Professional Documents
Culture Documents
كتاب الفلسفة والتفكير الناقد
كتاب الفلسفة والتفكير الناقد
تأليف وإعداد
تهدف هذه المادة لمستوى البكالوريوس إلى تمكين الطلبة من األدوات المعرفية والمهارات
الضرورية التي يمكنها أن تساعدهم على بناء قدراتهم الخاصة بأسس التفكير العقالني والفهم السليم
ومهارات التفكير الناقد وأسس الحكمة الفلسفية وانعكاسها على حياتهم العملية.
قادرا على تملّك أسس التفكير السليم ،وإتقان
ً ويتوقع من الطالب خالل المادة أن يكون
عمليات البناء المنطقي (بناء الح ّجة) ،وقواعد التفكير المنظم والناقد ،وما يتضمنه هذا كله من عالقة
مع نظرية المعرفة وأسس الفهم الفلسفي ،وذلك للوصول معه وبه إلى ترسيخ قواعد عقلية منطقية
قادرا على تقييم المواقف المختلفة التي
وتعريفه بأهمية التفكير والتفكير الناقد بطريقة يكون معها ً
يتعرض لها في الحياة ،وتصويب األفكار ،وصوال إلى استنتاجات صحيحة مدعومة باألدلة
بخصوص هذه المواقف .ولقد تم بناء المادة وسيتم تدريسها على أساس تكويني أكاديمي تكاملي
يجمع بين بناء المهارات المعرفية النظرية والمهارات العملية للطالب.
أهداف تدريس المادة ونتائجها:
تهدف المادة إلى
إثراء خبرة الطالب ومعرفته بالفلسفة. -1
إثراء خبرة الطالب بالقدرة على البناء المنطقي. -2
التعرف على أهم المشكالت الفلسفية. -3
تطوير قدراته التحليلية والنقدية. -4
تعميق وعي الطالب بأساليب النقاش وبناء الحجة وحل المشكالت. -5
التعرف على عالقة الفلسفة مع العلوم البحتة واإلنسانية ومشكالتها. -6
ب -نتاجات التعلّم :يتوقع من الطالب بعد االنتهاء من دراسته لمادة مدخل إلى الفلسفة والمنطق
قادرا على أن:
والتفكير الناقد بنجاح أن يكون ً
يحلل عناصر التفكير العقالني والناقد وقواعدهما. -
يدرك أهمية أسس الفهم الفلسفي العملي والمشكالت الفلسفية. -
يتقن مهارة قراءة النصوص وتحليلها نقديًّا. -
يطلع على المنطق وقواعده ومسائله. -
يتقن مهارة تقييم الحجج المقدمة إليه. -
2
يتمكن من تقديم حجج صحيحة ومقنعة. -
يميز بين الحجج الصحيحة والمغالطات المنطقية. -
يقيم البراهين ،ويمارس التفكير الناقد. -
يميز بين القياس البرهاني وطرق القياس األخرى. -
3
الفهرس
4
الفصل الرابع :فلسفة األخالق ومشكالت فلسفية
فلسفة األخالق
مشكالت فلسفية
أ .مشكلة الحرية والضرورة
ب .مشكلة الحقيقة
ج .مشكلة القيم (األخالق والواجب والجمال)
5
الفصل األول :نشأة الفلسفة وتطور التفكير الفلسفي
مقدمة عامة
أ .معنى الفلسفة لغة واصطالحا ً
ب .الجذور األولى
ت .الفلسفة الشرقية
-وظائف الفلسفة ومهامها
-أصالة التفكير الفلسفي
-التفكير الفلسفي
-المباحث الرئيسة للفلسفة
6
مقدمة عامة:
ى
بمعن الحياة؟ هل فكرت بالوجود؟ هل فكرت يوما
هل فكرت بالزمن؟ ى
من بدأ اإلنسان بالتفلسف؟
األخية أن تاري خ الفلسفة وتأصيل ظهورها ال يمكن أن يكون سوى عقبةر الح يف العقود
تبق بال حلول شافية .فباإلضافة إىل أولئك ف وجه الباحثي ،وذلك ألن مسألة األصول ،ى
ر ي
األيون ( 546- 624ق .م ).الفيلسوف األول ،فقد ُو ِجد يف اليونان
ي المؤرخي الذين جعلوا طاليس
ر
مؤرخون آخرون رجعوا بأصول الفلسفة إىل ما قبل عهد الحضارة اإلغريقية ،فعىل سبيل المثال
فقد تحدث ديوجون 323-412( Diogenesق .م ).عن الحضور القديم للفلسفة لدى الفرس
والمرص ريي .وهكذا تتقابل يف العصور القديمة أطروحتان :أطروحة أن الفلسفة معجزة أو ابتكار
مياث أخذه اليونان عن الشعوب األخرى.
صنعه اإلغريق ،وأطروحة أخرى ترى بأن الفلسفة ر
وإذا كان المشتغلون بتاري خ الفلسفة ،عىل الرغم من المعطيات السابقة حول الثقافات
األيون ،فما ذلك ،عن تجاهل لما قبل
ي غي اليونانية ،يبدأون يف هذا التاري خ من لحظة طاليس
ر
عمىل وهو قلة الوثائق
ي الفلسق ،وإنما فقط لسبب
ي التاري خ المديد الذي اختمر فيه الفكر
والسجالت الكتابية لحضارات ما ربي النهرين وصعوبة الوصول إليها.
وبالمثل ،فإن الخوض يف مسألة حدود تاري خ الفلسفة ،المرتبطة بمسألة األصول؛ ال
ا
حًّل دقيقا .فالواقع أن بعض أصقاع ر
الشق األقىص ،وعىل األخص يمكن أن يجد له الباحثون
ًّ
حقيقيا للمذاهب الفلسفية. والصي ،عرفت يف بعض العصور ازدهارا
ر الهند
التميي ىف االجابة ى
بي السؤال ى من بدأت الفلسفة؟ يجب أذن :هل يمكن السؤال عن ى
ي
ى
الفلسف ى
وبي تشكل المنظومات الفلسفية .ما رأيك؟ ي
يمكن القول بأن الفلسفة نمت وازدهرت عند اليونان ،ومن ثم امتدت إىل العالم القديم
والوسيط ،منذ نهاية القرن السابع قبل الميالد ى
وحت بداية القرن السادس بعد الميالد .وقد كان
ّ الياث اإلغري ىق وباألخص ى
للحضارة العربية اإلسالمية دور كبي ف نقل ى
الفلسق ،وقدم
ي الياث ي ر ي
كبية من هؤالء ف ر
المشق فالسفة اإلسالم إسهامات الفتة يف مجال الفلسفة ،وبرزت أسماء ر
ي
وغيهم .وكانت ان وابن سينا وابن باجه وابن رشد ر العرن والمغرب ،من مثل الكندي والفار ي
ي
ى
اإلغريق إىل أوروبا يف القرون الفلسق الفلسفة ف اإلسالم قد لعبت دور الوسيط ف نقل ى
الياث
ي ي ي ي
تعان ى ُ
الت كانت ي الوسىط ،وهو دور فكري وحضاري ال يستهان به بالنظر إىل األوضاع المتخلفة ي
7
اليونان إىل الثقافية منها أوروبا قبل انتقال الفكر العرن اإلسالم وعلومه فضال عن ى
الياث
ي ي ي
األوروبية.
ّ
عرفت الفلسفة طوال تاريخها تحوالت فكرية تجلت يف ظهور عدة مذاهب واتجاهات
ى
الت عرفها
الفلسق دائما مرتبطا بقضايا عرصه ،ويعكس الهموم والقضايا ي
ي التفكي
ر فلسفية ،وكان
ذلك العرص .ولذا فإن الناظر يف تاري خ الفلسفة ونشوء مذاهبها المختلفة ،يجد أن وظائفها
ومهامها لن تلبث أن تتوسع بشكل يتوافق مع تطور العلوم والمعارف الحديثة ،حيث تتعمق
ى
الت ى
الت تطرحها الحضارة والمدنية ،أم تلك المشكالت ي
أسئلتها وقضاياها ،مع المشكالت؛ سواء ي
تنتج عن العلوم المختلفة وتطبيقات التكنولوجيا المتطورة ،وما تفرضه من تحديات حقيقية
تجاه الطبيعة واإلنسان واألخالق والقيم والمجتمع والسياسة عىل حد سواء.
والتفكي الناقد" إىل البحث بطريقة اإليجاز
ر تهدف هذهالمادة "مقدمة يف الفلسفة
التفكي الناقد ،بطريقة تحليلية مبسطة ،ولم نغص كي عىل أبرز المسائل الفلسفية ومهارات ى
ر والي ر
يف التفاصيل والمسائل والمشكالت الجزئية والشائكة ،حرصا عىل عدم تشتيت ذهن الطالب أو
القارئ ،وعىل عدم اإلطالة وإثقال ذهنه.
8
المبحث األول :نشأة الفلسفة
ى
معن الفلسفة لغة واصطالحا ومجاال:
ّ
لفظي هما (فيلو ،)philoومعناها (محبة)،
ر الفلسفة كلمة يونانية األصل ،مركبة من
أرجع إىل أحد القواميس المعروفة وابحث عن أصل كلمة فلسفة أو عىل كلمة
( .)Philosophyهل وجدت تعريفا مختلفا؟
تعت (محبة
ي و(سوفيا ،)Sophiaومعناها (الحكمة) ،وداللة الكلمة من الناحية االشتقاقية
الحكمة) .وب هذا يكون معت الفلسفة محبة الحكمة ،أما الفيلسوف فهو ُ
المحب للحكمة.
يونان،
ي وتذكر المصادر أن فيتاغورس ( 495-570ق.م) ،وهو فيلسوف وعالم ر ي
ياض
ُ هو أول من وضع ً
معت محددا للكلمة (الفلسفة) ،فقد نسب إليه قوله "إن صفة الحكمة ال
تصدق عىل أي كائن ر
بشي ،إنما الحكمة لإلله وحده" .فاإلله هو وحده الحكيم ،أما اإلنسان
اليونان ذلك يف محاورة
ي يكتق بمحبة الحكمة .وذكر سقراط ( 399-470ق.م) ي فحسبه أن
ّ
إال لآللهةّ ،أما ر
البش فحسبهم محبتها. أفالطون (الفيدون) ،فقال إن الحكمة ال تكون
معت ًّ
فنيا محددا أما أفالطون ( 348-428ق.م) فهو الذي أضق عىل كلمة الفلسفة ً
يعت ّ
تفكيه عىل الحقيقة وليس عىل المظهر ،وكان ي
عندما وصف الفيلسوف بأنه شخص يصب ر
ى
الحقيق لألشياء ،فالفيلسوف عنده هو الشخص الذي يهدف إىل الوصول بذلك إدراك الوجود
ي
إىل معرفة حقائق األشياء.
ّ
عدة تعريفات؛ ّ ّأما أرسطو ( 322-384ق.م) ،فقد ّ
لعل أهمها "العلم عرف الفلسفة
بالوجود بما هو وجود أو موجود" .أو "علم العلل البعيدة والمبادئ األوىل" .أي العلم بأصول
كبيا عىل المدرسة الفلسفية المعروفة باسم
تأثي تعريف أرسطو هذا ر األشياء ومبادئها .وكان ر
ّ
(المشائية) ،والمدرسة (الرواقية) والفلسفة (األبيقورية) ،واألكاديمية الجديدة ،وكذلك يف
الفلسفة يف القرون الوسىط المسيحية واإلسالمية.
ومنذ ذلك الوقت أصبحت الفلسفة بأوسع معانيها تدل عىل كل معرفة محضة ،وحب
االستطالع عامة ،أو لتدل عىل كل جهد يقوم به العقل من أجل تحصيل المعارف الجديدة بتأمل
مظاهر الكون واإلنسان وطبيعتهما.
9
نشأت الفلسفة فيما يقول أرسطو من الدهشة المتولدة عند اإلنسان تجاه األشياء
والظواهر يف عالمه ،ومن التساؤل وحب االستطالع .فعندها وجد اإلنسان نفسه أمام ر
تغيات
ّ
متكررة ومطردة يف أشياء العالم وظواهره ،وقف منها موقف المندهش الحائر المتسائل ،فسىع
لك
وتفسي خفاياها ومعرفة أرسارها ،ي
ر جهده يف استخدام عقله محاولة منه استكشاف أسبابها
الحية ،ويعيد إىل نفسه الطمأنينة والسكون
يزيل عن نفسه حالة االندهاش ،ويطرد عن عقله ر
والراحة.
اإلنسان نفسه .ومن الممكن القول بأنه لم يوجد
ي الفلسق إذن قديم ِقدم الوجود
ي السؤال
اإلنسان من دون أن يالزمه تساؤل عن العالم والكون واألشياء والذات والمجتمع واألخالق
10
األفالطون.
ي ب) األتجاه النظري الفيثاغوري
.1الفلسفة ر
الشقية:
الت نشأت ف آسيا وأفريقيا ،والفلسفة ر
الشقية ى ر
ي نقصد بالفلسفة الشقية تلك الفلسفة ي
العلم،
ي كثي من الفلسفة الغربية الحديثة ،لم تفصل الفكر عن التطبيق
بمعظمها ،وبخالف ر
مرتبطي
ر روح ) (Spiritualباعتبارهما
ي مفهوم ) (Conceptualوما هو
ي ونزعت إىل رؤية ما هو
ر ى
ومعت بالتحليالت المفهومية ،ويشدد عىل
ي الش يف ،بشكل نقدي الفلسق
ي بشكل وثيق فالفكر
الحجاج السليم ،لكن الفلسفة ر
الشقية تميل إىل التشديد عىل التبرص يف الواقع وفهمه كمرشد
للحياة .فالهندوسية ،والجاينية ،والبوذية ،والكونفوشية ،والطاوية ،وفلسفة وادي النيل ،ر
ورسق
المتوسط ،وبالد ما ربي النهرين ،وفارس وبالتأكيد الفلسفة العربية اإلسالمية ،جميعها مهتمة
ً
فضال عن كونها ،طرائق للفكر ،أبعادها تنامت من التفكي ف التطبيق .هذا ى
اليابط ي ر بالتطبيق
الكبي للفلسفة ر
الشقية ،والنظر إليها ى
االحيام الوثيق ربي الفلسفة والممارسة هو أحد أسباب
ر
مرتبطة بالحياة اليومية.
وتيع الفلسفة ر
الشقية مطابقة الطريق للحياة الصالحة مع الرؤية عن هذه الحياة نفسها
ُ
ويعد هذا عامل تكامل ربي الدين والفلسفة ،ألن الفلسفة ال تعتي معنية بالنظر فقط ،فإن
اهتمامها بالوسائل الفعلية لبلوغ حياة صالحة يتيح لها اإلبقاء عىل ارتباطها بالدين .يف الفلسفة
عقالن
ي تعت الفلسفة بما هومنفصلي ،إذ ي
ر كميداني
ر الغربية ينظر عادة إىل الفلسفة والدين
فحسب ،بينما ينظر للدين كمجال معت باإليمان أما ف الفلسفة ر
الشقية ،فيعتي اإللهام طريقة ي
والتفكي ،ويتاح لإليمان والعقل
ر الحس )(Perception ي صالحة للمعرفة ،سوية مع اإلدراك
التفاعل لتقديم نظرة نقدية للحياة الصالحة ووسائل نيلها المتنوعة.
ينبىع أن نسىع لفحص التقاليد ر
ألن الفلسفات الشقية والغربية متباينة بطرق مختلفة ،ي
ى
والت ال تنسجم مع المقوالت العقلية الغربية الحديثة، ر
الفلسفية الشقية يف سياقاتها الخاصة ،ي
الت تيع إىل فصل الفكر عن الممارسة والفلسفة عن الدين وبناء عليه فإن الدراس للفلسفة ى
ي
ّ معاييها الخاصة .ذلك أن فالسفة ر ر
الشق ركزوا عىل التواصل ر الشقية عليه أن يدرسها يف إطار
ّ
حك التجربة اإلنسانية. وإىل ِم
وبي مسائل الحياة ي
بينهم ر
ى
الت يزيد عمرها عن ثالثة آالف
وعىل سبيل المثال نرى أن الفلسفة الجاينية الهندية ي
عام تشدد عىل أهمية ربط سبل العيش الفاضل مع التأمل الذي يدحر المعاناة اإلنسانية ،أما
11
وانتشت ف جنوب ررسق آسيا قبل خمسة ر
عش قرنا ،تدور ر فه فلسفة نشأت يف الهند
ي البوذية ،ي
وتثي أسئلة مثل ما المعاناة ،ما أسباب المعاناة وكيف
حول سؤال محوري كيف ندحر المعاناة؟ ر
نزيل هذه األسباب .وترى أن التعلق يف األشياء هو سبب المعاناة.
فه فلسفة صينية ركزت عىل دور الفضيلة يف التطور االجتماعية ّ
أما الكونفوشسية ،ي
والسياس وربط األخالق بالسياسة وأنه الصالح للحياة اإلنسانية ما لم تقوم السياسة عىل
ي
األخالق الفاضلة.
ه فلسفة صينية تقوم عىل أن السبيل الصحيح للحياة هو اتباع تقاليد والطاوية :ي
الطبيعة يف عملها أي بعفوية دون تفاخر ودعوتها لحياة البساطة وذمها ىليف المدينة.
الشق اهتماماتهم عىل مسائل سلوك ر
البش ،والقيم واألخالق وكذلك لم يركز فالسفة ر
12
.2الفلسفة اليونانية:
أ .األتجاه المادي (الفلسفة الطبيعية األيونية):
وقد ولد وأزدهر يف أيونيا ووصل أوجه يف ثريس Thraceعىل ساحل بحر أيجه .ولكن
حي ى
حت أندثر يف حضارات العصور الوسىط .ولم يتم إحياؤه إال هذا ر
المشوع تم تهميشه بعد ر
يف أوروبا الغربية يف مطلع الحقبة الحديثة عىل يد بيكون وبرونو وغاليليو .ومن أشهر رموز األتجاه
المادي:
األيون( 562-640ق.م) :وأعظم انجازاته:
ي طاليس .1
أ .معالجة القضايا الهندسية نظريا ،أي بوصفها نتاجات رصورية لعدد قليل من
المسلمات التجريدية .وبذلك يمكن اعتباره أبا لعلم الهندسة.
ب .أعتبار الكون نظاما متسقا من العالقات والبت ،ال مجرد طائفة من االحداث العشوائية
ى
الت تحركها قوى اسطورية مزاجية.
ي
تفسيها بأعتبار
ر تفسيا ماديا للظواهر واالحداث الطبيعية .إذ حاول
ر ت .كان أول من قدم
تفسيها بداللة البسيط المادي ،وذلك باتباع منهج ر الماء جوهر المادة ،أي حاول
التحليل ى
واليكيب يف فهم الظواهر.
األيون ( 545- 610ق.م).
ي .2أناكسمندر
أكي معقوليةطور أناكسمندر نظرية طاليس ف جوهر المادة وحاول تقديم تفسيات ر
ر ي
للظواهر واالحداث .إذ الحظ صعوبة إرجاع ظواهر مادية إىل الماء ،األمر الذي حداه إىل توكيد
تعت
وه يأبيون ،Apeironي وحدة الوجود المادي بأرجاع ظواهره كلها إىل مادة أولية أسماها ر
سء يف حالة الكمون .وتنبع المادة يف صورها ر
الالنهان أو الالمحدود .وهو ال محدد ألنه كل ي
ي
معي يمكن أضفاء الصفات عليه.
المحسوسة من األييون عي تحوله من الالمحدد إىل تحديد ر
ه المسؤولة عن هذا التحديد ،أي عن فصل األضداد عن بعضها .ويعرف األضداد
والحركة ي
بأنها :الحار يف مقابل البارد ،الجاف يف مقابل الرطب .وعىل هذا األساس تيز أربعة عنارص رئيسية
من األبيون ه :ى
الياب (الجاف) ،والماء (الرطب) ،والهواء (البارد) ،والنار (الحار) .وبذلك يكون ي ر
التفكي يف المادة الت ظلت تشكل أساس ى
ر أناكسمندر هو أول من وضع نظرية العنارص األربعة ي
ألق عام.
لمدة ي
13
.3ديمقريطس 380 - 460 (Democritusق .م).
عاش يف منطقة ثريس شمال بحر أيجة .وهو صاحب النظرية الذرية .فبخالف الموقف
األيون الذي ّ
رجح يف النهاية وجود العنارص األربعة كأساس مادي للعالم ،أعتي ديمقريطس أن ي
النهان من الخالء .هذه الجواهر ى
الت تسبح يف محيط
ي هناك عددا ال نهائيا من الجواهر المادية ي
والت تختلف عن بعضها من حيث الشكل والحجم .وقد أعتي الت ال تنقسم ى
ى
ي ه الذرات ي
ي
سء يتشكل من هذه الذرات بما يف ذلك اإلنسان والروح .بيد أن موقف ر
ديمقريطس أن كل ي
ألق عام قبل أن يعاد أحياءه من ر
ديمقريطس الذري تم تهميشه يف تاري خ البشية إىل ما يقرب ي
العلم الحقا ،غىل أن استقر النظر إىل أن
ي الفلسق أوال وعىل المستوى
ي جديد عىل المستوى
ه الذرات.
األساس للمادة ي
ي المكون
ى
األفالطون:
ي ب .األتجاه الفيثاغوري
األيون المادي السابق ونقيضا
ي اليونان ،وبرز منافسا لألتجاه
ي وقد نشأ وأزدهر يف الغرب
الطبيىع للعالم واألشياء ،بينما ركز هذا
ي له .إذ ركز التيار المادي عىل المادة ومكوناتها واألصل
وف مقدمتها
التيار عىل العقل ومكوناته ورموزه ،وأعتي رس الوجود كامنا يف األفكار التجريدية ي
األرقام والرموز الرياضية .ومن أبرز فالسفة هذا األتجاه
14
والخي يفيض بالرصورة خالقا هو علة المخلوق .ى
وأفيض أفالطون أن الخالق مطلق الطيبة ى
ر
والكمال.
االتجاهي ،فقد طور
ر ثم جاء أرسطو طاليس ( 322 - 384ق.م ).ليحاول التوفيق ربي هاذين
كون محكم ومنسجم مع ذاته ،بعد أن سد
األفالطون وطوعه لبناء تصور ي
ي الفلسق
ي األسلوب
بالتاىل أنموذجا
ي األفالطون بأستخدام مفاهيم من منجزات التيار المادي .وطور
ي ثغرات النموذج
ّ
المحرك الذي ال يتحرك. ميكانيكيا للكون يعتي األول يف التاري خ ،يقوم عىل مبدأ الحركة وفكرة
ولكن هذا النموذج لم يكن أنموذجا ميكانيكيا بحتا ،وإنما تخللته عنارص مثالية
موضوع ،بمعت
ي وميتافييقية جلية .فقد أعتي أن الكون يتألف من أفالك متداخلة لها وجود
ر
التغيي وال الفناء.
ر أثيا إلهيا خالدا ال يطاله
أنه أكسبها نوعا من المادية ،مع أنه أعتي مادتها ر
التأثي عىل حركات بعضها بالتالمس.
ر وأكسبها أيضا سمات ميكانيكية مثل القدرة عىل
الفلسق الذي ساد يف فضاء
ي ويعتي ارسطو واضع اصول واسس المنطق ،وهو المنهج
حت القرن الخامس ر
عش. الفكر ى
ى ى
األساسيي يف الفلسفة اليونانية؟ ما أهميتهما من وجهة ما رأيك بهذين التيارين .1
وظائف الفلسفة:
الفلسق يتمثل يف كل العصور يف التفكي ّ
يتبي أن
ي ر ومن خالل قراءة تاري خ الفلسفة ر
وظيفتي رئيستي :هما التحليل ى
واليكيب. ر ر
الفلسق ،تحليل قضايا الواقع ،فالمشتغل
ي التفكي
ر أوال :الفلسفة بوصفها تحليال :من أوىل مهام
بالفلسفة ُيعت بدراسة طبيعة الفكر السائد يف المجتمع ،وكذا العالقة ربي هذا الفكر والواقع يف
الت تعالج قضاياى
الحياة ،ومن بعد يحلل مدى صالحية أو جدوى المناهج الفكرية السائدة ي
ً
ومشكالت اإلنسان فضال عن دراسته لطرق الوصول إىل الحلواللمثىل لهذه القضايا من وجهة
نظره .هذه المهمة التحليلية للفلسفة يتخللها عمليات نقد الصور والصيغ السلبية يف الفكر
والجماع للناس .ولذا
ي الفلسق رفض الصور السلبية يف السلوك الفردي
ي السائد ،ويشتمل النقد
الفلسق يف دراسة كل من الفكر والواقع. ى
وظيفت التحليل والنقد مالزمتان للفعل فإن
ي ي
15
تأن خطوة ىخطون التحليل والنقد ،ى
ى ً
اليكيب .فالفلسفة بعد ي ي بعد :كيبا
تر بوصفها فلسفة ال :ثانيا
دراستها للواقع الفكري وعالقة هذا الواقع بواقع اإلنسان وحياته ،وانتقادها لألوضاع واألفكار
اليكيبية باحثة عن أدق وأشمل األفكار بشأن طبيعة الواقع ومعت والقيم السلبية ،تبدأ مهمتها ى
الحياة وهدفها .والغرض من هذه الوظيفة تقديم صورة متكاملة عن العالم والمجتمع والعلم
والقانون واألخالق والسياسة ،صورة تشمل عنارص التجربة اإلنسانية .ويتضح أن مهمة الفلسفة
ًّ
تفسييا للواقع ،أو أن تقدم تييرا لما يحدث فيه ،أو رفض هذا الواقع، ه أن تقدم تصويرا
ر هنا ي
ومن ثم تقديم تصور بديل لما يجب أن يكون عليه الواقع حارصا ومستقبال.
اإلنسان
ي الفلسق بيعته إىل النقد وتجديد الفكر ،وهو يف هذا يحرر الفكر
ي التفكي
ر ويتمي
ر
من الجمود وسلطان المعارف واالعتقادات الخاطئة ،فال يعود اإلنسان ينظر إىل األفكار عىل أنها
نهائية ومطلقة ال تقبل النقاش والحوار ،ولذا فإن الفلسفة تستهدف دائما استخدام العقل يف
والثقاف ،ويوسع
ي النقد والمراجعة ،وهذا من شأنه أن يساعد يف شيوع روح التسامح الفكري
اإلنسان
ي مساحات التواصل والنقاش ربي أبناء الوطن الواحد أو األمة الواحدة ،أو عىل المستوى
بتعدده واختالفه ،ويعزز ثقافة الحوار وقبول الرأي والرأي اآلخر ،أي أن الفلسفة تعزز فرصة
انتشار وتوسع ديمقراطية األفكار ،إذ إن من خصائص األفكار الحقيقية االبتعاد عن التعصب
الفكري المؤدي إىل انغالق العقل والفكر عىل نفسه ،وبالنتيجة عدم تواصله أو تفاعله مع
العقول أو األفكار األخرى ،ما يؤدي إىل جموده وتخلفه.
الثقاف أو الحضاري ألي أمة من األمم يقاس بمقدار
ي ومن الصواب القول بأن المستوى
ى ى
تفكيها
ر رف شيوع حرية الفكر والتفلسف فيها .ولذا نجد أن ي
رف األمم وتطورها داللة عىل ي
الفلسق وتطوره عند أبنائها ،وبالعكس فإن تدهور الثقافة وضمورها فيها ،هو عىل األرجح نتيجة
ي
الفلسق ،وجمود العقل عن نشاطه فيها.
ي التفكي
ر ضعف أو غياب
ى ى ى
نشاط :ابحث يف الطرق ي
الن يمكن من خاللها للفلسفة والتفكي الناقد أن تساهم يف
بي الناس .أعط أمثلة عىل ذلك. بي الناس ،أو ىف قبول االختالف ى
تقريب وجهات النظر ى
ي
16
ى
الفلسف وانقسموا اىل ثالث أتجاهات: لقد أختلف الفالسفة حول المهمة االساسية للفعل
ي
والتعبي
ر أوال :تفسي الواقع :وهذه أوىل مهام الفلسفة ،من حيث انشغالها بالنظر يف هذا الواقع
تفسيه
ر ًّ
حرفيا ،بل الغوص يف أعماق الواقع ومحاولة عنه ،لكن ليس بمعت محاكاته ونقله نقال
تفسيا شامال ،وصوال إىل األسباب والعلل البعيدة فيه ،وما يجري فيها من أحداث وظواهر،
ر
سواء كانت علمية أو سياسية أو اجتماعية أو أخالقية ...إلخ ،ومن ثم معرفة هذه األسباب
وتفسيها.
ر البعيدة المسؤولة عن األحداث والظواهر يف هذا الواقع
نشاط :يقوم مجموعة من الطلبة بالحوار حول هذه النقطة للتدليل عىل وجود آراء
فلسفية تحاول رتيير الواقع.
ً
الكيى للفلسفة يف عرص ما ،عندما تستحكم أمراضا يف ثالثا :تغيي الواقع :تظهر هذه المهمة ر
ى
األخالف ...إلخ .ولما كانت المهمة األوىل للفيلسوف
ي السياس أو
ي االجتماع أو
ي الواقع الفكري أو
يعان منها التى
ي ه تحليل الواقع ،فإنه من خالل التحليل يصل إىل تشخيص هذه األمراض ي ي
مجتمعه أو اإلنسانية .وبالطبع هو يركز عىل األمراض الفكرية والثقافية ،ألنه يعتقد أن الفكر هو
الذي يقود الواقع ،وأن النظر إىل الصورة السائدة للفكر يف مجتمع ما يكشف عن طبيعة هذا
المجتمع ومدى تخلفه أو مدى تقدمه .ومن هنا تكون دعوته إىل رصورة ر
تغيي الواقع نحو
ر
السء األفضل يف كافة مجاالت الحياة .وعليه يمكن القول إن معظم
األفضل برسمه تصورا لهذا ي
الفالسفة قد حاولوا تقديم حلول لمشكالت العالم.
1األيديولوجيا هي الموقف الذي يمكن ان يتبناه شخص ما ويدافع عنه دفاع قوي معتبره الموقف الوحيد الصادق والصحيح في مواجهة
كل المواقف األخرى .وغالبا ً ما يكون الموقف االيديولوجي موقف ثابت بغض النظر عن المتغيرات التي تحيط به.
17
اليونان أفالطون ،فيلسوفا ُمصلحا ،فقد اكتشف من النظر يف
ي لقد ظهر الفيلسوف
السياس،
ي واالجتماعيةف أثينا ،رصورة وضع شكل جديد للمجتمع
ي أحوال مجتمعه السياسية
المثاىل من وجهة نظره ،يف نظريته حول الجمهورية
ي ينبىع أن يكون ،وحدد معالم المجتمع
وكيف ي
ى
الت تقوم عىل فضيلة العدالة والتوازن ربي طبقات المجتمع ،وتقسيم الوظائف
أو الدولة المثالية ي
ى
الت
ربي أفراد هذه الطبقات ،بحيث يؤدي كل فرد يف المجتمع وظيفته داخل طبقته االجتماعية ي
ى
الت تناسبه. ى َ
ينتم إليها بحسب التقسيم الذي اقيحه عىل أكمل وجه ،محققا الفضيلة السياسية ي
ي
تغيي صورة المجتمع من أفراد يبحثون عن
ه ر تغيي الواقع ،ي
كانت غاية أفالطون من ر
عابئي بمصلحة المجتمع والدولة ككل،
ر غي
تحقيق مصالحهم الشخصية وخالصهم الفردي ،ر
إىل مجتمع يتكون من أفراد يمتلك كل واحد منهم الفضائل الرصورية لصالح المجتمع بأكمله.
ان) ،و(ابن سينا) و(إبن رشد) و(إخوان
هكذا أيضا كانت مهمة فالسفة اإلسالم (الفار ي
الصفا) ،فيما كتبوه يف فلسفتهم السياسية ،فقد كانت غايتهم وضع صورة لما يجب أن يكون
الفلسق
ي ان جهدهعليه الحال يف المستقبل بعد أن رفضوا صورة الواقع الذي عايشوه .قدم الفار ي
المدن أو السياسة المدنية" و"التنبيه عىل سبيل
ي يف كتبه "آراء أهل المدينة الفاضلة" و"العلم
السعادة" وكذلك إخوان الصفا يف رسائلهم ،وابن رشد.
الت نادت برصورة االنتقال من ى
تغيي الواقع ،الفلسفة الماركية ي
ومن الفلسفات الداعية اىل ر
خطية كما شخصها ى
الت تنتج عنها امراض سياسية واجتماعية واقتصادية
ر المجتمعات الرأسمالية ي
اشياكية تحقق العدالة االجتماعيةفالسفتها وعىل رأسهم (ماركس) و(انجلز) ،اىل مجتمعات ى
بي االفراد عىل اساس التوزي ع العادل ر
لليوة ربي الجميع. ر
ى
الفلسف: خصائص التفكي
ي
الفلسق عند الفيلسوف ،أهمها
ي الفلسق ،وتحدد الموقف
ي للتفكي
ر ممية
هناك خصائص ر
أوال :الدهشة والقلق.
18
كثيا من المظاهر ف الحياة والكون والعالقات ربي ر
البش ،قد ال تشكل لدى نحن نجد أن ر
ي
وحيتهم ودهشتهم ،وال تستوقفهم ،باعتبارها العاديي تساؤالت ر
تثي قلقهم ر ر معظم الناس
تثي فضولهم .بينما تستوقفوبالتاىل ال ر
ي مسائل عادية ومألوفة ومعتادة بالنسبة لهم،
وحيتهم .فالفيلسوف الحق لديه حساسية عقلية عالية
وتثي دهشتهم ر غيهم ر كثيين ر
أنسانا ر
بالنسبة لألحداث والظواهر ف العالم والعالقات اإلنسانية ،ر
فيشع بالتحليل والبحث عن معرفة ي
أصول األشياء والظواهر.
ثانيا :التساؤل.
فالفيلسوف مهمته أن يطرح التساؤل يف موضوعات مختلفة ،وقضايا بسيطة ومعقدة ،قد يراها
الناس واضحة ،أو يعتقدون بها اعتقادا ثابتا .الفيلسوف يطرح أسئلة عن مبادئ األشياء وأصولها،
والخي ر
والش ،والحق والعدالة ،والظلم والجور .يسأل عن ر المصي ،والوجود ،والعدم،
ر عن
وف اإلرادة اإلنسانية ومدى حرية هذه اإلرادة ،عن العقل والذهن
الحقيقة والمقصود بالحقيقة ،ي
ومصيها .يسأل عن األشياء كيف
ر وعالقته بالجسم ،يسأل عن النفس ،أصلها وعالقتها بالجسد
ى
والجديةف التفكي العميق .فالفيلسوف يرى أن الفلسفة محاولة مستمرة
ي ثالثا :المثابرة العقلية
الفلسق يسىع إىل التأمل والتحليل يف التفكي ى
ومنطق للقضايا ،مثلما أن تفسي عميق لوضع
ي ر ي ر
كبيا لغاية الوصول إىل أصول
تفكي يستغرق جهدا ر
ر الفلسق وليد
ي الواقع واألفكار ،فالموقف
األمور ومبادئها وأسبابها القريبة والبعيدة.
رابعا :الشك والنقد المنهجيان .وهذا موقف أصيل عند الفيلسوف ،يرتفع فيه فوق اآلراء
ًّ
منهجيا يسىع من ورائه الفيلسوف الوصول الفلسق موقفا واألفكار الساذجة الموروثة .ويشكل
ي
إىل المعرفة اليقينية ،القائمة عىل الحجة واليهان ،ولذا فإن موقف الشك والنقد الفلسفي ري
المنهج متحققا لدى الفيلسوف ،فإن الفلسفة ال
ي رصوريان للفيلسوف ،فإن لم يكن هذا الشك
تكون ر
أكي من موقف للعقل إزاء نظريات أو معتقدات يسلم بها الناس عن جهل أو سذاجة.
19
إيجان يساعد عىل نمو المعرفة وازدهارها
ي المنهج هو عنرص
ي إن هذا النوع من الشك
النست من ناحية العلم والحقيقة .ولذا فإن هذا الشك
ي وتصحيحها ،ورسوخ االعتقادات وثباتها
الفلسق ينفر من
ي يهدف إىل الوصول إىل الحقيقة وبناء المعرفة عند اإلنسان ،وكما أن الموقف
االعتقاد الجازم واألحكامالوثوقيةالقاطعة ،بشأن أي موضوع أو فكرة ،ال يجد دليال عىل صحتها،
العقىل وي هدم المعرفة ،ويشل انطالقة
ي فإنه يرفض التطرف يف الشك البعيد الذي يعرقل النظر
الفكر ،أي الشك الذي يجحد بإمكان المعرفة أصال ويبطل كل الحقائق والقضايا الصادقة.
هل تتفق مع األشخاص الذين يقدمون أفكارا قاطعة ونهائية في المشاكل االجتماعية أو
االقتصادية على سبيل المثال؟ ما مشكلة مثل هؤالء من وجهة نظرك؟
الت ّأرخت للفلسفة ،او بحثت يف موضوعها ،عىل تقسيم الفلسفة اىل
ى
درجت العادة يف الكتب ي
ه:
حقول ومباحث رئيسية يمكن حرصها يف مباحث رئيسية ي
ى
الت ظهرت حديثا ،مثل :فلسفة
هذا اىل جانب بعض المباحث الفرعية االخرى ي
العلم ،وفلسفة التاري خ ،وفلسفةى االدب ،والفلسفة السياسية ةاالجتماعية،
وفلسفة القانون ،وعلم الجمال ...الخ
20
أوال :مبحث الوجود:
ّ
الكىل – أو الوجود بما هو موجود ، -
هذا القسم من الفلسفة يبحث يف خصائص الوجود ي
تفسي للوجود كوحدة مطلقة دون تحديد أو تجزيء ،بينما تتكفل العلوم
ر عىل أساس وضع
الفرعية أو الجزئية البحث يف العالم المادي المحسوس وظواهره المختلفة ودراستها يف حاالتها
الجزئية أو الفردية.
كية نشاهدها كية؟ هل يمكن أن نرد الوجود بما فيه من ر -هل الوجود ف أصله وحدة أم ر
ِ ي
ى ر ً ّ
ونحس بها إىل عنرص واحد؟ بمعت آخر :هل الكية والتعدد ي
الت نراها يف العالم
كية من العنارص؟ واألشياء حولنا تعود إىل أصل واحد أم إىل ر
ه:
ينقسم هذا المبحث إىل ثالثة أقسام ي
21
-من أين نحصل عىل المعرفة؟ كيف يمكننا معرفة األشياء من حولنا؟
ى
ه العقل أم الحواس
الت نحصل من خاللها عىل المعرفة؟ هل ي -ما ي
ه الوسائل أو األدوات ي
أم الحدس أو وسائل أخرى؟
ى
يأن:
ج -طبيعة المعرفة .يبحث هذا القسم يف اإلجابة عن ما ي
الت نحصل عليها؟ هل ه عقلية أم ِّ ى
حسية أم روحية أم نفسية؟ ي -ما طبيعة المعرفة ي
-ما ي
ه طبيعة ونوع العالقة ربي الذات العارفة وموضوع المعرفة؟
ى
ه لماذا برأيك ينشأ االختالف يف اإلجابة عن طبيعة المعرفة ي
الت نحصل عليها؟ هل ي
حسية؟ عقلية أم ِّ
معتمدا عىل المصادر المتوفرة يف المكتبة ،اكتب تقريرا مخترصا عن تساؤل من
الت يدور حولها مبحث المعرفة.ى
التساؤالت ي
هل يمكنك البحث عن تعريفات للمباحث االخرى ( :المنطق والجمال )؟ معتمدا عىل
المصادر المتوفرة يف المكتبة.
علم الجمال
يزخر الكون الذي يحيط بنا بموجودات طبيعية ال حصر لها ،وبمنجزات و مصنوعات إنسانية،
ننظر إليها ونتأملها فتثير فينا إحساساً خاصاً ،ومتعة معينة ،ولذة مختلفة عن جميع اللذات الحسية،
22
وقد وضع لها اإلنسان اسماً خاصاً يميزها عن المتع واللذات األخرى فسماها المتعة الجمالية واللذة
الجمالية ،والمتعة الفنية ،والتجربة الجمالية والتجربة الفنية .
