقد يكون المدرس نفسه‪ ،‬أو المتعلم‬
‫‪452‬‬
‫نفسه في إطار التصحيح الذاتي‪ ،‬أو تلميذ آخر ‪ ،‬أو قد يكون أخصائيا‬
‫نفسانيا أو أخصائيا اجتماعيا أو ملحقا إداريا أو تربويا ‪ ،‬وقد يلتجئ كذلك‬
‫إلى وسائل اإلعالم‪ ،‬والسجالت الذاتية‪ ،‬والبرامج الرقمية ‪...‬‬
‫هذا‪ ،‬ومن أهم اإلستراتيجيات في المعالجة أنه يمكن االعتماد على‪:‬‬
‫‪ ‬التغذية الراجعة أو الفيدباك لتصحيح العملية الديدكتيكية‪ ،‬وسد ثغراتها‬
‫المختلفة والمتنوعة‪ ،‬وتفادي نواقصها وعيوبها‪ ،‬سواء أقام بتلك التغذية‬
‫الراجعة المدرس أم التلميذ نفسه اعتمادا على أدلة التصحيح‪.‬‬
‫‪ ‬المعالجة بالتكرار أو بالعمليات التكميلية‪.‬أي‪ :‬بمراجعة المكتسبات‬
‫السابقة‪ ،‬وإضافة تمارين تكميلية مساعدة للتقوية وتثبيت المعارف والقواعد‬
‫األساسية‪.‬‬
‫‪ ‬تمثل منهجيات تعلمية جديدة‪ ،‬كمنهجية اإلدماج‪ ،‬ومنهجية االستكشاف‪،‬‬
‫واالعتماد على التعلم الذاتي‪ ،‬وتمثل التعلم النسقي‪.‬‬
‫‪ ‬إجراء تغييرات في العوامل األساسية‪ ،391‬كتوفير الحياة المدرسية‬
‫داخل المؤسسة‪ ،‬وإعادة توجيه المتعلم من جديد‪ ،‬وتغيير فضاء المدرسة‪،‬‬
‫وخلق أجواء مؤسساتية ديمقراطية ‪ ،‬واالستعانة باألسرة أو علماء النفس‬
‫واالجتماع والطب لتغيير العوامل السلبية التي يعيشها المتعلم في ظلها‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬تكون المعالجة بطريقة التشخيص‪ ،‬ورصد التعثرات‪ ،‬وتصنيف‬
‫األخطاء‪ ،‬ويتم إصالح األخطاء ومعالجتها بطريقة فورية موجهة‪ ،‬أو‬
‫بطريقة بعدية (مبدأ الفارقية)‪ ،‬أو بطريقة مدمجة مواكبة‪ ،‬أو بطريقة‬
‫مؤسساتية (داخل المؤسسة)‪،‬أو بطريقة خاصة (خارج المؤسسة)‪.‬‬
‫وفي األخير‪ ،‬تكون المعالجة بتصحيح األوراق واألنشطة المنجزة‪ ،‬وتفييء‬
‫المتعثرين‪،‬والتدخل للمعالجة‪.‬‬

‫‪ - 391‬انظر‪ :‬بيداغوجيا اإلدماج‪ ،‬ص‪.129:‬‬


‫‪453‬‬
‫وخالصة القول‪ ،‬اليمكن الحديث عن بناء الوضعيات الديكتيكية إال‬
‫باستحضار الوضعيات اإلدماجية بأسنادها‪ ،‬ومعلوماتها‪ ،‬ووثائقها‪،‬‬
‫وصورها ‪ ،‬وتعليماتها‪ ،‬ومعاييرها‪ ،‬ومؤشراتها‪ .‬وإذا كان التقويم‬
‫الكالسيكي يعتمد على معيار اإلتقان كثيرا‪ ،‬ويحاكم المتعلم على أخطائه‬
‫بقسوة‪ ،‬فإن التقويم اإلدماجي يهتم بمعايير أساسية مستهدفة ‪ ،‬وهي‪ :‬معيار‬
‫المالءمة‪ ،‬ومعيار االنسجام‪ ،‬ومعيار االستخدام السليم ألدوات المادة‪.‬‬
‫ويعني هذا أن معيار الحد األدنى يرجح على معيار اإلتقان والجودة‪.‬‬
‫واليمكن الحديث أيضا عن المعايير إال بالحديث عن المؤشرات الكمية‬
‫والكيفية التي تتحكم في تلك المعايير بنوع من الدقة اإلجرائية‪.‬‬
‫والينحصر التقويم اإلدماجي فيما هو نظري‪ ،‬بل هو عبارة عن ممارسة‬
‫تقويمية عملية‪ ،‬إذ يعتمد‪ -‬إجرائيا‪ -‬على دليل اإلدماج الذي يتمثل في‬
‫كراسة الوضعيات اإلدماجية‪ ،‬وشبكة التمرير واالستثمار‪ ،‬وشبكة التحقق‪،‬‬
‫وشبكة التصحيح‪ .‬وبعد هذه الشبكات المتكاملة والمتجاورة فيما بينها‪،‬‬
‫تحضر عملية المعالجة الديدكتيكية ‪ ،‬والمعالجة النفسية ‪ ،‬والمعالجة‬
‫االجماعية‪.‬‬

