You are on page 1of 8

‫أ‪.

‬قلايلية‬ ‫مقياس مقاربات نقدية س‪ 2‬لغة‬

‫المحاضرة الثالثة‪ :‬المقاربة السيميائية‬

‫كان من نتائج التطور الذي عرفه الدرس اللساني الحديث‪ ،‬ظهور العديد من المقاربات النقدي ة‪،‬‬

‫أهمها والبنيوية والسيميائية‪ ،‬وكما اهتمت البنيوية بتق ديم ق راءات منغلق ة للنص وص والخطابات الأدبي ة‪،‬‬

‫به دف التأص يل لنم اذج بنائي ة مح ددة‪ ،‬عم دت الس يميائية إلى تق ديم وس ائل وطرائ ق منفتحة للق راءة‪،‬‬

‫متجاوزة بهذه الوسائل والطرق جدار اللغة‪ ،‬ومتجه ة نح و تأسيس نظري ة في علم الأدب‪ ،‬لتنطلق من ثم‬

‫إلى الاهتم ام بأنواع الخط اب الأخرى كالخط اب الديني‪ ،‬والخط اب الفلس في‪ ،‬باعتباره ا أنظم ة فكري ة‬

‫مشحونة بحمولة من المعاني التي يجب القبض عليها‪.‬‬

‫مفه وم الس يميائية‪ :‬يمكن اعتب ار الس يميائية علم يدرس «مختل ف العلام ات والإش ارات أو م ا‬

‫ين وب عن شيء آخر كج زء من منظوم ة م ا؛ أي كي ف يص نع المع نى؟ وكي ف يمث ل الواق ع؟ س واء‬

‫أبالكلم ات أم بالأص وات؟ أم بلغ ة الجس د؟ أم الإش ارات المرئي ة‪ ،»...‬ومص طلح الس يمياء يقابله‬

‫مص طلحين الس يميولوجيا (‪ )Semiology‬والس يميوطيقا (‪ ،)Semiotics‬غير أن الف رق بينهم ا« يرتب ط‬

‫بوظ ائف الدلالات‪ ،‬ف يرى دي سوس ير‪ ،‬وه و ص احب الاتج اه الأول‪ ،‬ومن مع ه من أتب اع المدرس ة‬

‫الأوربي ة أن الوظيف ة الاجتماعي ة هي ج وهر الدلالات ال تي تراهن الس يميولوجيا عليه ا‪ ،‬في حين يرى‬

‫الأمريكي تشارلز سندرس بورس الذي كتب في فترة دي سوس ير الزمني ة نفسها‪ ،‬أن وظيف ة الدلالات‬

‫المنطقية هي النقطة التي تسعى السميوطيقا لرصدها»‪.‬‬

‫فإذا كان دي سوسير ق د اهتم بالوظيف ة التواص لية والإبلاغي ة للعلام ة‪ ،‬ف إن ب يرس فق د ذهب إلى‬

‫البحث في الجانب الفلسفي والمنطقي للعلامة‪ ،‬ومن ثم الوقوف على مختل ف الدلالات ال تي تؤديه ا‪ ،‬ه ذا‬

‫م ا ذهب إلى تأكي ده جيرار دول ودال (‪ )Gerard deledalle‬في كتاب ه الس يميائيات‪ ،‬أو نظري ة‬

‫العلامات‪ ،‬حيث يقول بأن الأبحاث والدراسات المعاصرة حول العلامة‪« :‬تصدر من منبعين اثنين هم ا‪:‬‬

‫شارل سندر بيرس(‪ ،)1914 -1839‬وفارديناند دي سوسير(‪ )1913 -1857‬الذي ه و في الأص ل‬


‫‪.‬‬
‫التيار السميولوجي»‬

‫‪1‬‬
‫أ‪.‬قلايلية‬ ‫مقياس مقاربات نقدية س‪ 2‬لغة‬

‫جه ود دي سوس ير الس يميائية‪ :‬لق د بشر دي سوس ير بميلاد علم الس يمياء‪ ،‬وحدد موض وعه في كتاب ه‬

