You are on page 1of 139

‫محاضرات الثقافة اإلسالمية‬

‫‪ 113‬سلم‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫القسم األول‬

‫المجتمع المسلم‬

‫[ ]‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫احملاضرة األول‬
‫يف ابجملتمع اإلسالمي واألسس اليت يقوم عليها‬
‫التعر ُ‬
‫تعريف اجملتمع‪:‬‬

‫لفظ اجملتمع مشتق من مَجم مع‪ ،‬فاجلمع ضم األشياء املتفقة وضده التفريق واإلفراد‪ ،‬وأحسن‬
‫صاحب لسان العرب حني قال يف بيان معىن هذه اللفظة‪ " :‬جتمع القوم‪ :‬اجتمعوا من هاهنا‬
‫وهاهنا"‪.‬‬

‫وحني النظر يف داللة لفظ اجملتمع من حيث هو مصطلح‪ ،‬جيد املرء عدة تعريفات منشؤها تباين‬
‫النظرات تبعاً للتخصصات‪ ،‬فنجد تعريفاً من منظور سياسي‪ ،‬وآخر من منظور اجتماعي‪ ،‬واثلثاً‬
‫نفسياً وهكذا‪.‬‬
‫ولسنا بصدد تتبع وإيراد هذه التعريفات‪ ،‬وحسبنا يف هذا املقام تعريف لعله األقرب إىل املباحث‬
‫اليت سنعرض هلا‪.‬‬

‫فاجملتمع هو‪ :‬عدد كبري من األفراد املستقرين‪ ،‬جتمعهم روابط اجتماعية ومصاحل مشرتكة‪ ،‬تصحبها‬
‫أنظمة تضبط السلوك وسلطة ترعاها‪.‬‬

‫وليس يبعد تعريف اجملتمع املسلم من غريه من اجملتمعات إال مبا فيه من خصائص ومواصفات –‬
‫سوف نفصل القول فيها‪-‬وعلى هدي من هذا ميكن تعريف اجملتمع اإلسالمي أبنه‪ :‬خالئق مسلمون‬
‫يف أرضهم مستقرون‪ ،‬جتمعهم رابطة اإلسالم‪ ،‬وتدار أمورهم يف ضوء تشريعات إسالمية وأحكام‪،‬‬
‫ويرعى شؤوهنم والة أمر منهم وحكام‪.‬‬

‫ومن األلفاظ ذات الصلة مبفهوم اجملتمع‪ :‬اجلماعة‪ ،‬واألمة ‪:‬‬

‫تعريف اجلماعة‪:‬‬

‫اجلماعة‪ :‬هي الطائفة من الناس جيمعها رابط فأكثر‪ ،‬كالقرابة أو اجلنس‪ ،‬فهي هبذا املفهوم جزء‬
‫من مكوانت اجملتمع‪ ،‬يف حني أن مفهوم األمة أوسع وأمشل‪ ،‬خباصة يف ضوء املنظور اإلسالمي الذي‬
‫يعنينا يف هذا املقام‪.‬‬

‫[ ]‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫تعريف األمة‪:‬‬
‫تعرف األمة بقوهلم‪ :‬إهنا كل َجاعة جيمعهم أمر ما‪ ،‬إما دين واحد أو زمان أو مكان واحد سواء‬
‫أكان هذا األمر اجلامع تسخرياًكاجلنس واللون‪ ،‬أو اختياراًكاملعتقد واألرض‪.‬‬
‫هذا التعريف لألمة يتعذر قبوله على إطالقه؛ ألنه جيعل العوامل واألسباب الدنيوية كاللغة واألرض‬
‫واجلنس من مقومات األمة‪ ،‬وهذا ما ال يقره اإلسالم‪ ،‬مع اعرتافه أبن هلا أثراً إجيابياً‪ ،‬إال أهنا ال تقوى‬
‫على تكوين أمة واحدة إما لضعفها كاألرض‪ ،‬وإما لضيقها كالقرابة‪.‬‬

‫وبناء على ما سبق ميكن أن نعرف األمة اإلسالمية يف ضوء دالالت النصوص الشرعية أبهنا‪:‬‬
‫َجاعات من الناس جتمعهم عقيدة اإلسالم بغض النظر عن أي رابطة أخرى من الروابط االجتماعية‪،‬‬
‫َّاس ‪ ،‬وقوله تعاىل‪ :‬وإِ َّن ه ِذهِ‬
‫ت لِلن ِ‬ ‫ٍ‬
‫م م‬ ‫ُخ ِر مج ْ‬
‫ويشهد هلذا القرآن الكرمي بقوله تعاىل‪ُ  :‬كْن تُ ْم مخ ْ مري أ َُّمة أ ْ‬
‫ِ‬
‫اح مدةً وأ ممانْ ربُّ ُكم فماتَّ ُق ِ‬
‫ون ‪.‬‬ ‫أ َُّمتُ ُك ْم أ َُّمةً مو م م ْ‬

‫إن الدول الغربية مل تستطع أن تنطوي كلها حتت أمة واحدة على الرغم من وجود روابط كثرية بينها‪،‬‬
‫وما زلنا نسمع مصطلح األمم األوروبية‪ ,‬ومثلها كذلك الدول األفريقية‪ ،‬فإهنا على ما بينها من روابط‬
‫تسمى األمم األفريقية‪ ،‬يف حني أننا ال نسمع مبصطلح األمم اإلسالمية بل هي أمة إسالمية واحدة‪ ،‬على‬
‫الرغم مما بني أفرادها من اختالف يف اللغة واجلنس واألرض‪ ،‬وهذا يعين أن األمة اإلسالمية تتكون من‬
‫عدة جمتمعات العتبارات تفرض نفسها‪ ،‬لكن التوافق بني اجملتمعات اإلسالمية ملحوظ بسبب اتفاقهم‬
‫على مرجعية عليا واحدة‪ ,‬وهي اإلسالم‪.‬‬

‫[ ]‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫أسس بناء اجملتمع اإلسالمي‬

‫أسس بناء اجملتمع وعناية اإلسالم هبا‪:‬‬


‫إن أي جمتمع ابعتباره كياانً قائماً بذاته‪ ,‬البد له من أسس يبىن عليها‪ ،‬وتكاد تكون هذه‬
‫األسس مشرتكة بني اجملتمعات كلها‪ ،‬بيد أن اجملتمع اإلسالمي متيز عن غريه يف هذا اجملال وكان‬
‫متيزه من جهتني‪ :‬أما األول‪ :‬فهو أنه جعل العقيدة بكل مظاهرها والشريعة بكل أحكامها األساس‬
‫األكرب الذي تبىن عليه األسس األخرى‪ ،‬إذ ال قيمة ألي أساس ال تكون العقيدة والشريعة متمثلة فيه‬
‫قائمة عليه‪ ،‬وهذا ما ظهر جلياً يف الرتبية النبوية للمسلمني أفراداً وَجاعات خباصة يف العهد املكي‬
‫الذي مهد الطريق لألسس األخرى لتصبح مكوانت معتربة وهو ما حرصنا على إبرازه حني عرضنا‬
‫هلذه األسس وبينا كيف أن اإلسالم صبغها بصبغة عقيدية وصاغها صياغة إسالمية‪ ،‬ومن هنا كان‬
‫التميز وكانت اآلاثر اإلجيابية‪.‬‬
‫أما الثانية‪ :‬فإنه مبا أوجده من مواصفات‪ ،‬ومبا وضعه من اعتبارات جتاه هذه األسس‪ ،‬فجاء‬
‫هذا اجملتمع متميزاً بتميز أسسه‪ ,‬وهو ما سنعرض له يف هذا املبحث‪.‬‬

‫أهم األسس العامة اليت يقوم عليها بناء اجملتمع اإلسالمي ‪:‬‬
‫ميكن القول إن األسس العامة اليت يقوم عليها بناء اجملتمع اإلسالمي – بعد األساس العقدي‬
‫املهمني عليها – هي‪:‬‬
‫(‪ )1‬اإلنسان‪.‬‬

‫(‪ )2‬الروابط االجتماعية‪.‬‬

‫(‪ )3‬الضبط االجتماعي‪.‬‬

‫(‪ )4‬األرض‬

‫األساس األول‪ :‬اإلنسان‬


‫عىن اإلسالم ابإلنسان الفرد عناية ال مثيل هلا‪ ،‬بغية أن يهيئه ليكون األساس األول يف بناء‬
‫اجملتمع‪ ،‬وبرزت هذه العناية اإلهلية منذ اخللق والتكوين حني خلقه هللا تعاىل بيديه ونفخ فيه من روحه‬
‫ومنحه العقل واحلواس‪ ،‬فبان هبذا أنه خملوق كرمي على هللا مث تبعته العناية اإلهلية حني قضى هللا تعاىل‪،‬‬
‫أن يكون خليفة يف األرض‪ ،‬وقد تُ ِوجت هذه العناية بشريعة اإلسالم ومبا تضمنته من هداايت‬
‫وتوجيهات ختص الفرد املسلم كادت تستغرق العهد املكي كله‪ ،‬ومل يغفلها العهد املدين‪ ،‬هدفت كلها‬

‫[ ]‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫إىل بناء شخصية للفرد املسلم متزنة مستقلة جتمع بني ما استودع فيها من رغبات ونزعات‪ ،‬وبني ما‬
‫أني ط هبا من مسؤوليات على مستوى الفرد واجلماعات‪ ،‬وهذا ما جعل من هذا اإلنسان حبق‬
‫خملوقاً متميزاً‪ ،‬وصار خليقاً ألن يصبح خليفة يف األرض‪ ،‬وأهالً للقيام بواجباته جتاه نفسه وجتاه‬
‫جمتمعه كما أسلفنا‪.‬‬

‫لقد أسهم يف حتقيق هذه الغاية العظمى واملهمة األمسى أن هللا تعاىل أودع يف اإلنسان نزعتني‬
‫متباينتني يف الظاهر‪ ،‬لكنهما متكاملتان ومها‪:‬‬
‫‪ )1‬النزعة الفردية وهي اليت جتعله حيب اخلري لنفسه ويدفع الشر عنها‪ ،‬وحيرص على حتقيق ذاته‪.‬‬
‫‪ )2‬والنزعة االجتماعية وهي اليت تدفعه إىل صف اجلماعة وحضن اجملتمع‪ ،‬ألن هللا تعاىل جعل‬
‫حبكمته حاجة الفرد إىل الفرد‪ ,‬كحاجة العضو إىل العضو يف اجلسد الواحد‪ ،‬ويفهم هذا إذا‬
‫علم أن سلوك الفرد ورغباته كاحلب والوفاء والتميز والفخر‪ ،‬البد هلا من حميط اجتماعي‬
‫متارس فيه‪.‬‬
‫يضاف إىل هذه الدوافع الفطرية‪ ،‬دوافع مكتسبة أوجدها الشارع احلكيم من خالل تشريعات‬
‫وتكاليف خوطب هبا الفرد‪ ،‬هلا اتصال مباشر ابجملتمع‪ ،‬وهذا ملحوظ يف العبادات كلها كما سنرى‪،‬‬
‫(ذلك ألن احلياة داخل اجملتمع‪ ،‬متنح الفرد قوة فوق قوته)‪.‬‬
‫إن املتأمل يف مكانة الفرد يف اإلسالم وما أحيط به من عناية وهتيئة‪ ،‬يدرك أنه أهل ألن يكون‬
‫األساس األول يف بناء اجملتمع ابعتباره اللبنة األوىل يف األسرة‪ ،‬تلك األسرة اليت تؤلف مع مثيالهتا‪،‬‬
‫اجملتمع الرابين‪.‬‬

‫اإلنسان يف اجملتمع اإلسالمي ‪:‬‬


‫إن مما حيسن بيانه هنا هو احلديث عن عناية اإلسالم ابإلنسان وتكرميه وحفظ حقوقه‪ ،‬ونبذ‬
‫الطبقية بني أفراده‪ ،‬وتقرير مبدأ املساواة وإزالة التميز العنصري‪ ،‬وكل هذه األمور تتضح جبالء من‬
‫خالل اآليت‪:‬‬

‫أوالً ‪ :‬اإلنسان يف اإلسـالم ‪:‬‬


‫أعل ى اإلس الم م ن ش أن اإلنس ان واعت ربه خليف ة هللا يف أرض ه‪ ،‬وأك د كرامت ه‪ ،‬واعتربه ا كرام ة ذاتي ة‬
‫أصيلة ال تنب ع م ن جنس ه وال م ن لون ه وال م ن بل ده وال م ن قوم ه وال م ن عش ريته وال م ن مال ه وال م ن‬
‫ع رض م ن أع راض ال دنيا الزائل ة‪ ،‬وإمن ا تنب ع م ن كون ه إنس اانً م ن ه ذا اجل نس ال ذي أف اض علي ه رب ه‬

‫[ ]‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫التكرمي وسخر له ما يف السماوات واألرض ورزقه من الطيب ات وفض له عل ى غ ريه م ن املخلوق ات‪ ،‬وق د‬
‫ش رع هللا لك ل جان ب م ن جوان ب حي اة اإلنس ان ه دايً ومنهج اً ون وراً‪ ،‬وب دخول اإلنس ان يف اإلس الم‬
‫يصبح خماطباً هبذا اهل دي ال ذي ي نظم ل ه س لوكه‪ ،‬وتعامل ه م ع اجله ات املختلف ة للحي اة‪ ،‬ويش رع ل ه م ن‬
‫األحكام واآلداب والنظم ما يتالءم مع طبعه وجبلته وطاقته النفسية‪.‬‬

‫ول ذا كان ت كرام ة اإلنس ان يف اإلس الم حمفوظ ة‪ ،‬وحقوق ه حمفوظ ة ال جي وز التع دي عليه ا م ا مل‬
‫يرتكب حمظوراً يستحق عليه العقوبة؛ وذلك ألن حقوقه جزء من العقيدة‪ ،‬أو هي م ن ص لب العقي دة‪،‬‬
‫وأن ممارستها نوع من العبادة اليت يرتتب عليها الثواب يف الفعل والعقاب يف االمتناع‪.‬‬

‫اثنياً ‪ :‬كرامة اإلنسان يف اإلسالم‪:‬‬

‫ال‬ ‫لق د أعل ن اإلس الم كرام ة اإلنس ان ف اعتربه خليف ة هللا تع اىل يف األرض‪ ،‬فق ال س بحانه‪  :‬موإِ ْذ قم م‬
‫ض مخلِي مفةً ‪‬‬ ‫ك لِْلمالمئِ مك ِة إِِين ج ِ‬
‫اعل ِيف األ ْمر ِ‬ ‫م‬ ‫مربُّ م م‬
‫اه ْم ِيف الْ مِرب‬ ‫ويقول هللا سبحانه وتعاىل يف التأكيد على ه ذا األص ل ‪ ﴿ :‬مولممق ْد مكَّرْمنم ا بم ِين م‬
‫آد مم مو ملمْلنم ُ‬
‫ض ْلنماهم علمى مكثِ ٍري ِممَّن خلم ْقنما تم ْف ِ‬ ‫ِ‬ ‫والْبح ِر ورمزقْ نم ِ‬
‫ضيالً ﴾‪.‬‬ ‫ْ م‬ ‫اه ْم م من الطَّيِبمات موفم َّ ُ ْ م‬
‫م م ْ مم ُ‬

‫كان من تكرمي هللا لإلنسان أن ه جع ل الك ون وم ا في ه يف خدم ة اإلنس ان‪ ،‬وس خرها ملنفعت ه‪ ،‬فق ال‬
‫ض وأمس ب م علم ي ُكم نِعم ه ظم ِ‬ ‫ِ‬
‫اهمرةً‬ ‫الس مم ماوات مومم ا ِيف ْاأل ْمر ِ م ْ م م ْ ْ م م ُ‬
‫اّللم مس َّخمر لم ُك م َّم ا ِيف َّ‬ ‫تع اىل‪ :‬أممملْ تم مرْوا أ َّ‬
‫من َّ‬
‫موماب ِطنمةً‪.‬‬

‫وه ذا التك رمي ل يس خاص اً نس ان دون غ ريه‪ ،‬وال بل ون دون آخ ر‪ ،‬إمن ا اجلمي ع سواس ية يف ح ق‬
‫التكرمي‪ ،‬فاخلطاب لبين آدم‪ ،‬ومعيار التفاضل بينهم هو التقوى والعمل الصاحل‪.‬‬

‫اثلثاً ‪ :‬وحدة العقيدة ‪:‬‬

‫لقد خلق هللا اإلنس ان لعبادت ه وح ده ال ش ريك ل ه‪ ،‬وح ني يلت زم الف رد يف اجملتم ع املس لم مب ا أُم ر ب ه‬
‫قوالً وفعالً ظاهراً وابطناً فإنه يكون بذلك ق د أس لم وجه ه ل ج ل وع ال‪ ،‬وعلي ه فل ن يفع ل إال م ا أم ره‬
‫هللا ب ه م ن فع ل اخل ري واجتن اب الش ر‪ ،‬وإذا ك ان جمم وع األف راد يف اجملتم ع هب ذه الص فة ف إن ذل ك يع ين‬

‫[ ]‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫تك وين جمتم ع ملت زم مب ا أم ره ب ه الش رع احلني ف‪ ،‬ويع ين أن ك ل أف راد اجملتم ع يعتنق ون عقي دة واح دة‪،‬‬
‫ويؤمنون برب واحد‪ ،‬ويدينون ديناً واحداً‪ ،‬وهو ال دين اإلس المي ال ذي يرس خ مب ادع التع اون وال رتاحم‬
‫والتعاطف والتآخي؛ اليت هي قوم اجملتمعات‪.‬‬

‫إن جمتمعاً ال تتوفر فيه وحدة العقيدة بني أفراده‪ ،‬اليت ه ي أق وى ال والءات واالنتم اءات‪ ،‬ستض رب‬
‫الفوضى فيه أطناهبا‪ ،‬وتتفكك أواصر القرابة واحملبة والتآخي بني أفراده‪.‬‬

‫رابعاً ‪ :‬وحدة األصل البشري ‪:‬‬

‫اح مدةٍ مو مخلم مق ِمْن مه ا مزْو مج مه ا‬


‫سوِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاس اتَّ ُقوا مربَّ ُك ُم الَّذي مخلم مق ُك ْم م ْن نم ْف ٍ م‬ ‫يقول هللا تعاىل ‪  :‬ماي أميُّ مها الن ُ‬
‫اّللم مكا من معلمْي ُك ْم مرقِيباً ﴾‪.‬‬ ‫اّللم الَّ ِذي تم مساءملُو من بِِه مو ْاأل ْمر مح مام إِ َّن َّ‬‫ث ِمْن ُه مما ِر مجاالً مكثِرياً مونِ مساءً مواتَّ ُقوا َّ‬ ‫موبم َّ‬
‫َّاس إِ َّان مخلم ْقنم ا ُك ْم ِم ْن ذم مك ٍر موأُنْثمى مو مج مع ْلنم ا ُك ْم ُش عُوابً موقمبمائِ مل لِتم مع مارفُوا‬
‫ويق ول هللا ‪ ﴿ : ‬ماي أميُّ مه ا الن ُ‬
‫اّللم معلِيم مخبِري ﴾‪.‬‬ ‫اّللِ أمتْ مقا ُك ْم إِ َّن َّ‬
‫إِ َّن أم ْكمرمم ُك ْم ِعْن مد َّ‬
‫اب ُمثَّ إِ مذا أمنْتُ ْم بم مشر تم ْن تم ِشُرو من ﴾‪.‬‬ ‫وقال سبحانه وتعاىل ‪ ﴿ :‬وِمن آايتِِه أم ْن مخلم مق ُكم ِمن تُر ٍ‬
‫ْ ْ م‬ ‫م ْ م‬
‫ويزداد املبدأ وضوحاً يف قول النيب ‪ " : ‬كلكم بنو آدم‪ ،‬وآدم من تراب"‪.‬‬
‫وق ال ‪ ‬يف خطب ة ال وداع‪ " :‬أال فض ل لع رى عل ى عجم ي‪ ،‬وال لعجم ي عل ى ع رى‪ ،‬وال ألل ر‬
‫على أسود‪ ،‬وال ألسود على ألر إال ابلتقوى "‪.‬‬

‫إن ه ذه اآلايت الكرمي ات وه ذه األحادي ث الش ريفة ج اءت لتؤك د وح دة األص ل البش ري وحتط م‬
‫الفوارق التمييزية بني البشر‪ ،‬فكل البشر من نفس آدم‪.‬‬

‫خامساً ‪ :‬وحدة التكليف واجلزاء‪:‬‬

‫إذا نظران إىل األوامر والنواهي والتكاليف الشرعية جندها تتوجه إىل َجيع أفراد اجملتمع املس لم دون‬
‫اس تثناء ألح د‪ ،‬إال م ن ك ان ل ه ع ذر يف ع دم االمتث ال ‪ ،‬ق ال هللا تع اىل ‪ ‬واعب دوا هللا وال تش ركوا ب ه‬
‫شيئاً ‪ ،‬فهذا األمر ال يُستثىن منه جنس أو ل ون أو عائل ة‪ ،‬أو قبيل ة أو إقل يم‪ ،‬فتوج ه اخلط اب للرج ال‬
‫يعين َجيع الرجال‪ ،‬وتوجه اخلطاب للنساء يعين َجيع النساء‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫[ ]‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫وه م َجيع اً الرج ال م نهم والنس اء أم ام خ القهم س واء‪ ،‬يف املس ؤولية واجل زاء واحلس اب والعق اب‬
‫مص داقاً لقول ه تع اىل ‪  :‬فم ن يعم ل مثق ال ذرة خ رياً ي ره‪ ،‬وم ن يعم ل مثق ال ذرة ش را ي ره ‪ ‬وق ال‬
‫يد ﴾‪.‬‬‫اّلل لميس بِظمَّالٍم لِْلعبِ ِ‬ ‫ت أميْدي ُكم موأ َّ‬ ‫سبحانه‪ ﴿ :‬مذلِ م ِ‬
‫م‬ ‫من َّم ْ م‬ ‫َّم ْ‬
‫ك مبما قمد م‬
‫األساس الثاين‪ :‬الروابط االجتماعية‪:‬‬

‫فطر اإلنسان على حب االنتماء إىل اجملتمع‪ ،‬فهو مييل بطبعه إىل بين جنسه ويكره العزلة‪،‬‬
‫ذلك‪( :‬أن االجتماع ما هو إالَّ تعبري عن غريزة مستكنة يف أعماق نفس اإلنسان واجلماعة‪ ،‬صفة‬
‫الزمة من صفاته)‪.‬‬

‫وحيثما وجد جتمع إنساين برزت بال شك روابط اجتماعية وصالت (وهي عبارة عن‬
‫فكر وسلوك) تنمو وتعمل يف ظل التفاعل االجتماعي بني األفراد‪.‬‬

‫ويرى بعض الباحثني أن هذه الروابط منها ما هو عالقات اجتماعية‪ ،‬مثل الصداقة‬
‫واملصاهرة‪ ،‬ومنها ما هو عمليات اجتماعية أشد تعقيداً من سابقتها‪ ،‬مثل اجلوار والصراع‪ .‬ومنهم من‬
‫يقسم هذه الروابط إىل فطرية كالقرابة‪ ،‬وإىل مكتسبة كاجلوار‪.‬‬

‫وعلى كل‪ ،‬فهي ظواهر منت يف ظل االجتماع وتولدت منه بسبب شعور كل فرد حباجته إىل‬
‫التعاون مع اآلخرين واالرتباط هبم حتقيقاً للمصاحل املشرتكة‪ ،‬وهو ما كشف عنه رائد علم االجتماع‬
‫ابن خلدون يف مقدمته بقوله‪( :‬إن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن حتصيل حاجته‪ ،‬فال بد من‬
‫اجتماع القدر الكبري من أبناء جنسه)‪.‬‬

‫جيدر بنا أن نذكر يف هذا املقام متيز اجملتمع اإلسالمي عن غريه يف جمال الروابط االجتماعية‪،‬‬
‫فهو وإن أقر كثرياً من الروابط ورعاها حق رعايتها‪ ،‬إالَّ أنه جعل الرابطة العظمى والعروة الوثقى هي‬
‫العقيدة وما يفيض عنها من تشريعات وهداايت‪ ،‬ألهنا املرجعية األوىل والعليا ألبناء اجملتمع اإلسالمي‬
‫يف كل ما يصدر عنهم من سلوك وتصرفات فكان للعقيدة واحلالة هذه دور ظاهر يف إجياد روابط‬
‫اجتماعية‪ ،‬ويف هتذيب روابط أخرى كان قد أقرها العرف من قبل‪.‬‬

‫إن اإلسالم يعتمد يف بناء جمتمعه على قوة الرابطة اليت يضعها بني املسلمني وجيعل منهم‬
‫جسماً واحداً يتجه بقوة إىل غاية واحدة‪ ،‬ذلك ما يصوره احلديث النبوي املشهور‪( :‬مثل املؤمنني‬
‫يف توادهم وترالهم وتعاطفهم مثل اجلسد‪ ،‬إذا اشتكى منه عضو‪ ،‬تداعى له سائر اجلسد ابلسهر‬
‫واحلمى)‪.‬‬

‫[ ]‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫ويف ضوء هذه املفاهيم تبني لنا أن الروابط االجتماعية واحدة من األسس اليت يبىن عليها‬
‫اجملتمع (وال نبعد عن الصواب إذا قلنا أن اجملتمع نسيج مكون من صالت اجتماعية)‪.‬‬

‫األساس الثالث‪ :‬الضبط االجتماعي‪:‬‬

‫يؤثر األفراد بعضهم يف بعض عندما يضمهم جمتمع واحد‪ ،‬فينشأ عن هذا جمموعة من‬
‫السلوكيات واألحاسيس والتصورات‪ ،‬ختتلف عما يفكر فيه الفرد وحيس به أو يريده لنفسه‪ ،‬ورمبا‬
‫اختذت اجلماعات قرارات مل يردها بعض أفرادها لو خلوا أبنفسهم الختالف اإلرادة الفردية عن‬
‫اإلرادة اجلماعية‪ ،‬وكأن هذا يعين وجود شخصية َجاعية تفرض نفسها على األفراد‪.‬‬

‫يسمي علماء االجتماع هذا الذي أشران إليه‪ ،‬ابلضبط االجتماعي‪ ،‬ويعين ضرورة الوعي‬
‫بشعور اآلخرين‪ ،‬ومراعاة حقوقهم وانتهاج سلوك يتأثر هبذا الوعي وهذا السلوك‪.‬‬
‫ال شك يف أن حاجة اجملتمع ماسة لوجود ضوابط وأنظمة (تطلق نشاط األفراد يف جماالت‪،‬‬
‫تقوم األمور تبعاً هلا‪ ،‬فتعترب بعض‬
‫وحتبس نشاطهم يف جماالت أخرى‪ ،‬وتضع هلم مقاييس للسلوك َّ‬
‫األمور كرمية حمببة‪ ،‬وتعترب بعضها كريهاً مذموماً)‪.‬‬

‫لقد تنبه املعنيون بشؤون اجملتمع إىل أمهية هذا األساس يف بنائه‪ ،‬وكان غاية ما توصلوا إليه من‬
‫أجل حتقيق هذا الغرض ما مسي بنظرية العقد االجتماعي‪ ،‬واليت اتضحت معاملها على يد العامل‬
‫الشهري (روسو) (وهي فكرة مادية تقوم يف حقيقتها على تبادل املصاحل والتعايش بني الناس لينال كل‬
‫منهم حقوقه‪ ،‬وهي حماولة ال أبس هبا لكف نوازع العدوان والتسلط) لكنها ال تقوى هي وال مثيالهتا‬
‫حبال على التأليف بني قلوب أفراد اجملتمع‪ ،‬والبث احملبة بينهم‪ ،‬وال زرع روح التسامح يف اجملتمع‪ ،‬فهي‬
‫ال تزيد على كوهنا حماولة للتوفيق بني الرغائب‪ ،‬واملالءمة بني املصاحل‪ ،‬حىت ال حيدث تصارع وال‬
‫اختالف‪.‬‬

‫لإلسالم منهج يف هذا اجملال ما عرفت البشرية يف اترخيها الطويل منهجاً يوازيه أو يدانيه‪،‬‬
‫سلك فيه مسالك متنوعة‪ ،‬فآتت مثارها‪ ،‬وكان من ذلك أن زين ألفراد اجملتمع طريقاً سهالً موصالً‬
‫للجنة ولرضوان هللا عن طريق حمبة اآلخرين‪ ،‬قال‪( :‬ال تدخلون اجلنة حىت تؤمنوا‪ ،‬وال تؤمنوا حىت‬
‫حتابوا‪ ،‬أوال أدلكم على شيء إذا فعلتموه حتاببتم؟ أفشو السالم بينكم)‪ ،.‬فجعل انتشار احملبة املتبادلة‬
‫بني أفراد اجملتمع‪ ،‬عالمة على حتقق اإلميان‪ ،‬ورتب عليه دخول اجلنة وهذا من أعظم احلوافز اليت‬
‫توضع بني يدي املسلم اليقظ‪ ،‬وال شك أن احملبة يف هللا إذا فشت بني أفراد اجملتمع‪ ،‬كان هلا من اآلاثر‬
‫والثمار ما هو كفيل بتجاوز كثري من األزمات‪ ،‬ومنو التسامح يف املعامالت‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫كذلك رغب اإلسالم أبناءه يف العناية بقضااي اجملتمع وحاجات أفراده‪ ،‬ورتب على هذا‬
‫مكاسب عظيمة بينها الرسول‪ .‬بقوله ‪( : ‬املسلم أخو املسلم‪ ،‬ال يظلمه وال يسلمه‪ ،‬من كان يف‬
‫حاجة أخيه‪ ،‬كان هللا يف حاجته‪ ،‬ومن َّفرج عن مسلم كربة فرج هللا عنه هبا كربة من كرب يوم القيامة‪،‬‬
‫ومن سرت مسلماً‪ ،‬سرته هللا يوم القيامة)‪.‬‬

‫لقد أوجدت هذه النصوص الشرعية وأمثاهلا‪ ،‬رقابة ذاتية لدى اإلنسان املسلم‪ ،‬وحافزاً داخلياً‬
‫حيمله على التفاعل اإلجياى مع أبناء جمتمعه‪ ،‬وجتعله يستحضر املسؤولية املنوطة به جتاههم وتكون مثرة‬
‫هذا كله‪ ،‬أن تقوى أواصر احملبة والتسامح والنصح واإليثار وحسن العشرة وكف األذى بني أفراد‬
‫اجملتمع‪ ،‬وهو ما يسند نظم اجملتمع ويربز معامل االنضباط فيه‪.‬‬

‫مل يركن اإلسالم يف ضبط السلوك وحفظ األمن االجتماعي إىل هذا املنهج على الرغم من‬
‫أمهية أثره اإلجياى‪ ،‬إمنا تعداه إىل إجياد تشريعات حيتكم إليها أفراد اجملتمع عن رضا وطيب نفس كوهنا‬
‫رابنية املصدر‪ ،‬فقد نظم اإلسالم العالقة بني أفراد اجملتمع املسلم‪ ،‬وأوجد نظماً ختص األسرة الصغرية‬
‫والكبرية‪ ،‬ونظم أمور املعامالت‪ ،‬ليقف كل فرد على ما له وما عليه‪ ،‬وهو منهج يتسم ابلواقعية‪،‬‬
‫ويسهم يف ضبط األمور يف اجملتمع‪.‬‬

‫دعت احلاجة‪ -‬إضافة إىل ذلك كله‪ -‬إىل وجود بعض الروادع متثلت يف تشريعات تتعلق‬
‫تقوم اعوجاج بعض األفراد‪ ،‬وتردهم إىل الصواب‪ ،‬لاية هلم من شرور‬ ‫ابلعقوابت على أنواعها‪ِ ،‬‬
‫أنفسهم‪ ،‬وصيانة ألمن اجملتمع‪ .‬ويف ضوء هذا العرض الذي تقدم‪ ،‬تظهر أمهية األنظمة يف اجملتمع‬
‫ومكانة الضبط االجتماعي‪ ،‬ابعتباره واحداً من أسس بناء اجملتمع‪.‬‬

‫األساس الرابع‪ :‬األرض‬

‫تعد األرض واحدة من األسس اليت يبىن عليها اجملتمع‪ ،‬وبيان هذا‪ :‬أن هللا تعاىل أنزل اإلسالم‬
‫أبحكامه وتشريعاته ليحكم يف األرض‪ ،‬ويطبق على أرض الواقع‪ ،‬يتمثله الناس يف شؤون حياهتم من‬
‫أجل تقدمي أمنوذج حي ومثايل جملتمع مسلم متميز‪.‬‬

‫وال خيفى أن هذه الغاايت الكربى تستدعي بعض العوامل املساعدة على حتقيقها‪ ،‬منها توفر‬
‫حرية التصرف لدى األفراد‪ ،‬والسالمة من التأثري اخلارجي‪ ،‬ووجود مناخ مناسب إلقامة أحكام هللا‬
‫وتشريعاته‪ ،‬مث وجود سلطة متلك صالحية اختاذ القرار وتنفيذه‪ ،‬ويتعذر توافر هذه العوامل أو يكاد إذا‬
‫مل توجد بقعة من األرض جتمع املسلمني‪ ،‬وتكون الكلمة فيها هلم‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫وتتضمن سرية النيب ‪ ‬وأتباعه الكرام‪ ،‬إشارات توضح هذا املعىن‪ ،‬فإن النيب ‪ ‬ملا بُعث يف‬
‫مكة وصار له أتباع‪ ،‬حرصوا على االلتفاف حول النيب ‪ ‬وتكوين جتمع خاص هبم‪ ،‬متميز يف كثري‬
‫من نواحي احلياة عن اجملتمع اجلاهلي الكبري الذي يعيشون فيه‪ ،‬فأمكنهم التميز يف جوانب كالعبادات‬
‫واألخالق‪ ،‬وتعذر التميز يف جوانب أخرى كاملعامالت العامة ومل يكن لإلسالم يومئذ قانون انفذ‪ ،‬ومل‬
‫يكن له قوة يستطيع هبا تنفيذ تعاليمه‪ ،‬فكان الوازع الداخلي لدى املسلمني آنذاك‪ ،‬مغنياً عن القانون‬
‫والسلطان‪.‬‬

‫ولقد حبث النيب ‪ ‬منذ وقت مبكر عن أرض يقيم هبا هو وأصحابه‪ ،‬لينشئ جمتمعاً خاصاً‪،‬‬
‫فقصد أهل الطائف فلم جييبوه‪ ،‬مث عرض دعوته على أهل املدينة‪ ،‬فاستجاب أهلها الكرام لدعوته‪،‬‬
‫وفتحوا أبواب مدينتهم أمام الرسول ‪ ‬وَجوع املسلمني من كل مكان‪ ،‬فكانت اهلجرة من أعظم‬
‫أحداث التاريخ اإلسالمي على اإلطالق‪ ،‬ألهنا هيأت األرض ووفرت املناخ املناسب إلقامة جمتمع‬
‫إسالمي مستقل ومتميز‪ ،‬فبدأت معامل هذا اجملتمع تربز للعيان‪ ،‬وتتابعت التشريعات يف شىت اجملاالت‬
‫خباصة تلك اليت تنظم العالقات واملعامالت بني أفراد اجملتمع الواحد‪.‬‬

‫لقد تضمن القرآن الكرمي ربطاً بني إقامة األحكام الشرعية وبني التمكني يف األرض حني قال‬
‫الزمك اةم وأممرواْ ِابلْمعر ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫وف مومهنمْواْ مع ِن الْ ُمْن مك ِر‬‫الصالمةم موآتم ُواْ َّ م م ُ م ْ ُ‬
‫ض أمقم ُامواْ َّ‬ ‫ين إِ ْن َّم َّكن ُ‬
‫َّاه ْم ِيف األ ْمر ِ‬ ‫تعاىل‪  :‬الذ م‬
‫موَِّّللِ معاقِبمةُ األ ُُمور ‪.‬‬

‫فقد سيقت اآلية الكرمية يف مقام الشكر لبيان أن التمكني يف األرض يقتضي شكر هللا تعاىل‬
‫قامة أحكامه اليت أمر هبا بسبب زوال كثري من العوائق‪.‬‬

‫إذا فهم هذا‪ ،‬تبينت العلة اليت من أجلها شنَّع القرآن الكرمي على أولئك الذين آثروا البقاء يف‬
‫أرض الكفر‪ ،‬ومل يهاجروا إىل أرض اإلسالم لالنضمام إىل اجملتمع املسلم‪ ،‬وذلك يف قوله تعاىل‪  :‬إِ َّن‬
‫ني ِيف األ ْمر ِ‬
‫ض قمالْواْ أممملْ تم ُك ْن‬ ‫الَّ ِذين تموفَّاهم الْمالئِ مكةُ ظمالِ ِمي أمنْ ُف ِس ِهم قمالُواْ فِيم ُكنتم قمالُواْ ُكنَّا مست ْ ِ‬
‫ض معف م‬‫ُ ْم‬ ‫م ُْ‬ ‫ْ‬ ‫م م ُُ م‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أمرض َِّ‬
‫ِ‬
‫ت ممصريا ً ‪.‬‬‫ك ممأْ مو ُاه ْم مج مهن َُّم مو مساءم ْ‬‫اّلل مو ِاس معةً فمتُ مهاج ُرواْ ف ميها فمأ ُْولمئ م‬
‫ِ‬
‫ْ ُ‬

‫وميكن القول يف ضوء ما تقدم‪ :‬إن األرض من أسس بناء اجملتمع اإلسالمي‪ ،‬ويتعذر إقامة‬
‫جمتمع واضح املعامل ما مل يكن للمسلمني أرض‪ ،‬هلم فيها القول والفصل‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫احملاضرة الثانية‬
‫أهم املبادئ اليت يقوم عليها اجملتمع اإلسالمي‬

‫أوال ‪ :‬اإللتزام ابلعقيدة اإلسالمية‪:‬‬


‫االلتزام ابلعقيدة اإلسالمية حيقق للفرد واجملتمع فوائد ال ميكن حصرها ‪ ،‬ومنها ‪:‬‬
‫َّ ِ‬
‫ين آم ممنُوا مومملْ يمْلبِ ُسوا إِميم ماهنُْم بِظُْل ٍم أُولمئِ م‬
‫ك مهلُُم‬ ‫‪ -1‬األمن يف الدنيا و اآلخرة ‪ ،‬كما قال تعاىل‪  :‬الذ م‬
‫ْاأل ْمم ُن موُه ْم ُم ْهتم ُدو من ‪.‬‬
‫‪ -2‬اهلداية إىل الصواب ‪:‬‬
‫فكل من آمن ابل تعاىل وعمل مبا جاء به الشرع املطهر فقد سار على الطريق القومي والصراط‬
‫هلاد الذين آمنوا إىل صراط مستقيم ‪.‬‬ ‫املستقيم‪ ،‬يقول تعاىل ‪  :‬وإن هللا ٍ‬
‫‪ 3‬العقيدة اإلسالمية جتعل احلياة هانئة طيبة ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫قال تعاىل ‪  :‬من ع ِمل ِ ِ‬
‫مجمرُه ْم‬ ‫صاحلًا م ْن ذم مك ٍر أ ْمو أُنْثمى موُه مو ُم ْؤمن فملمنُ ْحيِيم نَّهُ محيماةً طميِبمةً مولمنم ْج ِزيمن ُ‬
‫َّه ْم أ ْ‬ ‫مْ م م م‬
‫ِأب ْ‬
‫مح مس ِن مما مكانُوا يم ْع مملُو من ‪.‬‬
‫‪ 4‬العزة والتأييد ‪.‬‬
‫قال تعاىل ‪  :‬ول العزة ولرسوله وللمؤمنني ‪.‬‬
‫‪ 5‬التثبيت والدفاع ‪:‬‬
‫قال‪ :‬إن هللا يدافع عن الذين آمنوا ‪.‬‬

‫اثنيا‪ :‬االلتزام ابألخالق اإلسالمية ‪:‬‬


‫لقد أقر اإلسالم َجلة من األخالق وجعل هلا دوراً عظيماً يف بناء العالقات االجتماعية‪ ،‬وابلتايل يف‬
‫بناء اجملتمع املنشود‪.‬‬
‫مح مسنُ ُه ْم ُخلًُقا» ‪ .‬و مع ْن أِمى الد َّْرمد ِاء‬
‫ال‪« :‬أ ْ‬‫اّللِ؟ قم م‬
‫اّللِ إِ مىل َّ‬
‫ب ِعبم ِاد َّ‬ ‫رسول هللا ‪ : ‬مم ْن أ م‬
‫مح ُّ‬ ‫حينما سئل ُ‬
‫القيام ِة ِمن خلُ ٍق حس ٍن‪ ،‬وإِ َّن َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ض‬
‫اّللم لميُ ْبغ ُ‬ ‫«ما مش ْيء أمثْ مق ُل ِيف م ميزان املُْؤم ِن يم ْومم م م ْ ُ م م م‬ ‫ال‪ :‬م‬
‫َّيب ‪ ‬قم م‬ ‫‪ ،‬أ َّ‬
‫من النِ َّ‬
‫ِِ‬ ‫احش الب ِذيء» ‪ .‬وقال ‪ ‬أيضا ‪« :‬إِ َّن ِخيارُكم أ ِ‬ ‫ِ‬
‫مخالمقًا»‪ ،‬وقال‪« : ‬أم ْك مم ُل الْ ُم ْؤمن م‬
‫ني‬ ‫محاسنُ ُك ْم أ ْ‬
‫مم ْ م‬ ‫ال مف م م م‬
‫مح مسنُ ُه ْم ُخلًُقا»‬ ‫إِميم ً‬
‫اان أ ْ‬
‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫لقد أعطى اإلسالم هبذا لألخالق شأان عظيما ‪ ،‬وقدرا عاليا ‪ ،‬جتلى أثرها يف بناء اجملتمع املسلم‪.‬‬

‫ومل جيعل اإلسالم األخالق يف يوم من األايم من قبيل الكماليات اليت قد يستغين عنها األفراد أو‬
‫اجملتمعات فهي من كمال اإلميان‪ ،‬وهي ضرورة من الضرورات اليت ال ميكن تصوير احلياة بدوهنا ‪.‬‬
‫س فِينما مم ْن مال ِد ْرمه مم‬ ‫ِ‬
‫س؟» قمالُوا‪ :‬الْ ُم ْفل ُ‬
‫ِ‬ ‫ول هللاِ ‪ ،‬قم م‬
‫ال‪« :‬أمتم ْد ُرو من مما الْ ُم ْفل ُ‬ ‫ف مع ْن أِمى ُهمريْ مرةم ‪ ،‬أ َّ‬
‫من مر ُس م‬
‫ص مالةٍ‪ ،‬مو ِصيم ٍام‪ ،‬مومزمكاةٍ‪ ،‬مو مَيِْيت قم ْد مشتم مم‬ ‫ِ ِ‬ ‫ال‪« :‬إِ َّن الْم ْفلِ ِ‬
‫س م ْن أ َُّم ِيت مَيِْيت يم ْومم الْقيم مامة بِ م‬ ‫ُ م‬ ‫اع‪ ،‬فم مق م‬‫لمهُ مومال ممتم م‬
‫ب مه مذا‪ ،‬فميُ ْعطمى مه مذا ِم ْن مح مسنماتِِه‪ ،‬مومه مذا‬ ‫ضمر م‬ ‫ك مد مم مه مذا‪ ،‬مو م‬ ‫ال مه مذا‪ ،‬مو مس مف م‬ ‫ف مه مذا‪ ،‬موأم مك مل مم م‬ ‫مه مذا‪ ،‬موقم مذ م‬
‫ت معلمْي ِه‪ُ ،‬مثَّ طُر مِح ِيف‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ضى مما معلمْيه أُخ مذ م ْن مخطم مااي ُه ْم فمطُِر مح ْ‬ ‫ت مح مسنماتُهُ قم ْب مل أم ْن يُ ْق م‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫م ْن مح مسنماته‪ ،‬فمِإ ْن فمنيم ْ‬
‫ِ‬
‫النَّا ِر»؛ كل ذلك بسبب سوء خلقه والعياذ ابل ‪.‬‬

‫وااللتزام ابألخالق يف اجملتمع املسلم انبع من تعاليم الدين ‪ ،‬والفرد املسلم يلتزمها دائما عن‬
‫قناعة ‪ ،‬وإذا كان االلتزام ابألخالق انبعاً عن قناعة الفرد كان التزامه هبا أشد ‪ ،‬والتأثر هبا أعمق ‪ .‬أما‬
‫يف غري اجملتمع املسلم فااللتزام ابألخالق قد يكون انبعا من النظام أو األعراف ‪ ،‬أو العادات ‪،‬‬
‫فيكون االلتزام هبا مرتبط بقوة تلك األنظمة واألعراف والعادات ‪ ،‬وعادة ما يسهل على الفرد‬
‫التخلص منها ‪ .‬هذا هو الفرق اجلوهري بني االلتزام ابألخالق يف اجملتمع اإلسالمي‪ ،‬واجملتمعات‬
‫األخرى ‪.‬‬

‫اثلثا‪ :‬العب ـادة ‪:‬‬


‫العبادة تقتضي طاعة هللا واخلضوع له والتزام ما شرعه من الدين ‪ ،‬والبعد عما هنى عنه ‪ ،‬واجتناب ما‬
‫أمر ابجتنابه ‪ .‬وهذا يؤدي إىل قوة اإلميان وعمق اليقني ابل سبحانه وتعاىل ‪ ،‬وهو ما يدفع إىل فعل‬
‫اخلري ‪ ،‬والبعد عن الشرور واآلاثم ‪ ،‬وبذلك تسهم العبادة يف تكوين شخصية املسلم املستقلة‪ ،‬تلك‬
‫الشخصية اليت تقود اجملتمع املسلم حنو مدارج الفالح ومسالك النور ‪.‬‬

‫إن هللا سبحانه وتعاىل حينما خلق اإلنسان خلقه لعبادته ‪ ،‬قال تعاىل ‪  :‬وما خلقت اجلن‬
‫واألنس إال ليعبدون ‪ ،‬والعبادة أنواع كثرية نذكر فيما َييت بعضها وبعضا من فوائدها وآاثرها على‬
‫اجملتمع اإلسالمي ‪:‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫الص ـالة ‪:‬‬


‫للصالة أتثري كبري يف سلوك األفراد واجلماعات ‪ ،‬شأهنا يف ذلك شأن سائر العبادات ‪ ،‬فهي إذا أديت‬
‫على الوجه املشروع متنع املسلم من الوقوع يف اآلاثم واملنكرات ‪ ،‬والنغماس يف الرذيلة ‪.‬‬
‫ومن فوائدها ‪:‬‬
‫‪ -1‬بقاء املسلم نظيفا طاهرا يف أغلب سعات اليوم والليلة ‪ ،‬وذلك ألن الطهارة من شروط صحة‬
‫الصالة‪ ،‬ومعلوم أن للنظافة دورها يف بقاء اجلسم خاليا من األمراض ‪ ،‬سليما معاىف ‪ ،‬وإذا كان هذا‬
‫حيدث للفرد فإن اجملتمع هو املستفيد األكرب من حمافظة أفراده على صحتهم ‪ .‬وابلتايل بقاء اجملتمع‬
‫قواي ‪.‬‬
‫‪ -2‬يف استقبال املسلمني َجيعا الكعبة يف الصالة معىن من معاين التآلف والوحدة ‪ ،‬واجتماع‬
‫الكلمة فكلهم يتجهون إىل متجه واحد ‪ ،‬قلوهبم هتفو حنوه ‪.‬‬
‫‪ -3‬يف الوقوف صفا واحدا يف الصالة ‪ ،‬كبريهم وصغريهم ‪ ،‬وغنيهم وفقريهم تذوب الفوارق ‪ ،‬وتتبدد‬
‫املساواة أيضا خارج إطار الصالة ‪.‬‬
‫‪ -4‬وصالة اجلماعة واجبة ‪ ،‬وهذا يؤدي إىل اجتماع املسلمني يف مكان واحد مرات متعددة يف يوم‬
‫واحد وهذا من شأنه أن يقوي الروابط االجتماعية ‪ ،‬وينشر اإلخاء بني املسلمني ‪ ،‬ويدفع إىل العمل‬
‫على إجياد احللول املناسبة للمشاكل احلياتية اليومية اليت تعرتضهم أفرادا أو َجاعات ‪.‬‬

‫الزكـ ـاة ‪:‬‬


‫وللزكاة فوائد تعود على الفرد و اجملتمع ابلنفع واخلري العميم منها ‪:‬‬
‫‪-1‬أهنا قررت مبدأ التكافل االجتماعي ‪ ،‬ذلك املبدأ الذي جنح اإلسالم يف تطبيقه جناحا حقيقيا مل‬
‫يستطع الوصول إىل ما وصل إليه أي جمتمع على مر التاريخ ‪.‬‬
‫‪-2‬أهنا ترى الفرد على البذل والتضحية ‪ ،‬فيتخلص من الشح والبخل واجلشع ‪.‬‬
‫‪-3‬يف دفع الزكاة منع للجرمية وانتشارها ‪ ،‬فالسرقة ‪ ،‬والزان ‪ ،‬والنهب وصناعة اخلمور ‪ ،‬وصناعة‬
‫األشياء اخلارجة عن القانون‪ ،‬أو هتريب املخدرات‪ ،‬وبيع األسلحة للمجرمني‪ ،‬وهذه اجلرائم لو انتشرت‬
‫أدت إىل تقويض أركان اجملتمع‪ ،‬وزرع اخلوف والرعب بني األفراد ‪.‬‬
‫‪-4‬الفقراء أكثر من األغنياء ‪ ،‬والبد من سد حاجتهم ومراعاة إنسانيتهم وكرامتهم ؛ ليكونوا أفراد‬
‫صاحلني ‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫‪ -5‬الزكاة تزيل األحقاد والضغائن املتولدة يف نفوس الفقراء جتاه األغنياء ‪ ،‬مما حييل تلك األحقاد‬
‫والضغائن إىل حمبة وألفة ‪.‬‬
‫‪ -6‬يف دفع الزكاة حتقيق للتوازن االقتصادي ‪ -‬وهو ما عجزت عنه اجملتمعات املتحضرة ‪ -‬ففي‬
‫اإلسالم لكل حقبه يف الكسب والعمل‪ ،‬ولكن البد من إيتاء الزكاة‪ ،‬ولو ترك الناس بال قيد لظهرت‬
‫الطبقية يف أبشع صورها‪ ،‬طبقة يف قمة الفقر ‪ ،‬وأخرى يف قمة الغىن ‪.‬‬
‫الصيـ ـام‬
‫للصيام فوائد كثرية اجتماعية وفردية نذكر منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬متممر على اجملتمعات أو األفراد أوقات عصيبة‪ ،‬حيتاج فيها إىل التحمل‪ ،‬كما حيدث عند وقوع‬
‫الكوارث و املصائب ‪،‬والبد من إعداد اجملتمع واألفراد ملواجهتها فيما إذا لو وقعت‪ ،‬واإلعداد يكون‬
‫ابلتدريب على التحمل والصرب‪ ،‬والصوم أفضل وسيلة لذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬هناك شرحية من اجملتمع ال جتد ما تسد به رمقها فرتاهم وأطفاهلم يتضرعون جوعا‪ ،‬ويتجرعون‬
‫األمل بسبب ذلك ‪،‬ومن طبع اإلنسان إال يدرك مدى اآلم اآلخرين إال إذا مر بنفس املوقف اليت‬
‫سببت هلم اآلالم‪ .‬وإذا صام اإلنسان شعر ابجلوع وأدرك األمل الذي يسببه اجلوع للفقراء واملساكني ‪،‬‬
‫فيهبوا لنجدهتم ومساعدهتم مبا ييسر هللا له ‪.‬‬
‫‪ -3‬وما أحوج الفرد إىل احملافظة على صحته ‪ ،‬وابلصوم يتخلص اجلسم من السموم الزائدة ‪ ،‬وتراتح‬
‫املعدة ‪ ،‬وتقل الدهون يف الدم إىل غري ذلك من الفوائد الصحية ‪.‬‬
‫‪ -4‬والصيام ليس فقط حبس النفس عن األكل والشرب واجلماع ‪ ،‬بل حىت عن َجيع املعاصي ‪ ،‬قال‬
‫‪ " : ‬من مل يدع قول الزور والعمل به ‪ ،‬فليس ل حاجة يف أن يدع طعامه وشرابه "‪ ،‬فهو تعويد‬
‫على كف النفس عن كل اآلاثم والرذائل ‪ ،‬فيصبح الفرد قريبا من اخلري بعيدا عن الشر‪ ،‬وإذا كان أفراد‬
‫اجملتمع كذلك شاع األمن والطمأنينة يف وسطه ‪.‬‬
‫احل ـج‬
‫واحلج له فوائد عظيمة تعود على اجملتمع املسلم ابخلري والنفع ومن ابرز تلك الفوائد ‪:‬‬
‫‪ -1‬إن احلج مؤمتر عام جيمع املسلمني من َجيع أصقاع الدنيا ‪ ،‬وبقاعها ‪ ،‬وجباهلا ووهادها ‪ ،‬هلم‬
‫كلهم هدف واحد ‪ ،‬وهذا يقوي اإلحساس بوحدة املسلمني وانتماءهم لدينهم ‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫‪ -2‬تدريب اجملتمع املسلم على التنظيم والسيطرة ‪ ،‬فها هم أكثر من مليونني مسلم يتحركون ابجتاه‬
‫واحد ‪ ،‬وينجزون هذه املهمة يف سويعات معدودة ‪ ،‬يتحركون من مكان إىل مكان هبذه األعداد‬
‫الكبرية دون أن يكون تفرق بينهم أو ضياع ‪ ،‬أو تشتت ‪.‬‬
‫‪ -3‬يف احلج تبدو املساواة يف أمسى صوريها ‪ ،‬فالكل خلع مالبسه ‪ ،‬ولبس رداءً أبيضاً ‪ ،‬ال فرق بني‬
‫رئيس ومرؤوس ‪ ،‬أو غين أو فقري ‪ ،‬أو صغري أو كبري ‪.‬‬
‫‪ -4‬يشهد املسلمون يف احلج منافع كثرية هلم ‪ ،‬فيتبادلون البضائع ‪ ،‬كما يعقدون الصفقات التجارية‬
‫وجيتمعون ملناقشة مشكالهتم ‪ ،‬ويعقدون أيضا املعاهدات السياسية فيما بينهم ‪ ،‬وغري ذلك من املنافع‬
‫اليت تعود على املسلمني ابخلري ‪.‬‬

