Professional Documents
Culture Documents
إشكالية المنهج في النقد الجزائري المعاصر
إشكالية المنهج في النقد الجزائري المعاصر
Doctorate in Literature
إﺷﻜﺎﻟﻴﺔ اﳌﻨﻬﺞ
ﰲ اﻟﻨﻘﺪ اﳉﺰاﺋﺮي اﳌﻌﺎﺻﺮ
ﻹﺛراء ﻫذا اﻟﻌﻣل وﻧﺧص ﺑﺎﻟذﻛر اﻷﺳﺗﺎذ اﻟﻣﺷرف اﻟدﻛﺗور ﻣﺳﻌود ﻋﺑد اﻟوﻫﺎب
اﻟدﻻﻟﺔ اﻟرﻣز
ﺻﻔﺣﺔ ص
ﺟزء ج
ﺗﺣﻘﯾق ت
ﻋدد ع
دون طﺑﻌﺔ دط
دون ﺗﺎرﯾﺦ دت
ﻧﺳﺧﺔ ن
دﯾوان اﻟﻣطﺑوﻋﺎت اﻟﺟﺎﻣﻌﯾﺔ دمج
ﻣﻘـــــــــــــﺪﻣﺔ
ﻣﻘﺪﻣﺔ
ﻣﻘدﻣﺔ:
ﻣذ ﺗﻌﻠم اﻹﻧﺳﺎن اﻟﻘراءة واﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ،وﻣذ أﺿﺣت أﻧﺎﻣﻠﻪ ﺑﻠﻣﺳﺎﺗﻬﺎ اﻟﻣﻠﻬﻣﺔ ﺗداﻋب
اﻟﻘرطﺎس واﻟﻘﻠم ،وﺗﻧﺳﺞ ﻣن ﺳواد اﻟﺣروف واﻟﻛﻠﻣﺎت إﺑداﻋﺎ ﻓﻲ ﺻورة ﺷﻌر أو ﻧﺛر ،ظ ّل
ﻫﺎرﺑﺎ ﻣﺳﺗﻌﺻﯾﺎ ﻋن إدراك اﻟﻧﺎﻗدﯾن ،وظ ّل ﺟﻬدﻫم وﺳﻬرﻫم ﯾراود ﺳﺣر اﻹﺑداع ﻟﻔك ﺷﻔرﺗﻪ
ٕواﺿﺎءة ﻋﺗﺑﺎﺗﻪٕ ،واﯾﺿﺎح ﻛل ﻣﺎ ﯾﻠﻔّﻪ ﻣن ﻏﻣوض ٕواﺑﻬﺎم ،ﻷن اﻹﺑداع اﻟﺣﻘﯾﻘﻲ ﯾﻛﺎد ﯾﻼﻣس
ﺟراء ﻣﺎ ﯾﻘوﻟﻪ ﻣن أﺷﻌﺎر ،وﺳﻬرﻫم
ﻋواﻟم اﻟﺳﺣر واﻟﺧﯾﺎل إذ ﯾﻘول اﻟﻣﺗﻧﺑﻲ ﻓﻲ ﺳﻌﻲ اﻟﻧﻘﺎد ّ
ﻟﻔﻬﻣﻬﺎ وﻣﺗﺣد ﻟﻬم:
وﯾﺳﻬر اﻟﺧﻠق ﺟراﻫﺎ وﯾﺧﺗﺻم أﻧﺎم ﻣلء ﺟﻔوﻧﻲ ﻋن ﺷواردﻫـﺎ
وﻓﻲ ظل وﻓرة اﻟﻧﺻوص وﺛراء ﻋﺎﻟم اﻹﺑداع ،وﺟب ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺎرئ اﻟﺷروع ﻓﻲ اﻟﺑﺣث
ﻋن أدوات وآﻟﯾﺎت ﻟﻣﻘﺎرﺑﺔ ﻫذﻩ اﻟﻧﺻوص ،واﻟﻛﺷف ﻋﻣﺎ ﺗﺧﻔﯾﻪ ﻣن أﺳرار ،ﻓﻲ ﺻورة ﻣﻧﺎﻫﺞ
ﻧﻘدﯾﺔ ﺗطورت ﻋﺑر ﺛﻼث ﻣراﺣل ،ﻣﻌﺗﻣدة ﻓﻲ ﻛل ﻣرﺣﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﻣرﺗﻛز أو ﻋﻧﺻر ﻣن ﻋﻧﺎﺻر
ﺛﻼث ﻟطﺎﻟﻣﺎ ﺷﻛﻠت ﻣﺣور ﻛل ﻣﻘﺎرﺑﺔ ﻧﻘدﯾﺔ ﻣﻬﻣﺎ ﻛﺎن زﻣﺎن ﺻﺎﺣﺑﻬﺎ ،وﻣﻬﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﺗﺄﻣﻼﺗﻪ
وآراءﻩ وأﻓﻛﺎرﻩ ،ﺗﻣﺛﻠت ﻫذﻩ اﻟﻣرﺗﻛزات ﻓﻲ اﻟﻣؤﻟف-اﻟﻧص -اﻟﻘﺎرئ ،ﻓﻔﻲ ﻛل ﻣرﺣﻠﺔ ﻣن ﻣراﺣل
اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﺣﺗﻔﻰ اﻟﻧﻘﺎد ﺑﺄﺣد ﻫذﻩ اﻟﻌﻧﺎﺻر وأﻟﻐو اﻟﻌﻧﺻرﯾن اﻵﺧرﯾن ،ﻓﺎﺗﺟﻪ اﻟﻧﻘﺎد ﻓﻲ
اﻟﺑداﯾﺔ ﻧﺣو اﻟﻣؤﻟف ﻓﻛﺎن ﻣﺣور اﻫﺗﻣﺎﻣﻬم وذﻟك ﻓﻲ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺳﯾﺎﻗﯾﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ-
اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ – اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻔﺳﻲ ،ﺛم ﺗﺄﺗﻲ اﻟﻣرﺣﻠﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻣن ﻣراﺣل اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ
وﻫﻲ ﻣرﺣﻠﺔ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﺳﻘﯾﺔ ﻣﺗﻣﺛﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ وﻣﺎ ﺗﻼﻫﺎ ﻣن اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺗﻲ اﺗﺟﻬت ﻧﺣو
اﻟﻧص وﻋزﻟﺗﻪ ﻋن ﻛل ﻣﺎ ﯾﺣﯾط ﺑﻪ ،ﺑل ﻗﺗﻠت اﻟﻣؤﻟف وﯾﺗﻣت اﻟﻧص ،ﺛم ﻛﺎن ﻟﻌﺎﻟم اﻟﻧﻘد
ﻣرﺣﻠﺔ ﺛﺎﻟﺛﺔ ﻧﺻﺑت اﻟﻘﺎرئ ﻣﺣو ار ﻟﻛل ﻣﻘﺎرﺑﺔ ﻧﻘدﯾﺔ .
ﻟﻘد ﺗﻣﯾز اﻟﻣﻧﻬﺞ ﺑﺣرﻛﯾﺔ ﺗﺣول داﺋﻣﺔ ﻓﻲ أﺟﻬزﺗﻪ اﻟﻣﻔﻬوﻣﯾﺔ واﻻﺻطﻼﺣﯾﺔ ،ﺑﻔﻌل
ﺟﻬود روادﻩ وﻣﻧظرﯾﻪ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ،إذ ﻛﻠﻣﺎ ظﻬر ﻛﺷف ﻣﻌرﻓﻲ أو ﻣﻧﻬﺞ ﻧﻘدي ﺟدﯾد ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ
اﻷدب ﺳﺎرع ﻫؤﻻء اﻟﻣﻧظرﯾن إﻟﻰ إﻋﺎدة اﻟﻧظر ﻓﻲ ﻣﻘوﻻت اﻟﻣﻧﻬﺞ ٕواﺟراءاﺗﻪ وآﻟﯾﺎﺗﻪ ،وﺳرﻋﺎن
أ
ﻣﻘﺪﻣﺔ
ﻣﺎ ﯾﻧﺑﺟس ﻣﻧﻬﺞ آﺧر ﯾﺣﻣل ﺑدورﻩ ﻣﻔﺎﻫﯾم وآﻟﯾﺎت وﻣﻘوﻻت ﺟدﯾدة ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻪ ،وﻟم ﯾﻛن اﻟﻌرب
ﺑﻌﯾدﯾن ﻋن ﺣﯾوﯾﺔ ﻫذا اﻟﻣﺷﻬد اﻟﻔﻛري واﻟﻧﻘدي ،ﻓﻣﺎ إن ﯾظﻬر ﻣﻧﻬﺞ ﻧﻘدي ﻟدى اﻟﻐرب ،إﻻّ
أن ذﻟك ﻟم ﯾﻛن ﻣﺗزاﻣﻧﺎ ﻣﻊ ﻧﻔس اﻟﻔﺗرة اﻟﺗﻲ ﯾﺑرز ﻓﯾﻬﺎ
ﺻدى ﻣوازﯾﺎ ﻟدى اﻟﻌرب ،رﻏم ّ
ً ُوﺟد ﻟﻪ
ﻟدى اﻟﻐرب وﯾﺑﻠﻎ أﻗﺻﻰ ﻣﺑﻠﻎ ﻟﻪ ،ﻓﻛﺎن اﻟﻌرب ﻣﺗﺄﺧرﯾن ﻓﻲ ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة
ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺗﻲ ﺑرزت ﻓﻲ ﺑﯾﺋﺔ ﻏﯾر اﻟﺑﯾﺋﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻬﺎ ﺧﺻوﺻﯾﺎﺗﻬﺎ وﺗﺣﻣل ﻓﻲ طﯾﺎﺗﻬﺎ
ﺧﻠﻔﯾﺎت ﻓﻠﺳﻔﯾﺔ وﻓﻛرﯾﺔ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ،ﺗﺣﺎول ﻣﻘﺎرﺑﺔ ﻧﺻوص ﻏﯾر ﻋرﺑﯾﺔ ،ﺑﻠﻐﺎت ﻏﯾر اﻟﻠﻐﺔ
ﻋدة ﻋن ﺗطﺑﯾق ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ
اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،ﺣﺗم ﺗرﺟﻣﺗﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،ﻣﻣﺎ ﻧﺗﺞ ﻋﻧﻪ إﺷﻛﺎﻟﯾﺎت ّ
اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻹﺑداع اﻟﻌرﺑﻲ وﺻﻌوﺑﺎت ﻓﻲ اﻟﺗرﺟﻣﺔ واﻟﺗطﺑﯾق.
ﻋﻣﺎ ﺷﻬدﻩ اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﻌرﺑﻲ
وﻟم ﯾﻛن اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﺟزاﺋري ﻓﻲ ﻣﻧﺄى ّ
اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻧﺗﯾﺟﺔ اﻻﻧﻔﺗﺎح ﻋﻠﻰ اﻟﻐرب ،إذ ﺣﺎول ﻣواﻛﺑﺔ ﺗﻠك اﻟﺗﻐﯾرات واﻟﺗطورات اﻟﺣﺎﺻﻠﺔ ﻓﻲ
اﻟوﻋﻲ اﻟﻧﻘدي ﺗﻧظﯾ ار وﺗطﺑﯾﻘﺎ ،ﻓﻘد ﻋﻣل ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺗﻔﺎدة ﻣن ﻛل اﻟﻣﻧﺟز اﻟﻧﻘدي اﻟﺟزاﺋري اﻟذي
ﺑدأ ﺗﻘﻠﯾدﯾﺎ وﻛﻼﺳﯾﻛﯾﺎ ﻣﻊ اﻟﺟﯾل اﻷول ﻣن اﻟﻧﻘﺎد ﻣن ﺑﯾﻧﻬم ﻋﺑد اﷲ اﻟرﻛﯾﺑﻲ وﻣﺣﻣد ﻣﺻﺎﯾف
وﺻﺎﻟﺢ ﺧرﻓﻲ ،...ﺛم ﺳﯾﺎﻗﯾﺎ ﻣﻊ واﺳﯾﻧﻲ اﻷﻋرج وﻣﺣﻣد ﺳﺎري ،....وﻧﺳﻘﯾﺎ ﻓﯾﻣﺎ ﺑﻌد ﻣﻊ ﻋﺑد
اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض وﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،وأﺣﻣد ﯾوﺳف ،ورﺷﯾد ﺑن ﻣﺎﻟك ،وﻋﺑد اﻟﻘﺎدر ﻓﯾدوح ،واﻟﺳﻌﯾد
ﺑوطﺎﺟﯾن .....وﻏﯾرﻫم ﻣن اﻟﻧﻘﺎد اﻟذﯾن اﺟﺗﻬدوا ﻓﻲ ﻣﻘﺎرﺑﺎﺗﻬم ﻟﻠﻛﺷف ﻋن ﺟﻣﺎﻟﯾﺎت اﻟﻧﺻوص
اﻷدﺑﯾﺔ وﻣﻛﻧوﻧﺎﺗﻬﺎ وﻣﺣﺎوﻟﺔ اﻻرﺗﻘﺎء ﺑﺎﻷداء اﻷدﺑﻲ واﻹﺑداﻋﻲ ﻟﻸدﺑﺎء اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ،وﻣﺳﺎﯾرة
اﻟﺗطور اﻟﺳرﯾﻊ واﻟﻣذﻫل اﻟذي ﻋرﻓﻪ اﻟﻧﻘد ﻧﺗﯾﺟﺔ ﺑروز ﻣﻔﺎﻫﯾم ﺟدﯾدة ﻓﻲ ﺻورة ﻣﻧﺎﻫﺞ ﻧﻘدﯾﺔ
ﻣﻌﺎﺻرة.
وﻗد ﻋرﻓت اﻟﻣﻣﺎرﺳﺎت اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﺟﻣﻠﺔ ﻣن اﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺎت ﻧﺗﯾﺟﺔ
اﻻﻧﻔﺗﺎح ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧﺟز اﻟﻧﻘدي اﻟﻐرﺑﻲ ،ﻣن أﺑرزﻫﺎ إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ ٕواﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻧﻘدي
وﻋﻘﺑﺎت وﺻﻌوﺑﺎت ﻓﻲ ﺗطﺑﯾق اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ،وﻟﻌل إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ ﺗﺄﺗﻲ ﻋﻠﻰ
رأس ﻫذﻩ اﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺎت ،وﻫذا ﻣﺎ ﺳﻧﺣﺎول ﻣﻌﺎﻟﺟﺗﻪ ﻓﻲ دراﺳﺗﻧﺎ ﻫذﻩ اﻟﻣوﺳوﻣﺔ ﺑ ـ ـ " إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ
اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر" ،وذﻟك ﻋﺑر اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋن اﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﺗﺎﻟﯾﺔ:
ب
ﻣﻘﺪﻣﺔ
ﻛﯾف ﻛﺎن ﺗﻠﻘﻲ اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﺟزاﺋري ﻟﻠﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ؟ وﻛﯾف ﻛﺎن
أن
ﺗﻌﺎﻣل اﻟﻧﻘﺎد ﻣﻊ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻘدي ،وﻫل ﯾﺧﺗﺎر اﻟﻧﺎﻗد ﻣﻧﻬﺟﺎ ﻟﺗطﺑﯾﻘﻪ ﻋﻠﻰ اﻹﺑداع اﻷدﺑﻲ؟ أم ّ
اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ ﻫو ﻣن ﯾﻔرض اﻟﻣﻧﻬﺞ؟ وﻫل ﺗواﻓﻘت اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﺑﻛل ﺧﻠﻔﯾﺎﺗﻬﺎ
اﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ واﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ ﻣﻊ ﺧﺻوﺻﯾﺔ اﻟﻧص اﻟﺟزاﺋري؟ وﻣﺎ ﻫﻲ أﺑرز اﻟﻌﻘﺑﺎت اﻟﺗﻲ واﺟﻬت ﻋﻣﻠﯾﺔ
ﺗطﺑﯾق ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ ﻋﻠﻰ اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ اﻟﺟزاﺋري؟ وﻫل ﻧﺟﺢ اﻟﻧﻘﺎد اﻟﺟزاﺋرﯾون ﻓﻲ ﻣﻘﺎرﺑﺔ
اﻟﻧﺻوص اﻹﺑداﻋﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ اﻧطﻼﻗﺎ ﻣن اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة؟
وﻟﻺﺟﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻟﺗﺳﺎؤﻻت ٕواﺛﺎرﺗﻬﺎ اﺧﺗرﻧﺎ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟوﺻﻔﻲ اﻟﺗﺣﻠﯾﻠﻲ اﻟذي ﯾﺗﻧﺎﺳب
ﻣﻊ طﺑﯾﻌﺔ اﻟدراﺳﺔ ،وﻗد اﺳﺗﻌﻧﺎ ﺑﺎﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ أﺣﯾﺎﻧﺎ ﻻﺳﺗﻌ ارض ﻣراﺣل اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ
وﻟﻘد ﻛﺎﻧت اﻟرﻏﺑﺔ اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ وﺣب اﻟﺑﺣث ﻓﻲ ﻣﺟﺎل اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري ﻫو داﻓﻌﻧﺎ اﻟذاﺗﻲ ﻓﻲ
اﺧﺗﯾﺎر ﻣوﺿوع اﻟدراﺳﺔ ،أﻣﺎ اﻟداﻓﻊ اﻟﻣوﺿوﻋﻲ ﻓﻬو ﻣﺎ ﯾﻌﺎﻧﯾﻪ اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري ﺟراء اﻻﻧﻔﺗﺎح
ﻋﻠﻰ اﻟﻐرب وذﻟك اﻻﻟﺗﺑﺎس اﻟﻛﺑﯾر اﻟذي ﻧﺗﺞ ﻋن ﺗطﺑﯾق اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﻋﻠﻰ
اﻟﻣﻧﺟز اﻷدﺑﻲ اﻟﺟزاﺋري ،وﻣﺣﺎوﻟﺔ ﻣﻧﺎ ﻟﻠﻣﺳﺎﻫﻣﺔ ﻓﻲ إﺛراء اﻟدراﺳﺎت ﻓﻲ ﻣﺟﺎل اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري
اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ﺧﺎﺻﺔ أﻧﻬﺎ ﺗﻌرف ﻓﻘر ﺷدﯾد ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻟﺟﺔ ﻫذﻩ اﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺎت اﻟﺗﻲ أﺿﺣﻰ ﯾﺗﺧﺑط ﻓﯾﻬﺎ
اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ﻻﺳﯾﻣﺎ اﻟﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻣﻧﻬﺞ واﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻧﻘدي.
وﻣن أﺟل اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋن اﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺎت اﻟﻣذﻛورة أﻋﻼﻩ ،ﻗﻣﻧﺎ ﺑﺗﻘﺳﯾم اﻟدراﺳﺔ إﻟﻰ ﻣﻘدﻣﺔ
وﻣدﺧل وﺑﺎﺑﯾن ﻛل ﺑﺎب ﯾﺗﺿﻣن ﻓﺻﻠﯾن ،وﻓﻲ اﻷﺧﯾر ﺧﺎﺗﻣﺔ ﻟﺧﺻت ﻧﺗﺎﺋﺞ اﻟدراﺳﺔ ،ﻓﻔﻲ
اﻟﻣدﺧل ﺣﺎوﻟت ﺗوﺿﯾﺢ ﺑﻌض اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم ،ﺑداﯾﺔ ﻣن ﺿﺑط ﻣﻔﻬوم اﻟﻣﻧﻬﺞ ،ﺛم ﺗﺣدﯾد اﻟﻔروﻗﺎت
اﻻﺻطﻼﺣﯾﺔ ﺑﯾن اﻟﻣﻧﻬﺞ وﻣﺻطﻠﺣﺎت ﻣﺷﺎﺑﻬﺔ ﻋﻠﻰ ﻏرار اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ واﻟﻧظرﯾﺔ ،ﺛم ﺑﯾﺎن اﻟﻔرق
ﺑﯾن اﻟﻣﻧﻬﺞ ﺑﯾن اﻟﻌﻠم واﻟﻧﻘد.
وﻓﻲ اﻟﺑﺎب اﻷول ﻓﻘد ﺗﻧﺎوﻟﻧﺎ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺳﯾﺎﻗﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري ،وﻗﺳﻣﻧﺎﻩ إﻟﻰ ﻓﺻﻠﯾن
ﺧﺻﺻﻧﺎ اﻟﻔﺻل اﻷول ﻟﻠﺗﺄﺻﯾل واﻟﺗﺄﺳﯾس ﻟﻠﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري واﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻣﺻروف ﻟﺗﻠﻘﻲ
اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري ﻟﻠﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺳﯾﺎﻗﯾﺔ ﻣﻣﺛﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ واﻟﻣﻧﻬﺞ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ واﻟﻣﻧﻬﺞ
اﻟﻧﻔﺳﻲ اﻟذي ﻛﺎن ﺣﺿورﻩ ﻣﺣدود ﺟدا ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري ،ﻛﻣﺎ ﺣﺎوﻟﻧﺎ ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻔﺻل ﺗﺣدﯾد
ت
ﻣﻘﺪﻣﺔ
اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم واﻷﺳس اﻟﺗﻲ ﺗﻘوم ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ وأﺑرز اﻻﻧﺗﻘﺎدات اﻟﻣوﺟﻬﺔ إﻟﯾﻬﺎ ،أﻣﺎ اﻟﺑﺎب
اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻓﺧﺻص ﻟﻠﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﺳﻘﯾﺔ ٕواﺷﻛﺎﻻﺗﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ﻓﺟﺎء اﻟﻔﺻل اﻷول
ﻟﺗﻠﻘﻲ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻧﺳﻘﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ﻓﻘد ﺧﺻص ﻟﻠﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﺻﯾﺔ
اﻟﻣﻌروﻓﺔ وﻫﻲ اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ واﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ واﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ،وﻗد ﺗطرﻗﻧﺎ إﻟﻰ أﺑرز اﻷﺳس اﻟﺗﻲ ﺗﻘوم ﻋﻠﯾﻬﺎ
ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ وأﺑرز ﻣﻧظرﯾﻬﺎ وروادﻫﺎ وﺣﺿورﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ ﻗﺑل اﻟﺗطرق إﻟﻰ ﺗﺟرﺑﺔ
اﻟﻧﻘﺎد اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ﻣن ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻘﺎرﺑﺔ اﻷﻋﻣﺎل اﻻﺑداﻋﯾﺔ ،أﻣﺎ اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻓﻘد ﺗﻧﺎول
ﻋواﺋق ٕواﺷﻛﺎﻟﯾﺎت ﺗطﺑﯾق اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر.
أﻣﺎ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻸﻫداف اﻟﻣﺗوﺧﺎة ﻣن اﻟدراﺳﺔ ﻓﯾﻣﻛن ﺗﺣدﯾد أﺑرزﻫﺎ ﻓﯾﻣﺎ ﯾﻠﻲ:
ﻣر ﺑﻬﺎ.
-ﻛﺷف ﻣﺳﺎر اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺟزاﺋري ،ﻣن ﺧﻼل ﺗﺗﺑﻊ اﻟﻣراﺣل واﻟﺗطورات اﻟﺗﻲ ّ
-ﺗﺣدﯾد اﻟﻌواﺋق واﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺎت اﻟﺗﻲ واﺟﻬت اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر.
-اﻟﺗﻌرف ﻋﻠﻰ ﻣدى ﻧﺟﺎح اﻟﻧﻘﺎد اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ﻓﻲ ﺗطﺑﯾق ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر وﻣدى
ﻣﺳﺎﯾرة اﻹﺑداع اﻟﺟزاﺋري.
-ﺗﺣدﯾد إﺷﻛﺎﻟﯾﺎت اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﻓﻲ اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر
واﻟﺗﻌرف ﻋﻠﻰ أﺳﺑﺎﺑﻬﺎ.
-ﻛﯾﻔﯾﺔ ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺟزاﺋري ﻟﻠﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﻧظرﯾﺎ وﺗطﺑﯾﻘﯾﺎ.
وﻗد واﺟﻬﺗﻧﺎ ﻓﻲ دراﺳﺗﻧﺎ ﺟﻣﻠﺔ ﻣن اﻟﺻﻌوﺑﺎت واﻟﻌواﺋق ﯾﻣﻛن ﺗﻠﺧﯾﺻﻬﺎ ﻓﯾﻣﺎ ﯾﻠﻲ:
-ﺷﻣوﻟﯾﺔ اﻟﻣوﺿوع واﺗﺳﺎع اﻟﻣدوﻧﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ .
-ﻗﻠﺔ اﻟﻣﺻﺎدر واﻟﻣراﺟﻊ وﺻﻌوﺑﺔ اﻟوﺻول إﻟﯾﻬﺎ ،ﻟﻘﻠﺔ اﻟدراﺳﺎت اﻟﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻣوﺿوع ،وﺧﺎﺻﺔ
اﻟﻣﺟﻼت واﻟﺟراﺋد ﻹﻫﻣﺎﻟﻬﺎ وﻓﻘداﻧﻬﺎ.
-ﻣﺷﻘﺔ اﻟﺳﻔر ﻣن أﺟل ﺟﻣﻊ اﻟﻣﺎدة اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ،داﺧل اﻟﺟزاﺋر وﺧﺎرﺟﻬﺎ ،إذ ﺣﺎﻟﻔﻧﻲ اﻟﺣظ ﻓﻲ
اﻟﺗﻧﻘل ﻣرﺗﯾن إﻟﻰ ﺟﻣﻬورﯾﺔ ﻣﺻر اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﺟﻣﻊ اﻟﻣﺎدة اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ،ﺗﺻﺎدﻓت اﻟزﯾﺎرة اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻣﻊ
ﻣﻌرض اﻟﻘﺎﻫرة اﻟدوﻟﻲ.
ث
ﻣﻘﺪﻣﺔ
وﻗد ﺗطرﻗت اﻟدراﺳﺔ إﻟﻰ ﻣؤﻟﻔﺎت اﻟﻧﻘﺎد اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ،ﯾﺄﺗﻲ ﻋﻠﻰ رأﺳﻬﺎ ﻣؤﻟﻔﺎت أﺑو اﻟﻘﺎﺳم
ﺳﻌد اﷲ ،وﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض وﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،وﻣﺣﻣد ﻣﺻﺎﯾف ،وﻋﺑد اﷲ اﻟرﻛﯾﺑﻲ ،وﻋﻣﺎر
زﻋﻣوش وﻋﻣﺎر ﺑن زاﯾد وﻣﺣﻣد ﻧﺎﺻر واﺑراﻫﯾم رﻣﺎﻧﻲ ،ﻣﺣﻣد اﻟﺻﺎﻟﺢ ﺧرﻓﻲ ،وﺑﺷﯾر ﺗﺎورﯾت
وﻋﺑد اﻟﻘﺎدر ﺷرﺷﺎر ،وﻋﺑد اﻟﺣﻣﯾد ﺑوراﯾو ،وﻣﺧﻠوف ﻋﺎﻣر ،وﻏﯾرﻫم ﻣن اﻟﻧﻘﺎد اﻟذﯾن ﺗرﻛوا
أﻋﻣﺎل ﺧﺎﻟدة ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري ﺣﺎوﻟت اﻟرﻗﻲ ﺑﻪ وﺣﺟز ﻣﻛﺎن ﻟﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺳﺎﺣﺔ اﻟﻣﻐرﺑﯾﺔ
واﻟﻌرﺑﯾﺔ.
وﺧﺗﻣت اﻷطروﺣﺔ ﺑﺧﺎﺗﻣﺔ ﻟﺧﺻت أﺑرز ﻧﺗﺎﺋﺞ اﻟدراﺳﺔ اﻟﺗﻲ ﺗم اﻟﺗوﺻل إﻟﯾﻬﺎ ﻓﻲ
ﻣﺧﺗﻠف ﻓﺻول اﻟدراﺳﺔ ،وﻟﻘد ﺷﻛل اﺗﺳﺎع اﻟﻣدوﻧﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ،واﻟﻛم اﻟﻛﺑﯾر ﻓﻲ اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت
اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻋﻘﺑﺔ ﻛﺑﯾرة ﻧﺎﺗﺟﺔ ﻋن ﺗﻌدد اﻷﺟﻬزة اﻟﻣﺻطﻠﺣﯾﺔ ﻟﻠﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ،وﻣﺎ ﯾﺷوﺑﻬﺎ ﻣن
ﺗداﺧل ﻣﻔﺎﻫﯾﻣﻬﺎ ،وﺗﻌدد ﺗرﺟﻣﺔ ﻣﺻطﻠﺣﺎﺗﻬﺎ ،وﻣﺎ وﻟدﻩ ﻟدى اﻟدارﺳﯾن ﻣن اﺧﺗﻼﻓﺎت ،وﻫو ﻣﺎ
ﯾﺗطﻠب ﻣن روﯾﺔ وﺻﺑر ٕواﻋﻣﺎل اﻟﻔﻛر ،وطول اﻟﺑﺣث ،ﻟوﻻ ﺗوﺟﯾﻬﺎت اﻟﻣﺷرف ،ورﺣﺎﺑﺔ ﺻدرﻩ
وﺳﻌﺔ ﺻﺑرﻩ ،ﻓﻠﻠدﻛﺗور ﻣﺳﻌود ﻋﺑد اﻟوﻫﺎب واﻓر اﻟﺷﻛر ،وﻣوﺻول اﻟﺛﻧﺎء ،اﻟذي ﯾﻌود ﻟﻪ
اﻟﻔﺿل ﻛﻠﻪ ﺑﻌد اﷲ ﺳﺑﺣﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﻟﻰ ،ﻓﻲ إﺧراج ﻫذا اﻟﺑﺣث ﻣن ﻋﺗﻣﺔ اﻟﻧﺳﯾﺎن إﻟﻰ ﻧور اﻟوﺟود
ﻓﻌﺳﻰ أن ﯾﻛون ﻫذا اﻟﻌﻣل ﻧﺎﻓﻌﺎ وﻣﻔﯾدا ﻓﻲ ﻣﺟﺎل اﻟدراﺳﺎت ﻓﻲ ﻣﺟﺎل اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ
اﻟﻣﻌﺎﺻرة ،وﻧﺳﺄل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ أن ﯾﻌﻠﻣﻧﺎ ﻣﺎ ﯾﻧﻔﻌﻧﺎ وﯾﻧﻔﻌﻧﺎ ﺑﻣﺎ ﻋﻠﻣﻧﺎ.
ج
ﻣﻘﺪﻣﺔ
ح
ﺍﳌﺪﺧــــــﻞ
اﻟﻣدﺧل
اﻟﻣدﺧل
أوﻻ :ﻣﻔﻬوم اﻟﻣﻧﻬﺞ
-1اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻟﻐﺔ :
ﻛﻠﻣﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻣﺷﺗﻘﺔ ﻣن اﻟﻔﻌل " َﻧﻬَ َﺞ " اﻟذي ورد ﻓﻲ اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻟﻣﻌﺎﺟم اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،ﻓﻘد
ﺟﺎء ﻓﻲ ﻟﺳﺎن اﻟﻌرب ﻻﺑن ﻣﻧظور أن ﻛﻠﻣﺔ " َﻧ ْﻬ ٌﺞ " ﺑﺗﺳﻛﯾن اﻟﻬﺎء ﻫو اﻟطرﯾق اﻟﺑﯾن اﻟواﺿﺢ
وﻣ ْﻧﻬَ ٌﺞ ،اﻟطرﯾق وﺿﺣﻪ ،واﻟﻣﻧﻬﺎج
ﻛﻧ ْﻬ ٌﺞ َ
وﻧﻬُو ٌج وﺳﺑﯾل َﻣ ْﻧﻬَ ٌﺞ َ
وﻧ ْﻬ ٌﺞ ُ
ﺎتَ ،
...واﻟﺟﻣﻊ َﻧ َﻬ َﺟ ٌ
ﺎﺟﺎ ِ ِ ِ ِ
" ،1وﻓﻲ ﺣدﯾث ﻛﺎﻟﻣﻧﻬﺞ ،وﻓﻲ ﻛﺗﺎب اﷲ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ":ﻟ ُﻜ ﱟﻞ َﺟ َﻌﻠْﻨَﺎ ﻣ ْﻨ ُﻜ ْﻢ ﺷ ْﺮ َﻋﺔً َوﻣ ْﻨـ َﻬ ً
اﻟﻌﺑﺎس رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ" ﻟم ﯾﻣت رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،ﺣﺗﻰ ﺗرﻛﻛم ﻋﻠﻰ طرﯾق
ﻧﺎﻫﺟﺔ واﺿﺣﺔ ﺑﯾﻧﺔ".2
أﻣﺎ اﺑن ﻛﺛﯾر ﻓﯾﻔﺳرﻩ ﺑﺄﻧﻪ » اﻟطرﯾق اﻟواﺿﺢ اﻟﺳﻬل ،واﻟﺳﻧن اﻟطراﺋق« ،4ﻛذﻟك ﯾﻔﺳرﻩ
اﻟﻔﺧر اﻟرازي ﺑﺄﻧﻪ » اﻟطرﯾق اﻟواﺿﺢ « ،ﻣﺿﯾﻔﺎ » :ﻗﺎل ﺑﻌﺿﻬم اﻟﺷرﻋﺔ واﻟﻣﻧﻬﺎج ﻋﺑﺎرﺗﺎن
ﻋن ﻣﻌﻧﻰ واﺣد ،واﻟﺗﻛرﯾر ﻟﻠﺗﺄﻛﯾد واﻟﻣراد ﺑﻬﻣﺎ اﻟدﯾن ،وﻗﺎل آﺧرون ﺑﯾﻧﻬﻣﺎ ﻓرق ،ﻓﺎﻟﺷرﻋﺔ
ﻋﺑﺎرة ﻋن ﻣطﻠق اﻟﺷرﯾﻌﺔ ،واﻟطرﯾﻘﺔ ﻋﺑﺎرة ﻋن ﻣﻛﺎرم اﻟﺷرﯾﻌﺔ ،وﻫﻲ اﻟﻣراد ﺑﺎﻟﻣﻧﻬﺎج
7
اﻟﻣدﺧل
ﻓﺎﻟﺷرﯾﻌﺔ أول واﻟطرﯾﻘﺔ آﺧر ،وﻗﺎل اﻟﻣﺑرد اﻟﺷرﯾﻌﺔ اﺑﺗداء اﻟطرﯾﻘﺔ ،واﻟطرﯾﻘﺔ اﻟﻣﻧﻬﺎج اﻟﻣﺳﺗﻣر
وﻫذا ﺗﻘرﯾر ﻣﺎ ﻗﻠﻧﺎ.1«...
أﻣﺎ اﻟﻣﻌﺟم اﻟوﺳﯾط ﻓﻘد ﺟﺎء اﻟﻔﻌل "َﻧﻬَ َﺞ" اﻟطرﯾق َﻧ َﻬﺟﺎ ،وُﻧﻬُوﺟﺎ ،وﺿﺢ واﺳﺗﺑﺎن وﯾﻘﺎل
ﻧﻬﺞ أﻣرﻩ ،واﻟﻣﻧﻬﺎج اﻟطرﯾق اﻟواﺿﺢ واﻟﺧطﺔ اﻟﻣرﺳوﻣﺔ وﻣﻧﻪ ﻣﻧﻬﺎج اﻟدراﺳﺔ وﻣﻧﻬﺎج اﻟﺗﻌﻠﯾم
اﻟﻣ ْﻧﻬَﺞ :اﻟﻣﻧﻬﺎج ،ﺟﻣﻊ ﻣﻧﻬﺎج".2
وﻧﺣوﻫﻣﺎ َ ...
وﻓﻲ أﺳﺎس اﻟﺑﻼﻏﺔ » أﺧذ اﻟﻧﻬﺞ واﻟﻣﻧﻬﺞ واﻟﻣﻧﻬﺎج ،وطرﯾق ﻧﻬﺞ وطرق ﻧﻬﺟﺔ
وﻧﻬﺟت اﻟطرﯾق ﺑﯾﻧﺗﻪ ،واﻧﺗﻬﺟﺗﻪ اﺳﺗﺑﻧﺗﻪ وﻧﻬﺞ اﻟطرﯾق وأﻧﻬﺞ :وﺿﺢ ،ﻗﺎل ﯾزﯾد ﺑن ﺣذاق
اﻟﺷﻧﻲ »:وﻟﻘد أﺿﺎء ﻟك اﻟطرﯾق وأﻧﻬﺟت ﻣﻧﻪ اﻟﻣﺳﺎﻟك واﻟﻬدى ﯾﻌدي«.3
ﻛذﻟك وردت ﻟﻔظﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻓﻲ ﻣﻌﺟم ﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻷدب ﻟﻣﺟدي وﻫﺑﺔ ،اﻟذي ﻋرﻓﻬﺎ ﻛﻣﺎ
ﯾﻠﻲ»:طرﯾﻘﺔ اﻟﻔﺣص أو اﻟﺑﺣث ﻋن اﻟﻣﻌرﻓﺔ ،...وﺳﯾﻠﺔ ﻣﺣددة ﺗوﺻل إﻟﻰ ﻏﺎﯾﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ«.4
إن ﻣﺎ ﺳﺑق ﻣن ﺗﻌرﯾﻔﺎت ﻟﻐوﯾﺔ ﻟﻛﻠﻣﺔ " ﻣﻧﻬﺞ " ﻓﻲ ﻋدﯾد اﻟﻣﻌﺎﺟم اﻟﻣذﻛورة ،رﻛزت ﻋﻠﻰ
ﺟﻣﻠﺔ اﻟدﻻﻻت اﻟﺗﻲ ﺗﺗﻌﻠق ﺑﻣﺻطﻠﺢ "اﻟﻣﻧﻬﺞ" ،ﺗﺗﻣﺛل ﻓﻲ اﻟﻧﻘﺎط اﻟﺗﺎﻟﯾﺔ :
أن اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻫو اﻟطرﯾق اﻟواﺿﺢ اﻟﺑﯾن اﻟذي ﻻ ﯾﺷوﺑﻪ اﻟﻐﻣوض ،أو اﻟطرﯾق اﻟﻣﺳﺗﻘﯾم
اﻟذي ﯾﺳﻠﻛﻪ ﻛل ﻣن أراد اﻟوﺻول إﻟﻰ اﻟﻬدف ،أو اﻟﻧﺟﺎة ﻛﻣﺎ ورد ﻓﻲ اﻟﻘرآن اﻟﻛرﯾم
واﻟﺣدﯾث اﻟﺷرﯾف.
ﯾﻘوم اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻋﻠﻰ ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﻣﺑﺎدئ واﻟﻘواﻧﯾن اﻟﺗﻲ ﯾﺳﺗﻌﺎن ﺑﻬﺎ ﻟﻠوﺻل إﻟﻰ
اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ.
-1ﻓﺧر اﻟدﯾن اﻟرازي ،ﺗﻔﺳﯾر اﻟﻔﺧر اﻟرازي اﻟﻣﺷﺗﻬر ﺑﺎﻟﺗﻔﺳﯾر اﻟﻛﺑﯾر وﻣﻔﺎﺗﯾﺢ اﻟﻐﯾب ،ط ،3دار اﻟﻔﻛر ،اﻟﻣﺟﻠد ، 6ج
،12ﺑﯾروت ، 1985ص13
-2إﺑراﻫﯾم ﻣﺻطﻔﻰ وآﺧرون ،اﻟﻣﻌﺟم اﻟوﺳﯾط ،دار اﻟﻌودة ،ﻣﺻر ،ط ،1972 ، 2ص .957
-3اﻟزﻣﺧﺷري ،أﺳﺎس اﻟﺑﻼﻏﺔ ،ﺗﺣﻘﯾق ﻋﺑد اﻟرﺣﯾم ﻣﺣﻣود ،دار اﻟﻣﻌرﻓﺔ ،ﺑﯾروت ،د ط ،د ت ،ص .474
-4ﻣﺟدي وﻫﺑﺔ ،ﻣﻌﺟم ﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻷدب ،اﻧﺟﻠﯾزي /ﻓرﻧﺳﻲ /ﻋرﺑﻲ ،ﻣﻛﺗﺑﺔ ﻟﺑﻧﺎن ،د ط ، 1994 ،ص.569
8
اﻟﻣدﺧل
إن ﺟﻣﻠﺔ اﻟﺗﻌرﯾﻔﺎت اﻟﻠﻐوﯾﺔ اﻟﻣذﻛورة ﻛﺷﻔت ﻛﺛﯾ ار ﻣن اﻟﻠﺑس واﻟﻐﻣوض ﻟﻣﺻطﻠﺢ
"اﻟﻣﻧﻬﺞ" ،ﺣﯾث ﺟﻌﻠﺗﻪ اﻟطرﯾق أو اﻷﺳﻠوب اﻟذي ﯾؤدي إﻟﻰ اﻟﻛﺷف ﻋن اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ،ﻟﻛن
ﻻﺣﺗواء ﻫذا اﻟﻣﻔﻬوم أﻛﺛر ﻛﺎن ﻻﺑد ﻣن اﻟﺑﺣث ﻓﻲ اﻟﻣﻔﻬوم اﻻﺻطﻼﺣﻲ اﻟذي ﺳﯾﺿﯾف
ﻟﻧﺎ اﻟﻛﺛﯾر ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟدراﺳﺔ.
ﯾﻌرف »ﻋﺑد اﻟرﺣﻣﺎن ﺑدوي« اﻟﻣﻧﻬﺞ ﺑﻘوﻟﻪ »:اﻟطرﯾق اﻟﻣؤدي ﻟﻠﻛﺷف ﻋن اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﻓﻲ
اﻟﻌﻠوم ﺑواﺳطﺔ طﺎﺋﻔﺔ ﻣن اﻟﻘواﻋد اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻬﯾﻣن ﻋﻠﻰ ﺳﯾر اﻟﻌﻘل وﺗﺣدد ﻋﻣﻠﯾﺎﺗﻪ ﺣﺗﻰ
ﯾﺻل إﻟﻰ ﻧﺗﯾﺟﺔ ﻣﻌﻠوﻣﺔ « ، 1أو ّأﻧﻪ »اﻟﺗرﺗﯾب اﻟﺻﺎﺋب ﻟﻠﻌﻣﻠﯾﺎت اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻧﻘوم ﺑﻬﺎ
ﺑﺻدد اﻟﻛﺷف ﻋن اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ واﻟﺑرﻫﻧﺔ ﻋﻠﯾﻬﺎ «، 2أو ﻫو» طرﯾﻘﺔ ﯾﺻل ﺑﻬﺎ اﻹﻧﺳﺎن إﻟﻰ
اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ...ﻟﻘد وﺟد اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ اﻟﻣﻧﻬﺞ أﻧﻪ ﯾﯾﺳر ﻋﻠﯾﻪ طرﯾﻘﺔ اﻟﻣﻌرﻓﺔ ،وﯾوﻓر ﻟﻪ اﻟﺟﻬد
واﻟﻌﻧﺎء ،وﻛﻠﻣﺎ ﺗﻘدﻣت اﻟﺣﺿﺎرة وازدﻫرت ،وﻛﻠﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﻌﻠم ،ﻛﺎﻧت اﻟﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻟﻣﻧﻬﺞ
أﺷد«.3
-1ﻋﺑد اﻟرﺣﻣﺎن ﺑدوي ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺑﺣث اﻟﻌﻠﻣﻲ ،دار اﻟﻧﻬﺿﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،اﻟﻘﺎﻫرة ،د ط ، 1963 ،ص.5
-2ﻣﺣﻣد ﻣﺣﻣد ﻗﺎﺳم ،اﻟﻣدﺧل إﻟﻰ ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺑﺣث اﻟﻌﻠﻣﻲ ،دار اﻟﻧﻬﺿﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،ﺑﯾروت ،ط ،1999 ،1ص .52
-3ﺷﺎﻛر ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺑﺣث اﻟﻠﻐوي اﻟﺣدﯾث واﻟﻣﻌﺎﺻر ،ﻣﺟﻠﺔ اﻟﺧﻠدوﻧﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻠوم اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ،2005 ،ص.105
9
اﻟﻣدﺧل
أﺟﻣﻌت اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ ﻟﻠﻣﻧﻬﺞ ﻋﻠﻰ اﻻرﺗﺑﺎط اﻟواﺿﺢ ﺑﯾن اﻟﻣﻧﻬﺞ واﻟﻌﻠم ،إذ ﻻ ﯾﻣﻛن
ﺗﺣﻘﯾق أي ﺗطور ﻓﻲ اﻟﺑﺣث اﻟﻌﻠﻣﻲ دون اﻻﺳﺗﻌﺎﻧﺔ ﺑﺎﻟﻣﻧﻬﺞ ،ﻓﺗﻐﯾﯾب اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻋن اﻟﻌﻠم
ﺳﯾؤدي ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ إﻟﻰ اﻟﻔوﺿﻰ واﻷﺧطﺎء اﻟﻧﺎﺗﺟﺔ ﻋن اﻟﻌﺷواﺋﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺑﺣث ،ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر ﺷﻣول
اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻋﻠﻰ اﻟﻘواﻋد واﻟﻘواﻧﯾن اﻟﺗﻲ ﯾﺳﯾر ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻟﺑﺣث اﻟﻌﻠﻣﻲ ،وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﻻ ﺑد ﻣن اﻟﻌﻧﺎﯾﺔ
ﺑﺎﻟﻣﻧﻬﺞ واﺳﺗﺣﺿﺎرﻩ ﻓﻲ ﻛل ﺧطوة ﻣن ﺧطوات اﻟﺑﺣث »إن اﻟﻣﻌرﻓﺔ اﻟواﻋﯾﺔ ﺑﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺑﺣث
اﻟﻌﻠﻣﻲ ﺗﻣﻛن اﻟﻌﻠﻣﺎء ﻣن إﺗﻘﺎن اﻟﺑﺣث ،وﺗﻼﻓﻲ اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﺧطوات اﻟﻣﺗﻌﺛرة أو اﻟﺗﻲ ﻻ ﺗﻔﯾد
ﺷﯾﺋﺎ«.3
-1ﺗرﻛﻲ راﺑﺢ ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺑﺣث ﻓﻲ ﻋﻠوم اﻟﺗرﺑﯾﺔ وﻋﻠم اﻟﻧﻔس ،اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب ،اﻟﺟزاﺋر ،1984 ،ص .15
-2م .روﻧﺗﺎل – ب ﯾودﯾن ،اﻟﻣوﺳوﻋﺔ اﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ ،ﺗرﺟﻣﺔ ﺳﻣﯾر ﻛرم ،ط ، 5دار اﻟطﻠﯾﻌﺔ ،ﺑﯾروت ،1985 ،ص
.502
-3ﻋﺑد اﻟرﺣﻣﺎن ﺑدوي ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺑﺣث اﻟﻌﻠﻣﻲ ،ص .7
10
اﻟﻣدﺧل
اﻟطرﯾق أو اﻟﺳﺑﯾل أو اﻟﺗﻘﻧﯾﺔ اﻟﻣﺳﺗﺧدﻣﺔ ﻟﻌﻣل ﺷﻲء ﻣﺣدد أو اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ اﻹﺟراﺋﯾﺔ اﻟﻣﺗﺑﻌﺔ
ﻟﻠﺣﺻول ﻋﻠﻰ ﺷﻲء ﻣﺎ أو ﻣوﺿوع ﻣﺎ«.1
ﺗﻌرف ﻣوﺳوﻋﺔ " ﻻروس " ﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻣﻧﻬﺞ ﺑـ » طرﯾﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﻘول واﻟﻌﻣل ،واﻟﺗﻌﻠﯾم ﻓﻲ ﺷﻲء
ﻣﺎ وﻓﻘﺎ ﻟﻣﺑﺎدئ ﻣﻌﯾﻧﺔ ،...ﺗﻘﻧﯾﺔ ﻣﺗﺑﻌﺔ ﻟﻠوﺻل إﻟﻰ ﻧﺗﯾﺟﺔ ،...ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﻘواﻋد
واﻷﺳﺎﻟﯾب ﻟﺗﺣﻘﯾق اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ « ، 2أﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻣﻌﺎﺟم اﻹﻧﺟﻠﯾزﯾﺔ ﻓﺎﻟﻣﻧﻬﺞ ﻫو »:وﺳﯾﻠﺔ أوطرﯾﻘﺔ
ﻟﻺﺟراء ،طرﯾﻘﺔ ﻣﻧﺗظﻣﺔ وﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ﻟﺗﺣﻘﯾق ﺷﻲء ،...اﻟﺗرﺗﯾب اﻟﻣﻧظم ﻟﻸﺟزاء ،أو اﻟﺧطوات
ﻟﺗﺣﻘﯾق اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ «.3
ﻻ ﯾﺧﺗﻠف اﻟﻣﻌﺟم اﻟﻔرﻧﺳﻲ ﻋن اﻟﻣﻌﺟم اﻹﻧﺟﻠﯾزي ﻓﻲ اﻟﻣﻔﻬوم اﻟﻠﻐوي ﻟﻣﺻطﻠﺢ
اﻟﻣﻧﻬﺞ ،إذ ﯾﺗﻔﻘﺎن ﻓﻲ اﻋﺗﺑﺎرﻩ طرﯾﻘﺔ وأﺳﻠوﺑﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻣل ،أو ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﻘواﻋد واﻟﻘواﻧﯾن
اﻟﺗﻲ ﻧﺳﺗﻌﻣﻠﻬﺎ ﻟﻠوﺻول إﻟﻰ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ،ﻛﻣﺎ أﺿﺎف اﻟﺗﻌرﯾف اﻟﺛﺎﻟث ﺧﺎﺻﯾﺔ أﺧرى ﺗﺗﻣﺛل ﻓﻲ
اﻟﻧظﺎم وﻫو ﻋﻧﺻر ﻣﻬم ﻟﻌﻣﻠﯾﺔ اﻟﺑﺣث ﻋن اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ،ﻓﺄي ﻋﻣل أو ﺟﻬد ﻻ ﯾﻘوم ﻋﻠﻰ اﻟﻧظﺎم
ﯾﻌﺗﺑر ﺟﻬدا ﻋﺷواﺋﯾﺎ ﯾﺗﺳم ﺑﺎﻟﻔوﺿﻰ ﻻ ﯾﻘودﻧﺎ ﻟﻠﻛﺷف ﻋن اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﺗﻲ ﻧﺑﺣث ﻋﻧﻬﺎ ،وﻧﺗﯾﺟﺔ
ﻟﻬذا ﯾﺻﺑﺢ اﻟﻣﻧﻬﺞ ﺟﻣﻠﺔ ﻣن اﻟﻘواﻋد واﻟﻘواﻧﯾن اﻟﺗﻲ ﺗﺗﺣرك ﻓﻲ إطﺎر ﻣﻌﯾن.
ﻟﻘد ﻋرف اﻟﻐرب ﺗطو ار ﻛﺑﯾ ار ﻓﻲ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ ﻣﻧذ اﻟﻌﺻر اﻟﻬﯾﻠﯾﻧﻲ " اﻟﯾوﻧﺎن" ،ﻓﻣﻊ أﻓﻼطون
ﻋرف ﻣﻧﻬﺞ " اﻟﺣوار اﻟدﯾﺎﻟﻛﺗﯾﻛﻲ" ،4أو اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﺟدﻟﻲ اﻟذي ﯾﻘول ﻋﻧﻪ أﻓﻼطون » :إن
اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﺟدﻟﻲ إذن ﻫو اﻟوﺣﯾد اﻟذي ﯾرﺗﻔﻊ ﻣﺳﺗﺑﻌدا اﻟﻔرﺿﯾﺎت ،إﻟﻰ اﻟﻣﺑدأ ﻹﻗﺎﻣﺔ ﻧﺗﺎﺋﺟﻪ
ﺑﻣﺗﺎﻧﺔ ،واﻟذي ﯾﻧﺗزع ﺣﻘﺎ ﺷﯾﺋﺎ ﻓﺷﯾﺋﺎ ،ﻋﯾن اﻟروح ﻣن اﻟوﺣل اﻟﺧﺷن اﻟذي وﻗﻌت ﻓﯾﻪ وﯾرﻓﻌﻬﺎ
-1ﻓﺎﺿل ﺛﺎﻣر ،اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ واﻟﻧظرﯾﺔ واﻟﻣﺻطﻠﺢ ﻓﻲ اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺣدﯾث ،اﻟﻣرﻛز
اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ اﻟﻌرﺑﻲ ،ﺑﯾروت ،ط ، 1994 ، 1ص .218
2
- Dictionnaire encyclopédique Larousse , librairie Larousse, paris , édition 1979 , p 909.
3
-The American heritage , dictionary of English language, Houghton Mifflin company, Bston,
New York , fourth edition 2000, p 1105.
-4ﻫﺎﻧﻲ ﯾﺣﻲ ﻧﺻري ،دﻋوة ﻟﻠدﺧول ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ " أﻓﻼطون" ،ﻣﺟﻠﺔ اﻟﻣﻌرﻓﺔ ،ﻋدد ، 452أﯾﺎر ، 2001 ،
اﻟﻣﺟﻠس اﻟوطﻧﻲ ﻟﻠﺛﻘﺎﻓﺔ واﻟﻔﻧون واﻵداب ،اﻟﻛوﯾت ،ص.10
11
اﻟﻣدﺧل
إﻟﻰ اﻟﻣﻧطﻘﺔ اﻟﻌﺎﻟﯾﺔ ﻣﺗﺧذا ﻛﻣﻌﯾﻧﯾن وﻣﺳﺎﻋدﯾن ﻣن أﺟل ﻫذا اﻻﻫﺗداء اﻟﻔﻧون اﻟﺗﻲ أﺣﺻﯾﻧﺎﻫﺎ
وﻗد أﻋطﯾﻧﺎﻫﺎ ﻓﻲ ﻛل ﻣرة اﺳم اﻟﻌﻠوم ﻟﻧﻧﺻﺎع ﻟﻠﻌﺎدة 1« ...وﻣﻊ أرﺳطو ﻋرف ﻣﻧﻬﺞ
"اﻻﺳﺗﻘراء " ،2وﻗد ظل ﻫذا اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻣﺳﯾط ار إﻟﻰ اﻟﻘرن اﻟﺳﺎدس ﻋﺷر ،ﺣﺗﻰ ﺟﺎء "ﻓرﻧﺳﯾس
ﺑﯾﻛون" ﻣؤﺳس اﻟﻣﻧطق اﻟﺣدﯾث ،3ﺛم أﺗﻰ ﺑﻌد ذﻟك دﯾﻛﺎرت واﻟذي ﯾﻌﺗﺑر أول ﻣن ﺳﻠط اﻟﺿوء
ﻋﻠﻰ ﻗﺿﯾﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ ،ﺣﯾث ﺳﻌﻰ إﻟﻰ »إﻗﺎﻣﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻌﻠﻣﻲ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس اﻟﻌﻘل وﻟﯾس اﻟﺗﺟرﺑﺔ
أﺳﺎس اﻟﯾﻘﯾن ،وأن أﻓﻛﺎر ذﻟك اﻟﻌﻘل ﺗﺑﻠﻎ ﺣدا ﻣن اﻟوﺿوح ،واﻟﺑداﻫﺔ ﺗﻌﺟز ﻋن ﻣﻧﻌك ﻋن
اﻟﺷك ﻓﻲ ﺻدﻗﻬﺎ« ،4وﻗد ﻗﺿﻰ ﺣﯾﺎﺗﻪ ﻛﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﺑﺟﯾل اﻟﻌﻘل ،وذﻟك ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ "ﺧطﺎب اﻟﻣﻧﻬﺞ
" ،وﯾﺣﺻر ﻫذا اﻟﻔﯾﻠﺳوف ﻣﻧﻬﺟﻪ اﻟﻔﻛري واﻟﻌﻣﻠﻲ ﻓﻲ اﺳﺗﻌﻣﺎل اﻟﻌﻘل ﻓﻲ اﻟظواﻫر ،واﻟﺷك
ﻓﻲ ﻛل ﻣﺎ ﺟﺎء ﺑﻪ اﻟﺳﺎﺑﻘون ﺣوﻟﻬﺎ واﻟﺛﻘﺔ ﻓﯾﻣﺎ ﯾراﻩ ﻫو ﻧﻔﺳﻪ ﻣن ﺣق وﺑﺎطل ﻓﻲ اﻷﺷﯾﺎء
واﻟﻧﺎس و ﺗﺑدو ﺧطوات ﻣﻧﻬﺟﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺷﻛل اﻟﺗﺎﻟﻲ :5
" ﻻ ﯾﻣﻛن أن أﻗﺑل أي ﺷﻲء ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﺣﻘﯾﻘﺔ ﻣﺎ ﻟم أﻋرف ذﻟك ﺑﻧﻔﺳﻲ ،وﻓﻲ ﻫذا
أﺗﺟﻧب اﻟﻌﺟﻠﺔ واﻟﺗﺣﺎﻣل ،ﻛﻣﺎ ﻟن أﻓﻬم ﺷﯾﺋﺎ زاﺋدا ﻣن أﺣﻛﺎﻣﻲ إﻻ ﻣﺎ ﯾﺑدوا ﻣﻧﻬﺎ
واﺿﺣﺎ وﻣﺗﻣﯾ از ﻟﻌﻘﻠﻲ ﺑﺣﯾث ﻻ ﯾﺗﯾﺢ ﻟﻲ ﻓرﺻﺔ اﻟﺷك ﻓﯾﻪ .
ﺗﻘﺳﯾم ﻛل ﺻﻌوﺑﺔ ﻣن اﻟﺻﻌوﺑﺎت اﻟﺗﻲ أﻓﺣﺻﻬﺎ إﻟﻰ أﺟزاء ﺣﺗﻰ ﯾﻛون ﻣن اﻟﻣﻣﻛن
واﻟﺿروري ﺣﻠﻬﺎ ﺑطرﯾﻘﺔ أﻓﺿل.
-1ﻣﺣﻣد ﺳوﯾرﺗﻲ ،اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻘدي ﻣﻔﻬوﻣﻪ وأﺑﻌﺎدﻩ وﻗﺿﺎﯾﺎﻩ ،إﻓرﯾﻘﯾﺎ اﻟﺷرق ،اﻟﻣﻐرب ، 2015 ،ص.12
-2أرﺳطو ،ﻣﻧطق أرﺳطو ،ﺗﺣﻘﯾق ﻋﺑد اﻟرﺣﻣﺎن ﺑدوي ،ج ، 1ﻣﻛﺗﺑﺔ اﻟﻣطﺑوﻋﺎت ،اﻟﻛوﯾت ،دار اﻟﻘﻠم ،ﺑﯾروت ،ط 1
، 1980ص .275
-3رﺷﯾد اﻟﺣﺎج ﺻﺎﻟﺢ ،اﻻﺗﺟﺎﻫﺎت اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﻓﻲ ﺗﻔﺳﯾر طﺑﯾﻌﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻌﻠﻣﻲ ،ﻣﺟﻠﺔ اﻟﻣﻌرﻓﺔ ،ﻋدد ،459دﯾﺳﻣﺑر
،2001ص . 18
-4اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .16
-5ﻣﺣﻣد ﺳوﯾرﺗﻲ ،اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻘدي ﻣﻔﻬوﻣﻪ وأﺑﻌﺎدﻩ وﻗﺿﺎﯾﺎﻩ ،ص .23
12
اﻟﻣدﺧل
ﺳوق أﻓﻛﺎري ﺑﻧظﺎم ﻣﺑﺗدﺋﺎ ﺑﺎﻟﻣوﺿوﻋﺎت اﻷﺑﺳط وﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﻣﻌرﻓﺗﻬﺎ أﺳﻬل ،ﻟﻠﺻﻌود
ﺷﯾﺋﺎ ﻓﺷﯾﺋﺎ ﻛﻣﺎ ﻓﻲ اﻟدرﺟﺎت ﺣﺗﻰ ﻣﻌرﻓﺔ اﻟﻣوﺿوﻋﺎت اﻷﻛﺛر ﺗرﻛﯾﺑﺎ ،ﻣﻔﺗرﺿﺎ ﺣﺗﻰ
اﻟﻧظﺎم ﺑﯾن اﻟﻣوﺿوﻋﺎت ﻏﯾر اﻟﻣﺗﺗﺎﻟﯾﺔ أﺑدا ﺑﻌﺿﻬﺎ ﺑﻌﺿﺎ ﺑﺻﻔﺔ طﺑﯾﻌﯾﺔ.
وﺿﻊ ﻓﻲ ﻛل ﺷﻲء إﺣﺻﺎءات ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺟدإ ،واﻋﺎدة ﻧظر ﻋﺎﻣﺔ ﺟدا ﺣﺗﻰ أﺗﺄﻛد ﻣن
أﻧﻧﻲ ﻟم أﻏﻔل ﺷﯾﺋﺎ".
وﻣﻊ ﺣﻠول اﻟﻘرن اﻟﺗﺎﺳﻊ ﻋﺷر ﺳﯾطر اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻌﻠﻣﻲ ﻋﻠﻰ ﻛﺎﻓﺔ اﻟﻌﻠوم ﺑﻣﺎ ﻓﯾﻬﺎ اﻟﻌﻠوم
اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ،ﺣﯾث ﺗم ﺗطﺑﯾق اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻌﻠﻣﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺻوص اﻷدﺑﯾﺔ ﻣن طرف "ﺳﺎﻧت ﺑﯾف "
اﻟذي دﻋﻰ إﻟﻰ دراﺳﺔ » اﻟﺣﯾﺎة اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ ،...وآراﺋﻪ اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ وﻛل ﻣﺎ ﯾﺻب ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺳﻣﯾﻪ
وﻋﺎء اﻟﻛﺎﺗب اﻟذي ﻫو أﺳﺎس ﻣﺳﺑق ﻟﻔﻬم ﻣﺎ ﯾﻛﺗﺑﻪ ،وﻧﻘدﻩ« ،1ﺛم ﺟﺎء ﺗﻠﻣﯾذﻩ "ﻫﺑوﻟﯾت ﺗﯾن"
اﻟذي ﺣﺎول إﯾﺟﺎد ﻗواﻧﯾن ﻟﻸدب ﻣﺛﻠﻣﺎ ﻫو ﻣوﺟود ﻓﻲ اﻟﻌﻠوم اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ ،ﺣﯾث » وﺿﻊ اﻟظﺎﻫرة
اﻷدﺑﯾﺔ رﻫن ﻋواﻣل ﻣﺣددة ،ﻷن اﻷدﯾب ﺛﻣرة طﺑﯾﻌﯾﺔ ﻟﻌواﻣل ﺛﻼﺛﺔ :اﻟﺟﻧس
اﻟﻣﻛﺎن،اﻟزﻣﺎن«.2
ﻟﻛن ﺳرﻋﺎن ﻣﺎ أﻓﻠت اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ ﻣن ﻗﺑﺿﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻌﻠﻣﻲ ،ﻫذا اﻷﺧﯾر اﻟذي ﻟم
ﯾﺳﺗطﻊ اﺣﺗواء اﻟظﺎﻫرة اﻷدﺑﯾﺔ ،أو إﯾﺟﺎد ﻗﺎﻧون ﻋﺎم وﻧﻬﺎﺋﻲ ﻟﻬﺎ اﻧطﻼﻗﺎ ﻣن اﻋﺗﺑﺎرﻩ ظﺎﻫرة
ﺗﺎﻣﺔ وﻧﻬﺎﺋﯾﺔ وﻟﻛن ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻛس ﻣن ذﻟك اﻷدب ﻫو ظﺎﻫرة ﻓردﯾﺔ ذاﺗﯾﺔ ﺗﺧﺗﻠف ﻣن ﺷﺧص
إﻟﻰ آﺧر وﻣن زﻣن إﻟﻰ آﺧر ،وﻣن ﻫﻧﺎ » ﻻ ﯾﻣﻛن اﻻدﻋﺎء ﺑوﺟود ﻗﺎﻧون ﻋﺎم ﯾﺣﻘق ﻏرض
اﻟدراﺳﺔ اﻷدﺑﯾﺔ ،ﻓﻛﻠﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﻘﺎﻧون أﻛﺛر ﺷﻣوﻻ ﻛﺎن أﻛﺛر ﺗﺟرﯾدا ،وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﺑدا ﺧﺎوﯾﺎ ،أﻓﻠت
ﻣن أﯾدﯾﻧﺎ اﻟﻣوﺿوع اﻟﻌﯾﻧﻲ ﻟﻠﻌﻣل اﻟﻔﻧﻲ«.3
-1ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ،ﺟﺳور ﻟﻠﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ ،اﻟﺟزاﺋر ،ط ،2007 ،1ص.17
-2ﻛﻣﺎل ﻧﺷﺄت ،اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺣدﯾث ﻓﻲ ﻣﺻر ﻧﺷﺄﺗﻪ واﺗﺟﺎﻫﺎﺗﻪ ،ﻣﻌﻬد اﻟﺑﺣوث واﻟدراﺳﺎت ،ﺑﻐداد ،د ط ، 1983 ،
ص .52
-3روﻧﯾﻪ أوﻟﯾك ،أوﺳﺗﯾن وارﯾن ،ﻧظرﯾﺔ اﻷدب ،ﺗرﺟﻣﺔ ﻣﺣﻲ اﻟدﯾن ﺻﺑﺣﻲ ،اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻠﻧﺷر ،ﺑﯾروت ،د ط ،
، 1987ص .16
13
اﻟﻣدﺧل
ﻟﻘد ﻛﺎﻧت اﻟﺿرورة ﻣﻠﺣﺔ ﻟﻠﺑﺣث ﻋن ﻣﻧﻬﺞ ﻧﻘدي ﯾﻧﺎﺳب اﻟظﺎﻫرة اﻷدﺑﯾﺔ اﻧطﻼﻗﺎ ﻣن
ﻣوﺿوﻋﻬﺎ ،وﻫو اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ وﻣﺎ ﺗﻌﻠق ﺑﻪ ،ﺑﻌدﻣﺎ ﻋﺟزت اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ ﻓﻲ دراﺳﺔ
اﻟظﺎﻫرة اﻷدﺑﯾﺔ ،ﺑﻌﯾدا ﻋن اﻟﺑﺣث ﻋن اﻟﻘﺎﻧون اﻟﻌﺎم اﻟذي ﯾﺣﻛم اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ ﻓظﻬرت ﺗواﻟﯾﺎ
ﻟدى اﻟﻐرب ﺟﻣﻠﺔ ﻣن اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻛﺎن أوﻟﻬﺎ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺳﯾﺎﻗﯾﺔ ،ﻣﻧﻬﺎ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﺗﺄﺛري
واﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ ،واﻟﻧﻔﺳﻲ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ،واﻟﺗﻲ رﻛزت ﻋﻠﻰ اﻟﺳﯾﺎق وﻏﻔﻠت ﻋﻠﻰ اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ ،وﻣن
ﻫﻧﺎ ﻛﺎﻧت ﻧﻘطﺔ ﺿﻌﻔﻬﺎ ﻓوﺟﻬت ﻟﻬﺎ اﻧﺗﻘﺎدات ﻛﺑﯾرة وأدى ذﻟك إﻟﻰ ﺿرورة اﻟﺗﻔﻛﯾر ﻓﻲ ﻣﻧﻬﺞ
ﯾﺳﺗطﯾﻊ ﻓك ﻛﻧﻪ ﺷﯾﻔرة ﻫذا اﻟﻛﺎﺋن اﻷدﺑﻲ ﺧﺎرج ﺳﯾﺎﻗﻪ اﻟﺧﺎرﺟﻲ ،ﻓظﻬرت اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﺳﻘﯾﺔ
واﻟﺗﻲ اﺗﺟﻬت ﻧﺣو اﻟﻧص وﻋزﻟﺗﻪ ﻋن ﺳﯾﺎﻗﻪ اﻟﺧﺎرﺟﻲ ﺑداﯾﺔ ﻣن اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ واﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ واﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ
...اﻟﺦ.
ورﻏم ﻛل ﻫذا اﻟﺗطور ﻟدى اﻟﻐرب ﻓﻲ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ إﻻ أﻧﻪ ﻻ ﯾزال اﻟﺑﺣث ﺟﺎرﯾﺎ ﻋن
ﺻﯾﻐﺔ ﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ﺗﺳﺗطﯾﻊ اﺳﺗﻧطﺎق اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ ،وﻛﺷف ﺧﻔﺎﯾﺎﻩ ،رﻏم أن ﻫذا اﻷﺧﯾر ﻻ
ﯾزال ﺻﻌب اﻟﻣﻧﺎل ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ ﻣﻌﻠﻧﺎ ﻋﺻﯾﺎﻧﻪ ﻷدواﺗﻬﺎ اﻹﺟراﺋﯾﺔ اﻟﻣﺗﺎﺣﺔ .
14
اﻟﻣدﺧل
"ﻣﻌﺟم اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ واﻟﻔﻧﯾﺔ" ،اﻟذي أﺷﺎر إﻟﻰ ﻣﺻطﻠﺢ "ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺑﺣث" ﺑدل ﻣﺻطﻠﺢ
اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ،واﻟذي ﻗﺎﺑﻠﻪ ﺑﺎﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻷﺟﻧﺑﻲ " ،"Méthodologieوﻫﻲ ﻋﺑﺎرة ﻋن ﻛﻠﻣﺔ ﻣرﻛﺑﺔ
ﻣن ﻛﻠﻣﺗﯾن " "Méthodeأي ﻣﻧﻬﺞ وﻣن " "Logieوﻫﻲ ﻣﺄﺧوذة ﻣن اﻟﻛﻠﻣﺔ اﻹﻏرﯾﻘﯾﺔ ""Logs
ﻋﻠم ،واﻟﻣراد ﺑﻬﺎ اﻟدراﺳﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺣدد اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻌﺎﻣﺔ واﻟﺧﺎﺻﺔ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻟﻠﻌﻠوم ،وﻣن ﻫﻧﺎ ﻓﺈن
ﺗﻌرﯾف اﻟﻛﻠﻣﺔ ﯾؤﺧذ ﻣن ﺗرﻛﯾﺑﻬﺎ وﻫو"ﻋﻠم ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺑﺣث " ،1وﯾﺿﯾف "ﯾوﺳف ﺧﯾﺎط" ﺗﻌرﯾﻔﺎ
آﺧر ﻫو" ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺑﺣث Méthodologieﻗﺳم ﻣن أﻗﺳﺎم اﻟﻣﻧطق ﯾﺑﺣث ﻓﻲ ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻌﻠوم".2
وﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻣﻌﺟم "ﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻷدب" ﻓﻘد اﺳﺗﻌﻣل ﻛذﻟك ﻧﻔس اﻟﻣﺻطﻠﺢ وﻫو"ﻣﻧﺎﻫﺞ
اﻟﺑﺣث" وﯾﻘﺻد ﺑﻪ » ﻓرع ﻣن اﻟﻣﻧطق ﯾﻧﺻب ﻋﻠﻰ دراﺳﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ ﺑوﺟﻪ ﻋﺎم ،وﻋﻠﻰ دراﺳﺔ
اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻌﻠوم اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ«.3
أﻣﺎ »ﻋﺑد اﷲ اﻟﻌروي« ﻓﯾﻌرف اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ »ﻋﻠم ﻗﺎﺋم ﺑذاﺗﻪ ﯾﺄﺧذ اﻟطراﺋق
اﻟﻣﺗﺑﻌﺔ ﻓﻲ دراﺳﺔ اﻵداب واﻟﺗﺎرﯾﺦ واﻻﻗﺗﺻﺎد وﻋﻠم اﻟﻧﻔس ...إﻟﺦ ،ﻟﯾﻧظر ﻓﻲ أﺳﺳﻬﺎ اﻟﻌﺎﻣﺔ،
اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ دراﺳﺔ اﺳﺗﻘراﺋﯾﺔ ﺗﺻﻧﯾﻔﯾﺔ ﻣﺑﻧﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻘﺎرﻧﺔ « ،4ﻓﻌﺑد اﷲ اﻟﻌروي ﻟم ﯾﺧﺗﻠف ﻣﻊ
-1ﯾوﺳف ﺧﯾﺎط ،ﻣﻌﺟم اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﻔﻧﯾﺔ واﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ،ﻋرﺑﻲ /اﻧﺟﻠﯾزي /ﻓرﻧﺳﻲ /ﻻﺗﯾﻧﻲ ،دار ﻟﺳﺎن اﻟﻌرب ،د ت ،د ط
ص .253
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص.253
-3ﻣﺟدي وﻫﺑﺔ ،ﻣﻌﺟم ﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻷدب ،ص .318
-4ﻋﺑد اﷲ اﻟﻌروي ،اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ﻓﻲ اﻵداب واﻟﻌﻠوم اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ،دار ﺗوﺑﻘﺎل ﻟﻠﻧﺷر ،اﻟﻣﻐرب ،ط ، 1986 ، 1ص .9
15
اﻟﻣدﺧل
ﺳﺎﺑﻘﯾﻪ ﻓﻲ ﻣﻔﻬوﻣﻪ ﻟﻠﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻋﻠم ﯾدرس ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺑﺣث اﻟﻣﺗﺑﻌﺔ وﯾﻘﯾﻣﻬﺎ ،وﻣن ﺧﻼل ﻫذا
اﻟﺗﻌرﯾف ﯾظﻬر ﻟﻧﺎ ﺟﻠﯾﺎ اﻟﻔرق ﺑﯾن اﻟﻣﻧﻬﺞ واﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ اﻟﻣﺗﻣﺛل ﻓﻲ ﻛون اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻫو ﻣوﺿوع
دراﺳﺔ اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ.
أﻣﺎ "أﺣﻣد ﻋﻠﺑﻲ" ﻓﯾرى أن اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ " ﻣن اﺳﺗﻌﻣﺎﻻﺗﻧﺎ اﻟﺣدﯾﺛﺔ واﻟراﺋﺟﺔ ﻟﻠﻣﺻدر
اﻟﺻﻧﺎﻋﻲ ،ﻛﺄن ﻧﻘول ﻣﺛﻼ :ﺳﻠك ﺳﻠوﻛﺎ وﻣﺳﻠﻛﺎ ،وﻣﻧﻬﺎ اﻟﺳﻠوﻛﯾﺔ واﻟﻣﺳﻠﻛﯾﺔ "وﻋﻠﻰ ﻫذا
اﻷﺳﺎس ﺻﺎغ ﺗﻌرﯾﻔﻪ ﻟﻠﻣﻧﻬﺞ واﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ " :ﺑﻣﻌﻧﺎﻫﺎ اﻟﻣﺣدث ﻓﻲ ﻣﯾدان اﻟدراﺳﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﺑﺄﻧﻬﻣﺎ
اﻟطرﯾق اﻟواﺿﺢ اﻟذي ﻧﺳﻠﻛﻪ ﻣﺗﺳﻠﺣﯾن ﺑﺟﻣﻠﺔ ﻣن اﻟﻣﺑﺎدئ واﻟﺗﻘﻧﯾﺎت ،وذﻟك ﻟﺑﻠوغ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ
اﻟﺗﻲ ﻧﺗطﻠﻊ إﻟﻰ ﺗﺑﯾﺎﻧﻬﺎ واﻟوﺻول إﻟﯾﻬﺎ ".1
أﻣﺎ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﻐرب ﻓﻘد ورد ﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻌﺎﺟم اﻷﺟﻧﺑﯾﺔ ﺑﻧﻔس اﻟﻠﻔظ ،ﻓﻔﻲ
اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ ﻧﺟد ﻣﺻطﻠﺢ " ،"Méthodologieأﻣﺎ اﻹﻧﺟﻠﯾزﯾﺔ ﻓﻧﺟد " "Methodologyوﯾﻘﺻد
ﺑﻬﺎ »ﻗﺳم ﻣن ﻋﻠم اﻟﻣﻧطق ﯾدرس ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻌﻠوم اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ « 2ﻓﻲ اﻟﻣﻌﺟم اﻟﻔرﻧﺳﻲ ،أﻣﺎ ﻓﻲ
اﻟﻣﻌﺟم اﻹﻧﺟﻠﯾزي ﻓﻬﻲ »ﻣﺟﻣوﻋﺔ أو ﺳﻠﺳﻠﺔ ﻣن اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻣﺳﺗﺧدﻣﺔ ،أو ﻋﻠم دراﺳﺔ
اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ« ،3وﻣن اﻟﺟﻠّﻲ أن اﻟﻣﻌﺎﺟم اﻷﺟﻧﺑﯾﺔ ﻟم ﺗﺧﺗﻠف ﻓﻲ ﺗﺣدﯾدﻫﺎ ﻟﻣﻔﻬوم اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ﺑﺄﻧﻪ
ﻓرع ﻣن ﻋﻠم اﻟﻣﻧطق ﯾدرس اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ وﯾﻘﯾﻣﻬﺎ ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ أن اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ﻣوﺿوع ﺑﺣﺛﻬﺎ
ودراﺳﺗﻬﺎ ﻫو اﻟﻣﻧﻬﺞ ،وﻫذا ﯾؤﻛد اﻟﻔﻛرة اﻟﺗﻲ اﻧطﻠﻘﻧﺎ ﻣﻧﻬﺎ وﻫﻲ أن ﻫﻧﺎك ﻓرق ﺑﯾﻧﻬﻣﺎ ،وﻣﻧﻪ
ﯾﻣﻛن اﻟﻘول أن اﻟﻌرب واﻟﻐرب ﻻ ﯾﺧﺗﻠﻔﺎن ﺣول ﻣﻔﻬوم اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ،وﻻ ﯾﺧﺗﻠﻔﺎن ﻓﻲ اﻟﻔرق ﺑﯾﻧﻬﺎ
وﺑﯾن اﻟﻣﻧﻬﺞ.
-1أﺣﻣد ﻋﻠﺑﻲ ،اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺑﺣث اﻷدﺑﻲ ،دار اﻟﻔﺎراﺑﻲ ،ﺑﯾروت ،ط ،1999 ،1ص .21
2
- dictionnaire de la langue française , Encyclopédie et noms prores/nouvelles éditions
revue et corrigé , Paris,1994, page821.
3
- Oxford advanced learners , encyclopaedic dictionary , oxford university press, New York,
oxford , 1998 , p564.
16
اﻟﻣدﺧل
-2اﻟﻣﻧﻬﺞ واﻟﻧظرﯾﺔ:
ﻣن ﺑﯾن أﺑرز اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﺗﻲ ظﻬرت ﻋﻠﻰ اﻟﺳﺎﺣﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ،ﯾﻌﺗﺑر ﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻧظرﯾﺔ
اﻷﻛﺛر ﺗداوﻻ ﻓﻲ اﻟﻌﺻر اﻟﺣدﯾث ،ﺣﯾث ﺗﻌﺗﺑر ﻛذﻟك ﻣﺻطﻠﺣﺎ ﻣﺷﺗرﻛﺎ ﺑﯾن ﻣﺧﺗﻠف اﻟﻌﻠوم،
وﻗﺑل ﺗﺣدﯾد اﻟﻣﻔﻬوم اﻟﺣدﯾث ﻟﻠﻣﺻطﻠﺢ ،ﯾﻧﺑﻐﻲ ﻋﻠﯾﻧﺎ اﻟﺑﺣث ﻋن ﺗﺻور اﻟﻣﺻطﻠﺢ ﻗدﯾﻣﺎ ﻋﻧد
اﻟﻌرب ،أو ﻣﺎ ﯾﺷﯾر إﻟﯾﻪ ﻣن ﻣﺻطﻠﺣﺎت وﺻﯾﻎ ﻗد ﺗﺣﻣل ﺑﻌض دﻻﻻت ﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻧظرﯾﺔ
اﻟﺣدﯾث.
-1رﺷﯾد ﺑن ﻣﺎﻟك ،ﻗﺎﻣوس ﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﺗﺣﻠﯾل اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ ،ﻋرﺑﻲ ،اﻧﺟﻠﯾزي ،ﻓرﻧﺳﻲ ،دار اﻟﺣﻛﻣﺔ ،اﻟﺟزاﺋر ،د ط
،2000ص .108
-2ﻧرﺟس ﺧﻠف داوود ،اﻟﻧظرﯾﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ واﻟﺗداﺧل اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ ،دار ﻋﯾداء ﻟﻠﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ ،ط ، 1ﻋﻣﺎن ، 2014 ،ص
.22
17
اﻟﻣدﺧل
-1اﺑن ﻓﺎرس ،ﻣﻌﺟم ﻣﻘﺎﯾﯾس اﻟﻠﻐﺔ ،ت ﺷﻬﺎب اﻟدﯾن أﺑو ﻋﻣرو ،دار اﻟﻔﻛر ﻟﻠطﺑﺎﻋﺔ واﻟﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ ،ﺑﯾروت ،ﻟﺑﻧﺎن
ط ، 1994 ، 1ص .1034
-2اﻟزﺑﯾدي ،ﺗﺎج اﻟﻌروس ﻣن ﺟواﻫر اﻟﻘﺎﻣوس ،ت ﻋﻠﻲ ﺷﯾري ،ﻣﺟﻠد ، 7دار اﻟﻔﻛر ﻟﻠطﺑﺎﻋﺔ واﻟﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ ،ﺑﯾروت
،ﻟﺑﻧﺎن ،ط ،1994 ، 1ص .539 - 538
-3ﺳورة اﻟﻣدﺛر ،اﻵﯾﺗﺎن .22-21 ،
-4اﺑن ﻛﺛﯾر ،ﺗﻔﺳﯾر اﻟﻘرآن اﻟﻌظﯾم ، 7 ،ص .649
-5ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض ،ﻧظرﯾﺔ اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ ،دار ﻫوﻣﺔ ﻟﻠطﺑﺎﻋﺔ واﻟﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ ،اﻟﺟزاﺋر ،د ط ،2007 ،ص.32
-6ﻋﺑدﻩ اﻟﺣﻠو ،ﻣﻌﺟم اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ ،ﻓرﻧﺳﻲ ،ﻋرﺑﻲ ،اﻟﻣرﻛز اﻟﺗرﺑوي ﻟﻠﺑﺣوث واﻹﻧﻣﺎء ،ﻣﻛﺗﺑﺔ ﻟﺑﻧﺎن ،ط، 1
،1994ص .172
18
اﻟﻣدﺧل
ﺑﯾﻧﻣﺎ ﯾرى ﻋﺎطف ﯾوﻧس أن » اﻟﻧظرﯾﺔ ﻓﻲ أي ﻣﺟﺎل ﻣن اﻟﻣﺟﺎﻻت ﺗﺣدد ﺗﺻو ار
ذﻫﻧﯾﺎ ﺷﻣوﻟﯾﺎ اﺗﺟﺎﻩ ﻗﺿﯾﺔ ،أو ﻣوﺿوع ﻣﺎ وﯾﻛون ﻟﻠﻧظرﯾﺔ ﻗوة اﻟﻘﺎﻋدة أو اﻟﻘﺎﻧون ﺣﯾث ﯾؤﻛدﻫﺎ
اﻟﺗطﺑﯾق اﻟﻌﻣﻠﻲ ﻛﻣﺎ ﻫو اﻟﺷﺄن ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺎﺋل اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ« ،1أﻣﺎ اﻟﻣﻧﺟد ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ واﻷﻋﻼم ﻓﯾﻌرف
اﻟﻧظرﯾﺔ ﺑﺄﻧﻬﺎ » ﻗﺿﯾﺔ ﻣﺣﺗﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﺑرﻫﺎن ﻹﺛﺑﺎت ﺻﺣﺗﻬﺎ «.2
وﻛﻣﺎ أﺷرﻧﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎ ﻟﻠﻌﻼﻗﺔ اﻟﻣوﺟودة ﺑﯾن اﻟﻧظرﯾﺔ وﻣﺧﺗﻠف اﻟﻌﻠوم وﻣﻧﻬﺎ اﻟﻌﻠوم اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ
واﻷدب ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﺧﺻوص ،ﻓﺗﻌﺗﺑر ﻧظرﯾﺔ اﻷدب »دراﺳﺔ ﺗﺟرﯾدﯾﺔ ﺗرﻣﻲ إﻟﻰ اﺳﺗﺧﻼص
اﻟﻘواﻋد اﻟﻌﺎﻣﺔ وﻓﻠﺳﻔﺔ اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم واﻷﺻول اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻧﺑﻧﻲ ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻟﻧﻘد ﻣن ﻧﺎﺣﯾﺔ وﺗﻛون
ﻣؤﻟف ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻧوع ﻓن اﻟﺷﻌر
اﻷﺳﺎس اﻟﻧظري ﻟدراﺳﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﻣن ﻧﺎﺣﯾﺔ أﺧرى ،وﻟﻌل أول ً
ﻷرﺳطو« .3أي أن ﻧظرﯾﺔ اﻷدب ﺗﻘوم ﺑﺗﺣدﯾد ﻗواﻧﯾن ﻟﻬﺎ ﺧﻠﻔﯾﺔ ﻣﻌرﻓﯾﺔ واﺳﺗﺧﻼص ﻗواﻋد
ﻋﺎﻣﺔ ﯾﻘوم ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻟﻧﻘد ،وﻣن ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﯾﺔ ﺗﻣﻛن ﻣن دراﺳﺔ اﻟﻧﺻوص اﻷدﺑﯾﺔ ﻣن ﻛل ﺟواﻧﺑﻬﺎ
ﻣن ﺧﻼل اﻟﻘواﻋد واﻷدوات واﻹﺟراءات اﻟﺗﻲ ﺗﺿﻌﻬﺎ.
ﺑﯾﻧﻣﺎ ﯾرى "روﻧﯾﻪ وﯾﻠك" و"أوﺳﺗﯾن وارﯾن" أن اﻟﻧظرﯾﺔ ﺗٌﻌﻧﻰ » ﺑدراﺳﺔ ﻣﺑﺎدئ اﻷدب
وﻣﻘوﻻﺗﻪ وﻣﻌﺎﯾﯾرﻩ« ،4وﻛﺑﺎﻗﻲ اﻟﻧظرﯾﺎت ﻓﻲ ﻣﺧﺗﻠف اﻟﻌﻠوم ﻓﻧظرﯾﺔ اﻷدب ﻟﻬﺎ ﺧﻠﻔﯾﺔ ﻣﻌرﻓﯾﺔ
ﺗﻌﻣل ﻓﻲ إطﺎرﻫﺎ ﻣﺛﻠﻬﺎ ﻣﺛل اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻘدي اﻟذي ﯾﺳﺗﻧد ﻓﻲ دراﺳﺗﻪ ﻟﻠﻧﺻوص اﻷدﺑﯾﺔ إﻟﻰ رؤﯾﺔ
ﻣﻌرﻓﯾﺔ وﺧﻠﻔﯾﺔ ﻓﻠﺳﻔﯾﺔ وﻫذا ﻣﺎ أﺷﺎر إﻟﯾﻪ " ﺷﻛري ﻋزﯾز اﻟﻣﺎﺿﻲ " ﻓﻲ ﺗﻌرﯾﻔﻪ ﻟﻠﻧظرﯾﺔ اﻷدﺑﯾﺔ
ﺑﺄﻧﻬﺎ » ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻵراء واﻷﻓﻛﺎر اﻟﻘوﯾﺔ واﻟﻣﺗﺳﻘﺔ واﻟﻌﻣﯾﻘﺔ واﻟﻣﺗراﺑطﺔ واﻟﻣﺳﺗﻧدة إﻟﻰ ﻧظرﯾﺔ
ﻓﻲ اﻟﻣﻌرﻓﺔ أو ﻓﻠﺳﻔﺔ ﻣﺣددة واﻟﺗﻲ ﺗﻬﺗم ﺑﺎﻟﺑﺣث ﻓﻲ ﻧﺷﺄة اﻷدب وطﺑﯾﻌﺗﻪ ووظﯾﻔﺗﻪ ،وﻫﻲ
-1ﻋﺎطف ﻣﺣﻣد ﯾوﻧس ،ﻣﻐﺎﻟطﺎت ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ،اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ﻟﻠطﺑﺎﻋﺔ ،اﻟﺟزاﺋر ،1990 ،ص .90
-2اﻟﻣﻧﺟد ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ واﻷﻋﻼم ،دار اﻟﻣﺷرق ،ط ، 29ﺑﯾروت ،ﻟﺑﻧﺎن ،ص .817
-3ﻣﺟدي وﻫﺑﺔ ،ﻣﻌﺟم ﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻷدب ،ص .291
-4ﻓﺎﺿل ﺛﺎﻣر ،اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ،ص.88
19
اﻟﻣدﺧل
ﺗدرس اﻟظﺎﻫرة اﻷدﺑﯾﺔ ﺑﻌﺎﻣﺔ ﻣن ﻫذﻩ اﻟزواﯾﺎ ﻓﻲ ﺳﺑﯾل اﺳﺗﻧﺑﺎط ﻣﻔﺎﻫﯾم ﻋﺎﻣﺔ ﺗﺑﯾن ﺣﻘﯾﻘﺔ
اﻷدب وآﺛﺎرﻩ«.1
إذن ﻓﺎﻟﻧظرﯾﺔ اﻷدﺑﯾﺔ ﺗﻬدف إﻟﻰ اﻟﺑﺣث ﻓﻲ ﻧﺷﺄة اﻷدب وطﺑﯾﻌﺗﻪ ووظﯾﻔﺗﻪ ،وﺗﺳﻌﻰ
إﻟﻰ إﯾﺟﺎد ﻣﻔﺎﻫﯾم ﻋﺎﻣﺔ ﻟﻠﻛﺷف ﻋن ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟظﺎﻫرة اﻷدﺑﯾﺔ ،ﺑدراﺳﺗﻬﺎ ﻋن طرﯾق ﻗواﻋد
ٕواﺟراءات ﺗﺳﺗﻧد إﻟﻰ ﺧﻠﻔﯾﺔ ﻣﻌرﻓﯾﺔ وﻓﻠﺳﻔﯾﺔ ،ﻛﻣﺎ أن ﻣﺟﺎل اﻟﻧظرﯾﺔ اﻷدﺑﯾﺔ ﻟﯾس ﻫو اﻟﻧص
اﻷدﺑﻲ ﻓﻘط ﺑل ﺗﺗﻌداﻩ إﻟﻰ اﻟﻣﺑدع واﻟﻘﺎرئ واﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ،وﻫﻲ ﺗﻧظر ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن ﻫذﻩ
اﻷطراف ،ﻓﻛل طرف ﻛﺎن ﻟﻧظرﯾﺔ اﻷدب وﻗﻔﺔ ﻣﻌﻪ .
وﺗﻌﺗﺑر اﻟﻧظرﯾﺔ اﻷدﺑﯾﺔ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺗطور ﻣﺳﺗﻣر ،ﺑﻣﺎ أﻧﻬﺎ ﻟم ﺗﺳﺗطﻊ ﺗﺟﺎوز ﻋﺗﺑﺎت
اﻟﻧص ،وﻓك ﺷﻔراﺗﻪ ﻣن ﺧﻼل ﺟﻣﻠﺔ اﻹﺟراءات اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺳﻌﻰ إﻟﻰ ﺗﺄﻛﯾد ﻧﺟﺎﻋﺗﻬﺎ،
ﻣﻣﺎ أدى إﻟﻰ اﻟﺑﺣث اﻟﻣﺳﺗﻣر ﻋن اﻹﺟراءات اﻟﺗﻲ ﻣن ﺷﺄﻧﻬﺎ ﺳﺑر أﻏوار اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ
ٕواﺿﺎءة ﻋﺗﺑﺎﺗﻪ.
-2اﻟﻧظرﯾﺔ ﻋﻧد اﻟﻐرب :
ﯾﻘﺎﺑل ﻣﺻطﻠﺢ "اﻟﻧظرﯾﺔ " ﻓﻲ اﻟﻣﻌﺎﺟم اﻟﻐرﺑﯾﺔ اﻟﻠﻔظ اﻟﻔرﻧﺳﻲ " "Théorieوﯾﻘﺻد ﺑﻪ
»ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻵراء واﻷﻓﻛﺎر ﺣول ﻣوﺿوع ﻣﻌﯾن «، 2وﻓﻲ ﻣﻌﺟم " ﻻروس" ﻓﺎﻟﻧظرﯾﺔ ﻫﻲ
»ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ اﻟﻣﻧظﻣﺔ ﺣول ﻣوﺿوع ﻣﺣدد ﻓﻲ اﻟﻌﻠوم اﻟﺗﺟرﯾﺑﯾﺔ «،3وأﺷﺎر
اﻟﻧﺎﻗد ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ "ﻧظرﯾﺔ اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ " إﻟﻰ ﻣﻔﻬوم اﻟﻧظرﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم
اﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﺑﺄﻧﻬﺎ »ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﻣوﺿوﻋﺎت اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺑرﻫﻧﺔ ،واﻟﻘواﻧﯾن اﻟﻣﻧﺗظﻣﺔ اﻟﺗﻲ
ﺗﺧﺿﻊ ﻟﻠﻔﺣص اﻟﺗﺟرﯾﺑﻲ ،وﺗﻛون ﻏﺎﯾﺗﻬﺎ وﺿﻊ ﺣﻘﯾﻘﺔ ﻟﻧظﺎم ﻋﻠﻣﻲ«.4
-1ﺷﻛري ﻋزﯾز اﻟﻣﺎﺿﻲ ،ﻓﻲ ﻧظرﯾﺔ اﻷدب ،دار اﻟﻣﻧﺗﺧب اﻟﻌرﺑﻲ ،ﻟﺑﻧﺎن ،ط ،1993 ،1ص .12
2
- Dictionnaire de la langue française ,encyclopédie et noms propres .p1263.
3
-Dictionnaire encyclopédique Larousse , librairie Larousse, paris , édition 1981 , p 6873.
-4ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض ،ﻧظرﯾﺔ اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ ،دار ﻫوﻣﺔ ،د ط ،اﻟﺟزاﺋر ،2007 ،ص .35
20
اﻟﻣدﺧل
أﻣﺎ اﻟﻣﻌﺟم اﻹﻧﺟﻠﯾزي "أﻛﺳﻔورد" ﻓﻘد أﺗﻰ ﺑﻣﺻطﻠﺢ " "Theoryﻛﻣﻘﺎﺑل ﻟﻣﺻطﻠﺢ
"ﻧظرﯾﺔ" وأﻧﻪ » ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻷﻓﻛﺎر اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ ﺗﻬدف إﻟﻰ ﺗوﺿﯾﺢ وﻗﺎﺋﻊ وأﺣداث ﻣﺛل ﻧظرﯾﺔ
اﻟﺗطور ﻋﻧد داروﯾن «.1
1
- Oxford advanced learners , encyclopaedic dictionary , p945
-2ﺟوﻧﺎﺛﺎن ﻛوﻟر ،ﻣﺎ اﻟﻧظرﯾﺔ ؟ ،ﺗرﺟﻣﺔ رﺷﺎد ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر ،ﻣﺟﻠﺔ اﻟﻣوﻗف اﻷدﺑﻲ ،ﻋدد ،370ﺷﺑﺎط ،2002 ،ص 12
-3اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .12
21
اﻟﻣدﺧل
ﺗطﺑﯾﻘﻬﺎ ﺻﻌﺑﺎ ،ﻓﻬو ﺟﻌل اﻟﻧظرﯾﺔ »ﻻﻧﻬﺎﺋﯾﺔ ،ﻓﻬﻲ ﻟﯾﺳت ﺷﯾﺋﺎ ﯾﻣﻛﻧك إﺗﻘﺎﻧﻪ اﻟﺑﺗﺔ وﻟﯾﺳت
ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ ﻣن اﻟﻧﺻوص ﯾﻣﻛﻧك ﺗﻌﻠﻣﻬﺎ ﻛﻲ ﺗﻌرف اﻟﻧظرﯾﺔ «.1
ﻣن ﺧﻼل ﻣﺎ ﺳﺑق ،ﯾﺗﺿﺢ ﻟﻧﺎ اﻻﺧﺗﻼف ﺑﯾن اﻟﻣﻧﻬﺞ واﻟﻧظرﯾﺔ ،ﺣﯾث أن اﻟﻧظرﯾﺔ
ﺗﺷﻣل اﻟﻣﻧﻬﺞ أي أن اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻻ ﯾﻣﻛﻧﻪ أن ﯾﺗﺣرك إﻻ ﻓﻲ إطﺎر ﻧظرﯾﺔ » ﻛل ﻣﻧﻬﺞ ﻻﺑد ﻟﻪ ﻣن
ﻧظرﯾﺔ " ،2أوﻫﻲ " اﻟﻘﺎﻋدة اﻟﺗﻲ ﯾﺳﺗﻣد ﻣﻧﻬﺎ اﻟﻣﻧﻬﺞ ﺗﻔﺎﺻﯾﻠﻪ «.3
ﻓﺎﻟﻣﻧﻬﺞ ﻫو اﻷداة اﻟﺗﻲ ﺗﺳﺗﺧدﻣﻬﺎ اﻟﻧظرﯾﺔ ﻟﻠﺗﺄﻛد ﻣن ﺻﻼﺣﯾﺔ ﻣﺑﺎدﺋﻬﺎ وﺻﺣﺗﻬﺎ وﻣﺗﻰ
ﻛﺎن ﻟﻬﺎ ذﻟك ﯾﻣﻛن ﺗﻌﻣﯾﻣﻬﺎ ﻟﺗﺻﺑﺢ ﻣﺳﻠﻣﺎ ﺑﻬﺎ ،ﻓﻘد أﺷﺎر اﻟدﻛﺗور ﺻﻼح ﻓﺿل إﻟﻰ ذﻟك
ﺑﻘوﻟﻪ » :إن اﻟﻣﻔﻬوم اﻟﻣﻌرﻓﻲ اﻟﻣؤﺳس ﻟﻸدب ﻫو اﻟﻧظرﯾﺔ ،واﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻘدي ﻫو اﻟذي ﯾﺧﺗﺑر
ﺗواﻓق ﻫذﻩ اﻟﻧظرﯾﺔ ﻣﻊ ﻣﺑﺎدﺋﻬﺎ وﯾﻣﺎرس ﻓﺎﻋﻠﯾﺗﻪ ،وﯾﺗم ﺗداوﻟﻪ ﻋﺑر ﺟﻬﺎز اﺻطﻼﺣﻲ ﯾﺷﻣل
ﻗﻧوات ﺗﺻوراﺗﻪ وﯾﺿﻣن ﻛﯾﻔﯾﺔ اﻧطﺑﺎﻗﻬﺎ ﻗرﺑﺎ أو ﺑﻌدا ﻣﻊ اﻟواﻗﻊ اﻹﺑداﻋﻲ".4
-1ﺟوﻧﺎﺛﺎن ﻛوﻟر ،ﻣﺎ اﻟﻧظرﯾﺔ ؟ ،ﺗرﺟﻣﺔ :رﺷﺎد ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر ،ص .20
-2ﺻﻼح ﻓﺿل ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻟﻣﻌﺎﺻر ،إﻓرﯾﻘﯾﺎ اﻟﺷرق ،ﺑﯾروت ،ﻟﺑﻧﺎن ،د ط ،ص .11
-3ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي ﻋﻧد ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض ،ص .24
-4ﺻﻼح ﻓﺿل ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ص .11
22
اﻟﻣدﺧل
1-1-3اﻟﻣذﻫب ﻟﻐﺔ:
أﻣﺎ ﻓﻲ ﺗﺎج اﻟﻌروس ﻓﻘد وردت ﻛﻠﻣﺔ " اﻟﻣذﻫب " ﺗﺣت ﻣﺎدة ذﻫب " وﻣن اﻟﻣﺟﺎز :
اﻟﻣذﻫب :اﻟﻣﻌﺗﻘد اﻟذي ﯾذﻫب إﻟﯾﻪ ،وذﻫب ﻓﻼن ﻟﻣذﻫﺑﻪ اﻟذي ﯾذﻫب ﻓﯾﻪ ،واﻟﻣذﻫب اﻟطرﯾﻘﺔ
وﯾﻘﺎل ذﻫب ﻓﻼن ﻣذﻫﺑﺎ ﺣﺳﻧﺎ أي طرﯾﻘﺔ ﺣﺳﻧﺔ ،واﻟﻣذﻫب اﻷﺻل".2
وﻗد وردت ﻛﻠﻣﺔ "ﻣذﻫب" ﻓﻲ ﻛﺗﺎب اﻟﺗﻌرﯾﻔﺎت ﻟﻠﺟرﺟﺎﻧﻲ "ﻣﺗﺑوﻋﺔ ﺑﺎﻟﻛﻼم ،وﻫو أن ﯾورد
ﺣﺟﺔ ﻟﻠﻣطﻠوب ﻋﻠﻰ طرﯾق أﻫل اﻟﻛﻼم ،ﺑﺄن ﯾورد ﻣﻼزﻣﺔ ﺛم ﯾﺳﺗﺛﻧﻲ ﻋﯾن اﻟﻣﻠزوم أو ﻧﻘﯾض
ﻓﯾﻬﻣﺎ آﻟﻬﺔ
ﺎن َ اﻟﻼزم ،أو ﯾورد ﻗرﯾﻧﺔ ﻣن اﻟﻘراﺋن ﻻﺳﺗﻧﺗﺎج اﻟﻣطﻠوب ﻣﺛﺎﻟﻪ ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ » ﻟَو َﻛ َ
إﻻ اﷲ ﻟَﻔَ َﺳ َدﺗَﺎ« أي اﻟﻔﺳﺎد ﻣﻧﺗف ،ﻓﻛذﻟك اﻵﻟﻬﺔ ﻣﻧﺗﻔﯾﺔ.3"...
أﻣﺎ ﺣﺳب اﻟﻣﻌﺟم اﻟوﺳﯾط ﻓﺎﻟﻣذﻫب ﻫو» اﻟطرﯾﻘﺔ واﻟﻣﻌﺗﻘد اﻟذي ﯾذﻫب إﻟﯾﻪ ،وﻋﻧد
اﻟﻌﻠﻣﺎء ﻣﺟﻣوﻋﺔ اﻵراء واﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ واﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ ارﺗﺑط ﺑﻌﺿﻬﺎ ﺑﺑﻌض ارﺗﺑﺎطﺎ ﯾﺟﻌﻠﻬﺎ
وﺣدة ﻣﺗﺳﻘﺔ«.4
-1اﺑن ﻣﻧظور ،ﻟﺳﺎن اﻟﻌرب اﻟﻣﺣﯾط ،ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق ،ﻣﺎدة ذﻫب ،ص .1081
-2اﻟزﺑﯾدي ،ﺗﺎج اﻟﻌروس ﻣن ﺟواﻫر اﻟﻘﺎﻣوس ،ﻣﺟﻠد ، 1ص .506
-3اﻟﺷرﯾف اﻟﺟرﺟﺎﻧﻲ ،ﻛﺗﺎب اﻟﺗﻌرﯾﻔﺎت ،ﺗﺣﻘﯾق إﺑراﻫﯾم اﻷﺑﯾﺎري ،ص .220
-4أﺣﻣد ﺣﺳن اﻟزﯾﺎت وآﺧرون ،اﻟﻣﻌﺟم اﻟوﺳﯾط ،ج ، 2 ،2ص.317
23
اﻟﻣدﺧل
أﻣﺎ اﻟﻣﻧﺟد ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ واﻷﻋﻼم ﻓﻘد وردت ﻛﻠﻣﺔ " ﻣذﻫب " ﺑﻣﻌﻧﻰ » اﻟﻣﻌﺗﻘد ،اﻟطرﯾﻘﺔ
وﻷﺻل ،ﻣذاﻫب اﻹﺳﻼم أرﺑﻌﺔ اﻟﺣﻧﻔﻲ واﻟﺷﺎﻓﻌﻲ ،اﻟﺣﻧﺑﻠﻲ واﻟﻣﺎﻟﻛﻲ «.1
وﺗطرق ﯾوﺳف ﺧﯾﺎط إﻟﻰ ﻣﺻطﻠﺢ "ﻣذﻫب " ﺑﻘوﻟﻪ » ﻣذﻫب " "doctrineﻣﺟﻣوﻋﺔ
ﻣﺑﺎدئ وآراء ﻣﺗﺻﻠﺔ وﻣﺗﺳﻘﺔ ﻟﻣﻔﻛر أو ﻟﻣدرﺳﺔ ،وﻣﻧﻪ اﻟﻣذاﻫب اﻟﻔﻘﻬﯾﺔ واﻷدﺑﯾﺔ واﻟﻌﻠﻣﯾﺔ
واﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ «.2
وﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﻣﻌﺎﺟم اﻟﻐرﺑﯾﺔ ،وﻟﻧﺑدأ ﻣﻊ ﻣﻌﺟم أﻛﺳﻔورد ﺣﯾث ورد ﻣﺻطﻠﺢ "ﻣذﻫب" ﻣﻘﺎﺑل
ﻟﻠﻔظ اﻷﺟﻧﺑﻲ " " doctrineوﯾﻘﺻد ﺑﻪ »ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﻣﻌﺗﻘدات اﻟﻣﺳﺎﻋدة ﻣن ﻗﺑل اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ
ﻣﺛل اﻟﻣذﻫب اﻟﻛﺎﺛوﻟﯾﻛﻲ ،واﻟﻣذﻫب اﻟﻣﺎرﻛﺳﻲ ،وﯾﺟب ﻗﺑول ﻣﺑﺎدئ ﻫذﻩ اﻟﻣذاﻫب ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ
ﺻﺣﯾﺣﺔ«.3
وﻓﻲ ﻣﻌﺟم ﻛﯾﻠﻲ " " Quilletﺗطرق ﻟﻣﻔﻬوم اﻟﻣذﻫب ﺑﻘوﻟﻪ »:ﺟﻣﻠﺔ ﻣن اﻵراء اﻟﻣرﺗﺑطﺔ
ﺑﺎﻟﺳﻠوك واﻟﺗﻲ ﺗدرس أو ﺗﺗﺑﻧﻰ ﻓﻲ ﻣﺟﺎل ﻣن اﻟﻣﺟﺎﻻت ﻣﺛل أﺳﻠوب ﻋﺑﺎدة ﻻﻫوﺗﻲ ﻓﻠﺳﻔﻲ
ﺳﯾﺎﺳﻲ ،أدﺑﻲ ،ﻓﻧﻲ ،طﺑﻲ.4«...
ﻣن ﺧﻼل ﻣﺎ ﺳﺑق ،ﻣن ﺟﻣﻠﺔ اﻟﺗﻌرﯾﻔﺎت اﻟﻠﻐوﯾﺔ اﻟﻣﺄﺧوذة ﻣن اﻟﻣﻌﺎﺟم اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻘدﯾﻣﺔ
واﻟﺣدﯾﺛﺔ ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻣﻌﺎﺟم اﻷﺟﻧﺑﯾﺔ ﻧﺳﺗطﯾﻊ اﻟﻘول أن اﻟﻣذﻫب ﻫو اﻟﻣﻌﺗﻘد أو اﻟطرﯾﻘﺔ
اﻟﻣﺗﺑﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻣل ،وأﯾﺿﺎ ﻫو اﻷﺻل ،وﻫو ﺟﻣﻠﺔ ﻣن اﻵراء واﻷﻓﻛﺎر اﻟﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﻣﺟﺎل ﻣن
اﻟﻣﺟﺎﻻت ﻛﺎﻟدﯾن واﻟﻔﻠﺳﻔﺔ واﻷدب واﻟﺳﯾﺎﺳﺔ وﻏﯾرﻫﺎ ،وﻛل ﻣﺟﺎل ﻟﻪ ﻣذاﻫﺑﻪ اﻟﺧﺎﺻﺔ ،ﻓﻔﻲ
ﻣﺟﺎل اﻟدﯾن ﻧﺟد اﻟﻣذاﻫب اﻷرﺑﻌﺔ اﻟﻣﺷﻬورة اﻟﺣﻧﻔﻲ واﻟﻣﺎﻟﻛﻲ واﻟﺷﺎﻓﻌﻲ واﻟﺣﻧﺑﻠﻲ ،وﻣن ﻫﻧﺎ
24
اﻟﻣدﺧل
ﻧﺷﯾر إﻟﻰ اﻋﺗﺑﺎر أﻓﻛﺎر اﻟﻣذاﻫب ﺻﺣﯾﺣﺔ وﻏﯾر ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﻧﻘﺎش وﺗؤﺧذ ﻛﻣﺎ ﻫﻲ ،ﻓﻬﻲ ﻏﯾر
ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺗطور.
أول ﻣﺎ ﯾﻼﺣظ ﻣن ﺧﻼل ﻫذا اﻟﺗﻌرﯾف أن اﻟﻣذﻫب ﯾﻣﺛل اﺗﺟﺎﻩ ﯾﻣﯾزﻩ ﺟﻣﻠﺔ ﻣن
اﻷﻓﻛﺎر ،ﺗﺟﻣﻊ ﺑﯾن أﻓرادﻩ ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﺧﺻوﺻﯾﺎت اﻟذﯾن ﯾﺗﺑﻧون ﻫذﻩ اﻷﻓﻛﺎر ،وﯾﻧﺿوون
ﺗﺣﺗﻪ ﺑﻌﻼﻗﺔ ﺗﺄﺛر وﺗﺄﺛﯾر ﻣﺗﺑﺎدﻟﺔ.
أﻣﺎ اﻟﻣوﺳوﻋﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ ،ﻓذﻫﺑت إﻟﻰ أن اﻟﻣذﻫب اﻟﻔﻠﺳﻔﻲ ﻫو»وﺟﻬﺔ ﻧظر
ﺗﻧطوي ﻋﻠﻰ رﺳم ﻧﻣوذج أو إطﺎر ﻷﺻﻧﺎف اﻷﺷﯾﺎء اﻟﻣوﺟودة ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ،وطرﯾﻘﺔ ﺗرﺗﯾﺑﻬﺎ
وارﺗﺑﺎط ﺑﻌﺿﻬﺎ ﺑﺑﻌض ووﺟوﻩ ﺗﻣﯾز ﺑﻌﺿﻬﺎ ﻋن ﺑﻌض ،...وﺑﻌﺑﺎرة أﺧرى ﯾﻧطوي ﻋﻠﻰ
ﺗﺻﻧﯾف اﻟﻣوﺟودات ﻣن ﻣﻘوﻻت ،ﺗﺿم ﻛل ﻣﻘوﻟﺔ ﻧوﻋﺎ ﻣﺗﻣﯾ از ﻣن أﻧواع اﻟﻣوﺟودات ،ﻛﻣﺎ
ﯾرﺳم ﻫذا اﻟﺗﺻﻧﯾف اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺑﯾﻧﻬﺎ وﺻﻠﺗﻬﺎ ﺑﻣﻌﺗﻘدات اﻟرﺟل اﻟﻌﺎدي اﻟراﺳﺧﺔ وﻣﻌطﯾﺎت اﻟﻌﻠم
اﻟﻣﺗطورة«.2
إن أول ﻣﺎ ﯾﻔﻬم ﻣن ﻫذا اﻟﻛﻼم أن اﻟﻣذﻫب اﻟﻔﻠﺳﻔﻲ ﻫو وﺟﻬﺔ ﻧظر ،ﺑﻣﻌﻧﻰ أﻧﻬﺎ
ﺗﺣﺗﻣل اﻟﺧطﺄ واﻟﺻواب ،ﺛم إﻧﻬﺎ إطﺎر وﺗﺻور ﯾﺣدد ﺗﺻﻧﯾﻔﺎت ﻟﻸﺷﯾﺎء اﻟﻣﺣﯾطﺔ ﺑﺎﻹﻧﺳﺎن،
ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ طرﯾﻘﺔ ﺗرﺗﯾﺑﻬﺎ واﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺗﻲ ﺗرﺑط ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﻬﺎ ،وارﺗﺑﺎطﻬﺎ ﺑﻣﺎ ﯾﻌﺗﻘدﻩ اﻹﻧﺳﺎن
-1ﯾﺎﺳﯾن اﻷﯾوﺑﻲ ،ﻣذاﻫب اﻷدب –ﻣﻌﺎﻟم واﻧﻌﻛﺎﺳﺎت ،ط ،2دار اﻟﻌﻠم ﻟﻠﻣﻼﯾﯾن ،ﺑﯾروت ،1984،ص.15
-2ﻣﺣﻣود زﯾدان ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺑﺣث اﻟﻔﻠﺳﻔﻲ ،دار اﻟوﻓﺎء ،اﻹﺳﻛﻧدرﯾﺔ ،ط،1،2004ص .24
25
اﻟﻣدﺧل
ﻣن ﺟﻬﺔ وﻣﻌطﯾﺎت اﻟﻌﻠم اﻟﻣﺗطورة ﻣن ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﯾﺔ ،وﻣن أﻣﺛﻠﺔ اﻟﻣذاﻫب اﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ ﻧﺟد ﻣذﻫب
أرﺳطو وﻣذﻫب ﻛﺎﻧط وﻣذﻫب دﯾﻛﺎرت ...إﻟﺦ.
ﺣﯾث »ﻛﺎن أرﺳطو أﻛﺛر اﻫﺗﻣﺎﻣﺎ ﺑﺎﻟوﺟود وطﺑﯾﻌﺗﻪ ﻣﻧﻪ ﺑوﺟود اﻹﻧﺳﺎن ،ﺑﯾﻧﻣﺎ ﻛﺎن
ﻛﺎﻧط أﻛﺛر اﻫﺗﻣﺎﻣﺎ ﺑﺎﻹﻧﺳﺎن وﻣﺎ ﯾﻣﻛﻧﻪ ﻣﻌرﻓﺗﻪ ﻣن ذﻟك اﻟوﺟود ،ﻛﺎن اﻟوﺟود اﻹﻟﻬﻲ ﻣرﻛزﯾﺎ
ﻓﻲ ﻣذﻫب دﯾﻛﺎرت ، 1«...ﻫذا اﻟﻘول ﯾؤﻛد ﻟﻧﺎ ﻛون اﻟﻣذﻫب اﻟﻔﻠﺳﻔﻲ ﻣﺎ ﻫو إﻻ وﺟﻬﺔ ﻧظر
وذﻟك ﻟﻼﺧﺗﻼف اﻟﻣوﺟود ﺑﯾن اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ وﻣذﻫﺑﻬم ﺣول اﻟوﺟود واﻹﻧﺳﺎن ،وﻧﺟﺎح اﻟﻣذﻫب
اﻟﻔﻠﺳﻔﻲ ﻣرﺗﺑط ﺑﻣدى ﺷﯾوﻋﻪ ودرﺟﺔ اﻗﺗﻧﺎع اﻟﻧﺎس ﺑﻪ .
أﻣﺎ اﻟﻣذﻫب اﻷدﺑﻲ ،ﻓﻬو ﯾﻣﺛل»ﺣﺎﻻت ﻧﻔﺳﯾﺔ ﻋﺎﻣﺔ وﻟدﺗﻬﺎ ﺣوادث اﻟﺗﺎرﯾﺦ وﻣﻼﺑﺳﺎت
اﻟﺣﯾﺎة ﻓﻲ ﻋﺻور ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ،ﻓﺟﺎء اﻟﺷﻌراء واﻟ ُﻛﺗّﺎب واﻟﻧﻘﺎد ،ﻓوﺿﻌوا ﻟﻠﺗﻌﺑﯾر ﻋن ﻫذﻩ اﻟﺣﺎﻻت
اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ أﺻوﻻ وﻗواﻋد ﯾﺗﻛون ﻣن ﻣﺟﻣوﻋﻬﺎ اﻟﻣذﻫب ،أو ﺛﺎروا ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻟﻘواﻋد واﻷﺻول
ﻟﻛﻲ ﯾﺗﺣرروا ﻣﻧﻬﺎ ،وﺑذﻟك ﺣﻘﻘوا ﻣذﻫﺑﺎ ﺟدﯾدا « ،2وﻣن أﺑرز اﻟﻣذاﻫب اﻷدﺑﯾﺔ ﻧذﻛر اﻟﻣذﻫب
اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ واﻟﻣذﻫب اﻟروﻣﺎﻧﺳﻲ واﻟﻣذﻫب اﻟواﻗﻌﻲ ...إﻟﺦ.
وﯾرى اﻟﻧﺎﻗد ﺻﻼح ﻓﺿل أن اﻟﻣذﻫب »ﻟم ﯾﻛن ﻣﺟرد طرﯾﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﺗﻔﻛﯾر أو إﺟراء ﻓﻲ
اﻟﺗﺣﻠﯾل وﻟﻛﻧﻪ ﻣﻧظوﻣﺔ ﻣن اﻟﻣﺑﺎدئ اﻟﺗﻲ ﺗﻌطﻲ ﺻورة ﻛﻠﯾﺔٕ ،واﺟﺎﺑﺔ ﺗﺎﻣﺔ ﻋن اﻟﺳؤاﻟﯾن
اﻷﺳﺎﺳﯾﯾن ﻋن ﻣﺎﻫﯾﺔ اﻷدب وﻋن ﻋﻼﻗﺎﺗﻪ اﻟﻣﺗﻌددة ،ﯾؤﻣن ﺑﻬﺎ اﻷدﯾب ﻣﺑدﻋﺎ وﻧﺎﻗدا وﯾﻣﺎرﺳﻬﺎ
دون أي ﻓرﺻﺔ ﻟﻠﺗﺳﺎؤل ﺣوﻟﻬﺎ أو اﻟﺗﺷﻛﯾك ﻓﯾﻬﺎ أو إﺧﺿﺎﻋﻬﺎ ﻟﻠﻣراﺟﻌﺔ ٕواﻋﺎدة اﻟﻧظر«. 3
-1ﻣﺣﻣود زﯾدان ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺑﺣث اﻟﻔﻠﺳﻔﻲ ،ﺗﺻدﯾر ﻣﺣﻣد ﻓﺗﺣﻲ ﻋﺑد اﷲ ،دار اﻟوﻓﺎء ﻟدﻧﯾﺎ اﻟطﺑﺎﻋﺔ واﻟﻧﺷر ،اﻹﺳﻛﻧدرﯾﺔ
،ط ، 2004 ، 1ص .24
-2ﺳﺎﻋد اﻟﻌﻠوي ،اﻟﻣﺧﺗﺎر ﻓﻲ اﻟﻘواﻋد واﻟﻧﺻوص ،اﻟدﯾوان اﻟوطﻧﻲ ﻟﻠﻣطﺑوﻋﺎت اﻟﻣدرﺳﯾﺔ ،اﻟﺟزاﺋر ،د ط ،2000 ،
، 2001ص .26
-3ﺻﻼح ﻓﺿل ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ص .14
26
اﻟﻣدﺧل
ﯾظﻬر ﻟﻧﺎ ﻣن ﺧﻼل ﻣﻔﻬوم ﺻﻼح ﻓﺿل ﻟﻠﻣذﻫب أﻧﻪ ﺟﻣﻠﺔ ﻣن اﻟﻣﺑﺎدئ ﯾﻌﺗﻘدﻫﺎ
اﻷدﯾب وﯾﻣﺎرﺳﻬﺎ دون أدﻧﻰ ﺷك أو ﻣراﺟﻌﺔ ﺗﻌطﻲ ﺗﺻو ار ﻛﻠﯾﺎ ﺣول ﻣﺎﻫﯾﺔ اﻷدب وﻋﻼﻗﺎﺗﻪ
اﻟﻣﺗﻌددة.
أﻣﺎ ﻣﺣﻣد ﻣﻧدور ﻓﯾذﻫب ﻓﻲ ﺗﻌرﯾﻔﻪ ﻟﻠﻣذﻫب اﻷدﺑﻲ إﻟﻰ أن ﻟﻪ ﺧﻠﻔﯾﺔ أو ﻣرﺟﻌﯾﺔ
ﻣرﺗﺑطﺔ ﺑﺣﯾﺎة اﻟﻛﺎﺗب أو اﻟﻧﺎﻗد وﺑواﻗﻌﻪ وﺗﺎرﯾﺧﻪ ،وﻓﻲ إطﺎر ﻫذﻩ اﻟظروف ﯾﺧﻠق اﻟﻣذﻫب
اﻷدﺑﻲ وﺗوﺿﻊ ﻟﻪ ﺟﻣﻠﺔ ﻣن اﻟﻘواﻋد واﻷﺻول ،إﻻ أن ﻫذﻩ اﻟﻘواﻋد ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠرﻓض ﻣﺗﻰ
أﺻﺑﺣت ﻻ ﺗﻌﺑر ﻋن اﻟظروف اﻟﻣﺣﯾطﺔ ﺑﺎﻟﻛﺎﺗب أو ﺑﺎﻟﻧﺎﻗد ،ﻓﻛﺎﻧت اﻟﺛورة ﻋﻠﯾﻬﺎ واﻟﺗﺣرر ﻣﻧﻬﺎ
ﻫﻲ اﻟﻠﺣظﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻣﺛل ﻣﯾﻼد ﻣذﻫب ﺟدﯾد ﯾﻌﺑر ﻋن اﻟواﻗﻊ اﻟﺟدﯾد.
وﻫذا اﻟذي وﻗﻊ ﺑﯾن اﻟﻣذﻫﺑﯾن اﻟﻌرﯾﻘﯾن ﻓﻲ اﻷدب اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﯾﺔ واﻟروﻣﺎﻧﺳﯾﺔ ،ﻓﺑﻌدﻣﺎ
ﻣﺛﻠت اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﯾﺔ أول ﻣذﻫب ﻓﻲ اﻟﺳﺎﺣﺔ اﻷدﺑﯾﺔ ،ﺣﯾث ﻧﺷﺄ ﻓﻲ أورﺑﺎ ﻓﻛﺎن اﻷدب ﻓﻲ
اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﯾﺔ ﯾﺣﺎﻛﻲ اﻵداب اﻟﯾوﻧﺎﻧﯾﺔ اﻟﻘدﯾﻣﺔ ،وﻣﻊ ﻧﻬﺎﯾﺔ اﻟﻘرن اﻟﺛﺎﻣن ﻋﺷر ﺟﺎءت اﻟروﻣﺎﻧﺳﯾﺔ
ﻛﻣذﻫب أدﺑﻲ ﺟدﯾد ،ﺛﺎر أﻧﺻﺎرﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﯾﺔ وﻣﺑﺎدﺋﻬﺎ ،ﻓﺄﻋﺗﺑر اﻟﻣذﻫب اﻟروﻣﺎﻧﺳﻲ
»ﺛورة ﺗﺣرﯾر ﻟﻸدب ﻣن ﺳﯾطرة اﻵداب اﻟﯾوﻧﺎﻧﯾﺔ واﻟﻼﺗﯾﻧﯾﺔ اﻟﻘدﯾﻣﺔ ،وﻣن ﻛﺎﻓﺔ اﻟﻘواﻋد
واﻷﺻول اﻟﺗﻲ اﺳﺗﻧﺑطت ﻣن ﺗﻠك اﻵداب وأﺻﺑﺣت إﻧﺟﯾﻼ ﻟﻠﻛﻼﺳﯾﻛﯾﺔ «. 1
ﻣن ﺧﻼل ﻣﺎ ﺳﺑق ،ﻣن رأي ﻛل ﻣن ﺻﻼح ﻓﺿل وﻣﺣﻣد ﻣﻧدور ﻧﻠﺣظ ﺣﺟم
اﻻﺧﺗﻼف اﻟظﺎﻫر ﺑﯾن ﻣﻔﻬوﻣﯾﻬﻣﺎ ﻟﻠﻣذﻫب اﻷدﺑﻲ ﺣﯾث ﯾرى ﺻﻼح ﻓﺿل أن اﻟﻣذﻫب
اﻷدﺑﻲ ﻟﯾس ﻣﺟرد ﻗواﻋد أو ﻗواﻧﯾن ٕواﻧﻣﺎ ﻫو أوﺳﻊ ﻣن ذﻟك ﺣﯾث ﯾﺷﻣل ﻛل ﻣﺎﻟﻪ ﻋﻼﻗﺔ
ﺑﺎﻷدب ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺻﺣﺔ ﻫذﻩ اﻟﻣﺑﺎدئ ﻓﻼ ﻣﺟﺎل ﻟﻠﺗﺷﻛﯾك ﻓﯾﻬﺎ أو إﻋﺎدة اﻟﻧظر ﻓﻲ ﻓﺣواﻫﺎ
وﻋﻠﯾﻪ ﻻﺑد ﻣن ﻗﺑوﻟﻬﺎ ﻛﻣﺎ ﻫﻲ واﻻﻋﺗﻘﺎد ﺑﺻﺣﺗﻬﺎ ،ﻋﻠﻰ ﻋﻛس ﻣﺎ ﺟﺎء ﺑﻪ ﻣﺣﻣد ﻣﻧدور أن
اﻟﻣذﻫب ﯾﻣﻛن اﻟﺛورة ﻋﻠﻰ ﻣﺑﺎدﺋﻪٕ ،واﻣﻛﺎﻧﯾﺔ إﺣﻼل ﻣذﻫب ﺟدﯾد ﻣﻛﺎﻧﻪ.
27
اﻟﻣدﺧل
ﻓﺎﻟﻣذﻫب ﺣﺳب ﻣﺎ ﺳﺑق ﯾﻛون أﺑﻌد ﻣن ﻛوﻧﻪ أراء وأﻓﻛﺎر أو طرﯾﻘﺔ ﻓﻬو ﯾﺟﻌل ﻣن
ﻫذﻩ اﻵراء واﻷﻓﻛﺎر ﻣﻌﺗﻘدات ﻟﯾس ﻷﺣد اﻟﺣق ﻓﻲ اﻷﺧذ واﻟرد ﻓﯾﻬﺎ وﻫو»ﺑﻬذا اﻟﻣﻔﻬوم أﻗرب
إﻟﻰ أن ﯾﻛون إﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎ ،ﻓﺗﯾﺎرات اﻷدب اﻟﻘدﯾﻣﺔ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﯾﺔ واﻟروﻣﺎﻧﺳﯾﺔ ﺣﺗﻰ اﻟواﻗﻌﯾﺔ ﻛﺎﻧت
ﺗﺗﺳم ﺑﻬذا اﻟطﺎﺑﻊ اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧت ﺗرﺗﺑط ﺑﻣﺑﺎدئ ﻋﺎﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﺣﯾﺎة ﺗﻧﺗظم ﻣظﺎﻫر
اﻟﻧﺷﺎط اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ واﻻﻗﺗﺻﺎدي واﻟﺛﻘﺎﻓﻲ اﻟﻌﺎم«.1
ﻓﺎﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎ ﻻ ﺗﺧص اﻷدب وﺣدﻩ ﻓﻬﻲ ﺗﺷﻣل اﻟﻣﺑﺎدئ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﺣﯾﺎة ،وﻫﻲ ﺑذﻟك
ﺗﻣﺛل ذﻟك اﻟﺣﯾز ﻣن اﻟﺗﺻورات اﻟﺗﻲ ﺗﺣدد ﻣوﻗف اﻹﻧﺳﺎن ﺑﻛل ﻣﺎ ﯾﺣﯾط ﺑﻪ ووﺿﻌﻪ ﻓﻲ
اﻟﺗﺎرﯾﺦ وﻛل اﻟﻣﻌﺗﻘدات اﻟﺗﻲ ﯾدﯾن ﺑﻬﺎ ،وﻗد »ارﺗﺑطت اﻟﻣذاﻫب اﻷدﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﺗرات اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ
ﻋﻠﻰ اﻟﻘرن اﻟﻌﺷرﯾن ارﺗﺑﺎطﺎ ﺣﻣﯾﻣﺎ ﺑﻬذﻩ اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ،ﻛﺎن ﻟذﻟك ﺗﺄﺛﯾرﻩ اﻟﺷدﯾد
اﻟواﺿﺢ ﻋﻠﻰ ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد وﺗﺄﺛﯾرﻩ اﻟﻣﺑﺎﺷر ﻋﻠﻰ ﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ«.2
إذن وﻣن ﺧﻼل ﻣﺎ ﺳﺑق ﯾﺗﺿﺢ اﻟﻔرق ﺑﯾن اﻟﻣﻧﻬﺞ واﻟﻣذﻫب ،ﻓﺎﻟﻣﻧﻬﺞ ﻫو اﻟطرﯾق
اﻟﻣؤدي ﻟﻠﻛﺷف ﻋن اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ أو ﺑﻣﻌﻧﻰ آﺧر ﻫو ﺗﻠك اﻟﺟﻣﻠﺔ ﻣن اﻟﻘواﻋد اﻟﻣﺳﺗﺧدﻣﺔ ﻟﻠوﺻول
إﻟﻰ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ،واﺗﺻﺎﻓﻪ ﺑﺎﻟﻣروﻧﺔ ﻟﺗطوﯾر ﻫذﻩ اﻟﻘواﻋد أو ﺣﺗﻰ ﺗﻐﯾﯾرﻫﺎ ﺑﯾﻧﻣﺎ ﻣﺑﺎدئ اﻟﻣذﻫب
أﺷﺑﻪ ﺑﺎﻟﻣﺳﻠﻣﺎت اﻟﺗﻲ ﯾﺻﻌب ﺗﻐﯾﯾرﻫﺎ أو ﺗطوﯾرﻫﺎٕ ،واذا اﺿطررﻧﺎ إﻟﻰ إﻋﺎدة اﻟﻧظر ﻓﻲ
ﻣر ﻋﻠﻰ ظﻬورﻫﺎ ﻗرون ﻟﻛﻧﻬﺎ ﻻ ﺗزال
ﻣﺿﻣوﻧﻬﺎ اﺣﺗﺟﻧﺎ إﻟﻰ زﻣن طوﯾل ،ﻓﺎﻟﻣذاﻫب اﻷدﺑﯾﺔ ّ
ﺗﺣﺎﻓظ ﻋﻠﻰ ﻧﻔس اﻟﻣﺑﺎدئ اﻟﺗﻲ ظﻬرت ﺑﻬﺎ ﺑﺎﻟﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺑﺎﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺗطور
ﻣﺳﺗﻣر ،وﻣﺎ ذﻟك اﻟزﺧم ﻣن اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺗﻲ ﻋرﻓﺗﻪ اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ إﻻ دﻟﯾل ﻋﻠﻰ ﺣرﻛﯾﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ
وﻗدرﺗﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺗطور أو ﺣﺗﻰ إﻋﺎدة اﻟﻧظر .
وﻣﻧﻪ ﯾﻣﻛن اﻟﻘول أن اﻟﻔرق اﻟﺟوﻫري ﺑﯾن اﻟﻣذﻫب واﻟﻣﻧﻬﺞ » ﯾﺗﻣﺛل ﻓﻲ أن اﻟﻣذﻫب ﻟﻪ
ﺑطﺎﻧﺔ أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﯾﺻﻌب ﺗﺣرﯾﻛﻬﺎ ﺑﯾﻧﻣﺎ اﻟﻣﻧﻬﺞ ﯾﺗﻛﺊ ﻓﻲ اﻟدرﺟﺔ اﻷوﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﻔﺎﻫﯾم ﻋﻘﻠﯾﺔ
أو ﻣﻧطﻘﯾﺔ ﯾﻣﻛن ﺣراﻛﻬﺎ أو ﺗﻐﯾﯾرﻫﺎ ،ﻓﯾﺻﻌب ﻋﻠﻰ اﻷدﯾب اﻟذي ﯾﻌﺗﻧق ﻣذﻫﺑﺎ أن ﯾﻐﯾرﻩ
28
اﻟﻣدﺧل
ﺑﺳرﻋﺔ ﺑﯾﻧﻣﺎ ﯾﺳﻬل ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻔﻛر اﻟذي ﯾﻌﺗﻧق أو ﯾﻘﺗﻧﻊ ﺑﻣﻧﻬﺞ ﻣﺣدد ﺛم ﯾﺟد ﻓﯾﻪ ﺟواﻧب
واﺿﺣﺔ ﻣن اﻟﻘﺻور أن ﯾﺳﺗﻛﻣﻠﻪ ﺑﻘدر أﻛﺑر أو ﯾﻌدﻟﻪ ﺑﻣروﻧﺔ أوﺿﺢ«.1
إذن اﺗﺻﺎف اﻟﻣﻧﻬﺞ ﺑﺎﻟﻣروﻧﺔ ﻫو ﺣﺳب "ﺻﻼح ﻓﺿل" ﯾﻌود ﻻرﺗﺑﺎطﻪ اﻟوﺛﯾق ﺑﺎﻟﻌﻠم
ﻓﺎﻟﻌﻠم ﻻ ﯾؤﻣن ﺑﺎﻟﻣﺳﻠﻣﺎت »ﻓﻘواﻧﯾﻧﻪ ﻣوﻗوﺗﺔ ﺗوﺿﻊ ﻟﺗﻧﻔﻰ ،ﻓﻣروﻧﺗﻪ اﻟداﺧﻠﯾﺔ ﻫﻲ ﺧﺎﺻﯾﺗﻪ
اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ«.2
ﻓﺎﻗﺗران اﻟﻣﻧﻬﺞ ﺑﺎﻟﻌﻠم أﻛﺳﺑﻪ ﻫذﻩ اﻟﻣروﻧﺔ أو اﻟﺧﺎﺻﯾﺔ اﻟﺣرﻛﯾﺔ ،وﯾﺗﻣﯾز ﺑذﻟك ﻋن
اﻟﻣذﻫب اﻟﻣﺗﺳم ﺑﺗﻠك اﻟﺻﻼﺑﺔ ﻓﻲ ﻣﺑﺎدﺋﻪ اﻟﻣﺳﻠم ﺑﻬﺎ واﻟﺗﻲ ﻻ ﻣﺟﺎل ﻟﻠﺷك أو اﻟطﻌن ﻓﯾﻬﺎ
ﻋﻠﻰ اﻷﻗل ﻓﻲ اﻟﻣدى اﻟﻘرﯾب ،وﻓﻲ اﻟﻣدى اﻟﺑﻌﯾد ﻫذا اﻟﯾﻘﯾن اﻟﻣطﻠق ﻟم ﯾﻌد ﺻﺣﯾﺣﺎ وﯾﻣﻛن
ﺗﻐﯾﯾرﻩ وذﻟك ﺣﺳب اﻟﻧﺎﻗد ﺻﻼح ﻓﺿل أدى ﻓﻲ اﻟﻌﺻر اﻟﺣدﯾث إﻟﻰ ﺗراﺟﻊ ﻓﻛرة اﻟﻣذﻫﺑﯾﺔ ﻓﻲ
اﻷدب واﻟﻧﻘد وﺣﻠت ﻣﺣﻠﻬﺎ ﻓﻛرة اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ،وﯾﻌود ذﻟك إﻟﻰ اﻟﻧزوع اﻟﻌﻠﻣﻲ اﻟذي »ﺟﻌل اﻟﻧﻘد
ﯾﺗطور طﺑﻘﺎ ﻟﺗطور ﻧظرﯾﺎت اﻷدب ذاﺗﻬﺎ ﻣن ﻣرﺣﻠﺔ اﻟﻣذﻫﺑﯾﺔ إﻟﻰ ﻣرﺣﻠﺔ اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ«.3
ﺛﺎﻟﺛﺎ :اﻟﻣﻧﻬﺞ ﺑﯾن اﻟﻌﻠم واﻟﻧﻘد
ﻛﻠﻣﺔ ﻋﻠم ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ ﺗﻌﻧﻲ »إدراك اﻟﺷﻲء ﺑﺣﻘﯾﻘﺗﻪ ،وﻫو اﻟﯾﻘﯾن واﻟﻣﻌرﻓﺔ " ، 4أﻣﺎ
اﺻطﻼﺣﺎ ﻓﻬو» ﺟﻣﻠﺔ اﻟﺣﻘﺎﺋق واﻟوﻗﺎﺋﻊ واﻟﻧظرﯾﺎت وﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺑﺣث اﻟﺗﻲ ﺗزﺧر ﺑﻬﺎ اﻟﻣؤﻟﻔﺎت
5
ﺑﺄﻧﻪ »ذﻟك اﻟﻔرع ﻣن اﻟدراﺳﺔ اﻟذي ﯾﺗﻌﻠق ﺑﺟﺳد ﻣﺗراﺑط ﻣن اﻟﺣﻘﺎﺋق
ﻋرف اﻟﻌﻠم ّ
ّ ﻛﻣﺎ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ«
29
اﻟﻣدﺧل
اﻟﺛﺎﺑﺗﺔ اﻟﻣﺻﻧﻔﺔ ،واﻟﺗﻲ ﺗﺣﻛﻣﻬﺎ ﻗواﻧﯾن ﻋﺎﻣﺔ وﺗﺣﺗوي ﻋﻠﻰ طرق وﻣﻧﺎﻫﺞ ﻣوﺛوق ﺑﻬﺎ ﻻﻛﺗﺷﺎف
اﻟﺣﻘﺎﺋق اﻟﺟدﯾدة ﻓﻲ ﻧطﺎق اﻟدراﺳﺔ «. 1
وﻗد ﺗطور ﻣﻔﻬوم اﻟﻌﻠم ﻋﺑر اﻟزﻣن وﺣﻣل ﻣﻌﻪ دﻻﻻت ﻛﺛﯾرة ،ﻓﺄرﺳطو ﯾؤﻛد أن اﻟﻌﻠم
ﯾﺧص اﻟﺿروري اﻟﺧﺎﻟد ،أﻣﺎ أﻓﻼطون ﻓﯾرى ﻓﯾﻪ أرﻗﻰ درﺟﺎت اﻟﻣﻌرﻓﺔ ،وﻓﻲ اﻟﻌﺻر اﻟوﺳﯾط
ﻛﺎﻧت ﻣﻌرﻓﺔ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﻌظﻣﻰ ذات طﺑﯾﻌﺔ دﯾﻧﯾﺔ »،ﻓﻛﻠﻣﺔ "ﻋﻠم" ﻛﺎﻧت ﺗﻌﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ
اﻟﻼﻫوﺗﯾﺔ ﺣﺳب ﻻﻻﻧد Lalandeاﻟﻣﻌرﻓﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻌرﻓﻬﺎ اﷲ ﻓﻲ اﻟﻛون«،2وﯾﻣﻛن اﻟﻘول أن
»اﻟﻌﻠم ﯾﺿم ﻛل ﺑﺣث ﻋن اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ،ﯾﺟري ﻣﻧزﻫﺎ ﻋن اﻷﻫواء واﻷﻏراض ،ﯾﻌرض اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ
ﺻﺎدﻗﺔ ﺑﻣﻧﻬﺞ ﯾرﺗﻛز ﻋﻠﻰ دﻋﺎﺋم أﺳﺎﺳﯾﺔ «.3
ﻧﺳﺗﺷف ﻣﻣﺎ ﺳﺑق أن اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﻣوﺟودة ﺑﯾن اﻟﻌﻠم واﻟﻣﻧﻬﺞ ﻋﻼﻗﺔ اﺗﺻﺎل وﺗﻛﺎﻣل ،ﺑﻣﺎ
أن اﻟﺑﺣث ﻋن اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﻻ ﯾﺗم إﻻ ﺑواﺳطﺔ ﻣﻧﻬﺞ واﺿﺢ ﻟﻪ ﻗواﻋد أﺳﺎﺳﯾﺔ ،ﺗﻣﻛن ﻣن اﻟوﺻول
إﻟﻰ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ،وﺑذﻟك ﯾﺻﺑﺢ اﻟﻣﻧﻬﺞ واﻟﻌﻠم ﻣﺗراﺑطﺎن ﯾراﻓق ﻛل ﻣﻧﻬﻣﺎ اﻵﺧر ،ﻣن أﺟل اﻟوﺻول
إﻟﻰ ﻧﺗﺎﺋﺞ ﺳﻠﯾﻣﺔ وﻓق ﺷروط اﻟﺑﺣث اﻟﻌﻠﻣﻲ ،واﻟﺗﻲ ﯾﻘوم ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻛذﻟك ﻛﺎﻟﻣوﺿوﻋﯾﺔ
واﻟﺑﻌد ﻋن اﻟذاﺗﯾﺔ وﻏﯾرﻫﻣﺎ ﻣن اﻟﺷروط .
وﻋن اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن اﻟﻌﻠم واﻟﻧﻘد ﯾﻘول "ﺑﺳﺎم ﻗطوس" أﺳﺗﺎذ اﻟﻧﻘد اﻟﺣدﯾث »إن اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن
ﻓﻧﺎً ﯾﺳﺗﻔﯾد ﻣن اﻟﻌﻠم ،أو إن ﺷﺋت ﻗﻠت ﺑوﺻﻔﻪ ﻓﻧﺎ ُﯾ َﻌ ْﻠ َﻣ ُن
اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ واﻟﻌﻠم ،ﺑوﺻﻔﻪ ّ
-1ﻋﻣﺎر ﻋواﺑدي ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺑﺣث اﻟﻌﻠﻣﻲ وﺗطﺑﯾﻘﺎﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﯾدان اﻟﻌﻠوم اﻟﻘﺎﻧوﻧﯾﺔ واﻹدارﯾﺔ ،دﯾوان اﻟﻣطﺑوﻋﺎت اﻟﺟﺎﻣﻌﯾﺔ ،
ط ، 5اﻟﺟزاﺋر ، 2005 ،ص .18
-2ﻣﺎدﻟﯾن ﻋزاوﯾﺗز ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻌﻠوم اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ،ﺗرﺟﻣﺔ ﺑﺳﺎم ﻋﻣﺎر ،ج ، 1اﻟﻣرﻛز اﻟﻌرﺑﻲ ﻟﻠﺗﻌرﯾب واﻟﺗرﺟﻣﺔ واﻟﺗﺄﻟﯾف
واﻟﻧﺷر ،د ط ،دﻣﺷق ، 1993 ،ص .43
-3وﺣﯾد دوﯾدري ،اﻟﺑﺣث اﻟﻌﻠﻣﻲ أﺳﺎﺳﯾﺎﺗﻪ اﻟﻧظرﯾﺔ وﻣﻣﺎرﺳﺎﺗﻪ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ،دار اﻟﻔﻛر اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ﺑﯾروت ،ط 2002 ، 1
ص .23
30
اﻟﻣدﺧل
ﻣﺗﻌددة « ، 1وﻧﻔﻬم
ﻋﺷر وﻣطﻠﻊ اﻟﻘرن اﻟﻌﺷرﯾن إﯾذاﻧﺎً ﺑظﻬور ﻣﻧﺎﻫﺞ واﺗﺟﺎﻫﺎت ﻓﻛرﯾﺔ وﻧﻘدﯾﺔ ّ
ﻣن اﻟﻛﻼم اﻷﺧﯾر أن ﻫﻧﺎك ﻋﻼﻗﺔ وﺛﯾﻘﺔ ﺑﯾن اﻟﻧﻘد واﻟﻌﻠم ﻛون اﻷول ﻓﻧﺎ ﯾﻛﺗﺳب ﺻﻔﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ
أو ﯾﻌﻠﻣن ﻟﯾﺻطﻧﻊ ﻣﻧﻪ ﻣﻧﺎﻫﺞ ﻋﻠﻣﯾﺔ ،واﻟﺗطور اﻟذي ﻋرﻓﻪ اﻟﻌﻠم ﻧﻬﺎﯾﺔ اﻟﻘرن اﻟﺗﺎﺳﻊ ﻋﺷر
وﺑداﯾﺔ اﻟﻘرن اﻟﻌﺷرﯾن دﻓﻊ ﻟظﻬور ﻣﻧﺎﻫﺞ واﺗﺟﺎﻫﺎت ﻓﻛرﯾﺔ وﻧﻘدﯾﺔ ﻣﺗﻌددة.
ﻟم ﯾﻛن اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻌﻠﻣﻲ ﻣﻘﺗﺻ ار ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻠوم اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ ﻓﺣﺳبٕ ،واﻧﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﻟﻪ ﻋﻼﻗﺔ
ﻛذﻟك ﺑﺎﻟﻌﻠوم اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﻛﻌﻠم اﻟﻧﻔس وﻋﻠم اﻻﺟﺗﻣﺎع واﻷدب ،ﻫذا اﻷﺧﯾر اﻟذي راﻓﻘﻪ اﻟﻣﻧﻬﺞ
ﻣﻧذ ﺑداﯾﺎت اﻟﻌﺻر اﻟﻌﺑﺎﺳﻲ ،ﺣﯾث اﻧﻛب ﻓﯾﻪ اﻟﻌرب ﻋﻠﻰ ﺗدارس اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ اﻟﯾوﻧﺎﻧﯾﺔ ،ﻓﻛﺎن
اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻷرﺳطﻲ اﻟذي ﯾﻌﺗﺑر أول اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺗﻲ ﻋرﻓت ﻓﻲ ذﻟك اﻟﻌﺻر ﺣﺎﺿ ار ﻓﻲ ﻣؤﻟﻔﺎﺗﻬم،
ﺳواء ﺗﻌﻠق اﻷﻣر ﺑﺎﻷدب أو اﻟﻠﻐﺔ أو اﻟﻌﻠوم اﻟﺷرﻋﯾﺔ ،وﻣن ﺑﯾن ﻫؤﻻء ﻧﺟد "اﺑن ﺳﻼم
اﻟﺟﻣﺣﻲ" ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ "طﺑﻘﺎت ﻓﺣول اﻟﺷﻌراء" » اﻟذي اﻋﺗﻣد ﻣﻧﻬﺞ اﻟﺟدل اﻟﻌﻘﻠﻲ واﻟﻣﻧطﻘﻲ
-1ﺑﺳﺎم ﻗطوس ،دﻟﯾل اﻟﻧظرﯾﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ،ﻣﻧﺎﻫﺞ وﺗﯾﺎرات ،رﺋﯾس ﻗﺳم اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ وآداﺑﻬﺎ ،ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻛوﯾت ،ص
.5
-2ﻣﺣﻣد ﻣﺣﻣد ﻗﺎﺳم ،اﻟﻣدﺧل إﻟﻰ ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺑﺣث اﻟﻌﻠﻣﻲ ،ص.52
-3اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .53
31
اﻟﻣدﺧل
ﻣﺗﻘﺻﯾﺎ وﺟﻪ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﻣن أﺟل ﺗﺣدﯾد ﻣﻔﻬوم اﻟﺷﻌر« ،1وﻛذﻟك "اﻟﺟﺎﺣظ" اﻟذي » أﺧذ ﻋﻠﻰ
ﻧﻔﺳﻪ أن ﯾﺿﻊ ﻣرﺟﻌﺎ ﻋرﺑﯾﺎ واﻓﯾﺎ ﻓﻲ اﻟﺣﯾوان ﻛﺎن ﺟدﯾ ار ﺑﻪ أن ﯾﺳﻠك ﻣﻧﻬﺟﺎ ﻋﻠﻣﯾﺎ ﯾﻔﯾد ﻣن
اﻟﺟﻬود اﻟﺗﻲ ﺳﺑﻘﺗﻪ ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻣﺿﻣﺎر ،وﻣن ﻫﻧﺎ ﺟﺎءت إﻓﺎدﺗﻪ ﻣن أرﺳطو ﻋﻠﻰ ﻣﻧﻬﺟﯾﺗﻪ
اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ « 2وﻛذﻟك اﻟﺟرﺟﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ دﻻﺋل اﻹﻋﺟﺎز ﻓﻲ ﻋﻠم اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ ،ﺣﯾث ﺗﺣدث ﻋﻠﻲ
ﺟﻌﻔر ﻋن اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻣﺗﺑﻊ ﻓﻲ اﻟﻛﺗﺎب ﻗﺎﺋﻼ ﺑﺄن اﻟﺟرﺟﺎﻧﻲ دﻋﻰ إﻟﻰ »اﻛﺗﺷﺎف اﻟﻘواﻧﯾن اﻟﺗﻲ
ﯾﺧﺿﻊ ﻟﻬﺎ اﻟﻧظﺎم اﻟﻠﻐوي ﺑﺎﻻﺳﺗﻧﺎد إﻟﻰ ﻣﻧﻬﺞ ﻋﻠﻣﻲ ﻓﻲ اﻟﺑﺣث ﯾﻘوم ﻋﻠﻰ ﺗﻌﻣﯾم ﻣﺎ ﯾﺗم ﺛﺑوﺗﻪ
ﻓﻲ ﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﺣﺎﻻت ﻓﻲ ظﺎﻫرة ﻣﻌﯾﻧﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﻘﯾﺔ اﻟﺣﺎﻻت اﻟﻣﻣﺎﺛﻠﺔ«.3
وﻫﻧﺎ ﻻﺑد ﻣن ذﻛر ﺑﻌض اﻟﺳﻣﺎت واﻟﺧﺻﺎﺋص اﻟﺗﻲ ﯾﻣﺗﺎز ﺑﻬﺎ اﻟﺗﻔﻛﯾر اﻟﻌﻠﻣﻲ ﻓﻲ
4
اﻟوﺻول اﻟﺗﻲ ﯾﻣﻛن إﯾﺟﺎزﻫﺎ ﻓﻲ ﻣﺎ ﯾﻠﻲ :
اﻻﻋﺗﻣﺎد ﻋﻠﻰ اﻟﺣﻘﺎﺋق واﻟﺷواﻫد واﻻﺑﺗﻌﺎد ﻋن اﻟﺗﺄﻣﻼت اﻟﺗﻲ ﻻ ﺗﺳﺗﻧد ﻋﻠﻰ أﺳس
وﺑراﻫﯾن.
اﻻﻋﺗﻣﺎد ﻋﻠﻰ اﺳﺗﺧدام اﻟﺣﻘﺎﺋق اﻟﻣﻔﺗرﺿﺔ واﻟﺗﻲ ﺗﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﺗﺄﻛﯾدﻫﺎ أو اﻻﺑﺗﻌﺎد ﻋﻧﻬﺎ
واﻻﺳﺗﻌﺎﺿﺔ ﻋﻧﻬﺎ ﺑﺣﻘﺎﺋق أﺧرى ﺗﻧﺳﺟم ﻣﻊ اﻟﻣﻌﻠوﻣﺎت اﻟﻣﺳﺗﺟدة اﻟﺗﻲ ﺗوﻓرت
ﻟﻠﺑﺎﺣث.
اﺳﺗﺧدام اﻟﺗﺣﻠﯾﻼت اﻟﻣطﻠوﺑﺔ ﻟﻐرض ﺗﺑﺳﯾط اﻟظواﻫر اﻟﻣدروﺳﺔ .
-1ﻣﺳﻠك ﻣﯾﻣون ،اﻟﺗﺄﺻﯾل اﻹﺟراﺋﻲ ﻟﻣﻔﻬوم اﻟﺷﻌر ﻋﻧد اﺑن ﺳﻼم اﻟﺟﻣﺣﻲ ،ﻣﺟﻠﺔ ﻋﺎﻟم اﻟﻔﻛر ،ﻣﺟﻠد ، 30ﻋدد ، 2
أﻛﺗوﺑر ،دﯾﺳﻣﺑر ،2001اﻟﻣﺟﻠس اﻟوطﻧﻲ ﻟﻠﺛﻘﺎﻓﺔ واﻟﻔﻧون واﻵداب ،اﻟﻛوﯾت ،ص .139
-2ﻣﺣﻣد ﻣﺣﻣود اﻟدروﺑﻲ ،اﻟﺗﻬم اﻟﻣوﺟﻬﺔ إﻟﻰ اﻟﺟﺎﺣظ ،ﻣﺟﻠﺔ ﻋﺎﻟم اﻟﻔﻛر ،ﻣﺟﻠد ،35ﻋدد ،4أﺑرﯾل ،ﯾوﻧﯾو، 2007 ،
ص .246
-3ﻋﻠﻲ ﺟﻌﻔر دك اﻟﺑﺎب ،اﻟﻣوﺟز ﻓﻲ ﺷرح دﻻﺋل اﻹﻋﺟﺎز ﻓﻲ ﻋﻠم اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ ،ﻣطﺑﻌﺔ اﻟﺟﻠﯾل ،دﻣﺷق ،ط ،1980 ، 1
ص.33
-4ﻋﺎﻣر ﻗﻧدﯾﻠﺟﻲ ،اﻟﺑﺣث اﻟﻌﻠﻣﻲ واﺳﺗﺧدام ﻣﺻﺎدر اﻟﻣﻌﻠوﻣﺎت اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ واﻻﻟﻛﺗروﻧﯾﺔ ،دار اﻟﻣﺳﯾرة ،اﻷردن ،2008 ،
ص .30
32
اﻟﻣدﺧل
وﻟم ﯾﻌد اﻟﺑﺣث اﻟﻌﻠﻣﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﺻر اﻟﺣدﯾث ﻋﺑﺎرة ﻋن ﺟﻣﻊ اﻟﻣﻌﻠوﻣﺎت واﻟﻣﻌﺎرف ﻷﻧﻬﺎ
أﺻﺑﺣت ﻣﺗﺎﺣﺔ وﻣﺗوﻓرة ﻣﻧذ ظﻬور اﻟطﺑﺎﻋﺔ وﺗطور اﻟوﺳﺎﺋل اﻹﻟﻛﺗروﻧﯾﺔ ﻓﻲ ﻧﺷر وﺗﺧزﯾن
اﻟﻣﻌﻠوﻣﺎت ،وﻟﯾس ﻣن اﻟﻣﺟدي أن ﯾﺑذل اﻟﺑﺎﺣث اﻟوﻗت واﻟﺟﻬد ﻓﻲ ﺟﻣﻊ ﻣﻌﻠوﻣﺎت ﯾﻣﻛن ﻷي
أﺣد اﻟﺣﺻول ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻓﻲ ﻟﺣظﺎت ،ﺑﺳﺑب ﺗراﻛم اﻟﻣﻌﺎرف واﻟﻣﻌﻠوﻣﺎت ﻓﻲ اﻷﺟﻬزة اﻻﻟﻛﺗروﻧﯾﺔ
ﺑل أﺻﺑﺢ اﻟﺑﺎﺣث اﻟﻣﻌﺎﺻر ﯾﺧﺗﺎر ﻣﻧطﻘﺔ ﺻﻐﯾرة أوﺟزﺋﯾﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ وﯾظل ﯾﺑﺣث ﻓﯾﻬﺎ إﻟﻰ أن
ﯾﺻل إﻟﻰ ﻫدﻓﻪ اﻟﻣﻧﺷود ،ﻓﻬو ﻣﺛل ﻋﺎﻟم اﻵﺛﺎر اﻟذي ﯾﺑﺣث ﻋن ﺟوﻫرة ﻣدﻓوﻧﺔ ﺗﺣت اﻷرض.
وﻛﻣﺎ ﺗﻣت اﻹﺷﺎرة إﻟﯾﻪ أن ﻫدف ﻛل ﺑﺎﺣث اﻟوﺻول إﻟﻰ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ،ﻣﻬﻣﺎ اﺧﺗﻠﻔت أﻧواع
اﻟﺑﺣوث ﺣﺳب ﻛل ﻣﺟﺎل ،وﻣن اﻟﺑدﯾﻬﻲ اﺧﺗﻼف اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﺑﺣث ﻋن ﻣﺎدة ﻛﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ
ﻋن اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺣﺎول اﻟﺗوﺻل إﻟﯾﻬﺎ ﺑﺣث أدﺑﻲ ﺣول ﺗﺄﺛﯾر ﺷﺎﻋر ﻋﻠﻰ ﺷﺎﻋر آﺧر ﻣﺛﻼ .
ﻫذﻩ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﻣﻧﺷودة ﻻ ﺑد أن ﺗﻛون ﻣؤﯾدة ﺑطرق اﻹﺛﺑﺎت اﻟﻣﻧطﻘﯾﺔ ،وﻻﺑد ﻣن اﻟﺗوﺻل
إﻟﯾﻬﺎ ﺑﺎﻟطرق اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ اﻟﺳﻠﯾﻣﺔ أي ﻻ ﺑد أن ﯾﻛون اﻟﺑﺎﺣث ﻗد اﻋﺗﻣد ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻌﻠﻣﻲ
وﺑذﻟك ﻓﺈن اﻟﺣﻘﺎﺋق اﻟﻣﺑﻧﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺗوﻫم واﻟﺗﺧﯾل واﻟﺣدس ﻻ ﺗوﺻف ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺣﻘﺎﺋق ﻋﻠﻣﯾﺔ ﺣﺗﻰ
ﯾﺗم ﺗﺄﯾﯾدﻫﺎ وﺗﺄﻛﯾدﻫﺎ ﺑﺎﻷدﻟﺔ واﻟﺑراﻫﯾن .
33
اﻟﻣدﺧل
واﻟوﺻول إﻟﻰ ﻣﺎ ﺗﺣﻣﻠﻪ اﻟﺑﻧﯾﺔ ﻣن ﻣﺿﻣون ورؤﯾﺔ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن ﻫذا اﻟﻣﺿﻣون وﻣﺎ ﻫو ﺧﺎرج
اﻟﻧص « ، 1أو ﻫو» ﺗﻘدﯾم ﺗﻌﻠﯾق ﻋﻠﻰ ﻋﻣل أدﺑﻲ ،وﻟﻛن ﺑﺣﺳﺎﺳﺔ ﻣرﻫﻔﺔ ﺗﺳﻌﻰ إﻟﻰ إﺑراز
اﻷﺳرار اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ واﻟﺣﻘﺎﺋق اﻟﻣﺧﺑوءة اﻟﺗﻲ ﯾﺣﻣﻠﻬﺎ اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ ﻟﻠﻘراء اﻟﻣﻔﺗﻘرﯾن إﻟﻰ ﻣن ﯾﻧﯾر
ﻟﻬم اﻟﺳﺑﯾل وﯾﺳﻠك ﺑﻬم اﻟطرﯾق« ،2ﻣن اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ ﻧﺧﻠص أن اﻟﻧﻘد ﻋﻣﻠﯾﺔ ﻛﺗﺎﺑﺔ ﺛﺎﻧﯾﺔ
ﺗﻬدف إﻟﻰ ﺗﻔﺳﯾر وﺗﺣﻠﯾل اﻟﻧﺻوص ﻣن ﺧﻼل ﻛﺷف ﺣﻘوﻟﻬﺎ اﻟدﻻﻟﯾﺔ ٕواﺑراز اﻟﻘواﻧﯾن اﻟﺗﻲ
ﺗﺧﺿﻊ ﻟﻬﺎ ﻣن أﺟل ﺗﺑﺳﯾط ﻋﻣﻠﯾﺔ ﻓﻬﻣﻬﺎ ﻟﻠﻘﺎرئ اﻟﻌﺎدي اﻟذي ﺗﻌوزﻩ اﻷدوات ﻟذﻟك ،وﯾرى
3
ﻗﺳطﺎﻛﻲ اﻟﺣﻣﺻﻲ أن :
أن اﻟﻧﻘد ﻋﺑﺎرة ﻋن ﻋﻠم ﻣﻌﯾﺎري ﻟﻪ ﻗواﻋدﻩ اﻟﺗﻲ ﺗﺷﺑﻪ ﻗواﻋد اﻟﻌروض ،واﻟﺗﻲ ﯾﻣﯾز
ﺑﻬﺎ ﺑﯾن اﻟﻣوزون وﻏﯾر اﻟﻣوزون واﻟﺻﺣﯾﺢ واﻟﻔﺎﺳد واﻟﻘوي واﻟﺿﻌﯾف.
أن ﻣﺟﺎل اﻟﻧﻘد ﯾﺷﻣل ﻛل ﺟواﻧب اﻟﻣﻌرﻓﺔ ﺑل ﻛل ﺟواﻧب اﻟﺣﯾﺎة ،أي أﻧﻪ ﯾﺷﻣل
اﻟﻧﻘد اﻟﻌﻠﻣﻲ واﻟﻔﻧﻲ واﻟﺳﯾﺎﺳﻲ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ...اﻟﺦ.
ﻛﻣﺎ ﯾرى » أن اﻟﻧﻘد ﻋﻠم ،وﻣن ﺛم ﻟﻪ ﻗواﻋدﻩ اﻟﺧﺎﺻﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺷﺑﻪ ﻗواﻋد اﻟﻌﻠوم اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ
ﻣﺛل اﻟﻛﯾﻣﯾﺎء واﻟﻔﯾزﯾﺎء ،وﻣﺎدام اﻟﻧﻘد ﻛذﻟك ﻓﻼﺑد أن ﯾﻛون ﻟﻪ ﻣوﺿوع ،وﻻﺑد ﻓﻲ ﻣوﺿوﻋﻪ
ﻫذا أن ﯾﻛون ﻣﺎدة ﻣﺣﺳوﺳﺔ«.4
ﻓﺈن اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ » ﯾﻧﺗﻣﻲ إﻟﻰ اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎت واﻟﺛﻘﺎﻓﺎت
وﺣﺳب "ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض" ّ
واﻻﺗﺟﺎﻫﺎت اﻟﻔﻛرﯾﺔ ،واﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ« ،5اﻟﺗﻲ ﻣن ﺷﺄﻧﻬﺎ أن ﺗﺳﺎﻋدﻩ ﻓﻲ إﻧﺎرة اﻟﻧص
اﻷدﺑﻲ.
34
اﻟﻣدﺧل
وﯾﻌد ﻓﻼﺳﻔﺔ اﻟﯾوﻧﺎن أﺳﺑق ﻣن وﺿﻌوا اﻟﻘواﻋد واﻷﺣﻛﺎم ﻓﻲ ﻣﯾدان اﻟﻌﻠم واﻟﻣﻌرﻓﺔ
ﻋﻣوﻣﺎ وﻣﯾدان اﻟﻧﻘد ﺧﺻوﺻﺎ ﻛﺄرﺳطو وأﻓﻼطون وﻏﯾرﻫم ،دون إﻫﻣﺎل اﻟﻌرب وأدﺑﻬم
اﻟﺧﺎﻟد ﻓﻘد ﻋرﻓوا اﻟﻧﻘد ﻣﻧذ اﻟﻌﺻر اﻟﺟﺎﻫﻠﻲ وأﺣﻛﺎﻣﻪ اﻟﻌﻔوﯾﺔ اﻟﻣﻧﺳﺟﻣﺔ ﻣﻊ روح اﻟﺑداوة
اﻟﺳﺎﺋدة آﻧذاك ،وظﻬور اﻷﺣﻛﺎم اﻻﻧطﺑﺎﻋﯾﺔ ﻛذﻟك واﻟﺗﻲ ﻻ ﺗﺳﺗﻧد إﻟﻰ أﺻول أو ﻗواﻋد.
وﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑل ذﻟك ﻓﻘد ﻋرﻓت أورﺑﺎ اﻟﻧﻘد ﺑﻣﻧﺎﻫﺟﻪ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻣن ﻛﻼﺳﯾﻛﯾﺔ وروﻣﺎﻧﺳﯾﺔ
وﻏﯾرﻫﺎ ﻣن اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ واﻟﺗﻲ ﺗﻌﺗﺑر ﻣﺑدأ اﻻﺧﺗﯾﺎر ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟذي ﯾدع اﻟﺣرﯾﺔ ﻟﻠﻧﺎﻗد ﻓﻲ
اﻋﺗﻧﺎق اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟذي ﯾروﻗﻪ وﯾراﻩ ﻣﻧﺎﺳﺑﺎ دون اﻟﺗﻘﯾد ﺑﻣﻧﻬﺞ ﻣﻌﯾن.
ﻣن ﻫﻧﺎ ﯾﺻﺑﺢ اﻟﻣﻧﻬﺞ وﺳﯾﻠﺔ ﻟﺗﻧظﯾم ﻫذﻩ اﻟﻐﺎﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺳﻌﻰ إﻟﯾﻬﺎ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ،ﻓﺈذا
ﻛﺎﻧت اﻟﻐﺎﯾﺔ ﻛﺷف أﺳرار اﻟﻧص ،ﻓﻼﺑد ﻣن دراﺳﺔ اﻟﺑﻧﯾﺔ اﻟداﺧﻠﯾﺔ ﻟﻪ ﻛﺧطوة ﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ﺗﺳﺑق
أي ﻋﻣﻠﯾﺔ ﺗﺣﻠﯾل ﻟﻠﻧص اﻷدﺑﻲ.
وﺑﻣﺎ أن اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ﯾﻧﺗﻣﻲ إﻟﻰ اﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ ،ﻓﺈن ﻛل ﻧظرﯾﺔ ﺗﻘوم ﻋﻠﻰ أﺳس
وﻗواﻋد ﯾﺟب إﺗﺑﺎﻋﻬﺎ ﻟﻠوﺻول إﻟﻰ اﻟﻬدف .
1
وﯾرى "ﺻﻼح ﻓﺿل" » أن اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻘدي ﻟﻪ ﻣﻔﻬوﻣﺎن أﺣدﻫﻣﺎ ﻋﺎم واﻵﺧر ﺧﺎص «
ﻓﺎﻟﻣﻔﻬوم اﻟﻌﺎم ﯾرﺗﺑط ﺑطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻔﻛر اﻟﻧﻘدي ذاﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﻌﻠوم اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﺑﺄﻛﻣﻠﻬﺎ ،وﯾﻌﺗﺑر "دﯾﻛﺎرت"
ﻫو ﻣؤﺳس ﻫذﻩ اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻔﻛرﯾﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻻ ﺗﻘﺑل أي ﻣﺳﻠﻣﺎت ﻗﺑل ﻋرﺿﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻘل
وﻣﺑدأﻩ ﻓﻲ ذﻟك اﻟﺷك ﻟﻠوﺻول إﻟﻰ اﻟﯾﻘﯾن ،وﺳﻣﺔ اﻟﻔﻛر اﻟﻧﻘدي ﻫﻲ ﻋدم ﻗﺑول اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ إﻻ ﺑﻌد
اﺧﺗﺑﺎرﻫﺎ واﻟﺑرﻫﺎن ﻋﻠﯾﻬﺎ ﺑﺎﻟوﺳﺎﺋل اﻟﺗﻲ ﺗؤﻛد ﺳﻼﻣﺗﻬﺎ وﺻﺣﺗﻬﺎ وذﻟك ﻗﺑل اﺗﺧﺎذ ﻫذﻩ اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ
أﺳﺎﺳﺎ ﻟﺑﻧﺎء اﻟﻧﺗﺎﺋﺞ اﻟﻣراد اﻟوﺻول إﻟﯾﻬﺎ.
أﻣﺎ اﻟﺧﺎص ﻓﻬو اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻘدي اﻟذي ﯾﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟدراﺳﺔ اﻷدﺑﯾﺔ ،وﻫو اﻟذي ﯾﻘوم ﺑﻣﻘﺎرﺑﺔ
اﻟﻧﺻوص اﻷدﺑﯾﺔ وﻛﺷف ﺧﺑﺎﯾﺎﻫﺎ واﻟﺗﻲ ﻻ ﯾﺳﺗطﯾﻊ اﻟﻘﺎرئ اﻟﻌﺎدي اﻟوﺻول إﻟﯾﻬﺎ دون اﻟﻠﺟوء
إﻟﻰ اﻹﺟراءات واﻷدوات اﻟﺗﻲ ﯾﺗﺿﻣﻧﻬﺎ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻘدي.
35
اﻟﻣدﺧل
وﻻ ﺑد ﻟﻠﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻘدي اﻟذي ﯾدرس اﻟﻧﺻوص اﻷدﺑﯾﺔ أن »ﯾﻧطﻠق ﻣن ﻣﺑﺎدئ ﻓﻛرﯾﺔ
وﻣﻧطﻠﻘﺎت ﻣﻌرﻓﯾﺔ ﯾرﺗﻛز ﻋﻠﯾﻬﺎ ،وﻻ ﯾﻣﻛن أن ﺗﺗﺿﺢ اﻟﻣﻧطﻠﻘﺎت اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ ﻟﻠﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻘدي إﻻ
ﺑﺗﺣدﯾد اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم اﻹﺟراﺋﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾوظﻔﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﺣﻠﯾل اﻟﺧطﺎﺑﺎت اﻷدﺑﯾﺔ«.1
أﻣﺎ "ﻋﺑد اﷲ إﺑراﻫﯾم" ﻓﯾرى أن اﻟﻘراءة اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﺗﻘوم ﻋﻠﻰ رﻛﯾزﺗﯾن ﻫﻣﺎ " اﻟرؤﯾﺔ" و"اﻟﻣﻧﻬﺞ
اﻟﻧﻘدي" ،ﺣﯾث ﯾﻘول »ﺗﻘوم أي ﻗراءة ﻧﻘدﯾﺔ ﺑوﺻﻔﻬﺎ ﻓﻌﺎﻟﯾﺔ ﻣﻧﺷطﺔ ﻟﻠﻧﺻوص اﻷدﺑﯾﺔ ﻋﻠﻰ
رﻛﯾزﺗﯾن أﺳﺎﺳﯾﺗﯾن ﻫﻣﺎ "اﻟرؤﯾﺔ" اﻟﺗﻲ ﯾﺻدر ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻟﻧﺎﻗد و" اﻟﻣﻧﻬﺞ " اﻟذي ﯾﺗﺑﻌﻪ ﻟﺗﺣﻘﯾق
اﻷﻫداف اﻟﺗﻲ ﯾﺗوﺧﺎﻫﺎ ﻣن ﻗراءﺗﻪ « ، 2ﻓﺎﻟرؤﯾﺔ ﻋﻧدﻩ ﻫﻲ»ﺧﻼﺻﺔ اﻟﻔﻬم اﻟﺷﺎﻣل ﻟﻠﻔﻌﺎﻟﯾﺔ
اﻹﺑداﻋﯾﺔ « ،3أﻣﺎ اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻓﻬو» ﺳﻠﺳﻠﺔ اﻟﻌﻣﻠﯾﺎت اﻟﻣﻧظﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻬﺗدي ﺑﻬﺎ اﻟﻧﺎﻗد وﻫو ﯾﺑﺎﺷر
وﺻف اﻟﻧﺻوص اﻷدﺑﯾﺔ وﺗﻧﺷﯾطﻬﺎ ،واﺳﺗﻧطﺎﻗﻬﺎ وﯾﺷﺗرط أن ﯾﻛون اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻣﺳﺗﺧﻠﺻﺎ ﻣن
آﻓﺎق ﺗﻠك اﻟرؤﯾﺔ«.4
ﯾﺗﺻور "ﻋﺑد اﷲ إﺑراﻫﯾم" ﺛﻼث ﻗﺿﺎﯾﺎ أﺳﺎﺳﯾﺔ ﻫﻲ "اﻟﻘراءة اﻟﻧﻘدﯾﺔ ،اﻟرؤﯾﺔ ،اﻟﻣﻧﻬﺞ
اﻟﻧﻘدي" ،وﻛل ﻗﺿﯾﺔ ﻣن ﺑﯾن ﻫذﻩ اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ ﺗﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﺗوﺿﯾﺢ ،ﻓﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﻘراءة ﻓﻬﻲ
»إﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ ﺗﻘوﯾم اﻟﻣﻘﺎﺻد اﻟﻣﺿﻣرة واﻟﻣﺗﻧﺎﺛرة اﻟﺗﻲ ﺗﻧطوي ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻟﻧﺻوص اﻷدﺑﯾﺔ اﺳﺗﻧﺎدا
إﻟﻰ ﺣﯾﺛﯾﺎت ﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ﻣﻧظﻣﺔ ﯾﺗوﻓر ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻟﻘﺎرئ –اﻟﻧﺎﻗد -وﻫو ﯾﻘﺎرب اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻣﺗﺧﯾل
ﻟﻠﻧﺻوص اﻹﺑداﻋﯾﺔ«.5
وﻣن ﻫﻧﺎ ﺗﺻﺑﺢ اﻟﻘراءة ﻋﺑﺎرة ﻋن ﺣوار وﺗواﺻل ﺑﯾن اﻟﻘﺎرئ واﻟﻧص ،واﻟﻘﺎرئ ﻻ ﻧﻌﻧﻲ ﺑﻪ
اﻟﻘﺎرئ اﻟﻌﺎدي ﺑﺎﻟﻣﻔﻬوم اﻟواﺳﻊ ﻟﻠﻘراءة ﺑوﺻﻔﻬﺎ ﻓﻌﺎﻟﯾﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻘوم ﺑﻬﺎ أي ﺷﺧص،
وﻫو ﯾﺗﺣرى أﻫداﻓﺎ وﻣﻘﺎﺻد ﻣﺗﻌددة ﻣن وراء ﻧﺷﺎطﻪ اﻟﻘراﺋﻲ ﻫذا ﻗد ﺗﻛون ﻣﺛﻼ ﻣن أﺟل
-1ﻧور اﻟدﯾن اﻟﺳد ،اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ وﺗﺣﻠﯾل اﻟﺧطﺎب ،ج ، 1دار ﻫوﻣﺔ ،اﻟﺟزاﺋر ،د ط ،1997 ،ص .55
-2ﻋﺑد اﷲ إﺑراﻫﯾم ،اﻟﻣطﺎﺑﻘﺔ واﻻﺧﺗﻼف ،ص .54
-3اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .54
-4اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .54
-5اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص.53
36
اﻟﻣدﺧل
اﻟﻣﺗﻌﺔ أو ﺗﻣﺿﯾﺔ اﻟوﻗت،واﻟﻘراءة ﺑﻬذا اﻟﻣﻔﻬوم ﻟﯾﺳت ﺣﻛ ار ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ واﻟﻘﺎرئ ﻓﻲ
ﻫذﻩ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ ﻻ ﺑد أن ﯾﺗﺻف ﺑﺻﻔﺎت ﻣﻌﯾﻧﺔ ﻟﻛﻲ ﯾﺗﺳﻧﻰ ﻟﻪ ﺻﺑر أﻏوار اﻟﻧص وﻛﺷف
أﺳ اررﻩ ،ﻓﻌﻠﯾﻪ أن ﯾﻛﺗﺳب دراﯾﺔ وﻣراس وﺛﻘﺎﻓﺔ واﺳﻌﺔ ﺑﺎﻹﺟراءات اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ﺣﺗﻰ ﯾﺣﻘق ﻏﺎﯾﺗﻪ،
وﺑﻬذا ﯾﺻﺑﺢ اﻟﻣﻧﻬﺞ » ﻓﻲ ظل أي ﻗراءة ﺣدﯾﺛﺔ ،ﺧطوة ﺑﺎﻟﻐﺔ اﻷﻫﻣﯾﺔ واﻟﻘﯾﻣﺔ ،ﻓﻬو اﻟذي
ﯾﺿﺑط ﺧطﻰ اﻟﻘراءة وﯾﺣدد ﻣﺳﺎرﻫﺎ وﻫو اﻟذي ﯾﺗوﻗف ﻋﻠﻰ اﺳﺗﻘﺎﻣﺗﻪ أو اﻧﺣراﻓﻪ اﺳﺗﻘﺎﻣﺔ
اﻟﻧﺗﺎﺋﺞ اﻟﺗﻲ ﺗﻔﺿﻲ إﻟﯾﻬﺎ اﻟﻘراءة أو اﻧﺣراﻓﻬﺎ «.1
أﻣﺎ اﻟرﻛﯾزة اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ اﻟﻘراءة اﻟﻧﻘدﯾﺔ واﻟﻣﺗﻣﺛﻠﺔ ﻓﻲ "اﻟرؤﯾﺔ" واﻟﺗﻲ ﺣﺻرﻫﺎ "ﻋﺑد اﷲ إﺑراﻫﯾم" ﻓﻲ
اﻟﻔﻬم اﻟﺷﺎﻣل ﻟﻠﻌﻣﻠﯾﺔ اﻹﺑداﻋﯾﺔ ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر أن اﻹﺑداع ﻫو ﻋﻣﻠﯾﺔ ﻣﻌﻘدة ﺗﺷﺎرك ﻓﯾﻬﺎ اﻟﻌدﯾد ﻣن
اﻟﻌﻧﺎﺻر اﻟﻔﻛرﯾﺔ ،واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ،واﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ وﺑﻬذا ﯾﺻﺑﺢ اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ »ﺧطﺎﺑﺎ ﯾﺧﺗرق ﺣﺎﻟﯾﺎ
اﻟﻌﻠم واﻻﯾدوﻟوﺟﯾﺎ واﻟﺳﯾﺎﺳﺔ ،وﯾﺗطﻠﻊ ﻟﻣواﺟﻬﺗﻬﺎٕ ،واﻋﺎدة ﺻﻬرﻫﺎ ﻣن ﺣﯾث ﻫو ﺧطﺎب ﻣﺗﻌدد
اﻟﻠﺳﺎن أﺣﯾﺎﻧﺎ وﻣﺗﻌدد اﻷﺻوات ﻏﺎﻟﺑﺎ« ،2وﻣن ﻫﻧﺎ ﺗﺗوﺟﻪ رؤﯾﺔ اﻟﻧﺎﻗد إﻟﻰ ﻧﺻﻪ اﻟدارس ﻓﯾﻪ
ﻣن ﺧﻼل ﻣﺎ ﯾرﯾد ﻣﻌرﻓﺗﻪ ﻓﯾﻪ ،ﻓﺈذا ﻛﺎن ﯾﺑﺣث ﻋن ﺑﻧﯾﺔ اﻟﻌﻼﻣﺔ اﻟﻠﻐوﯾﺔ ﻓﯾﺗﺟﻪ إﻟﻰ اﻟﻣﻧﻬﺞ
اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ ٕواذا ﻛﺎن ﯾﺑﺣث ﻋن اﻟﺑﻧﯾﺔ اﻟداﺧﻠﯾﺔ ﯾﺗﺟﻪ إﻟﻰ اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ ،وﻟذﻟك ﺗﺻﺑﺢ ﻫذﻩ اﻟرﻛﯾزة
اﻟﻣﺗﻣﺛﻠﺔ ﻓﻲ اﻟرؤﯾﺔ ﻫﻲ اﻟﺧﻠﻔﯾﺔ اﻟﻔﻛرﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺗوﺟﻪ ﺑﻬﺎ اﻟﻧﺎﻗد اﻷدﺑﻲ اﺗﺟﺎﻩ اﻟﻧص ،وﺑذﻟك
ﻧﺳﺗطﯾﻊ اﻟﻘول أن ﻟﻛل ﻧﺎﻗد أدﺑﻲ رؤﯾﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﯾﻠﺟﺄ إﻟﯾﻬﺎ ﻟﻔك ﺷﻔرة اﻟﻧص ٕواﻧﺎرة ظﻠﻣﺎت
ﻋﺗﺑﺎﺗﻪ.
وﯾﻌﺗﺑر "ﻋﺑد اﷲ اﺑراﻫﯾم" اﻟرﻛﯾزة اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ أﻻ وﻫﻲ " اﻟﻣﻧﻬﺞ " ﺳﻠﺳﻠﺔ ﻣن اﻟﻌﻣﻠﯾﺎت اﻟﻣﻧظﻣﺔ
وﻫذا اﻟﺗﻌرﯾف ﻻ ﯾﺧرج ﻋن اﻟﺗﻌرﯾﻔﺎت اﻟﺗﻲ أﺷرﻧﺎ إﻟﯾﻬﺎ ﺣول اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻏﯾر أن اﻟﻧﺎﻗد ﯾﺷﺗرط ﻓﻲ
اﻟﻣﻧﻬﺞ أن ﯾﻛون ﻣﺳﺗﺧﻠﺻﺎ ﻣن ﺗﻠك اﻟرؤﯾﺔ ،وﻫﻧﺎ ﯾظﻬر اﻻرﺗﺑﺎط ﺑﯾن اﻟﻣﻧﻬﺞ واﻟرؤﯾﺔ ،ﻓﺈذا
-1ﻗﺎﺳم اﻟﻣوﻣﻧﻲ ،ﻓﻲ ﻗراءة اﻟﻧص ،اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻠدراﺳﺎت واﻟﻧﺷر ،ﺑﯾروت ،ط ، 1999 ، 1ص .96
-2ﺟوﻟﯾﺎ ﻛرﯾﺳﺗﯾﻔﺎ ،ﻋﻠم اﻟﻧص ،ت ﻓرﯾد اﻟزاﻫﻲ ،ﻣراﺟﻌﺔ ﻋﺑد اﻟﺟﻠﯾل ﻧﺎظم ،دار ﺗوﺑﻘﺎل ﻟﻠﻧﺷر ،اﻟدار اﻟﺑﯾﺿﺎء ،ط ،1
،1991ص .13
37
اﻟﻣدﺧل
ﻛﺎﻧت اﻟرؤﯾﺔ ﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ ﻓﻼﺑد أن ﯾﻛون اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻘدي ﻫو اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ إذا ﻛﺎﻧت اﻟرؤﯾﺔ أﺳﻠوﺑﯾﺔ
ﻓﯾﻛون اﻟﻣﻧﻬﺞ أﺳﻠوﺑﯾﺎ وﻫﻛذا .
38
ﺍﻷﻭﻝ ﺍﻟﺒﺎﺏ
ﺍﻟﺒﺎﺏ ﺍﻷﻭﻝ
ﺍﳌﻨﺎﻫﺞ ﺍﻟﺴﻴﺎﻗﻴﺔ ﰲ ﺍﻟﻨﻘﺪ
ﺍﳉﺰﺍﺋﺮﻱ
ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻷﻭﻝ
ﻋﻣﺎ ﯾﻣﺛل
ﯾﻧدﻫش اﻟﺑﺎﺣث ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري ﺑذﻟك اﻟﻔراغ اﻟرﻫﯾب ،اﻟذي ﺗﻌرﻓﻪ ﻣﻛﺗﺑﺎﺗﻧﺎ ّ
اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﺗرات اﻟﻐﺎﺑرة ﻟﻠﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري ،أو ﻣﺎ ﯾﻌرف ﺑﺎﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻘدﯾم ،وﻫو ﻣﺎ
ﯾﻣﺛل أﯾﺿﺎ اﻟﻣراﺣل اﻷوﻟﻰ ﻟﺗﺄﺳﯾس اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري .
وﺳﯾظل اﻷدب اﻟﺟزاﺋري ﻟﻔﺗرة طوﯾﻠﺔ ﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ اﻟﺑﺣث واﻟدراﺳﺔ ،ﺣﺗﻰ ﯾﺟد اﻟﯾد اﻟﺗﻲ
ﺗﻧﺗﺷﻠﻪ ﻣن أزﻣﺗﻪ ،ﻣﻣﺎ أدى إﻟﻰ ﺿﯾﺎع ﺟزء ﻛﺑﯾر ﻣن اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﻔﻛرﯾﺔ ،وأن ﻣﺎ ﻛﺗب ﻋﻧﻪ ﯾظل
ﻣﺟرد ﻣﺣﺎوﻻت ﺗﻔﺗﻘر إﻟﻰ اﻟﺗﺟرﺑﺔ ،وﻻ ﯾﻣﺛل إﻻ اﻟﺷﻲء اﻟﻘﻠﯾل اﻟذي ﻻ ﯾﻣﻛﻧﻪ ﻣن إﺧراﺟﻪ إﻟﻰ
اﻟﻧور وﻣن ﻫﻧﺎ ﻛﺎﻧت اﻟﻔﻛرة ﺑﺈدراج ﻫذا اﻟﺟزء اﻟﺑﺳﯾط ﻣن اﻟدراﺳﺔ ﻟﺗﺳﻠﯾط اﻟﺿوء ﻋﻠﻰ ﺑﻌض
اﻟﺟواﻧب ﻣن ﻧﻘدﻧﺎ اﻟﻘدﯾم وﻋﻠﻰ ﺑﻌض اﻷﻋﻣﺎل اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺳﺎﻫم أﺻﺣﺎﺑﻬﺎ وﻟو ﺑﺟزء ﯾﺳﯾر
أن ﻫﻧﺎك ﻣن ﻻ ﯾﻌﺗرف ﺑوﺟود ﻧﻘد ﺟزاﺋري ﺑﺎﻟﻣﻌﻧﻰ اﻟﻣﻛﺗﻣل
ﻓﻲ إﺛراء اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ،ﺧﺎﺻﺔ و ّ
ﻟﻠﻧﻘد ،وﻟﻛن » ﻣﺎدﻣﻧﺎ ﻧﻌﺗرف ﺑوﺟود ﻣﺣﺎوﻻت ﻓﻲ اﻷدب ،ﻓﻣن اﻟﺣق أن ﻧﻌﺗرف ﻛذﻟك ﺑوﺟود
ﻣﺣﺎوﻻت أﺧرى ﻓﻲ اﻟﻧﻘد ،إﻧﻬﺎ ﻣﺟرد ﻣﺣﺎوﻻت ﺗﺗﻼﺋم ﻣﻊ اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﻔﻧﻲ ﻹﻧﺗﺎﺟﻧﺎ اﻷدﺑﻲ«.1
وﺣﺗﻰ ﻧﺧرج ﻣن اﻟﺟﺎﻧب اﻟﺗﺟرﯾدي ﻟﻠﺑﺣث إﻟﻰ اﻟﺟﺎﻧب اﻟﻣﺎديٕ ،واﺿﻔﺎء اﻟﺻﯾﻐﺔ اﻟﺗﻣﺛﯾﻠﯾﺔ
وﻗﻊ اﻻﺧﺗﯾﺎر ﻋﻠﻰ ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﻧﻘﺎد ﻛﺎﻧت ﻟﻬم اﻟرﯾﺎدة ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻔﺗرة ﻋﻠﻰ رأﺳﻬم اﺑن رﺷﯾق
وأﺳﺗﺎذﻩ ﻋﺑد اﻟﻛرﯾم اﻟﻧﻬﺷﻠﻲ واﻟﻐﺑرﯾﻧﻲ ﻣن ﺧﻼل أﺧذ ﻧظرة ﻋن أﻋﻣﺎﻟﻬم اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻣن ﺟﺎﻧب
اﻟﻣﺿﻣون واﻟﻣﺣﺗوى.
-1أﺑو اﻟﻘﺎﺳم ﺳﻌد اﷲ ،دراﺳﺎت ﻓﻲ اﻷدب اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ،دار اﻟﺗوﻧﺳﯾﺔ ﻟﻠﻧﺷر ،1985 ،ص .80
41
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
-1ﺻﻔﯾﺔ طﺑﻧﻲ ،ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻣﺣﻣد ﺧﯾﺿر ﺑﺳﻛرة ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻘدﯾم ،اﻟﻣﻠﺗﻘﻰ اﻟوطﻧﻲ اﻷول ﺣول اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺟزاﺋري
ﻣﺎي ،2006ص .15
42
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﻓﻠم ﺗﻘﺗﺻر ﺑﺣوث اﻟﻧﻘﺎد اﻟﻣﻐﺎرﺑﺔ ﻓﻲ ﺗﻠك اﻟﺣﻘﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﺗردﯾد ﺗﻠك اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺗﻲ
ﻛﺎﻧت ﻣﻌروﻓﺔ ﻣن ﻗﺑل اﻟﻧﻘﺎد اﻟﻣﺷﺎرﻗﺔ ﻓﻘد ﻋرف ﻛل ﻣن اﻷدب واﻟﻧﻘد ﺗطو ار ﻣﻠﺣوظﺎ ﺣﯾث
ظﻬرت ﺣرﻛﺔ ﻧﻘدﯾﺔ واﺳﻌﺔ ﻗﺎدﻫﺎ ﻧﻘﺎد ﻟﻬم ﻧﻔﺎذ ﺑﺻﯾرة ﻓﻲ اﻟﺷﻌر ذوﻗﺎ وﻣﻌرﻓﺔ.
وﻟﻛن ﻗﺑل اﻟوﻟوج إﻟﻰ اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ وﻣﻧﻬﺟﻬﺎ ﯾﺟدر ﺑﻧﺎ أن ﻧﺳﻠط اﻟﺿوء ﻋﻠﻰ أﻫم اﻟﻣراﻛز
اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻣوﺟودة ﻓﻲ اﻟﻣﻐرب اﻟﻌرﺑﻲ ،ﻓﺈﻟﻰ ﺟﺎﻧب اﻟﻘﯾروان واﻟﻣﻬدﯾﺔ ﻓﻲ ﺗوﻧس،
ﻛﺎﻧت ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر اﻟﻣﺳﯾﻠﺔ ،ﻗﻠﻌﺔ ﺑﻧﻲ ﺣﻣﺎد ،وﺑﺟﺎﯾﺔ وﺗﯾﻬرت وﺗﻠﻣﺳﺎن...،ﺑﯾﻧﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻣﻐرب
ظﻬرت ﻓﺎس وﻣﻛﻧﺎس.
وﻣن ﺑﯾن ﻫذﻩ اﻟﺣواﺿر ﺗﻣﯾزت اﻟﻘﯾروان ﺑﺻﻔﺔ ﺧﺎﺻﺔ واﺳﺗﻘطﺑت ﻣﻌظم اﻟﺷﺧﺻﯾﺎت
واﻟﻧﺷﺎطﺎت اﻟﻔﻛرﯾﺔ ،1ﻓﻘد ﻟﻌﺑت ﻫذﻩ اﻟﺣواﺿر دو ار ﻛﺑﯾ ار ﻓﻲ اﻧﺗﻌﺎش اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﻔﻛرﯾﺔ واﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ
رﻏم رﯾﺎدة اﻟﻘﯾروان ﻛﻘطب ﺛﻘﺎﻓﻲ وﻓﻛري ﻣﻐﺎرﺑﻲ.