‫"محاضرات في اللسانيات العامة"‪« ،‬إذا كان بالإمكان تحديد اللغة كنظام من العلامات (الدلائل) يع بر‬

‫عما للأنسان من أفكار يمكن مقارنتها بأنظمة أخرى كالنظ ام الأل ف بائي والنظ ام الإش اري العس كري‪،‬‬

‫فمن الممكن أن نتصور علما يدرس حياة العلامات في ص لب الحي اة الاجتماعي ة‪ ،‬وق د يك ون جزءا من‬

‫علم النفس الع ام ونق ترح تس ميته بالس يميولوجيا (‪)Semiologie‬؛ أي علم العلام ات أو الدلائل‪ ،‬وهي‬

‫كلمة مشتقة من اليونانية (‪ ،)Semio‬بمعنى دليل أو علامة ‪،‬و(‪ ،)logie‬بمعنى علم فتص بح علم العلام ة‪،‬‬

‫ولعله سيمكننا من أن نعرف مما تتكون العلامة وهي القوانين التي تسيرها»‪.‬‬

‫ومعنى هذا أن دي سوس ير حاول تحديد الإط ار الذي يمكن أن تن درج ضمنه الس يميولوجيا‪« ،‬وبم ا‬

‫أن هذا العلم لا يوجد بعد ف إن فق د يتع ذر علين ا أن نق ول كي ف س يكون‪ ،‬بي د أن له ذا العلم الح ق في‬

‫الوج ود ومكان ه ق د حدد مس بقا»‪ ،‬ويض يف ق ائلا‪« :‬علم مس تقبلي س يتم تأسيس ه ليك ون حاض نا لكل‬

‫الأنساق الدالة الأخرى‪ ،‬وسيكون من الشمولية والاتساع لدرجة أن اللس انيات لن تش كل داخله س وى‬

‫جزءا بسيطا أو فرعا من فروعه الكثيرة»‪.‬‬

‫التوزي ع الثن ائي للعلام ة عن د دو سوس ير‪ :‬اتخ ذ سوس ير من اللس انيات منطلق ا له في حديث ه عن‬

‫الس يميولوجيا‪ ،‬فق د «وزع العلام ة اللغوي ة على م ا رأين ا‪ ،‬على الدال (= الص ورة الص وتية ‪ /‬الس معية)‪،‬‬

‫والم دلول (= المفهم وم) اللذين يرتبط ان بعلاق ة اعتباطي ة وق د ركز على علاق ة العلام ة اللغوي ة م ع‬

‫العلام ات الأخرى داخل النظ ام‪ ،‬وعلى العلاق ة بين العلام ة وم ا يحي ط به ا من داخل مرحلة حس ية‬

‫دالة»‪ .‬وباقتران والمدلول تفهم العلامة اللسانية‪ ،‬ويشبه دي سوسير العلام ة بالورق ة ال تي لا يمكن فص ل‬

‫وجهيه ا عن بعضهما البعض‪ ،‬فتم زق الأول ي ؤدي بالضرورة إلى تم زق الث اني‪ ،‬ويق دم سوس ير ه ذين‬

‫العنصرين على «أنهم ا يرتبط ان ببعضهما ارتباط ا كاملا لا يوجد أي منهم ا قب ل الآخر في س ياق اللغ ة‬

‫الكلامية‪ ،‬ولا تكون الإشارة صوتا من دون فحوى أو مضمون‪ ،‬ولا فحوى من دون صوت»‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫أ‪.‬قلايلية‬ ‫مقياس مقاربات نقدية س‪ 2‬لغة‬

‫اعتباطي ة العلاق ة بين الدال والم دلول‪ :‬من تص ورات سوس ير اللس انية العلام ة اللغوي ة ال تي تتش كل من‬