‫رابعاً ‪ :‬التناصح بني أفراد اجملتمع ‪:‬‬


‫من املعلوم أن كل فرد من اجملتمع _ أاي كان _ معرض للوقوع يف اخلطأ ‪ ،‬إما عن قصد‪ ،‬أو غري‬
‫قصد ‪ ،‬وإمهال هذه األخطاء وعدم التنبيه إليها ‪ ،‬وإمهال نصحه‪ ،‬يؤدي إىل زعزعة أركان اجملتمع‬
‫وتقويضه‪ ،‬وعدم استقراره وأمن أفراده ‪.‬وهلذا قال النيب صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬الدين النصيحة ‪.‬قيل ‪:‬‬
‫ملن اي رسول هللا؟ قال ‪ :‬ل ولرسوله وألئمة املسلمني وعامتهم "‪.‬‬
‫لذا أقر اإلسالم مبدأ األمر ابملعروف والنهي عن املنكر لاية لألفراد واجملتمعات ‪ ،‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫‪ ‬ولتكن منكم أمة يدعون إىل اخلري وَيمرون ب املعروف وينهون عن املنكر ‪ ، ‬وقال سبحانه ‪ :‬‬
‫كنتم خري أمة خرجت للناس أتمرون ابملعروف وتنهون عن املنكر وتؤمنون ابل ‪.‬‬
‫واألمر ابملعروف والنهي عن املنكر وظيفة اجتماعية‪ ،‬حيتمها واقع الناس وما يعيشونه مما يغريهم‬
‫َجيعا يف حاجة إىل أن يذكر بعضهم بعضا‪،‬‬ ‫فيبعدهم عن احلالل‪ ،‬ويزين هلم احلرام فيقعوا فيه‪ ،‬فهم ً‬
‫بعضهم يف حاجة إىل التنبيه‪ ،‬وآخرون يف حاجة إىل الزجر‪.‬‬

‫وحينما تصر اجملتمعات على ترك األمر ابملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬فإن عواقب وخيمة وأضرار‬
‫جسيمة تلحق هبا‪ ،‬فإن ترك التناصح بني أفراد اجملتمع املسلم واألمر ابملعروف والنهي عن املنكر سبب‬
‫لتفشي األمراض االجتماعية املختلفة املفضية إىل املصائب‪ ،‬قال ‪ " : ‬إن الناس إذا رأوا املنكر ال‬
‫يغريونه‪ ،‬أوشك أن يعمهم بعقابه"‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫والنصيحة واألمر ابملعروف والنهي عن املنكر له آداب وأحكام مبثوثة يف كتب العلماء البد من‬
‫الرجوع إليها لتقوم هذه الشعرية بني أفراد اجملتمع على مراد هللا ورسوله‪ ،‬حمققة للمصاحل ودافعة‬
‫للمضار‪.‬‬
‫خامساً ‪ :‬تنظيم املعامالت وفق أحكام الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫تشمل املعامالت األنشطة اليومية املتعددة‪ ،‬وكلها ينبغي أن تكون وفق الشريعة اإلسالمية‪ .‬ألن‬
‫الشريعة صاحلة لكل األزمنة‪ ،‬ويف كل اجملاالت‪ ،‬فكل عمل جيب أن يكون حالال‪ ،‬وأن ينجز على‬
‫الوجه احلالل‪ ،‬سواء كان يف املعامالت اليومية كالزراعة‪ ،‬والصناعة‪ ،‬والتجارة‪ ،‬واإلدارة‪ ،‬وسواها‪ .‬أو يف‬
‫املعامالت املالية كالصرف وغريه‪ ،‬أو االجتماعية كالتعليم‪ ،‬والزواج‪ ،‬وما يتبعه من نفقة وتربية األوالد‬
‫وطالق ‪ -‬إن حدث‪ -‬وما يتبعه من أحكام‪.‬‬

‫سادساً ‪ :‬تطبيق الشريعة اإلسالمية ‪.‬‬


‫الشريعة ‪ :‬كل ما سنه هللا ‪ ‬من الدين وأمر به‪ ،‬كالصالة والصيام واحلج وسائر أعمال الرب‪ ،‬فهي‬
‫تعتمد على نصوص القرآن والسنة‪.‬‬

‫وتطبيق الشريعة اإلسالمية ينظم حياه الفرد واجملتمع‪ ،‬وليس من جانب من جوانب احلياة إال‬
‫وللشريعة فيه بصمة ظاهرة‪ ،‬وليس للمسلمني اخليار يف تطبيق الشريعة اإلسالمية‪ ،‬بل هي ضرورة‬
‫حتمية يف عالقة البشر مع رهبم ‪ ، ‬مث يف تنظيم حياهتم ‪ ،‬واحلكم بغري ما شرع هللا سبب يف الضياع‬
‫واالحنراف عن جادة احلق والصواب يف الدنيا‪ ،‬واخلسران واهلالك يف اآلخرة ‪.‬‬
‫وتتجلى ضرورة تطبيق الشريعة اإلسالمية وأمهيته يف الدور الكبري الذي حتققه يف حصول‬
‫األمن والطمأنينة يف اجملتمعات اإلسالمية‪ ،‬فال ‪ ‬وهو املشرع أعلم مبا يصلح أحوال البشرية يف‬
‫حاهلا ومآهلا‪ ،‬كيف ال وهو ‪ ‬العامل بطبيعة البشر‪ ،‬ومبا كان يف املاضي ومبا سيكون يف املستقبل‪،‬‬
‫وخري ذليل على ذلك أن الدول املتقدمة مع ما لديها من دراسات يف جمال اجلرمية ومع ما متلكه من‬
‫أجهزة ومادايت وقوى بشرية ملكافحتها قد وقفت عاجزة أما تصاعد اجلرمية وانتشارها وارتفاع نسبها‬
‫من عام آلخر‪.‬‬
‫ولو أهنم طبقوا الشريعة ألمن الناس على أعراضهم وأمواهلم وحياهتم وأرواحهم وعقوهلم‪،‬‬
‫ولسدوا ابابً واسعاً من أبواب اجلرمية‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫بعض الشبه واملزاعم والرد عليها ‪.‬‬


‫الشبهة األول ‪ :‬الرد على من ا ّدعى عدم صالحية الشريعة هلذا الوقت ‪:‬‬
‫) يدعي البعض أن احلياة تتطور ‪ ،‬والشريعة جاءت حلل مشاكل كانت يف وقت الرسول ‪.‬‬
‫) وأن نصوص اإلسالم جاءت عمومية مل تتحدث يف تفاصيل احلياة اليومية املتطورة‪.‬‬
‫) وأن اختالف املذاهب الفقهية مينع من تطبيق الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫) كما أن وجود األقليات غري املسلمة يف اجملتمعات اإلسالمية يصعب من تطبيقها ‪.‬‬
‫وللرد على هؤالء نقول ‪ ،‬إن هذه ادعاءات ومزاعم ابطلة مردودة ملا يلي‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬يف تطور احلياة ‪ :‬فإن الشريعة اإلسالمية تتعامل مع اإلنسان وال تتعامل مع أمناط احلياة‪،‬‬
‫واإلنسان هو اإلنسان مهما تغري الزمان وتنوعت أمناط احلياة ‪.‬‬
‫اثنيـاً ‪ :‬أن الشريعة اإلسالمية مل متنع أبداً ومل تقف يوماً عائقاً أمام تطور احلياة وكل ما فيه مصلحة مما‬
‫حيقق سعادة وراحة األفراد واجملتمعات‪ ،‬وال أدل على هذا من واقعنا يف بلدان اململكة العربية السعودية‪.‬‬
‫اثلثـاً ‪ :‬قوهلم أبن نصوص الشريعة عمومية ومل تتحدث عن تفاصيل احلياة‪ ،‬هذا قول ابطل‪ ،‬ودليل‬
‫على جهل من يقول به بنصوص الشرع احلنيف‪ ،‬فالشريعة نظمت أدق جوانب الفرد واجملتمع كطريقة‬
‫النوم‪ ،‬واألكل والشرب‪ ،‬ودخول اخلالء‪ ،‬واملعاشرة بني الزوجني ‪ ...‬وغري ذلك‪.‬‬
‫رابعـاً ‪ :‬ادعاء اختالف املذاهب الفقهية وأنه مينع من تطبيق الشريعة‪ ،‬ادعاء ابطل وغري صحيح‪ ،‬ألن‬
‫اختالف املذاهب الفقهية إمنا هو يف الفروع وليس يف األصول‪ ،‬وعند تطبيق الشريعة فإننا نعتمد على‬
‫األصل ال على الفرع‪ ،‬بل إننا نقول األمر بعكس ما ادعوا فإن يف اختالف املذاهب الفقهية ما جيعل‬
‫من تطبيق الشريعة أمراً ميسوراً وسعة يف وتيسرياً على الناس‪.‬‬
‫خامسـاً ‪ :‬قوهلم ‪ :‬إن وجود أقليات غري مسلمة يف اجملتمعات اإلسالمية مينع من تطبيق الشريعة‪،‬‬
‫ادعاء ابطل ‪ ،‬ألن اخلري كل اخلري هلذه األقليات أن تطبق عليهم أحكام الشريعة العادلة‪ ،‬وخري ذليل‬
‫على ذلك أن اليهودي حينما صارت له خصومة مع املنافق طلب احملاكمة إىل الرسول ‪ ،‬ملا يعلمه‬
‫من العدل واإلنصاف يف ديننا احلنيف‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫الشبهة الثاين ‪ :‬الرد على من ادعى وحشية العقوابت اإلسالمية ‪:‬‬


‫نستطيع أن نرد على من يقول هبذا القول أبمور كثرية ‪ ،‬ومنها على سبيل املثال ‪:‬‬
‫‪ )1‬ابلقياس على عمل الطبيب‪ ،‬فحينما يستنفذ الطبيب ما لديه من عالج عضو مريض من جسم‬
‫اإلنسان فإنه يعمد إىل برته ملا يراه من الضرر الذي سيلحقه هذا العضو ابجلسم ‪ ،‬وهو أمر ال مفر‬
‫منه؛ ألن الفائدة تعود على ابقي اجلسم ‪،‬فيصح هذا اجلسم ‪،‬ومع ذلك مل نر من يدعي أن هذا العمل‬
‫وحشي ‪،‬وال يصح القيام به ‪.‬‬
‫‪ )2‬أن العقوابت يف اإلسالم إمنا هي عالج وبقدر معني لشخص معني‪ ،‬يصح به اجملتمع ‪ ،‬وَيمن‬
‫ويسلم ‪.‬‬
‫‪ )3‬أن القائلون هبذه املقولة اجلائرة أخذهتم الشفقة والعطف على اجلاين ‪،‬ونسوا الضحية الذي‬
‫يستحق العطف والشفقة ‪،‬كما نسوا أهنم قد يكونون أحد هؤالء الضحااي فيما بعد‪ .‬ونسوا أن هذه‬
‫العقوابت فيها نوع من العطف واإلشفاق حىت على اجملرم اجلاين‪ ،‬فهي تردعه عن الوقوع يف اجلرمية‬
‫وابلتايل عدم إيقاع العقوبة عليه ‪.‬‬
‫‪ )4‬أن من طبيعة النفس البشرية االنتقام األخذ ابلثأر ممن اخطأ أو تعدى حبقها ‪ ،‬واإلنسان يف‬
‫الغالب ال ينتقم بقدر اخلطأ الذي وقع عليه بل يزيد على ذلك ويتعدى ‪ ،‬ولو ترك الناس ينتقمون‬
‫ألنفسهم لعمت الفوضى ‪ ،‬وانتشر الرعب يف أوساط اجملتمعات ‪ ،‬واختل األمن وعاش الناس يف قلق‬
‫دائم ‪ ،‬وهم مستمر ‪ ،‬وهو ما حيدث يف اجملتمعات من حولنا‪ .‬وهللا أعلم ‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫احملاضرة الثالثة‬
‫مسات وخصائص اجملتمع اإلسالمي‬

‫متيز اجملتمع اإلسالمي عن غريه من اجملتمعات بعدد من السمات جعلته حبق جمتمعاً فريداً مل‬
‫تعرف البشرية جمتمعاً غريه َجع يف ثناايه هذه السمات احلميدة‪ ،‬ليكون أمنوذجاً يرجتى‪ ،‬ومثاالً حيتذى‬
‫عند العقالء من بين البشر‪ ،‬وكان هذا التميز بسبب املنهج القومي الذي متثله اجملتمع اإلسالمي وأفراده‬
‫يف وضع أسسه وإرساء مبادئه‪ ،‬وذلك من خالل نصوص الكتاب الكرمي والسنة النبوية املطهرة اليت‬
‫أقرت وأوجبت تلك املبادع واألسس‪.‬‬

‫وملا كان يتعذر يف هذا املقام أن نذكر مسات اجملتمع اإلسالمي َجيعها‪ ،‬فإننا سنذكر منها ما‬
‫له صلة ابملوضوعات اليت نعرض هلا يف هذا املقرر‪ ،‬وهي السمات األربع األوىل منها ‪.‬‬

‫إن من أبرز مسات اجملتمع اإلسالمي أنه جمتمع‪:‬‬


‫(‪ )1‬ملتزم ابلشرع‪ )2( .‬جاد‪ )3( .‬متسامح‪ )4( .‬آمن‪ )5( .‬متناصح‪.‬‬
‫(‪ )8‬مطيع ألويل األمر‪.‬‬ ‫(‪ )6‬تسوده املساواة‪ )7( .‬مرتاحم‪.‬‬

‫السمة األول‪ :‬أنه جمتمع ملتزم ابلشرع‪:‬‬

‫نعين هبذه السمة‪ ،‬أن للمجتمع اإلسالمي مرجعيته العليا وهي الوحي بشقيه – الكتاب‬
‫والسنة – يرجع إليها اجملتمع يف كل تصرفاته‪ ،‬فهي اليت تدير شؤون أفراده وحتكم تصرفاهتم‪ ،‬وهذا من‬
‫اّللِ مومر ُسولِِه‬
‫ني إِ مذا ُدعُواْ إِ مىل َّ‬ ‫ِِ‬
‫مقتضيات االستخالف يف األرض‪ ،‬قال تعاىل‪  :‬إَِّمنما مكا من قم ْومل الْ ُم ْؤمن م‬
‫ك ُه ُم الْ ُم ْفلِ ُحو من ‪ ‬وقال سبحانه ‪  :‬موما كا من لِ ُم ْؤِم ٍن موال‬ ‫ِ‬
‫ليم ْح ُك مم بمْي نم ُه ْم أمن يم ُقولُواْ مِمس ْعنما موأمطم ْعنما موأُْولمئِ م‬
‫ضالالً‬ ‫ض َّل م‬ ‫اّللم مومر ُسولمهُ فم مق ْد م‬
‫ص َّ‬ ‫اخلِممريةُ ِم ْن أ ْمم ِرِه ْم مومم ْن يم ْع ِ‬
‫اّللُ مومر ُسولُهُ أ ْممراً أم ْن يم ُكو من مهلُُم ْ‬
‫ضى َّ‬ ‫ُم ْؤِمنم ٍة إِذا قم م‬
‫ُمبِيناً ‪.‬‬
‫إن االلتزام والقيام مبا أتمر به شريعة اجملتمع‪ ،‬هو اجلانب العملي يف العقيدة‪ ،‬هو دليل قوة‬
‫االستمساك ابلعقيدة‪ ،‬إذ العمل جزء من العقيدة مرتبط هبا‪ ،‬يعلو بعلوها وينحط ابحنطاطها‪ ،‬وهذا ما‬
‫جيعلنا نشدد على أن اجملتمع اإلسالمي جمتمع يقوم على أساس العقيدة‪ ،‬وأن أثرها فيه تفوق كل أثر‪،‬‬
‫وأهنا أكرب ميزة متيزه عن غريه من اجملتمعات‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫يعين هذا أن اجملتمع اإلسالمي حيتكم إىل قاعدة احلسن ما حسنه الشرع والقبيح ما قبحه‬
‫الشرع‪ ،‬فهو ملتزم التزاماً ال حتويل عنه وال تبديل ابألحكام الشرعية اليت تنظم تصرفات األفراد وشؤون‬
‫األسرة وأخالقيات اجملتمع‪ ،‬ويرى ذلك كله جزءاً من التزامه الديين وعبوديته ل تعاىل‪.‬‬

‫السمة الثانية أنه جمتمع جا ّد‪:‬‬


‫يف اجملتمع اإلسالمي مظاهر عدة تشهد على أنه جمتمع جاد ال مكان فيه لصغائر األمور‬
‫وسفاسفها‪ ،‬وميكن أن نعد احلرص على العلم النافع والسعي إىل العمل الصاحل‪ ،‬أبرز مظهرين يتضح‬
‫من خالهلما جدية هذا اجملتمع‪.‬‬

‫‪ -1‬املظهر األول‪ :‬العلم النافع‪:‬‬


‫إن العلم النافع هو كل علم حيقق مرضاة هللا تعاىل وجيلب النفع لعباده‪ ،‬فاجملتمع اإلسالمي‬
‫يرحب هبذا العلم ويهيئ املناخ املناسب له‪ ،‬ألنه الوسيلة الفاعلة لتحقيق مقاصد ثالثة حيرص اجملتمع‬
‫عليها وهي توجيه التفكري‪ ،‬وإصالح العمل‪ ،‬وإجياد الوازع النفسي‪.‬‬
‫إن اجملتمع اإلسالمي يرفض كل علم ال يكون وسيلة لتحقيق إحدى الغاايت السامية‬
‫للمجتمع‪ ،‬ويصنفه على أنه علم ال ينفع‪ ،‬وقد أرشدان النيب ‪ ‬إىل هذا الفهم حني استعاذ ‪ ‬من‬
‫هذا العلم‪ ،‬فكان يقول (اللهم إين أعوذ بك من علم ال ينفع)‪.‬‬

‫‪ -2‬املظهر الثاين‪ :‬العمل الصاحل‪:‬‬


‫يتبع العلم النافع العمل الصاحل إذ أهنما متالزمان‪ ،‬وال يتصور انفصاهلما‪ ،‬إذ ال يكون العمل‬
‫صاحلاً ما مل ينب على علم انفع‪ ،‬وهلذا قدَّم هللا تعاىل األمر ابلعلم على األمر ابلعمل يف قوله تعاىل‪ :‬‬
‫ك ولِْلم ْؤِمنِني والْم ْؤِمنم ِ‬‫اّلل و ْ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ات ‪ ‬وال قيمة لعلم انفع‪ ،‬ما مل يتبعه‬ ‫استم ْغف ْر ل مذنب م م ُ م م ُ‬ ‫اعلم ْم أمنَّهُ الم إلمهم إال َُّ م‬
‫فم ْ‬
‫اّللِ أمن تم ُقولُواْ‬ ‫عمل صاحل‪ ،‬فقد ذم هللا تعاىل هذا االنفصام النكد يف قوله سبحانه‪  :‬مك ُمرب مم ْقتاً ِع م‬
‫ند َّ‬
‫مما الم تم ْف معلُو من ‪. ‬‬

‫إن مفهوم العمل الصاحل‪ ،‬مرتبط مبفهوم العبادة كما يفهمها اجملتمع اإلسالمي‪ ،‬فدائرة العمل‬
‫الصاحل واسعة‪ ،‬فكل عمل يؤدي إىل مرضاة هللا وجيلب النفع إىل البشرية‪ ،‬فهو عمل صاحل يرحب به‬
‫اجملتمع اإلسالمي‪ ،‬ويفتح له أبوابه ويشجع عليه أصحابه‪ ،‬وليس من طبيعة اجملتمع اإلسالمي تصنيف‬
‫األعمال إىل رفيع ووضيع‪ ،‬وال التنفري من عمل قط ما دام صاحلاً وتدعو احلاجة إليه‪ ،‬يف الوقت نفسه‬
‫يضيِق اجملتمع اإلسالمي على األعمال العبثية بكل أنواعها‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫السمة الثالثة‪ :‬أنه جمتمع متسامح‪:‬‬


‫أصل السماحة‪ :‬السهولة يف املخالطة واملعاشرة‪ ،‬وهي لني يف الطبع يف مظان تكثر يف أمثاهلا الشدة‪.‬‬

‫إن السماحة صفة ابرزة من صفات اجملتمع اإلسالمي‪ ،‬ألهنا ظاهرة يف ثنااي اإلسالم كله‪،‬‬
‫ٍ‬
‫اضطَُّر مغ ْ مري ماب ٍغ موالم معاد فمال إِ ْمثم‬‫فاألحكام الشرعية مبنية عليها‪ ،‬فهذا قول هللا تعاىل ينطق هبا‪  :‬فم مم ِن ْ‬
‫معلمْيهِ ‪ ،‬وهللا تعاىل يصف رسوله ‪ ‬ابلسماحة ويوجهه للمداومة عليها‪ ،‬وذلك يف قوله تعاىل‪ :‬‬
‫ِ‬ ‫ت فمظاً مغلِي م‬ ‫فمبِما ر ْل ٍة ِمن َِّ ِ‬
‫ك ‪ ،‬و يتضح هذا يف‬ ‫ضواْ ِم ْن مح ْول م‬ ‫ظ الْ مق ْل ِ‬
‫ب المنْ مف ُّ‬ ‫نت مهلُْم مولم ْو ُكْن م‬
‫اّلل ل م‬ ‫م مم م‬
‫الس ْم محةُ "‪،‬‬‫اّللِ معَّز مو مج َّل؟ قال‪ ":‬احلمنِ ِيفيةُ َّ‬ ‫ب إِ مىل َّ‬‫مح ُ‬
‫ِ‬
‫األداين أ م‬
‫ِ‬
‫جواب النيب ‪ :‬حينما ُسئل ‪ ،‬أمي م‬
‫يعين ‪ :‬اليت ال حرج فيها وال تضييق‪.‬‬

‫وتظهر السماحة يف اجملتمع اإلسالمي جلية يف املواطن اليت يظن فيها ظهور ضدها كاالنفعال‬
‫واملشادة والغضب واألاننية‪ ،‬وذلك يف حاالت البيع والشراء واالختالط يف أماكن املنافع واالحتكاك‬
‫يف الطرق العامة‪ ،‬فإن أبناء اجملتمع اإلسالمي ميتثلون قول النيب ‪‬‬
‫ضى» فالسماحة مبفهومها الواسع‪ ،‬صفة‬ ‫ع‪ ،‬موإِ مذا ا ْش ممرتى‪ ،‬موإِ مذا اقْ تم م‬ ‫«رِح مم َّ‬
‫اّللُ مر ُجال مسمْ ًحا إِ مذا ماب م‬ ‫م‬
‫مصاحبة لتصرفات أفراد اجملتمع اإلسالمي‪ ،‬فهم بعيدون عن االنفعاالت‪ ،‬حذرون من املشاحنات‪،‬‬
‫معرضون عن التجاوزات‪ ،‬وهذا ما تقتضيه األخوة يف الدين‪.‬‬

‫وال يعين هذا أن السماحة حمصورة بني املسلمني فيما بينهم‪ ،‬فقد أمر هللا تعاىل هبا مع‬
‫املخالفني يف الدين‪ ،‬فأمر ابإلحسان إىل الوالدين الكافرين‪ ،‬وأذن سبحانه برب املخالفني ما مل يكونوا‬
‫حماربني‪ ،‬وأابح الزواج من نساء اليهود والنصارى‪ ،‬وأجاز املعامالت الدنيوية معهم‪ ،‬وهذه هي‬
‫السماحة بعينها‪ ،‬وهذا غري الوالء الذي ال يكون إالَّ ل ويف هللا‪.‬‬

‫وال يُ ْع مذر املسلم برتك السماحة واإلعراض عنها حبجة أن غريه ال يعىن هبا أو حبجة كثرة اهلموم‬
‫وضغط العمل وسوء األحوال‪ ،‬فإن هللا تعاىل وصف عباد الرلن بقوله ‪ ‬و ِعباد َّ َّ ِ‬
‫الر ْلم ِن الذ م‬
‫ين ميمْ ُشو من‬ ‫م مُ‬
‫ض هوانً وإِ مذا خاطمب هم اجل ِ‬
‫اهلُو من قمالُواْ مسالمماً ‪. ‬‬‫معلمى األ ْمر ِ م ْ م م م ُ ُ م‬

‫وسرية النيب ‪ ‬حافلة ابألحداث اليت تؤكد مساحته مع كل من تعامل معهم‪ ،‬فهذا أعراى‬
‫جيذب رسول هللا ‪ ‬من ثوبه حىت ترك أثراً يف عنقه وهو يقول له‪ :‬اعطين مما أعطاك هللا فإنك ال‬
‫تعطين من مالك وال من مال أبيك‪ ،‬فتبسم له النيب وأمر له بعطاء‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫كلما كان اجملتمع إىل اإلسالم أقرب كان ابب السماحة فيه أوسع وأرحب‪ ،‬فيحسن ابملرء أن‬
‫ص مربُواْ مومما يلقاها إِالَّ ذُو مح ٍظ‬ ‫جياهد نفسه لتصبح السماحةُ خلقاً الزماً له‪  :‬وما ي لمق ِ َّ ِ‬
‫َّاها إالَّ الذ م‬
‫ين م‬ ‫مم ُ م‬ ‫م‬
‫مع ِظي ٍم ‪. ‬‬

‫السمة الرابعة‪ :‬أنه جمتمع آمن‪:‬‬


‫يتصف اجملتمع اإلسالمي أبنه جمتمع آمن‪ ،‬واألمن مطلب رئيس للمجتمعات َجيعها‪،‬‬
‫بيد أن حصوهلا عليه ليس ابألمر اليسري‪ ،‬وإن الوقائع واألحداث من حولنا لتشهد هبذا‪.‬‬
‫ت‬‫اّللُ ممثمالً قم ْريمةً مكانم ْ‬
‫ب َّ‬‫ضمر م‬ ‫ومثة تالزم واضح بني األمن واإلميان‪ ،‬وبني الكفر واخلوف‪  :‬مو م‬
‫اخلو ِ‬
‫ف ِمبما‬ ‫اّللِ فمأمذماقمها َّ ِ‬
‫ت ِأبمنْعُ ِم َّ‬ ‫ِآمنمةً ُّمطْمئِنَّةً َيْتِيها ِرْزقُها ر مغداً ِمن ُك ِل م مك ٍ‬
‫وع مو ْمْ‬ ‫اجلُ ِ‬
‫اس ْ‬ ‫اّللُ لبم م‬ ‫م‬ ‫ان فم مك مفمر ْ‬ ‫م‬ ‫م م م م م‬
‫صنم عُو من ‪[ ‬سورة النحل آية‪.]112:‬‬ ‫مكانُواْ يم ْ‬
‫ملا كان اجملتمع اإلسالمي جمتمعاً مؤمناً ملتزماً‪ ،‬كان ابلضرورة آمناً‪ ،‬وحنسب أننا ال نبال عندما‬
‫نقول إن البشرية قلما شهدت جمتمعاً ساده األمن واألمان كاجملتمع اإلسالمي على مر العصور‪،‬‬
‫وحسبنا دليالً على هذا‪ ،‬تلك األرقام واإلحصاءات اليت تتحدث عن أعداد مذهلة وخميفة من جرائم‬
‫القتل والسرقة واالغتصاب‪ ،‬تشهدها الدول املتقدمة‪ ،‬واليت تصنف على أهنا دول العامل األول‪.‬‬

‫لقد حتققت صفة األمن هذه للمجتمع اإلسالمي بعدة طرق‪:‬‬


‫ين مآمنُوا مومملْ يمْلبِ ُسوا إِميم ماهنُْم‬ ‫َّ ِ‬
‫أوهلا‪ :‬عن طريق سالمة منهج الفرد‪ :‬واستقامة سلوكه‪ ،‬قال تعاىل‪  :‬الذ م‬
‫ك مهلُُم ْاأل ْمم ُن موُه ْم ُم ْهتم ُدو من‪ ،‬فإن األصل يف اإلنسان املسلم أنه‬ ‫بِظُْل ٍم أُولمئِ م‬
‫(ال حيتاج إىل رقابة القانون وسلطة الدولة لكي يرتدع عن اجلرائم‪ ،‬ألن رقابة اإلميان أقوى‪،‬‬
‫والوازع اإلمياين يف قلب املؤمن حارس يقظ‪ ،‬ال يفارق العبد املؤمن وال يتخلى عنه)‪.‬‬
‫وهذا ما تفتقده كافة اجملتمعات األخرى‪ ،‬مما جعل أمر احملافظة على أمنها عسرياً‪.‬‬

‫اثنيهما‪ :‬عن طريق اجملتمع‪ :‬فما اجملتمع اإلسالمي يف أصل تكوينه إالَّ عدد كبري من األسر اليت نشأت‬
‫على هدي من هللا تعاىل‪ ،‬فقامت بدورها املنوط هبا يف رعاية أفرادها وتوجيههم‪ ،‬ليكونوا‬
‫عناصر خري وحراس أمن يف اجملتمع‪.‬‬
‫يضاف إىل هذا‪ ،‬أن اجملتمع نفسه حتكمه ضوابط وتسود فيه روابط اجتماعية‪ ،‬منبعها‬
‫كلها اإلميان‪ ،‬وهي مبجموعها تزين ألبناء اجملتمع اخلري بكل أشكاله‪ ،‬وحتث عليه ابلرتغيب‪،‬‬
‫وتقبح الشر بكل صوره‪ ،‬وحتذر منه ابلرتهيب‪ ،‬وهذا كله ينتظم يف تشريع األمر ابملعروف‬
‫والنهي عن املنكر الذي امتاز به اجملتمع املسلم‪ ،‬والذي يُعد مبثابة السياج والعالج‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫إن اجملتمع اإلسالمي مبواصفاته املتميزة يرعى أبناءه‪ ،‬وحياصر فيهم نزعة التفرد والتمرد‪ ،‬ويعز يف‬
‫نفوسهم احرتام القيم اجلماعية‪ ،‬وهذا يسهم إىل حد بعيد يف توفري األمن هلذا اجملتمع‪.‬‬

‫اثلثها‪ :‬عن طريق العقوابت‪ :‬فهي موانع لفئة من الناس عن املساس أبمن اجملتمع‪،‬‬
‫فإن اإلسالم ال يركن يف هذا املقام إىل الوازع الفردي والرقابة اجلماعية فحسب‪ ،‬فحيث إن‬
‫بعض النفوس متيل إىل حب األذى والعدوان‪ ،‬والقوي ميال إىل النيل من الضعيف‪ ،‬فقد ال‬
‫تكفي واحلالة هذه صيحات التهذيب واإلصالح‪ ،‬وال آايت الوعيد أبليم العذاب يف اآلخرة‬
‫للمعتدين‪ ،‬قد ال يكفي هذا وال ذاك‪ ،‬فالبد من رادع مادي وعقاب عاجل‪ ،‬كي تنزجر هذه‬
‫الفئة‪ ،‬ويعيش اجملتمع آمناً‪.‬‬

‫ال خيفى أن املقصد األمسى لإلسالم هو إصالح الفرد واجملتمع‪ ،‬وقد بذل يف سبيل هذا‬
‫جهوداً كبرية‪ ،‬وقد آتت مثارها بفضل هللا‪ ،‬فكان من متام حكمة هللا ومن مظاهر رلته‪ ،‬أن يرعى هذا‬
‫اإلجناز العظيم‪ ،‬ويصونه من عبث العابثني‪ ،‬فكانت احلدود والعقوابت بعامة‪ ،‬رلة من هللا تعاىل‬
‫ابجملتمع‪.‬‬

‫إن الذين يعرتضون على هذه احلدود حبجة اإلشفاق على األفراد‪ ،‬هم يف حقيقة األمر يعتدون‬
‫على حقوق جمتمع أبكمله‪ ،‬فجرمهم هبذا املسلك‪ ،‬أشد وأقبح من جرم من ارتكب جرميته‪.‬‬

‫كما أن أولئك الذين يرون أن بعض العقوابت قاسية‪ ،‬تعذر عليهم – جلهلهم ‪ -‬أن يتصوروا‬
‫قساوة اجلرمية اليت قام هبا من استحق هذه العقوبة‪ ،‬إذ لو مل تكن العقوبة مبستوى اجلرمية‪ ،‬ملا كانت‬
‫هذه العقوبة رادعة‪.‬‬

‫لقد غاب عن هؤالء الذين يعرتضون على العقوابت الشرعية‪ ،‬أن حياة اجملتمع وأمنه‪ ،‬منوطة‬
‫ُويل األملْب ِ‬ ‫ِ‬
‫اب ‪،‬‬ ‫اص محيماة اي أ ِ م‬ ‫هبا‪ ،‬وقد أابن القرآن الكرمي عن هذا املعىن بقوله تعاىل‪  :‬مولم ُك ْم ِيف الْق م‬
‫ص ِ‬
‫إن التهديد بقتل من يقتل‪ ،‬أو تنفيذ حكم القصاص فيه‪ ،‬كفيل أبن حيول بني عشرات جرائم القتل‬
‫اليت كانت قد حتدث لوال اخلوف من القصاص‪ ،‬وإن الوقائع واألحداث‪ ،‬شاهدة على هذا‪.‬‬

‫إن العقوابت اليت شرعها هللا تعاىل بشروط وضوابط هي غاية يف االحتياط تعد رلة من هللا‬
‫تعاىل‪ ،‬ألهنا حتفظ على اجملتمع أمنه‪ ،‬وجتعله متميزاً بني اجملتمعات األخرى هبذه السمة‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫احملاضرة الرابعة‬
‫أسباب ووسائل تقوية الروابط االجتماعية‬

‫سبق احلديث عن الروابط االجتماعية ابعتبارها واحدة من األسس اليت يبىن عليها اجملتمع‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وقد حرص الشارع احلكيم على هذه الروابط بتعاهد الفراسة ومداومة احلراسة‪ ،‬حىت ال‬
‫خيبو نورها‪ ،‬وال يضعف دورها‪ ،‬ذلك أنه على الرغم من أن اإلنسان اجتماعي بطبعه‪َ ،‬يلف ويؤلف‪،‬‬
‫وحيرص على لقاء اآلخرين‪ ،‬ويغشى جتمعاهتم‪ ،‬إال أن اإلسالم مل يركن إىل هذا الدافع الذايت وحده‪،‬‬
‫ألن يف اإلنسان ضعفاً ينسيه وميالً إىل شغل يلهيه‪.‬‬

‫وتعد العبادات بعامة‪ ،‬أبرز الوسائل اليت تعني على تقوية الروابط االجتماعية بني أبناء اجملتمع‬
‫الواحد‪ ،‬فاالجتماع ظاهر يف الصلوات كلها‪ ،‬ويف الزكاة تعامل مع مثانية أصناف من أبناء اجملتمع‪،‬‬
‫ويظهر معىن اجلماعة جلياً يف الصوم حني ميسك أبناء اجملتمع الواحد يف وقت واحد‪ ،‬ويفطرون يف‬
‫وقت واحد‪ ،‬كذلك احلج مؤمتر جامع للمسلمني يربز فيه مفهوم األمة الواحدة‪.‬‬
‫يضاف إىل هذا تشريعات وأحكام تتصل ابلواجبات االجتماعية واألخالق الفاضلة‪ ،‬كانت‬
‫كلها أسباابً لتقوية الروابط االجتماعية‪ .‬ومنها‪.‬‬

‫‪1‬ـ تشريع صالة اجلماعة واجلمعة والعيدين واجلنازة‪.‬‬

‫‪2‬ـ تشريع اإلسالم للواجبات االجتماعية اخلاصة‪.‬‬

‫‪3‬ـ دعوة اإلسالم إل أسباب التآلف االجتماعي العامة‪.‬‬

‫‪4‬ـ دعوة اإلسالم إل األخالق الفاضلة‪.‬‬

‫‪5‬ـ تشريع اإلسالم للتكافل االجتماعي‪.‬‬

‫‪6‬ـ دعوة اإلسالم إل احلوار واجلدال ابليت هي أحسن‪.‬‬

‫وإليك القول ابلتفصيل عن ثالثة من هذه األسباب ‪:‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫‪ 1‬ـ تشريع صالة اجلماعة واجلمعة والعيدين واجلنازة‪:‬‬


‫أوالً‪ :‬صالة اجلماعة‪:‬‬
‫فرض هللا تعاىل على أبناء اجملتمع املسلم مخس صلوات يف اليوم والليلة‪ ،‬ووجه سبحانه إىل أن‬
‫نصلي يف املساجد َجاعة بغية أن يلتقي املسلمون حتت سقف واحد يف صفوف مرتاصة ليكون هذا‬
‫إشعاراً هلم أبهنم كاجلسد الواحد وكالبنيان يشد بعضه بعضاً‪.‬‬
‫فالصالة هي الصالة فرداً كانت أو َجاعة أبركاهنا وواجباهتا‪ ،‬بيد أن فضل التجمع ورغبة‬
‫اإلسالم يف استمراره‪ ،‬جعل صالة اجلماعة أفضل بسبع وعشرين درجة‪.‬‬

‫إن هذا تفاضل كبري حري ابملسلم أن يستحضره عند كل فرض‪ ،‬وأن يستحضر الغرض األمسى‬
‫الذي من أجله أقر الشارع احلكيم هذا التفاضل‪ ،‬وما حيمل يف ثناايه من ثواب عظيم‪.‬‬

‫وتزداد حكمة الشارع وضوحاً يف هذا املقام‪ ،‬حني نرى النيب يشتد غضبه على أولئك الذين‬
‫مييلون إىل االنفراد‪ ،‬وال يستشعرون معىن أن يكون الواحد جزءاً من اجلماعة‪ ،‬حني يؤدون الصالة‬
‫هم حراق بيوهتم عليهم حني قال ‪:‬‬ ‫املكتوبة فرادى يف بيوهتم‪ ،‬وقد بل الغضب ابلنيب مبلغه حني َّ‬
‫" والذي نفسي بيده لقد مهمت أن آمر حبطب فيحطب مث آمر ابلصالة فيؤذن هلا مث آمر رجالً فيؤم‬
‫الناس مث أخالف إىل رجال فأحرق عليهم بيوهتم"‪.‬‬

‫اثنياً‪ :‬صالة اجلمعة‪:‬‬


‫أوجب الشارع احلكيم صالة اجلمعة على الرجال األحرار املقيمني‪ ،‬ورغب يف حضورها ملن‬
‫سواهم من النساء واألطفال‪ ،‬ومن احلكم اإلهلية يف تشريع هذه الصالة األسبوعية ‪ :‬أن احلاجة تدعو‬
‫أن ينتظم أبناء اجملتمع الواحد يف لقاء أسبوعي‪ ،‬ال يؤذن ابلتخلف عنه إال لصاحب عذر شرعي‪ ،‬قال‬
‫الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪( :‬لينتهني أقوام عن ودعهم اجلُ ُمعات أو ليختمن هللا على قلوهبم‪ ،‬مث‬
‫ليكونن من الغافلني)‪.‬‬

‫إن صالة اجلمعة مؤمتر أسبوعي اجتماعي يتحقق من خالله منافع عدة‪ ،‬يستمع فيه املصلون‬
‫إىل توجيهات ومواعظ ترشدهم إىل اخلري‪ِ ،‬‬
‫وتقوم سلوكهم‪ ،‬وتعاجل مشاكلهم االجتماعية‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫اثلثاً‪ :‬صالة العيدين‪:‬‬


‫شرع النيب ‪ ‬يف هذين اليومني‪ ،‬صالة هي صالة العيدين‪ ،‬لتكون لقاءً عاماً للمسلمني َجيعاً‪،‬‬
‫ومؤمتراً اجتماعياً نصف سنوي ألبناء اجملتمع اإلسالمي كافة‪.‬‬
‫لقد كان من هديه ‪ ‬أن خيرج لصالة العيد يف مكان عام ومكشوف‪ ،‬وخيرج معه املسلمون‬
‫َجيعاً مبا فيهم النساء بال استثناء‪ ،‬فعن أم عطية رضي هللا عنها قالت‪( :‬أمران رسول هللا أن خنرجهن يف‬
‫الفطر واألضحى‪ :‬العواتق واحليض وذوات اخلدور‪)...‬‬
‫ففي هذا احلديث من الدالالت ما يؤكد حرصه على أن يشارك أبناء اجملتمع اإلسالمي َجيعاً‬
‫يف هذا االحتفال العام‪ ،‬إلبراز مفهوم األمة الواحدة‪ ،‬كما تظهر من احلديث‪ ،‬الدعوة إىل التكافل‬
‫االجتماعي يف هذا اليوم ليفرح اجلميع‪.‬‬
‫إن صالة العيد تعد ميزة من ميزات اجملتمع اإلسالمي‪ ،‬وتؤكد ترابطه وانسجام أفراده بعضهم مع‬
‫بعض‪ ،‬وهي حبق عيد هلذه األمة كما قال النيب صلى هللا عليه وسلم ألى بكر رضي هللا عنه‪( :‬اي أاب‬
‫بكر إن لكل قوم عيداً وهذا عيدان)‪.‬‬
‫ومما يؤكد الغرض االجتماعي من صالة العيد‪ ،‬أنه يسن الذهاب إىل الصالة من طريق والرجوع‬
‫منها من طريق آخر‪ ،‬كما كان يفعل الرسول لتتاح الفرصة للقاء أكرب عدد من املسلمني‪ ،‬لتبادل‬
‫التهنئة معهم كما كان يفعل أصحاب النيب‪.‬‬
‫كل ذلك جيعل صالة العيدين وسيلة فعالة يف تقوية الروابط االجتماعية بني أفراد اجملتمع‬
‫املسلم‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬صالة اجلنازة‪:‬‬


‫من أسباب تقوية الروابط االجتماعية بني أفراد اجملتمع املسلم‪ ،‬أن يشارك بعضهم بعضاً يف‬
‫أفراحهم وأحزاهنم‪ ،‬وأن يستشعر كل واحد منهم أن لكل فرد يف هذا اجملتمع حقاً عليه‪ ،‬حياً كان أو‬
‫ميتاً‪.‬‬
‫على هدي من هذه املعاين النبيلة‪ ،‬شرع اإلسالم صالة اجلنازة‪ ،‬وجعلها فرض كفاية على‬
‫اجملتمع‪ ،‬وقد رغب الرسول فيها كثرياً‪ ،‬ومبا يتبعها من مشي إىل املقربة‪ ،‬ومشاركة يف دفن امليت‪،‬‬
‫واستغفار له‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫إن الصالة على امليت‪ ،‬واملشاركة يف دفنه بغض النظر عن مدى صلته ومعرفته ابمليت وأهله‬
‫مسلك ليد يسهم يف تقوية الروابط االجتماعية بني أفراد اجملتمع الواحد‪ ،‬خباصة يف مثل هذه‬
‫الظروف اليت يكون فيها أهل امليت يف أمس احلاجة إىل املواساة‪ ،‬والوقوف إىل جانبهم لتخفيف‬
‫مصاهبم‪ ،‬كما يشعر املشيعون أهنم جتمعوا لوداع أخ هلم كان جزءاً من جمتمعهم‪ ،‬يدعون له ويستغفرون‬
‫له‪ ،‬يفعلون هذا وهم يستحضرون أن كل واحد منهم سوف حيظى هبذه العناية عند موته من أبناء‬
‫جمتمعه‪.‬‬

‫‪2‬ـ تشريع اإلسالم للواجبات االجتماعية اخلاصة تقوية الروابط االجتماعية‪:‬‬


‫عمل اإلسالم على تقوية الروابط االجتماعية بتشريع العديد من الواجبات اخلاصة يف دائرة‬
‫اإلنسان احمليطة به مباشرة‪ ،‬ومن ذلك ما يلي‪:‬‬

‫أوالً ـ بر الوالدين وطاعتهما‪:‬‬


‫فرض عني على كل‬ ‫جعل اإلس الم َّبر الوالدي ن قوالً وفعالً وخاصة األم لضعفها ووفرة عاطفتها م‬
‫ابن وابنة؛ ألن األبوين سبب يف وجود الولد‪ ،‬فقد حتمال العبء الكبري والشيء الكثري يف رعايته‬
‫ك أمالَّ تم ْعبُ ُدواْ إِالَّ إِ َّايهُ موِابلْ موالِ مديْ ِن إِ ْح مساانً إِ َّما يمْب لُغم َّن ِع م‬
‫ند مك الْ ِك ممرب‬ ‫ضى مربُّ م‬
‫وتربيته‪ ،‬قال هللا تعاىل‪  :‬موقم م‬
‫الذ ِل ِم من‬ ‫ُف والم تم ْن هرُمها وقُل َّهلما قموالً مك ِرمياً و ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اح ُّ‬‫ض مهلُمما مجنم م‬ ‫اخف ْ‬ ‫م ْ‬ ‫مح ُد ُمهما أ ْمو كالم ُمهما فمالم تم ُقل َّهلُممآ أ م م ْ م م ُم ْ‬ ‫أم‬
‫صغِرياً ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫الر ْلمة موقُل َّرب ْار ملْ ُه مما مك مما مربَّيم ِاين م‬

‫وقد ذهب كثري من العلماء إىل أن فعل املباح ينقلب إىل واجب إذا أمر به أحد الوالدين أو‬
‫كالمها‪ ،‬وأنه ال جيوز لالبن أن يسافر يف مباح إال ذن والديه‪.‬‬

‫وهكذا يكون بر الوالدين واإلحسان إليهما من أسباب الرتابط يف بيئة اإلنسان اخلاصة‬
‫احمليطة به‪ ،‬وهو ال تزال آاثره مشهودة يف اجملتمع اإلسالمي‪ ،‬بينما تفتقدها اجملتمعات الغربية كما‬
‫هو مشاهد‪ ،‬حيث يهجر األبناء آابءهم وال يسألون عنهم‪ ،‬ورمبا مرت الشهور وهم ال يعرفون‬
‫شيئا عن أخبارهم وأحواهلم‪ ،‬وما إذا كانوا يف مرض أو عجز أو حاجة إىل إعانة‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫اثنياً ـ صلة األرحام واإلحسان إليهم‪:‬‬


‫األرحام هم‪ :‬أقارب اإلنسان من جهة أبيه أو أمه‪ ،‬كأعمامه وعماته وأخواله وخاالته وأبنائهم‬
‫َجيعا‪ .‬وقد أوجب هللا تعاىل َّبرهم وحبَّهم والتعاطف معهم‪ ،‬ودعا إىل صلتهم ابلكلمة الطيبة واهلدااي‪،‬‬
‫حرم إيذاءهم وهنى عن جمافاهتم ولو كانوا‬ ‫وإمدادهم أبنواع اخلري واملعروف‪ ،‬ومواساهتم يف ُك ُرابهتم‪ ،‬كما َّ‬
‫ض موتُ مق ِطعُواْ أ ْمر مح مام ُك ْم‬
‫غري مسلمني‪ ،‬قال هللا تعاىل‪  :‬فم مه ْل مع مسْي تُ ْم إِن تم مولَّْي تُ ْم أمن تُ ْف ِس ُدواْ ِيف األ ْمر ِ‬
‫ص مارُه ْم ‪.‬‬ ‫أمولمئِ َّ ِ‬
‫مص َّم ُه ْم موأ ْمع ممى أمبْ م‬
‫اّللُ فمأ م‬
‫ين لم معنم ُه ُم َّ‬
‫ك الذ م‬‫ْ م‬
‫إن صلة األرحام تعود على فاعلها ابخلري العميم يف املال والعمر والعافية‪ ،‬ففي احلديث‬
‫فليص ْل ِرلمه "‪ .‬ويف املقابل جند أن‬ ‫الشريف‪ " :‬من أحب أن يبسط له يف رزقه‪ ،‬وينسأم له يف أث ِره‪ِ ،‬‬
‫ُم‬ ‫ُم‬
‫قطيعة الرحم شؤم على صاحبها‪ ،‬فهي تبعده عن رلة هللا تعاىل‪ ،‬وحترمه من نعيم الدنيا واآلخرة‪ ،‬ففي‬
‫احلديث الشريف‪ " :‬ال يدخل اجلنة قاطع رحم "‪.‬‬
‫وإذا كانت ص لة األرحام تتضمن عل ى هذه املناف ع العديدة‪ ،‬فهي تعترب حبق سبباً من أسباب‬
‫التآلف والرتابط االجتماعي اليت عين هبا اإلسالم وأوالها رعايته واهتمامه‪.‬‬

‫اثلثاً ـ اإلحسان إل اجلريان وجتنب إيذائهم‪:‬‬


‫اجلريان هم‪ :‬من يساكنوننا يف احلي‪ ،‬ولو كان وا على بُ ْع ِد أربعني داراً كما ورد عن عائشة رضي‬
‫هللا عنها‪ ،‬وكما أن اجلار يكون يف السكن فقد يكون يف العمل‪.‬‬

‫واجلريان على ثالث درجات كما تدل عليه النصوص الشرعية العامة‪ :‬جار له حق واحد‪ ،‬وهو‬
‫اجلار الكافر‪ ،‬له حق اجلوار‪ ،‬وجار له حقان‪ ،‬وهو اجلار املسلم‪ ،‬له حق اجلوار وحق اإلسالم‪ ،‬وجار‬
‫له ثالثة حقوق‪ ،‬وهو اجلار املسلم ذو الرحم‪ ،‬له حق اجلوار وحق اإلسالم وحق الرحم‪.‬‬

‫وقد دعا اإلسالم إىل إكرام اجلار يف سبيل زايدة التآلف االجتماعي‪ ،‬وأوجب له حقوقا كثرية‪،‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬االبتداء ابلسالم‪ ،‬وإظهار السرور معه‪ ،‬وغض البصر عن حرماته‪ ،‬والتلطف مع أوالده‪،‬‬
‫وحفظه يف غيبته‪ ،‬والصرب عليه‪ ،‬وسرت زالته وما انكشف من عوراته‪ ،‬ومشاركته أفراحه‪ ،‬ومواساته يف‬
‫مصيبته‪ ،‬وداللته على اخلري واملعروف‪ ،‬وبذل ذلك له‪ .‬واألصل يف هذه احلقوق حديث‪ " :‬من كان‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫يؤمن ابل واليوم اآلخر‪ ،‬فليُكرم جاره "‪ .‬ويف حديث آخر‪ " :‬ما زال جربيل يوصيين ابجلار حىت‬
‫ظننت أنه ِ‬
‫سيورثه "‪.‬‬
‫ولعل هذه املعاين تشمل تعاون اجلريان فيما بينهم على رعاية احلي الذي يسكنون فيه‪ ،‬واالرتقاء‬
‫به‪ ،‬وتنمية مرافقه‪ ،‬مبا يعود عليهم وعلى حيهم ابخلري‪.‬‬
‫وإذا قام كل إنسان حبقوق جريانه‪ ،‬أصبح أفراد اجملتمع َجيعا متحابني متعاضدين؛ ألهنم َجيعا‬
‫جريان‪ ،‬سواء يف السكن أو يف العمل واألسواق أو يف املزارع‪.‬‬