43
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
وﻟﻌل أﺑرز اﻷﺳﻣﺎء اﻟﺗﻲ ﺑرزت إﺑﺎن ﺗﻠك اﻟﻔﺗرة ﻋﺑد اﻟﻛرﯾم اﻟﻧﻬﺷﻠﻲ ،اﻟذي وﻟد
أن اﻟﻛﻼم ﻋن اﻟﺷﻌر ودواﻋﯾﻪ ﻣﻬم ﺟدا،
ﺑﺎﻟﻣﺳﯾﻠﺔ وﺗرﻋرع ﺑﻬﺎ ﺛم اﻟﺗﺣق ﺑﺎﻟﻘﯾروان ،إذ ﯾرى ّ
ﻓﺎﻟﺷﻌر ﻋﻧدﻩ ﻟﯾس ﻧظﻣﺎ ﻓﻘط أو ﻣﺟرد أﻟﻔﺎظ ،ﺑل ﻫو اﻹﺣﺳﺎس ﻓﻲ ﺣد ذاﺗﻪ ،ﻓﻬو إن ﻛﺎن
اﻟﺷﻌر ﯾﻘوﻟﻪ ﻓذﻟك ﻷﻧﻪ ﻧﺎﺑﻊ ﻣن أﻋﻣﺎﻗﻪ وﻫو أﺻدق ﺗﻌﺑﯾر ﻋن اﻟﺗﺟرﺑﺔ ،وﻟﻛل واﺣد دواﻋﯾﻪ
وﺣواﻓزﻩ ﻓﻬذا اﺑن رﺷﯾق ﯾورد ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ اﻟﻌﻣدة ﻣﺎ ﺟﺎء ﻋن أﺳﺗﺎذﻩ ﻋﺑد اﻟﻛرﯾم »:وﺣدﺛﻧﻲ
ﺑﻌض أﺻﺣﺎﺑﻧﺎ ﻣن أﻫل اﻟﻣﻬدﯾﺔ وﻗد ﻣررﻧﺎ ﺑﻣوﺿﻊ ﺑﻬﺎ ،ﯾﻌرف ﺑﺎﻟﻛدﯾﺔ ﻫو أﺷرﻓﻬﺎ أرﺿﺎ
وﻫواء،ﻗﺎل ﺟﺋت ﻫذا اﻟﻣوﺿﻊ ﻣرة ﻓﺈذا ﻋﺑد اﻟﻛرﯾم ﻋﻠﻰ ﺳطﺢ ﺑرج ﻫﻧﺎك ،ﻗد ﻛﺷف اﻟدﻧﯾﺎ
ﻓﻘﻠت أﺑﺎ ﻣﺣﻣد؟ ﻣﺎ ﺗﺻﻧﻊ ﻫﺎﻫﻧﺎ؟ ﻗﺎل :أﻟﻘﺢ ﺧﺎطري وأﺟﻠو ﻧﺎظري ،ﻓﻘﻠت ﻫل ﻧﺗﺞ ﻟك
ﺷﻲء؟ ﻗﺎل :ﻣﺎ ﺗﻘر ﺑﻪ ﻋﯾﻧك إﻧﺷﺎء اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،وأﻧﺷدﻧﻲ ﺷﻌ ار ﯾدﺧل ﻣﺳﺎم اﻟﻘﻠوب رﻗﺔ ،ﻗﻠت
ﻫذا اﺧﺗﺑﺎر ﻣﻧك اﺧﺗرﻋﺗﻪ ،ﻗﺎل :ﺑل ﺑرأي اﻷﺻﻣﻌﻲ« ،1ﻓﻘد ﻻﺣظ اﺑن رﺷﯾق ﺷﻐف ﻣﻌﻠﻣﻪ
أن ﻟﻛل ﺷﺎﻋر طرﯾﻘﺗﻪ اﻟﺧﺎﺻﺔ
ﺑﺄن اﻟﺷﺎﻋر ﯾﺣس وﯾﺗﻔﺎﻋل ﺑﻛل ﺷﻲء ﯾﺣﯾط ﺑﻪ ،و ّ
واﻋﺗﻘﺎدﻩ ّ
وﺗﺟرﺑﺗﻪ اﻟﺗﻲ ﺗﺟﻌﻠﻪ ﯾﻔﯾض ﻧﻔﺳﺎ ﺑﺎﻟﻌﺑﺎرات اﻟﺟﻣﯾﻠﺔ ،ﻓﻬو ﯾرى أن ﻫﻧﺎك ﺻﻧﻔﺎن ﻣن اﻟﺷﻌر،
-1اﺑن رﺷﯾق اﻟﻘﯾرواﻧﻲ ،اﻟﻌﻣدة ﻓﻲ ﻣﺣﺎﺳن اﻟﺷﻌر وﻧﻘدﻩ ،ج ،1ص .207-206
44
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﻣﺎ ﻫو ﺧﯾر وﻣﺎ ﻫو ﺷر ،وﺗﺗﻔرع ﻫذﻩ اﻷﺻﻧﺎف إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﺢ واﻟﻬﺟﺎء ،واﻟﺣﻛﻣﺔ واﻟﻔﺧر وﻏﯾرﻫﺎ
ﻣن أﺻﻧﺎف اﻟﻔﻧون ،واﻟﻣﻼﺣظ ﻋﻠﻰ اﻟﻧﻬﺷﻠﻲ وﻏﯾرﻩ ﻣﻣن ﻋﺎﺻروﻩ ﻫو أﻧﻪ ﻻ ﯾﻘف إﻻ ﻗﻠﯾﻼ
ﻋﻧد اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ اﻟﻬﺎﻣﺔ ،وﯾﻛﺗﻔﻲ ﺑﺎﻹﺷﺎرة ﻓﻲ أﻛﺛرﻫﺎ ،ورﺑﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﻬدف ﻣن وراء ذﻟك إﻟﻰ» أن
ﯾﻬﺗم ﺑﻣرﺣﻠﺔ اﻟﺟﻣﻊ ،أي ﺟﻣﻊ اﻟﺷواﻫد واﻷﺧﺑﺎر واﻟﻧﺻوص ،وﯾﺗرك ﻣﻬﻣﺔ اﻟﺑﺣث واﻟدراﺳﺔ
ﻟﻣن ﯾﺄﺗﻲ ﺑﻌدﻩ ﻣن اﻟﻧﻘﺎد ،وﻫذا ﻫو ﻣوﻗف اﻟرواد ﻋﺎدة إﺛﺎرة اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ واﻟﻣوﺿوﻋﺎت واﻻﻛﺗﻔﺎء
ﺑﺟﻣﻊ اﻟﻣﺎدة وﻋﻠﻰ اﻟﺟﯾل اﻟذي ﯾﺄﺗﻲ ﻓﯾﻣﺎ ﺑﻌد ﻣﻬﻣﺔ اﻟﺑﺣث واﻟدراﺳﺔ«.1
وﻣن اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ اﻟﺑﺎرزة اﻟﺗﻲ ﺗﻧﺎوﻟﻬﺎ ﻋﺑد اﻟﻛرﯾم اﻟﻧﻬﺷﻠﻲ ﻗﺿﯾﺔ اﻟﻣوازﻧﺔ،واﻟﺗﻲ ﻋرﻓت
اﻫﺗﻣﺎﻣﺎ ﻛﺑﯾ ار ﻣن اﻟﻧﻘﺎد ،وﻫﻲ أﯾﺿﺎ اﻟﻣﻔﺎﺿﻠﺔ أي ﺗﻔﺿﯾل ﺷﺎﻋر ﻋﻠﻰ آﺧر ،ﻓﻘد وازن اﻟﻧﺎﻗد
ﺑﯾن ﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﺷﻌراء ،وﺣﺎول اﻟﻣﻔﺎﺿﻠﺔ ﺑﯾﻧﻬم وذﻟك ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ اﻟﻣﻣﺗﻊ أو ﻣﺎ ﯾﺳﻣﻰ اﺧﺗﯾﺎر
اﻟﻣﻣﺗﻊ ،ﻓﻘد وازن ﺑﯾن ﻋﻣر ﺑن اﻷﻫﺗم وﻋﺑدة ﺑن اﻟطﯾب ،واﻟﻣﺧﺑل اﻟﻔرﯾﻌﻲ ،ﻛﻣﺎ ﻻ ﻧﻧﺳﻰ
ﻣوازﻧﺗﻪ ﺑﯾن ﺟرﯾر واﻟﻔرزدق ،واﻟﻔرزدق ﻋﻧدﻩ أﻓﺿل ﻣن ﻣن ﺟرﯾر ﻓﻲ ﻓن اﻟﻬﺟﺎء ﺧﺎﺻﺔ وﻣن
-1ﺻﻔﯾﺔ ﺑطﻧﻲ ،ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻣﺣﻣد ﺧﯾﺿر ﺑﺳﻛرة ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻘدﯾم ،ص .18
ﯾﻌﺗﺑر ﻧﺷﺎط اﻟﻣوازﻧﺔ ﻧﺷﺎطﺎ ﻋرﺑﯾﺎ أﺻﯾﻼ ﻟﻪ إرﻫﺎﺻﺎت واﻣﺗداد ﻓﻲ اﻟﻣورث اﻷدﺑﻲ وﻓﻲ اﻟﺗراث اﻟﻧﻘدي ﺑﺎﻟﺧﺻوص ،وﻗد
ظﻬر ﻓﻲ ﺷﻛل ﺑداﯾﺔ ﺳﺎذﺟﺔ ﯾﺗﻣﯾز ﺑطﺎﺑﻊ اﻟﻌﻔوﯾﺔ ﻋﻣﺎدﻫﺎ اﻟذوق اﻟﻔﻧﻲ اﻟﻔطري اﻟﺗﺄﺛري اﻟذي ﻻ ﯾﺳﺗﻧد ﻋﻠﻰ ﻗواﻋد ﻣوﺿوﻋﯾﺔ
ﻣﻌﯾﻧﺔ .واﻟﺷواﻫد اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺗراب اﻟﻧﻘدي اﻟﻌرﺑﻲ ﺗﺛﺑت أن ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻟﻣوازﻧﺔ واﻟﻣﻔﺎﺿﻠﺔ ﻋﻣﻠﯾﺔ ﻗدﯾﻣﺔ ﻗدم اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ ﺣﯾث
ﺗﻌود ﺑداﯾﺗﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻌﺻر اﻟﺟﺎﻫﻠﻲ .إذ ﻛﺛﯾ ار ﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﻌرب اﻟﻘداﻣﻰ ﯾﻘوﻣون ﺑﻬذا اﻟﻧﺷﺎط ﻋﻧد اﻟﺣﻛم ﻋﻠﻰ اﻟﺷﺎﻋر أو ﻋﻠﻰ
اﻟﺷﻌر أو ﻋﻧد اﻟﺗﻧوﯾﻪ ﺑﺻﺎﺣﺑﻪ ﻟﻣﺎ ﻓﻲ ﺷﻌرﻩ ﻣن ﻋﻧﺎﺻر اﻟﺟودة ﺳواء ﻓﻲ اﻟﺻﯾﺎﻏﺔ أوﻓﻲ اﻟﻣﺿﻣون .وﻣﻣﺎ ذﯾﻊ ﻓﻲ ﻛﺗب
اﻷدب ﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﺟري ﻓﻲ ﺳوق ﻋﻛﺎظ ،وﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﻘوم ﺑﻪ اﻟﻧﺎﺑﻐﺔ ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻣﺟﺎل .ﺣﯾث ﻛﺎﻧت ﺗﺿرب ﻟﻪ ﻓﯾﻪ ﻗﺑﺔ ﺣﻣراء ﻣن
ﺟﻠد ﻓﯾﺄﺗﯾﻪ اﻟﺷﻌراء ﯾﻌرﺿون ﻋﻠﯾﻪ أﺷﻌﺎرﻫم ،وﻛﺛﯾ ار ﻣﺎ وازن اﻟﻘدﻣﺎء ﺑﯾن اﻟﻘﺻﺎﺋد اﻟﺷﻌرﯾﺔ وﺑﯾن اﻟﺷﻌراء واﺳﺗﺧﻠﺻوا ﻓﻲ
اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻷﺣﯾﺎن ﺑﻌض أوﺟﻪ اﻟﺗﺷﺎﺑﻪ واﻻﺧﺗﻼف .وﻗد ﻧوﻫوا ﺑﺎﻟﺑﻌض ﺑﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﻬم ﻣن ﺑراﻋﺔ ٕواﻣﻛﺎﻧﯾﺎت ﺧﺎﺻﺔ ،وﻣن
ﺧﻼل ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻟﻣﻔﺎﺿﻠﺔ ﻫذﻩ أﻋﺟﺑوا ﺑﺑﻌض اﻟﻘﺻﺎﺋد واﻋﺗﺑروﻫﺎ درة أو ﯾﺗﯾﻣﺔ ،وﻻﺣظوا ﺑﻌض اﻟﺧﺻﺎﺋص اﻟﺗﻲ ﺗﻣﯾز ﺑﻬﺎ
ﺷﺎﻋر ﻋن آﺧر ،ﻓﻘد ﻟﻘب واﻟﻧﻣر ﺑن ﺗوﻟب ﺑﺎﻟﻛﯾس ﻟﺣﺳن ﺷﻌرﻩ وﺳﻣوا طﻔﯾل اﻟﻐﻧوي :طﻔﯾل اﻟﺧﯾل ﻟﻣﻬﺎرﺗﻪ وﺑراﻋﺗﻪ ﻓﻲ
وﺻﻔﻪ ﻟﻬﺎ ،وﺳﻣوا ﻗﺻﯾدة ﺳوﯾد ﺑن أﺑﻲ ﻛﺎﻫل ﺑﺎﻟﻘﺻﯾدة اﻟﯾﺗﯾﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻘول ﻓﯾﻬﺎ :
ﺑﺳطت رﺑﯾﻌﺔ اﻟﺣﺑل ﻟﻧﺎ *** ﻓوﺻﻠﻧﺎ اﻟﺣﺑل ﻣﻧﻬﺎ ﻣﺎ اﺗﺳﻊ.
وﻛﺎﻧت ﻣوازﻧﺗﻬم ﺗﻘوم أﺳﺎﺳﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻼﺣظﺔ ﺣﺳن اﻟﺻﯾﺎﻏﺔ وﺣﺳن اﻟﻔﻛرة :ﻓﻬل اﻟﻣﻌﻧﻰ ﻣﻘﺑول ،أو ﻏﯾر ﻣﻘﺑول ،وﻫل
اﻟﻧظم ﻣﻘﺑول أو ﻏﯾر ﻣﻘﺑول واﻟﻰ أي ﻣدى ﺗﺣﻘق ذﻟك اﻻﻧﺳﺟﺎم واﻟﺻﻘل اﻟﻣطﺎﺑق ﻟﻠﺳﻠﯾﻘﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ.
45
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﻛل اﻟﺷﻌراء اﻟذﯾن ظﻬروا ﻓﻲ زﻣﺎﻧﻪ ﺑﻣﺎ ﻓﻲ ذﻟك ﺟرﯾر ﻓﻲ اﻟﻣﻘطﻌﺎت« ،1واﻟﻣﺗﺗﺑﻊ ﻵراء ﻋﺑد
اﻟﻛرﯾم اﻟﻧﻬﺷﻠﻲ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﻣوازﻧﺔ ،ﻓﻬوﻻ ﯾﺑﺗﻌد ﻋن اﻟﻣﻌﻧﻰ اﻟﻧﻘدي ﻟﻠﻣوازﻧﺔ ،وذﻟك ﺑﺎﻫﺗﻣﺎﻣﻪ
ﺑﺷﻌراء ﻟم ﺗﻠﺑث اﻷﻗﻼم ﺗﻛﺗب ﻋﻧﻬم ﻣﺛل اﻟﻔرزدق وﺟرﯾر ﻛﻣﺎ ذﻛرﻧﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎ ،وﻫو ﻗرﯾب إﻟﻰ
اﻟﻣﻘﺎرﻧﺔ اﻟﺷﻛﻠﯾﺔ ﻟﯾس إﻻ ،وﻫذﻩ اﻟﻣوازﻧﺔ ﻻ ﯾﻌﺗد ﺑﻬﺎ ﻟﻛوﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺳﺗﻧد ﻟدﻟﯾل ﻋﻠﻣﻲ ﻓﻘﯾﻣﺔ
اﻟﻣوزاﻧﺔ ﻫﻲ اﻟﻛﺷف ﻋن اﻟﺣﻘﺎﺋق ،واﻟﻐوص ﻓﻲ دﻗﺎﺋق اﻷﻓﻛﺎر ،ﻓﺎﻟﻣوازﻧﺔ ﻫﻲ اﻟﺳﺑﯾل ﻟﻛﺷف
طرﯾﻘﺔ ﻛل ﺷﺎﻋر وﺧﺻﺎﺋﺻﻪ اﻟﻔﻧﯾﺔ ،وﻫذا ﻻ ﯾﺄﺗﻲ ﻷي ﻛﺎن ،وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﯾﺗطﻠّب ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﺣﺎﻟﺔ
»اﻟﺗزام اﻟﺣذر واﻟرؤﯾﺔ ،وﺗﺟﻧب اﻟﺗورط ﻓﻲ اﻟﻣﯾل ﻣﻊ اﻟﻬوى أو اﻟﺧﺿوع ﻟﺳﯾطرة اﻟﻌﻧﺻر
اﻟﺷﺧﺻﻲ اﻟذي ﻫو أﺷد ﻣﺎ ﯾﻛون ﺧط ار ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺎﻗد إذ اﺳﺗﺑد ﺑﻪ«.2
وﻗد اﻋﺗﻣد اﻟﻧﺎﻗد ﻋﻠﻰ اﻟﺑﺣث واﻻﺳﺗﺷﻬﺎد ﻓﻛﺎن ﻛﺛﯾر اﻟدﻓﺎع ﻋن ﻗﺿﺎﯾﺎﻩ ﻓﻲ اﻟﺷﻌر
واﻟﺷﻌراء ،ﻟذﻟك ﺟﻌﻠﺗﻪ ﻛﺛرة اﻟﺷواﻫد اﻟﺗﻲ ﻗﺎم ﺑﺟﻣﻌﻬﺎ دون ﺗﺑوﯾب ﻓﺄﺿﺣت ﻣﺗﻧﺎﺛرة ﻫﻧﺎ وﻫﻧﺎك
ﻓﺗﺎﻩ ﺑﯾﻧﻬﺎ ،وﺟﻌﻠﺗﻪ ﯾﺧرج ﻋن ﺻﻠب اﻟﻣوﺿوع أﺣﯾﺎﻧﺎ.
وﻣن اﻷﺳﺗﺎذ ﻋﺑد اﻟﻛرﯾم اﻟﻧﻬﺷﻠﻲ ،ﯾﺟدر ﺑﻧﺎ اﻻﻧﺗﻘﺎل إﻟﻰ اﻟﺗﻠﻣﯾذ وﻫﻲ اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ
اﻟﺗﻲ ﯾﺗوﺟب ﻋﻠﯾﻧﺎ ﺗﻧﺎوﻟﻬﺎ ،وﻫو اﻟﻧﺎﻗد اﻟﺷﺎﻋر اﺑن رﺷﯾق اﻟﻘﯾرواﻧﻲ اﻟذي وﻟد ﺳﻧﺔ ﺗﺳﻌﯾن
وﺛﻼﺛﻣﺎﺋﺔ ﻣن اﻟﻬﺟرة ﺑﻣدﯾﻧﺔ اﻟﻣﺣﻣدﯾﺔ ،ﻓﻛﺎن ﯾﻌرف ﺑﺎﻟﻣﺣﻣدي واﻟﻣﺳﯾﻠﻲ ﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻟﻣﺳﯾﻠﺔ
واﻟذي اﻧﺗﻘل إﻟﻰ ﻣدﯾﻧﺔ اﻟﻘﯾروان ﺑﻌد أن ﻧﺷﺄ ﻓﻲ اﻟﻣﺳﯾﻠﺔ ،وﻟﻌ ّل أول ﺧﺻوﺻﯾﺔ ﺗﻣﯾز اﺑن
رﺷﯾق أﻧﻪ ﺷﺎﻋر ﺟﻣﻊ ﺑﯾن اﻟﻧﻘد واﻟﻣﻣﺎرﺳﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ ،ﻓﺄدرك ﻋواﻣل ﺗﻛوﯾﻧﻬﺎ وﻛﯾﻔﯾﺔ إﺧراﺟﻬﺎ ،ﻓﻘد
ﻛﺎن اﺑن رﺷﯾق إذن ﺗﻠﻣﯾذا ﻟﻌﺑد اﻟﻛرﯾم اﻟﻧﻬﺷﻠﻲ»،وﯾﻣﻛن أن ﯾﻌد ﻋﺑد اﻟﻛرﯾم اﻟﻧﻬﺷﻠﻲ أﺳﺗﺎذا
ﻻﺑن رﺷﯾق وﻣن أﻛﺛر اﻟﺷﺧﺻﯾﺎت ﺗﺄﺛﯾ ار ﻓﯾﻪ ،ﻓﻛﺗﺎب اﻟﻌﻣدة ﯾﻧطق ﺑﻣﺎ ﯾﻛﻧﻪ ﻟﻪ اﺑن رﺷﯾق ﻣن
ﺗﻘدﯾر ٕواﺟﻼل « ، 3ﻓﺗﺣﻘق ﻟﻪ اﻟﺗﺣﺻﯾل اﻟﻌﻠﻣﻲ اﻟﻣﻣﺗﺎز ﻣن ﺧﻼل اﻷﺳﺗﺎذ اﻟﻣﺗﺧﺻص ﻓﻲ
-1ﺑﺷﯾر ﺧﻠدون ،اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻋﻠﻰ أﯾﺎم اﺑن رﺷﯾق اﻟﻣﺳﯾﻠﻲ ،اﻟﺷرﻛﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﻠﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ ،اﻟﺟزاﺋر ،1981 ،ص
.32
-2ﻣﺣﻣد زﻛﻲ اﻟﻌﺷﻣﺎوي ،ﻗﺿﺎﯾﺎ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ،ص .348
-3إﺣﺳﺎن ﻋﺑﺎس ،ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ﻋﻧد اﻟﻌرب ،دار اﻟﺷروق ﻟﻠﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ ،ﻋﻣﺎن ،اﻷردن ،د ط ،د ت ،ص .440
46
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
اﻷدب واﻟﻠﻐﺔ واﻟﻧﻘد ،وﻣﺳﺗﻔﯾدا ﻣن اﻟظروف اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ اﻟراﻗﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺗﺳود ﺟو اﻟﻣﻐرب ﻓﻲ
اﻟﻘرن اﻟﺧﺎﻣس اﻟﻬﺟري » ،وﻫﻛذا ﻛﺎﻧت ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻌواﻣل ﻣﺳﻌﻔﺔ ﻋﻠﻰ ظﻬور ﺣرﻛﺔ ﻧﻘدﯾﺔ ﻓﻲ
اﻟﻘﯾروان ﻓﻛﺎن ﻣن أﻋﻼﻣﻬﺎ أﺑو ﻋﺑد اﷲ اﻟﻘزاز اﻟذي أﻟف ﻛﺗﺎﺑﺎ ﻓﻲ ﻣﺎ أﺧذ ﻋﻠﻰ أﺑﻲ اﻟطﯾب،
واﺑن ﻣﯾﺧﺎﺋﯾل إﻻ أﻧﺎ ﻻ ﻧﻌرف ﻟﻪ ﻣؤﻟﻔﺎ ﻧﻘدﯾﺎ ،وﻋﺑد اﻟﻛرﯾم ﺑن إﺑراﻫﯾم اﻟﻧﻬﺷﻠﻲ ﺻﺎﺣب ﻛﺗﺎب
"اﻟﻣﻣﺗﻊ" واﺑن رﺷﯾق ﻣؤﻟف اﻟﻌﻣدة وﻗراﺿﺔ اﻟذﻫب واﻷﻧﻣوذج ﻓﻲ ﺷﻌراء اﻟﻘﯾروان واﺑن ﺷرف
اﻟذي ﻫﺎﺟر إﻟﻰ اﻷﻧدﻟس ﺑﻌد ﺧراب اﻟﻘﯾروان وﻫﻧﺎﻟك ﻛﺗب "رﺳﺎﻟﺔ اﻷﺿداد" « ، 1وﻛﺗﺎﺑﻪ
"اﻟﻌﻣدة ﻓﻲ ﺻﻧﺎﻋﺔ اﻟﺷﻌر وﻧﻘدﻩ" ﺧﯾر دﻟﯾل ﻋﻠﻰ ﺣذاﻗﺔ اﻟرﺟل وﻫو ﺗﺗوﯾﺞ ﻟﺟﻬودﻩ اﻟﺣﺛﯾﺛﺔ،
وﺗدور ﻣوﺿوﻋﺎت اﻟﻛﺗﺎب ﺑﺻورة أﺳﺎﺳﯾﺔ ﺣول اﻟﺷﻌر ﻣن ﺗﺑﯾﺎن ﻟﻔﺿﻠﻪ وطﺑﯾﻌﺗﻪ ،وأوزاﻧﻪ
وﻗواﻓﯾﻪ ،وﻣﻌﺎﻧﯾﻪ ،وﻏﯾرﻫﺎ ﻣن اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ اﻟﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﺷﻌر ،ﻧﺎﻗﻼ ﻋن اﻟﻣؤﻟﻔﺎت اﻷﺧرى ،ﻓﻬو
ﯾﻘول ﻓﻲ ذﻟك» وﻋﻣﻠت ﻓﻲ أﻛﺛرﻩ ﻋﻠﻰ ﻗرﯾﺣﺔ ﻧﻔﺳﻲ ،وﻧﺗﯾﺟﺔ ﺧﺎطري ،ﺧوف اﻟﺗﻛرار ،ورﺟﺎء
اﻻﺧﺗﺻﺎر ،إﻻ ﻣﺎ ﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟﺧﺑر وﺿﺑطﻪ ﺑﺎﻟرواﯾﺔ ،ﻓﺈن ﻻ ﺳﺑﯾل إﻟﻰ ﺗﻐﯾﯾر ﺷﻲء ﻣن ﻟﻔظﻪ وﻻ
ﻣﻌﻧﺎﻩ ،ﻟﯾؤﺗﻰ ﺑﺎﻷﻣر ﻋﻠﻰ وﺟﻬﻪ ،ﻓﻛل ﻣﺎ ﻟم أﺳﻧدﻩ إﻟﻰ رﺟل ﻣﻌروف ﺑﺎﺳﻣﻪ وﻻ أﺣﻠت ﻓﯾﻪ
ﻋﻠﻰ ﻛﺗﺎب ﺑﻌﯾﻧﻪ ،ﻓﻬو ﻣن ذﻟك إﻻ أن ﯾﻛون ﻣﺗداوﻻ ﺑﯾن اﻟﻌﻠﻣﺎء ،ﻻ ﯾﺧﺗص ﺑﻪ واﺣد ﻣﻧﻬم
دون اﻵﺧر«.2
وﻧوﻩ ﺑﻘﯾﻣﺔ اﻟﻛﺗﺎب اﻷدﺑﯾﺔ واﻟﻧﻘدﯾﺔ أﺣﻣد أﻣﯾن ﺑﻘوﻟﻪ » :ﻓﻛﺗﺎب اﻟﻌﻣدة ﻋﻧواﻧﻪ اﻟﻌﻣدة
ّ
ﻓﻲ ﺻﻧﺎﻋﺔ اﻟﺷﻌر وﻧﻘدﻩ وﻗد ﺗﻌرض ﻓﯾﻪ ﻟﻌﻧﺎﺻر اﻟﺷﻌر وﻓﺿﻠﻪ ودواﻋﯾﻪ ،إن ﻟم ﯾﺗﻛﻠم ﻋن
اﻟﻌواطف اﻟﺗﻲ ﺗﺑﻌث اﻟﺷﻌرٕ ،وان ﻟم ﯾﺳﻣﻬﺎ ﻋواطف ،وذﻛر اﻟﻣﺷﺎﻫﯾر ﻣن اﻟﺷﻌراء واﻟﻣﻘﻠﯾن
ﻣﻧﻬم واﻟﻣوﻟدﯾن ،واﻷوزان واﻟﻘواﻓﻲ ،واﻟﻬﺟﺎء واﻟوﺻف وذﻛر ﻛل ﻧوع ﻣن اﻟﺷﻌر ﻛﺎﻟﻧﺳﯾب
واﻟﻬﺟﺎء واﻟوﺻف ،وذﻛر ﺷروط ﺟودﺗﻪ …،إﻟﺦ«.3
47
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﻛﻣﺎ أﺷﺎد ﺑﻪ اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﺑﺎﺣﺛﯾن ،ﻓﻘد ذﻛر ﻣﺻطﻔﻰ اﻟﺻﺎوي اﻟﺟوﯾﻧﻲ » :وﯾﻌود ﻓﻲ
ﺑﯾﺋﺔ اﻟﻣﻐرب ﺗﻠك اﻟﺻورة اﻟواﺿﺣﺔ ﻻﻣﺗزاج اﻟﻧﻘد ﻣﻊ اﻟﺑﻼﻏﺔ ﻣﻊ ﻏﻠﺑﺔ اﻟﺑﺣث اﻟﻧﻘدي ﻋﻧد اﺑن
رﺷﯾق ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ " اﻟﻌﻣدة ﻓﻲ ﺻﻧﺎﻋﺔ اﻟﺷﻌر وﻧﻘدﻩ" ،وﻛﻣﺎ ﻛﺎﻧت اﻟﺑداﯾﺔ ﺑﺎﻟﺟﺎﺣظ ﻓﺎﻟﻧﻬﺎﯾﺔ ﺑﺎﺑن
رﺷﯾق ،وأوﻟﻬﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺟﻧﺎح اﻟﺷرﻗﻲ اﻟﻌرﺑﻲ ﺑﯾﻧﻣﺎ اﺑن رﺷﯾق ﻓﻲ اﻟﺟﻧﺎح اﻟﻣﻐرﺑﻲ«.1
وﻗﺎل ﻋﻧﻪ اﻟﺷﯾﺦ ﻛﺎﻣل ﻣﺣﻣد ﻣﺣﻣد ﻋوﯾﺿﺔ » :وﻓﻲ ﻫذا اﻟﻛﺗﺎب ﻧﺟد ﻣﺎ رﻓﻊ ﻣن
ﻗﯾﻣﺗﻪ اﻟﻔﻧﯾﺔ واﻷدﺑﯾﺔ ﻣن ﺣدﯾث اﻟﻧﻘد واﻟﺑﻼﻏﺔ ،ﻓﻘد وﺟدﻧﺎ ﻓﯾﻪ اﻟﻌﻠم اﻟرﻓﯾﻊ ،وﻗد اﻫﺗم ﺑﻪ
اﻟﻌﻠﻣﺎء ﻋﻠﻰ ﻣر اﻷﯾﺎم « ، 2وﺟﻣﻊ ﻣﺣﺗواﻩ اﻟدﻛﺗور ﻋﺑد اﻟﻌزﯾز ﻋﺗﯾق ﺑﻘوﻟﻪ » :اﺑن رﺷﯾق
اﻟﻘﯾرواﻧﻲ ﺻﺎﺣب ﻛﺗﺎب اﻟﻌﻣدة اﻟذي ﺟﻣﻊ ﻓﯾﻪ ﺑﯾن ﻣﺑﺎﺣث اﻟﺑﻼﻏﺔ وﻣﺑﺎﺣث اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ﻣﻊ
أﺷﯾﺎء ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺦ اﻷدب«.3
وﺑﻬذا ﯾﻣﺛل ﻛﺗﺎب اﻟﻌﻣدة ﺑﺣق ﻋﻣدة دراﺳﺎت اﻟﺷﻌر ﻓﻲ اﻟﻘرن اﻟﺧﺎﻣس ،واﻟﻛﺗﺎب اﻟذي
ﺣﻣل اﺳم اﺑن رﺷﯾق وﺟﻌﻠﻪ ﻓﻲ ﻋداد اﻟﻧﺎﻗدﯾن ،ﻓﻘد ﻧﻘل اﻟﻧﻘد ﻣن ﻧﻘد ﺷﺎﻋر ﺧﺎص أوﺷﻌراء
ﻣﻌﯾﻧﯾﯾن ﻛﻣﺎ ﻓﻌل ﺻﺎﺣب اﻟﻣوازﻧﺔ واﻟوﺳﺎطﺔ إﻟﻰ ﻧﻘد اﻟﺷﻌر ﻋﺎﻣﺔ ،وﻛﺎن ﺗﺻﻧﯾﻔﻪ ﻫذا اﻟﻛﺗﺎب
ﻣﺎ أﻓﺻﺢ ﻋﻧﻪ اﺑن رﺷﯾق ﻓﻲ اﻟﻣﻘدﻣﺔ » ﻣﻊ ﻣﺎ ﻟﻠﺷﻌر ﻣن ﻋظم اﻟﻣزﯾﺔ ،وﺷرف اﻷﺑﯾﺔ ،وﻋز
اﻷﻧﻔﺔ ،وﺳﻠطﺎن اﻟﻘدرة ،وﺟدت اﻟﻧﺎس ﻣﺧﺗﻠﻔﯾن ﻓﯾﻪ ،ﻣﺧﺗﻠﻔﯾن ﻋن ﻛﺛﯾر ﻣﻧﻪ ،ﯾﻘدﻣون
وﯾؤﺧرون ،وﯾﻘﻠّون وﯾﻛﺛرون ،ﺑوﺑوﻩ أﺑواﺑﺎ ﻣﺑﻬﻣﺔ ،وﻟﻘﺑوﻩ أﻟﻘﺎﺑﺎ ﻣﺗﻬﻣﺔ ،وﻛل واﺣد ﻣﻧﻬم ﻗد
ﺿرب ﻓﻲ ﺟﻬﺔ ،واﻧﺗﺣل ﻣذﻫﺑﺎ ﻫوﻓﻲ إﻣﺎم ﻧﻔﺳﻪ ،وﺷﺎﻫد دﻋواﻩ ،ﻓﺟﻣﻌت أﺣﺳن ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ ﻛل
واﺣد ﻣﻧﻬم ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ ،ﻟﯾﻛون » اﻟﻌﻣدة ﻓﻲ ﻣﺣﺎﺳن اﻟﺷﻌر وآداﺑﻪ " ان ﺷﺎء اﷲ «.4
-1ﻣﺻطﻔﻰ اﻟﺻﺎﻓﻲ اﻟﺟوﯾﻧﻲ ،ﻣﻌﺎﻟم ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ،ﻣﻧﺷﺄة اﻟﻣﻌﺎرف ،اﻹﺳﻛﻧدرﯾﺔ ،ص .8
-2اﻟﺷﯾﺦ ﻛﺎﻣل ﻣﺣﻣد ﻣﺣﻣد ﻋوﯾﺿﺔ ،اﺑن رﺷﯾق اﻟﻘﯾرواﻧﻲ اﻟﺷﺎﻋر اﻟﺑﻠﯾﻎ ،دار اﻟﻛﺗب اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ،ﺑﯾروت ،ط ،1993 ، 1
ص .6
-3ﻋﺑد اﻟﻌزﯾز ﻋﺗﯾق ،ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ،دار اﻟﻧﻬﺿﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،ﺑﯾروت ،ط ،2،1972ص.286
-4اﻟﺷﯾﺦ ﻛﺎﻣل ﻣﺣﻣد ﻣﺣﻣد ﻋوﯾﺿﺔ ،اﺑن رﺷﯾق اﻟﻘﯾرواﻧﻲ اﻟﺷﺎﻋر اﻟﺑﻠﯾﻎ ،ص . 3 -1
48
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
وﻗد أﺛﺎر اﺑن رﺷﯾق ﻋدة ﻗﺿﺎﯾﺎ ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ اﻟﻌﻣدة أﻫﻣﻬﺎ ﻗﺿﯾﺔ اﻟﻠﻔظ واﻟﻣﻌﻧﻰ ،ﻗﺿﯾﺔ
اﻟﻘدﯾم واﻟﺟدﯾد وﻗﺿﯾﺔ اﻟﺳرﻗﺎت اﻷدﺑﯾﺔ .
أوﻻ -ﻗﺿﯾﺔ اﻟﻠﻔظ واﻟﻣﻌﻧﻰ :
ﻋﻘد اﺑن رﺷﯾق ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ ﺑﺎﺑﺎ ﻣﺳﺗﻘﻼ ﺳﻣﺎﻩ ﺑﺎب اﻟﻠﻔظ واﻟﻣﻌﻧﻰ أورد ﻣن ﺧﻼﻟﻪ رأﯾﺎ
ﻓﻘﺎل اﻟﻠﻔظ ﺟﺳم وروﺣﻪ اﻟﻣﻌﻧﻰ ،وارﺗﺑﺎطﻪ ﺑﻪ ﻛﺎرﺗﺑﺎط اﻟروح ﺑﺎﻟﺟﺳم ،ﯾﺿﻌف ﺑﺿﻌﻔﻪ وﯾﻘوى
ﺑﻘوﺗﻪ ،ﻓﺈذا ﺳﻠم اﻟﻣﻌﻧﻰ واﺧﺗل ﺑﻌض اﻟﻠﻔظ ﻛﺎن ﻧﻘﺻﺎ ﻟﻠﺷﻌر ،وﻫﺟﻧﺔ ﻋﻠﯾﻪ ﻛﻣﺎ ﯾﻌرض
ﻟﺑﻌض اﻷﺟﺳﺎم اﻟﻌرض واﻟﺷﻠل واﻟﻌور وﻣﺎ أﺷﺑﻪ ذﻟك ﻣن ﻏﯾر أن ﺗذﻫب اﻟروح ،وﻛذﻟك إن
ﺿﻌف اﻟﻣﻌﻧﻰ واﺧﺗل ﺑﻌﺿﻪ ﻛﺎن ﻟﻠﻔظ ﻣن ذﻟك أوﻓر ﺣظ ﻛﺎﻟذي ﯾﻌرض ﻟﻸﺟﺳﺎم ﻣن
اﻟﻣرض ﺑﻣرض اﻷرواح ،وﻻ ﺗﺟد ﻣﻌﻧﻰ ﯾﺧﺗل إﻻ ﻣن ﺟﻬﺔ اﻟﻠﻔظ ،وﺟرﯾﻪ ﻓﯾﻪ ﻋﻠﻰ ﻏﯾر
اﻟواﺟب ﻗﯾﺎﺳﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻗدﻣت ﻣن أدواء اﻟﺟﺳوم واﻷرواح ،ﻓﺈن اﺧﺗل اﻟﻣﻌﻧﻰ ﻛﻠﻪ وﻓﺳد ﺑﻘﻲ
اﻟﻠﻔظ ﻣواﺗﺎ وﻻ ﻓﺎﺋدة ﻓﯾﻪ ٕوان ﻛﺎن ﺣﺳن اﻟطﻼوة ﻓﻲ اﻟﺳﻣﻊ ،وﻛذﻟك إن اﺧﺗل ﻟﻔظ اﻟﺟﻣﻠﺔ
وﺗﻼﺷﻰ ﻟم ﯾﺻﻠﺢ ﻟﻪ ﻣﻌﻧﻰ ﻷﻧﻧﺎ ﻻ ﻧﺟد ﻓﻲ ﻏﯾر ﺟﺳم اﻟﺑﺗﺔ ،وﺑذﻟك ﻛﺎن ﻣوﻗﻔﻪ ﻣﻌﺗدﻻ ﻏﯾر
ﻣﺗﻌﺻب ﻟرأي ﻋﻠﻰ آﺧر.
ﺛﺎﻧﯾﺎ – ﻗﺿﯾﺔ اﻟﻘدﯾم واﻟﺟدﯾد :
ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ اﻟﻌﻣدة ﺧص اﺑن رﺷﯾق اﻟﻘدﻣﺎء واﻟﻣﺣدﺛﯾن ﺑﺑﺎب ﻛﺎﻣل ﻣﻣﺎ ﻗﺎل ﻓﯾﻪ»:ﻛل
ﻗدﯾم ﻣن اﻟﺷﻌراء ﻓﻬو ﻣﺣدث ﻓﻲ زﻣﺎﻧﻪ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣن ﻛﺎن ﻗﺑﻠﻪ ،وﻛﺎن ﻋﻣرو ﺑن اﻟﻌﻼء
-ﻗﺿﯾﺔ اﻟﻠﻔظ واﻟﻣﻌﻧﻰ ﻣن اﻟﻣوﺿوﻋﺎت اﻟﺗﻲ اﻫﺗم ﺑﻬﺎ اﻟﻧﻘﺎد اﻟﻌرب ﺑﺻﻔﺔ ﺧﺎﺻﺔ ،ﺣﯾث ﻛﺛر ﺣدﯾﺛﻬم ﻋن اﻷﻟﻔﺎظ
واﻟﻣﻌﺎﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﺷﻌر ،اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ ﺑﻣﺎ ﻓﯾﻬﺎ ﻣن أﻓﻛﺎر وﻋواطف وﺧواطر وأﺧﯾﻠﺔ ،واﻷﻟﻔﺎظ ﺑﻣﺎ ﻓﯾﻬﺎ ﻣن ﻛﻠﻣﺎت وﺟﻣل وﺗﻌﺎﺑﯾر
وأﺳﺎﻟﯾب ،وﻟﻘد ﻛﺎن اﺧﺗﻼﻓﻬم ﻓﻲ أﯾﻬﻣﺎ أﻓﺿل اﻷﻟﻔﺎظ أو اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ؟ واﻧﻘﺳﻣوا إﻟﻰ ﺛﻼﺛﺔ أﻗﺳﺎم :
ﻗﺳم اﻫﺗم ﺑﺎﻷﻟﻔﺎظ وﻓﺿﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ ،وﻗﺳم اﻫﺗم ﺑﺎﻟﻣﻌﺎﻧﻲ وﻓﺿﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻷﻟﻔﺎظ ،وﻗﺳم اﺗﺧذ ﻣوﻗﻔﺎ ﻣﻌﺗدﻻ ﺣﯾث اﻫﺗم
ﺑﺎﻷﻟﻔﺎظ واﻟﻣﻌﺎﻧﻲ ﻓﻲ آن واﺣد.
-ﯾﻘﺻد ﺑﻠﻔظ اﻟﻘدﯾم اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ ﺑﺻﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ واﻟﺷﻌر ﺑﺻﻔﺔ ﺧﺎﺻﺔ اﻟذي ﻗﯾل طﯾﻠﺔ اﻟﻌﻬد اﻟﺟﺎﻫﻠﻲ واﻹﺳﻼﻣﻲ واﻷﻣوي،
وﻫو اﻟﺗراث اﻟذي أﺟﻣﻊ اﻟﻧﻘﺎد ﻋﻠﻰ ﺻﺣﺔ اﻻﺣﺗﺟﺎج ﺑﻪ ،أﻣﺎ ﻣﺻطﻠﺢ اﻟﺣدﯾث أو اﻟﺟدﯾد ﻓﻬو اﻟﺷﻌر اﻟذي ﺑدأ ﻣﻊ ﻗﯾﺎم اﻟدوﻟﺔ
اﻟﻌﺑﺎﺳﯾﺔ واﺳﺗﻣر ﻓﯾﻣﺎ ﺑﻌد ﻋﻬودا طوﯾﻠﺔ ،ﺑدأ ﻣﻊ ﺑﺷﺎر ﺑن ﺑرد وأﺑﻲ ﻧواس وﻣﺳﻠم ﺑن اﻟوﻟﯾد وأﺑﻲ ﺗﻣﺎم ،وأﺳﺗﻣر ﻣﻊ اﻟﻣﺗﻧﺑﻲ
واﻟﻣﻌري.
49
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﯾﻘول ﻟﻘد ﺣﺳن ﻫذا اﻟﻣوﻟد ﺣﺗﻰ ﻫﻣﻣت أن آﻣر ﺻﺑﯾﺎﻧﻧﺎ ﺑرواﯾﺗﻪ ،ﯾﻌﻧﻲ ﺑذﻟك ﺷﻌر ﺟرﯾر
واﻟﻔرزدق ﻓﺟﻌﻠﻪ ﻣوﻟدا ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺷﻌر اﻟﺟﺎﻫﻠﯾﺔ واﻟﻣﺧﺿرﻣﯾن ،وﻛﺎن ﻻ ﯾﻌد اﻟﺷﻌر إﻻ ﻣﺎ
ﻛﺎن ﻟﻠﻣﺗﻘدﻣﯾنٕ ...واﻧﻣﺎ ﻣﺛل اﻟﻘدﻣﺎء واﻟﻣﺣدﺛﯾن ﻛﻣﺛل رﺟﻠﯾن اﺑﺗدأ ﻫذا ﺑﻧﺎء ﻓﺄﺣﻛﻣﻪ وأﺗﻘﻧﻪ ،ﺛم
أﺗﻰ اﻵﺧر ﻓﻧﻘﺷﻪ وزﯾﻧﻪ ،ﻓﺎﻟﻛﻠﻔﺔ ظﺎﻫرة ﻋﻠﻰ ﻫذا وان ﺣﺳن ،واﻟﻘدرة ظﺎﻫرة ﻋﻠﻰ ﻫذا ٕوان
ﺧﺷن ،وﻋﻠﯾﻪ ﻓﺈن ﻧظرﺗﻪ ﻻ ﺗﺧﺗﻠف ﻋن آراء اﻟﻧﻘﺎد اﻟﻣﺗﻣﯾزﯾن ﻣن أﻣﺛﺎل اﺑن ﺳﻼم واﺑن ﻗﺗﯾﺑﺔ
وﻋﺑد اﻟﻛرﯾم اﻟﻧﻬﺷﻠﻲ ،ﻓﻠﻘد آﻣن ﺑﺎﻟﺗﺳوﯾﺔ ﺑﯾن اﻟﺷﻌر اﻟﻘدﯾم واﻟﺷﻌر اﻟﺣدﯾث ﻟﻛن اﻟﺣﻛم ﻟﻸﺟود
ﻣﻧﻬﻣﺎ ﻓﻬوﻻ ﯾﺗﻌﺻب ﻟﻠﻘدﯾم ﻟﻘدﻣﻪ ،ﻛﻣﺎ ﻻ ﯾﻧﺗﺻر ﻟﻠﺟدﯾد ﻟﺟدﺗﻪٕ ،واﻧﻣﺎ اﻟﻌﺑرة ﻋﻧدﻩ ﻟﻸﺟود
ﻣﻧﻬﻣﺎ وﻫو اﻷﺛر اﻟﻔﻧﻲ اﻟذي ﯾﺿﻣن ﺧﻠودﻩ واﺳﺗﻣ اررﯾﺗﻪ.
50
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﺛﺎﻟﺛﺎ – ﻗﺿﯾﺔ اﻟﺳرﻗﺎت اﻷدﺑﯾﺔ :
ﺗﻧﺎول ﺑن رﺷﯾق اﻟﺳرﻗﺎت ﺑﺎﻟﺑﺣث واﻟدرس ﻓﻌﻘد ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ اﻟﻌﻣدة ﺑﺎﺑﺎ ﺧﺎﺻﺎ ﺑﻌﻧوان
ﺑﺎب اﻟﺳرﻗﺎت وﻣﺎ ﺷﺎﻛﻠﻬﺎ ﻗﺎل ﻓﯾﻪ :وﻫذا ﺑﺎب ﻣﺗﺳﻊ ﺟدا ﻻ ﯾﻘدر أﺣد ﻣن اﻟﺷﻌراء أن
ﯾدﻋﻲ اﻟﺳﻼﻣﺔ ﻣﻧﻪ ،وﻓﯾﻪ أﺷﯾﺎء ﻏﺎﻣﺿﺔ إﻻ ﻋن اﻟﺑﺻﯾر اﻟﺣﺎذق ﺑﺎﻟﺻﻧﺎﻋﺔ ،وآﺧر ﻓﺎﺿﺣﻪ
ﻻ ﺗﺧﻔﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﺟﺎﻫل اﻟﻣﻐﻔل.
إذن ﯾﻌﺗﺑر اﺑن رﺷﯾق ﻋﻠﻣﺎ ﻣن أﻋﻼم اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻘدﯾم ،ﯾطﺎﻟﻌﻧﺎ ﺑﻌدة ﻣؤﻟﻔﺎت ﻓﻲ
ﻣﯾدان اﻟﻧﻘد واﻟﺷﻌر ،ﻧﻠﻣس ﻓﯾﻬﺎ ﺟواﻧب ﻣن ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻣﻐرب اﻟﻌرﺑﻲ ،ﻟﻧﺟد ﻓﯾﻪ ذﻟك اﻟﺗوﻓﯾق
اﻟﻧﺎدر ﺑﯾن اﻟﺷﻌر واﻟﻧﻘد ،ﺑﯾن اﻟﻔن واﻟﻌﻠم ﻓﺎﻟرﺟل ﻛﺎن ﺻﺎﺋﻐﺎ وﻓﻲ اﻟﺻﯾﺎﻏﺔ اﻧﺗﻘﺎد اﻟدراﻫم
واﻟﻣﻌﺎدن وﺗﻣﯾﯾز اﻟﺻﺣﯾﺢ ﻓﯾﻬﺎ ﻣن اﻟزاﺋف ،ﻟﻘد ﺑرع اﻟرﺟل ﻓﻲ اﻟﺗﻣﯾﯾز ﺑﯾن ﺟﯾد اﻷدب وردﯾﺋﻪ
ﻣن ﺗﺟرﺑﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﺗﻣﯾﯾز ﺑﯾن اﻟذﻫب واﻟﻔﺿﺔ ،وﻗد ﺗﺄﺗّﻰ ﻟﻪ اﻟﻧﺟﺎح ﺣﺗﻰ أﺿﺣﻰ ﻧﺎﻗدا ﻓذا.
وﻗد ﺣﺎوﻟﻧﺎ ﻣن ﺧﻼل اﻟﺗرﻛﯾز ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻠﻣﯾن اﻟﻧﺎﻗدﯾن وﻫﻣﺎ اﻷﺳﺗﺎذ واﻟﺗﻠﻣﯾذ ﺑﺎﻋﺗﺑﺎرﻫﻣﺎ
ﻣن زﻣﻧﯾن ﻣﺧﺗﻠﻔﯾن ،وﻷن اﻟﻣﻘﺎم ﻻ ﯾﺗﺳﻊ ﻟﺷرح ﺟﻣﯾﻊ ﻣﺎ ﻗﺎﻟوا وﻻ ﻣﺎ ﺟﺎء ﺑﻪ ﻏﯾرﻫم ،وﻟﺋن
ﻛﺎﻧت ﻫذﻩ اﻵراء ﻗﻠﯾﻠﺔ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻛﺷف ﻋن ﺳﻌﺔ ﻋﻠم ﻫؤﻻء وﺛﻘﺎﻓﺗﻬم اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻛﻣﺎ أﻋطﺗﻧﺎ ﺗﻠك
اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ اﻟﺗﻲ أﺻﺑﺣت اﻵن ﻣﻧطﻠﻘﺎ وﺳﻧدا ﻧﻌود إﻟﯾﻪ ﻟﯾﻔﯾدﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﺳﺎرﻧﺎ اﻟﻧﻘدي.
* -اﻟﺳرﻗﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﻧﺎﻫﺎ اﻟﻠﻐوي ﻫﻲ اﺧﺗﻼس ﻣﺎ ﻟﻶﺧرﯾن ،وﻓﻲ اﻻﺻطﻼح اﻷدﺑﻲ ﻫو أن ﯾﻌﻣد اﻟﺷﺎﻋر إﻟﻰ أﺑﯾﺎت ﺷﺎﻋر
آﺧر ﻓﯾﺳرق ﻣﻌﺎﻧﯾﻬﺎ أو أﻟﻔﺎظﻬﺎ ،وﻗد ﯾﺄﺧذ اﻟﻠﻔظ واﻟﻣﻌﻧﻰ ﻋﻠﻰ ﺣد اﻟﺳواء ﺛم ﯾﻧﺳب ذﻟك ﻟﻧﻔﺳﻪ ،وﻫذا اﻟﻣوﺿوع ﺷﻐل ﺣﯾ از
ﻛﺑﯾ ار ﻣن اﻫﺗﻣﺎم اﻟﻌرب ﻣﻧذ أن ﻗﺎﻣت اﻟﻣﻌﺎرك اﻷدﺑﯾﺔ ﺣول ﺗﺟدﯾد اﻟﺷﻌراء اﻟﻣﺣدﺛﯾن ﻓﻲ اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ ﺑﻌﺎﻣﺔ ،واﻟﺧﺻوﻣﺎت
اﻷدﺑﯾﺔ اﻟﺗﻲ دارت ﺣول أﺑﻲ ﺗﻣﺎم واﻟﺑﺣﺗري ،ﺛم ﺑﻌدﻩ ﺣول اﻟﻣﺗﻧﺑﻲ ﺑﺧﺎﺻﺔ ،وﻣﺷﻛﻠﺔ اﻟﻘدﻣﺎء واﻟﻣﺣدﺛﯾن ﻓﻲ اﻟﻌﺻر اﻟﻌﺑﺎﺳﻲ
إﻧﻣﺎ ﻧﺗﺟت ﺣﯾن ﻓﺷﺎ ﻣذﻫب اﻟﺻﻧﻌﺔ واﺗﻛﺎء اﻷدب ﻋﻠﻰ ﺗﻘﻠﯾد اﻟﺷﻌر اﻟﺟﺎﻫﻠﻲ واﻻﺳﺗﻣداد ﻣن ﺻورﻩ وﻣﻌﺎﻧﯾﻪ وأﺳﺎﻟﯾﺑﻪ.
51
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
-اﻹﺻﻼﺣﯾﯾن ﻓﺋﺔ ﻣن اﻟﻣﺛﻘﻔﯾن رﻓﺿوا اﻻﺳﺗﻌﻣﺎر وﻧﺑذوا اﻟﺣﺿﺎرة اﻷورﺑﯾﺔ وأﻏﻠﺑﻬم ﻣن اﻟذﯾن ﺗﻠﻘوا ﺗﻛوﯾﻧﺎ ﺳﻠﻔﯾﺎ وارﺗﺑطوا
ﺑﺎﻻﯾدوﻟوﺟﯾﺎ اﻹﺻﻼﺣﯾﺔ وﺗﺄﺛروا ﺑﺎﻟﻧﻬﺿﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ ورﺟﺎل اﻹﺻﻼح ﻓﻲ اﻟﻣﺷرق ﻋﻠﻰ رأﺳﻬم ﻣﺣﻣد ﻋﺑدﻩ وﺟﻣﺎل اﻟدﯾن
اﻷﻓﻐﺎﻧﻲ وﻏﯾرﻫﻣﺎ ،وأﻫم ﻣﻣﺛل ﻟﻬذﻩ اﻟﻧﺧﺑﺔ رواد ﺟﻣﻌﯾﺔ اﻟﻌﻠﻣﺎء اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ،أﻣﺎ اﻟﺗوﻓﯾﻘﯾﯾن ﻓﻬم اﻟذﯾن ﺣﺎوﻟوا اﻻﺳﺗﻔﺎدة ﻣن
اﻟﺗراث اﻟﻌرﺑﻲ واﻷﺧذ ﺑﺟﺎﻧب ﻣن اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ ،وﻣﻌظم ﻫؤﻻء ﻣن ﻣزدوﺟﻲ اﻟﻠﻐﺔ .
-1ﻋﺑد اﷲ اﻟرﻛﯾﺑﻲ ،ﺗطور اﻟﻧﺛر اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ،د ط ،اﻟدار اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب ،ﻟﯾﺑﯾﺎ -ﺗوﻧس ،1978 ،ص .14
52
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﻓﯾﻬﺎ »:أﻋرض ﻋﻠﻰ أدﺑﺎﺋﻧﺎ وﻛﺗﺎﺑﻧﺎ اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ﻫذﻩ اﻟﻘﺻﯾدة اﻟﻘﺻﯾرة ،وأرﺟو ﻣن ﻛل أدﯾب
ﻗدر ﻋﻠﻰ ﻧﻘدﻫﺎ أن ﯾﻧﺗﻘدﻫﺎ اﻧﺗﻘﺎدا أدﺑﯾﺎ ،وأن ﯾرﯾﻧﺎ ﻧﻣوذﺟﺎ ﻣن ﻫذا اﻟﻔن اﻟﺟﻣﯾل ،ﻓن اﻟﻧﻘد
اﻟذي ﻫو ﻣﯾز اﻟﺧﺑﯾث ﻣن اﻟطﯾب ،واﻟﺧطﺄ ﻣن اﻟﺻواب ،واﻟﺻﺣﯾﺢ ﻣن اﻟﻔﺎﺳد ،ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻋرﻓﻧﺎ أن
ﺑﺎﻟﺟزاﺋر ﺷﻌراء ﻓﺣوﻻ ،وﻛﺗﺑﺔ ﻣﺗﻘدﻣﯾن،وﻋرﻓﻧﺎ ﻣﻘدرﺗﻬم ﻓﻲ أﻏﻠب وﺟوﻩ اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ إﻻ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد
اﻷدﺑﻲ ،ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻟم ﻧﻌرف ﻣﺑﻠﻐﻪ ﺑﺑﻼدﻧﺎ اﻟﺟزاﺋر ،ﻓﻬل ﯾﺗﻘدم أﺣد ﻣن ﺣﻣﻠﺔ اﻷﻗﻼم إﻟﻰ ﻫذﻩ
اﻟﻘﺻﯾدة ،ﻓﯾﻧﺗﻘدﻫﺎ ﺑﺈﻧﺻﺎف ﯾﻛﺷف ﻋن ﺳﯾﺋﺎﺗﻬﺎ،وﻻ ﯾظﻠم ﺣﺳﻧﺎﺗﻬﺎ؟ ،ﻟﯾس اﻻﻧﺗﻘﺎد ﻫو
اﻻﻗﺗﺻﺎر ﻋﻠﻰ اﻟﻣدح أو اﻟﻘدح ﻣﺗﻰ وﺟدا ﻣﻌﺎ«.1
ﻣﻘوﻟﺔ اﻟزاﻫري ﻫذﻩ واﻟﺗﻲ ﺑﻣﺎ ﻓﯾﻬﺎ ﻣن ﺗﺣد واﺿﺢ وﺟريء ﻟﻠﻧﻘﺎد ،إﻧﻣﺎ ﻫﻲ ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ
ﻧﺗﺟت ﻋن إﯾﻣﺎﻧﻪ ﺑﻌدم وﺟود ﻧﻘد ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ ﺗﻧﺎول ﻗﺻﯾدﺗﻪ ﺑﻣﺎ ﻓﯾﻬﺎ ﻣن ﻋﯾوب وﺣﺳﻧﺎتٕ ،وان
ﺗﻌﻣد إﺿﻌﺎﻓﻬﺎ » ﻓﺎﻟزاﻫري ﺗﻌﻣد إﺑراز اﻟﺿﻌف ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻘﺻﯾدة ﻟﯾﺧﺗﺑر ﯾﻘظﺔ اﻟﻧﻘﺎد وﻣدى
ﻗدرﺗﻬم وﺣذﻗﻬم ﻓﻲ اﻟﻛﺷف ﻋن ﻣواطن اﻟﺧﻠل واﻟﺟودة ﻓﯾﻬﺎ«.2
ﻋﻣل اﻟﻣﺳﺗﻌﻣر ﺑﻛل ﻣﺎ أﺗﯾﺢ ﻟﻪ ﻣن وﺳﺎﺋل وﺑﺷﺗﻰ اﻟطرق اﻟﻣﻣﻛﻧﺔ ،ﻋﻠﻰ طﻣس اﻟﻬوﯾﺔ
اﻟوطﻧﯾﺔ ،ﺳﺎﻋﯾﺎ إﻟﻰ ﺑﺗر ﻛل ﻣﺎﻟﻪ ﺻﻠﺔ ﺑﺎﻟوطن واﻟﻘوﻣﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ واﻷﻣﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻣن دﯾن
وﻟﻐﺔ وﺛﻘﺎﻓﺔ ،ﻋن طرﯾق ﺷن ﺣﻣﻼت اﻟﺗﺷوﯾﻪ واﻟﺗزﯾﯾف ٕواﺗﻼف اﻟﺗراث وﺗﺳرﯾب اﻷﻓﻛﺎر
اﻟراﻣﯾﺔ إﻟﻰ اﻟﺗﺷﻛﯾك ﻓﻲ اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﻘوﻣﯾﺔ واﻟوطﻧﯾﺔ واﻹﺣﺳﺎس ﺑدوﻧﯾﺔ وﻗﺻور اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ
اﻟوطﻧﯾﺔ واﻟﻘوﻣﯾﺔ واﻹﺳﻼﻣﯾﺔ وﺑﺿﻌف اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﺑﺄﻧﻪ ﻻ ﯾﻣﻛن ﻟﻬﺎ أن ﺗﻛون ﻟﻐﺔ ﺣﺿﺎرة
وﻋﻠم وﻣﻌرﻓﺔ ،وﻣن ﺟﻬﺔ أﺧرى ﺗﻘدﯾس ﻟﻛل ﻣﺎ ﻫو أورﺑﻲ واﻹﺷﺎدة ﺑﺗﻔوﻗﻪ وﻋظﻣﺗﻪ ﻓﻲ ﻛل
اﻟﻣﺟﺎﻻت اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ واﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ واﻟﺣﺿﺎرﯾﺔ واﻟﺗﻛﻧوﻟوﺟﯾﺔ وﺣﺗﻰ اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ،وﻫو ﻓﻲ ﻛل ﻫذﻩ
اﻟﺣﺎﻻت ﯾﺳﻌﻰ إﻟﻰ اﺳﺗﺛﻣﺎر ﻛل ﻣﺎ ﯾﻣﻛن أن ﯾﺳﺎﻋدﻩ ﻓﻲ ﺗﺣﻘﯾق ﻣرادﻩ.
-1أﺑو اﻟﻘﺎﺳم ﺳﻌد اﷲ ،دراﺳﺎت اﻷدب اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ،ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق ،ص .79
-2أﺣﻣد ﯾوﺳف ،اﻟﺳﻼﻟﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ،ﻋﻼﻣﺎت اﻟﺧﻔوت وﺳﯾﻣﺎء اﻟﯾﺗم ،ﻣﻛﺗﺑﺔ اﻟرﺷﺎد ﻟﻠطﺑﺎﻋﺔ واﻟﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ،
ﺳﯾدي ﺑﻠﻌﺑﺎس ،اﻟﺟزاﺋر ،2004 ،ص .75
53
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
وأﻣﺎم ﻫذا اﻟوﺿﻊ اﻟﻣﺗﺄزم رأى اﻻﺳﺗﻌﻣﺎر ﺿرورة ﺗطﺑﯾق ﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻣﺣروﻗﺔ ﻋﻠﻰ
ﻏرار ﻣﺎ طﺑﻘﻪ ﻋﻠﻰ اﻷرض ،وﻣﺎ ﺳﻣﺎﻩ اﻟﺟﻧرال اﻟﻔﺎﺷﻲ ﺑﯾﺟو ﺳﯾﺎﺳﺔ اﻷرض اﻟﻣﺣروﻗﺔ.1
وﻛﺎن ﻣن اﻟطﺑﯾﻌﻲ أن ﯾﻧﺗﺞ اﻟوﺿﻊ اﻟﻧﺎﺟم ﻋن اﻟﺳﯾطرة اﻟﻛوﻟوﻧﯾﺎﻟﯾﺔ وﻓﻲ ﻛل
اﻟﻣﺟﺎﻻت ،واﻟﺗﻲ ﺟرت ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻣﺣﺎوﻟﺔ طﻣس اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﺑﻛل ﻣﻛوﻧﺎﺗﻬﺎ ،واﻟوﻗوف أﻣﺎم
ﻛل ﻣﺣﺎوﻟﺔ ﻟﺗﺣﻘﯾق ﻧﻣو ﺛﻘﺎﻓﻲ ذو طﺎﺑﻊ وطﻧﻲ ،وﺿﻊ ﻣﺗﺄزم ﻛﺎن ﻟﻪ ﺗﺄﺛﯾر ﻣﺑﺎﺷر وﻏﯾر
ﻣﺑﺎﺷر ﻋﻠﻰ اﻷدب واﻟﻧﻘد ،ﻓﻛﺎن اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ﻣﺟرد اﻧطﺑﺎﻋﺎت وأراء رﺟﺎل اﻹﺻﻼح وﻣﺛﻘﻔﻲ
ﺟﻣﻌﯾﺔ اﻟﻌﻠﻣﺎء اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ،ﻓﻛﺎن اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ﯾﻔﺗﻘر إﻟﻰ ﻓﻛر ﻧﻘدي وﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ﻧﻘدﯾﺔ ﻣﺣددة،
ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ اﺳﺗﻧطﺎق اﻹﺑداع اﻷدﺑﻲ وﺗﺣﻠﯾﻠﻪ ﺷﻛﻼ وﻣﺿﻣوﻧﺎٕ ،واذا ﻋدﻧﺎ إﻟﻰ ﻣﺳﯾرة اﻟﺣرﻛﺔ
اﻷدﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ﺧﻼل ﻫذﻩ اﻟﻔﺗرة ﻓﺈﻧﻪ ﯾﻣﻛن ﺗﻘﺳﯾﻣﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻣراﺣل اﻟﺗﺎﻟﯾﺔ:
2
-1ﻣرﺣﻠﺔ اﻹرﻫﺎﺻﺎت :
وﯾﻣﻛن أن ﺗﻌود إﻟﻰ أواﺧر اﻟﻘرن اﻟﺗﺎﺳﻊ ﻋﺷر وﻣطﻠﻊ اﻟﻘرن اﻟﻌﺷرﯾن ،وﯾﻣﺛﻠﻬﺎ ﻛوﻛﺑﺔ
ﻣن اﻟﻛﺗﺎب واﻟﺷﻌراء اﻟﻣﺣﺎﻓظﯾن ﻣن أﻣﺛﺎل ﻋﻣر ﺑن ﻗدور ،ﻋﻣر راﺳم ،ﺳﻌد اﻟدﯾن اﻟﺧﻣﺎر
اﻟﻣوﻟود ﺑن اﻟﻣوﻫوب ،ﻣﺣﻣد ﻣﺻطﻔﻰ ﺑن اﻟﺧوﺟﺔ ،وﻏﯾرﻫم...اﻟﺦ ،وﻗد ﺣﺎول ﻫؤﻻء اﻟﺗﻣﻬﯾد
ﻣن ﺧﻼل ﻣﺣﺎوﻻﺗﻬم إﻟﻰ ﻧﻬﺿﺔ أدﺑﯾﺔ ﻣن ﺧﻼل أﻋﻣﺎﻟﻬم اﻟﺗﻲ ﻗد ﺗﻛون ﺧطﺑﺎ وﻣواﻋظ
أو ﻗﺻﺎﺋد ﺗﺷﺣذ اﻟﻬﻣم أو ﻣﻘﺎﻻت ،ﻓﻛﺎﻧت ﻫذﻩ اﻷﻋﻣﺎل إرﻫﺎﺻﺎت ﻟﻧﻬﺿﺔ أدﺑﯾﺔ ﺳﯾﻧﺑﺛق
ﻓﺟرﻫﺎ وﻟو ﺑﻌد ﺣﯾن.
ﺑﻌد اﻻﻧﺗﻛﺎﺳﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﺛم اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ واﻟﻔﻛرﯾﺔ واﻷدﺑﯾﺔ ﻧﺗﺟت ﻋﻧﻬﺎ ﻓﺗرة اﻧﻛﻣﺎش ﺛﻘﺎﻓﻲ
ﺷﺑﻬﻬﺎ اﻟﻧﺎﻗد ﺑﺎﻟﻐﯾﺑوﺑ ﺔ ، 3ﺗواﺻل إﺣﺳﺎس اﻟﺷﻌب اﻟﺟزاﺋري ﺑﺎﻟﻐﺑن واﻻﻧﻛﺳﺎر اﻟﻣﺎدي
واﻟﻣﻌﻧوي ،وﻫو ﻣﺎ ﻋﺎﻧﻰ ﻣﻧﻪ اﻷدﺑﺎء واﻟﻛﺗﺎب ﺑطﺑﯾﻌﺗﻬم اﻷﻛﺛر إﺣﺳﺎﺳﺎ ﺑﺎﻟﻣﻌﺎﻧﺎة اﻟوطﻧﯾﺔ ﺑﻛل
ﺻورﻫﺎ اﻟﻣﺎدﯾﺔ واﻟﻣﻌﻧوﯾﺔ» ،ﻓﺎﻣﺗد ذﻟك ﺣﺗﻰ أواﺧر اﻟﻘرن اﻟﺗﺎﺳﻊ ﻋﺷر ﺣﯾن ﺑدأ ﯾﺳري ﻓﻲ
-1ﻧﻘﻼ ﻋن :ﺑن ﻗرﯾن ﻋﺑد اﷲ ،ﻣﺣﻣد اﻟزاوي اﻷﻣﯾن ،اﻟرواﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ اﻟﻣﻛﺗوﺑﺔ ﺑﺎﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ ،ص،12
-2ﻋﺑد اﷲ اﻟرﻛﯾﺑﻲ ،اﻟﺷﻌر اﻟدﯾﻧﻲ اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ،د ط ،اﻟﺷرﻛﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﻠﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ ،1981 ،ص .25
-3ﻋﻣر ﺑن ﻗﯾﻧﺔ ،ﻓﻲ اﻷدب اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ،ص .41
54
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻧﺗﻌﺎش واﻋد ﺑﺎﺳﺗﺋﻧﺎف اﻟﻧﻬوض ﺑﻌد اﻻﻧﻛﺳﺎر ﺑﻔﻌل ﻋواﻣل ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ داﺧﻠﯾﺔ
وﺧﺎرﺟﯾﺔ« ،1وﺑﻌد ﯾﻘظﺔ اﻟﺷﻌب ﻣن ﻏﯾﺑوﺑﺗﻪ واﻟﺗﻲ طﺎﻟت ،ﺳﺎﻫم ﻓﻲ ذﻟك ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻋواﻣل
ﻗﺳﻣﻬﺎ ﻋﻣر ﺑن ﻗﯾﻧﺔ إﻟﻰ ﻋواﻣل داﺧﻠﯾﺔ وﺧﺎرﺟﯾﺔ.
ﻓﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﻌواﻣل اﻟﺧﺎرﺟﯾﺔ ﻧذﻛر » إدراك اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن اﻟذﯾن ﻛﺎﻧوا ﯾﺗرددون ﻋﻠﻰ أورﺑﺎ
وﻓرﻧﺳﺎ اﻟﻔروق اﻟظﺎﻟﻣﺔ ﺑﯾن ﺳﯾﺎﺳﺔ ﻓرﻧﺳﺎ ﻓﻲ وطﻧﻬﺎ ،وﺳﯾﺎﺳﺗﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ﻛﻣﺎ ﻟﻌﺑت
اﻟﺻﻠﺔ ﺑﺎﻟﻣﺷرق اﻟﻌرﺑﻲ دو ار ﺑﺎر از ﺑﻔﺿل اﻟﺻﺣف واﻟﻧﺷرﯾﺎت اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺗﺳرب إﻟﻰ اﻟﺗراب
اﻟوطﻧﻲ ﻓﺗدﻋو إﻟﻰ اﻟﯾﻘظﺔ واﻟﻧﻬوض ﻋرﺑﯾﺎ ،وﻣن ﺑﯾﻧﻬﺎ ﺻﺣﯾﻔﺔ اﻟﻣؤﯾد اﻟﻣﺻرﯾﺔ.2«...
وﯾﺄﺗﻲ ﻓﻲ ﻣﻘدﻣﺔ اﻷﺳﻣﺎء اﻟﺗﻲ ﻣﺛﻠت ﻫذﻩ اﻟﻔﺗرة " ،اﻟﺷﯾﺦ ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر اﻟﻣﺟﺎوي" اﻟذي
ﻛﺗب ﺳﻧﺔ 1877رﺳﺎﻟﺔ ﻓﻲ ﺛﻼﺛﯾن ﺻﻔﺣﺔ ﺑﻌﻧوان " إرﺷﺎد اﻟﻣﺗﻌﻠﻣﯾن" دﻋﺎ ﻓﯾﻬﺎ » ﻣواطﻧﯾﻪ
واﻟﻣﺳﻠﻣﯾن أﻣﺔ إﻟﻰ ﻧﺑذ اﻟرﻛود ٕواﻟﻰ اﻟﯾﻘظﺔ واﻷﺧذ ﺑﺄﺳﺑﺎب اﻟﺣﺿﺎرة اﻟﺣدﯾﺛﺔ وﻟﻘد أﺻدر ﻛﺗﺎﺑﺎ
ﻓﻲ ﻣوﺿوﻋﺎت ﺷﺗﻰ ﻋﺎﻟﺞ ﻓﯾﻬﺎ ﺑﻌض اﻟﺟواﻧب اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ واﻹﺻﻼح اﻟدﯾﻧﻲ ﻓﻛﺎن ﻣن
اﻟﺷﺧﺻﯾﺎت اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗرﻛت أﺛ ار ﻣﻠﻣوﺳﺎ ﻓﻲ اﻟﺣﯾﺎة اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ أواﺧر اﻟﻘرن اﻟﻣﺎﺿﻲ ،وأواﺋل
اﻟﻘرن اﻟﺣﺎﻟﻲ«.3
ﻋرف اﻟوﺿﻊ اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ ﺑداﯾﺔ ﻣرﺣﻠﺔ ﺟدﯾدة ﺑﺑوادر ﺣرﻛﯾﺔ ﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ،أﺑرز ﺳﻣﺎﺗﻬﺎ ﺑروز
ﻛﺗﺎب ﻣﺧﺗﻠﻔﯾن ،ﻟﻌل أوﻟﻬم " اﻟﻣﺟﺎوي" واﻟذي وﻟد ﻓﻲ ﻣدﯾﻧﺔ ﺗﻠﻣﺳﺎن ﺳﻧﺔ 1848م ،ﺣﯾث درس
ﺛم اﻧﺗﻘل إﻟﻰ اﻟﻣﻐرب ﻟﻣﺗﺎﺑﻌﺔ دراﺳﺗﻪ ﻓﻲ ﻓﺎس وطﻧﺟﺔ وﺟﺎﻣﻊ اﻟﻘروﯾﯾن ،ﺛم ﻋﺎد ﺑﻌد ذﻟك إﻟﻰ
اﻟﺟزاﺋر ﻣﻣﺎرﺳﺎ ﻟﻠﺗﻌﻠﯾم ،ﻓدرس ﻓﻲ ﻛل ﻣن ﺟﺎﻣﻊ اﻟﻛﺗﺎﻧﻲ واﻟﻣدرﺳﺔ اﻟﺣﻛوﻣﯾﺔ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ
ﻧﺷﺎطﻪ ﺧﺎرج ﻋﻣﻠﻪ اﻟرﺳﻣﻲ ﻛﻣدرس وﻣﺣﺎﺿر ﻓﻲ اﻟﻣدارس اﻟﺣرة واﻟﻣﺳﺎﺟد ،ﻓﺄﺳﺗطﺎع أن
ﯾﺣدث ﻋن طرﯾق دروﺳﻪ وﻣﺣﺎﺿراﺗﻪ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﺗﺄﺛﯾ ار ﻛﺑﯾ ار ﻓﻲ اﻷوﺳﺎط اﻟﻔﻛرﯾﺔ واﻟﺷﻌﺑﯾﺔ
وواﺻل اﻟﻣﺟﺎوي ﻧﺷﺎطﻪ ﻓﻲ اﻟﺗدرﯾس ﺑﺎﻧﺗﻘﺎﻟﻪ إﻟﻰ اﻟﻌﺎﺻﻣﺔ ﺑﻣدرﺳﺔ اﻟﺛﻌﺎﻟﺑﯾﺔ ،إﻟﻰ أن ﻋﯾن
55
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
إﻣﺎﻣﺎ ﺧطﯾﺑﺎ ﺑﺟﺎﻣﻊ ﺳﯾدي رﻣﺿﺎن ﺑﺎﻟﻌﺎﺻﻣﺔ ،وﺑﻘﻲ ﻓﻲ ﻗﻣﺔ ﻧﺷﺎطﻪ ،إﻣﺎﻣﺎ ﻗدﯾ ار وأﺳﺗﺎذا
ﻣﺗﻣﻛﻧﺎ وﻣؤﻟﻔﺎ ﻧﺷﯾطﺎ ورﺟل إﺻﻼح ،وﻗد ﺗﺧرج ﻋﻠﻰ ﯾدﯾﻪ أﻋﻼم ﻓﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ واﻟﺗﻌﻠﯾم ،ﻓﻲ
ﻣﻘدﻣﺗﻬم " ﺣﻣدان اﻟوﻧﯾﺳﻲ" و" ﻋﺑد اﻟﺣﻣﯾد ﺑن ﺑﺎدﯾس" و" اﻟﻣوﻟود ﺑن اﻟﻣوﻫوب".1
ﯾﻌد اﻟﻣﺟﺎوي ﺷﺧﺻﯾﺔ ﻓﻛرﯾﺔ ﻣﺛﻠت ﺑداﯾﺔ ﻹرﻫﺎﺻﺎت ﻓﻛرﯾﺔ ﺗﺑﺷر ﺑﺎﻧﺗﻌﺎش اﻟواﻗﻊ
اﻟﻔﻛري واﻟﺛﻘﺎﻓﻲ ﻓﻲ اﻟﺑﻼد ،إﻟﻰ أن واﻓﺗﻪ اﻟﻣﻧﯾﺔ ﺑﻣدﯾﻧﺔ ﻗﺳﻧطﯾﻧﺔ ﻓﻲ اﻟﺳﺎدس ﻣن أﻛﺗوﺑر
،1914ﺣﯾث دﻓن ﻫﻧﺎك ﺑﻌد أن أﻟّف أﻛﺛر ﻣن ﺳﺗﺔ ﻋﺷر ﻛﺗﺎﺑﺎ ﻛﺎن ﻣﻌظﻣﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻧﺣو
واﻟﺑﻼﻏﺔ ،و»ﻗد ﻛﺎن ﻣن ﺑﯾن اﻟذﯾن ﻋﻣﻠوا ﺟﺎﻫدﯾن ﻣن أﺟل رﻗﻲ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،وﻧﺻﺎﻋﺔ اﻟدﯾن
اﻹﺳﻼﻣﻲ ،ﻛﻣﺎ ﻛﺎن أﺣد اﻟﻣﺻﻠﺣﯾن اﻷواﺋل ﻓﻲ اﻟﺗﺻدي ﻟﻶﻓﺎت اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ واﻟﺧراﻓﺎت
واﻟﻌﺎدات اﻟﺳﯾﺋﺔ ،واﻟﺳﻠوك اﻟرديء.2«...
وﻗد ﻛﺎن اﻟﺷﯾﺦ "أﺑو اﻟﻘﺎﺳم اﻟﺣﻔﻧﺎوي" أﺑرز أﺳﻣﺎء ﻫذﻩ اﻟﻔﺗرة ﺑﻌد "اﻟﻣﺟﺎوي" ،وﯾﻌد
ﻛﺗﺎب " ﺗﻌرﯾف اﻟﺧﻠف ﺑرﺟﺎل اﻟﺳﻠف" أﺷﻬر ﻛﺗﺎب أﻟّﻔﻪ "اﻟﺣﻔﻧﺎوي" إذ ﯾﻌد » ﻣن أﻣﻬﺎت
اﻟﻣﺻﺎدر واﻟﻣراﺟﻊ ﻓﻲ اﻟﺗراث اﻟﻔﻛري اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث اﻟﺗﻲ ﻻ ﯾزال اﻟرﺟوع إﻟﯾﻬﺎ ﻣﻬﻣﺎ ،وﻫو
ﻛﺗﺎب ﺣﺎﻓل ﺑﻘﺎﺋﻣﺔ طوﯾﻠﺔ ﻣن أﻋﻼم وﻓﻛر وﺛﻘﺎﻓﺔ وأدب ودﯾن ﺑﻠﻎ ﻋددﻫم 418ﻣﻊ ﻧﺻوص
ذات أﻫﻣﯾﺔ ﻗد ﯾﺗﻌذر اﻟﻌﺛور اﻟﯾوم ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺿﻬﺎ ﻓﻲ ﻏﯾرﻩ«.3
أﻣﺎ اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ اﻷﺧرى واﻟﺗﻲ ﻓرﺿت ﻧﻔﺳﻬﺎ ﻛﺄﺑرز أﺳﻣﺎء اﻟﻣرﺣﻠﺔ ﻫﻲ ﺷﺧﺻﯾﺔ "ﻣﺣﻣد
ﺑن أﺑﻲ ﺷﻧب" ،وﻫو»ﻣؤﻟف وﺑﺎﺣث ﺟﺎﻣﻌﻲ ﺑﻠﻘﺑﻪ اﻟﻌﻠﻣﻲ دﻛﺗور اﻟذي أﺣرز ﻋﻠﯾﻪ ﺑرﺳﺎﻟﺗﯾن
اﺛﻧﺗﯾن ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﺟزاﺋر اﻷوﻟﻰ ﻋن اﻟﺷﺎﻋر اﻟﻌﺑﺎﺳﻲ أﺑﻲ دﻻﻣﺔ واﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻋن اﻷﻟﻔﺎظ
اﻟﺗرﻛﯾﺔ واﻟﻔﺎرﺳﯾﺔ ﻓﻲ اﻟدارﺟﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ« ،4وﻟﻪ ﻋدة ﻣؤﻟﻔﺎت ﻣن اﻟﺑﺣوث واﻟدراﺳﺎت ،وﻛﺎن
ﻟﻠرﺟل ﻧﺷﺎط ﻓﻌﺎل ﻓﻲ اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ واﻷدﺑﯾﺔ ،ﻣن ﺧﻼل ﻣﻘﺎﻻﺗﻪ وأﺑﺣﺎﺛﻪ» ،ﻛﻣﺎ ﺣﻘق آﺛﺎ ار
56
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
أدﺑﯾﺔ ﻣن أﻫﻣﻬﺎ أو أﻫﻣﻬﺎ رﺣﻠﺔ اﻟورﺗﻼﻧﻲ ﻧزﻫﺔ اﻷﻧظﺎر ﻓﻲ ﻓﺿل ﻋﻠم اﻟﺗﺎرﯾﺦ واﻷﺧﺑﺎر
اﻟﺗﻲ ﺣﻘﻘﻬﺎ وﻛﺗب ﺗﻘدﯾﻣﺎ ﻟﻬﺎ.1«...
وﻫﻛذا ﻓرض ﻣﺣﻣد ﺑن أﺑﻲ اﻟﺷﻧب ﻧﻔﺳﻪ ﻛﺷﺧﺻﯾﺔ ﻣﺗﻣﯾزة ﻓﻲ اﻟﺣرﻛﺔ اﻷدﺑﯾﺔ واﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ
آﻧذاك ،واﺳﺗطﺎع اﻟﺗﺄﺛﯾر ﻓﻲ ﻣﺣﯾطﻪ اﻟﺟﺎﻣﻌﻲ » ،ﻓﻛﺎن أﺣد اﻟذﯾن ﺗطور اﻷﺳﻠوب اﻷدﺑﻲ
ﻋﻠﻰ أﯾدﯾﻬم ﺗطو ار واﺿﺣﺎ ،ﻣﺗﻘدﻣﺎ ﺧطوات ﻋن ذي ﻗﺑل رﻏم إﺑﻘﺎﺋﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺳﺟﻊ وﻏراﺑﺔ اﻟﻠﻔظ
ﻓﻲ ﺑﻌض ﻛﺗﺎﺑﺎﺗﻪ«.2
أﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﺟﺎل اﻟﺷﻌر ﻓﯾرى "ﻋﻣر ﺑن ﻗﯾﻧﺔ" أن أﻫم ﺛﻼث ﺷﺧﺻﯾﺎت ﻣن أﺑرز اﻷﺳﻣﺎء
ﻛﺗﺑت اﻟﺷﻌر واﻟﻧﺛر إﻻ أﻧﻬﺎ ﻋرﻓت أﻛﺛر ﺑﺎﻟﺷﻌر ،أوﻟﻬﺎ ﺷﺧﺻﯾﺔ " ﻣﺣﻣد ﺑن ﻋﺑد اﻟرﺣﻣﺎن
اﻟدﯾﺳﻲ" ، 1921-1854 و" ﻋﺎﺷور ﺑن ﻣﺣﻣد ﺑن ﻋﺑﯾد اﻟﺣﻧﻔﻲ " 1929-1854و"
ﻋﻣر ﺑن ﻗدور اﻟﺟزاﺋري" ، 1932-1886 ﻓﻘد ظﻬر ﺗﻔﺎﻋل ﻫؤﻻء ﻣﻊ اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ اﻟﻌرﺑﯾـﺔ
واﻹﺳﻼﻣﯾﺔٕ ،وان اﺗﻔق ﻫؤﻻء ﻓﻲ ﺗﻛوﯾﻧﻬم اﻟدﯾﻧﻲ إﻻ أﻧﻬم اﺧﺗﻠﻔوا ﻓﻲ رؤﯾﺗﻬم ﻟﺑﻌض اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ.3
– 2ﻣرﺣﻠﺔ اﻻﻧطﻼق :
وﺗﻧﺣﺻر ﻫذﻩ اﻟﻣرﺣﻠﺔ زﻣﻧﯾﺎ ﺑﯾن اﻟﺣرﺑﯾن اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺗﯾن ،أي ﺑﯾن اﻟﻌﺷرﯾﻧﯾﺎت
واﻷرﺑﻌﯾﻧﯾﺎت ،وﻗد ﻋرﻓت اﻟﺟزاﺋر ﺧﻼل ﺑداﯾﺔ ﻫذﻩ اﻟﻔﺗرة ظﻬور ﺑوادر ﻧﻬﺿﺔ أدﺑﯾﺔ ،ﺑﺳﺑب
ﻋدة ﻋواﻣل ﺳﺎﻋدت ﻋﻠﻰ ذﻟك ﻋﻠﻰ رأﺳﻬﺎ » ﺑروز ﺻﺣﺎﻓﺔ وطﻧﯾﺔ ﺑوﺟﻬﻬﺎ اﻹﺻﻼﺣﻲ
ﺧﺻوﺻﺎ ﻓﺻﺎرت ﻣﻧﺑ ار ﻟﻠﻛﻠﻣﺔ ﺷﻌ ار وﻧﺛرا ،وﺑدأت ﺗﺑرز أﻗﻼم ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ،ﻓﻲ ﻣﺛل "اﻟﻣﻧﺗﻘد"
ﻟﻠﺷﯾﺦ اﺑن ﺑﺎدﯾس 1925وﻗد ﺗﻠﺗﻬﺎ ﺑﻌد ﻣﻧﻌﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺳﻧﺔ ﻧﻔﺳﻬﺎ " اﻟﺷﻬﺎب " -1925
1939وﻓﻲ اﻟﺑﺻﺎﺋر اﻟﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟﺟﻣﻌﯾﺔ اﻟﻌﻠﻣﺎء اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ،ﺑﺳﻠﺳﻠﯾﺗﻬﺎ اﻷوﻟﻰ
57
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
58
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﻓﯾﻬﺎ ﻣﺎﺑﯾن اﻷﺧذ ﺑﺣظﻬم ﻣن ﻛﻧوز اﻟﺗراث ٕواﻓﺎدﺗﻬم إﻓﺎدة ﻣﺛﻣرة ﻣن ﻋطﺎءات اﻟﻧﻬﺿﺔ اﻟﻔﻛرﯾﺔ
واﻷدﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﺷرق ،وﺑﯾن ﺗﻔﺗﺣﻬم ﺗﻔﺗﺣﺎ واﻋﯾﺎ أﺻﯾﻼ ﻋﻠﻰ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ واﻷدب اﻟﻐرﺑﯾﯾن ﻓﺳﺎﻋدﻫم
ذﻟك ﻋﻠﻰ أن ﯾدﻓﻌوا ﺑﺎﻟﺣرﻛﺔ اﻷدﺑﯾﺔ دﻓﻌﺔ ﻗوﯾﺔ ﻋﻠﻰ طرﯾق اﻟﺟﯾل اﻟﺳﺎﺑق ﺑﺣرﺻﻬم ﻋﻠﻰ
اﻻﺳﺗﻣرار ﻓﻲ ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻟﺗرﻛﯾز ﻓﻲ أﻋﻣﺎﻟﻬم ﻋﻠﻰ اﻟواﻗﻊ وﺗﺻوﯾر ﻗﺿﺎﯾﺎﻩ ،وﻣواﺻﻠﺔ ﻋﻣﻠﯾﺔ
ﺗﺣرﯾر اﻟﺧطﺎب اﻷدﺑﻲ ﻣن ﺑﻘﺎﯾﺎ ﻣظﺎﻫر اﻟﺻﻧﻌﺔ واﻟزﺧرف،واﻻﻧﺗﻬﺎج ﻓﯾﻪ ﻣﻧﻬﺞ اﻟﺳﻬوﻟﺔ
واﻟﯾﺳر واﻟوﺿوح ،ﻓﺎزدﻫرت ﺑذﻟك اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ اﻷدﺑﯾﺔ ،وﺗﺟﻠﻰ ذﻟك ﻓﻲ ﺗطوﯾر اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ
ﺗﻌﺑﯾ ار وﺗﺻوﯾرا ،واﻧﻌﻛس ذﻟك ﻓﻲ ﺣﺳن اﺳﺗﺛﻣﺎر ﻣﺎ اﺳﺗﺻﻠﺣﻪ اﻟﺳﺎﺑﻘون ﻓﻲ اﻟﺣﻘول اﻟﻧﺛر،
ﻓﻧﻣت ﻓروع ﺟدﯾدة ﻓﻲ رﯾﺎض اﻟﻣﻘﺎﻟﺔ واﻟﻘﺻﺔ واﻟﻣﺳرﺣﯾﺔ واﻟﻘﺻﯾدة اﻟﺟدﯾدة.1
وﻛﺎﻧت رﺳﺎﻟﺔ اﻷدﯾب ﻓﻲ ظل ﻫذﻩ اﻟظروف اﻟﺗﻲ ﻓرﺿﻬﺎ اﻟﻣﺳﺗﻌﻣر ،ﻫﻲ ﺗﺣرﯾر
اﻟوطن وﻛﺎﻧت ﺻور اﻟﻧﺿﺎل واﻻﻟﺗزام واﻟﺗﺿﺣﯾﺔ ﻣن أﺟل اﻟوطن ،ﻫﻲ اﻟﺳﻣﺔ اﻟﻐﺎﻟﺑﺔ ﻓﻲ
ﻛﺗﺎﺑﺎت اﻷدﺑﺎء اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ،ودراﺳﺎﺗﻬم اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻓﻲ »ﻫذﻩ اﻟﻣرﺣﻠﺔ اﻟﺗﻲ ﻟم ﯾﺧرج ﻓﯾﻬﺎ اﻷدب
اﻟﺟزاﺋري ﺑﺻﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﻋن اﻟﺻﺑﻐﺔ اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ اﻟﻣﺗﺳﻣﺔ ﺑﺎﻟﺗﻌﺑﯾر اﻟﻣﺑﺎﺷر واﻟﺿﻌف اﻟﻔﻧﻲ
واﻟﺗرﻛﯾز ﻋﻠﻰ اﻟﺷﻌر«.2
ﺛﺎﻧﯾﺎ -ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر :
ﻛﺎن دور اﻟﻧﻘد ﻗﺑل اﻻﺳﺗﻘﻼل ﻣﺣدودا ﺟدا ،وﻫو»ﻻ ﯾﻘوم ﻋﻠﻰ أﺳس ﻧﻘدﯾﺔ ﺛﺎﺑﺗﺔ أو
أﺻول ﺗﻌﺎرف ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻟﻧﻘﺎد اﻟﻌرب أو اﻟﻧﻘﺎد اﻟﻣﻌﺎﺻرون ،ﻓﻬو ﺑذﻟك أﻗرب إﻟﻰ ﺧواطر أﻣﻠﺗﻬﺎ
ظروف ﻣﻌﯾﻧﺔ ،وﻣﻧﺎﺳﺑﺎت ﻋﺎﻣﺔ ،وﻫذا ﻻ ﯾﻌﻧﻲ اﻟﺗﻘﻠﯾل ﻣن ﻗﯾﻣﺔ ﺗﻠك اﻟﻣﺣﺎوﻻت اﻟﻧﻘدﯾﺔ ،ﻓﻬﻲ
ﺑﻼ ﺷك ﺗﻌﺑر ﻋن ﻣرﺣﻠﺔ ﻧﻘدﯾﺔ ﻣﻬﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﺳﺗواﻫﺎ ،وﺗﺻدر ﻋن اﺗﺟﺎﻫﺎت ﻓﻛرﯾﺔ وﻓﻧﯾﺔ ،وﻟﻛن
-1ﻣﺣﻣد ﺑن ﺳﻣﯾﻧﺔ ،ﻓﻲ اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺣدﯾث ﺑﺎﻟﺟزاﺋر اﻟﻔﻧون اﻷدﺑﯾﺔ ﻓﻲ آﺛﺎر اﻹﻣﺎم ﻋﺑد اﻟﺣﻣﯾد اﺑن ﺑﺎدﯾس ،
ص.22
-2ﻋﻣﺎر زﻋﻣوش ،اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ،ﻗﺿﺎﯾﺎﻩ واﺗﺟﺎﻫﺎﺗﻪ ،د ط ،ﻣطﺑوﻋﺎت ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻣﻧﺗوري –
ﻗﺳﻧطﯾﻧﺔ ،2001-2000،ص 134
59
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﻣن اﻟواﺿﺢ أﯾﺿﺎ أﻧﻬﺎ ﻟم ﺗﺻل إﻟﻰ ﻣرﺣﻠﺔ اﻟﺗﺄﺳﯾس ﻟﻣدرﺳﺔ ﻧﻘدﯾﺔ ﺟزاﺋرﯾﺔ ﻟﻬﺎ ﺧﺻﺎﺋﺻﻬﺎ
وﻣﻣﯾزاﺗﻬﺎ اﻟﻔﻛرﯾﺔ واﻟﻔﻧﯾﺔ ،ﻋﻠﻰ ﻏرار ﻣﺎ ظﻬر ﻓﻲ اﻟﻣﺷرق اﻟﻌرﺑﻲ«.1
وﻟﻌ ّل أﻛﺑر ﻣﺎ ﯾؤﻛد ﺻﺣﺔ اﻟﻛﻼم اﻟﺳﺎﺑق ﻫو ﻣﺎ ﺗﺿﻣﻧﺗﻪ دراﺳﺔ أﺑﻲ اﻟﻘﺎﺳم ﺳﻌد اﷲ
ﻋن اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ،واﻟﺗﻲ ﻧﺷرﻫﺎ ﻓﻲ ﻣﺟﻠﺔ اﻵداب اﻟﺑﯾروﺗﯾﺔ ﺳﻧﺔ ،1960واﻟﺗﻲ ﻗﺎل
ﻓﯾﻬﺎ »إذن ﻛﯾف ﻧﺗﺣدث ﻋن اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ،ﺑﯾﻧﻣﺎ ﻧﺣن ﻻ ﻧﻌﺗرف أوﻻ ﻧﻛﺎد ﻧﺻدق
أن ﻋﻧدﻧﺎ أدﺑﺎ ﻧﺎﺿﺟﺎ ﺷق طرﯾﻘﻪ ﻣﻊ ﻗﺎﻓﻠﺔ اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر أو اﻷدب اﻟﻌﺎﻟﻣﻲ؟واﻟﺣق
أن ﺻواب ﻫذﻩ اﻟﻔﻛرة ظﺎﻫر إﻟﻰ ﺣد ﺑﻌﯾد ،ﺳﯾﻣﺎ إذا أﺧذت ﻋﻠﻰ ﺳطﺣﯾﺗﻬﺎ ،ﻓﺎﻷدب ﻋﻧدﻧﺎ -
ﻛﻔن -ﻻ ﯾزال ﻣﺗﺧﻠﻔﺎ ﻣن ﺣﯾث اﻟﻛم واﻟﻣوﺿوع واﻷﺳﻠوب ،ﻓﻠﯾس ﻫﻧﺎك –ﺑﺎﻟﻌرﺑﯾﺔ -ﻗﺻﺔ
ﺗوﻓرت ﻟﻬﺎ ﺷروط اﻹﺟﺎدة ﻓﻲ اﻟﺗﻘﻧﯾﺔ واﻟﻌﻼج ،أو ﺷﻌر ﺗطور ﻣﻊ ﻋواطف اﻟﻧﺎس وظروﻓﻬم
وﻻ ﻧﺗﺎج ﻣﺳرﺣﻲ واﻛب اﻟﻣرﺣﻠﺔ اﻟراﻫﻧﺔ ﻣن ﺗﺎرﯾﺧﻧﺎ ،وﻋﺑر ﻋن ﻣﺷﺎﻋرﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﺣب واﻟﻛﻔﺎح
وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﻟﯾس ﻫﻧﺎك أدب ﻣﺗﻛﺎﻣل ﯾﻌﯾش ﻣﻊ ﻣﺷﺎﻛﻠﻧﺎ اﻟذﻫﻧﯾﺔ واﻟﻌﺎطﻔﯾﺔ ﻓﻛﯾف ﺑﻌد ﻫذا ﻧﺣﺎول
اﻟﺣدﯾث ﻋن اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ،ﺑﯾﻧﻣﺎ اﻟﻧﻘد واﻷدب ﺻﻧوان ﯾﺳﻧد وﯾﻛﻣل أﺣدﻫﻣﺎ اﻵﺧر؟ وﻟﻛن ﻣﺎ
دﻣﻧﺎ ﻧﻌﺗرف ﺑوﺟود ﻣﺣﺎوﻻت ﻣن اﻷدب ﻓﻣن اﻟﺣق أن ﻧﻌﺗرف ﻛذﻟك ﺑوﺟود ﻣﺣﺎوﻻت أﺧرى
ﻓﻲ اﻟﻧﻘد ،إﻧﻬﺎ ﻣﺟرد ﻣﺣﺎوﻻت ﺗﺗﻼءم ﻣﻊ اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﻔﻧﻲ ﻹﻧﺗﺎﺟﻧﺎ اﻷدﺑﻲ«.2
إن ﻓﻲ ﻛﻼم أﺑﻲ اﻟﻘﺎﺳم ﺳﻌد اﷲ إﺛﺑﺎت آﺧر ﻋن ﺿﻌف اﻟﻧﻘد ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻣرﺣﻠﺔ ﻣن
ﻣراﺣل اﻟﺣﯾﺎة اﻷدﺑﯾﺔ واﻟﻔﻛرﯾﺔ واﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻣن ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺟزاﺋر ،ﻓﻬو ﯾﻌﺗرف ﺑﻌدم وﺟود أدب ﻧﺎﺿﺞ
ﻓﻲ ﺟﻣﯾﻊ اﻷﺟﻧﺎس اﻷدﺑﯾﺔ ،ﺳواء ﺗﻌﻠق اﻷﻣر ﺑﺎﻟﻘﺻﺔ أو اﻟﺷﻌر أو اﻟﻧﺛر أو اﻟﻣﺳرح ،وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ
ﺣﺳب رأي اﻟﻧﺎﻗد ﺑﻣﺎ أن اﻷدب واﻟﻧﻘد ﻣرﺗﺑط ﺑﻌﺿﻬﻣﺎ ﺑﺎﻵﺧر ﻓﻬﻣﺎ ﺻﻧوان ﯾﻛﻣل وﯾﺳﻧد
أﺣدﻫﻣﺎ اﻵﺧر ،ﻓﺳﯾﻛون ﺣﺗﻣﺎ ﻣن اﻻﺳﺗﺣﺎﻟﺔ وﺟود ﻧﻘد ﯾﺿﺎﻫﻲ ﻣﺎ وﺟد آﻧذاك ﻓﻲ اﻟﺑﻠدان
اﻷﺧرى ،رﻏم أﻧﻪ ﻫﻧﺎك ﻣن ﻻ ﯾواﻓق اﻟﻧﺎﻗد وﯾرى ﺑﺄن اﻟﻧﻘد ﻗد ﯾﺳﺑق اﻹﺑداع اﻷدﺑﻲ ﺑﺄﺻﻧﺎﻓﻪ
ﻋﻠﻰ اﻷﻗل ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﺗﻧظﯾري» ،ﻛﻣﺎ أن ﺗواﺟد اﻟﻧﻘد ﻻ ﯾرﺗﺑط ﻓﻲ أﺳﺎﺳﻪ ﺑوﺟود اﻷدب
60
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
إﻻ إذا ﻗﺻدﻧﺎ اﻟﺟﺎﻧب اﻟﺗطﺑﯾﻘﻲ ﻣﻧﻪ ﻓﻘط ،ﻓﺎﻟﻧﻘد ﻓﻲ ﺣﻘﯾﻘﺗﻪ أوﺳﻊ ﻣن ذﻟك ،وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﯾﻣﻛن ﻟﻪ
أن ﯾﺳﺑق اﻹﺑداع وﯾﺗﻘدﻣﻪ ،واﻟﻌﻛس ﺻﺣﯾﺢ أﯾﺿﺎ ،ﻣﺎدام ﻟﻛل ﻣﻧﻬﻣﺎ دورﻩ وﻣﻛﺎﻧﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﺣرﻛﺔ
اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ واﻟﻔﻛرﯾﺔ وﻓﻲ ﺑﻧﺎء اﻟﺣﺿﺎرة«.1
ٕواذا ﻛﺎن ﻛﻼم ﺳﻌد اﷲ ﺻﺣﯾﺣﺎ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻔﺗرة ،ﻓﻼ ﯾﻣﻛن ﻣواﻓﻘﺗﻪ
ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ذﻫب إﻟﯾﻪ ﻓﻲ ﻧظرﺗﻪ ﻟﻸدب اﻟﺟزاﺋري ﻗﺑل اﻻﺳﺗﻘﻼل ،ﻓﺎﻷدب اﻟﺟزاﺋري ورﻏم
اﻟظروف اﻟﻘﺎﺳﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺗﻣر ﺑﻬﺎ اﻟﺑﻼد آﻧذاك واﻟﺗﻲ ﺗﻛﻠﻣﻧﺎ ﻋﻠﯾﻬﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎ إﻻ أﻧﻪ اﺳﺗطﺎع
وﻟو ﺑﺟزء ﯾﺳﯾر أن ﯾﺷﺎرك اﻟﺷﻌب ﻓﻲ ﺛورﺗﻪ اﻟﺗﺣرﯾرﯾﺔ ﺑﻣﺎ أﺗﯾﺢ ﻟﻪ ﻣن وﺳﺎﺋل ﻣﺗواﺿﻌﺔٕ ،وان
أردﻧﺎ إﺛﺑﺎت ﻫذا اﻟﻛﻼم ﻟوﺟدﻧﺎ أﺳﻣﺎء ﺑﺎرزة ﻣن اﻟﺷﻌراء ﯾﺗﻘدﻣﻬﺎ ﻣﻔدي زﻛرﯾﺎء واﻟرﺑﯾﻊ ﺑوﺷﺎﻣﺔ
واﻷﻣﯾن اﻟﻌﻣودي وﻏﯾرﻫم.
وﻣﻣﺎ زاد ﻓﻲ ﺿﻌف اﻟﻧﻘد ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ﻓﻲ ﺑداﯾﺎﺗﻪ اﻷوﻟﻰ ﻫو ﺿﻌف اﻟﻘراء أﻧﻔﺳﻬم ﻓﻲ
ذﻟك اﻟوﻗت ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﻣﻌرﻓﻲ واﻟﻔﻛري واﻟﻔﻠﺳﻔﻲ ،وﻋدم اﺳﺗﯾﻌﺎﺑﻬم ﻟﻧظرﯾﺎت اﻷدب وﻓﻧوﻧﻪ
وﺧﺎﺻﺔ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ،وﻋدم ﻣواﻛﺑﺔ اﻟﻧﻘﺎد اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﯾن ﻟﻠﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺣدﯾث ﻓﻲ اﻟﻣﺷرق اﻟﻌرﺑﻲ،
ﺑﺳﺑب ﻋدم وﺟود اﺗﺻﺎل واﺣﺗﻛﺎك ﺑﯾن اﻟﺟزاﺋر وﺑﻘﯾﺔ اﻟﺑﻠدان اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،وأﯾﺿﺎ ﻟﻠﻣوﻗف اﻟراﻓض
ﻟﻛل ﻣﺎ ﻫو ﻏرﺑﻲ اﻟﻧظر ﻋﻠﻰ أﻧﻪ اﺳﺗﻌﻣﺎري ﻏﯾر أﺻﯾل ،ﻓﻘد ﻛﺎﻧت اﻟرؤﯾﺔ ﻣﺣددة وﻓق
ﻣﻧظور إﯾدﯾوﻟوﺟﻲ إﺻﻼﺣﻲ ،اﻟذي ﯾرى ﺿرورة » اﻟﺗﺳﻠﯾم ﻏﯾر اﻟﻣﺷروط ﺑﺄﻓﺿﻠﯾﺔ اﻟﻣﺎﺿﻲ
ﻋﻠﻰ اﻟﺣﺎﺿر ،واﺗﺧﺎذﻩ ﻣﻌﯾﺎ ار ﻟﻘﯾﺎس ﺟودة اﻷدب واﻟﻔن«.2
وﻋدم وﺟود ﺣرﻛﺎت ﻧﻘدﯾﺔ ﺗواﻛب اﻹﺑداع ،ﻗد ﯾرﺟﻊ أﯾﺿﺎ إﻟﻰ ﺿﻌف اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ،وﻗﺻر
اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻹﺑداﻋﯾﺔ اﻟﺟﯾدة ،واﻧﺷﻐﺎل اﻷدﺑﺎء ﺑﺎﻟﺗدرﯾس وﺟرﯾﻬم وراء ﻟﻘﻣﺔ اﻟﻌﯾش »ﻓﻣﻌظم ﻫؤﻻء
-1ﻋﻣﺎر زﻋﻣوش ،اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ،ﻗﺿﺎﯾﺎﻩ واﺗﺟﺎﻫﺎﺗﻪ ،ص .137
-2ﻣﺧﻠوف ﻋﺎﻣر ،ﺗطﻠﻌﺎت إﻟﻰ اﻟﻐد ﻣﻘﺎﻻت ،د ط ،اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب ،اﻟﺟزاﺋر ،1983 ،ص .89
61
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
اﻟﻛﺗﺎب ﻛﺎﻧوا ﻣﻌﻠﻣﯾن ﻓﻲ اﻟﻣدارس اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﺣرة ،ﻛﻣﺎ ﻛﺎﻧوا ﯾﺗﻔرﻏـون ﻟﻠوﻋظ واﻹرﺷﺎد واﻟﺗﻌﻠﯾم
اﻟدﯾﻧﻲ ﺧﻼل ﻛل ﺷﻬر رﻣﺿﺎن ،ﻓﯾﻧﺗﻘﻠون ﻓﺟﺄة ﻣن اﻷدب إﻟﻰ اﻟدﯾن«.1
ﻓﻛﺎن ﻋﻠﯾﻬم ﻣواﺟﻬﺔ ﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟﻣﺳﺗﻌﻣر اﻟراﻣﯾﺔ إﻟﻰ طﻣس اﻟﻬوﯾﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ واﻟﻘﺿﺎء ﻋﻠﻰ
اﻟدﯾن اﻹﺳﻼﻣﻲ ،ﻓﻌﻣﻠوا ﻛرﺟﺎل إﺻﻼح ﻋﻠﻰ ﺗرﺑﯾﺔ اﻟﻧشء ﺗرﺑﯾﺔ إﺳﻼﻣﯾﺔ ،ﻓﻐﻠﺑت
اﻟﻣوﺿوﻋﺎت اﻟدﯾﻧﯾﺔ ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﺎﺗﻬم ،ﻓﻧﻼﺣظ اﻟﺑﺷﯾر اﻹﺑراﻫﯾﻣﻲ ﯾﻌﺎﻟﺞ ﻋدة ﻣوﺿوﻋﺎت دﯾﻧﯾﺔ
رﻏم أن اﻟﻧزﻋﺔ اﻷدﺑﯾﺔ ﻏﻠﺑت ﻋﻠﻰ أﺳﻠوﺑﻪ ﻓﻲ اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ،ﻓﯾطﻠق اﻟﻌﻧﺎن ﻟﺧﯾﺎﻟﻪ وﯾرﺧﻲ اﻟﺣﺑل
ﻟﺑﯾﺎﻧﻪ ،ﻓﺗﻧﻘﻠب ﻣﻘﺎﻻﺗﻪ رﻏم ﻋﻧﺎوﯾﻧﻬﺎ اﻟدﯾﻧﯾﺔ ﻣن اﻟدﯾن إﻟﻰ اﻹﻧﺷﺎء اﻷدﺑﻲ اﻟراﺋﻊٕ ،واﻟﻰ اﻟﺧﯾﺎل
اﻟﺧﺻﯾب اﻟﺑﺎرع.2
وﻣﺎ ﯾﻼﺣظ ﻋﻠﻰ أﺑﻧﺎء اﻟﺟﯾل اﻷول ﻣن اﻟﻧﻘﺎد ﻫو اﻟﻣزج ﺑﯾن اﻟﻧﺷﺎط اﻟﻔﻧﻲ واﻟﻣﻣﺎرﺳﺔ
اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ،ﻟذا ﯾﻼﺣظ إطﻼق اﻷﺣﻛﺎم اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﺑﻧﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﻘﯾم اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻛﺎن ﻣﻧﺑﻌﻬﺎ ﺗﯾﺎر
اﻟﺣرﻛﺔ اﻹﺻﻼﺣﯾﺔ اﻧطﻼﻗﺎ ﻣن ﻣﺑﺎدئ ﺟﻣﻌﯾﺔ اﻟﻌﻠﻣﺎء اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ،ﻓﻘد » ﻛﺎﻧوا ﻓﻲ ﻣﺟﺎل
اﻟﺑﺣث ﻋن اﻟﻘﯾم اﻷﺧﻼﻗﯾﺔ ﻟﻠﻌﻣل اﻷدﺑﻲ ﻻ ﯾﺗﺻورون ﻏﯾر اﻟﻘﯾم اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺷﻛل روح
اﻟﺗراث اﻟﻌرﺑﻲ « ، 3ﻓﻣﺛﻼ " ﻣﺣﻣد ﺳﻌﯾد اﻟزاﻫري" ﻛﺗب ﻣﻘﺎﻻ ﻋن طﻪ ﺣﺳﯾن ﺑﻌﻧوان " طﻪ
ﺣﺳﯾن ﺷﻌوﺑﻲ ﻣﺎﻛر" ﺷن ﻋﻠﯾﻪ ﺣﻣﻠﺔ ﻫﺟوﻣﯾﺔ ﻛﺎل ﻟﻪ اﻟﺳب ﻛﯾﻼ ،ودﻋﺎ إﻟﻰ ﺣرق ﻛﺗﺑﻪ
وطﺎﻟب ﺑﺗﺣرﯾم إدﺧﺎﻟﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺟزاﺋر ،ﻻﺳﯾﻣﺎ ﻛﺗﺎﺑﻪ ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﺟﺎﻫﻠﻲ،ﻓﻛﺎﻧت اﻷﺣﻛﺎم اﻟﻧﻘدﯾﺔ
اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ وﻟﯾدة اﻟﻔﻬم اﻹﺻﻼﺣﻲ ﻟﻸدب واﻟﻧﻘد ﻣﺳﺗﻣدة ﻣن ﻧظرة رﺟﺎل اﻟدﯾن واﻹﺻﻼح وﻫﻲ
ﻧظرة اﺗﺳﻣت ﺑﺎﻟﺗﺣﻔظ ،ﻓﻠم ﺗﺗﺟﺎوز ﻧظرة رﺟﺎل اﻟدﯾن ﻟﻠﺷﻌر ﺧﺻوﺻﺎ ،اﻟﻧظرة اﻟﻣﺗﻌﺎرف ﻋﻠﯾﻬﺎ
ﻓﻲ ذﻟك اﻟوﻗت ﻟﻘﺑول أﻏراض اﻟﺷﻌر أو رﻓﺿﻪ ﻣن ﻣدح ﻟﻠﻣﺷﺎﯾﺦ وﻛﺑﺎر رﺟﺎل اﻹﻗطﺎع،
واﻟﺗﻐﻧﻲ ﺑﻣﺂﺛر اﻷوﻟﯾﺎء واﻟﺻﺎﻟﺣﯾن ،واﻟﺗﻐزل ﺑﺎﻟذات اﻹﻟﻬﯾﺔ وﻏﯾر ذﻟك.
-1ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض ،ﻓﻧون اﻟﻧﺛر اﻷدﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ، 1954-1931 د ط ،دﯾوان اﻟﻣطﺑوﻋﺎت اﻟﺟﺎﻣﻌﯾﺔ ،اﻟﺟزاﺋر،
،1983ص .53
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .158
-3ﻣﺣﻣد ﻣﺻﺎﯾف ،اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺣدﯾث ﻓﻲ اﻟﻣﻐرب اﻟﻌرﺑﻲ ،د ط ،اﻟﺷرﻛﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﻠﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ ،اﻟﺟزاﺋر ،د ت ،ص
.343
62
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
وﯾظﻬر ذﻟك ﺟﻠﯾﺎ ﻓﻲ ﺗوﺟﯾﻬﺎت اﻟﺷﯾﺦ اﻟﺑﺷﯾر اﻹﺑراﻫﯾﻣﻲ ﻟﺗﻼﻣﯾذﻩ ،وﺗﺻرﯾﺣﺎﺗﻪ ﻓﻲ
ﺟرﯾدﺗﻲ اﻟﺷﻬﺎب واﻟﺑﺻﺎﺋر ،وﻓﻲ اﻷﻟﻘﺎب اﻟﺗﻲ ﻛﺎن ﯾطﻠﻘﻬﺎ ﻣﺟﺎﻧﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺷﺎﻋر "ﻣﺣﻣد اﻟﻌﯾد
أل ﺧﻠﯾﻔﺔ " وﻏﯾرﻩ ،وﻟم ﯾﻧﺞ ﻛذﻟك اﻟﻧﺎﻗد ﺣﻣزة ﺑوﻛوﺷﺔ ﻣن ﻫذﻩ اﻷﺣﻛﺎم اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾطﻠﻘﻬﺎ
ﻋﻠﻰ اﻟﺷﯾﺦ " ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر اﻟﻣﺟﺎوي" إذ ﯾﻘول » ﻫو ﻣن ﺑواﻛﯾر اﻟﺣرﻛﺔ اﻹﺻﻼﺣﯾﺔ ﺑﺎﻟﺟزاﺋر
وﻗد ﺷﺎرك ﻓﯾﻬﺎ ﺑﺄدﺑﻪ وﺷﻌرﻩ وﺧطﺑﻪ ،ﻓﻛﺎن ﺷﺎﻋرﻫﺎ اﻟﻌﺑﻘري ،وﺧطﯾﺑﻬﺎ اﻟﻣﺻﻘﻊ ،وأدﯾﺑﻬﺎ
اﻷﻟﻣﻌﻲ ،1«...ﻓﻣﺛل ﻫذﻩ اﻷﺣﻛﺎم اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﺟﺎﻧﯾﺔ ﻻ ﺗﺧدم اﻟﻧﻘد وﻻ اﻷدب ﻧﻔﺳﻪ ،ﻓﺗﻘدﯾس
اﻟﺷﺎﻋر ﺑﺎﻷﻟﻘﺎب ﻻ ﻓﺎﺋدة ﺗرﺟﻰ ﻣﻧﻪ وﻻ ﯾﺧدم اﻟﺷﻌر واﻟﻔن.
ﻓﺎﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ﺧﻼل ﻫذﻩ اﻟﻔﺗرة ﻟم ﯾﺳﺗطﻊ اﻟﻘﯾﺎم ﺑﺗوﺟﯾﻪ اﻟﺣرﻛﺔ اﻷدﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ،ﻫذا
اﻟﻔراغ اﻟﻧﻘدي ﺟﻌل اﻷدﺑﺎء ﯾﺷﺎرﻛون ﻓﻲ إﺑداء اﻟرأي ٕواﺛراء اﻟﻣﻧﺎﻗﺷﺎت اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ،اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت
ﻛﺛﯾ ار ﻣﺎ ﺗﻼﻗﻲ اﻟرﻓض واﻟﻬﺟوم واﻟﻌداء ،وأن اﻟﺻورة اﻟﺗﻲ ﺗﺟﺎﻫﻠﻬﺎ اﻟﻧﻘﺎد ﻓﻲ ﺗﻠك اﻟﻣرﺣﻠﺔ
وأدﺑﺎؤﻫﺎ ﻟو ﺗﻣت ﻷﻏﻧت اﻷدب واﻟﻧﻘد ﻣﻌﺎ ،واﻟﻣﻘﺻود ﻫو ﺗﻠك اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻹﺑداﻋﯾﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ
اﻟﺷﻌﺑﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻋﺑرت ﺑﺻدق ﻋن اﻟواﻗﻊ اﻟﺟزاﺋري وﺗﺣوﻻﺗﻪ.2
ﺗوﻗف اﻟﻧﻘد ﻋن اﻷﺣﻛﺎم اﻻﻧطﺑﺎﻋﯾﺔ ﻟن ﯾﺳﻬم أﺑدا ﻓﻲ ﺗطوﯾر اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ،وﻻ ﯾﻐﻧﻲ اﻷدب
ﻓﻲ ﺷﻲء ،ﻓﻬذﻩ اﻷﺣﻛﺎم اﻻﻧطﺑﺎﻋﯾﺔ ﺗﻔﻘد اﻟﻧﻘد أﻫم أدوارﻩ ﻓﻲ ﺗرﺑﯾﺔ أذواق اﻟﻘراء ،وﺗﺛﻘﯾﻔﻬم ﻋن
طرﯾق ﺗوﺿﯾﺢ ﻣﺿﺎﻣﯾن اﻷﻋﻣﺎل اﻷدﺑﯾﺔ ،وﻛﺷف ﺧﺑﺎﯾﺎﻫﺎ وﻣﻛﺎﻣن اﻟﺟﻣﺎل ﻓﯾﻬﺎ ،ﻻﺳﺗظﻬﺎر
اﻟﻣواﻗف واﻟﺗﺟﺎرب اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ،اﻟﺗﻲ ﯾﺗم ﺗﻘدﯾﻣﻬﺎ ﻣن طرف اﻷدﺑﺎء وﺗﺿﻣﯾﻧﻬﺎ أﻋﻣﺎﻟﻬم ،ﻓﻬذﻩ
اﻻﻧطﺑﺎﻋﺎت ﺗﺷﻛل ﻟﻧﺎ ﺻورة ﻣن ﺻور اﻟﻧﻘد اﻟﺗﻘﻠﯾدي ،وﻫﻲ ﺗﻌﺗﺑر اﻟﺧطوات اﻷوﻟﻰ ﻧﺣو ﻧﻘد
أﻛﺛر ﻧﺿﺟﺎ و أﻛﺛر ﺗطو ار.
ﻣن اﻟواﺿﺢ أن اﻟﻧظرة اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ ﻟﻠﻔن واﻷدب ﻟم ﺗرﻛز ﺳوى ﻋﻠﻰ اﻟﻣوروث اﻟدﯾﻧﻲ
ﻟﺣﻣﺎﯾﺔ اﻟﺟزاﺋري ﻣن اﻟﺿﯾﺎع ﻓﻲ ﻣﺗﺎﻫﺎت اﻻﺳﺗﻌﻣﺎر ،ﻓﻠم ﺗﺧرج ﻧظرﺗﻬم إﻟﻰ اﻟﺣﯾﺎة ﻋن
اﻷﺧﻼق اﻟﻌﺎﻣﺔ واﻟﻌﺎدات اﻟﻣﺣﻠﯾﺔ ،وﻣﺣﺎوﻟﺔ ﻣﺣﺎﻛﺎة اﻟﻘداﻣﻰ ﻟﻔظﺎ وﻣﻌﻧﻰ .
63
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
إن اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻔﺗرة ﻣن ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺟزاﺋر ﻛﺎﻧت ﻟﻠﺗﺳﻠﯾﺔ وﻟﻠﺗروﯾﺢ ﻋن اﻟﻧﻔس،
ّ
ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ إظﻬﺎر اﻟﺑراﻋﺔ اﻟﻠﻐوﯾﺔ اﻟﻣﻧﻣﻘﺔ واﻟﺗﺷدد ﻓﻲ اﻷﺧﻼق اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ» ،ﻟذا ﺟﺎءت
ﻣرﺗﺑطﺔ ارﺗﺑﺎطﺎ وﺛﯾﻘﺎ ﺑﺄﻋﻣﺎل اﻟﺧﯾر وأداء واﺟب اﻟدﯾن واﻟطﺎﻋﺔ ﻟرﺟﺎل اﻹﺻﻼح
واﻹﻗطﺎﻋﯾﯾن ،اﻟذﯾن ﻋززوا ﻣﻛﺎﻧﺗﻬم اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻧﺗﯾﺟﺔ ﻧﺷﺎطﻬم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ« ،1ﻓﺎﺗﺳﻣت اﻷﺣﻛﺎم
اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻻﻧطﺑﺎﻋﯾﺔ ﺑﺎﻟﻧظرة اﻟﺟزﺋﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺗﻣﺎﺷﻰ وﻣﺳﺗوى اﻟﻔﻛر اﻹﺻﻼﺣﻲ اﻟذي ﯾرى اﻟﻧﻘد
ﺗﺎﺑﻌﺎ ﻟﻸدب ﯾﻌدل وﯾﺻﺣﺢ اﻷﺧطﺎء ،وﯾﺑﯾن ﺳﻣﯾن اﻷﺑﯾﺎت ﻣن ﻏﺛﻬﺎ ،وﻫذا ﻣﺎ ﺟﻌل ﻋﺑد اﷲ
اﻟرﻛﯾﺑﻲ ﯾﻘوم اﻟﻧﻘد ﺑﻘوﻟﻪ » إن اﻟﻧﻘد ﻓﻲ ﻫذا اﻟﺛﻠث ﻣن اﻟﻘرن ﻟم ﯾﺗطور«.2
إن اﻟﺑواﻛﯾر اﻷوﻟﻰ ﻟﻠﻧﻘد ﻗد اﺗﺳﻣت ﺑﺎﻟﺿﻌف ﻧﺗﯾﺟﺔ اﻟﺗﺑﻌﯾﺔ اﻟﻣطﻠﻘﺔ ﻟﻠﻔﻛر اﻹﺻﻼﺣﻲ
وﻧﺗﯾﺟﺔ اﻟﺿﻐط اﻻﺳﺗﻌﻣﺎري ،اﻟذي أﺧﺿﻊ اﻟﻔﻛر واﻹﺑداع ﻟﺳﯾطرﺗﻪ ﺑﻌد أن أﺧﺿﻊ اﻹﻧﺳﺎن
ﻧﻔﺳﻪ ،ﻓﻘّﯾد اﻹﺑداع ووﻗف أﻣﺎم ﺗطور اﻷدب واﻟﻧﻘد ،واﻟﻣﺗﺗﺑﻊ ﻟﻧﻘﺎد ﻫذﻩ اﻟﻣرﺣﻠﺔ ﯾﺟد أن رؤﯾﺗﻬم
ﻟﻠﻌﻣل اﻹﺑداﻋﻲ ﻟم ﺗﺗﺟﺎوز داﺋرة اﻟﻠﻔظ واﻟﻣﻌﻧﻰ ،وﻫذا ﻣﺎ أدى ﺑﻬم إﻟﻰ اﻟﺗﻌﻠﯾق ﺑﻣﺛل »ﻓﻼن
أدﯾب ﺟزل اﻟﻠﻔظ ﺳﻠس اﻷﺳﻠوب ،واﺿﺢ اﻟﻌﺑﺎرة «.3
وﻓﻲ ﻧﻔس اﻟﺳﯾﺎق ﯾﻣﻛن أن ﻧﺳﺗﺣﺿر ﻣﻘﺎﻻ ﻟﻠﻧﺎﻗد "ﺻﺎﻟﺢ ﺑوﻏزال" اﻟﻣوﺳوم ﺑﻌﻧوان ﻣﺎ
ﻟﻬم ﻻ ﯾﻧطﻘون؟ ،ﺑرؤﯾﺔ ﻣﺧﺎﻟﻔﺔ ﯾرد ﻓﯾﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺑد اﻟوﻫﺎب ﺑن ﻣﻧﺻور ردا ﺧﻔﯾﻔﺎ ﻟطﯾﻔﺎ،
ﺣﯾث ﯾواﻓﻘﻪ ﻋﻠﻰ ﻛﺛﯾر ﻣﻣﺎ ذﻫب إﻟﯾﻪ ،ﻧﺎظ ار إﻟﻰ ﻣﻘﺎﻟﺔ ﺑن ﻣﻧﺻور ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ ﻣﺷروع »ﺛورة
ﺿد اﻟرﻛود واﻟﺟﻣود واﻟﻌﻘم« ،4وﻗد ﻋﻠل ﺑن ﻏزال ظﺎﻫرة اﻟرﻛود اﻷدﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ﺑﺎﻧﻌدام
اﻟﺗﺷﺟﯾﻊ أوﻻ ،وﺿﻌف ﻧﺳﺑﺔ اﻟﻘراء اﻟذﯾن ﯾﻔﻬﻣون اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﺛﺎﻧﯾﺎ ،ﻧﺗﯾﺟﺔ اﺳﺗﺣواذ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ
ﻋﻠﯾﻬم ،ﺿف إﻟﻰ ذﻟك اﻟرﻗﺎﺑﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ واﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻓرﺿﻬﺎ اﻻﺳﺗﻌﻣﺎر ،وﯾﻣﻛن
اﻟﻘول أن ﻫذا اﻟرﻛود اﻷدﺑﻲ ﻓﻲ ﺑﻼدﻧﺎ ﻗد ﺷ ّل طرﯾق اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ﺧﻼل ﻫذﻩ اﻟﻔﺗرة.
64
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﻓﻘد ﻛﺎن اﻟﻧﻘد ﻓﻲ ﺑﻼدﻧﺎ ﻣﺗﺷﻌﺑﺎ ﻣﻠﺗوﯾﺎ ﻟم ﯾﺗﺢ ﻟﻪ أن ﯾﻌرف ﺷﯾﺋﺎ ﻣن اﻻﺳﺗﻘﺎﻣﺔ طول
ذﻟك اﻟﻌﻬدٕ ،واﻧﻣﺎ ﻛﺎن ﻫﻧﺎك طﺎﺋﻔﺔ ﻣن اﻟﻛﺗﺎب ﺗﺳﺗﻬوﯾﻬم ﺑﻌض اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ ،ﻓﯾﻌﻠﻘون ﻋﻠﯾﻬﺎ أو
ﯾﺳوﻗون اﻧطﺑﺎﻋﺎﺗﻬم ﺣوﻟﻬﺎ ،أو ﯾﻘرﺿوﻧﻬﺎ ﻣﻌﺟﺑﯾن ﺑﻬﺎ ،ﻣرﻏﺑﯾن اﻟﺟﻣﻬور ﻓﻲ ﻗراءﺗﻬﺎ وﻟﻣﺎ
ﻛﺎن اﻟﻐﺿب ﯾﺳﺗوﻟﻲ ﻋﻠﻰ طﺎﺋﻔﺔ ﻣﻧﻬم ،ﻛﺎﻧوا ﯾﻔﻘدون اﻟﺗﺣﻛم ﻓﻲ ﻋواطﻔﻬم ،ﻓﯾﻧدﻓﻌون ﻓﻲ
ردود ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﺷﺎؤم ،وﻣﻧﺎﻗﺷﺎت ﻫﻲ اﻟﻘدح واﻟﺟرح واﻟﻬوى أدﻧﻰ ﻣﻧﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻧﻘد اﻟﻘﺎﺋم ﻋﻠﻰ
أﺻوﻟﻪ اﻟﻣﻌروﻓﺔ ،وﻗواﻋدﻩ اﻟﻣﺗﻌﺎرف ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻋﻧد ﺣذاق اﻟﻛﺗﺎب.1
ﺛﺎﻟﺛﺎ – ﻋواﻣل اﻧﺗﺷﺎر اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر:
ﺑﻌد أن ﺗطرﻗﻧﺎ ﻟﺣﺎﻟﺔ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ﻗﺑل اﻻﺳﺗﻘﻼل ،ووﺟدﻧﺎ أن ﻋدم ظﻬور
دراﺳﺎت ﻧﻘدﯾﺔ ﻧﺎﺿﺟﺔ ،ﯾﻌود إﻟﻰ ذﻟك اﻟﻔراغ اﻟرﻫﯾب اﻟذي ﻛﺎﻧت ﺗﻌﯾﺷﻪ اﻟﺣرﻛﺔ اﻷدﺑﯾﺔ ﻓﻲ
اﻟﺟزاﺋر آﻧذاك ،ﻛﻣﺎ رأى "أﺑو اﻟﻘﺎﺳم ﺳﻌد اﷲ" ﺑﻘوﻟﻪ» :إذا ﻟم ﯾﻛن ﻫﻧﺎك أدب ﻣﺗﻛﺎﻣل ﯾﻌﯾش
ﻣﻊ ﻣﺷﺎﻛﻠﻧﺎ اﻟذﻫﻧﯾﺔ واﻟﻌﺎطﻔﯾﺔ ،ﻓﻛﯾف ﺑﻌد ﻫذا ﯾﺣﺎول اﻟﺣدﯾث ﻋن اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ﺑﯾﻧﻣﺎ اﻟﻧﻘد
واﻷدب ﺻﻧوان ﯾﻛﻣل ﯾﺳﻧد وﯾﻛﻣل أﺣدﻫﻣﺎ اﻵﺧر« ،2ﻟﻛن ﺣﺎﻟﺔ اﻟرﻛود ﻫذﻩ ﻟم ﺗدم ﻓﻘد ﻋرﻓت
ﻗﺗرة ﻣﺎ ﺑﻌد اﻻﺳﺗﻘﻼل ظﻬور ﻧﺷﺎط أدﺑﻲ وﻧﻘدي ،ﺳﺎﻫﻣت ﻓﯾﻪ ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﻌواﻣل ﻛﺎن
أﺑرزﻫﺎ ﻋودة اﻟطﻠﺑﺔ اﻟواﻓدﯾن إﻟﻰ اﻟوطن ﺑﻌد ﻣزاوﻟﺗﻬم ﻟﻠدراﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﺧﺎرج ،ﻧذﻛر ﻣﻧﻬم أﺑو
اﻟﻘﺎﺳم ﺳﻌد اﷲ ،ﻋﺑد اﷲ اﻟرﻛﯾﺑﻲ ،ﻣﺣﻣد ﻣﺻﺎﯾف ،ﺻﺎﻟﺢ ﺧرﻓﻲ ،...،وﻏﯾرﻫم ،ﻓﺄﺣدﺛت
ﺟﻬود ﻫؤﻻء وﻏﯾرﻫم ﺣرﻛﯾﺔ ﻧﻘدﯾﺔ ﻏﯾر ﻣﺳﺑوﻗﺔ ،ﺑرزت ﻣﻌﺎﻟﻣﻬﺎ ﻓﻲ اﻟدراﺳﺎت واﻟﺑﺣوث
اﻟﺟﺎﻣﻌﯾﺔ ،واﻟﻣﻘﺎﻻت اﻟﻣﻧﺷورة ﻓﻲ اﻟﺟراﺋد واﻟﻣﺟﻼت ،وﻣﺧﺗﻠف اﻟﻔﻌﺎﻟﯾﺎت ﻣن ﻣﻧﺗدﯾﺎت
وﻣﻠﺗﻘﯾﺎت ﻣﺗﺧﺻﺻﺔ ،وﯾﻣﻛن ذﻛر اﻟﻌواﻣل اﻟرﺋﯾﺳﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺳﺎﻋدت ﻋﻠﻰ ﻧﺷر اﻟﻧﻘد واﻷدب ﻓﻲ
اﻟﺟزاﺋر ﻛﻣﺎ ﯾﻠﻲ:
65
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
-1ﻋﻣﺎر ﺑن زاﯾد ،اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ،اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب ،د ط ،اﻟﺟزاﺋر ،1990 ،ص .19،20
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .20
66
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﻓﻲ اﻟﺑث طول ﻧﻔﺳﻪ ﻓﻲ اﻟﻛﺑت وﻋﺎﻧق اﻟﺻﺣﯾﻔﺔ وأﻣطرﻫﺎ اﻟﻘﺑﻼت ،وﻫﻠل وﻛﺑر ﻟﻣطﻠﻌﻬﺎ،
واﺳﺗﺑدل اﻟدﻣﻌﺔ ﺑﺎﻟﺑﺳﻣﺔ وطﺎرد اﻟﯾﺄس ﺑﺎﻷﻣل ،وأﻗﺎم اﻟﻌرس ﻣﻘﺎم اﻟﻣﺄﺗم وﻛﺄن اﻟﺻﺣﺎﻓﺔ
ﻓﺗﺣت ﻟﻪ اﻟﻔﺗﺢ اﻟﻣﺑﯾن«.1
ٕواﻟﻰ ﺟﺎﻧب اﻟﺻﺣﺎﻓﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﺳﺎﻫﻣت اﻟﺻﺣﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻓﻲ ﺗﻐذﯾﺔ ودﻓﻊ ﺣرﻛﺔ اﻟﻧﻬﺿﺔ
اﻷدﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ﺧطوات ﻛﺑﯾرة ﻧﺣو اﻟﺗطور ،ورﺑطت ﺟﺳور اﻟﺗواﺻل ﺑﯾن اﻟﺟزاﺋر وﺑﻘﯾﺔ
اﻷﻗطﺎر اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،وذﻟك رﻏم اﻟﺣظر اﻟذي ﻓرض ﻋﻠﯾﻬﺎ وﻣﻧﻊ دﺧوﻟﻬﺎ ﻟﻠﺟزاﺋر» ،وﻟﻌل أﻛﺑر
دﻟﯾل ﻋﻠﻰ ذﻟك ﻫذﻩ اﻟﻛﻣﯾﺎت اﻟﻣﺗﻧوﻋﺔ اﻟوﻓﯾرة ﻣن اﻟﺻﺣف واﻟدورﯾﺎت اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،اﻟﺗﻲ ﻣﺎ ﺗزال
ﻣﻛﺗﺑﺎت اﻷدﺑﺎء واﻟﻣﻔﻛرﯾن اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ﺗﺣﺗﻔظ ﺑﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﯾوم ﺑﻛل ﻓﺧر واﻋﺗزاز«.2
ﻓﻔﺗﺣت اﻟﺻﺣﺎﻓﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ اﻷﺑواب أﻣﺎم اﻟﻧﻘﺎد ،ﻓوﺟدوا ﻓﻲ ﺻﻔﺣﺎﺗﻬﺎ وﺳﯾﻠﺔ ﻟﻧﺷر
ﻣﻘﺎﻻﺗﻬم ٕ » ،وان ﻟم ﺗﺧص ﺟرﯾدة ﺑﻌﯾﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﻗﺿﺎﯾﺎ اﻟﻧﻘد ،ﻓﺑدأت ﺑﻌض اﻟﺻﺣف اﻟوطﻧﯾﺔ
ﺗﺧﺻص ﺻﻔﺣﺎت ﻟﻸدب واﻹﺑداع وﺑﻌض اﻟﻧﻘد ﻛﺟراﺋد اﻟﺷﻌب ،وﻣﺟﻠﺔ اﻟﺟﯾش ،وﺟرﯾدة
اﻟﻧﺻر ، 3« ...ﺛم ظﻬرت اﻟﺻﺣﺎﻓﺔ اﻷدﺑﯾﺔ ﺷﺑﻪ اﻟﻣﺗﺧﺻﺻﺔ ﻛﻣﺟﻠﺔ آﻣﺎل ﻓﻲ ﺳﻧﺔ
،1969ﺣﯾث ﻓﺗﺣت ﺻﻔﺣﺎﺗﻬﺎ ﻹﺑداﻋﺎت اﻟﺷﺑﺎبٕ ،وان ﻟم ﺗﺑرز ﺗوﺟﯾﻬﺎ ﻧﻘدﯾﺎ ﺗردﻓﻪ ﻟﺗﻠك
اﻹﺑداﻋﺎت اﻷدﺑﯾﺔ ،ﻓﻛﺎﻧت ﺗﻛﺗﻔﻲ ﺑﺣﺟز ﻣﺎ ﺗراﻩ ﻟم ﯾرق ﻟدرﺟﺔ اﻟﻧﺷر ،وﻫو ﻧوع ﻣن اﻟﻧﻘد ﻟﺗﻠك
اﻷﻋﻣﺎل» ،إﻻ أن ﻣﺎ ﻣﯾز اﻟﺻﺣﺎﻓﺔ اﻷدﺑﯾﺔ ﻫو روح اﻟﺳﻠﺑﯾﺔ اﻟﺗﻲ أﺳﺎءت ﻛﺛﯾ ار إﻟﻰ اﻟﻧﻘد
اﻷدﺑﻲ ،ﻷن ﺣﺎﺟﺗﻧﺎ إﻟﻰ ﻣلء اﻟﻔراغ أدت إﻟﻰ ﻧﺷر اﻹﻧﺗﺎج اﻷدﺑﻲ واﻟﻧﻘدي ،دون ﻣراﻋﺎة
ﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت ﻫذا اﻹﻧﺗﺎج ،ﻟذﻟك اﻧﺗﺷر اﻟﻐث واﻟﺳﻣﯾن ﻓﻲ اﻷدب واﻟﻧﻘد ﻋﻠﻰ ﺣد ﺳواء«.4
وﻗد ﻗدﻣت اﻟﺻﺣﺎﻓﺔ ﻋدة ﻣﺳﺎﻫﻣﺎت ،ﻓﻣن ﺟﻬﺔ ﺧدﻣت رﺟﺎل اﻟﻔﻛر واﻷدب ،ﺑﺗوﻓﯾرﻫﺎ
ﻣﺳﺎﺣﺔ ﺣﯾوﯾﺔ ﻟﻛﻲ ﯾﺑرزوا إﻣﻛﺎﻧﺎﺗﻬم اﻟﻔﻛرﯾﺔ ،وﯾﻘدﻣوا ﻣواﻫﺑﻬم اﻹﺑداﻋﯾﺔ ،وﺗﻛوﯾن طﺎﺋﻔﺔ ﻣن
67
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
اﻷدﺑﺎء واﻟﻘراء اﻟﻘﺎدرﯾن ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن ﻗﺿﺎﯾﺎ ﻣﺟﺗﻣﻌﻬم ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ إﺑﻘﺎء اﻟﺟزاﺋر ﻋﺿوا
ﻓﺎﻋﻼ وﻣﺗﻔﺎﻋﻼ ﺑﻣﺎ ﯾﺟري ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ واﻹﺳﻼﻣﻲ ،أﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺟﺎﻧب اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﻓﻘد ﻋﻣﻠت
ﻋﻠﻰ ﻧﺷر اﻟوﻋﻲ وﺗﻛوﯾن رأي ﻋﺎم .
– 2اﻧﺗﺷﺎر اﻟﺗرﺑﯾﺔ واﻟﺗﻌﻠﯾم:
ﺗﻌد اﻟﺗرﺑﯾﺔ ﻣن أﻫم اﻷﺳس ﻟﻘﯾﺎم أي ﻧوع ﻣن أﻧواع اﻟﻧﻬﺿﺔ ،ﻓﻛل أﻣﺔ أرادت ﺗﺣﻘﯾق
اﻟﺗطور واﻟرﻗﻲ ﻛﺎن ﻻﺑد ﻟﻬﺎ ﻣن ﺗوظﯾف اﻟﺗرﺑﯾﺔ ﻛﻌﺎﻣل ﻣﻬم ﻟﻠوﺻول إﻟﻰ ﻣﺑﺗﻐﺎﻫﺎ ،إذ ﺗﻠﻌب
اﻟﺗرﺑﯾﺔ دو ار أﺳﺎﺳﯾﺎ ﻓﻲ إﻋداد اﻹﻧﺳﺎن ﻟﺗﺣﻣل ﻣﺳؤوﻟﯾﺎﺗﻪ وﺗﻛوﯾﻧﻪ ﺑﻛﻔﺎءة وﻗدرات ﻋﺎﻟﯾﺔ ،ﻷﻧﻬﺎ
ﺗﻣﻧﺣﻪ اﻟﻣﯾﻛﺎﻧﯾزﻣﺎت اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻠﺗﻔﻛﯾر واﻟﺗﻣﯾﯾز ،واﻟﻌﻣل ﻻﺳﺗﻐﻼل اﻟطﺎﻗﺎت اﻟﺗﻲ ﯾﻣﻠﻛﻬﺎ ،ﻓﻠﻬﺎ
أﺛﺎر إﯾﺟﺎﺑﯾﺔ إذا اﺳﺗﺧدﻣت ﻟﻠﻧﻬوض ﺑﺎﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ،ودﻓﻌﻪ إﻟﻰ اﻟﺗﺣرر واﻻﻧﻌﺗﺎق ﻣن اﻟﺗﺑﻌﯾﺔ
واﻟﺗﺧﻠف»إذ اﻟﺗرﺑﯾﺔ ﻛﻣﺎ ﯾﻘول اﻟدﻛﺗور ﻋﻣر ﻣﺣﻣد اﻟﺗوﻣﻲ اﻟﺷﯾﺑﺎﻧﻲ» ،إﺣدى ﻣؤﺳﺳﺎت
اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ وأﻫم أوﺟﻪ اﻟﻧﺷﺎط اﻟﺗﻲ ﺗﺣدث ﻓﯾﻪ ،وﺗﺳﺗﻣد ﻣﻧﻪ ﺧﺻﺎﺋﺻﻬﺎ وﻣﻘوﻣﺎﺗﻬﺎ وﻓﻠﺳﻔﺗﻬﺎ
وأﻫداﻓﻬﺎ وﻟﻬﺎ دور رﺋﯾﺳﻲ ﻓﻲ ﺗﻐﯾرﻩ وﺗﺟدﯾدﻩ«.1
وﻛل ﺗﺟدﯾد وﺗﻐﯾﯾر ﻟن ﯾﻛون ﻓﻲ ﺻﺎﻟﺢ اﻟﻣﺳﺗﻌﻣر ،اﻟذي ﻋﻣل ﺑﻛل اﻟوﺳﺎﺋل ﻋﻠﻰ إﺑﻘﺎء
اﻟﺷﻌب ﻓﻲ ظﻼم اﻟﺟﻬل واﻟﺗﺧﻠف ،ﻻﺳﺗﻐﻼﻟﻪ واﻟﺗﺣﻛم ﻓﻲ ﻣﺻﯾرﻩ وﻓﻲ ﺧﯾرات ﺑﻼدﻩ ،وﻟﻬذا
ﻗﺎوم اﻟﻣﻌﻣرون اﻟﻘﺎﻧون اﻟﺻﺎدر ﻋن اﻹدارة اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ ،واﻟﻘﺎﺿﻲ ﺑﺈﺟﺑﺎرﯾﺔ اﻟﺗﻌﻠﯾم ﻟﻠﺳﻛﺎن
اﻟﻣﺣﻠﯾﯾن ،وﻋﻣﻠوا ﻛل ﻣﺎ ﻓﻲ وﺳﻌﻬم ﻟﻠﺣﯾﻠوﻟﺔ دون ﺗطﺑﯾﻘﻪ ،ﻷن اﻟﺗﻌﻠﯾم ﻣن ﺷﺄﻧﻪ ،ﻛﻣﺎ ﯾﻘول
اﻟدﻛﺗور ﻣﺣﻣد ﻧﺎﺻر» :أن ﯾﻘﺿﻲ ﻋﻠﻰ ﺟﯾوش اﻟﻌﺎطﻠﯾن اﻟذﯾن ﯾﺳﺧروﻧﻬم ﻟﺣرث أراﺿﯾﻬم
ﻟﻘﺎء أﺟر زﻫﯾد ،وﻣن ﺷﺄﻧﻪ أﯾﺿﺎ أن ﯾﻔﺗﺢ أﻋﯾن اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ﻓﯾﺑﺻرون واﻗﻌﻬم اﻟﻣرﯾر ﻓﯾﻌﻣﻠون
ﻣن ﺛم ﻋﻠﻰ ﺗﻐﯾﯾرﻩ ،وﻟﻘد ﺻرح أﺣد اﻟﻣﻌﻣرﯾن ﻋن ﺗﺧوﻓﺎت أﻣﺛﺎﻟﻪ ﻣن اﻟﻣﺳﻠم اﻟﻣﺗﻌﻠم ،ﺑﻘوﻟﻪ:
إن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن إذا ﺗﻌﻠﻣوا طﺎﻟﺑوﻧﺎ ﺑﺣﻘوﻗﻬم وﺟﺎﺑﻬوﻧﺎ ﺑﻣﻧﺎﻗﺷﺎﺗﻬم ،وﻏدوا أﻗل طواﻋﯾﺔ وطﺎﻋﺔ ﻟﻧﺎ
ّ
ﻣﻣﺎ ﻫم ﻋﻠﯾﻪ اﻵن«.2
68
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ورﻏم ﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﻌﺎﻧﻲ ﻣﻧﻪ اﻟﺗﻌﻠﯾم آﻧذاك ،ﻛوﻧﻪ ﻣﺗوﻗﻔﺎ ﻓﻘط ﻋﻠﻰ اﻟزواﯾﺎ واﻟﻣﺳﺎﺟد ،إﻻ
ّأﻧﻪ ﻟم ﯾﺳﻠم ﻣن ﻛﯾد اﻟﻣﺳﺗﻌﻣر وﺿرﺑﺎﺗﻪ ،اﻟﺗﻲ أوﺷﻛت أن ﺗﻘﺿﻲ ﻋﻠﯾﻪ » ،ﻟﻛن اﻟﺣرب
اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻷوﻟﻰ ،وﻋودة اﻟﻌدﯾد ﻣن أﻓراد اﻟﺑﻌﺛﺎت اﻟﺗﻌﻠﯾﻣﯾﺔ ﻣن ﺗوﻧس واﻟﻣﺷرق اﻟﻌرﺑﻲ ،ﺣﺎﻟت
دون ذﻟك«.1
أن "ﻋﺑد اﷲ اﻟرﻛﯾﺑﻲ" ﯾرى أﻧﻪ » ﻟم
ﻓﺎﻟﺗﻌﻠﯾم أﻓﺎد اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ وﺣﺎﻓظ ﻋﻠﻰ ﺑﻘﺎﺋﻬﺎ ،رﻏم ّ
ﯾﺳﺎﻋدﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺗطور ﻟﺗﺧﻠﻔﻪ وﻗدم ﻣﻧﺎﻫﺟﻪ« ،2وﻗد ﺳﺎﻫﻣت أﯾﺿﺎ اﻟﻧوادي واﻟﺟﻣﻌﯾﺎت اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ
واﻟﻣؤﺳﺳﺎت اﻟﺧﯾرﯾﺔ ﻓﻲ ﺗطوﯾر اﻟﺗﻌﻠﯾم ،وﻋﻣﻠت ﻋﻠﻰ ﻧﺷر اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ واﻷدب ﻟﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﻠﻘﻰ ﻓﯾﻬﺎ
ﻣن ﻣﺣﺎﺿرات ﺗﻧﺎوﻟت ﻗﺿﺎﯾﺎ اﻟﺗﻌﻠﯾم واﻷدب واﻟﻣﺟﺗﻣﻊ» ،وﻧذﻛر ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻟﻣﺛﺎل ﻻ
اﻟﺣﺻر اﻟﺟﻣﻌﯾﺔ اﻟﺗوﻓﯾﻘﯾﺔ ،وﻧﺎدي اﻟﺷﺑﯾﺑﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ،وﻧﺎدي اﻵداب وﻟﻌب ﻧﺎدي اﻟﺗرﻗﻲ وﻧﺎدي
اﻟﺻﺎﻟﺢ ﺑﺎي دو ار ﻣﺗﻣﯾ از ﻓﻲ اﻟﺣﯾﺎة اﻷدﺑﯾﺔ واﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ،وﻓﻲ اﻟدﻋوة إﻟﻰ إﺣﯾﺎء اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ
واﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻘوﻣﯾﺔ ،ﻣﻊ ﻣﺎ ﺻﺎﺣب ﻫذا ﻣن ﺣدﯾث ﻋن اﻟﻣﺳرح وﺣﺎﺟﺔ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ إﻟﯾﻪ وﻣن ﺗﻛوﯾن
ﻓرق ﺗﻣﺛﯾﻠﯾﺔ أﺳﻬﻣت ﻓﻲ اﻟﻧﻬﺿﺔ اﻷدﺑﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ«.3
ﻛﻣﺎ ﻟﻌﺑت اﻟﻣدارس اﻟﺣرة واﻟﺗﻲ اﻧﺗﺷرت ﻋﺑر ﺗراب اﻟوطن ،دو ار ﻣﻌﺗﺑ ار ﻓﻲ ﺗرﺑﯾﺔ
اﻷﺟﯾﺎل ،وﺗﻛوﯾﻧﻬﺎ ﻟﻠﻣﺳﺎﻫﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﻧﻬوض ﺑﺎﻷﻣﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ.
-3اﻟوﻋﻲ اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ :
ﺳﺎﻫﻣت اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻷوﻟﻰ ،واﻷﺣداث اﻟﺗﻲ ﻋرﻓﻬﺎ اﻟوطن اﻟﻌرﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﻣﺷرق
واﻟﻣﻐرب ،ﻓﻲ ﺗﻛوﯾن اﻟوﻋﻲ اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ واﻧﺗﺷﺎرﻩ ﺑﯾن اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ،اﻟذﯾن ﺷرﻋوا ﻓﻲ ﻣطﺎﻟﺑﻬم
ﺑﺎﻹﺻﻼﺣﺎت اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ،وﺳرﻋﺎن ﻣﺎ ﯾﺗطور ﻫذا اﻟوﻋﻲ ﻟﻠﻣطﺎﻟﺑﺔ ﺑﺎﻟﺣرﯾﺔ ،واﻟﻌﻣل ﻋﻠﻰ ذﻟك،
وﯾﻘول "ﻋﺑد اﷲ اﻟرﻛﯾﺑﻲ" ﻓﻲ ﻫذا اﻟﺻدد »:ﻛﺎن ﻟﻠظروف اﻟﻌﺎﻣﺔ أﺛرﻫﺎ ﻓﻲ اﻧﺑﻌﺎث اﻟوﻋﻲ
اﻟﻘوﻣﻲ ﻣﺛل اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻷوﻟﻰ واﻷﺣداث اﻟﺗﻲ وﻗﻌت ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ واﻹﺳﻼﻣﻲ،
69
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﻛﺎﺣﺗﻼل إﯾطﺎﻟﯾﺎ ﻟطراﺑﻠس ،وﺣرب "ﻋﺑد اﻟﻛرﯾم اﻟﺧطﺎﺑﻲ" ﻓﻲ اﻟرﯾف اﻟﻣﻐرﺑﻲ واﺣﺗﻼل
اﻟﻣﻐرب ،وﺛورة "اﻟﺷرﯾف ﺣﺳﯾن " ﺑﻣﻛﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﺗراك ،وﻏﯾرﻫﺎ ﻣن اﻟﻣﻼﺑﺳﺎت اﻷﺧر اﻟﺗﻲ
دﻓﻌت ﺑﺎﻟﺟزاﺋر أن ﺗﺧرج ﻣن ﻋزﻟﺗﻬﺎ اﻟﺗﻲ ﻓرﺿت ﻋﻠﯾﻬﺎ زﻣﻧﺎ طوﯾﻼ وﺗطﺎﻟب ﺑﺣﻘوق ﺗﺑدأ
ﺑﺎﻹﺻﻼﺣﺎت وﺗﻧﺗﻬﻲ ﺑﺎﻻﺳﺗﻘﻼل«.1
ﻓﻘد ﺗﻣﻛﻧت ﻫذﻩ اﻟﻌواﻣل اﻟﻣﺗﻣﺛﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻣل اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ واﻟﻌﺎﻣل اﻟﺗرﺑوي واﻟﻌﺎﻣل
اﻹﻋﻼﻣﻲ وﻋواﻣل أﺧرى ،ﻣﺛل اﻟرواﻓد اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ واﻟدراﺳﺎت اﻷدﺑﯾﺔ واﻟﻧﻘدﯾﺔ ،ﻣن إﺣداث ﺣرﻛﯾﺔ
أدﺑﯾﺔ وﻧﻘدﯾﺔ ،ﺳرﻋﺎن ﻣﺎ ظﻬرت ﻧﺗﺎﺋﺟﻬﺎ ،ﻓﺷﻬدت اﻟﺟزاﺋر ﻧﻬﺿﺔ أدﺑﯾﺔ ﺣﻘﯾﻘﯾﺔ» ،وﻓﺗﺢ ﺑذﻟك
اﻟﻣﺟﺎل ،ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻓﯾﻪ ﻣن ﻋﺛرات أﻣﺎم اﻟﻧﺷﺎط اﻟﻧﻘدي ،اﻟذي ﺑدأ ﺑداﯾﺔ ﻣﺗواﺿﻌﺔ ﺛم أﺧذ ﯾﺗطور
وﯾوﺳﻊ ﻣن أﻓق اﻫﺗﻣﺎﻣﺎﺗﻪ«.2
70
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
-1ﻣﺣﻣد ﻣﺻﺎﯾف ،اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺣدﯾث ﻓﻲ اﻟﻣﻐرب اﻟﻌرﺑﻲ ،اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب ،ط ، 2اﻟﺟزاﺋر ،1984 ،ص
.18
-2أﻧظر :اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ. 42 ،
-3ﻣﺣﻣد ﻣﺻﺎﯾف ،اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺣدﯾث ﻓﻲ اﻟﻣﻐرب اﻟﻌرﺑﻲ ،ص .17
-4اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص.18
71
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﻫذا اﻟﻧوع ﻣن اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ﻛﺎن ﻟﻪ أﺛر ﻓﻲ ﺗﻛوﯾن أذواق اﻟﻧﻘﺎد ،و»ﻫذﻩ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻓﻲ
اﻟدﯾن واﻷدب ﻫﻲ اﻟﺗﻲ ﺟﻌﻠت ﻧﻘﺎد ﻫذﻩ اﻟﻔﺗرة ﻛﺛﯾ ار ﻣﺎ ﯾﻘﯾﻣون أﺣﻛﺎﻣﻬم اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﯾم
إﺳﻼﻣﯾﺔ ،وﻟﻘد أﺳﻬم ﻓﻲ ﺗداﺧل اﻟدﯾن واﻷدب ﺑﻣﺎ ﻓﯾﻪ اﻟﻧﻘد ظﻬور اﻟﺣرﻛﺎت اﻹﺻﻼﺣﯾﺔ
واﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺗﻌﻣل ﺑﺄﺳﺎﻟﯾب ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻣن أﺟل اﺳﺗﻌﺎدة اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ
اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ.1«...
ﺷﻛل ﻫذا اﻟﺗداﺧل ﺑﯾن اﻟدﯾن واﻷدب أﺳس ﻫذا اﻻﺗﺟﺎﻩ وأﺣﻛﺎﻣﻪ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ،واﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت
ﺗطﻠق ﻋﺎدة ﻋﻠﻰ اﻷﻋﻣﺎل اﻷدﺑﯾﺔ ﻛﺎﻧت ﺗﺳﺗوﺣﻲ روﺣﻬﺎ واﺗﺟﺎﻫﺎﺗﻬﺎ ﻣن اﻟﻘﯾم اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ،وﻓﻲ
إطﺎر ﻫذﻩ اﻟرﻏﺑﺔ ﻓﻲ إﺣﯾﺎء اﻟﺗراث اﻟﻌرﺑﻲ اﻹﺳﻼﻣﻲ » ،ﻧﺷط ﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﺑﺎﺣﺛﯾن ﻓﻲ دراﺳﺔ
اﻷدب اﻟﻣﺣﻠﻲ ،ﻛﻣﺎ ﻓﻌل ﻋﺑد اﻟوﻫﺎب ﺑن ﻣﻧﺻور ،وﻫو ﻣﻘﯾم ﯾوﻣﺋذ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ،اﻟذي درس
ﺷﻌر اﻷﻣﯾر ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر وﻏﯾرﻩ ﻣن اﻟﺷﺧﺻﯾﺎت اﻷدﺑﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ....،ﻛل ﻫذﻩ اﻵﺛﺎر ﻛﺎﻧت
ﺑداﯾﺔ طﯾﺑﺔ ﻟﻠﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺗﻘﻠﯾدي ﻓﻲ اﻟﻣﻐرب اﻟﻌرﺑﻲ«.2
أﻣﺎ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﻣؤﺛر اﻟﺛﺎﻧﻲ اﻟﻣﺗﻣﺛل ﻓﻲ اﻟﺗراث ،ﻓﻘد ﻛﺎن اﻹﺟﻣﺎع ﻗﺎﺋﻣﺎ ﻋﻠﻰ ّأﻧﻪ ﯾﻌﻧﻲ
اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻘدﯾﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﺷرق واﻟﻣﻐرب ﻣﻌﺎ ،ﺑل إن ﺑﻌض اﻟﻧﻘﺎد أﻛدوا أﻧﻪ ﻣن اﻟﺻﻌب
اﻟﺗﻔرﯾق ﺑﯾن اﻵداب ﻓﻲ ﻣﺧﺗﻠف اﻟﺑﻠدان اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،ﻓﻘﺎل أﺣﻣد ﺻﺑري »:وﻗد ﯾﻛون ﻣن اﻟﻌﺳﯾر
ﺟدا اﻟﻔﺻل ﺑﯾن اﻟﺟﺎﻧﺑﯾن ﯾﻌﻧﻲ اﻟﺗراث اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻌﺎم ،واﻟﺗراث اﻟﻣﻐرﺑﻲ ،ﻷن ﻛل ﻣﻧﻬﻣﺎ
اﻣﺗداد ﻟﻶﺧر وذاﺋب ﻓﯾﻪ« ،3ﻓﺎﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ وﺣدة ﻻ ﺗﺗﺟ أز ﻓﻲ ﺟﻣﯾﻊ اﻟﺑﻼد اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،ﻓﻬو ﯾﻣﺛل
وﺣدة ﻣرﺗﺑطﺔ ﺑﺑﻌﺿﻬﺎ اﻟﺑﻌض.
وﻣن اﻟﻌواﻣل اﻟﺗﻲ ﺟﻌﻠت اﻟﻧﻘﺎد ﯾﺗﺟﻬون اﺗﺟﺎﻫﺎ ﺗﻘﻠﯾدﯾﺎ ﻓﻲ أﻋﻣﺎﻟﻬم اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻫو اﻟﺗﺷﺑث
ﺑﺎﻟﻘوﻣﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،وﯾرى ﻣﺣﻣد اﻟﺣﯾﻠوي »أن ﻫذﻩ اﻟﻧظرة ﺟﻌﻠت ﻛﺛﯾ ار ﻣن اﻷدﺑﺎء اﻟﻣﻐﺎرﺑﺔ
ﯾداﻓﻌون ﻓﻲ أﺷﻌﺎرﻫم ﻋن ﺣﺿﺎرة اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺗﻠﯾدة ،ﯾﻘول أﻧﻬم ﯾﻧﺗﺣﻠون اﻟﺷﻌر ﺧﺎﺻﺔ ،ﺑل
72
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
أﺣﯾﺎﻧﺎ ﻻ ﯾﻛﺗﺑون إﻻ اﻟﺷﻌر ،وﻻ ﯾﻧﺗﺣﻠون ﻣﻧﻪ ﻋﺎدة إﻻ ﻣﺎ ﺟرى ﻋﻠﻰ اﻷوزان اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻘدﯾﻣﺔ
ﻓﯾداﻓﻌون ﻓﯾﻪ ﻓﻲ ﻟﻐﺔ ﻋرﺑﯾﺔ ﻓﺻﯾﺣﺔ ﻋن ﺣﺿﺎرة اﻟﻌرب اﻟﺗﻠﯾدة ،وﻣﺟدﻫم اﻟﺧﺎﻟد ،وﯾﺻرﺧون
وﯾﺗﺄﻟﻣون ﻟﻣظﺎﻫر اﻧﺣطﺎط اﻟﺑﻼد ﻓﻲ اﻟﻘرن اﻟﻌﺷرﯾن ،و ﯾﻧﺎدون ﺑﯾﻧﻬﺎ إﻟﻰ ﻛذا اﻟﺧروج ﻣن
اﻟرﻛود وﻣﺣﺎوﻟﺔ اﺳﺗرﺟﺎع ﻣﺟد اﻟﺟدود ،ﻛﻣﺎ ﻧروﻫم ﯾﻧﺎدون ﺑﺎﻟذود ﻋن اﻟﻘﯾم اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ،وﺑﻌدم
ﻣﺟﺎراة ﻣظﺎﻫر اﻟﻣدﻧﯾﺔ اﻷورﺑﯾﺔ اﻟﻣﻧﺎﻓﯾﺔ ﻟﺗﻌﺎﻟﯾم اﻟدﯾن اﻟﺣﻧﯾف.1«...
أﺛرت ﻫذﻩ اﻟﻧظرة اﻟﺳﺎﺋدة ﺑﯾن أدﺑﺎء اﻟﻣﻐرب اﻟﻌرﺑﻲ أﺛ ار ﻣﺑﺎﺷ ار ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ
اﻟﺟزاﺋري ،ﻓﻛﺎن اﻟﻧﻘﺎد ﯾرون ﻓﻲ اﻵﺛﺎر اﻷدﺑﯾﺔ وﺧﺎﺻﺔ اﻟﺷﻌر اﻟﻘواﻟب واﻷﺳﺎﻟﯾب اﻟﻌرﺑﯾﺔ
اﻟﻘدﯾﻣﺔ ،وﻓﻲ ﺑﺣﺛﻬم ﻋن اﻟﻘﯾم اﻷﺧﻼﻗﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻣل اﻷدﺑﻲ ﻻ ﯾﺗﺻورون ﻏﯾر اﻟﻘﯾم اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ
اﻟﺗﻲ ﺗﺷﻛل روح اﻟﺗراث اﻟﻌرﺑﻲ ،ﻓﻛﺎﻧت ﻫذﻩ اﻟﻧظرة اﻟﺳﺎﺋدة ﻫﻲ اﻟﺳﺑب اﻟﻣﺑﺎﺷر ﻓﻲ ﻛون ﻫؤﻻء
اﻟﻧﻘﺎد ﻟم ﯾﻠﺗﻔﺗوا إﻟﻰ اﻟﺗﯾﺎرات اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻷدب واﻟﻧﻘد آﻧذاك.
ﻓﺗﺄﺛر اﻟﻧﻘﺎد ﺑﺎﻟﺣرﻛﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﺷرق اﻟﻌرﺑﻲ ﯾﻌﺗﺑر ﻣن أﻫم اﻟﻣؤﺛرات ﻟﻼﺗﺟﺎﻩ
اﻟﺗﻘﻠﯾدي ﻓﻲ ﺑﻼدﻧﺎ ،ﺣﯾث ﻛﺎﻧت اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﺷرق اﻟﻌرﺑﻲ ﻣﻧﻘﺳﻣﺔ إﻟﻰ اﺗﺟﺎﻫﯾن
أﺣدﻫﻣﺎ اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟﺣدﯾث اﻟذي ﯾﻣﺛﻠﻪ ﻓﻲ ﻣﺻر اﻟﻌﻘﺎد وطﻪ ﺣﺳﯾن وﻣﯾﺧﺎﺋﯾل ﻧﻌﯾﻣﺔ وﻏﯾرﻫم
واﺗﺟﺎﻩ ﺗﻘﻠﯾدي ﻛﺎن ﯾﺗزﻋﻣﻪ اﻟراﻓﻌﻲ وﻣؤﯾدوﻩ ،ﻓﺎﺗﺻﺎل اﻟﻧﻘﺎد ﺑﻬذﻩ اﻟﺣرﻛﺔ ﻛﺎن ﻋن طرﯾق
اﻟﻣﺟﻼت واﻟﺟراﺋد واﻟﻛﺗب اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺗﺻل ﻓﻲ ﺗﻠك اﻟﻔﺗرة ،ﺣﺗﻰ أن ﺗﻠك اﻟﺣﻣﻠﺔ اﻟﺗﻲ ﻗﺎم ﺑﻬﺎ
أﺻﺣﺎﺑﻬﺎ ﺿد "طﻪ ﺣﺳﯾن" وﻛﺗﺎﺑﻪ " ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﺟﺎﻫﻠﻲ " ﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﺻداﻫﺎ ﻟدى اﻟﻧﻘﺎد ،ﻓﻬﺎﻫو"
ﻣﺣﻣد ﺳﻌﯾد اﻟزاﻫري " ﯾﻛﺗب ﻣﻘﺎﻻ ﻋن طﻪ ﺣﺳﯾن ﺑﻌﻧوان" طﻪ ﺣﺳﯾن ﺷﻌوﺑﻲ ﻣﺎﻛر" ﺷن
ﻋﻠﯾﻪ ﺣﻣﻠﺔ ﻫﺟوﻣﯾﺔ ﻛﺎل ﻟﻪ اﻟﺳب ﻛﯾﻼ ،ودﻋﺎ إﻟﻰ ﺣرق ﻛﺗﺑﻪ ،وطﺎﻟب ﺑﺗﺣرﯾم إدﺧﺎﻟﻬﺎ إﻟﻰ
اﻟﺟزاﺋر ،ﻻﺳﯾﻣﺎ ﻛﺗﺎب " ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﺟﺎﻫﻠﻲ".
ﻣﺛل ﻫذﻩ اﻟﻣواﻗف ّأدت إﻟﻰ اﻟوﻗوف ﻣوﻗﻔﺎ ﺳﻠﺑﯾﺎ ﻣن اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟﺗﺟدﯾدي اﻟذي ﺳﺎد ﻓﻲ
اﻟﻣﺷرق اﻟﻌرﺑﻲ ،وﺗﺟﺳد ﻣن ﺧﻼل دﻓﺎع اﻟﻧﻘﺎد ﻋن اﻟﺗﻘﺎﻟﯾد اﻟﻘدﯾﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﺷﻌر واﻟﻧﻘد واﻟﺛﻘﺎﻓﺔ
73
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،ﻟذا ﺗﺟد اﻟﻧﻘﺎد واﻷدﺑﺎء ﯾﺗﺟﻬون إﻟﻰ ﺗﻘﻠﯾد ﻧﻘﺎد اﻟﻣﺷرق اﻟﻌرﺑﻲ وأدﺑﺎﺋﻪ » ،ﺣﺗﻰ أن
"ﻣﺣﻣد اﻟﺳﻌﯾد اﻟزاﻫري" وﻋﻣر ﺑن ﻗدور وﻛﺛﯾرﯾن ﻏﯾرﻫﻣﺎ ﻛﺎﻧوا ﯾﻧﺷرون ﻓﻲ ﺟراﺋد وﻣﺟﻼت
ﻣﺷرﻗﯾﺔ«.1
وﻗد ﺗﻣﺎدى ﺑﻌض اﻟﻧﻘﺎد واﻷدﺑﺎء ﻓﻲ ﻣﻧﺎﺻﺑﺔ اﻟﻌداء ﻟرواد اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟﺣدﯾث ﻓﻲ اﻟﻣﺷرق
اﻟﻌرﺑﻲ ،ﻣﻧﺎﺻرة ﻟدﻋﺎة اﻟﺗﻘﻠﯾد واﻟوﺣدة اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ وﻛﻣﺎ رأﯾﻧﺎ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻣن أﺟ أر ﻫؤﻻء وأﻛﺛرﻫم
ﺻراﺣﺔ وﺗﻌﺻﺑﺎ ﻟﻼﺗﺟﺎﻩ اﻟﺗﻘﻠﯾدي "ﻣﺣﻣد اﻟﺳﻌﯾد اﻟزاﻫري" ﻓﻲ ﻫﺟوﻣﻪ اﻟﻌﻧﯾف ﻋﻠﻰ "طﻪ
ﺣﺳﯾن" وﻛﺗﺎﺑﻪ "ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﺟﺎﻫﻠﻲ" ،وﻟم ﯾﻛﺗف ﻋﻧد ذﻟك ﺑل "ﯾواﺻل ﻓﯾﻧﺎﻗش طﻪ ﺣﺳﯾن ﻓﻲ
ﻛﺗﺎﺑﻪ "ﻓﻲ اﻟﺻﯾف" واﻟﻛﺗﺎب اﻟذي اﺷﺗرك ﻓﻲ ﺗﺄﻟﯾﻔﻪ ﻣﻊ أﺣﻣد أﻣﯾن وﻏﯾرﻩ ،وﻫو ﻛﺗﺎب
"اﻟﻣﺟﻣل" ﻓﯾﻘول ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻛﺗﺎب اﻷﺧﯾر » :وﻟﯾس ﻟﻬذا اﻟﻛﺗﺎب إﻻ ﻧﺗﯾﺟﺔ واﺣدة ﯾﺣﺻل ﻋﻠﯾﻬﺎ
اﻟطﺎﻟب ﻋﻧدﻣﺎ ﯾﻔرغ ﻣن ﻗراءﺗﻪ ،وﻫﻲ أﻧﻪ ﻻ ﻗﯾﻣﺔ ﻟﻬذا اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ.2«...
أﻣﺎ اﻟﻣؤﺛر اﻟﺛﺎﻟث ،ﻓﻬو ﻣؤﺛر اﻟﻧﻬﺿﺔ اﻷدﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﺷرق اﻟﻌرﺑﻲ ،وﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﺗﺄﺛﯾر
اﻟﻐرﺑﻲ ﻓﻲ ﺣرﻛﺔ اﻟﻧﻘد اﻟﺗﻘﻠﯾدي ﻓﺈﻧﻪ ﻛﺎن ﺿﺋﯾﻼ ﺟدا ،إن ﻟم ﻧﻘل ﻣﻧﻌدﻣﺎ ،ﻷن ﻣن رﻓض أن
ﯾﺗﺄﺛر ﺑﺎﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺣدﯾث ﻓﻲ اﻟﻧﻘد ،ﻻ ﯾﻌﻘل أن ﯾﻘﺑل ﺑﺎﻟﺗﯾﺎرات اﻟﻐرﺑﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت أﻛﺛر
اﺗﺻﺎﻻ ﺑﻔرﻧﺳﺎ واﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻓﻲ ﻧظر اﻷدﺑﺎء واﻟﻧﻘﺎد اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﯾن دوﻟﺔ اﺳﺗﻌﻣﺎرﯾﺔ .
ﻓﺎﻟﺗﺄﺛر ﺑﺎﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﻛﺎن ﺿﺋﯾﻼ ﺑﺳﺑب اﻟﺧوف ﻣن اﻻﻧدﻣﺎج ﻓﻲ اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ
اﻷﺟﻧﺑﯾﺔ ،إذ ﯾؤﻛد "أﺑو اﻟﻘﺎﺳم ﺳﻌد اﷲ" أن اﻟﺗﺄﺛر ﺑﺎﻟﺣﺿﺎرة واﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺗﯾن ﻛﺎن»ﺑطﯾﺋﺎ
ﻣﺗﺛﺎﻗﻼ ﻓﻼ ﯾﺟد ﻣن اﻵذان اﻟﺻﺎﻏﯾﺔ واﻟﻘﻠوب اﻟﻣﺗﻔﺗﺣﺔ ،واﻟﻌﻘول اﻟﻣﺳﺗﻬﻠﻛﺔ إﻻ أرﻗﺎﻣﺎ ﻗﻠﯾﻠﺔ
ﺑﯾن ﻗﺎﺋﻣﺔ اﻟﺷﻌب اﻟﺿﺧﻣﺔ«.3
واﻟﺑﺎﺣث ﻓﻲ اﻵﺛﺎر اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻷوﻟﻰ ﻟرواد ﻫذا اﻻﺗﺟﺎﻩ ،ﯾﺟد أﻧﻬم ﻻ ﯾﺗﺣدﺛون ﻓﻲ
أﻋﻣﺎﻟﻬم إﻻ ﻋن ﻓن اﻟﺷﻌر ،وﻗد ﺣﺎوﻟوا ﺗﺣدﯾدﻩ ﻣن وﺟﻬﺔ ﻧظرﻫم ،ﻟﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﻣﺛﻠﻪ اﻟﺷﻌر ﻣن
74
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
اﻣﺗﯾﺎز ﻋﻠﻰ ﺳﺎﺋر اﻟﻔﻧون اﻷدﺑﯾﺔ ،وﻫﻲ اﻟﻧظرة اﻟﺗﻲ رﺳﺧت ﻓﻲ أذﻫﺎن اﻟﻌرب ﻣﻧذ اﻟﻘرون
اﻷوﻟﻰ ،ﻓﻧﻘﺎد ﻫذا اﻻﺗﺟﺎﻩ وأدﺑﺎؤﻩ ﺳﺎروا ﻋﻠﻰ ﻧﻔس اﻟﻧﻬﺞ اﻟذي ﺳﺎر ﻓﯾﻪ اﻟﻌرب اﻟﻘداﻣﻰ .
ﻓﻘد ﻛﺎن اﻟﺷﻌر ﻣن أﺑرز أﻟوان اﻷدب ﻓﻲ ﺗﻠك اﻟﺣﻘﺑﺔ ،أﻣﺎ اﻟﻧﺛر ﻓﻘد ﺑﻘﻲ ﻣﺣﺻو ار ﻓﻲ
اﻟﺗﺄﻟﯾف اﻟﻔﻘﻬﻲ واﻟدﯾﻧﻲ ،أو ﻓﻲ اﻟﻣﻘﺎﻟﺔ اﻟﺻﺣﺎﻓﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗطورت ﻋﻠﻰ ﯾد اﻟﻌﻠﻣﺎء اﻟﻣﺻﻠﺣﯾن
وﺑواﺳطﺔ ﺻﺣﺎﻓﺗﻬم.1
واﻗﺗﺻﺎر اﻷدﺑﺎء ﻓﻲ ﻣﻔﻬوم اﻷدب ﻋﻠﻰ اﻟﺷﻌر وﺣدﻩ ،ﯾﺗﺟﺳد ﻟدى اﻟطرﻗﯾﯾن وﺑﻌض
اﻹﺻﻼﺣﯾﯾن،وﻫذا اﻟﺣﺻر ﻟﻣﻔﻬوم اﻷدب اﻟﻣﺣدد ﺑﺎﻷﻏراض اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﻘدﯾﻣﺔ ،ﻛﺎﻟﻣدح
واﻟﻬﺟﺎء واﻟﻔﺧر واﻟرﺛﺎء وﻏﯾر ذﻟك ﻣن اﻷﻏراض اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺳﺎﺋدة آﻧذاك ،ﻋﻠﻣﺎ أن اﻟﻐزل
ﻛﺎن ﻣﺣرﻣﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺷﻌراء ﻟﺗﺣرﯾم ذﻛر اﻟﻣرأة ،ﻓﻘد »ﻛﺎﻧت اﻟﻧظرة اﻟﻣﺣﺎﻓظﺔ إﻟﻰ اﻟﻣرأة
ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺗﺄﺛﯾر اﻟدﯾن ﻫﻲ اﻟﺧوف ﻣن أن ﺗرﺗﻣﻲ ﻓﻲ أﺣﺿﺎن اﻟﺣﺿﺎرة اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﻓﺗﺗﺧﻠﻰ
ﻋن ﻗﯾﻣﺗﻬﺎ وﻋﺎداﺗﻬﺎ وﺗﻘﺎﻟﯾدﻫﺎ وأﺧﻼﻗﻬﺎ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ،ﻓﺗﻔﻘد ﺑذﻟك اﻷﻣﺔ ﺷﺧﺻﯾﺗﻬﺎ ﺑﻔﻘدان
ﺗﻘﺎﻟﯾدﻫﺎ«.2
إن اﻟظروف اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ واﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ اﻟﺗﻲ أﺣﺎطت ﺑﺎﻟﺷﺎﻋر اﻟﺟزاﺋري ﻣن
ﺟﻬﺔ ،واﻟﺗﻌﻠق ﺑﺎﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻘدﯾم ﻣن ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﯾﺔ ﻋﻣل ﻋﻠﻰ ﺗوﺟﯾﻪ اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ إﻟﻰ
إن اﻟﺷﻌراء اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ﻟم ﯾﻛوﻧوا..ﻓﻲ ﻋﻧﺎﯾﺗﻬم
اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟﺗﻘﻠﯾديٕ ،واﻟﻰ ﻫذﻩ اﻟﻧزﻋﺔ اﻟﻣﺣﺎﻓظﺔّ ،
ﺑﺎﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ ﺑدﻋﺎ ﻣن ﺷﻌراء اﻟﻧﻬﺿﺔ ﻓﻲ اﻟوطن اﻟﻌرﺑﻲ ،ﻓﻣدرﺳﺔ اﻹﺣﯾﺎء ﻧﻔﺳﻬﺎ ﻛﺎﻧت
ﺗﺳﺗﻣد ﻣن ﻫذا اﻷدب و ﺗﺣﺗذﯾﻪ ،وﻛﺎن ﻻﺑد أن ﺗﻛون ﺑداﯾﺔ اﻟﻧﻬﺿﺔ اﻷدﺑﯾﺔ ﻛذﻟك ،وﻋن ﻫذا
ﯾﻘول اﻟدﻛﺗور طﻪ ﺣﺳﯾن »:وﻟﻌﻠﻪ ﻣن اﻟﺧﯾر واﻟﺣق أن ﻧﻧﺻف اﻟﺷﻌراء ﻓﻧﻼﺣظ أﻧﻬم ﻛﺎﻧوا
ﻣﺿطرﯾن إﻟﻰ أن ﯾﺗﺄﺛروا ﺑﺎﻟﻘدﯾم أول اﻷﻣر،ﻷن ﻫذا اﻟﺗﺄﺛر ﺑﺎﻟﻘدﯾم ﻓﻲ ﻧﻔﺳﻪ دﻟﯾل ﻋﻠﻰ اﻟﺣﯾﺎة
-1ﻧور ﺳﻠﻣﺎن ،اﻷدب اﻟﺟزاﺋري ﻓﻲ رﺣﺎب اﻟرﻓض واﻟﺗﺣرﯾر ،ط ،1دار اﻷﺻﺎﻟﺔ ﻟﻠﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ ،اﻟﺟزاﺋر ،2009،ص
.131
-2ﻋﺑد اﷲ اﻟرﻛﯾﺑﻲ ،اﻟﻘﺻﺔ اﻟﻘﺻﯾرة اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ،ط ،3اﻟدار اﻟﻌرﺑﻲ ﻟﻠﻛﺗﺎب ،ﻟﯾﺑﯾﺎ-ﺗوﻧس ،1977 ،ص.29
75
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
واﻟﻘوة واﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ اﻟﺑﻘﺎء واﻟﺟﻬﺎد ،وﻫو دﻟﯾل ﻋﻠﻰ أن ﻟﻬذا اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ ﻣﺎﺿﯾﺎ ﺧﺻﺑﺎ ﻓﯾﻪ
ﻏﻧﺎء وﻓﯾﻪ ﻗدرة ﻋﻠﻰ اﻟﺣﯾﺎة وﻓﻌﺎﻟﯾﺔ اﻟﻌﺻور.1«...
ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻣؤﺛرات اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ ،ﻓﺎﻟﺗﺄﺛر ﺑﻣدرﺳﺔ اﻹﺣﯾﺎء اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﯾﻌد ﻣن اﻟﻌواﻣل
اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺳﺎﻫﻣت ﻓﻲ اﻧﺗﺷﺎر أدب ﻣدرﺳﺔ اﻹﺣﯾﺎء ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ،اﺗﺟﺎﻩ اﻟﺣرﻛﺔ
اﻹﺻﻼﺣﯾﺔ ،وﻣوﻗﻔﻬﺎ اﻟﺳﻠﻔﻲ اﻟواﺿﺢ ﻣن ﻗﺿﺎﯾﺎ اﻷدب واﻟﻧﻘد واﻟﻔﻛر واﻟﺛﻘﺎﻓﺔ»،ﻓﻣﺎ ﻛﺎن
إﻋﺟﺎب اﻟﺣرﻛﺔ اﻹﺻﻼﺣﯾﺔ ﺑﺄدﺑﺎء اﻟﻧﻬﺿﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ وﺷﻌراﺋﻬﺎ ﯾﺗوﻗف ﻋﻧد ﺣدود اﻟﻘراءة
واﻟﻣﺗﺎﺑﻌﺔ ،وﻟﻛﻧﻪ ﺗﺟﺎوزﻫﺎ إﻟﻰ اﻟﺗﺷرب واﻟﺗﻘﻠﯾد ،ﻓﻛﺎن اﻟﻣدرﺳون ﯾﺣﻔظون ﻗﺻﺎﺋد ﺷوﻗﻲ
وﺣﺎﻓظ ،واﻟرﺻﺎﻓﻲ ،وﯾﺣﻔظوﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﻟﺗﻼﻣذﺗﻬم ،وﯾﻌطوﻧﻬم أﺑﯾﺎﺗﺎ ﻣﻧﻬﺎ ﯾطﻠﺑون ﻣﻧﻬم
ﺗﺷطﯾرﻫﺎ أو ﺗﺧﻣﯾﺳﻬﺎ ،أو ﻣﻌﺎرﺿﺗﻬﺎ ،وﯾﻌﻘدون ﻟﻬذا ﻣﻧﺎﻓﺳﺎت ﯾرﺻدون ﻟﻬﺎ ﺟواﺋز
ﺗﺷﺟﯾﻌﯾﺔ«.2
إن اﻟﻣﺗﻔﺣص ﻟﻣﻔﻬوم اﻟﺷﻌر ﻋﻧد اﻹﺻﻼﺣﯾﯾن ،ﯾﺟد ّأﻧﻪ ﻟم ﯾﺗﺟﺎوز اﻟﻧظرة اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ
اﻟﺿﯾﻘﺔ أﻋﺎﻗت
ّ ﺣﯾن ﺣﺎوﻟوا اﻟﺣﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟﻔﻬم ﺗﺣت ﺗﺄﺛﯾر اﻟﻘﯾم اﻟدﯾﻧﯾﺔ ،ﻫذﻩ اﻟرؤﯾﺔ
اﻹﻧﺗﺎج اﻷدﺑﻲ واﻟﻧﻘدي ،ﻓﻘول اﻟﺣق وﻋﻣل اﻟﺧﯾر ﻟﺻﺎﻟﺢ اﻟدﯾن ،ﻫﻣﺎ اﻟوظﯾﻔﺗﺎن اﻷﺳﺎﺳﯾﺗﺎن
ﻋﻧد اﻟﺷﺎﻋر ،وﻧﺟد ﻣﻔﻬوم اﻟدﯾن ﻛذﻟك ﻋﻧد أﺻﺣﺎب ﻫذا اﻻﺗﺟﺎﻩ ﻣﻘﺻو ار ﻋﻠﻰ اﻟﺷﺎﻋر »
وﻫو اﻟذي ﯾﻔﻬم اﻟﺷﻌر وﯾﺗﻘن ﺻﻧﺎﻋﺗﻪ ﻣن ﺣﻔظ ﻛﻼم اﻟﻌرب ﻧﺛ ار وﺷﻌ ار وﺣﻔظ ﻗواﻋد اﻟﻠﻐﺔ ﻣن
ﻧﺣو و ﺑﻼﻏﺔ ٕواﺗﻘﺎن ﻟﻠﻌروض«.3
ﻣن ﺧﻼل ﻫذﻩ اﻟﻧظرة ﻷﺻﺣﺎب ﻫذا اﻻﺗﺟﺎﻩ ﻧﺣو اﻟﺷﻌر ،ﻓﺈﻧﻬم ﺟردوا اﻟﺷﻌر ﻣن
ﻗﯾﻣﺗﻪ اﻟﻔﻧﯾﺔ واﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ واﻟﻔﻛرﯾﺔ ،وﺑﻬذا ﻓﻘد اﻟﺷﻌر اﻟﺗﻘﻠﯾدي ﻗوة ﺗﺄﺛﯾرﻩ ،ﻛوﻧﻪ ﺗﺣول إﻟﻰ ﻣﺟرد
-1اﻟﺷﻌر اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ،اﺗﺟﺎﻫﺎﺗﻪ وﺧﺻﺎﺋﺻﻪ اﻟﻔﻧﯾﺔ،1975-1925 ،ط ، 2دار اﻟﻐرب اﻹﺳﻼﻣﻲ ،ﺑﯾروت.2006 ،
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .52
-3ﻋﺑد اﷲ ﺑن ﻗرﯾن ،اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺟزاﺋري ،ص.37
76
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﻣوﻋظﺔ ،وﺑﻬذا ﯾﻣﻛن أن ﻧﻌﺗﺑرﻩ أدب اﻟوﻋظ واﻹرﺷﺎد ،واﻟﺟدﯾر ﺑﺎﻟذﻛر أن ﺑﻌض اﻟﺷﻌراء
اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ﻻ ﯾﻔرﻗون ﺑﯾن اﻟﻌروﺑﺔ واﻹﺳﻼم.1
وﻫم ﻛذﻟك ﯾﻧظرون إﻟﻰ اﻟﺷﻌر ﻋﻠﻰ أﻧﻪ إﻟﻬﺎم ووﺣﻲ ،اﻷﻣر اﻟذي ﯾﺳﺗﻠزم ﻣﻧﻬم ﻣوﻗﻔﺎ
آﺧر ﻣن اﻟﺷﻌر ،وﻫو أﻧﻪ ﺷﻌر ﻻ ﺻﻧﻌﺔ ﻓﯾﻪ وﻻ ﺗﻛﻠف ،وﻫﻲ ﻗﺿﯾﺔ ﻗدﯾﻣﺔ ﻋﺎﻟﺟﻬﺎ اﻟﻘدﻣﺎء
ورددوا ﻓﯾﻬﺎ أﻗوال اﻟﻘدﻣﺎء ،ﻓﺄﻛدوا
واﻟﻣﺣدﺛون»،ﻏﯾر أن ﻧﻘﺎدﻧﺎ ﺑﺣﺛوﻫﺎ ﻣن زاوﯾﺔ ﻗدﯾﻣﺔ ﻣﺣﺿﺔ ّ
أن اﻟﺷﻌر ﻧوﻋﺎن :ﻣطﺑوع وﻣﺗﻛﻠف ،وآﺛروا اﻷول ﺑﺎﻟطﺑﻊ ،ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر أﻧﻪ ﻋﻧوان اﻟﺳﻠﯾﻘﺔ ،وأﺛر
ﻣن آﺛﺎر اﻹﻟﻬﺎم واﻟﺧﯾﺎل «.2
واﻟﻌﻧﺎﺻر اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻟﻠﺷﻌر ﻋﻧد اﻟﻧﻘﺎد اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﯾن ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟوزن واﻟﻘﺎﻓﯾﺔ اﻟﻌﺑﺎرة
اﻟﺳﻬﻠﺔ واﻟﺧﯾﺎل اﻟﺑدﯾﻊ ،واﻻﺳﺗﻌﺎرة اﻟﺑﻠﯾﻐﺔ ،واﻟﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟرﻗﯾﻘﺔ اﻟﺷﺎﺋﻌﺔ واﻟﻣﺛل اﻟﺳﺎﺋر واﻟﺗﺷﺑﯾﻪ
اﻟواﻗﻌﻲ ،وﻗوة ﺗﺄﺛﯾرﻩ ﻓﻲ اﻟﻧﻔوس ،ﻫذا ﻣﺎ أﺿﺎﻓﻪ "أﺣﻣد اﻷﻛﺣل" ﻓﻲ ﺣدﯾﺛﻪ ﻋن اﻟﺷﻌر ﻗﺎﺋﻼ:
» ﻓﺎﻟﻛﻼم اﻟﻣوزون اﻟﻣﻘﻔﻰ اﻟﺳﻬل اﻟﻌﺑﺎرات ،ذو اﻟﺧﯾﺎل اﻟﺑدﯾﻊ ،واﻻﺳﺗﻌﺎرات اﻟﺑﻠﯾﻐﺔ اﻟﻔﺎﺋﻘﺔ،
واﻟﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟرﻗﯾﻘﺔ اﻟﺷﺎﺋﻌﺔ دون اﻟﻐرﯾﺑﺔ ،ﻷن اﻟﺑﻼﻏﺔ ﻫﻲ ﻣﺎ ﻓﻬﻣﺗﻪ اﻟﺧﺎﺻﺔ واﻟﻌﺎﻣﺔ ذﻟك ﻫو
اﻟﺷﻌر اﻟﺟﺎذب ﻟﻠﻧﻔوس ،اﻟﻣؤﺛر ﻓﻬﺎ دون ﻏﯾرﻩ وﻗد ﻗﯾل » :اﻟﺷﻌر ﻣﺎ اﺷﺗﻣل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﻣﺛل
اﻟﺳﺎﺋر ،واﻻﺳﺗﻌﺎرة اﻟراﺋﻌﺔ ،واﻟﺗﺷﺑﯾﻪ اﻟواﻗﻌﻲ ،وﻣﺎ ﺳوى ذﻟك ﻓﺈن ﻟﻘﺎﺋﻠﻪ ﻓﺿل اﻟوزن«.3
ﻛﻣﺎ أن اﻟﺗﺣﻘﯾق ﻓﻲ اﻟدﻻﻻت اﻟﻠﻐوﯾﺔ ﻟﻸﻟﻔﺎظ ﻗﺎﺳم ﻣﺷﺗرك ،ﺑﯾن ﺳﺎﺋر ﻧﻘﺎد ﻫذا
اﻻﺗﺟﺎﻩ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﻟﻣﻼﺣظﺗﻬم ﺣول اﺳﺗﻌﻣﺎل اﻷﻟﻔﺎظ واﻟﻌﺑﺎرات ،ﻓﺈﻧﻬم ﯾﻘدﻣون اﻟﻣدﻟول
اﻷﺻﻠﻲ ﻟﻠﻔظﺔ أو اﻟﻌﺑﺎرة ،وﯾﺿرﺑون اﻷﻣﺛﻠﺔ ﻟﻼﺳﺗﻌﻣﺎل اﻟﺣﺳن ،وﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻸﺧطﺎء اﻟﻠﻐوﯾﺔ
اﻟﺗﻲ ﯾﺟدوﻧﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺻﯾدة اﻟﻣﻧﻘودة ،ﻓﻬم ﯾﺗﻔﻘون ﻓﻲ ﻣﺣﺎوﻟﺔ ﺗﻌﻠﯾﻠﻬﺎ وﺗﻔﺳﯾرﻫﺎ ،ﻛﻣﺎ ﯾﻌﺗﻧون
ﺑﺎﻟﻌﺑﺎرة وﻣﺣﺎوﻟﺔ ﺻﻘﻠﻬﺎ وﺗﻣﺣﯾﺻﻬﺎ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻋدم اﻻﻧﺳﺟﺎم ﻓﻲ اﻟﺗراﻛﯾب وﻋدم ﻣﻼﺋﻣﺔ
اﻟﻣﻔردات ﻟﻣواﺿﻌﻬﺎ ﻣن اﻟﺗراﻛﯾب ،وﻫﻧﺎك ﻣن ﺑﯾﻧﻬم ﻣن ﯾﻬﺗم ﺑﺎﻟﻣﺑﺎﻟﻐﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻌﺗﻣد ﻋﻠﻰ ﻛﺛرة
-1ﻋﺑد اﷲ اﻟرﻛﯾﺑﻲ ،ﻗﺿﺎﯾﺎ ﻋرﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ط ، 3اﻟدار اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب ،ﻟﯾﺑﯾﺎ – ﺗوﻧس ،ص.37
-2ﻣﺣﻣد ﻣﺻﺎﯾف ،اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺣدﯾث ﻓﻲ اﻟﻣﻐرب اﻟﻌرﺑﻲ ،ص.36
-3اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .31
77
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
اﻷﻟﻔﺎظ واﻟﺗﻌﺎﺑﯾر أﻛﺛر ﻣﻣﺎ ﺗﻌﺗﻣد ﻋﻠﻰ اﻟﺻور اﻟﻣﺗﻧوﻋﺔ » ،ﺑل إن اﻷﻣر ﺑﻠﻎ ﺑﺑﻌض ﻫؤﻻء
اﻟﻧﻘﺎد أﻧﻬم ﻗد ﯾﻠﺗﻔﺗون إﻟﻰ أﺑﯾﺎت ﻣﻌدودة ﻣن ﻗﺻﯾدة ،ﻓﻼ ﯾرون ﻓﯾﻬﺎ ﻏﯾر اﻷﻟﻔﺎظ ،وﻏﯾر
طﺑﯾﻌﺔ ﻫذﻩ اﻷﻟﻔﺎظ ﻣن ﺣﯾث ﺻﻼﺣﯾﺗﻬﺎ ﻟﻠﺷﻌر أو ﻋدم ﺻﻼﺣﯾﺗﻬﺎ ،ﻓﻼ ﯾﺣﺎﻟون أن ﯾروا ﻣدى
ﻋﻼﻗﺔ ﻫذﻩ اﻷﻟﻔﺎظ ﺑﺎﻟﻔﻛرة اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ،أو ﺑﻧﻔس اﻟﺷﺎﻋر ﺻﺎﺣب اﻟﻘﺻﯾدة ،ﻛل ﻣﺎ ﯾﻬﻣﻬم ﻣن
ﻫذﻩ اﻷﻟﻔﺎظ ﻫو أﻧﻬﺎ أﻟﻔﺎظ ﻋﺎدﯾﺔ ﻣﺛﻼ ،أو ﻏرﯾﺑﺔ ،أو ﺟزﻟﺔ ،إﻟﻰ ﻏﯾر ذﻟك ﻣن ﻫذﻩ اﻷوﺻﺎف
اﻟﺗﻲ ﻻ ﺗدﺧل ﺑﺷﻛل ﻣﺑﺎﺷر ﻓﻲ ﺻﻣﯾم اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ،وﻻ ﺑﻣﺎ ﯾﺗطﻠﺑﻪ ﻓن اﻟﺷﻌر ﻣن ﺣﯾث
اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋﻣﺎ ﯾﺟول ﻓﻲ ﻧﻔﺳﻪ ﻣن ﺧواطر ،أو ﯾﺷﻐﻠﻪ ﻣن ﻗﺿﺎﯾﺎ إﻧﺳﺎﻧﯾﺔ أو اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ «.1
وﻗد ﻛﺎن ﻟﻠﻐﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻫﺗﻣﺎم ﺧﺎﺻﺎ ﻟدى أﺻﺣﺎب اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟﻠﻐوي ،ﻓﺄوﻟﻰ ﻟﻬﺎ اﻟﻧﻘﺎد
اﻫﺗﻣﺎﻣﺎ ﻛﺑﯾ ار ﻓﻲ اﻟﻌﻣل اﻷدﺑﻲ ﺑﺎﻋﺗﺑﺎرﻫﺎ اﻟﻌﻧﺻر اﻷول ﻓﻲ ﻛل ﻋﻣل أدﺑﻲ ﯾﺳﺗﺧدم اﻟﻛﻠﻣﺔ
ﻟﻠﺗﻌﺑﯾر ،و»ﺑﺎﻋﺗﺑﺎرﻫﺎ أول ﺷﻲء ﯾﺻﺎدﻓﻧﺎ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ أول ﺷﻲء ﯾﻧﺑﻐﻲ ﻋﻠﯾﻧﺎ اﻟوﻗوف ﻋﻧدﻩ
ﻋﻧدﻣﺎ ﻧﺗﺣدث ﻋن اﻷدب ،ﺑل إن اﻟﻧﻘد ﻧﻔﺳﻪ ﻻ ﯾﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻣل اﻷدﺑﻲ إﻻ
ﺣﯾن ﺗﺄﺧذ ﺻورﺗﻬﺎ اﻟﻠﻔظﯾﺔ ،ﻷن اﻟوﺻول إﻟﯾﻬﺎ ﻗﺑل ظﻬورﻫﺎ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﺻورة ﻣﺣﺎل ،وﻷن
اﻟﺣﻛم ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻻ ﯾﺗﺄﺗّﻰ إﻻ ﺑﺎﺳﺗﻌراض اﻟﺻورة اﻟﻠﻔظﯾﺔ اﻟﺗﻲ وردت ﻓﯾﻬﺎ ،وﺑﯾﺎن ﻣﺎ ﺗﻧﻘﻠﻪ ﻫذﻩ
اﻟﺻورة إﻟﯾﻧﺎ ﻣن ﺣﻘﺎﺋق وﻣﺷﺎﻋر«.2
ﻫﻧﺎك ﻣﯾزة أﺧرى اﺗﺳم ﺑﻬﺎ ﻛذﻟك اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟﺗﻘﻠﯾدي ،وﻫﻲ ﺿرورة ﺗوﻓر اﻟوزن واﻟﻘﺎﻓﯾﺔ،
وﻫﻲ ﺧﺎﺻﯾﺔ أﺳﺎﺳﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ ﺣﺗﻰ ظﻬور اﻟﺷﻌر اﻟﺣر ،واﻟذي ﯾﻬم اﻟﻧﻘﺎد ﻫو اﺣﺗرام
اﻟوزن اﻟﻛﺎﻣل ﻟﻠﻘﺻﯾدة ،واﻟذي ﻻ ﯾﺗﺄﺗّﻰ إﻻ ﺑﺈﺗﻘﺎن ﺑﺣور اﻟﺧﻠﯾل ،وﺗﺣﺗل اﻟﻘﺎﻓﯾﺔ ﻣﻛﺎﻧﺔ ﺑﺎرزة ﻓﻲ
اﻫﺗﻣﺎﻣﻬم ﺑﻣوﺳﯾﻘﻰ اﻟﺷﻌر ،ﻓﻬم ﯾﻠّﺣون ﻛﺛﯾ ار ﻋﻠﻰ ﺳﻼﻣﺗﻬﺎ ،وﯾﻌﺗﺑروﻧﻬﺎ ﻋﻧﺻ ار ﻣن ﻋﻧﺎﺻر
ﻧﺟﺎح اﻟﺷﺎﻋر ،وﯾﻌ ّدون ﻋﯾوﺑﻬﺎ ﻣن آﺛﺎر اﻟﺿﻌف ﻓﻲ اﻟﺷﺎﻋرﯾﺔ ،ﻛﻣﺎ ﻛﺎﻧوا ﯾﻧﻛرون ﻛذﻟك ﺗﻌدد
اﻟﻘواﻓﻲ ﻓﻲ اﻟﻘﺻﯾدة اﻟواﺣدة وﻟو طﺎﻟت .
78
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
وﯾﻣﯾل ﺑﻌض اﻟﻧﻘﺎد اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﯾن ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻻﻫﺗﻣﺎﻣﺎت اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ ،إﻟﻰ اﻟﻘﯾﺎم ﺑﻣوازﻧﺎت
ﺑﯾن اﻟﺷﺎﻋر اﻟﻣدروس وﺷﻌراء آﺧرﯾن ﻋرب ﻣﺷﻬورﯾن ،وﻓﻲ ﻣوازﻧﺎﺗﻬم ﯾﻌﺗﺑرون اﻟﺟﺎﻧب
اﻟﻠﻐوي ﻫو اﻟﺟﺎﻧب اﻷﺳﺎﺳﻲ،ﻟذﻟك ﺗﻌﺗﺑر اﻟﻣﺳﺎﺋل اﻟﻠﻐوﯾﺔ ﻣﺣور رﺋﯾﺳﻲ ﻓﻲ اﻟﻣوازﻧﺎت اﻟﺗﻲ
ﯾﻘوﻣون ﺑﻬﺎ.
أﻣﺎ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟوظﯾﻔﺔ اﻟﺷﻌر ﻟدى رواد ﻫذا اﻻﺗﺟﺎﻩ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ،ﻓﺈن اﻟﺑﺎﺣث ﻓﻲ ﻫذا
اﻟﻣﺟﺎل ﻻ ﯾﺟدﻫم ﻗد ﺗﺣدﺛوا إﻻ ﻗﻠﯾﻼ ﻋن ﻫذﻩ اﻟوظﯾﻔﺔ ،ﺣﯾث ﺗﺳﺎءﻟوا ﻓﻲ ﺣدﯾﺛﻬم ﻋﻣﺎ ﻗدم
اﻟﺷﻌراء ﻣن ﺧدﻣﺔ ﻟﻠﺗﺎرﯾﺦ واﻟطﺑﯾﻌﺔ واﻷﺧﻼق ،ﻓﻬم ﯾﻌﺗﺑرون اﻟﺷﻌر ﺧﺎدﻣﺎ ﻟﻐﯾرﻩ ﻣن اﻟﻌﻠوم
واﻟﻔﻧون وﺷؤون اﻟﺣﯾﺎة ،إذ ﺑﺄﺣدﻫم ﯾﻘول ﻓﻲ ﻫذا اﻟﺻدد » وﻣﺎ ﻫﻲ اﻟرﺳﺎﻟﺔ اﻟﺗﻲ أداﻫﺎ إﻟﯾﻧﺎ
ﺷﻌراؤﻧﺎ ﻋن اﻟﺗﺎرﯾﺦ ،وﻋن اﻟطﺑﯾﻌﺔ،وﻋن اﻷﺧﻼق ،أوﻣن اﻟوﺟود إﻟﻰ اﻟﺧﻠود ،وﻓﻲ ﺳﺑﯾل
اﻟﺳﻌﺎدة واﻟﺗﻘدم،وﻻ زال ﻏﺎﻟﺑﻬم ﯾﺗﺣرى اﻟﻘول ﻓﻲ ﻣﻧﺎﺳﺑﺎت اﻟﺷؤون اﻟطﺎرﻗﺔ اﻟﻌﺎدﯾﺔ
ﻛﺎﻟﺗﻌﯾﯾد.1«...
ﻣﺎدام اﻟﺷﻌر ﻓﻲ ﺧدﻣﺔ اﻷﺧﻼق واﻟﺗﺎرﯾﺦ ﺣﺳب اﻟﻛﻼم اﻟﺳﺎﺑق ﻓﺈن ﻓﻲ ذﻟك إﺷﺎرة إﻟﻰ
اﻟوظﯾﻔﺔ اﻹﺻﻼﺣﯾﺔ ،ﺑﻣﻌﻧﻰ أن اﻟﺷﻌر ﻟﯾس ﻓﻧﺎ ﺳﺎﻣﯾﺎ ﯾﺧدم ﻧﻔﺳﻪ ،وﻻ ﻓﻧﺎ ﻣن اﻟﻔﻧون اﻟﺟﻣﯾﻠﺔ
ﺑل ﻫو ﻓﻘط ﻓﻲ ﺧدﻣﺔ اﻷﺧﻼق واﻟﺗﺎرﯾﺦ» ،وﻣﻣﺎ ﺳﺑق ﯾﺗﺿﺢ أن ﻟﻸدب رﺳﺎﻟﺔ إﺻﻼﺣﯾﺔ
ﻧﺎﻓﻌﺔ ﻟﻬﺎ ﺗﺄﺛﯾر ﻓﻌﺎل ﻓﻲ ﺗﻘدم اﻷﻣم وازدﻫﺎرﻫﺎ ،وﻗد أوﻟت اﻟﺣﻛوﻣﺎت واﻟﺷﻌوب اﻟﻣﺗﻘدﻣﺔ اﻷدب
ﻋﻧﺎﯾﺗﻬﺎ ﻟﺗﺛﻘﯾف أﺑﻧﺎﺋﻬﺎ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﺣﻘﺔ ،ﻓﺎﺗﺧذ أدﺑﺎء ﻫذﻩ اﻷﻣم اﻷدب ﻣﺟﺎﻻ ﻻﻧﺗﻘﺎداﺗﻬم
اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ،وﺟﻌﻠوﻩ ذرﯾﻌﺔ ﯾظﻬرون ﻓﯾﻬﺎ ﻟﻠﺟﻣﻬور ﻧظرﯾﺎﺗﻬم اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ واﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ ،وﻗد أﺑدع ﻛﺛﯾر
ﻣن اﻷدﺑﺎء ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻔن إﺑداﻋﺎ أﻫﻠﻬم ﻟﻠﺳﻣو ،وﻓﺗﺢ أﻣﺎﻣﻬم أﺑواب اﻟﺷﻬرة«.2
ٕواذا ﺗﺳﺎءﻟﻧﺎ ﺿﻣن ﻫذا اﻻﺗﺟﺎﻩ ﻋن ﺿرورة اﻟﺷﻌر ﻟﻸﻣم ،ﻫذﻩ اﻟﻘﺿﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻛﻠم ﻋﻧﻬﺎ
اﻟﻧﻘﺎد اﻟﻌرب ،وأﺣﺳن ﻣﺎ ﻗﯾل ﻓﯾﻬﺎ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ ﺷﻛري واﻟﻌﻘﺎد» ،إذ ﺗوﺻل اﻟﻧﺎﻗدان اﻟﻣﺻرﯾﺎن ﻓﻲ
ﻓﺗرة ﻣﺗﻘدﻣﺔ ﻣن ﻫذا اﻟﻘرن إﻟﻰ اﻟرﺑط ﺑﯾن اﻟﺷﻌر وﺑﯾن اﻹﺣﺳﺎس ﻟدى اﻹﻧﺳﺎن ،واﻟﻰ اﻟﻘول
-1ﻣﺣﻣد ﻧﺎﺻر ،اﻟﺷﻌر اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ،اﺗﺟﺎﻫﺎﺗﻪ وﺧﺻﺎﺋﺻﻪ اﻟﻔﻧﯾﺔ ،ص .41
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .42
79
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﺑﺄن اﺧﺗﻔﺎء اﻟﺷﻌر ﯾﻌﻧﻲ اﺧﺗﻔﺎء اﻹﺣﺳﺎس ﻧﻔﺳﻪ ﻣن اﻹﻧﺳﺎن ،وﻫو ﻣﺎ ﻻ ﯾﺣﺻل
ﺑﺎﻟطﺑﻊ « 1ﻟﻛن " ﻣﺣﻣد اﻟﻬﺎدي اﻟزاﻫري" ﻻ ﯾرى أن اﻟﺷﻌر ﺗﻌﺑﯾر ﻋن أﺣﺎﺳﯾس اﻷﻓراد
واﻟﺟﻣﺎﻋﺎت ،وﻻ ﯾرﺑط ﺑﯾﻧﻬﻣﺎ أي ﺑﯾن اﻹﺣﺳﺎس واﻟﺷﻌر إﻟﻰ درﺟﺔ أن اﺧﺗﻔﺎء اﻟﺷﻌر ﯾﻌﻧﻲ
اﺧﺗﻔﺎء اﻹﺣﺳﺎس» ،ﺑل ﻷﻧﻪ أﺳﺎس ﻛل ﻣﺎ ﯾﺗوﻓر ﻟدى اﻷﻣم ﻣن اﻷﺧﻼق وﺳﻧن اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ
وﻏﯾرﻫﺎ ،ﻓﻛﺎن ﻫذا اﻟﺑﺎﺣث اﻟﺟزاﺋري ﻻ ﯾﺗﺻور أﻣﺔ ﻣﺗﺧﻠﻔﺔ أو ﻣﺗﻘدﻣﺔ اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺎ إﻻ إذا ﻛﺎن
ﻟﻬﺎ ﺷﻌر وﺷﻌراء .2«...
أن» اﻟﺷﻌر ﻣطﻠب ﻣن ﻣطﺎﻟب اﻟﺣﯾﺎة و
وﻣﺣﻣد اﻟزاﻫري ﯾﺿﯾف ﻓﻲ ﻧﻔس اﻟﺳﯾﺎق ّ
ﯾﻌﺗرف ﺑﺄن ﻫذﻩ اﻟﻣطﺎﻟب ﻣﺗﻌددة وأن اﻟﺷﻌر ﻟﯾس إﻻ واﺣدا ﻣﻧﻬﺎ ،وﯾﺧﺗم ﻗﺎﺋﻼ " :ﻓﻠﻧدع
اﻟﺷﺎﻋر ﻟﺷﻌرﻩ ،وﻟﻧدﻋﻬﻣﺎ ﻣﻌﺎ ﻟﻠﺣﯾﺎة«.3
ﺗﻐﻧﻰ اﻟﺷﻌراء اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﯾن ﺑﺎﻟوطن وﻋﺎﻟﺟوا ﻣﺎ ﯾﺣﯾط ﺑﻪ ﻣن ظروف اﺳﺗﺛﻧﺎﺋﯾﺔ ،وأﻓﺻﺣت
ﻗﺻﺎﺋدﻫم ﺑﻣﻌﺎﻧﻲ اﻻﻧﺗﻣﺎء واﻟﻧﺿﺎل واﻟوطﻧﯾﺔ واﻟﺗﺿﺣﯾﺔ واﻟﻣﻘﺎوﻣﺔ وﺳوى ذﻟك ﻣن ﻣﺿﺎﻣﯾن
أﺷﻌﺎرﻫم ،ﻣﻣﺎ أدى إﻟﻰ ﺑروز ﻧوع ﺟدﯾد ﻣن اﻟﺷﻌر أﺷﺎد ﺑﻪ اﻟﻧﻘﺎد وﻫو ﻣﺎ أطﻠق ﻋﻠﯾﻪ "ﺷﻌر
اﻟﻛﻔﺎح اﻟوطﻧﻲ" ،اﻟذي » ﻛﺎن ﯾﻣﻛن أن ﯾﺗطور ﻓﯾﺻﺑﺢ ﻣﺣو ار ﻣن ﻣﺣﺎور اﻟﺷﻌر اﻟﺣدﯾث ﻏﯾر
أن اﻟﻧظرة اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻧظر ﺑﻬﺎ ﻫؤﻻء اﻟﻧﻘﺎد إﻟﻰ ﻫذا اﻟﺷﻌر ﺟﻌﻠﺗﻪ ﯾﻧﺗﻣﻲ إﻟﻰ اﻟﻣﻔﻬوم اﻟﻘدﯾم
أﻛﺛر ﻣﻣﺎ ﯾﻧﺗﻣﻲ إﻟﻰ اﻟﻣﻔﻬوم اﻟﺣدﯾث«.4
ﻫذا اﻟﻧوع ﻣن اﻟﺷﻌر اﻟذي ﻛﺎن ﻓﻲ ﻧظر اﻟﻧﻘﺎد ﺳﻼﺣﺎ ﻓﻲ ﯾد اﻷﻣﺔ ﺿد أﻋداﺋﻬﺎ،ﻓﻛﺎن
ﺳﺣرﻩ ﻋﺟﯾﺑﺎ ﻓﻲ آذان اﻟﺳﺎﻣﻌﯾن ﺑﺗﻠك اﻟروح اﻟﺗﻲ ﯾودﻋﻬﺎ اﻟﺷﺎﻋر ﻓﻲ ﻗﻠوب أﺑﻧﺎء اﻟﺷﻌب
وﯾﻧﻔذ ﻓﻲ ﻗ اررة ﻧﻔوﺳﻬم ﻟﯾﺷﻌل ﺣﻣﺎﺳﻬم ،وﯾزرع ﻓﯾﻬم اﻷﻣل ﺑﻌد اﻟﯾﺄس ﻓﺗﺗﺳﺎﺑق ﺟوارﺣﻬم ﻧﺣو
اﻟﻧﺿﺎل واﻟﻣﻘﺎوﻣﺔ.
-1ﻣﺣﻣد ﻧﺎﺻر ،اﻟﺷﻌر اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ،اﺗﺟﺎﻫﺎﺗﻪ وﺧﺻﺎﺋﺻﻪ اﻟﻔﻧﯾﺔ ،ص 43
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .44
-3ﻣﺣﻣد ﻣﺻﺎﯾف ،اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺣدﯾث ﻓﻲ اﻟﻣﻐرب اﻟﻌرﺑﻲ ،ص .44
-4اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .33
80
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
إن اﻟﺑﺎﺣث اﻟﻣﺗﺧﺻص ﻓﻲ اﻟﺷﻌر ﯾﺟد أن اﻟﺟزاﺋر ﻟم ﺗﻌرف ﻗﺑل اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ
ّ
اﻷوﻟﻰ ﺷﻌراء ﺑﺎرزﯾن ﺟدا ،وﻛﺎن ﻣن أﺑرزﻫم "اﻟﺷﯾﺦ اﻟﻣوﻟود ﺑن ﻣﺣﻣد اﻟﺳﻌﯾد ﺑن اﻟﻣوﻫوب "
وﻣن أﺷﻌﺎرﻩ اﻟﻘﺻﯾدة اﻟراﺋﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻘول ﻓﯾﻬﺎ:
ﻓﺻـﺑ ار ،ﻓﺎﻟزﻣـﺎن ﻟﻪ ﻣـرور إذا ﺟـﺎر اﻟزﻣﺎن ﻋﻠﯾك ﯾوﻣـﺎ
ﻓـﺈن اﻟﻘــرح ﯾﺗﺑﻌﻪ اﻟﺳ ـ ـ ـ ــرور وﻻ ﺗﻧظر ﻟﺣـﺎدﺛﺔ أﻟﻣ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت
ﺗﻘودﻫم ﻟﻠﻧ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎر ﻣن ﻏﯾـ ـ ـر ﻣـرﯾ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـﺔ ﻟﻬم ﻣن ﺷﯾﺎطﯾن اﻷﻧﺎم ﻋﺻﺎﺑﺔ
وﯾﻼﺣظ أن اﻷﺷﻌﺎر اﻟﺗﻲ ظﻬرت ﺑﻌد اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻷوﻟﻰ ﻛﺎﻧت ﺗدﻋوا إﻟﻰ اﻟﯾﻘظﺔ
اﻟوطﻧﯾﺔ ،وﻧﺑذ اﻟﺟﻬل ،واﻟﺗﺳﻠﺢ ﺑﺎﻟﻔﺿﯾﻠﺔ واﻟﻌﻠم ﻛﻣﺎ رأﯾﻧﺎ ﻫذﻩ اﻷﺷﻌﺎر ﺗﺣذر ﻣن اﻟﺗﺻوف
وﺗزﻫد اﻟﺷﻌب اﻟﺟزاﺋري ﻓﯾﻪ وﺗرﻏب ﻋﻧﻪ ،1وﻛﺎﻧت اﻟﻘﺻﯾدة اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ﺑﻣﺛﺎﺑﺔ اﻟﺧطﺑﺔ
ﺗﻧﺻب أﺳﺎﺳﺎ ﻋﻠﻰ ﻣوﺿوﻋﺎت إﺻﻼﺣﯾﺔ ،ﻓﺗﻧﻌﻲ ﻋﻠﻰ
ّ اﻟﺣﺳﻧﺔ،أو اﻟدرس اﻟﻧﺎﻓﻊ ،ﻓﻛﺎﻧت
اﻟطرﻗﯾﯾن أﻓﻌﺎﻟﻬم وأﻗواﻟﻬم وﺗﺻﻣﻬم ﺑﺎﻟوﺻﻣﺎت اﻟﻘﺑﯾﺣ ﺔ ، 2ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ذﻟك ﻓﺎﻟﺷﺎﻋر
اﻟﺟزاﺋري ﯾﺑدأ ﻗﺻﯾدﺗﻪ ﻣﺑﺎﺷرة ﺑﺎﻟﺷﻛوى ﻣن ﺳوء ﺣﺎل اﻟﺷﻌب ،ﻓﯾﻌدد اﻟﻧﻛﺑﺎت واﻟﻣﺻﺎﺋب اﻟﺗﻲ
ﯾﺗﺧﺑط ﻓﯾﻬﺎ ﻫذا اﻟﺷﻌب ﺛم ﯾﺧﺗﺗﻣﻬﺎ ﺑﺎﻟدﻋوة إﻟﻰ اﻟﻣﻘﺎوﻣﺔ ٕواﻟﻰ اﻻﺳﺗﺷﻬﺎد ﻛﻣﺎ ﻓﻌل ذﻟك ﻣﺣﻣد
3
اﻟﻌﯾد آل ﺧﻠﯾﻔﺔ :
81
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﺑﻼ ﻣﻬل ﻓﻘد طﺎل اﻟرﻗود ﻓﻘم ﯾﺎ اﺑن اﻟﺑﻼد اﻟﯾوم واﻧﻬ ـ ـ ـض
واﻟﻣﻼﺣظ ﻋﻠﻰ اﻷﺷﻌﺎر اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧت ﺗﺗﻐﻧﻰ ﺑﺎﻟﺟﻬﺎد وﺗدﻋوا اﻟﺷﻌب اﻟﺟزاﺋري
ﻓﺈﻣﺎ ﯾﺗﺣﻘق اﻟﻧﺻر أو ﯾﻛون اﻻﺳﺗﺷﻬﺎد.
إﻟﻰ اﻟﻣﻘﺎوﻣﺔ واﻟﻧﺿﺎل وﻣﺟﺎﺑﻬﺔ اﻟﻌدو ّ
إن ﻧزﻋﺔ اﻟﻣﺣﺎﻓظﺔ واﻟﺗﻘﻠﯾد ﺟﻌﻠت اﻟﺷﻌراء اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻣرﺣﻠﺔ ﯾﻧﺗﻬﺟون ﻧﻬﺞ
اﻟﻘﺻﯾدة اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ اﻟﻘدﯾﻣﺔ» ،وﻗد ظﻬر ﺗﻌﻠﻘﻬم ﺑﻣﺗن اﻟﻌﻣود اﻟﺷﻌري ﺑﺻﻔﺔ ﺟﻠﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺻﯾﺎﻏﺔ
اﻟﺷﻌرﯾﺔ ،أﻣﺎ ﻓﻲ طﺑﯾﻌﺔ اﻟﻠﻔظﺔ واﻟﺻورة واﻟﻧﻣو اﻟداﺧﻠﻲ ﻟﻠﻘﺻﯾدة ، 1« ...ﻓﺈﻋﺟﺎب اﻟﺷﻌراء
اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﯾن ﺑﺎﻟﻘﺻﯾدة اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻘدﯾﻣﺔ ﺟﻌﻠﻬم ﯾﻧﺗﻬﺟون ﻧﻬﺟﻬﺎ وﯾوظﻔون أﺳﺎﻟﯾﺑﻬﺎ » ،ﻓﺎﻗﺗﺻروا
ﻋﻠﻰ اﻟﺗراﻛﯾب اﻟﻠﻐوﯾﺔ اﻟﺟﺎﻫزة وﻫو ﻣﺎ ﺣدد إﻣﻛﺎﻧﺎﺗﻬم اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ ﻓﻲ اﺳﺗﺛﻣﺎر اﻟﻠﻐﺔ اﺳﺗﺛﻣﺎ ار
ﺟﻣﺎﻟﯾﺎ ﻓﻧﯾﺎ ،إن اﻟرؤﯾﺔ اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ ﺟﻌﻠﺗﻬم ﯾﺗﻌﺎﻣﻠون ﻣﻊ اﻟﻠﻐﺔ ﺗﻌﺎﻣﻼ وظﯾﻔﯾﺎ ،ﯾﻘﺗﺻر ﻓﻲ اﻷﻏﻠب
اﻷﻋم ﻋﻠﻰ اﺳﺗﻐﻼل ﺟﺎﻧﺑﻬﺎ اﻟﻣﻌﺟﻣﻲ ذي اﻟدﻻﻟﺔ اﻟﻣﺣددة ،وﻗﻠﻣﺎ وﺟدﻧﺎ ﺷﺎﻋ ار ﻣن ﻫؤﻻء
ﯾﺳﺗﻧﻔد ﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻛﻠﻣﺎت ﻣن طﺎﻗﺔ ﺑﺎﺳﺗﻐﻼل ﺟﺎﻧﺑﻬﺎ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ،ﻣﺳﺗﺛﻣ ار ﻣﺎ ﺗوﻟدﻩ ﻣن إﯾﻘﺎع،
وﺻورة وظﻼل« ،2وﻗد ﻟﻔﺗت ﻛﺛﯾ ار ﻫذﻩ اﻟظﺎﻫرة أﻧظﺎر اﻟدارﺳﯾن ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻣرﺣﻠﺔ.
-1ﻣﺣﻣد ﻧﺎﺻر ،اﻟﺷﻌر اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث اﺗﺟﺎﻫﺎﺗﻪ وﺧﺻﺎﺋﺻﻪ اﻟﻔﻧﯾﺔ ،ص .276
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص.277
82
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﯾﻘول "ﻣﺣﻣد اﻟﻌﯾد آل ﺧﻠﯾﻔﺔ" ﻓﻲ وﺻﻔﻪ ﻟﻣﺎ ﯾﻼﻗﯾﻪ ﻣﻌﻠﻣﻲ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻣن ازدراء
واﺣﺗﻘﺎر وﻫﺿم ﻟﻠﺣﻘوق ﻻﺳﯾﻣﺎ أﺻﺣﺎﺑﻪ:
وﻗ ـ ـ ـ ـ ـﺎﻟـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا ﻫﻣ ـ ـ ـ ـ ـ ـوم ﻛﻠﻬﺎ ووﺟﺎﺋ ـ ـﻊ أرى ﺟل أﺻﺣﺎﺑﻲ ازدروا وظﯾﻔـﺗـ ـ ـ ـﻲ
وﺗطﻠﻊ ﻟﻺﺳـ ـ ـ ـ ـﻼم ﻣﻧﻬم طﻼﺋـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـﻊ ﺳﯾروون ﻋﻧﻲ اﻟﻌﻠم واﻟﺷﻌـر ﺑرﻫ ـ ـ ـ ـﺔ
وﻣﻧﻬم أدﯾب طـ ـ ـﺎﺋر اﻟﺻﯾت ﺷﺎﺋﻊ ﻓﻣﻧﻬم ﺧطﯾب ﺣﺎﺿر اﻟﻔﻛر ﻣﺻﻘﻊ
ﺑداﺋـ ـ ـ ـ ـ ـﻪ ،ﻓﻲ ﺗوﺻﯾﻔـﻬﺎ وﺑداﺋـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻊ وﻣﻧﻬ ـ ـم وﻟـ ـ ـوع ﺑﺎﻟﻘ ـ ـ ـواﻓـ ـ ـﻲ ،ﻟ ـ ـﻔﻛ ـ ـ ـ ـرﻩ
ﻟﻪ ﻓﻲ ﻣﺟﺎﻻت اﻟﺟــﻬﺎد وﻗﺎﺋ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـﻊ وﻣﻧﻬ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم زﻋﯾ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ﻟﻠﺟزاﺋر ﻗﺎﺋ ـ ـ ـ ـ ـ ـد
1
وﻟﻠﺷـرع رأي ﻓﻲ اﻟﺗﻔﺎؤل ذاﺋـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـﻊ ﻓﻬـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـذا رﺟ ـ ـ ـ ـ ـ ـﺎﺋﻲ ﻗﻠﺗـﻪ ﻣﺗﻔﺎﺋـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻼ
ﻛﻣﺎ ﻋودﻧﺎ ﺷﻌراء ﻫذا اﻻﺗﺟﺎﻩ ﻓﻲ ﻗﺻﺎﺋدﻫم،ﺟﺎءت اﻟﻠﻐﺔ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻷﺑﯾﺎت ﺗﻘرﯾرﯾﺔ
ﻣﺑﺎﺷرة ،ﺧﺎﻟﯾﺔ ﻣن أي ﻟﻣﺳﺔ ﻓﻧﯾﺔ » ،إن اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﻣﺳﺗﺧدﻣﺔ ﻫﻧﺎ ﻻ ﺗﺛﯾر ﻓﻲ اﻟﻣﺗﻠﻘﻲ
أي إﺣﺳﺎس رﻏم ﻛوﻧﻬﺎ ﺗﻌﺎﻟﺞ ﻣوﺿوﻋﺎ ذاﺗﯾﺎ ،ﻷن اﻷﻟﻔﺎظ واﻟﺗراﻛﯾب ،ﺗﻔﺗﻘد اﻟﺗﺻوﯾر واﻹﯾﺣﺎء
اﻟﻠذﯾن ﻫﻣﺎ ﻣن أﺳس اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ وﻟﻘد ﻛﺎن ﻓﻲ إﻣﻛﺎن اﻟﺷﺎﻋر أن ﯾﺷﯾﻊ ﺑﻌض اﻟﺟﻣﺎل ﻓﻲ
ﺗﺿﺎﻋﯾف ﻟﻐﺗﻪ ﺑﺎﺳﺗﺧداﻣﻪ اﻟﻣﺣﺳﻧﺎت اﻟﻣﻌﻧوﯾﺔ ،وﻟﻛﻧﻪ ﻓﺿل ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻟﻣﺣﺳﻧﺎت اﻟﻠﻔظﯾﺔ
ﻓﺎﺳﺗﺧدم ﻓﻲ ﻗﺎﻓﯾﺗﻪ ﻟزوم ﻣﺎ ﻻ ﯾﻠزم اﻟذي زاد اﻟﻠﻐﺔ رﻫﻘﺎ ،وﻗﯾدﻫﺎ ﺗﻘﯾﯾدا«.2
وﻓﻲ إطﺎر اﻟﻧظرة اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ ﻟﻠﺷﻌر ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺧص اﻷﺳﻠوب ،ﻓﻘد اﻫﺗم اﻟﻧﻘﺎد أﺣﯾﺎﻧﺎ
ﺑﺎﻷﺳﻠوب ورﺑطوا ﻧﺟﺎح اﻟﺷﺎﻋر ﻣن ﻓﺷﻠﻪ ﺑﺎﻷﺳﺎﻟﯾب اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺧﺗﺎرﻫﺎ ،ﻓﺎﻧﺗﻘدوا اﻟﻔﺎﺷﻠﯾن
ﻣن ﻣﻧظورﻫم وﻋﻠّﻠوا ذاك ﺑﻌدة أﺳﺑﺎب أﻫﻣﻬﺎ أن ﻫؤﻻء اﻟﺷﻌراء ﻣﻘﻠدون ﻟﻸﺷﻌﺎر اﻟﻌرﺑﯾﺔ
83
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
اﻟﻘدﯾﻣﺔ ،وﻣﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﻣﯾز ﻧظرﺗﻬم إﻟﻰ اﻷﺳﺎﻟﯾب اﻟﺟزﺋﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗطرﻗﻧﺎ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺣدﯾﺛﻧﺎ اﻟﺳﺎﺑق،
"وﻗد ﻋرف ﻋﺑد اﻟوﻫﺎب اﺑن ﻣﻧﺻور ﻓﻲ دراﺳﺗﻪ ﻟﺷﻌر اﻷﻣﯾر ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر ،ﻓﻘد أﻛﺛر ﻣن
ﻣﺣﺎﺳﺑﺗﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻔظﺔ اﻟﻣﺑﺗذﻟﺔ ،وﻋﻠﻰ اﻟﻣﻌﻧﻰ اﻟﻌﺎدي ،وﻛﺎن ﯾرى أن اﻻﺑﺗذال ﻓﻲ اﻟﻠﻔظ
واﻟﻣﻌﻧﻰ ﯾﻠﺣق ﺷﻌر اﻷﻣﯾر ﻓﻲ ﺑﻌض ﻗﺻﺎﺋدﻩ ﺑﻛﻼم اﻟﻌﻣﻰ اﻟﻣﺗﺳوﻟﯾن ﻋﻠﻰ أﺑواب اﻟﻣﻘﺎﻫﻲ
واﻟﻣﺗﺎﺟر واﻟدور.
1
إﻟﯾـﻪ ﻣﻔزﻋﻧﺎ ﺳ ار ٕواﻋﻼﻧـﺎ ﯾﺎ رب ،ﯾﺎ رب ،ﯾﺎ رب اﻷﻧﺎم وﻣن
وﻟم ﯾﻛﺗف اﻟﻧﺎﻗد ﺑﻛﻼﻣﻪ اﻟﺳﺎﺑق ﻋن ﺷﻌر اﻷﻣﯾر ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر ،واﻟذي أﻋﺎب ﻋﻧﻪ
اﻷﻟﻔﺎظ ،واﻟﺗﻲ وﺻﻔﻬﺎ ﺑﺎﻟﻣﺑﺗذﻟﺔ وﺑﻛون اﻟﻣﻌﻧﻰ ﻋﺎدي ،إﻟﻰ درﺟﺔ أﻧﻪ أﻧزل ﻣﺳﺗوى ﻛﻼم
اﻷﻣﯾر إﻟﻰ ﻛﻼم اﻟﻌﺎﻣﺔ ،ﺑل أﻛﺛر ﻣن ذﻟك ﻓﺳواﻩ ﺑﻛﻼم اﻟﻣﺗﺳوﻟﯾن ﻋﻠﻰ أﺑواب اﻟﻣﻘﺎﻫﻲ
واﻟﻣﺗﺎﺟر واﻟدور »وﯾﺷﯾر اﺑن ﻣﻧﺻور ﻛذﻟك إﻟﻰ اﺧﺗﻼف اﻟﻣﺳﺗوى ﻓﻲ ﺷﻌر اﻷﻣﯾر ،ﻓﺎﻷﻣﯾر
ﻓﻲ ﻧظرﻩ ﯾرﺗﻘﻲ ﺑﺷﻌرﻩ أﺣﯾﺎﻧﺎ إﻟﻰ ﻣﺳﺗوى ﻋﺎل ﻣن اﻟﻔن وﯾﻧزل ﺑﻪ أﺣﯾﺎﻧﺎ أﺧرى إﻟﻰ ﻣﺳﺗوى
اﻟﻼﻓن ،وﯾﺗﺟﺎوز اﻟﻧﺎﻗد ﻣﻧﺎﻗﺷﺔ اﻷﻟﻔﺎظ واﻟﻣﻌﺎﻧﻲ ﻣﻊ اﻷﻣﯾر ﺑطرﯾﻘﺔ ﺟزﺋﯾﺔ إﻟﻰ ﻧﻘدﻩ ﻓﻲ ﺑﻌض
اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﺧﺎﺻﺔ ،وﻟﻛﻧﻪ ﺣﺗﻰ ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻘﺳم ﻣن ﻧﻘدﻩ ﻻ ﯾرﺗﻘﻲ إﻟﻰ ﻧظرة ﻓﻧﯾﺔ ﻛﻠﯾﺔٕ ،واﻧﻣﺎ
ﯾﻧظر إﻟﻰ اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ ﻣن ﺣﯾث ﻣواﻓﻘﺗﻬﺎ ﻟﻸﺧﻼق واﻟدﯾن أو ﻋدم ﻣواﻓﻘﺗﻬﺎ«.2
وﯾدﻟل ﻋﻠﻰ ﻛﻼﻣﻪ اﻟﺳﺎﺑق ﺑﻘول اﻷﻣﯾر واﺻﻔﺎ ﺷﺟﺎﻋﺔ ﺟﻧودﻩ وأﺑطﺎﻟﻪ ﻓﻲ ﺣروﺑﻪ ﻣﻊ
اﻟﻔرﻧﺳﯾﯾن:
3
ودﻣﺎؤﻫم ﻛزﻻل ﻋذب اﻟﻣﻧﻬل وأﻟذ ﺷﻲء ﻋﻧدﻫم ﻟﺣم اﻟﻌدا
84
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﻓﯾﻘول اﺑن ﻣﻧﺻور ﻣﻌﻠﻘﺎ » :أن أﺣدا ﻻ ﯾﺗوق إﻟﻰ ﻣﺛل ﻫذا اﻟطﻌﺎم وﻫذا اﻟﺷراب«
وﯾﺿﯾف » :أن اﻟﻌرب ﻓﻲ ﺟﺎﻫﻠﯾﺗﻬم وﻓﻲ أﺷد ﺣﺎﻻت ﻏﺿﺑﻬم ﻟم ﯾﻛوﻧوا ﻟﯾرﺿوا ﺑﻣﺛل ﻫذا
اﻟﻔﻌل« ،1رﺣل ﺑﻧﺎ اﺑن ﻣﻧﺻور ﺑﻛﻼﻣﻪ ﻋن ﻫذا اﻟﺑﯾت إﻟﻰ اﻟﺻﻔﺎت اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺗﻣﯾز ﻋرب
اﻟﺟﺎﻫﻠﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﺟﺎﻋﺗﻬم وﺑطوﻟﺗﻬم ،ﻓﺈﻧﻬم ﻟم ﯾﺻﻠوا إﻟﻰ ﻣﺎ وﺻف ﺑﻪ اﻷﻣﯾر ﺟﻧودﻩ ﺑﺎﻟﺗﻠذذ
ﺑﻠﺣوم اﻟﻌدو ودﻣﺎء ﺟﻧودﻩ.
إن ﻛﻼﻣﺎ ﻣﺛل ﻫذا ،واﻟذي ﯾﺑﯾن ﻧظر "اﺑن ﻣﻧﺻور" ﻟﺗﻠك اﻟﻧظرة اﻷﺧﻼﻗﯾﺔ واﻟدﯾﻧﯾﺔ
ﯾؤﻛد اﻟطرﯾﻘﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻌﺗﻣدﻫﺎ ﻧﻘﺎد ﻫذا اﻻﺗﺟﺎﻩ دون اﻟﻧظر ﻟﻐﯾر ﺗﻠك اﻟﻘﯾم ﻣﺛل اﺗﻔﺎق اﻟﻣﻌﻧﻰ ﻣﻊ
ﺳﯾﺎق اﻟﻘﺻﯾدة ﻣن ﻋدﻣﻪ ،وﻻ ﯾﻔوﺗﻧﺎ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن اﻟﻧﻘد اﻟﻠﻐوي ﺣﺳب رأي ﻫؤﻻء اﻟﻧﻘﺎد »ﻻ
ﯾﻘﺗﺻر ﻋﻠﻰ ﻣﻧﺎﻗﺷﺔ اﺳﺗﻌﻣﺎل اﻷﻟﻔﺎظ واﻟﻌﺑﺎرات ،وﺗﺻﺣﯾﺢ اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ ﻓﺣﺳب ﺑل ﯾﻣﺗد إﻟﻰ
اﻟﻧظر ﻓﻲ ﻗواﻋد اﻟﻠﻐﺔ ،وﻓﻲ ﻣدى ﺻﺣﺔ اﺳﺗﺧدام ﻫذﻩ اﻟﻘواﻋد ،ﻟذﻟك ﻧظروا ﻓﻲ اﻟﻧﺣو
واﻟﺻرف ،وﻧﺎﻗﺷوا اﺳﺗﻌﻣﺎل اﻷﻓﻌﺎل ﻣﺗﻌدﯾﺔ وﻗﺎﺻرة ،وﺗﺄﻧﯾث ﻫذﻩ اﻷﻓﻌﺎل ٕواﻟﺣﺎق اﻟﺿﻣﺎﺋر
ﺑﻬﺎ«.2
ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﺎ ﺳﺑق ،ﺗﻣﺛل اﻟﺧطﺎﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻌرض واﻟﺣﻛم أﺣد أﻫم ﻣﻣﯾزات اﻻﺗﺟﺎﻩ
اﻟﺗﻘﻠﯾدي ﺑﻣﻌﻧﻰ ﺗﺑﻧﻲ اﻷﺳﻠوب اﻟﺧطﺎﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﻣﻌﺎﻟﺟﺔ ،وﻫو اﻷﺳﻠوب »اﻟذي ﯾﻘﺻد إﻟﻰ اﻹﺛﺎرة
ﻋن طرﯾق اﻹﺳراف ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺑﯾر ،وﯾﻣﯾل إﻟﻰ اﻟﺳطﺣﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻌرض ،وﻻ ﯾﻌﺗﻣد ﻋﻠﻰ
اﻟﻧﺻوص اﻟﻛﺎﻓﯾﺔ اﻟﻣﻘﻧﻌﺔ ،وﺑﻌﺑﺎرة واﺣدة ﻫو اﻷﺳﻠوب اﻟذي ﯾﻔﺗﻘر إﻟﻰ اﻟﻣوﺿوﻋﯾﺔ اﻟﻣطﻠوﺑﺔ
ﻓﻲ اﻟﻧﻘد«.3
وﺳﻣﺔ اﻟﺧطﺎﺑﯾﺔ واﻟﺗﻘرﯾرﯾﺔ ﻣﯾزة ﺑرزت ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﺗﻘﻠﯾدي أﻛﺛر ﻣن ﻏﯾرﻩ ﻓﻲ
ﺗوﻧس واﻟﻣﻐرب ﻟﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﺗﻣر ﺑﻪ اﻟﺟزاﺋر آﻧذاك ﻣن ظروف ﺧﺎﺻﺔ ،ﺣﯾث»ﻛﺎﻧت اﻟﺣرﻛﺔ
اﻹﺻﻼﺣﯾﺔ ﻓﻲ ﺻراع ﺷدﯾد ﻣﻊ اﻷوﺳﺎط اﻟدﯾﻧﯾﺔ اﻟﻣﺣﺎﻓظﺔ ،وﻣﻊ اﻹدارة اﻻﺳﺗﻌﻣﺎرﯾﺔ ﻓﯾﻣﺎ
85
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﯾﺧص اﻟﺗﻌﻠﯾم اﻟﺣر ،وﻛﺎﻧت اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ أﻋﻧف اﻟﺣرﻛﺎت اﻟوطﻧﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻐرب اﻟﻌرﺑﻲ ﺑل
رﺑﻣﺎ ﻓﻲ ﺳﺎﺋر اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ«.1
ﻣن ﺧﻼل ﻣﺎ ﺳﺑق ،ﻧﻼﺣظ أن ﻧظرة ﺟﯾل رواد اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟﺗﻘﻠﯾدي ﻟﻠﺷﻌر ظﻠت ﻣرﺗﺑطﺔ
ﺑﺎﻟﻣﻔﻬوم اﻟﺗﻘﻠﯾدي اﻟﻣﺗﻌﺎرف ﻋﻠﯾﻪ ﻋﻧد اﻟﻌرب اﻟﻘداﻣﻰ ،رﻏم أن ﻧظرﺗﻬم ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟوظﯾﻔﺔ اﻟﺷﻌر
ودور اﻟﺷﺎﻋر ﻓﻲ اﻟﺣﯾﺎة واﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ،ﻛﺎﻧت اﺳﺗﺟﺎﺑﺔ ﻟﻠواﻗﻊ اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ اﻟﻣﻔروض
آﻧذاك ﻋﻠﻰ اﻟﺷﻌب اﻟﺟزاﺋري ،ﻣﻣﺎ ﺟﻌﻠﻬم ﯾﻬﺗﻣون ﺑﺎﻟﻣﺿﻣون ﻋﻠﻰ ﺣﺳﺎب اﻟﺷﻛل ،ﻛل ﻫذا
ﺟﻌل ﻟﻠﺷﻌر دو ار ﻣﻘﺗﺻ ار ﻋﻠﻰ اﻹﺻﻼح واﻟﻧﺿﺎل دون اﻟﻧظر إﻟﯾﻪ ﻋﻠﻰ أﻧﻪ إﺑداع ٕواﺣﺳﺎس
ﻣرﻫف وﻋواطف ذاﺗﯾﺔ » ،وﺗﻠك اﻟﻧظرة ﻛﺎن ﻟﻬﺎ أﺛرﻫﺎ اﻟواﺿﺢ ﻓﻲ اﻹﻧﺗﺎج اﻟﺷﻌري ﻓﻲ ﻫذﻩ
اﻟﻣرﺣﻠﺔ إذ ﺣدد ﻣﺟﺎﻻﺗﻪ ،وأﻧﻘص ﻗﯾﻣﺗﻪ اﻟﻔﻧﯾﺔ«.2
ﻣن ﺧﻼل ﻣﺎ ﺳﺑق ﯾﻣﻛن اﺳﺗﺧﻼص اﻟﻧﻘﺎط اﻟﺗﺎﻟﯾﺔ ﺣول اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟﺗﻘﻠﯾدي ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري:
رواد ﻫذا اﻻﺗﺟﺎﻩ ﺟﻣﻌوا ﺑﯾن اﻟﻧﻘد واﻷدب ﺑل ﻛﺎﻧوا ﺷﻌراء أﻛﺛر ﻣن ﻛوﻧﻬم ﻧﻘﺎد.
ﻗﯾﺎم ﻫذا اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟﻧﻘدي ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻘدﯾﻣﺔ واﻻرﺗﺑﺎط ﺑﺎﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟﺗﻘﻠﯾدي اﻟذي
ظﻬر ﻓﻲ اﻟﻣﺷرق اﻟﻌرﺑﻲ وأﻫم ﻣؤﺛراﺗﻪ اﻟﺗﻌﻠق ﺑﺎﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻘدﯾم ،واﻟﺗﺄﺛر ﺑﻣدرﺳﺔ
اﻹﺣﯾﺎء ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻣﺣﻠﯾﺔ.
ﺷﻛل اﻟﺗداﺧل ﺑﯾن اﻟدﯾن واﻷدب أﺳس ﻫذا اﻻﺗﺟﺎﻩ وأﺣﻛﺎﻣﻪ اﻟﻧﻘدﯾﺔ.
اﻗﺗﺻﺎر اﻷدﺑﺎء ﻟﻣﻔﻬوم اﻷدب ﻋﻠﻰ اﻟﺷﻌر اﻟذي ﻛﺎن أﺑرز اﻷﻟوان اﻷدﺑﯾﺔ ﻓﻲ ﺗﻠك
اﻟﺣﻘﺑﺔ ،أﻣﺎ اﻟﻧﻘد ﻓﻘد ﺑﻘﻲ ﻣﺣﺻو ار ﻓﻲ اﻟﺗﺄﻟﯾف اﻟﻔﻘﻬﻲ واﻟدﯾﻧﻲ واﻟﻣﻘﺎﻟﺔ اﻟﺻﺣﻔﯾﺔ .
ﻧظرة رواد ﻫذا اﻻﺗﺟﺎﻩ إﻟﻰ اﻟﺷﻌر ﻋﻠﻰ أﻧﻪ إﻟﻬﺎم ووﺣﻲ ﻫﻲ اﻟﻧظرة اﻟﺳﺎﺋدة آﻧذاك.
اﻟﻌﻧﺎﺻر اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻟﻠﺷﻌر ﻣن وﺟﻬﺔ ﻧظر اﻟﻧﻘﺎد اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾون ﻫﻲ اﻟوزن واﻟﻘﺎﻓﯾﺔ ،واﻟﻌﺑﺎرة
اﻟﺳﻬﻠﺔ ،واﻟﺧﯾﺎل اﻟﺑدﯾﻊ ،واﻻﺳﺗﻌﺎرة اﻟﺑﻠﯾﻐﺔ واﻟﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟرﻗﯾﻘﺔ اﻟﺷﺎﺋﻌﺔ واﻟﻣﺛل اﻟﺳﺎﺋر
واﻟﺗﺷﺑﯾﻪ اﻟواﻗﻌﻲ وﻗوة اﻟﺗﺄﺛر ﻓﻲ اﻟﻧﻔوس.
86
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟوظﯾﻔﺔ اﻟﺷﻌر ﻋﻧد ﻫؤﻻء اﻟﻧﻘﺎد ﺗﻘﺗﺻر ﻋﻠﻰ ﺧدﻣﺔ اﻟﺗﺎرﯾﺦ واﻷﺧﻼق
واﻟطﺑﯾﻌﺔ ،ﻛل ذﻟك ﯾﺷﯾر إﻟﻰ اﻟوظﯾﻔﺔ اﻹﺻﻼﺣﯾﺔ ﺑﻣﻌﻧﻰ أن اﻟﺷﻌر ﻟﯾس ﻓﻧﺎ ﺳﺎﻣﯾﺎ
ﯾﺧدم ﻧﻔﺳﻪ ،وﻻ ﻓﻧﺎ ﻣن اﻟﻔﻧون اﻟﺟﻣﯾﻠﺔ.
اﻻﻫﺗﻣﺎم اﻟﺷدﯾد ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ واﻟﻌروض واﻷﺳﻠوب اﻟﺧطﺎﺑﻲ واﻟﺗﻘرﯾري ﻓﻲ اﻟﻣﻌﺎﻟﺟﺔ ﻣن ﺑﯾن
أﻫم اﻟﺳﻣﺎت اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ اﻟﺗﻲ طﺑﻌت اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟﺗﻘﻠﯾدي ﻓﻲ اﻟﻧﻘد.
اﻟﻣﺑﺣث اﻟراﺑﻊ :اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟﺗﺟدﯾدي ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري
أ ﱠدى ﺗﻘﻠﯾد وﻣﺣﺎﻛﺎة اﻟﻣﺷرق اﻟﻌرﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد واﻷدب إﻟﻰ ظﻬور ﻣﺣﺎوﻻت ﺗﺟدﯾدﯾﺔ ،إﻻﱠ
أن ﻫذﻩ اﻟﻣﺣﺎوﻻت ﻟم ﯾﻛﺗب ﻟﻬﺎ اﻟﻧﺟﺎح ،إﻻّ ﺑﻌد اﺣﺗﺿﺎن اﻟﺟﯾل اﻟﺻﺎﻋد ﻷﻓﻛﺎرﻫﺎ واﻟﺗﻲ
وﺟدت ﺻدى ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﻗﻠوب اﻟﻣﺑدﻋﯾن اﻟﺷﺑﺎب ،وﻋﻠﻰ رأﺳﻬم "أﺣﻣد رﺿﺎ ﺣوﺣو" راﺋد اﻟﻔن
اﻟﻘﺻﺻﻲ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ،وﻫو ﻣن اﻟداﻋﯾن ﻟﻠﺗﺟدﯾد ﻓﻲ اﻷدب ﻣﻧﺗﻘدا اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟذي ﺗﺗﺑﻌﻪ ﺟرﯾدة
اﻟﺑﺻﺎﺋر ،وﻫﻲ اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺑﻣﺛﺎﺑﺔ ﻟﺳﺎن ﻟﺟﻣﻌﯾﺔ اﻟﻌﻠﻣﺎء اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن اﻹﺻﻼﺣﯾﺔ ،ﻗﺎﺋﻼ» :ﻻ
ﯾﻣﻛن أن ﯾﺗﺳﻊ ﺻدرﻫﺎ ﻟﻌﻣوم ﺟﻧوﻧﯾﺎت اﻷدب ،واﻷدب ﺟﻧون ﻻ ﯾؤﻣن ﺑﺎﻟﺣدود ،وﻻ ﯾﻌرف
اﻟﻘﯾود وﻻ ﯾﺧﺿﻊ ﻟﻧظﺎمٕ ،واﻻ ﻓﻬو اﻟﻛﻼم ﻋﻧد اﻟﻧﺣﺎة واﻟﺷﻌر ﻋﻧد اﻟﻌروﺿﯾﯾن...وﻟﺟرﯾدة
اﻟﺑﺻﺎﺋر ﻋذرﻫﺎ ﻓﻬﻲ ﻟﺳﺎن ﺣﺎل ﺣرﻛﺔ ﻻ ﯾﻣﻛﻧﻬﺎ أن ﺗﺣﯾد ﻋن ﺧطﺗﻬﺎ ﻟﺗﺗﺑﻊ ﻫوس أدﯾب ﻻ
ﺗدري أي ﻣﺳﻠك ﯾﺳﻠﻛﻪ ﻓﯾﻬﺎ...ﺗرﯾد ﻧﻬﺿﺔ أدﺑﯾﺔ ﻓﻬل ﺗرﯾدﻫﺎ ﺟدﯾدة زاﺧرة ﺑﺎﻟﺣﯾوﯾﺔ واﻟﺗﺟدﯾد أم
ﺗرﯾد ﻣﻧﺎ أن ﻧﺳﺗﻣر ﻓﻲ ﻧﻔﺦ ﺗﻠك اﻟﺟﺛﺔ اﻟﻣﯾﺗﺔ ،واﻟﺳﯾر ﻋﻠﻰ ﻏرار ﺗﻠك اﻟطرﯾﻘﺔ اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ.1«...
ﻣن ﺧﻼل ﻛﻼم "ﺣوﺣو" اﻟﺳﺎﺑق وﻫﺟوﻣﻪ ﻋﻠﻰ ﺟرﯾدة اﻟﺑﺻﺎﺋر ﻧﺳﺗﺷف إدراك ﺣﺟم
اﻟﻣﻌﺎﻧﺎة اﻟﺗﻲ ﻛﺎن ﯾﻌﺎﻧﻲ ﻣﻧﻪ اﻹﺑداع اﻷدﺑﻲ آﻧذاك ،ﻓﻼ ﯾﻣﻛن أن ﺗﺗﺳﻊ ﺻﻔﺣﺎت اﻟﺟرﯾدة
ﻟﺟﻧون اﻷدﯾب وﻋﺑﻘرﯾﺗﻪ اﻟﺗﻲ ﻻ ﯾﺣدﻫﺎ ﻗﯾد،وﻻ ﺗﺧﺿﻊ ﺗﺣت ﺳﻠطﺔ ﻧظﺎم ،ﻻ ﺗﺄﻣن أي ﻣﺳﻠك
ﯾﻣﻛن أن ﯾﺟرﻫﺎ إﻟﯾﻪ ﻫوﺳﻪ ،ﻓﺈﺗﺑﺎع اﻟﺗﯾﺎر اﻟﺗﻘﻠﯾدي ﺣﺳﺑﻪ ﻣﺛل اﻟﻧﻔﺦ ﻓﻲ اﻟﺟﺳد اﻟﻣﯾت.
87
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
اﻟوﺿﻊ اﻟﻣﺗﺄزم اﻟذي ﻛﺎﻧت ﺗﻌﯾﺷﻪ اﻟﺟزاﺋر ﻣن ﺗﺧﻠف ﻓﻲ ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻣﺟﺎﻻت ،وﻣن اﻟﻌزﻟﺔ
اﻟﺷدﯾدة اﻟﺗﻲ ﻓرﺿﻬﺎ اﻻﺳﺗﻌﻣﺎر ،وﻓﻲ ظل ﻫذا اﻟوﺿﻊ اﻟﻔﻛري واﻷدﺑﻲ اﻟراﻫن اﻟﻣﺗﺻف
ﺑﺎﻟﺟﻣود واﻟرﻛود ،وﻣن أﺟل اﻟﺧروج ﻣن ﺑؤرة اﻟﺗﻘﻠﯾد دﻓﻊ ﺑﻌض اﻟﺷﻌراء إﻟﻰ اﻟﺑﺣث ﻋن ﻣﻧﺎﺑﻊ
ﺟدﯾدة ﻟﻧﺷﺎطﻬم اﻟﻔﻧﻲ ،ﻓﺎﺗﺳﻊ اﻻﺗﺻﺎل ﺑﺎﻟﻧﻘد واﻷدب اﻟﻐرﺑﯾﯾن ،واﻟﺗوﺟﻪ ﻛذﻟك إﻟﻰ اﻟﺗﯾﺎر
اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﺟدد اﻟذي ﻣﺛﻠﻪ ﺟﻣﺎﻋﺔ اﻟدﯾوان وأدﺑﺎء اﻟﻣﻬﺟر ﻓﻲ اﻟﻣرﺣﻠﺔ اﻷوﻟﻰ ،وطﻪ ﺣﺳﯾن
وﺟﻣﺎﻋﺔ أﺑوﻟو ﻓﻲ اﻟﻣرﺣﻠﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ.1
ٕوادراﻛﺎ ﻷﻫﻣﯾﺔ اﻻﺣﺗﻛﺎك ﺑﺎﻵداب اﻟﻐرﺑﯾﺔ ،ﻧﺟد اﻷدﯾب اﻟﻧﺎﻗد أﺣﻣد رﺿﺎ ﺣوﺣو
»ﯾوﺻﻲ ﺑﺿرورة اﻻﺗﺻﺎل ﺑﺎﻟﻣذاﻫب اﻟﻔﻧﯾﺔ اﻷﺟﻧﺑﯾﺔ اﻟﺟدﯾدة ،وﯾﺣث اﻟﺑﺎﺣث واﻷدﯾب ﻋﻠﻰ
دراﺳﺔ ﻫذﻩ اﻟﻣذاﻫب ،وﻋﻠﻰ اﻟﺳﯾر ﻋﻠﻰ ﻏرارﻫﺎ ،وﯾرى أن ﻣن اﻟﺧطﺄ اﻟﻛﺑﯾر أﻻ ﻧﻠﺗﻔت إﻟﯾﻬﺎ
ﻟﻣﺟرد ﻛوﻧﻬﺎ أﺟﻧﺑﯾﺔ ،وﻷﻧﻬﺎ ﻟﯾﺳت ﻣن اﺑﺗﻛﺎرﻧﺎ ،ﻓﯾﻘول ":وﻣن اﻟﺗﻌﺻب اﻟذﻣﯾم أن ﻧﻧﻛر اﻟﻧﺎﻓﻊ
اﻟﺟﯾد ﻣن ﻣذاﻫب اﻟﻐﯾر ﻓﻲ اﻵداب واﻟﻔﻧون ﻷن أﺻﺣﺎب ﻫذا اﻟﻣذﻫب أو ذاك ﻻ ﯾﻣت إﻟﯾﻧﺎ
ﺑﺻﻠﺔ«.2
أﺻﺑﺢ اﻻﺗﺻﺎل ﺑﺎﻟﻐرب ﻓﻲ ﻫذا اﻻﺗﺟﺎﻩ ﯾﻘوم ﻋﻠﻰ وﻋﻲ أﻛﺑر ﺑﺄﻫﻣﯾﺔ ﺗﻼﻗﺢ اﻵداب
ﻷﻧﻪ ﻻ ﯾﻣﻛن أن ﻧﻧﻛر وأن ﻧﺣرم أﻧﻔﺳﻧﺎ ﻣﻣﺎ
اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ،وﻧﺑذ اﻟﺗﻌﺻب اﻟذﻣﯾم ﻟﻶداب اﻟﻘوﻣﯾﺔّ ،
ﯾﻣﻛن أن ﺗﻘدﻣﻪ ﻫذﻩ اﻵداب ﻣن ﻣﻧﺎﻓﻊ ،ﺑدﻋوى أﻧﻪ ﻻ ﺗوﺟد ﺑﯾﻧﺎ وﺑﯾن أﺻﺣﺎب ﻫذﻩ اﻟﻣذاﻫب
ﺻﻠﺔ » ،وﻛﺎن ﻟﻬذا اﻻﺗﺻﺎل أﺛر ﻛﺑﯾر ﻓﻲ ﺗطور اﻟﻧﻘد واﻷدب ﻓﻲ اﻟﻣﻐرب اﻟﻌرﺑﻲ ،واﺗﺿﺢ
ﻫذا اﻷﺛر ﺑﺻﻔﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﺗﺟﺎﻩ اﻟﻧﻘد إﻟﻰ ﻣﺿﻣون اﻟﻌﻣل اﻷدﺑﻲ وروﺣﻪ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ
ﺷﻛﻠﻪ ،وﻓﻲ ظﻬور ﺑﻌض اﻟﻔﻧون اﻷدﺑﯾﺔ اﻟﺟدﯾدة ﻣﺛل اﻟﻘﺻﺔ اﻟﻘﺻﯾرة واﻟﻣﺳرﺣﯾﺔ« ،3وﻓﻲ ﻫذا
اﻟﺳﯾﺎق ﺟﺎءت اﻟدﻋوة اﻟﺟرﯾﺋﺔ واﻟﺻرﯾﺣﺔ ﻟﻼﺗﺻﺎل ﺑﺎﻟﻐرب ﻣن طرف رﻣﺿﺎن ﺣﻣود ،ﻫذا
اﻷﺧﯾر اﻟذي ﻛﺎن ﻟﻪ أراء ﻧﻘدﯾﺔ ﺟرﯾﺋﺔ ﻗﺑل أن ﯾﻐﯾﺑﻪ اﻟﻣوت وﻟم ﯾﺗﻌدى اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ واﻟﻌﺷرﯾن ﻣن
88
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﻋﻣرﻩ،1ﻫذﻩ اﻵراء اﻟﺗﻲ ﺗﺳﺗوﺟب اﻟوﻗﻔﺔ اﻟﻣﺗﺄﻧﯾﺔ واﻟﺗﻲ ﻻ ﺗﻛﺗﻔﻲ ﺑﺎﻟﻌرض واﻟﻧظرة اﻟﺳطﺣﯾﺔ ﺑل
ﻣﻧﺎ ﺑﺄن ﺗﻠك اﻵراء اﻟﺗﻲ أﺛﺎرﻫﺎ رﻣﺿﺎن ﺣﻣود ﻣن اﻷﻫﻣﯾﺔ
ﺗﺗطﻠب اﻟﺗﻣﺣﯾص اﻟدﻗﯾق إﯾﻣﺎﻧﺎ ّ
ﺑﻣﻛﺎن أن ﺗﻠﻘﻰ ﻧﻘﺎﺷﺎ واﻓرا ،ﻫذا اﻷﺧﯾر اﻟذي ﺟﻬر ﺑدﻋوﺗﻪ ﻓﻲ اﻟوﻗت اﻟذي ﻛﺎن ﻓﯾﻪ اﻟﻧﻘد
ﯾﻌﺎﻧﻲ ﻣن اﻟﺟﻣود واﻟﺗﻘﻠﯾد اﻷﻋﻣﻰ ،إﻟﻰ اﻻﺗﺻﺎل ﺑﺎﻵداب اﻷﺟﻧﺑﯾﺔ واﻻﺳﺗﻔﺎدة ﻣﻧﻬﺎ ،ﺑل ﺣﺗﻰ
اﻛﺗﺳﺎب اﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ ﻣﻧﺎﻓﺳﺗﻬﺎ» ،إذ اﻷدب ﻓﻲ ﻛل ﻗوم وﻓﻲ ﻛل ﻟﺳﺎن ﻻ ﯾزال ﻣﺗﻣﺳﻛﺎ ﺑﯾد
ﺣدﯾدﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﺟﺛﺔ أدب ﻗوﻣﻪ وﻟﻐﺗﻪ ﯾﺳوﻣﻬﺎ ﺳوء اﻟﻌذاب ،وﯾﺳﺟﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﻏﯾﺎﺑﺎت اﻟﺟﻣود واﻟﺗﻘﻠﯾد
اﻷﻋﻣﻰ ،ﺣﺗﻰ إذا رن وراءﻩ ﺻوت ﻓﺗﺎة اﻟﻠﻐﺔ اﻷﺟﻧﺑﯾﺔ اﻟرﺣﯾم ﺣرﻛت ﻣﯾت ﺷﻌورﻩ،ﻓﺎﻟﺗﻔت ﻟﯾﻬﺎ
ﻣﻌﺟﺑﺎ ﺑﺗﻐرﯾدﻫﺎ اﻟﺷﺟﻲ ،وﺣﺳن ﺟﻣﺎﻟﻬﺎ اﻟﻔﺗﺎن ،أﻓﻠﺗت اﻟﻣﺳﻛﯾﻧﺔ اﻟﻣﻌذﺑﺔ ﻣن ﺑﯾن ﯾدﯾﻪ
اﻟﻘﺎﺳﯾﺗﯾن ،ﻓرﻛﺿت ﻧﺣو ﺑﺳﺗﺎن اﻟﺣرﯾﺔ واﻟﺗﻔﻧن ،واﻗﺗطﻔت ﻣﺎ ﻟذ وطﺎب ﻣن أﺛﻣﺎرﻫﺎ اﻟﯾﺎﻧﻌﺔ
وأزﻫﺎرﻫﺎ اﻟذﻛﯾﺔ ،ﻓﻘﻔﻠت راﺟﻌﺔ إﻟﯾﻪ ﺑﺣﻛم اﻟﺗﻧﺎﻓس ﻣﻊ أﺧﺗﻬﺎ اﻷﺟﻧﺑﯾﺔ اﻟﺟدﯾدة ،ﺗﺣﻣل روح
اﻟﺣﯾﺎة ،وﺳر اﻟﺟﻣﺎل ،ﻓﯾﺣظﻰ ﺑﻔﺗﺎﺗﯾن ﻋوﺿﺎ ﻟﻪ ﻋن ﺟﺛﺔ ﺑﺎﻟﯾﺔ ،وﻫﻛذا أﺻﺑﺢ ﺳﻌﯾدا ﺑﻌﺎﻣل
اﻟﺗﺟدﯾد ،وﺑﻔﺿل اﻷﺟﻧﺑﯾﺔ«.2
ﯾرﻛز رﻣﺿﺎن ﺣﻣود ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻐﺔ ﻓﻬﻲ اﻟﺗﻲ ﺗﻬﻣﻪ ﻫو وزﻣﻼءﻩ ﺑﺎﻟدرﺟﺔ اﻷوﻟﻰ ،ﻛﻌﺎﻣل
ﻣﻬم ﻟﻠﺗﺟدﯾد ،وﻫذﻩ اﻷﺧﯾرة ﻻ ﺗﺗﺟدد ﻓﻲ ﻧظرﻩ إﻻ ﺑﺎﻻﺣﺗﻛﺎك ،ﻓﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻣﺟددة ﻓﻲ ﻧظرﻩ ﻻ
ﺗﺣﻣل أﻟﻔﺎظﺎ وﺻو ار ﺟدﯾدة ﻓﺣﺳب ،ﺑل ﺗﺣﻣل أﯾﺿﺎ روﺣﺎ وﺟﻣﺎﻻ وأﺳﺎﻟﯾب ﺟدﯾدة ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺑﯾر
واﻟﺗﻔﻛﯾر ،ﺣﯾث أدرك رﻣﺿﺎن ﺣﻣود ﺑﻔﺿل ذﻛﺎﺋﻪ وﺳﻼﻣﺔ ذوﻗﻪ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﻌرﻓﺗﻪ اﻟﺟﯾدة
ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ اﻟﺗﻲ أﺗﻘﻧﻬﺎ » ،أن ﻻ ﺣﯾﺎة ﺟدﯾدة وﻻ أدب ﺟدﯾد ،إﻻ إذا ﻗﺑﻠﻧﺎ اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ
اﻟﻠﻐﺎت واﻵداب واﻟﻠﻐﺎت اﻷﺟﻧﺑﯾﺔ ،وﻫو اﻟﻣﺑدأ اﻟذي اﻧطﻠق ﻣﻧﻪ اﻟﺗﺟدﯾد ﻓﻲ اﻟﻣﺷرق اﻟﻌرﺑﻲ،
وﻫو اﻟوﺳﯾﻠﺔ اﻟﻣﺑﺎﺷرة اﻟﺗﻲ اﻋﺗﻣدﻫﺎ اﻟﻣﺟددون اﻷواﺋل ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺣدﯾث«.3
-1ﻣﺣﻣد ﻧﺎﺻر ،رﻣﺿﺎن ﺣﻣود ﺣﯾﺎﺗﻪ وآﺛﺎرﻩ ،ط ،2اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب ،اﻟﺟزاﺋر ،1985 ،ص .57
-2ﻣﺣﻣد ﻣﺻﺎﯾف ،اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺣدﯾث ﻓﻲ اﻟﻣﻐرب اﻟﻌرﺑﻲ ،ص .83
-3اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .83
89
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
دﻋوة "ﺣﻣود رﻣﺿﺎن" ٕواﻟﺣﺎﺣﻪ ﻟﻠﺗﺟدﯾد ﻟﯾس ﻷن أدﺑﻧﺎ اﻟﻌرﺑﻲ ﻻ ﻗﯾﻣﺔ ﻟﻪ أوﺻﯾت
وﻟﯾس ﻷﻧﻪ ﺧﺎﻣل اﻟذﻛر ،أو ﻣﻐﻣور ﯾﺣﺗﺎج ﻟﻣن ﯾﻌﻠﻲ ﻣن ﺷﺄﻧﻪٕ ،واﻧﻣﺎ ﺣﺳب رأﯾﻪ »ﻣرﯾض
ﻣﺷرف ﻋﻠﻰ اﻟﻬﻼك إن ﻟم ﯾﺗدارﻛﻪ أﺑﻧﺎؤﻩ ﻓﻲ ﻋﺻر ﯾﺧﺎﻟف ﺗﻣﺎم اﻟﻣﺧﺎﻟﻔﺔ ﻋﺻورﻩ اﻟﻣﺗﻘدﻣﺔ
اﻟﻐﺎﺑرة ،ﻓﻬو ﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ دواء ﻧﺎﺟﺢ ﯾواﻓق ﻋﻠﺗﻪ وﻣزاج طﺑﯾﻌﺗﻪ اﻟﻣﻧﻐﻣﺳﺔ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺟو
اﻟﺣﺎﺿر ،إذ ﺣﯾﺎة اﻟﯾوم ﻏﯾر ﺣﯾﺎة اﻷﻣس ،وﺣﯾﺎة اﻟﻐد ﻏﯾر ﺣﯾﺎة اﻟﯾوم«.1
إن ﻛل أدب ﻣﻬﻣﺎ ﻛﺎﻧت أﺻﺎﻟﺗﻪ وﻗﯾﻣﺗﻪ وﻣﻬﻣﺎ ﺑﻠﻐت درﺟﺔ رﻗﯾﻪ ،ﻻﺑد أن ﯾﻧﺗﻛس ﻓﻲ
ﻓﺗرة ﻣن ﻓﺗرات ﺗﺎرﯾﺧﻪ ،وﻫو ﺑذﻟك ﺑﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﻣن ﯾﺧرﺟﻪ ﻣن ﻫذﻩ اﻻﻧﺗﻛﺎﺳﺔ ،وأدﺑﻧﺎ اﻟﺟزاﺋري
أﺻﯾب ﺑﺎﻧﺗﻛﺎﺳﺔ ﺷدﯾدة ،وﻫو ﯾﻌﺎﻧﻲ ﻣن ﻣرض ﺷدﯾد وﻫو ﺑذﻟك ﺑﺣﺎﺟﺔ ﻟﻌﻼج ﯾﺷﻔﯾﻪ ﻣن
ﻋﻠﺗﻪ ،واﻟﻌﻼج ﺣﺳب ﻛﻼم "رﻣﺿﺎن ﺣﻣود" اﻟﺳﺎﺑق ﻫو اﻻﺣﺗﻛﺎك ﺑﺎﻵداب اﻷﺟﻧﺑﯾﺔ ،وﻓﻲ
ﻛﻼﻣﻪ أﯾﺿﺎ ﻧﻔﻲ ﻟﻠﺗﻬم اﻟﻣوﺟﻬﺔ ﻟﻪ وﻟزﻣﻼﺋﻪ ،ﺑﺄﻧﻬم ﯾرﻣون اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ ﺑﺎﻟﺿﯾق أو اﻟﻌوز
أو اﻟﺧﻣول ،ﻓﻲ ﺣﯾن أﻧﻬم ﻟم ﯾﻘوﻟوا ﻫذا إﻧﻣﺎ رﻛزوا ﻋﻠﻰ ﻗﺿﯾﺔ اﻟﺗطور اﻟﺿروري ﻟﻛل أدب
ﻟذﻟك وﺟدﻧﺎ ﺗﻔرﯾق "رﻣﺿﺎن ﺣﻣود" ﺑﯾن ﺣﯾﺎة اﻟﯾوم وﺣﯾﺎة اﻷﻣس ،وﺣﯾﺎة اﻟﻐد وﺣﯾﺎة اﻟﯾوم »،
ﺑل أﻧﻪ ﯾرى أن اﻗﺗﺻﺎر ﺑﻌض اﻷدﺑﺎء اﻟﻣﻌﺎﺻرﯾن ﻋﻠﻰ ﺗﻘﻠﯾد اﻷدﺑﺎء اﻟﻘداﻣﻰ ﻧذاﻟﺔ وﻛﺳل
وﺟﻣود«.2
ﻧﺟد رﻣﺿﺎن ﺣﻣود ﯾﺗﺳﺎءل ﻋن دواﻋﻲ اﻟﺗﻣﺳك واﻟﺗﻌﻠق ﺑﺎﻷدب اﻟﻘدﯾم »وﻫل ﻗوة
اﻹدراك ﻓﻲ ﺗﻘﻬﻘر ﻣﺳﺗﻣر ﺣﺗﻰ أن اﻟﻣرء ﻻ ﯾﻔﻌل ﺷﯾﺋﺎ إﻻ وﯾﺳﺄل ﻫل ﻓﻌﻠﺗﻪ اﻟﻘدﻣﺎء أم ﻻ؟
وﻫل ﻫو ﻣطﺎﺑق ﻹرادﺗﻬم أم ﻻ؟ وﻫل اﻟﻘدﻣﺎء رﻣز ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻠم واﻻﺧﺗراع واﻟﻣﺗﺄﺧرون ﻋﻠﻰ
اﻟﺟﻬل واﻹﺗﺑﺎع؟ وﻫل ﺧﻠق اﻹﻧﺳﺎن ﻟﻛﻲ ﯾﻛون ذﯾل ﻏﯾرﻩ وﻏﯾرﻩ ﻫو اﻟرأس ؟ وﻫل ﯾدوم ﺑﻧﺎء
ﺑﻐﯾر ﺗرﻣﯾم وﺗﺟدد ﻣﻬﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﺻﻼﺑﺗﻪ وﻗوة ﻣﺷﯾدﻩ« ،3ﻻ ﻏراﺑﺔ ﻓﻲ إﻟﺣﺎح ﺣﻣود رﻣﺿﺎن
وﺗﻛ اررﻩ ﻣ ار ار اﻟﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺑﯾن اﻟﻣﺎﺿﻲ واﻟﺣﺎﺿر ،ﻓﻬو ﯾرﯾد ﻣن ﻫذﻩ اﻟﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺗذﻛﯾر اﻷدﺑﺎء أن
90
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﻋﺻرﻫم ﻏﯾر اﻟﻌﺻور اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ ،و ّأﻧﻪ آن ﻟﻬم أن ﯾؤدوا واﺟﺑﻬم وﯾﺛﺑﺗوا ﺷﺧﺻﯾﺗﻬم ﻓﻲ إﺑداﻋﻬم
ﻣﻬﻣﺎ ﺑﻠﻐت أﺻﺎﻟﺔ ﻗدﻣﺎﺋﻬم ،ﻓﺎﻟﺗطور ﻓﻲ اﻷدب ﻗﺿﯾﺔ ﺗﺑﻧﺎﻫﺎ ﺣﻣود وزﻣﻼؤﻩ ،ﻛﻣﺎ ﻧﺟدﻩ
ﯾﺗﺳﺎءل ﻋن اﻷﺳﺑﺎب اﻟﺗﻲ ﺟﻌﻠت اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر أدﺑﺎ ﻣﻧﺣطﺎ ﯾﻌﯾش ﻓﻲ ظل
اﻷدب اﻟﻘدﯾم ،وﯾﻧﺑﻪ إﻟﻰ أن اﻷدب اﻟﻐرﺑﻲ ﻧﻔﺳﻪ ﻟم ﯾﺗطور ﻫذا اﻟﺗطور إﻻ ﻷﻧﻪ اﻗﺗﺑس ﻣن
اﻟﺷرق ﺑﺎﻷﻣس اﻟﻘرﯾب ،وﯾﻧﺗﻬﻲ إﻟﻰ ﻣﺧﺎطﺑﺔ اﻷدﯾب اﻟﺟزاﺋري " ﺗﻠك أﺳﺋﻠﺔ أﻟﻘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺳك
أﯾﻬﺎ اﻷدﯾب ،وﺗﺄﻣل ﻓﯾﻬﺎ ﺟﯾدا ،وﺣﻛم ﻋﻘﻠك واﺟﻌل ﺑﯾن ﯾدﯾك ﻗﺎﻣوس إﻧﺻﺎﻓك ﻓﺈذا وﻋﯾت ﻣﺎ
وﻋﯾت ،واﺳﺗﻧﺗﺟت ﻣﺎ اﺳﺗﻧﺗﺟت ﻓﺎﻣض ﻓﻲ ﺳﺑﯾﻠك ،وﻻ ﺗﺟﺑﻧﻲ ﺑﺎﻟﻘول ﺑل ﺑﺎﻟﻔﻌل ،ﻷن اﻟﻌﺻر
ﯾﺣرم ذﻟك".1
أدرك "ﺣﻣود" وزﻣﻼﺋﻪ أﻫﻣﯾﺔ اﻻﺣﺗﻛﺎك ﺑﺎﻵداب اﻷﺟﻧﺑﯾﺔ ،ﻛﺿرورة ﻟﻠﺧروج ﻣن ﺑوﺗﻘﺔ
اﻟﺗﻘﻠﯾد اﻟﺗﻲ ﻓرﺿﺗﻬﺎ اﻟظروف اﻟوطﻧﯾﺔ اﻟﻘﺎﺳﯾﺔ ،اﻟﺗﻲ أﻟّﻣت ﺑﺎﻟﺟزاﺋرﯾﯾن وﺣرﻣﺗﻬم ﻣن ﻣﻣﺎرﺳﺔ
اﻟﺣﯾﺎة اﻷدﺑﯾﺔ واﻟﻔﻛرﯾﺔ ،وﺟﻌﻠﺗﻬم ﯾﻌﯾﺷون ﻓﻲ ﻋزﻟﺔ ﻛرﺳت اﻟﺗﺧﻠف واﻷﻣﯾﺔ واﻟﺟﻬل إﻟﻰ أن
ﺑرز ﺷﺑﺎب ﻣﺟدد ،آﺛر أن ﯾﺛور ﻋﻠﻰ ﻛل اﻟﺗﻘﺎﻟﯾد ،وﯾﻛﺳر ﻗﯾود اﻟﺟﻣود اﻟﺗﻲ ﺟﺛﻣت ﻋﻠﻰ ﻛﺎﻫل
اﻷدﺑﺎء واﻟﻣﺛﻘﻔﯾن ،وﻣن ﺑﯾن أوﻟﺋك اﻟﺷﺑﺎب أﯾﺿﺎ "رﻣﺿﺎن ﺣﻣود" اﻟذي ﺗﺑﻧﻰ اﻻﺗﺟﺎﻩ
اﻟروﻣﺎﻧﺳﻲ ،وأﻋﺟب ﺑﻪ ﻓﻲ ﺣﻣﺎﺳﺔ ﺷدﯾدة ،ﻣﻧﺗﻘدا اﻟرؤﯾﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ» ،ﻏﯾر أن ﻫذﻩ
اﻟدﻋوات ظﻠت ﺣﺗﻰ ﻣﺎ ﻗﺑل اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻧظرﯾﺎت ﻓﻲ ﺣﯾز اﻟﺻﺣف ،وﻟم ﺗر اﻟﻧور
أو اﻟﺗطﺑﯾق اﻟﻌﻣﻠﻲ إﻻ ﻓﻲ أواﺧر اﻷرﺑﻌﯾﻧﯾﺎت ﻣﻊ ظﻬور ﺟﯾل ﺟدﯾد« ،2ﻓﺳرﻋﺎن ﻣﺎ ﺗﻼﺷت
دواﻋﻲ اﻟﺗﻣﺳك ﺑﺎﻟﻘدﯾم ،وﺗﺻدﻋت دﻋﺎﺋﻣﻪ ﻟﺻﺎﻟﺢ ﺗﯾﺎر اﻟﺗﺟدﯾد ﺑﺳواﻋد ﺟﯾل ﺟدﯾد ،ﻋزم ﻋﻠﻰ
ﺗﻘدﯾم إﻧﺗﺎج أدﺑﻲ ﻣﺷﺣون ﺑﺎﻟروح اﻟروﻣﺎﻧﺳﯾﺔ اﻟﺛﺎﺋرة.
إن اﻟﻣﻐرب اﻟﻌرﺑﻲ ﻋﻣوﻣﺎ واﻟﺟزاﺋر ﺧﺻوﺻﺎ ﻛﺎﻧت ﻗﺑل اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻷوﻟﻰ ﺗﻌﯾش
ﻓﻲ ﻋزﻟﺔ ﺷﺑﻪ ﺗﺎﻣﺔ ،وﻣﺎ ﻛﺎدت أن ﺗﺿﻊ اﻟﺣرب أوزارﻫﺎ وظﻬور اﻟﺣرﻛﺎت اﻟوطﻧﯾﺔ
واﻹﺻﻼﺣﯾﺔ واﻧﺗﺷﺎر اﻟوﻋﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ ﺣﺗﻰ ﺧرﺟت ﻣن ﻋزﻟﺗﻬﺎ آﺧذة ﻓﻲ اﻟﺑﺣث ﻋن أﻓق اﻟﺗﻔﺗﺢ
91
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﺑﺎﻻﺗﺻﺎل ﺑﺎﻟﻐرب اﻷورﺑﻲ واﻟﻣﺷرق اﻟﻌرﺑﻲ ،ﻓﺑدأت ﻣﻼﻣﺢ اﺗﺟﺎﻩ ﺟدﯾد ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ
اﻟﺟزاﺋري ،ﺗﻠوح ﻓﻲ اﻷﻓق ﺗﻠك اﻟﺣرب اﻟﺗﻲ ﺧﻠّﻔت ﺗﻐﯾﯾرات ﺳﯾﺎﺳﯾﺔ واﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ واﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ
وﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ،ﺗﻌدى ﻣداﻫﺎ إﻟﻰ اﻷدب واﻟﻧﻘد ،وﻓﻲ ظل ﻫذا اﻟﺗﻐﯾﯾر ﻓﻲ ﺟﻣﯾﻊ ﻣﺟﺎﻻت اﻟﺣﯾﺎة
اﻟﻣﺎدﯾﺔ واﻟﻔﻛرﯾﺔ ﺑرز طﺎﺋﻔﺔ ﻣن اﻟﻧﻘﺎد واﻷدﺑﺎء ﻛﺎن ﻟﻬﺎ وﻋﻲ وﺛﻘﺎﻓﺔ ﻣﻌﺗﺑرة ،ﻋﺑرت ﻋن آراﺋﻬﺎ
اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﺑﺄﺳﺎﻟﯾب ﻣن اﻷﻓﻛﺎر اﻟﺟدﯾدة ،واﺣﺗﻛﺎك ﻫؤﻻء اﻟﻧﻘﺎد ﺑﺎﻵداب اﻷﺟﻧﺑﯾﺔ ﻻﺳﯾﻣﺎ اﻟﻣدرﺳﺔ
اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ ﻣﻧﻬﺎ ،واﻟﺗﻲ اﺳﺗﻣدوا ﻣﻧﻬﺎ ﺗﺻورات وﻣﻔﺎﻫﯾم وأﺳﺎﻟﯾب ﺟدﯾدة ،ﻟﻠﺷﻌر ﻟم ﺗﻛن ﻣﺄﻟوﻓﺔ
ﻓﻲ اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟﺗﻘﻠﯾدي» ،إن أوﺿﺢ ﺻورة ﺗﺟدﯾدﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺣدﯾث ﻫﻲ ﻣﺎ ﺗﻣﺛل ﻓﻲ
ﻛﺗﺎﺑﺎت "رﻣﺿﺎن ﺣﻣود " و" ﺣوﺣو" ،وﻣواﻗﻔﻬﻣﺎ ﻣن اﻷدب اﻟﺗﻘﻠﯾدي وﻣﻔﺎﻫﯾﻣﻪ،ﻻﺳﯾﻣﺎ ﻣواﻗﻔﻬﻣﺎ
اﻟراﺋدة ﻣن اﻷﻧواع اﻷدﺑﯾﺔ واﻷﺳﻠوب اﻷدﺑﻲ ،ﻓﺎﻟﺗﻐﯾر اﻟﻣﺳﺗﺟد وطﻧﯾﺎ ﻣن ﺑداﯾﺔ اﻟﻌﺷرﯾﻧﯾﺎت
ﻓرض ﻧﻔﺳﻪ ﺗﻠﻘﺎﺋﯾﺎ ،واﻧﻌﻛس أدﺑﯾﺎ ﻓظﻬرت اﻟدﻋوة إﻟﻰ اﻟﺗﺟدﯾد ﻓﻲ اﻟرؤﯾﺔ ﻓﻛ ار وﻓﻧﺎ وﻟﻐﺔ
وأﺳﻠوﺑﺎ وﺷﻛﻼ وﻣﺿﻣوﻧﺎ ﻟﻠﻌﻣل اﻷدﺑﻲ«.1
ﺑدأ اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟﺣﻘﯾﻘﻲ ﻧﺣو اﻟﺷﻌر اﻟوﺟداﻧﻲ اﻟروﻣﺎﻧﺳﻲ ﻋﻠﻰ ﯾد "رﻣﺿﺎن ﺣﻣود" ،إذ
ﯾﺗﺿﺢ ذﻟك ﺟﻠﯾﺎ ﻣن ﺧﻼل ﻣﻘﺎﻻﺗﻪ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ،واﻟﺗﻲ أﺑدى ﻓﯾﻬﺎ ﻣوﻗﻔﻪ ﻣن اﻟﺷﻌر اﻟﺗﻘﻠﯾدي
اﻟﻣﺣﺎﻓظ ،ﻛﻣﺎ ﺑﯾن ﻓﯾﻬﺎ ﺗﺻورﻩ ﻟوظﯾﻔﺔ اﻟﺷﻌر وﻣﻔﻬوﻣﻪ ﻟﻠﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ،ﺣﯾث ﯾﻌﺗﺑر ﻣن
اﻟﺛﺎﺋرﯾن ﻋﻠﻰ اﻟﻧظرة اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ ﻟﻠﺷﻌر وﻋﻠﻰ رأس اﻟﻣﺟددﯾن ﻟﻠﺷﻌر اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث واﻟﻣﻧﺎدﯾن
ﺑﺎﻟﺧروج ﻋن رﺗﺎﺑﺔ اﻟﺗﯾﺎر اﻟﻘدﯾم ﻓﻲ اﻟﺷﻌر ،إذ ﻛﺎﻧت ﻟﻪ ﻣﻊ " أﺣﻣد رﺿﺎ ﺣوﺣو"،ﻣواﻗف ﺑﺎرزة
ﻟﻬذا اﻟﺗﯾﺎر ﻻﺑد ﻟﻧﺎ ﻣن اﻟوﻗوف ﻋﻧدﻫﺎ.
رﻏم ﺗﺟرﺑﺗﻪ اﻟﻘﺻﯾرة إﻻﱠ أﱠﻧﻪ ﻛﺎن ﻟ ـ "رﻣﺿﺎن ﺣﻣود" إﺳﻬﺎﻣﺎ ﻛﺑﯾ ار ﻓﻲ اﻟﺣﯾﺎة اﻷدﺑﯾﺔ
واﻟﻔﻛرﯾﺔ ﺑﺈﻧﺗﺎﺟﻪ اﻟﻣﺗﻧوع وﺑﺄﻓﻛﺎرﻩ وآراﺋﻪ اﻟداﻋﯾﺔ ﻟﻠﺗﺟدﯾد ،ﻓﻬوﻻ ﯾﺗواﻧﻰ أﺑدا ﻓﻲ ﺧوض ﺛورة
ﺿد أوﻟﺋك اﻟﻣﻘﻠّدﯾن اﻻﺗّﺑﺎﻋﯾﯾن ،اﻟذﯾن ظﻠّوا ﺑﻌﯾدﯾن ﻋن ﻋﺻرﻫم ﻓﻲ ﻧظرﺗﻬم ﻟﻠﺷﻌر وﻓﻬﻣﻬم
ﻟﻪ ،ﻓﻣن ﻫذا اﻟﻣﻧطﻠق طﺎﻟب اﻷﺟﯾﺎل ﻣن اﻟﺷﻌ ارء ﺑﻣﺟﺎوزة ﻧظﺎم اﻟﻘﺻﯾدة ،وﺗﺄﺳﯾس ﻛﺗﺎﺑﺔ
92
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
93
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
اﻟﻣوﺿوﻋﺎت أو اﻟﻠﻐﺔ أو ﺣﺗﻰ ﻓﻲ ﻣﺣﺎوﻻﺗﻪ اﻟﻣﺳرﺣﯾﺔ ،اﻟﺗﻲ ﻛﺎن أوﻟﻰ ﺑﻪ أن ﯾﺳﻠك ﻓﯾﻬﺎ ﻧﻬﺟﺎ
اﻟﺗواﻗﺔ ﻟﻠﺗﺣرر ،ﻛﻣﺎ ﯾﻘول رﻣﺿﺎن ﺣﻣود »:إن ﻫذﻩ اﻷﻣﺔ ﻓﻲ
ﺣر أو ﻣﻧﻬﺟﺎ ﻟﻠﻧﻔوس ّ
دراﻣﯾﺎ ّا
ﺗﺗﻘد ﺣﻣﺎﺳﺔ ووطﻧﯾﺔ«.1
ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﻣﺳرﺣﯾﺎت ﺷﻌرﯾﺔ دراﻣﺎﺗﯾﻛﯾﺔ ّ
إن ﻓﻲ ﻧﻘد "رﻣﺿﺎن ﺣﻣود" ﻟراﺋد ﻣدرﺳﺔ اﻹﺣﯾﺎء إﻧﻣﺎ ﻫو ﻛذﻟك ﻧﻘد ﻟﻠﻛﻼﺳﯾﻛﯾﺔ ﻓﻲ
ّ
اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ ﻋﺎﻣﺔ ،وﻓﻲ اﻷدب اﻟﺟزاﺋري ﺧﺎﺻﺔ ،ﻓﺷوﻗﻲ ﻛﺎن ﯾﻣﺛل ﻧﻣوذﺟﺎ ﯾﺣﺗذى ﺑﻪ
وﻛﺎن ﯾﺳﺗﺣوذ ﻋﻠﻰ ﻣﻛﺎﻧﺔ ﻣرﻣوﻗﺔ ﻟدى اﻷدﺑﺎء ﻓﻲ ﺳﺎﺋر اﻟوطن اﻟﻌرﺑﻲ ﻣﺷرﻗﻪ وﻣﻐرﺑﻪ ،وﻛﺎن
ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ﻟﺷوﻗﻲ ﻛذﻟك ﺻﯾت ﻛﺑﯾر ﻓﻲ اﻷوﺳﺎط اﻷدﺑﯾﺔ ،أﺑﺎن "رﻣﺿﺎن ﺣﻣود" ﻣن ﺧﻼل
ﻧﻘدﻩ ﻟﺷوﻗﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﻛﺎﻣن اﻟﺿﻌف واﻟﻘﺻور ﻓﻲ ﺷﻌرﻩ ،ﻣﻌﻠﻧﺎ ﺛورﺗﻪ ﺑذﻟك ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻔﻬوم
اﻟﺗﻘﻠﯾدي ،واﻟذي ﯾﺣول دون أن ﯾﻌﺑر اﻟﻣرء ﻋن ﻣﺷﺎﻋرﻩ وأﺣﺎﺳﯾﺳﻪ ﺑﺻدق وﺣرﯾﺔ ،وﻓﻲ رأﯾﻪ
ﻫذا ﯾﺗﻔق "رﻣﺿﺎن ﺣﻣود" ﻣﻊ ﻣﺎ ذﻫﺑت إﻟﯾﻪ ﻣدرﺳﺔ اﻟدﯾوان ﻓﻲ ﻣﺂﺧذﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺷوﻗﻲ» ،وﻣن
ﻫذا اﻟﻣﻧظور اﻟروﻣﺎﻧﺳﻲ اﻟذي ﯾﺣل اﻟﻌﺎطﻔﺔ ﻣﻛﺎﻧﺔ ﻣرﻣوﻗﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻣل اﻟﻔﻧﻲ ،وﯾﻌﺗﺑر ﺻدق
اﻹﺣﺳﺎس أﺳﺎﺳﺎ ﻟﻠﺗﺟرﺑﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ ،ﯾﻧظر رﻣﺿﺎن ﺣﻣود إﻟﻰ اﻟﺷﻌر ﻣﺎﻫﯾﺔ ووظﯾﻔﺔ«.2
إن اﻟﺻدق اﻟﻔﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن اﻟﻣﺷﺎﻋر و اﻷﺣﺎﺳﯾس ﻫو اﻷﺳﺎس ﻓﻲ ﻧﺟﺎح اﻟﺷﻌر
أو إﺧﻔﺎﻗﻪ ،ﻓﺎﻟﺗﻣﻛن ﻣن اﻟﻧﺣو واﻟﺻرف واﻟﻌروض واﻟﺑﻼﻏﺔ وﺣدﻩ ﻻ ﯾﺟدي ﻧﻔﻌﺎ ،ﻣﺎ ﻟم ﯾﺳﻌﻔﻪ
وازع ﻗوي ﻧﺣو اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ»،ﻷن اﻟﺷﻌر ﻓﻲ ﺗﺻور رﻣﺿﺎن...ﻟﯾس ﺑﺿﺎﻋﺔ أو ﺻﻧﺎﻋﺔ
ﻛﻣﺎ ﯾذﻫب إﻟﻰ ذﻟك اﻟﻣﺣﺎﻓظون اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾون ،وﻟﻛﻧﻪ إﻟﻬﺎم وﺟداﻧﻲ ووﺣﻲ اﻟﺿﻣﯾر...ﻓﺈن اﻷدب
اﻟذي ﻻ ﯾﺻدر ﻋن ﻧﻔس ﺣﺳﺎﺳﺔ ﻓﻲ ﻧﻔﺣﺎﺗﻬﺎ ﻻ ﯾﺗﺳرب إﻟﻰ أﻋﻣﺎق اﻟﻧﻔوس اﻟﺣﯾﺔ ،ﺑل ﻻ
ﯾﺧﻠد طوﯾﻼ وﻻ ﯾﻠﺑث أن ﯾﻘﺿﻲ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﻧﺳﯾﺎن واﻹﻫﻣﺎل.3«...
اﺷﺗراط اﻟﺻدق اﻟﻔﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﺗﺟرﺑﺔ ﯾﻌﻧﻲ اﻻﻫﺗﻣﺎم ﺑﺎﻟﻌﺎطﻔﺔ ،اﻟﺗﻲ ﺗﻌﺗﺑر ﻋﻧدﻩ أول
ﻋﻧﺻر ﻣن ﻋﻧﺎﺻر اﻟﻌﻣل اﻟﺷﻌري ،وﻫو اﻟذي ﯾﺗوﻗف ﻋﻠﯾﻪ ﻧﺟﺎح اﻟﺷﻌر أو إﺧﻔﺎﻗﻪ ﻛﻣﺎ ﻗﻠﻧﺎ
-1ﻣﺣﻣد ﻧﺎﺻر ،اﻟﺷﻌر اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث اﺗﺟﺎﻫﺎﺗﻪ وﺧﺻﺎﺋﺻﻪ اﻟﻔﻧﯾﺔ ،ص .127
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص.128
-3اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص.129
94
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
وﯾرﺑط "رﻣﺿﺎن ﺣﻣود" ﻧﺟﺎح اﻷدب ﺑﺎﻟﺗﻣﯾز ﺑﺎﻟﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﻣﺑدﻋﺔ رؤﯾﺔ وأﺳﻠوﺑﺎ وﻟﻐﺔ ،ﻟذﻟك
ﯾدﻋوا إﻟﻰ اﻟﺗﻣﺎﯾز ﺑﯾن أدب اﻟﻣﺑدﻋﯾن ،وﻓﻲ ﺳﺑﯾل ﺗﺣﻘﯾق ذﻟك ﻋﻠﻰ اﻷدﺑﺎء أﻻ ﯾﺧﺿﻌوا ﺳوى
ﻟﺻوت اﻟﺿﻣﯾر ،واﻟﺗﻣرد ﻋﻠﻰ ﻛل اﻟﺗﺄﺛﯾرات اﻟﺧﺎرﺟﯾﺔ ،و"رﻣﺿﺎن ﺣﻣود" ﯾرﻓض ﻛل أﺷﻛﺎل
اﻟﺗﻌﻠق واﻟﺗﺑﻌﯾﺔ ﻷي أدﯾب ﻣﻬﻣﺎ ﻋظم ﻗدرﻩ وظﻬر ﺗﻔوﻗﻪ ،ﻓﺎﻟﺷﺎﻋر اﻟﺣﻘﯾﻘﻲ ﻓﻲ ﻧظرﻩ ﻫو اﻟذي
ﯾﻛون ﺻورة ﺻﺎدﻗﺔ ﻟﻧﻔﺳﻪ وﻟﻌﺻرﻩ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻋدم اﻧﻘﯾﺎدﻩ إﻻ ﻟﺻوت ﺿﻣﯾرﻩ ،ﻓﻬو ﯾﺣﻣل
دور اﻟرﯾﺎدة ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺎل اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ واﻟدﯾﻧﻲ ،ﺑل ﻋﻠﯾﻪ أن ﯾﻘﺎوم اﻻﺳﺗﺑداد ﺑﻠﺳﺎن
ﺣﺎد» ،ﻓﺈن اﻟﺷﻌر اﻟذي ﻻ ﯾﺣرك ﻫﻣﺔ اﻟﺷﻌب ،ﻟﯾﺗطﻠﻊ إﻟﻰ اﻻﺳﺗﻘﻼل واﻟﺣرﯾﺔ ،وﻻ ﯾذﻛر
ﺑواﺟﺑﻪ اﻟﻣﻘدس ووطﻧﻪ اﻟﻣﻔدى ﺧﯾﺎﻧﺔ ﻛﺑرى ،وﺧﻧﺟر ﻣﺳﻣم ﻓﻲ ﻗﻠب اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ.1«...
"رﻣﺿﺎن ﺣﻣود" ﻓﻲ ﻧﻘدﻩ ﻟﺷوﻗﻲ وﻣن وراﺋﻪ ﺑﺎﻗﻲ اﻟﺷﻌراء ،ورﻓﺿﻪ ﻟﻣﺎ ﯾﻘدﻣوﻧﻪ ﻣن
ﺗﻘﻠﯾد وﺗﺑﻌﯾﺔ ﻟﻠﺷﻌر اﻟﻘدﯾم ،ﻓﻬوﻻ ﯾطﻠب ﻣﻧﻬم ﻓﻲ ﻧﻔس اﻟوﻗت ﺑﺄن ﯾﺄﺗوا ﺑﺷﻌر ﺟدﯾد ﻻ ﯾﻣت
ﺑﺄي ﺻﻠﺔ ﻟﻠﺷﻌر اﻟﻘدﯾمٕ » ،واﻧﻣﺎ ﯾرﯾد ﻣن ﺷوﻗﻲ أن ﯾﺗﻧﺎول اﻟﺳﻠﺳﻠﺔ اﻟﺗﻲ ﺗرﺑطﻧﺎ ﺑﺎﻷﺟداد،
ﻓﯾذﯾﺑﻬﺎ ﺑﻧﺎر اﻟﺗﺑدﯾل واﻟﺗﻐﯾﯾر واﻟﺗﻔﻧن وﯾﺟﻌﻠﻬﺎ إﻧﺎءاً ﺟﻣﯾﻼ ،وﯾﺻب ﻓﯾﻪ ﻣن ﺑﻧﺎت أﻓﻛﺎرﻩ ﺧﻣ ار
ﺣﻼﻻ وﯾﻘدﻣﻪ ﻟﻠﺷﺎرﺑﯾن ﻋذﺑﺎ زﻻﻻ ،ﻓﺎﻟﺗﺟدﯾد ﻋﻧد ﺣﻣود ﯾﻧﺣﺻر إذن ﻓﻲ اﻟﺗﺻرف ﺑﺷﺟﺎﻋﺔ
ﻓﻲ اﻟﻘﺎﻟب اﻟﻘدﯾم ،وﻓﻲ ﺧﻠق أﺳﻠوب ﺟدﯾد ﺧﺎص ﻣﻧﺎﺳب ﻟﻠﻌﺻر ،واﻹﺗﯾﺎن ﺑﺄﻓﻛﺎر ﺧﺎﺻﺔ
ﺗﻌﺑر ﻋن ﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﺷﺎﻋر وﻣذﻫﺑﻪ ﻓﻲ اﻟﺣﯾﺎة ،وﻫو ﻣﺎ ﻟم ﯾﻔﻌﻠﻪ ﺷوﻗﻲ ﻓﻲ ﻧظر رﻣﺿﺎن
ﺣﻣود«.2
"رﻣﺿﺎن ﺣﻣود" ﻓﻲ ﻧﻘدﻩ ﻟﺷوﻗﻲ وﻫﺟوﻣﻪ اﻟﺟريء ﻋﻠﯾﻪ ،ﻻ ﯾﻌﻧﻲ إﻧﻛﺎرﻩ ﻟﻔﺿﻠﻪ ﻋﻠﻰ
اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ ،إذ ﯾﻌﺗﺑرﻩ ﻣن ﻓﺣول اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻘدﯾم ،إذ ﯾﻘول»:ﺷوﻗﻲ وﻣﺎ أدراك ﻣﺎ
ﺷوﻗﻲ ﺷﺎﻋر ﺣﻛﯾم ﻣﺟﯾد ﻓﻲ اﻟطﺑﻘﺔ اﻷوﻟﻰ ﻣن اﻟﻔﺣول اﻟﺑﺎﺋدة ﻟﻪ ﻏﯾرة ﻛﺑﯾرة ﻋﻠﻰ اﻷدب
اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻘدﯾم ،وﻣﺗﻣﺳك ﺑﻪ إﻟﻰ ﺣد اﻟﺗﻘﻠﯾد وﻋدم اﻻﻟﺗﻔﺎت إﻟﻰ ﺟواﻧﺑﻪ ،وأﻛﺛر ﺷﻌرﻩ أﻗرب إﻟﻰ
95
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
اﻟﻌﻬد اﻟﻘدﯾم ﻣﻧﻪ إﻟﻰ اﻟﻘرن اﻟﻌﺷرﯾن« ،1ﺑل إﻧﻪ ﯾﺑﺎﯾﻌﻪ ﻋﻠﻰ إﻣﺎرة اﻟﺷﻌر ﻣﻊ وﻓود اﻟﻣﺷرق
اﻟﻣﺗﺑﻠدة ،ﻓﺎرس
ّ اﻟﺗﻲ ﺑﺎﯾﻌﺗﻪ » ،وﻣﺎ ﻫﻲ إﻻّ ﺟوﻟﺔ إﺛر ﺟوﻟﺔ ﺣﺗﻰ ظﻬر ﻣن ﺑﯾن ﺗﻠك اﻟﻐﯾوم
اﻟﻣﯾدان أﺣﻣد ﺑك ﺷوﻗﻲ ،ﺣﺎﻣﻼ ﻟواء اﻟﻘواﻓﻲ ﻓوق رؤوس إﺧواﻧﻪ اﻟﺷﻌراء ،ﺳﺎﺋ ار أﻣﺎﻣﻪ ،ﺷﺎﻣﺧﺎ
ﻓﺟدد دوﻟﺔ اﻟﺷﻌر ،ورﻓﻌﻬﺎ ﺑﻌد ﺳﻘوطﻬﺎ ،وأﻋزﻫﺎ ﺑﻌد ذﻟﻬﺎ ،ﻓﻛﺎن ﺟزاؤﻩ ﻣن
اﻟﺳﻣﺎءّ ،
ﺑﺄﻧﻔﻪ ﻧﺣو ّ
ﻫذا اﻟﻌﻣل اﻟﺟدﯾر ﺑﺎﻹﻋﺟﺎب أن اﻋﺗرف ﻟﻪ اﻟﻧﺎس ﻟﻪ ﺑﺎﻹﻣﺎرة اﻟﻛﺑرى ﻓﻲ دوﻟﺗﻪ اﻟﺟﻠّﯾﺔ،
ﻓﺗﻘﻠدﻫﺎ ﻣﺳﺗﺣﻘﺎ ﻟﻬﺎ ،وﻫﺎ ﻫو اﻟﻌﺎﻟم اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﻔﺗّﻲ ﯾرﯾد أن ﯾﺣﺗﻔل ﺑﺄﺣﻣدﻩ ﻛﻣﺎ اﺣﺗﻔﻠت ﻓرﻧﺳﺎ
ﺑﻬﯾﺟوﻫﺎ ،واﻻﻧﺟﻠﯾز ﺑﺷﯾﻛﺳﺑﯾرﻫﺎ ،ﻓﺷﻛ ار ﺟزﯾﻼ ﻟﻠﻣﺣﺗﻔل وﻫﻧﯾﺋﺎ ﻟﻠﻣﺣﺗﻔل ﺑﻪ«. 2
ﻻ ﯾرﯾد "رﻣﺿﺎن ﺣﻣود" ﻣن وراء ﻧﻘدﻩ ﻟﺷوﻗﻲ ﺳﻣﻌﺔ وﺷﻬرة ﻟﺷﺎﻋر ﺟزاﺋري ﻋﻠﻰ
ﺣﺳﺎب أﻣﯾر اﻟﺷﻌراءٕ ،واﻧﻣﺎ أراد أن ﯾﺑﯾن ﻣدى اﻟﺗﺟﺎوب ﺑﯾن اﻟﻣﺷرق واﻟﻣﻐرب اﻟﻌرﺑﯾﯾن ،ﻓﻲ
أود أن ﻻ ﯾﻔﻬم
وﻗت ﻛﺎن ﯾﻌﺗﻘد أﻫل اﻟﻣﺷرق أن اﻟﺟزاﺋر ﻻ ﺗﺗﻛﻠم إﻻ ﺑﻠﺳﺎن ﻓرﻧﺳﻲ ،إذ ﯾﻘولّ »:
ﻣن إﺛﺎرﺗﻲ ﻟﻬذا اﻟﻣوﺿوع أﻧﻧﻲ أرﯾد أن أﺿﯾف ﺳﻣﻌﺔ ﺟدﯾدة ﻟﺷﺎﻋر ﺟزاﺋري ﻋﻠﻰ ﺣﺳﺎب
أي ﻣدى
ردﻩ ﻋﻠﯾﻪ وﻟﻛن ﻷﺑﯾن إﻟﻰ ّ
أﻣﯾر اﻟﺷﻌراء ﻛﺎﻟﺷﺎﻋر اﻟذي ﻫﺟﺎ ﺑﺷﺎ ار ﻟﯾﻛﺗﺳب ﺷﻬرة ﻣن ّ
ﻛﺎن اﻟﺗﺟﺎوب أﺻﯾﻼ ﺑﯾن اﻟﻣﻐرب اﻟﻌرﺑﻲ واﻟﻣﺷرق اﻟﻌرﺑﻲ ﻓﻲ وﻗت ﻛﺎن ﻓﯾﻪ اﻟﻣﺷرق ﯾﻌﺗﻘد
أن اﻟﺟزاﺋر ﻻ ﺗﺗﻛﻠم إﻻ ﺑﻠﺳﺎن ﻓرﻧﺳﻲ ﻣﺑﯾن«.3
وﯾؤﻛد "رﻣﺿﺎن ﺣﻣود" ارﺗﺑﺎط اﻟﺷﻌر ﺑﺎﻟﺷﻌور ،وﻫو ﻟﯾس ﻛﺎﻟﻧﺛر ،واﻷﻣر ﻋﻧدﻩ ﺳﯾﺎن
ﺑﯾن اﻷﻣم ﻣﺗوﺣﺷﺔ ﻛﺎﻧت أو ﻣﺗﻣدﻧﺔ ،وﯾذﻫب إﻟﻰ أن اﻟﺷﻌر ﯾﺗرﻋرع ﻓﻲ ﻣﻬد اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ،
واﺷﺗرط ﻧﻣوﻩ ورﺑطﻪ ﺑﺎﻟﻔطرة واﻟﻌﻘل ،ﻓﻬو ﻋﻧدﻩ ﻛﺎﻟﻧﺎﻣوس اﻟﻌﺎم ﺗﻧﺿوي ﺗﺣﺗﻪ اﻟﻛﺎﺋﻧﺎت،
»...ارﺗﺑﺎط اﻟﺷﻌر ﺑﺎﻟﺷﻌور ،واﻷﻣر ﻣﺗﺷﺎﺑﻪ ﻓﻲ رأﯾﻪ ﺑﯾن اﻷﻣم اﻟﻣﺗﻣدﻧﺔ واﻟﻣﺗوﺣﺷﺔ ،ﺑل
وﯾﻌﺗﻘد أن اﻟﺷﻌر ﯾﺗرﻋرع ﻣﻊ اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ ﻣﻬدﻫﺎ ،وﯾﻧﻣو ﺗدرﯾﺟﯾﺎ ﻋﻠﻰ ﻗدر اﻟﻘوة اﻟﻔطرﯾﺔ
96
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
واﻟﻘﺎﺑﻠﯾﺔ اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ ﻓﯾﻪ ،واﺻﻔﺎ إﯾﺎﻩ أﻧﻪ اﻟﻧﺎﻣوس اﻟﻌﺎم اﻟذي ﺗدﺧل ﺗﺣت ﺗﻌﺎﻟﯾﻣﻪ اﻟﻛﺎﺋﻧﺎت ،ﺑﯾﻧﻣﺎ
اﻋﺗﺑر اﻟﻧﺛر اﺑن اﻟﻌﻠم واﻟﺗﻣدن«.1
وﺑﻐض اﻟﻧظر ﻋن ﺻﺣﺔ ﻫذﻩ اﻟﻣﻘوﻟﺔ ﻣن ﻋدﻣﻬﺎ ،ﻓﺈن اﻷﻛﯾد ﻟدى اﻟﺟﻣﯾﻊ أن اﻟﺷﻌر
وﺟد ﺑوﺟود اﻹﻧﺳﺎن ،وﻫو ﻟﯾس ﻣرﺗﺑط ﺑﻣدى ﺗطور اﻷﻣم وﺗﺧﻠﻔﻬﺎ» ،أو ﻛﻣﺎ ﯾﻘول ﻣﺣﻣد
ﻣﺻﺎﯾف اﻟﺷﻌر ﻓن ،وأّﻧﻪ ﻟذﻟك اﺛر ﻣن آﺛﺎر اﻟﻌﺑﻘرﯾﺔ اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ«.2
اﻟﺷﻌر واﻟﻧﺛر ﻣﺗراﻓﻘﺎن ﯾﺳﯾران ﺟﻧﺑﺎ إﻟﻰ ﺟﻧب ،وﻟﻛل ﻣﻧﻬﻣﺎ دورﻩ ﻓﻲ اﻟﺣﯾﺎة» ،ﻓﺎﻟﺷﻌر
ﻗراءة ﻋﻣﯾﻘﺔ ﻟﻠﺣﯾﺎة ،أو ﻧﻘد اﻟﺣﯾﺎة ﻋﻠﻰ ﺣد ﺗﻌﺑﯾر اﻟﻧﺎﻗد واﻟﺷﺎﻋر اﻻﻧﺟﻠﯾزي -ﻣﺎﺛﯾوارﻧوﻟد..إﻧﻪ
ﻟﺣن ﯾﻌﯾد ﻟﻠﻌﺎﻟم ﺗوازﻧﻪ وﺻﯾﺎﻏﺔ ﺟدﯾدة ﻟﻣﻌﻧﺎﻩ وﻣﺻﯾرﻩ ،ﺣدس ﯾﻧﻔذ إﻟﻰ اﻷﻋﻣﺎق ﻟﯾﺟﺳد
اﻟوﺟود اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﺻورة ﺷﻌرﯾﺔ ،ﻣﻌﺎﻧﺎة ﺣﻘّﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟم اﻟﺳﺣري اﻟذي ﯾﺳوﻗﻪ اﻟﺷﻌراء ﻣن ﻧﺎر
ﺗﻠﻬب اﻷﺣﺷﺎء ،وﯾﺳﻛﺑوﻧﻪ طوﻓﺎﻧﺎ ﻣن اﻟﻘﻠب ﺑﻘدر ﺑوﺻﺔ«.3
وﺑﺎﻟرﻏم أن ﻟﻛل ﻣن اﻟﺷﻌر واﻟﻧﺛر ﻣﺟﺎﻻت وﺧﺻﺎﺋص وﻣﻣﯾزات وأﻧوع ،إﻻ أﻧﻬﻣﺎ
ﯾﺳﺗﻔﯾدان ﻣن ﺑﻌﺿﻬﻣﺎ اﻟﺑﻌض ،وﯾﺷﺗرﻛﺎن ﻓﻲ ﻋواﻣل أﺳﺎﺳﯾﺔ ﻛﺎﺷﺗراﻛﻬﻣﺎ ﻓﻲ ﻋﻧﺻري
اﻟﻌﺎطﻔﺔ واﻟﺧﯾﺎل ،ﻓﻼ ﻧﺳﺗطﯾﻊ اﻟﺟزم ﺑﺈﻧﻔراد اﻟﺷﻌر وﺣدﻩ ﺑﺎﻟﻌﺎطﻔﺔ واﻟﺧﯾﺎل ،ﺣﯾث ﯾﻘول
اﻟدﻛﺗور "ﻋﻠﻰ ﺟواد اﻟطﺎﻫر" ﻓﻲ ﻫذا اﻟﺻدد» :ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﺣق ﻋﺎطﻔﺔ وﻓﯾﻪ ﺧﯾﺎل وﻻ ﻧﻘﺎش
ﻓﻲ ذﻟك ،وﻟﻛن ﻓﻲ اﻟﻧﺛر اﻟﺣق ﻋﺎطﻔﺔ وﺧﯾﺎﻻ ،وﻗد ﯾﻧﺎﻗش اﻟﻣرء ذﻟك إذا ﺟردت اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﻣن
أﻣﺛﻠﺗﻬﺎ وﻣﺿﻰ اﻟﺟدال ﻧظرﯾﺎ ﺑﻌﯾدا ﻋن اﻟﻧﺻوص ﻧﻔﺳﻬﺎ ،أﻣﺎ إذا ﻋدت إﻟﻰ ﺧطﺑﺔ أو ﻗﺻﺔ
أو ﻣﺳرﺣﯾﺔ...ﻓﺈﻧك ﻻﺷك واﺟد اﻟﻌﺎطﻔﺔ واﻟﺧﯾﺎل.4«...
إن إدراك "ﺣﻣود" ﻟﻣﺎ ﻟﻠﻐﺔ ﻣن دور ﻓﻲ إﻧﺟﺎح اﻟﺗﺟرﺑﺔ أو إﺧﻔﺎﻗﻬﺎ ،ﺟﻌﻠﻪ ﯾوﻟﯾﻬﺎ أﻫﻣﯾﺔ
ﻛﺑرى ،ﻓﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻔﺿﻠﻬﺎ ﻫﻲ اﻟﻣﺗﻣﺎﺷﯾﺔ ﻣﻊ روح اﻟﻌﺻر واﻟﻣﺗطورة ﻣﻌﻪ ،واﻟﻣﺳﺗﺟﯾﺑﺔ
97
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﻟﻣﺗطﻠﺑﺎت اﻟﻌﺻر ،ﻫﻲ اﻟﻠﻐﺔ ﺳﻬﻠﺔ اﻟﺗﻧﺎول ﻟدى اﻟﻣﺗﻠﻘﯾن ﻣن دون ﺟﻬد أو ﺗﻛﻠف ﻓﻬﻲ ﻻ
ﺗﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻛﻠﻣﺎت ﻏرﯾﺑﺔ ﻣﻌﻘدة ﺿﺧﻣﺔ ،ﻛﻣﺎ ﻻ ﺗﺗدﻧﻰ إﻟﻰ ﻛﻠﻣﺎت ﻋﺎﻣﯾﺔ ﻣﺑﺗذﻟﺔ ،ﻫﻲ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺗﻲ
ﯾﻔﻬﻣﻬﺎ ﻋﺎﻣﺔ اﻟﺷﻌب» ،ﻻ ﯾﺳﻣﻰ اﻟﺷﺎﻋر ﻋﻧدي إﻻ إذا ﺧﺎطب اﻟﻧﺎس ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻔﻬﻣوﻧﻬﺎ
ﺑﺣﯾث ﺗﻧزل ﻋﻠﻰ ﻗﻠوﺑﻬم ﻧزول ﻧدى اﻟﺻﺑﺎح ﻋﻠﻰ اﻟزﻫرة اﻟﺑﺎﺳﻣﺔ ،ﻻ أن ﯾﻛﻠﻣوﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﻘرن
اﻟﻌﺷرﯾن ﺑﻠﻐﺔ اﻣرئ اﻟﻘﯾس وطرﻓﺔ واﻟﻣﻬﻠﻬل اﻟﺟﺎﻫﻠﯾﯾن اﻟﻐﺎﺑرﯾن«.1
ﻓﺣﺳب "ﺣﻣود" ﻟن ﺗﻛون اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﻧﺎﺟﺣﺔ وﻟن ﯾﺗﺳﻧﻰ ﻟﻬﺎ ﺗﺄدﯾﺔ دورﻫﺎ ،إﻻ
ﺑﺎﺑﺗﻌﺎدﻫﺎ ﻋن اﻟﺗﻛﻠف وﺗﻘﻠﯾد ﻟﻐﺔ ﻛﺑﺎر اﻟﺷﻌراء اﻟﺟﺎﻫﻠﯾﯾن ،واﻟﺗﻲ اﺣﺗذى ﺑﻬﺎ وﻧﺳﺞ ﻋﻠﻰ
ﻣﻣﺎ أﺧذﻩ "ﺣﻣود" ﻋﻠﻰ "ﺷوﻗﻲ" ،ووﻟﻌﻪ ﺑﻐرﯾب اﻷﻟﻔﺎظ ﻣﻣﺎ
ﻣﻧواﻟﻬﺎ ﺑﻌض اﻟﺷﻌراء ،ﻛﺎن ذﻟك ّ
ﯾﺿطر اﻟﻘﺎرئ إﻟﻰ اﺳﺗﺧدام ﻣطﺎرق اﻟﻘواﻣﯾس ﺣﺳب ﺗﻌﺑﯾرﻩ ،ﻟﻛن "ﺣﻣود" ﻛذﻟك ﻓﻲ دﻋوﺗﻪ
إﻟﻰ ﻏرﯾب اﻟﻠﻐﺔ وﺗﻌﺎﻟﯾﻬﺎ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻓﻲ اﻟوﻗت ﻧﻔﺳﻪ ﻟم ﯾدع إﻟﻰ ﻟﻐﺔ دارﺟﺔ أو ﻋﺎﻣﯾﺔ ،ﻷن اﻟﺣﻔﺎظ
ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻐﺔ ﻋﻧدﻩ ﻫو ﺣﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﻘوﻣﯾﺔ واﻷﺻﺎﻟﺔ اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ ،وﯾﺗﺟﻠﻰ ذﻟك ﻓﻲ ﺗﻠك اﻟدﻋوة
اﻟﺗﻲ وﺟﻬﻬﺎ إﻟﻰ اﻷدﺑﺎء واﻟﺷﻌراء ﻗﺎﺋﻼ» :أﺟﻬدوا أﻧﻔﺳﻛم ﻓﻲ درس ﻟﻐﺗﻛم ،ﻓﻲ ﻓﻬم أﺳرارﻫﺎ،
وﻓﻲ ﺗدﻗﯾق ﻣﻌﺎﻧﯾﻬﺎ ،ﻓﻲ إﺗﻘﺎﻧﻬﺎ ﻏﺎﯾﺔ اﻹﺗﻘﺎن ﻓﺈذا ﺗم ﻟﻛم اﻟﻣراد واﺳﺗﺣوذﺗم ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧب واﻓر
ﻣﻧﻬﺎ ،أﻧﺑذوا ﻋﻧﻛم ﻛل ﺻﻠﺔ ﺑﯾﻧﻛم وﺑﯾن ﻣﺎﺿﯾﻬﺎ أﺟﻌﻠوﻫﺎ وﺳﯾﻠﺔ إﻟﻰ ﻧﯾل ﻣﺂرﺑﻛم ،ﻻ ﻏﺎﯾﺔ
وﺳﻌوا ،أﺻﻠﺣوا ،ﻓﺈﻧﻛم ﺑذﻟك ﺗﻛوﻧون ﻋﺻ ار ﻣﺳﺗﻘﻼ ﻣﻧﯾ ار ذا ﻣﯾزة
ﻓﻧﻧوا ّ ،
ﺗﺗﺟﺎوزوﻧﻬﺎ ﻏﯾروا ّ ،
ﻋﻠﻰ ﻏﯾرﻩ«.2
اﻧطﻼﻗﺎ ﻣن ﻣﻔﻬوﻣﻪ ﻟوظﯾﻔﺔ اﻟﺷﻌر ،ورﺳﺎﻟﺔ اﻟﺷﺎﻋر ﻓﻲ اﻟﺣﯾﺎة واﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﻧدد "رﻣﺿﺎن
ﺣﻣود" ﺑﺎﻟﺷﻌر اﻷرﺳﺗﻘراطﻲ اﻟﻣوﺟﻪ ﻟﻠطﺑﻘﺔ اﻟﺧﺎﺻﺔ ،ورأى أن اﻟﺷﻌر ﯾﺟب أن ﯾﺗﺟﻪ إﻟﻰ
اﻟطﺑﻘﺔ اﻟﺷﻌﺑﯾﺔ ،أو ﻛﻣﺎ ﻋﺑر ﻋﻧﻬم ﺑﺎﻟﻌﺎﻣﺔ ،ﻛﻣﺎ دﻋﺎ اﻟﺷﻌراء إﻟﻰ ﻧﺑذ ﻟﻐﺔ اﻣرئ اﻟﻘﯾس
واﻟﻣﻬﻠﻬل وطرﻓﺔ اﻟﺟﺎﻫﻠﯾﯾن ،واﻧﺗﻘد اﻟﺷﻌراء اﻟذﯾن ﯾﺳﺗﺧدﻣون ﻟﻐﺔ ﺗﻠﺟﺊ إﻟﻰ ﻣطﺎرق اﻟﻘواﻣﯾس،
وﻧدد ﺑﺎﻟﺷﻌر اﻟذي ﯾﺳﺗﺧدم اﻷﻟﻔﺎظ اﻟﺿﺧﻣﺔ اﻟرﻧﺎﻧﺔ ،وﻧدد أﯾﺿﺎ اﻟﺗﻛﻠف ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ ،داﻋﯾﺎ إﻟﻰ
98
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
اﺳﺗﺧدام ﻟﻐﺔ ﺑﺳﯾطﺔ ﺳﻬﻠﺔ ﯾﻔﻬﻣﻬﺎ اﻟﻧﺎس ﺟﻣﯾﻊ » ،ﻓﺈن اﻟﺟﻣود ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﺑﺎﺋدة
ﺑدﻋوى اﻟﻣﺣﺎﻓظﺔ ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻫو اﻟذي ﯾﻘﺿﻲ ﻋﻠﯾﻬﺎ ﺑﯾن أﻫﻠﻬﺎ ،ﻷﻧﻪ ﻻ ﺣﯾﺎة وﻻ رﻗﻲ ﻣﻊ اﻟﺗﻘﻠﯾد
واﻟﺟﻣود«.1
وﺑذﻟك ﻧرى أن رأي "رﻣﺿﺎن ﺣﻣود" إﻟﻰ ﻣﻔﻬوم اﻟﺷﻌر ﻣﻔﻬوم ﺗﺟدﯾدي ،وﻫو ﻣﻔﻬوم
ﯾﺧﺗﻠف اﺧﺗﻼﻓﺎ ﻛﺑﯾ ار ﻋن ﻣﻔﻬوم اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﯾن اﻟﻣﺣﺎﻓظﯾن ،ﻓﺎﺧﺗﻼﻓﻪ ﻣﻌﻬم ﺻرﯾﺢ ﻋﺑر ﻋﻧﻪ أﻛﺛر
ﻣن ﻣﻧﺎﺳﺑﺔ ،ﻓﺎﻟﻔرق ّﺑﯾن ﺑﯾﻧﻪ وﺑﯾن ﻣن ﯾدﻋو إﻟﻰ ﺷﻌر اﻟﺻﻧﺎﻋﺔ واﻟﺗﻛﻠف ،واﻟﻣﻣﺎرﺳﺔ واﻟﺗﺷدﯾد
ﻋﻠﻰ اﻟﻌروض واﻟﺑﻼﻏﺔ واﻟﻧﺣو ،وﻏﯾر ذﻟك ﻣﻣﺎ ذﻫب إﻟﯾﻪ ﺷﻌراء اﻟﻣﺣﺎﻓظﺔ واﻟﺗﻘﻠﯾد.
واﻟﺗﺟدﯾد ﻓﻲ ﺷﻛل اﻟﻘﺻﯾدة اﻟﻌرﺑﯾﺔ وﺗﺣرﯾرﻫﺎ ﻣن اﻟوزن واﻟﻘﺎﻓﯾﺔ ،أوﻻﻩ "رﻣﺿﺎن ﺣﻣود"
اﻫﺗﻣﺎﻣﻪ ،ﻓﻣن اﻟﺑدﯾﻬﻲ أن ﯾﻛون ﻫﺟوﻣﻪ ﻋﻠﻰ اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟﺗﻘﻠﯾدي ،اﻟذي ﯾﻌﺗﺑر اﻟوزن واﻟﻘﺎﻓﯾﺔ
ﺧﺻﺎﺋص ﻣﻣﯾزة ﻟﻌﻣﻠﯾﺔ اﻹﺑداع اﻟﺷﻌري ،وﻫو ﺑذﻟك ﻻ ﯾﺧﺗﻠف ﻋن اﻟﺷﻌراء اﻟﻣﻌﺎﺻرﯾن ،ﻓﻘد
رﺑط ﺑﯾن اﻟﺷﻛل واﻟﻣﺿﻣون ،واﻋﺗﺑر أن ﺗطور أﺣدﻫﻣﺎ ﻻ ﯾﺗم ﺑدون ﺗطور اﻵﺧر ،وأن اﻟﺷﻌر
ﻋﻣﻠﯾﺔ ﻣﺗﻛﺎﻣﻠﺔ ﺗﻠﺗﺣم ﻓﯾﻬﺎ اﻟﺻورة واﻟﻣوﺳﯾﻘﻰ واﻟﻛﻠﻣﺔ ﻣﻊ اﻷﺣﺎﺳﯾس اﻟﺗﻲ ﺗﺧﺗﻠﺞ ﻓﻲ ﻧﻔس
اﻟﻣﺑدع ،ﻓﯾﻛون اﻟﺷﻛل اﺳﺗﺟﺎﺑﺔ ﻟﻬذﻩ اﻷﺣﺎﺳﯾس اﻟﻣﺷﺗﻌﻠﺔ وﻟذﻟك ﻓﻬو ﯾﻌﺗﺑر اﻟﺷﻌر ﺗﯾﺎر
ﻛﻬرﺑﺎﺋﻲ ،إذ ﯾﻘول»:اﻟﺷﻌر ﺗﯾﺎر ﻛﻬرﺑﺎﺋﻲ ﻣرﻛزﻩ اﻟروح ،وﺧﯾﺎل ﻟطﯾف ﺗﻘذﻓﻪ اﻟﻧﻔس ،ﻻ دﺧل
ﻟﻠوزن وﻻ اﻟﻘﺎﻓﯾﺔ ﻓﻲ ﻣﺎﻫﯾﺗﻪ ،وﻏﺎﯾﺔ أﻣرﻫﻣﺎ أﻧﻬﻣﺎ ﺗﺣﺳﯾﻧﺎت ﻟﻔظﯾﺔ اﻗﺗﺿﺎﻫﺎ اﻟذوق واﻟﺟﻣﺎل ﻓﻲ
اﻟﺗرﻛﯾب ﻻ ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻧﻰ ،ﻛﺎﻟﻣﺎء ﻻ ﯾزﯾدﻩ اﻹﻧﺎء اﻟﺟﻣﯾل ﻋذوﺑﺔ وﻻ ﻣﻠوﺣﺔٕ ،واﻧﻣﺎ ﺣﻔظﺎ وﺻﯾﺎﻧﺔ
ﻣن اﻟﺗﻼﺷﻲ واﻟﺳﯾﻼن«.2
ﻋﻣﺎ ﻧﺟدﻩ ﻋﻧد
ﯾذﻫب "ﻣﺣﻣد ﻧﺎﺻر" إﻟﻰ أن ﻣﻔﻬوم "ﺣﻣود رﻣﺿﺎن" ﻟﻠﺷﻌر ﻻ ﯾﺧﺗﻠف ّ
ﺷﻌراء ﻣدرﺳﺔ اﻟدﯾوان ،أو اﻟﻣﻬﺟر اﻷﻣرﯾﻛﻲ ،وﺑذﻟك ﻻ ﯾﺧﺗﻠف ﻋن ﻣﻔﻬوم اﻟروﻣﺎﻧﺳﯾﯾن
اﻟﻐرﺑﯾﯾن وﻻﺳﯾﻣﺎ اﻟﻔرﻧﺳﯾﯾن اﻟذي ﺑدا ﺗﺄﺛرﻩ ﺑﻬم واﺿﺣﺎ ، 3ﻓﻣن وﺟوﻩ اﻻﺗﻔﺎق ﺗرﻛﯾز ﺟﻣﺎﻋﺔ
-1ﻣﺣﻣد ﻧﺎﺻر ،اﻟﺷﻌر اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث اﺗﺟﺎﻫﺎﺗﻪ وﺧﺻﺎﺋﺻﻪ اﻟﻔﻧﯾﺔ ،ص .131
-2ﻣﺣﻣد ﻧﺎﺻر ،رﻣﺿﺎن ﺣﻣود ﺣﯾﺎﺗﻪ وآﺛﺎرﻩ ،ص .69
-3أﻧظر :ﻣﺣﻣد ﻧﺎﺻر ،اﻟﺷﻌر اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث اﺗﺟﺎﻫﺎﺗﻪ وﺧﺻﺎﺋﺻﻪ اﻟﻔﻧﯾﺔ ،ص.132
99
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
اﻟدﯾوان ﻋﻧد ﻧﻘدﻫﺎ ﻟﻠﺷﻌراء اﻟﻘداﻣﻰ واﻟﻣﺣدﺛﯾن ﻋﻠﻰ اﻟﺑﺣث ﻋﻠﻰ ﻧﻔس اﻟﺷﺎﻋر ﻓﻲ ﺷﻌرﻩ،
وﺗﺄﻛﯾدﻫﺎ ﻛذﻟك ﻋﻠﻰ ﺿرورة اﻟﺻدق ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺑﯾر ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺟﻌﻠﻬم رﺳﺎﻟﺔ اﻷدﯾب ﻫﻲ
ﺗﻬذﯾب اﻟﻧﻔوس واﻟﺿﻣﺎﺋر واﻷذواق ،وﻣﻧﺣﻬﺎ دو ار إﯾﺟﺎﺑﯾﺎ ﻓﻲ اﻟرﻓﻊ ﻣن ﻗﯾﻣﺔ اﻹﻧﺳﺎن ،وﻓﻲ
اﻟﻧزوع إﻟﻰ اﻟﺣرﯾﺔ ،وﺑﻘدرة اﻟﺷﺎﻋر ﻋﻠﻰ ﺗﺣدﯾد اﻟطرﯾق اﻷﺻﻠﺢ ﻟﻠﺣﯾﺎة ،واﺧﺗﯾﺎر اﻟﻌﺑﺎرات
اﻟﻣﻼﺋﻣﺔ ﻟﻠﻌﺻر ،وﺑﺗﻔﺿﯾﻠﻬم ﻟﻠﺷﻌر اﻟﻣطﺑوع ،وﻫو اﻟذي ﯾﻘدم ﺷﯾﺋﺎ ﺧﺎﺻﺎ ،ﻋﻠﻰ ﺧﻼف ﺷﻌر
اﻟﺻﻧﻌﺔ اﻟذي ﯾﺗﺳﺎوى ﻓﯾﻪ اﻟﺷﻌراء اﻟﻣﻐﻣورون واﻟﻣﺗﻛﻠﻔون ،وﻓﻲ ﺳﻌﯾﻬم ودﻋوﺗﻬم ﻟﻠﺷﻌر
اﻟﻌرﺑﻲ ﺑﺄن ﯾﺗطور وﯾرﻗﻰ ﻣﺛﻠﻪ ﻣﺛل اﻟﺷﻌر اﻟﻐرﺑﻲ.
وﯾرى "رﻣﺿﺎن ﺣﻣود" أن اﻟﺷﻌر ﻫو اﻟﻧطق ﺑﺎﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ،ﺗﻠك اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﻧﺎﺑﻌﺔ ﻣن اﻟﻘﻠب
ﻓﺎﻟﺷﺎﻋر اﻟﺻﺎدق ﻗرﯾب ﻣن اﻟوﺣﻲ ،ﻓﺎﻟﺷﻌر أﻋﻠﻰ ﻣﻧزﻟﺔ ﻣن أن ﯾﺗﻧﺎوﻟﻪ ﻛل ﻣﻘﻠد ﻣﻧﺎﻫض ﻟﻛل
ﻣﺑدع وﻣﺟدد ،وﺣﺳب رأﯾﻪ داﺋﻣﺎ ﻓﺈن ﻫﻧﺎك ﺷروط وأدوات ﻻ ﯾﻣﻛن ﻟﻔﺎﻗدﻫﺎ أن ﯾدرك ﻛﻧﻪ
اﻟﺷﻌر وﺣﻘﯾﻘﺗﻪ ﺣﺻرﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻔﻛر اﻟﺛﺎﻗب ،واﻟﻌﻘل اﻟﺻﺎﺋب واﻟذوق اﻟﺳﻠﯾم » ،ﺣﺗﻰ ﯾﻘدر أن
درﻩ ﻣن ﺻدﻓﻪ وﺳﻣﯾﻧﻪ ﻣن ﻏﺛّﻪ ،وﻣن ﻧﺑش دﻓﺎﺋﻧﻪ ﺑﻐﯾر ﻫﺎﺗﻪ اﻵﻻت واﻟﺷروط
ﯾﺳﺗﺧرج ّ
اﻟﺛﻼث ،ﻓﻘد ﺣﺎول ﻣﺳﺗﺣﯾﻼ وطﻠب ﻋﺳﯾ ار«،1وﻫو ﯾﻘول ﻓﻲ ذﻟك ﺷﻌ ار:
ﻋﺟوز ﻟﻪ ﺷطر وﺷطر ﻫو اﻟﺻدر ﯾﺣرك ﺳﺎﻣﻌــــــــــــــﺎ
أﺗـــوا ﺑـﻛــــﻼم ﻻ ّ
ﻛﻌظــــــــم رﻣﯾم ﻧـﺎﺧر ﺿﻣﻪ اﻟﻘـــــــﺑر وﻗد ﺣﺷـــروا أﺟزاءﻩ ﺗﺣت ﺧﯾﻣـــــﺔ
ﺑﻘـﺎﻓﯾـــــــﺔ ﻟﻠﺷط ﯾﻘـذﻓﻬــــــﺎ اﻟﺑﺣـــــــــر وزﯾن ﺑﺎﻟوزن اﻟذي ﺻــــﺎر ﻣﻘــﺗﻔﻰ
ّ
وﻣﺎ ﻫو ﺷــــــﻌر ﺳﺎﺣر ﻻ وﻻ ﻧــــــﺛر وﻗﺎﻟوا وﺿﻌﻧﺎ اﻟﺷﻌر ﻟﻠﻧﺎس ﻫﺎدﯾﺎ
وﻛذب وﺗﻣوﯾـــﻪ ﯾﻣـــوت ﺑﻪ اﻟﻔﻛـــــــــر وﻟﻛﻧـــــــــــــــــــــــــﻪ ﻧظم وﻗول ﻣﺑﻌﺛـــر
أن اﻟﺷﻌــــور ﻫو اﻟﺷﻌر
أﻻ ﻓﺎﻋﻠﻣوا ّ ﻓﻘﻠت ﻟﻬم ﻟﻣﺎ ﺗﺑﺎﻫـوا ﺑﻘوﻟﻬـــــــــــــم:
ﻧﺣن ﻟــﻪ اﻟﺻـــــدر
ﻓﻣﺎ اﻟﺷﻌر إﻻ ﻣﺎ ّ وﻟﯾس ﺑﺗﻧﻣﯾــــــق وﺗزوﯾر ﻋــــــــﺎرف
اﻟﺣب ﯾﻧﺷـــدﻩ اﻟطﯾـــــــــــر
ّ وﻫذا ﻏﺛﺎء ﻓﻬـــــــــــــذا ﺧرﯾــر اﻟﻣﺎء ﺷﻌر ﻣرﺗ ّل
100
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
وﻫذا ﺻﻔﯾر اﻟرﯾﺢ ﯾﻧطﺣﻪ اﻟﺻﺧــــــر وﻫذا زﺋﯾر اﻷﺳــــــــــد ﺗﺣﻣﻲ ﻋرﯾﻧﻪ
وﻫذا ﻏراب اﻟﻠّﯾل ﯾطـــــــردﻩ اﻟﻔﺟـــــــــر وﻫذا ﻗﺻﯾف اﻟرﻋد ﻓﻲ اﻟﺟــــو ﺛﺎﺋر
اﻟﻐـــــــــر1 اﻟﻣ ّﯾت
ٕوان ﻟم ﯾذﻗـﻪ اﻟﺟـﺎﻣد ّ ﻓذاك ﻫو اﻟﺷﻌر اﻟﺣﻘﯾـق ﺑﻌﯾــــــــﻧـﻪ
إن رﺳﺎﻟﺔ اﻷدﯾب ﻫﻲ رﺳﺎﻟﺔ ﻧﺑﯾﻠﺔ وﺧطﯾرة ﻓﻲ اﻟوﻗت ﻧﻔﺳﻪ ،ﻷن ﻟﻪ دور ﻓﻲ اﻟﺣﯾﺎة
اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ واﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ،ﻓﻧظ ار ﻟﻣﺎ ﯾﻘدﻣﻪ ﻣن أﻓﻛﺎر وآراء ﯾﺣدد ﻣﺳﺎر رﺳﺎﻟﺗﻪ ﺧدﻣﺔ ﻟﻠﻣﺟﺗﻣﻊ
ودﻓﺎﻋﺎ ﻋن ﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟوطن وﻗﺿﺎﯾﺎ أﺑﻧﺎء ﺟﻠدﺗﻪ ،وﻣﻬﻣﺗﻪ ﻫذﻩ أدﯾب ﻗﺑل ﻛل ﺷﻲء ،ﻓﯾﻧﺑﻐﻲ
ﻋﻠﯾﻪ أن ﯾﻛﺗﺳب أدوات ﻓﻧﻪ ،اﻟﺗﻲ ﺗﺟﻌﻠﻪ ﻗﺎد ار ﻋﻠﻰ ﻧﻘل أﻓﻛﺎرﻩ واﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن آراءﻩ ﺑﺄﺳﻠوب ﻓﻧﻲ
ﺟﻣﺎﻟﻲ ،ﻟﻛن ﺑﻠوغ ذﻟك ﻟﯾس ﺑﺎﻷﻣر اﻟﻬﯾن ،إذ ﯾﺗطﻠب اﻷﻣر ﻛﺛﯾ ار ﻣن اﻟﺟﻬد واﻟﻣﻐﺎﻣرة أﺣﯾﺎﻧﺎ
ﺑﺎﻟدﺧول ﻓﻲ ﻋواﻟم ﺟدﯾدة ﻓﻧﺎ وﻓﻛرا ،وﻷﻫﻣﯾﺔ ﻫذا اﻻﺗﺟﺎﻩ ﺟﻌل اﻟﻧﻘﺎد اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ﻟﻔت اﻟﻧظر
إﻟﻰ اﻟﺟﺎﻧب اﻟﻔﻧﻲ ،وﺟﻌﻠﻬم ﯾطﻠﺑون ﻣن اﻷدﺑﺎء أن ﯾﺣﺳﻧوا إﻣﻛﺎﻧﺎﺗﻬم اﻟﻔﻧﯾﺔ ،ﻟﯾﺗﻣﻛﻧوا ﻣن ﺗﺄدﯾﺔ
اﻟرﺳﺎﻟﺔ اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ ،اﻟﺗﻲ ﺣددوﻫﺎ ﻟﻬم وﻫﻲ اﻟرﺳﺎﻟﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ ،إﻟﻰ ﺟﺎﻧب اﻟرﺳﺎﻟﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ
واﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ.
ﺣث اﻷدﺑﺎء ﻋﻠﻰ أداء رﺳﺎﻟﺗﻬم اﻟﻔﻧﯾﺔ اﻋﺗﻣد اﻟﻧﻘﺎد ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺟدﯾد واﻟﺣرﯾﺔ ،وﻓﻲ
وﻓﻲ ّ
دﻋوﺗﻬم ﻟﻠﺗﺟدﯾد ﻟم ﯾﻔﺻﻠوا ﺑﯾن اﻟﺷﻛل واﻟﻣﺿﻣون ،وﻛﺎﻧوا ﯾرﯾدون ﻣن اﻷدب اﻟﺟزاﺋري أن
ﯾﻛون ﺣﯾﺎ ﻣواﻛﺑﺎ ﻟﻠﺣﯾﺎة ﻓﻲ ﺳﯾرﻫﺎ وﺗﺟددﻫﺎ ،ﯾﻌﺑر ﻋن ﻏﻧﻰ اﻟﺷﻌب ﻓﻛ ار وأﺧﻼﻗﺎ ،وﻓﻲ ﻫذا
ﯾﻘول " أﺣﻣد اﻟﻐواﻟﻣﻲ" » :وﻛم أﺗﻣﻧﻰ ﻷدﯾﺑﻧﺎ أن ﯾﺳﻣوا ﺑﺄدﺑﻪ ﻟﻔظﺎ وﻣﻌﻧﻰ ﻣﺗﻣﺎﺷﯾﺎ ﻣﻊ ﺗطور
101
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
اﻟﻌﺻور وﺣوادث اﻟﺷﻌب ،ﺣﺗﻰ ﯾﻛون أدﺑﻪ ﻣﻧظﺎ ار ﺻﺎﻓﯾﺎ ،ﻟﻣﺎ ﺗﻧطوي ﻋﻠﯾﻪ أﺷﻌﺔ أﻓﻛﺎر
ﺷﻌﺑﻪ ،وﺧﺻﺎﺋص ﻗﯾﻣﻪ اﻷﺧﻼﻗﯾﺔ«.1
ﻧﻠﺣظ ﻫذا اﻟرﺑط ﻟدى اﻟﻧﻘﺎد اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ﺑﯾن اﻟﺣرﯾﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ واﻟﺗﺟدﯾد»،ﻓﺎﻟﺣرﯾﺔ ﻛﻣﺎ ﯾﻘول
"ﻋﺑد اﷲ اﻟرﻛﯾﺑﻲ" ﻫﻲ اﻟﺗﻲ ﺗﻔﺟر ﻋواطف اﻷدﯾب ﻧﻐﻣﺎ ﺷﺟﯾﺎ ،ﯾﺗﻐﻧﻰ ﺑﺂﻣﺎل اﻹﻧﺳﺎن وﯾﻌﺑر
ﻋن آﻻﻣﻪ وأﺣﻼﻣﻪ .ﻋن ﻫﻣوﻣﻪ..ﻋن ﺣﺎﺿرﻩ وﻣﺻﯾرﻩ..ﻓﺈذا ﻣﺎ ﺗﺣﺟرت ﻫذﻩ اﻟﻌواطف وﺟﻔت
ﺗﺣت ﺿرﺑﺎت اﻟﺳوط..ﺳوط اﻹرﻫﺎب ،ﻓﻠن ﯾﻐﻧﻲ ﻫذا اﻹﻧﺳﺎن وﻟن ﯾﻧﺷد ٕواذا ﻏﻧﻰ ﻓﻐﻧﺎؤﻩ ﻟن
ﯾﻛون ﺻﺎدﻗﺎ ﻣﺧﻠﺻﺎ ﺷﺟﯾﺎ«.2
ﻟﻘد اﻧﻔرد "أﺣﻣد رﺿﺎ ﺣوﺣو" ﺑرؤﯾﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻟرﺳﺎﻟﺔ اﻷدﯾب اﻟﻔﻧﯾﺔ » ،ﻓﻬو ﯾرى ﻓﻲ
ﻣﻘﺎﻟﻪ رﺳﺎﻟﺔ اﻷدﯾب ﻓﻲ اﻟﺣﯾﺎة أن ﺟﻣﯾﻊ اﻟذﯾن ﻛﺗﺑوا ﺣول ﻣوﺿوع رﺳﺎﻟﺔ اﻷدﯾب ﺟﻌﻠوا ﻣن
اﻷدب ﻣﺎدة ﺣﺻﯾﻧﺔ ﻣﻌﻘدة ﻻ ﺗﺗطﻠب إﻻّ اﻟدراﺳﺔ واﻟﺗطﺑﯾق« ،3واﻷدﯾب ﻫو داﺋﻣﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ
ﺑﺣث ﻋن اﻹﺑداع واﻟﻛﻣﺎل ،ﻫذا اﻟﻬدف اﻟذي ﯾﻣﺛل رﺳﺎﻟﺔ اﻷدﯾب اﻟذي ﻻ ﯾﺗوﻗف ﻋن اﻟﺟري
وراﺋﻬﺎ إﻟﻰ أن ﯾﺻﯾﺑﻪ اﻟﻣﻠل ،ﻟﯾﺄﺗﻲ أدﯾب آﺧر ﯾواﺻل اﻟﺑﺣث ﺑطرق ووﺳﺎﺋل ﺟدﯾدة ،إذ
ﯾﺿﯾف ﻗﺎﺋﻼ..» :اﻷدﯾب اﻟﻣطﺑوع ،اﻷدﯾب اﻟﻣوﻫوب ﻣﺳﯾر ﻓﻲ ﻋﻣﻠﻪ ﻻ ﻣﺧﯾر ﻓﯾﻪ ،ﻓﻬو
ﺳﺟﯾن ﻓﻛرﻩ ﯾﺑﺣث ﻋن ﺷﻲء ﯾﻧﻘﺻﻪ ،ﺷﻲء ﯾﺟﻬﻠﻪ ،وﻫذا اﻟذي ﯾﺑﺣث ﻋﻧﻪ اﻷدﯾب وﻟن ﯾدرﻛﻪ،
ﻫو اﻹﺑداع ﻫو اﻟﻛﻣﺎل ...ﻓﻬو ﯾﺟري وراء ﻫذا اﻟﻛﻣﺎل...إﻟﻰ أن ﯾﺻﯾﺑﻪ اﻟﻣﻠل ﻓﯾﺣﻛم ﻋﻠﻰ
ﯾﺧر ﺻرﯾﻌﺎ ﺗﺎرﻛﺎ وراءﻩ ﻫذﻩ اﻟرﺳﺎﻟﺔ اﻟﻐﺎﻣﺿﺔ ،اﻟرﺳﺎﻟﺔ اﻟﻼّﻧﻬﺎﺋﯾﺔ ،إﻟﻰ
ﻧﻔﺳﻪ ﺑﺎﻹﺧﻔﺎق أو ّ
ﻏﯾرﻩ ﯾﺳﺗﺄﻧﻔﻬﺎ ﻣن ﺟدﯾد ،ﺑطرق ﺟدﯾدة ،وأﺳﺎﻟﯾب ﺟدﯾدة ،وﻫﻛذا ﯾﺳﺗﺄﻧف اﻟﻼﺣق ﻣﺎ ﺗرك
اﻟﺳر ﻓﻲ اﻷدب ،وﻫذﻩ ﻫﻲ اﻟروﺣﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ اﻷدب ،وﻫذﻩ رﺳﺎﻟﺔ اﻷدب«.4
اﻟﺳﺎﺑق ،وﻫذا ﻫو ّ
102
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
وﻓﻲ ﻣﻘﺎل آﺧر ﻟﺣوﺣو ﯾﺗﻛﻠم ﻋن اﻟرﺳﺎﻟﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ ﻟﻸدﯾب ﻣن زاوﯾﺔ اﻟرؤﯾﺔ اﻟروﻣﺎﻧﺗﯾﻛﯾﺔ
ﻓﻬو ﻣن أﺟل اﻟﻣﺗﻌﺔ واﻟﻠذة اﻟﺗﻲ ﯾﺟﻧﯾﻬﺎ ﯾﻌﺎﻧﻲ آﻻﻣﺎ ﻧﻔﺳﯾﺔ وﺟﺳدﯾﺔ ﺗﺳﯾطر ﻋﻠﻰ ﺣﯾﺎﺗﻪ ،واﻟﺗﻲ
ﻻ ﯾﻌﯾرﻫﺎ أي اﻫﺗﻣﺎم ،ﺑل ﯾﺟد ﻓﯾﻬﺎ ﻧﺑراﺳﺎ ﯾﻧﯾر ﺗﻔﻛﯾرﻩ ،وﯾﻛﺷف ﻟﻪ ﻣن زﯾف اﻟﺣﯾﺎة ،إذ ﯾﻘول
ﻋن اﻷدﯾب » :ﯾﺳﻌد وﯾﺗﻠذذ ﻋﻠﻰ ﺣﺳﺎب ﻧﻔﺳﻪ وﺻﺣﺗﻪ ،ﯾﻧﺣت ﻣﺗﻌﺔ ﻣن ﻋﻘﻠﻪ وﺟﺳﻣﻪ ﯾﺟد
ﻓﻲ أﻟوان اﻟﻌذاب ﻟذة ،وﯾﺟد ﻛذﻟك ﻓﻲ ﺿروب اﻟﺷﻘﺎء ﻣﺗﻌﺔ ،ﺑل ﯾﺟد ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻵﻻم اﻟﺗﻲ
ﯾﻘﺎﺳﯾﻬﺎ ،وﻫذﻩ اﻟﻣﺂﺳﻲ اﻟﺗﻲ ﯾﻌﯾش ﻓﻲ أﻛﻧﺎﻓﻬﺎ ﻧﺑراﺳﺎ ﯾﻧﯾر ﺗﻔﻛﯾرﻩ ،وﯾﻛﺷف ﻟﻪ ﻣن زﯾف اﻟﺣﯾﺎة
وﻏﺷﻬﺎ«.1
إن ﺗﺄﺛر اﻟﻧﻘﺎد واﻷدﺑﺎء اﻟروﻣﺎﻧﺳﯾﯾن ﻋﻧدﻧﺎ ﺑﺎﻟﻔﻛر واﻟﻧﻘد واﻷدب اﻟﻐرﺑﯾﯾن ﻟﯾس ﺧﺿوﻋﺎ
ﻟﻠﻐرب وذوﺑﺎﻧﺎ ﻓﻲ ﺛﻘﺎﻓﺗﻪ وأدﺑﻪ وﻧﻘدﻩ ،وﻟﯾس أﯾﺿﺎ ﻧﻘﻼ آﻟﯾﺎ ﻟﻛل ﻣﺎ اﺳﺗطﺎع اﻷدﺑﺎء واﻟﻧﻘﺎد
اﻹطﻼع ﻋﻠﯾﻪ ﻣن اﻟﻔﻛر اﻟﻐرﺑﻲٕ ،واﻧﻣﺎ ﻫو ﺗﺄﺛر ﻫؤﻻء ﺑﺗﻠك اﻷﻓﻛﺎر اﻟﺗﻲ وﺟدت ﺻداﻫﺎ ﻓﻲ
ذﻫن اﻟﻘﺎرئ واﻟﻧﺎﻗد ﻓﻲ اﻟﺣرﻛﺔ اﻷدﺑﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ،واﻟﺗﻲ ﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﻧﺻﯾب ﻣن اﻟﺗﺄﺛر ﺑﺎﻟﺗطور
اﻟﻔﻛري واﻷدﺑﻲ اﻟذي ﺷﻬدﻩ اﻟوطن اﻟﻌرﺑﻲ ،ﻟﻘد ﺗﺄﺛر اﻷدﺑﺎء واﻟﻧﻘﺎد ﺑﺎﻟﺗﯾﺎر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﺟدد ،ﻓﻘد
اﻫﺗﻣوا ﺑداﯾﺔ ﺑﺗﻠك اﻷﻓﻛﺎر واﻟﺷروح واﻟﻣﻧﺎﻗﺷﺎت اﻟﺗﻲ أﺛﺎرﻫﺎ ﺟﻣﺎﻋﺔ اﻟدﯾوان وأدﺑﺎء اﻟﻣﻬﺟر ،ﺛم
ﻣﺎ أﺛﺎرﻩ طﻪ ﺣﺳﯾن وﺟﻣﺎﻋﺔ أﺑوﻟو ﻓﻲ اﻟﻣرﺣﻠﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ،دون ﻧﺳﯾﺎن اﻟوﺿﻊ اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ اﻟذي
ﻋﺎﯾﺷوﻩ.
ﺟﺎءت اﻟدﻋوة اﻟﺻرﯾﺣﺔ ﻣن اﻷدﺑﺎء واﻟﻧﻘﺎد اﻟذﯾن ﯾﺗﻘﻧون اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ إﻟﻰ رﺑط اﻷدب
ﺑﺎﻟﺣﯾﺎة ،ﺑواﻗﻊ اﻟوطن اﻟﻣﺳﺗﻌﻣر واﻟﺷﻌب اﻟﻣﺿطﻬد ،ﻧﺗﯾﺟﺔ ﺗطور اﻟﺣرﻛﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻋﺑر ﻣراﺣل
ﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ،ﻣﻣﺎ ﺟﻌل واﻗﻊ اﻟﺟزاﺋر اﻟﻣﺳﺗﻌﻣرة ﯾﺗطﻠب ﻣﻌرﻓﺔ اﻟﻔﻛر اﻟﻐرﺑﻲ ،وﺣرﻛﺎﺗﻪ
اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ واﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ وﺧﺎﺻﺔ اﻟﻔﻛر اﻟﻔرﻧﺳﻲ ﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟظروف اﻻﺳﺗﻌﻣﺎرﯾﺔ.
ﺑروز اﻟدﻋوة اﻟﺻرﯾﺣﺔ إﻟﻰ أدب ﺟدﯾد ،ﯾﻼﺋم اﻟﻌﺻر وأﻫﻠﻪ ﺗﺧرج اﻟﺷﻌر ﻣن ﺗﺑﻌﯾﺗﻪ
وﺟﻣودﻩ وﺗﺣرك ﻣﯾﺎﻫﻪ اﻟراﻛدة» ،وﯾﺿرب ﻟﻬم اﻟﻣﺛل ﺑﺎﻟﺷﻌراء واﻷدﺑﺎء اﻟروﻣﺎﻧﺳﯾﯾن وﯾدﻋوﻫم
103
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
إﻟﻰ اﻹﻗﺗداء ﺑﻬم ﻓﻲ رؤاﻫم ،وﻣواﻗﻔﻬم ،وﯾﺷﯾد ﺑﺷﻌر ﻻﻣﺎرﺗﯾن وﻓﯾﻛﺗور ﻫﯾﺟو ،ﻷﻧﻪ ﺷﻌر
ﺣد ﺗﻌﺑﯾر اﻟﻧﺎﻗد إﻻّ ﻓﻲ
ودﻗﺔ اﻟوﺻف ،وﻫﻲ ﻣﯾزة ﻻ ﺗوﺟد ﻋﻠﻰ ّ
ﺗﻣﯾز ﺑﺻدق اﻟﻌﺎطﻔﺔ ّ
ﻣ ّ
ﺑﻣﻣﯾزات
اﻟروﻣﺎﻧﺗﯾزم ﻓﻬو اﻟﻣذﻫب اﻷدﺑﻲ اﻟذي ﯾﺧﺗﻠف ﻋن ﻏﯾرﻩ ﻣن اﻟﻣذاﻫب اﻷﺧرى ّ
وﻓﻧﯾﺔ أﺑرزﻫﺎ أﻧﻪ ﯾدﻋوا إﻟﻰ أن ﯾﻛون اﻷدب ﻣرآة ﺻﺎدﻗﺔ ﻷﺣﺎﺳﯾس اﻹﻧﺳﺎن ،..وﻷن
ﻓﻛرﯾﺔ ّ
اﻟﺗﺻور
اﻟﺷﻌر اﻟروﻣﺎﻧﺳﻲ ﻫو»اﻟﺷﻌر اﻟﺣﻘﯾﻘﻲ اﻟذي ﯾﻘدر ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن إﺣﺳﺎس اﻟﺷﺎﻋر و ّ
ﻟﺧﯾﺎﻟﻪ.1«...
وﻧﺗﯾﺟﺔ اﻧﺗﺷﺎر اﻟروﻣﺎﻧﺳﯾﺔ ﻓﻲ اﻟوطن اﻟﻌرﺑﻲ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻌد اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﺑدأ
ﻫذا اﻻﺗﺟﺎﻩ ﯾﺷﺗّد وﯾﻘوى ،وﯾﺑﻠﻎ ﺻداﻩ إﻟﻰ اﻟﺟزاﺋر ﻟﯾﺟد ﻣن ﯾﺣﺗﺿﻧﻪ ﻣن اﻷدﺑﺎء ،وﯾﺗﺑﻊ
ﺗطوراﺗﻪ وﯾﺗﺄﺛر ﺑﻪ ﺗﺄﺛ ار ﻛﺑﯾ ار ،وﻟم ﯾﻛن ﻫذا ﻣﻘﺗﺻ ار ﻋﻠﻰ اﻟﺷﻌر وﺣدﻩ ،ﺑل ﺗﻌداﻩ إﻟﻰ اﻟﻧﻘد
أﯾﺿﺎ ،ﻓﻣﺎ ﻟﺑﺛت أن ﺗظﻬر ﻧﺻوص ﻧﻘدﯾﺔ ﺗﻧظر ﻟﻸدب واﻟﻧﻘد ﻣن ﺧﻼل اﻟﻣﻧظور اﻟروﻣﺎﻧﺳﻲ
ﻛﺎن أﻫﻣﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻹطﻼق ﻣﺎ ﻛﺗﺑﻪ "أﺣﻣد رﺿﺎ ﺣوﺣو" ،ﻗدم ﻓﯾﻬﺎ ﻣﻔﻬوﻣﻪ ﻟﻸدب ﻣﺣﻠﻼ
وﺿﻌﯾﺔ اﻷدب اﻟﺟزاﺋري وﻣﺎ ﯾﻌﺎﻧﯾﻪ ﻣن ﺗﺧﻠف وﺗﺑﻌﯾﺔ ،وﻟﻌﻠﻪ أﺣﺳن اﻟﻧﻘﺎد اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن اﻟذي
أوﺿﺢ ﻣن ﺧﻼل ﻣﻘﺎﻻﺗﻪ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻋن ﺗﻣﺛﻠﻪ ووﻋﯾﻪ ﻟﻠﺧﺻﺎﺋص اﻟﺗﻲ ﯾﺗﻣﯾز ﺑﻬﺎ اﻻﺗﺟﺎﻩ
اﻟروﻣﺎﻧﺳﻲ ،إذ ﯾﻘول» :إن اﻟﺷﻌر ﻟم ﯾﻌد ذﻟك اﻟﻛﻼم اﻟﻣوزون اﻟﻣﻘﻔﻰ ،واﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ﻟم ﺗﻌد ﺗﻠك
اﻷﻟﻔﺎظ اﻟرﻧﺎﻧﺔ واﻟﺗراﻛﯾب اﻟﺻﺣﯾﺣﺔ...ﻧﻌم إن ﻫذﻩ اﻟﻣواد ﺿرورﯾﺔ ﻟﻛل أدب وﻓن،ﻓﻣﺎ ﻫﻲ إﻻ
ﻫﯾﻛل ﺗﻧﻘﺻﻪ اﻟروح...وﻫذﻩ اﻟروح ﻫﻲ اﻟﺻدق ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن اﻟﻣﺷﺎﻋر واﻹﺣﺳﺎﺳﺎت،
وﺧﻠﺟﺎت اﻟﻧﻔس و ﺑﻬﺎ ﯾﺗﺳﻧﻰ ﻟك اﻟﻧﻔوذ إﻟﻰ ﻣﺷﺎﻋر اﻟﻐﯾر ،وﻣﺧﺎطﺑﺔ أرواﺣﻬم...ﻓﺄﻧت أدﯾب
أو ﻓﻧﺎن إذا اﺳﺗطﻌت أن ﺗﻌﺑر ﺗﻌﺑﯾ ار ﺻﺣﯾﺣﺎ ﻋن ﻣﺷﺎﻋركٕ ،واﺣﺳﺎﺳﺎﺗك ،أن ﺗﺻور ﺗﺻوﯾ ار
ﺻﺎدﻗﺎ أﺧﯾﻠﺗك وﺧﻠﺟﺎت ﻧﻔﺳك ،دون أن ﺗﺣﺳب ﻟﻠﻘراء ﺣﺳﺎﺑﺎ ،ودون أن ﺗﺟﻌل ﻧﺻب ﻋﯾﻧﯾك
رﺿﺎﻫم أو ﺳﺧطﻬم.2«...
-1ﻣﺣﻣد ﻧﺎﺻر ،اﻟﺷﻌر اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ،اﺗﺟﺎﻫﺎﺗﻪ وﺧﺻﺎﺋﺻﻪ اﻟﻔﻧﯾﺔ ،ص .140
2
-اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .141
104
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
اﻟﻔﺗرة اﻟﻌﺻﯾﺑﺔ اﻟﺗﻲ ﻣرت ﺑﻬﺎ اﻟﺟزاﺋر ﻓﺟرت اﻟﺷﻌر اﻟوﺟداﻧﻲ ﻟدى ﺑﻌض اﻟﺷﻌراء،
وﻛﺎن ﻣن ﺑﯾن ﻣن ﺑرز ﻣن اﻷﺳﻣﺎء "أﺣﻣد ﺳﺣﻧون" و"ﻣﺑﺎرك ﺟﻠواح" ،ﺣﯾث ﺗﻣﯾ از ﺑﻧظرة
وﺟداﻧﯾﺔ روﻣﺎﻧﺳﯾﺔ واﺗﺿﺣت ﻓﻲ أﺷﻌﺎرﻫﻣﺎ ﻧﻐﻣﺔ اﻟﺗﻐﻧﻲ ﺑﺎﻷﻟم اﻟذاﺗﻲ وﺟﻌﻠﻪ ﻣدا ار ﻟﻠﺷﻌر ﻣدا ار
ﻗوﯾﺎ ٕوان ﻟم ﻟﯾﺗرك ﻟﻧﺎ اﻟﺷﺎﻋران ﻧﺻوﺻﺎ ﻧﻘدﯾﺔ ﻛﺣﻣود رﻣﺿﺎن ،إﻻ أن ﺷﻌرﻫﻣﺎ ﯾﻧﺑﺊ ﻋن
ﻣﻔﻬوم وﺟداﻧﻲ ﻣﺗﻣﯾز ،وﻛﺎﻧت اﻟﻌﺎطﻔﺔ اﻟﺟﯾﺎﺷﺔ ﻫﻲ اﻟﻣﺣرك واﻟداﻓﻊ ﻟﻬذﻩ اﻟرﺣﻠﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ
اﻟﻘﺎﺳﯾﺔ ﻛﻣﺎ ﺟﺎء ﻋﻠﻰ ﻟﺳﺎن أﺣﻣد ﺳﺣﻧون ﺷﻌ ار:
ﻣﻧﻲ اﻟﺣﯾﺎة ﺑدون إﺗﻘ ــﺎن وﻛ ـل ﺑﯾت ﺻﯾـ ـ ـ ـ ـ ـﻎ ﻟم أﺣﺑ ـ ـ ـ ـﻪ
ﻣن ﻟﯾ ـ ـل آﻻﻣﻲ وأﺣزاﻧﻲ وﻛﺎن ﺣﺎدي رﺣﻠﺗ ـﻲ ﻣﺎ دﺟﻰ
-1ﻣﺣﻣد ﻧﺎﺻر ،اﻟﺷﻌر اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣﯾدث ،اﺗﺟﺎﻫﺎﺗﻪ وﺧﺻﺎﺋﺻﻪ اﻟﻔﻧﯾﺔ ،ص .141
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .141
105
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
وﻓﻲ ردﻩ ﻋﻠﻰ أوﻟﺋك اﻟﻧﻘﺎد اﻟذﯾن اﺗﻬﻣوﻩ ﺑﺎﻟﺳﻛوت،أﻓﺻﺢ ﺳﺣﻧون ﻋن اﺗﺟﺎﻫﻪ
اﻟوﺟداﻧﻲ وﻛﺎن ﻣن إﻓﺻﺎﺣﻪ ﻟﻬم أن اﻟﺷﻌر وﺟدان ٕواﺣﺳﺎس ﻋﻣﯾق ﺑﺎﻟرﻏﺑﺔ ﻓﻲ ﻗول اﻟﺷﻌر
ﻓﺎﻟﺷﻌر ﻻ ﯾﻘﺎس ﺑﺎﻟﻛﺛرة واﻟﺛرﺛرة ،وﻟﻪ ﺑواﻋث ﻻ ﯾﻌرﻓﻬﺎ إﻻ اﻟﺷﺎﻋر ﻧﻔﺳﻪ وﻟﯾس »ﺣﺎﺟﺔ
اﻟﺟرﯾدة وﻻ رﻏﺑﺔ اﻟﻘراء وﻻ ﺗﻣﻠق اﻟﻬﯾﺋﺎت واﻷﺣزاب واﻟﺷﺧﺻﯾﺎت ،وﻻ ﺣب اﻟﺷﻬرة وذﯾوع
اﻟﺻﯾت ،وﻟﻔت اﻷﻧظﺎر ،إن اﻟﺷﺎﻋر إﻧﺳﺎن ﯾدرﻛﻪ ﺿﻌف اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ ﻛﺛﯾر ﻣن اﻷﺣﯾﺎن ،ﺑل
ﻟﻌﻠﻪ ﻣﻌرض ﻟﻠﺿﻌف أﻛﺛر ﻣن ﻛل إﻧﺳﺎن ﻷﻧﻪ ﻣرﻫف اﻟﺣس ،دﻗﯾق اﻟﺷﻌور ،ﯾﻘظ اﻟوﺟدان
إن اﻟﺷﺎﻋر ﺧﯾر ﻟﻪ وأﺟدى ﻋﻠﯾﻛم أن ﯾﺳﻛت أﻛﺛر ﻣﻣﺎ ﯾﺗﻛﻠم ٕواﻻ ﻛﺎن ﻛﻼﻣﻪ ﺛرﺛرة وﻣﻌﺎﻧﻲ
ﻣﻛررة«.1
وﻧﺟد ﻓﻲ ﺷﻌر "ﻣﺑﺎرك ﺟﻠواح" أﻛﺛر اﺗﺿﺎﺣﺎ ﻟﻠﻧزﻋﺔ اﻟوﺟداﻧﯾﺔ اﻟروﻣﺎﻧﺳﯾﺔ ،ﻓﺎﻟﺷﺎﻋر
ﺑﺣﺳﺎﺳﯾﺗﻪ اﻟﻣﻔرطﺔ ظل طوال ﻫذﻩ اﻟﻔﺗرة ﯾﺻور اﻟﻣﺷﺎﻋر واﻷﺣﺎﺳﯾس اﻟذاﺗﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺷﻌر ﺑﻬﺎ
اﻟﺷﺎﻋر اﻟﺟزاﺋري ﺗﺣت اﻟﺿﻐوط اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ واﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ واﻟﻧﻔﺳﯾﺔ اﻟﻣؤﻟﻣﺔ ،ﻓﻌﺑر ﻋن ﻫذﻩ
اﻷﺣﺎﺳﯾس ﺑﻧﻐﻣﺔ ﺣزﯾﻧﺔ ،ﺗﺻور ﺑﺻدق ﻣﺎ ﯾﻌﺎﻧﻲ ﻣﻧﻪ ﻫذا اﻟﺷﺎﻋر ﻣن أﻟم ﺣﺎد وﺻراع ﻧﻔﺳﻲ
وﯾﺄس وﺣﻧﯾن ﻟﻌﺎﻟم أﻓﺿل ،ظل ﯾﻌﺑر ﻓﻲ ﻛل ﻣﺎ ﯾﻛﺗب ﻋن ﻣﻔﻬوم وﺟداﻧﻲ روﻣﺎﻧﺳﻲ ،وﻗد رد
ﻋن ﻣﻧﺗﻘدﯾﻪ ﻟﻐﻠوﻩ ﻓﻲ اﻟذاﺗﯾﺔ واﻧﺻراﻓﻪ ﻏﻠﻰ اﻟﺗﻐﻧﻲ ﺑﺂﻻﻣﻪ ﻗﺎﺋﻼ...» :إﻧﻲ ﻣﺎ ﻛﻧت أﻗول
اﻟﺷﻌر ﻟطﻠب ﻣﺣﻣدة ،أو ﻹرﺿﺎء أﺣد ،أو ﻟدرء ﺳﺧط اﻟﺳﺎﺧط ٕواﻧﻣﺎ أﻗوﻟﻪ ﻣﻧﻲ ٕواﻟﻲ ،وأﺗرﻧم
ﺑﻪ ﻟﺗﺳﻠﯾﺔ ﻗﻠﺑﻲ ﻣن ﺑﻌض ﻣﺎ ﯾﻌﺎﻧﯾﻪ ﻣن اﻵﻻم واﻷوﺻﺎب اﻟﻣﺗراﻛﺑﺔ ﻋﻠﯾﻪ ،وﻻ أﺗﺄﻟم وأﺷﻛو
ﺗﻌﻠﻘﺎ ﺑﺣب أﺷﯾﺎء ﺳﺑﻘﺗﻬﺎ ﻓﻲ اﻟوﺟود ،وﻋﻧد اﷲ ﺧﺑرﻫﺎ.2«...
ﻧﻠﻣس ﻣن ﻛﻼم "ﻣﺑﺎرك ﺟﻠواح" اﻟﺳﺎﺑق ﻧظرة اﻟﺗﺷﺎؤم واﻟﯾﺄس ،وﻫو ﻻ ﯾﻧﺗظر ﻣن ﻗوﻟﻪ
اﻟﺷﻌر ﻣﺣﻣدة أﺣد وﻻ إرﺿﺎﺋﻪ ﻛﻣﺎ أن ذﻟك اﻟﯾﺄس واﻟﺗﺷﺎؤم ﻟم ﯾﻛن ﻟﯾﻔﻘدﻩ إﯾﻣﺎﻧﻪ ﺑﺎﷲ ،ﻓﺈﺧﻔﺎﻗﻪ
ﻓﻲ ﺣﯾﺎﺗﻪ وﻓﺷﻠﻪ ﻓﻲ ﺗﺟرﺑﺗﻪ ﺑﻌد اﻟﻬﺟرة ،ﻋواﻣل ﺟﻌﻠت ﺣﺿور ﻣظﺎﻫر اﻟﺣزن واﻟﺗﺷﺎؤم ﻓﻲ
ﺷﻌرﻩ ،ﻓﺗرددت ﻓﻲ أﺷﻌﺎرﻩ ﻋﺑﺎرات اﻟﻣوت واﻟﻔﻧﺎء ،ﯾﻘول "اﻟرﻛﯾﺑﻲ" ﻓﻲ ﺷﻌرﻩ إﻧﻧﺎ ﺣﯾن ﻧﺑﺣث
-1ﻣﺣﻣد ﻧﺎﺻر ،اﻟﺷﻌر اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ،اﺗﺟﺎﻫﺎﺗﻪ وﺧﺻﺎﺋﺻﻪ اﻟﻔﻧﯾﺔ ،ص .137،138
-2ﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ،ص .138
106
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﻓﻲ ﺷﻌر "ﺟﻠواح" و ﻧﻐوص ﻓﻲ ﺗﺄﻣﻼﺗﻪ اﻟﻔﻛرﯾﺔ واﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ ،ﻧﻼﺣظ أﻧﻪ ﺗﺄﺛرﻩ ﺑﺎﻟﺣﯾﺎة ﻓﻲ
اﻟﻣﻬﺟر وﺑﺎﻷﺣداث اﻟﺗﻲ ﻣرت ﺑﻪ وﺑﺑﻼدﻩ ،ﻓﻘد ﺗﺄﺛر ﺑﺣرﺑﯾن ﻋﺎﻟﻣﯾﺗﯾن اﻷوﻟﻰ ﻛﺎن ﻓﯾﻬﺎ طﻔﻼ
واﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻛﺎن ﺷﺎﺑﺎ واﻋﯾﺎ ﺑﻧﺗﺎﺋﺟﻬﺎ اﻟﻣدﻣرة ،ﻛﻣﺎ ﻋﺎش ﺗﺟرﺑﺔ ﻗﺎﺳﯾﺔ ...أﺧﻔق ﻓﻲ طﻣوﺣﻪ وآﻣﺎﻟﻪ
...ﻛل ذﻟك ﺟﻌل ﻣﻧﻪ ﺷﺎﻋ ار ﻣﺗﻣردا ﺳﺎﺧطﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺣﯾﺎة وﻋﻠﻰ اﻹﻧﺳﺎن ﻋﻠﻰ ﺗﻧﻛر ﻟﻪ وﺟﺎﻓﺎﻩ
وﺳﺑب ﻟﻪ ﻣﺎ ﯾﻌﺎﻧﻲ ﻣن ﻓراغ ﻧﻔﺳﻲ رﻫﯾب.
ﻛﺎن "ﺟﻠواح" ﺻﺎدﻗﺎ أﻣﯾﻧﺎ ﻓﻲ ﻧﻘل إﺣﺳﺎﺳﻪ وﺷﻌورﻩ ﺑﻠﻐﺔ ﺻﺎدﻗﺔ ،اﻟﺗﻲ اﺳﺗطﺎع ﻣن
ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺗﺟﺳﯾد ﻣﻌﺎﻧﺎﺗﻪ واﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن ﺣﺟم آﻻﻣﻪ ،ﻟذﻟك اﺳﺗﺣق اﻟﺷﺎﻋر ﺗﻠك اﻟﻣﻛﺎﻧﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻣﺗﻊ
ﺑﻬﺎ ﺑﯾن اﻷدﺑﺎء اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ،ﻧﺗﯾﺟﺔ ﻗدرﺗﻪ ﻋﻠﻰ اﻟرﺑط ﺑﯾن ﻣﺎﺿﻲ اﻟﺷﻌب وﺣﺎﺿرﻩ ،وﺗﻌﺑﯾرﻩ ﻋن
أﺣﺎﺳﯾﺳﻪ وﻗﯾﻣﻪ وﺗﻘﺎﻟﯾدﻩ وﺣﺿﺎرﺗﻪ.
وﻗد ظﻬر أﯾﺿﺎ ﻣن ﺑﯾن اﻟﻧﻘﺎد واﻷدﺑﺎء ﻣن راح ﯾوﺟﻪ أﻧظﺎر اﻷدﺑﺎء ﺑﻌﺎﻣﺔ واﻟﺷﻌراء
ﻣﻧﻬم ﺑﺧﺎﺻﺔ إﻟﻰ أدب ﯾﻌﺗﻣد اﻟﺻدق اﻟﻔﻧﻲ ،واﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن اﻟﻣﺷﺎﻋر واﻷﺣﺎﺳﯾس ،وﻣن ﺑﯾﻧﻬم
ﻛﺎﺗب روﻣﺎﻧﺳﻲ ﻣرﻫف اﻟﺷﻌور طﺎﻟﻣﺎ أطﻠق ﻋﻠﯾﻪ "اﺑن ﺑﺎدﯾس" ﻟﻘب "ﻛﺎﺗب اﻟطﻠﯾﻌﺔ"
أو اﻟﻛﺎﺗب "اﻷدﯾب اﻟﺣﺳﺎس" ،ﻫو"ﻣﺣﻣد اﻟﺑﺷﯾر اﻟﻌﻠوي" ،1ﺣﯾث ﻗﺎم اﻟﻌﻠوي ﺑﺗوﺟﯾﻪ اﻷدﺑﺎء
واﻟﺷﻌراء إﻟﻰ اﻷﺧذ ﺑﻬذا اﻟﻣﻔﻬوم اﻟروﻣﺎﻧﺳﻲ ﻗﺎﺋﻼ» :ﻻ أرى ﻟﻣﻧظوم اﻟﻘول ﺑﯾﺎﻧﺎ وﻻ ﻟﻣﻧﺛور
اﻟﻛﻼم ﻓﺻﺎﺣﺔ إﻻ ﻣﺎ أﺣس ﺑﻧﻐﻣﺎت ﻣوﺳﯾﻘﺎﻩ ،ﺗﻌزف ﻓﻲ أﻋﻣﺎق ﻧﻔﺳﻲ ،ووﻗﻊ أوﺗﺎرﻩ ﺗرن ﻓﻲ
ﺟواﻧﺢ ﻗﻠﺑﻲ ﻓذﻟك ﻣﺎ ﺗﻔﺗش ﻋﻧﻪ اﻟﻧﻔس وﯾرﺗﺎح إﻟﯾﻪ اﻟﺿﻣﯾر ...ﻓﻛوﻧوا ﻛﻣﺎ ﺷﺋﺗم واﻛﺗﺑوا ﻣﺎ
أردﺗم ،وأﻧﺷروا ﻣﺎ ﺳوﻟت ﻟﻛم ﺑﻪ أﻧﻔﺳﻛم ﻓﻠﺳﺗم ﺑﺎﻟﻐﯾن ﻣﺎ ﺗطﻣﺢ إﻟﯾﻪ أﻧظﺎرﻛم ،وﺗﻣﺗد إﻟﯾﻪ
أﺑﺻﺎرﻛم ،وﺗﻣﯾل إﻟﯾﻪ ﻗﻠوﺑﻛم ،ﺣﺗﻰ ﺗﻘوﻟوا ﻣﺎ ﺗﺷﻌرون وﺗﻛﺗﺑوا ﻋﻣﺎ ﺗﺣﺳو ،وﺗﻧظﻣوا ﻣﺎ
ﺗﺗﺄﺛرون.2«..
107
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﻓﻛﺎﻧت ﻧظر اﻟﻌﻠوي ﻟﻠﺷﻌر أﻧﻪ »اﻟذي ﯾﻣﻛن أن ﻧﻠﻣس ﻓﯾﻪ روح اﻟﺷﺎﻋر ﺳواء أﻛﺎﻧت
ﻣر اﻟﺷﻛوى ،إن ﻛﺎن
ﻣﺳرورة ﻧﺷوى ،ﺗﻛﺎد ﺗﺛب ﻣن ﻛل ﺑﯾت ،أوﻓﻲ ﺣﺳرة ﻣن اﻷﻟم،وﻟذﻋﺔ ﻣن ّ
ﻣﻛﻠوم اﻟﻔؤاد.1«...
ﺑﻌد اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﺗطورت ﻧظرة اﻟﺷﻌراء اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ﺗطو ار واﺿﺣﺎ ،أﯾن ﺣﻠّت
اﻟﻌﻧﺎﯾﺔ ﺑﺎﻟﻣﺷﺎﻋر اﻟذاﺗﯾﺔ واﻟﺻدق اﻟﻔﻧﻲ ﻣﺣل اﻟﻣﺷﺎﻋر اﻟﺟﻣﺎﻋﯾﺔ واﻻﺳﺗﺟﺎﺑﺔ ﻟﻠﻣﻧﺎﺳﺑﺎت،
وظﻬر ﺷﻌر ﻛﺛﯾر ﻧﺗﯾﺟﺔ ﻫذا اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟوﺟداﻧﻲ ،ﯾﻣﺛﻠﻪ ﺑﺻﻔﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺷﺑﺎب ﺗﻠك اﻟﻣرﺣﻠﺔ ﻣن
أﻣﺛﺎل "ﻋﺑد اﷲ ﺷرﯾط" و"اﻟطﺎﻫر ﺑوﺷوﺷﻲ" ،و"ﻣﺣﻣد اﻷﺧﺿر اﻟﺳﺎﺋﺣﻲ" ،ﻓﻬؤﻻء اﻟﺷﺑﺎب
ﻛﺎﻧوا أﻛﺛر إدراﻛﺎ ووﻋﯾﺎ ﺑﺧﺻﺎﺋص اﻟﻣذﻫب اﻟروﻣﺎﻧﺳﻲ وأﺑﻌﺎدﻩ اﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ واﻟﻔﻧﯾﺔ.
108
ﺗﺄﺳﯿﺲ وﺗﺄﺻﯿﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﺧﻼﺻﺔ اﻟﻔﺻل:
ﻣن ﺧﻼل رﺻدﻧﺎ ﻷﺑرز اﺗﺟﺎﻫﺎت اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري ﻗﺑل اﻻﺳﺗﻘﻼل ﺑﺷﻘﯾﻪ اﻟﻣﺣﺎﻓظ
واﻟﻣﺟدد ،ﯾظﻬر ﻟﻧﺎ ﺟﻠّﯾﺎ أن اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻔﺗرة ﻛﺎن ﻓﻲ طور اﻟﻧﺷوء واﻟﺗﺑﻠور ،ﻓﻛﺎن
ﻏض اﻟطرف ﻋن
ﻣن اﻟطﺑﯾﻌﻲ أن ﯾﺗﺳم ﺑﺎﻟﻧﻘص وﻋدم اﻟﻧﺿﺞ ،ﻛﻣﺎ ﻻ ﯾﻣﻛن ﻓﻲ ﻧﻔس اﻟوﻗت ّ
ﺗﻠك اﻹﺳﻬﺎﻣﺎت واﻟﺗﻌﻠﯾﻘﺎت اﻟﻧﻘدﯾﺔ ،ﺑداﻋﻲ أﻧﻬﺎ ﺗﻣﺛل رؤﯾﺔ ﻧﻘدﯾﺔ ﻣﻛﺗﻣﻠﺔ ،ﺗﺳﺗﻧد ﻟﻣﻧﺎﻫﺞ ﻧﻘدﯾﺔ
ﻛوﻧﻬﺎ ﺟﺳدت اﻟﺣﺟر اﻷﺳﺎس اﻟذي أﺳس ﻋﻠﯾﻪ ﺑﻧﯾﺎن اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري.