‫‪454‬‬
‫الخاتمة‬
‫وهكذا‪ ،‬نخلص إلى أن الديدكتيك علم يهتم بطرائق التدريس وفق مقاربة‬
‫عامة أو خاصة‪ .‬وله عالقة وثيقة بالبيداغوجيا‪ ،‬وعلم النفس‪ ،‬وعلم‬
‫االجتماع‪ ،‬واللسانيات‪ ،‬والفلسفة‪ ،‬واإلعالميات‪ ،‬وعلم التدبير‪... ،‬‬
‫ويتضمن الديدكتيك مجموعة من المفاهيم الرئيسة التي تساعد الباحث‬
‫التربوي على استيعاب محتويات التربية الخاصة‪ ،‬واكتساب مضامينها‬
‫المختلفة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يقوم التعلم على مفهوم التمثالت الديدكتيكية التي تسهم‬
‫في بناء تعلمات المتعلمين‪ ،‬ومجابهة الوضعيات اإلدماجية من أجل إيجاد‬
‫الحلول المناسبة لتلك الوضعيات المعقدة والمركبة‪.‬‬
‫وال يتحقق التعلم النموذجي والتربوي السليم إال في إطار المثلث‬
‫البيداغوجي القائم على التفاعل النسقي والبنيوي بين المدرس والمتعلم‬
‫والمعرفة‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬اليكون الدرس درسا هادفا وكفائيا مثمرا إال‬
‫في سياق التعاقد الديدكتيكي التفاوضي والتشاركي بين المدرس والمتعلم‪،‬‬
‫مع مراعاة الصراع السوسيو‪ -‬معرفي‪.‬‬
‫أما التعلم‪ ،‬فهو القدرة على االكتساب والمران والتدريب‪ ،‬والقدرة على‬
‫تحصيل المعارف والمعلومات والقيم والمهارات‪ .‬وللتعلم عالقة وطيدة‬
‫بالذكاء‪ ،‬مادام التعلم هو نتاج القدرات الذكائية‪ ،‬ونتاج مجموعة من‬
‫الملكات الفطرية التي يمتلكها اإلنسان‪ .‬في حين‪ ،‬يعد التعلم نتيجة طبيعية‬
‫لذلك الذكاء‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬يستند الديدكتيك إلى تقطيع الدروس والوحدات‬
‫التعلمية إلى ثالثة مقاطع وظيفية ‪ ،‬تتمثل في المقطع التمهيدي‪ ،‬والمقطع‬
‫الوسطي‪،‬والمقطع النهائي‪ .‬ويشكل هذا كله ما يسمى بالسيناريو‬
‫البيداغوجي الذي يتالءم مع نموذج ديدكتيكي أو بيداغوجي معين‪.‬‬

‫‪455‬‬
‫وفي األخير‪ ،‬يمكن الحديث عن نماذج بيداغوجية وتربوية وديدكتيكية‬
‫متنوعة‪ ،‬يمكن حصرها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي التلقيني كما في المدرسة التقليدية؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي الحواري كما في التربية الحديثة؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي الهادف القائم على بيداغوجيا األهداف؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي الكفائي القائم على المقاربة بالكفايات؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي الهربارتي القائم على التمهيد‪ ،‬وبناء الدرس‪،‬‬
‫والربط المنطقي بين مراحل الدرس‪ ،‬واالستنتاج‪ ،‬والتطبيق؛‬
‫‪ ‬النموذج اإلدماجي القائم على تنفيذ الوضعيات اإلدماجية؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي التنشيطي القائم على التنشيط الفردي والجماعي؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي اإلبداعي الذي يهدف إلى جعل المتعلم مبدعا في‬
‫أسرته ومدرسته ومجتمعه؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي الملكاتي القائم على الذكاءات المتعددة؛‬
‫‪ ‬النموذج الديدكتيكي الترابطي(‪ )Connectivité‬القائم على توظيف‬
‫اإلعالميات الرقمية في التدريس‪.‬‬
‫وإذا كان المنهاج التربوي مرتبطا بفلسفة الدولة‪ ،‬والبرنامج مرتبطا‬
‫بطريقة التدريس‪ ،‬فإن المقرر عبارة عن عناوين منفصلة لمحتويات‬
‫ووحدات ومكونات دراسية‪ .‬أما الكتاب المدرسي‪ ،‬فهو مجرد وعاء يحوي‬
‫النصوص والخبرات والمحتويات التي ينص عليها المنهاج الدراسي‪.‬‬
‫وإذا كانت الوحدات هي دروس ومقاطع ومحاور وتيمات دراسية‪ ،‬فإن‬
‫المجزوءات عبارة عن مراحل كفائية وإدماجية ‪.‬‬

‫‪456‬‬
‫وفيما يخص المقاربة بالكفايات‪ ،‬فهي مقاربة تربوية وديدكتيكية جديدة‪،‬‬
‫تعنى بآليات التأهيل والتمهير والتكوين ‪ ،‬بامتالك المتعلم لقدرات ومعارف‬
‫ودرايات وإتقانات يستضمرها بشكل إدماجي بغية توظيفها واستثمارها في‬
‫أثناء مواجهة الوضعيات‪ -‬المشكالت‪ ،‬والسيما المعقدة والمركبة والصعبة‬
‫منها‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فالكفاية هي قدرة المتعلم على توظيف محتويات المقرر‬
‫في سياقات إدماجية إشكالية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فالكفايات أنواع‪ :‬كفاية أساسية‪،‬‬
‫وكفاية نوعية‪ ،‬وكفاية مستعرضة‪...‬وترتبط هذه الكفايات بسياق المشكلة أو‬
‫سياق المسألة‪.‬‬
‫بيد أن األهداف عبارة عن غايات ومرامي وأغراض‪ ،‬يصبو إليها‬
‫المدرس وفق مخططاته الديدكتيكية بغية التحقق من مدى نجاح الهدف‬
‫المرسوم في بداية الدرس‪.‬‬
‫وفيما يتعلق بالوضعيات ‪ ،‬فهناك الوضعيات الديدكتيكية‪ ،‬والوضعيات غير‬
‫الديدكتيكية‪ ،‬والوضعيات اإلدماجية‪ ،‬والوضعيات التقويمية‪ .‬وتخضع هذه‬
‫الوضعيات لثالث مراحل ديدكتيكية رئيسة هي‪ :‬التخطيط‪ ،‬والتدبير‪،‬‬
‫والتقويم‪.‬‬
‫وتبنى الوضعيات الديكتيكية باستحضار الوضعيات اإلدماجية بأسنادها‪،‬‬
‫ومعلوماتها‪ ،‬ووثائقها‪ ،‬وصورها ‪ ،‬وتعليماتها‪ ،‬ومعاييرها‪ ،‬ومؤشراتها‪.‬‬
‫وإذا كان التقويم الكالسيكي يعتمد على معيار اإلتقان كثيرا‪ ،‬ويحاكم‬
‫المتعلم على أخطائه بقسوة‪ ،‬فإن التقويم اإلدماجي يهتم بمعايير أساسية‬
‫مستهدفة ‪ ،‬وهي‪ :‬معيار المالءمة‪ ،‬ومعيار االنسجام‪ ،‬ومعيار االستخدام‬
‫السليم ألدوات المادة‪ .‬ويعني هذا أن معيار الحد األدنى يرجح على معيار‬
‫اإلتقان والجودة‪ .‬واليمكن الحديث أيضا عن المعايير إال بالحديث عن‬
‫المؤشرات الكمية والكيفية التي تتحكم في تلك المعايير بنوع من الدقة‬
‫اإلجرائية‪.‬‬

