Professional Documents
Culture Documents
محاضرات في الديداكتيك العامة
محاضرات في الديداكتيك العامة
1
المؤلف :جميل حمداوي
العنوان :محاضرات في الديدكتيك العامة
الطبعة األولى2018:م
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
منشورات حمداوي الثقافية ،تطوان ،الهاتف0672354338:
jamilhamdaoui@yahoo.fr
2
اإلهـــــداء
3
الفــهــــرس
اإلهــــــداء
الفهرس4....................................................................................
المقدمـــة5...................................................................................
الفصل األول :مجاالت الديدكتيك 6 ....................................................
الفصل الثاني :المنهاج التربوي ومصطلحاته53......................................
الفصل الثالث :مفاهيم الديدكتيك135....................................................
الفصل الرابع :عوائق التعلم وصعوباته263 ..........................................
الفصل الخامس :التدريس باألهداف310...............................................
الفصل السادس :التدريس بالكفايات324...............................................
الفصل السابع :الوضعيات الديدكتيكية وغير الديدكتيكية349.......................
الفصل الثامن :بناء الوضعيات الديدكتيكية398.......................................
الخاتمــــة451..............................................................................
ثبت المصادر والمراجع454..............................................................
4
المقدمــــة
يتناول هذا الكتاب مجموعة من الدروس والمحاضرات التي تندرج ضمن مادة
الديدكتيك ،أو مادة التربية الخاصة ،أو ضمن العملية التعليمية-التعلمية.ومن ثم،
يتوجه الكتاب إلى المكونين واألساتذة والطلبة المهتمين بقضايا التربية والتعليم
بصفة خاصة .ومن ثم ،يجمع هذا الكتاب المبسط والميسر مجموعة من المفاهيم
والمصطلحات المتعلقة بالديدكتيك ،أو فن التدريس .ويعني هذا أن الكتاب
تعريف مجمل بقضايا علم الديدكتيك ومجاالته ،بالتوقف عند مفاهيمه ،ودراسة
مواضيعه المتشعبة ،واستكشاف قضاياه المختلفة والمتعددة ،واستقصاء
مرجعياته النظرية والتطبيقية.
ومن هنا ،ينصب هذا الكتاب على مواضيع تربوية عدة ،مثل :مجاالت
الديدكتيك ،والجهاز المفاهيمي للديدكتيك ،و معوقات التعلم ،والتدريس
باألهداف والكفايات ،والوضعيات الديدكتيكية وغير الديدكتيكية ،وبناء
الوضعيات الديدكتيكية.
وعليه ،ينقسم الكتاب إلى مقدمة ،وثمانية فصول ديدكتيكية ،وخاتمة ،وثبت
للمصادر والمراجع ،وفهرس عام وشامل.
وقد توسلنا ،في كتابنا الديدكتيكي هذا ،بلغة عربية سهلة ومبسطة وواضحة،
مع االبتعاد قدر اإلمكان عن الحشو واإلطناب وركاكة اللغة من أجل أن يستفيد
منه الجميع.لذلك ،بوبناه إلى مجموعة من الفصول المترابطة لتسهيل عملية
التنقيب والبحث واالستكشاف على الدارسين والمدرسين والباحثين والطلبة
على حد سواء ،والسيما الذين يسعون جادين إلى تجميع المعلومات والبيانات
والمعطيات التي تتعلق بالتربية والتعليم.
وفي األخير ،أسأل هللا عز وجل أن يلقى هذا الكتااب المتواضاع استحساانا لاد
المتلقي .وأشكر هللا وأحمده على علمه ونعمه وفضائله الكثيارة التاي ال تعاد وال
تحصى .وهللا ولي التوفيق.
5
الفصل األول:
مفهوم الديدكتيك ومجاالته
6
قبل الخوض في مواضيع الديدكتيك العامة والخاصة ،البد من التوقف عند
بعض المفاهيم اإلجرائية المهمة ،مثل :التربية ،والبيداغوجيا ،والديدكتيك
الخاصة ،والديدكتيك العامة على النحو التالي:
- 1إبراهيم ناصر :علم االجتماع التربوي ،دار الجيل ،بيروت ،لبنان؛ مكتبة الرائد العلمية ،عمان،
األردن ،د.ت ،ص.32:
7
وتغييرها والتحكم فيها ،وكذلك من أجل الحصول على المكانة الالئقة بهم ،ونيل
الفالح في الدنيا واآلخرة.
إذاً ،فالتربية " عملية ضرورية لمواجهة الحياة ومتطلباتها ،وتنظيم السلوكيات
العامة في المجتمع من أجل العيش بين الجماعة عيشة مالئمة ،وضرورتها لكل
من الفرد والمجتمع معا ،أما ضرورتها للفرد اإلنسان ،فتكون للمحافظة على
جنسه ،وتوجيه غرائزه ،وتنظيم عواطفه ،وتنمية ميوله ،ونقل التراث الثقافي
إليه ،وأنماط السلوك التي ترضى عنها الجماعة ،وكل ذلك البد من اكتسابه
على مر األيام ،ألن فترة الطفولة اإلنسانية طويلة بطبيعتها ،والحياة البشرية
معقدة ،وكثيرة التبديل والتغيير.وبنقل النمط السلوكي والتراث لألفراد يحتفظ
المجتمع بثقافته من الضياع ،وليس هذا فقط ،بل إن التراث عند نقله اليكتفى
بالمحافظة على التراث كما هو أو كما نقل من األجداد لآلباء ،ومكن اآلباء
لألبناء ،بل إن دور التربية هنا يظهر بإضافة أو حذف ما هو غير مناسب من
التراث ،ولهذا نقول :إن ضرورة التربية لكل من المجتمع واألفراد تظهر في
نقل التراث الثقافي واالحتفاظ به وتنقيته من الشوائب وتعديله ،وبالتالي
2
استمراره وازدهاره وتطوره وبقائه".
وهكذا ،يتضح لنا أن التربية عملية ضرورية في بناء الذات واألسرة والمجتمع
واألمة واإلنسانية جمعاء.
و للتربية وظائف عدة تتمثل في تهذيب اإلنسان ورعايته والعناية به ،وتكوينه
وتأهيله مهاريا وتربويا وعمليا ،وتنميته معرفيا ووجدانيا وحسيا وحركيا .ومن
وظائفها األخرى" نقل األنماط السلوكية للفرد من المجتمع؛ ونقل التراث الثقافي
من األجيال السابقة لألجيال الالحقة؛ وتعديل التراث الثقافي ،وتغيير مكوناته
بإضافة ما يفيد وحذف ما اليفيد؛ واكتساب الفرد خبرات اجتماعية نابعة من قيم
ومعتقدات ونظم وعادات وتقاليد وسلوك الجماعة التي يعيش بينها؛ وتنوير
3
الفرد بالمعلومات الحديثة التي تغزو الحياة اليومية في المجتمع".
- 7محمد لبيب النجيحي :مقدمة في فلسفة التربية ،دار النهضة العربي للطباعة والنشر ،بيروت،
لبنان ،الطبعة األولى سنة1992م ،ص.240:
13
ومن هنا ،فكلمة البيداغوجيا " إغريقية األصل ،وكانت تدل على العبد الذي
يرافق الطفل في تنقالته ،وبخاصة من البيت إلى المدرسة .ولقد تطور استعمال
الكلمة ،وأصبح يدل على المربي ( .)Pédagogueوالبيداغوجيا هي جملة
األنشطة التعليمية -التعلمية التي تتم ممارستها من قبل المعلمين والمتعلمين".8
وأكثر من هذا فالبيداغوجيا نظرية تربوية علمية عامة ذات بعد نظري
وتطبيقي وتوجيهي ،لها عالقة وثيقة بالمدرس والمتعلم ،بل تنفتح على اإلدارة
واألسرة والمحيط الخارجي الذي يؤثر في المدرسة .وقد تعني البيداغوجيا تلك
النظرية التربوية التي تهتم بالمتعلم في مختلف جوانبه السلوكية والتعلمية
والتثقيفية ،وتقدم مجموعة من النظريات التي تسعف المتعلم في تعلمه وتكوينه
وتأطيره .ومن ثم ،فالبيداغوجيا متعددة االختصاصات .كما تنفتح على علوم
عدة ،مثل :علم النفس ،وعلم االجتماع ،والبيولوجيا ،والديموغرافيا،
واإلحصاء ،واالقتصاد ،والفلسفة ،والسياسة ،وعلم التخطيط ،وعلم التوجيه،
واللسانيات ،والسيميوطيقا ،وعلم التدبير ،وعلم اإلدارة ،وعلم اإلعالم...
وتنبني البيداغوجيا على ثالثة عناصر رئيسة هي :المعلم ،والمتعلم ،والمعرفة.
أي :إن المعلم هو الذي ينقل المعرفة إلى المتعلم عبر المضامين والمحتويات،
والطرائق البيداغوجية ،والوسائل الديدكتيكية...
ويعني هذا أن ثمة مرتكزات تربوية ثالثة :المعلم ،والمتعلم ،والمعرفة .فالمعلم
هو الذي يقوم بمهمة تكوين المتعلم ضمن عالقة بيداغوجية .وما يعلمه المعلم
من معارف وأفكار ومحتويات ومضامين وخبرات وتجارب يدخل ذلك ضمن
عالقة ديدكتيكية .أما ما يحصله المتعلم من معارف ومعلومات يدخل ضمن
عالقات التعلم .والجامع بين المرتكزات الثالثة يسمى بالفضاء أو الوسط
البيداغوجي .ومن هنا ،يتضمن هذا الفضاء التربوي ثالث عالقات أساسية هي:
العالقة الديدكتيكية (المعلم التعليم المعرفة) ،والعالقة البيداغوجية
(المعلم التكوين المتعلم) ،وعالقة التعلم(المتعلم التعلم المعرفة)
-8أحمد أوزي :المعجم الموسوعي لعلوم التربية ،دار النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،المغرب،
الطبعة األولى سنة 2006م ،ص.150:
14
المبحث الثالث :مفهـــوم الديدكتيـــك
إذا كانت البيداغوجيا تخصصا نظريا عاما ،يتحكم في العالقة التي تكون بين
المعلم والمتعلم ،فإن الديدكتيك ( 9)La didactiqueهو تخصص عملي
تطبيقي يتعلق بتدريس مادة معينة؛ إذ نقول :ديدكتيك العربية ،وديدكتيك
الفرنسية ،وديدكتيك الرياضيات ،وديدكتيك العلوم.....ويعني هذا إذا كانت
البيداغوجيا مرتبطة بالمتعلم ونظريات التعلم ،فإن الديدكتيك لها حيز ضيق،
يتعلق بمجال دراسي معين ،أو ما يمكن تسميته كذلك بالتربية الخاصة .ومن
هنا ،تتميز الديدكتيك بطابعها اإلبستمولوجي( )épistémologiqueالذي يعنى
بطبيعة المعارف والمعلومات المدرسة من جهة ،وبطابع مضامينها المتعددة
التخصصات (.) des contenus disciplinaires
11
-Brousseau G. (1998) Théorie des situations didactiques. Grenoble : La
Pensée Sauvage.
Odile Jacob.
De Boeck Université.
17
( ،16 )Giordan Aونارسي كومب ( ،17)Narcy-Combesوتيريس
( ،18)Terrisse A.وروتر( ،19 ) Reuterوآخرين...
ومن أهم الباحثين العرب الذين اهتموا بفن التدريس عبد العليم إبراهيم ،20وعلي
أحمد مدكور ،21ومحمد حسين آل ياسين ،22ومحمد الدريج ،23وأحمد أوزي،24
وعبد الكريم غريب ،25ولحسن مادي ،26وعبد الواحد أوالد الفقيهي ،27ومحمد
16
-Giordan A. (1999) Une didactique pour les sciences expérimentales.
Paris : Belin.
- 20عبد العليم إبراهيم :الموجه الفني لمدرسي اللغة العربية ،دار المعارف بمصر ،الطبعة
السادسة.
- 21علي أحمد مدكور :طرق تدريس اللغة العربية ،دار المسيرة ،عمان ،األردن ،الطبعة الثانية
2010م.
- 22محمد حسين آل ياسين :المبادئ األساسية في طرق التدريس العامة ،منشورات دار القلم،
بيروت ،لبنان ،ومكتبة الشعب ،بغداد ،العراق.
- 23محمد الدريج :تحليل العملية التعليمية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،المغرب،
الطبعة األولى سنة 1983م.
- 24أحمد أوزي :التعليم والتعلم بمقاربة الذكاءات المتعددة ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء،
المغرب ،طبعة 1999م.
- 25عبد الكريم غريب والبشير اليعقوبي :التدريس بواسطة المجزوءات ،مطبعة النجاح الجديدة،
الدار البيضاء ،المغرب.
- 26لحسن مادي :تكوين المدرسين ،نحو بدائل لبناء الكفايات ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار
اليضاء،المغرب ،الطبعة األولى سنة 2001م.
- 27عبد الواحد أوالد الفقيهي :الذكاءات المتعددة :التأسيس العلمي ،منشورات مجلة علوم
التربية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،الطبعة األولى 2012م.
18
، 31
أمزيان ،28وأحمد شبشوب ،29والحسن اللحية ،30وعبد الرحمن التومي
وجميل حمداوي...،32
وتنطلق العملية التعليمية -التعلمية من مدخل أساسي يتمثل في تحديد األهداف
اإلجرائية أو الكفايات النوعية من أجل التثبت من تحقيقها .لذا ،البد أن يختار
المدرس المحتويات المناسبة ،والطرائق البيداغوجية الكفيلة بالتبليغ وتسهيل
االكتساب واالستيعاب .ثم هناك الوسائل الديدكتيكية التي يستعين بها المدرس
لتقديم درسه وتوضيحه بشكل جيد .أما المخرجات ،فتقترن بقياس األهداف
والقدرات والكفاءات لدى المتعلم على مستوى األداء والممارسة واإلنجاز.
ويتحقق هذا القياس عبر محطات التقويم التشخيصي ،والمرحلي ،والنهائي.
واليمكن الحكم على الهدف أو الكفاية إال بالتقويم الذي قد يكون تشخيصيا ،أو
قبليا ،أو تكوينيا ،أو إجماليا ،أو إشهاديا ،أو مستمرا ،أو إدماجيا...وبعد ذلك،
نلتجئ إلى التغذية الراجعة(الفيدباك ،) Feed backوالدعم ،والمعالجة الداخلية
والخارجية.
ويعني هذا كله أن الديدكتيك ،أو التربية الخاصة ،تعتمد على األهداف أو
الكفايات من ناحية أولى ،والمضامين والطرائق والوسائل الديدكتيكية من ناحية
ثانية ،والتقويم والفيدباك من ناحية ثالثة.
- 28محمد أمزيان :بيداغوجيا المعرفة،أفريقيا الشرق ،الدار البيضاء ،المغرب ،الطبعة األولى
2016م.
- 29أحمد شبشوب :المدخل إلى الديدكتيك العامة ،منشورات رمسيس ،دفاتر في التربية ،
العدد1997/2م.
- 30الحسن اللحية :بيداغوجيا التعاقد ،منشورات المعارف ،الرباط ،المغرب ،الطبعة األولى سنة
2010م.
- 31عبد الرحمن التومي :الجامع في ديدكتيك اللغة العربية ،مطبعة المعارف ،الرباط ،المغرب،
الطبعة الثانية 2016م.
- 32جميل حمداوي :ديدكتيك األنشطة التربوية في التعليم األولي،أفريقيا الشرق ،الدار البيضاء،
المغرب ،الطبعة األولى سنة 2015م؛ األقسام المشتركة في التعليم االبتدائي المغربي،منشورات
مكتبة سلمى الثقافية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،المغرب ،الطبعة األولى سنة 2015م؛
محطات العمل الديدكتيكي ،منشورات مكتبة سلمى الثقافية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء،
المغرب ،الطبعة األولى سنة 2015م؛ نحو تقويم تربوي جديد (التقويم اإلدماجي) ،منشورات
مكتبة سلمى الثقافية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،المغرب ،الطبعة األولى سنة 2015م.
19
المبحث الرابع :الفرق بين البيداغوجيا والديدكتيك
البد من التمييز بين البيداغوجيا والديدكتيك ،فاألولى عبارة عن نظرية عامة
تعنى بتربية الطفل وقضايا التعليم ومشاكله بصفة عامة ،أو تهتم بالتعليم ،أو
الفعل التربوي .بينما تهتم الثانية بالممارسات والتطبيقات الصفية ،والتركيز
على المتعلم ونظريات التعلم وتبليغ المعارف ،33والعناية بالتدريس فنا وعلما،
وتتخذ طابعا تطبيقيا خاصا.
ومن ثم ،يتميز الديدكتيك بطابعه اإلبستمولوجي (الميتامعرفي) من جهة ،مادام
يهتم بمناهج التدريس ،والتركيز على طرائق التعليم ،وتبيان آليات اكتساب
المعرفة ،واستجالء اإلجراءات والتطبيقات والممارسات المختلفة المستعملة
في ذلك .ومن جهة أخرى ،يتخذ طابعا موسوعيا لكونه يدرس فن التدريس في
مختلف التخصصات والعلوم.ومن هنا ،يهتم الديدكتيك بأسئلة التدريس
والتكوين ،وبناء المعرفة لدى المتعلم ،والتعرف إلى مختلف مناهج التعليم
وأسسها وأهدافها وآلياتها ونجاعتها .وقد تطورت مناهج الديدكتيك منذ سنوات
السبعين من القرن الماضي في مختلف المواد المتعلقة بالعلوم اإلنسانية
والتجريبية والدقيقة.
وعلى الرغم من الفوارق الموجودة بين البيداغوجيا والديدكتيك ،فإنهما
يشتركان في دراسة الظواهر التربوية والتعليمية ،ويهدفان إلى معرفة التعلمات
ونظرياتها وتطبيقاتها.
33
-A regarder : Pédagogie générales, Nancy, MAFPEN, 1987.
20
ويعني هذا كله أن للديدكتيك صلة وثيقة بعلم النفس ،فكثيار مان قضاايا التربياة
والتعليم لها أصول سيكولوجية ،مثل :سيكولوجية الطفال والمراهاق ،ون رياات
النمااو والااتعلم ،والساايكولوجيا المعرفيااة .وماان ثاام ،يعددد علددم الددنفس عبددارة عددن
خطددداب ميتدددامعرفي يطدددرح أسدددئلة جوهريدددة وعميقدددة حدددول الدددنفس اإلنسدددانية
ومشداعرها الروحيددة وانفعاالتهددا الوجدانيددة .أضددف إلدى ذلددك أن علددم الددنفس هددو
الددذي يدددرس الحدداالت الذهنيددة والعمليددات الفكريددة عنددد الفددرد ،مثددل :التفكيددر،
والتذكر ،والنسيان ،واالنتبداه ،والدتعلم ،والدذكاء ،والحفدظ ،واكتسداب اللغدة...إلى
جانب دراسة دوافع اإلنسان وغرائزه وانفعاالته وحاجياته وميوله النفسية...
ثاام الننسااى العالقااات التااي توجااد بااين الدياادكتيك والفساايولوجيا ،والبيولوجيااا،
والطاااب ،وعلااام األخاااالق ،والمنطاااق ،والرياضااايات ،وعلااام اإلحصااااء ،وعلااام
المنااه االميتودولوجياا ،و ااداب ،وعلاام الفان والجماال ،والتااري ،ومناااه
البحث العلمي والتربوي...
ويعني هذا كله أن سلوك الفرد اهرة مركبة ومعقدة ،تتحكم فياه مجموعاة مان
العوامل السياسية ،واالجتماعية ،واالقتصادية ،والثقافية ،والتاريخية ،والدينية،
والحضارية ،والبيولوجية ،والعرقية ،والفلسفية ،واألخالقية ،والتربوية...
وعليااه ،يناادر الدياادكتيك ضاامن العلااوم اإلنسااانية علااى جاارار علاام االجتمااا،،
واألنتروبولوجيااااا ،واإلثنولوجيااااا ،والتاري ...بيااااد أن علميتااااه نساااابية لوجااااود
مجموعااة ماان العوائااق التااي تحااول دون تحقيااق العلميااة الموضااوعية الحقيقيااة
الصااارمة ،مثاال :مشااكل الذاتيااة ،ومشااكل التجريااب ،ومشااكل الحتميااة ،ومشااكل
القااانون .ناهيااك عاان كااون اإلنسااان اااهرة مركبااة ومعقاادة ومتشااعبة ،و اااهرة
حية ،ومتغيرة ،وإنسانية ،وحرة ،ومستقلة .ومان هناا ،يصاعب دراساتها دراساة
علميااة موضااوعية ك االعلوم التجريبيااة الوضااعية .ولكاان يمكاان الحااد ماان الذاتيااة
نساابيا ،باتبااا ،المناااه الكيفيااة والكميااة ،واسااتخدام اإلحصاااء ،واالرتكااان إلااى
دراسة الحالة ،وتمثل التجريب االرتباطي بدل االرتباط السببي.
35
-Jean Piaget, Introduction à l'épistémologie génétique, Paris,
PUF, 1950.
23
وثورناااااادايك ا)Thorndikeا1874-1949م ،...والطبيااااااب الفيزيولااااااوجي
الروسي بافلوف ا Pavlovا... ، 1849-1963
وقد تأثرت هذه المدرسة بالوضعية العلمية وفلسفة الوالياات المتحادة األمريكياة
فااي بدايااة القاارن العشاارين .وقااد ركاازت علااى فكاارتين أساساايتين همااا :الساالوك
المالح ا والبيئااة ،مااع إقصاااء الااذات والعواطااف الشااعورية والعمليااات الذهنيااة
والعقلية والفكرية الداخلية.
وماان ثاام ،ف االغرض ماان هااذه المدرسااة هااو دراسااة الساالوك الخااارجي ل نسااان
السوي ،بربطاه باالمثيرا Stimilusواالساتجابة ا . Réponseويعناي هاذا أن
السلوك اإلنساني هو نتاا للاتعلم ،أو هاو رد فعال علاى مجموعاة مان المنبهاات
التي تأتينا من العالم الخارجي.
وقد هرت السلوكية سنة 1913م في الواليات المتحدة األمريكية مع واطسون
الاااذي أوجاااد مصاااطلة السااالوكية سااانة 1913م ا Behaviorلدراساااة مجمااال
الساالوكيات الموجااودة عنااد مختلااف الكائنااات الحيااة ،فااي ارتباااط تااام بالبيئااة أو
المحيط الخارجي .ومن ثم ،فقد استبعدت هذه المدرسة كل ماهو داخلي ،ساواء
أكان شعورا أم الشعورا .ويعني هذا أن السلوكية مدرساة سايكولوجية تجريبياة
وعلميااة بامتياااز ،هاادفها دراسااة الساالوك الخااارجي المالحا فااي عالقااة بااالمثير
واالساااتجابة.لذا ،فقاااد أجريااات تجاربهاااا األولاااى علاااى الحيواناااات ،مااان كاااالب،
وفئااران ،وقطااط ،وحمااام ،بغيااة تطبيقهااا علااى اإلنسااان .وبتعبياار آخاار ،التكتفااي
الساالوكية بدراسااة الساالوك عنااد المااتعلم فحسااب ،باال تاادرس ،عباار المالح ااة
الواصاافة ،الكيفيااة التااي بهااا يااتحكم المااتعلم فااي المعرفااة بعااد أن يحقااق الهاادف
اإلجرائي المطلوب.
وقااد ارتبطاات الن ريااة الساالوكية بالتشااريط التعلمااي اConditionnement
عند بافلوف انطالقا من ثنائية المثير واالستجابة [ .]SRولم تقتصر السلوكية
علااى ن ريااة المثياار واالسااتجابة البساايطة كمااا عنااد بااافلوف ،باال تطااورت مااع
بيااداجوجيا األهااداف التااي اهتماات بتسااطير مجموعااة ماان األهااداف الساالوكية
24
المعرفياااااة والوجدانياااااة والحساااااية الحركياااااة.عالوة علاااااى التعلااااايم المبااااارم
ا Enseignement programméالااااذي اسااااتفاد ماااان تقنيااااات المدرسااااة
السااالوكية ،والتعلااايم الحاساااوبي الاااذي اماااتة إوالياتاااه الن رياااة والتطبيقياااة مااان
المدرسة السلوكية .دون أن ننسى استفادة بيداجوجيا الكفايات مان هاذه الن رياة
مع تطويرها.
وللتوضية أكثر فاإلنسان يصادر سالوكه الخاارجي المالحا والمرصاود حينماا
يرتبط ذلك بمحفز واستجابة .مثال ،حينما يحاس اإلنساان باالعط ،يسامى هاذا
حااافزا ،فهنااه يتجااه نحااو المكااان الااذي يوجااد فيااه الماااء ،يساامى هااذا بالساالوك
الخارجي ،فيشرب الماء ،ويسمى هذا استجابة .وينطبق هذا علاى حاافز الجاو،
وح اافز الااتعلم وحااافز الخااوف وجيرهااا ماان المثياارات الخارجيااة المدركااة.وإذا
كاناات المدرسااة الشااعورية تاادرس الشااعور الااداخلي ،فااهن الساالوكية التعنااى إال
بمالح ة السلوك الخارجي القابل للدراسة والرصد والتجريب والتوصيف.
ومن هنا ،فكلما كان هناك مثير أو حافز أو منبه خارجي ،كانت هنااك اساتجابة
سلوكية بمثابة رد فعل على هذا المنبه البيئي أو المحيطي .وقد كان هذا القانون
الساايكولوجي نتيجااة مجموعااة ماان التجااارب التااي أجرياات علااى الحيوانااات فااي
روف ووضعيات تجريبية مختلفة بغية معرفة عالقة االرتبااط الموجاودة باين
المثير المدروس واالستجابة المتوقعة.
وأكثاار ماان هااذا تهااتم الساالوكية بدراسااة الوقااائع الذهنيااة والوجدانيااة المالح ااة
االصراخ ،الضحك ، ...وال تعنى بدراسة الحاالت جيار المالح اة أو المدركاة
االفااارو ،والحااازن ،والغضاااب. ...كما تااادرس عناصااار البيئاااة الحساااية ،مثااال:
الحرارة ،وعدد األفراد...ومن هنا ،فالوضاعيات البيئياة هاي التاي تخلاق حاوافر
الفرد ،وتستدعي ردود أفعاله واستجاباته.
وإذا كان بافلوف قد اهتم بدراسة االنعكاس المشروط ،بدراسة ردود الفعل لد
الحيااوان فااي عالقتااه بااالمحيط الااذي يوجااد فيااه،فهن واطسااون أراد أن يبنااي
ن رية السلوك اإلنساني على وحدة بسيطة هي الفعل المانعكس ،ودرس الفعال
25
الماانعكس فااي الحيوانااات الدنيئااة البساايطة والراقيااة ،واعتباار ساالوك اإلنسااان
36
مجموعة من األفعال المنعكسة الشرطية المعقدة .
في حين ،يعد إدوارد ثورندايكا Edward Thorndikeا1874-1949م مان
العلماء األمريكيين الذين يحسبون على التيار السلوكي ،وكان ساباقا إلاى وضاع
معادلة المثير واالساتجابة إطاارا مرجعياا للاتعلم وسايكولوجية السالوك ،وطارو
تصورا ترابطيا للتعلم .وقد عرف بن رية التعلم بالمحاولة والخطأ .عالوة على
قانون األثر الذي ارتبط باسمه.
وتعنااي ن ريااة المحاولااة والخطااأ أن اإلنسااان يااتعلم بالخطااأ ،ونتيجااة تكاارار
المحاااوالت الكثياارة بغيااة الوصااول إلااى الهاادف المطلااوب .وتقااوم هااذه الن ريااة
التعلمية على مجموعة من المفاهيم األساسية هي:
التكررر ا :يسااااعد الماااتعلم علاااى تجناااب الخطاااأ بعاااد القياااام بمجموعاااة مااان
المحااااوالت فاااي مااارات زمنياااة متعاااددة ،ماااع تصاااحية االساااتجابات الخاطئاااة
باالستجابات الصحيحة.
التدعيم أو التعزيز :يعناي التقاويم اإليجاابي بالمكافاأة لتشاجيع الماتعلم علاى
االستجابة.
االنطفررر :إذا لااام يتحقاااق التااادعيم ،يقاااع االنطفااااء ،أو تراجاااع الماااتعلم عااان
االستجابة الفورية.
بعااد عمليااة االنطفاااء ،يمكاان للمااتعلم أن يسااترجع قااواه االسررت ع ا التائر
بطريقة تلقائية.
التعمريم ماا يتعلماه المااتعلم مان ماوارد يمكان أن يو فهااا ويادمجها فاي أثناااء
مواجهته لوضعيات متشابهة.
- 36عبد العزيز القوصي :علم النفس :أسسه وتطبيقاته التربوية ،مكتبة النهضة المصرية،
القاهرة ،مصر ،طبعة 1978م ،ص.76:
26
التمييررز :يعنااي هااذا المباادأ أن المااتعلم إذا فشاال فااي حاال المشااكلة الوضااعية
الجديدة بناء على وضعيات سابقة مشابهة ،فالبد مان االلتجااء إلاى مبادأ التميياز
للتفريق بين الموقف السابق والموقف الجديد.
العالق ت الزم نية يقوم الزماان بادور هاام فاي تقاويم التعلماات ،فكلماا كانات
االستجابة فورية وفي مدة قصيرة كان التعلم ناجحا ،وكلما طالت الفترة الزمنية
ضعف التعلم واالكتساب.
وماان خصااائه هااذه الن ريااة ارتباااط المثياار باالسااتجابة علااى مسااتو الااتعلم،
ووجود دافع أساساي للاتعلم ،ثام تكارار المحااوالت التعلمياة بغياة الوصاول إلاى
الهدف ،ثم إيجاد حل عن طريق الصدفة ،ثم تعميم أثر الحل الصاحية فاي بااقي
الوضعيات السياقية األخر .
وقااد توصاال ثورناادايك إلااى مجموعااة ماان القااوانين المتعلقااة بن ريااة المحاولااة
والخطااأ وهااي :قااانون التكاارار الااذي يقااوي الااروابط بااين المثياار واالسااتجابة،
وقااانون األثاار القااائم علااى الثااواب ،وقااد قااال بااه واطسااون ،37وقااانون التهياا
واالستعداد المرتبط بالشعور بالرضا واالنزعاا ،وقاانون التمارين الاذي يقاوي
االرتباطاااات التعلميااااة ،وقااااانون االنتمااااء الااااذي يقااااوي الرابطاااة بااااين المثياااار
واالستجابة عندما تكون االستجابة الصحيحة أكثر انتماء إلاى الموقاف ،وقاانون
االسااتقطاب ،والقااوانين الثانويااة ،مثاال :قااانون االسااتجابة المتعااددة التااي تسااتلزم
استجابات عدة ومتنوعاة ،وقاانون االتجااه أو المن وماة .ويعناي هاذا ماد تاأثر
التعلم باتجاهات الماتعلم وميولاه ودوافعاه ،وقاانون االساتجابة بالمماثلاة ،ويعناي
التعلم انطالقا مان المواقاف الساابقة المشاابهة ،وقاانون االنتقاال الترابطاي الاذي
يعني تعلم المواقف في ارتباطها بالمواقف التعلمية األخر ...38
- 37أحمد عزت راجح :أصول عام النفس ،المكتب المصري الحديث ،اإلسكندرية ،مصر ،الطبعة
الثامنة1970 ،م ،ص.207-206:
-عبد المجيد نشواتي ،علم النفس التربوي ،دار الفرقان للنشر والتوزيع ،عمان ،األردن ، 38
28
فااي شااكل أهااداف ساالوكية وإجرائيااة فااي آخاار حصااة تعليميااة -تعلميااة .فمااا يهاام
السلوكية هو وصف األفعال السلوكية من قبيل:
-أن يكون التلميذ قادرا على رسم لوحة تشكيلية في وصف الطبيعة؛
-أن يكون المتعلم قادرا على قفز حاجز من خمسة أمتار؛
-أن يكون التلميذ قادرا على العد إلى المائة.
وماان هنااا ،ينبنااي الفعاال الساالوكي علااى القاادرة زائااد فعاال الحركااة .وال تبنااي
الساالوكية أهاادافها اإلجرائيااة والكفائيااة علااى األفعااال العقليااة والمعرفيااة ،مثاال:
يتذكر ،ويفهم ،ويفكر... ،
وعلى الرجم من إيجابيات المدرساة السالوكية ،فهنهاا تهمال جواناب سايكولوجية
أخاار تتعلااق بماااهو شااعوري ،والشااعوري ،ومعرفااي .كمااا تسااقط فااي االيااة
الميكانيكياااة التكراريااااة.ثم ،لااايس الااااتعلم مرتبطااااا بثنائياااة المثياااار واالسااااتجابة
بالضااارورة ،بااال قاااد يكاااون الاااتعلم نتاااا الرجباااة فاااي التعبيااار عااان المشااااعر
واألحاساايس الداخليااة التااي العالقااة لهااا بااالمحيط الخارجي.كمااا تملااك الااذات
م هالت وراثية وعقلية وذكائية تسمة لها باالتعلم واالكتسااب أكثار مماا يتيحهاا
المحيط الخارجي.
39
-Reuchlin, « Psychologie », Paris, 1999.
29
ومن هندا ،يددرس علدم الدنفس الحداالت النفسدية الشدعورية والالشدعورية.ويدرس
أيضددا سددلوك الفددرد وتصددرفاته السددوية والشدداذة والمرضددية ،أو يهددتم بمعالجددة
المعلومات ،و تبيان الطرائق الكفيلة التي تكتسب بها المعرفة من حيث إدراكها،
وتذكرها ،وتخزينها ،ومعالجتها ذهنيا وعقليا...
ويعني هذا أن علم النفس المعرفي ( - )Psychologie Cognitiveالذي ظهر
بالواليدددات المتحددددة األمريكيدددة مندددذ سدددنوات الخمسدددين مدددع العقدددل االصدددطناعي
والحاسددوبي -هددو ذلددك العلددم الددذي يركددز علددى الدددماي البشددري الددذهني والعقلددي
بالتحليل والدراسة والتفسير والتشريح ،بدالتوقف عندد مختلدف الوظدائف النفسدية
التددي يقددوم بهددا الكددائن البشددري علددى مسددتوى :التفكيددر ،والددذاكرة ،واالسددتدالل،
واالنتبدددداه ،واللغددددة ،والددددذكاء ،والتمددددثالت ،واإلدراك ،والمعرفددددة ،واإلبددددداع،
40
والعبقرية ،وكيفية التعلم ،وحل المسائل...
ويعنددي هددذا أن السدديكولوجيا المعرفيددة ،فددي مفهومهددا العددام ،هددي التددي تدددرس
المعرفدددة دراسدددة علميدددة ،بدددالتركيز علدددى آليدددات الدددذاكرة ،واالنتبددداه ،واللغدددة،
واإلدراك ،والذكاء ،والوعي ،وحدل الوضدعيات والمشداكل المستعصية،ودراسدة
السلوك الذهني والمعرفي لإلنسان.41
وبالمفهوم الضيق ،يقصد بالسيكولوجيا المعرفية تلك المقاربة التدي تهدتم بالدذهن
اإلنسدداني ،بددالتوقف عنددد كيفيددة معالجددة المعلومددات ،ودراسددة الحدداالت الذهنيددة
والعقليددة.أي :تدددرس هددذه السدديكولوجيا الحركيددة الدينامكيددة للددذاكرة واالسددتدالل
البرهاني في مساره التطوري والنمائي والحركي ،وتبيان وظائف تلك العمليدات
الذهنيددة التددي تتمثددل فددي :التنظدديم ،والترتيددب ،والتصددنيف ،والتبويب،والتقسدديم،
والمعالجة ،واالنتقاء ،واإلخراج،والتنفيذ...
أي :تعنددى السدديكولوجيا المعرفيددة بدراسددة اإلنسددان المعرفددي والعقلددي والددذهني،
بالتوقف عند مجموعة مدن األنشدطة الذهنيدة والعقليدة التدي يقدوم بهدا ،مدع رصدد
40
-Jean-Luc Roulin (dir.), Psychologie cognitive, Bréal, Rosny-sous-Bois,
2006.
41
- J. Mehler : "Quand la science du comportement devient psychologie de
la connaissance", La Recherche N°100, mai 1979, Volume 10, p.540-541
30
المسارات المعرفية ،وتحديد الوظدائف التدي تقدوم بهدا.أي :تهدتم بالعقدل والدذهن،
والتهتم بالسلوك الخارجي.42
ومن هنا ،يدرس علم النفس المعرفي ما يسمى بالمعرفة (،)la cognition
بالتوقف عند بنياتها ،ومكوناتها ،ووظائفها ،وسيرورتها .فضال عن البحث في
األنشطة العقلية والذهنية ،وتحديد المسار الذي تتخذه هذه األنشطة ،وتبيان
مختلف الوظائف التي تؤديها.43
ومن ثم ،يهتم علم النفس المعرفي بالسلوك الذهني ،وليس السلوك الخارجي
الظاهري المرتبط بالحافز واالستجابة كما عند السلوكيين التجريبيين .كما تعتمد
السيكولوجيا المعرفية على المالحظة والتجريب والقولبة الحاسوبية في أثناء
التحليل والدراسة والفهم والتفسير وتشريح الدماي العصبي.
ومن جهة أخرى ،فلقد اهتمت السيكولوجيا المعرفية بالفوارق الفردية في أثناء
رصد مختلف العمليات الذهنية أو العقلية التي يقوم بها اإلنسان .ويعني هذا أن
السيكولوجيا المعرفية تهتم بالعقل والذهن والدماي البشري بفصيه األيمن
واأليسر .كما تدرس أنواع الذكاء الذي يمتلكه اإلنسان ،وتعداد المراحل التي
يمر بها في عالقة الذات مع الموضوع كما عند جان بياجيه ) ، (J.Piagetأو
البحث عن الكفاءة اللغوية عند مستعمل الكالم كما عند نوام
شومسكي( ، )N.Chomskyأو تصنيف الذكاءات المتعددة كما عند هوارد
غاردنر).44)H . Gardner
وأكثر من هذا فقد أصبح العقل مثل حاسوب مركب ،يقوم بعمليات ذهنية
متنوعة ومتعددة .ومن ثم ،أصبح العقل هو مدار الدراسة من خالل التشديد على
مدخالته ،وعملياته ،ومخرجاته .وبهذا ،تتجاوز السيكولوجيا المعرفية المدرسة
- 42راجع :عبد الكريم غريب :علم النفس المعاصر :التيارات والمدارس ،منشورات عالم التربية،
مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،المغرب ،الطبعة األولى سنة 2012م 359 .صفحة.
43
-Patrick Lemaire, Psychologie Cognitive, De Boeck, Bruxelles, 1999.
44
-Voir : H . Gardner : The Mind's New Science : A History of the
cognitive Revolution, New York, Basic books, 1985.
31
السلوكية التجريبية التي كانت تدرس السلوك الخارجي انطالقا من المثير
واالستجابة.
ويالحظ أن علم النفس المعرفي هو علم متعدد االختصاصات ،يتداخل مع
الفلسفة ،والرياضيات ،والبيولوجيا ،وعلم النفس ،وعلم األعصاب ،والتحليل
النفسي ،والفيزيولوجيا ،وعلوم التربية ،واللسانيات ،والطب ،واإلعالميات،
وعلم التواصل ،وعلم المنطق ،والعلوم المعرفية ،45والتكنولوجيا،
واإلبستمولوجيا التكوينية ،والفينومونولوجيا (...46)phénoménologie
ويدرس علم النفس المعرفي عدة مواضيع تنتمي إلى المجال المعرفي والعقلي
والذهني والمنطقي والحسابي.47أي :يدرس العمليات العقلية العليا لإلنسان،
مثل :التفكير ،واإلحساس ،والذاكرة ،واإلدراك ،واللغة ،والتعلم ،والذكاء،
والكفاءة ،والملكات ،واإلبداع ،والتفكير ،واالستدالل ،والمعرفة...وتقوم هذه
العمليات بعدة وظائف بارزة ،والسيما الوظيفة المعرفية .بمعنى أن هذه
العمليات تساعد اإلنسان على اإلحساس بالعالم الخارجي وإدراكه ،وتحويله إلى
مدركات حسية أو تجريدية أو افتراضية وتخزينها في الذاكرة ،والتعبير عنها
باللغة والفكر ،وتحويلها إلى خبرات تعلمية مرتبطة بعمليات البرهنة واالستدالل
واإلبداع من أجل حل الوضعيات -المشكالت.
45
-F.J. Varela : Connaître. Les sciences cognitives, tendances et
perspectives, Editions du Seuil, Paris 1989.
46
-Voir Denis Fisette : La phénoménologie face aux sciences cognitives,
Dossier sur la phénoménologie, magazine littéraire N°403, novembre 2001.
47
-Flavell, J. H. (1979). Metacognition and cognitive monitoring.
American Psychologist, 34, 906-911
32
ثوابتها ومتغيراتها.أي :تدرس سوسيولوجيا التربية أو المدرسة كل الظواهر
المتعلقة بمجال التربية والتعليم والمؤسسة الدراسية في عالقة تامة بالمجتمع.
ويعني هذا أن المدرسة تعكس محيطها االجتماعي بشكل مباشر أو غير مباشر.
ومن ثم ،تركز هذه السوسيولوجيا على دراسة المؤسسة التربوية من الداخل
والخارج ،بدراسة مكوناتها وعناصرها ونسقها الوظيفي الكلي ،برصد مختلف
األنشطة التي تقوم بها المؤسسة التعليمية ،سواء كانت أنشطة مادية أم معنوية.
ثم رصد مختلف العالقات التفاعلية التي تجريها المؤسسة مع المجتمع
الخارجي ،بالتوقف عند ثوابتها ومتغيراتها ،واستجالء خصائصها ووظائفها
وأدوارها المجتمعية ،ومدى مساهمتها في توعية المجتمع ،وتنويره ،وقيادته
تنمويا ،واقتصاديا ،واجتماعيا ،وسياسيا ،وثقافيا ،وحضاريا .عالوة على ذلك،
تتوقف سوسيولوجيا التربية عند مكونات المدرسة وعناصرها الفاعلة
والوظيفية ،كالتوقف -مثال -عند التالميذ ،والمدرسين ،ورجال اإلدارة،
واألعوان والمساعدين ،والمشرفين التربويين ،وجمعيات اآلباء واألمهات،
بالتحليل والدراسة والرصد واستكشاف مهام هؤالء والوظائف المنوطة بهم.
ويعرف أحمد أوزي سوسيولوجيا التربيدة بقولده ":يقدوم علدم االجتمداع التربدوي
بدراسددة أشكككال األنشككطة التربويككة للم سسككات ،كأنشددطة المدرسددين والتالميددذ
واإلداريددين داخددل المؤسسددات المدرسددية .كمددا يقددوم بوصددف طبيعددة العالقككات
واألنشكطة التككي تكتم بيككنهم .كمدا يهددتم علدم االجتمدداع التربدوي بدراسددة العالقددات
التي تتم بين المدرسة وبين مؤسسات أخرى ،كاألسرة ،والمسجد ،والنادي .كما
يهتم بالشروط االقتصادية والطبيعية التي تعيش فيها هذه المؤسسات ،وتؤثر في
شروط وجودها وتعاملها"48.
أما عبد الكريم غريب ،فيعرفها بقوله ":علم يددرس التدثأثيرات االجتماعيدة التدي
تددؤثر فددي المسددتقبل الدراسددي لألفددراد؛ كمددا هددو الشددأن بالنسددبة لتنظدديم المنظومددة
المدرسية ،وميكانيزمات التوجيه ،والمستوى السوسيوثقافي ألسدر المتمدرسدين،
-48أحمد أوزي :المعجم الموسوعي لعلوم التربية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء،
المغرب ،الطبعة األولى سنة 2006م ،ص.167:
33
وتوقعددات المدرسددين واآلبدداء ،وإدمدداج المعددايير والقدديم االجتماعيددة مددن طددرف
التالميذ ،ومخرجات األنظمة التربوية...
يمكن تحديدد موضدوع سوسديولوجيا التربيدة فدي التسداؤل العلمدي حدول نوعيدة
الددروابط القائمددة بددين المؤسسددات التربويددة المختلفددة وبددين بدداقي البنيددات واألطددر
االجتماعية األخرى :ماهي الوظيفة التي تقوم بها تلك المؤسسدات داخدل مجتمدع
مددا؛ ومامدددى مسدداهمتها فددي تنشددئة األفددراد ؟ وإلددى أي حددد تحدددث تعددديالت فددي
الهرمية االجتماعية القائمة (الحركية االجتماعية) ؛ ومامدى تأثيرها في البنيدات
الثقافية وماعالقتها بالبنيات المهنية والثقافية الموجودة؟...إلخ.تلك أهم التساؤالت
التدددي تطمدددح سوسددديولوجيا التربيدددة لإلجابدددة عنهدددا ،مدددع األخدددذ بعدددين االعتبدددار
49
االختالفات القائمة بين المجتمعات المتنوعة".
ويعرف علدي الحدوات علدم االجتمداع التربدوي بقولده " :هدو العلدم الدذي يخدتص
بدراسة اإلنسان حينما يدخل في عالقة مع إنسان آخر فكي إطكار تربكوي يهددف
إلدددى تكدددوين الخبدددرة ،أو المعرفدددة ،أو الثقافدددة ،أو التعلددديم ،أو التددددريب".أي:
العالقات التي تدتم بدين األفدراد فدي اإلطدار التربدوي (التعليمدي التعلمدي) ،سدواء
أكانددت هددذه العالقددات بددين تلميددذ وآخددر ،أو بددين تلميددذ ومعلددم ،ثددم بددين التالميددذ
والمعلمين ككل ،وبين كدل مدن فدي المؤسسدة التربويدة ،والنظدام التربدوي بشدكل
عدام ،وبددين كدل مددن فدي اإلطددار التربدوي والمؤسسددات االجتماعيدة األخددرى فددي
.50
المجتمع الكبير".
وعليدده ،فسوسدديوبوجيا التربيددة هددي التددي تعنددى بدراسددة المدرسددة فددي عالقتهددا
بمحيطهددا المجتمعددي ،ودراسددة مختلددف التفدداعالت االجتماعيددة داخددل المؤسسددة
التربويددة نفسددها ،واالهتمددام بمختلددف األنشددطة واألدوار التددي تقددوم بهددا المدرسددة
التربوية ،مع التركيدز علدى مجموعدة مدن الظدواهر االجتماعيدة التربويدة ،مثدل:
سددلطة المدرسددة ،والنجدداح واإلخفدداق ،واالنتقدداء أو االصددطفاء التربددوي ،ودور
-49عبد الكريم غريب :المنهل التربوي ،الجزء الثاني ،منشورات عالم التربية ،مطبعة النجاح
الجديدة ،الدار البيضاء ،المغرب ،الطبعة األولى 2006م ،ص.864:
- 50علي الحوات :أسس علم االجتماع التربوي ،جامعة الفاتح ،طرابلس ،ليبيا ، ،طبعة 1979م،
ص.84:
34
المدرسددة فددي انتخدداب النخبددة ،والفددوارق االجتماعيددة والطبقيددة داخددل المؤسسددة،
والهددددر المدرسدددي ،وديناميكيدددة الجماعدددات ،ومشدددروع المؤسسدددة ،والشدددراكة
التربوية ،والتوجيه التربوي ،والمسالك المهنية ،وديمقراطية التعلديم ،وتفداعالت
المدرسة الداخلية والخارجية ،وقضية الالمساواة الطبقية ،والمدرسة واإلعدالم،
أو موقددف المدرسددة مددن التحددديات اإلعالميددة للتلفزيددون واألنترنيددت ،والتفاعددل
التربددوي داخددل المؤسسددة أو الفصددل الدراسددي ،وطبيعددة العالقددة بددين المدرسددة
واألسرة ،وقضية االنتماء االجتماعي ،والتحصيل الدراسي ،والنجاح المدرسي.
ويددرى محمددد الشددرقاوي أن سوسدديولوجيا التربيددة تعنددى بدراسددة أنظمددة التعلدديم،
ودراسددة الظددواهر المدرسددية ،مددع دراسددة مختلددف العالقددات التددي تكددون بددين
المدرسددة ومخلددف المؤسسددات األخددرى ،مثددل :األسددرة ،والسياسددة ،واالقتصدداد.
أي ":دراسددة اآلليددات المدرسددية كالمدددخالت و العمليددات والمخرجددات .وتتمثددل
المدخالت في التالميذ والمدرسين واإلدارة.ويتميز تالميذ المدرسة ،على أساس
أنهم ساكنة المدرسة ،بخصائص فيزيولوجية ،ونفسية ،واجتماعية ،عدالوة علدى
السددمات التاليددة :السددن ،والجددنس ،والمسددتوى الثقددافي ،واألصددل االجتماعي.أمددا
المدرسددون واإلداريدددون ،فيتميدددزون بددالمتغيرات المهنيدددة والحرفيدددة والسياسدددية
والنقابيددة ،مثددل :مسددتوى التكددوين ،وطريقددة التوظيددف ،والوضددعية داخددل البنيددة
المجتمعية ،والتوجهات السياسية والنقابية.
أمددا المخرجددات ،فتتمثددل فددي النتددائج التددي تترتددب عددن توظيددف آليددات التطبيددع
االجتمدداعي واالصددطفاء.أي :توظيددف مختلددف المعددارف والمهددارات مددن أجددل
تحقيق النجاح الدراسدي ،ورصدد مختلدف آثدار الدتعلم فدي أسداليب الحيداة ،أوفدي
السلوك السياسي أو القانون المجتعي النهائي.
وترتكز العمليات على نقل القيم األخالقية والمعارف ،ثم االهتمدام بالبيدداغوجيا،
ثم قواعد التقويم .ويعني هذا أن وظيفة المدرسدة هدي نقدل المعدارف والقديم وفدق
قواعد بيداغوجية وديدكتيكية معينة ،مع االهتمام بأنظمة التقويم.
ويتضح ،مما سبق ،أن مجال علدم االجتمداع المدرسدي هدو رصدد التحدول الدذي
ينتاب الفرد ،وهو ينتقل من كائن بيولوجي غريدزي إلدى كدائن بيولدوجي إنسداني
35
وثقافي .ومن ثم ،فسوسيولوجيا التربيدة لدديها الكثيدر ممدا تقولده .ومدن ثدم ،فعلدم
االجتمدداع التربددوي مجددال واسددع ورحددب ،ومتعدددد المواضدديع والقضددايا ،وأن
المدرسة مجتمدع مصدغر.وبالتالي ،تزخدر بكثيدر مدن الظدواهر والمجتمعيدة التدي
تنقلها من المحيط الذي يحوم بها.51
ولكن ينبغي لسوسيولوجيا التربية أن تتوسع وتتجاوز إطار المدرسة إلى أشدكال
ضددمنية أخددرى مددن الددتعلم ،كددأن تتوقددف عنددد األسددرة والمحدديط وغيرهددا مددن
المواضيع المرتبطة بالتعلم .
ومددن هنددا ،تهددتم سوسدديولوجيا التربيددة بالعالقددات االجتماعيددة داخددل المؤسسددة
التربوية ،ودراسة المؤسسات التي تقوم بوظيفدة التنشدئة التربويدة واالجتماعيدة،
وربط التكوين بوظيفته االجتماعية واإليديولوجية ،والتركيز على وظيفة التنشئة
االجتماعية ووظيفة التمدرس.
وعلى العموم ،تهتم سوسيولوجيا التربيدة بدراسدة األنظمدة التربويدة فدي عالقتهدا
بالمجتمع ،وتبيان دورها في التغيير االجتماعي ،والسيما أن التربيدة تسدعى إلدى
تحويددددددددددددددددددددددل كددددددددددددددددددددددائن غيددددددددددددددددددددددر اجتمدددددددددددددددددددددداعي ليصدددددددددددددددددددددددبح
اجتماعيددددددا.52http://almothaqaf.com/index.php/qadaya2009/67086.html - _ftn1ومددددددن ثددددددم،
فسوسدديولوجيا التربيددة مفهددوم عددام يدددرس مختلددف األنشددطة اإلنسددانية ،وخاصددة
التربوية منها .وإذا كانت سوسيولوجيا التربية تدرس الظدواهر المدرسدية ،فلهدا
أيضا عالقة وثيقة باألسرة والسياسة واالقتصاد.ويعني هذا أنها تدرس ما يتعلق
بالتربية بالتركيز على ثالثة عناصر رئيسة هي :مدداخل التربيدة (المتمدرسدون،
و رجال التعليم ،و أطر اإلدارة ،واآلبداء ،والمقدررون ،والمفتشدون ،)...وآلياتهدا
البيداغوجيددددة والديدكتيكيددددة والسوسدددديولوجية ،ومخارجهددددا(التقويم ،واالنتقدددداء،
واالصطفاء.)...
وهناك تعريف آخر لهذا الحقل المعرفي مفاده أن علم االجتمداع التربدوي يقدوم"
بدراسددة أشددكال األنشددطة التربويددة للمؤسسددات ،كأنشددطة المدرسددين والتالميددذ
51
- Mohamed Cherkaoui:Sociologie de l'éducation, Que sais-je, PUF, 5
edition 1999, pp: 3-5.
52
-Mohamed Cherkaoui : Sociologie de l’éducation, PUF, Paris, France, 1
édition 1986, p : .3
36
واإلداريدددين داخدددل المؤسسدددات المدرسدددية.كما يقدددوم بوصدددف طبيعدددة العالقدددات
واألنشطة التي تتم بينهم.كما يهتم علم االجتماع التربوي بدراسدة العالقدات التدي
تتم بين المدرسة وبين مؤسسات أخرى ،كاألسدرة ،والمسدجد ،والنادي.كمدا يهدتم
بالشددروط االقتصددادية والطبيعيددة التددي تعدديش فيهددا هددذه المؤسسددات ،وتددؤثر فددي
شروط وجودها وتعاملها"53.
وهندداك مددن يعددرف سوسدديولوجيا التربيددة بأنهددا بمثابددة علددم" يدددرس التددأثيرات
االجتماعيددة التددي تددؤثر فددي المسددتقبل الدراسددي لألفددراد؛ كمددا هددو الشددأن بالنسددبة
لتنظدديم المنظومددة المدرسددية ،وميكانيزمددات التوجيدده ،والمسددتوى السوسدديوثقافي
ألسدددر المتمدرسدددين ،وتوقعدددات المدرسدددين واآلبددداء ،وإدمددداج المعدددايير والقددديم
االجتماعية من قبل التالميذ ،ومخرجات األنظمة التربوية"54.
وبندداء علددى مددا سددبق ،يقصددد بسوسدديولوجيا التربيددة ذلددك الحقددل المعرفددي الددذي
يسدددتعين بعلدددم االجتمددداع فدددي دراسدددة القضدددايا التربويدددة ،فدددي عالقدددة بمختلدددف
المؤسسدددات المجتمعيدددة األخدددرى ،علدددى أسددداس أن المؤسسدددة التعليميدددة مجتمدددع
مصغر يعكس ،في جوهره ،مختلف التناقضات الجدلية التي يتضدمنها المجتمدع
األكبر .وأهم مدا تعندى بده سوسديولوجيا التربيدة دراسدة المؤسسدة التعليميدة ،مدع
تحديد دورها في بناء المجتمع ،سواء أكان ذلك عبر التكييف االندماجي أم عبدر
عمليات التغيير .أضف إلى ذلك أنها تهتم بفهم المدرسة باعتبارها بنية ،وداللدة،
ومقصدية.أي :ترصدد دورهدا فدي التغييدر االجتمداعي .كمدا تهدتم بتبيدان مختلدف
وظائفها وأدوارها ،واستكشاف عالقدة المدرسدة باألسدرة والسياسدة واالقتصداد،
ووصددف مختلددف الصددراعات الطبقيددة واالجتماعيددة التددي تعددج بهددا المؤسسددة
التعليميددة ،والتركيددز علددى أهددم الفدداعلين فددي تحريددك هددذه المؤسسددة التربويددة ،و
تفسير دور المدرسدة فدي المجتمدع الليبرالدي ،مدن حيدث تحقيقهدا لفدرص النجداح
والفشل ،وعالقة ذلك باألصول الطبقية واالجتماعية.
وهكذا ،فلقدد اسدتفادت الديددكتيك كثيدرا مدن المقاربدة السوسديولوجية فدي دراسدة
الفشل الدراسي ،وافتحاص المنظومة التربوية في مختلدف مسدتوياتها وأبعادهدا،
بعددد أن ارتبطددت لمدددة طويلددة بالمقاربددة السدديكولوجية التددي كانددت تعنددى بدراسددة
الظواهر الفردية ،كالنمو ،والذكاء ،والذاكرة ،والتعلم...
38
وعليه ،تنطلق اللسانيات التطبيقية من التقابل بين اللغة األم واللغة الهدف .أي:
اللغة األجنبية .وترى أنه كلما كان التشابه بينهما كبيرا كلما كانت التداخالت
واألخطاء ضعيفة والعكس صحيح..
39
ويعرف عالم اإلحصاء اإلنجليزي فيشرا Fisherعلم اإلحصاء بأنه فر ،من
فرو ،الرياضيات التطبيقية ،ويمكن الن ر إليه على أنه تطبيق للرياضيات
على البيانات المشاهدة .وير البعض أيضا أن علم اإلحصاء هو ن رية
معلومات تعتمد فيها الرياضيات بشكل أساسي .وير البعض ااخر أن علم
اإلحصاء يخته بالطرائق العلمية بجمع البيانات وتن يمها وتلخيصها
وعرضها وتحليلها ،وكذلك استخاله نتائ صحيحة مع صنع قرارات منطقية
على أساس هذا التحليل.
وهو أيضا بمثابة مجموعة من الن ريات والطرائق العلمية التي تبحث في
جمع البيانات وعرضها وتحليلها ،واستخدام النتائ في التنب أو التقرير واتخاذ
القرار .كما أنه طريقة كمية تستعمل العدد وسيلة للتعبير عن لغة الكالم .55
وعليه ،فعلم اإلحصاء هو عبارة عن مجموعة الن ريات والطرق العلمية
التي تبحث في جمع البيانات وعرضها وتحليلها واستخدام النتائ في التنب أو
56
التقرير واتخاذ القرار.
وبناء على ما سبق ،يمكن القول :إن علم اإلحصاء هو ذلك العلم الذي يمد
الباحث بمجموعة من األساليب والطرائق واألدوات اإلحصائية لدراسة اهرة
ما وصفا واستنتاجا ،بجمع المعطيات وتن يمها وتبويبها وتحليلها وتلخيصها ،و
إصدار قرارات تقويمية فيما يخه فرضية الدراسة تثبيتا وتفنيدا .ومن ثم،
تندر عمليات الجمع والتن يم والتبويب والتحليل ضمن اإلحصاء الوصفي.
في حين ،تندر عمليتا االستنتا وإصدار األحكام ضمن اإلحصاء االستنتاجي
أو االستداللي.
ال أحد ينكر أهمية اإلحصاء في الحياة اإلنسانية بصفة عامة ،وفي البحث
العلمي بصفة خاصة ،فال يخلو أي بحث علمي أو تربوي من أساليب المنه
- 55نقال عن عبد العالي حمدولي( :اإلحصائيات التطبيقية في البحث التربوي) ،مجلة اهتمامات
تربوية ،المغرب ،العدد الثامن ،األكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة تادال -أزيالل2012 ،م،
ص.177-176:
- 56أحمد عبد السميع طبيه :مبادئ اإلحصاء ،دار البداية ،عمان ،األردن ،الطبعة األولى سنة
2008م ،ص.13:
40
اإلحصائي وأدواته ،بل نجده حتى في الدراسات األدبية والنقدية ،والسيما
الدراسات النقدية البنيوية والسيميائية التي تستعين بالجداول اإلحصائية
واألرقام الحسابية في دراسة ال واهر النصية .ومن هنا ،ال يمكن االستغناء
عن اإلحصاء ،بأي حال من األحوال ،في البحوث العلمية مهما كانت طبيعة
هذه البحوث رجبة في تحصيل نو ،من الدقة العلمية والمشروعية األكاديمية
الرصينة.
وقد أصبة علم اإلحصاء أداة ناجعة ووسيلة مفيدة في شتى العلوم ،ويستعمل
بكثرة في إدارة مرافق الدولة تخطيطا ،وتدبيرا ،وتقويما .فال يمكن الحديث -
إذا -عن إدارة الجودة ،أو مقاولة ناجحة ،إال إذا كانت تعتمد اإلحصاء منهجا
في جمع البيانات ومعالجتها تفسيرا ،واستنتاجا ،وتنب ا .ويعني هذا أن علم
اإلحصاء أصبة وسيلة وليس جاية.أي :إنه أداة إجرائية لتحقيق نو ،من
العقالنية والمصداقية العلمية بغية التحكم في األشياء وزمام األمور.
عالوة على ذلك ،يقوم اإلحصاء بدور مهم في تلخيه البيانات ومعالجتها،
واستخاله النافع منها ،مع االستعانة بالمبيانات لتوضية ال واهر المدروسة
بشكل كمي وكيفي بغية معالجتها حسابيا وهندسيا .والغرض من هذا كله هو
الوصول إلى نتائ علمية دقيقة ،يمكن الحكم على صحتها في ضوء جداول
إحصائية وضعت خصيصا لذلك .ومن هنا ،يساعدنا علم اإلحصاء على التعليل
والتفسير واالستنتا والتنب ،ويسعفنا كذلك في اتخاذ القرارات الصائبة بشكل
علمي ،بعد التحقق منها علميا وإجرائيا وإحصائيا ،ويمكننا كذلك من امتالك
مختلف آليات الرقابة والتحكم في ال واهر.
و يشكل اإلحصاء في صورته الحديثة إحد الدعامات المنهجية الرئيسية
التي تقوم عليها البحوث التربوية العلمية .وليس اإلحصاء في الحقيقة سو
مجموعة من اإلجراءات الرياضية لضبط مختلف العالقات والمتعلقات
المرتبطة بال اهرة المدروسة وتقديرها ضبطا وتقديرا كميين ،بواسطة األعداد
والعمليات الحسابية المنطقية التي تسمة بها انطالقا من بعض المسلمات
والقواعد الرياضية .والرياضيات ما هي إال لغة رفيعة من المنطق الرمزي،
41
على حد تعبير برتراند راسل :أي :إن اإلحصاء ماهو إال ممارسة علم
الرياضيات ،بمختلف مضامينه الكمية على ال واهر أو الحوادث أو الصفات
أو السلوكيات التربوية المدروسة.
ويساعد اإلحصاء على تلخيه المالح ات والبيانات المبعثرة وتبويبها،
وتحويلها من صورتها األولية الخامة إلى بيانات مرصودة رصدا رياضيا
مركزا ،الشيء الذي يجعلها قابلة للوصف اإلحصائي الشامل ،ولالستنتا
المنطقي الذي يهدف إلى فهم العوامل األساسية التي ت ثر في ال اهرة ،وإلى
الكشف االستقرائي للقوانين العامة التي تفسرها تفسيرا واقعيا صحيحا ،وإلى
إجراء تنب ات علمية حول ذلك .واإلحصاء ،على هذا األساس ،يساعد الباحث
على تقوية وسائل بحثه ،وعلى تحقيق الثقة والصدق والموضوعية فيما
يتوصل إليه من نتائ وحقائق ضمن معايير يمكن اعتمادها للتحقق من فروض
57
البحث.
ول حصاء ،بنوعيه الوصفي واالستنتاجي ،أهمية كبر في دراسة ال واهر
التربوية والديدكتيكية لمعرفة األسباب والم اهر والنتائ والحلول الممكنة.أي:
يساعدنا على وصف ال واهر التربوية والديدكتيكية المرصودة علميا بغية
اتخاذ القرارات الحاسمة في المعالجة والتحكم والمراقبة .و على الرجم مما
يوحي به علم اإلحصاء من صعوبات تطبيقية في المجال التربوي ،إال أنه
يعتبر من الوسائل الفنية والعلمية األكثر سهولة ودقة واألكثر نفعا في المجال
التربوي ،وخاصة في البحوث التطبيقية التي تعتمد على العينات.لذلك ،أصبة
اإلحصاء من العلوم األساسية والضرورية التي يجب أن يلم بها كل مرب
إلجراء البحوث أو لتوجيه الممارسة التربوية توجيها يجعله على معرفة أثر
مختلف العوامل المحركة لسلوك التالميذ ،والقدرة على تحديد هذا األثر تحديدا
كميا له قيمته وداللته العلمية ،مع إمكانية التحكم في تلك العوامل .وعندما
يطبق المربي االختبارات التربوية أو التحصيلية على تالميذه ،فهنه يعتمد ،في
إطار التقويم العلمي ،على خبرته اإلحصائية في تطبيقه لهذه االختيارات،
- 57مصطفى يوسف :مبادئ وأسس اإلحصاء في مناهج البحث التربوي ،بحث مطبوع ،المركز
التربوي الجهوي ،وجدة ،المغرب ،الموسد الدراسي 1988-1987م ،ص.6-5:
42
وتفسير نتائجها ،لتقديم أدق وأصدق نو ،ممكن من األحكام الموضوعية على
مستويات تالميذه ،والدقة والموضوعية هي من مميزات التفكير العلمي .ومن
المعروف اان ،أن التفكير اإلحصائي ،والمنطق اإلحصائي ،واالستدالل
58
اإلحصائي ،كلها سمات فكرية ومنهجية علمية ،من سمات المربي الناجة.
ومن هنا ،ي دي علم اإلحصاء و ائف جمة ،كتلخيه المعلومات ،وتصحية
البيانات ،والمقارنة بين ال واهر والمتغيرات ،وتحديد الخاصية .كما ينبني
اإلحصاء على مجموعة من الخطوات ،مثل :جمع البيانات والمعطيات
والمعلومات ،والتن يم والتبويب ،والتمثيل ،والتحليل ،والتفسير ،واستخاله
النتائ .ومن جهة أخر ،ينبني اإلحصاء على مجموعة من أساليب المعالجة
القياسية التي اليمكن االستغناء عنها ،فقد و فها العلماء لتحصيل النتائ اليقينية
الصادقة ،مثل :سيغموند فرويد ،وجان بياجيه ،وداروين ،وإميل دوركايم...
المطلب السابع :علم التدبير
يقصد بالتدبير ( ) Management/Gestionمجموعة من التقنيات التي
تستعملها مؤسسة ،أو منظمة ،أو مقاولة ،أو شركة ،لتحقيق أهدافها العامة
والخاصة .وتتمثل هذه التقنيات في التخطيط ،والتنظيم ،والتنسيق ،والقيادة،
والمراقبة .وقد يعني التدبير مجموعة من األشخاص الذين يديرون اإلدارة ،أو
المقاولة ،أو المؤسسة ،أو المنظمة ،سواء أكانوا مديرين ،أم مدبرين ،أم أطرا،
أم مسيرين ،أم موجهين...
وبصفة عامة ،يعني التدبير مجمل التقنيات التي تعتمدها اإلدارة لتنفيذ أعمالها
وتصريفها .وغالبا ،ما يتخذ التدبير طابعا كميا باعتماده على المعايير الكمية
القائمة على اإلحصاء الرياضي والمحاسباتي.
ومن جهة أخرى ،يعني التدبير مجموعة من القواعد التي تتعلق بقيادة المقاولة
االقتصادية وتنظيمها وتسيير دفتها .أي :إن مفهوم التدبير مفهوم اقتصادي
بامتياز ،يرتبط كل االرتباط بتسيير الشركات والمقاوالت .وبالتالي ،فالتدبير
- 59محمد أمزيان :تدبير جودة التعليم ،مطبعة أفريقيا الشرق ،الدار البيضاء ،المغرب ،الطبعة
األولى سنة 2005م ،ص.103:
- 60ابن منظور :لسان العرب ،الجزء الرابع ،دار صبح بيروت ،لبنان ،إديسوفت ،الدار البيضاء،
المغرب ،الطبعة األولى سنة 2006م ،ص.277-273:
44
وهكذا ،فالتدبير هو التخطيط المعقلن ،وترصد العواقب قبل اإلقدام على فعل
شيء ما ،والتفكير في األمور بجدية وعقالنية .وقد ورد التدبير في القرآن
الكريم بمعنى تدبر المعنى فهما وتفسيرا وتأويال ،كما ذهب إلى ذلك ابن كثير
في كتابه ( تفسير القرآن العظيم) .وفي هذا الصدد ،يقول ابن كثير في تفسير
هذه الكلمة " :قد قال تعالى ":أفال يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير هللا
لوجدوا فيه اختالفا كثيرا" ،يقول تعالى آمرا لهم بتدبر القرآن ،وناهيا لهم عن
61
اإلعراض عنه ،وعن تفهم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة"...
وعليه ،فالتدبير في مدلوله اللغوي بمعنى إعمال النظر والفكر ،وتوقع العواقب
قبل اإلقدام عليها حذرا واحترازا واجتنابا.62
أما التدبير من حيث االصطالح ،فهو عبارة عن مجموعة من العمليات
والتقنيات واآلليات والخطط اإلجرائية التي يعتمد عليها المدبر لتنفيذ األنشطة
والتعلمات والمشاريع في إطار زمكاني معين انطالقا من كفايات وأهداف
محددة ،واعتمادا كذلك على مجموعة من الموارد والطرائق والوسائل ،سواء
أكانت مادية أم معنوية.
و تؤدي كلمة التدبير ( ،)Management/Gestionفي المعاجم والقواميس
األجنبية ،المعاني نفسها التي تؤديها في اللغة العربية ،حيث تدل هذه الكلمة
على القيادة والتخطيط والتسيير والتنظيم والقيادة والمراقبة لتحقيق الجودة
والفعالية .
ومن األكيد أن التدبير قد ارتبط باإلنسان قديما ،منذ تواجده في المجتمع
البشري ،فقد كان ينهج ،في حياته العملية ،سلوكا تدبيريا قائما على التخطيط ،
والتنظيم ،والتنسيق ،والقيادة ،والمراقبة ،ولكن بطريقة عفوية الواعية
والشعورية ،تنقصها مجموعة من المبادئ العلمية والتقنين الموضوعي.
- 61ابن كثير :تفسير القرآن العظيم ،الجزء الثاني ،دار طيبة ،طبعة 1999م ،صص.346-345:
- 62خالد الصمدي :مصطلحات تعليمية من التراث اإلسالمي ،منشورات المنظمة اإلسالمية للتربية
والعلوم والثقافة -إيسيسكو ،الطبعة األولى سنة 2008م ،ص.181:
45
ولم يظهر علم التدبير إال في حضن علم االقتصاد ،وقد تبلور في البداية في
شكل تصورات ونظريات وأفكار في القرن التاسع عشر ،مع انبثاق الثورة
الصناعية األولى في أوروبا الغربية ،حينما تطورت الرأسمالية اإلنتاجية بفضل
استخدام اآللة ،وتطبيق نظمها في جميع مرافق الحياة ،فحلت اآللة محل
اإلنسان .و كان الهدف من ذلك هو الرفع من اإلنتاج ،وتدبير الموارد بطريقة
عقالنية وعلمية منظمة بغية فهم النسق االقتصادي إنتاجا ،وتوزيعا ،وتبادال،
واستهالكا .وبالتالي ،فقد ارتبط علم التدبير ،في هذه الفترة ،بنشأة المقاولة ،لكن
النظريات العلمية المتعلقة بهذا العلم لم تتشكل إال في القرن العشرين.
وعليه ،فقد كان علم التدبير يسعى إلى فهم طبيعة العمل بالمصانع والمعامل،
وكيفية التعامل مع التقنيات الجديدة ،وكيفية معالجة طرائق اإلنتاج من أجل
تحقيق مردودية ممكنة وبشكل أفضل.
ومن أهم رواد علم التدبير أدم سميث( )Adam Smithالذي ركز على فكرة
تقسيم العمل في كتابه ( ثروة األمم) ،وشارل بابيج ()Charles Babbage
الذي طرح مجموعة من األفكار التي تتعلق بعلم التدبير ،مثل :رصد تكاليف
اإلنتاج الصناعي ،وكيفية تقديره ،وتبيان المعايير الالزمة الختيار المكان
األفضل لتوطين الصناعة ،و التركيز على أهمية مدة اإلنجاز لكل عملية
صناعية ،مع العمل على كيفية تطوير عمليات اإلنتاج الصناعي.
وهناك أيضا هنري تاون( )Henry Towneالذي نشر مجموعة من األفكار
التدبيرية في مجلة (المعامالت) التي كانت تشرف عليها الجمعية األمريكية
للمهندسين الميكانيكيين .وقد ركز على النظرة الشاملة في تصريف األعمال
االقتصادية ،واإللمام بالمعلومات التقنية في مجال التدبير ،وتحديد أماكن تواجد
المواد األولية ،والتثبت من تغير أسعارها ،والتعرض إلى قضية األجور
والتكاليف وغيرها...
46
الفرع األول :المدرسة الكالسيكية
تبلورت هذه المدرسة في المجال الصناعي مع بداية القرن العشرين ،وكان
هدفها هو رفع كفاءة العمل واإلنتاج .وقد ساهمت هذه المدرسة في طرح
مجموعة من األفكار التي أصبحت من صلب عمل التدبير .وتتفرع هذه
المدرسة إلى ثالثة اتجاهات .فاالتجاه األول يعنى بالتنظيم العلمي للعمل،
بالتركيز على زاوية إنتاجية العمل .ومن أهم ممثليه :رالف تايلور()F.Taylor
،وفرانك وليليان جلبرث) ، (Frank et Liliane Gilberthوهنري جانت
).(Henry Gantt
ويهتم االتجاه الثاني بالتنظيم الشامل إلدارة المقاولة ،وبالطرائق التي تجعلها
أكثر فاعلية.ومن أهم ممثليه :هنري فايول) (Henry Fayolكما في كتابه
(اإلدارة الصناعية الشاملة) الذي صدر سنة 1916م .وقد بنى فايول تدبير
اإلدارة على مجموعة من القواعد ،مثل :التنبؤ(تصور الهدف الذي ينبغي
تحقيقه) ،والتنظيم ،والتسيير أو القيادة ،والتنسيق ،والرقابة .ويعرف فايول ،
في أدبيات علم التدبير ،بالمبادئ األربعة عشرة التي تتمثل في :تقسيم العمل(
احترام التخصص) ،والتوازن بين السلطة والمسؤولية ،وااللتزام بالنظام
(معرفة الواجبات والحدود الفاصلة بين المقررين والمنفذين) ،ووحدة األمر
(مسؤول واحد) ،والمركزية ،والتراتبية اإلدارية ،ورفع األجور والمكافآت
حسب اإلنتاجية والكفاءة العلمية والعملية ،ووحدة الهدف ،وإرساء النظام المالي
واالجتماعي ،ومبدإ المساواة ،ومبدإ االستقرار في العمل ،ومبدإ المبادرة ،ومبدإ
روح الفريق.
في حين ،اهتم االتجاه الثالث بالبيروقراطية اإلدارية ،بالتركيز على السلطة في
مجال اإلدارة واالقتصاد ،وتبيان أشكال تنظيمها .ومن أهم ممثليه :ميشيل
كروزيير( ،)Michel Crozierوماكس فيبر( )Max weberالذي قسم
السلطة إلى أنواع ثالثة :السلطة الكاريزمية التي تعود إلى شخصية المسؤول
اآلسرة التي تجعل اآلخرين يلتزمون بأوامرها اقتناعا وإعجابا .والسلطة
47
التقليدية القائمة على األعراف والتقاليد والوراثة ،والسلطة الوظيفية الرسمية
(البيروقراطية)...
الفرع الثاني :مدرسة العالقات اإلنسانية
إذا كانت المدرسة الكالسيكية مدرسة تقنية آلية ،فإن مدرسة العالقات ذات
طبيعة إنسانية ،تهتم بالعامل من حيث الجوانب النفسية واالجتماعية واإلنسانية ،
وقد تبلورت أفكارها ما بين 1920و1950م مع ألتون مايو).(Alton Mayo
بيد أن هناك أسماء أخرى سابقة مهدت لهذه المدرسة كروبرت أوين( Robert
،)Owenوهيجو مانستر بيرج( ،)Hugo Munster Bergوماري باركر
فولت(.)Mary Parker Follett
الفرع الثالث :المدرسة السلوكية
ترتبط المدرسة السلوكية بالمثير واالستجابة ،ولها عالقة بمدرسة العالقات
اإلنسانية .وتعني هذه النظرية أن تحقيق الفعالية اإلنتاجية ال تكون إال بالتحفيز
المادي والمعنوي ،وإشباع رغبات العمال وحاجياتهم العضوية والنفسية .ومن
ثم ،تركز هذه المدرسة كثيرا على مفهوم التحفيز من خالل ربط العالقة بين
العامل والمعمل .وإذا كانت مدرسة العالقات تركز كثيرا على الحوافز المادية،
فإن المدرسة السلوكية تركز على الحوافز المعنوية.
ومن أهم نظريات هذه المدرسة نظرية أبراهام ماسلو()Abraham Maslow
التي تنبني على مجموعة من الحاجات التي ينبغي تلبيتها وإشباعها ،كالحاجة
الفيزيولوجية ،والحاجة إلى األمن ،والحاجة إلى االنتماء ،والحاجة إلى احترام
الذات ،والحاجة إلى تحقيق الذات.
الفرع الرابع :المدرسة الحديثة
لم يتأسس علم التدبير ،في الحقيقة ،إال مع المدرسة الحديثة في سنوات
الخمسين األخيرة من القرن الماضي .وقد انقسمت هذه المدرسة بدورها إلى
اتجاهات وتيارات مختلفة ،ولكل تيار رواده ومفكروه .ومن أهم هذه االتجاهات
48
اتجاه طرق التدبير الكمية الذي يعتمد على الرياضيات والهندسة واإلحصاء
والمعلوماتية ،واتجاه السلوك التنظيمي الذي يهتم بالعالقات اإلنسانية بين
المديرين وفرق العمال ،واتجاه نظرية النظم .ومن جهة أخرى ،هناك اتجاهات
حديثة في مجال التدبير ،مثل :أهمية عمل الفرق ،وأهلية األطر ،وثورة معايير
الجودة.
ولعلم التدبير وظيفة مركزية تتمثل في الوظيفة اإلدارية ،لكن تتفرع عنها
مجموعة من الوظائف الفرعية التي يمكن حصرها في:
الوظيفة التقنية القائمة على التصنيع والتحويل واإلنتاج؛
الوظيفة التجارية القائمة على الشراء والبيع والتبادل؛
الوظيفة المالية التي تتمثل في التوظيف األمثل للموارد المالية؛ الوظيفة
األمنية التي تكمن في حفظ األموال واألشخاص؛
الوظيفة الحسابية التي تعنى بحساب المداخيل والمصاريف بطريقة
إحصائية.
ومن ناحية أخرى ،يرى هنري فايول أن للتدبير أربع وظائف أساسية هي:
التخطيط( التنبؤ) ،والتنظيم ،والقيادة أو اإلدارة ،والمراقبة على النحو التالي:
الفرع األول :التخطيط
يعرف التخطيط بأنه بمثابة مسار من خالله يحدد المدبر مجموعة من األهداف
لتحقيقها إجرائيا ،مع اختيار إستراتيجيات العمل المناسبة لتبليغ هذه األهداف.
أي :يهدف التخطيط إلى رسم الخطة العامة التي توصل المدبر أو المؤسسة إلى
تحقيق مجموعة من األهداف ،في ضوء اإلمكانيات البشرية و المادية والمالية
والظروف السياقية.
وينبني التخطيط على مجموعة من األبعاد ،مثل :البعد الزمني (متى) ،والبعد
الغرضي( تحقيق األهداف) ،والبعد الشخوصي(من) ،والبعد الكيفي (الطريقة
والوسيلة) ،والعراقيل الممكنة (العوائق).
49
الفرع الثاني :التنظيم
الوظيفة الثانية للتدبير هي التنظيم .بمعنى تقسيم المنفذين إلى فرق عمل،
والتنسيق بين أنشطتها .بمعنى أن هذه الوظيفة تسعى إلى مساعدة األفراد
والجماعات لتحقيق أهدافها المشتركة .وال تتحقق هذه الوظيفة إال بتوفير
الموارد البشرية والمادية والمالية والتقنية والوسائل الممكنة والنماذج المناسبة،
ورصد مختلف التفاعالت الموجودة بين األفراد والجماعات...