ﻻ ﯾﻣﻛن ﺑﺄي ﺣﺎل ﻣن اﻷﺣوال اﺗﻬﺎم ﻧﻘﺎدﻧﺎ ﺑﺎﻟﺿﻌف واﻟﺗﻘﺻﯾر ﻟﻛون ﻧظرﺗﻬم ﺟزﺋﯾﺔ
وﺗﻔﺗﻘر إﻟﻰ اﻟﺗﻌﻠﯾل اﻟﻛﺎﻓﻲ ،واﻟﺷواﻫد اﻟﻣﻘﻧﻌﺔ ،ﻓﺎﻷدب اﻟﺟزاﺋري ﻣﺛﻠﻪ ﻣﺛل اﻟﻧﻘد ﻛﺎن ﯾﻌﺎﻧﻲ ﻓﻲ
ﻣﺟﻣﻠﻪ ﻣن اﻟﺿﻌف ﺷﻛﻼ وﻣﺿﻣوﻧﺎ ،ﻛﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﻔﺗﻘر إﻟﻰ أﺟﻧﺎس أدﺑﯾﺔ ﺟدﯾدة ﻛﺎﻟﻘﺻﺔ
اﻟﻘﺻﯾرة واﻟرواﯾﺔ واﻟﻣﺳرﺣﯾﺔ ﻓﻬو ﯾﻌﺎﻧﻲ ﻣن ﻋدم اﻟﺗﻧوع ،وﻫو ﺑﺣﺎﺟﺔ ﻟﻣزﯾد ﻣن اﻟوﻗت ﻟﯾﻛﺗﺳب
اﻟﺗﺟرﺑﺔ واﻟﻧﺿﺞ ﻣﺛﻠﻪ ﻣﺛل اﻟﻧﻘد ،إذ أن اﻷدب واﻟﻧﻘد ﻛﻠﯾﻬﻣﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﻣزﯾد ﻣن اﻟوﻗت
واﻟﺗﺟرﺑﺔ واﻟﺧﺑرة ﻟﯾﻌطﯾﻧﺎ اﻟﻧﺗﺎﺋﺞ اﻟﻣرﺟوة ،وﺗﺧرﺟﻧﺎ ﻣن داﺋرة اﻟﻐﻣوض واﻟﻔوﺿﻰ واﻻﺿطراﺑﺎت
إﻟﻰ داﺋرة اﻟوﺿوح واﻟﻧﺿﺞ ﻧرﯾد ﻫﻧﺎ أن ﻧؤﻛد أن اﻻﺿطراب ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﺟ ازﺋري اﻟﺣدﯾث ﯾﻌود
إﻟﻰ أﻣرﯾن اﺛﻧﯾن :اﻷﻣر اﻷول ﻫو ﺿﻌف اﻷدب اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث وﻋدم ﺗﻧوﻋﻪ آﻧذاك
واﻷﻣر اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻫو ﻣﺣدودﯾﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻷدﺑﯾﺔ واﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻟدى اﻟﻧﻘﺎد اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ،وﺑﺧﺎﺻﺔ ﻣﺎ ﺗﻌﻠق
ﻣﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﺗﯾﺎرات اﻷدﺑﯾﺔ واﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ.
109
ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ
ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﳉﺰﺍﺋﺮﻱ
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﺗﻣﻬﯾـد:
ﻟم ﯾﻌد اﻹﺑداع اﻷدﺑﻲ ذﻟك اﻟﺑﺳﺗﺎن اﻟوارف اﻟظﻼل اﻟذي ﯾﻘﺻدﻩ اﻟﻘﺎرئ ﻣن أﺟل
اﻟراﺣﺔ واﻻﺳﺗﺟﻣﺎم ،ﺑل أﺻﺑﺢ ﻛﯾﺎﻧﺎ ﺻﻌﺑﺎ ،ﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻗﺎرئ ﺣﺎذق ﯾﻣﺗﻠك اﻟﻣﻬﺎرة واﻟﻔطﻧﺔ
ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻷدوات اﻟﺗﻲ ﺗﻌﯾﻧﻪ ﻓﻲ ﻋﻣﻠﯾﺔ ﻓﻬم اﻟﻧص وﻓك ﺷﻔراﺗﻪ ،ﻫذا اﻟﻧص اﻟذي أﺻﺑﺢ
ﻣﺳﺗﻌﺻﯾﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺎرئ اﻟﻌﺎدي ﺑذﻟك اﻟﻐﻣوض اﻟذي أﺿﺣﻰ ﯾﻠﻔﻪ.
وﻣن أﺟل اﻟﺗﺧﻠص ﻣن اﻷﺣﻛﺎم اﻟذاﺗﯾﺔ واﻻﻧطﺑﺎﻋﯾﺔ اﻟﺗﻲ طﺎﻟﻣﺎ ﻏﻠﺑت ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ
اﻟﻧﻘدﯾﺔ ،وﻟﺟﻌل اﻟﻧﻘد ﻋﻠﻣﺎ ،ﻛﺎﻧت اﻟﺣﺎﺟﺔ ﻟﻠﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺳﯾﺎﻗﯾﺔ ﻣﺗﻣﺛﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ
واﻟﻣﻧﻬﺞ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ واﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻔﺳﻲ ،ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺗﻲ ﺗﺗﻘﺎطﻊ – ﻋﻠﻰ اﺧﺗﻼف ﻣﻧطﻠﻘﺎﺗﻬﺎ
وﺗﻌدﻩ اﻧﻌﻛﺎﺳﺎ –
ّ ﺗﻠﺞ اﻟﻧص ﻣن ﺳﯾﺎﻗﻪ ،وﺗﻠﺗﻣس ﺣﻘﯾﻘﺗﻪ ﻣن ﺧﺎرﺟﻪ،
وأﻫداﻓﻬﺎ -ﻓﻲ ﻛوﻧﻬﺎ ّ
ﺑﻛﯾﻔﯾﺔ أو ﺑﺄﺧرى -ﻟﻠﻣﺣﯾط اﻟذي ﻧﺷﺄ ﻓﯾﻪ ،وﻟﻛﻧﻬﺎ ﺳرﻋﺎن ﻣﺎ ﺗﻔﺗرق ﻋﻧد ﺗﺣدﯾد أوﻟوﯾﺔ اﻟﻣﺻدر
اﻻﻧﻌﻛﺎﺳﻲ اﻟذي ﺗﻣﺧض اﻟﻧص ﻋﻧﻪ ،وﻣﺎرس ﻋﻠﯾﻪ أﺷد اﻟﺗﺄﺛﯾر ،ﻣﻌﺗﺑر اﻟﻧص إﻣﺎ وﺛﯾﻘﺔ
ﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ أو اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ أو ﻧﻔﺳﯾﺔ ،ﺣﯾث أﻧﻬﺎ ﺗﻧظر إﻟﻰ اﻟﻧص ﻣن اﻟﺧﺎرج.
وﺳﻧﺣﺎول ﻓﻲ ﻫذا اﻟﺟزء ﻣن اﻟدراﺳﺔ أن ﻧﺳﻠط اﻟﺿوء ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺳﯾﺎﻗﯾﺔ
وﺗﺗﺑﻊ ﺗﺟﻠﯾﺎﺗﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري ،ﻏﯾر أن دراﺳﺗﻧﺎ ﻻ ﺗﻘﺗﺻر ﻋﻠﻰ ظﻬورﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺳﺎﺣﺔ
اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ﻓﺣﺳب ،ﺑل ﺗﺗﻌداﻫﺎ إﻟﻰ ﻣواطن ظﻬورﻫﺎ ،ﺑﺎﻟﺗطرق إﻟﻰ أﻫم اﯾﺟﺎﺑﯾﺎﺗﻬﺎ
وﺳﻠﺑﯾﺎﺗﻬﺎ ،وﺻوﻻ إﻟﻰ ﺣﺿورﻫﺎ ﻓﻲ اﻟوطن اﻟﻌرﺑﻲ إﻟﻰ أن ﻧﺻل إﻟﻰ اﻟﺟزاﺋر ،ﺑﺎﻟﺗرﻛﯾز ﻋﻠﻰ
أﻫم اﻟﻧﻘﺎد اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن اﻟذﯾن ﺗﺑﻧوا ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ.
111
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
112
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
وﯾﻌد اﻟﻧﻘد اﻟﻌﻠﻣﻲ اﻟذي ظﻬر ﻓﻲ أورﺑﺎ ﻓﻲ أواﺧر اﻟﻘرن اﻟﺗﺎﺳﻊ ﻋﺷر ،ﺷﻛﻼ ﻣﺑﻛ ار
ﻟﻠﻧﻘد اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ ،وﻣن أﺑرز ﻣﻣﺛﻠﯾﻪ اﻟﻔﯾﻠﺳوف واﻟﻣؤرخ واﻟﻧﺎﻗد اﻟﻔرﻧﺳﻲ " ﻫﯾﺑوﻟت ﺗﯾن "
" ،1893-1828 "H.Taineوﻫو اﻟذي درس اﻟﻧﺻوص اﻷدﺑﯾﺔ ﻓﻲ ﺿوء ﺛﻼﺛﯾﺗﻪ اﻟﺷﻬﯾرة
اﻟﻌرق أو اﻟﺟﻧس ﺑﻣﻌﻧﻰ اﻟﺧﺻﺎﺋص اﻟﻔطرﯾﺔ اﻟوراﺛﯾﺔ اﻟﻣﺷﺗرﻛﺔ ﺑﯾن أﻓراد اﻷﻣﺔ اﻟواﺣدة
اﻟﻣﻧﺣدرة ﻣن ﺟﻧس ﻣﻌﯾﻧن ،واﻟﺑﯾﺋﺔ أو اﻟﻣﻛﺎن أو اﻟوﺳط ،واﻟﻌﺻر أو اﻟزﻣﺎن ،1وﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ
ﺗﯾن ﻧﺟد اﻟﻧﺎﻗد اﻟﻔرﻧﺳﻲ " ﻓردﯾﻧﺎن ﺑروﻧﺗﯾﺎر" " 1906-1849 "F.Brunetiereاﻟذي آﻣن
ﺑﻧظرﯾﺔ اﻟﺗطور ﻟدى داروﯾن ،وأﻧﻔق ﺟﻬودا ﻣﻌﺗﺑرة ﻓﻲ ﺗطﺑﯾﻘﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻷدب ،ﻣﺗﻣﺛﻼ اﻷﻧواع
اﻷدﺑﯾﺔ ﻛﺎﺋﻧﺎت ﻋﺿوﯾﺔ ﻣﺗطورة.2
ٕواﻟﻰ ﺟﺎﻧب ﻣﻣﺛﻠﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ ﻣن رﻣوز اﻟﻧﻘد اﻟﻌﻠﻣﻲ ،واﻟذﯾن ﺳﻠف ذﻛرﻫم ﻫﻧﺎك أﻋﻼم
آﺧرﯾن أرﺳوا أوﻟﯾﺎت اﻟﻧﻘد اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ ﻓﻲ أورﺑﺎ ﻋﻠﻰ رأﺳﻬم اﻟﻧﺎﻗد اﻟﻔرﻧﺳﻲ " ﺳﺎﻧت ﺑﯾف "
" ، 3 1869-1804 "Saint-Beuveاﻟذي رﻛز ﻋﻠﻰ ﺷﺧﺻﯾﺔ اﻷدﯾب ﺗرﻛﯾ از ﻣطﻠﻘﺎ
إﯾﻣﺎﻧﺎ ﻣﻧﻪ ﺑﺄﻧﻪ " ﻛﻣﺎ ﺗﻛون اﻟﺷﺟرة ﺗﻛون ﺛﻣﺎرﻫﺎ" ،وأن اﻟﻧص " ﺗﻌﺑﯾر ﻋن ﻣزاج ﻓرد ﻟذﻟك
ﻛﺎن وﻟوﻋﺎ ﺑﺎﻟﺗﻘﺻﻲ ﻟﺣﯾﺎة اﻟﻛﺎﺗب اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ واﻟﻌﺎﺋﻠﯾﺔ ،وﻛذﻟك ﯾﻌد " ﻏﺳﺗﺎف ﻻﻧﺳون"
" ، 1934-1857 "Gustave Lansonاﻷﻛﺎدﯾﻣﻲ اﻟﻔرﻧﺳﻲ اﻟﻛﺑﯾر اﻟراﺋد اﻷول ﻟﻠﻣﻧﻬﺞ
اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ اﻟذي أﺻﺑﺢ ﯾﻌرف ﻛذﻟك ﺑﺎﻻﻧﺗﺳﺎب إﻟﯾﻪ اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ ،Lansonnisme :وﻗد
أﻋﻠن ﻻﻧﺳون ﻋن ﻫوﯾﺗﻪ اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ﺳﻧﺔ 1909ﻓﻲ ﻣﺣﺎﺿرة ﺑﺟﺎﻣﻌﺔ ﺑروﻛﺳل ﺣول اﻟروح
اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ وﻣﻧﻬﺞ ﺗﺎرﯾﺦ اﻷدب ،ﺛم أﺗﺑﻌﻬﺎ ﺳﻧﺔ 1910ﺑﻣﻘﺎﻟﺗﻪ اﻟﺷﻬﯾرة ﻣﻧﻬﺞ ﺗﺎرﯾﺦ اﻷدب واﻟﺗﻲ
ﺣدد ﻓﯾﻬﺎ ﺧطوات اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ ، 4وﻗد ٌﺣددت اﻟدراﺳﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ ﻟدى ﻻﻧﺳون
5
ﻛﺎﻟﺗﺎﻟﻲ:
113
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
114
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
وﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ» ،ﯾﻣﻛن أن ﺗﻛون ﻧﻬﺎﯾﺎت اﻟرﺑﻊ اﻷول ﻣن اﻟﻘرن اﻟﻌﺷرﯾن
ﺗﺎرﯾﺧﺎ ﻟﺑداﯾﺎت اﻟﻣﻣﺎرﺳﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔـ ،ﻋﻠﻰ ﯾد ﻧﻘﺎد ﺗﺗﻠﻣذوا – ﺑﺷﻛل أو ﺑﺂﺧر -ﻋﻠﻰ
رﻣوز اﻟﻣدرﺳﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ ،ﯾﺗزﻋﻣﻬم اﻟدﻛﺗور "أﺣﻣد ﺿﯾف" ،1945-1880 اﻟذي ﯾﻣﻛن ﻋدﻩ
أول ﻣﺗﺧرج ﻋرﺑﻲ ﻓﻲ ﻣدرﺳﺔ ﻻﻧﺳون اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ«. 1
ﻛﻣﺎ ﯾﻌد "طﻪ ﺣﺳﯾن" أﺷﻬر ﻣن ﺣﺎوﻟوا إدﺧﺎل ﻫذا اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻘدي ﻓﻲ اﻟﺑﯾﺋﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،ﺑل
ﯾﻌﺗﺑرﻩ اﻟﺑﻌض راﺋد اﻟﻧﻘد اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ ﻓﻲ اﻟﺑﯾﺋﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ " ،وﻫو ﯾﻌﻠن ﻓﻲ ﻣﻘدﻣﺔ ﻛﺗﺎب " ﻓﻲ اﻟﺷﻌر
أن ﻣﻧﻬﺟﻪ ﻫذا ﺟدﯾد ﻟم ﺗﺄﻟﻔﻪ اﻟدراﺳﺎت اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،وأﻧﻪ ﻣﻧﻬﺞ ﻋﻠﻣﻲ ،ﯾﻘول " :ﻫذا
اﻟﺟﺎﻫﻠﻲ » ّ
ﻧﺣو ﻣن اﻟﺑﺣث ﻋن ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ ﺟدﯾد ،ﻟم ﯾﺄﻟﻔﻪ اﻟﻧﺎس ﻋﻧدﻧﺎ ﻣن ﻗﺑل«.2
ٕواﻟﻰ ﺟﺎﻧب "طﻪ ﺣﺳﯾن" ﺗﺑﻧﻰ ﻫذا اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻛل ﻣن "زﻛﻲ ﻣﺑﺎرك" ،و"أﺣﻣد أﻣﯾن"
ﻋدﻩ اﻟﺟﺳر اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ اﻟﻣﺑﺎﺷر ﺑﯾن اﻟﻧﻘدﯾن اﻟﻔرﻧﺳﻲ واﻟﻌرﺑﻲ
و"ﻣﺣﻣد ﻣﻧدور" » ،اﻟذي ﯾﻣﻛن ّ
ﻓﻬو أول ﻣن أرﺳﻰ ﻣﻌﺎﻟم "اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ " ﻓﻲ ﻧﻘدﻧﺎ اﻟﻌرﺑﻲ ،ﺣﯾث أﺻدر ﻛﺗﺎﺑﻪ اﻟﻧﻘد اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ
ﻋﻧد اﻟﻌرب ﻣذﯾﻼ ﺑﺗرﺟﻣﺗﻪ ﻟﻣﻘﺎﻟﺔ ﻻﻧﺳون اﻟﺷﻬﯾرة ﻣﻧﻬﺞ اﻟﺑﺣث ﻓﻲ اﻷدب ،وﻛﺎن ذﻟك
ﻓﻲ ﺣدود ﺳﻧﺔ . 3«...1946
وﻣن رﻣوز ﻫذا اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ أﯾﺿﺎ "ﺷوﻗﻲ ﺿﯾف" و"ﺳﻬﯾر اﻟﻘﻠﻣﺎوي"
و"ﻋﻣر اﻟدﺳوﻗﻲ" ﻓﻲ ﻣﺻر ،و"ﺷﻛري ﻓﯾﺻل" ﻓﻲ ﺳورﯾﺎ ،و"ﻣﺣﻣد اﻟﺻﺎﻟﺢ اﻟﺟﺎﺑري" ﻓﻲ
ﺗوﻧس و"ﻋﺑﺎس اﻟﺟراري" ﻓﻲ اﻟﻣﻐرب وﻏﯾرﻫم.
أﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ﯾذﻫب اﻟﻧﺎﻗد ﻋﻣﺎر ﺑن ازﯾد إﻟﻰ أن ﻣﻼﻣﺢ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري
ظﻬرت ﻗﺑل اﻻﺳﺗﻘﻼل ﻣﺳﺗﺷﻬدا ﻓﻲ ذﻟك ﺑﻣﻘﺎﻟﺔ ﻣﺣﻣد اﻟﺳﻌﯾد اﻟزاﻫري اﻟﻣوﺳوﻣﺔ ﺑـ "اﻟدﻛﺗور
طﻪ ﺣﺳﯾن ﺷﻌوﺑﻲ ﻣﺎﻛر"،ﺣﯾث ﯾرى ﻋﻣﺎر ﺑن زاﯾد أن اﻟﻧﺎﻗد اﻋﺗﻣد ﻓﻲ ﻣﻧﺎﻗﺷﺗﻪ ﻟطﻪ ﺣﺳﯾن
ﻋﻠﻰ ﻋﻧﺻرﯾن ،اﻻﻫﺗﻣﺎم ﺑﺷﺧﺻﯾﺔ اﻷدﯾب وﺻﻔﺎﺗﻪ وﺧﺻﺎﺋص ﻣﻧﻬﺟﻪ ﻣن ﺟﻬﺔ وﺑﯾﺎن ﻣﻧﺎﺑﻊ
-1ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص .18
-2ﻋﺑد اﻟرﺣﯾم اﻟﻛردي ،ﻧﻘد اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻓﻲ اﻟدراﺳﺎت اﻷدﺑﯾﺔ ،ص .99
-3ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص .19
115
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﺛﻘﺎﻓﺗﻪ ،ﻣﻊ اﻻﻫﺗﻣﺎم ﺑﻣؤﻟﻔﺎﺗﻪ وﻧﻘدﻫﺎ ﻣن ﺟﻬﺔ أﺧرى ،ﻣﺑر ار ذﻟك ﻗﺎﺋﻼ» ٕواذا ﻛﻧﺎ ﻗد أدرﺟﻧﺎ ﻫذﻩ
اﻟﻣﻧﺎﻗﺷﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ ﻟﻠﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ﻟﻬذﻩ اﻟﻔﺗرة ،ﻓﺈﻧﻣﺎ ﻷن ﺻﺎﺣﺑﻬﺎ ﯾرﺑط ﺑﯾن
ﻣوﻗف طﻪ ﺣﺳﯾن ﻣن اﻟظﺎﻫرة اﻷدﺑﯾﺔ ﻛﻛل ،وﺑﯾن ﻋﻼﻗﺔ ﻫذﻩ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ﺑﺎﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻹﺳﻼﻣﻲ ،
واﻟﺣﺿﺎرة اﻟﻌرﺑﯾﺔ «.1
ﻟﻛن اﻟﻧﺎﻗد "ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ" ﯾرى أن اﻟﺣدﯾث ﻋن اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻘدي ﻗﺑل اﻟﺳﺗﯾﻧﺎت ﻣﺟرد
"ﺣدﯾث ﺧراﻓﺔ " ،ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺣو اﻟذي ﻧﺟدﻩ ﻋﻧد اﻷﺳﺗﺎذ ﻋﻣﺎر ﺑن زاﯾد اﻟذي ﺗﺣدث ﺣدﯾﺛﺎ ﺧراﻓﯾﺎ
ﻋن اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ وﻣﻧﺎﻫﺞ أﺧرى ﻋﻧد اﻟﺳﻌﯾد اﻟزاﻫري ورﻓﺎﻗﻪ ﻗﺑل ﺳﻧﺔ 2" 1956إذ
ﯾذﻫب إﻟﻰ ظﻬور أن اﻟﻧﻘد اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ ﻣطﻠﻊ اﻟﺳﺗﯾﻧﺎت » ،وﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﺗﺣدﯾد ﻓﺈن
ﺳﻧﺔ 1961ﻫﻲ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻣﯾﻼد اﻟرﺳﻣﻲ ﻟﻠﻣﻧﻬﺞ اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري ،وﻫﻲ اﻟﺳﻧﺔ اﻟﺗﻲ
ظﻬر ﻓﯾﻬﺎ ﻛﺗﺎب اﻟدﻛﺗور أﺑﻲ اﻟﻘﺎﺳم ﺳﻌد اﷲ ﻋن اﻟﺷﺎﻋر ﻣﺣﻣد اﻟﻌﯾد آل ﺧﻠﯾﻔﺔ « ،3وﻋﻘﺑت
دراﺳﺔ أﺑﺎ اﻟﻘﺎﺳم ﺳﻌد اﷲ اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻓﻲ اﻷﺻل رﺳﺎﻟﺔ ﻣﺎﺟﺳﺗﯾر ،دراﺳﺎت أﺧرى ﻟﻠﻣﻣﺛﻠﻲ ﻫذا
اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري واﻟذﯾن ﺳﻧﺗﺗﺑﻊ أﻫم ﺗﺟﺎرﺑﻬم ﻓﯾﻣﺎ ﯾﻠﻲ:
116
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
117
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﻛﻣﺎ أن دراﺳﺔ ﺳﻌد اﷲ ﻓﯾﻬﺎ ﺗرﻛﯾز ﻛﺑﯾر ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻔﺎﺻﯾل اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ ﻋن ﺣﯾﺎة اﻟﺷﺎﻋر وﻋﺻرﻩ
وﻣوﺿوﻋﺎت ﺷﻌرﻩ ﻣن ﺣﯾث ارﺗﺑﺎطﻬﺎ ﺑﺎﻟﻣﻧﺎﺳﺑﺎت اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻗﯾﻠت ﻓﯾﻬﺎ.
أﻣﺎ ﻛﺗﺎب " دراﺳﺎت ﻓﻲ اﻷدب اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث " واﻟذي ﺻرح ّأﻧﻪ ﻛﺗﺑﻪ ﺗﺣت
ﺿﻐوط اﻟظروف اﻟﺛورﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺗﻌﯾﺷﻬﺎ اﻟﺟزاﺋر ،ورﻏﺑﺗﻪ ﻣن ﻛﺗﺎﺑﺗﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺣﻔﺎظ ﻋﻠﻰ
اﻟطﺎﺑﻊ اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ واﻟﻌﺎطﻔﻲ ﻟﻬذﻩ اﻟدراﺳﺎت ،إذ ﯾﺻرح ّأﻧﻪ» ...ﻟم أﻋد ﻛﺗﺎﺑﺔ ﻫذﻩ اﻷﺑﺣﺎث
وﻟﻛﻧﻲ راﺟﻌﺗﻬﺎ ﻟﺿﺑط ﺗﺎرﯾﺦ أو ﺗﺻﺣﯾﺢ ﻋﺑﺎرة أو ﻧﺣو ذﻟك ،وﻛﺎن ذﻟك رﻏﺑﺔ ﻣﻧﻲ ﻓﻲ أن
ّ
ﺗﺣﺗﻔظ ﻫذﻩ اﻟدراﺳﺎت ﺑطﺎﺑﻌﻬﺎ اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ واﻟﻌﺎطﻔﻲ ﻓﻘد ﻛﺗﺑت ﺗﺣت ﺿﻐط اﻟظروف اﻟﺛورﯾﺔ
اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺗﻌﯾﺷﻬﺎ اﻟﺟزاﺋر« ،1ﻓﻘد ﺻﻧف اﻟﺷﻌر اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ﺗﺑﻌﺎ ﻷطرﻩ اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ ﻋﻠﻰ
اﻟﻧﺣو اﻟﺗﺎﻟﻲ:
-1ﺷﻌر اﻟﻣﻧﺎﺑر :وﯾﻣﺗد ﻣن أواﺧر اﻟﻘرن اﻟﻣﺎﺿﻲ إﻟﻰ ﻋﺎم ،1925وﻓﯾﻪ ﻛﺛﯾر ﻣن رواﺳب
اﻟﻣﺎﺿﻲ ،وﻗد اﻋﺗﻣد ﻋﻠﻰ اﻟﺻﺣﺎﻓﺔ ذات اﻟﻠﺳﺎن اﻟﻌرﺑﻲ وﻣن اﻟﺷﻌراء اﻟذﯾن ﻣﺛﻠوا ﻟﻬذا اﻻﺗﺟﺎﻩ
ﻋﺎﺷور ﺣﻧﻔﻲ وأﺑو اﻟﯾﻘظﺎن واﻟﺳﻌﯾد اﻟزاﻫري.
-2ﺷﻌر اﻷﺟراس 1936 -1925 :وﻫو ﻧﺗﯾﺟﺔ ﺗﺣوﻻت ﺟذرﯾﺔ وﻣﯾﻼد ﺟﻣﻌﯾﺔ اﻟﻌﻠﻣﺎء
اﻹﺻﻼﺣﯾﺔ ،وﻣن ﺷﻌراء ﻫذﻩ اﻟﻣرﺣﻠﺔ ﻣﺣﻣد اﻟﻌﯾد آل ﺧﻠﯾﻔﺔ ،ﻣﻔدي زﻛرﯾﺎء.
-3ﺷﻌر اﻟﺑﻧﺎء 1945 -1936 :اﻟذي أﺧذ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻘﻪ اﻟدﻋوة إﻟﻰ اﻟوﺣدة اﻟوطﻧﯾﺔ
وﻣواﺟﻬﺔ اﻟﻌدو ﺑﺷﻲء ﻣن اﻟﺻراﻣﺔ وﻣﺛل ﺷﻌراء ﻫذﻩ اﻟﻣرﺣﻠﺔ أﺣﻣد ﺳﺣﻧون وﻣﻔدي زﻛرﯾﺎء.
-4ﺷﻌر اﻟﻬدف :وﻗد ظﻬر إﺛر ﻣﺟﺎزر ﻣﺎي ،1945واﻟﺗﻲ راح ﺿﺣﯾﺗﻬﺎ 45أﻟف ﺟزاﺋري
وﻣﺛﻠﻪ إﻟﻰ ﺟﺎﻧب اﻟرﻣوز اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﺑﺎرزة اﻟرﺑﯾﻊ ﺑوﺷﺎﻣﺔ ،ﻋﺑد اﻟﻛرﯾم اﻟﻌﻘون ،أﺣﻣد اﻟﻐواﻟﻣﻲ
وﻏﯾرﻫم.
-5ﺷﻌر اﻟﺛورة :وﻫذﻩ اﻟﻣرﺣﻠﺔ ﺑدأت ﻣﻊ اﻟﺛورة اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ وﻛﺎﻧت ﻣرﺣﻠﺔ ﺗﻌﺑﯾر ﻋن ﻋواطف
اﻟﺷﻌراء ﺗﺟﺎﻩ اﻟﺛورة اﻟﺗﻲ ﻓﺗﺣت أﻣﺎﻣﻬم آﻓﺎﻗﺎ ﻟﻠﻛﻠﻣﺔ ،وأﺧذت ﻗﺻﺎﺋدﻫم ﺗﺗﻐﻧﻰ ﺑﺎﻷرض
-1ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص .24
118
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
واﻟﻧﺿﺎل واﻻﺳﺗﺷﻬﺎد ،وﻣن ﺑﯾن ﺷﻌراء ﻫذﻩ اﻟﻔﺗرة ﻣﺣﻣد اﻟﺻﺎﻟﺢ ﺑﺎوﯾﺔ ،ﺻﺎﻟﺢ ﺧرﻓﻲ أﺑو
1
اﻟﻘﺎﺳم ﺳﻌد اﷲ .
وﻫذا اﻟﺗﻘﺳﯾم اﻟذي اﻧﺗﻬﺟﻪ اﻟﻛﺎﺗب ﯾﺧﺿﻊ اﻟظﺎﻫرة اﻟﺷﻌرﯾﺔ إﻟﻰ ﻧﻘﺎط ﺑﺎرزة ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺦ
اﻟﺟزاﺋر ،ﻛﻣﺎ ﻧﻠﻣس إﯾﻣﺎﻧﻪ ﺑﺎﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ أﯾﺿﺎ ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ اﻟﻣوﺳوم ﺑ ـ " ﺗﺟﺎرب ﻓﻲ اﻷدب
واﻟرﺣﻠﺔ " ،اﻟذي ﻋرض ﻓﯾﻪ اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻟﻧﻣﺎذج اﻹﺑداﻋﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﻏرار "أﺑﻲ اﻟﻌﯾد دودو" و"ﻣﺣﻣد
2
اﻟﻌﯾد آل ﺧﻠﯾﻔﺔ" ،و"زﻫور وﻧﯾﺳﻲ" "وﻣﺻطﻔﻰ اﻟﻐﻣﺎري"...
ﺛﺎﻧﯾﺎ-ﻋﺑد اﷲ اﻟرﻛﯾﺑﻲ:
ﯾﺻرح "ﻋﺑد اﷲ اﻟرﻛﯾﺑﻲ" ﻓﻲ ﻣطﻠﻊ دراﺳﺗﻪ " اﻟﻘﺻﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ اﻟﻘﺻﯾرة " ﺑﺎﺧﺗﯾﺎرﻩ اﻟﻧﻘد
اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ ﻛﻣﻧﻬﺞ ﯾﺟﻣﻊ ﺑﯾن اﻟﺗﺎرﯾﺦ واﻟﻧﻘد وﻟﯾس ،اﺧﺗﯾﺎر اﻟﺗﺎرﯾﺦ ﻟذاﺗﻪ ،ﻓﻲ ﻗوﻟﻪ »اﺧﺗرت
اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟذي ﯾﺟﻣﻊ ﺑﯾن اﻟﻧﻘد واﻟﺗﺎرﯾﺦ ،ﻓﺎﻟﺗﺎرﯾﺦ ﻫﻧﺎ ﻟﯾس ﻣﻘﺻودا ﻟذاﺗﻪ ٕواﻧﻣﺎ ﻫو ﻟﺑﯾﺎن ﺧط
ﺗطور اﻟﻘﺻﺔ وﻣﺳﺎرﻫﺎ اﻟﻌﺎم ،وﻛﯾف ﺗطورت وﻣﺎ اﻷﺷﻛﺎل اﻟﺗﻲ ظﻬرت ﻓﯾﻬﺎ ،ﻷن اﻷدب
ﯾﺗطور ﺑﺗطور ﺣﯾﺎة اﻹﻧﺳﺎن ،واﻟﺗﺎرﯾﺦ ﯾﺳﺎﻋد ﻋﻠﻰ ﺗﺣدﯾد ﻣراﺣل ﻫذا اﻟﺗطور«.3
ﻗﺳم اﻟﻧﺎﻗد ﻛﺗﺎﺑﻪ إﻟﻰ ﺑﺎﺑﯾن ،اﻟﺑﺎب اﻷول اﺧﺗﺎر أن ﯾﻛون ﻋن " ﺑداﯾﺎت اﻟﻘﺻﺔ اﻟﻘﺻﯾرة
اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ " ،ﺿﻣﻧﻪ ﺛﻼث ﻓﺻول ،ﺣﯾث ﺧﺻص اﻟﻔﺻل اﻷول ﻟﻠﻘﺻﺔ اﻟﻘﺻﯾرة اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ
ﻧﺷﺄﺗﻬﺎ وﻣؤﺛراﺗﻬﺎ ،أﻣﺎ اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻓﻘد ﺟﻌﻠﻪ ﻟﻠﻣﻘﺎل اﻟﻘﺻﺻﻲ ،واﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻟث ﻟﻠﺻورة
اﻟﻘﺻﺻﯾﺔ ،أﻣﺎ اﻟﺑﺎب اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻓﻘد ﻗﺳﻣﻪ إﻟﻰ ﻓﺻﻠﯾن ،ﻓﺻل ﻟﻠﻘﺻﺔ اﻟﻣﻛﺗوﺑﺔ ﺑﺎﻟﻌرﺑﯾﺔ وﺛﺎﻧﻲ
ﻟﻠﻘﺻﺔ اﻟﻣﻛﺗوﺑﺔ ﺑﺎﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ ،وﯾﺣﺳب ﻟﻠﻧﺎﻗد إﺛﺎرﺗﻪ ﻟﻘﺿﯾﺔ اﻷدب اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻛﺗوب ﺑﺎﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ
ﻫذﻩ اﻟﻘﺿﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻋرﻓت ﻧﻘﺎﺷﺎ واﺳﻌﺎ ﻟم ﯾﻧﺗﻬﻲ إﻟﻰ ﯾوﻣﻧﺎ ﻫذا ،واﻟﺗﻲ ﺳﻧﺗطرق إﻟﯾﻬﺎ ﻓﻲ
اﻟﻔﺻل اﻟراﺑﻊ ﻣن ﻫذﻩ اﻟدراﺳﺔ.
119
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
وﯾﻌﺗﺑر "ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ" ﻛﺗﺎب اﻟرﻛﯾﺑﻲ " اﻟﻘﺻﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ اﻟﻘﺻﯾرة"» ،أول ﻛﺗﺎب ﯾﻌرض
ﻟﻠﻘﺻﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻻﻣﺗداد اﻟزﻣﻧﻲ ) ، 1« 1962-1928ﻛﻣﺎ أﻧﻪ » اﺳﺗﺣدث
ﻣﺻطﻠﺣﯾن ﺳردﯾﯾن ﺟدﯾدﯾن ﻟﻣﻌﺎﻟﺟﺔ اﻟﺑواﻛﯾر اﻟﻘﺻﺻﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ،ظﻼ ﻣﺗداوﻟﯾن ﻓﻲ ﻛﺛﯾر
ﻣن اﻟدراﺳﺎت اﻟﻼﺣﻘﺔ ،ﻫﻣﺎ " اﻟﻣﻘﺎل اﻟﻘﺻﺻﻲ " و"اﻟﺻورة اﻟﻘﺻﺻﯾﺔ «.2
وﻟﻛﻲ ﯾﺑﻘﻰ وﻓﯾﺎ ﻟﻠﻧﻬﺞ اﻟذي اﺧﺗﺎرﻩ ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ " اﻟﻘﺻﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ اﻟﻘﺻﯾرة " ،ﻓﻧﺟدﻩ
ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ " اﻟﺷﻌر اﻟدﯾﻧﻲ اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث " ﯾﺣﺎﻓظ ﻋﻠﻰ اﺧﺗﯾﺎرﻩ اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ »واﻟواﻗﻊ أﻧﻧﺎ
اﺧﺗرﻧﺎ ﻣﻧﻬﺟﺎ ﻟﻬذا اﻟﺑﺣث ،ﯾﺟﻣﻊ ﺑﯾن اﻟﺗﺎرﯾﺦ واﻟﻧﻘد«،3وﻓﻲ دراﺳﺗﻪ ﻫذﻩ ﯾﺻطدم اﻟﻧﺎﻗد ﺑﺣﻘﯾﻘﺔ
ﻋﺟز اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ وﺣدﻩ ﻓﻲ ﻣﻘﺎرﺑﺔ ﺷﺧﺻﯾﺔ ﻛﺷﺧﺻﯾﺔ " ﻣﺑﺎرك ﺟﻠواح " اﻟذي ﺗﻌرض
إﻟﯾﻪ ﻓﻲ دراﺳﺗﻪ ،وﯾرﺟﻊ "ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ" ذﻟك أن »اﻹﯾﻣﺎن اﻟﻣﻐﺎﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﻧظرة اﻟﻣرآوﯾﺔ إﻟﻰ
اﻷدب ﻣن ﺷﺄﻧﻪ أﻻ ﯾﻧﺎل ﻣن اﻟﻧﻣﺎذج اﻟﻣﻐﻣورة ﺗﺎرﯾﺧﯾﺎ ،أي ﺗرﻛن إﻟﻰ ذاﺗﻬﺎ وﺗﺳﻌﻰ إﻟﻰ
ﺗﺟﺎوز اﻟﻣﺣﺎﻛﺎة اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ،4«...وﯾؤﻛد وﻏﻠﯾﺳﻲ رأﯾﻪ ﻣﺳﺗﺷﻬد ﺑﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ اﻟرﻛﯾﺑﻲ
ﻧﻔﺳﻪ » وﻟﻛن اﻟﺻﻌوﺑﺔ اﻟﺗﻲ ﺗواﺟﻪ اﻟﺑﺎﺣث ﻓﻲ ﻣﺛل ﻫذﻩ اﻟدراﺳﺔ ﻫﻲ أن ﺗﺎرﯾﺦ ﺻﺎﺣﺑﻬﺎ
ﻏﺎﻣض إﻟﻰ ﺣد ﻣﺎ«.5
ٕوان اﺳﺗﺷﻬد "وﻏﻠﯾﺳﻲ" ﺑﻣﻘوﻟﺔ "اﻟرﻛﯾﺑﻲ" ﻓﻲ اﻟﻘﺻور اﻹﺟراﺋﻲ ﻟﻠﻧﻘد اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ ،رﻏم أن
"اﻟرﻛﯾﺑﻲ" ﻟم ﯾﻌﺗرف ﺑﻬذا وﺑرر اﻟﺻﻌوﺑﺔ اﻟﺗﻲ ﺗواﺟﻪ اﻟﻧﺎﻗد ﻓﻲ اﺳﺗﯾﻌﺎب ﺑﻌض اﻟﻔردﯾﺎت ﻣﺛل
"ﺟﻠواح" ﻣردﻩ ﻏﻣوض ﺗﺎرﯾﺦ ﻣﺛل ﻫذﻩ اﻟﺷﺧﺻﯾﺎت » ،ﻓﺑﺎﻟرﻏم ﻣن اﻟﻣﻌﻠوﻣﺎت اﻟﻘﻠﯾﻠﺔ اﻟﺗﻲ ﺑﯾن
أﯾدﯾﻧﺎ ،واﻟﺗﻲ ﻻ ﺗﺷﻔﻲ ﻏﻠﯾل اﻟﺑﺎﺣث ،ﻓﺈن اﻟﺷﺎﻋر ﯾﻛﺎد ﯾﻛون ﻣﺟﻬوﻻ ﺣﺗﻰ ﺑﯾن ﻣﻌﺎﺻرﯾﻪ
اﻟذﯾن ﻻ ﯾﻛﺎدون ﯾﻌرﻓون ﻋﻧﻪ ﺷﯾﺋﺎ اﻷﻣر اﻟذي ﯾﺣﺗﺎر ﻣﻌﻪ دارس ﺷﻌرﻩ .6« ...
-1ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص .25
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .25
-3اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .26
-4اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .26
-5اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص 26
-6اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .26
120
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﻫذا ﻣﺎ ﺟﻌل اﻟرﻛﯾﺑﻲ ﯾﺗﺟﻪ ﻓﻲ دراﺳﺗﻪ ﻟﻠﺷﺎﻋر ﺟﻠواح إﻟﻰ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻔﻧﻲ ﻗﺎﺋﻼ »...ﻣن
اﻷﻧﺳب أن أﺧﺗﺎر اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻘدي اﻟﻔﻧﻲ وﺣدﻩ ﻟدراﺳﺔ ﺷﻌر ﺟﻠواح ...أﻣﺎ اﻟﻌﻧﺻر اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ
اﻟﻣﺳﺎﻋد ﻓﯾﻛﺎد ﯾﻛون ﻣﻌدوﻣﺎ ،...واﻟواﻗﻊ أن ﻫذا اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻗد ﻻ ﯾﻛون ﻛﺎﻓﯾﺎ ﻓﻲ دراﺳﺔ ﺷﺎﻋر
ﻣﺟﻬول ﻣﺛل ﺷﺎﻋرﻧﺎ«.1
وﻫذا ﻣﺎ أﻋﺗﺑرﻩ "ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ" ﺟﻧوﺣﺎ ﻣن طرف اﻟﻧﺎﻗد إﻟﻰ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻔﻧﻲ ،وأن اﻟﻧﺎﻗد ﻣﻛرﻩ
ﻓﻲ ذﻟك ،وأﺿﺎف أن ذﻟك ﻻ ﯾﻌﻧﻲ اﻟﻛﺛﯾر ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺗوى اﻹﺟراﺋﻲ ،2وﻛذﻟك ﻛﺗﺎب "ﺗطور
اﻟﻧﺛر اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث" ﻟﻌﺑد اﷲ اﻟرﻛﯾﺑﻲ ﻻ ﯾﺧﺗﻠف ﻋن ﻣﻧﻬﺞ اﻟﻛﺗب اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ.
ﺛﺎﻟﺛﺎ -ﻣﺣﻣد ﻧﺎﺻر:
ﻫو ﺷﺎﻋر ﻗﺑل أن ﯾﻛون ﻧﺎﻗد ،ﻣن ﻣواﻟﯾد 1938ﺑﺎﻟﻘ اررة ﺑﻣدﯾﻧﺔ ﻏرداﯾﺔ اﻟواﻗﻌﺔ ﺟﻧوب
اﻟﺟزاﺋر ،ﺗﺣﺻل ﻋﻠﻰ اﻟﻠﯾﺳﺎﻧس ﺑﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻘﺎﻫرة ﺳﻧﺔ ،1966ﺛم اﻟﻣﺎﺟﺳﺗﯾر ﻣن ﺟﺎﻣﻌﺔ
اﻟﺟزاﺋر ﺳﻧﺔ 1972ﻋن دراﺳﺔ ﺗﻧﺎول ﻓﯾﻬﺎ اﻟﻣﻘﺎﻟﺔ اﻟﺻﺣﻔﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ،واﻟﺗﻲ أﺷرف ﻋﻠﯾﻬﺎ
اﻟدﻛﺗور "ﺷﻛري ﻓﯾﺻل" ،ﺛم ﺗﺣﺻل ﻋﻠﻰ اﻟدﻛﺗوراﻩ ﻣن ﻧﻔس اﻟﺟﺎﻣﻌﺔ ،ﻣن أﻫم ﻣؤﻟﻔﺎﺗﻪ ﻓﻲ
اﻟﺷﻌر أﻏﻧﯾﺎت اﻟﻧﺧﯾل ،اﻟﺑراﻋم اﻟﻧدﯾﺔ ،ﻓﻲ رﺣﺎب اﷲ ،أﻣﺎ اﻟدراﺳﺎت ﻓﻠﻪ اﻟﻣﻘﺎﻟﺔ اﻟﺻﺣﻔﯾﺔ
اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ،رﻣﺿﺎن ﺣﻣود -ﺣﯾﺎﺗﻪ وآﺛﺎرﻩ ،أﺑو اﻟﯾﻘظﺎن وﺟﻬﺎد اﻟﻛﻠﻣﺔ ،اﻟﺻﺣف اﻟﻌرﺑﯾﺔ
اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ﻣﻧﺗﺧﺑﺎت ﻣن ﺷﻌر اﻷﻣﯾر ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر ،ﻋﻣر راﺳم – اﻟﻣﺻﻠﺢ اﻟﺛﺎﺋر ،ﻣﻔدي زﻛرﯾﺎء
ﺷﺎﻋر اﻟﻧﺿﺎل واﻟﺛورة واﻟﺷﻌر اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث – اﺗﺟﺎﻫﺎﺗﻪ وﺧﺻﺎﺋﺻﻪ اﻟﻔﻧﯾﺔ. 3
ﻣن ﺑﯾن اﻟﺷﺧﺻﯾﺎت اﻟﺗﻲ ﻧﺎﻟت اﻻﻫﺗﻣﺎم ﻓﻲ دراﺳﺎت ﻣﺣﻣد ﻧﺎﺻر اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺷﺎﻋر اﻟﻧﺎﻗد
"رﻣﺿﺎن ﺣﻣود " اﻟذي ﺗﻧﺎول ﺣﯾﺎﺗﻪ وآﺛﺎرﻩ ،إذ ﯾﺟﯾب ﻋن اﻟﺗﺳﺎؤل اﻟذي دﻓﻌﻪ أن ﯾﺧﺻص ﻟﻪ
ﻫذﻩ اﻟدراﺳﺔ... » ،اﻟداﻓﻊ اﻟذي دﻓﻊ ﺑﻲ إﻟﻰ اﻻﻫﺗﻣﺎم ﺑﺣﻣود ،ﻫو ﻫذا اﻟﺗﺳﺎؤل اﻟذي ﺗﺧﯾﻠﺗﻪ
121
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﻗﺎﺋﻣﺎ ﻓﻲ أﻏﻠب اﻟﻧﻔوس ،وﻫو ﻋﻠﻰ ﻣﺎ أزﻋم ،ﻟم ﯾﺗوﻟد ﻓﯾﻬﺎ إﻻ ﺑﺳﺑب اﻹﺟﺣﺎف اﻟذي ﯾﻌﺎﻧﻲ
ﻣﻧﻪ ﻫذا اﻷدﯾب ،ﺑل وﯾﻌﺎﻧﻲ ﻣﻧﻪ ﻏﯾر ﻗﻠﯾل ﻣن أدﺑﺎﺋﻧﺎ وﻣﻔﻛرﯾﻧﺎ اﻟراﺣﻠﯾن«.1
ﻓﻛﺎن ذﻟك اﻟداﻓﻊ اﻟﻣﺗﻌﻠق ﺑﺷﺧﺻﯾﺔ اﻷدﯾب ،واﻟﺳﺑب اﻵﺧر اﻟذي ﺟﻌل "ﻣﺣﻣد ﻧﺎﺻر" ﯾﻘوم
ﺑدراﺳﺗﻪ ﻫو» أن أدﺑﻧﺎ ﻟم ﯾزل ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ ﺷدﯾدة ،أﻛﯾدة ﻟﻠﺟﻣﻊ واﻟﺗﺻﻧﯾف ،ﻓﺎﻟﻛﺛﯾر ﻣﻧﻪ ﻣﺎ ﯾزال
ﻣﺗﻧﺎﺛ ار ﻓﻲ اﻟﺻﺣف اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ،وﻏﯾر اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ،ﯾﻧﺗظر أﯾﺎدي أﻣﯾﻧﺔ ﺗﻧﻘذﻩ ﻣن اﻟﺿﯾﺎع
واﻟﺗﻼﺷﻲ« ،2أﯾن أﻧﺻب اﻫﺗﻣﺎم اﻟﻣؤﻟف ﻋﻠﻰ اﻟدراﺳﺔ واﻟﺟﻣﻊ ﻣﻌﺎ ،ﻓﺧﺻص اﻟﻘﺳم اﻷول ﻣن
اﻟﻛﺗﺎب ﻟﻠﺗﻌرﯾف ﺑرﻣﺿﺎن ﺣﻣود ،وﺗﻧﺎول ﺷﻌرﻩ وﺷﺎﻋرﯾﺗﻪ،ﻛﻣﺎ وﻗف ﻋﻠﻰ أراﺋﻪ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ،أﻣﺎ
اﻟﻘﺳم اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻓﻘد ﺧﺻﺻﻪ ﻟﻠﻧﺻوص اﻟﺗﻲ ﺗﺣﺗوي ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺗﺎج اﻟﻔﻛري ﻟﺣﻣود 3وظ ّل اﻟﻧﺎﻗد
أﻣﯾﻧﺎ ﻓﻲ ﺗوﺟﻪ اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ ﻟﺗﻘﺻﻲ ﺣﯾﺎة اﻟﻣؤﻟف واﻟﺑﺣث ﻋن أﺛﺎرﻩ ،ﻓﻘد ﺗوﺧﻰ ﺟﻣﻊ
ﻛل ﻣﺎ وﻗﻌت ﻋﻠﯾﻪ ﯾدﯾﻪ ،ﺣﯾث رﺗب اﻟﻘﺻﺎﺋد ﺗرﺗﯾﺑﺎ ﺗﺎرﯾﺧﯾﺎ ﺣﺳب ﺻدورﻫﺎ ﺑﻌد أن أﻋﯾﺎﻩ
4
اﻟﺑﺣث ﻋن دﯾوان رﻣﺿﺎن ﺣﻣود اﻟﻣﺧطوط دون ﺟدوى.
ﻛﻣﺎ ﺑﻘﻲ اﻟﻧﺎﻗد وﻓﯾﺎ ﻟﻠﻣﻧﻬﺞ اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد ﻓﻲ دراﺳﺗﻪ اﻟﻣوﺳوﻣﺔ ﺑﺎﻟﻣﻘﺎﻟﺔ اﻟﺻﺣﻔﯾﺔ
اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ رﻏم ﺗﺑرﯾرﻩ ﺑﺄن ذﻟك ﻟم ﯾﻛن اﺧﺗﯾﺎ ار ﻣﻧﻪ إﻧﻣﺎ ﻛﺎن ﻧﺗﯾﺟﺔ إﻟزام اﻟﻣﺷرف »...وﻟﻌل
ﻣراﻋﺎة اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ اﻟذي ﻫداﻧﻲ إﻟﯾﻪ ،وأﻟزﻣﻧﻲ ﺑﻪ ﻓﻲ ﻛل ﻣراﺣل اﻟﺑﺣث أﺳﺗﺎذي
اﻟﻣﺷرف ،ﯾﻌﺗﺑر ﺟزءا ﻣن اﻟﺟﻬد اﻟﻣﺗواﺿﻊ اﻟذي ﺗﻘدﻣﻪ ﻫذﻩ اﻟرﺳﺎﻟﺔ ﻷﻧﻬﺎ ﺗرﺳم ﺗطو ار ﺗﺎرﯾﺧﯾﺎ
ﻟﻠﻔﻛر اﻟﺟزاﺋري.5«..
أﻣﺎ دراﺳﺗﻪ ﻟﻠﺷﻌر اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ﻓﯾﻌﺗﺑرﻫﺎ اﻟﻧﺎﻗد "ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ" » ﻧﻣوذﺟﺎ ﻣن أرﻗﻰ
ﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ ﻣﻊ اﻟظﺎﻫرة اﻷدﺑﯾﺔ،6«...اﻟﺗﻲ أﻋﺎب ﻓﯾﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟدراﺳﺎت اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ
122
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
اﺗﺟﺎﻫﻬﺎ ﻧﺣو اﻷﻓﻛﺎر واﻟﻣﺿﺎﻣﯾن» ،وﺗﺻب ﺟل اﻫﺗﻣﺎﻣﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ اﻟﻣﻌﻧوﯾﺔ وﺗﻌطﻲ
اﻟﻘﯾﻣﺔ اﻟﻛﺑرى ﻋﻧد ﺗﺣﻠﯾل اﻟﻧﺻوص ﻟﻠظروف اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ وﻏﯾرﻫﺎ«،1رﻏم أﻧﻪ ﯾﻌطﻲ
اﻟﻔﺿل ﻟﺗﻠك اﻟدراﺳﺎت ﻓﻲ وﺿﻊ اﻟﻣﺎدة اﻟﺧﺎم ﺑﯾن ﯾدي اﻟﺑﺎﺣﺛﯾن ،إذ ﯾﻌﺗﺑر ﻣﺟرد اﻟوﺻول
ﻟﻠﻣﺎدة اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﻣﺗﻧﺎﺛرة ﯾﻌد ﻓﻲ ﺣد ذاﺗﻪ ﻣﺳﺎﻫﻣﺔ ﻣﻌﺗﺑرة ،وﻫﻲ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ ﻟدراﺳﺎت أﺧرى
ﺗﻌززﻫﺎ وﺗﺗﻛﺎﻣل ﻣﻌﻬﺎ.
ﺟﻌل اﻟﻧﺎﻗد ﻫدﻓﻪ اﻷول ﻣن دراﺳﺗﻪ » اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ اﻟﻧﺻوص ﻣﺑﺎﺷرة ﻻﺳﺗﺧراج ﻣﺎ ﻓﯾﻬﺎ ﻣن
ﻗﯾم ﻓﻧﯾﺔ ،ﻣﺣﺎوﻻ اﻟوﺻول إﻟﻰ ﻋﻧﺎﺻر اﻟﺗﺟدﯾد واﻟﺗﻘﻠﯾد ﻓﯾﻬﺎ ،ﻣوﺿﺣﺎ ﺟواﻧب اﻷﺻﺎﻟﺔ واﻟزﯾف
ﻓﻲ ﺛﻧﺎﯾﺎﻫﺎ«، 2ﺣﯾث ﺧص اﻟﺑﺎب اﻷول ﻣن اﻟدراﺳﺔ ﻟﻠﻣؤﺛرات اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻓﻲ اﺗﺟﺎﻫﺎت اﻟﺷﻌر
اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ،ﺣﯾث ﺣدد اﻟﺳﯾﺎﻗﺎت اﻟﻣؤﺛرة ﻓﻲ اﺗﺟﺎﻫﺎت اﻟﺷﻌر اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ،اﻟﺗﻲ
رأى ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺗﺗوزع ﻋﻠﻰ ﺛﻼث اﺗﺟﺎﻫﺎت ،اﻟﺗﻘﻠﯾدي اﻟﻣﺣﺎﻓظ واﻟوﺟداﻧﻲ اﻟروﻣﺎﻧﺳﻲ واﻟﺷﻌر اﻟﺣر
رﻏم أن ﺗﻘﺳﯾﻣﻪ »ﻻ ﯾﺧﻠو ﻣن ﺗﻌس ،ﺣﯾث ﻧﺟد ﺷﻌراء ﻛﺄﺑﻲ اﻟﻘﺎﺳم ﺳﻌد اﷲ وﻋﺑد اﻟﻘﺎدر
3
اﻟﺳﺎﺋﺣﻲ وﺑﻠﻘﺎﺳم ﺧﻣﺎر ﻗﺎﺑﻠﯾن ﻟﻼﻧﺗﻣﺎء إﻟﻰ ﻫذﻩ اﻻﺗﺟﺎﻫﺎت اﻟﺛﻼﺛﺔ ﻓﻲ وﻗت واﺣد «
وﻹﻧﺻﺎف اﻟﻧﺎﻗد ﻻﺑد ﻣن اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن ﻣﺣﻣد ﻧﺎﺻر ﻗد ﺗطرق إﻟﻰ ﻫذا اﻟﺗداﺧل ﺑﯾن
اﻻﺗﺟﺎﻫﺎت اﻟﺛﻼﺛﺔ ،اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟﺗﻘﻠﯾدي اﻟﻣﺣﺎﻓظ واﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟﺗﺟدﯾدي واﻟﺷﻌر اﻟﺣر ﻓﻲ إطﺎر ﺗﻛﻠﻣﻪ
ﻓﻲ ﻣﻘدﻣﺔ دراﺳﺗﻪ ﻋن اﻟﺻﻌوﺑﺎت اﻟﺗﻲ واﺟﻬت دراﺳﺗﻪ.4
وﯾﻌد ﻛﺗﺎب ﻣﺣﻣد ﻧﺎﺻر "اﻟﺷﻌر اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث اﺗﺟﺎﻫﺎﺗﻪ وﺧﺻﺎﺋﺻﻪ اﻟﻔﻧﯾﺔ " دراﺳﺔ ﻧﻘدﯾﺔ
أن ﻣﺎ
ﻣﻬﻣﺔ ﺗﺗﺑﻌت اﻟﺷﻌر اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث طوال ﻧﺻف ﻗرن ﻣن اﻟزﻣن ،أﻛد ﻓﯾﻪ اﻟﻧﺎﻗد ّ
ﺷﺎب ﻫذا اﻟﺷﻌر»ﻣن ﻗوة وﺿﻌف ﺣﺳب ﺗﻧوع اﻟﺗﺟﺎرب ،وﻣواﻫب اﻟﺷﻌراء وﺳﺎﯾر اﻟﺗطور
اﻟذي ﻋرﻓﺗﻪ ﻣﺳﯾرة اﻟﺷﻌر ﻓﻲ اﻟوطن اﻟﻌرﺑﻲ وﻟم ﯾﺗﺧﻠف ﻋﻧﻬﺎ ،وﻟم ﯾﻛن ﻛﻣﺎ ادﻋﻰ اﻟﺑﻌض
123
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﺷﻌ ار اﻧﺣطﺎطﯾﺎ ﻻ ﯾﻣﺛل ﻋﺻرﻩ ،وأﻧﻪ ﻣﺗﺷﺎﺑﻪ اﻟﻧﺻوص ،ﻋدﯾم اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ أو ﻫو ﺿﻌﯾف
ﯾﺟب أن ﯾﻌﺎﻣل ﺑرﻓق«. 1
124
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
-1ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص .205
-2ﺻﺎﻟﺢ ﺧرﻓﻲ ،اﻟﺷﻌر اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ،اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب ،اﻟﺟزاﺋر ،1984 ،ص .08
-3ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص .29
125
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ،واﻟﺣﺎﻟﺔ اﻟدﯾﻧﯾﺔ واﻟﻔﻛرﯾﺔ واﻷدﺑﯾﺔ ،ﻛﺎن ﯾظن أن اﻟﺟزاﺋر ،واﻟﺷﻌر اﻟﺟزاﺋري
اﻟﺣدﯾث ،وﻓﻲ ﺗﻣﻬﯾدﻩ ﻟﻠﻛﺗﺎب ﺑرر اﺧﺗﯾﺎرﻩ اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ ﺑﻘوﻟﻪ » إن دراﺳﺔ اﻟطﺑﯾﻌﺔ ٕواﻟﻘﺎء
اﻷﺿواء ﻋﻠﻰ اﻟﺑﯾﺋﺔ ﻛﻣدﺧل ﻟدراﺳﺔ ظﺎﻫرة أدﺑﯾﺔ ﻓﻛرﯾﺔ ،ﻻ ﯾﺳﺎﻋد ﻓﻘط ﻋﻠﻰ ﻓﻬم اﻟﻧص
ٕواﻧﺻﺎﻓﻪ ﺑﻬدى ﻣن ﻣﻼﺑﺳﺎﺗﻪ وظروﻓﻪ ،ﺑل ﯾﺳﺎﻋد أﯾﺿﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﺗﺑﻊ اﻟﺟذور اﻟﻌﻣﯾﻘﺔ ﻟﻠﻧﺑﺗﺔ
اﻷدﺑﯾﺔ ،وطﺑﯾﻌﺔ اﻷرض اﻟﺗﻲ أﻧﺷﻘت ﻋﻧﻬﺎ ،ﺣﺗﻰ ﻻ ﻧﻬﺗم ﺑﺎﻟﻔرع ﻣﻘطوﻋﺎ ﻋن أﺻﻠﻪ ،أو ﻧﺳﺗﻧد
إﻟﻰ أﺻل ﻣﺟﺗث ﻣن أرﺿﻪ « ، 1واﻋﺗﺑﺎر اﻟﻧص وﺛﯾﻘﺔ ﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ ﻻ ﯾﺧﺗﻠف ﻓﻲ ﺷﻲء ﻋن
اﻵﺛﺎر اﻟﻣﻧﻘوﺷﺔ واﻟﻣدﻓوﻧﺔ ﺗﺣت اﻟرﻣﺎل.
ﺗﺧﺻﯾص ﺟزء ﻛﺑﯾر ﻣن دراﺳﺗﻪ اﻷﺧﯾرة ،ﻛﺄﻏﻠب دراﺳﺎﺗﻪ ﻟﻠﺟﺎﻧب اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ واﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ
اﻟﻣﺣﯾط ﺑﺎﻟﺣرﻛﺔ اﻷدﺑﯾﺔ ،ﻫوﻣﺎ ﯾﺑرر ﻛﻼم اﻟﻧﺎﻗد وﻏﻠﯾﺳﻲ اﻟﺳﺎﺑق واﻋﺗﺑﺎرﻩ ﻟﺻﺎﻟﺢ ﺧرﻓﻲ ﻣؤرﺧﺎ
أدﺑﯾﺎ أﻛﺛر ﻣﻧﻪ ﻧﺎﻗدا أدﺑﯾﺎ.
-1ﺻﺎﻟﺢ ﺧرﻓﻲ ،اﻟﻣدﺧل إﻟﻰ اﻷدب اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ،اﻟﺷرﻛﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﻠﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ ،اﻟﺟزاﺋر ،1983 ،ص .12
-2ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص .195
126
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﻟﻪ ﻣﻛﺗﺑﺔ ﻣن اﻟﺗﺂﻟﯾف ﻧذﻛر ﻣﻧﻬﺎ اﻟﻘﺻﺔ ﻓﻲ اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻘدﯾم ،ﻧﻬﺿﺔ اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ
اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ،ﻓن اﻟﻣﻘﺎﻣﺎت ﻓﻲ اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ ،اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ﺑﯾن اﻟﺗﺄﺛﯾر
واﻟﺗﺄﺛر ،اﻟﻌﺎﻣﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ وﺻﻠﺗﻬﺎ ﺑﺎﻟﻔﺻﺣﻰ ،اﻷﻟﻐﺎز اﻟﺷﻌﺑﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ،اﻷﻣﺛﺎل اﻟﺷﻌﺑﯾﺔ
اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ،ﻓﻧون اﻟﻧﺛر اﻷدﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ،أﻟف ﻟﯾﻠﺔ وﻟﯾﻠﺔ ،اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ ﻣن أﯾن ٕواﻟﻰ أﯾن؟
وﻏﯾرﻫﺎ ﻣن اﻟدراﺳﺎت واﻟرواﯾﺎت.1
ﯾﻣﺛل اﻟﻧﻘد اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ ﺑداﯾﺔ رﺣﻠﺔ ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض ﻣﻊ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ
واﻟﻣﻌﺎﺻرة ،ﺣﯾث " اﺳﺗﻐرق ﻣؤﻟﻔﺎﺗﻪ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻷوﻟﻰ ،وﻻﺳﯾﻣﺎ ﺑﺣوﺛﻪ اﻟﺟﺎﻣﻌﯾﺔ ،ﻟﻌل أﺷﻬرﻫﺎ
وأﻛﺑرﻫﺎ ﺗﻣﺛﯾﻼ ﻟﻪ :ﻓﻧون اﻟﻧﺛر اﻷدﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ،و ﻓن اﻟﻣﻘﺎﻣﺎت ﻓﻲ اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ
وﻛذا ﻧﻬﺿﺔ اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ،2"وﻟم ﯾﻠﺑث ﻣرﺗﺎض ﻣﻊ ﻫذا اﻟﻣﻧﻬﺞ
طوﯾﻼ إذ راح ﯾطﻌن ﻓﯾﻪ وﯾﻛﻔر ﺑﻧظرﯾﺎت ﻣﻣﺛﻠﯾﻪ ،ﺑدءا ﺑﻧظرﯾﺔ "ﺗﯾن" اﻟﺛﻼﺛﯾﺔ..» :ﻻ ﺑﯾﺋﺔ وﻻ
زﻣﺎن وﻻ ﻣؤﺛرات ،وﻻ ﻫم ﯾﺣزﻧونٕ ،واﻧﻣﺎ ﻫو ﻧص ﻣﺑدع ﻧﻘرؤﻩ :ﻓﻬو اﻟذي ﯾﻌﻧﯾﻧﺎ ،ﻓﻬو اﻟذي
ﯾﺟب أن ﻧدرﺳﻪ وﻧﺣﻠﻠﻪ ﺑﺎﻟوﺳﺎﺋل اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ،أو اﻟوﺳﺎﺋل اﻷﻗرب ﻣﺎ ﺗﻛون إﻟﻰ اﻟﻌﻠم«.3
ﻛﺎﻧت ﺑداﯾﺔ ﻣرﺗﺎض ﻣﻊ اﻟﻧﻘد اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﯾﺔ اﻟﺳﺗﯾﻧﺎت ﺑﻛﺗﺎﺑﻪ " ﻧﻬﺿﺔ اﻷدب
اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر" » ، 1954-1925ﻓﻠﯾﻛن ﻫذا اﻟﺑﺣث ﻣن أﺟل اﻟﺑﺣث ﻋن
اﻟﺣﻘﺎﺋق اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ ﺑﻣﺎ ﻓﯾﻬﺎ اﻷدب اﻟﻣﻧﺛور ﻓﻲ اﻟﺻﺣﺎﻓﺔ واﻟﺻراع اﻟﻔﻛري ﺑﯾن اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن
واﻟﻔرﻧﺳﯾﯾن اﻟﻣﺳﺗﻌﻣرﯾن ،واﻟﻣﺣﺎوﻻت اﻟﺗﻲ ﻛﺗﺑت ﺣول ﺗﺎرﯾﺧﻧﺎ « ، 4ﯾﻔﻬم ﻣن ﻛﻼم ﻣرﺗﺎض
اﻷﺧﯾر أن اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ ﻋﺑﺎرة ﻋن ﺣﻘﯾﻘﺔ ﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ ،ﻓﺳوى ﺑﯾﻧﻪ وﺑﯾن اﻟﺗﺎرﯾﺦ وﻛل ﻣﺎ ﻛﺗب ﻓﻲ
اﻟﺻﺣﺎﻓﺔ وﻣﺎ ﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟﺻراع اﻟﻔﻛري اﻟﺟزاﺋري اﻟﻔرﻧﺳﻲ.
-1ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص .197-196
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .33
-3اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .33
-4اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .39
127
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
أﻣﺎ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﻔﺗرة اﻟﺗﻲ ﺣددﻫﺎ ﺑﯾن 1925و 1954ﯾﻌود إﻟﻰ أن اﻟﺑﻌض رﺑط ﺑداﯾﺔ
اﻟﻧﻬﺿﺔ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ﺑﺳﻧﺔ ،1925وﺳﻧﺔ 1954ﻫﻲ ﺳﻧﺔ اﻧدﻻع اﻟﺛورة اﻟﻣﺑﺎرﻛﺔ ،وﻓﻲ ﺗﺣدﯾد
ﻣرﺗﺎض ﻟﻠﻔﺗرة اﻟزﻣﻧﯾﺔ ﯾﺣﻘق أﺣد ﻋﻧﺎﺻر ﺛﻼﺛﯾﺔ ﺗﯾن أﻻ وﻫو اﻟﻌﺻر ،ﺣﯾث ﻛﺎﻧت اﻟدراﺳﺎت
اﻷﻛﺎدﯾﻣﯾﺔ ﺗﻔرض ﻋﻠﻰ اﻟﺑﺎﺣث ذﻟك اﻻﺧﺗﯾﺎر ،وﻫذا ﻣﺎ أﻛدﻩ ﻓﻲ ﺗﻌرﯾﻔﻪ ﻟﻣﻧﻬﺞ ﺑﺣﺛﻪ » ٕواﻧﻣﺎ
ﺗﻧﺎوﻟت ﻋﺻ ار ﻣﺣددا ،وﻋﻬدا ﻣﻌﯾﻧﺎ ،إذ ﻛﺎﻧت اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﺗﻔرض ﻋﻠﯾﻧﺎ ﺑﻌض ذﻟك
ﻓرﺿﺎ«.1
ﻗﺳم ﻣرﺗﺎض ﻛﺗﺎﺑﻪ إﻟﻰ ﺛﻼث أﻗﺳﺎم ،اﻟﻘﺳم اﻷول ﻣن اﻟﻛﺗﺎب ﻋﻧوﻧﻪ ﺑـ" ﺑﺣث ﻓﻲ
اﻟﺷؤون اﻟﻔﻛرﯾﺔ واﻹﺻﻼﺣﯾﺔ ﻟﻸﻣﺔ ،أﻣﺎ اﻟﻘﺳم اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻓﻛﺎن " اﻟﺣرﻛﺔ اﻷدﺑﯾﺔ اﻟﺻﺣﺎﻓﺔ –
اﻟﻣﻘﺎﻟﺔ -اﻟﻘﺻﺔ ،واﻟﻘﺳم اﻟﺛﺎﻟث ﺧﺻﺻﻪ ﻟﺣرﻛﺔ اﻟﺗﺄﻟﯾف ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ،وﻛل ﻗﺳم ﻣن ﻫذﻩ
اﻷﻗﺳﺎم ﻗﺳﻣﻪ إﻟﻰ ﻓﺻول ﻣراﻋﯾﺎ " ﺟﺎﻧب اﻟوﺣدات اﻟﻣوﺿوﻋﯾﺔ اﻟداﺧﻠﯾﺔ ،واﻟﺗﻧﺳﯾق ﻓﻲ
اﻟﻣﻼﺋﻣﺔ واﻟﻣؤاﺧﺎة ﺑﯾن اﻟﻣواد اﻟﺗﻲ ﺗﺷﻛل ﻫذا اﻟﺑﺣث ". 2
ﺗﻛﻠم ﻣرﺗﺎض ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ ﻋن اﺻطﻧﺎﻋﻪ ﻟﻠﻣﻧﻬﺞ اﻟرواﺋﻲ ،رﻏم أﻧﻪ ﻻ وﺟود ﻟﻣﻧﻬﺞ ﻧﻘدي
ﺑﻬذا اﻻﺳم ﻟﻛن ﻛﻣﺎ ﺳﻧرى ﻓﻲ دراﺳﺗﻧﺎ ﻫذﻩ ﻓﺈن ﻣرﺗﺎض ﻋرف ﺑﺈطﻼق اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﺟدﯾدة
وﻫذا ﻣﺎ ذﻫب إﻟﯾﻪ ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي ﻋﻧد ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض ﺑﺄﻧﻪ ﻻ
وﺟود ﻟـ " ﻣﻧﻬﺞ رواﺋﻲ " ﻓﻲ اﻟﻧﻘد ،ﻛﻣﺎ ﯾطرح اﻟﻧﺎﻗد ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ ﻗﺿﯾﺔ ﻏﯾﺎب اﻟﻣﺻﺎدر ،إذ ﺗﻌد
ﻣن أﺻﻌب اﻹﺷﻛﺎﻻت اﻟﺗﻲ ﺗﻌﯾق ﻋﻣل ﻫذا اﻟﻣﻧﻬﺞ ،وأﺳﺑﺎب ﻏﯾﺎﺑﻬﺎ ﻓﻲ اﻷدب اﻟﺟزاﺋري
ﯾﻌود ﻟﻼﺳﺗﻌﻣﺎر اﻟﻔرﻧﺳﻲ اﻟذي ﻋﻣل ﻋﻠﻰ طﻣس ﻛل ﻣﺎ ﻟﻪ ﺻﻠﺔ ﺑﺎﻟﻬوﯾﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟذﻟك اﻟﻧﺎﻗد
ﯾﻌﺗﻣد ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺷﺎﻓﻬﺔ.
وﯾﻌرف ﻟﻧﺎ ﻣرﺗﺎض ﻫذا اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟذي اﺻطﻧﻌﻪ – اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟرواﺋﻲ – ﻗﺎﺋﻼ » ﻟﻘد ﻛﻧت
أﻛﺗب ﻫذا اﻟﻛﺗﺎب وﻛﺄﻧﻧﻲ أﺳﺗﻣد ﻣن ﻣﺎض ﺑﻌﯾد ،واﺳﺗﻘﻲ ﻣن ﻣﺻﺎدر ﯾﺳﯾطر ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻟﻣﺟﻬول
-1ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض ،ﻧﻬﺿﺔ اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ،اﻟﺷرﻛﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﻠﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ ،اﻟﺟزاﺋر ،ص.13
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .04
-أﻧظر :ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي ﻋﻧد ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض ،ص . 39
128
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
أﻛﺛر ﻣن اﻟﻣﻌﻠوم ،وﻟذﻟك وﺟدﺗﻧﻲ ﻣﺿط ار إﻟﻰ اﺻطﻧﺎع اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟرواﺋﻲ ﻓﻲ ﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﻣواﻗف
اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﻗﺑل اﻹﻗدام ﻋﻠﻰ ﺗﻘدﯾر رأي أو إﺻدار ﺣﻛم واﻟﺣق أن اﻟدراﺳﺎت اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ﻻ ﯾزال ﻣن
طﺑﯾﻌﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﺑﺣث ﻓﯾﻬﺎ اﻟﺗﻌوﯾل ﻋﻠﻰ اﻟرواﯾﺔ واﻻﺗﺻﺎل ﺑﺎﻷﺷﺧﺎص ﻣن اﻟذﯾن ﻟﻬم
اﻫﺗﻣﺎﻣﺎت أدﺑﯾﺔ وﺛﻘﺎﻓﯾﺔ وﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ ﻣﻌروﻓﺔ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر.1«...
ﺑﻌد ﻫذا اﻟﻛﺗﺎب أﻟف ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض ﻛﺗﺎب " ﻓن اﻟﻣﻘﺎﻣﺎت ﻓﻲ اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ "
وﻫو ﻓﻲ اﻷﺻل رﺳﺎﻟﺔ ﺟﺎﻣﻌﯾﺔ ﺗﻘدم ﺑﻬﺎ إﻟﻰ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﺟزاﺋر ﺳﻧﺔ 1970ﻟﻧﯾل ﺷﻬﺎدة
اﻟﻣﺎﺟﺳﺗﯾر ،2ﻋﻣل ﻣرﺗﺎض ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ ﻫذا ﻋﻠﻰ أن » ﯾﻌﺎﻟﺞ ﻓن اﻟﻣﻘﺎﻣﺎت ﺑوﺟﻪ ﻋﺎم ﻣن ﯾوم
ﺑزوﻏﻪ إﻟﻰ ﯾوم أﻓوﻟﻪ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﺑﺣث ﻓﻲ ﺧﺻﺎﺋﺻﻪ اﻟﻔﻧﯾﺔ واﻟﺧوض ﻓﯾﻣﺎ أﻋﺗورﻩ ﻣن
ﺗطورات ﺧﻼل ﻋﺻور ﺗﺎرﯾﺦ اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ« ،3وﯾظﻬر ﻟﻧﺎ ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻛﺗﺎب اﻫﺗﻣﺎم ﻣرﺗﺎض
ﺑﺎﻟﺗﺄﺻﯾل ،ﻓﺑﻌد ﺗﺄﺻﯾﻠﻪ ﻟﻔن اﻟﻘﺻﺔ ﻓﻲ اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻘدﯾم ،ﯾﻌود ﻣن ﺟدﯾد ﻟﺗﺄﺻﯾل ﻓن
اﻟﻣﻘﺎﻣﺔ » ،وﻣن أﻫم اﻟﻌﻧﺎﺻر اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب :اﺣﺗراﻣﻪ ﻟﻠﺗﺳﻠﺳل اﻟزﻣﻧﻲ ﻟﻬذﻩ اﻟﻣﻘﺎﻣﺎت
ﺑدءا ﻣن أﺣﺎدﯾث اﻟﺟﺎﺣظ واﺑن درﯾد...إﻟﻰ ﺳﺟﻊ اﻟﻛﻬﺎن ﻟﻺﺑراﻫﯾﻣﻲ ،ﻣرو ار ﺑﻣﻘﺎﻣﺎت ﺑدﯾﻊ
وﺻﺣﺢ ﻣﺎ
ّ اﻟزﻣﺎن وﻏﯾرﻩ ،ﻓﻛﺷف ﻋن اﻷﺳﺑﺎب اﻟﺗﻲ ﺳﺎﻫﻣت ﻓﻲ ﻣﯾﻼد ﻫذا اﻟﺟﻧس اﻷدﺑﻲ،
ﻋﻠق ﺑﺗطورﻩ ﻣن أﺧطﺎء ﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ ،ﻛﻣﺎ أﺛﺑت ﺑﻌض أﺣﺎدﯾث اﺑن درﯾد اﻟﻣﺗﺧﺎﻟف ﻓﻲ
ﺻﺣﺗﻬﺎ«.4
واﻋﺗﺑﺎر ﻫذا اﻟﺟﻧس اﻷدﺑﻲ -اﻟﻣﻘﺎﻣﺎت -وﺛﯾﻘﺔ ﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ ﺑﺎﻣﺗﯾﺎز ﻫو ﻣﺎ ﻧﺳﺗﺷﻔﻪ ﻣن ﻗول
ﻣرﺗﺎض ﺑﺷﺄن ﻣﻘﺎﻣﺎت اﻟﺑدﯾﻊ » آن ﻟﻧﺎ أن ﻧﻧظر إﻟﻰ ﻣﻘﺎﻣﺎت اﻟﺑدﯾﻊ ،ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ ﻣﺻدر ﻏﻧﻲ
129
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﻟﻠﻣﻌرﻓﺔ اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ واﻟﺣﺿﺎرﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ واﻷدﺑﯾﺔ ﺟﻣﯾﻌﺎ ،ﻓﺈن اﻟﺑﺎﺣث ﯾﺳﺗطﯾﻊ أن ﯾﺳﺗﻣد
1
ﺗﻬم اﻟﻘرن اﻟراﺑﻊ اﻟﻬﺟري وﻣﺎ ﺣوﻟﻪ «
ﻣﻧﻬﺎ ،ﻣﺎ ﻻ ﯾﺳﺗﻣدﻩ ﻣن اﻟﺗﺎرﯾﺦ ،ﻛﺛﯾ ار ﻣن اﻷﻣور اﻟﺗﻲ ّ
واﻟﻛﺗﺎب اﻵﺧر اﻟذي ﯾﺗﺟﺳد ﻓﯾﻪ ﺗﺑﻧﻲ ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض ﻟﻠﺗﺎرﯾﺦ ﻛﻣﻧﻬﺞ ﻧﻘد أدﺑﻲ ﻫو
" ﻓﻧون اﻟﻧﺛر اﻷدﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر" ،اﻟذي ﻛﺎن آﺧر ﻋﻬد ﻣرﺗﺎض ﺑﺎﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ ،وﯾﻧﻘﺳم
اﻟﻛﺗﺎب إﻟﻰ ﺛﻼﺛﺔ أﺑواب :
-اﻟﺑﺎب اﻷول :اﻟﺣﯾﺎة اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ،اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ،اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ،واﻟﻔﻛرﯾﺔ
-اﻟﺑﺎب اﻟﺛﺎﻧﻲ :ﻓﻧون اﻟﻧﺛر اﻷدﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ﻓن اﻟﻣﻘﺎﻟﺔ ،اﻟﻔن اﻟﻘﺻﺻﻲ ،اﻟﻘﺻﺔ
اﻟطوﯾﻠﺔ ،اﻟﻔن اﻟﻣﺳرﺣﻲ ،ﺣرﻛﺔ اﻟﺗﺄﻟﯾف ،اﻟﺧطﺎﺑﺔ ،اﻟﻣذﻛرات واﻟﺳﯾرة اﻟذاﺗﯾﺔ،
اﻟرﺳﺎﺋل.
-اﻟﺑﺎب اﻟﺛﺎﻟث :اﻟﺧﺻﺎﺋص اﻟﻔﻧﯾﺔ ﻟﻠﻧﺛر اﻷدﺑﻲ اﻟﺣدﯾث ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر.
ﺗﻧﺎول ﻣرﺗﺎض ﻛل أﻧواع ﻓﻧون اﻟﻧﺛر اﻷدﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ورﺻد ﺗطورﻫﺎ ﻣن ﺳﻧﺔ 1931إﻟﻰ
،1954وﻋن ﺳﺑب ﺗﺧﺻﯾﺻﻪ ﻫذﻩ اﻟﻔﺗرة ﺑﺎﻟدراﺳﺔ ﯾﻘول »ﻓﻲ ﺧﺎﻣس ﻣﺎﯾوﻣن ﺳﻧﺔ اﺣدى
وﺛﻼﺛﯾن وﺗﺳﻌﻣﺎﺋﺔ وأﻟف ﺗﺄﺳﺳت ﺟﻣﻌﯾﺔ اﻟﻌﻠﻣﺎء اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ،ﻓﻛﺎن ﻟﺗﺄﺳﯾﺳﻬﺎ ﺻدى
ﻋظﯾم ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﺟزاﺋري...ﺟﻌﻠت وﺟود اﻻﺳﺗﻌﻣﺎر اﻟﻔرﻧﺳﻲ ﺑﺎﻟﺟزاﺋر ﻓﻲ ﻗﻠق واﺿطراب
...ﻓﻣﻬدت ﻟﻘﯾﺎم ﺛورة اﻟﺗﺣرﯾر«.2
اﺗﺳﺎع اﻟﻣدوﻧﺔ اﻟﺗﻲ ﺣددﻫﺎ ﻣرﺗﺎض أﺛر ﻋﻠﻰ دراﺳﺗﻪ ،ﻓﻲ ﻣﺣﺎوﻟﺗﻪ ﻟﻺﻟﻣﺎم ﺑﻛل
اﻷﺟﻧﺎس اﻟﻧﺛرﯾﺔ ،ﻓدراﺳﺔ واﺣدة ﻟﻣدوﻧﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺗﺷﻣل ﻣﺎ ﻻ ﯾﻌد ﻣن اﻟﻧﺻوص واﻟﻣﺧطوطﺎت
ﻏﯾر ﻛﺎﻓﯾﺔ ،ﻣﻣﺎ ﺟﻌل أﺣﻛﺎم اﻟﻧﺎﻗد ﺗﺗﺳم ﺑﺎﻟﺟزﺋﯾﺔ وﻻ ﯾﻣﻛن ﺗﻌﻣﯾﻣﻬﺎ ،ﻣﻣﺎ اﺿطرﻩ ﻓﻲ ﺑﻌض
اﻷﺣﯾﺎن إﻟﻰ اﻻﺳﺗﺷﻬﺎد ﺑﻧص واﺣد ﻓﻲ ﻣواﻗف ﻣﺗﻌددة ،وﻫو ﻧﻔﺳﻪ ﯾﻘول ﻓﻲ ﻫذا »وﻗد
اﺿطررﻧﺎ إﻟﻰ اﻟﺗرﻛﯾز ﻋﻠﻰ أﻋﻣﺎل ﻗﺻﺻﯾﺔ وﻣﺳرﺣﯾﺔ دون ﺳواﻫﺎ ،ﻷن اﻟﺗرﻛﯾز ﻋﻠﻰ ﺟﻣﯾﻌﻬﺎ
130
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﻛﺎن ﺿرﺑﺎ ﻣن اﻟﻣﺣﺎل« ،1اﻻﺳﺗﺷﻬﺎد ﻋﻠﻰ اﻟظﺎﻫرة ﺑﻧص واﺣد أو ﺑﻧﺻوص ﺑﺎرزة ﻹﺻدار
ﺣﻛم ﻋﻠﻰ ﻓﺗرة زﻣﻧﯾﺔ ﻣﻌﯾن أﺧرج ﻣرﺗﺎض ﻋن ﻣﺑﺎدئ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ ،اﻟذي ﯾﻘوم ﻋﻠﻰ
أﺳﺎس اﻟﻛﻠﯾﺔ ،ﺑﻣﻌﻧﻰ اﺳﺗﻘراء ﻛل اﻟوﺛﺎﺋق اﻟﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﺗﻠك اﻟﻔﺗرة اﻟﻣدروﺳﺔ ،ﻷن اﻟﻧص اﻟواﺣد ﻻ
ﯾﻛﻔﻲ ﻟﻺﻟﻣﺎم ﺑﺎﻟظﺎﻫرة واﻟﺣﻛم ﻋﻠﯾﻬﺎ» ،وﻣن اﻵﺛﺎر اﻟﺳﻠﺑﯾﺔ ﻟﻬذا اﻹﺟراء اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ أن ﯾرﺗﻛز
اﻟﺑﺣث ﺟﻠّﻪ ﻋﻠﻰ ﻧﺻوص ﺑﺎرزة ﻣﺣددة ،وﻣن ﺷﺄﻧﻬﺎ أﻻ ﺗﻌطﻲ ﺻورة اﺳﺗﻘراﺋﯾﺔ ﺷﺎﻓﯾﺔ ﺗﺻدق
ﻋﻠﻰ ﻋﺎﻣﺔ اﻟﻣدوﻧﺔ ،وﻻﺳﯾﻣﺎ ﻣﻧﻬﺎ ﺗﻠك اﻟﻧﺻوص اﻟﺗﻲ ﻗد ﻻ ﺗﺳﺗﺟﯾب ﻟﻠﻣﻌطﯾﺎت اﻟﺳﯾﺎﻗﯾﺔ اﻟﺗﻲ
رﺻدﻫﺎ اﻟﺑﺎﺣث ﻓﻲ ﻣطﻠﻊ اﻟﺑﺣث «. 2
ﺑﻌد ﺗﺟرﺑﺗﻪ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟطوﯾﻠﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻌدت ﺛﻼﺛﯾن ﺳﻧﺔ »آب ﻣرﺗﺎض إﻟﻰ اﻟﻣﻧﻬﺞ
اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ ﻣﺣﻣﻼ ﺑﻛم ﻣﻌرﻓﻲ وأدوات إﺟراﺋﯾﺔ ﺟدﯾدة أراد ﺗﻬﺟﯾن ﻣﻧﻬﺟﻪ ﺑﻬﺎ ﺑﻌد أن أﯾﻘن أﻧﻪ ﻻ
وﺟود ﻟذﻟك اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟذي ظل ﯾﻧﺷدﻩ أن ﯾﻛون ﻣﻧﻬﺟﯾﺎ إﻟﻰ أﺑﻌد ﺣد ﻣﻣﻛن ،وﺑﺄﻗﺻﻰ ﻗدر
ﻣﺳﺗطﺎع وﻟﻛن دون أن ﯾﺑﻠﻎ اﻟﻐﺎﯾﺔ ﻓﻲ ﻣﺳﻌﺎﻩ ،ﻓﻛﺄن ﻧﺷدان اﻟﺗوﻓﯾق ﻓﻲ اﻟﺳﻌﻲ اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ
ﺷﻲء ﻻ ﯾﺣﻘق«ٕ ،3وادراﻛﺎ ﻟﻠﻧﺎﻗد ﻣن ﺻﻌوﺑﺔ ﺗﺣدﯾد اﻟﻣﻧﻬﺞ ﺳﻠﻔﺎ ﻓﻲ إﻋداد اﻟدراﺳﺎت واﻟﺑﺣوث
ﻣن ﺟﻬﺔ وأﻧﻪ ﺑدون ﺗﺣدﯾد ﻣﻧﻬﺞ ﻣﻊ اﺣﺗرام اﻟﺻراﻣﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﻣﺎ أﻣﻛن ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻣن
ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﯾﺔ ،ﻓﺑدون ذﻟك ﻻ ﯾﻣﻛن ﻟﻠﺑﺎﺣث أن ﯾﺣﻘق إﻻّ اﻟﻘﻠﯾل ﻣن اﻟﻧﺗﺎﺋﺞ » ،وأﻣﺎم ﻫذا اﻟﺗﻣﺛل
اﻟﻌﺳﯾر واﻟﻣﻌﻘد ﻟﻠﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ،ﻓﺈن ﻣن ﺣق أي ﻗﺎرئ ﻋﻠﯾﻧﺎ أن ﯾﺛﯾر ﻓﻲ وﺟﻬﻧﺎ ﻫذا اﻟﺳؤال
اﻟﺗﻘﻠﯾدي :ﻣﺎ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟذي ﻋﺳﯾﻧﺎ أن ﻧﺗّﺑﻌﻪ ﻟدى إﻗﺑﺎﻟﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﻣدارﺳﺔ ﻫذا اﻟﻣوﺿوع ؟ وﻣﺎ
اﻟﺻﻌﺎب اﻟﺗﻲ ﯾﻣﻛن أن ﺗﻛون ﻗد طﻔرت ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾﻠﻧﺎ وﻧﺣن ﻧﺣﺎول اﻻﻧﺗﻬﺎء إﻟﻰ ﻏﺎﯾﺗﻧﺎ ﻣن
وراء رﺷم اﻟﻣﻌﺎﻟم ،واﺟﺗﻌﺎل اﻟﺻوى ؟ «.4
131
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
واﻟﺗﺳﺎؤل اﻵﺧر اﻟذي وﻗﻊ ﻓﯾﻪ ﻣرﺗﺎض ﻫو»ﻫل ﯾوﺟد ﺣﻘﺎ ،أدب ﻋرﺑﻲ ﻗدﯾم ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ؟
« ، 1وﻣﺎداﻣت ﻏﺎﯾﺔ اﻟﻧﺎﻗد اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋن ﻫذا اﻟﺗﺳﺎؤل وﻋن اﻟطرﯾﻘﺔ اﻟﺗﻲ اﻋﺗﻣدﻫﺎ ﻓﻲ ذﻟك
ﯾﺿﯾف ﻗﺎﺋﻼ » ﻓﻘد ﺟﺋﻧﺎ إﻟﻰ ﻣﺎ وﻗﻊ ﻟﻧﺎ ﻣن ﻣﺻﺎدر وﻣراﺟﻊ ،ﺛم ﺷرﻋﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﻼﺣظﺔ
اﻟﻧﺻوص اﻷدﺑﯾﺔ اﻟﺗﻲ اﻧﺗﻬت إﻟﯾﻧﺎ ﺑﻣﺣﺎوﻟﺔ إﻋﺎدﺗﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺣﺎﻓرة ،واﻟرﺟوع ﺑﻬﺎ إﻟﻰ أﺻوﻟﻬﺎ
اﻷوﻟﻰ ﻣﺎ أﻣﻛن ذﻟك ﻟﺗوﺛﯾﻘﻬﺎ ،وﺗﺣﻘﯾق رواﯾﺗﻬﺎ ،وﺑﻣواﺟﻬﺔ ﻫذﻩ اﻟﻧﺻوص وﻣﻌﺎﯾﺷﺗﻬﺎ زﻣﻧﺎ
اﻗﺗرب ﻣن اﻷرﺑﻌﺔ اﻷﻋوام ﺗﺑﯾن ﻟﻧﺎ وﻓﻲ ﺷﻲء ﻛﺛﯾر ﻣن اﻹﻗﻧﺎع ،أن ﻫذا اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻘدﯾم
ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ﻣوﺟود ﺣﻘﺎ «. 2
وﻟﻛﻲ ﯾﺗﻣﻛن اﻟﻧﺎﻗد ﻣن أدﺑﯾﺔ ﻫذا اﻷدب ﻣن ﺟﻬﺔ ،وﺗﺣدﯾد ﺣﺟﻣﻪ ﻣن ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﯾﺔ
وأﯾﺿﺎ ﻣن أﺟل ﺗﻣﻛﯾن اﻟﻘﺎرئ ﻣن اﻹﻓﺎدة ﻣن ﻧﺻوﺻﻪ ،ﻓﻬو ﯾﻘول أﻧﻪ » ﻛﺎن ﻋﻠﯾﻪ أن ﯾﻧﺗﻬﺞ
ﻣﻧﻬﺟﺎ ﺗﺎرﯾﺧﯾﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺳم اﻷول ﻣن ﺑﺣﺛﻧﺎ ﻫذا ،وﻣﻧﻬﺟﺎ ﺗﺣﻠﯾﻠﯾﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺳم اﻵﺧر ﻣﻧﻪ ،وﻟم
ﻧﻌدم ،أﺛﻧﺎء ذﻟك ﺧﺗﻣﻪ ﺑﻣدوﻧﺔ ﯾﻘوم ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻟﻘﺳﻣﺎن اﻻﺛﻧﺎن ﻣﻌﺎ ﺑﻠﻐت ﻧﺻوﺻﻬﺎ ،ﻣوﺛﻘﺔ ﺧﻣﺳﺔ
ﻋﺷر ﻧﺻﺎ :أﺣد ﻋﺷر ﻣﻧﻬﺎ ﺷﻌرﯾﺎ ،وأرﺑﻌﺔ أﺧراة ﻧﺛرﯾﺔ ،وﻟﻘد ارﺗﺄﯾﻧﺎ أن ﻧﺟﺗﻌل ﻟﻛل ﻣن ﻫذﻩ
اﻟﻧﺻوص اﻟﺗﻲ اﺗﺧذﻧﺎﻫﺎ ﻣدوﻧﺔ ﻧﺣﯾل ﻋﻠﯾﻬﺎ ،رﻗﻣﺎ ﻧرﺳل إﻟﯾﻪ أﺛﻧﺎء اﻟرﺻد اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ أو أﺛﻧﺎء
اﻟﺗﺣﻠﯾل أﯾﺿﺎ «.3
وﻣن ﺧﻼل اﻷﻋﻣﺎل اﻟﺗﻲ ﺗطرﻗﻧﺎ إﻟﯾﻬﺎ ﯾﻣﻛﻧﻧﺎ أن ﻧﺑرز ﻣﻼﻣﺢ ﻫذا اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻋﻧد ﻋﺑد اﻟﻣﻠك
ﻣرﺗﺎض ﻛﺎﻟﺗﺎﻟﻲ:
-1ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض ،اﻷدب اﻟﺟزاﺋري اﻟﻘدﯾم – دراﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﺟذور ، -ص .10
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .10
-3اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .11
132
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
-اﻟدراﺳﺎت اﻟﺗﻲ ﻗﺎم ﺑﻬﺎ أﻏﻠﺑﻬﺎ دراﺳﺎت أﻛﺎدﯾﻣﯾﺔ ﺗﻔرض ﻋﻠﻰ اﻟﺑﺎﺣث اﻟﺗﻘﯾد ﺑﺎﻟﻣﻧﻬﺞ
اﻟﻣوظف.
-ﺗﺣدﯾد اﻟﻔﺗرات اﻟزﻣﻧﯾﺔ.
-اﻟﺗﻔﺻﯾﻼت اﻟﺟزﺋﯾﺔ.
-اﻻﻋﺗﻣﺎد ﻋﻠﻰ اﻟوﺛﺎﺋق اﻟﻣﻛﺗوﺑﺔ واﻟﻣﺷﺎﻓﻬﺔ أﺣﯾﺎﻧﺎ.
-اﻟﺗرﻛﯾز ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺿﺎﻣﯾن دون اﻟﺷﻛل ،وذﻟك رﻏﺑﺔ ﻣﻧﻪ ﻓﻲ إﺑراز ﻣواﻗف اﻟﻛﺎﺗب اﻟﻔﻛرﯾﺔ.
وﻓﻲ اﻷﺧﯾر ﯾﻣﻛن أن ﻧﺧﻠص إﻟﻰ أن اﻟﻧﻘد اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ﺧﻼل اﻟﺳﺗﯾﻧﺎت وأواﺋل
اﻟﺳﺑﻌﯾﻧﺎت ﻋﻠﻰ أﯾدي ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﻧﻘﺎد ﻋﻠﻰ رأﺳﻬم ﺳﻌد اﷲ ،ﺧرﻓﻲ ،اﻟرﻛﯾﺑﻲ ﻧﺎﺻر
ﻣرﺗﺎض وﻏﯾرﻫم ،وﻗد اﻋﺗﻣد ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺻوص اﻷدﺑﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻛﺗﺑت أﺛﻧﺎء اﻟﺣﻘﺑﺔ اﻻﺳﺗﻌﻣﺎرﯾﺔ
وﻛﺎن أﻛﺛر اﻫﺗﻣﺎﻣﺎ ﺑدراﺳﺔ اﻟﻣدوﻧﺎت اﻷدﺑﯾﺔ اﻟﻛﺑﯾرة ﻧﺳﺑﯾﺎ ،ﻛﻣﺎ » ﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ
ﺗﻌﺎﻣﻼ " أرﻛﯾوﻟوﺟﯾﺎ " ،ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ ﻧﺳﺧﺔ ﻣﺧطوطﺔ ﺑﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﺗﺣﻘﯾق ،أو ﺗﺣﻔﺔ ﻣﺟﻬوﻟﺔ ﻓﻲ
ﻣﺗﺣف أﺛري أو" ﻧﻘش أﺛري ﻏﺎﺋص ﻓﻲ اﻟرﻣﺎل " .1«...
-1ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص .34
133
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﯾرﺟﻊ اﻟﻧﻘﺎد واﻟﺑﺎﺣﺛﯾن ،وﻻدة اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ إﻟﻰ اﻟﻣﺎدﯾﺔ اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ "ﻟﻛﺎرل ﻣﺎرﻛس"
وﺗﻌد " ﻣﺎدام دوﺳﺗﺎﯾل" اﻷدﯾﺑﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ أول ﻣن ﻧﺑﻪ إﻟﻰ أﻫﻣﯾﺔ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺑﯾن اﻷدب
واﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ،وﺑﯾن اﻷدب واﻟﺳﯾﺎﺳﺔ ﻓﻲ ﻛﺗﺑﺎﻫﺎ ﻋن اﻷدب ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺗﻪ ﺑﺎﻟﻣؤﺳﺳﺎت،2واﻟذي رأت
ﻓﯾﻪ »أن اﻷدب ﯾﺟب أن ﯾﺗﻣﻛن ﻣن ﺗﺻوﯾر اﻟﺗﻐﯾرات اﻟﻣﻬﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﻧظم اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ« 3إذ أن
ﻫذا اﻻﺗﺟﺎﻩ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ﯾﻌﺗﺑر اﻷﻋﻣﺎل اﻷدﺑﯾﺔ ﺗﻌﺑﯾ ار ﻋن اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ» ،ﻛﺎن ذﻟك ﻣدﺧﻼ
ﻟرﺑطﻬﺎ ﺗﻔﺎﻋﻼت اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ وأﺑﻧﯾﺗﻪ وﻧظﻣﻪ وﺗﺣوﻻﺗﻪ،ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر ﻫذا اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﻫو اﻟﻣﻧﺗﺞ اﻟﻔﻌﻠﻲ
ﻟﻸﻋﻣﺎل اﻹﺑداﻋﯾﺔ واﻟﻔﻧﯾﺔ«.4
وﻟﻘــد ﻛــﺎن ﻟﻧظرﯾــﺔ اﻻﻧﻌﻛــﺎسواﻟﺗــﻲ وﺻــﻔﻬﺎ اﻟﻧﺎﻗــد " ﯾوﺳــف وﻏﻠﯾﺳــﻲ" ﺑﺄﻧﻬــﺎ » اﻟﺳــﻔﯾر
اﻟﻣﻔوض ﻟﻠﻔﻠﺳﻔﺔ اﻟﻣﺎدﯾﺔ ﻓﻲ ﻋﺎﻟم اﻷدب واﻟﻧﻘـد ،ﺣﯾـث ﺗـدرج اﻟـﻧص اﻷدﺑـﻲ ﺿـﻣن ﻗﺎﺋﻣـﺔ اﻟﺑﻧـﻰ
-1ﺻﻼح ﻓﺿل ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻟﻣﻌﺎﺻر ،د ط ،إﻓرﯾﻘﯾﺎ اﻟﺷرق ،ﺑﯾروت ،ﻟﺑﻧﺎن ،2002 ،ص .39
-2ﻓﯾﺻل اﻷﺣﻣر ،ﻧﺑﯾل دادوة ،اﻟﻣوﺳوﻋﺔ اﻷدﺑﯾﺔ ،د ط ،دار اﻟﻣﻌرﻓﺔ ،اﻟﺟزاﺋر ،2009 ،ص .09
-3اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .09
-4ﺻﻼح ﻓﺿل ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ص .40
-ﺗﻌود اﻟﺟذور اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ ﻟﻧظرﯾﺔ اﻻﻧﻌﻛﺎس إﻟﻰ اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ اﻟواﻗﻌﯾﺔ اﻟﻣﺎدﯾﺔ ،واﻟﺗﻲ ﻛﺎن راﺋدﻫﺎ اﻟﺑﺎرز اﻟﻧﺎﻗد اﻟﻣﺟري "ﺟورج
ﻟوﻛﺎﺗش" ،وﻓﺣوى ﻫذﻩ اﻟﻧظرﯾﺔ أن وﻻدة اﻟوﻋﻲ اﻟذي ﯾﺗﺿﻣن اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ،اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ واﻟﻘواﻧﯾن واﻟدﺳﺎﺗﯾر ،واﻟﻔن ﻫو ﻣﺎ ﯾﺳﻣﻰ ﺑﺎﻟﺑﻧﺎء
134
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
اﻟﻔوﻗﯾ ــﺔ اﻟﺗ ــﻲ ﺗﻌﻛﺳ ــﻬﺎ اﻟﺑﻧﯾ ــﺔ اﻟﺗﺣﺗﯾ ــﺔ ﻟﻠﻣﺟﺗﻣ ــﻊ« ،1ﺑﻣﻌﻧ ــﻰ أن اﻟ ــﻧص ﻫ ــو اﻧﻌﻛ ــﺎس ﻟﻠﻣﺟﺗﻣ ــﻊ
ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر اﻹﺑداع اﻷدﺑﻲ ﺑﻧﻰ ﻓوﻗﯾﺔ ﻧﺎﺗﺞ ﻋن ﻫذا اﻻﻧﻌﻛﺎس ﻟﻠﺑﻧﻰ اﻟﺗﺣﺗﯾﺔ ﻟﻠﻣﺟﺗﻣﻊ.
دﻓﻌت اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن اﻷدب واﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﺑﻌض اﻟﻧﻘﺎد اﻟﻣﻌﺎﺻرﯾن إﻟﻰ اﻻﻋﺗﻘﺎد ﺑﺄن اﻷدب
ﻻﺑد أن ﯾﻛون ﺻورة ﻋن اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟذي ﻧﺷﺄ ﻓﯾﻪ» ،ﺑل إن طﻪ ﺣﺳﯾن ﺑﻧﻰ ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻟﻣﻘوﻟﺔ
اﻟﺗﻲ ﺗرى أن اﻷدب ﯾﻣﺛل اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ –أو أﻧﻪ ﺻورة ﻟﻪ -ﻧﺗﯾﺟﺔ اﻋﺗﻣد ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺷك ﻓﻲ
ﺻﺣﺔ ﻧﺳﺑﺔ اﻟﺷﻌر اﻟﺟﺎﻫﻠﻲ ﻟﻠﺟﺎﻫﻠﯾﺔ ،إذ رأى أن ﻫذا اﻟﺷﻌر ﻻ ﯾﻣﺛل اﻟﺣﯾﺎة ﻓﻲ اﻟﻌﺻر
اﻟﺟﺎﻫﻠﻲ وﻟم ﯾﺻورﻫﺎ وﻟذﻟك ﻓﻬو ﻟﯾس ﺟﺎﻫﻠﯾﺎ«.2
وﻛذﻟك اﻟﻧﺎﻗد "ﺻﻼح ﻓﺿل" ﯾرى أن ﻫذا اﻻرﺗﺑﺎط ﻟﯾس ﺻﺣﯾﺣﺎ ﻣﺳﺗﺷﻬدا ﻋﻠﻰ ذﻟك
ﺑﺎﻟﻌودة إﻟﻰ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت ﻓﺑﺎﻟرﻏم ﻣن ﻣﻌﺎﻧﺎة ﺑﻌض اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت ﻣن اﻟﺗﻔﻛك اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ
اﻟﺗردي اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ إﻻ أﻧﻬﺎ ﺷﻬدت ازدﻫﺎ ار أدﺑﯾﺎ وﻓﻧﯾﺎ..»،ﻓﺎﻟﻌﺻر
واﻟﺗدﻫور اﻻﻗﺗﺻﺎدي و ّ
اﻟﻌﺑﺎﺳﻲ اﻟﺛﺎﻧﻲ اﻟذي ﻛﺎن ﻧﻣوذﺟﺎ ﻟﺗﻔﻛك اﻟدوﻟﺔ واﻧﺗﻘﺎل ﻣرﻛزﯾﺔ اﻟﺳﻠطﺔ ﻣن اﻟﻌرب إﻟﻰ
اﻷﻋﺎﺟم ،وﻧﺷوء اﻟدوﯾﻼت وﺗﻔﺳﺦ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ وﺗﺣﻠل ﻛﺛﯾر ﻣن ظواﻫرﻩ ﻛل ﺗﻠك اﻟظواﻫر اﻟﺳﻠﺑﯾﺔ
ﻫﻲ اﻟﺗﻲ اﻗﺗرﻧت –ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﺗﺣدﯾد -ﺑﻧﺷوء ﻛوﻛﺑﺔ ﻣن ﺷﻌراء اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،وﻫم اﻟذﯾن ﯾﻣﺛﻠون
ذروة اﻹﺑداع اﻟﺷﻌري ﻓﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ«.3
وﻓﻲ ظل ﻫذا اﻟﻛﻼم ﯾﺗﺳﺎءل اﻟﻧﺎﻗد ﻋن ﻣدى ﺻﺣﺔ اﻟرﺑط ﺑﯾن ﺗدﻫور اﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت
اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ واﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ واﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ﻣن ﻧﺎﺣﯾﺔ وازدﻫﺎر ﻣﺳﺗوى اﻹﺑداع اﻷدﺑﻲ ﻣن ﻧﺎﺣﯾﺔ أﺧرى.
وﻓﻲ ﻧﻔس اﻹطﺎر وﺟﻪ "رﯾﻧﯾﻪ وﯾﻠﯾك" اﻧﺗﻘﺎدﻩ اﻟذي وﺟﻬﻪ ﻟﻠﻣﻧﻬﺞ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد
ﻣﺷﻛﻛﺎ ﻓﻲ ﺻﺣﺔ اﻟﻣﻘوﻟﺔ اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ اﻟﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑرﺑط اﻷدب ﺑﺎﻟﻣﺟﺗﻣﻊ"،وﯾرى أﻧﻬﺎ ﻟﯾﺳت ﺻﺣﯾﺣﺔ
ﻓﻲ ﻛل اﻷﺣوال،ﯾﻘول ﻋﻧﻬﺎ » :إذا ﻛﺎﻧت ﺗﻔﺗرض أن اﻷدب ﻓﻲ أي وﻗت ﻣﺣدد ﯾﻌﻛس
اﻟﻔوﻗﻲ ،ﻻ ﯾﻘوم إﻻ ﻣن ﺧﻼل اﻟواﻗﻊ اﻟﻣﺎدي أي أن أي ﺗﻐﯾﯾر ﻓﻲ اﻟﺑﻧﻰ اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﯾﺗﺑﻌﻪ ﺗﻐﯾﯾر ﻓﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ
واﻟوﻋﻲ.
-1ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص.39
-2ﻋﺑد اﻟرﺣﯾم اﻟﻛردي ،ﻧﻘد اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻓﻲ اﻟدراﺳﺎت اﻷدﺑﯾﺔ ،ص .112
-3ﺻﻼح ﻓﺿل ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ص .40
135
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
اﻟوﺿﻊ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ اﻟﻘﺎﺋم ﺑﺷﻛل ﺻﺣﯾﺢ ﻓﻬﻲ ﺑﺎطﻠﺔ ،أﻣﺎ اﻟﻘول ﺑﺄن اﻷدب ﯾﻌﻛس اﻟﺣﯾﺎة أو
إﺑﻬﺎﻣﺎ«.1
ً ﯾﻌﺑر ﻋﻧﻬﺎ ﻓﻬو ﻗول أﻛﺛر
وﻗد اﺳﺗطﺎع ﻫذا اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻟﻔﺗرة طوﯾﻠﺔ وﻟﻣراﺣل ﻣﺗﻌﺎﻗﺑﺔ ،اﻟﺻﻣود أﻣﺎم اﻟرﯾﺎح اﻟﻌﺎﺗﯾﺔ ﻟﻠﻣﻧﺎﻫـﺞ
اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﺗﺗﺎﺑﻌﺔ ،وﻗد ُﻋرف ﺑﻌدة ﺗﺳﻣﯾﺎت ﻣن أﻫﻣﻬﺎ اﻟﻧﻘد اﻟواﻗﻌﻲ ،واﻟﻧﻘد اﻟﻣﺎرﻛﺳﻲ ،واﻟﻧﻘد
اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ،واﻟﻧﻘد اﻟواﻗﻌﻲ اﻻﺷﺗراﻛﻲ ،واﻟﻧﻘد اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ،ﻋﻠﻰ »أﯾدي ﻧﺧﺑﺔ ﻣن ﻛﺑﺎر اﻟﻧﻘﺎد
أﻣﺛﺎل " :ﺑﻠﯾﻧﺳﻛﻲ" و"ﺑﻠﺧﺎﻧوف" ﻓﻲ ﻣرﺣﻠﺔ ﻣﺗﻘدﻣﺔ ،ﺛم "ﺟورج ﻟوﻛﺎﺗش" 1971-1985 و"
ﻟوﺳﯾﺎن ﻏوﻟدﻣﺎن" 1970-1913 راﺋد اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ اﻟﺗﻛوﯾﻧﯾﺔ ﻓﻲ ﻣرﺣﻠﺔ ﻻﺣﻘﺔ.2«...
وﻗد أﻓرز ﻫذا اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻘدي ﻋدة ﻣﺻطﻠﺣﺎت ﻧذﻛر ﻣﻧﻬﺎ "رؤﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟم ،اﻻﻟﺗزام اﻻﻧﻌﻛﺎس،
اﻷدب اﻟﻬﺎدف ،اﻷدب اﻟرﺳﺎﻟﻲ ،اﻟرؤﯾﺔ اﻟﻣﺄﺳﺎوﯾﺔ ،اﻟﺑطل اﻹﺷﻛﺎﻟﻲ ،اﻟﺑطل اﻹﯾﺟﺎﺑﻲ ،اﻟﺑطل
اﻟﺳﻠﺑﻲ ،ﺟدﻟﯾﺔ اﻟﺷﻛل واﻟﻣﺿﻣون ،اﻟﻔﻬم واﻟﺷرح ،اﻟواﻗﻊ واﻟواﻗﻌﯾﺔ.3"...
وﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ ﻓﻘد ﻛﺎﻧت اﻟﺑذور اﻷوﻟﻰ ﻟﻠﻣﻧﻬﺞ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﺎت ﻛل
ﻣن طﻪ ﺣﺳﯾن وأﺣﻣد أﻣﯾن وﺳﻼﻣﺔ ﻣوﺳﻰ ،ﻣﺗﺟﻠﯾﺎ ﻓﻲ ﺗﻔﺎﻋل اﻟرؤﯾﺗﯾن اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ واﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ
ﺗﻔﺎﻋﻼ ﺑﺳﯾطﺎ ﯾﺳﺗﻣد ﻣرﺟﻌﯾﺗﻪ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻣن ﺳﺎﻧت ﺑﯾف وﻫﯾﺑوﻟت ﺗﯾن ﺑوﺟﻪ ﺧﺎص.4
ﻛﺎن اﻟﺳﺑق ﻟﻬؤﻻء اﻟﻧﻘﺎد ﻓﻲ ﺑدء إرﺳﺎء ﻫذا اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻟدى اﻟﻌرب ﺛم ﺳرﻋﺎن ﻣﺎ " ﺗطور ﻋﻠﻰ
أﯾدي ﻣﺣﻣود أﻣﯾن اﻟﻌﺎﻟم وﻟوﯾس ﻋوض وﻣﺣﻣد ﻣﻧدور ،"5...ﻫذا اﻷﺧﯾر اﻟذي اﺟﺗذﺑﻪ اﻟﺗﯾﺎر
اﻟواﻗﻌﻲ اﻻﺷﺗراﻛﻲ ،ﺣﯾث ﻛﺎﻧت ﺑداﯾﺔ " ﻣﺣﻣد ﻣﻧدور" ﺗﺄﺛرﯾﺎ ﺟﻣﺎﻟﯾﺎ ،ﻟﯾرﻓﻊ ﻓﻲ ﻣﺎ ﺑﻌد ﺷﻌﺎر
" اﻷدب ﻧﻘد ﻟﻠﻣﺟﺗﻣﻊ ﻓﻲ إطﺎر ﻣﺎ أﺳﻣﺎﻩ ﺑﺎﻟﻧﻘد اﻷدﯾوﻟوﺟﻲ" ،6وﻗد ﻛﺎﻧت ﻟﻪ ﻛﺗب ﺗﺣت ﻟواء
ﻫذا اﻻﺗﺟﺎﻩ ﻣﻧﻬﺎ " اﻟﻧﻣﺎذج اﻟﺑﺷرﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﯾزان اﻟﺟدﯾد" ،و"ﻓﻲ اﻷدب واﻟﻧﻘد".
136
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ٕواﻟﻰ ﺟﺎﻧب ﻫؤﻻء ﻧﺟد ﻏﺎﻟﻲ ﺷﻛري وﻓﯾﺻل دراج وﻣﻔﯾد اﻟﺷوﺑﺎﺷﻲ وﺣﺳﯾن ﻣروة وﻧﺑﯾل
ﺳﻠﯾﻣﺎن ،وﻏﯾرﻫم ،وﻣن ﺑﯾن اﻟدراﺳﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﺟﺳد ﻓﯾﻬﺎ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد ﻫﻲ
اﻟدراﺳﺔ اﻟﺗﻲ ﻗﺎم ﺑﻬﺎ " أﺣﻣد اﻟﺷﺎﯾب" ﻟظﺎﻫرة اﻟﻧﻘﺎﺋض ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ ،وﻫﻲ دراﺳﺔ ﻗﺎﻣت
ﻋﻠﻰ أﺳﺎس أن ﻫذﻩ اﻟظﺎﻫرة اﻷدﺑﯾﺔ ﻧﺷﺄت وﺗطورت ﺣﺗﻰ ﺑﻠﻐت ذروة اﻛﺗﻣﺎﻟﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺻر
اﻷﻣوي ﻓﻲ ظل ظروف اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ ﺗرﺟﻊ أﺳﺎﺳﺎ ﻟﻔﻛرة اﻟﻌﺻﺑﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻗﺎم ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻟﻧظﺎم
اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﺻر اﻟﺟﺎﻫﻠﻲ ،1ﻓﻘد أدى إﯾﻘﺎظ اﻟﻔﺗﻧﺔ اﻟﻧﺎﺋﻣﺔ ﺑﻌد إﺧﻣﺎدﻫﺎ ﺑظﻬور اﻹﺳﻼم،
ﻓﺎﻟﻧﻘﺎﺋض ظﻬرت ﻓﻲ اﻟﻌﺻر اﻟﺟﺎﻫﻠﻲ ﺑﺳﺑب اﻟﻌﺻﺑﯾﺔ اﻟﻘﺑﻠﯾﺔ ،ﺛم ﻋﺎدت ﻣرة أﺧرى ﻓﻲ ظل
اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ اﻷﻣوﯾﺔ آﻧذاك.
اﺗﻔق اﻟﻧﻘﺎد اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﯾن ﻓﻲ اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ ﻓﻲ ﻣﺣﺎوﻻﺗﻬم ﻣن ﺧﻼل دراﺳﺎﺗﻬم ﻋﻠﻰ
اﻟﺑﺣث ﻋن اﻟﻣﻌﺎدل اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻟﻠظﺎﻫرة اﻷدﺑﯾﺔ ،ﻓﻛﺎﻧت ﺣﻘﺑﺔ اﻟﺳﺗﯾﻧﺎت واﻟﺳﺑﻌﯾﻧﺎت ﺑﻣﺛﺎﺑﺔ
اﻟﻔﺗرة اﻟﺗﻲ ﻣﺛﻠت ﺳﯾطرة اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ» ،ﻗﺑل أن ﯾﺗراﺟﻊ ﺗرﺟﻌﺎ ﺷﺎﻣﻼ
ﺧﻼل اﻟﺛﻣﺎﻧﯾﻧﺎت ورﺑﻣﺎ أواﺧر اﻟﺳﺑﻌﯾﻧﺎت ﻣﻊ ﺑروز اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ وﻣﺷﺗﻘﺎﺗﻬﺎ ،وﻟم ﺗﻌد ﺻرﺧﺎت
ﻣﺣﻣود أﻣﯾن اﻟﻌﺎﻟم اﻷﺧﯾرة ،اﻟداﻋﯾﺔ إﻟﻰ ﺻﯾﺎﻧﺔ ﻣﺟد اﻟﻧﻘد اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ إﻻّ ﺑﻣﺛﺎﺑﺔ ّأﻧﺎت
اﺣﺗﺿﺎر ﻣﻧﻬﺞ ﻋﺗﯾق ﻟم ﯾﻌد ﯾﺳﺗﺟﯾب ﻟﻣﺗطﻠﺑﺎت اﻟروح اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺟدﯾدة«.2
ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﺟزاﺋر ﻓﺈن أي ﻣﺣﺎوﻟﺔ ﻟﺗﺣدﯾد ﺗﺎرﯾﺦ ظﻬور اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟﻧﻘدي اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﺗرﺗﺑط
ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ ﺑﺗﻠك اﻷﻋﻣﺎل اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻛﺗوﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﻫﺎﻣش ﻣﺎ ﻛﺗب ﻣن إﻧﺗﺎج إﺑداﻋﻲ ﻓﻲ ﺗﻠك
اﻟﻣرﺣﻠﺔ اﻟﻌﺻﯾﺑﺔ اﻟﺗﻲ ذاﻗت ﻓﯾﻬﺎ اﻟﺟزاﺋر وﯾﻼت اﻻﺳﺗﻌﻣﺎر ﺑﻛﺎﻓﺔ ﻗدراﺗﻪ وﻣﺧﻠﻔﺎﺗﻪ ﺑﻌد ﺟﻼﺋﻪ
واﺳﺗﻘﻼل اﻟﺟزاﺋر ،أﯾن ﺳﻠط اﻟﻧﻘﺎد اﻷﺿواء ﻋﻠﻰ ﺑﻌض اﻷﻋﻣﺎل ﻣﻧطﻠﻘﯾن ﻣن اﻟﺑﻌد
اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد ،ﻣن ﺑﯾﻧﻬم ﻣﺣﻣد ﺳﻌﺎدي اﻟذي رﻛز ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺟﻣوﻋﺔ اﻟﻘﺻﺻﯾﺔ "اﻟﺷﻬداء
ﯾﻌودون ﻫذا اﻷﺳﺑوع ﺑﺎﻋﺗﺑﺎرﻫﺎ أول ﻋﻣل ﻣﺣﻔز ﻋﻠﻰ ﺗﺑﻧﻲ اﻟﻧﻘد اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻓﻧﺟدﻩ ﯾﻘول "ﻓﺈن
اﻟﺷﻬداء ﯾﻌودون ﻫذا اﻷﺳﺑوع ﻛﺎﻧت أول ﺣﺎﻓز ﻟﺗﺑﯾﺎن اﻟطرﯾق ﻣن أﺟل اﻟﻧﻘد اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ اﻟﺑﻧﺎء
-1ﯾوﺳف ﺧﻠﯾف ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺑﺣث اﻷدﺑﻲ ،د ط ،دار ﻏرﯾب ،اﻟﻘﺎﻫرة ،2004 ،ص .37،38
-2ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص .41
137
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
واﻟﺻراﺣﺔ اﻟﻣﻣﺗزﺟﺔ ﺑﺎﻟﺟرأة ﻋﻧد اﻟﻘول ،وﻫو ﺑذﻟك ﯾﻛون ﻗد زاد اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﺗﻘدﻣﺎ ودﺣﺿﺎ ودﻋﻣﺎ
ﻧﺣو ﺑﺎﺣﺔ اﻟﺗﻘﯾﯾم واﻹﺻﻼح وﻗول اﻟﺣق واﻟدﻓﺎع ﻋﻧﻪ ﻣﻬﻣﺎ ﻛﺎﻧت اﻷﻣور.1
ﺗﺑﻧﻲ اﻟﺟزاﺋر ﻟﻠﻧﻬﺞ اﻻﺷﺗراﻛﻲ ﺧﻼل اﻟﺳﺑﻌﯾﻧﯾﺎت ﺑﻣﻘوﻣﺎت اﻻﺷﺗراﻛﯾﺔ اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻣن
ﺧﻼل اﻟﺛورة اﻟزراﻋﯾﺔ واﻟﺻﻧﺎﻋﯾﺔ واﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ،أﯾن ﻋرﻓت اﻟﺑﻼد ﺣرﻛﺎت اﻟﺗﺄﻣﯾم واﻟﻣﺧططﺎت
اﻟﺗﻧﻣوﯾﺔ وﻏﯾرﻫﺎ ﻣن اﻵﻟﯾﺎت اﻻﺷﺗراﻛﯾﺔ اﻟﻣطﺑﻘﺔ آﻧذاك ،دﻓﻊ إﻟﻰ ظﻬور ﻣوﺟﺔ ﻧﻘدﯾﺔ ﻋﺎرﻣﺔ
ﺗدﻋوا إﻟﻰ اﻧﺗﻬﺎج اﻟﺑﻌد اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻟﻣﻘﺎرﺑﺔ اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ ،ﺗﻣﺎﺷﯾﺎ ﻣﻊ اﻟﺗﺣوﻻت اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ
اﻟﺟدﯾدة ،أﯾن »ﺑدأ اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﺟزاﺋري ﯾﻧﻔﺗﺢ ﻋﻠﻰ ﺧطﺎﺑﺎت إﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﺧﺎرﺟﯾﺔ
ﻟﯾﻧﯾن،ﻣﺎرﻛس ...،وأﺧرى أدﺑﯾﺔ ﻧﻘدﯾﺔ ﻟوﻛﺎﺗش،ﻏوﻟدﻣﺎن ،...ﻣﺛﻠﻣﺎ ﺑدأ اﻟﺑﺣث ﯾﺗﻌﻣق ﻓﻲ
ﻋﻼﻗﺔ اﻷدب ﺑﺎﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎ ،ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺣو اﻟذي ﻓﻌﻠﻪ اﻟﻣرﺣوم ﻋﻣﺎر ﺑﻠﺣﺳن ت ،1993
اﻣﺗد ذﻟك ﺣﺗﻰ إﻟﻰ ﺣﻘل اﻟﺗرﺟﻣﺔ ﺣﯾث ﺗرﺟم ﻣرزاق
وﯾﻔﻌﻠﻪ اﻷﻋرج واﺳﯾﻧﻲ ﻓﻲ ﺟ ّل دراﺳﺎﺗﻪ،و ّ
ﺑﻘطﺎش ﻛﺗﺎب اﻟرواﯾﺔ ﻟﺟورج ﻟوﻛﺎﺗش«.2
اﻟﻣﺗﺗﺑﻊ ﻟﻠﺣرﻛﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﺧﻼل ﻫذﻩ اﻟﻔﺗرة ﯾﻼﺣظ اﻟﺗرﻛﯾز ﻋﻠﻰ اﻟﻘراءة اﻟﺳوﺳﯾوﻟوﺟﯾﺔ
ﻟﻠﻧﺻوص ،أﯾن اﺗﺳﻣت ﺟل اﻷﻋﻣﺎل اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﺑﺎﻟﺧطﺎب اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﻲ اﻟذي ﺗﺟﺳد ﻓﻲ ﻛﺛﯾر ﻣن
اﻟدراﺳﺎت اﻟﻧﻘدﯾﺔ ،ﻓﺑرزت ﻋدة أﺳﻣﺎء ﻧﻘدﯾﺔ ﻓﻲ ظل ﻫذا اﻟﻔﺿﺎء اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ ﻧذﻛر ﻣﻧﻬﺎ ﻣﺣﻣد
ﻣﺻﺎﯾف ،واﺳﯾﻧﻲ اﻷﻋرج ،ﻣﺣﻣد ﺳﺎري،ﻋﻣر ﺑن ﻗﯾﻧﺔ ،إﺑراﻫﯾم رﻣﺎﻧﻲ ،أﺣﻣد ﺷرﯾط ،ﻣﺣﻣد
ﻧﺎﺻر ،ﻋﺑد اﷲ ﺣﻣﺎدي ،وﻏﯾرﻫم ،وﻣن ﺧﻼل ﻫذﻩ اﻷﺳﻣﺎء ﺳﻧﺣﺎول ﻣﻘﺎرﺑﺔ أﺑرز اﻟدراﺳﺎت
اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺗﻲ اﺗﺧذت ﻣن اﻟﺑﻌد اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﺗﺟﺎﻫﺎ ﻟﻬﺎ.
-1ﻋﺑد اﻟﺻدوق ﻋﺑد اﻟﻌزﯾز ،اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث واﻟﻣﻌﺎﺻر ،رﺳﺎﻟﺔ ﻣﺎﺟﯾﺳﺗﯾر ،ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﺳﺎﻧﯾﺎ-
وﻫران،2011/2010 ،ص .2
-2ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص42
138
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
-1أﺣﻣد دوﻏﺎن ،ﻓﻲ اﻷدب اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ،ﻣﻧﺷورات إﺗﺣﺎد اﻟﻛﺗﺎب اﻟﻌرب ،دﻣﺷق ، 1996 ،ص .472،473
-2ﻋﺑد اﷲ اﻟرﻛﯾﺑﻲ ،اﻟﺷﻌر اﻟدﯾﻧﻲ اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ،ص .08
-3اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .08
139
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
اﻟﻣﺟﺳدة ﻟﻬﺎ ،ﻣﻊ اﻫﺗﻣﺎم أﻗ ّل ﺑﺧﺻوﺻﯾﺗﻬﺎ اﻟﻔﻧﯾﺔ ،1ﻫذا ﻣﺎ أﻋﺗﺑرﻩ ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ﻣﺑر ار ﯾﺷﻔﻊ
ﻟﻪ ﻓﻲ اﻟﺗﻘﺻﯾر اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ ﺣﺳب رأي اﻟﻧﺎﻗد.
أﻣﺎ ﻛﺗﺎﺑﻪ " ﺗطور اﻟﻧﺛر اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث " ،1974-1830 ﻓﻘد ﻗﺳﻣﻪ إﻟﻰ ﺑﺎﺑﯾن
اﻟﺑﺎب اﻷول ﺗطرق ﻓﯾﻪ إﻟﻰ اﻷﺷﻛﺎل اﻟﻧﺛرﯾﺔ اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ واﻟﺑﺎب اﻟﺛﺎﻧﻲ ﺗﻧﺎول ﻓﯾﻪ اﻷﺷﻛﺎل اﻟﻧﺛرﯾﺔ
اﻟﺟدﯾدة ،ﻓﻔﻲ اﻟﺑﺎب اﻷول ﺗﺣدث اﻟﻛﺎﺗب ﻋن اﻟﺧطب واﻟرﺳﺎﺋل وأدب اﻟرﺣﻼت ،اﻟﻣﻘﺎﻣﺎت
واﻟﻣﻧﺎظرات واﻟﻘﺻﺔ اﻟﺷﻌﺑﯾﺔ ،أﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺑﺎب اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻓﻘد ﺗﻧﺎول اﻟﻣﻘﺎل اﻷدﺑﻲ ،اﻟﻘﺻﺔ اﻟﻘﺻﯾرة
اﻟرواﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،اﻟﻣﺳرﺣﯾﺔ ،وﻓﻲ اﻷﺧﯾر ﺗﺣدث ﻋﺑد اﷲ اﻟرﻛﯾﺑﻲ ﻋن اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ﻣﺑﯾﻧﺎ أﻫﻣﯾﺔ
اﻟﻧﻘد وﻋﻼﻗﺗﻪ ﺑﺎﻷدب ،وﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠرواﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺧﺻص ﻟﻬﺎ اﻟﻧﺎﻗد اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻟث ﻣن اﻟﺑﺎب
اﻟﺛﺎﻧﻲ ،ﺣﯾث ﻗدم ﻋرﺿﺎ ﺗﺎرﯾﺧﯾﺎ ﻟﻬذا اﻟﻔن اﻷدﺑﻲ وذﻛر أﺳﻣﺎء ﻋدد ﻣن اﻟرواﺋﯾﯾن وﺣﺳب رأﯾﻪ
»ظﻬرت اﻟرواﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ﻣﺗﺄﺧرة ﺑﺎﻟﻘﯾﺎس إﻟﻰ اﻷﺷﻛﺎل اﻷدﺑﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ ﻣﺛل اﻟﻣﻘﺎل
اﻷدﺑﻲ ،واﻟﻘﺻﺔ اﻟﻘﺻﯾرة ،واﻟﻣﺳرﺣﯾﺔ«.2
ﻋﺑد اﷲ اﻟرﻛﯾﺑﻲ ﯾرى أن اﻷدب ﺑﻛﺎﻓﺔ ﻓﻧوﻧﻪ ﺷﻌ ار وﻗﺻﺔ ورواﯾﺔ وﻣﺳرﺣﯾﺔ ﯾﻌد
اﻟﻣﺣرك اﻟﺣﻘﯾﻘﻲ ﻟروح اﻟﺷﻌب ،واﻟﻣﻌﺑر ﻋن ﺣﯾﺎﺗﻪ اﻟﻣﺎدﯾﺔ واﻟروﺣﯾﺔ ،وﻣن ﺛم ﻻﺑد أن ﺗﻛون
ﻏﺎﯾﺗﻪ اﻹﻧﺳﺎن ﻻ اﻟﺟﻣﺎل ﻓﻘط ،ﻓﻼ ﯾﺧﻔﻰ ﻋﻠﻰ أﺣد أن اﻷدب ﻛﺎن داﺋﻣﺎ ﻫوا ﻟﺷرارة اﻷوﻟﻰ
اﻟﺗﻲ اﻧطﻠﻘت ﻣﻧﻬﺎ اﻟﺛورات اﻟﻛﺑرى...ﺗﻠك اﻟﺛورات اﻟﺗﻲ ﺣررت اﻹﻧﺳﺎن ﻣن اﻟظﻠم واﻟﺳﯾطرة
واﻟﻌﺑودﯾﺔ ، 3ﻛﻣﺎ أن اﻟﻧﺎﻗد ﯾﻘر ﺑﻔﺎﻋﻠﯾﺔ اﻷدب ودورﻩ ﻓﻲ اﻟﺣﯾﺎة ﻣن ﺣﯾث ﺗوﻋﯾﺔ اﻟﺷﻌوب
ٕواﯾﻘﺎظﻬﺎ ﻣن ﻏﻔﻠﺗﻬﺎ ،ودﻓﻌﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺑﺣث ﻋن ﺣﯾﺎة أﻓﺿل ،وﻫو ﯾطﺎﻟب اﻷدﯾب ﻛﻣﺎ ﯾﻘول
»ﺑﺷﻲء واﺣد ﻫو أن ﯾﻌﺑر ﻓﯾﻣﺎ ﯾﻛﺗب ﻋن رؤﯾﺎ ﺟدﯾدة ﯾﻘدم ﻓﯾﻬﺎ ﻧظرة ﺧﺎﺻﺔ ﻗد ﺗﻛون ﻧﻘدﯾﺔ
ﻟﻠﺣﯾﺎة أو اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ.4«..
-1ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼ ﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص .43
-2ﻋﺑد اﷲ اﻟرﻛﯾﺑﻲ ،ﺗطور اﻟﻧﺛر اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ،1974-1830 ،د ط ،اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب ،ص .179
-3ﻋﻣﺎر زﻋﻣوش ،اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ﻗﺿﺎﯾﺎﻩ واﺗﺟﺎﻫﺎﺗﻪ ،ص .149
-4ﻋﺑد اﷲ اﻟرﻛﯾﺑﻲ ،ﺗطور اﻟﻧﺛر اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ،1974 -1830 ،ص .80
140
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ورﻏم أن اﻟﻧﺎﻗد أﺷﺎر إﻟﻰ ﺑﻌض اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻛﺎﻻﻟﺗزام واﻟﺣرﯾﺔ وﻗﺿﯾﺔ اﻟﻠﻐﺔ ﻓﻲ
اﻟﻌﻣل اﻷدﺑﻲ إﻻ أﻧﻪ ﯾﻧطﻠق ﻓﻲ ﺗﺣدﯾد ﻣﻔﺎﻫﯾﻣﻪ ﻟﺗﻠك اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ ﻣن زاوﯾﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺗﻘﺗرب إﻟﻰ ﺣد
ﺑﻌﯾد ﻣن اﻟﻧزﻋﺔ اﻟﻘوﻣﯾﺔ ،ﺑﺣﯾث ﯾرى أن اﻟﻘوﻣﯾﺔ » ﻟم ﺗﻌد ﻣﺟرد ﻋﺎطﻔﺔ أو إﺣﺳﺎس ﯾﻧﺑض ﺑﻪ
اﻟﻘﻠب ،ﺑل أﺻﺑﺣت ﻓﻛرة ﯾﻘﺗﺿﯾﻬﺎ اﻟﻌﻘل وﯾﺣﻘﻘﻬﺎ اﻟواﻗﻊ ،وﯾﺣﺗﻣﻬﺎ اﻟﺗﺎرﯾﺦ واﻟﻣﺻﺎﻟﺢ
اﻟﻣﺷﺗرﻛﺔ « ، 1ﻓﻬو ﻓﻲ ﻣﻌظم دراﺳﺎﺗﻪ ﯾرﻛز ﻋﻠﻰ اﻟﺟﺎﻧب اﻟﻘوﻣﻲ ﻣﺑر از ﻣوﻗف اﻷدﺑﺎء
اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ﻣن اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ اﻟﻘوﻣﯾﺔ واﻟﻌرﺑﯾﺔ ،ﻣن ﻣﻧطﻠق رؤﯾﺗﻪ أن اﻷدﯾب اﻟﺣق ﻫو اﻟﻣﻠﺗزم
ﺑﻘﺿﺎﯾﺎ ﻗوﻣﻪ وﻋﺻرﻩ ، 2ﻣﻣﺎ أﺑﻌدﻩ ﻋن اﻟﺣدﯾث ﻋن اﻟواﻗﻊ اﻟﺟزاﺋري ﺑﻌد اﻻﺳﺗﻘﻼل ودور
اﻷدب ﻓﻲ ذﻟك.
أﻣﺎ ﺑﺧﺻوص ﻛﺗﺎﺑﻪ " ﻗﺿﺎﯾﺎ ﻋرﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر" واﻟذي ﻗﺳﻣﻪ إﻟﻰ
أرﺑﻌﺔ ﻓﺻول ،ﺗﻧﺎول ﻓﻲ اﻟﻔﺻل اﻷول اﻟﻌروﺑﺔ واﻟوﺣدة ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﺟزاﺋري ،ﺛم ﺗطرق إﻟﻰ
اﻟﻘﺿﯾﺔ اﻟﻔﻠﺳطﯾﻧﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ ،أﻣﺎ اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻟث ﻓﻘد أﺳﻣﺎﻩ ﺑﻘﺿﺎﯾﺎ ﻋرﺑﯾﺔ وﻣﻧﺎﺳﺑﺎت
أﺧرى واﻟﻔﺻل اﻟراﺑﻊ أطﻠق ﻋﻠﯾﻪ ﻋﻧوان ﺧﺻﺎﺋص ﻓﻧﯾﺔ ،رأى اﻟﻧﺎﻗد ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ أن
اﻟﻛﺗﺎب ﻓﯾﻪ ﺗﻘﺻﯾر ﺻﺎرخ ﯾﻌﺎب ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺎﻗد ﻓﻬو» ﻓﻲ ﻣﺟﻣﻠﻪ ﺳرد ﺗﻘرﯾري ﻻﻧﻌﻛﺎس اﻟواﻗﻊ ﻓﻲ
اﻟﻧص ﺑﻠﻐﺔ اﻟﻘﺿﯾﺔ واﻟﻣوﺿوع واﻟﻣﺳﺎﯾرة واﻟﻣواﻛﺑﺔ واﻟﻧﺿﺎل وﻣﺷﺗﻘﺎﺗﻪ ،ﺗﻧﻌزل ﻓﯾﻪ اﻟﺑﻧﯾﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ
وﺗﺗﺄﺧر إﻟﻰ آﺧر ﻟﺣظﺔ ﻣﻧﻔﺻﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺿﻣوﻧﻬﺎ ،وﻋﺑر ﺻﻔﺣﺎت ﻣﺣدودة ﻻ ﺗﺗﺟﺎوز ﺛﻣن
ﺻﻔﺣﺎت اﻟﻛﺗﺎب ،3« وﻟم ﯾﺷطط اﻟﻧﺎﻗد ﻋن رؤﯾﺗﻪ ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ اﻵﺧر " اﻷوراس ﻓﻲ اﻟﺷﻌر
اﻟﻌرﺑﻲ ودراﺳﺎت أﺧرى" ،ﺑدور اﻷدب ﻓﻲ ﺧدﻣﺔ اﻹﻧﺳﺎن وﻏدﻩ اﻷﻓﺿل".4
ﻛﻣﺎ أن اﻟدﻋوة اﻟﺗﻲ ﻗدﻣﻬﺎ ﻷﺧذ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻘدي اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ،ﺟﺎءت ﻣﺗﺄﺧرة ﺟدا ،وﻫﻲ
ﺗﻌﻧﻲ ﺣﺳب ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ﺷﻌور اﻟﻧﺎﻗد ﺑﺎﻟذﻧب واﻋﺗراﻓﻪ اﻟﺻرﯾﺢ ﺑﺎﻟﺗﻘﺻﯾر ﻟﻬذا اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻓﻲ
-1ﻋﺑد اﷲ اﻟرﻛﯾﺑﻲ ،ﺗطور اﻟﻧﺛر اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ، 1974 -1830 ،ص .61
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ،ص .172
-3ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص .44
-4اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .44
141
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﺣق ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﻧص،1إذ ﯾﻘول اﻟﻧﺎﻗد »ﻟﻌل اﻟوﻗت ﻗد ﺣﺎن ﻛﻲ ﻧﺄﺧذ ﺑﺎﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻘدي اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ
اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ،ﻓﻧﻬﺗم ﺑﺎﻟﻧص ﻣن ﺣﯾث أﻧﻪ ﺗﻌﺑﯾر ﻋن ﺗﻔرد اﻷدﯾب وﻋن ﻣزاﺟﻪ ووﻋﯾﻪ وﺛﻘﺎﻓﺗﻪ
ورؤﯾﺗﻪ اﻟﺧﺎﺻﺔ ،ﻫذا ﻣن ﺟﻬﺔ ﻣن ﺟﻬﺔ أﺧرى ﻓﺈن ﻫذا اﻟﻔرد ﯾﻌﯾش ﻓﻲ ﻣﺟﺗﻣﻊ ﻫو ﺟزء ﻣﻧﻪ
ﯾﺣﯾﺎ ﻟﺣظﺔ ﺣﺿﺎرﯾﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ ﻟﻬﺎ ﻣﺳﺗواﻫﺎ اﻟﻔﻛري واﻟﺛﻘﺎﻓﻲ واﻻﻗﺗﺻﺎدي واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ،ﻓﻛﯾف
ﻋﺑر ﻋﻧﻬﺎ؟ وﺑﺄﯾﺔ ﻟﻐﺔ أو ﺑﺄي أﺳﻠوب ؟ وﺑﺄي ﻣﺣﺗوى؟ «. 2
وﻻﺑد ﻣن اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن اﻟﻛﺛﯾر ﻣﻣن ﺗطرق إﻟﻰ ﺗﺟرﺑﺔ ﻣﺣﻣد ﻣﺻﺎﯾف اﻟﻧﻘدﯾﺔ ذﻫب
ﻏﻠﻰ ﺻﻌوﺑﺔ ﺗﺻﻧﯾف ﻣﺣﻣد ﻣﺻﺎﯾف ﻣﻧﻬﺟﯾﺎٕ ...» ،واذا ﻛﺎن ﻻﺑد ﻣن ﺗﺻﻧﯾف ﻣﻧﻬﺞ اﻟدﻛﺗور
ﻣﺻﺎﯾف ﺿﻣن ﺧﺎﻧﺔ ﻣﺣددة ،ﻟم ﻧﺟد أﺣﺳن ﻣن إدراﺟﻪ ﺿﻣن اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد
-1ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص .44
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .44
-3أﺣﻣد دوﻏﺎن ،ﻓﻲ اﻷدب اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ،ص .340
142
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
اﻷدﺑﻲ« ،1رﻏم أن اﻟﻧﺎﻗد ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ﺗﺣﻔظ ﻋﻠﻰ " اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ " ووﺻﻔﻪ ﺑﺎﻟزﺋﺑﻘﻲ
وﺑرر ذﻟك ﺑﻣﺟﻬوﻟﯾﺔ ﻣوﻗﻌﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺧﺎرطﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ،2ﻓﯾﻣﺎ ﯾذﻫب ﻋﻣﺎر ﺑن زاﯾد إﻟﻰ أن ﻣﻧﻬﺞ
ﻣﺣﻣد ﻣﺻﺎﯾف ﻫو»ﻣﻧﻬﺞ ﻣﺗﻛﺎﻣل ،ﯾﺣﺗل ﻓﯾﻪ اﻟﻣﻧﻬﺟﺎن اﻟﻧﻘدﯾﺎن اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ واﻟﻔﻧﻲ اﻟﺻدارة
ﺑﯾﻧﻣﺎ ﻧﺟد آﺛﺎ ار ﻟﻣﻧﺎﻫﺞ أﺧرى ﻛﺎﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻔﺳﻲ ،3«...وﻧﺷﯾر أﯾﺿﺎ إﻟﻰ ذﻫﺎب ﻣﺣﻣد ﺳﺎري
إﻟﻰ أن اﻟﻧﺎﻗد ﻻزﻣﻪ ﺑﻌض اﻻﺿطراب اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ ،ﺑﯾن اﻟدﻋوة إﻟﻰ ﻋدم اﻟﺗﻘﯾد ﺑﻣﻧﻬﺞ واﺣد ﻣن
ﺟﻬﺔ واﻟدﻋوة إﻟﻰ اﻣﺗﻼك ﻣﻧﻬﺞ ﻣﺣدد ﻣن ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﯾﺔ.4
ﻟﻘد ﺧص اﻟﻧﺎﻗد اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ﺑﻘﺳط ﻛﺑﯾر ﻣن دراﺳﺎﺗﻪ اﻟﻧﻘدﯾﺔ
ﻓﻔﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ " دراﺳﺎت ﻓﻲ اﻟﻧﻘد واﻷدب" أﻓﺻﺢ ﻓﻲ ﻣﻘدﻣﺗﻪ ﻋن ﻣﻧﻬﺟﻪ اﻟذي ﺳﻣﺎﻩ " اﻟﻣﻧﻬﺞ
ﯾﻌﺑر
اﻟواﻗﻌﻲ اﻟﺗﻘدﻣﻲ" ،ﺑﻘوﻟﻪ »ﻓﻲ ﻛ ّل اﻟدراﺳﺎت ﻛﻧت أﻧظر إﻟﻰ اﻟﻧص ﻋﻠﻰ ّأﻧﻪ أﺛر أدﺑﻲ ّ
اﻟﻔﻧﻲ ﻓﻲ اﻷﺛر اﻷدﺑﻲ أي
ﻋن ﻗﺿﺎﯾﺎ اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ أو ﻗوﻣﯾﺔ أو ﻋﺎطﻔﯾﺔ ،دون إﻏﻔﺎل اﻟﺟﺎﻧب ّ
ﻧظرت إﻟﻰ ﻣﺿﻣون ﻫذا اﻷﺛر وﻣدى ﻋﻼﻗﺗﻪ ﺑﻧﻔس ﺻﺎﺣﺑﻪ وﺑﺎﻟﻣﺟﺗﻣﻊ.5«...
اﺧﺗﯾﺎر ﻣﺣﻣد ﻣﺻﺎﯾف ﻟﻠﻣﻧﻬﺞ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد ﻓﻲ دراﺳﺎﺗﻪ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ،ﻛﺎن ﻧﺗﯾﺟﺔ
إﯾﻣﺎﻧﻪ ﺑرﺳﺎﻟﺔ اﻷدﯾب ﺑﺎﻟﺗزاﻣﻪ ﺑﻘﺿﺎﯾﺎ ﻣﺟﺗﻣﻌﻪ ﻓﻬو ﻟﺳﺎن اﻟطﺑﻘﺔ اﻟﻛﺎدﺣﺔ ،ﻓﻬو ﯾﺣدد رﺳﺎﻟﺔ
اﻷدﯾب ﺑﻘوﻟﻪ » ﻓرﺳﺎﻟﺔ اﻷدﯾب اﻟﺟزاﺋري ﻓﻲ اﻟﺳﺎﻋﺔ اﻟﺣﺎﺿرة رﺳﺎﻟﺔ ﻣزدوﺟﺔ :ﻓﻣن ﺟﻬﺔ أوﻟﻰ
ﯾﻌﻣق اﻻﺗﺟﺎﻩ
ﻧﻧﺗظر ﻣﻧﻪ أن ﯾﻛون ﻟﺳﺎن اﻟطﺑﻘﺔ اﻟﻛﺎدﺣﺔ ،وﻣن ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﯾﺔ ﻓﯾﻧﺑﻐﻲ ﻟﻪ أن ّ
اﻟﻌﻘﺎﺋدي اﻟذي ﺗﻌﺗﻧﻘﻪ وﺗﺳﯾر ﻋﻠﯾﻪ ﻫذﻩ اﻟطﺑﻘﺔ.6«...
-1ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص .44
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .45
-3اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .45
-4اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .45
-5ﻣﺣﻣد ﻣﺻﺎﯾف ،دراﺳﺎت ﻓﻲ اﻟﻧﻘد واﻷدب ،ص .05
-6اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .64
143
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
وﻓﻲ دراﺳﺗﻪ ﻟﻠرواﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ " اﻟرواﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ ﺑﯾن
اﻟواﻗﻌﯾﺔ واﻻﻟﺗزام اﻟذي ﺗﻧﺎول ﻓﯾﻪ ﺗﺳﻊ رواﯾﺎت واﻟﺗﻲ ﺻﻧﻔﻬﺎ ﺣﺳب ﻣواﺿﯾﻌﻬﺎ إﻟﻰ اﻟرواﯾﺔ
اﻟﻬﺎدﻓﺔ واﻟرواﯾﺔ اﻻﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ واﻟرواﯾﺔ اﻟواﻗﻌﯾﺔ ،رواﯾﺔ اﻟﺗﺄﻣﻼت اﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ ورواﯾﺔ اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ
ورأى أن ُﺟﻠّﻬﺎ ﯾﻌﺎﻟﺞ اﻟﺛورة اﻟﻣﺳﻠﺣﺔ ،واﻵﺛﺎر اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ اﻟﻣﺗرﺗﺑﺔ ﻋن اﻟﺛورة ،وﻛﻌﺎدﺗﻪ
ﺣﺎول أن ﯾزاوج ﺑﯾن اﻟﺟﺎﻧب اﻟﻔﻧﻲ واﻟواﻗﻌﻲ ﻓﺎﻗﺗﺻر ﺣدﯾﺛﻪ ﻋﻠﻰ زاوﯾﺗﯾن " زاوﯾﺔ اﻟﻣوﻗف
اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ،وزاوﯾﺔ اﻟﻣوﻗف اﻟﻔﻧﻲ ،واﻟواﻗﻊ أن اﻟﻔﺻل ﺑﯾن اﻟﻣوﻗﻔﯾن إﻧﻣﺎ ﻧﻣﯾل إﻟﯾﻪ ﻣن أﺟل
إﻋطﺎء ﻧظرة ﻋﺎﻣﺔ ﻋن اﻟرواﯾﺔ أﻛﺛر ﺗﻔﺻﯾﻼ.1
وﻗد ذﻫب اﻟﻧﺎﻗد إﻟﻰ أن اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﻟﻠرواﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ُﯾﺧﺗﺻر ﻓﻲ ﻣوﻗﻔﯾن
أﺳﺎﺳﯾﯾن ﻣوﻗف اﻟواﻗﻌﯾﺔ اﻻﺷﺗراﻛﯾﺔ وﻣوﻗف اﻟواﻗﻌﯾﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ،ﺣﯾث ﯾﻣﺛل اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻷول اﻟطﺎﻫر
وطﺎر ،وﯾﻣﺛل اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻵﺧر ﻣﻌظم اﻟﻛﺗﺎب اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ،وﺑﻌد ﺗطرﻗﻪ إﻟﻰ ﻣوﺿوﻋﺎت ﻫذﻩ
اﻟرواﯾﺎت واﺗﺟﺎﻫﺎﺗﻬﺎ وﺟواﻧﺑﻬﺎ اﻟﻔﻧﯾﺔ ﻣﺣﺎوﻻ ﺗﺣدﯾد اﻟﻘواﺳم اﻟﻣﺷﺗرﻛﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺟﻣﻌﻬﺎ ،وﻣﺎ ﺗﻣﺗﺎز
ﺑﻪ اﻟواﺣدة ﻋن اﻷﺧرى ،ﻋرج ﺑﻌد ﻛل ﻫذا إﻟﻰ اﻟﺣدﯾث ﻋن ﻛل رواﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﺣدة ،ﻧﺎﺳﺑﺎ إﯾﺎﻫﺎ
إﻟﻰ إﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ واﻗﻌﯾﺔ أو ﻓﻠﺳﻔﯾﺔ.
اﻫﺗﻣﺎم اﻟﻧﺎﻗد ﺑﺎﻟﻣﺣﺗوى اﻟﻣوﺿوﻋﻲ ﻟﻧﺻوﺻﻪ وﻣﺎ ﯾﻌﺗرﯾﻬﺎ ﻣن ﺻراﻋﺎت طﺑﻘﯾﺔ ،ﻗﻠل
ﻣن ﺷﺄن اﻫﺗﻣﺎﻣﻪ ﺑﺑﻧﯾﺔ اﻟﺧطﺎب اﻟرواﺋﻲ ،ﺟﺎﻋﻼ ﻣن ﻗﺿﯾﺔ " اﻻﻟﺗزام" اﻟﻣﻌﯾﺎر اﻷﺳﺎﺳﻲ
ﺗﺣرك اﻷدوات
ﯾﺣﺗﻛم ﻋﻠﯾﻪ ﻓﻲ ﺗﺣدﯾد ﻗﯾﻣﺔ اﻟﻧﺻوص ،ﻓﻬو ﯾﻣﺛل أﻛﺛر اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﺗﻲ ّ
اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ﻋﻧد ﻣﺻﺎﯾف.2
-ﻣﺳﺎﯾرة اﻟرواﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ﻟﻠﻣﺳﯾرة اﻟوطﻧﯾﺔ ﺑدءا ﻣن ﺛورة اﻟﺗﺣرﯾر إﻟﻰ اﻟﺗطﻠﻌﺎت
اﻻﺷﺗراﻛﯾﺔ ﻓﻲ ﺛورة اﻟﺑﻧﺎء.
-1ﻣﺣﻣد ﻣﺻﺎﯾف ،اﻟرواﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ ﺑﯾن اﻟواﻗﻌﯾﺔ واﻻﻟﺗزام ،ص .11
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .49-48
144
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
-1ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻻﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص .48
-2ﻣﺣﻣد ﺳﺎري ،اﻟﺑﺣث ﻋن اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺟدﯾد ،ط ،1دار اﻟﺣداﺛﺔ ،ﺑﯾروت ،1984 ،ص .108
145
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
-1ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض ،اﻟﻘﺻﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ،دار اﻟﻐرب ﻟﻠﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ ،ص .19
146
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﯾﻌد ﻛﺗﺎب "اﺗﺟﺎﻫﺎت اﻟرواﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر" ،أول دراﺳﺔ ﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ﻣﻧظﻣﺔ ﻟﻠرواﯾﺔ
اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ﻓﻲ ﺿوء اﻟﺗﺻور اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ اﻟواﻗﻌﻲ .2
ﻗﺳم اﻷﻋرج واﺳﯾﻧﻲ ﻛﺗﺎب اﺗﺟﺎﻫﺎت اﻟرواﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ إﻟﻰ أرﺑﻌﺔ أﺑواب ،اﻻﺗﺟﺎﻩ
اﻹﺻﻼﺣﻲ ﻛﺑﺎب أول ،ﺛم اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟروﻣﺎﺗﯾﻛﻲ ﻛﺑﺎب ﺛﺎﻧﻲ ،أﻣﺎ اﻟﺑﺎب اﻟﺛﺎﻟث ﻓﻘد ﻓﻛﺎن اﻻﺗﺟﺎﻩ
اﻟواﻗﻌﻲ اﻟﻧﻘدي ،وأﺧﯾ ار اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟواﻗﻌﻲ اﻻﺷﺗراﻛﻲ ﻛﺑﺎب راﺑﻊ ،وﻗد ﻣﻬد ﻟﻬذا ﺑﺎﻟﺑﺣث ﻓﻲ
أﺻول وﺟذور اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟواﻗﻌﻲ اﻻﺷﺗراﻛﻲ اﻟذي ﯾﻌود ﺑﻪ إﻟﻰ أﺳﺎس ﻣﺎرﻛﺳﻲ ﻟﯾﻧﯾﻧﻲ ﻣﺣﺎوﻻ
إﻗﺎﻣﺔ ﺟﺳور ﺑﯾن اﻻﻗﺗﺻﺎد واﻟﻔن.
وﻗد ﻋرج اﻟﻧﺎﻗد وﻫو ﯾﺗﺣدث ﻋن اﻟواﻗﻌﯾﺔ اﻻﺷﺗراﻛﯾﺔ ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ اﻟﺟزاﺋري ﻋﻠﻰ اﻟﻛﺗﺎﺑﺎت
اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ﺑﺎﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ ،وﺗﻠك اﻟﻣرﺗﺑطﺔ ﺑﻣﺣﻣد دﯾب،وﻛﺎﺗب ﯾﺎﺳﯾن وﻣوﻟود ﻣﻌﻣري ،وﻣوﻟود ﻓرﻋون
اﻟﻛﺗﺎﺑﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﺑﻠورت ﺑﺎﻟﻣوازاة ﻣﻊ اﻟﺣرﻛﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ واﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ،واﻟﺗﻲ اﻧﺗﻬت
ﺑﺻﯾﺎﻏﺔ اﻟﻣﺷروع اﻟوطﻧﻲ ﻣن أﺟل ﺗﺣرﯾر اﻟﺑﻼد ،وذﻟك ﺑﺗﺷﺧﯾص اﻟﻣﺷﻛﻼت اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ
-1ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص .210
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .50
147
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﺑﺗﺳﻠﯾط اﻟﺿوء ﻋﻠﻰ اﻟواﻗﻊ ﺑﻐﯾﺔ ﺗﻐﯾﯾرﻩ ،وﻓﻲ ﻧﻔس اﻹطﺎر،ﻓﺈن اﻟﻌﻣل اﻷدﺑﻲ ﯾﻧظر إﻟﯾﻪ ﺑﻘدر
ارﺗﺑﺎطﻪ ﺑﺎﻟواﻗﻊ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ،ﻓﺄﺻﺣﺎب ﻫذا اﻻﺗﺟﺎﻩ ﯾﻣﯾﻠون إﻟﻰ اﻟﻣﻌطﻰ اﻟﻣوﺿوﻋﻲ ،أﻣﺎ
اﻟﺟﺎﻧب اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻓﻬو ﻓﻲ ﻧظرﻫم ﻣﺟرد ﺑﺳطﺔ ﺗﻛﺎد ﺗﻛون ﺛﺎﻧوﯾﺔ إﻻ ﺑﻘدر ﺧدﻣﺗﻬﺎ ﻟﻠﺣﻘﯾﻘﺔ
اﻟواﻗﻌﯾﺔ ،إذ ﯾﻘول اﻟﻛﺎﺗب ﻓﻲ ﻫذا اﻟﺻدد »ﻣن ارﺗﺑﺎطﻬﺎ ﺑﺎﻟواﻗﻊ اﻟﯾوﻣﻲ اﻟﻣﻌﯾش ﻓﻲ ﺗﻧﺎﻗﺿﺎﺗﻪ
ﻛﻠﻬﺎ ،اﻟﺳﻠﺑﻲ ﻣﻧﻬﺎ واﻻﯾﺟﺎﺑﻲ ،واﺿﻌﺔ ﻧﺻب اﻫﺗﻣﺎﻣﻬﺎ ﺗزوﯾد اﻹﻧﺳﺎن اﻟﺑﺳﯾط ﺑﺎﻟﺑﻬﺟﺔ واﻟﻣﺗﻌﺔ
اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ،ودﻓﻌﻪ أﻛﺛر ﻧﺣو اﻻﻫﺗﻣﺎم اﻟواﻋﻲ ﺑﻣﺷﺎﻛﻠﻪ اﻟﺟوﻫرﯾﺔ ،ﻟﻛن ﻫذﻩ اﻟﻣﺗﻌﺔ ﯾﻧﺑﻐﻲ أﻻ
ﺗﻛون ﻣﺗﻌﺔ ﻏﯾر ﺣﻘﯾﻘﯾﺔ«.1
وﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺑﻣﺣﻣد ﻣﺻﺎﯾف اﻟذي اﺗﺧذ ﻣﻔﻬوم اﻻﻟﺗزام ﻣﻔﺗﺎﺣﺎ ﻟوﻟوج ﻋﺎﻟم اﻟﻧص ﻛﻣﺎ ﻗﻠﻧﺎ
ﺳﺎﺑﻘﺎ ،ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻧﺟد واﺳﯾﻧﻲ اﻷﻋرج ﯾﺧﺗﻠف ﻋﻧﻪ ﻓﻲ ذﻟك ﺑﺎﺗﺧﺎذﻩ ﻣﻔﻬوم اﻟطﺑﻘﺔ ﻛﻣﻔﺗﺎح ﺑدﯾل
ﻟﻣواﺟﻬﺔ اﻟﻧص ،ﻓﻬو ﯾرﻛز ﻛﺛﯾ ار ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻧﺎﻗﺿﺎت اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻧص وﻣﺎ ﯾﻣﻛن أن ﺗﻔرزﻩ
ﻣن ﺻراﻋﺎت طﺑﻘﯾﺔ ،ﻻﺳﯾﻣﺎ ﻧﺿﺎل اﻟطﺑﻘﺎت اﻟﻣﺣروﻣﺔ ﺿد اﻹﻗطﺎﻋﯾﺔ واﻟﺑرﺟوازﯾﺔ.2
وﯾرﺟﻊ واﺳﯾﻧﻲ اﻷﻋرج ﺗﺄﺧر اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر واﻟذي ﻛﺎن ﺑدورﻩ اﻣﺗدادا
ﻟﺗﺄﺧر اﻟﺣرﻛﺔ اﻷدﺑﯾﺔ ،إﻟﻰ ﺗﻠك اﻟﺷروط اﻟﺗﻲ ﺗﺑﻧﺗﻬﺎ ﺟﻣﻌﯾﺔ اﻟﻌﻠﻣﺎء اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ﻣن
ﺧﻼل ﺗﻠك اﻟﺗوﺟﯾﻬﺎت اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺗظﻬر ﺑﯾن اﻟﻔﯾﻧﺔ واﻷﺧرى ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺣﺎت اﻟﺟراﺋد اﻟﻧﺎطﻘﺔ
ﺑﺎﺳم اﻟﺟﻣﻌﯾﺔ ،اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺗﺣﺎﺻر اﻹﺑداﻋﺎت اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺗﺧرج ﻋن اﻟﻣﺄﻟوف ﻓﻲ اﻷدب
اﻟﻌرﺑﻲ ﻛﺎﻟرواﯾﺔ ﻣﺛﻼ واﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻣﺎ ﺗزال ﻓﻧﺎ ﺟدﯾدا ﻋﻠﻰ اﻟﺳﺎﺣﺔ اﻷدﺑﯾﺔ ﻻ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ
ﻓﺣﺳب.3
-1واﺳﯾﻧﻲ اﻷﻋرج ،اﺗﺟﺎﻫﺎت اﻟرواﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ،ﺑﺣث ﻓﻲ اﻷﺻول اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ واﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ،اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب،
اﻟﺟزاﺋر ،1983 ،ص.475
-2ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص .51
-3واﺳﯾﻧﻲ اﻷﻋرج ،اﺗﺟﺎﻫﺎت اﻟرواﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ،ص .60
148
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
أﻣﺎ ﻣن ﻧﺎﺣﯾﺔ اﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻧﻘدي ﻓﻲ دراﺳﺔ واﺳﯾﻧﻲ اﻷﻋرج ،ﻛﻣﺎ ﯾراﻩ اﻟﻧﺎﻗد ﯾوﺳف
وﻏﻠﯾﺳﻲ ،ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻻ ﻧﻛﺎد ﻧﻌﺛر ﻋﻠﯾﻪ إﻻّ ﻓﻲ اﻟﺻﻔﺣﺎت اﻷﺧﯾرة ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻟﺟﺗﻪ ﻟﻛل رواﯾﺔ وذﻟك
"ﺑﻌد أن ﯾﻔرغ ﻣن ﺗﻘﺻﻲ ﺟواﻧب اﻟﺻراع اﻟطﺑﻘﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﻣﺿﻣون ﺑﻣﺻطﻠﺣﺎت
"اﻹﻗطﺎﻋﯾﺔ" و"اﻟﺑرﺟوازﯾﺔ اﻟﺻﻐﯾرة" و" اﻟطﺑﻘﯾﺔ " و" اﻟواﻗﻊ" و" اﻟوﻋﻲ اﻟﺟﻣﺎﻫﯾري" و" اﻟوﻋﻲ
اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ" و" اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ" ...ﺣﯾث ﯾﻌرض ﻟﺟواﻧﺑﻬﺎ اﻟﻔﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ وان ﺟﻌﻠﻬﺎ ذﯾﻼ ﻟﻠﻣﺿﻣون ،أﻗ ّل
أﻫﻣﯾﺔ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﯾﺗﺟﺎوزﻫﺎ ،وﻣن ﻫذﻩ اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﻣﺳﺗﺧدﻣﺔ :اﻟﺑطل ،اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ اﻹﻗطﺎﻋﯾﺔ،
اﻟﻣوﻧو-دﯾﺎﻟوغ واﻟذي ﯾﺳﺗﻌﯾرﻩ ﻣن ﻏﺎﻟﻲ ﺷﻛري ،اﻟﺷﻛل واﻟﻣﺿﻣون ،اﻟﻔن اﻟﺑروﻟﯾﺗﺎري اﻟذي
ﯾوظﻔﻪ ﺑدﯾﻼ دﻗﯾﻘﺎ ﻟﻠواﻗﻌﯾﺔ اﻻﺷﺗراﻛﯾﺔ.1...
أﻣﺎ اﻷﻧﻣوذج اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻟﻧﻔس اﻟﻛﺎﺗب ﻓﻲ ﻫذا اﻻﺗﺟﺎﻩ ﻓﻬو" ﺗﺟﺎرب ﻗﺻﯾرة وﻗﺿﺎﯾﺎ ﻛﺑﯾرة"،
" اﻟذي ﻫو ﺟﻣﻠﺔ ﻣن اﻟﺗﺄﻣﻼت واﻻﻧطﺑﺎﻋﺎت ﻋﻠﻰ ﺣد ﺗﻌﺑﯾر ﺻﺎﺣﺑﻪ» ،ﻓﻘد أﻗدﻣت ﻋﻠﻰ ﻧﺷرﻩ
ﻷﻧﻪ ﯾﻣﺛل اﻟطرﯾق اﻟذي اﺧﺗرﺗﻪ ﻟﻠﺗﻌﺑﯾر ﻋن ﻓﻬﻣﻲ وﻟﺗﺳﺟﯾل اﻧطﺑﺎﻋﺎﺗﻲ ﺣول ﻣﺎ أﻗرأﻩ« ،3وﻗد
اﺳﺗﻬل ﻣﺧﻠوف ﻋﺎﻣر ﻛﺗﺎﺑﻪ ﺑﻣﻘدﻣﺔ ﺗﻛﻠم ﻓﯾﻬﺎ ﻋن ﻣﺻطﻠﺢ "أدب اﻟﺷﺑﺎب" اﻟذي ﻟﻔت اﻧﺗﺑﺎﻫﻪ
-1ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص .53-52
-2ﻣﺧﻠوف ﻋﺎﻣر ،ﺗطﻠﻌﺎت إﻟﻰ اﻟﻐد ،اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب ،1983 ،ص .100
-3ﻣﺧﻠوف ﻋﺎﻣر ،ﺗﺟﺎرب ﻗﺻﯾرة وﻗﺿﺎﯾﺎ ﻛﺑﯾرة ،ﻣﻘﺎﻻت ﻧﻘدﯾﺔ ،اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب ،1984 ،ص . 8
149
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺣﺎت اﻟﻣﺟﻼت واﻟﺟراﺋد آﻧذاك ،ﺣﯾث ﯾرى أن ﻫذا اﻟﻣﺻطﻠﺢ ﻓﯾﻪ ﻧوع ﻣن اﻟﺗﻔرﻗﺔ ﺑﯾن
اﻟﺷﯾوخ واﻟﺷﺑﺎب ،وﯾﻘﺗرح ﺑدل ذﻟك ﺗﺳﻣﯾﺔ اﻷدب ﺣﺳب اﻟﻣراﺣل اﻟزﻣﻧﯾﺔ »ﻋﻧدﻣﺎ ﻧﻘول أدب
اﻟﺳﺑﻌﯾﻧﺎت ﺑﻐض اﻟﻧظر ﻋن ﺻﻐر أﺻﺣﺎﺑﻪ أو ﻛﺑرﻫم ﻣن ﺣﯾث اﻟﺳن ﻧﺳﺗطﯾﻊ أن ﻧﻣﯾز ﻫذا
اﻷدب ﺟﯾدﻩ ﻣن ردﯾﺋﻪ ،ﻣﺗﺧذﯾن اﻟواﻗﻊ ﻣﻘﯾﺎﺳﺎ ،واﻗﻊ اﻟﺗﺣوﻻت اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ
واﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺷﻬدﺗﻬﺎ ﻫذﻩ اﻟﻔﺗرة«.1
اﺧﺗﺎر ﻣﺧﻠوف ﻋﺎﻣر ﻓﻲ دراﺳﺗﻪ ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟرواﯾﺎت ﺑدأﻫﺎ ﺑرواﯾﺔ "اﻟﺷﻣس ﺗﺷرق
ﻣن ﺟدﯾد" ﻹﺳﻣﺎﻋﯾل ﻏﻣوﻗﺎت ،وﯾرى اﻟﻛﺎﺗب أن اﻟﻧﻘد ﻛﻣﺎ ﯾظن اﻟﺑﻌض ﻟﯾس ﺗﻔﺳﯾر ﺑﻘدر ﻣﺎ
ﻫو إﺑداع إذ أن اﻹﺑداع ﻻ ﯾﺗﺄﺗﻰ إﻻ ﺑﻌد اﻟﻔﻬم واﻟﺗﻔﺳﯾر» ،وﻟﻬذا اﻟﺳﺑب ﯾﺑدو ﻟﻲ أن أي
ﺗﺳﺟﯾل ﻟﻼﻧطﺑﺎﻋﺎت اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﺻﺣﺑﻪ ﺗﻔﺳﯾر ﻟﻠﻌﻣل اﻷدﺑﻲ اﻟﻣراد ﻧﻘدﻩ ،ﺛم ﻷن ﻫذا
اﻟﺗﻔﺳﯾر ﻫو اﻟذي ﺳﯾﻛون اﻟراﺑطﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺟﻣﻊ أو ﺗﻔرق ﺑﯾن ﻣﺳﺟل اﻻﻧطﺑﺎﻋﺎت اﻟﻧﻘدﯾﺔ وﺑﯾن
ﻣن ﯾﻘرؤﻫﺎ «.2
وﻣن ﺧﻼل ﻗراءﺗﻧﺎ اﻟﺗﺄﻣﻠﯾﺔ ﻟﻛﺗﺎب " ﺗﺟﺎرب ﻗﺻﯾرة وﻗﺿﺎﯾﺎ ﻛﺑﯾرة ﻧﺳﺗﻧﺗﺞ أن اﻟﻧﺎﻗد
ﻏﺎﻟﺑﺎ ﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﺻدر أﺣﻛﺎﻣﺎ ﻋﺎﻣﺔ ﻻ ﺗﻣس ﺟوﻫر اﻟﻌﻣل اﻷدﺑﻲ ،وﺗﻧﺎوﻟﻪ ﻟﺗﻠك اﻷﻋﻣﺎل
اﻷدﺑﯾﺔ ﯾﻛﺎد ﯾﻛون ﺑﻣﻧﻬﺟﯾﺔ واﺣدة ،ﻻ ﺗﻔﺻﺢ ﻋن ﻣﻧﻬﺞ ﻋﻠﻣﻲ ﻣﺣدد ،ﻓﻘد ﯾﻧﻬﻲ ﻣﻘﺎﻻﺗﻪ دون
ﻣﺳﺎس ﺑﺎﻟﻌﻣل اﻷدﺑﻲ اﻟﻣدروس ،ﻣﺳﺗﻐرﻗﺎ ﺟﻬدﻩ ﻓﻲ ﻗﺿﺎﯾﺎ أدﺑﯾﺔ ﻋﺎﻣﺔ ،ورﺑﻣﺎ ﯾﻌود ﻫذا إﻟﻰ
ﻛون ﻫذﻩ اﻟدراﺳﺔ ﺑﺎﻷﺳﺎس ﻫﻲ ﻋﺑﺎرة ﻋن ﻣﻘﺎﻻت ﺻﺣﻔﯾﺔ ،وﻟذا ﻛﺎﻧت ﺧﺎﻟﯾﺔ ﻣن اﻟﻌﻣق
اﻷﻛﺎدﯾﻣﻲ اﻟﺟﺎد.
150
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
أﺛﻧﻰ ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ﻋﻠﻰ ﻛﺗﺎب ﻣﺣﻣد ﺳﺎري " اﻟﺑﺣث ﻋن اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺟدﯾد"
واﺻﻔﺎ ﻛﺎﺗﺑﻪ ﺑﺄﻧﻪ »دﺷن ﺗﺟرﺑﺔ ﻧﻘدﯾﺔ ﻧﺎﺷﺋﺔ ﺗﺿﺎف إﻟﻰ رﺻﯾدﻧﺎ اﻟﻣﻌﺗﺑر ﻣن اﻟﻧﻘد
اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ« ،2اﻟذي ﻣﻬد ﻟﻪ ﺑﻣﻘدﻣﺔ أطﻠق ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻋﻧوان " اﻟﻣﺛﻘﻔون ﻛﻔﺋﺔ اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ " ،ﺛم ﻗﺳم
دراﺳﺗﻪ إﻟﻰ ﺧﻣس أﺑواب ،ﻓﺧﺻص اﻟﺑﺎب اﻷول ﻟﻠﺟزء اﻟﻧظري وﺑﻘﯾﺔ اﻷﺑواب ﻟﻠﺟزء اﻟﺗطﺑﯾﻘﻲ
وﻗد ﺣﺎول اﻟﻧﺎﻗد اﻻﺳﺗﻔﺎدة ﻣن طروﺣﺎت ﻟوﻛﺎﺗش وﻏوﻟدﻣﺎن ﺣﯾث ﻗدم ﻋرﺿﺎ ﺷﺎﻣﻼ ﻷراء
اﻟﻧﺎﻗدﯾن ﻓﻲ اﻟﻘﺳﻣﯾن اﻷول واﻟﺛﺎﻧﻲ ﻣن اﻟﺑﺎب اﻷول ،وﻫو رﻏم ﺗﺳﻠﯾﻣﻪ ﺑﺎﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺣﻣﯾﻣﯾﺔ ﺑﯾن
اﻟﻧص واﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ،إﻻّ أﻧﻪ ﯾدرك أن اﻟﻘول ﺑﻬذﻩ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﻻ ﯾﻠﻐﻲ ﺧﺻوﺻﯾﺔ اﻟﻧص واﺳﺗﻘﻼﻟﻪ
اﻟﻧﺳﺑﻲ ﻋن إطﺎرﻩ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ،ﻓﻌﻣﻠﯾﺔ اﻹﺑداع ﺗوﻟد اﻧﻌﻛﺎس ﻣوﺿوﻋﻲ ﻟﻠﺗﯾﺎرات اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ
ﻟﻛﻧﻬﺎ ﺗﻣﻠك دﯾﻧﺎﻣﯾﻛﯾﺗﻬﺎ اﻟﺧﺎﺻﺔ واﺗﺟﺎﻫﻬﺎ اﻟﺧﺎص اﻟذﯾن ﯾﻘرﺑﺎﻧﻬﺎ أو ﯾﺑﻌداﻧﻬﺎ ﻋﻣﺎ ﻫو ﻗﺎﺑل
ﻟﻠﺣﻘﯾﻘﺔ.3
وﯾرى ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ أن اﻟﻧﺎﻗد ﻣﺣﻣد ﺳﺎري ﻫو أول ﻧﺎﻗد ﺟزاﺋري ﻗﺎم ﺑﺑﺳط ﻧظري
4
ﻟﻣﻌﺎﻟم اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ اﻟﺗﻛوﯾﻧﯾﺔ ﺑﻣﺳﺗوﯾﺎﺗﻬﺎ اﻟﻔﻬﻣﯾﺔ واﻟﺷرﺣﯾﺔ ﻋﻧد راﺋدﻫﺎ ﻟوﺳﯾﺎن ﻏوﻟدﻣﺎن ،إﻻّ
-1ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص .214
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص 53
-3ﻣﺣﻣد ﺳﺎري ،اﻟﺑﺣث ﻋن اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺟدﯾد ،اﻟطﺑﻌﺔ اﻷوﻟﻰ ،دار اﻟﺣداﺛﺔ ﻟﻠطﺑﻊ واﻟﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ،ﺑﯾروت ،1984 ،
ص .61
-4ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص .54
151
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
أﻧﻪ ﺗﺎﻩ ﻓﻲ طﯾﺎﺗﻬﺎ ﻋﻧدﻣﺎ ﺣﺎول اﻟﻌودة إﻟﻰ أﺻوﻟﻬﺎ ،إذ اﻋﺗرف اﻟﻧﺎﻗد ﺑذﻟك »..ﺗﻬت ﻓﻲ
دﻫﺎﻟﯾز ﻫذا اﻟﻔﻛر ﻷن ذﻟك ﯾﻘﺗﺿﻲ اﻟﻌﻣر ﻛﺎﻣﻼ ،ﻓوﺟدت ﻧﻔﺳﻲ ﺿﺎﺋﻌﺎ ﺗﺎﺋﻬﺎ ﻻ أﺳﺗطﯾﻊ
اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻘدي وﺧﻠﻔﯾﺎﺗﻪ اﻟﻣﺗﻌددة وﻟم أﻫﺿم إﻻ اﻟﻘﺷور« ،1وﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺗﻲ
وظﻔﻬﺎ اﻟﻧﺎﻗد ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻣﺳﺗﻣدة ﻣن ﻣرﺟﻌﯾﺗﻪ اﻟﻧﻘدﯾﺔ وارﺗﺑﺎطﻬﺎ ﺑﻐوﻟدﻣﺎن وﻟوﻛﺎﺗش ﻋﻠﻰ ﻏرار
اﻟرؤﯾﺔ اﻟﻣﺄﺳﺎوﯾﺔ ،اﻟﻔﻬم واﻟﺷرح ،اﻟﺑطل اﻟﻣﻠﺣﻣﻲ ،اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﻧﻣوذﺟﯾﺔ ،اﻟﺑطل اﻟﺳﻠﺑﻲ اﻟﺑطل
اﻻﯾﺟﺎﺑﻲ...
ﺣﻘﯾﻘﺔ وﻛﻣﺎ ﯾرى اﻟﻧﺎﻗد ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ﻓﺈﻧﻪ ﯾﺻﻌب ﺗﺣدﯾد اﻟﺗوﺟﻪ اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ ﻹﺑراﻫﯾم
روﻣﺎﻧﻲ ،ﻷن ﻫذا اﻷﺧﯾر ﻻ ﯾؤﻣن ﺑﻣﺎ أطﻠق ﻋﻠﯾﻪ ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ﺗﺣزﺑﺎ ﻣﻧﻬﺟﯾﺎ ،3ﻟرﻏﺑﺗﻪ
اﻹﻓﺎدة ﻣن ﺷﺗﻰ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ واﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﺗﻲ ﯾﺳﺗﻌﯾن ﺑﻬﺎ ﺑذوق ﺧﺎص وﺑﻠﻐﺔ ﺷﺎرﺣﺔ راﻗﯾﺔ
ﺗﺳﺗوﻋب اﻟﻧص وﺗﺟﺎوزﻩ ،ﻟﻛن رﻏم ذﻟك وﺑﺳﺑب إﯾﻣﺎن إﺑراﻫﯾم روﻣﺎﻧﻲ ﺑﺎﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ اﻟظﺎﻫرة
اﻷدﺑﯾﺔ وﻣﻌﻬﺎ اﻟﺳوﺳﯾوﻧﻘدﯾﺔ ،ﻟﻛﻧﻪ إﯾﻣﺎن ﺧﺎص ﯾﻌﯾد ﻟﻠﻧص ﻣﻛﺎﻧﺗﻪ ،وﯾﺿﻊ اﻟﺳﯾﺎق
اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻓﻲ ﻣوﺿﻌﻪ اﻟﻼﺋق اﻟذي ﯾﻧﺑﻐﻲ أﻻ ﯾﺗﺟﺎوز ﺣدودﻩ ،وﯾﻌﯾد اﻟﻧظر –أﺛﻧﺎء ذﻟك ﻛﻠﻪ-
-1ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص .54
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .218-217
-3اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .55
152
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﻓﻲ ﻣﻌﺎدﻟﺔ اﻷدب واﻟواﻗﻊ ،ﻣﻊ رﺳم ﺟدﯾد ﻟﻧظرﯾﺔ اﻻﻧﻌﻛﺎس ، 1رأى ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ أن
ﯾدرﺟﻪ ﺿﻣن اﻟﻧﻘد اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ وﻟم ﯾﺟد ﻟﻪ ﺑدﯾﻼ ﻏﯾرﻩ ﺣﺳب رأﯾﻪ.2
آﻣن روﻣﺎﻧﻲ ﻣﺑﻛ ار ﺑﺄن ﻣﺷﻛﻼت اﻟظﺎﻫرة اﻷدﺑﯾﺔ ﺿﻣن واﻗﻊ اﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻣﻌﯾن ﻫﻲ
اﻟﺗﻲ ﯾﻧﺑﻊ ﻣﻧﻬﺎ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻘدي ،ﺣﯾث ﺗﺗﺣرك ﻫذﻩ اﻟظﺎﻫرة اﻷدﺑﯾﺔ ﻛﻧوع ﻣن اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﺟدﻟﯾﺔ
اﻟﺗطورﯾﺔ اﻟﻣﺳﺗﻣرة ﺿﻣن اﻟواﻗﻊ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ،وﻋﻠﯾﻪ ﻓ ـ ـ » اﻟﻬدف اﻷول ﻣن ﻛل ﻣﻧﻬﺞ ﻫو
ﻣﻌرﻓﺔ وﺗﺣدﯾد اﻷﺳس اﻟﺗﻲ ﺗﺳﺎﻋد ﻋﻠﻰ ﻗراءة اﻟﻧﻣط اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﻲ اﻟﺣﺿﺎري اﻟﻣﻌطﻰ ﻓﻲ ﻫذا
اﻟﺗﺻور اﻷدﺑﻲ اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ،وﺣﻛم ﻻﺣﻘﺎ ﺑﺄن ﻻﺷﻲء ﯾﺧﻠو ﻣن اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ،وأن اﻟﻧﺎﻗد ﻣؤدﻟﺞ
3
رﻏم أﻧﻔﻪ «
وﻓﻲ ﻣﻘﺎﻟﺔ " ﻣﻌﺎدﻟﺔ اﻷدب واﻟواﻗﻊ" اﻟﺗﻲ ﺗﺿﻣﻧﻬﺎ ﻛﺗﺎﺑﻪ " أﺳﺋﻠﺔ اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ" واﻟﺗﻲ
أراد ﻓﯾﻬﺎ ﻣﻌﺎﻟﺟﺔ إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ ﻣﻌﺎدﻟﺔ اﻷدب ﻟﻠواﻗﻊ ﺿﻣن ﺑﺣﺛﻪ ﻓﻲ اﻟواﻗﻌﯾﺔ واﻟﺗﻲ ﻗﺎل ﻋﻧﻬﺎ »ﻟﯾس
ﻫذا اﻟﺣدﯾث ﺑﺣﺛﺎ ﻓﻲ اﻟواﻗﻌﯾﺔ ،أو ﻧﻘدا ﻟﻣظﺎﻫرﻫﺎ ﻓﻲ اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ ٕواﻧﻣﺎ ﻓواﺻل ﻣرﺟﻌﯾﺔ
ﻟﻣﻌﺎدﻟﺔ " اﻷدب -اﻟواﻗﻊ" ﺗﻌد ﺑﻣﺛﺎﺑﺔ اﻟﺑواﺑﺔ اﻟﺗﻲ ﻧدﺧل ﻣن ﺧﻼﻟﻬﺎ إﻟﻰ دراﺳﺔ اﻟﻧص اﻟﺷﻌري
ﻓﻲ ﻗراءﺗﻧﺎ ﻟﻸدب اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺣدﯾث ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر«.4
ﺣﯾث رأى ﻓﯾﻬﺎ أن اﻟﻧﻘد اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﻛﺎن اﻟﺳﺑب اﻷﻛﺑر ﻓﻲ ﺷﯾوع ﻣﻔﻬوم اﻻﻧﻌﻛﺎس
اﻟﺧﺎطﺊ ،إذ اﻫﺗم ﺑﺎﻟﻣﺿﻣون واﻟﺧﻠﻔﯾﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ واﻧﻌﻛﺎﺳﻬﺎ اﻵﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﻣل اﻷدﺑﻲ ،دون
ﻣراﻋﺎة اﻟﺟﺎﻧب اﻟداﺧﻠﻲ وﺧﺻوﺻﯾﺔ اﻷدﯾب ﻓﻲ ﺻﯾﺎﻏﺔ ﻫذا اﻟﻌﻣل ،5وﻟﻼﺳﺗﺷﻬﺎد ﻋﻠﻰ وﺟﻪ
ﻧظرﻩ ﯾﻘدم ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ ﺣﺳﯾن ﻣروة ﻓﻲ ﻫذا اﻟﺻدد »ﻧﺣن ﻧﺷﻔق ﻓﻌﻼ ﻋﻠﻰ اﻷدب واﻟﻔن ﺑﺗﺣﻣﯾل
153
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﺟﺳدﯾﻬﻣﺎ اﻟﺟﻣﯾﻠﯾن أﺛﻘﺎل اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟﻣﺑﺎﺷرة وﺷﻌﺎراﺗﻬﺎ اﻟﻣﺗﺣﺟرة ،دون إﺷﻔﺎق ودون وﻋﻲ ﺑﺄن
ﺟﺳدﯾﻬﻣﺎ ﻻ ﯾطﯾﻘﺎن اﺣﺗﻣﺎل ذرة واﺣدة ﺧﺎرﺟﺔ ﻋن طﺑﯾﻌﺔ اﻟﺑﻧﯾﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ ﻟﻛل ﻣﻧﻬﻣﺎ«.1
وﯾرى اﻟﻧﺎﻗد ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ﺑﺧﺻوص رؤﯾﺔ إﺑراﻫﯾم رﻣﺎﻧﻲ اﻟﻧﻘدﯾﺔ أن ﻫذا اﻷﺧﯾر
»ﻫو أﺑﻌد اﻟﻘرﺑﺎء ﻣن اﻟﻧﻘد اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ،وأﻗرب اﻟﺑﻌداء ﻋﻧﻪ وﻋدم اﺣﺗﻔﺎﺋﻪ ﺑﻣﺻطﻠﺣﺎت ﻫذا
اﻟﻣﻧﻬﺞ ﺧﯾر دﻟﯾل ﻋﻠﻰ ذﻟك ،وﻫﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺟزاﺋرﯾﺔ ﺷﺎذة داﺧل اﻟﻣﻧﻬﺞ«.2
وﻣﻊ ﺗﻠك اﻷﺳﻣﺎء اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗطرﻗﻧﺎ إﻟﯾﻬﺎ واﻟﺗﻲ ﺗﻧﺿوي ﺗﺣت ﺳﻣﺎء اﻟﻧﻘد اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ
ﻫﻧﺎك ﻧﻣﺎذج أﺧرى ،ﻧذﻛر ﻣﻧﻬﺎ "زﯾﻧب اﻷﻋوج" ﻋن ﻛﺗﺎﺑﻬﺎ "اﻟﺳﻣﺎت اﻟواﻗﻌﯾﺔ ﻟﻠﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ
ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر" ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ "ﻋﻣر ﺑن ﻗﯾﻧﺔ" ودراﺳﺗﻪ " دراﺳﺎت ﻓﻲ اﻟﻘﺻﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ اﻟﻘﺻﯾرة
واﻟطوﯾﻠﺔ" ،و"ﻣﺣﻣد ﺑوﺷﺣﯾط" ﻋن ﻛﺗﺎﺑﻪ " اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ﻟﺣظﺔ وﻋﻲ" " ،وﻋﻣر أزراج" ﻋن ﻛﺗﺎﺑﻪ "
اﻟﺣﺿور" ،و"ﻗراءات ﻓﻲ اﻟﻘﺻﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ " ﻷﺣﻣد ﻣﻧور وﻏﯾرﻫم.