ويصاحب هذا اإلحساس الخاص وهذه المتعة المتميزة -في أغلب األحيان -إطالق أحكام معينة
تتعلق بالموضوع الذي أثار في النفس هذا اإلحساس وهذه المتعة ،فيقال :هذا شيء جميل أو
منظر جميل ،أو لوحة فنية جميلة أو قصر جميل أو سيارة جميلة ...الخ ،بل قد تكون في
أحكامنا درجات متفاوتة ،كأن نقول :جميل جدا ،ورائع ،وجمال أخاذ ،ومنظر بديع ،وغير
ذلك من األحكام المشابهة التي يحاول اإلنسان من خاللها أن يعبر بشكل أو بآخر عن درجة
المتعة الجمالية التي أحس بها الذي أطلق الحكم.
طبيعة الخبرة الجمالية
الخبرة الجمالية هي إدراك ذوقي يصاحبه نوع من التأمل الهادئ وإحساس بمتعة خاصة ولذة معينة
تختلف عن اللذات الحسية وتتجاوزها ،تنتج عن اتصالنا ببعض الموجودات الطبيعية أو الصنعية،
ويرافق هذا اإلدراك وهذه المتعة الخاصة حكم جمالي على هذه الموجودات ( فنقول :جميل ،بديع
،رائع ،ملهم ...الخ ) وتكون هذه الخبرة -في العادة واألغلب -غير ذات صلة باهتماماتنا
العملية في حياتنا ،ومجردة من الغرض النفعي أو اللذة المادية والشهوة العارضة .هذه الخبرة
الجمالية ،التي تنتج عن اتصالنا باألشياء الجميلة الطبيعية والصنعية ،هي في جوهرها تأثر وانفعال
أكثر منها فعل وتأثير ،ومصدر هذا التأثر واالنفعال هو الشيء الجميل ابتداء .وفي سبيل تمييز
الخبرة الجمالية واإلحساس بالجمال عن غيره من الخبرات وغيرها من أنواع اإلحساسات؛ يمكن ذكر
الصفات اآلتية للخبرة الجمالية:
-يرافق الخبرة الجمالية لذة ومتعة صافية ال يصاحبها ألم وال يعقبها أيضا .
وحبا نحو موضوع هذه الخبرة ،أي نحو الشيء الجميل ،وهي محبة كما الحظ
-تولد هذه اللذة ميالً ً
أبو حامد الغزالي (ت 505ه) غير مرتبطة بمنفعة أو إحسان أو حظ ينال من وراء الشيء
الجميل ،وإنما هو محبوب لذاته ،فكل جمال محبوب عند مدرك الجمال وذلك لعين الجمال ،ألن
إدراك الجمال فيه عين اللذة ،وهذه اللذة محبوبة لذاتها ال لغيرها.
-هذه الخبرة ذوقية ،فهي تجربة يحس بها صاحبها وحده ،ومشاعره فيها ال يشاركه فيها غيره ،
فإذا توجه عدد من األفراد بحواسهم وتأملهم نحو موضوع بعينه ،فإن خبراتهم الجمالية ال تكون
متطابقة في جملتها ،وإن اشتركوا جميعا في أحد عناصر الخبرة الجمالية ،وهو الحكم الجمالي .
-يترتب على هذه الخبرة الجمالية الذوقية إصدار حكم جمالي على الموضوع الذي ولد هذه الخبرة
الجمالية وهو الحكم بكونه جميال.
23
-ال يوجد قواعد صارمة كقواعد األخالق والمعرفة العلمية تخضع لها هذه التجربة ،ويصعب تقييمها
في ضوء معايير المنطق ،لذلك فقد تتفق الخبرات الجمالية في جانب األحكام التي تصدر عن
أصحابها. -هذه الخبرة الجمالية -بالرغم من طابعها الفردي الذوقي -قابلة للتهذيب واالرتقاء بها
وصقلها ،وذلك من خالل التدريب على تأمل الموضوعات الواضحة الجمال ،أي النماذج الجمالية
التي يتفق على جمالها األكثرية العظمى إن لم يكن الجميع.
24
الفصل ى
الثان :نظرية المعرفة
ي
-المبحث األول :نظرية المعرفة
oإمكان المعرفة
oمصادر المعرفة
oطبيعة المعرفة
-المبحث ي
الثان :فلسفة العلم
األهداف والنتاجات:
نظرية العرفة
إمكانية المعرفة
مصادر المعرفة
طبيعة المعرفة
العمىل والمشكالت الفلسفية.
ي الفلسق
ي oيدرك أهمية أسس الفهم
oيتقن مهارة قراءة النصوص وتحليلها ًّ
نقديا.
فلسفة العلم
العالقة ربي الفلسفة والعلم
ما ي
ه فلسفة العلم
العلم والالعلم
حدود العلم
العمىل والمشكالت الفلسفية.
ي الفلسق
ي oيدرك أهمية أسس الفهم
oيتقن مهارة قراءة النصوص وتحليلها.
25
المبحث األول :نظرية المعرفة
ر ّ
فه أساس كل معرفة ونظرية يتبناها
تمثل نظرية المعرفة مكانة رفيعة ربي العلوم البشية ،ي
ًّ
طبيعيا ،وتعتي لذلك حجر األساس لكل رأي إلهيا أم ًّ
ماديا ،فيلسوفا أم عالما اإلنسان ،سواء كان ًّ
كانت البدايات األوىل لما نسميه اليوم "نظرية المعرفة" ،قد تحددت مع بدايات الفلسفة
الفرنس (ديكارت 1950 -1596م) الذي نظر إىل نظرية المعرفة
ي الحديثة عىل يد الفيلسوف
اإلنجليي (جون لوك 1704 -1632م) ،كان
ر باعتبارها أساس الفلسفة برمتها .لكن الفيلسوف
فصل القول يف نظرية المعرفة عندما وضع هذا المبحث يف صورة مستقلة ،وذلك يفأول من ّ
علم يتناول بالفحص والدرس البشي "1690الذي يعتي أول بحث كتابه "مقالة ف الفاهمة ر
ي ي
اليقي فيها .ومن بعد لوك جاء الفيلسوف
ر أصل المعرفة وماهيتها وحدودها ومصادرها ودرجة
األلمان (كانط1804 -1724م) الذي أفرد بحوثا عظيمة يف نظرية المعرفة ،وعرفت فلسفته
ي
بالفلسفة النقدية ،وعالج دور كل من العقل والحواس يف عملية المعرفة.
ّ
نمىص قدما يف الحديث عن مباحث
ي عند هذا الحد من التوضيح والتحليل ،يحسن بنا أن
نظرية المعرفة:
ً
أوال :إمكانية المعرفة:
ى
الت ر
ه طبيعة المعرفة يهل المعرفة ممكنة؟ كيف يمكن لنا كبش أن نصل إىل المعرفة؟ ما ي
ه معارف ى
الت يمكن الوصول إليها ي
يمكننا الوصول إليها؟ هل نثق بأن مجموعة المعارف ي
يقينية من أي نوع؟ هل المعرفة اليقينية ممكنة؟ وكيف يمكن أن نصل إىل مثل هذه المعرفة
إن كان هذا ممكنا؟ هل هناك طريق واحد للمعرفة أم أن هناك العديد من الطرق؟
26
هذه الذات العارفة ملكاتها لتصل مع الموضوع إىل معرفة ما عن الموضوع أو عن إمكانيات يف
وبالتاىل فالمعرفة تكون
ي الموضوع تتجاوز كونه المتشكل إىل كينونة جديدة مختلفة نوعا ما.
ممكنة بتوافر ذات وموضوع :ذات عارفة وموضوع معرفة.
ى
الت حاولت تقديم إجابات ممكنة عىل إمكانية ر
ه أول المعارف البشية ي
تعتي المعرفة األسطورية ي
التفسيات األسطورية ترد
ر المعرفة ومن أين يمكن ر
للبش أن يحصلوا هذا المعرفة .وكانت مجمل
األرض تنقل معارفها إىل اإلنسان الوضيع
ي المعرفة إىل مخلوقات وعوالم خارج نطاق العالم
ه ى ليستفيد منها .ويجب
الت ي
وبي الخرافة ي إنسان ر
ي معرف
ي التميي هنا ربي األسطورة كفعل
ر
ى
والت تناقض المعرفة العلمية يف ى
الت ال تعتمد عىل المعرفة والمنطق يمجموعة من االعتقادات ي
كثي من جوانبها.
ر
وبالتاىل يكون مشوار الحياة لهذه الروح داخل الجسد هو مشوار عناء ومشقة ،يكون فيها
ي المثل.
الجسد عبارة عن سجن يمنع النفس من أن تصل إىل الحكمة الحق.
ّ
يكتق أفالطون بأن يقدم لنا نظرية التذكر (المعرفة تذكر) كنظرية أساسية يف تحصيل
ي ال
لك يحث الروح داخل الجسد عىل تذكر ما كانت قد نسيته .وهذا
المعرفة ،بل يرفقها بمنهج ي
المنهج هو منهج التولد والتساؤل .ويقصد به :منهج من الجدل قائم عىل طرح مجموعة من
27
وبالتاىل فعندما يصل أفالطون مع ى
الت تساعد الفرد عىل تذكر المعرفة.
ي األسئلة االستفسارية ي
هذه األسئلة إىل حقائق جديدة تكون بالنسبة له حقائق قديمة للروح ،ألنه تحت هذه الشمس
ال يمكن أن يكون جديد .وبما أن المنهج ،أي منهج من حيث هو منهج ،هو الطريق للوصول إىل
الحقيقة فإن المنهج أيضا عند أفالطون هو للوصول إىل الحقيقة؛ الحقيقة المنسية ال الحقيقة
غي المعروفة.
الضائعة أو ر
ما يهمنا هنا يف هذا العرض الشي ع لموقف أفالطون هو أن نوضح أن المعرفة مهما كانت
فه معرفة قادمة من خارج هذا العالم ،أي أنها معرفة تهبط علينا من عالمبالنسبة ألفالطون ي
ى
الت تفرضها أجسادنا ر ُ
المثل ،أما نحن كبش يف أجسادنا فال نحصل المعرفة بل إننا ،ونظرا للقيود ي
ُ
علينا ،عاجزون من حيث المبدأ عن أن ن َح ّصل أي نوع من المعرفة.
28
الحس) والمعرفة الموجودة في عالم المثل (العالم المعقول)،
ّ أسطورة الكهف:ولكي يوضح الفرق الشاسع بين المعرفة األرضية (عالم
يقدم لنا أفالطون صورة غريبة لتوضيح فكرته ،فيقول لنا أن نتخيل معه أن هناك مجموعة من البشر الذين يعيشون في كهف تحت
األرض له فتحة واحدة عند أعلى الكهف تطل على سرداب طويل يصل في النهاية إلى النور في الخارج .وفي هذا الكهف يعيش هؤالء
البشر وهم مقيدون من المعصمين والرسغين والرقبة إلى الحائط خلفهم ،بحيث يعجزون عن تحريك رؤوسهم فال يتمكنون من رؤية
شيء إال ما ينعكس أمامهم على حائط الكهف .وفي السرداب هناك نار مشتعلة ومجموعة من الممثلين الذين يحملون عدداً من المجسمات
ألشكال من الموجودات من جماد ونبات وحيوان يمررونها من أمام النار لتنعكس على الحائط المقابل للبشر القاطنين في الكهف،
ويصنع هؤالء الممثلين بعض األصوات الدالة على أصوات المجسمات التي يحملونها .وبالتالي تكون الصور التي يراها البشر في
الكهف هي في الواقع خياالت مجسمات الحقائق الممكنة.
ويقول لنا أفالطون أن علينا أن نتخيل بعد ذلك أن أخذ أحد البشر الموجودين في الكهف ،بعد أن فك قيده وأجبر على اعتالء
السرداب يسير ويشاهد خالل مسيره النار والمجسمات التي تمر من أمامها ثم يلزم على أن يستمر بالمسير إلى أن يصل إلى فتحة
الكهف فيخرج إلى النور ،لينبهر بالحقيقة ،فال يتمكن في البداية من رؤية شيء ،ثم يبدأ بالتواصل شيئا فشيئا مع عالم النور فيتمكن من
رؤية األشياء كما هي ال كخياالت على الحائط وال كمجسمات في السرداب ،بل كأشياء موجودة أمامه.
هذه الصورة الغريبة ،هي تشبيه أفالطون للفارق بين (عالم المثل) الذي هو مقابل لعالم النور والحقائق في الصورة المقدمة أعاله،
و(العالم األرضي) وهو ما يسميه أفالطون بالعالم المنظور ،فهو شبيه بالكهف ،وما يمكن للبشر أن يحصلوا من معرفة في داخل هذه
األرض إنما هو معرفة شب يهة بالمعرفة التي يدركها البشر في الكهف :أي معرفة بخيال مجسمات الحقيقة ،بينما تبقى الحقيقة عصية
عن اإلدراك بالنسبة للبشر ألن أجسادهم وقيودهم المفروضة من العالم المنظور تمنعهم عن رؤية الحقيقة ،فتبقى الحقيقة التي يدركونها
ضربًا من خيال الحقيقة ليس أكثر.وبالتأكيد فإن هذه الصورة عن العالم تجعل من كل ما نراه هنا في هذا العالم ما هو إال صورة للشيء
المثال في العالم المعقول .وبالتالي فالتفاحة التي نراها أمامنا ما هي إال انعكاس صورة مثال التفاحة في عالم المثل .ولذلك فإن التفاحة
التي نراها تكون إما حمراء أو خضراء أو صفراء وذات خصائص مختلفة ،لكن مهما اختلفت هذه الخصائص من تفاحة أرضية إلى
تفاحة أرضية أخرى فإن تلك التفاحات جميعا تعكس جوانب من الخصائص التي تحملها التفاحة المثال المعبر عن "النوع تفاحة" في
29
عالم المثل .وينسحب هذا التمثيل على أي موجود كالطاولة أو الكلب أو الحجر.
الت تعلمها منى ى
الت يقدمها لنا أرسطو عن العالم فتبدو مختلفة عن تلك ي أما الصورة ي
معلمه أفالطون .فبينما يعتي أفالطون أن اإلنسان يتكون من روح وجسد ،حيث الجسد هو
ً
السجن الذي تحل به الروح ،ينظر أرسطو إىل اإلنسان بكونه عقًّل وجسدا؛ العالقة بينهما عالقة
ترابط ال انفصال بها .ولذلك فهو يتساءل :هل يمكن لهذه العالقة أن تكون كعالقة الربان مع
السفينة ،أي أن العقل يستطيع أن يفارق الجسد؟ ويرد عىل ذلك بأن كل الدالئل تثبت أن هذا
ليس بممكن إال عىل مستوى الخيال ،أي أن يتمكن العقل من أن يتصور أشياء كان قد عرفها
واختيها ،أو أن يتصور أشياء يستطيع أن يجعلها بقوة العمل والعقل من أشياء متخيلة (صور)
إىل أشياء واقعية (مركبات) .وب هذا التصور ر
يشي أرسطو إىل معارضته لموقف أفالطون حيث
يرفض أن يكون هناك إمكانية النفصال النفس عن الجسد.
لكن كما أن كل معرفة ال تكون ممكنة إال بوجود منهج للوصول إىل الحقيقة ،كانت
األرسىط.وعىل الرغم من صعوبة عرض
ي المعرفة عند أرسطو أيضا مرتبطة بمنهج هو المنطق
هذا المنهج ضمن مقال من النوع المقدم هنا إال أن بعض ر
الشوط األساسية للمنهج رصورية
الكبي عىل المعرفة اإلنسانية إىل الحد الذي نستطيع القول معه إنه
ر تأثيه
لوع أهميته ولمعرفة ر
ي
المنهج الذي سيطر عىل الفكر اإلنسان وعىل العلم والمعرفة اإلنسانية منذ أرسطو ى
وحت بدايات ي
القرن السادس ر
عش.
ى
الت تمكن
القواني والقواعد ي
ر كبي من
يعتمد المنطق عىل مجموعة من المبادئ وعدد ر
مفيض صدقها) .وأهم هذه المبادئ هو الفرد من الوصول إىل نتائج من مقدمات صادقة (أو ى
مبدأ السببية .ومفاده أن كل حدث يقع ال بد له من سبب مرتبط به ومسبب له سابق يف الزمان،
بالتاىل الحدث الذي يحدث اآلن وهنا بسلسلة من
ي ولذلك السبب سبب آخر سابق له ،ويرتبط
ى
الت يمكن أن تتبعها إىل المسبب األول أو المحرك األول الذي ال يتحرك
األسباب والمسببات ي
لك يكون. ر
سء عداه وال يحتاج إىل أي سبب ي والذي هو سبب كل ي
ى
الت تقودنا إلمكانية المعرفة وقد كان هذا
ولكن المنطق ليس هو الوسيلة الوحيدة ي
أساس يف النقاشات الفلسفية عي العصور
ي التساؤل ،أي التساؤل حول إمكانية المعرفة ،محور
رئيسيي هما ( الشك يف المعرفة
ر اتجاهي
ر ويمكن القول أن معظم اإلجابات تصنف ضمن
والوثوقية – الوثوق يف المعرفة ):
30
أوال :مذهب أو اتجاه الشك ى يف المعرفة.
والتقىص بهدف الكشف عن الحقيقة ،كما يوصف به ّ ومعناه يف اليونانية النقد والبحث
ي
سء أو قبل أنر ّ
الشخص الذي ينظر بتمعن أو يتفحص باهتمام شديد قبل أن يصدر حكما عىل ي
يعت التوقف عن إصدار الحكم ًّ
يتخذ أي قرارت ،لكن هذا اللفظ اعتمد مدلوال اصطالحيا ي
(التوقف عن الحكم) ،لسبب ما ،مثل عدم الثقة الكافية يف وسائل المعرفة .لكن المعت الواسع
الفلسق هو أن تضع ألسباب معينة ما يتفق الناس عىل التسليم به موضع
ي الذي ُيفهم به الشك
تصور يضع موضوع التساؤل والفحص ّ وتثي التساؤالت حوله .بمعت أن الشك هو الشك ،ر
المجدد ما يعتيه اآلخرون معرفة صحيحة وقاطعة .لكن يجب أن ر
نمي ربي الشك واإلنكار ،أو
ًّ
سلبيا مطلقا (اإلنكار) ومن يتوقف عن إصدار عدم االعتقاد ،ألن هناك فرقا ربي من يصدر حكما
يثي تساؤالت معرفية. ًّ
إيجابيا ،أو ر ًّ
سلبيا كان أو الحكم
ى
الفلسف: نوعا الشك
ي
المذهن)
ري (أ) الشك المطلق (الشك
من خالل التعريف السابق ،استخلص الخصائص العامة لهذا النوع من الشك.
31
المذهت كان يف الفلسفة اليونانية القديمة
ي فلسق لهذا النوع من نزعة الشك
ي أول ظهور
عند أتباع المدرسة اإليلية ،ثم تبعتها الفلسفة السوفسطائية ،فزعزعت بتعاليمها وخطابها
ّ
"ن" الذي ُيعد
اإليمان بالمعرفة اليقينية ،إىل أن بلغت اليعة الشكية ذروتها مذهبا يف تعاليم ي
وغيه) بإعطاء أفكاره
مؤسس الشك يف العرص القديم ،وقام تالمذته من بعده (بروتاغوراس ر
صيغة المذهب.
المنهج
ر ي (ب) الشك
المنهج:
ر ي نماذج من الشك المطلق والشك
32
ى
كيف شكك السوفسطائيون يف إمكان المعرفة؟
استعن بأحد المراجع التالية :تاري خ الفلسفة اليونانية /يوسف كرم – قصة الفلسفة
الن أدت إىل ظهور هذه ى ى
اليعة الشكية. ى ى
اليونانية /أحمد أمي –لتلخيص أهم األسباب ي
المنهج:
ر ي الشك
ُيعد الشك المنهجي بداية لتفكير الصحيح في الفلسفة ،فهو التفكير العقالني ،كما أنه
األسلوب الصحيح لكل تفكير نقدي ،ويختلف عن الشك المذهبي أو مذهب الشك ألجل الشك ،فهو
يساعد على التحرر من األوهام والمفاهيم المغلوطة التي من شأنها أن تكبل العقل واإلرادة .ويهدف
هذا النوع من الشك االنتقال من الشك في المعارف والوصول إلى درجة اليقين .وبلوغ الحقيقة ألنه
يعني عدم الوثوق أو االقتناع النهائي بما هو قائم من األفكار والمعارف البشرية .ويعتبر ً
كال من
ديكارت والغزالي من أبرز ممثلي الشك المنهجي .وسوف نعرض ألفكارهما في الصفحات الالحقة.
33
ثانيا :القطعية أو الوثوقية (الدوجماطيقية))(Dogmatism
ً
ثانيا :مصادر المعرفة :
ى
الت تنقل لنا معارف الذوات العارفة
والتعابي والقواعد ي
ر ه مجموعة من األصوات
اللغة ي
المحك ومنها المعزوف .واللغة ليست فقط لغة
ي األخرى بوسائل مختلفة؛ منها المكتوب ومنها
اإلنجليية أو الصينية ،بل أي لغة كلغة الرياضيات ،ولغة المشح ،ولغة
ر الخطاب :العربية أو
ى
الت يتقن اإلنسان ابتداعها لنقل أفكاره ى
وغيها من اللغات األخرى ي
الجسد ،واإليماء ،والموسيق ،ر
ومعتقداته .ويمكن للذات العارفة أن تحصل عىل المعرفة من خالل هذه اللغات.
ى
الموسيف لغة؟ راشح )1كيف يمكن القول بأن
تعتي لغة الجسد مهمة؟
)2أعط أمثلة عىل لغة الجسد ،هل ر
ى
الت يمتلكها اإلنسان بوجود الدماغ Brain
والعقل Mindالمقصود هنا ليس الملكة ي
الت يمتلكها عىل الربط والتحليل ى
واليكيب ،والقدرة عىل ى
فيه فقط ،لكن بالعقل نقصد القدرة ي
34
ه بطبيعتها جديدة
التفكي الممكنة لدى اإلنسان الوصول إىل معرفة ي
ر أن يتم من خالل مستويات
ى
وهالت تمت بها توليفة األفكار يف الذات العارفة لهذا الفرد أو ذاك .ي
ألنها مرتبطة بالطريقة ي
لك تكون توليفة اجتماعية من نوع ما. ى
بالتاىل مختلفة من فرد إىل آخر حت وإن صدرت باالتفاق ي
ي
ى
الت تتكون لدى الذوات العارفة من خالل
ه مجموعة المشاعر واألحاسيس ي
والعاطفة ي
احتكاكها بعضها مع بعض أو من خالل احتكاكها مع موضوع المعرفة.
ومن خالل هذه األدوات يمكن للذات العارفة أن تحصل عىل المعرفة بطرق متعددة
تمي االختالف ربي المدارس الفلسفية حول ر
تستخدمه بها واحدة أو أكي من هذه األدوات ،وقد ر
يعىط المركز األهم أو األعىل يف الوصول إىل المعرفة .كأن يتم
ي أي من هذه األدوات يجب أن
االعتماد عىل العقل ( العقالنيون ) او الحواس ( التجريبيون ) .وعليه فمن المهم أن نعرف الطرق
ى
الت يتم بها تحصيل المعرفة:
ي
ى
والتلف والتعلم( :اللغة ،والمنطق ،والتجربة ،واألوامر من القوى -المعرفة من خالل الوصف
ي
اساس ،إذ أن المعلومات
ي العليا ،والذاكرة) .ويعتمد هذا الطريق عىل اللغة والحواس بشكل
ه أداة التخاطب الرئيسية ى
الت تقدم للذات العارفة من خالل السمع او من خالل القراءة ي
ي
ى ر
الت نتحصل عليها تعتمد يف
اساس للمعرفة كون المعارف ي
ي فه مصدر ربي البش .ولذلك ي
وصولها إلينا عىل اللغة وعىل البناء اللغوي.
-األدراك ( :) Perceptionي
ى
ه مجموعة البيانات /المشاهدات ي
الت تقدمها الحواس مع
الت يتعامل بها العقل مع هذه البيانات ،وتختلف عن المشاهدات ى
الخلفية المفهومية ي
البسيطة يف انها تعتمد عىل العقل والحواس معا .فعندما نشاهد ثمرة التفاح نشاهد شيئا له
شكل محدد ولون قد يختلف ( أحمر أو أخرص أو أصفر) وطعم قد يختلف ( حلو أو حامض
معي ،ولكننا ال نشاهد التفاحة بكونها تفاحة ،إنما ندرك بالعقل أنها تفاحة،
) وذات ملمس ر
فمفهوم التفاحة ليس شيئا موجودا باستقالل عن الذات العارفة ،بل هو مفهوم نحن وضعناه
لك نتعرف عىل الثمر ى
وبالتاىل ي
ي الت ذكرت للتو
كذوات عارفة ليعي عن مجموعة المشاهدات ي
ه إدراك لها ال مشاهدة لها .
وبالتاىل تكون مشاهدتنا للتفاحة ي
ي ونقول أنها تفاحة.
35
-الحدس ( :) Intuitionه المعرفة الداخلية النابعة عن مجموعة من المدخالت ى
الياكمية ي
تفسي هذا الموقف
ر ى
الت تجعل اإلنسان العارف يتخذ موقفا معرفيا معينا دون أن يتمكن من
ي
حس.
ي عقالن –
ي المعرف بشكل
ي
-الحجاج ( : ) Reasoningي
الت يقدمها اإلنسان العارف ليوضحى
ه جملة اإلدعاءات ي
ى
الت دفعته ليتخذ موقفا معرفيا معينا .وقد تكون مبنية عىل مجموعة من البيانات
األسباب ي
وبالتاىل تقدم حججا ى
الت يمكن للذوات العارفة األخرى أن تتفق او تختلف معها
ي اهي ي
والي ر
بديلة بهدف إثبات فشل الحجة المقدمة.
ً
هل تعتمد بأهمية الحدس كمصدر للمعرفة؟ كيف يكون الحدس مهما؟ رإشح
ى
الت يمكن ردها اىل الطرائق االرب ع أعاله:
ومن طرق تحصيل المعرفة األخرى ( ي
ى
الت يحصل عليها الفرد من خالل تربيته .1المعرفة من خالل الموروث :ي
وه جملة المعارف ي
ى
الت ننشأ عليها ،كمعرفتنا ب
ه مجموعة العادات والتقاليد ياالجتماعية .ومثال عليها ي
وه لذلك تختلف من منطقة إىل أخرى بحسب ى
والت يتعلمها الفرد من محيطه ي
"الدبكة" ي
الموروث الموجود يف المنطقة.
ر ى
المبارس مع الت يحصل عليها الفرد من خالل تعاملهه المعرفة ي .2المعرفة باالحتكاك :ي
الموضوع .ومثال عليها هو كيفية تناولنا للطعام وطرقه ونوعية البهارات والطعم الذي
يستسيغه الفرد.
الت يحصل عليها اإلنسان نتيجة ىليكيبته البيولوجية،
ى
.3المعرفة بالغريزة :ي
وه جملة المعارف ي
كحاجته للطعام ر
والشاب والتكاثر.
ى
الت يحصل عليها اإلنسان من خالل المراس .ومثال عىل .4المعرفة بالممارسة :ي
وه المعرفة ي
ذلك هو القدرة عىل أجراء عمليات جراحية ،فمهما تعلم اإلنسان من خالل القراءة والنظر
الثان
ي إىل عمليات جراحية فلن يتمكن من امتالك المهارة دون ممارسة الجراحة .والمثال
األبسط هو قيادة السيارة فكل أنسان يشاهد ويتعرف عىل القيادة منذ نعومة أظافره ولكنه
ال يتقن القيادة إال من خالل الممارسة
36
ه مصادر المعرفة ى
الت تعالج السؤال "كيف نعرف؟" أو سؤال ما ي
أهم المدارس الفلسفية ي
ه:
ي
ِ
الحّس).ويعتي هذا االتجاه أن المعرفة مصدرها التجرين - أ -التجريبيون (أصحاب االتجاه
ي ري
ى
الت تنقلها لنا يف العقل
التجربة وحدها ،وبذلك فكل معارفنا عبارة عن مخرجات الحواس ي
ويوم ،وكل تشويه للحقيقة ولما يمكن أن نراه يف الحقيقة والواقع هو جملة
ي روتيت
ي بشكل
بغي حقيقتها ،بل بما يريد
لك نراها ر ى
الت يقوم العقل بإضفائها عىل الطبيعة ي
التشوي هات ي
العقل أن يراها .ومن أبرز أعالمهم :جون لوك ،وفرنسيس بيكون ،وديفيد هيوم.
العقىل).هو االتجاه الذي يعتي أن العقل هو مصدر كل معرفة،
ي ب -العقليون (أصحاب االتجاه
وال يمكننا أن نصل إىل أي معرفة من خارجه .وهو بذلك يعتي أن الحواس والجسد مصادر
العقالنيي عي العصور :أفالطون وديكارت وكانط.وقد
ر والتفكي.ومن أشهر
ر لتشويه العقل
بق عىل ى
عقالن بعد كانط بحيث أصبح يقر بالحس كمصدر للمعرفة ولكنه ي ي تطور االتجاه ال
النهان لكل معرفة.
ي أعتبار العقل هو الحكم
ْ ْ ُّ
س) .يقول هؤالء بمصدر ثالث للمعرفة ،ال هو بالتجربةج -الحدسيون (أصحاب االتجاه الحد ي
الحدس .ومن أبرز ويسمون كذلك أصحاب المذهب ّ وال هو بالعقل ،وإنما هو بالحدس،
ي
أعالمهم :هيي برغسون.
ُ ى
رجعون المعرفة إىل السلوك والتجربةاغمان) .هؤالء ي ِ
ي اليالياغماتيون (أصحاب االتجاه ر
د -ر
السء بوساطة نتائجها وما تحققه من نفع ر
العملية ،ونحن نعرف صحة الفكرة أو حقيقة ي
ويسم هؤالءفالسء أو الفكرة تكون صادقة ،بمقدار نجاحها عند التطبيق العمىلُ ،
لألفراد .ر
ي ي
اغمان .ومن أبرز أعالمهم :وليم جيمس وجون ديوي. كذلك أصحاب المذهب الي ى
ي
ِ
(الحّس): ى ً
ي التجرين
ري أوال :مصدر المعرفة يف المذهب
37
ّ ُ
التجريت صورا عدة تجمع كلها عىل رفض التسليم بوجود أفكار فطرية ي وأخذ المذهب
ُ
التجريبيينيولد موروثة ،أو مبادئ عقلية بدهية ،أو أحكام عقلية سابقة عىل التجربة .والعقل عند
ً
صفحة بيضاء بدون أي معرفة سابقة ،كما يرى جون لوك مثال .وأما المعرفة فتنشأ من معطيات
ى
الت تزودنا دائما بالمعرفة .وب هذا يتلخص ر
ه ي الحواس عن طريق التجربة المبارسة .والتجارب ي
ه مصدر المعرفة.
موقفهم بأن التجربة ي
يف العرص الحديث ،نجد العديد من أتباع هذا المذهب ،ومن أشهرهم توماس هوبز ،وجون
الفرنس
ي اإلنجلي ،والفيلسوف
ر لوك ،وديفيد هيوم ،وجون ستيوارت ِمل ،وكلهم من الفالسفة
وغيهم.
كوندياك ،ر
تجريت ،أنكر بصورة نهائية ،كل معرفة أولية أو سابقة عىل التجربة،
ي إنجليي
ر هو فيلسوف
فأساس معارفنا هو تجاربنا.
ى
الت يكون مصدرها التجربة .وهو
يرى هيوم أن كل معارفنا تتألف من إدراكاتنا الحسية ي
قسمي:
ر يقسم هذه اإلدراكات من حيث درجة وضوحها إىل
38
ر
المبارسة. ًّ
حسيا مصدره التجربة ويرى هيوم أن كل فكرة توجد يف الذهن ،كانت يف أصلها أثرا
حسية مختلفة .ويستحيل أن نجد ولهذا فإن جميع معارفنا يمكن أن ترجع بكاملها إىل إدراكات ِّ
اليكيب – فكرة واحدة ال يمكن ردها إىل االنطباع أو االنطباعاتبي أفكارنا – مهما بلغت من ى
ر
الت جاءت بها إدراكاتنا المختلفة .والدليل عىل ذلك أننا نجد يف حياتنا أن من يفقد ى ِّ
الحسية ي
بالتاىل األفكار المتصلة بها. حاسة ما ،يفقدّ
ي
ى
المعان عند هيوم
ي ترابط األفكار وتشكيل
وه:
المعان" ،ي
ي "تداع
ي لقواني
ر يرى هيوم أن األفكار ترتبط بعضها ببعض وفقا
39
معيار صدق األفكار عند هيوم
الفلسق فإن اختبار صدق الفكرة يكون بتحليلها وردها إىل ي بحسب مذهب هيوم
ُ ّ ى
الت ال نجد لها أصال يف التجربة تعد فكرة باطلة .وهكذا فإن معيار
مصدرها يف التجربة ،والفكرة ي
ِّ
الحسية. الصدق للفكرة هو المطابقة مع التجربة
وفقا لمعيار الصدق السابق يحلل هيوم بعض األفكار المهمة يف الفلسفة ،مثل فكرة
ّ
(العلية). السببية
ى ّ
المفيضة ه االعتقاد بأن لكل حدث أو ظاهرة علة أو سببا ،وتنشأ من العالقة * السببية :ي
ّ
شيئي بحيث إذا حدثت العلة أو السبب ر ربي (السبب والنتيجة) ،لوجود عالقة ارتباط ربي
حدث المعلول أو النتيجة .ويرى هيوم أن مبدأ السببية ال يتضمن أي نوع من الرصورة أو
الحتمية ،وهو عبارة عن عادة ذهنية أو سيكولوجية ترسخت يف أذهاننا عن طريق تكرار
ِّ
الحسية أن تيهن عىل اقيان ،وليس يف إمكان التجربةحصول األشياء والظواهر بصورة ى
والماض.
ي وجود التشابه ربي المستقبل
الجدير بالذكر أن ما ّ
توصل إليه هيوم حول فكرة السببية ،سبقه إليه فيلسوف اإلسالم
اىل (450ـه1058/م505 -ـه1111/م) .فقد ررسح قبل هيوم فكرة السببية،
اإلمام أبو حامد الغز ي
عقىل لها،
ي مع االنتباه إىل أن هيوم لم ينكر السببية بالمطلق ولكنه أنكر أن يكون هناك تعليل
اىل إىل القولبعدم وجود رابطة سببية رصورية ربي األشياء وحدوثها ،وأنكر الرصورة
بينما انته الغز ي
40
ى
الت تخلق فينا هذه العالقة السببية، ى ُ ى
ه ي الت تشكلت يف أذهاننا ي
العقلية فيها ،مفيضا أن العادة ي
وأسماها "جريان العادة" ،بدال من السببية ،وبذلك يكون قد أنكر أية عالقة سببية ربي النار
ى
باالقيان أو العادة الذهنية. ى
واحياق القطن مثال ،مفشا ذلك
العقىل (العقالنيون):
ي ثانيا :مصدر المعرفة عند المذهب
كلية ى
مشيكة لدى جميع األذهان ،ورصورية تصدق عىل جميع األشياء، إن مبادئ العقل ّ
وأولية سابقة عىل كل تجربة .فإذا قلنا مثال( :الكل أكي من الجزء) ،أو (المساويان لثالث
وغي موجود يف وقت واحد) ،فإن هذه متساويان) ،أو ر
(السء الواحد ال يمكن أن يكون موجودا ر
ي
ى
الت ال تخىط مرة وتصيب مرة ،بل وغيها ،صادرة عن العقل .ي
وه "نوع من الحقائق ي المبادئ ،ر
صادقة دائما ،أي صادقة بالرصورة ،وما يصدق عن العقل ،فصدقه رصوري ومحتوم".
وأما صفة الشمول لألحكام العقلية ،فمعناها صدق هذه األحكام يف كل زمان ومكان ،وعدم
بتغي الظروف واألحوال ،أي ما هو صادق باألمس هو صادق اليوم ،وسيكون صادقا غدا.
تغيها ر ر
الص َو ّرية كالرياضيات والمنطق ،هو
نحسه ف العلوم ُّ
ي
ّ اليقي الذي
ر ويرى أتباع هذا المذهب أن
لليقي ،ألن الصدق يف هذه العلوم رصوري وشامل.
ر المثل األعىل
ّ
الحسية ه خصائص المعرفة ى
إذا كان من خصائص المعرفة العقلية الرصورة والكلية ،فما ي
(التجريبية)؟
فه ال
وبما أن المعرفة العقلية تتصف بالرصورة ،فإنها ال تقبل التعديل وال االحتمال ،ي
ّ
فه فطرية عند الجميع .فالعقليون يتفقون عىل أن العقلتتوقف عىل األفراد والظروف ،ولذا ي
ه كما يقول ديكارت" :أعدل األشياء
قوة أو ملكة فطرية واحدة ،توجد عند جميع الناس ،أو ي
قسمة ربي الناس".
41
ّ
العقليي يرون بأن العقل بقوانينه ومبادئه األولية السابقة والمستقلة عن
ر الخالصة:إن
ّ ُ .
اليونان أفالطون أشهر
ي ويعد الفيلسوف التجربة هو مصدر كل معرفة تحصل عند اإلنسان
العقىل ،كما يمثل هذا المذهب يف العرص الحديث العديد من الفالسفة من بينهم
ي ممثىل المذهب
ي
التجريت يضم العقىل مثله مثل المذهب وغيهم .كما أن المذهب ى
ي ي ديكارت وسبينوزاوليبني ر
الت رأرسنا إليها سابقا وتختلف يف الفروع.
ى ى
اتجاهات شت تتفق يف األصول ي
ًّ
رياضيا ،وترتبط فلسفته بنظريته يف يعتي أحد أبرز فالسفة العرص الحديث ،وكان عالما
ّ
العقىل ،ولقب ب (أبو الفلسفة الحديثة).يعد
ي مؤسس المذهب
ي الرياضيات ،وهو من أهم
الغربيي الذين ترتبط أسماؤهم بالشك
ر الفرنس "رينيه ديكارت" أبرز الفالسفة
ي الفيلسوف
اليقي ،فالعقل حافل بأفكار بعضها
ر المنهج الوصول إىل
ي المنهج .استهدف ديكارت بشكه
ي
خاط وعىل اإلنسان من أجل بلوغ الحقيقة أن يتحرر أوال من كل المعتقدات السابقة ،وأال يقبل
والتمي ،فمعيار الحقيقة إذن هو
ر بعد ذلك موضوعا ما عىل أنه حقيقة إال إذا اتصف بالوضوح،
والتمي.
ر الوضوح
ى
الديكارن
ي أسباب الشك
يف كتابه "تأمالت يف الفلسفة األوىل" يقول ديكارت :إنه يلزم أن نضع موضع الشك جميع
كبيا من اآلراء الباطلة وحسبها ى
األشياء بقدر اإلمكان ،ويير ذلك بأنه منذ حداثة سنه قد تلق قدرا ر
الحي من مبادئ عىل هذا القدر من قلة الوثوق ال يكون إال ر صحيحة ،فكل ما بناه منذ ذلك
سء من جديد وأن ر
مشكوكا فيه ،وإذن فيلزم إذا أردنا أن نقيم شيئا متينا يف العلوم أن نبدأ بكل ي
ى
الت يقوم عليها البناء.
نوجه النظر إىل األسس ي
ى
اليقي: من الشك إىل
42
ينته ديكارت إىل أنه عىل الرغم مما ذهب إليه من شك ،فهناك حقيقة ال يستطيع أن
ي
التفكي ،إذن أنا أفكر،
ر أنت – فيما يقول ديكارت – أشك ،والشك نوع من أنواع
وه ييشك فيها ،ي
وما دمت أفكر فهناك ذات فاعلة – (لكل فعل فاعل) ،ومن ثم أنا أفكر ..إذن فأنا موجود ،وذلك
الشهي المعروف باسم مبدأ "الكوجيتو" حيث ذكر العبارة باللغة الالتينية ى
الديكارن هو المبدأ
ر ي
الفلسق.
ي ) (Cagito, Ergo Sumومن هذه الحقيقة يبدأ ديكارت يف إقامة بنائه
العقىل عنده
ي دعائم المنهج
اليقي
ر العقىل عند ديكارت وسيلتان أساسيتان يستطيع العقل الوصول بهما إىل
ي للمنهج
وهما:
ى ر
أ -الحدس :أي المعرفة العقلية المبارسة ي
الت يدرك بها العقل الحقائق أو القضايا
البسيطة الواضحة.
43
ى
ب -االستنباط :ومعناه استخالص نتائج جديدة من مقدمات نعرفها معرفة يقينية ،ي
والت
تتمثل يف مقدمات حدسية.