الفرع الثالث :القيــــادة
يسعى المدبر إلى إدارة الموظفين الذين يقومون بمهمة تنفيذ األعمال
وتصريفها ،والعمل على تطويرها ،والرفع من وتيرة سرعتها بطريقة إيجابية.
ومن ثم ،تقوم وظيفتا التواصل والتحفيز بأدوار هامة على مستوى التدبير
والقيادة واإلدارة واإلشراف والتوجيه .والهدف من ذلك كله هو تسهيل العمل،
والرفع من وتيرة اإلنتاج ،وتخفيض تكلفته ،وتحفيز العاملين من أجل تحقيق
األهداف المرسومة .ومن هنا ،تتوفر في القائد المدبر مجموعة من الشروط:
روح المبادرة واإلبداعية ،وقوة التأثير ،وكفاءة التنبؤ ،والمرونة ،والصبر،
والعمل باألهداف ،والتركيز على العمل بدقة.
الفرع الرابع :المراقبة
تسعى المراقبة إلى اختبار الخطط المرسومة من خالل نتائجها المتحققة في
عالقتها باألهداف المسطرة .بمعنى أن المراقبة هي معالجة نقدية ،وسيرورة
للبحث عن جودة المالءمة بين العمل وأهداف المؤسسة .ويعني هذا كله أن
مهمة المراقبة مبنية على قياس التقدم المتحقق ،عبر خطط ومستويات ،لتبليغ
هدف معين ،مع تبيان درجة االنحراف الحاصلة عن الوضعية الحالية
والوضعية المرغوب في تحقيقها .فضال عن رصد األسباب والمعالجات
الضرورية.
50
وعلى العموم ،يرى هنري مينتزبيرج ( )Henry Mintzbergأن للتدبير
أدوارا أساسية ثالثة :دورا عالئقيا ،ودورا إعالميا ،ودورا تقريريا يتمثل في
أخذ القرار الصحيح والصائب والحسم في ذلك.
52
الفصل الثاني:
53
ما أحوج الحقل التربوي العربي بصفة عامة ،والمغربي بصفة خاصة ،63إلى
مقاربات ودراسات مصطلحية من أجل دراسة المصطلحات والمفاهيم التي
تنتمي إلى المجال البيداغوجي والديدكتيكي بغية االستفادة من تعاريفها المختلفة
اللغوية واالصطالحية والتقنية ،واستثمارها في إنجاز البحوث التربوية
المختلفة ،سواء أكانت نظرية أم تطبيقية !
ومن جهة أخرى ،تستلزم المقاربة المصطلحية ،في مجال التربية والتعليم،
استكشاف المصطلحات التي لها عالقة بالتربية العامة والخاصة ،أو بعلم النفس
التربوي ،أو بعلم االجتماع التربوي ،وفق منهجية علمية دقيقة ،تعتمد على تتبع
المصطلح سانكرونيا (تزمينا) أو دياكرونيا (تاريخيا) ،باستعراض مختلف
النصوص واللوائح والوثائق والروايات والشواهد التي يرد فيها المصطلح
المقصود بالتحليل والدراسة بغية فهم المصطلح لغة واصطالحا ،وتتبع مشتقاته
داخل النص وخارجه من أجل تكوين معاجم المصطلحات ،كما يفعل الدارسون
الغربيون الذين وفروا مجموعة من القواميس والمعاجم التي تنصب على
مصطلحات بعينها في ميدان أو مجال معين.
ومن هنا ،سنتوقف عند ستة مصطلحات تربوية أساسية هي:
المنهاج( ،)Curriculumوالبرنامج(،)Programmeوالمقرر(،)Cursus
-63ثمة دراسات مصطلحية مغربية منها :المعجم الموسوعي لعلوم التربية ألحمد أوزي ،مطبعة
النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،المغرب ،الطبعة األولى سنة 2006م؛ والمنهل التربوي لعبد الكريم
غريب ،منشورات عالم التربية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،المغرب ،الطبعة األولى
سنة 2006م؛ والمعجم في أعالم التربية والعلوم اإلنسانية،منشورات عالم التربية ،مطبعة النجاح
الجديدة ،الدار البيضاء ،المغرب ،الطبعة األولى سنة 2007م؛ ومصطلحات تعليمية من التراث
اإلسالمي لخالد الصمدي ،منشورات المنظمة اإلسالمية للتربية والعلوم والثقافة – إيسيسكو ،الطبعة
األولى سنة 2008م؛ والمعجم الموسوعي الجديد لعلوم التربية ألحمد أوزي مطبعة النجاح
الجديدة ،الدار البيضاء ،المغرب ،الطبعة األولى سنة 2015م؛ ومعجم األلفاظ والمصطلحات
التربوية في التراث العربي لمهداد الزبير ،مركز عبد العزيز بن عبد العزيز الدولي لخدمة اللغة
العربية الطبعة األولى سنة 2016م.
54
والوحدة(،)Unit ، ) Le livre والكتاب المدرسي(scolaire
والمجزوءة(.)Module
ويقصد بالمنهاج ،في مجال التربية والتعليم ،ذلك المخطط العام الذي يعبر عن
فلسفة الدولة في التعليم والتربية ،وهو عبارة عن فلسفة سياسية وغايات عامة،
- 64ابن منظور :لسان العرب ،حرف النون ،مادة نهج ،الجزء الرابع عشر ،دار صادر ،بيروت،
لبنان ،الطبعة األولى 2003م.
55
تهدف إلى تكوين مواطن صالح متعلم وقادر على مواجهة الوضعيات الصعبة
والمعقدة في حياته الدراسية والواقعية .بمعنى أن المنهاج المدرسي هو بمثابة
فلسفة الدولة في ميدان التربية والتعليم .وتتأثر هذه الفلسفة بالظروف المحلية
والدولية على الصعيد السياسي ،واالجتماعي ،واالقتصادي ،والثقافي،
والديني...
وعليه ،فالمنهاج هو خطة العمل في المجال التربوي والتعليمي ،ويشمل أنواع
الخبرات والدراسات والتجارب والمهارات والمواقف التي توصلها المدرسة
إلى التالميذ والمتعلمين .بمعنى أن المنهاج هو تصور مستقبلي استشرافي في
مجال التربية والتعليم هدفه هو تنظيم المدرسة من جهة ،وتوجيه العملية
التعليمية-التعليمية من جهة أخرى ،أو هو بمثابة نوع من التخطيط والتشريع
والقوانين التي تنظم التربية بصفة عامة ،والعملية الديدكتيكية بصفة خاصة.
ومن هنا ،يستند المنهاج إلى مجموعة من الغايات الكبرى واألهداف العامة ،أو
مجموعة من التوجهات والمرامي واألغراض البعيدة التي تريدها الدولة من
التربية .بتعبير آخر ،الغايات هي فلسفة الدولة في مجال التربية والتعليم،
وتتجسد في المنهاج ،كأن نقول " :أن يكون المتعلم مواطنا صالحا" .ومن ثم،
فالمنهاج عبارة عن الغايات والمرامي الفلسفية والطموحات المستقبلية البعيدة
التي تتسم بالغموض والتجريد والعمومية .ويعرف محمد الدريج غايات المنهاج
بقوله ":إن الغايات هي غايات ألهداف تعبر عن فلسفة المجتمع ،وتعكس
تصوراته للوجود والحياة ،أو تعكس النسق القيمي السائد لدى جماعة معينة
وثقافية معينة ،مثل قولنا ":على التربية أن تنمي لدى األفراد الروح
الديمقراطية" ،أو "على المدرسة أن تكون مواطنين مسؤولين" ،أو " على
المدرسة أن تمحو الفوارق االجتماعية..."...إلخ .فهذه أهداف عامة تتموضع
على المستوى السياسي والفلسفي العام ،وتسعى إلى تطبيع الناشئة بما تراه
مناسبا للحفاظ على قيم المجتمع ومقوماته الثقافية والحضارية"65.
- 65محمد الدريج :تحليل العملية التعليمية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،المغرب،
الطبعة األولى سنة 1983م ،ص.36:
56
ويهدف منهاج التعليم االبتدائي إلى تكوين متعلم صالح قادر على حل
الوضعيات والمشاكل التي تجابهه في الحياة ،بعد أن يكون قد اكتسب مجموعة
من القدرات والمهارات والمواقف التي تؤهله للتكيف مع الواقع وتغييره
بصورة أفضل ،والحفاظ على قيم المجتمع وثوابته وعاداته وأعرافه وقوانينه.
إذاً " ،ينبغي أن يعمل المنهاج على تحقيق أهداف نوع معين من التعليم ،ما
دمنا بصدد الحديث عن المدرسة االبتدائية ،فيجب أن تعمل المناهج على تحقيق
أهداف هذه المدرسة .وتعتبر المدرسة االبتدائية مرحلة قائمة بذاتها .بمعنى أنها
ليست إعدادا للمرحلة الثانوية ،ولكنها الحد األدنى من التعليم الذي يجب أن
يحصل عليه كل مواطن حتى يستحق صفة المواطنة ،فمنهاج المدرسة
االبتدائية على هذا األساس يجب أن يعمل على تكوين المواطن الصالح الذي
يعرف حقوقه وواجباته ،ويستطيع المحافظة على صحته ،وحل مشاكله بنفسه،
واستغالل وقت فراغه استغالال مفيدا ،وممارسة حقوقه كمواطن ،والشعور
66
بالوالء نحو الدولة ،واحترام القانون"...
ويرتبط المنهاج بالغايات والمرامي الكبرى .ومن هنا ،فالغايات هي أهداف
تربوية كبرى تختلط بالسياسة العامة للدولة.وغالبا ،ما تكون أهدافا عامة
ومجردة وفضفاضة.ومن ثم ،يعكس المنهاج فلسفة الدولة وغاياتها وطموحاتها
والغرض الذي يرمي إليه التعليم ،وما يصبو إليه المجتمع من آمال ومآل.
و"لكل مجتمع فلسفة خاصة و أهداف معينة يعمل على تحقيقها عن طريق
التربية والتعليم ،فالمجتمع اإلسبرطي القديم كان يهدف إلى تكوين الجنود الذين
يستطيعون الدفاع عن إسبرطة ،وتحقيق النصر على أعدائها ،ولهذا اتجهت في
التربية اتجاها عسكريا صرفا .بينما نرى أن مدينة يونانية معاصرة لها وهي
أثينا كانت تقوم مناهجها التعليمية على تكوين المواطن الديموقراطي الحر الذي
يستطيع أن يمارس حقوقه المدنية ،وقد قامت السياسة التعليمية في ألمانيا النازية
على أساس فلسفة عنصرية قوامها تفوق العنصر األلماني ،أما في المغرب،
فيجب أن تعمل مناهج الدراسة على خلق المواطن الديموقراطي الذي يستطيع
- 66أمينة اللوه وآخرون :الموجز في التربية وعلم النفس ،دار الكتب العربية ،الرباط،
المغرب،د.ت ،ص.78:
57
أن يساهم في بناء بالده ،وتسيير شؤونها ،واستغالل ثرواتها بحيث يكون
67
عضوا فعاال في بلد ذات شخصية متميزة "...
ويقصد بالمنهاج ،في مجال التربية والتعليم ،ذلك المخطط العام الذي يعبر عن
فلسفة الدولة في التعليم والتربية ،وهو عبارة عن أهداف وغايات عامة ،تهدف
إلى تكوين مواطن صالح متعلم وقادر على مواجهة الوضعيات الصعبة
والمعقدة في حياته الدراسية والواقعية .بمعنى أن المنهاج المدرسي هو بمثابة
فلسفة الدولة في ميدان التربية والتعليم .ومن ثم ،تتأثر فلسفة المنهاج بالظروف
المحلية والدولية على الصعيد السياسي ،واالجتماعي ،واالقتصادي ،والثقافي،
والديني...
إذا ً ،يعبر المنهاج عن فلسفة الدولة في التعليم والتربية ،وهو عبارة عن أهداف
وغايات عامة ،تهدف إلى تكوين مواطن صالح متعلم وقادر على مواجهة
الوضعيات الحياتية والمهنية والتربوية .بمعنى أن المنهاج المدرسي هو بمثابة
فلسفة الدولة في ميدان التربية والتعليم .ومن ثم ،تتأثر فلسفة المنهاج بالظروف
المحلية والدولية...في حين ،يعد البرنامج أقل عمومية من المنهاج ،وأكثر
تجريدا من المقرر التعليمي .بمعنى أن البرنامج يتضمن محتويات وقيما
وعناوين ومضامين عامة غير مفصلة بشكل إجرائي ،وتستمد خبراتها من
فلسفة المنهاج .وبعد ذلك ،تتحول مضامين هذا البرنامج إلى مقررات دراسية
خاصة بكل مادة معينة ،وتكون هذه المقررات مفصلة ،وأكثر خصوصية
وإجرائية.
ومن المعلوم أن الدولة أو السلطة الحاكمة هي المسؤولة عن السياسة التربوية
وفلسفة التربية والتعليم.ومن ثم ،تكون وظيفة المنهاج هي التخطيط والتشريع
وأخذ القرار .ومن هنا ،يرتبط المنهاج بالغايات البعيدة بخلق مواطن منفتح على
العالم.
59
مستويات األهداف
60
ومن ثم ،يمكن الحديث عن نوعين من المنهاج :المنهاج التقليدي والمنهاج
الحديث على النحو التالي:
المطلب األول :المنهاج التقليدي
ينبني المنهاج التقليدي على فعل التدريس المحض ،وليس بناء التعلمات بطريقة
تكوينية .ناهيك عن االهتمام بالمعرفة الكمية ،و العناية بالمدرس على حساب
المتعلم ،وتغييب اللعب على أساس أنه مضعية للوقت.ومن ثم ،يصبح المتعلم
متلقيا سلبيا ،اليحاور واليبدي خياراته واقتناعاته وأسئلته التي تحيره .ومن ثم،
ينبني المنهاج التقليدي على فلسفة العقاب ،وعدم األخذ بالتصميم والتخطيط
وفلسفة التدبير ،وعدم االستهداء بعلم النفس وعلم االجتماع ،وعدم ربط التعليم
بالحياة واألنشطة والحرية .وكان الهدف الرئيس من هذا التدريس هو شحن
عقول المتعلمين بالمعرفة واستظهارها وحفظها ،وتقويم المتعلمين في مدى
تمكنهم من تلك المعارف الموسوعية.
إذاً ،فالمنهاج التقليدي هو ذلك المنهج الذي يركز على المضامين والمحتويات
والمعلومات .وهو الذي ينطلق من مقاربة المضامين في شكل مقررات دراسية
ضيقة النطاق ،دون احترام خصائص المتعلمين النمائية والبيولوجية
والفيزيولوجية والنفسية واالجتماعية ومتطلبات الحياة العملية واليدوية والمهنية.
ومن هنا ،فالمنهاج ،بمفهومه التقليدي ،حسب حلمي أحمد الوكيل ومحمد أمين
المفتي " ،عبارة عن مجموعة من المعلومات والحقائق والمفاهيم التي تعمل
المدرسة على إكسابها للتالميذ بهدف إعدادهم للحياة وتنمية قدراتهم عن طريق
اإللمام بخبرات اآلخرين واالستفادة منها ،وقد كانت هذه المعلومات والحقائق
والمفاهيم تمثل المعرفة بجوانبها المختلفة ،أي :إنها كانت تتضمن معلومات
علمية ورياضية ولغوية وجغرافية وتاريخية وفلسفية ودينية وفنية...إلخ.
وحيث إن هذه المعلومات كانت تقدم في صورة مواد دراسية مختلفة موزعة
على مراحل الدراسة وسنواتها فمعنى ذلك أن المنهاج بمفهومه التقليدي هو
مجموعة المواد الدراسية التي يتولى المتخصصون إعدادها ويقوم التالميذ
61
بدراستها ،ومن هنا أصبحت كلمة منهاج مرادفة لكلمة مقرر دراسي وبمرور
الوقت أصبح استخدام كلمة منهاج أعم وأشمل من استخدام كلمة مقرر حتى
أصبحنا نسمع بمنهاج الجغرافيا ومنهاج التاريخ ومنهاج العلوم...إلخ .وكان
المدرسون أكثر الفئات استخداما لكلمة منهاج بالمعنى الذي أشرنا إليه والدليل
على ذلك أنهم كانوا يكتبون في أول صفحة من دفتر تحضير دروس المادة
"توزيع المنهاج على أشهر وأسابيع العام الدراسي" .والمقصود بالمنهاج هنا
هو المقرر الدراسي للمادة.
وبكل أسف فإن هذا المفهوم التقليدي للمنهاج مازال مستخدما حتى اآلن لدى
عامة الشعب بل ولدى الكثير من القائمين بالعملية التعليمية بالرغم من أن هذا
المفهوم قد تغير تغييرا جوهريا كما سنرى فيما بعد"68.
ومن هنا ،يالحظ أن هناك غموضا في تبيان المصطلحات التالية :المنهاج،
والبرنامج ،والمقرر ،والكتاب المدرسي ،كما يتبين ذلك في كتاب (أسس بناء
المناهج وتنظيماتها) لحلمي أحمد الوكيل ومحمد أمين المفتي وغيرهما من
الباحثين التربويين .فالمنهاج مفهوم أكثر عمومية وتجريدا واتساعا ،فهو
يتضمن فلسفة الدولة في مجال التربية والتعليم ،في شكل غايات ومرامي بعيدة
المدى .في حين ،يتعلق البرنامج بتصميم مستوى دراسي ،أو مادة دراسية
معينة ،كبرنامج مادة العلوم في السلك االبتدائي ،وبرنامج اللغة العربية في
السلك اإلعدادي ،ومادة الفلسفة في السلك الثانوي التأهيلي .كما يتضمن
البرنامج أهداف المادة وأغراضها وكفاياتها ،ومواصفات المتعلم ،والطرائق
البيداغوجية ،وتفصيل البرنامج في شكل وحدات دراسية وعناوين عامة .في
حين ،يتميز المقرر الدراسي بالطابع الحسي التشخيصي في شكل عناوين
مفصلة ومنوعة في إطار وحدات ومحاور دراسية .أما الكتاب المدرسي ،فهو
وسيلة إجرائية يستعين بها المدرس في بناء دروسه .
- 68الوكيل حلمي أحمد ،المفتي محمد أمين ،أسس بناء المناهج وتنظيماتها ،دار المسيرة للنشر
والتوزيع ،عمان ،طبعة 2005م ،ص.6:
62
وهكذا ،يتبين لنا أن هناك من الباحثين والدارسين من يخلط بين المنهاج
والبرنامج والمقرر والكتاب المدرسي ،أو يرادف بين هذه المصطلحات ،أو
يميز بين هذه المفاهيم بشكل واضح ودقيق.
إذا ،يقوم المنهاج التقليدي على النظرة الكمية ،وحشو رؤوس المتعلمين
بمعارف ومعلومات كثيرة ،دون االستهداء بعلم النفس ومبادئه وقوانينه .عالوة
على اإلشادة بسلطة المعلم باعتباره مصدر المعلومة .أما المتعلم ،فهو يتلقى
المعلومات فقط ،دون محاولة بنائها أو تكوينها ذاتيا ،أو المشاركة في مناقشة
المدرس والحوار معه عموديا ،أو الحوار مع زمالئه أفقيا.
ومن ثم ،فالمنهاج التقليدي سلبي من بعض الجوانب ،فهو يعنى أكثر بالحفظ
والتكرار واالجترار فقط ،وال يعنى بنمو الطفل من النواحي الذهنية والعقلية
والوجدانية والحسية الحركية ،وال يعطي أهمية للعب أو مستجدات علم النفس
والسوسيولوجيا ،وال يأخذ بالطرائق الحديثة و المعاصرة في التدريس ،ويهمل
حاجات المتعلم وميوله واتجاهاته ومشاكله الذاتية والموضوعية ،ويغفل عن
63
توجيه سلوكه نحو األفضل .ويركز كثيرا على الكم على حساب الكيف،
واليراعي الفوارق الفردية .كما يعد األخطاء التعلمية عيبا ومهانة وجريرة
التغتفر ،والينظر إليها على أنها طريقة مهمة ومفيدة في التعلم .ويهمل أيضا
تكوين العادات واالتجاهات اإليجابية لدى التالميذ.ناهيك عن تضخم المقررات
الدراسية ،وعدم ترابط المواد .ويهمل كذلك الجانب العملي و األنشطة الصفية
الفردية والجماعية ،واليهتم بالتعلم الذاتي ،وتوجيه المتعلم توجيها صحيحا.
المطلب الثاني :المنهاج الحديث
ينطلق المنهاج الحديث من فلسفة التربية المعاصرة ،وعلم النفس التربوي،
وعلم االجتماع التربوي ،وتمثل الطرائق البيداغوجية المعاصرة ،وتجاوز
طرائق التلقين ،واالرتكان إلى فلسفة األهداف والكفايات ،واالعتماد على
الوسائل الديدكتيكية الكفيلة بتنشيط التعلم الذاتي لدى المتعلم ،وتحقيق أنجع
السبل لتحقيق التواصل الفعال الهادف والبناء والمثمر .عالوة على اعتماد
الطرائق الجديدة في عملية التقويم ،واالنطالق من مبادئ الدوسيمولوجيا
المعاصرة في بناء أسئلة االمتحانات الموضوعية وتقويمها.
ومن هنا ،ترتبط المحتويات والمضامين باألهداف العامة والخاصة ،كما تنطلق
أيضا من بيداغوجيا الكفايات واإلدماج ،بعد أن كانت المدرسة التقليدية تلقن
معارفها للمتعلمين ،دون أن يكون لها منطلق فلسفي أو أهداف معينة ،أو تصدر
عن مقصدية كفائية واعية .ومن ثم ،فالمحتويات -حسب محمد الدريج " -هي
كل الحقائق واألفكار التي تشكل الثقافة السائدة في مجتمع معين وفي حقبة
معينة.إنها مختلف المكتسبات العلمية واألدبية والفلسفية والدينية والتقنية
وغيرها مما تتألف منه الحضارة اإلنسانية ،ومما تزخر به الثقافات الشعبية
المحلية في كل البقاع ،والتي تصنف في النظام الدراسي إلى مواد مثل :اللغة
والحساب والتاريخ والجغرافيا...إلخ .على أن اختيار مادة دون غيرها أو قسطا
منها دون سواه يتم بناء على الغايات واألهداف المتوخاة .في حين ،يبقى تنظيم
64
المحتوى رهينا بمتطلبات العملية التعليمية ذاتها وبأشكال العمل الديدكتيكي .أي:
ما يصطلح على تسميته بطرق التدريس".69
ومن هنا ،تخضع المحتويات والمضامين الدراسية ،ضمن المنهاج التربوي
المعاصر ،لمجموعة من المقاييس ،مثل :مقياس االختيار ،ومقياس التنظيم،
ومقياس التصنيف ،ومقياس الوحدة أو الفروع ،ومقياس التدرج ،ومقياس
التنويع ،ومقياس المدخالت والمخرجات ،ومقياس المستويات ،ومقياس الثقافة،
ومقياس علم النفس العقلي والنمائي ،ومقياس التقويم ،والمقياس المنهجي،
والمقياس الكمي والكيفي ،ومقياس التوزيع ،ومقياس التخطيط ،ومقياس
التدبير...
وإذا كانت المدرسة التقليدية تختار المحتويات على أساس معرفي كمي
ومضموني ،وتعد المعارف هي األساس في العملية التعليمية ،فإن المنهاج
الحديث ينطلق من األهداف والكفايات والمهارات وعلم النفس النمائي في وضع
المحتويات ،وتقديمها للمتعلم.وفي هذا الصدد ،يقول محمد الدريج ":إننا بدأنا
نشاهد في السنوات األخيرة محاوالت الختيار المواد الدراسية ،وتنظيمها بناء
على مقاييس أخرى أكثر انسجاما ،متمشيا مع ما آلت إليه المجتمعات
المعاصرة ،ومع وتيرة التقدم العلمي .من هذه المقاييس مقياس اختيار مادة
التعليم وفق األهداف المرسومة ،وفي انسجام تام مع الغايات المحددة.
ومن مقاييس اختيار المواد وتنظيم محتوياتها وتوزيعها على المستويات ،هناك
االختيار الذي يرتكز على حقائق علم النفس ،وخاصة علم النفس النمائي
ونظريات التعلم وغيرها من الفروع التي تمكن واضع البرامج ومخطط
المقررات من معطيات ثمينة عن شخصية التالميذ وقدراتهم العقلية وميولهم
النفسية ومراحل النمو التي يخضعون لها...وهكذا ،يتم مراعاة الفترة المناسبة
من مراحل نمو الشخصية لتقديم مجموعة من المعارف والمهارات .كما قد يتم
-69محمد الدريج :تحليل العملية التعليمية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،المغرب ،طبعة
1988م ،ص.69:
65
تحديد المواد ومحتوياتها بناء على الثقافة السائدة في المجتمع ،وانطالقا من
70
حاجياته وحاجيات التكوين المهني ومتطلبات التنمية"...
وعليه ،تبنى المقررات والمضامين والمحتويات الدراسية ،في المنهاج التربوي
الحديث والمعاصر ،على أساس علمي موضوعي قائم على مكتسبات علم
النفس العقلي واالرتقائي ،ويبنى كذلك على أساس األهداف والكفايات
اإلدماجية.
المطلب الثالث :المنهاج التربوي بالمغرب
عرف تخطيط المنهاج التربوي المغربي ثالث محطات كبرى ،يمكن حصرها
فيما يلي:
محطة المضامين والمحتويات :يعتمد المنهاج على موضوعات أو تيمات أو
محاور أو وحدات أو مفاهيم معينة ،مثل :الدراسة ،والطفولة ،والهجرة،
والعمل ،والسفر ،ووسائل النقل ،والمدينة ،والبادية....
محطة األهداف التي واكبت فترة الثمانين من القرن العشرين ،فقد قسمت
األهداف التربوية إلى أهداف وغايات عامة ،وأهداف وسطى ،وأهداف إجرائية
خاصة ،في ضوء منظور السيكولوجيا السلوكية( واطسون ،وبافلوف،
وسكينر).
محطة الكفايات التي تبلورت في المغرب في سنوات العقد األول من األلفية
الثالثة لربط التعليم بواقع الشغل والمهننة .وقد انبنت هذه النظرية الجديدة على
مجموعة من التصورات اإلبستمولوجية ،مثل :النظرية المعرفية ،والنظرية
التوليدية التحولية (نوام شومسكي) ،والنظرية البنائية التكوينية (جان بياجي)،
وكل النظريات السياقية التي تربط الذات بالمحيط أو السياق الخارجي .دون أن
ننسى النظريات التربوية القائمة على التعلم الذاتي ،ومراعاة الفوارق الفردية
(البيداغوجيا الالتوجيهية ،والبيداغوجيا المؤسساتية ،وديناميكية الجماعات،
وبيداغوجيا التفريدية ،وبيداغوجيا األخطاء)...
67
ومن جهة أخرى ،يستند منهاج التربية والتعليم بالمغرب ،حسب الكتاب
األبيض ،71إلى محددات ثالثة هي:
الفرع األول :التربية على االختيار
تعني التربية على االختيار أن يكون التلميذ قادرا على المقارنة والمفاضلة
والموازنة بين مجموعة من االختيارات التربوية الممكنة ،مادام يمتلك الموارد
والمهارات والقدرات العقلية الكفائية .ويعني هذا أن تعمل المؤسسة التعليمية
المغربية على تأهيل المتعلم لتكون لديه ملكة االختيار والمفاضلة والمقارنة بين
مجموعة من االقتراحات .أي :يمتلك المتعلم القدرة على الحسم ،وإصدار
القرارات عن وعي وإرادة وتدبر نظري وعملي.
وتستلزم التربية على االختيار أن يكون التلميذ ذا شخصية مستقلة ،يستخدم
حريته بمسؤولية والتزام ،ويوظف عقله بشكل سليم ،ويتصرف بطريقة حرة
واعية ،و يؤمن بالتعلم الذاتي من أجل بناء شخصيته وجوديا ،وقيميا ،وذهنيا ،
ووجدانيا ،وحسيا حركيا .ويميل إلى فلسفة العمل واإلنتاج واإلبداع واالبتكار،
يحب وطنه وأمته ،ويدافع عن هويته ،وينافح عن القيم اإلسالمية ،ويكون
مواطنا صالحا لنفسه ،وأسرته ،ومجتمعه ،وأمته .فضال عن إيمانه الراسخ بقيم
المواطنة ،والتشبث بحقوق اإلنسان.
وعليه ،فثمة اختيارات تربوية عديدة تمس جانب المضامين ،والقيم ،والتواصل،
والتقويم ،والدعم والمعالجة ،والمواد الدراسية ،والمقررات ،والمناهج،
والبرامج ،والوسائل ،والطرائق ،وفلسفات التربية ،واإليقاعات المدرسية من
حيث الزمان والمكان ،والكتب المدرسية ،والمدخالت والمخرجات...
الفرع الثاني :التربية على القيم
يقصد بالقيم مجموعة من األخالق والتمثالت السلوكية والمبادئ الثابتة أو
المتغيرة التي ترتبط بشخصية اإلنسان إيجابا أو سلبا .ومن ثم ،تحدد كينونته
- 71وزارة التربية الوطنية :مراجعة المناهج التربوية الكتاب األبيض ،مشروع منقح ومزيد ،نونبر
2002م.
68
وطبيعته وهويته انطالقا من مجموع تصرفاته األدائية والوجدانية والعملية .
ومن المعلوم أن كلمة القيم من الناحية الصرفية جمع قيمة .ومن ثم ،تحيل كلمة
القيمة على مكانة اإلنسان التي يتبوأها بين الناس ،وشأنه في المجتمع ،كما
ترتبط هذه القيمة حكما وتقييما باألفعال البشرية والتصرفات اإلنسانية بشكل
ذاتي وموضوعي .
وتتخذ القيم أبعادا جمالية ،وسياسية ،واجتماعية ،وثقافية ،ودينية ،وفلسفية.
ويعلم كل منا أن الكتب السماوية قد صورت القيم في كل تجلياتها المتنوعة
والمختلفة ،وحثت اإلنسان على التمثل بالقيم الفضلى ،وااللتزام باألخالق
السامية العليا من أجل الفوز بالجنة ،واالبتعاد عن النار.وفي المقابل ،نهته عن
اإلتيان بالقيم األخالقية المشينة المنافية لمبادئ الكتب السماوية ،والمتعارضة
مع شرائعها الربانية .
ومن جهة أخرى ،فقد خصصت الفلسفة مبحثا للقيم سمته
باألكسيولوجيا( ،)Axiologieإلى جانب مبحث الوجود ،ومبحث المعرفة.
وربطت القيم بالخير ،والحق ،والجمال.وناقشت هذه القيم من خالل طرح
مجموعة من األسئلة حول طبيعتها :هل هي قيم ذاتية أو موضوعية؟ وهل هي
مطلقة أو نسبية؟ وهل هي خالدة أومتغيرة؟
وتتوزع القيم ،في المنهاج التربوي المغربي ،في جميع مستوياته وأسالكه
الدراسية ،في ضوء بيداغوجيا الكفايات والمجزوءات .وتخضع هذه القيم،
بالتالي ،لمنطق الوضعيات -األسئلة التي تتدرج ديدكتيكيا من السهولة إلى
الصعوبة .وتنصب هذه القيم على الجوانب الذهنية ،والوجدانية ،والحسية
الحركية ،والمهارات األدائية .وترتبط هذه القيم الكفائية بكفايات أخرى:
منهجية ،ومعرفية ،وثقافية ،وتواصلية ،وإستراتيجية .
69
أما من الناحية الديدكتيكية ،فتستخلص القيم المدروسة المستهدفة ،بمقاصدها
األخالقية والمعنوية والعملية ،بالتركيز على المعطى النصي ،والمرور
بمجموعة من المراحل التعلمية التي تتمثل في استقراء المعرفة الخلفية،
واللجوء إلى أنشطة االكتساب ،ومالحظة النص ،واالنتقال من الفهم إلى مراقي
معرفية أخرى ،كالتحليل ،والتطبيق ،واإلنتاج ،والتقويم .
وعليه ،تعتمد المناهج التربوية بالمدارس المغربية ،في اقتراح مواضيعها،
على مقاربتين أساسيتين :مقاربة الكفايات ،ومقاربة قيمية سلوكية أخالقية في
ضوء منظور جديد للقيم ،يقوم على ضرورة االنفتاح على العالم الخارجي،
والتفتح على آفاق العولمة وفق سياسة التسامح مع اآلخر والغير المخالف لنا،
واألخذ بمنطق التعايش الحضاري ،وانصهار الجميع في بوتقة حضارية
إنسانية ،والذوبان في قرية كونية واحدة على مستوى المشاركة واإلعالم وبناء
العالم .علما أن المغرب قد أخذ بهذا التوجه التربوي القيمي الجديد ألسباب
سياسية وأمنية وطنية وجهوية ودولية ،بعد تنامي ظاهرة اإلرهاب والتطرف
والغلو ،وانتشار فكرة صراع الحضارات واألديان …
ويالحظ أيضا أن هناك تجديدا في محتويات الكتب المدرسية المغربية التي
اتخذت متونها طابعا قيميا وأخالقيا وسلوكيا ،وتنويعا في المضامين والخبرات
التعلمية المعرفية .والتخرج قيم هذه المناهج التربوية في جوهرها عن قيمة
الخير (التنمية ،والتعدد الثقافي ،والتعايش ،والتسامح ،وحقيقة المواطنة ،وبناء
المجتمع المدني ،واالتصال ،واالنفتاح ،وتبني قيم الحداثة) ،وقيمة الحق(حقوق
70
اإلنسان والديمقراطية ،والهجرة ،والهوية،والمعرفة،والعلم ،)…،وقيمة
الجمال(الفنون الجمالية واألدبية والبصرية)...
و على الرغم من تنوع هذه القيم وتميزها بطابعها المثالي والالمادي ،فإنها تبقى
قيما نظرية مجردة وطوباوية في ثنايا المناهج التربوية المقررة ،بعيدة عن
التمثل الواقعي واألجرأة الميدانية بسبب تأثر المدرسة المغربية بآفات مجتمعها
المتردي على جميع األصعدة والمستويات.
الفرع الثالث :بيداغوجيا الكفايات
بيداغوجيا الكفايات هي مقاربة تربوية وديدكتيكية جديدة ومعاصرة ،تهدف
إلى تسليح المتعلم بمجموعة من الكفايات األساسية لمواجهة الوضعيات الصعبة
والمركبة التي يصادفها المتعلم في واقعه الدراسي أوالشخصي أوالموضوعي.
ومن ثم ،فالكفايات هي بمثابة معارف وموارد ومهارات ومواقف وكفايات
معرفية وتواصلية ومنهجية وثقافية ،يستضمرها المتعلم لحل مجموعة من
المشاكل أو الوضعيات -المشكالت بغية التكيف أو التأقلم مع المحيط ،أو
االستجابة لمتطلبات سوق الشغل ،أو قصد التميز الدراسي والكفائي والحرفي
والمهني .ومن ثم ،فاكتساب الكفايات هو السبيل الحقيقي لتحصيل النجاح .وهو
أيضا أساس االستقاللية الشخصية ،ومدخل ضروري إلى تحمل المسؤولية ،
واالعتماد على الذات في حل جميع المشاكل التي تطرحها الوضعيات أمام
المتعلم في أثناء مجابهته لواقعه الحي .ومن ثم ،تنصب بيداغوجيا الكفايات على
المعطى الكيفي ،وتركز على التعلم السياقي في عالقة جدلية بالكفايات
المستهدفة ،سواء أكانت أساسية أم نوعية.
المطلب الخامس :أنواع المناهج
يمكن الحديث عن أنواع عدة من المناهج الدراسية والتربوية على النحو التالي:
منهاج المواد المنفصلة :يقصد به ذلك المنهاج الذي يقوم على تدريس
المواد التعليمية بطريقة منفصلة ،والعناية بكل مادة دراسية مجزأة على حدة" ،
بتنظيم المعلومات والمهارات المطلوب إمداد التالميذ بها في صورة مواد
71
دراسية مستقلة " تاريخ .جغرافية.لغة.رياضة "...وقد يكون طابع هذا المنهاج
المغاالة في الفصل بين هذه المواد ،وقد يالحظ فيه شيء من الربط بينها.
ومن خواص هذا المنهاج أن كل مادة تعتبر مستقلة استقالال تاما أو نسبيا عن
غيرها من المواد الدراسية ،وأن لكل مادة منهجا معينا ،ووقتا محددا ،وكتابا
خاصا ،وأن لكل مادة -كذلك -أهدافا ووسائل.
ومما يؤخذ على هذا المنهاج أنه يغفل ميول التالميذ؛ ألنهم قد يدرسون أشياء
التميل إليها نفوسهم ،ومن عيوبه أيضا أن فيه تفريقا وتنافرا بين المعلومات في
أذهان التالميذ ،فتصبح هذه المعلومات غير وظيفية ،أي عاجزة عن حل
المشكالت الحيوية ،كما أن المغاالة في األخذ بهذا المنهج قد تدعو إلى إهمال
األحداث الجارية والحياة المعاصرة ،وقد يطغى اهتمام المدرس بالمادة على
حق التلميذ من المشاركة اإليجابية"72.
وعليه ،يدرس هذا المنهاج الخبرات التعليمية في شكل مجزوءات ووحدات
ومواد منفصلة ،على الرغم من انصهارها ضمن الكل.والهدف من ذلك هو
تبسيط المعلومات والمعارف والمحتويات ،وتسهيلها على مستوى األداء
واإلنجاز والتبليغ ،والتمييز بين مختلف المكونات المستقلة.
إذاً ،فمنهاج المواد المنفصلة هو" المنهاج التقليدي المعروف المكون من مواد
دراسية منفصلة موزعة على سنوات الدراسة المختلفة والتاريخ والجغرافيا
والعلوم والحساب والهندسة والرسم واألشغال ،وفي هذا المنهاج ال توجد أية
رابطة بين مادة دراسية وبين باقي المواد ،فالخبرة فيه مفككة والمواد حسب
منطق الكبار والمتخصصين في المواد المختلفة ،و البعد عن سيكولوجية
األطفال ،كما أن المواد المختلفة المستوى التالميذ بل إنها في العادة فوق
مستواهم وذلك يرجع الى نظرية الملكات التي كانت مسيطرة على فلسفة التربية
والتي ترى أن العقل مقسم إلى ملكات ،وأن كل مادة من مواد الدراسة تدرب
إحدى هذه الملكات ،فالشعر يدرب ملكة الخيال ،والحساب يدرب ملكة التفكير
- 72عبد العليم إبراهيم :الموجه الفني لمدرسي اللغة العربية ،دار المعارف ،القاهرة ،مصر،
الطبعة السابعة1973 ،م ،ص.37:
72
الى غير ذلك ،وكلما زادت المواد الدراسية في الصعوبة كليا أدى ذلك إلى
تدريب أقوی وأعمق أثرا لملكات العقل .كما أن هذا النوع من المناهج يعتبر
بعيدا كل البعد عن مواقف الحياة العادية بسبب التقسيم المصطنع مما يؤدي إلى
عدم اهتمام التالميذ به ،والی اتباع طريقة التلقين والتقرير في توصيله إلى
73
أذهانهم".
ويشبه هذا المنهاج ما يسمى بنظرية الفروع التي يقصد بها تدريس اللغة العربية
أو اللغات األجنبية بطريقة فرعية مستقلة .بمعنى أن المدرس يدرس مواد
مختلفة من اللغة العربية -مثال -على أنها فروع مستقلة في منهاجها وبنياتها
الديدكتيكية والبيداغوجية .وفي هذا السياق ،يرى عبد العليم إبراهيم أن المراد
بها في تعليم اللغة" أننا نقسم اللغة فروعا ،لكل فرع منهجه وكتبه وحصصه،
مثل :المطالعة ،والمحفوظات ،والتعبير ،والقواعد ،واإلمالء ،واألدب،
والبالغة.
ولتطبيق هذه النظرية يعالج كل فرع من هذه الفروع على أساس منهجه
74
المرسوم في حصصه المقررة في الجدول الدراسي".
وقد تبنى المغرب هذه الطريقة إبان سنوات السبعين من القرن العشرين في
االبتدائي واإلعدادي والثانوي ،فقد كان هناك كتاب للقواعد ،وكتاب للقراءة،
وكتاب للمحفوظات ،وكتاب للتاريخ ،وكتاب للجغرافيا ،وكتاب للتربية الوطنية،
وكتاب للتربية اإلسالمية .وكانت لكل مادة طريقتها في التدريس ،والتقويم،
والتوجيه...
منهاج المواد المترابطة :يشبه منهاج المواد المنفصلة في المنهاج التقليدي،
ولكن هناك ترابط شكلي طفيف بين بعض المواد دون األخرى ،كدراسة تاريخ
المغرب ،وجغرافيا المغرب ،وأدب المغرب ،دون أن يمتد الترابط إلى باقي
المواد األخرى .ومن ثم ،مازالت فكرة االنفصال باقية ،ولم يحقق الترابط دوره
اإليجابي في توحيد المواد الدراسية كلها.
79عبد اللطيف الفارابي وآخران :البرامج والمناهج ،دار الخطابي للطباعة والنشر ،الطبعة األولى
سنة 1990م ،ص.93:
- 80أمينة اللوه وآخرون :نفسه ،ص.77:
76
والحرية واألنشطة الصفية والموازية التي تتالءم مع ميول المتعلم بصفة
خاصة.
منهاج النشاط القائم على مواقف الحياة االجتماعية :اليكتفي هذا المنهاج
بما هو فردي ،بل ينفتح على ما هو اجتماعي بحل المشاكل التي تواجه المتعلم
في المجتمع .ومن هنا " ،يعالج هذا المنهاج عيوب المنهج السابق .أي :المنهاج
القائم على ميول التالميذ ،فهو بالرغم من عنايته بميول األطفال إال أنه ال يهمل
الجانب االجتماعی ،ففي هذا النوع تختار مشاكل تهم التالميذ ،و لكنها ذات
صفة اجتماعية ،أو ذات قيمة بالنسبة لحل مشاكل المجتمع .أي :إن مشاكل
81
المجتمع هي المحور الذي تدور حوله هذه المناهج" .
ومن ثم ،فهذا المنهاج أكثر انفتاحا من المنهاج السابق الذي يبقى منحصرا فيما
هو ذاتي وفردي وأنوي.
المطلب الخامس :مقاربات بناء المنهاج
يمكن الحديث عن خمس مقاربات تربوية وديدكتيكية أساسية تستند إليها فلسفة
المنهاج التربوي المغربي على مستوى التخطيط والتدبير الديدكتيكي ،ويمكن
حصرها في المقاربات التالية:
المقاربة البيداغوجية المتمركزة حول تبليغ المعرفة:
تهتم هذه المقاربة التي تطبقهدا المدرسدة التقليديدة بتقدديم المعدارف الموسدوعية ،
والتركيددز علددى المدددرس دون المددتعلم ،واالهتمددام بددالكم علددى حسدداب الكيددف،
والعنايدة بددالتعليم دون الدتعلم ،وتقددديس المعرفدة والمدددرس علدى حسدداب المددتعلم.
ومن ثم ،يكون الهدف من هذه المقاربة المضمونية هو تكوين متعلم يحافظ علدى
اآلخرين .ومن هنا ،يتبين لنا أن هدذه المقاربدة عبدارة عدن نسدق تربدوي ذي بعدد
78
التكنولوجي ،ويخلق لنا إنسدان التقنيدة الدذي يعندى بالعقالنيدة واإلنتاجيدة وتحقيدق
المردوية السلوكية.
المقاربة البيداغوجية المتمركزة حول شخصية المتعلم:
تعندددى هدددذه المقاربدددة بدددالمتعلم ،علدددى أسددداس أنددده محدددور العمليدددة التعليميدددة-
التعلميددة.في حددين ،يعددد المدددرس موجهددا ومرشدددا لدديس إال .وبهددذا ،يتميددز هددذا
النسددددق بطابعدددده اإلنسدددداني ،مددددادام يركددددز علددددى شخصددددية المددددتعلم النمائيددددة،
والفيزيولوجيدددددددة ،والبيولوجيدددددددة ،والنفسدددددددية ،والوجدانيدددددددة ،واالجتماعيدددددددة،
والوجودية.أي :تهدف هذه المقاربة إلى خلق إنسان وجودي متميدز ،يعتمدد علدى
نفسه وذاته في بناء التعلمات عبر األنشطة والمشاريع والوضعيات الفردية.
وتعد الالتوجيهية ( )le non-directivismeمن أهم الطرائق التربوية التي
تمثل هذا التوجه ،وقد جاءت رد فعل على التيار اإللزامي و الفوضوي .ومن
أهم ممثليها :الفرنسي جان جاك روسو ،(J.Rousseau)82و الفرنسي أوليفيه
ريبول ،(O.Reboul)83واألمريكي كارل روجرز( .84)C.Rogersوتتأسس
هذه الطريقة على تربية الولد فردا وذاتا عكس البيداغوجيا المؤسساتية
( )Pédagogie Institutionnelleالتي تنصب على تربية الجماعة.
و إذا كانت المذاهب التجريبية تربي الولد من أجل المجتمع ،فإن أنصار الطبيعة
يربون الولد من أجل الولد .ومن ثم ،ينزع االتجاه األول إلى إلزام الولد وإجباره
82
- Frédéric Worms, Rousseau, Émile ou de l'éducation, Livre IV, Paris,
Ellipses, 2001.
83
- O.Reboul : La philosophie de l'éducation (première édition 1971) -
9e éd. - Paris : PUF, 2001 - coll. Que sais-je ? n°2441.
84
- karl Rogers : Liberté pour apprendre, Dunod.1972.
79
تربويا .أما اإلتجاه الثاني ،فيرى أن التنشئة السلطوية إنما هي تشويه لطبيعة
الولد .ومن هنا ،فإخضاعه لقواعد خارج عن طاعته ،و هو اإلنسان الخير
البريء ،إنما هو إعدام لحريته و تقييد لمواهبه .وعليه ،يرفض أوليفيه ريبول
التربية اإلجبارية التي ال تهدف إال إلى امتثالية اجتماعية تسحق الفرد وتقهره
وتخرس لسانه ،وهي أشبه بالتربية الفوضوية التي تحجر الولد في الطفولة.
ومن هنا ،ينادي ريبول بتربية إنسانية تخول له أن يكمل طبيعته في ثقافة
إنسانية.
ومن جهة أخرى ،فلقد استوحى كارل روجرز مبادئ نظريته الالتوجيهية من
روسو و الالتوجيهيين اآلخرين .ومن ثم ،يرفض روجرز ما ذهب إليه فرويد
على أساس أن جوهر اإلنسان ينطوي على غرائز سيئة أو متوحشة بقوله:
"عندما نبلغ أعماق ما في الفرد ،فإن ذلك األعمق هو بالذات ما نجزم جميعا
بأنه سيكون بنائيا ،و سيميل إما إلى المجموعة ،و إما إلى النمو األفضل صلة
بين األشخاص"85.
وعليه ،ترتكز الالتوجيهية عند روجرز على التلميذ ،و تلغي سلطة المدرس ال
منفعته؛ ألن اإلجبار ،باعتباره خطابا معياريا تقريريا ،يخلق أناسا امتثاليين أو
متمردين وغير مبدعين .و بالتالي ،ينبغي على التعليم أن يهتم بالمتعلم بصفة
خاصة ،بتحريره من ضغوط االمتحانات و البرامج ،وبنائه وجدانيا في إطار
دينامية الجماعة .ومن هنا ،فدور األستاذ بمثابة منشط وموجه ومرشد ليس إال.
85
-A regarder Jean-Claude Filloux, « Carl Rogers, le non-directivisme et
les relations humaines », Bulletin de
o
psychologie, t. 16, n 214, 1963, p. 321-325.
80
أي :هو ذلك الحاضر/الغائب الذي ال يتدخل إال في حالة عجز التالميذ التام عن
متابعة النشاط و التفكير الذاتيين ،أو في حالة استعصاء مشكلة ما بإعطاء
توجيهات و إرشادات تساعد المتعلم على حلها اعتمادا على قدراته الذاتية .ومن
هنا ،يكتفي المدرس بتشجيع التالميذ على ممارسة النشاط الفكري ،وتوفير
الشروط الموضوعية والظروف المالئمة و الوسائل المادية والمعنوية داخل
القسم .ويشبه هذا الدور مانجده لدى أنصار التربية المؤسساتية؛ حيث اليعتلي
المدرس عندهم المنصة ،وال يلقي دروسا ،وإنما هو متعاون مثل باقي التالميذ،
إال أنه يمتاز بكونه المتعاون األكثر علما ،واألكثر تجربة ،واألعلم بدينامية
المجموعة ،و األكثر تمثيال للقانون والسلطة المدرسية .فهو يحافظ على مؤسسة
القسم ،ويعمل على توفير الوسائل المادية والمعنوية ،وال يتدخل في المناقشة إال
بطلب من التالميذ.
وتستند الالتوجيهية إلى الحوار األصيل ،أو الحوار الحر ،أو المناقشة الحرة ،
ونعني به ذلك النوع الذي يشترك فيه المدرس مع التالميذ في إطار حوار
متبادل وبناء بوصفه طرفا من أطراف القسم ،فهو يشارك متعلميه مشاركة الند
للند ،وينحصر دوره في إدارة النقاش.
وتتضاءل قيمة المدرس عند روجرز ؛ ألنه يرفض سلطته ،ويرحب بتوجيهه
وإرشاده ومنفعته.أي :إنه مجرد مرشد ومنشط و مستشار تقني للمتعلمين.
ويعني هذا أن التربية ،حسب أوليفيي ريبول ،ال تبدأ إال حين تتوقف السلطة،
وأن اإلجبار التربوي الوحيد هو اإلجبار الذاتي.
81
إذاً ،تنطلق هذه المقاربة من " مبدإ مركزي في النظر إلى الشخصية اإلنسانية،
إذ يعتبرها شخصية متحررة في جوهرها من أية ضغوط خارجية ،قادرة على
تحقيق ذاتها بذاتها ،وعلى التطور والنمو ،وبالتالي قادرة على التعلم الذاتي"86.
وتقوم الالتوجيهية على إيجابية شخصية المتعلم ،وتأكيد طابعها اإلنساني ،وأنها
ليست خاضعة للخوف والقلق .وبالتالي ،فهي قادرة على التعلم الذاتي واإلبداع
واالبتكار والتحرر .ومن ثم ،فالمتعلم ذات متفردة التقبل تدخل اآلخر أو ذات
أخرى مقابلة تعوقها عن النمو والتعلم.
وعلى العموم ،تقوم المقاربة الالتوجيهية على التعلم الذاتي والتسيير الشخصي،
واعتماد المتعلم على نفسه في إنجاز واجباته ،وأداء أعماله ،ويتحول المدرس
– هنا -إلى مشرف مرشد ،وال يتدخل إال إذا طلب منه المتعلم ذلك .وتعتمد
الالتوجيهية على الحرية والعفوية والتلقائية ،وبناء المعرفة عن طريق التدري
المنطقي والشخصي ،واالبتعاد عن طرائق التدريس التلقينية القائمة على
اإلكراه والتلقين والحف .
ومن ثم ،تزر ،هذه الطريقة الالتوجيهية الحديثة الثقة في المتعلم ،وتعوده على
المثابرة الشخصية والتعلم الذاتي وحب المغامرة ،واالستعانة بكفاءاته وقدراته
الذاتية لحل المشاكل والوضعيات ،وتطويع الصعوبات التي تواجهه في
المدرسة والحياة على حد سواء.
المقاربة البيداغوجية المتمركزة حول نشاط الجماعة:
ترتكز هذه المقاربة على دور الجماعة العضوية في بناء التعلمات ضمن فريدق
تربددوي ،أو ضددمن سددياق اجتمدداعي ،أو بمراعدداة مثيددرات البيئددة.ومن ثددم ،يتميددز
- 86عبد اللطيف الفارابي وآخران:البرامج والمناهج ،سلسلة علوم التربية ،دار الخطابي للطباعة
والنشر ،الطبعة األولى يوليوز 1990م ،ص.125:
82
الطابع التعلمي بخاصيته الجماعية .وقد تأثرت هذه المقاربدة بدالفكر الماركسدي،
وعلددددددم الددددددنفس االجتمدددددداعي كمددددددا عنددددددد مورينددددددو( ، )L.Morenoووايددددددت
( ،)P.H.Whiteوكورت لوين ( ،)K.Lewinوالبنائيدة االجتماعيدة ذات البعدد
االجتمدددداعي كمددددا عنددددد فيكوتسددددكي( ،)Vygotskiو ميددددد( ،)Meadوفددددالون
فضددددال عددددن البيددددداغوجيا .)Galé ( ،)Wallonوغددددالي بيددددران (Perin
المؤسسدداتية التددي كددان يتزعمهددا كددل مددن الباسدداد( ، )G.Lapassadeوفاسددكيز
( ،)A.Vasquezولوبرو( ،)M.Lobrotوفرينيه(…)C.freinet
وعليه ،تعد البيداغوجيا المؤسساتية ()Pédagogie Institutionnelle
نموذجا للمقاربة المتمركزة حول نشاط الجماعة .ومفاد هذه المقاربة العضوية
أن جميع المربين ،دون استثناء ،يرفضون تحويل الم سسة التربوية إلى
مؤسسة الثكنة أو فضاء بيروقراطي يكرس التمييز العنصري ،وي ج
الصرا ،الطبقي ،أو يتم إصالحها خارجيا ،بل ينبغي أن يكون اإلصالو
داخليا قائما على مبادئ البيداغوعي المؤسس تية PIDAGOGIE
INSTITUTIONNELLEالتي ن ر لها كل من أوريا ، OURY
ولوبروا ، LOBROTوالپاسادا ... LAPASSADE
وتعد المدرسة الم سساتية اتجاها تربويا حديثا في فرنسا ،وير هذا االتجاه
أن اإلصالو يجب أن يمر عبر الم سسة ،باإلضافة إلى البنيات االقتصادية
واالجتماعية ،ومن ثمة يجب االهتمام بمفهوم اإلدارة الذاتية والتسيير الذاتي
من أجل تحقيق االستقالل الذاتي للمتربين في إطار م سسي مفتوو .87
إذا ،ترفض هذه البيداجوجيا الجديدة المدرسة الثكنة التي تخنق التلميذ بن امها
االنضباطي البيروقراطي الذي يحد من حرية التلميذ ،فتتحول المدرسة إلى
صندوق أسود ،أو إلى ثكنة عسكرية الت من إال بالن ام واالنضباط على
حساب حرية التلميذ ولعبه وأنشطته الثقافية ،والفنية ،والرياضية ،والعلمية.
85
ومن هنا ،ينبني اإلدماج على التعلم الذاتي ،والموارد والمكتسبات ،والوضعيات
اإلدماجية ،والحلول الناجعة ،والتقويم ،والتصحيح ،والمعالجة .ويشكل هذا كله
ما يسمى بالمقاربة اإلدماجية ( .)Approche intégratriceومن ثم ،يمكن
88
الحديث عن تخطيط إدماجي ،وتدبير إدماجي ،وتقويم إدماجي.
89
وقد ارتبطت المقاربة اإلدماجية بالمربي البلجيكي روجيرز كسافيي
( ،)ROEGIERSوبشريكه دوكيتيل ( ،)DE KETELEكما يتجلى ذلك واضحا
في كتابهما (بيداغوجيا اإلدماج) الذي نشر سنة 2000م.
منهاج التدريس على ضوء
المنتوج البيداغوجي للنسق النسق التربوي
المقاربة البيداغوجية
النسق التربوي ذو البعد المقاربة المتمركزة على تبليغ
إنسان المحافظة
المعارفي المعرفة
النسق التربوي ذو البعد المقاربة المتمركزة حول
إنسان التقنية
التكنولوجي تعديل السلوك
النسق التربوي ذو البعد المقاربة المتمركزة حول
اإلنسان الوجودي
اإلنساني الكيان الوجداني
- 88عبد الكريم غريب :بيداغوجيا اإلدماج ،منشورات عالم التربية ،الدار البيضاء ،المغرب،
الطبعة األولى سنة 2011م ،صص.191-187:
89
- ROEGIERS, X.,Avec la collaboration de DE KETELE, J.-M. Une
pédagogie de l'intégration, Bruxelles-Paris : De Boeck Université,2000.
304 pages.
86
الكفايات واإلدماج
وخالصكة القككول ،لقددد تمثدل المنهدداج التربددوي المغربدي خمددس مقاربددات للمنهدداج
الدراسي ،منها المقاربة المضامينية التي تعندى بدالمقررات الموجهدة بالمعرفدة،
والمقاربددة النسددقية التددي تقددوم علددى المخططددات الموجهددة باألهددداف ،والمقاربددة
الالتوجيهية التدي تدؤمن بالمنهداج المبندي علدى مراعداة حاجيدات المدتعلم وميولده
واتجاهاتده ،والمقاربددة البيداغوجيددة المؤسسدداتية القائمددة علددى التسدديير الجمدداعي
والفكدر التعداوني ،والمقاربددة المتمركدزة علدى الكفايددات والوضدعيات اإلدماجيددة
القائمة على النسق المهني من جهة ،وتكوين اإلنسان المحتدرف عمليدا مدن جهدة
أخرى.
- 90ميلود أحبادو ( :مقومات المنهاج التعليمي) ،مجلة التدريس ،الرباط ،المغرب ،العدد السابع،
ص.50 :
- 91عبد اللطيف الفاربي وآخران :البرامج والمناهج ،ص.63:
88
الحرية ،وتعلم الحياة عبر الحياة ،والتركيز على التعلم الذاتي ،واالهتمام باللعب،
وتطبيق الطرائق التربوية الفعالة ،واالسترشاد بعلم النفس وعلم االجتماع،
واالنطالق من األهداف والكفايات األساسية والنوعية.
ومن هنا ،يمكن الحديث عن أنواع عدة من المناهج التربوية ،فهناك منهاج المواد
المنفصلة ،ومنهاج المواد المترابطة ،ومنهاج المواد المتشابهة ،ومنهاج النشاط
الفردي والجماعي ،ومنهاج الميول...
ويستند المنهاج التربوي المغربي إلى ثالثة محددات رئيسة هي :االعتماد على
مبدإ االختيار ،واألخذ بتربية القيم ،وتطبيق بيداغوجيا الكفايات واإلدماج .ومن
جهة أخرى ،ينفتح المنهاج التربوي المغربي على خمس مقاربات متنوعة
كالمقاربة المضمونية ،والمقاربة المتمركزة على تغيير السلوك ،والمقاربة
المتمركزة على شخصية المتعلم ،والمقاربة المتمركزة على األهداف ،والمقاربة
المتمركزة على الكفايات واإلدماج.
89
وتعليماتها من فلسفة المنهاج .وبعد ذلك ،تتحول مضامين هذا البرنامج إلى
مقررات دراسية خاصة بكل مادة معينة ،وتكون هذه المقررات مفصلة ،وأكثر
خصوصية وإجرائية ،ومن وظائف البرنامج البرمجة والتدبير.
ويعرفه أحمد أوزي بقوله ":كلمة برنامج في معناها العام تطلق على التخطيط
المهيإ مسبقا ،والذي تحدد فيه األشغال أو الساعات التي ستنجز فيها مجموعة
من األنشطة.مثل برنامج حفل،أو برنامج سفر سياحي ،أو دراسي ،أو برنامج
حكومي لمجموعة من المشاريع التي تتطلع إلى إنجازها في المستقبل.
أما في مجال التربية والتعليم ،فإن كلمة برنامج غالبا ما تطلق على الوثيقة أو
الوثائق التي تحدد مختلف مراحل التمدرس ،والمواد التي ينبغي تدريسها،
والمعارف المطلوبة في االمتحانات.وفي هذا المعنى يقال برنامج التعليم
اإلعدادي أو الثانوي أو برنامج العلوم في السنة األولى من التعليم
الثانوي...إلخ"92.
وتعرفه اليونيسكو أيضا بقولها":البرنامج هو تحديد للمواد المراد تعليمها،
وتكوين جدول لكل مادة يحدد عدد ساعات تدريسها وقائمة المحتويات التي
ينبغي اكتسابها أي المعارف المفروضة".93
وإذا كان مسيرو التعليم ومقرروه السياسيون هم الذين يخططون المنهاج في
شكل غايات ،وإذا كان المدرسون هم الذين يحددون األهداف اإلجرائية
السلوكية التي تنحصر في تنفيذ المقرر والكتاب المدرسي ،فإن وزارة التربية
الوطنية ولجانها هي التي تسهر على وضع البرامج الدراسية وفق المرامي.94
إذاً ،فالبرنامج الدراسي هو بمثابة نهج أو خطة تعليمية /تعلمية موجهة إلى
متعلم فرد ،أو صف دراسي ،أو مستوى تعليمي معين ،أو مسلك دراسي ،أو
لمؤسسة تعليمية ،أو لعدد من المؤسسات التعليمية .وقد ينفذ هذا البرنامج ضمن
-92أحمد أوزي :المعجم الموسوعي لعلوم التربية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،المغرب،
الطبعة األولى سنة 2006م ،ص.50-49 :
-93نقال عن أحمد أوزي :المعجم الموسوعي لعلوم التربية،ص.50 :
- 94عبد اللطيف الفاربي وآخران :البرامج والمناهج ،دار الخطابي للنشر ،المغرب ،الطبعة األولى
سنة 1990م ،ص.61:
90
يوم دراسي واحد ،أو أسبوع ،أو مرحلة معينة ،أو فترة دراسية ،أو فصل
معين ،أو دورة محددة ،أو سنة كاملة.
المطلب الثاني :محتويات البرنامج
يحوي البرنامج خطة المنهاج الدراسي من حيث األهداف والكفايات ،ويضم
مجموعة من مناهج التدريس ،والمحتويات والمضامين الدراسية ،واألنشطة
التعليمية المراد إنجازها ،وكذا الطرائق البيداغوجية ،والوسائل الديدكتكية،
واإليقاعات الزمنية والمكانية ،وأنظمة التواصل ،ووسائل التقويم والمعالجة
والمراجعة والدعم والتغذية .ومن هنا ،يمكن الحديث عن برنامج اللغة العربية،
وبرنامج التربية اإلسالمية ،وبرنامج العلوم ،وبرنامج الرياضيات ،إلخ...
ويرتبط البرنامج الدراسي ببرمجة النظام التربوي وتدبيره في سلك دراسي
معين ،أو بمادة دراسية معينة ،ضمن نسق إيقاعي زمني ومكاني .ويستند إلى
األهداف العامة من التربية .أي :توجهات التربية والتعليم .ومن هنا ،يتعلق
البرنامج بأهداف قطاع التربية والتعليم في مجال التربية والتكوين والتأطير
والتدريس .فللتعليم االبتدائي أهدافه العامة ،وللتعليم اإلعدادي والثانوي أهدافه
العامة ،وللتعليم الجامعي أهدافه العامة ،وللتكوين المهني كذلك أهدافه ومراميه
وأغراضه .ويعني هذا أن مرامي البرنامج أقل عمومية من الغايات ،وترتبط
بفلسفة قطاع التربية والتعليم .في حين ،ترتبط الغايات بسياسة الدولة العامة ،أو
المنهاج العام للتربية ،كأن نقول -مثال -يهدف التعليم المهني إلى تكوين مهنيين
محترفين في مجال التكنولوجيا والصناعة.
ومن جهة أخرى ،يرتبط البرنامج بمستوى دراسي معين ،ومادة معينة ،كأن
نقول برنامج مادة اللغة العربية في السلك االبتدائي ،وبرنامج الرياضيات في
السلك اإلعدادي ،وبرنامج الفلسفة في التعليم الثانوي .ومن ثم ،يتضمن البرنامج
أهداف المواد الدراسية وكفاياتها المتنوعة ،ومواصفات متعلمي السلك
الدراسي ،ورصد عناوين المواد مع أهدافها ومقاصدها ،وتبيان طرائق
التدريس ،وتبيان آليات التقويم.
91
ويعني هذا كله أن البرنامج جزء من المنهاج التربوي ،يسهر عليه مسيرو
التعليم ومؤطروه ،وهو مجموعة من األغراض واألهداف الخاصة المتعلقة
بقطاع التربية والتعليم في سلك دراسي معين ،وفي مادة معينة.ومن ثم ،يتضمن
البرنامج الدراسي مجموعة من المحتويات والخبرات والتجارب مقدمة بطريقة
مستسلسلة ،بتحديد مجموعة من المدخالت في شكل أهداف وكفايات ،وتبيان
الطرائق والوسائل الديدكتيكية والبيداغوجية الكفيلة بتحقيق هذه المدخالت ،مع
تنظيم اإليقاعات الزمنية والمكانية والصفية ،وتحديد آليات التواصل اللفظي
وغير اللفظي .كما يشتمل البرنامج على آليات التقويم المختلفة من امتحانات
واختبارات ومقاييس وطرائق الدعم والمعالجة والتقييم والتغذية الراجعة .كما
يحوي البرنامج مواصفات المتعلمين من النواحي النمائية ،والنفسية،
واالجتماعية ،والتربوية .ومن ثم ،يتميز البرنامج بالمالءمة ،والتماسك،
والفعالية ،والقابلية للتطبيق.
عالوة على ذلك ،قد يتضمن البرنامج المقرر الدراسي والتوزيع السنوي إلى
جانب المخطط الدراسي والوحدات الدراسية ومجاالتها ومختلف المكونات
المدرسة.عالوة على مواصفات المتعلم ،ورصد لمختلف األهداف والكفايات
األساسية والنوعية ،وتبيان الطرائق المنهجية في عملية التدريس الخاصة بكل
مكون على حدة .وغالبا ،ما يسمى البرنامج بالدليل ( ،)Le guideأو كتاب
األستاذ كما في التعليم االبتدائي ،أو دليل تنفيذ المنهاج لمادة معينة في التعليم
اإلعدادي والثانوي التأهيلي .وقد يكون البرنامج عبارة عن مذكرات وزارية
تفصل المقرر والبرنامج الدراسي بشكل واضح وجلي.
92
وخالصة القول ،يتبين لنا ،مما سبق ذكره ،أن البرنامج عبارة عن دليل أو خطة
واضحة المعالم والمالمح ،تسعف المدرس في تحضير دروسه وتعلماته وفق
مجموعة من المواصفات واألهداف والكفايات على مستوى المدخالت.
وفيما يتعلق بالعمليات التعليمية-التعلمية ،يهتم البرنامج بتبيان المحتويات،
وتحديد الوسائل الديدكتيكية المالئمة لكل درس ،وتبيان مختلف الطرائق
البيداغوجية ،واستجالء اإليقاعات الزمانية والمكانية ،وتنظيم العملية التواصلية
من جميع جوانبها.
وفيما يتعلق بالمخرجات ،يرتكز البرنامج على التقويم والتغذية الراجعة
والمعالجة والدعم على حد سواء.
المبحث الثالث :المقرر الدراسي
ثمة مجموعة من المصطلحات التربوية التي ينبغي أن يتوقف عندها الباحث أو
الدارس أو المكون أو طالب التربية بالبحث والتحليل والمناقشة وفق المقاربة
االصطالحية ،قبل الخوض في مجال التربية الخاصة ،والتعمق في علوم
التربية .ومن أهم المفاهيم التربوية التي تثير االضطراب واللبس والخلط مفهوم
93
المقرر الدراسي في عالقته بالمنهاج والبرنامج من جهة ،والكتاب المدرسي من
جهة أخرى.
إذاً ،ما مفهوم المقرر الدراسي؟ وما أسسه ومرتكزاته؟ وما وظيفته ضمن النسق
التربوي؟ وما عالقته بالبرنامج والكتاب المدرسي؟
هذا ما سوف نتطرق إليه في العناوين الفرعية الموالية:
المطلب االول :مفهوم المقرر الدراسي
ينصب المقرر الدراسي ( )Cursus scolaire /Courseعلى تفصيل
الدروس والمواد والمحتويات حسب الزمن الدراسي السنوي ،وحسب
المجزوءات والمراحل والوحدات والفصول .وبالتالي ،يخضع المقرر الدراسي
لمنطق التوزيع ،والتصنيف ،والتراكم ،والترتيب ،والتجزيء ،وتكييف الدروس
والمواد التعلمية حسب المناسبات واألوقات الطبيعية والمناسباتية التي تتالءم
مع أهداف الدرس وغاياته.
ويرتبط المقرر باألهداف العامة والكفايات النوعية من جهة ،وبواضعي
المقررات الدراسية من جهة أخرى .وهو عبارة عن وحدات ومواد دراسية
مرتبطة بمكوناتها ومجاالتها الرئيسة.والهدف الرئيس من المقرر هو التنظيم
والهيكلة وترتيب المحتويات والعناوين حسب المكونات والوحدات والمجاالت
واإليقاعات الزمنية والمكانية.
ويرى الحسن اللحية أن المقرر الدراسي " هو مرادف المواد أو الدروس ،وهو
نفسه بالنسبة لجميع التالميذ .يحدد المقرر ما ينبغي أن يتعلمه التالميذ في كل
سنة دراسية وفي كل مادة من المواد المدرسة في السنة"95.
إذاً ،فالمقرر الدراسي عبارة عن الئحة أو فهرس من المواد والمحتويات
الواجب تعلمها وتدريسها .ويمكن القول :إن المقرر الدراسي هو تفصيل
للدروس واألنشطة المصحوبة بالتوزيع السنوي.96
- 95الحسن اللحية :االمتحانات المهنية (علوم التربية) ،منشورات المعارف ،الرباط ،المغرب،
الطبعة األولى سنة 2011م ،ص.242:
94
وعليه ،فالمقرر الدراسي هو عبارة عن مواد ومحتويات ومضامين ووضعيات
ومفاهيم وموارد دراسية في شكل عناوين مترابطة ومتسلسلة ،أو هو جملة من
النصوص والمعارف والمعلومات والمهارات والموارد والمواقف والحقائق
والمفاهيم والمصطلحات التي يختارها مجموعة من الخبراء والمدرسين
والمفتشين واللجان التربوية لتكون رهن إشارة المتعلمين وفي خدمتهم .وتلبي
ميول المتعلمين الذهنية والوجدانية والحسية الحركية ،وتراعي اتجاهاتهم
النفسية ،وتلبي حاجياتهم المختلفة والمتنوعة .ويرد المقرر في شكل مواضيع
ودروس وموارد ومواقف ومهارات ووحدات ومحتويات وخبرات وتجارب
تكسب المتعلمين ما يحتاجونه من معارف ومعلومات وحقائق مهمة
الستضمارها بغية توظيفها في مجاالت الحياة المختلفة.
المطلب الثاني :عالقة المقرر بالمنهاج والبرنامج والكتاب المدرسي
للمقرر المدرسي عالقة وثيقة بالمنهاج التربوي من جهة ،والبرنامج الدراسي
من جهة أخرى .أي :إن ثمة عالقة وثيقة ونسقية قائمة على التجزيء
والتوضيح والتفصيل والتنويع .ويعني هذا أن المقرر الدراسي يحترم تعليمات
المنهاج العام ،ويستمد مشروعيته من البرنامج الدراسي .ويتميز بطابعه
الملموس والحسي ،مادام هذا المقرر يحوي عناوين واضحة وجلية بعيدة عن
خاصيتي التجريد والفلسفة اللتين يتسم بهما المنهاج التربوي العام .ومن ثم،
فالمقرر الدراسي عبارة عن مواد دراسية ووحدات تعليمية تعلمية ،تختارها
لجن تربوية مشرفة تتكون من مفتشين وخبراء ومدرسين بشكل دقيق ،ثم
تدرس هذه المقررات في المدارس العمومية والخصوصية ،يقبل عليها
المتعلمون بإشراف المدرس.
ومن هنا ،فالمقرر الدراسي " هو عبارة ٌ عن خط ٍة مكتوب ٍة تَستخد ُم مجموعةً ِمن
العناوين الدّراسية التي تعتمد على المراجع والمناهج ال ُمعتمدة خالل الفصل
الدراسي الواحد ،ومن تعريفات المقرر :هو المحتوى الذي يُساعد في تحقيق
التّفاعل بين المعلم والطالب ومحتوى المادة الدّراسية سوا ًء أكان ُمعتمدا ً على
97
إذاً ،ما مفهوم الكتاب المدرسي؟ وماعالقته بالمنهاج والبرنامج والمقرر ؟ وما
مواقف الباحثين والمربين والفالسفة من الكتاب المدرسي؟ وما الكتاب
اإللكتروني؟ وما عالقة الكتاب المدرسي بالصورة؟ وما إيجابياته وسلبياته؟
هذا ما سوف نتوقف عنده في هذه المطالب على الشكل التالي:
المطلب األول :مفهوم الكتاب المدرسي
يعد الكتاب المدرسي وسيلة إجرائية تنفيذية ملموسة لتطبيق فلسفة المنهاج في
الواقع الميداني ،وتمثل توجيهات البرنامج ،وإنزال المقرر المدرسي إلى حيز
الوجود .ويعني هذا أن الكتاب المدرسي وعاء حسي مشخص لمجموعة من
الدروس المتراكمة اتساقا وانسجاما ،وفق تسلسل منطقي ،ووفق وحدات ،
ومجزوءات ،واتجاهات ،وتيمات ،وفي ضوء اإليقاعات الزمانية والمكانية
الممكنة.
ومن ثم ،يستند الكتاب المدرسي إلى مبدإ االختيار والتنوع وااللتزام بتوجيهات
المنهاج ،واالنطالق من مبادئ البرنامج ،وتفصيل عناوين المقرر ومواده
ومحاوره ووحداته.
ومن هنا ،يتوجه الكتاب المدرسي إلى التلميذ المتعلم أو المتمدرس بالخصوص
لمساعدته على استيعاب دروسه ،وإنجاز األنشطة الدراسية داخل المدرسة
وخارجها ،والتثبت من قدراته النمائية والكفائية .ومن ثم ،فهو عبارة عن
مجموعة من الدروس المبثوثة بين دفتي الكتاب ،في شكل نصوص ،وخبرات،
وتجارب ،وأنشطة تعلمية تطبيقية ،وكفايات ووضعيات ،أو أهداف إجرائية .
وعليه ،فلقد جاء في معجم (مصطلحات التربية والتعليم) أن الكتاب المدرسي "
هو الكتاب الذي يقدم للمتعلم كل ما يحتاجه من معلومات وحقائق بأسلوب
يتناسب ومستواه الفكري .فهو وسيلة تعليمية أساسية في عملية التعليم والتعلم،
نظم بحسب المنهج التربوي المقرر من وزارة التربية الوطنية ،وفي ضوء
القدرات المتاحة للمتعلمين لكي يستعينوا به لتنمية معارفهم ،وفهم المعطيات
العلمية المطلوبة منهم .لهذا اعتبر الكتاب المدرسي مرجعا يعود إليه المتعلم،
98
سواء كان ذلك داخل الصف أو خارجه؛ فهو يستعين به لتنفيذ ما هو مطلوب
منه ،وبخاصة التمارين التطبيقية المتعلقة بكل درس من الدروس".99
وأكثر من هذا " يمثل الكتاب المدرسي المصدر األساسي لتزويد التالميذ بهذه
المعلومات ،ثم يتولى المدرس شرحها وتبسيطها وتحليلها والتعليق عليها ،
ويقوم التلميذ بفهمها أو حفظها أو استيعابها ،وتعمل االمتحانات على
قياسها"100.
ويعرف عبد الكريم غريب الكتاب المدرسي بقوله " :هو المرجع األساسي الذي
يستقي منه التالميذ معلوماتهم أكثر من غيره من المصادر ،فضال عن أنه ،أي
الكتاب ،هو األساس الذي يستند إليه المدرس في إعداد دروسه قبل أن يواجه
101
تالميذه في حجرة الدراسة".
ويعرفه كذلك بأنه" الوعاء الذي يحتوي المادة التعلمية التي يفترض فيها أنها
األداة ،أو إحدى األدوات على األقل التي تستطيع أن تجعل التالميذ قادرين على
بلوي أهداف المنهج المحددة سلفا"102.
ويعد الكتاب المدرسي كذلك «دعامة حقيقية ،رائدة في تفعيل وإعمال مقتضيات
المبادئ والقيم واالختيارات التربوية العامة التي نص عليها الميثاق الوطني
للتربية والتكوين ،والتي تؤكدها وثيقة االختيارات والتوجيهات التربوية
العامة».103
وبناء على ما سبق ،فالكتاب المدرسي هو الذي يتضمن مجموعة من األهداف
الخاصة والكفايات النوعية ،ويشتمل على مجموعة من الموارد والمهارات
- 99جرجس ميشال جرجس :معجم مصطلحات التربية والتعليم ،دار النهضة العربية للطبع والنشر
والتوزيع ،الطبعة األولى 2005م ،ص.415 :
- 100الوكيل حلمي أحمد ،المفتي محمد أمين ،أسس بناء المناهج وتنظيماتها ،دار المسيرة للنشر
والتوزيع ،عمان ،طبعة 2005م ،ص.7:
- 101عبد الكريم غريب :المنهل التربوي ،ج ،2مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،المغرب،
الطبعة األولى سنة 2006م ،ص.575
- 102عبد الكريم غريب :المنهل التربوي ،ج ،2ص.575
- 103وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين األطر والبحث العلمي ،الكتاب المدرسي مسار
إصالح ،مديرية المناهج ،قطاع التربية الوطنية ،الرباط ،المغرب ،الطبعة األولى سنة ، 2005
ص.25
99
والمواقف والمحتويات والمضامين التعلمية الموجهة إلى متعلم معين،
وبمواصفات خاصة ،مع االستعانة بمجموعة من الطرائق والوسائل الديدكتيكية،
في إطار زمكاني محدد ،وضمن وضعية تواصلية لفظية وغير لفظية ،باستخدام
آليات التقويم والمعالجة والدعم المختلفة.
ومن هنا ،فالكتاب المدرسي هو الذي يشتمل على مجموعة من الدروس
والنصوص والمحتويات والمضامين والتجارب وفق أهداف نوعية خاصة بغية
تأهيل المتعلم وإكسابه مجموعة من القدرات والمهارات لمواجهة الوضعيات-
المشكالت بغية إيجاد الحلول المناسبة لها.
وعليه ،يعد الكتاب المدرسي وسيلة لتنفيذ فلسفة المنهاج ،وتطبيق توجيهات
البرنامج ،وإنزال المقرر المدرسي إلى حيز الوجود .ويعني هذا أن الكتاب
المدرسي وثيقة ووعاء حسي ملموس لمجموعة من الدروس المتراكمة اتساقا
وانسجاما ،وفق تسلسل منطقي ،ووفق وحدات ،ومجزوءات ،واتجاهات،
وتيمات ،ووفق معايير داللية ،وزمانية ،ومكانية ،وفنية ،وجمالية ،وتجنيسية...
و يستند الكتاب المدرسي إلى مبدإ االختيار والتنوع وااللتزام بتوجيهات
المنهاج ،واالنطالق من مبادئ البرنامج ،وتفصيل لعناوين المقرر ومواده .
ومن هنا ،فالكتاب المدرسي عبارة عن مجموعة من الدروس المبثوثة بين دفتي
الكتاب ،في شكل نصوص ،وخبرات ،وتجارب ،وأنشطة تعلمية تطبيقية،
وكفايات ووضعيات ،أو أهداف إجرائية .
المطلب الثاني :موقف المربين والفالسفة من الكتاب المدرسي
يمكن الحديث عن مجموعة من المواقف تجاه الكتاب المدرسي .فهناك من يعد
الكتاب التربوي دعامة أساسية وضرورية في التعليم اليمكن االستغناء عنه بأي
حال من األحوال ،كما تذهب إلى ذلك المدرسة التقليدية ،والفلسفة المثالية
العقالنية ،وفالسفة عصر األنوار.
100
في حين ،هناك من يعد الكتاب المدرسي وسيلة وليس هدفا أو غاية أو مقصدية
ملحة وضرورية كما تذهب إلى ذلك الفلسفة البراجماتية مع وليم جيمس وجون
ديوي.