-1إﺑراﻫﯾم رﻣﺎﻧﻲ ،أﺳﺋﻠﺔ اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ -ﻗراءات ﻓﻲ اﻷدب اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ،ص .72
-2ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص .57
154
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
وﯾذﻫب اﻟﺗﺣﻠﯾل اﻟﻧﻔﺳﻲ إﻟﻰ أن اﻹﺑداع اﻷدﺑﻲ ﻣﺎ ﻫو إﻻ »ﺣﺎﻟﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺗﺣﻠﯾل،
ﻷن ﻛل ﻋﻣل ﻓﻧﻲ ﯾﻧﺗﺞ ﻋن ﺳﺑب ﻧﻔﺳﻲ ،وﯾﺣﺗوي ﻋﻠﻰ ﻣﺿﻣون ظﺎﻫر وآﺧر ﺧﺎف ﻣﺛﻠﻪ ﻣﺛل
اﻟﺣﻠم ،أي أﻧﻪ اﻧﻌﻛﺎس ﻟﻧﻔس اﻟﻣؤﻟف ،ﻣن ﻫﻧﺎ ﻛﺎن ﻟزاﻣﺎ ﻋﻠﻰ دارس اﻷدب أن ﯾﻠﺗﻣس ﺑواﻋث
اﻹﺑداع اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ« ،4إذ ﯾﻘوم ﻫذا اﻟﻣﻔﻬوم ﻋﻠﻰ أن اﻟﻔن ﻋﺑﺎرة ﻋن »ﺗﺻﻌﯾد وﺗﻌوﯾض ﻟﻣﺎ ﻟم
ﯾﺳﺗطﻊ اﻟﻔﻧﺎن ﺗﺣﻘﯾﻘﻪ ﻓﻲ واﻗﻌﻪ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ،واﺳﺗﺟﺎﺑﺔ ﺗﻠﻘﺎﺋﯾﺔ ﻟﺗﻠك اﻟﻣﺛﯾرات اﻟﻧﺎﺋﻣﺔ ﻓﻲ
اﻷﻋﻣﺎق اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ اﻟﺳﺣﯾﻘﺔ ،واﻟﺗﻲ ﻗد ﺗﻛون رﻏﺑﺎت ﺟﻧﺳﯾﺔ ﺑﺣﺳب ﻓروﯾد ،أو ﺷﻌو ار
ﺑﺎﻟﻧﻘص ﯾﻘﺗﺿﻲ اﻟﺗﻌوﯾض ﺑﺣﺳب آدﻟر ،أو ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﺗﺟﺎرب واﻷﻓﻛﺎر اﻟﻣﺧزﻧﺔ ﻓﻲ
155
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
اﻟﻼﺷﻌور اﻟﺟﻣﻌﻲ ﺑﺣﺳب ﯾوﻧﻎ ، 1« وﯾﻧطﻠق اﻟﻧﻘد اﻟﻧﻔﺳﺎﻧﻲ ﺿﻣن ﺟﻣﻠﺔ ﻣن اﻟﻣﺑﺎدئ
2
واﻟﺛواﺑت ﻣﻧﻬﺎ :
وﻗد ﺣﻘق اﻟﻧﺎﻗد اﻟﻔرﻧﺳﻲ ﺷﺎرل ﻣورون " " C.Mouronاﻧﺗﺻﺎ ار ﻣﻧﻬﺟﯾﺎ ﻛﺑﯾ ار ﻟﻠﻧﻘد
اﻷدﺑﻲ ،إذ ﻓﺻل اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ﻋن ﻋﻠم اﻟﻧﻔس ،وﺟﻌل ﻣن اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ أﻛﺑر ﻣن أن ﯾﺑﻘﻰ
ﻣﺟرد ﺷﺎرح وﻣوﺿﺢ ﻟﻠﺛﺎﻧﻲ ،ﻣﻘﺗرﺣﺎ ﻣﻧﻬﺟﺎ ﻻ ﯾﺟﻌل ﻣن اﻟﺗﺣﻠﯾل اﻟﻧﻔﺳﻲ ﻏﺎﯾﺔ ﻓﻲ ذاﺗﻪ ،ﺑل
ﯾﺳﺗﻌﯾن ﺑﻪ وﺳﯾﻠﺔ ﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ﻓﻲ دراﺳﺔ اﻟﻧﺻوص اﻷدﺑﯾﺔ.3
156
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﺧﻠف اﷲ أﺣﻣد ﻛﺗﺎب " ﻣن اﻟوﺟﻬﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ ﻓﻲ دراﺳﺔ اﻷدب وﻧﻘدﻩ" وﻛﺗب ﻋز اﻟدﯾن إﺳﻣﺎﻋﯾل
ﻛﺗﺎب " اﻟﺗﻔﺳﯾر اﻟﻧﻔﺳﻲ ﻟﻸدب " وﻛﺗب اﻟﻌﻘﺎد ﻛﺗﺎﺑﯾﻪ ﻋن أﺑﻲ ﻧواس وﻋن اﺑن اﻟروﻣﻲ
ﻣﺳﺗﻧﺑطﺎ ﺻورﺗﻲ ﻫذﯾن اﻟﺷﺎﻋرﯾن ﻣن ﺷﻌرﻫﻣﺎ ،وﺗواﻟت اﻟﻛﺗﺎﺑﺎت ﻋن ﻫذا اﻟﻣﻧﻬﺞ أو اﻟﺗﻲ
ﺗﺳﺗﺧدم ﻫذا اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻓﻲ ﺗﺣﻠﯾل اﻷدب«.1
وﻧﺗﺞ ﻋن ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻔﺳﻲ ﻟدى اﻟﻌرب ﻣواﻗف ﻣﺗﺑﺎﯾﻧﺔ ﺑﯾن ﻣؤﯾد وﻣﻌﺎرض وﻣن وﻗف
ﻣوﻗف اﻟوﺳط ،ﻓﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﻣﻧﺎﺻرﯾن ﻟﻬذا اﻟﻣﻧﻬﺞ ﯾﻌﺗﺑر اﻟﻌﻘﺎد ﻋﻠﻰ رأﺳﻬم » ،إذ ﻟم ﯾﻛﺗف
ﺑﺎﻟﻣﻣﺎرﺳﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻧﻔﺳﺎﻧﯾﺔ ،ﺑل راح ﯾؤازر ذﻟك ﻣؤازرة ﻧظرﯾﺔ ،أﻋرب ﻋﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻟﻪ اﻟﻧﻘد
اﻟﺳﯾﻛوﻟوﺟﻲ اﻟذي ﻧﺷرﻩ ﻋﺎم ،1961ﻣﻧﺗﻬﯾﺎ ﻓﯾﻪ إﻟﻰ ﻗوﻟﻪ» :إذا ﻟم ﯾﻛن ﺑد ﻣن ﺗﻔﺿﯾل
إﺣدى ﻣدارس اﻟﻧﻘد ﻋﻠﻰ ﺳﺎﺋر ﻣدارﺳﻪ اﻟﺟﺎﻣﻌﺔ ﻓﻣدرﺳﺔ اﻟﻧﻘد اﻟﺳﯾﻛوﻟوﺟﻲ أو اﻟﻧﻔﺳﺎﻧﻲ
أﺣﻘﻬﺎ ﺟﻣﯾﻌﺎ ﺑﺎﻟﺗﻔﺿﯾل...ﺛم ﻋﺎد ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻟﻪ ﻓﻲ ﻋﺎﻟم اﻟﻧﻘد ﻟﯾﻘرر أﻧﻧﺎ ﻧﻌرف ﻛل ﻣﺎ ﻧرﯾد أن
ﻧﻌرﻓﻪ وﻛل ﻣﺎ ﯾﻬم أن ﯾﻌرف ﻣﺗﻰ ﻋرﻓﻧﺎ ﻧﻔس اﻟﺷﺎﻋر ...وﻟﻬذا ﻧﻔﺿل اﻟﻣدرﺳﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ ﻷﻧﻬﺎ
ﺗﺣﯾط ﺑﺎﻟﻣدارس ﻛﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺟﻣﯾﻊ ﻣزاﯾﺎﻫﺎ «.2
ٕواﻟﻰ ﺟﺎﻧب اﻟﻌﻘﺎد ﻧﺟد ﺟورج طراﺑﯾﺷﻲ اﻟذي ﯾﻌﺗﺑر ﻣن أﻛﺛر اﻟﻧﻘﺎد اﻟﻌرب اﻟﻣداﻓﻌﯾن ﻋن
ﻫذا اﻟﻣﻧﻬﺞ واﻟذي ﻣﺎرﺳﻪ ﻓﻲ ﻛﺛﯾر ﻣن ﻛﺗﺑﻪ أﻧﺛﻰ ﺿد اﻷﻧوﺛﺔ ،اﻟرﺟوﻟﺔ ٕواﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎ اﻟرﺟوﻟﺔ
ﻓﻲ اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ ،ﻋﻘدة أودﯾب ﻓﻲ اﻟرواﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،اﻟرواﺋﻲ وﺑطﻠﻪ – ﻣﻘﺎرﺑﺔ اﻟﻼﺷﻌور ﻓﻲ
اﻟرواﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ...،اﻟﺦ
ٕواذا ﺗطرﻗﻧﺎ إﻟﻰ اﻟﻣﻌﺎرﺿﯾن ﻟﻬذا اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻓﻲ اﻟوطن اﻟﻌرﺑﻲ ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻧﺟد ﻣﺣﻣد ﻣﻧدور ﻓﻲ »
طﻠﯾﻌﺔ اﻟﻧﻘﺎد اﻟداﻋﯾن إﻟﻰ ﻓﺻل اﻷدب ودراﺳﺗﻪ ﻋن اﻟﻌﻠوم اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ وﻣﻧﻬﺎ ﻋﻠم اﻟﻧﻔس
وﺗﻧﺣﯾﺔ اﻟﻌﻠم ﻋن اﻷدب وﻧﻘدﻩ ،وﻣﺣﺎرﺑﺔ " ﺗطﺑﯾق اﻟﻘواﻧﯾن اﻟﺗﻲ اﻫﺗدت إﻟﯾﻬﺎ اﻟﻌﻠوم اﻷﺧرى
ﻋﻠﻰ اﻷدب وﻧﻘد اﻷدب" ،ﻷن " اﻷدب ﻻ ﯾﻣﻛن أن ﻧﺟددﻩ وﻧوﺟﻬﻪ وﻧﺣﯾﯾﻪ إﻻ ﺑﻌﻧﺎﺻرﻩ
157
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
اﻟداﺧﻠﯾﺔ ،ﻋﻧﺎﺻرﻩ اﻷدﺑﯾﺔ اﻟﺑﺣﺗﺔ« ،1وﻣن ﺑﯾن اﻟﻧﻘﺎد اﻟذﯾن أﻋﻠﻧوا ﻋداﺋﻬم ﻟﻠﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻔﺳﻲ اﻟﻧﺎﻗد
ﻣﺣﻲ اﻟدﯾن ﺻﺑﺣﻲ اﻟذي أﺑدى اﻣﺗﻌﺎﺿﻪ ﻣن ﻫذا اﻟﻣﻧﻬﺞ.2
وﻣن أﻟد اﻷﻋداء اﻟراﻓﺿﯾن ﻟﻠﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻔﺳﻲ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ﻛذﻟك ،اﻟﻧﺎﻗد ﻋﺑد اﻟﻣﻠك
ﻣرﺗﺎض ،واﻟذي وﺻف اﻟﻘراءة اﻟﻧﻔﺳﺎﻧﯾﺔ ﺑﺎﻟﻣرﯾﺿﺔ اﻟﻣﺗﺳﻠطﺔ » ،ﺛم راح ﻓﻲ دراﺳﺗﻪ اﻟﻘراءة
ﺑﯾن اﻟﻘﯾود اﻟﻧظرﯾﺔ وﺣرﯾﺔ اﻟﺗﻠﻘﻲ ﯾﺻب ﺟﺎم ﻏﺿﺑﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻔﺳﻲ اﻟﻘﺎﺋم ﻋﻠﻰ اﻓﺗراض
ﻣﺳﺑق ﯾﺗﺟﺳد ﻣرﺿﯾﺔ اﻷدﯾبٕ ،واذن ﻣرﺿﯾﺔ اﻷدب.3«...
ﺛﺎﻟﺛﺎ -اﻟﻣﺂﺧذ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻔﺳﻲ:
ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن اﻟﻧﺗﺎﺋﺞ اﻟﺗﻲ ﺣﻘﻘﺗﻬﺎ اﻟدراﺳﺎت اﻷدﺑﯾﺔ ،ﻧﺗﯾﺟﺔ ﺗوظﯾف ﻣﻧﺟزات ﻋﻠم
اﻟﻧﻔس ،إﻻ أن اﻻﻧﻐﻣﺎس ﻓﻲ ﺗطﺑﯾق اﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ ﻗد ﯾﺧرج اﻟدراﺳﺔ اﻷدﺑﯾﺔ ﻋن أﻫداﻓﻬﺎ
ﺑﺳﺑب ﺗﻌﺎﻣل اﻟﻧﺎﻗد اﻷدﺑﻲ ﻣﻊ اﻟﻧص ﻋﻠﻰ أﻧﻪ وﺛﯾﻘﺔ ﻧﻔﺳﯾﺔ وﺑذﻟك ﺗﺻﺑﺢ اﻟدراﺳﺔ أﻗرب ﻟﻌﻠم
اﻟﻧﻔس ﻣﻧﻬﺎ إﻟﻰ اﻷدب» ،ﻷن اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ اﻟﺟﯾد ﺣﯾﻧﺋذ ﯾﺗﺳﺎوى ﻣﻊ اﻟﻧص اﻟرديء ﺑل
ﯾﺗﺳﺎوى ﻣﻊ ﺳﺎﺋر اﻷﻓﻌﺎل اﻟﺗﻲ ﺗﺻدر ﻋن اﻹﻧﺳﺎن ﻛﺎﻟﺻراخ واﻟﺣرﻛﺎت اﻟﺟﺳدﯾﺔ وردود
اﻷﻓﻌﺎل ،ﺑل رﺑﻣﺎ ﯾﻛون اﻟﻬذﯾﺎن ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﺣﺎﻟﺔ أﻛﺛر ﺗﻌﺑﯾ ار ﻋن اﻟﻧﻔس ﻣن اﻟﻘﺻﯾدة اﻟﺷﻌرﯾﺔ
ﻷن اﻟﻬذﯾﺎن أﻛﺛر ﺗﻠﻘﺎﺋﯾﺔ وأﺑﻌد ﻋن ﻣظﻧﺔ اﻟﺗﺻﻧﻊ واﻟﻛذب « ،4ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ أن ﻧظرﯾﺎت
اﻟﺗﺣﻠﯾل اﻟﻧﻔﺳﻲ ﻓﻲ دراﺳﺗﻬﺎ ﻟﺷﺧﺻﯾﺎت اﻷدﺑﺎء،واﻟﻣﺑدﻋﯾن ﺗﻌﺎﻣﻠت ﻣﻌﻬم ﻋﻠﻰ أﻧﻬم ﻣرﺿﻰ
ﻋﺻﺎﺑﯾون ﻏﯾر طﺑﯾﻌﯾﯾن ،ﻓﺎﻟﺑﺎﺣث ﻋﻧدﻣﺎ ﯾﺗوﺟﻪ ﻟدراﺳﺔ اﻟﻌﻣل اﻷدﺑﻲ ﯾﻛون ﻣﺣﻣﻼ ب
»ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﻘواﻟب اﻟﺟﺎﻫزة ﺳﻠف ،ﻫﻲ ﻋﻘدة أودﯾب ،وﻋﻘدة أﻟﻛﺗرا ،واﻟﻌﻘدة اﻟﻧرﺟﺳﯾﺔ ،ﺛم
ﯾﺣﺷر اﻟﺷﺎﻋر داﺧل ﻫذا اﻟﻘﺎﻟب ﺳواء أﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺎﺳﻪ أم ﻟم ﯾﻛن ،وﻓﻲ اﻟﻧﻬﺎﯾﺔ ﯾﺧرج ﺑﻧﺗﯾﺟﺔ
158
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﻣﻌﻠوﻣﺔ ﻣﻌروﻓﺔ ﻣﻧذ اﻟﺑداﯾﺔ ،وﯾﻘدم ﺻورة ﻣﺷوﻫﺔ ﻟﻠﺷﺎﻋر ﻻ ﺗﺗﻼءم إﻻ ﻣﻊ اﻟﻧﻣوذج اﻟذي
وﺻﻔﻪ ﻓروﯾد ﻟﻬذﻩ اﻟﻌﻘدة أو ﺗﻠك «.1
وﻣﻣﺎ ﯾﻌﺎب ﻛذﻟك ﻋﻠﻰ اﻟﻧﻘد اﻟﻧﻔﺳﻲ ﻓﻲ اﻷدب ﻫو اﻻﻫﺗﻣﺎم ﺑﺻﺎﺣب اﻟﻧص ﻋﻠﻰ
ﺣﺳﺎب اﻟﻧص ذاﺗﻪ ،و» اﻟرﺑط ﺑﯾن اﻟﻧص وﻧﻔﺳﯾﺔ ﺻﺎﺣﺑﻪ ،ﻣﻊ اﻻﻫﺗﻣﺎم اﻟﻣﺑﺎﻟﻎ ﻓﯾﻪ ﺑﻣﻧطﻘﺔ "
اﻟﻼوﻋﻲ" اﻟﺗﻲ ﻣﺛﻠﻬﺎ اﻟدﻛﺗور ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر ﻓﯾدوح ﺑـ :اﻟﻌﻠﺑﺔ اﻟﺳوداء اﻟﺗﻲ ﯾﺟد ﻓﯾﻬﺎ اﻟﺑﺎﺣث
اﻟﻧﻔﺳﺎﻧﻲ ﻛل ﺗﻔﺳﯾر ﻷﺳرار اﻟﻌﻣل اﻹﺑداﻋﻲ «.2
وﻣﺎ ﯾؤﺧذ ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟﻣﻧﻬﺞ ﺟراء ﺗطﺑﯾق ﻧظرﯾﺎت اﻟﺗﺣﻠﯾل اﻟﻧﻔﺳﻲ » اﻟﻣﺑﺎﻟﻐﺔ ﻓﻲ
اﻟﺗﻌﻠﯾل ،إذ ﻗد ﯾﻌﻣد اﻟﺑﺎﺣث إﻟﻰ ﺗﺣﻣﯾل ﻛل ﻛﻠﻣﺔ وﻛل ﺻورة أدﺑﯾﺔ ﺑﻣﺎ ﻻ ﺗﺣﺗﻣل ﻣن
اﻟدﻻﻻت اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ ،ﻣﺛل اﻟﻌﻘد اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ وﻣﻛﺑوﺗﺎت اﻟﺟﻧس ﻋﻧد اﻟطﻔوﻟﺔ ،ﻣﻣﺎ ﻻ دﻟﯾل ﻋﻠﯾﻪ وﻻ
أﺳﺎس ﻟﻪ ﻣن اﻟﺻﺣﺔ ،ﺑل رﺑﻣﺎ ﺗدل ﻫذﻩ اﻟﺗﺄوﯾﻼت ﻋﻠﻰ ﻣﻛﺑوﺗﺎت ﻧﻔﺳﯾﺔ ﻋﻧد اﻟﺑﺎﺣث ﻧﻔﺳﻪ
وﻟﯾس ﻋﻧد اﻟﺷﺎﻋر ﺻﺎﺣب اﻟﻧص ﻣوﺿوع اﻟﺗﺣﻠﯾل«.3
159
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
إﻓﺎدة اﻟﻧﻘد واﻷدب ﻋﻣوﻣﺎ ﻣن ﻋﻠم اﻟﻧﻔس ﯾﺄﺗﻲ ﻓﻲ طﻠﯾﻌﺗﻬم اﻟدﻛﺗور ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض
اﻟذي ﻧﻌت اﻟﻣﻣﺎرﺳﺎت اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻧﻔﺳﺎﻧﯾﺔ ﺑـ" اﻟﻣرﯾﺿﺔ اﻟﻣﺗﺳﻠطﺔ " ،رﻏم اﻧﻔﺗﺎح ﺗﺟرﺑﺗﻪ اﻟﻧﻘدﯾﺔ
ﻋﻠﻰ ﻣﻧﺎﺧﺎت ﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ﻣﺗﻌددة«.1
ﻟﻛﻧﻧﺎ ﻻ ﻧﺗﻔق ﻣﻊ ﻛﻼم اﻟﻧﺎﻗد ﻓﻲ ﻧﻘطﺗﯾن ،اﻷوﻟﻰ وﻫﻲ اﻟﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﻓﻲ ﻛﻼﻣﻪ ﻋن ﺗراﺟﻊ
ﻫذا اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻓﻲ اﻟوطن اﻟﻌرﺑﻲ ،رﻏم أﻧﻪ ﻛﻣﺎ رأﯾﻧﺎ أن ﻫذا اﻟﻣﻧﻬﺞ ﺣظﻲ ﺑﺎﻫﺗﻣﺎم اﻟﻧﻘﺎد اﻟﻌرب
ﻣﻊ اﻟﺗﺳﻠﯾم ﺑوﺟود ﻣﻌﺎرﺿﺔ ﺷدﯾدة ﻟﻬذا اﻻﺗﺟﺎﻩ ،أﻣﺎ اﻟﻧﻘطﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻓﻬﻲ دﻋوة ﺑﻌض اﻟﻧﻘﺎط
وﻣن ﺑﯾﻧﻬم ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض وﺗﺷﻛﯾﻛﻬم ﻓﻲ ﻣدى اﻹﻓﺎدة ﻣن ﻋﻠم اﻟﻧﻔس ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ﻓﻼ
ﯾﻣﻛن ﻟﻣﺛل ﻫذﻩ اﻟدﻋوات أن ﺗؤدي ﻟﺷﺑﻪ ﻏﯾﺎب اﻟﻧﻘد اﻟﻧﻔﺳﻲ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺟزاﺋري ﻟﻛن ﻗد
ﺗﻛون ﻫﻧﺎك أﺳﺑﺎب أﺧرى أﻫﻣﻬﺎ ﻋدم اﻫﺗﻣﺎم اﻟﻧﻘﺎد ﺑﻬذا اﻻﺗﺟﺎﻩ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري وﻣﺳﺎﯾرة ﻣﺎ
ﺣظﻲ ﺑﻪ ﻣن اﻫﺗﻣﺎم ﻓﻲ اﻟوطن اﻟﻌرﺑﻲ.
رﻏم ذﻟك ﻓﺈﻧﻪ ﺗوﺟد ﻣﺣﺎوﻻت ﻟوﺟود اﻟﻧﻔﺳﺎﻧﯾﺔ – ﺣﺳب ﺗﻌﺑﯾر ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ -واﻟﺗﻲ
وﺻﻔﻬﺎ ﻫذا اﻷﺧﯾر ب " اﻟﺻورة اﻟﺳﺎذﺟﺔ " » ،ﻛﻣﺎ ﻧﺟد ﻋﻧد ﻣﺣﻣد ﻧﺎﺻر اﻟذي ﯾﺧﺻص
ﻟﻣﺣﺎت ﺧﺎطﻔﺔ ﺟدا ﻟﻺﯾﻣﺎء إﻟﻰ اﻟﻣؤﺛرات اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﺟزاﺋري ،واﻟﺗﻲ ﻣن ﺷﺄﻧﻬﺎ أن
ﺗﻣﺎرس ﺗﺄﺛﯾ ار ﺧﻔﯾﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺟﺎرب اﻟﺷﻌرﯾﺔ « ،2ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ دراﺳﺔ ﻣﺣﻣد ﻣﻘداد »اﻟذي درس
دﯾوان أطﻠس اﻟﻣﻌﺟزات ﻟﻠﺷﺎﻋر ﺻﺎﻟﺢ ﺧرﻓﻲ دراﺳﺔ ﺳﯾﻛو ﻋﺳﻛرﯾﺔ «.3
وﯾرى ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ أن اﻟدراﺳﺔ اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ » ﺗﻧﺄى ﻛﺛﯾ ار ﻋن اﻷدب واﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ﻷﻧﻬﺎ
ﻻ ﺗﻌﯾر " أدﺑﯾﺔ اﻷدب " أي اﻫﺗﻣﺎم ،ﺑل ﺗﻧطﻠق ﻣن ﺗﺻور اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ وﺳﯾﻠﺔ دﻋﺎﺋﯾﺔ
أﺻﺑﺢ ﻣرﻓوﺿﺎ ﻓﻲ وﻗﺗﻧﺎ اﻟﺣﺎﻟﻲ ،ﻟذﻟك ﻓﺈن أﻫﻣﯾﺗﻬﺎ ﺗﺗﺟﻪ ﺑﺷﻛل ﻣﺑﺎﺷر إﻟﻰ ﻋﻠم اﻟﻧﻔس أﻛﺛر
ﻣن اﺗﺟﺎﻫﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻧﻘد اﻟﻧﻔﺳﺎﻧﻲ ،وﻟﯾس ذﻟك ﺑﻐرﯾب إذا ﻣﺎ ﻋﻠﻣﻧﺎ أن ﺻﺎﺣﺑﻬﺎ ﺑﻌﯾد ﻋن
160
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
اﻟﺗﺧﺻص اﻟﻧﻘدي اﻷدﺑﻲ ﻫو أﺳﺗﺎذ ﻓﻲ ﻣﻌﻬد ﻋﻠم اﻟﻧﻔس واﻟﻌﻠوم اﻟﺗرﺑوﯾﺔ ﺑﺟﺎﻣﻌﺔ ﻗﺳﻧطﯾﻧﺔ
، 1« ﻓﯾﻣﺎ ﯾﻌﺗﺑر أن دراﺳﺔ ﺳﻠﯾم ﺑوﻓﻧداﺳﺔ اﻟﻣوﺳوﻣﺔ ﺑـ" ﻋﻘدة أودﯾب ﻓﻲ رواﯾﺎت رﺷﯾد
ﺑوﺟدرة" ،أول ﻣﻣﺎرﺳﺔ ﺗﺳﺗﺣق اﻟذﻛر واﻟﻣﻧﺎﻗﺷﺔ ،وأﻧﻪ ﻟن ﺗﻘوم ﻟﻠﻧﻘد اﻟﻧﻔﺳﺎﻧﻲ ﻗﺎﺋﻣﺔ ﻋﻧدﻧﺎ إﻻ
ﺑطﺑﻊ ﻣﺛل ﻫذﻩ اﻟﻣﺣﺎوﻟﺔ اﻟﺟﺎدة .2
161
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺴﯿﺎﻗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﺧﻼﺻﺔ اﻟﻔﺻل:
ﻟم ﯾﻛن اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﺟزاﺋري ﺑﻣﻧﺄى ﻋن ﺗﻠك اﻟﺗطورات اﻟذي ﺷﻬدﻫﺎ اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي
اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ﻧﺗﯾﺟﺔ اﻻﻧﻔﺗﺎح ﻋﻠﻰ اﻟﻐرب ،وﺣﺎول أن ﯾواﻛب ﻛل اﻟﺗﻐﯾﯾرات واﻟﺗطورات
اﻟﺣﺎﺻﻠﺔ ﻓﻲ اﻟوﻋﻲ اﻟﻧﻘدي ﺗﻧظﯾ ار وﻣﻣﺎرﺳﺔ ،ﻓﻘد ﺣﺎول اﻟﻧﺎﻗد اﻟﺟزاﺋري اﻻﺳﺗﻔﺎدة ﻣن اﻟﻣﻧﺟز
اﻟﻧﻘدي اﻟﺟزاﺋري اﻟذي ﺑدأ ﺗﻘﻠﯾدﯾﺎ وﻛﻼﺳﯾﻛﯾﺎ ﻣﻊ ﺟﯾل اﻟرواد ﻋﻠﻰ ﻏرار ﻋﺑد اﷲ اﻟرﻛﯾﺑﻲ
وﻣﺣﻣد ﻣﺻﺎﯾف وﺻﺎﻟﺢ ﺧرﻓﻲ وﻏﯾرﻫم ،ﺛم ﻣﺎ ﻟﺑث أن ﺗﺻدر اﻟﺳﺎﺣﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﺟﯾل ﻣن اﻟﻧﻘﺎد
ﺗﺑﻧوا اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺳﯾﺎﻗﯾﺔ ،ﯾﺄﺗﻲ ﻓﻲ ﻣﻘدﻣﺗﻬم ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض اﻟذي ﯾﻌود ﻟﻪ اﻟﻔﺿل ﻓﻲ إﻗﺣﺎم
اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺳﯾﺎﻗﯾﺔ ﻟﻠﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري ،إﻟﻰ أن ﺗﺑﻌﻪ ﺛﻠﺔ ﻣن اﻟﻧﻘﺎد ﯾﺄﺗﻲ ﻓﻲ طﻠﯾﻌﺗﻬم رﺷﯾد ﺑن ﻣﺎﻟك
وﻋﺑد اﻟﻘﺎدر ﻓﯾدوح وأﺣﻣد ﯾوﺳف وﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ واﻟﺳﻌﯾد ﺑوطﺎﺟﯾن وآﺧرون ،ﻓﻛﺎن أول
وآﺧر ﻣﺑﺗﻐﺎﻫم اﻟﻛﺷف ﻋن ﺟﻣﺎﻟﯾﺎت اﻟﻧﺻوص اﻷدﺑﯾﺔ وﻣﻛوﻧﺎﺗﻬﺎ وﻣﺣﺎوﻟﺔ اﻻرﺗﻘﺎء ﺑﺎﻷداء
اﻷدﺑﻲ واﻹﺑداﻋﻲ ﻟﻠﻣﺑدﻋﯾن اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ﻟﻣﻧﺎﻓﺳﺔ اﻟﻧﺻوص اﻷدﺑﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ واﻟﺳﻣو ﺑﻬﺎ إﻟﻰ
ﻣراﺗب اﻟرﯾﺎدة واﻟﺗﻔوق.
ﻟﻘد ﻛﺎﻧت اﻟﺟزاﺋر ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻣرﺣﻠﺔ ﺣدﯾﺛﺔ اﻻﺳﺗﻘﻼل ﻓﻛﺎن اﻟﺷﻌب اﻟﺟزاﺋري ﯾﺗﺧﺑط ﻓﻲ ﺟﻣﻠﺔ
ﻣن اﻟﻣﺷﺎﻛل اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﺗﺗﺻدرﻫﺎ اﻷﻣﯾﺔ واﻟﺗﺧﻠف واﻟﻔﻘر ،ﻓﺎﻧﻌﻛس ذﻟك اﻟواﻗﻊ ﻋﻠﻰ وﻋﻲ
اﻟﻧﻘﺎد واﻟﻣﺑدﻋﯾن ،ﻟﻬذا ﻛﺎن ﺣﺎل اﻟﻣﺑدﻋﯾن واﻟﻧﻘﺎد ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻣرﺣﻠﺔ ﻟﺳﺎن ﺣﺎل اﻟﺷﻌب
اﻟﺟزاﺋري ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋﻣﺎ ﯾﻌﺎﻧﯾﻪ ،وﻣن ﻫﻧﺎ ﺟﺎءت إﺑداﻋﺎﺗﻬم وﻛﺗﺎﺑﺎﺗﻬم ﻣﻠﺗﺣﻣﺔ ﺑﺎﻟواﻗﻊ
اﻟﻣﻌﯾﺷﻲ ﻟﻠﻔرد اﻟﺟزاﺋري وﻟﻠﺷﻌب ﺑﻌﺎﻣﺔ.
ﻟﻛن رﻏم ﻛل اﻟﻣﺣﺎوﻻت اﻟﺗﻲ ﺷﻬدﺗﻬﺎ اﻟﺳﺎﺣﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ،إﻻ أن اﻟﻧﻘﺎد ﻟم ﯾﺳﺗطﯾﻌوا
ﻣﺳﺎﯾرة اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ اﻹﺑداﻋﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ،ﻟﻘﺻور اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻣن ﺟﻬﺔ ،وﺣﺎﻟﺔ اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ﻓﻲ
اﻟﺟزاﺋر ﺑﺻﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﻟﻣﺎ ﺗﻌﺎﻧﯾﻪ ﻣن ﻋدم ﺗطور اﻟﻣﻧظوﻣﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ﺑﺻﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﺑﻣﺎ ﺗﻌﺎﻧﯾﻪ ﻣن
ﺿﻌف ورﻛود.
162
ﺍﻟﺒﺎﺏ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ
163
ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻷﻭﻝ
ﺍﳉﺰﺍﺋﺮﻱ
164
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﺗﻣﻬﯾد:
ﻋرف اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ﺗﺣوﻻت ﻛﺑرى وﺳرﯾﻌﺔ ،ﺟﺎءت ﺛﻣرة ﻻﻧﺗﺷﺎر اﻟﻣﻌرﻓﺔ وﺗوﺟﻬﻬﺎ ﻧﺣو
اﻟدﻗﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ،ﻓﺷﻬد اﻟﻘرن اﻟﻌﺷرﯾن اﻧﻔﺟﺎ ار ﻧﻘدﯾﺎ ﻋظﯾﻣﺎ ،ﻓﺑﻌدﻣﺎ ﻛﺎﻧت اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ
ﺗﻌﺗﻣد ﻋﻠﻰ اﻟﺳﯾﺎق ﻓﻲ ﻣﻘﺎرﺑﺔ اﻟﻧﺻوص ،ﺗوﺟﻬت اﻟﻣدارس اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﻧﺣو إﻟﻐﺎء ﻛل
ﻣﺎ ﻫو ﺧﺎرج اﻟﻧص اﻷﺑﻲ ﻣن اﻟدراﺳﺔ ،إذ أﺻﺑﺢ اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﻣﻌﺎﺻر اﻟﻣﻧطﻠق ﻣن
اﻟدرس اﻷﻟﺳﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﻣﻣﺎرﺳﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ،ﯾﻌﺗﻣد ﻋﻠﻰ ﻣﺑدأ اﻟﻣﺣﺎﯾﺛﺔ واﻟﻧﺳق اﻟﻣﻐﻠق ﻓﻲ ﺑﺣﺛﻪ ﻋن
ﻗواﻧﯾن اﻹﺑداع واﻟﻛﺷف ﻋﻧﻬﺎ ﻣن ﺧﻼل ﻣﺎ ﯾﻌرف ﺑﻣوت اﻟﻣؤﻟف ،ﺛم ﻣﺎ ﻟﺑﺛت أن ﺗوﺟﻬت ﻧﺣو
اﻟﻘﺎرئ وﺟﻌﻠﺗﻪ ﻣﺣو ار ﻟﻠدراﺳﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ.
وﻟﻘد اﺳﺗﻔﺎد اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﺟزاﺋري ﻣﺛﻠﻪ ﻣﺛل اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﻌرﺑﻲ ﻣن
اﻟﺗطورات اﻟﺗﻲ ﻋرﻓﻬﺎ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ،ﻓﻌرف اﻟﻣﺷﻬد اﻟﻧﻘدي اﻟﺟزاﺋري اﻧﻔﺗﺎﺣﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ
اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة واﻟﺗﻲ ﺑﻧﯾت ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻔﯾﺎت ﻣﻌرﻓﯾﺔ وﻓﻠﺳﻔﯾﺔ ﻣن ﻣﻧﺷﺄﻫﺎ اﻷﺻﻠﻲ ،ﻓﺣﻣﻠت
ﻣﻌﻬﺎ ﺟﻣﻠﺔ ﻣن اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم واﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت ﻗﺎﺑﻠﻬﺎ ﺑﻌض اﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺎت ﻓﻲ اﻟﺗﻧظﯾر واﻟﻣﻣﺎرﺳﺔ
وﺳﻧﺣﺎول ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻔﺻل ﻣن اﻟدراﺳﺔ اﻟﺗطرق إﻟﻰ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﻓﻲ ﻣوطﻧﻬﺎ
اﻷﺻﻠﻲ ﻣﻊ إﺑراز أﻫم ﻣﻘوﻻﺗﻬﺎ ٕواﺷﻛﺎﻻﺗﻬﺎ ،ﺛم ﺗﺟﻠﯾﺎﺗﻬﺎ ﻟدى اﻟﻌرب ،وأﺧﯾ ار ﺣﺿورﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد
اﻟﺟزاﺋري.
165
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﻣﺛﻠت أﻓﻛﺎر اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻠﻐوي اﻟﺳوﯾﺳري اﻟﺷﻬﯾر " دي ﺳوﺳﯾر" ﻣﻧطﻠﻘﺎت اﻟﻔﻛر اﻟﺑﻧﯾوي
ﻋن طرﯾق ﻣﺣﺎﺿراﺗﻪ اﻟﺗﻲ أﻟﻘﺎﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﻼﻣﯾذﻩ ﻓﻲ ﺟﻧﯾف ،واﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت » اﻟﺑداﯾﺔ اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ
ﻟﻠﻔﻛر اﻟﺑﻧﯾوي وذﻟك ﻋﺑر ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﺛﻧﺎﺋﯾﺎت اﻟﻣﺗﻘﺎﺑﻠﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻣﻛن ﻋن طرﯾﻘﻬﺎ وﺻف
166
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
167
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ٕواﻟﻰ ﺟﺎﻧب اﻟﺷﻛﻼﻧﯾﯾن اﻟروس ﻻ ﺑد ﻣن ذﻛر ﻣدرﺳﺔ ﻧﻘدﯾﺔ ﻛﺎﻧت ﻟﻬﺎ إرﻫﺎﺻﺎت
ﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ﻛﺎﻧت ﻗرﯾﺑﺔ ﻣن اﻟﻔﻛر اﻟﺑﻧﯾوي أو ﺑﺎﻷﺣرى ﻣﻬدت ﻟﻪ ،أﻻ وﻫﻲ " ﻣدرﺳﺔ اﻟﻧﻘد اﻟﺟدﯾد"
واﻟﺗﻲ ﺑرزت ﻓﻲ اﻧﺟﻠﺗ ار وأﻣرﯾﻛﺎ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﺧﺻوص ،ﻫذﻩ اﻟﻣدرﺳﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻛﺎﻧت أﯾﺿﺎ ﻗد
أﺳﻔرت ﻓﻲ ﺗﺟرﺑﺗﻬﺎ اﻟﻔﻛرﯾﺔ واﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ﻋن ﻧﺗﺎﺋﺞ ﻣﻣﺎﺛﻠﺔ وﻣوازﯾﺔ ﻟﺗﻠك اﻟﻧﺗﺎﺋﺞ اﻟﺗﻲ ﺗﻣﺧﺿت
ﻋﻧﻬﺎ اﻟﻣدارس اﻟﺗﻲ ظﻬرت ﻓﻲ أورﺑﺎ.
أدرك ﻋﻠﻣﺎء اﻷﻧﺗروﺑوﻟوﺟﯾﺎ وﻓﻲ ﻣﻘدﻣﺗﻬم "ﻟﯾﻔﻲ ﺷﺗراوس" » ،أن اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ
واﻟﺗﺣﻠﯾﻠﻲ ﻟدراﺳﺔ اﻟﺑﻧﻰ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ وﺗﺣﻠﯾل ﻋﻼﻗﺎت اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت اﻷوﻟﯾﺔ ﻻ ﯾﺳﻔر ﻋن ﻧﺗﺎﺋﺞ
ﯾﻘﯾﻧﯾﺔ أو ﻣﻘﻧﻌﺔ ،وأن اﻟﻧﻣوذج اﻟﻠﻐوي ﯾﻣﻛن أن ﯾﻛون أﻛﺛر ﻋوﻧﺎ وأﺷد ﺧﺻوﺑﺔ ﻣن اﻟﺗﺣﻠﯾل
اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ ،وﻗد اﻟﺗﻘﻰ ﻣﻊ "ﺟﺎﻛﺑﺳون" ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻷﻓﻛﺎر«،1وأدى ﺗﺿﺎﻓر ﺟﻬود ﻛل ﻣن ﺟﺎﻛﺑﺳون
وﻟﯾﻔﻲ ﺷﺗراوس إﻟﻰ اﻟﻛﺷف ﻋن ﺗﺣﻠﯾل ﺑﻧﯾوي ﻟـ » ﻧص ﺷﻌري ﻟﺷﺎﻋر ﻓرﻧﺳﻲ ،ﯾﻣﻛن أن
ﻧﻌﺗﺑر ﻧﻣوذج ﺗﺣﻠﯾل ﺳوﻧﯾت اﻟﻘطط ﺑﻣﺛﺎﺑﺔ اﻹﻋﻼن ﻋن ﻣوﻟد اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﺑﻧﯾوي ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﻌﺎﻟﻣﻲ
اﻟﺣدﯾث«.2
وﻗد ﺣﺻر"ﺟﺎن ﺑﯾﺎﺟﻲ" ﺧﺻﺎﺋص اﻟﺑﻧﯾﺔ ﻓﻲ ﺛﻼﺛﺔ ﻋﻧﺎﺻر ﻫﻲ» اﻟﺷﻣوﻟﯾﺔ""Totalite
3
واﻟﺗﺣوﻻت " "Transformationsواﻟﺿﺑط اﻟذاﺗﻲ "« "Autoreglage
-1اﻟﻛﻠﯾﺔ اﻟﺷﻣوﻟﯾﺔ :ﻫذﻩ اﻟﺧﺎﺻﯾﺔ ﺗﻌﻧﻲ »أن اﻟﺑﻧﯾﺔ ﺗﺗﺄﻟف ﻣن ﻋﻧﺎﺻر داﺧﻠﯾﺔ ﻣﺗﻣﺎﺳﻛﺔ
ﺑﺣﯾث ﺗﺻﺑﺢ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻓﻲ ذاﺗﻬﺎ ،وﻟﯾﺳت ﺗﺷﻛﯾﻼ ﻟﻌﻧﺎﺻر ﻣﺗﻔرﻗﺔٕ ،واﻧﻣﺎ ﻫﻲ ﺧﻠﯾﺔ ﺗﻧﺑض
ﺑﻘواﻧﯾﻧﻬﺎ اﻟﺧﺎﺻﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺷﻛل طﺑﯾﻌﺗﻬﺎ وطﺑﯾﻌﺔ ﻣﻛوﻧﺎﺗﻬﺎ اﻟﺟوﻫرﯾﺔ ،وﻫذﻩ اﻟﻣﻛوﻧﺎت ﺗﺟﺗﻣﻊ
ﻟﺗﻌطﻲ ﻓﻲ ﻣﺟﻣوﻋﻬﺎ ﺧﺻﺎﺋص أﻛﺛر وأﺷﻣل ﻣن ﻣﺟﻣوع ﻣﺎ ﻫو ﻓﻲ ﻛل واﺣد ﻣﻧﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺣدﻩ
وﻟذا ﻓﺎﻟﺑﻧﯾﺔ ﺗﺧﺗﻠف ﻋن اﻟﺣﺎﺻل اﻟﻛﻠﻲ ﻟﻠﻣﺟﻣوع ﻷن ﻛل ﻣﻛون ﻣن ﻣﻛوﻧﺎﺗﻬﺎ ﻻ ﯾﺣﻣل ﻧﻔس
168
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
اﻟﺧﺻﺎﺋص إﻻ ﻓﻲ داﺧل ﻫذﻩ اﻟوﺣدةٕ ،واذا ﺧرج ﻋﻧﻬﺎ ﻓﻘد ﻧﺻﯾﺑﻪ ﻣن ﺗﻠك اﻟﺧﺻﺎﺋص
اﻟﺷﻣوﻟﯾﺔ«.1
-2اﻟﺗﺣوﻻت :ﺗﺷﯾر ﻫذﻩ اﻟﺧﺎﺻﯾﺔ ﻋﻠﻰ أن » اﻟﺑﻧﯾﺔ ﻻ ﺗﻌرف اﻟﺛﺑﺎت ،إﻧﻣﺎ ﻫﻲ داﺋﻣﺔ اﻟﺗﻐﯾر
واﻟﺗﺣول ،وﻓﻲ ﻣﺳﺗطﺎﻋﻬﺎ ﺗوﻟﯾد اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻟﺑﻧﻰ اﻟداﺧﻠﯾﺔ ،ﻓﻬﻲ إذن ﻧظﺎم ﻣن اﻟﺗﺣوﻻت
وﻟﯾﺳت ﺷﻛﻼ ﺟﺎﻣدا ﻛﯾﻔﻣﺎ ﻛﺎن« ،2إذ أن اﻟﺑﻧﯾﺔ ﻟﯾﺳت ﺳﺎﻛﻧﺔ ﺳﻛوﻧﺎ ﻣطﻠﻘﺎ ٕواﻧﻣﺎ ﻫﻲ ﺧﺎﺿﻌﺔ
ﻟﺗﺣوﻻت داﺧﻠﯾﺔ.
3ـ -اﻟﺗﻧظﯾم اﻟذاﺗﻲ:ﺗﻌﻧﻲ ﻫذﻩ اﻟﺧﺎﺻﯾﺔ أن اﻟﺑﻧﯾﺔ ﻟﻬﺎ اﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ ﺗﻧظﯾم ﻧﻔﺳﻬﺎ ،ﻣﻣﺎ ﯾﺣﻔظ ﻟﻬﺎ
وﺣدﺗﻬﺎ وﺑﻘﺎﺋﻬﺎ ،ﻛﻣﺎ ﯾﺣﻘق ﺷﻛﻼ ﻣن اﻻﻧﻐﻼق اﻟذاﺗﻲ ،ﻓﻬﻲ ﻻ ﺗﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻣﺣرك ﺧﺎرﺟﻲ
ﻟﺗﺣرﯾﻛﻬﺎ » ،واﻟﺟﻣﻠﺔ ﻻ ﺗﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻣﻘﺎرﻧﺗﻬﺎ ﻣﻊ أي وﺟود ﻋﯾﻧﻲ ﺧﺎرج ﻋﻧﻬﺎ ،ﻟﻛﻲ ﯾﻘرر
ﻣﺻداﻗﯾﺗﻬﺎ ٕواﻧﻣﺎ ﺗﻌﺗﻣد ﻋﻠﻰ أﻧظﻣﺗﻬﺎ اﻟﻠﻐوﯾﺔ ،اﻟﺧﺎﺻﺔ ﺑﺳﯾﺎﻗﻬﺎ اﻟﻠﻐوي«.3
وﺑﻧﺎء ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗﻘدم ﯾﻣﻛن أن ﻧﺧﻠص إﻟﻰ أن اﻟﺑﻧﯾﺔ ﻫﻲ ﻋﺑﺎرة ﻋن ﻧﺳق ﻣن اﻟوﺣدات
اﻟﻣﻧﺗظﻣﺔ ﺗﻧظﯾﻣﺎ داﺧﻠﯾﺎ ،وﻫﻲ ﺷﺑﻛﺔ ﻣن اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻣﺗﻔﺎﻋﻠﺔ ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﻬﺎ ﺗﻔﺎﻋﻼ ﺣرﻛﯾﺎ ،ﻓﻬﻲ
ﻏﯾر ﺛﺎﺑﺗﺔ وﻣﻧﻐﻠﻘﺔ ﻋﻠﻰ ذاﺗﻬﺎ ،ﻫذﻩ اﻟﺧﺻﺎﺋص ﺗﺟﻌل » اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ ﻻ ﺗؤﻣن ﺑﺎﻷﺷﯾﺎء
أو اﻟوﺣدات اﻟﻣﻧﻔﺻﻠﺔ ﻋن ﺑﻌﺿﻬﺎ اﻟﺑﻌض ،ﺑل ﺗؤﻣن ﺑﺎﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺧﻔﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗرﺑط ﺑﯾن
وﺣدات اﻟﻣﻧﺟز اﻟﻧﺻﻲ واﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ ﺑﻬذا اﻟﺗﺻور ﻫﻲ »ﻣذﻫب ﻋﻠﻣﻲ ﯾﺳﺗﻧد إﻟﻰ وﺿﻌﯾﺔ ﻋﻘﻼﻧﯾﺔ
ﯾرﯾد ﺗوﺿﯾﺢ اﻟوﻗﺎﺋﻊ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ،واﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﺑﺗﺣﻠﯾﻠﻬﺎ ٕواﻋﺎدة ﺗرﻛﯾﺑﻬﺎ وﺷرﺣﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻫدى
-1ﺑﺷﯾر ﺗﺎورﯾت ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر -دراﺳﺔ ﻓﻲ اﻷﺻول واﻟﻣﻼﻣﺢ واﻹﺷﻛﺎﻻت ،ص .17
-2ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص .119
-3ﺑﺷﯾر ﺗﺎورﯾت ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر -دراﺳﺔ ﻓﻲ اﻷﺻول واﻟﻣﻼﻣﺢ واﻹﺷﻛﺎﻻت ،ص .18
169
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
اﻟﺗﺻﻣﯾم اﻟداﺧﻠﻲ اﻟذي ﺗﺧﺿﻊ ﻟﻪ اﻟﺑﻧﯾﺔ« ،1ﻛل ذﻟك ﻓﻲ إطﺎر رؤﯾﺔ ﺗﻌزل اﻟﻧص ﻋن ﻛل ﻣﺎ
ﯾﺣﯾط ﺑﻪ أو ﺷﺗﻰ ﺳﯾﺎﻗﺎﺗﻪ ﺑﻣﺎ ﻓﻲ ذﻟك اﻟﻣؤﻟف إذ ﻧﺎدت ﺑﻣﺎ أطﻠق ﻋﻠﯾﻪ "ﻣوت اﻟﻣؤﻟف".
-1ﺑﺷﯾر ﺗﺎورﯾت ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر -دراﺳﺔ ﻓﻲ اﻷﺻول واﻟﻣﻼﻣﺢ واﻹﺷﻛﺎﻻت ،ص .18
-ﻣﺎ ﯾﻌرف ﺑﻣوت اﻟﻣؤﻟف ﻫﻲ ﻣﻘوﻟﺔ أﺗﻰ ﺑﻬﺎ اﻟﻧﺎﻗد " روﻻن ﺑﺎرت " ،وﻫﻲ ﻓﻲ اﻷﺻل ﻋﺑﺎرة ﻋن ﻣﻘﺎﻟﺔ ﻧﺷرﻫﺎ اﻟﻧﺎﻗد
اﻟﻔرﻧﺳﻲ ﺳﻧﺔ ،1968أراد ﺑﻬﺎ ﻗطﻊ اﻟﺻﻠﺔ ﺑﯾن اﻟﻣؤﻟف واﻟﻧص ودراﺳﺔ اﻟﻧص ﻓﻲ ﻣﻌزل ﻋن ﻣﺑدﻋﻪ أو ﻣؤﻟﻔﻪ ،أﻧظر ﻓﯾﺻل
اﻷﺣﻣر ،اﻟﻣوﺳوﻋﺔ اﻷدﺑﯾﺔ ،ص .253
-2ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص .120
-3ﻓﯾﺻل اﻷﺣﻣر ،اﻟﻣوﺳوﻋﺔ اﻷدﺑﯾﺔ ،ص .56
170
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
»ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﺗطﻠﻌﺎت واﻹﺣﺳﺎﺳﺎت واﻷﻓﻛﺎر اﻟﺗﻲ ﺗوﺣد أﻋﺿﺎء ﻣﺟﻣوﻋﺔ اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ،وﻓﻲ
اﻟﻐﺎﻟب أﻋﺿﺎء طﺑﻘﺔ اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ،وﺗﺟﻌﻠﻬم ﻓﻲ ﺗﻌﺎرض ﻣﻊ اﻟﻣﺟﻣوﻋﺎت اﻷﺧرى «.1
وﻣن اﻟﻣﻘوﻻت اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻟﻠﺑﻧﯾوﯾﺔ اﻟﺗﻛوﯾﻧﯾﺔ ﻣﻔﻬوﻣﻲ "اﻟﻔﻬم واﻟﺗﻔﺳﯾر"» ،ﺣﯾث ﯾﺗﻧﺎول اﻟﻔﻬم
ﺑﻧﯾﺔ اﻟﻧص ﻓﻲ ذاﺗﻪ ﻓﻲ ﺣﯾن ﯾﻘوم اﻟﺷرح ﺑوﺿﻊ ﻫذﻩ اﻟﺑﻧﯾﺔ ﺿﻣن ﺑﻧﯾﺔ أﻛﺑر ﻫﻲ اﻟﺑﻧﯾﺔ
اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ وﻗد ﻣﺛل ﺟﻣﺎل ﺷﺣﯾد ﻟﺗﻛﺎﻣل ﻫذﻩ اﻟﺛﻧﺎﺋﯾﺔ ﺑﻌﻼﻗﺔ اﻟﺗﻔﺎﺣﺔ ﺑﺎﻟﺷﺟرة اﻟﺗﻲ ﻛوﻧﺗﻬﺎ
واﻟﻣﺣﯾط اﻟﻣﻧﺎﺧﻲ واﻟزراﻋﻲ اﻟذي ﻋﺎﺷت ﻓﯾﻪ ،ﻓﻼ ﯾﻣﻛن ﻋزل اﻟﻔﺗﺎﺣﺔ ﻋن اﻟﺷﺟرة وﺑﺎﻟﻣﻧطق
ﻧﻔﺳﻪ ﻻ ﯾﻣﻛن ﻋزل اﻟﻔﻬم ﻋن اﻟﺗﻔﺳﯾر« ،2وﺑﻌﺑﺎرة أﺧرى اﻟﻔﻬم ﻫو ﻋﻣﻠﯾﺔ ﺗﻘﺗﺻر ﻋﻠﻰ اﻟﻧص
اﻷدﺑﻲ ﻣﻌزوﻻ ﻋن اﻟﻣؤﺛرات اﻟﺧﺎرﺟﯾﺔ واﻟﺗﻲ ﺗﻠﻌب دور ﻣﻬم ﻓﻲ ﺗﻛوﯾﻧﻪ ،ﺑﯾﻧﻣﺎ ﯾﺷﯾر اﻟﺗﻔﺳﯾر
إﻟﻰ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻧظر إﻟﻰ اﻟﻌﻣل اﻷدﺑﻲ ﻓﻲ ﻣﺳﺗوى ﺧﺎرﺟﻲ ،ﯾﻌﻧﻲ أﻧﻬﺎ ﺗﻌﻣل ﻋﻠﻰ
رﺑطﻪ ﺑﺑﻧﯾﺔ أوﺳﻊ وأﺷﻣل.
ﻟﻘد ﺗﻌرﺿت اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ ﻟﻧﻘد ﻻذع ﻣن اﻟﻐرﺑﯾﯾن ﻻﺳﯾﻣﺎ روادﻫﺎ ،ﺣﺗﻰ وﺻل اﻷﻣر إﻟﻰ
اﻟﺣدﯾث ﻋن أزﻣﺔ اﻟﻧﻘد اﻟﺑﻧﯾوي ،ﺣﯾث ﺗواﻟت ﺗﺻرﯾﺣﺎت اﻟﻧﻘﺎد ﻋن ﻫذﻩ اﻷزﻣﺔ ،وﻣن ﺑﯾن ﻫذﻩ
اﻻﻧﺗﻘﺎدات ﻧﻘد "روﺟﯾﻪ ﻏﺎرودي" ﻟﻣﻔﻬوم اﻟﺑﻧﯾﺔ ،ﻓﻬﻲ » ﻓﻲ أﯾﺎﻣﻧﺎ ﻫذﻩ ﺗﺣﻣل ﻓﻠﺳﻔﺔ ﺗﻣﺛل ﻓﻲ
طﺑﻌﺗﻬﺎ اﻟدوﻏﻣﺎﺋﯾﺔ ﻧﻘطﺔ اﻟوﺻول ﻟﻔﻠﺳﻔﺔ ﻣوت اﻹﻧﺳﺎن ﻟﻠﻔﻠﺳﻔﺔ اﻟﺗﻲ ﺑﻼ ذات « ، 3ﯾﺷﯾر
ﻏﺎرودي إﻟﻰ أن اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ ﻫﻲ » آﻟﺔ اﺳﺗﻼب ﻟﻠذات اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ،ﺑل ﻫﻲ طرﯾق ﯾؤدي إﻟﻰ
اﻧﻐﻼق اﻟﺑﻧﯾﺔ ﻋﺑر اﻟﺗﺎرﯾﺦ« ،4وﻣن ﺗﺟﻠﯾﺎت أزﻣﺔ اﻟﻧﻘد اﻟﺑﻧﯾوي ﻫو ﻣﺎ ﺟﻌل "ﻣﯾﺷﺎل ﻓوﻛو"
ﯾرﻓض أن ﯾﻛون ﺑﻧﯾوﯾﺎ ،ﺑل ﻗﺎم ﺑﺣذف ﻫذﻩ اﻟﻛﻠﻣﺔ ﻣن ﻛﺗﺎﺑﻪ "اﻟﻛﻠﻣﺎت واﻷﺷﯾﺎء" ﺑﻛﺎﻣﻠﻪ 5ﻛذﻟك
ﺗﺻرﯾﺢ "ﺟوﻧﺎﺗﺎن ﻛوﻟﯾﯾر" ﻓﻲ إﺣدى ﻣﺣﺎﺿراﺗﻪ ﺑﻔﻘدان اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ ﻟﺟدواﻫﺎٕ ،واﻗ اررﻩ ﺑﻌﺟز ﻫذا
اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻓﻲ ﺗﺣﻘﯾق ﻣﺎ وﻋد ﺑﻪ ﻣن اﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺳﯾر اﻷﻋﻣﺎل اﻷدﺑﯾﺔ ﻣن ﺧﻼل اﻟﻧﻣوذج
-1ﺑﺷﯾر ﺗﺎورﯾت ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر دراﺳﺔ ﻓﻲ اﻷﺻول واﻟﻣﻼﻣﺢ واﻹﺷﻛﺎﻻت ،ص .53
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .56
-3اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص.85
-4اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص.85
-5اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص.86
171
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
اﻟﻠﻐوي ،إذ ﯾﻘول » إن ﺑﺎﺳﺗطﺎﻋﺔ اﻟﻠﻐﺔ أن ﺗﻘدم ﻧﻘطﺔ ارﺗﻛﺎز ﻋﺎﻣﺔ ﻟﻠﻧص اﻷدﺑﻲ ،وﻟﻛﻧﻬﺎ ﻻ
ﺗﻘدم ﻣﻧﻬﺟﺎ ﻟﺗﻔﺳﯾرﻩ« ،1ﺣﺗﻰ أن ﻛﺛﯾر ﻣن رواد اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ ﺗﺧﻠو ﻋﻧﻬﺎ وﻓﻲ ﻣﻘدﻣﺗﻬم "روﻻن ﺑﺎرت"
ﻫذا اﻷﺧﯾر اﻟذي أﻧﻛر ﻣﻔﻬوم اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ ﻓﻲ ﻣﺳﺗﻬل ﻛﺗﺎﺑﻪ SZاﻟﺻﺎدر ﻋﺎم
»1970ﻣﻌﻠﻧﺎ ﻣن ﺟﺎﻧﺑﻪ اﻧﻌدام اﻟﺟدوى ﻣن أي ﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ﻧﻘدﯾﺔ ﻣؤﻛدا أن ﻛل ﺣدﯾث ﺣول
اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ﯾزﻋم أﻧﻪ ﺣدﯾث ﻋﻠﻣﻲ ﻻ ﯾﺗﺟﺎوز اﻻدﻋﺎءات« ،2وﻣن اﻟﺑﻧﯾوﯾﯾن اﻟذﯾن ﺗﻧﻛروا أﯾﺿﺎ
ﻟﻠﺑﻧﯾوﯾﺔ ،ﺑل دﻋوا إﻟﻰ ﻫدﻣﻬﺎ واﻟﺗﺧﻠﻲ ﻋﻧﻬﺎ "ﺟﺎك درﯾدا".
-1ﺑﺷﯾر ﺗﺎورﯾت ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر -دراﺳﺔ ﻓﻲ اﻷﺻول واﻟﻣﻼﻣﺢ واﻹﺷﻛﺎﻻت ،ص .95
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .93
-3اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .66
-4اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .68
172
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
-1ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص .123
-2ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض ،اﻷﻟﻐﺎز اﻟﺷﻌﺑﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ،دﯾوان اﻟﻣطﺑوﻋﺎت اﻟﺟﺎﻣﻌﯾﺔ ،اﻟﺟزاﺋر ،د ط ،2007،ص .178-177
-3ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض ،اﻷﻣﺛﺎل اﻟﺷﻌﺑﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ،ص .176-175
173
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
وﻻ ﯾظﻬر ﺗطﺑﯾق اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﺑﻧﯾوي إﻻ ﻓﻲ اﻟﻘﺳم اﻟﺛﺎﻟث ﻣن اﻟﻛﺗﺎب ،اﻟذي ﺧﺻﺻﻪ ﻟﻠﻐﺔ
واﻷﺳﻠوب ﻋﻧد ﻣﻘﺎرﻧﺗﻪ ﻟﻠﻐﺔ اﻷﻣﺛﺎل وﻣدى ﻗرﺑﻬﺎ أو ﺑﻌدﻫﺎ ﻋن ﻣﻛوﻧﺎت اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ،وﺗﻠت ﻫذﻩ
اﻟدراﺳﺎت ،دراﺳﺎت أﺧرى ﻋﻠﻰ ﻏرار "ﻓﻲ اﻷﻣﺛﺎل اﻟزراﻋﯾﺔ" ﺣﯾث ﺗطرق اﻟﻧﺎﻗد إﻟﻰ
اﻟﺧﺻﺎﺋص اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ واﻟﺻوﺗﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﺻل اﻷﺧﯾر ﻣن اﻟﻛﺗﺎب ،وﻛﺗﺎب " ﻋﻧﺎﺻر اﻟﺗراث
اﻟﺷﻌﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﻼز" ،وﻛﺗﺎب "اﻟﻣﯾﺛوﻟوﺟﯾﺎ ﻋﻧد اﻟﻌرب" و" اﻟﻘﺻﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة" ،وﯾﻌﯾب
ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ﻋﻠﻰ اﻟدراﺳﺎت اﻷوﻟﻰ ﻟﻌﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض أﻧﻬﺎ » وﻗﻌت ﻓﻲ ﻣﻐﺑﺔ ﺗﺟزيء
اﻟﻧص إﻟﻰ ﺷﻛل وﻣﺿﻣون ﻋﻠﻰ ﻏرار اﻟدراﺳﺔ اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ ،وﻗﺻرﻩ ﻋﻠﻰ دراﺳﺔ اﻟﺟﺎﻧب اﻟﺷﻛﻠﻲ
ﻣن اﻟﻧص«.
وﯾرى ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ أن ﻛﺗﺎب " اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ ﻣن أﯾن ؟ ٕواﻟﻰ أﯾن؟"» ﯾﺷﻛل ﺧﻼﺻﺔ
ﻣﻧﻬﺟﯾﺔ واﻋﯾﺔ ،ﺗﺗﺑﻠور ﻋﻧدﻫﺎ ﺟﻣﻠﺔ ﻣﺣﺎوﻻت اﻟﺗﺄﺳﯾﺳﯾﺔ اﻟﺗﺟرﯾﺑﯾﺔ ،ﺗﻧظﯾ ار وﺗطﺑﯾﻘﺎ ﻓﻬو ﺛورة
1
ﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ﻣﻧظﻣﺔ ،ﺗﺣﺎرب اﻟﻘدﯾم اﻟﺑﺎﻟﻲ ،وﺗؤﺳس ﻟﻠﺟدﯾد اﻟﻌﺻري ﻣن ﻣﻧظور أـﻠﺳﻧﻲ ﻣﻬﯾﻣن«
ﻓﻬو ﻋﺑﺎرة ﻋن ﻣﺣﺎﺿرات أﻟﻘﯾت ﻋﻠﻰ طﻠﺑﺔ اﻟﻣﺎﺟﺳﺗﯾر ﻓﻲ اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ وﻫو ﯾﻧﻘﺳم إﻟﻰ
ﻗﺳﻣﯾن ،ﻗﺳم ﺗﻧظﯾري ﯾﺧوض ﻓﻲ ﺗﻘﻧﯾﺎت اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ ،وآﺧر ﺗطﺑﯾﻘﻲ ﯾﺗﻧﺎول ﺗﺷرﯾﺢ ﻧص
ﻷﺑﻲ ﺣﯾﺎن اﻟﺗوﺣﯾدي ،ﻓﺣﺎول ﻣرﺗﺎض دراﺳﺔ ﻧص ﻷﺑﻲ ﺣﯾﺎن اﻟﺗوﺣﯾدي ﻣن ﻛﺗﺎب " اﻹﺷﺎرات
اﻹﻟﻬﯾﺔ " ،ﻛﻣﺎ ﯾﻘول » ﺑﻣﻧﻬﺞ ﺟدﯾد ،وﻻ أﻗول ﺑﻣﻧﻬﺞ ﺑﻧﯾوي ﺑﻛل ﻣﺎ ﯾﺣﻣل اﻟﻠﻔظ ﻣن ﻣدﻟول
ﻣﻛﺛف ﻣﻌﻘد ،وﻗد اﻗﺗﺿﻰ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟذي ﺳﻠﻛﻧﺎﻩ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟدراﺳﺔ أن ﻧﺗﻧﺎول ﻫذا اﻟﻧص اﻟﻘﺻﯾر
ﻣن ﻋدة ﻣﻧﺎح :وﻻﺳﯾﻣﺎ ﻣن ﺣﯾث ﺑﻧﯾﺗﻪ اﻻﻓرادﯾﺔ واﻟﺗرﻛﯾﺑﯾﺔ ،ﺛم ﻣن ﺣﯾث اﻟزﻣﺎن ﻓﯾﻪ وﻛﯾﻔﯾﺔ
-1ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي ﻋﻧد ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض ،ص .56
174
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﺗﻌﺎﻣل اﻟﻛﺎﺗب ﻣﻌﻪ ،ﺛم ﻣن ﺣﯾث اﻟﺣﯾز ورﺳم اﻟﺻورة اﻟﻔﻧﯾﺔ ﻣن ﺧﻼل وﺿﻊ ﻫذﻩ اﻟﺑﻧﻰ ،ﺛم
أﺧﯾ ار ﻣن ﺣﯾث ﻣﺳﺗواﻩ اﻟﺻوﺗﻲ«.1
وﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺗﺟرﺑﺔ ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﺿﻣن اﻟﺗوﺟﻪ اﻟﺑﻧﯾوي ،ﻫﻧﺎك ﺗﺟﺎرب
أﺧرى ﺗﺳﺗﺣق اﻹﺷﺎرة ﻟﻬﺎ ﻣن ﺑﯾﻧﻬﺎ ﺗﺟرﺑﺔ ﻋﺑد اﻟﺣﻣﯾد ﺑوراﯾو ﻓﻲ دراﺳﺔ اﻷدب اﻟﺷﻌﺑﻲ ،إذ
ﻧﺷر ﻫذا اﻷﺧﯾر دراﺳﺔ ﻣﺗﻣﯾزة ﺑﻌﻧوان " ﻗراءة أوﻟﻰ ﻓﻲ اﻷﺟﺳﺎد اﻟﻣﺣﻣوﻣﺔ " ،2ﺛم ﻗدم اﻟﻧﺎﻗد
ﻛﺗﺎﺑﻪ " اﻟﻘﺻص اﻟﺷﻌﺑﻲ ﻓﻲ ﻣﻧطﻘﺔ ﺑﺳﻛرة -دراﺳﺔ ﻣﯾداﻧﯾﺔ" » ،اﻟذي ﯾﻣﻛن أن ﯾﻛون أول
ﺗﺟرﺑﺔ ﺑﻧﯾوﯾﺔ ﺗﻛوﯾﻧﯾﺔ ﺗطﺑﯾﻘﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﺟزاﺋري«.3
ورﻏم أن اﻟﻧﺎﻗد ﻟم ﯾﺻرح ﺑﺗﺑﻧﯾﻪ ﻟﻠﺑﻧﯾوﯾﺔ اﻟﺗﻛوﯾﻧﯾﺔ ﻓﻲ دراﺳﺗﻪ إذ اﻛﺗﻔﻰ ﺑﻧﻌﺗﻬﺎ ﺑﺎﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ،
إﻻ أن ﻣﻌﺟﻣﻪ اﻟﻣﺻطﻠﺣﻲ أﻓﺻﺢ ﻋن اﺧﺗﯾﺎرﻩ اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ ﺑﺗوظﯾﻔﻪ ﻣﺻطﻠﺣﺎت ﺗﺷﯾر إﻟﻰ
اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ اﻟﺗﻛوﯾﻧﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﻏرار "اﻟﺷرح" و"اﻟﺑﻧﯾﺔ اﻷﻛﺑر" و"رؤﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟم" ،ﻣﻣﺎ ﯾظﻬر ﺟﻠﯾﺎ ﻓﻲ
ﻛﻼﻣﻪ » ﻧﻌﻧﻲ ﺑﺷرح اﻟﻧص إدﻣﺎج اﻟداﻟﺔ ﻓﻲ ﺑﻧﯾﺔ أﻛﺑر ﻣﻧﻬﺎ ﺗﻠﻘﻲ اﻟﺿوء ﻋﻠﻰ ﻛﯾﻔﯾﺔ ﺗوﻟد ﻫذﻩ
اﻟﺑﻧﯾﺔ اﻟداﻟﺔ ،وﯾﻌﻧﻲ ﻫذا اﻟﺷرح ﺑﺎﻟواﻗﻊ اﻟﺧﺎرﺟﻲ ،ﻣﺗﺟﺎو از ﺑذﻟك اﻟﻧص اﻟﺧﺎﺿﻊ ﻟﻠﺗﺣﻠﯾل ﻋن
طرﯾق اﻟﺑﺣث ﻋن أﺑﻧﯾﺔ ﻣﺷﺎﺑﻬﺔ ﺗﺗواﺟد ﻓﻲ وﻋﻲ ﺟﻣﻬور اﻟﻘص ﺑﺎﻟواﻗﻊ اﻟﺧﺎرﺟﻲ اﻟذي ﯾﺣﯾون
ﻓﯾﻪ ،وﻫو ﻣﺎ ﺳﯾﻣﻛﻧﻧﺎ ﻣن اﻟﻛﺷف ﻋن رؤﯾﺔ اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ اﻟﺷﻌﺑﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺻدر ﻋﻧﻬﺎ اﻟﻧص ﻟﻠﻌﺎﻟم
اﻟذي ﺗﻌﯾش ﻓﯾﻪ«.4
ﯾﻘﺳم ﻋﺑد اﻟﺣﻣﯾد ﺑوراﯾو اﻟﻘﺻص اﻟﺷﻌﺑﻲ إﻟﻰ ﺛﻼﺛﺔ أﻧﻣﺎط ﻗﺻص اﻟﺑطوﻟﺔ واﻟﺣﻛﺎﯾﺔ
اﻟﺧراﻓﯾﺔ واﻟﺣﻛﺎﯾﺔ اﻟﺷﻌﺑﯾﺔ ،ﺣﯾث ﻣﺛل ﻟﻬﺎ ﺑﺛﻼﺛﺔ ﻧﻣﺎذج ﻫﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺗواﻟﻲ ﻏزوة اﻟﺧﻧدق ،وﻟد
اﻟﻣﺣﻘورة واﻹﺧوة اﻟﺛﻼﺛﺔ ،ﺛم ﯾﻘوم ﺑدراﺳﺗﻬﺎ ﺑﻧﯾوﯾﺎ ﺑﺗﻘﺳﯾم ﻛل ﻧﻣوذج إﻟﻰ ﻣﻘﺎطﻊ وﻛل ﻣﻘطوﻋﺔ
إﻟﻰ ﻣﺗﺗﺎﻟﯾﺎت وﻛل ﻣﺗﺗﺎﻟﯾﺔ إﻟﻰ وظﺎﺋف ،ورﻏم وﻋﻲ اﻟﻧﺎﻗد ﺑﺈﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻧﻘدي ﺑﻣﺎ أﻧﻪ
-1ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض ،اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ ﻣن أﯾن ؟ ٕواﻟﻰ أﯾن ؟ ،دﯾوان اﻟﻣطﺑوﻋﺎت اﻟﺟﺎﻣﻌﯾﺔ ،اﻟﺟزاﺋر ،1983 ،ص ..03
-2ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص .123
-3اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .123
-4ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص .124
175
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
» ﻣﻘﺑل ﻋﻠﻰ ﺗﺟرﺑﺔ ﻋﺳﯾرة ﻏﯾر ﻣﺄﻣوﻧﺔ اﻟﺳﺑﯾل ،ﻓﺎﻟدراﺳﺔ اﻟﺑﻧﺎﺋﯾﺔ ﻟﻠﻧص اﻷدﺑﻲ ﻣﺎ زاﻟت
ﺗﺧطو ﺧطواﺗﻬﺎ اﻷوﻟﻰ وﻋﻠﻰ اﺳﺗﺣﯾﺎء ﻓﻲ اﻟدراﺳﺎت اﻷدﺑﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،ﻣﻣﺎ ﺟﻌل ﻣﺳﺄﻟﺔ
اﺳﺗﺧدام اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت ﺗطرح ﻧﻔﺳﻬﺎ ﺑﺈﻟﺣﺎح « ، 1إﻻ ّأﻧﻪ وﺣﺳب ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ﺗﻌﺛر ﻓﻲ
ﺗرﺟﻣﺔ ﺑﻌض اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت ،2وﻋﻠﻰ ﻏرار ﻛل اﻟﺑﻧﯾوﯾﯾن ﻓﺈن ﺑوراﯾو ﯾﻘدم ﺗﺣﻠﯾﻼﺗﻪ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻓﻲ
ﺷﻛل ﻣﻌﺎدﻻت ﺟﺑرﯾﺔ ورﺳوم ﻫﻧدﺳﯾﺔ ﺑﻐض اﻟﻧظر ﻋن ﻣدى ﻧﺟﺎﻋﺗﻬﺎ ﻓﻲ اﻟوﺻول إﻟﻰ ﻧﺗﺎﺋﺞ
إﻻ أﻧﻬﺎ وﺳﻣت دراﺳﺗﻪ ﺑﺎﻟﻐﻣوض واﻟﺗﻌﻘﯾد.
ٕواﻟﻰ ﺟﺎﻧب ﺗﻠك اﻟﻣﺣﺎوﻻت ﻫﻧﺎك دراﺳﺔ أﺧرى ﻟﻸﺳﺗﺎذ ﺑﺣري ﻣﺣﻣد اﻷﻣﯾن ،اﻟﻣوﺳوﻣﺔ
ﺑـ " رؤﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻲ رواﯾﺔ ذاﻛرة اﻟﺟﺳد" ﻷﺣﻼم ﻣﺳﺗﻐﺎﻧﻣﻲ ،ﺳﻧﺔ ،32004ﺣﯾث ﻗﺎم اﻟﺑﺎﺣث
ﺑﺎﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾن اﻟﺗﺄﺳﯾس اﻟﻧظري ﻟﻌﺎﻟم اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ اﻟﺗﻛوﯾﻧﯾﺔ واﻹﺟراءات اﻟﺗطﺑﯾﻘﯾﺔ،ﺣﯾث ﺣﺎول اﺳﺗﻘﺎء
ﻣﻔﺎﻫﯾم اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ اﻟﺗﻛوﯾﻧﯾﺔ ﻣن ﻣﺻدرﻫﺎ ﺑﺗرﺟﻣﺔ ﻣﻘوﻻت ﻏوﻟدﻣﺎن إﻟﻰ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،وﻫﻧﺎك دراﺳﺔ
أﺧرى ﻹﺑراﻫﯾم ﺻﺣراوي ﺑﻌﻧوان "ﺗﺣﻠﯾل اﻟﺧطﺎب اﻷدﺑﻲ -دراﺳﺔ ﺗطﺑﯾﻘﯾﺔ " ﺣﯾث ﻗﺎم ﺑدراﺳﺔ
رواﯾﺔ "ﺟﻬﺎد اﻟﻣﺣﺑﯾن" ﻟﺟورﺟﻲ زﯾدان ﺣﯾث ﻗﺳم دراﺳﺗﻪ إﻟﻰ ﻗﺳﻣﯾن ﺧﺻص اﻟﻘﺳم اﻷول إﻟﻰ
ﻗﺿﺎﯾﺎ اﻟﺗﻌﺑﯾر اﻟﺷﻛل ،وﺧﺻص اﻟﻘﺳم اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻟﻘﺿﺎﯾﺎ اﻟﻣﺿﻣون ،ﻣﺗﺑﻧﯾﺎ » ﺧﻠﻔﯾﺔ ﻧظرﯾﺔ
ﺑﻧوﯾﺔ ﻻﺗﺟﺎﻫﺎت ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻓﻲ إطﺎر اﻟﻣﻧﻬﺞ ،ﻟذﻟك ﻛﺎﻧت اﻟﻣراﺟﻊ اﻟﻣﻌﺗﻣدة ﻫﻲ أﻋﻣﺎل "ﺟﯾرار
ﺟﯾﻧﯾت" و"ﻛﻠود ﺑرﯾﻣون" و"ﺟوﻟﯾﺎن أﻟﺟﯾرداس ﻗرﯾﻣﺎس" وﺗﻼﻣذﺗﻪ ،و"روﻻن ﺑﺎرت"...وﻏﯾرﻫم ﻣن
ﻣﻧظري اﻟﻣدرﺳﺔ اﻟﺑﻧوﯾﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ ﺑﺎﺗﺟﺎﻫﺎﺗﻬﺎ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ«. 4
-1ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص .124
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .127
-3ﺑﺷﯾر ﺗﺎورﯾت ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر -دراﺳﺔ ﻓﻲ اﻷﺻول واﻟﻣﻼﻣﺢ واﻹﺷﻛﺎﻻت ،ص .84
-4إﺑراﻫﯾم ﺻﺣراوي ،ﺗﺣﻠﯾل اﻟﺧطﺎب اﻷدﺑﻲ دراﺳﺔ ﺗطﺑﯾﻘﯾﺔ ،دار اﻷﻓﺎق ،د ط ،اﻟﺟزاﺋر،1999 ،ص.05
176
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
-1ﺑﺷﯾر ﺗﺎورﯾت ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر دراﺳﺔ ﻓﻲ اﻷﺻول واﻟﻣﻼﻣﺢ واﻹﺷﻛﺎﻻت ،ص.125
-2ﺻﻼح ﻓﺿل ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ص .96
-3اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص.97
177
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
واﻷﺻوﻟﯾون واﻟﺑﻼﻏﯾون ،واﻟﻣﻔﺳرون وﻏﯾرﻫم ﻋﻧﺎﯾﺔ ﻛﺑرى ﺑﻛل اﻷﻧﺳﺎق اﻟداﻟﺔ ﺗﺻﻧﯾﻔﺎ وﻛﺷﻔﺎ
ﻋن ﻗواﻧﯾﻧﻬﺎ وﻗواﻧﯾن اﻟﻔﻛر«.1
ﺗﻌود ﻧﺷﺄة اﻟﺳﯾﻣﯾوﻟوﺟﯾﺎ أو ﻋﻠم اﻟﻌﻼﻣﺎت ﺑﯾن ﻧﻬﺎﯾﺎت اﻟﻘرن اﻟﺗﺎﺳﻊ ﻋﺷر وﺑداﯾﺎت
اﻟﻘرن اﻟﻌﺷرﯾن ،ﺑﺈﺳﻬﺎم أورﺑﻲ وأﻣرﯾﻛﻲ ﺑﺷﻛل ﻣﺷﺗرك وﻣﺗزاﻣن ،ﻋﻠﻰ ﯾدي اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻠﻐوي
ﻓردﯾﻧﺎن دوﺳوﺳﯾر واﻟﻔﯾﻠﺳوف اﻷﻣرﯾﻛﻲ "ﺷﺎرﻟز ﺳﻧدرس ﺑﯾرس" ،2ﻓﻘد ﺗﻧﺑﺄ دوﺳوﺳﯾر ﺑﻬذا اﻟﻌﻠم
ﻋﻠم اﻟﻌﻼﻣﺎت ﻓﻲ ﻣﺣﺎﺿراﺗﻪ ﺣول اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ،ﻣﺑﺷ ار ﺑﻌﻠم ﺟدﯾد ﻻ ﺗﺷﻛل اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ
ذاﺗﻬﺎ إﻻ ﺟزءا ﻣﻧﻪ » إن اﻟﻠﻐﺔ ﻧﺳق ﻣن اﻟﻌﻼﻣﺎت ،ﯾﻌﺑر ﻋن أﻓﻛﺎر ،وﻣﻧﻪ ﻓﻬﻲ ﻣﺷﺎﺑﻬﺔ
ﻟﻠﻛﺗﺎﺑﺔ ،وأﺑﺟدﯾﺔ اﻟﺻم واﻟﺑﻛم ،واﻟطﻘوس اﻟرﻣزﯾﺔ ،وأﺷﻛﺎل اﻟﻣﺟﺎﻣﻠﺔ واﻹﺷﺎرات
اﻟﻌﺳﻛرﯾﺔ...ﯾﻣﻛﻧﻧﺎ -إذن -أن ﻧﺗﺻور ﻋﻠﻣﺎ ﯾدرس ﺣﯾﺎة اﻟﻌﻼﻣﺎت ﻓﻲ ﻛﻧف اﻟﺣﯾﺎة
اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ،ﻗد ﯾﺷﻛل ﻗﺳﻣﺎ ﻣن ﻋﻠم اﻟﻧﻔس اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲٕ ،واذن ﻣن ﻋﻠم اﻟﻧﻔس اﻟﻌﺎم ،ﺳﻧﺳﻣﯾﻪ
اﻟﺳﯾﻣﯾوﻟوﺟﯾﺎ -Sémiologie-ﻣن اﻟﻛﻠﻣﺔ اﻹﻏرﯾﻘﯾﺔ Séméionﺑﻣﻌﻧﻰ اﻟﻌﻼﻣﺔ
Signe/اﻟﺗﻲ ﯾﻣﻛن أن ﺗﺗﻧﺑﺄ ﺑﻣﺎ ﺗﺗﻛون ﻣﻧﻪ اﻟﻌﻼﻣﺎت ،واﻟﻘواﻧﯾن اﻟﺗﻲ ﺗﺣﻛﻣﻬﺎ«،3وﻗد ﻋﻣل
اﻷﻣرﯾﻛﻲ ﺷﺎرل ﺑﯾرس ﻋﻠﻰ وﺿﻊ اﻟﻠﺑﻧﺎت اﻷوﻟﻰ ﻟﻠﺳﯾﻣﯾوﻟوﺟﯾﺎ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﯾﺔ اﻟﻘرن اﻟﺗﺎﺳﻊ ﻋﺷر
إﺛر ﻗﯾﺎﻣﻪ ﻋﻠﻰ ﺗﺄﺳﯾس ﻓﻠﺳﻔﺔ ﻋﻠم اﻟﺳﻣﺔ أو اﻟﻌﻼﻣﺔ ،ﺣﯾث ﻗﺎم ﺑﺗﻘﺳﯾم اﻟﻌﻼﻣﺔ إﻟﻰ ﺛﻼﺛﺔ
أﻧواع أو أﻗﺳﺎم ﻣﻣﺛﻠﺔ ﻓﻲ اﻷﯾﻘوﻧﺔ واﻟﻘرﯾﻧﺔ واﻟرﻣز.4
وﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﻌﻼﻗﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺟﻣﻊ اﻟﺳﯾﻣﯾوﻟوﺟﯾﺎ واﻟﻠﺳﺎﻧﯾﺎت ﻓﯾرى دوﺳوﺳﯾر ﺑﺄن » اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ
ﻟﯾﺳت إﻻ ﻗﺳﻣﺎ ﻣن ﻫذا اﻟﻌﻠم اﻟﻌﺎم اﻟذي ﺳﺗﻐدو اﻟﻘواﻧﯾن اﻟﺗﻲ ﯾﻛﺗﺷﻔﻬﺎ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺗطﺑﯾق ﻋﻠﻰ
اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،وﻫﻛذا ﺳﺗﺟد ﻫذﻩ اﻷﺧﯾرة ﻧﻔﺳﻬﺎ ﻣرﺗﺑطﺔ ﺑﻣﺟﺎل دﻗﯾق اﻟﺗﺣدﯾد ﺿﻣن ﻣﺟﻣوع اﻟوﻗﺎﺋﻊ
اﻟﺑﺷرﯾﺔ « ، 5وﻗد ﻟﻘﻲ رأي دوﺳوﺳﯾر ﻫذا ﺑﺷﻣول اﻟﺳﯾﻣﯾوﻟوﺟﯾﺎ ﻟﻠﺳﺎﻧﯾﺎت رﻓﺿﺎ ﻣن طرف
-1ﺑﺷﯾر ﺗﺎورﯾت ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر دراﺳﺔ ﻓﻲ اﻷﺻول واﻟﻣﻼﻣﺢ واﻹﺷﻛﺎﻻت ،ص .127
-2ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ.93 ،
-3اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .94-93
-4ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص .132-131
-5ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ،ص .94
178
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
اﻟﻧﺎﻗد روﻻن ﺑﺎرت ،ﻓﻛﺎن ﻫذا اﻷﺧﯾر »أﺷﻬر ﻣن ﻧﻘض ﻫذﻩ اﻟﻣﺗراﺟﺣﺔ "اﻟﺳوﺳﯾرﯾﺔ" اﻟﺗﻲ
ﺗﻔﺗرض أن ﻣﺎ ﻫو" ﺳﯾﻣﯾوﻟوﺟﻲ ﯾﺗﺟﺎوز Débordeاﻷﻟﺳﻧﻲ" ،ﻋن ﻗﻧﺎﻋﺔ ﻣﻧﻪ ﺑﺄن
اﻟﻌﻼﻣﺎت اﻟﻐﯾرﯾﺔ ،Objectauxﻏﯾر اﻟﻠﻐوﯾﺔ ﻻ ﺗﻛﺗﻣل ﻫوﯾﺗﻬﺎ ﻣﺎ ﻟم ُﯾﺗﺣدث ﻋﻧﻬﺎ
ﻟُﻐوﯾﺎ،أي ﻗﺑل أن ﺗﺻﺑﺢ ﻋﻼﻣﺎت ﻟﻔظﯾﺔ ،Verbeauxوراح ﯾﻧﻘل ﺗﻠك اﻟﻣﺗراﺟﺣﺔ إﻟﻰ
اﻟﺷﻛل اﻟﻌﻛﺳﻲ اﻟﺟدﯾد اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ اﻟﺳﯾﻣﯾوﻟوﺟﯾﺎ «.1
اﻧﺗﺷر اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ﻓﻲ ﺑداﯾﺔ ﻣن اﻟﺳﺗﯾﻧﺎت ،وﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻓرﻧﺳﺎ
ﻋن طرﯾق ﺛﻠﺔ ﻣن اﻟﻧﻘﺎد ﯾﺄﺗﻲ ﻓﻲ طﻠﯾﻌﺗﻬم روﻻن ﺑﺎرت ،ﺟوﻟﯾﺎن ﻏرﯾﻣﺎس ،ﺟوﻟﯾﺎ ﻛرﯾﺳﺗﯾﻔﺎ
ﺟﯾﻧﺎت وﻏﯾرﻫم ، 2ﺛم ﺑﻠﻎ ﺻدﻫﺎ أﻗطﺎر اﻟﻌﺎﻟم ﻣﻧطﻠﻘﺔ ﻣن اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ اﻟﺗﻲ أرﺳﺎﻫﺎ
اﻟرواد اﻷواﺋل ﻟﻬذا اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻘدي ،وﻟم ﺗﻘﺗﺻر اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺎت ﻋﻠﻰ اﻷدب ﻓﺣﺳب ،ﻓﻘد اﺗﺳﻊ
اﺧﺗﺻﺎﺻﻬﺎ ﻣﺟﺎﻻت أﺧرى ﻟﻘراءة أﻧظﻣﺔ ﻋﻼﻣﯾﺔ ٕواﺷﺎرﯾﺔ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻗراءة اﻷدب ﺷﻌ ار
ورواﯾﺔ وﻣﺳرح ،واﻟﻔن رﺳﻣﺎ وﻣوﺳﯾﻘﻰ وﺳﯾﻧﻣﺎ ،وﺑذﻟك » دﺧﻠت اﻟﺳﯾﻣﯾﺎء ﻛل دواﺋر اﻟﺧطﺎب
أﺻﻠت ﻟﻘراءة اﻟﺧطﺎﺑﺎت اﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ واﻟدﯾﻧﯾﺔ واﻟﻔﻛرﯾﺔ ،وﻗد اﻣﺗﺎزت اﻟدراﺳﺎت اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ ﻟﻸدب
و ّ
ﺑﺣرﺻﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻓﻬم اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻷدﺑﯾﺔ ﻓﻲ ﻣﺳﺗوى اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺟدﻟﯾﺔ ﺑﯾن اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ واﻟﻣﺟﺎﻻت
اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ واﻵﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﺑﺑﻧﯾﺗﻬﺎ اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ،وﻓﻲ ﻣﺳﺗوى اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ ﻧﻔﺳﻪ«.3
ﺛﺎﻧﯾﺎ-إﺷﻛﺎﻟﯾﺎت اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﻣﻌﺎﺻر:
ﺗﺄﺗﻲ ﻓﻲ ﻣﻘدﻣﺔ اﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺎت اﻟﺗﻲ ﺗواﺟﻪ اﻟﻧﻘد اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ ﻣﺷﻛﻠﺔ اﻟﻣﻔﻬوم وﯾرﺟﻊ اﻟﻧﺎﻗد
ﺑﺷﯾر ﺗﺎورﯾت ذﻟك إﻟﻰ » ﺗﻌدد اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم واﻟﺗﻌﺎرﯾف وﺗﺑﺎﯾن اﻟﺧﻠﻔﯾﺎت اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ واﻟﻣﻧطﻠﻘﺎت
اﻟﻧظرﯾﺔ ﻟدى أﻗطﺎﺑﻬﺎ ،ﻛل ﻫذﻩ اﻟﻣﺳﺎﺋل ﺗﺣول ﺑﯾن اﻟﻣﻌرﻓﺔ اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ اﻟﻣﺑﻠﻐﺔ واﻟﻘﺎرئ
وﯾﺗﻣظﻬر ذﻟك ﻓﻲ ﺟﺎﻧب ﻣن ﺟواﻧب اﻟﻘطﯾﻌﺔ ﺑﯾن اﻟﻘﺎرئ اﻟﻌرﺑﻲ واﻟﻧظرﯾﺔ اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ«.4
179
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
وﻓﻲ ظل اﻻﺿطراﺑﺎت اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ وﺗﻌدد اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم واﻟﻣﺑﺎدئ ﻟدى رواد اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺎت اﻟﺗﻲ
ﺗﻣﺗد ﺻﻠﺗﻬﺎ ﺑﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﻌﻠوم اﻟﻣﻌﺎرف،وﻓﻲ ﻫذا اﻟﺳﯾﺎق » اﻋﺗراﻓﺎت اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﯾن أﻧﻔﺳﻬم
ﺑﻘﺻور اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ وﺿﺣﺎﻟﺗﻬﺎ ،ﻓـ ج ،ﻛوﻛﻲ J.kokyﯾﻘر ﺑﺄن اﻟﺣدﯾث ﻋن اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ
ﯾﺟري ﻓﻲ اﺗﺟﺎﻫﺎت ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ وﺑﻼ ﺗﻣﯾﯾز ،وﻏرﯾﻣﺎس Grimasﻧﻔﺳﻪ ﯾﻌﺗرف وﺑﻛل ﺻراﺣﺔ
ﻋﺎم 1973ﺑﺄن اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ ﻗد ﺗﻛون ﻣوﺿﺔ ،وﻟم ﯾﺳﺗﺑﻌد ﺑﺄن ﯾﻛف ﻋﻧﻬﺎ اﻟﺣدﯾث ﻓﻲ ﻣدة ﻻ
ﺗﺗﺟﺎوز ﺛﻼث ﺳﻧوات ،وﯾرى ﺗودوروف أن اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ ﺑﻘﯾت ﻣﺟرد ﻣﺷورع أﻛﺛر ﻣﻧﻪ ﻋﻠﻣﺎ
وﺑﻘﯾت اﻟﺟﻣل اﻟﺗﻲ ﺗﻧﺑﺄ ﺑﻬﺎ ﺳوﺳﯾر ﻣﺟرد أﻣل« ،1وﻓﻲ ﻧﻔس اﻹطﺎر ﯾرى "ﻣﺎرﺳﯾﻠوداﺳﻛﺎل" أن
اﻟﺻورة اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﻟﻠﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺎت ﻻ ﺗزال ﻓﻲ طﻔوﻟﺗﻬﺎ ،وﻫﻲ ﻟم ﺗﺗﺣول إﻟﻰ ﺳﯾﻣﯾوﻟوﺟﯾﺎ واﺣدة
ﻣﺗوﻓرة ﻋﻠﻰ ﺗﺟﺎﻧس ﻣﻧﻬﺟﻲ وﻣﻔﺎﻫﯾﻣﻲ ،وﻟﻬذا ﻓﺈن اﻟﺳﯾﻣﯾوﻟوﺟﯾﺎ ﻻ ﺗزال ﻓﻲ ﻣرﺣﻠﺔ ﻣﺎ ﻗﺑل
اﻷﻧﻣوذج ﻣن ﺗطورﻫﺎ ﻛﻌﻠم » ،وﻗد أﺷﺎر داﺳﻛﺎل إﻟﻰ ﺗﻌﺎرض اﻟﻣدارس اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ ،وﺣﺻرﻫﺎ
ﻓﻲ ﻣﺳﺗوﯾﯾن:
-اﻟﻣﺳﺗوى اﻷول :ﺗﻌﺎرض ﻓﻲ اﻟﻧظرﯾﺎت واﻟﻣﻘﺗرﺣﺎت اﻟﺳﯾﻣﯾوطﯾﻘﯾﺔ.
-اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﺛﺎﻧﻲ :واﻟﻣﺗﻣﺛل ﻓﻲ اﻟﺗﺻورات اﻟﺗﻲ ﺗﺣدد ﻣﺟﺎل اﻟﺳﯾﻣﯾوﻟوﺟﯾﺎ وﻣﺎ ﻫو
داﺧﻠﻲ ﻓﻲ ﻣﺟﺎﻟﻬﺎ ،وﻣﺎ ﻫو ﺧﺎرج ﻋﻧﻬﺎ«.2
واﻟﻣﺷﻛﻠﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗواﺟﻪ ﻫذا اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻫﻲ ﻣﺷﻛﻠﺔ اﻟﻣﺻطﻠﺢ ،رﻏم أن ﻫذﻩ اﻟﻣﺷﻛﻠﺔ
ﻣن ﺑﯾن اﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺎت اﻟﺗﻲ ﺗواﺟﻪ اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ﺑﺄﻛﻣﻠﻪ واﻟﺗﻲ ﺳﻧﺗطرق إﻟﯾﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻔﺻل
اﻷﺧﯾر ﻣن ﻫذﻩ اﻟدارﺳﺔ ،ﺣﺟم ﻫذﻩ اﻟﻣﻌﺿﻠﺔ ﺣدا ﺑﺎﻟﺑﺎﺣث ﻋﺑد اﷲ ﺑوﺧﻠﺧﺎل إﻟﻰ أن ﯾﺣﺻﻲ
ﻣﺎ ﯾﻘﺎرب ﺗﺳﻌﺔ ﻋﺷر ﻣﺻطﻠﺣﺎ ،ﻣن ﺑﯾﻧﻬﺎ اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ ،واﻟﺳﯾﻣﯾوﻟوﺟﯾﺔ ،ﻋﻠم اﻟﻌﻼﻣﺎت
اﻟدﻻﺋﻠﯾﺔ...إﻟﺦ ،3رﻏم أن ﻫﻧﺎك ﻣن اﻟﻧﻘﺎد ﻣن ﯾﻘﻠل ﻣن ﻫذﻩ اﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺔ ﻛﺎﻟﻧﺎﻗد ﺑﺷﯾر ﺗﺎورﯾت
ﻣن ﺧﻼل ﻗوﻟﻪ » ﻣﺷﻛﻠﺔ اﻟﻣﺻطﻠﺢ ﻫﻲ ﻣﺷﻛﻠﺔ ﺛﺎﻧوﯾﺔ ذﻟك ﻷﻧﻪ ﻣﻬﻣﺎ ﺗﻌددت اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت
-1ﺑﺷﯾر ﺗﺎورﯾت ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ -دراﺳﺔ ﻓﻲ اﻷﺻول واﻟﻣﻼﻣﺢ واﻹﺷﻛﺎﻻت ،ص .166
-2ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر ﺷرﺷﺎر ،ﻣدﺧل إﻟﻰ اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺎت اﻟﺳردﯾﺔ ﻧﻣﺎذج وﺗطﺑﯾﻘﺎت ،اﻟدار اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ،اﻟﺟزاﺋر ،2015 ،ص .20
-3اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .20
180
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﺗظل ﻣﻔﺎﻫﯾﻣﻬﺎ واﺣدة ﻓﻲ اﻷﻏﻠب اﻷﻋم ،ﻓﺎﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟردﯾﻔﺔ ﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ ﻛﻠﻬﺎ
ﺗﺣﯾل إﻟﻰ ﻣﺿﺎﻣﯾن اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻧﻔﺳﻪ ،ﺳواء ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﻧظري أو اﻹﺟراﺋﻲ ،1«...رﻏم اﺗﻔﺎﻗﻧﺎ
إﻟﻰ ﻣﺎ ذﻫب إﻟﯾﻪ اﻟﻧﺎﻗد ﻓﻲ ﺗﻘزﯾم ﺣﺟم ﻫذﻩ اﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺟﺎﻧب اﻟﻧظري إﻻ أن اﻧﻌﻛﺎﺳﻬﺎ
ﻋﻠﻰ اﻟﺟﺎﻧب اﻟﺗطﺑﯾﻘﻲ ﺳﯾوﻟد ﻟدى اﻟﺑﺎﺣﺛﯾن ﻧوﻋﺎ ﻣن اﻻﺧﺗﻼف ﻓﻲ اﻹﺟراءات ﻣﻣﺎ ﯾﺻﻌب
اﻻﺗﻔﺎق ﻋﻠﻰ ﺧطوات ﻣﻌﯾﻧﺔ ﻟﻠدراﺳﺔ اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ.
ٕواﻟﻰ ﺟﺎﻧب آراء ﻫؤﻻء ﻓﺈن ﻫﻧﺎك ﻣن أﻧﻛر اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ ﺗﻣﺎﻣﺎ ،ورأى أﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺻﻠﺢ ﻟﻛل
اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت ،وﻣن ﻫؤﻻء اﻟﻧﺎﻗد اﻟﺷﯾﻠﻲ "روﻓﺎﺋﯾل دال ﻓﯾﻼر" ﻓﻲ ﻣﻘﺎل ﻟﻪ ﺑﻌﻧوان " اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ
ﻓﻲ اﻟﺷﯾﻠﻲ اﻟﯾوم :ﺗﺎرﯾﺦ ،ﻗطﯾﻌﺔ ،وﺣﻘل ﻧظري" ،ﻓﻬوﯾرى » أن ﺣﺎﺟﺔ اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت اﻟﻣﺗﻘدﻣﺔ
إﻟﻰ اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ ﺟﺎءت ﻟﻣلء ﻓراغ ،ﻓﻬﻲ ﻣﻘﺎﺑل ﻧﻘص ،ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺑرز ﻏﯾر اﻟﻣﻧظور ..وﯾﻌﺗﻘد أن
ﺣﺎﺟﺔ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻷﺑﯾض ﻟﻬذا اﻟﻌﻠم ﻛﺎﻧت ﺑﺳﺑب اﻻﺧﺗﻼل اﻟذي ﯾﻌﺎﻧﻲ ﻣﻧﻪ ،وﻟذﻟك ﻓﺎﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ
ﻏﯾر ﺿرورﯾﺔ ﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت أﺧرى ،ﻻ ﺗﻌﺎﻧﻲ ﻫذا اﻟﻧﻘص وﻫذا اﻻﺧﺗﻼل «.2
181
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ٕواﻟﻰ ﺟﺎﻧب اﻟﻧﻘﺎد اﻟﻣﻐﺎرﺑﺔ ﻫﻧﺎك أﺳﻣﺎء أﺧرى ﻓﻲ اﻟوطن اﻟﻌرﺑﻲ ﺳﺎﻫﻣت ﻓﻲ أﺧذ اﻟﻧﻘد
اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ ﻟﺣﯾز ﻣن اﻟدراﺳﺎت اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﺳواء ﺗﻌﻠق اﻷﻣر ﺑﺎﻟﺟﺎﻧب اﻟﻧظري أو اﻟﺗطﺑﯾﻘﻲ ﻣن
ﺑﯾﻧﻬم ﻋﺑد اﷲ اﻟﻐذاﻣﻲ وﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض ،وﻋﺑد اﻟﻘﺎدر ﻓﯾدوح ،ورﺷﯾد ﺑن ﻣﺎﻟك وﻏﯾرﻫم ﻣن
اﻟﻧﻘﺎد ،ﻓﻠم ﯾﻣﻧﻊ اﺗﻬﺎم ﻫذا اﻟﻣﻧﻬﺞ ﺑﺎﻟﻘﺻور وﺧﺎﺻﺔ ﻋن طرﯾق أﻗطﺎﺑﻬﺎ ﻛﻣﺎ رأﯾﻧﺎ ،ﻣن اﻟدﺧول
إﻟﻰ اﻟﺳﺎﺣﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،إذ ﺗﻌرﺿت اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ ﻛذﻟك ﻣن ﺑﻌض اﻟﻧﻘﺎد اﻟﻌرب إﻟﻰ
اﻧﺗﻘﺎدات ﻣن طرف اﻟﻣؤﺳﺳﯾن ﻟﻬذا اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻟد اﻟﻌرب ،إذ ﯾﺗﺳﺎءل ﻣﺣﻣد ﻣﻔﺗﺎح ﻋن ﻓﻌﺎﻟﯾﺔ
1
اﻟﻧﻘد اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ ،وﻛذﻟك ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض ،ﻣن أﯾن؟ إﻟﻰ أﯾن ؟ وﺑﺄي ﻣﻧﻬﺞ ﻧﻘﺗﺣم اﻟﻧص؟
وﻫواﻟذي ﺟﻌﻠﻪ ﻓﻲ ﺑﻌض اﻷﺣﯾﺎن ﯾﺳﺗﻌﯾن ﺑﺎﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﻲ ﻓﻲ دراﺳﺗﻪ اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ ﻟﻘﺻور
اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ ،ﻋﻠﻰ ﻏرار دراﺳﺗﻪ اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ﻟﻘﺻﯾدة "أﯾن ﻟﯾﻼي" ﻟﻣﺣﻣد اﻟﻌﯾد
آل ﺧﻠﯾﻔﺔ.
-1ﺑﺷﯾر ﺗﺎورﯾت ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر دراﺳﺔ ﻓﻲ اﻷﺻول واﻟﻣﻼﻣﺢ واﻹﺷﻛﺎﻻت ،ص .119
-2ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص .134
182
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﯾﺄﺗﻲ ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض ﻓﻲ طﻠﯾﻌﺔ اﻟﻧﻘﺎد اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن اﻟذﯾن وظﻔوا اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ
اﻟﺣداﺛﯾﺔ ﺑﻣﺎ ﻓﯾﻬﺎ اﻟﻧﻘد اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ ،إذ ُﯾﺷﻬد ﻟﻪ ﺑﻣدى اﺳﺗﯾﻌﺎﺑﻪ ووﻋﯾﻪ ﻟﻣﺧﺗﻠف اﻟﻧظرﯾﺎت
اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔٕ ،واﻟﻣﺎﻣﻪ ﺑﺎﻟﺗراث اﻟﻌرﺑﻲ ،وﺗﻌﻧﻲ اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ ﻋﻧد ﻣرﺗﺎض » " ﻧظﺎم اﻟﺳﻣﺔ "
أوﺷﺑﻛﺔ ﻣن اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻣﻧﺗظﻣﺔ ﺑﺳﻼﺳل« ،1وﻛﺛﯾ ار ﻣﺎ ﯾﻣزج ﻣرﺗﺎض ﻓﻲ دراﺳﺎﺗﻪ اﻟﺗطﺑﯾﻘﯾﺔ ﺑﯾن
اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ واﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ،إذ اﺳﺗﻬل ﺗﺟرﺑﺗﻪ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻓﻲ ﺗﺣﻠﯾل اﻟﺧطﺎب ﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺎ ﻋﺑر ﻣﺟﺎل
اﻟﺳردﯾﺔ ﺑﻛﺗﺎﺑﻪ ﺗﺣﻠﯾل ﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ ﺗﻔﻛﯾﻛﻲ ﻟﺣﻛﺎﯾﺔ "ﺣﻣﺎل ﺑﻐداد" ،وﻫﻲ إﺣدى ﺣﻛﺎﯾﺎت أﻟف ﻟﯾﻠﺔ
وﻟﯾﻠﺔ ،ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻟﺟﺔ ﻣرﻛﺑﺔ ﻟﻠﺣﻛﺎﯾﺔ.
ﻧود
وﻟﺗوﺿﯾﺢ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟذي اﺗﺑﻌﻪ اﻟﻧﺎﻗد ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟدراﺳﺔ ﯾﺷﯾر إﻟﻰ ذﻟك ﺑﻘوﻟﻪ »إﻧﻣﺎ ّ
ﻓﻘط ﻋرض اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟذي ﺳﻠﻛﻧﺎﻩ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟدراﺳﺔ ودرﺟﻧﺎ ﻋﻠﯾﻪ ﻓﻲ ﺗدﺑﯾﺟﻬﺎ وﻫو ﺑﺳﯾط ﺟدا،
ﺑﺣﯾث ﺣﺎوﻟﻧﺎ وﺿﻊ اﻟﻧص ﺗﺣت اﻟﻣﺟﻬر اﻷدﺑﻲ ﻧراﻩ ﻣن ﺟﻣﯾﻊ أﻧظﺎرﻩ ،ﻓﯾدﻟﻧﺎ ﻣن ﻫذﻩ
اﻟﻣﻼﺣظﺔ اﻟﻣﺟﻬرﯾﺔ أﻧﻪ ﻗﺎدر أن ﯾﻔرز ﻟﻧﺎ ﺳﺑﻌﺔ ﻣﺳﺗوﯾﺎت ﻋﻠﻰ اﻷﻗل ،وﻓﻲ ﻛل ﻣﺳﺗوى
ﯾﻌطﯾﻧﺎ ﻣﺎ ﻟم ﯾﻌطﯾﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺗوى اﻵﺧر« ،2وﯾﺿﯾف أن » ﻫذﻩ اﻟﻣﺣﺎوﻟﺔ ﻣﻣﻧﻬﺟﺔ ﻟدراﺳﺔ
اﻟﺗراث اﻟﻌرﺑﻲ ،وﻟﺗﻛن ﻗﺑل ﻛل ﺷﻲء ،ﻣدرﺟﺔ ﻹﺛﺎرة اﻟﺳؤال وﻣﺳﻠﻛﻪ ﻻﺳﺗﺿرام اﻟﺟدال ،وﻟﺗﻛن
أﯾﺿﺎ دﻋوة إﻟﻰ اﻟﺗﺟدﯾد ،وﻟﻛن ﺑﻌﯾدا ﻋن ﻓﺦ اﻟﺗﻘﻠﯾد اﻟذي اﺑﺗﻠﯾﻧﺎ ﺑﻪ ﻫذﻩ اﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﺗﻲ ﻧﻘرؤﻫﺎ
ﻓﻲ ﻟﻐﺎﺗﻬﺎ اﻷﺻﻠﯾﺔ طو ار وﻧﻘرؤﻫﺎ ﻣﺗرﺟﻣﺔ طو ار آﺧر«.3
وﻋن وﻋﯾﻪ ﺑﻘﺻور اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻘدي ﻓﻲ اﺳﺗﻛﻧﺎﻩ ﻣﺿﺎﻣﯾن اﻟﻧص واﻟوﻗوف ﻋﻠﻰ ﻣﻛﺎﻣﻧﻪ
وﻫﻲ اﻟﻌﻘﺑﺎت اﻟﺗﻲ واﺟﻬﺗﻪ ﻓﻲ ﺑداﯾﺔ ﺗﺟرﺑﺗﻪ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ،واﻟﺗﻲ أﻛد ﻋﻠﻰ ﺗﺧطﯾﻬﺎ ،إذ ﯾﺗﺿﺢ ﻫذا
ﻣن ﺧﻼل ﺗﺻرﯾﺣﻪ » أوﻟﻰ ﻟﻧﺎ أن ﻧﻧﺷد ﻣﻧﻬﺟﺎ ﺷﻣوﻟﯾﺎ ﺗﻛون ﺑﻪ اﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ اﺳﺗﻛﻧﺎﻩ دﻗﺎﺋق
اﻟﻧص ،واﺳﺗﻛﺷﺎف ﻛواﻣﻧﻪ ،وﺗﻌرﯾف ﻣﻛﺎﻣﻧﻪ ،دون أن ﻧﻘﺑﻊ ﻻ ﻓﻲ ﻓﺦ اﻟﺑﻧﯾوﯾﯾن اﻟراﻓﺿﯾن
-1ﺑﺷﯾر ﺗﺎورﯾت ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ،دراﺳﺔ ﻓﻲ اﻷﺻول واﻟﻣﻼﻣﺢ واﻹﺷﻛﺎﻻت ،ص .158
2
-ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض -أﻟف ﻟﯾﻠﺔ وﻟﯾﻠﺔ – ﺗﺣﻠﯾل ﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ ﺗﻔﻛﯾﻛﻲ ﻟﺣﻛﺎﯾﺔ "ﺣﻣﺎل ﺑﻐداد" ،دﯾوان اﻟﻣطﺑوﻋﺎت اﻟﺟﺎﻣﻌﯾﺔ
اﻟﺟزاﺋر ،1993 ،ص .08
-3اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص.11
183
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
-1ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض -،أﻟف ﻟﯾﻠﺔ وﻟﯾﻠﺔ – ﺗﺣﻠﯾل ﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ ﺗﻔﻛﯾﻛﻲ ﻟﺣﻛﺎﯾﺔ "ﺣﻣﺎل ﺑﻐداد" ،ص .11 - 10
-2ﻣوﻻي ﻋﻠﻲ ﺑوﺧﺎﺗم ،اﻟدرس اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ اﻟﻣﻐﺎرﺑﻲ ،دراﺳﺔ وﺻﻔﯾﺔ ﻧﻘدﯾﺔ إﺣﺻﺎﺋﯾﺔ ﻓﻲ ﻧﻣوذﺟﻲ ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض وﻣﺣﻣد
ﻣﻔﺗﺎح ،دﯾوان اﻟﻣطﺑوﻋﺎت اﻟﺟﺎﻣﻌﯾﺔ ،2005 ،ص .69
-3ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض -أﻟف ﻟﯾﻠﺔ وﻟﯾﻠﺔ – ﺗﺣﻠﯾل ﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ ﺗﻔﻛﯾﻛﻲ ﻟﺣﻛﺎﯾﺔ "ﺣﻣﺎل ﺑﻐداد" ،ص .15
-4اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص.09
-5ﻣوﻻي ﻋﻠﻲ ﺑوﺧﺎﺗم ،اﻟدرس اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ اﻟﻣﻐﺎرﺑﻲ ،ص .73
184
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﺣﯾث اﻟﺗرﻛﯾب اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ وﺧﺻﺎﺋﺻﻪ ﻋﺑر ﻫذا اﻟﻧص ﻓﻛﺎن ﻻ ﻣﻧﺎص ﻣن ﺗﻧﺎول ﻛل ﻋﻧﺻر
ﻣن ﻫذﻩ اﻟﻌﻧﺎﺻر ﻓﻲ ﻓﺻل ﻣﺳﺗﻘل ﺑذاﺗﻪ«. 1
وﻣن ﺧﻼل ﻫذﻩ اﻟدراﺳﺔ اﻟﻣرﻛﺑﺔ ﻗﺎم ﻓﯾﻬﺎ ﺑﺗﺣﻠﯾل ﺑﻧﯾﺔ اﻟﻧص وزﻣﻧﻪ اﻟﺷﻌري وﺗرﻛﯾﺑﻪ
اﻹﯾﻘﺎﻋﻲ ،وﯾﺑﯾن ﻟﻧﺎ ﻣرﺗﺎض ﻛﯾف ﺗﺣوﻟت ﻣﺣﺑوﺑﺔ اﻟﺷﺎﻋر أو ﻟﯾﻼﻩ ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻧص إﻟﻰ رﻣز
ﻣﺷﺑﻊ ﺑدﻻﻻت ﻣﻛﺛﻔﺔ ﯾﺷﯾر ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ إﻟﻰ اﻟوطن ،ﻓﺎﻟظﺎﻫر ﻣن ﺧﻼل أﺑﯾﺎت اﻟﻘﺻﯾدة أﻧﻬﺎ
ﺗﻌﺑﯾر ﻟﺣب اﻟﺷﺎﻋر ﻟﻣﺣﺑوﺑﺗﻪ ﻟﯾﻠﻰ ،ﻟﻛن إذا ﺗﺄﻣﻠﻧﺎ ﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺎ ﻓﻲ ﻋﺑﺎرات اﻟﺷﺎﻋر ،وﺟدﻧﺎﻩ ﯾﻌﺑر
ﻣن ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻋن ﺣﺑﻪ ﻟوطﻧﻪ ﻛﻣﺎ ذﻛرﻧﺎ ،وﻗد أﺛﺎر ﻛﺗﺎب " ﺑﻧﯾﺔ اﻟﺧطﺎب اﻟﺷﻌري – دراﺳﺔ
ﺗﺷرﯾﺣﯾﺔ ﻟﻘﺻﯾدة أﺷﺟﺎن ﯾﻣﺎﻧﯾﺔ " -ﻧﻘﺎﺷﺎ واﺳﻌﺎ ﻓﻲ اﻟﺳﺎﺣﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ،إذ ﻗﯾل ﻓﯾﻪ ﻣﺎ ﻗﯾل ﺑﯾن
اﺳﺗﺣﺳﺎن واﺳﺗﻬﺟﺎن ،وأﺷد ﻣﺎ ﻻﻗﻰ ﻣن ﺗﺟرﯾﺢ ﻫو ﻣﺎ ﻧﺷر ﻓﻲ ﻣﺟﻠﺔ ﻓﺻول ﻟﻠﺑﺎﺣث " ﻋﺑد
اﻟﺣﻛﯾم راﺿﻲ" ﯾﻘول ﻓﯾﻪ أن ﻛﺗﺎب ﻣرﺗﺎض ،أﻗرب إﻟﻰ ﻣﺟﺎل اﻟدﻋﺎﯾﺔ ﻟﻧﻔﺳﻪ وﻟﻠﻣﻘﺎﻟﺢ...ﻣﻧﻪ
إﻟﻰ اﻟﻌﻣل اﻟﻧﻘدي اﻟﻣوﺿوﻋﻲ ،وﻛﺎن ذﻟك ﺑﺎﻋﺛﺎ ﻟﻣرﺗﺎض ﻟﺗﺄﻟﯾف ﻛﺗﺎب ﺛﺎن ﯾدرس اﻟﻘﺻﯾدة
ﻧﻔﺳﻬﺎ ﻟﻛن ﺑﻣﻧﻬﺞ ﻣﻐﺎﯾر ،وﻗد ﺿﻣﻧﻪ ردا ﻋﻧﯾﻔﺎ ﻋﻠﻰ ذﻟك اﻟﻣﻘﺎل ،ﺑل وﻟم ﯾر ﻣﺎﻧﻌﺎ ﻣن
اﺣﺗﻣﺎل ﺗﺄﻟﯾف ﻛﺗﺎب آﺧر ﺣول ﻧﻔس اﻟﻧص » ...أردﻧﺎ أن ﻧرﺻد ﻫذﻩ اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻻﺑﺗداﺋﯾﺔ
ﻓﻧﻛﺗﺑﻬﺎ ،ﻣن ﺣول ﻧص واﺣد ،ﻣرﺗﯾن اﺛﻧﺗﯾن ،إذ ﻛﻧﺎ ﻧؤﻣن ﺑﺗﻌددﯾﺔ اﻟﻘراءة وﻧﺗﺎﺟﯾﺗﻬﺎ ،ﻟﯾس ﻓﯾﻣﺎ
ﯾﺗﺻل ﺑﻧص واﺣد ،وﻫذا ﻫو اﻟذي أردﻧﺎ إرﺳﺎءﻩ ٕواﺛﺎرة اﻻﻫﺗﻣﺎم ﻣن ﺣواﻟﯾﻪ ،ﯾﻘرؤﻩ ﻣﺑﺗدع واﺣد
ﻓﯾﻛﺗب ﻋﻧﻪ ﻣرﺗﯾن أو أﻛﺛر ﻣن ذﻟك...ﻟﯾﻣﻛن ﻣﻌرﻓﺔ ﻣدى ﻗدرة اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻌطﺎء
اﻟذي ﻧﻔﺗرض أﻧﻪ ﻻ ﯾﻧﻔذ ،واﻟﺳﺧﺎء اﻟذي ﻧﻌﺗﻘد أﻧﻪ ﻻ ﯾﻧﺿب«.2
وﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣرﺗﺎض ،ﻓﺈن ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر ﻓﯾدوح ﻗد طرق ﺑﺎب اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ ﻓﻲ ﻣطﻠﻊ
اﻟﺗﺳﻌﯾﻧﺎت ﺑﻛﺗﺎﺑﻪ " دﻻﺋﻠﯾﺔ اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ" واﻟذي وﺿﻊ ﺗﺣت ﻫذا اﻟﻌﻧوان ﻋﻧواﻧﺎ آﺧر "دراﺳﺔ
ﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ ﻟﻠﺷﻌر اﻟﺟزاﺋري" ،وﻫذا اﻟذي اﻋﺗﺑرﻩ ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ﻓﺷل ﻟﻠﻧﺎﻗد ،إذ اﺳﺗﻌﻣل
ﻣﺻطﻠﺣﯾن ﻟﻣﻔﻬوم واﺣد ﯾﻘﺻد ﺑﻬﻣﺎ " اﻟدﻻﺋﻠﯾﺔ واﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ " ،وﯾﻌﯾب ﻋﻠﯾﻪ ﻛذﻟك اﺳﺗﻌﻣﺎل
185
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﻣﺻطﻠﺣﺎت أﺧرى ﻟﻠدﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻔﻬوم ﻧﻔﺳﻪ ﻛﺎﻟﺳﯾﻣﯾوﻟوﺟﯾﺔ واﻟﺳﯾﻣﯾوطﯾﻘﯾﺔ واﻟﺗﺄوﯾﻠﯾﺔ ﻟﻣﻔﻬوم
واﺣد ،1ﻛﻣﺎ أﻋﺎب ﻋﻠﯾﻪ أﯾﺿﺎ أن ﻣرﺟﻌﯾﺗﻪ اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ ﻣﻧﻘوﻟﺔ ﺑطرﯾﻘﺔ اﻟﻌﻧﻌﻧﺔ ﺣﺳب ﻗوﻟﻪ إﻟﻰ
درﺟﺔ أن اﻟﻛﺗﺎب ﯾﺧﻠو ﻣن إﺷﺎرة واﺣدة إﻟﻰ ﻣرﺟﻊ ﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ أﺻﻠﻲ ،ﻣﻣﺎ أﻓﺿﻰ ﺑﻪ إﻟﻰ ﺑﻌض
اﻟﻣﻐﺎﻟطﺎت.
وﯾﻘدم ﻟﻧﺎ ﻓﯾدوح ﻣدﺧﻼ ﻟﻘراءة اﻟﻘﺻﯾدة اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ " اﻟرؤﯾﺔ واﻟﺗﺄوﯾل"
ﻓﻘد ﻗﺳﻣﻪ إﻟﻰ أرﺑﻌﺔ ﻓﺻول ﻛﺎﻟﺗﺎﻟﻲ:
-اﻟﻔﺻل اﻷول :اﻷﻧﺳﺎق اﻟﻛﻠﯾﺔ /رؤﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟم
-اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ :ﻛﯾﺎن اﻟذات
-اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻟث :اﻟﻧزﻋﺔ اﻟﺻوﻓﯾﺔ
-اﻟﻔﺻل اﻟراﺑﻊ :اﻟرؤﯾوي /اﻷﺳطوري
وﯾﻌد ﻫذا اﻟﻛﺗﺎب ﻣﺣﺎوﻟﺔ ﻟﺗﻘﺻﻲ اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺻوﻓﯾﺔ ﻟﻠﻘﺻﯾدة اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ،ﻣن
ﻣﻧطﻠق ﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ ﺟدﯾد ،ﻧﺎظ ار إﻟﯾﻬﺎ ﻣن ﺧﺎرج اﻟﻣرﺟﻌﯾﺔ اﻟﻣﺄﻟوﻓﺔ ،ﺳﻌﯾﺎ إﻟﻰ اﺳﺗﻧطﺎق اﻟﻧص
اﻟوارد ﻓﻲ ﻣدﻟوﻻﺗﻪ اﻹﺷﺎرﯾﺔ ،2وﻓﻲ ﺣدﯾث ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ﻋن ﻫذا اﻟﻛﺗﺎب ﯾرى أن اﻟﻧﺎﻗد ﺟﻧﺢ
إﻟﻰ اﻟﺗﺣﻠﯾل اﻹﻧﺷﺎﺋﻲ اﻟذاﺗﻲ اﻷدﻧﻰ إﻟﻰ " اﻻﻧطﺑﺎﻋﯾﺔ" ﻣﻧﻪ إﻟﻰ " اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ" ،ﺣﯾث ﻏﺎﻟﺑﺎ ﻣﺎ
ﻧراﻩ ﯾطرح اﻷدوات اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ اﻟﻣوﺿوﻋﯾﺔ ﺟﺎﻧﺑﺎ ،وﻗد أﻋزى وﻏﻠﯾﺳﻲ ذﻟك ﺑﻛون اﻟﻧﺎﻗد ﻗد
أﻏري ﺑﺎﻟﻣﺟﺎل اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ اﻟﻔﺿﻔﺎض اﻟذي ﻻ ﯾﺣد اﻟﻣﻧﻬﺞ ﺑﺂﻟﯾﺎت إﺟراﺋﯾﺔ واﺿﺣﺔ وﻣﺣددة
ﻋﻠﻰ ﺣد ﻗول وﻏﻠﯾﺳﻲ.3
وﻣن اﻷﺳﻣﺎء اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺗﻲ وﻟﺟت ﻋﺎﻟم اﻟﺳﯾﻣﯾﺎء ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري ،ﻧذﻛر رﺷﯾد ﺑن
ﻣﺎﻟك اﻟذي ﻗدم دراﺳﺎت ﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ ﻋدﯾدة ﻣن ﺑﯾﻧﻬﺎ " ﺗﺣﻠﯾل ﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ ﻟﻘﺻﺔ ﻋﺎﺋﺷﺔ ﻟﻠﻛﺎﺗب
-1ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص .135
-أﻧظر :اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .135
-2ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص.136
-3اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص.136
186
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
أﺣﻣد رﺿﺎ ﺣوﺣو" ،و" ﻧوار اﻟﻠوز" ﻟواﺳﯾﻧﻲ اﻷﻋرج -ﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ اﻟﻧص اﻟرواﺋﻲ ،ﻛﻣﺎ ﻗدم ﺗرﺟﻣﺔ
ﻋن " ﺟﺎن ﻛﻠود ﻛوﻛﻲ" ،ﺑﻌﻧوان " وﺛﯾﻘﺔ اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ ﻣدرﺳﺔ ﺑﺎرﯾس" ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ دراﺳﺗﻪ "
اﻟﺑﻧﯾﺔ اﻟﺳردﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻧظرﯾﺔ اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ" ،واﻟﺗﻲ ﺗﺿم ﺛﻼث ﺑﺣوث أﺳﺎﺳﯾﺔ ،ﯾﺳﻌﻰ اﻟﻧﺎﻗد ﻓﻲ
اﻟﺑﺣث اﻷول إﻟﻰ اﻟﻧظر ﻓﻲ اﻟﻣﻛون اﻟﺳردي ،واﻵﻟﯾﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﺣﻛﻣﻪ ،واﻟﻘواﻋد اﻟﺗﻲ ﺗﺿﺑطﻪ،
وﯾﺄﺗﻲ اﻟﺑﺣث اﻟﺛﺎﻧﻲ اﻣﺗداد ﻟﻸول ﻣن ﺣﯾث اﻟﺗوﺟﻪ اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ اﻟﻌﺎم ﻟﻬذﻩ اﻟدراﺳﺔ ،وﻫوﺗرﺟﻣﺔ
ﻟﻧص ﯾﻌرض ﻓﯾﻪ اﻟﺑﺎﺣث ﺑﯾرﻧﺎر ﺑورﺗﻲ ﺑﺎﻟﻧﻘد واﻟﺗﺣﻠﯾل ﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﺗﻣس إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﺛﺎﺑت واﻟﻣﺗﺣول
ﻓﻲ اﻟﺑرﻧﺎﻣﺞ اﻟﺳردي ،أﻣﺎ اﻟﺑﺣث اﻟﺛﺎﻟث ﻓﻘد ﺧﺻص ﻟﺗرﺟﻣﺔ ﻧص ﻟﻠﺑﺎﺣث ج .ك .ﻛوﻛﻲ
1
ﯾﺷﻣل اﻟﺳﯾرة اﻟذاﺗﯾﺔ واﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﻟـ أ.ج .ﻏرﯾﻣﺎس.
وﺗﺟدر ﺑﻧﺎ اﻹﺷﺎرة ﻛذﻟك إﻟﻰ اﻟﻧﺎﻗد ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر ﺷرﺷﺎر وﻛﺗﺎﺑﻪ "ﻣدﺧل إﻟﻰ اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺎت
اﻟﺳردﯾﺔ ﻧﻣﺎذج وﺗطﺑﯾﻘﺎت ،وﻋن ﻏﺎﯾﺗﻪ ﻣن ﻫذا اﻟﻛﺗﺎب ﯾوﺿﺢ أﻧﻪ ﻋﺑﺎرة ﻋن »ﻣﺑﺎدرة
ﻟﻠﻣﺳﺎءﻟﺔ واﻟﻘﻠق واﻻﺳﺗﺷراف ﻋن واﻗﻊ وﻣﺳﺗﻘﺑل ﻫذا اﻟﻌﻠم اﻟﺟدﯾد اﻟﻘدﯾم ،ودورﻩ ﻓﻲ ﺗطوﯾر
اﻹﺟراءات اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﺻرﻓﺔ ﺧﺻوﺻﺎ إﻟﻰ ﻗراءة اﻟﺧطﺎب اﻷدﺑﻲ ،وﺗﺣﻠﯾﻠﻪ ،ﻣن ﺧﻼل ﺗﻘدﯾم
ﻧﻣﺎذج ﻷطروﺣﺎت ﺑﺣﺛﯾﺔ ﺣول " اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺎت اﻟﺳردﯾﺔ " طرﻗت اﻟﻣوﺿوع ﻣن زواﯾﺎ ﻣﺗﻌددة،
ارﺗﻘﻰ ﺑﻌﺿﻬﺎ إﻟﻰ ﻣﺳﺗوى اﻷﻋﻣﺎل اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ اﻟﻧﺎﺿﺟﺔ ،وﻋرف اﻟﺑﻌض اﻵﺧر ﻣﺳﺗوى ﻣﺗواﺿﻌﺎ
ﻓﻲ اﻟرؤﯾﺔ واﻟطرح واﻹﺟراء.2«...
وﻗد ﻗﺳم اﻟﻣؤﻟف ﻛﺗﺎﺑﻪ إﻟﻰ أرﺑﻌﺔ ﻓﺻول ،ﺗﺿﻣن اﻟﻔﺻل اﻷول اﻟﻣﻧطﻠﻘﺎت اﻟﻣؤﺳﺳﺔ
ﻟﻠﻧظرﯾﺔ اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ اﻟﺳردﯾﺔ ،اﻟذي ﻣﻬد ﻟﻠﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ اﻟذي ﺗﻧﺎول ﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟﺗﺣﻠﯾل اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ
ﻓﻲ ﻣﻘﺎرﺑﺔ اﻟﻧص اﻟﺳردي ،أﻣﺎ اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻟث ﻓﻘد ﺧﺻﺻﻪ ﻟﻌرض ﻧﻣﺎذج ﻣن ﺑﺣوث أﻛﺎدﯾﻣﯾﺔ
اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺎت اﻟﺳردﯾﺔ ،وﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﻔﺻل اﻟراﺑﻊ واﻷﺧﯾر ﻣن اﻟدراﺳﺔ ﻓﻘد أﻓردﻩ اﻟﻣؤﻟف
1
-رﺷﯾد ﺑن ﻣﺎﻟك ،اﻟﺑﻧﯾﺔ اﻟﺳردﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻧظرﯾﺔ اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ ،دار اﻟﺣﻛﻣﺔ ،اﻟﺟزاﺋر،2001،ص .08
-2ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر ﺷرﺷﺎر ،ﻣدﺧل إﻟﻰ اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺎت اﻟﺳردﯾﺔ ،ص .01
187
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﻟﻠﺗطﺑﯾﻘﺎت ،ﻋﺎرﺿﺎ دراﺳﺔ ﻟﺧﺻﺎﺋص اﻟﺧطﺎب اﻟرواﺋﻲ ﻓﻲ ﻧص " اﻟوﻗﺎﺋﻊ اﻟﻐرﯾﺑﺔ ﻻﺧﺗﻔﺎء
ﺳﻌﯾد أﺑﻲ اﻟﻧﺣس اﻟﻣﺗﺷﺎﺋل" ﻷﻣﯾل ﺣﺑﯾﺑﻲ.1
اﻟﻣﻼﺣظ ﻋﻠﻰ دراﺳﺔ ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر ﺷرﺷﺎر أﻧﻪ ﻏﻠب ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻟﺟﺎﻧب اﻟﻧظري ﻋﻠﻰ اﻟﺟﺎﻧب
اﻟﺗطﺑﯾﻘﻲ ،ﻓﻘد ﺗﺗﺑﻊ اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺎت اﻟﺳردﯾﺔ ﻣن اﻟﻣﻧطﻠﻘﺎت اﻟﻣؤﺳﺳﺔ ﺛم اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ واﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ إﻟﻰ
ﻏﺎﯾﺔ ﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟﺗﺣﻠﯾل ﻓﻔﺻل ﻓﻲ اﺧﺗﻼﻓﺎت اﻻﺗﺟﺎﻫﺎت وأرﺟﻊ ذﻟك إﻟﻰ أن » ﻛل اﺗﺟﺎﻩ
ﯾﺳﺗﻣد ﻣﻔﺎﻫﯾﻣﻪ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻣن ﻣرﺟﻌﯾﺎت وﻣدارس ﻟﺳﺎﻧﯾﺔ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ،وﻧظرﯾﺎت ﻣﺗﺑﺎﯾﻧﺔ أﺣﯾﺎﻧﺎ ،ﻣﻣﺎ
ﻧﺗﺞ ﻋﻧﻪ اﺧﺗﻼف ﻓﻲ ﺗﺣدﯾد ﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟﺗﺣﻠﯾل« ،2ﻟﻛن اﻟﺑﺎﺣث ﻟم ﯾﺳﺗطﻊ أن ﯾﺑﻠور ﻧﻣوذج
ﯾﺣﺗذى ﺑﻪ ﻓﻲ اﻟدراﺳﺎت اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ اﻟﺳردﯾﺔ ﻣن ﺧﻼل ﺗطرﻗﻪ ﻟﻼﺗﺟﺎﻫﺎت اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ،ورﻏم أن
اﻟﺑﺎﺣث ﺗﺟﺎوز اﻷرﺑﻌﯾﯾن ﺻﻔﺣﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﺻل اﻟﺗطﺑﯾﻘﻲ اﻟﻣﻌﻧون ﺑـ ـ " ﺧﺻﺎﺋص اﻟﺧطﺎب
اﻟرواﺋﻲ ﻓﻲ ﻧص اﻟوﻗﺎﺋﻊ اﻟﻐرﯾﺑﺔ " ،ﻓﺎﻟﻣؤﻟف ﻗﺎل ﻓﻲ ﺑداﯾﺔ اﻟﺗﺣﻠﯾل أن اﻟرواﯾﺔ ﻟﯾﺳت ﻟﻬﺎ ﺑداﯾﺔ
ووﺳط وﻧﻬﺎﯾﺔ ،ﻓﻣن ﺑداﯾﺔ اﻟﺧطﺎب إﻟﻰ ﻧﻬﺎﯾﺗﻪ ﺗﺗﺻﺎرع اﻷﻓﻛﺎر واﻟﻌواطف ،وﯾﺣﺳم اﻟﺻراع
ﻓﻲ اﻟﻧﻬﺎﯾﺔ ﺑﺣل ﻣﯾﺗﺎﻓﯾزﯾﻘﻲ ،ﯾﺣﯾل إﻟﻰ ﻗراءات ﻣﺳﺗﻘﺑﻠﯾﺔ ﻟﻣوﺿوع اﻟﺻراع ،وﯾﺿﯾف أن
اﻟرواﯾﺔ ﯾﺻﻌب إﺣﺎﻟﺗﻬﺎ إﻟﻰ ﻣرﺟﻊ ﻣﻌﯾن ،ﺑرﻏم اﻹﺷﺎرات اﻟﺗﻲ ﻧﻠﺗﻣﺳﻬﺎ ﻣن اﻟﻣﻌطﯾﺎت
اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻘدﻣﻬﺎ ﻟﻧﺎ اﻟرواﯾﺔ ،ﻟﻛن اﻟﻣؤﻟف ﯾرى أﻧﻬﺎ ﻟم ﺗﻘدم ﺷﯾﺋﺎ ﻣﻬﻣﺎ ،ﺛم ﯾﺷدد ﻋﻠﻰ
ﻋدم إﻫﻣﺎل ﻫذﻩ اﻹﺷﺎرات ﻋﻠﻰ ﻗﺻورﻫﺎ ،3...ﻓﻣﺎ ﺟدوى ﻫذا اﻟﺗﺣﻠﯾل اﻟﻣﺿﻧﻲ؟ إذا ﻟم ﯾﺻل
اﻟﻧﺎﻗد إﻟﻰ ﻓﻬم اﻟﻧص أو أن ﯾﺻل إﻟﻰ ﻧﺗﯾﺟﺔ اﻧطﻠق ﻣﻧﻬﺎ أﺻﻼ ﻓﻲ ﺑداﯾﺔ ﺗﺣﻠﯾﻠﻪ ؟.
وﻣن اﻷﺳﻣﺎء اﻟﺗﻲ ﻻ ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﻻ ﻧﺗﺟﺎﻫﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻗدﻣت ﻣن إﺳﻬﺎﻣﺎت ﻓﻲ اﻟﻧﻘد
اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ اﻟﺟزاﺋري ﻧذﻛر " اﻟطﺎﻫر رواﯾﻧﯾﺔ " ،ﻓﻘد اﻗﺗﺣم اﻟﻧﺎﻗد اﻟﻧﻘد اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ ﻣن ﺧﻼل
دراﺳﺗﻪ اﻟﻣوﺳوﻣﺔ ﺑـ " ﺳردﯾﺎت اﻟﺧطﺎب اﻟرواﺋﻲ اﻟﻣﻐﺎرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد ،ﻣﻘﺎرﺑﺔ ﻧﺻﺎﻧﯾﺔ ﺗطﺑﯾﻘﯾﺔ ﻓﻲ
آﻟﯾﺎت اﻟﻣﺣﻛﻲ اﻟرواﺋﻲ" ،ﻓﻘد أﻓﺻﺢ اﻟﺑﺎﺣث ﻋن ﺗوﺟﻬﻪ اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ إذ ﯾﻘول » وﻗد اﻋﺗﻣدت
188
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﻓﻲ دراﺳﺗﻬﺎ ﻣﻧﻬﺟﺎ ﯾﺳﺗﻧد إﻟﻰ ﻧظرﯾﺔ اﻟﻣﺣﻛﻲ ،وﻣﺎ أﻧﺟزﺗﻪ اﻟﺳردﯾﺎت ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻣﺟﺎل ﺑدءا
ﺑﺗراث اﻟﺷﻛﻼﻧﯾﯾن اﻟروس ،وﻟﻛﻧﻲ آﺛرت اﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾن ﺗوﺟﻬﯾن ﯾزاوﺟﺎن ﺑﯾن اﻟﻣﻘﺎرﺑﺔ اﻟﺷﻛﻼﻧﯾﺔ
واﻟﺗﺄوﯾﻠﯾﺔ ،ﻣﻣﺛﻠﯾن ﻓﻲ دراﺳﺔ "ﻣﺎﯾك ﺑﺎل" M.Balﻟﻠدﻻﻟﺔ اﻟﺳردﯾﺔ ﻓﻲ اﻟرواﯾﺔ ،وﻓﻲ اﻟدراﺳﺔ
اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ اﻟﺗﻌﺎﻗﺑﯾﺔ ﻟﻠرواﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ ﻟ ـ " ﻓﻼدﯾﻣﯾر ﻛرﯾﻛزﻧﺳﻛﻲ " .1«W.krysinski
وﻣن اﻷﺳﻣﺎء أﯾﺿﺎ "ﺣﺳﯾن ﺧﻣري" ﻓﻘد ﻗدم ﻋدة دراﺳﺎت ﻣﻧطﻠﻘﺎ ﻣن اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم
اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ ،ﻣن ﺑﯾﻧﻬﺎ دراﺳﺗﻪ اﻟﻣوﺳوﻣﺔ ﺑـ "ﻣﺎ ﺗﺑﻘﻰ ﻟﻛم" اﻟﻌﻧوان واﻟدﻻﻻت ،واﻟﺗﻲ ﯾرى ﯾوﺳف
وﻏﻠﯾﺳﻲ أﻧﻬﺎ أﺳﺳت ﻟﻌﻠم اﻟﻌﻧوان ﻓﻲ اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﺟزاﺋري ،2وأﯾﺿﺎ دراﺳﺗﻪ ﻟرواﯾﺔ ﻋﺑد
اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض "ﺻوت اﻟﻛﻬف" اﻟﻣوﺳوﻣﺔ ﺑـ " ﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ اﻟﺧطﺎب اﻟرواﺋﻲ" ،ﻓﻘد ﺗﺑﻧﻰ اﻟﻧﺎﻗد»
رؤﯾﺔ ﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ ﺗﺗﻘﺻﻰ ﺳﻣﺎت :اﻟﺻوت /اﻟﻛﻬف ،اﻟﻌﻘد /اﻟﺣﻘد ،اﻟﻣرأة /اﻟﺧﻧﺟر ﻓﻲ إطﺎر
ﻧظﺎم اﻷﺷﯾﺎء ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﺳرد واﻟﺷﺧوص ؟ واﻷﻣﻛﻧﺔ واﻷﺣداث ﻓﻲ ﺗدرﺟﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﻠم
ﺑروب ،ﻓﻲ إطﺎر اﻟوظﺎﺋف اﻟﺣﻛﺎﺋﯾﺔ اﻟﺷﻌﺑﯾﺔ ،ﻣﻊ ﺗﺗﺑﻊ ﺳﻣﺎت" اﻟرواﯾﺔ اﻟﺟدﯾدة " ﻓﻲ ﺻوت
اﻟﻛﻬفٕ ، 3« واﻟﻰ ﺟﺎﻧب ﻫؤﻻء ﻫﻧﺎك أﺳﻣﺎء أﺧرى ﻛﺎن ﻟﻬﺎ اﺳﻬﺎﻣﺎت ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ
اﻟﺟزاﺋري ﻋﻠﻰ ﻏرار ﻋﺑد اﻟﺣﻣﯾد ﺑوراﯾو ،وﺑﺧﺗﻲ ﺑن ﻋودة ،وأﺣﻣد ﯾوﺳف ،وأﺣﻣد
ﺷرﯾﺑط...وﻏﯾرﻫم.
اﻟﻣﺑﺣث اﻟﺛﺎﻟث -اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري:
أوﻻ -ﻓﻲ ﻣﺎﻫﯾﺔ اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ وأﺻوﻟﻬﺎ واﺗﺟﺎﻫﺎﺗﻬﺎ:
ﻣﺎ ﯾﻣﯾز اﻟﻛﻼم اﻟﻔﻧﻲ ﻋن ﻏﯾرﻩ ﻣن أﺻﻧﺎف اﻟﺧطﺎب ﻫو ﻣﺎ ﺗﺑﺣث ﻋﻧﻪ اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ،
اﻟﺗﻣﯾز ﯾﻧطﻠق ﺑﺷﯾر ﺗﺎورﯾت ﻓﻲ ﺣدﯾﺛﻪ ﻋن اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ،إذ ﯾﻘول »وﻫذا اﻟﺗﻣﯾز ﻏﺎﻟﺑﺎ
وﻣن ﻫذا ّ
ﻣﺎ ﯾﺗﺣﻘق ﻋن طرﯾق ﺧرق اﻟﻘواﻋد اﻟﻣﻌروﻓﺔ ﻟﻠﻧظﺎم اﻟﻠﻐوي اﻟﻌﺎدي،ﺳواء ﻓﻲ ﻣﺳﺗواﻩ اﻟﺻوﺗﻲ
أو اﻟﺗرﻛﯾﺑﻲ أو اﻟدﻻﻟﻲ ،...ﻓﺷﻌرﯾﺔ اﻟﻛﺗﺎب ﺗﺄﺗﻲ ﻣن اﻟﺷﻲء ﻏﯾر اﻟﻣﺗوﻗﻊ ،أو ﺧﯾﺑﺔ اﻻﻧﺗظﺎر
-1ﺳﻠﯾﻣﺔ ﻟوﻛﺎم ،ﺗﻠﻘﻲ اﻟﺳردﯾﺎت ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﻣﻐﺎرﺑﻲ ،د ط ،دار ﺳﺣر ﻟﻠﻧﺷر ،ﺗوﻧس.306 ،2009 ،
-2ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص.137
-3اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .138
189
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﻓﺎﻟﻣرﺳل ﯾﺗﺟﺎوز داﺋرة اﻹﺑﻼغ إﻟﻰ داﺋرة اﻟﺗﺄﺛﯾر واﻻﻧﻔﻌﺎل ،وﻫذا ﻣﺎ ﯾﺳﻣﻰ ﻓﻲ اﻟدراﺳﺎت
اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ ﺑﺎﻻﻧزﯾﺎح أو اﻻﻧﺣراف اﻷﺳﻠوﺑﻲ«.1
ﺧﺎﺻﯾﺔ اﻻﻧزﯾﺎح ﻫﻲ اﻟﺗﻲ ﯾﻌﺗﻣد ﻋﻠﯾﻬﺎ "ﺟﺎن ﻛوﻫﯾن" ﻓﻲ ﺗﺣدﯾدﻩ ﻟﻣﺎﻫﯾﺔ اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ إذ
ﯾﻌرﻓﻬﺎ ﺑﺄﻧﻬﺎ »ﻋﻠم اﻻﻧزﯾﺎﺣﺎت اﻟﻠﻐوﯾﺔ « ، 2وﻛذﻟك "ﺑول ﻓﺎﻟﯾري" اﻟذي ﯾرى أن » اﻷﺳﻠوب
اﻧزﯾﺎح ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﻘواﻋد« ،3وﻓﻲ ﻫذا اﻟﺳﯾﺎق ﯾﻌرف ﺟﺎن ﻛوﻫﯾن اﻻﻧزﯾﺎح ﺑﺄﻧﻪ »اﻟﻣﺟﺎوزة اﻟﻔردﯾﺔ
أو طرﯾﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻣؤﻟف واﺣد« ،4وﻟﻼﻧزﯾﺎح ﻣﺻطﻠﺣﺎت ردﯾﻔﺔ ﻋﻠﻰ ﻏرار اﻟﻌدول
واﻻﻧﺣراف واﻟﺗﺟﺎوز واﻟﻔﺿﺢ واﻟﺧرق...إﻟﺦ ،وﯾﻌﺗﺑر ﻣﻔﻬوم اﻷﺳﻠوب ﻧﻘطﺔ اﻻﻧطﻼق اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ
ﻓﻲ اﻟدراﺳﺔ اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ.
5
وﯾﻌﺗﺑر اﻷﺳﻠوب ﻋﻧد روﻻن ﺑﺎرت » ﺷﻲء اﻟﻛﺎﺗب ،ﻫو روﻋﺗﻪ وﺳﺟﻧﻪ ،إﻧﻪ ﻋزﻟﺗﻪ«
أﻣﺎ "دي ﺑوﻓون" ﻓﯾﺧﺗزل ﻣﻔﻬوم اﻷﺳﻠوب ﺑﺎﻟﻌﺑﺎرة اﻟﺑﺳﯾطﺔ » اﻷﺳﻠوب ﻫو اﻟرﺟل ﻧﻔﺳﻪ «6ﻛﻣﺎ
ﺗرﻛز ﺑﻌض اﻟﺗﻌرﯾﻔﺎت ﻋﻠﻰ أن اﻷﺳﻠوب ﯾﻣﺛل اﻟﻣﻼﻣﺢ اﻟﻣﻣﯾزة ﻟﻠﻛﺗﺎب ،واﻟﺗﻲ ﻻ ﺗﺧﺗﻠف ﻋن
اﺧﺗﯾﺎر ﻟﻐوﯾﺎ ﺑﯾن ﺑداﺋل ﻣﺗﻌددة ،إذ أن اﻻﺧﺗﯾﺎر ﺳرﻋﺎن ﻣﺎ
ا اﻟﺗﻌرﯾﻔﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﻌﺗﺑر اﻷﺳﻠوب »
-ﯾرى ﺑﯾﺎر ﻏﯾروأن "ﻧوﻓﺎﻟﯾس" ﻫو أول ﻣن اﺳﺗﺧدم ﻣﺻطﻠﺢ اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ،ﻓﻲ ﺣﯾن ﯾرى ﺟورج ﻣوﻧﺎن أن ﻓون درﺟﺑﻠﻧﺗس
ﻫوﻣن أطﻠق اﻟﺗﺳﻣﯾﺔ ،وﻛﺎن ذﻟك ﺳﻧﺔ ،1875إﻻ أن اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ﻟم ﺗﺗﺿﺢ ﻣﻌﺎﻟﻣﻬﺎ ﺣق اﻟوﺿوح إﻻ ﻣﻊ ﺗﻠﻣﯾذ دوﺳوﺳﯾر
ﺷﺎرل ﺑﺎﻟﻲ ،اﻟذي وﺿﻊ ﻟﺑﻧﺎت اﻟﺻرح اﻷﺳﻠوﺑﻲ ،ﺛم ﺟﺎءت ﺑﻌدﻩ طﺎﺋﻔﺔ ﻣن اﻷﺳﻠوﺑﯾﯾن اﻟذﯾن ﺷﻘوا طرﻗﺎ واﺗﺟﺎﻫﺎت ﺿﻣن
ﻫذا اﻟﻌﻠم اﻟﺟدﯾد ،ﻣن ﺑﯾﻧﻬم ﻣﺎروزو ،ﻣﺎرﺳﯾل ﻛرﯾﺳوا ،روﺑرت ﺳﺎﯾس ،ﺳﺗﯾﻔن أوﻟﻣﺎن ،ﺑﯾﺎر ﻏﯾرو ،ﻟﯾوﺳﺑﯾﺗزر،ﻣﯾﺧﺎﺋﯾل رﯾﻔﺎﺗﯾر
روﻣﺎن ﺟﺎﻛﺑﺳون...إﻟﺦ ،ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ص ،144ﺑﺗﺻرف
-1ﺑﺷﯾر ﺗﺎورﯾت ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر دراﺳﺔ ﻓﻲ اﻷﺻول واﻟﻣﻼﻣﺢ واﻹﺷﻛﺎﻻت ،ص .179
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .179
-3ﺑﯾﺎر ﺟﯾرو ،اﻷﺳﻠوب واﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ،ﺗرﺟﻣﺔ ﻣﻧذر ﻋﯾﺎﺷﻲ ،ﻣرﻛز اﻹﻧﻣﺎء اﻟﻌرﺑﻲ ،ﻟﺑﻧﺎن ،د ت ،ص .86
-4اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .86
-5ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص .143
-6ﺻﻼح ﻓﺿل ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ص .88
190
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﯾﺣﻣل طﺎﺑﻊ ﺻﺎﺣﺑﻪ وﯾﺷﻲ ﺑﺷﺧﺻﯾﺗﻪ وﯾﺷﯾر إﻟﻰ ﺧواﺻﻪ « ،1أﻣﺎ ﻣﯾﺷﺎل ﻓوﻛو ﻓﺎﻷﺳﻠوب
ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻪ » طرﯾﻘﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ ﻓﻲ اﻟﻘول «.2
أﻣﺎ ﺑﺷﯾر ﺗﺎورﯾت ﻓﯾرى أن اﻷﺳﻠوب ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺗﺳﺗﺧدم ﻟﻧﻘل اﻷﻓﻛﺎر وﺗﺻوﯾر اﻟﺧواطر ﻓﯾﻣﺎ
ﻣﺛل اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ﺑﺂﻟﺔ ﺗﻌﻣد إﻟﻰ ﺗﻔﻛﯾك اﻷﺳﻠوب ﻟﻠوﻗوف ﻋﻠﻰ ﻋﻧﺎﺻرﻩ» ،ﻷن اﻷﺳﻠوب ﻟﻐﺔ
ﺗﺗﻣﯾز ﺑﺎﻻﻛﺗﻔﺎء اﻟذاﺗﻲ وﺗﻐرس ﺟذورﻫﺎ – ﻋﻠﻰ ﺣد ﺗﻌﺑﯾر ﺑﺎرت ﻓﻲ أﺳطورﯾﺔ اﻟﻣؤﻟف اﻟذاﺗﯾﺔ
اﻟﺳرﯾﺔ« ،3ﻓﺎﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ﻛﻣﻔﻬوم ﻣﺑﺎﺷر وﺑﺳﯾط ﺗﺷﯾر إﻟﻰ اﻟدراﺳﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺳﺗﻬدف اﻟﻛﺷف ﻋن
اﻟﺳﻣﺎت اﻟﻣﻣﯾزة ﻟﻠﻛﻼم ﻋﺎﻣﺔ ،وﻟﻔﻧون اﻹﺑداع اﻟﻘوﻟﻲ ﺧﺎﺻﺔ.4
وﻣﺎ ﯾﺳﺗﺧﻠص ﻣﻣﺎ ﺳﺑق ﻣن ﻣﻔﺎﻫﯾم أن اﻷﺳﻠوب ﻫو طرﯾق اﻟﻛﺎﺗب ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن
ﻣوﻗف ﻣﺎ ،وﻫو ﻣﺎ ﯾﻌﻛس ﺷﺧﺻﯾﺗﻪ اﻷدﺑﯾﺔ وﺗﻔردﻫﺎ ﻋن ﻏﯾرﻫﺎ ﻓﻲ اﺧﺗﯾﺎر اﻟﻣﻔردات وﺗﺄﻟﯾﻔﻬﺎ
وﺻﯾﺎﻏﺔ اﻟﻌﺑﺎرات وﯾﻣﻛن اﻟﻘول أن اﻷﺳﻠوب ﻫو» اﻟﺷﺧص أواﻟﺷﻲء اﻟﻛﺎﺗب ،إﻧﻪ اﻟﻧﺳﯾﺞ
اﻟذي ﯾﺷﻛل ﻣﻌﺎدﻟﺔ رﻣزﯾﺔ ﺗﺣﻣل ﻓﻲ طﯾﺎﺗﻬﺎ أﺑﻬﻰ ﺻورة ﻣن ﺻور اﺳﺗﺧدام اﻟﻛﻼم ﻟدى ﻛﺎﺗب
ﻣﺎ«.5
أﻣﺎ اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ﻓﻬﻲ ﻋﻠم دراﺳﺔ اﻷﺳﻠوب وﻫﻲ ﺑﺎﺧﺗﺻﺎر » ﻣﻐﺎﻣرة اﻧزﯾﺎﺣﯾﺔ داﺧل
اﻟﺟﻬﺎز اﻟﻠﻐوي – ﻓﻲ ﻣﺳﺗوﯾﺎﺗﻪ اﻟﻣﺗﺑﺎﯾﻧﺔ -ﻣﻣﺎ ﯾﺟﻌل اﻟدوال ﺗﺑﺗﻌد ﻋن ﻣرﺟﻌﯾﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﯾﺎﻗﺎﺗﻬﺎ
اﻷدﺑﯾﺔ وﺑﻘدر اﻧزﯾﺎﺣﻬﺎ ﻋﻣﺎ وﺿﻌت ﻟﻪ أﺻﻼ ﯾﻛون ﻧﺻﯾﺑﻬﺎ ﻣن اﻷدﺑﯾﺔ « ،6وﻫﻲ اﻟورﯾث
اﻟﺷرﻋﻲ ﻟﻌﻠم اﻟﺑﻼﻏﺔ ،إذ ﻗﺎﻣت ﻋﻠﻰ أﻧﻘﺎﺿﻬﺎ ﺑﻌد أن ﺟردﺗﻬﺎ ﻣن ﻣﻌﯾﺎرﯾﺗﻬﺎ ،ووﺣدت رؤﯾﺗﻬﺎ
191
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
اﻟﻔﺻﻠﯾﺔ ﺑﯾن دال اﻟﻧص وﻣدﻟوﻟﻪ...ﻟذا ﯾﻣﻛن أن ﺗﻛون اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ﺑﻣﺛﺎﺑﺔ " اﻣﺗداد ﻟﻠﺑﻼﻏﺔ وﻧﻔﻲ
ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﻧﻔس اﻟوﻗت ،ﻫﻲ ﻟﻬﺎ ﺑﻣﺛﺎﺑﺔ ﺣﺑل اﻟﺗواﺻل وﺧط اﻟﻘطﯾﻌﺔ ﻓﻲ ﻧﻔس اﻟوﻗت أﯾﺿﺎ.1
ٕواذا ﺗطرﻗﻧﺎ إﻟﻰ ﺟذور اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ﺑﻣﻔﻬوﻣﻬﺎ اﻟﺑﺳﯾط ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻋﻠم دراﺳﺔ اﻷﺳﻠوب ،ﻓﻬﻲ ﻟم
ﺗظﻬر ﻣن اﻟﻌدم ﻓﻘد ﺗﺣدث أرﺳطو ﻣﻧذ اﻟﻘدم ﻋن ﺑداﯾﺎت ﻫذا اﻟﻌﻠم ﺑﺣدﯾﺛﻪ ﻋن اﻷﺳﻠوب
وﺗﻣﯾﯾزﻩ ﺑﯾن اﻷﺳﻠوب اﻟﺟﻣﯾل واﻷﺳﻠوب اﻟﻘﺑﯾﺢ ،وﺗﻘﺳﯾﻣﻪ إﻟﻰ أﺳﻠوب ﻣﺗﺻل وآﺧر دوري ﻓﻲ
ﻛﺗﺎﺑﻪ " اﻟﺧطﺎﺑﺔ " ،2وﻛذﻟك أﺷﺎر "ﻟون ﺟﺎﯾﻧوس" ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ " اﻷﺳﻠوب اﻟرﻓﯾﻊ" ،إﻟﻰ ﺗﺄﺛﯾر
اﺧﺗﯾﺎر اﻷﻟﻔﺎظ واﻟﻛﻠﻣﺎت ﻓﻲ ﺣﺳن اﻷﺳﻠوب واﻟﺗﺄﺛﯾر ﻓﻲ اﻟﻣﺗﻠﻘﻲ ،ﻻﺳﯾﻣﺎ إذا أﺗﻘن اﻟﺷﺎﻋر
اﺳﺗﺧدام اﻟﺻور واﻟﻣﺟﺎز واﻟﻌﺑﺎرة اﻟﻧﺑﯾﻠﺔ ،3وﻣن ﻫﻧﺎ ﯾظﻬر ﻟﻧﺎ اﻟﺗﺟذر اﻟﻔﻠﺳﻔﻲ ﻟﻸﺳﻠوﺑﯾﺔ ﻣﻧذ
أﻗدم اﻟﻌﺻور.
وﻗد ﺗﺑﺎﯾﻧت اﺗﺟﺎﻫﺎت اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ﻣﺗﻛﺋﺔ ﻓﻲ ﻣﺟﻣﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ أرﺿﯾﺔ ﻟﺳﺎﻧﯾﺔ ﻣﺣﺿﺔ أﻫم ﻫذﻩ
اﻻﺗﺟﺎﻫﺎت :
-1اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ اﻟﺗﻌﺑﯾرﯾﺔاﻟوﺻﻔﯾﺔ:
وراﺋدﻫﺎ "ﺷﺎرل ﺑﺎﻟﻲ"،وﻫﻲ » ﺗﻌﻧﻰ ﺑﺎﻟﻘﯾم اﻟﺗﻌﺑﯾرﯾﺔ واﻟﻣﺗﻐﯾرات اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ وذﻟك ﻣن
ﺧﻼل دراﺳﺔ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن اﻟﺻﯾﻎ واﻟﻔﻛر،ﻓﻬﻲ ﻻ ﺗﺧرج ﻋن ﻧطﺎق اﻟﻠﻐﺔ ،وﻻ ﺗﺗﻌدى وﻗﺎﺋﻌﻬﺎ
وﯾﻌﺗد ﻓﯾﻬﺎ ﺑﺎﻷﺑﻧﯾﺔ اﻟﻠﻐوﯾﺔ ووظﺎﺋﻔﻬﺎ اﻋﺗدادا وﺻﻔﯾﺎ ﺑﺣﺗﺎ ،ﻓﺄﺳﻠوﺑﯾﺔ اﻟﺗﻌﺑﯾر ﺗﻬدف إﻟﻰ دراﺳﺔ
اﻟﻘﯾم اﻟﺗﻌﺑﯾرﯾﺔ اﻟﻠﻐوﯾﺔ اﻟﻛﺎﻣﻧﺔ ﻓﻲ اﻟﻛﻼم« ،4وﺗﺣﺎول اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ اﻟﺗﻌﺑﯾرﯾﺔ وﺻف أﺳﻠوب
اﻟﻠﻐﺔ أو ﻋﻠﻰ اﻷﻗل وﺻف إﻣﻛﺎﻧﯾﺎت اﻟﻠﻐﺔ وﻧﻣطﻬﺎ اﻷﺳﻠوﺑﻲ.
-1ﻋﺑد اﻟﺳﻼم اﻟﻣﺳدي ،اﻷﺳﻠوب واﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ،ط ،03اﻟدار اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب ،ﺗوﻧس -ﻟﯾﺑﯾﺎ ،د ت ،ص .52
-2ﺑﺷﯾر ﺗﺎورﯾت ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ص .185
-3اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .185
-أﺣد ﺗﻼﻣذة ﻓﯾردﯾﻧﺎﻧد دي ﺳوﺳﯾر ،ﻣن اﻷﻋﻣﺎل اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺧﻠﻔﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺟﺎل اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ﻧذﻛر ﻣﻘﺎﻻ ﺑﻌﻧوان " اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ
اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ " ،ﻛﺗﺎب " اﻟوﺟﯾز ﻓﻲ اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ " و" ﻣﺻﻧف اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ " وﻏﯾرﻫﺎ ﻣن اﻵﺛﺎر اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻛ ـ " اﻟﻠﺳﺎﻧﯾﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ
واﻟﻠﺳﺎﻧﯾﺎت اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ" و"اﻟﻠﻐﺔ واﻟﺣﯾﺎة" .أﻧظر :ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ﺑﺷﯾر ﺗﺎورﯾت ،ص .203-202
-4ﺑﺷﯾر ﺗﺎوﯾت ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ص .203
192
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
193
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
اﻷﺳﻠوب" ﻟﻸﺳﺗﺎذ أﺣﻣد اﻟﺷﺎﯾب ٕوان اﻋﺗﺑرﻩ اﻟﺑﻌض ﺛورة ﻋﻠﻰ ﻋﻠم اﻟﺑﻼﻏﺔ ،ﻟﻛﻧﻪ ﻟم ﯾﺳﺗطﻊ
أن ﯾﻧﻔﻠت ﻣن ﺷﺑﺎﻛﻬﺎ» ،وﻟم ﯾﺳﺗطﻊ أﺣﻣد اﻟﺷﺎﯾب ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ اﻟﻣذﻛور أﻋﻼﻩ أن ﯾﻛﺳر اﻟﺣواﺟز
اﻟﺗﻲ ﺗﺣﺟب ﺑﯾﻧﻪ وﺑﯾن اﻟدراﺳﺎت اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ﻓﻲ ﻣﻧﻌطﻔﻬﺎ اﻟﺣداﺛﻲ اﻟﺗﻲ ﺗﻌﻣل ﻋﻠﻰ وﺻف
اﻟﻣﺟﻬري ﻟﻣﻛوﻧﺎت اﻟﻧص ﻓﻲ ﻣرﺣﻠﺔ ،وﻓﻲ ﻣرﺣﻠﺔ ﺗﺎﻟﯾﺔ اﻟوﺻول إﻟﻰ ﻣﺎ ﯾرﻗد ﺗﺣت اﻟﺑﻧﺎء
اﻟﺳطﺣﻲ ،ﻣن ﻗﯾم ﻧﻔﺳﯾﺔ أو اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ أو طﺎﻗﺎت ﻓﻛرﯾﺔ ﻣﺣرﻛﺔ ﻟﻌﻣﻠﯾﺔ اﻹﺑداع«.1
وﯾرﺟﻊ اﻟﻔﺿل اﻷﻛﺑر ﻟﻠﻧﺎﻗد اﻟﺗوﻧﺳﻲ "ﻋﺑد اﻟﺳﻼم اﻟﻣﺳدي" ﻓﻲ اﻟﺗﺄﺳﯾس ﻟﻸﺳﻠوﺑﯾﺔ ﻓﻲ
اﻟوطن اﻟﻌرﺑﻲ ﻋن طرﯾق ﻛﺗﺎﺑﻪ" اﻷﺳﻠوب واﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ " اﻟذي ﯾﻌد ﻣن أﺑرز اﻟدراﺳﺎت اﻟﺗﻲ
ﺣﺎوﻟت ﺑﺳط ﻣﺑﺎدئ اﻟﺗﻔﻛﯾر اﻷﺳﻠوﺑﻲ ﻓﻲ أورﺑﺎ وﻓرﻧﺳﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﺣو ﺧﺎص ،ﺛم ﻛﺗﺎﺑﻪ اﻵﺧر
"اﻟﻧﻘد واﻟﺣداﺛﺔ" اﻟذي ﻗدم ﻓﯾﻪ ﻧﻣوذﺟﺎ ﺗطﺑﯾﻘﯾﺎ ﻟﻘﺻﯾدة "وﻟد اﻟﻬدى" ﺣﯾث ﻋﻣل ﻋﻠﻰ ﺗﺣوﯾل
ﺟﻣﺎﻟﯾﺎت ﻫذا اﻟﻧص إﻟﻰ ﻣﻌﺎدﻻت إﺣﺻﺎﺋﯾﺔ وأرﻗﺎم ﻛﻣﯾﺔ ﯾرى ﺑﺷﯾر ﺗﺎورﯾت ﻓﻲ ﻗراءﺗﻪ ﻟﻠﻛﺗﺎب
أﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺧﺑرﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﻧﻬﺎﯾﺔ ﺑﺷﻲء ﻋن ﺟﻣﺎﻟﯾﺎت ﻫذا اﻟﻧص وروﺣﻪ اﻟﻔﯾﺎض.2
ٕواﻟﻰ ﺟﺎﻧب اﻟﻣﺳدي ﻧذﻛر اﻟﻧﺎﻗد اﻟﺳوري "ﻋدﻧﺎن اﺑن ذرﯾل" ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ اﻟﻠﻐﺔ واﻷﺳﻠوب
و"ﻣﺣﻣد ﺷﻛري ﻋﯾﺎد" ﻓﻲ ﺑﺣﺛﻪ "اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ ﻣﺣﺎوﻟﺔ ﺗﻌرﯾف"،وﻛﺗﺎﺑﻪ " اﺗﺟﺎﻫﺎت اﻟﺑﺣث
اﻷﺳﻠوﺑﻲ" ،و"ﻣدﺧل إﻟﻰ ﻋﻠم اﻷﺳﻠوب " ،ﺛم ﻧﺟد اﻟﻧﺎﻗد اﻟﻣﺻري ﺻﻼح ﻓﺿل وﻛﺗﺎﺑﻪ " ﻋﻠم
اﻷﺳﻠوب ﻣﺑﺎدﺋﻪ ٕواﺟراءاﺗﻪ "و" أﺳﺎﻟﯾب اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة " اﻟذي أﺛﺎر ﻓﯾﻪ إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ
اﻷﺳﻠوﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺣدﯾث إذ ﻧﺎﻗش ﻫذﻩ اﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺔ ﻣن وﺟﻬﺔ ﻧظر إﺟراﺋﯾﺔ ﯾﺿﺎف
إﻟﻰ ﻫذﻩ اﻷﺳﻣﺎء ﻣﺣﻣد ﻋزام ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ "اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ﻣﻧﻬﺟﺎ ﻧﻘدﯾﺎ" ،وﻋﺑد اﻟﻬﺎدي اﻟطراﺑﻠﺳﻲ ﻓﻲ
ﻛﺗﺎﺑﻪ "ﺧﺻﺎﺋص اﻷﺳﻠوب ﻓﻲ اﻟﺷوﻗﯾﺎت" ،وﻛﺗﺎﺑﻪ اﻵﺧر " ﺗﺣﺎﻟﯾل أﺳﻠوﺑﯾﺔ" ،ﺛم ﺗواﻟت اﻟﺑﺣوث
اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ﺑﻌد ذﻟك.
وﻓﻲ ﺧﺗﺎم ﻣﺣطﺗﻧﺎ ﻓﻲ ﺗﺟﻠﯾﺎت اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻟدراﺳﺎت اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،ﻓﺈﻧﻪ ﯾﻣﻛن
اﻟﻘول أن اﻟدراﺳﺎت اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﺗﺧﺗﻠف ﺑﺎﺧﺗﻼف اﻟطراﺋق اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ اﻟﻣﻧﺗﻬﺟﺔ ،ﻓﺎﻷﻗﻼم
194
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ اﻟذﻛر اﺧﺗﺎرت ﺟﻣﯾﻌﻬﺎ اﻟﻧﻬﺞ اﻷﺳﻠوﺑﻲ ﻣﺗﺑﻌﺔ إﺟراءاﺗﻪ وآﻟﯾﺎﺗﻪ اﻟﺻﺎرﻣﺔ ،وﻧﻬﻠت ﻣن
اﺗﺟﺎﻫﺎﺗﻪ اﻟﻣﺗﺑﺎﯾﻧﺔ ،ﻛل ﺣﺳب ﻣﻘدرﺗﻪ ورؤﯾﺗﻪ ،وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﺟﺎءت ﺗﻠك اﻟدراﺳﺎت ﻣﻠوﻧﺔ ﺑﺄﻟوان
ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﺣﺳب ﻛل اﺗﺟﺎﻩ ،وﺗﻘول ﺑﺷرى ﻣوﺳﻰ ﺻﺎﻟﺢ »إذا ﻣﺎ أردﻧﺎ ﺻﯾﺎﻏﺔ ﺗوﺻﯾف ﻧﻘدي
ﯾﻧطﺑق ﻋﻠﻰ أﻛﺛرﻫﺎ ،ﻧﻘول :إن اﻟﺟﻬود اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ﻟم ﺗﺻل ﺑﻌد إﻟﻰ اﺑﺗداع ﻣﻧﻬﺞ ﻋرﺑﻲ
أﺳﻠوﺑﻲ ،ﺗﺿرب ﺟذورﻩ ﻓﻲ واﻗﻌﻧﺎ اﻟﻧﺻﻲ اﻟﺷﻌري اﻟﻌرﺑﻲ ،إذ أﻧﻬﺎ وﻻﺳﯾﻣﺎ ﻓﻲ ﻣرﺣﻠﺗﻬﺎ اﻷوﻟﻰ
ﺗﻘﺗﺑس ﻣن اﻻﺗﺟﺎﻫﺎت واﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ اﻟﻧﺻﯾﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﻣن دون اﻣﺗﻼك ﻓﻠﺳﻔﺔ أو رؤﯾﺔ
ﻧﻘدﯾﺔ ﺗﺣﻛم ﺳﻠطﺔ اﻷﺧذ ،أو ﺗﺑررﻫﺎ ،1« ...وﻋن رواج اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ وذﯾوع ﺻوﺗﻬﺎ ﻓﻲ وطﻧﻧﺎ
اﻟﻌرﺑﻲ ﺗﻧظﯾ ار وﻣﻣﺎرﺳﺔ ﯾﻘول ﺑﺷﯾر ﺗﺎورﯾت أﻧﻬﺎ » ﻻ ﺗزال ﻓﻲ ﺑداﯾﺔ اﻟطرﯾق ﻟﻌدم اﻣﺗﻼك
ﻣﻧظرﯾﻬﺎ وﻣطﺑﻘﯾﻬﺎ رؤﯾﺔ ﻧﻘدﯾﺔ ﺗﻧﺑﺛق ﻣن ﺣس ﻓﻧﻲ ﻓﯾﺎض ﯾﻣﻛن اﻟﻧﺎﻗد اﻷﺳﻠوﺑﻲ اﻟﻌرﺑﻲ ﻣن
ﺗﺻﯾد اﻷﻗﺑﺎس اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﺗﻣردة واﻟﻣﺧﺗﻔﯾﺔ ﻓﻲ روح اﻟﻧص وﻣﺎ ﯾﻐذي اﻟﺷﺟرة اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ
ﺑﻧﺳﻐﻬﺎ اﻟﺣﻲ ﻫو ارﺗﻛﺎزﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺟذور ﻣﻌرﻓﯾﺔ ﻋرﺑﯾﺔ وﻏﯾر ﻋرﺑﯾﺔ ،وﻣزﺟﻬﺎ ﺑﻣﻌطﯾﺎت اﻟﻣﻌرﻓﺔ
اﻟﺣدﯾﺛﺔ ،وذﻟك ﺑﻬدف ﺗﺧطﻲ ﻣﺟﻣل اﻟﺻور اﻵﻟﯾﺔ اﻟﺗﻲ ظﻬر ﺑﻬﺎ اﻟﻧص ﻫﯾﻛﻼ ﺟﺎﻣدا«.2
195
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
196
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﺗﺄﺗﻲ ﻋدﯾﻣﺔ اﻟﺟدوى ،ﺧﺎﻟﯾﺔ ﻣن ﻛل ﺗﺣﻠﯾل ذي ﻗﯾﻣﺔ ﻟﻠﺑﯾﺎﻧﺎت ،وﻻ ﺷك ﻓﻲ أن ﻣﺛل ﻫذا اﻟﻌﻠم
ﺑﺎﻫظ اﻟﺗﻛﺎﻟﯾف وﻣﺣدد اﻟﻧﻔﻊ ﻓﻲ آن ﻣﻌﺎ«.1
أن اﻋﺗﻣﺎد اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻹﺣﺻﺎء ﯾﺣوﻟﻬﺎ إﻟﻰ ﻋﻠم ﻣﻌﯾﺎري ﯾﻧﺗﺞ ﻛم
ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ّ
ﻣن اﻟﺟداول واﻟﺑﯾﺎﻧﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﺟرد اﻟﻧص واﻷدب ﻋﻣوﻣﺎ ﻣن ﺟﻣﺎﻟﯾﺗﻪ ،وﻋﯾب ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻻﺗﺟﺎﻩ
أﯾﺿﺎ أﻧﻪ ﻻ ﯾﻣﻛن ﺿﺑط اﻹﺟراءات واﻟﺧطوات اﻟﺗﻲ ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻘوم ﺑﻬﺎ اﻟﺑﺎﺣث ،ﻛﻣﺎ ﻻ ﯾﻣﻛن
ﺗطﺑﯾﻘﻬﺎ ﻷن ﻣﻌظم اﻟﺗﻌرﯾﻔﺎت اﻟﻣﺟﺎزﯾﺔ ﻟﻸﺳﻠوب ﻟم ﺗﻛن واﺿﺣﺔ ،ﻛﻣﺎ أﻧﻬﺎ زادت ﻣن ﺻﻌوﺑﺔ
ﺗطور اﻟﻧظرﯾﺔ اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ اﻟﻠﻐوﯾﺔ ،وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﻻ ﯾوﺟد ﺣﺗﻰ اﻵن ﺗﻌرﯾف دﻗﯾق ﻟﻸﺳﻠوب ،ﻛﻣﺎ ﻻ
ﺗوﺟد ﻧظرﯾﺔ أﺳﻠوﺑﯾﺔ ﻣﺣددة ،إذ أن ﻋﻼﻗﺔ اﻷﺳﻠوب ﺑﻧظﺎم اﻟﻠﻐﺔ أو ﺑﺎﻻﺳﺗﻌﻣﺎل اﻟﻠﻐوي ﻟم
ﺗﺗﺿﺢ ﺑﻌد ﺑﻣﺎ ﻓﯾﻪ اﻟﻛﻔﺎﯾﺔ.2
وﻗد ﺛﺎر ﺑﯾﺎر ﺟﯾرو ﺿد ﻫذا اﻹﺟراء اﻹﺣﺻﺎﺋﻲ اﻟﻣﻌﺗﻣد ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻷﺳﻠوﺑﻲ ﺑﻘوﻟﻪ
»ﯾﺧﻠط اﻹﺣﺻﺎﺋﯾون ﻏﺎﻟﺑﺎ ﺑﯾن اﻟﻛم واﻟﻧوع ،وﻟم ﯾﻧﺟﺣوا ﺣﺗﻰ ﯾوﻣﻧﺎ ﻫذا ﻓﻲ ﺗﺣدﯾد اﻟﻌﻼﻗﺔ
اﻟوظﯾﻔﯾﺔ ﺑﯾن اﻟﻣﺳﺗوﯾﯾن ،وﻟﻬذا اﻟﺳﺑب ﺷﻛﻠت ﺗﺣﻠﯾﻼﺗﻬم ﺟداول ﺣزﯾﻧﺔ ﻣن اﻟﻌواﻣل
واﻻﻧزﯾﺎﺣﺎت اﻟﻌددﯾﺔ ﻻ ﯾظﻬر ﻣﻌﻧﺎﻫﺎ ،إذا ظﻬر ﻛﺎن ﻣﻔرطﺎ وﺳﺎذﺟﺎ ﻓﻲ ﻧظر ﻛل أوﻟﺋك اﻟذﯾن
ﯾﻛرﻫون أن ﯾﻘﻧﻧوا اﻟﻘﯾم اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻓﻲ ﻣﺟرد ﻋﻼﻗﺎت ﻛﻣﯾﺔ«.3
وﻛﻣﻧﻬﺞ ﻧﻘدي وﺟﻬت ﻟﻸﺳﻠوﺑﯾﺔ ﻋدة اﻧﺗﻘﺎدات ،ﻷن إﺿﻔﺎء ﺻﻔﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻋﻠﻰ أي ﻋﻠم
ﻻ ﺗﺗﺣﻘق إﻻ ﺑﺎﻛﺗﺳﺎﺑﻪ اﻟرؤﯾﺔ اﻟﻣﺳﺗﻘﻠﺔ ،وﻫو ﻣﺎ ﺗﻔﺗﻘر إﻟﯾﻪ اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ وﯾظﻬر ذﻟك ﻛﻣﺎ رأﯾﻧﺎ ﻓﻲ
ﺗداﺧﻠﻬﺎ ﻣﻊ اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ ،ﻛﻣﺎ ﺗﺗداﺧل اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ﻣﻊ اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ وﯾﺗﺟﻠﻰ ذﻟك ﻓﻲ اﻟدراﺳﺔ اﻟﺗﻲ
أﻧﺟزﻫﺎ "ﻋﺑد اﻟﺣﻣﯾد ﺑوزوﯾﻧﺔ" ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ "ﺑﻧﺎء اﻷﺳﻠوب ﻓﻲ اﻟﻣﻘﺎﻟﺔ ﻋﻧد اﻹﺑراﻫﯾﻣﻲ" وﻫﻧﺎك ﻣن
اﻟﺑﺎﺣﺛﯾن ﻣن ﻋﻣل ﻋﻠﻰ ﺗذوﯾب ﻣﻼﻣﺢ اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ﺑﻣﻔﻬوﻣﻬﺎ اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻓﻲ ﻣﻼﻣﺢ اﻟدراﺳﺔ
197
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
اﻟﻠﻐوﯾﺔ اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ ،وﺑﺧﺎﺻﺔ اﻟﺟﺎﻧب اﻟﻧﺣوي ،وﻫذا ﻣﺎ ﻗﺎم ﺑﻪ راﺑﺢ ﺑوﺣوش ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ " اﻟﺑﻧﯾﺔ
اﻟﻠﻐوﯾﺔ ﻓﻲ ﺑردة اﻟﺑوﺻﯾري".1
وﻣن اﻻﻧﺗﻘﺎدات اﻟﺗﻲ وﺟﻬت ﻟﻸﺳﻠوﺑﯾﺔ ﻫو ﻣﺎ ﺗﻌﻠق ﺑﺂﻟﯾﺔ اﻻﻧزﯾﺎح اﻟﺗﻲ ﯾﺗﺣﻘق ﻣﻌﻬﺎ
ﺗﻣﯾز اﻟظواﻫر اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻧص ﺑوﺻﻔﻬﺎ ﺳﻣﺔ ﺑﺎرزة »إن ﻣﺣﺎوﻟﺔ ﺗﺻور اﻷﺳﻠوب
ﻣﺗﻌﻣد ﻣن ﻗﺑل اﻟﻣؤﻟف ﻟﺗﺣﻘﯾق أﻏراض
ّ اﻟﻧص ﻫو اﺑﺗﻌﺎد
ﻛﺎﻧﺣراف ﻋن ﻗﺎﻋدة ﺧﺎرﺟﺔ ﻋن ّ
ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ « ،2وﺗﻌﺗﺑر ﻫذﻩ اﻟﺳﻣﺔ اﯾﺟﺎﺑﯾﺔ ﻟﺗﺣرﯾر اﻟﻣﺑدع ،ﻟﻛن ﻣﺎ ﻋﺳﺎﻧﺎ اﻟﻘول ﻓﻲ ﺣﺎل وﺟود
ﻧﺻوص ﺑﻼ أﺳﻠوب،وذﻟك ﺑﺎﻻﺣﺗﻛﺎم ﻟﻬذﻩ اﻟﺧﺎﺻﯾﺔ ،ﻷن ﻫﻧﺎك ﻧﺻوص ﻻ ﺗﻧﺣرف ﻋن
ﻗﺎﻋدة ﻣﺎ ﻣن ﺟﻬﺔ ،وﯾﺻﻌب ﺗﺣدﯾد ﻛل ﻣن اﻟﻘﺎﻋدة واﻻﻧﺣراف ﻣن ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﯾﺔ» ،وﻫﻧﺎ ﺗﻛﻣن
اﻟﺧطورة واﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻻﻧﺣراف ،ﻓﻌﻧد وﺟود ﻧﺻوص ﻻ ﺗﻧﺣرف وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﻓﻼ وﺟود
ﻟﻸﺳﻠوب ،ﻫذا ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ وﺟود اﻧﺣراﻓﺎت ﻻ ﯾﺗرﺗب ﻋﻠﯾﻬﺎ أي ﺗﺄﺛﯾر أﺳﻠوﺑﻲ ،اﻷﺧطﺎء
اﻟﻠﻐوﯾﺔ واﻹﻣﻼﺋﯾﺔ« ،3ﺑل ﯾﻣﻛن أن ﺗﻛون »ﻫﻧﺎك ﻋﻧﺎﺻر ﻟﻐوﯾﺔ ذات أﻫﻣﯾﺔ أﺳﻠوﺑﯾﺔ دون أن
ﺗﻛون ﺧروﺟﺎ ﻋن اﻟﻘواﻋد اﻟﻣﻌﺗﻣدة«.4
ﻛﻣﺎ أن ﻫﻧﺎك إﺷﻛﺎﻻت أﺧرى ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺗوى اﻟوظﯾﻔﻲ ﺗﺗﺻدرﻫﺎ إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻻﺧﺗﯾﺎر،
ﻓﺎﺧﺗﯾﺎر ﻣﻌدﻻت اﻟﺗﻛرار ﻟﻠﻌﻧﺎﺻر اﻟﻠﻐوﯾﺔ ،إذا ﻛﺎﻧت ﺷدﯾدة اﻟﺗﺷﺎﺑﻪ واﻟﻘرب ﻣن ﺑﻌﺿﻬﺎ
ﺗﻌرض اﻟﺑﺣث ﻹﻣﻛﺎﻧﯾﺔ ﻋدم اﻟﻌﺛور ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻼﻣﺢ اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ اﻟﻣﺧﺗﻔﯾﺔ ﺧﻠف اﻟﺑداﺋل ،وﺧﻼﺻﺔ
اﻟﻘول أن اﻟﻧﻘد اﻷﺳﻠوﺑﻲ ﻗد ﺗﻌرض ﻟﻣزاﻟق ﻋدة ٕواﺷﻛﺎﻻت ﻛﺑﯾرة ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﻧظري
واﻹﺟراﺋﻲ ،ﻛﻔﻘداﻧﻬﺎ ﻟﺻﻔﺔ اﻟﻣوﺻوف اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ ﺑذوﺑﺎﻧﻬﺎ ﻓﻲ اﺗﺟﺎﻫﺎت ﻧﻘدﯾﺔ أﺧرى ﻛﺎﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ
واﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ أدى ذﻟك إﻟﻰ ﻓﻘداﻧﻬﺎ ﻣﻼﻣﺣﻬﺎ ،ﻛﻣﺎ أن اﻋﺗﻣﺎدﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻹﺣﺻﺎء ﺟردﻫﺎ ﻣن اﻟﻣﻠﻣﺢ
اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟذي ﯾﺗﺳم ﺑﻪ اﻟﻧﻘد واﻷدب ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻣوم.
198
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﻓﻛﺎﻧت ﺑداﯾﺔ ﻋﻬد اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري ﺑﺎﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ﻓﻲ ﻛﺗﺎب ﻣرﺗﺎض اﻟﻣوﺳوم ﺑـ ـ ـ "اﻷﻣﺛﺎل
اﻟﺷﻌﺑﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ " ،ﻻﺳﯾﻣﺎ ﻓﻲ ﻓﺻل ﻣن ﻓﺻول اﻟﻛﺗﺎب واﻟﻣوﺳوم ﺑ ـ ـ " دراﺳﺔ أﺳﻠوﺑﯾﺔ ﻓﻲ
اﻷﻣﺛﺎل اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ " ﺣﯾث ﺗطرق إﻟﻰ ﻣﻔﺎﻫﯾم اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ وﺗﺎرﯾﺧﻬﺎ ﺛم ﻋرج ﻋﻠﻰ اﻟﺟﺎﻧب
اﻟﺗطﺑﯾﻘﻲ.
اﺳﺗﻬل ﻣرﺗﺎض ﻛﻼﻣﻪ ﻋن اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ﻣﺗﺳﺎﺋﻼ ﻋن ﻣﺎﻫﯾﺗﻬﺎ ،ﺛم ﯾﺣﺎول اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋن
ﺳؤاﻟﻪ ،ﻣؤﻛدا ﻋﻠﻰ اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ إﯾﺟﺎد إﺟﺎﺑﺔ ﺑﻘوﻟﻪ » ﺑل إﻧﻧﺎ ﻟﻧﺷﻌر ﺑﺄن ﻫذﻩ اﻹﺟﺎﺑﺔ ﺷدﯾدة
اﻟﻌﺳر ،ﺑﺎﻟﻐﺔ اﻟﺗﻌﻘﯾد ،ﺑل ﻗد ﯾﺳﺗﺣﯾل إﻋطﺎء ﺟواب ﻧﻬﺎﺋﻲ دﻗﯾق ﻋن ﻫذا اﻟﺳؤال « ،2ﻓﺳﻌﻰ
اﻟﻧﺎﻗد إﻟﻰ اﻟﺗﺄﺻﯾل ﻟﻸﺳﻠوﺑﯾﺔ ﻣن ﺧﻼل ﻋﻼﻗﺗﻬﺎ ﺑﺎﻷﺳﻠوب وﻋﻠم اﻟﺑدﯾﻊ ،ﺛم ﺻﻧف اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ
إﻟﻰ أﺳﻠوﺑﯾﺔ ﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ وأﺳﻠوﺑﯾﺔ وﺻﻔﯾﺔ ،ﻛذﻟك ﻋرج اﻟﻧﺎﻗد ﻋﻠﻰ اﻟﻛﻼم ﻋﻠﻰ ﺑﻌض اﻟﻌﻧﺎﺻر
اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﻏرار اﻻﻧزﯾﺎح اﻟذي أﺷﺎر إﻟﻰ ﺻﻌوﺑﺔ ﺗرﺟﻣﺗﻪ ﻟﻌدم اﺳﺗﻘرار ﻣﻔﻬوﻣﻪ ﻓﻲ
-1ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص .148
-2ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض ،اﻷﻣﺛﺎل اﻟﺷﻌﺑﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ،ص .116
199
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
اﻟدراﺳﺎت اﻟﻐرﺑﯾﺔ ،وﻟﻺﺷﺎرة اﻻﻧزﯾﺎح اﻷﺳﻠوﺑﻲ ﻋﻧد ﻣرﺗﺎض ﻫو» اﻟذي ﯾﻌﺎدل اﻷﺳﻠوب اﻷدﺑﻲ
اﻟذي ﯾﺗﻣﯾز ﺑﺎﻟﺧﺻوﺻﯾﺔ ،وﯾﺗﺟﺎﻧف ﻋن اﻟﻣﺄﻟوف اﻟﻣﺑﺗذل اﻟﻘﺎﺋم ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻘﻠﯾد واﻟﻣﺣﺎﻛﺎة ﺿﻣن
ﻧظﺎم اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺎم ،ﻓﻲ أي ﻟﺳﺎن ﻣن اﻷﻟﺳن ،ذﻟك ﺑﺄن اﻷﺳﻠوب اﻷدﺑﻲ ،ﺑﻣﺎ ﻫو ﺧﺎﺻﯾﺔ
ﻓرداﻧﯾﺔ ،ﻟم ﯾزل ﯾﺟﻧﺢ ﻧﺣو اﻟﺧروج ﻋن اﻟﻣﻌﺎﯾﯾر اﻟﺟﻣﻌﺎﻧﯾﺔ«.1
ﻛﻣﺎ أن اﻟﻧﺎﻗد ﻋﺎﻟﺞ ﻗﺻﯾدة " أﺷﺟﺎن ﯾﻣﻧﯾﺔ " ﻟﻌﺑد اﻟﻌزﯾز اﻟﻣﻘﺎﻟﺢ ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ "ﺑﻧﯾﺔ
اﻟﺧطﺎب اﻟﺷﻌري" ﻣن ﻣﻧظور أﺳﻠوﺑﻲ ﺑﻌد أن ﻋﺎﻟﺟﻬﺎ ﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺎ ﻓﻲ ﻧﻔس اﻟﻛﺗﺎب » ،وﻗد ﺣﻠل
ﻣرﺗﺎض ﺿروﺑﺎ "اﻧزﯾﺎﺣﯾﺔ" ﺷﺗﻰ ﺑﻠﻐﺔ إﺑداﻋﯾﺔ ﺛﺎﻧﯾﺔ ،ﺗﺗﻘﺻﻰ ﺟﻣﺎﻟﯾﺗﻬﺎ اﻟﺗﻌﺑﯾرﯾﺔ ﺑوﺻﻔﻬﺎ
أﺳﺎﻟﯾب ﻣﻧﺣرﻓﺔ ﻋن اﻟﻧﻣط اﻻﺳﺗﻌﻣﺎﻟﻲ اﻟﻣﻌﯾﺎري ،ﻗﺑل أن ﯾؤوب إﻟﻰ اﻟﻣﻧظور اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ
ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻟﺟﺔ اﻟﻧص ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟرﺑﺎﻋﯾﺔ اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ :اﻹﯾﻘوﻧﺔ ،اﻟﻘرﯾﻧﺔ ،اﻟرﻣز ،اﻻﺷﺎرة.2«
وﻣن اﻷﻋﻣﺎل اﻟﺟﺎدة ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻷﺳﻠوﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ﻫواﻟدراﺳﺔ اﻟﺗﻲ ﻗﺎﻣت ﺑﻬﺎ اﻟﺑﺎﺣﺛﺔ
ﺳﺎﻣﯾﺔ راﺟﺢ اﻟﻣوﺳوﻣﺔ ب " أﺳﻠوﺑﯾﺔ اﻟﻘﺻﯾدة اﻟﺣداﺛﯾﺔ ﻓﻲ ﺷﻌر ﻋﺑد اﷲ اﻟﺣﻣﺎدي " وﻫﻲ
ﻋﺑﺎرة ﻋن أطروﺣﺔ دﻛﺗوراﻩ ﻓﻲ اﻷدب اﻟﺟزاﺋري ﺑﺟﺎﻣﻌﺔ ﺑﺎﺗﻧﺔ ،ﺻرﺣت اﻟﺑﺎﺣﺛﺔ ﻓﻲ ﻣﻘدﻣﺔ
دراﺳﺗﻬﺎ ﻓﻲ رﻏﺑﺗﻬﺎ ﻟﺗّﺄﺳﯾس ﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺎت اﻟﻘﺻﯾدة اﻟﺣداﺛﯾﺔ ﺗﺄﺳﯾﺳﺎ أﺳﻠوﺑﯾﺎ ،ﻣن ﺧﻼل اﻟﺗﻘرب ﻣن
اﻟﻣدوﻧﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﻓﻲ ﺻورﺗﻬﺎ اﻟﺣداﺛﯾﺔ ،وذﻟك ﻣن ﺧﻼل اﻟﻛﺷف ﻋن اﻟﺗﻣﺎﺛل اﻟﻘﺎﺋم ﺑﯾن
ﻋطﺎءات اﻟﻣد اﻷﺳﻠوﺑﻲ ﻓﻲ طﺎﺑﻌﻪ اﻟﻧﻘدي ،وﻋطﺎءات اﻟﺣداﺛﻲ ﻓﻲ طﺎﺑﻌﻪ اﻹﺑداﻋﻲ ،3ﻟﻘد
اﺧﺗﺎرت اﻟﻧﺎﻗدة اﻟﺷﺎﻋر اﻟﺟزاﺋري ﻋﺑد اﷲ اﻟﺣﻣﺎدي اﻟﻣﻌروف ﺑﺗﺣﻠﯾﻘﺎﺗﻪ اﻟﺣداﺛﯾﺔ ﺗﻧظﯾ ار ٕواﺑداﻋﺎ
ﺣﺳب ﺗﻌﺑﯾرﻫﺎ ﻣن ﺧﻼل اﻟﺑﺣث ﻋن ﻣﺧﺗﻠف اﻟظواﻫر اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ﻓﻲ ﺷﻌرﻩ.