مثال :أ = ب ،ب = ج ،إذن (أ = ج)
2+2=4
ى
الت تقول" :الشيئان المساويان
فهذه طريقة استداللية استنباطية مبنية عىل البدهية ي
العقليي نتوصل إىل المعرفة
ر العمليتي أو المبدأين
ر لسء ثالث متساويان" .وب ر
هاتي ر
ي
اليقينية.
خالصة وتعليق:
44
الحسيي ،بل يتعلق العقليي أو للعقل عند إلغاء ًّ
تاما للحواس عند ً فاألمر إذن ليس
ر ر
بأفضلية كل منهما عىل اآلخر يف نظر كل فريق من هؤالء.
ً فالحسيون ى
يعيفون بوجود المعرفة العقلية ،ولكنهم يفشونها باعتبارها صدى إلدراكاتنا
ّ
الحسية ولكنهم يفشونها باعتبارها يف حاجة فيعيفون بوجود المعرفةى الحسيةّ ،أما العقليون
ّ
الحدس (الحدسيون)
ي ثالثا :مصدر المعرفة عند المذهب
ر
المبارس لحقيقة أو فكرة ما حارصة أمام الذهن ،دون ًّ
فلسفيا :اإلدراك معت الحدس
استدالل أو قياس تمهيدي ،أو استقراء ما .والمعرفة الحدسية ر
غي محتاجة بنظر هؤالء إىل وجود
معيار خاص لقيمة الصدق ،إذ إن طبيعتها (المعرفة) واضحة ليست يف حاجة إىل برهان.
ر
(اإلرساق – الصوف وهناك يف تاري خ الفلسفة أشكال مختلفة من الحدس ،مثل الحدس
ي
َُ
اىل مصدر المعرفة اليقينية (ألن المعرفة فيه لدنية) ،وكذلك الحدس
العرفان) ،الذي جعله الغز ي
واليقي.
ر الرياض ،الذي جعله ديكارت معيارا للصدق
ي
ى
هيي بيغسون1941 -1859 H. Bergsonم
ّ
الحسية (التجريبية) والمعرفة العقلية ،وقال بوجود فرنس ،رفض المعرفة وهو فيلسوف
ي
ى
الت تعتمد يف مصدرها عىل "الوجدان" أو "الحس
ه المعرفة الحدسية ،ي
معرفة من نوع مختلف ي
الباطت".
ي
ويعتقد ربيغسون أن العقل عاجز تماما عن تزويدنا بالمعرفة اليقينية الشاملة ،أو أن يوصلنا
الخارح أو مجال العلم ،فإنها ّ
الحس إىل المعرفة بجوهر األشياء .فإذا كانت لديه القدرة يف مجال
ي
ّ
الباطت لمقوالته .ومن ثم ال ُبد من وجود ملكة
ي
ر
تتالس عندما يتعلق األمر بمجال الحس سوف
45
وه ملكة
العاطق – أو ما يسميه ربيغسون بالزمان الشعوري – ي
ي أخرى خاصة بهذا المجال
الت بواساطتها يكون بمقدورنا إدراك األشياء من الداخل ،حيث هناك ننفذ إىل باطنى
الحدس ،ي
األشياء ،لتكون شيئا واحدا مع ما فيه من أجزاء.
لبيغسون فإن المعرفة عن طريق الحدس وحدها تصلح أن تكون مصدرا للمعرفة
وبالنسبة ر
ى
الت
فه تتفوق عىل كل المعارف عن طريق الحواس أو عن طريق العقل ،ألنها وحدها ي
الحقة ،ي
الروح يف موضوع المعرفة.
ي تدرك الجانب الشعوري أو
ى
(الياغماتيون)
اغمان ر
ي رابعا :مصدر المعرفة عند أصحاب المذهب ر
الي
تعت الياغماتية؟
ماذا ي
سء مصدرها معرفة آثاره العملية يف الحياة .وهكذا فإن الفكرة ر
يرى ربيس أن معرفة أي ي
تكون صحيحة للي ى
اغمان بمقدار نجاحها يف التطبيق يف الحياة وظهور آثارها العملية.
ي
ى
اغماتيي
الي
مبادئ نظرية المعرفة عند ر
ّ
عدة أفكار: -1ى
التجريت يف
ي تلتق الياغماتية مع المذهب
ي
46
الخارح.
ي أ -ارتباطهما معا بالواقع
ب -القول باستقالل األشياء والموجودات عن العقل.
التجريت بتطويرها النظرة إىل المعرفة ،فنظرتها نحو
ي -2تختلف الياغماتية عن المذهب
الماض ،فبدال من اهتمامها بتحليل التجربة والمعرفة وردها إىل
ي المستقبل بدال من
أصولها األوىل ،كما فعل جون لوك وهيوم ،وجهت اهتمامها نحو ربط المعرفة بعالم
التجربة من حيث النتائج ال من حيث النشأة أو المقدمات ،ألن الياغماتية ال تهتم
بسؤال "كيف تنشأ المعرفة أو األفكار" ،بل تهتم ر
أكي بالسؤال عن النتائج العملية
ى
الميتبة عىل هذه الفكرة أو تلك يف عالم الواقع.
معان عقلية ثابتة أو تصورات قبلية أو فطرية ،ولذلك تنكر
ٍ -3المعرفة ال تقوم عىل
الياغماتية وجود حقائق مطلقة الصدق ،ألن اإلنسان هو الذي يصنع الحقيقة من
العلم؛
ي وتغي الزمان والمكان والتقدم
بتغي اإلنسان ر
تتغي ر
خالل الفعل ،كما أن الحقيقة ر
فقد تصبح حقائق اليوم عكس ذلك يف المستقبل ،ولذلك يرى الياغماتيون أن
تغي مستمر ،فالحقائق تؤكدها أو تقررها
وف ر
صيورة مستمرة التكوين ،ي
الحقيقة عملية ر
التجربة ،وال توجد حقائق مستقلة عن التجربة.
ُ
اغماتيي بنتائجها العملية .بمعت أن الحق أو
ر -4تقاس القيمة الحقيقية للفكرة عند الي
الصدق ال يكون يف عبارة أو قضية ما سابقا عىل اختبارها يف الواقع وظهور نتائجها أو
نفعها ،وعندئذ نقول عن فكرة ما أنها حقيقة ألنها تحقق منفعة .وتفهم المنفعة هنا
بمعت المنفعة العامة للمجتمع وليس المنفعة الشخصية أو الفردية.
ر
لماذا؟اشح. أي من المدارس الفكرية السابقة أعجبك؟
يدور هذا المبحث حول عالقات المعرفة :الذات /الموضوع – الذات العارفة ،وموضوع
الطرفي أو كليهما ال تكون هناك معرفة.
ر المعرفة ،والعالقة المتبادلة بينهما .فبدون أحد هذين
ا
-هل الذات العارفة (أو الفكر) تشكل طرفا مستقًّل ر
متميا أو عالما قائما بذاته يقف أمام
عالم الواقع ويختلف عنه...؟
47
ى
-كيف ي
تلتق الذات بالموضوع أو الفكر بالواقع؟
نحن نقول عن وردة ما إنها جميلة ،وقد نقول القول نفسه عن لوحة فنية ،أو عن قطعة
موسيقية ...إلخ ،فهل ربي هذه كلها وجه شبه جعلنا نصفها كلها بصفة واحدة ي
ه "الجمال"؟
ال شك أن يف ذهنك فكرة عن الجمال تقيس بها األشياء الخارجية فتعرف مقدار ما لها من
جمال ،وب هذه الفكرة الذهنية استطعت أن ترى وجه الشبه ربي هذه األشياء .إذن فالمعرفة
طرفي:
ر تقتىص
ي
رئيسيي:
ر اتجاهي
ر انقسم الفالسفة يف اإلجابة عن هذا السؤال إىل
الخارح.
ي الواقع :الذي يرى أن المعرفة ي
ه صورة مطابقة لحقائق األشياء يف العالم ي أوال :االتجاه
المذهبي:
ر يىل نعرض بإيجاز لطبيعة المعرفة عند كل من هذين
وفيما ي
ى
الواقعيي:Realists أوال :طبيعة المعرفة عند
الخارح هو وجود
ي الواقىع يف المعرفة هو المذهب الذي يرى أن وجود العالم
ي المذهب
الواقىع يمكن معرفته. ى
حقيق مستقل عن الذات ،وأن هذا الوجود واقىع
ي ي ي
والخالصة أن المعرفة عند أصحاب الواقعية النقدية ليست يف مجموعها صورة مطابقة
موضوع يصور
ي للواقع ،وإن كانت مع ذلك مستمدة من الواقع ،أي أن بعض عنارص المعرفة
ى
ذان من نتاج العقل.
الواقع كما هو تماما ،وبعضها ي
ى
إنجليا: ى
ب -الواقعية الجديدة يف
ّ
وتعد الواقعية الجديدة امتدادا ى
اإلنجليي ،حيث بدأت بتفنيد النظرة
ر الفلسق
ي للياث
المثالية (موضوع الصفحات القادمة) ،وحاولت أن تستبدل بهذه النظرة نظرة أخرى جديدة كل
الجدة يف نظرية المعرفة ،ومن أشهرهم :جورج إدوارد مور ( ،)1958 -1873وبرتراند رسل
كثيون.
وغيهم ر
( ،)1970 -1872ر
49
اإلنجليي "رسل" مثاال للواقعية الجديدة.
ر يىل سنتخذ الفيلسوف
وفيما ي
ى
وب هذا المعت تصبح الفلسفة وعلم المنطق سواء بسواء .والمهمة الرئيسة ي
الت اضطلع بها
َُْ
لك يحقق هذا الهدف ،وهو أن تقلع الفلسفة عن دراسة ه أن "يمن ِطق" الفلسفة ي "رسل" ي
ى
المنطق الكىل ،وأن تقنع بدراسة الوجود العام الذي يدل يف فلسفة "رسل" عىل الوجود
ي الوجود ي
الذي أراد أن يحرص فيه الفلسفة كلها.
وعلم المنطق الذي يريد "رسل" أن يرجع الفلسفة كلها إليه يتصف بالصورية ،أي البحث
يجعلت أقول :إن عبارة مثل
ي يف الصورة المنطقية للعبارة اللفظية ،واالهتمام بهذه الصورة
الطي يقف ربي العشب غي المنحازة تقف ربي ر
الشق والغرب" ،وعبارة أخرى مثل "هذا ر "الدولة ر
والماء" لهما الصورة المنطقية نفسها بغض النظر عن معناهما.
إن المنطق الصوري الجديد الذي توصل إليه "رسل" قد انعكس عىل فهمه لنظرية
فئتي:
الخارح إىل ر
ي المعرفة .إذ يرى أن هذه النظرية هدفها الرئيس هو تصنيف معارفنا عن العالم
ى
معارف أساسية ،ومعارف مستنتجة أو مستخلصة .وهذه المعرفة ي
الت نجمعها عن العالم وما
فيه من أشياء ،يجب أن تنظم وترتب ،وأن نشك يف مقوماتها.
50
وهكذا نجد أن نظرية المعرفة عند "رسل" تقترص مهمتها عىل وضع سلم للمعرفة تشكل
ر
المبارسة أوىل درجاته ،وتشكل المعرفة بالوصف درجاته األخرى .والوصول إىل هذا المعرفة
السلم يكون عن طريق تحليل اللغة الشائعة واللغة العلمية عىل حد سواء .ذلك التحليل الذي
ًّ
جزءامهما من مفهوم يشكل المفهوم الجديد لنظرية المعرفة عنده ،كما يشكل يف الوقت ذاته
المنطق عنده.
ى
المثاليي: ثانيا :طبيعة المعرفة عند
المثاىل )(Idealism
ي االتجاه
فلسق يتعارض
ي وهذا المصطلح مشتق من كلمة ) (Ideaبمعت فكر أو فكرة ،وهو اتجاه
بشكل قاطع مع المادية ،فالمثالية تبدأ من المبدأ القائل إن الحقيقة النهائية ذات طبيعة عقلية
أو ذهنية أو فكرية أو روحية ،ومنهم من ينكر الوجود المستقل لألشياء خارج الذات المدركة
وهم (أتباع المثالية الذاتية).
وترتبط صفة "المثالية" يف هذا االتجاه بقول كانط :إن هناك ررسوطا أولية يضعها العقل
ى
الت تجعل التجربة ممكنة.
ه ي دون اعتماد عىل التجربة (أي سابقة عىل التجربة) ي
ه:
وبالتاىل فعناض المعرفة بالنسبة لكانط ي
ي
51
ى
مادة المعرفة :اإلحساسات المتفرقة ي
الت تأتينا من األشياء الخارجية ،وهذه مصادرها التجربة،
أي نحصل عليها بعد التجربة ،لذلك يسم هذا الجانب من المعرفة (بعدي) أي
بعد التجربة.
ه مقوالت يضعها العقل ليشكل بها التجربة (أو مادة المعرفة)؛ أي أنها ليست صورة المعرفة :ي
منطقيا ال ًّ
زمنيا. ًّ ه سابقة عىل التجربة سبقافطرية وإنما ي
أ -الحساسية الصورية :صورتا الزمان والمكان :وهما صورتان عقليتان أوليتان ،أي أنهما سابقتان
الحس ،وب هما تنتظم المحسوسات يف عالقات ي عىل التجربة ،وهما ررسطان أساسيان لإلدراك
مكانية وتتابعات زمانية.
ى
تأن إلينا عىل هيئة معطيات حسية تمدنا بها الحواس؛
يرى "كانط" أن األشياء الخارجية ي
وه ال
ه عبارة عن مادة مختلطة ومشوشة ال رابط بينها وال تنظيم ،يهذه المعطيات المختلفة ي
اللتي ى ر
صورن الزمان والمكان ر
ي السء بل ال بد أن تنتظم وتتجمع ،وهذه وظيفة
لك أدرك يتكق ي
ي
ًّ
حسيا أي موضوعات قابلة للفهم. تجمعان المعطيات الحسية وتنظمانها فتجعالها حدسا
والزمان والمكان معنيان كليان ،قبليان ،وهما صورتان يفرضهما الفكر عىل المعطيات
المحسوسة فيجعل عالم الظواهر قابال لإلدراك.
52
ه ما تنقله الحواس إىل العقل مع معطيات تصب يف قوالب الذهن أو المقوالت مرورا ي
ر ى
لفنومي) أو ي
السء كما يبدو ر بصورن الزمان والمكان ،ويقسم كانط العالم إىل عالم الظاهر (ا
ي
ر ر
(النومي) .والحواس ال تنقل إلينا إال عالم الظاهر وحده ،أما عالم ي
السء ر السء يف ذاته
وعالم ي
غي قابل للمعرفة.
وبالتاىل فهو ر
ي يف ذاته فهو خارج حدود التجربة بمفهومها السابق،
ر
السء يف ذاته أي يف
الخارح لألشياء ،أما عالم ي
ي فالمعرفة الممكنة ال تتجاوز عالم الظاهر
وبالتاىل ال يخضع لمقوالت
ي حقيقته والذي ال تصل إليه الحواس؛ فال ينتظم يف الزمان والمكان،
العقل األولية المتناهية.والنتيجة :إننا لن نعرف عنه شيئا ،فهو خارج نطاق إمكانية العقل ،أي
حي أن الذهن ر
البشي متناه خارج حدود المعرفة الممكنة لدى اإلنسان ألنه عالم ال متناه ،يف ر
ومحدود.
التجربة ال توصف قط بأنها ذاتية خالصة أو موضوعية محضة ،ألن مادة المعرفة قبل -1
غي منظم من اإلحساسات ال يمكن تسميته
ه عبارة عن خليط ر
أن تنظمها قوالب العقل ي
معرفة.
وه معرفة محدودة متناهية المعرفة الوحيدة الممكنة ال تتجاوز ظواهر األشياء ،ي -2
ط الزمان والمكان ،وتلك سمة أساسية يتسم بها الفهم (المقوالت) ،أما ر ر
مشوطة بش ي
"السء يف ذاته" فهو موضوع العقل الخالص ،والذي يسىع بصورة الالمتناه أو عالم ر
ي ي
يجت من ذلك سوى الوقوع دائمة (وغائية) إىل تجاوز حدوده لمعرفة ر
"السء يف ذاته" وال ي
ي
يف التناقض.
53
أ) المعرفة الحسية ،تتم بواسطة الحواس ،وتتصف بالتغير المستمر نتيجة تغير األشياء المحسوسة.
والمعرفة الحسية محصورة في الماديات أي عالم الطبيعة المادية.
أما كيفية حصول المعرفة ،فتكون من خالل إنطباع صورة المحسوس (الشيء) في القوة
الحسة في اإلنسان (القوة المصورة) ،ثم تنتقل إلى القوة الحافظة حيث (الذاكرة) ،والصورة الحسية
تكون قريبة الشبه جداً للمحسوس ،لكنها بسبب تغير الحواس فهي بعيدة عن حقيقته.
ب) المعرفة العقلية وهي معرفة خاصة باألجناس واألنواع والمجردات( .الموجودات العقلية) على
مستوى التصورات .
والعقل عند الكندي "جوهر بسيط مدرك لألشياء بحقائقها "
ج) المعرفة العلوية أو عن طريق الوحي واإللهام.
وهي معرفة بالموجودات التي تكون فوق الحس والعقل معاً ،وتحصل من خالل الوحي
والفيض اإللهي المتعالي ،وتكون للصفوة من الناس كاألنبياء .وهذه المعرفة اإللهامية هي ارقى
من المعرفة العقلية .
ثانياً :الغزالي (.)2111-1058
اعتمدت نظرية المعرفة عند الغزالي علي التصوف والحدس اإلشراقي أو الذوق الصوفي،
لكن هذا ال يعني أن الغزالي أنكر دور كل من الحواس والعقل في المعرفة ،بيد انه كان يميل الى
المنهج التشكيكي في قدرة االنسان للوصول الى اليقين من خالل العقل والحواس.
-وسائل المعرفة وطرقها.
يرى الغزالي أن المعرفة التي تحصل لإلنسان تكون من خالل الطرق اآلتية.
-١الحواس الخمس ،وبها يدرك عالم المحسوسات.
-٢العقل الذي يدرك الضروريات أو الواجبات والجائزات والمستحيالت.
-٣اإللهام والذوق (الحدس الصوفي) .وهو أعلى أنواع المعرفة وأصدقها ،وله أسبقيته على العقل
والحواس.
المعرفة العقلية.
عالج الغزالي المعرفة العقلية في كتابه ( المنقذ من الضالل) ،على غرار معالجته للمعرفة
الحسية .وهي معالجة قائمة على التشكيك وعدم الثقة بالعقل حتى بالبديهيات.
لكن الحقيقة أن الغزالي لم يقصد االنكار المطلق للمعرفة العقلية او الحسية ،ال سيما وانه اعتمد
على معطيات الحواس وقياسات العقل وبراهينه في كثير من مناقشاته للفالسفة والمتكلمين
واصحاب المعرفة الباطنية.
54
إذن الغزالي أراد أن ُيظهر سمو المعرفة الذوقية (الصوفية) ،وبأنها أسمى من المعرفة
العقلية وأوثق .بل إن هذه المعرفة أرفع من اإليمان بمعناه العادي الذي يترفع عنه الصوفي ،ففي
الوقت الذي ينشغل فيه (المؤمن العادي) بالعلوم ومشاغل الدنيا ،يسعى (المؤمن الكامل) المتصوف
إلى الفناء عن النفس في رحلته الصوفية التي توصل إلى معرفة هللا التي هي أساس كل المعارف.
والغزالي وأن كان سلم بقيمة المعرفة العقلية ،ولم يستطيع تجاوزها ،لكنه حاول الحط من
قيمتها بالنسبة للحقيقة واليقين.
إن اليقين المعرفي عند الغزالي يحصل عن طريق (المجاهدة) وهي أًخص المراحل التي
ينبغي أن يسلكها الصوفي لكي يصل إلى اليقين ،عندها تنكشف له حقائق األشياء ومعانيها.
ى
اليقي: من الشك إىل
-1الشك ى يف الحواس:
اليقي قد يكون موجودا يف المعرفة الحسية، بدأ الغزاىل أوال باختبار الحواس ى
مفيضا أن
ر ي
اىل يف شهادة الحواس ،وذلك ألنها:
لكن بعد البحث شك الغز ي
ى
غي متحرك،
غي حقيقتها ،فأنت تنظر إىل الظل فياه واقفا ر ثانيا :خادعة تصور لنا األشياء عىل ر
صغيا يف مقدار دينار ،مع أنه أكي من األرض يف المقدار. وتنظر إىل الكوكب ى
فياه
ر
55
كثية ،لكن هذه النقاط
صحيح أن الشك أوجد يف مجال المعارف الحسية نقاط تشكيك ر
ال توجه بالسهولة نفسها إىل العقل وخاصة :المعارف العقلية األولية والبدهيات ،ولكن ،فكما
أمكن التشكيك ف المعارف الحسية – وال ىت كانت تعتي قبل ذلك معارف ر
مبارسة وواضحة – من ي ي
جانب العقل ،أي من جانب درجة للمعرفة أعىل منها ،فلعل وراء إدراك العقل حاكما آخر إذا
ّ
تجىل ذلك اإلدراك ال يدل
ي وعدم الحس، ب فكذ تجىل كذب العقل يف حكمه ،كما تجىل العقل
عىل استحالته.
اىل عن طريق المجاهدة الصوفية إىل معرفة الحق المطلق (هللا) ،وهذه المعرفة
توصل الغز ي
ال نصل إليها عن طريق الحواس ،وال نصل إليها عن طريق العقل ،وإنما طريق هذه المعرفة هو
ر ً ر
مبارسا دون وساطة) وقد عرض المبارس (اتصال الذات بالموضوع اتصاال الحدس أو العيان
اىل هذه المعرفة الحدسية عىل أنها نور قذفه هللا يف صدره ،فهل هذا النور يقذفه هللا تعاىل
الغز ي
وه
اىل بالتفصيل الطريق والمنهج الذي يوصل إىل ذلك ،ي
يف قلب أي إنسان؟ لقد وصف الغز ي
معرفة "ذوقية" ال يعرفها إال صاحبها ،ومعت ذلك أن من يحصل عليها ال يستطيع أن ينقلها إىل
اليقي أن يسلك الطريق بنفسه.
الغي ،وعىل الباحث عن ر
ر
اىل: ى ى
درجات اليقي يف المعرفة عند الغز ي
وتغي موضوعاتها.
ه أدن مرتبة ،لما هو معروف عن أخطائها ،ر -1المعرفة الحسية ي
ى
المنطق. -2المعرفة العقلية ر
أكي يقينا ألنها تستند إىل االستدالل
ي
فه نور من عند هللا ومصدر كل معرفة
باليقي المطلق ،ي
ر -3المعرفة الحدسية تتصف
ر
مبارس للحق وتمكننا من معرفة المصدر والذي منه ينبعث كل نور ،ألنها مشهود
المطلق.
* أطلق المؤرخون عىل رينيه ديكارت لقب "أبو الفلسفة الحديثة" استخدم الشك المؤقت
عقىل أساسه الوجود ،وهو "الكوجيتو" وتدرج منه إىل اليهان
ي يقي
ليتوصل منه إىل أول ر
العقىل عىل وجود هللا .حاول أن تبحث عن هذا يف المراجع الفلسفية.
ي
56
ناتجة عن رد فعل قوي وعنيف على ما جاءت به فلسفة اإلغريق فان آراءهم في هذا الموضوع
تتصف بالطرافة والعمق.
استمد الصوفية نظريتهم من القرآن الذي جمع بين المعرفة العقلية والمعرفة النفسية في
قوله تعالى (( :وفي األرض آيات للموقنين .وفي أنفسكم ،أفال تبصرون)) (الذاريات )21/20
فهم يعتمدون قبل كل شيء على المعرفة التي في أنفسهم والتي تمكنهم من إدراك األشياء عن
طريق الذوق أو العين المباشر وهو ضرب من اإللهام والكشف الذي يأتي مؤيدا لما جاء به الوحي
اإللهي.
والموضوع االسمى لهذه المعرفة الصوفية هو هللا سبحانه وتعالى والتسليم بوجوده بوحدانيته.
وتتم المعرفة ،عندهم ،بواسطة القلب الذي يعرف هللا والروح التي تحبه وتعشقه والسر الذي يتأمل
في ملكوته البارئ ،فاإلنسان ال يعرف هللا بالحواس ألنه غير مادي وال بالعقل الن العقل مقيد
بقوانين تضعف من فاعليته وتحدد مداه لذلك فهو عاجز عن إدراك الحقيقة في ذاتها.
أما الصوفية فانهم عن طريق الكشف واإللهام ينتهون الى المعرفة المباشرة هلل وملكوته .وعبر عن
هذا الموقف احد كبار الصوفية وهو جالل الدين الرومي مخاطباً أنصار النزعة العقلية:
(انتم تسمعون اسمه اذهبوا فابحثوا عن حقيقة المسمى) ال تنظروا إلى القمر في الماء بل إلى القمر
في السماء .وأول خطوة عندهم في المعرفة هي معرفة االنسان نفسه.
وعلى ضوء هذه المبادئ استطاع الصوفية أن يهذبوا نفوس الناس ليتحكموا في غرائزهم وينظموا
مطامعهم ويعلوا اندفاعاتهم الجسدية واثروا االدب بأشعار وجدانية على غاية في الرقة وسمو
اإلحساس وعلى غاية من العمق لما تضمنته من رموز وإشارات.
المبحث الثاني :فلسفة العلم:
العالقة ى
بي الفلسفة والعلم
نشأ كل من الفلسفة والعلم وكأنهما موضوع واحد ال حدود وال فواصل بينهما ،وظل
متمي أو مستقل عن الفلسفة وال الفلسفة عن العلم طوال قرون طويلة ،فقد كانت
غي رالعلم ر
ّ تشي إىل كل من ى
التفكي
ر كلمت فلسفة وعلم عىل حد سواء .وهكذا فإنه يف بداية
ي كلمة حكمة ر
الفلسق المنظم ،الذي وصل من تراث اليونان ،كان الفيلسوف هو من يبحث يف مسألة الوجود
ي
والعالم ،وينظر يف الموجودات الطبيعية وخصائصها ،من عنارص وأجسام وأجرام سماوية،
ويبحث يف الكائنات الحية وصفاتها ،مثلما هو الذي يبحث يف اإلنسان جسما وروحا ونفسا،
ُ
وف المجتمع نظما ودولة ومؤسسات.
محاوالمعرفة حقيقته ،ي
57
بالفيياء والفلك والرياضيات وعلم النفس ،منضوية تحت لواء
ر كانت العلوم الخاصة
الفلسفة .وهذا هو ِّ
الش يف أن الفالسفة القدام كانوا علماء ،فكانت أفكارهم تشتمل عىل مباحث
فلسفية ومباحث علمية عىل حد سواء.
ًّ
وفلكيا وكذلك كان كان طاليس ( 547-640ق.م) ،وهو أول فالسفة اليونان ،مهندسا
ًّ
رياضيا بارزا الفالسفة الذين جاءوا بعده ،من أمثال فيتاغورس ( 500-582ق.م) الذي كان
وفيلسوفي
ر عالمي
ر وفيلسوفا ،وكذلك أفالطون وأرسطو ،وهما من أبرز فالسفة اليونان ،كانا
حت عرصهم .فقد ساهم أرسطو يف الت كانت معروفة ى ى
موسوعيي ،عالجا جميع فروع المعرفة ي
ر
كالفيياء،
شت فروع العلم رتقدم العلوم وتصنيفها وتحديد موضوعاتها ،وله مؤلفات فلسفية ف ى
ي
وعلم الكون ،وعلم الفلك وعلم اآلثار العلوية والظواهر الجوية ،وعلم األحياء من حيوان ونبات.
المسلمي من أمثال
ر واستمرت العلوم عىل أنها فرع من فروع الفلسفة ،عند الفالسفة
وغيهم ،وكذلك عند فالسفة العصور الوسىط
ان) ،و(ابن سينا) و(ابن رشد) ،ر
(الكندي) و(الفار ي
اإلنجليي
ر األكويت (1274-1225م) الذي جاء بعده الفيلسوف
ي األوروبيي ،من أمثال توما
ر من
الطبيىع عن طريق منهج المالحظة والتجربة (-1214
ي روجر بيكون الذي اهتم بدراسة العالم
إنجليي آخر هو فرانسيس
ر 1294م) ،ثم تجددت الدعوة إىل األخذ بهذا المنهج عىل يد فيلسوف
58
والفرضية والتحقق يف مجال العلوم يف العصور الحديثة .فانفصل أول ما انفصل علم الفلك عىل
يد غاليليو ( ،)1942-1564ولحقت به الكيماء عىل يد الفوازييه (1794-1743م) فعلم األحياء
عىل يد كلود برنارد (1878-1813م) فعلم الطب.
لم يقف األمر عند العلوم الطبيعية ،بل تعداها إىل العلوم االجتماعية واإلنسانية حيث
استقل علم االقتصاد عىل يد آدم سميث (1790-1823م) ،وعلم االجتماع عىل يد أوغست
العرن ابن خلدون (1406-1332م) قد وضع
ي كونت (1857-1798م) ،وكان المؤرخ والعالم
أسس هذا العلم وقواعده ومنهجه وحدد موضوعه ،كما تبعه بعد ذلك علم النفس
ى
الت نعرفها ى ر
وغيها من العلوم ي
واألنيوبولوجيا (علم اإلنسان) ،وعلوم اليبية والسياسة والقانون ،ر
اليوم.
حي انفصلت العلوم عن الفلسفة ظن بعض المفكرين وعىل رأسهم أوغست كونت ر
الوضىع بشكل عام وغيه من أصحاب االتجاه عالم االجتماع المعروف ف القرن التاسع ر
عش ،ر
ي ي
والوضعية المنطقية بشكل خاص؛ ظنوا أن الفلسفة لم يعد لها موضوع تبحث به ،وال بد لها أن
غي أن هذه النظرة ى
الت أصبحت من اختصاص العلم وحده ،ر
تكف عن مجال البحث والمعرفة ي
المتخصصي يف
ر إىل الفلسفة لم تلق استجابة إال من العدد القليل من الفالسفة ،ومن العلماء
مجاالت مختلفة ،فواصلت البحث يف المسائل األساسية للوجود واألخالق والسياسة والقانون
الت أخذت تفرضها ى
اإلنسان ،بل ونجد أن المسائل والقضايا الفلسفية ي
ي والمصي
ر والمجتمع
ى
االخياعات العلمية والتكنولوجية واألبحاث الحيوية تتشعب ،والبحوث الفلسفية المرافقة
يعت أن للفلسفة دورا ى
تيايد ،والنقاشات الفكرية ربي األنظمة االجتماعية المختلفة تشتد ،وهذا ي
ًّ
عقالنيا. اإلنسان باعتباره نشاطا ًّ
مهما وفعالية مالزمة للنشاط
ي
إن العلم والفلسفة عىل ما بينهما من فروق واختالف بعد استقاللهما عن بعضهما ،لكن
غرضهماواحد ،هو الوصول إىل الحقائق والكشف عنها ،ويمكن إجمال بعض الفروق الرئيسية
ى
يأن:
ربي العلم والفلسفة كما ي
-من حيث نقطة بداية كل منهما يف البحث يف الظواهر واألشياء.
-من حيث موضوعات البحث.
-من حيث المنهج المتبع عند كل منهما.
ى
-من حيث النتائج ي
الت يصل إليها كل منهما.
59
من حيث نقطة البداية ،فالعلم يبدأ يف البحث يف الظواهر العامة المحسوسة والوقائع
الطبيىع ،إذ إن
ي الجزئية ،فموضوع العلم هو دراسة الوقائع الفردية أو الظواهر الجزئية من العالم
كل علم من العلوم المعروفة اليوم يختص بجزء من هذه الظواهر.
أما الفلسفة فال تركز عىل الظواهر الجزئية فقط ،ولكنها تتخذ من هذه الوقائع الجزئية
تفسي مبادئ األشياء وفهم أصولهار موضوعا للبحث المعمق بغرض الوصول إىل
ا
وأسسهاوالواقعأن كًّل من العلم والفلسفة يستفيد أحدهما من اآلخر ،فتأمالت الفالسفة
ى
الت يدرسونها.
وتفسيهم للظواهر الطبيعية ي
ر كثيا ما أفادت العلماء يف فهمهم
وأسئلتهم ر
وبالمقابل فإن الفلسفة تقوم بتوظيف نتائج العلوم والنظريات العلمية يف تحليالتها.
وقد بلغ هذا التوظيف للعلم ذروته يف العرص الحديث .وظهرت تيارات فلسفية مثل
الوضعية التقليدية والوضعية المنطقية والفلسفة الياغماتية ،والفلسفة التحليلية،
والفلسفة الماركسية ،والواقعية الجديدة ،وهذه جميعها استفادت من العلم ونتائجه،
وجميعها تيارات تركز عىل الواقع وتنطلق منه.
أما من حيث المنهج ،فالفلسفة تنطلق من النظرة الكلية والشاملة للظواهر ،وال يزال
التفسيات القريبة للظواهر الجزئية ،بل يتجاوزها إىل البحث
ر الفيلسوف ال يتوقف فقط عند
يف العلل واألسباب البعيدة لحدوث الظواهر.
ً
فرقا من الفروق ى
بي الفلسفة والعلم بعد انفصالها راشح بلغتك
60
الكبي الذي طرأ ف قدرة ر
البش عىل التنبؤ ر هذه المقارنة السهلة تظهر بوضوح التطور
ي
وبالتاىل قدرتهم عىل استغاللها يف تطبيقات تقنيةعملية.
ي بسلوك الظواهر الطبيعية،
ولكنها،عالوة عىل ذلك ،تظهر أن أثر العلم وتطبيقاته عىل المجتمعات ر
البشية كان ،وما يزال،
وعالج لألمراض؛ فالتطبيقات العلمية وتيسي لالتصاالت تسهيل للمواصالت ر
أكي من مجرد
ٍ رٍ ٍ
البشية ليس فقط ضمن المجتمع الواحد ،بل وب ري المجتمعات غيت بشكل جذري العالقات ر ر
ّ ّ
غيات كلها ال تحىط برض الجميع ،بل إن هناكالجىل كذلك بأن هذه الت ر
ي المختلفة .ومن الواضح
للبش والكوكب الذي يحتضنهم .وال ً
علىأذى ر شبه إجماع عىل أن بعض هذه التطبيقات ينطوي
نعتقد بأنك،عزيزي القارئ ،ستعدم أمثلة عىل تطبيقات علمية إشكاليةذات آثار جانبية ضارة:
ً َ ّ
انتهاء برقابة مناح ،وطعام مصنع،وليسي وتغي
ر بيت،
دمارشامل ،مرورا بتلوث يٍ من أسلحة
ّ ّ
الشخصية لألفراد. متطفلة عىل الحياة
الت ّ
ى ّ
تمرب ها، التغيات تحديا ثقافيا للمجتمعات ي
ر فليس من المستغرب إذا أن تشكل هذه
والمحتملة؛ف نفس الوقت الذي تلحظ فيه
ي وأن يهجس األفراد بمخاوفهم من مخاطرها الواقعة
ى
الت تمسك ى
الت يمنحها العلم لألفراد والمجتمعات ي
تسخي الطبيعة ي
ر انبهارا بالمقدرة المذهلة عىل
زمامه.
لماذا العلم؟
لماذا العلم؟ نقول أن العلم هو الرافعة االجتماعية األساسية نحو الخروج من التخلف
غيت عن
تفسي ير الكثي من الشعوب .العلم هو القدرة عىل تجاوز إعطاء
والجهل الذي عانت منه ر
التفسيات والنظريات والمناهج ى
الحقيق .أي أن العلم هو جملة سء يحدث يف العالم ر
ر ي ظاهرة أو ي
لتفسي أو للتعرف عىل خصائص موجودات الطبيعة من ظواهر وكائنات ر الت يقدمها ر
البش ى
ي
61
تفسي اإلنسان وعالقاته
ر وعالقات ربي هذه الكائنات أو الظواهر ،والعلم هو أيضا القدرة عىل
وممارساته بما يتناسب مع المنطق والعقل وبما ينسجم مع الواقع .ويمكن أن نجمل مدى العلم
التفسيات لظواهر المستوى،
ر العلم للمعرفة هو المستوى الذي تكون
ي بالقول بأن المستوى
طبيعية كانت أم إنسانية ،ال بد أن تكون من مكونات هذا المستوى عينه وأن ال تتعداه إىل
ميتافييقية أو غيبية.
ر مستويات
وغيها ،فهذه
ونسحب هذا التعريف عىل رفض الخزعبالت من قراءة الطالع والتنجيم ر
الطرق بالرغم من إدعاء أصحابها بأنهم يصلون إىل معلوماتهم عن طريق دراسة دقيقة لألفالك
وغيها من المحاوالت
وحسابات فلكية دقيقة مرتبطة بلحظة الوالدة والنجوم يف فلك الفرد ر
إلضفاء لغة علمية عىل غيبيات جاهلة ،ال يمكن معها أن نقبل بتسمية هذا النوع من التبرص عىل
وحت لو لم نأخذ بالقول المأثور "كذب المنجمون ولوى أنه "علم األبراج" أو "علم التنجيم".
مبت عىل أي أسس من داخل الطبيعة وال ى
غي ي صدقوا" فإن ما يقدمه هؤالء محض افياضات ر
تفسيه من داخل الطبيعة ولذلك فهم ال ينكرون بأنهم يعملون يف "علم الغيب".
ر يمكن تييره أو
قدرته عىل التنبؤ ،والتنبؤ هنا يختلف جذريا عن التنبؤ يف التنجيم .ي
فق التنجيم ال يمكن للفرد
أن يتحقق من خالل التجربة والممارسة أن ما يتنبأ به المنجم هو تنبؤ صحيح .لكن يف العلم
التنبؤ هو عملية علمية يمكن التحقق منها من خالل التجربة .فإذا درس عالم طبقات الجو
الصورة الجوية يستطيع بدقة عالية جدا أن يحدد ما إذا كان الجو سيكون ماطرا غدا أم صحوا،
مبت عىل حقائق ملموسة
واثقي أن التنبؤ الذي يقدمه العالم ي
ر وف هذه الحالة نستطيع أن نكون
ي
62
وعىل قواني ودراسة لظواهر طبيعية محددة .ويمكن أيضا أعطاء مثال ر
أكي سهولة بأن يتنبأ ر
العالم أنه إذا وضعنا ىلي من الماء عىل موقد قوته محددة فإن الماء سيصل إىل درجة الغليان بعد
خمسة دقائق .وبالفعل عند قياس الوقت المحدد للغليان يحقق التنبؤ.
وإمكانية التنبؤ هذه دفعت العلم نحو آفاق جديدة ومكنتنا من الوصول إىل العديد من
الفيياء
قواني ر ى
الت تشكل مكونات العلم الحديث .فالتنبؤ هو من أوصلنا إىل
ر النظريات المهمة ي
ى
الت تعيننا يف حياة الرفاهية يف عالم اليوم
المعروفة اليوم وهو الذي ساعدنا عىل صناعة اآلالت ي
وغيها من منجزات العلم الحديث.
من تلفاز وراديو وثالجة وسيارة وطيارة ر
األساس للفصل ربي العلم والخزعبالت هو أن العلم يعتمد يف مكوناته عىل هذا
ي فالحكم
العالم ومنتجاته بينما الخزعبالت تعتمد يف جزرها عىل مكونات أو اعتقادات من خارج هذا
العالم.
نشاط :لماذا يمكن القول بأن التنبؤ أحد خواص العلم؟ رأشح
ى
بي العلم والالعلم
علم وما هو ليس بعلم؟ هل يمكنك وضع معيار للعلم؟ ما هوهذا كيف يمكن التفريق ى
بي ما هو
ي
المعيار؟
ه تعريف العلم
ي والمجتمع العلم بي
ر العالقة في المنطقية البدء نقطة تكون وقد
الكثيون العلم عىل أنه نشاط منظم من
ر وتحديد االختالف ربي العلم والال-علم .يعرف
تفسييا تييريا لتوضيح
ر االستكشاف يراد منه الوصول إىل حقيقة ما .ويتضمن العلم هدفا
وبالتاىل ال يمكننا
ي األسباب الكامنة وراء الظواهر الطبيعية .ولكن هذه ر
الميات ال تنحرص بالعلم
أن ى
نليم بها فقط أذا ما أردنا توضيح معت العلم.