‫‪457‬‬
‫ثبت المصادر والمراجع‬
‫المعاجم‪:‬‬
‫‪-1‬إبراهيم مصطفى‪ ،‬وأحمد حسن الزيات‪ ،‬وحامد عبد القادر‪ ،‬ومحمد‬
‫النجار‪ :‬المعجم الوسيط‪،‬دار النشر‪ :‬دار الدعوة‪ ،‬تحقيق‪ :‬مجمع اللغة‬
‫العربية‪.‬‬
‫‪-2‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬دار صبح بيروت‪ ،‬لبنان‪ /‬وأديسوفت‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬المغرب‪ /‬الطبعة األولى سنة ‪2006‬م‪.‬‬
‫‪-3‬أحمد أوزي‪ :‬المعجم الموسوعي لعلوم التربية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2006‬م‪.‬‬
‫‪-4‬عبد الكريم غريب‪ :‬المنهل التربوي‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬منشورات عالم‬
‫التربية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫سنة ‪2006‬م‪.‬‬

‫المراجع باللغة العربية‪:‬‬


‫‪ -5‬ابن يعيش محمد‪ :‬مفاهيم أساسية في علم النفس االجتماعي‪ ،‬مطبعة‬
‫تطوان‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2015‬م‪.‬‬
‫‪-6‬أحمد أوزي‪ :‬سيكولوجية المراهقة‪ ،‬دار النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫المغرب‪ ،‬طبعة ‪1986‬م‪.‬‬
‫‪ -7‬أحمد أوزي‪ :‬التعليم والتعلم بمقاربة الذكاءات المتعددة‪،‬الشركة‬
‫المغربية للطباعة والنشر‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪1999‬م‪.‬‬

‫‪458‬‬
‫‪ -8‬أحمد عزت راجح‪:‬أصول علم النفس‪ ،‬المكتب المصري الحديث‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة الثامنة ‪1970‬م‪.‬‬
‫‪ -9‬أنتوني غدنز‪ :‬علم االجتماع‪ ،‬ترجمة فايز الصياي‪ ،‬مركز دراسات‬
‫الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الرابعة‪2005 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -10‬بدر محمد العدل‪ :‬فعالية برنامج قائم على نظرية الذكاءات‬
‫المتعددة‪،‬جامعة المنصورة‪ ،‬مصر‪ ،‬كلية التربية‪2006‬م‪.‬‬
‫‪ -11‬بول موي‪ :‬المنطق وفلسفة العلوم‪ ،‬ترجمة‪ :‬فؤاد حسن زكريا‪ ،‬دار‬
‫نهضة مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪-12‬بيداغوجيا اإلدماج‪ ،‬ترجمة‪ :‬لحسن بوتكالي‪ ،‬منشورات مجلة علوم‬
‫التربية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫‪2009‬م‪.‬‬
‫‪ -13‬بيير ديشي‪ :‬تخطيط الدرس لتنمية الكفايات‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبد الكريم‬
‫غريب‪ ،‬منشورات عالم التربية‪ ،‬مطبعة دارالنجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪2003 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -14‬التومي عبد الرحمن وملوك محمد‪ :‬المقاربة بالكفايات‪ :‬بناء المناهج‬
‫وتخطيط التعلمات‪ ،‬مطبوعات الهالل‪ ،‬وجدة‪ ،‬المغرب‪ ،‬طبعة ‪2006‬م‪.‬‬
‫‪ -15‬التومي عبد الرحمن‪ :‬الجامع في ديدكتيك اللغة العربية‪ ،‬مطبعة‬
‫المعارف‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة الثانية سنة ‪2016‬م‪.‬‬
‫‪ -16‬جابر عبد الحميد جابر‪ :‬الذكاءات المتعددة والفهم‪ :‬تنمية وتعميق‪،‬‬
‫دار الفكر العربى للطباعة والنشر‪2003‬م‪.‬‬
‫‪ -17‬الحسن اللحية‪ :‬بيداغوجيا اإلدماج‪ ،‬منشورات المعرفة‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2010‬م‪.‬‬

‫‪459‬‬
‫‪ -18‬حسن الورياغلي‪ :‬المصنفات السينمائية بين المقتضيات الفنية‬
‫والضوابط القانونية‪ ،‬سليكي إخوان‪ ،‬طنجة‪ ،‬ط‪2005 ، 1‬م‪.‬‬
‫‪ -19‬حمدان ممدوح إبراهيم الشامي ‪ :‬أثر برنامج تعليمى قائم على نظرية‬
‫الذكاءات المتعددة فى تحصيل الرياضيات لدى تالميذ الحلقة الثانية من‬
‫التعليم األساسى المنخفضين تحصيليا‪ ،‬جامعة القاهرة ‪ -‬كلية التربية‪.‬‬
‫‪.2007‬‬
‫‪ -20‬روجير كزافيي‪ :‬التدريس بالكفايات‪ ،‬وضعيات إلدماج المكتسبات‪،‬‬
‫ترجمة عبد الكريم غريب‪ ،‬منشورات عالم التربية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى ‪2007‬م‪.‬‬
‫‪ -21‬روجير كزافيي‪ :‬بيداغوجيا اإلدماج‪ ،‬ترجمة نصر الدين الحافي‬
‫وحماني أقفلي‪ ،‬مكتبة المدارس‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫سنة ‪2011‬م‪.‬‬
‫‪ -22‬سالم سليمان حمد الجعافرة ‪ :‬العالقة بين الذكاءات المتعددة لدى‬
‫الطلبة المعاقين سمعيا ومتغيرات درجة اإلعاقة والجنس والعمر‪،‬‬
‫الجامعة االردنية‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪1983‬م‪.‬‬
‫‪ -23‬السيد علي أحمد‪ :‬نظرية الذكاءات المتعددة وتطبيقاتها في مجاالت‬
‫صعوبات التعلم (رؤية مستقبلية)‪ ،‬جامعة الملك سعود‪ ،‬الرياض‪،‬‬
‫‪2005‬م‪.‬‬
‫‪ -24‬عبد العزيز القوصي‪ :‬علم النفس‪ :‬أسسه وتطبيقاته التربوية‪ ،‬مكتبة‬
‫النهضة المصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬طبعة ‪1978‬م‪.‬‬
‫‪ -25‬عبد الكريم غريب‪ :‬بيداغوجيا اإلدماج‪ ،‬نماذج وأساليب التطبيق‬
‫والتقييم‪ ،‬منشورات عالم التربية‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫سنة ‪2010‬م‪.‬‬