ﻟﻘد ﻛﺎﻧت اﻟﺑﺎﺣﺛﺔ ﺟرﯾﺋﺔ إﻟﻰ ﺣد ﻣﺎ ﻓﻲ إرﺟﺎﻋﻬﺎ ﻟﺟزﺋﯾﺔ اﻟدراﺳﺎت اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ ﻓﻲ ﻫذا
اﻟﻣﺟﺎل ﻟﻌدم ﺗوﻓر ﻣﺎ ﯾطﻠق ﻋﻠﯾﻪ ﺑﺎﻟذوق اﻷدﺑﻲ أو اﻟﺣس اﻟﻔﻧﻲ ﻋﻧد أوﻟﺋك اﻟﻧﻘﺎد ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ
-1ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض ،ﻣﺎﺋﺔ ﻗﺿﯾﺔ وﻗﺿﯾﺔ ،دار ﻫوﻣﺔ ،اﻟﺟزاﺋر،2012 ،ص .185
-2ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي ﻋﻧد ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض ،ص .77
-3ﺳﺎﻣﯾﺔ راﺟﺢ ،أﺳﻠوﺑﯾﺔ اﻟﻘﺻﯾدة اﻟﺣداﺛﯾﺔ ﻓﻲ ﺷﻌر " ﻋﺑد اﷲ اﻟﺣﻣﺎدي" ،أطروﺣﺔ دﻛﺗوراﻩ أدب ﺟزاﺋري ،ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺑﺎﺗﻧﺔ
ﻧوﻗﺷت ﻓﻲ اﻟﺳﻧﺔ اﻟﺟﺎﻣﻌﯾﺔ .2012-2011ص أ.
200
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
إﻟﻰ ﻋواﻣل أﺧرى اﻟﻣﺗﻣﺛﻠﺔ ﻓﻲ ﺗﻘﺻﯾر ﺑﻌض اﻟﻧﻘﺎد ﻋﻠﻰ ﺑﻌض اﻟﺟواﻧب اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ وﻋدم
اﻟﻛﻔﺎﯾﺔ اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ﻓﻲ اﺳﺗﻧﺑﺎط ﺟﻣﺎﻟﯾﺎت اﻟﻧﺻوص اﻟﻣﺷﺗﻐل ﻋﻠﯾﻬﺎ.1
وﻗد ﺗوزﻋت اﻟدراﺳﺔ ﻋﻠﻰ أرﺑﻌﺔ ﻓﺻول ﺳﺑﻘت ﺑﻣدﺧل ﺑﻌد اﻟﻣﻘدﻣﺔ واﻧﺗﻬﻰ اﻟﺑﺣث
ﺑﺧﺎﺗﻣﺔ ﺗطرﻗت ﻓﯾﻬﺎ اﻟﺑﺎﺣﺛﺔ إﻟﻰ اﻟﻧﺗﺎﺋﺞ اﻟﺗﻲ وﺻﻠت إﻟﯾﻬﺎ ﻣن ﺧﻼل دراﺳﺗﻬﺎ،ﻓﺗطرﻗت اﻟﺑﺎﺣﺛﺔ
ﻓﻲ اﻟﻣدﺧل إﻟﻰ ﻣﻔﻬوم اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ واﻷﺳﻠوب ﻟدى اﻟﻌرب واﻟﻐرب ،ﺛم اﺷﺗﻐﻠت ﻋﻠﻰ ﻣﺑﺎدئ
وﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟﻣﻘﺎرﺑﺔ اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ،أﻣﺎ اﻟﻔﺻل اﻷول ﻓوﻗﻊ ﻓﯾﻪ اﻻﺷﺗﻐﺎل ﻋﻠﻰ أﺳﻠوﺑﯾﺔ اﻟﺑﻧﻰ
اﻟﺻوﺗﯾﺔ واﻹﯾﻘﺎﻋﯾﺔ اﻟداﺧﻠﯾﺔ ،ﻓﺗطرﻗت إﻟﻰ ﺗﻧوع اﻷﺻوات وﺧﺻﺎﺋﺻﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺻﺎﺋد اﻟﺣداﺛﯾﺔ
ﻟﻠﺷﺎﻋر ﻣن ﺟﻬر وﻫﻣس واﻧﻔﺟﺎر واﺣﺗﻛﺎك ،وﺗﻛﻠﻣت ﻋن أﺳﻠوﺑﯾﺔ اﻟﺗﻛرار وأﻧواﻋﻪ ﺻوﺗﻲ
وﺻﯾﻎ وﺟﻣل.
أﻣﺎ اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ ﺧﺻﺻﺗﻪ ﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ اﻟﺑﻧﻰ اﻟﺻوﺗﯾﺔ واﻹﯾﻘﺎﻋﯾﺔ اﻟﺧﺎرﺟﯾﺔ ،وﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ
ﻟﻠﻔﺻل اﻟﺛﺎﻟث ﻓﻌﻣﻠت ﻓﯾﻪ ﻋﻠﻰ دراﺳﺔ أﺳﻠوﺑﯾﺔ اﻟﺑﻧﻰ اﻟﻧﺣوﯾﺔ ﻣن ﺑﻧﻰ إﻓرادﯾﺔ وﺗرﻛﯾﺑﯾﺔ ،ﻓوﻗﻊ
اﻻﺷﺗﻐﺎل ﻋﻠﻰ ﺣداﺛﺔ اﻷﺳﻣﺎء واﻷﻓﻌﺎل ودرﺟﺔ ﺗﻛﺛﯾﻔﻬﺎ ،وﺗداﺧل اﻟزﻣن ودﻻﻟﺗﻪ اﻟﺣداﺛﯾﺔ ﻓﻲ
اﻟﺟزء اﻟﻣﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟﺑﻧﻰ اﻹﻓرادﯾﺔ ،أﻣﺎ اﻟﺑﻧﻰ اﻟﺗرﻛﯾﺑﯾﺔ ﻓﻘد ﺗﻌرﺿت ﻓﯾﻪ إﻟﻰ أﻧواع اﻟﺟﻣل ﻣن
ﺧﺑرﯾﺔ ٕواﻧﺷﺎﺋﯾﺔ ووظﯾﻔﯾﺔ.
وﻗد ﻋﻣﻠت اﻟﺑﺎﺣﺛﺔ إﻟﻰ ﺗﺧﺻﯾص اﻟﻔﺻل اﻟراﺑﻊ واﻷﺧﯾر ﻟدراﺳﺔ أﺳﻠوﺑﯾﺔ اﻟﺑﻧﻰ اﻟدﻻﻟﯾﺔ
وﺑﻌد أن ﻣﻬدت ﻟﻪ ﺑﺎﻟﺣدﯾث ﻋن ﻋﻠم اﻟدﻻﻟﺔ واﻟﻣﺳﺗوى اﻟﻣﻌﺟﻣﻲ ،ﺗطرﻗت إﻟﻰ اﻟﺗﻛﺛﯾف
اﻟدﻻﻟﻲ ،وﺑﻌد ذﻟك ﻋرﺟت ﻟﻠﺣدﯾث ﻋن اﻟﺣﻘول اﻟدﻻﻟﯾﺔ ،وﺧﺗﻣت اﻟﻔﺻل ﺑﺎﻟﺣدﯾث ﻋن
اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدﻻﻟﯾﺔ ﻛﻌﻼﻗﺔ اﻟﺗرادف وﻋﻼﻗﺔ اﻟﺗﺿﺎد.
ﻟﻘد أﺑﺎﻧت اﻟﺑﺎﺣﺛﺔ ﻋﻠﻰ ﻗدرﺗﻬﺎ اﻟﻛﺑﯾرة ﻓﻲ اﻟﺗﺣﻛم ﺑﺂﻟﯾﺎت اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻷﺳﻠوﺑﻲ ،ﻓﻌﺎﻟﺟت
اﻟﻧﺻوص اﻟﻣﺧﺗﺎرة ﻣﺑرزة اﻟظواﻫر اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ اﻟﺑﺎرزة ﻟدى اﻟﺷﺎﻋر ،ﻣﺑﯾﻧﺔ دﻻﻻﺗﻬﺎ اﻟﻠﻐوﯾﺔ واﻟﺗﻲ
اﻧﻌﻛﺳت ﻋﻠﻰ ﺷﺧﺻﯾﺗﻪ وﻧﻔﺳﯾﺗﻪ أﺣﯾﺎﻧﺎ ،ﻓﺑرزت ﺗﻠك اﻟظواﻫر ﻛﻣﯾزات ﻓﻲ ﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﺷﺎﻋر
1
-ﺳﺎﻣﯾﺔ راﺟﺢ ،أﺳﻠوﺑﯾﺔ اﻟﻘﺻﯾدة اﻟﺣداﺛﯾﺔ ﻓﻲ ﺷﻌر " ﻋﺑد اﷲ اﻟﺣﻣﺎدي" ،ص أ.
201
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
وأﺳﻠوﺑﻪ ،ﻓﺑرﻫﻧت اﻟﺑﺎﺣﺛﺔ ﻋن ذﻟك اﻟﺗﻣﺎﺛل ﺑﯾن اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ﻓﻲ أﻓﻘﻬﺎ اﻟﻧﻘدي وﺑﯾن اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ
اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﺣداﺛﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﻗل ﻟدى اﻟﺷﺎﻋر ﻋﺑد اﷲ ﺣﻣﺎدي ،وﻗد ﺑﯾﻧت ذﻟك اﻟﺗﻣﺎﺛل ﻓﻲ ﻗوﻟﻬﺎ
» ﻟﻘد ﻛﺷﻔت ﻫذﻩ اﻟدراﺳﺔ ﻋن ﺗﻣﺎﺛل ﻛﺑﯾر ﺑﯾن اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ﻓﻲ أﻓﻘﻬﺎ اﻟﻧﻘدي واﻟﺣداﺛﺔ ﻓﻲ أﻓﻘﻬﺎ
اﻹﺑداﻋﻲٕ ،وان ﻛﺎﻧت اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﺣداﺛﯾﺔ ﻗد ﻗﺎﻣت ﻋﻠﻰ ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﻌﻧﺎﺻر ،ﻓﺈن
اﻟﺗﻣﺎﺛل ﺑﯾن ﻫذﻩ اﻟﻌﻧﺎﺻر وﺳﻣﺎت اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ﯾﺑدو واﺿﺣﺎ ﻣن ﺧﻼل ﻫذﻩ اﻟﻣﻘﺎرﺑﺔ
اﻟﻣﺗواﺿﻌﺔ«.1
رﻏم أن اﻟﺑﺎﺣﺛﺔ ﻛﺛﻔت ﻓﻲ دراﺳﺗﻬﺎ ﻣن اﻟﻠﻐﺔ اﻟرﻗﻣﯾﺔ اﻹﺣﺻﺎﺋﯾﺔ ،اﻟﺗﻲ ﺟﻌﻠت دراﺳﺗﻬﺎ
ﺗﻐرق ﻓﻲ ﻟﻐﺔ اﻷرﻗﺎم واﻟﺟداول اﻹﺣﺻﺎﺋﯾﺔ ،ﻓﺄﺣﺻت ﺗواﺗرات اﻷﺻوات اﻟﻣﺟﻬورة واﻟﻣﻬﻣوﺳﺔ
وﻣن ﺛﻣﺔ اﻻﺣﺗﻛﺎﻛﯾﺔ واﻻﻧﻔﺟﺎرﯾﺔ ،ﻟﺗﺑرز ﻣن ﺧﻼل ذﻟك اﻷﺻوات اﻟﻣﻬﯾﻣﻧﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﺻوص
اﻟﺷﺎﻋر ،ﻣﺑﯾﻧﺔ دﻻﻟﺔ ﻛل ﺻوت ﺣﺳب ﺧواﺻﻪ اﻟﻣﻣﯾزة اﻟﻣﻌروﻓﺔ ،ﻟﺗﻌﻛس ذﻟك ﻋﻠﻰ اﻟﺣﺎﻟﺔ
اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ ﻟﻠﺷﺎﻋر ،وﺧﺗﻣت ذﻟك ﺑﻣدرج ﺑﯾﺎﻧﻲ ظﻬر ﻓﯾﻪ ﻫﯾﻣﻧﺔ اﻷﺻوات اﻟﻣﺟﻬورة ﺑﺗواﺗرﻫﺎ
ﺑﺣواﻟﻲ 5216ﻣرة ﺛم ﺗﻠﯾﻬﺎ اﻷﺻوات اﻟﻣﻬﻣوﺳﺔ ﺑـ 3735ﻣرة ﺛم اﻻﻧﻔﺟﺎرﯾﺔ ﺑـ 2841
ﻣرة ،وأﺧﯾ ار اﻷﺻوات اﻻﺣﺗﻛﺎﻛﯾﺔ ﺑـ 2296ﻣرة ،ﻟﺗﺳﺗﻧﺗﺞ ﺑذﻟك ﺑراﻋﺔ اﻟﺷﺎﻋر ﻓﻲ اﺳﺗﺧدام
اﻷﺻوات ﻟﻠﺗﻌﺑﯾر ﻋن ﻣﺷﺎﻋر اﻟﺣزن واﻟﻔرح .
ﺛم واﺻﻠت اﻟﺑﺎﺣﺛﺔ دراﺳﺗﻬﺎ اﻹﺣﺻﺎﺋﯾﺔ ،ﺑدراﺳﺔ ﺧﺎﺻﯾﺔ اﻟﺗﻛرار ،ﻟﻣﺎ ﻟﻪ دور دﻻﻟﻲ
ﻣﻬم ﺣﺳب ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﺻوت واﻟﺻﯾﻐﺔ واﻟﺗرﻛﯾب ،ﻓﺄﺣﺻت ﺗﻛرار اﻟدواﺧل ﻛﺣروف اﻟﺟر
وأدوات اﻟﺷرط واﻟﻧداء،وﺗﻛرار اﻟﻠواﺣق ﻛﺎﻟﺿﻣﺎﺋر اﻟﻣﻧﻔﺻﻠﺔ واﻟﻣﺗﺻﻠﺔ ،ﻛﻣﺎ ﺷﻣل ﺗﻛرار اﻟﻛﻠﻣﺔ
ﻓﻌﻼ ﻛﺎن أم اﺳﻣﺎ ،2ﺛم واﺻﻠت اﻟﺑﺎﺣﺛﺔ دراﺳﺗﻬﺎ ﻟﻘﺻﺎﺋد اﻟﺷﺎﻋر ﻋﺑد اﷲ ﺣﻣﺎدي ﻣﺗﺗﺑﻌﺔ ﺑﻘﯾﺔ
اﻟظواﻫر اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ،ﻣواﺻﻠﺔ اﻋﺗﻣﺎدﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ اﻹﺣﺻﺎﺋﯾﺔ اﻟﺗﻲ أﻋطت دراﺳﺗﻬﺎ
ﺻﺑﻐﺔ رﻗﻣﯾﺔ ﺑﺎﻋﺗﻣﺎدﻫﺎ ﻟﻐﺔ ﺟﺎﻓﺔ ﺗﻌﺞ ﺑﺎﻷرﻗﺎم واﻟﺟداول اﻹﺣﺻﺎﺋﯾﺔ.
-1ﺳﺎﻣﯾﺔ راﺟﺢ ،أﺳﻠوﺑﯾﺔ اﻟﻘﺻﯾدة اﻟﺣداﺛﯾﺔ ﻓﻲ ﺷﻌر " ﻋﺑد اﷲ اﻟﺣﻣﺎدي" ،ص .319
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .122
202
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﻛﻣﺎ ﺗدﺧل دراﺳﺔ ﻋﺑد اﻟﺣﻣﯾد ﺑوزوﯾﻧﺔ اﻟﻣوﺳوﻣﺔ ﺑـ " ﺑﻧﺎء اﻷﺳﻠوب ﻓﻲ اﻟﻣﻘﺎﻟﺔ ﻋﻧد
اﻹﺑراﻫﯾﻣﻲ " ﻓﻲ إطﺎر اﻟﺑﺣث اﻷﺳﻠوﺑﻲ ،ﻫذﻩ اﻟدراﺳﺔ اﻟﺗﻲ ﻗﺳﻣﻬﺎ اﻟﻧﺎﻗد إﻟﻰ ﺧﻣﺳﺔ ﻓﺻول
ﻫﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺗواﻟﻲ :اﻟﺧﺻﺎﺋص اﻟﺑﻧﺎﺋﯾﺔ ﻟﻠﻣﻘﺎﻟﺔ ،ﻋﻼﻗﺔ اﻟﺑﻧﻰ اﻹﻓرادﯾﺔ ﺑﺎﻟدﻻﻟﺔ ،طﺑﯾﻌﺔ اﻟﺑﻧﻰ
اﻟﺗرﻛﯾﺑﯾﺔ ،اﻹﯾﻘﺎع اﻟﺻوﺗﻲ وﺗوظﯾﻔﻪ اﻟﻔﻧﻲ ،اﻟﺻورة ﺟﻣﺎﻟﯾﺎ ووظﯾﻔﺔ ،ﻫذﻩ اﻟدراﺳﺔ اﻟﺗﻲ اﺳﺗﺷﻬد
ﺑﻬﺎ اﻟﻧﺎﻗد ﺑﺷﯾر ﺗﺎورﯾت ﻟذوﺑﺎن اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ داﺧل اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﺑﻧﯾوي ﺑﻛل ﺣﯾﺛﯾﺎﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﺣد ﺗﻌﺑﯾرﻩ
ﻓﻲ ﻣﻌرض ﺣدﯾﺛﻪ ﻋن أزﻣﺔ اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ. 1
ٕواﻟﻰ ﺟﺎﻧب ﻫذﻩ اﻟدراﺳﺎت ﻧذﻛر دراﺳﺔ راﺑﺢ ﺑوﺣوش " اﻟﺑﻧﯾﺔ اﻟﻠﻐوﯾﺔ ﻟﺑردة
اﻟﺑوﺻﯾري" ،وﻫﻲ ﻛﺑﺎﻗﻲ اﻟدراﺳﺎت اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ﺗﺳﻌﻰ إﻟﻰ إﺑراز اﻟظواﻫر اﻟﻠﻐوﯾﺔ واﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ،وﻗد
ﺗوزﻋت اﻟدراﺳﺔ ﻋﻠﻰ ﺛﻼﺛﺔ ﻓﺻول ﻣﺗﻣﺛﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺑﻧﯾﺔ اﻟﺻوﺗﯾﺔ واﻟﺑﻧﯾﺔ اﻟﺻرﻓﯾﺔ واﻟﺑﻧﯾﺔ اﻟﻧﺣوﯾﺔ.
وﻓﻲ ﺣدﯾﺛﻪ ﻋن ﻫذﻩ اﻟدراﺳﺔ أﺷﺎر ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ إﻟﻰ ذوﺑﺎﻧﻬﺎ ﻓﻲ اﻟدراﺳﺔ اﻟﻠﻐوﯾﺔ
اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ ﺑﻘوﻟﻪ » واﻟﻣﻼﺣظ ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻟدراﺳﺔ أن ﻣﻼﻣﺣﻬﺎ اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ﺑﺎﻟﻣﻔﻬوم اﻟﻣﻌﺎﺻر
ﺗﻛﺎد ﺗذوب ﻓﻲ ﻣﻼﻣﺢ اﻟدراﺳﺔ اﻟﻠﻐوﯾﺔ اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ ،وﺑﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﺑﻧﯾﺔ اﻟﻧﺣوﯾﺔ ،ﺣﯾث ﯾﺗﺑوأ
اﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻧﺣوي اﻟﻘدﯾم اﻟﻣﻛﺎﻧﺔ اﻷوﻟﻰ اﻟﺟﻣﻠﺔ اﻟطﻠﺑﯾﺔ ،اﻟﺟﻣﻠﺔ اﻟﺷرطﯾﺔ ،اﻟﺟﻣﻠﺔ ذات
2
اﻟوظﺎﺋف ،ﻓﺿﻼ ﻋن ﺗﻔرﻋﺎت ﻛل ﻧﻣط ﺟﻣﻠﻲ ،وﻓﻲ ذﻟك اﻟﺗﺑﺎس ﺑﯾن ﻫوﯾﺗﯾن ﻣﻌرﻓﯾﺗﯾن «
أﻣﺎ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻻﻋﺗﻣﺎد اﻟﺑﺎﺣث ﻋﻠﻰ اﻹﺣﺻﺎء ﻓﻘد ﺟﻠب ﻫذا اﻹﺟراء اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﻧﻘد ﻟﻠﻣﻧﻬﺞ
اﻷﺳﻠوﺑﻲ ،ﻛوﻧﻪ ﯾﺟرد اﻟﻧﻘد ﻣن ﺟﻣﺎﻟﯾﺗﻪ ﻟﯾدﺧﻠﻪ ﻓﻲ ﺟداول وﺑﯾﺎﻧﺎت ﺟﺎﻓﺔ.
ﻛﻣﺎ ﺗﺟدر اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ دراﺳﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻼﺣﻲ " ﻋن ﺷﻌرﯾﺔ اﻟﺳﺑﻌﯾﻧﯾﺎت " ،واﻟﺗﻲ ﺗﺗﺑﻌت
اﻟظواﻫر اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﺧﻼل اﻟﺳﺑﯾﻌﯾﻧﯾﺎت ﻋﺑد اﻟﻌﺎﻟﻲ رزاﻗﻲ ،أﺣﻣد ﺣﻣدي
ﻋﻣر أزراج ،ﺳﻠﯾﻣﺎن ﺟوادي ،زﯾﻧب اﻷﻋوج ،رﻏم أﻧﻪ »واﺟﻬﻬﺎ ﺑﻣﻌول ﻣﻌﯾﺎري ﺻﺎرم ،ﺣﯾث
ﺣﻛم ﻋﻠﯾﻬﺎ– ﻓﻲ ﺟﻣﻠﺔ ﻣﺎ أﺻدرﻩ ﻣن أﺣﻛﺎم – ﺑﺄﻧﻬﺎ " ﺗﻛﺷف ﻋن ﻋدم اﻟﻧﺿﺞ ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎﻣل
203
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﻣﻊ اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم اﻟﻠﻐوﯾﺔ ﺗﻌﺎﻣﻼ ﺷﻌرﯾﺎ" ،وأن "اﻟﻌﻼﻣﺔ اﻟﻠﻐوﯾﺔ اﻟﺑﺎرزة ﻓﻲ ﺷﻌرﯾﺔ اﻟﺳﺑﻌﯾﻧﯾﺎت ﻫﻲ
ﻫذا اﻟﺗﻛرار اﻟﺧﺟول ﻟﻠﻣﺿﺎﻣﯾن "...وأﻧﻬﺎ ﺗﺳﺗﻬدف ﻓﻲ ﻛﺛﯾر ﻣن ﻣﻼﻣﺣﻬﺎ "ﺗﺄﺳﯾس ﻟﻐﺔ أﺣﺎدﯾﺔ
إﻟﺣﺎدﯾﺔ اﺳﺗﻔ اززﯾﺔ ﻣﻧﻛرة ﻟﻠﻣﻔﺎﻫﯾم واﻟرؤى اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ اﻷﺧرى" ،وﻣﺎ إﻟﯾﻬﺎ ﻣن اﻷﺣﻛﺎم
اﻟﻣﻧﺎﻫﺿﺔ ﻟﻸﺳﺎس اﻟوﺻﻔﻲ ﻟﻠﺑﺣث اﻷﺳﻠوﺑﻲ «. 1
ﻫذﻩ ﺟﻣﻠﺔ ﻣن اﻟدراﺳﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﺑﻧت اﻟﻣﻘﺎرﺑﺔ اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري ،وﻫﻲ ﻋﻠﻰ
ﺗواﺿﻌﻬﺎ ﺗﻔﺗﺢ اﻟﻣﺟﺎل ﻟﻠﺑﺎﺣﺛﯾن ﻟﻠﻣواﺻﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻧﻬﺞ اﻟﻧﻘدي اﻟﻣﺗﺷﺑﻊ ﺑﺎﻷﻓﻛﺎر واﻵراء اﻟﻧﻘدﯾﺔ
اﻟﻐرﺑﯾﺔ .
اﻟﻣﺑﺣث اﻟراﺑﻊ :اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري
ﻗﺑل اﻟﺷروع ﻓﻲ اﻟﻛﻼم ﻋن اﻟﻣﻧطﻠﻘﺎت واﻷﺳس اﻟﻧظرﯾﺔ واﻵﻟﯾﺎت اﻹﺟراﺋﯾﺔ ،وﻣن ﺛم
رواج اﻟﻔﻛر اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﻲ ﻛﺎﺗﺟﺎﻩ ﻧﻘدي ﻣﻌﺎﺻر ﻟدى اﻟﻐرب أوﻻ واﻟﻌرب ﺛﺎﻧﯾﺎ ،ﺛم ﺣﺿورﻩ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد
اﻟﺟزاﺋري ،ﯾﻧﺑﻐﻲ ﻋﻠﯾﻧﺎ أوﻻ اﻟﺗطرق إﻟﻰ ﻣﺎﻫﯾﺔ وأﺻول اﻟﻧﻘد اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﻲ.
أوﻻ -ﻣﺎﻫﯾﺔ وأﺻول اﻟﻧﻘد اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﻲ:
اﻧﺑﺛق اﻟﺗﻔﻛﯾك أﺳﺎﺳﺎ ﻣن اﻟﻔﻛر اﻟﺑﻧﯾوي ،ﺑﺣﯾث ﻛﺎﻧت اﻧطﻼﻗﺔ اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ﻋﺑﺎرة ﻋن ﻧﻘد
ﻟﻠﺑﻧﯾوﯾﺔ ،ﻣوﺟﻬﺔ ﺗرﻛﯾزﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺷﻛﻼت اﻟﻣﻌﻧﻰ وﺗﻧﺎﻗﺿﺎﺗﻪ ﻣزﻋزﻋﺔ ﻓﻛرة "اﻟﺑﻧﯾﺔ
اﻟﺛﺎﺑﺗﺔ"»،ﻟﯾﺑرﻫن ﻋﻠﻰ طﺑﯾﻌﺔ اﻟﺗﻧﺎﻗض اﻟﻣﻌرﻓﻲ ﺑﯾن اﻟﻧص واﻹﺳﺎءات اﻟﺿرورﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺣدث
ﻓﻲ اﻟﻘراءة« ،2ﻓﺎﻟﻧﻘد اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﻲ ﻣرﺗﺑط أﺳﺎﺳﺎ ﺑﻘراءة اﻟﻧﺻوص وﺗﺄﻣل ﻛﯾﻔﯾﺔ إﻧﺗﺎﺟﻬﺎ ﻟﻠﻣﻌﺎﻧﻲ
ﻋﻣﺎ ﺗﺣﻣﻠﻪ ﻣن ﺗﻧﺎﻗض.
واﻟﻛﺷف ﺑﻌد ذﻟك ّ
-1ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص .148
-2ﺻﻼح ﻓﺿل ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ص .106
204
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
205
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﻏﺎﯾﺔ ﻫﯾدﺟر وﻟﯾﻔﻲ ﺷﺗراوس ودي ﺳوﺳﯾر ،ﻫذا اﻟﻔﻛر اﻟﻐرﺑﻲ اﻟﻣﺗﻬم ﺣﺳب درﯾدا ﺑﻣﺎ أطﻠق
ﻋﻠﯾﻪ " اﻟﺗﻣرﻛز اﻟﻣﻧطﻘﻲ" » ،اﻟذي ﯾرﻛز ﻋﻠﻰ اﻟﻣدﻟول ﺣﺗﻰ ﺗﻧﺣﺳر اﻟﻬوة ﺑﯾن اﻟدال واﻟﻣدﻟول،
واﻟﻣﻔﻬوم ﺑﺎﻟﻣرﺟﻊ ،وﺑذﻟك زﻋزﻋﺔ ﻟﻠﺗﻣرﻛز اﻟﻣﻧطﻘﻲ ﻟﻠﺳﺎن اﻟﻐرﺑﻲ ،ﺑل إﻟﻐﺎء ﻟﻣﻔﻬوم اﻟدال
ﺑﺎﻋﺗﺑﺎرﻩ ﻣﻔﻬوﻣﺎ ﻣﯾﺗﺎﻓﯾزﯾﻘﯾﺎ ،ودﻋﺎ درﯾدا إﻟﻰ ﺑدﯾل أﺳﻣﺎﻩ "ﻋﻠم اﻟﻧﺣو" ﻛﺄﺳﺎس ﻟﻌﻠم اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ
ﺟﺎﻋﻼ ﻣن " ﻋﻠم اﻟﻧﺣوﯾﺔ " ﺑدﯾﻼ ﻟﻠﺳﯾﻣﯾوﻟوﺟﯾﺎ «.1
ﯾﻧﺑﻧﻲ ﻓﻬم ﺟﺎك درﯾدا ﻟﻠﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺻور اﻟﻘﺎﺋم ﻋﻠﻰ » ﺧﻠﺧﻠﺔ وﺗﻔﻛﯾك ﻟﻛل
اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﺗﻲ ﺗﺳﺗﻣد ﻣﻧﺷﺄﻫﺎ ﻣن اﻟﻠوﻏوس ،وﺑﺎﻟﺧﺻوص ﻣﻌﻧﻰ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ« ،2وﻻﺑد ﻣن اﻹﺷﺎرة
إﻟﻰ أن ﻫﻧﺎك ﻣﺻطﻠﺢ ﻣرادف ﻟﻠﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ وﻫو اﻟذي أطﻠﻘﻪ راﺋد اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ اﻷول ﻓﻲ ﺑﺣوﺛﻪ ،وﻫو
ﻣﺻطﻠﺢ "اﻟﺗﻘوﯾض" » ،اﻟذي أطﻠﻘﻪ اﻟﻔﯾﻠﺳوف اﻟﻔرﻧﺳﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ﺟﺎك درﯾدا ﻋﻠﻰ اﻟﻘراءة
اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣزدوﺟﺔ اﻟﺗﻲ أﺗﺑﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻬﺎﺟﻣﺗﻪ اﻟﻔﻛر اﻟﻐرﺑﻲ اﻟﻣﺎوراﺋﻲ ﻣﻧذ ﺑداﯾﺔ ﻫذا اﻟﻔﻛر ﺣﺗﻰ
ﯾوﻣﻧﺎ ﻫذا « ،3ﻓﺎﻟﺗﻘوﯾض ﻫو ﻣﺻطﻠﺢ ﻣرادف ﻟﻠﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ،ﺣﯾث أﺳﺗﻌﻣل ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻟﺗرﺟﻣﺔ
اﻟﺗﻲ ﻗﺎم ﺑﻬﺎ اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻟﺑﺎﺣﺛﯾن ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻣﯾدان.
أﻣﺎ اﻟﻧﺎﻗد اﻟﺳﻌودي "ﻋﺑد اﷲ اﻟﻐذاﻣﻲ" ﻓﻘد ﺗﺑﻧﻰ ﻣﺻطﻠﺢ " اﻟﺗﺷرﯾﺣﯾﺔ " ﻛﻣﺻطﻠﺢ
4
ﺗﺣﯾرت ﻓﻲ ﺗﻌرﯾب ﻫذا اﻟﻣﺻطﻠﺢ وﻟم أر
ﻣرادف ﻟﻠﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ،ﺣﯾث ﻗﺎل ﻓﻲ ﻫذا اﻟﺻدد » ّ
ﺗﻌرض ﻟﻪ ﻣن ﻗﺑل ﻋﻠﻰ ﺣد اطّﻼﻋﻲ وﻓﻛرت ﻟﻪ ﺑﻛﻠﻣﺎت ﻣﺛل اﻟﻧﻘض/
أﺣدا ﻣن اﻟﻌرب ّ
واﻟﻔك وﻟﻛن وﺟدﺗﻬﻣﺎ ﯾﺣﻣﻼن دﻻﻻت ﺳﻠﺑﯾﺔ ﺗﺳﻲء إﻟﻰ اﻟﻔﻛرة ،ﺛم ﻓﻛرت ﺑﺎﺳﺗﺧدام ﻛﻠﻣﺔ
اﻟﺗﺣﻠﯾﻠﯾﺔ ﻣن ﻣﺻدر ﺣ ّل أي ﻧﻘض وﻟﻛﻧﻧﻲ ﺧﺷﯾت أن ﺗﻠﺗﺑس ﻣﻊ ﺣﻠل أي درس
ﺑﺗﻔﺻﯾل ،وأﺳﺗﻘر رأﯾﻲ أﺧﯾ ار ﻋﻠﻰ ﻛﻠﻣﺔ اﻟﺗﺷرﯾﺣﯾﺔ أوﺗﺷرﯾﺢ اﻟﻧص ،واﻟﻣﻘﺻود ﺑﻬذا اﻻﺗﺟﺎﻩ
206
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﻫو ﺗﻔﻛﯾك اﻟﻧص ﻣن أﺟل إﻋﺎدة ﺑﻧﺎﺋﻪ وﻫذﻩ وﺳﯾﻠﺔ ﺗﻔﺗﺢ اﻟﻣﺟﺎل ﻟﻺﺑداع اﻟﻘراﺋﻲ ﻛﻲ ﯾﺗﻔﺎﻋل
ﻣﻊ اﻟﻧص«.1
ﺑﻌد ﺗﺄﻣل ﺟل اﻟﺗﻌﺎرﯾف اﻟﺗﻲ ﻗدﻣت ﻟﻣﻔﻬوم اﻟﺗﻔﻛﯾك ،ﯾﻣﻛن اﻟﻘول أن اﻟﺗﻔﻛﯾك ﻫو ﺗﻠك
اﻹﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻧظر ﺑﻌﯾن اﻟﺷك إﻟﻰ إﻣﻛﺎﻧﯾﺔ وﺟود ﻣﻌﻧﻰ ﻣﻧﺳق ﻓﻲ اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ ﻓﻬو
ﯾﻌﻣل -ﻋﻠﻰ ﺗدﻣﯾر اﻓﺗراﺿﺎﺗﻪ اﻟﻣﺳﺑﻘﺔ وﻧزع اﺳﺗﻘ اررﻩ ٕوازاﻟﺔ ﻣرﻛزﻩ -ﻋﻠﻰ ﺣد ﺗﻌﺑﯾر " ﻣﺎﻫر
ﺷﻔﯾق ".2
وﯾﺑﻘﻰ ﻣﻔﻬوم اﻟﺗﻔﻛﯾك ﻣن اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم اﻟﻐﺎﻣﺿﺔ اﻟﺗﻲ ﺟﺎءت ﻓﯾﻣﺎ ﯾﻌرف ﺑﻣﺎ ﺑﻌد اﻟﺣداﺛﺔ
ﻫذا اﻟﻣﺻطﻠﺢ-اﻟﺗﻔﻛﯾك -اﻟذي ﯾوﺣﻲ ﺑﺎﻟﺗﻔﺗت واﻟﺑﻌﺛرة واﻟﺗﻧﺎﺛر واﻟﺿﯾﺎع ،وﻟﯾس ذﻟك ﻓﻘط إﻧﻣﺎ
»ﻫو ﻣﺻطﻠﺢ ﺛري وﻏﻧﻲ وﻣﻠﻲء ﺑﺎﻟدﻻﻻت اﻟﻔﻛرﯾﺔ ﺣﯾث ﯾﺗﺟﺎوز ﻓﻛرة اﻟﻬدم واﻟﺗﺷرﯾﺢ
واﻟﺗﻘوﯾض ،إﻧﻪ ﻗراءة ﺛﺎﻧﯾﺔ ﻟﻠﺧطﺎﺑﺎت واﻟﻧﺻوص واﻷﻧظﻣﺔ اﻟﻔﻛرﯾﺔ ،ﻗراءة ﻻ ﺗﺗم إﻻ ﻣن ﺧﻼل
ﺗﻔﻛﯾك ﻋﻧﺎﺻر ﻫذا اﻟﺧطﺎب وأﺟزاﺋﻪ اﻟﻣﻛوﻧﺔ ﻟﻪ ،وذﻟك ﺑﻬدف إدراك ﻣﻌﺎﻧﯾﻪ اﻟﺧﻔﯾﺔ اﻟﻧﺎﺋﻣﺔ
ﺧﻠف اﻟدوال ﺛم إﻋﺎدة ﻫﻧدﺳﺔ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﻧص وﺗﺷﻛﯾﻠﻬﺎ ﺗﺷﻛﯾﻼ ﺟدﯾدا «.3
ﺗﻌﻣل إﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ اﻟﺗﻔﻛﯾك ﻋﻠﻰ ﺟﻌل ﻗراءة اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ ،ﻛﺗﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ أﻧﻘﺎض اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ
اﻷوﻟﻰ ﻓﻬﻲ ﺗرﺗﺑط أﺳﺎﺳﺎ ﺑﻘراءة اﻟﻧﺻوص ،وﺗﺄﻣل ﻛﯾﻔﯾﺔ إﻧﺗﺎﺟﻬﺎ ﻟﻠﻣﻌﺎﻧﻲ ،ﺑﻣﻌﻧﻰ أن
اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ﺗﻣﺛل ﻧﺷﺎط ﻗراءة ﯾﺑﻘﻰ ﻣرﺗﺑطﺎ ﺑﻘوة اﻟﻧﺻوص واﺳﺗﺟواﺑﻬﺎ ،ﻓﺗﻌﻣل ﻋﻠﻰ إﺷراك
اﻟﻘﺎرئ ﻓﻲ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ اﻹﺑداﻋﯾﺔ وﻓق رؤﯾﺔ ﻣﻐﺎﯾرة ﺗﺳﺗﻬدف اﻟﺑﺣث ﻋن اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﻐﺎﺋﺑﺔ ،ﻷﻧﻬﺎ »
ﺗﻘوض اﻟﻧص ﺑﺄن ﺗﺑﺣث ﻓﻲ داﺧﻠﻪ ﻣﺎ ﻟم ﯾﻘﻠﻪ ﺑﺷﻛل ﺻرﯾﺢ واﺿﺢ ﻣﺳﻛوت ﻋﻧﻪ وﻫﻲ
ﺗﻌﺎرض ﻣﻧطق اﻟﻧص اﻟواﺿﺢ اﻟﻣﻌﻠن وادﻋﺎءاﺗﻪ اﻟظﺎﻫرة ﺑﺎﻟﻣﻧطق اﻟﻛﺎﻣل ﻓﻲ اﻟﻧص ،ﻛﻣﺎ أﻧﻬﺎ
ﺗﺑﺣث ﻓﻲ اﻟﻧﻘطﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺗﺟﺎوز ﻓﯾﻬﺎ اﻟﻧص اﻟﻘواﻧﯾن واﻟﻣﻌﺎﯾﯾر اﻟﺗﻲ وﺿﻌﻬﺎ ﻟﻧﻔﺳﻪ ،ﻓﻬﻲ ﻋﻣﻠﯾﺔ
ﺗﻌرﯾﺔ ﻟﻠﻧص ،وﻛﺷف أو ﻫﺗك ﻟﻛل أﺳ اررﻩ ،وﺗﻘطﯾﻊ أوﺻﺎﻟﻪ ،وﺻوﻻ إﻟﻰ أﺳﺎﺳﻪ اﻟذي ﯾﺳﺗﻧد
-1ﻋﺑد اﷲ اﻟﻐ ّذاﻣﻲ ،اﻟﺧطﯾﺋﺔ واﻟﺗﻛﻔﯾر ﻣن اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ إﻟﻰ اﻟﺗﺷرﯾﺣﯾﺔ ،ص .48
-2ﻓﯾﺻل اﻷﺣﻣر ،ﻧﺑﯾل دادوة ،اﻟﻣوﺳوﻋﺔ اﻷدﺑﯾﺔ ،ص .92
-3ﺑﺷﯾر ﺗﺎورﯾت ،اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ص .14
207
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
إﻟﯾﻪ ،ﻓﯾﺗﺿﺢ ﻫذا اﻷﺳﺎس وﺿﻌﻔﻪ وﻧﺳﺑﯾﺗﻪ وﺳﯾرورﺗﻪ ،ﻓﺗﺳﻘط ﻋﻧﻪ ﻗداﺳﺗﻪ وزﻋﻣﻪ ﺑﺄﻧﻪ ﺛﺎﺑت،
ﻣﺗﺟﺎوز« ،1ﺑل ﻫﻧﺎك ﻣن اﻟﻧﻘﺎد ﻣن ﯾﺷﺑﻬﻪ ﺑﺎﻟﻣﺣﻠل اﻟﻧﻔﺳﺎﻧﻲ اﻟذي ﯾﺿﻊ ﻧﺻب ﻋﯾﻧﻪ اﻟﻛﺷف
ﻋن ﻫواﺟس ﻣرﯾﺿﻪ وﻣﻛﺑوﺗﺎﺗﻪ،ﻷن اﻟﻧص ﻗد ﯾﻘول ﺷﯾﺋﺎ وﯾﻣﺎرس ﺷﯾﺋﺎ آﺧر.2
وﯾﻣﻛﻧﻧﺎ ﺗﺣدﯾد ﻣﺎﻫﯾﺔ اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ﻣن ﺧﻼل ﻛﻼم " ﻣﺣﻣد ﺑﻠوﺣﻲ" ﻓﻲ ﻫذا اﻟﺻدد ﻋﻠﻰ
أﻧﻬﺎ ﺗﻘوم ﻋﻠﻰ » إﻗﺻﺎء ﻛل ﻗراءة أﺣﺎدﯾﺔ اﻟﻣرﺟﻌﯾﺔ واﻟﺗﺄوﯾل ﺗﺳﻌﻰ إﻟﻰ واﺣدﯾﺔ اﻟدﻻﻟﺔ ﻟﻠﻧص
ﺑل ﺗﺳﻌﻰ اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ إﻟﻰ ﺟﻌل ﻣدﻟوﻟﯾﺔ اﻟﻧص ﺑﯾن ﯾدي اﻟﻣﺗﻠﻘﯾن ﯾﻔﻛﻛوﻧﻪ إﻟﻰ اﻟﻣرﺟﻌﯾﺎت اﻟﺗﻲ
ﺑﻧﻲ ﻋﻠﯾﻬﺎ ،ﻓﯾﻘﻔون ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻟﻣرﺟﻌﯾﺎت ،وﯾﻘرؤون اﻟﻧص وﻓﻘﺎ ﻟﻬﺎ ،ﻣﻬﻣﻠﺔ وﻣﻬدﻣﺔ ﻟﻠﻧﺳق
اﻟذي ﯾﻘوم ﻋﻠﯾﻪ اﻟﻧص ،ﻓﻲ اﻋﺗﻘﺎدﻫﺎ أن اﻟﻧص ﺗرﻛﯾب ﻟﻐوي ﻏﯾر ﻣﺗﺟﺎﻧس ،ﯾﻌﺗﺑر اﻧﻌﺗﺎق
"اﻟدال" ﻣن اﻟﻣﻌﻧﻰ اﻟﻣرﺗﺑط ﺑﺎﻟﻣرﺟﻌﯾﺔ اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ ﻟﺣدود اﻟﺗﻔﺳﯾر اﻟﺗﻲ ﺣﺎﺻر ﺑﻬﺎ اﻟﺧطﺎب
اﻟﻧﻘدي اﻟﺗﻘﻠﯾدي اﻟﻣدﻟول " اﻟﻣﻌﻧﻰ " واﻧﻔﺗﺎﺣﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻔﺳﯾر اﻟﻼﻣﺣدود.3«...
ﻟﻘد ﻗﺎﻣت اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻹرﻫﺎﺻﺎت اﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ واﻟﻠﺳﺎﻧﯾﺔ ،ﺣﯾث اﺷﺗﻐل
ﺟﺎك درﯾدا ﻋﻠﻰ اﻟﻣﯾﺗﺎﻓﯾزﯾﻘﺎ اﻟﻐرﺑﯾﺔ ،ﺣﯾث ﻗﺎم ﺑﺎﻟﺛورة ﻋﻠﻰ ﻣﺑﺎدﺋﻬﺎ ﻻﺳﯾﻣﺎ ﺗﻣﺟﯾدﻫﺎ ﻟﻠﻌﻘل
واﻟﻣﻧطق ﺑﻬدف اﻟوﺻول إﻟﻰ ﺟوﻫر اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ،ﻛﻣﺎ اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ اﻟظواﻫرﯾﺔ ﻟﻬوﺳرل وﻛذا أﺻوات
أﺧرى ﻣن أﺻداء اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ اﻟﻣﺛﺎﻟﯾﺔ واﻟﻣﺎدﯾﺔ أﺛرت أﯾﻣﺎ ﺗﺄﺛﯾر ﻓﻲ اﻟﺗﺄﺳﯾس ﻻﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ اﻟﺗﻔﻛﯾك،
ﺣﯾث ﻋﺑدت أﻓﻛﺎر ﻫوﺳرل ﻋن اﻟذات ﻓﻲ وﻋﯾﻬﺎ ﻟﻠﻌﺎﻟم ،وأﻓﻛﺎر ﻣﺎرﺗن ﻫﯾدﺟر ﻋن اﻟوﺟود
واﻟﻘراءة وﺗﻌدد اﻟﻣﻌﻧﻰ واﻟﺗﻧﺎص ،وأﻓﻛﺎر ﺳﺎرﺗر ﻋن اﻟﺣرﯾﺔ وﻻ ﻧﻬﺎﯾﺔ اﻟﻣﻌﻧﻰ ورﻓض اﻟﻌﺎﻟم
واﻟﺛورة واﻟﺗﻣرد واﻟﻬدم واﻟﺗدﻣﯾر ،اﻟطرﯾق ﻟﻣﻧظري اﻟﺗﻔﻛﯾك ﻓﻲ ﺗﺄﺳﯾﺳﻬم ﻟﻬذﻩ اﻹﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ.4
إن أﻓﻛﺎر ﺟﺎك درﯾدا وروﻻن ﺑﺎرت وﻏﯾرﻫﻣﺎ ﻣن اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﯾن ﻟم ﺗﺧرج ﻋن اﻹطﺎر اﻟﻌﺎم
اﻟذي رﺳﻣﻪ ﻓردﯾﻧﺎﻧد دي ﺳوﺳﯾر ،وﺗﻼﻣذﺗﻪ ﻓﻲ ﺷرﺣﻬم ﻟﻣﻘوﻻﺗﻪ وآراﺋﻪ اﻟﻠﻐوﯾﺔ ،ﻓدﻋﺎة اﻟﺗﻔﻛﯾك
208
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﻟم ﯾﻘدﻣوا ﺗﺻو ار ﺧﺎﺻﺎ ﺑﻬم ﻟﻠﻌﻼﻣﺔ اﻟﻠﻐوﯾﺔ ﻛﻣﺎ ﻓﻌل ﺳوﺳﯾر ،ﻟﻛﻧﻬم اﺳﺗﺧدﻣوا اﻟﻣﺑﺎدئ
واﻷﻓﻛﺎر ﻧﻔﺳﻬﺎ ﻋن اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن اﻟدال واﻟﻣدﻟول ﻛطرﻓﯾن ﻟﻠﻌﻼﻣﺔ ،ﻛﻣﺎ ﺗﺑﻧوا اﻵراء اﻟﺳوﯾﺳرﯾﺔ
ﺣول اﺳﺗﻘﻼل اﻟﻧص ﻛﺑﻧﯾﺔ ﻟﻐوﯾﺔ وﻋزﻟﻬﺎ ﻋن ﻣﺧﺗﻠف اﻟوﺳﺎﺋط اﻟﺧﺎرﺟﯾﺔ ،وأن اﻟﻣﻌﻧﻰ ﯾﺗﺣﻘق
ﻣن ﺧﻼل ﺣرﯾﺔ اﻟﻌﻼﻣﺔ داﺧل ذﻟك اﻟﻧﺳق ،1ﻓروﻻن ﺑﺎرت ﻟم ﯾﻧﻛر ﺗﺄﺛرﻩ ﺑﺄطروﺣﺎت اﻟﻠﺳﺎﻧﯾﯾن
وﻫذا ﻣﺎ ﺻرح ﺑﻪ ﻓﻲ ﺣوار أﺟراﻩ ﻣﻌﻪ ﻓؤاد أﺑو ﻣﻧﺻور» دراﺳﺗﻲ اﻟﻧﻘدﯾﺔ واﻷدﺑﯾﺔ اﺳﺗﻠﻬﻣت
ﺗطور ﻋﻠوم اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺗﻲ ازدﻫرت ﺑﻔرﻧﺳﺎ ﻓﻲ ﻣطﻠﻊ اﻟﺧﻣﺳﯾﻧﺎت وﻛﻧت ﻓﻲ طﻠﯾﻌﺔ اﻟذﯾن ﺗﻣﺛﻠوا
ﻗﯾﻣﺔ ﻛﺗﺎﺑﺎت "ﺳوﺳﯾر" وﻗواﻋد "ﺟﺎﻛﺑﺳون" اﻟﺷﻛﻠﯾﺔ،وﻣوﺿوﻋﺎت " إﯾﻣﯾل ﺑﻧﻔﺳت"«.2
ﻧﺳﺗﺷف ﻣﻣﺎ ﺳﺑق أن إﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ اﻟﺗﻔﻛﯾك اﺳﺗﻣدت ﻋطﺎءﻫﺎ اﻟﻧظري ﻓﻲ ﻗراءة
اﻟﻧﺻوص اﻷدﺑﯾﺔ واﻟﺧطﺎﺑﺎت اﻟﻠﻐوﯾﺔ ،ﻣن أطروﺣﺎت اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ وﻛذﻟك ﻣن أطروﺣﺎت
اﻟﻠﺳﺎﻧﯾﯾن ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟﺛورة ﻋﻠﻰ ﻓﻠﺳﻔﺔ اﻟﺣﺿور واﻟﺗﻣرﻛز ﺣول ﺳﻠطﺔ اﻟﻌﻘل واﻟﻣﻧطق وﻛذﻟك
اﻷﺧذ ﺑﻔﻛرة اﻟﺗﻧﺎص ﻓﻲ ﺑﻧﺎء ٕواﻧﺗﺎج اﻟﻛﺗﺎﺑﺎت اﻟﺟدﯾدة ،واﻧﻔﺗﺎح اﻟﻣﻌﻧﻰ وﺗﻌدد اﻟدﻻﻟﺔ ﻋن
طرﯾق اﻻﺧﺗﻼف واﻟﻐﯾﺎب اﻟﻣؤﺟل ﯾﺿﺎف إﻟﻰ ذﻟك اﺗﻛﺎء إﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ اﻟﺗﻔﻛﯾك ﻋﻠﻰ ﻣﺑدأ
اﻻﺳﺗﻘﻼﻟﯾﺔ واﻟﻧظرة اﻟوﺻﻔﯾﺔ واﻟﺛﻧﺎﺋﯾﺎت وﻣﺎ إﻟﻰ ذﻟك ﻣن اﻟﻣﺑﺎدئ اﻷﺧرى اﻟﺗﻲ أﺿﻔت ﻋﻠﻰ
اﻟﻣﺷروع اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﻲ ﺻﺑﻐﺔ ﻟﺳﺎﻧﯾﺔ.3
209
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
-1اﻻﺧﺗﻼف:
ﯾﻌد ﻣﻔﻬوم اﻻﺧﺗﻼف ﻣن أﻫم اﻟﻣرﺗﻛزات اﻟﺗﻲ ﯾﻘوم ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻟﻧﻘد اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﻲ ،ﻓﻘد اﺳﺗﻌﻣل
ﺟﺎك درﯾدا ﻫذا اﻟﻣﺻطﻠﺢ ﻟﯾﺑرﻫن ﻋﻠﻰ أن ﻟﻛل رﻣز ﻟﻐوي دﻻﻟﺗﻪ اﻟﺧﺎﺻﺔ اﻟﻣﺗﻣﯾزة ،ﺳواء ﻓﻲ
اﻟﺧطﺎب اﻟﺷﻔوي أو اﻟﺧطﺎب اﻟﻣﻛﺗوب ،إذ ﯾﻘول ﺳﻣﯾر ﺣﺟﺎزي ﺑﺷﺄن ﻣﺻطﻠﺢ اﻻﺧﺗﻼف» ،
اﻻﺧﺗﻼف ﻣﺻطﻠﺢ وﺿﻌﻪ اﻟﻧﺎﻗد واﻟﻔﯾﻠﺳوف اﻟﻔرﻧﺳﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر" ﺟﺎك درﯾدا " ﻓﻲ ﻣﯾدان اﻟﻧﻘد
اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﻲ ﻟﻠدﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻋدم وﺟود ﻣﻌﺎن ﻣﺣددة ﻟﻠﻛﻠﻣﺎت ٕوان أﻗﺻﻰ ﻣﺎ ﻧﺳﺗطﯾﻊ إدراﻛﻪ ﻫو
اﻻﺧﺗﻼف ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﻬﺎ ٕوارﺟﺎء اﻟﻣﻌﻧﻰ إﻟﻰ أﺟل ﻏﯾر ﻣﺣدد ،أو ﺗﺣﻘﯾق اﻟدﻻﻟﺔ ﺑﺎﻟﻠﻌب اﻟﺣر وﻻ
ﻧﻬﺎﺋﯾﺔ اﻟﻣﻌﻧﻰ«.1
ﺣدد درﯾدا اﻟدﻻﻟﺔ اﻟﻣﻌﺟﻣﯾﺔ ﻟﻣﻘوﻟﺔ " اﻻﺧﺗﻼف ،" Différence -إذ ﻛﺷف ﻋدة
ﻣﻔردات ﻟﻬﺎ ﺣﻘول دﻻﻟﯾﺔ ﺗؤﻟف ﻧﺳﯾﺞ ﻣﺻطﻠﺢ " اﻻﺧﺗﻼف" ،وﺟﻣﯾﻊ ﻫذﻩ اﻟﻣﻔردات أﻓﻌﺎل
ذات ﺧواص زﻣﺎﻧﯾﺔ وﻣﻛﺎﻧﯾﺔ ،ﻓﺛﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ اﻻﻧﺟﻠﯾزﯾﺔ ﻟﻔظ " ،" To differوﻫو ﻓﻌل ﯾدل
ﻋﻠﻰ ﻋدم اﻟﺗﺷﺎﺑﻪ واﻟﻣﻐﺎﯾرة واﻻﺧﺗﻼف ،أﻣﺎ ﻛﻠﻣﺔ " "differﻓﻬﻲ ﻛﻠﻣﺔ ﻻﺗﯾﻧﯾﺔ ﺗدل ﻋﻠﻰ
اﻟﺗﻔرق واﻟﺗﺷﺗت ،واﻟﺑﻌﺛرة واﻻﻧﺗﺷﺎر ،وﻟﻔظ " "to differﯾدل ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺄﺟﯾل واﻟﺗﺄﺧﯾر واﻹرﺟﺎء
واﻟﺗواﻧﻲ واﻟﺗﻌوﯾق ،2وﺑﻧﺎءا ﻋﻠﻰ ذﻟك ﻓﺈن ﺟذر " اﻻﺧﺗﻼف" ﻣﺗﻌدد ﺗﺗﺟﺎذﺑﻪ ﺧﺻﺎﺋص ﺻوﺗﯾﺔ
ودﻻﻟﯾﺔ وزﻣﺎﻧﯾﺔ وﻣﻛﺎﻧﯾﺔ ،وﺗﺑﻌﺎ ﻟذﻟك ﺗﺗﻌدد دﻻﻟﺗﻪ » ،ﻓﻬو ﺣﺳب اﻟﻘراءة اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ،اﺧﺗﻼف
ﻣرﺟﺄ ﯾﺣرر اﻟﻣﺗﻠﻘﻲ ﻣن اﺳﺗﺣﺿﺎر اﻟﻣرﺟﻊ اﻟﻣﺣدد ،وﯾﺗرك ﻟﻪ ﺧﯾﺎر اﺳﺗﺣﺿﺎر أو ﺗﻌوﯾم
ﻣرﺟﻊ ﺧﺎص ﺑﻪ ،وذﻟك ﻟوﺟود اﺧﺗﻼف ﺟزﺋﻲ ﺑﯾن اﻟدال واﻟﻣدﻟول ،واﻟﻣدﻟول واﻟﻣرﺟﻊ «، 3
وﯾرى ﺻﻼح ﻓﺿل أن اﻻﺧﺗﻼف ﻫو» ﺗﻐﯾﯾب ﻣرﺟﻌﯾﺔ اﻟﻘﯾم وﺗﺑدﯾل ﻣﻔﺎﻫﯾﻣﻬﺎ ﺑﺣﯾث ﺗﺻﺑﺢ
ﻋﻼﻗﺎت اﻹﺳﻧﺎد ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ ﻣﻠﻐﺎة وﻻ ﻣﻌﻧﻰ ﻟﻠرﺑط ﺑﯾن اﻟﻛﻠﻣﺔ واﻟﻣﻌﻧﻰ اﻟذي ﺗرﻣز أو ﺗﺷﯾر إﻟﯾﻪ
ﻓﺎﻟﺣﺿور اﻟذي ﯾرﻣﻲ إﻟﯾﻪ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ اﻟﻐرﺑﯾون ﯾﺣﻣل ﻓﻲ ﺟوﻓﻪ ﻣﻌﻧﻰ آﺧر ﻏﺎﺋﺑﺎ ﻋن اﻟﻧص
210
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﻟﯾﺄﺗﻲ ﺑﻪ اﻟﻘﺎرئ ﺿﻣن إﻣﻛﺎﻧﺎت اﻟﺗﻔﺳﯾر ،ﻟﺗﺑﻘﻰ اﻟﻣدﻟوﻻت اﻷﺧرى ﺗﻧﺗظر اﻹﺷﺎرة ،وﻫﻧﺎ ﯾﺗﺣﻘق
ﻣﻌﻧﻰ اﻟﺗﺄﺟﯾل واﻹرﺟﺎء «.1
وﯾﻘول " ﺗﯾري إﯾﻐﻠﺗن " ﺑﺷﺄن اﻻﺧﺗﻼف » إن اﻟﻣﻌﻧﻰ ﻏﯾر ﻣوﺟود ﻓﻲ اﻹﺷﺎرة اﻟﻠﻐوﯾﺔ
ﻣﺎ دام ﻣﻌﻧﻰ اﻹﺷﺎرة اﺧﺗﻼﻓﻬﺎ ﻋن اﻷﺷﯾﺎء اﻷﺧرى ،ﻓﺈن ﻣﻌﻧﺎﻫﺎ أﯾﺿﺎ وﺑﺗﻌﺑﯾر آﺧر ﻏﺎﺋب
ﻋﻧﻬﺎ ،اﻟﻣﻌﻧﻰ إذا ﺷﺋت ﻣﺑﻌﺛر وﻣﻧﺗﺷر ﻋﺑر ﻛل ﺳﻠﺳﻠﺔ اﻹﺷﺎرات وﻟﯾس ﻣن اﻟﺳﻬوﻟﺔ ﺗﺛﺑﯾﺗﻪ
ﻓﻬوﻟﯾس ﻣوﺟودا ﺑﺻورة ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻓﻲ أﯾﺔ إﺷﺎرة وﺣدﻫﺎ ،ﺑل إﻧﻪ ﯾﻣﺛل ﺣﺎﻟﺔ ﻣن اﻟوﺟود واﻟﻐﯾﺎب
اﻟﻣﺳﺗﻣرﯾن«.2
ﻗوض درﯾدا ﻣن ﺧﻼل ﻣﻘوﻟﺔ "اﻻﺧﺗﻼف" اﻟﺛﻧﺎﺋﯾﺎت اﻟﺗﻲ أرﺳﺗﻬﺎ اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﺑدءا
ّ
ﻣن أﻓﻼطون ووﺻوﻻ إﻟﻰ دوﺳوﺳﯾر ،وأﺳس ﻣن ﺧﻼل اﻻﺧﺗﻼف ﻣﻘوﻟﺗﻪ ﺣول اﻟﺣﺿور
واﻟﻐﯾﺎب ﻫذﻩ اﻟﺛﻧﺎﺋﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻌرﻓﻬﺎ ﻣﺣﻣد ﻋﻧﺎﻧﻲ ﺑﺑﻼﻏﺔ راﺋﻌﺔ ﺑﺻورة ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻣﺎﻧﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﺣد
ﺗﻌﺑﯾر ﻋﺑد اﻟﻌزﯾز ﺣﻣودة ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ " اﻟﻣراﯾﺎ اﻟﻣﻘﻌرة " إذ ﯾﻘول ﻣﺣﻣد ﻋﻧﺎﻧﻲ» وأﻣﺎ اﻹرﺟﺎء
ﻓﻬو ﻋﻛس اﻟﺣﺿور ،أي إﻧﻧﺎ ﺣﯾن ﻧﻌﺟز ﻋن اﻹﺗﯾﺎن ﺑﺷﻲء أو ﺑﻔﻛرة ﻓﻧﺣن ﻧﺷﯾر إﻟﯾﻬﺎ ﺑﻛﻠﻣﺔ
وﻣن ﺛم ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻧﺳﺗﺧدم اﻟﻌﻼﻣﺎت ﻣؤﻗﺗﺎ رﯾﺛﻣﺎ ﻧﺗﻣﻛن ﻣن اﻟوﺻول إﻟﻰ اﻟﺷﻲء أو اﻟﻔﻛرة ،وﻋﻠﻰ
ﻫذا ﻓﺈن اﻟﻠﻐﺔ ﻫﻲ ﺣﺿور ﻣرﺟﺄ ﻟﻸﺷﯾﺎء أو اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ وﻻ ﯾﻣﻛن إ ًذا اﻓﺗراض ﺣﺿورﻫﺎ ﻓﻲ
اﻟﻠﻐﺔ«.3
–2اﻟﺗﻣرﻛز ﺣول اﻟﻌﻘل:
ﻻ ﯾﻘل ﻣﻔﻬوم "اﻟﺗﻣرﻛز ﺣول اﻟﻌﻘل" أﻫﻣﯾﺔ ﻋن ﻣﻘوﻟﺔ اﻻﺧﺗﻼف ،وﻫو ﻣﺷﺗق ﻣن ﻟﻔظﺔ
ﺑدءا ﻣن
ﯾوﻧﺎﻧﯾﺔ ﺗﻌﻧﻲ اﻟﻛﻼم أو اﻟﻣﻧطق أو اﻟﻌﻘل ،اﻟذي ﻗدﻣﻪ درﯾدا ﻓﻲ ﻧﻘدﻩ ﻟﻠﻔﻠﺳﻔﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ ً
أﻓﻼطون اﻟﺗﻲ دﻓﻌت اﻟﻌﻘل إﻟﻰ واﺟﻬﺔ اﻫﺗﻣﺎﻣﻬﺎ وأﻋطﺗﻪ ﺳﻠطﺔ أوﻟﻰ ﻓﻲ ﺗﺣدﯾد اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ وﻟﻬذا
ﻓﺈن ﺗﻠك اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ ﺗﻧﺎﻣت وﺗطورت ﻓﻲ ظل اﻟﻧزﻋﺔ اﻟﻣﻧطﻘﯾﺔ اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ ،وأﺻﺑﺢ اﻟﻘﯾﺎس اﻟﻣﻧطﻘﻲ
211
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﻧﻣوذﺟﺎ أوﻟﯾﺎ ﺗﻘﺎس ﻋﻠﯾﻪ اﻟﻧﻣﺎذج اﻟﻔﻛرﯾﺔ واﻹﺑداﻋﯾﺔ ،ﻓﻔرض ﻫﯾﻣﻧﺗﻪ اﻟﻘﺻوى ﻓﻲ ﻣﺟﺎل اﻟﻔﻛر
اﻟﻔﻠﺳﻔﻲ ،وﻣن ﻫﻧﺎ وﺟﻪ درﯾدا ﺟ ّل ﻋﻧﺎﯾﺗﻪ ﻟﺗﻔﻛﯾك ﻫذا اﻟﺗﻣرﻛز.1
- 3اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ:
ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﺻطﻠﺢ " اﻻﺧﺗﻼف " اﻟذي ﯾﻌﻧﻲ ﻋدم اﺳﺗﻘرار اﻟﺗﻔﻛﯾك ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻫو
ﯾﻘﯾﻧﻲ وﻣﺻطﻠﺢ " اﻟﺗﻣرﻛز ﺣول اﻟﻌﻘل "،اﻟذي ﯾﻌﻧﻰ ﺑﺎﻟﻛﻼم ﻋﻠﻰ ﺣﺳﺎب اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ،ﺑﻣﻌﻧﻰ
اﻟﺗﻣرﻛز ﺣول اﻟﺻوت ،ﻫﻧﺎك ﻣﺻطﻠﺢ آﺧر ﺗﺄﺳﺳت ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ وﻫو" اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ " ،ﯾﻘﺳم
ﺗودوروف اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ إﻟﻰ ﻣﻌﻧﯾﯾن ﺿﯾق وﻋﺎم ،ﻓﺎﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ﺑﻣﻌﻧﺎﻫﺎ اﻟﺿﯾق ﺗﻌﻧﻲ اﻟﻧظﺎم اﻟﻣﻧﻘوش
ﻟﻠﻐﺔ اﻟﻣدوﻧﺔ ،أﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﻌﻧﺎﻫﺎ اﻟﻌﺎم ﻓﻬﻲ ﻛل ﻧظﺎم ﻣﻛﺎﻧﻲ ودﻻﻟﻲ ﻣرﺋﻲ ،أﻣﺎ ﺟوﻧﺎﺗﺎن ﻛﻠر
ﻓﯾؤﻛد ﻋﻠﻰ أن اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ﺗﻘدم اﻟﻠﻐﺔ ﺑوﺻﻔﻬﺎ ﺳﻠﺳﻠﺔ ﻣن اﻟﻌﻼﻣﺎت اﻟﻣرﺋﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻌﻣل ﻓﻲ ﻏﯾﺎب
اﻟﻣﺗﻛﻠم ،ﻓﻬﻲ ﻧﻘﯾض اﻟﻛﻼم ﺗﺗﺟﺳد ﻋﺑر ﻧظﺎم ﻣﺎدي ﻣن اﻟﻌﻼﻣﺎت ﺑﯾﻧﻣﺎ ﯾﻘﺗﺻر اﻟﻛﻼم ﻋﻠﻰ
اﻟﺻوت ،ﻓﺎﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ﻛﻣﺎ ﻫو ﻣﻌروف ﻻ ﺗﻔﺗرض ﺣﺿو ار ﻣﺑﺎﺷ ار ﻟﻠﻣﺗﻛﻠم ،ﻓﺎﻟﻌﻼﻣﺎت اﻟﻣﻛﺗوﺑﺔ أو
اﻟﻣﻧﻘوﺷﺔ ﻋﻠﻰ اﻟورق ﺗﺧﺗﻠف ﻋن اﻷﺻوات اﻟﻣﺷ ّﻛﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻬواء أﺛﻧﺎء اﻟﺗﻛﻠم ،ﻷن اﻷﺧﯾرة
ﺗﺧﺗﻔﻲ ﺑﺎﻧﺗﻬﺎء اﻟﺣدﯾث وﻻ ﺗﻣﺗﻠك ﺧﺎﺻﯾﺔ اﻟﺑﻘﺎء إذا ﻟم ﺗﺳﺟل.2
أوﻟﻰ اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾون أﻫﻣﯾﺔ ﺑﺎﻟﻐﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎﺑﺔ ﺑﺣﯾث ﺗﺟﺎوزت اﻟدور اﻟﻣﻧوط ﺑﻬﺎ ﻓﻲ إﻛﻣﺎل
اﻟﻧﻘص اﻟذي ﯾﺗرﻛﻪ اﻟﻛﻼم إﻟﻰ اﻟﺑﺣث ﻋن ﻣﻌﺎن أﻛﺛر ﺣرﯾﺔ ﺣﺗﻰ ﺗﺻل إﻟﻰ ﻋﻼﻣﺎت ﺗﻘﺎوم
ﻛل ﺗﻘرﯾر وﺗﺳﻌﻰ ﻟﻼﻧﻔﺗﺎح أﻛﺛر ﻓﺄﻛﺛر ،ﺣﯾث ﯾﺻﺑﺢ اﻟﻧﻘد ﻛﺗﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ أﻧﻘﺎض ﻛﺗﺎﺑﺔ أﺧرى،
وﯾرى ﺑﺎرت أن اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ » ﻫدم ﻟﻛل ﺻوت وﻟﻛل أﺻل ﻓﺎﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ﻫﻲ ﻫذا اﻟﺣﯾﺎد ،وﻫذا اﻟﻣرﻛب
وﻫذا اﻻﻧﺣراف اﻟذي ﺗﻬرب ﻓﯾﻪ ذواﺗﻧﺎ ،اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ﻫﻲ اﻟﺳواد واﻟﺑﯾﺎض اﻟذي ﺗﺗﯾﻪ ﻓﯾﻪ ﻛل ﻫوﯾﺔ،
ﺑدءا ﺑﻬوﯾﺔ اﻟﺟﺳد اﻟذي ﯾﻛﺗب« ،3اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ﺑﺎﻧﻔﺗﺎﺣﻬﺎ ﻣن ﺟﻬﺔ وﺑﺎﺣﺗواﺋﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﺟﺎرب اﻟﻣﺑدع
ً
212
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
وأﺣﺎﺳﯾﺳﻪ وأﻓﻛﺎرﻩ ﻣن ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﯾﺔ ﻓﻬﻲ ﺗﻌﻣل ﻋﻠﻰ ﺗﻛرﯾس اﻟﺣوار واﻟﺗﻔﺎﻋل ﺑﯾن اﻟﻣﺑدع
واﻟﻘﺎرئ.
ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﺎ ﺳﺑق ﻓﻘد ﻣﻧﺢ اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾون اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ دو ار ﻣﺗﻣﺛﻼ ﻓﻲ » اﻟﻣﺣﺎﻓظﺔ ﻋﻠﻰ
ﻣﻣﯾز ﻓﻲ اﻟﺗﻠﻘﻲ
ﺗﺣﻘﯾق اﻟوﺟود اﻷدﺑﻲ وﺿﻣﺎن اﺳﺗﻣ اررﻩ ﻋﺑر اﻟزﻣن ،وذﻟك ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺗطﻠب ﻓﻌﻼ ًا
ﻗﺎﺋﻣﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻘراءة واﻟﻧﻘد واﻻﻋﺗراض ،وﻋدم اﻻﻛﺗﻔﺎء ﺑﻣﺎ ﯾوﺻل إﻟﯾﻪ ﻣن اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ واﻟدﻻﻻت
ً
واﻟﻘﺎرئ ﻓﻲ ﺿوء ﻫذﻩ اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ﻫو ﻣﺷﺎرك ﻓﻌﺎل ﻓﻲ ﺻﻧﻊ اﻟﻧص وﻓﻲ إﻧﺗﺎﺟﻪ ،وﻟﻘد أﺧذت
ﻛﺑﯾر ﺗﻣﺛل ﻓﻲ ﺗﺟﺎوز اﻟﻧﻘص اﻟذي اﻋﺗرى ﺳﻠطﺔ اﻟﻛﻼم أو
دور ًا
اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ﻓﻲ ﻋرف اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﯾن ًا
اﻟﺣﻠول ﻣﺣﻠﻪ « ، 1ﺑﻌدﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﻣﺟرد ﻋﻣﻠﯾﺔ ﺳﺑك ﻣﺣﻛﻣﺔ ﻟﻸﻟﻔﺎظ واﻟﻛﻠﻣﺎت ،وﻓق ﺗﻘﻧﯾﺎت
ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ ﻋﻠﻰ اﻟورق ،أو أﻧﻬﺎ ﻋﻣﻠﯾﺔ ﺗدوﯾن ﻟﻸﻓﻛﺎر واﻟﻣﻌﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﺷﻛل ﻣﻔردات ﻋﻠﻰ
اﻟورق.
-4اﻟﻘراءة:
أﻋﻠت اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ﻣن ﺳﻠطﺔ اﻟﻘﺎرئ ورﻓﻌت ﻣن ﺷﺄﻧﻪ ،ﺑﺣﯾث ﺟﻌﻠت اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﻔﻌﻠﯾﺔ
واﻟﺣﻘﯾﻘﯾﺔ ﻟﻪ ﺑﻌدﻣﺎ ﻧﺎدت ﺑﻣوت اﻟﻣؤﻟف ودﻋت إﻟﻰ ﻗراءة اﻟﻌﻣل اﻷدﺑﻲ ﻣﻔﺻوﻻ ﻋن ﻛﺎﺗﺑﻪ ﻓﻘد
ﺟﺎء اﻟﺗﻔﻛﯾك ﻟﯾﻧﻬﻲ ﻋﺻر اﻟﻣؤﻟف وﯾﻔﺗﺗﺢ ﻋﺻر اﻟﻘﺎرئ ،وﻧزﻋت ﻋن اﻟﻣؤﻟف ﺗﻠك اﻟﻣﻛﺎﻧﺔ
اﻟﻣرﻣوﻗﺔ اﻟﺗﻲ ﺣظﻲ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﺗﻘﻠﯾدي ،وﯾﻌﻠل ﺑﺎرت إﺿﻌﺎﻓﻪ ﻟدور اﻟﻣؤﻟف أوﺗﺣﯾﯾدﻩ ﺑﻘوﻟﻪ
ﻧﻬﺎﺋﯾﺎ ،إﻧﻬﺎ
ً » إن ﻧﺳﺑﺔ اﻟﻧص إﻟﻰ اﻟﻣؤﻟف ﻣﻌﻧﺎﻩ إﯾﻘﺎف اﻟﻧص وﺣﺻرﻩٕ ،واﻋطﺎؤﻩ ﻣدﻟوﻻً
إﻏﻼق اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ.2«...
اﻟﻘراءة ﻫﻲ ﺳﺑﯾل ﺗﺣﻘق اﻟﻧص ،ﻓﺑدوﻧﻬﺎ ﻻ ﯾﺗﺣﻘق اﻟﻧص وﻟذﻟك ﻓﺎﻟﻘراءة ﺗﺳﺗﻣد أﻫﻣﯾﺗﻬﺎ
ﻣن ﺿرورﺗﻬﺎ ﻻﺳﺗﻛﻣﺎل اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ اﻹﺑداﻋﯾﺔ ﻓﻲ ﻣرﺣﻠﺗﻬﺎ اﻷﺧﯾرة ﻟدى اﻟﻣﺗﻠﻘﻲ ،إذ ﯾﺷﯾر "
اﻟﺣﺑﯾب ﺷﺑﯾل " إﻟﻰ أن » اﻟﻧص ﻟﯾس ﻟﻪ وﺟود إﻻ ﻋﻧدﻣﺎ ﯾﺗﺣﻘق وﻫوﻻ ﯾﺗﺣﻘق إﻻ ﻣن ﺧﻼل
اﻟﻘﺎرئ ،وﻣن ﺛم ﺗﻛون ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻟﻘراءة ﻫﻲ اﻟﺗﺷﻛﯾل اﻟﺟدﯾد ﻟواﻗﻊ ﻣﺷﻛل ﻣن ﻗﺑل ﻫو اﻟﻌﻣل
213
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
اﻷدﺑﻲ ﻧﻔﺳﻪ « ، 1وﯾﺗرﺑط ﻧﺟﺎح اﻟﻘراءة ﺑﻣﻬﺎرات اﻟﻣﺗﻠﻘﻲ اﻟﻘراﺋﯾﺔ وأدواﺗﻪ اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ واﻹﺟراﺋﯾﺔ
ﺣﺗﻰ ﯾﺳﺗطﯾﻊ اﻟﻧﺎﻗد ﺗﺟﺎوز ﻛل ﻣﺎ ﻗد ﯾﺷوش ﻓﻛرﻩ ﻣن ﺣﯾرة وﻗﻠق وﻛل ﻣﺎ ﯾﺑﺛﻪ اﻟﻣﺑدع ﻓﻲ ﺛﻧﺎﯾﺎ
ﻣﺧﻠوﻗﻪ ،إذ ﯾﺷﺣذ اﻟﻧﺎﻗد ﻓﻛرﻩ ﻣﺗﻛﺋﺎ ﻋﻠﻰ ﻛل ﻣﺎ ﯾﻣﻠك ﻣن ﻗدرات ﻟﻔﻬم ﻣﻐﻠﻘﺎت ﻫذا اﻟﺧطﺎب
واﺳﺗﻛﺷﺎف ﻣواطن اﻟﻐﻣوض ﻓﯾﻪ ،واﺳﺗﻘراء ﻣﺎ ﺳﻛت ﻋﻧﻪ اﻟﻧص.
وﻋن ﺣﺿور اﻟﻘراءة ﻓﻲ ﻣﺷروﻋﻪ اﻟﻧﻘدي ﯾﺻرح درﯾدا ﻗﺎﺋﻼ » أﻋﺗﻘد أﻧﻪ ﻣن ﻏﯾر
اﻟﻣﻣﻛن اﻻﻧﺣﺑﺎس داﺧل اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ ،إن اﻟﻣﺣﺎﯾﺛﺔ أو اﻟﺑﺎطﻧﯾﺔ اﻷدﺑﯾﺔ اﻟﻣﺣض ﺗﻘوم ﻓﻲ
ﻧظري ﺑﺎﻻﺣﺗﻣﺎء داﺧل اﻟﺣدود اﻟﻣﻘﺎﻣﺔ ﺗﺎرﯾﺧﯾﺎ واﻟﺗﻲ ﺗﻔﺗرض ﻣﺟﻣوﻋﺎ ﻛﺎﻣﻼ ﻣن اﻟﻌﻘود
اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ اﻟﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﺗﺄطﯾر اﻟﻧص وﺗﺣدﯾد وﺣدﺗﻪ وﻣﺗﻧﻪ وﺿﻣﺎﻧﺎﺗﻪ اﻟﻘﺎﻧوﻧﯾﺔ وﻣﺎ إﻟﻰ ذﻟك ﻣن
ﺗﺣدﯾﺎت...أﻋﺗﻘد أن ﻫﻧﺎك ﺑﯾن ﺧﺎرج اﻟﻧص وداﺧﻠﻪ ﺗوزﯾﻌﺎ آﺧر ﻟﻠﻣﺟﺎل أو اﻟﺣﯾز ،وأﻋﺗﻘد أﻧﻪ
ﺳواء أﻓﻲ اﻟﻘراءة اﻟﺑﺎطﻧﯾﺔ أم ﻓﻲ اﻟﻘراءة اﻟﺗﻔﺳﯾرﯾﺔ ﻟﻠﻧص ﻣن ﺧﻼل ﻣﺳﯾرة اﻟﻛﺎﺗب أو ﺗﺎرﯾﺦ
اﻟﺣﻘﺑﺔ ﯾظل ﺷﻲء ﻣﺎ ﻧﺎﻗﺻﺎ داﺋﻣﺎ«.2
أﺧذت اﻟﻘراءة ﻣوﻗﻌﻬﺎ اﻟﻣﺗﻣﯾز ﻛﺄﺣد أطراف ﺛﻼﺛﯾﺔ ﺑﺎرت اﻟﻣؤﻟف ،اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ،اﻟﻘراءة
ﺣﯾث رأى ﺑﺎرت أن ﻣوت اﻟﻣؤﻟف ﻫو اﻟﺛﻣن اﻟذي ﺗﺗطﻠﺑﻪ وﻻدة اﻟﻘراءة ،3ﻓﺎﻟطرف اﻷول ﻣن
اﻟﺛﻼﺛﯾﺔ اﻟﻣﺗﻣﺛل ﻓﻲ اﻟﻣؤﻟف ﯾﻧﺗﻬﻲ دورﻩ ﻣﺑﺎﺷرة ﺑﻌد اﻻﻧﺗﻬﺎء ﻣن اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ،وﻫوﻣﺎ ﻋﺑر ﻋﻧﻪ
ﺑﺎرت ﺑﻣوت اﻟﻣؤﻟف ،أﻣﺎ اﻟطرف اﻟﺛﺎﻧﻲ اﻟذي ﯾﻣﺛل اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ﻓﻬوﻻ ﯾﺄﺧذ ﻣوﻗﻌﻪ اﻟﺻﺣﯾﺢ إﻻ ﻓﻲ
ﺿوء اﻟﻘطب اﻟﺛﺎﻟث اﻟذي ﻫو اﻟﻘراءة ،وﻣن ﻫذا اﻟﻣﻧطﻠق ﺗﺗﺟﺳد ﺳﻠطﺔ اﻟﻘﺎرئ ﻟدى رواد
اﻟﺗﻔﻛﯾك.
وﻣن ﺧﻼل ﻣﺎ ﺗﻘدم ﻣن ﻣﻘوﻻت وﻣﺻطﻠﺣﺎت أراد ﻟﻬﺎ رواد اﻟﺗﻔﻛﯾك أن ﺗﻛون ﻛﺄﺳس
وﻣﻔﺎﻫﯾم ﺑﺎرزة ﻓﻲ ﻣﻧﻬﺟﻬم اﻟﻧﻘدي ،ﻧﺧﻠص إﻟﻰ أن اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ﻗﺗﻠت أﺣﺎدﯾﺔ اﻟدﻻﻟﺔ ودﻋت إﻟﻰ
ﺗﺷﺗت اﻟﻣﻌﻧﻰ ،وﺗﻌدد اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ،وﺑذﻟك ﺧﻠّﺻت اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ اﻟﻘراءة ﻣن اﻷﺣﺎدﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺳﺎﺋدة
214
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﻓﻲ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ ،ﻛﻣﺎ أـﻧﻬﺎ ﺑﺗﺣﯾﯾدﻫﺎ ﻟﻠﻣؤﻟف أﺳﺳت ﻟﻣﯾﻼد اﻟﻘﺎرئ ﺑﺎﻋﺗﺑﺎرﻩ ﻫواﻟذي ﯾﺗﺄﺛر
وﯾﻌﺗﺑر اﻷﺛر اﻟذي ﯾﺗرﻛﻪ اﻟﻧص ﻓﻲ اﻟﻧﻔس ﻣن أﻫم اﻷﺳس واﻟﻣﻔﺎﻫﯾم اﻟﺗﻲ ﺗﻘوم ﻋﻠﯾﻬﺎ
اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ،ﻓﺎﻷﺛر ﺑوﺻﻔﻪ ﻗﯾﻣﺔ ﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﺗﺳﻌﻰ وراﺋﻬﺎ ﻛل اﻟﻧﺻوص اﻹﺑداﻋﯾﺔ ،وﯾﺳﻌﻰ ﺗﻠﻘﻔﻬﺎ
ﻛل ﻣﺗﻠق ﻟﻺﺑداع.1
ﺛﺎﻟﺛﺎ-إﺷﻛﺎﻻت اﻟﺗﻔﻛﯾك:
ﻟم ﺗﻛد أن ﺗﺑﺳط اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ﻧﻔوذﻫﺎ وﯾﺳﺗﻘر ﻧﺟﻣﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﻣﺎء اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ،ﺑﻌد اﻧﺑﻬﺎر
واﺣﺗﻔﺎء ﺑﻬﺎ ،ﺣﺗﻰ اﻧﻬﺎﻟت ﻋﻠﯾﻬﺎ آراء اﻟﻧﻘﺎد اﻟﻼذﻋﺔ ،ﻓﺳرﻋﺎن ﻣﺎ اﻧﻛﺷﻔت ﻋﯾوﺑﻬﺎ وﻧﻘﺎﺋﺿﻬﺎ،
إذ ﺑﻬﺎ ﺗﻘﻊ ﻓﻲ ﻣزاﻟق ﺧطﯾرة ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺗوﯾﯾن اﻟﻧظري واﻹﺟراﺋﻲ ،وﻫذا ﻣﺎ ﻧﻠﺣظﻪ ﻓﻲ
ﺗﺻرﯾﺣﺎت اﻟﻧﻘﺎد ﻻﺳﯾﻣﺎ ﻣؤﺳﺳﯾﻬﺎ ﻣن اﻟﻧﻘﺎد اﻟﻐرﺑﯾﯾن ،وﻫوﻣﺎ ﺳﻧﺣﺎول اﻟوﻗوف ﻋﻧدﻩ ﻓﯾﻣﺎ
ﯾﻠﻲ.
ﯾﺑرز ﻓﻲ طﻠﯾﻌﺔ اﻟﻧﻘﺎد اﻟذﯾن وﺟﻬوا ﺳﻬﺎم اﻟﻧﻘد ﻟﻠﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ،اﻟراﺋد اﻷول ﻟﻬﺎ ﺟﺎك درﯾدا
ﺣﯾن وﺻف ﻣﺟﻣل ﻗراءاﺗﻪ ﻷي ﻧص أﻧﻬﺎ إﺳﺎءة ﻗراءة ،ﻛﻣﺎ أن اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ﻓﻲ رأﯾﻪ ﺗﻔﺗﻘد إﻟﻰ
ﻣﻌﺎﯾﯾر اﻟﺿﺑط اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ ،ﻷﻧﻬﺎ ﺳرﻋﺎن ﻣﺎ ﺗﻌﻠن ﻏﯾﺎب ﻣﻼﻣﺣﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺗوى اﻹﺟ ارﺋﻲ ﻓﻲ
ﻏﻣرة اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻷﺧرى ،ﻣﻣﺎ ﺟﻌﻠﻬﺎ ﻻ ﯾﻧطﺑق ﻋﻠﯾﻬﺎ ﺻﻔﺔ اﻟﻣوﺻوف اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ ،إذ
ﺧﺻوﺻﺎ إذا
ً ﻣﻧﻬﺟﺎ وﻻ ﯾﻣﻛن ﺗﺣوﯾﻠﻪ إﻟﻰ ﻣﻧﻬﺞ،
ً ﯾﻘول درﯾدا ﻓﻲ ﻫذا اﻟﺻدد » ﻟﯾس اﻟﺗﻔﻛﯾك
ﻣﺎ أﻛدﻧﺎ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻣﻔردة ﻋﻠﻰ اﻟدﻻﻟﺔ اﻹﺟراﺋﯾﺔ أو اﻟﺗﻘﻧﯾﺔ « ، 2ﺑل ﻗد ﻧﻔﻰ درﯾدا أن ﺗﻛون
اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ﻧﻘدا أو ﺗﺣﻠﯾﻼ ،وﻧﻔﻲ درﯾدا ﻫذا ﻻﻓﺗﻘﺎد اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ﻟﻣﻌﺎﯾﯾر اﻟﺿﺑط اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ وﻋدم
اﻣﺗﺛﺎﻟﻬﺎ ﻟﻣﻘوﻻت اﻟﻣﻧﻬﺞ وﻣﺑﺎدﺋﻪ اﻟﺻﺎرﻣﺔ.
ٕواذا ﻛﺎن ﺟﺎك درﯾدا ﻗد اﻋﺗرض ﻋﻠﻰ إﺿﻔﺎء ﺻﻔﺔ اﻟﻣوﺻوف اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ ﻋﻠﻰ
اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ،ﻓﺈن "ﺧوﺳﯾﻪ ﻣﺎرﯾﺎ ﺑوﺛوﯾﻠوا إﯾﻔﺎﻧﻛوس" ،ﻗد اﻋﺗرض ﻫو اﻵﺧر ﻋﻠﻰ إﺿﻔﺎء
215
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻧظرﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔٕ ،1واﻟﻰ ﺟﺎﻧب درﯾدا ﻧﺟد اﻟﻧﺎﻗد " ﻟﯾﺗش" اﻟذي اﻋﺗﺑر اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ
ﺻﯾﻐﺔ ﻟﻧظرﯾﺔ اﻟﻧص ﺗﺧرب ﻛل ﺷﻲء ﻓﻲ اﻟﺗﻘﺎﻟﯾد ،وﺗﺷﻛك ﻓﻲ اﻷﻓﻛﺎر اﻟﻣوروﺛﺔ ﻋن اﻟﻌﻼﻣﺔ
واﻟﻠﻐﺔ واﻟﻧص ،واﻟﺳﯾﺎق واﻟﻣؤﻟف واﻟﻘﺎرئ ،ودور اﻟﺗﺎرﯾﺦ وﻋﻣﻠﯾﺔ اﻟﺗﻔﺳﯾر،وأﺷﻛﺎل اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ
اﻟﻧﻘدﯾﺔ ،2إذ ﻓﻬم اﻟﻧﻘﺎد اﻟﺗﻔﻛﯾك ﻣن زواﯾﺎ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﺗدور ﻛﻠﻬﺎ ﻓﻲ داﺋرة اﻟﺗﻘوﯾض واﻟﻬدم وﻫﻲ ﻓﻲ
ﻧﻔس اﻟوﻗت ﺗﺗﻌدد ﻟﺗدل ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺷرﯾﺢ واﻟﺗﻘوﯾض واﻟﺗدﻣﯾر واﻟﻧﺳف واﻟﺗﻔﺗﯾت واﻟﺗﺷﺗت،ﻓﻛل ﻧﺎﻗد
ﯾﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ اﻟﺗﻔﻛﯾك ﺣﺳب ﻣﺎ ﯾراﻩ ﻫو ،ﻓﻠﯾس ﻫﻧﺎك ﻗواﻋد وأﺳس واﺿﺣﺔ وﻣﺣددة ﯾﻌﺗﻣدﻫﺎ
اﻟدارس أو ﯾﻧﺗﻬﺟﻬﺎ ﻟﯾﻘﯾم ﻣﻘﺎرﺑﺔ ﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ﻓﻲ دراﺳﺔ ﻣﺎ.
أﻣﺎ "ﻫﺎورد ﻓﻠﯾرن" ﻓﯾذﻫب إﻟﻰ أن اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﯾن ﻫم اﻟﺳﺑب اﻟوﺣﯾد ﻷزﻣﺔ اﻟدراﺳﺎت اﻟﻧﻘدﯾﺔ
وﯾﻌزوا ﻛﻼﻣﻪ إﻟﻰ أﻧﻬم ﯾﺗﺻورون اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻷدﺑﯾﺔ وﻗد ﺗﺣوﻟت إﻟﻰ ﻛرﻧﻔﺎل ﺗﺧﺗﻔﻲ ﻓﯾﻪ
اﻟﺗﻘﺳﯾﻣﺎت واﻟﺣدود اﻟﺗﻲ ﺗﻣﯾز ﺑﯾن اﻟﺷﻲء وﻏﯾرﻩ ،وﯾﺷﺑﻪ ﻟﯾﺗش اﻟﻧﺎﻗد ﻫﯾﻠﯾز ﻣﯾﻠر ﺑﺎﻟﺛور اﻟﻬﺎﺋﺞ
وﺳط ﻣﺗﺟر ﻟﺑﯾﻊ اﻟﺧزف ﻓﻬو ﯾدﻣر ﻛل ﺷﻲء ،3وﯾرى آﺧرون أن اﻟﺗﻔﻛﯾك ﯾﺷﺑﻪ اﻟﻣوﺿﺔ اﻟﺗﻲ
ﺗظﻬر ﻓﻲ اﻟوﻗت اﻟﻣﻧﺎﺳب ،ﻹﺷﺑﺎع ﺣﺎﺟﺔ ﻣرﺗﺑطﺔ ﺑﺎﻟذﻛﺎء اﻟﺗﺳوﯾﻘﻲ ﻟﯾس ﻏﯾر ،وﻣﻣﺎ ﺳﺎﻋد
رواج ﻫذا اﻟﺗﻔﻛﯾك إﺟﺎدة دﻋﺎﺗﻪ ﻟﻔﻧون اﻟﺑﯾﻊ واﻟﺗﻐﻠﯾف اﻟﺗﻲ ﺗﻣﻛﻧﻪ ﻣن ﺑﯾﻊ ﺑﺿﺎﻋﺔ ﻗدﯾﻣﺔ ،ﺳﺑق
ﺗداوﻟﻬﺎ ﻓﻲ أﺷﻛﺎل ﺟدﯾدة وﺑراﻗﺔ.4
وﻣن اﻟﺟدﯾر ﺑﻧﺎ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ اﻟﻛﺗﺎب اﻟذي أﻟﻔﻪ " ﺟون إﯾﻠس" واﻟذي ﺗﺿﻣن اﻟﻛﺛﯾر ﻣن
اﻻﻧﺗﻘﺎدات اﻟﺗﻲ وﺟﻬت ﻟﻠﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ أﺳﻣﺎﻩ "ﺿد اﻟﺗﻔﻛﯾك"Against deconstruction-
ﺳﻧﺔ ،1989واﻟذي اﺣﺗوى ﺳﺗﺔ ﻓﺻول ﯾﺑدأ اﻟﻔﺻل اﻷول ﺑﺎﻟﺗﺳﺎؤل ﻋن اﻟﻛﯾﻔﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻛون
ﺑﻬﺎ اﻟﺗﻔﻛﯾك ﻣﺣل اﻟﻧﻘﺎش،أﻣﺎ اﻟﻔﺻول اﻷرﺑﻌﺔ اﻟﺗﺎﻟﯾﺔ ﻓﻬو ﯾﻧﺎﻗش ﺑﻌض اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ اﻟﻣﺗﻌﻠﻘﺔ
ﺑﺎﻟﺗﻔﻛﯾك ﺛم ﯾﻌود ﻓﻲ اﻟﻔﺻل اﻟﺳﺎدس إﻟﻰ ﻣﻧﺎﻗﺷﺔ ﻣﻧطق اﻟﺗﻔﻛﯾك ،5وﻓﻲ ﻫذا اﻟﻛﺗﺎب ﯾﺛﺑت
216
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
إﯾﻠس أن ﻣﻌظم اﻟﺗﻌﺑﯾرات واﻟﻣﻘوﻻت اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻟﻠﺗﯾﺎر اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﻲ ﻛﺎﻧت ﻣﺗداوﻟﺔ ﻋﻧد اﻟﻧﻘﺎد اﻟﺟدد،
وﻣﻣﺎ أﺧذ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ أﯾﺿﺎ اﺳﺗﺧدام ﻣﺻطﻠﺣﺎت وﻛﻠﻣﺎت ﻏﯾر واﺿﺣﺔٕ ،واذا ﻛﺎﻧت ﻫذﻩ
أﺑرز اﻻﻧﺗﻘﺎدات اﻟﻣوﺟﻬﺔ ﻹﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ اﻟﺗﻔﻛﯾك إﻻ أن ﻫﻧﺎك ﻛﺛﯾر ﻣن اﻻﻧﺗﻘﺎدات اﻷﺧرى.
أﻣر طﺑﯾﻌﯾﺎ ،ﻛون
وﯾرى ﺑﻌض اﻟﻧﻘﺎد أن ﻣواﺟﻬﺔ اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ﻟﻬذﻩ اﻷﻋﺎﺻﯾر اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﯾﻌﺗﺑر ًا
اﻟﻣﻌﺎﻟم اﻟﺗﻲ ﺷﻛﻠت اﻟﻘﺎﻋدة اﻟﺗﻲ ﺗﺄﺳﺳت ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ﻣﻌﺎرﺿﺔ ﻟﻣﺧﺗﻠف اﻟﺗﯾﺎرات اﻟﻧﻘدﯾﺔ
ٕوان ﺗﻘﺎطﻌت ﻣﻊ ﺑﻌض ﻣﺑﺎدﺋﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﻌض اﻷﺣﯾﺎن ،ﻛل ذﻟك ﻻ ﯾﻧﻔﻲ أن اﻟﺗﻔﻛﯾك » ﻗد أﻧﺟب
وﺑﺎﻟﺟدة ﺗﺎرة أﺧرى ،وﻫذﻩ اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم ﺧدﻣت ﻛﻼ ﻣن اﻟﻧص
ّ ﻣﻔﺎﻫﯾم ﻧﻘدﯾﺔ ﻣﻠوﻧﺔ ﺑﺎﻻﺟﺗرار ﺗﺎرة
واﻟﻘﺎرئ...وﻻ ﯾﺧﻔﻰ ﻋﻠﯾﻧﺎ أن اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ﻗد أرﺳت ﻫﯾﻣﻧﺔ ﺟدﯾدة ﻟﻠﻣﻧﺎﻗﺷﺎت اﻟداﺋرة ﻣﻧذ زﻣن
طوﯾل ﺑﯾن اﻷدب واﻟﻔﻠﺳﻔﺔ«.1
217
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
وﯾﺑﯾن اﻟﻐذاﻣﻲ أن ﺗﺷرﯾﺣﯾﺗﻪ ﺗﺧﺗﻠف ﻋن ﺗﺷرﯾﺣﯾﺔ درﯾدا » ،ﺗﻠك اﻟﺗﻲ ﺗﻘوم ﻋﻠﻰ
ﻣﺣﺎوﻟﺔ ﻧﻘض ﻣﻧطق اﻟﻌﻣل اﻟﻣدروس ﻣن ﺧﻼل ﻧﺻوﺻﻪ ،وأﻧﺎ ﻟم أﻋﻣد إﻟﯾﻬﺎ ﻫﻧﺎ ﻷﻧﻬﺎ ﻻ
ﺗﻧﻔﻌﻧﻲ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟدراﺳﺔ ،وﻟﻘد اﺳﺗﺧدﻣﻬﺎ درﯾدا ﻷﻧﻪ ﻛﺎن ﯾﻬدف إﻟﻰ ﻧﻘض ﻓﻛر اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻣن
ﻗﺑﻠﻪ« ،1وﯾﺷﯾر إﻟﻰ أﻧﻪ ﯾﻣﯾل إﻟﻰ ﻧﻬﺞ ﺑﺎرت ﻷﻧﻪ ﺣﺳب رأﯾﻪ ﻻ ﯾﺷﻐل ﻧﻔﺳﻪ ﺑﻣﻧطق اﻟﻧص
ﻓﻬوﻻ ﯾﻌﻧﻲ اﻟدارس اﻷدﺑﻲ،وﻷﻧﻪ ﯾﻌﻣل إﻟﻰ ﺗﺷرﯾﺢ اﻟﻧص ﻻ ﻟﻧﻘﺿﻪ وﻟﻛن ﻟﺑﻧﺎﺋﻪ ،2ﻓﺎﻟﻧﺎﻗد ﺑذﻟك
اﺧﺗﺎر ﻧﻬﺞ ﺑﺎرت اﻟذي ﯾﻧﻘض ﻣن أﺟل إﻋﺎدة اﻟﺑﻧﺎء ﻋﻠﻰ ﺣﺳﺎب ﻧﻬﺞ درﯾدا اﻟذي ﯾﻧﻘض ﻣن
أﺟل اﻟﻧﻘض.
وﺑﻌد أن ﻣﻬّد اﻟﻧﺎﻗد ﻟدراﺳﺗﻪ ﺑﺑﺳط ﻧظري ﺟد ﻣﺧﺗﺻر أو ﻣﺣدود ﻟﻠﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ﺣﺳب
وﺟﻬﺔ ﻧظر ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ، 3أﺧﺿﻊ ﻧﺻوص ﺣﻣزة ﺷﺣﺎﺗﺔ ﻟﻘراءات ﻣﺗﻌددة ﻓﻲ أوﻗﺎت
وﺣﺎﻻت ﻣﺗﻐﺎﯾرة ،ﻓﻛﺎن ﯾﺳﺟل ﻓﻲ ﻛل ﻣرة ﻣﻼﺣظﺎت ﻓﻲ ﻣﻌزل ﻋن اﻟﻣﻼﺣظﺎت اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ وﻋن
أﻫﻣﯾﺔ ﻫذا اﻟﺗﺻرف ﯾﻘول اﻟﻧﺎﻗد » أراﻩ أﻓﺿل وﺳﯾﻠﺔ ﻟﻠﺣﻛم ﻋﻠﻰ اﻟﺗذوق اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ﻛﻲ ﻧﺑﺗﻌد
ﻋن اﻻﻧطﺑﺎﻋﯾﺔ اﻟﺳﺎذﺟﺔ ،وﺑﻌد أﻧﻔﺳﻧﺎ ﻋن اﻟوﻗوع ﻓﻲ ﺣﺑﺎﺋﻠﻬﺎ ،وﻫذا ﻟﻪ ﻣﺑرراﺗﻪ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻣﺛﻠﻣﺎ
ﻟﻪ ﻣﺑررات أﺧﻼﻗﯾﺔ أﯾﺿﺎ ،إذ أﻧﻧﺎ ﻣطﺎﻟﺑون ﺑﺄن ﻧﻛون ﻣوﺿوﻋﯾﯾن ﻓﻲ ﻣواﻗﻔﻧﺎ ﻣن اﻟﻧص اﻟذي
أﺳﻠم ﻧﻔﺳﻪ ﻟﻧﺎ ،وﻣﺎ دﻣﻧﺎ ﻗد أﺑﺣﻧﺎ ﻷﻧﻔﺳﻧﺎ اﻟوﻟوج إﻟﻰ ﻋﺎﻟم اﻟﻛﺎﺗب ﻛﻣﺷﺎرﻛﯾن ﻟﻪ ﻓﻲ ﺻﻧﺎﻋﺔ
اﻟﻧص وﺗﻔﺳﯾرﻩ ،ﻓﻠﯾس أﻗل ﻣن أن ﻧﺳﻌﻰ إﻟﻰ اﻣﺗﺣﺎن وﺳﺎﺋل ﺣﻛﻣﻧﺎ ﺑﺄن ﻧﺧﺿﻌﻬﺎ ﻫﻲ ﻧﻔﺳﻬﺎ
ﻟﻠﻔﺣص واﻟﺗﻣﺣﯾص ،وذﻟك ﺑﻣراﺟﻌﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﺿوء ﺗﻌدد اﻟﻘراءة واﺧﺗﺑﺎر ﻧﺗﺎﺋﺟﻬﺎ.4«
5
ﻓﻲ دراﺳﺗﻪ اﻟﺗﺷرﯾﺣﯾﺔ ﻷدب ﺷﺣﺎﺗﺔ اﺗﺑﻊ اﻟﻧﺎﻗد اﻟﺧطوات اﻟﺗﺎﻟﯾﺔ:
أ -ﻗراءة ﻋﺎﻣﺔ اﺳﺗﻛﺷﺎﻓﯾﺔ ﻟﻛل أﻋﻣﺎل اﻷدﯾب.
218
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ب-ﻗراءة ﻧﻘدﯾﺔ اﺳﺗﻧﺑﺎطﯾﺔ ﻟﻣﻌﺎﻟم اﻟﻧﻣوذج اﻟذي ﺳﻌﻰ إﻟﻰ ﺗﺄﺳﯾﺳﻪ اﻟﺧطﯾﺋﺔ واﻟﺗﻛﻔﯾر.
ﺟـ-ﻗراءة ﻧﻘدﯾﺔ ﺗﻌﻣد إﻟﻰ ﻓﺣص اﻟﻧﻣﺎذج ﺑﻣﻌﺎرﺿﺗﻬﺎ ﻣﻊ اﻟﻌﻣل.
د-دراﺳﺔ اﻟﻧﻣﺎذج ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ وﺣدات ﻛﻠﯾﺔ ،ﻓﻲ ﺿوء ﺑﻌض اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ،وﻫذﻩ اﻟﻧﻣﺎذج
ﻫﻲ إﺷﺎرات ﻋﺎﺋﻣﺔ ﺗﺳﻌﻰ إﻟﻰ ﺗﺄﺳﯾس أﺛرﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺎرئ اﻟذي ﻫو اﻟﺻﺎﻧﻊ ﻟﻬذا اﻷﺛر ﻋن
طرﯾق ﺗﻔﺳﯾر اﻹﺷﺎرة ﺑرﺑط اﻟﻧص ﺑﺳﯾﺎﻗﻪ.
ه-ﻣرﺣﻠﺔ اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ أو إﻋﺎدة اﻟﺑﻧﺎء ،ﺣﯾث ﯾﻐدو اﻟﻧص ﻫو اﻟﺗﻔﺳﯾر واﻟﺗﻔﺳﯾر ﻫو اﻟﻧص.
اﻋﺗﻣد اﻟﻐذاﻣﻲ ﻣﻧﻬﺟﺎ ﺗرﻛﯾﺑﯾﺎ ﺑﻧﯾوﯾﺎ ،ﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺎ ،ﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺎ ،وﻗد أﻓﺎد ﻣن ﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ﺟﺎك
درﯾدا وروﻻن ﺑﺎرت » ،وﻟﻛﻧﻪ ﯾطﻌﻣﻬﺎ ﺑروح ﻧﻘدﯾﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻣن ﺷﺄﻧﻬﺎ أن ﺗﻌﺎرض اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ
ﻧﻔﺳﻬﺎ ﻛﻘوﻟﻪ ﺑﺎﻟﺑﻧﺎء ﺑﻌد اﻟﺗﻔﻛﯾك واﻋﺗدادﻩ ﺑﺎﻟﻧظﺎم اﻟﺑﻧﯾوي ،...وﻗد ﺗﻌﺎرض ﺣﺗﻰ ﻣﻧﻬﺟﻪ
اﻟﻧظري ،ﺣﯾث ﯾﺧﻠط ﺑﯾن اﻟﻧﺻوص اﻟﻧﺛرﯾﺔ واﻟﻧﺻوص اﻟﺷﻌرﯾﺔ ، 1« ...ﻛﻣﺎ ﯾؤﺧذ ﻋﻠﻰ
اﻟﻐذاﻣﻲ اﻋﺗدادﻩ ﺑﺣﯾﺎة اﻟﺷﺎﻋر ﻣﺗﺟﺎو از ﻓﻲ دراﺳﺗﻪ اﻟﻧص إﻟﻰ ﺧﺎرﺟﻪ.
وﯾواﺻل اﻟﻐذاﻣﻲ ﻓﻲ اﻟﻧﻬﺞ اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﻲ ﻣن ﺧﻼل ﻛﺗﺎب آﺧر ﻫو" ﺗﺷرﯾﺢ اﻟﻧص" ﺳﻧﺔ
،1987ﺛم ﺻدر ﻟﻠﻣؤﻟف ﻛﺗﺎب " اﻟﻘﺻﯾدة واﻟﻧص اﻟﻣﺿﺎد" ﺳﻧﺔ ،1994أﻋرب ﻓﯾﻪ ﻋن
أﺳﺑﺎب ﺗﺑﻧﯾﻪ اﻟﺗﻔﻛﯾك أواﻟﺗﺷرﯾﺢ.2
ٕواﻟﻰ ﺟﺎﻧب اﻟﻐ ّذاﻣﻲ ﻧﺟد ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض واﻟذي ﺳﯾﻛون ﻟﻧﺎ ﻣﻌﻪ وﻗﻔﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻧﺻر
اﻟﻘﺎدم ﻣن اﻟﺑﺣث اﻟﻣوﺳوم ﺑﺣﺿور اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري ،وﻋدا ذﻟك ﻫﻧﺎك ﻣﺣﺎوﻻت
ﻟدى ﻧﻘﺎد ﻋرب آﺧرﯾن أﻣﺛﺎل ﺑﺳﺎم ﻗطوس ،وﻋﺑد اﻟﻌزﯾز ﺣﻣودة ،ﻛﻣﺎ ﻧﺟد أﯾﺿﺎ ﻋﺑد اﷲ
إﺑراﻫﯾم ،وﺑﺷﯾر ﺗﺎورﯾت ﺑﺎﻻﺷﺗراك ﻣﻊ اﻷﺳﺗﺎذة ﺳﺎﻣﯾﺔ راﺟﺢ ﻓﻲ اﻟدراﺳﺔ اﻟﻣوﺳوﻣﺔ ب "
اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﻣﻌﺎﺻر دراﺳﺔ ﻓﻲ اﻷﺻول واﻟﻣﻼﻣﺢ واﻹﺷﻛﺎﻻت اﻟﻧظرﯾﺔ
واﻟﺗطﺑﯾﻘﯾﺔ " ،وﻣﺎ ﺗﺗﺳم ﺑﻪ ﻫذﻩ اﻟدراﺳﺎت ﻫو اﻗﺗﺻﺎرﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺟﺎﻧب اﻟﻧظري دون اﻟﺗطرق إﻟﻰ
اﻟﺟﺎﻧب اﻹﺟراﺋﻲ.
-1ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص .162
-2ﺑﺷﯾر ﺗﺎورﯾت ،اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ص .82-81
219
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
اﺳﺗﻔﺎد ﻣرﺗﺎض ﻓﻲ دراﺳﺗﻪ ﻣن إﺟراءات اﻟﺗﻔﻛﯾك ،إذ درس ﻧﻣوذﺟﺎ ﻣن ﻣدوﻧﺔ ﻛﻣﺎ
ﺗﺗطﻠب اﻟﻘراءة اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ،وﺗوﺻل ﺑﺗﻔﻛﯾﻛﻪ ﻟﺑﻧﻰ اﻟﻧص إﻟﻰ دﺣض ﺑﻌض اﻟﻣﺳﻠﻣﺎت اﻟﺗﻲ
ﻛﺎﻧت ﺗرى أن ﺣﻛﺎﯾﺔ أﻟف ﻟﯾﻠﺔ وﻟﯾﻠﺔ اﻧﺻﻬﺎر ﻟﺛﻘﺎﻓﺎت اﻟﻌرب واﻟﻬﻧد واﻟﻔرس وﺷﻌوب ﻻ ﺣﺻر
ﻟﻬﺎ ،وأﻧﻬﺎ ﻣﺟﻬوﻟﺔ اﻟﻣؤﻟف وأﻧﻪ ﯾﻛﻣن ﻓﻲ اﻟذاﻛرة اﻟﺟﻣﻌﯾﺔ ﻟﻠﺷﻌوب ،ﻟﯾﺛﺑت طﺎﺑﻌﻬﺎ اﻟﻌرﺑﻲ
اﻟﺧﺎﻟص ﻣن ﺣﯾث أﺣﺎدﯾﺔ اﻟﻣؤﻟف ،ﻓﻬو» ﺑﻐدادي اﻟدار ،رﺷﯾدي اﻟﻌﻬد ،ﻋرﺑﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ،وطﻧﻲ
اﻟﻧزﻋﺔ ،ﻛﺄﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﻧدﺳﺎ ﻓﻲ ﺑﻌض ﻗﺻور ﻫﺎرون اﻟرﺷﯾد ،ﺣﺗﻰ ﻛﺄن ﻫذﻩ اﻟﺣﻛﺎﯾﺎت إﻧﻣﺎ ﻛﺎﻧت
ﺿرﺑﺎ ﻣن اﻟدﻋﺎﯾﺔ اﻟﻌظﯾﻣﺔ ﻟﺷﺧﺻﯾﺔ ﻫﺎرون اﻟرﺷﯾد وﺣﻠﻣﻪ وﻛرﻣﻪ وﺗواﺿﻌﻪ وﻋدﻟﻪ وظرﻓﻪ
وأدﺑﻪ ﻓﻣﻌظم اﻟﺣﻛﺎﯾﺎت ﺗﻧطﻠق ﻣن ﻣدﯾﻧﺔ ﺑﻐداد وﺗﻧﺗﻬﻲ إﻟﯾﻬﺎ ،2«...وﺣﺳب ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ
3
ﻓﺈن اﻟدراﺳﺔ ﯾﻌوزﻫﺎ اﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﻲ اﻟذي ﯾﻌدﻩ ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ﻣﻔﺗﺎﺣﺎ ﻣﻧﻬﺟﯾﺎ.
ﺛم واﺻل ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض ﻣﻧﻬﺟﻪ اﻟﻣرﻛب " اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ -اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﻲ" ﺑﺎﻟدراﺳﺔ اﻟﻣوﺳوﻣﺔ ﺑـ
"أ/ي –دراﺳﺔ ﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ ﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ﻟﻘﺻﯾدة " أﯾن ﻟﯾﻼي" ﻟﻣﺣﻣد اﻟﻌﯾد آل ﺧﻠﯾﻔﺔ" وذﻟك ﺳﻧﺔ
،1987ﺣﯾث ﻗﺎم ﺑدراﺳﺔ ﻧﻣوذج ﻣن ﻣدوﻧﺔ اﻟﺷﻌر اﻟﻌﻣودي ،ﺣﯾث أﺛﺑت ﺑﻌد ﺗﺣﻠﯾل ﺑﻧﺎﻫﺎ
-1ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ص .163
-2ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض ،أﻟف ﻟﯾﻠﺔ وﻟﯾﻠﺔ ،ﺗﺣﻠﯾل ﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ ﺗﻔﻛﯾﻛﻲ ﻟﺣﻛﺎﯾﺔ ﺣﻣﺎل ﺑﻐداد ،دﯾوان اﻟﻣطﺑوﻋﺎت اﻟﺟﺎﻣﻌﯾﺔ،اﻟﺟزاﺋر
ص .232
-3ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي ﻋﻧد ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض ،ص .67
220
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
أﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺑرح ﻫذﻩ اﻟداﺋرة وأن ﺻﺎﺣﺑﻬﺎ آﺧر ﺷﻌراء اﻟﻘﺻﯾدة اﻟﻌﻣودﯾﺔ ،ﺛم أﻟف ﻛﺗﺎب " ﺗﺣﻠﯾل
اﻟﺧطﺎب اﻟﺳردي-ﻣﻌﺎﻟﺟﺔ ﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ ﻣرﻛﺑﺔ ﻟرواﯾﺔ زﻗﺎق اﻟﻣدق ﺳﻧﺔ .1989
ﯾﺳﺗﻌﯾن اﻟﻧﺎﻗد ﻓﻲ دراﺳﺗﻪ ﺑﺑﻌض اﻹﺟراءات اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ،إذ ﯾﻔﻛك اﻟﻧص اﻟﺳردي إﻟﻰ
ﻋﻧﺎﺻرﻩ اﻷوﻟﻰ اﻟﺗﻲ ﺗرﻛب ﻣﻧﻬﺎ ،ﻟﻠﻛﺷف ﻋن طواﯾﺎ اﻟﻧص وﺗﺣدﯾد اﻟﻣواد اﻟﺗﻲ ﺑﻧﻲ ﻣﻧﻬﺎ
أﻋد ﻓﯾﻬﺎ ،ﻣﻌﺗﻘدا أن ﻫذا اﻹﺟراء ﺳﯾﻔﺿﻲ إﻟﻰ وﺿﻊ ﻣﻧﻬﺞ ﻟﻠدراﺳﺔ ﻣﻼﺋم ﻟطﺑﯾﻌﺔ
واﻟﺑﻧﻰ اﻟﺗﻲ ّ
اﻟﻣواد اﻟﻣﻔﻛﻛﺔ ﻧﻔﺳﻬﺎ،ﻻ ﻟطﺑﯾﻌﺔ ﻣﻧﻬﺞ ﻣﺳﺗﺟﻠب ﻣﻔروض ﻣن اﻟﺧﺎرج ﻋﻠﻰ اﻟﻧص ﻓرﺿﺎ
ﻏرﯾب ﻋﻠﻰ ﺑﻧﺎﻩ اﻟﻌﻣﯾﻘﺔ واﻟﺳطﺣﯾﺔ ﻣﻌﺎ.1
اﻟﻧص ﻋﻧد ﻣرﺗﺎض ﻫو اﻟذي ﯾﻔرض اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻣﻣﺎ ﯾﺧوﻟﻪ اﻟﺗﺣرر ﻣن اﻟﻣﻧﻬﺞ وﻋدم
اﻻﻧﻘﯾﺎد ﺑﺈﺟراءاﺗﻪ اﻟﺻﺎرﻣﺔ ،ﻓﻠم ﯾﺣﺗﻔظ ﻣرﺗﺎض ﻣن اﻟﺗﻘوﯾﺿﯾﺔ إﻻ ﺑدﻻﻟﺗﻬﺎ اﻟﻣﻌﺟﻣﯾﺔ ﺣﯾث
ﻛﺎن ﺗﻘوﯾﺿﻪ ﺑﻌﯾدا ﻋن ﻣﺎ ﺗﺣﻣﻠﻪ ﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ درﯾدا ،ﻫذا اﻟﻧﻬﺞ ﺟﻌل ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ﯾﻧﻔﻲ ﻋن
ﻫذﻩ اﻟدراﺳﺔ ﺻﻠﺗﻬﺎ ﺑﺎﻟﺗﻔﻛﯾك وأن ﻣﻧﻬﺞ ﻣرﺗﺎض » ﻻ ﯾرﺗﺑط اطﻼﻗﺎ ﺑﺎﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻣﻌﻠن ﻋﻧﻪ ﺑل
إن ﻟﻪ ﺻﻠﺔ وطﯾدة ﺑﺎﻟﻧﻘد اﻟﻣوﺿوﻋﺎﺗﻲ ،ﻣن ﺣﯾث أﻧﻪ ﯾﻘﺳم اﻟﻧص إﻟﻰ ﺛﯾﻣﺎت أﺳﺎﺳﯾﺔ
ﻣوﺿوﻋﺎت رﺋﯾﺳﯾﺔ ﺛم ﯾﻌﻣد إﻟﻰ ﻫذﻩ اﻟﺛﯾﻣﺎت ﻓﯾرﻓﻌﻬﺎ -ﺑدورﻫﺎ -إﻟﻰ ﻣوﺿوﻋﺎت ﻓرﻋﯾﺔ«،2
ﻛﻣﺎ ﺟﻠب ﻧﻬﺞ ﻣرﺗﺎض اﻟذي ﻏﻠب ﻋﻠﻰ دراﺳﺎﺗﻪ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻟﻪ اﻟﻧﻘد ﻋﻠﻰ ﻏرار ﻗول ﻣﺣﻣد ﻋزام
ﻋﻧﻪ » واﻟواﻗﻊ أن ﻣرﺗﺎض ﯾﻐري اﻟﻘﺎرئ ﺑﻌﻧﺎوﯾن ﻛﺗﺑﻪ ،ﻓﺈذا ﻣﺎ ﻗرأﻫﺎ اﻟﻘﺎرئ ﺧﺎب أﻣﻠﻪ ،ﻷﻧﻪ ﻟم
ﯾﺟد ﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﺄﻣﻠﻪ ﻣن ﻧﻘد ﺣداﺛﻲ ﻣﻧﻬﺟﻲ«.3
ﻟﻛن ﻫل ﯾﺣق ﻟﻧﺎ ﻫﻧﺎ ﺳؤال ﻣﺣﻣد ﻋزام وﻏﯾرﻩ ﻋن دور اﻟﻧﺎﻗد اﻟﻌرﺑﻲ ﻓﻲ ﺧﺿم ﻫذﻩ
اﻟطﻔرة اﻟﻧﻘدﯾﺔ واﻟﻔﻛرﯾﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ ،ﻫل ﻧﻘف ﻋﻧد اﻟﺗﻘﯾد ﺑﺎﻹﺟراءات اﻟﺻﺎرﻣﺔ ﻟﻬذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻐرﺑﯾﺔ
221
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
دون إﻋﻣﺎل ﻟﻠﻔﻛر واﻟﺗﺣرر ﻣن اﻟﺗﺑﻌﯾﺔ ؟ ٕواذا ﻣﺎ ﺣﺎول أي ﻧﺎﻗد ﻣن اﻟﻧﻘﺎد اﻟﻌرب اﻟﺗﺣرر ﻣن
ﻫذﻩ اﻟﺗﺑﻌﯾﺔ إﻻ وﻛﺎن ﻋﻼﻣﺔ ﺑﺎرزة ﯾﺗﻧﺎﻓس ﻋﻠﻰ رﻣﯾﻬﺎ اﻟﻧﻘﺎد ﺑﺳﻬﺎﻣﻬم.
واﻟواﻗﻊ أن ﻣﻔﻬوم اﻟﺗﻔﻛﯾك ﻟم ﯾﻌد ﻋﻧد ﻣرﺗﺎض ﺳوى إﺟراء ﻗراﺋﻲ ﻟﻛﺷف ﺧﺑﺎﯾﺎ اﻟﻧص
وﺗﺣﻠﯾل ﺑﻧﺎﻩ اﻟﺗﻲ ﺑﻧﻲ ﻋﻠﯾﻬﺎ ،دون أن ﯾﻬﻣﻪ ﻣﻧﺎﻫﺿﺔ اﻟﺟوﻫر اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﻲ ﻓﻲ ﺻورﺗﻪ اﻷﺻﻠﯾﺔ
ﻟراﺋدﻩ ﺟﺎك درﯾدا ،وﻫو ﺑﻧﻔﺳﻪ ﯾﺻرح ﺑذﻟك ﺑﻘوﻟﻪ » ...إن اﺻطﻧﺎﻋﻧﺎ ﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟﺗﻔﻛﯾك ﻻ
ﯾﻧﺑﻐﻲ ﻟﻪ أن ﯾﺣﯾل ﺑﺎﻟﺿرورة ﻋﻠﻰ ﻣﻔﻬوم اﻟﻣذﻫب اﻟدرﯾديٕ ،واﻧﻣﺎ ﻧرﯾد ﺑﻪ ﺧﺻوﺻﺎ إﻟﻰ ﺣل
اﻷﺟزاء واﻟﻌﻧﺎﺻر اﻟﻠﺳﺎﻧﯾﺔ ...إﻟﻰ أدﻧﻰ ﻣﺳﺗوﯾﺎﺗﻬﺎ ﻟﻣﺣﺎوﻟﺔ ﺑﻧﺎء ﻋﻠﯾﻬﺎ...إذ ﻻ ﯾﻛون اﻟﺗﺣﻠﯾل
إﻻ ﺑﻬدم أوﺗﻘوﯾض...ﻟﻠﻧص ﻓﻲ أي ﺻورة ﻣن ﺻور اﻟﺗﻘوﯾض ،ﺛم إﻗﺎﻣﺔ ﻋﻣل ﻓﻧﻲ ﺟدﯾد
ﻋﻠﻰ أﻧﻘﺎﺿﻪ « ، 1ﻫﻛذا دﯾدن ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض ﻓﻲ ﺗﺟرﺑﺗﻪ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ،وﯾﺗﺟﺳد ذﻟك ﺑﻛل
وﺿوح ﻓﻲ ﻣﺑدﺋﻪ اﻟﻘﺎﺋم ﻋﻠﻰ ﻗوﻟﻪ » اﻟﻔﻛر اﻟذي ﯾﺟدد ﻧﻔﺳﻪ ،وﯾﺛور ﻋﻠﻰ اﻟﺳﺎﺋد ،ﻓﯾﻧﺗﺞ
وﯾرﻓض ،وﻫو اﻟﻔﻛر اﻟذي ﯾﻧﺗﺞ اﻟﻣﻌرﻓﺔ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑﻠﯾﺔ«.2
رﻏم أن ﻣرﺗﺎض ﻓﻲ ﺗﺟرﺑﺗﻪ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟطوﯾﻠﺔ واﻟﺗﻲ ﺣﺎول ﻓﯾﻬﺎ ﻣﺟﺎراة اﻟﺗﺣوﻻت اﻟﻔﻛرﯾﺔ
اﻟﻣﻌﺎﺻرة ،ﻟﻛﻧﻪ ﻛﺛﯾ ار ﻣﺎ أﺧذ ﻋﻠﯾﻪ أﻧﻪ ﯾﻌﻠن ﻋن اﻟﻣﻧﻬﺞ وﻟﻛﻧﻪ ﻻ ﯾﻘدم ﺳوى ﺗﻌﻣﯾﻣﺎت
وﺻﻔﯾﺔ ،ﺗﻌوزﻫﺎ اﻟدﻗﺔ واﻟﺻراﻣﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ،إﻻ أن ﻣﺣﺎوﻻﺗﻪ ﻛﺎﻧت داﺋﻣﺎ ﺗﺗطﻠﻊ إﻟﻰ ﺗﺣﻘﯾق
اﻹﺿﺎﻓﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﻗل ﻣن أﺟل ﻣراﻋﺎة ﻓﺿﺎء اﻻﺳﺗﻘﺑﺎل وﺧﺻوﺻﯾﺎﺗﻪ ،وﻋدم ﻣﺣﺎﯾﺛﺔ ﺗﻠك
اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ ﺑﺻورة ﺻﺎرﻣﺔ ،ﺗطﻣس ﻣﻌﺎﻟم اﻟﺧطﺎب اﻷدﺑﻲ اﻟﻌرﺑﻲ دوﻧﻣﺎ ﺗﻣﺣﯾص وﺗدﻗﯾق
وﻣراﺟﻌﺔ ،ﻓذﻟك اﻟﻔﻛر ﻓﻲ ﺣد ذاﺗﻪ ﯾﺳﺗدﻋﻲ ﻣﻧﺎ إﻋﺎدة ﻗراءة وﻟﻧﻘل ﺗﻔﻛﯾك إن ﺷﺋﻧﺎ.
وﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣرﺗﺎض ﯾﺑدو"ﺑﺧﺗﻲ ﺑن ﻋودة" ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن ﻋﻣرﻩ اﻟﻘﺻﯾر ﺻوﺗﺎ
ﻣﺗﻣﯾزا ،ﻣﻧﺷﻐﻼ ﺑﻘﺿﺎﯾﺎ اﻟﺣداﺛﺔ واﻟﻛﺗﺎﺑﺔ واﻻﺧﺗﻼف ،ﺑﺎﺣﺛﺎ ﻓﻲ طﻼﺳم اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ واﻟﺧطﺎب ﺳﺎﻋﯾﺎ
إﻟﻰ اﻟﻛﺷف ﻋن آﻟﯾﺎت ﺟدﯾدة ﻟﻘراءة اﻟﺧطﺎب اﻷدﺑﻲ ،ﯾﺗﻛﺊ ﺑﺧﺗﻲ ﺑن ﻋودة ﻋﻠﻰ ﻟﻐﺔ ﺑرﻛﺎﻧﯾﺔ
-1ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي ﻋﻧد ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض ،ص .78
-2ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض ،ﻓﻲ ﻧظرﯾﺔ اﻟﻧﻘد ،ص .101
222
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﻣﺗﻔﺟرة ﺗﻌود إﻟﻰ ﻛﺗﺎﺑﺎت درﯾدا وﻓﻼﺳﻔﺔ اﻻﺧﺗﻼف ،وﯾﺷﯾر ﻣﺣﻣد ﺷوﻗﻲ اﻟزﯾن أن درﯾدا ﺻدم
ﺑﺎﻏﺗﯾﺎل ﺑﺧﺗﻲ ﺑن ﻋودة ،ﻟﻘد ﻛﺎﻧت أطروﺣﺎﺗﻪ ﻻ ﺗﻔﺎرق ﻣﻧﺣﻰ اﻻﺧﺗﻼف ﻣﻧﻬﺟﺎ ورؤﯾﺎ ﻓﻲ
اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ » ،ﻟﯾﺳت ﻗراءة اﻷﺷﯾﺎء ﻓﻲ اﻟﻣﺎﺿﻲ واﻟﺣﺎﺿر ﺛﺎﺑﺗﺔ أو واﺣدة ،وﻟﯾس ﻓﻌل
اﻟﻘراءة ﻓﻌﻼ ﺟزﺋﯾﺎ ﯾﺣﺗﻔل ﺑﺟﻬﺔ وﯾﻠﻐﻲ اﻟﺟﻬﺎت اﻷﺧرى ﻓﯾﻣﺎ ﻫو ﯾﺳﺗﻧﺷق زﻣﻧﺎ واﺣدا ﺿﻣن
ﺑﻼﻏﺔ اﻟواﺣد ،ﻓﺎﺧﺗﯾﺎر اﻟزواﺑﻊ ﻫو اﻷداة ﻟﺣﻔر اﻟﺧﻧﺎدق«.1
ﻣﺛل اﻟﺗﻔﻛﯾك ﻋﻧد ﺑﺧﺗﻲ ﺑن ﻋودة وﺟﻬﺎ آﺧر ﻟﻣﻌﺎﯾﺷﺔ ﻗﺿﺎﯾﺎ اﻟﻬوﯾﺔ واﻟدوﻟﺔ واﻟﻠﻐﺔ
واﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ،وﻗد ﻋﺑر ﻋن ذﻟك ﺑوﺿوح " ﻋﻣر ﻣﻬﯾﺑل" ﻓﻲ دراﺳﺗﻪ " ﺣوار اﻟﻬوﯾﺔ واﻻﺧﺗﻼف ﻓﻲ
اﻟﺧطﺎب اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر" ﺿﻣن ﻛﺗﺎﺑﻪ " ﻣن اﻟﻧﺳق إﻟﻰ اﻟذات " ،ﺑﻘوﻟﻪ » ذﻟك أﻧﻪ ﻋﻣل
ﺟﺎﻫدا ﻋﻠﻰ إﻋﺎدة ﺑﻌث ﻣﻔﻬوم ﺟدﯾد ﻟﻠﻛﺗﺎﺑﺔ ﺗﻠﺧص دراﻣﺎ اﻹﺑداع اﻟﻔﻛري ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر،ﻛﺗﺎﺑﺔ
ﺗﺣﯾل إﻟﻰ ذاﻛرة ﺣﯾﺔ وﻣﺳﺗﻣﯾﺗﺔ ،ﺗﺣﺎور اﻷﺻول ﻟﺗﺛور ﻋﻠﯾﻬﺎ ،ﺗﺑﺣث اﻟﺧﺎص ﻟﺗﺻل إﻟﻰ
2
اﻟﻛوﻧﻲ ،ﻛﺗﺎﺑﺔ ﺗﻬﺗدي ﻓﻲ ﻧﺳﺞ ﺟﻧﯾﺎﻟوﺟﯾﺎ ﻟﻬﺎ وﺿﻊ اﻟﻛﺎﺋن اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﺗﻔﺎﻋﻼﺗﻪ اﻟﻣﺗﻌددة«
واﻟواﺿﺢ أﻧﻪ ﻛﻣﺎ ﯾﺷﯾر ﻋﻣر ﻣﻬﯾﺑل وﻛﻣﺎ ﻧﻘ أر ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﺎت ﺑﺧﺗﻲ ﺑن ﻋودة ،أن ﻫذا اﻷﺧﯾر
ﻛﺎن ﯾﻌﻣل ﻋﻠﻰ أن ﯾﺣﺎﻓظ ﻋﻠﻰ اﻟوﻫﺞ اﻟﻣﻌرﻓﻲ واﻟﺻراﻣﺔ اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ﻣن ﻧﺎﺣﯾﺔ ،وﻣﻌﺎﻧﻘﺔ
اﻟواﻗﻌﻲ واﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ ﺗﻔﻛﯾﻛﺎ وﺗﺄوﯾﻼ ﻣن ﻧﺎﺣﯾﺔ أﺧرى.
وﻗرﯾﺑﺎ ﻣن اﻫﺗﻣﺎﻣﺎت ﺑﺧﺗﻲ ﺑن ﻋودة ﯾﺑرز أﺣد اﻟوﺟوﻩ اﻟﻼﻓﺗﺔ ﻓﻲ ﻣﺣﺎورة اﻟﻔﻛر اﻟﻐرﺑﻲ
اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ﻣﻬﺗﻣﺎ ﺑﻘﺿﺎﯾﺎ اﻟﺗﺄوﯾل واﻟﺗﻔﻛﯾك واﻟﻔﻠﺳﻔﺔ اﻟﺟدﯾدة ﺑﺷﻛل ﻋﺎم ،إذ ﻛﺗب ﺷوﻗﻲ اﻟزﯾن
ﻛﺛﯾ ار ﻋن اﻟﺗﻔﻛﯾك ﻓﻲ اﻟدورﯾﺎت اﻟﻌرﺑﯾﺔ واﻷﺟﻧﺑﯾﺔ ،ﻛﻣﺎ ﺗﺟدر اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ دراﺳﺔ " اﻟطﺎﻫر
راﯾﻧﯾﺔ " اﻟﻣﺳﻣﺎة " اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ٕواﺷﻛﺎﻟﯾﺎت اﻟﻣﻌﻧﻰ -ﻗراءة ﻓﻲ ﺑﻧﯾﺔ اﻟﺗﻔﻛك ﻓﻲ رواﯾﺔ ﺗﺟرﺑﺔ ﻓﻲ
اﻟﻌﺷق ﻟﻠطﺎﻫر وطﺎر" ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺗرﺟﻣﺔ اﻟﺷﺎﻋر ﻋﻣر أزراج ﻟﺛﻼﺛﺔ ﻧﺻوص ﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ﻣن
اﻟﻧﻘد اﻷﻧﺟﻠﯾزي ،ودراﺳﺔ ﺑﺷﯾر ﺗﺎورﯾت اﻟﻧظرﯾﺔ " اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﻣﻌﺎﺻر"
-1ﺑﺧﺗﻲ ﺑن ﻋودة ،رﻧﯾن اﻟﺣداﺛﺔ ،ﻣﻧﺷورات اﻹﺧﺗﻼف ،و ازرة اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ واﻻﺗﺻﺎل ،اﻟﺟزاﺋر ،ط ،1999 ،01ص .51
-2ﻋﻣر ﻣﻬﯾﺑل ،ﻣن اﻟﻧﺳق إﻟﻰ اﻟذات ،ﻗراءات ﻓﻲ اﻟﻔﻛر اﻟﻐرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ﻣﻧﺷورات اﻻﺧﺗﻼف ،اﻟﺟزاﺋر ،ص .80 ،79
223
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ودراﺳﺔ ﺳﻠﯾﻣﺎن ﻋﺷراﺗﻲ اﻟﻧظرﯾﺔ أﯾﺿﺎ اﻟﻣوﺳوﻣﺔ ﺑـ ـ " اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ وﺟذور اﻟوﻋﻲ اﻟﺗﻧظﯾري ﻋﻧد
ﺟﺎك درﯾدا" ،إﻻ أن اﻟﺳﻣﺔ اﻟﻐﺎﻟﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻟدراﺳﺎت أﻧﻬﺎ اﺗﺳﻣت ﺑﺎﻟﻧظري ﻋﻠﻰ ﺣﺳﺎب
اﻟﺟﺎﻧب اﻹﺟراﺋﻲ.
224
اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻨﺴﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﺧﻼﺻﺔ اﻟﻔﺻل:
ﺣﻣل ﺷﯾوع اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة اﻟﻧﻘﺎد ﻋﻠﻰ رؤﯾﺔ اﻹﺑداع اﻷدﺑﻲ ﻛﯾﺎﻧﺎ ﻣﺎدﯾﺎ
ﯾؤدي وظﺎﺋف ﺣﯾوﯾﺔ ،ﻓﺎﺗﺟﻬت اﻟدراﺳﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ وﻓق ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ إﻟﻰ اﻟﺗرﻛﯾز ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺣﻠﯾل
واﻟﺗﺟرﯾب ،ﻻ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻘوﯾم ٕواﺻدار اﻷﺣﻛﺎم اﻟﻧﻘدﯾﺔ ،ووﻓق ﻫذﻩ اﻟرؤﯾﺔ اﻋﺗﻣدت اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ
اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة إﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ ﻋزﻟت وﻓﻘﻬﺎ اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ ﻋن ﺳﯾﺎﻗﻪ اﻟﺧﺎرﺟﻲ ،وﻗﺗﻠت ﻣؤﻟﻔﻪ.
ﻓظﻬرت اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ واﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ واﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ واﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ،ﺛم اﺗﺟﻬت ﻧﺣو اﻟﻘﺎرئ ﻓﺟﻌﻠﺗﻪ ﻣﺣور
اﻟدراﺳﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ،ﻛﻣﺎ ﺗﺟدر اﻹﺷﺎرة أﻧﻪ ٕوان ﻛﺎﻧت ﻟﻬذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﯾﺟﺎﺑﯾﺎت ﻓﻲ ﺟﻌل اﻟﻧﻘد
اﻷدﺑﻲ ﻋﻠﻣﺎ ﻟﻪ ﺿواﺑط ،إﻻّ ّأﻧﻬﺎ ﻛذﻟك أﻓﻘدت اﻷدب واﻟﻧﻘد اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﺳﺣر واﻟﻣﺗﻌﺔ ﺣﯾن
أدﺧﻠت إﻟﻰ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻓﻲ ﻣﺗﺎﻫﺔ اﻟﺣﺳﺎﺑﺎت واﻟﺑﯾﺎﻧﺎت واﻟﺟداول.
ﻟﻘد ﻛﺎن ظﻬور اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﻣﺗﺄﺧ ار ﻓﻲ اﻟوطن اﻟﻌرﺑﻲ ،ﺑﻔﺿل ﺟﻬود
ﺑﻌض اﻟﻧﻘﺎد ﯾﺗﻘدﻣﻬم ﻛﻣﺎل أﺑو دﯾب وﺣﺳﯾن اﻟواد وﺻﻼح ﻓﺿل ،وﺣﻣﯾد اﻟﺣﻣﯾداﻧﻲ وﻣﺣﻣد
ﺑرادة وﺟﺎﺑر ﻋﺻﻔور وﯾﻣﻧﻰ اﻟﻌﯾد وﺳﺎﻣﻲ اﻟﺳوﯾدان وﺳﯾ از اﻟﻘﺎﺳم وﻋﺑد اﻟﺳﻼم اﻟﻣﺳدي
وﻏﯾرﻫم ،وﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﺟزاﺋر ﻓﺈن اﻟﻔﺿل ﯾﻌود ﻟﻠﻧﺎﻗد ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض اﻟذي ﺻﺎل وﺟﺎل ﻓﻲ
ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ،ﺗﺿﺎف إﻟﻰ ﺟﻬود ﻋﺑد اﻟﺣﻣﯾد ﺑوراﯾو ،ورﺷﯾد ﺑن ﻣﺎﻟك
وﺣﺳﯾن ﺧﻣري ،ﻋﻠﻲ ﻣﻼﺣﻲ ،وﺑﺧﺗﻲ ﺑن ﻋودة وأﺣﻣد ﯾوﺳف وﻏﯾرﻫم.
225
ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ:
ﺗﻣﻬﯾد:
ﻟﻘد ﻛﺎن اﻧﻔﺗﺎح اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة أﻣ ار ﺣﺗﻣﯾﺎ ﻟﻣﺳﺎﯾرة اﻟﺛورة
اﻟﺗﻲ ﻋرﻓﻬﺎ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ،واﻟذي ﻋرف إﺛرﻫﺎ ﺗﺣوﻻت ﺟذرﯾﺔ ،ﺷﻣﻠت اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم واﻟﻣرﺗﻛزات اﻟﺗﻲ
طﺎﻟﻣﺎ ﻫﯾﻣﻧت ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻛر اﻟﻧﻘدي ﻟﻔﺗرة ﻟﯾﺳت ﺑﺎﻟﻬﯾﻧﺔ ،واﻟﺗﻲ أﻗدﻣت اﻷﻗﻼم اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ
ﻋﻠﻰ ﺗﺑﻧﯾﻬﺎ واﻟﻣﺿﻲ ﻗدﻣﺎ ﻓﻲ ﺗﺟرﯾﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻹﺑداع اﻷدﺑﻲ اﻟﻌرﺑﻲ.
وﻛﺎن ﻟﻠﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺟزاﺋري ﻧﺻﯾﺑﻪ ﻣن ﺗﺟرﯾب ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ،واﻟﺗﻲ
ﻗﻠﺑت اﻟطﺎوﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم اﻟﺗﻲ ﺗرﺗﻛز ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺳﯾﺎﻗﯾﺔ ،ﺑداﯾﺔ ﻣن ﻣﺣور اﻻﻫﺗﻣﺎم ﻓﻲ
اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ،إﻟﻰ اﻵﻟﯾﺎت واﻟﻣﻔﺎﻫﯾم واﻟﻣﻘوﻻت ،ﻟﻛن اﻗﺗﺣﺎم اﻟﻧﻘﺎد اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ﻟﻠﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ
اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﺻﺎﺣﺑﻪ إﺷﻛﺎﻟﯾﺎت ﻣﻧﻬﺟﯾﺔ وﻋواﺋق ﻓﻲ ﺗطﺑﯾق اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ،ﻗد ﺗرﺟﻊ
إﻟﻰ اﻟﺧﻠﻔﯾﺎت اﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ واﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺗﻛﺊ ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﺎﺷﺋﺔ ﻓﻲ ﺑﯾﺋﺔ ﻣﻐﺎﯾرة ،واﻟﺗﻲ
ﺣﻣﻠت ﻣﻌﻬﺎ ﺳﯾﻼ ﻣن اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﺗﻲ زادت ﻣن ﺣﺟم اﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ اﻟﺗﻲ وﻗﻊ ﻓﯾﻬﺎ
اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر.
وﺳﻧﺣﺎول ﻓﻲ ﻫذا اﻟﺟزء ﻣن اﻟدراﺳﺔ اﻟﺗطرق إﻟﻰ أﺑرز اﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟﻣﻧﻬﺞ
اﻟﻧﻘدي ﻻﺳﯾﻣﺎ إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻧﻘدي وﻣﺎ ﻋرﻓﺗﻪ اﻟﺳﺎﺣﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻣن ﻓوﺿﻰ ﻓﻲ اﻟﻣﺻطﻠﺢ
ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻋواﺋق ﺗطﺑﯾق اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﻓﻲ اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﺟزاﺋري
ﻧﻌرج ﻋﻠﻰ إﺷﻛﺎﻟﯾﺎت اﻟﻣﻧﻬﺞ
اﻟﻣﻌﺎﺻر ،وﻟﻛن ﻛﺎن ﻟزاﻣﺎ ﻋﻠﯾﻧﺎ ﻗﺑل اﻟﺗطرق إﻟﻰ ذﻟك ،أن ّ
اﻟﻧﻘدي ﻓﻲ اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ﺑﺎﻋﺗﺑﺎرﻩ اﻟﺳﻧد واﻟراﻓد اﻷﺳﺎﺳﻲ ﻟﻠﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري
اﻟﻣﻌﺎﺻر.
227
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
228
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
اﻟذي اﻧﺗﻘد ﻣﻔﺎﻫﯾﻣﻪ وﻣﻧﺎﻫﺟﻪ اﻟراﺳﺧﺔ ﻟدى اﻟﻌرب ،1وﻗد ﺗﻛررت ﺗﺟرﺑﺔ أﺣﻣد ﺿﯾف ﻣﻊ أدﺑﺎء
وﻧﻘﺎد ﻋرب آﺧرﯾن اﻟذﯾن ﻋﻣﻠوا ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻔﺎﻋل ﻣﻊ اﻻﺗﺟﺎﻫﺎت اﻟﻔﻛرﯾﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﻏرار طﻪ
ﺣﺳﯾن ،أﺣﻣد أﻣﯾن ،أﻣﯾن اﻟﺧوﻟﻲ وأﺣﻣد اﻟﺷﺎﯾب وﻏﯾرﻫم.
وﺗﻌﻛس ﻫذﻩ اﻟﻣرﺣﻠﺔ ﺗزاﯾد اﻫﺗﻣﺎم اﻟﻧﻘﺎد اﻟﻌرب ﺑﺎﻟﻧﻘد اﻟﻐرﺑﻲ ﺑﺷﻛل ﻣﻧﻘطﻊ اﻟﻧظﯾر
ﺗﺄﻟﯾﻔﺎ وﺗرﺟﻣﺔ ﻟﻛﺛﯾر ﻣن أﻋﻣﺎل اﻟﻧﻘﺎد اﻟﻐرﺑﯾﯾن ﻟﻠﺗﻌرﯾف ﺑﻣﻧﺎﻫﺞ ﻫذا اﻟﻧﻘد وﻧظرﯾﺎﺗﻪ وﻣﺣﺎوﻟﺔ
ﺗﺳﻬﯾل اﻻﺳﺗﻔﺎدة ﻣﻧﻬﺎ ،وﻗد ﻏﻠب ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻟدراﺳﺎت اﻻﻫﺗﻣﺎم ﺑﺎﻟﺟﺎﻧب اﻟﻧظري ﻋﻠﻰ ﺣﺳﺎب
اﻹﺟراﺋﻲ ،وﻗد ﺷﻣل اﻫﺗﻣﺎﻣﻬم ﺑﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻟﺟدﯾد وﻧﻌﻧﻲ ﺑذﻟك ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻟﻧﺳﻘﻲ أو
اﻟﻧﺻﺎﻧﻲ ﻛﺎﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ واﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ واﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ...ﺛم ﻣﻧﺎﻫﺞ ﻣﺎ ﺑﻌد اﻟﺣداﺛﺔ ،وﻧذﻛر ﻣن ﻫؤﻻء اﻟﻧﻘﺎد
ﺟﺎﺑر ﻋﺻﻔور ،ﺻﻼح ﻓﺿل ،ﻛﻣﺎل أﺑودﯾب ،ﯾﻣﻧﻰ اﻟﻌﯾد ،ﻋﺑد اﻟﻔﺗﺎح ﻛﻠﯾطو ،ﺳﻌﯾد ﯾﻘطﯾن،
ﻣﺣﻣد ﻣﻔﺗﺎح ،ﺣﻣﯾد ﻟﺣﻣداﻧﻲ ،ﻣﺣﻣد ﺑﻧﯾس ،ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض ،رﺷﯾد ﺑن ﻣﺎﻟك ،ﻋﺑد اﷲ
اﻟﻐذاﻣﻲ...إﻟﺦ.
وﻣﻬﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﻣﯾزات ﻫذﻩ اﻟﺟﻬود واﻟﻣﺣﺎوﻻت ﻓﻲ إﺛراء اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ﻓﺈن
اﻟﻣﺛﺎﻗﻔﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻠﻧﻘد اﻟﻐرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر واﻻﻧﻔﺗﺎح اﻟﻣﺗزاﯾد ﻋﻠﯾﻪ ،ﻟم ﯾﻛﺳب اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ
رؤﯾﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺗﻼﺋم ﺧﺻوﺻﯾﺔ اﻟﻔﻛر اﻟﻌرﺑﻲ وﺗﺣﻘق ﻟﻪ اﺳﺗﻘﻼﻟﯾﺔ ﻣﻧﻬﺟﯾﺔٕ ،واﻧﻣﺎ ظﻠت
اﻟﻣﻣﺎرﺳﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﺗﺣت ﺗﺄﺛﯾر اﻟﻧﻘد اﻟﻐرﺑﻲ ﺑﻣﺧﺗﻠف ﻣﻧﺎﻫﺟﻪ وﺗﯾﺎراﺗﻪ ،وﻟم
ﯾﺗﺣﻘق ﺟراء ﺟﻬود اﻟﺗﺄﻟﯾف واﻟﺗرﺟﻣﺔ اﻹﺣﺎطﺔ ﺑﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻟﻐرﺑﻲ واﻹﻓﺎدة ﻣﻧﻬﺎٕ » ،واﻧﻣﺎ آﻟت
ﻓﻲ ﻧﻬﺎﯾﺔ اﻟﻣطﺎف – ﺣﺳب اﻟﺳﯾد ﺑﺣراوي – إﻟﻰ ﺧﻠل وﺗﺿﺎرب ﻓﻲ ﺗرﺟﻣﺔ اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت إﻟﻰ
ﺗﻧﺎﻗض ﻓﻲ ﻓﻬم اﻟﺟﻣل إﻟﻰ ﻗﺻور ﻓﻲ ﻓﻬم اﻟﺧﻠﻔﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻧطﻠق ﻣﻧﻬﺎ اﻟﻣﻘوﻻت ،واﻟﻧﺳق اﻟذي
ﺗﻧﺗﻣﻲ إﻟﯾﻪ اﻟﺟزﺋﯾﺎت واﻟﺳﯾﺎق اﻟذي ﺗﻧﺑﻊ ﻣﻧﻪ اﻟﻧظرﯾﺎت وﺗﺟﯾب ﻋن أﺳﺋﻠﺗﻪ ،ﺳواء ﻛﺎن ﺳﯾﺎﻗﺎ
ﺛﻘﺎﻓﯾﺎ أوﺳﯾﺎﺳﯾﺎ أواﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺎ ،وﻛل ﻫذا أوﻗﻊ اﻟﻘﺎرئ اﻟﻌرﺑﻲ اﻟذي ﻻ ﯾﺟﯾد اﻹطﻼع ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻐﺎت
اﻷﺻﻠﯾﺔ اﻟﻣﻧﻘول ﻋﻧﻬﺎ ،واﻟذي أﺧذﺗﻪ اﻟدﻫﺷﺔ واﻻﻧﺑﻬﺎر ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻣن اﻟﺻﻧﻣﯾﺔ إزاء اﻟﻣﻘدم
-1ﻣﯾﺟﺎن اﻟروﯾﻠﻲ وﺳﻌد اﻟﺑﺎزﻏﻲ ،دﻟﯾل اﻟﻧﺎﻗد اﻷدﺑﻲ ،اﻟﻣرﻛز اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ اﻟﻌرﺑﻲ ،اﻟدار اﻟﺑﯾﺿﺎء ،اﻟﻣﻐرب /ﺑﯾروت،ط ،02
،2000ص .191
229
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
اﻟذي ﻻ ﯾﻔﻬﻣﻪ وﻣن ﻛﺎن ﻣﺎﻫ ار اﺳﺗطﺎع أن ﯾﺳﺗل ﻣﺻطﻠﺣﺎ ﻣن ﻫﻧﺎ وآﺧر ﻣن ﻫﻧﺎك ،وراح
ﯾرددﻩ ﻓﻲ اﻟﻣﻧﺗدﯾﺎت اﻷدﺑﯾﺔ ،وﻋﻠﻰ اﻟﻣﻘﺎﻫﻲ دون وﻋﻲ أو إدراك ﻟﻠﺗﻧﺎﻓر اﻟﻣﻣﻛن وﻗوﻋﻪ«،1
وﻫذا ﻣﺎ أوﻗﻊ اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻓﻲ أزﻣﺔ ﻣﻧﻬﺞ ﻧﺑﻌت ﻓﻲ اﻷﺻل ﻣن أزﻣﺔ ﻧﻘص ﻣﻌرﻓﻲ
ﺑﻬذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ ،ﻣﻣﺎ أوﻗﻊ ﺑدورﻩ اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣوﺿوع ﺗﺣت ﻣﺟﻬر ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ
اﻟﻐرﺑﯾﺔ اﻟﻐرﯾﺑﺔ ﻋﻧﻪ ﺑﺳﯾﺎﻗﺎﺗﻬﺎ وﻣﻘﺎﺻدﻫﺎ وﺧﻠﻔﯾﺎﺗﻬﺎ ﻓﻲ أزﻣﺔ ﻗراءة أﻟﺣﻘت ﺑﻪ ﺗﺷوﯾﻬﺎ وطﻣﺳﺎ
ﻟﻬوﯾﺗﻪ اﻟﻠﻐوﯾﺔ واﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ وﻣن ﺛم ﻓﺈن أي ﺗﻔﻛﯾر ﻟﻠﺧروج ﻣن ﻫذﻩ اﻷزﻣﺔ ﻣرﻫون ﺑﻣدى وﻋﯾﻧﺎ
ﺑﺈﺷﻛﺎﻟﯾﺎت اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ ،وﺳد ذﻟك اﻟﻧﻘص اﻟﻣﻌرﻓﻲ اﻟﻣﺛﺎر ﺣول ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻟﻐرﺑﻲ وﻟذﻟك
أﯾﺿﺎ ﻻﺑد ﻣن اﻟوﻋﻲ ﺑﺎﻟﻧص اﻟﻌرﺑﻲ ٕوادراك ﺧﺻوﺻﯾﺎﺗﻪ وﺳﯾﺎﻗﺎﺗﻪ اﻟﻣﻣﯾزة ﻟﻪ ،ﻷﺟل ﺑﻠورة
ﻣﻧﻬﺞ ﻧﻘدي ﻟﻪ ﻛﯾﺎﻧﻪ اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ وﻟﻪ ﻣرﺟﻌﯾﺔ ﺧﺎﺻﺔ ،وﻟﻪ ﻣﻔﺎﻫﯾﻣﻪ وﻣﻘوﻻﺗﻪ ٕواﺟراءاﺗﻪ اﻟﺗﻲ ﺗﺗﻼﺋم
ٕواﺑداﻋﻧﺎ ﻻ ﻣﻊ إﺑداع اﻟﻐﯾر.
إن اﻟﻣﺛﺎﻗﻔﺔ ﻋﻣوﻣﺎ ﺿرورة إﻧﺳﺎﻧﯾﺔ وﺣﺗﻣﯾﺔ ﺣﺿﺎرﯾﺔ ﻻ ﻣﻔر ﻣﻧﻬﺎ ،ﻫﻲ ﺗواﺻل وﺗﻼﻗﺢ
ّ
ﺑﯾن ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻷﻧﺎ وﺛﻘﺎﻓﺔ اﻵﺧر ﻷﺟل اﻟﺗﻌرف ﻋﻠﻰ ﺟدﯾد اﻟﻌﻠوم واﻻﺳﺗﻔﺎدة ﻣن اﻟﻣﻧﺟزات
اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ اﻟﺣﺎﺻﻠﺔ واﺳﺗﺷراف آﻓﺎﻗﻬﺎ ،ﻓﻛل اﻧﻔﺗﺎح ﻓﺎﻋل وﺗﺛﺎﻗف راﺷد ﻫو ﺑﻼ ﺷك ﺳﻣو ﺑﺎﻟذات
ذﻫﻧﯾﺎ وﻧﺿﺞ ﻟﻬﺎ ﻓﻛرﯾﺎ ،وﺗطوﯾر ﻵﻟﯾﺎﺗﻬﺎ اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ واﻟﻣﻔﻬوﻣﯾﺔ»،ﻓﻼ ﻏﺿﺎﺿﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﻠد ﯾﺳﺗﻌﯾن
ﻓﻲ ﻣﯾﺎدﯾن اﻟﻌﻠم واﻷدب واﻟﻔن ﺑﺧﺑرات ﺑﻼد أﺧرى ،ﻟﯾﺗﺣﻘق ﻣﺎ ﯾﺻﺑوا إﻟﯾﻪ ﻣن ﺗﻘدم ﻣﺎ داﻣت
اﻟﺣﺿﺎرات اﻟﺣدﯾﺛﺔ ﺛﻣرة ﺟﻬود اﻟﺟﻣﯾﻊ ،وﻣن ﺛم ﻣﻠﻛﺎ ﻟﻠﺟﻣﯾﻊ ،وﻟﻛن اﻟﻐﺿﺎﺿﺔ ﻓﻲ أن ﯾظل
ﺗﺎﺑﻌﺎ ﻓﻛرﯾﺎ وﺛﻘﺎﻓﯾﺎ ﻟﺛﻘﺎﻓﺎت أﺟﻧﺑﯾﺔ«.2
ﻓﻼ ﺑد ﻣن ﻋدم ﺗﺑﻧﻲ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻵﺧر إﻟﻰ ﺣد اﻟﺗﻣﺎﻫﻲ واﻟذوﺑﺎن ،إذ ﻻﺑد ﻣن ﻣراﻋﺎة ﺣدود
اﻻﻧﺗﻣﺎء ﻟﻠﺛواﺑت اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ واﻟﺧﺻﺎﺋص اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ،ﻣﻊ اﻟﺗﺄﻛﯾد ﻋﻠﻰ ﺿرورة اﻻﺳﺗﻔﺎدة ﻣن اﻟﺗطور
اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ اﻟذي وﺻل إﻟﯾﻪ اﻟﻐرب ،وﻻ ﯾﺗﺣﻘق ذﻟك إﻻ ﺑﺗوﻓر ﺷروط ﯾﺄﺗﻲ ﻓﻲ ﻣﻘدﻣﺗﻬﺎ اﻣﺗﻼك
-1ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر طﺎﻟب ،اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر واﻻﻧﻔﺗﺎح ﻋﻠﻰ اﻵﺧر ،اﻟﻣﻠﺗﻘﻰ اﻟوطﻧﻲ ﺣول إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ
اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺣﻣﺔ ﻟﺧﺿر ،اﻟوادي ،اﻟﺟزاﺋر ،ﻧوﻓﻣﺑر ،2016ص .01
-2ﻣﺣﻣد ﻣﻔﯾد اﻟﺷوﺑﺎﺷﻲ ،ﻧﻘﻼ :ﻋن ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر طﺎﻟب ،ص .02
230
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
وﻋﻲ ﻋﻠﻣﻲ ﯾؤطر ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻻﻧﻔﺗﺎح واﻟﺗﻔﺎﻋل ﻣﻊ اﻵﺧر ﺑﺎﻟﺗﺄﺳﯾس ﻟﻣﻧﻬﺞ ﯾرﺗﻛز ﻋﻠﻰ اﻟﺑﺣث
واﻟﻧظر واﻟﺗﻘﺻﻲ ﻓﻲ ﻧﻘل أو ﺗرﺟﻣﺔ ﻣﻌطﯾﺎت وﻣﻔﺎﻫﯾم وﺛﻘﺎﻓﺔ اﻵﺧر ،وﻛل ﻣﺎ ﺗﺗﺿﻣﻧﻪ ﻣﻧﺟزاﺗﻪ
اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ ،ﻟﻣﻌرﻓﺔ ﻋﻣﯾﻘﺔ ﺑﺎﻟﻣﻧﺷﺄ اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ ﻟﻣﻌطﯾﺎت ﻫذﻩ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ،وﺗﺣري دﻗﯾق ﻓﻲ ﺳﯾﺎﻗﺎﺗﻬﺎ إذ
» ﻟﻛل ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻣﻧطﻘﻬﺎ اﻟﻣﺗﺣﻛم ﺑﻬﺎ ،وأن اﻧﺗﻘﺎل اﻟﻣﻌﺎرف ﻣن ﻧظﺎم ﺛﻘﺎﻓﻲ إﻟﻰ اﻵﺧر ﺑدون
اﺳﺗﯾﻌﺎب اﻟظرﻓﯾﺔ اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ واﻹﺑﺳﺗﻣوﻟوﺟﯾﺔ اﻟﺗﻲ أﻧﺗﺟت ﻫذﻩ اﻟﻣﻌﺎرف ﯾﻔﺿﻲ إﻟﻰ اﻧﻔﺻﺎم ﺑﯾن
اﻟﻔﻛر وﺳﯾﺎﻗﻪ اﻟواﻗﻌﻲ...ﻓﻠﻛل ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺣﻘﻠﻬﺎ اﻟﻣﻌرﻓﻲ اﻟﺧﺎص ﯾﺗﻌﻠق ﺑﻣدﻟول اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم ﻣﻬﻣﺎ ﻛﺎﻧت
أﺳﺑﺎﺑﻬﺎ ،وﻋﻠل وﺟودﻫﺎ « . 1ﻛﻣﺎ أﻧﻪ ﻻﺑد ﻣن اﺳﺗﻛﻧﺎﻩ ﺧﻠﻔﯾﺎت ﻣﺧﺗﻠف ﻣﻌطﯾﺎت اﻟﺛﻘﺎﻓﺎت
اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ وﻣﻌﺎرﻓﻬﺎ ،وﻋدم اﻻﻧﺑﻬﺎر ﺑﺑرﯾق ﻋﻧﺎوﯾﻧﻬﺎ أو اﻟﻧﻘل اﻟﺣرﻓﻲ ﻟﻣﻘوﻻﺗﻬﺎ ،واﻟﻛﺷف ﻋن
ﺳﻣﯾﻧﻬﺎ ﻣن ﻏﺛﻬﺎ ،ﻟﺗﻣﯾﯾز ﺣدود اﻹﻓﺎدة ﻣن ﺧﺑراﺗﻬﺎ وﻣﻌﺎرﻓﻬﺎ،وﺣﻣﺎﯾﺔ ﺛﻘﺎﻓﺗﻧﺎ ﻣن اﻟﺗﺑﻌﯾﺔ
واﻟذوﺑﺎن.
ﻟم ﯾﻛن اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺣدﯾث اﻣﺗدادا ﻟذﻟك اﻟﺗراث اﻟﺿﺧم ﻣﻣﺛﻼ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ
اﻟﻘدﯾم ،إذ أﻧﻪ ﻧﺷﺄ ﻧﺷﺄة ﻏﯾر طﺑﯾﻌﯾﺔ ،ﺣﯾث ﺗوﺟﻪ اﻟﻧﻘﺎد اﻟﻌرب وﺑدون وﺿﻊ ﺣدود ﻟﻣدى
اﻟﺗﺄﺛر ﺑﺎﻟﻣدارس اﻟﻐرﺑﯾﺔ ،واﻟﺣرﻛﺔ اﻷدﺑﯾﺔ اﻷورﺑﯾﺔ وﺑﻣﻧﺎﻫﺟﻬم اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ،رﻏم أﻧﻪ ﻫﻧﺎك ﻣن آﺛر
اﻟﺗﻣﺳك ﺑﺎﻟﺗراث اﻟﻧﻘدي اﻟﻌرﺑﻲ ﻛﺧﯾﺎر وﺣﯾد ﻟﻣﻘﺎرﺑﺔ اﻹﺑداع اﻟﻌرﺑﻲ ﻓﻲ ﻣواﺟﻬﺔ ﺗﯾﺎر اﻟﺣداﺛﺔ
وﻣﺎ ﺟﺎءت ﺑﻪ ﻣن ﻣﻔﺎﻫﯾم ﺟﻌﻠت اﻟﻧﻘد ﻻ ﻣﻌﻧﻰ ﻟﻪ ،وﻏﯾﺑت وظﯾﻔﺗﻪ اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﺑﺎﻋﺗراف
اﻟﻐرﺑﯾﯾن أﻧﻔﺳﻬم ﻛﻣﺎ ﻗﺎل " أﻧﺎﺗول ﻓراﻧس" » إن اﻟﻧﻘد ﻫو ﻣﻐﺎﻣرة ﯾﻘوم ﺑﻬﺎ اﻟﻌﻘل ﺑﯾن اﻵﺛﺎر
اﻷدﺑﯾﺔ ،وﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ أﯾﺿﺎ "أوﺳﻛﺎر واﯾﻠد" :اﻟﻧﻘد ﯾﺟب أن ﯾﺧﻠق ﺷﯾﺋﺎ ﺟدﯾدا ﻓﻲ اﻟﻌﻣل اﻷدﺑﻲ
وﻧﻘد ﻫؤﻻء ﻻ ﯾﻛﺷف ﻋن اﻟﻌﻣل اﻷدﺑﻲ واﻻﺳﺗﻣﺗﺎع ﺑﻪ ﺑل إﻧﻪ ﯾﻠﻬﯾﻧﺎ ﻋن اﻹﺑداع وﯾﺷﻐﻠﻧﺎ
ﻋﻧﻪ ،ﻓﻠم ﺗﻛن ﻣﻌﺿﻠﺔ اﻟﻧﻘد ﻓﻲ اﻟﻌﺻر اﻟﻌﺑﺎﺳﻲ ﻛﻣﺎ ﻫو اﻟﺣﺎل ﻓﻲ اﻟﻌﺻر اﻟﺣدﯾث ﻣﻣﺎ ﺟﻌل
اﻟﻧﻘد ﻋﻧدﻧﺎ ﻋﺑﺛﺎ ﻓﻲ ﻋﺑث ،وأﻛﺑر ﻣن ذﻟك ﺗﻐﯾﯾب اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻌرﺑﻲ واﻻﻧﻘﯾﺎد وراء اﻵﺧر ﺑﺣﯾث
ﻟم ﺗﺳﺗﺛﻣر ﺗﻠك اﻷﺻول اﻟﺗﻲ ﺑﻧﺎﻫﺎ اﻟﻧﻘﺎد اﻟﻌرب ﻣن ﻣﻧﻬﺞ ﻧﻘدي ﻗوﯾم ،ﻓﻲ ﻛﺗب اﻟﻧﻘد ﻧﻘد
-1ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر طﺎﻟب ،اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر واﻻﻧﻔﺗﺎح ﻋﻠﻰ اﻵﺧر ،ص.02
231
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
اﻟﺷﻌر ﻟﻘداﻣﺔ وﻧﻘد اﻟﻧﺛر ﻻﺑن وﻫب ،واﻟﻣوازﻧﺔ ﻟﻶﻣدي ،واﻟوﺳﺎطﺔ ﻟﻠﺟرﺟﺎﻧﻲ واﻟﻌﻣدة ﻻﺑن
رﺷﯾق ،وﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺑﻠﻐﺎء ﻟﺣﺎزم واﻟﻣﺛل اﻟﺳﺎﺋر ﻻﺑن أﺛﯾر ،وﻏﯾرﻫﺎ« ،1إذ ﻣﺎ ﯾﻌﺎب ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧﻬﺞ
اﻟﻧﻘدي اﻟﺣدﯾث ﻫو أﻧﻪ ﻟم ﯾﻛن ﻫﻧﺎك ﺣدود ﻟﻠﺗﺄﺛر ﺑﺎﻟﻧظرﯾﺎت واﻟﻣدارس اﻟﻐرﺑﯾﺔ ،ﻣﻣﺎ أدى إﻟﻰ
ﺗﻐﯾﯾب ﺧﺻوﺻﯾﺎت اﻟﻧص اﻟﻌرﺑﻲ.
ﻓﻣﺎ ﺣدث ﻣن ﺗطورات ﻛﺑﯾرة ﻓﻲ ﻣﺟﺎل اﻟدراﺳﺎت اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﻛﺎﻧت ﻧﺗﯾﺟﺔ ﺣﺗﻣﯾﺔ ﻟﻣﺎ
ﺣدث ﻓﻲ ﻣﺟﺎل اﻟدراﺳﺎت اﻟﻐرﺑﯾﺔ اﻟﻠﻐوﯾﺔ واﻷدﺑﯾﺔ واﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ وﻧﺣوﻫﺎ ،ﻓﻧﺟد ﺗﻠك اﻟﺗﺄﺛﯾرات
اﻟﺑﺎرزة ﻣن اﻟدراﺳﺎت اﻟﻠﻐوﯾﺔ ،ﺣﯾث أﻓرزت اﻟدراﺳﺎت اﻟﻐرﺑﯾﺔ اﻟﻠﺳﺎﻧﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة اﻟﻌدﯾد ﻣن
اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ،وﻣﻣﺎ ﻻ ﺷك ﻓﯾﻪ أﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﻘﯾﻘﺗﻬﺎ ﻋﻠم ﻏرﺑﻲ ﺧﺎﻟص ،وﻟم ﯾﻛن ﻧﻘﺎدﻧﺎ
اﻟﻣﻌﺎﺻرﯾن ﺑﻣﻧﺄى ﻋن اﻟﻧظرﯾﺎت واﻟﺗﺻورات اﻟﻐرﺑﯾﺔ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ أﻣﺛﺎل طﻪ ﺣﺳﯾن واﻟﻌﻘﺎد
واﻟﻣﺎزﻧﻲ وﺷﻛري ،وﻋﺑد اﻟﻘﺎدر اﻟﻘط وﻋز اﻟدﯾن إﺳﻣﺎﻋﯾل وﻣﺣﻣد ﻣﻧدور وﻋﺑد اﻟﺳﻼم اﻟﻣﺳدي
وﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض وﻏﯾرﻫم ﻛﺛﯾر ،ﻓرﻏم أﻧﻬم أﺳﻬﻣوا إﻟﻰ ﺣد ﻛﺑﯾر ﻓﻲ إﺛراء ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻟﻧﻘد ﻓﻲ
اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ ،ﻟﻛﻧﻬم اﻧطﻠﻘوا ﻣن ﻧظرﯾﺎت وﺗﺻورات ﻏرﺑﯾﺔ ﺧﺎﻟﺻﺔ.
اﻟﺑﻧﺎءة ،اﻟﻬﺎدﻓﺔ إﻟﻰ اﻻﺑﺗﻛﺎر واﻹﺿﺎﻓﺔ ﺑﻌد
ﻏﯾﺎب وﻋﻲ اﻟﺗﻔﺎﻋل واﻻﻓﺗﻘﺎد ﻟﻠﻣﺣﺎورة ّ
اﻟﺗﺣﺻﯾل اﻟﻣﻔﯾد ﻣن اﻵﺧر ،ﻫو ﻣﺎ ﯾﻌﺎب ﻋﻠﻰ ﻧﻘدﻧﺎ اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر » ،وﻟو اﻗﺗﻔﻰ اﻟﻧﻘد
اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر أﺛر ﺳﻠﻔﻪ اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻘدﯾم ،ﺑداﯾﺔ اﻟﻘرن اﻟراﺑﻊ اﻟﻬﺟري ،ﻟﻛﺎن اﻷﻣر
ﻫﯾﻧﺎ ،إذ اﻧﻔﺗﺢ اﻟﻧﻘﺎد اﻟﻌرب اﻟﻘداﻣﻰ ﻋﻠﻰ اﻵﺧر ،وﺛﺎﻗﻔوا ﻫم أﯾﺿﺎ ﻓﻛرﻩ اﻟﻧﻘدي ،ﺑﯾد أﻧﻬم
ّ
ﺳﻠﻛوا ﻧﻬﺟﺎ أﻛﺳب اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،وﻣﻧﻬﺎ اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ ﻗوة اﻟﺣﺿور اﻟواﻗﻌﻲ واﻟﻣﺎدي ﻓﻣﺎ ﻛﺎن
ﻣن ﺗﺄﺛر ﺑﺎﻟﺛﻘﺎﻓﺎت اﻷﺟﻧﺑﯾﺔ اﻷﺧرى ،ﻓﻘد ﺗﺣﻘق ﻓﻲ إطﺎر ﻣن اﻟرﻏﺑﺔ ﻓﻲ اﻻﺳﺗزادة ،وﺗﺣﻘﯾق
ﺷﻣول اﻟﻣﻌرﻓﺔ وﺳﻌﺗﻬﺎ ،ﻻ ﺑداﻓﻊ ﻣن ﺗﺷﺧﯾص ذاﺗﻲ ﯾظﻬر اﻟﻌﺟز واﻟﻘﺻور واﻧﺣﺳﺎر
اﻹﻣﻛﺎﻧﯾﺎت ﻋن ﻣﺟﺎراة ﺣرﻛﺔ اﻟﺗطور ،ﻣﺛﻠﻣﺎ ﯾﺣﺻل اﻟﯾوم ﻣن ﻣﺛﺎﻗﻔﺔ اﺿط اررﯾﺔ أو ﺟﺑرﯾﺔ
اﻧدﻓﻊ إﻟﯾﻬﺎ اﻟﻌﻘل اﻟﻌرﺑﻲ ،ﺑداﻓﻊ ﺟوﻫري ﻣن اﻟﺷﻌور ﺑﺎﻟﻌﺟز وﻏﯾﺎب اﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ ﺗﻘدﯾم
232
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
اﻹﺟﺎﺑﺎت اﻟﺣﻘﯾﻘﯾﺔ ﻋن أﺳﺋﻠﺔ اﻟظﺎﻫرة اﻷدﺑﯾﺔ« ،1ﻣﻣﺎ أدى إﻟﻰ ﻣﻘﺎرﺑﺎت ﻣﺗﻌﺳﻔﺔ ﻟﻠﻧص اﻷدﺑﻲ
اﺗﻛﺄت ﻋﻠﻰ ﻧظرﯾﺎت وﻣﻧﺎﻫﺞ اﻵﺧر ،ﺳﻠﺑﺗﻪ ﺣق اﺧﺗﯾﺎر ٕواﻧﺗﺎج اﻟﻣﻧﻬﺞ واﻹﺟراء اﻟﻠذﯾن ﯾواﻓﻘﺎن
ﻧﺳﻘﻪ اﻟﻠﻐوي وﯾﺗﻧﺎﻏﻣﺎن ﻣﻊ ﺳﯾﺎﻗﺎﺗﻪ اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ.
وﺗﻛﻣن ﻣﻌﺿﻠﺔ ﻧﻘدﻧﺎ اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻓﻲ ﻗﺻورﻩ وﻋدم ﻓﻌﺎﻟﯾﺗﻪ وﻧﺟﺎﻋﺗﻪ ،وﯾﻌود ذﻟك إﻟﻰ
ﻏﯾﺎب ﻣﻧﻬﺞ ﻧﻘدي ﻣﺣدد اﻟﻣﻌﺎﻟم ﻟدى ﻧﻘﺎدﻧﺎ اﻟﻣﻌﺎﺻرﯾن ﻓﻲ ﻣﻘﺎرﺑﺎﺗﻬم اﻟﻧﺻﯾﺔ ،ﻓﻣﺗﻰ ﻛﺎن
اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻏﺎﺋﺑﺎ أو ﻋدﯾم اﻟﻔﻌﺎﻟﯾﺔ ،ﻓﺈن ﻫﻧﺎك ﺑﺎﻟﺿرورة ﻏﯾﺎب أو ﻗﺻور ﻓﻲ اﻟرؤﯾﺔ اﻟﻣﺳوﻏﺔ
ﻟﻬذا اﻟﻣﻧﻬﺞ.
وﻟذﻟك -ﺣﺳب ﻣﺎ ﯾؤﻛد اﻟﻧﺎﻗد ﻋﺑد اﷲ إﺑراﻫﯾم » -أﺛﺎرت ﻗﺿﯾﺔ اﻟرؤﯾﺔ واﻟﻣﻧﻬﺞ اﻫﺗﻣﺎم ﻧﻘﺎد
اﻷدب ودارﺳﯾﻪ ،وﯾﻣﻛن ﺑﺻورة ﻋﺎﻣﺔ اﻟﺗﺄﻛﯾد دون ﺗردد ،أن اﻟﺟﺎﻧب اﻟﺧﺻب ﻓﻲ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ
اﻟﻧﻘدﯾﺔ ،ﺑدءا ﻣن أرﺳطو وﻫوراس ﻣرو ار ﺑﺎﻟﺟرﺟﺎﻧﻲ ،وﺻوﻻ إﻟﻰ ﻟوﻛﺎﺗش وﺗودوروف وﻧور
ﺛروب ﻓراي -ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻟﻣﺛﺎل ﻻ اﻟﺣﺻر -إﻧﻣﺎ ﻧﻬض ﻓﺿﻼ ﻋن ﺗواﻓر ﻋواﻣل أﺧرى ،ﻋﻠﻰ
اﻗﺗران اﻟرؤﯾﺔ اﻟدﻗﯾﻘﺔ واﻟﺷﺎﻣﻠﺔ ﻟﻠﻌﻣﻠﯾﺔ اﻷدﺑﯾﺔ ﺑﺎﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻣﻌﺑر ﻋﻧﻬﺎ ،ﻓﺑدوﻧﻬﻣﺎ ﺗﻔﻘد أي ﻣﻘﺎرﺑﺔ
ﺟدواﻫﺎ ،ﻻ ﻓﻲ ﻏﺎﯾﺗﻬﺎ ﻓﺣﺳب ،ﺑل ﻓﻲ ﺳﺑﯾل اﻟوﺻول إﻟﻰ ﺗﻠك اﻟﻐﺎﯾﺔ وﺗﺻﺑﺢ اﻟﻣﻘﺎرﺑﺔ ﺿرﺑﺎ
ﻣن اﻟﺗﺿﻠﯾل واﻟﺧداع ،ﻻ اﻟﻛﺷف واﻻﺳﺗﻧﺑﺎط واﻟﺗﺄوﯾل ،وﺗﻔﻘد اﻟﻣﻘﺎرﺑﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﺧﺎﺻﯾﺗﻬﺎ
اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻛوﻧﻬﺎ ﺣوا ار ﻣﻧﻬﺟﯾﺎ ﻣﻊ اﻟﻧص ﻻﺳﺗﻘراء ﺛواﺑﺗﻪ وﻣﺗﻐﯾراﺗﻪ ،وﺳﺑر ﻋواﻟﻣﻪ وﺗﻌوﯾم
ﻣدﻟوﻻﺗﻪ وﺗﺗﺣول إﻟﻰ ﻣراﻓﻌﺔ ﻗﺎﻧوﻧﯾﺔ ﺗﻛﯾل اﺗﻬﺎﻣﺎ ،أو ﺗدرأﻩ ﻣﻣﺎ ﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻔﯾد اﻟﺧطﺎب
اﻹﺑداﻋﻲ ،وﻻ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ«.2
إن اﻷزﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﺧﻠّﻔﻬﺎ اﻟﻣد اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ اﻟﻐرﺑﻲ ﻋﻠﻰ ﻧﻘدﻧﺎ اﻟﻌرﺑﻲ ﻗد ﺣدت ﻣن ﺗﺣرك اﻹﺑداﻋﯾﺔ
اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻹﻧﺗﺎج ﻣﻧﻬﺞ ﻧﻘدي ﯾﺳﺎﯾر ﺧﺻوﺻﯾﺔ اﻹﺑداع اﻷدﺑﻲ اﻟﻌرﺑﻲ ،وﻗد ﺗﻧﺑﻪ اﻟﻧﻘﺎد اﻟﻌرب
اﻟﻣﻌﺎﺻرون إﻟﻰ ﻫذﻩ اﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺔ ﻓﻛﺎن ﻣﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ اﻟدﻛﺗور " أﺣﻣد ﺑدوي" ﻓﻲ ﻣﻘدﻣﺔ ﻛﺗﺎﺑﻪ " أﺳس
اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ﻋﻧد اﻟﻌرب " »،وﻓﻲ ﻫذا اﻟﻛﺗﺎب اﻟذي أﻗدﻣﻪ ﻟﻠﻘراء ﻋرض ﻣوﺟز ﻟﻣﺎ وﺻل إﻟﯾﻪ
-1ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر طﺎﻟب ،اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر واﻻﻧﻔﺗﺎح ﻋﻠﻰ اﻵﺧر ،ص .08
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .09
233
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
اﻟﻌرب ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ﻣن ﻧظرات...وأراﻧﻲ ﻣﺿط ار إﻟﻰ اﺳﺗﺧدام ﻣﺻطﻠﺣﺎﺗﻧﺎ اﻟﺣدﯾﺛﺔ ﻓﻲ
اﻟﻧﻘد ،ﻣﺑﯾﻧﺎ ﻣدى إﻟﻣﺎﻣﻬم ﺑﻬذﻩ اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت ،أو ﻣدى ﻣﻌرﻓﺗﻬم ﺑﺣﻘﯾﻘﺗﻬﺎٕ ،وان ﻟم ﯾﻌرﻓوا اﺳﻣﻬﺎ
وﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟطرﯾﻘﺔ ﺗﻘرﯾب ﻷذﻫﺎن اﻟﻘراء اﻟﯾوم ﻟﺻورة اﻟﻧﻘد ﻋﻧد اﻟﻌرب ﻓﻲ اﻷزﻣﺎن اﻟﺑﻌﯾدة،
ﻓﺗﻛون اﻟﺻورة ﻟذﻟك أﺑﯾن وأوﺿﺢ ٕواﻧﻲ ﻣؤﻣن ﺑﺿرورة ﻣﺛل ﻫذا اﻟﺑﺣث ،إذا أردﻧﺎ أن ﻧﺑﻧﻲ
ﺣﺎﺿرﻧﺎ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس ﻣﺎﺿﯾﻧﺎ« ،1وﺑﻌد أن أوﺿﺢ اﻟﻣؤﻟف ﺣﺎل اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ ﺛم ﺑّﯾن اﺧﺗﯾﺎرﻩ
اﺳﺗﺧدام اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﺣدﯾﺛﺔ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد وﺳﺑب ذﻟك ،وأﻫﻣﯾﺔ اﻻﻧطﻼق ﻣن اﻟﻣﺎﺿﻲ ﻟﺑﻧﺎء
اﻟﺣﺎﺿر ،وﯾﺿﯾف ﻓﻲ ﻧﻔس اﻟﺳﯾﺎق » وﺳﺄﻧﺗﻬﻲ ﻋﻧد ﻣﺷﺎرف ﻋﺻرﻧﺎ اﻟﺣدﯾث اﻟذي ﻗوى
اﺗﺻﺎﻟﻧﺎ ﻓﯾﻪ ﺑﺎﻟﻐرب اﺗﺻﺎﻻ وﺛﯾﻘﺎ ،واﺷﺗد أﺧذﻧﺎ ﻋﻧﻪ،ودراﺳﺗﻧﺎ ﻟﻣذاﻫب اﻟﻧﻘد ﻓﯾﻪ وﻣﺣﺎوﻟﺗﻧﺎ
ﺗطﺑﯾق ﻫذﻩ اﻟﻣذاﻫب ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗﻧﺗﺟﻪ ﻣن أدب ﺣدﯾث ،ﺑل ﻗد ﺣﺎول ﺑﻌض اﻟﻧﻘﺎد ﺗطﺑﯾﻘﻬﺎ ﻋﻠﻰ
اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻘدﯾم« ،2ﻓﺎﻟﻣﺗﺗﺑﻊ ﻟﻠﺣرﻛﺔ اﻷدﺑﯾﺔ واﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﯾﻼﺣظ أن ﺗﻠك اﻟﻣﺑﺎدئ واﻟﻘﯾم
واﻷﻓﻛﺎر اﻟﻣﻛوﻧﺔ ﻟﺗراﺛﻧﺎ اﻷدﺑﻲ واﻟﻧﻘدي ﻟم ﺗﻌد ﻫﻲ اﻟﻣرﺟﻌﯾﺔ اﻟﻣﻬﯾﻣﻧﺔ ﻓﻲ اﻟدراﺳﺎت اﻟﻧﻘدﯾﺔ
اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ،ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن أي ﻣﺣﺎوﻟﺔ ﻟﻠﻧﻬوض ﺑﺎﻟﻧﻘد واﻷدب ﻓﻲ اﻟﺑﻼد اﻟﻌرﺑﯾﺔ
ﻻﺑد أن ﺗﻌود ﻟﻠﺗراث ﻛﺄﺳﺎس ﻟﻼﻧطﻼق ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر أن ﻛل ﻣﺣﺎوﻟﺔ ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻣﺟﺎل ﻻﺑد ﻟﻬﺎ ﻣن
ﻣرﺟﻌﯾﺎت وأﺻول.
وﺑﯾن اﻟﺗراث واﻟﺣداﺛﺔ ﺗﺎﻩ اﻟﻔﻛر اﻟﻧﻘدي اﻟﻌرﺑﻲ وﻟم ﯾﺳﺗطﻊ ﻓﻬم ﺳﺑب ﺗﺄﺧرﻧﺎ وﺗﻘدم اﻟﻐرب ،وﻣﺎ
ﻫﻲ اﻟطرﯾﻘﺔ اﻟﻧﺎﺟﻌﺔ ﻟﻠﺣﺎق ﺑﺎﻟرﻛب اﻟﺣﺿﺎري ﻣن ﺟدﯾد؟ ،وﺑﯾن ﺗﯾﺎري اﻟﺗراث واﻟﺣداﺛﺔ ﻟم
ﯾﻧﺟﺢ اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻓﻲ ﺳﻌﯾﻪ إﻟﻰ اﺑﺗﻛﺎر ﻣﻧﻬﺞ ﻧﻘدي ﻋرﺑﻲ ﻓﻲ اﺳﺗطﺎﻋﺗﻪ ﺗوﺟﯾﻪ
اﻷدﯾب اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر إﻟﻰ إﻧﺗﺎج اﻟﻧص اﻟﻣواﻛب ﻟﻠﺣﺿﺎرة اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ وﻗﺎدر ﻋﻠﻰ وﺿﻊ
اﻟﺧطوات اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ﻟﻠﻧﺎﻗد اﻟﻌرﺑﻲ ﻟﻠوﺻول إﻟﻰ ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ ﺑﻛل ﺣﻣوﻻﺗﻪ
اﻟﻔﻛرﯾﺔ واﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ واﻟﺗﻲ ﺗﻌﻛس ﺧﺻوﺻﯾﺎت اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻌرﺑﻲ.
-1أﺣﻣد أﺣﻣد ﺑدوي ،أﺳس اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ﻋﻧد اﻟﻌرب ،دار ﻧﻬﺿﺔ ﻣﺻر ﻟﻠطﺑﻊ واﻟﻧﺷر ،اﻟﻔﺟﺎﻟﺔ ،اﻟﻘﺎﻫرة ،ص .09
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص.10
234
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
-1ﻣﺣﻣد اﻟﻛﺣﻼوي ،ﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻓﻲ ﺧطﺎب اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ﻣﺟﻠﺔ ﻗواﻓل ،اﻟﻌدد ،34اﻟرﯾﺎض ،اﻟﺳﻌودﯾﺔ ،أوت
،2016ص .116
235
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺳﯾﺎﻗﯾﺔ ﻣﻣﺛﻠﺔ أﺳﺎﺳﺎ ﻓﻲ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ واﻟﻧﻔﺳﻲ ،واﻟﺗﻲ ﺗﺗﻔق ﻓﻲ
رؤﯾﺗﻬﺎ ﻟﻠﻧص ﺑﺎﻋﺗﺑﺎرﻩ ﺻدى ﻟﻠواﻗﻊ وﻣرآة ﻟﻠﺑﯾﺋﺔ وﺻورة ﻋن ذات ﺻﺎﺣﺑﻪ وﻧظرﺗﻪ إﻟﻰ اﻟواﻗﻊ
اﻟﺧﺎرﺟﻲ ،ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺗﻲ ﺗﻧظر ﻟﻸدب ﺑﺎﻋﺗﺑﺎرﻩ ﻛﺳﺎﺋر إﺑداﻋﺎت اﻟﻔﻛر ٕواﻧﺗﺎﺟﺎت اﻟﻔن ﻣﺎ
أن ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ ﻧﺷﺄت ﻓﻲ اﻟﻐرب ،ﻧﺗﺎﺟﺎ
ﻫو إﻻ ﻣرآة ﻟﻠواﻗﻊ واﻧﻌﻛﺎﺳﺎ ﻟﻪ»،وﻣن اﻟﻣﻌﻠوم ّ
اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ وﺣﻘول اﻟﻔﻛر واﻟﻔﻠﺳﻔﺔ ،ﺑﺎﺗﺟﺎﻩ
ّ اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ و
ّ اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺷﻣﻠت اﻟﻌﻠوم
ّ ﻟﻠﺗﺣوﻻت
ّ
اﻟﺗدﻗﯾق ﻓﻲ أدوات اﻟﺑﺣث واﻟﻧظر ﻋﻠﻰ أﺳس وﻣﺑﺎدئ ﻋﻘﻼﻧﯾﺔ واﺧﺗﺑﺎرﯾﺔ وﺗﺟرﯾﺑﯾﺔ ،ﺗﺳﻌﻰ أن
اﻟﺗﺻورات ﻣطﺎﺑﻘﺔ ﻟﻠواﻗﻊ وﺣﻘﺎﺋق اﻷﺷﯾﺎء«.1
ﺗﻛون اﻷﻓﻛﺎر و ّ
وﻟم ﯾ ﱡﻛف اﻷدﺑﺎء اﻟﻌرب ﻣﻧذ ذﻟك اﻟﺣﯾن ﻋﻠﻰ اﻵداب واﻟﻌﻠوم اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﯾﻧﻬﻠون ﻣن
ﻣﺻﺎدرﻫﺎ وﯾرﺗوون ﻣن ﻣﻌﺎرﻓﻬﺎ ﻧﺗﯾﺟﺔ اﻻﻧﻔﺗﺎح ﻋﻠﻰ اﻟﻐرب ،ﻓﻛﺎن اﻟﻧﻘد ﻣن ﺟﻣﻠﺔ ﻣﺎ ﻟﻔت
اﻧﺗﺑﺎﻫﻬم ،ﻓﺄﻗﺑﻠوا ﻋﻠﯾﻪ ،وأﺧذت ﺷﯾﺋﺎ ﻓﺷﯾﺋﺎ ﺗﺳﺗﻘﯾم ﻟﻬم ﻓﯾﻪ ﻣذاﻫب وطراﺋق ﻟم ﯾﺷﻬدﻫﺎ اﻟﻧﻘد
اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻘدﯾم ،وﻻ زاﻟت ظﺎﻫرة ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﻐرﺑﻲ ﻣﻧﻬﺟﺎ وﻣﺻطﻠﺣﺎ وﻣﻔﺎﻫﯾم.
وﻟﻘد ظﻬرت ﻣﻌﺎﻟم اﻟوﻋﻲ اﻟﻣﻌرﻓﻲ ﺑﺄﻫﻣﯾﺔ ﻗﺿﯾﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻓﻲ اﻟﻧﺻف اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻣن اﻟﻘرن
اﻟﻌﺷرﯾن ،ﻧﺗﯾﺟﺔ اﻟﺗﺄﺛﯾر اﻟذي ﻣﺎرﺳﺗﻪ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﻋﻠﻰ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،ﺣﯾث ﱠ
أن
» ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺣدﯾث ظﻠّت ﻓﻲ وﺟودﻫﺎ وﺳﯾرورﺗﻬﺎ ﻣرﺗﻬﻧﺔ ﺿﻣن اﻹطﺎرات اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ
اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ« ،2ﻟذﻟك ﻓﺈن اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺣدﯾث ﻣﻧذ وﻻدﺗﻪ
ّ اﻟﺗﻲ ﺗﺑﻠورت ﻓﻲ ﺣﻘل اﻟﻣﻣﺎرﺳﺔ
ﻣرﺟﻌﯾﺔ أﺳﺎﺳﯾﺔ ﻟﻠﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺣدﯾث،
ّ ارﺗﺑط ارﺗﺑﺎطﺎ وﺛﯾﻘﺎ ﺑﺎﻟﻧﻘد اﻟﻐرﺑﻲ ،إذ ﻣﺛل ﻫذا اﻷﺧﯾر
ﻟذﻟك ﻛﺎن ﺑروز ﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻘدي واﻻﻫﺗﻣﺎم ﺑﻪ واﻟﺗﻧظﯾر ﻟﻪ ﺑداﯾﺔ ﻣن اﺳﺗﻘﺑﺎل اﻟﻧظرﯾﺎت
اﻷدﺑﯾﺔ واﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ ،إذ ﯾﺑرز ﺑرو از ﺟﻠﯾﺎ دور اﻟﺗرﺟﻣﺔ ،واﻟﺗﻲ ﺑﻘدر ﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﻣﻬﻣﺔ ﻓﻲ ﻧﻘل
اﻟﻣﻌرﻓﺔ ﻟﻣﺣﺎوﻟﺔ ﻣﺳﺎﯾرة اﻟﺗطور اﻟﻣذﻫل اﻟذي ﻋرﻓﻪ اﻟﻐرب ﻓﻲ ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻌﻠوم ﻻﺳﯾﻣﺎ ﻓﻲ اﻷدب
-1ﻣﺣﻣد اﻟﻛﺣﻼوي ،ﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻓﻲ ﺧطﺎب اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ص .118
-2ﻋﺑد اﻟﺟﻠﯾل ﺑن ﻣﺣﻣد اﻷزدي،أﺳﺋﻠﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺣدﯾث ،اﻟﻣدﯾرﯾﺔ اﻟﺟﻬوﯾﺔ ﻟﻠﺛﻘﺎﻓﺔ ،ﻣراﻛش ،2009 ،ﻧﻘﻼ
ﻋن ﻣﺣﻣد اﻟﻛﺣﻼوي ،ص .118
236
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
واﻟﻧﻘد ،إﻻﱠ أﱠﻧﻪ ﺑرز إﺷﻛﺎل آﺧر ﻣﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻧﻘدي ،ﻫذا اﻟذي ﯾﻘﺗﺿﻲ ﻣﻧﺎ اﻟﺗطرق إﻟﯾﻪ
ﻓﻲ دراﺳﺗﻧﺎ ﻫذﻩ ﻻﺣﻘﺎ.