‫وج ود «العلام ة الرابط ة بين الدال والم دلول‪ ،‬وه ذه العلاق ة ذات علاق ة اعتباطي ة‪ ،‬والاعتباطي ة في‬

‫مفهومها الأدبي هي غياب منطق عقلي يبرر الإحالة بين الدال والمدلول‪ ،‬فلا وجود لعناصر داخل الدال‬

‫تجعلنا ننتقل آليا إلى المدلول‪ ،‬فالرابط بين هذين الكيانين يخض ع للتواض ع والمعرف ة والتعاق د»‪ .‬ومن ه نفهم‬

‫أن العلاق ة بين الدال والدليل لا تخض ع للت برير المنطقي‪ ،‬و إنم ا هي علاق ة قائم ة على الع رف والتعاق د‪،‬‬

‫وبهذا فإن مفه وم الاعتباطي ة عن د سوس ير يقص د من ه غي اب والتعلي ل المنطقي الذي ي برر الإحالة من‬

‫الدال إلى المدلول‪.‬‬

‫فالعلامة إذن «لا تخضع إلى إرادة الفرد بمعزل عن المؤسسة الاجتماعية‪ ،‬وبالرغم من أن دوره‬

‫لا يستهان به في إنتاج هذه المعلومات‪ ،‬وإضفاء المعقولية إليها ‪ ،‬ومن جهة الق درة على فهمه ا عن طري ق‬

‫النش اط الاس تدلالي»‪ ،‬فالعلام ة لا توجد إلا من خلال المتلقي الذي يقيم العلاق ة بين الدال والم دلول‪،‬‬

‫كما ترتبط أيضا بالجماعة الإنسانية التي تتعارف على استخدامها‪.‬‬

‫جهود شارل سندرس بيرس‪ :‬يعتبر الكثير من الدارس ين أن تاريخ الس يميولوجيا بوص فه علم ق ائم بذات ه‪،‬‬

‫يبدأ مع بيرس الذي درس الرموز ودلالاتها وعلاقاتها‪ ،‬وتقوم سيميوطيقا بيرس على ثلاث مراحل ح تى‬

‫اكتملت رؤيته وتصوره السيميائي‪:‬‬

‫المرحلة الكانطي ة ال تي ارتبطت فيه ا نظري ة العلام ات بالمقولات الكانطي ة في س ياق المنط ق‬ ‫‪-‬‬

‫الأرسطي الزوجي‪.‬‬

‫المرحلة المنطقية التي اقترح بيرس فيها منطق العلاقات وحل المنطق الأرسطي مح ل المنط ق‬ ‫‪-‬‬

‫الأرس طي‪ ،‬ومنط ق العلاق ات ه ذا س يكون الض امن لتص وره الثلاثي عن المق ولات‬

‫والعلامات‪.‬‬

‫المرحلة الس يميائية ال تي س يطور فيه ا ب يرس نظريت ه الجديدة للعلام ات بعلاق ة م ع نظريت ه‬ ‫‪-‬‬

‫الجديدة بمقولات‪ ،‬وهذه المرحلة الأخيرة هي الأهم‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫أ‪.‬قلايلية‬ ‫مقياس مقاربات نقدية س‪ 2‬لغة‬

‫مفهوم العلام ة (الإش ارة) عن د ب يرس‪ :‬ينطلق ب يرس في تحديده لمفه وم العلام ة من منطلق الس يرورة‬

‫الدلالي ة التداولي ة (الس يميوز) الق ائم على مقولة الثلاثي ة (‪ )triodique‬على خلاف م ا جاء ب ه دي‬

‫سوسير الذي حصر مفهوم العلامة في مقولة الاختلاف أو التعارض الثنائي (دال وم دلول)‪ ،‬فالعلام ة‬

‫أو الممثل (‪ )representamen‬هو‪« :‬شيء يمثل شيئا ما بالنسبة لشخص ما بمظهر م ا أو بإمكاني ة م ا»‪،‬‬