‫‪460‬‬
‫‪ -26‬عبد المجيد نشواتي ‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬دار الفرقان للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن ‪ ،‬طبعة ‪1984‬م‪.‬‬
‫‪ -27‬عبد الواحد أوالد الفقيهي‪ :‬الذكاءات المتعددة ‪ :‬التأسيس العلمي‪،‬‬
‫منشورات مجلة علوم التربية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪2012‬م‪.‬‬
‫‪ -28‬العربي اسليماني‪ :‬المعين في التربية‪ ،‬المطبعة والوراقة الوطنية‪،‬‬
‫مراكش‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2018‬م‪.‬‬
‫‪ -29‬غالي أحرشاو‪ :‬غالي أحرشاو‪ :‬الطفل بين األسرة والمدرسة‪ ،‬مطبعة‬
‫النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2009‬م‪.‬‬
‫‪ -30‬فتحي مصطفى الزيات‪:‬األسس المعرفية للتكوين العقلي وتجهيز‬
‫المعلومات‪ ،‬دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬المنصورة‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫الطبعة األولى سنة ‪1995‬م‪.‬‬
‫‪ -31‬كاترين كوليو تيلين‪ :‬ماكس فيبر والتاريخ‪ ،‬ترجمة‪ :‬جورج كتورة‪،‬‬
‫المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى سنة ‪1994‬م‪.‬‬
‫‪ -32‬مادي لحسن‪ :‬األهداف والتقييم في التربية‪ ،‬شركة بابل للطباعة‬
‫والنشر‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪1990‬م‪.‬‬
‫‪ -33‬محمد أمزيان ‪ :‬التربية المدرسية‪ :‬من بيداغوجيا األهداف إلى‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪،‬‬ ‫بيداغوجيا المعرفة‪،‬مطبعة النجاح الجديدة‪،‬‬
‫‪ 1999‬م‪.‬‬
‫‪ -34‬محمد أمزيان‪ :‬الذكاءات المتعددة وتطوير الكفايات‪ ،‬مطبعة النجاح‬
‫الجديدة ‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2004‬م‪.‬‬
‫‪ -35‬محمد الدريج‪ :‬تحليل العملية التعليمية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪1983‬م‪.‬‬
‫‪461‬‬
‫‪ -36‬محمد الدريج‪ :‬التدريس الهادف‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪1990‬م‪.‬‬
‫‪ -37‬محمد الدريج‪:‬الكفايات في التعليم‪ ،‬منشورات سلسلة المعرفة للجميع‪،‬‬
‫الرباط‪ ،‬المغرب‪ ،‬شتنبر‪2004‬م‪.‬‬
‫‪ -38‬محمد عبد الهادي حسين‪:‬الذكاءات المتعددة‪ :‬أنواع العقول البشرية‪،‬‬
‫دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع‪2000،‬م‪.‬‬
‫‪ -39‬محمد عبد الهادي حسين‪ :‬مدرسة الذكاءات المتعددة‪ ،‬دار العلوم‬
‫للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع ‪2005‬م‪.‬‬
‫‪ -40‬محمد عبد الهادي حسين‪ :‬الذكاءات المتعددة وتنمية الموهبة‪ ،‬دار‬
‫العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع‪2006‬م‪.‬‬
‫‪ -41‬محمد عبد الهادي حسين‪ :‬ديناميكية التكيف العصبي وقة الذكاءات‬
‫المتعددة‪ ،‬دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع‪. 2008.‬‬
‫‪ -42‬محمد عبد الهادي حسين‪:‬التفكير االبداعى فى ضوء نظرية الذكاء‬
‫المتعلم‪ ،‬دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع‪2008‬م‪.‬‬
‫‪ -43‬محمد عبد الهادي حسين‪ :‬دليلك العملى الى قوة سيناريوهات دروس‬
‫الذكاءات المتعددة‪ ،‬دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع‪.‬‬
‫‪.2008‬‬
‫‪ -44‬محمد عبد الهادي حسين‪ :‬إيقاظ العبقرية داخل فصولنا الدراسية‪،‬‬
‫دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع‪. 2008.‬‬
‫‪ -45‬محمد عبد الهادي حسين‪ :‬الذكاءات المتعددة ‪ :‬مراجعات وامتحانات‪،‬‬
‫دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع‪2008‬م‪.‬‬
‫‪ -46‬محمد لبيب النجيحي‪ :‬مقدمة في فلسفة التربية‪ ،‬دار النهضة العربي‬
‫للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى سنة‪1992‬م‪.‬‬
‫‪ -47‬مصطفى محسن‪ :‬مدرسة المسقبل‪ ،‬سلسلة شرفات‪ ،‬رقم‪،26 :‬‬
‫الرباط‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2009‬م‪.‬‬
‫‪ -48‬وليد محمد أبو المعاطي ‪:‬الذكاء المعرفي واالنفعالي واالجتماعي‬
‫وأساليب التعلم‪ ،‬جامعة المنصورة كلية التربية‪2005‬م‪.‬‬

‫‪462‬‬
:‫المراجع األجنبية‬
49-A , IRRIBANE : La compétitivité, Défi Social,
Enjeu éducatif, CNRS, Paris, 1989.
50-Arsac, G., Chevallard, Y., Martinand, J.-L.,
Tiberghien, A. (dir.) (1994) La transposition didactique
à l’épreuve, Grenoble, La Pensée Sauvage Éditions.
51-Astolfi, j, p : (Placer les élèves en situation –
problème ?), dans Probio revue, 16, 4, Bruxelles :
Association des professeurs de biologie (ASBL) ,1993.
52-Bachelard: la formation de l’esprit scientifique,
ED.Vrin 1970.
536-BERTRAND, Y. Théories contemporaines de
l'éducation, Paris, Editions Nouvelles, Chronique
Sociale.1998.
54-G. BROUSSEAU(1997), Théories des situations
didactiques, Conférence de Montreal,
http://math.unipa.it/~grim/brousseau_montreal_03.pdf;[
3] G. BROUSSEAU(2000), Education et didactique
desmathématiques,http://math.unipa.it/~grim/broussea
u_didact_03.pdf
55-Brousseau G. (1998). Théorie des situations
didactiques. Grenoble, La Pensée sauvage.

56-Brousseau, G. (1990). Le contrat didactique et le


concept de milieu : dévolution. Recherches en
didactique des mathématiques, 9(3).