بينما هناك من يرفض الكتاب المدرسي ،ويثبت أن الطبيعة واالكتساب من
المجتمع أفضل من التعلم في الكتاب المدرسي ،كما يبدو ذلك عند جان جاك
روسو في كتابه (إميل.) Emile/
وهكذا" ،اختلفت اآلراء ،وتعددت بصدد موضوع الكتاب المدرسي ،وذلك
باختالف الفلسفات التربوية ،وتعدد وجهات النظر ،ففي التربية التقليدية حيث
تعتبر مادة الدراسات هي مركز االهتمام وتحصيل التراث العلمي هو موضع
العناية اكتسب الكتاب المدرسي أهمية كبرى وصارت وظيفة المعلم هي
مساعدة التالميذ على تحصيل ما تضمنته الكتب المدرسية من مادة علمية
تقيسها االمتحانات التقليدية المعروفة ،بينما نرى أن الفلسفة الطبيعية في التربية
ال تهتم بالكتب ،وإنما توجه عنايتها إلى الخبرة المباشرة التي يكتسبها التالميذ
نتيجة لتفاعل قواهم الطبيعية مع مؤثرات البيئة ،ونرى أن رائدا كبيرا من رواد
الحركة الطبيعية وهو الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو يقترح في كتابه
(إميل) أن تكون تربية الطفل سلبية من سن الخامسة إلى سن الثانية عشر ،وأال
يقرأ إميل أي كتاب إال كتابا واحدا هو كتاب الطبيعة ،كما تكون التربية
االجتماعية عن طريق الممارسة الفعلية لحقوق الفرد المدنية بصفته عضوا في
مجتمع ،أما الفلسفة البراجماتية أو العملية ،فهي ترى أن المعلومات أو الكتب
ليست غايات في ذاتها ،وإنما هي مجرد وسائل يستعين بها األفراد في حل
مشاكل حياتهم ،وهو اتجاه عملي نفعي يتفق مع السمات والخصائص المميزة
104
لهذه الفلسفة".
ويتبين لنا ،مما سبق ذكره ،أن للكتاب المدرسي مؤيدين ومعارضين .بيد أن
الكتاب المدرسي وثيقة ضرورية لتوجيه المتعلمين ومساعدتهم على التدريس،
وعدم تشتيت جهدهم في البحث عن النصوص والمحاور والمواضيع .كما تمنع
- 104أمينة اللوه وآخرون :الموجز في التربية وعلم النفس ،دار الكتب العربية ،الرباط ،المغرب،
د.ت ،ص.48-47 :
101
المدرس من تبليغ إيديولوجيات وأهواء واقتناعات شخصية التمت بصلة إلى
العلم والمعرفة الموضوعية .وفي الوقت نفسه ،يمكن للمدرس تغيير النصوص
شرط االلتزام بمحاور المقرر وعناوينه الكبرى ،واحترام منهاج الدولة
وبرنامجه العام.
المطلب الثالث :الكتاب المدرسي والصورة
لقد حقق الكتاب المدرسي المغربي -اليوم -تطورا الفتا لالنتباه على مستو
تو يف الصورة البصرية والمرئية ،وحقق أيضا نجاحا كبيرا في استثمارها
تربويا وديدكتيكيا مقارنة بالفترات السابقة عندما كان الكتاب المدرسي التقليدي
مجرد كتابة خطية أفقية وعمودية خالية من األلوان الضوئية أو التشكيلين مع
هيمنة اللون األسود الذي يتربع على صفحة البياض .ومن ثم ،فقد كانت
صفحات هذا الكتاب مجرد أوراق تتقاطع فيها الخطوط واألسطر فوق فراغ
أبيض يمنة ويسرة ،دون أن تتخللها صور تربوية أو تعليمية أو ديدكتيكية .مع
العلم أن المتعلم بصفة عامة ،والطفل بصفة خاصة ،ينجذب كثيرا إلى الصورة
المثيرة ،ويتعلم من خاللها الكثير الكثير ،والسيما إذا كان هذا المتعلم طفال في
المراحل األولى من التعليم األولي أو الدراسي؛ ألنه ال يتعلم إال بالمحسوس
والملموس والمشخه حسب التصور النفسي والمعرفي لجان بياجيه ا Jean
. Piaget
وأكثر من هذا يقبل الطفل المتعلم كثيرا على الكتب والمجالت والوسائل
البصرية التي تستخدم الصورة ،فينساق مع جمالياتها الفنية ،ويتأثر بأشكالها
البصرية ،وينده أللوانها الزاهية المثيرة ،ويتيه مع عوالمها التخيليية ،سواء
أكانت واقعية أم احتمالية أم مستحيلة .كما يتلذذ ب اللها الجذابة ،ويتمثل
رسائلها الهادفة .ومن ثم ،يرتاو الطفل المتعلم إلى الصورة المرئية أكثر مما
يرتاو إلى درس جاف مقرف ،يستخدم فيه المدرس اللغة البيانية من بداية
الحصة حتى نهايتها .ومن هنا ،فالصورة وسيلة مهمة في المجال التربوي
والتعليمي ن را لفوائدها الكثيرة وأدوارها الهامة.
102
تطور ولقد عرف الكتاب المدرسي المغربي أربع مراحل على مستو
الصورة التربوية أو الديدكتيكية ،وهذه المراحل هي:
م حاة غي ب الصــو ة ترتبط هذه المرحلة ب هور المدارس العتيقة
والكتاتيب والجوامع القرآنية في المغرب ،وفي هذه المرحلة لم تكن الكتب
المدرسية أو المقررات التعليمية تو ف الصور التربوية أو التعليمية ،بل كان
التركيز على اللغة والبيان واإللقاء .فقد كان المدرس يشرو الكتب التراثية
الصفراء تفسيرا وتأويال وتعليقا وتحشية .ويعني هذا أن الكتاب المدرسي لم
يكن سو كتابة خطية أفقية وعمودية ،ترسم فوق صفحة صفراء أو بيضاء.
وأكثر من هذا لم تتطور المطبعة بعد ،في تلك الفترة ،تقنيا وفنيا وجماليا
لتستفيد من التقنيات الحديثة على مستو الرقن أو الطبع أو الكتابة ،كما هو
حال الكتب األجنبية في مجال القراءة والكتابة والرياضيات والعلوم .وقد
استمر هذا الوضع حتى مرحلة الحماية األجنبية على المغرب ،و لت الكتب
المدرسية المغربية جفال من الصور ،باستثناء الكتب المدرسية اللبنانية
والمصرية التي كانت تدرس بالمغرب ،وكانت تحوي صورا مختلفة...
م حاــة الصو ة الســودا بعد االستقالل ،قررت وزارة التربية الوطنية
المغربية مجموعة من الكتب التعليمية المتنوعة والمختلفة حسب المواد
الدراسية ،كانت تتضمن صورا سوداء جير ملونة حسب طبيعة المطبعة
السائدة آنذاك ،كما ي هر ذلك جليا في كتب النصوه األدبية ،والسيما كتاب
النصوه األدبية للسنة الرابعة من التعليم الثانوي في سنوات السبعين من
القرن الماضي .فقد كانت صور الشعراء والكتاب في هذا الكتاب مرسومة
باللون األسود في كل أبعادها ومالمحها التخييلية ،وهذا يذكرنا بصور كتاب
ات يخ األدب الع ب للباحث اللبناني حنا الفاخوري.
مرحلــة الصورة الملونــة :لقد استخدم الكتاب المدرسي الصورة الملونة
بكثرة مع سنوات الثمانين من القرن الفائت ،وإن كان أحمد بوكماخ سباقا إلى
توظيف الصورة الملونة في سلسلة كتبه الدراسية المعنونة بث(اقرأ) ،منذ
الستينيات من القرن العشرين (1960م) ،وقد كان هذا الكتاب نموذجيا من حيث
103
كثرة الصور الزاهية والمثيرة التي تنمي قدرات التخييل لدى المتلقي .وما تزال
كتبه -إلى حد اآلن -تعتمد من قبل األفراد وبعض المؤسسات التربوية
والتعليمية المغربية .والسبب في ذلك أنه كان كتابا تربويا متميزا بصوره
الرائعة .وبالتالي ،ال يمكن مجاراته إبداعيا وتربويا ،أو مضاهاته على مستوى
توظيف الصور في سياقاتها القرائية والتداولية وأجوائها األدبية والفنية
واإلبداعية .ومن ثم ،فلقد " انفرد أحمد بوكماخ في تأليف (اقرأ) بتوظيف
الرسوم بكل أشكالها وأجناسها وأنواعها ،إذ شكلت هذه المنهجية سبقا .ويرى
أحمد الفتوح ،الناقد السينمائي ورئيس المنتدى الثقافي بطنجة ،أنه باستثناء
الصور الفوتوغرافية التي تزين غالف األعداد ،وظف أحمد بوكماخ الرسوم
كدعامة للنصوص ،ومكملة لها ،أو باعتبارها مواضيع مستقلة.
هذا ،وقد استفاد بوكماخ من وظائف الصورة في تجميل النص ،لتحفيز فضول
الطفل ،وإثارة انتباهه لتحقيق متعة بصرية ،وتشجيعه على القراءة ،إضافة إلى
توظيف الرسوم لذاتها من خالل أسئلة حول موضوع الرسومات وشكلها ،ثم
لكونها منطلقا للتعبير الشفوي والكتابي .وهنا ،تكمن الوظيفة التعبيرية
واللغوية...
104
وتعتبر رسوم مجموعة (اقرأ) مجاال خصبا للدراسة والتحليل بالنسبة
للمتخصصين في سيميائيات الصورة ،إذ تتجاوز عدد صفحات الكتاب الواحد
ثالث مرات ،تختلف فيها تقنيات وأساليب إنجاز وابتكار هذه الرسوم.
لقد اشتغل أحمد بوكماخ مع الفنان التشكيلي محمد شبعة ،والفنان المسرحي
والكاريكاتوري المرحوم أحمد الشنتوف .وكان هذا التعاون بين الكاتب والرسام
أساسا لتأليف السلسلة وتنسيقها وإخراجها شكال ومضمونا ،إضافة إلى تعاون
بوكماخ مع الشاعر أحمد الحرشني الذي كان يتقن عدة لغات أجنبية ،وعمل
على مساعدة بوكماخ في ترجمة مجموعة من نصوص (اقرأ) من لغتها
األصلية إلى العربية".105
وهكذا ،يتبين لنا أن أحمد بوكماخ كان سباقا إلى توظيف الصور الملونة في
الكتاب المدرسي المغربي ،بعد أن كانت هذه الصور مقتصرة على الكتب
المصرية واللبنانية.
م حاــة الصــو ة ال قميـة لم تتبلور الصورة الرقمية في الكتاب
المدرسي إال مع سنوات األلفية الثالثة ،بعد انتشار الحاسوب وتعميمه تجاريا
وإعالميا ،وتطور الثورة الرقمية والتكنولوجية ،وتكاثر الصور في مواقع
الشبكات العنقودية في مختلف أنواعها وتشكيالتها .وبالتالي ،أصبة عصرنا
هذا عصر الثورة الرقمية بامتياز .لذلك ،ساير الكتاب المدرسي المغربي هذه
الثورة بتطعيم نصوصه ومضامينه التعليمية -التعلمية بمجموعة من الصور
الرقمية لكي يحتك بها المتعلم على مستو التلقي واالستثمار والتطبيق من
جهة ،ويو فها المدرس في بناء درسه الديدكتيكي عبر مختلف مقاطعه
التدبيرية والتخطيطية من جهة أخر .
وهكذا ،يتبين لنا أن الصورة المرئية هي تمثيل محسوس للذات والعالم معا،
باستخدام العالمة البصرية التي يتحد فيها الدال والمدلول معا مع المرجع
- 105زهور باقي( :أحمد بوكماخ من المسرح والسياسية إلى تأليف سلسلة “اقرأ") ،موقع
هسبريس ،المغرب ،االثنين 12غشت 2013م.
http://hespress.com/portraits/86476.htm
105
الحسي لتشكيل الداللة الكلية .ومن ثم ،فالصورة البيداجوجية أو الديدكتيكية هي
تلك الصورة التي تتعلق بالمجال التربوي والتعليمي ،وت دي و ائف تعليمية-
تعلمية جمة .وبالتالي ،فلقد عرف الكتاب المدرسي المغربي أربع مراحل على
مستو تطور الصورة :مرحلة جياب الصورة ،ومرحلة الصورة السوداء،
ومرحلة الصورة الملونة ،ومرحلة الصورة الرقمية.
ويتضمن هذا الكتاب المدرسي مجموعة من الصور المرئية ،منها :الصورة
التربوية ،والصورة الديدكتيكية ،والصورة التحسيسية ،والصورة األيقونية،
والصورة اإلشهارية ،والصورة السينمائية ،والصورة الفوتوجرافية ،والصورة
التشكيلية ،والصورة المسرحية ،والصورة الرقمية.
ومن المعلوم أن للصورة في الكتاب المدرسي مجموعة من الو ائف ،مثل:
الو يفة التربوية والديدكتيكية ،والو يفة التعبيرية ،والو يفة األداتية،
والو يفة التأثيرية ،والو يفة الجمالية ،والو يفة المرجعية ،والو يفة
األيقونية ،والو يفة الحفا ية ،والو يفة الثقافية ،والو يفة السيميائية...
المطاب ال ابع الكت ب اإللكت ون
يمكن أن يستفيد المدرس والمتعلم على حد سواء من ثمرات الكتب اإللكترونية
والرقمية بغية التخفيف من عبء المحفظة التي تثقل كاهل المتعلم بمجموعة من
الكتب والكراريس واألدوات المدرسية ،وتعويضها بكتاب رقمي وإلكتروني
واحد ،في شكل لوحة ( )tabletteتشمل جميع المواد الدراسية .وبالتالي،
يسهل حملها من مكان إلى آخر.
ومن إيجابيات هذا الكتاب أنه يسهم في الحفاظ على البيئة ،بحماية األشجار من
عملية التقطيع لكيال تتحول الجذوع واألغصان والفروع إلى أوراق وملفوفات
لصناعة الكتب المدرسية .بيد أن هذا الكتاب ،لو عممناه على التالميذ كافة،
سيكلف الدولة ميزانية ضخمة التستطيع تحمل نفقاتها .فضال عن كون هذا
الكتاب اآللي يعوق فعل القراءة المثالية ،ويسبب مشاكل الحصر لها كإإلدمان
وإرهاق الدماي والبصر.
106
المطلب الخامس :إيجابيات الكتاب المدرسي وسلبياته
للكتاب المدرسي إيجابيات وسلبيات .فمن إيجابيات الكتاب المدرسي أنه يساعد
المدرس على تخطيط دروسه وتدبيرها وتنفيذها وتقويمها بطريقة تقنية عقالنية
واضحة ومنظمة وسهلة ومبرمجة .كما يسعف المدرس في توجيه المتعلمين
عبر التمارين واألنشطة الصفية التي يحويها الكتاب.
ومن ناحية أخرى ،يتضمن هذا الكتاب عناوين المقرر بشكل مفصل ومجسد
بواسطة النصوص والوحدات والدروس والحلقات التعلمية ،ويراعي مبادىء
المنهاج والبرنامج والمقرر على حد سواء ،ويحترم ضوابط التشريع التربوي
في عدم الخروج عن هذا الكتاب الذي قد يكون وثيقة عامة تسري على جميع
تالميذ الوطن وطلبته توحيدا وإجبارا وتعميما وإلزاما بغية االستعداد
لالمتحانات الموحدة أو شبه الموحدة .و" إن إهمال الكتب المدرسية اهماال تاما
فيه إهمال للتراث الثقافي والتجارب التي حصل عليها الجنس البشري عبر
القرون ،واشترك فيها علماء وفالسفة في مختلف العصور والبيئات ونحن ال
يمكننا أن نغض الطرف عن هذا الميراث ،ونترك للطفل مهمة إعادة
تحصيله"106.
وأكثر من هذا يتعرض المدرس للنسيان مهما كانت قدراته العقلية .إذاً ،فالبد من
االستعانة بالكتاب المدرسي الذي يستعمله التلميذ أيضا في المراجعة ،وتذكر
القواعد ،وإنجاز التمارين واالمتحانات واالختبارات ،ويتخذه كذلك وسيلة
للمناقشة والحوار وإعداد الدروس .ومن هنا ،فالكتاب المدرسي وسيلة تعليمية
مهمة يستغلها المعلم الكفء إلى جانب الوسائل األخرى كوسائل اإليضاح
والرحالت والسبورة .عالوة على ذلك" ،يشتمل الكتاب المدرسي إذا أحسن
تأليفه وإخراجه على الكثير من وسائل اإليضاح كالصور والرسوم والخرائط.
وكذلك يتضمن الكثير من التمارين التطبيقية.
109
وما ينبغي أن نشير إليه أيضا أن تكون هذه الكتب المدرسية ذات محتويات
حيوية وديناميكية مرتبطة بالفضاء الذي يعيش فيه التلميذ ،ومواكبة للمستجدات
في ميدان اإلعالم والتواصل واإلحصاء ،كما هو الشأن في المواد االجتماعية.
ومن ثم ،تراعي هذه الكتب والمقررات ميول التلميذ وأهوائه وقيمه الوطنية
والدينية والحضارية ،وتبتعد -قدر اإلمكان -عن تكريس إيديولوجيات معينة ،بل
عليها أن تكون ذات محتويات إنسانية عادلة ،وذات أبعاد اجتماعية ديموقراطية.
فضال عن ذلك ،تكون متماثلة مع أهداف المنهاج وفلسفة الكفايات ،و تكون
محتويات هذه الكتب عبارة عن وضعيات وسياقات تربوية قابلة للتقويم
واالختبار.
وخالصة القول ،يعد الكتاب المدرسي وثيقة تربوية وديدكتيكية مهمة تساعد
المدرس والمتعلم على حد سواء في بناء الدروس والتعلمات .ويعد أيضا وعاء
يجمع مجموعة من المجزوءات والمكونات والوحدات والمجاالت الدراسية التي
ينبغي للمتعلم االطالع عليها قصد تحضير دروسه وتهييئها وإعدادها بغية
تحقيق األهداف المرجوة من العملية التعليمية-التعلمية .ومن هنا ،يمكن الحديث
عن كتاب مدرسي ورقي من جهة ،وكتاب إلكتروني من جهة أخرى ،ولكل
كتاب إيجابيات وسلبيات .واليمكن الحديث عن كتاب مدرسي حقيقي إال إذا
روعيت فيه مواصفات الجودة ،والتميز ،واالختيار ،والتنويع ،والتجديد،
والتطوير...
- 108ميلود التوري :تدبير المجزوءات لبناء الكفايات،مطبعة سوماڰرام ،الدار البيضاء ،الطبعة
األولى سنة .2006
111
كل متكامل (منهاج) ،قابلة لإلدراك والتعديل والتكييف ،فهي كفيلة ببناء برنامج
دراسي على القياس المطلوب". 109
ويعرفها روجيه فرانسوا غوتييه ()Roger François Gautierبأنها "تنظيم
خاص لجزء من التدريس بالتعليم الثانوي". 110
ويعرفها كذلك المجلس الوطني للبرامج بفرنسا )) )CNPبأنها" وحدة تعليمية
نوعية أو مستعرضة ،تختار موضوعاتها من طرف األساتذة ،انطالقا من
معايير يحددونها بعد التنسيق والتشاور فيما بينهم داخل فريق تربوي "111.
وعليه ،فإن المجزوءة عبارة عن وحدات دراسية فصلية ،يتم تقطيعها إلى مواد
ومجزوءات صغرى ،بينها عالقات تكامل واندماج وترابط عضوي ،سواء
داخل مسلك أم سلك دراسي ،من أجل تنظيم الحياة المدرسية ،وخلق القدرات
الكفائية لدى المتعلم من أجل مواجهة كل الوضعيات المحتملة التي يصادفها في
الواقع الذي يعيش فيه المتمدرس.
المطلب الثاني :التعليم الموسوعي والتعليم المجزوئي
يرتكز التعليم الموسوعي على المدرس ،باعتباره صاحب سلطة معرفية يقدمها
للتلميذ جاهزة بواسطة مجموعة من األسئلة التي تستوجب الحفظ والتقليد
والتكرار .ومن ثم ،يصبح التلميذ مرتكنا إلى مدرسه ،اليستطيع أن يواجه ما
يتعرضه من المواقف المستجدة ،أو يلبي طلبات المقاوالت الحديثة ؛ ألنه اليملك
الكفاءات والمهارات المهنية و المنهجية و التواصلية والذهنية واللغوية ،بل يقف
مكتوف اليدين ،عاجزا عن التأقلم والتكيف مع مستجدات الواقع االقتصادي
الجديد .تبقى معارفه نظرية مجردة غير وظيفية ،تنقصها الممارسة والخبرات
التجريبية .ويكون االهتمام ،في التعليم الموسوعي ،بالكم على حساب الكيف،
109
- Viviane De Land Sheere: L' éducation et la formation. P.U.F, 1987,
p: 167.
- 110عبد الكريم غريب والبشير اليعكوبي :المجزوءات،منشورات عالم التربية،الطبعة األولى،
2003م،ص.16:
111
- Françoise Clairc: Enseigner en Modules, Hachette, 1992, P.10.
112
ويلتجئ المدرس إلى التحفيز السلوكي الميكانيكي ،باالسترشاد بثنائية الحافز
واالستجابة لتوجيه دفة القسم؛ مما ينتج عنه ردود أفعال التالميذ السلبية،
ونفورهم من القسم النعدام األنشطة الذاتية والخبرات الفردية .ومن ثم ،ينكمشون
على أنفسهم خوفا أو خجال أو جهال بما يعطى لهم من دروس ومعارف كمية،
يصعب اإلحاطة بها في سنة كاملة.
أما التعليم المجزوئي ،فهو تعليم قائم على بيداغوجيا الكفايات التي تستهدف
البحث عن القدرات الكفائية لدى المتعلم ،بوضعه في وضعيات معقدة أو أقل
تعقيدا .والغرض من ذلك هو اختبار أدائه السلوكي ،وتقويم كفاءاته وقدراته في
التعامل مع مشاكل الواقع المحيطة به .و يراعي هذا التعليم الفوارق الفردية،
وينكب على ظاهرة الالتجانس بدراسة كل حالة فردية ،ودعم كل متعلم ،
وتحفيزه على إبراز قدراته وميوله واستعداداته ،سواء في حلقة واحدة أم في
حلقات متعددة متواصلة ؛ألن المقياس -هنا -ليس هو الدرس الذي ينتهي داخل
حصة زمنية محددة كما في التعليم الموسوعي ،بل الحلقة الديدكتيكية المتوالية
التي تمتد عبر حصتين فأكثر .
ويقدم التعليم المجزوئي المقرر الدراسي في شكل مجزوءات ووحدات دراسية،
تصغر بدورها في إطار مقاطع وحلقات وخبرات مرتبطة بكفايات نوعية أو
شاملة أو ممتدة قصد التدرج بالمتعلم لتحقيق كفايات عليا كلية ونهائية .ويتم
التركيز ،في هذا النوع من التعليم ،على الكيف والمتعلم ؛ ألن المدرس مجرد
وصي أو مرشد ليس إال .ومن ثم ،تصبح الدروس خبرات وممارسة كيفية
ومهارات وقدرات معرفية ووجدانية وحركية .أي :إن المتعلم هو الذي يكون
نفسه بنفسه ،ويتعلم كيف يبحث ويفكر وينظم ما يبحث عنه منهجيا ووظيفيا.إن
التعليم بالمجزوءات -كما يقول الباحث المغربي محمد الدريج"-يروم بناء
الكفايات لدى التلميذ ،على اعتبار أن الكفايات هي قدرات شاملة
ودينامية(نشطة) ،والتي اليمكن اختزالها في الئحة تحليلية من المحتويات ،إنها
تشكيلة( تركيبة) ذكية من المعارف والمهارات واالتجاهات .فأن نكون أكفاء ال
يعني أن نملك جملة من المعلومات والمهارات ،فأن نكون أكفاء يعني أساسا أن
113
نكون قادرين على تجنيد تلك المعلومات والمهارات ،وتوظيفها في مواقف معينة
ولحل مشكالت ،أي أن نكون فعالين ومنتجين في وضعيات محددة.
لذلك ،يصير بناء الكفايات بهذا المعنى أمرا معقدا وأمرا ذاتيا وشخصيا .فيكون
من أولويات نشاط المدرسين مساعدة المتعلمين،لكن على المتعلمين مساعدة
أنفسهم في التعلم والتكوين الذاتي .لذلك ،فإن التعليم بالمجزوءات يستدعي المتعلم
كمسؤول ويتعامل معه كمدبر لتكوينه .112".
ويعني هذا كله أن التعليم بالمجزوءات قد ارتبط ارتباطا وثيقا ببيداغوجيا
الكفايات واإلدماج.
المطلب الثالث :مرتكزات التعليم المجزوئي ومقوماته
يستند التعليم المجزوئي إلى مجموعة من المقومات األساسية التي يمكن
حصرها في العناصر التالية:
ينبني هذا التعليم على بيداغوجيا الكفايات والوضعيات.
يحترم خصوصيات التالميذ وحاجياتهم من المعرفة والمهارة والخبرة،
ويراعي فوارقهم الفردية ومشاريعهم الشخصية...
يستفيد من البيداغوجيا الفارقية ،ومن تفريد التعليم.
يركز على المتعلم ،ويشجعه على إظهار قدراته ومهاراته وكفاءاته المضمرة
وغير المضمرة قصد إعداده لمواجهة وضعيات الواقع المعقدة.
يوزع المقررات الدراسية إلى مجزوءات فصلية أو دورية في شكل وحدات
ديدكتيكية وبيداغوجية ،ويقطعها إلى حلقات دراسية نوعية أو عامة ،بطريقة
متكاملة ومندمجة في بؤرة منصهرة ووحدة تربوية عضوية.
113
--Viviane De Land Sheere: L’éducation de la formation,p : 27.
116
التي اكتسبها ،وتوزيع مجمل الدروس ووحدات التكوين والمجزوءات من التعليم
األولي إلى التعليم الثانوي على ثالثة أقسام متكاملة:
قسم إلزامي على الصعيد الوطني في حدود 70في المائة من مدة التكوين
بكل سلك؛
قسم تحدده السلطات التربوية الجهوية ،بإشراك المدرسين في حدود 15في
المائة من تلك المدة،وتتضمن بالضرورة تكوينا في الشأن المحلي وإطار الحياة
الجهوية؛
عدد من االختيارات تعرضها المدرسة على اآلباء والمتعلمين الراشدين في
حدود حوالي 15في المائة ،وتخصص إما لساعات الدعم البيداغوجي لفائدة
المتعلمين المحتاجين لذلك ،وإما ألنشطة مدرسية موازية وأنشطة للتفتح بالنسبة
للمتعلمين غير المحتاجين للدعم. 114
وينتظم التدريس بالمؤسسات الجامعية كذلك في مسالك وأسالك ومجزوءات،
ويتوج بشهادات وطنية ،وتحصل المجزوءات بالتقييم المنتظم ،وترصيد
المكتسب منها .
وقد ساير الكتاب األبيض ماذهب إليه الميثاق الوطني للتربية والتكوين حينما
دعا إلى استبدال السنة الدراسية ،في التعليم الثانوي ،بدورات فصلية قائمة على
تدريس المجزوءات .ويضم التعليم الثانوي التأهيلي ست دورات تدرس فيها
مجزوءات إجبارية(االمتحان الوطني) ومجزوءات اختيارية(االمتحان
الجهوي)،مع العلم أن كل مجزوءة تتكون من ثالثين ساعة .أما السنة الدراسية،
فتضم أربعة وثالثين أسبوعا و 1000إلى 1200ساعة دراسية .كما يضم
اإلعدادي ست دورات دراسية على غرار التعليم الثانوي .وقد أشار الكتاب
األبيض أيضا إلى عدة أقطاب وشعب ومسالك ،مثل :قطب التعليم األصيل،
وقطب اآلداب والعلوم اإلنسانية ،وقطب الفنون والرياضة ،وقطب العلوم،
وقطب التكنولوجيات .
- 114وزارة التربية الوطنية :الميثاق الوطني للتربية والتكوين ،الرباط ،المغرب ،الطبعة األولى
سنة 2000م ،ص.48-47:
117
وقد بدأ المغرب في تنفيذ نظام الوحدات والمصوغات في السلك الثانوي
التأهيلي ،فوضع البرامج والمناهج الدراسية ،وقد فعل بيداغوجيا المجزوءات
انطالقا من الموسم الدراسي ، 2004/2003بتغيير الكتب المدرسية ،وتجديد
هيكلتها وطرائق عرضها.
المطلب الخامس :مرجعيات التعليم المجزوئي
للتعليم المجزوئي مرجعيات وإحاالت مختلفة ومتنوعة ،يمكن اختزالها في
المؤثرات التالية :بيداغوجيا الكفايات ،والبيداغوجيا الفارقية ،والالتجانس
والفشل الدراسي ،و اللسانيات التوليدية التحويلية التي تتبنى المقاربة اإلدراكية
الفطرية التي تعترف بالقدرات الوراثية للمتكلم المستمع التي تسمح بتوليد جمل
المتناهية العدد ،بتحويل الكفاءة للبنى العميقة إلى بنى سطحية ،و الفلسفة
الدكارتية التي تؤكد أهمية البنى الذهنية الرياضية والمنطقية في معرفة الحقيقة،
وأن ماهو عقلي فطري وراثي سابق على ماهو تجريبي خارجي ،والسيكولوجيا
المعرفية واإلدراك ،و فكر المقاولة الذي كان دائما ومازال يستوجب تمهير
المتعلمين بالمهارات ،وتسليحهم بالقدرات والكفاءات النوعية والممتدة
والمتخصصة .فضال عن ظاهرة العولمة ،ثم االقتصاد التنافسي الذي يستلزم
الطاقات البشرية المؤهلة ذات الكفاءات العالية ،وذات المهارات المتنوعة
والقدرات الفائقة.
المطلب السادس :بنية المجزوءة وأنواعها
تستند بنية المجزوءة التربوية والتعليمية إلى ثالثة عناصر أساسية ،يمكن
حصرها فيما يلي:
المدخالت :تستهدف تسطير مجموعة من الكفايات المزمع تحقيقها في شكل
أهداف إجرائية سلوكية قبل الدخول في مسار تعلمي ،أو تنفيذ مجزوءة دراسية،
بوضع امتحان تشخيصي قبلي في شكل الوضعيات -األسئلة.
118
الهيكـــل :يقسم المقرر إلى مجزوءات دراسية .وبعد ذلك ،تجزأ إلى
وحدات ديدكتيكية ومتواليات ،أو حلقات تعلمية ،تساعد المتعلم على التعلم الذاتي
والتكوين المستمر في شكل فردي أو جماعي.
المخرجات :هنا ،نتحقق من نجاعة القدرات والكفاءات التي أنجزها المتعلم
وأداها في أثناء سيرورة التعلم .وهذا التقويم تشخيصي ومرحلي ونهائي.
أما عن أنواع المجزوءات ،فهناك مجزوءات إجبارية ،ومجزوءات إجبارية
تكميلية ،ومجزوءات اختيارية.
ويمكن أن تكون المجزوءة ،في إطار سيرورتها اإلنجازية ،مجزوءة نوعية ،أو
مجزوءة مستعرضة ممتدة.
ويمكن تصنيفها أيضا إلى مجزوءات تنظيمية ترتبط بالخبرة ،وما يتم تعلمه
ذاتيا كالمجزوءات اإلجبارية واالختيارية والتكميلية ،ومجزوءات
ديدكتيكية ترتبط بمحتويات المرجع الدراسي ،مثل :الكتاب المدرسي ،والوثائق
السمعية والبصرية.
المطلب السابع :كيف ندرس بواسطة التعليم المجزوئي
عند وضع البرامج والمناهج والمقررات الدراسية السنوية ،البد من تقسيمها
حسب الفصول الدراسية ،أو الدورات الفصلية ،أو في شكل مجزوءات دراسية،
تتضمن وحدات دراسية نوعية ،تنقسم بدورها إلى حلقات أو متواليات تدرس في
حصص محددة زمانيا ومكانيا أو غير محددة .كما يخضع هذا التقسيم لتوزيع
زمني ومكاني مدقق ،يراعي ظروف المتعلم وسياق التعلم .كما ينبغي وضع
البرنامج الدراسي في شكل وضعيات وأسئلة وأنشطة وخبرات ،يراعى فيها
التدرج من البسيط إلى المركب ،ومن الوضعيات السهلة إلى الوضعيات المعقدة.
وتحدد أيضا جميع الكفايات والقدرات المستهدفة الجزئية ،أو الكفايات النهائية
النوعية والمستعرضة ،في شكل سلوكيات مؤشرة بالقياس والرصد التقويمي.
كما يمكن االستعانة بتقويم قبلي تشخيصي أو تكويني أو إجمالي قصد تحديد
مستوى كل تلميذ في بداية السنة الدراسية ،أو بداية كل مجزوءة ،أو في نهايتها.
119
ومن الواجب تدريس المتواليات الديدكتيكية في شكل مجموعات أو حسب
األفراد ،فيكون محور التعليم هو التلميذ ،وليس المدرس الذي ينبغي أن يكون
مستشارا يساعد المتعلمين على التعلم الذاتي والتكوين المستمر ،باستثمار الوثائق
البصرية والسمعية والرقمية وكل الوسائل الديدكتيكية المتاحة.
وخالصة القول ،على الرغم من أهمية بيداغوجيا المجزوءات ،فما زالت
نظريتها غامضة ومبهمة وغير محددة بدقة .لذلك ،تبقى الممارسة متعثرة في
نظامنا التربوي المغربي الذي دائما يترقب ما يستجد في الساحة التربوية
الغربية ،والسيما التجربتين الفرنسية والكندية منها .وهكذا ،نجد أنفسنا ننتقل من
نظرية تربوية إلى أخرى دون استيعابها بشكل جيد لتطبيقها في مدارسنا بشكل
ناجع وفعال.
- 115أرسطو :فن الشعر ،ترجمة:عبد الرحمن بدوي ،مكتبة النهضة المصرية ،طبعة 1953م.
121
بالمنهاج ،والبرنامج ،والمقرر ،والكتاب المدرسي.وتقوم الوحدة بوظيفة الهيكلة
والتنظيم وفق أهداف عامة وخاصة ،أو وفق كفايات رئيسة ونوعية .ومن هنا،
فالوحدة التعلمية وظيفية ،مادامت تقوم بدور التنظيم والهيكلة .كما أنها وحدة
إجرائية وإنجازية مرتبطة بوظيفة التقويم.
وتتضمن الوحدة الدراسية -حسب أحمد أوزي " -مدخال ومتنا وخاتمة .في
المدخل يحدد المحتوى وأهدافه ،مع إجراء تقييم قبلي للطالب الذين تتوجه إليهم
الوحدة الدراسية.ويتضمن المتن مختلف المواد التعليمية النظرية أو التطبيقية أو
116
هما معا.أما الخاتمة فتتضمن تقييما بعديا".
وتتسم الدراسة بالوحدات " باإلحاطة والشمول ،وفي سبيل ذلك قد تتخطى
الحواجز الفاصلة بين فروع المادة الواحدة أو بين ميادين المعرفة وذلك تبعا
117
لنوع الوحدة".
ويذهب عبد الكريم غريب في كتابه (المنهل التربوي) إلى أن الوحدة التعلمية
"سلسلة ذات معنى من الخبرات وأنواع النشاط التعلمي ،تدور حول موضوع
دراسي أو مشكلة يهتم بها المتعلمون ويخططون لها بالتعاون فيما بينهم تحت
إشراف المدرس وتوجيهه.وهذا المفهوم لمعنى الوحدة يشير إلى أنها نوعان:
النوع األول هو وحدة المادة الدراسية ،والنوع الثاني هو وحدة الخبرة .ومحور
النوع األول هو المادة الدراسية ،بمعنى أن تقسم هذه المادة إلى محاور علمية
ذات أهمية خاصة لدى التالميذ ،بحيث يضم كل محور المعارف والحقائق
المتصلة به دون التزام بالحدود التي تفصل بين المواد المتعددة ،أو بين فروع
المادة الواحدة ،ودون رعاية كذلك للتنظيم المنطقي في أي مادة .أما محور
النوع الثاني ،فهو حاجة المتعلم ومشكالته التي يواجهها في البيئة التي يعيش
فيها .وهذا النوع أيضا اليعرف الفواصل بين المواد الدراسية أو المعارف
- 116أحمد أوزي:المعجم الموسوعي لعلوم التربية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء،
المغرب ،الطبعة األولى سنة 2006م ،ص.264:
-117الدمرداش سرحان ومنير كامل :المناهج،دار العلوم للطباعة ،القاهرة ،مصر ،الطبعة الثالثة
سنة 1972م ،ص.274:
122
اإلنسانية ،بل ينتفع بها جميعا في إشباع الحاجة أو حل مشكلة موضوع
118
الوحدة".
وبناء على ما سبق ،تعني الوحدة التعلمية أن المعرفة اإلنسانية واحدة ومترابطة
ومتكاملة وغير منفصلة .لذا ،البد من ربط المدرسة بالحياة ،كأن نربط
الوحدات التعلمية بالوضعيات الحياتية ومشكالت البيئة الطبيعية .عالوة على
ربط الوحدات باألنشطة ،وليس بالمعلومات والمعارف كما في المنهاج التربوي
التقليدي .ويعني هذا كله تحقيق مبدأ شمول الخبرة التعلمية ،ومراعاة األسس
السليمة في تقويم نمو المتعلم .ومن هنا ،تعني الوحدة الدراسية أن يقدم المدرس
للمتعلم المقرر الدراسي ومكوناته في شكل وحدات مترابطة بنيويا ونسقيا ،
ووفق نظام مجالي مترابط ومتماسك وموحد.
المطلب الثاني :أسس الوحدة ومرتكزاتها
تنبني الوحدة الدراسية والتعلمية على مجموعة من األسس ،منها ماهو لغوي،
ونفسي ،واجتماعي ،وتربوي ،ووظيفي...119ويعني هذا أن الوحدة عبارة عن
مضمون معرفي ،وشكل فني وجمالي يتخذ طابعا لغويا في شكل بنى صوتية،
وصرفية ،وتركيبية ،وداللية ،وبالغية ،وتداولية .ومن ثم ،يتخذ ملفوظ الوحدة
طابعا تلفظيا وصوتيا من جهة ،وطابعا كتابيا من جهة أخرى.
وأكثر من هذا تنسجم الوحدة الدراسية نفسيا مع ميول المتعلم وحاجياته
واتجاهاته ،وتبعث فيه العمل والحياة ،وتبعد عنه الملل والروتين والنفور .كما
تسهم الوحدة التعلمية في خلق نوع من التوازن التربوي بتوحيد المواد الدراسية
والتعلمية في بوتقة داللية ومجالية ومحورية واحدة .ويعني هذا أن هناك نوعا
من التنوع والتواتر والتوازن على مستوى تقسيم المجاالت التعلمية .كما تساعد
الوحدة الدراسية الوظيفية المتعلم على فهم المواد الدراسية ضمن إدراك كلي
نسقي غير منفصل وغير مفكك.
- 118عبد الكريم غريب :المنهل التربوي ،الجزء الثاني ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء،
المغرب ،الطبعة األولى سنة 2006م ،ص.968 :
- 119نهاد الموسى :األساليب مناهج ونماذج في تعليم اللغة العربية ،دار الشروق ،طبعة 2003م،
ص 57:ومابعدها.
123
ومن أسس الوحدة التعلمية كذلك توكيد وحدة المعرفة ،وربط الدراسة بالحياة،
وإقامة الدراسة على أساس النشاط ،وتحقيق مبدأ شمول الخبرة ،ومراعاة
األسس السليمة في تقويم نمو التلميذ.120
عالوة على ذلك ،تستند الوحدة الدراسية والتعلمية إلى مجموعة من المبادىء
التربوية والنفسية كمبدإ االنتقاء ،ومبدإ التقسيم ،ومبدإ االختيار ،ومبدإ الترتيب،
ومبدإ التدرج ،ومبدإ التخطيط ،ومبدإ التدبير ،ومبدإ التقويم ،ومبدإ التكامل،
ومبدإ التوازن ،ومبدإ التخفيف ،ومبدإ التنوع ،ومبدإ التواتر ،و مبدإ الترابط،
ومبدإ الوحدة ،ومبدإ التنظيم ،ومبدإ ربط الوحدة بالحياة...،
المطلب الثالث :أنواع الوحدات
يمكن تقسيم الوحدات التعلمية إلى نوعين رئيسين من الوحدات على النحو
التالي:
الوحدة القائمة على المادة الدراسية:
تدور الدراسة حول محور رئيس ،أو تنصب على مجال داللي معين ،في شكل
تيمات ومواضيع ومحاور ومفاهيم معينة .ومن ثم ،تشتمل الوحدة التعلمية على
مجموعة من المكونات والدروس والحلقات المترابطة .كما التؤمن الوحدة
التعلمية بالمواد المنفصلة أو الفروع الدراسية ،بل تدمج كل الدروس في بوتقة
مجالية واحدة .وقد يكون محور الوحدة موضوعا من موضوعات المادة
الدراسية (الماء في حياة اإلنسان) ،أو مفهوما من المفاهيم (التسامح) ،أو مشكلة
ما ( كيف يؤثر البترول في حياة سكان الشرق األوسط؟) ،أو قاعدة معممة
(تكاثر السكان يتطلب البحث عن موارد جديدة) ،وقد تكون الوحدة مسحية (
الحضارة اليونانية)...
الوحدة القائمة على الخبرة والنشاط:
- 121أمينة اللوه :الموجز في التربية وعلم النفس ،دار الكتب العربية ،الرباط ،المغرب ،د.ت،
ص.71:
125
ومما يؤخذ على المناهج التقليدية كذلك عدم وضوح األهداف سواء بالنسبة
للمدرس أو التلميذ وقد أدى ذلك إلى سيادة هدف واحد في ظل الدراسة التقليدية
أال وهو تحصيل المادة واالستعداد لالمتحان وعبودية الكتاب المدرسي.
ولمحاولة عالج كثير من نقائص الدراسة التقليدية وطرقها وما أدت إليه من
آثار بالغة المدى في حياة التالميذ ،ظهر التفكير في ضرورة تنظيم النشاط
التعليمي للتلميذ في صورة وحدات دراسية.وقد استهدفت الوحدات في أول
أمرها معالجة تفكك المنهج والعمل على إبراز وحدته ،ثم تطورت الوحدات
فأكدت أيضا أهمية ربط الدراسة بالحياة ،وإيجابية التالميذ ونشاطهم ،وعملت
122
على مساعدة المدرس على تحقيق األهداف التربوية بصورة أعم وأشمل".
ويعني هذا كله أن المواد الدراسية ،في المناهج التربوية التقليدية ،كانت
منفصلة عن بعضها البعض ،في شكل حصص ومواد تعلمية مستقلة " ،اليكاد
التلميذ يدرك العالقة بين فروع اللغة ،أو يستغل في التعبير ما تعلمه في حصة
القراءة ،أو مادرسه في حصة القواعد.
ولم يقف األمر عند هذا الحد ،بل تعداه إلى تحاجز بين موضوعات الفرع
الواحد .ففي علم النبات مثال ،يدرس التلميذ شكل الورقة في باب ،وتركيبها في
الداخلي في باب آخر ،ووظائفها في باب ثالث .ويترتب على ذلك أن يدرس
الموضوع الواحد بصورة مجزأة في أوقات متباعدة.وكأنما يفترض أن التلميذ
قادر على تجميع معلوماته حول الموضوع الواحد من هذه الدراسات المبعثرة
التي تعطى تحت ظروف مختلفة ،وهو مالم يقم على صحته دليل .فلو أنك سألت
تلميذا درس بالطريقة التقليدية عن المالءمة الوظيفية لورقة النبات ،لعجز عن
أن يربط بين شكل الورقة وتركيبها ووظائفها.
والوحدة الدراسية محاولة إلبراز ما بين فروع المعرفة اإلنسانية من ترابط
123
وتماسك".
- 124ميلود التوري :من درس األهداف إلى درس الكفايات ،مطبعة أنفوبرانت ،فاس ،المغرب،
الطبعة األولى سنة 2004م ،ص.58:
131
وخالصة القول ،من أجل تحقيق الجودة المتميزة في مجال التربية
والتعليم ،والوصول إلى األهداف المرجوة من العملية الديدكتيكية الهادفة
والبناءة ،البد من االهتمام بالمناهج والبرامج والمقررات والكتب المدرسية
،وإعادة النظر فيها.
والبد من وضع مجموعة من المعايير والمقاييس والمواصفات
الضرورية ،عند وضع المناهج والبرامج الدراسية ،قصد تأهيل تعليمنا
لكي يلتحق بركب التنمية والتطور واالزدهار .ومن أهم هذه المعايير:
األصالة والمعاصرة ،واالستجابة لحاجيات المجتمع ومؤسساته
االقتصادية ،واالنفتاح على مستجدات العلوم والفنون واآلداب
والتكنولوجيا ،مثل :الدول المتقدمة أو السائرة في طريق النمو ،كما هو
حال دول جنوب آسيا (الصين ،وهونغ كونغ ،وتايوان ،وسانغفورة،
وكوريا الجنوبية).
ومن األفضل أن تقوم هذه المناهج على فلسفة الكفايات استجابة لمتطلبات
السوق والعولمة ،ومراعاة متطلبات المقاولة المغربية أو المستثمرة داخل
المغرب.
إضافة إلى ذلك ،البد أن تنطلق هذه المناهج من فلسفة ميثاق التربية
والتكوين ،و تعمل على تشرب مرتكزاته ودعاماته ومبادئه لتخطي كل
العقبات واألزمات التي يعانيها التعليم المغربي ،علما أن الميثاق غني
بكثير من البنود والمقررات التي يمكن أن تسهم في إثراء منظومتنا
التربوية والتعليمية .كما ينبغي أن تتطور هذه المناهج بتطور الطرائق
البيداغوجية الحديثة بغية مواكبة التطور العالمي في مجال التواصل
واإلعالميات والتطور التقني.
ومع توقيع المغرب على اتفاقية الكاط ،واتفاقيات التبادل الحر الثنائية أو
الجماعية ،نرى أنه من الضروري أن يتحقق االنفتاح ،ومسايرة متطلبات
العولمة على مستوى البرامج والمناهج الدراسية.وال يعني هذا إهمال
الموروث المحلي الخصوصي والقيم الوطنية ،فال بد من تجزيء المناهج
والبرامج لتراعي ثالثة جوانب أساسية هي:
الثقافة العالمية ذات البعد اإلنساني؛
الثقافة الوطنية؛
الثقافة المحلية.
132
وال ننسى كذلك ضرورة مواكبة هذه البرامج والمناهج لمعايير التقويم
والدوسيمولوجيا الحديثة لكي تكون المحتويات والخبرات الديدكتيكية أكثر
إجرائية وتطبيقا ،وأكثر قابلية للمراجعة والنقد الذاتي والفيدباك.
وال يمكن أن يتحقق إصالح المناهج والبرامج إال بتوفير الوسائل المادية
والمعنوية والبشرية ،وإال سيبقى هذا اإلصالح الذي تتطلع إليه وزارة
التربية والتعليم إصالحا طوباويا دونكيشوتيا خياليا ،ال يعتمد على
مرتكزات حقيقية وواقعية وميدانية .وال ينبغي أن تكون هذه البرامج
والمناهج إمالءات من دول أجنبية أو من قبل دول المركز ،نخضع لها
باعتبارنا دوال محيطة متروبوليا أو اقتصاديا أو سياسيا(مثل التبعية
الفرنكوفونية) ،وأال تكون نتاجا للضغوط الدولية ،وشروط األبناك المانحة،
كالبنك الدولي ،وصندوق النقد العالمي .أي :أال يكون اإلصالح خارجيا.
وال يعني هذا أال نستفيد من خبرات الدول األجنبية ،بل علينا أن نلم
بتجارب الدول المتقدمة،كألمانيا ،والواليات المتحدة األمريكية ،وبريطانيا،
واليابان ،وخبرات التنينات األربعة.
ومن األحسن أن نراعي ،في وضع هذه البرامج ،نظام الوحدات
والمجزوءات( ،) les modulesوتحقيق التناغم والتكامل بين وحدات
المقرر والمواد المدرسة بغية خلق االتساق واالنسجام البيداغوجي ،تطابقا
مع فلسفة الكفايات والوضعيات .كما ينبغي أن تكون هذه البرامج والمناهج
واضحة ودقيقة وقابلة لألجرأة والتطبيق.
ومن أولى األوليات أن يستشير مسؤولو الوزارة المركزية -الذين تناط بهم
مهمة وضع البرامج والمناهج -مختلف الفاعلين التربويين كاألساتذة،
والمفتشين ،والمتمدرسين ،وأولياء التالميذ ،وكذلك األطر اإلدارية
والشركاء الذين تستوجبهم مدرسة الحياة( ،)la vie scolaireوأال يكون
تنزيل البرامج والمناهج بشكل عمودي.
ومن األفضل كذلك أن ترتكز هذه البرامج والمناهج التربوية على ثوابت
األمة كالدين والعربية واألمازيغية .أي :أن تستجيب لمكونات الدولة
المغربية دون إيديولوجية أو عرقية شوفينية ومزايدات سياسوية أو نقابوية
أو إسالموية ،ودون االنفصال عن المنظور اإلسالمي والعربي والقومي.
وعندما نصدر أي إصالح تربوي جديد أو أي تغيير،فالبد من تأهيل
األساتذة الستيعاب هذا اإلصالح ،عن طريق التكوين والتأطير والشرح
133
والتفسير واإلعالم ،وتمكينهم بكل المذكرات والقرارات الوزارية والجهوية
ليتمكنوا من تطبيق مقترحات الوزارة ،وأجرأة قراراتها ومذكراتها في
أحسن الظروف.
وفي األخير ،البد أن نشير إلى ما تم اإلشارة إليه سالفا ،وهو أن تتضمن
هذه البرامج والمناهج فلسفة وطنية قائمة على التواصل والتسامح واألخوة،
و تكون نابعة من التربة المحلية ومن الذات المغربية.
134
الفصل الثالث:
مفاهيم الديدكتيك
135
توطئة البد منها:
يشتمل علم الديدكتيك ( ،)Didactiqueأو التربية الخاصة ،أو العملية
التعليمية-التعلمية على مجموعة من المفاهيم والتصورات والدوال
األساسية التي تسعف الباحث في بناء معرفته في مجال التدريس والتكوين
والتعليم.ومن ثم ،فهناك مجموعة من المفاهيم الديدكتيكية الرئيسة التي
اليمكن أن يستغني عنها الباحث التربوي في تناول القضايا والمواضيع
والظواهر الديدكتيكية .ومن بين هذه المفاهيم التي ينبغي التوقف عندها
المفاهيم التالية:
136
وعليه ،فالمفهوم " نوع من التعميم القائم على التجريد للخصائص أو
العناصر المشتركة بين عدة أشياء أو مواقف أو ظواهر.وبناء على ذلك
يمكن تعريف المفهوم بأنه صورة ذهنية لمجموعة حقائق يعبر عنها بكلمة
أو مصطلح أو رمز ،فالتعريف بالكلمة أو الرمز أو المصطلح هو الداللة
اللفظية للمفهوم"125.
ويعني هذا أن المفهوم تصور سيميائي عام ومشترك قائم على التجريد،
واإلطالق ،والتدالل ،والتعميم ،وذهنية الصورة...
ويستند المفهوم إلى مجموعة من الخصائص والمميزات التي تفرده عن
باقي الدوال والتصورات األخرى ،ويمكن تحديدها فيما يلي:
التجريد :هو أن يقوم الذهن بهدراك الخصائه الثابتة المشتركة بين
طائفة من األشياء ،أو عبارة عن تصور أو تمثل مجرد عام .وهو يشتمل
على عدد معين من الصفات المستخلصة أو المجردة من تمثل.أي:
الصفات التي يتشرك فيها مجموعة من أفراد العينة الواحدة أو جنس
واحد عام .فمفهوم القلم يتضمن مجموعة من الصفات ككونه مصنوعا
من مادة البالستيك مثال ،ومنتهيا بريشة ثابتة ،ومشتمال على مستود،
الحبر .وتستخله هذه المواصفات من مجموعة من أقالم الحبر
المعروفة.
إذا ،يمثل المفهوم فئة من األشياء تشترك في هذه الصفات والخصائه
والقواسم المشتركة .ومن هنا ،فالمفهوم عبارة عن تصور
ا Compréhension ou Connotationيطلق على مجمو ،الصفات
التي يجمع بينها التصور.أما ماصدق) (Extensionالتصور ،فهو
مجمو ،األفراد الذين يصدق عليهم.والتصور عالقة بين ما صدق
- 125محمد حمد الطيطي :البنية المعرفية الكتساب المفاهيم تعلمها وتعليمها ،دار األمل
للنشر والتوزيع ،إربد ،األردن ،طبعة 2010م ،ص.47:
137
ومفهوم .ومن هنا ،فالمفهوم عبارة عن صفات ودوال ذهنية مجردة
تنطبق على مجموعة من األشياء واألفراد والكائنات الحية والجامدة.126
التعميم :يقصد به تطبيق المفهوم على كل األفراد التي تشترك في
الخصائه نفسها.
التضمن :هو مجموعة الصفات والخصائص التي تعدين معندى الحدد أو
المفهددوم ،وتكشددف محتددواه ومضددمونه.وللتمثيل ،فكلمددة إنسددان حددد ،أو اسددم
كلدددي ،أو مفهدددوم يتضدددمن عددددة معددداني قائمدددة فدددي الدددذهن :حيدددوان نددداطق،
اجتماعي ،تقني ،إلخ ...أمدا الشدمول ،فهدو مجموعدة األفدراد التدي يمكدن أن
يصدق عليها الحد أو االسم الكلي طبقا للصورة التدي حدددنا بهدا مضدمونه،
فإذا كان التضمن يتعلق بالصدفات ،فدإن الشدمول هدو طائفدة األفدراد كعلدي،
وعثمددان ،ومصددطفى ،ومحمددد ،وزهير...ويسددمى الشددمول عنددد المناطقددة
بالماصدق.127
الخاصية الذهنية :ويعني هذا أن الذهن يقوم بتجريد المفاهيم والمعاني.
خاصية التصور:ويقصد بالتصورات تلك األلفاظ أو المعاني والمفاهيم
العامة 128التي يجري عليها االستدالل ،مثل :إنسان ،ومحفظة ،وكرسي،
وتلميذ ،وفان...ومن هنا ،فالتصورات ،سواء أكانت بسيطة أم مركبة ،هي
التي نعبر عنها في اللغة باأللفاظ ،وفي المنطق بالحدود ،فكل لفظ يدل على
معنى محدد.وإذا كانت التصورات نتاج عالم المثل حسب أفالطون ،فإنها
مرتبطة ،عند أرسطو ،بالواقع المحسوس؛ حيث ينتجها العقل اإلنساني
- 126بول موي :المنطق وفلسفة العلوم ،ترجمة :فؤاد حسن زكريا ،دار نهضة مصر،
القاهرة ،د.ت ،ص.31 :
- 127الماصدق( )L’éxtensionهم األفراد الذين يصدق عليهم التضمن ،أو هو كل ما
ينطبق عليه المفهوم ،تاليا هو الفرد أو مجموعة األفراد أو الجزئيات التي يصدق عليها
المفهوم (اللفظ).وللتمثيل :ماصدق لفظ معدن :الفضة ،والذهب ،والحديد ،والنحاس،
والرصاص ،والقصدير...وتدل ما على الذي ،وصدق على كلمة تدل.
وماصدق لفظ حيوان :اإلنسان ،الطير ،الزواحف ،النمر...
- 128المفهوم تصور مشترك ينطبق على عدد غير معين من األفراد والصور.
138
(مثل :اإلنسان عاقل 129
عبر عمليتين عقليتين هما :التجريد والتعميم
وناطق).
إذاً ،تتحدددد المفدداهيم 130والحدددود بتبيددان العددرض مددن الثابددت ،ويكددون ذلددك
بدددالتعريف الجدددامع المدددانع .والينصدددب التعريدددف إال علدددى األسدددماء الكليدددة
كإنسان ،وحديد ،وشدجر....أما األسدماء الجزئيدة ،فالتددل إال علدى موجدود
مفرد ومشخص ،كعثمان ،وعلي ،ومحمد...
وعليه ،فالمفهوم هو ما يدركه العقل من حقائق األشياء .وهو أيضا تصور
مشترك ينطبق على عدد غير معين من األفراد والصور.
ومن جهة أخرى ،يعني المصطلح ( )Termeذلك المعنى المشترك ،وهو
جزء من المفهوم .ويتميز بطابعه االتفاقي الخاص الذي يتغير من كينونة
بشرية ومجتمعية إلى أخرى .ويعني هذا أن المصطلح خاضع للعالقة
االعتباطية بين الدال والمدلول .وهو كذلك بمثابة المفاتيح واألدوات
العلمية اإلجرائية التي يستعين بها الباحث لتفكيك موضوع ما أو بنائه من
جديد.
وإذا كانت المفاهيم عامة ومجردة ،فإن المصطلحات خاصة وقابلة للتمثل
والتطبيق واالستيعاب بسرعة .وللمصطلح وظائف رئيسة كتوصيف العلم
ونقله وتأسيسه .ولكل لعلم مصطلحاته الخاصة .
أما فيما يخص التعريف ،فهو مصطلح منطقي ذهني يقوم على الفصل
والنوع .فعندما نقول :اإلنسان حيوان ناطق ،فلقد جئنا بصفة مانعة وهي
النطق التي التتوفر في الحيوان ،ويسمى هذا بالفصل.وقد يتوفر النوع
على بعض الصفات التي التدخل في جوهر اإلنسان ،واليوصف بها،
- 129التجريد هو أن يقوم الذهن بإدراك الخصائص الثابتة المشتركة بين طائفة من
األشياء.في حين ،يقصد بالتعميم تطبيق المفهوم على كل األفراد التي تشترك في الخصائص
نفسها.
- 130المفهوم ( )Compréhensionهو مايدركه العقل من حقائق األشياء.
139
فالتخرج عن أن تكون خاصة به كالضحك ،أو من األعراض العامة التي
يشترك فيها اإلنسان مع غيره كالمشي واألكل وما إلى ذلك ،واليعتد بها
كثيرا في تعريف األشياء تعريفا تاما ،فالتعريف التام عند األرسطيين اليتم
إال بالجنس والفصل.
ويسمى االسم الكلي القابل للتعريف عند المناطقة نوعا ،وهو معنى عدام أو
حقيقددة واحدددة مشددتركة تنطبددق علددى أفددراد يختلفددون عددن بعضددهم بددذواتهم،
مثددل :اإلنسددان .وعندددما نقددول :اإلنسددان حيددوان ،فقددد انتقلنددا إلددى معيددار
الجنس.وفي هذا ،يتشترك اإلنسان مع القردة ،والنمل ،والطيور...
- 131ابن يعيش محمد :مفاهيم أساسية في علم النفس االجتماعي ،مطبعة تطوان ،المغرب،
الطبعة األولى سنة 2015م ،ص.231:
132
; - Durkheim, L’éducation morale, 1902-1903, PUF, nouv.éd.1963
Éducation et sociologie, 1922. PUF, nouv.éd.1966.
133
-Moscovici S., 1961, la psychanalyse, son image et son public.
Presse Universitaire de France : Paris.
134
-Piaget, J. (1996). Le structuralisme. Paris : Presses universitaires
de France.
141
تعني التمثالت تلك المعارف العامية العادية التي يكتسبها الفرد ،وهو
يتكيف مع الطبيعة ويتأقلم معها للتعلم منها .ومن ثم ،تتقابل التمثالت مع
المعرفة العلمية اليقينية .وإذا كانت التمثالت قائمة على الظن والتخمين
واالحتمال وبادىء الظن ،فإن المعرفة العلمية يقينية قائمة على التجريب
والبرهان واالستدالل.
وتتحقق التمثالت عبر التشكيل والفنون الجميلة واألعمال اليدوية ،ومن
خالل الصور واأليقونات السيميائية والمشخصة ،و بتجريد المدركات
الحسية .وتتحول اللغة واألشياء معا إلى صور وتمثالت مجردة افتراضية،
يلتقطها الذهن البشري أو العقل المعرفي ليحولها إلى صور مفهومة
ومعلومات ومعارف وبيانات متنوعة أو واضحة ،يخزنها الدماي البشري
في الذاكرة ،أو يخضعها لإلدراك ،والوعي ،والتفسير ،والتحليل،
والمعالجة المعرفية.
ويدل التمثل ،في المعنى السيكولوجي " ،135على استحضار موضوع
غائب إلى الذهن ،موضوع غير واقعي أو يتعذر إدراكه بكيفية مباشرة ،
ولكن وعيه أو تصوره ذهنيا ممكن ،وقد يشمل التمثل عدة صور.وهو
كالصورة يمكن تركيبه بواسطة الفاعلية الذهنية.كما يمكنه أن يستدعي
موضوعا غائبا...ورغم أن هذا المفهوم يستخدم في عدة علوم فإنها تكاد
تتفق على اعتباره نتاج عملية تفاعل بين المعطى النفسي والمعطى
االجتماعي ،سواء تعلق األمر بتمثل الذات أو الموضوع أو تمثل اآلخر،
كما تتفق مختلف الدراسات على اعتبار أن التمثل يقوم بدور الوسيط
( )Médiateurفي التفاعالت التي تتم على مستوى الفرد صورة الذات أو
135
-Denis, M. (1999). Représentation mentale. In H. Bloch, R.
Chemana, E. Depet, A. Gallo, P. Lecomte, J.-F. Le Ny, J. Postel et M.
Reuchlin (dir.), Grand dictionnaire de la psychologie (p. 779-780).
Paris : Larousse-Bordas.
142
على مستوى التفاعل بين األفراد أو بين الجماعات االجتماعية أو على
مستوى المجتمع بشكل عام.
ويعد التمثل أحد الميكانيزمات التي تساعد الفرد على التكيف والتواصل
مع جماعته المرجعية.لذلك قد تكون بعض التمثالت الشائعة في الثقافة
136
التي تتداولها وسائل اإلعالم وسيلة من وسائل ربط الفرد بجماعته"...
ومن جهة أخرى " ،يعتمد التمثل باعتباره عملية ذهنية تركيبية -على
جهاز نفسي بشري يستمد معطياته من الواقع انطالقا من المعلومات التي
يتلقاها الفرد من عدة مصادر كالحواس والخبرات التي تجتمع لديه
وتختزنها ذاكرته ،ومن المعلومات التي يستقيها عن طريق العالقات التي
يربطها بغيره من األفراد أو الجماعات.ومجموع هذه المعلومات أو
الخبرات تصنف وتنظم في شكل نسق ذهني عام ومتماسك بكيفية تسمح
للفرد فهم العالم المحيط به أو أحد محتوياته ،مما يجعل الفرد قادرا على
التأثير فيه والتكيف معه.ومهما كان نصيب التمثل من الصحة أو الخطأ
فهو يتم وفق تشكالت نفسية واجتماعية محددة التنفصل عن
بعضها.والتمثل يشمل ظاهرتين سيكولوجيتين هما مضمون الفاعلية
الذهنية من جهة ،والعمليات الذهنية الخاصة المرتبطة بهذه الفعالية من
137
جهة ثانية"...
ومن هنا ،فالتمثالت عبارة عن قيم ومعتقدات وأفكار ومفاهيم وصور
وخلفيات وإحاالت يؤمن بها الفرد تمثال واقتناعا وتطبيقا ،بترسيخها
وتخزينها شعوريا والشعوريا ،مع توظيفها في الوقت المالئم لالنفتاح على
الذات من جهة ،أو فهم الواقع الخارجي الموضوعي من جهة أخرى.
المطلب الثالث :مكونات التمثالت
- 136أحمد أوزي :المعجم الموسوعي لعلوم التربية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء،
الطبعة األولى سنة 2006م ،ص.114-113:
- 137أحمد أوزي :المعجم الموسوعي لعلوم التربية ،ص.114 :
143
يستند التمثل ( )Représentationإلى مكونات ثالثة ،يمكن حصرها
فيما يلي:
عملية التمثل نفسها التي تتمثل في الكتابة واستخدام الرموز والصيغ
اللفظية في ترجمة التمثالت واستعمالها وتمثلها ،والتعبير عن المدركات
الذهنية ،وتحويلها إلى معارف حسية؛
الموضوع المتمثل ( ،)Représentéويكون باستحضار الذات
واألشياء والموضوعات المدركة ،وتحويلها إلى قوالب معرفية ومدركات
مفهومة يمكن التعبير عنها أو استعمالها؛
العالقة التمثلية( ،)Relation de représentationوهي تلك
العالقة التي تجمع بين عملية التمثل نفسها والموضوع المتمثل.
إذاً ،هناك عوالم ثالثة تتعلق بعملية التمثل :عالم الشخص المتمثل (بكسر
الثاء) ،والعالم المتمثل(بفتح الثاء) ،والعالقة التمثلية التي تجمع بينهما.
ومن هنا ،فالتمثل عبارة عن عملية ذهنية وعقلية ومنطقية تندرج ضمن
علم النفس المعرفي .ولهذا المفهوم عالقة وطيدة ووثيقة بعملية التعلم
واالكتساب واالستحضار واإلدماج.
المطلب الرابع :أنواع التمثالت
يمكن الحديث عن أنواع عدة من التمثالت ،مثل :التمثالت الفطرية
الوراثية ،والتمثالت المكتسبة من الواقع والتجربة .فضال عن التمثالت
القبلية واآلنية والبعدية .وهناك أيضا التمثالت االجتماعية ،والتمثالت
النفسية ،والتمثالت الثقافية ،والتمثالت العلمية ،والتمثالت البيداغوجية،
والتمثالت الديدكتيكية ،والتمثالت القيمية ،إلخ...
وثمة تمثالت صورية تتعلق بالمورفولوجيا كالشكل ،والحجم ،والبنية...؛
وتمثالت مفهومية مرتبطة باللغة واللفظ كالسعادة ،والحق ،والعدالة...،؛
144
وتمثالت عملية إنجازية تسعفنا في مواجهة وضعيات مهنية عملية؛
وتمثالت تتعلق بأشياء لم يسبق لنا إدراكها؛ وتمثالت ترتبط بأشياء مدركة
قبليا...
المطلب الخامس :التمثالت الديدكتيكية
يرى التجريبيون أن اإلنسان يولد صفحة بيضاء.في حين ،يولد هذا
اإلنسان -حسب الفالسفة العقالنيين -مزودا بمجموعة من الملكات
الفطرية والعقلية والوراثية التي تسعفه في إدراك هللا ،والذات ،والعالم،
والوجود .ويعني هذا أن اإلنسان ،وخاصة عندما يكون كبيرا في السن،
يملك تمثالت وتصورات عميقة حول الحياة والوجود ،مادام قد احتك
بالحياة وخبرها جيدا ،واستفاد من تجاربها وخبراتها ووضعياتها.وعندما
يواجه الوضعيات والمشاكل ،فإنه يستخدم تمثالته ،ولوكانت عامية دون
التمثالت العلمية اليقينية .ويعني هذا أن اإلنسان قد يتعلم بالتمثالت ،وإن
كانت خاطئة ،فإنه سيصححها أو يعدلها .وإن خالفت ماهو علمي
وتجريبي ،فسيلغي تمثالته الخاطئة ،ويستبدلها بتمثالت علمية يقينية.
واليقتصر هذا على الكبار فقط ،بل نجد هذه التمثالت عند المتعلمين
والمدرسين أنفسهم ،فإنهم يصدرون عن تمثالت قد تكون صحيحة أو
خاطئة حسب طبيعة النقل الديدكتيكي ،أو حسب تعاملهم مع المعارف
والحقائق والمفاهيم والتصورات والخبرات والتجارب .ومن هنا ،البد
للمدرس والمتعلم معا من تعديل تمثالتهما أو تصويبها أو تثبيتها أو حذفها
أو إلغائها .لذا ،البد من إخضاع المدرس والمتعلم للتحليل النفسي ،كما
يقول باشالر ،للتأكيد على أن اإلنسان يخطىء ،وليس هناك من هو
معصوم من األخطاء ،فالبأس ،إذاً ،من تصحيح التمثالت الموروثة أو
المكتسبة وتعديلها أو تصحيحها أو إلغائها.
وبناء على ما سبق ،تعني التمثالت الديدكتيكية استحضار المتعلم لمجموعة
من األشياء والمواضيع من جديد في أثناء مواجهة الوضعيات التعلمية
145
الصعبة والمعقدة والمركبة ( ،)Représenterأو االستعانة بها وتمثلها
تطبيقيا في حل المسائل التي تقدم للمتعلم بصفة خاصة.
ومن هنا ،فلقد أصبح مفهوم التمثل من اآلليات الجوهرية التي يعتمد عليها
علم الديدكتيك ،على أساس أن المتعلم يتعلم بالتمثالت التي تتحقق عنده بما
اكتسبه من موارد ومواقف وقدرات وكفايات ودرايات ومهارات سابقة
بغية استضمارها واستدماجها في أثناء تواجده أمام وضعيات صعبة
تتطلب منه أن يجد لها حال مالئما .138و يدل توظيف المتعلم لتمثالته
الصحيحة على مدى كفاءته وصحة مؤهالته .ومن هنا ،تقوم التمثالت
بدور الوساطة في التعلم واالكتساب وتحصيل الكفايات والقدرات التعلمية.
فضال عن دور المماثلة والتكيف والتأقلم مع البيئة أو المحيط التعلمي عن
طريق المالءمة والمشابهة واالستيعاب والتمثل والمواجهة المعرفية.
عالوة على ذلك ،تعني التمثالت مواضيع التعلم واالكتساب الذهني ،أو
هي بمثابة وسائل التعلم واكتساب المعرفة .ومن ثم ،فالتمثالت من آليات
التعليم والتعلم في آن معا .وتعد التمثالت بالنسبة للمدرس وسيلة لتحليل
الواقع الصفي للمتعلمين من أجل بناء التعلمات وتدبيرها وتقويمها .وقد
يكون التمثل بواسطة العصف الذهني القائم على التفكير العميق بحثا عن
مختلف الحلول الممكنة .ومن هنا ،فالعصف الذهني هو" أسلوب تعليمي
يقوم على حرية التفكير ،ويستخدم من أجل توليد أكبر كم من األفكار
لمعالجة موضوع من الموضوعات المفتوحة من المعنيين بالموضوع
138
- Sarrazy, B. (2002). Représentation versus modèle implicite dans
l’analyse des phénomènes d’enseignement : analyse didactique et
épistémologique des enjeux praxéologiques de cette distinction. In J.
Ardoino et G. Mialaret (dir.), L’année de la recherche en sciences de
l’éducation 2002. Des représentations (p. 91-125). Vauchrétien :
Presses de La Botellerie.
146
خالل جلسة قصيرة ، 139".وقد يكون التمثل بواسطة حل المشكالت ،وهي
تلك المهارة التي " تستخدم لتحليل ووضع إستراتيجيات تهدف إلى حل
سؤال صعب أو موقف معقد أو مشكلة تعيق التقدم في جانب من جوانب
الحياة ،أو إنها عبارة عن إيجاد حل لمشكلة ما تواجه الفرد أو
الجماعة ،"140وقد يكون التمثل باستحضار التصورات القبلية ،أو
استدعاء مواضيع وأشياء غائبة ،وقد يكون أيضا بإدراك مواضيع حاضرة
باستحضار أشياء غير حاضرة .وقد أثبت جان ميني ()Jean Migne
ضرورة " انطالق التعليم من تمثالت التالميذ باعتبارها تصورات قبلية
حول مختلف موضوعات المعرفة ( )...وضرورة تغيير دور األستاذ من
141
مرسل للمعارف إلى منشط للمجموعة التي تتكون منه ومن تالميذه".
وتعني التمثالت الديدكتيكية أيضا إدراك المعاني المجردة ،ومواجهة
الوضعيات والمواقف الحياتية الصعبة والشائكة .كما أنها عبارة عن
تصورات ذهنية وتعلمية حول شيء أو موضوع معين .وبالتالي،
فالتمثالت هي تلك المعاني التي يخلقها العقل البشري من أجل إدراك العالم
الخارجي وتمثله ،أو هي عبارة عن عمليات ذهنية يقوم بها العقل إلدراك
المعاني المجردة .ومن هنا ،فالتمثالت عبارة عن صور ومواقف سلوكية
يتمثلها الفرد المتعلم في وضعيات معينة للمواجهة واالستجابة تجاه
مثيرات داخلية وخارجية في أثناء االحتكاك بالعالمين الداخلي والخارجي .
وتعني التمثالت الديدكتيكية كذلك "مجموع المعارف والتصورات التي
يمتلكها المتعلم ،في وقت محدد ،حول األشياء واألحداث والقوانين
والمفاهيم.وتتكون بفعل تعلمات وخبرات سابقة مرتبطة أساسا بالمحيط
- 139مندور عبد السالم فتح هللا :تنمية مهارات التفكير ،دار النشر الدولي ،الطبعة األولى
سنة ،2008ص.204:
- 140سعادة جودت أحمد :تدريس مهارات التفكير ،دار الشروق للنشر والتوزيع ،الطبعة
األولى سنة 2015م ،ص .48:
- 141العربي اسليماني :المعين في التربية ،المطبعة والوراقة الوطنية ،مراكش ،المغرب،
الطبعة األولى سنة 2018م ،ص.327:
147
المباشر للطفل ،ونتيجة للتفاعل المستمر مع محيطه الطبيعي
واالجتماعي.فهي بفعل ما يسمى بآلية الترسيخ ،تصبح جزءا من بنيته
الفكرية والذهنية والوجدانية والمهارية.
وتكون هذه البنية القاعدية سابقة لوضعية التعلم ،ويمكن اعتبارها معارف
أولية ،مهيكلة بشكل ما ،وناتجة عن تصورات لواقع أو تجارب عاشها
الطفل أو خضع لها.فهي تمثل ما يمكن تسميته بالشعور معرفي.وبهذه
الصفة ،فهي التبرز إال تحت تأثير تحريضي ناتج عن وضعية مثيرة،
142
عفوية أو مفتعلة".
ومن هنا ،فالتمثالت وسيلة من وسائل التعلم والتكوين واكتساب الخبرات
واستحضار األشياء من جديد .وقد تكون هذه التمثالت ذهنية وفطرية
ومكتسبة على حد سواء .ومن ثم ،فهي تلك الصور التي نسبغها على
العالم الخارجي ،بمختلف عناصره ومكوناته وفئاته ،في شكل تصورات ،
وأفكار ،ورموز ،واتجاهات ،وميول ،ومواقف ،وأحكام...143
وقد تعني التمثالت الديدكتيكية كذلك تحويل المدركات المجردة إلى
مدركات حسية ،والعكس صحيح أيضا ،أو هي عبارة عن تلك الصورة
اإلدراكية التي يرسمها المتعلم للعالم الظاهر الذي يعيش فيه ،وهو
مشخص أمام أعينه .وغالبا ،ما تكون تلك التمثالت عبارة عن حقائق
وأفكار غير مكتملة تحتاج إلى شرح ،وتوضيح ،وتحليل ،وبرهان،
واستدالل...ومن هنا ،فقد تكون التمثالت التي يدركها المتعلم حول الذات
- 142التومي عبد الرحمن وملوك محمد :المقاربة بالكفايات :بناء المناهج وتخطيط
التعلمات ،مطبوعات الهالل ،وجدة ،المغرب ،طبعة 2006م ،ص.87:
143
-Janvier, C. (1994). Contextualisation et représentation dans
l’utilisation des mathématiques. In C. Garnier, N. Bednarz et I.
Ulanovskaya (dir.), Après Vygotski et Piaget : perspectives sociale et
constructiviste. Écoles russe et occidentale (p. 129-147). Bruxelles :
De Boeck.
148
أو المواضيع الخارجية إما تمثالت صحيحة ويقينية ،وإما تمثالت زائفة
ومشوهة وغير حقيقية...
ومن هنا ،يتبين لنا أن التمثالت من آليات التعلم على مستوى السيكولوجيا
الذهنية أو المعرفية .144وتعد أيضا بمثابة وساطة تعلمية تسعف المتعلم في
استحضار المكتسبات السابقة لمواجهة المواضيع الجديدة أو المواقف
الصعبة .ويكتسب المتعلم هذه التمثالت من خبراته الذاتية ،ومن محيطه
الخارجي ،ومن معرفته الخاصة ،وثقافته المحلية ،والوطنية ،والقومية،
والكونية...
عالوة على ذلك ،فاالنطالق من تمثالت المتعلمين "لبناء معارف ومفاهيم
جديدة أمر ضروري من الناحية البيداغوجية والديدكتيكية؛ ألنها تلقي
الضوء على طبيعة التصورات الذهنية القبلية لدى المتعلم ،والتي تدخل في
تفاعل مستمر خالل عملية بناء المفاهيم الجديدة.ويمكن أن تتخذ التمثالت
في سياق وضعية تعلمية أوضاعا مختلفة ،فقد تكون صحيحة ،فتشكل
أساسا للمعرفة الجديدة ،وفي هذه الحالة يتم تعزيزها وإغناؤها ودعمها،
وقد تكون خاطئة ،فيتم تصحيحها وإعادة بنائها من أجل استيعابها وبناء
معرفة صحيحة منظمة ومدمجة في البنية المعرفية للمتعلم.ويمكن أن
تشكل عوائق كبيرة تحول دون فهم وضعية التعلم.وفي هذه الحالة ينبغي
145
تتبع تطورها وتغييرها كليا إلحداث قطيعة إبستمولوجية معها".
وللتمثالت أيضا دور إيجابي مهم ومثمر في تطوير مقاربة الكفايات
وإرساء بيداغوجيا اإلدماج؛ ألنها تساعد المتعلم على استحضار موارده
ومواقفه وقدراته وكفاياته ودراياته وتجاربه لمواجهة الوضعيات الصعبة
144
-Goldin, G.A. et Janvier, C. (1998). Representations and the
psychology of mathematics education. The Journal of Mathematical
Behavior, 17(1), 5-24.
- 145عبد الرحمن التومي :الجامع في ديدكتيك اللغة العربية ،مطبعة المعارف ،الرباط،
المغرب ،الطبعة الثانية سنة 2016م ،ص.21:
149
والمعقدة والمركبة التي يجابهها في حياته الدراسية أو الطبيعية أو المهنية.
وقد تسعف التمثالت المتعلم في بناء التعلمات من بداية الدرس حتى نهايته.
كما تقوم بدور تواصلي فعال داخل الفضاء الدراسي ،قد تجعل المتعلم
يعدل تمثالته أو يصححها أو يقومها ذاتيا وجماعيا و تبادليا .
المطلب السادس :مواقف مختلفة من التمثالت
يمكن الحديث عن مواقف متباينة من التمثالت المعرفية والديدكتيكية.
فهناك من يعد التمثالت أداة إيجابية لبناء التعلمات الديدكتيكية كما عند جان
بياجيه) (Piagetوإنهيلدر( ،)Inhelderمثال .146فمن خالل التمثالت
المتشابهة أو المستحضرة ،يستطيع المتعلم التكيف مع المواقع أو المحيط
الخارجي باستحضار ما تعلمه واكتسبه من خبرات وتجارب ذاتية
وموضوعية .والشيء نفسه نجده عند روجرز كزافيي ( Xavier
147)Roegiersصاحب بيداغوجيا اإلدماج الذي يرى أن التمثالت تسعف
المتعلم في إدماج موارده المكتسبة لحل الوضعيات الصعبة والمعقدة
والمركبة .ومن هنا ،نقول :إننا نتعلم من خالل تمثالتنا التي ترسخت في
أذهاننا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ،أو بطريقة واعية أو الشعورية.
وقد نتعلم انطالقا من تمثالتنا الفطرية والمكتسبة ،أو بفضل تمثالتنا كما
يرى ذلك غانيي(.148)Gagné
وفي المقابل ،هناك من يعدها عائقا إبستمولوجيا سلبيا كغاستون باشالر
( ،)Gaston Bachelardعلى أساس أن المعرفة العلمية اليقينية
146
- Piaget et Inhelder .B (1948) : La représentation de l’espace
chez l’enfant, P.U.F, Paris.
147
-ROEGIERS, X. Des situations pour intégrer les acquis.
Bruxelles : De Boeck Université.2003.
148
-Gagné R.M (1994) : les principes fondamentaux de
l’apprentissage : Application à l’enseignement, TRad par Robert
Brian et Raymond Paquin, HRW Ltés Montréal.