‫إضافة إلى ذلك اعتمد بيرس في تقسيمه للعلامة على مبدأ التثليث انطلاق ا من العناصر المكون ة للعلام ة‬

‫وهي‪ :‬الممثل والموضوع والمؤول‪:‬‬

‫الممثل (‪ :)representamen‬ويقابل عند سوسير "الدال" وهو الوسيلة التي تستعمل للدلالة‪ ،‬أو حامل‬

‫الإشارة‪،‬أو الشكل الذي تتخذه الإشارة اللغوية‪ ،‬أو غيرها من العلامات‪ ،‬وتعني الإش ارة باعتباره ا ممثلا‬

‫شيئا ما إلى الشخص؛ أي تولد في فكرة معادلا لها‪ ،‬أي إشارة متطورة‪ ،‬وق د أطلق ب يرس على الإش ارة‬

‫المولدة اسم تأويل الإشارة الأولى‪ ،‬وتنوب الإشارة عن شيء ما‪ ،‬ليس من جميع نواحي ه‪ ،‬إنم ا عن فكرة‬

‫أطلق عليها أرضية الممثل‪.‬‬

‫الموضوع بعضهم يسميه الموجودة (‪ :)lobjet‬وهو المشار إليه‪ ،‬أي الشيء الذي تحي ل إلي ه العلام ة‪ ،‬ولا‬

‫يوجد له مقايل عند سوسير‪.‬‬

‫الموضوع (‪ :)linterpretant‬وهو في حقيقته ليس مؤولا‪ ،‬إنم ا المع نى الذي تحدث ه الإش ارة‪ ،‬وه و في‬

‫إشارة ثانية في فكر المؤول فيها معنى الإشارة الأولى‪ ،‬إذا معنى الإش ارة لا يحضر في ذات ه‪ ،‬إنم ا ي برز من‬

‫خلال التأويل في ذهن المؤول ‪ ،‬ويقابله عن د سوس ير "الم دلول" مج ردا من أبع اده‪ ،‬غير أن الم ؤول يملك‬

‫صفة لا توجد في المدلول‪.‬‬

‫انطلاق ا من ه ذه المف اهيم ف إن العلام ة لا تس تقيم بالمعنى الكام ل إلا بتعاض د ثلاث ة ف روع‪ ،‬على أن‬

‫يكون كل فرع عضو من الأركان الثلاثة السابقة‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫أ‪.‬قلايلية‬ ‫مقياس مقاربات نقدية س‪ 2‬لغة‬

‫ــ العلام ة النوعي ة‪ :‬أي هي نوعي ة تش كل العلام ة‪ ،‬ولا يمكن أن تتصرف كعلام ة ح تى تتجس د ‪،‬‬

‫ولكن التجسيد لا يرتبط إطلاقا بطبيعتها من حيث كونها علامة‪.‬‬

‫ــ العلامة المتفردة‪ :‬هي الشيء الموجود والواقع ة الفعلي ة ال تي تش كل العلام ة‪ ،‬ولا يمكنه ا أن تك ون‬

‫كذلك إلا عبر نوعيتها‪ ،‬ولهذا فهي تتضمن علامات عرفية متعددة‪.‬‬

‫ــ العلامة العرفية‪ :‬هي عرف يشكل علامة‪ ،‬وكل علامة متواضع عليها فهي علامة وعرفي ة (وليس‬

‫العكس)‪ ،‬وليست العلامة العرفية موضوعا واحدا‪ ،‬بل نمطا قد تواضع الناس على اعتباره دالا‪.‬‬

‫وفي الأخير نجد أن بيرس ينظر إلى العلامة نظرة ثلاثية الأبعاد تشكل واحدة منها في الذهن علامة‪،‬‬