63
أذن فال بد من تحديد وتوضيح هذا التعريف .ي
ولك نستطيع القيام بذلك فال بد لنا أن
نوضح حدود العلم وموضوعه لك نستطيع أن ى
نليم بمخرجاته .نقول إن حقل تطبيق العلم هو ي
غي ر
مبارس. العالم الطبيىع ،حيث يمكن التحقق من صدق مقوالت العلم إما بشكل ر
مبارس أو ر ي
وبالتاىل فإن كل ما يتعلق بموضوعات ما وراء الطبيعة من غيبيات أو ماورائيات ،أو قضايا إيمانية
ي
الطبيىع تندرج كلها يف فلك االعتقادات وتخرج من فلك
ي ال يمكن التحقق منها عىل المستوى
العلم.
الت يقدمها ر
البش ى وبذلك يكون معت العلم :هو جملة
التفسيات والنظريات والمناهج ي
ر
الطبيىع من ظواهر وكائنات وعالقات ربي
ي لتفسي أو للتعرف عىل خصائص موجودات العالم
ر
هذه الكائنات أو الظواهر.
السؤال األول الذي يتبادر للذهن بعد اإلقرار بهذا التعريف هو لماذا يمكن اعتبار بعض
تفسيات ونظريات يمكن قبولها عىل أنها نظريات
ر الطبيىع
ي التفسيات والنظريات عن العالم
ر
كثي من النظريات
علمية بالرغم من غرابتها وعدم انسجامها مع الحس العام ،بينما يحكم عىل ر
الطبيىع عىل أنها نظريات ال علمية؟ فقارئو األبراج يقولون إنهم ى
لت تتعامل مع العالم
ي األخرى ا ي
لم يصلوا إىل القدرة عىل معرفة الطالع واألبراج إال بعد دراسة طويلة ألرسار "علم األبراج" كما
يسمونه .وهم يقولون إن استنتاجاتهم مبنية عىل حسابات دقيقة لعالقة الكواكب والنجوم
مبت عىل نظريات وبالتاىل فإن ما يقدمونه من معلومات ي
ي واألفالك بيوم وساعة ميالد الفرد،
ومعلومات ودراسات وليس مبنيا عىل محض ى
افياضات .وبالرغم من هذا كله فإن قراءة األبراج
المنجمي بها من استخدام للكمبيوتر والتكنولوجيا الحديثة
ر ليست علما ومهما تطورت أساليب
ى
سيبق هذا الشكل من البحث خارج إطار العلم.
وعىل الطرف اآلخر للمعادلة وإىل اليوم ،وعىل الرغم من معرفتنا الدقيقة بخطأ النظرية
الت قدمها عالم البيولوجيا المارك الذي عاش ف القرن التاسع ر
عش حول إمكانية توريث الصفات ى
ي ي
المكتسبة ،إال أننا ما زلنا نعتقد أن المارك عالم بيولوجيا مهم ،وأن نظريته بالرغم من خطئها ما
زالت تعتي بأنها نظرية علمية أثبت فشلها.
ى
المثالي؟ وبالتاىل فما هو الذي يفرق ى
بي هذين ي
64
ى
الت يقدمها كل منهما ،فبينما
األساس هو يف إمكانية التحقق من صدق التنبؤات ي
ي الفارق
تعطينا إمكانية التنبؤ يف العلم نتائج دقيقة عما يمكن أن يحدث يف المستقبل ويمكننا أن نكون
يقي بأن ما تقوله لنا النظريات العلمية عن المستقبل بأنه سيحدث ال محالة ،بينما ال
عىل ر
ى
الت يقدمها لنا المنجمون .فعىل الرغم من أنهم يستطيعون أن
نستطيع أن نركن إىل التنبؤات ي
ً
وبالتاىل أن يصدقوا
ي شخص، لكل مختلف نحو عىل هاتفسي
ر يتم أن يمكن فضفاضة جمال يقدموا
تفسي آخر ،إال أننا ال يمكننا أن نعتمد عىل التنبؤات
ر تفسي أحدهم بينما يكذبوا بحسب
ر بحسب
ى
الت يقدمونها.
ي
يف العلم نستطيع أن نقول بأن الماء سيتبخر عند درجة 100مئوية ،ونحن نثق أن هذا
سيحدث بالفعل عندما تصل درجة حرارة الماء إىل ،100بينما عندما يقول منجم أن "أمامك
إشارتي" ،فهذا وعىل الرغم من أنه يمكن أن يصدق لعموميته الشديدة (فاإلشارتان
ر سفر عىل بعد
لكثي
وبالتاىل فإنه من الممكن ر
ي سنتي ،عقدين،.... ،
ر أسبوعي ،شهرين،
ر يمكن أن تكونا :ر
يومي،
من الناس أن تصدق معهم التنبؤ) ،ولكن مثل هذا التنبؤ بعيد عن أن يكون تنبؤا علميا .فنحن
وف العلم ال مجال للتأويل بل يجب أن يكون ى
ال نستطيع أن ندرك بالضبط مت سيحدث السفر ،ي
هناك حكم واضح حول النتيجة الممكنة للتنبؤ.
ولوال إمكانية التنبؤ هذه لفشلنا يف الوصول إىل ما وصلنا إليه من علم وتكنولوجيا:
ستطي قبل أن
ر لتطي ،ونحن نعرف أنها
قواني الميكانيكا والموائع ر
ر فالطائرات بنيت اعتمادا عىل
ى
ستبق تعمل ما لم تخدش أو تستهلك ،ونعرف تحلق يف الفضاء ،كما أننا نعرف أن البطاريات
كيف نصنع التلفاز والكمبيوتر والسيارة ونعرف ما ينفع من عالج لمعظم األمراض ونعرف
ونعرف...
وعىل الرغم من قولنا هذا فإن العلم الحديث ،وخاصة ميكانيكا الكم تفشل يف أن تحقق
الكالسيك له بل إن التنبؤ يف ميكانيكا الكم يحتكم لمبدأ الالتحديد هذا ر
الشط يف العلم بالمعت
ي
متوافقتي كالزخم أو الموقع ،الزمن أو
ر كميتي
ر والذي يقر بإمكانية معرفة النتيجة لواحدة من
ى
الت فشت ظواهر الطاقة ،وهكذا ..وبالرغم من ذلك فإننا نعتي ميكانيكا الكم من أدق النظريات ي
الطبيعة.
65
تفسيات عن ظواهر ى
يبق أن نؤكد بأن الال-علم يرتبط بكل ما هو اعتقادي وبكل ما يقدم
ر
هذا العالم تعتمد عىل مكونات أو اعتقادات خارجة عن هذا العالم ،وال يمكننا أن نتحقق من
صحتها مهما حاولنا أن نفعل :كالتنجيم ،وقراءة الطالع ،والخرافة ،واألشباح ،ر
وغي ذلك من
خزعبالت.
وعليه نعود إىل السؤال :لماذا العلم؟ سؤال قد يخاله البعض نوعا من السباحة يف اللغة
ومفاهيمها،أو نوعا من التالعب باألفكار لوضع إجابة لسؤال ال يحتاج إىل إجابة ،فهو مثبت بذاته
فق عالم فكر ما بعد الحداثة الذي يؤكد وبالتاىل ال يحتاج ألن يفكر به .لكن الحقيقة ر
غي ذلك ،ي ي
ر
المنتشة يف سائل ما، ه السائدة اليوم ليس فقط عىل مستوى الجسيمات الدقيقة
أن الفوض ي
العقالن .فما بعد الحداثة تريد أن تقنعنا بأن العلم ر
غي قادر عىل ي وإنما أيضا عىل مستوى التيير
أن يقدم لنا حقائق يمكن الوثوق بها عن هذا الكون .وبما أن الفوض ي
ه السائدة ،وبما أن العلم
ال يمكنه أن يعىط حقائق تتجاوز الفوض ،فمن المير لهؤالء القول بأن العلم لم يعد رص ًّ
وريا. ي
ى
يأن التيير لطرحنا السؤال األهم :لماذا العلم؟
وهنا ي
66
ويكمل أصحاب مبدأ الكشف يف محاولتهم للرد فيقولون :إن ما حققه العلم إىل اليوم
غي مسبوقة ،ال يمكن ى
الت نتعامل معها إىل مستويات ر
من إنجازات مهمة ساهمت يف نقل التقنية ي
أن يكون نتاج أعجوبة أو مجموعة من األعاجيب وهو بالرصورة ليس صدفة ،بل هو معي عن
العلم الصحيح .ويعي
ي حقيقة ما موجودة نستطيع الوصول إليها إذا باستخدامنا لعقلنا وللمنهج
الواقعيي
ر عن هذه الحجة بالقول" :نجاح العلم ليس بأعجوبة" وتعتي هذه أقوى حجة لدى
العلم.
ي المدافعي عن منطق الكشف
ر ولدى
فإذا فشل مفهوم الكشف يف الرد عىل فكر ما بعد الحداثة ،أيدفعنا ذلك إىل نبذ العلم
واللجوء إىل الفوض؟ بالتأكيد ال .فالعلم يتجاوز مفهوم الكشف .فعندما نتمكن من النظر إىل
العلم بشمولية بوصفه علما واحدا يضم ربي دفتيه فروع العلم الطبيعية وفروع العلم اإلنسانية،
نتمكن من االستفادة من التطورات الحادثة يف طرف لتغذية األطراف األخرى .هذا العلم يتبوأ
الموضوع
ي أساس من العالم
ي قواني ولكن كجزء
ر متميا ال كأداة للكشف عن
ر به اإلنسان مركزا
غي مفصول عن الموضوع وال ينظر إليه من
بالتاىل ر
ي يؤثر يف هذا العالم بمقدار ما يتأثر به ،وهو
الخارج بل من صميمه.
بهذا الفهم يصبح مفهوم الكشف مفهوما محدودا يتجاوزه مفهوم الفعل ،ويصبح مفهوم
النقد محدودا يتجاوزه الجدل .واإلنسان يف عالقته مع الطبيعة ال يتوقف عند حدود النقد
بالتاىل ال يقف عند
ي والتأمل بل يتجاوزها إىل حدود الجدل معها فيكون متأثرا بها ومؤثرا بها ،وهو
التغيي أو التنظيم.
ر حدود الكشف بل يتعداه إىل
ر
الحدان له والذي حول االهتمام بالعلم إىل وب هذا الفهم للعلم يمكن تجاوز الفهم ما بعد
ي
مجرد اهتمام نابع عن قدرته عىل إنتاج تقنية مربحة ويمكن استهالكها وبيعها .وب هذا الفهم
المحدود للعلم يتم اليوم إهمال الكثي من الفروع المهمة ف العلم ى
وتيايد أيضا المشاكل المرتبطة ي ر
بهذه التقنية المريحة لإلنسان والمرصة به يف الوقت عينه.
67
فما العمل؟ العلم الجديد هو المخرج .العلم الذي يجاوز ربي الطبيعة واإلنسان والذي
ًّ
كشفيا .إن العلم ًّ
تفسييا الذان ف الموضوع يستطيع أن يكون علما ّ ًّ
تغييا ال علما ى يدرك البعد
ر ر ي ي ي
ى
الت تحملها مقولة "العلم من أجل العلم" ألن العلم الكثي من اإلشكاالت ي
ر الجديد يتجاوز
وبالتاىل فإن
ي واإلنسان ،يدرك أن العلم ما هو إال فعل،
ي الطبيىع
ي الشموىل العلم الواحد
ي بمفهومه
ه خيارات تؤثر يف مسارات األفعال ،وال ينحرص ى
الت نختارها يف مسارات هذا العلم ي
الخيارات ي
تأثيها يف العلم ونظرياته وإنما توثر عىل اإلنسان والطبيعة واستمراريتها عىل حد سواء.
ر
الفرضية والنظرية
تميي ربي العلم والالعلم ،وهنا نطرح مفهوم جديد يتعلق بشبه العلم .هناك
قدمنا أعاله ر
وبي أن ال تكون ،فكيف ى
الت يتأرجح فيها الحكم ربي أن تكون علما ر
الكثي من الفروع المعرفية ي
ر
والت تقول أن بعض ر
البش ى
يمكن أن نترصف معها؟ فهناك عىل سبيل المثال نظريات التخاطر ،ي
يستطيعون أن يلتقطوا ما يفكر به آخرون دون أن تتم عملية نقل األفكار باللغة كما هو متعارف
تعيف بهذا النوع من المعرفة عىل أنهعليه .وبالتأكيد فإن المراكز العلمية المرموقة ترفض أن ى
ى
الت نظمها علماء مرموقون يف علم النفس معرفة علمية .وعىل الرغم من ذلك ر
فكثي من األبحاث ي
ى
االعياف بها كظاهرة يمكن دراستها علميا. حاولت أن تدرس الظاهرة ،وأن تدرس إمكانية
الغرن بهذه األنواع من الطبابة طبيعيا ضمن تطور حقل الطب، اعياف الطبهنا كان ى
ي
تفسيات ى
االعياف بها ألنها تفسيات ال بد أن يتم التفسيات المقدمة من قبل هذه األنواع ألن
ر ر ر
تفسيات علمية .هذا ال ينسحب عىل ر
كثي مما يعرف يف بالدنا بالطب ر أقل ما يقال عنه إنه
تفسياته ونمط العالج المقدم عىل خيات العلمية أو عىل قوى تقبع
ر الشعت ،والذي يعتمد يف
ي
تفسيات مقبولة علميا والت ال يمكن اإلقرار بها ،أو ى
حت تخيل أنها يمكن أن تكون ى
ر خارج العالم ي
69
ى ر ً
يف أي يوم من األيام مستقبال :كالرصب "لطرد األرواح الشيرة المتلبسة أحدهم" ي
والت يقال عن
الشعت بأن الذين يعانون من أمراض نفسية تحتاج إىل عالج نفس جاد ،ى
والت يقرر الطب
ي ي ي
وغي ذلك.
عالجها يكون إما بالرصب الميح أو بالرقع والودع ر
ً
لعلم
ي الفيياء مثاال صارخا يف هذا االتجاه :ي
فق الموصلية الفائقة كان االعتقاد ا تعطينا ر
غي ممكنة إال ضمن درجات
المعتمد عىل النظرية السائدة ( )1950يقول بأن الموصلية الفائقة ر
كثيا من الصفر المطلق ( 273-درجة مئوية) ،وبالتحديد تحت درجة 30مطلق (243- ى
تقيب ر
يائيي وبالرغم من أن أصحاب النظرية درجة مئوية) .وبالرغم من قبول ذلك من معظم ر
الفي ر
تفسيا آخر ،لكنه لم
ر السائدة حصلوا عىل جائزة نوبل ( )1974إال أن رفييائيا واحدا أرص أن يقدم
ً
يفلح يف تقديم برهان عىل قناعاته ،فعاش منبوذا بعيدا عن المراكز العلمية ،لكنه علم جيال من
العلماء نظرياته المغايرة لما هو سائد ،وتمكن اثنان من تالميذه أن يفجروا ثورة يف عالم الموصلية
ً
الفائقة عام 1987بأن صنعوا موصال فائقا يعمل عىل درجة 172مطلق ( 101-درجة مئوية)،
أكي ب 140درجة عن أعىل درجة ى
تعيف بها النظرية السائدة. أي ر
70
ى
المعرف (الباراديم)
ي اإلطار
ى
وحت من يحمل شهادات علمية يف التخصصات األساسية ،بأن يعتقد أغلب الناس،
ى
الت ال نلعب دورا يف صياغتها وإنما كل ما نفعله هو أن نكتشفها
قواني الطبيعة ي
ر ه
قواني العلم ي
ر
من خالل دراستنا التجريبية (أو النظرية يف بعض األحيان) للعالم المحيط بنا .إن هذه النظرة
عي الصواب.
محدودة األفق وتجانب ر
ر
كثي من األحيان ييع هذا الترصف لدى األطفال يشابه ترصفات البش بشكل عام .ي
فق ر
العقل إىل وصل خطوط ما لتتشكل صورة ما مألوفة له من خطوط عشوائية أمامه .ي
فق تقنيات
ى ً
معي لدى
الت يمكنها أن تحدد منظور ر
الرسم مثال ييع الفنان إىل تحديد مجموعة من الخطوط ي
المتلق ويكتق بهذه الخطوط ليعي عن الشكل الذي يريد رسمه .ويمكن لمن يريد أن ى
يسييد ى
ي ي
بالتمعن بمخاطر التخيل وما يمكنه أن يوصلنا إليه من صور ورسوم قد ال تكون موجودة أن
ى
مانشسي ليقف عىل العديد ى
االلكيونية الخاصة باألوهام التابعة لجامعة يذهب إىل الصفحة
من هذه األوهام الممكنة. http://dragon.uml.edu/psych/illusion.html :
71
أيضا تفتح اآلفاق نحو ى
اقياح ترابط قد ال يكون صحيحا أو قد ال يساعد المعرفة اإلنسانية .وهذا
كثي من األحيان يف العلم.
ما يحدث يف ر
ى
الت ال يمكن ألي كان وعىل مدى قرون وقرون
الكثي من الحقائق العلمية المهمة ي
ر هناك
فه انتقلت من إطار الفرضيات إىل إطار الحقائق العلمية الثابتة.
أن ينكرها أو أن يثبت خطأها ي
ومن هذه الحقائق عىل سبيل المثال حقيقة أن الماء المزاح من الوعاء يساوي حجم الجسم
والت تأخذ صفة "القاعدة" (قاعدة أرخميدس) المغمور بالماء داخله .هذه الحقيقة العلمية ى
ي
التغيات يف العلم .فخالل الثورات العلمية
ر الكثي من مثيالتها أن تصمد يف وجه
ر تستطيع كما
المعرف ،أو كما يهوى
ي الشهي توماس كون اإلطار
ر يتغي ما يسميه الفيلسوف
الكبية وعندما ر
ر
اإلنجليي( :البارادايم ،)Paradigm shift -ر
تتغي معه ر البعض أن ينقلوه إىل العربية باسمه
المفاهيم والنظريات المسيطرة يف فضاء العلم ،لكن القواعد الثابتة للعلم من مثل قاعدة
المعرف الجديد. ه يف اإلطار ى
ي أرخميدس تبق كما ي
72
قواني نيوتن يف الت كانت قائمة لحظة ى
اقياحها .لنأخذ عىل سبيل المثال ال الحرص، ى
ر عن تلك ي
القوة .فعىل الرغم من أنها ما زالت تقريب ممتاز للتعامل مع القوى المؤثرة عىل األجسام ضمن
الكثي من المفاهيم المرافقة لها قد ى
الت نتعامل معها يف حياتنا اليومية إال أن
ر األبعاد الطبيعية ي
ى ى
الت وضعها نيوتن .فمفهوم الكتلة ي
الت نتعامل معه اليوم ليس تغي بشكل جذري عن المفاهيم ي
ر
النيوتون القديم ،كما أن نيوتن قد قدم قانونه عىل أنه قانون
ي هو مفهوم الكتلة حسب الفهم
النيوتون يختلفان عن ما
ي نهان وزمان رسمدي ،والزمان والمكان بحسب الفهم
يسبح يف فضاء ال ي
أساس يف مفهوم
ي نعرفه اليوم عن الزمان والمكان .فكما نعرف اليوم فإن الزمان هو بعد رابع
وقواني نيوتن ستفشل عندما نتعامل مع
ر الهندس فضاء الزمكان (الزمان -المكان).
ي الفضاء
الصغية جدا ،وهذه اللحظات يف الفشل
ر الشعات العالية جدا وعندما نتعامل مع الكتل
النيوتون ه مجاالت الثورات العلمية المهمة لبداية القرن ر
العشين والمتمثلة بثورة النسبية ي ي
وثورة ميكانيكا الكم.
ى
الت يضعها اإلنسان له يف كل
العلم متحرك وثوري بطبيعته وهو بذلك يتجاوز الحدود ي
المعرف القديم بشكل دائم .وهذه
ي مرة .فنحن نكتشف الجديد الذي ال يتناسب مع اإلطار
ى
الت تساعد عىل تقدم العلم.
ه ي المعرفة الجديدة ي
تمرين:
ّ ّ
كبي مع البديهةالعلمية وأدواتها إىل حد ر "ف الوقت الذي تتوافق فيه مبادىء المنهجية
ي
ّ ّ
ذان لمعظم الناس ،ليس من الرصورة أن تتوافق الن ّ
ى ّ
العلمية الناتجة عن ظريات والحدس ال ي
هذه المنهجية مع البديهة والحدس وقد يصعب تصديق تطبيقاتها إىل أن تصبح أمرا واقعا".
رارسح هذه العبارة مع االستدالل بأمثلة.
73
تمرين:
فهم ر
اقرأ األمثلة أدناهمن عبارات شائعة ،قراءة نقدية ،وارسح كيف أنهاتنم عن سوء ٍ
للعلم.
علم ما).
ي تطبيق
تمرين:
ً
ما داللة أن المشعوذون عادة يلجأونإىل األطباء عند المرض،والسحرة يسافرون
بالطائرات (وليس ب"بساط الري ح" أو عىل صهوات القماش) ،والرافضون للعلوم الحديثة
يتواصلون بإستخدام هواتف األقمار اإلصطناعية ،وما بعد الحداثيون يدبجون مقاالتهم عىل
حواسيبهم المحمولة؟
74
الفصل الثالث :قواعد المنطق
-أهمية المنطق يف حياتنا
-لغة المنطق
-كيف يمكن أن ي
نبت حجة؟
-بنية الحجة
التفكي الناقد
ر -
االبداع
ي التفكي
ر -
-المغالطات المنطقية
األهداف والنتاجات:
أهمية المنطق يف حياتنا
مبادئ المنطق ومباحثه
oيطلع عىل المنطق وقواعده ومسائله
oيتقن مهارة تقييم الحجج المقدمة إليه
يتمكن من تقديم حجج صحيحة ومقنعة
يتمكن من تقديم حجج صحيحة ومقنعة
يمي ربي الحجج الصحيحة والمغالطات المنطقية
ر
75
أهمية المنطق ى يف حياتنا:
ى
منطق"؟ لماذا؟ هل فكرت يوما بمعت المنطق؟ هل سبق أن قال لك أحدهم كالمك "مش
ي
ًّ
منطقيا؟ كيف يمكن لإلنسان أن يكون
ى ُّ
باف الموجودات بالعقل ،وقد ُعرف ًّ
منطقيا" .فهو ر
يتمي عن ي ُيعد اإلنسان بطبيعته "كائنا
اجتماع"
ي منذ القدم بأنه "حيوان عاقل" أو "حيوان مفكر" ،وهناك من ذهب إىل أنه "حيوان
تفيض مسبقا أن اإلنسان مفكر وأن أفعاله تصدرأو "حيوان سياس"،وه ف المجمل تعريفات ى
ي ي ي
عن ّ
روية وتعقل .ومنذ البدء كان اإلنسان يفكر يف الوجود والعالم ومظاهره ،أي يستدل ويحكم
تسعي يف المئة من الناس، أكي مندون أن يعرف المنطق وقواعده .وقد نعجب إذا قيل لنا أن ر
ر
هم منطقيون بالفطرة ،أي يفكرون ويستدلون ويصلون إىل النتائج ،ويضعون المقدمات من
حيث ال يعلمون المنطق ،أي ليست لديهم فكرة عن قواعد المنطق واالستدالل واجرائيات
التفكي الناقد.
ر
تفكيه ،معناها قدرته عىل الحكم عىل األشياء ى
"منطق" يف إن الصفة بأن اإلنسان
ر ي
التميي ربي صدق القول أو كذبه ،وعىل استدالل النتائج من
ر واألفكار بالصواب والخطأ ،وعىل
ى
الت تلزم عنها ،وكذلك القدرة عىل تقديم الميرات لألقوال واالعتقادات ،أو النتيجة
المقدمات ي
من النتائج .والواقع أن هذا يتم باستدالالت العقل واستقراء التجارب.
التفكي يف جميع مراحل حياته،
ر مسية حياة اإلنسان ،نجد أنه يمارس أفعال
وبالنظر يف ر
ومعايي
ر التفكي واختالف درجات
ر التفكي .وال شك أن االضطراب يف
ر ولذا فإنه ُيصيب ويخىط يف
الفهم واإلدراك ينعكس أثره عىل حياة اإلنسان .من هنا جاءت الحاجة إىل "قواعد :تنظم نشاطه
ومنتجةِّ ،
تحسن حياته. وتضبطه ،وتصوب فكره بصورة فاعلة ُ
76
ر
مبارسة دون من الصحيح القول بأن أغلب "معارفنا" يمكن أن نتحقق منها بصورة
ر
المبارسة ،سواء باعتمادنا عىل إدراكنا الحاجة إىل استدالالت بسيطة أو مركبة ،بل بالمالحظة
ّ ْ ر ر
"الحدس" ،وهو الوصول المبارس أو ما يسم العقىل
ي التفكي
ر المبارس لهذه المالحظة أو من خالل
إىل النتائج بصورة ر
مبارسة بدون مقدمات.
غي ر ى ّ
مبارس خالل المنطق" ،يتجاوز المالحظات البسيطة ،ويتم بشكل ر
ي إال أن "االستدالل
ُ ِّ
سء نعرفه ُمسبقا أونسلم به.
ي
ر
مثال آخر عندما نقول" :الطالب إما ناجح أو راسب" و"الحكم إما ي
ملك أو جمهوري"
و"القاض إما عادل أو ظالم" و"الحكومة إما ديمقراطية أو دكتاتورية"؛ هذه عبارات متحدة يف
ي
التعبي عنها بالصورة التالية" :ص إما س أو ه ".
ر الصورة ومختلفة يف المادة نستطيع
استوان يمطر طوال العام ،إذن
ي استوان ،وكل بلد
ي مثال آخر عندما نقول" :أندونيسيا بلد
أندونيسيا ممطرة طوال العام".
77
وعندما نقول" :الحديد معدن ،وكل معدن يتمدد بالحرارة،إذن الحديد يتمدد بالحرارة".
ى
ه ص ،وكل ص ه" :س ي العبارتي نخلص بصورة مشيكة ي
ر لو وضعنا رموزا مكان األلفاظ يف كلتا
ه ط". ه ط ،إذن س ي ي
إن الكلمات أو الرموز مثل :إما ،أو ،بعض،كل،ليس ....إلخ .ال تسم شيئا يف عالم الواقع
أو عالم األشياء ،وإنما نضيفها ليبط بها األسماء الشيئية يف بناء واحد ،لذلك نسميها الكلمات
سء يف عالم الواقع إال أنه يستحيلر
البنائية أو المنطقية ،إذ إنها عىل الرغم من أنها ال تدل عىل ي
ه عىل وجه التحديد موضوع المنطق. علينا بناء أي فكرة من دونها ،وهذه الكلمات البنائية ي
وإذا كان الحكم صحيحا بأن اإلنسان يفكر بطريقة منطقية ،فليس معت ذلك أنه يكون
يسء استخدام موهبته ُ
دائما يف حياته ومواقفه هكذا ،فهو معرض للخطأ يف استدالالته ،وقد ي
ًّ
علمياوالتسليم بها. الفكرية المنطقية ،ألسباب عديدة ،منها االعتقادات الخاطئة
غي قادر عىل
فالبدان ر
ي البدان وتصوراته حول العالم واألشياء والظواهر.
ي مثال :سلوك اإلنسان
منطقيا صحيحا ،وينسب أسباب هذه الظواهر الطبيعية إىل قوى خفيةًّ تفسيا
ر تفسي الظواهر
ر
خية أو ررسيرة ،وذلك حسب منفعة الظاهرة أو رصرها. غيبية ،أو أرواح ّ
ر
كمه عىل ُ
وبالتاىل يف ح ِ
ي حت اإلنسان المتحرص قد ُيخىط يف استدالالته العقلية، بيد أنه ى
عشات القرون واإلنسان يبحث عن طريق ،أو األشياء ،وقد يقع ف التناقض .ولذا فإنه ومنذ ر
ي
ّ
تفكيه وتصوب بميلة "اآللة" الت تضبط ى
ر القواني الرصورية ي
ر وسائل ،أو قواعد أو علم يضع له
التفكي الصحيح.
ر الت تمنح اإلنسان القدرة عىل ى
ي
ّ ّ
اإلنسان ،ومن الواضح أيضا أن اإلنسان
ي التفكي
ر ه نتاج
من الواضح أن جميع العلوم ي
ّ
وغي
ينته إىل نتائج خاطئة ر ي حينما يفكر قد يهتدي إىل نتائج صحيحة ومقبولة وقد
التفكي
ر معرض بطبيعته للخطأ والصواب ،وألجل أن يكون تفكي اإلنسان – إذنّ - مقبولة.فال ر
ي
التفكي
ر تهت له مجال
سليما وتكون نتائجه صحيحة ،أصبح اإلنسان بحاجة إىل قواعد عامة ر
الصحيح ى
مت سار عىل ضوئها:
ّ ّ ّ
فنتبي أنواع
ر بتعلمنا قواعد المنطق نستطيع أن ننقد األفكار والنظريات العلمية -1إننا
ينم الروح النقدية لدى دارسيه ّ
وبالتاىل فهو ي
ي ونتعرف عىل أسبابها األخطاء الواقعة فيها
أو محبيه.
الت تؤدي إىل نتائج صحيحة من ى ّ -2إننا نستطيع أن ّ
نمي المناهج العلمية السليمة ي ر
غي صحيحة. الت تؤدي إىل نتائج رى
غي السليمة يالمناهج العلمية ر
78
قواني العلوم المختلفة وأن نقارن بينها ببيان مواطن
ر ّ -3إننا نستطيع أن ّ
نفرق ربي
ى
واالفياق. االلتقاء والشبه ومواطن االختالف
79
لغة المنطق:
نستخدم في المنطق ،وفي بناء الحجة ،وفي طرق تحليلها ،عددا من العبارات والكلمات
ذات المعاني المحددة والمرتبطة باللغة الخاصة ببناء الحجة .ومن هذه الكلمات :إذا كان ...فإن،
لذلك ،إذن ،و ،أو ،لكن ،ألن ،وهكذا .كما أن هناك تعبيرات سنقوم بعرضها ،هنا ،في هذا الفصل،
بغرض تعريف الطالب بلغة الحجاج المنطقي ،وبالعبارات ذات المعاني الخاصة.
81
الحقائق :هي عبارات إخبارية تعطينا معلومة واقعية يمكن التحقق منها عن طريق التجربة
المباشرة أو غير المباشرة.
الرأي أو وجهة النظر :هي موقف ذاتي لصاحب االدعاء يمكن االتفاق أو االختالف معه.
"حكم قيمي :"Value Judgmentهو نوع من األحكام التي يطلقها الفرد على قضية نابعا من
موقف ذاتي للمدعي .األحكام القيمية تحتوي ،في العادة ،على عبارات مثل :جيد ،ورديء ،وجميل،
وبشع ،وخير ،وشر ،وما إلى ذلك من القضايا األخالقية والجمالية التي يمكن أن يختلف البشر في
الموقف منها.
مثال:
" oهذا الفلم رديء"،
" oمن األفضل لألطفال أن يقرأوا الكتب ً
بدال من أن يشاهدوا التلفاز".
82
من الواضح هنا أننا نستطيع أن نعيد بناء الحجة على الشكل التقليدي ،ألننا نستطيع ،بكل
سهولة ،أن ندرك االدعاء الذي يدعيه الكاتب ،وبذلك يمكننا أن نبني حجته كما يريد:
ليس هناك عدد كاف من الناس الذين يرغبون بمشاهدة الجلسات البرلمانية ليسوغ
عرض ما يدور فيها .لذلك ليس هناك أي داع لوجود قناة خاصة بالجلسات البرلمانية.
إذناالدعاء :هو حجة تحمل عددًا من المقدمات التي ليست بالضرورة (ال المقدمات وال النتيجة)
صادقة ،على الرغم من أنها تقدم بصورة عامة على أنها صادقة .ولذلك فإن االدعاء ال يحوي فقط
حقائق ،بل معتقدات وآراء أيضا.
االستدالل: )8
االستدالل عملية عقلية يتوصل فيها المرء إلى قضية (تدعى النتيجة) بداللة قضية أخرى
أو أكثر (تدعى المقدمات أو البينات) لقيام عالقة معينة بينهما .ففي االستدالل -كما يقول بالك
) -(Max Blackتُتخذ قضية واحدة أو أكثر مسلم بها دليال لألخذ بصدق قضية أخرى بوساطة
التفكير وحده ،دونما حاجة إلى التثبت من صدقها وحدها .فاالستدالل إذن يقوم في عناصر ثالثة
هي:
2هذا المثال يرتبط بوقائع األحداث الدائ رة في المسلسل التلفزيوني المعبر عن سبر الفضاء والحرب بين الكواكب "ستار ترك" والذي
يتحدث عن سفينة كونية "االنتربرايز" التي يقودها الكابتن كيرك.
84
-1مقدمة واحدة أو أكثر (بيّنات) يُستدل بها.
-2نتيجة تترتب على التسليم بالمقدمات أو البيّنات.
-3عالقة تضمن أو لزوم بين المقدمات والنتيجة.
يجب أن نكون حذرين عند الحديث عن االستدالل .فمن يستدل هو العقل البشري وهو
يستدل بجملة من المقدمات على نتيجة ما.
لالستدالل شكالن :األول يعرف باالستنباط) (Deductionوهو النوع الذي نصل به من
الكليات إلى الجزئيات ،أو من التعميم إلى التخصيص .بينما النوع الثاني يعرف
باالستقراء) (Inductionوهو االنتقال من الجزئيات إلى الكليات ،أو من التخصيص إلى التعميم.
واالختالف بين هذين النوعين من االستدالل يتوقف على طبيعة العالقة الكائنة بين
المقدمات والنتيجة .ففي االستنتاج الصحيح تكون المقدمات دليال قاطعا على صدق النتيجة بحيث
ال يمكن أن تكذب النتيجة إن صدقت المقدمات .وحينئذ يقال أن النتيجة تلزم بالضرورة أو اضطرارا
فتكون المقدمات دليال كافيا على
من المقدمات أو متضمنة فيها ) .(Implied inأما في االستقراء ّ
صدق النتيجة وحسب ،فال تكون النتيجة أكيدة بل محتملة .وهكذا إذا سلمنا بالمقدمات في االستنتاج
اضطررنا إلى التسليم بصدق النتيجة وإال وقعنا في تناقض ،بينما إذا سلمنا بصدق المقدمات في
االستقراء ،فال نضطر إلى التسليم بصدق النتيجة ،بل نقول أنها محتملة وحسب .ففي الحجة
االستنباطية:
كل حر مسؤول عن أعماله
كل إنسان حر
إذن فكل إنسان مسؤول عن أعماله
تلزم النتيجة "كل إنسان مسؤول عن أعماله" من المقدمات اضطرارا لقيام عالقة تضمن
) (Implicationبين المقدمات والنتيجة .وإذا كانت المقدمات في هذه الحجة صادقة وجب أن
تكون النتيجة صادقة كذلك.وفي الحجة االستقرائية:
تناول جمال دواء األسبرين فشفي من صداع الرأس
تناول فراس دواء األسبرين فشفي من صداع الرأس
تناول رافد دواء األسبرين فشفي من صداع الرأس
تناولت هدى دواء األسبرين فشفيت من صداع الرأس
إذن فكل إنسان يتناول دواء األسبرين يشفى من صداع الرأس
ال تلزم النتيجة "كل إنسان يتناول دواء األسبرين يشفى من صداع الرأس"من المقدمات
بالضرورة ألنه لو صدقت المقدمات (وهي قضايا شخصية جزئية) فال تكون النتيجة صادقة
85
بالضرورة ،إنما نعتقد بأنها محتملة وحسب .فقد يحدث أن امرءا يتناول دواء األسبرين دون أن
يشفى من صداع الرأس .وعليه فالقول "كل حر مسؤول عن أعماله وكل إنسان حر ،فكل إنسان
غير مسؤول عن أعماله" تناقض في األلفاظ ،في حين أن القول "تناول جمال دواء األسبرين فشفي
من صداع الرأس ،وتناول فراس دواء األسبرين فشفي من صداع الرأس ...إلخ ،فكل إنسان يتناول
دواء األسبرين ال يشفى من صداع الرأس" ليس تناقضا في األلفاظ ،بل شيء غير مألوف.
ويتجلى االختالف بين االستنباط واالستقراء في الطريقة التي تقدم فيها النتيجة ،ففي
االستنباط نقول" :فمن المؤكد بأن ،"...و"فال مناص من "...و"يلزم ذلك حتما "...و"من
الضروري "...أما في االستقراء فنقول" :يبدو أنه من األرجح ،"...و"هذا مما يبين."...
وبما أن االستنباط استدالل يمكن التحقق منه بسهولة فإن أكثر القضايا التي نواجهها في
خط البرهان والمنطق هي قضايا استنباطية ال استقرائية .فاالستقراء بحاجة إلى تجربة وإلى معرفة
تعميمية من نوع ما .وكما شاهدنا سابقا فإن التعميم ال يصلح ،في بعض األحيان ،للوصول إلى
نتائج مقبولة .وبذلك فإن الحجة التي تحمل تعمي ًما ما ،يمكن أن تكون حجة غير صالحة.
إذن علينا أن نميز بين الحجة االستقرائية والحجة االستنباطية وهو تمييز ضروري عند
تقييمنا للحجة ،نستطيع القول بشكل عام أن الحجة االستقرائية عملية استداللية يتم فيها االنتقال من
وضع مقدمات جزئية للوصول إلى تعميم أو نتائج كلية ،وعادة تكون النتيجة أعم من المقدمات.
بينما الحجة االستنباطيةعملية استداللية نستخلص فيها النتائج من مقدمات نسلم بصحتها ،وتكون
المقدمات عادة أعم من النتيجة.
الحظنا في الحجة االستنباطية أن النتيجة تكون الزمة عن المقدمات ،فإن كانت المقدمات
صادقة فإن النتيجة تكون صادقة بالضرورة .ألنه عادة تكون النتيجة ُمتضمنة أو موجودة على شكل
ضمنيفي المقدمات ،لهذا ال نستطيع أن نقول إن المقدمات صادقة والنتيجة كاذبة ،وال يمكن حتى
التساؤل أو التشكيك في النتيجة .ويقال في هذا النوع من الحجج أو االستدالل أن النتيجة ال تضيف
شيئا جديدا للموضوع.
عند التقييم أو الحكم على حجة استنباطية معينة علينا أن نتأكد من:
.1صدق المقدمات .2صحة البناء الصوري لهذه الحجة (أي عدم مخالفتها لقواعد
القياس).
أما بالنسبة للحجة االستقرائية فعلينا أن نتأكد من أن:
86
.3المقدمات مقنعة أو تعطي أسبابًا كافية لتصديق أو تبرير النتيجة
.4المشاهدات العملية تدعم االفتراضات المقدمة
عليك أن تأخذ بعين االعتبار أن تقييم الحجة أو الحكم عليها ال عالقة له بكونك موافقًا أو
غير موافق على النتيجة ،فأنت ال تستطيع أن ترفض حجة ألنك غير موافق على النتيجة أو بالعكس؛
أي أن تقبل حجة لمجرد أنك موافق أو راض عن النتيجة.
نالحظ أن المثال األول هو حجة استنباطية صحيحة ،وقضاياها صادقة ونتيجتها ُمتسقة مع
المقدمات والزمة عنها ،كذلك الحجة في المثال الثاني .إال أن البعض قد ال يؤيد أو ال يتفق مع
النتيجة في المثال الثاني بالرغم من أن مقدماتها صادقة ،ونتيجتها ضرورية منطقية والزمة عن
المقدمات! إن هذا غير مقبول ألن النتيجة كما قلنا ال عالقة لها بماذا تريد أو ماذا تعتقد؟!ما المغزى
من المحاججة المنطقية في المقام األول إذا كنت ستتجاهل األدلة واألسباب والمنطق؟ في هذه الحالة
87
اعتقد ما تريد وافعل ما تريد فعله .إن للمنطق قواعد وهو بيان وتوضيح لألمور والمعتقدات ويقودك
إلى التفكير النقدي خالل النقاش أو الجدال حول موضوع ما.
االفتراضات: )10
الشيء الذي نفرضه هو الشيء الذي نأخذه وكأنه مسلم به .فنحن نفترض عندما ندخل
الطائرة أن من يقودها ال بد أن يكون قد تدرب لساعات طويلة على قيادة الطائرة وأنه قادر على
قيادتها بالشكل المناسب .ولذلك فنحن ال نذهب للتحقق من صحة هذه المعلومات ونسأل قائد الطائرة
عن شهاداته.