150
والحقيقية اليمكن إرساؤها إال بإحداث قطيعة إبستمولوجية مع التمثالت
والمعتقدات والمعارف السابقة الموروثة المبنية على الظن واالحتمال
والتخمين والشك .وهكذا ،يعد باشالر التمثالت الموروثة بمثابة عائق
معرفي ،يمكن التخلص منه أيما تخلص من أجل تكوين معرفة علمية
صحيحة وبناءة .فال يمكن -علميا -بناء معارفنا واستدالالتنا واستقراءاتنا
وأقيستنا الرياضية والمنطقية والعلمية على مجموعة من اآلراء الشخصية
والتمثالت الواهية ،والمعتقدات العامة أو الخاصة ،أو االنطباعات
المشتركة والحدوس المشوهة؛ لكونها آراء ذاتية شخصية نابعة من
الوجدان والقلب والعاطفة ،ومرتبطة بالمنافع البشرية والمصالح
اإليديولوجية .بينما الحقيقة العلمية نموذج للمعرفة الموضوعية التي تقوم
على الحجاج االستداللي ،والتماسك المنطقي ،والمعرفة الحقة ،
واالستنتاج المتماسك نظريا وتطبيقيا.وفي هذا ،يقول باشالر ":الرأي نوع
من التفكير السيئ ،بل إنه ليس تفكيرا على اإلطالق.إنه يترجم الحاجات
إلى معارف من خالل تعيينه لألشياء وفق منفعتها ،ومن ثم ،يحرم نفسه
من معرفتها.إننا ال نستطيع أن نؤسس أي شيء كيفما كان انطالقا من
الرأي .ولذلك ،يجب القضاء عليه أوال .إن التفكير العلمي يمنعنا من تكوين
رأي بخصوص مسائل ال نفهمها ،أي بخصوص مسائل ال نعرف كيفية
صياغتها بشكل واضح .إذ ينبغي في البداية معرفة كيفية طرح المشاكل.
وهذا المعنى الذي تتخذه المشكلة هو الذي يمنح العقل العلمي خاصيته
149
الحقيقية".
وهكذا ،يرفض غاستون باشالر االعتماد على الرأي الشخصي والتمثالت
الموروثة؛ ألن ذلك ال يجدي ،بأي حال من األحوال ،في ميدان المعارف
العلمية .لذلك ،يستبدله بالحقيقة اليقينية القائمة على البرهان العقالني
149
- Bachelard: la formation de l’esprit scientifique, ED.Vrin 1970,
pp: 13-14.
151
نظرية وتطبيقا .وما يريد أن يقوله باشالر ،فيما ذهب إليه من آراء ،أننا
نتعلم ضد تمثالتنا.
ومن جهة أخرى ،يمكن الحد من التمثالت الواهية العامية التي تسيء إلى
المعرفة العلمية الموضوعية ببيداغوجيا التعديل والتصويب والتصحيح ،
أو ببيداغوجيا اإللغاء والتشطيب والحذف.
ويمكن الحديث كذلك عن موقف وسطي ثالث ،يعطي أهمية للتمثالت في
بناء المعرفة الديدكتيكية والتربوية ،بشرط أن تكون موافقة لشروط
المعرفة العلمية الصحيحة ومواضعاتها الصارمة والدقيقة والمضبوطة.
وخالصة القول ،يتبين لنا ،مما سبق ذكره ،أن التمثل عملية عقلية وذهنية
ومعرفية ،يستعين بها المتعلم إلدراك الذات والموضوع واآلخر ،وتساعده
على التعلم بالوساطة وفق االستحضار المتشابه ، 150أو االستحضار
المتماثل ،أو استحضار الغائب لمواجهة الجديد .ومن ثم ،تعد المقاربة
بالكفايات وبيداغوجيا اإلدماج من الطرائق التربوية التي تعتمد ،بشكل
واضح ودقيق ،على مفهوم التمثالت في إرساء التعلمات تخطيطا،
وتدبيرا ،وتقويما.
150
-Greer, B. et Harel, G. (1998). The role of isomorphisms in
mathematical cognition. The Journal of Mathematical
Behavior, 17(1), 5-24.
152
مناقشتها أو محاورة صاحبها ،وينتج عن ذلك أن المتعلم ذات متلقية فقط
تحشى بالمعلومات والمعارف ،فإن المقاربة بالكفايات تتميز بالتركيز على
التفاعل اإليجابي بين أقطاب ثالثة :المعلم ،والمتعلم ،والمعرفة.
وعليه ،تتحول المعرفة ،في البيداغوجيا الكفائية ،إلى وضعيات إجرائية
تطبيقية ،في شكل مشاكل وعوائق ومسائل معقدة ومركبة ،تستوجب
الحلول التعلمية المالئمة والناجعة والهادفة .ومن ثم ،تنطلق هذه المعرفة
من المقررات والمحتويات والمضامين ،في ضوء مجموعة من الكفايات
األساسية والوضعيات -المشكالت .ويعني هذا أن المعرفة مرتبطة
بالكفايات والوضعيات على حد سواء.
أما مهمة المعلم التربوية ،فتتمثل في تحضير الوضعيات التي تجعل
المتعلم يستضمر قدراته الذاتية لمواجهة هذه الوضعيات المركبة والمعقدة.
وعالوة على ذلك ،فللمدرس أهداف ثالثة :فهو يساعد المتعلم على تحديد
المشكلة أو موضوع الوضعية ،ثم يوجهه إلى الموارد التي ينبغي
استثمارها في حل هذه المشكلة ،ثم يساعده على تنظيم موارده بكيفية الئقة
وهادفة .ويعني هذا أن دور المدرس توجيهي وإرشادي ومنهجي وكفائي
وتحفيزي ليس إال .ومن هنا ،لم تعد المعرفة ملكا للمدرس ،بل هي من
مكتسبات المتعلم .أي :أضحت المعرفة مجموعة من الموارد التي يمتلكها
المتعلم ،وتتكون هذه المعرفة من مهارات ،ومعارف ،ودرايات ،ومواقف،
وإنجازات ،وإتقانات ،وكفايات معرفية وثقافية ومنهجية .ومن ثم ،فالكفاية
هي مجموعة من المعارف المختلفة التي يستعملها المتعلم ،ويحركها حين
يواجه موقفا أو وضعية سياقية جديدة.
أما المتعلم ،فهو البطل الحقيقي في سيرورة التعلم؛ إذ يساعده المدرس
على حل الوضعيات السياقية المتدرجة في البساطة والتعقيد ،مع توظيف
قدر ممكن من مكتسباته الكفائية والمنهجية ،واستعمال موارده بطريقة
الئقة وهادفة .بمعنى أن كفاياته معرفية ووجدانية وحسية حركية .ويعني
153
هذا أن هذه المقاربة تنمي الفكر المهاري لدى المتعلم ،وتقوي إدراكاته
المنهجية والتواصلية .في حين ،يهتم التدريس السلوكي بتعليم شرطي آلي
محدود .ومن ثم ،فهو تعليم قياسي وكمي .بينما تساعد المقاربة الكفائية
المتعلم على البحث المنهجي اعتمادا على الذات ،وحل المشاكل
المستعصية ،ومواجهة الظروف الصعبة والمعقدة ،والتأهب دائما لالعتماد
على النفس لحل جميع المشاكل المختلفة التي يواجهها في محيطه
الخارجي .ويعني هذا أن هذه المقاربة طريقة دينامكية تساعد على اكتساب
الفكر المهاري والتعلم المنهجي للوصول إلى هدف ناجع.
154
وتشكل هذه األقطاب الديدكتيكية الثالثة (المدرس ،والمعرفة ،والمتعلم) ما
يسمى بالمسار التعليمي -التعلمي( )Un processusحسب جان هوساي
( )Jean Houssayeالذي دافع عنه سنة 1986م .151وقد أثبت هوساي
أن الفعل التربوي يرتكز على عناصر مترابطة ثالثة هي :المدرس،
والمعرفة ،والمتعلم .ومن ثم ،ينبني هذا الفعل التربوي والديدكتيكي على
ثالثة مسارات رئيسة هي:
فعل التعليم ( )Enseignerالذي يجمع بين المتعلم والمعرفة .وهنا،
نتحدث عن ديدكتيك التعليم؛
فعل التكوين( )Formerالذي يجمع بين المدرس والمتعلم .وهنا،
نتحدث عن التربية والتكوين ،أو ما يسمى بالبيداغوجيا؛
فعل التعلم ( )Apprendreالذي يجمع بين المتعلم والمعرفة.
وهنا،نتحدث عن نظريات التعلم.
ومن جهة أخرى ،هناك أنواع من العالقات المختلفة ،كالعالقة الديدكتيكية
القائمة على ثنائية المدرس والمعرفة ،ضمن ما يسمى بالنقل الديدكتيكي
(.)la transposition didactique
أما العالقة التي تجمع المدرس والمتعلم ،فهي عالقة بيداغوجية
وتربوية( ،)la relation pédagogiqueمادامت ترتكز على مختلف
التقنيات التي تتعلق بالتعليم.
وتتميز العالقة الموجودة بين المتعلم والمعرفة بأنها عالقة تعلم واكتساب.
كما أنها عالقة وثيقة بسيكولوجيا التعلم بصفة عامة ،وسيكولوجيا المعرفة
بصفة خاصة.
151
-Jean Houssaye, Le triangle pédagogique. Théorie et pratiques
de l'éducation scolaire, Peter Lang, Berne, 2000 (3e Éd., 1re Éd.
)1988
155
ومن هنا ،نتحدث عن ثالثة علوم رئيسة تسهم في إثراء الفعل التربوي،
وهي :الديدكتيك (المدرس والمعرفة) ،والبيداغوجيا (المدرس والتلميذ)،
والسيكولوجيا (المتعلم والمعرفة).
وعليه ،البد من التحكم في األقطاب الديدكتيكية الثالثة بشكل تفاعلي
نسقي ،دون االهتمام بعنصر واحد على على حساب عنصر آخر ،ويشكل
هذا ما يسمى باالنحرافات ( . )des dérivesوهنا ،يمكن الحديث عن
أنواع ثالثة من االنحراف :
االنحراف المقرراتي الذي يعني التركيز على المقرر والمحتويات
والمضامين على حساب العناصر األخرى كالمتعلم والمعرفة.وهذا هو
السائد في التعليم التقليدي أوالكالسيكي؛
االنحراف السيكولوجي الذي يتمثل في التركيز على المتعلم ،دون
االهتمام بالعناصر التفاعلية األخرى؛
االنحراف الوسيطي الذي يعنى بتقديس المدرس ،دون النظر إلى
أهمية العالقات التفاعلية ،أو االهتمام بالمعرفة.
وهكذا ،يبدو لنا أن المثلث البيداغوجي والديدكتيكي 152ينبني على عناصر
تربوية ثالثة متشابكة ومتفاعلة ،من الصعب فصلها عن بعضها البعض،
وإالسيشكل ذلك ما يسمى باالنحراف البيداغوجي الذي قد يؤثر على
العملية -التعليمية التعلمية على جميع األصعدة والمستويات.
152
-Jean Houssaye, Le triangle pédagogique. Théorie et pratiques de
l'éducation scolaire, Peter Lang, Berne, 2000 (3e Éd., 1re Éd. 1988).
156
إذا كان جان بياجيه ( 153)Jean Piagetيرى أن التعلم يتحقق بطريقة
مباشرة دون وسيط ديدكتيكي (.)médiation didactiqueبمعنى أن
الذات تتأقلم وتتكيف مباشرة ،ودون وسيط ،مع البيئة أو المحيط عن
طريق التمثل واالستيعاب والمشابهة .في حين ،هناك من يثبت أن الذات
التتعلم إال بالوساطة كجيرار فيرنو ( .154)Gérard Vergnaudومن
ثم ،اليمكن للمتعلم أن يتزود بالمعارف والمعلومات والموارد والقدرات
والكفايات إال بواسطة مدرس وسيط يقدم للمتعلم مجموعة من الوضعيات
الصعبة والمعقدة والمركبة إليجاد الحلول المناسبة ،وفك غموضها
والتباسها .ومن هنا ،تحيل الوساطة على التفاعالت الصفية من جهة ،وعلم
النفس االجتماعي من جهة أخرى.
ومن هنا ،يرتكز التعليم التقليدي الموسوعي على المدرس باعتباره
صاحب سلطة معرفية مطلقة ،يقدمها للتلميذ جاهزة عن طريق مجموعة
من األسئلة التي تستوجب الحفظ والتقليد والتكرار .ولقد كان التلميذ مرتكنا
إلى مدرسه ،ال يستطيع أن يواجه ما يتعرض له من المواقف المستجدة ،أو
يلبي طلبات المقاوالت الحديثة ؛ ألنه ال يملك الكفاءات والمهارات المهنية
و المنهجية و التواصلية والذهنية واللغوية ،بل يقف مكتوف اليدين عاجزا
عن التأقلم والتكيف مع مستجدات الواقع االقتصادي الجديد؛ ألن معارفه
نظرية مجردة غير وظيفية ،تنقصها الممارسة والخبرة التجريبية.
وفي التعليم الموسوعي أيضا ،يكون االهتمام بالكم على حساب الكيف،
ويلتجئ المدرس إلى التحفيز السلوكي الميكانيكي اعتمادا على ثنائية
الحافز واالستجابة لتوجيه دفة القسم؛ مما ينتج عنه ردود أفعال التالميذ
153
-Piaget, J. La genèse du nombre chez l’enfant. Lausanne :
Delachaux et Niestlé, 1966 et 1991.
154
- Vergnaud., G. Le rôle de l’enseignant à la lumière des concepts
de schème et de champ conceptuel, in Artigue, M. et al. (eds) Vingt
ans de didactique des mathématiques en France. La Pensée Sauvage
édition, p.177 à 191,1994..
157
السلبية ،ونفورهم من القسم لغياب األنشطة الذاتية والخبرات الفردية.
وبالتالي ،ينكمشون على أنفسهم انطواء أو خوفا أو خجال أو جهال بما
يعطى لهم من دروس ومعارف كمية ،يصعب اإلحاطة بها في سنة كاملة.
أما التعليم بالكفايات القائم على علم النفس المعرفي ،فهو تعليم قائم على
استكشاف القدرات الكفائية لدى المتعلم عبر أداءات وإنجازات طوال
سيرورة التعلم ،ووضعه في وضعيات معقدة أو أقل تعقيدا الختبار أدائه
السلوكي ،وتقويم كفاءاته وقدراته في التعامل مع مشاكل الواقع المحيطة
به.
و يراعي هذا التعليم الفوارق الفردية ،وينكب على ظاهرة الالتجانس من
خالل دراسة كل حالة فردية ،ودعم كل متعلم بمجموعة من المهارات
الكفائية ،وتحفيزه على إبراز قدراته وميوله واستعداداته ،سواء في حلقة
واحدة أم في حلقات متعددة متواصلة ؛ألن المقياس -هنا -ليس هو الدرس
الذي ينتهي داخل حصة زمنية محددة كما في التعليم التقليدي الموسوعي،
بل الحلقة الديدكتيكية المتوالية التي تمتد عبر حصتين فأكثر .
ويقدم التعليم الكفائي المقرر الدراسي في شكل مجزوءات ووحدات
دراسية ووضعيات مركبة ،تصغر بدورها في إطار مقاطع وحلقات
وخبرات مؤشرة في كفايات نوعية أو شاملة أو ممتدة قصد التدرج بالمتعلم
لتحقيق كفايات عليا كلية ونهائية .ويركز هذا النوع من التعليم على الكيف
والمتعلم ؛ ألن المدرس مجرد وصي أو مرشد أو وسيط ليس إال .وتصبح
الدروس خبرات وممارسة كيفية ومهارات وقدرات معرفية ووجدانية
وحركية .أي :إن المتعلم هو الذي يكون نفسه بنفسه ،ويتعلم كيف يبحث
ويفكر ،وينظم ما يبحث عنه منهجيا ووظيفيا .ويروم التعليم بالكفايات عند
محمد الدريج" بناء الكفايات لدى التلميذ ،على اعتبار أن الكفايات هي
قدرات شاملة ودينامية (نشطة) التي اليمكن اختزالها في الئحة تحليلية من
المحتويات ،إنها تشكيلة ( تركيبة) ذكية من المعارف والمهارات
158
واالتجاهات .فأن نكون أكفاء ال يعني أن نملك جملة من المعلومات
والمهارات ،فأن نكون أكفاء يعني أساسا أن نكون قادرين على تجنيد تلك
المعلومات والمهارات ،وتوظيفها في مواقف معينة ولحل مشكالت .أي:
أن نكون فعالين ومنتجين في وضعيات محددة.
لذلك ،يصير بناء الكفايات بهذا المعنى أمرا معقدا وأمرا ذاتيا وشخصيا.
فيكون من أولويات نشاط المدرسين مساعدة المتعلمين،لكن على المتعلمين
مساعدة أنفسهم في التعلم والتكوين الذاتي .لذلك ،فإن التعليم بالمجزوءات
يستدعي المتعلم كمسؤول ،ويتعامل معه كمدبر لتكوينه.155".
وهكذا ،تتأسس المقاربة بالكفايات على المتعلم ال على المدرس كما هو
حال التعليم الكالسيكي .بمعنى أن الدرس يتحول إلى مجموعة من
الوضعيات المعقدة والمشاكل المركبة التي ينبغي على المتعلم مواجهتها
من خالل الموارد التي يمتلكها ؛ حيث يوظفها بطريقة مالئمة ومناسبة من
أجل تحقيق الكفاية األساسية والهدف األنجع .ومن ثم ،فالمدرس في هذا
التصور مرشد وموجه ووسيط ليس إال ،يهيئ الوضعيات الجديدة،
ويقترح المشاكل المعقدة والمركبة التي ينبغي أن يحلها المتعلم .ويعني هذا
أن الدرس يتحول إلى مجموعة من الوضعيات المتدرجة من البساطة إلى
التعقيد ؛ حيث تكون واضحة ،ودالة ،وهادفة ،وبناءة ،ومحفزة على العمل
واالجتهاد والنجاح .وهنا ،ليس المدرس مالكا للمعرفة ،بل هو مجرد
محضر لألسئلة والوضعيات المشكلة .
و" ال يكون دور المدرس في الطرائق التي تتبنى البيداغوجيا المعرفية هو
تزويد المتعلم بالمعلومات أو المعارف الجاهزة من خالل التركيز على
المضامين ،بل بالعكس يصبح دوره هو خلق وضعيات تعلمية تجعل
المتعلم يطلع على كيفية تعلمه كيف يبحث عن المعلومات ،كيف يحللها ،
160
من المعروف أن القانون المدني ( )Civil lawهو مجموعة من القوانين
التي نشأت في أروبا،وتعود أصلها إلى القانون الروماني .ويمكن القول
بأنه هذا القانون قد تشكل مع انتقال اإلنسان من حالة الطبيعة إلى حالة
الدولة والقانون .وقد تحدث جان جاك روسو عن العقد االجتماعي الذي
يجمع بين الراعي والرعية في كتابه (العقد االجتماعي) الذي نشره سنة
1762م.
ويدرس القانون المدني العالقات الموجودة بين األطراف المتعاقدة ،سواء
أكانوا ماديين أم معنويين .ومن ثم ،فهو من مشموالت القانون الخاص إلى
جانب قانون التجارة ،وقانون الدولي الخاص ،والقانون الجنائي الخاص،
وقانون التعمير ،وقانون البحار ،والقانون الجوي ،والقانون البيئي ،وقانون
العمل...
ويعد القانون المدني أقدم القوانين اإلنسانية ،مادام هذا القانون يدرس
الحقوق الشخصية أو االلتزامات القائمة على العالقة التي تجمع بين الدائن
والمدين في إطار العقد ،أو اإلرادة المنفردة ،أو العمل غير المشروع ،أو
العمل النافع ،أو القانون.
ويدرس أيضا الحقوق العينية القائمة على حق الملكية بسلطاته الثالث
كاالستعمال ،واالستغالل ،والتصرف .فضال عن الحقوق المتفرعة عنه
كاالنتفاع ،واالستعمال ،والسكنى ،وحق االحتكار .كما تشمل
أيضا ً الحقوق العينية التبعية التي توجد تابعة لحق الشخص كالرهن
الرسمي ،والرهن الحيازي ،وحق االمتياز ،وحق االختصاص.
ويدرس القانون المدني كذلك األحوال الشخصية التي تتعلق بالعالقة
الموجودة بين الفرد وأسرته من زواج ،وطالق ،ووصية ،وإرث ،ونسب،
وقرابة ،و األهلية ،والوالية على المال وغيرها الموضوعات المدنية
األخرى.
161
ويعد العقد ( )Contratمن أهم مواضيع قانون االلتزامات والعقود ،أو
القانون المدني.ومن ثم ،يكون العقد بين طرفين وأكثر ،وتترتب عليه آثار
وأحكام معينة .
ويستند العقد إلى مجموعة من األركان الرئيسة كالرضا بين الطرفين
على تنفيذ العقد ،والتعبير عن إرادة التعاقد بالتفاوض بكل حرية واختيار،
دون إكراه أو إلزام ضمني أوصريح .وقد يكون العقد شفويا أو مكتوبا.
وينتج عن ذلك التفاوض مسؤولية تعاقدية ،والتزام بتنفيذ العمل ،أو تنفيذ
بنود العقد كليا أو جزئيا ،إذا كان االتفاق يتضمن ذلك.
ومن األركان األخرى للعقد اإليجاب والقبول؛ فاليمكن تنفيذ العقد إطالقا،
إذا لم يتفق الطرفان على الموافقة والقبول بشكل إيجابي ،ويعبر عن ذلك
بالصيغة القانونية .ومن عيوب ذلك الرضا أو اإليجاب والقبول الغلط،
والتدليس ،واإلكراه ،واالستغالل .عالوة على ركن آخر يتمثل في محل
العقد أو موضوعه الذي يكمن في تحقيق العملية القانونية ،كأن يكون
موضوع التعاقد هو البيع أو اإليجار أو الشراء إلخ...أما محل االلتزام،
فيكمن في اإلنجاز أو األداء الذي يجب على المدين أن يقوم به لصالح
الدائن .أي :أن يقوم بعمل ما أو يمتنع عن عمل.ويجيب عن السؤال
الرئيس :بماذا التزم المدين؟
وهناك الركن األخير الذي يتمثل في السبب أو الدافع الذي يكون وراء
التعاقد أو االلتزام ،وينبغي أن يكون التعاقد مشروعا ،واليمنعه القانون
بأي حال من األحوال.
وقد تكون العقود ملزمة لطرفين كعقد البيع ،أو ملزمة لطرف واحد كعقد
القرض ،أو عقد الهبة ،أو عقد الصدقة ،أو عقد الجائزة...وقد تكون
المسؤولية عقدية عندما يمتنع الملتزم عن تنفيذ العقد جزئيا أو كليا .وهنا،
يتحمل الطرف الملتزم مسؤولية خطئه بعدم تنفيذه شروط العقد .ويكون
162
الحكم للعقد ،مادام العقد شريعة المتعاقدين .وإذا كان الخطأ ناتجا عن
اإلضرار بالغير ،فيسمى هذا بالمسؤولية التقصيرية التي يحم فيها القانون.
هذا ،ويقصد بالعقد الديدكتيكي( 157)Le contrat didactiqueذلك
التعاقد أو االتفاق المبرم بين طرفين أو أكثر.أي :بين المدرس والمتعلم؛
حيث يضع المدرس المتعلم أمام وضعية مشكلة بسيطة أو صعبة ومعقدة
ومركبة من أجل إيجاد الحلول المناسبة لها .ويعني هذا أن المتعلم مطالب
بتنفيذ التعليمة التي وضعها المدرس ،وقد تحوي تلك الوضعية -المشكلة
عوائق ديدكتيكية ظاهرة أو خفية .ومن ثم ،فالتعاقد الديدكتيكي هو التزام
تربوي وديدكتيكي باإلجابة عن مختلف األسئلة التي يضعها المدرس
لتلميذه للتثبت من قدراته الكفائية ومهاراته المستضمرة ،ومدى اكتسابه
لمختلف الموارد التي تلقاها إبان حصص التدريس .وقد استعمل المصطلح
من قبل الديدكتيكي الفرنسي غوي بروسو ( 158) Guy Brousseauفي
كتابه (نظرية الوضعيات الديدكتيكية) سنة 1998م.
إذاً ،ينبني هذا التصور على احترام العقود؛ ألن العقد شريعة المتعاقدين.
ويعني هذا أن المتعلمين والمعلمين داخل الوسط الديكتيكي عليهم أن
يحترموا العقود والمواثيق في تنفيذ األنشطة ،واحترام الوقت المخصص
لذلك.ويرتكز هذا التصور أيضا على تحديد مجموعة من األهداف العامة
والخاصة ،واختيار وسائل العمل الناجعة ،وتبيان عمليات التنفيذ
والممارسة واإلنجاز ،وانتقاء فضاءات العمل التشاركي ،واالنطالق من
التقويم اإليجابي الهادف والبناء ،وتوزيع المسؤوليات والمهام واألدوار
بشكل ديمقراطي عادل.
157
-Brousseau, G. (1990). Le contrat didactique et le concept de
milieu : dévolution. Recherches en didactique des
mathématiques, 9(3), 309-336.
158
-Brousseau G. (1998). Théorie des situations didactiques.
Grenoble, La Pensée sauvage.
163
ويعني العقد الديدكتيكي -حسب روجرز كزافيي(-)Rogiers Xavier
ذلك التفاعل بين الذات والعمل الذي " يفضي إلى اتخاذ قرار بإنجاز
العمل ،ويخلق شكال من التعاقد الضمني أو الصريح بين مقترح الوضعية
(المدرس) ومن يحلها ( التلميذ).ويتعلق األمر في هذا الصدد بتجسيد لما
أسماه شوفالر ( )Chevallardوبروسو( )Brousseauعقدا ديدكتيكيا
يربط المدرس بتالمذته في إطار التعلم المدرسي .إن هذا العقد رهين
بسلسلة كاملة من العوامل ،مثل نمط تنظيم الفصل وتحفيز التلميذ والطاقة
التي يتوفر عليها واإلفادة التي سيحققها من خالل إنجازه...إلخ .وعلى هذا
المستوى ،يتموقع كل حيز للتفاوض المتواجد بخصوص حل الوضعية؛
إنه تفاوض بشأن التعلمات والمعلومات وشروط تحقيق الوضعية؛ ويتعلق
األمر في هذه الحالة بالوضعية عندما نعتبرها عقدا وقرارا للمرور إلى
العمل؛ وكما هو الحال في أي عقد ،ينظر إلى الوضعية في اآلن نفسه على
أنها إكراه ،وبشكل خاص على أنها فرصة أمام التلميذ لكي يكتسب
معارف وإتقانات جديدة لكي يحقق إفادات أخرى على المستوى الدراسي
أو على مستوى آخر .وتبقى عدة متغيرات ممكنة ،إذ يمكن قبول العقد
بحرية ،أي إن المدرس يمنح التلميذ حرية االختيار في أن يلتزم بالوضعية
أوال ،كما يترك له حرية اختيار أوجه العمل (عمل فردي ،عمل في إطار
مجموعة ،عمل بمراجع أو بدونها ،)...أو على خالف ذلك ،يمكن أن يكون
العقد إلزاميا بشكل ضمني في إطار التعلم ،حيث يبقى للتلميذ هامش من
159
حرية التصرف أو ينعدم لديه".
ويتحمل المدرس مسؤولية مجموعة من األخطاء ،وهي أخطاء معرفية ،
وأخطاء تربوية ،وأخطاء ديدكتيكية ،وأخطاء إدارية ...ويعني هذا أن
المدرس قد يرتكب أخطاء كثيرة في أثناء حصة الدرس؛ إما لكونه لم يتلق
- 159روجير كزافيي :التدريس بالكفايات ،وضعيات إلدماج المكتسبات ،ترجمة عبد الكريم
غريب ،منشورات عالم التربية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،المغرب ،الطبعة
األولى 2007م ،ص.24-23:
164
تدريبا في مراكز التكوين التربوي ،وإما ألنه لم يحسن التدبير في نقل
المعلومات إلى التالميذ بمراعاة أسس الديداكتيك ،واحترام معطيات
البيداغوجيا ،وإما لكونه لم يصرح باألهداف والكفايات ،ولم يراع الميثاق
المبرم أو ذلك العقد الديدكتيكي الذي يجمع المدرس بالمتعلم ،أو لم يحترم
خطوات التدرج في بناء الدرس انطالقا من الوضعية البدئية حتى
الوضعية النهائية ،مرورا بالوضعية الوسيطة ،وإما ألنه لم يوظف الوسائل
الديدكتيكية والطرائق البيداغوجية توظيفا حسنا ،وإما لكونه لم ينجح في
عملية التواصل والتبليغ؛ حيث كان عاجزا عن نقل المعارف والتقنيات
والدرايات إلى متعلميه بطريقة واضحة وسلسلة ومفيدة وهادفة وبناءة.
ويمكن التمثيل للتعاقد الديكتيكي بهذا النموذج التوضيحي على النحو
التالي:
تقويم تنفيذ التعاقد زمن مكان اإلمكانيات موضوع أهداف طرفا التعاقد
التعاقد التعاقد التعاقد التعاقد التعاقد
165
ألتزم بعدم التغيب والتأخر؛
ألتزم بالحفاظ على نظافة القسم؛
ألتزم بإحضار الكتب في كل حصة دراسية؛
ألتزم باالنضباط داخليا وخارجيا؛
ألتزم بإنجاز واجباتي المدرسية؛
ألتزم باحترام أستاذي وزمالئي؛
ألتزم بعدم إثارة الشغب داخل القسم...
وهكذا ،يتبين لنا أن التربية المعاصرة تنص على احترام المتعلم احتراما
حقوقيا ،بإبرام التعاقد التفاوضي والتشاركي معه بغية إنجاز مختلف
الوضعيات اإلدماجية الجزئية والنهائية .ويعني هذا كله أن المدرس
والمتعلم البد أن يتعاقدا معا على الحقوق والواجبات من أجل استيفاء
المجزوءات والوحدات الدراسية في األجل المحدد بذلك .لذا ،البد أن يكون
التعاقد بين المدرس والمتعلم تفاوضيا صريحا في بداية السنة وطول السنة
الدراسية بكاملها ،بتحديد األهداف والكفايات بشكل صريح ،وانتقاء
المحتويات والمضامين المالئمة ،واختيار الوسائل والطرائق البيداغوجية
والديدكتيكية المساعدة على التعلم ،وتعيين فضاء دراسي مناسب للتعلمات،
وتشجيع المتعلم على بناء التعلمات وفق مقاربة الكفايات وبيداغوجيا
اإلدماج.
- 160محمد كجي( :التعلم وتربية الذهن على االشتغال) ،سيكولوجية الطفل ،مقاربات
معرفية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،المغرب ،الطبعة األولى سنة2008م،
ص.82:
167
، والسيما العلمية منها، يقوم بدور كبير في تبسيط المعارف المدرسية
لتصل إلى المتلقي بأيسر السبل؛
يقوم المتعلم بتحويل المعرفة المدرسة إلى معرفة: المعرفة المكتسبة
أو المعرفة، ضمن ما يسمى بالمعرفة المكتسبة،تعلمية وفق قدراته الذاتية
. المخزنة
ما يتحدث علماء التربية عن النقل الديدكتيكي في المواد العلمية،وغالبا
ومن أهم العلماء الذين اهتموا بذلك. والسيما الرياضيات،والتجريبية
وشوفاالر ،161 )Philippe Perrenoud( فيليب بيرنو
( و، )) في دراساته وأبحاثه كث(برامج النقل الديدكتيكيChevallard(
دون أن ننسى فرانسوا.162)من المعرفة العالمة إلى المعرفة المدرسة
ومارتينان،)Arsac, G( وأرساك،163)Conne, F( كون
161
-Perrenoud, Ph. (1986) Vers une lecture sociologique de la
transposition didactique, Genève, Faculté de psychologie et des
sciences de l’éducation ; (1990) La géographie scolaire entre deux
modèles de transposition didactique, Genève, Faculté de psychologie
et des sciences de l’éducation ; (1992) La souris et la tortue. Deux
usages sociaux de l’informatique et leur transposition didactique à
l’école primaire, in A. Vieke (dir.) Intégration de l’informatique en
classe, Genève, Service informatique de l’enseignement primaire, pp.
51-65.
162
- Chevallard, Y. (1991) La transposition didactique. Du savoir
savant au savoir enseigné, Grenoble, La Pensée Sauvage (2e édition
revue et augmentée, en coll. avec Marie-Alberte Joshua, 1re édition
1985).
163
-Conne, F. (1986) La transposition didactique à travers
l’enseignement des mathématiques en première et deuxième années
de l’école primaire, Lausanne, Conne/Couturier-Noverra ; (1992) Un
grain de sel à propos de la transposition didactique, Education et
Recherche, n° 1, pp. 57-71 ; Conne, F. (1996) Savoir et connaissance
dans la perspective de la transposition didactique, in Brun, J.
168
Caillot, ( وكايو،164)Tiberghien( وتبيرجيان،)Martinand(
167
)Joshua( وماري ألبيرت جوسيا،166)Durey( ودوري،165)M
...168)Raisky( وريسكي
يبين لنا أن النقل الديدكتيكي هو الذي يسهم في تحويل الوضعيات،وهكذا
العلمية العالمة إلى وضعيات ديدكتيكية تعلمية بأيسر السبل والطرائق
الديدكتيكية المناسبة التي تدفع المتعلم إلى إظهار قدراته التعلمية في
.مواجهة الوضعيات اإلدماجية المدرسة
وإذا انتقلنا أيضا إلى المدرسة الغربية الكالسيكية ،فقد كان الفصل
الدراسي بمثابة مقاعد أو كراسي دراسية مصطفة ،تتوجه نحو السبورة
المعلقة في وسط الجدار األمامي .لكن هذا الفضاء الدراسي بدوره كان
فضاء رتيبا عمودي الطابع .بمعنى أن المدرس كان مالك المعرفة
المطلقة ،يوزعها على التالميذ في اتجاه عمودي من األعلى نحو األسفل.
وعليه ،فقد كان الفضاء الدراسي الكالسيكي فضاء صفيا عموديا،
تصطف فيه المقاعد إما بشكل فردي ،وإما بشكل ثنائي ،وإما بشكل
متعدد.
174
- Perret-Clermont, A.N. (1979). La construction de l'intelligence
dans l'interaction sociale. Berne : Peter Lang.
173
ويعني هذا كله أن هذا الصراع السوسيو -معرفي قد يكون في صالح
المتعلم عندما يكون واعيا بقدرات اآلخرين في عملية المواجهة
الديدكتيكية.ومن ثم ،يتخذ ذلك الصراع المعرفي وظيفة تعليمية وتعلمية
وتكوينية على حد سواء ،بتحفيز جميع المتعلمين على التنافس والصراع
اإليجابي لتملك القدرات الكفائية والذكائية المختلفة ،بحل الوضعيات -
المشكالت التي يقدمها المدرس لجماعة الفصل .ومن هنا ،اليتحقق التعلم
بطريقة فردية كما كان سائدا في تصورات جان بياجيه ،بل يتحقق أيضا
باالندماج في جماعة القسم أو صف المتعلمين بغية التنافس والتميز
وتحصيل وسائل النجاح .فضال عن اختيار المتعلم للحل الصحيح للوضعية
المعطاة بمقارنته بمختلف الحلول التي قدمها اآلخرون لتلك الوضعية
نفسها داخل الصف الدراسي.
ومن هنا ،يتحقق الصراع السوسيو -معرفي ،أو ذلك الصراع الموجود بين
المتعلمين داخل الفضاء الديدكتيكي ،بسبب اختالف وجهات النظر تجاه
حلول الوضعيات الصعبة والمركبة .واليمكن الحديث عن هذا الصراع إال
من أجل فهم عملية التعلم ضمن سياقات ذات طابع جماعي واجتماعي.
ومن هنا ،يشارك المتعلمون في بناء التعلمات والمعارف وفق منطق
التنافس المعرفي ،وإظهار القدرات والكفاءات التي تميز البعض عن
اآلخرين.ويعكس هذا الصراع المعرفي الصراع المجتمعي والطبقي
والعلمي والثقافي بشكل من األشكال.ومن ثم ،البد للمدرس من مراعاة هذا
الصراع ،وتفهمه بشكل جيد الستغالله في بناء التعلمات الدراسية،
وتحضير الوحدات التعلمية.
وخالصة القول ،البد للمدرس من رصد التفاعالت الديناميكية الموجودة
داخل الفضاء الديدكتيكي بين المتعلمين ،ومحاولة فهم التنافس الموجود
بين المتعلمين من أجل إثبات تميزهم ،وإظهار مختلف القدرات والكفاءات
العملية والمهنية واالحترافية ،وتوظيف ذلك لبناء التعلمات على أساس
174
وجود تمايز ثقافي واجتماعي ومعرفي .وهنا ،يركز المدرس على التعلم
الجماعي ،أو تقسيم المتعلمين وفق الجماعات التعلمية .وعلى المدرس
كذلك أن يستثمر آثار الصراع السوسيو -معرفي في سياق قائم على تبادل
المعارف والخبرات والتجارب والتعلمات.
175
Tony Buzan et Barry Buzan, Mind mapʼ : dessine-moi
l'intelligence, Paris, Éditions ; d'Organisation, 2003
Tony Buzan et Chris Griffiths, Le mind mapping au service du
manager, Paris, Eyrolles Ed. D’Organisation, 2011.
175
إغناء عمليات العقلنة وتوليد الفكر وتفتيقه وإنتاجه وخلقه.ومن ثم ،فهي"
أدوات ديناميكية مختلفة في مقدمتها وأهدافها وتطبيقاتها .إذ إنها مصممة
لتعكس أنماط تفكير عامة بدءا من المهارات المعرفية األساسية كالمقارنة
والتصنيف والتفكير حول السبب والنتيجة ،وانتهاء باللغات البصرية
المتكاملة ،وأن رسم ووصف ونمذجة تلك المهارات يؤدي إلى زيادة
القدرة على المرونة واإلبداع كما أنها أدوات فعالة لتنشيط عادات
176
العقل".
- 176محمدوائل وعبد هللا العظيم ريم أحمد :تصميم المنهج المدرسي ،دار المسيرة ،عمان،
األردن ،الطبعة األولى سنة 2011م ،ص.270:
176
والتخييل ،والتفتيق ،واإلنتاج ،والخلق ،واالستعارة ،والمحاكاة،
واالستيعاب ،والمشابهة ،والعصف الذهني ،واإلدماج ،والتقويم ،وإصدار
الحكم والقرار ،والمفهمة ،واالصطالح ،والتعريف ،والمقارنة ،والتمثل،
والتنظيم ،والترتيب ،والتلخيص ،واالختزال ،والتخصيص ،والتعميم،
والتجريد ،والعقلنة ،والتوصيف ،والنمذجة ،والهيكلة ،والتصميم،
والتخطيط ،والتدبير ،والتوجيه ،والتنسيق ،والتعبير ،والنقل ،والتشخيص،
والتأطير ،واإلدراك ،والتجميع،والربط ،واالستدالل ،والبرهنة ،والحجاج،
والتصور ،والسيمياء ،والخريطة ،والتفريع ،والتشعيب ،والرسم
التوضيحي،والخطاطات ،والنماذج ،والحدس ،والمدونات ،واألطر،
والسيناريوهات ،واإلستراتيجيات ،والتفريع... ،
و" تستخدم الخريطة الذهنية ،وتسمى كذلك المفاهيمية ،كطريقة من طرق
استخدام الذاكرة ،وتعتمد على الذاكرة البصرية في رسم توضيحي سهل
المراجعة والتذكر بقواعد وتعليمات ميسرة ،وهي الطريقة الفعلية التي
يستخدمها العقل البشري في التفكير :ربط الكلمات ومعانيها بصور ،وربط
المعاني المختلفة ببعضها البعض بالفروع.وهي كذلك تستخدم فصي
الدماي األيمن واأليسر فترفع من كفاءة التعلم"177.
وتنبني الخريطة الذهنية على مجموعة من الخطوات الرئيسة التي تتمثل
في مايلي:
مرحلة العصف الذهني ،بتجميع أكبر عدد من األفكار والمفاهيم
والحدوس والتمثالت والحقائق والخبرات والتجارب؛
مرحلة التنظيم والتجهيز واإلعداد والتنسيق؛
مرحلة الترتيب حسب األولوية واألهمية والقيمة ؛
- 177عبد الرحيم الواثق العلوي :تقويم الكفايات اللغوية وإستراتجيات تعليم وتعلم اللغة،
دار أبي رقراق ،الرباط ،المغرب ،الطبعة األولى سنة 2017م ،ص.68:
177
مرحلة الربط واالتساق وخلق االنسجام بين المفاهيم واألفكار؛
مرحلة التوصيف والتحليل والمناقشة؛
مرحلة التركيب واالستنتاج؛
مرحلة التقويم والمراجعة والتثبت من تنظيمها؛
مرحلة الصياغة النهائية.178
أضف إلى ذلك أن الخريطة الذهنية مجال معرفي مهم وواسع ،تشتغل
عليها البيولوجيا ،واألنتروبولوجيا ،واللسانيات ،والسيكولوجيا ،والتربية،
والديدكتيك ،واألدب ...وبالتالي ،فهي عالم من الخطاطات ،والصور،
والتخيالت ،واألحالم ،والمجردات ،والتصورات ،والمفاهيم ،والتمثالت،
179
والحدوس ،والمدركات ،واألطر ،والمدونات ،والمعارف الخلفية،
والسيناريوهات...
إذاً ،فالخريطة المعرفية هي خطاطة فضائية وجغرافية ذهنية وعلمية
تصف الدماي البشري أو الحيواني أو اآللي ،بالتوقف عند طرائق تنظيم
المعلومات والمعارف في الذهن البشري .ومن ثم ،تهدف الخريطة الذهنية
إلى فهم العمليات الذهنية والعقلية في بناء المعارف والمعلومات ،وتفسير
ذلك في ضوء علم النفس المعرفي .واليعني ذلك رسم خريطة جغرافية
للذهن فحسب ،بل يمكن االستعانة بالوصف والتأويل والسرد في شرح هذه
الخريطة الذهنية التي ترد في شكل تمثالت ،وصور ،وتخيالت...
ويعني هذا كله أن الخريطة الذهنية تساعدنا على فهم مختلف الطرائق التي
تسهم في بناء المعلومات والمعارف الذهنية والعصبية والدماغية
فيزيولوجيا ،وبيولوجيا ،وسيكولوجيا ،ومعرفيا...
ويمكن االستعانة بالخريطة الذهنية في مجالي البيداغوجيا والديدكتيك من
أجل فهم عمليات اإلدراك واالكتساب واالستيعاب واالنتباه والتمثل
والتخيل لدى المتعلم .ويتحقق ذلك بتحويل أفكار ومعلومات الكتب
المدرسية إلى خطاطات وخرائط وصور بصرية ملونة تساعد المتعلم على
فهم آليات بناء الفكر ذهنيا .بمعنى أن الخريطة الذهنية تنظم مختلف
المعلومات المدرسية ،وتبسطها بشكل واضح وبين وجلي.
وأكثر من هذا يمتلك كل متعلم خريطة ذهنية في دماغه العصبي ،وتساعده
هذه الخريطة على تمثل مدركات الذات والعالم الخارجي .كما يستطيع،
من خالل هذه الخريطة ،بناء تعلمات الدرس القديمة والجديدة ،بتحويل
المعطيات التعلمية إلى ملخصات موجزة ،أو نقلها في شكل خطاطات
متشعبة لتيسير سبل التعلم واالكتساب واالختزال والتخزين.عالوة على
توظيف تمثالته التعلمية ،واستحضار ما اكتسبه من موارد ،وما خزنه من
خبرات وتجارب لمواجهة الوضعيات الحياتية والطبيعية ،باستخدام
180
العصف الذهني ،واستعمال آليات التفكير المختلفة من تخيل ،وتصور،
وتذكر ،وانتباه ،وتركيز ،وتجريد ،وتشخيص ،وتمثيل ،وتخزين ،وحفظ،
واستظهار ،واسترجاع .فضال عن توظيف جميع حواسه في بناء الدرس
لفظيا وإيمائيا وإشاريا وبصريا .واليمكن للدرس الديدكتيكي أن يحقق
أهدافه إال إذا وظفنا الخطاطات والعالمات والمجسمات في فهم التعلمات
وتخزينها وتوظيفها مرة أخرى .
ومن وظائف الخريطة الذهنية كذلك أنها تساعد المتعلم على استحضار
التعلمات في شكل تمثالت إيجابية لحل الوضعيات اإلدماجية ومعالجتها ،
وخلق الروابط المنطقية الممكنة بين الظواهر والوضعيات المعطاة ،وفهم
التعلمات وتفسيرها وتأويلها وفق السياقات المعرفية المخزنة ،واستدعاء
المكتسبات والموارد واإلحاالت المعرفية للتحكم في المسائل والوضعيات
-المشكالت .فضال عن تدوين المعلومات وترتيبها وتنظيمها وتلخيصها
وتوضيحها بغية خلق تواصل لفظي وغير لفظي فعال ومفيد وبناء ومثمر.
وهكذا ،يتبين لنا ،مما سلف ذكره ،أن الخريطة الذهنية من آليات
السيكولوجيا المعرفية ،ومن أساسيات التعلم الديدكتيكي ،وأداة من أدوات
بناء التعلمات بشكل ذهني وعصبي ودماغي .كما أنها تسعف المتعلم في
استيعاب دروسه ،ومراجعة الوحدات التعلمية ،وتمثل المكتسبات في حل
مشاكل التمارين والمسائل والوضعيات الجزئية واإلدماجية واإلشهادية.
181
ويمكن أن تسعفنا الخريطة الذهنية في تدريس المفاهيم بتعريفها لغة
واصطالحا ،والبحث في سياقاتها ،وربط المفاهيم الجديدة بالمفاهيم
القديمة ،وخلق الربط بينها ،والبحث عن ماهيتها ،ووظائفها ،وأسسها ،
وتحديد منهجية البحث في التعامل معا .ويمكن للمدرس أن يطالب المتعلم
بتحويل الدرس إلى خريطة ذهنية ،أو إلى مجموعة من المفاهيم بتجميعها،
وتنظيمها ،وترتيبها ،وتخطيطها ،وتوصيفها ،وتحليلها ،ومناقشتها،
وتقويمها.
182
المبحث العاشر :السيناريو البيداغوجي والديدكتيكي
السدديناريو( ) Scénarioكلمددة إيطاليددة تعنددي العددرض الوصددفي لكددل
المناظر واللقطات والمشاهد والحوارات التي سدينبني عليهدا الفديلم بطريقدة
مفصلة علدى الورقدة مدن التقطيدع حتدى التركيدب والمونتداج .وتسدتمد فكدرة
السيناريو من قصاصات الصحف ،أو من مضامين بعض المسدرحيات ،أو
من القصص ،أو من الروايات سواء أكانت قديمة أم حديثة ،أو من أرشيف
المحكمددة ،أو مددن التدداريخ ،أو مددن وقددائع اجتماعيددة وسياسددية وثقافيددة ،أو
179
تقتبس من التراث األجنبي أو العالمي أو اإلنساني.
وإذا كان الفيلم عبارة عن قصة مصورة ومشخصة حركيا تروى للجمهور
علددى الشاشددة الصددغيرة أو الكبيددرة ،أو هددو فددن سددرد القصددة بالصددور ،فددإن
السيناريو هو التخطيط للفيلم على الورق .أي :إنه تخطديط للقصدة السدردية
الحكائية في شكل لقطات ومقاطع ومشاهد وبكرات وحوارات على الورقة
لكددي تكددون قابلددة للتشددخيص والتمثيددل والتمسددرح الدددرامي فددي األسددتوديو
الدددداخلي أو الخدددارجي .كمدددا أن السددديناريو قصدددة سدددردية تكتدددب بطريقدددة
مشخصة بالحركات والنقل المرئي البصري.
ومن هنا ،فالسيناريو عبارة عدن شدريط سدردي ووصدفي يهددف إلدى تقدديم
األحداث والشخصيات والفضداء الزمكداني ،وتزويدد المشداهد بالمعلومدات
الضرورية كلها ،ونقلها عبر مكونات الحبكة السردية .وهنداك نوعدان مدن
السدديناريو :سككيناريو خككا يتعلددق بالسددينما ،وسككيناريو عككام يوجدده إلددى
المسرح واإلذاعة وغير ذلك من االختصاصات اإلعالمية.
وماان هنااا ،يلتجااىء الماادرس إلااى الساايناريو البيااداجوجي ماان أجاال تااأطير
أنشااطة المااتعلم ،والتخطاايط للمراحاال التعلميااة ماان البدايااة حتااى النهايااة،
185
تعيين الشخصيات المتعلمة التي تنجز األحداث من خالل مواصفات
معينة ومحددة بدقة.
تو يااف الم ا ثرات الصااوتية والحركيااة واإليقاعيااة بغيااة بناااء درس
تعلمي ناجة.
االساااتعانة بالاااديكور واإلكسساااوارات علاااى مساااتو تااادبير الفضااااء
الدراسي.
كتابة الحوارات البسيطة العادية المقتضبة.
تحديد مدة الدرس وفق استعمال الزمن المخطط للدرس.
تخصيه عشر دقائق للبداية ،وعشردقائق للنهاياة ،وأربعاين دقيقاة
للمقطع الدراسي الوسطي ،أو حسب مدة كل درس على حدة.
جدولااة الساايناريو البيااداجوجي علااى الااورق بشااكل هندسااي مخطااط،
بمراعاااة جميااع المكونااات التااي ذكرناهااا سااالفا لحاجااة الماادرس والم ا طر
والمتعلم والمدير إلى نسخة من السيناريو البيداجوجي من أجل فهام الحبكاة
التعلميااة فااي جميااع جوانبهااا ،وتمثاال العماال جياادا فااي ضااوء عناصاارها
البارزة.
واان ،إليكم سيناريو بيداجوجي لدرس التعبير واإلنشاء في التعليم األولي
في موضو ،ا الطفل والنظ فة وفق المقاطع الديدكتيكية الثالثة:
يستمعون للحكاية. تبدأ المربية بتسميع حكاية الولد الن يف ،ثم التسميع
من الصور ألدوات ومواد عرض مجموعة
يتطلع األطفال إلى الصور بتحفز.
و والفرشاة، الصابون، : التن يف
السنون،والغاسول ،وقفاز الغسل ...وصورة طفل
يتسابق األطفال مجيبين أن لديهم مثل هذه األدوات ين ف أسنانه ،و آخر يستحم...
والمواد في منازلهم. يا أطفالي ،من لديه مثل هذه األشياء؟ الفهم
-هذا كريم -كريم في الحمام – كريم يستحم.
186
يسمون بعضها بأسمائها الصحيحة {الصابون } ... -من هذا؟ -أين هو؟ -ماذا يفعل؟
-نن ف أسناننا بالفرشاة والسنون. تعرفهم باألسماء التي لم يتوصلوا إليها .
مجموعة من األطفال يشخصون حكاية الولد التشخيه من يقوم بدور كريم و ين ف أسنانه مثله؟
الن يف {لعب األدوار}.
االستثمار بماذا تن ف وزرتك؟ بماذا تغسل يديك؟...
يردد المتعلمون الحديث.
قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم)الن افة من الترسي
أنا الفتى الن يف مهذب لطيف. اإليمان(.
...
وهكذا ،يتبين لنا ،في األخير ،أن السيناريو البيداغوجي هو تخطيط مسبق
للعملية التعليمية-التعلمية من أجل تحقيق مجموعة من األهداف الخاصة ،
والسعي بجدية إلى تثبيت الكفايات النوعية لدى المتعلم ،وترسيخها وفق
مشاهد ولقطات ومقاطع تعلمية منطقية متسلسلة ومتدرجة من البداية حتى
النهاية ،تنطلق من لحظة تقديم المشكلة إلى لحظة معالجتها وحلها
وتقويمها .ومن هنا ،فالسيناريو البيداغوجي والديدكتيكي هو تخطيط ورقي
وتوصيف إجرائي لمختلف العمليات التي يمر بها الدرس الهادف
187
والكفائي ،في شكل مشاهد ومقاطع محددة بإيقاعاتنها الزمانية والمكانية
والشخوصية والتواصلية والحوارية والبصرية.
188
المدة الزمنية ..........الوحدة ..................... المستوى ......................
.. ..
مكون الوحدة األسبوا ................... قم
... الوحدة ......................
189
واليحيلنا مفهوم النموذج على الجودة واإلتقان والحكم اإليجابي فقط ،بل
هو دليل لبناء الفرضيات ،ونموذج لفهم الظواهر التربوية المدركة في
الواقع ،أو تعبير عن الفكر المنظم .بمعنى أن النموذج هو نتاج لعملية
تركيبية لمجموعة من السمات والمواصفات لظاهرة ما ،قد تكون مجردة
وعامة ،وتصنيفها ضمن نموذج فكري وعقلي ومنطقي متسق.
وللتمثيل ،حينما ندرس الظواهر الديدكتيكية ،فإننا ندرسها بطريقة مثالية
عامة ،بالتركيز على خصائصها ومميزاتها المجردة والمشتركة في
عمومها لقولبتها ضمن نموذج مفهومي ووصفي ما .أضف إلى ذلك أن
النموذج الديدكتيكي هو نتيجة لمجموعة من المقارنات والعمليات الوصفية
لظاهرة ديدكتيكية ما .ومن هنا ،فالنموذج العالقة له بالقيمة ،بل يرتبط
بمنظومة من الخصائص واألوصاف والسمات المشتركة الناتجة عن
مالحظة ظاهرة ما.
وبتعبير آخر ،يعني النموذج تجريد أو تحويل الظاهرة الديدكتيكية المدركة
والمالحظة إلى نموذج ذهني مجرد في شكل خصائص ومكونات وسمات
مشتركة مجردة وعامة.أي :االنتقال من المحسوس إلى المجرد المثالي.
فحينما يرصد المالحظ ظاهرة مدركة ما ومعزولة ،فإنه يختزلها في
مجموعة من المكونات والخصائص والسمات العامة والمجردة لبناء
نمطها المثالي والمفهومي.
إذاً ،فالنموذج أداة تصورية وإجرائية أساسية ،أو هو بمثابة منهاج ،أو
مقياس ،أو نموذج تركيبي يستخدم لوصف الوقائع الديدكتيكية وتقييمها.
ويعني هذا أن النموذج هو أداة للفهم وإدراك الظواهر التربوية والتعليمية
إدراكا مباشرا وبدهيا وواضحا .ويرى أنتوني غيدنز( )Giddensأن "
األنماط المثالية هي نماذج مفهومية وتحليلية يمكن استخدامها لفهم العالم.
وقلما توجد هذه النماذج في العالم الواقعي.وربما التوجد على اإلطالق.
وفي أغلب الحاالت تتضح جوانب أو مالمح قليلة منها في الواقع .غير أن
190
هذه النماذج االفتراضية قد تكون مفيدة جدا ،عندما نحاول فهم األوضاع
الفعلية في العالم بمقارنتها بواحد من هذه األنماط المثالية.وفي هذا السياق،
181
تكون األنماط المثالية بمثابة نقطة مرجعية ثابتة"...
إذاً ،فالنموذج هو تشييد فكري اليعكس الواقع التجريبي المرصود فحسب،
بل يسمح بتحليل مكوناته وخصائصه .ويتحقق النموذج بالربط بين عدد
من الظواهر ،بتصنيفها وتنظيمها وترتيبها ضمن نموذج فكري منسجم
ومتسق.
وعليه ،يعد النموذج بمثابة قالب للتوصيف والتجريد والتقعيد والتصنيف
والنمذجة ،وتحويل الواقع الديدكتيكي إلى قوانين وبناءات لها قيمة كشفية
كبيرة جدا .أي :يقوم النموذج المثال على ربط النظرية بالواقع بغية تحديد
األشكال والمفاهيم المجردة ،وصوال إلى تصنيف نوعي ،وتبيان للمكونات
الجوهرية ،وتحديد للسمات الثانوية ،وتصنيف لألنماط .ومن هنا،
فإن"النظام المنطقي للمفاهيم من جانب ،والترتيب التجريبي لما هو خاضع
للتصور في إطار الزمان والمكان ،إلى جانب الترابط السببي من جانب
آخر ،كل ذلك سيبدو مترابطا إلى درجة أن محاولة اإلساءة إلى الواقع،
لتؤكد فيه القابلية الفعلية للبناء ،ستبدو محاولة اليمكن مقاومتها"182.
وهكذا ،يستهدف النموذج الديدكتيكي فهم الظواهر التربوية والديدكتيكية
فهما حقيقيا ،وتوصيفها تجريدا وتقعيدا وتصنيفا .ومن هنا ،يمكن الحديث
عن نموذج التعليم من جهة ،ونموذج للتعلم من جهة أخرى .ويعني هذا
وصف سيرورة التدريس التي يتوالها المدرس في مختلف مراحلها،
ووصف سيرورة التعلم التي يقوم بها المتعلم في مختلف خطواتها
اإلجرائية .وبهذا ،يكون النموذج التربوي هو الذي يصف مسارات التعليم
- 181أنتوني غدينز :علم االجتماع ،ترجمة :فايز الصياي ،منشورات المنظمة العربية
للترجمة ،بيروت ،لبنان ،الطبعة األولى سنة 2005م ،ص.71:
- 182كاترين كوليو تيلين :ماكس فيبر والتاريخ ،ترجمة :جورج كتورة ،المؤسسة الجامعية
للدراسات والنشر والتوزيع ،بيروت ،لبنان ،الطبعة األولى سنة 1994م ،ص.119:
191
والتعلم على حد سواء .وإذا كانت الطريقة ( )Méthodeعبارة عن
ممارسة إجرائية وتطبيقية ،فإن النموذج) )Modèleعبارة عن تصور
بنيوي نظري .ومن هنا ،يعنى النموذج التربوي بتقسيم الدرس إلى مقاطع
التعلمات ،ورصد أنشطة التعلم ،وتبيان أشكال التعلمات ،وتحديد أساليب
التعلم.
ومن هنا ،يرتكز النموذج الديدكتيكي على فهم المثلث البيداغوجي ،وتبيان
النموذج المثالي في عملية التدريس ،كأن يرتكز هذا النموذج على تحديد
األهداف العامة والخاصة واإلجرائية من جهة ،وتعيين مجموعة من
الكفايات النوعية والمستهدفة والنهائية والممتدة .ثم ،اختيار مجموعة من
الموارد في شكل قدرات وكفايات ودرايات ومواقف ومعارف لتبليغها
للمتعلم ،مع تقديم مجموعة من الدروس في شكل دعم وتوليف ضمن ما
يسمى باإلدماج الجزئي.وبعد ذلك ،يقدم للمتعلم وضعيات صعبة ومركبة
ومعقدة للتثبت من مدى تحقق الكفاءة لديه ضمن ما يسمى ببيداغوجيا
اإلدماج.ويعني ذلك أن يدمج المتعلم ما اكتسبه من موارد في حل
الوضعيات التي يواجهها في الفضاء الدراسي ،أو في المحيط الخارجي.
ومن هنا ،يمكن الحديث عن النموذج الديدكتيكي المعرفي الموسوعي
المرتبط بالمدرسة التقليدية أو الكالسيكية .عالوة على النموذج الديدكتيكي
الهادف القائم على فلسفة األهداف السلوكية ،والنموذج الديدكتيكي الكفائي
الذي يعتمد على المقاربة بالكفايات وبيداغوجيا اإلدماج .ومن جهة أخرى،
يمكن الحديث عن نماذجة ديدكتيكية أخرى كالنموذج اإلبداعي ،والنموذج
الملكاتي ،والنموذج اإلعالمي الترابطي...
وفي األخير ،يمكن الحديث عن نماذج بيداغوجية وتربوية وديدكتيكية
متنوعة ،يمكن حصرها فيما يلي:
النموذج الديدكتيكي التلقيني كما في المدرسة التقليدية؛
192
النموذج الديدكتيكي الحواري كما في التربية الحديثة؛
النموذج الديدكتيكي الهادف القائم على بيداغوجيا األهداف؛
النموذج الديدكتيكي الكفائي القائم على المقاربة بالكفايات؛
النموذج الديدكتيكي الهربارتي القائم على التمهيد ،وبناء الدرس،
والربط المنطقي بين مراحل الدرس ،واالستنتاج ،والتطبيق؛
النموذج اإلدماجي القائم على تنفيذ الوضعيات اإلدماجية؛
النموذج الديدكتيكي التنشيطي القائم على التنشيط الفردي والجماعي؛
النموذج الديدكتيكي اإلبداعي الذي يهدف إلى جعل المتعلم مبدعا في
أسرته ومدرسته ومجتمعه؛
النموذج الديدكتيكي الملكاتي القائم على الذكاءات المتعددة؛
النموذج الديدكتيكي الترابطي( )Connectivitéالقائم على توظيف
اإلعالميات الرقمية في التدريس.
193
والشيء .183ولكننا نجد ،في اللغات األجنبية ،حضورا لهذا المفهوم بشكل
واضح ومحدد؛ حيث نجد ،في معجم أكسفورد اإلنجليزي ،أن الوضعية
( )Situationتعني " معظم الظروف واألشياء التي تقع في وقت خاص،
وفي مكان خاص".184
وتقترن الوضعية بداللة أخرى ،وهي السياق الذي هو" عبارة عن وضعية
يقع فيها شيء ،وتساعدك -بالتالي -على فهمه".185
أما معجم روبير( ، )Robertفيرى أن الوضعية هي " أن تكون في مكان
أو حالة حيث يوجد الشيء أو يتموقع" . 186أي :إن الوضعية هي التموقع
المكاني أو الحالي في مكان أو وضع ما ،بينما يحدد السياق في هذا المعجم
على أنه " مجموعة من الظروف التي تحيط بالحدث".187
ويمكن أن نفهم من هذا كله أن الوضعية هي مجموعة من الظروف
المكانية والزمانية والحالية التي تحيط بالحدث ،وتحدد سياقه .وقد تتداخل
الوضعية مع السياق ،والظروف ،والعوائق ،والمواقف ،والمشكالت،
والصعوبات ،والمسائل ،واالختبارات ،والمحكات ،والحالة ،والواقع،
والدعامة ،واإلطار ،واإلشكالية…إلخ.
وتعرف الوضعية ،في مجال التربية والديدكتيك ،بأنها" وضعية ملموسة
تصف ،في الوقت نفسه ،اإلطار األكثر واقعية ،والمهمة التي يواجه التلميذ
- 183ابن منظور :لسان اللسان ،الجزء الثاني ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،الطبعة األولى،
،1993ص743:؛ والمعجم الوسيط ألحمد حسن الزيات وآخرين ،المكتبة اإلسالمية،
إستانبول ،تركيا ،ص.1039 :
184
- A.Regarder: Oxford advanced learners, Dictionary Oxford
university press 2000; p: 1109.
185
-Ibid, p : 247.
186
- Paul Robert : Le Petit Robert, Paris, éd, 1992, p : 378.
187
-Ibid, p : 1820 .
194
من أجل تشغيل المعارف المفاهيمية والمنهجية الضرورية لبلورة الكفاية
والبرهنة عليها" .188أي :إن الوضعية واقعية ملموسة ،يواجهها التلميذ
بقدراته ومهاراته وكفاءاته بحلها .ومن ثم ،فليست الوضعيات سوى التقاء
عدد من العوائق والمشاكل في إطار شروط وظروف معينة .إن الوضعية-
حسب محمد الدريج " -تطرح إشكاال عندما تجعل الفرد أمام مهمة عليه
أن ينجزها ،مهمة ال يتحكم في كل مكوناتها وخطواتها ،وهكذا يطرح
التعلم كمهمة تشكل تحديا معرفيا للمتعلم ،بحيث يشكل مجموع القدرات
والمعارف الضرورية لمواجهة الوضعية وحل اإلشكال ،ما يعرف
بالكفاية".189
- 188بيير ديشي :تخطيط الدرس لتنمية الكفايات ،ترجمة :عبد الكريم غريب ،منشورات
عالم التربية ،مطبعة دار النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،الطبعة األولى2003 ،م ،ص.181:
- 189محمد الدريج :نفسه ،ص.60 :
195
نعد التلميذ للحياة والواقع لمواجهة التحديات والصعوبات التي يفرضها
عالمنا اليوم ،و يتعلم الحياة عن طريق الحياة ،وأال يبقى رهين النظريات
المجردة البعيدة عن الواقع الموضوعي ،أو حبيس الفصول الدراسية
واألقسام المغلقة والمسيجة بالمثاليات والمعلومات التي تجاوزها الواقع ،أو
التي أصبحت غير مفيدة لإلنسان .أي :تنبني فلسفة الوضعيات على أسس
البراجماتية ،كالمنفعة ،واإلنتاجية ،والمردودية ،والفعالية ،واإلبداعية،
والفائدة المرجوة من المنتج ،وهو تصور الفلسفة الذرائعية لدى جيمس
جويس ،وجون ديوي ،وبرغسون ،والثقافة األنجلو سكسونية بصفة عامة.
وخالصة القول :ترتبط الكفايات بمواجهة المشاكل المركبة والوضعيات
المعقدة .والمقصود بأن تكون كفئا ومؤهال .أي :أن تكون إنسانا ناجحا
ومتمكنا من أسباب النجاح.
ومن مواصفات الوضعية أنها مركبة تشتمل على مجموعة من الموارد
والمواقف المختلفة .كما أنها ذات هدف معين .وهي كذلك تفاعلية على
أساس أن المتعلم يتسلح بمجموعة من القدرات المستضمرة للتفاعل مع
المحيط .ومن ثم ،تنفتح على مجموعة من الحلول الواقعية والممكنة
والمحتملة .وهي محفزة على النجاح والتفوق والتميز .ومن جهة أخرى،
ينبغي أن تكون الوضعية مدعمة باألسناد والوثائق والتعليمات
والنصوص ،ومعايير التقويم ،ومؤشرات التصحيح.
196
المطلب الثاني :الوضعية -المشكلة
تنتج الوضعية المسألة عن تفاعل بين ذات ،سواء أكان ذلك شخصا
واحدا أم مجموعة من األشخاص ،وموضوع معين،أو معلومات مبنية تبعا
لعمل يتعين إنجازه؛ " إال أنه يوجد في هذا اإلطار وسيط مقترح للوضعية
إن جاز التعبير ،فهو يتدخل كوسيط بين الدعامة والقائم بالحل ،أي التلميذ.
وبإمكاننا التعرف إلى أربع مراحل أساسية في هذا التفاعل ،وهي:
بروز حاجة معيشة أو مبنية لنية إنجاز أو الدفع إلى إنجاز عمل تبعا
لمعلومات معينة (المرحلة األولى)؛
تنظيم المدرس لمجموعة هذه المعلومات من أجل أهداف تعلمية
(المرحلة الثانية)؛
إبرام عقد مع التلميذ لكي يمر إلى إنجاز العمل (المرحلة الثالثة)؛
190
إنجاز العمل في حد ذاته (المرحلة الرابعة)".
وللوضعيات أهمية كبيرة في اختبار المناهج الدراسية ،وتقييم المدرسة
المعاصرة ،والتمييز بين التقليدية منها والجديدة ،ومعرفة المدرسة
المنغلقة من المدرسة الوظيفية والمنفتحة .وعليه ،فإن الوضعيات هي محك
الكفاءة والمردودية ،وإبراز للقدرات والمهارات والمواهب المضمرة
والظاهرة .إنها تربية على حل المشاكل المستعصية ،واقتراح الحلول
المناسبة والممكنة ،والتحفيز على التعلم الذاتي ،وتجاوز الطرائق التقليدية
القائمة على التلقين والحفظ ،وتقديم المعرفة والمحتويات بواسطة المدرس
إلى التلميذ السلبي.
ومن المعلوم أن التربية بالوضعيات هي التي تفرز الكفاءات والقدرات
العقلية المتميزة .فهي التي تربط المدرسة بالواقع وسوق الشغل ،وليس
- 191حسن بوتكالي (:مفهوم الكفايات وبناؤها عند فيليب پيرنو) ،الكفايات في التدريس بين
التنظير والممارسة ،مطبعة أكدال ،الرباط ،الطبعة األولى سنة ،2004ص.24:
198
وال يمكن فهم الوضعيات إال إذا وضعناها في سياقها االجتماعي
والتاريخي؛ فلقد استلزم التطور العلمي والتكنولوجي المعاصر ،منذ
منتصف القرن العشرين ،توفير أطر مدربة أحسن تدريب لتشغيل اآللة
بكل أنماطها؛ مما دفع المجتمع الغربي ليعيد النظر في المدرسة وطبيعتها
ووظيفتها ،بربطها بالواقع والحياة وسوق الشغل قصد محاربة البطالة،
وأسباب الفشل المدرسي ،وإيجاد حل للالمساواة االجتماعية .ويعني هذا
ربط المدرسة بالمقاولة والحياة المهنية والعولمة والقدرة التنافسية
المحمومة .أي :على المدرسة أن تنفتح على الواقع والمجتمع معا
لتغييرهما ،وإمدادهما باألكفاء واألطر المدربة الماهرة والمتميزة؛ فال
قيمة للمعارف والمحتويات الدراسية ،إذا لم تقترن بما هو وظيفي ومهني
وتقني وحرفي .إذاً ،فكل هذه العوامل هي التي كانت وراء عقلنة المناهج
التربوية ،وجعلها فعالة ناجعة ذات مردودية تأطيرية وإبداعية.
وقد حاولت دول العالم الثالث ،بما فيها الدول العربية ( المغرب،
والجزائر ،و تونس ،وسلطنة عمان -مثال ،)...-أن تتمثل هذا النموذج
التربوي القائم على المقاربة بالكفايات ،وتمثل الوضعيات اإلدماجية
لمسايرة المستجدات العالمية ،واإلنصات إلى متطلبات السوق الليبرالية
بغية الحد من البطالة ،وتفادي الثورات االجتماعية ،والحد من ظاهرة
الهجرة بكل أنواعها ،مع تبيئتها في مدارسها لخلق الجودة والعقالنية،
وتحصيل المردودية الفعالة .وبذلك ،أصبحت التربية تابعة للسياسة
االقتصادية للدولة وظروفها االجتماعية والتمويلية .وفي هذا الصدد ،يقول
نيكو هيرت ( ":)Nico Hirttما هو إذا عالم اليوم هذا ؟ يتميز محيطنا
االقتصادي بعنصرين اثنين :أوال تقلب بالغ ،وثنائية اجتماعية قوية .ينجم
عن احتدام الصراعات التنافسية ،وإعادة الهيكلة ،وإغالق المصانع،
وترحيل وحدات اإلنتاج ،واللجوء المتسارع إلى اختراعات تكنولوجية
زائلة أكثر فأكثر(سواء في مجال اإلنتاج أم في مجال االستهالك) .وفي
هذا السياق ،تتمثل إحدى أهم مساعي أرباب العمل في المرونة .أي:
199
مرونة سوق العمل ،ومرونة العامل المهنية واالجتماعية ،ومرونة أنظمة
التربية والتكوين ،وقابلية تكيف المستهلك.
مازالت سوق العمل حاليا منظمة بشكل قوي على أسس المؤهالت .أي:
على أساس الشهادات .وتمثل الشهادة جملة معارف ومهارات معترف بها،
تخضع لمفاوضات جماعية ،وتخول حقوقا بشأن األجور وشروط العمل أو
الحماية االجتماعية .وإلتاحة دوران أكثر ليونة لليد العاملة ،بات أرباب
العمل يسعون لتدمير هذا الثنائي المتصلب :مؤهالت -شهادات ،واستبداله
بالثنائي كفايات -شهادات مبنية على وحدات تكوين( مصوغات أو
192
مجزوءات ").Modulaire
ويتمثل سياق الوضعيات في االنفصال بين النظرية والتطبيق ،أو في غربة
المدرسة عن الواقع و سوق الشغل.
- 192نيكو هرت (:بصدد المقاربة عبر الكفايات هل نحتاج إلى عمال أكفاء أم إلى مواطنين
نقديين؟) ،الكفايات في التدريس بين النظرية والممارسة ،مطبعة أكدال،الرباط،الطبعة
األولى سنة 2004م ،ص.50 -49:
193
- Astolfi, j, p : ( Placer les élèves en situation – problème ? ), dans
Probio revue, 16, 4, Bruxelles : Association des professeurs de
biologie (ASBL) ,1993.
200
توصف ضمن لغة واضحة ومفهومة من قبل التلميذ.
تتطلب الوضعية معارف وقدرات ومهارات ،تسهم في تكوين الكفاية
في شتى مستوياتها المعرفية والحركية والوجدانية.
تتشابه مع وضعية حقيقية يمكن أن تواجه األفراد خارج المدرسة،
ضمن الحياة المهنية ،أو الحياة الخاصة.
ينبغي أن يكون المشكل الذي يعد للتلميذ مشكال حقيقيا ،ال يكون فيه
الحل بديهيا.
خبراته. التلميذ تشكل الوضعية فرصة يثري فيها
تحدد الوضعية وفق المستوى المعرفي للتلميذ.
إذاً ،يواجه المتعلم وضعية تتطلب حل مشكلة ما ،إما بشكل فردي ،وإما
بشكل جماعي ،بالتفكير في حيثيات المشكلة بمراعاة سياقها التداولي،
وتدبرها بشكل جيد ،ثم اقتراح الحلول المناسبة والممكنة لمعالجة هذه
المشكلة .ومن ثم " ،يحقق التعلم بحل المشكالت نتائج أفضل من نشاط
االستكشاف ،في إيصال مفهوم دقيق؛ ألنه يقترح وضعية -مشكلة
معقدة،تستلزم أن يقوم التلميذ بتعلمات متعددة ،متداخلة ومتمحورة حول
هذه الوضعية في اآلن نفسه .وهي ليست نشاطا يستغرق دقائق أو ساعات
معدودة ،وإنما يتطلب عدة أيام ،وأسابيع ،أو حتى عدة أشهر ...وتعتمد هذه
194
المقاربة حاليا في التعليم العالي بالخصوص".
ويرتبط البحث الذي يقوم به المتعلم بفرضية أو مشكلة ما ،تستوجب
البحث والتنقيب معا ،وجمع المادة إليجاد حل لها.
ويلتجئ المتعلم إلى أنشطة اإلدماج بعد اكتساب الموارد ،وبعد عمليات
التوليف والتركيب والدعم والمراجعة من أجل مواجهة وضعية واحدة أو
مجموعة من الوضعيات الصعبة بغية تثبيت كفاية ما تمهيدا وتطبيقا.
- 194انظر :بيداغوجيا اإلدماج ،ص.86:
201
وبتعبير آخر ،يستدمج المتعلم كل موارده المكتسبة لتوظيفها لحل
الوضعية.أي :إن" نشاط اإلدماج هو نشاط ديدكتيكي يتوخى استدراج
التلميذ لتحريك المكتسبات التي كانت موضوع تعلمات منفصلة ،فهي -
إذا ً -لحظات تعلمية تقوم على إعطاء معنى لتلك المكتسبات.
ويمكن أن نلجأ إلى أنشطة اإلدماج في أية لحظة من التعلم ،والسيما في
نهاية بعض التعلمات التي تشكل كال داال ،أي :عندما نريد ترسيخ كفاية،
أو تحقيق الهدف النهائي لإلدماج.
وتتغير أنشطة اإلدماج هاته ،فأثناء التعلمات االعتيادية ،قد تكون أنشطة
قصيرة (ال تتجاوز دقائق معدودات) لوضع مكتسبات عديدة ضمن سياق.
195
وفي نهاية التعلم ،تصير المدة مهمة :قد تمتد من ساعة إلى عدة أيام".
وعليه ،ينبني نشاط اإلدماج على فعالية المتعلم باعتباره بطال رئيسا في
عملية بناء التعلمات ،وحل الوضعيات المشكالت .كما يستلزم اإلدماج من
المتعلم أن يعبئ كل موارده المستضمرة ،بشكل من األشكال ،لحل
الوضعية المطروحة عليه .كما أن نشاط المتعلم نشاط ذو معنى ،ومرتبط
بوضعية جديدة ،وموجه نحو كفاية أو نحو هدف إدماج نهائي.
ومن أمثلة األنشطة اإلدماجية نشاط حول حل المشكالت ،ونشاط خاص
بوضعية تواصل ،ومهمة معقدة تنجز في سياق معطى ،وإنتاج حول
موضوع معين ،وزيارة ميدانية ،وأعمال تطبيقية ومختبرية ،وابتكار عمل
فني ،وتدريب عملي ،وإنجاز مشروع بيداغوجي أو مشروع القسم...
ويرتكز نشاط اإلدماج على تحديد الكفاية المستهدفة ،وتحديد التعلمات التي
نريد دمجها ،واختيار وضعية ما تكون دالة وجديدة تراعي مستوى
المتعلم ،وتتيح فرصة إلدماج ما نريد أن يتعلمه التلميذ ،ووضع صيغ
التطبيق ،مثل :ما يقوم به المتعلم ،وما يقوم به المدرس ،وإعداد الوسائل
206
ويمكن الحديث عن أنواع من العوائق في مجال التدريس ،وهي العوائق
اإلبستمولوجية ،والعوائق الديدكتيكية ،والعوائق التي تتعلق بتحقيق
األهداف والكفايات.
وتنبني الوضعية المسألة على الهدف العائق.أي :مواجهة العائق وتجاوزه
انطالقا من الموارد المكتسبة التي استضمرها المتعلم بغية إدماجها لحل
الوضعية -المشكلة .إذاً ،يضع المدرس هدفا ،ويتمثل هذا الهدف في طرح
مشكلة أو عائق ينبغي تجاوزه وإيجاد حل له .ويسمى هذا الهدف بالهدف
العائق ،وهو يصدر عن المواجهة بين منطقين:
" منطق األهداف المحددة من لدن الخبير (المدرس ،وأخصائيو
المحتويات) ،والتي تنتج عن تحليل المحتويات؛
ومنطق تحليل الصعوبات التي تعترض المتعلم لكي يتجاوز ويتوصل إلى
الدرايات المراد تكوينها انطالقا من تمثالته الخاصة.
وتحاول األهداف المعيقات أن توفق بين هذين المنطقين :منطق الخبير
ومنطق المتعلم:
من جهة ،يدرس الهدف بطريقة معينة ،حيث يشكل التعلم تقدما فكريا لدى
التالميذ؛
ومن جهة أخرى ،يدرس الهدف بشكل يمكن من االشتغال على معيق قابل
للتجاوز من قبل المتعلم.
200
يتعلق األمر-إذا ً -بنوع من التفاوض بخصوص الهدف".
وتختلف طبيعة الوضعية -المسألة من فرد إلى آخر ،ومن لحظة إلى
أخرى ،فقد تكون صعبة ومعقدة عند فرد ما ،وسهلة ومتداولة عند فرد
آخر ،وقد تكون مشكلة ما في لحظة معينة ،والتكون كذلك في لحظة
210
المعرفيدددة والوجدانيدددة والحسدددية الحركيدددة ،أو إشدددباع حاجياتددده البيولوجيدددة
والنفسية والعقلية ،أو من أجل تحقيق طموحه ،أو من أجل إثبدات ذاتده ،أو
من أجل تحقيق التوازن أو التكيف مع البيئة ،أو المحيط.
ومددن ثددم ،ينصددب الددتعلم علددى اكتسدداب األفكددار ،والتشددبع بددالقيم ،وتعلددم
المهدددارات ،وحدددل الوضدددعيات-المشدددكالت ،وإبدددداع النصدددوص واألشدددكال
والنظريات ،واكتشاف المجهول...
وال يتحقق التعلم كذلك إال بوضدع المدتعلم أو اإلنسدان أمدام وضدعية مشدكلة
معقدة أو صعبة أو مركبة من أجل إيجاد جواب أو حل لها.
إذاً ،فالتعلم ،في مفهومه الواسع ،عبارة عن خبرات يكتسدبها الكدائن الحدي،
بتفاعله واحتكاكه المستمر ببيئته ومحيطهوواقعه المجالي والموضوعي.