‫بل لابد من تربط الأبعاد الثلاثة في الذهن حتى تكونها وهي‪:‬‬

‫البعد التركيبي‪ :‬وهو الذي ينظر إلى العلامة في علاقتها بغيرها من العلامات‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫البعد الوجودي أو الدلالي‪ :‬وهو الذي ينظ ر إلى العلام ة في علاقته ا بالش يءالذي تدل علي ه؛‬ ‫‪‬‬

‫أي في ربطها بالواقع والموضوع الذي تعبر عنه العلامة‪.‬‬

‫البعد التداولي‪ :‬وهو الذي ينظر إلى العلامة في علاقتها بمؤولها‪ ،‬أو في العلاقة التي تقيمها م ع‬ ‫‪‬‬

‫مؤولها‪ ،‬أو المتلقي الذي يسعى إلى فهمها وإبراز مضامنيها‪.‬‬

‫مربع غريماس السيميائي‪ :‬دعا غريماس (‪ )A.j.Greimas‬الباحث الس يميائي على عدم الاكتف اء بعملي ة‬

‫المزاوجة بين المفاهيم‪ ،‬والقيام بإيجاد التعارضات الاستبدالية فقط بل يجب عليه كذلك أن يقدم نموذجا‬

‫يسعى إلى الكش ف عن منظوم ة المع نى لأن «كل مع نى يق وم لا على تعارض ات ثنائي ة فق ط وإنم ا على‬

‫عارض ات رباعي ة كما في ك (أس ود‪:‬أبيض) و(لا أس ود‪:‬لا أبيض) ‪ ...‬وه و م ا يع رف الي و باسم المرب ع‬

‫السيميائي الذي يمكن أن يطبق على أي فعل‪ ،‬إنساني معرفي أو خيالي»‪.‬‬

‫تقوم علاقات المربع الس يميائي على التض ادية (التض اد وش به التض اد)‪ ،‬والتن اقض‪ ،‬والتض من‪،‬‬

‫وتحكم هذه العلاقات «قيم موقعية وتعارضات كيفي ة وحرماني ة وعدمي ة‪ ،‬فالتعارض ات الكيفي ة تع تري‬

‫‪5‬‬
‫أ‪.‬قلايلية‬ ‫مقياس مقاربات نقدية س‪ 2‬لغة‬

‫التض ادية‪ ،‬والتعارض ات الحرماني ة تصيب التن اقض»‪ ،‬وفي الأخير نخلص إلى أن ه ذه الاتجاه ات‬

‫السيميائية شكلت روافد أصيلة لبناء قراءات سيميائية ليس للأدب فحس ب ب ل لق راءة أنظم ة علاماتي ة‬

‫وإشارية أخرى‪ ،‬فبالإضافة إلى قراءة الأدب‪ :‬شعرا ورواية ومسرحا‪ ،‬والفن رسما وموسيقا وسينما‪ ،‬فق د‬

‫دخلت الس يميائية كل دوائر الخط اب وأص لت لق راءة الخطابات الفلس فية والديني ة والفكري ة‪ ،‬وق د‬

‫امتازت الدراس ات الس يميائية بحرصها على فهم العلاق ة الأدبي ة في مس توى العلتق ة الجدلي ة بين النص‬

‫الأدبي و المجالات الثقافية الأيديولوجي ة‪ ،‬وبنيته ا الاقتص ادية والاجتماعي ة‪ ،‬وفي مس توى النص الأدبي‬

‫نفسه‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬المقاربة السيميائية في النقد عند العرب‪ :‬عرف مصطلح السيمسائية إشكاليات عدة في النقد العربي‬

‫الحديث‪ ،‬لمل شهده من تذبذب وغموض‪ ،‬وتع دد في اللف ظ والمض مون‪ ،‬فق د جاءت بتس ميات كث يرة‬

‫للس يميائية منه ا (الس يميوطيقا والس يميوتيقا والس يمياء والس يميائية والعلام ة والعلامي ة وعلم المع نى‬