وبالنسبة للحجج فإن كل المقدمات هي عبارة عن فرضيات إال تلك المعروفة على أنها
حقائق .ونحن نقبل صدق هذه المقدمات لنتحقق من صالحية الحجة .وبعض المشتغلين في المنطق
يعتبر أن المقدمات والفرضيات هي الشيء عينه .أي أنهم ال يفرقون بين الفرضيات والمقدمات.
ولكننا هنا لن نستخدم الفرضيات لكي نعرف فقط تلك القضايا المستخدمة بشكل واضح كمقدمات،
ولكن أيضا يمكن اعتبار المقدمات المضمرة نوعا من الفرضيات أيضا .فنحن هنا لن نتعامل مع
الحجج بحسب الوصف المنطقي لها ،حيث يلتزم المشتغل بالمنطق أن يعلن عن جميع مقدماته بشكل
مناسب لكي يصل إلى النتيجة المناسبة وبالتالي تكون حجته صالحة .وألننا نتعامل مع قضايا وحجج
من الحياة اليومية ،حيث ال يعتني مقدّمها بقوانين المنطق الصارمة ،ويمكن أن يفترض الكاتب أن
88
القارئ على دراية ببعض المقدمات المضمرة وببعض الفرضيات ،وبالتالي فهو يغفل عن البوح
بها ،لكنها تكون مهمة في تقويمنا للحجة أو في تحليلنا لها.
تذكر أن في كثير من الحجج القصيرة العديد من الفرضيات المضمرة ،كما في المثال
التالي:
سمير ذهب إلى المنزل ألن سيارته ليست أمام المكتب
سميرا ذهب إلى البيت
ً هنا نرى أن هذه الحجة تنطوي على الفرضيات المضمرة ،منها أن
فعال ،وليس إلى أي مكان آخر كأن يكون قد نزل إلى السوق أو ذهب إلى صديق ،أو أي فرضية
أخرى ممكنة للتعبير عن تصرف سمير عند تركه العمل إلى جانب الذهاب إلى البيت .وتنطوي
سميرا جاء اليوم إلى العمل كعادته بالسيارة ،ولم يستقل الحافلة أو لم يأت
ً أيضا على القول بأن
بسيارة أجرة ألي سبب من األسباب كأن تكون سيارته في ذلك اليوم معطلة .وتفترض أيضا أن
سميرا قد وجد مكانًا لركن السيارة أمام المكتب ذلك الصباح كما هو معتاد ،ولم يسبقه أحد إلى
الموقع المعتاد له.
89
اإلشارة هو شرط كاف ولكنه ليس شر ً
طا ضروريًّا .بينما عندما نرى إشارة دائرة حمراء وداخلها
خطان متقاطعان (إشارة ممنوع الوقوف والتوقف) عند أي من الطرق فإننا ندرك بأنه ال الوقوف
وال حتى التوقف مسموح به عندها ،وبالتالي فإن وجود اإلشارة سبب كاف وضروري للقول بأن
الوقوف والتوقف ممنوع عندها.
أرى إشارة دائرة حمراء وداخلها خطان متقاطعان (إشارة ممنوع الوقوف
والتوقف) ،إذن ال أستطيع أن أركن سيارتي هنا.
الحظ هنا أن عدم وجود اإلشارة هو سبب كاف لالعتقاد أن الوقوف مسموح به ،إذ إن
المنع ال بد أن يكون صري ًحا لكي يكون صال ًحا .وبالتالي فإن وجود اإلشارة ضروري للوصول إلى
النتيجة ،وبدونها ال نستطيع أن نصل إلى هذه النتيجة.
بالتأكيد ،نحن ال نقوم بتفصيل هذه المقدمات كلها في حياتنا اليومية .فنحن نسلم بكثير من
المقدمات المعروفة التي ال تحتاج منا أن نعلن عنها ،ولكننا نتبناها ونأخذ بها حتى لو لم نقلها .ولكن
90
حتى في هذه الحالة يجب أالّ نضمر من المقدمات إال ما هو متفق بشأنه ،فإذا ما كان هناك قضية
أو فكرة ال يتفق عليها كل من يسمعها وجب على مقدم الحجة أن يقدمها كجزء من مقدماته ،وفي
بعض األحيان ال بد له أن يسوغ لماذا قرر استخدام هذه المقدمة التي ال يتفق معها اآلخرون.
ويمكن االستدالل على المقدمات المضمرة من النتيجة .فبحسب البناء المنطقي يجب على
حدود النتيجة أن تكون مستغرقة في المقدمات ،فإذا ما كان هناك حد من حدود النتيجة غير مذكور
في المقدمات ،فهذا يعني أن هناك مقدمة مضمرة ال بد لها أن تحتوي الحد المتوافر في النتيجة مع
أحد الحدود التي لم يتم حذفها من المقدمات.
أنواع القضايا
قدمنا أعاله تعريفًا للمفاهيم المنطقية األساسية التي تمكننا من تتبع الحجاج المنطقي .أما
ضا ألدوات الربط المختلفة التي يمكنها أن تربط بين القضايا .وبحسب التعريف
هنا فسنقدم عر ً
البسيط للقضية فإن القضية كما قلنا جملة خبرية تخبرنا عن شيء ما .من الممكن لهذا الشيء أن
يعبر عن حقيقة فتكون القضية صادقة أو ّأال يعبر عن حقيقة فتكون القضية كاذبة .وبالتالي فإن أي
قضية تكون قضية منطقية إذا كان من الممكن أن نعطي "حكما" عليها بأن نقول بأنها "صادقة"
(ص) أو "كاذبة" (ك).
القضايا المنطقية تتكون من شقين :الموضوع والمحمول ،وموضوع القضية هو الشيء
الذي يتم اإلخبار عنه .أما محمول القضية فهو الخبر الذي يح ّمل على موضوع القضية .ففي الجملة
"عامر طالب في جامعة القاهرة" نرى أن موضوع القضية هو "عامر" ،والذي يتم إخبارنا عنه
بأنه "طالب في جامعة القاهرة" والتي تعتبر محمول القضية.
لنأخذ المثالين التاليين:
مثال ( :)1كل الطالب هم ناجحون
مثال ( :)2بعض األفارقة هم عرب
تتكون القضيتان السابقتان من:
( )1سور القضية أو عالمة الكم (كل،بعض)
( )2الموضوع (الطالب ،األفارقة)
( )3الرابطة (هم)
( )4المحمول (ناجحون ،عرب).
وفيما يلي توضيح كل عنصر من عناصر القضية:
91
.1الموضوع ( :)Subject Termهو ذلك الحد الذي نثبت له أو ننفي عنه صفة من الصفات
أو مجموعة من الصفات عن الموضوع.أي هو مايسند إليه الحكم.
.2المحمول ( : )Predicte Termهو ذلك الحد الذي نثبت أو ننفي به صفة من الصفات أو
مجموعة من الصفات عن الموضوع .أي هو الحكم ذاته.
.3الرابطة ( :)Copulaوهي الرباط الذي نربط به الموضوع بالمحمول.
.4عالقة الكم أو سور القضية ()Quantifiersوهي الكلمة التي تحدد إن كان الحكم كلّيًّا على
أفراد الموضوع أو الفئة( )Classأو إن كان الحكم جزئيًّا سواء في حالة اإليجاب أو السلب.
وقد تكون القضايا بسيطة وقد تكون مركبة .والقضية المركبة هي القضية التي يمكن
تبسيطها إلى قضايا أبسط منها باستخدام روابط منطقية.
مثال:
عامر طالب في جامعة القاهرة. )1
عامر وسليم طالبان في جامعة القاهرة. )2
حاصل جمع 5و 7يساوي .12 )3
إذا درس عامر فإنه سينجح باالمتحان. )4
هنا فإننا ن رى بأن الجملة األولى تعبر عن قضية بسيطة؛ فهي تتكون من موضوع واحد:
"عامر" ومن محمول" :طالب في جامعة القاهرة" .أما الجملة الثانية فإننا نجد أنها قضية تحتوي
على موضوعين" :عامر" و "سليم" وتحتوي على محمول واحد" :طالبان في جامعة القاهرة" .هنا
فإن هذه الجملة مركبة وال تعبر عن قضية بسيطة بل قضية مركبة من قضيتين" :عامر طالب في
جامعة القاهرة" و"سليم طالب في جامعة القاهرة" وهناك رابط بينهما هو رابط الوصل "و".
الجملة الرابعة تعبر أيضا عن جملة مركبة بالرغم من أنها تحتوي فقط على موضوع
واحد ،وذلك ألنها تحتوي على محمولين وعلى رابط شرطي بين المحمولين .فالموضوع هنا
"عامر" ولكن هناك رابط بين القضية "عامر درس" وبين القضية "عامر سينجح باالمتحان".
وهذا الرابط نسميه الرابط الشرطي الذي يربط بين القضيتين :إذا "عامر درس" فإن "عامر سينجح
باالمتحان".
أما الجملة الثالثة فعلى الرغم من بساطتها إال أنها تحمل الكثير من اإلشكاليات الفلسفية
والمنطقية .فهي بشكل عام ،وإذا ما أخذنا بالتعريف البسيط للقضايا ،فإنها قضية بسيطة تشير إلى
أن حاصل جمع الرقمين 5و 7هو .12فإذا ما نظرنا إلى القضية بحيث نعتبر أن هناك طرفي
معادلة فإن القضية تكون بسيطة بحيث إن 5و 7في جانب تساوي 12في الجانب اآلخر وبالتالي
فنحن ال نتحدث عن قضيتين ألننا فقط نقرر حقيقة هي كون أن 5و 7هي 12وهي حقيقة رياضية
92
معروفة لطالب المرحلة االبتدائية .وحرف العطف هنا ال يشير إلى أننا نتعامل مع قضيتين فنحن
ال نتعامل مع موضوع أول هو 5وموضوع ثان هو 7بل مع موضوع واحد هو " 5و ،"7
ومحمول هذه القضية هو " ."12إلى هنا واألمور بسيطة وسلسة ولكن هذه الجملة تجبرنا إلى
الحديث عن حوار طويل في المنطق حول القضايا وأنواعها.
أي أن أنواع القضايا إما بسيطة ) (Simpleأو ذرية ) (Atomicوإما مركبة
) (Compoundوأو جزئية ) .(Molecularفأما البسيطة فهي القضية التي (ال يمكن تحليلها)
تكون بدورها قضايا أو أقواال تحتمل الصدق أوالكذب .وأما المركبة فهي القضية التي
إلى أجزاء ّ
تتكون من قضايا بسيطة مرتبطة (بعالقة ما) .بكلمة أخرى إن القضية البسيطة تعبر عن واقعة
وا حدة من وقائع العالم ال أكثر ،أما القضية المركبة فتعبر عن أكثر من واقعة واحدة" .فالقضية
البسيطة قول موجب لشيء ما أو سالب عن شيء ما ،والمركبة هي القضية التي تتألف من قضايا
بسيطة اثنتين أو أكثر".
ولقد تم تصنيف الحكم في القضايا ألول مرة مع أرسطو وقد حدد األنواع التالية:
القضايا القبلية :وهي تلك القضايا التي ال تحتاج إلى تجربة للتحقق من صدقيتها ،إذ يمكن -
التحقق منها إما من خالل التعريف أو اإليمان العقلي.
القضايا التحليلية :وهي القضايا التي ال يضيف محمولها أي معرفة جديدة عن موضوعها. -
أي أن المحمول والموضوع متساويان في المعنى ،مثل التعريف أو الترادفات كالقول أن "المداد
هو الحبر".
وقد كان هناك إلى عهد الفيلسوف األلماني أمانويل كانط نوع من الترابط العضوي بين
هذين النوعين من القضايا بحيث إن األمثلة عن النوع األول تصلح نفسها أمثلة عن النوع الثاني.
ومن القضايا التي يمكن تصنيفها على هذا النحو" :األعزب شخص غير متزوج" .وهذه القضية
يمكن التحقق من صدقيتها دون الحاجة للتجربة ألن األعزب هو بالتعريف "شخص غير متزوج".
ويمكن القول أيضا أن محمولها ال يضيف معرفة عن موضوعها ألن محمولها هو تعريف
موضوعها .وبالتالي ،أي من القضايا التعريفية التي يمكن معها وضع الموضوع في طرف
والمحمول في طرف آخر ويمكن االستدالل على كل منهما باآلخر؛ تكون قضية قبلية وهي قضية
تحليلية .أما المثال على النوع الثاني أي على القضايا اإليمانية فهو من سبيل القول" :هللا محبة" أو
"هللا كلي العلم" وهذا النوع من القضايا ال يحتاج إلى التجربة للوصول إلى صدقيته ،فهو قضايا
إيمانية .ومن الممكن أيضا حتى للشخص غير المؤمن بها كقضية إيمانية أن يتفق على تصنيفها
بأنها قضايا قبلية وقضايا تحليلية ألنه من الممكن القول بأن تعريف هللا يتضمن أن هللا محبة وأن
هللا كلي العلم وبالتالي تصبح هذه الخصائص من خصائص مفهوم هللا.
93
فعرف
وقد الحظ الفيلسوف األلماني كانط هذا الترابط بين القضايا القبلية والقضايا التحليلية ّ
هذا النوع من القضايا بتعريف آخر أسماه القضايا "القبلية التحليلية" .واعتبر أنها القضايا التي
ال تحتاج إلى التجربة للبرهان عليها وال يضيف محمولها أي معرفة جديدة عن موضوعها .وقد
اعتبر أن الخصائص التي تستحق مثل هذا التعريف للقضايا هي الخصائص الداخلية للموضوع
( )Intrinsic propertiesوالتي ال يكون الموضوع موضوعا بدونها .ومثال عليها " :األعزب
شخص غير متزوج"" ،.... ،هللا كلي العلم" ....وهكذا.
القضايا البعدية :وهي القضايا التي تحتاج إلى التجربة للتحقق من صدقيتها .وتضم كل -
القضايا العلمية التجريبية .ومثال عليها:درجة حرارة الجو اليوم هي 30درجة مئوية.
القضايا التركيبية :وهي القضايا التي يضيف محمولها معلومات جديدة عن موضوعها. -
وقد كان االعتقاد سابقا أن هناك توافقًا تا ًّما بين القضايا البعدية والقضايا التركيبية بحيث إن كل
قضية تركيبية هي قضية بعدية والعكس صحيح .لكن وكما قدم كانط في نقاشه لها في مقالته
االستهاللية لكتاب نقد العقل الخالص والموسومة بعنوان مقدمة لكل ميتافيزيقا ممكنة ،أنه يجب
التفريق بين القضايا البعدية والقضايا التركيبية بحيث يتم تعريف نوعين جديدين من القضايا
التركيبية :القضايا التركيبية البعدية وهي تلك القضايا التي ال يمكن التحقق من صدقيتها بدون
التجربة والتي يضيف محمولها معلومات جديدة عن موضوعها .ويضم هذا النوع من القضايا جميع
القضايا العلمية التجريبية .ومثال ذلك "درجة حرارة الجو اليوم 30درجة مئوية"" ،درجة
انصهار الحديد هي 328درجة مئوية" ...وهكذا.
أما النوع الثاني فعرفه بالقضايا التركيبية القبلية :وهي القضايا التي يمكن التحقق من
صدقيتها دون الحاجة إلى التجربة ،ويضيف محمولها معلومات جديدة عن موضوعها .وقد ضمن
كانط في هذا النوع من القضايا :القضايا األخالقية والقضايا الرياضية والقضايا العلمية النظرية.
وبالتالي فإن القضية السابقة "حاصل جمع 5و 7يساوي "12تصبح من وجهة نظر
كانط قضية تركيبية وليست قضية بسيطة .إذ بحسب تحليله :مفهوم 12غير متضمن بالموضوع
" 5و "7ألن الخمسة ال تستلزم الـ 12والسبعة أيضا ً ال تستلزم الـ 12وبالتالي فإن هناك تركيبًا
جديدًا نات ًجا عن التعريف النظري لكل من مفهوم الجمع ومفهوم المساواة في الرياضيات الطبيعية.
ويمكن للمعترض على هذا التحليل أن يقول إن عمليتي الجمع والمساواة ليستا قضايا قبلية بل يمكن
أن تكونا تجريبية ،فلم الحاجة لتعريف نوع جديد من القضايا؟! الجواب بسيط على هذا االعتراض.
فعلى الرغم من أنه في حال التعامل مع المعدودات كاألقالم مثال يمكن أن نحصل تجريبيًّا على ناتج
جمع 5و 7بوضع خمسة أقالم بالقرب من سبعة أقالم وعد الناتج للوصول إلى 12وبالتالي إثبات
أن القضية هي قضية بعدية .هنا يكون الرد بأننا نتعامل مع المفهوم المجرد للخمسة والمفهوم
94
المجرد للسبعة وليس عن معدودات محددة .هذا باإلضافة إلى أنه يمكن اقتراح تجربة أخرى تثبت
عكس ما ذهب إليه التجريبيون هنا :فعندما نضع خمس قطرات ماء فوق سبع قطرات ماء نحصل
على قطرة ماء كبيرة وال نحصل على الرقم .12وبالتالي فما نحن بصدده هنا ليس التعامل مع
المعدودات وإنما التعامل مع مفاهيم رياضية مجردة هي :الخمسة والسبعة والجمع والمساواة والرقم
.12
ولكن األهمية الكبرى لهذا التعريف تكمن في حله لمعضلة القضايا األخالقية .فبهذا
التعريف انتقل التعامل مع القضايا األخالقية من قضايا إيمانية إلى قضايا برهانية .ومن خالل هذا
التعريف استطاع كانط أن يميز بين القضايا الميتافيزيقية ممكنة البرهان والقضايا الميتافيزيقية غير
ممكنة البرهان ،حيث اعتبر أن القضايا القبلية التحليلية هي قضايا إيمانية (كقضية "هللا عادل")
غير ممكنة البرهان بينما القضايا األخالقية (كقضية "السرقة جريمة") ممكنة البرهان ،وذلك على
أساس أنه من غير الممكن منطقيًّا تقديم بناء منطقي للبرهان على قضية "هللا عادل" من خارج
نشاط:
أعط ً
مثاال عن كل من أنواع القضايا التي ذكرت أعاله.
القضايا الكلية :وهي كل قضية تبدأ بـ "كل" وتكون كلية موجبة ،أو تبدأ بـ "ليس هناك" -
وتكون كلية سالبة.
القضايا الجزئية :هي القضايا التي تبدأ بـ "بعض" وتسمى جزئية موجبة أو تبنى على نحو -
"بعض أ ليس ب" وتسمى جزئية سالبة.
وفيما يلي من الفصل سيتم التعامل مع القضايا الكلية والجزئية وقوانينها االشتقاقية
(.)Universal and Existential quantifiers
يضاف إلى هذا التصنيف تصنيف آخر من حيث نوع الرابط بين القضايا:
.1قضايا حملية
.2قضايا شرطية
القضايا الحملية:
95
وهي تتكون من موضوع ومحمول ورابطة ،إضافة إلى سور أو كم القضية ،فهي تنقسم من
حيث الكيف إلى موجبة وسالبة ،ومن حيث الكم الى كليةوجزئية.وبالتالي يكون لدينا أربعة أنواع
من القضايا:
.1كلية موجبة ()A
.2كلية سالبة ()E
.3جزئية موجبة ()I
.4جزئية سالبة ()O
هل يمكنك اآلن أن تصيغ عبارات تعبر عن هذه األشكال من الكليات والجزئيات؟
أما القضايا الشرطيةفهي القضايا التي تربط بين مكوناتها بأداة شرط مثل :إذا كان فإن (إذا كان أ
فإن ب) وتسمى قضية شرطية ،أو إذا وفقط إذا (أ إذا وفقط إذا ب) وتسمى شرطية مزدوجة .مثال:
"إذا كان الجو ماطر فأن السماء ملبدة بالغيوم" (قضية شرطية)" ،يعتبر الكائن من الفقاريات
إذا وفقط إذا كان له عامود فقري" (قضية شرطية مزدوجة).
96
-القضايا الكلية الموجبة :وهي القضايا التي تؤكد انتماء مجموعة إلى مجموعة
أخرى بكليتها كأن نقول :كل الكالب حيوانات.
الكالب
وهنا إذا اعتبرنا المجموعة األولى على أنها المجموعة (أ) والمجموعة الثانية على أنها (ب) نقول:
كل أ هي ب.
أي بشكل عام يمكن القول إن "كل أ هي ب"هي تقرير بين فئتين ،مثل :كل األردنيين
آسيويون ،هذه القضية تشير الى أن فئة األردنيين (الموضوع) ُمتضمنة في الفئة الثانية اآلسيويين
(المحمول) .وعلى ذلك يكون الموضوع مستغرقا ،وبما أن هذه القضية ال تتحدث عن جميع أعضاء
فئة اآلسيويين ،بل عن بعض أعضائها الذين يشكلون فئة األردنيين ،فإن المحمول (اآلسيويين) ال
يكون مستغرقا أو مشموال بالحكم.فكون كل األردنيين آسيويين ال يعني أن كل اآلسيويين أردنيون،
وكون كل إنسان فانيًا ال يعني أن كل فان إنسان ،وإن كان كل الطيور حيوانات ال يعني أن كل
الحيوانات طيور.
97
-القضايا الكلية السالبة :وهي القضايا التي تنفي انتماء مجموعة إلى مجموعة
أخرى بكليتها كأن نقول :ال ديدان فقاريات (الديدان ليست من الفقاريات):
الحيوانات
الفقارية الديدان وهنا إذا اعتبرنا المجموعة األولى على
أنها المجموعة (أ) والمجموعة الثانية على
أنها (ب) نقول :ال أ هي ب.
-القضايا الجزئية الموجبة :وهي القضايا التي ينتمي فيها بعض من مكونات مجموعة ما إلى
مجموعة أخرى .كأن نقول :بعض الثديات حيوانات بحرية.
الثديات
حيوانات
وهنا إذا اعتبرنا المجموعة األولى على أنها المجموعة
بحرية
(أ) والمجموعة الثانية على أنها (ب) نقول :بعض أ هي ب.
98
الموضوع مست غرقا ،كما أنها ال تثبت ذلك على جميع فئة األميين بأنهم أردنيون ،بل إن بعضا من
األميين أردنيون ،وبالتالي ال يكون المحمول مستغرقا.
أميون
أي أن "بعض أ ليس ب" هيقضية تشير أو
تنفي عن بعض األردنيين بأنهم أُميون ،فالحكم هنا منصب على بعض األردنيين وبالتالي ال يكون
الموضوع مستغرقا ،بينما المحمول(أُميين)يكون مستغرقا ألن كل فئة األُميين ال يوجد بينهم هذا
البعض من األردنيين غير األُميين أو (ليسوا أُميين) فهذه القضية تفصل فصال تا ًّما بين بعض
أعضاء فئة األردنيين من ناحية وبين جميع فئة األُميين من ناحية أخرى.
ونستطيع أن نستخلص قاعدة عامة لالستغراق وهي :أن القضايا الكلية تستغرق الموضوع
والقضايا السالبة تستغرق المحمول.
أما عن قوانين االستنباط للقضايا الكلية والجزئية فهناك أربعة أشكال عامة هي:
تتكون الحجة االستنباطية في هذه الحاالت من ثالثة حدود:مقدمتين ونتيجة.
كل المعادن تتمدد بالحرارة كل أ هي ب مثال:
كل الحديد معدن كل ح هي أ
كل الحديد يتمدد بالحرارة إذن كل ح هي ب إذن
تتكون هذه الحجة من:
ً
أوال :ثالثة حدود
.1حد أكبر (تتمدد بالحرارة)
.2حد أوسط (المعادن)
.3حد أصغر (الحديد)
99
ثانيا :مقدمتان:
.1مقدمة كبرى (كل المعادن تتمدد بالحرارة) .2مقدمة صغرى (الحديد)
ثالثاً :نتيجة وهي هنا ،كل الحديد يتمدد بالحرارة
ً
محموال في المقدمة الكبرى ،والحد في الشكل المعياري لهذه الحجة يكون الحد األكبر
األصغر موضوع في المقدمة الصغرى ،أما الحد األوسط فهو موضوع في المقدمة الكبرى
ومحمول في المقدمة الصغرى ،ووظيفة هذا الحد (األوسط) إيجاد العالقة أو الرابطة بين الحد
األكبر والحد األصغر ،وهو يختفي في النتيجة.
نستعرض أدناه األشكال المعيارية للحجج الكلية والجزئية:
ج
-الشكل األول :ويرتبط بالكلية الموجبة على النحو التالي:
كل أ هي ب
ب
كل ب هي ج
أ إذن كل أ هي ج
مثال :كل إنسان فان
كل فان مصيره الموت
إذن كل إنسان مصيره الموت.
أ كل أ هي ب
ال ب هي ج
إذن ال أ هي ج
مثال :كل إنسان فان
ال فان خالد
إذن ال إنسان خالد.
100
-الشكل الثالث :ويرتبط مع الجزئية
ج الموجبة:
ب
أ كل أ هي ب
بعض أ هي ج
إذن بعض ب هي ج
المغالطات الشكلية:
وتختص المغالطات الشكلية بالبناءات المنطقية ،وباألخص البناءات المنطقية المرتبطة بالحدود.
قواعد االستنباط والمغالطات الشكلية هي التي تحدد قوة الحجة وضعفها أو بطالنها وتتحدد هذه
بالقواعد التالية:
يجب أن تكون الحدود ثالثة على األكثر. .1
يجب أن تكون قضية واحدة على األقل من المقدمات قضية كلية. .2
ال يمكن االستنباط من جزئيتين. .3
ال يمكن االستنباط من سالبتين. .4
ال يجب استغراق حد في النتيجة ما لم يكن ُمستغرقا في المقدمة التي ورد فيها. .5
يجب أن تكون النتيجة مستغرقة في المقدمات. .6
101
ال يجوز أن تكون النتيجة جزئية إذا كانت المقدمات كلية. .7
إذا كانت إحدى المقدمتين سالبة فالنتيجة سالبة. .8
صحة الحجة وبطالنها يتحددان من خالل قواعد القياس السابقة ،فالصالحية) (Validityوالفساد
) (Invalidألي حجة استنباطية يتعلقان بصحة االستدالل من خالل المقدمات للوصول الى النتيجة
حسب شروط أو قواعد القياس .فيمكن أن نقبل حجة على أنها حجة صالحة ،ولكننا نعتبرها حجة
ضعيفة عندما تكون االفتراضات المبنية عليها افتراضات ضعيفة .الحجة القوية هي الحجة التي
تحمل مقدمات قاطعة ونهائية وتؤكد الوصول إلى النتائج من دون عناء ،بينما الحجة الضعيفة هي
الحجة التي يكون من السهل التعرف إلى أن مقدماتها لن توصلنا إلى النتيجة ،حتى لو كانت تبدو
في الظاهر أنها حجة ممكنة.
ونأخذ مثاال على ذلك:
كل األفاعي حيوانات سامة، أ.
الكوبرا أفعى،
إذن الكوبرا سامة.
من الواضح أن الحجة (أ) هي حجة قوية ،ويمكن أن توصلنا بسهولة إلى القول بالحقيقة
المعروفة وهي أن الكوبرا أفعى سامة .لكن من الواضح ،وعلى الرغم من قوة الحجة ،أن المقدمة
األولى هي مقدمة كاذبة .ولكي نجعلها مقدمة صادقة فإننا يجب أن نحول بنية الحجة إلى البنية (ب)
حيث نقول إن بعض األفاعي سامة .ولكن في اللحظة التي نقوم فيها بذلك فإننا نضعف الحجة
المقدمة ،ألنه من الواضح أننا لن نصل إلى الحقيقة المعروفة بأن الكوبرا سامة من المقدمتين
الموجودتين في الحجة الثانية ألنه قياس خاطئ (ال استنباط من جزئيتين) .وبالتالي فالحجة (ب)
هي حجة فاسدة.
ومن الممكن بسهولة أن ننجح في إدراك فشل الحجة (ب) عندما نضع أفعى الحقل مكان
الكوبرا ،فإننا ندرك خطأ الحجة .فأفعى الحقل ،على الرغم من أنها أفعى ،غير سامة .ومن هنا فإننا
ال نستطيع أن نستنتج من المقدمتين أنها سامة ،لذلك فالمقدمتان كما هما تؤديان إلى حجة فاسدة.
102
بعض األفاعي سامة، (ب)
َ
أفعى الحقل أفعى،
إذن أفعى الحقل سامة.
103
الشمس أشرقت أمس وقبله وقبله،
إذن الشمس تشرق كل يوم.
ب .كل الكوبرا أفاع سامة،
هذه أفعى كوبرا،
إذن هذه أفعى سامة.
المثال األول هو مثال معروف لدينا ،ونحن كبشر نحاول دائما لكي نجعل حياتنا أكثر
سهولة أن نتعامل مع قضايا من هذا النوع ،فمن الواضح أننا عندما رأينا أن الشمس أشرقت اليوم،
وأنها فعلت ذلك أمس وقبله ،ومنذ زمن طويل ندرك أن االحتمال األكبر هو أن الشمس ستشرق
غدا ،وبالتالي فإننا نسرع إلى تعميم هذه الحقيقة والقول بأن الشمس تشرق كل يوم .لكن هذه الحقيقة،
على الرغم من علميتها ،إال أنها تعتبر نتيجة لحجة فاسدة .إذ إننا انتقلنا من الخصوصيات ،التي هي
معرفتنا بشروق الشمس اليوم ومعرفتنا بشروق الشمس أمس ،إلى عموميات تعتمد على التعميم
القائل(( :كل)) يوم تشرق الشمس.
ولكي نوضح الخطأ الفاضح في هذا النوع من االستدالل ننظر إلى الحجة (ت) وهي حجة
مشابهة في البناء للحجة (أ) ولكننا نصل معها إلى القول بأن كل األفاعي سامة ،وهو قول كاذب.
بينما الحجة (ب) هي حجة صالحة وندرك صحتها على الفور ،فنحن ننتقل من التعميم القائل بأن
كل أفاعي الكوبرا سامة إلى الخصوصية القائلة إن أفعى الكوبرا هذه التي أمامنا هي أفعى سامة.
هذا يدفعنا للحديث عن "االستنباط الصالح" في مقابل الذي يؤدي إلى نتيجة صادقة ،فمن
الممكن ألستنباط أن يكون "صالحاً" إذا كانت نتيجته تتبع من مقدماته بغض النظر عن صدقية
المقدمات (ألننا في البناء المنطقي نفترض صدق المقدمات لنصل إلى نتيجة) ،ولكن ال يمكن أن
تكون النتيجة صادقة إال إذا تم بناء االستنباط من مقدمات صادقة .ففي حال وجود مقدمة غير
صادقة (كاذبة) فيمكن أن ينتج عن االستنباط نتيجة كاذبة .وفي بعض الحاالت يمكن أن ينتج عن
االستنباط "الصالح" نتيجة صادقة على الرغم من أن المقدمات غير صادقة .وهنا أصبح من
الضرورة في المنطق المعاصر أن يتم تحديد شروط االستنباط وربطه بالصدقية ،فاالستنباط لكي
104
يكون صالحا ً وصادقا ً يجب أن ال نفترض صدق المقدمات فقط ،بل أن تكون هذه المقدمات صادقة
فعالً.
ما هي الحجة؟
الحجة هي التتابع المنطقي والعقالني إلثبات نتيجة ما .وتتكون الحجة من مقدمات ونتيجة.
المقدمات هي مجموعة من الجمل اإلخبارية التي يصح عليها القول إنها إما صادقة أو كاذبة.
والنتيجة هي جملة إخبارية يمكن الوصول إليها من المقدمات.
هذه جملة خبرية يمكن أن تكون صادقة أو كاذبة .يعتمد ذلك على ما إذا كان عامر قد عاد
فعال من السفر يوم الخميس الماضي .والجمل الخبرية ال يمكن أن تكون نصف صادقة أو نصف
كاذبة ،فهي إما صادقة وإما كاذبة .وبالتالي فإذا كان عامر قد عاد من السفر فعال ،ولكنه لم يعد يوم
الخميس بل في وقت آخر ،فهذا يعني أن الجملة كاذبة بالرغم من أنه عاد من السفر.
مالحظة مهمة:
اللغة تحمل الكثير من العبارات التي تشكل بنية اللغة ،مثل العبارات المعبرة عن صيغة السؤال
أو صيغة التعجب أو أشباه الجمل أو غيرها من الجمل التي ال تقدم لنا أي معنى إخباري .هذه
الجمل على الرغم من أهميتها في اللغة إال أنها ليست ذات أهمية في بناء الحجة .إذ إننا ال نستطيع
أن نبني حججنا بوساطة مجموعة من األسئلة على سبيل المثال ،وحتى لو كانت هذه األسئلة من
النوع االستنكاري أو التهكمي ،فاإلجابة على هذه األسئلة تخضع بشكل أساسي لتفكير المستمع أو
العتقاداته المسبقة .وبالتالي فإن المتلقي يمكن أن يصل إلى ما يريده المرسل من طرحها ،وممكن
أيضا أن يصل إلى عكس ما يريده .هذه القضية ال يمكن أن تحدث في الحجة المبنية وفق بناء
منطقي سليم .فالحجة الجيدة توصل القارئ أو المستمع إلى استنتاج واحد ملتزم بما يفرضه البناء.
105
مثال :لنأخذ على سبيل المثال ما يمكن أن يحدث في يوم عادي على أحد الطرق في األردن .ففي
حادث طريق عرضي ،قامت سيارة زرقاء بصدم سيارة حمراء من الخلف .عندها نزل كل من
السائقين ودار بينهما الحديث التالي:
سائق السيارة الحمراء :كيف تمكنت من الحصول على رخصتك؟ يجب أن تذهب لتفحص نظرك.
فهذا الحادث هو خطؤك وحدك ،ويجب أن تكون من الرجولة لتعترف بذلك.
سائق السيارة الزرقاء :االعتراف بماذا؟ فأنت حتى لم تنظر في مرآتك! وسيارتك هذه يجب أال
تقودها على الطرق على أي حال .فأنت من تسبب بالحادث ،فلماذا تريد أن تلقي اللوم علي وحدي؟
في كثير من األحيان نسمع أحدهم يقول جمالً كهذه" :أشعر أن هذا الشيء سيحدث "...أو" :لدي
إحساس أن "...وغير ذلك من الجمل المعبرة عن المشاعر .عند سماعك لمثل هذه الجمل تدرك أن
تعبيرا احتماليا كالقول "أعتقد "...
ً ما يقدمه هذا الشخص ليس حجة عقالنية .فالحجة يمكن أن تحمل
تعبيرا شعوريا .هذا ال يعني عدم
ً ،أو "من المحتمل أن "...أو ما شابه ،لكنها ال يمكن أن تحمل
أهمية األحاسيس والشعور والعواطف ،فهذه قضايا مهمة وأساسية في بنية أي إنسان ،وبغيرها يكون
الفرد قد خسر إنسانيته .لكن ما نقوله هنا إن الحجة هي نوع معين من البناء اللغوي والمنطقي؛
الغرض منها ليس التعبير عن العواطف واألحاسيس ،وإنما الوصول إلى إثبات صحة أو خطأ قضية
ما.
نجد هنا أن العبارات التي استعملها السائقان هي عبارات من النوع التهكمي ،أو المعبر
عن غضب كل منهما على ما حدث .فالجمل هي جمل تعجبية أو جمل بصيغة سؤال استنكار.
يفرجا عن نفسيهما ،لكن أيًّامنهما لم يقدم لنا حجة على
وبالتالي فإنهما حاوال من خالل الحوار أن ّ
صحة ما يقول ،أو عن األسباب التي أدت إلى حدوث الحادث.
عند حدوث الحادث السابق بين السيارتين ،شاهد كل من عصام وعدنان الحادث ،لكنهما
اختلفا أيضا على تحليل الحادث وعلى من يمكن أن يالم .فنجد عصاما يقول:
[أ] لم يكن هناك أي داع للسيارة التي في األمام ألن تتوقف ،فقد قام السائق بالضغط على
الفرامل بشكل مفاجئ .وال يمكن ألي كان أن يستجيب بالسرعة الكافية لكي يتجنب االصطدام.
لذلك فإننا ال نستطيع القول إن السيارة الزرقاء هي السبب.
106
نالحظ هنا أنه بخالف الحوار الدائر بين السائقين ،فإننا نرى أن عصاما قد قدم لنا مجموعة
من العبارات اإلخبارية التي يمكنها أن توصلنا إلى نتيجة واضحة ،وهو هنا يقدم لنا حجة .فهو ال
يعرض لنا فقط وجهة نظره" :ال نستطيع القول إن السيارة الزرقاء هي السبب" ،ولكنه يقدم أيضا
األسباب التي تدعم وجهة نظره هذه .ولذلك فوجهة نظره هي أكثر من مجرد التعبير عن رأي
معين ،إنها استنتاج مبني على أسباب .نعرف هذا الشكل من البناء اللغوي أنه حجة.
يمكن لنا أن نستعمل التعبير "خط البرهان" للتعبير عن هذا النمط من البناء اللغوي .فالحجة هي
نوع من البرهان للقضية التي نريد الوصول إليها .وفي خط البرهان يتم الوصول إلى النتيجة من
خالل المقدمات ،فيما يعرف بالتعبير المنطقي "النتيجة مستغرقة في المقدمات".
القول بأن هذا الخط من البرهان هو خط منطقي شيء ،والقول بأن الحجة هي حجة
صحيحة شيء آخر .فمن الممكن أن تكون النتيجة محصلة صحيحة للمقدمات ،لكن قد تكون
واحدة أو أكثر من تلك المقدمات غير صحيحة وبذلك تكون النتيجة خطأ ،ألن إحدى المقدمات
خطأ .وقد يستغرب القارئ كيف يمكن أن يكون خط البرهان معبرا عن حجة وفي الوقت نفسه
ال يكون هناك معرفة حول صحة المعلومات المقدمةوخطئها.هنا نقول إن هناك مجموعة من
القوانين العامة تسمى ـقوانين "القياس المنطقي" لخط البرهان تمكننا من الوصول من المقدمات
إلى النتيجة بغض النظر عن حقيقة الجمل.
على الرغم من أننا لن ندخل في تفاصيل القياس المنطقي إال أننا يجب علينا أن ندرك القاعدة
األساسية لهذه القوانين ،والتي تتمثل بأنه في االستنتاج الصحيح يجب على كل العبارات الواردة
في النتيجة أن تكون واردة في المقدمات ،إما بالمقدمات الظاهرة أو المقدمات المضمرة .وفي كل
الحاالت يجب أن نتمكن من اإلجابة عن السؤال المهم التالي :في حال افتراض أن المقدمات
صحيحة ،ما هي النتيجة التي تتبع المقدمات؟ هل هي النتيجة التي وصلت إليها الحجة؟ وهل تقدم
المقدمات سببا كافيا لالعتقاد بأن النتيجة المقدمة مبررة؟ إذا كانت اإلجابة بنعم على األسئلة
السابقة نعرف أن هذا الخط من البرهان هو حجة .ومن الضروري القول إنك عندما "تقيم" حجج
اآلخرين ،يجب أن تكون قادرا على معرفة إذا ما كانت األسباب التي يقدمونها صحيحة ،أو إذا
ما كانت حججهم ،أو بعض منها ،ضعيفة.
بعد أن استمع عدنان إلى حجة عصام ،قدم رأيه فيما حدث فقال:
[ب] الطريق كان يساعد على االنزالق ألن الجو كان ماطرا .في الطقس السيئ يجب عليك
أن تبقي مسافة جيدة بينك وبين الذي أمامك .السيارة الزرقاء كانت قريبة جدًّا من السيارة
التي أمامها.
107
هل يمكن اعتبار هذا التعليق حجة؟ بالطبع ال .فما يقوله عدنان هنا هو عبارة عن
تتابع أحداث ال يفيد في الوصول إلى نتيجة ما .هذا ال يعني أن العبارات في [ب] غير
مترابطة .فمن السهولة بمكان أن نرى ما يرمي إليه عدنان من هذه الجمل ،لكنه فشل في أن
يقدمها بشكل يتناسب مع اعتبارها حجة .وبالتالي فعدنان يضع اللوم على السيارة الزرقاء
ل كنه ال يصرح بذلك .ولكي نتمكن من تحويل ما قاله عدنان إلى شكل الحجة نقدم الحوار
التالي:
[ت] الطريق كان يساعد على االنزالق ألن الجو كان ماطرا .في حاالت الطقس السيئ يجب
على السائق أن يبقي مسافة مناسبة بينه وبين السيارات التي أمامه .السيارة الزرقاء كانت
قريبة جدًّا من السيارة التي أمامها .لذلك كان الحادث ذنب سائق السيارة الزرقاء.