‫‪3‬ـ دعوة اإلسالم إل أسباب التآلف االجتماعي العام تقوية للروابط االجتماعية‪:‬‬
‫حيتاج اإلنسان يف أي عصر من العصور‪ ،‬إىل أن يعيش حياته االجتماعية العامة يف وفاق‬
‫وآتلف وتعاون مع اآلخرين‪ ،‬وقد حرصت الشريعة اإلسالمية على تشريع الكثري من احلقوق للمسلم‬
‫على أخيه املسلم‪ ،‬ال يسعه التساهل فيها أو تركها‪ ،‬ومن ذلك ما يلي‪:‬‬

‫أوالًـ إفشاء السالم‪:‬‬


‫مبعىن ‪ :‬نشره وتعميمه على الناس ابلصيغة املأثورة‪( :‬السالم عليكم)‪ .‬والبدء ابلسالم سنة من‬
‫ممهدة لتعارف الناس بعضهم على‬ ‫سنن اإلسالم‪ ،‬واحلكمة منه‪ :‬بذل األمان للمسلَّم عليه‪ ،‬وهو وسيلة ِ‬
‫م‬
‫بعض‪ ،‬قال رسول هللا‪ " :‬ال تدخلون اجلنة حىت تؤمنوا‪ ،‬وال تؤمنوا حىت حتابُّوا‪ ،‬أمموال أدلُّكم عل ى‬
‫شيء إذا فعلتموه حتاببتم؟‪ .‬أفشوا السالم بينكم "‪.‬‬

‫وقد أكد اإلسالم على ابتداء اآلخرين ابلسالم ومصافحتهم إن أمكن ذلك؛ ملا فيه من تعميق‬
‫معاين املودة والتآلف‪ ،‬والفوز مبغفرة هللا تعاىل‪ ،‬ففي احلديث الشريف‪ " :‬ما من مسلمني يلتقيان‬
‫فيتصافحان إال غُ ِفر هلما قبل أن يفرتقا "‪.‬‬

‫أما رد السالم‪ :‬فهو واجب ديين ابتفاق الفقهاء‪َ ،‬يمث اتركه وحياسب عليه‪ ،‬قال هللا تعاىل‪:‬‬
‫اّللم مكا من معلمى ُك ِل مش ْي ٍء مح ِسيباً ‪.‬‬
‫وها إِ َّن َّ‬ ‫ٍِ‬
‫‪ ‬موإِذما ُحيِيتُم بِتمحيَّة فم محيُّواْ ِأب ْ‬
‫مح مس من منها أ ْمو ُرُّد م‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫حمرم وهو يدل على‬


‫وفضالً عن هذا‪ ،‬فإن عدم املباالة برد السالم‪ ،‬سلوك اجتماعي شاذ‪ ،‬بل َّ‬
‫اضطراب يف املزاج وجفاء يف الطبع‪ ،‬ومن أجل تاليف ذلك‪ ،‬شرع اإلسالم إفشاء السالم وأوجب رده؛‬
‫ملا فيه من تقوية للتآلف االجتماعي العام ونشر للمودة بني الناس‪.‬‬

‫اثنياًـ توقري الكبار والعطف على الصغار‪:‬‬


‫عد هذا‬‫ليس من دين وال نظام حث على توقري الكبار‪ ،‬ورلة الصغار‪ ،‬كما فعل اإلسالم‪ ،‬فقد َّ‬
‫صغريان ويوقِر‬
‫طاعة يتقرب هبا اإلنس ان إىل خالقه‪ ،‬ففي احلديث الشريف‪ " :‬ليس منا من مل يرحم م‬
‫كبريان "‪.‬‬
‫وكان النيب ‪ ‬يتلطف ابلصغار ويداعبهم؛ ملا يف ذلك من إدخال السرور عليهم وعلى أهليهم‪،‬‬
‫ِ‬
‫وتقوية آتلفهم االجتماعي‪.‬‬

‫اثلثاًـ أسباب أخرى ِّّ‬


‫تقوي التآلف االجتماعي‪:‬‬
‫شرع اإلسالم العديد من األسباب األخرى يف التآلف االجتماعي‪ ،‬وجعلها من احلقوق الثابتة‬
‫للمسلم على املسلم‪ ،‬حبيث ال يسعه تركها من غري عذر‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬الدعاء له‪ ،‬وإجابة دعوته‪،‬‬
‫وبر قسمه‪ ،‬وسرت عثراته‪ ،‬والصفح عنه‪،‬‬
‫وتبادل الزايرة معه‪ ،‬وتشميته إذا عطس‪ ،‬وعيادته إذا مرض‪ُّ ،‬‬
‫وإسداء النصيحة له‪ ،‬وإيثاره على النفس‪ ،‬وصدقه يف احلديث‪ ،‬والذب عنه يف غيبته‪ ،‬وأن حتب له ما‬
‫حتب لنفسك‪ ،‬وأن يكون قلبك سليماً عليه‪ ،‬وأن تشهد جنازته إذا مات‪ .‬واألصل يف هذا حديث‪" :‬‬
‫حق املسلم على املسلم مخس‪ :‬رد السالم‪ ،‬وعيادة املريض‪ ،‬واتِباع اجلنائز‪ ،‬وإجابة الدعوة‪ ،‬وتشميت‬
‫ُّ‬
‫العاطس "‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬ومن أسباب التآلف االجتماعي اليت شرعها اإلسالم‪ :‬التزاور فيما بني اجلريان واألصدقاء‪،‬‬
‫وكفالة اليتيم‪ ،‬واإلحس ان إىل األرملة واملس كني‪ ...‬وغري ذلك‪.‬‬

‫‪4‬ـ دعوة اإلسالم إل األخالق الفاضلة تقوية للروابط االجتماعية‪:‬‬


‫تصور‪ ،‬وقد بل من عنايته هبا أن جعل حتقيقها من‬
‫اهتم اإلس الم ابألخالق اهتماماً فاق كل ُّ‬
‫غاايت البعثة النبوية‪ " :‬إمنا بُعثت ألمتِم مكارم األخالق "‪ .‬وهي أيضا من أهداف دعوة النبيني‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫أَجعني‪ ،‬بل لقد كثرت توصيات الرسول ‪ ‬هبا يف كل زمان ومكان حىت قال‪ " :‬ما من شيء أثقل‬
‫الفاحش البذيء "‪.‬‬
‫م‬ ‫يف ميزان املؤمن يوم القيامة من خلق حسن‪ ،‬وإن هللا تعاىل ليُبغِض‬

‫هذا‪ ،‬وليس اخللق املطلوب يف اإلسالم جمرد معرفة أن الصدق فضيلة‪ ،‬والكذب رذيلة‪ ،‬وأن‬
‫اإلخالص مسو‪ ،‬واخلداع احنطاط‪ ،‬وال جمرد احلديث فيما بني الناس عن ذلك‪ ،‬إمنا اخللق هو تفاعل‬
‫النفس وأتثرها مبا ينبغي أن تكون عليه‪ ،‬وتتَّصف به من مكارم األخالق ابتغاء رضوان هللا تعاىل‪ ،‬وما‬
‫ينبغي أن هتجره وترتكه من ذميم األخالق وفاسدها ابتغاء رضوان هللا أيضاً؛ ألن إصالح الباطن‬
‫حقيقة هو أساس لكل إصالح ظاهري‪ ،‬وإن األخالق الكرمية هي الشجرة الطيبة اليت تؤيت أكلها كل‬
‫حني ذن رهبا ومن أجله‪ ،‬ال من أجل األعراف والعادات واألنظمة‪.‬‬

‫أصناف األخالق‪:‬‬
‫صنف بعض الباحثني املعاصرين األخالق يف مخسة أقسام على النحو التايل‪:‬‬
‫‪ 1‬األخالق الفردية‪ :‬كالصرب‪ ،‬والعفة‪ ،‬وضبط النفس‪...‬‬
‫‪ 2‬األخالق األسرية‪ِ :‬‬
‫كرب الوالدين‪ ،‬واإلحسان للزوجة‪ ،‬وصلة األرحام‪...‬‬
‫‪ 3‬األخالق االجتماعية‪ :‬كإفشاء السالم‪ ،‬وعيادة املريض‪ ،‬والوفاء ابلعهد‪ ،‬واجلد يف العمل‪،‬‬
‫واإلصالح بني املتخاصمني‪ ،‬وإماطة األذى عن الطريق‪...‬‬
‫‪ 4‬األخالق املتصلة حبق هللا تعال‪ :‬كالصدق مع هللا تعاىل‪ ،‬والقيام حبقوقه‪ ،‬وشكره على‬
‫نعمه‪ ،‬ومناصرة دينه‪ ،‬وحسن التوكل عليه‪...‬‬
‫‪ 5‬أخالق الدولة‪ :‬كالرفق ابلرعية‪ ،‬والعمل ابلشورى‪ ،‬ولاية النفوس واألعراض واألموال‪،‬‬
‫وحت ِري املصاحل العامة‪ ،‬والوفاء ابملعاهدات‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬ومن املكارم األخالقية املهمة اليت دعا إليها اإلسالم ما يلي‪:‬‬

‫أوال ـ الصدق‪:‬‬
‫هو التزام احلقيقة دائما‪ ،‬ظاهراً وابطناً‪ ،‬يف األقوال واألفعال‪ ،‬ويف احلديث الشريف‪ " :‬إن‬
‫الرب‪ ،‬وإن الرب يهدي إىل اجلنة‪ ،‬وإن الرجل ليصدق حىت يكون ِص ِديقاً‪ ،‬وإن‬
‫الصدق يهدي إىل ِ ِ‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫الكذب يهدي إىل الفجور‪ ،‬وإن الفجور يهدي إىل النار‪ ،‬وإن الرجل ليكذب حىت يُكتمب عند هللا‬
‫كذاابً "‪.‬‬

‫وال خيفى أن للصدق مظاهر يتجلى فيها‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬الصدق يف املعاملة‪ ،‬والعمل‪ ،‬واحلديث‪،‬‬
‫والوعد‪ِ ،‬‬
‫ورد األمانة‪ ،‬قال النيب ‪ " :‬آية املنافق ثالث‪ :‬إذا حدَّث كذب‪ ،‬وإذا وعد أخلف‪ ،‬وإذا‬
‫اؤمتن خان"‪.‬‬
‫شر الناس ذا الوجهني‪،‬‬
‫ومنها أيضاً‪ :‬صدق احلال والسريرة مع الناس‪ ،‬قال النيب ‪ ":‬جتدون َّ‬
‫الذي َييت هؤالء بوج ه وهؤالء بوجه "‪ .‬وهذا ما يسمى اليوم‪ :‬النفاق االجتماعي‪ ،‬وهو من أخطر‬
‫األمور على مسرية أي جمتمع وهنضته‪.‬‬

‫اثنياً ‪ :‬احلياء‬
‫عد الرسول ‪ " :‬احلياء شعبة من اإلميان "‪ ،‬وهو قِوام حياة اإلنسان السوي؛ ويبعث على‬ ‫َّ‬
‫الفضائل واخلريات‪ ،‬ويصرف عن املعاصي واملنكرات‪ ،‬سواء فيما يتعلق حبقوق هللا تعاىل أو حبقوق‬
‫الناس‪ ،‬فإذا ختلق به املرء‪ ،‬أحبه هللا وكتب له احملبة عند الناس‪.‬‬

‫أما نقيض احلياء‪ :‬فهو الوقاحة والب مذاء يف القول أو الفعل‪ ،‬وهي من صفات أهل النار‪ " :‬احلياء‬
‫من اإلميان‪ ،‬واإلميان يف اجلن ة‪ ،‬والبذاء م ن اجلفاء‪ ،‬واجلفاء يف النار "‪ .‬ومن املالحظ أن الناس جبلوا‬
‫على حب احليي اللطيف‪ ،‬وكراهة البذيء الفاحش‪.‬‬
‫اثلثاً ‪ :‬البشاشة وطالقة الوجه‪.‬‬
‫هي من الصفات اليت تدل على حسن يف اخللق‪ ،‬واعتدال يف املزاج‪ ،‬وسالمة يف الصحة‬
‫النفسية‪ ،‬كما أهنا من أهم األسباب اليت تقربك من الناس‪ ،‬وتوثِق عالقتك هبم‪ ،‬وتكسبك حمبتهم‬
‫وثقتهم‪ ،‬ويف احلديث‪ " :‬كل معروف صدقة‪َّ ،‬‬
‫وإن من املعروف أن تلقى أخاك بوجه طمْلق "‪.‬‬

‫أما صاحب الوجه العبوس واجلبني امل مق ِطب فغالبا ما يعيش يف حالة من االكتئاب واهلموم اليت‬
‫ُ‬
‫ال هناية هلا‪ ،‬وهو ال يُبقي له على صديق؛ لسوء خلقه وكثرة شروره‪ ،‬فيتحاشاه الناس ويستعيذون منه‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫رابعاً ‪ :‬املداراة والتلطُّ ُ‬


‫ف ابآلخرين‪.‬‬
‫املداراة هي‪ :‬التلطف ابإلنسان للحد من ضرره‪ ،‬وهي غري النفاق واملداهنة بقصد إقرار اإلنسان‬
‫على ابطله‪ .‬والغاية منها‪ :‬جتنُّب إاثرة اخلالف مع اآلخرين للوصول هبم إىل احلق‪ ،‬وهي تدل على‬
‫كمال يف العقل وحسن يف اخللق‪.‬‬
‫وس مع ِة احلِل ِم‪ ،‬ألن النفوس غالباً ما تشمئز ممن يعاكس مرادها‬ ‫ِ‬
‫واملداراة عالمة على بُ ْعد النظم ٍر‪ ،‬م‬
‫متتص االنفعال والنفور‪.‬‬
‫ويستفزها‪ ،‬واملداراة توقف ذلك‪ ،‬و ُّ‬
‫امل مج ْذب وكسب لآلخرين‪ ،‬حتبب صاحبها‬ ‫إن املداراة ودماثة اخللق والتلطف ابلناس‪ ،‬عو م‬
‫إليهم فيثقون به‪ ،‬ويعتمدون عليه‪ ،‬ويراتحون إليه‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬أخالق أخرى دعا إليها اإلسالم‪ ،‬وأخالق حذر منها‪:‬‬


‫هناك قيم إنسانية وأخالق فاضلة أخرى ال تقل أمهية عما سبق بيانه دعا إليها اإلسالم‬
‫أيضاً‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬طيب الكالم‪ ،‬والتواضع‪ ،‬واألمانة‪ ،‬واحللم‪ ،‬والكرم‪ ،‬والعدل‪ ،‬واإلحسان‪ ،‬واإليثار‪،‬‬
‫وبذل اجلاه واملعروف لآلخرين‪ ،‬وإغاثة امللهوف‪،‬‬ ‫وترك املراء و ِ‬
‫اجلدال‪ ،‬والقناعةُ‪ُ ،‬‬ ‫ومواساة اآلخرين‪ُ ،‬‬
‫واإلصالح بني الناس‪ ،‬واألمر بكل خري وبر‪ ،‬والنهي عن كل إمث ٍ‬
‫وشر‪...‬‬
‫ويف مقابل ذلك حذر اإلسالم وهنى عن كل خلق لئيم سيئ‪ ،‬يسخط هللا تعاىل‪ ،‬وجيلب الشرور‬
‫واآلاثم على صاحبه‪ ،‬ويضر ابجملتمع‪ ،‬ويفقده األمان واالستقرار‪ ،‬ويفسد احلياة العامة‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫الك ْرب‪ ،‬والتجسس على الناس‪ ،‬وسوء الظن هبم‪ ،‬والنميمة‪،‬‬‫السرقة‪ ،‬والزىن‪ ،‬والرشوة‪ ،‬واخليانة‪ ،‬والشح‪ ،‬و ِ‬
‫وكثرة احللف‪ ،‬ونشر اإلشاعات‪.‬‬

‫‪5‬ـ تشريع اإلسالم للتكافل االجتماعي تقوية للروابط‪:‬‬


‫مما انفرد به اإلسالم عن غريه من النظم‪ ،‬أنه حفظ للفرد حقه يف العمل والكسب‪ ،‬وحفظ‬
‫للمجتمع حقه على الفرد يف املعونة والتضامن؛ لذا دعا إىل الكسب‪ ،‬ورغب يف طلب الرزق وأوجبه‪،‬‬
‫وذلك من خالل العمل اجلاد املنتج النافع‪ ،‬ال فرق يف ذلك بني اجله د البدين واجلهد الذهين‪ .‬وطالب‬
‫كل قادر على العمل أن يعمل‪ ،‬وأن يعان على عمله‪ ،‬ليكفي نفسه وأسرته‪ ،‬ويف احلديث الشريف‪" :‬‬
‫ط‪ ،‬مخ ْ ًريا ِم ْن أم ْن مَيْ ُك مل ِم ْن مع مم ِل يم ِدهِ"‬
‫محد طم مع ًاما قم ُّ‬
‫مما أم مك مل أ م‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫عد اإلسالم العمل والكسب عبادة يؤجر عليها اإلنسان‪ ،‬ملا يرتتب على ذلك من‬ ‫بل لقد َّ‬
‫الكفاية الذاتية‪ ،‬وحتقيق حاجات اجملتمع وتنمية موارده‪.‬‬
‫أما العاجزون الذين ال يستطيعون العمل ملرض أو شيخوخة‪ ،‬أو القادرون الذين ال جيدون‬
‫أضرت هبم احلروب والكوارث‪ ،‬فلم‬‫عمالً‪ ،‬أو ال يكفيهم دخلهم لتحقيق معيشة الئقة هبم‪ ،‬أو الذين َّ‬
‫يرتكهم اإلسالم ألنياب الفاقة واحلاجة‪ ،‬بل شرع هلم العديد من التدابري احلامسة يف التكافل االجتماعي‬
‫لرعايتهم والنهوض هبم‪ ،‬وأتمني احلياة املعيشية الالئقة هبم‪ ،‬وبعض هذه الوسائل هي على سبيل‬
‫الوجوب والفرض‪ ،‬وبعضها اآلخر على سبيل الرتغيب والندب‪ ،‬وبيان هذا فيما يلي‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬تشريع فريضة الزكاة‪:‬‬


‫داخلمه بغري حق بدون‬
‫ومن أهدافها وغاايهتا‪ :‬طاعة هللا تعاىل و تنفيذ أوامره‪ ،‬وتطهريُ املال مما م‬
‫علمه‪ ،‬وتطهريُ نفس الغين من الشح والبخل واملغاالة يف حب املال‪ ،‬ودفعُه إىل البذل والعطاء‪،‬‬
‫وتطهريُ نفس الفقري من احلسد والتطلع إىل ما يف أيدي الناس‪ ،‬فضالً عن إقامة املصاحل العامة‬
‫للمسلمني‪.‬‬
‫وال شك أن الزكاة حتد من انتشار اجلرائم وخاصة اجلرائم املالية؛ ألهنا توفر سيولة كرمية بني أيدي‬
‫الفقراء واحملرومني‪ ،‬فريعوون عن جرائمهم واعتداءاهتم على أموال اآلخرين‪.‬‬
‫ذهب الغِ َّل والطمع من نفوس الذين‬ ‫والزكاة وسيلة مهمة من وسائل تقوية الروابط االجتماعية‪ ،‬تُ ِ‬
‫ال ميلكون ما يكفيهم جتاه الذين ميلكون ويتنعمون‪ ،‬وحتقق التوازن االقتصادي النسيب حال صرف ِ‬
‫بعض‬
‫أموال أغنياء األمة إىل األمة نفسها‪ ،‬ممثلة يف فقرائها وبقية مصارف الزكاة املعروفة‪.‬‬

‫اثنياً‪ :‬تشريع زكاة الفطر‪:‬‬


‫ف قد يُ ِنقص أجر صيامه‪ ،‬كما ُش ِرعت سدا حلاجة‬ ‫لتصر ٍ‬
‫ُش ِرعت طهرة للصائم‪ ،‬وتالفياً ُّ‬
‫احملتاجني ومعونة هلم؛ ليشاركوا بقية أفراد اجملتمع بفرحة العيد‪ ،‬بعيدا عن احلاجة والسؤال يف هذا اليوم‪.‬‬
‫ويالحظ أن هذه الوسيلة من التكافل االجتماعي تلزم مئات املاليني من املسلمني امليسورين‪،‬‬
‫ويستفيد منها مئات املاليني أيضاً من املسلمني الفقراء واحملرومني‪ ،‬مهما كانت صعوبة األوضاع‬
‫االقتصادية‪ ،‬ولذلك فإن زكاة الفطر تغين اآلخذين وال تفقر املعطني‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫اثلثاً‪ :‬تشريع النفقات الواجبة‪:‬‬


‫فرض اإلسالم لبعض األقرابء أنواعاً من النفقات يلزم دفعها إليهم عن طواعية واختيار‪ ،‬فإن‬
‫نوع ْي هذه‬
‫امتنع أقرابؤهم األغنياء عن أدائها‪ ،‬أُلزموا هبا جرباً عن طريق القضاء‪ .‬ونشري هنا إىل م‬
‫النفقات الواجبة على النحو التايل‪:‬‬

‫النوع األول‪ :‬النفقة على الزوجة‪ :‬هي واجبة‪ ،‬قال هللا تعاىل‪  :‬وعلمى الْمولُ ِ‬
‫ود لمهُ ِرْزقُ ُه َّن‬ ‫مْ‬ ‫م‬
‫تفرغ أوقاهتا‪ ،‬وحتتبس نفسها للقيام بشؤون الزوج واألوالد ورعاية‬ ‫وف ‪ .‬ألن الزوجة ِ‬ ‫وكِسوُهتُ َّن ِابلْمعر ِ‬
‫م ُْ‬ ‫م ْم‬
‫البيت واألسرة‪ ،‬وهتيئة املناخ املناسب حلياة سعيدة وهانئة‪ .‬وكل هذا مما يقوي الروابط االجتماعية‬
‫وحيقق التكافل األسري‪.‬‬
‫وهذا الذي تقدم خالف ما عليه العمل يف اجملتمعات غري اإلسالمية‪ ،‬حيث امتنع الزوج من‬
‫إعالة الزوجة بتأييد من القانون‪ ،‬وفرض عليها اجملتمع أن تعمل وختتلط ابلناس؛ لتعول نفسها وتبحث‬
‫عن لقمة العيش ولو كانت يف مقتبل العمر‪ ،‬فتهربت من احلمل والوالدة‪ ،‬ومتزقت العالقات األسرية‪،‬‬
‫وكثرت املشكالت االجتماعية واألخالقية‪...‬‬

‫النوع الثاين‪ :‬النفقة على األقارب‪ :‬وهي واجبة على الرجل املوسر لوالديه وأوالده وأقرابئه‬
‫وولم ِده الذكور واإلانث‬
‫وجيرب الرجل على نفقة والديه م‬
‫احملتاجني‪ ،‬قال اإلمام ابن قدامة يف كتابه املغين ‪ُْ :‬‬
‫إذا كانوا فقراء وكان له ما ينفق عليهم‪.‬‬
‫ويف مذهب احلنابلة‪ :‬جتب النفقة على الرجل املوسر ألقرابئه الفقراء من ذوي الفروض‬
‫كل قريب يرث قريبه الفقري العاجز عن الكسب لو مات غنياً‪ ،‬جتب عليه نفقته حال‬ ‫والعصبات‪ ،‬إ ْذ ُّ‬
‫فقره وعجزه‪.‬‬
‫وبناء على هذا‪ ،‬جتب النفقة يف مال القريب املوسر للمحتاجني إليها من أصوله وفروعه‪،‬‬
‫وإخوته وأخواته‪ ،‬وأعمامه وأبنائهم‪ ،‬وحنو هؤالء من الوارثني أصحاب الفروض والعصبات‪.‬‬

‫وهكذا نرى أن اإلسالم نظَّم صورة تكاملية ليس هلا مثيل يف األنظمة األخرى لتحقيق مزيد‬
‫من التكافل االجتماعي وتقوية الروابط بني أطراف اجملتمع؛ ألن اجملتمع يف احلقيقة يتكون من‬
‫جمموعات األسر كلها‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫رابعاً‪ :‬تشريع واجبات مالية أخرى تكافلية‪:‬‬


‫حرص اإلسالم على حتقيق أكمل صورة من التكافل االجتماعي‪ ،‬وذلك حني أوجب تشريعات‬
‫مالية أخرى على املسلمني من مثل‪ :‬النذور‪ ،‬والكفارات‪ ،‬واهلمْدي الواجب يف احلج‪ ،‬واألضاحي وهي‬
‫واجبة عند احلنفية ودية القتل اخلطأ على العاقلة(العصبة)‪ ،‬واملواريث وحنوها مما تقوم عليه منظومة‬
‫التآلف والتكافل االجتماعي يف اإلسالم من أجل سد اخللل قدر اإلمكان‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬تشريع الصدقات التطوعية‪:‬‬


‫مل يقتصر اإلسالم يف تشريع ما حيقق التكافل االجتماعي على الزكاة والنفقات الواجبة‪ ،‬بل‬
‫عضَّد ذلك ابلدعوة إىل البذل االختياري املفتوح دون حدود‪ ،‬وذلك من خالل ما يعرف ابلصدقات‬
‫التطوعية‪ :‬النقدية والعينية‪ ،‬اليت يبذهلا املسلم للفقراء واحملتاجني وحنوهم‪ ،‬ابتغاء ثواب هللا تعاىل‬
‫ند مرهبِِ ْم موالم‬
‫مج ُرُه ْم ِع م‬ ‫ِ‬ ‫ورضوانه‪ ،‬قال هللا تعاىل‪  :‬الَّ ِذين ي ْن ِف ُقو من أمموا مهلم ِابللَّي ِل والن ِ‬
‫َّها ِر سراً مو معالمنيمةً فملم ُه ْم أ ْ‬
‫ْ م ُْ ْ م م‬ ‫مُ‬
‫مخ ْوف معلمْي ِه ْم موالم ُه ْم مْحيمزنُو من ‪.‬‬

‫ِّ‬
‫الصدقات التطوعية إل أنواع‪ ،‬منها ما يلي‪:‬‬ ‫هذا‪ ،‬ويقسم العلماءُ‬

‫النوع األول‪ :‬الصدقة النافلة املطلقة‪ :‬جيوز أن تكون نقدية أو عينية‪ ،‬كطعام أو كساء أو عالج‬
‫أو أدوات‪ ،‬قليلة أو كثرية‪ ،‬وهي ال ترتبط بزمان وال مكان‪.‬‬

‫النوع الثاين ‪ :‬الصدقة اجلارية‪ :‬هي‪ :‬الوقف‪ ،‬ومعناه‪ :‬حتبيس األصل وتسبيل املنفعة‪ .‬أي‪:‬‬
‫التنازل عن ملكية ذات املال ل تعاىل‪ ،‬من أجل أن ينتفع به الناس‪ ،‬وذلك كوقف املساجد ولوازمها‪،‬‬
‫واملدارس واملكتبات واملس تشفيات والبيوت واملزارع ومياه الش رب وغريها‪.‬‬
‫الذري األهلي‪ ،‬على‬‫وقد بل املسلمون الذروة يف اإلقبال على الوقف اخلريي العام‪ ،‬والوقف ُّ‬
‫الذرية و األهل فما جتد بلداً إال وفيها مساجد أو مدارس أو مساكن أو مستشفيات أو مياه موقوفة‪،‬‬
‫رغبة يف ثواب هللا تعاىل‪ ،‬وبذالً ألسباب التكافل االجتماعي‪ ،‬وإعانة للناس على العيش يف سعادة‬
‫ورخاء‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫النوع الثالث‪ :‬الوصااي‪ :‬ه ي تربعات مالية مضافة إىل ما بعد املوت‪ ،‬تُصرف ألصحاهبا بعد‬
‫وفاء الديون‪ ،‬ممَّا ال يزيد على ثلث الرتكة‪ ،‬حىت يستدرك هبا اإلنسان ما قد يكون فاته من أعمال الرب‬
‫واخلري‪ ،‬مث يُوزَّع الباقي بني الورثة‪ ،‬وهي تسهم يف تقوية الروابط االجتماعية وزايدة التآلف بني الناس‪.‬‬

‫النوع الرابع‪ :‬العواري واملنائح والقروض احلسنة واألعطيات واهلدااي واهلبات‪ :‬هي من صور‬
‫قصد هبا التيسري على اآلخرين‪ ،‬وتفريج كرابهتم‪،‬‬ ‫التكافل االجتماعي وأعمال الرب واإلرفاق‪ ،‬اليت يُ م‬
‫والتحبُّب إليهم‪ ،‬طمعاً يف ثواب هللا وحسن جزائه‪ ،‬قال تعاىل‪  :‬موتم مع ماونُواْ معلمى الْ ِرب موالتَّ ْق موى ‪.‬‬
‫وهكذا يتضح‪ :‬مدى حرص اإلسالم على استكمال أسباب الروابط االجتماعية‪ ،‬من خالل‬
‫تشري ِع معاملم للتكافل االجتماعي‪ ،‬على سبيل الوجوب‪ ،‬أو على سبيل االستحباب‪ ،‬وهذا مما مل يعرف‬
‫يف أي تشريع أو نظام آخر‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ دعوة اإلسالم إل احلوار واجلدال ابليت هي أحسن تقوية للروابط‪:‬‬
‫اعتمد اإلسالم يف عرضه للدعوة إىل هللا على أسلوب اجملادلة ابليت هي أحسن‪ ،‬وجعل ذلك‬
‫ْم ِة موالْ مم ْو ِعظمِة‬ ‫فريضة ال يسع املسلم تركها‪ ،‬قال هللا تعاىل بصيغة األمر‪ْ  :‬ادع إِِىل سبِ ِيل ربِ م ِ ِ‬
‫ك اب ْحلك م‬ ‫ُ م م‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ِ ِ‬
‫ين ‪.‬‬ ‫ك ُه مو أ ْمعلم ُم ِمبمن م‬
‫ض َّل معن مسبيله موُه مو أ ْمعلم ُم ابلْ ُم ْهتمد م‬ ‫مح مس ُن إِ َّن مربَّ م‬
‫احلم مسنمة مو مجاد ْهلُم ِابلَِّيت ه مي أ ْ‬
‫وإن اهلدف من احلوار‪ ،‬هو التوصل إىل بيان احلقيقة الكربى‪ ،‬وهي صدق اإلسالم وصحة‬
‫تعاليمه وتشريعاته‪ ،‬وحرصه على حتقيق مصاحل الناس وسعادهتم‪ ،‬وهذه ال حتتاج يف غالب األحوال إال‬
‫إىل عرض الدليل وبيان الفضائل واملكرمات‪.‬‬
‫بل إن من يراجع أحداث السرية النبوية والتاريخ اإلسالمي‪ ،‬جيد كثريا من الوقائع اليت أثَّر فيها‬
‫احلوار واجلدال احلسن‪ ،‬يف ختلي كثري من األفراد واجلماعات عن معتقداهتم وقناعاهتم وسلوكياهتم‬
‫إن فىت شااب أتى النيب‬ ‫اخلاطئة‪ ،‬واعتناق اإلسالم والرضا بتعاليمه وتشريعاته‪ ،‬فعن أى أمامة ‪ ‬قال‪َّ :‬‬
‫‪ ‬فقال‪ :‬اي رسول هللا‪ ،‬ائذن يل ابلزىن‪ ،‬فأقبل القوم عليه فزجروه‪ ،‬وقالوا‪ :‬مم ْه‪ ،‬مم ْه (أي‪ :‬ماشأنك؟‪.‬‬
‫وما وراءك؟)‪ .‬فقال له النيب ‪ :‬اُْدنُ ْه مين‪ ،‬فدان منه قريبا فجلس‪ ،‬فقال له‪ :‬أحتبُّه ألمك؟ فقال‪ :‬ال‬
‫وهللا‪ ،‬جعلين هللا فداءك‪ ،‬قال‪ :‬وال الناس حيبونه ألمهاهتم‪ ،‬أستحبه البنتك ؟‪ .‬فقال‪ :‬ال وهللا اي رسول‬
‫هللا‪ ،‬جعلين هللا فداءك‪ ،‬قال‪ :‬وال الناس حيبونه لبناهتم ‪ ،‬قال‪ :‬أستحبه ألختك؟‪ .‬فقال‪ :‬ال وهللا‪،‬‬
‫جعلين هللا فداءك‪ ،‬قال‪ :‬وال الناس حيبونه ألخواهتم‪ ،‬قال‪ :‬أحتبه لعمتك؟‪ .‬فقال‪ :‬ال وهللا‪ ،‬جعلين هللا‬
‫فداءك‪ ،‬قال‪ :‬وال الناس حيبونه لعماهتم‪ ،‬قال أحتبه خلالتك؟‪ .‬قال‪ :‬ال وهللا‪ ،‬جعلين هللا فداءك‪ ،‬قال‪:‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫وال الناس حيبونه خلاالهتم‪ ،‬قال‪ :‬فوضع ‪ ‬يده على صدره‪ ،‬وقال‪ :‬اللهم اغفر ذنبه‪ِ ،‬‬
‫وطهر قلبه‪،‬‬
‫فرجه‪ ،‬فلم يكن بعد ذلك الفىت يلتفت إىل شيء‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وحصن م‬

‫وحرك عواطفه وليَّته الفطرية ابحلسىن‪ ،‬وعرض له‬


‫وهكذا صرب النيب ‪ ‬على هذا الفىت وحاوره َّ‬
‫احلجج‪ ،‬وتعاطف معه بوضع يده على صدره والدعاء له‪ ،‬حىت َّ‬
‫متكن من نزع قناعاته وسلوكياته‬
‫اخلاطئة‪ ،‬وإبداهلا بقناعات وسلوكيات حسنة‪.‬‬

‫حقيقة احلوار وأقسامه ولوازمه‪:‬‬


‫احلوار يف االصطالح ‪ :‬تبادل وجهات النظر بني طرفني أو أكثر‪ ،‬يف جو هادع‪ ،‬إلحقاق ٍ‬
‫قول‬
‫و ختطئة غريه‪ ،‬دون تسفيه رأي املخالف‪.‬‬
‫وقد قسم العلماء احلوار واجلدل قسمني‪ :‬ممدوح ومذموم‪.‬‬
‫فاألول املشروع املمدوح‪ :‬ما يوصل إىل احلق أبسلوب صحيح مناسب‪ .‬قال تعاىل ‪ :‬موالم ُجتم ِادلُواْ‬
‫ِ‬ ‫أ ْمهل الْ ِكتم ِ‬
‫اب إِالَّ ِابلَِّيت ه مي أ ْ‬
‫مح مس ُن ‪‬‬ ‫م‬
‫وأما الثاين املذموم‪ :‬فما ال يوصل إىل احلق‪ ،‬وقد تصاحبه املغالطة أو االنفعال‪ ،‬ويؤدي إىل‬
‫أبغض الرجال‬ ‫(إن م‬ ‫الكراهية والضغينة‪ ،‬وهو حرام منهي عنه‪ ،‬ملآالته العقيمة الضارة‪ ،‬وفيه ورد حديث‪َّ :‬‬
‫صم)‪.‬‬‫إىل هللا‪ ،‬األلدَُّ اخلم ِ‬
‫ُ‬
‫ومن لوازم اجلدل ومتطلبات احلوار واملناظرة ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬اإلميان العميق مبا يدعو إليه وي ِ‬
‫ناظر فيه‪.‬‬‫ُ‬
‫‪ -2‬العلم بقضية احلوار ومعرفتُها معرفة اتمة‪ :‬وإال كان احلوار بغري علم‪ ،‬وهو مذموم‪.‬‬
‫‪ -3‬التزام اهلدوء والسكينة والبعد عن االنفعال‪.‬‬
‫‪ -4‬احلرص على الوصول إىل احلق ونصرته‪.‬‬
‫‪ -5‬استقامة السلوك والتخلق ابخللق احلسن‪.‬‬
‫اآلخر واحرتامه‪ :‬وهذا مما يسهل الوصول إىل قلبه ومتلكه وإقناعه‪.‬‬
‫‪ -6‬إحسان الظن ابلطرف م‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫احملاضرة اخلامسة‬
‫أهم املشكالت االجتماعية وسبل الوقاية منها وعالجها‬

‫ال ختلو حياة املسلمني املعاصرة من مشكالت تنتظر التشخيص‪ ،‬وبيان سبل الوقاية والعالج‪،‬‬
‫ومن هذه املشكالت إَجاالً‪:‬‬

‫‪ )1‬االحنراف الفكري والسلوكي عند بعض الشباب ‪.‬‬


‫‪ )2‬انتشار وسائل اإلعالم املضللة ‪.‬‬
‫‪ )3‬ضعف صلة كثري من الشباب بعلماء األمة وعقالئها ‪.‬‬
‫‪ )4‬فشو الفواحش األخالقية‪.‬‬
‫‪ )5‬املخدرات واملسكرات والدخان ‪.‬‬

‫وبياهنا ابلتفصيل يف ضوء العناصر اآلتية ‪:‬‬

‫املشكلة األول‪ :‬احنراف بعض الشباب‪:‬‬


‫ال خيفى أن الشباب الصاحل مصدر قوة للمجتمعات‪ ،‬فعليهم تعقد اآلمال‪ ،‬و راداهتم اجلادة‬
‫وسواعدهم املنتجة‪ ،‬تتحقق الطموحات السامية‪ ،‬أما إذا كانوا فاسدين‪ ،‬فإهنم يكونون سببا يف تدمري‬
‫أنفسهم‪ ،‬وتدمري جمتمعهم وحتطيم آماهلم وآماله‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬ومن أهم أنواع احنراف الشباب ما يلي‪:‬‬

‫‪ 1‬االحنراف الفكري‪ :‬وهو أخطر أنواع االحنراف‪ ،‬حيث يعتنق بعض الشباب أفكاراً غري سويَّة‬
‫هتدم معامل الدين ‪،‬أو التشكيك يف احلضارة اإلسالمية ومقوماهتا‪ ،‬أو الفهم اخلاطئ ملعىن القضاء‬
‫والقدر‪ ،‬أو التشدد يف األخذ بتعاليم الدين وأحكامه‪ ،‬أو االعرتاض أو التهاون حبكم هللا ‪ .‬وغالباً ما‬
‫يرتتب على هذا االحنراف الفكري‪ ،‬التسبب يف هدم الدين من داخله أو من خارجه‪.‬‬

‫ويشهد هلذا ما ورد‪ :‬أن بعض أصحاب النيب ‪ ‬قال‪ :‬أان أصلي الليل أبداً‪ ،‬وقال آخر‪ :‬أان أصوم‬
‫الدهر وال أفطر‪ ،‬وقال آخر‪ :‬أان أعتزل النساء فال أتزوج أبداً‪ ،‬فجاء إليهم النيب ‪ ‬فقال‪ :‬أنتم الذين قلتم‬
‫كذا وكذا؟‪ .‬أما وهللا إين ألخشاكم ل وأتقاكم له‪ ،‬لكين أصوم وأفطر‪ ،‬وأصلي وأرقد‪ ،‬وأتزوج النساء‪ ،‬فمن‬
‫رغب عن سنيت فليس مين‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫وهكذا استطاع النيب ‪ ‬ببيانه أن حيقق األمن الثقايف للمجتمع املسلم‪ ،‬وحيميه من االحنراف‬
‫الفكري والغلو يف الدين وإن كانت دواعيه سامية؛ لئال يصري هؤالء النفر قدوة لغريهم‪ ،‬يف اخلروج‬
‫ِ‬
‫على سنن االعتدال والوسطية اليت جاء هبا اإلسالم‪ ،‬وحينئذ يُضلُّون م‬
‫غريهم بغري علم وال هدى‪،‬‬
‫الناس‬
‫ويكونون سبباً يف تشدد اجملتمع وانغالقه على ذاته‪ ،‬فيهدمون اإلسالم من داخله و ينفرون م‬
‫عنه‪.‬‬

‫ومما يهدم الدين من خارجه إقبال بعض الشباب على الثقافات واألفكار غري اإلسالمية‪ ،‬اليت‬
‫تعمقوا يف دين هللا وحييطوا مبعامله العامة‪ِ ،‬‬
‫ويكونوا‬ ‫تزعزع فطرهتم‪ ،‬وختلخل معتقداهتم‪ ،‬وذلك قبل أن ي َّ‬
‫قلت للنيب‬ ‫ِ‬
‫ألنفسهم حصانة فكرية حتميهم من االنزالق يف الشبهات واتباع غري احلق‪ ،‬قال عمر ‪ُ :‬‬
‫فتغري وجه‬
‫مررت بيهودي من يهود قريظة‪ ،‬فكتب يل جوامع من التوراة ألعرضها عليك‪ ،‬قال‪َّ :‬‬ ‫‪ُ :‬‬
‫رسول هللا ‪ ،‬قال عبد هللا بن اثبت‪ :‬فقلت لعمر‪ :‬أال ترى إىل ما بوجه النيب ‪‬؟‪ .‬فقال عمر‪:‬‬
‫فس ِري عن النيب ‪ ‬مث قال‪ :‬والذي نفسي بيده‪،‬‬ ‫رضينا ابل رابً وابإلسالم ديناً ومبحمد رسوالً‪ ،‬قال‪ُ :‬‬
‫لو أصبح موسى بني أظْه ِركم‪ ،‬ما ِ‬
‫وس معه إال أن يتبعين‪ ،‬ولو تركتموين لضللتم ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫يفهمن أحد أن اإلسالم مينع من االبتكار والتجديد واالنفتاح على العلوم والثقافات‬ ‫َّ‬ ‫وال‬
‫األخرى النافعة‪ ،‬إذ ال خيفى ما حفلت به آايت القرآن الكرمي‪ ،‬وأحاديث النيب ‪ ‬من الدعوة إىل‬
‫ينمي اجملتمعات‪ ،‬ويرفع من شأهنا‪ ،‬ومن هذا قوله تعاىل‪  :‬موقُل َّر ِب ِزْدِين ِع ْلماً ‪‬‬
‫العلم النافع الذي ِ‬
‫وقوله ‪ " :‬احلكمة ضالة املؤمن‪ ،‬فحيث وجدها فهو أحق هبا "‪.‬‬

‫‪ 2‬االحنراف السلوكي‪ :‬ال خيفى وجود بعض مظاهر االحنراف السلوكي عند بعض املسلمني يف‬
‫املعامالت املالية ويف األخالق‪ ،‬وقد نتج عن ذلك ازدايد أعمال الفساد واجلرمية‪ ،‬من نصب‪،‬‬
‫واحتيال‪ ،‬وسرقة‪ ،‬وأكل للمال ابلباطل‪ ،‬وحماابة‪ ،‬ونفعية‪ ،‬فضالً عن التربج‪ ،‬واحملاداثت احملرمة‬
‫بني الشباب والفتيات‪ ،‬واجلرأة على اقرتاف املنكرات‪ ،‬واالستهتار ابآلخرين وعدم االستحياء‬
‫منهم‪...‬‬

‫كما نم ِش م‬
‫ط التشبه بغري املسلمني فيما هو من خصائصهم وال نفع فيه من األعياد‪ ،‬واملناسبات‪،‬‬
‫واملواسم‪ ،‬واالجتماعات‪ ،‬واملهرجاانت‪ ،‬وأزايء املالبس(املوضات)‪ ،‬ويف حفالت الزواج‪ .‬وحنو ذلك مما‬
‫فيه ابتعاد عن هدي النبوة‪ ،‬وينطبق عليه حديث‪ " :‬من تشبَّه بقوم فهو منهم "‪.‬‬

‫وهنا البد أن يعلم أنه ال ينبغي اخللط بني عبادات غري املسلمني وعاداهتم‪ ،‬وبني إجنازاهتم اليت‬
‫فيها مصلحة للمسلمني يف حياهتم الدنيوية‪ ،‬كاالبتكارات واالخرتاعات واملصاحل األخرى املشاهبة‪،‬‬
‫فإنه ينبغي االستفادة منها والعمل هبا‪ ،‬وهي ليست من التشبه هبم يف شيء‪ ،‬ويشهد هلذا‪ :‬اقرتاح‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫سلمان الفارسي ‪ ‬على النيب ‪ ‬حفر اخلندق لصد هجوم األحزاب على املدينة‪ ،‬وقوله للنيب ‪:‬‬
‫كانت الفرس تصنع مثل هذا إذا حزهبم البأس‪ ،‬فأقر النيب ‪ ‬هذا االقرتاح‪ ،‬وأمر أصحابه حبفر‬
‫اخلندق‪...‬‬

‫املشكلة الثانية ‪ :‬انتشار وسائل اإلعالم املضللة‪:‬‬


‫يكاد يتفق الباحثون على أن اإلعالم مبعناه الصحيح هو‪ :‬تزويد الناس ابملعلومات الصحيحة‪،‬‬
‫والرتفيه عنهم بنشر األخبار الصادقة‪ ،‬واإلبداعات املفيدة‪ ،‬واحلقائق واحلوادث وغريها‪ ،‬مما يساعد على‬
‫فهم املشكالت وتكوين رأي صائب ينمي اجملتمع ويرتقي أبفراده‪ .‬فإذا خلت وسائل اإلعالم من هذه‬
‫املعاين‪ ،‬صارت وسائل تضليل وتدمري للناس‪.‬‬

‫وقد تعددت وتنوعت وسائل اإلعالم املعاصرة من مقروءة ومسموعة ومرئية‪ ،‬وإن كثريا من‬
‫مواقع " اإلنرتنت " وقنوات التلفزيون " ووسائل التواصل ‪ ،‬ومواقع اليوتيوب ‪ ،‬وغريها ‪ ،‬قد أخذت‬
‫مكان الصدارة يف شؤون الرتبية والتعليم والتوجيه والتأثري وخاصة على الشباب والناشئة‪ ،‬مبا فيها من‬
‫إمكانيات متنوعة وفائقة وجذابة‪ ،‬يسهل التعامل معها والوصول إليها يف أغلب األحيان واألماكن‪.‬‬
‫إال أن بعض وسائل اإلعالم يف بعض البالد واجملتمعات اإلسالمية تعيش بعيدة عن القيم اإلنسانية‬
‫النبيلة‪ ،‬والسلوك الفطري السوي‪ ،‬وعن تعاليم اإلسالم وهديه ومقاصده‪ ،‬حيث صارت يف متناول‬
‫أفراد األسرة واجملتمع كباراً وصغاراً‪ ،‬نساء ورجاالً‪ ،‬مثقفني وغري مثقفني‪ .‬وتبث األفكار والقيم ال‬
‫تتناسب مع قيم اإلسالم وأخالقه ‪.‬‬

‫سبل الوقاية والعالج من اآلاثر السلبية للقنوات الفضائية‪:‬‬


‫إنه ال يسع املسلم أمام هذه األخطار احملدقة به من وسائل اإلعالم املضللة‪ ،‬إال أن يعمد إىل ما يلي‪:‬‬
‫‪ 1‬مراقبة هللا تعاىل يف السر والعلن‪ ،‬وطلب رضوانه من خالل العمل على مقاطعة الوسائل‬
‫واملواقع والقنوات اإلعالمية اليت اشتهرت ابالحنراف والفساد‪.‬‬
‫‪ 2‬تنظيم األوقات يف مشاهدة وسائل اإلعالم فيما فيه جدية ظاهرة ونفع وفائدة‪ ،‬وفيما فيه‬
‫ترفيه وتسلية مباحة ‪ ،‬وعدم تضييع األوقات فيما ال جدوى فيه‪.‬‬
‫‪ 3‬ملء أوقات الفراغ ابألعمال واهلواايت املفيدة‪ ،‬كالقراءة اهلادفة‪ ،‬والرايضة املناسبة‪ ،‬وزايرة‬
‫األقارب واألصدقاء‪ ،‬وتقوية الوازع الديين حبضور احملاضرات والندوات وحنوها من النشاطات‬
‫الثقافية واالجتماعية والتطوعية النافعة‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫املشكلة الثالثة‪ :‬ضعف صلة كثري من الشباب بعلماء اإلسالم وعقالئه‪:‬‬


‫من أخطر املشكالت االجتماعية أثراً‪ ،‬ابتعاد كثري من الشباب عن علماء الدين وضعف الصلة‬
‫مبجالسهم‪ ،‬وعدم االهتمام هبا‪ ،‬ظناً منهم أهنم قادرون أبنفسهم على تكوين مشاعر إميانية‪ ،‬وأخالق‬
‫دينية‪ ،‬وثقافة إسالمية كافية من الكتب اليت تقع عليها أيديهم‪ ،‬أو من وسائل اإلعالم‪ .‬وهذا ما ترتب‬
‫عليه ظهور بعض األفكار الغالية املتشددة لدى بعض الشباب يف اجملتمعات اإلسالمية املختلفة‪،‬‬
‫وجعل منهم أدوات لإلضرار أبوطاهنم وجمتمعاهتم ‪.‬‬

‫والواقع غري ذلك؛ ألن علماء األمة الرابنيني‪ ،‬هم منارات اهلدى يف أي جمتمع؛ مبا أعطاهم هللا‬
‫عرف به احلالل من احلرام‪ ،‬والصواب من اخلطأ‪ ،‬وهم احلصانة لألفراد يف‬ ‫تعاىل من العلم النافع‪ ،‬الذي يُ م‬
‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين الم‬ ‫السراء والضراء‪ ،‬وهلذا فضلهم هللا تعاىل على غريهم فقال ‪ ‬قُ ْل مه ْل يم ْستم ِوي الذ م‬
‫ين يم ْعلم ُمو من موالذ م‬
‫اب ‪. ‬‬ ‫ي ْعلممو من إَِّمنما ي تم مذ َّكر أُولُو األملْب ِ‬
‫م‬ ‫م ُ ْ‬ ‫م ُ‬
‫إن العلماء هم ورثة األنبياء‪ ،‬وإن صحبتهم من أقوى العوامل يف إصالح الفرد املسلم‪ ،‬وتعميق‬
‫إميانه‪ ،‬وتطبيع أخالقه على االعتدال من غري إفراط وال تفريط‪ ،‬وتعليمه أمور الدين‪ ،‬واألخذ بيده حنو‬
‫اّلل وُكونُواْ مع َّ ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ني ‪ .‬وعن ابن عباس ‪ ‬قال‪:‬‬ ‫الصادق م‬ ‫مم‬ ‫ين مآمنُواْ اتَّ ُقواْ َّم م‬
‫الكمال املنشود‪  :‬يمأميُّ مها الذ م‬
‫ذكركم هللام رؤيتُه‪ ،‬وزاد يف عملكم منط ُقه‪َّ ،‬‬
‫وذكركم‬ ‫أي جلسائنا خري ؟ قال‪" :‬من َّ‬ ‫قيل‪ :‬اي رسول هللا‪ُّ :‬‬
‫ابآلخرة عملُه"‪.‬‬

‫وعليه فإنه ينبغي على الشباب يف أي جمتمع إسالمي‪ ،‬توثيق صلتهم ابلعلماء الرابنيني الثقات‬
‫املخلصني وتقويتها‪ ،‬واإلكثار من زايراهتم‪ ،‬وحضور جمالسهم والتعلم منهم‪ ،‬واحرتامهم وإكرامهم‪،‬‬
‫وعرض املشكالت عليهم‪ ،‬واالستماع إىل آرائهم وتوجيهاهتم‪ ،‬وتلك الصفات حبق من أهم أسباب‬
‫احلصانة من االحنراف بكافة أنواعه وصوره‪ ،‬وهي أيضاً من أبرز عوامل االرتقاء ابألمة‪ ،‬وحتقيق آماهلا‬
‫وطموحاهتا‪ ،‬وخباصة يف هذه الظروف العصيبة اليت مير هبا املسلمون‪ ،‬قال الشعيب‪ :‬صلَّى زيد بن اثبت‬
‫خل عنك اي‬‫‪ ‬على جنازة‪ ،‬ف ُق ِربت إليه بغلته لريكبها‪ ،‬فجاء ابن عباس ‪ ‬فأخذ بركابه‪ ،‬فقال زيد‪ِ :‬‬
‫ابن عم رسول هللا ‪ ‬فقال ابن عباس‪ :‬هكذا أ ُِم ْران أن نفعل بعلمائنا‪ ،‬فقبَّل زيد يده وقال‪ :‬هكذا‬
‫أمران أن نفعل أبهل بيت نبينا ‪.‬‬