ﻟﻘد دﻓﻊ ﻫﺎﺟس ﺗﺄﺳﯾس ﻣﻧﺎﻫﺞ ﻧﻘدﯾﺔ ﻋﻠﻰ أﺳس ﻧظرﯾﺔ ﺻﻠﺑﺔ ،وﻓق ﻧﻣﺎذج ﻋﻠﻣﯾﺔ
ﺗﺣوﻻ ﻛﺑﯾ ار ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى ﻟﻐﺗﻪ
ﻣﺣددة ﻓﻲ اﻟﻘراءة واﻟﺗﺣﻠﯾل إﻟﻰ ﻧﺗﯾﺟﺔ أن » ﻋرف اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ ّ
اﻟواﺻﻔﺔ أو ﻛﯾﻔﯾﺔ ﺗﻌﺎﻣﻠﻪ ﻣﻊ اﻟﻧص ،أو ﺗرﺳﺎﻧﺗﻪ اﻻﺻطﻼﺣﯾﺔ ،ﺑﺎﻟﻘﯾﺎس إﻟﻰ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﯾﻪ
1
اءا ﻣﺎ
اﻷﻣر ﻗﺑل ﻛذﻟك« ،وﻟﻘد ﺗرﻛز اﻟوﻋﻲ ﺑﺄﻫﻣﯾﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ وﻗﺿﺎﯾﺎ اﻹﺟراء واﻟﺗطﺑﯾق ،ﺳو ً
ﺗﻌﻠق ﺑﺄﺳس ﺑﻧﺎء اﻟﻧظرﯾﺎت أو اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم أو ﻣﺎ ﺗﻌﻠق ﺑﺄدوات اﻟﻣﻧﻬﺞ ،أو اﻧطﻼﻗﺎ ﻣن
ﺧﺻوﺻﯾﺎت اﻟﻧص اﻟﻌرﺑﻲ وطﺑﯾﻌﺔ ﺳﯾﺎﻗﺎت إﻧﺗﺎﺟﻪ.
ﻟﻛن ﺗﻌﺎﻗب اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻘود اﻷﺧﯾرة اﻟواﺣد ﺗﻠو اﻵﺧر ،ﺻﻌﱠب ﻣن إﻣﻛﺎﻧﯾﺔ
اﺳﺗﯾﻌﺎﺑﻬﺎ ﻟدى اﻟﻌرب ﻓﻠم ﯾﺗﺢ ذﻟك اﻟوﻗت اﻟﻼزم ﻻﺳﺗﻐراﻗﻬﺎ وﻫﺿﻣﻬﺎ ﺑﻣﺎ ﯾﻛﻔﻲ ﻟﺗﻛﯾﯾﻔﻬﺎ وﻣﺎ
أن اﻟﻣﻌرﻓﺔ ﻋﺎﻟﻣﯾﺔ ﺑطﺑﯾﻌﺗﻬﺎ ﻛﻣﺎ ﱠ
أن اﻹﺑداع ﯾﻼﺋم ﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﻧص اﻟﻌرﺑﻲ ،رﻏم أﻧﻪ ﻗد ﯾﻘﺎل ﱠ
ﻻ ﺗﻔرق ﺑﯾﻧﻪ اﻟﺣدود اﻟﺟﻐراﻓﯾﺔ واﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ واﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ،ﻓﺎﻟﻔن ﻟﻐﺗﻪ ﻋﺎﻟﻣﯾﺔ ﻻ ﺗﻌرف ﻗوﻣﯾﺔ وﻻ
ﺗﻣﯾزﻩ إﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ،وﺧﺎﺻﺔ و ﱠ
أن ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ وﺻﻠت ﻟﻠﺳﺎﺣﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﺑﻌد اﺳﺗﻬﻼﻛﻬﺎ ﻓﻣﺎ إن
ﯾﺄﻓل ﻧﺟم ﻣﻧﻬﺞ ﻣﻧﻬﺎ إﻻ وﻧﺟدﻩ ﻗد ﻻﻗﻰ ﺻدى ﻟدى اﻟﻌرب ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﻋﻠﻰ أن ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ
وﺻﻠت ﻣﺗزاﻣﻧﺔ ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر ﺗﺄﺧر وﺻوﻟﻬﺎ ﻟدى اﻟﻌرب ،وﻣﻣﺎ زاد ﻓﻲ ﺣﯾرة اﻟﻧﻘﺎد اﻟﻌرب أن ﻫذﻩ
اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ ﺗﺳﺗﻧد ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻔﯾﺎت ﻓﻠﺳﻔﯾﺔ ﻟم ﯾﺗﺳﻧﻰ ﻟﻧﺎ اﻹﺣﺎطﺔ اﻟﻛﺎﻣﻠﺔ ﺑﻬﺎ ،وﻫو ﻣﺎ ﺟﻌل اﻟﻧﺎﻗد
ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض ﯾﻌﺗرف ﺑذﻟك ﻗﺎﺋﻼ »:واﻷﻣر اﻟذي ﯾدﻋو إﻟﻰ اﻟﺣﯾرة ﺣﻘﺎ ،ﻓﻲ ﻛل ذﻟك،
أن ﻣﻌظم اﻟﻣذاﻫب اﻷدﺑﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻗﺎﻣت ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺗﻘوﯾم واﻟﺗﺣﻠﯾل ،ﻫﻲ ﻓﻲ أﺻﻠﻬﺎ
ّ
ﻓﻠﺳﻔﯾﺔ«.2
ّ
-1ﺳﻌﯾد ﯾﻘطﯾن ،ﻣﺟﻠّﺔ ﻋﻼﻣﺎت ﻓﻲ اﻟﻧﻘد ،ج ،51اﻟﻧﺎدي اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ ﺑﺟدة ،اﻟﺳﻌودﯾﺔ ،2004 ،ص ،25ﻧﻘﻼ ﻋن ﻣﺣﻣد
اﻟﻛﺣﻼوي.
-2ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض ،ﻣﺎﺋﺔ ﻗﺿﯾﺔ وﻗﺿﯾﺔ ،ص .19
237
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
دﺧول ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺣدﯾﺛﺔ ﺑﻣﻔﺎﻫﯾﻣﻬﺎ وأﺳﺳﻬﺎ وﻣﻘوﻻﺗﻬﺎ وﻣﺻطﻠﺣﺎﺗﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺳﺎﺣﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ
اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،وﺗﺑﻧﯾﻬﺎ ﻣن اﻟﻧﻘﺎد اﻟﻌرب ،ﻓﻲ ظل ﻏﯾﺎب اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟذي أدى إﻟﻰ
ﻏﯾﺎب اﻟﻬوﯾﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ﻓﻲ ﺣﻘل اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ﻣﻣﺎ ﺗرﺗب ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺑﺣث ﻋن ﻧﻣوذج آﺧر ﺗﺟﺳد ﻓﻲ
اﻟﻧﻣوذج اﻟﻐرﺑﻲ ﺑﺎﻋﺗﺑﺎرﻩ اﻟﻧﻣوذج اﻷﻣﺛل واﻷﻛﺛر ﺟﺎذﺑﯾﺔ ﻟدى اﻟﻧﺎﻗد اﻟﻌرﺑﻲ ،ﺣﯾث اﺳﺗﻘﺑل ﻫذا
اﻷﺧﯾر ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ ﺑﻛل ﺣﻣوﻻﺗﻬﺎ اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ واﻟﻔﻛرﯾﺔ ،اﺳﺗﻘﺑﺎل اﻟﻣﻧﺑﻬر ﻧﺗﯾﺟﺔ اﻟﺻدﻣﺔ
اﻟﺗﻲ أﺣدﺛﺗﻬﺎ ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺣدﯾﺛﺔ ﻟدى اﻟﻣﺗﻠﻘﻲ اﻟﻌرﺑﻲ ،واﻟذي أﺣدث ﺧﻼﻓﺎ ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎﻣل
ﻣﻌﻬﺎ ،ﻓﺑرزت ﺛﻼث اﺗﺟﺎﻫﺎت ﻟﻠﺗﻌﺎﻣل ﻣﻌﻬﺎ ،ﻓﻬﻧﺎك ﻣن اﻟﻧﻘﺎد اﻟذﯾن آﺛروا ﺗﺑﻧﻲ ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ
ﻛﻣﺎ ﻫﻲ واﻟﻘطﯾﻌﺔ ﻣﻊ اﻟﺗراث ،ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ » ﺗﻐﯾﯾب ﻟﻠﻣوروث اﻟﻣﻌرﻓﻲ ﺑوﺻﻔﻬﺎ ﺑدﯾﻼ
ﻋﻧﻪ أو ﺑوﺻﻔﻬﺎ ﺣرﻛﺔ ﻻ ﺗﺗﺣﻘق إﻻ ﺑﻣوت اﻟﻣﺳﻠﻣﺎت اﻟﻣﺗﻌﺎرف ﻋﻠﯾﻬﺎ « 1وﻓﻲ ﻫذا اﻟﺻدد
ﯾﻣﻛن ذﻛر اﻟﻧﺎﻗد اﻟﺳوري أدوﻧﯾس ،ﻓﺎﻟﻣﻼﺣظ ﻋﻠﻰ أدوﻧﯾس أﻧﻪ » ﯾﺳﺗﻣد ﻣن اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ
ﻣﻘوﻣﺎت ﺷﺧﺻﯾﺗﻪ اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ أﻛﺛر ﻣن اﺳﺗﻣدادﻩ ﻣن اﻟﺗراث اﻟﻌرﺑﻲ ،ﻓﻘد ﺗﺄﺛر ﺑﺎﻟرﻣزﯾﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ
واﻟﻣﺛﺎﻟﯾﺔ اﻷﻟﻣﺎﻧﯾﺔ ﻻﺳﯾﻣﺎ ﻓﻠﺳﻔﺔ ﻧﯾﺗﺷﺔ اﻟذي ﯾرى أن اﻟﻌﻣل اﻟﻔﻧﻲ ﯾوﻟّد ﻧﻔﺳﻪ أﻣﺎ اﻟﻔﻧﺎن ﻓﯾﺣول
اﻟوﺟود إﻟﻰ ﻋﻣل ﻋﻠﻰ ﺻورﺗﻪ ،ﻓﺎﻟﻔن ﻟﯾس أداة ﻟﻠﺣﻘﯾﻘﺔ ﺑل ﻟﻠوﻫم ،وﻣن ﻧﯾﺗﺷﺔ اﻧطﻠق أدوﻧﯾس
ﻓﻲ ﺷﻌرﻩ وﻧﻘدﻩ ﯾﺑﺣث ﻋن اﻹﻧﺳﺎن اﻟﻣﺗﻔوق ..اﻹﻧﺳﺎن اﻟﻌﺑﻘري اﻟﻣﻧﺑﻌث ﻣن رﻛﺎم اﻻﻧﺣطﺎط
اﻟﻌرﺑﻲ ،ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن ادوﻧﯾس ﺻرح أﻛﺛر ﻣن ﻣرة ﺑﺄﻧﻪ ﯾﺳﺗﻣد ﻣﻘوﻣﺎت ﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ﻣن ﺟذور
2
أن ﻓﻠﺳﻔﺔ أدوﻧﯾس وﺻﻔت ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺗﻣرد ﻋﻠﻰ اﻟﻣوروث وﺛورة » ﻫﺎﺋﺟﺔ ﻣدﻣرة
ﻋرﺑﯾﺔ« ،ﺣﺗﻰ ّ
ﻫﺎدﻣﺔ ﻣﺗﻔﺟرة ﺑﺎﻟﻌداء ﻓﻲ وﺟﻪ ﻛل ﻗوة أو ﻗﯾﻣﺔ أو ﻋﻘﯾدة ﺗرﻣز إﻟﻰ اﻟﺛﺑﺎت واﻟﻧظﺎم وﺗﺣد ﻣن
اﻟﺣرﯾﺔ واﻻﻧﻔﻼت«.3
-1ﻋﻠﻲ ﺣﺳﯾن ﯾوﺳف ،اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ،دراﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻧﻬﺞ واﻹﺟراء ،ط ،1اﻟدار اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ﻟﻠﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ ،اﻷردن
،2016ص .18
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .19
-3ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﺑوﻣﻧﺟل ،ﺟدل اﻟﺛﺎﺑت واﻟﻣﺗﻐﯾر ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺣدﯾث ،ﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟﺣداﺛﺔ ،ط ،1أرﺑد ،اﻷردن،2010 ،
ص ،379ﻧﻘﻼ ﻋن ﻋﻠﻲ ﺣﺳﯾن ﯾوﺳف.
238
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
وﯾرى أدوﻧﯾس أن اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﺗرﺗﻛز ﻋﻠﻰ ﻣﺳﻠﻣﺎت رﺟﻌﯾﺔ ﻻ ﯾﻣﻛن اﻻﻧﻌﺗﺎق ﻣﻧﻬﺎ
إﻻ ﺑﺈﺣداث ﺷرخ ﻓﻲ ﻣﻧظوﻣﺔ اﻟﺗﻔﻛﯾر اﻟﻌرﺑﻲ ،إذ ﯾﺻف اﻟﻧﺎﻗد ﻛﻣﺎل أﺑو دﯾب ﺣداﺛﺔ أدوﻧﯾس
ﻗﺎﺋﻼ »:ﻟﯾﺳت اﻧﻘطﺎﻋﺎ ﻧﺳﺑﯾﺎ ﻓﻘط ﺑل ﻫﻲ أﻋﻧف ﺷرخ ﯾﺿرب ﺑﺎﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺧﻬﺎ
اﻟطوﯾل ،ﻟﯾس ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ﻓﻲ أي ﻣرﺣﻠﺔ ﻣن ﻣراﺣﻠﻬﺎ ﻣﺎ ﯾﻌﺎدل ﻫذا اﻻﻧﺷراح اﻟﻣﻌرﻓﻲ
واﻟروﺣﻲ واﻟﺷﻌوري ، 1« ...وﻧﺗﯾﺟﺔ ﻟﻣﺎ ﺳﺑق ﻓﺈن أﻓﻛﺎر أدوﻧﯾس واﻟﻧﻘﺎد اﻟﺣداﺛﯾﯾن اﻟﻌرب
ﺻرﯾﺣﺔ ﻓﻲ اﻟدﻋوة إﻟﻰ اﻻﻧﻔﻼت ﻣن أي ﺧﺻوﺻﯾﺔ ﻣﻌرﻓﯾﺔ ،وﺗﻛﺷف ﻋن ﻗطﯾﻌﺔ ﻣﻊ اﻟﺗراث
وﺗﺳﺗﻧد ﻋﻠﻰ ﻣرﺟﻌﯾﺎت ﻏرﺑﯾﺔ ﺧﺎﻟﺻﺔ.
أﻣﺎ اﻟطﺎﺋﻔﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻣن اﻟﻧﻘﺎد ﻓﻘد اﺗﺳﻣت أراﺋﻬﺎ ﺑﺎﻟﻣراوﺣﺔ ﺑﯾن اﻟﺗراث واﻟﺣداﺛﺔ ،واﻟﺗﻲ ﺗﻣﯾزت
ﺑﻌدم اﻟﺛﺑﺎت ﻋﻠﻰ ﻣﻧﻬﺞ ﻧﻘدي واﺣد ﺑل اﻟﺗﻧﻘل ﺑﯾن اﻟﺗراث واﻟﺣداﺛﺔ ،وﻣن ﻫؤﻻء اﻟﻧﻘﺎد ﻧﺟد
ﻛﻣﺎل أﺑودﯾب ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ ﺟدﻟﯾﺔ اﻟﺧﻔﺎء واﻟﺗﺟﻠﻲ » إذ ﺑدا ﺗﺄرﺟﺣﻪ واﺿﺣﺎ ﺑﯾن اﻹﻋﺟﺎب
ﺑﻌﺑد اﻟﻘﺎﻫر اﻟﺟرﺟﺎﻧﻲ وﺗطﺑﯾﻘﻪ اﻟﻣﻘوﻻت اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ ﻓﻲ دراﺳﺎﺗﻪ ﻟﻠﻘﺻﺎﺋد اﻟﺗﻲ اﺧﺗﺎرﻫﺎ« ،2رﻏم
أن اﻟﻣﺳﺎﻓﺔ ﺑﻌﯾدة ﺑﯾن أﻓﻛﺎر اﻟﺟرﺟﺎﻧﻲ واﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ إﻻﱠ ﱠ
أن ﻛﻣﺎل أﺑو دﯾب أراد ﻣن ذﻟك ﺗﻘرﯾب ﱠ
اﻟﺗراث ﻣن اﻟﺣداﺛﺔ » ،وﻫذا اﻟﻣﺳﻌﻰ طﺎﻟﻣﺎ ﺷﻐل أﺑو دﯾب ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن ﻣﯾﻠﻪ اﻟواﺿﺢ إﻟﻰ
ﻣﻘوﻻت اﻟﺣداﺛﺔ ،ﻓﻠطﺎﻟﻣﺎ أﻛد اﻟرﺟل ﻋﻠﻰ ﱠ
أن ﻓﻘرﻧﺎ أﻣﺎم اﻟﻔﻛر اﻟﻐرﺑﻲ ﻓﻘر ﻣﻌﺎﺻر ٕوان ﻧﻘﻠﻧﺎ
اﻟﻣﺑﺎﺷر ﻋﻧﻪ ﻓﻲ ﻛﺛﯾر ﻣن اﻷﺣﯾﺎن ﯾﺻﺑﺢ ﻣﻬزﻟﺔ ﻓﻛرﯾﺔ ،ﻷن ﻣﺎ ﻧﻧﻘﻠﻪ ﻋﻧﻪ ﺟزء أﺻﯾل ﻣن
ﺗراﺛﻧﺎ اﻟﻌرﺑﻲ ﻧﺟﻬﻠﻪ ﺟﻬﻼ ﻗوﻣﯾﺎ«.3
وﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻛﻣﺎل أﺑو دﯾب ﻫﻧﺎك اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻟﻧﻘﺎد اﻟذﯾن ﺣﺎوﻟوا اﻟﻣراوﺣﺔ ﺑﯾن اﻟﺗراث
واﻟﺣداﺛﺔ ،أو اﻟﺑﺣث واﻟﺗﻧﻘﯾب ﻓﻲ اﻟﺗراث ﻋﻣﺎ ﺟﺎءت ﺑﻪ اﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﺣدﯾﺛﺔ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ
وﻣن ﺑﯾن ﻫؤﻻء ﻣﺣﻣد ﻋﺑد اﻟﻣطﻠب ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ اﻟﺑﻼﻏﺔ واﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ وأﯾﺿﺎ ﻛﺗﺎﺑﻪ اﻵﺧر ﻗﺿﺎﯾﺎ
اﻟﺣداﺛﺔ ﻋﻧد ﻋﺑد اﻟﻘﺎﻫر اﻟﺟرﺟﺎﻧﻲ ،وذﻟك ﺑﺗﺄﺻﯾل ﺑﻌض اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ واﻟﻌودة ﺑﻬﺎ
-1ﻋﻠﻲ ﺣﺳﯾن ﯾوﺳف ،اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ،دراﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻧﻬﺞ واﻹﺟراء ،ص .22
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .24
-3اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .25
239
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
إﻟﻰ اﻟﺟرﺟﺎﻧﻲ ﻣﺛل اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ واﻟﺷﻌرﯾﺔ واﻟﻣﺑدع واﻟﺗﻠﻘﻲ ،1ﻛذﻟك ﻓﻲ ﻧﺟد ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟطﺎﺋﻔﺔ اﻟﻧﺎﻗد
ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض اﻟذي ﺣﺎول ﻗراءة اﻟﺗراث وﻓق اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ ﻓﻲ ﻋدد
ﻣن ﻣؤﻟﻔﺎﺗﻪ واﻟﺗﻲ أﺷرﻧﺎ إﻟﯾﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻔﺻل اﻟﺳﺎﺑق ﻣن اﻟدراﺳﺔ ،وﻻ ﯾﺗﺳﻊ اﻟﻣﺟﺎل ﻟذﻛر اﻟﻣزﯾد
ﻣن اﻷﻣﺛﻠﺔ ،أﻣﺎ اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟﺛﺎﻟث ﻣن اﻟﻧﻘﺎد وﻫو ﻣن دﻋﻰ إﻟﻰ رﻓض ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻣﺳﺗﻧدة
ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻔﯾﺎت ﻓﻠﺳﻔﯾﺔ ٕواﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎت ﺗﺗﻧﺎﻓﻰ ﻣﻊ اﻟروح اﻟﻌرﺑﯾﺔ واﻹﺳﻼﻣﯾﺔ واﻟﺑﺣث ﻋن ﻣﻧﻬﺞ
ﯾﻼﺋم اﻹﻧﺳﺎن اﻟﻌرﺑﻲ ﻓﻛرﯾﺎ وﻋﻘﺎﺋدﯾﺎ.
أن ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ ﻏرﺑﯾﺔ ﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾطﻣﺄن ﻋﻠﯾﻬﺎ أﺣد دون ﺗﻌدﯾل أو
ﻓﺎﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻛﺑرى ّ
ﺗﺻﺣﯾﺢ أو إﺿﺎﻓﺔ ،أو ﺣذف ،أو ﺗرﻛﯾب ،وذﻟك ﻷﺳﺑﺎب ﻋدﯾدة ،وﻋﻠﻰ رأس ﻫذﻩ اﻷﺳﺑﺎب »
أن ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ ﻫﻲ ﻧﺗﺎج ﻓﻠﺳﻔﺎت وﻋﻘﺎﺋد ٕواﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎت ﻏرﺑﯾﺔٕ ،وان ﺷﺄﻧﻬﺎ ﻓﻲ ذﻟك –ﺷﺄن
ّ
اﻟﻣذاﻫب اﻷدﺑﯾﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ -أﻧﻬﺎ ﻏﯾر ﻣﺣﺎﯾدة ،إﻧﻬﺎ ﺗﻣﺛل وﺟﻬﺎت ﻧظر ﻓﻛرﯾﺔ ﻋن اﻟﻛون
وﺗﻌﺑر
واﻹﻧﺳﺎن واﻟﺣﯾﺎة واﻹﻟﻪ ،وﻫﻲ وﺟﻬﺎت ﺗﺻدر ﻋن ﺣﺿﺎرة اﻵﺧر اﻟﻣﻐرﻗﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﺎدﯾﺔ ّ
ﻋﻧﻪ ﺑطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺣﺎل«.2
وﻓﻲ ﻫذا اﻟﺻدد ﯾوﺿﺢ "ﺗﯾري إﯾﻐﻠﺗون" اﻻرﺗﺑﺎط اﻟوﺛﯾق ﺑﯾن اﻟﻣذاﻫب اﻷدﺑﯾﺔ واﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ
وﺑﯾن اﻟﻔﻠﺳﻔﺎت واﻟﻌﻘﺎﺋد ﻗﺎﺋﻼ » إن ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻧظرﯾﺔ اﻷدﺑﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ ﺟزء ﻣن اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ
واﻹﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﻟﺣﻘﺑﺗﻧﺎ...واﻟﻧظرﯾﺔ اﻷدﺑﯾﺔ ﻣرﺗﺑطﺔ ﺑﺎﻟﻘﻧﺎﻋﺎت اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ،واﻟﻘﯾم اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﻋﻠﻰ
ﻧﺣوﻻ ﯾﻘﺑل اﻻﻧﻔﺻﺎلٕ ...وان وﺟود ﻧظرﯾﺔ أدﺑﯾﺔ ﺧﺎﻟﺻﺔ-أي ﺧﻠو ﻣن ﻫذﻩ اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ
–ﻫﻲ أﺳطورة أﻛﺎدﯾﻣﯾﺔ « ،3أﻣﺎ اﻟﻧﺎﻗد اﻟﻔرﻧﺳﻲ "داﻧﯾﯾل ﺑرﺟﯾﻧر" ﻓﯾرى أن ﺗﺑﻧﻲ اﻟﻧﺎﻗد ﻣﻧﻬﺟﺎ
4
أن ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ ﻣﻘﺗﺑﺳﺔ ﻣن أدب ﻏﯾر أدﺑﻧﺎ،
ﻣﻌﯾﻧﺎ ﯾﻌﻧﻲ » ﺗﺑﻧﻲ ﻣﻔﻬوم ﻟﻺﻧﺳﺎن ذاﺗﻪ« ،ﺛم ّ
وﻣن ﻧﻣﺎذج ﻏﯾر ﻧﻣﺎذﺟﻧﺎ ،ﻏﯾر ّأﻧﻪ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻘﺎل ّأﻧﻪ ﺑﯾن آداب اﻷﻣم ﻗواﺳم ﻣﺷﺗرﻛﺔ ،ﻟﻛن
-1ﻋﻠﻲ ﺣﺳﯾن ﯾوﺳف ،اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ،دراﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻧﻬﺞ واﻹﺟراء ،ص .29
اﻟﻘﺻﺎب ،اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺣدﯾث..ﺑﺣث ﻋن ﻣﻧﻬﺞ ،ص .180
ّ -2وﻟﯾد إﺑراﻫﯾم
3
ﺻﺎب ،ﻣﺟﻠﺔ
-ﺗﯾري إﯾﻐﻠﺗون ،ﻧظرﯾﺔ اﻷدب ،ﺗرﺟﻣﺔ ﺛﺎﺋر دﯾب ،دﻣﺷق ،1965ص ،227 ،226ﻧﻘﻼ ﻋن وﻟﯾد اﺑراﻫﯾم اﻟﻘ ّ
ﻗواﻓل ،ص .181
اﻟﻘﺻﺎب ،اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺣدﯾث..ﺑﺣث ﻋن ﻣﻧﻬﺞ ،ص.181
ّ -4وﻟﯾد إﺑراﻫﯾم
240
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﻧﻘﺎط اﻻﺧﺗﻼف أﻛﺛر ،وﻫذﻩ اﻻﺧﺗﻼﻓﺎت ﻧﺎﺑﻌﺔ ﻣن اﻟﻠﻐﺔ واﻟذوق واﻟﻌﻘﯾدة واﻟﺑﯾﺋﺔ واﻟوظﯾﻔﺔ وﻏﯾر
-ﺗﻌرﺿت ﺣد ذاﺗﻬﺎ ﻓﯾﻬﺎ إﺷﻛﺎﻟﯾﺎت وﻋﯾوب ﻛﺛﯾرة
أن ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ ﻓﻲ ّ
ذﻟك ،وﻛذﻟك ّ
ﻛﻧﺎ ﻗد ﺗطرﻗﻧﺎ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻔﺻل اﻟﺳﺎﺑق ﻣن اﻟدراﺳﺔ.
ﻻﻧﺗﻘﺎدات ﻻذﻋﺔ ﻣن روادﻫﺎ أﻧﻔﺳﻬم ّ -
ﺛﺎﻟﺛﺎ -إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﺻطﻠﺢ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر:
اﻋﺗﺑر اﻟﻌﻠﻣﺎء اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت ﻣﻔﺎﺗﯾﺢ اﻟﻌﻠوم وﻋﺗﺑﺔ اﻟﻣﻌﺎرف وﻫﻲ ﺗﻣﺛل ﺧﻼﺻﺔ
اﻷﺑﺣﺎث ،ودﻋﺎﺋم اﻟﻧظرﯾﺎت ،وﻫﻲ ﻛذﻟك أﺳﺎس اﻟﺗواﺻل اﻟﻣﻌرﻓﻲ وﺳﺑﯾل ﺗﻔﺎﻋل اﻟﺣﺿﺎرات
واﻟﺛﻘﺎﻓﺎت اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ أوﻫﻲ اﺗﺣﺎد اﻟﻠﻐﺎت اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻟﻣﺗﺑﺎﻋدة أو ﻛﻣﺎ ﻗﺎل اﻟﻧﺎﻗد " ﯾوﺳف
وﻏﻠﯾﺳﻲ " ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ " إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﺻطﻠﺢ ﻓﻲ اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد" أن اﻟﻣﺻطﻠﺢ
ﻫو ﻟﻐﺔ اﻟﻌوﻟﻣﺔ " ،وﺗﺣدد اﻟﺣﻘول اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ ﺑدﻻﻻت ﻣﺻطﻠﺣﺎﺗﻬﺎ ،وﺑﻘدر رواج اﻟﻣﺻطﻠﺢ
وﺷﯾوﻋﻪ ﺗﺣﻘق ﻫذﻩ اﻟﺣﻘول ﺛﺑﺎت ﻣﻧﻬﺟﯾﺗﻬﺎ.
وﻗد ﺣظﻲ اﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻧﻘدي ﻓﻲ اﻟﻌﺻر اﻟﺣدﯾث ﺑﺎﻫﺗﻣﺎم ﺑﺎﻟﻎ ﺣﯾث ﻓرض ﻋﺻر
اﻟﻌوﻟﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺑﺎﺣث اﻻﻫﺗﻣﺎم ﺑﻪ ﺑﺎﻋﺗﺑﺎرﻩ ﻣرﺗﻛ از أﺳﺎﺳﯾﺎ ﯾﻘوم ﻋﻠﯾﻪ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻘدي اﻟﻣﺗﻛون
أﺳﺎﺳﺎ ﻣن ﺷﺑﻛﺔ ﻣﺻطﻠﺣﯾﺔ واﺳﻌﺔ ﯾﺑﻧﻲ ﻋﻠﯾﻬﺎ ﺟﻬﺎزﻩ اﻻﺻطﻼﺣﻲ ،وﻋﻠﯾﻪ ﻻ وﺟود ﻟﻠﻣﻧﻬﺞ
اﻟﻧﻘدي دون ﺗﺣدﯾد اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺧﺎﺻﺔ ﺑﻪ ،ﻟﻛن اﻟﻣﺗﺄﻣل ﻟواﻗﻊ اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي
ﯾﻠﺣظ ﻓوﺿﻰ ﻣﺻطﻠﺣﯾﺔ ﺗزاﻣﻧت ﻣﻊ اﻟﻣد اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ ﺑﻌد اﻧﻔﺗﺎح اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ
اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ ،واﻟﺗﻲ ﺣﻣﻠت ﻣﻌﻬﺎ ﺳﯾﻼ ﻣن اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ ،ﻣﻣﺎ أدى إﻟﻰ
اﻻﺿطراب وﻋدم اﻻﺳﺗﻘرار واﻻﻋﺗﺑﺎطﯾﺔ ﻓﻲ وﺿﻌﻪ وﺳوء ﻓﻲ اﺳﺗﻌﻣﺎﻟﻪ وﻗﺑل اﻟﺗطرق إﻟﻰ ﻫذﻩ
اﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺔ ﻻﺑد ﻣن أﺧذ ﻓﻛرة وﻟو ﻣوﺟزة ﻋن ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم اﻟﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻣﺻطﻠﺢ
اﻟﺗﻌرﯾف اﻟﻠﻐوي واﻻﺻطﻼﺣﻲ ،وآﻟﯾﺎت ﺻﯾﺎﻏﺔ اﻟﻣﺻطﻠﺢ ﺛم اﻟﺗطرق إﻟﻰ وظﺎﺋف اﻟﻣﺻطﻠﺢ
أو وظﺎﺋف اﻟﻔﻌل اﻻﺻطﻼﺣﻲ ﻛﻣﺎ ﻗﺎل اﻟﻧﺎﻗد ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ﺛم أﺳﺑﺎب ﻫذﻩ اﻷزﻣﺔ وأﻫم
ﺟﻬود اﻟﺑﺎﺣﺛﯾن اﻟﻌرب ﻟﻠﺣد ﻣﻧﻬﺎ .
241
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
-1إﺑراﻫﯾم أﻧﯾس وآﺧرون ،اﻟﻣﻌﺟم اﻟوﺳﯾط ،دار اﻟﻔﻛر ،ﺑﯾروت ،د ت ،ﻣﺎدة ﺻﻠﺢ ،ص.135
-2ﻣﺟﻣﻊ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،اﻟﻣﻌﺟم اﻟوﺳﯾط ،ﻣﻛﺗﺑﺔ اﻟﺷروق اﻟدوﻟﯾﺔ ،ﻣﺻر ،ط ، 2004 ، 1ص .520
-3اﺑن ﻣﻧظور ،ﻣﻌﺟم ﻟﺳﺎن اﻟﻌرب ،دار ﺻﺎدر ﻟﻠطﺑﺎﻋﺔ واﻟﻧﺷر ،ﺑﯾروت ،ط ، 1997 ، 1ﻣﺞ ، 1ﻣﺎدة ﺻﻠﺢ ،
ص.60
-4اﺑن ﻓﺎرس ،ﻣﻌﺟم ﻣﻘﺎﯾﯾس اﻟﻠﻐﺔ ،دار اﻟﻔﻛر ﻟﻠطﺑﺎﻋﺔ واﻟﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ ،ﺑﯾروت ،ﻟﺑﻧﺎن ،د ط ،د ت ،ﻣﺎدة ﺻﻠﺢ ،
.574
-5ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﺻطﻠﺢ ﻓﻲ اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد ،اﻟدار اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻠﻌﻠوم ،ﺑﯾروت ،ط ، 1
،2008ص.22
242
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﺑﯾﻧﻬﻣﺎ ،وﻗﯾل :اﻻﺻطﻼح إﺧراج اﻟﺷﻲء ﻣن ﻣﻌﻧﻰ ﻟﻐوي إﻟﻰ ﻣﻌﻧﻰ آﺧر ،ﻟﺑﯾﺎن اﻟﻣراد وﻗﯾل
اﻻﺻطﻼح ﻟﻔظ ﻣﻌﯾن ﺑﯾن ﻗوم ﻣﻌﻧﯾﯾن «. 1
ﯾﻔﻬم ﻣن ﺗﻌرﯾف اﻟﺟرﺟﺎﻧﻲ ﻟﻠﻣﺻطﻠﺢ ﺑﺄﻧﻪ ﺗﺳﻣﯾﺔ ﻟﺷﻲء ﻣﺎ ﯾﺗﻔق ﻋﻠﯾﻬﺎ وﻫو ﺗﻐﯾﯾر
اﻟﻣﻌﻧﻰ اﻟﻠﻐوي ﻟﻠﺷﻲء أو إﺧراﺟﻪ ﻋن ﻣﻌﻧﺎﻩ اﻷول .
أﻣﺎ " ﻋﺑد اﻟﺳﻼم اﻟﻣﺳدي " ﻓﯾﻌرف اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت ﻛﺎﻵﺗﻲ » :اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت ﻫﻲ
ﻣﺟﻣوﻋﺔ اﻷﻟﻔﺎظ اﻟﺗﻲ ﯾﺻطﻠﺢ ﺑﻬﺎ أﻫل ﻋﻠم ﻣن اﻟﻌﻠوم ﻋﻠﻰ ﻣﺗﺻوراﺗﻬم اﻟذﻫﻧﯾﺔ اﻟﺧﺎﺻﺔ
ﺑﺎﻟﺣﻘل اﻟﻣﻌرﻓﻲ اﻟذي ﯾﺷﺗﻐﻠون ﻓﯾﻪ وﯾﻧﻬﺿون ﺑﺄﻋﺑﺎﺋﻪ ،وﯾﺄﺗﻣﻧﻬم اﻟﻧﺎس ﻋﻠﯾﻪ ،وﻻ ﯾﺣق
ﻷﺣد أن ﯾﺗداوﻟﻬﺎ ﺑﻣﺟرد إﺿﻣﺎر اﻟﻧﯾﺔ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻣﺻطﻠﺣﺎت ﻓﻲ ذﻟك اﻟﻔن إﻻ إذا طﺎﺑق ﺑﯾن ﻣﺎ
ﯾﻧﺷدﻩ ﻣن دﻻﻟﺔ ﻟﻬﺎ وﻣﺎ ﺣددﻩ أﻫل ذﻟك اﻻﺧﺗﺻﺎص ﻟﻬﺎ ﻣن ﻣﻘﺎﺻد ﺗطﺎﺑﻘﺎ ﺗﺎﻣﺎ «.2
وﻫﻧﺎ ﯾﻘدم ﻟﻧﺎ ﻋﺑد اﻟﺳﻼم اﻟﻣﺳدي إﺿﺎﻓﺔ ﺟدﯾدة ﻟﻣﻔﻬوم اﻟﻣﺻطﻠﺢ ﺑﺄﻧﻪ ﻻ ﯾﻛﻔﻲ
ﺣﺿور اﻟﻧﯾﺔ اﺗﺟﺎﻩ ﻣﺻطﻠﺣﺎت ﻓن ﻣﺎ ﻟﺗداوﻟﻬﺎ ﺑدون وﺟود ﺗطﺎﺑق ﺗﺎم ﺑﯾن دﻻﻟﺔ اﻟﻣﺻطﻠﺢ
اﻟﻣوﺿوع وﺑﯾن ﻣﺎ ﺣددﻩ أﻫل اﻻﺧﺗﺻﺎص ﻣن ﻣﻘﺎﺻد ﻟﻪ.
وﻗد أورد " ﻋﻣر ﻋﯾﻼن " ﺗﻌرﯾﻔﺎ ﻟﻠﻣﺻطﻠﺢ ﻓﻲ ﻛﺗﺎب ﻟﻪ ﺑﺄﻧﻪ » :ﻛﻠﻣﺔ أو ﻣﺟﻣوع ﻛﻠﻣﺎت
ﺗﺗﺟﺎوز دﻻﻟﺗﻬﺎ اﻟﻠﻔظﯾﺔ واﻟﻣﻌﺟﻣﯾﺔ إﻟﻰ ﺗﺄطﯾر ﺗﺻورات ﻓﻛرﯾﺔ ،وﺗﺳﻣﯾﺗﻬﺎ ﻓﻲ إطﺎر ﻣﻌﯾن
ﺗﻘوى ﻋﻠﻰ ﺗﺷﺧﯾص وﺿﺑط اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم اﻟﺗﻲ ﺗﻧﺗﺟﻬﺎ «. 3
أﺷﺎر ﻋﻣر ﻋﯾﻼن ﻓﻲ ﻣﻔﻬوﻣﻪ ﻟﻠﻣﺻطﻠﺢ أن ﻫذا اﻷﺧﯾر ﻗد ﯾﻛون أﻛﺛر ﻣن ﻛﻠﻣﺔ
ﺗﺧرج ﻣن دﻻﻟﺗﻬﺎ اﻟﻠﻔظﯾﺔ واﻟﻣﻌﺟﻣﯾﺔ ﻟﺗﺷﻣل ﺗﺻورات ﻓﻛرﯾﺔ ﺑﺈطﻼق اﺳم ﻋﻠﯾﻬﺎ وﺗﺿﺑط
ﻣﻔﻬوﻣﻬﺎ.
-1اﻟﺷرﯾف اﻟﺟرﺟﺎﻧﻲ ،ﻛﺗﺎب اﻟﺗﻌرﯾﻔﺎت ،ﺗﺣﻘﯾق إﺑراﻫﯾم اﻷﺑﯾﺎري ،دار اﻟﻛﺗﺎب اﻟﻌرﺑﻲ ،ﺑﯾروت ،ط ، 1998 ، 4
ص.44
-2ﻋﺑد اﻟﺳﻼم اﻟﻣﺳدي ،اﻷدب وﺧطﺎب اﻟﻧﻘد ،دار اﻟﻛﺗﺎب اﻟﺟدﯾد اﻟﻣﺗﺣدة ،ﺑﯾروت ﻟﺑﻧﺎن ،ط ، 2004 ، 1ص.146
-3ﻋﻣر ﻋﯾﻼن ،اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد ﻣﻘﺎرﺑﺔ ﺑﯾن ﻧﻘد اﻟﻧﻘد ،اﻟدار اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻠﻌﻠوم ،ﺑﯾروت ،ﻟﺑﻧﺎن ،ط ، 2010 ، 1
ص .43
243
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﻛﻣﺎ ورد ﺗﻌرﯾف اﻟﻣﺻطﻠﺢ ﻓﻲ ﻛﺗﺎب ﻟ ـ " :ﻋﺑد اﻟﻐﻧﻲ ﺑﺎرة »ﺑﺄﻧﻪ ﺗﺳﻣﯾﺔ ﻓﻧﯾﺔ ﺗﻘوم
ﻋﻠﻰ دﻗﺗﻬـﺎ ووﺿوﺣﻬﺎ ﻣﻌرﻓﺔ اﻷﺷﯾﺎء واﻟظواﻫر ،ﺑﺳﯾطﻬﺎ وﻣرﻛﺑﻬﺎ ،ﺛﺎﺑﺗﻬﺎ وﻣﺗﻐﯾرﻫﺎ «. 1
ﻛﻠﻣﺎت ﻣﺗﻘﺎرﺑﺔ اﻟﻧطق واﻟرﺳم ،ﻣن وﻟﻔظﺔ ﻣﺻطﻠﺢ ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺎت اﻷورﺑﯾﺔ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ
طراز Termeﻓﻲ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ و Termﻓﻲ اﻷﻧﺟﻠﯾزﯾﺔ ،و Termineﻓﻲ اﻻﯾطﺎﻟﯾﺔ وTermino
ﻓﻲ اﻻﺳﺑﺎﻧﯾﺔ و Termoﻓﻲ اﻟﺑرﺗﻐﺎﻟﯾﺔ ،وﻛﻠﻬﺎ ﻣﺷﺗﻘﺔ ﻣن اﻟﻛﻠﻣﺔ اﻟﻼﺗﯾﻧﯾﺔ Terminusﺑﻣﻌﻧﻰ
اﻟﺣد أو اﻟﻣدى أو اﻟﻧﻬﺎﯾﺔ .2
أﻣﺎ ﻋن اﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻧﻘدي ﻓﻬو ﯾﻣﺛل أﺳﺎس اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي ،وﻫو رﻣز ﻟﻐوي ﻣﻔرد أو
ﻣرﻛب أﺣﺎدي اﻟدﻻﻟﺔ ﻣﻧزاح ﻧﺳﺑﯾﺎ ﻋن دﻻﻟﺗﻪ اﻟﻣﻌﺟﻣﯾﺔ اﻷوﻟﻰ ﯾﻌﺑر ﻋن ﻣﻔﻬوم ﻧﻘدي ﻣﺣدد
وواﺿﺢ ،ﻣﺗﻔق ﻋﻠﯾﻪ ﺑﯾن أﻫل ﻫذا اﻟﺣﻘل اﻟﻣﻌرﻓﻲ ،أوﯾرﺟﻰ ﻣﻧﻪ ذﻟك. 3
أن اﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻧﻘدي ﺟزء ﻣن اﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻌﺎم وﻫو" اﻟﻠﻔظ اﻟذي ﯾﺳﻣﻰ ﻣﻔﻬوﻣﺎ
ﻛﻣﺎ ّ
ﻧﻘدﯾﺎ ﻟدى اﺗﺟﺎﻩ ﻧﻘدي ﻣﺎ ،وﯾﻌﺗﺑر ﻣن أﻟﻔﺎظ ﻫذا اﻻﺗﺟﺎﻩ أوﻣن ﻣﺻطﻠﺣﺎﺗﻪ " ،أو ﻫو"
ﻣﺟﻣوع اﻷﻟﻔﺎظ اﻻﺻطﻼﺣﯾﺔ ﻟﺗﺧﺻص اﻟﻧﻘد " .4
وﻫو أﯾﺿﺎ »اﻟﻧﺳق اﻟﻔﻛري اﻟﻣﺗراﺑط اﻟذي ﯾﺑﺣث ﻣن ﺧﻼﻟﻪ ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻹﺑداع اﻟﻔﻧﻲ
وﻧﺧﺗﺑر ﻋﻠﻰ ﺿوﺋﻪ طﺑﯾﻌﺔ اﻷﻋﻣﺎل اﻟﻔﻧﯾﺔ وﺳﯾﻛوﻟوﺟﯾﺔ ﻣﺑدﻋﻬﺎ ،واﻟﻌﻧﺎﺻر اﻟﺗﻲ ﺷﻛﻠت
ذوﻗﻪ«.5
وﻣن ﺧﻼل ﻫذا اﻟﻣﻔﻬوم ﻧﺧﻠص إﻟﻰ أن اﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻧﻘدي ﻫواﻟذي ﯾؤطر اﻟﺗﺻورات
اﻟﻔﻛرﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻧﺗﺟﻬﺎ ﻓﻌل اﻟﻣﻣﺎرﺳﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ وﻓق ﺿواﺑط ﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ﻣن ﺷﺄﻧﻬﺎ ﺗوﺿﯾﺢ
دﻻﻻﺗﻪ.
-1ﻋﺑد اﻟﻐﻧﻲ ﺑﺎرة ،إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ ﺗﺄﺻﯾل اﻟﺣداﺛﺔ ﻓﻲ اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ،اﻟﻬﯾﺋﺔ اﻟﻣﺻرﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب ،د ط
، 2005ص .283
-2ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﺻطﻠﺢ ﻓﻲ اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد ،ص.22
-3اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .24
-4أﺣﻣد ﻣطﻠوب ،ﻓﻲ اﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻧﻘدي ،ﻣﻧﺷورات اﻟﻣﺟﻣﻊ اﻟﻌﻠﻣﻲ ،ﺑﻐداد ،د ط ، 2002 ،ص .235
-5ﻋﺑد اﻟﻌزﯾز اﻟدﺳوﻗﻲ ،ﻧﺣو ﻋﻠم ﺟﻣﺎل اﻟﻌرﺑﻲ ،ﺳﻠﺳﻠﺔ ﻋﺎﻟم اﻟﻔﻛر ،اﻟﻣﺟﻠس اﻟوطﻧﻲ ﻟﻠﺛﻘﺎﻓﺔ واﻟﻔﻧون واﻷداب ،اﻟﻛوﯾت
،ﻣﺞ ،9ع ، 2ص .128
244
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
وﻟﻘد ﺗﺑﻠورت اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻣن ﻣزﯾﺞ ﻣن اﻟﺗﺻو ارت ،ﻓﺄﺳﺗﻣد ﺑﻌﺿﻬﺎ
ﻣن ﻋﺎﻟم اﻷﻋراب وﺧﯾﺎﻣﻬم ﻛﺎﻟﺑﯾت واﻟﻌﻣود ،وﻣن ﻋﺎﻟم اﻟﺛﯾﺎب ﻛﺣﺳن اﻟدﯾﺑﺎﺟـﺔ ،رﻗﯾـق
اﻟﺣواﺷﻲ ،ﻣﻬﻠﻬل وﻣن ﻋﺎﻟم اﻟﺣروب واﻟﺷﺟﺎﻋﺔ ﻛﻣﺗﯾن اﻷﺳر .
وأﯾﺿﺎ ﻗد اﺳﺗﻣدت ﻣﺻطﻠﺣﺎت ﻣن ﻋﺎﻟم اﻟطﺑﯾﻌﺔ ﻣﺛل – ﻫذا ﺷﻌر ﻓﯾﻪ ﻣﺎء روﻧق-
وﻣن اﻟﺣﯾﺎة اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻛﺎﻟطﺑﻊ واﻟﺻﻧﻌﺔ وﻣن ﺗﺟﺎرب اﻟﻌرب ﻓﻲ اﻟﺗرﺟﻣﺔ ﻛﺎﻟﻠﻔظ واﻟﻣﻌﻧﻰ
وﻫﻛذا ﻧﺟد أن اﻟﺑواﻛﯾر اﻷوﻟﻰ ﻟﻠﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﺗﺣﻣل ﻣﻌطﯾﺎت اﻟﺣﯾﺎة اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻣن
اﻟﺟﺎﻫﻠﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﻏرار اﻟﻣﻌﻠﻘﺎت واﻟﻘﺻـﺎﺋد إﻟﻰ ﺻـدر اﻹﺳﻼم – اﻟﻧﻘﺎﺋض -إﻟﻰ ﻋﺻور
اﻻﻧﺣطﺎط اﻟﻣﻌﺎرﺿﺎت واﻟﻣوﺷﺣﺎت .
وﻓﻲ ظـل ﻣﺎ ﯾﻌرﻓـﻪ اﻟﻐـرب ﻣن ﺗطـور ﺣﺿﺎري وﻓﻲ ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻧواﺣﻲ ﻻﺳﯾﻣﺎ اﻟﻌﻠﻣﯾـﺔ
واﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ أدى إﻟﻰ ظﻬور ﻛم ﻫﺎﺋل ﻣن اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﻣواﻛﺑﺔ ﻟﻬذا اﻟﺗطور ،ﻓﻣﺎ إن ﺗظﻬر
ﻧظرﯾﺔ ﻣن اﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﺟدﯾدة إﻻ وﺻﺣﺑﻬﺎ ﺳﯾل ﻣن اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﻣﺛل ﻟﺗﻠك اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم
اﻟﺣدﯾﺛﺔ ﻻﺳﯾﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﺟﺎل اﻟﻧﻘد ،وﻟﻣواﻛﺑﺔ ﻫذا اﻟرﻛب وﻣﺳﺎﯾرة ﻫذا اﻟزﺧم وﺟد اﻟﻌرب أﻧﻔﺳﻬم
ﻣﺟﺑرﯾن ﻋﻠﻰ ﺻﯾﺎﻏﺔ ﻣﺎ ﯾﻧﺎﺳب ﻫذﻩ اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت وﻫذﻩ اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﺣﺳب
ﺧﺻوﺻﯾﺎت ﻫذﻩ اﻟﻠﻐﺔ ،وﻟﺻﯾﺎﻏﺔ ﻫذﻩ اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت أ ٕواﻋﺎدة ﺻﯾﺎﻏﺔ ﻫذﻩ اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت ﻫﻧﺎك
ﻋدة ط ارﺋـق ﻣن أﻫﻣﻬﺎ اﻻﺷﺗﻘـﺎق واﻟﻧﺣت واﻟﻣﺟﺎز واﻟﺗﻌرﯾب واﻟﺗرﺟﻣﺔ .
* اﻻﺷﺗﻘﺎق :وﻫو اﺳﺗﺧراج ﻟﻔظ ﻋن آﺧر ﻣﺗﻔق ﻣﻌﻪ ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻧﻰ واﻟﺣروف اﻷﺻﻠﯾﺔ ، 1أو
ﻫو أﺧذ ﻛﻠﻣﺔ ﻣن ﻛﻠﻣﺔ أو أﻛﺛر ﻣﻊ ﺗﻧﺎﺳب ﺑﯾﻧﻬﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻠﻔظ واﻟﻣﻌﻧﻰ ،وﻫو ﻧوﻋﺎن اﺷﺗﻘﺎق
ﺻﻐﯾر وآﺧر ﻛﺑﯾر.
* اﻟﻧﺣت :اﻟﻧﺣت ﻓﻲ اﻻﺻطﻼح أن ﯾﻧﺗزع ﻣن ﻛﻠﻣﺗﯾن أو أﻛﺛر ،ﻛﻠﻣﺔ ﺟدﯾدة ﺗدل ﻋﻠﻰ
ﻣﻌﻧﻰ ﻣﺎ اﻧﺗزﻋت ﻣﻧﻪ ،ﻓﻬو ﺑذﻟك ﺟﻧس ﻣن اﻻﺧﺗﺻﺎر ﯾﻠﺟﺄ إﻟﯾﻪ ﻟﻣﻌﺎﻟﺟﺔ اﻟﻛﻠﻣﺎت اﻷورﺑﯾﺔ
اﻟﻣﺗﻛوﻧﺔ ﻣن ﻋﻧﺻرﯾن ،ﯾﻔﯾد اﻷول ﻣﻌﻧﻰ واﻟﺛﺎﻧﻲ ﻣﻌﻧﻰ آﺧر ﻓﯾﺗﻛون ﻣﻧﻬﻣﺎ ﻣﻌﻧﻰ ﺛﺎﻟث ﺟدﯾد
-1أﻧﯾس إﺑراﻫﯾم ،ﻣن أﺳرار اﻟﻠﻐﺔ ،اﻟﻣﻛﺗﺑﺔ اﻷﻧﺟﻠو ﻣﺻرﯾﺔ ،ط ، 1987 ، 6ص .62
245
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﯾﻔﻬم ﻣن ﻫذا اﻟﺗﻌرﯾف أن اﻟﻠﺟوء إﻟﻰ اﻟﻧﺣت ﯾﺗم ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻛون اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻷورﺑﯾﺔ ﻣرﻛﺑﺔ
ﻓﺎﻟﻧﺣت ﺑﻬذﻩ اﻟطرﯾﻘﺔ ﯾﻘﺎﺑﻠﻪ اﻟﺗرﻛﯾب ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺎت اﻷورﺑﯾﺔ ،واﻟﻛﻠﻣﺎت اﻟﻣﻧﺣوﺗﺔ ﻻ ﺗﻘﺑل إﻻ إذا
ﻛﺎن ذوﻗﻬﺎ ﺳﻠﯾﻣﺎ ،وﻟﺗﺣﻘﯾق ﻫذا اﻷﺧﯾر ﯾﺟب أن ﺗﻛون اﻟﺣروف اﻟﻣﻛوﻧﺔ ﻟﻬﺎ ﻣﻧﺳﺟﻣﺔ
وﺧﺎﺿﻌﺔ ﻷﺣﻛﺎم اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،وزﯾﺎدة ﻋﻠﻰ ذﻟك ﻻﺑد ﻣن ﺻﯾﺎﻏﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ وزن ﻋرﺑﻲ ،وﻓﻲ ﻫذا
اﻟﺻدد ﺗﺟدر اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض ﻻ ﯾﺄﺧذ ﺑﻌﯾن اﻻﻋﺗﺑﺎر ﻫذﻩ اﻟﺷروط
وﻻﺳﯾﻣﺎ ﻋﻧد ﻧﺣﺗﻪ ﻣﺛﻼ ﻣن " اﻟﺗﺣﻠﯾل اﻟﻧﻔﺳﻲ " ﻣﺻطﻠﺢ " اﻟﺗﺣﻠﺳﻔﻲ"،وﻗد ﻋﺑر ﻋن ذﻟك ﻗﺎﺋﻼ
» :ﯾﻌﺎب ﻋﻠﻰ اﺳﺗﻌﻣﺎﻟﻧﺎ ﻫذا أﻧﻪ ﺧرج ﻋن اﻟﺑﻧﺎء اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻘﺎﺋم وﻧﺣن ﻧﺟﯾب ﻋن ﻫذا أن اﻟﻠﻐﺔ
اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﻫﻲ ﻏﯾر اﻷدﺑﯾﺔ «.1
ورﻏم اﻟﺧﻼف اﻟﻘﺎﺋم ﺑﺧﺻوص ﻗﺿﯾﺔ اﻋﺗﺑﺎر اﻟﻧﺣت ﻣن اﻟوﺳﺎﺋل اﻟﻣﻌﺗﻣدة ﻓﻲ
ﺻﯾﺎﻏﺔ اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت إﻻّ أن ﻣﺟﻣﻊ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﺑﺎﻟﻘﺎﻫرة واﻓق ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺣت ﻋﻧد اﻟﺿرورة
وﻧص اﻟﻘرار ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﯾﺟوز اﻟﻧﺣت ﻋﻧدﻣﺎ ﺗﻠﺟﺄ إﻟﯾﻪ اﻟﺿرورة اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ،وﻧظ ار ﻟﻘرار اﻟﻣﺟﻣﻊ
اﻟﻘﺎﺋل ﺑﺟواز اﻟﻧﺣت ﻋﻧد اﻟﺿرورة ﻓﺈن اﻟﻧﺣت ﺳﯾظل وﺳﯾﻠﺔ ﻣن وﺳﺎﺋل وﺿﻊ اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت
ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻛﻧﻪ ﻟﯾس أﻓﺿل ﻣن اﻻﺷﺗﻘﺎق اﻟذي ﯾﻌﺗﺑر أﻓﺿل اﻟطرق ﻟﺗﻛوﯾن ﻛﻠﻣﺎت
ﺟدﯾدة داﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎن ﺟدﯾدة ،ﻟذﻟك ﻛﺎن ﻣﺣﻘﺎ ﻣن ﻗﺎل » :ﯾﺟب أن ﻻ ﻧﻠﺟﺄ إﻟﻰ اﻟﻧﺣت إﻻ
إذا أﻋﯾﺎﻧﺎ اﻻﺷﺗﻘﺎق «.2
* اﻟﻣﺟﺎز :اﻟﻣﺟﺎز ﻫو اﻧﺗﻘﺎل اﻟﻠﻔظ ﻣن ﻣﻌﻧﺎﻩ اﻟﺣﻘﯾﻘﻲ إﻟﻰ ﻣﻌﻧﻰ آﺧر ﻣﺟﺎزي وﻫذا ﻣﺎ ﻗد
ﯾﻌﺑر ﻋﻧﻪ ﻓﻲ ﻣوﺿﻊ آﺧر ﺑﺎﻻﺳﺗﻌﺎرة واﻟﻣﺟﺎز وﺳﯾﻠﺔ ﺗﺳﺗﻌﯾن ﺑﻬﺎ اﻟﻠﻐﺔ ﻟﻛﻲ ﺗطور ﻧﻔﺳﻬﺎ
ﺑﺎﻟﻣﺣﺎﻓظﺔ ﻋﻠﻰ اﻟوﺣدات اﻟﻣﻌﺟﻣﯾﺔ ﻧﻔﺳﻬﺎ واﻟﺗﻲ ﺗﺗﺳﻊ دﻻﻟﯾﺎ ﻟﺗﺳﺗوﻋب دﻻﻻت ﺟدﯾدة
* اﻟﺗﻌرﯾب :ﯾﻌرف اﻟﺗﻌرﯾب ﺑﺄﻧﻪ »ﺻﺑﻎ اﻟﻛﻠﻣﺔ ﺑﺻﺑﻐﺔ ﻋرﺑﯾﺔ ﻋﻧد ﻧﻘﻠﻬﺎ ﺑﻠﻔظﻬﺎ اﻷﺟﻧﺑﻲ إﻟﻰ
اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ وﻗد اﺳﺗﻌﻣﻠت ﻛﻠﻣﺔ اﻟﻣﻌرب ﺑﻣﻌﻧﻰ اﻟﻠﻔظ اﻷﺟﻧﺑﻲ اﻟذي ﻏﯾرﻩ اﻟﻌرب ﻟﯾﻛون ﻋﻠﻰ
-1ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض ،ﺻﻧﺎﻋﺔ اﻟﻣﺻطﻠﺢ ﻓﻲ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،ﻣﺟﻠﺔ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻠﻣﺟﻠس اﻷﻋﻠﻰ ﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،اﻟﺟزاﺋر ،ع
،1999 ، 2ص .29
-2إﻣﯾل ﺑدﯾﻊ ﯾﻌﻘوب ،ﻓﻘﻪ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ وﺧﺻﺎﺋﺻﻬﺎ ،ص .214
246
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﻣﻧﻬﺎج ﻛﻼﻣﻬم « ،1وﻫو ﻋﻧد اﻟﺑﻌض إدﺧﺎل اﻟﻠﻔظ اﻷﺟﻧﺑﻲ ﺑذاﺗـﻪ وﺑﻣﺎدﺗﻪ إﻟﻰ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ،
وﯾﺻطﻠﺢ ﻋﻠﻰ ﺗﻌﻣﯾم اﺳﺗﻌﻣﺎﻟﻪ ﺿﻣن ﻣﻔردات اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ .
* اﻟﺗرﺟﻣﺔ :ﺗﻌد اﻟﺗرﺟﻣﺔ ﻣن اﻟوﺳﺎﺋل اﻟﻬﺎﻣﺔ ﻟﻠرﻗﻲ اﻟﻠﻐوي ،وﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ وﻗﺗﻧﺎ ﻫذا أﯾن ﻛﺛرت
اﻟﻣﻧﺷورات ﺑﺎﻟﻠﻐﺎت اﻷﺟﻧﺑﯾﺔ ،ﻓﺎﻻطﻼع ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻷﺧﯾرة ﯾﺗطﻠب ﺗرﺟﻣﺗﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ
وﻧظ ار ﻷﻫﻣﯾﺔ اﻟﺗرﺟﻣﺔ اﻟﻛﺑﯾرة ﻓﻘد ﺗﺻدى ﻟدراﺳﺗﻬﺎ ﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﺑﺎﺣﺛﯾن وﻣن ﻫؤﻻء ﻧذﻛر ﺟورج
ﻣوﻧﺎن اﻟذي ﻋرﻓﻬﺎ ﺑﻘوﻟﻪ » :اﻟﺗرﺟﻣﺔ ﻋﻣﻠﯾﺔ اﺗﺻﺎل ﻏﺎﯾﺗﻬﺎ ﻧﻘل رﺳﺎﻟﺔ ﻣن ﻣرﺳل إﻟﻰ ﻣﺗﻠق أو
ﻣﺳﺗﻘﺑل «.2
وﻟﻣﺎ ﻛﺎﻧت اﻟﺗرﺟﻣﺔ وﺳﯾﻠﺔ ﻣن وﺳﺎﺋل اﻻﺗﺻﺎل ،ﻓﻬﻲ ﺗﺳﺗوﺟب ﻧﻘل اﻟﻣﻌﻧﻰ واﻟﻣﺑﻧﻰ
ﻣﻌﺎ ،ﻫذا ﯾﻌﻧﻲ أن ﻫذﻩ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ ﺗﻘﺗﺿﻲ ﻧﻘل اﻟﻣﺣﺗوى اﻟدﻻﻟﻲ ﻟﻠﻧص ﻣن ﻟﻐﺔ اﻷﺻل إﻟﻰ ﻟﻐﺔ
اﻟﻧﻘل ،ﺣﯾث ﯾﺗﻐﯾر ﺷﻛل اﻟدﻻﻟﺔ وﯾﻧﺗﻘل ﻣﻌﻪ اﻟﻣﻌﻧﻰ ﺑوﺻﻔﻪ ﻋﺎﻣﻼ ﺳﺎﺑﻘﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ واﻟﻠﻐﺔ
ﻓﺎﻟﺷﻛل واﻟﻣﻌﻧﻰ ﻣرﺗﺑطﺎن ارﺗﺑﺎطﺎ ﺷدﯾدا ﺣﯾث ﻛل ﺗﻐﯾر ﻓﻲ ﻧﻘل اﻟﺷﻛل ﯾﺻﺎﺣﺑﻪ ﺗﻐﯾر ﻓﻲ ﻧﻘل
اﻟﻣﻌﻧﻰ واﻟﻌﻛس ﺻﺣﯾﺢ.
وﯾﻧﺑﻐﻲ ﻟﻠﻣﺗرﺟم أن ﯾﺣرص ﻋﻠﻰ ﻣﻼﺋﻣﺔ اﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻣﻧﻘول ﻟﻠﻐﺔ اﻟﻣﻧﻘول إﻟﯾﻬﺎ ،ﯾﻘول
اﻟﻣﺳدي» :إن اﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻧﻘدي ﺗزداد ﺣظوظ ﻣﻘﺑوﻟﯾﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﺗداﺧل واﻟﺗﺄﺛﯾر ،ﻛﻠﻣﺎ ﺗوﻓرت ﻓﯾﻪ
ﻣﻘوﻣﺎت اﻟﻣواﺋﻣﺔ اﻹﺑداﻋﯾﺔ « ،3وﯾﺷﺗرط ﻓﻲ ﺗرﺟﻣﺔ اﻟﻣﺻطﻠﺢ ﻛذﻟك اﻷﻣﺎﻧﺔ واﻟدﻗﺔ .
02ـــــــ وظﺎﺋف اﻟﻣﺻطﻠﺢ :ﺣددﻫﺎ ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ﺑﺧﻣس وظﺎﺋف 4ﻧوﺟزﻫﺎ ﻛﻣﺎ ﯾﻠﻲ :
-1اﻟوظﯾﻔﺔ اﻟﻠﺳﺎﻧﯾﺔ :ﯾﺛﺑت اﻟﻣﺻطﻠﺢ ﻣدى ﻗدرة اﻟﻠﻐﺔ ﻋﻠﻰ اﺳﺗﻌﺎب اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم ﻣﻬﻣﺎ ﻛﺎﻧت
ﺣداﺛﺗﻬﺎ ،وﻛذﻟك ﻣروﻧﺗﻬـﺎوﻗدرﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣواﻛﺑﺔ اﻟﺗطور ﺑﻣﺎ ﺗﺗﺳم ﺑﻪ ﻣن اﺗﺳﺎع ﺟذورﻫﺎ
اﻟﻣﻌﺟﻣﯾﺔ.
247
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
-2اﻟوظﯾﻔﺔ اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ :ﯾﻣﺛل اﻟﻣﺻطﻠﺢ ﻟﻐﺔ اﻟﻌﻠم واﻟﻣﻌرﻓﺔ ﻓﻼ وﺟود ﻟﻌﻠم دون ﻣﺻطﻠﺣﯾﺔ "
ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣﺻطﻠﺣــﺎت " ﻟذا ﻓﻘد أﺣﺳن ﻋﻠﻣﺎؤﻧﺎ اﻟﻘداﻣﻰ ﺻﻧﻌﺎ ﺣﯾن ﺟﻌﻠـوا ﻣن اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت
" ﻣﻔﺎﺗﯾﺢ اﻟﻌﻠم " و" أواﺋل اﻟﺻﻧﺎﻋﺎت ".
ﻓﻼ ﻋﺟب –إذن -أن ﯾﻣﺛل أﺣد اﻟﺑﺎﺣﺛﯾن ﻣﻧزﻟﺔ اﻟﻣﺻطﻠﺢ ﻣن اﻟﻌﻠم ﺑﻣﻧزﻟﺔ " اﻟﺟﻬﺎز
اﻟﻌﺻﺑﻲ ﻣن اﻟﻛﺎﺋن اﻟﺣﻲ ﻋﻠﯾﻪ ﯾﻘوم وﺟودﻩ وﺑﻪ ﯾﺗﯾﺳر ﺑﻘﺎؤﻩ ،إذ أن اﻟﻣﺻطﻠﺢ ﺗراﻛم ﻣﻘوﻟﻲ
ﯾﻛﺗﻧز وﺣـدﻩ ﻧظرﯾﺎت اﻟﻌﻠم وأطروﺣﺎﺗﻪ .
-3اﻟوظﯾﻔﺔ اﻟﺗواﺻﻠﯾﺔ :اﻟﻣﺻطﻠﺢ وﺳﯾﻠﺔ ﺗواﺻل ﻣن اﻟدرﺟﺔ اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ ﻋﺎﻟم اﻟﻌﻠم واﻟﻣﻌرﻓﺔ
وﺑدوﻧﻪ ﯾﺻﺑﺢ اﻟﻧص ﻣﺟرد ﺳرد ﻣﺗﺳﻠﺳل ﻷﻓﻛﺎر وﺟﻣﻊ ﻣرﺗب ﻟﻬﺎ.
-4اﻟوظﯾﻔﺔ اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ :ﺑﻘدرة اﻟﻧص ﻋﻠﻰ اﺧﺗزان ﻛم ﻫﺎﺋل ﻣن اﻟﺗﺻورات اﻟذﻫﻧﯾﺔ واﻷﻓﻛﺎر
واﺧﺗزاﻟﻬﺎ ﺑدﻗﺔ ووﺿوح ﺗﺟﻌﻠﻪ ﯾﻘوم ﺑوظﯾﻔﺔ اﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ ﻣﻬﻣﺔ ﻓﻲ ﻋﺎﻟم اﻟﻌﻠم واﻟﻣﻌرﻓﺔ.
-5اﻟوظﯾﻔﺔ اﻟﺣﺿﺎرﯾﺔ :ﻻ ﺷك أن اﻟﻠﻐﺔ اﻻﺻطﻼﺣﯾﺔ ﻟﻐﺔ ﻋﺎﻟﻣﯾﺔ ﺑﺎﻣﺗﯾﺎز ،إﻧﻬﺎ ﻣﻠﺗﻘﻰ
اﻟﺛﻘﺎﻓﺎت اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ،وﻫﻲ اﻟﺟﺳر اﻟﺣﺿﺎري اﻟذي ﯾرﺑط ﻟﻐﺎت اﻟﻌﺎﻟم ﺑﻌﺿﻬﺎ ﺑﺑﻌض ،وﺗﺗﺟﻠﻰ
ﻫذﻩ اﻟوظﯾﻔﺔ ﺧﺻوﺻﺎ ﻓﻲ آﻟﯾﺔ "اﻻﻗﺗراض" اﻟﺗﻲ ﻻ ﻏﻧﻰ ﻷﯾﺔ ﻟﻐﺔ ﻋﻧﻬﺎ ،ﺣﯾث ﺗﻘﺗرض
اﻟﻠﻐﺎت ﺑﻌﺿﻬﺎ ﻣن ﺑﻌض ﺻﻔﺎت ﺻوﺗﯾﺔ ،ﺗظل ﺷﺎﻫدا ﻋﻠﻰ ﺣﺿور ﻟﻐﺔ ﻣﺎ ﺣﺿو ار ﺗﺎرﯾﺧﯾﺎ
وﻣﻌرﻓﯾﺎ وﺣﺿﺎرﯾﺎ ﻓﻲ ﻧﺳﯾﺞ ﻟﻐﺔ أﺧرى ،وﺗﺗﺣول ﻫذﻩ اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت ﺑﻔﻌل اﻻﻗﺗراض إﻟﻰ
ﻛﻠﻣﺎت دوﻟﯾﺔ ﻣن اﻟﺻﻌب أن ﺗﺣﺗﻛرﻫﺎ ﻟﻐﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ ،وﻣن اﻟﺻﻌب أن ﺗﻧﺳب إﻟﻰ ﻟﻐﺔ ﺑذاﺗﻬﺎ
ﻓﯾﺗﺣول اﻟﻣﺻطﻠﺢ إﻟﻰ وﺳﯾﻠﺔ ﻟﻐوﯾﺔ وﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ﻟﻠﺗﻘﺎرب اﻟﺣﺿﺎري ﺑﯾن اﻷﻣم اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ
ﻓﺎﻟﻣﺻطﻠﺢ ﺣﺳب اﻟﻧﺎﻗد ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ﻫو" ﻟﻐﺔ اﻟﻌوﻟﻣﺔ ".
اﻟﺑدﯾﻬﻲ أن اﻟﻌﻘل اﻟﺑﺷري ﺟﻬﺎز ﻓﻌﺎل ﻓﻲ اﻟﺗﻘﺎط اﻟدﻻﻻت اﻟﻛﺎﻣﻧﺔ وراء اﻷﻓﻌﺎل
اﻟﺳﻠوﻛﯾﺔ أو اﻟﻣواﻗف اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ أو اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم واﻟﺗﺻورات اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ ،وﺣﯾن ﯾﺗم اﺳﺗﯾﻌﺎب ﻫذﻩ
اﻟدﻻﻻت واﻟﻣﻔﺎﻫﯾم ﺑﻣﻌﺎﻧﯾﻬﺎ اﻟﻌﻣﯾﻘﺔ ،ﻋﻧد ذﻟك ﯾﻣﻛﻧﻪ ﺑﺄي ﺷﻛل ﻣن اﻷﺷﻛﺎل أن ﯾﺗﻔﺎﻋل ﻣﻌﻬﺎ،
وﻋن طرﯾق ﻫذا اﻟﺗﻔﺎﻋل ﯾﺳﺗطﯾﻊ اﻛﺗﺳﺎب اﻟﺧﺑرات واﻟﻣﻌﺎرف اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ واﻟﻠﻐوﯾﺔ واﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ،
وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﻓﺈن ﻛل ﺗﺻور ﻣﻌرﻓﻲ ﺧﺎل ﻣن اﻟدﻻﻟﺔ ﻻ ﯾؤﺛر ﻓﻲ اﻟﻌﻘل ،وﻻ ﯾﺗم اﻟﺗﻔﺎﻋل اﻟﺣﻘﯾﻘﻲ
248
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﻣﻌﻪ ،وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻘدم ﻟﻧﺎ إﺿﺎﻓﺔ ﺟدﯾدة ذات ﻗﯾﻣﺔ ﻣﻌرﻓﯾﺔ وﻋﻠﻣﯾﺔ ،ﻟذﻟك ﻓﺈن اﻟﻧﺎﻗد
إذا ﻧﻘل ﺗﺻو ار ﻣﻌرﻓﯾﺎ ﻣن ﻟﻐﺔ أﺟﻧﺑﯾﺔ ﻋن ﻟﻐﺔ ﺛﻘﺎﻓﺗﻪ اﻷﺻﻠﯾﺔ ،ﺧﺎﺻﺔ إذا ﻛﺎن ﻫذا اﻟﻣﻔﻬوم
ﻏﺎﻣﺿﺎ أو ﻏﯾر ﻣﺣدد اﻟدﻻﻟﺔ ,ﻓﺎن ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻟﻧﻘل ﺗﻛون ﺣرﻓﯾﺔ ﻟﻠﺷﻲء اﻟﻣﻧﻘول ،وﻣن ﺛم ﻻ
ﺗﻛون ﻫﻧﺎك ﻓرﺻﺔ ﻟﻠﻌﻘل ﻟﻠﺗﻔﺎﻋل ﻣﻌﻪ ﻟﻐوﯾﺎ أو ﺛﻘﺎﻓﯾﺎ أو ﺣﺿﺎرﯾﺎ ,وﻓﻲ ﻏﯾﺎب ﻣﺛل ﻫذا
اﻟﺗﻔﺎﻋل ﻻ ﯾﺿﯾف ﻫذا اﻟﻣﻔﻬوم اﻟﻣﻧﻘول أي ﺷﻲء ﻓﻲ ﻣﺟﺎل اﻟﻣﻌرﻓﺔ أو اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ,وﺑذﻟك ﯾﻛون
اﻟﻌﻘل ﻗد اﻏﺗرب ﻋن ذﻟك اﻟﻣﻔﻬوم أو ذﻟك اﻟﺗﺻور .
ﻫذا ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ ﻧﺎﻗدﻧﺎ اﻟﺟدﯾد وﻣﺎزال ﯾﻔﻌﻠﻪ وﻣﻔﺎﻫﯾم وﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻟﻐرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ﻓﺎﻟﻧﺎﻗد
ﻗد اﺳﺗﺧدم ﻋﻘﻠﻪ ٕواطﺎرﻩ اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ واﻟﻣﻌرﻓﻲ أداة ﺻﻣﺎء ﻓﻲ ﻧﻘل ﻫذﻩ اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم ﻣن ﻟﻐﺗﻬﺎ اﻷﺻﻠﯾﺔ
إﻟﻰ ﻟﻐﺗﻪ اﻟﻌرﺑﯾﺔ دون ﺗﻔﺎﻋل ﻓﻛري أو ﻧﻔﺳﻲ أو ﺛﻘﺎﻓﻲ أو ﺣﺿﺎري.
ﻓﺣﯾن ﻧﻘل ﻟﻧﺎ ﻣﺛﻼ ﻣﻔﻬوم اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ اﻟﺗداوﻟﯾﺔ Structuralisme Génétique
ﺑﻧﯾﺔ أوﻣﻔﻬوم Vision du Mondeرؤﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟم أو ﻣﻔﻬومStructure Poétique
ﺷﻌرﯾﺔ،أوﻏﯾرﻫﺎ ﻣن اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم اﻟﺗﻲ ﺷﺎع اﺳﺗﺧداﻣﻬﺎ ﻓﻲ ﻧﺻوص اﻟﻧﻘد اﻟﺟدﯾد,ﻧﻼﺣظ أن ﻫذﻩ
اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم ﺗرﺟﻣت ﺗرﺟﻣﺔ ﺣرﻓﯾﺔ وﻧﻼﺣظ أﯾﺿﺎ أﻧﻬﺎ ﻟم ﺗﺣدد ﻣدﻟوﻻﺗﻬﺎ اﻟﻠﻐﺔ واﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ
ﻓﺎﻟﻧﺎﻗد ﻗد ﺗﻘل اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم دون ﺗﻛون ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﻧﺎﺋﻪ اﻟذﻫﻧﻲ .
وﻫذا ﻣﺎ ﯾﺟﻌﻠﻧﺎ ﻧذﻫب إﻟﻰ اﻟﻘول أن اﻟﻧﺎﻗد ﻗد ﻧﻘل اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ دون ﺗﻔﺎﻋل
ﻓﻛري أو ﺛﻘﺎﻓﻲ ،وﻧﻘﺻد ﺑﺎﻟﺗﻔﺎﻋل ﻫو ﺗﻠك اﻟﻌﻣﻠﯾﺎت اﻟﻔﻛرﯾﺔ اﻟﺗﻰ ﯾﻘوم ﺑﻬﺎ اﻟﻧﺎﻗد ﻋﻧدﻣﺎ ﯾﻘوم
ﺑﺗﺣﻠﯾل ﺗﻠك اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم اﻟﻣﻧﻘوﻟﺔ ،وذﻟك اﻧطﻼﻗﺎ ﻣن ﻣرﺟﻌﯾﺗﻪ اﻟﻔﻛرﯾﺔ واﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ
ﺑﯾﺋﺗﻪ اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ اﻟﺗﻰ ﻟﻬﺎ ﺧﺻوﺻﯾﺗﻬﺎ وﻻ ﯾﻣﻛن ﺑﺄي ﺣﺎل ﻣن اﻷﺣوال ﻣﻼﺋﻣﺔ ﻫذﻩ اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم
اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻟﺑﯾﺋﺎت ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ،وﻟم ﯾﻧﺟﺢ ذﻟك إﻻ ﺑﻌد ﻣﺣﺎوﻻت ﻋدﯾدة ﻟﻠﺗطﺑﯾﻊ ،وﻗد ﯾظن اﻟﺑﻌض أن
دون وﻋﻲ رﻛوب درب ﻗطﺎر اﻟﺣداﺛﺔ إﻧﻣﺎ ﯾﻛون ﺑﻧﻘل اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم اﻟﻧﻘد اﻟﻐرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻرة
واﺳﺗﯾﻌﺎب وﺗﺣﻠﯾل ،وﻛﺄﻧﻧﺎ ﺑﻌد ذﻟك اﻟﻧﻘل ﻧﻛون ﻗد أﺻﺑﺣﻧﺎ ﻣن اﻟﻧﻘﺎد اﻟﻣﺣدﺛﯾن ،ﻷن اﻟﻛﺛﯾر
ﻣن ﻫؤﻻء اﻋﺗﺑر أن ﺣداﺛﺔ اﻟﻔﻛر اﻟﻧﻘدي ﺗﺗﻣﺛل ﻓﻲ ﺗﻘﻣص اﻻﺻطﻼﺣﺎت واﻟﻣﻔﺎﻫﯾم اﻟﻧﻘدﯾﺔ
249
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
اﻟﻐرﺑﯾﺔ اﻟﺑراﻗﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺳﯾطر ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧﺎخ اﻟﻧﻘدي اﻟﻐرﺑﻲ ،رﻏم ﻋدم وﺿوﺣﻬﺎ وﺗداﺧل ﻣﻌﺎﻧﯾﻬﺎ
ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﯾﻧﺎ ﻋﻠﻰ اﻷﻗل.
وﯾﻣﻛن اﻟﻘول أن اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﻣﺗداوﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﺳﺎﺣﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟم ﺗﻌرف اﻻﺳﺗﻘرار
ﺑﻌد ،ﻓﻬﻲ ﻓﻲ ﻣرﺣﻠﺔ اﻟﺗﺟرﯾب ﻛﻣﺎ ﺗﻌﺎﻧﻲ ﻣن ﻛﺛﯾر ﻣن اﻻﺿطراب واﻟﻔوﺿﻰ.
ﻛﻣﺎ ﻫﻧﺎك ظﺎﻫرة أﺧرى أدت إﻟﻰ ﺗداﺧل اﻟﺣﻘول اﻟﻣﺻطﻠﺣﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي
اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد أﻻ وﻫﻲ اﻟﺗرﻛﯾب اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ ،واﻟذي ظﻬر ﺑﺄﺷﻛﺎل ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻛﺎﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻣرﻛب ﻟدى
"ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض ".
وﻣن اﻟﺑدﯾﻬﻲ اﻟﺗﺳﺎؤل ﻋن ظﺎﻫرة ﺗﻌدد اﻟﺗرﺟﻣﺎت اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻣﺻطﻠﺢ أﺟﻧﺑﻲ واﺣد ﺗﻌددا
ﯾﻔوق اﻟﺗوﻗﻊ ،وﻣﺛﺎﻻ ﻋﻠﻰ ذﻟك ﻗد ﺗرﺟم ﻣﺻطﻠﺢ ParadignatiqueوSyntagnatique
ﺑﺄﻛﺛر ﻣن أرﺑﻌﯾن ﻣﺻطﻠﺣﺎ ﻋرﺑﯾﺎ ،ﻛﻣﺎ ﺗرﺟم ﻣﺻطﻠﺢ Ecart/Déviationﺑﻣﺎ ﯾﺗﺟﺎوز
اﻷرﺑﻌون ﺗرﺟﻣﺔ ،وﺗرﺟم ﻣﺻطﻠﺢ Sémiotiqueو Sémiologieﺑﺳت وﺛﻼﺛﯾن ﻣﺻطﻠﺣﺎ
ﻛﻣﺎ ﺗرﺟم ﻣﺻطﻠﺢ Poétiqueﺑﺈﺛﻧﯾـن وﺛﻼﺛﯾن ﻣﺻطﻠﺣﺎ ،وأﯾﺿﺎ ﻣﺻطﻠﺢ Linguistique
ﺑﺄرﺑﻌﺔ وﻋﺷرﯾن ﻣﺻطﻠﺣﺎ وﻣﺻطﻠﺣﻲ Connotationو Dénotationﺑﺧﻣس وﻋﺷرﯾن
وأرﺑﻌﺔ وﻋﺷرﯾن ﺗرﺟﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺗواﻟﻲ .
وﻗد ﺗﺄﺳف اﻟﻧﺎﻗد ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ "إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﺻطﻠﺢ" ﻋﻠﻰ اﻻﺧﺗﻼف
اﻻﺻطﻼﺣﻲ اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻛﺑﯾر ،رﻏم أن اﻟدﻻﻟﺔ اﻟﻠﻐوﯾﺔ ﻟﻼﺻطﻼح ﻫﻲ اﻻﺗﻔﺎق ،وﺿرب ﻣﺛﻼ
ﻋﻠﻰ ﺗرﺟﻣﺔ ﻛﺗﺎب دوﺳوﺳﯾر ﻋﻠﻰ ﻣدى أرﺑﻊ ﺳﻧوات ﺧﻣس ﺗرﺟﻣﺎت ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻓﻲ ﺧﻣس أﻗطﺎر
ﻋرﺑﯾﺔ ﻣﺗﺟﺎورة ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻷي ﻣﻧﻬﺎ ﺑﺎﻷﺧرى ﻻ ﻓﻲ اﻟﻌﻧوان وﻻ ﻓﻲ اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ اﻟﻣوﺟودة ﻻﺳم
اﻟﻣؤﻟف ،وأﺿﺎف ﻣﻌﻠﻘﺎ أن ﻫذا اﻟﺻﻧﯾﻊ ﻣوﺻول ﺣﺗﻣﺎ ﺑﺎﻟﻣﻘوﻟﺔ اﻟﻌﺎﻣﯾﺔ اﻟﺳﺎﺧرة "اﺗﻔق اﻟﻌرب
أﻻ ﯾﺗﻔﻘوا " .
وأﺿﺎف اﻟﻧﺎﻗد ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﯾﺗوﺟب ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺎﻗد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻗﺑل اﻟﺗﻔﻛﯾر ﻓﻲ اﻟﺗﻧﺳﯾق
اﻻﺻطﻼﺣﻲ ﻣﻊ ﻏﯾرﻩ ﻫو أﺣوج ﻣﺎ ﯾﻛون إﻟﻰ اﻟﺗﺻﺎﻟﺢ ﻣﻊ ذاﺗﻪ ﻷﻧﻧﺎ رأﯾﻧﺎ ﺑﻌﺿﻬم ﯾﻘﺗرح
250
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﻣﺻطﻠﺣﺎ ﺛم ﯾﻧﺑذﻩ وﯾﺄﺗﻲ ﺑﻐﯾرﻩ ﻏدا ،ﻣﻣﺎ ﯾؤﺟل ﺣﻠم اﻻﺻطﻼح إﻟﻰ اﻵﺗﻲ اﻟذي ﻗد ﻻ ﯾﺄﺗﻲ
وﯾﺟﻌل ﺗوﺣﯾد اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت ﺳراﺑﺎ ﻫﺎرﺑﺎ وطﻣوﺣﺎ ﻣﯾؤوﺳﺎ ﻣﻧﻪ .
أزﻣﺔ اﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻧﻘدي ﻧﺗﺟت ﻣن اﻟﻔوﺿﻰ اﻟﺗﻲ ﯾﻌﯾﺷﻬﺎ اﻟﺗﺄﻟﯾف واﻟﺗرﺟﻣﺔ وﻣﻣﺎ زادﻫﺎ
ﺧﻠﻼ و اﺿطراﺑﺎ :
1
أ -اﺧﺗﻼف ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻣؤﻟﻔﯾن أو اﻟﺑﺎﺣﺛﯾن وﻫم ﺛﻼﺛﺔ أﻧواع :
اﻷول :ذو ﺛﻘﺎﻓﺔ أﺟﻧﺑﯾﺔ ﯾﻘ أر اﻷدب وﻧﻘدﻩ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻷﺟﻧﺑﯾﺔ.
اﻟﺛﺎﻧﻲ :ذو ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻣﺿطرﺑﺔ ﯾﻘ أر اﻷدب اﻷﺟﻧﺑﻲ وﻧﻘدﻩ ﺑﺎﻟﻌرﺑﯾﺔ .
اﻟﺛﺎﻟث :ذو ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻋرﺑﯾﺔ ﯾﺄﺧذ ﻣن ﻛل ﻓن ﺑطرف.
ﻟﻘد ّأدى ﻫذا اﻻﺧﺗﻼف ﻓﻲ ﻟون اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ وطرﯾق ﺗﺣﺻﯾﻠﻬﺎ إﻟﻰ أن ﯾﺄﺧذ ﻣن ﯾﻘ أر ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ
اﻷﺟﻧﺑﯾﺔ ﻣﺻطﻠﺣﺎﺗﻪ ﻋن اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻌرﻓﻬﺎ ﻓﯾﻘﻊ اﻻﺧﺗﻼف واﻟﺗﻔﺎوت ﻛﻣﺎ ﯾﺣدث ﺑﯾن اﻟﻣﻐرب
اﻟﻌرﺑﻲ واﻟﻣﺷرق اﻟﻌرﺑﻲ ،أﻣﺎ ذو اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻣﺿطرﺑﺔ واﻟﻣﻌﺗﻣد ﻋﻠﻰ اﻟﺗرﺟﻣﺎت ﻓﺄﻣرﻩ أﻛﺛر
اﺿطراﺑﺎ وﻣﺛﻠﻪ ذو اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟذي ﻟم ﺗﺗﺿﺢ أﻣﺎﻣﻪ اﻟرؤﯾﺔ وﻟم ﯾﺳﺗطﻊ أن ﯾوازن ﺑﯾن
ﻣﺎﺿﯾﻪ وﺑﯾن ﻣﺎ ﯾﻔرﺿﻪ اﻟواﻗﻊ اﻟﺟدﯾد.
ب-اﺧﺗﻼف اﻷورﺑﯾﯾن أﻧﻔﺳﻬم ﻓﻲ اﻟﻣﺻطﻠﺢ وﻧظرﺗﻬم إﻟﯾﻪ ﻣن ﺧﻼل ﺛﻘﺎﻓﺗﻬم اﻟﺧﺎﺻﺔ أو
ﻣذﻫﺑﻬم اﻷدﺑﻲ واﻟﻧﻘدي وﻣﺛﺎل ذﻟك ﻣﺻطﻠﺢ " اﻟﺻورة " ﻓﻬﻲ ﻋﻧد اﻟﻌرب ﻏﯾرﻫﺎ ﻋﻧد
اﻟﻐرﺑﯾﯾن ،وﻫﻲ ﻋﻧد اﻟروﻣﺎﻧﺳﯾﯾن ﺗﻣﺛل اﻟﻣﺷﺎﻋر واﻷﻓﻛﺎر اﻟذاﺗﯾﺔ ،وﻋﻧد اﻟﺑرﻧﺎﺳﯾﯾن ﺗﻌرض
اﻟﻣوﺿوﻋﯾﺔ ،وﻋﻧد اﻟرﻣزﯾﯾن ﺗﻧﻘل اﻟﻣﺣﺳوس إﻟﻰ ﻋﺎﻟم اﻟوﻋﻲ اﻟﺑﺎطﻧﻲ ،وﻋﻧد اﻟﺳرﯾﺎﻟﯾﯾن
ﺗﻌﻧﻲ ﺑﺎﻟدﻻﻟﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ.2
وﻫﻲ ﻋﻧد ﻏﯾرﻫم " رﺳم ﻗواﻣﺔ اﻟﻛﻠﻣﺎت " وﻫﻲ " إﻋﺎدة إﻧﺗﺎج ﻋﻘﻠﯾﺔ ،ذﻛرى ﻟﺗﺟرﺑﺔ
ﻋﺎطﻔﯾﺔ أو إدراﻛﯾﺔ ﻏﺎﺑرة ﻟﯾﺳت ﺑﺎﻟﺿرورة ﺑﺻرﯾﺔ ". 3
251
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
إذن ﻛﯾف ﯾﻔﻬم اﻟﺑﺎﺣث ﻫذا اﻟﺗﻔﺎوت إن ﻟم ﯾﻔﻬم اﻟروح اﻷدﺑﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺳﺎﺋدة ﺣﯾن ظﻬرت
أﻟوان ﺗﻠك اﻟﺻور ؟ وﻛﯾف ﯾﺣدد ﻣﺻطﻠﺣﻬﺎ وﯾﺳﺗﻌﻣﻠﻪ وﯾدﯾرﻩ ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﺎﺗﻪ وﻫوﯾﺟﻬل دﻻﻟﺗﻪ
اﻟدﻗﯾﻘﺔ ؟.
ﺟـ -اﻻﺷﺗراك اﻟﻠﻔظﻲ ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻣﻧﻘول ﻋﻧﻬﺎ واﺧﺗﻼف اﻟﻣﺗرﺟﻣﯾن ﻋن اﻟﻠﻐﺎت اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ.
د -اﻻﺷﺗراك اﻟﻠﻔظﻲ ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ودﻻﻟﺔ اﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟواﺣد ﻋﻠﻰ ﻋدة أﺷﯾﺎء.
وﻗد ﻻﺣظ اﻟدﻛﺗور "ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ» ﺑﺄن ﺟل اﻟدراﺳﺎت واﻟﺑﺣوث ﻣﺗﻔﻘﺔ ﻋﻠﻰ وﺻف
اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﻠﺳﺎﻧﯾﺔ واﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻫﻲ اﻟﻣﻌﯾن اﻷﺳﺎس ﻟﻠﻘﺎﻣوس اﻟﻧﻘدي اﻟﺟدﯾد ﺑﺎﻟﻣﺷﻛﻠﺔ،
ﻓﺎﻟدﻛﺗور " ﻣﺣﻣد ﺣﻠﻣﻲ ﺧﻠﯾل" ﯾﻘرر أن اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﻠﺳﺎﻧﯾﺔ أﺻﺑﺣت ﺗﺷﻛل ﻋﺑﺋﺎ ﻛﺑﯾ ار ﻋﻠﻰ
اﻟدارس اﻷﻛﺎدﯾﻣﻲ اﻟﻣﺑﺗدئ واﻟﻣﺗﻘدم« ،1أﻣﺎ ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر اﻟﻔﺎﺳﻲ ﯾﻌﺗﻘد أن أﻫم ﻣﺎ ﯾﺗﺳم ﺑﻪ وﺿﻊ
اﻟﻣﺻطﻠﺢ ﻫو طﺎﺑﻌﻪ اﻟﻌﻔوي ،وﻫﻲ ﻋﻔوﯾﺔ ﻻ ﺗﻘﺗرن ﺑﻣﺑﺎدئ ﻣﻧﻬﺟﯾﺔ دﻗﯾﻘﺔ وﻻ ﺑﺎﻻﻛﺗراث
ﺑﺎﻷﺑﻌﺎد اﻟﻧظرﯾﺔ ﻟﻠﻣﺷﻛل اﻟﻣﺻطﻠﺣﻲ ،وﻗد ﻗﺎدت ﻫذﻩ اﻟﻌﻔوﯾﺔ إﻟﻰ ﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﻧﺗﺎﺋﺞ اﻟﺳﻠﺑﯾﺔ،
وﻓﻲ ﻣﻘدﻣﺗﻬﺎ اﻻﺿطراب واﻟﻔوﺿﻰ ﻓﻲ وﺿﻊ اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت وﻋدم ﺗﻧﺎﺳق اﻟﻣﻘﺎﺑﻼت اﻟﻣﻘﺗرﺣﺔ
ﻟﻠﻣﻔردات اﻷﺟﻧﺑﯾﺔ .2
ﺑﯾﻧﻣﺎ ﯾرى اﻟدﻛﺗور رﺷﯾد ﺑن ﻣﺎﻟك أن »ﺗرﺟﻣﺔ اﻟﻣﺻطﻠﺢ ﻓﻲ اﻟﺧطﺎب اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر
ﺗﺗﺳم ﺑﺎﻻﺿطراب اﻟذي ﯾﺣول دون ﺑث وﺗﻠﻘﻲ اﻟرﺳﺎﻟﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ وﯾؤدي ﻓﻲ ﺟﻣﯾﻊ اﻟﺣﺎﻻت إﻟﻰ
ﻧﺳف اﻷﺳس اﻟﺗﻲ ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻧﺑﻧﻲ ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻟﺗواﺻل اﻟﻌﻠﻣﻲ «.3
ﻛﻣﺎ ﯾرى أﯾﺿﺎ أن " ﻓﺣﺻﺎ دﻗﯾﻘﺎ ﻟﻠﻣﺻطﻠﺣﯾﺔ اﻟﻣﺳﺧرة ﻓﻲ اﻟدراﺳﺎت اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﯾﻛﺷف
إﻟﻰ ﺣد ﻫﻲ ﻋﻣﯾﻘﺔ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻔوﺿﻰ واﻟﺗذﺑذب ﻷن ﻫذا اﻻﺿطراب اﻟﻣﺻطﻠﺣﻲ اﻟذي ﯾﻌد اﻟﺳﻣﺔ
-1ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﺻطﻠﺢ ﻓﻲ اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد ،ص .53
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص.54
-3رﺷﯾد ﺑن ﻣﺎﻟك ،ﻣﻘدﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ اﻟﺳردﯾﺔ ،دار اﻟﻘﺻﺑﺔ ،د ط ،2000 ،ص .72
252
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
اﻟﻐﺎﻟﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﺑﺣوث اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﺻﺎدر ﻋن اﻟﺗﺳرع ﻓﻲ ﺗﺑﻧﻲ ﻫذا اﻟﺗﯾﺎر أو ذاك ،وﻋن ﻏﯾﺎب رﻏﺑﺔ
ﺣﻘﯾﻘﯾﺔ ﻓﻲ ﺗﻣﺛل وﻓﻬم ﺟوﻫر اﻟﺳؤال". 1
وﻛﺎن ﻗد رأى ﺳﺎﺑﻘﺎ ﺗوﻓﯾق اﻟزﯾدي أن »اﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻧﻘدي اﻟﻠﺳﺎﻧﻲ وﻣﺳﺄﻟﺔ ﻧﻘﻠﻪ إﻟﻰ
اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﯾﺷﻛل ﻋﻘﺑﺔ ﻛﺑرى أﻣﺎم ﻫذا اﻟﺑﺣث ،إذ ﻫو ﯾﻣر ﺑﻔﺗرة ﺗﺄرﺟﺢ وﻏﻣوض أدت إﻟﻰ
ﻋﻣﻠﯾﺔ ﺗرادف وﺧﻠط ﻛﺑﯾرﯾن«. 2
وأﯾﺿﺎ ﻻﺣظ اﻟدﻛﺗور وﻫب روﻣﯾﺔ ﻫذﻩ اﻟظﺎﻫرة اﻟﻣرﺿﯾﺔ ﻟﻠﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد ،وﻣن
اﻟﺗوظﯾف اﻻﺻطﻼﺣﻲ اﻟﻣﺿطرب ،ﺣﯾث ﻏدا »اﻻﺿطراب ﻓﻲ اﺳﺗﺧدام اﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻧﻘدي
آﻓﺔ ﻓﺎﺷﯾﺔ ﯾﻌﺎﻧﻲ ﻣﻧﻬﺎ اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣﻌﺎﻧﺎة ﻗﺎﺳﯾﺔ«. 3
وﻟﻠﺣد ﻣن ﻫذﻩ اﻷزﻣﺔ اﻟﺣﺎدة اﻟﺗﻲ ﯾﻌﯾﺷﻬﺎ اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ،وﻣﺎ ﯾﺗرﺗب ﻋﻧﻬﺎ ﻣن
آﺛﺎر ﺳﻠﺑﯾﺔ ﺣﺎول ﺑﻌض اﻟﺑﺎﺣﺛﯾن اﻟﻌرب اﻟﺗﺻدي ﻟﻬﺎ ﺑوﺿﻊ ﻣﻘﺗرﺣﺎت ﺗﺣد ﻣن ﺗﺄﺛﯾرات
اﻷزﻣﺔ اﻟراﻫﻧﺔ ،ﻧذﻛر ﻣﻧﻬﺎ رؤﯾﺔ ﻛل ﻣن أﺣﻣد ﻣطﻠوب وﻓﺎﺿل ﺛﺎﻣر ،ﻓﻘد ﻗدﻣت ﻣﻘﺗرﺣﺎﺗﻬﻣﺎ
ﺧﻼل ﻣؤﺗﻣر ﻧظم ﺑﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﯾرﻣوك ﻓﻲ اﻷردن ﻋﺎم أﻟف وﺗﺳﻌﻣﺎﺋﺔ وأرﺑﻌﺔ وﺗﺳﻌﯾن ،وﻗد ﻛﺎن
ﻣﺣور ﻫذا اﻟﻣؤﺗﻣر اﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻠﻐوي واﻟﻧﻘدي.
4
وﻗد ﻗدم أﺣﻣد ﻣطﻠوب ﺟﻣﻠﺔ ﻣن اﻻﻗﺗراﺣﺎت ﻟﻠﺣد ﻣن ﻫذﻩ اﻷزﻣﺔ ﻧذﻛر ﻣﻧﻬﺎ:
أوﻻ :رﺻد اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ واﻟوﻗوف ﻋﻠﻰ دﻻﻟﺗﻬﺎ وﺗﻐﯾﯾرﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻬود اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ
وذﻟك ﻣن أﺟل ﺗدوﯾن اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﺗﻲ ﺗزال ﺷﺎﺋﻌﺔ ﻓﻲ اﻟدراﺳﺎت اﻷدﺑﯾﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ
اﻟﺣدﯾﺛﺔواﻻﺳﺗﻌﺎﻧﺔ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ وﺿﻊ اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﺟدﯾدة ﻟﻣﺎ ﻟم ﯾوﺿﻊ ﻟﻪ ،أووﺿﻊ ﻟﻪ ﻣﺻطﻠﺢ
253
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
وﻟم ﯾﺷﻊ ،أوﻟم ﯾﺗﻔق ﻋﻠﯾﻪ اﻷدﺑﺎء واﻟﺑﺎﺣﺛون واﻟﻧﻘﺎد ،وﻧﻘل اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﻘدﯾﻣﺔ ﻋﻧد اﻟﺿرورة
ﻣن ﻣﻌﺎﻧﯾﻬﺎ اﻟﻘدﯾﻣﺔ إﻟﻰ اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﺟدﯾدة ﺑطرﯾﻘﺔ اﻟﺗوﻟﯾد.
ﺛﺎﻧﯾﺎ :ﺟرد أﻫم اﻟﻛﺗب اﻷدﺑﯾﺔ واﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ ،واﺳﺗﺧﻼص اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺗﻲ
اﺳﺗﻌﻣﻠت ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻘرن واﻻﺗﻔﺎق ﻋﻠﻰ ﻣﺻطﻠﺢ دﻗﯾق ﻟﻠدﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻌﻧﻰ اﻟﺟدﯾد.
ﺛﺎﻟﺛﺎ :ﺟرد أﻫم ﻛﺗب ﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻷدب واﻟﻧﻘد اﻟﺣدﯾﺛﺔ واﻟﻣﻌﺎﺻرة.
راﺑﻌﺎ :ﺟرد أﻫم ﻛﺗب اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ وﻋﻠم اﻟﻧﻔس وﻋﻠم اﻻﺟﺗﻣﺎع واﻟﻔﻧون ،واﺳﺗﺧﻼص اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت
اﻟﺗﻲ ﺗﺗﺻل ﺑﺎﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ.
ﺧﺎﻣﺳﺎ :ﺟرد أﻫم ﻛﺗب اﻟﻠﺳﺎﻧﯾﺎت ،ﻟﻣﺎ ﺑﯾﻧﻬﺎ وﺑﯾن اﻷدب وﻧﻘدﻩ ﻣن وﺷﺎﺋﺞ وﺻﻼت ظﻬرت
ﻓﻲ اﻟﺗﯾﺎرات اﻟﺣدﯾﺛﺔ واﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺟدﯾدة.
ﺳﺎدﺳﺎ :ﺟرد أﻫم ﻛﺗب اﻷدب واﻟﻧﻘد واﻟﻠﺳﺎﻧﯾﺎت اﻟﻣﺗرﺟﻣﺔ .
ﺳﺎﺑﻌﺎ :اﻻطﻼع ﻋﻠﻰ ﺑﻌض ﻣوﺳوﻋﺎت اﻷدب اﻷﺟﻧﺑﻲ وﻧﻘدﻩ وﺑﻠﻐﺗﻬﺎ اﻷﺻﻠﯾﺔ.
ﺛﺎﻣﻧﺎ :اﻻﺳﺗﻌﺎﻧﺔ ﺑﺑﻌض اﻟﻣﻌﺎﺟم اﻟﻠﻐوﯾﺔ اﻷﺟﻧﺑﯾﺔ ﻟﺗﺣدﯾد ﻣﻌﻧﻰ اﻻﺻطﻼح اﻟﻠﻐوي ،واﻟوﻗوف
ﻋﻠﻰ دﻻﻟﺗﻪ ﻛﻣﺎ ﺗﺻورﻫﺎ ﺗﻠك اﻟﻣﻌﺎﺟم ،واﻟﺻﻠﺔ ﺑﯾن اﻟﻣﻌﻧﻰ اﻟﻠﻐوي واﻟﻣﻌﻧﻰ اﻻﺻطﻼﺣﻲ ،
وطرﯾﻘﺔ اﻧﺗﻘﺎل دﻻﻟﺗﻪ.
1
أﻣﺎ ﻓﺎﺿل ﺛﺎﻣر ﻓﯾﻘدم اﻟﻣﻘﺗرﺣﺎت اﻟﺗﺎﻟﯾﺔ :
-اﻟﻌﻣل ﻋﻠﻰ وﺿﻊ ﻣﻌﺟم اﺻطﻼﺣﻲ ﺧﺎص ﺑﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ،ﯾوﺣد اﻟﺟﻬود
اﻟﻔردﯾﺔ واﻟﺟﻣﺎﻋﯾﺔ وﯾﺿﻊ ﻗواﺳم ﻣﺷﺗرﻛﺔ وﻣﻘﺑوﻟﺔ ﻣن ﻗﺑل اﻟﻣﺗرﺟﻣﯾن واﻟﺑﺎﺣﺛﯾن واﻟﻧﻘﺎد اﻟﻌرب.
-اﻟﺳﻌﻲ ﻟﺗﺄﺳﯾس ﻣﺻرف ﻟﻠﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﻧﻘدﯾﺔ.
-إﻋﺎدة ﻓﺣص اﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻧﻘدي واﻟﻠﺳﺎﻧﻲ واﻟﺑﻼﻏﻲ اﻟﻣوروث ،واﻟﻌﻣل ﻋﻠﻰ إﻣﻛﺎﻧﯾﺔ إﻋﺎدة
ﺗﺷﻐﯾل وﺗداول ﺑﻌض ﻣﻔرداﺗﻪ ،ﺗﺟﻧﺑﺎ ﻟﻠﻘطﯾﻌﺔ اﻟﺣﺎﺻﻠﺔ ﻓﻲ اﻟوﻗت اﻟﺣﺎﺿر ﺑﯾن اﻟﻣﺻطﻠﺢ
اﻟﻣوروث واﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟﺣدﯾث.
-1اﺑراﻫﯾم أﺣﻣد ﻣﻠﺣم ،اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي وﻗراءة اﻟﺗراث ﻧﺣو ﻗراءة ﺗﻛﺎﻣﻠﯾﺔ ،ص .172-171
254
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
-اﻟﻌﻣل ﻋﻠﻰ ﺗﺄﺻﯾل اﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻧﻘدي وﺗﺟذﯾرﻩ ،وﺗﺣرﯾرﻩ ﻣن اﻻرﺗﺑﺎط اﻟﻣﺑﺎﺷر ﺑﻌﻠوم
اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻣﺟﺎورة ﻣﺛل ﻋﻠم اﻟﻧﻔس وﻋﻠم اﻻﺟﺗﻣﺎع وﻋﻠم اﻻﻧﺎﺳﺔ .
-إﻋﺎدة اﻟﻧظر ﻓﻲ اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﺗداوﻟﺔ ،واﻟﺗﻲ اﺳﺗﺧدﻣت ﺑطرﯾﻘﺔ
اﻋﺗﺑﺎطﯾﺔ وﻟم ﺗﻛن دﻗﯾﻘﺔ ،ﻣﺛل ﻣﺻطﻠﺣﺎت " اﻟﺷﻌر اﻟﻣﻧﺛور" و" اﻟﺷﻌر اﻟﺣر" ،و"اﻟﺷﻌر
اﻟﻣﻧطﻠق".
-إﻋﺎدة ﻓﺣص اﻟرﺻﯾد اﻻﺻطﻼﺣﻲ ﻋﻧد ﻣﺧﺗﻠف اﻟﻧﻘﺎد ،وﻣﻼﺣظﺔ ﺳﯾرورة ﺗداوﻟﯾﺔ
اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ.
-اﻟﺳﻌﻲ ﻟﻧﺷر اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻣﻌﺟﻣﯾﺔ واﻟﻣﺻطﻠﺣﯾﺔ ،واﻟوﻗوف ﺿد ﻣﺣﺎوﻟﺔ ﺗﺟﺎﻫل اﻟﻌﻘد
اﻟﻣﺻطﻠﺣﻲ ،أو اﻟﺗﺻرف اﻻﻋﺗﺑﺎطﻲ واﻟﻌﺷواﺋﻲ ﺑﺎﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻧﻘدي .
-ﺗﺄﻛﯾد أن ﻣﻬﻣﺔ اﻟﺑﺎﺣث اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺣدﯾث ﻻ ﺗﻘﺗﺻر ﻋﻠﻰ ﻋﻣﻠﯾﺔ ﺗرﺟﻣﺔ اﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻷﺟﻧﺑﻲ،
ٕواﻧﻣﺎ ﺗﺗﻌدى ذﻟك إﻟﻰ ﻋﻣﻠﯾﺔ وﺿﻊ اﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟﺟدﯾد.
-ﺗﺄﻛﯾد أن اﻟﻣﺻطﻠﺢ ﻟﯾس ﻣﺟرد وﺣدة ﻣﻌﺟﻣﯾﺔ اﻋﺗﯾﺎدﯾﺔٕ ،واﻧﻣﺎ ﻫو ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻣﻌرﻓﯾﺔ وﻣﻔﻬوﻣﯾﺔ
ﻗﺑل ﻛل ﺷﻲء.
-اﻟﺳﻌﻲ ﻟﺣل اﻹﺷﻛﺎل اﻟﻧﺎﺟم أﺣﯾﺎﻧﺎ ﻋن ﺗرﺟﻣﺔ اﻟﻣﺻطﻠﺢ ﻣن ﻋدد ﻣن اﻟﻠﻐﺎت اﻷﺟﻧﺑﯾﺔ
اﻷﺻﻠﯾﺔ وذﻟك ﻋن طرﯾق ﻋﻣل ﺟﻣﺎﻋﻲ ﻣﺷﺗرك ،ﯾﻌﺗﻣد ﻋﻠﻰ دﻻﻟﺔ اﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ ﻟﺣل
أي ﻟﺑس أو اﺧﺗﻼل ﻣﺣﺗﻣل.
-ﺗﺷﺟﯾﻊ اﻟﻣؤﺳﺳﺎت اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ واﻟﺟﺎﻣﻌﯾﺔ ،واﻟﻣﺟﺎﻣﻊ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ وﻫﯾﺋﺎت اﻟﺗﻌرﯾب ﻓﻲ
اﻟوطن اﻟﻌرﺑﻲ ﻋﻠﻰ ﻣواﺻﻠﺔ اﻟﻌﻣل ﻋﻠﻰ ﻧﺷر اﻟﻣﻌﺎﺟم اﻻﺻطﻼﺣﯾﺔ ،وﻋﻘد اﻟﻣزﯾد ﻣن
اﻟﻧدوات واﻟﺣﻠﻘﺎت اﻟدراﺳﯾﺔ اﻟﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻧﻘدي اﻟﻌرﺑﻲ ،واﻟﻘدﯾم ﻣﻧﻪ ﺧﺎﺻﺔ.
ﺑﺎﻟﺟدﯾﺔ ،ورﻏم اﻟوﻋﻲ اﻟﺷدﯾد ﺑﺎﻷزﻣﺔ اﻟراﻫﻧﺔ ﻟﻠﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ
ّ ورﻏم اﺗﺳﺎم ﻫذﻩ اﻟﻣﻘﺗرﺣﺎت
إﻻ أن ﻫذﻩ اﻻﻗﺗراﺣﺎت ﺗﺗﺳم ﺑﺎﻟﻔردﯾﺔ ﻣن ﺟﻬﺔ ،وﻋدم اﻟﻣﺗﺎﺑﻌﺔ ﻣن ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﯾﺔ ﻣﻣﺎ ﺟﻌﻠﻬﺎ ﺗظل
ﺣﺑ ار ﻋﻠﻰ ورق ،ﻣﺎداﻣت اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻫﻲ ﻋﻣﻠﯾﺔ ذاﺗﯾﺔ وﻓﻲ ﻏﯾﺎب وﺻﺎﯾﺔ أو ﻫﯾﺋﺔ ﺟﺎﻣﻌﺔ
ﺗﻌﻣل ﻋﻠﻰ ﺟﻣﻊ اﻟﺟﻬود اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻠﻘﯾﺎم ﺑﺈﺟراءات ﻋﻣﻠﯾﺔ ﺗﺧرج اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ ﻣن أزﻣﺗﻪ ،وﻻﺑد
255
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﻣن اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ اﻟﺟﻬود اﻟﻣﻌﺗﺑرة ﻟﻧﻘﺎدﻧﺎ اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻣﺟﺎل ﻧذﻛر ﻣﻧﻬم "رﺷﯾد ﺑن ﻣﺎﻟك"
ﻓﻲ ﻗﺎﻣوﺳﻪ ﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﺗﺣﻠﯾل اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ ﻟﻠﻧﺻوص ،و"ﻋﺑد اﻟرﺣﻣﺎن اﻟﺣﺎج ﺻﺎﻟﺢ" ﻓﻲ
ﻣﻌﺟﻣﻪ اﻟﻣﻌﺟم اﻟﻣوﺣد ﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﻠﺳﺎﻧﯾﺎت ،و"ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ" ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ
اﻟﻣﺻطﻠﺢ ﻓﻲ اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد.
256
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
257
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،ﺑل ﺗﻧﺎﻓﺳﻬﺎ ﻓﻲ ﺟﻣﯾﻊ ﻣﺟﺎﻻت اﻻﺳﺗﻌﻣﺎل ،وﻟم ﯾﺳﻠم اﻹﺑداع ﻣن اﻟﺗﺷظﻲ ﺑﯾن ﻓﺋﺗﯾن،
ﻓﺋﺔ ﻋرﺑﯾﺔ اﻟﻠﻐﺔ ،وﻓﺋﺔ ﻓرﻧﺳﯾﺔ اﻟﻠﻐﺔ ،وﻗﻠﯾل ﻣن ذوي اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ﺑﺎﻟﻠﻐﺗﯾن ،ﻓﺎﻟﻔﺋﺔ اﻷوﻟﻰ أي ﻋرﺑﯾﺔ
اﻟﻠﻐﺔ ،ﺣﺗﻰ ٕوان ﺣﻣﻠت ﻧﻔس اﻟﻌﺎطﻔﺔ وﻧﻔس اﻻﻫﺗﻣﺎم ﺑﺎﻟطﺑﻘﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ اﻟﻣﺣروﻣﺔ ،وﻟﻛﻧﻬﺎ
ﻟم ﺗﻛن أﻛﺛر اﺗﺻﺎﻻ ﺑﻬﺎ ﻣن ﺣﯾث أداة اﻟﺗﺑﻠﯾﻎ ﻣن اﻟﻔﺋﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ،وﻫذا ﺑﺳﺑب اﻷﻣﯾﺔ
اﻟﻣﺳﺗﻔﺣﻠﺔ.
أن اﻟﻣﺑدﻋﯾن اﻟﻣﻧﺗﻣﯾن ﻟﻬذﻩ
وأﻣﺎ اﻟﻔﺋﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ وﻫﻲ ﻓﺋﺔ اﻟﻣﺑدﻋﯾن ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ ،ورﻏم ّ
اﻟﻔﺋﺔ ﺗﺟﻣﻌﻬم رواﺑط ﺑﺎﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﺟزاﺋري ﻣن ﺣﯾث اﻟﻌﺎطﻔﺔ واﻟﺷﻌور وﻣﺣﺗوى اﻹﻧﺗﺎج ،ﻟﻛﻧﻬﺎ
أن ﻣوﻟود ﻓرﻋون وﻛﺎﺗب ﯾﺎﺳﯾن وﻣوﻟود ﻣﻌﻣري
ﻣﻧﻔﺻﻠﺔ ﻋﻧﻪ ﻣن ﺣﯾث ﻟﻐﺔ اﻟﺗواﺻل ،ﻓرﻏم ّ
وﻣﺎﻟك ﺣداد وآﺳﯾﺎ ﺟﺑﺎر وﻏﯾرﻫم ﻣن اﻟﻛﺗﺎب ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ ،ﯾﺗﻛﻠﻣون ﻓﻲ رواﯾﺎﺗﻬم ٕواﺑداﻋﺎﺗﻬم
ﺑﺻﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﻋن اﻟﺷﻌب ﺑﺟﻣﯾﻊ طﺑﻘﺎﺗﻪ ،ﻻﺳﯾﻣﺎ اﻟطﺑﻘﺔ اﻟﻛﺎدﺣﺔ ﯾﺻورون ﺑؤﺳﻬﺎ وﺣرﻣﺎﻧﻬﺎ
وﻣﻌﺎﻧﺎﺗﻬﺎ ،وﻟﻛن ﻫذﻩ اﻟطﺑﻘﺔ ﺑﺎﻟذات ﻻ ﺗﻔﻬم ﺷﯾﺋﺎ ﻣﻣﺎ ﯾﻛﺗب ﻫؤﻻء ،ﻓﺣﺗﻰ ٕوان ُﻋرف ﻫؤﻻء
اﻟ ُﻛﺗّﺎب ﻓﻲ ﺧﺎرج اﻟﺑﻼد إﻻّ ّأﻧﻬم ﺑﻘوا ﻣﺟﻬوﻟﯾن ﻓﻲ ﺑﻼدﻫم وﻟدى أﺑﻧﺎء ﺟﻠدﺗﻬم.
إن ﻫذا اﻟوﺿﻊ اﻟذي ﯾﺿﻊ ﻟﻐﺗﻧﺎ وﺛﻘﺎﻓﺗﻧﺎ وﺟﻬﺎ ﻟوﺟﻪ ﻣﻊ ﻟﻐﺎت اﻷﻣم اﻟﻣﺗﻘدﻣﺔ وﺛﻘﺎﻓﺗﻬﺎ
ّ
اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﻫو اﻟذي ﺟﻌل ﻛل ﻗﯾﻣﻧﺎ اﻟﻠﻐوﯾﺔ واﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ﻓﻲ ﺻراع ﺑﯾن ﻣﺎ أﻛﺗﺳﺑﻧﺎﻩ ﻣن اﻟﻣﺎﺿﻲ،
وﻣﺎ ﯾزﺧر ﺑﻪ ﺗراث اﻷﻣﺔ اﻟﺿﺧم ،وﺑﯾن اﻟذي ﻓرﺿﻪ ﻋﻠﯾﻧﺎ اﻵﺧر ﻓﻲ ظل ﺗﺄﺧرﻧﺎ وﺗﻘدم اﻵﺧر
ﻓﻲ ﺷﺗﻰ اﻟﻌﻠوم واﻟﻣﻌﺎرف ،ﻓﺻرﻧﺎ ﻓﻲ طرﯾق ﯾﻼﻣس اﻟﻣﺎﺿﻲ واﻟﺣﺎﺿر واﻟﻣﺳﺗﻘﺑل ﻣن ﺑﻌﯾد،
ﻔﺳر ﺧطواﺗﻧﺎ اﻟﻣﺗﻌﺛرة اﻟﺻﻌﺑﺔ إﻟﻰ
دون أن ﻧﻧﺟﺢ ﻓﻲ ﺑﺎﻹﻣﺳﺎك ﺑﺄي واﺣد ﻣﻧﻬم ،وﻫذا ﻣﺎ ُﯾ ّ
اﻷﻣﺎم ،واﻟﺗواء أﻋﻧﺎﻗﻧﺎ إﻟﻰ اﻟﻣﺎﺿﻲ ﻛﺎﻟذي ُﯾ َوّدع ﻣن ﯾﻔﺎرﻗﻪ ﻣﻊ إﯾﻣﺎﻧﻪ ﺑﺄّﻧﻪ ﻟن ﯾﻌود إﻟﯾﻪ ،وﻫو
ﻣﺎ ﯾﻔﺳر ﻛذﻟك ﻏﻣوض اﻟرؤﯾﺔ واﺿطراﺑﻬﺎ ﻋﻧدﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﺟﺎل اﻟﻠﻐﺔ واﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ﻧﺗﯾﺟﺔ اﻟﺻراع ﺑﯾن
اﻟﺗراث واﻟﻣﻌﺎﺻرة اﻟذي أﺿﺣﻰ ﯾﻣﯾز ﺛﻘﺎﻓﺗﻧﺎ ﻓﻲ وﻗﺗﻧﺎ اﻟﺣﺎﻟﻲ.
وﻓﻲ ﻫذا اﻟﺻدد ﺗﻧﺎول "واﺳﯾﻧﻲ اﻷﻋرج" ﻣﺷﻛﻠﺔ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﺑرؤﯾﺔ ﻣﻌﺎﺻرة ﻣﺣﺎوﻻً إﺧراﺟﻬﺎ
ﻣن داﺋرة اﻟﺻراﻋﺎت اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ واﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ اﻟﺗﻲ أﺻﺑﺣت ﺟزء ﻣن ﺣﯾﺎة اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ،ﻛﻣﺎ ّأﻧﻪ طرح
258
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﻫذﻩ اﻟﻘﺿﯾﺔ ﻣن ﻣﻧطﻠق ّأﻧﻬﺎ ﺗﺷﻛل إﺣدى اﻟرﻛﺎﺋز اﻟﻘوﻣﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ،ﻣﺣددا اﻟﻣﺂزق اﻟﺗﻲ ﻣرت
ﺑﻬﺎ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻓﻲ ﻧﻘطﺗﯾن ﻫﺎﻣﺗﯾن:
ﻓﺎﻟﻣﺄزق اﻷول ﯾﺗﻣﺛل ﻓﻲ ﻋدم أﻫﻠﯾﺔ اﻟﻣداﻓﻌﯾن ﻋن اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ،ﻓﺎﻟﻛﺛﯾر
ﻣﻧﻬم ﻻ ﯾﻣﺗﻠك اﻟﻘدرة اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ واﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ ﺣﺳﺑﻪ ﻟﻬذا اﻟدﻓﺎع ،وﯾﺧﺗﺑﺋون وراء ﻋﺟز ﻋﻘدة ﻋﺟز
ﻓﻛري أو ﺿﺣﺎﻟﺔ أﺣﺎدﯾﺔ ،ﺻﺎر ﯾرﻓﺿﻬﺎ اﻹﻧﺳﺎن اﻟﺑﺳﯾط ،ﺛم ﯾﺿﻊ اﻟﻧﺎﻗد ﯾدﯾﻪ ﻋﻠﻰ ﺟوﻫر
ﻷﻧﻬﺎ ﻣوﺟودة أﺻﻼً ﻋﻠﻰ
اﻟﻣﺷﻛﻠﺔّ » ،أﻧﻬﺎ ﻟﯾﺳت ﻣﺷﻛﻠﺔ وﺟود اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻛﻣﺎ ﯾﻔﺗرﺿونّ ،
داﺋﻣﺎ ﻓﻲ ﺣزب ﺑﻌض اﻟﻣﻌرﺑﯾن اﻟذﯾن ﯾﺧﺗﺑﺋون وراء اﻟﺷﻌﺎرات ،ﻓﻣﺎ
أﻟﺳﻧﺔ اﻟﻧﺎس ،وﻻ ﺗﻛﻣن ً
ﯾﻧورﻫﺎ وﻟﯾس إﻟﻰ ﻋﺎطﻔﺔ ﻣﺷوﺑﺔ ﺑﺎﻟرﯾﺑﺔ واﻟﺷﻛوك ﺗﺣﺗﺎج
ﺗﺣﺗﺎج إﻟﯾﻪ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻫو ﻋﻘل ّ
وﯾﺗطور ﻣﻌﻬﺎ وﺗﺗطور ﻣﻌﻪ «.1
ّ إﻟﻰ ﻣن ﯾﺳوﻗﻬﺎ
أﻣﺎ اﻟﻣﺄزق اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻓﯾﺣﺻرﻩ اﻟﻧﺎﻗد ﻓﻲ ﻣﻣﺎرﺳﺎت اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﺣرﻛﺎت اﻟظﻼﻣﯾﺔ اﻟﺗﻲ
ﺟﻌﻠت ﻧﻔﺳﻬﺎ وﺻﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،ﺑﻌدﻣﺎ ﺑﺳطت ﺟﻧﺎﺣﯾﻬﺎ ﻋﻠﻰ دﯾن ﻫذﻩ اﻷﻣﺔ اﻟﺣﻧﯾف
ﻓﻬﻲ ﺿﯾﻘت اﻟﺧﻧﺎق ﻻ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻔرﻧﺳﯾن ﻓﺣﺳب ﺑل ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻌرﺑﯾن اﻟﻣﺑدﻋﯾن ،واﻟﺣل اﻟذي
ﯾﻘﺗرﺣﻪ "واﺳﯾﻧﻲ اﻷﻋرج" ﻟﺣ ّل ﻫذﯾن اﻟﻣﺄزﻗﯾن ﻫوﺧروج اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟﻠﻐوﯾﺔ ﻣن داﺋرة اﻟﺳﺟﺎﻟﯾﺔ
اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ واﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾ ﺔ ، 2وﯾرى ﻛﺎﺗب ﯾﺎﺳﯾن أﻧﻪ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ﺗوﺟد أرﺑﻊ ﻟﻐﺎت وﺣددﻫﺎ
اﻷول وﺗﺄﺗﻲ ﻓﯾﻪ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﯾﺔ وﻫﻲ اﻟﻠﻐﺔ اﻟرﺳﻣﯾﺔ ،وﻫﻲ ﻟﯾﺳت
ﻛﺎﻟﺗﺎﻟﻲ»اﻟﻣﺳﺗوى ّ
ﻟﻐﺔ أي أﺣد ﻣن اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ،واﻟﻣﺳﺗوى اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻧﺟد اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ ووﺿﻌﻬﺎ اﻟﻘﺎﻧوﻧﻲ ﻏﯾر
ﻷﻧﻬﺎ ﻟﻐﺔ اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟﯾوﻣﻲ ،وﯾﺄﺗﻲ ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﺛﺎﻟث
ﻟﻛﻧﻬﺎ ﺗﺗﻣﺗﻊ ﺑﻣﻛﺎﻧﺔ ﻣرﻣوﻗﺔّ ،
واﺿﺢّ ،
اﻟﻠﻐﺗﺎن اﻟﺷﻌﺑﯾﺗﺎن :اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ واﻷﻣﺎزﯾﻐﯾﺔ ،وﻫﻣﺎ ﻟﻐﺗﺎ اﻟﺣدﯾث اﻟﯾوﻣﻲ ﻟﻛل أﻓراد اﻟﺷﻌب
اﻟﺟزاﺋري«.3
-1واﺳﯾﻧﻲ اﻷﻋرج ،إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻠﻐﺎت ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ،أزﻣﺔ اﻹﻗﺻﺎﺋﯾﺔ ،ﻣﺟﻠﺔ ﺟﺳور ،اﻟﺟزاﺋر ،اﻟﻌدد 10-7ﺟﺎﻧﻔﻲ ،1991ص
.06
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ .ص .06
-3أﺣﻣد ﻣﻧور ،اﻷدب اﻟﺟزاﺋري ﺑﺎﻟﻠﺳﺎن اﻟﻔرﻧﺳﻲ " ﻧﺷﺄﺗﻪ وﻗﺿﺎﯾﺎﻩ" ،دﯾوان اﻟﻣطﺑوﻋﺎت اﻟﺟﺎﻣﻌﯾﺔ ،ﺑن ﻋﻛﻧون،
اﻟﺟزاﺋر ،2007،ص .169-168
259
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
وﻓﻲ ظل ﻫذﻩ اﻟوﺿﻌﯾﺔ ﯾﺟد اﻟﻣﺑدع اﻟﺟزاﺋري ﻧﻔﺳﻪ ﺣﺎﺋ ار ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺧﺗﺎرﻫﺎ
ﻓﺈﻧﻪ ﺳﯾﻘﺻﻲ ﻓﺋﺔ ﻣن ﻓﺋﺎت اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ،وﯾﺗﺿﺎءل ﺑذﻟك ﺗﻔﺎﻋل
ﻟﻠﻛﺗﺎﺑﺔ ،وﻣﻬﻣﺎ ﻛﺎن اﺧﺗﯾﺎرﻩ ّ
اﻟﻘراء ﻣﻌﻪ ،إﻻّ إذا أﺗﻘن ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻠﻐﺎت ،وﯾﻛون اﻟﻧﺎﻗد ﻓﻲ وﺿﻌﯾﺔ أﺻﻌب ﻷﻧﻪ ﻣطﺎﻟب ﺑﻘراءة
اﻹﺑداع اﻟﺟزاﺋري ﺑﻛل أطﯾﺎﻓﻪ ،ﻓﯾﻧﻌﻛس ذﻟك ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ،رﻏم أن ﻫﻧﺎك ﻣن ﯾرى ﻫذا
اﻟﺗﻧوع اﻟﻠﻐوي ﺛراء ﻟﻠﺳﺎﺣﺔ اﻷدﺑﯾﺔ واﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ.
ﻓﻲ ظل اﻟوﺿﻊ اﻟذي ﻓرﺿﻪ اﻻﺳﺗﻌﻣﺎر اﻟﻔرﻧﺳﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﺟزاﺋري وﻓﻲ ظل ﺗﻠك
اﻟﻘﯾود اﻟﺗﻲ ﻓرﺿﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،وﻋﻣﻠﻪ ﻟﺗﻛرﯾس اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ وﻫﯾﻣﻧﺗﻬﺎ ،ﻟم ﯾﺟد
ﻟﻠﺗﻌﺑﯾر،ﺗوﺟﻪ اﻟﻣﺑدﻋﯾن ﻗﻬ اًر ﻟﻠﻛﺗﺎﺑﺔ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ
ّ اﻟﻣﺛﻘف اﻟﺟزاﺋري ُﺑداً ﻣن اﺳﺗﺧداﻣﻬﺎ ﻛﺄداة
وﻣن وراﺋﻬﺎ ﺑﺳطت اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ ﻧﻔوذﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر آﻧذاك،ورﻏم ﻛل ذﻟك ﯾﻣﻛن أن ﺗﻛون
اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ ﻋﺎﻣﻼ إﯾﺟﺎﺑﯾﺎ وذﻟك » ﻋﻧد اﺳﺗﻔﺎدة اﻟﻛﺗّﺎب اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ﻓﻲ دراﺳﺗﻬم ﻟﺗﻠك
اﻟﻠﻐﺔ واﻻﻏﺗراف ﻣن ﻣﻧﺎﻫل اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ،ﻣﻣﺎ ﺳﺎﻋدﻫم ﻋﻠﻰ إﻏﻧﺎء ﺗﻘﺎﻟﯾدﻫم وﺗراﺛﻬم وﺧﻠق
أدب إﻧﺳﺎﻧﻲ ﯾﻘف ﻓﻲ ﻣﺻﺎف اﻵداب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ«.1
وﻛذﻟك اﺳﺗﻐل اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ ﻟﻠﺗﻌﺑﯾر ﻋن ﻣﻌﺎﻧﺎة اﻟﺷﻌب اﻟﺟزاﺋري ﺑﻠﻐﺔ
اﻟﻌدو ﻛﺳﻼح ﻓﻲ ﺣرﺑﻪ اﻟﺷرﯾﻔﺔ ﺿد اﻻﺳﺗﻌﻣﺎر ،ﻓﻠﯾس اﻟﻣﻬم اﺳﺗﻌﻣﺎل أي ﻟﻐﺔ ﻓﻲ
اﻟﻧﺿﺎل،وﻗد ﻋﺑر ﻋن ﻫذﻩ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﻛﺎﺗب ﯾﺎﺳﯾن ﺑﻘوﻟﻪ »:ﻟﻘد ﻛﺎﻧت ﻫﻧﺎك ﺣرب ﺑﯾﻧﻧﺎ وﺑﯾن
ﻓرﻧﺳﺎ وﻣن ﯾﻘﺎﺗل ﻻ ﯾﺳﺄل ﻧﻔﺳﻪ ﻟﯾﻌرف إذا ﻛﺎﻣن اﻟﺑﻧدﻗﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺳﺗﻌﻣﻠﻬﺎ ﻓرﻧﺳﯾﺔ أو أﻟﻣﺎﻧﯾﺔ
إﻧﻬﺎ ﺑﻧدﻗﯾﺔ وﻫﻲ أﺳﻠﺣﺔ ،وﻫﻲ ﻻ ﺗﺧدم إﻻّ ﻣﻌرﻛﺗﻪ«.2
وﻣن ﺟﺎﻧب آﺧر ،ﻓﻬذﻩ اﻟوﺿﻌﯾﺔ ﺟﻌﻠت اﻟﻣﺑدﻋﯾن اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ﯾﻌﯾﺷون ﻣﺄﺳﺎة ﻛوﻧﻬم ﻻ
ﯾﺳﺗطﯾﻌون اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن ﻣﻌﺎﻧﺎﺗﻬم إﻻّ ﺑﻠﻐﺔ اﻟﻌدو ،وﻟﯾس ﻫﻧﺎك ﺗﻌﺑﯾر أﺷﻬر وأﺑﻠﻎ ﻋن ﻣﺄﺳﺎة
اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻟدى اﻟﻛﺗّﺎب اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ﻣن ﺗﻌﺑﯾر ﻣﺎﻟك ﺣداد ﺣﯾن ﻗﺎل ﻟﻪ ذات ﯾوم اﻟﻛﺎﺗب " ﺟﺎﺑرﯾﯾل
-1ﺳﻌﺎد ﻣﺣﻣد ﺧﺿر ،اﻷدب اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ،د ط ،ﻣﻧﺷورات اﻟﻣﻛﺗﺑﺔ اﻟﻌﺻرﯾﺔ ،ﺻﯾدا ،ﺑﯾروت ،1967 ،ص.82
-2ﻋﺑد اﷲ زﯾدي ،اﻟﻣﻘﺎوﻣﺔ ﻓﻲ ﺛﻼﺛﯾﺔ ﻣﺣﻣد دﯾب ،ص .40
260
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
1
أن اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ ﻫﻲ اﻟﻣﻧﻔﻰ اﻟذي أﻋﯾﺷﻪ
ّ ﻓﺄﺟﺎﺑﻪ ، إن وطﻧﻲ ﻫو اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ«
أودﯾزﯾو" » ّ
ﺑﺄن اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺑدع ﻋﺑرﻫﺎ ﻟﯾﺳت ﻣن ﺻﻠﺑﻪ ﺑﻘوﻟﻪ » إﻧﻧﺎ
ﻛﻣﺎ ﻧﻠﻣس وﻋﻲ ﻣﺎﻟك ﺣداد ّ
ﻧﻛﺗب ﺑﻠﻐﺔ ﻻ ﺷك ّأﻧﻬﺎ راﺋﻌﺔ ،وﻟﻛﻧﻬﺎ ﻟﯾﺳت ﻟﻐﺔ أﺟدادﻧﺎ« ،2ﻫذا ﻣﺎ أدى إﻟﻰ ﺑروز إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ
ﺗﺻﻧﯾف اﻷدب اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻛﺗوب ﺑﺎﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ ،ﻓﻬل ﯾﻌﺗﺑر أدب ﺟزاﺋري؟ ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر ﻣؤﻟﻔﯾﻪ وﺗﻌﺑﯾرﻩ
ﻋن ﻣﻌﺎﻧﺎة اﻟﺷﻌب اﻟﺟزاﺋري؟ أم ﯾﺻﻧف ﻛﺄدب ﻓرﻧﺳﻲ ﻷﻧﻪ ﻛﺗُب ﺑﻠﺳﺎن ﻏﯾر ﺟزاﺋري أي
ﻟﺳﺎن ﻓرﻧﺳﻲ؟.
أن اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ﺑﺎﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ أﻣﻠﺗﻬﺎ ظروف اﻻﺣﺗﻼل اﻟﻔرﻧﺳﻲ
ﻫﻧﺎك ﻣن اﻷدﺑﺎء ﻣن ﯾرى ّ
ﻟﻠﺟزاﺋر ،ﻓﻣﺎدام أن ﻫذا اﻹﺑداع ﯾﻌﺑر ﻋن ﻣﻌﺎﻧﺎة اﻟﺷﻌب اﻟﺟزاﺋري ،و ّأﻧﻪ ﯾﺣﻣل ﻓﻲ ﺛﻧﺎﯾﺎﻩ روح
اﻹﻧﺳﺎن اﻟﺟزاﺋري ،ﻓﻬو وطﻧﻲ ﻣﺗﺻل ﺑﺎﻟﻣﺧﯾﻠﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ،ﻣﻬﻣﺎ ﻛﺎﻧت اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺗﻲ ﻛﺗب ﺑﻬﺎ
ﻛﻣﺎ ﻧﺟد ﻛوﻛﺑﺔ أﺧرى ﻣن اﻷدﺑﺎء ﻻ ﺗﻌﺗرف ﺑﺎﻧﺗﻣﺎء ﻫذا اﻷدب ﻟﻠﻔﻌل اﻹﺑداﻋﻲ اﻟﺟزاﺋري
ﻷن اﻟﻠﻐﺔ ﺣﺳب رأﯾﻬم ﻟﯾﺳت ﻣﺣﺎﯾدة ﻓﻬﻲ ﺗﺣﻣل ﺗﺎرﯾﺧﻬﺎ اﻟﻔﻛري
ﺣﯾث اﻋﺗﺑروﻩ أدﺑﺎ ﻓرﻧﺳﯾﺎّ ،
واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ واﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ،وﻣن ﺑﯾن ﻫؤﻻء "ﺟﻣﺎل اﻟدﯾن ﺑن اﻟﺷﯾﺦ" اﻟذي ﯾرى أن اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ
ﻻ ﯾﻣﺛﻠﻪ إﻻ ﻣن ﯾﻛﺗب ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ...وﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﺟزاﺋر ﻻ ﻣﺳﺗﻘﺑل ﻟﻠﺛﻘﺎﻓﺔ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر إﻻّ
ﺑﺄﻧﻪ ﻗﻧﺎة
ﻟﻠﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،ﻛﻣﺎ ﯾﻧظر "ﯾوﺳف ﺳﺑﺗﻲ" إﻟﻰ اﻷدب اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻛﺗوب ﺑﺎﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ ّ
أن ﻟﻐﺔ اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ
ﻋﺑرت ﻋن اﻟذات اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ،ﻓﻲ ﺣﯾن ﻧﺟد اﻷدﯾب اﻟﻣﻐرﺑﻲ "ﻣﺣﻣد ﺑﯾدي" ﯾرى ّ
ﺣد ذاﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺟﺎل
أن اﻟﻠﻐﺔ أداة وﻟﯾﺳت ﻏﺎﯾﺔ ﻓﻲ ّ
ﻻ ﺗﺷﻛل ﻓﻲ ﻧظرﻩ ﺣﺎﺟ از ﻗوﯾﺎ ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر ّ
أن اﻟﻛﺎﺗب "ﺟﯾﻼﻟﻲ ﺧﻼص" ﯾﻘول ﻓﻲ ﻫذا اﻟﺻدد »إﻧﻧﻲ ﻣﻊ ﻛل أدب
اﻹﺑداع ،ﻓﻲ ﺣﯾن ّ
ﺟزاﺋري ﯾﻛﺗب ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ أو ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ أو اﻷﻣﺎزﯾﻐﯾﺔ أو ﻏﯾرﻫﺎ ﻣن اﻟﻠﻐﺎت إذا ﻛﺎن
ﻫذا اﻷدب ﯾﺣﻣل اﻟروح اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ«.3
261
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
أن ﺑﻼﻏﺗﻪ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ ﻻ ﺗﺳﺎوي ﺣرﻓﺎ واﺣدا ﻣﻊ ﺣروف ﻟﻐﺗﻪ اﻟﻣﻘدﺳﺔ ،اﻟﺗﻲ
أﻣﺎ ﻣﺎﻟك ﺣداد ﻓﯾرى ّ
ﯾﺟﻬﻠﻬﺎ ﻓﺗﻧﺳﺎب أﺣزاﻧﻪ ﻓﻲ أذن ﺻدﯾﻘﻪ اﻟﺷﺎﻋر اﻟﻔرﻧﺳﻲ " أراﺟون" ﻓﯾﻛﺗب ﻣﻘﺎﻻ ﯾﺧﺗﺗﻣﻪ ﻗﺎﺋﻼ:
» إﻧﻧﻲ أﻓﻬم ﻣﺄﺳﺎﺗﻬم أن ﯾرو أدﺑﻬم ﻣﺗرﺟﻣﺎ ﻗد ﻓﻘد أﺻداﻩ اﻟﻌﻣﯾﻘﺔ أو ﻛﺎد« ،1ﻓﯾﺟﯾب ﺷﺎﻋرﻧﺎ
اﻟﺟزاﺋري ﺻدﯾﻘﻪ اﻟﺷﺎﻋر اﻟﻔرﻧﺳﻲ ﺑﻘوﻟﻪ:
ﺗﻠك ﻓﻲ ﻣﺄﺳﺎة اﻟﻠﻐﺔ
ﻟﻘد ﺷﺎء اﻻﺳﺗﻌﻣﺎر أن ﯾﻛون ﻓﻲ ﻟﺳﺎﻧﻲ آﻓﺔ ،أن أﻛون ﻣﻌﻘود اﻟﻠﺳﺎن
ﻛﺎﻧت اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ ﻟﻠﻣﺑدﻋﯾن اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ﻣﺄﺳﺎة ﺣﻘﯾﻘﯾﺔ ،ﻓﻛﺎﻧت اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ ﺗﻣﺛل
ﻋﺑر ﻣﺎﻟك ﺣدد ،ﻓﺎﻟﻣﺑدع اﻟﺟزاﺋري اﻟذي ﻋﺎﯾش ﻣﺄﺳﺎة اﻟﺗﻣزق ﻓراح ﺑﺎﺣﺛﺎ ﻓﻲ
ﻣﻧﻔﻰ ﻟﻬم ﻛﻣﺎ ّ
ً
ﻋﻣﺎ ﯾﻌﺑر ﻋن ذاﺗﻪ وﻣن ﺑﯾن اﻵراء اﻟﺑﺎرزة ﻓﻲ ﺗﺻﻧﯾف ﻫذا اﻷدب ﯾذﻫب ﻣﺎﻟك ﻟﻐﺔ اﻟﻌدو ّ
ﺣداد إﻟﻰ أن اﻷدب اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻛﺗوب ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ أدب ﺟزاﺋري ،ﻟﻛﻧﻪ رﻓض اﻋﺗﺑﺎرﻩ أدﺑﺎ
ﺑﺄﻧﻪ أدب ظرﻓﻲ واﻧﺗﻘﺎﻟﻲ
ﻗوﻣﯾﺎً ،ﻛﻣﺎ ﻫو اﻟﺣﺎل ﻣﻊ اﻷدب اﻟﻣﻛﺗوب ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،ﻓﻬو ﯾرى ّ
وﻣﺎ ﯾؤﻛد ذﻟك ﻫو ﺗردﯾدﻩ ﻟﻣﻘوﻟﺗﻪ اﻟﺷﻬﯾرة إﻧﻧﺎ ﻛﺗﺎب ﺟزاﺋرﯾون ﻣﻧﻔﯾون ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ.
ﯾﺷﺗرط "واﺳﯾﻧﻲ اﻷﻋرج" ﻓﻲ اﻟﻣﺑدع اﻹﺗﻘﺎن ﻓﻲ اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ﻣﻬﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﻟﻐﺗﻪٕ ،واذا ﻗﻣﻧﺎ
ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻧﻣﺎرس ﻋﻧﺻرﯾﺔ ﻟﻐوﯾﺔ » ،ﻓﺎﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ أو ﺑﻐﯾرﻫﺎ ﻣرﺗﺑطﺔ أﺻﻼً
ﺑﺎﻟﺗﺻﻧﯾف ّ
ﺑﻘوة أن ﺗﻛﺗب ﺑﻠﻐﺔ
ﺑﺎﻹﺗﻘﺎن ،ﻷﻧﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﻧﻬﺎﯾﺔ ﻧﻛﺗب ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﺗﻲ ﻧوﺻل ﺑﻬﺎ ﺣواﺳﻧﺎ وﻋواطﻔﻧﺎ ّ
ﻗﺎﺳﯾﺎ ﻻ ﯾﻣﻛن ﺗﺻﻧﯾﻔﻪ إﻻّ ﻓﻲ
وﻧﻌﺎدي ﻟﻐﺔ أﺧرى ،ﺣﺗﻰ وﻟو ﻛﺎن ﻣﺷﺗرﻛﻧﺎ اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ ﻣﻌﻬﺎ ً
ﺧﺎﻧﺔ اﻟﻌﻧﺻرﯾﺔ اﻟﻠﻐوﯾﺔ ،ﻓﺎﻟﻠﻐﺔ ﻟﯾﺳت ﺣﺎﻣﻠﺔ ﻟﺷﻲء ،وﺑﻣﻘدورﻫﺎ أن ﺗﺣﻣل ﻛ ّل ﺷﻲء ،ﻓﺎﻟﻛﺎﺗب
اﻟﺗوﺟﻪ اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﻲ وﯾﺿﻔﻲ ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻟطﺎﺑﻊ اﻟذي ﯾرﯾدﻩ« ،2ﻟم ﯾﻬدأ ﺑﺎل اﻟﻛﺗﺎب
ﻫو ﻣن ﯾﻌطﯾﻬﺎ ّ
اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن اﻟذي ﻛﺎﻧوا ﯾﻛﺗﺑون ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ ،ﻓﻌﺎﺷوا ﺣﯾرة وﻗﻠق واﺧﺗﻠﻔت ﺧﯾﺎراﺗﻬم ﺑﻌد
ﺣداد ﻓﺿل اﻟﺻﻣت ﻓﻬو ﻟم ﯾﻛﺗب أي ﻧص رواﺋﻲ ﺑﻌد
أن » ﻣﺎﻟك ّ
اﻻﺳﺗﻘﻼل ،ﻓﻧﺟد ّ
اﺗﺟﻪ ﻣﺣﻣد دﯾب إﻟﻰ اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ اﻟرﻣزﯾﺔ إﻟﻰ أن ﺑﻠﻎ ﺣدود اﻻﻏﺗراب ﻓﻲ
اﻻﺳﺗﻘﻼل ﻓﻲ ﺣﯾن ّ
262
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
-1أﺣﻣد ﻣﻧور ،أزﻣﺔ اﻟﻬوﯾﺔ ﻓﻲ اﻟرواﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ اﻟﻣﻛﺗوﺑﺔ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ ،أطروﺣﺔ دﻛﺗوراﻩ ﻓﻲ اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ ،ﺟﺎﻣﻌﺔ
اﻟﺟزاﺋر ،2000 ،ض .109
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .114
263
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
اﻟﻧﺎﻗد ﺑرﺷﯾد ﺑوﺟدرة اﻟذي ﺣﻘّق ﻗﻔزة ﻧوﻋﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﻧﺻوص اﻟرواﺋﯾﺔ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ
ﻟﻣﺎ اﻧﺗﻘل إﻟﻰ اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ﺑﺎﻟﻌرﺑﯾﺔ.
ﻟﻛﻧﻪ ﻋﺟز ﻋن ذﻟك ّ
-ﯾﻠّﺢ واﺳﯾﻧﻲ اﻷﻋرج ﻋﻠﻰ ﺿرورة ﺗﺄﺻﯾل ﻣﻧﻬﺟﻲ ﻟﻠﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺟزاﺋري » ،واﻹﺻرار ﻋﻠﻰ
اﻹﻣﻛﺎﻧﯾﺔ اﻹﺑداﻋﯾﺔ داﺧل اﻟﻠﻐﺔ ذاﺗﻬﺎ ،واﻟﻌودة اﻟﻬﺎدﺋﺔ إﻟﻰ اﻟﻣﻘﯾﺎس اﻟﻧﻘدي اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ اﻟﻘدﯾم،
ﯾرﻛز ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟﻠﻐوﯾﺔ ،وﻟﻛﻧﻪ ﯾﻼﻣس اﻟﻣﻔﻬوم اﻟﻘدﯾم
اﻟﻣﻬﻣﺔ واﻹﺷﻛﺎل اﻟﻧﻘدي ،ﻫﻧﺎ ﻻ ّ
ّ ﻷن
ّ
ﻟﻠﻧﻘد ،وﺗﻘدﯾم إﺟﺎﺑﺎت ﻟﻬذﻩ اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ اﻧطﻼﻗﺎ ﻣن اﻟﻣﺧﯾﻠﺔ واﻟﻠﻐﺔ وطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺑﻧﯾﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ
وﻏﯾرﻫﺎ ،وﯾؤﻛد ﻫذا اﻟﺗﺻور اﻟﻐﯾﺎب اﻟﻣطﻠق ﻟﻠﺗرﺑﯾﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ،واﻻﺳﺗﻔﺎدة ﻣن ﺗرﺑﯾﺔ ﺟﺎﻫزة
1
وﺣﻣل
ﺗﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ اﻟﻣﻌطﻰ اﻟﻠﻐوي اﻟﻔرﻧﺳﻲ ﻛﺣﺎﻟﺔ ﻣﻧﺗﻬﯾﺔ ﻻ ﺗﻘﺑل اﻟﺟدل ﻟدرﺟﺔ اﻟﺗﺳﻠﯾم« ّ ،
اﻟﻧﺎﻗد اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺟزاﺋري ﻣﺳؤوﻟﯾﺔ اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﺧطﺎب اﻟﻣزدوج داﺧل اﻟﻠﻐﺔ
اﻟﻌرﺑﯾﺔ واﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ ،وﺣﺳب اﻟﺧﺻوﺻﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺗﻣﯾز ﺑﻬﺎ اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ اﻹﺑداﻋﯾﺔ.
ﻓﺈﻧﻪ »إذا ﻛﺎن
وﻣﻬﻣﺎ اﺧﺗﻠﻔت وﺟﻬﺎت اﻟﻧظر ﺣول ﻗﺿﯾﺔ اﻟﻠﻐﺔ اﻹﺑداﻋﯾﺔ ﻓﻲ اﻷدب اﻟﺟزاﺋريّ ،
أن ﻫﻧﺎك آداب
اﻟﺣدﯾث ﯾدور ﻋن أدب ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ أو أدب ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﺑرﺑرﯾﺔ ،ﻓﻼ ﯾﻌﻧﻲ ذﻟك ّ
إن اﻷدب اﻟﺟزاﺋري ﯾﻛون وﺣدة ﻣﺗﻛﺎﻣﻠﺔ ﺳﺎﻋدت ﻓﺋﺎت اﻟﺷﻌب
ﻣﻧﻔﺻﻠﺔ ﺗﺗﻛﻠم ﺑﻬذﻩ اﻟﻠﻐﺎت ،ﺑل ّ
اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻘﻪ ﻛﻣﺎ ﻓرض ﻋﻠﯾﻪ اﻟظروف اﻟﻣوﺿوﻋﯾﺔ اﻟﺧﺎﺻﺔ أن ﯾﺳﺗﺧدم ﻛﺄداة ﻟﻠﺗﻌﺑﯾر
ﺑﻬذﻩ اﻟﻠﻐﺔ أو ﺗﻠك«.2
وﻓﻲ ﻫذا اﻹطﺎر ﯾﻘﺗرح واﺳﯾﻧﻲ اﻷﻋرج ﻣﺧرﺟﺎ ﻟﻬذا اﻟﻣﺄزق ﯾﺗﻣﺛل ﻓﻲ ﺗرﺟﻣﺔ اﻷﻋﻣﺎل
اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻛﺗﺑت ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ إﻟﻰ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،وذﻟك » ﺗﻣﺎﺷﯾﺎ ﻣﻊ ﺗوﺻﯾﺎت اﻟﻣؤﺗﻣر
اﻟﺧﺎﻣس ﻻﺗﺣﺎد اﻟﻛﺗﺎب اﻟﻌرب اﻟﻣﻧﻌﻘد ﺑﺑﻐداد ﻓﻲ ﻓﺑراﯾر ،1965ﻛﺄﻋﻣﺎل أدﺑﯾﺔ وطﻧﯾﺔ ﻛﺗﺑت
-1واﺳﯾﻧﻲ اﻷﻋرج ،اﻟﺧطﺎب اﻟﻣﻐﺎرﺑﻲ اﻟﻣزدوج " ،اﻗﺗراﺑﺎت ﻣن ظﺎﻫرة اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ اﻷدﺑﯾﺔ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ" ،ﻣﺟﻠﺔ اﻟﺗﺑﯾﯾن،اﻟﺟزاﺋر
اﻟﻌدد ،1990 ،01ص.77-76
-2ﺳﻌﺎد ﻣﺣﻣد ﺧﺿر ،اﻷدب اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ص .83
264
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﺑﻠﻐﺔ أﺟﻧﺑﯾﺔ ،ﻓﺎﻟﻛﺎﺗب ﻗﺑل ﻛل ﺷﻲء ﻫو ﻧﺗﺎج واﻗﻌﻪ وﻧﺗﺎج اﻟﺗﺎرﯾﺦ ٕواﻫﻣﺎﻟﻪ ﯾﻌﻧﻲ اﻓﺗﻘﺎد اﻟﻧظرة
اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ اﻹﺑداع واﻟﻣﺑدع«.1
أن اﻟﺟزاﺋر ﻫﻲ
أﻣﺎ ﻛﺎﺗب ﯾﺎﺳﯾن ﻓﻘد ﻛﺎﻧت وﺟﻬﺔ ﻧظرﻩ ﺣول ﻫذﻩ اﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺔّ » ،
اﻟﺟزاﺋر ﻗﺑل ﻛ ّل ﺷﻲء ،ﻓﻠﯾﺳت ﻫﻧﺎك ﺟزاﺋر ﺑرﺑرﯾﺔ وﻟﯾﺳت ﻫﻧﺎك ﺟزاﺋر ﻋرﺑﯾﺔ وﻟﯾﺳت ﻫﻧﺎك
إن اﻟﺟزاﺋر ﻣﺗﻌددة
ﺟزاﺋر ﻓرﻧﺳﯾﺔّ ،إﻧﻣﺎ ﻫﻧﺎك ﺟزاﺋر واﺣدة ،وﻫذﻩ اﻟﺟزاﺋر ﻻ ﯾﻧﺑﻐﻲ ﺗﻣزﯾﻘﻬﺎّ ،
اﻟﻘوﻣﯾﺎت وﻫﻲ ﻟذﻟك أﻣﺔ ﻋظﯾﻣﺔ اﻟﺛراء ﺑﻣوﺟب ﻛوﻧﻬﺎ ﻣﺗﻌددة اﻟﻘوﻣﯾﺎت«.2
ﻓﻣﺷﺎﻋر اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن واﺣدة ﻣﻬﻣﺎ اﺧﺗﻠﻔت ﻟﻐﺔ اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻟدﯾﻬم ،ﻓﻬذا اﻟﺗﻌدد ﻓﻲ ﺣد ذاﺗﻪ ﯾﻣﺛل ﺛراء
واﻷدب اﻟﺟزاﺋري ﺑﻬذا اﻟﺷﻛل ﯾﺷ ّﻛل ﻓﺳﯾﻔﺳﺎء ﺛﻘﺎﻓﯾﺔ زاد ﻓﻲ ﺗﺄﻟﻘﻬﺎ ذﻟك اﻟﺗﻧوع اﻟﻠﻐوي اﻟﻌرﺑﻲ
واﻷﻣﺎزﯾﻐﻲ واﻟﻔرﻧﺳﻲ ،وﻣﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺟزاﺋري إﻻّ ﻣﺟﺎراة ﻫذا اﻟﺗﻧوع ،رﻏم ﺻﻌوﺑﺔ
اﻟﻣﻬﻣﺔ ،وﻣﻬﻣﺎ ﺑﻠﻐت اﻟﻛﻠﻔﺔ ،وﻻ ﯾﻛون ذﻟك إﻻّ ﺑﻣﺣﺎوﻟﺔ ﺗﻘﺑل اﻵﺧر ،وﻧﺑذ اﻟﻔﻛر اﻹﻗﺻﺎﺋﻲ
واﻻﺳﺗﻔﺎدة ﻣن اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ واﻟﺗﻲ إذا وظﻔت اﻟﺗوظﯾف اﻟﻣﻧﺎﺳب ﺳﺗﻣﻛن اﻟﻧﻘﺎد ﻣن
ﻣﻘﺎرﺑﺔ اﻷﻋﻣﺎل اﻹﺑداﻋﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ﻓﻲ ظل ﺗﻧوﻋﻬﺎ ،ﻣﻊ اﻷﺧذ ﺑﺧﺻوﺻﯾﺔ اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ
اﻹﺑداﻋﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ.
ﺛﺎﻧﯾﺎ -اﻟﻧزﻋﺔ اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ:
اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﺑوﺟﻪ ﻋﺎم ،ﻣﻧظوﻣﺔ ﻣﺗﺳﻘﺔ ﻣن اﻷﻓﻛﺎر واﻟﺗﺻورات واﻟﻘﯾم ﺗﺣدد رؤﯾﺔ اﻟﻔرد إﻟﻰ
اﻟطﺑﯾﻌﺔ واﻟﻣﺟﺗﻣﻊ واﻹﻧﺳﺎن ،وﺗوﺟﻪ ﺳﻠوﻛﻪ ،ﺑﻘدر ﻣﺎ ﺗﺣدد رؤﯾﺔ اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ وﻣوﻗﻔﻬﺎ وأﺳﺎﻟﯾب
ﻼ ،ﻫﻲ اﻟﺗﻲ
ﻧﺷﺎطﻬﺎ ،وﯾﻌﺗﻘد ﻣﻌﺗﻧﻘوﻫﺎ أﻧﻬﺎ اﻟﺣق .وأﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﻋﺻر ﻣﺎ ،ﻛﻌﺻر اﻟﻧﻬﺿﺔ ﻣﺛ ً
ﻛﺎن ﯾﻧدرج ﺗﺣت ﻗواﻋدﻫﺎ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻛل ﺗﻘرﯾر أو ﺣﻛم ﺻدر ﻓﻲ ذﻟك اﻟﻌﺻر .وﺛﻣﺔ أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ
ﻗوﻣﯾﺔ ﺗﺣدد اﻷﻓق اﻟذي ﺗﺗطﻠﻊ إﻟﯾﻪ أﻣﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ واﻷﻫداف اﻟﺗﻲ ﺗﻧﺷدﻫﺎ ،وأﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ طﺑﻘﯾﺔ أو
ﻓﺋوﯾﺔ ﺗﻌﺑر ﻋن ﻣﺻﺎﻟﺢ ﻓﺋﺔ اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ وﺗﺣدد ﻋﻼﻗﺎﺗﻬﺎ ﺑﻐﯾرﻫﺎ ﻣن اﻟﻔﺋﺎت اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ.
وﻟﻛل ﺣزب ﺳﯾﺎﺳﻲ أﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﻗوﻣﯾﺔ أو دﯾﻧﯾﺔ أو ﻟﯾﺑراﻟﯾﺔ أو اﺷﺗراﻛﯾﺔ ، ..ﺗﺗﻌﯾن ﺑﺎﻟﻔﺋﺎت
265
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻣﺛﻠﻬﺎ ﻫذا اﻟﺣزب ،وﺑﺎﻷﻫداف اﻟﺗﻲ ﯾﻌﻣل ﻣن أﺟل ﺗﺣﻘﯾﻘﻬﺎ.
وﻣﻔﻬوم اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎ ﻣن اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم اﻟﻣﻠﺗﺑﺳﺔ ،إن ﻟم ﯾﻛن ﻣن أﻛﺛرﻫﺎ اﻟﺗﺑﺎﺳﺎً ،إذ ﯾﻧطوي ﻋﻠﻰ
دﻻﻻت ﻣﺗﺿﺎرﺑﺔ ،وﯾﺷﻣل ﺟواﻧب ﻓﻠﺳﻔﯾﺔ واﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ وﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﺗﺑﻌﺎً ﻟﻣﺟﺎﻻت اﺳﺗﺧداﻣﻪ ﻓﻲ
اﻟﻣﺟﺎل اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ أو ﻓﻲ اﻟﺻراﻋﺎت اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ أو ﻓﻲ ﻧظرﯾﺔ اﻟﻣﻌرﻓﺔ ،ﻟذﻟك ﺗﻌددت ﺗﻌرﯾﻔﺎﺗﻪ
ﻓﻘد ﺣدد "ﻋﺑد اﷲ إﺑراﻫﯾم" اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎ ﺑﺄﻧﻬﺎ » اﻟﺧﯾﺎر اﻟﻣﻌرﻓﻲ اﻷﺻﻠﻲ اﻟﺣﺎﺿر ﻓﻲ اﻟﻣﻌرﻓﺔ
اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ ،واﻟدﻋوة إﻟﯾﻪ،واﻹﻋﻼن ﻋﻧﻪ وﻛﺷﻔﻪ،وﻣواﺟﻬﺔ اﻟﺧﯾﺎرات اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ اﻷﺻﻠﯾﺔ
اﻷﺧرى ﺑﻪ«.1
وﻗد ذﻫﺑت ﺑﻌض اﻵراء إﻟﻰ ﱠ
أن ﻟﻔظﺔ "إﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎ" ظﻬرت » ﻋﺷﯾﺔ اﻟﺛورة اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ
ﻟﺗدل ﻋﻠﻰ ﻣﺟﻣوﻋﺔ أﻓﻛﺎر وﻗﯾم ﺗﻛون رؤﯾﺔ ﺷﻣوﻟﯾﺔ ﻟﻠوﺟود وﺗﺗﺑﻧﺎﻫﺎ ﺟﻣﺎﻋﺔ ﻣﺎ ،ﻣﺛل
اﻟﻣﺎرﻛﺳﯾﺔ -ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻟﻣﺛﺎل -ﻓﻘد ﻗﺎل ﻟﯾﻧﯾن ﻣﻌﺑ ار ﻋن ﺣزﺑﻪ :ﻧﺣن اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾﯾن ،ﺛم
اﻧﺳﺣب ﻫذا اﻟﻣﻔﻬوم ﻟﯾﺿم ﺗﺣت ﻋﺑﺎءﺗﻪ ،اﻷدﯾﺎن واﻟﺗراث واﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﻛﺑرى ،واﻷﻓﻛﺎر
اﻟﻣﺿﻠﻠﺔ اﻟﺧداﻋﺔ ،ﺣﺗﻰ أﺻﺑﺣت اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﻣرادﻓﺎ ﻟﻣﻔﻬوم اﻟﻘﻧﺎع اﻟذي ﯾرﺗدﯾﻪ اﻹﻧﺳﺎن
ﻓﯾﺻدﻩ ﻋن رؤﯾﺔ اﻷﺷﯾﺎء اﻷﺧرى«.2
ﯾﻌد اﻟﻧﻘد ﺷدﯾد اﻻرﺗﺑﺎط ﺑﺎﻻﯾدوﻟوﺟﯾﺎ ﺑل ﻫو ﯾﻧﺗﻣﻲ إﻟﻰ اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎت وﻫو ﻣﺎ ذﻫب
إن اﻷدب ﻫو اﻷدب ،وﻟﻛن اﻟﻧﻘد ﻫو اﻟﻧﻘدٕ ،وا ّن اﻷدب
إﻟﯾﻪ ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض ﺣﯾن ﻗﺎلّ » :
أن اﻟﻧﻘد ﯾﻧﺗﻣﻲ إﻟﻰ اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎت،
ﯾﻧﺗﻣﻲ إﻟﻰ أﺷﻛﺎل اﻟﺗﺑﻠﯾﻎ ﻓﻲ ﻣﺳﺗواﻫﺎ اﻷرﻗﻰ ،ﻋﻠﻰ ﺣﯾن ّ
اﻟﺛﻘﺎﻓﺎت ،واﻻﺗﺟﺎﻫﺎت اﻟﻔﻛرﯾﺔ ،واﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﺧﺗﻼﻓﻬﺎ ،ﻓﺎﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ﻗواﻣﻬﺎ اﻟﺧﯾﺎل،
واﻟﻧﻘد ﻛﺗﺎﺑﺔ ﻗواﻣﻬﺎ اﻟﻣﻌرﻓﺔ«، 3وﻟﻘد ﺳﯾطرت اﻟﻧزﻋﺔ اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ وﺑدت واﺿﺣﺔ ﻟدى اﻟﻌدﯾد
ﻣن اﻟﻧﻘﺎد اﻟﻌرب ،وﻣن ﺑﯾن ﻫؤﻻء ﻧﺟد اﻟﻧﺎﻗد اﻟﻣﻐرﺑﻲ "ﻣﺣﻣد ﺑرادة" ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ اﻟﻣوﺳوم ﺑـ "
-1ﻋﺑد اﷲ إﺑراﻫﯾم ،ﻣﺎ ﻫﻲ اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎ ،ﻋﻠم اﻷﻓﻛﺎر أم اﻷﻓﻛﺎر دون ﻋﻠم ،دار اﻟﺗﻧوﯾر ﻟﻠطﺑﺎﻋﺔ واﻟﻧﺷر ،ط ،1ﻟﺑﻧﺎن ،
،2017ص .24
-2ﻋﻠﻲ ﺣﺳﯾن ﯾوﺳف ،اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر -دراﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻧﻬﺞ واﻹﺟراء ،ص .91
-3ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض ،ﻓﻲ ﻧظرﯾﺔ اﻟﻧﻘد ،ص.30
266
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
-1ﻋﻠﻲ ﺣﺳﯾن ﯾوﺳف ،اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر -دراﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻧﻬﺞ واﻹﺟراء ،ص .92
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .95
-3ﻋﺑد اﻟﻌزﯾز ﺣﻣودة ،اﻟﻣراﯾﺎ اﻟﻣﺣدﺑﺔ ،ص .63
267
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
أن اﻧﺗﻬت اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ وﻛﺄﻧﻪ ذﻫب إﻟﻰ اﻟﺣﺞ واﻟﻧﺎس ﻋﺎﺋدون ،وﯾرى اﻟﺑﺎﺣث أن ﻋﺑد اﻟﻌزﯾز
ﺣﻣودة ﯾﻣﺗﻠك ﻣن اﻟﺑراﻋﺔ اﻟﻛﺗﺎﺑﯾﺔ واﻟﺧﺑرة ﻓﻲ أﺳﻠوب إﺛﺎرة اﻵﺧر ﻣﺎ ﻟم ﯾﻣﺗﻠﻛﻪ إﻻ اﻟﻘﻠﯾل ﻣن
اﻟﻧﻘﺎد ،ﻓﺎﻧطﻼﻗﺎ ﻣن اﻟﻌﻧوان اﻟﻣراﯾﺎ اﻟﻣﺣدﺑﺔ ﯾﺣﺎول ﺣﻣودة اﺳﺗﻔزاز اﻟﻧﻘﺎد ﺟﻣﯾﻌﺎ ﻓﻬم ﺑﻣﻌﻧﻰ
ﻣن اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ ،ﻣﺟﻣوﻋﺔ أﻗزام ﯾﺣﺎوﻟون أن ﯾروا أﻧﻔﺳﻬم ﻛﺑﺎ ار ﻣن ﺧﻼل ﻣراﯾﺎ ﻣﺣدﺑﺔ « ،1وﺟﺎء
ﺑﺄن اﻟﻧﻘﺎد اﻟﻌرب أﺻﻐر ﺑﻛﺛﯾر ﻣن أن ﯾﻣﺗﻠﻛوا اﻟﺣداﺛﺔ
ﻛﺗﺎﺑﻪ اﻟﺗﺎﻟﻲ " اﻟﻣراﯾﺎ اﻟﻣﻘﻌرة" ﯾوﺣﻲ ّ
اﻟﻐرﺑﯾﺔ وﻛل ﻣﺎ ﻓﻌﻠوﻩ ﻋﺑﺎرة ﻋن ﻋﻣﻠﯾﺎت ﻧﻘل وﺗرﺟﻣﺔ ﻏﯾر دﻗﯾﻘﺔ ،ﻟذﻟك ﻓﺗﺣوا اﻟطرﯾق ﻟﻠﺗﺑﻌﯾﺔ
اﻟﻐرﺑﯾﺔ وﻛرﺳوﻫﺎ.
وﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﺎ ﺗﻘدم ذﻛرﻩ ﺧﺻص ﺑﻌض اﻟﻣؤﻟﻔﯾن ﻛﺗﺑﺎ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺗﺗﺑﻧﻰ أﻓﻛﺎر ﺗﻧطﻠق ﻣن ﻓﻛر
إﯾدﯾوﻟوﺟﻲ وﯾدﺧل ﻓﻲ ﻫذا اﻹطﺎر ﻛﺗﺎب وﻟﯾد ﻗﺻﺎب اﻟﻣوﺳوم ب " اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺣدﯾث
رؤﯾﺔ إﺳﻼﻣﯾﺔ" ﻓﺎﻟﻛﺗﺎب اﻧطﻼﻗﺎ ﻣن ﻋﻧواﻧﻪ ﻣﺣﻛوم ﺑﻧظرة ﻣﺣددة وﻫﻲ اﻟﻧظرة اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ،وﻟﻌل
اﻟﻘﺎرئ ﯾﺗﺳﺎءل ﻋن وﺟﻪ اﻟﻌﻠﺔ ﻓﻲ اﻻﺣﺗﻛﺎم إﻟﻰ اﻟﺷرع اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻋﻠﻰ ﻗﺿﯾﺔ ﺑﻌﯾدة وﻣﻧﻔﺻﻠﺔ
ﻋن اﻟدﯾن.
ﻓﺣﺳب ﺗﻠك اﻟﻧظرة ﻣﺛﻼ » اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ ﻻ ﺗﺗﻔق ﻣﻊ اﻟﺗﺻور اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻟﻸدب ﻷﻧﻬﺎ أﺳﻘطت أﻫﻣﯾﺔ
اﻟﻔﻛر ،أﻣﺎ اﻟﺗﻔﻛﯾك ﻓﺈﻧﻪ ﯾﺗﻌﺎرض ﻣﻊ اﻹﺳﻼم ﻷﻧﻪ أﺳﻘط اﻟﺣرﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﻛل اﻷﺷﯾﺎء ﻓﻼ ﺣرﻣﺔ
ﻟﺷﻲء وﻻ ﻗداﺳﺔ ﻟﻧص ﻣﻬﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﺻدرﻩ ،وﻷن اﻟﺗﻔﻛﯾك أﻣﺎت اﻟﻣرﺟﻌﯾﺎت ﻛﻠﻬﺎ ﻣوت
اﻟﻣؤﻟف ،ﻣوت اﻹﻧﺳﺎن ﻣوت اﻟﻠﻐﺔ ﻓﻼ ﻏراﺑﺔ أن ﯾﻘول اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾون أﯾﺿﺎ ﺑﻣوت اﷲ -واﻟﻌﯾﺎذ
ﺑﺎﷲ ،واﻷﻣر ذاﺗﻪ ﯾﻧطﺑق ﻋﻠﻰ ﻧظرﯾﺔ اﻟﺗﻠﻘﻲ إذ أﻧﻬﺎ ﻓﺗﺣت اﻷﺑواب ﻋﻠﻰ ﻣﺻﺎرﯾﻌﻬﺎ أﻣﺎم
ﻓوﺿﻰ اﻟﺗﺄوﯾﻼت«.2
ﺳﯾد ﻋﺑد اﻟرزاق ،ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ اﻟﻣوﺳوم ﺑ ـ " اﻟﻣﻧﻬﺞ
ﺳﯾد ّ
ﻛﻣﺎ ﺗﺑﻧﻰ ﻧﻔس اﻟﻧظرة اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ّ
اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ" ،اﻟذي ﯾورد اﻟﺳﺑب اﻟذي دﻋﺎﻩ ﻟﺗﺄﻟﯾﻔﻪ ﻫو» ﻏﯾﺎب ﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ﻧﻘدﯾﺔ
-1ﻋﻠﻲ ﺣﺳﯾن ﯾوﺳف ، ،اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر -دراﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻧﻬﺞ واﻹﺟراء ،ص .96
-2وﻟﯾد ﻗﺻﺎب ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺣدﯾث ،رؤﯾﺔ إﺳﻼﻣﯾﺔ ،ص ،202،233ﻧﻘﻼ ﻋن ﻋﻠﻲ ﺣﺳﯾن ﯾوﺳف ،ﻣرﺟﻊ
ﺳﺎﺑق ،ص .100
268
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
أﺻﯾﻠﺔ ﻛﺎﻧت ﻣوﺟﺔ اﻻﺳﺗﯾراد اﻟﻣﺣﻣوم ﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻟﻐرﺑﻲ ،وﻣﺣﺎوﻟﺔ اﺳﺗﻘراء ﺗراﺛﻧﺎ ﻓﻲ ﺿوء
ﺗﻠك اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ ،دوﻧﻣﺎ اﻟﻧظر إﻟﻰ أن ﻫذا اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ إﻧﻣﺎ ﻫﻲ ﻧﺗﺎج ﻣرﺟﻌﯾﺎت ﻋﻘدﯾﺔ ،وظروف
ﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ واﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ وﺣﺿﺎرﯾﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ،وﻣن ﺛم ﻓﺈن ﻣﺣﺎوﻟﺔ ﻓرض اﻟﻣﻌﯾﺎر اﻟﻧﻘدي ﻟﺗﻠك اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ
ﻋﻠﻰ أدﺑﻧﺎ اﻟﺗراﺛﻲ واﻟﻣﻌﺎﺻر وﻫو ﻧﺗﺎج ﻣرﺟﻌﯾﺔ ﻋﻘدﯾﺔ ،وظروف ﻣﺧﺎﻟﻔﺔ«.1
وﻟم ﯾﺳﻠم اﻟﻧﻘﺎد اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ﻣن ﺗﻠك اﻟﻧزﻋﺔ اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ،وﻟﻘد ﻛﺎن ﻋﺎﻣل ﺳﯾطرة اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ
اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺷﻬد اﻟرواﺋﻲ اﻟﺟزاﺋري ﻟﻔﺗرة ﻣن اﻟزﻣن ،ﺧﺎﺻﺔ ﻓﺗرة اﻟﺳﺑﻌﯾﻧﯾﺎت وﺑداﯾﺔ
اﻟﺛﻣﺎﻧﯾﻧﯾﺎت ،ﻣﻣﺎ اﻧﻌﻛس ﻋﻠﻰ اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ » ،وﻗد ﺗﺷﺎﺑك اﻟدﯾﻧﻲ ﻣﻊ اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﻲ ﻓﻲ اﻟﻣﺗن
اﻟرواﺋﻲ اﻟﺟزاﺋري ﻋﻧد اﻟﻌدﯾد ﻣن ﻛﺗﺎب اﻟرواﯾﺔ ،ﺑل ّإﻧﻪ ﻫﯾﻣن ﻋﻧد اﻟﺑﻌض ،وﻣﻧﻬم اﻟطﺎﻫر
وطﺎر...اﻟذي ﻻ ﺗﻛﺎد ﺗﺧﻠو رواﯾﺔ ﻣن رواﯾﺎﺗﻪ اﻟﻘدﯾﻣﺔ واﻟﺟدﯾدة ﻣن ﻫذا اﻟﺗﺷﺎﺑك واﻟﺗداﺧل
ﺑدء ﻣن اﻟﻼز إﻟﻰ اﻟوﻟﻲ اﻟطﺎﻫر ﯾرﻓﻊ ﯾدﯾﻪ ﺑﺎﻟدﻋﺎء«،2وﺗﺄدﻟﺟت اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ اﻟرواﺋﯾﺔ ﻣن ﺧﻼل
إﺑراز إﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ اﻟرواﺋﻲ ﺑﺻورة واﺿﺣﺔ ،وﻧﺗﺞ ﻋن ذﻟك اﻟﺳﻌﻲ إﻟﻰ ﺗﻛرﯾس اﻟﻘراءة اﻟﻣؤدﻟﺟﺔ،
وﻣن ﺑﯾن ﻣن ﺗﺿﻣﻧت ﻛﺗﺎﺑﺎﺗﻪ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻧزﻋﺔ اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﯾﺑرز اﺳم اﻟﻧﻘﺎد "إﺑراﻫﯾم رﻣﺎﻧﻲ" ،إذ
ﺑﻪ ﯾرﺑط ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ " أﺳﺋﻠﺔ اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ" ﺑﯾن اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ واﻟواﻗﻊ اﻟﻐرﺑﻲ »،ﻓﺎﻟﺛورة
اﻟطﻼﺑﯾﺔ ﻟﺣرﻛﺔ ﻣﺎي 1968ﻓﻲ اﻟﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ ،أﻋﻠﻧت ﻋن ﺳﻘوط أطروﺣﺎت ﻟﯾﺑراﻟﯾﺔ
وﻣﺎرﻛﺳﯾﺔ ﻣﻌﺎ ،ودﻋت ﺑﺎﻟﻔﻛر إﻟﻰ ﻣراﺟﻌﺔ آﻟﯾﺎﺗﻪ وﺗﺻﺣﯾﺢ أﺧطﺎﺋﻪ ،وﺑﺎﻟﻧﻘد اﻟﻰ ﻣﺳﺎر ﺟدﯾد
ﻓﻲ اﻟوﻋﻲ واﻟﻣﻣﺎرﺳﺔ«،3ﺛم ﯾﺿﯾف ﻋن ﺣﺎل اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ » ،ﻓﺎﻟواﻗﻊ اﻟﻌرﺑﻲ ﯾﺻل اﻟﯾوم اﻟﻰ
اﻟﺣﺎل اﻟذي ﺗﻌﺟز ﻣﻌﻪ أي ﺑﻼﻏﺔ ﻋن وﺻﻔﻪ ،ﻓﻲ اﻧﻔﺟﺎر اﻟﻣﻛﺑوت اﻟطﺎﺋﻔﻲ ،ودﯾﻛﺗﺎﺗورﯾﺔ
اﻟﺗﺧﻠف اﻟﺣﺿﺎري ،وﻣراﻫﻧﺎت اﻟدم اﻟوطﻧﻲ«.4
1
ﺳﯾد ﻋﺑد اﻟرزاق ،اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ،ط ،01دار اﻟﻔﻛر ﺑﺎﻟﻣﺷرق ،ﺳورﯾﺔ ،2002 ،ص .08
ﺳﯾد ّ
ّ -
-2ﻣﺣﻣد اﻟﺻﺎﻟﺢ ﺧرﻓﻲ ،ﻓﻲ ﻋواﻟم اﻟﻧص -دراﺳﺎت ﻧﻘدﯾﺔ ،د ط ،دار اﻷﻣﯾر ﺧﺎﻟد،اﻟﺟزاﺋر ،2014 ،ص .93
-3إﺑراﻫﯾم رﻣﺎﻧﻲ ،أﺳﺋﻠﺔ اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ،ﻗراءات ﻓﻲ اﻷدب اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ،اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ﻟﻠطﺑﺎﻋﺔ ،اﻟﻣﺟﺎﻫد
اﻷﺳﺑوﻋﻲ ، 1992 ،اﻟﺟزاﺋر ،ص .10
-4اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .11
269
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﺑﺄن
أن ﺻﻣت اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻓﻲ ﺗﺟرﺑﺔ ﺑﯾروت ،ﻣؤﺷر ﻋﻠﻰ ﻗﻧﺎﻋﺔ داﺧﻠﯾﺔ ّ
إن رﻣﺎﻧﻲ ﯾرى ّ
ّ
ﻫذﻩ اﻟﺗﺟرﺑﺔ ﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ ،وﻟﯾﺳت ﺳوى اﻣﺗداد ﻻﻧﻛﺳﺎرات اﻟواﻗﻊ وﻫزاﺋم اﻟﺗﺎرﯾﺦ ،وﻟﻠﻛﺎﺑوس اﻟﻘﺎﺑﻊ
ﺗﻠوﻧت أﺷﻛﺎﻟﻪ ،ﻣﻧطق ﺿدي ﻟـ
ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ ﻣﻧذ زﻣن ﺑﻌﯾد» ،ﻷن ﻣﻧطق اﻟﺑﻧﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ واﺣد ﻣﻬﻣﺎ ّ
اﻟﻌﻘل ،اﻟﻧﻘد ،اﻟﺗﺎرﯾﺦ ،اﻟواﻗﻊ ،اﻟﺣﺿﺎرة ﯾﻧﺎﺿل ﺗﺣت ﻫﯾﻣﻧﺔ اﻟﻣواﻧﻊ اﻟذاﺗﯾﺔ واﻟﻌراﻗﯾل
اﻟﺧﺎرﺟﯾﺔ ،ﻟﯾﻛرس ﺳﻠطﺔ اﻟﻼﻣﻌﻘول ،اﻟطﺎﺋﻔﯾﺔ ،اﻟﺗﺧﻠف ،اﻟﻐﯾﺎب.1«
ﯾﺟﺳد
وﻓﻲ ﻛﻼﻣﻪ ﻋن ﺗﺣوﻻت اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ إﻟﻰ ﻏﺎﯾﺔ ﺑداﯾﺔ اﻟﻧﻘد اﻟﺗﻧظﯾري اﻟﺟزﺋﻲ ،اﻟذي » ّ
ﻣرﺣﻠﺔ ﺿرورﯾﺔ ﻧﺣو ﺗﺄﻟﯾف ﻧظرﯾﺔ اﻷدب واﻟﻧﻘد ،ﻓﺿﻼ ﻋن اﻟﺣوار اﻟﻣﻔﺗوح واﻟﺗﻔﺎﻋل اﻟﺧﺻب
ﻣﻊ اﻟﺗراث اﻟﺷرﻗﻲ واﻟﻐرﺑﻲ ﻣﻌﺎ ،ﻓﻲ اﻷﻋﻣﺎل اﻟﺟﻣﺎﻋﯾﺔ ،اﻟﻧظرﯾﺔ واﻟﺗطﺑﯾﻘﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺳواء،
إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻧﺗﺷﺎر اﻟﻣﻣﺎرﺳﺔ اﻟﺗطﺑﯾﻘﯾﺔ اﻟواﻋﯾﺔ ﻟﺑﻌض اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺟدﯾدة ﻣﺛل اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ
واﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ،ﺳﻌﯾﺎ وراء ﻣﻧﻬﺞ ﻧﻘدي ﻋرﺑﻲ ﻗواﻣﻪ اﻟرؤﯾﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ واﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ اﻟﻣﺗﻛﺎﻣﻠﺔ ،اﻟﺗﻲ ﺗﻌﺎﻧق
ﻫذا اﻟواﻗﻊ اﻟﻌرﺑﻲ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ ﺟوﻫر ﺧﺻوﺻﯾﺗﻪ اﻟﺣﺿﺎرﯾﺔ«.2
أن اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺣدﯾﺛﺔ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد
اﻟﻣﺣﻣل ﺑﺎﻟﺗوﺟﻬﺎت اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﯾرى ّ
ّ إن اﻟﻧﺎﻗد ﻓﻲ ﺛﻧﺎﯾﺎ ﻛﻼﻣﻪ
ّ
ﻣﺎ ﻫﻲ إﻻّ ﻏزو ﺛﻘﺎﻓﻲ ﯾﺣﺎل اﻟﻐرب ﻣن ﺧﻼﻟﻪ ﺗﻛرﯾس ﺳﻠطﺎﻧﻪ ﺑﻣﻧطق اﻟﻘوة اﻹﺳﺗدﻣﺎرﯾﺔ» ،
واﻟﺗﻲ ﻋﻣﻠت ﻗرون طوﯾﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺗدﻣﯾر اﻟوﺟود اﻟﻔﻌﻠﻲ ﻟﻠﺛﻘﺎﻓﺎت اﻷﺧرى ،وأﻋﺎدت ﺻﯾﺎﻏﺗﻬﺎ
ﺿﻣن ﻣﻧظور ﻏرﺑﻲ ،ﺳواء ﻛﺎن ﻟﯾﺑراﻟﯾﺎ أو ﻣﺎرﻛﺳﯾﺎ ،أو ﻻﺷﻲء« ،3ﺛم ﯾﺗﺳﺎءل اﻟﻧﺎﻗد ﻓﻲ ﻧﺑرة
ذات ﻧزﻋﺔ إﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﻋن اﻷزﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻌﯾﺷﻬﺎ اﻟﻌرﺑﻲ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻗﺎﺋﻼ » ﻫل ﺑﻠﻎ اﻟواﻗﻊ
اﻟﻌرﺑﻲ -اﻹﺳﻼﻣﻲ درﺟﺔ ﻣﺗﻘدﻣﺔ ﻣن اﻟﺗطور ،وﻧﺟدﻩ اﻟﯾوم ﯾﺗراﺟﻊ ﻋن ذﻟك ،وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﯾﻣﻛن
وﺻﻔﻪ ﺑواﻗﻊ اﻷزﻣﺔ ؟«.4
-1اﺑراﻫﯾم رﻣﺎﻧﻲ ،أﺳﺋﻠﺔ اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ،ﻗراءات ﻓﻲ اﻷدب اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ،ص .11
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .14-13
-3اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .18
-4اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ.ص .18
270
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
271
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
اﻟﻼﻣﺷروط اﻟذي ﺷﻬدﺗﻪ اﻟدواﺋر اﻟﻔﻛرﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﻏﯾرﻫﺎ ﻣن اﻟﻐرب ،دون ﻣﺣﺎوﻟﺔ ﻟﺗﺻﻔﯾﺔ
ﻫذا اﻟواﻓد ﻣن ﺷواﺋب اﻻﻧﺗﻣﺎء إﻟﻰ ﺗرﺑﺗﻪ اﻷﺻﻠﯾﺔ ﻓﻲ ﺗرﺑﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ«.1
إن ظﻬور إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ ،ﯾﻌود ﻻﺳﺗﻠﻬﺎﻣﻧﺎ اﻟﻧﺗﺎﺋﺞ اﻟﺗﻲ أﻓرزﺗﻬﺎ
ّ
اﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ ،دون اﺳﺗﻠﻬﺎم ﺗداﻋﯾﺎت ﻫذﻩ اﻟﻧﺗﺎﺋﺞ اﻟﻧﺎﺟﻣﺔ أﺻﻼ ﻋن ﻣﺷروع
ﺣداﺛﻲ ﻏرﺑﻲ ﻗﺎﺋم ﻋﻠﻰ ﺧﺻﺎﺋص وﻣﻌطﯾﺎت ﺑﯾﺋﯾﺔ ﻻ ﺗواﻓق اﻟظروف اﻟﺗﻲ ﺗﺣﯾط ﺑﻧﺎ ،ﻓﻼ
ﺗﻣﻛن اﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺑﺣث ﻋن اﻟﺧﻠﻔﯾﺎت اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ واﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ ﻟﻬذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ إﻧﻣﺎ ﻫﻲ ﻛذﻟك
ﻛﯾﻔﯾﺔ ﺗﻘدﯾﻣﻬﺎ ﻟﻠﻘﺎرئ ﺑطرﯾﻘﺔ إﺑداﻋﯾﺔ ،إذ ﻓﺷل اﻟﻧﻘﺎد اﻟﻌرب ﻓﻲ ﺗﻘدﯾم ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ وﺗﻧﻘﯾﺗﻬﺎ ﻣن
اﻟﺷواﺋب اﻟﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﻌﻣﻠﯾﺔ إﻧﺗﺎﺟﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﯾﺋﺗﻬﺎ اﻷﺻﻠﯾﺔ ﻟﺗﻼﺋم ﺑذﻟك اﻟﻧﺻوص اﻹﺑداﻋﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ.