‫والدلائلية‪ ،‬والإشارتية)‪.‬‬

‫وتظه ر إش كالية المص طلح الس يميائي في النق د الع ربي‪« ،‬لا على أس س جوهري ة بحيث يتب اين‬

‫بحسب اختلاف مجال كل منهما‪ ،‬فالنقد الع ربي الح ديث لم يق دم الشيء الكث ير على ص عيد التحليلات‬

‫السيميائية فعليا‪ ،‬وبقيت معرفته فيه بسيطة تعتمد على النقل المباشر تنظيرا ليس إلا‪ ،‬وأما الاختلاف في‬

‫المص طلح فق د نجم عن اختلاف في المص در الذي أخذ من ه؛ ف إذا نق ل عن الفرنس ية ظه ر مص طلح‬

‫السيميولوجيا‪ ،‬وأما إن نقل عن الإنجليزية فيشار إليه بالسيميائية‪ ،‬هذا بالإضافة إلى ظه ور ترجم ات عدة‬

‫له‪ ،‬مثل "علم العلامات" و"علم الدلالة" و"علم الأدلة"‪،‬و"علم العلامة"»‪.‬‬

‫وعلى الرغم من انفت اح الدراس ات الس يميائية على مختل ف المن اهج النقدي ة دون أن تركن في‬

‫رحاب الاتجاه البنيوي كما كانت علي ه في نش أتها‪ ،‬ويتجلى لمن اطل ع على الدراس ات النقدي ة العربي ة ال تي‬

‫اعتم دت الس يميائية‪ ،‬أنه ا لم تأخذ منه ا إلا الش كل لا غير‪« ،‬إذا كان بالإمكان الح ديث عن اتجاه ات‬

‫للسيميائية في النقد الغربي فأن الأمر يبدو شديد المباينة بالنسبة لواقع في النق د الع ربي‪ ،‬إذ يص عب ح تى‬

‫‪6‬‬
‫أ‪.‬قلايلية‬ ‫مقياس مقاربات نقدية س‪ 2‬لغة‬

‫الحديث عن اتجاه سيميائي عموما‪ ،‬فبالإضافة إلى ندرة الدراس ات الس يميائية ف إن ه ذه الدراس ات ال تي‬

‫تبنت المنهجية السيميائية في قراءتها لنصوص الشعر العربي الحديث لم تسع س وى جانب بس يط منه ا ق ائم‬
‫‪.‬‬
‫على مفهوم العلامة اللغوية من منطلقات البنيوية‪ ،‬أو الاهتمام بالحقول الدلالية في أحسن الأحوال»‬

‫ومن أهم المحاولات التي عرفها الاتجاه السيميائي في النقد العربي نجد دراسة خالدة س عيد ال تي‬

‫تناولت قصيدة "النهر والموت" للسياب‪ ،‬و«ويمكن عد قراءة خالدة س عيد لنص الس ياب "النه ر والم وت"‬

‫أول محاولة جديدة للاستفادة من السيميائية في القراءة والتحليل في النقد العربي‪ ،‬وقد نشرت الدراسة ‪-‬‬

‫أولا‪ -‬في مجلة مواق ف عام (‪ ،)1978‬ثم أعي د نشرها بع د س نة واحدة في كتابه ا "حركي ة الإبداع"»‪.‬‬

‫ويمكن إدراج هذه المحاولة ضمن المنطلق ذاته الذي أشارت إليه في كتابها السابق‪.‬‬

‫ترتكز آراؤها حول الإبداع على أساس ربط ه بالحداث ة‪ ،‬فالإبداع «من ه ذا المنظ ور مع رفي ليس‬

‫من بالمعنى الاس تظهاري أو التصنيفي لأن ه ليس نقلا أو وص فا لق ائم‪ ،‬ب ل مع نى الكش ف والبحث»‪،‬‬