‫سبل الوقاية من هذه املشكالت وعالجها‪:‬‬


‫زايدة على ما تقدم ذكره من سبل الوقاية والعالج للمشكالت االجتماعية اآلنفة‪ ،‬جيدر‬
‫التنويه بسبل أخرى منها‪:‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫‪ -1‬حتصني الشباب ابلثقافة اإلسالمية الواعية من خالل االهتمام ابلرعاية األسرية والربامج‬
‫اإلعالمية الدينية والرتبوية‪ ،‬وربطهم ابملساجد‪ ،‬وتعريفهم ابألحكام الشرعية لتلك املشكالت‪،‬‬
‫ين الم يم ْعلم ُمو من إَِّمنما‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين يم ْعلم ُمو من موالذ م‬‫واخلطورة املرتتبة عليها‪ ،‬قال هللا تعاىل‪  :‬قُ ْل مه ْل يم ْستم ِوي الذ م‬
‫اب ‪.‬‬ ‫ي تم مذ َّكر أُولُو األملْب ِ‬
‫م‬ ‫م ُ ْ‬
‫ونساء كانوا يف موضع‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وشباب‬ ‫‪ -2‬اإلكثار من ذكر القصص والنماذج واملواقف التارخيية ٍ‬
‫لرجال‬
‫القدوة الصاحلة‪ ،‬وقد قيل‪ :‬إن احلكاايت جند من جنود هللا تعاىل‪ ،‬يثبِت هبا قلوب أوليائه‪،‬‬
‫ت بِِه فُ مؤ ماد مك ‪.‬‬ ‫ك ِم ْن أمنْبم ِاء ُّ‬
‫الر ُس ِل مما نُثمبِ ُ‬ ‫ص معلمْي م‬ ‫وهذا مصداق قوله تعاىل‪  :‬موُك الًّ نَّ ُق ُّ‬
‫‪ -3‬حث الشباب والفتيات على الزواج املبكر‪ ،‬وتيسري أسبابه هلم‪ ،‬وتقليل املهور ونفقات‬
‫األعراس؛ لتحصينهم ضد اإلغراءات واملفاسد‪( :‬اي معشر الشباب‪ ،‬من استطاع منكم الباءة‬
‫فليتزوج‪ ،‬فإنه أغض للبصر و أحصن للفرج‪ ،‬ومن مل يستطع فعليه ابلصوم فإنه له ِو مجاء)‪.‬‬
‫‪ -4‬عدم التهاون مع األخالق الوافدة والعادات الغريبة اليت تنايف آداب اإلسالم وقيمه‪ ،‬يف‬
‫اجملالس واملنتدايت وحنوها‪ ،‬والعمل على جتنُّب ما يثري الغرائز‪ ،‬وحماسبة من جيرتع على ذلك‪،‬‬
‫ك أ ْمزمكى مهلُْم إِ َّن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ضواْ ِمن أمب ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫اّللم‬ ‫وج ُه ْم ذل م‬ ‫صا ِره ْم مومْحي مفظُواْ فُ ُر م‬‫ني يمغُ ُّ ْ ْ م‬ ‫ق ال هللا ت ع اىل‪  :‬قُ ْل ل ْل ُم ْؤمن م‬
‫ضن ِمن أمب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صا ِره َّن مومْحي مفظْ من فُ ُر م‬
‫وج ُه َّن ‪.‬‬ ‫ض ْم ْ ْ م‬ ‫صنم عُو من ‪  ‬موقُل ل ْل ُم ْؤِمنمات يم ْغ ُ‬ ‫ِ‬
‫مخبِري مبما يم ْ‬
‫‪ -5‬إنزال العقوبة الشرعية ابملفسدين واجملرمني‪ ،‬وعدم التهاون معهم؛ ملا يسبِبونه من أضرار‬
‫ومفاسد دينية وأخالقية وصحية ومعيشية‪ ،‬تدمر اجملتمع ومكتسباته عاجالً أو آجالً‪ ،‬قال هللا‬
‫اص حياة اي أُ ِويل األملْب ِ‬ ‫ِ‬
‫اب لم معلَّ ُك ْم تمتَّ ُقو من ‪.‬‬ ‫م‬ ‫ص ِ مم‬ ‫تعاىل‪  :‬مولم ُك ْم ِيف الْق م‬
‫املشكلة الرابعة ‪ :‬فشو الفواحش األخالقية‪ :‬كالزان‪ ،‬واللواط‪ ،‬والقذف‪ ،‬واملخدرات واملسكرات‪.‬‬
‫وإليك أخي الكرمي بيان حكمها ِ‬
‫وحكمة حترميها‪ ،‬واألخطار املرتتبة عليها‪.‬‬ ‫ُ‬
‫حرم هللا سبحانه وتعاىل الفواحش بشىت أنواعها‪ ،‬ليبقى اجملتمع سليماً نظيفاً نقياً‪ ،‬مادايً ومعنوايً‪،‬‬
‫ش مما ظم مهمر ِمْن مها مومما بمطم من ‪ ‬ومن هذه الفواحش‪:‬‬ ‫ِ‬
‫قال تعاىل‪  :‬موالم تم ْقمربُواْ الْ مف مواح م‬
‫‪ -1‬فاحشة الزان‪:‬‬
‫حكمه‪ :‬هو حرام‪ ،‬ومن كبائر الذنوب ابلكتاب والسنة وإَجاع األمة‪.‬‬
‫الزىن إِنَّه مكا من فم ِ‬
‫اح مشةً مو مساءم مسبِيالً ‪.‬‬ ‫قال تعاىل‪  :‬موالم تم ْقمربُواْ ِ م ُ‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫وقال ‪" : ‬م ن أش راط الس اعة أن يرف ع العل م ويظه ر اجله ل‪ ،‬ويش رب اخلم ر‪ ،‬ويظه ر ال زان‪ ،" ..‬وق ال‬
‫‪.‬‬
‫‪ " :‬ال يزين الزاين حني يزين وهو مؤمن"‬
‫وأما اإلَجاع فقد أَجع املسلمون على اختالف مذاهبهم على حترمي الزان‪.‬‬
‫وأم ا احلكم ة م ن حت رمي ال زان‪ :‬فتتجل ى ظه ار مفاس ده وأض راره عل ى الف رد واجملتم ع‪ ،‬ب ل وعل ى‬
‫اإلنسانية كلها يف حال معاشهم ومعادهم‪ ،‬ومن هذه األضرار واملخاطر اليت ُح ِرم الزان من أجلها‪:‬‬

‫ال زان يس بب أمراض اً فتاك ة تعص ف حبي اة أف راد اجملتم ع‪ ،‬كالس يالن والزه ري واإلي دز وغريه ا‪ ،‬كم ا‬ ‫‪-1‬‬
‫أنه سبب يف العذاب األليم يوم القيامة‪ ،‬ألنه من الكبائر‪.‬‬
‫ال زان يفس د نظ ام البي ت ويقط ع العالق ة ب ني ال زوجني‪ ،‬ويع رض األوالد لس وء الرتبي ة والتش رد‬ ‫‪-2‬‬
‫واالحنراف‪ ،‬كما أنه يسبب ضياع النسب‪.‬‬
‫الزان وإن أشبع الرغبات اجلنسية‪ ،‬إال أنه ال يشبع الرغبات الروحية‪ ،‬واليت هي من مقاص د ال زواج‬ ‫‪-3‬‬
‫الشرعي‪.‬‬
‫ال زان يك ون س بباً يف الع زوف ع ن ال زواج الش رعي‪ ،‬وه و عملي ة حيواني ة مؤقت ة ال تبع ة وراءه ا‪،‬‬ ‫‪-4‬‬
‫ميجها الطبع السليم‪ ،‬وينأى عنها اإلنسان السوي الشريف‪.‬‬

‫‪ -2‬اللـواط‪:‬‬
‫والل واط فعل ة ق ذرة واحن راف ع ن الفط رة‪ ،‬وش ذوذ يف الس لوك‪ ،‬وم ن أبش ع املنك رات وأخطره ا‬
‫على اإلنسانية من َجيع اجلوانب‪ ،‬وقد فعله قوم لوط عليه السالم‪ ،‬فعاقبهم هللا عقاابً شديداً‪.‬‬

‫حكم اللواط‪ :‬هو حرام من كبائر الذنوب‪ ،‬ودليله من الكتاب والسنة واإلَجاع‪.‬‬
‫ني‪ .‬إِنَّ ُك ْم لمتمأْتُو من‬ ‫ِ‬ ‫اح مش مة ما سب مق ُكم ِهبا ِمن أ ٍ ِ‬
‫قوله تعاىل‪  :‬ولُوطاً إِ ْذ قم مال لِمقوِم ِه أ ممأتْتُو من الْ مف ِ‬
‫محد من الْ معالمم م‬
‫م مم ْ م ْ م‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬
‫الر مج مال مش ْه موًة ِمن ُدون الن مسآء بم ْل أمنْتُ ْم قم ْوم ُّم ْس ِرفُو من ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقال ‪"‬من وجدمتوه يعمل عمل قوم لوط‪ ،‬فاقتلوا الفاعل واملفعول به"‪.‬‬
‫و قد أَجعت األمة على حترميه‪.‬‬

‫احلكمة من حترمي اللواط‪ُ :‬حرم اللواط ألنه من أكرب اجلرائم والفواحش اليت تسبب فساد الدين‬
‫واخللق‪ ،‬والفطرة والدنيا‪ ،‬واحلياة نفسها‪ ،‬وهلذا كان عقاب مرتكبيها مناسباً لبشاعة فعلهم‪ ،‬فخسف‬
‫هللا األرض بقوم لوط‪ ،‬وأمطر عليهم ‪ ‬فملم َّما مجاءم أ ْمم ُرمان مج مع ْلنما معالِيم مها مسافِلم مها موأ ْممطمْرمان معلمْي مها ِح مج مارةً ِمن‬
‫يد ‪ ،‬وأمر ‪ ‬بقتل الفاعل‬ ‫ند ربِك وما ِهي ِمن الظَّالِ ِمني بِبعِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِس ِج ٍيل َّمْن ٍ‬
‫م م‬ ‫ضود ‪ُّ  ‬م مس َّوممةً ع م م م م م م م‬ ‫ُ‬
‫واملفعول به كما تقدم‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫ومن األخطار واألضرار املرتتبة على هذا الفعل ‪:‬‬


‫‪ -1‬مق ت هللا س بحانه وتع اىل ولعنت ه‪ ،‬مث مق ت الن اس وازدراؤه م مل ن يتج رأ عل ى مث ل ه ذا‬
‫الفعل‪.‬‬
‫‪ -2‬يسبب هذا الفعل انصراف الرجل عن املرأة‪ ،‬وعجزه ‪ -‬أحياانً ‪ -‬عن مباشرهتا‪ ،‬وهبذا‬
‫تتعطل وظيفة الزواج وإجناب األوالد‪ ،‬وقد قال قوم لوط له عندما عرض عليهم نكاح‬
‫ِ‬
‫يد ‪.‬‬ ‫ك ِم ْن مح ٍق موإِن م‬
‫َّك لمتم ْعلم ُم مما نُِر ُ‬ ‫ت مما لمنما ِيف بمنماتِ م‬
‫بناته وترك أضيافه‪ :‬قمالُواْ لممق ْد معل ْم م‬
‫‪ -3‬يسبب لفاعله أمراضاً فتَّاكة‪ ،‬منها احلمى التيفودية‪ ،‬والدوسنطاراي‪ ،‬وااليدز وغريها‪ ،‬كما‬
‫يسبب متزق املستقيم‪ ،‬وهتك أنسجته‪ ،‬وارختاء عضالته‪.‬‬
‫‪ -4‬الل واط لوث ه أخالقي ة‪ ،‬وم رض نفس ي‪ ،‬وفس اد للطب اع‪ ،‬فص احبه ال ميي ز ب ني الفض يلة‬
‫والرذيل ة‪ ،‬ع دمي الوج دان مي ت الض مري‪ ،‬ال يتح رج م ن الس طو‪ ،‬وارتك اب اجل رائم‪،‬‬
‫واختطاف األبرايء وإن كانوا صغاراً‪.‬‬

‫‪ -3‬القذف‪:‬‬
‫وهو الرمي ابلزان يف معرض التعيري أو يف النسب مما يوجب احلد منهما‪.‬‬

‫حكم القذف‪ :‬هو حمرم ابلكتاب والسنة وإَجاع األمة‪.‬‬


‫ين مآمنُواْ مهلُْم مع مذاب أملِيم ِيف الدُّنْيما‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫يع الْ مفاح مشةُ ِيف الذ م‬
‫ِ‬ ‫قال تعاىل‪  :‬إِ َّن الَّ ِذ ِ‬
‫ين ُحيبُّو من أمن تمش م‬ ‫م‬
‫ات الْغمافِالمتِ‬ ‫اّلل ي علمم وأمنْتُم الم تمعلممو من ‪ ‬وقال تعاىل‪  :‬إِ َّن الَّ ِذين ي رمو من الْمحصنم ِ‬ ‫ِِ‬
‫ُْ م‬ ‫م مْ ُ‬ ‫ُْ‬ ‫مواآلخمرة مو َُّ م ْ ُ م ْ‬
‫اآلخمرةِ مومهلُْم مع مذاب مع ِظيم ‪  ‬يم ْومم تم ْش مه ُد معلمْي ِه ْم أملْ ِسنم تُ ُه ْم موأميْ ِدي ِه ْم موأ ْمر ُجلُ ُه ْم‬ ‫الْم ْؤِم ِ‬
‫نات لُعِنُواْ ِيف الدُّنْيا و ِ‬
‫م م‬ ‫ُ‬
‫ِمبما مكانُواْ يم ْع مملُو من ‪.‬‬

‫وق ال الن يب ‪ " ‬اجتنب وا الس بع املوبق ات‪ ،‬ق الوا‪ :‬اي رس ول هللا وم ا ه ن؟ ق ال‪ :‬الش رك ابل‪...‬‬
‫وقذف احملصنات املؤمنات الغافالت"‪.‬‬
‫كما أَجع العلماء على حترمي القذف‪ ،‬وعدوه من الكبائر‪.‬‬

‫ِّحكمة حترمي القذف‪ :‬تقدم الك الم عل ى احلكم ة م ن حت رمي ال زان والل واط‪ ،‬ويض اف هن ا أيض اً‪ :‬لبش اعة‬
‫هذه اجلرائم كان الرمي واالهتام هبا شنيعاً وذلك حلماية األعراض وصوهنا عن ال تهم والطع ون‪ ،‬واحملافظ ة‬
‫عل ى مسع ة اإلنس ان وص يانة كرامت ه‪ ،‬ومن ع ض عاف النف وس م ن إش اعة الفاحش ة يف األب رايء الغ افلني‪،‬‬
‫واحملافظة على مشاعر أفراد األسرة والعمل على متاسكها‪ ،‬وابلتايل متاسك أفراد اجملتمع بشكل عام‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫املخاطر املرتتبة على القذف ‪ :‬ال شك أن القذف له خط ر عظ يم‪ ،‬وهل ذا رت ب هللا تع اىل علي ه عقوب ة‬
‫تناسب هذا الفعل‪ ،‬وهو جلد القاذف مثانني جلدة‪ ،‬ووصفه ابلفاس ق‪ ،‬وع دم قب ول ش هادته وم ن ه ذه‬
‫املخاطر‪ :‬أن القذف يؤدي إىل حلوق العار واملعرة ابملقذوف و املقذوفة‪ ،‬و م ن يقرهبم ا وتش عب ظن ون‬
‫الناس حوله‪ ،‬ويؤدي إىل التشكيك يف نسب األوالد‪ ،‬ويتسبب يف تفكك األس ر واهنياره ا‪ ،‬كم ا ي ؤدي‬
‫إىل األحقاد والعداء بني أفراد األسرة‪ ،‬وأحياانً إىل املشاجرات وسفك الدماء‪.‬‬

‫‪ -4‬املخدرات‪ ،‬واملسكرات‪ ،‬والدخان‪:‬‬


‫‪.‬‬
‫‪ -1‬املخدرات‪ :‬وهي يف االصطالح‪ :‬ما يغيب العقل واحلواس‪ ،‬دون أن يصحب ذلك نشوة‬
‫ويف املفهوم الطيب‪ :‬هي ك ل م ادة ت ؤثر عل ى اجله از العص يب بدرج ة تض عف وظيفت ه أو تفق دها‬
‫بص فة مؤقت ة‪ ،‬وم ن أن واع املخ درات‪ :‬احلش يش‪ ،‬واهل ريوين‪ ،‬والكوك ايني‪ ،‬واألفي ون‪ ،‬والق ات‪،‬‬
‫والبنج‪ ،‬وجوزة الطيب‪.‬‬

‫‪ -2‬املسكرات‪ :‬واملسكر‪ :‬هو املغيب للعقل مع نشوة وسرور‪ ،‬وميل إىل البطش‪ ،‬واالنتقام‪.‬‬
‫ومن أنواع املسكرات‪ :‬العرق‪ ،‬والويسكي‪ ،‬والكونياك‪ ،‬والكحول‪.‬‬

‫س‪ /‬هل املخدرات واملسكرات شيءٌ واحد أو ال؟‬


‫م ن خ الل التعريف ات الس ابقة يب دو أن هن اك بع ض الف روق‪ ،‬كم ا أن هن اك اجتماع اً أو اتفاق اً‬
‫بينهم ا يف جوان ب‪ .‬وق د ذه ب بع ض العلم اء إىل أن هن اك فرق اً بينهم ا م ن حي ث التعري ف الوص في‪،‬‬
‫ف ذهب الق رايف إىل أن متن اول املخ درات ‪ -‬غالب اً ‪ -‬تغي ب مع ه احل واس كالبص ر‪ ،‬والس مع واللم س‬
‫والشم‪ ،‬وأما املسكرات‪ :‬فال تغيب مع متناوهلا ‪ -‬غالباً – احلواس‪.‬‬

‫وعلى كل حال‪ ،‬فهي َجيعها تشرتك يف ختدير العقل‪ ،‬وإحداث فتور عام يف البدن ‪ -‬عل ى م ا‬
‫م َّر يف التعريف ات ‪ -‬م ع وج ود خت يالت فاس دة‪ ،‬وأفك ار غ ري حقيقي ة‪ ،‬ق د يرتت ب عليه ا بع ض اجل رائم‬
‫واجلناايت‪.‬‬

‫وبناءً على هذا تلحق املخدرات ابملسكرات الشرتاكهما يف علة حترمي املسكر‪.‬‬

‫حكم املخدرات واملسكرات‪:‬‬


‫املخ درات واملس كرات‪ ،‬وإن اختلف ت أنواعه ا وتفاوت ت يف أتثريه ا عل ى العق ل‪ ،‬إال أهن ا حمرم ة‪،‬‬
‫فيحرم تناوهلا وتعاطيها‪ ،‬واالجتار هبا‪ ،‬وتروجيها وحنوه‪ ،‬ومن أدلة حترميها‪:‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫اخلممر والْمي ِسر واألمنصاب واأل ْمزالمم ِرجس ِمن عم ِل الشَّيطم ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ان‬ ‫ْ‬ ‫ْ مم‬ ‫ين مآمنُواْ إَِّمنما ْ ْ ُ م م ْ ُ م م ُ م ُ ْ‬ ‫قوله تعاىل‪  :‬يمأميُّ مها الذ م‬
‫اجتمنِبُوهُ لم معلَّ ُك ْم تُ ْفلِ ُحو من ‪.‬‬
‫فم ْ‬
‫وقوله‪ " :‬كل مسكر مخر‪ ،‬وكل مسكر حرام"‪.‬‬
‫وسأل أبو موسى األشعري ‪ ‬رسول هللا ‪ ‬عندما بعثه النيب ‪ ‬إىل اليمن عن ش راب هن اك ق ائالً‪:‬‬
‫اي رسول هللا‪ :‬إن شراابً يصنع أبرضنا يقال له املِْزر من الشعري‪ ،‬وشراب يقال له البت ع م ن العس ل فق ال‬
‫رسول هللا ‪ : ‬كل مس كر ح رام‪ ،‬وع ن أم س لمة ‪ -‬رض ي هللا عنه ا ‪ -‬قال ت‪ :‬هن ى رس ول هللا ‪ ‬ع ن‬
‫كل مسكر ومفرت"‪.‬‬

‫واتفق العلماء قدمياً وحديثاً على حترمي املخدرات ومنها احلشيش‪.‬‬

‫احلكمة من حترمي املخدرات واملسكرات‪ :‬حرمها الشارع حلكم منها‪:‬‬

‫‪ -1‬حفظ الكليات اخلمس‪ ،‬الدين‪ ،‬والعقل‪ ،‬والنفس‪ ،‬والعرض‪ ،‬واملال‪ ،‬واليت جاء الشرع حبفظها‪.‬‬
‫‪ -2‬حفظ كرامة اإلنسان‪ ،‬واحملافظة على املن زلة اليت تليق نسانيته‪ ،‬والبعد عن الذلة والصغار‪.‬‬
‫‪ -3‬حفظ األسرة من التفكك والضياع‪ ،‬واجملتمع من االحنالل والدمار‪.‬‬

‫أخطار املخدرات واملسكرات وأضرارها‪:‬‬


‫إن لتعاطي املخدرات أضراراً كثرية وخطرية على الفرد واجملتمع منها‪:‬‬

‫أ) أضرار دينية‪ :‬ألن تعاطيها يصد عن ذكر هللا تعاىل وعن الصالة‪ ،‬وابقي العبادات والطاعات‪.‬‬

‫ب) أضرار اجتماعية ‪:‬‬


‫‪ -1‬يوقع العداوة والبغضاء والت دابر والتق اطع ب ني أف راد األس رة الواح دة‪ ،‬وب ني اجملتم ع بش كل ع ام‪،‬‬
‫اخلم ْم ِر موالْ ممْي ِس ِر ‪‬‬
‫ضاءم ِيف ْ‬ ‫ِ‬ ‫‪ ‬إَِّمنما يُِر ُ‬
‫يد الشَّْيطما ُن أمن يُوق مع بمْي نم ُك ُم الْ مع مد ماوةم موالْبم ْغ م‬
‫‪ -2‬كثرة احلوادث املؤملة اليت يذهب ضحيتها كثري من أبناء اجملتمع‪.‬‬
‫‪ -3‬يؤدي إىل الطالق وتفكك األسرة وتشرد األطفال‪.‬‬
‫ج) أضرار صحية‪:‬‬
‫وه ي كث رية ج داً وقاتل ة‪ ،‬كالتس مم الكح ويل‪ ،‬وض مور امل خ واملخ يخ‪ ،‬والن وابت الدماغي ة‪ ،‬والته اابت‬
‫األعص اب‪ ،‬والعم ى‪ ،‬والته اب البلع وم وس رطان امل ريء‪ ،‬وفق دان الش هية‪ ،‬والته اابت األمع اء أبنواعه ا‪،‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫وتضخم الطحال‪ .‬ونقص املناعة‪ ،‬فهو ُحيم ِول االنسان اجلميل الباسم‪ ،‬إىل هيكل عظم ي ش احب الل ون‬
‫كئيب املنظر‪.‬‬

‫د) أضرار اقتصادية ومنها‪:‬‬


‫‪ -1‬ضعف جسم اإلنسان واهنيار قواه مما جيعله يتسبب يف ضعف اإلنتاج‪.‬‬
‫‪ -2‬ابتزاز األموال وهن ب ث روة األم ة م ن قب ل األع داء ال ذين يروج ون املخ درات واملس كرات‪ ،‬وابلت ايل‬
‫سيطرهتم على األمة مادايً ومعنوايً‪.‬‬
‫‪ -3‬عالج املدمنني‪ ،‬ومالحقتهم‪ ،‬يضيف عبئاً على الدولة ويكلفها أمواالً كثرية‪.‬‬
‫‪ -4‬ذهاب بركة األموال وزوال النعم وحلول النقم ابألمة أفراداً وَجاعات‪.‬‬

‫‪ -3‬الدخان أو التبغ‪:‬‬
‫تعريفه‪ :‬هو نبات حشيش خمدر‪ ،‬مر الطعم مشتمل على مادة النيكوتني السامة‪.‬‬
‫حكمه‪ :‬حرام‪ ،‬لتحقق ضرره على الدين والبدن واملال‪ ،‬مع عدم نفعه مطلقاً‪.‬‬
‫ومن األدلة على حترميه‪:‬‬
‫ث ‪ ،‬وما من عاق ل يق ول‪ :‬إن ال دخان ل يس‬ ‫اخلمبمائِ م‬
‫ات موُحيم ِرُم معلمْي ِه ُم ْ‬ ‫‪ -1‬قوله تعاىل‪  :‬وُِحي ُّل مهلم الطَّيِب ِ‬
‫م ُُ م‬
‫خبيثاً مستقذراً طعماً ورائحةً‪.‬‬
‫اّللم مك ا من بِ ُك ْم مرِحيم اً ‪ .‬وق د ثب ت ض رر ال دخان عل ى‬ ‫‪ -2‬قول ه تع اىل‪  :‬موالم تم ْقتُلُ واْ أمنْ ُف مس ُك ْم إِ َّن َّ‬
‫الصحة‪ ،‬وأنه سام‪ ،‬وسبب يف أمراض كثرية مهلكة تسوق صاحبها إىل حتفه‪ ،‬فهو حمرم‪.‬‬
‫‪ -3‬تقدم يف املخدرات أن النيب ‪ ‬قال‪" :‬كل مسكر حرام" وهنى ‪ ‬عن كل مسكر ومفرت"‪،‬‬
‫والدخان على أقل تقدير مفرت‪.‬‬
‫ني‪ ‬وقال سبحانه‪ :‬موالم تُبم ِذ ْر تم ْب ِذيراً ‪‬‬ ‫ِ‬
‫ب الْ ُم ْس ِرف م‬‫‪ -4‬قوله تعاىل‪ :‬وُكلُواْ موا ْشمربُواْ موالم تُ ْس ِرفُواْ إِنَّهُ الم ُِحي ُّ‬
‫ني ‪.‬‬ ‫اط ِ‬‫‪ ‬إِ َّن الْمب ِذ ِرين مكانُواْ إِخوا من الشَّي ِ‬
‫م‬ ‫ْم‬ ‫ُم م‬
‫واإلسراف أو التبذير هو إنفاق املال وإن قل يف غري حقه‪ ،‬وإنفاق املال على ال دخان ه و م ن ه ذا‬
‫القبيل‪ ،‬فالدخان إذن حرام‪.‬‬

‫وال يقولن قائل‪ :‬ليس يف كل ما ذكر هنا وغريه دليل صريح يقضي بتحرمي الدخان‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫واجل واب‪ :‬إن ال دخان يق اس عل ى غ ريه م ن املخ درات‪ ،‬إذ ل يس ك ل ش يء ال ب د وأن يُ نمص عل ى‬
‫حكم ه يف الش ريعة‪ ،‬وإمن ا هن اك كلي ات عام ة وقواع د ش رعية ين درج حتته ا أحك ام كث رية‪ ،‬ومنه ا‬
‫الدخان وأمثاله‪.‬‬

‫حكمة حترمي الدخان‪ :‬هنى اإلسالم عن كل ما فيه مضرة على اإلنسان‪ ،‬وقد احتوى الدخان على‬
‫كثري من األضرار كاألضرار الدينية‪ ،‬واألضرار األخالقية‪ ،‬واألضرار االجتماعية‪ ،‬واألضرار االقتصادية‪،‬‬
‫واألضرار الصحية‪.‬‬

‫أ) أمــا األض ـرار الدينيــة‪ :‬فال دخان م ن أس باب الص د ع ن ذك ر هللا وع ن الص الة‪ ،‬وع دم حض ور‬
‫ص احبه جم الس ال ذكر ‪ -‬غالب اً ‪ -‬كم ا أن ه يثق ل علي ه الص يام‪ ،‬واالعتك اف‪ ،‬يق ول الش يخ عب دهللا ب ن‬
‫جربين‪ :‬لعل ذلك حدث بسبب عمى القلب احلسي واملعنوي‪.‬‬

‫ب) وأمــا أض ـراره اخللقي ــة واالجتماعيــة‪ :‬فباملش اهدة ن رى كث رياً م ن امل دخنني ل ديهم اجل رأة عل ى‬
‫إس اءة األخ الق‪ ،‬ابإلض افة إىل أن امل دخن كث ري الغض ب يث ور ألتف ه األس باب‪ ،‬ال س يما إذا نف د م ا‬
‫عن ده م ن ال دخان‪ ،‬ورمب ا يض طر إىل طل ب ال دخان بط رق غ ري مش روعة‪ ،‬كالس رقة أو االخ تالس‪ ،‬أو‬
‫التسول‪.‬‬
‫ُّ‬
‫ج) وأما أضراره الصحية‪ :‬فهي مؤملة وقاتلة‪ ،‬فسموم الدخان وتعفنه كلها تصب يف نفس امل دخن‬
‫وبدنه‪ ،‬فيصاب أبمراض كث رية يف ك ل جه از م ن أجه زة جس مه‪ ،‬كس رطان احلنج رة وس رطان القص بات‬
‫اهلوائية‪ ،‬وسرطان املعدة والبنكرايس‪ ،‬وتصلب الشرايني‪ ،‬وغريها‪.‬‬

‫د) وأمــا أض ـراره االقتصــادية‪ :‬فه ي كث رية وكب رية‪ ،‬إذ يص رف عل ى الس جاير مب ال كب رية‪ ،‬ويص رف‬
‫على عالج األمراض اليت يس ببها ك ذلك مب ال طائل ة‪ ،‬كم ا أن امل دخن يق ِرت عل ى أهل ه وأوالده‪ ،‬لي ِ‬
‫ؤمن‬
‫مثن سجايره‪ ،‬وهذا يسبب مشاكل اقتصادية واجتماعية‪ ،‬و هذه احلقائق ال ينكرها أحد حىت الذين ال‬
‫يدينون بدين احلق‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫القسم الثاني ‪:‬‬

‫األسرة المسلمة‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫احملاضرة السادسة‬
‫أمهية األسرة ومكانتها يف اإلسالم‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬أمهية األسرة يف اإلسالم‪.‬‬

‫اقتضت سنة هللا تعاىل يف اخللق أن يكون قائماً على الزوجية‪ ،‬فخلق سبحانه وتعاىل من كل شيء‬
‫زوجني‪ ،‬قال تعاىل‪  :‬وِمن ُك ِل مشي ٍء مخمل ْقنما مزْو مج ْ ِ‬
‫ني لم معلَّ ُك ْم تم مذ َّكُرو من ‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫كما أودع سبحانه وتعاىل ميالً فطرايً بني زوجي كل جنس‪ ،‬فكل ذكر مييل إىل أنثاه‪ ،‬والعكس‪،‬‬
‫وذلك لتكاثر املخلوقات واستمرار احلياة على وجه األرض‪ ،‬وجعل سبحانه ميل الرجل إىل األنثى‬
‫واألنثى إىل الرجل خمتلفاً عن ابقي الكائنات‪ ،‬فامليل عند اإلنسان غري مقيد بوقت وال متناه عند حد‬
‫الوظيفة اجلنسية‪ ،‬وذلك الختالف طبيعة اإلنسان عن طبيعة احليوان‪ ،‬فالصلة القلبية والتعلق الروحي‬
‫عند اإلنسان‪ ،‬ال يقفان عند قضاء املأرب فحسب‪ ،‬بل يستمران مدى احلياة‪.‬‬

‫مكرماً مفضالً عند خالقه ‪ -‬عز وجل ‪ -‬على كثري ممن خلق‪ ،‬فقد جعل حتقيق‬ ‫وملا كان اإلنسان َّ‬
‫هذا امليل واتصال الرجل ابملرأة عن طريق الزواج الشرعي فقط‪ ،‬وهلذا خلق هللا آدم عليه السالم وخلق‬
‫اح مدةٍ مو مج مع مل ِمْن مها مزْو مج مها‬
‫سوِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫منه حواء‪ ،‬مث أسكنهما اجلنة فق ال تعاىل‪ُ  :‬ه مو الَّذي مخلم مق ُك ْم من نَّ ْف ٍ م‬
‫ِ‬
‫اجلمنَّةم ‪.‬‬
‫ك ْ‬ ‫اس ُك ْن أمنْ م‬
‫ت مومزْو ُج م‬ ‫ليم ْس ُك من إِلمْي مها ‪‬وقال تعاىل‪ :‬موقُ ْلنما ماي م‬
‫آد ُم ْ‬
‫وهكذا كانت أول أسرة يف اتريخ البشرية هي أسرة آدم عليه السالم‪ ،‬مث تكاثرت األسر وانتشرت‬
‫إىل ما نراه اليوم‪ ،‬مصداقاً لقوله تع اىل‪  :‬مو مج معْلنما ُك ْم ُش ُعوابً موقمبمائِ مل لِتم مع مارفُوا ‪‬‬
‫ين اإلسالم ابألسرة‪ ،‬فأحاطها بسياج من العناية والرعاية‪ ،‬وحرص على استمرارها قوية‬ ‫ِ‬
‫لقد عُ م‬
‫متماسكة‪ ،‬وما ذلك إال ملكانة األسرة وأمهيتها‪ ،‬فما مكانة األسرة يف اإلسالم؟‬

‫تربز أمهية األسرة ومكانتها من خالل ما أييت‪:‬‬


‫‪ -1‬حتقيق النمو اجلسدي والعاطفي‪ ،‬وذلك شباع الن زعات الفطرية وامليول الغريزية‪ ،‬وتلبية‬
‫املطالب النفسية والروحية واجلسدية ابعتدال ووسطية‪.‬‬
‫آايتِِه أم ْن مخلم مق لم ُكم ِم ْن أمن ُف ِس ُك ْم أ ْمزمواجاً‬ ‫ِ‬
‫‪ -2‬حتقيق السكن النفسي والطمأنينة قال تعاىل‪  :‬موم ْن م‬
‫لِتم ْس ُكنُواْ إِلمْي مها مو مج مع مل بمْي نم ُكم َّم موَّدةً مومر ْلمة ‪.‬‬
‫‪ -3‬األسرة هي الطريق الوحيد إلجناب األوالد الشرعيني‪ ،‬وتربيتهم‪ ،‬وحتقيق عاطفة األبوة والبنوة‪،‬‬
‫وحفظ األنساب‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫‪ -4‬تُعد األسرة مؤسسة للتدريب على حتمل املسؤوليات‪ ،‬وإبراز الطاقات‪ ،‬إذ حياول كلٌّ من‬
‫الزوجني بذل الوسع للقيام بواجباته‪ ،‬وإثبات جدارته لتحقيق سعادة األسرة‪.‬‬
‫‪ -5‬تعد األسرة هي اللبنة لبناء اجملتمع فاجملتمع يتكون من جمموع األسر‪.‬‬

‫أما اتصال الرجل ابملرأة عن طريق غري مشروع (السفاح) فهو اتصال ال يليق بكرامة اإلنسان‪،‬‬
‫وهو وإن حقَّق الشهوة العابرة املشوبة ابحلسرة والندامة‪ ،‬إال أنه ال حيقق حبال من األحوال السكن‬
‫واهلدوء واالستقرار‪ ،‬كما أنه مل يكن من مقاصده حتمل املسؤوليات‪ ،‬وإجناب املواليد‪ ،‬وإن جاء مولود‬
‫فهو سقط‪ ،‬أو لقيط طريد‪ ،‬وهكذا يكون مثل هذا االتصال بني الذكر واألنثى‪ ،‬مصدر شقاء‬
‫وتعاسة‪ ،‬وأشباح شريرة تطارد الفاعلني له‪ ،‬فهم ال يشعرون بسعادة وال استقرار ما داموا على هذه‬
‫وسر سعادهتا وبقائها‪ ،‬وابلتايل سعادة اجملتمع‬
‫أس تكون األسرة ُّ‬ ‫احلال‪ ،‬ويبقى الزواج الشرعي ُّ‬
‫واستقراره‪.‬‬

‫ب) مكانة املرأة يف اإلسالم‬


‫لتتضح لنا مكانة املرأة ومنزلتها يف اإلسالم فإننا سنبدأ بعرض موجز حلال املرأة يف اجملتمعات‬
‫واألنظمة القدمية واحلديثة‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬

‫أوالً‪ -‬املرأة عند غري املسلمني‪:‬‬


‫قبل احلديث عن مكانة املرأة يف اإلسالم‪ ،‬ال بد من إلقاء الضوء على أوضاع املرأة يف بعض‬
‫اجملتمعات غري اإلسالمية قدمية كانت أم حديثة‪ ،‬وذلك ليربز جبالء ووضوح فضل اإلسالم على املرأة‬
‫نقاذها وإنصافها يف َجيع اجملاالت‪ ،‬ومن تلك اجملتمعات على سبيل املثال‪:‬‬

‫‪ -1‬اليواننيون‪:‬‬
‫كانت املرأة عند اليواننيني مسلوبة احلرية‪ ،‬واحلقوق اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬واالقتصادية‪ .‬كما‬
‫كانت تباع وتشرتى‪ ،‬وال حتظى ابحرتام‪ ،‬وبقيت املرأة على هذه احلال‪ ،‬إىل أن تبذلت واختلطت‬
‫ابلرجال مؤخراً‪ ،‬فشاع الزان عندهم وصار فعل الفاحشة غري ُمستمبشع وال ُمستنكر‪ ،‬فكان ذلك إيذاانً‬
‫ابهنيار حضارهتم وسقوطها‪.‬‬
‫‪ -2‬الرومانيون‪:‬‬
‫كانت املرأة الرومانية معدومة األهلية متاماً كالصغري واجملنون‪ ،‬وعندما تتزوج تدخل يف سيادة‬
‫زوجها‪ ،‬وتصري يف حكم ابنته‪ ،‬وله أن حياكمها‪ ،‬ويعاقبها ابإلعدام يف بعض األحيان‪ ،‬مث تغري‬
‫وضعها‪ ،‬فخرجت إىل جمالس اللهو والطرب‪ ،‬وشرب اخلمور مما أدى إىل خراب حضارة الرومان‬
‫وزواهلا‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫‪ -3‬املرأة يف احلضارة اهلندية ‪:‬‬


‫كانت املرأة عندهم قاصرة‪ ،‬وليس هلا حق االستقالل عن أبيها أو زوجها أو ابنها‪ ،‬وهي يف‬
‫نظرهم مصدر شؤم‪ ،‬ومدنسة لكل شيء متسه‪ ،‬وال بد هلا من حرق نفسها عند موت زوجها‪ ،‬وإال‬
‫عرضت نفسها هلوان أشد عذاابً من النار‪ ،‬وكانت املرأة تُقدَّم قرابانً لآلهلة لرتضى‪ ،‬أو لتأمر ابملطر أو‬ ‫َّ‬
‫الرزق‪.‬‬

‫‪ -4‬اليهود‪:‬‬
‫يمعُ ُّد اليهود ‪ -‬بناءً على أصلهم احملرف ‪ -‬املرأة لعنة‪ ،‬إذ هي أصل الشرور ومنبع اخلطااي‪ ،‬ألهنا ‪-‬‬
‫حبسب زعمهم ‪ -‬أغرت آدم ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬ابألكل من الشجرة امللعونة‪ ،‬كما يعدوهنا جنسة يف‬
‫أايم حيضها‪ ،‬وهي عندهم مبرتبة اخلادم‪ ،‬وألبيها احلق يف بيعها قاصرة‪ ،‬وهي حمرومة من املرياث‪ ،‬مث‬
‫تغري حال املرأة عند كثري من اليهود‪ ،‬من النقيض إىل النقيض‪ ،‬ويكفي أن نعلم أن املرأة أصبحت‬
‫عندهم من األسلحة اليت يستخدموهنا يف غزو قلوب الشباب وإفسادهم‪ ،‬والسيطرة على العامل‪.‬‬

‫وقد جاء يف بروتوكوالت حكماء صهيون‪" :‬جيب أن نعمل لتنهار األخالق يف كل مكان فتسهل‬
‫سيطرتنا‪ ،‬إن فرويد منا وسيظل يعرض العالقات اجلنسية يف ضوء الشمس‪ ،‬لكي ال يبقى يف نظر‬
‫الشباب شيء مقدس‪ ،‬ويصبح مهه األكرب هو إرواء غرائزه اجلنسية‪ ،‬وحينئذ تنهار أخالقه"‪.‬‬

‫‪ -5‬النصارى ‪:‬‬
‫كانت النظرة إىل املرأة عن د رج ال الكنيس ة ق دمياً نظ رة س وداوية‪ ،‬ألهن ا يف نظ رهم ه ي ال يت أغ رت آدم‬
‫علي ه الس الم ابألك ل م ن الش جرة امللعون ة‪ ،‬وك انوا يش ككون يف إنس انية امل رأة‪ ،‬ول يس هل ا عن دهم ح ق يف‬
‫التملك‪ ،‬بل إنه يباح بيعها يف بعض األحي ان‪ ،‬كم ا أهن م ك انوا حيتق رون العالق ة اجلنس ية ب ني الرج ل وامل رأة‪،‬‬
‫ويزهدون هبا‪ ،‬وإن كانت عن طريق مشروع‪.‬‬‫ِ‬

‫‪ -6‬العرب يف اجلاهلية قبل اإلسالم‬


‫ِ‬
‫كان العرب يتشاءمون من والدة األنثى‪ ،‬قال تعاىل‪  :‬موإِ مذا بُشمر أ م‬
‫مح ُد ُه ْم ِابألُنْثمى ظم َّل مو ْج ُههُ‬
‫الرت ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ ِِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اب‬ ‫ُم ْس موداً موُه مو مكظيم ‪  ‬يمتم مو مارى م من الْ مق ْوم من ُسوء مما بُشمر به أمميُْس ُكهُ معلمى ُهون أ ْمم يم ُد ُّسهُ ِيف ُّم‬
‫أمالم مساءم مما مْحي ُك ُمو من ‪ ‬وليس للمرأة حق يف املشورة أو إبداء الرأي‪ ،‬ولو كان ذلك يف أخص‬
‫خصوصياهتا‪ ،‬كاختيار الزوج مثالً‪ ،‬وليس هلا حق يف اإلرث‪ ،‬وال يف املهر‪ ،‬وليس لتعدد الزوجات‬
‫عندهم حد معني‪ ،‬وال للطالق عدد حمدود‪ ،‬وتعد زوجة األب إراثً ألكرب أبنائه من غريها‪ ،‬كما كانت‬
‫هناك بعض أنواع النكاح الفاسدة ‪ ،‬كالشغار واالستبضاع والبِغاء وغريها‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫اثنياً‪ :‬مكانة املرأة يف اإلسالم‪:‬‬


‫أنص ف اإلس الم امل رأة‪ ،‬وأعطاه ا حقوقه ا املختلف ة‪ ،‬ورد هل ا اعتباره ا كإنس ان‪ ،‬وحظي ت مبكان ة‬
‫ظ هبا يف أي جمتمع غري مسلم‪ ،‬سواء أكان قدمياً أم حديثا‪ ،‬ومن مظاهر هذا التكرمي‪:‬‬ ‫عظيمة مل حت م‬
‫‪ -1‬أقر اإلسالم إنسانية املرأة وكرامتها‪ ،‬وأهنا خملوقة من نفس الرجل‪ ،‬وهي إنسانة مثله متاماً‪ ،‬يف‬
‫اح مدةٍ‬ ‫س وِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاس اتَّ ُقواْ مربَّ ُك ُم الَّذي مخلم مق ُك ْم من نَّ ْف ٍ م‬
‫‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ا‬‫ه‬‫م‬ ‫مي‬
‫ُّ‬ ‫َي‬ ‫‪‬‬ ‫‪:‬‬ ‫تعاىل‬ ‫قال‬ ‫اخللقة وأصل الكرامة‬
‫مو مخلم مق ِمْن مها مزْو مج مها ‪.‬‬
‫‪ -2‬برأها مما ألصقه هبا بعض أصحاب الدايانت السابقة من أهنا أم املصائب‪ ،‬وأهنا سبب إخراج‬
‫آدم من اجلنة‪ ،‬وبني أن الشيطان هو السبب يف إغراء آدم وحواء‪ ،‬ق ال تع اىل‪  :‬فمأ ممزَّهلُمما‬
‫اان فِ ِيه ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫مخمر مج ُه مما ممَّا مك م‬
‫الشَّْيطما ُن معْن مها فمأ ْ‬
‫‪ -3‬حرم التشاؤم بوالدهتا‪ ،‬أو التعرض حلياهتا بغري حق‪ ،‬أبي شكل من األشكال‪.‬‬
‫‪ -4‬أمر اإلسالم كرام املرأة يف َجيع مراحل حياهتا‪ ،‬سواء كانت أماً أو بنتاً أو زوجة‪.‬‬

‫أما األم‪ :‬فقد ثبت إكرامها بنصوص كثرية منها‪:‬‬


‫ك أَالَّ تَـ ْعبُ ُدواْ إِّالَّ إِّ ََّّيهُ َوِّابل َْوالِّ َديْ ِّن إِّ ْح َساانً ‪ ،‬فقد قرن هنا سبحانه‬
‫ضى َربُّ َ‬
‫قول ه تعاىل‪َ  :‬وقَ َ‬
‫اإلحسان لألبوين بعبادته‪.‬‬
‫وقد جاء رجل إىل رسول هللا ‪ ‬فقال‪ " :‬من أحق الن اس حبس ن ص حابيت؟ ق ال‪ :‬أم ك‪ ،‬ق ال‪:‬‬
‫مث من؟ قال‪ :‬مث أمك‪ ،‬قال‪ :‬مث من؟ قال‪ :‬مث أمك‪ .‬قال مث من؟ قال‪ :‬مث أبوك"‪.‬‬
‫وأما البنت‪ :‬فقد رغب اإلسالم يف تربيتها‪ ،‬واإلحسان إليها‪ ،‬ورتب األجر العظيم عل ى ذل ك‪،‬‬
‫فع ن عائش ة ‪ -‬رض ي هللا عنه ا ‪ -‬أن الن يب ‪ ‬ق ال‪" :‬م ن ابتل ي م ن البن ات بش يء فأحس ن‬
‫إليهن كن له سرتاً من النار"‪.‬‬
‫اشروه َّن ِابلْمعر ِ‬
‫ِ‬
‫وف‬‫وأما الزوجة‪ :‬فقد جاء إكرامها كذلك يف القرآن والسنة‪ ،‬قال تعاىل‪  :‬مو مع ُ ُ م ْ ُ‬
‫اّللُ فِ ِيه مخ ْرياً مكثِرياً ‪.‬‬ ‫فمِإن مك ِرْهتُ ُم ُ‬
‫وه َّن فم مع مسى أمن تمكمْرُهواْ مشْيئاً مومْجي مع مل َّ‬
‫وقال ‪" :‬الدنيا متاع‪ ،‬وخري متاع الدنيا املرأة الصاحلة"‪.‬‬

‫‪ -5‬جعل اإلسالم املرأة أهالً للتكليف‪ ،‬فهي مكلفة كما أن الرجل مكلف‪ ،‬وجمزية أبعماهلا دنيا‬
‫وآخرة‪ ،‬إن خرياً فخري وإن شراً فشر‪ ،‬قال تعاىل‪  :‬من ع ِمل ص ِ‬
‫احلاً ِمن ذم مك ٍر أ ْمو أُنْثمى موُه مو‬ ‫مْ م م م‬
‫ِ‬
‫مجمرُهم ِأب ْ‬
‫مح مس ِن مما مكانُواْ يم ْع مملُو من ‪.‬‬ ‫ُم ْؤمن فملمنُ ْحيِيم نَّهُ محيماةً طميِبمةً مولمنم ْج ِزيمن ُ‬
‫َّه ْم أ ْ‬
‫‪ -6‬أعطاه ا اإلس الم حقوق اً مالي ة بع د أن كان ت حمروم ة منه ا‪ ،‬فله ا ح ق امله ر‪ ،‬وهل ا أن ت رث‪،‬‬
‫وتتصرف فيما متتلك‪ ،‬وفق حدود الشرع‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫‪ -7‬جعل هلا احلق يف املشاورة وإبداء الرأي‪ ،‬بعد أن كانت مسلوبة متاماً من هذا‪،‬‬
‫اح معلمْي ِه مما ‪.‬‬ ‫ق ال تعاىل‪  :‬فمِإ ْن أمرادا فِصاالً عن تمر ٍ ِ‬
‫اض مْن ُه مما موتم مش ُاوٍر فمالم ُجنم م‬ ‫مم م م م‬
‫كم ا يؤخ ذ رأيه ا يف ال زواج‪ ،‬وهل ا ح ق يف اخلل ع‪ ،‬إذا م ا كره ت االس تمرار يف ال زواج‪ ،‬ه ذا‬
‫ابإلضافة إىل حقوق كثرية َييت ذكرها‪.‬‬

‫ولعل أوضح مثال على حفظ حقوق املرأة يف مملكتنا احلبيبة اململكة العربية السعودية‪ ،‬وهي‬
‫الدولة اليت قامت على حتكيم كتاب هللا وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم ما نصت عليه رؤية اململكة‬
‫من‬ ‫‪2030‬‬
‫مهما من عناصر قوة اململكة‪ ،‬وسنستمر يف تنمية مواهبها واستثمار‬ ‫عنصرا ًّ‬
‫( أن املرأة السعودية تعد ً‬
‫طاقاهتا ومتكينها من احلصول على الفرص املناسبة لبناء مستقبلها واإلسهام يف تنمية جمتمعنا واقتصادان‬
‫بتوفري العوامل اليت تساعد على متكينها‪ ،‬من إرادة سياسية‪ ،‬وإمكاانت اقتصادية‪ ،‬ووعي جمتمعي أبمهية‬
‫دور املرأة يف التنمية ( ‪.‬‬

‫وتقدمت املرأة السعودية خبطوات اثبتة حنو التمكني بعد صدور العديد من القرارات‬
‫والتشريعات واألنظمة اليت تعزز مكانتها وحتفظ حقوقها الشخصية واالجتماعية‪ ،‬وضمان مشاركتها‬
‫يف منظومة التنمية وصناعة القرار‪ ،‬بفضل ما أولته حكومة خادم احلرمني الشريفني امللك سلمان‬
‫بن عبدالعزيز وويل عهده األمني من رعاية ودعم وفق رؤية اململكة الطموحة ‪.2030‬‬

‫وسعياً لتهيئة بيئة مناسبة لربامج الرؤية‪ ،‬بذلت اجلهات ذات العالقة مبا فيها جملس الشورى‬
‫جهودا ملموسة يف سبيل حتسني الوضع احلقوقي والتشريعي للمرأة يف اململكة‪ ،‬وذلك من‬
‫ووزارة العدل ً‬
‫خالل إصدار القرارات وسن التشريعات املتعلقة بتوظيفها ومتكينها ابلعمل يف القطاع احلكومي‪،‬‬
‫توجهها حنو رايدة األعمال والتجارة‬
‫وتوفري الدعم االجتماعي والصحي واألمين هلا‪ ،‬وتعزيز ُّ‬
‫واالستثمار‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫احملاضرة السابعة‬
‫الشبه املثارة حول املرأة يف اإلسالم‬

‫الشبه حول املرأة املسلمة لصدها عن دينها‪ ،‬وتشويه صورة اإلسالم‬


‫أاثر أعداء اإلسالم َجلة من ُ‬
‫يف فكرها وعقلها‪ ،‬حىت يُفسدوا ما استطاعوا من نساء املسلمني‪ ،‬وحيققوا عن طريق إفساد املرأة‬
‫املسلمة إفساد اجملتمع املسلم‪ ،‬وهذه الشبة كثرية ومتنوعة ‪ ،‬ولكن سنقتصر هنا على عرض بعضها‬
‫ومناقشته‪.‬‬

‫وهذه الشبه كثرية ‪ ،‬سنعرض لبعضها على سبيل اإلَجال‪:‬‬


‫الشبهة األوىل‪ :‬عمل املرأة‪ ،‬وأن املرأة يف اجملتمعات اإلسالمية ال تعمل‪ ،‬وأن نصف اجملتمع معطل‪.‬‬
‫الشبهة الثانية ‪ :‬شهادة املرأة ‪ ،‬وأن شهادة املرأة على النصف من شهادة الرجل ‪.‬‬
‫الشبهة الثالثة ‪ :‬تنصيف دية املرأة ‪ ،‬وأن دية املرأة على النصف من دية الرجل‪ ،‬ويف هذا إهدار ملن زلة‬
‫املرأة وكرامتها ‪.‬‬
‫الشبهة الرابعة ‪ :‬تعدد الزوجات ‪ ،‬وأنه جمرد استجابة للشهوات‪ ،‬وأن فيه امتهان للمرأة‪ ،‬وأنه يؤدي إىل‬
‫اخلصام والشقاق بني أفراد األسرة الواحدة‪.‬‬
‫الشبهة اخلامسة ‪ :‬شبه خاصة حبجاب املرأة املسلمة‪ ،‬وأن فيه تضييق وعدم ثقة ابملرأة وأنه يعترب عائقاً‬
‫أمام تقدمها ‪.‬‬
‫الشبهة السادسة ‪ :‬اإلرث‪ ،‬وأن املرأة ال ترث إال على النصف من الرجل ‪.‬‬
‫الشبهة السابعة‪ :‬حرية املرأة يف اإلسالم ‪.‬‬