إذ ﯾﻘول "ﺳﻌﯾد ﯾﻘطﯾن" ﻓﻲ ﻫذا اﻟﺻدد » ﻣﻧذ ﺑداﯾﺔ اﺣﺗﻛﺎﻛﻧﺎ ﺑﺎﻟﻐرب ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻌﯾد
اﻷدﺑﻲ وﻧﺣن ﻻ ﻧﺄﺧذ ﻣن اﻟﻧظرﯾﺎت واﻻﺗﺟﺎﻫﺎت اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﺳوى ﻧﺗﺎﺋﺟﻬﺎ،وﻣﺎ ﻓﻛرﻧﺎ ﻗط...ﻓﻲ
اﺳﺗﻠﻬﺎم اﻟروح اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺷﺗﻐل ﺑﻬﺎ أﺻﺣﺎب اﻟﻧظرﯾﺎت إن ﻫذا اﻟﺳﺑل ﯾﻣﻛن أن ﯾﻘودﻧﺎ ﻓﻲ
ﺣﺎل اﻟﻘﯾﺎم ﺑﻪ إﻟﻰ اﻟﺗﻔﻛﯾر ﻓﻲ اﻷﺧذ ﺑﺎﻷﺳﺑﺎب اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ وﻫﻲ إﻧﺳﺎﻧﯾﺔ إﻟﻰ ﺗﺣﺻﯾل ﻧﺗﺎﺋﺞ
ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ،ﺑﻧﺎء ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﻘدﻣﻪ اﻟﻧص اﻟﻐرﺑﻲ ﻣن ﺧﺻوﺻﯾﺎت ﻫﻲ وﻟﯾدة اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻐرﺑﻲ«.2
وﻣﺎ ﯾﻼﺣظ ﻋﻠﻰ اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﻐرﺑﻲ أن اﻟﻧص اﻹﺑداﻋﻲ ﻫواﻟذي ﯾﺣدد طﺑﯾﻌﺔ ﻫذا
اﻟﺧطﺎب ،ﻟﻬذا ﺗﻧوﻋت اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ وﺗطورت ﻓﺎﻧﺗﻬﻰ ﻋﻬد ﻣﻧﺎﻫﺞ ووﻟدت أﺧرى ﻋﻠﻰ
أﻧﻘﺎﺿﻬﺎ ﻣواﻛﺑﺔ ﻟﺣرﻛﯾﺔ اﻟﻧﺻوص ﻓﻲ ﺗﻠك اﻟﺑﯾﺋﺔ ،ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻛس ﻣﻣﺎ ﺣﺻل ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ
اﻟذي ﻧﻬل ﻣن اﻟﻐرب ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ ﻣﺣﺎوﻻ اﺳﺗﻐﻼﻫﺎ ﻓﻲ ﻣﻘﺎرﺑﺔ اﻹﺑداع ﺑل وﺗطﺑﯾﻘﻬﺎ ﻋﻠﻰ
اﻟﺗراث ﻛذﻟك ،ﻣﻣﺎ وﺿﻊ اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﻌرﺑﻲ أﻣﺎم إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ ﻛﺑﯾرة ﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻌﻣﻠﯾﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ
اﻟﺗﻲ ﻟﻔّﻬﺎ اﻟﻐﻣوض ﺗﻧظﯾ ار وﺗطﺑﯾﻘﺎ ﻓﻲ ﺟل ﺟواﻧﺑﻬﺎ ﻣﻔﻬوﻣﺎ وﻣﺻطﻠﺣﺎ.
1
-ﻋﺑد اﻟﻐﻧﻲ ﺑﺎرة ،إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ ﺗﺄﺻﯾل اﻟﺣداﺛﺔ ﻓﻲ اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر -ﻣﻘﺎرﺑﺔ ﺣوارﯾﺔ ﻓﻲ اﻷﺻول اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ،
اﻟﻬﯾﺋﺔ اﻟﻣﺻرﯾﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب ،2005 ،د ط ،ص .135
-2ﺳﻌﯾد ﯾﻘطﯾن ،اﻷدب واﻟﻣؤﺳﺳﺔ واﻟﺳﻠطﺔ ،اﻟﻣرﻛز اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ اﻟﻌرﺑﻲ ،اﻟدار اﻟﺑﯾﺿﺎء ،اﻟﻣﻐرب ،ﺑﯾروت ،ﻟﺑﻧﺎن،2002 ،
ط ،1ص.69
272
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﻟﻘد وﻟّد اﻻﻫﺗﻣﺎم ﺑﻧﺗﺎﺋﺞ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ وأدواﺗﻬﺎ أزﻣﺔ ﻟﻠﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ ،ﻓﻠم ﯾﺻﺎﺣب ذﻟك
اﻻﻫﺗﻣﺎم وﻋﻲ ﺑﻣﺎﻫﯾﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ وﻋدم إﻫﻣﺎل ﺧﻠﻔﯾﺎﺗﻪ اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ واﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ،ذﻟك ﻷن اﻟﻧﻘﺎد اﻟﻌرب
اﻧﺟر ﻋﻠﻰ ﻣﺣﺎوﻻﺗﻬم اﻟﺗطﺑﯾق اﻵﻟﻲ ﻟﻬذﻩ اﻷدوات اﻟﻐرﺑﯾﺔ
اﻫﺗﻣوا ﻓﻘط ﺑﺎﻷدوات واﻹﺟراءات و ّ
اﻟﻣﻧﺑت ﻋﻠﻰ إﺑداﻋﺎﺗﻬم ﺗﺷوﯾﻪ ﻫذﻩ اﻟﻧﺻوص ﺣﯾﻧﺎ وطﻣس دﻻﻟﺗﻬﺎ واﺧﺗزاﻟﻬﺎ أﺣﺎﯾﯾن أﺧرى.
ﻓﻧﺗﯾﺟﺔ ﻏﯾﺎب اﻟوﻋﻲ ﺑﺄﺻول اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻐرﺑﯾﺔ وﺧﻠﻔﯾﺎﺗﻬﺎ ،ﺑﻠﻲ ﻋﻧﻘﻬﺎ وﻣﺣﺎوﻟﺔ ﺗطوﯾﻊ
اﻟﻧص اﻹﺑداﻋﻲ اﻟﻌرﺑﻲ ﻟﯾﺗﻼﺋم ﻣﻌﻬﺎ ،أﺿﺣت اﻟﻣﻘﺎرﺑﺎت اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﺗﻧﻔر اﻟﻘﺎرئ اﻟﻌرﺑﻲ
ﻣﻧﻬﺎ وﺗﺟﻌﻠﻪ ﯾﺑﺗﻌد ﻋﻧﻬﺎ ،ﺧﺷﯾﺔ ﻏﻣوﺿﻬﺎ واﻧﻐﻼﻗﻬﺎ ﻓﻲ طﻼﺳم ﺑﯾﺎﻧﺎت وﻣﻧﺣﻧﯾﺎت ّأدت إﻟﻰ
ﻏرﺑﺔ اﻟﻧص اﻹﺑداﻋﻲ واﺧﺗزﻟت ﺟﻣﺎﻟﯾﺎﺗﻪ ﻓﻲ ﺟداول وﻧﺳب إﺣﺻﺎﺋﯾﺔ ﺗﺣﯾل ﺑﯾﻧﻪ وﺑﯾن اﻟﻣﺗﻠﻘﻲ
اﻟذي أﺿﺣﻰ ﻻ ﯾﺷﻌر ﺑﺎﻟﻠذة واﻟﻣﺗﻌﺔ اﻟﺗﻲ طﺎﻟﻣﺎ ارﺗوى ﻣن ﻣﻧﺑﻌﻬﺎ اﻟﻧﺻوص اﻷدﺑﯾﺔ واﻟﻧﻘدﯾﺔ
ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر اﻟﻧﻘد ﻛﻼم ﻋﻠﻰ اﻹﺑداع واﻟﻛﻼم ﻋﻠﻰ اﻹﺑداع ﻫو ﻓﻲ ذاﺗﻪ إﺑداع.
وﻛﺎﻧت أزﻣﺔ اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري أﻛﺑر ﻧﺗﯾﺟﺔ ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻧﻘﺎد اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ ﻋن طرﯾق
اﻟﻣﺷرق ﺑواﺳطﺔ اﻟﺗرﺟﻣﺔ ﻓﺑﺳﺑب ﻋدم ﺿﻌف اﻟﺗرﺟﻣﺔ أﺣﯾﺎﻧﺎ وﻋدم دﻗﺗﻬﺎ أﺣﯾﺎﻧﺎ أﺧرى ،وأﺧذ
اﻟﻣواﻗف ﺿد ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ واﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﻧﺗﯾﺟﺔ اﻟﻧزﻋﺔ اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ،ﻓﻛﺛر اﻟﺧﻠط واﻟﺗﻠﻔﯾق
واﻟﻐﻣوض ﻓﻲ اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم واﻟﻣﻘوﻻت واﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت ،واﺧﺗﻠف اﻟﻧﻘﺎد ﺣول اﻹﺟراءات ﻓﻲ اﻟﻣﻧﻬﺞ
اﻟواﺣد ،ﺑل ﻫﻧﺎك ﻣن ﺧﻠط ﺑﯾن اﻟﻣﻘوﻻت واﻹﺟراءات ،ﻣﻣﺎ ﺣﺎل دون اﻟﺗﻠﻘﻲ اﻟﺳﻠﯾم ﻟﻠﻣﻔﺎﻫﯾم
واﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻣﺑﺎﺷرة ﻣن ﻣﻧﺑﺗﻬﺎ اﻷﺻﻠﻲ ﻣﻣﺎ زاد ﻓﻲ ﺗﺄزم اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري وﺗﺄﺧرﻩ.
وﻣﻣﺎ زاد ﻓﻲ ﺣﺟم اﻷزﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻌﺎﻧﻲ ﻣﻧﻬﺎ اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ﻫو اﻧﺣﺻﺎر
اﻻﻫﺗﻣﺎم ﺑﺎﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﻋﻠﻰ ﻓﺋﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ ﻣن ﻓﺋﺎت اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ وﻫﻲ ﻓﺋﺔ اﻷﻛﺎدﯾﻣﯾﯾن
ﻣن طﻠﺑﺔ وأﺳﺎﺗذة اﻟﺟﺎﻣﻌﺎت ،ﻓﻠم ﯾﺗم ﺗداوﻟﻬﺎ ﺧﺎرج أﺳوار اﻟﺟﺎﻣﻌﺔ إﻻّ ﻧﺎدرا ،ﻟظروف
اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ أﺣﯾﺎﻧﺎ أو ﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ﻋﻠﻣﯾﺔ ﻓﻲ أﺣﯾﺎن أﺧرى ،أو رﺑﻣﺎ ﯾﻌود ذﻟك إﻟﻰ ﻛل اﻟﻣﻧظوﻣﺔ
اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ وﻣﺎ ﯾﺣﯾط ﺑﻬﺎ ،ﻓزﯾﺎدة ﻋﻠﻰ ﻏﻣوض اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة وﻣﻘوﻻﺗﻬﺎ ،وﺻﻌوﺑﺔ
اﺳﺗﯾﻌﺎب ﻣﻔﺎﻫﯾﻣﻬﺎ ﻋﻠﻰ أﻫل اﻻﺧﺗﺻﺎص أﻧﻔﺳﻬم ،ﻓﻛﯾف ﺑﺎﻟﻘﺎرئ اﻟﻌﺎدي أن ﯾﺳﺗﺳﯾﻎ
إن ﻛﺛﯾ ار ﻣن اﻷﺳﺎﺗذة واﻟﺑﺎﺣﺛﯾن ﻓﻲ اﻟﺟﺎﻣﻌﺔ ﯾﺗﺟﻧﺑون اﻟﺧوض ﻓﻲ
ﻣﻘوﻻﺗﻬﺎ وﻣﻔﺎﻫﯾﻣﻬﺎ ؟ ،ﺑل ّ
273
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
274
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
275
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
وﻟﻘد ﺷﺎﻋت ﻋﻧد اﻟﻐرﺑﯾﯾن أﻧﻔﺳﻬم ظﺎﻫرة اﻟﺗرﻛﯾب اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ،وﻫوﻣﺎ دﻟﯾل ﻗﺎطﻊ ﻋﻠﻰ
ﻗﺻور اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟواﺣد ﻓﻲ اﻟﻣﻘﺎرﺑﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻟﻠﻧص اﻷدﺑﻲ ،وﻫذا ﻣﺎ أﺷﺎر إﻟﯾﻪ " ﻫﺎﯾﻣن" ﺑﻘوﻟﻪ »
ﻟوﻛﺎن ﻓﻲ ﻣﻘدورﻧﺎ أن ﻧﺻﻧﻊ ﻧﺎﻗدا ﺣدﯾﺛﺎ ﻣﺛﺎﻟﯾﺎ ﻟﻣﺎ ﻛﺎﻧت طرﯾﻘﺗﻪ إﻻّ ﺗرﻛﯾﺑﺎ ﻟﻛل اﻟطرق
واﻷﺳﺎﻟﯾب اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ ،اﻟﺗﻲ اﺳﺗﻐﻠﻬﺎ رﻓﺎﻗﻪ اﻷﺣﯾﺎءٕ ،واذن ﻻﺳﺗﻌﺎر ﻣن ﺟﻣﯾﻊ ﺗﻠك اﻟوﺳﺎﺋل
اﻟﻣﺗﺿﺎرﺑﺔ اﻟﻣﺗﻧﺎﻓﺳﺔ ورّﻛب ﻣﻧﻬﺎ ﺧﻠﻘﺎ ﺳوﯾﺎ ﻻ ﺗﺷوﯾﻪ ﻓﯾﻪ«.1
وﻣﻣﺎ زاد ﻓﻲ ﺗﻌﻣﯾق إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻫوﻣﺎ ﯾطﻠق ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺗﻌددﯾﺔ
اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ،وﺑﻧﺎء ﻋﻠﻰ ذﻟك ﺑرزت ﻋدة ﺗﺳﻣﯾﺎت ﻟﻬذا اﻟﺗرﻛﯾب ﺑﯾن اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ ﻣﻧﻬﺎ اﻟﻣﻧﻬﺞ
اﻟﻣﺗﻛﺎﻣل – اﻟﻣﺗﻌدد – ﻣﻧﻬﺞ اﻟﻼﻣﻧﻬﺞ – ﻣﻧﻬﺞ ﻣن ﻻ ﻣﻧﻬﺞ ﻟﻪ .
ﻓﺎﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻣﺗﻛﺎﻣل ﯾﺣﺎول اﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾن ﻛل اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺳﯾﺎﻗﯾﺔ واﻟﻧﺳﻘﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ
اﻟﻧﺻوص وﻫو ﻣﺎ ﺗﺑﻧﺎﻩ " أﺣﻣد ﻫﯾﻛل "،وﯾﻌرﻓﻪ ﺑﺎﻟﻘول " :ﻣﻧﻬﺟﻲ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد أﺳﻣﯾﻪ وﯾﺳﻣﯾﻪ
اﻟﻛﺛﯾرون وأﻧﺎ ﻣﻧﻬم اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﺗﻛﺎﻣﻠﻲ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟذي اﺳﺗﻔﯾد ﻓﯾﻪ ﻣن ﻛل ﻣﺎ طرح ﻣن ﻣذاﻫب
ﻧﻘدﯾﺔ ،ﻋﻠﻰ أن أﻏﻠب وأﻧﺎ أﻗوم ﺑﺎﻟﻌﻣﻠﯾﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ،ﻣﻧﻬﺟﺎ ﯾﺗطﻠﺑﻪ اﻟﻌﻣل اﻟذي أﻧﻘدﻩ ...ﻟﻛﻧﻲ
ﻻ أﺣﺻر ﻧﻔﺳﻲ ﻓﻲ ﻣﻧﻬﺞ واﺣد وأرﻓض ﻣﺎ ﺳواﻩ ،ﻷﻧﻲ أﻛون ﺣﯾﻧﺋذ ﻛﺎﻟﻘطﺎر اﻟذي ﯾﻣﺷﻲ
ﻋﻠﻰ اﻟﺳﻛﺔ اﻟﺣدﯾد إذا زل ﻫﻧﺎ أوﻫﻧﺎك اﻧﻛﻔﺄ وﻗﺗل اﻟرﻛﺎب " ،2رﻓض " ﻫﺎﯾﻣن " ﻫذا اﻟﻧوع ﻣن
اﻟﺗﻛﺎﻣل اﻟذي ﯾﺧﻠط ﺣﺳﺑﻪ ﻛل ﺷﻲء ﻓﻲ ﻗدر واﺣد ،وﻟﻛن اﻟﺗﻛﺎﻣل اﻟﻣﺛﺎﻟﻲ ﺣﺳﺑﻪ ﻫو»اﻟذي
ﻧرﯾد أن ﻧﻧﺷﺊ ﻣﻧﻪ طرﯾﻘﺔ ﻧﻘدﯾﺔ ﺳﺎﻣﯾﺔ ﻻ ﯾﺗم طرح ﻛل اﻟﻌﻧﺎﺻر اﻟﺟﯾدة ﻓﻲ ﻗدر واﺣد وﺧﻠطﻬﺎ
ﻣﻌﺎ ،ﻛﯾﻔﻣﺎ اﺗﻔق وﻟﻛﻧﻪ ﯾﺷﺑﻪ ﻋﻣل اﻟﺑﻧﺎء ﻋﻠﻰ أن ﯾﺗم ﺣﺳب ﺧطﺔ ﻣﻧظﻣﺔ ذات أﺳﺎس أو
ﻫﯾﻛل ﻣرﺳوم «.3
-1ﻣرﺷد اﻟزﺑﯾدي ،اﺗﺟﺎﻫﺎت ﻧﻘد اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻓﻲ اﻟﻌراق ،ص ،163ﻧﻘﻼ ﻋن ﺷﺎرف ﻓﺿﯾل ،ﻣﺳﺗوﯾﺎت
اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي ﻋﻧد "ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض -ﻗراءة ﻓﻲ اﻟﻣﻧﻬﺞ ،-ﻣذﻛرة ﻟﻧﯾل ﺷﻬﺎدة اﻟﻣﺎﺟﺳﺗﯾر ،ﺟﺎﻣﻌﺔ وﻫران،
،2014/2013ص .11
-2ﺟﻬﺎد ﻓﺎﺿل ،أﺳﺋﻠﺔ اﻟﻧﻘد ،ص .14
-3ﺷﺎرف ﻓﺿﯾل ،ﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي ﻋﻧد " ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض " – ﻗراءة ﻓﻲ اﻟﻣﻧﻬﺞ ، -ص .11
276
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
إذن " ﻫﯾﻛل " ﯾﺧﺷﻰ أن ﯾﺗﺻرف ﻓﻲ ﻣﻧﻬﺞ ﺑﻌﯾﻧﻪ ﻷن ذﻟك ﻗد ﯾﺧرﺟﻪ ﻋن ﻣﺳﺎرﻩ
وﯾﻘدم أﺣﻛﺎﻣﺎ ﺧﺎطﺋﺔ ﻓﯾﻣﺎ ﯾرى ﻣرﺗﺎض أن »أوﻟﻰ ﻟﻧﺎ أن ﻧﺷد ﻣﻧﻬﺟﺎ ﺷﻣوﻟﯾﺎ وﻻ أﻗول ﻣﻧﻬﺟﺎ
ﺗﻛﺎﻣﻠﯾﺎ «وﯾوﺟﻪ ﻧﻘدا ﺷدﯾدا ﻷﺻﺣﺎب ﻫذا اﻟﻧﻬﺞ ﻓﻲ ﻗوﻟﻪ »إذ ﻟم أر أﺗﻔﻪ ﻣن ﻫذﻩ اﻟرؤﯾﺔ
اﻟﻣﻐﺎﻟطﺔ اﻟﺗﻲ ﺗزﻋم أن اﻟﻧﺎﻗد ﯾﻣﻛن أن ﯾﺗﻧﺎول اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ ﺑﻣذاﻫب ﻧﻘدﯾﺔ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻓﻲ آن
واﺣد ،ﻓﻣﺛل ﻫذا اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻣﺳﺗﺣﯾل اﻟﺗطﺑﯾق ﻋﻣﻠﯾﺎ «.1
وﯾرى ﻣن ﺟﻬﺔ أﺧرى »أن ﺗﻬﺟﯾن أي ﻣﻧﻬﺞ أﻣر ﺿروري ﻟﺗﻛﺗﻣل أدواﺗﻪ وﻟﯾﺻﺑﺢ أﻗدر ﻋﻠﻰ
اﻟﻌطﺎء واﻟرؤﯾﺔ « ،2وﯾﻘول أﯾﺿﺎ »ﺟﻬل ﻣﺛل ﻫذا اﻟﻌﻣل ﻣﻣﻛن اﻟﺣدوث ؟...ﻓﺈن ﻣﺛل ﻫذا
اﻟﺳﻠوك اﻟﻔﻛري ﯾﺷﺑﻪ اﻟﺷطﺣﺔ اﻟﺑﻬﻠواﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻟو طﺑﻘت ﻓﻲ ﻣﺟﺎل اﻟﻌﻣل ﻷﻣﺳت ﺿﺣﻛﺔ ﻫزأة
ﺳﺧرﯾﺔ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻻ ﺣدود ﻟﻪ ﻣن اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟداﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺿﺣك واﻟﺳﺧرﯾﺔ واﻻﺳﺗﻬزاء ...وﻟو ﻛﺎن
ذﻟك ﻋﻠﻰ ﻛل ﺣﺎل وﻫو ﻣﺳﺗﺣﯾل ﻋﻠﻰ ﻛل ﺣﺎل أن ﻧدﻣﺞ ﻋدة ﻣﺟﻠدات ﻋن ﺣﻛﺎﯾﺔ ﺷﻌﺑﯾﺔ
واﺣدة أو ﻗﺻﺔ واﺣدة ﻋﻠﻰ أﺳﺎس أﻧﻧﺎ ﻧﻌﺎﻟﺟﻬﺎ ﻣن ﻣﺳﺗوﯾﺎت ﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ﻣﺗﺑﺎﯾﻧﺔ ﻛل ﻣﺳﺗوى ﯾﻬﯾم
ﻓﻲ وادﯾﻪ اﻟﺳﺣﯾق ،إﻟﻰ أن ﯾرﺳب ﻓﻲ اﻟﺑﺣر اﻟﻌﻣﯾق«. 3
إذن ﯾﺷﯾر اﻟﻧﺎﻗد إﻟﻰ ﺻﻌوﺑﺔ اﻟﺗﻛﺎﻣل ﺑﯾن اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ ﺑﺳﺑب ﺗﺑﺎﯾن ﻣﻧطﻠﻘﺎﺗﻬﺎ وﻓﻠﺳﻔﺎﺗﻬﺎ
ﻓﺄﻧﻰ ﻟﻬﺎ أن ﺗﻌﺎﻟﺞ ﻧﺻﺎ ﻓﻲ ظل ﻫذا اﻟﺗﻧﺎﻗض ؟ واﻟﻣﻼﺣظ ﻋﻠﻰ ﻛﺗﺎﺑﺎت ﻋﺑد
وﻣرﺟﻌﯾﺎﺗﻬﺎ ّ
اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض ﻧﺷﺎز ﻋﻠﻰ ﺣد ﺗﻌﺑﯾر ﺛﺎﻣر ﻓﺎﺿل ﻓﻲ ﻗراءﺗﻪ ﻟﻌﻧوان ﻛﺗﺎﺑﻪ "ﺗﺣﻠﯾل ﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ
ﺗﻔﻛﯾﻛﻲ ﻟﺣﻛﺎﯾﺔ ﺣﻣﺎل ﺑﻐداد" ،ﻓﻬو ﯾرى أن ﻫذا ﻧﺷﺎز وﺟﻣﻊ ﻟﻣﺎ ﻫو ﻣﺗﺑﺎﯾن ﻓﻣﻧﻬﺞ ﻻ ﺣﯾﺎة ﻓﯾﻪ
ﻟﻣؤﻟﻔﻪ وﻣﻧﻬﺞ ﯾﻔرض ﻫذا اﻟﻣﺑدع ﻋﻠﻰ اﻟﻧص ﺑﺗﻌدد اﻟﻘراءة ،ﻓﻛﯾف ﯾﻣﻛن ﺗرﻛﯾﺑﻬﺎ ؟ وﻋن ﻫذا
اﻟﻌﻣل ﯾﻘول »دراﺳﺔ ﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ – ﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ "اﻟواردة ﻫﻲ ﻋﻧوان ﻟﻛﺗﺎب ﯾﺑدوﻋﻠﯾﻪ اﻟﻧﺷﺎز وﻋدم
-1ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض ،أﻟف ﻟﯾﻠﺔ وﻟﯾﻠﺔ ،دﯾوان اﻟﻣطﺑوﻋﺎت اﻟﺟﺎﻣﻌﯾﺔ ،اﻟﺟزاﺋر ، 1993 ،ص .10
-2ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض ،اﻟﺗﺣﻠﯾل اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ ﻟﻠﺧطﺎب اﻟﺷﻌري ،ص .21
-3ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض ،أﻟف ﻟﯾﻠﺔ وﻟﯾﻠﺔ ،ص .10
277
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
اﻟﺗﺟﺎﻧس ﻣن اﻟوﻫﻠﺔ اﻷوﻟﻰ وذﻟك ﻷن اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ ﺗﻌﻧﻲ ﺑﻧظﺎم اﻟﻌﻼﻣﺎت ،وﺗﻬﺗم ﺑﺻﻔﺔ اﻟدال
واﻟﻣدﻟول «.1
أﻣﺎ اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ﻓـ " ﺟﺎك درﯾدا " ﻧﻔﺳﻪ وﻫو زﻋﯾم اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﻲ ﯾﻌﻠن أن ﻗراءاﺗﻪ
اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ﻫﻲ إﺳﺎءة ﻟﻠﻘراءة إﻧﻬﺎ ﺗﺣﺎول أن ﺗﻔرض اﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺎت اﻹﻧﺳﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﻧص .2
إن ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض ﻣن ﺧﻼل ﻣﯾﻠﻪ إﻟﻰ ﻫذا اﻟﺗرﻛﯾب ،ﯾدﻋو إﻟﻰ ﺗﺑﻧﻲ ﻗراءة ﺣدﯾﺛﺔ وﻫﻲ
اﻟﻘراءة اﻟﻣرﻛﺑﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻧﻬض ﻋﻠﻰ ﺟﻣﻠﺔ اﻹﺟراءات اﻟﺗﺟرﯾﺑﯾﺔ واﻻﺳﺗطﻼﻋﯾﺔ اﻻﺳﺗﻧﺗﺎﺟﯾﺔ ﺟﻣﯾﻌﺎ
ﻓﻣرﺗﺎض ﻣن اﻷواﺋل اﻟذﯾن ﺳﻌوا إﻟﻰ ﻫذا اﻟﺗرﻛﯾب ،وﻓق رؤﯾﺔ ﺧﺎﻟﺻﺔ وأﻏﻠب ﻣؤﻟﻔﺎﺗﻪ ﻻ
ﺗﺧﻠو ﻣن ﻫذا اﻟﻧوع ﻣن اﻟﺗرﻛﯾب وﻫو ﯾداﻓﻊ ﻋن ﻫذا اﻻﺧﺗﯾﺎر ﺑﻘوﻟﻪ " :وﻗد دأﺑﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻣﻼﺗﻧﺎ
ﻣﻊ اﻟﻧﺻوص اﻷدﺑﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻧﺎوﻟﺗﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘراءة اﻟﺗﺣﻠﯾﻠﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺳﻌﻲ إﻟﻰ اﻟﻣزاوﺟﺔ أو اﻟﻣﺛﺎﻟﺛﺔ ،أو
اﻟﻣراﺑﻌﺔ ورﺑﻣﺎ اﻟﻣﺧﺎﻣﺳﺔ ﺑﯾن طﺎﺋﻔﺔ ﻣن اﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت ،ﺑﺎﺻطﻧﺎع اﻟﻘراءة اﻟﻣرﻛﺑﺔ اﻟﺗﻲ ﻻ ﺗﺟﺗري
ﺑﺈﺟراء أﺣﺎدي ﻓﻲ ﺗﺣﻠﯾل ﻟﻧﺻوص ،ﻷن ﻣﺛل ﻫذا اﻹﺟراء ﻣﻬﻣﺎ ﯾﻛن ﻛﺎﻣﻼ دﻗﯾﻘﺎ ﻓﻠن ﯾﺑﻠﻎ ﻣن
3
أن ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض ﻟم ﯾﺻرح ﺑﺗﺑﻧﯾﻪ اﻟﻧﻬﺞ اﻟﺗرﻛﯾﺑﻲ إﻻّ
اﻟﻧص اﻟﻣﺣﻠل ﻛل ﻣﺎ ﻓﯾﻪ" .رﻏم ّ
ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﯾن ﻣن ﻛﺗﺑﻪ وﻫﻣﺎ " ﺗﺣﻠﯾل اﻟﺧطﺎب اﻟﺳردي ﻣﻌﺎﻟﺟﺔ ﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ -ﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ ﻣرﻛﺑﺔ
ﻟرواﯾﺔ "زﻗﺎق اﻟﻣدق" ،وﻛﺗﺎﺑﻪ " ﺷﻌرﯾﺔ اﻟﻘﺻﯾدة ﻗﺻﯾدة اﻟﻘراءة ﺗﺣﻠﯾل ﻣرّﻛب ﻟﻘﺻﯾدة أﺷﺟﺎن
ﯾﻣﻧﯾﺔ ،ﻟﻛﻧﻪ اﻋﺗﻣد ﻫذا اﻹﺟراء ﻓﻲ ﻛﺗب أﺧرى ،ﺣﯾث رﻛب ﺑﯾن اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ واﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ﻓﻲ
ﻛﺗﺎﺑﯾﻪ "أ-ي" و" أﻟف ﻟﯾﻠﺔ وﻟﯾﻠﺔ" ،واﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ واﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ﻓﻲ ﻛﺗب أﺧرى ﻣﺛل "اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ ﻣن
أﯾن؟ ٕواﻟﻰ أﯾن؟" و"ﺑﻧﯾﺔ اﻟﺧطﺎب اﻟﺷﻌري".
ﺑﺄن » اﻟﺗﻌددﯾﺔ اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ أﺻﺑﺣت ﺗﺷﯾﻊ اﻵن ﻓﻲ
ﯾﺑرر ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض ﻧﻬﺟﻪ ّ
ﺑﻌض اﻟﻣدارس اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ ،وﻧرى أن ﻻ ﺣرج ﻓﻲ اﻟﻧﻬوض ﺑﺗﺟﺎرب ﺟدﯾدة ﺗﻣﺿﻲ ﻓﻲ ﻫذا
اﻟﺳﺑﯾل ﺑﻌد اﻟﺗﺧﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﻣﻧﻲ ﺑﻬﺎ اﻟﻧﻘد ﻣن ﺟراء اﺑﺗﻼﻋﻪ اﻟﻣذﻫب ﺗﻠو اﻟﻣذﻫب ،ﺧﺻوﺻﺎ ﻓﻲ
-1ﺛﺎﻣر ﻓﺎﺿل ،ﻣﻘﺎرﺑﺎت اﻟﻧﻘﺎد اﻟﻣﻌﺎﺻرﯾن ،ﻛﺗﺎﺑﺎت ﻣﻌﺎﺻرة ،اﻟﻣﺟﻠد ، 1ﻋدد ، 2أذار ، 1989ص .27
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .29
-3ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض ،اﻟﺗﺣﻠﯾل اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ ﻟﻠﺧطﺎب اﻟﺷﻌري ،ص .7
278
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
أن
أن اﻟﻘطﯾﻌﺔ اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ ﻻ ﺗﻘوم ﺑﻬﺎ أي ﻓﻠﺳﻔﺔ ﻗدﯾﻣﺎ وﺣدﯾﺛﺎ ،وﯾﻌﻧﻲ ﺑﻌض ذﻟك ّ
ﻫذا اﻟﻘرن ،و ّ
أن ﻛل ﻓﻠﺳﻔﺔ ﻻ ﯾﻧﺑﻐﻲ ﻟﻬﺎ
ﻛل ﻣذﻫب ﻧﻘدي ﻫو أﺻﻼ ﺗرﻛﯾب ﻣن ﺟﻣﻠﺔ ﻣن اﻟﻣذاﻫب ،ﻛﻣﺎ ّ
أن ﺗﻧﻬض إﻻ ﻋﻠﻰ ﻓﻠﺳﻔﺎت ﺳﺑﻘﺗﻬﺎ ،ﻓﺗﻌﻣد إﻟﻰ اﻟﺗرﻛﯾب ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﻣﺧﺎﻟﻔﺔ واﻟﻣواﻓﻘﺔ
واﻟﺗﻌﻣﯾق واﻟﺑﻠورة ،ﻟﻠﺧروج ﺑﻧظرﯾﺔ ﻓﻠﺳﻔﯾﺔ ﺟدﯾدة ،وﻟﻛن ﻋﻠﻰ ﺑﻌض أﻧﻘﺎﺿﻬﺎ«.1
إن اﻹﺟراءات اﻟﺗﻲ طﺑﻘﻬﺎ ﻣرﺗﺎض ﻓﻲ دراﺳﺎﺗﻪ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻻﺳﯾﻣﺎ اﻟﺗرﻛﯾب اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ،
ّ
ﺟﻌﻠﺗﻪ ُﻋرﺿﺔ ﻟﻠﻧﻘد ،ﺑل واﻟﺗطﺎول ﻋﻠﯾﻪ ﻣن طرف ﺑﻌض اﻟﻧﻘﺎد اﻟذﯾن اﺗﻬﻣوﻩ ﺑﺎﻟﺧﻠط واﻟﺗﻠﻔﯾق
ﺑﯾن ﻣﺎ ﻫو ﻏﯾر ﻣﺗﺟﺎﻧس ،ﻟﻛون ﻛل ﻣﻧﻬﺞ ﻣن اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ ﯾﺗﻛﺄ ﻋﻠﻰ ﻣﻌطﯾﺎت إﺑﺳﺗﻣوﻟوﺟﯾﺔ
أن ﻣﺟﻬودات ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض ﻓﻲ
وﻓﻠﺳﻔﯾﺔ ،وﻻ ﯾﺟوز اﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾﻧﻬﺎ ﻓﻲ دراﺳﺔ واﺣدة ،ﻏﯾر ّ
اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ﻟطﺎﻟﻣﺎ أﺛﻣرت ﻓﻲ ﻓﺗﺢ ﻧﻘﺎش ﻧﻘدي ﺣول أراﺋﻪ وﺧﯾﺎراﺗﻪ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺗﻲ
طﺎﻟﻣﺎ أﺣدﺛت ﺿﺟﺔ ﻧﻘدﯾﺔ وﻓﻛرﯾﺔ ﺗﺿﻔﻲ ﺣراﻛﺎ ﻧﻘدﯾﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺳﺎﺣﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ،ﻟو اُﺗﯾﺢ
ﻟﻬﺎ ذﻟك وﻓق ﻣﻌﺎﯾﯾر ﻋﻠﻣﯾﺔ ،ﺗﺣﻘق وﻋﯾﺎ ﻧﻘدﯾﺎ وﻣﻧﻬﺟﯾﺎ وﺗﺣدد ﻣﻌﺎﯾﯾر وﺣدود ﻟﻠﺗرﻛﯾب
اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ ﺑﻣﺎ ﯾراﻋﻲ ﺧﺻوﺻﯾﺔ اﻹﺑداع اﻟﺟزاﺋري اﻟذي طﺎﻟﻣﺎ ظُﻠم ﺗﺣت ﺣﺟﺔ اﻹﺟراءات
وﻏﯾﺑت ﻋﻧﻪ اﻟﺣس
اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ اﻟﺻﺎرﻣﺔ ،اﻟﺗﻲ أﺿﻔت ﻋﻠﻰ اﻹﺑداع اﻟﻧﻘدي ﺻراﻣﺔ وﻋدم ﻟﯾوﻧﺔ ّ
اﻟذوﻗﻲ واﻟﻔﻧﻲ ،اﻟذي طﺎﻟﻣﺎ ﺻﺎﺣب اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ اﻹﺑداﻋﯾﺔ ﻋﻧد اﻟﻣﺗﻠﻘﻲ ،ﺧﺻوﺻﺎ ﻓﻲ ظ ّل
اﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﺣدﯾﺛﺔ اﻟﺗﻲ أﺻﺑﺣت ﺗوﻟﻲ ﻟﻠﻘﺎرئ أﻫﻣﯾﺔ ﻛﺑرى ﻓﻲ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ.
ﺛﺎﻧﯾﺎ -إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻹﺣﺻﺎء وﻋﻠﻣﻧﺔ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ :
ﺗﻌﺎﻟت اﻟﺻﯾﺣﺎت ﻓﻲ ﻧﻬﺎﯾﺔ ﺳﺗﯾﻧﺎت اﻟﻘرن اﻟﻣﺎﺿﻲ ﺑﺎﻟدﻋوة إﻟﻰ اﻟﻌودة إﻟﻰ اﻟﻧص
وﺣدﻩ ،ﻓﻼ ﺧﻼص ﻟﻠﻧﺎﻗد ﺧﺎرﺟﻪ ،وﻻ ﺟدوى ﻓﻲ اﻟﺑﺣث ﺑﻌﯾدا ﻋن اﻟﻧص »،إذ ﻻ ﻗﺻد ﻫﻧﺎك
ﺳوى ﻣﺎ ﯾﻣﻛن أن ُﯾ َﺳﻠّﻣﻪ ﻫذا اﻟﻧص طوﻋﺎً أو ﻗﺳ اًر ،ﻓﻬو ﻣﺳﺗودع اﻟدﻻﻻت ﺑﻌﯾدﻫﺎ وﻗرﯾﺑﻬﺎ
وﻫو ﻗول ﻣﺳﺗوﺣﻰ ﺑﺷﻛل ﻣﺑﺎﺷر ﻣن أدﺑﯾﺎت ﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﺗرى ﻓﻲ اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ اﻟﻣﻼذ اﻷول واﻷﺧﯾر
ﻟﻠﻣؤﻣن ،إﻧﻬﺎ اﻟﻣﺎﻟك ﻟﻣﻔﺎﺗﯾﺢ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ واﻟﻣﻌﻧﻰ ،ﻓﻲ اﻟﻧﺻوص وﻓﻲ اﻟﺣﯾﺎة ،وﻟﻛﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧت وﺛﯾﻘﺔ
279
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
اﻟﺻﻠﺔ أﯾﺿﺎً ﺑﺎﻟظﺎﻫراﺗﯾﺔ اﻟﺗﻲ دﻋت إﻟﻰ اﻟﻌودة إﻟﻰ اﻷﺷﯾﺎء ذاﺗﻬﺎ ،ﻓﻔﻲ ﻣﺣدداﺗﻬﺎ اﻟظﺎﻫرة
ﯾﺳﻛن اﻟﻣﻌﻧﻰ«.1
ﻓﻛﺎن ﺗﺣول اﻟﻧﻘد ﻣن اﻟﺧﺎرج ﻧﺣو اﻟداﺧل واﻻﻧﺻراف اﻟﻛﻠﻲ إﻟﻰ اﻟﻧص وﺣدﻩ
ٕواﻗﺻﺎء ﻣﺎ ﻋداﻩ ،أﺑرز ﻣﺎ ﺣﻣﻠﺗﻪ اﻟﻧزﻋﺔ اﻟوﺻﻔﯾﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ اﻟﺗﻲ أطﻠﻘﻬﺎ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﯾﺔ اﻟﻘرن اﻟﺗﺎﺳﻊ
ﻋﺷر وﺑداﯾﺎت اﻟﻘرن اﻟﻌﺷرﯾن ﻋﺎﻟم اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺳوﯾﺳري ﻓردﯾﻧﺎﻧد دي ﺳوﺳﯾر ،ﻓﻲ دراﺳﺎﺗﻪ
وﻣﺣﺎﺿراﺗﻪ اﻟﺗﻲ ﺟﻣﻌﻬﺎ ﺗﻼﻣﯾذﻩ ﺑﻌد وﻓﺎﺗﻪ ﺳﻧﺔ ،1916ﺗﺣت ﻋﻧوان " ﻣﺣﺎﺿرات ﻓﻲ ﻋﻠم
اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺎم" وﻣن ﻫﻧﺎ ﺑدأ اﻟﺗرﻛﯾز ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻐوﯾﺔ ﻟﻠﻧص وﺗﺟﺎﻫل ﻛل أﺛر ﻟﻠﺳﯾﺎق اﻟﻣﺣﯾط ﺑﺎﻟﻧص
ووﺿﻊ اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻧﺻب ﻋﯾﻧﯾﻪ ﻓﻛرة أن ﯾﺗﺣول اﻟﻧﻘد إﻟﻰ ﻋﻠم ﯾﺗﺑﻊ طراﺋق اﻟﻌﻠوم اﻟﺗﺟرﯾﺑﯾﺔ وﺣدﻫﺎ
ﻓﻲ اﻟرﺻد واﻟوﺻف واﻹﺣﺻﺎء واﻟﻣﻘﺎرﻧﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻌﻣﺗد ﻋﻠﻰ اﻷرﻗﺎم واﻟرﺳوم واﻟﺟداول.
وﻣن ﺑﯾن ﻣﺎ أدﺧﻠﺗﻪ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ﻓﻲ ﻣﺎ ﯾﺧص
اﻟﺟﺎﻧب اﻹﺟراﺋﻲ ﻫو اﻹﺣﺻﺎء ﻫذا اﻷﺧﯾر اﻟذي ﻟﻘﻲ ﺟدﻻ واﺳﻌﺎ ﺟراء إدﺧﺎﻟﻪ ﻟﻠﻌﻣﻠﯾﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ
رﻏم أﻧﻪ ﻗد ﯾﻣﺛل -ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﻣداﻓﻌﯾن ﻋﻧﻪ» -إﺟراء ﻣوﺿوﻋﻲ ﻣن ﺷﺄﻧﻪ أن ﯾﻣﺛل ﺧطوة ﺟﺑﺎرة
ﺗﺳد ﻓﺟوات اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ اﻟﺗﻲ أﺛﻘﻠﺗﻬﺎ اﻷﺣﻛﺎم اﻻﻧطﺑﺎﻋﯾﺔ
ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺎر ﻋﻠﻣﻧﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ ،ﻗد ّ
اﻟذاﺗﯾﺔ وﻣﺎ ﺗﻣﻠﯾﻪ اﻟﺧواطر ﻣن رؤى آﻧﯾﺔ ﻣﺎ ﺗﻠﺑث أن ﺗﺗﺑدد« ،2ﻟﻛن ﻣن ﺟﻬﺔ أﺧرى ﻻﻗﻰ
إدﺧﺎل ﻫذﻩ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ﻧﻘدا ﻻذﻋﺎ ،ﺟراء ﻣﺎ ﺧﻠﻔﺗﻪ ﻫذﻩ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟدراﺳﺔ
اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻟﻛوﻧﻪ »ﻣﺻﺎدرة ﺧطﯾرة ﻟﻠذوق اﻟﻧﻘدي اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ ،ﻣن ﺷﺄﻧﻬﺎ أن ﺗﺣﯾل اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ إﻟﻰ
ظﺎﻫرة ﻋﻠﻣﯾﺔ ﺟﺎﻣدة ،أﺣﺎدﯾﺔ اﻟﺗﻔﺳﯾر ،وﻫو–ﻓﻲ ﺟوﻫرﻩ -ظﺎﻫرة ﻓﻧﯾﺔ ﻛﯾﻔﯾﺔ وﻧﺳﺑﯾﺔ ،ﯾﺳﺗﺣﯾل
إﺧﺿﺎﻋﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺿﺑط اﻟﻛﻣﻲ اﻟﻣدﻗق«.3
ﯾرى اﻟﻧﺎﻗد " ﻋﺑد اﻟﺳﻼم اﻟﻣﺳدي" ﺣول ﺟدوى اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ اﻹﺣﺻﺎﺋﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ
ٕوان ﻛﺎن ﻟﻬﺎ »ﻓﺿل ﺑﺎرز ﻓﻲ ﻋﻘﻠﻧﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻘدي،ﻓﺈن ﺟﻣﻠﺔ ﻣن اﻻﺣﺗﯾﺎطﺎت اﻟواﻗﯾﺔ ﻗد
280
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﺗﻐﺎﻓل ﻋﻧﻬﺎ ﺑﻌض اﻟﻧﻘﺎد ...وﻫﻧﺎ ﯾﻛﻣن اﻻﻧزﻻق اﻟذي آل إﻟﯾﻪ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻹﺣﺻﺎﺋﻲ ،ﻓﺗواﺗر
ذﻛر اﻟﺷﻲء ﻗد ﯾﻔﯾد ﺗﻧﺎﺳﺑﺎ طردﯾﺎ ﺑﯾﻧﻪ وﺑﯾن أﻫﻣﯾﺗﻪ ﻓﻲ ﺗوﻓﯾر أدﺑﯾﺔ اﻟﻧص ،وﻟﻛن ﺗﻛرار اﻟدال
اﻟواﺣد ﻗد ﻻ ﯾﻌﻧﻲ ﺑﺎﻟﺿرورة ﺗﻛرار اﻟﻣدﻟول اﻟواﺣد ،ﻛﻣﺎ أن اﻟﻣدﻟول اﻟواﺣد ﻗد ﯾطرد ذﻛرﻩ ﻣن
ﺧﻼل دوال ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ،وﻓﻲ ﻛل اﻟﺣﺎﻻت ﻗد ﯾﺻل اﻟﺗواﺗر ﺣدا ﯾﺑﻠﻎ ﻣﻌﻪ درﺟﺔ ﻣن اﻟﺗﺷﺑﻊ ﺑﺣﯾث
ﺗﻧﻘﻠب أﻫﻣﯾﺗﻪ ﺑﻌﻛس ﻣﺎ ﯾظن اﻟﻧﺎﻗد ﻣن أول وﻫﻠﺔ«.1
ﻓﻣﺎ اﻟﺟدوى ﻣن ﻫذﻩ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ اﻟﺷﺎﻗﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻘوم ﺑﻬﺎ اﻟﻧﺎﻗد ﻓﻲ ﻋﻣﻠﯾﺎت ﺗﻌداد ﻟﻠﻛﻠﻣﺎت
واﻷﻟﻔﺎظ واﻟﺻﯾﻎ واﻷﺳﻣﺎء واﻷﻓﻌﺎل ﺛم ﻗد ﻻ ﯾﺻل إﻟﻰ ﻧﺗﯾﺟﺔ ﺣﺎﺳﻣﺔ ﺗﺗﻧﺎﺳب ﻣﻊ ﻫذﻩ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ
اﻟﺷﺎﻗﺔ ،وﻗد ﺗﺿﻔﻲ ﻋﻠﻰ اﻟدراﺳﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ أﺷﻛﺎل وﺣﺳﺎﺑﺎت ﻻ ﯾﻔﻬم ﻣﻧﻬﺎ اﻟﻘﺎرئ ﺷﯾﺋﺎ ،ﺑل
أﺻﺑﺢ اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﻘراء ﯾﺗﺟﻧﺑوﻧﻬﺎ ﺑﻣﺎ ﺗﺗﺳم ﻣن ﻏﻣوض ٕواﺑﻬﺎم ،ﻷﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻣﺛل ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻬم
ﺳوى ﺟداول وﺑﯾﺎﻧﺎت أﻗرب ﻣﻧﻬﺎ طﻼﺳم ﻣن أي ﺷﻲء آﺧر ،وﯾرى ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ﻓﻲ ﻫذا
اﻟﺻدد أن » اﻹﺣﺻﺎء ﻣﻔﺗﺎح ﻣﻧﻬﺟﻲ ﻣﻬم ،ﻗد ﯾﻌوض اﻧطﺑﺎع اﻟﺧﺎطر ﻓﻲ اﻹدراك
اﻟﻣﺟرد ،ﺑل
ّ اﻟﻣوﺿوﻋﻲ ﻟﺑﻌض اﻟظواﻫر اﻟﻔﻧﯾﺔ ،ﺷرﯾطﺔ أﻻ ﯾﻘف ﻋﻠﻰ ﻋﺗﺑﺔ اﻟﺟرد اﻟﺣﺳﺎﺑﻲ
ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﺗﺟﺎوزﻫﺎ إﻟﻰ ﺗﺣدﯾد دﻻﻻت ذﻟك ،ﺑﻣﺎ ﻻ ﯾﻘﺻﻲ ﺗﻣﺎﻣﺎ وظﯾﻔﺔ اﻟذوق اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ«.2
وﻣن أﺑرز اﻟﻧﻘﺎد اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ﺗطﺑﯾﻘﺎ ﻟﻺﺣﺻﺎء ﻛﺈﺟراء ﻧﻘدي ﻧﺟد ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض،
ﻓﺎﻹﺣﺻﺎء ﻋﻧدﻩ ﯾﺳﺎﻋد ﻋﻠﻰ اﻟﺣﺻر واﻟﻣﻼﺣظﺔ اﻟدﻗﯾﻘﺔ ﻟظﺎﻫرة أدﺑﯾﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ ،ﻛﻣﺎ ّأﻧﻪ ﻟﯾس
ﯾﻌدﻩ ﻓﻲ ﻣﻘﺎم دراﺳﺔ اﻟﺑﻧﯾﺔ اﻟﻧﺻﯾﺔ
ﻓﻲ ﻛل اﻷﺣوال ﺻﺎﻟﺣﺎ ﻷن ﯾﻛون ﻣﻧﻬﺟﺎ ﺳﻠﯾﻣﺎ ،ﻟﻛﻧﻪ ظ ّل ّ
وﻣم ﺗﺄﻟﻔت ،ﻧﻛون ﻗد ﻋرﻓﻧﺎ،
اﻷداة اﻷوﻟﻰ ﻟﻠﻣﻌرﻓﺔ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،ﻷﻧﻧﺎ ﺑﻣﻌرﻓﺗﻧﺎ أﺟزاء اﻟوﺣدات ّ
ﺑﺷﻛل أو ﺑﺂﺧر ﺧﺻﺎﺋص ﻫذﻩ اﻟوﺣدات،وﻫﻲ ﻣﻌرﻓﺔ ﺗﻔﺿﻲ ﺑﻧﺎ إﻟﻰ ﺣﺻر اﻟﺧﺻﺎﺋص
اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻧﺳﺞ اﻟﺧطﺎب.3
281
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
282
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
283
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﻟﯾﺳﺗﻧﺗﺞ ﻓﻲ اﻷﺧﯾر ﺳﯾطرة اﻷﺳﻣﺎء ﺳﯾطرة ﻣطﻠﻘﺔ ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻧص »،ﻓﻛﺄﻧﻪ " ﻧص
1
أن » ﻫذا اﻟﻧص ﺗﻌﻣد ﺗوظﯾف اﻻﺳم ﺗﻌﻣدا
اﺳﻣﻲ"« ،ﺣﺳب ﺗﻌﺑﯾر اﻟﻧﺎﻗد ،ﻟﯾرﺟﻊ ذﻟك إﻟﻰ ّ
ظﺎﻫرا ،ورﺑﻣﺎ ﻛﺎن ﻫذا اﻟدﯾدن ﻣؤﺛ ار ﻓﻲ اﻟﻧص اﻟﻣطروح ﻻن اﻷﺳﻣﺎء أدل ﻋﻠﻰ ﻣﺳﻣﯾﺎﺗﻬﺎ
واﻟﻣﺳﻣﯾﺎت ﺣﻘﺎﺋق ﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ ذات وﺟود ﺷرﻋﻲ ،ﺛم إن اﻷﺳﻣﺎء اﻟﻣﺷﺗﻘﺔ داﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺛﺑوت اﻟزﻣﺎن
وﺗوﻛﯾدﻩ« ،2ﻟﻛن ﻫل ﺗﺳﺗﺣق ﻫذﻩ اﻟﻧﺗﯾﺟﺔ ﻏﯾر اﻟﻣؤﻛدة ﺑﺈﻗرار اﻟﻧﺎﻗد ﻧﻔﺳﻪ " رﺑﻣﺎ " ﻛل ﻫذا
اﻟﻌﻧﺎء وﻫذﻩ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ اﻹﺣﺻﺎﺋﯾﺔ اﻟﺷﺎﻗﺔ ،ﺛم ﺑﻌد اﻟﺣدﯾث ﻋن اﻟﺑﻧﻰ اﻹﻓرادﯾﺔ وﻋن ﺧﺻﺎﺋﺻﻬﺎ
اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،وﻋن ﺳﯾطرة ﺑﻌﺿﻬﺎ دون اﻟﺑﻌض اﻵﺧر ،ﯾﻌرج اﻟﻧﺎﻗد إﻟﻰ اﻟﺑﻧﻰ اﻟﻣرﻛﺑﺔ ،ﻓﻛﺎن ﻫذا
أن اﻟﻧﺎﻗد ﻧﻔﺳﻪ ﯾﺷﻛك ﻓﻲ ﺟدوى
دﯾدن اﻟﻧﺎﻗد ﻓﻲ ﺟل دراﺳﺎﺗﻪ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ،واﻷﻣر اﻟﻣﻠﻔت ﻟﻠﻧظر ّ
أن » ﻛﺛرة اﻟﺗواﺗر ﻻ ﯾﻧﺑﻐﻲ ﻟﻬﺎ أن
ﻣﺛل ﻫذا اﻹﺟراء ﺑﺗﺻرﯾﺣﻪ ﻓﻲ دراﺳﺗﻪ ﻋن أﻟف ﻟﯾﻠﺔ وﻟﯾﻠﺔ ّ
ﻋد اﻟﺷﺧﺻﯾﺎت اﻟﻣرﻛزﯾﺔ وﻏﯾر اﻟﻣرﻛزﯾﺔ«.3
ﺗﻛون ﻣﻘﯾﺎﺳﺎ ﻣﺗﻔﻘﺎ ﻋﻠﯾﻪ ﻓﻲ ّ
وﻣﺎ ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض إﻻّ واﺣد ﻣن ﺑﯾن اﻟﻧﻘﺎد اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن اﻟذﯾن ﻣﺎرﺳوا اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ
اﻹﺣﺻﺎﺋﯾﺔ ﻓﻲ ﺗطﺑﯾﻘﺎﺗﻬم ﻟﻠﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﻋﻠﻰ ﻏرار ﺳﺎﻣﯾﺔ راﺟﺢ ،ﻋﺑد اﻟﺣﻣﯾد
ﻧوﺿﺢ ﺣﺟم اﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺔ
ّ ﺑوزوﯾﻧﺔ ،وﻋﻠﻲ ﻣﻼﺣﻲ ،راﺑﺢ ﺑوﺣوش ...إﻟﺦ ،أردﻧﺎ ﻣن ﺧﻼﻟﻪ أن
اﻟﺗﻲ أدﺧﻠﺗﻬﺎ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ اﻹﺣﺻﺎﺋﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ،واﻟﺗﻲ وﻗﻊ ﻓﯾﻬﺎ اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر.
ﺛﺎﻟﺛﺎ -إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻻﻧطﺑﺎﻋﯾﺔ واﻟوﻓﺎء ﻟﻸﺣﻛﺎم اﻟﻧﻘدﯾﺔ:
ﻛﺎﻧت اﻻﻧطﺑﺎﻋﯾﺔ ٕواطﻼق اﻷﺣﻛﺎم اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﺳﻣﺔ ﺑﺎرزة ﻣن ﺳﻣﺎت اﻟﻧﻘد ﻗﺑل ﺑروز
اﻟﻧظرﯾﺎت واﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ واﻟﻣﻌﺎﺻرة ،ﻓظﻠّت ﻣﻬﻣﺔ اﻟﻧﺎﻗد اﻷدﺑﻲ ﻣﻠﺗﺻﻘﺔ ﺑﺎﻟﺻﺑﻐﺔ
ذات طﺎﺑﻊ اﻟﺣﻛم ﻋﻠﻰ اﻵﺛﺎر اﻷدﺑﯾﺔ ،ﻣﻬﻣﺎ ﻛﺎﻧت طﺑﯾﻌﺔ ﻫذا اﻟﺣﻛم ﺗﻘﯾﯾﻣﯾﺎ أو ﺗﻘوﯾﻣﯾﺎ ،ﺳﺎﻟﺑﺎ
أو ﻣوﺟﺑﺎ ،ﻓﻧﯾﺎ أو أﺧﻼﻗﯾﺎ أو إﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎ ،ﻓﻛﺎﻧت » ﻟﻠﻧﺎﻗد اﻟﺻﻼﺣﯾﺔ اﻟﻘﺻوى ﻓﻲ اﻟﺗﺷرﯾﻊ
واﻟﺗﻧﻔﯾذ ﺑﺈﺻدار اﻟﻠواﺋﺢ اﻟﺻﺎرﻣﺔ واﻷﺣﻛﺎم اﻟﯾﻘﯾﻧﯾﺔ ﻛﯾﻔﻣﺎ ﻛﺎن طﺎﺑﻌﻬﺎ أو ﻣﺻدرﻫﺎ ،وﻗد ظل
-1ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض ،اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ ﻣن أﯾن؟ واﻟﻰ أﯾن؟ ،ص .69
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .69
-3ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض ،أﻟف ﻟﯾﻠﺔ وﻟﯾﻠﺔ ،ص .58
284
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
اﻟﻧﺎﻗد ﻓﻲ إطﺎر اﻟﻧظرﯾﺔ اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ ،دﻛﺗﺎﺗو ار ﻓﻲ ﻣﻣﻠﻛﺔ اﻷدب ،وﺣﺎﻛﻣﺎ ﺑﺄﻣر اﻷدﺑﺎء ﯾﻔﺎﺿل
ﺑﯾﻧﻬم ﻛﯾﻔﻣﺎ ﯾﺷﺎء ،ﻓﯾرﻓﻊ ﻫذا وﯾﺿﻊ ذاك ،وظ ّل ﺣﻛم اﻟﻘﯾﻣﺔ ﺗﻠك اﻟﻌﺻﺎ اﻟﺳﺣرﯾﺔ اﻟﺗﻲ
ﺗﺑوئ ﺻﺎﺣﺑﻬﺎ أﺳﻣﻰ اﻟﻣراﺗب ،وﺗﺛﯾر اﻟرﻫﺑﺔ ﻓﻲ ﻧﻔوس اﻵﺧرﯾن ﻓﺎﻟﻌﺻﺎ ﻟﻣن ﻋﺻﻰ.1«
ﻟم ﯾﺳﺗطﻊ اﻟﻧﻘﺎد اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ﻓﻲ ﻣﻣﺎرﺳﺎﺗﻬم اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺗﺧﻠﻲ ﻋن اﻻﻧطﺑﺎﻋﯾﺔ اﻟﺗﻲ اﺗﺳم
ﺑﻬﺎ اﻟﻧﻘد اﻟﺗﻘﻠﯾدي ،ﻓﻼ ﺗﻛﺎد ﺗﺧﻠو دراﺳﺔ ﻧﻘدﯾﺔ ﻣن ﺗﻠك اﻷﺣﻛﺎم اﻻﻧطﺑﺎﻋﯾﺔ ﻣﻬﻣﺎ زﻋم
أﺻﺣﺎﺑﻬﺎ ﺑﺗﺑﻧﻲ ﻣﻘوﻻت اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ٕواﺟراءاﺗﻬﺎ اﻟﺻﺎرﻣﺔ ،ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر اﻟﻧظرﯾﺎت
اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ أﻧزﻟت اﻟﻧﺎﻗد ﻣن ﺑرﺟﻪ اﻟﻌﺎﻟﻲ ،وأﺳﻘطت ﻋﻧﻪ ﺗﻠك اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﻘﺿﺎﺋﯾﺔ ،وﺟردﺗﻪ
ﻣن اﻹدﻻء ﺑﺎﻷﺣﻛﺎم اﻟﻧﻘدﯾﺔ ،وﺟﻌﻠﺗﻪ ﻣﺟرد ﻗﺎرئ ،ﻓﻠﻪ اﻟﺣق ﻓﻲ أن ﯾﺣﻠل وﯾﻔﺳر وﯾؤول ﺑدون
أن ﯾطﻠق أي ﺣﻛم » ،وﻟﻛن ﺗطرﻓﻪ ﻓﻲ اﻟﺣﯾﺎد اﻟﻣطﻠق ﻋن اﻟدﻻﻟﺔ اﻟﻣﻌﯾﺎرﯾﺔ ﻟﻠﻌﻣﻠﯾﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ
ﺟﻌل اﻟﻣﻧﺎﻫﺿﯾن ﻟﻣﻧﺎﻫﺟﻪ اﻟﺣداﺛﯾﺔ ﯾﺷ ّﻛون –أﺻﻼ -ﻓﻲ ﻣﺷروﻋﯾﺔ ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ وﺟدواﻫﺎ
وﯾﻌﯾروﻧﻬﺎ اﻧﻌدام اﻟﺣﺎﺳﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ «.2
ّ
ﺗﺟرﯾد اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺣدﯾﺛﺔ ﻟﻠﻧﺎﻗد ﻣن ﺣﻘﻪ ﻓﻲ إطﻼق اﻷﺣﻛﺎم أوﻋز إﻟﻰ ﺑﻌض اﻟﻧﻘﺎد
اﻟﺣداﺛﯾﯾن إﻟﻰ إﻋﺎدة اﻻﻋﺗﺑﺎر ﻟﻬذا اﻟﺣق اﻟﻧﻘدي اﻟﺿﺎﺋﻊ ،وﻋﻠﻰ رأس ﻫؤﻻء اﻟﻧﻘﺎد ﯾﺑرز اﺳم
اﻟﻧﺎﻗد " ﻓﺎﺿل ﺛﺎﻣر" ﻓﺣﺳب رأﯾﻪ » ﻻ ﯾﻣﻛن ﻟﻠرؤﯾﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺣداﺛﯾﺔ ،رﻏم اﻹﻏراءات اﻟﺷﻛﻠﯾﺔ
واﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ،اﻻﻗﺗﺻﺎر ﻋﻠﻰ ﻣوﻗف وﺻﻔﻲ وﻣوﺿوﻋﻲ ﻣﺣﺎﯾد ﻟﻠﻧص وﻻ ﺑد ﻣن ﺗدﻋﯾم اﻟﺗﺣﻠﯾل
ﺑﺣد ﻣﻌﯾن ﻣن ﺣدود اﻟﺣﻛم واﻟﺗﻘوﯾم ،وﻫذا ﺑدورﻩ
اﻷﻟﺳﻧﻲ واﻷﺳﻠوﺑﻲ واﻟﺳﯾﻣﯾوﻟوﺟﻲ واﻟﺗﺄوﯾﻠﻲ ّ
ﯾﺟب أن ﯾﺄﺗﻲ ﺗﻠﻘﺎﺋﯾﺎ وﻧﺎﺑﻌﺎ ﻣن ﺣﯾﺛﯾﺎت ﺗﺄوﯾﻠﯾﺔ ﻣﻘﻧﻌﺔ ﺗﺳﺗﻧد إﻟﻰ اﻟﻣﻌﺎﯾﻧﺔ اﻷﻣﯾﻧﺔ ﻟﺟوﻫر
اﻟﻧص ورؤاﻩ وﺻوﻻ إﻟﻰ اﺳﺗﻘراء ﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟﻘﯾﻣﺔ واﻟرؤﯾﺎ ﻓﻲ اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ وﺑﯾﺎن ﻣدى ﺻﻠﺗﻬﺎ
ﺑﺎﻟﺣﯾﺎة واﻟواﻗﻊ«.3
-1ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي ﻋﻧد ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض ،ص .95
-2اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .96
-3ﻓﺿل ﺛﺎﻣر ،اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ،ص .123
285
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﻫذا اﻟﺧﻠل اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ اﻟذي ﻗد ﯾﺣﯾد ﺑﺎﻟﻣﻧﻬﺞ إﻟﻰ ﺣﻘول ﻣﻧﻬﺟﯾﺔ أﺧرى ،ﺑرز ﺑﺷﻛل
واﺿﺢ ﻓﻲ ﺗﺟرﺑﺔ ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض اﻟﻧﻘدﯾﺔ ،ﻫذا اﻷﺧﯾر اﻟذي اﻧﺗﻘل ﺑﺎﻟﺗوازي ﻣﻊ ﻣﺳﯾرﺗﻪ
اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻣن ﻣرﺣﻠﺔ اﻹﻗرار ﺑﻣﻌﯾﺎرﯾﺔ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ وﻣﻣﺎرﺳﺗﻬﺎ ،وذﻟك ّإﺑﺎن ﺗﺟرﺑﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد
اﻟﺳﯾﺎﻗﻲ ،ﺛم ﻣﺎ ﻟﺑث أن اﻧﺗﻘل اﻟﻰ اﻟﻧﻘﯾض ﺑﻧﻔﻲ ﺗﻠك اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ ﺑل اﻟدﻋوة إﻟﻰ ﻧﺑذ اﻷﺣﻛﺎم
اﻟﻧﻘدﯾﺔ واﻟﺗﺧﻠﻲ ﻋﻧﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻣﻣﺎرﺳﺎت اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﺧﻼل ﺗﺟرﺑﺗﻪ ﻣﻊ اﻟﻧﻘد اﻟﻧﺳﻘﻲ ،ﻟﻛن ﻣرﺗﺎض ﻟم
ﯾﻛن وﻓﯾﺎ ﻟدﻋوﺗﻪ إذ ﻛﺛﯾ ار ﻣﺎ أطﻠق اﻷﺣﻛﺎم اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻓﻲ دراﺳﺎﺗﻪ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺗطﺑﯾﻘﯾﺔ،رﻏم ﻧﻔﯾﻪ ﻟﻬذا
اﻹﺟراء ﻧظرﯾﺎ ،وﻓﻲ ﻫذا اﻟﺳﯾﺎق أورد اﻟﻧﺎﻗد ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ﺟدوﻻ ﯾوﺿﺢ ﺑﻌض اﻷﺣﻛﺎم
اﻟﻣﻌﯾﺎرﯾﺔ اﻟواردة ﻓﻲ اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﻣرﺗﺎﺿﻲ ،وﻣن ﺑﯾن ﺗﻠك اﻷﺣﻛﺎم اﻟﺗﻲ أطﻠﻘﻬﺎ اﻟﻧﺎﻗد
»ﻓﻛﺄن ﻫذﻩ اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ ﻣﻘﺣﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﻧص إﻗﺣﺎﻣﺎ ،وﻟم ﯾﻛن ﻟﻬﺎ وظﯾﻔﺔ ﺳردﯾﺔ ﺗذﻛر ،ﻓظﻠت
ﻣﺎﺋﻌﺔ ﺗﺎﺋﻬﺔ إﻟﻰ أن اﻧﺗﻬت ﺑﺗﻠك اﻟﺧطﺑﺔ اﻟطوﯾﻠﺔ اﻟﺑﺎردة واﻟﺗﻲ أﺳﺎءت ﺣﺗﻣﺎ إﻟﻰ اﻟﺑﻧﺎء اﻟﻔﻧﻲ
1
إن ﻫذا اﻟﻔﻌل اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ اﻧﻣﺎ ﯾوﺣﻲ ﺑﻌدم اﻻﻟﺗزام
ﻓﻲ ﻧﻬﺎﯾﺔ اﻟرواﯾﺔ وﻋﺛّرت ﻣﺳﺎر ﺗدﻓﻘﻪ « ّ ،
ﺑﻣﺑﺎدئ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﺻﺎﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ اﺗﺻﻔت ﺑﺎﻟﺻراﻣﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﻓﻲ دراﺳﺔ اﻷﻋﻣﺎل اﻷدﺑﯾﺔ.
وﻻ ﯾﺧص ﻫذا اﻟﺧﻠل اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ اﻟﻧﺎﻗد ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض وﺣدﻩ ،ﺑل ﯾﺷﻣل ﻧﻘﺎدا
ﻣﻌﺎﺻرﯾن آﺧرﯾن ﻟم ﯾﺳﺗطﯾﻌوا اﻟﺗﺧﻠص ﻣن ﻣﻣﺎرﺳﺔ اﻷﺣﻛﺎم اﻟﻧﻘدﯾﺔ واﻻﻧطﺑﺎﻋﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻧﻔﯾﻬﺎ
اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ،وﻗد ذﻫب ﺑﻌض اﻟﻧﻘﺎد إﻟﻰ أﻛﺛر ﻣن ذﻟك،وﻣن ﺑﯾﻧﻬم ﯾوﺳف
وﻏﻠﯾﺳﻲ اﻟذي ﯾرى » ّأﻧﻪ ﻣن اﻟﻧﺎدر ﺟدا أن ﻧﻌﺛر ﻋﻠﻰ دراﺳﺔ ﻧﻘدﯾﺔ ﺗﺧﻠو ﻣن ﺣﻛم ﺑﺄي ﺷﻛل
ﻣﺟرد اﻹﻏراق ﻓﻲ وﺻف اﻟﻧص وﺗﺣﻠﯾل أﻧﺳﺎﻗﻪ اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻫوﺣﻛم
ﻣن اﻷﺷﻛﺎل ،ﻷن ّ
ﻏﯾر ﻣﻌﻠن ﻋﻠﻰ اﻟﻧص ﺑﺎﻟﺟودة ٕواذا ﻛﺎﻧت اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ وﻣﺎ ﺑﻌدﻫﺎ ﺗﻧﻛر أﻫﻣﯾﺔ اﻟﺣﻛم ﻋﻠﻰ
ﺣد ﺗﻌﺑﯾر ﻣورﯾس
اﻟﻧﺻوص ﺑدﻋوى أن " اﻵﺛﺎر اﻟﺳﯾﺋﺔ ﻻ ﺗﺳﺗﺣق أن ﯾﻛﺗب ﻋﻧﻬﺎ" ﻋﻠﻰ ّ
ﺑﻼﻧﺷو ،ﻓﺈن ﻫذﻩ اﻟدﻋوى-ﻓﻲ ذاﺗﻬﺎ -ﺗﺗﺿﻣن ﺣﻛﻣﺎ ﻗﯾﻣﯾﺎ ﯾﻛﻣن ﻓﻲ اﻟﺗﻣﯾﯾز ﺑﯾن اﻷﺛر
اﻟﺳﻲء وﻧﻘﯾﺿﻪ ،وﻻ ﯾﻛون ذﻟك إﻻ ﺑﺎﻻﺳﺗﻧﺎد إﻟﻰ ﻣﻌﯾﺎر ﻓﻧﻲ راﺑض ﻓﻲ ذﻫﻧﯾﺔ اﻟﻧﺎﻗد وذوﻗﻪ
-أﻧظر:ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي ﻋﻧد ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض ،ص .100 -99
-1اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،ص .100
286
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﺑل إن ﻣﺟرد إﺧﺿﺎع اﻟﻧص ﻟﻠﻣﻧﻬﺞ اﻟﺑﻧﯾوي –ﺑﻧﺎء ﻋﻠﻰ ﻗول ﻣورﯾس ﺑﻼﻧﺷو -ﻫو ﺗﺳﻠﯾم
ﺿﻣﻧﻲ ﺑﺟودة اﻟﻧص ،وﻫو ﺣﻛم إذن«.1
-1ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي ﻋﻧد ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض ،ص .102
287
إﺷﻜﺎﻻت و ﻋﻮاﺋﻖ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﺧﻼﺻﺔ اﻟﻔﺻل:
ﻋرف اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ﺑﻌد ﺗﺟﺎوزﻩ ﻣرﺣﻠﺔ اﻻﻧﺑﻬﺎر ﻧﺗﯾﺟﺔ
ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة -ﺑﻛل ﻋواﺋﻘﻬﺎ وﺻﻌوﺑﺎﺗﻬﺎ -ﺣﺎﻟﺔ ﻣن اﻟﻐﻣوض وﻋدم اﻹدراك
أن ﻫذﻩ
ﻟﺧﻠﻔﯾﺎﺗﻬﺎ اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ واﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ ،ﻓﺎﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻛﺑﯾرة اﻟﺗﻲ واﺟﻬت اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ّ
اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ ﻏرﺑﯾﺔ ﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾطﻣﺄن ﻋﻠﯾﻬﺎ أﺣد دون ﺗﻌدﯾل أو ﺗﺻﺣﯾﺢ أو إﺿﺎﻓﺔ ،أو ﺣذف أو
أن ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ ﻫﻲ ﻧﺗﺎج ﻓﻠﺳﻔﺎت
ﺗرﻛﯾب ،وذﻟك ﻷﺳﺑﺎب ﻋدﯾدة ،وﻋﻠﻰ رأس ﻫذﻩ اﻷﺳﺑﺎب ّ
وﻋﻘﺎﺋد ٕواﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎت ﻏرﺑﯾﺔٕ ،وان ﺷﺄﻧﻬﺎ ﻓﻲ ذﻟك –ﺷﺄن اﻟﻣذاﻫب اﻷدﺑﯾﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ -أﻧﻬﺎ ﻏﯾر
ﻣﺣﺎﯾدة إﻧﻬﺎ ﺗﻣﺛل وﺟﻬﺎت ﻧظر ﻓﻛرﯾﺔ ﻋن اﻟﻛون واﻹﻧﺳﺎن واﻟﺣﯾﺎة واﻹﻟﻪ ،وﻫﻲ وﺟﻬﺎت
وﺗﻌﺑر ﻋﻧﻪ ﺑطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺣﺎل ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ
ّ ﺗﺻدر ﻋن ﺣﺿﺎرة اﻵﺧر اﻟﻣﻐرﻗﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﺎدﯾﺔ
إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻧﻘدي اﻟﻧﺎﺗﺟﺔ ﻋن ﻓوﺿﻰ اﻟﺗرﺟﻣﺔ ،وﻏﯾﺎب اﻵﻟﯾﺎت واﻟﻣؤﺳﺳﺎت اﻟﻌرﺑﯾﺔ
اﻟﺗﻲ ﺗﺗﺑﻧﻰ ﺗرﺟﻣﺔ ﻣﻧﺎﺳﺑﺔ وﻣوﺣدة ﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﻧﻘد اﻟﻐرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر.
وﻗد أدرك اﻟﻧﻘﺎد ّأﻧﻪ ﻻ وﺟود ﻟﻣﻧﻬﺞ ﺷﺎﻣل ﻟﻪ اﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ ﻛﺷف ﺧﺑﺎﯾﺎ اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ
ٕوارﻏﺎﻣﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺑوح ﺑﺄﺳ اررﻩ ،وذﻟك ﻻﻓﺗﻘﺎرﻩ ﻟﻠﺗﻘﻧﯾﺎت اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻣﻘﺎرﺑﺔ ﻫذا اﻟﻧص ،إذ ﯾﻌﻠن اﻟﻧﺎﻗد
ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض ﺻراﺣﺔ ﻋن ذﻟك ﺑﻘوﻟﻪّ :أﻧﻪ ﻻ ﯾوﺟد ﻣﻧﻬﺞ ﻛﺎﻣل ،ﻣﺛﺎﻟﻲ ،وﯾﺗﺑﻧﻰ ﺑذﻟك
ﻋدة دراﺳﺎت ﻧﻘدﯾﺔ ،واﻟﺗﻲ ﻗﺎم ﻓﯾﻬﺎ ﺑﺗطﺑﯾق آﻟﯾﺎت اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ
اﺳﺗرﺗﯾﺟﯾﺔ اﻟﺗرﻛﯾب اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ ﻓﻲ ّ
اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ،واﻧﺗﻬﺞ ﻧﻬﺟﻪ ﺑﻌض اﻟﻧﻘﺎد اﻟﻌرب اﻟﻣﻌﺎﺻرون ﻋﻠﻰ ﻏرار اﻟﻐذاﻣﻲ.
ﻟﻘد ﻋرﻓت اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة رﻏم ﻣﺎ ﺗﺳﺗﺣﻘﻪ ﻣن إﺷﺎدة ﻟﻣﺳﺎﯾرﺗﻬﺎ
اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻋن طرﯾق ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﻧﻘﺎد اﻟذﯾن ﺑرزوا ﻋﻠﻰ اﻟﺳﺎﺣﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﺟﻣﻠﺔ
ﻣن اﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺎت ،ﺗﺗرﻛز أﺳﺎﺳﺎ ﻓﻲ إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻘدي ﺗﻧظﯾ ار وﻣﻣﺎرﺳﺔ ،وﻋﻠﻣﻧﺔ اﻟﻧﻘد
اﻷدﺑﻲ اﻟﻧﺎﺗﺟﺔ ﻋن آﻟﯾﺎت اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ،واﻟﻧزﻋﺔ اﻻﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ٕواﻟﻰ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ
اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة اﻟﺗﻲ ظﻬرت ﻋﻧد ﺑﻌض اﻟﻧﻘﺎد ٕواﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻠﻐﺔ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﺎ ﯾﺗﻣﯾز ﺑﻪ
اﻹﺑداع اﻟﺟزاﺋري ﻣن ﺧﺻوﺻﯾﺔ ﻧﺗﯾﺟﺔ اﻟﺗﻌدد اﻟﻠﻐوي واﻟﺛﻘﺎﻓﻲ.
288
ﺍﳋﺎﲤــــــــــــــﺔ
اﻟﺧﺎﺗﻣﺔ:
ﻋرف اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ﺑﻌد ﺗﺟﺎوزﻩ ﻣرﺣﻠﺔ اﻻﻧﺑﻬﺎر ﻧﺗﯾﺟﺔ ﺗﻠﻘﻲ
اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة -ﺑﻛل ﻋواﺋﻘﻬﺎ وﺻﻌوﺑﺎﺗﻬﺎ -ﺣﺎﻟﺔ ﻣن اﻟﻐﻣوض وﻋدم اﻹدراك
أن ﻫذﻩ
ﻟﺧﻠﻔﯾﺎﺗﻬﺎ اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ واﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ ،ﻓﺎﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻛﺑﯾرة اﻟﺗﻲ واﺟﻬت اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ّ
اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ ﻏرﺑﯾﺔ ﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾطﻣﺄن ﻋﻠﯾﻬﺎ أﺣد دون ﺗﻌدﯾل أو ﺗﺻﺣﯾﺢ أو إﺿﺎﻓﺔ ،أو ﺣذف أو
أن ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ ﻫﻲ ﻧﺗﺎج ﻓﻠﺳﻔﺎت
ﺗرﻛﯾب ،وذﻟك ﻷﺳﺑﺎب ﻋدﯾدة ،وﻋﻠﻰ رأس ﻫذﻩ اﻷﺳﺑﺎب ّ
وﻋﻘﺎﺋد ٕواﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎت ﻏرﺑﯾﺔٕ ،وان ﺷﺄﻧﻬﺎ ﻓﻲ ذﻟك –ﺷﺄن اﻟﻣذاﻫب اﻷدﺑﯾﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ -أﻧﻬﺎ ﻏﯾر
ﻣﺣﺎﯾدة إﻧﻬﺎ ﺗﻣﺛل وﺟﻬﺎت ﻧظر ﻓﻛرﯾﺔ ﻋن اﻟﻛون واﻹﻧﺳﺎن واﻟﺣﯾﺎة واﻹﻟﻪ ،وﻫﻲ وﺟﻬﺎت
وﺗﻌﺑر ﻋﻧﻪ ﺑطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺣﺎل ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ
ّ ﺗﺻدر ﻋن ﺣﺿﺎرة اﻵﺧر اﻟﻣﻐرﻗﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﺎدﯾﺔ
إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻧﻘدي اﻟﻧﺎﺗﺟﺔ ﻋن ﻓوﺿﻰ اﻟﺗرﺟﻣﺔ ،وﻏﯾﺎب اﻵﻟﯾﺎت واﻟﻣؤﺳﺳﺎت اﻟﻌرﺑﯾﺔ
اﻟﺗﻲ ﺗﺗﺑﻧﻰ ﺗرﺟﻣﺔ ﻣﻧﺎﺳﺑﺔ وﻣوﺣدة ﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﻧﻘد اﻟﻐرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر.
وﻗد أدرك اﻟﻧﻘﺎد ّأﻧﻪ ﻻ وﺟود ﻟﻣﻧﻬﺞ ﺷﺎﻣل ﻟﻪ اﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ ﻛﺷف ﺧﺑﺎﯾﺎ اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ
ٕوارﻏﺎﻣﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺑوح ﺑﺄﺳ اررﻩ ،وذﻟك ﻻﻓﺗﻘﺎرﻩ ﻟﻠﺗﻘﻧﯾﺎت اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻣﻘﺎرﺑﺔ ﻫذا اﻟﻧص ،إذ ﯾﻌﻠن اﻟﻧﺎﻗد
ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض ﺻراﺣﺔ ﻋن ذﻟك ﺑﻘوﻟﻪّ :أﻧﻪ ﻻ ﯾوﺟد ﻣﻧﻬﺞ ﻛﺎﻣل ،ﻣﺛﺎﻟﻲ ،وﯾﺗﺑﻧﻰ ﺑذﻟك
ﻋدة دراﺳﺎت ﻧﻘدﯾﺔ ،واﻟﺗﻲ ﻗﺎم ﻓﯾﻬﺎ ﺑﺗطﺑﯾق آﻟﯾﺎت اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ
اﺳﺗرﺗﯾﺟﯾﺔ اﻟﺗرﻛﯾب اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ ﻓﻲ ّ
اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ،واﻧﺗﻬﺞ ﻧﻬﺟﻪ ﺑﻌض اﻟﻧﻘﺎد اﻟﻌرب اﻟﻣﻌﺎﺻرون ﻋﻠﻰ ﻏرار اﻟﻐذاﻣﻲ.
ﻟﻘد ﻋرﻓت اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺟ ازﺋرﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة رﻏم ﻣﺎ ﺗﺳﺗﺣﻘﻪ ﻣن إﺷﺎدة ﻟﻣﺳﺎﯾرﺗﻬﺎ
اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻋن طرﯾق ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﻧﻘﺎد اﻟذﯾن ﺑرزوا ﻋﻠﻰ اﻟﺳﺎﺣﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﺟﻣﻠﺔ
ﻣن اﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺎت ،ﺗﺗرﻛز أﺳﺎﺳﺎ ﻓﻲ إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻘدي ﺗﻧظﯾ ار وﻣﻣﺎرﺳﺔ ،وﻋﻠﻣﻧﺔ اﻟﻧﻘد
اﻷدﺑﻲ اﻟﻧﺎﺗﺟﺔ ﻋن آﻟﯾﺎت اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ،واﻟﻧزﻋﺔ اﻻﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ٕواﻟﻰ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ
اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة اﻟﺗﻲ ظﻬرت ﻋﻧد ﺑﻌض اﻟﻧﻘﺎد ٕواﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻠﻐﺔ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﺎ ﯾﺗﻣﯾز ﺑﻪ
اﻹﺑداع اﻟﺟزاﺋري ﻣن ﺧﺻوﺻﯾﺔ ﻧﺗﯾﺟﺔ اﻟﺗﻌدد اﻟﻠﻐوي واﻟﺛﻘﺎﻓﻲ.
290
ﻛﺑﯾر ،ﻧﺗﯾﺟﺔ اﻧﻔﺗﺎﺣﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻐرب ﻣن ﺟﻬﺔ
ا ﺷﻬد اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﺟزاﺋري ﻧﺿﺟﺎ
وﻣن ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﯾﺔ ﻧﺗﯾﺟﺔ ارﺗﺑﺎطﻪ ﺑﺎﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟذي ﻋرف ﺑدورﻩ ﺗطورات ﻛﺑرى ،ﺑﻔﺿل اﻟﻧﻬﺿﺔ
اﻟﻣﺗﺳﺎرﻋﺔ واﻟﻣذﻫﻠﺔ اﻟﺗﻲ ﻋرﻓﻬﺎ اﻟﻐرب ﻓﻲ ﻛل ﻣﺟﺎﻻت اﻟﻣﻌرﻓﺔ ﺑﻣﺎ ﻓﻲ ذﻟك اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ
اﻧﺟر ﻋﻧﻬﺎ ﻣن ﺑروز ﻣﻧﺎﻫﺞ ﻧﻘدﯾﺔ ﻣﻌﺎﺻرة ،ﺣﻣﻠت ﻣﻌﻬﺎ ﺳﯾﻼ ﻣن اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم
ّ وﻣﺎ
واﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﻧﻘدﯾﺔ ،اﻟﺗﻲ ﺗﻠﻘﺎﻫﺎ ﻧﻘﺎدﻧﺎ وﺣﺎﻟوا ﻣن ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻣﺟﺎراة اﻟﺗطور اﻟذي ﻋرﻓﺗﻪ اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ
اﻷدﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ﺳواء ﺗﻌﻠق اﻷﻣر ﺑﻔن اﻟﺷﻌر أو ﺑﻔن اﻟﻧﺛر.
وﻣﻣﺎ زاد ﻣن ﺣﺟم اﻷزﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻌرﻓﻬﺎ اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري ،ﻫﻲ إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﺻطﻠﺢ ،ﻓﻘد
ﺗﺧﺑط اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري ﻓﻲ أزﻣﺔ ﻛﺑﯾرة ﺟ ارء ﺗﻌدد اﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻧﻘدي ،ﻓﺎﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ
اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﺣﻣﻠت ﻣﻌﻬﺎ ﺳﯾﻼ ﻣن اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺣﺎول ﻧﻘﺎدﻧﺎ ﻧﻘﻠﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺧطﺎب
اﻟﻧﻘدي اﻟﺟزاﺋري ،ﺳواء ﺑطرﯾﻘﺔ ﻣﺑﺎﺷرة ﻋن طرﯾق اﻟﺗرﺟﻣﺔ أوﻋن طرﯾق اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ ﻣﻣﺎ
أﺣدث اﻟﺗﺑﺎﺳﺎ ﻓﻲ اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﺟزاﺋري ﺑﺳﺑب ﺗﻌدد اﻟﻣﺻطﻠﺢ أﺣﯾﺎﻧﺎ ،وﻋدم ﻣﻼﺋﻣﺗﻪ
وﻣطﺎﺑﻘﺗﻪ ﻟﻠﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻧﻘدي اﻟﻐرﺑﻲ ﻓﻲ ﻛﺛﯾر ﻣن اﻷﺣﯾﺎن ،ﻓﯾﻣﺎ ﻋﻣد ﺑﻌض اﻟﻧﻘﺎد إﻟﻰ ﻧﺣت
ﻣﺻطﻠﺣﺎت ﺟدﯾدة ،ﻣﻣﺎ أﺿﻔﻰ اﻟﺗﺑﺎﺳﺎ وﻏﻣوﺿﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﺟزاﺋري ،وزاد ﻣن
ﺗﺄزﻣﻪ ﻛﻣﺎ رأﯾﻧﺎ ﻓﻲ دراﺳﺗﻧﺎ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﺎ ﺗﻌرﻓﻪ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﻣن ﻏﻣوض
ٕواﺑﻬﺎم ﻓﻲ ﺑﻌض ﻣﺻطﻠﺣﺎﺗﻬﺎ ،ﻧﺗﯾﺟﺔ ﺧﺻوﺻﯾﺗﻬﺎ اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ واﻟﻔﻛرﯾﺔ وارﺗﺑﺎطﻬﺎ ﺑﺎﻟﺗراث اﻟﻐرﺑﻲ،
وﻋدم ﻣﻼﺋﻣﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﻌض اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم ﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻹﺑداع اﻷدﺑﻲ اﻟﺟزاﺋري ،رﻏم ﻣﺎ ﻗدﻣﺗﻪ ﻟﻠﻧﻘد
اﻷدﺑﻲ ﻣن ﻣﻔﺎﻫﯾم وآﻟﯾﺎت ﻗﻔزت ﺑﻪ إﻟﻰ ﻣراﺣل ﻣﺗﻘدﻣﺔ.
وﻣن ﺧﻼل دراﺳﺗﻧﺎ ﯾﻣﻛن أن ﻧرﺻد اﻟﻧﺗﺎﺋﺞ اﻟﺗﺎﻟﯾﺔ:
-01ﻛﺎن اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري ﻗﺑل اﻻﺳﺗﻘﻼل ﻋﺑﺎرة ﻋن اﻧطﺑﺎﻋﺎت وآراء ﻋﻔوﯾﺔ ،وﺗﺻﯾد اﻷﺧطﺎء
رﻛزت
اﻟﻧﺣوﯾﺔ واﻟﺑﻼﻏﯾﺔ ،ﻣن ﺧﻼل ﺑﻌض اﻟﻣﻘﺎﻻت اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺟراﺋد واﻟﻣﺟﻼت ،واﻟﺗﻲ ّ
ﻋﻠﻰ اﻟﺟﺎﻧب اﻷﺳﻠوﺑﻲ واﻟﺑﻼﻏﻲ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻟﺟﺗﻬﺎ ﻟﻸﻋﻣﺎل اﻹﺑداﻋﯾﺔ اﻷدﺑﯾﺔ.
291
-02ﻟم ﺗرق اﻟﺣرﻛﺔ اﻷدﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر إﻟﻰ اﻟﻧﺿﺞ اﻟﻛﺎﻓﻲ ﻓﻲ ﻛﺎﻓﺔ اﻟﻔﻧون اﻷدﺑﯾﺔ ،ﺧﺎﺻﺔ
ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺗﻌﻠق ﻣﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟرواﯾﺔ واﻟﻘﺻﺔ واﻟﻣﺳرﺣﯾﺔ ،وﻫذا ﻣﺎ اﻧﻌﻛس ﺳﻠﺑﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ،ﺑﻣﺎ
أن ﺗطور اﻟﻧﻘد ﻣرﻫون ﺑﺗطور اﻷدب.
-03ﻣﺛّل ﻋﺎﻣل اﻟﺻﺣﺎﻓﺔ اﻟﻌﺎﻣل اﻷﺑرز اﻟذي دﻓﻊ إﻟﻰ ﺑروز اﻟﻣﻘﺎﻻت اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﺟﻼت
واﻟﺟراﺋد ،ﻻ ﺳﯾﻣﺎ ﻣﺟﻼت ﺟﻣﻌﯾﺔ اﻟﻌﻠﻣﺎء اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻋﻠﻰ ﻏرار اﻟﺑﺻﺎﺋرو اﻟﺷﻬﺎب
وﺑﻌض اﻟﻣﺟﻼت اﻟﻌرﺑﯾﺔ.
-04اﺗﺳﻣت ﻫذﻩ اﻟﻣﻘﺎﻻت ﺑﻐﯾﺎب اﻟﺣس اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ ،وﻫو ﻣﺎ أدى إﻟﻰ اﻟﻔوﺿﻰ ﻟدى اﻟﻧﻘﺎد
اﻟذﯾن ﻟم ﯾﻛوﻧوا ﻣﻬﯾﺋﯾن آﻧذاك ﻹﻧﺗﺎج أﻋﻣﺎل ﻧﻘدﯾﺔ ﻣﺗﻛﺎﻣﻠﺔ.
-05ﺷﻬد اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري ﺑﻌد اﻻﺳﺗﻘﻼل ﻧﻘﻠﺔ ﻧوﻋﯾﺔ ،ﺑﻌد ﻋودة اﻟطﻠﺑﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن اﻟذﯾن زاوﻟوا
دراﺳﺗﻬم ﺧﺎرج اﻟﺟزاﺋر وﻋﻠﻰ رأﺳﻬم أﺑو اﻟﻘﺎﺳم ﺳﻌد اﷲ ،ﻣﺣﻣد ﻣﺻﺎﯾف ،ﻋﺑد اﷲ
اﻟرﻛﯾﺑﻲ...إﻟﺦ.
-06ﺷﻬد اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري ﺗﺣوﻻت ﻛﺑرى ﻣﻊ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺳﯾﺎﻗﯾﺔ ﺑدءا ﺑﺎﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ ﻋﻠﻰ ﯾد
أﺑﻲ اﻟﻘﺎﺳم ﺳﻌد اﷲ ﺧﻼل اﻟﺳﺗﯾﻧﺎت ،ﺛم ﻣﻊ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﺧﻼل اﻟﺳﺑﻌﯾﻧﺎت أﺛﻧﺎء ﻫﯾﻣﻧﺔ
اﻻﺷﺗراﻛﯾﺔ ،وﺻوﻻ إﻟﻰ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻔﺳﻲ اﻟذي ﻛﺎن ﺣﺿورﻩ ﻣﺣدودا ﺟدا ،ﻛﻣﺎ ظﻬرت ﺑذور
اﻟﻧﺻﺎﻧﯾﺔ ﻛﺎﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ واﻟﺑﻧﯾوي واﻷﺳﻠوﺑﻲ واﻟﺗﻔﻛﯾﻛﻲ ﻋﻧد ﺛﻠّﺔ ﻣن اﻟﻧﻘﺎد
ّ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ
ﻣن ﺑﯾﻧﻬم اﻟﺳﻌﯾد ﺑوطﺎﺟﯾن ورﺷﯾد ﺑن ﻣﺎﻟك وﻋﺑد اﻟﻘﺎدر ﻓﯾدوح وﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض وﻋﺑد
اﻟﺣﻣﯾد ﺑوراﯾو وﺑﺧﺗﻲ ﺑن ﻋودة وﻏﯾرﻫم.
أن ﻣﺳﯾرﺗﻪ
-07ﯾﻌﺗﺑر ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض راﺋد اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ،ﺣﯾث ّ
اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻋرﻓت ﺗﺣوﻻ ﺑﯾن أﻏﻠب اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﺑداﯾﺔ ﻣن اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺳﯾﺎﻗﯾﺔ إﻟﻰ ﻏﺎﯾﺔ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ
اﻟﻧﺳﻘﯾﺔ ،وﻗد ﻻﻗت ﻛﺗﺎﺑﺎﺗﻪ ﺟدﻻ واﺳﻌﺎ ﺑﺳﺑب إﻗداﻣﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺗرﻛﯾب اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ ﺑﺎﻋﺗﻘﺎدﻩ ﻋدم
وﺟود اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻛﺎﻣل اﻟﻘﺎدر ﻋﻠﻰ ﻛﺷف ﺧﺑﺎﯾﺎ اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ ،وﻛذﻟك ﻻﺷﺗﻬﺎرﻩ ﺑﺈطﻼق
ﻣﺻطﻠﺣﺎت ﻧﻘدﯾﺔ ﺟدﯾدة.
292
-08ﻋرف اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري ﺟﻣﻠﺔ ﻣن اﻹﺷﻛﺎﻻت ﯾﺄﺗﻲ ﻋﻠﻰ رأﺳﻬﺎ إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ ،اﻟﺗﻲ
ﺗﺿﻣﻧت اﻟﺗرﻛﯾب اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ وﻣﺎ ﻧﺗﺞ ﻋﻧﻪ ﻣن اﻟﺗﺑﺎس ،وﻋدم اﻟوﻋﻲ واﻟﺿﺑط اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ ،ﻋدم
اﺳﺗﯾﻌﺎب ﺧﻠﻔﯾﺎت وأﺳس اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ،زﯾﺎدة ﻋن اﻟﻧزﻋﺔ اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﻟدى اﻟﻛﺛﯾر
ﻣن اﻟﻧﻘﺎد.
-09ﻋدم اﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ ﺑﻠورة ﻣﻧﻬﺞ ﻧﻘدي ﯾﺗﻼﺋم وطﺑﯾﻌﺔ اﻹﺑداع اﻟﺟزاﺋري ،ﺑﻣﺎ ﯾﻣﯾزﻩ ﻣن
ﺧﺻﺎﺋص اﻛﺗﺳﺑﻬﺎ ﻧﺗﯾﺟﺔ ﻣﻘوﻣﺎت ورواﻓد ﻋرﺑﯾﺔ وﻏرﺑﯾﺔ ﻣﯾزﺗﻪ ﻋن ﻏﯾرﻩ ﻣن اﻟﻧﺻوص.
-10إﻟﻰ ﺟﺎﻧب إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻘدي وﻗﻊ اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري ﻓﻲ إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ أﺧرى ﻫﻲ إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ
اﻟﻣﺻطﻠﺢ ﻧﺗﯾﺟﺔ ﺗﻌدد اﻟﺗرﺟﻣﺔ وﻋدم ﻣﻼﺋﻣﺗﻬﺎ أﺣﯾﺎﻧﺎ ،ﺛم ﻋدم وﺟود ﻫﯾﺋﺔ ﻣﺧﺗﺻﺔ ﺑﺎﻻﺗﻔﺎق
ﻋﻠﻰ وﺿﻊ اﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻧﻘدي ،دون إﻏﻔﺎل ﺟﻬود ﺑﻌض اﻟﻧﻘﺎد اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻣﺟﺎل ﻋﻠﻰ
ﻏرار رﺷﯾد ﺑن ﻣﺎﻟك ،وﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ.
-11اﻟﻧزﻋﺔ اﻻﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺑرزت ﻋﻧد ﺑﻌض اﻟﻧﻘﺎد وﻋدم اﻻﻟﺗزام ﺑﺎﻟﻣوﺿوﻋﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺗﻣﯾز
أن اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﺗﺣﺎول اﻟوﺻول ﺑﺎﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ إﻟﻰ ﻣﺻﺎف
ﺑﻬﺎ اﻟﻌﻠم ،ﺧﺎﺻﺔ و ّ
اﻟﻌﻠم ،ﻋن طرﯾق ﺿواﺑط وآﻟﯾﺎت ﺗﺧرج اﻟﻧﻘد ﻣن طﺎﺑﻊ اﻟﻌﻔوﯾﺔ واﻻﻧطﺑﺎﻋﯾﺔ اﻟﺗﻲ طﺎﻟﻣﺎ ﻣﯾزت
اﻟﻣﻣﺎرﺳﺎت اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ.
-12ﺗﻘوﻗﻊ اﻟﻣﺟﻬودات اﻟﻧﻘدﯾﺔ داﺧل اﻟﺟﺎﻣﻌﺔ ،وﻋدم ﺧروﺟﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺳﺎﺣﺔ اﻷدﺑﯾﺔ واﻟﻔﻛرﯾﺔ
اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ،ﻣﻣﺛﻠﺔ ﻓﻲ اﻟدراﺳﺎت اﻟﺟﺎﻣﻌﯾﺔ ﺑﻐﯾﺔ اﻟﺣﺻول ﻋﻠﻰ اﻟﺷﻬﺎدات واﻟرﺗب اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ.
-13اﻟﺗﻧوع اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ اﻷدﺑﻲ اﻟﺟزاﺋري ﺑﺎﺧﺗﻼف ﻟﻐﺎﺗﻪ ﺑﯾن اﻟﻌرﺑﯾﺔ واﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ واﻷﻣﺎزﯾﻐﯾﺔ ،اﻟذي
ﻛﺎن ﺑﺈﻣﻛﺎﻧﻪ أن ﯾﺧﻠق دﯾﻧﺎﻣﯾﺔ ﺗدﻓﻊ إﻟﻰ رﻗﻲ اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ،ﻟﻛن ﻋﺟز اﻟﻧﻘﺎد ﻋن
ﺑﻠورة اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻘدي اﻟﻣﻼﺋم ،ﻧﺗﺞ ﻋﻧﻪ ﺑﻘﺎء اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري ﯾراوح ﻣﻛﺎﻧﻪ دون اﻟﻧﺟﺎح ﻓﻲ إﺿﺎءة
ﻋﺗﺑﺗﺎت اﻟﻧص اﻟﺟزاﺋري وﻛﺷف ﻣﻛﻧوﻧﺎﺗﻪ.
-14ﻏﻣوض اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﻟدى اﻟﺟﺎﻣﻌﯾﯾن اﻟﻣﺗﺧﺻﺻﯾن ﻧﺎﻫﯾك ﻋﻧد اﻟﻘراء
اﻟﻌﺎدﯾﯾن ،ﺣﯾث أﺿﺣت اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ واﻟﻣﻌﺎﺻرة ﺗﻠﻘﻰ ﻧﻔو ار ﻛﺑﯾ ار ﻟدى اﻟﻘراء ﺑﺳﺑب
ﻏﻣوﺿﻬﺎ واﻻﻟﺗﺑﺎس اﻟﻛﺑﯾر اﻟذي ﺗﻌرﻓﻪ اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت واﻟﻣﻘوﻻت اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﺗﻲ أﺗت ﺑﻬﺎ.
293
ﻋﻠﻣﻧﺔ اﻷدب ،ﺣﯾث أﺿﺣت اﻟدراﺳﺎت اﻷدﺑﯾﺔ
-15اﺗﺟﺎﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة إﻟﻰ ّ
وﻓﻘﻬﺎ ﺟﻣﻠﺔ ﻣن اﻟﺟداول واﻹﺣﺻﺎءات واﻟرﺳوم اﻟﺑﯾﺎﻧﯾﺔ ،وﻟﻐﺔ اﻷرﻗﺎم اﻟﺟﺎﻓﺔ ،اﻟﺗﻲ ﻓﻘد ﻣﻌﻬﺎ
اﻟﻧﻘد واﻷدب اﻟﺣس اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟذي طﺎﻟﻣﺎ ﻛﺎن ﺷﺎطﺋﺎ ﯾﻘﺻدﻩ طﺎﻟب اﻻﺳﺗﺟﻣﺎم واﻟﻬﻧﺎء
واﻟراﺣﺔ.
ﻫذا وﺗﺑﻘﻰ إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻣن أﻛﺑر اﻟﺗﺣدﯾﺎت اﻟﺗﻲ ﺗواﺟﻪ اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر
وﺗﺗطﻠب ﺗﺿﺎﻓر ﺟﻬود اﻟﻧﻘﺎد واﻟﻌﻣل اﻟدؤوب اﻟذي ﻻ ﯾﻣﻛن أن ﺗﺣﯾط ﺑﻪ دراﺳﺔ واﺣدة ،إﻻّ أﻧﻧﺎ
ﻧﺄﻣل أن ﺗﻛون دراﺳﺗﻧﺎ اﻟﻣﺗواﺿﻌﺔ ﺳﺑﯾﻼ ﻟﺗﺣﻘﯾق اﻟوﻋﻲ ﺑﺣﺟم اﻷزﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺗﺧﺑط ﻓﯾﻬﺎ اﻟﻧﻘد
اﻟﺟزاﺋري واﻟﻌرﺑﻲ ﻋﻣوﻣﺎ ،واﻟﻌﻣل ﻋﻠﻰ ﺑﻠورة ﻣﻧﻬﺞ ﻧﻘدي ﻣﺗﻛﺎﻣل ﺑﺎﺳﺗطﺎﻋﺗﻪ ﺷﻔﺎء ﻏﻠﯾل
اﻟﻘﺎرئ ﺣول ﺧﺑﺎﯾﺎ اﻟﻧﺻوص اﻷدﺑﯾﺔ وﻣﻛﻧوﻧﺎﺗﻬﺎ ،وﻧﺳﺄل اﷲ أﺧﯾ ار أن ﻧﻛون وﻓﻘﻧﺎ ﻓﻲ ﺗدﻋﯾم
اﻟﺑﺣوث اﻟﻧﻘدﯾﺔ واﻟﻣﻛﺗﺑﺔ اﻟﺟﺎﻣﻌﯾﺔ ﻓﻲ ﻣﺟﺎل اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ،ﻓﺈن أﺻﺑﻧﺎ ﻓﻌﺳﻰ أن
ﯾﻛون ﻟﻧﺎ أﺟران ٕوان أﺧﻔﻘﻧﺎ ﻓﻌﺳﻰ أن ﯾﻛون ﻟﻧﺎ أﺟر اﻟﻣﺣﺎوﻟﺔ .
294
ﻣﻠﺤﻖ ﻟﺒﻌﺾ ﺃﻋﻼﻡ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﳉﺰﺍﺋﺮﻱ
295
ﺑﻌض أﻋﻼم اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣﻠﺤﻖ
ﻣﻠﺣـــــــــــق
ﻟﺑﻌض أﻋﻼم اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر
ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض:
وﻟد ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض ﻓﻲ 10ﯾﻧﺎﯾر 1935ﺑﺑﻠدة ﻣﺳﯾردة )وﻻﯾﺔ ﺗﻠﻣﺳﺎن اﻟﻛﺎﺋﻧﺔ
ﺑﺎﻟﻐرب اﻟﺟزاﺋري(،ﺗﻘﻠد اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﻣﻧﺎﺻب اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ واﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ،ﻣﻧﻬﺎ :رﺋﯾس ﻓرع اﺗﺣﺎد اﻟﻛﺗﺎب
اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ﺑﺎﻟﻐرب اﻟﺟزاﺋري ) ، (1975ﻧﺎﺋب ﻋﻣﯾد ﺟﺎﻣﻌﺔ وﻫران ) (1980أﻣﯾن وطﻧﻲ
ﻣﻛﻠف ﺑﺷؤون اﻟﻛﺗﺎب اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ) ، (1984ﻣدﯾر ﻟﻠﺛﻘﺎﻓﺔ واﻷﻋﻼم ﺑوﻻﯾﺔ وﻫران )، (1983
ﻋﺿو ﻓﻲ اﻟﻬﯾﺋﺔ اﻻﺳﺗﺷﺎرﯾﺔ ﻟﻣﺟﻠﺔ )اﻟﺗراث اﻟﺷﻌﺑﻲ( ،اﻟﻌراﻗﯾﺔ ) (1986رﺋﯾس اﻟﻣﺟﻠس
اﻟﻌﻠﻣﻲ ﻟﻣﻌﻬد اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ وآداﺑﻬﺎ ﺑﺟﺎﻣﻌﺔ وﻫران ،ﻋﺿو اﻟﻣﺟﻠس اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻷﻋﻠﻰ
) ، (1997رﺋﯾس اﻟﻣﺟﻠس اﻷﻋﻠﻰ ﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ).(1998
ﺗﺗﻣﯾز ﻛﺗﺎﺑﺎت ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض ﺑﺎﻟﻐ ازرة ،إذ ﺗﺗوزع ﻋﻠﻰ أﻗﺎﻟﯾم ﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ﺷﺗﻰ ﻛﺎﻟرواﯾﺔ
واﻟﻘﺻﺔ واﻟﺷﻌر واﻟﻧﻘد واﻟﺗﺎرﯾﺦ واﻟﺗراث اﻟﺷﻌﺑﻲ ..ﺣﺗﻰ ﻻ ﯾﻣﻛﻧﻧﺎ اﻟﻘول إﻧﻪ ﻣن أﻏزر ﻛﺗﺎب
اﻟﺟزاﺋر )ﻗدﯾﻣﺎ وﺣدﯾﺛﺎ( ﺗﺄﻟﯾﻔﺎ وأﻛﺛرﻫم ﺗﻧوﻋﺎ وﺛراء.
ﻣن ﻣؤﻟﻔﺎﺗﻪ اﻟﻧﻘدﯾﺔ:
-اﻟﻘﺻﺔ ﻓﻲ اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻘدﯾم.
-ﻧﻬﺿﺔ اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر.
-ﻓن اﻟﻣﻘﺎﻣﺎت ﻓﻲ اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ.
-اﻷﻟﻐﺎز اﻟﺷﻌﺑﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ.
-اﻷﻣﺛﺎل اﻟﺷﻌﺑﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ.
-ﻓﻧون اﻟﻧﺛر اﻷدﺑﻲ ﺑﺎﻟﺟزاﺋر.
-اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ ﻣن أﯾن ؟ ٕواﻟﻰ أﯾن؟.
-ﺑﻧﯾﺔ اﻟﺧطﺎب اﻟﺷﻌري.
-اﻟﻘﺻﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة.
296
ﺑﻌض أﻋﻼم اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣﻠﺤﻖ
297
ﺑﻌض أﻋﻼم اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣﻠﺤﻖ
اﻟﺟزاﺋر ﻟﯾﺷرف ﻋﻠﻰ إدارة ﻣدرﺳﺔ ﺣرة ﺑﻣﻐﻧﯾﺔ )ﻣدرﺳﺔ اﻟﺗﻘدم(.أﻟﻘﻲ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﻘﺑض ﺑﻌد اﻧدﻻع
ﺛورة ﻧوﻓﻣﺑر ،1954وأطﻠق ﺳراﺣﻪ ﺑﻌد أﺷﻬر ﻗﻠﯾﻠﺔ .ﺑﻌدﻫﺎ ﻫﺎﺟر إﻟﻰ ﻓرﻧﺳﺎ ﺣﯾث ظل ﻣوزﻋﺎ
ﺑﯾن اﻟﻌﻣل واﻟدراﺳﺔ واﻟﻧﺿﺎل اﻟﺳري ،إﻟﻰ أن اﺳﺗﻘﻠت اﻟﺟزاﺋر .ﺑﻌد ﻋودﺗﻪ إﻟﻰ ﺑﻼدﻩ اﻧﺗﺳب
اﻟﻰ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﺟزاﺋر ﺳﻧﺔ .1965أﺣرز دﻛﺗوراﻩ اﻟﺣﻠﻘﺔ اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ ﻣن ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﺟزاﺋر ﺳﻧﺔ 1972
ﻋن رﺳﺎﻟﺔ ﺑﻌﻧوان ) ﺟﻣﺎﻋﺔ اﻟدﯾوان ﻓﻲ اﻟﻧﻘد( ،اﺷرف ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻟدﻛﺗور ﻣﺣﻣود اﻟرﺑﯾﻌﻲ .ﻛﻣﺎ
أﺣرز دﻛﺗوراﻩ اﻟدوﻟﺔ ﻣن ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻘﺎﻫرة ﻓﻲ ﺟوﯾﻠﯾﺔ 1976ﻋن أطروﺣﺔ ﺑﻌﻧوان )اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ
اﻟﺣدﯾث ﻓﻲ اﻟﻣﻐرب اﻟﻌرﺑﻲ( ،واﻓﺗﻪ اﻟﻣﻧﯾﺔ ﻓﻲ 20ﺟﺎﻧﻔﻲ .1987
ﻣن ﻣؤﻟﻔﺎﺗﻪ اﻟﻧﻘدﯾﺔ:
-ﻓﺻول ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث.
-ﺟﻣﺎﻋﺔ اﻟدﯾوان ﻓﻲ اﻟﻧﻘد.
-اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺣدﯾث ﻓﻲ اﻟﻣﻐرب اﻟﻌرﺑﻲ.
-دراﺳﺎت ﻓﻲ اﻟﻧﻘد واﻷدب..
-اﻟﻧﺛر اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث.
-اﻟرواﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ واﻟﺣدﯾﺛﺔ ﺑﯾن اﻟواﻗﻌﯾﺔ واﻻﻟﺗزام.
ﺻﺎﻟﺢ ﺧرﻓﻲ:
وﻟد ﻓﻲ اﻟﻘ اررة )وﻻﯾﺔ ﻏرداﯾﺔ( ﺑﺎﻟﺟﻧوب اﻟﺟزاﺋري ﺳﻧﺔ ،1932ﻓﻲ ﺳﻧﺔ 1957اﻟﺗﺣق
ﺑﻘﺳم اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﺑﻛﻠﯾﺔ اﻵداب )ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻘﺎﻫرة( أﯾن ﺗﺣﺻل ﻋﻠﻰ ﺷﻬﺎدة اﻟﻣﺎﺟﺳﺗﯾر ﻋن
رﺳﺎﻟﺔ ﺑﻌﻧوان )ﺷﻌر اﻟﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ( ) (1930-1830ﺳﻧﺔ .1966
ﻛﻣﺎ أﺣرز درﺟﺔ دﻛﺗوراﻩ )ﺑﻣرﺗﺑﺔ اﻟﺷرف اﻷوﻟﻰ( ﻣن اﻟﺟﺎﻣﻌﺔ ﻧﻔﺳﻬﺎ ﺳﻧﺔ ،1970ﻋن
أطروﺣﺔ ﺑﻌﻧوان ) اﻟﺷﻌر اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ( .ﻫو ﻋﺿو ﻣؤﺳس ﻻﺗﺣﺎد اﻟﻛﺗﺎب اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن
1964وﻋﺿو ﻣراﺳل ﻓﻲ )ﻣﺟﻣﻊ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﺑدﻣﺷق ( ،1986وﻋﺿو ﻣؤازر )ﻟﻣﺟﻣﻊ
298
ﺑﻌض أﻋﻼم اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣﻠﺤﻖ
299
ﺑﻌض أﻋﻼم اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣﻠﺤﻖ
اﻟدﻛﺗور ﺷﻛري ﻓﯾﺻل .ﺛم اﻟدﻛﺗوراﻩ ﻣن اﻟﺟﺎﻣﻌﺔ ﻧﻔﺳﻬﺎ ﺳﻧﺔ ، 1983ﻋن ﺑﺣث ﯾدرس اﻟﺷﻌر
اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ،اﺷرف ﻋﻠﯾﻪ -ﻓﻲ ﻣرﺣﻠﺗﻪ اﻷﺧﯾرة ) اﻟدﻛﺗور ﻋﺑد اﷲ اﻟرﻛﯾﺑﻲ(.
ﻣن ﻣؤﻟﻔﺎﺗﻪ اﻟﻧﻘدﯾﺔ:
-اﻟﻣﻘﺎﻟﺔ اﻟﺻﺣﺎﻓﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ).(1931-1903
-رﻣﺿﺎن ﺣﻣود -ﺣﯾﺎﺗﻪ وآﺛﺎرﻩ .
-اﻟﺷﻌر اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث – اﺗﺟﺎﻫﺎﺗﻪ وﺧﺻﺎﺋﺻﻪ اﻟﻔﻧﯾﺔ.
أﺑو اﻟﻌﯾد دودو:
ﻗﺎص وﻣﺳرﺣﻲ وﻧﺎﻗد وﻣﺗرﺟم ﻣن ﻣواﻟﯾد 1934-01-31ﻓﻲ ﻗرﯾﺔ "ﺗﺎﻣﻧﺟر" ﺑﺟﯾﺟل.
أرﺳل ﻓﻲ ﺑﻌﺛﺔ ﻋﻠﻣﯾﺔ إﻟﻰ اﻟﻌراق أﯾن درس ﺑدار اﻟﻣﻌﻠﻣﯾن اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ ﺣﺗﻰ أﺣرز اﻟﻠﯾﺳﺎﻧس
ﺑﺑﻐداد ،1958دﺧل اﻟﻘﺳم اﻟﺷرﻓﻲ ﻟﻠﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻧﻣﺳﺎوﯾﺔ ،وﻫﻧﺎك درس اﻟﺣﺿﺎرة اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ
وﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻔﻛر اﻟﻌرﺑﻲ واﻟدراﺳﺎت اﻟﺷرﻗﯾﺔ اﻟﻣﻘﺎرﻧﺔ ،وﺗﺧرج ﻓﻲ ﺳﻧﺔ 1961ﺑﺷﻬﺎدة اﻟدﻛﺗوراﻩ
ﻋن أطروﺣﺔ ﺣول اﻟﻣؤرخ واﻟﻘﺎﺿﻲ واﻟﺷﺎﻋر اﻟﺳوري ﻣﺣﻣد ﺑن ﻧظﯾف اﻟﺣﻣوي ،وﺑﻌدﻫﺎ درس
ﺛﻣﺎﻧﯾﺔ ﺳﻧوات ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻓﯾﯾﻧﺎ ﺑﺎﻟﻧﻣﺳﺎ ،اﺷﺗﻐل أﺳﺗﺎذا ﻓﻲ ﻣﻌﻬد اﻟﻠﻐﺔ واﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ ﺑﺟﺎﻣﻌﺔ
اﻟﺟزاﺋر ،وظل ﻛذﻟك ﺣﺗﻰ أﺣﯾل ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻘﺎﻋد ﺳﻧﺔ 1994ﺗﻧﺻب ﺟل اﻫﺗﻣﺎﻣﺎﺗﻪ اﻷدﺑﯾﺔ ﻓﻲ
ﺣﻘل اﻷدب اﻟﻣﻘﺎرن.
ﻣن ﻣؤﻟﻔﺎﺗﻪ اﻟﻧﻘدﯾﺔ:
-ﻛﺗب وﺷﺧﺻﯾﺎت.
-دراﺳﺎت أدﺑﯾﺔ ﻣﻘﺎرﻧﺔ.
اﻷﻋرج واﺳﯾﻧﻲ:
رواﺋﻲ وﻗﺎص وﻧﺎﻗد ،ذو اﻫﺗﻣﺎﻣﺎت إﺑداﻋﯾﺔ وأﻛﺎدﯾﻣﯾﺔ ﻣﺗﻌددة وﺻﺎﺣب إﻧﺗﺎج أدﺑﻲ
ﻏزﯾر ،وﻟد ﻓﻲ 08أوت 1954ﺑﻘرﯾﺔ ﺳﯾدي ﺑوﺟﻧﺎن )وﻻﯾﺔ ﺗﻠﻣﺳﺎن( اﻟﻣﺗﺎﺧﻣﺔ ﻟﻠﺣدود
اﻟﻣﻐرﺑﯾﺔ ،ﻧﺷﺄ ﻓﻲ ﺑﯾﺋﺔ ﻋﺎﺋﻠﯾﺔ ﻓﻘﯾرة ،واﺻل دراﺳﺎﺗﻪ اﻟﻌﻠﯾﺎ ﺑﺟﺎﻣﻌﺔ دﻣﺷق ﺣﯾث أﺣرز درﺟﺔ
300
ﺑﻌض أﻋﻼم اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣﻠﺤﻖ
301
ﺑﻌض أﻋﻼم اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣﻠﺤﻖ
)اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ :ﻣﻧﺎﻫﺟﻪ وﺗطﺑﯾﻘﺎﺗﻪ ﻋﻧد ﻣﺣﻣد ﻣﺻﺎﯾف( .اﺷرف ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻟدﻛﺗور اﻷﻋرج
واﺳﯾﻧﻲ ،ﯾﺷﺗﻐل أﺳﺗﺎذا ﺑﺟﺎﻣﻌﺔ ﺗﯾزي وزو.
ﻣن ﻣؤﻟﻔﺎﺗﻪ اﻟﻧﻘدﯾﺔ :
-اﻟﺑﺣث ﻋن اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺟدﯾد.
-ﻓﻲ ﻣﻌرﻓﺔ اﻟﻧص اﻟرواﺋﻲ.
اﻟطﺎﻫر ﯾﺣﯾﺎوي:
ﻣﺑدع وﻧﺎﻗد وﺻﺣﻔﻲ ذاﺋﻊ اﻟﺻﯾت ،ﻣن ﻣواﻟﯾد 19ﻣﺎرس 1958ﺑﻌﯾن اﻟﺧﺿراء
ﺳﺟل رﺳﺎﻟﺔ ﻣﺎﺟﺳﺗﯾر ﺣول اﻟﺷﻌر اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر.
ﻣن ﻣؤﻟﻔﺎﺗﻪ اﻟﻧﻘدﯾﺔ:
-اﻟﺑﻌد اﻟﻔﻧﻲ واﻟﻔﻛري ﻋﻧد اﻟﺷﺎﻋر ﻣﺻطﻔﻰ اﻟﻐﻣﺎري.
-أﺣﺎدﯾث ﻓﻲ اﻷدب واﻟﻧﻘد ،دار اﻟﺷﻬﺎب ،ﺑﺎﺗﻧﺔ .1990 ،
زﯾﻧب اﻷﻋوج:
ﺷﺎﻋرة وﻧﺎﻗدة ،ﻣن ﻣواﻟﯾد 1954-07-28ﻓﻲ ﻣﻐﻧﯾﺔ ﺑﺗﻠﻣﺳﺎن .أﺣرزت درﺟﺔ
اﻟﻣﺎﺟﺳﺗﯾر ﺳﻧﺔ ،1985ﺣول ﻣوﺿوع »ﺗطور ﻣﻔﻬوم اﻟﺛورة ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﺟزاﺋري« ،ﺛم
اﻟدﻛﺗوراﻩ ﺳﻧﺔ 1989ﻋن ﺑﺣث ﺣول »اﻟدﻻﻟﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻟﻠﺷﻌر اﻟﻣﻐﺎرﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﺳﺑﻌﯾﻧﺎت«
اﺷﺗﻐﻠت أﺳﺗﺎذة ﻓﻲ ﻣﻌﻬد اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ واﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ ﺑﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﺟزاﺋر ،ﺛم اﻧﺗﻘﻠت اﻟﻰ ﻓرﻧﺳﺎ
ﺳﻧﺔ ، 1994وﻫﻲ زوﺟﺔ اﻟرواﺋﻲ اﻷﻋرج واﺳﯾﻧﻲ.
ﻣن ﻣؤﻟﻔﺎﺗﻬﺎ اﻟﻧﻘدﯾﺔ :
-اﻟﺳﻣﺎت اﻟواﻗﻌﯾﺔ ﻟﻠﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ،دار اﻟﺣداﺛﺔ ،ﺑﯾروت .1985 ،
-اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ اﻟﺷﺎﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ،دار اﻟﺣداﺛﺔ ،ﺑﯾروت .1986 ،
302
ﺑﻌض أﻋﻼم اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣﻠﺤﻖ
ﻋﻣر أزراج:
ﺷﺎﻋر وﻧﺎﻗد ،ﻣن ﻣواﻟﯾد 1949-09-28ﺑﻘرﯾﺔ ﺑﻧﻲ ﻣﻠﯾﻛش ،اﺷﺗﻐل ﻣدرﺳﺎ ﺛم
ﻣﺳﺗﺷﺎ ار ﻟﻠﺗرﺑﯾﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ ،ﻛﻣﺎ اﺷﺗﻐل ﺻﺣﻔﯾﺎ ﻓﻲ ﻣﺟﻠﺔ )اﻟﻣﺟﺎﻫد ( اﻷﺳﺑوﻋﻲ ،اﻧﺗﻘل ﻓﻲ
اﻟﺳﻧوات اﻷﺧﯾرة إﻟﻰ ﺧﺎرج اﻟﺟزاﺋر ،ﺣﯾث ﺗﻌﺎون إﻋﻼﻣﯾﺎ ﻣﻊ ﺑﻌض اﻹذاﻋﺎت اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ.
ﻣن ﻣؤﻟﻔﺎﺗﻪ اﻟﻧﻘدﯾﺔ :
-اﻟﺣﺿور.
-أﺣﺎدﯾث ﻓﻲ اﻟﻔﻛر واﻷدب .
إﺑراﻫﯾم رﻣﺎﻧﻲ:
ﻣن ﻣواﻟﯾد 1962-12-19ﺑﺑﺳﻛرة ،أﺣرز اﻟﻣﺎﺟﺳﺗﯾر )ﺑﺗﻘدﯾر :ﻣﺷرف ﺟدا ﻣﻊ
اﻟﺗﻬﻧﺋﺔ ( ﻓﻲ أﻓرﯾل ، 1987ﻋن ﺑﺣث ﺑﻌﻧوان ) اﻟﻐﻣوض ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺣدﯾث (
اﺷرف ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻟدﻛﺗور ﻣﺣﻣد ﻧﺎﺻر ،ﻛﻣﺎ أﺣرز درﺟﺔ اﻟدﻛﺗوراﻩ )ﺑﺗﻘدﯾر :ﻣﺷرف ﺟدا ( ﺳﻧﺔ
،1994ﻋن ﺑﺣث ﺑﻌﻧوان )اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث (.
ﻣن ﻣؤﻟﻔﺎﺗﻪ اﻟﻧﻘدﯾﺔ :
-أوراق ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ .
-اﻟﻐﻣوض ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺣدﯾث.
-أﺳﺋﻠﺔ اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ.
-ﻓﻬرس اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر .1989-1920
ﺑﺧﺗﻲ ﺑن ﻋودة :
ﻧﺎﻗد وﺷﺎﻋر وﻛﺎﺗب ﺻﺣﻔﻲ ﻣن ﻣواﻟﯾد 28أوت 1961ﺑوﻫران ،أﺣرز ﺷﻬﺎدة
اﻟﻣﺎﺟﺳﺗﯾر ﻓﻲ 1994-10-26ﻋن رﺳﺎﻟﺔ اﺷرف ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻟدﻛﺗور ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر ﻓﯾدوح ﺑﻌﻧوان )
ظﺎﻫرة اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﺟدﯾد – ﻣﻘﺎرﺑﺔ ﺗﺄوﯾﻠﯾﺔ ،اﻟﺧطﯾﺑﻲ ﻧﻣوذﺟﺎ ( ،اﻏﺗﯾل ﻓﻲ ﻣﺳﺎء
303
ﺑﻌض أﻋﻼم اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣﻠﺤﻖ
اﻻﺛﻧﯾن 22ﻣﺎي 1995ﺑوﻫران ،ﺻدر ﻟﻪ -ﺑﻌد وﻓﺎﺗﻪ -ﻋن راﺑطﺔ »اﻻﺧﺗﻼف« ﻛﺗﺎب
ﺑﻌﻧوان) :رﻧﯾن اﻟﺣداﺛﺔ (.
ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ:
ﺷﺎﻋر وﻧﺎﻗد ﻣن ﻣواﻟﯾد 1970ﺑوﻻﯾﺔ ﺳﻛﯾﻛدة ،ﻣﺗﺣﺻل ﻋﻠﻰ دﻛﺗوراﻩ ﻓﻲ اﻵداب
أﺣرز ﻋﻠﻰ ﺟواﺋز ﺷﻌرﯾﺔ ﻛﺛﯾرة ،أﺳﺗﺎذ ﻟﻠﺗﻌﻠﯾم اﻟﻌﺎﻟﻲ ﺑﺟﺎﻣﻌﺔ ﻗﺳﻧطﯾﻧﺔ .1
ﻣن ﻣؤﻟﻔﺎﺗﻪ اﻟﻧﻘدﯾﺔ:
-ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر.
-إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﺻطﻠﺢ ﻓﻲ اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد.
-اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي ﻋﻧد ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض.
-اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ.
-ﺧطﺎب اﻟﺗﺄﻧﯾث ،دراﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﻧﺳوي ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر.
ﻣراﺟﻊ اﻟﻣﻠﺣق:
-ﻣؤﻟﻔﺎت اﻟﻧﻘﺎد.
-ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،راﺑطﺔ إﺑداع
اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ،د ط ،اﻟﺟزاﺋر.2002 ،
-أﺣﻣد دوﻏﺎن ،ﻓﻲ اﻷدب اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ،اﺗﺣﺎد اﻟﻛﺗﺎب اﻟﻌرب ،ط ، 01دﻣﺷق،
.1996
304
ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺍﳌﺼﺎﺩﺭ ﻭﺍﳌﺮﺍﺟﻊ
ﻗﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﺼﺎدر واﻟﻤﺮاﺟﻊ
306
ﻗﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﺼﺎدر واﻟﻤﺮاﺟﻊ
-أﺣﻣد دوﻏﺎن ،ﻓﻲ اﻷدب اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ،ﻣﻧﺷورات إﺗﺣﺎد اﻟﻛﺗﺎب اﻟﻌرب ،دﻣﺷق
.1996
-أﺣﻣد ﻋﻠﺑﻲ ،اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺑﺣث اﻷدﺑﻲ ،دار اﻟﻔﺎراﺑﻲ ،ﺑﯾروت ،ط .1999 ،1
-أﺣﻣد ﻣطﻠوب ،ﻓﻲ اﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻧﻘدي ،ﻣﻧﺷورات اﻟﻣﺟﻣﻊ اﻟﻌﻠﻣﻲ ،ﺑﻐداد ،د ط
.2002
-أﺣﻣد ﻣﻧور ،اﻷدب اﻟﺟزاﺋري ﺑﺎﻟﻠﺳﺎن اﻟﻔرﻧﺳﻲ " ﻧﺷﺄﺗﻪ وﻗﺿﺎﯾﺎﻩ" ،دﯾوان اﻟﻣطﺑوﻋﺎت
اﻟﺟﺎﻣﻌﯾﺔ ،ﺑن ﻋﻛﻧون ،اﻟﺟزاﺋر.2007،
-أﺣﻣد ﯾوﺳف ،اﻟﺳﻼﻟﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ،ﻋﻼﻣﺎت اﻟﺧﻔوت وﺳﯾﻣﺎء اﻟﯾﺗم ،ﻣﻛﺗﺑﺔ اﻟرﺷﺎد
ﻟﻠطﺑﺎﻋﺔ واﻟﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ ،ﺳﯾدي ﺑﻠﻌﺑﺎس ،اﻟﺟزاﺋر.2004 ،
-أرﺳطو ،ﻣﻧطق أرﺳطو ،ﺗﺣﻘﯾق ﻋﺑد اﻟرﺣﻣﺎن ﺑدوي ،ج ، 1ﻣﻛﺗﺑﺔ اﻟﻣطﺑوﻋﺎت،اﻟﻛوﯾت
دار اﻟﻘﻠم ،ﺑﯾروت ،ط .1980 ، 1
-اﻟﺣﺑﯾب ﺑﻧﺎﺳﻲ ،ﺻرﺧﺔ اﻟﻘﻠب وﻣﻘﺎﻻت أﺧرى ،د ط ،اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب اﻟﺟزاﺋر،
.1984
-اﻟﺷرﯾف اﻟﺟرﺟﺎﻧﻲ ،ﻛﺗﺎب اﻟﺗﻌرﯾﻔﺎت ،ﺗﺣﻘﯾق إﺑراﻫﯾم اﻷﺑﯾﺎري ،دار اﻟﻛﺗﺎب اﻟﻌرﺑﻲ
ﺑﯾروت ،ط .1998 ، 4
-اﻟﺷﻌر اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ،اﺗﺟﺎﻫﺎﺗﻪ وﺧﺻﺎﺋﺻﻪ اﻟﻔﻧﯾﺔ،1975-1925 ،ط ، 2دار اﻟﻐرب
اﻹﺳﻼﻣﻲ ،ﺑﯾروت.2006 ،
-اﻟﺷﯾﺦ ﻛﺎﻣل ﻣﺣﻣد ﻣﺣﻣد ﻋوﯾﺿﺔ ،اﺑن رﺷﯾق اﻟﻘﯾرواﻧﻲ اﻟﺷﺎﻋر اﻟﺑﻠﯾﻎ ،دار اﻟﻛﺗب
اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ،ﺑﯾروت ،ط .1993 ، 1
-أﻣﯾﻧﺔ ﻓرازي ،أﺳﺋﻠﺔ وأﺟوﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ اﻟﺳردﯾﺔ ،دار اﻟﻛﺗﺎب اﻟﺣدﯾث ،د ط ،اﻟﻘﺎﻫرة
2012
-أﻧﯾس إﺑراﻫﯾم ،ﻣن أﺳرار اﻟﻠﻐﺔ ،اﻟﻣﻛﺗﺑﺔ اﻷﻧﺟﻠوﻣﺻرﯾﺔ ،ط .1987 ، 6
307
ﻗﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﺼﺎدر واﻟﻤﺮاﺟﻊ
-ﺑﺧﺗﻲ ﺑن ﻋودة ،رﻧﯾن اﻟﺣداﺛﺔ ،ﻣﻧﺷورات اﻻﺧﺗﻼف ،و ازرة اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ واﻻﺗﺻﺎل ،اﻟﺟزاﺋر ،ط
.1999 ،01
-ﺑﺷﯾر ﺗﺎورﯾت ،اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﺷﻌرﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﺿوء اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة واﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﺷﻌرﯾﺔ،
ﻋﺎﻟم اﻟﻛﺗﺎب اﻟﺣدﯾث ،ط ، 01ارﺑد .2009 ،
-ﺑﺷﯾر ﺗﺎورﯾت ،ﺑﺎﻻﺷﺗراك ﻣﻊ ﺳﺎﻣﯾﺔ اﻟﺣﺎج ،اﻟﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﻣﻌﺎﺻر دراﺳﺔ
ﻓﻲ اﻷﺻول واﻟﻣﻼﻣﺢ واﻹﺷﻛﺎﻻت اﻟﻧظرﯾﺔ واﻟﺗطﺑﯾﻘﯾﺔ ،دار ارﺳﻼن ﻟﻠﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ ﺳورﯾﺎ
.2010
-ﺑﺷﯾر ﺗﺎورﯾت ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر -دراﺳﺔ ﻓﻲ اﻷﺻول واﻟﻣﻼﻣﺢ واﻹﺷﻛﺎﻻت-
اﻟﻧظرﯾﺔ واﻟﺗطﺑﯾﻘﯾﺔ ،اﻟﻬﯾﺋﺔ اﻟﻣﺻرﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب ،اﻟﻘﺎﻫرة.2008 ،
-ﺑﺷﯾر ﺧﻠدون ،اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻋﻠﻰ أﯾﺎم اﺑن رﺷﯾق اﻟﻣﺳﯾﻠﻲ ،اﻟﺷرﻛﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﻠﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ
اﻟﺟزاﺋر.1981 ،
-ﺑﯾﺎر ﺟﯾرو ،اﻷﺳﻠوب واﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ،ﺗرﺟﻣﺔ ﻣﻧذر ﻋﯾﺎﺷﻲ ،ﻣرﻛز اﻹﻧﻣﺎء اﻟﻌرﺑﻲ ،ﻟﺑﻧﺎن ،د
ت.
-ﺗرﻛﻲ راﺑﺢ ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺑﺣث ﻓﻲ ﻋﻠوم اﻟﺗرﺑﯾﺔ وﻋﻠم اﻟﻧﻔس ،اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب
اﻟﺟزاﺋر .1984 ،
-ﺗوﻓﯾق اﻟزﯾدي ،أﺛر اﻟﻠﺳﺎﻧﯾﺎت ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺣدﯾث ﻣن ﺧﻼل ﺑﻌض ﻧﻣﺎذﺟﻪ ،اﻟدار
اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب ،ﺗوﻧس ،د ط . 1984،
-ﺗوﻓﯾق ﻣﺳﻛﯾن ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻓﻲ ﺿوء اﻟﺗﻠﻘﻲ ،اﻟﻧﺷر اﻟﺟﺎﻣﻌﻲ اﻟﺟدﯾد ،د ط
ﺗﻠﻣﺳﺎن ،اﻟﺟزاﺋر.2017 ،
آذار -ﺛﺎﻣر ﻓﺎﺿل ،ﻣﻘﺎرﺑﺎت اﻟﻧﻘﺎد اﻟﻣﻌﺎﺻرﯾن ،ﻛﺗﺎﺑﺎت ﻣﻌﺎﺻرة ،اﻟﻣﺟﻠد ، 1ﻋدد 2
.1989
-ﺟﺎﺑر ﻋﺻﻔور ،اﻟﻬوﯾﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ واﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ،دار اﻟﺷروق ،د ط ،اﻟﻘﺎﻫرة ،ﻣﺻر.2011،
308
ﻗﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﺼﺎدر واﻟﻤﺮاﺟﻊ
-ﺟورج ﻣوﻧﺎن ،اﻟﻣﺳﺎﺋل اﻟﻧظرﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺗرﺟﻣﺔ ،ت ﻟطﯾف زﯾﺗوﻧﻲ ،دار اﻟﻣﻧﺗﺧب اﻟﻌرﺑﻲ
ﻟﻠدراﺳﺎت واﻟﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ ،ﻟﺑﻧﺎن ،ط .1994،1
-ﺟوﻟﯾﺎ ﻛرﯾﺳﺗﯾﻔﺎ ،ﻋﻠم اﻟﻧص ،ت ﻓرﯾد اﻟزاﻫﻲ ،ﻣراﺟﻌﺔ ﻋﺑد اﻟﺟﻠﯾل ﻧﺎظم ،دار ﺗوﺑﻘﺎل
ﻟﻠﻧﺷر ،اﻟدار اﻟﺑﯾﺿﺎء ،ط ،1اﻟﻣﻐرب .1991
-ﺟون إﯾﻠس ،ﺿد اﻟﺗﻔﻛﯾك ،ت ﺣﺳﺎم ﻧﺎﯾل ،اﻟﻣرﻛز اﻟﻘوﻣﻲ ﻟﻠﺗرﺟﻣﺔ ،اﻟﻌدد ،2064ط 01
اﻟﻘﺎﻫرة.2012 ،
-ﺣﺳن ﻣﺧﺎﻓﻲ ،اﻟﻣﻔﻬوم واﻟﻣﻧﻬﺞ ﻓﻲ اﻟﻘراءات اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﻟﻠﺗراث اﻟﻧﻘدي ،إﻓرﯾﻘﯾﺎ
اﻟﺷرق ،د ط ،اﻟﻣﻐرب.2016 ،
-ﺧﺎﻟد ﻋﻠﻲ ﯾﺎس ،ﺳوﺳﯾوﻟوﺟﯾﺔ اﻟﻧﻘد اﻟﻘﺻﺻﻲ اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺣدﯾث ﻣﻘﺎرﺑﺔ ﻓﻲ ﻧﻘد اﻟﻧﻘد ،دار
اﻟﺟﻧدي ﻟﻠﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ ،ط ،01اﻟﻘﺎﻫرة.2015 ،
-رﺷﯾد ﺑن ﻣﺎﻟك ،ﻗﺎﻣوس ﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﺗﺣﻠﯾل اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ ،ﻋرﺑﻲ ،اﻧﺟﻠﯾزي ،ﻓرﻧﺳﻲ
دار اﻟﺣﻛﻣﺔ ،اﻟﺟزاﺋر ،د ط .2000 ،
-رﺷﯾد ﺑن ﻣﺎﻟك ،ﻣﻘدﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ اﻟﺳردﯾﺔ ،دار اﻟﻘﺻﺑﺔ ،د ط .2000 ،
-رﺷﯾد ﺑن ﻣﺎﻟك ،اﻟﺑﻧﯾﺔ اﻟﺳردﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻧظرﯾﺔ اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺔ ،دار اﻟﺣﻛﻣﺔ ،اﻟﺟزاﺋر.2001،
-روﻧﯾﻪ أوﻟﯾك ،أوﺳﺗﯾن وارﯾن ،ﻧظرﯾﺔ اﻷدب ،ﺗرﺟﻣﺔ ﻣﺣﻲ اﻟدﯾن ﺻﺑﺣﻲ ،اﻟﻣؤﺳﺳﺔ
اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻠﻧﺷر ،ﺑﯾروت ،د ط .1987 ،
-ﺳﺎﻋد اﻟﻌﻠوي ،اﻟﻣﺧﺗﺎر ﻓﻲ اﻟﻘواﻋد واﻟﻧﺻوص ،اﻟدﯾوان اﻟوطﻧﻲ ﻟﻠﻣطﺑوﻋﺎت اﻟﻣدرﺳﯾﺔ
اﻟﺟزاﺋر ،د ط .2001 ،2000 ،
-ﺳﺎﻣﻲ ﺷﻬﺎب أﺣﻣد ،اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺣدﯾث -ﻗﺿﺎﯾﺎ واﺗﺟﺎﻫﺎت ،-دار ﻏﯾداء ،ط ،01اﻷردن
.2013
-ﺳﻌﺎد ﻣﺣﻣد ﺧﺿر ،اﻷدب اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ،د ط ،ﻣﻧﺷورات اﻟﻣﻛﺗﺑﺔ اﻟﻌﺻرﯾﺔ ،ﺻﯾدا،
ﺑﯾروت.1967 ،
309
ﻗﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﺼﺎدر واﻟﻤﺮاﺟﻊ
-ﺳﻌﯾد ﺑوطﺎﺟﯾن ،اﻟﻣﺣﻛﻲ اﻟرواﺋﻲ اﻟﻌرﺑﻲ أﺳﺋﻠﺔ اﻟذات واﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ،دار اﻷﻟﻣﻌﯾﺔ ،ط 01
اﻟﺟزاﺋر.2014 ،
-ﺳﻌﯾد ﯾﻘطﯾن ،اﻷدب واﻟﻣؤﺳﺳﺔ واﻟﺳﻠطﺔ ،اﻟﻣرﻛز اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ اﻟﻌرﺑﻲ ،اﻟدار اﻟﺑﯾﺿﺎء اﻟﻣﻐرب،
ﺑﯾروت ،ﻟﺑﻧﺎن ،2002 ،ط.1
-ﺳﻌﯾد ﯾﻘطﯾن ،اﻟﺳردﯾﺎت واﻟﺗﺣﻠﯾل اﻟﺳردي -اﻟﺷﻛل واﻟدﻻﻟﺔ ،اﻟﻣرﻛز اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ اﻟﻌرﺑﻲ ،ط 01
اﻟدار اﻟﺑﯾﺿﺎء ،اﻟﻣﻐرب.2012 ،
-ﺳﻠﻣﺎن ﻛﺎﺻد ،ﻋﺎﻟم اﻟﻧص ،دراﺳﺔ ﺑﻧﯾوﯾﺔ ﻓﻲ اﻷدب اﻟﻘﺻﺻﻲ ،دار اﻟﻛﻧدي ،د ط ،اﻷردن
-ﺳﻣﯾر ﺳﻌﯾد ﺣﺟﺎزي ،إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ،دار طﯾﺑﺔ ،د ط ،اﻟﻘﺎﻫرة
.2005
-ﺳﯾد اﻟﺑﺣراوي ،اﻟﺑﺣث ﻋن اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺣدﯾث ،دار ﺷرﻗﯾﺎت ،ط ،01اﻟﻘﺎﻫرة
.1993
ﺳﯾد ﺳّﯾد ﻋﺑد اﻟرزاق ،اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ،ط ،01دار اﻟﻔﻛر ﺑﺎﻟﻣﺷرق
ّ -
ﺳورﯾﺔ.2002 ،
-ﺷﺎﻛر ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺑﺣث اﻟﻠﻐوي اﻟﺣدﯾث واﻟﻣﻌﺎﺻر ،ﻣﺟﻠﺔ اﻟﺧﻠدوﻧﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻠوم
اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ .2005 ،
-ﺷرﯾﺑط أﺣﻣد ﺷرﯾﺑط ،اﻹﺷﺎرات ﻣﻘﺎرﺑﺎت ﻓﻲ اﻷدب واﻟﺛﻘﺎﻓﺔ واﻟﻔﻛر ،اﺗﺣﺎد اﻟﻛﺗﺎب
اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ،ط ،01اﻟﺟزاﺋر.2009 ،
-ﺷرﯾﺑط أﺣﻣد ﺷرﯾﺑط ،ﺗطور اﻟﺑﻧﯾﺔ اﻟﻔﻧﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺻﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة 1985-1947
اﺗﺣﺎد اﻟﻛﺗﺎب اﻟﻌرب ،د ط ،دﻣﺷق.1998 ،
-ﺷﻛري ﻋزﯾز اﻟﻣﺎﺿﻲ ،ﻓﻲ ﻧظرﯾﺔ اﻷدب ،دار اﻟﻣﻧﺗﺧب اﻟﻌرﺑﻲ ،ﻟﺑﻧﺎن ،ط.1993 1
-ﺷﻛري ﻋزﯾز ﻣﺎﺿﻲ ،ﻣن إﺷﻛﺎﻟﯾﺎت اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد ،اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻠدراﺳﺎت
واﻟﻧﺷر ،ط ،01ﺑﯾروت.1997 ،
310
ﻗﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﺼﺎدر واﻟﻤﺮاﺟﻊ
-ﺻﺎﺑر ﻋﺑد اﻟداﯾم ،ﺷﻌراء وﺗﺟﺎرب – ﻧﺣو ﻣﻧﻬﺞ ﺗﻛﺎﻣﻠﻲ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﺗطﺑﯾﻘﻲ ،دار اﻟوﻓﺎء ،د
ط ،اﻹﺳﻛﻧدرﯾﺔ.2000 ،
-ﺻﺎﻟﺢ ﺧرﻓﻲ ،اﻟﺷﻌر اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ،اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب ،اﻟﺟزاﺋر.1984 ،
-ﺻﺎﻟﺢ ﺧرﻓﻲ ،اﻟﻣدﺧل إﻟﻰ اﻷدب اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ،اﻟﺷرﻛﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﻠﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ
اﻟﺟزاﺋر.1983 ،
-ﺻﺎﻟﺢ ﺧرﻓﻲ،ﺣﻣود رﻣﺿﺎن ،اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب ،د ط ،اﻟﺟزاﺋر.1985 ،
-ﺻﻼح ﻓﺿل ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻟﻣﻌﺎﺻر ،د ط ،إﻓرﯾﻘﯾﺎ اﻟﺷرق ،ﺑﯾروت ،ﻟﺑﻧﺎن.2002 ،
-ﻋﺎطف ﻣﺣﻣد ﯾوﻧس ،ﻣﻐﺎﻟطﺎت ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ،اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ﻟﻠطﺑﺎﻋﺔ ،اﻟﺟزاﺋر
.1990
-ﻋﺎﻣر ﻗﻧدﯾﻠﺟﻲ ،اﻟﺑﺣث اﻟﻌﻠﻣﻲ واﺳﺗﺧدام ﻣﺻﺎدر اﻟﻣﻌﻠوﻣﺎت اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ واﻻﻟﻛﺗروﻧﯾﺔ ،دار
اﻟﻣﺳﯾرة ،اﻷردن .2008 ،
-ﻋﺑد اﻟﺣﻣﯾد ﺑوراﯾو ،ﻓﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﺷﻌﺑﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ -اﻟﺗﺎرﯾﺦ واﻟﻘﺿﺎﯾﺎ واﻟﺗﺟﻠﯾﺎت ،ﻓﯾﺳﯾ ار
ﻟﻠﻧﺷر ،د ط ،اﻟﺟزاﺋر.2011 ،
-ﻋﺑد اﻟﺣﻣﯾد ﻫﯾﻣﺔ ،ﻋﻼﻣﺎت ﻓﻲ اﻹﺑداع اﻟﺟزاﺋري ،اﻟﺟزء اﻷول ،راﺑطﺔ أﻫل اﻟﻘﻠم ،ط ،02
ﺳطﯾف ،اﻟﺟزاﺋر.2006 ،
-ﻋﺑد اﻟرﺣﻣﺎن ﺑدوي ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺑﺣث اﻟﻌﻠﻣﻲ ،دار اﻟﻧﻬﺿﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،اﻟﻘﺎﻫرة ،د ط
.1963
-ﻋﺑد اﻟرﺣﯾم اﻟﻛردي ،ﻧﻘد اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻓﻲ اﻟدراﺳﺎت اﻷدﺑﯾﺔ ،د ط ،ﻣﻛﺗﺑﺔ اﻵداب ،اﻟﻘﺎﻫرة
ﻣﺻر.2014 ،
-ﻋﺑد اﻟﺳﻼم اﻟﻣﺳدي ،اﻷدب وﺧطﺎب اﻟﻧﻘد ،دار اﻟﻛﺗﺎب اﻟﺟدﯾد اﻟﻣﺗﺣدة ،ﺑﯾروت ﻟﺑﻧﺎن
ط .2004 ، 1
-
ﻋﺑد اﻟﺳﻼم اﻟﻣﺳدي ،اﻷﺳﻠوب واﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ ،ط ،03اﻟدار اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب ،ﺗوﻧس -ﻟﯾﺑﯾﺎ ،د
ت.
311
ﻗﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﺼﺎدر واﻟﻤﺮاﺟﻊ
-ﻋﺑد اﻟﻌزﯾز اﻟدﺳوﻗﻲ ،ﻧﺣو ﻋﻠم ﺟﻣﺎل اﻟﻌرﺑﻲ ،ﺳﻠﺳﻠﺔ ﻋﺎﻟم اﻟﻔﻛر ،اﻟﻣﺟﻠس اﻟوطﻧﻲ
ﻟﻠﺛﻘﺎﻓﺔ واﻟﻔﻧون واﻵداب ،اﻟﻛوﯾت ،ﻣﺞ ،9ع . 2
-ﻋﺑد اﻟﻌزﯾز ﺣﻣودة ،اﻟﻣراﯾﺎ اﻟﻣﺣدﺑﺔ ،ﺳﻠﺳﻠﺔ ﻋﺎﻟم اﻟﻣﻌرﻓﺔ ،اﻟﻣﺟﻠس اﻟوطﻧﻲ ﻟﻠﺛﻘﺎﻓﺔ واﻟﻔﻧون
اﻟﻛوﯾت.1990 ،
-ﻋﺑد اﻟﻌزﯾز ﺣﻣودة ،اﻟﻣراﯾﺎ اﻟﻣﻘﻌرة ،ﺳﻠﺳﻠﺔ ﻋﺎﻟم اﻟﻣﻌرﻓﺔ ،ﻣطﺎﺑﻊ اﻟوطن،اﻟﻛوﯾت.2001 ،
-ﻋﺑد اﻟﻌزﯾز ﺷرف ،اﻟﻣﻘﺎوﻣﺔ ﻓﻲ اﻷدب اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ط ،1دار اﻟﺟﯾل ،ﺑﯾروت
.1991
-ﻋﺑد اﻟﻌزﯾز ﻋﺗﯾق ،ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ،دار اﻟﻧﻬﺿﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،ﺑﯾروت ،ط.02،1972
-ﻋﺑد اﻟﻐﻧﻲ ﺑﺎرة ،إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ ﺗﺄﺻﯾل اﻟﺣداﺛﺔ ﻓﻲ اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ،اﻟﻬﯾﺋﺔ
اﻟﻣﺻرﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب ،د ط .2005 ،
-ﻋﺑد اﻟﻔﺗﺎح أﺣﻣد ﯾوﺳف ،ﻗراءة اﻟﻧص وﺳؤال اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ،ﻋﺎﻟم اﻟﻛﺗﺎب اﻟﺣدﯾث ،ط ،01إرﺑد،
اﻷردن.2009 ،
-ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر ﺷرﺷﺎر ،ﻣدﺧل إﻟﻰ اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﯾﺎت اﻟﺳردﯾﺔ ﻧﻣﺎذج وﺗطﺑﯾﻘﺎت ،اﻟدار اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ،
اﻟﺟزاﺋر.2015 ،
-ﻋﺑد اﷲ اﻟرﻛﯾﺑﻲ ،اﻟﺷﻌر اﻟدﯾﻧﻲ اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ،د ط ،اﻟﺷرﻛﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﻠﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ
.1981
-ﻋﺑد اﷲ اﻟرﻛﯾﺑﻲ ،اﻟﻘﺻﺔ اﻟﻘﺻﯾرة اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ،ط ،3اﻟدار اﻟﻌرﺑﻲ ﻟﻠﻛﺗﺎب ،ﻟﯾﺑﯾﺎ-ﺗوﻧس
.1977
-ﻋﺑد اﷲ اﻟرﻛﯾﺑﻲ ،ﺗطور اﻟﻧﺛر اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ،1974-1830 ،د ط ،اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ
ﻟﻠﻛﺗﺎب ،اﻟﺟزاﺋر.
-ﻋﺑد اﷲ اﻟرﻛﯾﺑﻲ ،ﻗﺿﺎﯾﺎ ﻋرﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ،دط ،اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ
ﻟﻠﻛﺗﺎب ،1983 ،اﻟﺟزاﺋر.
312
ﻗﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﺼﺎدر واﻟﻤﺮاﺟﻊ
-ﻋﺑد اﷲ اﻟﻌروي ،اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ﻓﻲ اﻵداب واﻟﻌﻠوم اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ،دار ﺗوﺑﻘﺎل ﻟﻠﻧﺷر ،اﻟﻣﻐرب ،ط
. 1986 ، 1
-ﻋﺑد اﷲ اﻟﻐ ّذاﻣﻲ ،اﻟﺧطﯾﺋﺔ واﻟﺗﻛﻔﯾر ﻣن اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ إﻟﻰ اﻟﺗﺷرﯾﺣﯾﺔ ،ﻧظرﯾﺔ وﺗطﺑﯾق ،ط 06
اﻟﻣرﻛز اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ اﻟﻌرﺑﻲ ،اﻟﻣﻐرب.2006 ،
-ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض ،أﻟف ﻟﯾﻠﺔ وﻟﯾﻠﺔ ،دﯾوان اﻟﻣطﺑوﻋﺎت اﻟﺟﺎﻣﻌﯾﺔ ،اﻟﺟزاﺋر .1993 ،
-ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض ،ﻓﻲ ﻧظرﯾﺔ اﻟﻧﻘد ،دار ﻫوﻣﺔ ،د ط ،اﻟﺟزاﺋر .2010 ،
-ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض ،اﻟﻘﺻﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ،دار اﻟﻐرب ﻟﻠﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ ،اﻟﺟزاﺋر.
-ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض ،ﻧظرﯾﺔ اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ ،دار ﻫوﻣﺔ ،د ط ،اﻟﺟزاﺋر .2007 ،
-ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض -أﻟف ﻟﯾﻠﺔ وﻟﯾﻠﺔ – ﺗﺣﻠﯾل ﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ -ﺗﻔﻛﯾﻛﻲ ﻟﺣﻛﺎﯾﺔ "ﺣﻣﺎل ﺑﻐداد"،
دﯾوان اﻟﻣطﺑوﻋﺎت اﻟﺟﺎﻣﻌﯾﺔ ،اﻟﺟزاﺋر.1993 ،
-ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض ،اﻷدب اﻟﺟزاﺋري اﻟﻘدﯾم – دراﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﺟذور ، -ط ، 4دار ﻫوﻣﺔ
اﻟﺟزاﺋر.2016،
-ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض ،اﻷﻟﻐﺎز اﻟﺷﻌﺑﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ،دﯾوان اﻟﻣطﺑوﻋﺎت اﻟﺟﺎﻣﻌﯾﺔ ،اﻟﺟزاﺋر ،د ط
.2007
-ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض ،ﻓن اﻟﻣﻘﺎﻣﺎت ﻓﻲ اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ ،ط ،2اﻟدار اﻟﺗوﻧﺳﯾﺔ ﻟﻠﻧﺷر-
اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب ،ﺗوﻧس -اﻟﺟزاﺋر.1988 ،
-ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض ،ﻓﻧون اﻟﻧﺛر اﻷدﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ، 1954-1931 د ط ،دﯾوان
اﻟﻣطﺑوﻋﺎت اﻟﺟﺎﻣﻌﯾﺔ ،اﻟﺟزاﺋر.1983 ،
-ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض ،ﻗﺿﺎﯾﺎ اﻟﺷﻌرﯾﺎت ،دار اﻟﻘدس اﻟﻌرﺑﻲ ،ط ،01وﻫران ،اﻟﺟزاﺋر،
.2009
-ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض ،ﻧظرﯾﺔ اﻟﻧص اﻷدﺑﻲ ،دار ﻫوﻣﺔ ﻟﻠطﺑﺎﻋﺔ واﻟﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ ،اﻟﺟزاﺋر
د ط .2007 ،
313
ﻗﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﺼﺎدر واﻟﻤﺮاﺟﻊ
-ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض ،ﻧﻬﺿﺔ اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ،اﻟﺷرﻛﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﻠﻧﺷر
واﻟﺗوزﯾﻊ ،اﻟﺟزاﺋر.
-ﻋﻠﻲ ﺟﻌﻔر دك اﻟﺑﺎب ،اﻟﻣوﺟز ﻓﻲ ﺷرح دﻻﺋل اﻹﻋﺟﺎز ﻓﻲ ﻋﻠم اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ ،ﻣطﺑﻌﺔ اﻟﺟﻠﯾل
دﻣﺷق ،ط .1980 ،1
-ﻋﻠﻲ ﺣﺳﯾن ﯾوﺳف ،اﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻧﻘدي اﻟﺗرﺟﻣﺔ واﻟﺗوظﯾف ،اﻟﺷرﻛﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻣﺗﺣدة ،ط ،1
اﻟﻘﺎﻫرة.2017 ،
-ﻋﻠﻲ ﺣﺳﯾن ﯾوﺳف ،اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ،دراﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻧﻬﺞ واﻹﺟراء ،ط ،1اﻟدار
اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ﻟﻠﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ ،اﻷردن .2016
اﻟﺟزاﺋر، -ﻋﻣﺎر ﺑن زﯾﺎد ،اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ،اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب ،د ط
.1990
-ﻋﻣﺎر زﻋﻣوش ،اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ،ﻗﺿﺎﯾﺎﻩ واﺗﺟﺎﻫﺎﺗﻪ ،د ط ،ﻣطﺑوﻋﺎت
ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻣﻧﺗوري – ﻗﺳﻧطﯾﻧﺔ.2001-2000،
-ﻋﻣر ﺑن ﻗﯾﻧﺔ ،دراﺳﺎت ﻓﻲ اﻟﻘﺻﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ،دار اﻷﻣﺔ ،د ط ،اﻟﺟزاﺋر.2012 ،
-ﻋﻣر ﺑن ﻗﯾﻧﺔ ،ﻓﻲ اﻷدب اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث ﺗﺄرﯾﺧﺎ..وأﻧواﻋﺎ..وﻗﺿﺎﯾﺎ..وأﻋﻼﻣﺎ ،د ط ،د
ﺳﻧﺔ ،دﯾوان اﻟﻣطﺑوﻋﺎت اﻟﺟﺎﻣﻌﯾﺔ ،اﻟﺟزاﺋر.
-ﻋﻣر ﻋﯾﻼن ،اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد ﻣﻘﺎرﺑﺔ ﺑﯾن ﻧﻘد اﻟﻧﻘد ،اﻟدار اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻠﻌﻠوم ،ﺑﯾروت
ﻟﺑﻧﺎن ،ط .2010 ، 1
-ﻋﻣر ﻣﻬﯾﺑل ،ﻣن اﻟﻧﺳق إﻟﻰ اﻟذات ،ﻗراءات ﻓﻲ اﻟﻔﻛر اﻟﻐرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ﻣﻧﺷورات
اﻻﺧﺗﻼف ،اﻟﺟزاﺋر.
-ﻓﺎﺿل ﺛﺎﻣر ،اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ واﻟﻧظرﯾﺔ واﻟﻣﺻطﻠﺢ ﻓﻲ اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي
اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺣدﯾث ،اﻟﻣرﻛز اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ اﻟﻌرﺑﻲ ،ﺑﯾروت ،ط.1994 ، 1
ﻟﻠدرﺳﺎت واﻟﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ
-ﻓﺎﯾد ﻣﺣﻣد ،ﺳﺣﻧﯾن ﻋﻠﻲ ،أﺑﺣﺎث ﻓﻲ اﻟرواﯾﺔ وﻧظرﯾﺔ اﻟﺳرد ،ا
اﻟدوﯾرة ،اﻟﺟزاﺋر.2014 ،
314
ﻗﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﺼﺎدر واﻟﻤﺮاﺟﻊ
-ﻓﯾﺻل اﻷﺣﻣر ،دراﺳﺎت ﻓﻲ اﻷدب اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ،اﺗﺣﺎد اﻟﻛﺗﺎب اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ،ط ،01
اﻟﺟزاﺋر .2009
-ﻓﯾﺻل اﻷﺣﻣر ،ﻧﺑﯾل دادوة ،اﻟﻣوﺳوﻋﺔ اﻷدﺑﯾﺔ ،دار اﻟﻣﻌرﻓﺔ ،د ط ،اﻟﺟزاﺋر.2009 ،
-ﻗﺎﺳم اﻟﻣوﻣﻧﻲ ،ﻓﻲ ﻗراءة اﻟﻧص ،اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻠدراﺳﺎت واﻟﻧﺷر ،ﺑﯾروت ،ط 1
.1999
-ﻛﻼوس ﺑرﯾﻧﻛر ،ت ﺳﻌﯾد ﺣﺳن ﺑﺣﯾري ،اﻟﺗﺣﻠﯾل اﻟﻠﻐوي ﻟﻠﻧص ،ﻣؤﺳﺳﺔ اﻟﻣﺧﺗﺎر ،ﻣﺻر
.2005
-ﻛﻣﺎل ﻧﺷﺄت ،اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺣدﯾث ﻓﻲ ﻣﺻر ﻧﺷﺄﺗﻪ واﺗﺟﺎﻫﺎﺗﻪ ،ﻣﻌﻬد اﻟﺑﺣوث واﻟدراﺳﺎت
ﺑﻐداد ،د ط .1983 ،
-ﻻﻧﺳون وﻣﺎﯾﯾﻪ ،ت ﻣﺣﻣد ﻣﻧدور ،ﻣﻧﻬﺞ اﻟﺑﺣث ﻓﻲ اﻷدب واﻟﻠﻐﺔ ،دار اﻟﻌﻠم ﻟﻠﻣﻼﯾﯾن ،ط
،02ﺑﯾروت ،ﻟﺑﻧﺎن1982 ،
-ﻟﺧﺿر اﻟﻌراﺑﻲ ،اﻟﻣدارس اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ،اﻟﻧﺷر اﻟﺟﺎﻣﻌﻲ اﻟﺟدﯾد ،د ط ،ﺗﻠﻣﺳﺎن
اﻟﺟزاﺋر.2016 ،
-م .روﻧﺗﺎل – ب ﯾودﯾن ،اﻟﻣوﺳوﻋﺔ اﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ ،ﺗرﺟﻣﺔ ﺳﻣﯾر ﻛرم ،ط ، 5دار اﻟطﻠﯾﻌﺔ
ﺑﯾروت .1985 ،
-ﻣﺎدﻟﯾن ﻋزاوﯾﺗز ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻌﻠوم اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ،ت ﺑﺳﺎم ﻋﻣﺎر ،ج ، 1اﻟﻣرﻛز اﻟﻌرﺑﻲ
ﻟﻠﺗﻌرﯾب واﻟﺗرﺟﻣﺔ واﻟﺗﺄﻟﯾف واﻟﻧﺷر ،د ط ،دﻣﺷق .1993 ،
-ﻣﺣﻣد اﻟﺻﺎﻟﺢ ﺧرﻓﻲ ،ﺑﯾن ﺿﻔﺗﯾن ،دراﺳﺎت ﻧﻘدﯾﺔ ،اﺗﺣﺎد اﻟﻛﺗﺎب اﻟﺟزاﺋرﯾﯾن ،د ط ،اﻟﺟزاﺋر
.2005
-ﻣﺣﻣد اﻟﺻﺎﻟﺢ ﺧرﻓﻲ ،ﻓﻲ ﻋواﻟم اﻟﻧص -دراﺳﺎت ﻧﻘدﯾﺔ ،د ط ،دار اﻷﻣﯾر ﺧﺎﻟد
اﻟﺟزاﺋر.2014
-ﻣﺣﻣد ﺑن ﺳﻣﯾﻧﺔ ،ﻓﻲ اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺣدﯾث ﺑﺎﻟﺟزاﺋر اﻟﻔﻧون اﻷدﺑﯾﺔ ﻓﻲ آﺛﺎر اﻹﻣﺎم ﻋﺑد
اﻟﺣﻣﯾد اﺑن ﺑﺎدﯾس ،د ط ،ﻣطﺑﻌﺔ اﻟﻛﺎﻫﻧﺔ ،اﻟﺟزاﺋر.2003،
315
ﻗﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﺼﺎدر واﻟﻤﺮاﺟﻊ
-ﻣﺣﻣد زﻛﻲ اﻟﻌﺷﻣﺎوي ،دراﺳﺎت ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ،دار اﻟﺷروق ،ط ،01اﻟﻘﺎﻫرة
.1994
-ﻣﺣﻣد ﺳﺎري ،اﻟﺑﺣث ﻋن اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺟدﯾد ،اﻟطﺑﻌﺔ اﻷوﻟﻰ ،دار اﻟﺣداﺛﺔ ﻟﻠطﺑﻊ واﻟﻧﺷر
-ﻣﺣﻣد ﺳﺎري ،ﻓﻲ ﻣﻌرﻓﺔ اﻟﻧص اﻟرواﺋﻲ ،دار أﺳﺎﻣﺔ ،ط ،01اﻟﺟزاﺋر.2009 ،
-ﻣﺣﻣد ﺳوﯾرﺗﻲ ،اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻘدي ﻣﻔﻬوﻣﻪ وأﺑﻌﺎدﻩ وﻗﺿﺎﯾﺎﻩ ،إﻓرﯾﻘﯾﺎ اﻟﺷرق ،اﻟﻣﻐرب
.2015
-ﻣﺣﻣد ﺻﺎﺑر ﻋﺑﯾد ،ﺗﺟﻠﻲ اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي ﻣن اﻟﻧظرﯾﺔ إﻟﻰ اﻟﻣﻣﺎرﺳﺔ ،ﻣﻧﺷورات اﻻﺧﺗﻼف
ط ، 1اﻟﺟزاﺋر.2013 ،
-ﻣﺣﻣد ﻏﻧﯾﻣﻲ ﻫﻼل ،اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺣدﯾث ،ﻧﻬﺿﺔ ﻣﺻر ﻟﻠطﺑﺎﻋﺔ واﻟﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ
اﻟﻘﺎﻫرة ،ط .1964 ، 3
-ﻣﺣﻣد ﻣﺣﻣد ﻗﺎﺳم ،اﻟﻣدﺧل إﻟﻰ ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺑﺣث اﻟﻌﻠﻣﻲ ،دار اﻟﻧﻬﺿﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،ﺑﯾروت،ط
.1999 ،1
-ﻣﺣﻣد ﻣﺣﻣود اﻟدروﺑﻲ ،اﻟﺗﻬم اﻟﻣوﺟﻬﺔ إﻟﻰ اﻟﺟﺎﺣظ ،ﻣﺟﻠﺔ ﻋﺎﻟم اﻟﻔﻛر ،ﻣﺟﻠد ،35ﻋدد
،4أﺑرﯾل ،ﯾوﻧﯾو.2007 ،
-ﻣﺣﻣد ﻣرﺗﺎض،اﻟﺳردﯾﺎت ﻓﻲ اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ،د ط ،دار ﻫوﻣﺔ،اﻟﺟزاﺋر.2014 ،
-ﻣﺣﻣد ﻣﺻﺎﯾف ،اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺣدﯾث ﻓﻲ اﻟﻣﻐرب اﻟﻌرﺑﻲ ،اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب ،ط 2
اﻟﺟزاﺋر.1984 ،
-ﻣﺣﻣد ﻣﺻﺎﯾف ،اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺣدﯾث ﻓﻲ اﻟﻣﻐرب اﻟﻌرﺑﻲ ،د ط ،اﻟﺷرﻛﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﻠﻧﺷر
واﻟﺗوزﯾﻊ ،اﻟﺟزاﺋر ،د ت.
-ﻣﺣﻣد ﻧﺎﺻر ،اﻟﻣﻘﺎﻟﺔ اﻟﺻﺣﻔﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ،د ط ،ش.و.ن.ت ،اﻟﺟزاﺋر.1978 ،
-ﻣﺣﻣد ﻧﺎﺻر ،رﻣﺿﺎن ﺣﻣود ﺣﯾﺎﺗﻪ وآﺛﺎرﻩ ،ط ،2اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب ،اﻟﺟزاﺋر
.1985
316
ﻗﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﺼﺎدر واﻟﻤﺮاﺟﻊ
-ﻣﺣﻣود زﯾدان ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺑﺣث اﻟﻔﻠﺳﻔﻲ ،ﺗﺻدﯾر ﻣﺣﻣد ﻓﺗﺣﻲ ﻋﺑد اﷲ ،دار اﻟوﻓﺎء ﻟدﻧﯾﺎ
اﻟطﺑﺎﻋﺔ واﻟﻧﺷر ،اﻹﺳﻛﻧدرﯾﺔ ،ط .2004 ، 1
-ﻣﺣﻣود طرﺷوﻧﺔ ،إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ،د ط ،ﻣرﻛز اﻟﻧﺷر اﻟﺟﺎﻣﻌﻲ
ﺗوﻧس2008،
-ﻣﺧﻠوف ﻋﺎﻣر ،ﺗﺟﺎرب ﻗﺻﯾرة وﻗﺿﺎﯾﺎ ﻛﺑﯾرة ،ﻣﻘﺎﻻت ﻧﻘدﯾﺔ ،اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب
.1984
-ﻣﺧﻠوف ﻋﺎﻣر ،ﺗطﻠﻌﺎت إﻟﻰ اﻟﻐد ﻣﻘﺎﻻت ،د ط ،اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب ،اﻟﺟزاﺋر
.1983
-ﻣﺷري ﺑن ﺧﻠﯾﻔﺔ ،اﻟﻧﻘد اﻟﻣﻌﺎﺻر واﻟﻘﺻﯾدة اﻟﺣدﯾﺛﺔ ،دار اﻟﺣﺎﻣد ،ط ،1ﻋﻣﺎن.2013 ،
-ﻣﺻطﻔﻰ ﻓﺎﺳﻲ ،دراﺳﺎت ﻓﻲ اﻟرواﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ ،دار اﻟﻘﺻﺑﺔ ﻟﻠﻧﺷر ،د ط ،اﻟﺟزاﺋر،
.2000
-ﻣوﻻي ﻋﻠﻲ ﺑوﺧﺎﺗم ،اﻟدرس اﻟﺳﯾﻣﯾﺎﺋﻲ اﻟﻣﻐﺎرﺑﻲ ،دراﺳﺔ وﺻﻔﯾﺔ ﻧﻘدﯾﺔ إﺣﺻﺎﺋﯾﺔ ﻓﻲ
ﻧﻣوذﺟﻲ ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض وﻣﺣﻣد ﻣﻔﺗﺎح ،دﯾوان اﻟﻣطﺑوﻋﺎت اﻟﺟﺎﻣﻌﯾﺔ.2005 ،
-ﻣﯾﺟﺎن اﻟروﯾﻠﻲ وﺳﻌد اﻟﺑﺎزﻏﻲ ،دﻟﯾل اﻟﻧﺎﻗد اﻷدﺑﻲ ،اﻟﻣرﻛز اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ اﻟﻌرﺑﻲ ،اﻟدار اﻟﺑﯾﺿﺎء،
اﻟﻣﻐرب /ﺑﯾروت،ط .2000 ،02
-ﻧرﺟس ﺧﻠف داوود ،اﻟﻧظرﯾﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ واﻟﺗداﺧل اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ ،دار ﻋﯾداء ﻟﻠﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ ،ط
، 1ﻋﻣﺎن .2014 ،
-ﻧور اﻟدﯾن اﻟﺳد ،اﻷﺳﻠوﺑﯾﺔ وﺗﺣﻠﯾل اﻟﺧطﺎب ،ج ، 1دار ﻫوﻣﺔ ،اﻟﺟزاﺋر ،د ط .1997 ،
-ﻧور ﺳﻠﻣﺎن ،اﻷدب اﻟﺟزاﺋري ﻓﻲ رﺣﺎب اﻟرﻓض واﻟﺗﺣرﯾر ،ط ،1دار اﻷﺻﺎﻟﺔ ﻟﻠﻧﺷر
واﻟﺗوزﯾﻊ ،اﻟﺟزاﺋر.2009،
-واﺳﯾﻧﻲ اﻷﻋرج ،اﺗﺟﺎﻫﺎت اﻟرواﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ،ﺑﺣث ﻓﻲ اﻷﺻول اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ
واﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ،اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب ،اﻟﺟزاﺋر.1983 ،
317
ﻗﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﺼﺎدر واﻟﻤﺮاﺟﻊ
-وﺣﯾد دوﯾدري ،اﻟﺑﺣث اﻟﻌﻠﻣﻲ أﺳﺎﺳﯾﺎﺗﻪ اﻟﻧظرﯾﺔ وﻣﻣﺎرﺳﺎﺗﻪ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ،دار اﻟﻔﻛر اﻟﻣﻌﺎﺻر
ﺑﯾروت ،ط .2002 ، 1
-وﻫب أﺣﻣد روﻣﯾﺔ ،ﺷﻌرﻧﺎ اﻟﻘدﯾم واﻟﻧﻘد اﻟﺟدﯾد ،ﺳﻠﺳﻠﺔ ﻋﺎﻟم اﻟﻣﻌرﻓﺔ ،اﻟﻛوﯾت ،د ط
.1996
-ﯾﺎﺳﯾن اﻷﯾوﺑﻲ ،ﻣذاﻫب اﻷدب –ﻣﻌﺎﻟم واﻧﻌﻛﺎﺳﺎت ،ط ،2دار اﻟﻌﻠم ﻟﻠﻣﻼﯾﯾن ،ﺑﯾروت
.1984
-ﯾﻣﻧﻰ طرﯾف اﻟﺧوﻟﻲ ،ﻣﻔﻬوم اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻌﻠﻣﻲ ،اﻟﻬﯾﺋﺔ اﻟﻣﺻرﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب ،د ط ،ﻣﺻر
.2015
-ﯾوﺳف ﺧﻠﯾف ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺑﺣث اﻷدﺑﻲ ،د ط ،دار ﻏرﯾب ،اﻟﻘﺎﻫرة.2004 ،
-ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﺻطﻠﺢ ﻓﻲ اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد ،اﻟدار اﻟﻌرﺑﯾﺔ
ﻟﻠﻌﻠوم ،ﺑﯾروت ،ط .2008 ، 1
إﺻدارات -ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻣن اﻟﻼﻧﺳوﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﺳﻧﯾﺔ ،د ط
راﺑطﺔ إﺑداع اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ،2002 ،اﻟﺟزاﺋر.
-ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ،ﺟﺳور ﻟﻠﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ ،اﻟﺟزاﺋر ،ط1،
.2007
-ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي ﻋﻧد ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض ،د ط ،اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ
ﻟﻠﻔﻧون اﻟﻣطﺑﻌﯾﺔ ،اﻟرﻏﺎﯾﺔ ،اﻟﺟزاﺋر.2002 ،
-ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،ﺧطﺎب اﻟﺗﺄﻧﯾث -دراﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﻧﺳوي اﻟﺟزاﺋري ،ﺟﺳور ﻟﻠﻧﺷر
واﻟﺗوزﯾﻊ ،ط ،01اﻟﺟزاﺋر.2013 ،
-ﯾوﺳف وﻏﻠﯾﺳﻲ ،ﻓﻲ ظﻼل اﻟﻧﺻوص ،ﺟﺳور ﻟﻠﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ ،ط ،2اﻟﺟزاﺋر.2012 ،
ﻋﺎﻟم -ﻋﺑد اﷲ اﻟﻌﻣر ،ظﺎﻫرة اﻟﻌﻠم اﻟﺣدﯾث ،اﻟﻣﺟﻠس اﻟوطﻧﻲ ﻟﻠﺛﻘﺎﻓﺔ واﻟﻔﻧون واﻵداب
اﻟﻣﻌرﻓﺔ ،اﻟﻛوﯾت .1983 ،
318
ﻗﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﺼﺎدر واﻟﻤﺮاﺟﻊ
-ﻋﻣﺎر ﻋواﺑدي ،ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺑﺣث اﻟﻌﻠﻣﻲ وﺗطﺑﯾﻘﺎﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﯾدان اﻟﻌﻠوم اﻟﻘﺎﻧوﻧﯾﺔ واﻹدارﯾﺔ
دﯾوان اﻟﻣطﺑوﻋﺎت اﻟﺟﺎﻣﻌﯾﺔ ،ط ، 5اﻟﺟزاﺋر .2005 ،
واﻟﺗوزﯾﻊ ،ﺑﯾروت .1984 ،
اﻟﻣذﻛرات واﻟدورﯾﺎت واﻟﻧدوات:
-أﺣﻣد ﻣﻧور ،أزﻣﺔ اﻟﻬوﯾﺔ ﻓﻲ اﻟرواﯾﺔ اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ اﻟﻣﻛﺗوﺑﺔ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ ،أطروﺣﺔ دﻛﺗوراﻩ
ﻓﻲ اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ ،ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﺟزاﺋر.2000 ،
-اﻟﻣﻠﺗﻘﻰ اﻟوطﻧﻲ ﺣول إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺣﻣﺔ ﻟﺧﺿر
اﻟوادي ،اﻟﺟزاﺋر ،ﻧوﻓﻣﺑر .2016
-اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻘدﯾم ،اﻟﻣﻠﺗﻘﻰ اﻟوطﻧﻲ اﻷول ﺣول اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺟزاﺋري ،ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻣﺣﻣد
ﺧﯾﺿر ﺑﺳﻛرة ،ﻣﺎي .2006
-ﺟوﻧﺎﺛﺎن ﻛوﻟر ،ﻣﺎ اﻟﻧظرﯾﺔ ؟ ،ﺗرﺟﻣﺔ رﺷﺎد ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر ،ﻣﺟﻠﺔ اﻟﻣوﻗف اﻷدﺑﻲ
ﻋدد ،370ﺷﺑﺎط.2002 ،
-ﺳﺎﻣﯾﺔ راﺟﺢ ،أﺳﻠوﺑﯾﺔ اﻟﻘﺻﯾدة اﻟﺣداﺛﯾﺔ ﻓﻲ ﺷﻌر "ﻋﺑد اﷲ اﻟﺣﻣﺎدي" ،أطروﺣﺔ دﻛﺗوراﻩ
أدب ﺟزاﺋري ،ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺑﺎﺗﻧﺔ ،ﻧوﻗﺷت ﻓﻲ اﻟﺳﻧﺔ اﻟﺟﺎﻣﻌﯾﺔ .2012-2011
-ﺷﺎرف ﻓﺿﯾل ،ﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي ﻋﻧد " ﻋﺑد اﻟﻣﻠك ﻣرﺗﺎض" -ﻗراءة ﻓﻲ اﻟﻣﻧﻬﺞ-
ﻣذﻛرة ﻟﻧﯾل ﺷﻬﺎدة اﻟﻣﺎﺟﺳﺗﯾر ،ﺟﺎﻣﻌﺔ وﻫران ،ﻧوﻗﺷت ﻓﻲ .2014/11/04
-ﻋﺑد اﻟﺻدوق ﻋﺑد اﻟﻌزﯾز ،اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﺣدﯾث واﻟﻣﻌﺎﺻر
رﺳﺎﻟﺔ ﻣﺎﺟﯾﺳﺗﯾر ،ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﺳﺎﻧﯾﺎ -وﻫران.2011/2010 ،
-ﻋﺑد اﻟﻣﺎﻟك ﻣرﺗﺎض ،ﺻﻧﺎﻋﺔ اﻟﻣﺻطﻠﺢ ﻓﻲ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،ﻣﺟﻠﺔ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻠﻣﺟﻠس اﻷﻋﻠﻰ
ﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،اﻟﺟزاﺋر ،ع .1999 ، 2
-ﻣﺟﻠﺔ ﻗواﻓل ،اﻟﻌدد ،34اﻟرﯾﺎض ،اﻟﺳﻌودﯾﺔ ،أوت .2016
319
ﻗﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﺼﺎدر واﻟﻤﺮاﺟﻊ
-ﻣﺳﻠك ﻣﯾﻣون ،اﻟﺗﺄﺻﯾل اﻹﺟراﺋﻲ ﻟﻣﻔﻬوم اﻟﺷﻌر ﻋﻧد اﺑن ﺳﻼم اﻟﺟﻣﺣﻲ ،ﻣﺟﻠﺔ ﻋﺎﻟم
اﻟﻔﻛر ،ﻣﺟﻠد ، 30ﻋدد ، 2أﻛﺗوﺑر ،دﯾﺳﻣﺑر ،2001اﻟﻣﺟﻠس اﻟوطﻧﻲ ﻟﻠﺛﻘﺎﻓﺔ واﻟﻔﻧون
واﻵداب ،اﻟﻛوﯾت ،ص .139
-ﻫﺎﻧﻲ ﯾﺣﻲ ﻧﺻري ،دﻋوة ﻟﻠدﺧول ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ " أﻓﻼطون" ،ﻣﺟﻠﺔ اﻟﻣﻌرﻓﺔ ،ﻋدد
، 452أﯾﺎر ، 2001 ،اﻟﻣﺟﻠس اﻟوطﻧﻲ ﻟﻠﺛﻘﺎﻓﺔ واﻟﻔﻧون واﻵداب ،اﻟﻛوﯾت ،ص.10
-واﺳﯾﻧﻲ اﻷﻋرج ،إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻠﻐﺎت ﻓﻲ اﻟﺟزاﺋر ،أزﻣﺔ اﻹﻗﺻﺎﺋﯾﺔ ،ﻣﺟﻠﺔ ﺟﺳور ،اﻟﺟزاﺋر
اﻟﻌدد 10-7ﺟﺎﻧﻔﻲ .1991
-واﺳﯾﻧﻲ اﻷﻋرج ،اﻟﺧطﺎب اﻟﻣﻐﺎرﺑﻲ اﻟﻣزدوج " ،إﻗﺗراﺑﺎت ﻣن ظﺎﻫرة اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ اﻷدﺑﯾﺔ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ
اﻟﻔرﻧﺳﯾﺔ " ،ﻣﺟﻠﺔ اﻟﺗﺑﯾﯾن ،اﻟﺟزاﺋر ،اﻟﻌدد.1990 ،01
-اﻟﻘواﻣﯾس واﻟﻔﻬﺎرس:
-إﺑراﻫﯾم ﻣﺻطﻔﻰ وآﺧرون ،اﻟﻣﻌﺟم اﻟوﺳﯾط ،دار اﻟﻌودة ،ﻣﺻر ،ط .1972 ، 2
-اﺑن ﻓﺎرس ،ﻣﻌﺟم ﻣﻘﺎﯾﯾس اﻟﻠﻐﺔ ،دار اﻟﻔﻛر ﻟﻠطﺑﺎﻋﺔ واﻟﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ ،ﺑﯾروت ،ﻟﺑﻧﺎن ،
د ط ،د ت ،ﻣﺎدة ﺻﻠﺢ .574 ،
-اﺑن ﻛﺛﯾر ،ﺗﻔﺳﯾر اﺑن ﻛﺛﯾر ،دار اﻷﻧدﻟس ،ﺑﯾروت ،د ت ،ج .2
-اﺑن ﻣﻧظور ،ﻟﺳﺎن اﻟﻌرب اﻟﻣﺣﯾط ،ﻣﺟﻠد ، 06ﻣﺎدة "ﻧﻬﺞ " دار اﻟﺟﯾل ﺑﯾروت ،د ط ،
.1988
-اﻟزﺑﯾدي ،ﺗﺎج اﻟﻌروس ﻣن ﺟواﻫر اﻟﻘﺎﻣوس ،ت ﻋﻠﻲ ﺷﯾري ،ﻣﺟﻠد ، 7دار اﻟﻔﻛر
ﻟﻠطﺑﺎﻋﺔ واﻟﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ ،ﺑﯾروت ،ﻟﺑﻧﺎن ،ط ،1994 ، 1ص .539 ،538
-اﻟزﻣﺧﺷري ،أﺳﺎس اﻟﺑﻼﻏﺔ ،ﺗﺣﻘﯾق ﻋﺑد اﻟرﺣﯾم ﻣﺣﻣود ،دار اﻟﻣﻌرﻓﺔ ،ﺑﯾروت ،د ط ،د ت.
-اﻟﻣﻧﺟد ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ واﻷﻋﻼم ،دار اﻟﻣﺷرق ،ط ، 29ﺑﯾروت ،ﻟﺑﻧﺎن.
-ﻓﺧر اﻟدﯾن اﻟرازي ،ﺗﻔﺳﯾر اﻟﻔﺧر اﻟرازي اﻟﻣﺷﺗﻬر ﺑﺎﻟﺗﻔﺳﯾر اﻟﻛﺑﯾر وﻣﻔﺎﺗﯾﺢ اﻟﻐﯾب ،ط3
دار اﻟﻔﻛر ،اﻟﻣﺟﻠد ، 6ج ،12ﺑﯾروت 1985
320
ﻗﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﺼﺎدر واﻟﻤﺮاﺟﻊ
د ط، ﻣﻛﺗﺑﺔ ﻟﺑﻧﺎن، ﻋرﺑﻲ/ ﻓرﻧﺳﻲ/ اﻧﺟﻠﯾزي، ﻣﻌﺟم ﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻷدب، ﻣﺟدي وﻫﺑﺔ-
.1994
اﻋﺗﻧﻰ ﺑﻪ وراﺟﻌﻪ أﺣﻣد ﺟﺎد، ﻣﺧﺗﺎر اﻟﺻﺣﺎح، ﻣﺣﻣد ﺑن أﺑﻲ ﺑﻛر ﺑن ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر اﻟرازي-
. اﻟﻘﺎﻫرة، 2013 ،1 ط، دار اﻟﻐد اﻟﺟدﯾد
:اﻟﻣﺻﺎدر واﻟﻣراﺟﻊ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻷﺟﻧﺑﯾﺔ
- dictionnaire de la langue française , Encyclopédie et noms
prores/nouvelles éditions revue et corrigé , Paris,1994.
-Dictionnaire encyclopédique Larousse , librairie Larousse, paris ,
édition 1981 , p 6873.
- Oxford advanced learners , encyclopaedic dictionary , oxford
university press, New York, oxford , 1998.
-The American heritage , dictionary of English language, Houghton
Mifflin company, Bston, New York , fourth edition 2000.
321
ﻓﻬــــــﺮﺱ ﺍﳌﻮﺿﻮﻋـــــﺎﺕ
ﻓﮭرس اﻟﻣوﺿوﻋﺎت
ﻓﮭﺮس اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﺎت
ﻣﻘدﻣﺔ .....................................................................................................................أ
اﻟﻣدﺧل 7 ...................................................................................................................
أوﻻ :ﻣﻔﮭوم اﻟﻣﻧﮭﺞ 7 ................................................................................................
-1اﻟﻣﻧﮭﺞ ﻟﻐﺔ 7 .................................................................................................. :
-2اﻟﻣﻔﮭوم اﻻﺻطﻼﺣﻲ ﻟﻠﻣﻧﮭﺞ 9 ...............................................................................
-3اﻟﻣﻧﮭﺞ ﻋﻧد اﻟﻐرب 10 ........................................................................................ :
ﺛﺎﻧﯾﺎ – ﻓـــــــــروﻗﺎت اﺻطﻼﺣﯾﺔ ﺑﯾن اﻟﻣﻧﮭﺞ وﻣﺻطﻠﺣﺎت ﻣﻘﺎرﺑﺔ 14 ..................................... :
-1اﻟﻣﻧﮭﺞ واﻟﻣﻧﮭﺟﯾﺔ 14 ......................................................................................... :
-2اﻟﻣﻧﮭﺞ واﻟﻧظرﯾﺔ17 ........................................................................................... :
-2اﻟﻧظرﯾﺔ ﻋﻧداﻟﻐرب 20 ....................................................................................... :
-3اﻟﻣﻧﮭﺞ واﻟﻣذھب 23 .......................................................................................... :
ﺛﺎﻟﺛﺎ :اﻟﻣﻧﮭﺞ ﺑﯾن اﻟﻌﻠم واﻟﻧﻘد 29 ....................................................................................
-1اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﻌﻠﻣﻲ 31 ............................................................................................. :
-2اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﻧﻘدي 33 ..............................................................................................:
اﻟﺑﺎب اﻷول :اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺳﯾﺎﻗﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري39...................................................
323
ﻓﮭﺮس اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﺎت
324
ﻓﮭﺮس اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﺎت
325
ﻓﮭﺮس اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﺎت
326
:ﻣﻠﺧص
اﺳﺗﻔﺎد اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﺟزاﺋري ﻋﻠﻰ ﻏرار اﻟﺧطﺎب اﻟﻧﻘدي اﻟﻌرﺑﻲ ﻣن
ﻓﺷﻬد اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻧﻔﺗﺎﺣﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ،اﻟﺗطورات اﻟﺗﻲ ﻋرﻓﻬﺎ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ
ﺑداﯾﺔ ﻣن ﻣﺣور، واﻟﺗﻲ أزاﺣت اﻟﻣﻔﺎﻫﯾم اﻟﺗﻲ ﺗرﺗﻛز ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺳﯾﺎﻗﯾﺔ،اﻟﻣﻌﺎﺻرة
ﻟﻛن اﻧﻔﺗﺎح اﻟﻧﻘد،إﻟﻰ اﻵﻟﯾﺎت واﻟﻣﻔﺎﻫﯾم واﻟﻣﻘوﻻت،اﻻﻫﺗﻣﺎم ﻓﻲ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ
ﻗد ﺗرﺟﻊ إﻟﻰ،اﻟﺟزاﺋري ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﺻﺎﺣﺑﻪ إﺷﻛﺎﻟﯾﺎت ﻣﻧﻬﺟﯾﺔ
اﻟﺧﻠﻔﯾﺎت اﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ واﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺗﻛﺊ ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻧﺎﺷﺋﺔ ﻓﻲ ﺑﯾﺋﺔ ﻣﻐﺎﯾرة
واﻟﺗﻲ ﺣﻣﻠت ﻣﻌﻬﺎ ﺳﯾﻼ ﻣن اﻟﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﺗﻲ زادت ﻣن ﺣﺟم اﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ
وﺳﯾﺗطرق اﻟﺑﺣث ﻷﺣدى اﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺎت اﻟﻧﺎﺗﺟﺔ،اﻟﺗﻲ وﻗﻊ ﻓﯾﻬﺎ اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري اﻟﻣﻌﺎﺻر
.ﻋن اﺣﺗﻛﺎك وﺗﺄﺛر اﻟﻧﻘد اﻟﺟزاﺋري ﺑﺎﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﻐرﺑﻲ وﻫﻲ إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻧﻘدي
ـــــــــــــــــــــــــــ ــ ـــــــــــــــــــــــــــ
Résumé:
Le discours critique algérien, à l’instar du discours critique
arabe, a tiré profit des évolutions que connait la critique littéraie.
Dans ce sillage, la critque algérienne a témoigné d’une grande
ouverture sur les méthodes critiqutes contemporaines, qui ont
modifié radicalement les conceptssur lesquels s’appuient les
méthodes contextuelles, en commençant par l’intérêt porté à
l’acte de la critique en passant par les mécanismes et arrivant
aux notions et aux citations. Mais cette ouverture de la critique
algérienne sur les méthodes critiques contemporaines, est
accompagnée de problématiques méthodologiques, qui
pourraient relever des motifs philosophiques et cognitifs et qui
prennent leur racine des méthodes naissantes appliquée dans un
environnement étranger, et apportant une pléthore des concepts
qui ne font qu’exacerber l’ampleur de la problématique
méthodologique, sur laquelle se heurte la critique algérienne
contemporaines. L’étude aborde l’une des problématiques
algérienne par la critique littéraire occidentale, représentée dans
la méthode critique.
327