‫وتعرض لنا لغة الكشف في قولها‪« :‬أما لغة الكشف فهي تجاوز للمثال المتحق ق‪ ،‬وابتكار لمث ال م ا يلبث‬

‫أن ينقض‪ ،‬وهذا يعني حركية العلاقة بين الإشارة (سواء أو تسمية أو رمزا أو صورة أو أسطورة‪ ،‬وبين‬

‫الدلالة التي تحملها أ ي حركية الشكل»‪.‬‬

‫وتع د محاولة محم د السرغيني لدراس ة "الم واكب" لجبران خلي ل جبران على أس اس المنهجي ة‬

‫الس يميائية أك ثر جه دا من خلال شرح طريقت ه المنهجي ة في مه اد نظ ري‪ ،‬ق دم في ه الكث ير من الآراء‬

‫والإشكاليات التي تتعلق بالاتجاه السيميائي‪ ،‬بداية من ميلادها كعلم وصولا إلى صيغتها ال تي انتهت له ا‪،‬‬

‫وصارت منهجا نقديا‪ ،‬وكان لهذا العرض منفعة كبيرة انعكست على النق د الع ربي الح ديث‪ ،‬على الرغم‬

‫من الخلط الذي شابه في الأفكار المطروحة‪ ،‬وهذا ما يعكس عدم الدق ة البالغ ة في النق ل عن الغ رب‪،‬‬

‫فقد أشار إلى أن «سوسير قد جعل الألسنية ص لا للس يميائية‪ ،‬وأن بارت يرى خلاف ذلك»‪ ،‬في حين‬

‫نجد أن سوسير وبارت يرون خلاف ما جاء به السرغيني‪ ،‬فسوس ير يش ير إلى أن «علم اللغ ة ه و جزء من‬

‫علم الإشارات العام»‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫أ‪.‬قلايلية‬ ‫مقياس مقاربات نقدية س‪ 2‬لغة‬

‫في نجد أن بارت جاء بقول سوسير السابق ونقضه معتبرا أنه «من غبر الأكيد‪ ،‬قطعا أن تجد في‬

‫الحياة المجتمعي ة المعاصرة أنظم ة أدلة غير اللغ ة البشرية»‪ ،‬وعلى الرغم من التفص يل النظ ري في المقدم ة‬

‫ال تي عرضها إلا أن الناق د لم يسهب في قراءت ه التطبيقي ة‪ ،‬باستثناء جانب ضئيل مم ا طرحه مولين و(‬

‫‪،)Molino‬وهو م ا دعاه بالتحلي ل الس يميولوجي للح دث الرمزي الذي أقام ه على ثلاث ة مس تويات هي‪:‬‬

‫المستوى الحسي ويعني تحليل النص في علاقته بالمبدع وبالمتلقي‪.‬‬

‫المستوى المحايد ويعني تحليل الشكل الذي أنجز النص فيه‪.‬‬

‫المستوى الشعري ويعني مجموعة الإسهامات الثقافية والسياسية والمادية التي عملت عملها في النص‪.‬‬

‫إن هذه الاستفادة وغيره ا من معطي ات الس يميائيات الغربي ة‪ ،‬ربم ا تك ون ذات أهمي ة بالنس بة‬

‫للنص الشعري العربي وعلى الرغم من هذه المحاولات والجهود التي تبدو غير كافي ة لتق ديم ه ذا الاتج اه‬

‫في نقدنا العربي‪ ،‬إلا أنها تعكس رؤية نقدية جديدة كثيرا ما حاول النقاد العرب السير على منواله ا دون‬

‫التقيد باتجاه ات معين ة‪ ،‬وهي مح اولات نقدي ة متف ردة تعكس مج رد الجه د الذاتي‪ ،‬مم ا يبين أن النق اد‬

‫العرب تلقوا السيميائية بشكل مقتضب وجزئي‪ ،‬وغير مباشر دون متابعة تحولاتها في الغرب‪.‬‬

‫‪8‬‬

You might also like