‫الشبهة األول حول عمل املرأة والرد عليها ‪:‬‬


‫قالوا‪ :‬إن املرأة يف اإلسالم مل متارس ما ميارسه الرجل من األعمال والوظائف‪ ،‬وهبذا يصبح نصف‬
‫اجملتمع عاطالً عن العمل‪ ،‬وحتل البطالة ابألمة‪.‬‬

‫والرد على هذه الشبهة يكون بذكر احلقائق اآلتية‪:‬‬


‫أ‪ -‬إن اإلسالم ال مينع عمل املرأة من حيث املبدأ يف اجملاالت اليت تدعو احلاجة إليها‪ ،‬أو اليت‬
‫حتتاجها املرأة ابلضوابط الشرعية ‪ .‬ووفق األنظمة املرعية ‪,‬‬
‫ب‪ -‬إن دعوى منع املرأة من العمل وتعطيل نصف اجملتمع‪ ،‬مغالطة ومكابرة‪ ،‬بل املرأة تعمل يف‬
‫بيتها أوالً وذلك برتبية أطفاهلا وخدمة زوجها‪ ،‬وهذه مسؤولية عظيمة‪ ،‬مث إهنا تعمل يف خارج‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫بيتها يف التعليم ‪ ،‬والتمريض‪ ،‬واملصارف وكثري من املؤسسات األخرى وفق ضوابط الشريعة‬
‫اإلسالمية‪ .‬ووفق األنظمة اليت حتفظها من أي اعتداء أو جتاوز ‪.‬‬
‫ج‪ -‬تكوين املرأة النفسي واجلسدي خيالف تكوين الرجل‪ ،‬فاملرأة يعرتيها حيض ولل ونفاس‪،‬‬
‫ورضاع‪ ،‬وما يرافق ذلك من آالم وحاالت نفسية‪ ،‬فمن الطبيعي أن يكون لكل من الرجل‬
‫واملرأة عمل يناسب طبيعته‪ ،‬قال تعاىل‪  :‬ولمْيس َّ‬
‫الذ مك ُر مكاألُنْثمى ‪. ‬‬ ‫م م‬
‫الشبهة الثانية والرد عليها ‪ :‬شهادة املرأة ‪.‬‬

‫قالوا ‪ :‬إن اإلسالم انتقص املرأة وعاملها دون الرجل فجعل شهادهتا على النصف من شهادة‬
‫يديْ ِن ِمن‬ ‫استم ْش ِه ُدواْ مش ِه م‬‫الرجل‪ ،‬ويف هذا هدر إلنسانيتها وكرامتها‪ ،‬يشريون إىل قوله تعاىل‪  :‬مو ْ‬
‫امهما فمتُ مذكِمر إِ ْح مد ُ‬ ‫ضو من ِمن الشُّه مدا ِء أمن تم ِ‬ ‫ِِ‬ ‫وان ر ُجلم ْ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫امهما‬ ‫ض َّل إْ ْح مد ُ‬ ‫ني فم مر ُجل مو ْاممرأ مماتن ممَّن تم ْر م ْ م م‬ ‫ِر مجال ُك ْم فمإن َّملْ يم ُك م م‬
‫ُخمرى ‪.‬‬ ‫األ ْ‬
‫وللرد عليهم نقول ‪:‬‬
‫سوى بني الرجل واملرأة يف هذا‬‫أ‪ -‬موضوع الشهادة ال عالقة له ابإلنسانية والكرامة‪ ،‬فاإلسالم َّ‬
‫اجلانب‪.‬‬
‫ب‪ -‬إن موضوع الشهادة خاص ابألمور املالية‪ ،‬وإثبات احلقوق‪ ،‬واجلناايت‪ ،‬وهذا كله ليس من‬
‫اختصاص املرأة‪ ،‬وال من ضمن اهتماماهتا‪ ،‬فهي تنسى هذه األمور‪ ،‬وال تلقي هلا ابالً‪ ،‬ولذلك‬
‫ُخمرى ‪.‬‬ ‫امهما فمتُ مذكِمر إِ ْح مد ُ‬
‫امهما األ ْ‬
‫جاء التعليل يف اآلية‪  :‬أمن تم ِ‬
‫ض َّل إْ ْح مد ُ‬
‫ج‪ -‬كما أن املرأة عاطفيه بطبعها‪ ،‬فقد تتأثر ابملوقف أو تتأثر ابملشهود له أو عليه‪ ،‬ذكراً كان أو‬
‫أنثى‪ ،‬فينعكس ذلك على شهادهتا‪.‬‬
‫د‪ -‬ومما يدل على أن شهادهتا ال عالقة هلا ابإلنسانية وال ابالنتقاص من كرامتها وقدرها‪ ،‬هو أن‬
‫اإلسالم قبل شهادهتا وحدها فيما خيص النساء‪ ،‬ومما يطلعن عليه دون الرجال غالباً‪ ،‬فتقبل‬
‫هبذا شهادهتا وحدها يف إثبات الوالدة‪ ،‬ويف الثيوبة والبكارة‪ ،‬ويف الرضاع وحنوها‪.‬‬

‫الشبهة الثالثة حول الدية والرد عليها ‪:‬‬


‫قال أصحاب الشبهة‪ :‬تقولون إن اإلسالم سوى بني الرجل واملرأة‪ ،‬يف حني نرى أن دية املرأة‬
‫على النصف من دية الرجل‪ ،‬فهذا فيه تناقض من جهة‪ ،‬كما أن فيه إهداراً ملن زلة املرأة‬
‫وكرامتها من جهة أخرى‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫الرد على هذه الشبهة ‪:‬‬


‫سوى اإلسالم بني الرجل واملرأة يف الكرامة واإلنسانية‪ ،‬فهما يف ذلك سواء‪ ،‬وهلذا يف حال‬ ‫أ‪ -‬قد َّ‬
‫االعتداء على النفس عمداً يقتل القاتل ابملقتول‪ ،‬سواء أكان القاتل رجالً أو امرأة‪ ،‬أو املقتول‬
‫رجالً أو امرأة‪.‬‬
‫ف ِابألمنْ ِ‬
‫ف مواألُذُ من‬ ‫ني ِابلْ مع ْ ِ‬
‫ني مواألمنْ م‬ ‫س موالْ مع ْ م‬ ‫م‬ ‫قال تعاىل‪  :‬مومكتم ْب نما معلمْي ِه ْم فِ ميها أ َّ‬
‫من النَّ ْفس ِابلنَّ ْف ِ‬
‫اجلر ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫صاص ‪.‬‬ ‫وح ق م‬ ‫ابألُذُن موالس َّن ابلس ِن مو ُُْ م‬
‫فرق يف دية اجلنني بني كونه ذكراً أو أنثى‪ ،‬حيث قضى فيه رسول هللا ‪‬‬ ‫كما أن اإلسالم مل يُ ِ‬
‫"بغرة عبد أو أمة"‪ .‬ابعتباره نفساً‪ ،‬وفيها دية‪.‬‬
‫ب‪ -‬يف حال قتل اخلطأ وحنوه‪ ،‬أو تنازل ويل املقتول عمداً عن القصاص‪ ،‬وقبوله الدية‪ ،‬فتكون‬
‫حينئذ دية املرأة على النصف من دية الرجل‪ ،‬ال ألن إنسانيتها غري إنسانية الرجل‪ ،‬وإمنا تكون‬
‫الدية هنا تعويضاً للضرر الذي أل َّم أبسرة املقتول واخلسارة اليت حلت هبا‪ ،‬فخسارة األوالد‪،‬‬
‫والزوجة بفقد األب املكلف ابإلنفاق عليهم وتعليمهم‪ ،‬غري خسارة الزوج واألبناء بفقد زوجته‬
‫وأم أبنائه‪ ،‬اليت مل تكلف ابإلنفاق على نفسها وال على غريها ‪ -‬غالباً ‪ -‬ففي احلالة األوىل‬
‫تعوض مبال‪.‬‬ ‫اخلسارة خسارة مالية‪ ،‬ويف الثانية خسارة معنوية‪ ،‬واخلسارة املعنوية ال َّ‬
‫ج‪ -‬تكون دية املرأة‪ -‬أحياانً‪ -‬مساوية لدية الرجل‪ ،‬بل هناك من يقول بتساوي دية الرجل واملرأة يف‬
‫َجيع األحوال‪ ،‬وعلى كل حال فإن الدية وتنصيفها‪ ،‬ال عالقة له نسانية املرأة‪ ،‬وال ينتقص‬
‫ذلك من كرامتها كما سبق بيانه‪.‬‬

‫الشبهة الرابعة حول تعدد الزوجات يف اإلسالم والرد عليها ‪:‬‬


‫وميكن تلخيص هذه الشبهة مبا َييت ‪:‬‬
‫أ‪ -‬التعدد إمنا عُرف عند املسلمني‪ ،‬وهو جمرد استجابة للن زوات والشهوات‪.‬‬
‫ب‪ -‬يف التعدد امتهان للمرأة وتسلط عليها‪ ،‬وهذا ٍ‬
‫مناف للمساواة‪.‬‬
‫ج‪ -‬التعدد يؤدي إىل اخلصام والشقاق بني أفراد األسرة الواحدة‪.‬‬
‫د‪ -‬التعدد يؤدي إىل كثرة النسل‪ ،‬مما يصعب معه الرتبية والتعليم‪ ،‬كما يؤدي إىل البطالة‪ ،‬وكثرة‬
‫االحنراف يف األمة‪.‬‬

‫وقبل الرد على هذه الشبهة جبوانبها املتعددة‪ ،‬ال بد من التأكيد على احلقائق اآلتية‪:‬‬
‫اب لم ُك ْم ِم من‬ ‫ِ‬
‫‪ −‬أابح اإلسالم التعدد ملن رغب فيه وقدر عليه‪ ،‬فقال تعاىل‪  :‬فمانك ُحواْ مما طم م‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك أ ْمد مىن أمالَّ‬ ‫ع فمِإ ْن خ ْفتُ ْم أمالَّ تم ْعدلُواْ فم مواح مدةً أ ْمو مما مملم مك ْ‬
‫ت أمْميمانُ ُك ْم ذل م‬ ‫النِ مساء ممثْ مىن موثُالم م‬
‫ث موُرماب م‬
‫تمعُولُواْ‪ ‬وال جيوز منعه بشكل عام‪ ،‬أو التشكيك فيه‪ ،‬أو التنفري عنه‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫‪ −‬أن هللا تعاىل أحكم شرعة التعدد ونظامه إحكاماً متقناً مبا يزيح عنه كل نقد وعيب‪،‬‬
‫واإلساءات اليت حتصل يف التعدد‪ ،‬إمنا هي من سوء استخدام حق التعدد‪ ،‬وهذا ال يكون‬
‫حجة على الشرع‪.‬‬
‫‪ −‬جيب على من يعدد‪ ،‬العدل بني األزواج فيما ميلك‪ ،‬يف املسكن‪ ،‬والنفقة‪ ،‬والكسوة‪،‬‬
‫واملعاشرة‪ ،‬وأما ما ليس يف مقدوره أو استطاعته كامليل القليب‪ ،‬فليس مؤاخذاً به لقوله تعاىل‪ :‬‬

‫وها مكالْ ُم معلَّ مق ِة ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ولمن تمست ِطيعواْ أمن تمع ِدلُواْ ب ِ ِ‬
‫صتُ ْم فمالم ممتيلُواْ ُك َّل الْ ممْي ِل فمتم مذ ُر م‬
‫ني الن مساء مولم ْو محمر ْ‬
‫ْ مْ م‬ ‫م ْم ُ‬
‫وقالت أم املؤمنني عائشة ‪ -‬رضي هللا عنها ‪ -‬أن النيب ‪ ‬كان يقسم بني نسائه فيعدل ويقول‪:‬‬
‫"اللهم هذه قسميت فيما أملك‪ ،‬فال تلمين فيما متلك وال أملك"‪.‬‬
‫‪ −‬إن زواج النيب ‪ ‬بزوجاته الطاهرات أمهات املؤمنني‪ ،‬كان مضرب املثل‪ ،‬يف العفاف والطهر‪،‬‬
‫والغاايت النبيلة‪ ،‬وكان َجعه ألكثر من أربع من أمهات املؤمنني خصوصية من خصوصياته‬
‫اليت أكرمه هللا هبا‪ ،‬وكان زواجه هبن ألغراض سامية‪ ،‬ومصلحة دينية‪ ،‬كبيان التشريع‪ ،‬أو‬
‫حتقيق التكافل جبرب خواطر األرامل‪ ،‬أو أتليف قلوب الناس وتقريبهم إىل اإلسالم‪ ،‬أو تقدير‬
‫وتكرمي بعض األصحاب الذين ضحوا وأبلوا يف اإلسالم بالءً حسناً‪ ،‬وقد كان أول زواجه أبم‬
‫املؤمنني خدجية‪ ،‬وكانت ثيباً وتكربه خبمسة عشر عاماً‪ ،‬ومل يتزوج عليها وهي حية‪ .‬رضي هللا‬
‫عن أمهات املؤمنني أَجعني‪.‬‬
‫‪ −‬قد يكون التعدد ‪ -‬أحياانً ‪ -‬ضرورة من الضرورات االجتماعية أو الشخصية‪ ،‬وهلذا أابحه‬
‫الشارع احلكيم‪ ،‬ومن هذه الضرورات‪:‬‬

‫ازدايد عدد النساء على الرجال لكثرة املواليد منهن‪.‬‬ ‫أ‪-‬‬


‫حاجة األمة املستمرة إىل التكاثر بشكل عام‪ ،‬وإىل الرجال بشكل خاص‪.‬‬ ‫ب‪-‬‬
‫قد تكون الزوجة مريضة أو عقيماً‪ ،‬فمن األكرم هلا ولزوجها‪ ،‬أن يتزوج أبخرى مع بقاء‬ ‫ج‪-‬‬
‫األوىل واإلحسان إليها‪.‬‬
‫قد يكون الرجل كثري األسفار‪ ،‬وال يستطيع اصطحاب زوجه‪ ،‬وهو خيشى على نفسه‬ ‫د‪-‬‬
‫ويعف نفسه‪.‬‬
‫الفتنة‪ ،‬فمن الضروري هنا أن يتزوج َّ‬
‫بعض الرجال لديه قوة جنسية‪ ،‬فال تكفيه زوجته‪ ،‬وخباصة أن املرأة متر بظروف حيض‬ ‫ه‪-‬‬
‫ولل ونفاس ومرض‪ ،‬فيعدد حىت ال يقع يف احلرام‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫شبه‪:‬‬‫الر ّد على هذه ال ُ‬


‫أ ‪ -‬قوهلم‪ :‬إن اإلسالم هو أول من جاء ابلتعدد‪ ..‬اخل‪.‬‬
‫ليس صحيحاً‪ ،‬فالتعدد كان موجوداً قبل اإلسالم‪ ،‬وعرفته شعوب كثرية كالعربيني‪ ،‬والصقالبة‪،‬‬
‫واجلرمانيني‪ ،‬واليهود والنصارى‪ ،‬و األنبياء قبل شعوهبم‪ ،‬كما كان التعدد موجوداً يف اجلاهلية قبل‬
‫اإلسالم بال حدود‪ ،‬فأقره اإلسالم وقيده أبربع زوجات‪ ،‬والتعدد موجود حىت اآلن عند شعوب‬
‫غري إسالمية يف افريقية‪ ،‬واهلند والصني‪ ،‬والياابن وغريها‪ ،‬وهبذا يتضح بطالن هذا الزعم‪.‬‬

‫ب ‪ -‬قوهلم‪ :‬التعدد امتهان للمرأة وتسلط عليها‪ ..‬ليس صحيحاً ما ادعوه‪ ،‬بل يف التعدد إكرام‬
‫للمرأة وحفظ ملصاحلها‪ ،‬وقد سبق ذكر ضرورات التعدد وحكمه‪ ،‬فاملرأة األوىل من مصلحتها‬
‫البقاء مع زوجها‪ ،‬واملرأة الثانية مل جترب على الزواج‪ ،‬ويف التعدد مصلحة عامة‪ ،‬تقدم على‬
‫مصلحة الزوجة اليت تفضل وحدة الزوجية‪ ،‬واملرأة من األفضل هلا أن تكون اثنية أو اثلثة أو‬
‫رابعة‪ ،‬وتنجب األطفال‪ ،‬من أن تكون بال زوج مهددة ابألخطار‪ ،‬والفتنة‪..‬‬

‫ج ‪ -‬قوهلم‪ :‬إن التعدد ينشأ عنه املشاكل واألحقاد بني أفراد األسرة‪ ..‬اخل‪ ،‬نعم قد يوجد مثل‬
‫هذه املشاكل الناشئة عن الغرية‪ ،‬كما أن مثل هذا قد يوجد يف األسرة اليت ليس فيها تعدد‪،‬‬
‫ووجود مثل هذا‪ ،‬ال مينع التعدد وال يعطله‪ ،‬فال سبحانه شرع التعدد مع علمه سبحانه‬
‫ابلنفوس والطبائع‪ ،‬وهذا دال على أن مقاصد التعدد تسمو بكثري‪ ،‬عما قد يقع من الكيد‬
‫والتباغض أثراً هلذه الغرية الطبيعية‪.‬‬

‫وما حيصل يف األسرة من خصام وخالف‪ ،‬ميكن أن يتالشى متاماً‪ ،‬أو يكرب ويعظم خطره فعالً‬
‫وذلك حبسب حكمة الزوج وحسن تصرفه وإدراكه ملسؤوليته‪ ،‬وحبسب عدله وظلمه‪ ،‬فكلما كان‬
‫الزوج حمسناً ألزواجه وأبنائه‪ ،‬عادالً بينهم‪ ،‬سالكاً هبم طريق الصالح والرشد‪ ،‬تعليماً وتربية‬
‫ونصحاً‪ ،‬كانت حياته وحياهتم تسودها املودة واحملبة‪ ،‬وكلما كان مقصراً يف احلقوق مهمالً يف‬
‫التذمر‪ ،‬معرضة لالهنيار‪ ،‬سواء مع التعدد أو‬
‫الرتبية والرعاية‪ ،‬كانت األسرة مضطربة يسودها ُّ‬
‫بدونه‪.‬‬

‫د‪ -‬قوهلم‪ :‬التعدد يؤدي إل كثرة النسل مما يصعب معه الرتبية والتعليم‪ ...‬اخل‬
‫مما ال شك فيه أنه كلما ازداد عدد أفراد األسرة‪ ،‬اتسعت مسؤوليات األب واألم‪ ،‬واحتاجت‬
‫أمور األسرة إىل مزيد عناية ورعاية واهتمام من َجيع النواحي‪ ،‬لكن ما قالوه ميكن أن ينطبق‬
‫على جمتمع تسوده الرذيلة ال الفضيلة‪ ،‬وحتكمه الشهوة واملادة‪ ،‬ال الشريعة واخللق القومي‪ ،‬حيث‬
‫يكثر فيه اللقطاء‪ ،‬الذين مل يُعرف آابؤهم وال ينتمون إىل أسرة يعتزون هبا وحيافظون على مسعتها‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫النسل الناشئ عن التعدد املشروع‪ ،‬ويف ظل‬


‫وكرامتها‪ ،‬بل هم انقمون على جمتمعهم‪ ،‬وأما كثرة ْ‬
‫الرتبية الصحيحة‪ ،‬والتوجيه السليم‪ ،‬فهو مصدر سعادة لذويهم وجمتمعهم‪ ،‬واألمة حتتاج جلهودهم‬
‫وهبم تفتخر‪ ،‬أما إذا ختلفت الرتبية‪ ،‬وغابت الفضيلة عن أفراد األسرة كان االحنراف والشقاء‬
‫قل عدد أفرادها‪.‬‬
‫لديهم‪ ،‬وإن َّ‬

‫ومما يدل على ضرورة التعدد ‪ -‬أحياانً ‪ -‬وحاجة الناس إليه هو‪ :‬أن اجملتمعات اليت‬
‫أُطلقت فيها احلرايت‪ ،‬وأخذت مببدأ املساواة بني الرجال والنساء‪ ،‬قد جترعت مرارة الفجور‬
‫واإلابحية والتشرد والتفكك‪ ،‬مما حدا مبفكريهم وعقالئهم نساء ورجاالً‪ ،‬ابملناداة ابألخذ بنظام‬
‫التعدد كما هو احلال عند املسلمني‪ ،‬ومن هذه البالد‪ ،‬انكلرتا‪ ،‬وأمريكا‪ ،‬وأملانيا‪ ،‬وفرنسا وغريها‪.‬‬

‫الشبهة اخلامسة‪ :‬حول حجاب املرأة املسلمة والرد عليها‪:‬‬


‫لنبدأ أوال ابلكالم على احلجاب وأحكامه‪ ،‬مث نرد على الشبه املثارة حوله‪:‬‬

‫تعريف احلِّجاب‪:‬‬
‫هو لباس شرعي ساب تسترت به املرأة املسلمة ليمنع الرجال األجانب من رؤية شىء من‬
‫جسدها‪ ،‬ويقابله التربج والسفور‪.‬‬

‫حكم احلجاب‪ :‬احلجاب واجب على املرأة املسلمة ابلقرآن والسنة‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ضن ِمن أمب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ين‬
‫وج ُه َّن موالم يُْبد م‬ ‫صا ِره َّن مومْحي مفظْ من فُ ُر م‬ ‫ض ْم ْ ْ م‬ ‫فمن القرآن قول ه تعاىل‪  :‬موقُل ل ْل ُم ْؤِمنمات يم ْغ ُ‬
‫آابئِ ِه َّن أ ْمو‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِزينم ت ه َّن إِالَّ ما ظمهر ِمْن ها ولْي ْ ِ ِ‬
‫ين ِزينم تم ُه َّن إِالَّ لبُعُولمت ِه َّن أ ْمو م‬
‫ض ِربْ من خبُ ُم ِره َّن معلمى ُجيُوهب َّن موالم يُْبد م‬ ‫م مم م م م‬ ‫مُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آابء بُعُولمت ِه َّن أ ْمو أمبْنمائ ِه َّن أ ْمو أمبْنماء بُعُولمت ِه َّن أ ْمو إِ ْخ مواهن َّن أ ْمو بمِين إِ ْخ مواهن َّن أ ْمو بمِين أ م‬
‫مخ مواهت َّن أ ْمو ن مسائ ِه َّن أ ْمو‬
‫ات النِ مسا ِء‬ ‫الط ْف ِل الَّ ِذين ممل يظْهرواْ علمى عور ِ‬
‫م ْ م م ُ م مْم‬
‫الرج ِال أم ِو ِ‬ ‫ِِ‬
‫ني مغ ِْري أ ُْوِيل ا ِإل ْربمة م من ِ م‬
‫ِ‬
‫ت أمْميما ُهنُ َّن أم ِو التَّابِع م‬‫مما مملم مك ْ‬
‫َجيعاً أميُّ مها الْ ُم ْؤِمنُو من لم معلَّ ُك ْم تُ ْفلِ ُحو من ‪‬‬ ‫اّللِ مِ‬
‫ني ِمن ِزينمتِ ِه َّن موتُوبُواْ إِ مىل َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ض ِربْ من ِأب ْمر ُجل ِه َّن ليُ ْعلم مم مما ُخيْف م‬‫موالم يم ْ‬
‫[النور‪]31:‬‬
‫ني معلمْي ِه َّن ِمن‬ ‫ِ‬ ‫ك وب نماتِ م ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ني يُ ْدن م‬
‫ك مون مساء الْ ُم ْؤمن م‬ ‫َّيب قُل أل ْمزمواج م م م‬ ‫وقول ه تعاىل‪َ  :‬يميُّ مها النِ ُّ‬
‫اّللُ مغ ُفوراً َّرِحيماً ‪[ ‬األحزاب‪]59:‬‬ ‫ِ‬
‫مجالمبِيبِ ِه َّن ذل م‬
‫ك أ ْمد مىن أمن يُ ْعمرفْ من فمالم يُ ْؤذميْ من مومكا من َّ‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫ومن السنة‪ :‬عن أم عطية ‪ -‬رضي هللا عنها ‪ -‬قالت‪ :‬أمران أن خنرج احلُيَّض يوم العيد وذوات‬
‫اخلدور‪ ،‬فيشهدن َجاعة املسلمني ودعوهتم‪ ،‬ويعتزل احليض عن مصالهن‪ ،‬قالت امرأة‪ :‬اي رسول هللا‪:‬‬
‫إحداان ليس هلا جلباب‪ ،‬قال‪" :‬لتلبسها صاحبتها من جلباهبا‪.‬‬

‫دل احلديث على أن نساء الصحابة ‪ -‬رضي هللا عنهم ‪ -‬ال خترج إحداهن إال جبلباب‪ ،‬لذا مل‬ ‫َّ‬
‫يرخص النيب ‪ ‬هلن ابخلروج بغري جلباب‪ ،‬فيما هو مأمور به‪ ،‬فكيف يرخص هلن يف ترك اجللباب‬
‫خلروج غري مأمور به وال حمتاج إليه؟‬

‫مقاصد احلجاب‪:‬‬
‫شرع الشارع احلكيم احلجاب حلِكم عديدة منها‪:‬‬
‫‪ -1‬طهارة قل وب الرج ال والنس اء من الوساوس واخلواطر الشيطانية اليت تفسد النفوس‪ ،‬ومتيت‬
‫القلوب‪ ،‬قال تعاىل‪  :‬ذلِ ُك ْم أمطْ مه ُر لُِقلُوبِ ُك ْم موقُلُوهبِِ َّن ‪[ ‬األحزاب‪]53 :‬‬
‫‪ -2‬حفظ النساء وصيانتهن من أن يتعرضن ألذى أو شر‪ ،‬وذلك ألن احلجاب يضفي على مرتديته‬
‫ك أ ْمد مىن أم ْن يُ ْعمرفْ من‬ ‫ِ‬
‫مهابة‪ ،‬تصد الفساق عن التجرؤ عليها ابللفظ أو اللحظ‪ ،‬قال تعاىل‪  :‬مذل م‬
‫فمال يُ ْؤذميْن ‪[ ‬األحزاب‪.]59 :‬‬
‫‪ -3‬يعد احلجاب يف الظاهر‪ ،‬ترَجة لصالح املرأة يف الباطن‪ ،‬وإشعاراً حبسن مسلكها‪ ،‬وبقائها على‬
‫فطرة احلياء الذي هو الزم من لوازم أنوثتها وجمانبتها للرجال وخمالطتهم‪.‬‬

‫حقيقة احلجاب‪:‬‬
‫الكالم عليه من جانبني‪ ،‬مها‪ :‬صفات احلجاب‪ ،‬حدود احلجاب‪ ،‬وما الذي تبديه أو ختفيه املرأة من‬
‫بدهنا‪.‬‬

‫صفات احلجاب الشرعي‪ :‬لكي حيقق احلجاب الغرض‪ ،‬ال بد وأن تكون طبيعته مناسبة لطبيعة املرأة‬
‫اليت فطرها هللا تعاىل على احلياء والسرت‪ ،‬وقد اشرتط العلماء رلهم هللا شروطاً يف احلجاب الشرعي‬
‫هي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكون ساتراً جلميع بدن املرأة‪ ،‬وأن يكون ثخيناً ال يشف عما حتته‪ ،‬وأن يكون فضفاضاً غري‬
‫ضيق حىت ال يصف جسمها‪.‬‬
‫أقدامهن‪.‬‬
‫َّ‬ ‫رخص الرسول ‪ ‬يف ذيول النساء قدر ذراع حىت ال تنكشف‬ ‫وهلذا َّ‬
‫وقال ‪" : ‬صنفان من أهل النار مل أرمها‪ ..‬ونساء كاسيات عارايت‪ ،‬مميالت مائالت‪ ،‬رؤوسهن‬
‫كأسنمة البخت املائلة‪ ،‬ال يدخلن اجلنة وال جيدن رحيها‪ ،‬وإن رحيها ليوجد من مسرية كذا‬
‫وكذا"‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫‪ -2‬أن ال يكون زينة يف نفسه‪ ،‬وال يكون مطيبا أبي نوع من أنواع الطيب‪ ،‬قال ‪" :‬إذا شهدت‬
‫إحداكن املسجد فال متس طيباً"‪.‬‬
‫فإذا هنيت املرأة عن التطيب يف الذهاب إىل املساجد‪ ،‬فمن ابب أوىل أن متنع من ذلك يف‬
‫الذهاب إىل غريها‪.‬‬
‫وقال ‪" :‬إذا استعطرت املرأة فمرت على القوم ليجدوا رحيها‪ ،‬فهي كذا وكذا" قال قوالً‬
‫شديداً‪.‬‬
‫‪ -3‬أن ال يشبه لباس الرجال‪ ،‬ففي احلديث الصحيح‪" :‬لعن رسول هللا ‪ ‬املتشبهني من الرجال‬
‫ابلنساء واملتشبهات من النساء ابلرجال"‪.‬‬
‫‪ -4‬أال يكون احلجاب لباس شهرة‪ ،‬قال رسول هللا ‪" :‬من لبس ثوب شهرة يف الدنيا‪ ،‬ألبسه هللا‬
‫ثوب مذلة يوم القيامة"‪.‬‬
‫حدود احلجاب‪:‬‬
‫تقدم أن احلجاب واجب‪ ،‬ويظهر من عموم األدلة أنه يشمل َجيع البدن‪ ،‬وأن املرأة كلها‬
‫عورة‪.‬‬
‫ومن األدلة على ذلك ‪:‬‬
‫ض ْع من‬ ‫س معلمْي ِه َّن ُجنماح أمن يم م‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ َّ ِ‬
‫‪ -1‬قوله تعاىل‪  :‬موالْ مق مواع ُد م من الن مساء الالميت الم يمْر ُجو من ن مكاحاً فملمْي م‬
‫اّللُ مِمسيع ِعلِيم ‪( ‬النور‪ ،)60:‬ففي اآلية‬ ‫ات بِ ِزينم ٍة موأمن يم ْستم ْع ِف ْف من مخ ْري َّهلُ َّن مو َّ‬
‫ثِي ماهب َّن مغري متم ِربج ِ‬
‫م ُ ْم ُ م م‬
‫نفي اإلمث عن العج ائز الاليت ال يرجون نكاحاً‪ ،‬وال يُرغب يف مثلهن يف حالة التخفف م ن‬
‫بعض الثياب اليت تسرت َجيع البدن‪ ،‬وإظهار مثل الوجه والكفني والقدمني من غري تربج بزينة‪،‬‬
‫اب من النساء‪ ،‬والاليت يرجون نكاحاً جيب عليهن احلجاب‪ ،‬وسرت‬ ‫فدل هذا على أن الشو َّ‬
‫َجيع البدن‪.‬‬
‫جر ثوبه ُخيالء مل ينظر هللا إليه يوم القيامة‪ ،‬فقالت أم سلمة‪ :‬فكيف يصنعن‬ ‫‪ -2‬قال ‪ " : ‬من َّ‬
‫هلن؟ قال‪ :‬يُرخني شرباً‪ ،‬فقالت‪ :‬إذا تنكشف أقدامهن‪ ،‬قال‪ :‬فريخينه ذراعاً ال‬ ‫النساء بذيو َّ‬
‫يزدن عليه"‪.‬‬
‫ف دل هذا احلديث على وجوب سرت قدم املرأة‪ ،‬مع أن القدم أقل فتنة من غريه‪ ،‬مما يدل على أن‬
‫املرأة عورة وجيب سرت َجيع بدهنا‪.‬‬
‫ض ِربْ من‬‫‪ -3‬عن عائشة‪-‬رضي هللا عنها‪ -‬قالت‪ :‬يرحم هللا نساء املهاجرات األُول ملا أنزل هللا ‪ ‬مولْيم ْ‬
‫ِخبُ ُم ِرِه َّن معلمى ُجيُوهبِِ َّن‪[‬النور‪ ]31:‬شققن مروطهن فاختمرن هبا‪ ،‬هكذا فهمت الصحابيات‬
‫الفضليات من اآلية‪ ،‬أن احلجاب يشمل َجيع البدن‪ ،‬فبادرن إىل شق مروطهن‪ ،‬وسرت‬
‫رؤوسهن ووجوههن‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫‪ -4‬عن عائشة رضي هللا عنها قالت‪" :‬إن كان رسول هللا ‪ ‬ليصلي الصبح فينصرف النساء‬
‫متلفعات مبروطهن ما يُعرفن من الغملمس"‪ ،‬وعنها قالت‪" :‬لو أدرك رسول هللا ‪ ‬ما أحدث‬
‫النساء ملنعهن كما ُمنعت نساء بين إسرائيل"‪ ،‬أي منعهن من الذهاب إىل املساجد لتربجهن‪.‬‬

‫فدل احلديث على أن احلجاب والتسرت كان من عادة نساء الصحابة ‪ -‬رضي هللا عنهم أَجعني‪،‬‬
‫دل على أن عائشة أم املؤمنني ‪-‬رضي هللا عنها ‪ -‬رأت من بعض نساء ذلك‬ ‫وهم خري القرون‪ ،‬كما َّ‬
‫القرن الفاضل ما جيعل النيب ‪ ‬مينعهن من املساجد لو كان حياً‪ ،‬فكيف ببعض نساء زماننا اليوم‪،‬‬
‫وال حول وال قوة إال ابل‪.‬‬
‫خنلص من هذا إىل أن املرأة جيب عليها االلتزام بطاعة رهبا عز وجل وطاعة رسوله ‪ ‬ابرتداء‬
‫احلجاب الساتر جلميع جسمها‪ ،‬وعدم إبداء شيء من زينتها لغري من استثناهم هللا تعاىل بقوله‪:‬‬
‫آاب ِء بُعُولمتِ ِه َّن أ ْمو أمبْنمائِ ِه َّن أ ْمو أمبْنما ِء بُعُولمتِ ِه َّن أ ْمو إِ ْخ مواهنِِ َّن‬ ‫‪ ‬والم ي ب ِدين ِزينم تم ه َّن إِالَّ لِب عولمتِ ِه َّن أمو ِ‬
‫آابئ ِه َّن أ ْمو م‬
‫ْ م‬ ‫ُُ‬ ‫م ُْ م ُ‬
‫الر مج ِال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬
‫ني مغ ِْري أ ُْوِيل ا ِإل ْربمة م من ِ‬ ‫ت أمْميما ُهنُ َّن أم ِو التَّابِع م‬ ‫أ ْمو بمِين إِ ْخ مواهن َّن أ ْمو بمِين أ م‬
‫مخ مواهت َّن أ ْمو ن مسائ ِه َّن أ ْمو مما مملم مك ْ‬
‫ات النِ مسا ِء ‪( ٍ‬النور‪ ،)31:‬هم البعل (الزوج)‪ ،‬واألب وأبو الزوج‪،‬‬ ‫الط ْف ِل الَّ ِذين ممل يظْهرواْ علمى عور ِ‬
‫م ْ م م ُ م مْم‬
‫أم ِو ِ‬
‫واالبن‪ ،‬وابن الزوج‪ ،‬واألخ‪ ،‬وابن األخ‪ ،‬وابن االخت‪ ،‬والنساء املسلمات‪ ،‬والرقيق‪ ،‬واخلدم ممن ال‬
‫شهوة هلم‪ ،‬واألطفال الذين ال شهوة هلم‪.‬‬

‫شبة املثارة حول احلجاب‪:‬‬


‫الرد علي ال ُ‬
‫الشبهة األول‪ :‬قالوا إن احلج اب فيه اعتداء عل ى حقوق املرأة‪ ،‬وتقييد حلريتها وازدرائها‪.‬‬
‫الرد عليها‪ :‬ليس ه ذه الدعوى صحيح ة‪ ،‬وقد سبق البيان أبن املرأة موضع تكرمي واحرتام يف‬
‫اجملتمع املسلم‪ ،‬ومن مقاصد الشرع يف إجيابه احلجاب‪ ،‬هو أن تبقى املرأة درة مصونة‪ ،‬متأللئة غالية‪،‬‬
‫ما دامت حمافظة على سرتها وحيائها‪ ،‬وهبذا يكون تعاملها مع الرجل على أساس الطهر والعفاف‪،‬‬
‫فت كرب يف عني الرجل ويسمو دورها يف احلياة واجملتمع‪ ،‬فاحلجاب إذن لسعادهتا وحفظ حقوقها‪ ،‬ال‬
‫العكس‪.‬‬

‫الشبهة الثانية‪ :‬قالوا‪ :‬احلجاب فيه تكبيل للمرأة‪ ،‬وسبب يف ختلفها‪ ،‬وتقدمها إمنا يكون مرهوانً‬
‫بتحررها منه‪.‬‬
‫الرد عليها‪ :‬ليس هن اك عالقة أو مالزمة بني التقدم أو التخلف بشكل عام وبني احلجاب‪،‬‬
‫فهناك نساء بلغن الذروة يف اجملاالت العلمية واخلدمات االجتماعية‪ ،‬والفكرية من لدن الصحابة وإىل‬
‫اليوم‪ ،‬فهل هؤالء يوصفن أبهنن متخلفات؟ وهل حال احلجاب بينهن وبني التميز؟ وهل يستطيع‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫اللهم إال إذا أرادوا ابلتقدم‬


‫عاقل أن يسم الصحابيات الفضليات ومن بعدهن ابلتخلف وعدم التقدم؟ َّ‬
‫االنسالخ من الكرامة واحلياء‪ ،‬وغالباً ما يريدون هذا‪.‬‬

‫الشبهة الثالثة‪ :‬قالوا‪ :‬احلجاب دليل على إساءة الظن ابملرأة‪ ،‬وعدم وثوق الزوج هبا‪.‬‬
‫الرد عليها‪ :‬أن احلجاب شرع لصون املرأة وسرتها‪ ،‬وهي مأمورة ابحلجاب متزوجة كانت أم عزابء‪،‬‬
‫والتزامها ابحلجاب فيه إرضاء خلالقها‪ ،‬مث إرضاء لزوجها وذويها‪ ،‬وهذا من شأنه أن يبعث الثقة هبا‪،‬‬
‫واالطمئنان إليها وإىل سلوكياهتا‪ ،‬فاحلقيقة هي عكس ما يقوله هؤالء متاماً‪.‬‬
‫وخالصة القول‪ :‬فإن هذه الشبه وأمثاهلا‪ ،‬ال يراد هبا مصلحة املرأة والغمرية على حقوقها أو‬
‫سعادهتا‪ ،‬وإمنا يراد هبا إشباع غرائز أصحاهبا‪ ،‬وحتقيق أاننيتهم اليت متلي عليهم اجياد صيد مسني دائماً‪،‬‬
‫وآخر ما يفكر به هؤالء ‪ -‬إن فكروا ‪ -‬هو مصلحة املرأة وسعادهتا‪ ،‬فلتحذر الفتاة املسلمة هذه‬
‫صم ِاب َّّللِ‬
‫النداءات الكاذبة‪ ،‬والشعارات الزائفة‪ ،‬والتجارة اخلاسرة‪ ،‬ولتعتصم ابل عز وجل ‪ ‬ومن ي عتم ِ‬
‫مم مْ‬
‫اط م ْستم ِقي ٍم ‪‬‬
‫فم مق ْد ه ِدي إِ مىل ِصر ٍ‬
‫م‬ ‫ُ م‬
‫خامساً ‪ُّ :‬‬
‫الشبه املثارة حول إرث املرأة‪ ،‬وأهنا ال ترث إالّ على النصف من الرجل‪.‬‬
‫زعم بعض املنتقصني لإلسالم أن اإلسالم أساء إىل املرأة وظلمها حني جعل حصتها يف املرياث‬
‫نصف حصة الرجل‪.‬‬
‫واجلواب على هذا ‪ :‬أن اإلسالم ارتفع بنظام اإلرث عما كان معموالً به عند العرب يف‬
‫اجلاهلية‪ ،‬وعند بعض الشعوب يف العصر احلاضر الذين يورثون الرجال دون النساء‪.‬‬
‫مث إن اإلسالم راعى يف توزيع اإلرث مقدار حاجة الوارث إىل املال ولو بعد حني‪ ،‬فكلما كانت‬
‫حاجة الوارث أشد كلما كان نصيبه من الرتكة أكثر‪ ،‬فلما كانت حاجة األوالد الذكور إىل املال أشد‬
‫كانت حصتهم من املرياث أكثر؛ ألهنم يف الغالب هم من يستقبل احلياة بتكاليفها ولوازما ومتطلباهتا‬
‫املالية املتعددة‪ ،‬فهو املكلف مبهر الزواج‪ ،‬وإعداد السكن واألاثث‪ ،‬ونفقات البيت واللباس‬
‫والعالج‪ ...‬وهنا يظهر أن توزيع اإلسالم إلرث املرأة ليس له عالقة بكوهنا أنثى‪ ،‬وإمنا بكوهنا أقل‬
‫احتياجاً إىل املال‪.‬‬
‫على أنه البد لنا من القول‪ :‬إن هناك حاالت ترث فيها املرأة مثل الرجل‪ ،‬ورمبا أكثر منه‪ ،‬وبيان‬
‫ذلك على النحو التايل‪:‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫أ) حاالت ترث فيها األنثى مثل الذكر ‪:‬‬


‫لو تويف رجل وترك أابً وأما واوالداً‪ ،‬فلألب السدس‪ ،‬ولألم السدس‪ ،‬ولألوالد الباقي‪.‬‬
‫لو مات رجل وترك إخوة ألم ذكوراً وإاناثً‪ ،‬فهم َجيعاً يشرتكون يف الثلث ابلسوية‪.‬‬
‫ب) حاالت ترث فيها األنثى أكثر من الذكر‪:‬‬
‫لو ماتت امرأة وتركت‪ :‬زوجاً‪ ،‬وبنتاً‪ ،‬وعماً‪ ،‬فللزوج الربع‪ ،‬وللبنت النصف‪ ،‬وللعم الباقي‪.‬‬
‫ويف هذا املثال يظهر أن نصيب البنت أكثر من نصيب والدها الذي هو الزوج‪.‬‬

‫سابعاً ‪ :‬شبهة حرمان املرأة من احلرية ‪.‬‬


‫األصل يف القواعد الشرعية‪ ،‬هو أن دائرة احلرية واملباح يف اإلسالم واحلالل‪ ،‬أكرب بكثري من‬
‫دائرة القيود‪ ،‬واملمنوع‪ ،‬واحلرام‪ .‬فاألصل يف وجود اإلنسان احلرية إال ما ورد فيه تقييد‪ ،‬كما أن األصل‬
‫يف األشياء اإلابحة إال ما ورد فيه نص ابملنع‪ ،‬لذا كانت نصوص الكتاب الكرمي والسنة املطهرة ال‬
‫حتدد احلرايت واملباحات‪ ،‬ألهنا مما ال ميكن حصره وذكره‪ ،‬فمساحة حرية اإلنسان‪ -‬املرأة والرجل‪-‬‬
‫متتد واسعة اآلفاق‪ ،‬لتشمل مواقفه واختياراته يف احلياة‪ ،‬وأعماله‪ ،‬وأهدافه‪ ،‬ومعطياته‪.‬‬
‫وألننا هنا يف جمال احلديث عن حرية املرأة يف اإلسالم‪ ،‬فإننا سنكتفي بذكر بعض جوانب‬
‫احلرية اليت أعطاها اإلسالم للمرأة‪ .‬ونبدأ ابألصل األول الذي تتجلى فيه احلرية احلقيقية أببعادها‬
‫الرائعة كلها‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬حرية املعتقد‪ ،‬وإميان املرأة ‪.‬‬


‫وهللا سبحانه وتعاىل قد خلق اإلنسان لعبادته‪ ‬وما خلقت اجلن واإلنس إال ليعبدون‪ .‬ولكنه مع‬
‫ذلك مل جيربهم على اإلميان به قسراً‪ ،‬أو الدخول يف عبادته جرباً‪ ،‬بل ترك هلم حرية اختاذ قرار اإلميان‬
‫به‪ ،‬أو اتباع ما يشاؤون‪ ،‬واإلميان مبا يريدون‪ ،‬بعد أن بني هلم طريق اإلميان وسبيل الكفر‪ .‬قال تعاىل‪:‬‬
‫الرشد من الغي فمن يكفر ابلطاغوت ويؤمن ابل فقد أستمسك ابلعروة‬ ‫‪ ‬ال إكراه يف الدين قد تبني ُ‬
‫الوثقى ال انفصام هلا وهللا مسيع عليم)‪  ،‬وقل احلق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر‪،‬‬
‫‪‬فذكر إمنا أنت مذكر‪ ،‬لست عليهم مبسيطر‪.‬‬
‫وترك لغري املسلمني ممن يعيشون يف البالد اإلسالمية حريتهم الكاملة يف ممارسة إمياهنم وعبادهتم‪،‬‬
‫شريطة أال ميس ذلك مصاحل املسلمني‪ ،‬ومشاعرهم الدينية ابإلفساد‪ ،‬أو التعطيل‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫وقد ضربت لنا سرية املصطفى صلى هللا عليه وسلم أروع األمثلة يف حتقيق هذه احلرية الدينية‬
‫للمرأة‪.‬‬
‫فلم تلزم امرأة بدخول اإلسالم تبعاً لزوجها‪ ،‬أو أبيها‪ ،‬أو أخيها‪ ،‬بل كانت هلا احلرية الكاملة‬
‫الختيار دينها‪ ..‬واألروع من ذلك كله أن النيب صلى هللا عليه وسلم جعل للنساء بيعة خاصة‬
‫مستقلة عن بيعة الرجال‪ ،‬ليؤكد حرية املرأة ومسؤوليتها الكاملة عن نفسها وقرارها‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪‬اي أميُّها النَِّيب إِ مذا ج م ِ‬
‫ني موال‬ ‫ات يُبمايِ ْعنم م‬
‫ك معلمى أمن ال يُ ْش ِرْك من ِاب َّّلل مشْي ئًا موال يم ْس ِرقْ من موال يمْزن م‬ ‫اءك الْ ُم ْؤمنم ُ‬ ‫م م ُّ م‬
‫صينمك ِيف معر ٍ‬
‫وف فمبمايِ ْع ُه َّن‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ان يم ْف مِرتينمهُ بمْ م ِ ِ‬
‫الده َّن وال َيْتِني بِب هتم ٍ‬
‫ني أميْديه َّن موأ ْمر ُجله َّن موال يم ْع م م ْ ُ‬ ‫يم ْقتُ ْل من أ ْمو م ُ م م م ُ ْ‬
‫اّللم مغ ُفور َّرِحيم‪.‬‬ ‫استم ْغ ِف ْر مهلُ َّن َّ‬
‫اّللم إِ َّن َّ‬ ‫مو ْ‬

‫اثنيا ‪ :‬حرية الرأي والتعبري‪.‬‬


‫للمرأة بشكل خاص حرية اختاذ الرأي‪ ،‬والتعبري عنه‪ ،‬لنقل الفكر الذي يؤمن به إىل اآلخرين‪ ،‬ذلك‬
‫أن حرية الرأي يف اإلسالم جزء أساسي من بناء كيان الفرد‪ :‬فكراً ومنهجاً وحياة‪ .‬وال قيود على ذلك‬
‫مامل يؤد إىل هدم أسس شرعية نص عليها‪ ،‬أو حماولة ملصادرة رأي الغري ابلقوة‪ ،‬مما قد يسلم إىل التأثري‬
‫على بنية اجملتمع‪.‬‬
‫وتتحقق حرية الرأي‪ ،‬بتحقق احلرية العقلية‪ ،‬اليت قوامها‪ :‬الفكر‪ ،‬والتأمل‪ ،‬والتدبر‪ ،‬وهي من‬
‫األسس اليت دعا إليها القرآن الكرمي خبطابه العام للرجال والنساء‪ ،‬وجعل مناط التكليف‪ ،‬عماله يف‬
‫الوصول إىل احلق واعتناقه‪ ،‬والتعبري عنه‪ ،‬والدعوة إليه‪ ،‬وهنا تتحقق حرية اإلدارة‪ ،‬الختيار أسلوب‬
‫احلياة اليت يقود إليها الفكر‪ ،‬وتشعر اإلنسان جيابية دوره يف احلياة‪ ،‬ذلك الدور الذي رفع به على‬
‫درجة املالئكة‪ .‬فال يشعر ابلدونية‪ ،‬والسلبية عند عجزه عن التعبري عن فكره‪ ،‬واختياره‪.‬‬
‫وحرية الرأي مرتبطة بتعليم املرأة ؛ فاملرأة إذا تعلمت‪ ،‬وتثقفت الثقافة اليت فرضها عليها اإلسالم‪،‬‬
‫وفهمت حقيقة نفسها‪ ،‬وطبيعة رسالتها‪ ،‬ومهمتها يف احلياة‪ ،‬استطاعت القيام بدورها الذي خلقت‬
‫له‪ ،‬والقيام بواجباهتا على الوجه الصحيح‪ ،‬وأصبحت عضواً فاعالً يف جمتمعها‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫لذا‪ ،‬فقد حرصت الصحابيات على طلب العلم‪ ،‬والسعي إليه‪ ،‬ومل تكتف بتلقيه عن الرجال‪،‬‬
‫لكنها طالبت الرسول صلى هللا عليه وسلم أبن جيعل هلن يوماً خاصاً هبن‪ ،‬ولتأكيد الرسول على حق‬
‫املرأة وحريتها يف هذا اجملال فقد جعل هلن يوماً خاصاً هبن‪.‬‬
‫عن أى سعيد اخلدري‪ -‬رضي هللا عنه‪ -‬قال‪ :‬جاءت امرأة إىل رسول صلى هللا عليه وسلم‬
‫فقالت‪ :‬اي رسول هللا ذهب الرجال حبديثك‪ ،‬فاجعل لنا من نفسك يوماً أنتيك فيه تعلمنا مما علمك‬
‫هللا‪ ،‬فقال‪ :‬صلى هللا عليه وسلم "اجتمعن يف يوم كذا وكذا‪ ،‬يف مكان كذا وكذا"‪ ،‬فاجتمعن فأاتهن‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فعلمهن مما علمه هللا‪.‬‬
‫ومن النماذج الكثرية من نساء هذه األمة الاليت كن مثاالً ُحيتذى يف جماالت العلم واملعرفة‪:‬‬