463
57-Bruce Campbell, les intelligences multiples : Guide
pratique, traduit par : Danièle Bellchumeur,
Chenelière, Montréal, 1999.
58-BRUNER J. L'éducation, entrée dans la culture :
les problèmes de l'école à la lumière de la
psychologie culturelle, Paris, éd. Retz.1996.
59-Caillot, M. (1996) La théorie de la transposition
didactique est-elle transposable ?, in Raisky, C. et
Caillot, M. (dir.) Au-delà des didactiques, le didactique.
Débats autour de concepts fédérateurs, Bruxelles, De
Boeck.
60-Chevallard, Y. (1991) La transposition didactique.
Du savoir savant au savoir enseigné, Grenoble, La
Pensée Sauvage (2e édition revue et augmentée, en coll.
avec Marie-Alberte Joshua, 1re édition 1985).
61-Conne, F. (1986) La transposition didactique à
travers l’enseignement des mathématiques en première
et deuxième années de l’école primaire, Lausanne.
62-Conne/Couturier-Noverra ; (1992) Un grain de sel à
propos de la transposition didactique, Education et
Recherche, n° 1, pp. 57-71 ; Conne, F. (1996) Savoir et
connaissance dans la perspective de la transposition
didactique, in Brun, J. (dir.) Didactique des
mathématiques, Lausanne, Delachaux et Niestlé.
63-DE KETELE, J.M. L'évaluation des acquis
scolaires : quoi ? Pourquoi ? Pour quoi ?, Revue
Tunisienne des Sciences de l'Éducation, 23,.1996.
64-Denis, M. (1999). Représentation mentale. In H.
Bloch, R. Chemana, E. Depet, A. Gallo, P. Lecomte, J.-
464
F. Le Ny, J. Postel et M. Reuchlin (dir.), Grand
dictionnaire de la psychologie (p. 779-780). Paris :
Larousse-Bordas.
65-Durey, A. et Martinand, J.-L. (1994) Un analyseur
pour la transposition didactique entre pratiques de
référence et activités scolaires, in Arsac, G., Chevallard,
Y., Martinand, J.-L., Tiberghien, A. (dir.) La
transposition didactique à l’épreuve, Grenoble, La
Pensée sauvage Éditions.
66-Durkheim, Éducation et sociologie, 1922. PUF.
67-Durkheim, L’éducation morale, 1902-1903, PUF,
nouv.éd.1963.
68-Gagné R.M (1994) : les principes fondamentaux de
l’apprentissage : Application à l’enseignement, TRad
par Robert Brian et Raymond Paquin, HRW Ltés
Montréal.
69-GILLET , P : ) L’ utilisation des objectifs en
formation , contexte et évolution (, Education
permanent , Nr :85 , octobre 1986.
700-Gilly, M. (1995). Approches socio-constructives du
développement cognitif de l’enfant d’âge scolaire. In G.
Gaonach’ & C. Golder (Eds.), Manuel de Psychologie
pour l’enseignement (pp.130-167). Paris : Hachette.
71-Goldin, G.A. et Janvier, C. (1998). Representations
and the psychology of mathematics education. The
Journal of Mathematical Behavior, 17.
72-Greer, B. et Harel, G. (1998). The role of
isomorphisms in mathematical cognition. The Journal
of Mathematical Behavior, 17(1).

465
73-Howard Gardner : Les formes de l’intelligence, ED
Odel Jacob, Paris, 1997.
74-Howard Gardner : Les Intelligences multiples,
traduit par PH.Evans-Clark, M.Muracciole et
N.Weinwurzel, Retz, Paris, 1996.
75-Janvier, C. (1994). Contextualisation et
représentation dans l’utilisation des
mathématiques. In C. Garnier, N. Bednarz et I.
Ulanovskaya (dir.), Après Vygotski et Piaget :
perspectives sociale et constructiviste. Écoles russe et
occidentale (p. 129-147). Bruxelles : De Boeck.
76-Jean Houssaye, Le triangle pédagogique. Théorie
et pratiques de l'éducation scolaire, Peter Lang,
Berne, 2000 (3e Éd., 1re Éd. 1988)
77-Jean Houssaye, Le triangle pédagogique. Théorie et
pratiques de l'éducation scolaire, Peter Lang, Berne,
2000 (3e Éd., 1re Éd. 1988).
78-Joshua, S. (1996) Le concept de transposition
didactique n’est-il propre qu’au mathématiques ?, in
Raisky, C. et Caillot, M. (dir) Au-delà des didactiques,
le didactique. Débats autour de concepts fédérateurs,
Bruxelles, De Boeck.
79-Lev Vygotski : Pensée et langage (1934) (traduction
de Françoise Sève, avant-propos de Lucien Sève), suivi
de « Commentaires sur les remarques critiques de
Vygotski » de Jean Piaget, (Collection « Terrains»,
Éditions Sociales, Paris, 1985) ; Rééditions : La
Dispute, Paris, 1997.

466
80-Mager,Robert: Comment definer des objectifs
pédagogiques,Traduction G.Décote.Gauthier-Villars,
Paris, 1981.
81-Margolinas, C. (1998). Le milieu et le contrat,
concepts pour la construction et l’analyse de situations
d’enseignement. In R. Noirfalise (dir.), Analyse des
pratiques enseignantes et didactique des
mathématiques, cours, Actes de l’Université d’Été . La
Rochelle : IREM Clermont-Ferrand.
82-Moscovici S., 1961, la psychanalyse, son image et
son public. Presse Universitaire de France : Paris.
83-Mugny, G. (Ed.) (1985). Psychologie sociale du
développement cognitif. Berne: Peter Lang.
84-Oxford advanced learners, Dictionary Oxford
university press 2000.
85-Paul Robert : Le Petit Robert, Paris, éd, 1992.
86-Perrenoud, Ph. (1986) Vers une lecture sociologique
de la transposition didactique, Genève, Faculté de
psychologie et des sciences de l’éducation.
87- Perrenoud, Ph. (1990) La géographie scolaire entre
deux modèles de transposition didactique, Genève,
Faculté de psychologie et des sciences de l’éducation .
88-Perrenoud, Ph. (1992) La souris et la tortue. Deux
usages sociaux de l’informatique et leur
transposition didactique à l’école primaire, in A.
Vieke (dir.) Intégration de l’informatique en
classe, Genève, Service informatique de l’enseignement
primaire.