والدددتعلم كدددذلك هدددو البحدددث عدددن مختلدددف الطرائدددق واألسددداليب والمنددداهج
والتقنيددات التددي يسددتطيع بهددا اإلنسددان أن يلبددي حاجياتدده الناميددة والمسددتجدة
باستمرار.وبذلك ،يعد اإلنسان الكائن األكثر حاجة إلى التعلم لتحقيق تدالؤم
أفضل مع المحيط الذي يعيش فيه ،وأيضا من أجل إشباع حاجياته المتعددة
والمستجدة والملحة والمتكررة والمستمرة.
و لدديس الددتعلم فعددال فطريددا طبيعيددا عاديددا ،بددل هددو فعددل اكتسددابي قددائم علددى
المران والتدريب والتجريب والتكرار،ويكون استجابة لدافع أو حاجيدة مدن
حاجيات اإلنسان البيولوجية ،أو النفسية ،أو الفكرية ،أو الثقافية...
ويحتداج الددتعلم كدذلك إلددى بدذل المجهددود مدن أجددل اكتسداب خبددرات جديدددة،
واكتشدداف المجهددول ،وبندداء المعددارف والعددادات الجديدددة .ويتحقددق الددتعلم
باكتسدداب المهددارات ،والتددزود بالمعلومددات واألفكددار والبيانددات ،ومجابهددة
المواقف والوضعيات ،وحل المشاكل التي يستلزمها الواقع واألحداث.
211
ومن ثدم ،فهنداك فدرق كبيدر بدين العدادة والدتعلم .فالعدادة عمليدة سدهلة بددون
مشقة ،قد تساعد المتعلم على إدراك بعض األشياء ،لكن التعلم يحتداج إلدى
جهد وصبر مشقة ومران من أجل التزود باألفكار ،وتمثدل القديم وتشدربها،
وامتالك التقنيات ،والتعرف إلى المناهج والنظريات والمعارف...
أضف إلى ذلك أن التعلم عبدارة عدن عمليدة نفسدية بامتيداز ،تخضدع آلليدات
وقددوانين وشددروط محددددة ،تنشددأ عنهددا عددادات مختلفددة قددد تكددون صددالحة أو
طالحددة ،والتربيددة هددي وحدددها الكفيلددة بددالتمييز بددين الصددالح والطددالح.ومن
هنا ،فالتعلم هو اكتساب لمجموعة من العدادات العقليدة والذهنيدة والفكريدة،
والعادات الوجدانية واالنفعالية ،والعادات الحسية -الحركية.
أمدا الفدرق بدين الدذكاء والدتعلم ،فالددذكاء هدو القددرة علدى الدتعلم واالكتسدداب
وإدراك األشدددياء وفهمهدددا وتفسددديرها وتأويلهدددا .أمدددا الدددتعلم ،فوظيفدددة مدددن
الوظائف األساسية للذكاء ،وبه تنكشدف الفدوارق البيداغوجيدة والديدكتيكيدة
بين المتعلمين ،وبده يتميدز الدذكاء البشدري عدن الدذكاء الحيدواني.ومن هندا،
ترتبط سرعة التعلم وبطؤه بطبيعة الذكاء ونوعه ودرجته ومعدله.
المطلب الثاني :شروط التعلم وأهميته
ينبني الدتعلم علدى مجموعدة مدن الشدروط األساسدية .ويمكدن حصدرها فيمدا
يلي:
النضكككج البيولكككوجي :اليمكدددن أن يتحقدددق الدددتعلم لددددى اإلنسدددان إال بنمدددو
جسددمه ،وتصددلب عضددالته ،وامددتالك اللغددة ،واكتسدداب الجهدداز الصددوتي،
ونضج بنيته الجسدية جزئيا أو كليا.
ومن هنا ،يرتبط تعلم الكتابة بقوة اليدين.ويرتبط تعلم الرياضة بقوة الجسد.
ويددرتبط تعلددم السددباحة بتصددلب العضددالت ،واكتسدداب بعددض المهددارات،
ونضج األعضاء والساقين ،والتدريب على التنفس الصحيح ،والتوفر علدى
قوة األعصاب والعظام...
212
النضج العقلي :ويعني هذا أن التعلم مرتبط ارتباطا شديدا بالنمو العقلي
والددذكائي.فاليمكن أن نطالددب الطفددل ،فددي السددنوات األولددى ،بكتابددة إنشدداء
فلسفي قائم على التجريد ،بينما الطفل لم يتجاوز مرحلة اإلدراك الحسي.
ويعنددي هددذا ضددرورة مراعدداة النمددو العقلددي لدددى الطفددل ،وتحديددد الفتددرة
العمريددة ونددوع الددذكاء المناسددب لتلدك الفتددرة المرصددودة.ومن ثددم ،اليكتفددي
التعلم بماهو بيولوجي ووراثي فقط ،بدل البدد مدن امدتالك خصدائص عقليدة
منطقية ورياضية لفهم العالقات بين العناصر تماثال ،وتقابال ،واستنتاجا.
الدافـــعية:يدرتبط الددافع إلدى الدتعلم بمجموعدة مدن الحاجيات.فدالحيوان
يتعلم من أجل إشباع رغبدات بيولوجيدة كاألكدل ،وإرواء العطدش ،وتحقيدق
الرغبة الجنسية .في حين ،يسعى اإلنسان إلى تحقيق رغبات أخرى ،مثل:
تحقيدددق الدددذات ،والسدددعي مدددن أجدددل االمدددتالك ،وإشدددباع الرغبدددات الفكريدددة
والثقافية والعلمية ،والبحث عن التوازن النفسي والديني والروحي...
موضككوع الككتعلم:يددرتبط الددتعلم باكتسدداب المهاراتالمتنوعددة والمختلفددة،
وتعلدددم التقنيدددات والطرائدددق ،والدددتمكن مدددن اسدددتخدام المنددداهج واألسددداليب،
واكتسدداب األفكددار والمعددارف القديمددة والجديدددة ،والتشددبع بددالقيم والمواقددف
والتمددثالت ،وتعلددم الحركددات ،واكتشدداف المعلددوم ،والددتحكم فددي المجهددول،
وحل الوضعيات والمشاكل ،وإيجاد األجوبة للمسائل العويصة والمعقدة...
سياق التعلم :يتأسس التعلم على حل مجموعة من الوضعيات الصعبة
والمعقدة التي ترتبط بسياق ما .وتحمل تلك الوضعيات والمواقف عوائق
ومشاكل تتطلب حلوال ناجعة من المتعلم.
وترد الوضعية التعليمية السياقية في شكل مسألة معقدة وصعبة ،تستلزم
حلوال مناسبة ومالئمة .وكلما وجد المتعلم حلوال لهذه الوضعيات المركبة
والصعبة والمعقدة ،كان المتعلم كفئا ومؤهال وذكيا .وبالتالي ،استحق
التنويه واإلشادة به.
213
وللتعلم أهمية كبرى في حياة اإلنسان .فهي عملية أساسية في نماء اإلنسدان
وارتقائدده ،بدددالتكيف مدددع الطبيعدددة واسددتغاللها وتغييرهدددا .وبالتدددالي ،يتميدددز
اإلنسددان عددن بدداقي الكائنددات األخددرى بخاصددية الددتعلم القددائم علددى المددران،
واالكتساب ،والتجريب ،والتدريب.
وبهذا التعلم ،يستطيع اإلنسان بناء مدنيته وحضارته وكتابدة تاريخده .وهدذا
مددا جعددل البدداحثين يهتمددون بدراسددة الددتعلم ،والبحددث عددن قوانيندده وآلياتدده
المتنوعددة والمختلفة.لددذا ،انقسددموا إلددى تيددارات سدديكولوجية متنوعددة ،وإلددى
مدارس نفسية مختلفة ،واتجاهات منهجية متضاربة.
المطلب الثالث:التعلم في منظور المدرسة السلوكيـــة
ظهرت المدرسة السلوكية ضمن النطاق األنجلوسكسوني بغية فهم
مجموعة من الظواهر النفسية والسلوكية ،والسيما ما يتعلق بالتربية،
والتعليم ،والتكوين ،والتعلم.وقد لقيت هذه المدرسة انتشارا كبيرا في
منتصف القرن العشرين ،ومازالت تمارس تأثيرها في الساحة التعليمية
والتربوية إلى يومنا هذا ،على أساس أنها أكبر مدرسة سيكولوجية تعنى
بمجال التعلم لدى المتمدرس بطريقة علمية موضوعية وتجريبية.
يمثددل المدرسددة السددلوكية مجموعددة مددن البدداحثين كدداألمريكيين واطسددون
(1878-1958()Watsonم) ،وسكينر (1904-1990( )Skinnerم)،
وثورندددايك (1874-1949()Thorndikeم) ،...والطبيددب الفيزيولددوجي
الروسي بافلوف (... ،)1849-1963()Pavlov
وقددد تددأثرت هددذه المدرسددة بالوضددعية العلميددة وفلسددفة الواليددات المتحدددة
األمريكية فدي بدايدة القدرن العشدرين .وقدد ركدزت علدى فكدرتين أساسديتين
همددا :السددلوك المالحددظ والبيئددة ،مددع إقصدداء الددذات والعواطددف الشددعورية
والعمليات الذهنية والعقلية والفكرية الداخلية.
214
الغرض من هذه المدرسدة هدو دراسدة السدلوك الخدارجي لإلنسدان السدوي،
بربطددده بدددالمثير( )Stimilusواالسدددتجابة ( .)Réponseويعندددي هدددذا أن
السدددلوك اإلنسددداني هدددو نتددداج للدددتعلم ،أو هدددو رد فعدددل علدددى مجموعدددة مدددن
المنبهات التي تأتينا من العالم الخارجي.
ومدددن هندددا ،فقدددد ظهدددرت السدددلوكية سدددنة 1913م فدددي الواليدددات المتحددددة
األمريكيدددة مدددع واطسدددون الدددذي أوجدددد مصدددطلح السدددلوكية سدددنة 1913م
( )Behaviorلدراسة مجمدل السدلوكيات الموجدودة عندد مختلدف الكائندات
الحية ،في ارتباط تام بالبيئة ،أو المحيط الخارجي.
ومن ثم ،فقد استبعدت هذه المدرسة كل ماهو داخلدي ،سدواء أكدان شدعورا
أم الشعورا .ويعني هذا أن السدلوكية مدرسدة سديكولوجية تجريبيدة وعلميدة
بامتيددداز ،هددددفها دراسدددة السدددلوك الخدددارجي المالحدددظ فدددي عالقدددة بدددالمثير
واالستجابة.لذا ،فقد أجريدت تجاربهدا األولدى علدى الحيواندات ،مدن كدالب،
وفئران ،وقطط ،وحمام ،بغية تطبيقها على اإلنسان .وبتعبير آخر ،التكتفي
السلوكية بدراسة السلوك عند المتعلم فحسب ،بدل تددرس ،عبدر المالحظدة
الواصفة ،الكيفية التي بها يتحكم المتعلم في المعرفة ،بعدد أن يحقدق الهددف
اإلجرائي المطلوب.
215
وقد ارتبطت النظرية السلوكية بالتشريط التعلمي ()Conditionnement
عند بافلوف انطالقا من ثنائية المثير واالستجابة [.]SR
ولددم تقتصددر السددلوكية علددى نظريددة المثيددر واالسددتجابة البسدديطة كمددا عنددد
بافلوف فحسب ،بل تطورت مع بيدداغوجيا األهدداف التدي اهتمدت بتسدطير
مجموعدددددة مدددددن األهدددددداف السدددددلوكية المعرفيدددددة والوجدانيدددددة والحسدددددية
الحركية.عالوة على التعلديم المبدرمج ()Enseignement programmé
الذي استفاد من تقنيات المدرسة السلوكية ،والتعلديم الحاسدوبي الدذي امدتح
إوالياته النظرية والتطبيقية مدن المدرسدة السدلوكية .دون أن ننسدى اسدتفادة
بيداغوجيا الكفايات من هذه النظرية مع تطويرها.
وللتوضيح أكثر ،فاإلنسان يصددر سدلوكه الخدارجي المالحدظ والمرصدود،
حينما يرتبط ذلك بمحفز واستجابة .مدثال ،حينمدا يحدس اإلنسدان بدالعطش ،
يسمى هذا حافزا ،فإنه يتجه نحو المكان الدذي يوجدد فيده المداء ،يسدمى هدذا
بالسلوك الخارجي ،فيشرب ،ويسمى هذا استجابة .وينطبق هذا على حافز
الجددوع وحددافز الددتعلم وحددافز الخددوف وغيرهددا مددن المثيددرات الخارجيددة
المدركة.
وإذا كانددت المدرسددة الشددعورية تدددرس الشددعور الددداخلي ،فددإن السددلوكية
التعنى إال بمالحظة السلوك الخارجي القابدل للدراسدة والرصدد والتجريدب
والتوصيف.
ومددن هنددا ،فكلمددا كددان هندداك مثيددر أو حددافز أو منبدده خددارجي ،كانددت هندداك
استجابة سدلوكية بمثابدة رد فعدل علدى هدذا المنبده البيئدي أو المحيطدي .وقدد
كان هذا القدانون السديكولوجي نتيجدة مجموعدة مدن التجدارب التدي أجريدت
على الحيوانات في ظروف ووضعيات تجريبية مختلفة بغية معرفة عالقدة
االرتباط الموجودة بين المثير المدروس واالستجابة المتوقعة.
216
وأكثر من هذا ،تهتم السلوكية بدراسة الوقائع الذهنية والوجدانية المالحظة
(الصددراخ ،الضددحك ،)...وال تعنددى بدراسدددة الحدداالت غيددر المالحظدددة أو
المدركة (الفرح ،والحزن ،والغضب.)...كما تدرس عناصر البيئة الحسية،
مثل :الحرارة ،وعدد األفراد...ومن هنا ،فالوضعيات البيئية هي التي تخلق
حوافر الفرد ،وتستدعي ردود أفعاله واستجاباته.
وإذا كان بافلوف قد اهتم بدراسة االنعكاس المشروط ،بدراسة ردود الفعدل
لدى الحيوان في عالقته بدالمحيط الدذي يوجدد فيده،فإن واطسدون " أراد أن
يبنددي نظريددة السددلوك اإلنسدداني علددى وحدددة بسدديطة هددي الفعددل المددنعكس،
ودرس الفعل المنعكس في الحيواندات الدنيئدة البسديطة والراقيدة ،واعتبدر
سلوك اإلنسان مجموعة من األفعال المنعكسة الشرطية المعقدة "204.
وعليه ،فقد كانت السلوكية تنظر إلدى الدتعلم وفدق منظدور إشدراطي ،بدربط
التعلم بثنائية المثير واالستجابة
- 204عبد العزيز القوصي :علم النفس :أسسه وتطبيقاته التربوية ،مكتبة النهضة
المصرية ،القاهرة ،مصر ،طبعة 1978م ،ص.76:
217
1874-( )Edward هددددددذا ،ويعددددددد إدوارد ثورندددددددايك(Thorndike
1949م)من العلماء األمريكيين الذين يحسبون على التيار السلوكي ،وكدان
سددددباقا إلددددى وضددددع معادلددددة المثيددددر واالسددددتجابة إطددددارا مرجعيددددا للددددتعلم
وسيكولوجية السلوك ،مع طرح تصور ترابطي للتعلم .وقد عدرف بنظريدة
الددتعلم بالمحاولددة والخطددأ .عددالوة علددى قددانون األثددر الددذي ارتددبط باسددمه.
ويُطلق أيضا على نظرية ثورنددايك اسدم الترابطيدة(Connexionnisme
) ،على أساس أن عمليدة الدتعلم هدي نتداج الدربط بدين المثيدر واالسدتجابة.
ومن ثم ،تتقوى عملية التعلم أوتضعف حسب قوة الترابط وضعفه.
وتعني نظرية المحاولة والخطدأ أن اإلنسدان يدتعلم بالخطدأ ،ونتيجدة تكدرار
المحاوالت الكثيرة بغية الوصول إلى الهدف المطلوب .وتقوم هذه النظرية
التعلمية على مجموعة من المفاهيم األساسية هي:
التكككرار :يسدداعد المددتعلم علددى تجنددب الخطددأ بعددد القيددام بمجموعددة مددن
المحدداوالت فددي مددرات زمنيددة متعددددة ،مددع تصددحيح االسددتجابات الخاطئددة
باالستجابات الصحيحة.
التدعيم أو التعزيز :يعني التقويم اإليجابي بالمكافأة لتشجيع المتعلم على
االستجابة.
االنطفككاء :إذا لددم يتحقددق التدددعيم ،يقددع االنطفدداء ،أو تراجددع المددتعلم عددن
االستجابة الفورية.
االسترجاع التلقائي :بعد عملية االنطفاء ،يمكن للمتعلم أن يسترجع قواه
بطريقة تلقائية.
التعميم :ما يتعلمه المتعلم من موارد يمكن أن يوظفها ويدمجها في أثناء
مواجهته لوضعيات متشابهة.
218
التمييز :يعني هذا المبدأ أن المدتعلم إذا فشدل فدي حدل المشدكلة الوضدعية
الجديدددة بندداء علددى وضددعيات سددابقة مشددابهة ،فالبددد مددن االلتجدداء إلددى مبدددأ
التمييز للتفريق بين الموقف السابق والموقف الجديد.
العالقككات الزمانيككة :يقددوم الزمددان بدددور هددام فددي تقددويم التعلمددات ،فكلمددا
كانت االستجابة فوريدة وفدي مددة قصديرة كدان الدتعلم ناجحدا ،وكلمدا طالدت
الفترة الزمنية ضعف التعلم واالكتساب.
وقد أحضر ثورندايك صندوقا للقطط ،ووضدع الطعدام خدارج البداب ليحفدز
القطددط ويطوعهددا علددى فددتح البدداب الحديدددي للظفددر بددذلك الطعددام .وبطبيعددة
الحددال ،لددن يتحقددق لدده ذلددك بسددهولة ومرونددة ويسددر إال بالضددغط علددى أداة
حديدية مساعدة ،تسنده في فتح باب القفص إلشباع رغبته البيولوجية.
ويالحظ أن القط يكرر محاوالته الخاطئدة فدي فدتح البداب مدرات عددة حتدى
يحصل له المرام والمبتغى والغاية ،فيخرج من قفصه الحديدي.
وقد رسم ثورندايك مبيانا إحصائيا تكراريا للتثبت من عدد المحاوالت التي
تسمح للقط بالخروج من القفص بسرعة .وقد تحسن أداء القدط بعدد( )117
محاولة خاطئة لمدة أسبوع .وتضاءلت المدة الزمنية التدي اسدتغرقها الدتعلم
لدى القط عن طريق المحاولة والخطإ.
219
وعليه ،تعني نظريدة المحاولدة والخطدأ أن اإلنسدان يدتعلم بالخطدأ ،ونتيجدة
تكرار المحاوالت الكثيرة بغية الوصول إلى الهددف المطلدوب .وتقدوم هدذه
النظرية التعلمية على مجموعة من المفاهيم األساسية هي:
التكككرار :يسدداعد المددتعلم علددى تجنددب الخطددأ بعددد القيددام بمجموعددة مددن
المحدداوالت فددي مددرات زمنيددة متعددددة ،مددع تصددحيح االسددتجابات الخاطئددة
باالستجابات الصحيحة.
220
التدعيم أو التعزيز :يعني التقويم اإليجابي بالمكافأة لتشجيع المتعلم على
االستجابة.
االنطفككاء :إذا لددم يتحقددق التدددعيم ،يقددع االنطفدداء ،أو تراجددع المددتعلم عددن
االستجابة الفورية.
االسترجاع التلقائي :بعد عملية االنطفاء ،يمكن للمتعلم أن يسترجع قواه
بطريقة تلقائية.
التعميم :ما يتعلمه المتعلم من موارد يمكن أن يوظفها ويدمجها في أثناء
مواجهته لوضعيات متشابهة.
التمييز :يعني هذا المبدأ أن المدتعلم إذا فشدل فدي حدل المشدكلة الوضدعية
الجديدددة بندداء علددى وضددعيات سددابقة مشددابهة ،فالبددد مددن االلتجدداء إلددى مبدددأ
التمييز للتفريق بين الموقف السابق والموقف الجديد.
العالقككات الزمانيككة :يقددوم الزمددان بدددور هددام فددي تقددويم التعلمددات ،فكلمددا
كانت االستجابة فوريدة وفدي مددة قصديرة كدان الدتعلم ناجحدا ،وكلمدا طالدت
الفترة الزمنية ضعف التعلم واالكتساب.
ومن خصائص هذه النظرية ارتباط المثير باالستجابة على مستوى الدتعلم،
ووجود دافع أساسدي للدتعلم ،ثدم تكدرار المحداوالت التعلميدة بغيدة الوصدول
إلى الهدف ،ثم إيجاد حل عن طريق الصدفة ،ثم تعمديم أثدر الحدل الصدحيح
على باقي الوضعيات السياقية األخرى.
ويعني هذا كله أن نظرية ثورندايك قائمة على ثالثة قوانين كبرى هي:
قانون االستعداد الذي يتمثل في رغبدة اإلنسدان أو الحيدوان فدي الدتعلم ،
باالستعداد والتحضير والتهيؤ وتوفير جميدع اإلمكاندات النفسدية والعضدوية
إلنجاز المهمة عن طريق التشجيع والتحفيز والتطويع ،أو مدا يسدمى أيضدا
بقانون الدافعية؛
221
قانون األثر :ويعندي أن يكدون للعمدل أو اإلنجداز المشدروط أثدرا إيجابيدا
فددي المنجددز ،كددأن يشددبع رغباتدده ،ويحقددق متمنياتدده ،ويرضددي طموحاتدده،
ويكون ذلك بالثواب والتشجيع والتقويم والمكافأة؛
قككانون الممارسككة :ال يتحقددق الددتعلم الترابطددي إال بالتدددريب المسددتمر،
والتمارين المتكررة ،والمحاوالت الخاطئة مدن أجدل الظفدر بالمبتغى.والبدد
أن يكون التمرين هادفدا وناجحدا وبنداء بامتيداز ،يسداعد المدتعلم علدى الدتعلم
وحل الوضعيات المشكالت.
وقد توصل ثورندايك إلى مجموعة من القوانين المتعلقدة بنظريدة المحاولدة
والخطأ ،و هذه القوانين هي:
قانون التكرار الذي يقوي الروابط بين المثير واالستجابة؛
قانون األثر القائم على الثواب ،وقد قال به واطسون205؛
قكككانون التهيككك واالسكككتعداد المدددرتبط بالشدددعور بالرضدددا واالنزعددداج؛
قانون التمرين الذي يقوي االرتباطات التعلمية؛
قانون االنتماء الذي يقوي الرابطة بين المثير واالستجابة ،عندما تكدون
االستجابة الصحيحة أكثر انتماء إلى الموقف؛
قااانون االسااتقطاب الااذي يعنااي أن الااتعلم يتحقااق بطريقااة التاارابط
الميسر بدل التارابط المانعكس الصاعب ،كاأن ناتعلم معااني مفاردات
اللغااة الفرنسااية بالعربيااة أسااهل ماان تعلمهااا بالفرنسااية ،كااأن نااذكر
المفردة الفرنسية ثم نذكر معناها بالعربية .وهذا أفضل إذا طلب منا
أن نذكر معنى المفردة العربية بالفرنسية.
-أحمد عزت راجح:أصول علم النفس ،المكتب المصري الحديث ،اإلسكندرية ،مصر، 205
222
عالوة على وجود مجموعة من القوانين الثانوية ،مثل:
قكككانون االسكككتجابة المتعكككددة التدددي تسدددتلزم اسدددتجابات عددددة ومتنوعدددة؛
قككانون االتجككاه أو المنظومككة الددذي يعنددي مدددى تددأثر الددتعلم باتجاهددات
المتعلم وميوله ودوافعه ورغباته وقناعاته؛
قانون االستجابة بالمماثلة ،ويعني الدتعلم انطالقدا مدن المواقدف السدابقة
المشابهة؛
قكككانون االنتقكككال الترابطكككي الدددذي يعندددي تعلدددم المواقدددف فدددي ارتباطهدددا
بالمواقف التعلمية األخرى...206
ويمكن تطبيق النظرية السلوكية على الحيوانات ،واألفدراد األسدوياء ،وفدي
مجال سيكولوجيا الطفولة ،والسيكولوجيا االجتماعية...
ومن جهة أخرى ،تستند هذه المدرسة ،على المستوى اإلبستمولوجي ،على
الفكر العلمي الوضعي والموضوعي والتجريبي متدأثرة ،فدي ذلدك ،بدالعلوم
الفيزيائيدددة والفيزيولوجيدددة والرياضدددية والطبيعيدددة ،مدددع تطبيدددق المدددنهج
التجريبدددي القدددائم علدددى المالحظدددة ،والفرضدددية ،والتجريدددب ،والتكدددرار،
والمقارنة ،والقانون ،والنظرية .دون أن ننسدى أن هدذه النظريدة تقدوم علدى
مبدإ الحتمية العلمية ،وربط األسباب بالنتدائج ،وتمثدل الموضدوعية العلميدة
في البحث التطبيقي.
وفي األخير ،فلقد ساهمت المدرسة السلوكية في إغناء مجال التعليم والتعلم
والتكددوين.ومن ثددم ،فددالتعلم ،فددي منظددور المدرسددة السددلوكية ،هددو أن يكددون
المددتعلم قدددادرا علدددى تقددديم الجدددواب المناسدددب ،أو يكددون قدددادرا علدددى حدددل
-عبد المجيد نشواتي ،علم النفس التربوي ،دار الفرقان للنشر والتوزيع ،عمان، 206
223
الوضعيات المعقدة والمركبدة ،أو يكدون قدادرا علدى تقدديم الحلدول المالئمدة
والمناسبة لمختلف المشاكل التي تواجهه في المدرسة من جهة ،والحياة من
جهة أخرى.ومن ثم ،يتحقق التعلم الحقيقي عندد المدتعلم بدالجمع بدين المثيدر
واالستجابة وتكراره عبر الوحدات الدراسية والتعلمية.
أضف إلى ذلك يتحقق التعليم السلوكي بتحديدد األهدداف اإلجرائيدة ،وتقدديم
الوضدددددعيات المتدرجدددددة فدددددي السدددددهولة والصدددددعوبة لكدددددي يجيدددددب عنهدددددا
المتعلم،وخلددق السددياقات الظرفيددة والبيئيددة التعليميددة المختلفددة للتثبددت مددن
مكتسدددبات المدددتعلم ،رصدددد مختلدددف اسدددتجاباته المعرفيدددة ،وتحديدددد مجمدددل
المثيددرات الدافعددة نحددو الددتعلم ،وتبيددان نددوع طبيعددة السددلوك التعلمددي لدددى
التلميذ بشكل علمي ،وموضوعي ،وتجريبي.
وعليه ،فقد رفضت المدرسة السلوكية البنيدات العقليدة المتحكمدة فدي الدتعلم
كما لدى السيكولوجيا المعرفية ،بل اعتبدرت السدلوك المالحدظ والمرصدود
هو أساس المعرفة النظرية والتطبيقيدة.بمعنى أن هددف المدرسدة السدلوكية
هو تحليل السدلوك المعرفدي والتعلمدي المالحدظ لددى المدتعلم ووصدفه بدقدة
علمية وقياسية ،في شكل أهداف سلوكية وإجرائية في آخر حصة تعليميدة-
تعلمية .فما يهم السلوكية هو وصف األفعال السلوكية من قبيل:
-أن يكون التلميذ قادرا على رسم لوحة تشكيلية في وصف الطبيعة؛
-أن يكون المتعلم قادرا على قفز حاجز من خمسة أمتار؛
-أن يكون التلميذ قادرا على العد إلى المائة.
ومن هنا ،ينبندي الفعدل السدلوكي علدى القددرة زائدد فعدل الحركدة .وال تبندي
السلوكية أهدافها اإلجرائية والكفائية على األفعال العقلية والمعرفيدة ،مثدل:
يتذكر ،ويفهم ،ويفكر... ،
وعلدددى الدددرغم مدددن إيجابيدددات المدرسدددة السدددلوكية ،فإنهدددا تهمدددل جواندددب
سدديكولوجية أخددرى تتعلددق بمدداهو شددعوري ،والشددعوري ،ومعرفددي .كمددا
224
تسددقط فددي اآلليددة الميكانيكيددة التكراريددة.ثم ،إن الددتعلم لدديس مرتبطددا بثنائيددة
المثير واالستجابة بالضرورة ،بل قد يكون التعلم نتاج الرغبدة فدي التعبيدر
عن المشاعر واألحاسيس الداخلية التي العالقة لها بالمحيط الخارجي.كمدا
تملك الذات مؤهالت وراثية وعقلية وذكائيدة تسدمح لهدا بدالتعلم واالكتسداب
أكثر مما يتيحها المحيط الخارجي.
المطلب الرابع :نظريات التعلم بعد المرحلة السلوكية
يمكن الحديث عن مجموعة من النظريات والتصورات التي اقترنت بالتعلم
في مرحلة ما بعد المدرسة السلوكية اإلشراطية ،ويمكن حصرها في
المدرسة الجشطلتية األلمانية ،واإلبستمولوجيا التكوينية لجان بياجي،
والسوسيوبنائية.
الفرع األول :الجشطلتية والتعلم باالستبصار
تعني الجشدطلتية ،فدي اللغدة األلمانيدة ،الشدكل ،أو الصديغة ،أو الهيئدة ،أو
الصورة ،أو البنية ،أو النسق الكلي...
ومن ثم ،تعني الجشطلتية العلدم بالكليدات الدذي يددل علدى الجزئيدات.بمعنى
أن الجشطلت عبارة عن نسق بنيوي كلي ،يتكون من مجموعة من البنيدات
الجزئيددة التددي لهددا دور أو وظيفددة داخددل هددذا النسددق الددذي يتسددم باالتسدداق
واالنسجام .وأي تغيير يحدث في أي جزء أو بنية داخل النسدق ،يدؤثر ذلدك
،بددددوره ،فدددي تغييدددر النسدددق الكلدددي ،سدددواء أكدددان ذلدددك التغييدددر جزئيدددا أو
كليددا.ويعني هددذا كلدده أن المددرء يددتعلم األشددياء بنيويددا ونسددقيا ،ويدددركها فددي
كلياتها التي تتضمن جزئياتها الصغرى.
وقددد ظهددرت سدديكولوجيا الشددكل( ، )Psychologie de la formeأو
النظريدددة الجشدددطلتية ( )Gestaltthéorieفدددي بدددرلين ،مدددا بدددين -1910
1920م .وترتبط بمجموعة من األسدماء هدي :فيرتيميدر(،)Wertheimer
وكوهلر( ،)Köhlerوكوفكا(...)Koffka
225
وتددددرس النظريدددة الجشدددطلتية الظدددواهر السددديكولوجيا باعتبارهدددا وحددددات
منظمة ضمن شدكل معدين .ويعندي الجشدطالت الكدل المتكامدل األجدزاء ،أو
الصيغة اإلجماليدة الكليدة التدي تتضدمن ،فدي طياتهدا ،عناصدرها وأجزاءهدا
المكونة.
وتهتم الجشطلتية برصد األشكال في تمايزهدا وتنظيمهدا وتناسدقها وانتقالهدا
مدددن وضدددعية إلدددى أخدددرى .وتركدددز كثيدددرا علدددى اإلدراك والدددذكاء عندددد
الحيوان.وقد تشكلت هذه المدرسة السيكولوجية " في وقت أسرف فيه كثير
مدن علمدداء الددنفس فدي تحليددل الظددواهر النفسددية إلدى عناصددر جزئيددة .كددانوا
يحللون اإلدراك إلى إحساسات جزئية ،وعملية التعلم إلى روابط عصبية،
والشخصية إلى سمات مختلفة ،فكدان مدن الطبيعدي أن يدؤدي ذلدك إلدى رد
فعددل شددديد .وقددد كددان ذلددك علددى يددد هددذه المدرسددة التددي تددرى أن الظددواهر
النفسددية وحدددات كليددة منظمددة ،وليسددت مجموعددات مددن عناصددر وأجددزاء
متراصددة .فدداإلدراك أو الددتعلم أو بندداء الشخصددية لدديس كددل منهددا كالحددائط
المكددون مددن قوالددب ملتصددقة ،بددل كالمركددب الكيميددائي اندددمجت عناصددره
بعضددها فددي بعددض .ولددو حللنددا المركددب إلددى عناصددره تالشددى المركددب
207
نفسه".
فمثال ،لو تأملنا شكل المربع ،فإننا نراه جملة ،وال ندراه علدى أنده مجموعدة
أضددالع ،وزوايددا ،ورؤوس ،بددل نددرى تلددك العناصددر كلهددا علددى أنهددا كددل،
الضلع ضلع مربدع ،والزاويدة زاويدة مربدع ،والدرأس رأس مربدع .وهكدذا،
دواليك.أي :إن صفات الجزء تكون مشتقة من صفة الكدل الدذي ينتمدي إليده
208
هذا الجزء.
- 207أحمد عزت راجح :أصول علم النفس ،المكتب المصري الحديث ،اإلسكندرية ،مصر،
الطبعة الثامنة ،1970 ،ص.44:
- 208عبد العزيز القوصي :نفسه ،ص.85:
226
-إدراك الجزئيات في طابعها الكلي-
واليمكن فهم القصيدة وتحليلها نقديا إال باستيعاب النسق الكلي .فكثيدر مدن
المعدداني الجزئيددة اليمكددن فهمهددا إال بوضددعها داخددل سددياقها الددداللي الكلددي.
وينطبددق هددذا أيضددا علددى الصددورة ،فددنحن الندددرك منهددا إال طابعهددا الكلددي،
وتتضح أجزاؤها وعناصرها ضمن إطارها الهندسي الكلي.
وبندداء علددى ماسددبق ،ترتكددز النظريددة الجشددطلتية علددى المجددال اإلدراكددي
الكلي لألجزاء .بمعنى أننا ندرك الكل فداألجزاء .وهدذا يقدرب النظريدة مدن
التيار البنيوي الدذي يددرس النسدق فدي كليتده وشدموليته.بمعنى أنده يتضدمن
مجموعددة مددن العناصددر الجزئيددة التددي تنتمددي إلددى هددذا الكددل عبددر عالقددات
بنيوية وظيفية قائمة على االختالف .وبالتالي ،يتولد المعنى مدن خدالل هدذا
المختلددف مددن األجددزاء والعناصددر والعالقددات .ومددن ثددم ،يعنددي الجشددطلت
الشكل ،أو الصيغة ،أو المجال ،أو النسدق الكلدي الدذي يتمثدل فدي مجموعدة
من األشكال والصيغ واألنساق المدركة .وبالتالي ،فللجشطلتية أبعاد ثقافية
مختلفة متنوعة .فهي تهتم باآلليات اإلدراكية ومعالجة المعلومات التي يقوم
227
بها الذهن أو العقل ،مع إعطاء ندوع مدن االتسداق للظدواهر المدركدة .ومدن
ثم ،يتحقق التعلم لدى األفراد بإدراك ماهو كلي ،ثم يعقبه ماهو جزئي .أي:
يتضمن العلم الكليات التي تتضمن بدورها الجزئيات.
وقددد اسددتفادت هددذه النظريددة مددن فلسددفات الددوعي فددي القددرن السددابع عشددر
الميالدي ،بتمثل منهج المالحظة والتجريب العلمي في القرن التاسع عشر.
ومن ثم ،تركز النظرية على الشكل الذي يسمح لنا بإدراك األشياء الجزئية
األخرى.فالوعي يقدوم بدإدراك الكدل ثدم األجدزاء .ومدن ثدم الكدل أسدمى مدن
الجزء.
وإذا كانت السلوكية تعنى بخلق وضعيات بيئية تحفيزية أمام الفرد للتفاعدل
معهددا ،فددإن الجشددطلتية تركددز علددى كيفيددة معالجددة الددوعي للمعلومددات.ومن
هنا ،تدؤمن الجشدطلتية أن اإلنسدان أو الحيدوان يدتعلم باالسكتبطار واإلدراك
معددا.ويعني االستبصددار إدراك المجددال اإلدراكددي بسددهولة ،وتبددين مختلددف
الحلول لمعالجة الموقف.بمعنى أن االستبصار هو نوع من النشاط الدذكائي
الذهني المتوقد الذي يدفع المتعلم إلى فهم عناصر الوضعية وتفهمها بشدكل
جيددد .وبعددد تأمددل عميددق لمختلددف عناصددر الموقددف أو الوضددعية ،يتوصددل
المتعلم ،بشكل فجائي وسريع ،إلى الحل المناسب.
وللتمثيل ،إذا أعطيت لإلنسان مجموعة من المفاتيح لفدتح بداب مغلدق ،فإنده
لن يفتح الباب بشكل عشدوائي إال إذا كدان مغمدض العيندين ،أمدا إذا حررندا
حواسدده مددن كددل عددائق ،فإندده سدديالحظ القفددل ،ويددنظم مجالدده اإلدراكددي ،ثددم
يتثبت من شكل القفل وصورته وهيئته ،ثم يبحث عدن طبيعدة المفتداح الدذي
يتشددابه مددع القفددل ،ثددم يدددخل المفتدداح المنتقددى فددي ذلددك القفل.آنددذاك ،تتحقددق
النتيجة اليقينية بفتح الباب على مصراعيه .ويعندي هدذا أن االستبصدار هدو
تعلددم ندداتج عدددن عمليددة ذكائيدددة محكمددة للمجددال اإلدراكدددي الكلددي ،بتنظددديم
عناصره ،وإدراك جزئياته .وفي هذا الصدد ،أجرى كوهلر تجدارب عددة
علدددى الحيدددوان ،والسددديما فئدددة القدددردة مدددن الشدددامبانزي ،لبنددداء نظريتددده
228
الجشددددطلتية ،فقددددد تصددددل إلددددى أن الحيددددوان يددددتعلم باالستبصددددار واإلدراك
كاإلنسان.
أما اإلدراك ،فهو عبارة عن عملية تأويل لمختلدف بنيدات النسدق الكلدي ،أو
هددو انتقددال مددن مرحلددة المحسددوس إلددى مرحلددة التجريددد والتعمدديم وبندداء
القددددوانين والنظريددددات ،واسددددتنتاج القواعددددد الكلية.ويعتمددددد اإلدراك علددددى
مجموعددة مددن آليددات الددتعلم ،مثددل :قددانون التماثددل ،209وقددانون التشددابه،210
وقدددانون التقدددارب ،211وقدددانون اإلغدددالق ،212وقدددانون الحجدددم النسدددبي،213
وقانون االستمرار.214
-209قانون التماثل هو إدراك األشياء المتقابلة على أساس أنها تتماثل وتتوحد.
-210قانون التشابه هو الذي يتأسس على إدراك تشابه األشياء والموضوعات في خصائص
موحدة ومعينة.
-211قانون التقارب يدل على تقارب األشياء وتجاورها حتى يسهل إدراكها بيسر.
-212قانون اإلغالق ،ويعني أن األشياء الناقصة وغير التامة يقوم اإلنسان بإتمامها وإغالقها
حتى يتم إدراكها.
-213قانون الحجم النسبي يتحقق بإدراك الصيغ الصغيرة كأشكال.في حين ،تدرك الصيغ
الكبيرة على أساس أنها أرضية لهذه األشكال.
-214قانون االستمرار ،ويعني أن األشياء والعناصر التي تتجه نحو اتجاه معين تدفعنا إلى
إدراكها على أنها ستستمر في ذلك االتجاهبشكل النهائي.
229
تلكددم ،إذاً ،نظددرة مقتضددبة ومختصددرة إلددى مفهددوم الددتعلم لدددى المدرسددة
الجشدطلتية التدي تحصدره فدي إدراك المجدال الكلدي الدذي يتضدمن ،بددوره،
إدراك الجزئيات.
ومن ثم ،فالجشطلتية نظرية بنيوية مجالية وإدراكية بامتياز ،ترى أن التعلم
يتحقق لدى الحيوان واإلنسان معا بإدراك النسق أو المجال الكلدي .وبدذلك،
تتجدداوز المدرسددة السددلوكية التددي اهمددت بددربط السددلوك الخددارجي بثنائيددة
المثير واالستجابة نحو سيكولوجيا معرفية وذهنية وإدراكية ومجالية ،تهدتم
بماهو معرفي وعقلي وذكائي داخلي.
الفرع الثاني:السيكولــوجيا التكوينية
ظهدددرت السددديكولوجيا التكوينيدددة( ، )Epistémologie génétiqueأو
المقاربددة البنائيددة ( ،)Constructivismeفددي منتصددف القددرن العشددرين،
متددأثرة فددي ذلددك بالبنيويددة اللسددانية ،و البنيويددة التكوينيددة التددي تمثلهددا بييددر
بورديو ( )P.Bourdieuولوسيان كولدمان ( )Lucien Goldmannفي
سنوات الستين من القرن الماضي.
230
ويعدددرف جدددان بياجيددده (1896-1980(215)Jean Piagetم) بنظرياتددده
المشهورة في التعليم والتعلم التي تندرج ضمن السيكولوجيا البنائيدة ،مدادام
يتحدث عن تفاعل تماثلي وثيق بين البنية والمحيط .وقد اهتم كثيدرا بتطدور
الطفل النمائي المعرفي والذكائي حتى مرحلدة المراهقدة .وبالتدالي ،يحسدب
أيضا على السيكولوجيا المعرفية(.)Psychologie cognitive
ومددن ثددم ،فقددد قسددم جددان بياجيدده التطددور المعرفددي والددذهني والددذكائي لدددى
اإلنسددان إلددى أربددع مراحددل أساسددية ،تبدددأ مددن مرحلددة الطفولددة إلددى مرحلددة
المراهقة ،وقد حدددها فدي :المرحلدة الحسدية -الحركيدة (مدن فتدرة المديالد
إلددى السددنتين) ،ومرحلددة ماقبددل العمليددات الحسددية (مددن السددنتين إلددى سددبع
سنوات) ،ومرحلة العمليات المشخصة (مدن سدبع إلدى اثنتدي عشدرة سدنة)،
ومرحلة العمليات الصورية (من اثنتي عشرة سنة إلى مافوق).
ولم تقتصر أبحاثه العلمية على دراسة سيكولوجيا الطفل فحسب ،بل درس
أيضا سيكولوجيا المراهقة مع شريكته إينهيلدر ( ،)Inhelderضمن
مقاربته النفسية التكوينية .وقد بين أن فترة المراهقة تتسم بالتجريد على
الصعيد الذهني والمنطقي والذكائي والمعرفي .ويعني هذا أن السيكولوجيا
التكوينية قد قاربت فترة المراهقة من منظور عقلي وذهني ومعرفي.
وركزت كثيرا على السيرورة النمائية الذكائية والعقلية .وبذلك ،كانت من
المدارس األولى التي مهدت للسيكولوجيا المعرفية في منتصف القرن
العشرين.216
وتتميز مرحلة المراهقة -عند جان بياجي -بخاصية التجريد ،والميل نحو
العمليددددات المنطقيددددة ،واالبتعدددداد عددددن الفكددددر الحسددددي الملمددددوس العيدددداني
( .)Concretويعني هدذا أن الدذكاء المنطقدي والرياضدي -عندد المراهدق-
216
- Piaget J:La psychologie de l'enfant, Que sais-je? P.U.F, Paris,
1973.
233
ينتقددل مددن مرحلددة العمليددات المشخصددة نحددو البندداء الصددوري المنطقددي ،أو
ينتقددل مددن الطددابع الحسددي نحددو الطددابع الرمددزي المجرد.ويعددود ذلددك إلددى
السيرورة الطبيعية للنمو الذهني والمعرفي الذي يتماثدل -بنيويدا -مدع النمدو
البيولددوجي ،وتطددور المحدديط والبيئددة .وبتعبيددر آخددر ،يتطددور الددذكاء عنددد
المراهق باستخذام لغة الرموز والدذكاء المنطقدي ،وإيجداد الحلدول المناسدبة
للوضعيات التي يطرحها المحيط الخارجي.
أضددف إلددى ذلددك أن الطفددل -فددي هددذه المرحلددة -يكتسددب آليددات االسددتدالل
والبرهنددة واالفتددراض اسددتقراء واسددتنباطا ،ويحددل الوضددعيات الرياضددية
والمنطقية المعقدة ،ويميل إلدى التفكيدر الفلسدفي والنسدقي .ويجعلده هدذا كلده
فددي تددوازن تددام مددع الطبيعددة أوالبيئددة التددي تحدديط بدده ،مسددتخدما فددي ذلددك
مجموعة من العمليات ،مثدل :التكيدف ،والتدأقلم ،والمماثلدة ،واالسدتيعاب،
والتوافق ،والمواءمة ،واالنسجام...
وفي هذا الصدد ،يدرى جدان بيداجي أن" جميدع الكائندات الحيدة لدديها قابليدة
فطريدددة إليجددداد عالقدددة توافدددق أو تكيدددف مدددع البيئدددة مدددن خدددالل مدددا يسدددمى
بالتوازن .وهذا التوازن هو القابلية الفطريدة لتهيئدة قددرات الفدرد وخبراتده
لتحقيددق أكبددر قدددر ممكددن مددن التكيككف .ويمكددن تعريددف التددوازن بأندده نجدداح
الفددرد فددي توظيددف إمكاناتدده مددع متطلبددات البيئددة حولدده .وتسددمى عمليددة
االسددتجابة للبيئددة طبقددا للبندداء المعرفددي للفددرد بعمليددة التمثيككل ،والتددي تعتمددد
على نوع التفاعل بدين البندى المعرفيدة والبيئدة الطبيعيدة ،والبندى المعرفيدة
الماثلة فدي أي لحظدة إنمدا تشدمل مدا أمكدن للكدائن الحدي اسكتيعابه وتمثلده .
ومن الواضح أنه إذا كان التمثيل هو العملية المعرفيدة الوحيددة ،فلدن يكدون
هندداك نمددو عقلددي ،حيددث إن الطفددل سددوف يعتمددد فددي تمثيددل خبراتدده علددى
اإلطددار المحدددد لمددا هددو ماثددل فددي بنيتدده المعرفيددة .لددذا ،فددإن العمليددة الثانيددة
تسمى المواءمكة ،والموائمدة هدي العمليدة التدي بواسدطتها تتكيدف أو تتعددل
البنى المعرفية ويحدث من خاللهدا النمدو المعرفدي .أي :إن عمليدة التمثيدل
234
تسدددمح للكدددائن الحدددي ليسدددتجيب للموقدددف الدددراهن فدددي ضدددوء المعرفدددة أو
الخبرات السابقة لديه .وبسبب الخصائص الفريدة التدي ال يمكدن االسدتجابة
لها في ضوء المعرفة السابقة وحدها ،فإنه يمكن القدول بدأن هدذه الخبدرات
الجديدة للفرد تسبب اضطرابا أو عدم توازن في بنائه المعرفدي فدي بدادىء
األمر .ثم ال تلبث أن تنسجم وتتزن مدع البنداء المعرفدي ،وبمدا أن التدوازن
حاجة فطرية ،فإن البنى المعرفية تتغير لكي تتوائم مع خصائص الخبدرات
الجديدددة أو المواقددف الجديدددة .وبالت دالي ،يحدددث االتككزان المعرفككي .وهددذا
التناقض التدريجي في االعتماد على البيئة الطبيعيدة والزيدادة فدي اسدتخدام
القدرات أو البناء المعرفي هدو مدا يسدمى باالسدتدخال ،ومدع اسدتدخال قددر
أكبر من الخبرات ،يصبح التفكير أداة للتكيف مع البيئة "217.
وكددذلك ،تتميددز هددذه المرحلددة بميددل المراهددق إلددى االنتبدداه مددن حيددث المدددة
والطول والعمق .كما يتبين ذلك بجالء حين متابعته لفيلم طويدل ،أو مبداراة
في كرة القدم ،أو قصدة طويلدة مسترسدلة .عدالوة علدى قدرتده علدى التخيدل
والتخييل والتذكر واإلبداع واالبتكار ،والميل إلدى الشدرود وأحدالم اليقظدة،
واإلكثار من الرحالت وحب المغامرة واالستطالع ،والتحرر مدن البدرامج
الدراسدددية ،والميدددل إلدددى القدددراءة الحدددرة ،والسددديما قدددراءة الكتدددب العلميدددة
والدينية ،وقدراءة شدعر الغدزل ،وسدماع األغداني الشدبابية لددى الدذكور ،أو
سماع األغاني الرومانسية عند اإلناث.
ويالحددظ أن عددالم الطفددل يختلددف عددن عددالم المراهددق ،فالعددالم األول عددالم
محدود وضيق ،ومسيج بالحسدية والتشدخيص واإلحيائيدة .فدي حدين ،يتميدز
العدالم الثدداني بخاصددية التجريددد والتخييددل والتجداوز لمددا هددو حسددي وعقلددي.
235
وفي هذا النطاق ،يقول أحمد أوزي أن " العالم العقلي للمراهق يختلف عن
العددالم العقلددي للطفددل ،إذ إن عددالم المراهقددة أكثددر تناسددقا وانتظامددا وأكثددر
معنويددة وتجريدددا ممددا يسددمح للمراهددق باالسددتمتاع بالنشدداط العقلددي وقضدداء
أوقددات طويلددة فددي التفكيددر والتأمددل فددي مسددائل معنويددة كددالخير والفضدديلة
والشددجاعة والعدالدددة ومعندددى الحيددداة .حتدددى إنددده يمكدددن القدددول بدددأن مرحلدددة
المراهقة هي مرحلة الفلسفة المعقلنة ،بعدد أن كاندت فتدرة الطفولدة األولدى
فترة الفلسفة الساذجة والبسيطة .فاألسئلة الفلسفية التي يلقيهدا طفدل الرابعدة
أو الخامسددة يجيبدده عنهددا اآلبدداء والمدرسددون فددي جميددع الحدداالت .بخددالف
األسئلة الفلسفية التي تشغل المراهدق فدي هدذه الفتدرة ،فهدي أسدئلة يطرحهدا
على نفسه ،ويبحث فيها بقدرته العقلية .ألنه لم يعد ذلك الطفل المتقبدل لكدل
شيء.إن المراهق يطدرح للنقداش العقلدي المبدادىء الخلقيدة التدي تلقاهدا مدن
قبل ،ويتساءل عن ضرورتها.كما أنه يتساءل عن علل الكون والحياة وعن
الدين وقيمته الروحية واالجتماعية .وبقدر ما يناقش المراهق هدذه المسدائل
بالمنطق والعقل ،فإنه يؤكد ذاته ووجوده من خالل هذا التفكير الذي يشعره
بين رفاقه بقيمته .كما يعود إلدى ذاتده بعدد كدل نقداش يخوضده وينتصدر فيده
ليقددارن معرفتدده ووضددعه الفكددري بوضددع الطفولددة وسددذاجتها.لهذا ،يددرفض
من اآلن فصاعدا اعتباره طفال ،فهو علدى اسدتعداد لمناقشدة األب واألسدتاذ
والصديق ،بل وتحدي هؤالء جميعا إذا لم يعترفوا له بالوجود والقيمة.
ومدددن خدددالل تفاعدددل المراهدددق مدددع مختلدددف أفدددراد مجتمعددده واسدددتخدامه
لإلمكانيات والقدرات العقلية تتكون اتجاهاتده وتتبلدور .فمدن خدالل مختلدف
المواقف التي يخبرها في مجتمعه تتكدون اتجاهاتده التدي تدتحكم فدي سدلوكه
وتوجهه .لهذا ،نجدد للمراهدق فدي هدذه الفتدرة وجهدات نظدره الخاصدة التدي
218
يتحمس للدفاع عنها في مختلف المجالس واألندية".
-218أحمد أوزي :سيكولوجية المراهقة ،دار النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،المغرب ،طبعة
1986م ،ص.23:
236
وعليه ،تتسم هذه المرحلة بقدوة اإلدراك والمالحظدة عندد المراهدق ،ونمدو
قدراتددده العقليدددة والمعرفيدددة والكفائيدددة ،واتسددداع دماغددده الدددذهني والعصدددبي
والذكائي ،وقدرته علدى التمثدل واالسدتيعاب والحفدظ والبرهندة والتجريدب
والتخييل واإلبداع والتجريد.
وأهم ميزة يتصف بها جان بياجيه أنه نظم مراحل التعلم بشكل دقيق،
وحدد بداياتها ونهاياتها الزمنية بشكل علمي مقنن؛ مما جعل كثيرا من
األنظمة التربوية المعاصرة تسترشد بآراء جان بياجيه السديدة ،وتستهدي
بنظرياته الوجيهة في مجال التعليم والتعلم والتكوين.
ومن هنا ،فقد حدد جان بياجيه أربع مراحل نفسية وتربوية متعاقبة
ومتدرجة ومتوافقة ،هي:
المرحلة الحسية الحركية :تمتد من لحظة الميالد حتى السنة الثانية؛
مرحلة ما قبل العمليات :تبتدئ من السنة الثانية حتى السنة السابعة؛
مرحلة العمليات المادية أو الحسية :تبتدئ من السنة السابعة حتى السنة
الحادية عشرة؛
مرحلة التفكير المجرد :تبتدئ من السنة الثانية عشرة إلى بداية فترة
المراهقة.
ويتوافق التعليم األولي مع مرحلة ما قبل العمليات الحسية الحركية ،أو ما
يسمى بالتفكير الرمزي عن طريق اللغة والصور الذهنية .وإذا كانت
المرحلة األولى مرحلة فكرية حسية حركية ،تمتد من الميالد حتى نهاية
السنة الثانية ،ويعتمد فيها الطفل على مجموعة من السلوكيات الفطرية
الغريزية؛ مثل :المص والقبض وغيرهما ،ويتعلم من البيئة مجموعة من
السلوكيات والمهارات والتوافقات الحسية البسيطة ،ويتعامل مع األشياء
بطريقة حسية وإدراكية بسيطة غير مركزة أو واعية ،فإن المرحلة الثانية
237
من مراحل تطور الطفل تسمى بمرحلة التفكير الرمزي ،أو مرحلة ما قبل
العمليات العيانية أو الحسية .وتبدأ هذه المرحلة في النصف الثاني من
السنة الثانية حتى سنالسابعة تقريباً .وفي هذه المرحلة ،يبدأ الطفل في تعلم
اللغة ،والميل نحو التمثياللرمزي لألشياء ،وتكوين األفكار البسيطة
والصور الذهنية ،ويتحول تفكير الطفلتدريجيا ً من صورته الحركية إلى
صورة تفكير رمزي غير مجرد.
ومن هنا ،ال بد أن تراعي مؤسسات التعليم األولي ورياض األطفال
الجوانب النفسية واالجتماعية والتربوية لدى المتعلم ،باالسترشاد بعلم
النفس وعلم االجتماع ،وتمثل الطرائق البيداغوجية الحديثة والنظريات
التربوية المعاصرة .وفي هذا اإلطار ،يقول غالي أحرشاو" :إذا كانت
األسرة هي التي تسهر على تربية الطفل خالل الفترة الممتدة من الوالدة
إلى سن الثالثة أو الرابعة ،فإن مؤسسات التعليم األولي هي التي تضطلع
بهذه المهمة في الفترة الممتدة من الثالثة أو الرابعة إلى حدود السادسة التي
تمثل سن االلتحاق بالسلك األول من التعليم االبتدائي.
إن التربية المقصودة هنا تتحدد في جميع أشكال رعاية الطفل االجتماعية
والنفسية والتربوية والمعرفية ،والتي تتوزع على هاتين الفترتين؛ بحيث
تتكفل األسرة بتنشئته ورعايته خالل الفترة األولى ،وتسهر مؤسسات
التعليم األولي على تهييئه وإعداده للتعليم االبتدائي أثناء الفترة الثانية.
فهي ،بالمعنى الذي يوجهها على امتداد هذه الفترة األخيرة ،عبارة عن
ممارسة بيداغوجية تحكمها مجموعة من االعتبارات الموضوعية
والمستجدات العلمية ،وتؤطرها جملة من األسس النظرية والمرجعيات
السيكولوجية ،وتشرطها سلسلة من المرتكزات البيداغوجية والدعامات
اإلجرائية .وهي بهذا التحديد ،حتى وإن كانت تشكل الميدان المعقد الذي
يستدعي مقاربة متعددة التخصصات ،تشمل بالخصوص علم النفس
والتربية واالجتماع ،فإنها عبارة عن ممارسة تربوية تحكمها مرجعية
238
سيكولوجية ذات توجه معرفي ،تتحدد على التوالي في سيكولوجية نمو
219
المعارف واكتسابها ،وفي سيكولوجية التدريس وتعلم الكفاءات".
ويعني هذا أنه ال بد من تبني بيداغوجيا تعلمية كفائية متنوعة فعالة
ونشيطة ،تتعامل مع أفضية لعبية متنوعة ،باعتماد األنشطة الثقافية والفنية
واألدبية والرياضية والموسيقية .فضال عن بيداغوجيا فارقية تهتم
بالفوارق الفردية ،وتعنى أيضا بالذكاءات المتعددة .أي :البد من االعتماد
على" بيداغوجيا تعددية ،يحكمها فضاء تربوي غني ومتنوع ،من حيث
وسائله البيداغوجية ،وموارده البشرية ،وغاياته التعليمية .بمعنى
البيداغوجيا التي تؤطرها رؤية إستراتيجية للواقع وإمكاناته وآفاقه،
220
ويجسدها خيار فكري مدرك لظروفه وأهدافه ومعوقاته".
وهكذا ،يتبين لنا أن جان بياجيه قد أرسى نظرياته في التعلم على أسس
السيكولوجيا المعرفية التي تهتم بآليات الذهن والمعرفة العقلية وتطور
الذكاء اإلنساني .كما تميز مشروعه العلمي بتقسيم التعلم إلى مجموعة من
المراحل الذهنية :مرحلة الحسية الحركية ،ومرحلة ماقبل العمليات
المشخصة ،ومرحلة العمليات المشخصة ،ومرحلة التجريد المنطقي.221
الفرع الثالث :البنـــائية االجتماعيـــة
l’approche ( االجتماعية البنائية المدرسة ظهرت
رد فعل على المدرسة البنائية لجان بياجيه ،على 222
)sociocognitive
-219غالي أحرشاو :غالي أحرشاو :الطفل بين األسرة والمدرسة ،مطبعة النجاح الجديدة،
الدار البيضاء ،المغرب ،الطبعة األولى سنة 2009م ،ص.40:
-220غالي أحرشاو :الطفل بين األسرة والمدرسة ،ص.59:
221
- Piaget, La naissance de l'intelligence chez l'enfant, Paris,
Delachaux et Niestlé, 1936 ; La construction du réel chez l'enfant,
Paris, Delachaux et Niestlé, 1937
222
-BERTRAND, Y. Théories contemporaines de l'éducation,
Paris, Editions Nouvelles, Chronique Sociale.1998.
239
أساس أن هناك تفاعال بين البنية والمجتمع .وقد تشكلت هذه المدرسة مع
الروسي فيكوتسكي( ،)Vygotskiوبرونور ( ،223)Brunerودواز
وبيري كليرمون ( ،224)Doise & Perret-Clermontوغابرييل مونيي
(...225)Gabriel Mugny
وترى هذه المدرسة أن التعلم ال تتحكم فيه المؤثرات البيولوجية والوراثية
فقط ،بل يخضع أيضا لعوامل ثقافية وتاريخية ومجتمعية .بمعنى إذا كان
جان بياجيه يعطي أهمية كبرى لما هو وراثي وعقلي وذكائي في مجال
التعلم ،فإن فيكوتسكي يقر بأهمية المجتمع في بناء تعلمات المتعلم
وتعزيزها وتطويرها .أي :يقر بأهمية التفاعل الموجود بين الذات
والمجتمع ،أو بأهمية التفاعل بين التلميذ والمدرس ،وبأهمية التفاعل بين
التلميذ والمجتمع.ومن هنا ،أهمية االنصهار واالندماج في المجتمع ،أو
االنتماء إلى فريق تربوي ما ،أو التوحد مع اآلخرين في جماعة ديناميكية
معينة .ويعني هذا أن السيكولوجيا اإلنسانية نتاج لماهو مجتمعي في شكل
رموز تفاعلية .وبتعبير خر ،يتحقق التفاعل بين الذات المتعلمة والمجتمع
بواسطة مجموعة من الرموز المتفقة عليها من أجل تحقيق تفاعل إيجابي
بناء وهادف.ومن ثم ،يقر فيكوتسكي أن الوظائف السيكولوجية العليا
223
BRUNER J. L'éducation, entrée dans la culture : les problèmes
de l'école à la lumière de la psychologie culturelle, Paris, éd.
Retz.1996.
224
- Willem Doise et Gabriel Mugny, Le développement social de
l'intelligence, Paris, InterÉditions, 1981. Willem Doise et Gabriel
Mugny, Psychologie sociale et développement cognitif, Paris, Armand
Colin, « U », 1997.
225
-Willem Doise et Gabriel Mugny, Le développement social de
l'intelligence, Paris, InterÉditions, 1981. Willem Doise et Gabriel
Mugny, Psychologie sociale et développement cognitif, Paris, Armand
Colin, « U », 1997.
240
لإلنسان اليمكن فصلها عن الوظائف االجتماعية في أبعادها التفاعلية
والرمزية.
وأكثر من هذا يرى فيكوتسكي أن التطور الثقافي لدى الطفل ليس راجعا
إلى المكونات البيولوجية والجينية والوراثية والفطرية والعقلية والفردية ،
بل يرجع ذلك إلى اندماج الطفل في جماعات بشرية ما.وبهذا ،يكون التعلم
مجتمعيا وليس فرديا.وتسعفنا هذه النظرية كثيرا في فهم تطور التعلم
واالكتساب لدى الطفل في مساره النمائي واالرتقائي والذكائي والمعرفي.
وتتمثل نظرية فيكوتسكي في أن التعلم هو بمثابة صيرورة استيعاب
لمختلف األنظمة الثقافية ووسائلها.أي :إن التعلم فعل ثقافي ومجتمعي
بامتياز .وبالتالي ،اليمكن للتعلم أن يتعلم باالعتماد على قدراته الوراثية
والعقلية فقط ،بل البد من االندماج في مجتمع من أجل اكتساب أنماطه
الثقافية .ويعني هذا أن المتعلم اليمكن له االستغناء عن المدرس من جهة،
وال عن جماعة األصدقاء والرفقاء من جهة أخرى .ومن هنا ،يتكون
الذكاء لدى الطفل عبر آليات سيكولوجية يمتحها الطفل من محيطه ،
مثل :اللغة التي يستعملها الطفل ،وهي ذات طابع مجتمعي ،ويوظفها
للتعبير عن منتجه الفكري والعقلي .ومن ثم ،ينفي الباحث ما يسمى
بالتمركز اللغوي ،أو تمركز الطفل على الذات ،فهذا كله نتاج المجتمع،
مادام الطفل يستعمل اللغة التي وجدها في المجتمع ،ثم يحولها إلى آلية
نفسية داخلية .في حين ،إن مصدرها مجتمعي ،وليس فرديا أو
داخليا.وبهذا ،يكون الذكاء نتاج تعلم خارجي مجتمعي وثقافي وتاريخي،
وليس نتاج ماهو وراثي أو بيولوجي .وبهذا ،يتعلم الطفل باالسترشاد
بشاب بالغ ،أو بمدرس كفء ،يزوده بمختلف الموارد التي تسعفه في
التعلم الذاتي ،واكتساب المعارف.226
226
- Lev Vygotski : Pensée et langage (1934) (traduction de Françoise
Sève, avant-propos de Lucien Sève), suivi de « Commentaires sur les
241
وهكذا ،يتبين لنا أن البنائية االجتماعية تجمع بين ماهو بنيوي ومجتمعي،
أو تجمع بين الذات والمجتمع في إطار عملية التفاعل المتبادل والرمزي.
المطلب الرابع :نظرية الذكاءات المتعـــددة
تعد نظريدة الدذكاءات المتعدددة مدن أهدم النظريدات السديكولوجية والتربويدة
المعاصرة .وقد جاءت رد فعل على التصور البياجوي الذي يؤمن بأحادية
الددذكاء الرياضددي المنطقددي الددذي يعددد نمددوذج الفكددر اإلنسدداني ،وغلددو جددان
بياجي في النزعة العقالنية الموحدة للعقدل اإلنسداني بدالمفهوم الدديكارتي":
العقل أعدل قسمة متساوية بين البشر" .ناهيك عن استبعاده لعوامل الوسدط
والفوارق الفرديدة .وعلدى العكدس ،تدؤمن نظريدة الدذكاءات المتعدددة -التدي
تبلددددورت فددددي سددددنوات الثمددددانين مددددن القددددرن الماضددددي مددددع هددددووارد
غاردنر( -)Howard Gardnerبوجود ذكاءات متعددة ومتنوعة ومستقلة
لدى المتعلم ،يمكن صقلها وشحذها عن طريدق التشدجيع والتحفيدز والتعلديم
والتدددريب ،وتنميددة المواهددب والعبقريددات والمبددادرات .بمعنددى أن نظريددة
الذكاءات المتعدددة تدؤمن بعبقريدة المدتعلم ،وقدرتده علدى العطداء واإلنتداج
واالبتكار واإلبداع ،وحل المشاكل الصعبة ،ومواجهة الوضعيات المعقدة.
-228هاوارد غاردنر ( :حوار مع هوارد غاردنر حول الذكاءات المتعددة :من التأسيس
العلمي إلى التطبيق البيداغوجي) ،ترجمة وتقديم :عبد الواحد أوالد الفقيهي،
http://www.aljabriabed.net/n68_08lafkih.htm
243
متميزة .وبالتالي ،يختلف الذكاء من ثقافة إلى أخرى .فإذا كانت الثقافة
الغربية تؤمن بالذكاء الرياضي المنطقي ،فإن هناك ثقافات أخرى تؤمن
بالذكاء الفلسفي ،أو الذكاء الطبيعي ،أوالذكاء الفني ،أو الذكاء الجسمي
الحركي ،أو الذكاء الفضائي البصري...فالمتعلم قد يكون ضعيفا في
تخصص علمي ما ،لكنه قد يكون ناجحا وقويا في مجال علمي أو حياتي
آخر.
ومن هنا ،يتعلم الطفل حسب طبيعة ذكائه النمائي .وبالتالي ،يختلف التعلم
من ذكاء إلى آخر.وللذكاء دورهم مهم في اكتساب المعارف ،وتحصيل
المعلومات ،وتنظيم المدارك.
229
- Howard Gardner : Les formes de l’intelligence,ED Odel
Jacob,Paris,1997.
230
- Howard Gardner : Les Intelligences multiples, traduit par
PH.Evans-Clark, M.Muracciole et N.Weinwurzel, Retz, Paris, 1996.
244
وفي هذا الصدد ،يقول عبد الواحد أوالد الفقيهي ":منذ بداية القرن
الماضي ،تساءل العديد من الباحثين عن طبيعة الذكاء .ومن أهم المقاربات
التي سادت تاريخيا مقاربة القياس النفسي والتحليل العاملي.فإذا كان الكثير
من هؤالء العلماء قد تبنوا معامل الذكاء أو دافعوا عن وجود عامل عام
للذكاء .فهناك آخرون من رواد التحليل العاملي (ثورستون /Thurstone
وجيلفورد )Guilfordلم يقبلوا ذلك ،ودافعوا بالمقابل عن فكرة أن الذكاء
يتضمن عددا كبيرا من العوامل والمكونات .لكن على الرغم من مساهمة
التحليل العاملي في اكتشاف تعقد مكونات الذكاء وتعددها ،فإنه ظل حبيس
استخدام بنود االختبارات التي تعرضت النتقادات عدة ،كما أن النتائج التي
توصل إليها تعكس بشكل مباشر فرضيات رياضية تتخذ وسيلة لتحديد
عوامل الذكاء وتمييزها .بمعنى آخر ،إن رواد التحليل العاملي لم يتمكنوا
من الحسم في النقاش الذي ظل قائما حول الطبيعة الحقيقية للذكاء .ومع
تمكن العديد من الباحثين من االنزياح عن إرث القياس النفسي والتحليل
العاملي .ونهجوا طريقا آخر في الكشف عن تعدد الذكاء اإلنساني.إن
التعدد الذي تنطوي عليه الذكاءات يعني أن هناك عددا مستقال من القدرات
المختلفة ،ومجموعة متباينة من أوجه النشاط المعرفي اإلنساني ،يسميها
231
غاردنر بالذكاءات اإلنسانية المتعددة".
ويضاف إلى هذا أن نظرية الذكاءات المتعددة قد استخدمت ،في البداية،
في مجال السيكولوجيا ،ليتم تجريبها ،بعد ذلك ،في مجال التربية والتعليم
سعيا إلى ترقية العقل اإلنساني ،وتطوير بنياته المعرفية ،وصقل قدراته
الذهنية والعصبية والدماغية .عالوة على ذلك ،لم تكتشف بعد طاقات
الدماي البشري وإمكانياته الزاخرة .وفي هذا السياق ،يقول عبد الواحد
أوالد الفقيهي ":خالل العقود األخيرة ،ستبرز وتتبلور توجهات -على
مستوى المنظمات الدولية واألبحاث العلمية -سعت إلى نقد التصور
األحادي للذكاء وتجاوزه ،وربطت تغيير األنظمة التعليمية وإصالحها
وتجديدها باستثمار تعدد الطاقات ،وغنى اإلمكانات اإلنسانية .ففي سنة
1972أعلن تقرير لليونيسكو أن للدماي اإلنساني إمكانات لم يتم استعمالها
-231عبد الواحد أوالد الفقيهي :الذكاءات المتعددة :التأسيس العلمي ،منشورات مجلة علوم
التربية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،الطبعة األولى 2012م،ص.21:
245
بشكل واسع ،وأن مهمة التربية هي تشغيل هذه اإلمكانات غير المستعملة
وتحقيقها .وفي سنة 1979صدر عن نادي روما تقرير نص في مقدمته
على أن اإلنسان مازال يتوفر على كثير من الطاقات والموارد التي لم
تكتشف ،ولم تختبر بعد؛ ولذلك فهو يظل في حاجة دائمة إلى تعلم كيف
يكشف عن طاقاته الكامنة ،وكيف يستخدمها بصورة واعية وهادفة
232
وذكية".
هذا ،وقد بلور هوارد غاردنر نظريته في الذكاءات المتعددة تنظيرا
وتطبيقا ،بعد أن اشتغل تجريبيا على مشروع الطيف التربوي منذ
1984م .وفي هذا الصدد ،يقول غاردنر ":إنمشروع الطيف هو مجهود
لتقييم مختلف أصناف الذكاءات لدى األطفال الصغار،ويمكن تكييفه
ليتالءم مع السنوات المبكرة .مبدئيا ليس لدي أي اعتراض لتقييمالذكاءات
ما دام هذا التقييم يتم بطريقة عادلة ومنصفة ،وليس بواسطة
اختبارمعياري من صنف اختبارات "الورقة والقلم" .فإذا أردت – مثال-
تقييم الذكاءالفضائي لشخص ما فال تقدم له اختبارا ،بل علمه خط سير
جديد ،ثم الحظ بأيةسرعة سيصل إلى التحكم في اتجاه السير ،وكيف
سيقوم بتذكره.
هناك باحثون آخرون قاموا بتطوير اختبارات الذكاء ،ولست من أنصار
هذهاالختبارات ،لكني أحكم عليها حسب حالة كل اختبار .وأعتقد أننا
أمضينا وقتاطويال في تقييم األطفال وتصنيفهم ،ولم نمنحهم سوى وقتا
ضئيال لمساعدتهم .لذلك ،فالمبرر الوحيد ،بالنسبة إلي ،لتقييم الذكاءات هو
-232عبد الواحد أوالد الفقيهي :الذكاءات المتعددة :التأسيس العلمي ،منشورات مجلة علوم
التربية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،الطبعة األولى 2012م.
246
مساعدة المتعلمينللتعلم بشكل جيد ،وذلك بتوظيف الذكاءات األكثر تفوقا،
233
وتقوية الذكاءات التيهي في حاجة إلى ذلك ،في الوقت نفسه".
ويضيف الباحث شارحا مشروعه المسمى بالطيف التربوي بقوله ":إنه
برنامج تربوي يقدم لألطفال الصغار (بين 3و 6سنوات) بيئة
غنيةوخصبة من شأنها أن تثير عددا كبيرا من الذكاءات ،بحيث يمكن
لهؤالء األطفاالستكشاف هذا الوسط الذي يعتبر بمثابة متحف لهم أكثر مما
هو حجرة فصل عادي،ومن خالل مالحظة الطريقة التي يستثمرون بها
مختلف المواد والعناصر المحيطةبهم ،يمكن استنباط جانبيتهم في الذكاء.
هناك طبعا "مهام الطيف" األكثرشكلية والمخصصة لتحديد أصناف
الذكاءات القوية والذكاءات الضعيفة لطفل ما،سواء في ارتباطها مع
الذكاءات األخرى لدى نفس الطفل ،أم بمقارنتها معذكاءات األطفال
اآلخرين .لقد تم تحويل نتائج هذا التقييم إلى "جانبيةالطيف" ،والذي
يتضمن اقتراحات عملية حول األنشطة التي يجب مباشرتها مع الطفلحسب
جاذبيته الخاصة من حيث مكامن القوة والضعف.
أليس هناك خطر اإلخالل بالتوازن حين يتعلق األمر بتفضيل أو تشجيع
234
مجال للذكاء يوجد مسبقا وبقوة لدى طفل ما؟"
وهكذا ،فلقد ظهرت نظرية الذكاءات المتعددة منذ الثمانينيات من القرن
الماضي بالواليات المتحدة األمريكية مع هوارد غاردنر ،بعد أن جربها
صاحبها مدة عشرين سنة في مجال السيكولوجيا والبيداغوجيا إلى أن
-233هاوارد غاردنر ( :حوار مع هوارد غاردنر حول الذكاءات المتعددة :من التأسيس
العلمي إلى التطبيق البيداغوجي) ،ترجمة وتقديم :عبد الواحد أوالد الفقيهي،
http://www.aljabriabed.net/n68_08lafkih.htm
247
حققت نجاحا باهرا في المدرسة التربوية أكثر مما حققته في ميادين
ومجاالت وحقول معرفية أخرى.
الفرع الثالث :التصور النظري لنظرية الذكاءات المتعددة
يتحدث هوارد غاردنر عن مجموعة من الذكاءات المتعددة التي تتأثر بما
هو وراثي فطري يولد مع اإلنسان من جهة ،ومما هو مكتسب من البيئة
والوسط (األسرة ،والشارع ،والمدرسة ،والتربية ،والمجتمع .)...ويعني
هذا أن الذكاء وراثي ومكتسب معا .وبالتالي ،فليس هناك ذكاء واحد ،كما
يقول جان بياجي وعلماء مقاييس الذكاء المعرفي .وإذا فقد اإلنسان ذكاء
واحدا ،فإنه بال شك ،في هذه الحالة ،سيستخدم باقي ذكاءاته األخرى.
ومن ثم ،تختلف درجة الذكاء من شخص إلى آخر ،كما يختلف مفهوم
الذكاء من ثقافة إلى أخرى .وعليه ،تستند نظرية الذكاءات المتعددة إلى
القدرة على حل المشاكل ،و مواجهة وضعياتها البسيطة و المركبة ،ضمن
نسق ثقافي معين ،والقدرة على إيجاد مشاكل أخرى للتعلم والتدرب،
وإنتاج خدمات وأفكار وقيم جديدة وأصيلة .بمعنى أن هذه النظرية تؤهل
المتعلم ليتسلح بمجموعة من القدرات المهارية لحل المشكالت وإيجادها،
وتملك المهارة الذكائية ،مع اكتساب ملكة اإلبداع لمواجهة الوضعيات
والتحديات المعرفية والواقعية ،وتعويده على التعلم الذاتي ،واستخدام
قدراته الذكائية في مواجهة الظروف والمعوقات الذاتية والموضوعية.
وينطلق غاردنر من فرضية أساسية تقول بتعدد الذكاءات ،واستقاللها عن
بعضها البعض ،حيث يقول غاردنر ":بالنسبة لي توجد أدلة مقنعة على
أن اإلنسان يتوفر على كفايات ذهنية مستقلة نسبيا؛ سوف أسميها بشكل
مختصر" الذكاءات اإلنسانية"" .235ويعتمد وصف الذكاء عند هوارد
غاردنر على مجموعة من المعايير التي يحددها في مايلي:
-1التاريخ التطوري لكل ذكاء.
-2عزل الذكاء عند إصابة الدماي.
248
-3وجود ذكاءات فائقة ومتميزة لدى فئات غير عادية.
-4المسار النمائي المتميز لكل ذكاء.
-5وجود عملية أساسية أو مجموعة عمليات محددة.
-6قابلية الترميز في نسق رمزي معين.
-7الدعم المستمد من علم النفس التجريبي.
-8سند نتائج القياس النفسي.236
ومن هنا ،يحدد غاردنر تسعة أنواع من الذكاء ،وهي :الذكاء الرياضي
المنطقي ،والذكاء اللغوي ،والذكاء الموسيقي ،والذكاء البصري
والفضائي ،والذكاء الجسمي الحركي ،والذكاء الطبيعي ،والذكاء الكوني،
والذكاء التفاعلي ،والذكاء الذاتي .فمن لم يكن ذكيا في مادة أو تخصص
معرفي ما ،فقد يكون ذكيا في مجاالت أخرى .وليس من الضروري أن
يكون الذكي هو الذي يعرف حل العمليات الرياضيات والمنطقية ،بل قد
يكون الذكي هو الذي يتقن الموسيقا ،ويبدع فيها مثال ،أو له قدرة على
اإلبداع اللغوي ،أو يملك الذكاء العاطفي أو االجتماعي...ومن ثم ،يختلف
الذكاء من ثقافة إلى أخرى حسب اختالف السياقات الرمزية والحضارية.
وتعد نظرية الذكاءات المتعددة نظرية سيكوبيداغوجية مهمة لتطوير
مجموعة من الذكاءات لدى المتعلم ،واالهتمام باألنشطة الفنية ،والبصرية،
والجسمية ،والحركية ،والطبيعية ،والكونية ،واللغوية...ومن ثم ،لم يعد
الذكاء مرتبطا كما في الثقافة الغربية بالرياضيات والعمليات المنطقية،
فالذكاء أوسع من الذكاء الرياضي المنطقي .لذا ،ينبغي تربويا تنمية الذكاء
التعليمي ،بمعرفة أنواع الذكاء لدى المتعلم ،وتبيان مواصفات هذا الذكاء،
ورصد مختلف التعثرات التي تمنع من إبراز ذكاء معين .ويعني هذا أن
نظرية الذكاءات المتعددة مفيدة في فهم اإلعاقات الخاصة وتفسيرها نفسيا
وبيولوجيا واجتماعيا ومعرفيا .ويضاف إلى ذلك أنها تنفعنا في تأسيس
بيداغوجيا فارقية جديدة ،تعترف بوجود ذكاء معين لدى كل تلميذ .فليس
250
في حين ،يتميز الذكاء التفاعلي بأنه ذكاء اجتماعي ،تتفاعل فيه الذات مع
اآلخر االجتماعي شخصا كان أو مؤسسة اجتماعية .ويوجد هذا الذكاء في
الفصوص الجبهية ،والفص الصدغي ،وخاصة في النصف األيمن،
والجهاز اللعبي .أما الذكاء الذاتي ،فيوجد في الفصوص الجبهية،
والفصوص الجدارية ،والجهاز اللعبي .ويستخدم هذا الذكاء في مجال علم
النفس ،واألنساق الدينية والعرفانية ،والرموز الذاتية...
أما الذكاء الطبيعي ،فيتعلق بكل مكونات الطبيعة من حيوانات ،ونباتات،
وصخور ،ومعادن ،وما يرتبط بالطبيعة كالعالج الطبيعي الشعبي ،ومواد
التجميل ،واالستهالك اليومي .ويوجد هذا الذكاء في الفص الجداري
األيسر .وهو مهم في التمييز بين األشياء الحية وغير الحية .ويتميز الذكاء
الوجودي بوجود نزعات التفلسف الكونية ،وممارسة الطقوس والعقائد
237
والرياضات الروحية والصوفية ،وإنتاج النظريات الفلسفية.