‫أ‪ .‬عائشة أم املؤمنني‪ -‬رضي هللا عنها‪ -:‬كانت من أعلم الناس ابلقرآن‪ ،‬والفرائض‪ ،‬واحلالل‬
‫واحلرام‪ ،‬والشعر‪ ،‬وحديث العرب‪ ،‬والنسب‪ ،‬والطب‪ ،‬حىت أصبحت مرجعاً للصحابة والتابعني‪،‬‬
‫يرجعون إليها إذا أشكل عليهم أمر من أمور الدين‪.‬‬
‫الفتح ب ِن ٍ‬
‫حممد‪ُّ ،‬أم ز ٍ‬
‫ينب البغدادية ‪ :‬كانت من أهل الفقه‬ ‫عباس ب ِن أى ِ‬‫ت ِ‬ ‫ب‪ .‬فاطمةُ بِْن ُ‬
‫والعلم ‪ ،‬والزهد والوعظ ‪ ،‬وصفها ابن تيمية – رله هللا – ابلفضيلة والعلم‪ ،‬وكانت حتضر جمالس ابن‬
‫تيمية‪ ،‬حىت قيل إنه كان يستعد هلا من كثرة مسائلها وسرعة فهمها‪.‬‬
‫ج ‪ .‬شهدة بنت أى نصر ألد بن الفرج بن عمر اإلبري ‪ ،‬فخر النساء ‪ ،‬الكاتبة الكبرية‪،‬‬
‫ومسندة العراق املشهورة‪ ،‬من أساتذة علم احلديث ‪ ،‬تتلمذ على يديها كثري من العلماء منهم‪ :‬ابن‬
‫اجلوزي‪ ،‬الذي ذكر أهنا من شيوخه‪ ،‬وابن قدامه املقدسي‪ ،‬واملؤرخ املشهور ابن عساكر‪ ،‬الذي كانت‬
‫من شيوخه نيف ومثانون امرأة‪.‬‬
‫د‪ .‬أم حبيبة األصبهانية‪ ،‬عائشة بنت احلافظ معمر بن الفاخر العبشمية القرشية‪ :‬كانت من‬
‫شيوخ احلافظ املنذري‪ ،‬الذي ذكر أنه حصل منها على إجازة‪.‬‬
‫ه ‪ .‬فاطمة بنت الشيخ عالء الدين السمرقندي‪ :‬الفقيه احلنفي الكبري‪ ،‬صاحب (حتفة الفقهاء)‬
‫كانت فقيهة جليلة‪ ،‬تزوجها الشيخ عالء الدين الكاساين‪ ،‬صاحب(البدائع)الذي شرح فيه كتاب‬
‫شيخه عالء الدين السمرقندي‪ ،‬وكانت فاطمة ترد على زوجها خطأه يف الفقه إذا أخطأ‪ ،‬وكانت‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫الفتوى خترج وعليها خطها وخط أبيها‪ ،‬وبعد زواجها كانت الفتوى خترج وعليها خطها وخط أبيها‬
‫وخط زوجها‪.‬‬
‫هذه النماذج ‪ ،‬وغريها كثري يف جماالت العلم املختلفة من تشري إىل مدى اهتمام املرأة املسلمة ابلعلم‪،‬‬
‫وأنه إذا بلغت املرأة شأواً يف العلم فلها أن تتوىل الفتوى‪ ،‬بل وهلا حق االجتهاد يف األحكام الشرعية‬
‫إذا ما توافرت فيها شروط االجتهاد شأهنا يف ذلك شأن الرجل‪ ،‬ال فرق بينهما‪.‬‬
‫اثلثا ‪ :‬حرية تويل الوظائف العامة‪.‬‬
‫للمرأة يف اإلسالم حرية تويل الوظائف العامة – فيما دون اخلالفة العظمى – أما مناصب‬
‫القضاء‪ ،‬والسياسة‪ ،‬فقد اختلفت فيها العلماء بني مانع وجموز‪ ،‬فقد أجاز اإلمام أى حنيفة – رله‬
‫هللا – تويل املرأة القضاء فيما جتوز فيه شهادهتا – أي يف غري األمور اجلنائية – أما املانعون فيذهبون‬
‫إىل أن املرأة ال طاقة هلا يف الغالب على حتمل مثل هذه املسؤوليات اجلسمية‪ ،‬والصراعات‪ ،‬وهذا ال‬
‫يعين أنه ال توجد نساء يفقن الرجال‪ ،‬ولكنه من النادر‪ ،‬واألحكام ال تبىن على النادر‪ ،‬بل على‬
‫األغلب العام‪ ،‬ألن النادر ال حكم له‪ – .‬لقد وىل أمري املؤمنني عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه قضاء‬
‫احلسبة يف سوق املدينة إىل الشفاء بنت عبد هللا‪.‬‬
‫وقد ثبت أن النساء يف صدر اإلسالم األول مارسن أعماالً خمتلفة مثل‪ :‬التعليم‪ ،‬التجارة‪ ،‬الطب‪،‬‬
‫الزراعة‪ ،‬بل شاركن يف اجلهاد‪ ،‬والغزو مع الرسول صلى هللا عليه وسلم والعمل يف جمال الدعوة‪،‬‬
‫ض َيْمرو من ِابلْمعر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وف مويمْن مه ْو من‬ ‫م ُْ‬ ‫ض ُه ْم أ ْموليماء بم ْع ٍ م ُ ُ‬ ‫ات بم ْع ُ‬
‫وإصالح اجملتمع قال تعاىل‪  :‬موالْ ُم ْؤمنُو من موالْ ُم ْؤمنم ُ‬
‫ِ‬
‫الزمكاةم مويُ ِطيعُو من اّللم مومر ُسولمهُ أ ُْولمئِ م‬
‫ك مس م ْري ملُ ُه ُم اّللُ إِ َّن اّللم مع ِزيز‬ ‫الصالمةم مويُ ْؤتُو من َّ‬ ‫مع ِن الْ ُمن مك ِر مويُق ُ‬
‫يمو من َّ‬
‫مح ِكيم‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬حرية املرأة يف االختيار يف الزواج‪.‬‬
‫للمرأة يف اإلسالم‪ -‬ثيباً أو بكراً – كامل احلرية يف اختيار من ترغب الزواج منه‪ ،‬ورفض من ال‬
‫تريده‪ ،‬وال حق لوليها‪ -‬األب‪ ،‬أو غريه‪ -‬أن جيربها على ما ال تريد‪ ،‬أو يكرهها على الزواج ممن ال‬
‫ترغب‪ ،‬فإن فرض عليها شيء من ذلك‪ ،‬فلها رد هذا الزواج‪ .‬قال صلى هللا عليه وسلم (ال تنكح‬
‫األمي حىت تستأ مر‪ ،‬وال تنكح البكر حىت تستأذن)‪.‬‬
‫وقد خرج البخاري يف صحيحه أن خنساء بنت حذام أنكحها أبوها وهي كارهة‪ ،‬فأتت النيب‬
‫صلى هللا عليه وسلم فرد نكاحها‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫جاءت فتاة إىل النيب صلى هللا عليه وسلم فقالت‪ :‬إن أى زوجين ابن أخيه لريفع ى خسيسته‬
‫فجعل صلى هللا عليه وسلم األمر إليها‪ ،‬إن شاءت أقرت ما صنع أبوها‪ ،‬وإن شاءت أبطلته‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬قد أجزت ما صنع أى ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس إىل اآلابء من األمر شيء‪.‬‬
‫ومن هناء ذهب َجهور العلماء إىل عدم إجبار البكر البال على النكاح‪ ،‬وال تزوج إال برضاها‪-‬‬
‫وأجاز األئمة الثالثة لألب تزويج البكر البال بغري إذهنا‪ ،‬خالفاً ألى حنيفة فقد اشرتط إذهنا – وما‬
‫ذلك إال دليل على ما أعطى اإلسالم للمرأة من احلرية‪ ،‬والكرامة‪ ،‬واالعرتاف بشخصيتها وحقها يف‬
‫القبول أو الرفض‪ ،‬فيما يتعلق حبياهتا‪.‬‬
‫يقول اإلمام ابن القيم‪ -‬رله هللا‪:-‬‬
‫" فإن البكر البالغة الرشيدة ال يتصرف أبوها يف أقل شيء من ماهلا إال برضاها‪ ،‬وال جيربها على‬
‫إخراج اليسري منه بدون رضاها‪ ،‬فكيف جيوز أن يرقها‪ ،‬وخيرج بضعها منها بغري رضاها إىل من يريده‬
‫هو‪ ،‬وهي من أكره الناس فيه‪ ،‬وهو من أبغض شيء إليها؟ ومع هذا‪ ،‬ينكحها إايه قهراً بغري رضاها‬
‫إىل من يريده‪ ،‬وجيعلها أسرية عنده‪ ،‬كما قال صلى هللا عليه وسلم ‪" :‬اتقوا هللا يف النساء فإهنن معو ٍان‬
‫عندكم" أي أسرى‪ ،‬ومعلوم أن إخراج ماهلا كله بغري رضاها أسهل عليها من تزوجيها مبن ال ختتاره بغري‬
‫رضاها‪."..‬‬
‫إىل أن يقول‪( :‬وأما موافقته ملصاحل األمة‪ ،‬فال خيفى أن مصلحة البنت يف تزوجيها مبن ختتاره وترضاه‪،‬‬
‫وحصول مقاصد النكاح هلا به‪ ،‬وحصول ضد ذلك مبن تبغضه وتنفر عنه‪ ،‬فلو مل أتت السنة الصرحية‬
‫هبذا القول‪ ،‬لكان القياس‪ ،‬وقواعد الشريعة ال تقتضي غريه)‪.‬‬
‫ويقول‪( :‬من املعلوم أنه ال يلزم من كون الثيب أحق بنفسها من وليها‪ ،‬أال يكون للبكر يف نفسها‬
‫حق البته)‪.‬‬
‫ومل يقف األمر عند هذا احلد‪ ،‬بل إن اإلسالم أعطى للمرأة احلق يف مفارقة الزوج إذا مل تستطع احلياة‬
‫معه‪ ،‬أو إذا كرهته‪ -‬اخللع‪ ،‬أو الفداء‪ -‬عن ابن عباس‪ -‬رضي هللا عنه‪ -‬قال‪ :‬جاءت امرأة اثبت بن‬
‫قيس إىل النيب صلى هللا عليه وسلم فقالت‪ :‬اي رسول هللا‪ ،‬ما أنقم على اثبت يف دين وال خلق‪،‬‬
‫ولكين أكره الكفر يف اإلسالم – يف رواية‪ :‬ولكين ال أطيقه‪ -‬فقال صلى هللا عليه وسلم (أتردين‬
‫عليه حديقته؟) قالت‪ :‬نعم‪ .‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪( :‬اقبل احلديقة وطلقها تطليقة)‪-‬‬
‫قيل‪ :‬إن ذلك بسبب سوء خلقه‪ ،‬وقيل‪ :‬بسبب دمامته‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫خامسا ‪ :‬احلرية االقتصادية‪:‬‬


‫إن اإلسالم مببادئه العادلة اليت حترتم إرادة الفرد‪ ،‬وطبيعته‪ ،‬وحتث على وجوب االعتناء ابملال واستثماره‬
‫على الوجه الصحيح‪ ،‬قد أرسى دعائم احلرية االقتصادية القائمة على احرتام امللكية الفردية‪ ،‬واالعتداد‬
‫هبا‪ ،‬واملرأة يف هذا اجملال مثلها مثل الرجل‪ ،‬هلا أهليتها االقتصادية‪ ،‬وحرية التملك‪ ،‬والتصرف فيما‬
‫متلك‪ ،‬وليس ألحد أايً كان سلطان عليها‪ ،‬فلها حق مباشرة العقود جبميع أنواعها‪ ،‬وهلا حرية البيع‬
‫والشراء‪ ،‬واإلجيار‪ ،‬واهلبات‪ ،‬وممارسة التجارة‪ ،‬والكسب املباح‪ ،‬وضمان غريها‪ ،‬والوصية‪ .‬هلا ذلك كله‪،‬‬
‫إما أن تقوم به بنفسها إن شاءت‪ ،‬أو توكل غريها نيابة عنها‪.‬‬
‫فاملرأة إذا بلغت وكانت راشدة حسنة التصرف‪ ،‬الكامل يف شؤوهنا املالية‪ ،‬والشخصية‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫احملاضرة الثامنة‬
‫عوامل محاية األسرة املسلمة‬

‫اعتىن اإلسالم ابألسرة ملا هلا من مكانة عالية مرموقة‪ ،‬إذ أن كل أسرة ُّ‬
‫تعد لبنة من لبنات بناء‬
‫اجملتمع الكبري‪ ،‬وهي احملضن األول الذي ينشأ فيه الفرد املسلم‪ ،‬وترتىب فيها األجيال‪.‬‬
‫فشرع هللا سبحانه أحكاماً وآداابً تتعلق ابألسرة املسلمة‪ ،‬تعد عوامل للحفاظ عليها من‬
‫االحنراف‪ ،‬ولاية هلا من االنزالق يف لأة الرذيلة‪ ،‬فتكون يف حصن حصني وسياج منيع‪ ،‬عن كل‬
‫أسباب الفساد ودواعي الضالل‪.‬‬
‫وإن من أبرز هذه العوامل ما يلي‪ :‬إجياب احلجاب‪ ،‬وغض البصر‪ ،‬واالستئذان لدخول‬
‫البيوت‪ ،‬حترمي اخللوة‪ ،‬قرار النساء يف البيوت‪ ،‬الغرية على احملارم‪ ،‬عقوبة الزان والقذف‪ ،‬منع االختالط‪،‬‬
‫جعل القوامة بيد الزوج‪ ،‬منع املرأة من السفر بدون حمرم‪ ،‬والتعدد‪.‬‬
‫وقد تقدم احلديث عن بعض هذه العوامل ابلتفصيل‪ ،‬كاحلجاب‪ ،‬واالختالط‪ ،‬والتعدد‪ ،‬وبقي‬
‫أن نوضح بقية تلك العوامل‪ ،‬فنقول ‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬غض البصر‪:‬‬


‫إن من املعلوم أن لقلب اإلنسان منافذ عدة‪ ،‬ومن أخطر هذه املنافذ‪ ،‬وأعظمها أثراً البصر‪ ،‬ملا‬
‫يوقعه استحسان املنظور إليه يف قلب من ينظر إليه‪ ،‬فكم من نظرةٍ حمرمة أفسدت على املرء دينه‪،‬‬
‫وأمرضت قلبه‪ ،‬وأوقعته يف املهالك‪ ،‬وسبَّبت له النكبات‪.‬‬
‫بغض أبصارهم عن‬ ‫لذا شدَّد اإلسالم يف أمر النظر‪ ،‬فأمر تعاىل نبيه ‪ ‬أن َيمر املؤمنني َّ‬
‫اّللم مخبِري ِمبما‬
‫ك أ ْمزمكى مهلُْم إِ َّن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ضواْ ِمن أمب ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫صا ِره ْم مومْحي مفظُواْ فُ ُر م‬
‫وج ُه ْم ذل م‬ ‫ني يمغُ ُّ ْ ْ م‬
‫احملرمات فقال‪  :‬قُ ْل ل ْل ُم ْؤمن م‬
‫صنم عُو من ‪.‬‬
‫يم ْ‬
‫قال ابن سعدي رله هللا يف تفسريه عند قوله تعاىل‪ :‬يغضوا من أبصارهم‪ ‬أي عن النظر‬
‫إىل العورات‪ ،‬وإىل النساء األجنبيات‪ ،‬وإىل املردان‪ ،‬الذين خياف ابلنظر إليهم الفتنة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض من‬ ‫ضْ‬‫وقد أمر تعاىل النساء مبا أمر به الرجال من غض البصر‪ ،‬فقال‪  :‬موقُل ل ْل ُم ْؤِمنمات يم ْغ ُ‬
‫ِمن أمب ِ‬
‫صا ِره َّن مومْحي مفظْ من فُ ُر م‬
‫وج ُه َّن ‪.‬‬ ‫ْ ْم‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫ومن فوائد ذكر حفظ الفروج بعد غض األبصار‪ ،‬أن إطالق البصر فيما حرم هللا‪ ،‬من أعظم‬
‫وأقوى أسباب الوقوع يف الفواحش‪.‬‬

‫وقد وردت عن النيب ‪ ‬أحاديث كثرية توجه املسلم وحتثه على التزام هذا األمر اإلهلي‪ ،‬من‬
‫ذلك‪ :‬ما رواه عبد هللا بن عباس رضي هللا عنهما قال‪" :‬كان الفضل بن عباس رديف رسول هللا ‪،‬‬
‫فجاءته امرأته من خثعم تستفتيه‪ ،‬فجعل الفضل ينظر إليها‪ ،‬وتنظر إليه‪ ،‬فجعل رسول هللا ‪ ‬يصرف‬
‫وجه الفضل إىل ِ‬
‫الشق اآلخر" احلديث‪.‬‬

‫بل إنه ‪ ‬قد َّ‬


‫عد النظر زان متارسه العني‪ ،‬يُعصى هللا به‪ ،‬وذلك تنفرياً منه‪ ،‬فعن أى هريرة رضي‬
‫هللا عنه عن النيب ‪ ‬قال‪" :‬إن هللا كتب على ابن آدم حظَّه من الزان‪ ،‬أدرك ذلك ال حمالة‪ ،‬فزان العني‬
‫يصدق ذلك كلَّه أو يكذبه"‪ .‬وملا سئل ‪‬‬ ‫تتمىن وتشتهي‪ ،‬والفرج ِ‬
‫النظر‪ ،‬وزان اللسان النطق‪ ،‬والنفس َّ‬
‫َّ‬
‫عن نظر الفجأة‪ ،‬أمر بصرف البصر‪ ،‬فعن جرير بن عبد هللا ‪ ‬قال‪ :‬سألت رسول هللا ‪ ‬عن نظر‬
‫الفجأة؟ فأمرين أن أصرف بصري"‪ .‬أي أمره بصرف بصره مباشرة‪ ،‬مبعىن أال يتمادى فيؤاخذ‪ ،‬ألن‬
‫نظر الفجأة بغري قص ٍد‪ ،‬معفو عنه‪.‬‬

‫غض البصر يف املرتبة األوىل من حق الطريق‪ ،‬الذي جيب أداؤه على كل‬
‫وقد جعل النيب ‪َّ ‬‬
‫من سلكه أو جلس على جانبه‪ ،‬فعن أى سعيد اخلدري رضي هللا عنه‪ ،‬عن النيب ‪ ‬قال‪" :‬إايكم‬
‫واجللوس يف الطرقات" قالوا ‪:‬اي رسول هللا ما لنا بد من جمالسنا نتحدث فيها‪ ،‬قال رسول هللا ‪" :‬‬
‫ورد السالم‪،‬‬
‫كف األذى‪ُّ ،‬‬‫"غض البصر‪ ،‬و ُّ‬
‫ُّ‬ ‫فإذا أبيتم فأعطوا الطريق حقه" قالوا‪ :‬وما حقه؟ قال‪:‬‬
‫واألمر ابملعروف‪ ،‬والنهي عن املنكر" متفق عليه‪.‬‬

‫ولغض البصر فوائد كثرية‪ ،‬ومنافع عديدة‪ ،‬ذكرها ابن القيم رله هللا منها‪:‬‬
‫‪ -1‬أنه امتثال ألمر هللا الذي هو غاية سعادة العبد يف معاشه ومعاده‪.‬‬
‫‪ -2‬أنه مينع وصول أثر السهم املسموم الذي لعل فيه هالكه إىل قلبه‪.‬‬
‫‪ -3‬أنه يقوي القلب ويفرحه‪ ،‬ويكسبه نوراً‪.‬‬
‫‪ -4‬أنه ِ‬
‫يورث الفراسة الصادقة اليت مييز هبا بني احملق واملبطل‪.‬‬
‫يسد على الشيطان مدخله من القلب‪.‬‬ ‫‪ -5‬أنه ُّ‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫ين مآمنُواْ‬ ‫َّ ِ‬


‫فحري بكل مسلم ومسلمة أن يستجيب لربه‪ ،‬ولنبيه ‪ ،‬قال تعاىل‪َ  :‬يميُّ مها الذ م‬ ‫ٌّ‬
‫استم ِجيبواْ َّّللِ ولِ َّلرس ِ‬
‫ول إِ مذا مد معا ُكم لِ مما ُْحييِي ُك ْم ‪.‬‬ ‫ْ ُ م ُ‬
‫وعليه أن يتعاهد بصره عما ال حيل له من النظر‪ ،‬ويف ذلك بعد عن الشر والرذيلة‪ ،‬وسالمة من‬
‫الفنت‪ ،‬ويدخل يف النظر احملرم‪ ،‬النظر إىل الصور الفاتنة‪ ،‬واملناظر الفاضحة‪ ،‬عرب الصحف واجملالت‪،‬‬
‫واإلنرتنت والقنوات‪.‬‬

‫اثنياً‪ :‬االستئذان لدخول البيوت‪:‬‬


‫إن من صور اهتمام اإلسالم أبتباعه‪ ،‬وحفاظه على األسرة املسلمة‪ ،‬مشروعية االستئذان‪.‬‬
‫ين آ ممنُواْ الم‬ ‫َّ ِ‬
‫حرم اإلسالم دخول مساكن وبيوت الغري إال ذن‪ ،‬قال تعاىل‪َ  :‬يميُّ مها الذ م‬ ‫فقد َّ‬
‫تم ْد ُخلُواْ بُيُواتً مغ ْ مري بُيُوتِ ُك ْم مح َّىت تم ْستمأْنِ ُسواْ موتُ مسلِ ُمواْ معلمى أ ْمهلِ مها ذلِ ُك ْم مخ ْري لَّ ُك ْم لم معلَّ ُك ْم تم مذ َّك ُرو من ‪.‬‬
‫واملراد ابالستئناس يف اآلية‪ :‬االستئذان‪ ،‬فسره بذلك ابن عباس وغري واحد‪.‬‬
‫قال ابن سعدي‪ :‬مسي االستئذان استئناساً‪ ،‬ألنه به حيصل االستئناس‪ ،‬وبعدمه حتصل الوحشة‪.‬‬
‫وقد شرع هللا تعاىل االستئذان صيانة للذين يف داخل البيوت وحفاظاً عليهم‪ ،‬ومراعاة حلرايهتم‬
‫يف بيوهتم‪ ،‬لئال يطلع أحد على العورات وما ال جيوز النظر إليه‪ ،‬من النساء وغريهن‪ ،‬فإنه يرتتب على‬
‫ذلك مفاسد كثرية‪ ،‬وعواقب وخيمة‪.‬‬
‫وح مكم مشروعية االستئذان‪ ،‬ملا روى سهل‬‫وهذا األمر ‪-‬أي املنع من النظر‪ -‬هو أبرز أسباب ِ‬

‫بن سعد رضي هللا عنه قال‪ :‬اطلع رجل من ُج ْح ٍر يف ُح مجر النيب‪ ‬ومع النيب ‪ً ‬‬
‫مدرى(‪ُّ )1‬‬
‫حيك به‬
‫رأسه‪ ،‬فقال‪" :‬لو أعلم أنك تنظر‪ ،‬لطعنت به يف عينيك‪ ،‬إمنا ُجعل االستئذان من أجل البصر" متفق‬
‫عليه‪.‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر‪ :‬أصل مشروعية االستئذان لالحرتاز من وقوع النظر إىل ما ال يريد‬
‫صاحب املن زل النظر إليه لو دخل بغري إذن‪ ،‬وأعظم ذلك النظر إىل النساء األجنبيات‪.‬‬

‫يسوى بها شعر الرأس‪ ،‬وقيل‪ ::‬ولو‬


‫درى‪ :‬بكسر الميم و إسكان الدال المهملة و بالقصر‪ :‬حديدة َّ‬
‫الم َ‬
‫ِ‬ ‫( )‬
‫شبه المشط‪ ،‬وقي‪ ::‬وي أعواد تحدَّد تُجع‪ :‬شبه المشط‪ ،‬و جمعه مداري‪ .‬انظر‪ :‬شرح صحيح مسلم‬
‫‪.‬‬ ‫للنووي ‪/‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫ومن املعلوم أن أهل البيت إذا استأذهنم أحد ابلدخول‪ ،‬فإهنم قبل اإلذن له سيهيئون املكان‬
‫إن مل يكن مهيئاً‪ ،‬وتذهب النساء عن مكان االستقبال‪ ،‬أو طريق الداخل‪ ،‬ويبذلون كل ما من شأنه‬
‫احلفاظ على مظهر بيتهم‪ ،‬وعدم اطالع أحد على ما يسوؤه‪ ،‬أو يلوم أهل البيت عليه‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن سعدي يف تفسريه مفسدتني من مفاسد ترك االستئذان فقال‪ :‬منها‪ :‬ما ذكر‬
‫الرسول ‪ ‬حيث قال‪" :‬إمنا ُجعل االستئذان من أجل البصر" فبسبب اإلخالل به‪ ،‬يقع البصر على‬
‫العورات اليت داخل البيوت‪ ،‬فإن البيت لإلنسان يف سرت عورة ما وراءه‪ ،‬مبن زلة الثوب يف سرت عورة‬
‫جسده‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن ذلك يوجب الريبة من الداخل‪ ،‬ويُتَّهم ابلشر‪ ،‬سرقة أو غريها‪ ،‬ألن الدخول ُخفية‪،‬‬
‫يدل على الشر‪.‬‬

‫وإذا كان اإلسالم قد حرم الدخول إال ذن‪ ،‬فإنه أيضاً قد منع من جمرد اإلطالع على البيت‬
‫من خارج‪ ،‬وأذن ألهل البيت أن يفقؤوا عينه‪ ،‬ولو فعلوا ذلك ملا عوتبوا‪ ،‬وال عوقبوا‪ ،‬ألهنم فعلوا ما‬
‫أذن به الشارع‪ ،‬واملطلع هو الذي تسبب على نفسه بفعله املشني‪ ،‬ويدل لذلك ما روى أبو هريرة‬
‫حل هلم أن يفقؤوا‬
‫رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪" :‬من اطلع يف بيت قوم بغري أذهنم‪ ،‬فقد َّ‬
‫عينه"‪ ،‬ويف لفظ "‪ ...‬فحذفته حبصاه ففقأت عينه‪ ،‬مل يكن عليك جناح" متفق عليه‪.‬‬

‫وهلذا قال يف احلديث املتقدم‪ ":‬لو أعلم أنك تنظر‪ ،‬لطعنت به يف عينيك"‪ .‬وقد َّ‬
‫عد عمر‬
‫ابن اخلطاب ‪ ‬مثل هذا العمل‪ ،‬من مظاهر الفسق‪ ،‬فقال‪ :‬من مأل عينيه من قاع بيت قبل أن‬
‫يؤذن له‪ ،‬فقد فسق‪.‬‬

‫اثلثاً‪ :‬حترمي اخللـوة ابألجنبية‪:‬‬


‫إن خلوة الرجل ابمرأةٍ أجنبية عنه مظنة حلصول الفتنة بينهما‪ ،‬ألن ميل كل جنس إىل اآلخر‬
‫موجود عندمها ال حمالة‪ ،‬يضاف إىل الدور الكبري الذي يقوم به الشيطان متمثِالً يف تزيني الفاحشة يف‬
‫نفسيهما واإلغراء هبا‪.‬‬

‫فحرم هذه اخللوة من أصلها‪َّ ،‬‬


‫سداً‬ ‫لذا فإننا جند اإلسالم قد وقف موقفاً حازماً من ذلك‪َّ ،‬‬
‫لذريعة الفتنة‪ ،‬ولاية من دواعي اجلرمية‪ ،‬وحفاظاً على مسعة املرأة من أن تلوكها األلسن املعادية‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫واملغرضة‪ ،‬فقال عليه الصالة والسالم‪ " :‬ما خال رجل ابمرأة إال كان الشيطان اثلثهما " وقال‪" :‬ال‬
‫يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيَّ ٍبة‪،‬‬
‫َّ‬ ‫خيلون رجل ابمرأة إال مع ذي حمرم" متفق عليه‪ .‬وقال‪" :‬ال‬
‫إال ومعها رجل أو اثنان"‪.‬‬
‫فإنه ال يزيل اخللوة ويقطعها إال وجود حمرم للمرأة‪ ،‬حيصل بوجوده األمن‪ ،‬وتزول بسببه دواعي‬
‫الفتنة‪ ،‬ووساوس الشيطان‪ ،‬وإذا وجد أكثر من امرأة أو رجل زالت اخللوة أيضاً يف غري مواطن الريب‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬قرار النساء يف البيوت إذا مل يكن خلروجهن حاجة‪:‬‬


‫احد من اجلنسني ما يناسب فطرته وتكوينه من املهام‬ ‫إن هللا تعاىل قد جعل لكل و ٍ‬
‫واملسؤوليات‪ ،‬فالرجل مسؤوليته تتمثل يف الضرب يف األرض‪ ،‬والسعي يف مناكبها لكسب الرزق‬
‫احلالل‪ ،‬لينفقه على نفسه‪ ،‬وعلى من وجبت عليه نفقته من الزوجة واألوالد وغريهم‪.‬‬
‫أما املرأة فمسؤوليتها الرئيسية تتمثل يف رعاية شؤون البيت‪ ،‬واحملافظة على األوالد‪ ،‬وحسن‬
‫رعايتهم‪ ،‬وهتيئة البيت من َجيع اجلوانب‪ ،‬ليجد فيه الرجل عند عودته الراحة والطمأنينة والسعادة‪،‬‬
‫ويذهب عنه ما قد يعرض له أثناء عمله من تعب وإرهاق‪.‬‬
‫وملا كان يف خروج املرأة من بيتها بال حاجة‪ ،‬تعريض هلا للفتنة‪ ،‬وإخالل واضح ابملسؤولية‬
‫امللقاة على عاتقها‪ ،‬فقد أمر تعاىل النساء ابلقرار يف البيوت‪ ،‬فقال‪  :‬موقم ْر من ِيف بُيُوتِ ُك َّن موالم تممربَّ ْج من‬
‫اهلِيَّ ِة ‪ .‬قال ابن كثري‪ :‬أي إلزمن بيوتكن فال خترجن لغري حاجة‪.‬‬
‫اجل ِ‬
‫تممربُّ مج ْم‬
‫رخص هلن ابلذهاب إىل املساجد‬ ‫وملاَّ كان لزوم النساء بيوهتن هو األصل‪ ،‬جند أن النيب ‪َّ ‬‬
‫لياءهن بذلك‪ ،‬إذ قال ‪ " :‬ال متنعوا إماء هللا مساجد هللا"‪.‬‬ ‫ألداء الصالة‪ ،‬وخاطب أو َّ‬
‫وقال ‪" :‬إذا استأذنت امرأة أحدكم فال مينعها" متفق عليه‪.‬‬
‫فال خترج املرأة من بيتها إال برضا وليها ملتزمة ابحلجاب الشرعي انبذة للتربج والسفور‪ ،‬وال‬
‫خترج إال حلاجة‪ ،‬ال للتسكع يف األسواق واحلدائق‪ ،‬بل لزايرة والديها وأقارهبا‪ ،‬أو مراجعة مستشفى‪،‬‬
‫أو حتصيل علم حتتاج إليه‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬الغَرية على احملارم‪:‬‬


‫إن مغرية الرجل على حمارمه من العوامل املهمة‪ ،‬والوسائل الناجعة يف لاية األسرة من االحنراف‪،‬‬
‫والتعرض ألسبابه ودواعيه‪ ،‬وكلما قوي اإلميان يف قلب املؤمن‪ ،‬قويت عنده الغرية وزادت‪ ،‬وهي تنقص‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫عد ابن القيم‬‫بنقص اإلميان‪ ،‬بل قد تتالشى وتضمحل بسبب ما يقرتفه العبد من الذنوب‪ ،‬وهلذا َّ‬
‫ذهاب الغرية أثراً من آاثر الذنوب واملعاصي فقال‪ :‬ومن عقوابهتا‪ :‬أهنا تطفئ من القلب انر الغرية اليت‬
‫هي حلياته وصالحه كاحلرارة الغريزية حلياة َجيع البدن‪ ،‬إىل أن قال‪ :‬أشرف الناس وأعالهم قدراً ومهة‪،‬‬
‫أشدهم غريةً على نفسه وخاصته وعموم الناس‪.‬‬
‫والغمرية من صفات الرب جل وعال‪ ،‬وتفسري غريته سبحانه‪ :‬ما روى أبو هريرة ‪ ،‬أن النيب ‪‬‬
‫حرم هللا"‪ ،‬وعن ابن مسعود ‪ ‬عن النيب ‪ ‬قال‪:‬‬ ‫قال‪" :‬إن هللا يغار‪ ،‬وغرية هللا أن َييت املؤمن ما َّ‬
‫حرم الفواحش‪ ،‬وما أحد أحب إليه املدح من هللا"‪ ،‬والنيب‬ ‫"ما من أحد أغري من هللا‪ ،‬من أجل ذلك َّ‬
‫‪ ‬أشد األمة غرية‪ ،‬ألنه كان يغار ل ولدينه‪.‬‬
‫وقد قال ‪ ‬ألصحابه‪" :‬أتعجبون من غرية سعد؟ ألان أغري منه‪ ،‬وهللا أغري مين"‪.‬‬
‫دل هذا احلديث‪ ،‬على شدة وقوة غرية سعد بن عُبمادة ‪ ،‬وقد قال رسول هللا ‪ ‬هذا‬ ‫وقد َّ‬
‫صفح‪.‬‬
‫احلديث‪ ،‬عندما مسع سعداً يقول‪ :‬لو رأيت رجالً مع امرأيت لضربته ابلسيف غري ُم ْ‬
‫وقد شهد النيب ‪ ‬لبعض أصحابه بشدة الغرية‪ ،‬كما شهد هبا لسعد بن عبادة‪ ،‬ومنهم‪ :‬عمر بن‬
‫اخلطاب رضي هللا عنه‪ ،‬فعن أى هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬بينما حنن عند رسول هللا ‪ ‬جلوس‪ ،‬فقال‬
‫رسول هللا ‪" : ‬بينما أان انئم رأيتين يف اجلنة‪ ،‬فإذا امرأة تتوضأ إىل جانب قصر‪ ،‬فقلت‪ :‬ملن هذا؟‬
‫قال‪ :‬هذا لعمر‪ ،‬فذكرت غريتك‪ ،‬فوليت مدبراً" فبكى عمر وهو يف اجمللس مث قال‪ :‬أ ممو عليك اي‬
‫رسول هللا أغار؟‬

‫والغرية احملمودة‪ :‬هي اليت تكون يف الريبة‪ ،‬أما الغرية من غري ريبة‪ ،‬فهي هوس وظن فاسد‪ ،‬وهي‬
‫مذمومة‪ ،‬وهللا تعاىل يكرهها‪ ،‬قال ‪" :‬إن من الغرية ما حيب هللا‪ ،‬ومنها ما يكره هللا‪ ،‬فالغرية اليت‬
‫حيبها هللا‪ ،‬الغرية يف الريبة‪ ،‬والغرية اليت يكره هللا‪ ،‬الغرية يف غري ريبة "‪.‬‬
‫فعلى أولياء ال نساء أن يدركوا ذلك‪ ،‬فال يطلقوا ألنفسهم العنان ساءة الظن يف نسائهم وبناهتم‬
‫دون دليل وبرهان‪ ،‬وليعلموا أن الغرية دون شيء مريب‪ ،‬هي جمرد إساءة ظن‪ ،‬وهتمة ال صحة هلا‪ ،‬وإن‬
‫ذلك يضر وال ينفع‪ ،‬ويفسد العالقة بني الزوجني‪ ،‬قال ابن القيم‪ :‬واليت يكرهها هللا أن يغار من غري‬
‫ريبة‪ ،‬بل جمرد سوء ظن‪ ،‬وهذه الغرية تفسد احملبة‪ ،‬وتوقع العداوة بني احملب وحمبوبه‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫وغرية الرجل على أهله أمر واجب‪ ،‬وللغرية حدود وضوابط‪ ،‬فهي غرية معتدلة‪ ،‬غرية ال تلقي‬
‫بصاحبها يف خضم الشك وظلمات الوهم‪ ،‬ألن األصل يف املعاملة حسن الظن والثقة ابلغري ما مل‬
‫بيوت قد هتدمت‪ ،‬وكم من أس ٍر حتطمت وتفرقت بسبب األوهام‬ ‫يثبت خالف ذلك‪ ،‬وكم من ٍ‬
‫والظنون اليت ال أساس هلا من الصحة‪.‬‬
‫سادساً‪ :‬عقوبة الزان والقذف والفواحش األخالقية‪:‬‬
‫إن عرض املسلم أحد الكليات اخلمس اليت جاءت الشريعة ابلعناية هبا واحملافظة عليها‪ ،‬وهلذا‬
‫شرع ما سبق ذكره من األحكام واآلداب وحنوها مما حيقق سد الذريعة إىل وقوع احملرمات‪ ،‬وارتكاب‬
‫الفواحش واملوبقات‪.‬‬
‫يضاف إىل ذلك ما أوجبه هللا على كل من مل ينكح من اجلنسني من االستعفاف‪ ،‬لاية لعرضه‪،‬‬
‫ين الم مِجي ُدو من نِ مكاحاً مح َّىت‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬
‫وصيانة لنفسه من ارتكاب ما حرم هللا‪ .‬فقال تعاىل‪  :‬مولْيم ْستم ْعفف الذ م‬
‫ضلِ ِه ‪.‬‬
‫اّللُ ِمن فم ْ‬
‫يُ ْغنِيم ُه ُم َّ‬
‫إن الزان والقذف من أخطر اجلرائم‪ ،‬ملا هلما من آاثر عظيمة على الفرد واألسرة‪ ،‬بل واجملتمع‬
‫أبسره‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬احنراف السلوك‪ ،‬وشيوع الفاحشة‪ ،‬وتلطيخ السمعة‪ ،‬والتعرض للعفيفات‪ ،‬والوقوع‬
‫يف األعراض احملرمة بفعل‪ ،‬أو قول أو عليهما حنو ذلك‪.‬‬
‫فحماية لألسرة‪ ،‬وحتقيقاً لسالمة اجملتمع‪ ،‬وأتديباً للمجرمني املتعدين حلدود هللا‪ ،‬جند أن هللا‬
‫تعاىل قد رتب عليهما عقوابت مغلظة‪.‬‬
‫فجعل سبحانه الرجم للزاين إن كان حمصناً‪ ،‬وجلد مائة مع تغريب عام إن كان غري حمصن‪.‬‬
‫اّللِ ‪،‬‬ ‫اح ٍد ِمْن ُه مما ِمئمةم مج ْل مدةٍ موالم مأتْ ُخ ْذ ُك ْم هبِِ مما مرأْفمة ِيف ِدي ِن َّ‬
‫الزِاين فماجلِ ُدواْ ُك َّل و ِ‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫الزانِيمةُ مو َّ‬
‫قال تعاىل‪َّ  :‬‬
‫وقال ‪ " :‬خذوا عين‪ ،‬قد جعل هللا هلن سبيالً‪ ،‬البكر ابلبكر جلد مائة ونفي عام‪ ،‬والثيب ابلثيب‪،‬‬
‫جلد مائة والرجم "‪.‬‬
‫وجعل حد القذف مثانني جلدة‪ ،‬قال تعاىل‪  :‬والَّ ِذين يرمو من اْلمحصمن ِ‬
‫ات ُمثَّ مملْ مَيْتُواْ ِأبْمربم معِة ُش مه مدا مء‬ ‫م م مْ ُ ُ ْ م‬
‫اس ُقو من ‪ [ ‬النور‪.] 4 :‬‬ ‫ك هم اْلمف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فم ِ‬
‫ني مجْل مدًة موالم مت ْقمبلُواْ مهلُْم مش مه مادًة أمبمداً موأُْولمئ م ُ ُ‬
‫وه ْم ممثمان م‬
‫اجل ُد ُ‬
‫ْ‬
‫فهذه العقوابت فيها غاية التأديب للفاعل‪ ،‬ليقلع عن اجلرمية‪ ،‬ويتوب منها‪ ،‬ويعود إىل اإلميان‪،‬‬
‫وفيها أيضاً ردع لكل من تسول له نفسه من أفراد اجملتمع الوقوع يف شيء من ذلك‪ ،‬قال تعاىل يف‬
‫ني ‪[ ‬النور‪.]2 :‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫حد الزان‪  :‬مولْيم ْش مه ْد مع مذ ماهبُمما طمآئ مفة م من الْ ُم ْؤمن م‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫تذكر العقوبة اليت ترتتب على اجلرمية‪ ،‬فإنه سرعان ما يعرض عنها‪ ،‬ويضاف إىل‬ ‫فإن املسلم إذا َّ‬
‫ذلك العقوبة االجتماعية املتمثلة يف التشهري بني الناس‪ ،‬وتلطيخ السمعة‪ ،‬وازدراء اجملتمع‪.‬‬

‫فيظهر لنا جلياً‪ ،‬أن عقوبة الزان والقذف‪ ،‬من عوامل لاية األسرة‪ ،‬واحلفاظ على أفرادها من‬
‫االحنراف‪.‬‬
‫احملاضرة التاسعة‬

‫اخلِّطبة وأحكامها‪ ،‬واحملرمات من النساء يف النكاح‪ ،‬وأحكام النظر إل املخطوبة‬

‫يعترب عقد النكاح من أهم وأخطر العقود يف اإلسالم‪ ،‬فقد اهتم اإلسالم به اهتماماً ابلغاً‪ ،‬حىت‬
‫صارت له مكانته املرموقة‪ ،‬ومن زلته السامية‪ ،‬واعترب هللا عقد النكاح ميثاقاً‪ ،‬ووصفه أبنه غليظ‪ ،‬قال هللا‬
‫مخ ْذ من ِمن ُكم ِميثماقاً مغلِيظاً ‪.‬‬ ‫ض ُك ْم إِ مىل بم ْع ٍ‬
‫ض موأ م‬ ‫ف مأتْ ُخ ُذونمهُ موقم ْد أمفْ م‬
‫ضى بم ْع ُ‬ ‫تعاىل‪  :‬مومكْي م‬
‫ومما يدل على كبري قدره‪ ،‬وعظيم أثره‪ ،‬اهتمام اإلسالم هبذا العقد‪ ،‬ما شرع يف بدايته من أحكام‬
‫وآداب‪ .‬ومنها ما يُعرف ابخلطبة‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬معىن اخلطبة‪:‬‬


‫وخطبةً‪ :‬إذا طلبها للزواج‪ ،‬وخطب املرأة إىل‬ ‫اخلِطبة لغة بكسر اخلاء‪ ،‬مصدر خطمب فالن فالنة ِخطباً ِ‬
‫م‬
‫القوم‪ ،‬إذا طلب أن يتزوج منهم‪.‬‬
‫وقد تعددت عبارات العلماء يف تعريف اخلِطبة شرعاً‪ ،‬إال أهنا متقاربة‪.‬‬
‫فقيل إهنا‪ :‬التماس اخلاطب النكاح من جهة املخطوبة‪.‬‬
‫ومن الباحثني املعاصرين من عرفها أبهنا‪ :‬طلب الرجل وإظهار رغبته يف الزواج من امرأة معينة‬
‫خالية من املوانع الشرعية‪.‬‬

‫اثنياً‪ :‬مشروعيتها‪:‬‬
‫اح‬
‫ثبتت مشروعيتها ابلقرآن والسنة واإلَجاع والعرف‪ ،‬فمن القرآن‪ :‬قوله تعاىل‪  :‬موالم ُجنم م‬
‫ضتُ ْم بِِه ِم ْن ِخطْبم ِة النِ مسا ِء ‪.‬‬
‫يما معَّر ْ‬‫ِ‬
‫معلمْي ُك ْم ف م‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫ومن السنة‪ :‬قوله ‪ ":‬إذا خطب أحدكم امرأة‪ ،‬فإن استطاع أن ينظر إىل ما يدعوه إىل‬
‫نكاحها فليفعل"‪ ،‬وكذلك فعله ‪ ‬عندما خطب أزواجه رضي هللا عنهن‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬ما قاله عبدهللا‬
‫بن عمر رضي هللا عنهما‪ :‬أن عمر بن اخلطاب ‪ ‬حني أتمميت حفصة ( أي مات زوجها )‪ ،‬قال‪:‬‬
‫لقيت أاب بكر فقلت‪ :‬إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر‪ ،‬فلبثت ليايل مث خطبها رسول هللا ‪...‬‬
‫احلديث‪.‬‬

‫واإلَجاع منعقد على جوازها‪ ،‬وقد تعارف الناس عليها‪.‬‬


‫وليس للخطبة مدة حمددة يف الشرع‪ ،‬وإن كان يستحسن أال تطول لئال ختالطها حمظورات شرعية‪.‬‬

‫اثلثاً‪ :‬أهداف اخلطبة‪:‬‬


‫تتحقق ابخلطبة األمور التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬التعرف على رغبة اخلاطب يف نكاح املرأة‪ ،‬وذلك عندما يطلبها من وليها‪.‬‬
‫‪ -2‬وضوح الرؤية للخاطب يف املوافقة على تزوجيه من عدم ذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬تبني اخلاطب عن طريق اخلطبة يف أن املرأة اليت تقدم خلطبتها ليست خمطوبة لغريه‪.‬‬
‫‪ -4‬إن املدة اليت بني اخلطبة وبني العقد‪ ،‬متثل مرحلة تروي وتبصر للطرفني‪ ،‬ليطمئن كل واحد‬
‫منهما ويتأكد أنه وفِق حلسن االختيار‪ ،‬حبيث لو ظهر ألحدمها رغبة يف العدول عن النكاح‬
‫ألي سبب من األسباب ألمكنه ذلك‪ ،‬إذ أن الرتك قبل عقد النكاح أيسر وأسهل من حصوله‬
‫بعده‪ ،‬فالرتاجع بعد إبرام العقد والدخول صعب‪ ،‬بل قد يرتتب عليه مشاكل ودعاوى كثرية‪.‬‬
‫‪ -5‬إن نظر اخلاطب إىل خمطوبته ابلشروط الشرعية‪ ،‬ال يتأتى غالباً إال بعد اخلطبة‪ ،‬ومن خالله‬
‫يتعرف على أوصاف خمطوبته اخلملقية واخلُلقية‪ ،‬وهو من أسباب دوام احلياة الزوجية‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬معايري االختيار يف الزوجني‪:‬‬


‫اإلسالم حث كل من يرغب يف النكاح من اجلنسني‪ ،‬على حسن االختيار‪ ،‬وبذل اجلهد يف‬
‫اختيار الطرف اآلخر املناسب‪.‬‬
‫وجه الشرع إىل مراعاهتا‪،‬‬
‫فإن وفق كل واحد منهما يف اختياره‪ ،‬أبن راعى املعايري والصفات اليت َّ‬
‫فإن السعادة سرتفرف على حياهتما الزوجية‪ ،‬واألنس والسرور سيغمرمها‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫وقد جعل كثري من العلماء واملربني حسن اختيار الزوج لزوجته من حقوق األوالد على أبيهم‪-‬‬
‫وهو كذلك يف حق الزوجة‪ -‬ألن نتائج هذا االختيار‪ ،‬ستظهر على األوالد بال ريب‪ ،‬إذ أن حال‬
‫الزوج أو الزوجة من حيث الدين واألخالق والسلوك‪ ،‬سينعكس على أبنائهم‪ ،‬وال ينتبه ملثل هذا األمر‬
‫إال املوفقون الذين منحهم هللا بُعد النظر‪ ،‬والتنبه للعواقب‪.‬‬
‫وأول هذه املعايري الختيار الزوج أو الزوجة هو الدين‪ ،‬فالدين هو األساس الذي يبىن عليه‬
‫االختيار‪ ،‬مث بعد ذلك ينظر إىل غريه من الصفات واملعايري‪.‬‬
‫وقد حث اإلسالم األولياء على تزويج بناهتم وأخواهتم من صاحب الدين واخللق‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫"إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه‪ ،‬إال تفعلوا تكن فتنة يف األرض وفساد عريض"‪.‬‬

‫فصاحب الدين واالستقامة‪ ،‬هو الذي يقوم ابلواجب األكمل يف رعاية األسرة‪ ،‬وهو الذي‬
‫يؤدي ما لزوجته من حقوق شرعية‪ ،‬ألنه خياف هللا تعاىل ويراقبه‪ ،‬بل إنه إن مل يُكرم املرأة‪ ،‬فإنه ال‬
‫يظلمها‪ ،‬وهذا من أهم أسباب دوام احلياة الزوجية واستمرارها‪.‬‬

‫وابلنسبة لتوفر هذا الوصف املهم يف املرأة املخطوبة‪ ،‬فإنه قد وردت أحاديث كثرية حتث على‬
‫اختيار ذات الدين‪ ،‬من ذلك‪ :‬قوله‪" : ‬تنكح املرأة ألربع‪ :‬ملاهلا وحلسبها وجلماهلا ولدينها‪ ،‬فاظفر‬
‫بذات الدين تربت يداك" متفق عليه‪.‬‬

‫ودين املرأة يدعوها للقيام بواجباهتا حنو رهبا وحنو أسرهتا‪ ،‬فهي طائعة لرهبا‪ ،‬منفذة أوامره‪،‬‬
‫ات قمانِتمات محافِظمات لِْلغمْي ِ‬
‫ب‬ ‫حافظة لغيبة زوجها‪ ،‬كما وصفها هللا سبحانه وتعاىل بقوله‪  :‬فم َّ ِ‬
‫الصاحلم ُ‬
‫اّللُ ‪.‬‬ ‫ِمبما مح ِف م‬
‫ظ َّ‬

‫قال بعض املفسرين‪ :‬قوله تعاىل‪  :‬محافِظمات لِْلغمْي ِ‬


‫ب ‪ ‬يعين‪ :‬مغيبة زوجها‪ ،‬ال أتيت يف مغيبه‬
‫مبا يكره أن يراه منها يف حضوره‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫وجعل الدين هو األساس يف االختيار ألمهيته‪ ،‬وألنه هو الذي يبقى ويدوم ذن هللا‪ ،‬خبالف‬
‫ُ‬
‫غريه من املعايري فسرعان ما تتالشى وتزول كاجلمال مثالً‪.‬‬

‫ول مد ُّر اإلمام ألد بن ٍ‬


‫حنبل فقد قال‪ :‬إذا خطب رجل امرأة سأل عن َجاهلا أوال‪ ،‬فإن ُلد‬
‫سأل عن دينها‪ ،‬فإن ُلد تزوج‪ ،‬وإن مل ُحيمد يكون ردها ألجل الدين‪ ،‬وال يسأل أوال عن الدين‪ ،‬فإن‬
‫ُلد سأل عن اجلمال‪ ،‬فإن مل حيمد ردها فيكون رده للجمال ال للدين‪.‬‬

‫وقد استحب بعض العلماء توفر بعض األوصاف يف املرأة املخطوبة‪ ،‬ملا هلا من آاثر إجيابية‪،‬‬
‫وفوائد كثرية‪ ،‬على احلياة الزوجية‪ ،‬من ذلك‪:‬‬
‫‪ )1‬أن تكون بكراً‪ ،‬لقوله ‪ ‬جلابر ‪ ‬وقد تزوج ثيباً‪ " :‬فهال بكراً تالعبها وتالعبك " متفق عليه‪،‬‬
‫وقد استثىن الفقهاء من ذلك إن كانت له مصلحة راجحة يف نكاح الثيب‪ ،‬فإنه يقدمها على‬
‫البكر‪.‬‬
‫‪ )2‬أن تكون ولوداً‪ ،‬ملا روى أنس ‪ ‬قال‪ :‬كان رسول هللا ‪ ‬يقول‪" :‬تزوجوا الودود الولود‪ ،‬فإين‬
‫مكاثر بكم األمم يوم القيامة"‪ .‬وألن وجود األوالد‪ ،‬يوثق العالقة الزوجية ويقويها‪ ،‬ويعرف كون‬
‫املرأة ولوداً أبن تكون من نساء يعرفن بكثرة األوالد‪.‬‬
‫‪ )3‬أن تكون ودوداً للحديث السابق‪ ،‬أي متوددة إىل زوجها‪ ،‬وهذا يؤكد على استحباب التزوج من‬
‫ذات اخللق‪ ،‬ألن ذات اخللق هي اليت تتودد إىل زوجها‪ .‬وإن املودة بني الزوجني من أهم مالمح‬
‫آايتِِه أم ْن مخلم مق لم ُكم ِم ْن أمن ُف ِس ُك ْم‬ ‫ِ‬
‫احلياة الزوجية السعيدة‪ ،‬ومسببات دوامها‪ .‬قال تعاىل‪  :‬موم ْن م‬
‫آلاي ٍت لِمق ْوٍم يمتم مف َّك ُرو من ‪.‬‬
‫ك م‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أ ْمزمواجاً لتم ْس ُكنُواْ إِلمْي مها مو مج مع مل بمْي نم ُكم َّم موَّدةً مومر ْلمةً إِ َّن ِيف ذمل م‬
‫وقد ذكر النيب ‪ ‬أوصاف الزوجة الصاحلة بقوله‪ " :‬ما استفاد املؤمن بعد تقوى هللا خرياً من زوجة‬
‫أبرته‪ ،‬وإن غاب عنها حفظته يف‬
‫سرته‪ ،‬وإن أقسم عليها َّ‬‫صاحلة‪ ،‬إن أمرها أطاعته‪ ،‬وإن نظر إليها َّ‬
‫نفسها وماله"‪.‬‬
‫‪ )4‬أن تكون ذات عقل‪ ،‬غري عجولة وال متهورة‪ ،‬فاحلمقاء ال تصلح العشرة معها‪ ،‬وال يطيب العيش‬
‫معها‪ ,‬ورمبا تعدى احلُمق إىل ولدها‪ ،‬وقد قيل‪ :‬اجتنبوا احلمقاء‪ ،‬فإن ولدها ضياع‪ ،‬وصحبتها‬
‫بالء‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫املرأة اليت ال حيل ِّخطبتها (احملرمات من النساء يف النكاح)‬


‫إن اخلاطب ال جيوز له أن خيطب إال من حتل له من النساء‪ ،‬فالاليت حيرم نكاحهن عليه‪ ،‬ال جيوز‬
‫أن يتقدم خلطبتهن‪.‬‬

‫واحملرمات من النساء نوعان‪:‬‬


‫النوع األول ‪ :‬حمرمات حرمة مؤبدة‪ :‬وهن الاليت يرجع حترميهن إىل سبب ال يقبل الزوال‪ ،‬فيحرم‬
‫على الرجل الزواج بواحدة منهن أبي حال‪ ،‬وعلى مدى الدهر‪.‬‬
‫واحملرمات على التأبيد ثالثة أصناف‪:‬‬
‫أ‪ -‬حمرمات ابلنسب‪.‬‬
‫ب ‪ -‬حمرمات ابملصاهرة‪.‬‬
‫ج ‪ -‬حمرمات ابلرضاع‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬احملرمات ابلنسب‪:‬‬