الحظ أنه في كال المثالين [أ] و[ت] تم استخدام الكلمة "لذلك" لإلشارة إلى العبارة التي تعبر عن
نتيجة الحجة .فالكلمات من مثل "إذن" ،و"لذلك" وما شابهها من الكلمات ،تدل بوضوح على
العبارة التي تعتبر نتيجة في حجة ما .ولكن في الكثير من الحاالت عندما تكون العبارات الدالة
على المقدمات واضحة ،وال يوجد فيها لبس ،ال نحتاج إلى أن نقدم النتيجة باالبتداء بكلمة من
مثل "لذلك".
هذا الشكل هو شكل حجة بكل تأكيد؛ ألن المالحظة حول طبيعة الطريق والقول بأن المسافة
ملخص :ومما سبق نصل إلى القول بأن الشكل العام للحجة يكون على النحو التالي:
ومن التقنيات المفيدة للتعرف إلى الحجة وبنائها ،أن يجري تحويلها إلى شكلها القياسي السابق
(مقدمات (أسباب) – إذن – نتيجة) ،والتأكد بذلك من العبارة التي يمكن أن تكون نتيجة بوضع
كلمة "إذن" أو "لذلك" قبلها .فإذا لم تكن تعطي معنى ،أو ليست بجملة مفيدة فمن المحتمل أنها
ليست العبارة التي يمكن أن تكون النتيجة في الحجة المقدمة.
الحجة البرهانية تقدم سببًا أو أكثر يفضي إلى نتيجة – أو تحتوي على نتيجة تنبع
موقع في الحجة ،بوجود أو عدم وجود لكلمات دالة عليها من قبيل "لذلك" أو "إذن".
في الحجة قد ال تكون النتيجة وال المقدمات صادقة.
التي يجب على السائق أن يبقيها بينه وبين السيارة التي أمامه ،باإلضافة إلى المالحظة حول السيارة
الزرقاء ،تمكننا من الوصول إلى نتيجة ما وهي بالضبط تلك النتيجة التي وصلت إليها الحجة :إن
108
سائق السيارة الزرقاء هو المذنب .ولكن هذه الحجة كما الحجة األولى ال يمكن اعتبارها حجة
مبرهنة ،ألن ما قاله عدنان وما قاله عصام يمكن أن ينقده أو يرفضه آخرون.
بنية الحجة
مقدمة:
كما قلنا سابقا ً فكل الحجج تحتوي على مقدمات (أسباب) ونتائج .ولكنها ال تبنى بالشكل نفسه.
وعندما تتقن مهارة التعرف إلى الحجة ،فإن المهارة التي تليها مباشرة والتي يجب عليك
امتالكها هي تحليل الحجة ومعرفة بنيتها ،وهذا يعني بالتحديد التعرف إلى المقدمات وإلى
النتيجة ،والتعرف إلى كيفية ربطها بعضها مع بعض.
وبما أننا لسنا بصدد درس في المنطق البرهاني ،فإننا سنركز في هنا على فحص عدد من
األمثلة والنماذج ،لتحليلها والتعرف من خاللها إلى إمكانية تحديد النتيجة في حجة ما .والواقع
أن أبسط نوع من أنواع الحجج هو ذلك الذي يحتوي على مقدمة واحدة ونتيجة.
لنبدأ بهذا النمط ويطلق عليه حجة صغرى أو يمكن اعتباره بأنه قضية شرطية .وكمثال على هذه
الحجة نقول( :القضايا الشرطية بشكل عام هي حجة من مقدمة ونتيجة)
[ ]1مؤشر الوقود في السيارة يشير إلى أنها شبه فارغة .لذلك يجب أن تتوقف عند المحطة القادمة
للتزود بالوقود.
لهذا النمط من الحجة تحليل واحد ممكن فقط .وإذا ما أشرنا إلى المقدمات بالرمز [م]
والنتيجة بالرمز [ن] والسهم [ ←] للتعبير عن الكلمات المشابهة لـ"إذن" أو "لذلك"؛ ّ
فإن بنية
الحجة السابقة تكون على النحو اآلتي:
م←ن
حيث [م] تعبر عن المقدمة :مؤشر الوقود في السيارة يشير إلى أنها شبه فارغة .و[ن]
تعبر عن النتيجة :لذلك يجب أن تتوقف عند المحطة القادمة للتزود بالوقود.3
3وتذكر ما قلناه سابقا ً من أن النتيجة ال تكون في نهاية الحجة بالضرورة ،وقد ال تحتوي على رابط يوضح أنها نتيجة (لذلك .)...،ولكن عند التحليل ،ومهما كان الوضع
الذي تقدم به العبارات في الحجة ،فإنه يلتزم بتحويل العبارات إلى شكل ينسجم مع الشكل الذي يساعدنا على التعرف إلى الحجة فورا :أي الشكل م ← ن.
109
[ ] 2دخل أحدهم إلى المحل ودفع أربع أوراق نقدية لها ذات الرقم المتسلسل .ال بد أنها
مزورة ،ألن أوراق النقد األصلية ذات أرقام متسلسلة مختلفة.
النتيجة في هذا المثال هي العبارة الثانية .ولكن عندما نحلل حجة يجب أن نقدمها بأفضل
صورة ممكنة لكي ال يكون هناك أي لبس في أن النتيجة تتبع المقدمات .وأفضل طريقة لفعل ذلك
تكون بترتيب العبارات بأن تتلو المقدمات بعضها بعضا ،ثم نضع النتيجة التي تنتج عن هذه
المقدمات في النهاية .ومن هنا يكون تحليل المثال الثاني كما يلي:
إذن
ن
110
من الواضح هنا أن النتيجة تحتاج إلى المقدمتين معا ،وبدونهما ال يمكننا الوصول إلى
النتيجة .يسمى هذا النوع من الربط بين القضايا بالوصل (الرابط و).
ثمة أسلوب آخر لتمثيل بنية الحجة :يكون من خالل رسم للمقدمات والنتيجة على شكل يمكننا
من إدراك أهمية المقدمات للنتيجة .ففي المثال الثاني نرى أن المقدمتين مهمتان للوصول إلى
النتيجة .أي أن كل مقدمة من المقدمتين سبب ضروري للوصول إلى النتيجة ،ولكنه ليس سببا
كافيًا للوصول إليها .السبب الكافي هو السبب الذي نصل من خالله فقط إلى النتيجة .بينما السبب
الضروري هو سبب مهم للوصول إلى النتيجة ،ولكن ال يمكننا الوصول إلى النتيجة به وحده،
بل نحتاج إلى سبب آخر (أو أكثر) لبلوغها.
لكن هذا ال يعني أن المقدمات يجب أن تعمل بعضها مع بعض دائما ،فمن الممكن في بعض
الحجج أن تعمل بشكل مستقل .انظر ،على سبيل المثال ،إلى الحجة التالية:
[ ]3أوراق النقد هذه مزورة .فهي ذات مقاييس مختلفة عن تلك التي أخذتها من البنك ،وعندما
أفكر بالموضوع ألحظ أن منظر الزبون الذي أعطاها لي كان مريبا.
نرى أن األسباب في هذه الحجة مختلف بعضها عن بعض ،كما أن بنية الحجة مختلفة
أيضا .فالمقدمتان تعمالن بشكل مستقل إحداهما عن األخرى ،لكنهما مهمتان بالدرجة نفسها للنتيجة.
كل واحدة باستقاللها يمكن أن تؤدي (مع بعض الشك) إلى النتيجة .فإذا كانت واحدة خطأ فمن
الممكن االعتماد على الحجة الثانية للوصول إلى النتيجة .ومن هنا فهما يمثالن ّ
خطي برهان
مستقلين ،حتى لو كانتا تدعمان نتيجة واحدة.
م2 م1
ن
م :1أوراق النقد ذات مقاييس مختلفة عن تلك التي أخذتها من المصرف.
إذن
111
من الواضح هنا أن النتيجة تحتاج إلى المقدمات كال على حدا ،ويمكن الوصول إلى النتيجة
من خالل أيهما .يسمى هذا النوع من الربط بين القضايا بالفصل (الرابط أو).
يمكن اعتبار "الحجة داخل الحجة" بنية أخرى شائعة في بناء الحجة .في هذا النوع من الحجج
يتم الوصول إلى نتيجة جزئية داخل بنية الحجة،وتستعمل كمقدمة من مقدمات للنتيجة النهائية.
وبالتالي تكون واحدة من مقدمات الحجة هي نتيجة لحجة أخرى متضمنة في البنية الكلية
للحجة.
لنفترض أننا أردنا أن نوضح الحجة رقم [ ]2أعاله بشكل أفضل مما هي عليه ،لنساعد
صا ال يعرف أي شيء عن األوراق النقدية .فكيف يمكن أن تبنى الحجة؟
على سبيل المثال شخ ً
[ ] 2دخل أحدهم إلى المحل ودفع أربع أوراق نقدية لها ذات الرقم المتسلسل .ال بد أنها
مزورة .فمن الواضح أنه من غير الممكن لرقمين "متسلسلين" أن يكونا نفس الرقم .ولذلك
فإذا ما كانت أوراقًا نقدية صحيحة فال بد أن لها أرقا ًما متسلسلة مختلفة.
وهنا بدال من القول بأن أوراق النقد الصحيحة لها أرقام متسلسلة مختلفة ،في هذه الحجة،
نرى أنها تعطي سببا للنتيجة هذه ،وبذلك فإنها تكون حجة جزئية على طريق بناء الحجة النهائية.
م
1
↓
م م ن
3 + 2 = ج
ن
النهائي
إذن
م( 2نج ،النتيجة الجزئية) :إذا ما كانت أوراقًا نقدية صحيحة فال بد أن لها أرقا ًما متسلسلة مختلفة.
112
لذلك
نستطيع أن نقدر البنية الحالية وأهميتها عندما نحاول أن نعتبر أن النتيجة الجزئية هي
النتيجة النهائية ،ونجد أن الحجة غير متماسكة كما هي الحال في الوضع القائم هنا.
113
ورقة عمل
تحمل كل من التمارين التالية ،حجة ال تحتوي على كلمة "إذن" أو "لذلك" ...ومهمتك هي
أن تحدد أيًّا من العبارات س أو ص أو ع مقدمات وأيًّا منها نتائج ،مع بيان السبب.
( )1س :نوافذ الغرفة مغلقة بإحكام .ص :من المحتمل أن ترتفع درجة حرارة
الغرفة بشدة .ع :اليوم هو أحمى يوم في السنة.
( )2س :اعتقد سالم أنه رأى حيدرا يركض في ماراثون عمان .ص :سالم أخطأ
في تحديد هوية الشخص الذي رآه في الماراثون .ع :حيدر كان في بيروت
يوم ماراثون عمان.
( )3س :الكمبيوترات (الحاسبات) غير قادرة على اإلبداع كالبشر .ص :إبداع
البشر فطري وتلقائي .ع :الكمبيوترات (الحاسبات) ال يمكنها أن تكون فطرية
وتلقائية.
( )4س :ال بد أن راميًا مسرور ألن دراجته قديمة .ص :كل أصدقائنا الذين اشتروا
دراجات جديدة سرقت دراجاتهم .ع :ال يمكن ألي كان أن يفكر بسرقة دراجة
رامي ،حتى ولو تركها على قارعة الطريق.
( )5س :كان هناك هذا العام عدد أكبر من حرائق الغابات التي اشتعلت نتيجة
إلقدام البشر على إشعال النار في الغابات .ص :تم توزيع إعالنات في نهاية
العام الماضي لتحذير البشر من إشعال الحرائق في الغابات .ع :اإلعالن الذي
نبه البشر إلى عدم إشعال الحرائق في الغابات غير فعال.
( )6س :عدد متزايد من الحوادث ،في مدينة لندن ،يتمحور حول دهس سائقي
الدراجات للمشاة .ص :في معظم الحاالت ال يملك سائق الدراجة تأميناً ،ولذلك
يكون من الصعب على المشاة المطالبة بالتعويض .ع :يجب فرض التأمين
على سائقي الدراجات كما تفرض على السيارات.
( )7س :تحتاج فقط إلى مضخة لتضخ الهواء إلى وعاء الماء إذا ما كان وعاء
صغيرا .ص :وعاؤك ليس كبيرا لكن ليس عندك سمك .ع :أنت ال
ً السمك
تحتاج إلى مضخة لتهوية الماء.
114
تمارين من ()10( – )8
التمارين الثالثة التالية تعبر عن ثالث حجج قصيرة .حللها مستخدما الرسوم التوضيحية
المعبرة عن عالقات اإلضافة أو العطف (و و أو) بحيث يتم تحديد النتيجة األساسية وبنية كل حجة
(خط البرهان).
( )8إنه لحتمي أن يأخذ بعض الرياضيين حبوبًا منشطة لرفع أدائهم الرياضي .وفي أغلب
األحيان تكون الحبوب المنشطة هي الفاصلة بين الفوز والخسارة .فالمكافأة التي
يحصل عليها الفرد عند الفوز كبيرة جدًّا ،إلى الحد الذي تصبح معه المخاطرة بأخذ
الحبوب المنشطة تستحق العناء.
( )9ال تشاهد عددًا كبيرا من الناس الذين يسبحون في هذه المنطقة كما هي الحال في
الشاطئ الشمالي .فإلى الشمال من هنا تحرك الرياح مياه البحر الدافئة إلى الشاطئ
مما يجعل المياه أكثر دفئًا .باإلضافة إلى ذلك ،هناك نسبة كبيرة من التلوث البيئي
للمياه في المنطقة.
تعرف الناس إلى مقدار
( )10عندما يتم تصوير العنف على الشاشة بشكل حقيقي ،فإنك ّ
البشاعة التي يمثلها هذا التصرف العنيف ،مما يبعدهم أنفسهم عن ممارسة العنف.
كبيرا على المجتمع كما
ً خطرا
ً ولذلك نستطيع القول إن العنف على الشاشة ال يشكل
كان متوقعا في السابق .على العكس من التأثير الذي تسقطه على المشاهد اللقطات
المعبرة عن العراك البسيط ،حيث يتم تقديم البطل على أنه يخرج من العراك منتصرا
بال أضرار ،وهذا ما سيشجع الناس على أن يكونوا أكثر عنفا .هذه األفالم هي التي
يجب أن تمنع ،ال األفالم التي تعبر عن حالة عنف حقيقي.
115
التفكير الناقد):(Critical Thinking
كل منا يفكر ويستخدم عقله ،ولكن عند إمعان النظر في ما نقوله ونفكر به سنجد أنه منحاز
ومشوه ويقدم على عجل دون تمحيص أو معرفة كافية .ولذلك فإننا نحتاج إلى التفكير الناقد لننظم
أفكارنا .فالتفكير الناقد هو طريقة لتحليل وتقييم أفكارنا بغرض تطويرها والوصول إلى معرفة
صحيحة .التفكير الناقد هو التفكير الذي يطرح األسئلة الصعبة المرتبطة بالنقاط الحساسة في
التجربة اليومية التي يخوضها اإلنسان ،ويحاول أن يقدم تحليال لكل العمليات التي يقوم بها هو
شخصيا ً أو أن يقدم تحلياللألحداث والظواهر حوله ،فيركز على اإليجابيات بالقدر نفسه الذي يركز
به على السلبيات .ومن األسئلة المهمة في هذا السياق :لماذا حدث هذا أو ذاك؟ هل كان عملنا فعّاال
حقيقةً؟ ما هو مقدار التأثير الذي تتركه هذه الظاهرة على المجتمع ؟ هل يجب أن نستمر في األداء
بنفس الوتيرة؟ هل نستطيع أن نحسن من عملنا؟ كيف؟
وبالتالي فالتفكير الناقد يهدف إلى التساؤل عما يمكن اعتباره مفروغا منه ،والسيما
االفتراضات المسبقة التي نضعها والمرتبطة باألحداث والظواهر من حولنا .وهذا يفترض إمعان
التفكير فيما يتعلق أيضا بتصرفاتنا وتأثيرها المحتمل.
ً
متواصال ،ودقيقًا في معتقد ما أو موضوع أو محتوى أو تفكيرا فعال،
ً ويُعدالتفكير الناقد،
مشكلة ،يلجأ إليه الفرد من خالل استعمااللتفكير العميق ،واالستدالل المنطقي الذي يعتبر أساس
التفكير الناقد.
نجد أن هناك عدة تعريفات للتفكير الناقد ،ونستطيع أن نلخص أهم محتويات هذه التعريفات
من خالل النقاط التالية:
.1وجود موقف أو مشكلة أو موضوع بحاجة إلى فهم وتحليل وتقييم.
.2ممارسة االستدالل المنطقي الصحيح.
.3التحكيم المنطقي لمعتقداتنا ومن ثم ألفعالنا.
.4التفكير بعملية التفكير من خالل استخدام مفردات النقد ،فهو يتطلب أن تكون دقيقًا
وحكي ًما.
ً
مسؤوال .5تفكير قصدي دقيق ومتأن ،فهو يتطلب نظرة مقصودة غير متسرعة وموقفًا
حيال األفكار والمعتقدات والقيم وغيرها.
116
.6عبارة عن مهارة متعددة األبعاد ،فهو ليس شيئًا نحفظه أو نبحث عنه ،بل مهارة تتحسن
تدريجيًّا مع التدريب.
.7هو تفكير إيجابي اتجاه القضايا والمشكالت أو المسائل التي ال تبدو واضحة بذاتها –
أبيض وأسود – فهو ليس سلبيًّا وليس بخصوص قبول أو رفض الجدل ،بل هو تقييم
شامل لكل أجزاء القضية أو المسألة أو المشكلة.
.8عملية فعالة تقوم علىاستخدام التفكير المنطقي وترك الطرق األخرى في التفكير المبنية
على العواطف أو الحدس أو المعتقد أو التفضيالت الشخصية أو الحس العام ،إذ يتم
وضع هذه األمور جانباواتخاذ القرارات بناء على التفكير السليم.
.9التفكير الناقد يعتمد على طريقة االستدالل التي نستخدمها للوصول إلى النتيجة.
إننا هنا نتكلم عن األفكار ،والحكم عليها .يجب التمعن في األحكام التي نطلقها ،فأنا عندما
أحكم على فكرة ما بالصواب أو الخطأ ،وبالصدق أو الكذب مع إبداء المبررات أو المسوغات لذلك
فإن هذه العملية تتعلق بطرق التعقل ،ومدى جودتها أو مصداقيتها في الوصول إلى النتيجة ،وليست
متعلقة بالحكم على األشخاص كما يعتقد البعض.وهي ليست متعلقة أيضا في الحكم على األفكار-
التي نعبر عنها من خالل القضايا -إن كانت خيرة أو محببةً أو مفيدة ،بل يكون الحكم كما أوضحنا،
إن كانت هذه القضايا صادقة أو كاذبة وإن كان االستدالل الذي نقوم به صحي ًحا أو فاسدًا.
عندما يُطلب منا أن نفكر تفكيرا ناقدًا فإنه يطلب منا أن نأخذ موقفًا فيما يتعلق بالحقيقة أو
في تقبل شيء ما (سمعناه أو شاهدناه ،أو عرفناه ...الخ) أنه يتطلب حك ًما منطقيًّا لماذا أنت مع أو
ضد موقف ما أو قضية ما أو موضوع ما ،إنه يقودنا إلى أن نقوم بأفعال متطابقة مع معتقداتنا ،ألننا
نكون على دراية بماذا نعتقد ولماذا؟
لكي نتمكن من اتباع خطوات سليمة في التفكير الناقد واإليجابي ال بد من اتباع خطوات:
اطرح األسئلة المهمة حول ما تريد أن تفكر به.
اجمع ما تستطيع من معلومات عن الموضوع الذي تفكر به لكي تتمكن من بناء
حكمك باالعتماد على معرفة صحيحة وليس عن جهل.
حاول الوصول إلى نتائج باالعتماد على بناء منطقي سليم.
اختبر نتائجك بمقارنتها مع الواقع ومع وجهات نظر اآلخرين.
117
قيم موقفك وقارنه مع موقف اآلخرين :هل بنيت موقفك انطالقا من قناعاتك
الشخصية ،أو أنك اعتمدت على معلومات من مصادر مختلفة .هل كانت مصادرك
تتبع مدرسة فكرية أو عقائدية محددة أم حاولت أن ترى وجهات نظر مختلفة؟
حاول أن تفكر بعقل متفتح ،أي ال تضع أحكامك قبل أن تعرف الحقائق .فكلنا
يخطئ .ومن الممكن أن يكون ما تفكر به غير صحيح.
حاول أن تناقش أفكارك مع اآلخرين لتصل إلى رؤية أفضل وإلى وضوح حول
األفكار التي تقولها .حاول أن يكون النقاش مع أشخاص ال تتفق معهم في وجهة
النظر .وحاول أن تفكر باألسباب التي دفعتهم لتبني وجهة النظر تلك.
حاكم بعد ذلك وجهتي النظر من منظور الحقائق والمعلومات التي جمعتها.
118
التشجيع على التفكير النقدي
ال بد من تشجيع الطلبة على التفكير الناقد ،فالتفكير الناقد سلوك يمكن تعلمه وكلما تم استخدامه
تم تعميمه وانتشاره بين المجموعات التي تستخدمه .وكلما ازداد استخدام هذا النوع من التفكير
صا واحدًا يستخدم التفكير الناقد
أدرك مستخدموه خصائصه وفوائده .حتى أنه يمكن القول أن شخ ً
في محيطه ،أو حتى في مجال عمله ونشاطه ،بشكل متواصل ،سوف يؤثر بال شك على انتشار
ثقافة نقدية عالية في من يتعامل معهم .وبالتالي فمن المهم التركيز على بعض النقاط في هذا السياق:
يتوقع من كل فرد استخدام التفكير النقدي في حياته.
يتوقع ممن يستخدم التفكير الناقد أن يستخدم هذا التفكير على تصرفاته قبل أنتقاد اآلخرين.
يتوقع ممن يستخدم التفكير الناقد أن يفكر ويقدم انطباعاته عن تصرفاته وتصرفات
اآلخرين.
من أسس التفكير الناقد أن تعرف رأي اآلخرين فيما تقوله أو تفكر به :فال ضير من أن
تسأل زمالءك ومن تتعامل معهم عن تصرفاتك وأفكارك.
وبالتالي :شجع زمالءك على تقديم نقدهم لتصرفاتك بحرية ،وقدم لهم أيضا نقدا بنا ًء
لتصرفاتهم وبشكل إيجابي ال سلبي.
كل فرد منا يخطئ ،والتفكير الناقد يعلمنا أن نتعلم من أخطائنا ومن أخطاء اآلخرين.
التعلم هو عملية متواصلة يدخل بها اإلنسان منذ لحظة ميالده وإلى وفاته .وال يقتصر فعل
التعلم على المدرسة أو الجامعة ،فاإلنسان يتعلم باستمرار ،وأفضل العقول هي تلك التي تقر بالتعلم
مدى الحياة .فمن يغلق عقله عن عملية التعلم ،يبقى في مكانه وال يتمكن من الوصول إلى التميز.
ولذلك فإننا يجب أن ننظر إلى عملية التعلم بالممارسة كعملية تعلم مستمرة.
مفاتيح التعلم:
حاول أن تحلل المعلومات ال أن تسجلها فقط ،لكي تتمكن من الوصول إلى معرفة جديدة.
استخدم المعلومات والخبرات التي تحملها بشكل إبداعي إلدارة المعرفة التي تحصل عليها.
المعرفة شمولية ،ولذلك استخدم معارفك في الحقول المختلفة في المشكالت والموضوعات
التي تعمل عليها.
طبق مهارة حل المشكالت على المشاكل المعرفية كما تطبقها على المشاكل العملية.
في حال الوصول إلى معرفة ما عممها وحاول أن تعرف تبعاتها في أوضاع تختلف عن
األوضاع التي تعرفت فيها على المعلومات والمعارف أول مرة.
119
فكر بشكل حثيث في متى وأين يمكنك أن تستخدم معارفك الجديدة.
نشاط:
طبق ما تعلمته هنا على أحد التمارين المطلوبة منك في المواد األخرى .تتبع الخطوات
والمقترحات أعاله في عملك ..هل استخدمت مفاتيح التعلم؟
التفكير اإلبداعي
التفكير اإلبداعي هو نمط من التفكير يستطيع أن يقدم معرفة جديدة .وفي األساس فإن هذا
النوع من التفكير مرتبط بالمنهج العلمي الذي يرتبط باستنتاجات علمية ناتجة عن معرفة مبنية على
المشاهدة والعقل .والغرض األساسي من التفكير اإلبداعي هو الوصول إلى أفكار واقتراحات خالقة
نستطيع تقديمها للمشاكل التي تواجهنا.
اإلبداع هو كل فكرة أو عمل يقوم به اإلنسان من تلقاء نفسه مستخدما خبراته السابقة
بشكل خالق.
اإلنسان مبدع بطبيعته ألنه يملك ملكة العقل (المخيال).
اإلبداع ليس حكرا على مجموعة محددة من البشر بل هو خاصية تميز كل البشر.
اإلبداع يبرز مع الجرأة والمثابرة بالرغم من وجوده الدائم.
وينطلق التفكير اإلبداعي من دافعية اإلنسان لتقديم معرفة جديدة قادرة على التعامل مع
المشكالت والقضايا التي تواجهه.
ولكي نتمكن من الوصول إلى تفكير إبداعي ال بد لنا أن نعرف األخطاء التي يمكننا الوقوع
بها نتيجة للتفكير غير اإلبداعي أو للمنزلقات المنطقية التي قد نقع بها ،في ما يمكن أن نسميه:
التفكير األعوج.
التفكير األعوج قد ينتج عن خطأ في المنطق أو عن تعمد خديعة اآلخرين .لذلك ،يحتاج منا
الكشف عن العوج في التفكير (لدينا أو لدى اآلخرين) االنتباه إلى جملة من األمور ،منها:
كثيرا ما يستخدم البعض عبارات يسعون من خاللها إلى إقناعنا بصحة استنتاجاتهم ولكن
ً
التدقيق فيها يكشف خطأ المنطق المستخدم .من هذه العبارات المستخدمة:
120
ولكن – هم – لن – يقبلوا – أبدًا؛ أو .1
ولكن – أنت – تعرف – لماذا؛ أو .2
ولكن – هذا – ليس – من – شيمنا؛ أو .3
قوم "جلوس" حولهم الماء). سر الماء بعد الجهد بالماء( .كأنهم والماء من حولهم
ف ّ .4
إن العبارات األربع السابقة تعبر ،بالتأكيد ،عن خطأ منطقي كبير؛ ففي الجملة األولى نقدم
حك ًما غيابيًّا على موقف آلخرين دون أن نحاكم فعال ما إذا كانوا لن يقبلوا بالعرض أو أننا نعتقد
بأنهم لن يقبلوا بالعرض .ولكي يكون الحكم صحيحا يجب علينا ،من وجهة النظر المنطقية ،أن
نقول شيئا مثل :ألسباب ،3 – 2 – 1والتي نعرفها عنهم فإننا نعتقد أن االقتراح المقدم يتناقض مع
ما يريدون،ولذلك فهم لن يقبلوا .هنا نرى بوضوح الفرق بين االدعاء األول والبناء المنطقي الثاني.
أما الجملة الثانية فإنها تفترض معرفة الفرد بشيء معين ،أو أنها تقدم أسلوبًا يحاول إحراج
الفرد في كونه يعرف شيئا معينا .بينما هو/هي في الواقع قد ال يعرف/تعرف أي شيء عن تلك
القضية .والبناء المنطقي ال يمكن أن يبنى على المجهول ،بل يجب أن تقدم المقدمات بشكل واضح
وصريح لكي نتمكن من الحكم على ما إذا كانت هذه المقدمات تفيد النتيجة ،ويكون االستنباط
صحيحا ،أو أن المقدمات ال تفيد النتيجة ويكون االستنباط خاطئا.
تصورا معينًا للشيم واألخالق ،قد تتفق عليه مجموعة من البشر وقد ال
ً التعبير الثالث يحتم
تتفق عليه أيضا .وبالتالي فالحكم المسبق بأن موقفا ما هو موقف متفق عليه ال يعتبر بناء منطقيًّا،
ألننا في المنطق يجب أالّ نتوقع موقفا ما ،ما لم نقدم إثباتات تدل على أن هذا الشخص يتبنى هذا
الموقف .فليس هناك تعميمات غير مبنية على حقائق أو مقدمات ثابتة.
النوع الرابع من الجمل هو من النوع التحليلي الذي يعطينا مرادفات لمعنى واحد دون أن
يقدم لنا معرفة جديدة ،كأن نقول :أعزب ،أو أن نقول :شخص غير متزوج .في هذه الحالة ال نقدم
معرفة جديدة ،فاألعزب هو شخص غير متزوج .هذا الشكل من الجمل يصح فقط على القضايا
التي ال تحتاج تجربة إلثباتها ،بل هي بالتعريف متكافئةتماما كأن نقول :هللا حق ،أو هللا عادل ،هذه
العبارات ال تحتاج تعريفا أو اختبارا ،فاهلل حق وعادل بالتعريف.
لقد سيطر منطق أرسطو (المنطق الصوري) على فضاء المنهج في العلوم منذ القرن الرابع
قبل الميالد إلى القرن الخامس عشر .لكن على الرغم من األهمية لهذا المنطق ولدوره الكبير في
حل الكثيرمن المشكالتوالقضايا التي واجهت البشرية إال أنه يفشل في حل الكثير من المعضالت،
وهو ،من وجهة نظر منهج الثورة العلمية الكبرى ،منطق ال يقدم لنا الجديد .فاالستنباط يعتمد على
121
مجموعة من القوانين الصارمة للوصول إلى نتائج صحيحة من مقدمات صحيحة .وهو يصل من
الكليات إلى الجزئيات ،كقولنا على سبيل المثال :إن "كل إنسان فان" ،وهذه جملة كلية تضم كل
صا ما في هذه المجموعة "البشر" ،وقلنا" :أرسطو إنسان"
البشر دون استثناء ،ثم إذا ما حددنا شخ ً
نصل إلى االستنتاج المنطقي القائل "أرسطو فان" .لكن من هذا المثال البسيط ندرك الخصائص
التالية للمنطق االستنباطي القديم:
)1إننا لكي نصل إلى النتيجة "أرسطو فان" يجب أن نسلم بصحة كل من المقدمتين "كل
إنسان فان" و"أرسطو إنسان" ،فإذا ما فرضنا أن أيًّا من هاتين المقدمتين خاطئة فإن
استنتاجنا أن "أرسطو فان" سيكون استنتا ًجا خاطئًا أيضا .قد يقول أحدهم :لكن من الواضح
هنا أن التركيب هو تركيب منطقي وبالتالي النتيجة منطقية ،فلماذا تكون هذه الخاصية
إشكالية؟ الجواب يتضح عندما ال نأخذ قضية واضحة كالقضية السابقة ،بل قضية أخالقية
أو إيمانية أو حتى قضية علمية ذات صبغة خالفية ،ولنأخذ على سبيل التمثيل مثاالً آخر:
"اإلجهاض هو قتل لنفس حية"" ،سميرة أجهضت" إذن "سميرة قتلت نفسا حية" .بالتأكيد
هذا االستنباط هو استنباط صحيح بحسب قوانين االستنباط .لكن لنفكر معا ً قليال :المقدمة
الثانية قد تكون مقدمة تمثل حقيقة ما ،هي حقيقة أن سميرة أجهضت ،وهي بالتالي صادقة،
لكن المقدمة األولى" :اإلجهاض هو قتل لنفس حية" هي مقدمة خالفية ،ألن معارضي
اإلجهاض أنفسهم يقولون بضرورة تحديد زمن اإلجهاض ،فالبعض يؤمن أن النفس تبدأ
بالكينونة بعد أربعة أشهر ،والبعض بعد أربعين يوما ،والبعض عند لحظة اإلخصاب،
وهكذاّ ،
فإن التعميم السابق ال يكون تعميما صحيحا ،ولذلك فالجملة السابقة هي جملة
خاطئة .ومن هنا نصل إلى أن النتيجة خاطئة أيضا ألن ما بني على خطأ كان خطأ.
)2من المثال السابق نصل إلى الخاصية الثانية من خصائص االستنباط الخالفية ،وهي خاصية
افتراض صدق المقدمات للوصول إلى النتائج ،أي أن االستنباط يعتمد ،لكي يكون استنباطًا
صحي ًحا وغير فاسد ،أن تكون كل مقدماته صادقة .وفي كثير من األحيان تكون النتيجة
صادقة على الرغم من أن االستنباط فاسد ،وهذه قضية إشكالية( .األستنباط الفاسد هو
االستنباط الصحيح من حيث الشكل ولكنه يحتوي على مقدمات غير صادقة).
)3االستنباط ال يعطي معرفة جديدة ،ألن المعرفة المقدمة في أي نتيجة استنباطية يجب أن
تكون بالضرورة معرفة مستغرقة في المقدمات .ففي المثال األخير ،االستنتاج "سميرة
سا حية" هو استنتاج يمكن ألي شخص أن يتوصل إليه بالضرورة إذا ما طبق
قتلت نف ً
122
قوانين المنطق على المقدمات المطروحة .وكذا هي الحال في أي من القضايا المنطقية
المعتمدة على قوانين االستنباط.
)4االستنباط يعتمد على العقل وحده ،وال يحتاج إلى التجربة .فهناك قوانين صارمة يجب على
العقل العمل بها للوصول من المقدمات إلى النتائج ،وهذه العملية ال تحتاج إلى أي تجربة.
هنا ال بد من القول بأن هذه النقاط تعتمد على رؤية الفكر التجريبي في بداية الثورة العلمية
الكبرى ،وبعضها قد ال يكون دقيقاً .فعلى سبيل المثال النقطة الرابعة تربط االستنباط بالعقل وحده،
وهذا غير دقيق ،ألنه إذا ما أقرينا أن االستنباط يعتمد على مقدمات صادقة فأن صدق المقدمات يتم
التحقق منه من خالل مقابلته بالواقع ،وهذه المقابلة مع الواقع تحتاج إلى "التجربة" ويمكن في
بعض األحيان أن تحتاج إلى "األستقراء".
شعر الكثير من فالسفة عصر النهضة بضرورة تطوير المنطق االستنباطي كمنهج في
العلم ،أو حتى بضرورة التخلي عنه ألنه ال يستطيع أن يقدم لنا معرفة جديدة .وانقسم هؤالء إلى
صنفين أساسيين :عقالنيين جدد (مثل ديكارت رائد العقالنية في العصر الحديث) ،وتجريبيين (مثل
فرنسيس بيكون رائد التجريبية) .وسنأخذ هنا موقف بيكون ،لكونه الموقف الذي يعبر بشكل أساسي
عن منهج الثورة العلمية الكبرى.
لقد كان انتقاد بيكون متركزا على العقل واستخدامه .فهو يقول لنا كيف يمكن االعتماد على
العقل في الوصول إلى حقائق علمية عندما يكون هذا العقل مصدرا للعديد من األوهام التي تسيطر
على البشر ،وتجعلهم عاجزين عن إدراك الحقائق التي تقولها الطبيعة لنا .فهم يشاهدون ويعترفون
فقط بما تمليه عليهم أوهامهم ،وال يريدون أن يشاهدوا أو يعترفوا بما هو واضح من خالل التجربة
عن حقائق الطبيعة .ومن األمثلة الصارخة التي توضح وجهة نظر بيكون هذه مثال موقف الكنيسة
في القرون الوسطى من كروية األرض .فعلى الرغم من أن العلم البشري توصل إلى أن األرض
كروية ،منذ األلف الثالثة قبل الميالد ،على يد البابليين ،وعلى الرغم من العدد الهائل من المشاهدات
التي تدعم علميًّا كروية األرض ،إال أن الكنيسة لم تعترف بهذه الكروية ،واعتبرت العلماء الذين
تبنوا ذلك بأنهم سحرة ومشعوذون يتوجب حرقهم ،وهذا ما فعلوه بالضبط مع جوردانوا برونو.
يقول بيكون :إن مثل هذا الموقف من قبل الكنيسة وغيرها من المواقف إنما هو نتيجة
لسيطرة العقل الواهم على العلم .فهذا العقل ينتج مجموعة من األوهام ،هي:
123
غير المبني على مشاهدات علمية ،كأن يسنتجوا مثال إذا ما شاهدوا ثالثة فنزوليين أو أربعة
لديهم حس عا ٍل من الفكاهة" :كل الفنزوليين لهم حس عال من الفكاهة" ،وهذا بالتأكيد
تعميم خاطئ .أو حين يكون هناك جانب عاطفي؛ فاألب ال يرى أخطاء أبنائه ،والحبيب ال
يالحظ أخطاء المحبوب.
)2وهم الكهف :وهو الوهم الذي يتشكل عند كل فرد منا نتيجة للتنشئة والتربية ،فيتكون عند
كل واحد منا مجموعة من المعتقدات التي تتحول ،مع الوقت ،إلى كهف يعيش فيه دون أن
يدرك أن هذه المعتقدات إنما هي معتقدات شخصية ال تنم عن حقيقة أو حتى عن اعتقاد
عام في الواقع الذي يعيشه .ومن األمثلة التي يمكن تقديمها عن وهم الكهف تحليل لعبارة
الرئيس األمريكي األسبق جورج بوش" :إما أن تكون مع أمريكا أو مع اإلرهاب".
وبالتأكيد فإن هذا الموقف ينم عن وهم كهف يخلط الكثير من المفاهيم والحقائق ،فقد يكون
الفرد معاديا ،على سبيل المثال ،ألمريكا ولإلرهاب على ح ٍّد سواء .أو أن يعتقد شخص ما
بأن اإلسالم ال يبيح للمرأة الخروج إلى العمل ،فهذا مفهوم خاص إلسالم يحمله هذا الفرد
وهو مفهوم خاطئ ينم عن وهم كهف يعيش فيه هذا الفرد.
)3وهم السوق :وهو وهم يرتبط باللغة وباالستخدام الخاطئ للعبارات اللغوية ،أو
بالمصطلحات التي تتعامل بها مجموعة من البشر مستخدمة عبارات بمعان تتجاوز معناها
الحقيقي .وأمثلة هذا الوهم كثيرة ومتنوعة في الطبيعة .منها أن يسأل شخص من األردن
أجنبيًّا" :كم ملعقة تريد؟" بقصد السؤال عن كمية السكر التي يريدها الشخص اآلخر ،لكن
السؤال سيكون غريبًا لألجنبي ألنه سيقول :ال أريد أي مالعق .الدعابة نفسها يمكن أن
تحدث عندما يذهب عربي إلى بريطانيا فيسأل" :كم مكعبًا تريد؟" .لكن هذه أبسط أوهام
السوق ،ففي حاالت أخرى يكون هناك إشكاليات عميقة جراء استخدام لغة معينة ،فعلى
سبيل المثال ،يستخدم بشكل كبير في بعض الدوائر في األردن كلمة "نوري" بصورة سيئة.
فيقول أحدهم" :فالن نوري" بقصد التجريح ،لكن هذا االستخدام هو استخدام غير صحيح
للكلمة ،فكلمة نوري تشير إلى من ينتمي إلى مجموعة بشرية انحدرت من أواسط آسيا
واستقرت في المنطقة ،وال تعبر عن سلوك بشري سيئ كما تستخدم في العامية .ويبرز
الوهم أيضا عندما يذهب أحدهم إلى الطبيب الذي يبدأ بالتحدث عن المرض بلغة يفهمها
هو ومن تعامل مع مهنة الطب بشكل مباشر ،بينما ال يفقه المريض شيئا عما يقوله الطبيب.
وتصل األمور إلى أكثر مستوياتها تعقيدا عندما يُستخدم مصطلح معين ويعمم على أن
معناه معنى مجازي يجانب الحقيقة ،وينتشر في الثقافة والحديث دون فحص ،كاالستخدام
الشائع لكلمة إرهاب وإرهابي ،فالكثير من الخلط يدور حول معنى الكلمة وحول من يمكن
124
أن ينعت بها .فيتهم الكثير من المقاومين لالحتالل بتهم اإلرهاب دون حق ،بينما ينعت
إرهابي حقيقي بأنه يدافع عن النفس .وهكذا تختلط األفكار والمعاني والمفاهيم .ويعتبر
الكثيرون أن هذا النوع من األوهام من أخطر األوهام.