وهكذا ،يتبين لنا أن الذكاء أنواع مختلفة ومتعددة ،ويرتبط بمواقع دماغية
وعصبية معينة ،وأن هذه الذكاءات مستقلة باستقالل مواقعها .وبالتالي،
إذا أتلف ذكاء معين ،فثمة ذكاء آخر يعوضه .ومن ثم ،فنظرية الذكاءات
المتعددة طريقة مفيدة في إصالح المنظومة التربوية ،بتنمية الذكاءات
الموجودة لدى المتعلم ،وصقلها بالدربة والممارسة والتمكين وفق أحدث
الطرائق التربوية والسيكولوجية .ومن هنا ،تعمل النظرية المتعددة
الذكاءات على حل المشكالت ،وإيجاد مشكالت جديدة الكتساب معارف
جديدة ،وإبداع أفكار ومنتجات وقيم جديدة وأصيلة.
-245سالم سليمان حمد الجعافرة :العالقة بين الذكاءات المتعددة لدى الطلبة المعاقين سمعيا
ومتغيرات درجة اإلعاقة والجنس والعمر ،الجامعة االردنية ،األردن ،الطبعة األولى سنة
1983م.
-246جابر عبد الحميد جابر :الذكاءات المتعددة والفهم :تنمية وتعميق ،دار الفكر العربى
للطباعة والنشر2003م.
-247محمد عبد الهادي حسين :مدرسة الذكاءات المتعددة ،دار العلوم للتحقيق والطباعة
والنشر والتوزيع 600, 2005 -من الصفحات.
-248محمد عبد الهادي حسين :مدخل إلى نظرية الذكاءات المتعددة ،دار العلوم للتحقيق
والطباعة والنشر والتوزي ،الطبعة األولى 2008م.
-249محمد عبد الهادي حسين :الذكاءات المتعددة وتنمية الموهبة ،دار العلوم للتحقيق
والطباعة والنشر والتوزيع2006م 632،من الصفحات.
-250محمد عبد الهادي حسين:الذكاءات المتعددة :أنواع العقول البشرية ،دار العلوم للتحقيق
والطباعة والنشر والتوزيع2000،م.
-251محمد عبد الهادي حسين :ديناميكية التكيف العصبي وقة الذكاءات المتعددة ،دار العلوم
للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع. 2008
-252محمد عبد الهادي حسين:التفكير االبداعى فى ضوء نظرية الذكاء المتعلم ،دار العلوم
للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع2008م.
254
سيناريوهات دروس الذكاءات المتعددة) ،253و(إيقاظ العبقرية داخل
فصولنا الدراسية) ،254و (الذكاءات المتعددة :مراجعات وامتحانات)، 255
و(االكتشاف المبكر لقدرات الذكاءات المتعددة بمرحلة الطفولة)،256
و(مباردة الذكاءات المتعددة ومجتمع التعلم الذكى) .257ونستحضر أيضا ما
كتبه كل من وليد محمد أبو المعاطي في كتابه (الذكاء المعرفي
واالنفعالي واالجتماعي وأساليب التعلم) ،258وحمدان ممدوح إبراهيم
الشامي فيكتابه (أثر برنامج تعليمى قائم على نظرية الذكاءات المتعددة
فى تحصيل الرياضيات لدى تالميذ الحلقة الثانية من التعليم األساسى
المنخفضين تحصيليا)،259وبدر محمد العدل في كتابه(فعالية برنامج
قائمعلى نظرية الذكاءات المتعددة) ،260وأحمد السيد علي في كتابه
-253محمد عبد الهادي حسين :دليلك العملى الى قوة سيناريوهات دروس الذكاءات
المتعددة ،دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع. 2008.
-254محمد عبد الهادي حسين :إيقاظ العبقرية داخل فصولنا الدراسية ،دار العلوم للتحقيق
والطباعة والنشر والتوزيع. 2008.
-255محمد عبد الهادي حسين :الذكاءات المتعددة :مراجعات وامتحانات ،دار العلوم للتحقيق
والطباعة والنشر والتوزيع. 2008.
-256محمد عبد الهادي حسين :االكتشاف المبكر لقدرات الذكاءات المتعددة بمرحلة
الطفولة ،دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع2005م 496،من الصفحات.
-257محمد عبد الهادي حسين :مبادرة الذكاءات المتعددة ومجتمع التعلم الذكى،دار العلوم
للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع2008،م.
-258وليد محمد أبو المعاطي :الذكاء المعرفي واالنفعالي واالجتماعي واساليب التعلم،
جامعة المنصورة كلية التربية2005م 236،من الصفحات.
-259حمدان ممدوح إبراهيم الشامي :أثر برنامجتعليمى قائم على نظرية الذكاءات المتعددة
فى تحصيل الرياضيات لدى تالميذ الحلقة الثانية من التعليم األساسى المنخفضين تحصيليا،
جامعة القاهرة -كلية التربية. 2007.
-260بدر محمد العدل :فعالية برنامج قائم على نظرية الذكاءات المتعددة ،جامعة
المنصورة ،مصر ،كلية التربية2006م 290 ،من الصفحات.
255
(نظرية الذكاءات المتعددة وتطبيقاتها في مجاالت صعوبات التعلم (رؤية
مستقبلية))...261
الفرع الخامس :توظيف نظرية الذكاءات المتعددة في المدرسة
من المعلوم أن لنظرية الذكاءات المتعددة مجموعة من األهداف التربوية
والديدكتيكية التي يمكن تحقيقها .ويمكن حصرها في األهداف التالية:
تؤمن النظرية بتعدد الذكاءات لدى المتعلم؛ إذ يمكن الحديث عن الذكاء
اللغوي ،والذكاء الرياضي المنطقي ،والذكاء الطبيعي ،والذكاء التفاعلي،
والذكاء الذاتي ،والذكاء الوجودي ،والذكاء الموسيقي ،والذكاء الجسمي
الحركي ،والذكاء الفضائي البصري...؛
تساهم هذه النظرية في حل المشاكل المتعلقة بالفوارق الفردية؛
تسعى إلى تنمية العبقرية والموهبة وقدرات اإلنتاج واالبتكار واإلبداع؛
تكشف مواطن الضعف والقوة عند المتعلم ،وخاصة أنها تعالج مواطن
التعثر وصعوبات التعلم .ومن ثم ،إذا كانت نظريات الذكاء التقليدية تركز
على مواطن الضعف لدى المتعلم ،فإن نظرية الذكاءات المتعددة تهتم
بماهو إيجابي لدى المتعلم ،وتستكشف مالديه من قدرات ذكائية أخرى؛
تطوير الطرائق البيداغوجية والديدكتيكية؛
تنمية القدرات الذكائية ،وتطوير المهارات الكفائية لدى المتعلم من أجل
حل المشكالت ،والعمل على االبتكار واإلنتاج واإلبداع؛
استثمار القدرات الذكائية لدى المتعلمين في تعليمهم األكاديمي من
خالل أنشطة تعليمية في مجاالت هذه الذكاءات؛
-261السيد علي أحمد :نظرية الذكاءات المتعددة وتطبيقاتها في مجاالت صعوبات التعلم
(رؤية مستقبلية) ،جامعة الملك سعود ،الرياض2005 ،م.
256
صالحية النظرية لتمثلها في برامج التدريس لألطفال العاديين وذوي
االحتياجات الخاصة؛
التركيز على األنشطة المختلفة للذكاءات المتعددةلكي يستفيد كل طفل
من النشاط الذي يوافق ذكاءاته؛
تسمح هذه النظرية لكل متعلم على حدة بتحقيق ذاته ،والتميز بالجوانب
التي ينفرد بها.
وعليه ،فليست" نظرية الذكاءات المتعددة – حسب هوارد غاردنر -غاية
في ذاتها ،بل هي أداة للمدرسينالمتبصرين الذين يسعون إلى تطوير قدرات
معينة لدى تالمذتهم .مثال :إذا كنانبتغي أن يكون األطفال متخلقين فيما
بينهم ،سنحتاج إلى تنمية ذكائهمالشخصي .باإلضافة إلى ذلك ،طبعا ،تمكن
هذه النظرية من تحسين تقديمالمواد الدراسية ،مثال :إذا كان على كل تلميذ
أن يتلقى مادة التاريخ أوالجغرافية ،فليس هناك أي مبرر كي يتعلم كل
واحد هذه المواد بالطريقة نفسها أويخضع للتقييم نفسه.
لقد مكن مشروع الطيف من تعيين جوانب التفوق المتميزة لدى العديد
مناألطفال ،وكان من الممكن أن تبقى مجهولة بدون ذلك؛ فأثناء القيام
بإحدىالتحريات مع فريقي في البحث صادفنا طفال في السادسة من عمره،
ينحدر من أسرةمفككة ،ويواجه خطرا كبيرا ناتجا عن الفشل الدراسي،
وبحكم أن نتائجه لمتتغير خالل حصص التحضيري ،فقد قررت مدرسته
إجباره على التكرار بعد شهرين منحضوره داخل فصلها .ومع ذلك ،فقد
كان الطفل ناجحا بشكل يفوق اآلخرين في فكتركيب مواد مستعملة
وإعادتها .بعد تصويره ،وهو يقوم بأنشطة عرضت سلسلة
اللقطاتالمصورة على معلمته ،وكم كان ذهول هذه األخيرة كبيرا جراء ما
رأت! إلى درجةأنها لم تذق راحة النوم لمدة ثالث ليال .منذ تلك اللحظة
257
غيرت بشكل جذرينظرتها حول الطفل ،وبدأت النتائج المدرسية لهذا
األخير تتحسن بشكل ملموس".262
258
الدرس،واستحضار ذكاءات المتعلمين عند تحضير الدروس .وقبل تصميم
الدرس ،ينبغي التفكير في المحتوى الموجود في الدرس أو الوحدة لكي
يتسنى انتقاء الذكاءات المناسبة إلدخالها ديدكتيكيا .وينبغي دوما ً األخذ
بعين االعتبار الطرائق التي يتعلم بها التالميذ ،ويرتاحون لها .وينبغي
التعاون مع المعلمين في تحضير الدروس ،ومناقشة اآلراء .وليس مهما ً
إدخال كل الذكاءات في أي درس أو وحدة ،فقد يتم أحيانا ً االكتفاء بإدراج
ثالثة ذكاءات أو أربعة ،وإذا لم يحتمل هذا الدرس يراعى ذلك في الدرس
القادم.263
ومن المعلوم أن نظرية الذكاءات المتعددة ليس هدفها الرئيس هو اكتشاف
العباقرة داخل الفضاء التربوي ،بل هو تبيان مواطن الضعف والقوة لدى
المتعلم فحسب .وفي هذا الصدد ،يقول غاردنر ":ليس هناك أبدا ارتباط
مباشر بين نظرية علمية وبرنامج تعليمي ،فكلنظرية علمية حول الذهن
اإلنساني تقترح العديد من التطبيقات التربويةالممكنة ،والتجربة وحدها
يمكن أن تدل على نوع التطبيقات التي يكون لها معنىأو تلك التي ال معنى
لها .وحتى أجيب بشكل دقيق عن السؤال ،ال أعتقد أنهينبغي تركيز
االهتمام على مجال خاص من القوة لدى الطفل .في الواقع ،إنمسعاي ليس
على اإلطالق تحويل األطفال إلى عباقرة في المجال الذي يتفوقونفيه ،بل
ينبغي فقط اكتشاف ما هي مجاالت القوة والضعف لديهم .وبعد ذلك،
تبقىلكل واحد ،انطالقا من تقييمه الخاص ،الحرية في أن يقرر ما إذا كان
يفضالالهتمام أكثر بجوانب القوة أو بجوانب الضعف للطفل ،أو يفضل
تجاهل النتائج .وبالمقابل ،ليس هناك أي مبرر لالعتقاد بأن الشخص الذي
يبدو ضعيف الذكاء فيلحظة ما ال يمكن أن يصبح متفوقا ،بل إن مالحظة
قصور في ذكاء ما من شأنه أنيدفع هذا الشخص كي يتصرف بحماس من
أجل تطوير ذلك الذكاء ،فهناك العديد مناألشخاص عوضوا نواقصهم
الظاهرية بالعمل الجاد ،بل وأحرزوا أحيانا تفوقا فيتلك المجاالت .وأكثر
-263أحمد أوزي :التعليم والتعلم بمقاربة الذكاءات المتعددة،ص.88-87:
259
من ذلك ،يمكنني أن أقدم مثاال شخصيا :فأنا دالتوني]مصاب بعمى لوني
يحول دون التمييز بين األحمر واألخضر] ،ولدي رؤية مجسادية
Stréoscopiqueناقصة ،وأحتاج إلى عدسات قوية مقومة ،ومع ذلك
اخترت أن أكرسأطروحتي للدكتوراه حول الفنون البصرية ،وقضيت وقتا
البصري. عنالعالم الكتابة في طويال
هكذا يبدو أن نظرية الذكاءات المتعددة ليست هي القائمة على الحتمية،
بل،باألحرى ،أن األفراد ،الذين يالحظون قصورا عاديا لديهم ،عوض أن
يقوموابتعويض ذلك القصور ،يعتبرون ذلك عالمة تدفعهم إلى التنازل عن
مكامن تفوقهموإهمالها".264
وما أحوج مدارسنا العربية اليوم إلى تطبيق نظرية الذكاءات المتعددة
إلصالح منظوماتنا التربوية القائمة على تنمية الذكاء الواحد! فقد آن
األوان للبحث عن الذكاءات األخرى لدى المتعلم في ضوء فلسفة إبداعية
تنشيطية متعددة المقاربات.
260
إجرائية ،تعمل على تمهير المتعلم ،وجعله أمام وضعيات معقدة
لمواجهتها أوالتأقلم معها .كما أنها نظرية صالحة لمعالجة التعثر الدراسي،
ومحاربة العنف والشغب داخل الفضاءات التربوية التعليمية ،والقضاء
على التسرب والهدر والفشل الدراسي ،ومعالجات الكثير من معوقات
التعلم لدى المتعلمين العاديين ،أو من ذوي الحاجيات الخاصة .وأهم ميزة
تتسم بها النظرية أنها تنبني على فلسفة التشجيع والتحفيز وغرس الدافعية
في نفسية المتعلم .ومن جهة أخرى ،تستند إلى الطرائق البيداغوجية الفعالة
التي تشوق المعلم والمتعلم على حد سواء ،وتعمل على تقوية الطالب
والمتعلم معا...
وقد نجحت نظرية الذكاءات المتعددة بشكل جيد في مجال التربية
والديدكتيك .وفي هذا السياق ،يقول غاردنر ":إن نظريتي (حول الذكاءات
المتعددة) تؤثر بشكل كبير في الممارسة التربوية؛ ألنها تتفق مع المالحظة
الجماعية للمدرسين واآلباء ،والتي تكشف عن وجوداختالفات بين األطفال
على الصعيد المعرفي .فكلنا يتوفر على عناصر تفوقوجوانب قصور
متفاوتة في مختلف المجاالت العقلية ،لكن معظم الجهود في مجااللتربية ال
تعترف بوجود تلك الفوارق ،وتشجع نمط التفكير القائم على
اللغةوالمنطق ،وتلك بالضبط هي حالة التفكير الديكارتي/المنهجي العقالني
فيفرنسا .وعلى النقيض من ذلك ،تنطلق مقاربتي من الجانبيات العقلية
المختلفة.لذلك ،أقترح أن تأخذ التربية بعين االعتبار هذه الفوارق إلنجاز
تعليم بأعلىمستوى من الفعالية .فإذا أردنا توجيه التعليم إلى كل األطفال،
وليس فقطحصره على أولئك الذين يتوفرون على استعدادات منطقية
ولغوية ،ينبغي األخذبعين االعتبار االكتشافات التي توصلت إليها نظرية
الذكاءات المتعددة.
وأخيرا ،لم يكن للباحثين في حقل التربية موقف نقدي خاص تجاه النظرية،
بل إنبعضهم سعى فعال إلى تطويرها .كان ذلك هو هدف مجموعة من
261
طلبتي المرموقين،أمثال – -Tom Hatch – Mara Krechevsky
،Mindy Kornhaber – Bruce Torffوغيرهم"..265
وثمة انتقادات موجهة إلى هذه النظرية؛ إذ يشير غاردنر إلى بعضها
فيقول":معظم علماء النفس ،خاصة المحسوبين على القياس النفسي،
عارضوا هذه النظرية .ويمكن فهم موقفهم بسهولة ما دامت نظرية
الذكاءات المتعددة تهدد مواردعيشهم ،بل ومبرر وجودهم .لكن مقابل ذلك
هناك علماء متخصصون .كالبيولوجيينمثال ،وجدوا في النظرية ما يكفي
من األهمية .عالوة على ذلك ،كانت لنظريةالذكاءات المتعددة أصداء قوية
داخل الوسط التعليمي األمريكي ،فأثناء العقداألخير لم يحتل سوى عدد
محدود من األفكار التربوية نفس قيمة هذه النظريةبالواليات المتحدة .ولكن
ذلك ال يعني تأييدا لها بالضرورة ،فهناك الكثير منالتطبيقات تبقى سطحية،
كما أن جزءا من هذا التأييد كان في الواقع مجردتقليعة".266
ومن االنتقادات األخرى لهذه النظرية انعدام االختبارات واالمتحانات
الملموسة للتأكد من مدى نجاعة هذه النظرية واقعا وممارسة كما عند
علماء الذكاء الكالسيكيين .ومن ناحية أخرى ،مهما دافعنا عن الذكاءات
األخرى ،فيبقى الذكاء الرياضي المنطقي أس الذكاءات الموجودة .فهو
مرتكز التفوق والتمدن والتحضر ،مادام هذا الذكاء الحسابي آلة في خدمة
اإلنتاج واالقتصاد والتصنيع واالبتكار ،وتطوير بنيات المجتمع الغربي
الحديث ،فكيف يمكن مقارنته بالذكاء اللغوي أو الموسيقي أو الفلسفي؟
ويمكن الحديث أيضا عن ذكاء عاشر ،يمكن تسميته اليوم بالذكاء الرقمي
أو اإلعالمي الذي يمتلكه متعلمونا بشكل الفت لالنتباه .عالوة على ذلك،
هل يمكن أن تنجح نظرية الذكاءات المتعددة في مدارسنا العربية التي
تغيب فيها الموارد المادية والمالية والبشرية ،وتقل فيها السياسات
التعليمية الهادفة ،وتهمش فيها الكفاءات الحقيقية؟!
262
وخالصة القول :تعد نظرية الذكاءات المتعددة من أهم النظريات
السيكوبيداغوجية التي استطاعت تحقيق قطيعة معرفية مع النظريات
التربوية السابقة؛ ألنها تنبني على اإلنتاج ،واالبتكار ،واإلبداعية ،وتمثل
فلسفة التنشيط ،وخلق المواهب والمبادرات والعبقريات ،واستكشاف
ذكاءات المتعلمين ،واستثمارها في األنشطة والتمارين الكفائية التي تزود
المتعلم بالمهارات والقدرات لحل المشاكل ،وإيجاد مشكالت أخرى،
وإنتاج قيم وأفكار وخدمات جديدة حداثية وأصيلة .وماتزال نظرية
الذكاءات المتعددة قابلة للتطوير والتغيير واإلثراء كما يقول صاحبها
هوارد غاردنر ":أتمنى تطوير النظرية في اتجاهات مختلفة .لكن ما
يهمني بشكل أساسي أن نفهم كيف يمكن لطفل استعمال ذكائه أو ذكاءاته
بهدف التحكم الجيد في المواد الدراسية ،و يجد له مكانة داخل المجتمع
وتطويرها ..عالوة على ذلك أتوخى مستقبال اكتشاف ذكاءات أخرى،
وفهم الكيفية التي تشتغل بها .وأريد بطبيعة الحال أن أعرف بشكل جيد
كيف يتم التعبير عن الذكاء نفسه داخل مختلف األوساط الثقافية .وأود
كذلك معرفة كيف تتمكن الذكاءات المتعددة من االشتغال بيسر وسهولة،
وكيف يمكن تنميتها منفصلة عن بعضها ،وفي ارتباط بعضها البعض،
وكذا استكشاف العالقات الموجودة بين الذكاءات واالبتكار والقيادة.
أما بالنسبة إلى الطرق المسدودة التي ينبغي تجنبها ،أرى واحدة هي
أهمها :ال ينبغي السعي من أجل المقارنة بين المجموعات بمصطلحات
الذكاء (كالمقارنة بين الرجال والنساء أو بين المجموعات العرقية ،إلخ)..
نظرا إلى المخاطر المترتبة على وقائع محرفة .وكمثال على ذلك ،أنه في
استراليا تم وضع الئحة لكل مجموعة عرقية ،من خالل جزء من األدوات
المدرسية المعتمدة من طرف إحدى الواليات .وداخل كل الئحة تم تحديد
الذكاءات التي تتفوق وتضعف فيها كل مجموعة بدون أي سند علمي.
اعتبرت ذلك انزالقا ،وأعلنت موقفي في برنامج بالتلفزة األسترالية .وفي
263
اليوم التالي ،مباشرة بعد تصريحي ،قام الوزير األول بإلغاء هذا "الخلط"
267
التربوي الذي يتأسس على الوهم العلمي".
تلكم-إذا ً -نظرة مقتضبة إلى نظرية الذكاءات المتعددة لدى هوارد غاردنر
مفهوما ،وتأريخا ،وتنظيرا ،وتصنيفا ،وتطبيقا ،وتقويما.
وخالصة القول ،يتبين لنا ،مما سبق ذكره ،أن التعلم هو القدرة على
االكتساب والمران والتدريب ،والقدرة على تحصيل المعارف والمعلومات
والقيم والمهارات.
وللتعلم عالقة وطيدة بالذكاء ،مادام التعلم هو نتاج القدرات الذكائية ،ونتاج
مجموعة من الملكات الفطرية التي يمتلكها اإلنسان .في حين ،يعد التعلم
نتيجة طبيعية لذلك الذكاء.
وبناء على ما سبق ،تختلف نظريات التعلم من مدرسة سيكولوجية إلى
أخرى .ومن ثم ،تربط المدرسة السلوكية عملية التعلم بثنائية الحافز أو
االستجابة ،أو الربط بينهما في إطار ترابطي قائم على تكرار المحاوالت،
على الرغم من وجود عنصر الخطإ ،كما يبدو ذلك جليا عند ثورندايك.
في حين ،ترى النظرية الجشطالتية األلمانية أن التعلم يكون بإدراك المجال
الكلي بكل جزئياته المتنوعة والمختلفة ،بشكل بنيوي نسقي معرفي
وذهني.
أما اإلبستمولوجيا التكوينية عند جان بياجي ،فترى أن التعلم نتيجة التوازن
بين الذكاء الوراثي والواقع الموضوعي.أي :ينتج التعلم عن طريق التماثل
264
بين البنيات العقلية والذهنية والذكائية من جهة ،والوضعيات الموضوعية
من جهة أخرى ،بواسطة عمليات التكيف والتأقلم واالستيعاب والتشابه.
بينما ترى المدرسة البنائية االجتماعية أن التعلم نتاج التحصيل
المجتمعي.بمعنى أن المجتمع هو الوسط الذي يكتسب منه الفرد كل
تعلماته وخبراته وتجاربه بشكل بنائي نسقي.
وخالصة القول ،يتبين لنا مما سلف ذكره ،أن الديدكتيك علم تطبيقي
يتضمن مجموعة من المفاهيم اإلجرائية التي تساعد الباحث التربوي على
استيعاب محتويات التربية الخاصة ،واكتساب مضامينها المختلفة .ومن
ثم ،يقوم التعلم على مفهوم التمثالت الديدكتيكية التي تسهم في بناء تعلمات
المتعلمين ،ومجابهة الوضعيات اإلدماجية من أجل إيجاد الحلول المناسبة
لتلك الوضعيات المعقدة والمركبة.
وال يتحقق التعلم النموذجي والتربوي السليم إال في إطار المثلث
البيداغوجي القائم على التفاعل النسقي والبنيوي بين المدرس والمتعلم
والمعرفة .ومن جهة أخرى ،اليكون الدرس درسا هادفا وكفائيا مثمرا إال
في سياق التعاقد الديدكتيكي التفاوضي والتشاركي بين المدرس والمتعلم،
مع مراعاة الصراع السوسيو -معرفي.
أما التعلم ،فهو القدرة على االكتساب والمران والتدريب ،والقدرة على
تحصيل المعارف والمعلومات والقيم والمهارات .وللتعلم عالقة وطيدة
بالذكاء ،مادام التعلم هو نتاج القدرات الذكائية ،ونتاج مجموعة من
الملكات الفطرية التي يمتلكها اإلنسان .في حين ،يعد التعلم نتيجة طبيعية
لذلك الذكاء.
ومن ناحية أخرى ،يستند الديدكتيك إلى تقطيع الدروس والوحدات
التعلمية إلى ثالثة مقاطع وظيفية ،تتمثل في المقطع التمهيدي ،والمقطع
265
الوسطي،والمقطع النهائي .ويشكل هذا كله ما يسمى بالسيناريو
البيداغوجي الذي يتالءم مع نموذج ديدكتيكي أو بيداغوجي معين.
وفي األخير ،يمكن الحديث عن نماذج بيداغوجية وتربوية وديدكتيكية
متنوعة ،يمكن حصرها فيما يلي:
النموذج الديدكتيكي التلقيني كما في المدرسة التقليدية؛
النموذج الديدكتيكي الحواري كما في التربية الحديثة؛
النموذج الديدكتيكي الهادف القائم على بيداغوجيا األهداف؛
النموذج الديدكتيكي الكفائي القائم على المقاربة بالكفايات؛
النموذج الديدكتيكي الهربارتي القائم على التمهيد ،وبناء الدرس،
والربط المنطقي بين مراحل الدرس ،واالستنتاج ،والتطبيق؛
النموذج اإلدماجي القائم على تنفيذ الوضعيات اإلدماجية؛
النموذج الديدكتيكي التنشيطي القائم على التنشيط الفردي والجماعي؛
النموذج الديدكتيكي اإلبداعي الذي يهدف إلى جعل المتعلم مبدعا في
أسرته ومدرسته ومجتمعه؛
النموذج الديدكتيكي الملكاتي القائم على الذكاءات المتعددة؛
النموذج الديدكتيكي الترابطي( )Connectivitéالقائم على توظيف
اإلعالميات الرقمية في التدريس.
266
الفصل الرابع:
عوائق التعلم وصعوباته
267
يواجه المتعلم داخل الفضاء الديدكتيكي مجموعة من العوائق والصعوبات
الذاتية والموضوعية ،ويمكن أن تكون تلك العوائق نفسية ،واجتماعية،
وتربوية ،وديدكتيكية ،وإبستمولوجية ،ولسانية...لذا ،يهتم التدبير
الديدكتيكي والبيداغوجي بتشخيص هذه العوائق ،وتصنيفها وفق أنواعها،
والبحث عن أسبابها الداخلية والخارجية ،وتبيان مختلف الحلول والطرائق
والمعالجات للحد من هذه العوائق بغية بناء شخصية تعلمية سليمة قادرة
على مواجهة الوضعيات الحياتية والمهنية والتربوية والتعلمية.
إذاً ،ما مفهوم العائق؟ وما أنواع العوائق؟ و ما العائق الديدكتيكي؟ وكيف
يمكن تشخيص الصعوبات التعلمية المختلفة ؟ وما أسبابها الذاتية
والموضوعية؟ وما الطرائق الممكنة لمعالجة العوائق والحد منها؟ هذا ما
سوف نتعرف إليه في هذه المباحث الموالية:
269
أما من حيث المعيار المثالي ،فالسوي هو اإلنسان الذي يقترب من الكمال
على المستوى العقلي والشخصي واالجتماعي واللغوي والقرائي .أما الشاذ
أو المعاق ،فهو الذي يعرف نقصا في هذه الميزات والخصائص المثالية.
أما فيما يخص المعيار االجتماعي والحضاري ،فالسوي هو المتوافق مع
المحيط والمجتمع ،من حيث قيمه وعاداته وتقاليده وأعرافه وأهدافه
ومعاييره وقوانينه .أما الشاذ ،فهو الذي يتصرف تصرفا بدائيا ،يوحي
بطابع التوحش والشذوذ واالنعزالية.
أما فيما يتعلق بالمعيار الباتولوجي ،فالشخص المعاق أو الشاذ يتميز عن
السوي أو العادي بأعراض إكلينيكية معينة ،مثل :المخاوف الشاذة،
والوساوس ،واألفكار المتسلطة ،وارتفاع مستوى القلق عند العصابيين...
وعليه ،فالطفل السوي هو الذي يستخدم كل حواسه بطريقة سليمة
وصحيحة ،ويعرف نموا ارتقائيا عاديا مثل باقي األطفال اآلخرين ذهنيا
وعقليا ووجدانيا وحسيا حركيا .في حين ،يعد الطفل المعاق ذلك الشخص
الذي اليستطيع التكيف مع الواقع الموضوعي؛ بسبب فقدانه لقدرة ما ،أو
لمجموعة من القدرات النمائية التي تجعله يتأخر في نموه البيولوجي أو
العقلي أو الحركي أو االجتماعي مقارنة بالطفل السوي.
كما يفتقد المعاق القدرة على القراءة أو الكتابة أو النطق أو التواصل أو
التعبير أو الفهم أو التعلم أو إدراك ذاته أو إدراك العالم الخارجي .لذا،
يسمى الطفل غير السوي بالطفل المعاق أو الطفل الشاذ أو الطفل ذي
االحتياجات الخاصة .ومن هنا ،فهما يختلفان من حيث التعلم واالكتساب.
270
" ففي حين ،نرى الطفل السليم والسوي قابال لالكتساب والتعلم في كل
البيئات والمجتمعات ،نرى أن الطفل المعاق يتطلب تمرينا ذهنيا وجسديا
على االكتساب ،في معاهد وعيادات خاصة"268.
ويرى ويتي ( )Wittyأن الطفل السوي " هو الذي يقوم وينتج أعماال قيمة
في بعض المجاالت ومظاهر التعبير األخرى ،مسجال إنجازات هامة في
سلم التطور اإلنساني".269
ويعني هذا أن الطفل السوي هو ذلك الشخص العادي الذي يقوم بما يقوم
به األطفال اآلخرون في سنه ،ويمر بالمراحل نفسها التي يمر بها األطفال
اآلخرون (المرحلة الحسية الحركية -مرحلة ماقبل العمليات ،ومرحلة
العمليات الحسية ،ومرحلة التجريد) ،في فترات زمنية محددة أو متقاربة.
في حين ،يتميز الطفل المعاق بالتأخر الكلي أو الجزئي على المستوى
العقلي أو الذهني ،أو يعرف باالضطراب النفسي والجسدي واالجتماعي،
أو يحدد بفقدان القدرات اللغوية والقرائية .فالسوي -مثال -يوظف اللغة
كتابة وشفاهة توظيفا تواصليا سليما وصحيحا.بينما يوظفها المعاق توظيفا
مشوها بسبب الزيادة والنقص والتحوير واالستبدال والحذف .وفي هذا
الصدد ،يقول األلسني اللبناني جورج كالس ":فاألفكار المتسلسلة في
خبرات األطفال وقدرة الذهن على تنظيمها وترتيبها ،هي العامل األول
على إدراك للعالقات وربطها بمعانيها .ففي مقابل ذخيرته من المفاهيم،
وقدرته على فهم المعاني ،هناك قدرة الطفل على الحديث .فالطفل في
كالمه يعاني من عادات سيئة من حيث النطق ،كحذف أو إضافة بعض
العناصر للكلمة ،أو التفخيم والترقيق في غير مكانهما .بينما يتمكن الطفل
- 268جورج كالس :األلسنية ولغة الطفل العربي ،دار النهار للنشر ،بيروت،لبنان ،الطبعة
األولى سنة 1981م ،ص.164:
- 269جورج كالس :األلسنية ولغة الطفل العربي،ص.164:
271
السوي من صياغة أفكاره في عبارات بسيطة بعيدة عن التعقيد
واإلبهام".270
وعلى العموم ،فالفرد السوي أو العادي هو الذي يتواصل مع محيطه
بطريقة عادية سليمة وصحيحة .في حين ،يجد المعاق صعوبات جزئية أو
كلية في االندماج داخل المجتمع ،أو يلقى صعوبات في حل الوضعيات
اإلدماجية ،أو في التوافق نفسيا واجتماعيا وتربويا مع تالميذ الفصل
العادي.
273
مواجهة الوضعيات اإلدماجية والتعلمية ،وأخطاء في استعمال
اإلستراتيجيات المناسبة ، 272وعدم المرونة في نظام التمثل.273
- 272اإلستراتيجيات المعرفية ،حسب محمد أدراوي ،هي " مجموع اإلجراءات الذهنية
المنظمة من طرف الفرد للتحكم والتوجيه المعقلن في سيرورات االنتباه ،وسيرورات التعلم،
كما يمكن اعتبارها كذلك مجموع اإلجراءات األدائية الفكرية أو الموظفة عند مواجهة مواقف
ووضعيات قصد بلوي هدف أو أهداف معينة.فهي مهارات منظمة داخليا توظف عند محاولة
إيجاد حلول جديدة لمواقف وإشكاالت أخرى جديدة ،وتتتميز باآللية والعمومية ".بيداغوجيا
تعلم التعلم أو تدبير التعلم ،مطبعة الجسور ،وجدة ،المغرب ،طبعة 2009م ،ص15:
- 273عبد الرحمن أدراوي :بيداغوجيا تعلم التعلم أو تدبير التعلم ،ص15:
274
تفرض تلك المحتويات على المتعلم دون اختياره ،أو دون احترام التعاقد
الديدكتيكي ،أو دون األخذ بمبدأ االختيار.
وال ننسى تلك العوائق الديدكتيكية التي تتعلق بالمعرفة والمفاهيم والحقائق
العلمية التي تحتاج إلى النقل الديدكتيكي المالئم .وقد تنتج تلك العوائق عن
طبيعة المادة المدرسة التي التتالءم مع المتعلم فيزيولوجيا ،وبيولوجيا،
وعقليا ،ونفسيا ،واجتماعيا ،وذوقيا .باإلضافة إلى عوائق أخرى تتعلق
بالمفاهيم األساسية ،وعوائق الكتاب المدرسي ،وعوائق المنهاج والبرنامج
والمقرر والمجزوءات والوحدات الدراسية ،وعوائق األمثلة التي يقترحها
المنهاج التربوي .ناهيك عن عوائق تتعلق بنمط التعلم لدى المتعلم،
وعوائق اإلجراءات التربوية.
وهناك عوائق أخرى تتعلق بالطرائق البيداغوجية والوسائل الديدكتيكية
التي التكون مالئمة للتعلمات الحديثة ،أو التلبي ميول المتعلم ورغباته
واتجاهاته .وقد تكون اإليقاعات الزمنية والمكانية والتواصلية أيضا منفرة
وغير مشجعة على التعلم الحميم داخل فضاء دراسي متوتر يعرف
صراعات سوسيو -معرفية .فضال عن عوائق تتصل باالختبارات،
واالمتحانات ،والقياس ،والتقويم ،والدعم ،والمعالجة الداخلية والخارجية،
والتغذية الراجعة.
275
تعد اإلعاقة اللغوية ،أو األفازيا ( ،)l’aphasieأو الحبسة الكالمية من أهم
العوائق التي تؤثر في اللغة سلبا ،فتمنعها من وظيفة التواصل .بمعنى أن
األفازيا اضطراب يصيب اللغة جزئيا أو كليا .كما تصيب الكفاءة اللغوية
واإلنجازية .وهي التقتصر على النطق اللغوي فقط ،بل تمتد هذه اإلعاقة
إلى الكتابة والقراءة وفهم دالالت اللغة .ومن ثم ،ففقدان اللغة اليعني بمكان
اإلعاقة الذهنية ،فالمعاق ذهنيا يستطيع أن يفكر ويقوم ويحكم على
الوضعيات السياقية .ومن ثم ،يكون أفكارا منطقية سليمة عقالنيا .أي :إن
االفازيا هي إصابة للغة عبر إصابة لحاء المخ.
وعليه ،فاإلعاقة اللغوية هي صعوبة في النطق والكالم ،وتلعثم في ترديد
كلمات اللغة ،وإصدار أصوات خاطئة ،كأن ينطق المتعلم الثاء تاء .بل
تصيب هذه اإلعاقة حتى النظام اإلشاري واإليمائي لدى المتعلم .بمعنى أن
اإلنسان يتميز عن الحيوان باللغة المنطوقة واللغة السيميائية القائمة على
العالمات واإلشارات .بيد أن هذه اللغة تتعرض الضطرابات مخية
وعصبية ودماغية ونفسية واجتماعية ووراثية؛ مما يؤثر ذلك سلبا في
المنظومة اللغوية واإلشارية لدى المتكلم ،كأن يستخدم لغته استخداما سيئا،
أو يوظف اإلشارات توظيفا اليتالءم مع ماهو متعارف عليه اجتماعيا.
ويعرف سانفورد ( )Stanfordاألفازيا بأنها " اضطرابات في اللغة ،أو
في الوظائف اللغوية تنتج عن إصابة في المخ ،وقد تكون اضطرابات
حسية أو حركية أو حسية – حركية معا .
في حين ،يشير سترانج ( )J.R.Strangeإلى أن األفازيا هي فقدان اللغة،
أو العجز اللغوي الناتج عن إصابة المخ ،ألنها فقدان القدرة على التفاهم
بالرمز ،فهي تعرقل الكالم ،وتعيق التعبير عن األفكار بالرمز ،بحيث
يبدي المريض في هذه الحال اضطرابا وعجزا عن النطق والكتابة .كما
تشمل األفازيا االضطراب الوظيفي في الكالم الناتج عن فساد لحاء المخ.
276
وتدل األفازيا ،بشكل عام ،على عدم القدرة على استخدام الكلمات أو
فهمها"274.
ويعني هذا أن األفازيا هي فقدان القدرة على التواصل والتفاهم والكالم
واالستقبال والقراءة والكتابة إما جزئيا ،وإما كليا .ومن ثم ،فقد تكون
األفازيا متعلقة باللغة (أفازيا الكفاءة) ،أو متعلقة بالكالم (أفازيا اإلنجاز).
ومن هنا ،فاألفازيا نوع من االضطراب الذي يمس مجموعة من
المستويات اللغوية ،مثل :النطق ،والقراءة ،والكتابة ،والفهم ،والتواصل،
والحوار ،والمناقشة ،واإلنتاج اللغوي ،بل أكثر من ذلك فالشخص األفازي
هو الذي اليستطيع أن يسمي األشياء أو األسماء ،وال يقدر على فهم
الكلمات أو الجمل ،وال يستعمل جمال سليمة ،وال يستطيع أن يجيب عن
األسئلة بنعم أوال ...وهذا كله له عالقة بالنظام العصبي أو المخي.
وقد استخدم مصطلح األفازيا من قبل أرماند تروصو ( Armand
)Trousseauسنة 1864م.وبعد ذلك ،بدأ المصطلح في االنتشار
واالستعمال .ومن ثم ،فاألفازيا إصابة نوعية تمس الجهاز النطقي واللغوي
والكالمي.
ومن الذين اهتموا باألفازيا نذكر الطبيب الجراح بول بروكا ( Paul
)Brocaوالعالم فيرنيك ( ".)Wernikeففي سنة 1865م ،توصل
الطبيب الفرنسي بول بروكا( ) 1880 -1824( )Paul Brocaأثناء
عمليات جراحية إلى أن فقدان القدرة على اللغة المنطوقة يحدث نتيجة
تلف في الجزء األسفل من الفص الجبهي األيسر .والحظ أن المريض
( )Tan-Tanفقد قدرته على الكالم ،ولم يستطع أن يردد سوى مقطعي
اسمه ،ولكنه ظل يفهم ما يقال له .واستنتج من ذلك أن مركز اللغة يوجد
في هذه المنطقة التي أصبحت تعرف منذ ذلك الوقت بمنطقة بروكا
كمنطقة مسؤولة عن التعبير أوإنتاج اللغة.
-274جورج كالس :نفسه ،ص.163-162:
277
وفي سنة ، 1874تمكن فرنيك ( )1848-1905( )Carl Wernickeمن
دراسة حاالت مرضى يعانون من صعوبة في فهم اللغة ،حيث لم يكونوا
قادرين ،جزئيا أو كليا ،على فهم الرسائل اللغوية ،واالحتفاظ بالمعاني
الصحيحة للكلمات ،بالرغم من توفرهم على طالقة اللسان .فتوصل إلى
تحديد منطقة أخرى تقع في الجزء العلوي من الفص الصدغي األيسر
275
مسؤولة عن فهم اللغة ،تعرف بمنطقة فرنيك".
- 281عصام حسين :التربية الخاصة لألطفال غير العاديين ،دار الصحوة للنشر والطبع،
القاهرة ،مصر ،الطبعة األولى سنة 2009م ،ص.164:
- 282لقي صاحب هذا الكتاب ،بسبب هذا التحريف اللغوي ،ضربة عنيفة على الرأس من
قبل مدرسه ،وهو تلميذ في السنة الثالثة من التعليم االبتدائي ،وقد انفجر رأسه دما ،ومازال
يتذكر الكاتب هذه الضربة ،ولن ينساها أبدا.
281
وسبكها وتأليفها ضمن عالقات المجاورة والتأليف .ويمكن تسميتها
بأمراض التركيب أو التأليف.
األمراض اللغوية التي تتعلق بالمحور االستبدالي .أي :يكون المتعلم
عاجزا عن استبدال الكلمات واألصوات بنظيراتها حسب السياق انتقاء
واختيارا.في حين ،يكون محور التركيب مستقرا وثابتا .ويمكن تسميتها
باألمراض االستبدالية.
كما ميز جاكبسون بين اإلصابات العائدة إلى الفونيمات كعدم التمييز بين
فونيم السين والفونيم الشين ،واإلصابات العائدة إلى المورفيمات التي
تتعلق بعدم التمييز بين معاني الكلمات( عبلة/علبة).283
أما فيما يخص عالج ظاهرة األفازيا ،فيقول جورج كالس ":ليس من
السهل إيجاد العالج الكامل للجلجلة ،لكن هذا العالج ممكن بقدر ما يتطلب
مزيدا من الفهم العميق لحالة الولد المريض.وتتم معالجة الذين يعانون هذه
الحالة بإرسالهم إلى عيادات عالج ،حيث تتسم االختبارات والفحوصات
لألصوات التي يصدرها ،ويتلقى تمرينات على نطق أصعب األصوات،
وتصحيح لفظها ،والتعامل مع حياته االنفعالية ،إضافة إلى توعية الوالدين
على فهم صعوبات طفلهم ،كما أنه بإمكان الولد أن يجد المناسب من
الكالم ،ويتخلص من اللجلجة بسرعة ،إذا ما فهمت على أنها واحدة من
مراحل النمو في تعلم اللغة ،على أن تعالج بطريقة تؤدي إلى تدعيم
قاموس الطفل اللغوي.
وباإلمكان إعادة تأهيل المعاق أو المساهمة في محاولة تأهيله ،بالتركيز
على الناحية اإليجابية في شخصيته ليتخطى اإلعاقة التي تؤخره.
283
-R.Jakobson :Langage enfantin et aphasie, Editions
Minuit,1969,p :100.
282
من هنا ،فاالهتمام بالتعلم في بعض المؤسسات التي تقدم التدريب ،وتوفر
الطبابة والعالج الفيزيائي ،إضافة إلى االستفادة من االختبارات السابقة،
يكون ضروريا للعمل على إعادة التأهيل أو المساعدة في التعلم ،دون أن
يكون كافيا للتغلب على واقع العاهة وعدم التكيف.
وعند األطفال الصم ،فإن ضعف السمع يسبب عدم التمييز بين الكلمات
المتشابهة بأصواتها ومخارجها .فيأتي خلطهم بين الصوت واآلخر في
إدراكهم السمعي نتيجة لعدم مالحظتهم الفرق بين نطقهم للكلمة والنطق
284
الصحيح لها".
إذاً ،تتجلى اإلعاقة اللغوية بوضوح في ظاهرة األفازيا التي تحتاج إلى
ترويض صوتي ،ومعالجة طبية ونفسية واجتماعية ولسانية وتربوية
وديداكتيكية ،ورعاية أسرية دؤوبة ،ورعاية مؤسساتية خاصة أو عامة.
المطلب الثالث :عائق القراءة
إذا كانت الحبسة اللغوية أو األفازيا تصيب اللغة بمختلف تجلياتها
التصويتية إرساال واستقباال ،فإن ديسليكسيا( )dyslexieأو أليكسيا
( ،)alexieهي بطء في القراءة ،أو عمى قرائي ،أو اضطراب يصيب
تعلم القراءة على مستوى الحروف والمقاطع والكلمات والتراكيب والجمل
والتعابير .ويعرفها جورج كالس بقوله ":هي العجز في التعبير الكالمي.
اضطراب في القراءة ناجم عن تضرر القشرة الدماغية الكائنة في الناحية
الخلفية للمنطقة المختصة باللغة ،واليتبعه ضرر نظري"285.
وقد يكون هذا الخلل ناتجا عن فقدان الحواس ،مثل :حاسة البصر ،أو
ربما راجع إلى الفشل الدراسي ،أو إلى عدم اكتساب آليات اإلمالء ،أو
راجع إلى إصابات عصبية مخية .ويعني هذا إصابة الفص القفوي
ومن هنا ،تصيب هذه اإلعاقة األشخاص الذين كانوا يقرأون بطريقة
سليمة ،لكنهم حينما أصيبوا على مستوى النظام العصبي المركزي ،فإنهم
فقدوا هذه القدرة العادية بشكل كلي أو جزئي .وتظهر هذه اإلعاقة جليا عند
الطفل المتعلم الذي يجد صعوبة كبيرة في أثناء القراءة ،فال يستطيع أن
يتهجى الحروف ،أو يتعرف إلى المقاطع والمورفيمات ،أو يقرأ الكلمات
والعبارات ،أو يقرأ الجمل .وتظهر هذه اإلعاقة جليا في الوسط التربوي
التعليمي في أثناء اكتساب التعلمات ،ويؤثر في الطفل من الناحية النفسية
والوجدانية واالجتماعية .ومن هنا ،فالديسليكسيا إعاقة تصيب مهارة
القراءة ،وتمس قدرة اكتساب التعلمات .وقد انتشرت هذه اإلعاقة كثيرا في
284
مجتمعاتنا المعاصرة -حسب المنظمة العالمية للصحة -التي صرحت سنة
1991م بأنها تصيب 8إلى % 12من الساكنة ،من بينها 5إلى % 15هم
أطفال.
ومن الذين اهتموا باإلعاقة القرائية أزوالد بيكان ()Oswald Berkhan
سنة 1881م ،ورودولف بيرلين ()Rudolf Berlinسنة 1887م،
وبرينغل و مورغان ( ) Morgan/W. Pringleسنة 1898م ،وجيمس
هينس وود ( ، )James Hinshelwoodوصامويل أورطون ( Samuel
)T. Ortonسنة 1929م ،وكريك ( )Krikسنة 1963م .فضال عن
المنظمة العالمية للصحة التي اعترفت به سنة 1991م ،واعتبرته
اضطرابا يصيب التعلمات المدرسية والصفية.
وثمة عوامل كثيرة وراء اإلعاقة القرائية أغلبها عوامل نفسية ومعرفية
وبيولوجية وطبية ،ويمكن تسطيرها على الوجه التالي:
األسبـــاب التربويــــة:
ثمة أسباب تربوية عدة تسهم في تأخر فعل القراءة لدى المتعلم ،مثل:
تردي الوضع التربوي بنية وهيكلة ووظيفة وتحفيزا وتفعيال وتدبيرا،
وكثرة عدد التالميذ داخل الفصل الواحد اليسمح للمتعلم بالمتابعة والقراءة
في الوقت نفسه ،وتباين المستويات الدراسية كما في القسم المشترك،
وفشل العمليات الديدكتيكية لخلق أجواء دراسية فعالة ،وتراجع المستوى
الثقافي ،واإلحساس بالخوف واالختناق داخل الفصل الدراسي ،وقلة المدة
الزمنية المخصصة لمادة القراءة (ثالثون دقيقة ،أو خمس وأربعون دقيقة،
أو ساعة كاملة) أمام العدد الكبير من المتعلمين داخل الفصل الواحد
(أربعون ،أو خمسة وأربعون ،أو خمسون تلميذا ) ،وكثرة الغياب
والتأخرات مما يشكل خطرا على علمية االكتساب وتجويد القراءة .وقد
يكون نظام التدريس ،وخاصة تدريس القراءة ،ونقص جودة التعليم ،من
285
بين األسباب المؤدية إلى ذلك .ومن ثم ،تصيب هذه اإلعاقة قدرة التمييز
بين ماهو صوتي وخطي.
عدم مراعاة الفوارق الفردية:
يقصد بالبيداغوجيا الفارقية ( )Pédagogie différenciéeوجود
مجموعة من التالميذ يختلفون في القدرات العقلية والذكائية والمعرفية
والذهنية والقرائية ،والميول الوجدانية ،والتوجهات الحسية الحركية ،على
الرغم من وجود مدرس واحد ،داخل فصل دراسي واحد .ويعني هذا
وجود متعلمين داخل قسم واحد ،أمام مدرس واحد ،مختلفين على مستوى
القراءة واالستيعاب والتمثل والفهم والتفسير والتطبيق واالستذكار
والتقويم .ومن هنا ،جاءت البيداغوجيا الفارقية لتهتم -أساسا -بالطفل
المتمدرس ،بإيجاد حلول إجرائية وتطبيقية وعملية للحد من هذه الفوارق
المختلفة والمتنوعة كما وكيفا ،سواء أكانت هذه الحلول نفسية أم اجتماعية
أم بيداغوجية أم ديدكتيكية أم معرفية...
ومن ثم ،تنطلق البيداغوجيا الفارقية من القناعة القائلة بأن" أطفال الفصل
الواحد يختلفون في صفاتهم الثقافية واالجتماعية والمعرفية والوجدانية،
بكيفية تجعلهم غير متكافئي الفرص أمام الدرس الموحد الذي يقدمه لهم
المعلم .ويؤول تجاهل المدرس لهذا المبدإ إلى تفاوت األطفال في تحصيلهم
المدرسي .وتأتي البيداغوجيا الفارقية للتخفيف من هذا التفاوت .ويعرف
لوي لوگران ( )Louis Legrandالبيداغوجيا الفارقية كاآلتي ":هي
تمش تربوي ،يستعمل مجموعة من الوسائل التعليمية -التعلمية ،قصد
إعانة األطفال المختلفين في العمر والقدرات والسلوكيات ،والمنتمين إلى
فصل واحد ،من الوصول بطرائق مختلفة إلى األهداف نفسها ".286
- 286أحمد أوزي :المعجم الموسوعي لعلوم التربية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء،
المغرب ،الطبعة األولى سنة 2006م ،ص.55-54:
286
ويعرفها الباحث التونسي مراد بهلول بقوله " :تتمثل البيداغوجيا الفارقية
في وضع الطرائق واألساليب المالئمة للتفريق بين األفراد ،والكفيلة
بتمكين كل فرد من تملك الكفايات المشتركة (المستهدفة من قبل المنهج).
فهي سعي متواصل لتكييف أساليب التدخل البيداغوجي تبعا للحاجيات
الحقيقية لألفراد المتعلمين .هذا هو التفريق الوحيد الكفيل بمنح كل فرد
أوفر حظوظ التطور واالرتقاء المعرفي"287.
ومن جهة أخرى ،يعرفها عبد الكريم غريب بأنها" إجراءات وعمليات
تهدف إلى جعل التلميذ متكيفا مع الفوارق الفردية بين المتعلمين ،قصد
جعلهم يتحكمون في األهداف المتوخاة"288.
وعليه ،فالبيداغوجيا الفارقية هي تلك البيداغوجيا التعددية التي تعترف
بوجود مجموعة من الفوارق الفردية الكمية بين المتعلمين داخل الفصل
الدراسي الواحد .وتفاديا لإلخفاق والهدر المدرسي اللذين ينتجان غالبا عن
ظاهرة تعدد الفوارق الفردية في المدرسة الواقعية الموحدة ،تلتجئ هذه
البيداغوجيا إلى تسطير أهداف وكفايات تتناسب مع فلسفة التنويع
واالختالف والتعدد ،بتقديم أنشطة ومحتويات تتالءم مع مستويات التالميذ
المختلفة والمتعددة قوة وضعفا ،باتباع طرائق بيداغوجية مناسبة ،وتشغيل
وسائل ديدكتيكية مختلفة تصلح للتقليل من تلك الفوارق المعرفية والمهارية
والذهنية ،وتوظيف أساليب التقويم والدعم والمعالجة المناسبة للحد من هذه
الظواهر الالفتة لالنتباه.
وبناء على ما سبق ،يختلف المتعلمون على مستوى القراءة .فهناك أصناف
مختلفة من القراء المتمدرسين ،يمكن تحديدهم في الفئات التالية:
287
-Mourad Bahloul : La pédagogie de la différence: l’exemple de
l'école tunisienne , M. Ali Editions, 2003 – 159 Pages.
- 288عبد الكريم غريب :المنهل التربوي ،الجزء الثاني ،منشورات عالم التربية ،دار النجاح
الجديدة ،الدار البيضاء ،المغرب ،الطبعة األولى سنة 2006م ،ص.728:
287
متعلمون متفوقون وحاذقون في القراءة بشكل كبير؛
متعلمون لهم مستوى متوسط في القراءة؛
تالميذ ضعاف في القراءة؛
تالميذ عاجزون عن القراءة جزئيا أو كليا.
وتعود هذه الفوارق الفردية ،على مستوى القراءة ،إلى عوامدل قدد تكدون
وراثية فطرية ،أو قد تكون نتاج عوامل موضوعية خارجية ،أو نتاجا لهما
معا .وبالنسدبة للفدرد ،فهدو خاضدع بطبيعدة الحدال لمداهو فطدري مدن جهدة،
وماهو مكتسب من جهة أخرى .لكن بالنسبة للفوارق بين األفراد ،قد تكون
عوامددل وراثيددة فيمددا يتعلددق بالقدددرات واالسددتعدادات الوراثيددة والذاتيددة و
الذكاء.أما فيما يتعلق بالميول واالتجاهدات والتفداعالت االجتماعيدة ،فتعدود
إلددى مدداهو اجتمدداعي ومكتسددب .ويعنددي هددذا أننددا ال نتحدددث عددن " األهميددة
النسددبية لكددل مددن الوراثددة والبيئددة إال إذا كنددا نقددارن فددردا بددآخر ،ونددود أن
نعرف ما الذي يجعل (زيدا) يفوق (بكرا) في القوة أو الطدول أو الدذكاء أو
الشخصية؟ أهي الوراثة أم البيئة؟ هنا نكدون كمدن يسدأل :هدل تفدوق سديارة
أخددرى لجددودة ماكنتهددا أو لجددودة البنددزين أو لهمددا معددا .فيكددون الجددواب أن
الفوارق بينهما قدد ترجدع إلدى الوراثدة وحددها أو إلدى البيئدة وحددها أو إلدى
كلتيهما ..وتفصيل ذلك أن وراثة أحددهما تختلدف مدن دون شدك عدن وراثدة
اآلخر ،إال أن يكونا توأمين صنوين ،لذا يرجع بعض االختالف بينهما إلدى
الوراثة .والشك أيضا في أن البيئة السيكولوجية ألحدهما تختلدف عدن بيئدة
اآلخر حتى إن كانا يعيشان في بيت واحد ،ويذهبان إلى مدرسة واحدة ،لدذا
يرجع بعض االختالف بينهما -خاصة في الصفات النفسية -إلدى البيئدة.إذاً،
فالفارق بدين فدردين أو أكثدر يرجدع عدادة إلدى كدل مدن الوراثدة والبيئدة.لكن
أيهمددا أكثددر أهميددة فددي أحددداث هددذا االخددتالف ،الوراثددة أم البيئددة؟ الجددواب
يتوقددف علددى نددوع الصددفة التددي نحددن بصددددها ...فددإذا كنددا بصدددد صددفات
288
جسدمية كدالمظهر والحيويدة ،فدأي اخددتالف بينهمدا عندد المديالد يرجدع إلددى
وراثة مختلفة؛ ألن المرجح أن تكون بيئة الرحم لكل منهما متشابهة .وحتى
بعد الميالد فاختالف بيئة أحدهما عن بيئة اآلخدر ال يدؤدي إال إلدى تغيدرات
جسمية سطحية .غير أننا إذا كنا بصدد قدرة كالذكاء ،هنا قد تكون الوراثدة
عامال هاما ،لكنندا النسدتطيع التأكدد مدن ذلدك تأكددنا منده فدي حالدة الصدفات
الجسمية ،والطريق الوحيد لمعرفة األثر النسبي لكل من الوراثة والبيئة في
حالة الذكاء والشخصية وأمثالهما من الصفات...هو إجدراء التجارب...وقدد
دلت التجارب على أن الفوارق الفردية ترجع )1( :إما إلى الوراثدة وحددها
كالفوارق في لون العين )2(.أو إلى البيئة وحدها كالفوارق في االتجاهات،
كالفوارق في االتجاهات االجتماعية والميول والصفات الخلقية ( )3أو إلى
كل من الوراثدة والبيئدة بنسدب متفاوتدة كدالفوارق فدي الدذكاء ،إال فدي حالدة
289
التوائم الصنوية ،إذ يرجع االختالف كله بينها إلى عوامل بيئية".
وهكذا ،يتبين لنا أن العوامل التي تتحكم في الفوارق الفردية ،والسيما في
حالة المقارنة بين أشدخاص متعدددين ،قدد تكدون وراثيدة محضدة ،إذا كاندت
ذات طبيعة جينية أو خلويدة أو فطريدة ،وقدد تكدون ذات عوامدل بيئيدة ،إذا
كانت مرتبطة بماهو واقعي وموضوعي وخارجي واجتماعي...
290
األسبـــاب البيئيـــــة:
للبيئة دور مهم في تعزيز ملكة القراءة لدى المتعلم ،والسيما إذا كانت
األسرة مثقفة ومتنورة وعالمة ،متعودة على فعل القراءة داخل المنزل.
ومن الطبيعي ،أن يكتسب االبن عادة القراءة بفعل التقليد والتعود على
القراءة المستمرة تأثرا بوالديه النموذجيين .ومن هنا ،تقوم البيئة الثقافية
بتقوية الدافع القرائي لدى المتعلم الذي ينحدر من تلك البيئة.في حين ،تكون
البيئة الفقيرة والضعيفة سببا في ضعف القراءة لدى المتعلم الذي ينحدر
من تلك الطبقة نفسها.
وبناء على ما سبق ،تقترن البيداغوجيا الفارقية بالتمثالت الذهنية المختلفة
لدى المتعلمين ،سواء أكانوا فقراء أم أغنياء ،أو كانوا حضريين أم
بدويين .ومن ثم ،فالبيداغوجيا الفارقية هي" بيداغوجيا الكفايات والقدرات؛
فهي تقتضي مراعاة الفوارق بين التالميذ؛ إال أن الفوارق التي تعنيها هنا،
هي في التمثالت الذهنية ،وليست في االنتماءات الطبقية .وفي هذا
السياق ،يمكن التساؤل حول التمثالت األكثر داللة وغنى :أهي تمثالت
التالميذ المنحدرين من أسر فقيرة أم تمثالت المنحدرين من أسر غنية؟ إن
األخذ بنظرية الشفرتين لبرنشتاين ( )Basil Bernsteinيسقطنا في نوع
291
من التعميم؛ بينما يؤدي األخذ بنتائج أبحاث دوكري( )Duccret. Bإلى
290
قناعات وتأكيدات فجة" .
بمعنى أن نظرية برنشتاين تذهب إلى أن الفقراء يوظفون شفرة ضيقة
ومحدودة على مستوى التواصل اللغوي؛ مما يجعلهم هذا الواقع في
وضعية صعبة على مستوى األداء واإلنجاز والكتابة والقراءة؛ حيث ال
يستطيعون التعبير أو القراءة أو الكتابة بسهولة وثراء وغنى ،كما هي
شفرة األغنياء التي تتميز باالتساع والثراء على مستوى المعجم والثقافة
والخبرة؛ مما يؤهلهم ذلك إلى التفوق والنجاح في دروسهم.
وفيما يخص تشخيص هذه اإلعاقة ،تتمثل هذه اإلعاقة ،بوضوح ،في
اإلكثار من األخطاء على مستوى القراءة ،مثل :األخطاء السمعية (عدم
تبين األصوات والحروف بشكل جيد) ،واألخطاء البصرية(عدم التمييز
بين ب وت وث) ،وأخطاء قلب الحروف (جلس -لجس) ،وقراءة جزئية
للحروف (كتا ،بدال من كتاب) ،وقراءة سيئة للمقاطع( يلعبون يقرأ يل -ع-
ب -ون) ،وبطء في قراءة المكتوب .ناهيك عن إعاقة فونولوجية ،وإعاقة
صوتية ،وإعاقة إمالئية ،وإعاقة داللية ،وإعاقة قرائنية التي تعني سوء
استخدام المؤشرات التلفظية أو الزمانية أو المكانية...
وتنتج عن هذه اإلعاقة مجموعة من األخطاء القرائية ،مثل :األخطاء
الصوتية ،واألخطاء اإلمالئية ،واألخطاء الصرفية ،واألخطاء التركيبية،
واألخطاء الداللية ،واألخطاء اللغوية ،واألخطاء التواصلية ،واالضطراب
السمعي والحسي والبصري...
وتتلخص مظاهر الضعف القرائي لدى المتعلم كذلك في إضافة أصوات
غير موجودة أساسا في أثناء نطقها (رأيت بدال من رأت) ،وانتقال العين
بشكل خاطىء على السطر الواحد ،أو االنتقال المضطرب من سطر إلى
- 290العربي اسليماني ورشيد الخديمي :قضايا تربوية ،منشورات عالم التربية ،مطبعة
النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،المغرب ،الطبعة األولى سنة 2005م ،ص.72-71:
292
آخر ،دون مراعاة التسلسل الخطي والقرائي والكرافيكي ،وحذف بعض
األصوات من الكلمات ( فتان بدل فستان) ،وعدم القدرة على التمييز بين
األصوات المتشابهة والمتقاربة (س ش ص/ص ض) ،وعدم القدرة على
التمييز بين الالم الشمسية والالم القمرية ،واستبدال كلمة بأخرى كالنطق
بثث(بحر بدال من حرب) ،وقراءة الجملة حرفا حرفا أو مقطعا مقطعا أو
كلمة كلمة ،وعدم االلتزام بعالمات الترقيم قراءة وضبطا وتنغيما،
والتوقف الخاطىء قبل نهاية الجملة.
وعليه ،فالديسليكسيا هي بطء في القراءة ،وصعوبة في التمييز بين
الحروف والكلمات والجمل ،وعجز عن فهم دالالت المكتوب والمقروء،
وعجز المتعلم عن معرفة هوية الكلمات المنعزلة عن بعضها البعض،
وعدم قدرته على القراءة المجهورة.
ويمكن الحديث عن أنوع من الديسليكسيا ،أو العسر القرائي ،ويمكن
حصرها في األصناف التالية:
295
وضع خطوط تحت الكلمات المهمة في النص قراءة ،وكتابة ،ونطقا،
وفهما.
غرس روح الثقة والطمأنينة في نفسية المتعلم المصاب بتشجيعه
وتحفيزه ماديا ومعنويا.
تعويد المتعلم المصاب على التصحيح الذاتي.
العمل الجاد على تنمية قدرات الذاكرة لدى المتعلم المصاب ،بالدعم
والتوليف والتثبيت والتكرار والدعم ،والمعالجة الداخلية والخارجية،
والتغذية الراجعة.
التقليل من حجم اإلنشاء الكتابي.
مساعدة المتعلم المصاب على تصحيح أخطائه عبر الكمبيوتر أو
المصحح الرقمي.
كتابة األحرف على السبورة بخط واضح ودقيق.
تقديم نصوص القراءة بخط كبير ،ومقبول للقراءة.
اختيار مجموعة من الكلمات ذات الخصوصية اإلمالئية الختبار المتعلم
المصاب ،والتركيز عليها معرفيا ،وبصريا ،وخطيا ،وإمالئيا ،ودالليا.
تقويم معرفة المصاب شفويا قبل الكتابة.
تدريب المتعلم المصاب على قراءة النص جهرا بطريقة انفرادية،
وليس أمام تالميذ الفصل.
تنويع القراءة بأن تكون قراءة سماعية ،وقراءة بصرية وظيفية ،وقراءة
صامتة ،وقراءة مجهورة ،وقراءة مسترسلة...
مساعدة المتعلم على واجباته وفروضه الدراسية.
296
مساعدة األسرة للمتعلم على إنجاز واجباته بقراءة األسئلة .
مساعدة المصاب على قراءة ثلث النص بدل قراءته كامال.
تحديد مجموعة من األهداف الجوهرية بدل األهداف الشكلية لرصدها
لدى المتعلم المصاب.
عدم معاقبة المصاب على األخطاء اإلمالئية ولو تكررت.
ينبغي للمدرس ،في حصة اإلمالء ،أن يحسب عدد األخطاء مقارنة
بعدد الكلمات.
التركيز على التصحيح الذاتي.
ضرورة االهتمام ،داخل كل مؤسسة تربوية ،بمشاريع الدعم التي
تستهدف تقوية القدرات التعلمية لدى المتعثرين والمعوقين خاصة،سواء
على مستوى القراءة ،أم على مستوى الكتابة ،أم على مستوى النطق ،أم
على مستوى االستخدام األمثل للبنيات الجسدية والعقلية والبصرية
والسمعية.
يمكن لألستاذ أن يستعين بجميع األدوات والوسائل الديدكتيكية والكتب
المدرسية التي تسمح له بتقوية فعل القراءة لدى المتعلم بشكل فوري أو
متدرج.
متابعة تغيبات المتعلم وتأخراته ،بتنسيق مع األسرة واإلدارة التربوية،
للحد منها ؛ بسبب تأثيرها السلبي في اكتساب القراءة والكتابة وتعلم
التعبير.
عقد اجتماعات فورية أو دورية مع األسرة واألخصائيين النفسانيين
واالجتماعيين لمعالجة العسر القرائي لدى المتعثرين ،وتشخيص ذلك بغية
إيجاد الحلول المناسبة لذلك.
297
التقليل من عدد التالميذ ،داخل الفصل الواحد ،لتتاح الفرصة أمام جميع
المتعثرين وضعاف القراءة لينالوا حظهم ،كباقي التالميذ المتفوقين
والبارزين ،من القراءة والكتابة والنطق.
تشجيع القراءة الهادفة والبناءة ،بمختلف أنواعها وأشكالها ،إما داخل
المنزل بتخصيص مكتبة ركنية لألوالد المتعثرين في القراءة ،وإما داخل
الفصل الدراسي بتأثيثه بمكتبة تضم مختلف الكتب والقصص المثيرة
والمشوقة ،ومطالبة التالميذ بتلخيصها والتعليق عليها ،وإما داخل
المؤسسة التربوية بإيجاد مرفق للمكتبة تكون عامرة بالكتب التراثية
والحديثة والمعاصرة ،ومنفتحة على تالميذ المؤسسة بدون استثناء.
وخالصة القول ،تتتعلق اإلعاقة القرائية أو الديسليكسيا بالتعلمات
المدرسية أو الصفية .ومن ثم ،ترتبط هذه اإلعاقة بالقراءة والكتابة .ومن
ثم ،فهناك عالقة وطيدة بينهما على المستوى البيداغوجي والديدكتيكي.
ومن هنا ،يظهر نوع من العسر القرائي لدى الطفل أو المتعلم ،قد يكون
جزئيا أو كليا ،يحول دون نطق الكلمات نطقا جيدا ،أو قراءة الحروف
والكلمات قراءة بارزة وواضحة؛ مما يسبب غموضا على مستوى استقبال
المقروء ،وعدم فهم معناه بشكل جيد ،واستيعاب دالالته وأبعاده الرمزية
استيعابا تاما.
298
والحجاج والقياس والحكم والتقويم...و" كذلك الفشل في القيام ببعض
المهارات العقلية واإلستراتيجيات المعرفية التي سبق الحديث عنها.وتعزى
هذه العوائق إلى اضطراب أو خلل في وظيفة الدماي أو الجهاز العصبي،
أو إلى تأخر في النمو العقلي للطفل.كما يتمظهر هذا النوع من العوائق في
تمثالت المتعلم للمعرفة والدرس؛ فقد يتعثر تعلمه بسبب مواقفه السلبية من
المدرسة أو المادة الدراسية أو معاملة المدرس له ،كأن يقمعه أو يشهر به
أو يرفض مشاركته لكونه يخطىء اإلجابة كثيرا ،أو اليستطيع أن يجيد
292
التعبير شفويا أو كتابيا".
ويعد الخجل واإلحساس بالنقص من أهم االضطرابات النفسية التي يعاني
منها المتعلم في فضاء دراسي يتميز بالصراع السوسيو -معرفي.
وتتضمن العوائق النفسية ما يسمى باإلعاقة الذهنية والعقلية تلك اإلعاقة
التي تصيب القدرات العقلية والذكائية بشكل جزئي أو كلي ،أو هو نوع من
التخلف العقلي الذي يتحدد بظاهرة االنحراف" عن متوسط الذكاء بدرجة
293
ملحوظة ،إما ألسباب طبيعية أو مرضية"
ويعرف عن المتخلف عقليا بأنه بطيء التعلم في المجال التربوي التعليمي.
بمعنى أنه " الشخص الذي ال يستطيع التحصيل الدراسي في نفس مستوى
294
زمالئه في الفصل الدراسي ،وتقع نسبة ذكائه بين 50و".75
وعليه ،فالتخلف العقلي هو" عبارة عن حالة خلل وظيفي في القدرات
العقلية دون المتوسط نتيجة عن الوراثة أو ظروف بيئية ،وهذا الخلل يؤثر
- 296جابر عبد الحميد جابر :علم النفس التربوي ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،مصر،
طبعة 1977م ،ص.623:
- 297جابر عبد الحميد جابر :علم النفس التربوي ،ص.623:
301
من تدريب مبكر ،لذا ينبغي أن يعنى بتشخيصهم في وقت مبكر ،
ومساعدتهم مساعدة فعالة على قدر اإلمكان ،وعلى الرغم من وجود بعض
العيوب الجسمية عندهم ،فإنه يمكن إلحاقهم باألعمال التي تتطلب قدرا
298
ضئيال من اللباقة والحكمة والذكاء".
بيد أن هناك من يشكك في هذه التصنيفات ،ويرفضها جملة وتفصيال.
فهناك من يقسم المتخلفين عقليا إلى فئتين :المعابون عقليا والمتأخرون
عقليا كما هو حال الرابطة القومية لألطفال المتأخرين .وهناك من يجمع
بين المعتوهين والبلهاء في فئة واحدة ،تندرج ضمن أعلى درجات
الضعف العقلي ،وبعده الضعف العقلي المتوسط ،ثم الضعف العقلي
الخفيف ،كما عند اتحاد األطباء النفسيين األمريكيين( American
.299)psychio association
ويحتاج المتخلف العقلي إلى عالج متعدد التخصصات :طبي ،ونفسي،
وتربوي ،واجتماعي ،وبيولوجي ...ويعني هذا " أن اإلعاقة العقلية
متعددة األبعاد والجوانب ،فهي مشكلة صحية ونفسية وتربوية واجتماعية،
وهذه المشكالت أو األبعاد متشابكة ومتداخلة ،حيث يعاني الشخص من
العديد من المشكالت في آن واحد.لذا ،فإن مفهوم تشخيص اإلعاقة يقترب
من مفهوم التقييم الشامل للحالة.
ويجب اإلشارة إلى أن هناك حاالت من التخلف العقلي شديدة ،وبهذا يسهل
التعرف إليها واكتشافها مبكرا ،إال أن هناك حاالت من التخلف العقلي
البسيط ،والتي يكون التعرف عليها أمرا صعبا ،ومن ثم يكون اكتشافها
300
وعالجها متأخرا بالضرورة ".
304
الحيل المشتطة إال أعراض المرض .ومن األمراض النفسية :الهستيريا
303
وعصاب القلق وعصاب الوسواس وغيرها".
لذا ،فالعصابيون هم مرضى األعصاب.لذا ،يعانون القلق والتوتر الناتجين
عن ضغوطات الواقع النفسي واالجتماعي والعملي.
أما األشخاص الذهانيون ،فهم المصابون بالذهان الوظيفي أو النفسي
المنشأ ،وال يعرف له" حتى اليوم أساس عضوي معروف ،أو هو الذهان
الذي التكفي العوامل العضوية ،العصبية والكيميائية ،لتفسير نشأته
وأعراضه ،بل تكون العوامل النفسية جوهرية غالبة في هذا التفسير.
وللذهانات أصناف وفئات وشعب...ويشترك الذهان مع العصاب في بعض
األعراض كالوساوس واالندفاعات القسرية والمخاوف الشاذة ،غير أن
الذهان يتفرد ببعض األعراض منها الهالوس والهذاءات .أما الهالوس
فمدركات حسية خاطئة التنشأ عن موضوعات واقعية في العالم
الخارجي.وأما الهذاء ،فاعتقاد باطل راسخ يتشبث به المريض ،بالرغم من
سخفه ،وقيام األدلة الموضوعية على خطئه ،وبالرغم من تأثيره الخطير
في التوافق االجتماعي للفرد...
ومما يذكر أن المريض في هالوسه وهذاءاته يحسب الخيال حقيقة واقعة،
غير أن الخيال في الهالوس صورة ذهنية ،بينما هو في الهذاء فكرة
واعتقاد .وفي كل منهما يشوه إدراك الذهاني للواقع .فهو يرى العالم
الخارجي مصدر تهديد واضطهاد أو خداع وخيانة...وبعبارة أخرى ،فهو
يعجز عن التمييز ين الخيال والواقع ،كما أنه يدرك الواقع على غير ما
304
يدركه الناس".
- 303أحمد عزت راجح :أصول علم النفس ،المكتب المصري الحديث ،اإلسكندرية ،مصر،
الطبعة الثامنة1970 ،م ،ص.475-474:
- 304أحمد عزت راجح :أصول علم النفس ،ص.483-482:
305
ولعالج هؤالء المعاقين نفسانيا واجتماعيا ،البد من استحضار العالج
النفسي الذي يقوم على التنفيس االنفعالي ،واالستبصار الذاتي ،وتجديد
التعلم .وقد يحدث هذا" خالل مقابالت شخصية أو تحت تأثير مخدر ،أو
أثناء عملية التداعي الحر في التحليل النفسي ،أو أثناء النوم المغناطيسي،
أو خالل مناقشة غير مباشرة ين المعالج والمريض...كما قد يقتضي
العالج ساعة في كل يوم ،أو خمس ساعات في األسبوع كما في التحليل
النفسي ،أو مرة واحدة في األسبوع..وكل هذه تفاصيل فنية تحددها طبيعة
الحالة الفردية.غير أنه مما اليدعو إلى االستغراب أن يستمر العالج أحيانا
عامين أو ثالثة لتقويم شخصية دب فيها االضطراب طوال عشرين أو
ثالثين عاما"305.
وعليه ،فالعصابيون و الذهانيون هم في حاجة ماسة إلى تحليل نفسي،
وعالج متعدد التخصصات بغية إدماجهم في الحياة العادية لكي يتوافقوا
مع ذواتهم ومجتمعهم.
308
- Bachelard: la formation de l’esprit scientifique, ED.Vrin 1970,
pp: 13-14.
309
ومن هنا ،فالخطأ هو ذلك الجواب أو السلوك الذي يصدر عن المتعلم.
وبالتالي ،فهو اليتالءم جزئيا أو كليا مع السؤال المطلوب ،أو التعليمة
المسطرة ،أو الجواب المنتظر .وبالتالي ،لم يعد الخطأ ،كما كان في التربية
التقليدية ،ظاهرة سلبية مشينة أقرب إلى الغلط األخالقي ،بل أصبح،
اليوم ،منهجية للتعلم الحقيقي والمتميز ،وبناء المعارف بشكل متدرج،
وتصحيح المعارف الموروثة والمحفوظة عن عدم وعي أو فهم أو علم.
وهو أيضا السبيل الوحيد إلعادة تكوين المتعلم تكوينا جيدا ،وبناء
شخصيته وسلوكه بطريقة ذاتية ،وتقوية الثقة واالطمئنان في شخصية
المتعلم.
وعليه ،يعد الخطأ ظاهرة تربوية مقبولة وإيجابية في الصف الدراسي ،وال
يمكن تجنبه إطالقا ،أو تفاديه بشكل جذري ،أو التخلص منه نهائيا؛ ألنه
يتكرر باستمرار لدى المتعلم .ومن ثم ،فالتعلم هو تصحيح األخطاء ذاتيا،
وتجاوزها بشكل علمي موضوعي بناء على القدرات المستضمرة،
واالعتماد على التصحيح الهادف والبناء ،واالستعانة بالمعالجة الداخلية
والخارجية.
وباختصار ،فالخطأ أداة للتعلم والتكوين واالكتساب وحل الوضعيات
الصعبة والمركبة والمعقدة .ومن جهة أخرى ،يعد الخطأ منهجية أو مقاربة
في التدريس ،أو طريقة بيداغوجية في بناء الدرس تشخيصا ،وتكوينا،
وتطبيقا.
وخالصة القول ،تتمثل العوائق اإلبستمولوجية في مشكل المالحظة،
ومشكل بناء الفرضيات ،ومشكل طرح التساؤالت واإلشكاالت الرئيسة،
ومشكل التجريب وتكراره ،ومشكل المعرفة العامية ،ومشكل الذاتية
والموضوعية ،ومشكل إصدار القوانين العلمية ،ومشكل التعميم ،ومشكل
البرهنة واالستدالل ،ومشكل تغير النظريات والبراديغمات من عالم إلى
310
آخر كتجاوز إنشتاين صاحب الفيزياء النسبية ألفكار ونظريات نيوتن
صاحب الفيزياء الكالسيكية المطلقة.
311
وليس من الضروري أن تكون اإلدارة في تعاملها مع المتعلم إدارة
للصرا ،والتطاحن االجتماعي ،بل يمكن أن تكون إدارة ديمقراطية،
وفضاء للحرية واإلبدا ،واالبتكار ،ومكانا إلذابة الفوارق االجتماعية،
وتعاي الطبقات ،وتوحيد الر والتطلعات بين المتعلمين .ومن ثم،
على الم سسة أو اإلدارة التربوية أن تذيب كل الخالفات الموجودة بين
المتعلمين على المستو االقتصادي واالجتماعي والثقافي واللغوي،
وتحرير المتعلمين المنحدرين من الفئة الدنيا من عقدهم الطبقية الشعورية
المشاريع والالشعورية ،وتخليصهم من مركب النقه ،بتنفيذ
الم سساتية ،وتقديم األنشطة إلمتا ،التالميذ وتسليتهم وترفيههم ،وتكوينهم
تكوينا ذاتيا يمحي كل الفوارق التي يمكن أن توجد بين المتمدرسين داخل
المدرسة الواحدة.
ومن أهم الو ائف األساسية والبارزة ل دارة إيجاد حالة من التوازن
بين عناصر البيئة االجتماعية ،وذلك بأن تمنة لكل فرد الفرصة لتحريره
من قيود طبقته االجتماعية التي ولد فيها ،وأن يكون أكثر اتصاال وتفاعال
309
مع بيئته االجتماعية والمذاهب الدينية. .
و البد أن تسهم اإلدارة في خلق عالقات إيجابية مثمرة بين التالميذ فيما
بينهم من جهة ،وبين المتعلمين وأطر التربية واإلدارة من جهة أخر ،
تكون مبنية على التعاون واألخوة والتسامة والتواصل والتآلف
والمشاركة الوجدانية والتكامل اإلدراكي ،ونبذ كل عالقة قائمة على
الصرا ، ،والعدوان ،والكراهية ،واإلقصاء ،والتهمي ،والتنافر،
والكراهية ،والتغريب ،والجمود ،والتطرف ،واإلرهاب.
والبد ل دارة من االحتكام إلى منطق المساواة ،وتوفير العدالة والعمل
على تحقيق تكاف الفره ،ودمقرطة التعليم من أجل تكوين مواطن
- 309أمحمددد عليلددوش :التربيككة والتعلككيم مككن أجككل التنميككة ،مطبعددة النجدداح الجديدددة ،الدددار
البيضاء ،الطبعة األولى سنة 2007م ،ص.123:
312
صالة ينفع وطنه وأمته ،ويحاف على ثوابت المجتمع ،ويعمل جاهدا من
أجل تحديث البلد ،وتغييره إيجابيا ،والرفع من مستواه التنموي ،والسير
به نحو آفاق رحبة من االزدهار والرفاهية.