‫وهن على التفصيل كاآليت‪-:‬‬
‫‪ -1‬األمهات‪ :‬وهن كل امرأة انتسب إليها الرجل بوالدة‪ ،‬وهي األم‪ ،‬واجلدات من جهة األم‪،‬‬
‫أو من جهة األب وإن علون‪.‬‬
‫‪ -2‬البنات‪ :‬وهن كل من انتسب إىل الرجل بوالدة‪ ،‬وهي ابنة الصلب وأوالدها‪ ،‬وأوالد البنني‬
‫وإن نزلت درجتهن‪.‬‬
‫‪ -3‬األخوات‪ :‬أي أخوات الرجل من أي اجلهات كن‪ ،‬سواء كن أخوات شقيقات‪ ،‬أو‬
‫أخوات ألب‪ ،‬أو أخوات ألم‪.‬‬
‫‪ -4‬العمات‪ :‬وهن كل من أدلت ابلعمومة من أخوات األب‪ ،‬وأخوات األجداد وإن علوا‪،‬‬
‫من جهة األب أو األم‪.‬‬
‫‪ -5‬اخلاالت‪َّ :‬‬
‫وهن كل من أدلت ابخلؤولة من أخوات األم‪ ،‬وأخوات اجلدات وإن علون‪ ،‬من‬
‫جهة األب أو األم‪.‬‬
‫‪ -6‬بنات األخ‪َّ :‬‬
‫وهن كل من ينتسب ببنوة األخ من أوالده وأوالد أوالده الذكور واإلانث‪،‬‬
‫وإن نزلن‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫‪ -7‬بنات األخت‪ :‬وهن كل من ينتسب ببنوة األخت من أوالدها وأوالد أوالدها الذكور‬
‫واإلانث‪ ،‬وإن نزلن‪.‬‬

‫اثنياً‪ :‬احملرمات ابملصاهرة وهن أربع‪:‬‬


‫‪ -1‬أمهات النساء‪ ،‬فمن عقد على امرأة‪ُ ،‬حرم عليه َجيع أمهاهتا من النسب والرضاع وإن‬
‫ات نِ مسآئِ ُك ْم ‪ ‬سواء دخل ابملرأة اليت‬ ‫علون‪ ،‬والدليل قوله تعاىل يف آية احملرمات‪  :‬موأ َُّم مه ُ‬
‫عقد عليها أو مل يدخل‪ ،‬لعموم اللفظ يف اآلية‪.‬‬
‫‪ -2‬الرابئب‪ ،‬وهن بنات النساء‪ ،‬فكل بنت للزوجة من نسب أو رضاع‪ ،‬حترم على الرجل إن‬
‫دخل أبمها‪ ،‬وبنت بنتها مبنزلة بنتها وإن نزلت‪ ،‬وإن فارق أمها قبل أن يدخل هبا‪ ،‬حلَّت له‬
‫ابنتها‪ ،‬ودليل ذلك قوله تعاىل يف آية احملرمات من النساء‪  :‬مومرمابئِبُ ُك ُم الالَِّيت ِيف ُح ُجوِرُك ْم‬
‫ِِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫اح معلمْي ُك ْم ‪.‬‬ ‫من ن مسآئ ُك ُم الالَِّيت مد مخ ْلتُ ْم هب َّن فمإن َّملْ تم ُكونُواْ مد مخ ْلتُ ْم هب َّن فمالم ُجنم م‬
‫‪ -3‬حالئل األبناء‪ ،‬وهن زوجات أبنائه‪ ،‬وأبناء أبنائه‪ ،‬وإن سفلوا‪ ،‬سواء كان ابنه من نسب أو‬
‫مصالمبِ ُك ْم ‪ ،‬وهؤالء‬ ‫رضاع‪ ،‬لقوله تعاىل يف اآلية املشار إليها‪  :‬وحالمئِل أمب نمائِ ُكم الَّ ِذ ِ‬
‫ين م ْن أ ْ‬ ‫مم ُ ْ ُ م‬
‫حيرمن مبجرد عقد األبناء عليهن‪ ،‬لعموم اآلية‪.‬‬
‫‪ -4‬زوجات األب القريب والبعيد‪ ،‬من قبل األب أو األم‪ ،‬من نسب أو رضاع‪ ،‬والدليل على‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ف ‪.‬‬ ‫آاب ُؤُك ْم م من الن مساء إِالَّ مما قم ْد مسلم م‬ ‫حترميهن قوله تعاىل‪  :‬موالم تمنك ُحواْ مما نم مك مح م‬
‫وهؤالء حيرمن على االبن‪ ،‬مبجرد عقد أبيه عليهن‪ ،‬والعلة يف التحرمي أن زوجة األب مقامها مقام‬
‫األم تكرمياً وتعظيماً‪.‬‬

‫اثلثاً‪ :‬احملرمات ابلرضاع‪:‬‬


‫وهن كل امرأة حرمت من النسب‪ ،‬حرم مثلها من الرضاع‪ ،‬لقوله تعاىل‪  :‬موأ َُّم مهاتُ ُك ُم الالَِّيت‬ ‫َّ‬
‫اع ِة ‪ ،‬فنص على األم واألخت‪ ،‬وما سوامها من املنصوص عليهن يف‬ ‫ضم‬ ‫مخ مواتُ ُكم ِم من َّ‬
‫الر م‬ ‫ض ْعنم ُك ْم موأ م‬
‫أ ْمر م‬
‫النسب‪ ،‬مثلهن يف التحرمي‪ ،‬لقوله عليه الصالة والسالم‪" :‬حيرم من الرضاعة ما حيرم من الوالدة" أي‬
‫النسب‪ ،‬متفق عليه‪.‬‬

‫ويشرتط يف التحرمي ابلرضاع‪:‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫‪ -1‬أن يكون الرضاع يف احلولني‪.‬‬


‫‪ -2‬أن يكون مخس رضعات ولو متفرقات يف أرجح أقوال العلماء‪.‬‬

‫النوع الثاين‪ :‬احملرمات حرمة مؤقتة‪ ،‬وهن األصناف التالية‪:‬‬


‫(أ) احملرمات بسبب اجلمع‪ ،‬وهو ضرابن‪:‬‬
‫األول‪ :‬مجع حرم ألجل القرابة بني املرأتني‪ ،‬وهو اثبت يف ثالث‪:‬‬
‫االختم ْ ِ‬
‫ني ‪ ،‬وسواء كانتا من أبوين‪ ،‬أو‬ ‫ني ْ‬ ‫‪ -1‬اجلمع بني األختني‪ ،‬لقوله تعاىل‪  :‬موأمن مْجت ممعُواْ بمْ م‬
‫من أحدمها‪ ،‬من نسب أو رضاع‪.‬‬
‫‪ -2‬اجلمع بني املرأة وعمتها‪.‬‬
‫‪ -3‬اجلمع بني املرأة وخالتها‪ ،‬والدليل يف هذين ما روى أبو هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‪ " :‬ال‬
‫ُجيمع بني املرأة وعمتها‪ ،‬وال بني املرأة وخالتها" متفق عليه‪.‬‬

‫وقد نبه ‪ ‬على احلكمة يف حترمي ذلك بقوله يف حديث آخر‪" :‬إنكن إذا فعلنت ذلك قطعنت‬
‫أرحامكن" والضابط هلذا النوع‪ :‬أنه حيرم اجلمع بني كل امرأتني لو كانت إحدامها ذكراً‪ِ ،‬حي َّل له التزوج‬
‫ابألخرى‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬حترمي اجلمع لكثرة العدد‪ ،‬فال حيل للرجل أن جيمع بني أكثر من أربع زوجات ابتفاق‬
‫ِ‬
‫ع ‪ ،‬يعين اثنتني أو‬ ‫اب لم ُك ْم ِم من النِ مسآء ممثْ مىن موثُالم م‬
‫ث موُرماب م‬
‫ِ‬
‫العلماء‪ ،‬لقوله تعاىل‪  :‬فمانك ُحواْ مما طم م‬
‫ثالاثً أو أربعاً‪ .‬وألن النيب ‪ ‬قال لغيالن بن سلمة حني أسلم وحتته عشر نسوة‪" :‬أمسك أربعاً‬
‫وفارق سائرهن"‪.‬‬

‫(ب) زوجة الغري‪ ،‬ومعتدة الغري‪:‬‬


‫لقوله تعاىل‪  :‬والْمحصن ِ ِ ِ‬
‫ْت أمْميمانُ ُك ْم ‪ ،‬واملراد ابحملصنات هنا‪،‬‬ ‫ات م من الن مساء إِالَّ مما مملمك م‬ ‫م ُ ْ مم ُ‬
‫املتزوجات‪ ،‬وقد عطفهن على احملرمات من النساء يف اآلية اليت قبلها‪.‬‬
‫مجلمهُ ‪ ،‬وألن تزوج هؤالء‬ ‫ِ‬ ‫ولقوله تعاىل يف املعتدة‪  :‬موالم تم ْع ِزُمواْ عُ ْق مدةم النِ مك ِ‬
‫اب أ م‬
‫اح مح َّىت يمْب لُ م الْكتم ُ‬
‫يفضي إىل اختالط املياه‪ ،‬واشتباه األنساب‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫(جـ) املطلقة البائن بينونة كربى‪:‬‬


‫وهي املطلقة ثالاثً فإهنا ال حتل ملطلقها حىت تنكح زوجاً غريه‪ ،‬لقوله تعاىل‪ :‬فمِإ ْن طملَّ مق مها فمالم‬
‫مِحت ُّل لمهُ ِمن بم ْع ُد مح َّىت تم ْن ِك مح مزْوجاً مغ ْ مريهُ ‪ .‬واحلكمة يف ذلك تعظيم أمر النكاح‪ ،‬وإكرام املرأة‪ ،‬اليت‬
‫كانت يف اجلاهلية تطلق مرات عديدة دون حد‪ ،‬وتراجع مرات عديدة دون حد‪.‬‬

‫(د) احملرمات الختالف الدين‪:‬‬


‫ص ِم الْ مك موافِ ِر ‪ ،‬وقوله‪ :‬موالم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال حيل ملسلم نكاح كافرة غري كتابية‪ ،‬لقوله تعاىل‪ :‬موالم متُْس ُكواْ بِع م‬
‫تم ْن ِكحواْ الْم ْش ِرمك ِ‬
‫ات مح َّىت يُ ْؤِم َّن ‪.‬‬ ‫ُ ُ‬
‫وال حيل ملسلمة أن ينكحها كافر‪ ،‬كتابياً كان أو غري كتاى لقوله تعاىل‪  :‬موالم تُْن ِك ُحواْ‬
‫وه َّن إِ مىل الْ ُكفَّا ِر الم ُه َّن ِحلٌّ َّهلُْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ني مح َّىت يُ ْؤمنُواْ ‪،‬وقوله‪ :‬فمِإ ْن معل ْمتُ ُم ُ‬
‫وه َّن ُم ْؤمنمات فمالم تم ْرجعُ ُ‬ ‫الْ ُمش ِرك م‬
‫موالم ُه ْم مِحيلُّو من مهلُ َّن ‪.‬‬

‫احملرمة بسبب اإلحرام‪ ،‬ال حيل نكاح حمرم وال حمرمة يف أرجح قويل أهل العلم‪ ،‬لقوله ‪" :‬ال‬
‫(هـ) َّ‬
‫نكح وال خيطب"‪.‬‬‫ينكح احملرم وال ي ِ‬
‫ُ‬

‫نك ُح إِالَّ مزانِيمةً أ ْمو ُم ْش ِرمكة ‪ ‬وألهنا‬


‫الزِاين الم ي ِ‬
‫م‬ ‫(و) الزانية‪ ،‬فإنه حيرم نكاحها حىت تتوب‪ ،‬لقوله تعاىل‪َّ  :‬‬
‫إذا كان ت مقيم ة عل ى ال زان‪ ،‬مل َيم ن أن تلح ق ب ه ول داً م ن غ ريه‪ ،‬وتفس د فراش ه‪ ،‬فح رم نكاحه ا‬
‫كاملعتدة‪.‬‬

‫(ز) املرأة املخطوبة للغري إن أجيب‪ ،‬أي متت املوافقة عليه‪ ،‬فال حتل مخطبتها‪ ،‬ملا روى ابن عمر‬
‫رضي هللا عنهما‪ :‬أن النيب ‪ ‬قال‪" :‬ال خيطب الرجل على خطبة أخيه حىت يرتك أو َيذن له" متفق‬
‫عليه‪ ،‬وألن يف ذلك إفساداً على اخلاطب األول واعتداءً على حقه‪ ،‬وإيقاعاً للعداوة بينهما‪ ،‬فحرم‬
‫كبيعه على بيعه‪.‬‬
‫أما إن مل تسكن املرأة إىل اخلاطب األول‪ ،‬ومل تعطه جواابً فلغريه خطبتها‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬

‫النظر إل املخطوبة‪:‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫شرع اإلسالم للخاطب أن ينظر إىل خمطوبته بل استحب له ذلك‪ ،‬كما ثبت يف عدة أحاديث‬
‫صحيحة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬عن أى هريرة ‪ ‬قال‪ :‬كنت عند النيب ‪ ‬فأاته رجل فأخربه أنه تزوج امرأة من األنصار‪،‬‬
‫فقال له رسول هللا ‪ " :‬أنظرت إليها ؟ " قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ " :‬فاذهب فانظر إليها‪ ،‬فإن يف‬
‫أعني األنصار شيئا"‪.‬‬
‫‪ -2‬قول النيب ‪ ‬للمغرية بن شعبة ‪ ‬وقد خطب امرأة‪" :‬أنظرت إليها ؟" قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪" :‬انظر‬
‫إليها‪ ،‬فإنه أحرى أن يؤدم بينكما"‪ .‬وقوله‪ ":‬أحرى أن يؤدم بينكما" أي جيمع بينكما ابحلب‬
‫واملوافقة‪.‬‬
‫‪ -3‬روى جابر بن عبد هللا ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‪" :‬إذا خطب أحدكم املرأة‪ ،‬فإن استطاع‬
‫أن ينظر إىل ما يدعوه إىل نكاحها‪ ،‬فليفعل"‪.‬‬

‫فهذه األحاديث وما يف معناها‪ ،‬تدل داللة صرحية على استحباب نظر اخلاطب إىل املرأة اليت‬
‫يرغب يف نكاحها‪.‬‬
‫وقد اتفق الفقهاء على ذلك‪ ،‬فقال الوزير ابن هبرية‪ :‬واتفقوا على أن من أراد تزوج امرأة‪ ،‬فله أن‬
‫ينظر منها ما ليس بعورة‪.‬‬

‫ويتحقق هبذا النظر مصلحة الطرفني‪ ،‬فإن اخلاطب واملخطوبة إذا رأى أحدمها اآلخر‪ ،‬واجتمع به‬
‫‪ -‬مع حضور احملرم من أقارهبا‪ -‬فإما أن يطمئن إىل اآلخر ومييل إليه‪ ،‬ويقع لديه موقع القبول‪ ،‬فتصح‬
‫رغبتهما يف الزواج‪ ،‬فإن مت كان ذلك أدعى للوفاق ودوام العشرة بينهما‪ ،‬وإما أن حيصل عكس ذلك‪،‬‬
‫فيعدالن عن اخلطبة‪ .‬واألرواح جنود جمندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف‪ ،‬ويف حصول‬
‫النظر احرتاز من الغرر‪ ،‬وانتفاء للجهل والغش‪ ،‬وحصول النكاح بعد رؤية أبعد عن الندم‪ ،‬الذي رمبا‬
‫حيصل للمتزوج لو مل حتصل رؤية‪ ،‬فيظهر له األمر على خالف ما ُحيب‪.‬‬

‫ويكون النظر إىل ما يدعوه إىل نكاحها كما يف احلديث السابق مما يظهر غالباً‪ ،‬وأكثر ما‬
‫ينص عليه أهل العلم يف هذا الباب النظر إىل الوجه والكفني‪ .‬ألهنما أكثر ما يظهر منها غالباً‪ ،‬وألنه‬
‫ابلنظر إليهما يتم املراد‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫قال ابن قدامة ‪ " :‬ال خالف بني أهل العلم يف إابحة النظر إىل وجهها‪ ،‬ألنه ليس بعورة‪،‬‬
‫وهو جممع احملاسن‪ ،‬وموضع النظر "‪.‬‬

‫وللخاطب أن يكرر النظر‪ ،‬ويتأمل احملاسن‪ ،‬ألن املقصود إمنا حيصل بذلك‪.‬‬

‫ويشرتط إلابحة النظر إل املخطوبة ما يلي‪:‬‬


‫‪ -1‬أن تكون املرأة ممن تُرجى موافقتها‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكون النظر بوجود حمرم املرأة كأبيها أو أخيها‪ ،‬ألهنا أجنبية عنه‪ ،‬فال جتوز اخللوة هبا‪ ،‬ألن‬
‫اجلائز النظر‪ ،‬أما اخللوة فهي ابقية على أصل التحرمي‪.‬‬
‫‪ -3‬أالَّ يقصد من النظر الشهوة والتلذذ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يقتصر على القدر الذي جيوز النظر إليه‪.‬‬

‫ويرى اجلمهور جواز النظر إليها بدون إذهنا أو علمها‪ ،‬واستدلوا بفعل جابر ‪ ‬حيث قال‪:‬‬
‫خطبت امرأة فكنت أختبأ هلا حىت رأيت منها ما دعاين إىل نكاحها‪ .‬وألن النظر بغري إذهنا جيعل‬
‫اخلاطب يراها بدون تصنع‪ ،‬بعيدة عن الزينة اليت قد خترجها أحياانً عن خلقتها احلقيقية‪ ،‬وألن يف‬
‫ذلك جتنب أذى الفتاة وأهلها‪ ،‬فالرؤية إذا كانت عالنية ومل يتحقق النكاح‪ ،‬قد حيصل بذلك كسر‬
‫لكرامة الفتاة‪ ،‬بل وسيتساءل الناس عن سبب ترك اخلاطب‪ ،‬ويف هذا إحراج كبري للفتاة وأهلها‪.‬‬

‫وإن مل يتيسر للخاطب النظر إىل خمطوبته ٍ‬


‫لسبب ما‪ ،‬فله أن يرسل امرأة ثقة من قريباته كأمه أو‬
‫أخته تتأملها مث تصفها له‪ ،‬وقد بعث النيب ‪ ‬أم سليم رضي هللا عنهما إىل امرأة فقال‪ُِ :‬‬
‫"مشي‬
‫عوارضها وانظري إىل عرقوبيها"‪.‬‬

‫اثنياً‪ :‬املخالفات الشرعية يف اخلطبة‪:‬‬


‫إن خطبة النكاح ال يرتتب عليها أثر شرعي مما يكون من آاثر العقد‪ ،‬فيبقى كل واحد من‬
‫اخلاطب واملخطوبة أجنبياً عن اآلخر‪ ،‬وابلتايل فال جتوز اخللوة بينهما‪ ،‬ومما يؤسف له أن كثرياً من‬
‫اجملتمعات اإلسالمية متارس فيها تصرفات غري مشروعة يف هذا الباب فسمحوا جراء عالقات بني‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫اخلاطب واملخطوبة‪ ،‬بعيدة كل البعد عن املنهج اإلسالمي‪ ،‬والسبب يف ذلك ضعف الوازع الديين‪،‬‬
‫والتقصري يف الرتبية اإلسالمية الصحيحة‪ ،‬والتأثر أبحوال وعادات وتقاليد غري املسلمني‪ ،‬ودعاة الزي‬
‫واالحنالل‪ ،‬حيث مسح هؤالء وأولئك للخاطب أن خيتلي مبخطوبته‪ ،‬وأذنوا له ابخلروج هبا إىل األسواق‬
‫واملالهي واحلدائق وحنوها من األماكن العامة‪ ،‬ولرمبا وافق أهل الفتاة على سفر اخلاطب هبا دون‬
‫حسيب وال رقيب‪ ،‬بدعوى التعرف على بعضهما البعض عن قرب‪ .‬وهذه التصرفات ال يقرها‬
‫وحيذر منها‪ ،‬وجيعل املخطوبة يف سياج حصني‪ ،‬درة مصونة يف بيت أهلها‪ ،‬حىت‬ ‫اإلسالم‪ ،‬بل مينعها ِ‬
‫يتم عقد النكاح‪ ،‬وليست ألعوبة يعبث هبا كل عابث‪ ،‬ويتمتع هبا كل مستهرت حبجة أهنا خمطوبته‪،‬‬
‫حىت يذهب حياؤها‪ ،‬ويقضى على عفافها يف حالة ضعف من اخلاطبني اللذين َجع بينهما الشيطان‪.‬‬
‫إن اإلسالم حيرم اخلُلوة ابملخطوبة‪ ،‬ألهنا مازالت أجنبية عن اخلاطب‪ ،‬وقد قال عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫"ال خيلون رجل ابمرأة إال مع ذي حمرم"‪.‬‬

‫العُدول عن اخلِّطبة وأثره‪:‬‬


‫بعد متام اخلطبة قد حيدث أن يعدل اخلاطب‪ ،‬أو املخطوبة‪ ،‬أو مها معا عن إمتام العقد‪ ،‬وهذا يف‬
‫احلقيقة يتضمن نقضاً للعهود واملواثيق‪ ،‬وخلفاً للوعد‪ ،‬ومع ذلك فإنه ال يتعلق ابخلطبة أثر شرعي‪،‬‬
‫وللخاطب احلق يف اسرتداد مهره كامال‪ ،‬سواء كان العدول من طرفه أو من طرفها‪.‬‬
‫وأما اهلدااي كخامت وساعة ومالبس وحنوها‪ ،‬فللفقهاء فيها آراء خمتلفة ‪:‬‬

‫فاحلنفية يرون أن للخاطب احلق يف اسرتداد واستعادة ما أهداه إن كان مل يتلف أو يستهلك‪.‬‬

‫وللمالكية يف ذلك تفصيل بني أن يكون العدول من جهته أو جهتها‪ :‬فإن كان العدول من جهته فال‬
‫رجوع له فيما أهداه‪ ،‬وإن كان العدول من جهتها فله الرجوع بكل ما أهداه‪ ،‬سواء أكان ابقيا على‬
‫حاله‪ ،‬أو كان قد هلك‪ ،‬فريجع ببدله‪ ،‬إال إذا كان عرف أو شرط‪ ،‬فيجب العمل به‪.‬‬
‫والشافعية يعتربن حكمها حكم اهلبة‪ ،‬والصحيح أن اهلبة ال جيوز الرجوع فيها ؛ ألن املوهوب له حني‬
‫قبض العني املوهوبة دخلت يف ملكه‪ ،‬وجاز له التصرف فيها‪ ،‬فرجوع الواهب فيها انتزاع مللكه منه‬
‫بغري رضاه‪ ،‬وهذا ابطل شرعا وعقال‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫وفرق احلنابلة بني كون اهلدية قبل العقد أو بعده‪ ،‬فإن كانت بعد العقد مل يرجع بشيء‪ ،‬وإن‬
‫كانت قبل العقد فإن وعدوا ومل يفوا بوعدهم وفسخوا اخلطبة رجع ابهلدية‪ ،‬وإن كان العدول منه أو‬
‫ماتت املخطوبة فال يرجع ابهلدية‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬

‫احملاضرة العاشرة‬
‫النكاح‪ :‬أركانه وأحكامه وشروطه ومقاصده‬
‫أ ـ تعريف النكاح‪:‬‬
‫النكاح يف اللغة‪ :‬الضم والتداخل يقال‪ :‬تناكحت األشجار‪ ،‬إذا انضم بعضها إىل بعض‪،‬‬
‫ويطلق ويراد به عقد الزواج‪ ،‬يقال‪ ،‬نكح فالن امرأة ينكحها نكاحاً إذا تزوجها‪ ،‬ويراد به أيضاً الوطء‪.‬‬
‫قال أبو علي الفارسي‪َّ :‬فرقت العرب فرقاً لطيفاً يعرف به موضع العقد من الوطء‪ ،‬فإذا قالوا‪ ،‬نكح‬
‫فُالنة أو بنت فالن أو أخته‪ ،‬أرادوا تزوجها وعقد عليها‪ ،‬وإذا قالوا‪ :‬نكح امرأته أو زوجته‪ ،‬مل يريدوا‬
‫إال اجملامعة‪ ،‬ألن بذكر امرأته وزوجته يستغىن عن العقد‪.‬‬

‫يتضمن إابحة ٍ‬
‫وطء بلفظ إنكاح أو تزويج أو ترَجته‪.‬‬ ‫والنكاح شرعاً‪ :‬عقد َّ‬

‫ب – حكم النكاح‪:‬‬
‫النكاح مندوب إليه يف اجلملة للنصوص الواردة يف الرتغيب فيه كما سيأيت‪ ،‬قال الوزير ابن‬
‫هبرية‪ :‬اتفقوا على أن النكاح من العقود الشرعية املسنونة أبصل الشرع‪.‬‬

‫لكن عند التفصيل‪ ،‬خيتلف حكمه ابختالف حال الشخص‪ ،‬لذا فإن العلماء ذكروا أنه تعرتيه‬
‫األحكام التكليفية اخلمسة‪ ،‬وهي الوجوب والندب والتحرمي والكراهة واإلابحة‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫فيجب على من خياف على نفسه الزان برتكه‪ ،‬ويندب لذي شهوة وال خياف الزان برتكه‪،‬‬
‫وحيرم على من ال يقدر على النفقة أو على الوطء ما مل ترض بذلك‪ ،‬ويكره ملن مل حيتج إليه وخيشى‬
‫أن ال يقوم مبا أوجب هللا عليه من القيام حبقوق الزوجة‪ ،‬فيقع يف ظلمها إن تزوج‪ ،‬ويباح فيما عدا‬
‫ذلك‪.‬‬

‫ج – الرتغيب يف النكاح‪:‬‬
‫وحتث عليه‪ ،‬منها‬
‫قد وردت نصوص كثرية من القرآن الكرمي والسنة النبوية‪ ،‬ترغب يف النكاح ُّ‬
‫ما يلي‪:‬‬
‫ِ‬
‫ع ‪[ ‬النساء‪.]3:‬‬ ‫اب لم ُك ْم ِم من النِ مساء ممثْ مىن موثُالم م‬
‫ث موُرماب م‬
‫ِ‬
‫قوله تعاىل‪  :‬فمانك ُحواْ مما طم م‬
‫قوله عليه الصالة والسالم‪" :‬اي معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج‪ ،‬فإنه أغض للبصر‪،‬‬
‫وأحصن للفرج‪ ،‬ومن مل يستطع‪ ،‬فعليه ابلصوم‪ ،‬فإنه له وجاء"‪.‬‬
‫قوله عليه الصالة والسالم ‪" :‬تزوجوا الودود الولود‪ ،‬فإين مكاثر بكم األمم يوم القيامة"‪.‬‬
‫د – أركان النكاح ‪:‬‬
‫ركن الشيء لغة‪ :‬جانبه األقوى‪.‬‬
‫ويف االصطالح‪ :‬ركن الشيء ما ال وجود لذلك الشيء إال به‪ ،‬كالقيام والركوع والسجود للصالة‪.‬‬
‫وأركان الزواج ثالثة ‪:‬‬
‫األول‪ :‬الزوجان‬
‫وينبغي أن يكوان خاليني من املوانع اليت متنع صحة النكاح‪ ،‬أبن ال تكون املرأة من اللوايت حيرمن على‬
‫الرجل بنسب‪ ،‬أو رضاع‪ ،‬أو مصاهرة‪ ،‬أو عدة أو غري ذلك‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬اإلجياب‬
‫وهو ما حيصل أوالً إلنشاء العقد‪ ،‬أبن يصدر من الويل أو اخلاطب‪ ،‬كأن يقول الويل‪ :‬زوجتك أو‬
‫أنكحتك ابنيت على مهر قدره كذا‪ ،‬أو يقول اخلاطب‪ :‬تزوجت ابنتك على مهر قدره كذا‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬القبول‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫وهو اللفظ الدال على الرضا ابلزواج‪ ،‬فيأيت اتلياً إلمتام العقد‪ ،‬ويصدر من اخلاطب أو الويل‪ ،‬كأن‬
‫يقول‪ :‬قبلت هذا الزواج أو هذا النكاح‪.‬‬

‫األلفاظ اليت ينعقد هبا النكاح‪:‬‬


‫ينعقد النكاح بلفظ (اإلنكاح والتزويج) بصيغة املاضي للداللة على العزم‪ ،‬ومها اللفظان الصرحيان يف‬
‫آاب ُؤُك ْم ِم من النِ مسا ِء‬ ‫ِ‬
‫النكاح‪ ،‬ألن نص الكتاب ورد هبما‪ ،‬وذلك يف قوله تعاىل‪  :‬موالم تمنك ُحواْ مما نم مك مح م‬
‫ضى مزيْد ِمْن مها موطمراً مزَّو ْجنما مك مها ‪‬‬
‫ف ‪[ ‬النساء‪ ،]22 :‬وقوله تعاىل‪  :‬فملم َّما قم م‬ ‫إِالَّ مما قم ْد مسلم م‬
‫[األحزاب‪ ،]37 :‬ومل يذكر سوامها يف القرآن الكرمي‪ ،‬فوجب الوقوف معهما تعبداً واحتياطاً‪ ،‬وال‬
‫يصح أن ينعقد بغريمها من األلفاظ‪ ،‬كاهلبة والتمليك‪ ،‬ألن الزواج عقد يعترب فيه النية مع اللفظ اخلاص‬
‫به‪ ،‬ولو كان بغري العربية‪ ،‬أما األخرس فتعترب إشارته املعهودة‪.‬‬
‫شروط صحة اإلجياب والقبول‪:‬‬

‫يشرتط لصحة اإلجياب والقبول ستة شروط ‪:‬‬


‫‪ -1‬أهلية تصرف العاقدين‪ ،‬أبن يكون العاقد لنفسه أو لغريه أهالً ملباشرة العقد‪ ،‬وذلك ابلتمييز؛‬
‫فإذا كان أحدمها غري مميز كصيب وجمنون مل ينعقد النكاح‪.‬‬
‫‪ -2‬احتاد جملس اإلجياب والقبول‪ ،‬مبعىن أال يفصل بينهما بكالم أجنيب أو مبا يعد يف العرف‬
‫إعراضاً‪.‬‬
‫‪ -3‬توافق القبول مع اإلجياب‪ ،‬يتحقق التوافق بتطابق القبول واإلجياب يف حمل العقد ويف مقدار‬
‫املهر؛ فإذا كانت املخالفة يف حمل العقد مثل‪ :‬قول ويل املرأة‪ :‬زوجتك خدجية‪ ،‬فيقول الزوج‪:‬‬
‫قبلت فاطمة مل ينعقد النكاح‪ ،‬ألن القبول انصرف إىل غري من وجد اإلجياب فيه‪ ،‬فلم يصح‪.‬‬

‫وإن كانت املخالفة يف مقدار املهر مثل‪ :‬زوجتك ابنيت على مخسني‪ ،‬فقال الزوج‪ :‬قبلت الزواج‬
‫أبربعني مل ينعقد النكاح إال إذا كانت املخالفة ملا هو أحسن‪ ،‬كأن يقول‪ :‬قبلت الزواج بستني‬
‫فيصح العقد‪.‬‬
‫‪ -4‬مساع كل من املتعاقدين كالم صاحبه‪ ،‬وفهمه أن املراد منه هو ابتداء العقد أو إمتامه‪ ،‬ولو كان‬
‫هذا عرب اإلنرتنت كما ذهب إليه عدد من الفقهاء املعاصرين‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫‪ -5‬أن تكون الصيغة منجزة‪ ،‬مبعىن دالة على حتقيق الزواج وترتب اآلاثر عليه يف احلال‪ ،‬من غري‬
‫إضافة إىل زمن مستقبل أو تعليق على شرط‪.‬‬

‫أما اإلضافة إىل زمن مستقبل فمعناها أن جيعل املتعاقدان ظرفاً مستقبالً مبتدأ لثبوت حكم العقد‬
‫وترتب آاثره‪ ،‬كأن يقول الويل‪ :‬أزوجك ابنيت بعد غد‪ ،‬أو بعد سنة‪ ،‬فيقول الزوج‪ :‬قبلت‪.‬‬
‫وهذا ال يصح‪ ،‬ألن اإلضافة إىل املستقبل تنايف عقد الزواج الذي يوجب حل االستمتاع يف احلال‪.‬‬

‫وأما الصيغة املعلقة على شرط فكأن يقول الويل للخاطب‪ :‬إن جنحت يف االمتحان زوجتك ابنيت‪،‬‬
‫فيقول اخلاطب‪ :‬قبلت‪ ،‬والزواج ال ينعقد هبذه الصيغة‪ ،‬ألن إنشاء العقد معلق على شيء مستقبل قد‬
‫حيدث وقد ال حيدث‪.‬‬
‫‪ -6‬أن تكون الصيغة مؤبدة‪ ،‬مبعىن غري مؤقتة بوقت‪ ،‬فإن صحبها توقيت‪ ،‬كان العقد ابطالً‪ ،‬عينت‬
‫املدة أو مل تعني‪ ،‬كانت املدة قصرية أو طويلة‪ ،‬فلو قال هلا‪ :‬تزوجتك شهراً أو سنة على مهر‬
‫قدره كذا‪ ،‬فقالت‪ :‬قبلت‪ ،‬فإن ذلك العقد ال يصح‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬شروط النكاح‪:‬‬
‫الزواج من أغلظ املواثيق وأكرمها عند هللا تعاىل‪ ،‬ألنه عقد متعلق بذات اإلنسان ونسبه‪ ،‬وهلذا العقد‬
‫شروط كسائر العقود الصحيحة‪ ،‬لكنه يسمو عليها ابختصاص وصفه ابمليثاق الغليظ كما ورد يف قوله‬
‫مخ ْذ من ِمن ُكم ِميثماقاً مغلِيظاً ‪[ ‬النساء‪،]21:‬‬ ‫ض ُك ْم إِ مىل بم ْع ٍ‬
‫ض موأ م‬ ‫ف مأتْ ُخ ُذونمهُ موقم ْد أمفْ م‬
‫ضى بم ْع ُ‬ ‫تعاىل‪  :‬مومكْي م‬
‫وهلذا التعبري قيمته يف اإلحياء مبوجبات احلفظ واملودة والرلة‪ ،‬واهلدف من هذه الشروط‪ :‬هو لاية‬
‫األسرة اليت سيتم إنشاؤها من االختالف والتصدع والتفرق والتفكك‪ ،‬وهتيئة املناخ املالئم لتحقيق‬
‫األهداف املرجوة من النكاح‪ ،‬ومن مث كان هلذا العقد شروط أربعة‪:‬‬

‫األول‪ :‬تعيني الزوجني‪ ،‬فال يكفي أن يقول‪ :‬زوجتك ابنيت‪ :‬إذا كان له عدة بنات‪ ،‬أو يقول‪ :‬زوجتها‬
‫ابنك‪ ،‬وله عدة أبناء‪ ،‬وحيصل التعيني ابإلشارة إىل املتزوج‪ ،‬أو تسميته‪ ،‬أو وصفه مبا يتميز به‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫الثاين‪ :‬رضا كل من الزوجني ابآلخر‪ ،‬فال يصح إن أكره أحدمها عليه‪ ،‬وال سيما املرأة‪ ،‬فإن رضاها‬
‫أساس يف عقد الزواج‪ ،‬سواء أكانت بكراً أم ثيباً‪ ،‬لقوله‪":‬ال تنكح األمي حىت تستأمر‪ ،‬وال تنكح‬
‫البكر حىت تستأذن‪ .‬قيل‪ :‬وكيف إذهنا ؟ قال‪ :‬أن تسكت" ‪ ،‬وهبذا ندرك أن رضا املرأة ال بد منه‬
‫عند الزواج‪ ،‬سواء سبق هلا الزواج أو كانت بكراً‪.‬‬

‫أما اليت سبق هلا الزواج‪ ،‬فال بد أن تصرح برضاها‪ ،‬إذ ال مينعها احلياء من أن تصرح‪ ،‬خبالف البكر‬
‫اليت يغلب عليها احلياء عادة‪ ،‬فيكتفى منها ابلسكوت أو أية قرينة يفهم منها رضاها‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬الشهادة على عقد النكاح‪ ،‬فهي شرط الزم يف عقد النكاح ال يعترب صحيحاً بدوهنا‪،‬‬
‫حلديث جابر مرفوعاً‪" :‬ال نكاح إال بويل وشاهدي عدل"‪.‬‬
‫احلكمة من وجوب اإلشهاد‪:‬‬
‫‪ -1‬أن النكاح يتعلق به حق غري املتعاقدين‪ ،‬وهم األوالد واحملارم‪ ،‬فاشرتطت الشهادة فيه لئال‬
‫جيحد‪ ،‬فيضيع النسب‪ ،‬ويتزوج الرجال احملارم‪.‬‬
‫‪ -2‬أن عقد النكاح عظيم اخلطر الرتباطه ابألعراض‪ ،‬واإلشهاد عليه ينفي التهم ويبعد الظنون إذا‬
‫رؤي معها‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬موافقة الويل‪ ،‬وهو أن يعقد للمرأة وليها؛ كأبيها وأخيها‪ ،‬فلو زوجت املرأة نفسها‪ ،‬أو زوجت‬
‫غريها كابنتها أو أختها‪ ،‬أو وكلت غري وليها يف تزوجيها ولو ذن وليها مل يصح النكاح يف احلاالت‬
‫الثالث‪ ،‬وذلك ملا َييت ‪:‬‬

‫‪ -1‬أن هللا تعاىل خاطب األولياء ابلنكاح فقال‪  :‬موأمنْ ِك ُحواْ األ مماي ممى ِمْن ُك ْم ‪[ ‬النور‪.]32:‬‬
‫‪ -2‬حديث أى موسى األشعري‪ ‬أن النيب‪ ‬قال‪":‬ال نكاح إال بويل"‪ ،‬وهو لنفي احلقيقة‬
‫الشرعية‪ ،‬أي‪ :‬ال نكاح موجود يف الشرع إال بويل‪ ،‬بدليل ما ورد عن عائشة رضي هللا عنها‬
‫قالت‪ :‬قال رسول هللا‪": ‬أميا امرأة نكحت بغري وليها‪ ،‬فنكاحها ابطل‪ ،‬فنكاحها ابطل‪،‬‬
‫فنكاحها ابطل"‪.‬‬

‫احلكمة من اشرتاط الويل‪:‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫‪ -1‬أنه يكون أكثر خربة منها ابلرجال‪ ،‬الختالطه ابلناس ومعرفته أبحواهلم‪ ،‬إضافة إىل أن املرأة‬
‫سريعة التأثر مما يسهل معه أن ختدع ألسباب كثرية‪ ،‬فتخطئ يف اختيار األصلح هلا‪.‬‬
‫‪ -2‬أن زوج املرأة سيصبح عضواً يف أسرهتا‪ ،‬ومن غري الالئق أن ينضم إىل األسرة عضو يكون رب‬
‫األسرة غري راض عنه‪.‬‬
‫‪ -3‬أن فيه إكراماً للمرأة‪ ،‬وإبعاداً هلا عن خدش حيائها عند ما تتوىل تزويج نفسها‪.‬‬

‫ضل الويل‪:‬‬
‫َع ْ‬
‫العضل يف اللغة‪َ :‬ييت مبعىن املنع واحلبس عن الشيء‪ ،‬يقال‪ :‬عضل املرأة عن الزوج منعها وحبسها‬
‫عنه‪.‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬منع املرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك ورغب كل واحد منهما يف صاحبه‪.‬‬

‫والعضل ظلم وإضرار ابملرأة يف منعها حقها يف التزويج مبن ترضاه‪ ،‬وذلك لنهي هللا تعاىل عنه يف قوله‬
‫اج ُه َّن ‪[ ‬البقرة‪.]232:‬‬ ‫ِ‬
‫وه َّن أمن يمنك ْح من أ ْمزمو م‬
‫ضلُ ُ‬
‫خماطباً األولياء‪ :‬فمالم تم ْع ُ‬

‫فإذا حتقق العضل من الويل دون سبب مقبول‪ ،‬انتقلت الوالية إىل السلطان ملا َييت‪:‬‬
‫‪ 1‬قول النيب‪":‬فإن اشتجروا فالسلطان ويل من ال ويل له"‪.‬‬
‫‪ 2‬ألن الويل قد امتنع ظلماً من حق توجه عليه‪ ،‬فيقوم السلطان أو انئبه مقامه إلزالة الظلم‪ ،‬كما لو‬
‫كان عليه دين وامتنع عن قضائه‪.‬‬

‫الشروط يف النكاح‪:‬‬
‫املراد هبا ما يشرتطه أحد الزوجني أو كالمها يف صلب العقد‪ ،‬أو يتفقان عليه قبل العقد مما يصلح‬
‫بذله واالنتفاع به‪ ،‬وهي غري شروط النكاح وتنقسم إىل قسمني ‪:‬‬

‫القسم األول‪ :‬الشروط الصحيحة وهي نوعان ‪:‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫النوع األول‪ :‬شروط يتضمنها العقد وإن مل تذكر يف صلبه‪ ،‬ألن مشروعية العقد من أجلها‪ ،‬فال‬
‫حاجة لذكرها‪ ،‬بل هي الزمة مبجرد العقد‪ ،‬وذكرها يف العقد ال يؤثر‪ ،‬كما أن إمهاهلا ال يسقطها‪،‬‬
‫وذلك مثل‪ :‬اشرتاط انتقال املرأة إىل بيت زوجها ومتكينه من االستمتاع هبا‪ ،‬وكاشرتاط النفقة والسكىن‬
‫على الزوج‪ ،‬فهذه من مضمون العقد ودال عليها شرعاً‪ ،‬كما دل عليها عرفاً وعادة‪.‬‬

‫النوع الثاين‪ :‬شروط نفع معينة‪ ،‬يشرتطها أحد الزوجني‪ ،‬فتكون ملزمة لآلخر إذا رضي هبا ومل تكن‬
‫خمالفة للشرع؛ فاشرتاط الرجل على امرأته يف عقد الزواج تقسيط املهر أو أتجيله غري مفهوم من‬
‫مقتضى العقد‪ ،‬لكن ملا اشرتطه عليها كان الزماً‪ ،‬وكذلك اشرتاطها عليه زايدة يف املهر أو إكمال‬
‫دراستها‪ ،‬أو أن تستمر يف وظيفتها‪ ،‬فعلى الزوج أن يفي مبا اشرتطت عليه‪ ،‬وهلا حق املطالبة به أو‬
‫الفسخ إن مل يف مبا وعدها به‪ ،‬وقد أمر هللا تعاىل ابلوفاء ابلعهود فقال‪:‬‬
‫‪ ‬وأموفُواْ بِعه ِد َِّ‬
‫دمت ‪[ ‬النحل‪ ،]91:‬ويف احلديث‪ " :‬إن أحق الشروط أن توفوا به ما‬ ‫اّلل إِ مذا مع م‬
‫اه ُّْ‬ ‫م ْ مْ‬
‫استحللتم به الفروج "‪.‬‬

‫القسم الثاين‪ :‬شروط فاسدة‪ ،‬وهي نوعان‪:‬‬


‫النوع األول‪ :‬شروط فاسدة بنفسها مع بقاء العقد صحيحاً‪ ،‬كأن يشرتط أال مهر هلا‪ ،‬أو ال نفقة هلا‪،‬‬
‫فيفسد الشرط ويصح العقد‪ ،‬ألن ذلك الشرط يعود إىل معىن زائد يف العقد ال يلزم ذكره وال يضر‬
‫اجلهل به‪.‬‬
‫النوع الثاين‪ :‬شروط فاسدة مفسدة للعقد‪ ،‬مثل‪ :‬أن يشرتط تزوجها مدة معينة‪ ،‬وهو نكاح املتعة‪ ،‬أو‬
‫يتزوجها ليحلِلها لزوجها األول‪ ،‬وهو نكاح التحليل‪ ،‬أو يشرتط الويل على الزوج أن يزوجه أخته‪ ،‬وهو‬
‫نكاح الشغار‪ ،‬فهذه ثالثة أنواع من األنكحة الفاسدة ‪:‬‬

‫األول ‪ :‬نكاح املتعة ‪:‬‬


‫املتعة لغة بضم امليم وكسرها‪ :‬مشتقة من املتاع‪ ،‬وهو ما يستمتع به‪.‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬أن ينكح الرجل املرأة بشيء من املال مدة معينة ينتهي النكاح ابنتهائها من غري طالق‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫حكمه‪ :‬ابطل ابتفاق علماء املسلمني‪ ،‬وقد دل على حترمي نكاح املتعة الكتاب والسنة واإلمجاع‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين ُه ْم ل ُف ُروج ِه ْم محافظُو من ‪  ‬إِالَّ معلمى أ ْمزمواج ِه ْم أ ْمو مما مملم مك ْ‬
‫ت أمْميما ُهنُْم‬ ‫أما الكتاب فقوله تعاىل‪  :‬موالذ م‬
‫‪[ ‬املؤمنون‪ ،]6-5:‬واملتمتع هبا ليست زوجة‪ ،‬وال يف حكم الزوجة يف نظر الشارع‪ ،‬وال فيما تعارف‬
‫عليه الناس‪.‬‬
‫ومن السنة قول النيب‪" :‬اي أيها الناس إين كنت قد أذنت لكم يف االستمتاع من النساء‪ ،‬وإن هللا‬
‫قد حرم ذلك إىل يوم القيامة "‪.‬‬
‫وأما اإلَجاع فإن األمة أبسرها قد أَجعت على حترمي املتعة إال من ال يلتفت إليه‪.‬‬

‫احلكمة من حترمي نكاح املتعة‬


‫‪ -1‬أن املقصود األمسى للزواج هو السكن وتكوين األسرة‪ ،‬وال َييت هذا كله إال بدوام العشرة‪،‬‬
‫وشعور الزوجة ابالستقرار‪ ،‬وأبن حياهتا الزوجية مستدامة‪.‬‬
‫‪ -2‬أنه لو فتح ابب الزواج املؤقت‪ ،‬ألقبل الناس إليه ابتغاء قضاء احلاجة اجلنسية‪ ،‬لقلة كلفته‪،‬‬
‫وسهولة مؤونته‪ ،‬وضاع بذلك اهلدف األمسى الذي من أجله أودع هللا فينا غريزة اجلنس‪ ،‬وهو‬
‫بقاء النوع اإلنساين وعمران الكون‪.‬‬
‫‪ -3‬إكرام املرأة من أن تتخذ للذة واملتعة من قبل العديد من األشخاص على التوايل‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬نكاح التحليل ‪:‬‬
‫وهو أن يطلق الرجل امرأته ثالاثً‪ ،‬فيتزوجها رجل على شريطة أن يطلقها بعد وطئها‪ ،‬لتحل لزوجها‬
‫األول‪.‬‬

‫حكمه‪ :‬حرام‪ ،‬وذلك حلديث عبد هللا بن مسعود ‪ ":‬لعن رسول هللا‪ِ ‬‬
‫احمل َّل واحمللِل له"‪ ،‬فدل ذلك‬
‫على حترمي نكاح التحليل‪ ،‬ألنه ال يكون اللعن إال على فاعل احملرم‪ ،‬وهو أغلظ من نكاح املتعة من‬
‫وجهني‪:‬‬
‫أحدمها ‪ :‬جهالة مدته‪ ،‬والثاين‪ :‬أن الوطء فيه من أجل التحليل‪ ،‬وليس رغبةً يف املرأة‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬نكاح الشغار ‪:‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫الشغار لغة‪ :‬اخللو من العِ موض‪ ،‬يقال‪ :‬مكان شاغر‪ ،‬أي‪ :‬خال‪ ،‬واجلهة شاغرة‪ ،‬أي‪ :‬خالية‪ ،‬ومسي‬
‫ابلشغار خللوه من املهر‪.‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬أن ينكح الرجل وليته (ابنته أو أخته) على أن يزوجه اآلخر وليته ليكون بُضع كل واحدة‬
‫منهما صداقاً لألخرى‪.‬‬

‫حكمه‪ :‬اتفق أهل العلم على أن نكاح الشغار منهي عنه‪ ،‬فهو ابطل‪ ،‬جيب التفريق فيه‪ ،‬سواء كان‬
‫مصرحاً فيه بنفي املهر أو مسكواتً عنه‪ ،‬وذلك حلديث جابر بن عبد هللا رضي هللا عنهما‪ " :‬هنى‬
‫رسول هللا‪ ‬عن الشغار "‪ ،‬والنهي يقتضي الفساد‪ ،‬فيكون العقد فاسداً‪.‬‬

‫مقاصد النكاح‬
‫ملا كان أساس قيام األسرة هو الزواج‪ ،‬فقد اهتم اإلسالم به أميا اهتمام؛ فنقاه من أن يكون زواجاً‬
‫جاهلياً‪ ،‬أبن استبعد الصور الشاذة اليت كانت موجودة يف اجلاهلية‪ ،‬كنكاح اخلِ ْدن (العشيق)‪،‬‬
‫واالستبضاع(‪ ،)1‬وأبقى على الصورة الشرعية اليت تنسجم مع الفطرة‪ ،‬ويقرها العقل السليم‪ ،‬وذلك‬
‫لتحقيق مقاصد عديدة‪ ،‬من أمهها‪:‬‬

‫‪ -1‬حتقيق الفطرة اإلنسانية وإشباعها‪:‬‬

‫)‪ (1‬هو نوع من نكاح اجلاهلية حيث كان الرجل يطلب من زوجته أو جاريته بعد انقطاع حيضها أن تذهب لرجل من أشراف القوم‬
‫لتجامعه لتحمل منه‪ ،‬وحينما تعود لبيتها ال يقرهبا زوجها حىت يتبني للها‪ ،‬وكانوا يفعلون ذلك رغبة يف قوة الولد أو جنابته!! وحنو ذلك‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫خلق هللا يف اإلنسان غريزة البحث عن الطعام اليت شباعها يبقى شخصه‪ ،‬والغريزة اجلنسية اليت‬
‫ابالستجابة هلا يبقى نوعه‪ ،‬وكان ال بد لإلنسان أن يقف أمامها أحد مواقف ثالثة‪:‬‬

‫األول‪ :‬أن يطلق هلا العنان تسبح أين شاءت وكيف شاءت‪ ،‬بال روادع تردعها‪ ،‬من دين أو خلق‪،‬‬
‫كما هو الشأن يف املذاهب اإلابحية اليت ال تؤمن ابلدين وال ابلفضيلة‪ ،‬ويف هذا املوقف احنطاط‬
‫ابإلنسان إىل مرتبة احليوان‪ ،‬وإفساد للفرد واألسرة كلها‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬أن يكبتها‪ ،‬كما هو الشأن يف مذاهب التقشف واحلرمان كالرهبانية وحنوها‪ ،‬ويف هذا املوقف‬
‫وأد للغريزة‪ ،‬ومنافاة حلكمة من ركبها يف اإلنسان وفطره عليها‪ ،‬ومصادمة لسنة احلياة اليت تستخدم‬
‫هذه الغرائز لتستمر يف سريها‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬أن يضع هلا حدوداً تنطلق يف داخلها وضمن إطارها‪ ،‬دون كبت مرذول‪ ،‬وال انطالق جمنون‪،‬‬
‫كما هو الشأن يف الدين اإلسالمي الذي حرم السفاح‪ ،‬وشرع النكاح‪ ،‬واعرتف ابلغريزة‪ ،‬فيسر هلا‬
‫سبيلها من احلالل‪.‬‬