467
89-Perret-Clermont, A.N. (1979). La construction de
l'intelligence dans l'interaction sociale. Berne : Peter
Lang.
90-Piaget et Inhelder .B (1948) : La représentation de
l’espace chez l’enfant, P.U.F, Paris.
91-Piaget J:La psychologie de l'enfant, Que sais-je?
P.U.F, Paris, 1973.
92-Piaget, J. (1996). Le structuralisme. Paris : Presses
universitaires de France.
93-Piaget, J. La genèse du nombre chez l’enfant.
Lausanne : Delachaux et Niestlé, 1966 et 1991.
94-Piaget, La naissance de l'intelligence chez l'enfant,
Paris, Delachaux et Niestlé, 1936.
95- Piaget,La construction du réel chez l'enfant, Paris,
Delachaux et Niestlé, 1937
96-Raisky, C. (1996) Doit-on en finir avec la
transposition didactique ?, in Raisky, C. et Caillot, M.
(dir.) Au-delà des didactiques, le didactique. Débats
autour de concepts fédérateurs, Bruxelles, De Boeck.
97-ROEGIERS, X. Des situations pour intégrer les
acquis. Bruxelles : De Boeck Université.2003.
98- ROEGIERS, X : L'école et l'évaluation. Bruxelles:
De Boeck Université, 2004.
99-Roegiers, X, la pédagogie de l’intégration en bref,
Rabat, 2006.
100-Sarrazy, B. (2002). Représentation versus modèle
implicite dans l’analyse des phénomènes
d’enseignement : analyse didactique et épistémologique
des enjeux praxéologiques de cette distinction. In J.
Ardoino et G. Mialaret (dir.), L’année de la recherche
468
en sciences de l’éducation 2002. Des
représentations (p. 91-125). Vauchrétien : Presses de
La Botellerie.
101-Thomas Armstrong : les intelligences multiples
dans votre classe, traduit de l’américain par : Jean
Blaquière, Chenelière, Montréal, 1999.
102-Tony Buzan et Barry Buzan, Mind mapʼ : dessine-
moi l'intelligence, Paris, Éditions d'Organisation, 2003 .
103-Tony Buzan et Chris Griffiths, Le mind mapping
au service du manager, Paris, Eyrolles Ed.
D’Organisation, 2011.
104-Vergnaud., G. Le rôle de l’enseignant à la
lumière des concepts de schème et de champ
conceptuel, in Artigue, M. et al. (eds) Vingt ans de
didactique des mathématiques en France. La Pensée
Sauvage édition, 1994.
105-V. etG. Landsheere : Définir les objectifs de
l’éducation, Liège et George Thoune 1975.
106-Vygotsky, L. S. Le problème de l'enseignement
et du développement mental à l'âge scolaire. In B.
Shneuwly & J.P. Bronckart (Eds.), Vygotski aujourd'hui
(pp. 95-117); Paris : Delachaux & Niestlé.
107-Vygotsky, L. S. (1978). Mind in society.
Cambridge, MA: Harvard University Press. Vygotski,
L.S (1985c/1933).
108-W.Doize et G.Mugny B (1981) : Le
développement social de l’intelligence, Paris,
InterEditions.

469
‫‪109-Willem‬‬ ‫‪Doise‬‬ ‫‪et Gabriel Mugny,‬‬ ‫‪Le‬‬
‫‪développement social de l'intelligence, Paris,‬‬
‫‪InterÉditions, 1981.‬‬
‫‪110-Willem Doise et Gabriel Mugny, Psychologie‬‬
‫‪sociale et développement cognitif, Paris, Armand Colin,‬‬
‫‪« U », 1997.‬‬
‫‪111-Willem‬‬ ‫‪Doise‬‬ ‫‪et Gabriel Mugny,‬‬ ‫‪Le‬‬
‫‪développement social de l'intelligence, Paris,‬‬
‫‪InterÉditions, 1981. Willem Doise et Gabriel Mugny,‬‬
‫‪Psychologie sociale et développement cognitif, Paris,‬‬
‫‪Armand Colin, « U », 1997.‬‬
‫المقـــاالت‪:‬‬
‫‪ -112‬باوال جونتيل وروبير تابنتشيني‪ (:‬بناء الكفايات‪ :‬مقابلة مع فليب‬
‫پيرنو)‪ ،‬الكفايات في التدريس بين التنظير والممارسة‪ ،‬تعريب‪ :‬محمد‬
‫العمارتي والبشير اليعكوبي‪ ،‬مطبعة أكدال‪،‬الرباط‪ ،‬الطبعة األولى سنة‬
‫‪2004‬م‪.‬‬
‫‪ -113‬حسن بوتكالي‪ (:‬مفهوم الكفايات وبناؤها عند فيليب پيرنو)‪،‬‬
‫الكفايات في التدريس بين التنظير والممارسة‪ ،‬مطبعة أكدال‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫الطبعة األولى سنة ‪2004‬م‪.‬‬
‫‪ -114‬محمد كجي‪( :‬التعلم وتربية الذهن على االشتغال)‪ ،‬سيكولوجية‬
‫الطفل‪ ،‬مقاربات معرفية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪،‬‬
‫الطبعة األولى سنة‪2008‬م‪.‬‬
‫‪ -115‬نيكو هرت‪ (:‬بصدد المقاربةعبر الكفايات هل نحتاج إلى عمال‬
‫أكفاء أم إلى مواطنين نقديين؟)‪ ،‬الكفايات في التدريس بين النظرية‬
‫والممارسة‪ ،‬مطبعة أكدال‪،‬الرباط‪،‬الطبعة األولى سنة ‪2004‬م‪.‬‬

‫‪470‬‬
‫‪ -116‬عبد الواحد أوالد الفقيهى ‪(:‬نظرية الذكاءات المتعددة من التأسيس العلمي‬
‫إلى التوظيف البيداغوجى) مجلة علوم التربية‪ ،‬المغرب ‪ ،‬المجلدالثالث ‪ ،‬العدد‬
‫الرابع والعشرون‪2003 ،‬م‪.‬‬
‫الدالئل الوزارية‪:‬‬
‫‪ -117‬وزارة التربية الوطنية‪ :‬دليل المقاربة بالكفايات‪ ،‬مكتبة المدارس‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى دجنبر‪2009‬م‪.‬‬
‫‪ -118‬وزارة التربية الوطنية‪ :‬دليل بيداغوجيا اإلدماج‪ ،‬مكتبة المدارس‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2009‬م‪.‬‬
‫‪ -119‬وزارة التربية الوطنية‪ :‬دليل اإلدماج‪ ،‬المستوى الثالث من التعليم‬
‫االبتدائي‪ ،‬مطبعة األحداث‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2010‬م‪.‬‬
‫‪ -120‬وزارة التربية الوطنية‪ :‬كراسة الوضعيات اإلدماجية‪ ،‬الجزء األول‪،‬‬
‫المستوى السادس‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪2010 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -121‬وزارة التربية الوطنية ‪ :‬دليل األساتذة الجدد بالتعليم االبتدائي‪،‬‬
‫منشورات مديرية تكوين األطر‪ ،‬مركز اإلمام الغزالي لتكوين المعلمين‬
‫والمعلمات‪ ،‬أكادير‪ ،‬المغرب‪2011-2010 ،‬م‪.‬‬
‫الــويبوغرافــيا‪:‬‬
‫‪ -122‬هاوارد غاردنر ‪( :‬حوار مع هوارد غاردنر حول الذكاءات‬
‫المتعددة‪ :‬من التأسيس العلمي إلى التطبيق البيداغوجي)‪ ،‬ترجمة وتقديم‪:‬‬
‫عبد الواحد أوالد الفقيهي‪،‬‬