313
الفصل الخامس:
التدريس باألهداف
314
عرف قطاع التربية والتعليم في المغرب ،وبالضبط في سنوات الثمانين
من القرن العشرين ،مقاربة تربوية جديدة تسمى بنظرية األهداف.
والغرض من هذه النظرية أو هذه المقاربة هو عقلنة العملية الديدكتيكية
تخطيطا وتدبيرا وتسييرا وتقويما ،مع أجرأة الفلسفة التربوية التعليمية
الفضفاضة في شكل أهداف عامة وخاصة .والغرض من ذلك كله هو
تقويم المنظومة التربوية بصفة عامة ،والبحث عن مواطن الضعف والقوة
بصفة خاصة.فضال عن تحفيز المدرسين وتشجيعهم على تقديم الدروس
بطريقة علمية هادفة وواعية ومركزة ومخططة ،في ضوء تسطير
مجموعة من األهداف اإلجرائية السلوكية الخاصة ،مع انتقاء المعايير
الكفيلة بالتقويم والمالحظة والرصد والقياس واالختبار .ومن ثم ،العمل
على تقويم مدى تحقق النتيجة أو الهدف في آخر الحصة الدراسية؛ ألن
ذلك هو الذي يحكم على الدرس بالنجاح أو اإلخفاق .فإذا تحقق الهدف
المسطر في بداية الدرس ،فقد تحقق نجاح العملية الديدكتيكية .وإذا لم
يتحقق ذلك ،فقد أخفق المدرس في عمليته التعليمية -التعلمية .وبالتالي ،فما
عليه سوى أن يعيد الدرس من جديد ،بتمثل التغذية الراجعة منهجا وقائيا،
ومعيارا تشخيصيا ،ومؤشرا تقويميا لسد النواقص الكائنة ،ودرء الشوائب
غير المتوقعة ،والحد من أسباب التعثر الدراسي ،بتصحيح كل األخطاء
التي ارتكبها في أثناء تقديم مقاطع الدرس في مختلف مراحلها الثالث:
االستكشافية ،والتكوينية ،والنهائية.
وقد أخذت المؤسسات التربوية المغربية بهذه المقاربة التربوية الجديدة مع
بداية الثمانينيات من القرن الماضي .بيد أنها سرعان ما تخلت عنها بدون
روية أو تفكير أو عمق ،لتجد نفسها أمام مقاربات تربوية مرتجلة أخرى،
مثل :تطبيق دليل الحياة المدرسية ،واألخذ بفلسفة الشراكة والمشروع،
وتمثل تربية الجودة ،واألخذ ببداغوجيا الكفايات واإلدماج ،واالستفادة من
مدرسة النجاح ،أو االستهداء بالميثاق الوطني للتربية والتكوين ...بمعنى
أن المغرب قد أصبح حقال للتجارب التربوية الغربية بامتياز،حيث عرف
315
تقلبات بيداغوجية عدة ،وتعرض كذلك الهتزازات تربوية مجتمعية مرات
ومرات بسبب تذبذب وزارة التربية الوطنية سياسة وتدبيرا وتخطيطا،
وعجزها عن اختيار إستراتيجية تربوية واضحة ودقيقة وناجعة .ربما
يكون هذا التقلب راجعا إلى عوامل ذاتية ومزاجية ،أو نتيجة لعوامل
سياسية ومجتمعية داخلية ،أو يكون ذلك نتاجا لعوامل خارجية تتمثل في
ضغوطات المؤسسات الدولية ،والسيما المؤسسات المالية والبنكية التي
تفرض على المغرب شروطا معينة في تدبير قطاع التربية والتعليم مقابل
االستفادة من المنح والقروض واالمتيازات.
-310محمد الدريج :تحليل العملية التعليمية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،المغرب،
الطبعة األولى سنة 1983م ،ص.36:
317
وترتبط بفلسفة قطاع التربية والتعليم .في حين ،ترتبط الغايات بسياسية
الدولة العامة ،كأن نقول -مثال -يهدف التعليم المهني إلى تكوين مهنيين
محترفين في مجال التكنولوجيا والصناعة.
المطلب الثالث :األهداف الوسطى
تتموقع األهداف الوسطى بين األهداف العامة واألهداف الخاصة .بمعنى
أنها أقل عمومية وتجريدا من األهداف العامة ،وأقل إجرائية وتطبيقا من
األهداف الخاصة .وبالتالي،فالصنافات المعرفية واالنفعالية والحسية
الحركية عبارة عن مراق ألهداف متدرجة في العمومية ،بيد أنها تقترب
من الخصوصية ،مثل :أن يعرف التلميذ أخوات كان ،و يستظهر القصيدة
الشعرية ،و يتذوق الشعر ،ويقفز بالزانة...
المطلب الرابع :األهداف الخاصة
يقصد باألهداف الخاصة األهداف السلوكية أو األهداف اإلجرائية .ونعني
باألهداف اإلجرائية تلك األهداف التعليمية القابلة للمالحظة والقياس
والتقييم .وغالبا ،ما تصاي في شكل أفعال مضارعة محددة بدقة .ويعني
هذا أن الهدف اإلجرائي هو إنجاز فعلي خاضع للقياس والمالحظة
الموضوعية ،وقد يكون هدفا معرفيا ،أو هدفا وجدانيا ،أو هدفا حسيا
حركيا .وفي هذا الصدد ،نقيس سلوك المتعلم ،ال سلوك المدرس ،بأفعال
مضارعة محددة بدقة قياسية .وفي هذا السياق ،يقول محمد الدريج ":يمكن
أن نالحظ بأن صياغة األهداف الخاصة تكون دائما صياغة واضحة ،
وتكون لكلماتها معاني واحدة غير قابلة للتأويل .إن صياغة الهدف الخاص
يجب أن تتجنب العبارات الضبابية التي توحي بعدد كبير من التأويالت
التي قد يفرضها تباين األشخاص ،واختالف المواقف؛ مما قد يؤدي إلى
تعطل التواصل بين المدرس والتالميذ وبينه وبين زمالئه في الفصل.
318
ثم إن ما يميز األهداف الخاصة هو كونها تصف سلوكا قابال
311
للمالحظة...ثم إن األهداف الخاصة تحدد شروط ظهور السلوك"...
وعليه ،فاألهداف الخاصة أو اإلجرائية هي أهداف سلوكية تعليمية
معرفية ،وانفعالية ،وحسية حركية ،تقيس إنجازات المتعلم بعبارات
واضحة ودقيقة .ومن ثم ،تكون قابلة للمالحظة والقياس والتقييم.
-313محمد الدريج :التدريس الهادف ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،المغرب،
الطبعة األولى سنة 1990م.
314
- A regarder Mager,Robert: Comment definer des objectifs
pédagogiques,Traduction G.Décote.Gauthier-Villars, Paris, 1981.
321
إن الهدف الغامض يسبب الغموض وتعدد االحتماالت والتأويالت.
بمعنى أن يكون الهدف واضحا بدقة ومحددا بالشكل الكافي.
أن يكون الهدف صادقا .بمعنى أن يفهمه اثنان بالمعنى نفسه ،ويتفقان
حوله.
أن يكون قابال للتحقق واإلنجاز ،فال يمكن تقويم هدف مرتبط بسلوك
مستحيل ،أو صعب تحقيقه.
أن تكون األهداف متدرجة ومتنوعة على مستوى المراقي .بمعنى أن
تكون األهداف متدرجة في السهولة والصعوبة ،فنبدأ بالبسيط ،لنتدرج
حتى المركب والمعقد.
أن تكون األهداف المرجوة تعبيرا صادقا عن فلسفة التربية المعتمدة.
بمعنى أن تكون جزءا ال يتجزأ من فلسفة الدولة وغاياته البعيدة المحصلة
من فعل التربية والتعليم.315
324
ويعني هذا أن الدرس عبارة عن مجموعة من المحطات واألنشطة
الديدكتيكية ،سواء أتعلقت بأنشطة المدرس أم بأنشطة المتعلمالتي تتالءم
مع أنواع ثالثة من األهداف :أهداف أولية ،وأهداف وسيطة ،وأهداف
نهائية.316
-316انظر مادي لحسن :األهداف والتقييم في التربية ،شركة بابل للطباعة والنشر ،الرباط،
المغرب ،الطبعة األولى سنة 1990م ،ص.158-155:
325
تشدد النظريات التربوية المعاصرة على ضرورة تحديد األهداف
المتعلقة بالتعليم المبرمج ،أو في تسطير البرامج والمناهج والمقررات
الدراسية.
يساعد وضوح األهداف المدرس في اختيار المحتويات والطرائق
البيداغوجية والوسائل الديدكتيكية ومعايير التقويم المناسبة.
إن تحديد المعايير واألهداف بوضوح ودقة يساهم في تحصيل تقويم
أفضل لعمل المتعلم.
تمكن األهداف المدرس من تقويم درسه عبر توظيف التغذية الراجعة
أو الفيدباك لسد النواقص ،وتشخيص مواطن القوة والضعف.
تساهم الصياغة اإلجرائية لألهداف في تجويد العملية الديدكتيكية بصفة
خاصة ،وتطوير المنظومة التربوية بصفة عامة.
ضرورة إطالع المتعلمين على األهداف اإلجرائية في بداية كل حصة
دراسية لكي يركزوا انتباههم على العناصر الضرورية والجوهرية،
وتحييد العناصر العرضية أو الثانوية.
بيد أن للدرس الهادف عيوبا وسلبيات ،يمكن حصرها فيما يلي:
تتسم نظرية األهداف بالنزعة السلوكية والنظرة التقنية على حساب
النظرة الشمولية .كما تخضع لثنائية المثير واالستجابة.
تعطي نظرية األهداف أهمية كبرى لتجزيء المحتويات وتفتيتها
بشكل مبالغ فيه.
تعنى نظرية األهداف كثيرا بالمحتوى ،وتغض الطرف عن الطرائق
والمناهج والوسائل الديدكتيكية.
326
تقسيم الذات اإلنسانية – حسب الصنافات -إلى مستويات مستقلة
هي :الجانب المعرفي ،و الجانب الوجداني ،والجانب الحسي الحركي.
في حين ،إن اإلنسان وحدة نفسية وعضوية مركبة ومترابطة ومتكاملة.
إن كثيرا من المدرسين ذوي الخبرة قد نجحوا في دروسهم كل
النجاح ،دون أن يستندوا،بحال من األحوال ،إلى نظرية األهداف.
وخالصة القول ،تعد بيداغوجيا األهداف نظرية تربوية جديدة قائمة على
العلم ،والعقالنية ،والتخطيط ،والقياس ،والتكنولوجيا ،والتحقق
الموضوعي .وقد انتشرت هذه النظرية في المغرب في سنوات الثمانين
من القرن العشرين ،فقد كانت -فعال -بديال للدرس الهربارتي التقليدي
الذي كان يقوم على مجموعة من المراحل ،مثل :المراجعة ،والشرح،
وبناء القاعدة ،والربط ،واالستنتاج ،والتطبيق .وكان هذا الدرس يقدم في
غياب أهداف مسطرة ،فقد كان المدرس يلقي درسه بطريقة غير واعية،
وغير مخططة بدقة؛ مما يوقعه ذلك في صعوبات جمة على مستوى
التقويم والتصحيح والمعالجة.
لذا ،جاءت بيداغوجيا األهداف لتنظيم العملية الديدكتيكية وعقلنتها
وعلمنتها تخطيطا وتدبيرا وتسييرا وتقويما ،بل أصبحت هذه النظرية
معيارا إجرائيا لقياس الحصيلة التعليمية -التعلمية لدى المتعلم والمدرس
معا ،ومحكا موضوعيا لتشخيص مواطن قوة المنظومة التربوية على
مستوى المردودية واإلنتاجية واإلبداعية ،وأداة ناجعة لتبيان نقط ضعفها
وفشلها وإخفاقها .وتعد كذلك آلية فعالة في مجال التخطيط والتقويم وبناء
الدرس الهادف.
327
الفصل السادس:
التدريس بالكفايات
328
التدريس بالكفايات عبارة عن مقاربة تربوية وديدكتيكية جديدة ومعاصرة،
تهدف إلى تسليح المتعلم بمجموعة من الكفايات األساسية لمواجهة
الوضعيات الصعبة والمركبة التي يصادفها المتعلم في واقعه الدراسي
أوالشخصي أوالموضوعي .ومن ثم ،فالكفايات هي بمثابة معارف
ومهارات ومواقف وكفايات معرفية وتواصلية ومنهجية وثقافية،
يستضمرها المتعلم لحل مجموعة من المشاكل أو الوضعيات -المشكالت
بغية التكيف أو التأقلم مع المحيط ،أو االستجابة لمتطلبات سوق الشغل ،أو
قصد التميز الدراسي والكفائي والحرفي والمهني .ومن ثم ،فاكتساب
الكفايات هو السبيل الحقيقي لتحصيل النجاح .وهو أيضا أساس
االستقاللية الشخصية ،ومدخل ضروري إلى تحمل المسؤولية ،واالعتماد
على الذات في حل جميع المشاكل التي تطرحها الوضعيات أمام المتعلم
في أثناء مجابهته لواقعه الحي .ومن ثم ،تنصب بيداغوجيا الكفايات على
المعطى الكيفي ،وتركز على التعلم السياقي في عالقة جدلية بالكفايات
المستهدفة ،سواء أكانت أساسية أم نوعية.
إذاً ،ما التدريس بالكفايات؟ وما سياقه المرجعي؟ وما الوضعيات؟ وما
الفرق بين نظرية الكفايات ونظرية األهداف؟ وما مرتكزات المقاربة
الكفائية نظرية وتطبيقا؟ وما مزاياها وعيوبها؟ تلكم هي أهم العناصر التي
سنتوقف عندها في المطالب التالية.
317
-GILLET , P : ) L’ utilisation des objectifs en formation , contexte
et évolution (, Education permanent , Nr :85 , octobre 1986 , p :17-
37.
-318بيير ديشي :تخطيط الدرس لتنمية الكفايات ،ترجمة :عبد الكريم غريب ،منشورات
عالم التربية ،مطبعة دارالنجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،المغرب ،الطبعة األولى،2003 ،
ص.121 :
-319باوال جونتيل وروبير تابنتشيني (:بناء الكفايات :مقابلة مع فليب پيرنو) ،الكفايات في
التدريس بين التنظير والممارسة ،تعريب :محمد العمارتي والبشير اليعكوبي ،مطبعة
أكدال،الرباط ،الطبعة األولى سنة 2004م ،ص.41:
330
ويرى محمد الدريج أن هذه الكفايات" ينظر إليها على أنها إجابات
عنوضعيات -مشاكل تتألف منها المواد الدراسية".320
وعلى العموم ،فالكفاية هي مجموعة من القدرات والمهارات والمعارف،
يتسلح بها التلميذ لمواجهة مجموعة من الوضعيات والعوائق والمشاكل
التي تستوجب إيجاد الحلول الناجعة لها بشكل مالئم وفعال.
ويظهر لنا ،من خالل مجموعة من التعاريف التي انصبت على تحديد
مفهوم الكفاية ،أنها تنبني على عناصر أساسية ،يمكن حصرها في:
القدرات والمهارات.
اإلنجاز أو األداء.
الوضعية أو المشكل.
حل الوضعية بشكل فعال وصائب.
تقويم الكفاية بطريقة موضوعية.
وهكذا،يبدو لنا أن الكفاية مرتبطة أشد االرتباط بالوضعية -اإلشكال.أي:
إن الكفاية قائمة على إنجاز المهمات الصعبة ،وإيجاد الحلول المناسبة
للمشاكل المطروحة في الواقع الموضوعي .إذا ،فالعالقة الموجودة بين
الكفاية والوضعية هي عالقة جدلية وثيقة ومتينة ،وعالقة استلزام اختباري
وتقييمي وديدكتيكي.
332
المبحث الثالث :تعريــف الوضعيـــات
إذا تصفحنا معاجم اللغة العربية ،كلسان العرب والمعجم الوسيط ،فإننا ال
نجد كلمة الوضعية بهذه الصيغة؛ بل نجد كلمة وضع موضعا ومواضع
الدالة على اإلثبات في المكان .أي :إن الوضعية بمثابة إطار مكاني للذات
والشيء .321ولكن في اللغات األجنبية ،نجد حضورا لهذا المفهوم بشكل
واضح ومحدد .ففي معجم أكسفورد اإلنجليزي ،تعني الوضعية " معظم
الظروف واألشياء التي تقع في وقت خاص ،وفي مكان خاص".322
وتقترن الوضعية بداللة أخرى ،وهي السياق الذي هو" عبارة عن وضعية
يقع فيها شيء ،وتساعدك -بالتالي -على فهمه".323
أما معجم روبير( ، )Robertفيرى أن الوضعية هي " أن تكون في مكان
أو حالة حيث يوجد الشيء أو يتموقع" . 324أي :إن الوضعية هي التموقع
المكاني أو الحالي في مكان أو وضع ما ،بينما يحدد السياق في هذا المعجم
على أنه " مجموعة من الظروف التي تحيط بالحدث".325
ويمكن أن نفهم ،من هذا كله ،أن الوضعية هي مجموعة من الظروف
المكانية والزمانية والحالية التي تحيط بالحدث ،وتحدد سياقه .وقد تتداخل
الوضعية مع السياق والظروف والعوائق والمواقف والمشكالت
والصعوبات واالختبارات والمحكات والحالة والواقع واإلطار
واإلشكال…إلخ.
-321ابن منظور :لسان اللسان ،الجزء الثاني ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،الطبعة األولى،
،1993ص743:؛ والمعجم الوسيط ألحمد حسنالزيات وآخرين ،المكتبة اإلسالمية،
استانبول ،تركيا ،ص.1039 :
322
- A.Regarder: Oxford advanced learner’s, Dictionary Oxford
university press 2000; p: 1109.
323
-Ibid, p : 247.
324
- Paul robert : Le Petit Robert, Paris, éd, 1992, p : 378.
325
-Ibid, p : 1820 .
333
وتعرف الوضعية في مجال التربية والديدكتيك بأنها" وضعية ملموسة
تصف ،في الوقت نفسه ،اإلطاراألكثر واقعية ،والمهمة التي يواجه التلميذ
من أجل تشغيل المعارف المفاهيمية والمنهجية الضرورية ،لبلورة الكفاية
والبرهنة عليها" .326أي :إن الوضعية واقعية ملموسة يواجهها التلميذ
بقدراته ومهاراته وكفاءاته عن طريق حلها .وليست الوضعيات سوى
التقاء عدد من العوائق والمشاكل في إطار شروط وظروف معينة .إن
الوضعية -حسب محمد الدريج " -تطرح إشكاال عندما تجعل الفرد أمام
مهمة عليه أن ينجزها ،مهمة ال يتحكم في كل مكوناتها وخطواتها،وهكذا
يطرح التعلم كمهمة تشكل تحديا معرفيا للمتعلم ،بحيث يشكل مجموع
القدرات والمعارف الضرورية لمواجهة الوضعية وحل اإلشكال ،ما
يعرف بالكفاية".327
وتأسيسا على ماسبق ،نفهم أن الوضعية هي مجموعة من المشاكل
والعوائق والظروف التي تستوجب إيجاد حلول لها من قبل المتعلم للحكم
على مدى كفاءته وأهليته التعليمية -التعلمية والمهنية .وتعتبر المواد
الدراسية مجموعة من المشاكل والوضعيات .ومن هنا ،ينبغي علينا أن
نعد التلميذ للحياة والواقع لمواجهة التحديات والصعوبات التي يفرضها
عالمنا اليوم ،و يتعلم الحياة عن طريق الحياة ،وأال يبقى رهين النظريات
المجردة البعيدة عن الواقع الموضوعي ،أو حبيس الفصول الدراسية
واألقسام المغلقة والمسيجة بالمثاليات والمعلومات التي تجاوزها الواقع ،أو
التي أصبحت غير مفيدة لإلنسان .أي :إن فلسفة الوضعيات مبنية على
أسس البراجماتية ،كالمنفعة ،واإلنتاجية ،والمردودية،والفعالية،
واإلبداعية ،والفائدة المرجوة من المنتج ،وهو تصور الفلسفة الذرائعية
لدى جيمس جويس ،وجون ديوي ،وبرغسون ،والثقافة األنجلو سكسونية
بصفةعامة.
328
-A regarder : A , IRRIBANE : La compétitivité, Défi Social,
Enjeu éducatif, CNRS, Paris, 1989.
335
ترتكز على مهمات التقليد ،وإعادة المعارف والمهارات المكتسبة عن
طريق التطبيق والمماثلة والحفظ واإلعادة ( وضعيات االجترار).
وضعيات التحويل:
تنطلق من وضعية معينة من العمل لتطبيقها على وضعيات غير متوقعة ،
بيد أنها قريبة بالتفكير بالمثل ،واالستفادة من الوضعيات السابقة لحل
الصعوبات ،عن طريق تحويلها إليجاد الحلول المناسبة (وضعيات
االستفادة واالمتصاص).
وضعيات التجديد:
تنطلق من مواجهة مشاكل وصعوبات وعراقيل جديدة ،وتقديم حلول
مناسبة لها ( .وضعيات الحوار و اإلبداع).
ويمكن تصنيف الوضعيات من الناحية التقويمية المعيارية على النحو
التالي:
وضعية أولية :يتم طرح مجموعة من الوضعيات اإلشكالية للتلميذ في
أثناء بداية الدرس ،أو قبل الشروع فيه .وتتعلق هذه الوضعيات بمراجعة
الدرس السابق ،أو دفعه إلى االستكشاف ،أو حثه وتشجيعه على استعمال
قدراته الذاتية والمهارية.
وضعية وسيطية :يقدم المعلم للمتعلم مجموعة من الوضعيات في أثناء
مرحلة التكوين والتعلم الذاتي لحل مشاكلها اعتمادا على األسناد والوثائق
والنصوص والتعليمات ومعايير التقويم .والهدف من ذلك كله هو التثبت
من قدرات التلميذ التعلمية والمفاهيمية والمهارية.
وضعية نهائية :يواجه التلميذ في نهاية الدرس وضعيات نهاية إجمالية
أو نهائية هي التي تحكم على التلميذ إن كان كفئا أم ال؟ وهل تحققت عنده
الكفاية األساسية أو النوعية أم ال؟ وهل أصبح قادرا على مواجهة
336
الصعوبات والوضعيات اإلشكالية والمواقف الواقعية الصعبة أم ال؟ وهل
تحقق الهدف المبتغى والغاية المنشودة من التكوين والتعلم الذاتي أم ال؟
وينبغي لهذه الوضعيات أن تتناسب تماثليا مع التقويم األولي والتكويني
واإلجمالي في إطار العملية التعليمية -التعلمية.
وعلى مستوى المحتوى أو المضمون والخبرات ،فهناك وضعيات معرفية
( ثقافية) ،ووضعيات منهجية ،ووضعيات تواصلية ،ووضعيات وجدانية
وأخالقية ،ووضعيات حركية ،ووضعيات مهنية تقنية…
-329حسن بوتكالي (:مفهوم الكفايات وبناؤها عند فيليب پيرنو) ،الكفايات في التدريس بين
التنظيروالممارسة ،مطبعة أكدال ،الرباط ،الطبعة األولى سنة ،2004ص.24:
338
أسباب الفشل المدرسي ،وإيجاد حل للالمساواة االجتماعية .ويعني هذا
ربط المدرسة بالمقاولة والحياة المهنية والعولمة والقدرة التنافسية
المحمومة .أي :على المدرسة أن تنفتح على الواقع والمجتمع معا
لتغييرهما وإمدادهما باألكفاء واألطر المدربة الماهرة والمتميزة .فال قيمة
للمعارف والمحتويات الدراسية ،إذا لم تقترن بما هو وظيفي ومهني وتقني
وحرفي .إذاً ،فكل هذه العوامل هي التي كانت وراء عقلنة المناهج
التربوية ،وجعلها فعالة ناجعة ذات مردودية تأطيرية وإبداعية.
وقد حاولت دول العالم الثالث ،بما فيهاالدول العربية ( المغرب ،والجزائر،
و تونس ،ولبنان ،وسلطنة عمان -مثال ،)...-أن تتمثل هذا النموذج
التربوي القائم على بيداغوجيا الكفايات والوضعيات لمسايرة المستجدات
العالمية ،واإلنصات إلى متطلبات السوق الليبرالية بغية الحد من البطالة،
وتفادي الثورات االجتماعية ،والحد من ظاهرة الهجرة بكل أنواعها ،مع
تبيئتها في مدارسها لخلق الجودة والعقالنية ،وتحصيل المردودية الفعالة.
وبذلك ،أصبحت التربية تابعة للسياسة االقتصادية للدولة وظروفها
االجتماعية والتمويلية .وفي هذا الصدد ،يقول نيكو هيرت ( Nico
":)Hirttما هو إذا عالم اليوم هذا ؟ يتميز محيطنا االقتصادي بعنصرين
اثنين :أوال تقلب بالغ ،وثنائية اجتماعية قوية .ينجم عن احتدام
الصراعات التنافسية،وإعادة الهيكلة ،وإغالق المصانع ،وترحيل وحدات
اإلنتاج ،واللجوء المتسارعإلى اختراعات تكنولوجية زائلة أكثر
فأكثر(سواء في مجال اإلنتاج أم في مجاالالستهالك) .وفي هذا السياق،
تتمثل إحدى أهم مساعي أرباب العمل في المرونة.أي :مرونة سوق
العمل ،ومرونة العامل المهنية واالجتماعية ،ومرونة أنظمة التربية
والتكوين ،وقابلية تكيف المستهلك.
مازالت سوق العمل حاليا منظمة بشكل قوي على أسس المؤهالت .أي:
على أساس الشهادات .وتمثل الشهادة جملة معارف ومهارات معترف بها،
339
تخضع لمفاوضات جماعية ،وتخول حقوقا بشأن األجور وشروط العمل أو
الحماية االجتماعية .وإلتاحة دوران أكثر ليونة لليد العاملة ،بات أرباب
العمل يسعون لتدمير هذا الثنائي المتصلب :مؤهالت -شهادات ،واستبداله
بالثنائي كفايات -شهادات مبنية على وحدات تكوين( مصوغات أو
330
مجزوءات ").Modulaire
وهكذا ،يتبين لنا أن سياق الوضعيات يتمثل في االنفصال بين النظرية
والتطبيق ،أو في غربة المدرسة عن الواقع و سوق الشغل.
341
مفهوم اإلدماج الذي يعني إدماج المتعلم لموارده المكتسبة حين مواجهة
الوضعيات الصعبة .
وعلى العموم ،تسعى المقاربة بالكفايات إلى تأهيل رجال الغد ونسائه
لتحمل مسؤولياتهم بطريقة قائمة على اإلبداعية ،والمسؤولية الشخصية،
واالرتكان إلى التعلم الذاتي ،و مواجهة المشاكل والوضعيات الجديدة.
ومن جهة أخرى ،تسعى إلى تشجيع المتعلم والطالب على البحث
واالستكشاف واالبتكار ،ومواجهة الظروف الصعبة .كما تساعده على
التحلي بروح العمل ،وتحقيق الجودة ،والمثابرة الجادة ،والمبادرة الحرة ،
وتحمل المسؤولية .أي :تكوين مواطن مسؤول وكفء .
ويضاف إلى ذلك أن هذه النظرية التربوية الجديدة تهدف إلى تمهير
المتعلم بمجموعة من الكفايات األساسية والمستعرضة التي تجعله يواجه
مختلف الوضعيات التي تواجهه في الحياة العملية .لذا ،فقد ارتبطت هذه
النظرية بسوق الشغل ،وكان الهدف منها هو تمهين المتعلم لكي يواكب
مختلف التطورات التي قد تصادفه في سوق العمل .عالوة على ذلك ،البد
للتعليم أن يكون وظيفيا مرتبطا بسوق الشغل بغية القضاء على البطالة
واألمية الوظيفية .ومن ثم ،فالمدرسة -حسب نظرية الكفايات -هي آلية
من آليات اإلبداع و االبتكار واالختراع واإلنتاج والعمل والتطور
الديناميكي.
342
التعليمية -التعلمية إلى أهداف جزئية إجرائية مفتتة ،332فإن المقاربة
بالكفايات هي التي تربط الكفايات بوضعياتها الحقيقية والسياقية ،فتعليم لغة
ما -مثال -ال يمكن أن يكون ناجعا إال في سياق اللغة المرجعي واللغوي
والتداولي.
كما أن هذه المقاربة الكفائية كيفية ومهارية تقوي ملكات العقل ،وتنمي
المواقف والكفايات المعرفية والمنهجية ،وتتحول فيها المحتويات إلى
قدرات وكفايات ووضعيات مترابطة .ويعني هذا أن المقررات الدراسية
تنتظم في شكل كفايات ووضعيات متدرجة من السهولة إلى الصعوبة
فالتعقيد .ومن ثم ،تتميز هذه الوضعيات بالتنوع وتعدد مسالكها
وتخصصاتها الدراسية.
وإليكم -اآلن -جدوال توضيحيا للمقارنة بين نظرية األهداف ونظرية
الكفايات:
المقاربة بالكفايات نظرية األهداف
-تعتمد على مدخل الوضعيات. -تعتمد على مدخل المحتويات.
-البحث عن السلوك المالحظ عبر -البحث عن استعماالت للقدرات
ضمن وضعيات مختلفة ومتنوعة. المحتوى.
-التركيز على أنشطة المتعلم. -التركيز على إلقاء المدرس.
-تحديد السياق. -عدم االرتباط بالسياق.
-موارد محددة في سلوكيات -البحث عن معنى للتعلمات.
وأهداف إجرائية خاضعة للقياس - .تعدد الموارد.
-التركيز على عملية التعليم،
332
-V. etG. Landsheere : Définir les objectifs de l’éducation, Liège et
George Thoune 1975, p202.
343
-تصنيف الوضعيات الكفائية التي وليس على التعلم.
تسمح بتكوين المتعلم لمواجهة
-إنتاج معارف تخصصية.
والمشاكل العوائق مختلف
والوضعيات المعقدة والمركبة في -المقاربة السلوكية.
الواقعين التربوي والمرجعي.
-مقاربة ذات نماذج معرفية
وإبستمولوجية متنوعة.
-333انظر :بيداغوجيا اإلدماج ،ترجمة :لحسن بوتكالي ،منشورات مجلة علوم التربية،
مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،المغرب ،الطبعة الثانية2009 ،م ،ص.78-77:
345
عويصة ،ودفعه إلى التفكير فيها .ومن ثم ،تكون هذه األنشطة تمهيدية
متزامنة مع التقويم التمهيدي أو القبلي أو التشخيصي ،وتتمحور حول
التعلمات االعتيادية أو المكتسبة أو التعلمات السابقة .والفرق بين
االستكشاف في التعليم التقليدي والتعليم المعاصر إال من باب وجود
السياق؛ ألن الوضعيات ال تأخذ معناها ودالالتها الوظيفية إال في سياق
تداولي ومرجعي ما .بيد أن ما يالحظ على مرحلة االستكشاف أن المتعلم
هو الذي يقوم بهذا االستكشاف .في حين ،يحضر المدرس وضعيات
االستكشاف الصعبة ليحلها المتعلم بطريقة منهجية فاعلة وهادفة .ويعني
هذا أن المتعلم ينطلق في استكشافه من وضعية المشكلة ،فيختار الحلول
الممكنة لحل هذه المشكلة المعقدة.
أنشطة التعلم النسقي.
تعتمد أنشطة التعلم النسقي على بناء المعارف بطريقة تدريجية متناسقة،
مع مراعاة التدرج في عملية الترابط واالتساق واالنسجام بين الموارد
األساسية التي ترتبط بكفاية ما .وبتعبير آخر ،فأنشطة التعلم النسقي هي"
تلك األنشطة التي تتوخى تنظيم مختلف المعارف والخبرات التي تمت
معالجتها أثناء أنشطة االستكشاف :ترسيخ المفاهيم ،وبنينة المكتسبات
وممارستها"334.
وتذكرنا هذه األنشطة بطريقة المربي األلماني هربارت القائمة على
التنسيق المنطقي بين مجموعة من العمليات الديدكتيكية ،مثل :المراجعة،
وقراءة األمثلة ،واستخراج القاعدة ،والتنسيق بين الفقرات ،والتطبيق.
أنشطــــة البنـــــاء.
تتمثل أنشطة البناء أو البنينة في الربط بين المكتسبات القديمة والجديدة ،أو
الربط بين المفاهيم المتقاربة ،أو المقارنة بين المفاهيم والقضايا المتباعدة
352
الفصل السابع:
353
إذا كانت التربية التقليدية أو الكالسيكية تعتمد على المسائل والتمارين
واالختبارات والمسائل المباشرة في عملية التقويم ،فهن التربية الحديثة
والمعاصرة تأخذ بالوضعيات الديدكتيكية واإلدماجية في بناء
التعلمات،والسيما مع هور المقاربة بالكفايات وبيداجوجيا اإلدما .ومن
هنا ،يمكن الحديث عن أنوا ،ثالثة من الوضعيات على النحو التالي:
الوضعيات الديدكتيكية.
الوضعيات جير الديدكتيكية.
الوضعيات اإلدماجية.
ومن هنا ،تنبني المقاربة بالكفايات على إعداد الوضعيات -المسائل في
شكل عوائق ديدكتيكية وتربوية قصد التكيف معها ،وإيجاد الحلول
المناسبة لها بغية بناء التعلمات الجديدة ،واستكشاف المجهول.ومن ثم،
يكون الغرض من بناء هذه الوضعيات هو تحقيق أهداف تعلمية محضة
لتحسين جودة التعلمات لد التلميذ في فضاء تربوي وديدكتيكي ،ضمن
ما يسمى بالوضعي ت الديدكتيكية( .)Situations didactiquesفي
حين ،ثمة وضعيات أخر تلقائية وعفوية أخر اليكون هدفها هو تحقيق
األجراض واألهداف التعلمية ،كالتعلم في أثناء اللعب أو األنشطة
األخر ،وتسمى ب لوضعي ت غي الديدكتيكية ( Situations
.)adidactiquesومن جهة أخر ،يمكن الحديث عن وضعيات
إدماجية) (Situations intégralesيكون الهدف منها هو إدما
الموارد التي استضمرها المتعلم في حل الوضعيات المعقدة والمركبة بغية
التحقق من قدرات المتعلم وكفاءاته وم هالته المختلفة.
354
ولقد ميز جوي بروسو ا 339 Brousseauوروجي كزافييا Rogier
Xavierوجيرهما بين الوضعيات الديدكتيكية وجير الديدكتيكية وفق
مجموعة من االيات اإلجرائية المخصصة لكل نو ،على حدة.
إذا ،ما الفرق بين الوضعيات الديدكتيكية وجير الديكتيكية؟ وما مميزات
كل وضعية على حدة؟ وما خصوصياتها؟ وما أهدافها؟ وكيف نصوغ
الوضعيات الديدكتيكية وجير الديدكتيكية؟ هذا ما سوف نتبينه في المباحث
التالية.
339
-G. BROUSSEAU(1998), Théorie des Situations Didactiques,
La pensée sauvage ; G. BROUSSEAU(1997), Théories des
situations didactiques, Conférence de Montreal,
]http://math.unipa.it/~grim/brousseau_montreal_03.pdf;[3 G.
BROUSSEAU(2000), Education et didactique des
mathématiques,http://math.unipa.it/~grim/brousseau_didact_03.pdf
355
يمكن القول بأن الوضعية إطار سياقي يجعل المتعلم يحس بأنه في وضع
مألوف ،جير أن هذا اإلطار يضعه أمام عائق جديد ومركب ،وهذا
العائق ،الذي يتم تصوره كمشكل يجب حله أو كمهمة يكلف إنجازها في
كل مرة جهدا أكبر ،يتطلب تعبئة انتقائية ومدمجة لموارد أو معارف تم
اكتسابها في السابق .ويساهم تعدد الوضعيات التي تتميز بتصاعد وتيرة
متطلباتها على المد القريب في بناء معارف ومهارات جديدة ،وعلى
340
المد المتوسط أو البعيد في التحكم التدريجي في الكفايات.
إذا ،تستلزم الوضعية وجود ذات م هلة تتفاعل مع وضعية مأخوذة من
المحيط أو البيئة التي تعي فيها هذه الذات .وتتميز تلك الوضعية السياقية
بكونها معقدة أو مركبة أو صعبة.أي :إنها بمثابة عائق كبير يثير مشاكل
وتحديات وصعوبات للمتعلم ،وتتطلب منه أن يجد لها حلوال مناسبة ،قد
تكون تلك الحلول فردية أو ثنائية أو جماعية.
ومن هنا ،يقصد بالوضعية مجموعة من ال روف البيئية التي يوجد فيها
المتعلم ،أو هي تلك العالقة التي تجمع الذات المفردة أو المتعددة
بموضو ،ما.
- 340وزارة التربية الوطنية :دليل المقاربة بالكفايات ،مكتبة المدارس ،الدار البيضاء،
المغرب ،الطبعة األولى دجنبر2009م ،ص.27-26:
356
كل من راينالا Raynalوريونييا : Rieunierوضعية بيداجوجية
موضوعة من قبل أخصائي في التربية بهدف:
خلق فضاء تفكير وتحليل للتالميذ حول مسألة يتعين حلها ،أو حول
عائق ينبغي تجاوزه تبعا الصطالو ا. Martinand
تمكين التالميذ من مفهمة تمثالت جديدة بخصوه موضو ،محدد
انطالقا من هذا الفضاء المسألة.
لقد أطلق ا Deketeleعلى هذه الوضعيات تسمية وضعي ت
االستكش ف؛ وهي تستجيب للمبدإ الذي يكتسب التالميذ من خالله وبشكل
أفضل ،درايات وإتقانات ساهموا في إرسائها وكانت محط تفكيرهم
341
واستطاعوا أن يقوموا ببحث حولها.
ويعني هذا أن الوضعيات الديدكتيكية هي التي تحمل في طياتها مشكلة أو
عائقا تربويا وديدكتيكيا ينبغي حله من قبل المتعلم .ومن ثم ،تكون تلك
الوضعية من وضع أخصائيين في مجال التربية والتعليم ،ويكون هدفها
تعليمي محض ،والغرض منها إكساب المتعلم درايات ومهارات جديدة ،
وحثه على استخدام عقله وتفيكيره في مواجهة الوضعيات المعقدة بغية
بناء معارفه ،واستكشاف الجديد ،ويتحقق ذلك كله في وسط أو فضاء
ديدكتيكي مالئم للتعلم .وفي هذا الصدد ،يقول روجر كزافيي :إننا
النبحث بالضرورة عن التحقق من تمكن كل تلميذ على حدة من هذا
االكتساب؛ بل نبحث عن خلق فعالية قصو للتعلم لد أكبر عدد ممكن
من التالميذ.يتعلق األمر -إذا -بوضعية مسألة في هيئة سيرورة تستعمل
من أجل التحسين األفضل لجودة تعلم معين.وتندر ضمن هذه الفئة
التحديات المطروحة على التالميذ ،كاأللعاب والمشاريع؛ وبصفة عامة،
359
وتنقسم الوضعيات الديدكتيكية إلى وضعيات تعلمية ووضعيات إدماجية
.وهنا ،الينبغي الخلط بين وضعية اإلدما ووضعية التعلم.فو يفة هذه
األخيرة ،هي اكتساب المتعلمين موارد جديدة :امفهوم جديد ،قاعدة
جديدة ،مهارة جديدة ،إل .فمثال عندما يقترو عليهم المدرس صنع علبة،
انطالقا من ورق مقو ،من أجل جعلهم يكتشفون المكعب أو جيره من
المجسمات الهندسية ،فهن األمر يتعلق بوضعية تعلم .وبالمثل ،عندما
يقترو المدرس على المتعلمين نصا ،ويطلب منهم أن يتعرفوا الكلمات
التي تعوض األسماء ،من أجل جعلهم يكتشفون الضمائر ،فهن األمر
يتعلق مرة أخر بوضعية التعلم.
فهذا كانت وضعيات اإلدما تو ف بعد اكتساب مجموعة من التعلمات
الجزئية قصد إدماجها ،فهن وضعيات التعلم تصلة لبناء مفاهيم ومهارات
جديدة.
إن لوضعيات التعلم أهمية خاصة ،لكن العمل بها ليس ضروريا ،منذ
البداية ،بالنسبة للمدرس الحديث العهد بالمقاربة بالكفايات.
وفي بعض األحيان ،يعوض مصطلة وضعية التعلم بمصطلة آخر هو
الوضعية الديدكتيكية.وفي الواقع وضعيات اإلدما قد تصلة أيضا
لتحقيق التعلم ،عندما نستعملها لتدريب المتعلمين على إدما مكتسباتهم
344
وتنمية كفاياتهم.
إذا ،يكون العمل بالوضعيات التعلمية في مرحلة بداية الدرس في شكل
استكشاف استثماري وتحفيزي ،واالستعداد لبناء الدرس ،وتقطيع
تعلماته.
- 344وزارة التربية الوطنية :دليل بيداغوجيا اإلدماج ،مكتبة المدارس ،الدار البيضاء،
المغرب ،الطبعة األولى سنة 2009م ،ص.49:
360
بينما تكون الوضعيات اإلدماجية في آخر المرحلة الدراسية ،أو في آخر
أسابيع اإلدما .
362
من حيث طبيعة هذه الوضعيات ،فهي ليست ديدكتيكية؛ واليعني هذا أن
من يقوم بحلها اليتعلم؛ إننا نتعلم بطبيعة الحال في أي سن؛ ويعن هذا
345
أنه ليست منظمة من قبل شخص معين ألهداف تعامية".
وعلى الرجم من وجود و يفة التعلم في الوضعيات جير الديدكتيكية ،فهن
هذه الوضعيات التخضع للوساطة الديدكتيكية من جهة أولى ،واليكون
الهدف منها هو التعلم الدراسي أو الديدكتيكي من جهة ثانية ،والتنجز في
وسط تعلمي ديدكتيكي من جهة رابعة ،والتخضع للتعاقد الديدكتيكي
التفاوضي التشاركي الموجود بين المدرس والمتعلم من جهة خامسة ،وال
تنبني على فلسفة الكفايات وبيداجوجيا اإلدما من جهة سادسة.
وبهذا ،التستهدف الوضعية جير الديدكتيكية ما هو تعليمي وتعلمي ،بل
تصاغ الوضعية أو المسألة ألهداف أخر جير التعلم الدراسي .وأكثر
من هذا قد تكون تعلمات هذه الوضعيات واقعية حقيقية.في حين ،تبنى
الوضعيات الديدكتيكية بشكل تعلمي جير حقيقي وجير واقعي ،وتستند إلى
تعلمات جديدة.
ومن هنا ،يمكن ترتيب الوضعيات بطريقة تنازلية ،فهناك وضعيات جير
ديدكتيكية ،ووضعيات ضعيفة ديدكتيكيا ،ووضعيات قوية ديدكتيكيا .ومن
هنا ،فالوضعيات جير الديدكتيكية هي وضعيات أهداف طبيعية .وهي
الوضعيات التي تطرحها الحياة اليومية والمهنية بكامل تنوعها ،كتحرير
رسالة من أجل هدف محدد ،وإرسالها إلى مرسل؛ وتن يم حملة توعية
يتحقق حدوثها بشكل فعلي؛ وتشخيه عطب في سيارة وإصالحه؛
وخياطة لباس بطلب شخه ما حتى يتسنى به أن يرتديه فعال ،وتعلم
سياقة الدراجة أو قيادة السيارة...
364
الموارد المكتسبة خالل تعلمات الموارد .وتتحدد ،تلك الوضعيات ،بحكم
طبيعتها ،من خالل الوضعية -المشكلة ،مادام التلميذ أو الطالب
اليستطيع أن يدم مكتسبا معينا إال إذا واجه عدة وضعيات -مشكلة
مركبة.يوجد ،إذا ،تطابق قوي بين وضعية اإلدم ج كما ين مها المدرس
والوضعية -المشكاة موضو ،اإلدما .لهذا السبب ،نتحدث عن وضعية
اإلدما دزون إضافة أي نعت لها.
ترتبط وضعيات اإلدما ارتباطا وثيقا بالكفايات التي يجب تنميتها.ولها،
بالتالي ،عالقة مباشرة بالملمة الخاه للتلميذ أو الطالب عند التخر .
وهي مناسبة بالنسبة لهذا األخير لتنمية الكفاية المستهدفة وترسي الموارد
المكتسبة .
تستعمل بعض وضعيات اإلدما لتعايم اإلدم ج ،ويستعمل بعضها ااخر
346
لغايات التئويم.
وإذا كانت الوضعيات الديدكتيكية التعلمية واالستكشافية مرتبطة ببداية
الحصة الدراسية ،فهن الوضعية اإلدماجية تكون في آخر أسابيع المرحلة
،أو في نهاية المجزوءة الدراسية،ويكون الهدف منها هو اإلدما من
جهة ،أو التقويم من جهة أخر .بل يمكن الحديث عن إدما جزئي إبان
حصه الدعم والتقوية والمراجعة والتوليف ،وإدما كلي في آخر
المرحلة يكون بتنمية الكفاءة المستهدفة وإدماجها .
إذا ،يعتبر اإلدما ،في الخطاب البيداجوجي ،سيرورة لتعبئة للمكتسبات
التعلمية الجزئية من أجل تو يفها بطريقة مدمجة،وتعد الوضعية
اإلدماجية من زاوية المقاربة بالكفايات ،وضعية مركبة ،حسب المبادئ
الواردة في التعريف أعاله ،ومهيأة لتستغل عند نهاية مقطع من التعلمات
المجزأة.
- 346روجريرس كزافييه :بيداغوجيا اإلدماج ،ترجمة نصر الدين الحافي وحماني أقفلي،
مكتبة المدارس ،الدار البيضاء ،المغرب ،الطبعة األولى سنة 2011م ،ص.304:
365
تصاغ الوضعيات اإلدماجية ،من جهة ،لتمكن التلميذ من تعلم إدما
المكتسبات والتحقق من قدرته على ذلك ،وعلى تدبير المركب ،في القسم
أوال ثم في الحياة اليومية ثانيا ،ومن جهة أخر ،تسمة للمدرس بتقويم
قدرة المتعلم على اإلدما ومستو تحكمه في المضامين المهارات
347
والقدرات التي أرستها مقاطع التعلمات المجزأة.
ويعني هذا أن السنة الدراسية ،وفق بيداجوجيا اإلدما ،مقسمة إلى أربع
مراحل ،وتتكون كل مرحلة من ثمانية أسابيع ،وتكون األسابيع الستة
األولى في خدمة الموارد المدعمة بالتوليف والمراجعة والدعم،أو ما
يسمى بالتعلمات الجزئية ،أو اإلدما الجزئي ،لتنتهي المرحلة بهدما
التعلمات ضمن ما يسمى بالوضعيات المركبة في جميع المواد الدراسية.
وتمتاز الوضعية اإلدماجية عن المسائل والتمارين التقليدية بكونها
وضعيات مرتبطة بسياقات حياتية تداولية ،نابضة بالحياة ،وفي عالقة
وثيقة بأسنادها ووثائقها وتعليماتها وم شراتها الكمية والكيفية .ومن
شروطها أيضا أنها وضعية دالة ونابضة بالحياة ومستمدة من محيط
التلميذ ،تخاطبه مباشرة ،وتتضمن وسائل اإليضاو المناسبة ارسوم،
وصور ،ونصوه ،ووثائق ...؛ ويدم فيها ما يسمى بكفايات الحياة
والقيم كالتربية البيئية ،والتربية على التضامن ،والسلم؛ وتتضمن تعليمات
سهلة وواضحة ،تمكن المتعلم من العمل بكيفية فردية؛ وتستند ،ما أمكن،
إلى وثائق حقيقية .348
ويعني هذا كله أن الهدف من الوضعيات اإلدماجية هو تحقيق الكفاية
النمائية النوعية واألساسية ،بهدما مختلف الموارد لحل الوضعية -
367
المبحث ال ابع التعايم وفق الوضعي ت الديدكتيكية
ينبني التعلم ،أو التدريس ،أو التعليم ،وفق الوضعيات الديدكتيكية بمراعاة
المدخالت ،والعمليات ،والمخرجات .أي :البد من استحضار ثالث
عمليات رئيسة يقوم بها المدرس الكفء ،ويمكن حصرها في عملية
التخطيط ،وعملية التدبير ،وعملية التقويم.
المطاب األول تخطيط الوضعي ت الديدكتيكية
اليمكن تحصيل كل ما يتعلق بالتخطيط المتعلق بالوضعيات الكفائية
واإلدماجية إال باتبا ،الخطوات التالية:
368
الف ا األول مفهوم التخطيط الديدكتيك
التخطيط الديدكتيكي هو ذلك المسار العالئقي الذي يسمة لنا بمعرفة
جميع العناصر البيداجوجية والعملية الضرورية من أجل تحقيق الكفاية
األساسية أو الهدف المنشود .ويمكن أن يكون التخطيط الديدكتيكي الئحة
من المحتويات المنت مة بطريقة تراتبية متعاقبة ،وقد يكون موضوعات
وتيمات ،وقد يكون عبارة عن أهداف وكفايات متعاقبة ومتسلسلة ،وقد
يكون عبارة عن موارد تربوية وم سساتية وبشرية ومالية وفضائية
وزمنية .ومن ثم ،فالتخطيط هو أول مرحلة من مراحل الفعل البيداجوجي
الذي يمهد لمرحلة اإلنجاز ،ومرحلة التقويم ،ومرحلة اإلدما ،ومرحلة
المعالجة.
ويذهب عبد الكريم جريب إلى أن التخطيط الديدكتيكي هو بمثابة عملية
تن يم وتصميم الوضعيات الديدكتيكية ،باعتبارها من العناصر المنسجمة
امدرس ،ومادة ،وتالميذ والمكونات المترابطة اأهداف ،ووسائل،
وتقييم ...؛ ويتصل التخطيط الديدكتيكي للوضعيات بالبنيات الكبر ،
مثل :البرام والمناه والوحدات الصغر ،مثل :الدروس.
وتشير صفة اديدكتيك المتصلة بالتخطيط إلى شكل التفاعل بين المدرس
والتالميذ والمادة ألجل تحقيق أهداف معينة ،ويتطلب تحديد هذا الشكل:
تقييم المنطلقات والمكتسبات السابقة إلزالة عوائق التعلم.
برمجة التعليم حسب تدرج األهداف المراد تحقيقها مرحليا.
349
تشخيص صعوبات التعلم وعالجها".
ويعني هذا أن التخطيط الديدكتيكي يشمل مختلف المراحل التي يقطعها
الدرس من البداية حتى النهاية.أي :ينطلق من مرحلة تحديد األهداف
والكفايات ،إلى مرحلة التقويم والمعالجة والتغذية الراجعة والدعم ،مرورا
- 349عبد الكريم غريب :المنهل التربوي ،الجزء الثاني ،منشورات عالم التربية ،مطبعة
النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،المغرب ،الطبعة األولى سنة 2006م ،ص.761:
369
بمرحلة العمليات التي تتمثل في المحتويات والطرائق البيداغوجية
والوسائل الديدكتيكية .وبتعبير آخر ،يضم التخطيط الديدكتيكي المدخالت
والعمليات والمخرجات بشكل نسقي متعاقب.
ويمكن الحديث عن أنوا ،ثالثة من التخطيط فيما يخه التعليم
بالوضعيات ،ويمكن حصرها فيما يلي:
الف ا األول التخطيط عاى المدى البعيد (التخطيط السنوي)
يتخذ التخطيط الديدكتيكي مسارا هندسيا رباعيا ،ففي بداية السنة
الدراسية ،نعتمد على التقويم التشخيصي القبلي أو التمهيدي الذي يهدف
إلى توجيه المدرس توجيها تربويا صحيحا لكي يتفهم وضعيات الفصل،
ويحدد الفوارق البيداجوجية الموجودة عنده بغية خلق نو ،من التقارب
بين التالميذ .بمعنى أن التقويم التمهيدي التشخيصي بمثابة وصفة استباقية
وتوقعية توجه المدرس إلى مواطن القوة والضعف من أجل تدارك
الوضع التربوي ،ومعالجته ديدكتيكيا ،أو في ضوء معالجة داخلية أو
خارجية.
وبعد ذلك ،تأتي فترة التعلمات التكوينية في شكل متتاليات أسبوعية ،يقوم
فيها المدرس بهرساء الموارد ،و اختيار المحتويات ،والطرائق
البيداجوجية ،والوسائل الديدكتيكية المالئمة .وتستهدف هذه المراحل
التكوينية نماء الكفاية وتثبيتها وإرسائها .وتنقسم كل متوالية زمنية تكوينية
إلى مقاطع ووحدات دراسية مرتبطة بكفايات فرعية وأهداف محددة تخدم
الكفاية األساسية التي تتمثل في السلك االبتدائي ،إما في كفاية التعبير
الشفوي ،وإما في كفاية القراءة ،وإما في كفاية الكتابة ،وإما في كفاية
استيعاب علوم اللغة ،واستثمارها و يفيا وسياقيا .وتتخلل هذه المراحل
التكوينية مجزوءات إدماجية بينية بعد ستة أسابيع من التكوين .وبهذا،
ينبني البرنام السنوي على أربع مجزوءات أسبوعية متسقة ومنسجمة
ومتطورة .وتتكون كل مجزوءة من ستة أسابيع ،يتبعها أسبوعان
370
ل دما تعلما وإنجازا وتقويما ومعالجة .وبهذا ،يكون عدد أسابيع التعلم
ثمانية وثالثين أسبوعا ،يضاف إليها أسبو ،التقويم التشخيصي ،وأسبو،
التقويم اإلشهادي .وفي نهاية السنة الدراسية ،نلتجئ إلى المجزوءة
اإلدماجية النهائية التي تشخه لنا مد تحقق الهدف اإلدماجي النهائي
السنوي.
ومن المعلوم أن الوحدة األساسية لتدبير ا la gestionالتعلمات هي
المجزوءة ا le moduleالتي ت من بشكل متسق ومنسجم مجموعة من
الكفايات عبر ثالث محطات رئيسة هي:
-1مرحلة استيعاب أو اكتساب التعلمات األساسية.
-2مرحلة إدما التعلمات.
-3مرحلة التقويم أو المعالجة.350
ومن باب العلم ،فالمجزوءات أنوا ،مختلفة :مجزوءات إجبارية،
ومجزوءات داعمة ،ومجزوءات تكميلية ،ومجزوءات اختيارية...
وقد أثبت كزافيي روجرز أن التعلمات تن م عمليا حسب تناوب نوعين
من التعلم :تعلمات محدودة الهدف اتعام الموا د وتعام اإلدم ج .يهدف
تعلم الموارد إلى تنمية الموارد الضرورية الكتساب الكفاية اقواعد
النحو ،الصرف ،اإلمالء ،تقنيات الحساب. ...ويتم بالطريقة المعتادة وفق
بيداجوجيا األهداف ،وذلك طوال ستة أسابيع.وفي األسبوعين السابع
والثامن ،يتوقف المعلم كليا عن تدريس مفاهيم جديدة على أن يقترو على
المتعلمين ،خالل هذين األسبوعين في كل مادة من المواد المقررة ،حل
350
- Roegiers, X, la pédagogie de l’intégration en bref, Rabat, 2006,
PP.9-10.
371
وضعيات مركبة تتطلب تجنيد ما تعلمه المتعلم من موارد خالل األسابيع
351
الست السابقة.
ويرتبط التخطيط السنوي ا la planification annuelleبالمنها أو
المقرر الدراسي .وقد عرف تخطيط المنها ثالث محطات كبر :محطة
المضامين والمحتويات؛ حيث كان يعتمد في تخطيط المنها الدراسي
على موضوعات أو تيمات أو مفاهيم معينة ،مثل :الدراسة ،والطفولة،
والهجرة ،والعمل ،والسفر ،ووسائل النقل ،والمدينة ،والبادية....
أما المحطة الثانية ،فهي محطة األهداف التي واكبت فترة الثمانين من
القرن العشرين ،فقد قسمت األهداف التربوية إلى أهداف وجايات عامة،
وأهداف وسطى ،وأهداف إجرائية خاصة ،في ضوء المن ور اللساني
السلوكيا واطسون ،وبافلوف ،وسكينر .
أما المحطة الثالثة ،فهي محطة الكفايات التي تبلورت في المغرب في
سنوات العقد األول من األلفية الثالثة لربط التعليم بواقع الشغل والمهننة.
وقد انبنت هذه الن رية الجديدة على مجموعة من التصورات
اإلبستمولوجية ،مثل :الن رية المعرفية ،والن رية التوليدية التحولية انوام
شومسكي ،والن رية البنائية التكوينية اجان بياجي ،وكل الن ريات
السياقية التي تربط الذات بالمحيط أو السياق الخارجي .دون أن ننسى
الن ريات التربوية القائمة على التعلم الذاتي ،ومراعاة الفوارق الفردية
االبيداجوجيا الالتوجيهية ،والبيداجوجيا الم سساتية ،وديناميكية
الجماعات ،وبيداجوجيا التفريدية ،وبيداجوجيا األخطاء...
و يهدف التخطيط السنوي إلى تجزيء المقررات التربوية ،أو تقسيم
المناه الدراسية سنوي ،بتوزيعها إلى مجموعة من المراحل التكوينية
-351نقال عن وزارة التربية الوطنية :دليل األساتذة الجدد بالتعليم االبتدائي ،منشورات
مديرية تكوين األطر ،مركز اإلمام الغزالي لتكوين المعلمين والمعلمات ،أكادير ،المغرب،
2011-2010م ،ص.26:
372
أوالمجزوءات الدراسية ،واختيار أنجع السبل من أجل تقويم إجمالي أو
نهائي مناسب بغية التثبت من مكتسبات التالميذ ،أو من مد تحقق الكفاية
اإلدماجية النهائية لد طلبة الفصل الدراسي.
وهكذا ،يتكون التخطيط السنوي من أربع مراحل كبر ،وتتضمن كل
مرحلة ثمانية أسابيع ،تخصه األسابيع الستة األولى إلرساء الموارد،
ويخصه األسبوعان الباقيان ل دما ،كما يخصه األسبوعان الثالث
والسادس ألنشطة التوليف والتقويم والدعم .وتشكل هذه األسابيع الثمانية
ما يسمى بالمجزوءة التي تبدأ بالكفاية ،وتنتهي بالتقويم اإلدماجي
اإلجمالي والنهائي .ويالح أن عدد المجزوءات أربع ،يسبقها أسبو،
للتقويم التشخيصي ،وأسبو ،في آخر السنة للتقويم اإلشهادي.
وعليه ،تنت م السنة الدراسية ،في التعليم االبتدائي واإلعدادي والثانوي،
وفق التخطيط الكفائي واإلدماجي ،بتحديد الكفايات النهائية أو األساسية
التي تتحقق في آخر السنة الدراسية ،وتحديد مختلف الموارد التي سيتلقاها
المتعلم إلدماجها بطريقة جزئية أو كلية .ومن هنا ،يتكون الغالف الزمني
للتعلمات من أربعة وثالثين أسبوعا كامال من النشاط الفعلي ،يطابقها
حجم حصصي من 1000إلى 1200ساعة .وتنقسم السنة الدراسية إلى
أربع مراحل أو درجات ،وتتكون كل مرحلة من ثمانية أسابيع؛ إذ
يخصه األسبو ،األول والثاني والرابع والخامس إلرساء موارد الكفاية،
ويخصه األسبو ،الثالث من كل مرحلة للربط والتوليف والدعم
والتقويم ،أو ما يسمى كذلك باإلدما الجزئي .بينما يخصه األسبو،
السابع والثامن ل دما ،فالسابع إلنماء الكفاية ،ويخصه األسبو،
الثامن لتقويمها معالجة وتصحيحا ودعما.
373
ويستند تخطيط الوضعيات إلى الكتب المدرسية من جهة أولى ،أو
وضعيات التعلم من جهة ثانية ،أو كراسة الوضعيات اإلدماجية من جهة
ثالثة.
وهكذا ،تبدأ السنة الدراسية بتقويم تشخيصي للتعلمات التي اكتسبها المتعلم
في السنة المنصرمة بغية التحقق من الكفاية النهائية ،ومد ترسخها
عبر اإلنجاز التطبيقي ،و عال مختلف التعثرات التي يمكن أن يقع فيها
المتعلم دعما وتقوية وتعزيزا.
وبعد ذلك ،يخصه المدرس فترة للتقويمات التكوينية المرحلية وعال
التعلمات ،وتخصيه أسبوعين في نهاية السنة الدراسية القتراو
وضعيات تعكس الكفايات األساسية للسنة الدراسية ،أو تحديد الهدف
النهائي ل دما لطور دراسي اإذا كنا في نهاية طور .
عالوة على تخصيه أسبوعين بعد كل ستة أسابيع لمجزوءات اإلدما ،
يقوم المتعلم خاللها بحل ثالث وضعيات بالنسبة لكل كفاية نهائية .ومن
ثم ،يقترو المدرس وضعية للتدريب على اإلدما يمكن حلها في
مجموعات من ثالثة متعلمين ،ووضعية للتقويم التكويني ينبغي حلها
بشكل فردي ،ووضعية للعال أو التقوية ينبغي حلها بشكل فردي كذلك،
وتوزيع التعلمات الجزئية المرتبطة بالموارد على الفترات المتبقية.
374
ويمكن توضية ذلك كله على النحو التالي:352
األنشطة التعامية األس بيع
تقويم تشخيصي في بداية السنة 1
الدراسية
2-7؛15-10؛23-18؛ .31-26التعلمات الجزئية
مجزوءة اإلدما المرحلية 8-9؛17-16؛.25-24
تقويم تكويني
لنهاية السنة مجزوءة اإلدما .32-33
الدراسية.
تقويم الكفاية النهائية اخر السنة 34
التخطيط عاى المدى المتوسط (م حاة كف ية -ثم نية الف ا الث ن
أس بيع)
ينبني التخطيط المرحلي ()Planification intérmidiaireإلى توزيع
التعلمات الدراسية ،أو تجزيء المقررات أو المناهج التربوية حسب
مراحل زمنية تكوينية معينة :إما باتباع التكوين األسدوسي (ستة أشهر)،
وإما باختيار التكوين األثلوثي (ثالثة أشهر) ،وإما بانتهاج التكوين
التربوي والديدكتيكي حسب المجزوءات .ويسمى هذا التخطيط أيضا
بالتخطيط المرحلي ،أو التخطيط البيني ،أو التخطيط التكويني .وبتعبير
آخر ،فالتقويم المرحلي -في الحقيقة -مرتبط بإنجاز مجزوءة معينة في
- 352وزارة التربية الوطنية :دليل بيداغوجيا اإلدماج ،مكتبة المدارس ،الدار البيضاء،
المغرب ،الطبعة األولى سنة 2009م ،ص.38:
375
ضوء كفاية أساسية معينة ،بعد المرور بطبيعة الحال بمحطة اإلدماج
السياقي.
س8 س7 س6 س5 س4 س3 س2 س1 حاة1 الم
س8 س7 س6 س5 س4 س3 س2 س1 حاة2 الم
س8 س7 س6 س5 س4 س3 س2 س1 حاة3 الم
س8 س7 س6 س5 س4 س3 س2 س1 حاة4 الم
378
ثم ،فالتدبير إدارة شاملة لجميع العمليات التي تعرفها العملية الديدكتيكية
من بدايتها حتى نهايتها.
إذا ،ينبني التدبير الديدكتيكي على مجموعة من المرتكزات المنهجية التي
يمكن حصرها في أنشطة المعلم وأنشطة المتعلم التي تقدم عبر مجموعة
من المقاطع الدراسية االمقطع االستهاللي ،والمقطع التكويني ،والمقطع
النهائي ،واالنطالق من مجموعة من األهداف والكفايات المسطرة،
وتحديد فضاء التدبير ،والتركيز على اإليقا ،الزمني تشخيصا وتكوينا
ومعالجة ،ورصد الوضعيات الديدكتيكية واإلدماجية ،وتن يمها في شكل
جذاذة دراسية تخطيطا وتطبيقا وتنفيذا ،واختيار أنوا ،الطرائق
البيداجوجية والوسائل الديدكتيكية التي تسعف المدرس والمتعلم معا في
التعامل مع الوضعيات الكفائية وأنوا ،الوضعيات المقدمة األخر .
ويعني هذا كله أن التدبير يأتي بعد مرحلة التخطيط السنوي والمرحلي
والديدكتيكي ،وينصب اهتمامه على مجال التعلم ببلورة وضعيات التعلم ،
وتبيان كيفيات إنجاز الدرس ،وتحديد طرائق تدبير القسم ،وذلك كله في
عالقة جدلية بمجال التخطيط من جهة ،ومجال التقويم والدعم من جهة
أخر .
وهكذا ،يتطلب التدبير الديدكتيكي أن يتعرف المدرس إلى مختلف
منهجيات التدريس في مختلف المستويات واألسالك التعليمية ااالبتدائي،
واإلعدادي ،والثانوي ،كأن يعرف منهجية القراءة ،ومنهجية الخط
والكتابة ،ومنهجية التعبير ،ومنهجية النحو والصرف واإلمالء والشكل،
ومنهجية المحفو ات ،ومنهجية التربية اإلسالمية ،ومنهجية الوضعيات
اإلدماجية والتقويمية...و يعرف أيضا كيف تتوز ،الحصه الدراسية
وجالفها الزمني ،ويعرف كذلك أنوا ،وضعيات التعلم من أجل تحديد
الطرائق البيداجوجية والوسائل الديدكتيكية المالئمة لتقديم المقطع
الدراسي ،أو مجموعة من المقاطع الديدكتيكية.
379
ومن جهة أخر ،يستلزم التدبير الديدكتيكي التعرف إلى تقنيات التنشيط
والتواصل ،وإعداد معينات ديدكتيكية مالئمة للمقطع االموارد ،وتكييف
مختلف التقنيات التنشيطية والتواصلية مع خصوصيات القسم اقسم
حضري ،وقسم مشترك ،وقسم مكت ، ...و تنويع تقنيات التواصل
اللف ي وجير اللف ي ،مع التمركز حول المتعلم ،واستثارة قدراته
الكفائية واإلدماجية ،واالنطالق من ن ريات التعلم في أثناء عملية
التدبير ،وبناء الدرس ،كاالنطالق -مثال -من الن رية السلوكية ،أو
الن رية الجشطالتية ،أو الن رية التكوينية لجان بياجيه ،أو البيداجوجيا
الفارقية ،أو المقاربة الالتوجيهية ،أو البيداجوجيا الم سساتية ...ومن
الضروري ،أن يتعرف المدرس والمتعلم معا إلى مبادئ اإلدما ،
وطريقة إنجاز مالئمة للوضعية.أي :رصد مختلف معايير التقويم ،
وتحديد م شراته ،ووضع خطط افتراضية للدعم والمعالجة والتصحية.
381
وبعد االنتهاء من اإلدما ،يلتجئ المدرس إلى تقويم الكفايات المستهدفة
وتصحيحها في ضوء معايير الدعم المناسبة من جهة ،وم شرات التقويم
اإلدماجي من جهة أخر ،رجبة في إيجاد حلول عالجية داخلية
وخارجية.
وهكذا،يعتمد المدرس في تدبير الوضعية اإلدماجية على دفتر أو كراسة
من مجموعة تتضمن التي اإلدماجية الوضعيات
الوضعيات،واألسناد،والصور األيقونية،والوثائق الديدكتيكية،مع مجموعة
من التعليمات ،وسلم التنقيط .ومن جهة أخر ،هناك دليل اإلدما الذي
يشتمل على بطاقات التمرير أو االستثمار ،وشبكات التحقق ،وكذلك
شبكات التصحية.
وعليه ،يستوجب تدبير الوضعية اإلدماجية أربع مراحل متكاملة ومتتابعة
هي:
382
أوال ،فهم الوضعية اإلدم عية عنوانا ،وسياقا ،وأسنادا ،وصورا،
ومقصودا ،واستيعاب التعليمات بشكل جيد.
وث ني ،إنع ز العمل المطاوب باحترام تعليمات الوضعية ،وإنجاز العمل
كما هو مطلوب وموصوف ،واستثمار الصور والوثائق بشكل جيد لخدمة
الموضو.،
انطالقا من مراعاة المواصفات، وث لث ،التحئق من جودة اإلنتا
ومقارنة قيمة اإلنتا باإلنتا المنت ر.
و ابع ،المع لعة الداخاية والخ عية تقويما وتصحيحا ودعما من أجل
تطوير اإلنتا .وهنا ،يعتمد التصحية الذاتي وتحسين اإلنتا .
وإليكم هذا الجدول الذي يوضع خطوات تدبير الوضعية اإلدماجية بالشكل
الواضة:
تقديم الوضعية باكتشافها وفهمها م حاة فهم الوضعية
ومالح ة صورها والتفكير
مختلف باستحضار فيها،
التمثالت التعلمية القائمة على
العصف الذهني .وبعد ذلك ،تقرأ
الوضعية قراءة جهرية أو
صامتة ،ثم يحلل العنوان
ويناق ،وتشرو بعض الكلمات
الصعبة .كما تحلل األسناد
أيضا من أجل وتناق
استثمارها في أثناء اإلنجاز.
عالوة على قراءة التعلميات لفهم
المطلوب.
383
يقوم اإلنتا على إعطاء مهلة م حاة اإلنع ز واإلنت ج
للمتعلمين من أجل التفكير قبل
الشرو ،في العمل ،ثم إدماجهم
في مجموعات ثنائية أو جماعية.
وبعد ذلك ،يكون اإلنتا فرديا.
ثم ،يلتزم المتعلم بالتعليمات
المطلوبة والمواصفات
والمتوخاة من إنجاز الوضعية.
يتحقق المدرس من مد تمكن م حاة التحئق
المتعلم من الكفاية اإلدماجية ،
بتقييم المنت ،وتبيان مواطن
الضعف والقوة ،بتقويم األعمال
وتصحيحها ،وتثمينها وفق
المعايير والتعليمات المرصودة .
وينتقل المتعلم إلى التحقق أو
التقويم الذاتي بمقارنة عمله
بالمعايير المطلوبة.
يمكن الحديث عن معالجة م حاة المع لعة
ديدكتيكية ،ومعالجة نفسية،
ومعالجة اجتماعية .ويعني هذا
أن المدرس يرصد معوقات
التعلم وصعوباته ،بتبيان أسباب
تعثر نماء الكفاية لد المتعلم،
وتشخيه األخطاء ،والتثبت
من صحة التشخيه ،واقتراو
384
بتطبيق عالجية، أنشطة
بيداجوجيا الخطأ والبيداجوجيا
الفارقية...
وتعتمد مرحلة تدبير الوضعية على شبكة التمرير أو بطاقة االستثمار أو
جذاذة تو يف الوضعية ا، Fiche d’exploitation de la situation
وهي تلك الشبكة التي تستعمل لمصاحبة المتعلم خالل اإلنجاز قصد
تدبير محكم لتعلم حل الوضعية اإلدماجية ،بفهم هذه الوضعية ،ومعرفة
المهام ،وإنجاز المطلوب وفق مواصفات اإلنتا المنت ر.
ويقصد ببطاقة تمرير وضعية أو بطاقة استثمار تلك البطاقة التي تتضمن
توضيحات وتفسيرات تشرو للمتعلم كيفية تمرير الوضعية ،وسبل
استثمارها .وأكثر من هذا ،فهي خارطة طريق منهجية يرافق بها األستاذ
التالميذ في مختلف مراحل إنجاز الوضعيات.
وبتعبير آخر ،فهي أداة إجرائية تساعد المتعلم على تدبير الوضعيات
اإلدماجية حسب الهدف اتعلم اإلدما :الوضعية األولى ،وتقويم تعلم
اإلدما :الوضعية الثانية ،وخصوصية المادة اشفوية /كتابية ،وأنساق
التعلم تفاديا للسقوط في النمطية ،ودون تفكيك مكونات الوضعية أو
353
الموارد المراد تعبئتها اجتنابا للتعامل مع التعليمة كمجرد تمرين.
وتستند شبكة استثمار الوضعيات المتعلقة بوضعية تعلم اإلدما
االوضعية األولى إلى مجموعة من المحطات:
المحطة األولى تعنى بتئديم الوضعية ،بمشاهدتها ،وقراءة العنوان
بغية الفهم واإلنجاز ،وقراءة التعليمات لفهم المهمة ومواصفات اإلنتا
- 353وزارة التربية الوطنية :دليل اإلدماج ،المستوى الثالث من التعليم االبتدائي ،مطبعة
األحداث ،المغرب ،الطبعة األولى سنة 2010م ،ص.3:
385
المنت ر ،والتحقق من فهم المتعلمين للمهمة المطلوبة إنجازها ،بالتعبير
عن ذلك بلغتهم وأسلوبهم الشخصي ،وتدوين مواصفات اإلنتا المنت ر
على السبورة بلغة واضحة وبسيطة.
المحطة الثانية تتعلق بإنع ز المهمة ،بهعطاء مهلة للمتعلمين من أجل
التفكير ،وتقسيم التالميذ إلى مجموعات ،والحث على العمل الفردي،
والمرور بين صفوف التالميذ لتشجيعهم وتحفيزهم على العمل ،والتوقف
عند اإليجابيات وتثمينها ،وتصحية التعثرات بشكل فوري وذاتي ،مع
نصة المتعلمين بااللتزام بالمواصفات المنصوه عليها في السبورة.
المحطة الثالثة تتعلق ب لتحئق والمع لعة؛ إذ يختار المدرس مجموعة
من اإلنتاجات لمدارستها ،ويدعو المتعلمين إلى التحقق الذاتي ،بالعودة
إلى مواصفات اإلنتا المنت ر ،ويحثهم أيضا على التحقق الجماعي
انطالقا من مواصفات اإلنتا المنت ر .ومن ثم ،يدلي بحكمه على مطابقة
اإلنتا للمواصفات ،ويدون الصعوبات التي تحتا إلى معالجة مركزة.
وبعد ذلك ،يهيء المدرس أنشطة للدعم والمعالجة حسب الحاجة ،ثم يقوم
أثر المعالجة.
أما فيما يخه وضعية التقويم االوضعية الثانية ،فهناك المحطات الثالث
نفسها بتلك المواصفات نفسها التي رأيناها في الوضعية األولى.
وعليه ،تنبني بطاقة التمرير أو جذاذة االستثمار والتو يف على مكونين
منهجيين هما :اختيار المعلومات ،ومعالجة المعلومات .ويكون اختيار
المعلومات بالقراءة األولية ،وتوضية العوائق ادالالت الكلمات
والعبارات ،وشرو المفاهيم العلميةاالتوضيحات واألسناد ،وتحديد
المطلوب من قبل المتعلمين ،وتحديد الموارد المستعملة من قبل
المتعلمين.
386
وتكون معالجة المعلومات بالعمل في نطاق المجموعاتاالتذكير بتو يف
المعلومات والموارد السابقة ،واالرتكان إلى المعالجة الجماعية ،مع
تشجيع المنتو الفردي ،ومتابعة عمل المجموعات برصد نو ،التعثر ،
أو بطريقة فردية االتذكير بتو يف المعطيات والموارد السابقة لحل
الوضعية ،والتذكير بالمنت الفردي ،ومتابعة عمل الفرد برصد تعثره،
وتحديد طبيعته ،وطريقة معالجته .
354
شبكة استثم الوضعي ت
وضعية تعام اإلدم ج الوضعيــــة األولــــــى
المتعام المد س المحط ت
مشاهدة ...يستخر من العنوان يطلب ... المحطة1
بيانت مساعدة على الفهم الوضعية؛
تئديم الوضعية
واإلنجاز؛
...يطلب قراءة العنوان
أو يقرأ العنوان من أجل ...يستخر من السياق
البيانات بيانات مساعدة على الفهم استخرا
المساعدة على الفهم واإلنجاز؛
فاإلنجاز؛
...يستخر من األسناد
...قراءة السياق أو يقرأ بيانات مساعدة على الفهم
السياق من أجل استخرا واإلنجاز؛
البيانات المساعدة على
...يحدد بعباراته المهمة
الفهم واإلنجاز؛
المطلوبة؛
...يحث على استثمار
بعباراته ...يحدد
األسناد قصد استخرا
اإلنتا مواصفات
البيانات المساعدة على
المنت ر.
- 354وزارة التربية الوطنية :دليل اإلدماج ،المستوى الثالث من التعليم االبتدائي ،ص.6:
387
الفهم واإلنجاز؛
...يحث على قراءة
التعليمات ،أو يقرأ
التعليمات من أجل فهم
ومواصفات المهمة
اإلنتا المنت ر؛
...يتحقق من أن
المتعلمين فهموا جيدا
المهمة المراد إنجازها
من خالل التعبير عن ذلك
بلغتهم وبأسلوبهم؛
...يدون على السبورة
بلغة مبسطة مواصفات
اإلنتا المنت ر.
...يعطي مهلة للتفكير ...يفكر في اإلنتا ويدون المحطة2
ر وس أقالم إن كان الفردي؛
إنع ز المهمة
قادرا على الكتابة؛
...يدعو إلى التقاسم في
...يتقاسم األفكار مع مجموعات صغر ؛
زمالئه من أجل إنجاز
...يحث على العمل
المهمة؛
الفردي؛
...ينجز العمل بمفرده.
...يمر بين المتعلمين
أنجزوا ما لتثمين
وللمساعدة على التصحية
الذاتي والفوري؛
االلتزام على ...يحث
388
بالمواصفات المنصوه
عليها في السبورة.
...حسب كثافة الفصل ... ،يقدم إنتاجه؛ المحطة3
يطلب من المتعلمين تقديم
...يقوم إنتاجه انطالقا من التحئق والمع لعة
إنتاجهم أو يختار إنتاجات
المواصفات المنصوه
تمثل مختلف األوجه
عليها ،ويحلل طريقة
المعبرة عن إنتاجات
إنجازه للوقوف على
الفصل؛
الخطأ ومصدره؛
...يحث على التحقق
زمالئه ...يقوم إنتا
إلى بالعودة الذاتي
بالعودة إلى مواصفات
اإلنتا مواصفات
اإلنتا المنت ر؛
المنت ر؛
...ينجز أنشطة العال ؛
...يحث على التحقق
الجماعي بالعودة إلى ...يطور إنتاجه أو يحل
اإلنتا وضعية.3 مواصفات
المنت ر؛
...يدلي بحكمه على
اإلنتا مطابقة
للمواصفات؛
...يدون الصعوبات التي
إلى معالجة تحتا
مركزة؛
...يعد أنشطة للمعالجة
حسب الحاجة؛
...يعالة جسب الحاجة؛
389
...يقوم أثر المعالجة
اتطوير اإلنتا /وضعية
3
390
391
المطاب الث لث تئويم الوضعي ت
اليمكن إدراك مرحلة تقويم الوضعيات إال بتعريف التقويم ،وتبيان
المعايير والم شرات ،وتحديد سبل المعالجة على النحو التالي:
الف ا األول مفهوم التئويم
التقويم هو أهم عملية إجرائية في العملية التعليمية -التعلمية؛ ألنه هو الذي
يحكم على مد تحقق الهدف أو الكفاية ،أو هو معيار إجرائي نستعين به
للتثبت من تحكم المتعلم في الكفاية المستهدفة أو األساسية أو النوعية أو
المستعرضة ،والتأكد كذلك من مد تمكنه من حصيلة الموارد والمعارف
والمهارات والدرايات التي اكتسبها بطريقة مستضمرة عبر سيرورة
التعلم.