)4الوهم األخير هو وهم المسرح ،وهو مشابه لوهم الكهف مع اختالف "بسيط" هو أن يكون
مجتمع كامل تحت تأثير الوهم .فكما كانت الحال ،على سبيل المثال في أفغانستان إبان حكم
طالبان ،فقد كان هناك وهم عام مفاده أن تعاليم اإلسالم تنادي المرأة أن تبقى حبيسة البيت
ّ
وأال تتعلم ،ونعرف تماما أن اإلسالم براء من مثل اعتقاد هكذا .وهذا النوع من األوهام هو
األخطر ،ألنه يعتمد تسويغه وشرعيته من كل اجتماعي معين ،بحيث تصبح المعتقدات
الوهمية والخاطئة معتقدات مسوغة ومعموال بها دون تفكير أو تمحيص؛ كوهم االعتقاد
بأن الديمقراطية ،بشكلها الغربي ،هي الديمقراطية الممكنة الوحيدة ،بينما الواقع يفيد بأن
هناك العديد من الديمقراطيات الممكنة والمختلفة عن الديمقراطية الغربية بشكلها القائم
اليوم.
وللوصول إلى المنهج الجديد استخدم بيكون وعلى أثره علماء عصر النهضة االستقراء
للوصول إلى المعرفة .واالستقراء هو االنتقال من الجزئيات للوصول إلى الكليات .لكن التعميم هنا
يختلف عن تعميمات وهم النوع التي ال تعتمد على التجربة الحسية ،بل هو تعميم علمي يحتاج
االختبار المتواصل لحقائقه للوصول إلى نتائج صحيحة .وقد يكون أبسط مثال على التعميم العلمي
قضية شروق الشمس .فالشمس أشرقت اليوم وأمس وقبل مئة عام وقبل ألف عام .ومع تراكم
المشاهدات الحسية التي تؤكد شروق الشمس في صباح كل يوم نصل إلى التعميم العلمي بأن
"الشمس تشرق كل صباح".
ويعتبر االستقراء منهج الثورة العلمية ،ولذلك فالتجربة العلمية هي ركن أساسي في العلم.
ويفيدنا االستقراء في الوصول إلى معرفة جديدة لم تكن موجودة أو معروفة في السابق .والخاصية
المهمة الثانية لالستقراء هي ارتباطه بالتنبؤ .فمن التجربة والتعميم العلمي يمكننا التنبؤ بخصائص
ال يمكننا فعليًّا أن نختبرها بشكل مباشر .ومثال ذلك أننا في التجارب العلمية نصل إلى مجموعة
من المشاهدات ،لنقل إنها مئة مشاهدة ،ومن هذه المشاهدات ،وباالعتماد على المعرفة الرياضية
وعلى شرط البساطة الذي يضيفه العالم ،نصل إلى معادلة من نوع ما تعبر عن المشاهدة المئة التي
اختبرناها تجريبيًّا( .يعتبر العلماء أن من األفضل أن تبدأ الفرضية العلمية بأبسط معادلة تمكننا من
ربط المشاهدات الموجودة بحيث يبنى التعميم على هذه المعادلة البسيطة بالرغم من وجود معادالت
أكثر تعقيدًا يمكنها أيضا أ ن تربط بين النقاط التي تمثل المشاهدات ،فإذا كان هناك سبب يدعو في
125
المستقبل إلى تغيير المعادلة فإنهم يعدلون الفرضية االبتدائية ،ويقدمون نظرية جديدة للمشاهدات
القديمة مع المشاهدات الجديدة أيضا) .لكن المعادلة الرياضية ،ولنفترض أنها معادلة خطية ،يمكنها
ليس الربط بين المشاهدات التي توصلنا إليها من خالل التجربة فحسب ،ولكنها أيضا تعطينا نتائج
ومعلومات عن نقاط لم تدخل أساسا في المشاهدات التجريبية .ومثال على ذلك درجات الحرارة؛
فبالرغم من أننا ال نستطيع فعليًّا قياس درجة حرارة الصفر المطلق ،إال أننا ومن خالل التعميم
العلمي نعرف قيمتها ونستطيع أن نتوقع خصائص المواد عند تلك الدرجة.
وباإلضافة إلى ما قدمه بيكون ،فقد تمكن الفالسفة فريجا ورسل من أسس جديدة للمنطق
تتجاوز االنتقادات التي قدمت للمنطق األرسطي وساهموا في وضع أسس المنطق الحديث ،والذي
بات يعرف بالمنطق الرمزي.
ورقة عمل
تمرين ()1
هل تستخدم عبارات مشابهة لتلك المذكورة أعاله في النص ،أو الحظت استخدامها من قبل اآلخرين
في النقاش؟ أعط أمثلة على ذلك الثنتين منها على األقل.
تمرين ()2
.1يقول بلير" :ما زلت مقتنعا بأن العراق يملك أسلحة دمار شامل وسيتم العثور
عليها".
.2األب" :ال يمكن أن يكون ابني هو السبب" .
.3اليابانيون شعب تكنولوجي .
.4يؤمن البرهمانيون بأن أكل اللحم حرام .
.5يعتقد جون بأن الحالة الطبيعية للمجتمع اإلنساني هي حالة السلم .
.6يقول عالم آلخر" :يجب أن ندرس التحول التكتوني لقاع المحيط الهادئ بعد حادثة
توسوناما لمعرفة النتائج المترتبة".
126
تمرين ()3
ولكي تقدم حلول إبداعية للمشاكل التي تعترضك نقترح الخطوات التالية:
-اعمل في أفضل وقت ،وفي أفضل مكان يساعدك على أن تكون مبدعا .ويختلف هذا
بين شخخخص وآخر ،ولذلك فمن الضخخروري أن تتمكن من التعرف إلى أفضخخل األجواء
التي تناسبك من خبرتك الشخصية.
-اسخختخدم وسخخيلة اتصخخال أخرى غير التي تسخختخدمها ،في العادة ،لكي تصخخل إلى إدراك
طبيعة المشخخخخكلة (على سخخخخبيل المثال :تكلم بدال من أن تكتب ،ارسخخخخم بدال من أن تتكلم
...إلخ).
-امنح نفسخخخخخخخك وقتا للراحة ،وتوقف عن التفكير بالمشخخخخخخكلة ،ففي بعض األحيان تأتي
األفكار المبدعة من حيث ال تتوقعها.
-انظر إلى المشكلة بعيون جديدة أو من زاوية نظر جديدة.
-اسخختخدم أدوات غير مرتبطة مباشخخرة بالمشخخكلة في إبعادك عن الصخخورة ،لكي تتمكن
من رؤيتها بالكامل.
ورقة عمل:
تمرين ()1
تمرين ()2
127
إن لم تستطع حل التمرين ( )1أعاله ،أجب عن السؤالين التاليين:
.1ما هي المشكلة بالضبط ؟ (اكتب شر ًحا للقضية التي تواجهك واصفا جميع الحقائق التي بين
يديك بدقة مع ذكر المعلومات المتوافرة بالتفصيل حول الحالة .وال تترك صغيرة أو كبيرة دون
إحصائها :من نوع القلم الذي ترسم فيه إلى الهدف المطلوب تحقيقه).
.2من بين األمور التي قمت بتحديدها ،ما الذي يقف عائقًا حقيقيًّا أمام حل المشكلة؟
تمرين ()3
لنفترض أنّك كنت قادرا على تحديد عدد من المعوقات الحقيقية التي تحول دون حل المشكلة .ناقش
مع مجموعتك وجهة نظرك وأفكارك حول كيفية تجاوز هذه المعوقات ،وتحقيق الهدف المطلوب.
تمرين ()4
إذا لم ينجح التمرين ( )3في تمكينك من حل المشكلة ،ناقش مع مجموعتك وجهة نظرك وأفكارك
حول ما يجب أن يكونحتى يصبح باإلمكان تجاوز هذه المعوقات لتحقيق الهدف المطلوب (أطلق
العنان لخيالك :ما الذي يجب تغييره في الحقائق والمعلومات الراهنة ليكون باإلمكان تحقيق الهدف؟
تخيل الوضع األمثل الذي يسمح بتحقيق الهدف .تخيل أكثر من وضع أمثل).
128
المغالطات المنطقية:
في البداية ال بد من تعريف المغالطة المنطقية .ال يقصد من المغالطة المنطقية تقديم كل
خطأ منطقي يقوم به األفراد ،ولكن يقصد بالمغالطات تلك األشكال الشائعة للكالم الحجاجي الذي
قد ينتشر بين من يستخدم اللغة دون أن يتم االستناد إلى بناءات منطقية مقبولة .ومن األمثلة الشائعة
على المغالطات التي قد يقع بها الجمهور القول مثال" :هل أنت أفهم من أينشتاين؟ أينشتاين يقول
بهذا" وهذه مغالطة واضحة ،فعلى الرغم من أهمية العالم الفيزيائي أينشتاين في تقديم النظرية
النسبية العامة ولكن هذا ال يفيد بأنه غير قابل للخطأ ،فهو إنسان ويمكن أن يخطئ وبالتالي فإن
االحتكام ألنه من قال شيئًا ما ال يؤدي إلى القول بأن ما قاله صحيح .فحتى أعتى العقول ال يحق
لها أن تقدم أفكارا دون االستناد إلى حجاج منطقي أو إلى براهين حسية.
وفي معظم األحيان يقوم "األشخاص الجماهيريون" أو بعض "الشعبويون" أو بعض
"الدعاة" أو "السياسيون" باستخدام مغالطات منطقية في سبيل تحشيد الجمهور حولهم وحول
أفكارهم .وهذه الحقيقة هي ما تدفع إلى توضيح المغالطات لكي ال يقع الجمهور فيها.
يختلف المناطقة حول طرق عرض المغالطات المنطقية بحسب الخلفية الفلسفية التي يحتكم
إليها كل منهم ،ولكن في المحصلة النهائية تبقى هذه االختالفات محصورة في الناحية الشكلية ال
في جوهر فهمهم للمغالطات .فلن يختلف اثنان من المناطقة حول كون بناء حجاجي معين على أنه
مغالطة ولكن يختلفون حول طرق العرض ليس أكثر.
قد تجد في كثير من كتب المنطق أسماء محددة للمغالطات المنطقية وأغلبها يتخذ االسم
اليوناني القديم لها ،ولكن المهم هو التعرف على طبيعة المغالطة أكثر من تذكر اسمها ،ولذلك فلن
تذكراألسماء اليونانية ولكن فقط معانيها وأغراضها .هنا نضمن أغلب المغالطات الشائعة وسيتم
تصنيفها على أربعة أصناف رئيسية يتفرع منها أربعة عشر ً
شكال (وقد تذهب التصنيفات في كتب
المنطق إلى أكثر من عشرين ً
شكال ولكنها تتفق في المجمل مع الفئات األربع الرئيسة) .وبالتالي
نعتمد هنا التصنيف التالي:
مغالطات الصلة :وترتبط هذه الفئة من المغالطات بالمغالطات التي ال يكون هناك رابط .1
بين مقدماتها والنتيجة .أو بحسب التعريف الشائع في المنطق" :المقدمات ال تفيد النتيجة" .وتنقسم
هذه الفئة إلى خمسة أشكال هي:
الشكل األول :الهجوم على الشخص. .1
129
الشكل الثاني :التشعب وخلق رجل القش. .2
الشكل الثالث :التالعب بالمشاعر (الشفقة ،الحب ،الكراهية.)..... ، .3
الشكل الرابع :االعتماد على السلطة أو القوة. .4
الشكل الخامس :االعتماد على رغبات الجمهور. .5
مغالطات عدم كفاية األدلة وهي: .2
الشكل األول :االعتماد على جهل المستمع. .6
الشكل الثاني :االعتماد على سلطة غير موثوقة. .7
الشكل الثالث :االعتماد على سبب خاطئ. .8
مغالطات التمويه وعدم الوضوح: .3
الشكل األول :المواربة :االعتماد على كلمات غير واضحة المعنى. .9
الشكل الثاني :التالعب بالكلمات ومعانيها. .10
الشكل الثالث :التركيب :أن يتم التعميم دون وجه حق. .11
الشكل الرابع :التقسيم :أن يتم اجتزاء الحقيقة. .12
مغالطات المقدمات غير المؤكدة: .4
الشكل األول :افتراض النتيجة. .13
الشكل الثاني :افتراض لمعضلة خاطئة أو مقدمة غير متفق عليها. .14
130
هذه المغالطة مباشرة وواضحة .فكون سليم مجنونا أو عاقال ال يؤثر على حقيقة أن الشتاء
مفيد للزراعة.
قدم أمثلة من حياتك اليومية عن هذا الشكل
131
الشكل الخامس :االعتماد على رغبات الجمهور .5
هذا الشكل من المغالطات يعتمد على التفكير السائد في المجتمع وهو بشكل أو بآخر مستنبط
من وهم المسرح عند فرنسيس بيكون ،أي أن يكون هناك وهم عام في المجتمع مثل "إن أرواح
األجداد تسكن في األشجار" .ففي كثير من األحيان يتم الرجوع إلى السائد في المجتمع كأسلوب
لتبرير خطأ معين ثم التأكيد على أن هذا الخطأ "صحيح".
مثال :الجميع يقول بأن األرض مسطحة،إذن األرض مسطحة.
مثال :الجميع يحب الموسيقى الهابطة،إذن الموسيقى الهابطة جميلة.
وهذا يذكرنا بأغنية غسان الرحباني "الجمهور عايز كده".
قدم أمثلة من حياتك اليومية عن هذا الشكل
132
في كثير من األحيان يحاول الفرد أن يعتمد على اسم شخص في سلطة معرفية أو اجتماعية
في المحاججة حول قضية ما ،كأن يقول أحدهم" :هل أنت أفهم من أرسطو؟" أو "أينشتاين يقول
هذا" ونقول عن هذا النوع من المغالطة أنه مغالطة االستناد إلى سلطة ما .ولكن عندما يتم استخدام
عبارات شبيهة في مواضع ال يكون فيها هؤالء األسماء الالمعة محل اختصاص بها فإن المغالطة
تتحول من مغالطة االستناد إلى سلطة ما إلى مغالطة االعتماد على سلطة غير موثوقة .فعلى سبيل
المثال ،إذا تم االستشهاد بأينشتاين في أمور السياسة فهذه بالضرورة مغالطة االعتماد على سلطة
غير موثوقة .فأينشتاين مرجع في الفيزياء ولكنه ليس مرجعًا في السياسة.
قدم أمثلة من حياتك اليومية عن هذا الشكل
الشكل الثالث :االعتماد على سبب خاطئ .8
في هذا النوع من المغالطات يقوم الفرد باالعتماد على سبب على أنه السبب المحدد أو
الحاسم في االستنتاج الذي يقدمه دون النظر في احتمال وجود أسباب أخرى قد تكون أكثر منطقية
أو أكثر احتمالية للوصول إلى االستنتاج.
مثال:
منذ أن تم البدء بالدعاية االنتخابية للنواب ارتفعت نسبة الحوادث في األردن -
إذن الدعاية االنتخابية سبب الحوادث في األردن -
-قدم أمثلة من حياتك اليومية عن هذا الشكل
الشكل األول :المواربة :االعتماد على كلمات غير واضحة المعنى .9
في هذا النوع من المغالطات يحاول الفرد أن يتالعب بالكلمات بمعانيها ليوهم المستمع
بشيء ما .فتكون النتيجة معتمدة على مقدمات غير واضحة أو لها أكثر من معنى واحد .أو أن يتم
استخدام كلمات على أنها متكافئة وهي ليست كذلك.
الشكل العام
ب هي أ وهذا غير صحيح بالضرورة إذن أ هي ب
133
ً
مستطيال وبالتالي ال نستطيع القول: مثال :المستطيل شكل رباعي لكن الشكل الرباعي ليس
"المستطيل شكل رباعي" -
"إذن الشكل الرباعي مستطيل" -
وهذه مغالطة التكافؤ
قدم أمثلة من حياتك اليومية عن هذا الشكل
الشكل الثاني :التالعب بالكلمات ومعانيها .10
تقوم هذه المغالطة على استخدام كلمات يمكن أن يكون لها أكثر من معنى بهدف التمويه
على المستمع وإقناعه بشيء ما ،أو استخدام معنى مجازي في مقابل معنى لغوي.
مثال:
عند ارتفاع دقات القلب يرتفع ضغط الدم -
ترتفع دقات القلب عند رؤية الحبيب -
إذن رؤية الحبيب سبب من أسباب ارتفاع ضغط الدم -
مغالطة التالعب بالكلمات :هنا تم االستعاضة عن المعنى الحقيقي للكلمات بالمعنى
المجازي لها.
قدم أمثلة من حياتك اليومية عن هذا الشكل
الشكل الثالث :التركيب :أن يتم التعميم دون وجه حق .11
مغالطة التركيب تتميز بأنها تضفي على الكل خصائص الجزء.
مثال:
كل جزء من أجزاء الطائرة خفيف -
إذن الطائرة خفيفة -
مغالطة التركيب
مثال:
"المجتمع هو عبارة عن مجموع أفراده" -
مغالطة التركيب
قدم أمثلة من حياتك اليومية عن هذا الشكل
134
مثال:
الطائرة ثقيلة جدًّا. -
إذن كل مكون من مكوناتها ثقيل. -
-قدم أمثلة من حياتك اليومية عن هذا الشكل
الشكل الثاني :افتراض لمعضلة خاطئة أو مقدمة غير متفق عليها .14
يعتمد الشكل الثاني لهذه الفئة على تقديم مقدمات غير متفق عليها أو غير مقبولة من قبل
الجميع ،ويبني عليها استنتاجاته دون األخذ بعين االعتبار االختالفات الممكنة بين األفراد أو بين
الحاالت التي تبرز وكأنها متشابهة ولكنها غير ذلك.
قدم أمثلة من حياتك اليومية عن هذا الشكل
135
الفصل الرابع :مشكالت فلسفية
فلسفة األخالق
مشكالت فلسفية
مقدمة:
مشكلة الحرية والضرورة ت.
مشكلة الحقيقة ث.
ج .مشكلة القيم (األخالق والواجب والجمال)
األهداف والنتاجات:
التعرف على مشكلة الحرية والضرورة.
التعرف على مشكلة األخالق واالختالف والتنوع الفكري.
التعرف على مشكلة الحقيقة.
تحليل عناصر التفكير العقالني والناقد وقواعدهما.
إدراك أهمية أسس الفهم الفلسفي العملي والمشكالت الفلسفية.
136
فلسفة األخالق
لنفكر معا في البداية :ما المقصود باألخالق؟ هل لك أن تعطي تعريف محدد للكلمة؟
يعتبر مبحث األخالق أَحد موضوعات الفلسفة التي تندرج بشكل عام تحت مبحث
ال ِقيَم .والقيمة كلمة تطلق على كل شيء يرغب فيه اإلنسان َويُقدره ويختاره أو يفضله .فقد تحصل
لديه الرغبة في القيام بعمل أخالقي بحثا ً عن قيمة الخير في هذا الفعل ،وقد يرغب في ابداع شكالً
أَو عمالً فنيا ً يطلب من وراءه قيمة الجمال .أو أن يقدّم دليالً أو ِح ّجه أو برهان عقلي يرغب منه
ابراز الحق او الحقيقة في قضية او اعتقاد يخصه ،ومن ثم يلجأ الى المنطق بالدليل أو الحجة أو
البرهان ،لكي يقنع اآلخرين بها ،بإظهار حقيقتها لهم .وهكذا تكون القيم على ثالثة أنواع ،الخير
والجمال والحق.
هناك الكثير من المعاني التي تحملها كلمة األخالق مما يجعل من الصعب تعريفها تعريفا ً
دقيقاً ،أو تعريفا ً جامعا ً مانعاً.
تطلق ،على سبيل المثال ،كلمة "األخالق" على "قواعد السلوك وأسلوب المرء وطريقته
في الحياة" .والكلمة هنا تستخدم بمعنى واسع جدا ً لترادف اآلداب العامة أو "أخالقيات الحياة
االجتماعية".
إال أن أخالق المرء أو أخالق الجماعة ،ال تتألف فقط مما يفعله عادة مطابقا ً للعادات
والتقاليد ،بل أيضا ً مما يعتقد أنه "صالح" أو "مناسب" أو "صواب" أو "حق" أو "ملزم" .فأفعال
الناس كثيرا ً ما تدل على معتقداتهم ،إال أنها قد تتناقض معها أحيانا ً أو تخالفها ،وفي أحيانا ً أخرى
قد تختلف أفعالهم ومعتقداتهم مع ما يقولونه لغيرهم عن ما يجب أن يفعلوه أو يتجنبوه .المقصود
هنا أن األقوال تختلف عن األفعال.
وعليه يمكن القول أن :االخالق هيئة أو حال تكون عليها النفس اإلنسانية وتكتسبها ،تصدر
عنها أفعال إرادية قصدية وواعية بال تصنّع ،وبالتالي يمكن وصف هذه الحال بأنها خلق حسن أو
خلق سيء وذلك وفقا ً لما تُوصف به األفعال الصادرة عن هذه النفس.
137
ويتضمن هذا التعريف العناصر اآلتية- :
138
الذات دون أفعال .فقد أحاول إنقاذ إنسان من الحريق أو من الغرق أو من اليأس وأقوم بخطوات
معينة بهدف إنقاذه وأبذل جهداً ،إال أنني ال أنجح في لك .هنا يبقى فعلي خلقيا ً رغم عدم نجاحي في
إنقاذه.
رابعاً :الفعل األخالقي هو الذي يستهدف غاية أخالقية ،فهو فعل غائي أو غرضي "أي يسعى إلى
تحقيق نتيجة خيرة مقصودة .فإن كانت النية تدل على الجانب الباطني للفعل الخلقي ،فإن السلوك
يظهر الجانب الخارجي للفعل الخلقي والذي يسعى ويهدف الفاعل من خالله إلى تحقيق نتيجة خيرة.
وبالتالي فإن الفعل الذي يؤدي إلى نتيجة خيرة غير مقصودة ،ال يكون فعل أخالقي ،وإن كان هدف
فع ٍل ما غير أخالقي ولكنه بالصدفة أدى إلى نتيجة أخالقية فهو يبقى غير أخالقي.
خامساً :القدرة أو االستطاعة على أداء الفعل إذا ال بد أن يكون الفاعل قادرا ً على أداء الفعل أو
االمتناع عليه من الناحية الجسدية والنفسية والتقنية .وإن كان ال يمك القدرة أو االستطاعة فهو ال
يُعد مسؤوالً عن الفعل.
سادساً :العلم أو المعرفة أي أن يكون الفاعل عالما ً بما يقوم به ،وعلى دراية به .فإن قام بفعل ما
وهو جاهل إن كان أخالقي أو غير أخالقي فهو ال يثاب وال يعاقب عليه.
وعليه ولكي يمكننا الحكم على فعل ما بأنه فعالً أخالقيا ً يجب أن تتوفر فيه الشروط أو السمات
اآلتية- :
إرادة حرة قصدت الفعل أو القيام به. -
وعي بطبيعة الفعل ونتائجه وغاياته. -
توفر معيار يمكننا به الحكم على الفعل بالخير أو بالشر. -
المعلوم أن ممارسة الناس لألفعال الخلقية هي حالة تاريخية سابقة على ظهور علم
االخالق ،الذي نشأ لحاجة معرفية وهي دراسة األفعال الخلقية وفهم حقيقتها من جوانبها المختلفة،
كما يمارسها الناس في حيواتهم ومجتمعاتهم المختلفة من جهة ،وكما ينبغي أن تُمارس من جهة
أخرى.
ولهذا يصح القول أَن علم االخالق علم معياري ،ألنه يهتم بدراسة األفعال ،من ناحية الخير والشر
وال ُحسن والقُبح ،وما ينبغي أن تكون عليه هذه األفعال من حيث ال ا
س ُمو والرقي.
ويمكن تعريف علم االخالق ،بأَنه العلم الي يدرس السلوك اإلنساني من جوانبه المختلفة كما يجب
أن يكون هذا الفعل ،أو ما ينبغي أَن يتصف به الفعل من قيمة الخير (خيرية الفعل).
139
إن الدرس األخالقي الذي يناقشه المختصون في علم األَخالق وفلسفة األَخالق يشتمل على مجموعة
من القضايا الرئيسية التالية- :
البحث في طبيعة األفعال الموصوفة بأَنها أفعال أَخالقية. -
البحث في صفات األفعال األخالقية وشروطها. -
البحث في مجموعة القواعد والمعايير التي ت َحكم بواسطتها على األفعال بالخير والشر. -
البحث في األسس التي تقوم عليها األَفعال األخالقية. -
والمقصود بهذه األسس ،هنا ،المصادر التي نَستقي منها االخالق ،وبمعنى أخر ما هو منبع -
االخالق( ،هل االخالق مصدرها المجتمع والتاريخ؟ أَم العقل وأحكامه؟ أَم الدين وشرائعه؟
أَم التجربة المباشرة والمنفعة؟).
البحث في المفاهيم والمصطلحات التي نستخدمها في مجال األَخالق ،مثل الخير ،الشر، -
الفضيلة ،الرذيلة ،االلتزام ،المسؤولية ،الواجب األخالقي ،الضمير ،السعادة ،المنفعة،
اللذة...الخ.
يتجاوز علم االخالق مدى كونه علما ً نظريا ً يهدف إلى البحث عن حقيقة الفعل االخالقي وإشباع
فضولنا المعرفي فقط ،بل هو يتضمن أيضا ً جانبا ً علميا ً تطبيقيا ً هدفه االرتقاء والس ّمو بأفعالنا
األخالقية نحو الخير العام.
فعلماء األخالق يبحثون في األخالق نظريا ً ويبحثون عن حقيقة الفعل الخلقي وأحكامه وشروطه
من أجل غاية علمية ،وهي أن يقوم االنسان بممارسة األفعال الخلقية انطالقا ً من معايير الخير وذلك
عن وعي وإدراك ومعرفة ،وهذا من شأنه أَن يترك أَثَرا ً كبيرا ً على الفرد والمجتمع معاً.
والخالصة فإن علم االخالق يبحث في األسس والقواعد التي يجب أن يتبعها السلوك اإلنساني
اإلرادي " أَي أَن الفعل الذي يقوم به اإلنسان بإرادة الحرة
والمعلوم أَن االنسان باستطاعته أَن يقوم بأفعال إرادية مختلفة ومتنوعة من قبيل النوم ،السفر،
الطعام ،الشراب ،وممارسة الرياضة ،والمطالعة...الخ ،وهي أفعال ضرورية ،لكننا ال نجعلها
ضمن األفعال األخالقية التي نحكم عليها بالخير أو الشر .فهي ببساطة أفعال أراديه ولكنها أفعال
غير أخالقية ،أي ليست في نطاق األخالق.
فاألفعال االرادية األخالقية هي التي تستوجب حكما ً أو وصفا ً بأنها خيّره أو شريرة وفق معايير
خاصة ،ويؤديها اإلنسان بحرية.
140
األحكام األخالقية- :
يُ َع ّرف الحكم األخالقي بأنه وصف فعل إنساني معين بأنه خير أو شر ،فضيلة أو رذيلة،
حسن أَو قبيح وفقا ً لقواعد ومعايير أخالقية صريحة وواضحة.
والسؤال المتعلق بالحكم على فعل أَو سلوك بأنه خير أو شر؟
اإلجابة تتطلب القول بأنه البُدّ أَن يكون لدينا أَساس نعتمد عليه في الحكم على فعل أَو سلوك أَو
تعبير بأنه خير أَو شر ،أي مفهوم واضح لهما ،بحيث يكون هذا المفهوم.
141
األخالق المعيارية -
األخالق الوضعية. -
األخالق الدينية. -
النوع األول يمثل األخالق المعيارية وهو من أكبر مذاهب فلسفة األخالق .وهو االتجاه
الحدسي .يرى أصحاب هذا االتجاه أن وظيفة علم األخالق األساسية هو أن يضع المثل العليا
للسلوك اإلنساني .فهو يضع القواعد التي تحدد مدى استقامة األفعال ومدى صوابها .ويدرس الخير
األقصى باعتباره غاية في ذاته يطمح الناس إلى الوصول إليها .صحيح أن هناك غايات جزئية
كثيرة في حياة الناس مثل المجد والشهرة والعلم والثراء....الخ .إال أن علم األخالق ال يهتم بدراستها
ألن موضوعة هو الخير األقصى الذي يطلب لذاته ،وال يكون وسيلة لتحقيق غاية أبعد .أصحاب
هذا االتجاه يبحثون فيما يجب أن ينبغي أن يكون عليه السلوك وبالتالي يذهبون إلى أن علم األخالق
علم معياري .Normativeيحاول وضع مبادئ عامة للسلوك البشري.
أما النوع الثاني في علم األخالق فيمثله أصحاب المذهب الوضعي .والذي يرفض النظرة
السابقة لعلم األخالق ،ويذهب أصحاب هذا االتجاه إل القول بأن الخير مجرد إصطالح تعارف
عليه الناس في زمان محدد ومكان محدد وهو يتغير بتغير هؤالء الناس ،بل يتغير إذا تغير مستوى
الفهم والتفكير ع ند الناس في العصر نفسه .وبهذا رفض الوضعيين أن يكون علم الخالق معياريا
يبحث فيما يجب أن يكون ،ألن العلم يبحث فيما هو كائن .وبالتالي فإن مهمة علم األخالق وصف
السلوك اإلنساني لدى األفراد والجماعات في زمان معين ومكان محدد .ومن أنصار هذا االتحاد
أوجست كونت وإميل دوركايم وليفي بريل.
أما النوع الثالث من األخالق فهو األَخالق الدينية .وهي جملة المبادئ والقواعد والتوجيهات
واالوامر والنواهي التي وردت في الدين ،والتي يطلب من الناس تطبيقها وممارستها في سلوكهم
وتعاملهم في الحياة مع أنفسهم ومع األخرين ،ومصدرها من عند هللا من خالل النصوص المقدسة.
ويتم ربط الفلسفة األخالقية الغربية مع النقاشات الفلسفية للفكر اليوناني (سيتمعرض بعض
النماذج أدناه) ،وقد تكون أفكار بروتاجوراس مشابهة لبعض االتجاهات المعاصرة في فلسفة
األخالق فعندما يقول"أن اإلنسانمقياس األشياء جميعا ً"،وأيضا عندما يقول" :ما يبدو لي على أنه
حق فهو حق بالنسبة لي ،وما يبدو لك على أنه حق فهو حق بالنسبة لك" .أنما يشير إلى أتجاهين
رئيسين في فلسفة األخالق:
.1األتجاه الذاتي Subjective Ethicsإن كان اإلنسان مقياس األشياء جميعاً ،أي الفرد،
فإن هذا يعني أن "الخير ذاتي" تماماً .وما يبدو للفاعل الفرد على أنه خير فهو خير بالنسبة
142
له .وبالتالي فإن هذه النظرة تتجاهل تماما ً العنصر الموضوعي لألخالق .بل تؤدي إلى
إنهيار األخالق ،ألن كون الخير هو خير الفرد أو ما يراه خيرا ً يعني عدم وجود فضائل
موضوعية يتفق عليها الناس .وكل شخصي سوف يفسر "األمانة" أو "الشجاعة" و
"الصدق" و "الوفاء" و "التسامح.... ،الخ ،وفق نظرته الشخصية وسوف يصبح الخير أو
الصواب هو أن يفعل ما يلذ ويحلوا له .بحيث تصبح الفضيلة هي تحصيل اللذة وتحقيق
الرغبات.
.2األتجاه النسبيRelativitic Ethicsويؤمن هذا األتجاه بنسبية األخالق بحيث ال يكون
هناك خير مطلق أو خير موضوعي يتفق عليه الناس غير أن النسبية ال تعني أن الخير
والفضائل تتحدد للفرد الواحد كما يراها ،فحسب ،بل تعني أيضا ً أن الخير "متغير" حسب
الظروف واألحوال ،والزمان ،والمجتمعات....الخ ،فكما أن الخير يختلف من شخص آلخر
فهو يختلف من وقت آلخر ،من عصر إلى عصر ،ومن مجتمع إلى مجتمع آخر ،فهو خير
بالنسبة لهذا المجتمع أو هذا العصر أو هذا الشعب....الخ.
نماذج من األَخالق.
بنى أفالطون رأيه في األخالق على موقفه من موضوع النفس اإلنسانية .والنفس عنده جوهر
روحي غير مادّي ،لها ثالث أجزاء بالغم من كونها وحدة واحدة ،وهده األجزاء تشكل قوى أو
ملكات ،هي النفس ،القوة العاقلة والقوة الغضبية والقوة الشهوانية ،وكلتا القوتان الغضبية والشهوانية
حدثتا للنفس بعد اتحادهما بالبدن.
إن لكل قوة من قوى النفس الثالث فضيلة مرتبطة بها وتابعة لها ،فالقوة العاقلة فضيلتها
الحكمة أو العلم ،والقوة الغضبية فضيلتها الشجاعة ،والقوة الشهوانية فضيلتها العفة .وعند تحقق
هذه الفضائل عند األنسان ظهرت عنده فضيلة رابعة جامعة لهذه الفضائل ،وهي فضيلة العدالة.
وحتى يصبح اإلنسان فاضالً من ناحية أخالقية يجب أن تنطبق القوتين الشهوانية والغضبية والقوة
العاقلة .حيث العقل هو المتحكم والموجه ألفعال اإلنسان.وإذا حقق اإلنسان ذلك ،تسمو نفسه فوق
شدّة مطالب الجسد.
شر مختاراً ،وليس في وسع
وذهب أفالطون إلى أن عرف الخير فعلة ،فاإلنسان ال يفعل ال ّ
اإلرادة الواعية أ َن تعارض العقل وتخالفه وتخرج عنه .فإذا انار سبيلها فعلت الخير ،وإن أخطأت
143
فخطيئتها صادرة عن العقل وضاللة صادرة عن الغفلة والجهل ،وبالتالي إذا علّمنا الناس :أنقذناهم
من ال ّ
شر والرذيلة وقويت عندهم الفضيلة.
أرسطو
ذهب أفالطون إلى أن من عرف الخير فعله ،فاإلنسان ال يفعل الشر مختاراً ،وليس في
وسع اإلرادة الواعية أن تعارض العقل وتخالفه وتخرج عنه .فإذا أنار سبيلها فعلت الخير ،وإن
أخطأت فخطيئتها صادرة عن خطأ العقل وضالله ،صادرة عن الغفلة والجهل ،وبالتالي إذا علمنا
الناس أنقذناهم من الشر والرذيلة.
إال أن "أرسطو" يخالف "أفالطون" ويرى أنه بالرغم من معرفة الناس بالفعل الصواب
للقيام به ،إال أنهم قد ال يقومون به ،فالخير ال يوجد وجودا ً مفارقا ً كوجود المثل المطلقة ،بل إن
الموجود الراهن الحقيقي هو الفرد ،والفرد حر مختار ،وهو لذلك مسؤول عن أعماله وأفعاله،
ويمكن أن نستدل على وجود الحرية بالمناقشة التي يقوم بها اإلنسان .في داخله ،ونستدل عليها
بوجود النصيحة والشورى ،ووجود الذم والمدح ،ووجود الثواب والعقاب ،فنحن ال نجازي
المرضى والمجانين وال نلومهم.
إن الفعل ينظر "أرسطو" هو شيء تقوم به ،وتفعله أنت ،وليس شيئا ً يحدث لك .وفي وسع
اإلنسان أن يعلم الخير ،ويفعل الشر ويكون شريرا ً أو صالحا ً بإرادته واختياره ،وينتج عن ذلك،
منطقيا ً أن الحرية تتضمن اإلمكانية ،أي إمكانية حدوث أفعال قادمة أو عدم حدوثها في المستقبل،
ألن اإلنسان ال يكون حرا ً إذا كانت األحداث المقبلة موجودة حتماً ،وبالضرورة في الوقائع
الحاضرة.
بالنسبة ألرسطو كل إنسان يسعى إلصابة هدف ما في حياته ،وهو ما يراه خيرا ً له (كرامي
السهام) .ولكن كيف سنصيب الخير إن جهلناه ،وجهلنا الطرق التي تسمح بالوصول إليه ،إن غاية
األخالق هي أن تدلنا على الخير ،وتعرفنا بالطرق التي توصل إليه .وكل الناس تتفق على أن الخير
هو السعادة.
السعادة كما يقول أرسطو هي :نشاط النفس وفقا ً لفضيلتها أو إذا كانت هناك أكثر من فضيلة
للنفس ،فإنها ستكون وفقا ً ألعظم فضائلها وأكثرها كماالً.
هناك فضيلتان :فضيلة العقل العملي التي تتجلى من خالل نشاط متميز أخالقيا ً أو من خالل
سياسة عادلة .وفضيلة العقل النظري وهي تعد أفضل وأكثر كماالً من غيرها .صحيح أن فضيلة
العقل العملي المتمثلة في األخالق أو النشاط األخالقي هي أمر يُعد خيرا ً بذاته أيضا ً إال أنه بالنسبة
144
ألرسطو من الصعب تحقق الفضيلة العملية والنظرية معا ً بشكل تام ألن كل نشاط منهما يتعارض
مع اآلخر .وبعض الخير البشري يضيع حينما ينشغل المرء بأي من هذين النشاطين ويكرس حياته
له .إن كل الخيرات البشرية من الصعب أن تتحقق كلها بشكل تام ،ولكن قد تتحقق بشكل جزئي
بالتالي بالنسبة ألرسطو ال يوجد حالة مثالية ،بل توجد فقط حالة تعد أفضل من كل الحاالت.
حتى تكون خيرا ً يجب أن تمتلك الحكمة العملية ومن المستحيل أن تمتلك هذه الحكمة من
دون فضيلة أخالقية.والفضائل تنقسم إلى نوعين :فضائل عقلية أو جوهرية ،وفضائل أخالقية.
أما الفضيلة العقلية فهي تنتج غالبا ً من تعليم يسند أصلها ونموها ،فحياة اإلنسان المتعلم،
أرقى من حياة غيره ،أنه يقضي وقته بطريقة أجمل مما يقضية أولئك الذين يسعدون في الحياة
جاهلين ،ويكون عنده قدرة أكبر على أن يكفي نفسه بنفسه ولديه مجموعة من الفضائل الجوهرية
والعقلية التي ال تتحول باإلفراط فيها أو األسراف إلى رذائل مثل فضائل الذكاء والتبصر والمهارة
والحكمة.
أما الفضائل األخالقية فهي تأتي من خالل التعلم والتعود وهي ال تسمى كذلك إال إذا كانت
عادات مستمرة ،فمثالً ال يكون اإلنسان كريما ً ألنه أتى الكرم مرة واحدة في حياته ،فاإلنسان كريم
إذا كانت عنده عادة الكرم ....وهكذا.
الفضيلة فعل حر ألن اإلنسان ال يكون مسؤوالً إال إذا كان حرا ً وثمة شرط ثالث وأخير
للفضيلة وهو العلم والمعرفة.
في النهاية األخالق بالنسبة ألرسطو تهدف إلى تحصيل السعادة التي تتحقق بالحياة
الفاضلة أو بالفضيلة .وعمل األخالق كعلم مساعدة الناس في تحصيل هدفهم وهو السعادة.
146
سكر بثمن باهظ ،وكأن هذا هو المأخذ الوحيد أو النقد الذي يمكن أن يوجه
له أنه يشتري لذة ال ُ
له.
147
"أنه ينبغي على المرء أن يسلك مع اآلخرين بالطريقة التي يجب أن يسلكوا وفقها معه" .فأنا على
سبيل المثال أن احتجت إلى اقتراض مبلغا ً من المال ،ووعدت صاحبه بأنني سارده مع علمي بأنني
لن أقوم بذلك ،أكون قد خالفت األمر الخلقي ،وهنا على أن اسأل نفسي ماذا لو أصبح مبدئي قانونا ً
عاماً؟
القاعدة الثانية :أنظر إلى اإلنسانية دائماً ،إن كان في شخصك ،أو في غيرك كما لو كانت غاية ،وال
تنظر إليها كما لو كانت وسيلة ،بمعنى احترم اآلخرين ،إذ أن اإلنسان الموجود العاقل غاية في ذاته
وليس وسيلة استخدمها لتحقيق أهدافي واغراضي الخاصة.
القاعدة الثالثة :اجعل إرادتك حرة دائما ً ومصدر للتشريع العام .إذ بوصف اإلنسان موجودا ً عاقالً،
فإن أفعاله األخالقية تسير وفقا ً للقانون األخالقي ،هذا القانون مصدره اإلنسان ذاته ،واإلرادة الخيرة
أو الطيبة هي التي تُصدره وهي التي تنفذه ،فهي إرادة مستقلة ذاتيا ً أي ال يُفرض عليها أي شيء
من الخارج ،وبالتالي فالقانون األخالقي ال يأتي من سلطة خارجية كالدين أو المجتمع أو الرأي
العام ،أو أي مصدر آخر.