‫‪http://www.aljabriabed.net/n68_08lafkih.htm‬‬

‫‪471‬‬
‫السيـــ ة العاـــمية‬

‫‪ -‬جميل حمداوي من مواليد مدينة النا ور‪.‬‬


‫‪ -‬حاصل على دبلوم الدراسات العليا سنة ‪1996‬م‪.‬‬
‫‪ -‬حاصل على دكتوراه الدولة سنة ‪2001‬م‪.‬‬
‫‪ -‬حاصال علااى إجاازتين‪:‬األولى فااي األدب العربااي‪ ،‬والثانياة فااي الشااريعة‬
‫والقانون‪.‬‬
‫‪ -‬تابع دراساته الجامعية في الفلسفة وعلم االجتما‪.،‬‬
‫‪ -‬أستاذ التعليم العالي بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بالنا ور‪.‬‬
‫‪ -‬أستاذ األدب الرقمي بماستر الكتابة النسائية بكلية ااداب تطوان ‪.‬‬
‫‪ -‬أستاذ الرواية ومناه مابعد الحداثة بماستر النثر العربي القديم‪.‬‬
‫‪ -‬باحاااااااااث فاااااااااي السوسااااااااايولوجيا‪ ،‬والسااااااااايكولوجيا‪ ،‬والبياااااااااداجوجيا‪،‬‬
‫واألنتروبولوجيااا‪ ،‬والعلااوم القانونيااة والسياسااية‪ ،‬والفاان‪ ،‬والفلساافة والفكاار‬
‫اإلسالمي‪ ،‬والقانون والشريعة‪.‬‬
‫‪ -‬أستاذ األدب العرباي‪ ،‬ومنااه البحاث الترباوي‪ ،‬وعلام الانفس الترباوي‪،‬‬
‫واإلحصاااااء التربااااوي‪ ،‬وعلااااوم التربيااااة‪ ،‬والتربيااااة الفنيااااة‪ ،‬والحضااااارة‬

‫‪472‬‬
‫األمازيغيااااة‪ ،‬ودياااادكتيك التعلاااايم األولااااي‪ ،‬والحياااااة المدرسااااية والتشااااريع‬
‫التربوي‪ ،‬واإلدارة التربوية‪ ،‬والكتابة النسائية‪...‬‬
‫‪-‬أديب ومبد‪ ،‬وناقد وباحث‪ ،‬يشتغل ضمن ر ية أكاديمية موسوعية‪.‬‬
‫‪ -‬شاعر وقصاه وكاتب مسرحي‪ ،‬يكتب للصغار والكبار‪.‬‬
‫‪ -‬مثل دورا سينمائيا في الفيلم األمازيغي اعسل المارارة لمنتجاه عباد هللا‬
‫فركوس‪ ،‬وإخرا علي الطاهري‬
‫‪ -‬حصل مقاله ان رياة ماا بعاد االساتعمار علاى جاائزة الموقاع الساعودي‬
‫ااأللوكة ‪.‬‬
‫‪ -‬حصااال علاااى جاااائزة م سساااة المثقاااف العرباااي اسيدني‪/‬أساااتراليا لعاااام‬
‫‪2011‬م في النقد والدراسات األدبية‪.‬‬
‫‪ -‬حصل على جائزة ناجي النعمان األدبية سنة‪2014‬م‪.‬‬
‫‪ -‬عضو االتحاد العالمي للجامعات والكليات بهولندا‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس الرابطة العربية للقصة القصيرة جدا‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس المهرجان العربي للقصة القصيرة جدا‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس الهيئة العربية لنقاد القصة القصيرة جدا‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس الهيئة العربية لنقاد الكتابة الشذرية ومبدعيها‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس جمعية الجسور للبحث في الثقافة والفنون‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس مختبر المسرو األمازيغي‪.‬‬
‫‪ -‬عضو الجمعية العربية لنقاد المسرو‪.‬‬
‫‪-‬عضو رابطة األدب اإلسالمي العالمية‪.‬‬