وإذا كان التقويم التقليدي يعنى بقياس المعارف ،واالهتمام بالكم،
والتثبت من قدرات الحف واالستيعاب لد المتعلم ،فهن التقويم اإلدماجي
يهتم بتقويم القدرات الكفائية لد المتعلم ،بوضعه أمام وضعيات إشكالية
صعبة ومعقدة من أجل أن يجد لها حلوال ناجعة ،وتكون تلك الوضعيات
مستمدة من الحياة اليومية أو الواقعية أو الحياة المدرسية .ويعني هذا أن
المتعلم يتعلم الحياة عبر الحياة ذاتها .ومن هنا ،فالتقويم اإلدماجي هو
السبيل المنهجي للحكم على المتعلم المتمكن أو الكفء أو الم هل ،والحكم
أيضا على المن ومة التربوية والديدكتيكية ،وتقويم مستو التعليم في
وطننا العربي مقارنة بالتعليم في الدول الغربية أو الدول المتقدمة والنامية
.ومن هنا ،اليمكن الحديث عن التقويم اإلدماجي إال بالحديث عن
المقاربة البيداجوجية بالكفايات.
ومن باب التذكير ،يمكن الحديث عن أنوا ،عدة من التقويم ،مثل :التقويم
التشخيصي ،والتقويم القبلي ،والتقويم التكويني ،والتقويم اإلجمالي،
والتقويم اإلشهادي ،والتقويم المستمر ،والتقويم اإلعالمي ،والتقويم الذاتي.
392
وما يهمنا في هذا الموضو ،هو التوقف عند التقويم اإلدماجي الذي يرتبط
ارتباطا وثيقا بالتقويم الكفائي.
المع يي والمش ات الف ا الث ن
يهدف التقويم الكفائي إلى قياس القدرات الكفائية لمتعلم ما وفق وضعيات
معقدة ومركبة محددة .وتعمل على تقويم أو تقدير مختلف القدرات لد
المتعلم في أثناء استدماجه لموارده التعلمية بغية حل الوضعيات -
المشكالت .لذا ،يسمى هذا التقويم أيضا بالتقويم اإلدماجي .ويهدف هذا
التقويم إلى تطوير الكفايات النمائية ،وقياس قدرات المتعلمين في أثناء
حلهم للوضعيات-المشكالت.
ويستند هذا التقويم إلى مجموعة من المعايير التي نحصرها فيما يلي:
معي المال مة :مالءمة الحل للمشكل الموضو.،
معي التصحيح :يعني صحة األجوبة المقترحة في عالقتها مع
الوضعية -المشكلة .أي :أن تكون الموارد المو فة منسجمة مع
الوضعية-المشكلة ،و يكون التصحية واضحا ودقيقا ،فيه نو ،من العدالة
والمصداقية واإلنصاف والمساواة.
معي اإلتئ ن أو الكم ل :أن يكون حل الوضعية مكتمال وشامال لجميع
عناصر الوضعية -المشكلة.
معي األص لة :يتمثل في اقتراو أفكار شخصية جديدة لحل الوضعية-
المشكلة.
أما عن المبادئ األساسية لتقويم الكفايات ،فتتمثل في ترابط الوضعيات
بالسياق ،وتو يف جميع المعارف والموارد المستعرضة لحل الوضعية
المشكلة ،و االعتماد على وضعيات -مشكالت ،أو وضعيات معقدة
ومركبة وجديدة.
393
وقد يتطلب حل وضعية ما مشاركة ثنائية تجمع المتعلم وزميله في
الفصل الدراسي أو متعددة يشارك فيها بعض المتعلمين .ويستند التصحية
إلى إستراتيجيات معرفية وميتامعرفية لرصد األخطاء ومعالجتها.
وللتوضية أكثر ترتبط بيداجوجيا اإلدما بالبلجيكي روجرز كزافيي
ا ،355 Xavier Roegiersوتهدف إلى تطوير الكفايات في التعليم
االبتدائي واإلعدادي والعالي ،بهعطاء المعنى للتعلمات .ومن ثم ،فقد كان
التقويم ينصب على المعارف واإلنتا دون االهتمام بالكفايات .ومن ثم،
تساعد هذه الطريقة على النجاو والتفوق والتميز ،بتمهير المتعلم
بمجموعة من الكفايات اإلدماجية التي تسعفه في حل مشاكل الواقع.
وللتمثيل :حينما نقول من الضروري أن نحمي البيئة ،فهذا هدف عام ،ال
يمكن تقويمه بشكل من األشكال.لكن حينما نضع هذا الهدف في شكل
وضعية بالتركيز على األسباب والحلول ،يمكن الحديث آنذاك عن
وضعية مشكلة هادفة وبناءة .وبالتالي ،اليمكن أن تتعد الكفايات ثالثا
في السنة في تخصه معين ،وإذا تعدينا ذلك ،فسنلتجئ إلى التقطيع
وتجزيء المحتويات أكثر فأكثر.
و البد أن يكون التقويم عبارة عن وضعيات معقدة ومركبة من أجل
التثبت من مد تملك المتعلم للكفايات الحقيقية ،والبد أن توضع تلك
الوضعيات في سياقات واقعية حية ،بتقديم مجموعة من الصور واألسناد
والبيانات لمعالجتها .ويترتب على ذلك صدق التقويم وثباته .وهذا ما
يسمى ببيداجوجيا اإلدما ،أو المقاربة بالكفايات األساسية.
وبناء على ما سبق ،ننت ر من المتعلم إجابات أصيلة ومبدعة لحل
وضعية ما ،والبد من تقويم ما أنتجه المتعلم في ضوء مجموعة من
- ROEGIERS, X : Des situations pour intégrer les acquis.
355
394
المعايير التي يسميها روجرز م شرات التصحية ا critères de
. correctionومن ثم ،فمعيار التصحية هو ذلك الم شر الذي ينبغي
مراعاته في إنتا التلميذ ،مثل :اإلنتا الواضة الدقيق ،واإلنتا
المنسجم ،واإلنتا األصيل....إذا ،فالم شر هو وجهة ن ر من خاللها
نقوم عمال ما .فهذا أردنا أن نقوم العبا رياضيا ما ،فقد نركز على األناقة،
وجودة اللعب ،وانسجام الفريق ،واإلنتاجية.
ومن أهم م شرات التقويم المؤش األدنى ا Critère minimalوم شر
اإلتقان .فم شر األدنى هو الذي يحدد بعض الشروط لتحقيق كفاية ما،
كأن نقول بأن السباو الكفء هو الذي ال يغرق .وبالتالي ،يحاف على
توازنه .أما إذا أضفنا كفايات أخر ،مثل :السرعة ،وشدة الحركة ،
واألناقة ،واحترام القواعد ،فهننا ننتقل إلى مؤش اإلتئ ن( critère de
.)perfectionnement
والبد من التقليل من الم شرات الدنيوية وإال سنكون قساة مع المتعلمين
حينما تتضخم هذه الم شرات التقويمية .ويعني هذا أن التقويم اليبنى على
محك األخطاء ،بل يبنى على قياس الكفايات المهارية ،فليس هناك من ال
يخطئ ،وال يعقل أن يكون الخطأ هو المعيار الوحيد للتقويم .
ويمكن االستعانة ،في أثناء التقويم اإلدماجي ،بقاعدة دوكيتيل ا De
Keteleالتي تسمى بقاعدة . 3/2بمعنى أن نسبة النجاو الكفائي هو
اإلجابة عن وضعيتين من ثالث وضعيات 356.والبد من االحتكام أوال إلى
الم شر األدنى بدال من االحتكام إلى م شر اإلتقان التكميلي.
والبد أن تكون معايير م شر األدنى مستقلة عن بعضها البعض ،فال يعقل
أن تكون األسئلة مترابطة ومتتابعة ومتناسلة ،ألننا لن نكون منصفين في
356
? - DE KETELE, J.M : L'évaluation des acquis scolaires : quoi
Pourquoi ? Pour quoi ? Revue Tunisienne des Sciences de
l'Éducation, 23,1996 p. 17-36.
395
تقويمنا للمتعلمين ،بل البد أن تكون األسئلة منفصلة ومستقلة عن بعضها
البعض لكي تكون هناك ح و متوفرة أمام المتعلم .عالوة على وجود
معيار االنسجام الذي يستلزم ترابط أجزاء الموضو ،منهجيا ومنطقيا،
ومعيار المالءمة الذي يعني تال م أجوبة المتعلم مع تعليمات الوضعية
ومعطياتها ،ومعيار االستعمال السليم لتقنيات التخصه ،ومعيار االتساق
الداخلي .وبطبيعة الحال ،هذا له عالقة بالكفاية األساسية والكفاية النوعية.
وعليه ،يتضمن اختبار التقويم ثالثة شروط هي:
أن يتالءم التقويم مع الكفايات المطلوبة تقويمها.
أن تكون الكفايات دالة ومحفزة على العمل.
أن تنصب الكفايات على قيم إيجابية كالمواطنة وحماية البيئة مثال.357
كما يبنى االختبار اإلدماجي عبر مجموعة من المحطات على النحو
التالي:
تحديد الكفايات التي ينبغي تقويمها.
بناء وضعية أو وضعيتين جديدتين مالئمتين للكفاية.
وضع معايير التقويم المستقلة بشكل واضة ودقيق في ضوء قاعدة /2
.3
كتابة األسناد والتعليمات لكي تكون المهمة التي ينبغي إنجازها من قبل
المتعلم واضحة.
تحديد م شرات التصحية التي سيعتمد عليها المدرس حين تصحية
ورقة االختبار.
357
-ROEGIERS, X. : Des situations pour intégrer les acquis.
Bruxelles : De Boeck Université, 2003.
396
وضع شبكة التصحية.
وعليه ،فمن األفضل واألجد االكتفاء بوضعية واحدة أو وضعيتين على
األقل ،وعدم تقسيم التعليمات إلى أسئلة فرعية جزئية متعددة ،يجعل
المتعلم أمام صعوبات معرفية ومنهجية؛ بسبب تعدد األسئلة التي قد تكون
متشابهة وتابعة للتعليمة األولى أو الثانية أو الثالثة .بمعنى بناء أسئلة
مستقلة هادفة وناجعة .والبد من تجذير الوضعية داخل سياقها التداولي،
وتكون وضعية جديدة ،ويكون اإلنتا أصيال .كما يجب االبتعاد عن
نصوه ووثائق وأسناد معروفة ،فالبد أن تكون جديدة وموضوعة ضمن
سياق جديد.
وتقوم الم شرات بدور هام في توفير تصحية عادل ومنصف ،فقد يكون
م شرا كيفيا ،كأن نطالب المتعلم بتو يف أفعال أو صفات أو أحوال أو
تشابيه أو استعارات في وصفه ،وقد يكون م شرا كميا ،حينما نطالب
المتعلم على مستو التركيب بتو يف ثلثي من الجمل صحيحة لكي ينال
.3 / 2
وعليه ،فللتقويم الخاضع للمعايير والم شرات فوائد مهمة -حسب
روجرز -هي:358
تكون النئط ع دلة .بمعنى أن التقويم ينصب -هنا -على الكفايات.
ومن ثم ،فكثير من الراسبين في التربة التقليدية قد يكونوا ناجحين ،وكم
من ناجة يستحق اإلخفاق في الن رية الجديدة ،مادام الهدف هو التركيز
على الكفايات والقدرات المهارية ،وليس على المعلومات وكثرة
المعارف.
Université, 2004.
397
تثمين النئط اإليع بية ،بتقويم العناصر األساسية ،وإ هار مواطن
القوة والعناصر اإليجابية في إنتاجات المتعلمين.
تحديد هوية التاميذ الذي يستحق النع ح أو اإلخف ق.
وعليه ،البد من تخفيض م شرات التقويم لتحقيق مدرسة النجاو واألمل
واإلنصاف والمساواة .فكلما زادت معايير التقويم ،ضا ،التلميذ بين هذه
الم شرات .وبالتالي ،ال يستطيع التحكم في األجوبة المتعددة .لذا ،فالبد
من االكتفاء بم شرين أو ثالثة .كما يمكن االكتفاء بكفايتين أو ثالث
كفايات أساسية .وكلما أكثرنا من م شرات التقويم ،خاصة إذا كانت
م شرات تابعة وجير مستقلة ،فهننا نرتكب لما في حق المتعلم الذي
نعاقبه مرات متعددة على الخطأ نفسه .ومن األفضل كذلك أن يعرف
المتعلم معايير التقويم لكي يستأنس بها ،فيعطي كل ما لديه .و بالتالي،
يمكن أن يلتجئ إلى التقويم الذاتي.
وتأسيسا على ما سبق ،يعتمد التقويم اإلدماجي على تسطير وضعية معينة
مرتبطة بمواردها وسندها وحاملها وتعليماتها ومعاييرها وم شراتها
التقويمية .باإلضافة إلى وضع شبكات التمرير والتحقق والمعالجة والدعم
واالستدراك.
الف ا الث لث التئويم ب لمع لعة ()remédiation
تعد المعالجة الطريقة التي تدفع المتعلم إلى تحقيق النجاو الدراسي.
ويلتجئ إليها المدرس بعد االنتهاء من عملية تصحية الفروض أو
االختبارات واالمتحانات والروائز بغية تشخيه مواطن الضعف
والقوة ،بتمثل المعالجة الداخلية التربوية والديدكتيكية ،وتمثل المعالجة
الخارجية ذات الطابعين النفسي واالجتماعي .بمعنى أن المعالجة تهدف
إلى اكتشاف األخطاء ،وتشخيصها ،ووصفها ،وتقديم معالجة إجرائية
ناجعة .ومن ثم ،تستند المعالجة الديدكتيكية إلى أربع مراحل:
398
الكشف عن األخطاء.
وصف األخطاء.
البحث عن مصادر الخطه.
تهييء عدة المعالجة.
ويعني هذا أن المصحة أو المقوم يبدأ بتحديد األخطاء التي ارتكبها
المتعلم في موضوعه حسب سياقها وم انها .وبعد ذلك ،يصف األخطاء
المرصودة في اإلنتا الشخصي ،فيصنفها إلى أنوا ،،مثل :أخطاء
صوتية ،وأخطاء إمالئية ،وأخطاء صرفية ،وأخطاء داللية ،وأخطاء
تركيبية ،وأخطاء تداولية...وبالتالي ،يحدد مواطن الضعف والقوة لد
المتعلم ،بالبحث عن أسباب هذه األخطاء ،متسائال عن مصدرها :هل
ترجع إلى مصدر داخلي ديدكتيكي وتربوي أم إلى مصدر خارجي نفسي
واجتماعي؟! بمعنى البحث عن عوامل ذاتية وموضوعية.
وفي األخير ،يقترو مجموعة من اإلستراتيجيات لتجاوز هذه األخطاء
والنواقه والتعثرات التي قد ترتبط بالمدرس أو المتعلم أو بالن ام
التربوي العام .وال تتم المعالجة إال إذا تكرر الخطأ مرات عدة.أما الذي
يقوم بالمعالجة ،فقد يكون المدرس نفسه ،أو المتعلم نفسه في إطار
التصحية الذاتي ،أو تلميذ آخر ،أو قد يكون أخصائيا نفسانيا ،أو
أخصائيا اجتماعيا ،أو ملحقا إداريا أو تربويا ،وقد يلتجئ كذلك إلى
وسائل اإلعالم والسجالت الذاتية والبرام الرقمية...
ومن أهم اإلستراتيجيات في المعالجة أنه يمكن االعتماد على:
التغذية الراجعة أو الفيدباك لتصحية العملية الديدكتيكية ،وسد ثغراتها
المختلفة والمتنوعة ،وتفادي نواقصها وعيوبها ،سواء أقام بتلك التغذية
الراجعة المدرس أم التلميذ نفسه اعتمادا على أدلة التصحية.
399
المعالجة بالتكرار أو بالعمليات التكميلية.أي :بمراجعة المكتسبات
السابقة ،وإضافة تمارين تكميلية مساعدة للتقوية وتثبيت المعارف
والقواعد األساسية.
تمثل منهجيات تعلمية جديدة ،كمنهجية اإلدما ،ومنهجية
االستكشاف ،واالعتماد على التعلم الذاتي ،وتمثل التعلم النسقي.
إجراء تغييرات في العوامل األساسية ،359كتوفير الحياة المدرسية
داخل الم سسة ،وإعادة توجيه المتعلم من جديد ،وتغيير فضاء المدرسة،
وخلق أجواء م سساتية ديمقراطية ،واالستعانة باألسرة أو علماء النفس
واالجتما ،والطب لتغيير العوامل السلبية التي يعيشها المتعلم في لها.
وخالصة الئول ،يتبين لنا -مما سلف ذكره -أن التقويم اإلدماجي تقويم
تربوي وديدكتيكي جديد ،جاء لتعميق مكتسبات بيداجوجيا الكفايات .ومن
هنا ،اليمكن الحديث عن التقويم اإلدماجي إال باستحضار الوضعيات
اإلدماجية بأسنادها ومعلوماتها ووثائقها وصورها وتعليماتها ومعاييرها
وم شراتها .وإذا كان التقويم الكالسيكي يعتمد على معيار اإلتقان كثيرا،
ويحاكم المتعلم على أخطائه بقسوة ،فهن التقويم اإلدماجي يهتم بمعايير
أساسية مستهدفة ،وهي :معيار المالءمة ،ومعيار االنسجام ،ومعيار
االستخدام السليم ألدوات المادة .ويعني هذا أن معيار الحد األدنى يرجة
على معيار اإلتقان والجودة .واليمكن الحديث أيضا عن المعايير إال
بالحديث عن الم شرات الكمية والكيفية التي تتحكم في تلك المعايير بنو،
من الدقة اإلجرائية.
والينحصر التقويم اإلدماجي فيما هو ن ري ،بل هو عبارة عن ممارسة
تقويمية عملية ،إذ يعتمد -إجرائيا -على دليل اإلدما الذي يتمثل في
401
الفصل الثامن:
بناء الوضعيات الديدكتيكية
402
نعني بالوضعيات الديدكتيكية تلك الوضعيات التعلمية المرتبطة بالوسط
الديدكتيكي الذي يشمل المدرس والمتعلم والمعرفة ضمن المثلث
الديكتيكي.ومن ثم ،تتضمن تلك الوضعيات الديدكتيكية مسائل في شكل
مواضيع مرتبطة بسياقاتها التربوية والدراسية .وغالبا ،ما تكون بمثابة
مشاكل وعوائق تعلمية تستلزم أن يجد لها المتعلم الحلول الكفائية والذكائية
المناسبة.ومن ثم ،تساعد الوضعيات الديدكتيكية على نماء التعلمات وبنائها
بشكل جيد ومفيد ومثمر بعيدا عن المسائل التقليدية المباشرة والمنفصلة
عن سياقاتها الواقعية والتعلمية.
403
مسيقة ومثيرة لالهتمام وحاملة لمعنى بالنسبة للتلميذ.إنها مسألة نية لكنها
360
تبقى كذلك مسألة صياغة".
ويعني هذا كله أن الوضعيات المطلوبة في بيداغوجيا اإلدماج هي تلك
الوضعيات التي تثير صعوبات وتحديات وعوائق ،وتتطلب من المتعلم أن
يدمج مختلف كفاياته وقدراته وموارده ليجد لها الحلول المناسبة .
- 360روجر كزافيي :التدريس بالكفايات ،وضعيات إلدماج المكتسبات ،ترجمة عبد الكريم
غريب ،منشورات عالم التربية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدرا ابليضاء ،المغرب ،الطبعة
األولى 2007م ،ص.19:
- 361روجر كزافيي :التدريس بالكفايات ،وضعيات إلدماج المكتسبات ،ص.12:
404
إطار مزاولة مهنة مثل مواجهة مشكلة عطب في آلة ،وفي حال التزامنا
بأجل محدد لإلنتاج .وكل هذه األمثلة تشكل وضعيات يمكن وصفها
بوضعيات طبيعية.في اإلطار المدرسي ،الوضعية المسألة هي وضعية
تطرح ما أسماه دولونجفيل وهوبير ()Delongeville et Hubert
بالزحزحة البنائية؛ وهي ليست بنائية فحسب ،بل غالبا ما يتم بناؤها أيضا
على اعتبار أن الوضعية المسألة تتموضع داخل سلسلة مخطط لها
للتعلم.وسيكون هناك على سبيل المثال عدد أقل من المعطيات المشوشة،
كما هو األمر في وضعية حياتية ،أو معطيات يتم تقديمها للتلميذ وفق
ترتيب معين لكي يحترم التدرج فيما يخص الصعوبات التي يتعين عليه
تجاوزها.
في مفهوم الوضعية المسألة ،هناك نية لدى المدرس الشتغال الوضعية
والمسألة بالنسبة لسلسلة تعلمية ؛وبعبارة أخرى ،تغطي الوضعية المسألة
األقطاب الثالثة للمثلث الديكتيكي؛ وبطريقة ما ،تمر العالقة دعامة -تلميذ
عبر المدرس الذي يلعب دور الوسيط بينهما ،فهو الذي ينتقي الدعامة أو
يبنيها ،وهو من يختار لحظة وشكل تقديمها للتلميذ تبعا للسلسلة
التعلمية.وبصيغة أخرى ،هناك سيرورة إلضفاء طابع ديدكتيكي على
المسألة"362.
إذاً ،فالوضعيات الديدكتيكية واإلدماجية والتقويمية هي التي تثير المتعلم ،
مادامت تحمل مشكال ما أو عائقا معينا.لذا ،تستلزم منه أن يتسلح بمجموعة
من الموارد والقدرات لمواجهة هذه الوضعيات بإيجاد الحلول المناسبة لها.
أقمت مدة لدى صديق لك ،فالحظت أنه يفرط في استعمال الماء ،اكتب له
بعد عودتك إلى منزلك.
413
استقطبت الموارد الطبيعية اهتمام علماء البيئة ،نظرا لدورها في حياة
الكائنات والمجتمعات ،ولقد أدرك اإلنسان أن البيئة أصبحت معرضة
للتدهور والتبذير ،ومن الموارد المهددة باالستنزاف الغابة والماء.
أحمد الحطاب :السكان والبيئة :التربية السكانية بالمغرب1991م،
.203:
التعليمات:
انطالقا من الوثيقة والصورة ،اكتب له رسالة من إحدى عشرة جملة على
األقل:
-تذكره باألضرار الناجمة عن تبذير الماء؛
-تحدثه عن منافع الماء؛
-تقدم له أربع نصائح لترشيد استعمال الماء.369
تجسد هذه الوضعية اإلدماجية الكفاية المطلوبة التي تتمثل في مدى قدرة
المتعلم على كتابة رسالة في موضوع البيئة (الحفاظ على الماء) ،بالتركيز
- 369وزارة التربية الوطنية :كراسة الوضعيات اإلدماجية ،الجزء األول ،المستوى السادس،
مطبعة المعارف الجديدة ،الرباط ،المغرب2010 ،م ،ص.11:
414
على أضرار تبذير الماء ،وذكر منافعه ،وتقديم النصائح بغية ترشيد
استعمال الماء.
المطلب الخامس :الحلــــول اإلدماجيـــة
الحلول أنواع عدة منها :الحلول المباشرة ،وحلول الحفظ ،وحلول الذكاء،
وحلول التركيب واالستنتاج ،والحلول الثقافية ،والحلول الموجهة،
والحلول المستقلة ،والحلول الفردية ،والحلول الجماعية ،والحلول الشفوية،
والحلول الكتابية ،والحلول اآلنية الفورية ،والحلول المؤجلة...بيد أن ما
يهمنا ،في هذا السياق ،هو الحلول اإلدماجية التي ترتبط ارتباطا وثيقا
بالتقويم اإلدماجي من جهة ،والوضعية اإلدماجية من جهة ثانية.
ويعني هذا أن الوضعية اإلدماجية ،بسياقها ،وأسنادها ،وتعليماتها،
ومعاييرها ،ومؤشراتها ،هي التي تستلزم الحلول المطلوبة ،انطالقا من
معايير أساسية هي :معيار المالءمة ،ومعيار االستخدام السليم لألدوات،
ومعيار االنسجام .عالوة على معايير ثانوية تتمثل في معيار الجودة
واإلتقان .ومن ثم ،يتميز الحل الحقيقي والمعتبر بتمثل هذه المعايير
التقويمية كلها ،سواء أكانت أساسية أم ثانوية ،بالجمع والتوليف بينها.
المبحث الثالث :الوضعيـــة اإلدماجية
ينبغي أن تصاي نماذج التقويم اإلدماجي في إطار وضعيات معقدة ومركبة
وفق الكفاية األساسية المراد تنميتها لدى المتعلم .واليعني هذا أن تكون
الوضعيات المقدمة للمتعلم وضعيات طبيعية أو معاشة ،بل وضعيات
أقرب إلى الواقع ،في شكل نصوص ،ووثائق ،وصور ،ومستندات،
وخطاطات توضيحية...تتطلب نوعا من المعالجة من المتعلم وفق الموارد
التي اكتسبها في حصص التعلم والتمهير والدعم والتوليف.
ومن هنا ،تنبني الوضعية اإلدماجية على مجموعة من العناصر
والمكونات األساسية التي يمكن حصرها فيما يلي:
415
المطلب األول :الوضعية -المسألة
يتضمن التقويم اإلدماجي الوضعية -المسألة التي تتكون من الوضعية من
جهة ،والمسألة من جهة أخرى.بمعنى أن الوضعية تحوي موضوعا
وسياقا .في حين ،تتوفر المسألة على عائق أو مشكل ينبغي أن نجد له حال.
وكل من وجد هذا الحل ،فهو شخص كفء أو مؤهل .370ومن ثم ،تكون
الوضعية في خدمة التعلمات الجديدة .ويعني هذا أننا نتعلم كيف نحل
المشاكل .وتذكرنا هذه الطريقة ببيداغوجيا حل المشكالت .ومن هنا،
فالوضعية المسألة هي" وضعية تضع عائقا معينا تبعا لسلسلة من
التعلمات ،مثل :الوضعية المسألة التي تقتضي إنشاء مجسم للمدرسة،
باستعمال مواد معينة ،بهدف تقديم المدرسة في إطار معرض.
الوضعية المسألة التي تقتضي إيجاد اإلجراءات التي يتعين اتخاذها في
مواجهة مشكلة بيئية مطروحة.
الوضعية المسألة التي تقتضي شرح بنية اجتماعية تتسم بطابع الصراع
اعتمادا على وقائع تاريخية سابقة"371.
ويمكن الحديث عن أنواع عدة من الوضعيات ،فهناك وضعيات حياتية،
ووضعيات طبيعية ،ووضعيات مهنية ،ووضعيات تكوينية ،ووضعيات
تعلمية أو بنائية ،ووضعيات إدماجية ،ووضعيات تقويمية .وفي هذا يقول،
كزافيي ":الوضعية المسألة ،بشكل عام ،هي وضعية تجيب عن إشكال
مطروح .وفي الحياة اليومية ،تملى الوضعيات المسائل من قبل األحداث
التي يواجهها كل شخص يوميا؛ كما هو الشأن بالنسبة للوضعية المسألة
التي تتعلق بتوليف مواعيد عدة ،والوضعية المسألة التي تتعلق بضياع
423
لعب الفينيقيون دورا هاما في الميدان التجاري في كل من حوض
البحر المتوسط والساحل األطلسي في المغرب ...وأدخلوا الكتابة
األبجدية.
الوثيقة 2
التعليمات:
انطالقا من الصورة والنص ومادرسته في التاريخ وفي التربية على
المواطنة:
حدثه عن هذه المعلمة التاريخية؛
اقترح عليه خطة لحمايتها؛
424
حدثه عن تأثير الفينيقيين في سكان المغرب.380
يتحدث سياق هذه الوضعية اإلدماجية عن مشاركة سياحية لعزيز حيال
الموقع األثري الروماني بوليلي ،في إطار األنشطة الجمعوية .لذا ،قرر
البحث عن معلومات تتعلق بهذه المدينة .ومن ثم ،فقد كانت الوثيقتان في
خدمة عزيز للتعرف إلى مدينة وليلي سياحيا وتاريخيا.
الفرع الثاني :المعلومـــــات
المعلومات هي معطيات الوضعية ومواردها األساسية .بمعنى أن
المعلومات هي بمثابة محتويات ومضامين يغلف بها السياق ،ويعضد
دالليا .وغالبا ،ماتكون المعلومات هي عناصر للسياق ،مثل :الذوات
الحاضرة في السياق ،والمعطيات الزمانية والمكانية ،والوثائق،
والنصوص ،والخبرات التي يتضمنها النص السياقي .وفي هذا ،يقول
كسافيي":وأحيانا ،تكون الحدود دقيقة جدا على مستوى التمييز بين
المعطيات (المعلومات) وعناصر السياق؛ حيث يمكن أال يكون لتحديد
المكان والتاريخ أي تأثير في بعض الحاالت ،ونعتبره عنصر سياق؛ وفي
حاالت أخرى ،يمكن أن يكون له تأثير ،لدرجة أنه يعتبر معطى .فمن
الصعب جدا إرساء هذه الحدود ،لدرجة أن بعض المعطيات تكون في
الوقت نفسه عناصر السياق"381.
ويعني هذا أن المعلومة عبارة عن معطيات من شأنها أن تتدخل في حل
وضعية معينة.ويمكن أن تكون المعلومة تامة أو ناقصة من جهة ،أو تكون
مالئمة أو مشوهة من جهة أخرى .وغالبا ،ما تكون المعلومة متضمنة في
الوثائق التي يعرضها السند .وبصفة عامة ،تتواجد المعلومة في الوضعية،
إال أنه قد يحدث أن تدعو المتعلم إلى البحث بنفسه عن المعلومات المالئمة
من أجل حل الوضعية.
- 380وزارة التربية الوطنية :كراسة الوضعيات اإلدماجية ،ص.27:
- 381كسافيي روجييرز :نفسه ،ص.89:
425
وتتخذ معلومات السياق عدة مظاهر ،كأن تكون عناصر رسم يتعين
مالحظته ،أو مقدار عددي يتعين استعماله ،أو مادة ينبغي استعمالها لصنع
شيء معين ،أو تفاصيل واردة في وثيقة يتعين تحليلها ،أو كلمات ينبغي
توظيفها في إنتاج معين...
وترد المعلومات في أشكال عدة ،كأن ترد في شكل أدبي (سردي
وحكائي) ،أو في شكل تصميم أو خطاطة ،أو في شكل وثائق يتعين
تحليلها...ويمكن أن تتواجد المعلومات والمعطيات السياقية في ملفوظ
الوضعية أو على خالف ذلك ،ويمكن أن تبرز مجتمعة وشاملة ( حالة
نص سردي) ،أو منفصلة بطريقة مقطعية( حالة الوثائق) .وقد تمتزج
المعلومات والمعطيات بالسياق أو تتميز عنه .وقد تكون المعلومات رقمية
(التوفر على أعداد أو أرقام) أو غير رقمية ،وقد تكون حقيقية (معقولة)
أو خيالية ،وقد تكون فردية (موجهة إلى فرد واحد) أو جماعية( موجهة
إلى جماعة الفصل) ،وقد تكون ثابتة أو قابلة للتكيف (تكييفها مع السياق
البيئي أو الواقعي الذي يوجد فيه المتعلم).
وقد تكون المعلومات والمعطيات موجودة داخل الوضعية .وفي حاالت
أخرى ،ينبغي للمتعلم أن يبحث عنها في أماكن أخرى ،مثل :األنترنت،
والكتب ،وبنك المعلومات...وهناك معطيات مساعدة أو معطيات مشوشة
غير مالئمة التتدخل في حل المسألة ،ولكن يمكن أن تكون معطى
ضروريا لحل المسألة .وثمة معطيات أو معلومات ينبغي تحويلها قبل
استعمالها أو توظيفها أو استعمالها ،مثل :تحويل اللترات إلى أمتار مكعبة
في الرياضيات -مثال.-
الفرع الثالث :الوظيفــــــة
تثير الوظيفة الهدف الذي يتحقق اإلنتاج من أجله.أي :يجيب مفهوم
الوظيفة على السؤال التالي :ماذا نستهدف بالوضعية؟ ولم تصلح هذه
426
الوضعية؟ وما وظيفتها اإلجرائية؟ وما المفروض الذي ينبغي أن تجيب
عنه الوضعية؟ وما هي وظيفتها البيداغوجية؟
ومن هنا ،فالوظيفة اإلجرائية للوضعية هي الحاجة التي يفترض أن
تستجيب لها الوضعية .لذا ،فالوضعية" بإمكانها أن تأخذ طابعا إجرائيا
أوال ،فإن لها وظيفة بيداغوجية ،تخدم التعلمات بطريقة خاصة.ويمكن
القول :إن بإمكان وضعية مسألة معينة أن تلعب بشكل أساسي ثالث
وظائف بيداغوجية " ، 382وهي :وظيفة ديدكتيكية لتعلمات مضبوطة،
ووظيفة إدماجية ،ووظيفة تقييمية.
وغالبا ،ماتكون الوظيفة ضمنية ،إال أنه بإمكانها أن تبرز بشكل صريح
وواضح وبارز.
المطلب الثالث :التعليمــــات
التعليمات( )Consignesهي مجموعة من التعليمات واألسئلة التي تعطى
للمتعلم قصد التقيد بها في أثناء معالجة الوضعية اإلدماجية ،ولكن بشكل
صريح وواضح ،انطالقا من األسناد المعروضة (سياق ،ومعلومة،
ووظيفة)؛ " إنها تترجم البيئة البيداغوجية المستهدفة من خالل استغالل
383
الوضعية".
وعليه ،فان التعليمة بمثابة مهمة ينبغي أن يقوم بها المتعلم ،وقد تكون هذه
المهمة تحرير نص ،أو إنجاز سيناريو ،أو إيجاد حل لمسألة أو مشكلة ما،
أو إبداء اقتراحات ،أو إنتاج عمل أصيل...
427
وعموما ،تكون التعليمة صريحة إال أنها يمكن أن تكون في بعض الحاالت
ضمنية؛ ألنها تفرض نفسها من ذاتها.384
إذاً ،تتعلق التعليمة بالمهمة .أي :بما نريد أن يكتسبه المتعلم بنفسه .وهي
بمثابة أداء وإنجاز وتنفيذ وترجمة ما اكتسبه المتعلم من موارد في أرض
الواقع .وفي هذا ،يقول كسافيي ":إن هذه المهمة ليست صريحة
بالضرورة؛ بل ينبغي أحيانا البدء بولوج الوضعية لتحديد المهمة المراد
إنجازها .أي :لوضع تقرير لما ينتظر من التلميذ .ففي أغلب األحيان،
تكون التعليمة هي التي تعكس بشكل جيد نوع المهمة المنتظرة .وتبعا
للحاالت ،يمكن التعبير عن المهمة بالمفاهيم التالية:
حل المسائل؛
إبداع جديد؛
إنجاز مهمة معتادة؛
اقتراح عمل؛
385
اختيار جواب من اختيار متعدد ،مثال".
وللتمثيل:386
432
معيار االنسجام ،والمقصود بذلك استعمال خطة منطقية التناقض فيها،
والتوصل إلى نتائج معقولة النتائج ،والحفاظ على تسلسل في األقوال
والكتابة ،وتوظيف للروابط المنطقية بشكل جيد؛
معيار اإلتقان أو الكمال أو الجودة .بمعنى أن يكون حل الوضعية
مكتمال وشامال لجميع عناصر الوضعية -المشكلة .كأن يتميز العمل
بأصالة اإلنتاج ،وجودة العرض ،ومقروئية الخط ،والتنظيم الجيد للورقة...
التعاريـــــــف المعاييــــــر
435
المطلب الخامس :قاعدة 3/2
ترتبط قاعدة 3/2بدوكتيل( ، 387)De Keteleوفحواها أن التلميذ لن
يكون مؤهال وناجحا إال إذا أجاب عن وضعيتين مستقلتين من ثالث،
باحترام معيار الحد األدنى في اإلنتاج .ومن ثم ،البد من تقديم ثالث
فرص مستقلة للتحقق من المعيار .والتثبت كفاءة المتعلم إال في فرصتين
على ثالث .ومن هنا ،البد أن يتوفر نموذج التقويم المقدم للمتعلم على
ثالث وضعيات -مشكالت لحلها في الرياضيات أو في أية وحدة دراسية
أخرى ،أو تقديم وضعية واحدة بثالث تعلميات مستقلة ومختلفة ،كتكوين
ثالث جمل في اللغة العربية بالنسبة للتلميذ المبتدىء.
387
? - DE KETELE, J.M. L'évaluation des acquis scolaires : quoi
Pourquoi ? Pour quoi ?, Revue Tunisienne des Sciences de
l'Éducation, 23,1996, p. 17-36.
436
وعليه ،تعني قاعدة دوكيتيل ( )De Keteleالتي تسمى بقاعدة 3/2أن
388
نسبة النجاح الكفائي هو اإلجابة عن وضعيتين من ثالث وضعيات.
والبد من االحتكام أوال إلى معيار الحد األدنى بدل االحتكام إلى معيار
اإلتقان التكميلي.
المطلب السادس :قاعدة 4/3
الينبغي أن نرجح كفة معيار اإلتقان ،بأي حال من األحوال ،على معيار
الحد األدنى الذي يتمثل في معيار المالءمة ،ومعيار االنسجام ،ومعيار
االستخدام السليم ألدوات المادة؛ ألن السبب في فشل المتعلم وتعثره يعود
إلى اهتمام المدرس المقوم بمعايير اإلتقان بدل معيار الحد األدنى .كما
ينبغي التقليص من مؤشرات معايير اإلتقان .فالرسوب الواهم يعود إلى
ترجيح كفة معيار اإلتقان على معيار الحد األدنى عند الكثير من المدرسين
التقليديين.لذا ،قدم دوكيتيل قاعدة ¾ ليبين لنا أن معيار اإلتقان الينبغي أن
يتعدى الثلث من مجموع النقط.389
الورقة 1
الورقة 2
388
? - DE KETELE, J.M. L'évaluation des acquis scolaires : quoi
Pourquoi ? Pour quoi ? P. 17-36.
389
? -DE KETELE, J.M. L'évaluation des acquis scolaires : quoi
Pourquoi ? Pour quoi, p. 17-36.
437
الورقة 3
الورقة 4
الورقة 5
الورقة 6
الورقة 7
الورقة 8
الورقة 9
الورقة 10
440
اإلدماجية ،بفهم هذه الوضعية ،ومعرفة المهام ،وإنجاز المطلوب وفق
مواصفات اإلنتاج المنتظر.
ويقصد ببطاقة تمرير وضعية أو بطاقة استثمار تلك البطاقة التي تتضمن
توضيحات وتفسيرات تشرح للمتعلم كيفية تمرير الوضعية ،وسبل
استثمارها .وأكثر من هذا ،فهي خارطة طريق منهجية يرافق بها األستاذ
التالميذ في مختلف مراحل إنجاز الوضعيات.
يقصد بشبكة التحقق تلك الشبكة التي تستعمل للتثبت من مدى تحقق
المعايير في إطار التقويم الذاتي .ويستعملها المتعلم للتأكد من مدى احترامه
للتعليمات والمعايير المطلوبة ،كأن يقارن إنتاجه بتلك المعايير التي تذيلت
بها الوضعية اإلدماجية.
و تدخل شبكة التحقق ضمن التقويم الذاتي ( )autoévaluationالذي
يقصد به أن يصحح المتعلم أخطاءه بنفسه ،اعتمادا على مجموعة من
المؤشرات ومعايير التصحيح الواضحة والدقيقة والبسيطة .ومن ثم،
يساعد هذا التقويم المتعلم على تنظيم التعلمات وفق بيداغوجيا كفائية
إدماجية.
وتستعمل شبكة التحقق ،أو شبكة التقويم الذاتي ،من قبل المتعلم لقياس
درجة نمو الكفاية المرصودة ،ومدى التحكم فيها .وترتكز هذه الشبكة
القائمة على التحقق من صحة المعلومات ،والتثبت من الحلول المقترحة
لمعالجة الوضعية المعطاة .كما يستعملها المدرس للتثبت من مدى تمكن
المتعلم من الكفاية المستهدفة.
441
وتتضمن شبكة التحقق مجموعة من المعطيات على الوجه التالي:
المعايير :معيار المالءمة ،ومعيار االستخدام السليم ألدوات المادة،
ومعيار انسجام اإلنتاج ،ومعيار اإلتقان ،أو جودة عرض اإلنتاج.
الم شرات :تتفرع المعايير إلى مجموعة من المؤشرات الكمية
والكيفية التي تساعد المتعلم على التقويم الذاتي بطريقة صحيحة
وموضوعية.
أما عن أدوار شبكة التحقق وأهدافها ،فتتمثل في ما يلي:
تمكن المتعلم بمقارنة إنتاجه بماهو مطلوب (معيار المالءمة)؛
تسهم في التحقق من مدى اكتساب المتعلم للكفاية األساسية ؛
مساعدته على التعلم الذاتي؛
مشاركة المدرس للمتعلم في التقويم الذاتي ،والتعرف إلى معايير
الوضعية اإلدماجية ومؤشراتها التقويمية؛
التعرف إلى جوانب الضعف والقوة في العمل المنجز؛
الكشف الذاتي عن األخطاء والنواقص والتعثرات؛
التعود على التصحيح الذاتي في ضوء فلسفة التعلم الذاتي؛
التغذية الراجعة بإعادة النظر في المعارف ،وترتيب المعلومات ،
وتوظيف الموارد المكتسبة بطريقة تخدم الكفاية األساسية؛
مرافقة المتعلم قصد اجتناب األخطاء الناجمة عن السهو والتسرع؛
استغاللها قبل اإلنجاز للتعاقد مع المتعلم بشأن مواصفات اإلنتاج
المنتظر ،واستعمالها بعد اإلنجاز والتصحيح بهدف التقويم الذاتي والتقويم
المتبادل.
442
نموذج أول من نماذج شبكة التحقق
المادة.....:اسم التلميذ..........:المستوى......:المرحلة..:
خاص باألستاذ خاص بالمتعلم
التحكم األدنى المعيار : 1المالءمة
أتحقق..........
•إذا ..............
•إذا ..............
•إذا ..............
مالحظة 3 :مؤشرات أساسية قي كل وضعية
التحكم األدنى المعيار : 2االستعمال السليم ألدوات المادة
أتحقق..........
•إذا ..............
•إذا ..............
•إذا ..............
مالحظة 3 :مؤشرات أساسية قي كل وضعية
التحكم األدنى المعيار : 3االنسجام
أتحقق..........
•إذا ..............
•إذا ..............
•إذا ..............
443
مالحظة 3 :مؤشرات أساسية قي كل وضعية
المعيار : 4اإلتقان
أتحقق..........
•إذا ..............
444
أخطارا منطقية واقعية لإلنقطاع عن الدراسة.
ً ذكرتُ
قدمت حج ًجا منطقية للعودة إلى الدراسة.
استعملت أدوات الربط.
المعـــــــــــــاييــــــــــــــــــــــــــــــر
االستعمال السليم
االنسجام المالءمة
اإلتقان للموارد
مج. مج .ت ت ت مج .ت ت ت ت ت ت أسماء المتعلمين
448
معيار اإلتقان معايير الحد األدنى
المعيار 4 المعيار 3 المعيار 2 المعيار 1
تقديم الورقة االنسجام االستعمال السليم المالءمة
ألدوات المادة
1/0 3/0 3/0
3/0
الورقة 1
الورقة 2
الورقة 3
الورقة 4
الورقة 5
الورقة 6
الورقة 7
الورقة 8
الورقة 9
الورقة
10
تصحيح اإلنشاء
449
سلـم التنقيـط تعريفـه المعيـار
3نقط عدد األسطر التي يتكون منها منتوج من 8أسطر إلى 12سطرا ماعدا ذلك الحجم
0نقطة ملحوظة :السطر يعني أربع كلمات فما فوق إال إذا التلميذ
كانت كلمة واحدة أو كلمتان أو ثالث كلمات كافية
لتشكيل جملة حوارية
6نقط مالءمة تامة (حضور العناصر الثالثة) مالءمة المكتوب للمطلوب : المالءمة
3نقط وضوح الخط بغض النظر عن ارتباط 3كلمات غير مقروءة على األكثر المقروئية
0نقطة أكثر من 3كلمات غير مقروءة المحتوى بالمطلوب
6نقط 4أخطاء على األكثر كيفما كان نوع الخطأ تراعى المؤشرات اآلتية : اللغة
األخطاء اللغوية ،األخطاء
3نقط ما بين 5أخطاء و 7أخطاء
النحوية ،األخطاء اإلمالئية،
0نقطة ما فوق 7أخطاء األخطاء الصرفية ،األخطاء
التركيبية ،األخطاء التعبيرية
3نقط االستعمال الخاطئ لعالمات الترقيم 3مرات على استعمال عالمات الترقيم عالمات الترقيم
األكثر استعماال سليما
استعمال عالمات الترقيم استعماال خاطئا ،أكثر من
3مرات أو عدم استعمالها إطالقا
0نقطة
450
اعتمادا على مجموعة من المؤشرات الكيفية (الحجم المحدد ،وجودة
المقروئية ،وسالمة اللغة ،وتوظيف عالمات الترقيم ،والترتيب،
والمالءمة ،ونمط الكتابة المستخدمة ،)...والمؤشرات الكمية (سلم
التنقيط) .ويمكن للمدرس والمتعلم معا أن يستعينا بشبكة التصحيح بغية
تقويم اإلنتاج كما وكيفا.
بالمعالجة
اللمالحظة
المستهدفون
المستهدفون
المستهدفون
بالمعالجة
النقطة
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
454
الخاتمة
وهكذا ،نخلص إلى أن الديدكتيك علم يهتم بطرائق التدريس وفق مقاربة
عامة أو خاصة .وله عالقة وثيقة بالبيداغوجيا ،وعلم النفس ،وعلم
االجتماع ،واللسانيات ،والفلسفة ،واإلعالميات ،وعلم التدبير... ،
ويتضمن الديدكتيك مجموعة من المفاهيم الرئيسة التي تساعد الباحث
التربوي على استيعاب محتويات التربية الخاصة ،واكتساب مضامينها
المختلفة .ومن ثم ،يقوم التعلم على مفهوم التمثالت الديدكتيكية التي تسهم
في بناء تعلمات المتعلمين ،ومجابهة الوضعيات اإلدماجية من أجل إيجاد
الحلول المناسبة لتلك الوضعيات المعقدة والمركبة.
وال يتحقق التعلم النموذجي والتربوي السليم إال في إطار المثلث
البيداغوجي القائم على التفاعل النسقي والبنيوي بين المدرس والمتعلم
والمعرفة .ومن جهة أخرى ،اليكون الدرس درسا هادفا وكفائيا مثمرا إال
في سياق التعاقد الديدكتيكي التفاوضي والتشاركي بين المدرس والمتعلم،
مع مراعاة الصراع السوسيو -معرفي.
أما التعلم ،فهو القدرة على االكتساب والمران والتدريب ،والقدرة على
تحصيل المعارف والمعلومات والقيم والمهارات .وللتعلم عالقة وطيدة
بالذكاء ،مادام التعلم هو نتاج القدرات الذكائية ،ونتاج مجموعة من
الملكات الفطرية التي يمتلكها اإلنسان .في حين ،يعد التعلم نتيجة طبيعية
لذلك الذكاء.
ومن ناحية أخرى ،يستند الديدكتيك إلى تقطيع الدروس والوحدات
التعلمية إلى ثالثة مقاطع وظيفية ،تتمثل في المقطع التمهيدي ،والمقطع
الوسطي،والمقطع النهائي .ويشكل هذا كله ما يسمى بالسيناريو
البيداغوجي الذي يتالءم مع نموذج ديدكتيكي أو بيداغوجي معين.
455
وفي األخير ،يمكن الحديث عن نماذج بيداغوجية وتربوية وديدكتيكية
متنوعة ،يمكن حصرها فيما يلي:
النموذج الديدكتيكي التلقيني كما في المدرسة التقليدية؛
النموذج الديدكتيكي الحواري كما في التربية الحديثة؛
النموذج الديدكتيكي الهادف القائم على بيداغوجيا األهداف؛
النموذج الديدكتيكي الكفائي القائم على المقاربة بالكفايات؛
النموذج الديدكتيكي الهربارتي القائم على التمهيد ،وبناء الدرس،
والربط المنطقي بين مراحل الدرس ،واالستنتاج ،والتطبيق؛
النموذج اإلدماجي القائم على تنفيذ الوضعيات اإلدماجية؛
النموذج الديدكتيكي التنشيطي القائم على التنشيط الفردي والجماعي؛
النموذج الديدكتيكي اإلبداعي الذي يهدف إلى جعل المتعلم مبدعا في
أسرته ومدرسته ومجتمعه؛
النموذج الديدكتيكي الملكاتي القائم على الذكاءات المتعددة؛
النموذج الديدكتيكي الترابطي( )Connectivitéالقائم على توظيف
اإلعالميات الرقمية في التدريس.
وإذا كان المنهاج التربوي مرتبطا بفلسفة الدولة ،والبرنامج مرتبطا
بطريقة التدريس ،فإن المقرر عبارة عن عناوين منفصلة لمحتويات
ووحدات ومكونات دراسية .أما الكتاب المدرسي ،فهو مجرد وعاء يحوي
النصوص والخبرات والمحتويات التي ينص عليها المنهاج الدراسي.
وإذا كانت الوحدات هي دروس ومقاطع ومحاور وتيمات دراسية ،فإن
المجزوءات عبارة عن مراحل كفائية وإدماجية .
456
وفيما يخص المقاربة بالكفايات ،فهي مقاربة تربوية وديدكتيكية جديدة،
تعنى بآليات التأهيل والتمهير والتكوين ،بامتالك المتعلم لقدرات ومعارف
ودرايات وإتقانات يستضمرها بشكل إدماجي بغية توظيفها واستثمارها في
أثناء مواجهة الوضعيات -المشكالت ،والسيما المعقدة والمركبة والصعبة
منها .ومن هنا ،فالكفاية هي قدرة المتعلم على توظيف محتويات المقرر
في سياقات إدماجية إشكالية .ومن ثم ،فالكفايات أنواع :كفاية أساسية،
وكفاية نوعية ،وكفاية مستعرضة...وترتبط هذه الكفايات بسياق المشكلة أو
سياق المسألة.
بيد أن األهداف عبارة عن غايات ومرامي وأغراض ،يصبو إليها
المدرس وفق مخططاته الديدكتيكية بغية التحقق من مدى نجاح الهدف
المرسوم في بداية الدرس.
وفيما يتعلق بالوضعيات ،فهناك الوضعيات الديدكتيكية ،والوضعيات غير
الديدكتيكية ،والوضعيات اإلدماجية ،والوضعيات التقويمية .وتخضع هذه
الوضعيات لثالث مراحل ديدكتيكية رئيسة هي :التخطيط ،والتدبير،
والتقويم.
وتبنى الوضعيات الديكتيكية باستحضار الوضعيات اإلدماجية بأسنادها،
ومعلوماتها ،ووثائقها ،وصورها ،وتعليماتها ،ومعاييرها ،ومؤشراتها.
وإذا كان التقويم الكالسيكي يعتمد على معيار اإلتقان كثيرا ،ويحاكم
المتعلم على أخطائه بقسوة ،فإن التقويم اإلدماجي يهتم بمعايير أساسية
مستهدفة ،وهي :معيار المالءمة ،ومعيار االنسجام ،ومعيار االستخدام
السليم ألدوات المادة .ويعني هذا أن معيار الحد األدنى يرجح على معيار
اإلتقان والجودة .واليمكن الحديث أيضا عن المعايير إال بالحديث عن
المؤشرات الكمية والكيفية التي تتحكم في تلك المعايير بنوع من الدقة
اإلجرائية.
457
ثبت المصادر والمراجع
المعاجم:
-1إبراهيم مصطفى ،وأحمد حسن الزيات ،وحامد عبد القادر ،ومحمد
النجار :المعجم الوسيط،دار النشر :دار الدعوة ،تحقيق :مجمع اللغة
العربية.
-2ابن منظور :لسان العرب ،دار صبح بيروت ،لبنان /وأديسوفت ،الدار
البيضاء ،المغرب /الطبعة األولى سنة 2006م.
-3أحمد أوزي :المعجم الموسوعي لعلوم التربية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار
البيضاء ،الطبعة األولى سنة 2006م.
-4عبد الكريم غريب :المنهل التربوي ،الجزء الثاني ،منشورات عالم
التربية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،المغرب ،الطبعة األولى
سنة 2006م.
458
-8أحمد عزت راجح:أصول علم النفس ،المكتب المصري الحديث،
اإلسكندرية ،مصر ،الطبعة الثامنة 1970م.
-9أنتوني غدنز :علم االجتماع ،ترجمة فايز الصياي ،مركز دراسات
الوحدة العربية ،بيروت ،لبنان ،الطبعة الرابعة2005 ،م.
-10بدر محمد العدل :فعالية برنامج قائم على نظرية الذكاءات
المتعددة،جامعة المنصورة ،مصر ،كلية التربية2006م.
-11بول موي :المنطق وفلسفة العلوم ،ترجمة :فؤاد حسن زكريا ،دار
نهضة مصر ،القاهرة ،د.ت.
-12بيداغوجيا اإلدماج ،ترجمة :لحسن بوتكالي ،منشورات مجلة علوم
التربية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،المغرب ،الطبعة الثانية،
2009م.
-13بيير ديشي :تخطيط الدرس لتنمية الكفايات ،ترجمة :عبد الكريم
غريب ،منشورات عالم التربية ،مطبعة دارالنجاح الجديدة ،الدار البيضاء،
الطبعة األولى2003 ،م.
-14التومي عبد الرحمن وملوك محمد :المقاربة بالكفايات :بناء المناهج
وتخطيط التعلمات ،مطبوعات الهالل ،وجدة ،المغرب ،طبعة 2006م.
-15التومي عبد الرحمن :الجامع في ديدكتيك اللغة العربية ،مطبعة
المعارف ،الرباط ،المغرب ،الطبعة الثانية سنة 2016م.
-16جابر عبد الحميد جابر :الذكاءات المتعددة والفهم :تنمية وتعميق،
دار الفكر العربى للطباعة والنشر2003م.
-17الحسن اللحية :بيداغوجيا اإلدماج ،منشورات المعرفة ،الرباط،
المغرب ،الطبعة األولى سنة 2010م.
459
-18حسن الورياغلي :المصنفات السينمائية بين المقتضيات الفنية
والضوابط القانونية ،سليكي إخوان ،طنجة ،ط2005 ، 1م.
-19حمدان ممدوح إبراهيم الشامي :أثر برنامج تعليمى قائم على نظرية
الذكاءات المتعددة فى تحصيل الرياضيات لدى تالميذ الحلقة الثانية من
التعليم األساسى المنخفضين تحصيليا ،جامعة القاهرة -كلية التربية.
.2007
-20روجير كزافيي :التدريس بالكفايات ،وضعيات إلدماج المكتسبات،
ترجمة عبد الكريم غريب ،منشورات عالم التربية ،مطبعة النجاح الجديدة،
الدار البيضاء ،المغرب ،الطبعة األولى 2007م.
-21روجير كزافيي :بيداغوجيا اإلدماج ،ترجمة نصر الدين الحافي
وحماني أقفلي ،مكتبة المدارس ،الدار البيضاء ،المغرب ،الطبعة األولى
سنة 2011م.
-22سالم سليمان حمد الجعافرة :العالقة بين الذكاءات المتعددة لدى
الطلبة المعاقين سمعيا ومتغيرات درجة اإلعاقة والجنس والعمر،
الجامعة االردنية ،األردن ،الطبعة األولى سنة 1983م.
-23السيد علي أحمد :نظرية الذكاءات المتعددة وتطبيقاتها في مجاالت
صعوبات التعلم (رؤية مستقبلية) ،جامعة الملك سعود ،الرياض،
2005م.
-24عبد العزيز القوصي :علم النفس :أسسه وتطبيقاته التربوية ،مكتبة
النهضة المصرية ،القاهرة ،مصر ،طبعة 1978م.
-25عبد الكريم غريب :بيداغوجيا اإلدماج ،نماذج وأساليب التطبيق
والتقييم ،منشورات عالم التربية ،الدار البيضاء ،المغرب ،الطبعة األولى
سنة 2010م.
460
-26عبد المجيد نشواتي ،علم النفس التربوي ،دار الفرقان للنشر
والتوزيع ،عمان ،األردن ،طبعة 1984م.
-27عبد الواحد أوالد الفقيهي :الذكاءات المتعددة :التأسيس العلمي،
منشورات مجلة علوم التربية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء،
الطبعة األولى 2012م.
-28العربي اسليماني :المعين في التربية ،المطبعة والوراقة الوطنية،
مراكش ،المغرب ،الطبعة األولى سنة 2018م.
-29غالي أحرشاو :غالي أحرشاو :الطفل بين األسرة والمدرسة ،مطبعة
النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،المغرب ،الطبعة األولى سنة 2009م.
-30فتحي مصطفى الزيات:األسس المعرفية للتكوين العقلي وتجهيز
المعلومات ،دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع ،المنصورة ،مصر،
الطبعة األولى سنة 1995م.
-31كاترين كوليو تيلين :ماكس فيبر والتاريخ ،ترجمة :جورج كتورة،
المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،بيروت ،لبنان ،الطبعة
األولى سنة 1994م.
-32مادي لحسن :األهداف والتقييم في التربية ،شركة بابل للطباعة
والنشر ،الرباط ،المغرب ،الطبعة األولى سنة 1990م.
-33محمد أمزيان :التربية المدرسية :من بيداغوجيا األهداف إلى
الدار البيضاء ،المغرب، بيداغوجيا المعرفة،مطبعة النجاح الجديدة،
1999م.
-34محمد أمزيان :الذكاءات المتعددة وتطوير الكفايات ،مطبعة النجاح
الجديدة ،الدار البيضاء ،المغرب ،الطبعة األولى سنة 2004م.
-35محمد الدريج :تحليل العملية التعليمية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار
البيضاء ،المغرب ،الطبعة األولى سنة 1983م.
461
-36محمد الدريج :التدريس الهادف ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار
البيضاء ،المغرب ،الطبعة األولى سنة 1990م.
-37محمد الدريج:الكفايات في التعليم ،منشورات سلسلة المعرفة للجميع،
الرباط ،المغرب ،شتنبر2004م.
-38محمد عبد الهادي حسين:الذكاءات المتعددة :أنواع العقول البشرية،
دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع2000،م.
-39محمد عبد الهادي حسين :مدرسة الذكاءات المتعددة ،دار العلوم
للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع 2005م.
-40محمد عبد الهادي حسين :الذكاءات المتعددة وتنمية الموهبة ،دار
العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع2006م.
-41محمد عبد الهادي حسين :ديناميكية التكيف العصبي وقة الذكاءات
المتعددة ،دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع. 2008.
-42محمد عبد الهادي حسين:التفكير االبداعى فى ضوء نظرية الذكاء
المتعلم ،دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع2008م.
-43محمد عبد الهادي حسين :دليلك العملى الى قوة سيناريوهات دروس
الذكاءات المتعددة ،دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع.
.2008
-44محمد عبد الهادي حسين :إيقاظ العبقرية داخل فصولنا الدراسية،
دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع. 2008.
-45محمد عبد الهادي حسين :الذكاءات المتعددة :مراجعات وامتحانات،
دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع2008م.
-46محمد لبيب النجيحي :مقدمة في فلسفة التربية ،دار النهضة العربي
للطباعة والنشر ،بيروت ،لبنان ،الطبعة األولى سنة1992م.
-47مصطفى محسن :مدرسة المسقبل ،سلسلة شرفات ،رقم،26 :
الرباط ،المغرب ،الطبعة األولى سنة 2009م.
-48وليد محمد أبو المعاطي :الذكاء المعرفي واالنفعالي واالجتماعي
وأساليب التعلم ،جامعة المنصورة كلية التربية2005م.
462
:المراجع األجنبية
49-A , IRRIBANE : La compétitivité, Défi Social,
Enjeu éducatif, CNRS, Paris, 1989.
50-Arsac, G., Chevallard, Y., Martinand, J.-L.,
Tiberghien, A. (dir.) (1994) La transposition didactique
à l’épreuve, Grenoble, La Pensée Sauvage Éditions.
51-Astolfi, j, p : (Placer les élèves en situation –
problème ?), dans Probio revue, 16, 4, Bruxelles :
Association des professeurs de biologie (ASBL) ,1993.
52-Bachelard: la formation de l’esprit scientifique,
ED.Vrin 1970.
536-BERTRAND, Y. Théories contemporaines de
l'éducation, Paris, Editions Nouvelles, Chronique
Sociale.1998.
54-G. BROUSSEAU(1997), Théories des situations
didactiques, Conférence de Montreal,
http://math.unipa.it/~grim/brousseau_montreal_03.pdf;[
3] G. BROUSSEAU(2000), Education et didactique
desmathématiques,http://math.unipa.it/~grim/broussea
u_didact_03.pdf
55-Brousseau G. (1998). Théorie des situations
didactiques. Grenoble, La Pensée sauvage.
463
57-Bruce Campbell, les intelligences multiples : Guide
pratique, traduit par : Danièle Bellchumeur,
Chenelière, Montréal, 1999.
58-BRUNER J. L'éducation, entrée dans la culture :
les problèmes de l'école à la lumière de la
psychologie culturelle, Paris, éd. Retz.1996.
59-Caillot, M. (1996) La théorie de la transposition
didactique est-elle transposable ?, in Raisky, C. et
Caillot, M. (dir.) Au-delà des didactiques, le didactique.
Débats autour de concepts fédérateurs, Bruxelles, De
Boeck.
60-Chevallard, Y. (1991) La transposition didactique.
Du savoir savant au savoir enseigné, Grenoble, La
Pensée Sauvage (2e édition revue et augmentée, en coll.
avec Marie-Alberte Joshua, 1re édition 1985).
61-Conne, F. (1986) La transposition didactique à
travers l’enseignement des mathématiques en première
et deuxième années de l’école primaire, Lausanne.
62-Conne/Couturier-Noverra ; (1992) Un grain de sel à
propos de la transposition didactique, Education et
Recherche, n° 1, pp. 57-71 ; Conne, F. (1996) Savoir et
connaissance dans la perspective de la transposition
didactique, in Brun, J. (dir.) Didactique des
mathématiques, Lausanne, Delachaux et Niestlé.
63-DE KETELE, J.M. L'évaluation des acquis
scolaires : quoi ? Pourquoi ? Pour quoi ?, Revue
Tunisienne des Sciences de l'Éducation, 23,.1996.
64-Denis, M. (1999). Représentation mentale. In H.
Bloch, R. Chemana, E. Depet, A. Gallo, P. Lecomte, J.-
464
F. Le Ny, J. Postel et M. Reuchlin (dir.), Grand
dictionnaire de la psychologie (p. 779-780). Paris :
Larousse-Bordas.
65-Durey, A. et Martinand, J.-L. (1994) Un analyseur
pour la transposition didactique entre pratiques de
référence et activités scolaires, in Arsac, G., Chevallard,
Y., Martinand, J.-L., Tiberghien, A. (dir.) La
transposition didactique à l’épreuve, Grenoble, La
Pensée sauvage Éditions.
66-Durkheim, Éducation et sociologie, 1922. PUF.
67-Durkheim, L’éducation morale, 1902-1903, PUF,
nouv.éd.1963.
68-Gagné R.M (1994) : les principes fondamentaux de
l’apprentissage : Application à l’enseignement, TRad
par Robert Brian et Raymond Paquin, HRW Ltés
Montréal.
69-GILLET , P : ) L’ utilisation des objectifs en
formation , contexte et évolution (, Education
permanent , Nr :85 , octobre 1986.
700-Gilly, M. (1995). Approches socio-constructives du
développement cognitif de l’enfant d’âge scolaire. In G.
Gaonach’ & C. Golder (Eds.), Manuel de Psychologie
pour l’enseignement (pp.130-167). Paris : Hachette.
71-Goldin, G.A. et Janvier, C. (1998). Representations
and the psychology of mathematics education. The
Journal of Mathematical Behavior, 17.
72-Greer, B. et Harel, G. (1998). The role of
isomorphisms in mathematical cognition. The Journal
of Mathematical Behavior, 17(1).
465
73-Howard Gardner : Les formes de l’intelligence, ED
Odel Jacob, Paris, 1997.
74-Howard Gardner : Les Intelligences multiples,
traduit par PH.Evans-Clark, M.Muracciole et
N.Weinwurzel, Retz, Paris, 1996.
75-Janvier, C. (1994). Contextualisation et
représentation dans l’utilisation des
mathématiques. In C. Garnier, N. Bednarz et I.
Ulanovskaya (dir.), Après Vygotski et Piaget :
perspectives sociale et constructiviste. Écoles russe et
occidentale (p. 129-147). Bruxelles : De Boeck.
76-Jean Houssaye, Le triangle pédagogique. Théorie
et pratiques de l'éducation scolaire, Peter Lang,
Berne, 2000 (3e Éd., 1re Éd. 1988)
77-Jean Houssaye, Le triangle pédagogique. Théorie et
pratiques de l'éducation scolaire, Peter Lang, Berne,
2000 (3e Éd., 1re Éd. 1988).
78-Joshua, S. (1996) Le concept de transposition
didactique n’est-il propre qu’au mathématiques ?, in
Raisky, C. et Caillot, M. (dir) Au-delà des didactiques,
le didactique. Débats autour de concepts fédérateurs,
Bruxelles, De Boeck.
79-Lev Vygotski : Pensée et langage (1934) (traduction
de Françoise Sève, avant-propos de Lucien Sève), suivi
de « Commentaires sur les remarques critiques de
Vygotski » de Jean Piaget, (Collection « Terrains»,
Éditions Sociales, Paris, 1985) ; Rééditions : La
Dispute, Paris, 1997.
466
80-Mager,Robert: Comment definer des objectifs
pédagogiques,Traduction G.Décote.Gauthier-Villars,
Paris, 1981.
81-Margolinas, C. (1998). Le milieu et le contrat,
concepts pour la construction et l’analyse de situations
d’enseignement. In R. Noirfalise (dir.), Analyse des
pratiques enseignantes et didactique des
mathématiques, cours, Actes de l’Université d’Été . La
Rochelle : IREM Clermont-Ferrand.
82-Moscovici S., 1961, la psychanalyse, son image et
son public. Presse Universitaire de France : Paris.
83-Mugny, G. (Ed.) (1985). Psychologie sociale du
développement cognitif. Berne: Peter Lang.
84-Oxford advanced learners, Dictionary Oxford
university press 2000.
85-Paul Robert : Le Petit Robert, Paris, éd, 1992.
86-Perrenoud, Ph. (1986) Vers une lecture sociologique
de la transposition didactique, Genève, Faculté de
psychologie et des sciences de l’éducation.
87- Perrenoud, Ph. (1990) La géographie scolaire entre
deux modèles de transposition didactique, Genève,
Faculté de psychologie et des sciences de l’éducation .
88-Perrenoud, Ph. (1992) La souris et la tortue. Deux
usages sociaux de l’informatique et leur
transposition didactique à l’école primaire, in A.
Vieke (dir.) Intégration de l’informatique en
classe, Genève, Service informatique de l’enseignement
primaire.
467
89-Perret-Clermont, A.N. (1979). La construction de
l'intelligence dans l'interaction sociale. Berne : Peter
Lang.
90-Piaget et Inhelder .B (1948) : La représentation de
l’espace chez l’enfant, P.U.F, Paris.
91-Piaget J:La psychologie de l'enfant, Que sais-je?
P.U.F, Paris, 1973.
92-Piaget, J. (1996). Le structuralisme. Paris : Presses
universitaires de France.
93-Piaget, J. La genèse du nombre chez l’enfant.
Lausanne : Delachaux et Niestlé, 1966 et 1991.
94-Piaget, La naissance de l'intelligence chez l'enfant,
Paris, Delachaux et Niestlé, 1936.
95- Piaget,La construction du réel chez l'enfant, Paris,
Delachaux et Niestlé, 1937
96-Raisky, C. (1996) Doit-on en finir avec la
transposition didactique ?, in Raisky, C. et Caillot, M.
(dir.) Au-delà des didactiques, le didactique. Débats
autour de concepts fédérateurs, Bruxelles, De Boeck.
97-ROEGIERS, X. Des situations pour intégrer les
acquis. Bruxelles : De Boeck Université.2003.
98- ROEGIERS, X : L'école et l'évaluation. Bruxelles:
De Boeck Université, 2004.
99-Roegiers, X, la pédagogie de l’intégration en bref,
Rabat, 2006.
100-Sarrazy, B. (2002). Représentation versus modèle
implicite dans l’analyse des phénomènes
d’enseignement : analyse didactique et épistémologique
des enjeux praxéologiques de cette distinction. In J.
Ardoino et G. Mialaret (dir.), L’année de la recherche
468
en sciences de l’éducation 2002. Des
représentations (p. 91-125). Vauchrétien : Presses de
La Botellerie.
101-Thomas Armstrong : les intelligences multiples
dans votre classe, traduit de l’américain par : Jean
Blaquière, Chenelière, Montréal, 1999.
102-Tony Buzan et Barry Buzan, Mind mapʼ : dessine-
moi l'intelligence, Paris, Éditions d'Organisation, 2003 .
103-Tony Buzan et Chris Griffiths, Le mind mapping
au service du manager, Paris, Eyrolles Ed.
D’Organisation, 2011.
104-Vergnaud., G. Le rôle de l’enseignant à la
lumière des concepts de schème et de champ
conceptuel, in Artigue, M. et al. (eds) Vingt ans de
didactique des mathématiques en France. La Pensée
Sauvage édition, 1994.
105-V. etG. Landsheere : Définir les objectifs de
l’éducation, Liège et George Thoune 1975.
106-Vygotsky, L. S. Le problème de l'enseignement
et du développement mental à l'âge scolaire. In B.
Shneuwly & J.P. Bronckart (Eds.), Vygotski aujourd'hui
(pp. 95-117); Paris : Delachaux & Niestlé.
107-Vygotsky, L. S. (1978). Mind in society.
Cambridge, MA: Harvard University Press. Vygotski,
L.S (1985c/1933).
108-W.Doize et G.Mugny B (1981) : Le
développement social de l’intelligence, Paris,
InterEditions.
469
109-Willem Doise et Gabriel Mugny, Le
développement social de l'intelligence, Paris,
InterÉditions, 1981.
110-Willem Doise et Gabriel Mugny, Psychologie
sociale et développement cognitif, Paris, Armand Colin,
« U », 1997.
111-Willem Doise et Gabriel Mugny, Le
développement social de l'intelligence, Paris,
InterÉditions, 1981. Willem Doise et Gabriel Mugny,
Psychologie sociale et développement cognitif, Paris,
Armand Colin, « U », 1997.
المقـــاالت:
-112باوال جونتيل وروبير تابنتشيني (:بناء الكفايات :مقابلة مع فليب
پيرنو) ،الكفايات في التدريس بين التنظير والممارسة ،تعريب :محمد
العمارتي والبشير اليعكوبي ،مطبعة أكدال،الرباط ،الطبعة األولى سنة
2004م.
-113حسن بوتكالي (:مفهوم الكفايات وبناؤها عند فيليب پيرنو)،
الكفايات في التدريس بين التنظير والممارسة ،مطبعة أكدال ،الرباط،
الطبعة األولى سنة 2004م.
-114محمد كجي( :التعلم وتربية الذهن على االشتغال) ،سيكولوجية
الطفل ،مقاربات معرفية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،المغرب،
الطبعة األولى سنة2008م.
-115نيكو هرت (:بصدد المقاربةعبر الكفايات هل نحتاج إلى عمال
أكفاء أم إلى مواطنين نقديين؟) ،الكفايات في التدريس بين النظرية
والممارسة ،مطبعة أكدال،الرباط،الطبعة األولى سنة 2004م.
470
-116عبد الواحد أوالد الفقيهى (:نظرية الذكاءات المتعددة من التأسيس العلمي
إلى التوظيف البيداغوجى) مجلة علوم التربية ،المغرب ،المجلدالثالث ،العدد
الرابع والعشرون2003 ،م.
الدالئل الوزارية:
-117وزارة التربية الوطنية :دليل المقاربة بالكفايات ،مكتبة المدارس،
الدار البيضاء ،المغرب ،الطبعة األولى دجنبر2009م.
-118وزارة التربية الوطنية :دليل بيداغوجيا اإلدماج ،مكتبة المدارس،
الدار البيضاء ،المغرب ،الطبعة األولى سنة 2009م.
-119وزارة التربية الوطنية :دليل اإلدماج ،المستوى الثالث من التعليم
االبتدائي ،مطبعة األحداث ،المغرب ،الطبعة األولى سنة 2010م.
-120وزارة التربية الوطنية :كراسة الوضعيات اإلدماجية ،الجزء األول،
المستوى السادس ،مطبعة المعارف الجديدة ،الرباط ،المغرب2010 ،م.
-121وزارة التربية الوطنية :دليل األساتذة الجدد بالتعليم االبتدائي،
منشورات مديرية تكوين األطر ،مركز اإلمام الغزالي لتكوين المعلمين
والمعلمات ،أكادير ،المغرب2011-2010 ،م.
الــويبوغرافــيا:
-122هاوارد غاردنر ( :حوار مع هوارد غاردنر حول الذكاءات
المتعددة :من التأسيس العلمي إلى التطبيق البيداغوجي) ،ترجمة وتقديم:
عبد الواحد أوالد الفقيهي،
http://www.aljabriabed.net/n68_08lafkih.htm
471
السيـــ ة العاـــمية
472
األمازيغيااااة ،ودياااادكتيك التعلاااايم األولااااي ،والحياااااة المدرسااااية والتشااااريع
التربوي ،واإلدارة التربوية ،والكتابة النسائية...
-أديب ومبد ،وناقد وباحث ،يشتغل ضمن ر ية أكاديمية موسوعية.
-شاعر وقصاه وكاتب مسرحي ،يكتب للصغار والكبار.
-مثل دورا سينمائيا في الفيلم األمازيغي اعسل المارارة لمنتجاه عباد هللا
فركوس ،وإخرا علي الطاهري
-حصل مقاله ان رياة ماا بعاد االساتعمار علاى جاائزة الموقاع الساعودي
ااأللوكة .
-حصااال علاااى جاااائزة م سساااة المثقاااف العرباااي اسيدني/أساااتراليا لعاااام
2011م في النقد والدراسات األدبية.
-حصل على جائزة ناجي النعمان األدبية سنة2014م.
-عضو االتحاد العالمي للجامعات والكليات بهولندا.
-رئيس الرابطة العربية للقصة القصيرة جدا.
-رئيس المهرجان العربي للقصة القصيرة جدا.
-رئيس الهيئة العربية لنقاد القصة القصيرة جدا.
-رئيس الهيئة العربية لنقاد الكتابة الشذرية ومبدعيها.
-رئيس جمعية الجسور للبحث في الثقافة والفنون.
-رئيس مختبر المسرو األمازيغي.
-عضو الجمعية العربية لنقاد المسرو.
-عضو رابطة األدب اإلسالمي العالمية.
473
-عضو اتحاد كتاب العرب.
-عضو اتحاد كتاب اإلنترنت العرب.
-عضو اتحاد كتاب المغرب.
-له إسهامات ن رية في التربية ،وفن القصة القصيرة جدا ،وفان الكتاباة
الشاااذرية ،واألدب الرقماااي ،والمسااارو ،ومنااااه النقاااد األدباااي ،والكتاباااة
النسوية ،والبالجة الرحبة...
-باحث في الثقافة األمازيغية المغربية ،والسيما الريفية منها.
-خبير في البيداجوجيا والثقافة األمازيغية واألدب الرقمي.
-ترجمت مقاالته إلى اللغة الفرنسية و اللغة الكردية.
-نشاارت كتبااه بااالمغرب ،والجزائاار ،وتااونس ،وليبيااا ،واألردن ،ولبنااان،
والمملكة العربية السعودية ،واإلمارات العربية المتحدة ،والعراق.
-شارك في مهرجانات عربية عدة في كل من :الجزائر ،وتونس ،وليبياا،
ومصر ،واألردن ،والسعودية ،والبحرين ،والعاراق ،واإلماارات العربياة
المتحدة،وسلطنة عمان...
-مستشااار فااي مجموعااة ماان الصااحف والمجااالت والجرائااد والاادوريات
الوطنية والعربية.
-نشر أكثر من ألف وسبعين مقال علمي محكم وجير محكم ،وعددا كثيرا
من المقاالت اإللكترونية .وله أكثار مان ا 150كتااب ورقاي ،وأكثار مان
ماااائتي ا 200كتااااب إلكتروناااي منشاااور فاااي ماااوقعي االمثقاااف وموقاااع
ااأللوكة ،وموقع اأدب فن .
-ومن أهم كتبه :محاضارات فاي لساانيات الانه ،وسوسايولوجيا الثقافاة،
وميااادين علاام االجتمااا ،،وأسااس علاام االجتمااا ،،والعااوالم الممكنااة بااين
474
الن رية والتطبيق ،واألدب الرقمي بين الن رية والتطبيق ،وفقه الناوازل،
ومفهوم الحقيقة في الفكر اإلسالمي ،ومحطات العمل الديادكتيكي ،وتادبير
الحيااااة المدرساااية ،وبياااداجوجيا األخطااااء ،ونحاااو تقاااويم ترباااوي جدياااد،
والشااذرات بااين الن ريااة والتطبيااق ،والقصااة القصاايرة جاادا بااين التن ياار
والتطبيااق ،والروايااة التاريخيااة ،تصااورات تربويااة جدياادة ،واإلسااالم بااين
الحداثة وما بعد الحداثة ،ومجزءات التكوين ،ومان سايميوطيقا الاذات إلاى
ساااايميوطيقا التااااوتر ،والتربيااااة الفنيااااة ،وماااادخل إلااااى األدب السااااعودي،
واإلحصاااء التربااوي ،ون ريااات النقااد األدبااي فااي مرحلااة مابعااد الحداثااة،
ومقومات القصة القصيرة جدا عند جمال الدين الخضيري ،وأنوا ،الممثل
في التيارات المسرحية الغربية والعربياة ،وفاي ن رياة الرواياة :مقارباات
جديدة ،وأنطولوجيا القصة القصيرة جدا بالمغرب ،والقصيدة الكونكريتية،
وماان أجاال تقنيااة جدياادة لنقااد القصااة القصاايرة جاادا ،والساايميولوجيا بااين
الن رياااة والتطبياااق ،واإلخااارا المسااارحي ،ومااادخل إلاااى الساااينوجرافيا
المسرحية ،والمسرو األمازيغي ،ومسرو الشباب بالمغرب ،والمدخل إلى
اإلخاارا المساارحي ،ومساارو الطفاال بااين التااأليف واإلخاارا ،ومساارو
األطفااال بااالمغرب ،ونصااوه مساارحية ،وماادخل إلااى السااينما المغربيااة،
ومناااه النقااد العربااي ،والجديااد فااي التربيااة والتعلاايم ،وببليوجرافيااا أدب
األطفاااال باااالمغرب ،ومااادخل إلاااى الشاااعر اإلساااالمي ،والمااادارس العتيقاااة
باااااااالمغرب ،وأدب األطفاااااااال باااااااالمغرب ،والقصاااااااة القصااااااايرة جااااااادا
بالمغرب،والقصاااة القصااايرة جااادا عناااد الساااعودي علاااي حسااان البطاااران،
وأعالم الثقافة األمازيغية...
-عناااااااوان الباحاااااااث :جميااااااال حماااااااداوي ،صاااااااندوق البرياااااااد،1799
النا ور ،62000المغرب.
-جميااال حماااداوي ،صاااندوق البرياااد ،10372البرياااد المركااازي ،تطاااوان
،93000المغرب.
475
0672354338: الهاتف النقال-
0536333488: الهاتف المنزلي-
Hamdaouidocteur@gmail.com: اإليميل-
Jamilhamdaoui@yahoo.
476
الغالف الخارجي
يتناول هذا الكتاب مجموعة من الدروس والمحاضرات التي تندرج ضمن
مادة الديدكتيك ،أو مادة التربية الخاصة.ومن ثم ،يتوجه الكتاب إلى
المكونين واألساتذة والطلبة المهتمين بقضايا التربية والتعليم بصفة خاصة.
ومن ثم ،يجمع هذا الكتاب المبسط والميسر مجموعة من المفاهيم
والمصطلحات المتعلقة بالديدكتيك ،أو فن التدريس .ويعني هذا أن الكتاب
تعريف مجمل بقضايا علم الديدكتيك ومجاالته ،بالتوقف عند مفاهيمه ،
ودراسة مواضيعه المتشعبة ،واستكشاف قضاياه المختلفة والمتعددة،
واستقصاء مرجعياته النظرية والتطبيقية.
الثمن100:درهم
477