يذهب كانط إلى أن كل مبدأ أخالقي يجب أن يحترم استقاللية اآلخرين ،إن الحرية الحقيقية
ال تتطلب االستقالل الخارجي أو بمعنى آخر تحررنا من القيود الخارجية التي تُعيق حريتنا بل يجب
أيضا ً التحرر من القيود الداخلية ،أي التحكم في رغباتنا نفسها ،والسلوك خالفا ً لما تطلبه منا.
أن تكون حرا ً –حسب كانط – أو مستقالً حقيقة ،هو أن تكون متحكما ً كليا ً في نفسك.
فالحرية الحقيقية أنما تشترط أن يكون العقل ال الرغبة المسؤول عن قراراتنا .حيث أن السلوك وفق
المبادئ األخالقية ال يكفي للتحكم في سلوكنا ،إذ قد يكون هذا السلوك مجرد طريقة أخرى للتصرف
وفق رغبة اآلخرين وما يفرضونه علينا! نحن ال نكون أحرارا ً حقيقة وكائنات مستقلة فعالً ،إال
حين نختار بحرية االمتثال للقواعد الخلقية .فالتشريع األخالقي يجب أن يكون ذاتي ،نابع من العقل،
وفق ما يميله علينا ،ال وفق أماني اآلخرين ،وال وفق رغباتنا ،أنه أن نكون مستقلين حقيقة .في نفس
الوقت علينا أن نحترم اآلخرين وقراراتهم .ورؤيتهم بوصفهم مركز خطط حياتهم .عند الشخص
المستقيل تعبر مثل هذه القرارات عن العقل ،ومن ثم فإنها تعبيرات عن اإلرادة الخيرة ،أنبل ما
فينا.
رأينا في الفصل األول أن كلمة فلسفة باليونانية– فيليا صوفيا ،وهي عبارة عن كلمتين:فيليا،
وتعني :الحكمة ،وصوفيا وتعني :حب ،أي حب الحكمةأو حب المعرفة أو حب البحث عن المعرفة.
148
وقد انتقلت الكلمة اليونانية إلى العربية كما هي؛أي "فلسفة" .ولكن السؤال هو لماذا كانت الفلسفة
تعني حب المعرفة أو حب الحكمة وليس المعرفة أو الحكمة فقط؟ أي لماذا هذا االقتران بالحب مع
المعرفة؟ فالفلسفة ابتداء من تعريفهاتقوم على حب الحكمة بمعنى محاولة التقرب من الحكمة
والمعرفة والحقيقة ،وال تشترط بصورة قطعية الوصول إلى المعرفة أو الحقيقة.لذلك يكون الدرس
األول الذي تحاول الفلسفة أن تعطينا إياه هو أن امتالك الحقيقة شيء ومحاولة الوصول إليها شيء
آخر تماما .وكما يقول ياسبرز في تعريفة للفلسفة أنها "أن تكون على الطريق" بمعنى أن الفلسفة
هي سير وجهد وإرادة نحو معرفة شيء ما،قد ال نصل إليه أو قد ال يكون ممكنا أصال .وبذلك تكون
الفلسفة هي المعرفة الوحيدة التي تهتم باألسئلة أكثر من اهتمامها باإلجابات ،فطرح األسئلة والتفكير
فيها بصورة نقدية ومحاولة االقتراب من األجوبة المحتملة يمثل جوهر الفلسفة .وبذلك تكون الفلسفة
عبارة عن طريق وليس نهايات أو إجابات وحيدة.
ولكن ذلك ال يعني أن الفلسفة ال تمتلك إجابات خاصة بها ،بل إننا يجب أن نفهم إجابات
الفلسفة على أنها توجهات أو تأسيس لفكر ما أو فلسفة ما .فهناك الفلسفة العقالنية والمثالية والواقعية
والماركسية والدينية وغيرها الكثير،ولكن يجب األخذ بعين االعتبار أن الفلسفة كمعرفة أكبر من
كل إجاباتها،فهي أكبر من الفلسفة العقالنية أو المثالية أو الماركسية.
على الرغم من أن ذلك قد يخلق بعض الصعوبات على شكل أسئلة خالفية – إشكاليات -
في أي مجتمع،وبالرغم من أننا قد ال نحصل بالضرورة على إجابة واحدة صحيحة على بعض تلك
المسائل الفلسفية،إال أن هذا الكتاب مصمم لكي يمنح الطالب بعض المهارات األساسية الالزمة
لتطوير أفضل إجابة ممكنة.فعدم المقدرة على الوصول إلى إجابة واحدة يقينية يجب ّأال يعني التخلي
عن اتخاذ القرارات بل على العكس يجب أن يحثنا على التركيز أكثر واتباع أساليب التفكير والنقد
الصحيحين للتمكن من الوصول الى اكثر اجابة ممكنة وعقالنية.
لعل هذه المقدمة يمكن ان تكون بداية جيده للتعريف بالمشكالت الفلسفية التي ننوي مناقشتها
في هذا الفصل .فهناك منذ نشأة الفلسفة بعض االسئلة التي تم طرحها منذ االف السنين وما زلنا
نحاول حتى يومنا هذا اإلجابة عليها .وفي الحقيقة ،رغم تعدد اإلجابات عليها ،ولكن يمكن أن نقول
إن غالبية اإلجابات تمتلك القدر الكافي من التفكير السليم والنقدي الذي يؤهلها لتكون إجابة فلسفية
مميزة.
من أمثلة تلك األسئلة -المشكالت :مشكلة العدالة ،ومشكلة الحرية ،ومشكلة الحقيقة،ومشكلة
المادة والروح،ومشكلة الشخص ،ومشكلة الشر،ومشكلة معنى الحياة والموت .وغيرها من المسائل
الفلسفية المهمة التي تهتم بها كتب الفلسفة ،والتي سنحاول التعرف على بعضها في هذا الفصل.
149
مشكلة الحرية : -1
تعتبر الحرية من أهم المسائل الفلسفية وأقدمها حيث إنها شغلت بال المفكرين والفالسفة
منذ قديم الزمان وما زالت تحتفظ براهينيتهاإلى يومنا،وذلك الرتباطها الوثيق بحياتنا اليومية وبكل
تنوعاتها (سياسية أو مدنية أو دينية).وهذا هو أحد أهم األسباب في كونها مشكلة – مسألة -بحاجة
إلى نقاش وتفحص وعناية .وقد اهتم الفالسفة العرب والمسلمون بمسألة الحرية في باب الجبرية
واالختيار.
ماذا نعني بمشكلة الحرية ؟
ولماذا تكون الحرية "مشكلة " أو إشكالية باألساس؟ يمكن اإلجابة ببساطة على هذا السؤال
حرا؟ عندما نحاول أن نجيب عن هذا
عبر طرح السؤال التالي :هل أنت حر؟ وما معنى أن تكون ًّ
حرا ومن ثم يتجابه مع معوقات وحتميات
السؤال ستظهر لدينا اإلشكالية بسرعة.فهل يولد اإلنسان ًّ
الحياة الطبيعية والسياسية واالقتصادية والمادية؟ أم أن اإلنسان يولد مكبال بالحتميات ومحددًا
بقدرات معينة تحد من إمكانياتهومن ثم تكون حياته بمثابة صراع من أجل تجاوز الحتميات
والمحددات لينتصر لحريته ليفعل ما يشاء وقت ما شاء؟ بمعنى آخر :هل الحرية هي عدم وجود
قيود تحد من حركاتناأم أنها مجرد وعي بهذه المعيقات والمحددات؟ وبوصف اإلرادة مصدر كل
األفعال الحرةفهي بذات الوقت حرية اإلرادة .لذلك يتشابك مفهوم الحرية مع مفاهيم مهمة
مثاللحتمية والضرورة .
فكر ً
قليال بما يمكن أن يكون عليه معنى الحرية ،ثم حاول اإلجابة على سؤال إذا ما كنت -
حراأم ال،ومن ثم إقرأ ما قاله العالم ستيفن هوكينج وقارنه بمعنى الحرية لديك .هل يمكن أن يكون
ًّ
حرا حقًّا ؟ بأي معنى – تعريف للحرية يمكن ان نصفه بأنه حر؟
هوكينج ًّ
150
عا ما ؟
هل بدأ مفهوم الحرية لديك يصير إشكاليًّا نو ً
يمكن تلخيص إشكالية الحرية (ويمكن أن نقول مشكلة اإلراده الحرة) كالتالي :
إننا نشعر أننا احرار ،بمعنى أنه يمكن لنا أن نختار بسهولة بين ان نقوم بالفعل أأو الفعل
ب ً
،مثال يمكننا بسهولةأن نختار اآلن بين أن نشرب ماء او ال نشرب .ولكن في نفس الوقت هناك
من يعتقد أن أي نتيجة (أو أي فعل) يجب أن يكون وراءه سبب ما ادى الى هذه النتيجة او ادى الى
مثال لم يكن فعالً ًّ
حرا تماما،بل كان نتيجة طبيعتك قيامنا بذلك الفعل(،سبب – نتيجة) فطلبك للماء ً
البيولوجية واحتياج جسمك للماء ،وبالتالي فأنت محكوم بما تمليه عليك طبيعتك الجسمية
والبيولوجية .والمشكلة تكمن في أننا ال نستطيع أن نؤمن بكال الرأيين معا ،مع أن كليهما بنفس
الدرجة منطقي وال غبار عليه.
حرا إذا كان الشخص
فحسب الفكر الليبرالي (الذي يؤمن بالحرية):أي فعل يمكن اعتباره ًّ
الدي قام به كان بإمكانه أ ّال يقوم به أو أن يقوم بعكسه .بمعنى أن األفعال لكي تكون حرة يجب أن
يكون هناك خيارات متعددة.
وحسب الفكر الحتمي -الجبري (الذي ال يؤمن بالحرية):إن اإلنسان كان مجبرا بالبداية
لكي يقوم بما قام به .وإنه ليس هناك عملية اختيار حرة بشكل كامل ،وإذا ما تفحصنا الخيارات جيدًا
سنرى أن عملية االختيار ذاتها كانت مبرمجة ومحدودة.
فأنصار الحتمية يقولون أن ال مجال للحديث عن الحرية بينما العالم واإلنسان تحكمه
مجموعة من القوانين والحتميات الصارمة التي تحكم تصرف العالم واإلنسان .أما الطرف الثاني
(والذي يؤمن أن هناك حرية) فيقول بأن وجود الحتمية في العالم ال يعنيأن اإلنسان ال يمكن أن
حرا ،على العكس،إن إدراك الحتميات المختلفة هو شرط أساسي لممارسة الحرية .بمعنى أن
يكون ًّ
معرفة الموانع والقيود – الحتميات – التي قد تعترض اإلنسان(المعرفة) تكون كفيلةبأن يتحرر منها
(القيود)اإلنسان.وبالتالي،حسب هذا المفهوم ،يؤدي انعدام الحتمية إلى انعدام الحرية،بمعنى أن
غياب القوانين التي تحكم وتنظم سلوك االنسان سيؤدي إلى الفوضى التي ستؤدي إلى انعدام القدرة
على أي فعل حر .فالحرية ،لكي توجد ،بحاجة إلى تنظيم ونسق محكوم بقوانين حتمية.ومثال ذلك
العلم :فكلما كشف اإلنسان عن قوانين الطبيعة الحتمية (قوانين الحركة أو الجاذبية) زادت معرفته
بها وزادت بالتالي إمكانية تحكمه بها واالستفادة منها زمنًا ثم ازدادت فرصه بالتحرر منها.
لنحاوألن نجد التعريف المناسب للحرية .أوال ،وقبل قراءة التعاريف المختلفة للحرية،باعتقادك ،ما
التعريف األمثل للحرية؟
151
الحرية في القواميس الفلسفية تعني "الحركة دون معوقات أو إكراهات؛ وذلك من خالل
امتالك الفرد القدرة (اإلرادة) على القرار بناء على خيار مستقل للغايات والوسائل المالئمة للتوصل
إلى هذه الغايات.
يبدو أن هذا التعريف هو تعريف خاص بالعصر الحديث .فقد تطور وتغير المفهوم عما
كان عليه الوضع في العصور اليونانية وما قبلها.كانت الحرية عند القدماء محصورة في نطاق
صا الفلسفة الرواقية مع الفيلسوف ابيكتيتوس الذي حصر الحرية
اإلرادة؛أي في نطاق الذات وخصو ً
قادرا أن يكتفي
حرا عندما يكون ًّ
في األعماق الجوانية وفي االعتزال عن العالم .فاإلنسان يصبح ًّ
بما يعمله هو وال يجبر على أن ينخرط في عالم العوائق واإلكراهات .فالعزلة هي الحل ،بمعنى:
ترك ما ال نستطيع السيطرة عليه والتحكم به -العالم الذي ال يتحكم به اإلنسان والمليء بالعوائق.
وبحكم أن ذات اإلنسان هي ما يعرفه ويتحكم بهأكثر شيء.هذا التصور للحرية هو تصور باطني
– يتعلق بالذات ،تصور الحرية على أنها معركة مع الذات والقدره على تهذيبها .إنها نوع من جهاد
النفس وتهذيب األخالق .إنه فرار من العالم نحو الذات.
أما مع اليونان فقد تغير هذا المفهوم ليصبح مع التفكير السياسي لديهم :حرية اإلنسان تظهر
وتتبدى بممارسة السلطة على اآلخرين،ومن ثم القدرة على اكتساب منزل يعيش فيه وفضاء يتحرك
به .إنه تصور يربط الحرية بالوجود في العالم .هناك أبعاد عدة للحرية ،من أهمها البعد الميتافيزيقي
والبعد األخالقي والبعد السياسي والبعد العلمي.
البعد الميتافيزيقي للحرية يعني أن نتناول موضوع الحرية بشكل مجرد وليس في حالة أو
وضعية معينة،أي الحرية كمبدأ عام.
فاإلنسان يشعر أنه قادر على اختيار أفعاله وأن له القدرة على ترجيح فعل ما واالمتناع
عن فعل آخر .ولكن بنفس الوقت يعرف اإلنسان أن هناك نظا ًما حتميًّا بالطبيعة تخضع فيه األحداث
عا ما جزء من هذه الطبيعة وبالتالي
إلى ضرورة حتمية ال مكان للصدفة فيه ،وأن اإلنسان هو نو ً
جزء من هذه الحتمية.
إقرأ النصوص التالية (تحليل ومناقشة)
152
نص من كتاب توماس هوبز :اللفياثان ،ص 216
في حرية األفراد
إن لفظة الحرية أو لفظة اإلعفاء تعني انعدام المعارضة (وأعني بالمعارضة العوائق
الخارجة عن الحركة) .واللفظة مطبقة بالقدر ذاته على المخلوقات غير الناطقة وغير المتحركة،
كما على المخلوقات العاقلة .فيقال عن األشياء الثابتة في بيئة معينة ال تستطيع أن تتحرك فيها،
إال في مساحة محددة ،مساحة تعينها مقاومة جسم خارجي ،إنها غير حرة في التقدم .واألمر هو
عينه بالنسبة إلى جميع الكائنات الحية األخرى عندما تكون مسجونة ،أو محتجزة بين الجدران
وفي السالسل؛ وكذلك األمر بالنسبة إلى المياه عندما تحجزها الضفاف أو تكون موجودة في أوان،
حتى لو لم تكن في هذه الوضعية ،لسالت في مساحة أكثر امتدادا ،فيقال عندئذ إنها غير حرة
التحرك وفقا لآللية التي ستكون عليها دون هذه العوائق الخارجية .لكن ،وإذا كان عائق الحركة
هو تكوين الشيء بذاته ،لن يقال إنه يفتقد إلى الحرية ،بل إلى القدرة على التحرك ،كما لو بقيت
صخرة في مكان معين ،أو عندما يسمرنا المرض في الفراش.
سؤال للمناقشة :لماذا هذا االرتباط بين الحرية والحتمية؟ أال يمكن الحديث عن الحرية بمعزل
عن مفهوم الحتمية؟
سؤال للمناقشة :هل توافق القول بأن الحرية لكي توجد بحاجة إلى تنظيم ونسق محكوم بقوانين؟
حتمية؟
153
من كتاب أزايا برلين :الحرية ،ص 414 – 413
عن الحتمية
تعلن الحتمية أن لكل حادث سببا ،يتبعه بالضرورة .هذه هي الركيزة المؤسسة للعلوم
الطبيعية :تستند نواميس الطبيعة وتطبيقاتها كلها– جامعة العلوم الطبيعية برمتها – إلى فكرة وجود
نظام داخلي تستقصيه العلوم .لكن إذا خضعت الطبيعة الباقية لهذه النواميس ،فهل يمكن أال
يخضع لها اإلنسان وحده؟ حين يفترض إنسان ،مثلما يفعل معظم الناس العاديين (لكن ليس معظم
العلماء والفالسفة) ،أنه حين ينهض من الكرسي لم يكن من الضروري أن يفعل ذلك ،وأنه فعل
ذلك ألنه اختار أن يفعل ،لكن لم يكن من الضروري أن يختار – حين يفترض ذلك ،يقال له إن
يوما ما
هذا وهم ،وصحيح أن العمل المطلوب من علماء النفس لم يستكمل بعد ،إال أنه سينجز ً
(أو على أي حال ممكن من حيث المبدأ) ،وعندها سيعلم أن ما هو عليه وما يفعله ضروريان
كما هما ،وال يمكن أن يكونا على غير هذه الصورة .أعتقد أن هذا المبدأ خاطئ ،لكني ال أسعى
في هذه المقالة إلى إظهار ذلك ،أو دحض الحتمية – في الحقيقة ،لست واثًقا من إمكانية هذا
العرض أو الدحض .أما اهتمامي األول فهو طرح سؤالين على نفسي .لماذا يظن الفالسفة وغيرهم
منسجما مع المشاعر والتصرفات
ً أن البشر مجبرون بالكامل؟ وفي هذه الحالة ،هل يعد ذلك
األخالقية الطبيعية ،كما شاع الفهم؟
تشير فرضيتي إلى وجود سببين رئيسين لدعم مبدأ الحتمية البشرية :أوًال ،ألن العلوم
الطبيعية تمثل أعظم قصة نجاح في التاريخ البشري كله ،يبدو من السخف االفتراض أن اإلنسان
وحده ال يخضع للقوانين الطبيعية التي اكتشفها العلماء (هذا في الحقيقة ما أكده فالسفة عصر
متحرر كلية من هذه
ًا التنوير في القرن الثامن عشر) .لكن السؤال ليس بالطبع هل يعد اإلنسان
القوانين – وحده المجنون يمكن أن يؤكد أن اإلنسان ال يعتمد على تركيبته البيولوجية أو
السيكولوجية ،أو على البيئة ،أو على قوانين الطبيعة .السؤال الوحيد هو :هل تستنفد هذه الحرية
كليته؟ أال يوجد ركن يستطيع فيه فعل ما يريد ،دون أن تجبره على االختيار أسباب سابقة؟ ربما
حرا ،الذي ال يعد
صغير من عالم الطبيعة ،لكن إلى أن يوجد ،فإن وعيه بكونه ًّ
ًا يكون هذا ً
ركنا
شموليًّا دون شك – حقيقة أن معظم الناس يعتقدون بذلك ،بينما تكون بعض أفعالهم آلية ،وبعضها
يطيع إرادتهم الحرة – ليس سوى وهم هائل ،منذ بدايات البشر ،منذ أن أكل آدم التفاحة ،مع أنه
أمر بعدم أكلها ،ولم يرد بالقول" :لم أستطع منع نفسي ،لم أفعل ذلك باختياري الحر ،بل أجبرتني
حواء عليه".
154
سؤال للمناقشة:أليس من التعارض اإليمان بأن هناك حرية ولكن بشرط أن تكون هذه الحرية
محدوده – مشروطة؟ أليس من التناقض القول بالحرية المشروطة كوصفنا لشيء ما بأنه النهائي
ونهائي بنفس الوقت؟
سؤال للمناقشة :هل تحكمأفكار اإلنسان وأفعاله نفس القوانين التي تحكم الظواهر الطبيعية
والفيزيائية؟ وهل يرتبط اإلنسان بقوانين البيولوجيا وقوانين علم النفس والتي سوف تحكم
تصرفاته وتحددها ال محالة؟
سؤال للمناقشة :هل يمكن قبول الحكم التالي :ال يجب محاكمة المجرمين والقاتلين والسارقين
ألنهم بكل بساطة كانوا ضحية طبيعتهم البيولوجية والنفسية التي أجبرتهم على قيامهم باألفعال
السيئة التي قاموا بها؟
تكمن إحدى المشاكل الفلسفية جزئيًّا في عملية تعريف المفاهيم،وهذه المشكلة يمكن تطبيقها
على المشكلة التي درسناها في األعلى،وأقصد مشكلة الحرية .فالتعريف،أي تعريف ،هو باألساس
تحديد،فأنت تعرف الشيء بتحديده وفصله عن األشياء األخرى ،وتعداد ما يميزه عن األشياء
األخرى .وفي حالة تعريف "الحرية" فنحن نحاول تحديدها وتقييدها وهنا تكمن مشكلة تعريف
الحرية ،فنحن نحاول -أثناء التعريف -أن نضع حدودًا للحرية .فكيف سنضع حدودًا لشيء ال يقبل
الحدود والقيود؟
ضا لها عالقة مباشرة مع عملية التعريف التي تتضمن التحديد
والمشكلة األخالقية أي ً
واالتفاق على تعريف محدد لمفهوم ما .فهل كلنا متفقون على معنى المفاهيم األساسية التي نستعملها
جميعًا وبصورة عفوية .خذ ً
مثال مفهوم "العدالة" أو "الخير" وهي مفاهيم دارجة جدًّا وتستعمل
كثيرا من قبل عامة الناس والصحف اليومية وحتى النقاشات العامة بين األفراد وتعتبر كذلك من
ً
ً
كامال بين مستعملي المفاهيم األساسية في أي فلسفة أخالقية أوسياسية .فهل تعتقد أن هناك اتفاقًا
هذه المفاهيم على التعريف االنسب له؟
قبل الدخول في تعريف العدالة وغيرها من المفاهيم المهمة ،بإعتقادكما التعريف األنسب للعدالة؟
فكر بالموضوع ً
قليال ومن ثم دعنا نناقش الموضوع معًا.
155
بالتأكيد سنجد أن ما يقصده أحمد بالعدالة على سبيل المثال مختلف عن ما تقصده دعاء.
تذكر أن أي تحليل اخالقي سيهتم باألساس في تبرير األحكام في ما نعتقد أنه جيد أو سيئ ،صحيح أو
خاطئ،ما يجب علينا القيام به أو عدم القيام به ،وكيف يجب علينا أن نتصرف أو ال نتصرف إزاء موقف
ما.
أكثر الكتب الفلسفية تعتبر األخالق على أنها علم معياري؛أي العلم الذي يحدد لنا
السلوكالفاضل أو ما ينبغي أن يكون .وبالتالي فإن أهمية الدرس األخالقي تكمن في كونه يساعدنا
في اإلجابة عن سؤال ماذا ينبغي لي أن أعمله؟
من أهم المشكالت الفلسفية فيما يتعلع باألخالق وأكثرها شيو ًعا السؤال عنما إذا كانت القيم
اأخالقية ومنها الخير والشر هي قيم مطلقة أم نسبية؟
تذكر أن مهمة الدرس األخالقي ليست تعداد ما يجب علينا فعلهأو ما ينبغي علينا االبتعاد عنه .بمعنى
أنه ليس رصفًاأو تعدادًا لألعمال الخيرة من جهة والشريرة من جهة أخرى .بل على العكس من ذلك
فإن غاية الدرس األخالقي هي تعزيزالقدرة على توجيه الذات نحو الحرية والمسؤولية .إنه تحرير
الذات من كل وصاية ،وأن يعلمنا كيف يمكنناأن نطلق أحكا ًما أفضل.
قليال :هل حاولت أن تجد جوابًا لسؤال :لماذا فعل السرقة أو الغش في االمتحان فعل لنفكر ً
سيئ؟ هل يمكنك تبرير فعل لسرق – أو عدمة عقليًّا ؟ وهل من الممكن أن يكون فعل ما جيدًا
في ثقافة ما وسيئ ًا في ثقافة أخرى؟؟
كل هذه األسئلة ما هي إال نماذج لكي نتبين صعوبة المشكلة األخالقية ،ولماذا نضع هذه
الجزئية من علم األخالق كمشكلة فلسفية بحاجة إلى نقاش.
156
القيم األخالقية بين النسبي والمطلق:
القيم المطلقة:يرى الفالسفة العقالنيون ) (Rationalistكما ترى معظم الديانات السماوية أن ما
هو جيد وخير هو دو ًما كذلك ،فالفعل الجيد بين وواضح ،وما هو شر كذلك بيّن وواضح .وبالتالي
فالقيم األخالقية مطلقة وليست نسبية.
نجد ً
مثال الفيلسوف األلماني امانويلكانط يقول أن العقل هو مصدر الفضيلة والخير
األسمى.لذلك انتقد كانط األخالق النسبية والقائمة على اللذة والمنفعة ،حيث وضع القانون األخالقي
"اعمل على نحو ما يصبح عملك مبدأ وقانونًا عا ًّما" .فالسلطة العليا هنا هي سلطة العقل،فهو
المشرع األول واألخير والقادر على تشريع قيم مطلقة للفرد كما للمجتمع.
157
من المرجح أنك ستوجه القطار نحو العامل ً
بدال من الخمسة؛ وذلك ألن إنقاذ خمسة عمال سيكون
أفضل من إنقاذ عامل واحد.
واآلن لنجري بعض التعديالت على مجريات األحداث:
تصور أنك تشاهد ذلك القطار وأنت على جسر مرتفع،والقطار متجه نحو خمسة عمال
يعملون على السكة .وبالصدفة كان بقربك على الجسر رجل سمين جدًّا ينظر إلى العمال .ففكرت
بما يمكنك فعله إلنقاذ خمس أرواح من الهالك األكيد إذا ما اصطدموا بالقطار .وخطر على بالك
أن تقذف بالرجل السمين إلى أسفل الجسر ليقع على السكة ليكون مانعا لتقدم القطار نحو الخمسة
عمال .وقلت في نفسك:إن قتل رجل واحد مقابل إنقاذ خمس أرواح سيكون بالقرار األخالقي
األنسب.
158
الغالب أن معظمكم سوف يرفض هذا الخيار (قذف الرجل السمين) ،مع أنه من الوجهة المنطقية
سوف تنقذ الخمسة عمال مقابل التضحية برجل واحد.
والسؤال هو لماذا تم قبول تحويل القطار الى السكة اليسار في المثال األول وإنقاذ الخمس
أرواح،بينما لم يتم استعمال نفس المنطق في المثال الثاني؟
حياة اإلنسان في جزء مهم منها – وربما الجزء األهم – عبارة عن اتخاذ قرارات .مجموع هذة
القرارات هي حياتك ،هي أنت.
الدرس األخالقي يهدف إلى تعزيز قدرتنا على اتخاذ قرارات أكثر معقولية وأكثر أخالقية .
159
فما هو الطريق للوصول إلى الحقيقة ؟
اتخذت الحقيقة ،في الخطاب الفلسفي في الفترة الحديثة والمعاصرة ،أوج ًها وأنما ً
طا فكرية
مختلفة .فقد كانت الحقيقة عقلية مع ديكارت وحسية مع التجريبيين ،وحقيقة حدسية مع برجسون،
وبرجماتية مع وليام جيمس .أو تكون يقينية مطلقة مع نيوتن ،أو نسبية ومحتملة مع إنشتاين ،أو
منعدمة مع فيلسوف النفي نيتشه( .سبق أن عرضنا لبعض هذه المواقف في الفصل السابق)
لنفكر قليالً
قبل أن نخوض في معنى الحقيقة وإلقاء الضوء على هذا المصطلح كإشكالية:
ماذا نقصد عندما نقول :هذا الشيء حقيقي،أو أنا أعرف هذا الشيء على حقيقته؟
ماذا نقصد عندما نقول لآلخرين :إن هذا الرأي هو رأيك الخاص وليس الحقيقة؟
كيف يمكن أن نبتعد عن االستنتاجات الخاطئة؟
تمثل الحقيقة رهانا أساسيًّا لكل معرفة إنسانية ،والهدف األهم لكل ممارسة علمية.
لكناإلشكالية تظهر عندما نجد أن ما يعتبره أحدهم حقيقة يكون بالنسبة آلخرليس سوى وهم
وخطأ،إلى حد يمكن القول أن لكل عالم أو مفكر حقيقته الخاصة به.ولكن أليس من حق كل إنسان
أن يعتقد ما يشاء؟وأن يكون له رأي خاص به؟ ومن طرف آخر أال يجب أن يكون هناك "حقيقة "
ثابتة،يمكن التعرف عليها من قبل الجميع مقابل الرأي الشخصي الخاص بك وحدك والذي ال يتطلب
موافقة الجميع؟ هذا يضعنا أمام جملة من اإلشكاليات الفلسفية مثل :ما الحقيقة؟ وما معاييرها؟ ما
طبيعة العالقة القائمة بينها وبين الرأي والمعرفة العامية؟ وهل العالقة بين الرأي والحقيقة هي
عالقة انفصالأماتصال؟ بمعنى هل الرأي يكون دو ًما مخالفًا لما نعتبره حقيقة أم أنه ال يوجد اختالف
جوهري بينهما وإنما هناك اتصال يمكن أن يؤدي أحدهما إلى اآلخر،فالفرق ليس بالنوع بل
بالدرجة.
160
في الواقع ال يوجد إجابة واحدة على هذا السؤال عند جميع المفكرين .فعلى مدارتاريخ
الفلسفة نجد أن إجابات الفالسفة على هذا السؤال كانت منقسمة ،فقسم تبنى انفصال الرأي عن
ً
تواصال مثل الحقيقة بصورة قاطعة (مثل أفالطون ،وديكارت) وقسم آخر وجد أن هناك
(أرسطو،وكانط).لن ندخل في تفاصيل تاريخ الفلسفة لتبيان كل اآلراء حول الموضوع ولكن يمكن
القول :في الفلسفة اليونانية دافع أفالطون عن الموقف األول ،بينما دافع أرسطو عن الموقف
الثاني.فحسب أفالطون :مجال اشتغال الرأي هو هذا العالم المادي المحسوس الذي نعيشه،وأداته
األساسية هي الحواس من بصر ولمس وشم وذوق وسمع .وهي أدوات ليست ذات قيمة كبيرة
وليست دقيقة كفاية،حسب أفالطون ،لتعطينا نتائج ترقى لمستوى الحقيقة ،وبالتالي فإن ما ينتجه
الرأي من معارف هو خاطئ وال يعكسالحقيقة .ومن هنا سيقول أفالطون بوجود عالم آخر يسميه
"عالم المثل" ،عالم ال يتألف من أشياء وأجسام وإنما من أفكار وصور ال تمثل األولى بالنسبة لها
سوى ظالل ونسخ باهتة ومشوهة.
أما أرسطو فيقول بأن مجال اشتغال الرأي هو العالم المادي المحسوس ،ولكن عكس
أفالطون ،يؤمن أرسطو بأنه على الرغم من كون أداة الرأي األساسية هي الحواس،فهذا ال يعني
بالضرورة خلوه من كل حقيقة،وال يتعارض مع إمكانية تضمنه لكثير من الحقائق.وتبعا لذلك فإن
الوصول إلى معرفتهيمر حت ًما عبر ما تقدمه لنا حواسنا من معطيات ،وما يقدمه عقلنا بناء على
ذلك من آراء حولها .وهكذا فإن الرأي أو المعرفة المبنية على التجربة الحسية ،وإن كان يمثل أدنى
درجات المعرفة في رأي أرسطو ،فهو ال غنى عنه من أجل الوصول إلى ما هو أعلى وأدق منه،
أي المعرفة البرهانية القائمة على العقل،وهذا يعني حسب أرسطوأن الرأي متقدم بالضرورة زمنيًّا
ومنطقيًّا عن الحقيقة.
أما في الفلسفة الحديثة فقد دافع عن الموقف األول ديكارت ،بينما دافع عن الموقف الثاني
كانط .فبالنسبة لديكارت :الحقيقة هي ما هو واضح ومتميز بالبداهة وال يقبل بأي حال من األحوال
الشك فيه ،وهذا الشرط غير متوفر في الرأي ،ألن أساس الرأي هو التجربة الحسية؛ أي ما تقدمه
الحواس ،ولما كانت هذه األخيرة “خداعة أحيانا ً ”وكان“من الحكمة نطمئن كل االطمئنان إلى من
يخدعنا ولو مرة واحدة” ،فإن النتيجة هي أن كل المعارف التي يتضمنها الرأي مشكوك في صحتها،
وأن الخطوة األولى لبلوغ الحقيقة تتمثل في ضرورة التخلص منها والبدء من الصفر وهو ما يعرف
لديه باللوح الممسوح.Tabula Rasa
161
أما ديفيد هيوم وجون لوكوإمانويلكانط ،فيرونأن بين الرأي والحقيقة عالقة اتصال ،ألنه
ال يمكننا التوصل إلى أية حقيقة تخص ظواهر الكون ما لم نبدأ من التجربة الحسية،هذا عداعن أنه
ما من رأي إال وله عالقة ما بالحقيقة ،ألن اإلنسان ال يبني آراءه من فراغ أو بالصدفة وإنما انطالقًا
من معارف معينة يمتلكها الفرد ،وهذه المعارف ال بد وأن تكون لها صلة ما بالحقيقة.
اإلشكالية :
من خالل ما تم ذكره نستنتج أن الرأي هو استنتاج معتمد على حواس اإلنسان وعلى حياته
وخبراته اليومية ،أما الحقيقة فتكون من نتاج العقل واستنتاجاته.الرأي شخصي والحقيقة عامة.
ولكن أليس عقلنا وأدواته ومنطقه هو الذي جعلنا نعتقد لسنوات طويلة أن األرض مسطحة
وأن األرض هي مركز الكون .فما كونه االنسان من رأي ألم يقبله عقله لسنوات طويلة .فهل هناك
معيار ما نستطيع أن نعتمد عليه لنتأكد من استنتاجاتنا حول العالم وأنفسنا واآلخرين؟
يحتاج اإلنسان كي يقوم بأي تمييز أو تصنيف إلى معيار يستند إليه ،فما هو يا ترى المعيار
الذي يمكن االستناد إليه للتمييز بين الصواب والخطأ ،بين الحقيقة والكذب؟ ما المقياس الذي من
خالله يمكن التمييز بين ما هو حقيقي وما هو ليس كذلك؟ما الذي يجعل من معلومة ما أو استنتاج
ما أفضل ،أدق أو صحي ًحا؟ والسؤال األهم هو هل يوجد حقيقة واحدة أم أكثر من ذلك؟
هل بدأ مفهوم الحقيقة يصبح اشكاليًّا لديك؟
162
معنى الحقيقة حسب نظرية التطابق:
االستنباط الديكارتي :ويقصد به،ما يتم استنتاجه ضرورة من أشياء أخرى واضحة ومتميزة وذلك
ضا ما هو
بوساطة حركة متصلة للفكر.فما هو حقيقي ليس فقط هو ما هو واضح وبدهي ،وإنما أي ً
مستنبط بشكل منطقي وسليم من مبادئ أولى واضحة وبدهية.
163
في خدمة حياة اإلنسان .وبالنتيجة فإن الحقائق “ليست سوى أوهام نسينا أنها أوهام” فهي قد اعتبرت
في البداية حقائق بفعل منفعتها في معركة الصراع من أجل البقاء ،لكن بفعل طول االستعمال تم
نسيان هذا األصل ،وأصبحت تبدو على أنها حقائق في ذاتها.
أما فوكو( )1984 -1926فالحقيقة لديه لها عالقة بالسلطة ،فهي ليست نتاج لمجهودات
العقل الموضوعي البريء وإنما هي نتاج لسياسة ممنهجةتقتضيها ممارسة السلطة وآليات اشتغالها،
وهو ما يتجلى في رأي فوكو في عدة أمور أساسية هي أن لكل مجتمع نظامه الخاص في إنتاج
الحقيقة وسياسة عامة لنشرها واستهالكها .إن لكل مجتمع آليات وهيئات تمكنه من التمييز بين ما
هوصحيح وما هو خاطئ.
عا من التيه الذي كلما اتبعناه وسايرناه ابتعدنا
ويؤكد هيدجر()1976 - 1889أن هناك نو ً
أكثر عن الحقيقة وهو ما عبر عنه هيدجر بواحدة من أكثر الجمل إثارة للجدل وهي “العلم ال يفكر”
ألن التفكير في رأيه يعني االنفتاح على الوجود واإلصغاء لندائه؛ أي النظر إليه كما هو وليس كما
نريد نحن وكما تقتضي حاجاتنا ومتطلباتنا.
164
مراجع مفيدة
باللغة اإلنجليزية
- Azoulay, P., Fons-Rosen, C., Zivin, G. (2015). Dose Science Advance One Funeral at
a Time? NBERWorking Paper No. 21788
- Black, Max, Critical Thinking: An Iintroduction to Logic and Scientific Thinking,
Prentice-Hall, New York 1952.
- Boostrom, R., Developing Creative & Critical Thinking, National Text book, Illinois
1992.
- Butterworth, J. and G. Thwaites,Thinking Skills,CambridgeUniversity Press,
Cambridge 2005.
- Epstien, R., Critical Thinking, Thomson, Belment 2001.
- Fisher, A., Critical Thinking: An Introduction, CambridgeUniversity Press,
Cambridge 2001.
- Hintinkka, J. And J. Bachman, What if….?,Mayfield, California 1991.
- Howson, C., Logic with Trees, Routledge, London 1997.
- Kearns, C., E., and others (2016). Sugar Industry and Coronary Heart Disease
Research; A Historical Analysis of Internal Industry Documents. JAMA Internal
Medicine 176(11): 1680 – 85.
- Layman, S., The Power of Logic, Mayfield, California 1999.
- Leslier, L (2016). The Sugar Conspiracy. The Guardian.
https://www.theguardian.com/society/2016/apr/07/the-sugar-conspiracy-robert-lustig-
john-yudkin
- Lewens, T., (2016). The Meaning of Science: An Introduction to the Philosophy of
Science. London, The Penguin Press.
- Lilienfeld, S., O., and others (2015).Psychology: From Inquiry to Understanding (3rd
Ed). Essex, Pearson.
- Nigel, W., Thinking from A to Z, Routledge, London 1996.
- Patton, L., (2014). Philosophy, Science, and History: a Guide and Reader. London,
Routledge.
- Pigliucci, M. (2010). Nonsense on Stilts: How to Tell Science from Bunk. Chicago,
The University of Chicago Press.
165
- Pigliucci, M., &Boudry, M.,(2013), Philosophy of Pseudoscience: Reconsidering the
Demarcation Problem . Chicago, The University of Chicago Press.
- Ruggiero, V., Becoming a Critical Tinker, Houghton-Mifflin, Boston 2006.
- Sokal, A. (2008). Beyond the Hoax: Science, Philosophy and culture. New York,
Oxford University Press.
- Tarski, A., Introduction to Logic, Dover Publications, Dover 1995.
- Trefil, J., (2008). Why Science. Teachers College Press.
باللغة العربية
166
-محمد فتحي الشنيطي ،أسس المنطق والمنهج العلمي ،بيروت ،دار النهضة العربية،
1970م.
-محمود قاسم ،المنطق الحديث ومناهج البحث ،ط ،5القاهرة.1967 ،
-مهدي فضل هللا ،مدخل إلى علم المنطق ،ط ،2دار الطليعة ،بيروت.1979 ،
-فؤاد زكريا ،التفكير العلمي ،سلسلة عالم المعرفة ،المجلد ،3المجلس األعلى للثقافة
والفنون ،الكويت ،مارس .1978
-كريم متى ،المنطق ،بغداد ،مطبعة اإلرشاد1970 ،م.
-عبد الرحمن بدوي ،المنطق الصوري والرياضي ،ط ،2القاهرة ،مكتبة النهضة المصرية،
.1963
-عزمي إسالم ،االستدالل الصوري ،ج ،1القاهرة.1971 ،
-علي سامي النشار ،المنطق الصوري ،ط ،3دار المعارف ،القاهرة.1965 ،
-يان لوكاشيفتش ،نظرية القياس األرسطية ،ترجمة عبد الحميد صبره ،اإلسكندرية.1961 ،
-يحيى هويدي ،ما هو علم المنطق ،ط ،1القاهرة.1966 ،
-يو ،أ .بتروف ،أبجدية التفكير المنطقي ،ت :أحمد أبو زيد ،دار الشموس ،دمشق .1999
167