Professional Documents
Culture Documents
أدب الاختلاف في الإسلام
أدب الاختلاف في الإسلام
إن االختالف يف اإلسالم شيء طبيعي لعاملني اثنني ،أوًال :طبيعة اإلنس"ان وتف""اوت الق""درات اجلس"دية والعقلي"ة من
شخص آلخر .وثانيًا :لطبيعة النصوص الشرعية (القرآن والس"نة) وال"يت كث"ري منه"ا حيتم"ل يف تفس"ريه مع"اين ع"ده ،ولكن ه"ذا
الكتاب الذي بني أيدينا ،قام مؤلفه ـ جزاه اهلل عنها كل خري ـ ببحث آداب االختالف وض"وابطه مستش"هدًا بأح"داث كث"رية
ج""رت م""ع الرس""ول علي""ه الص""الة والس""الم والت""ابعني وأئم""ة املس""لمني رض""ي اهلل عنهم .وه""و من الكتب القيم""ة ال""يت كتبت يف
هذا اجملال.
يقول املؤلف يف تقدمي كتابه:
« ...فإن أمراض املسلمني ـ يف عصرنا هذا ـ قد تعددت وتشعبت وفشت حىت مشلت جوانب متع""ددة من ش""ؤوهنم
الدينية والدنيوية ،ومن العجيب أن األمة املسلمة ال تزال على قيد احلياة ،مل تصب منها تلك األدواء ـ حبمد اهلل ـ مقتًال على
كثرهتا وخطورهتا ،وك""ان بعض""ها كفيًال بإب""ادة أمم وش""عوب مل تغن عنه""ا كثرهتا وال وف""رة موارده""ا ،ولع""ل م""رده جناة ه""ذه
األمة إىل هذا اليوم ـ رغم ضعفها ـ هو وجود كتاب رهبا وس"نة نبيه"ا ـ علي"ه أفض"ل الص"الة والتس"ليم ـ بني ظهرانيه"ا مث دع"وة
نبيها واستغفار الصاحلني من أبنائها َو َم ا َك اَن الَّلُه ِلُيَعِّذ َبُه ْم َو َأْنَت ِفيِه ْم َو َم ا َك اَن الَّلُه ُمَعِّذ َبُه ْم َو ُه ْم َيْس َتْغِف ُر وَن .
وإن من أخط ""ر م ""ا أص ""يبت ب ""ه ه ""ذه األم ""ة يف اآلون ""ة األخ ""رية م ""رض «االختالف واملخالف ""ة» ...االختالف يف ك ""ل
ش" ""يء ،وعلى ك" ""ل ش" ""يء ،ح" ""ىت مشل العقائ" ""د واألفك" ""ار والتص" ""ورات واآلراء إىل ج" ""انب األذواق والتص" ""رفات والس" ""لوك
واألخالق؛ وتعدى االختالف كل ذلك حىت بلغ أساليب الفقه ،وفروض العبادات وكأن كل ما لدى هذه األمة من أوام""ر
ونواه حيثها على االختالف أو يدفعها إليه واألم"ر عكس ذل"ك متام"ًا ،ف"إن كت"اب اهلل وس"نة رس"وله م"ا حرص"ا على ش"يء ـ
بع""د التوحي""د ـ حرص""هما على تأكي""د وح""دة األم""ة ،ونب""ذ االختالف بني أبنائه""ا ،ومعاجلة ك""ل م""ا من ش""أنه أن يعك""ر ص""فو
العالق ""ة بني املس ""لمني ،أو خيدش أخ ""وة املؤم ""نني ،ولع ""ل مب ""ادئ اإلس ""الم م ""ا ن ""ددت بش ""يء ـ بع ""د اإلش ""راك باهلل ـ تندي ""دها
باختالف األمة ،وما حضت على أمر ـ بعد اإلميان باهلل ـ حض""ها على الوح"دة واالئتالف بني املس"لمني ،وأوام""ر اهلل ورس"وله
واضحة يف دعوهتا إلجياد األمة اليت تكون كاجلسد الواحد إذا اشتكى بعضه أصابه الوهن كله.
ولكن رس""الة اإلس""الم ـ م""ع ذل""ك ـ رس""الة واقعي""ة تتعام""ل م""ع اإلنس""ان على م""ا ه""و علي""ه ،وخ""الق اإلنس""ان ـ تب""ارك
وتع""اىل ـ يعلم من خل""ق وه""و اللطي""ف اخلب""ري ،فق""د وهب لعب""اده عق""وًال ومق""درات متباين""ة من ش""أهنا أن ت""ؤدي إىل اختالف
نظ ""رهتم وأفك ""ارهم وم ""واقفهم من كث ""ري من األش ""ياء ،ول ""ذلك ف ""إن اإلس ""الم يتس ""ع إىل تل ""ك االختالف ""ات كله ""ا ال ""يت ال هتدد
وحدة األمة ،فيكفي أن تتفق اآلراء ،وتلتقي التصورات ،وتتوح"د املواق"ف إزاء القض"ايا الك"ربى والقواع"د األساس"ية ،أم"ا م"ا
عداها من أمور فرعية وقضايا ثانوية مما يس"اعد اختالف ال"رأي فيه"ا على اجلن"وح حنو األفض"ل واألمث"ل فال خ"ري في"ه على أن
يكون هلذا االختالف ضوابطه وحدوده ،وقواعده وآدابه ،وأال ي"ؤثر على وح"دة فك"ر األم""ة ومواقفه""ا من القض""ايا األساس"ية
الك ""ربى ،فم ""ا حقيق ""ة االختالف؟ وم ""ا احلدود ال ""يت ال جيوز جتاوزه ""ا في ""ه؟ وم ""ا أس ""بابه؟ وم ""ا الق ""در املس ""موح ب ""ه من ""ه؟ وم ""ا
ضوابطه وآدابه؟ والسبيل للتخلص من سلبياته؟ هذا ما سنحاول حبثه يف هذه املعاجلة.»...