‫‪473‬‬
‫‪ -‬عضو اتحاد كتاب العرب‪.‬‬
‫‪-‬عضو اتحاد كتاب اإلنترنت العرب‪.‬‬
‫‪-‬عضو اتحاد كتاب المغرب‪.‬‬
‫‪ -‬له إسهامات ن رية في التربية‪ ،‬وفن القصة القصيرة جدا ‪ ،‬وفان الكتاباة‬
‫الشاااذرية‪ ،‬واألدب الرقماااي‪ ،‬والمسااارو‪ ،‬ومنااااه النقاااد األدباااي‪ ،‬والكتاباااة‬
‫النسوية‪ ،‬والبالجة الرحبة‪...‬‬
‫‪ -‬باحث في الثقافة األمازيغية المغربية‪ ،‬والسيما الريفية منها‪.‬‬
‫‪ -‬خبير في البيداجوجيا والثقافة األمازيغية واألدب الرقمي‪.‬‬
‫‪ -‬ترجمت مقاالته إلى اللغة الفرنسية و اللغة الكردية‪.‬‬
‫‪ -‬نشاارت كتبااه بااالمغرب‪ ،‬والجزائاار‪ ،‬وتااونس‪ ،‬وليبيااا‪ ،‬واألردن‪ ،‬ولبنااان‪،‬‬
‫والمملكة العربية السعودية‪ ،‬واإلمارات العربية المتحدة‪ ،‬والعراق‪.‬‬
‫‪ -‬شارك في مهرجانات عربية عدة في كل من‪ :‬الجزائر‪ ،‬وتونس‪ ،‬وليبياا‪،‬‬
‫ومصر‪ ،‬واألردن‪ ،‬والسعودية‪ ،‬والبحرين‪ ،‬والعاراق‪ ،‬واإلماارات العربياة‬
‫المتحدة‪،‬وسلطنة عمان‪...‬‬
‫‪ -‬مستشااار فااي مجموعااة ماان الصااحف والمجااالت والجرائااد والاادوريات‬
‫الوطنية والعربية‪.‬‬
‫‪ -‬نشر أكثر من ألف وسبعين مقال علمي محكم وجير محكم‪ ،‬وعددا كثيرا‬
‫من المقاالت اإللكترونية‪ .‬وله أكثار مان ا‪ 150‬كتااب ورقاي‪ ،‬وأكثار مان‬
‫ماااائتي ا‪ 200‬كتااااب إلكتروناااي منشاااور فاااي ماااوقعي االمثقاااف وموقاااع‬
‫ااأللوكة ‪ ،‬وموقع اأدب فن ‪.‬‬
‫‪ -‬ومن أهم كتبه‪ :‬محاضارات فاي لساانيات الانه‪ ،‬وسوسايولوجيا الثقافاة‪،‬‬
‫وميااادين علاام االجتمااا‪ ،،‬وأسااس علاام االجتمااا‪ ،،‬والعااوالم الممكنااة بااين‬
‫‪474‬‬
‫الن رية والتطبيق‪ ،‬واألدب الرقمي بين الن رية والتطبيق‪ ،‬وفقه الناوازل‪،‬‬
‫ومفهوم الحقيقة في الفكر اإلسالمي‪ ،‬ومحطات العمل الديادكتيكي‪ ،‬وتادبير‬
‫الحيااااة المدرساااية‪ ،‬وبياااداجوجيا األخطااااء‪ ،‬ونحاااو تقاااويم ترباااوي جدياااد‪،‬‬
‫والشااذرات بااين الن ريااة والتطبيااق‪ ،‬والقصااة القصاايرة جاادا بااين التن ياار‬
‫والتطبيااق‪ ،‬والروايااة التاريخيااة‪ ،‬تصااورات تربويااة جدياادة‪ ،‬واإلسااالم بااين‬
‫الحداثة وما بعد الحداثة‪ ،‬ومجزءات التكوين‪ ،‬ومان سايميوطيقا الاذات إلاى‬
‫ساااايميوطيقا التااااوتر‪ ،‬والتربيااااة الفنيااااة‪ ،‬وماااادخل إلااااى األدب السااااعودي‪،‬‬
‫واإلحصاااء التربااوي‪ ،‬ون ريااات النقااد األدبااي فااي مرحلااة مابعااد الحداثااة‪،‬‬
‫ومقومات القصة القصيرة جدا عند جمال الدين الخضيري‪ ،‬وأنوا‪ ،‬الممثل‬
‫في التيارات المسرحية الغربية والعربياة‪ ،‬وفاي ن رياة الرواياة‪ :‬مقارباات‬
‫جديدة‪ ،‬وأنطولوجيا القصة القصيرة جدا بالمغرب‪ ،‬والقصيدة الكونكريتية‪،‬‬
‫وماان أجاال تقنيااة جدياادة لنقااد القصااة القصاايرة جاادا ‪ ،‬والساايميولوجيا بااين‬
‫الن رياااة والتطبياااق‪ ،‬واإلخااارا المسااارحي‪ ،‬ومااادخل إلاااى الساااينوجرافيا‬
‫المسرحية‪ ،‬والمسرو األمازيغي‪ ،‬ومسرو الشباب بالمغرب‪ ،‬والمدخل إلى‬
‫اإلخاارا المساارحي‪ ،‬ومساارو الطفاال بااين التااأليف واإلخاارا ‪ ،‬ومساارو‬
‫األطفااال بااالمغرب‪ ،‬ونصااوه مساارحية‪ ،‬وماادخل إلااى السااينما المغربيااة‪،‬‬
‫ومناااه النقااد العربااي‪ ،‬والجديااد فااي التربيااة والتعلاايم‪ ،‬وببليوجرافيااا أدب‬
‫األطفاااال باااالمغرب‪ ،‬ومااادخل إلاااى الشاااعر اإلساااالمي‪ ،‬والمااادارس العتيقاااة‬
‫باااااااالمغرب‪ ،‬وأدب األطفاااااااال باااااااالمغرب‪ ،‬والقصاااااااة القصااااااايرة جااااااادا‬
‫بالمغرب‪،‬والقصاااة القصااايرة جااادا عناااد الساااعودي علاااي حسااان البطاااران‪،‬‬
‫وأعالم الثقافة األمازيغية‪...‬‬
‫‪ -‬عناااااااوان الباحاااااااث‪ :‬جميااااااال حماااااااداوي‪ ،‬صاااااااندوق البرياااااااد‪،1799‬‬
‫النا ور‪ ،62000‬المغرب‪.‬‬
‫‪ -‬جميااال حماااداوي‪ ،‬صاااندوق البرياااد‪ ،10372‬البرياااد المركااازي‪ ،‬تطاااوان‬
‫‪ ،93000‬المغرب‪.‬‬

‫‪475‬‬
0672354338:‫ الهاتف النقال‬-
0536333488:‫ الهاتف المنزلي‬-
Hamdaouidocteur@gmail.com:‫ اإليميل‬-
Jamilhamdaoui@yahoo.

476
‫الغالف الخارجي‬
‫يتناول هذا الكتاب مجموعة من الدروس والمحاضرات التي تندرج ضمن‬
‫مادة الديدكتيك‪ ،‬أو مادة التربية الخاصة‪.‬ومن ثم‪ ،‬يتوجه الكتاب إلى‬
‫المكونين واألساتذة والطلبة المهتمين بقضايا التربية والتعليم بصفة خاصة‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬يجمع هذا الكتاب المبسط والميسر مجموعة من المفاهيم‬
‫والمصطلحات المتعلقة بالديدكتيك‪ ،‬أو فن التدريس‪ .‬ويعني هذا أن الكتاب‬
‫تعريف مجمل بقضايا علم الديدكتيك ومجاالته‪ ،‬بالتوقف عند مفاهيمه ‪،‬‬
‫ودراسة مواضيعه المتشعبة‪ ،‬واستكشاف قضاياه المختلفة والمتعددة‪،‬‬
‫واستقصاء مرجعياته النظرية والتطبيقية‪.‬‬

‫الثمن‪100:‬درهم‬
‫‪477‬‬

You might also like