‫وهذا املوقف هو العدل والوسط‪ ،‬فلوال شرع الزواج ما أدت الغريزة دورها يف استمرار بقاء‬
‫اإلنسان ابلطريقة الشرعية‪ ،‬ولوال حترمي السفاح وإجياب اختصاص الرجل ابمرأة‪ ،‬ما نشأت األسرة اليت‬
‫تكون يف ظالهلا العواطف االجتماعية الراقية من مودة ورلة وحنان‪ ،‬وحب وإيثار‪ ،‬ولوال األسرة ما‬
‫نشأ اجملتمع وال أخذ طريقه إىل الرقي‪.‬‬
‫‪ -2‬حتقيق السكن النفسي والروحي‪:‬‬
‫فبالزواج جيد كل من الزوجني يف ظل صاحبه سكن النفس‪ ،‬وسعادة القلب‪ ،‬وراحة الضمري‪ ،‬إذ َيوي‬
‫إىل من حينو عليه‪ ،‬وينسيه مهوم احلياة‪ ،‬وميسح عنه ألواءها‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آايتِِه أم ْن مخلم مق لم ُكم ِم ْن أمن ُف ِس ُك ْم أ ْمزمواجاً لتم ْس ُكنُواْ إِلمْي مها مو مج مع مل بمْي نم ُكم َّم موَّدةً مومر ْلمةً إِ َّن ِيف ذمل م‬
‫ك‬ ‫ِ‬
‫‪ ‬موم ْن م‬
‫آلاي ٍت لِمق ْوٍم يمتم مف َّك ُرو من ‪[ ‬الروم‪.]21:‬‬ ‫م‬
‫‪ -3‬صيانة أفراد اجملتمع من االحنراف‪:‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫يساعد الزواج على لاية اجملتمع من االحنراف‪ ،‬والوقوع يف الرذيلة‪ ،‬فالزواج هو الوسيلة الوحيدة‬
‫لتكوين األسرة‪ ،‬واألسرة هي اليت حتمي أفرادها ابلرتبية السليمة‪ ،‬والرقابة واملتابعة الدائمة هلم‪ ،‬ونلمس‬
‫ذلك إذا نظران إىل اجملتمعات اليت تنادي بتأخري الزواج‪ ،‬أو اجملتمعات اليت تضع العراقيل أمام الشباب‬
‫الراغب يف الزواج‪ ،‬حيث تنتشر الرذيلة بصورة أزعجت القائمني على هذه اجملتمعات‪.‬‬

‫‪ -4‬صيانة اجملتمع من األمراض الفتاكة‪:‬‬


‫وهي أمراض وأدواء وعلل تنتشر ابنتشار الزان وشيوع الفاحشة؛ كالزهري‪ ،‬ومرض نقص املناعة‬
‫(اإليدز)‪ ،‬واهلربس‪ ،‬وها هي اجملتمعات املنحلة تعاين من ويالهتا ما تعاين بسبب انعتاق الناس فيها‬
‫من رابط الزواج املقدس‪ ،‬واجتاههم إىل كل لون من ألوان االتصال احلرام واملشبوه‪ ،‬كل ذلك حتقيقاً ملا‬
‫أخرب عن وقوعه املصطفى‪ ‬يف قوله‪" :‬اي معشر املهاجرين مخس إذا ابتليتم هبن وأعوذ ابل أن‬
‫تدركوهن‪ ،‬مل تظهر الفاحشة يف قوم قط حىت يعلنوا هبا إال فشا فيهم الطاعون واألوجاع اليت مل تكن‬
‫مضت يف أسالفهم الذين مضوا "‪.‬‬

‫‪ -5‬غض البصر وحفظ الفرج‪:‬‬


‫فالزواج وسيلة عظيمة من الوسائل اليت تساعد املسلم على حتقيق التوجيه اإلهلي الكرمي لعباده‬
‫صا ِرِه ْم مومْحي مفظُواْ‬ ‫بغض البصر وحفظ الفرج‪ ،‬واملتمثل يف قوله تعاىل‪  :‬قُل لِْلم ْؤِمنِني ي غُ ُّ ِ‬
‫ضواْ م ْن أمبْ م‬ ‫ْ ُ م م‬
‫صا ِرِه َّن ‪‬‬ ‫ضْ ِ‬
‫ض من م ْن أمبْ م‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صنم عُو من ‪  ‬موقُل ل ْل ُم ْؤِمنمات يم ْغ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ك أ ْمزمكى مهلُْم إِ َّن َّ‬
‫اّللم مخبِري مبما يم ْ‬
‫ِ‬
‫وج ُه ْم ذل م‬
‫فُ ُر م‬
‫[النور‪.]30،31:‬‬
‫وقد بني النيب ‪ ‬هذا األثر العظيم للزواج يف صيانة البصر والفرج بقوله‪ " :‬اي معشر الشباب من‬
‫استطاع منكم الباءة فليتزوج‪ ،‬فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج " ‪ ،‬ففي غض البصر سالمة للمجتمع‬
‫من االحنالل والتفسخ‪ ،‬وإغالق للنافذة األوىل من نوافذ الفتنة والغواية‪.‬‬

‫‪ -6‬احملافظة على النسل‪:‬‬


‫خلق هللا سبحانه اخللق لعبادته‪ ،‬والستمرار هذه العبادة البد من استمرار النسل ابلطريقة الشرعية‬
‫وعدم انقطاعه‪ ،‬ولذلك رغب اإلسالم يف الزواج‪ ،‬وخاصة ابملرأة الولود‪ ،‬فقال‪ " : ‬تزوجوا الودود‬
‫الولود فإين مكاثر بكم األمم "‪ ،‬وهبذا متتد احلياة إىل آخر مطافها‪ ،‬ويكتب للنسل البشري البقاء‪،‬‬
‫فيعمر الكون ويقوم اإلنسان بدوره يف خالفة األرض‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫‪ -7‬احملافظة على األنساب‪:‬‬


‫إن اقرتان الرجل ابملرأة ضمن هذه املؤسسة االجتماعية اليت هي األسرة يضمن لألبناء االنتساب‬
‫إىل آابئهم‪ ،‬مما يشعرهم ابعتبار ذواهتم‪ ،‬وجيعلهم حيسون بكرامتهم اإلنسانية‪ ،‬فالولد فرع من شجرة‬
‫معروفة األصل واملنبت‪ ،‬وهبذا يرجع كل فرع إىل أصله‪ ،‬فيسعى أن حيافظ عليه نقياً طاهراً كي يعتز به‬
‫ويفخر‪ ،‬ولوال هذا التنظيم الرابين جلموع البشرية لتحولت اجملتمعات إىل أخالط وأنواع ال تعرف‬
‫رابطة‪ ،‬وال يضمها كيان‪ ،‬ولغدا الناس كالبهائم يهيمون يف كل واد‪.‬‬

‫‪ -8‬العناية برتبية النشء‪:‬‬


‫من املعلوم أن طفولة اإلنسان متتد بضع عشرة سنة‪ ،‬والطفل يف هذه املرحلة يف حاجة ماسة إىل‬
‫التوجيه السليم ليستقيم سلوكه‪ ،‬وال ميكن هذا إال عن طريق األسرة اليت قوامها الزوج والزوجة‪ ،‬فال‬
‫أحد غري األب واألم ميكن أن يقدم هذه املتطلبات للطفل أو املراهق‪ ،‬ألهنما ميلكان العاطفة األبوية‬
‫الصادقة جتاهه‪ ،‬ومن هنا تبدو أمهية خروج األطفال إىل الدنيا عن طريق الزوجني اللذين َجعهما‬
‫الزواج الشرعي‪ ،‬وتبدو أمهية قيام األم واألب هبذه املهمة مباشرة دون االعتماد على غريمها يف العناية‬
‫بتنشئة وتربية األبناء‪.‬‬
‫وما حيدث اآلن من اعتماد بعض اجملتمعات اإلسالمية على اخلادمات األجنبيات ينذر خبطر‬
‫عظيم يتهدد النشء فساد دينهم وأخالقهم‪ ،‬وحىت لغتهم‪ ،‬انهيك عن اإلساءة واألذى الذي قد‬
‫يلحق الطفل من جراء االعتماد على هذه اخلادمة أو تلك املربية‪.‬‬

‫‪ -9‬حتقيق السرت للمرأة والرجل‪:‬‬


‫وهذا الغرض واضح من قوله تعاىل‪ُ  :‬ه َّن لِبماس لَّ ُك ْم موأمنْتُ ْم لِبماس َّهلُ َّن ‪[ ‬البقرة‪ ،]187:‬فالزوج‬
‫سرت لزوجته‪ ،‬وهي سرت له كما يسرت اللباس صاحبه‪ ،‬سرت جسدي‪ ،‬ونفسي‪ ،‬وروحي‪ ،‬وليس من أحد‬
‫أسرت ألحد من الزوجني املتآلفني‪ ،‬حيرص كل منهما على عرض صاحبه‪ ،‬وماله‪ ،‬ونفسه‪ ،‬وأسراره أن‬
‫ينكشف شيء منها‪ ،‬فتنهبه األفواه والعيون‪ ،‬فكل واحد يقي صاحبه الوقوع يف الفاحشة‪ ،‬والرتدي يف‬
‫الرذيلة‪ ،‬وحيفظ عليه الشرف والسمعة‪ ،‬كما يقي الثوب البسه أذى اهلاجرة وحيفظه شر الزمهرير‪.‬‬

‫دعوة حتديد النسل‪:‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫املراد بتحديد النسل‪ :‬هو وقف النسل اإلنساين عن النمو والزايدة‪ ،‬فيقدم الزوج والزوجة على‬
‫املعاشرة‪ ،‬لكن مع احليلولة دون وقوع احلمل‪.‬‬

‫نشأهتا وتطورها‪:‬‬
‫يعيد الباحثون ميالد هذه الدعوة يف العامل إىل أواخر القرن الثامن عشر امليالدي‪ ،‬ويربطوهنا‬
‫ابلقسيس والعامل االقتصادي الربيطاين مالتوس ‪ malthus‬فقد كان الشعب الربيطاين يتقلب إذ‬
‫ذاك يف سعة من العيش وترف ورخاء عظيمني‪ ،‬وقد الحظ أن الشعب الربيطاين يتكاثر عدده أكثر‬
‫من املتوقع‪ ،‬فنشر مقاالً بعنوان‪(( :‬تزايد السكان وأتثريه يف تقدم اجملتمع يف املستقبل)) يف عام‬
‫‪1798‬م‪ ،‬أوضح فيه أن وسائل اإلنتاج وأسباب الرزق يف األرض حمدودة‪ ،‬غري أنه ال يوجد حد يقف‬
‫عنده تزايد السكان وتضخم النسل‪ ،‬فإذا ترك األمر بدون تنسيق‪ ،‬فسيأيت يوم تضيق األرض بسكاهنا‪،‬‬
‫وتقل فيه وسائل العيش عن تلبية حاجاهتم‪ ،‬وحىت يكون منو عدد السكان متالئماً مع منو وسائل‬
‫اإلنتاج‪ ،‬وأن ال يزيد األول على الثاين حبال‪ ،‬اقرتح لتنفيذ هذا التنسيق سبيلني اثنني ‪:‬‬
‫أوهلما‪ :‬أال يتزوج الشباب إال بعد أن تتقدم هبم السن‪.‬‬
‫اثنيهما‪ :‬أن يبذل األزواج بعد أن جتمعهم احلياة الزوجية قصارى جهدهم‪ ،‬ومبختلف الوسائل‪ ،‬يف‬
‫سبيل اإلقالل من اإلجناب‪.‬‬
‫وما كادت أفكار مالتوس ‪ malthus‬هذه تنتشر‪ ،‬حىت ظهر الباحث الفرنسي فرانسيس‬
‫بالس ‪ francis palace‬فنادى بدعوته ودعا إىل ضرورة احلد من تزايد السكان‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫بقليل ظهر يف أمريكا الطبيب املشهور تشارلس نوروتون ‪ charles knorotton‬فأيد الفكرة‬
‫ذاهتا‪ ،‬موضحاً التدابري الطبية اليت اقرتحها لتنفيذ الفكرة‪ ،‬وسرعان ما لقيت هذه الدعوة رواجاً يف‬
‫األوساط املختلفة من الغرب‪ ،‬ووجد الباحثون عن اللذة اهلاربون من مغارم املسؤولية يف االستجابة هلا‬
‫ما حيقق بغيتهم ويقرب هدفهم‪.‬‬

‫بطالن هذه الدعوة‪:‬‬


‫إن الدعوة إىل حتديد النسل قد أثبتت كل النظرايت بطالهنا آلاثرها السيئة على النفس‬
‫اإلنسانية‪ ،‬وعلى االقتصاد‪ ،‬واألخالق ‪:‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫أوالً‪ :‬أثبتت وقائع التاريخ وجتارب األمم أن فقر املناطق املكتظة ابلسكان يف أي أمة مرده إىل عدم‬
‫استغالل اخلريات واملوارد‪ ،‬ال إىل كثرة األوالد وتزايد السكان‪ ،‬ألن هللا تعاىل تكفل ابلرزق لكل كائن‬
‫حي‪ ،‬حيث قال يف كتابه الكرمي‪  :‬وِيف َّ ِ‬
‫وع ُدو من ‪ ،‬وقال سبحانه وتعاىل‪  :‬مومما‬ ‫الس مماء ِرْزقُ ُك ْم مومما تُ م‬ ‫م‬
‫اّللِ ِرْزقُها وي ْعلمم مستم مقَّرمها ومستم ومد معها ُكلٌّ ِيف كِتم ٍ‬
‫اب ُّمبِ ٍ‬ ‫ِمن مدابٍَّة ِيف األ ْمر ِ ِ‬
‫ني ‪.‬‬ ‫مُ ْ ْ م‬ ‫ض إالَّ معلمى َّ م م م ُ ُ ْ‬
‫اثنياً‪ :‬أهنا قصرت احلاجات اإلنسانية على اخلريات الثابتة يف األرض‪ ،‬واملنافع الطبيعية الكامنة فيها‪،‬‬
‫بغض النظر عن أي تفاعل بينها وبني اإلنسان‪ ،‬وليس األمر كذلك‪ ،‬فإن مقومات العيش تتمثل يف‬
‫هذا ويف التفاعل بينها وبني بين اإلنسان‪ ،‬فكثرة النسل تزيد من تفاعل اإلنسان مع خريات األرض‪،‬‬
‫فتكثر املوارد ويتسع الرزق‪.‬‬

‫اثلثاً‪ :‬أن رقي األمم حيتاج للعباقرة واملبدعني‪ ،‬وهم قلة يف كل أمة‪ ،‬فكلما كثر العدد كثرت نسبتهم‪.‬‬
‫والسبب يف ذلك أن مرافق احلياة كثرية واحتياجات اإلنسان ال تكاد حتصى‪ ،‬فإذا قل عدد السكان‬
‫اضطروا َجيعاً إىل االهنماك يف حتقيق تلك االحتياجات‪ ،‬وضاع وقتهم فيها‪ ،‬وإذا كثر العدد وجدت‬
‫فرصة لإلتقان واإلبداع‪ ،‬وكثر عدد الذين يبتكرون ويكتشفون‪ ،‬فتكثر املوارد‪.‬‬

‫أهداف الدعوة إل حتديد النسل‪:‬‬


‫إن الدعوة إىل حتديد النسل يف العامل اإلسالمي يقوم على الرتويج هلا ودعمها املادي مؤسسات‬
‫صهيونية وصليبية يف حماولة لتقليل األعداد‪ ،‬واحلد من نسبة املواليد‪ ،‬إلبعاد املسلمني عن أهم مصدر‬
‫للقوة؛ وهو القوة البشرية حىت تتحقق أهداف أعدائهم‪ ،‬فإن أخشى ما خيشونه أن ينتبه املسلمون‬
‫ويعودوا إىل دينهم‪ ،‬فتؤول إليهم قيادة العامل‪.‬‬

‫فهي دعوة سياسية هدفها إضعاف املسلمني‪ ،‬وال أدل على ذلك من التسهيالت الكثرية لتحديد‬
‫النسل يف العامل اإلسالمي‪ ،‬إذ توزع وسائل منع احلمل يف الصيدليات وغريها جماانً‪ ،‬بينما هي يف‬
‫الدول األخرى تكلف طالبيها مبلغاً من املال ليس هيناً‪.‬‬

‫موقف علماء الشريعة منها‪:‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫لقد عرضت هذه القضية على عدد من اهليئات واجملامع الفقهية يف العامل اإلسالمي‪ ،‬فصدر يف‬
‫حقها ابإلَجاع من علماء األمة عدة قرارات‪ ،‬تبني حرمة الدعوة إىل حتديد النسل‪ ،‬والتحذير من‬
‫مغبتها ملا تنطوي عليه من أهداف سيئة‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬اجمللس التأسيسي لرابطة العامل اإلسالمي‪ ،‬وجممع‬
‫البحوث اإلسالمية‪ ،‬وهيئة كبار العلماء‪ ،‬وجملس اجملمع الفقهي اإلسالمي‪.‬‬

‫وذلك ملا يف حتديد النسل من اعتداء على الدين‪ ،‬واحلرية الشخصية‪ ،‬وحقوق اإلنسان‪ ،‬ففي‬
‫الوقت الذي يروجون هلذه املكيدة جند العدو الصهيوين يستورد من أقطار الدنيا شذاذ اآلفاق لتعمري‬
‫بالد العرب املغتصبة‪.‬‬

‫تنظيم النسل‪:‬‬
‫واملراد به‪ :‬اختصار إجناب الذرية‪ ،‬حبيث ال َييت النسل إال وفق نظام مرتب ومنسق بني كل مولود‬
‫وآخر‪.‬‬

‫فإذا رغب الزوجان يف التوقف عن اإلجناب مؤقتاً ألسباب شرعية القصد؛ منها مراعاة حال‬
‫األسرة وشؤوهنا‪ ،‬من صحة‪ ،‬أو إلمتام مدة الرضاعة‪ ،‬أو تكون الزوجة ضعيفة واحلمل يزيدها ضعفاً‪ ،‬أو‬
‫مرضاً‪ ،‬وهي كثرية احلمل‪ ،‬فال أبس بتنظيم فرتة للها‪.‬‬
‫وقد كان الصحابة يعزلون يف عهد النيب ‪ ‬ومل يُنهوا عن ذلك‪ ،‬والعزل من أسباب امتناع احلمل‪،‬‬
‫ألن اإلسالم يبين أحكامه على دفع الضرر‪ ،‬فإذا كان احلمل حيدث ضرراً ابألم‪ ،‬أو كان اجلنني نفسه‬
‫يف خطر‪ ،‬فإن الضرورة تقدر بقدرها‪ ،‬وما سوى ذلك فإن اإلسالم ال يبيح املنع أو التنظيم‪.‬‬

‫اإلجهاض‪:‬‬
‫وهو إسقاط اجلنني من بطن أمه قبل متامه‪.‬‬
‫وهو ثالثة أنواع ‪ :‬إجهاض اختياري‪ ،‬وإجهاض ضروري‪ ،‬وإجهاض عفوي‬
‫وهذا األخري معفو عنه‪ ،‬ألنه ال خيار للمرأة فيه‪.‬‬

‫أما اإلجهاض االختياري فهو‪ :‬إخراج احلمل من الرحم يف غري موعده الطبيعي عمداً وبال ضرورة أبي‬
‫وسيلة من الوسائل‪ ،‬وله عدة دوافع منها ‪:‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫‪ 1‬عدم الرغبة يف كثرة األوالد‪ ،‬وهذه موضة العصر بني األزواج اجلدد الذين أتثروا ابلدعاية املضادة‬
‫للنسل‪ ،‬فضالً عن اتسام اجليل املعاصر ابلبحث عن حياة مرتفة بال أعباء‪.‬‬
‫‪ 2‬حفظ َجال املرأة‪ ،‬وذلك بعد أن حتولت مكانتها يف اجملتمع من مربية أجيال إىل جمرد متعة‪.‬‬
‫‪ 3‬دخول املرأة يف ميدان العمل؛ فقد كان لذلك دور كبري يف انشغاهلا عن االهتمام ببيتها وهترهبا من‬
‫تربية األوالد‪ ،‬مما جيعلها تسعى للخالص من جنينها عندما تدرك أنه سيُعيقها عن حياهتا‪.‬‬

‫ويف هذا النوع حيرم اإلجهاض يف َجيع أطوار اجلنني‪ ،‬فدوافعه السابقة تنبئ عن حرمته‪ ،‬ألنه عمل‬
‫شنيع وجرمية نكراء؛ فإن كان بعد نفخ الروح فيه فهو جناية على حي متكامل اخللق‪ ،‬ولذلك وجبت‬
‫يف إسقاطه الدية كاملة إن نزل حياً مث مات‪ ،‬أما إن نزل ميتاً فتجب فيه نصف عشر الدية الحتمال‬
‫أن يكون قد مات بسبب آخر‪.‬‬

‫اإلجهاض الضروري ‪:‬‬


‫وهو إخراج اجلنني من رحم أمه يف غري موعده الطبيعي‪ ،‬إنقاذاً حلياة نفس يهددها خطر استمرار‬
‫احلمل‪.‬‬
‫واألصل يف هذا النوع اجلواز‪ ،‬ألن األم جيب إنقاذها لألمور التالية ‪:‬‬
‫‪ 1‬أن األم هي األصل واجلنني متكون منها‪ ،‬فإنقاذها أوىل‪.‬‬
‫‪ 2‬أن حياة األم قطعية‪ ،‬وحياة اجلنني حمتملة‪ ،‬والظين أو االحتمايل ال يعارض القطعي املعلوم‪،‬‬
‫فإنقاذ األم أوىل‪.‬‬
‫‪ 3‬أن األم أقل خطراً وتعرضاً للهالك من اجلنني‪ ،‬يف مثل هذه الظروف‪ ،‬مما جيعل إنقاذها أكثر‬
‫جناحاً من إنقاذ جنينها‪ ،‬لذا تعطى األولوية يف اإلنقاذ‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫احملاضرة احلادية عشرة‬


‫اآلاثر املرتتبة على عقد الزواج‬
‫احلقوق الزوجية‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬احلقوق املشرتكة بني الزوجني‪.‬‬

‫يتشوف اإلسالم إىل استمرارية األسرة اليت تكونت بتحقق عق د النك اح‪ ،‬ودوامه ا واس تمرارها‪،‬‬
‫وال يتم هلا ذلك حىت يقوم كل من الزوجني بدوره املن اط ب ه‪ ،‬و الرج ل وامل رأة – حبك م الفط رة – مؤه ل‬
‫ك ل منهم ا للقي ام مبه ام داخ ل ه ذا الكي ان ال ميك ن لآلخ ر القي ام ب ه ف إذا ق ام ك ل منهم ا ب دوره‪،‬‬
‫تكمل ت مقوم ات البق اء وال دوام واالس تمرار لألس رة‪ ،‬وحتق ق االس تقرار يف ظ ل حق وق وواجب ات ك ل‬
‫منهما لآلخر‪ ،‬مبا ليس تطوعاً وال اختي اراً‪ ،‬وإمن ا ه و ف رض وإل زام ح ىت تق وم احلي اة الزوجي ة عل ى قواع د‬
‫راسخة من التق دير واحملب ة وال و م‪ ،‬ف ال يتحم ل الع بء واح د دون اآلخ ر وإال لض جر و ت ربم م ن تل ك‬
‫احلي اة‪ ،‬ولك ن ش عور ك ل منهم ا ب دور اآلخ ر يدفع ه إىل التف اين يف إس عاد ش ريكه و تق دمي ك ل أس باب‬
‫الراح ة‪ ،‬فيع يش الزوج ان يف س عادة وهن اء‪ ،‬وب ذلك ت ؤيت احلي اة الزوجي ة مثاره ا املرج وة م ن نس ل تلحظ ه‬
‫عناية األبوة وترعاه عاطفة األمومة‪.‬‬

‫وإن املتأمل يف احلقوق اليت شرعها هللا يف هذا ال دين لك ل واح د م ن ال زوجني ي رى فيه ا كم ال‬
‫علم هللا وحكمته وكمال عدله ورلته‪ ،‬وأنه سبحانه قد م نح ك الً منهم ا م ن احلق وق م ا تق وم ب ه احلي اة‬
‫الزوجية على أكمل وج ه واحلي اة األس رية عل ى أمت ح ال‪ ،‬فال ذي يط الع حق وق ال زوج مس تقلة يظ ن أن ه‬
‫ق د م نح م ن احلق وق م ا مل تن ل الزوج ة مثله ا‪ ،‬ف إذا ط الع حق وق الزوج ة مس تقلة ظ ن أهن ا منح ت م ن‬
‫احلقوق ما مل ينل الزوج مثلها‪ ،‬ولكنه إذا نظر إىل هذه و تلك ظهر له كمال العناية الرابنية ابجلانبني‪.‬‬

‫أـ حقوق الزوجني وواجباهتما‪:‬‬


‫ميك ن تقس يم احلق وق الزوجي ة إىل ثالث ة أقس ام‪ :‬حق وق مش رتكة ب ني ال زوجني‪ ،‬وحق وق منف ردة‬
‫للزوج‪ ،‬وحقوق منفردة للزوجة‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬احلقوق املشرتكة بني الزوجني‪:‬‬


‫‪ -1‬حسن العشرة ‪:‬‬
‫حسن العشرة‪ ،‬كلمة جامعة تشمل كل املعاين الكرمية اليت حتقق الغاية من نعمة الزواج اليت‬
‫آايتِِه أم ْن مخلم مق لم ُكم ِم ْن أمن ُف ِس ُك ْم أ ْمزمواجاً لِتم ْس ُكنُواْ إِلمْي مها‬ ‫ِ‬
‫امنت هللا هبا علينا‪ ،‬إذ يقول تعاىل‪  :‬موم ْن م‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫مو مج مع مل بمْي نم ُكم َّم موَّدةً مومر ْلمةً ‪ ،‬وأساس العشرة احلسنة" املعروف"‪ ،‬ويكون ابلبعد عما ينفر‪ ،‬والسعي إىل‬
‫ما يرضي‪ ،‬واإلخالص يف أداء الواجب‪ ،‬مع العطف والتسامح والتلطف يف احلديث‪ ،‬واحرتام الرأي‬
‫وف ‪ ،‬وقد‬ ‫اشروه َّن ِابلْمعر ِ‬
‫ِ‬
‫وإشاعة األنس‪ ،‬ألن هذا من املعروف املأمور به يف قول ه تع اىل ‪  :‬مو مع ُ ُ م ْ ُ‬
‫فسر القرطيب هذه اآلية حبسن صحبة النساء إذا عقدوا عليهن‪ ،‬وذلك بتوفية حقها من املهر والنفقة‪،‬‬
‫وأال يعبس يف وجهها بغري ذنب‪ ،‬وأن يكون منطلقاً يف القول‪ ،‬ال فظاً وال غليظاً‪ ،‬وال مظهراً ميالً إىل‬
‫غريها‪ ،‬فإن هذا أهنأ للعيش‪.‬‬

‫ويقع على الزوج عبء املعاشرة ابملعروف أكثر من الزوجة لسببني‪:‬‬

‫أحــدمها‪ :‬أن الزوج ة تعت رب أمان ة عن ده‪ ،‬فه و مطال ب ابحل رص عل ى ه ذه األمان ة وب ذل ك ل جه ده يف‬
‫صوهنا واحلفاظ عليها‪.‬‬

‫اثنيهم ــا‪ :‬أن النس اء خلق ن م ن ض لع أع وج‪ ،‬ومقتض ى ذل ك أن يك ون لل زوج م ن احلكم ة والكياس ة‬
‫واملرونة وسعة الصدر ما يكبح ب ه َج اح الغض ب‪ ،‬ح ىت ال ي ذهب م ذهب الش طط‪ ،‬ول ذلك ح رص‬
‫الرس ول‪‬عل ى توجي ه ال زوج إىل امل نهج الس وي يف معاش رة امل رأة فق ال‪ ":‬استوص وا ابلنس اء خ رياً‬
‫فإن املرأة خلقت من ضلع وإن أعوج شيء يف الضلع أعاله‪ ،‬فإن ذهبت تقيمه كسرته‪ ،‬وإن تركته مل‬
‫يزل أعوج فاستوصوا ابلنساء خرياً"‪ ،‬ومن هنا جعل‪ ‬ميزان التفاضل يف اخللق عشرة الرجل احلسنة‬
‫لنسائه فقال‪" :‬أكمل املؤمنني إمياانً أحسنهم خلقاً‪ ،‬وخياركم خياركم لنسائهم"‪ ،‬فإنه إذا كان أحسن‬
‫خلقاً مع امرأته‪ ،‬فسيكون أحسن خلقاً مع غريها من الناس‪ ،‬وكثرياً ما يقع الن اس يف ه ذه املخالف ة‪،‬‬
‫ف رتى الرج ل إذا قاب ل أهل ه ك ان أس وأ الن اس أخالق اً‪ ،‬وإذا لق ي غ ريهم الن ت عريكت ه وانبس طت‬
‫أخالقه وجادت نفسه وكثر خريه‪ ،‬وهذا من حرمان التوفيق‪.‬‬

‫‪ -2‬حل االستمتاع وإعفاف كل منهما لآلخر‪:‬‬


‫وهو أنه حيل لكل واحد منهما أن يتمتع ابآلخر يف احلدود اليت رمسها الشارع‪ ،‬لقوله تعاىل‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ني ‪ ،‬وقد‬‫ت أمْميما ُهنُْم فمِإ َّهنُْم مغ ْريُ مملُوم م‬
‫ين ُه ْم ل ُف ُروج ِه ْم محافظُو من‪  ‬إِالَّ معلمى أ ْمزمواج ِه ْم أ ْمو مما مملم مك ْ‬
‫‪ ‬موالذ م‬
‫اتفق أهل العلم على أنه جيب على الزوج أن يعف زوجته من الناحية اجلنسية‪ ،‬حىت ال تقع يف احلرام‪،‬‬
‫وأن هذا الواجب من جهة الداينة‪ ،‬أي فيما بينه وبني هللا تعاىل‪ ،‬فيحرم عليه أن يشتغل عنها بعمل‬
‫أو عبادة كل وقته‪ ،‬ألنه يعرضها بذلك للفتنة‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫‪ -3‬التعاون على طاعة هللا عز وجل والتناصح يف اخلري والتذكري به‪:‬‬


‫وه ذا يش مل العب ادات وغريه ا‪ ،‬ق ال‪ ":‬رح م هللا رج الً ق ام م ن اللي ل فص لى وأيق ظ امرأت ه‬
‫فص لت‪ ،‬ف إن أب ت نض ح يف وجهه ا امل اء‪ ،‬رح م هللا ام رأة قام ت م ن اللي ل فص لت وأيقظ ت زوجه ا‬
‫فصلى‪ ،‬فإن أىب نضحت يف وجهه املاء"‪.‬‬

‫‪ -4‬حرمة املصاهرة‪:‬‬
‫فبمجرد متام العقد صحيحاً‪ ،‬حيرم على الزوج أصول املرأة‪ ،‬وبعد دخول ه هب ا حي رم علي ه فروعه ا‪،‬‬
‫كما حيرم على املرأة أصول الرجل وفروعه مبجرد العقد‪.‬‬

‫‪ -5‬ثبوت نسب الولد‪:‬‬


‫إذا مت العق د ص حيحاً وح دث اإلجن اب‪ ،‬فيثب ت نس ب املول ود إليهم ا‪ ،‬ف ال يص ح ألح د أن‬
‫حيرمهما من ذلك‪ ،‬كما ال جيوز ألحدمها أن حي رم اآلخ ر من ه‪ ،‬وال جي وز هلم ا أن يتن ازال ع ن ه ذا احل ق‪،‬‬
‫حىت ال يضيع حق املولود‪.‬‬

‫‪ -6‬اإلرث‪:‬‬
‫من احلقوق املشرتكة بني الزوجني التوارث‪ ،‬فريث الزوج زوجته‪ ،‬كما ترث الزوجة زوجها مىت‬
‫ف مما تم مرمك‬ ‫ِ‬
‫ص ُ‬ ‫توافرت الشروط‪ ،‬وقد بني هللا تعاىل مرياث كل من الزوجني يف قوله تعاىل‪  :‬مولم ُك ْم ن ْ‬
‫ني ِهبمآ أ ْمو مديْ ٍن‬ ‫ِ ِ ٍِ ِ‬ ‫أمزواج ُكم إِ ْن َّمل ي ُكن َّهل َّن ولمد فمِإن مكا من مهل َّن ولمد فملم ُكم ُّ ِ‬
‫الربُ ُع ممَّا تممرْك من من بم ْعد موصيَّة يُوص م‬ ‫ُ‬ ‫ُ م‬ ‫ْم ُ ْ ْ م ْ ُ م‬
‫الربع ِممَّا تمرْكتُم إِن َّمل ي ُكن لَّ ُكم ولمد فمِإن مكا من لم ُكم ولمد فملمه َّن الثُّمن ِممَّا تمرْكتُم ِمن ب ع ِد و ِصيَّةٍ‬
‫مْ م‬ ‫م‬ ‫ُ ُُ‬ ‫ْ م‬ ‫ْم ْ ْ م‬ ‫م ْ‬ ‫مومهلُ َّن ُُّ ُ‬
‫وصو من ِهبمآ أ ْمو مديْ ٍن ‪ ،‬ويثبت هذا احلق لكل منهما مبجرد متام العقد ولو قبل الدخول‪.‬‬ ‫تُ ُ‬

‫اثنياً‪ :‬حقوق الزوج على زوجته‪:‬‬


‫وهي احلقوق اليت جيب على الزوجة القيام هبا للزوج‪ ،‬فهي للزوج حقوق وعلى الزوجة‬
‫واجبات‪ ،‬وحقوق الزوج على زوجته يف اجلملة أعظم من حقوقها عليه لقوله تعاىل‪  :‬مومهلُ َّن ِمثْ ُل الَّ ِذي‬
‫وف مولِ ِلر مج ِال معلمْي ِه َّن مد مر مجة ‪ ،‬فمن حقوق الزوج على زوجته‪:‬‬
‫علمي ِه َّن ِابلْمعر ِ‬
‫م ُْ‬ ‫مْ‬
‫‪ -1‬الطاعة ابملعروف‪:‬‬
‫فيج ب عل ى امل رأة أن تطي ع زوجه ا طاع ة مطلق ة يف غ ري معص ية هللا‪ ،‬س واء يف منزهل ا أو يف‬
‫أس لوب حياهت ا‪ ،‬أو يف فراش ها‪ ،‬ألن وج وب الطاع ة م ن تتم ة التع اون ب ني ال زوجني‪ ،‬ف ال تس تقيم حي اة‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫أي َجاع ة إال إذا ك ان هل ا رئ يس ي دير ش ؤوهنا وحي افظ عل ى كياهن ا‪ ،‬وال تفل ح ه ذه الر س ة إال إذا ك ان‬
‫الرئيس مطاعاً‪ ،‬ألن يف عدم طاعته مفسدة عظيمة تلحق األسرة‪ ،‬وجتعل حياهتا فوضى‪.‬‬
‫لذلك كان من الضروري وجود رئيس مسؤول عن األسرة؛ يرعاها ويتحمل مسؤوليتها‪ ،‬ولو‬
‫للناها املرأة لظلمناها‪ ،‬ولو جعلناها مشرتكة ملا استقامت أحوال األسرة‪ ،‬ألن كالً منهما يريد أن‬
‫ض موِمبمآ أمنْ مف ُقواْ‬
‫ض ُه ْم معلمى بم ْع ٍ‬ ‫ال قم َّوامو من علمى النِس ِ‬
‫آء ِ‬ ‫يستأثر برأيه‪ ،‬يقول تعاىل‪ِ  :‬‬
‫اّللُ بم ْع م‬
‫َّل َّ‬
‫م‬ ‫ض‬‫ف‬
‫م‬ ‫ا‬‫م‬‫مب‬ ‫م‬ ‫الر مج ُ ُ م‬
‫ِم ْن أ ْمم مواهلِِ ْم ‪ ،‬وقد حث النيب ‪ ‬النساء على طاعة أزواجهن‪ ،‬ملا يف ذلك من املصلحة واخلري‪،‬‬
‫حيث جعل ‪ ‬رضا الزوج على زوجته سبباً لدخوهلا اجلنة‪ ،‬فقال‪ ":‬أميا امرأة ماتت وزوجها راض‬
‫عنها دخلت اجلنة "‪.‬‬

‫‪ -2‬قرار الزوجة يف بيت الزوجية‪:‬‬


‫ال حي ق للزوج ة أن خت رج م ن بي ت الزوجي ة إال برض ا زوجه ا وموافقت ه‪ ،‬ألهن ا ه ي القائم ة عل ى‬
‫ش ؤون البي ت‪ ،‬احملافظ ة عل ى م ا في ه‪ ،‬وهب ذا احل ق يص ل أم ر بي ت الزوجي ة إىل خ ري م ا ي رام م ن حس ن‬
‫تعهد ورعاية‪ ،‬ودقة إشراف وتنظيم‪ ،‬يقول‪ ":‬واملرأة راعية يف بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها"‪.‬‬

‫‪ -3‬عدم إذن الزوجة يف بيت الزوج ملن يكره دخوله‪:‬‬


‫م ن ح ق ال زوج عل ى زوجت ه أن ال أتذن يف بيت ه ألح د يك ره دخول ه‪ ،‬س واء ك ان غريب اً أو قريب اً‪،‬‬
‫لق ول الن يب‪ ":‬فأم ا حقك م عل ى نس ائكم ف ال ي وطئن فرش كم م ن تكره ون‪ ،‬وال َيذن يف بي وتكم مل ن‬
‫تكرهون "‪.‬‬
‫وحكم ة ه ذا االلت زام أن ه كث رياً م ا حتص ل املنازع ات يف البي ت نتيج ة دخ ول أح د ب ني ال زوجني‬
‫ابلسعاية‪ ،‬أو اإلاثرة وسوء التوجيه‪ ،‬فإذا تبني للزوج ذلك وطلب م ن زوجت ه أن متن ع شخص اً معين اً م ن‬
‫دخول بيته‪ ،‬فعليها أن تطيعه يف ذلك‪.‬‬

‫‪ -4‬القيام على أمر البيت‪:‬‬


‫جيب على الزوجة أن تقوم بشؤون البيت وما يتطلبه من نظافة‪ ،‬وتنظيم‪ ،‬وإعداد للطع ام‪ ،‬وغ ري‬
‫ذلك‪ ،‬وقد جرى العرف يف كل العصور على أن تقوم املرأة خبدمة بيتها‪ ،‬ومل يك ن ه ذا احل ق حم ل ن زاع؛‬
‫فق د ك ان النس اء يقم ن خبدم ة أزواجه ن دون أن يش عرن بغضاض ة يف ذل ك‪ ،‬ب ل إن فاطم ة رض ي هللا‬
‫عنها عندما أحس ت بش يء م ن اإلجه اد يف خدم ة البي ت والقي ام بش ؤونه وأص اب ي ديها أمل م ن ط ول‬
‫إدارة الرحى مل تطلب من زوجها علي‪ ‬أن َييت هلا خبادم يرحيه ا م ن عن اء ه ذه األعم ال‪ ،‬ب ل ذهب ت‬
‫إىل أبيه ا ‪ ‬ليحق ق هل ا ذل ك‪ ،‬فقض ى رس ول هللا ‪ ‬عل ى فاطم ة خبدم ة البي ت‪ ،‬وعل ى عل ي ‪ ‬م ا‬
‫كان خارجاً من البيت من عمل‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫اثلثاً‪ :‬حقوق الزوجة على زوجها‪:‬‬


‫وه ي احلق وق ال يت جي ب عل ى ال زوج أن يق وم هب ا للزوج ة‪ ،‬فه ي للزوج ة حق وق‪ ،‬وعل ى ال زوج‬
‫واجبات‪ ،‬وهذه احلقوق بعضها مادي‪ ،‬وبعضها أدى‪ ،‬وهذا بياهنا‪:‬‬

‫أـ احلقوق املادية‪:‬‬

‫‪ -1‬املهر‪:‬‬
‫وهو حق مقرر للمرأة جيب على الزوج ابلنكاح الصحيح‪ ،‬وقد ثبت هذا الوجوب ابلكتاب‬
‫ص ُدقماهتِِ َّن ِ ْحنلمةً ‪ ،‬ومن السنة قول النيب‬ ‫ِ‬
‫والسنة واإلَجاع‪ ،‬فمن الكتاب قوله تعاىل‪  :‬موآتُواْ الن مسآءم م‬
‫‪ ‬ملريد النكاح‪ " :‬التمس ولو خامتاً من حديد"‪ ،‬وانعقد اإلَجاع على وجوب املهر على الزوج‬
‫للزوجة‪.‬‬
‫وهذا املهر عطية خالصة للزوجة بال مقاب ل‪ ،‬ألن النحل ة م ا ال ع وض علي ه‪ ،‬والقص د م ن امله ر‬
‫تطيي ب خ اطر الزوج ة وكس ب وده ا‪ ،‬ول ذلك ال ينبغ ي أن تك ون املغ االة يف امله ور س بباً ملن ع الش بان‬
‫والشاابت من الزواج‪ ،‬كم ا ه و الواق ع يف ه ذا الزم ان‪ .‬وق د اس تنكر الن يب ‪ ‬ح ال رج ل أص دق امرأت ه‬
‫أربع أواق‪ ،‬وجاء إليه ليصيب إعانة منه‪ ‬فقال‪ " :‬عل ى أرب ع أواق ؟ كأمن ا تنحت ون الفض ة م ن ع رض‬
‫ه ذا اجلب ل‪ ،‬م ا عن دان م ا نعطي ك‪ ،‬ولك ن عس ى أن نبعث ك يف بع ث تص يب من ه‪ ،‬فبع ث بعث اً إىل ب ين‬
‫عبس‪ ،‬وبعث ذلك الرجل فيهم"‪.‬‬

‫‪ -2‬النفقة‪:‬‬
‫جتب للزوجة النفقة على زوجها مبجرد متام العقد الصحيح وانتقال الزوجة إىل بيت زوجها‬
‫وف ‪ ،‬فكلمة‬ ‫ود لمه ِرْزقُه َّن وكِسوُهتُ َّن ِابلْمعر ِ‬
‫ِ‬
‫م ُْ‬ ‫ومتكينه من االستمتاع هبا‪ ،‬لقول هللا تعاىل‪  :‬موعلمى الْ مم ْولُ ُ ُ م ْ م‬
‫(على) تفيد اإللزام‪ ،‬وذلك يقتضي الوجوب‪ ،‬وقول رسول هللا ‪ ":‬اتقوا هللا يف النساء فإنكم‬
‫أخذمتوهن أبمان هللا واستحللتم فروجهن بكلمة هللا‪ ،‬وهلن عليكم رزقهن وكسوهتن ابملعروف"‪ ،‬وقد‬
‫انعقد اإلَجاع على وجوب اإلنفاق على الزوجة ومل خيالف يف ذلك أحد‪.‬‬
‫وتشمل النفقة املسكن واملأكل وامللبس‪ ،‬وتقدر حبسب يسار الزوج وإعساره‪ ،‬لقوله تعاىل‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اّللُ نم ْفساً إِالَّ ممآ م‬
‫آات مها‬ ‫ف َّ‬‫اّللُ الم يُ مكل ُ‬ ‫‪ ‬لِيُ ِنف ْق ذُو مس مع ٍة ِمن مس معتِ ِه موممن قُ ِد مر معلمْي ِه ِرْزقُهُ فم ْليُ ِنف ْق ممَّآ م‬
‫آاتهُ َّ‬
‫اّللُ بم ْع مد عُ ْس ٍر يُ ْسراً ‪.‬‬
‫مسيم ْج مع ُل َّ‬

‫وه ذا أدع ى لالس تقرار‪ ،‬ألن امل رأة إذا مل يهي ئ هل ا ال زوج ذل ك‪ ،‬فق د تض طر للخ روج للعم ل‬
‫وجل ب ال رزق لإلنف اق عل ى نفس ها‪ ،‬مم ا جيعله ا خت ل بواجباهت ا حن و زوجه ا وأس رهتا‪ ،‬وه و م ا ي ؤدي إىل‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫اخ تالل نظ ام األس رة‪ ،‬فك ل م ن ال زوج والزوج ة ل ه مهم ة يؤديه ا جت اه األس رة ينبغ ي أن يتف رغ هل ا وأال‬
‫ينشغل بغريها‪.‬‬

‫ب ـ احلقوق غري املادية‪:‬‬


‫‪ -1‬الغرية عليها‪:‬‬
‫فيجب على الزوج أن يصون زوجته عن كل ما خيدش شرفها‪ ،‬أو ي دنس عرض ها‪ ،‬أو حي ط م ن‬
‫ق درها‪ ،‬أو يع رض مسعته ا للتج ريح‪ ،‬وه ذه ه ي الغ رية ال يت حيبه ا هللا‪ ،‬وليس ت الغ رية تع ين س وء الظ ن‬
‫ابمل رأة والتفت يش عنه ا‪ ،‬ق ال‪ ":‬إن م ن الغ رية غ رية يبغض ها هللا وه ي غ رية الرج ل عل ى أهل ه م ن غ ري‬
‫ريبة "‪.‬‬
‫وميكن إَجال مظاهر الغرية فيما َييت‪:‬‬
‫‪ -1‬أن َيمرها ابحلجاب حني اخلروج من البيت‪.‬‬
‫‪ -2‬أن َيمرها بغض بصرها عن الرجال األجانب‪.‬‬
‫‪ -3‬أال يسمح هلا بداء زينتها اخلاصة إال له‪.‬‬
‫‪ -4‬أن مينعها من خمالطة الرجال األجانب‪ ،‬وحي رص عل ى كون ه معه ا يف األم اكن العام ة كاألس واق‬
‫واحلدائق وغريها‪.‬‬
‫‪ -5‬أال يعرضها للفتنة‪ ،‬كأن يطيل غيابه عنها‪.‬‬
‫‪ -6‬أن يليب طلباهتا بنفسه حىت ال حيوجها ألحد غريه‪.‬‬

‫‪ -2‬تعليمها أمور دينها‪:‬‬


‫من حقوق الزوجة على زوجها أن حيافظ على دينها‪ ،‬ويرعى سلوكها‪ ،‬ويعىن بتوجيهها إىل‬
‫اخلري والفالح سواء بنفسه إذا كان ذا علم‪ ،‬أو يسهل هلا طريق التعلم‪ ،‬وهبذا التعليم تعرف واجباهتا‬
‫وحقوقها‪ ،‬فال تقصر يف أداء واجب وال تطمع يف غري حق‪ ،‬كما أن تعليمها هو أساس تعليم أفراد‬
‫األسرة‪ ،‬ألهنا إذا تعلمت‪ ،‬علمت أبناءها ابلقول والقدوة احلسنة‪ ،‬وبذلك يقي الزوج أهله شقاء الدنيا‬
‫احلِ مج مارةُ معلمْي مها‬
‫َّاس مو ْ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ود مها الن ُ‬
‫ين مآمنُواْ قُواْ أمن ُف مس ُك ْم موأ ْمهلي ُك ْم مانراً موقُ ُ‬
‫واآلخرة‪ ،‬يقول تعاىل‪َ  :‬يميُّ مها الذ م‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اّللم ممآ أ ممممرُه ْم مويم ْف معلُو من مما يُ ْؤمم ُرو من ‪ ،‬فليس من األمانة جتاهل الدين‬ ‫ممالمئ مكة غالمظ ش مداد الَّ يم ْع ُ‬
‫صو من َّ‬
‫واحلالل واحلرام‪ ،‬فإن يف ذلك شقاء الدارين‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫‪ -3‬املبيت عند الزوجة‪:‬‬


‫جيب على الزوج إذا كان ت ل ه ام رأة واح دة املبي ت عن دها‪ ،‬وإن ك ان ل ه نس اء فلك ل واح دة م نهن ليل ة‬
‫من ك ل أرب ع‪ ،‬لق ول الرس ول‪ ":‬إن جلس دك علي ك حق اً وإن لعين ك علي ك حق اً وإن لزوج ك علي ك‬
‫حقاً "‪ ،‬وللقصة املروية عن عمر‪ ‬حني جاءته امرأة متدح زوجها بقيامه اللي ل وص يامه النه ار‪ ،‬وفط ن‬
‫كعب بن ُسور‪ ‬إىل شكواها‪ ،‬فقضى هلا برابع ليلة‪.‬‬

‫حقوق األوالد والوالدين وواجباهتم ‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬حقوق األوالد على الوالدين‪:‬‬


‫ال موالْبم نُو من ِزينمةُ‬
‫مما ال مراء فيه أن األوالد يف األسرة عماد سعادهتا‪ ،‬كما قال تعاىل‪  :‬الْ مم ُ‬
‫احلميماةِ الدُّنْيما ‪ ،‬وهم جزء من األسرة هلم حقوق على الوالدين‪ ،‬وذلك حىت خيرجوا إل اجملتمع‬ ‫ْ‬
‫وأبداهنم صحيحة‪ ،‬وعقوهلم سليمة‪ ،‬وأخالقهم رفيعة‪ ،‬ومهمهم عالية‪ ،‬قد تربوا على العقيدة‬
‫السليمة‪ ،‬ورضعوا القيم الفاضلة‪ ،‬ليكونوا مؤهلني للنهوض مبجتمعهم املسلم ورفع كلمة التوحيد‬
‫عالية‪.‬‬
‫وهذه احلقوق تبدأ قبل خروجهم إىل احلي اة ال دنيا وه م يف بط ون أمه اهتم أجن ة‪ ،‬مث وه م أطف ال‬
‫رضع‪ ،‬مث يف مرحلة املراهقة‪ ،‬مث يف مرحلة الشباب‪.‬‬

‫فأما حقوقهم قبل أن يولدوا فهي‪:‬‬


‫‪ -1‬حق الولد يف اختيار أبويه لبعضهما‪:‬‬
‫ح ث اإلس الم اخلاط ب عل ى إعم ال أقص ى درج ات التثب ت والتحق ق والتح ري يف اختي ار‬
‫شريكة العمر‪ ،‬ورفيقة الدرب‪ ،‬وجعل ل ذلك أسس اً ينبغ ي عل ى ك ل مس لم أن يلتزمه ا جه د اس تطاعته‪،‬‬
‫ليض من لكيان ه اجلدي د أن يب ىن عل ى الص الح والتق وى‪ ،‬وأن ي دوم عل ى التف اهم واحملب ة؛ فم ن أس س‬
‫اختي ار الزوج ة ج اء قول ه‪ ":‬ت نكح امل رأة ألرب ع‪ ،‬ملاهل ا‪ ،‬وحلس بها‪ ،‬وجلماهل ا‪ ،‬ول دينها‪ ،‬ف اظفر ب ذات‬
‫ال دين ترب ت ي داك"‪ ،‬فال دين ه و العنص ر األس اس يف اختي ار الزوج ة‪ ،‬ذل ك أن الزوج ة س كن لزوجه ا‪،‬‬
‫وهي مهوى فؤاده‪ ،‬وربة بيته‪ ،‬وأم أوالده‪ ،‬عنها َيخذون صفاهتم وطبائعهم‪ ،‬وبدهي أن الرجل إذا تزوج‬
‫املرأة احلسيبة املنحدرة من أصل كرمي أجنب ت ل ه أوالداً مفط ورين عل ى مع ايل األم ور‪ ،‬متطبع ني بع ادات‬
‫أصيلة‪ ،‬ألهنم سريضعون منها لنب املكارم‪ ،‬ويكتسبون خصال اخلري‪.‬‬
‫وأم ا املع ايري املتعلق ة ابل زوج فيش ري إليه ا احل ديث‪ ":‬إذا خط ب إل يكم م ن ترض ون دين ه وخلق ه‬
‫فزوجوه إال تفعلوا تكن فتنة يف األرض وفس اد ع ريض"‪ ،‬ف الزوج إذا ك ان ذا خل ق ودي ن ك ان أمين اً عل ى‬
‫زوجته‪.‬‬
‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫‪ -2‬حق احلياة للجنني‪:‬‬


‫تبدأ رعاية الطفل منذ املرحلة اجلنينية‪ ،‬وذلك ع ن طري ق رعاي ة احلام ل ص حياً وغ ذائياً ونفس ياً‪،‬‬
‫ابالبتعاد عما حيرم أو يضر ابلصحة‪ ،‬كاالمتناع عن التدخني‪ ،‬والبعد ع ن أماكن ه‪ ،‬وع دم تن اول األدوي ة‬
‫والعق اقري إال أبم ر الطبي ب املخ تص‪ ،‬وإحاط ة األب زوجت ه ابلرعاي ة النفس ية املناس بة‪ ،‬ومبش اعر احلن ان‬
‫والعط ف واالهتم ام‪ ،‬وق د ثب ت أن كث رياً م ن احل االت ال يت يول د الطف ل فيه ا ض عيفاً‪ ،‬أو متخلف اً‪ ،‬أو‬
‫مش وهاً‪ ،‬تع ود ج ذورها يف األص ل إىل وض عية احلام ل الس يئة‪ ،‬وأن كث رياً م ن العاه ات اجلنيني ة تع ود إىل‬
‫عوامل بيئية سيئة‪ ،‬وكان ابإلمكان تالفيها‪.‬‬

‫ويلح ق ب ذلك إس قاط احلم ل (اإلجه اض) عموم اً‪ ،‬فه و ح رام واالعت داء عل ى اجلن ني يف ه ذه‬
‫املرحل ة يش كل جناي ة عل ى خمل وق مل ي ر ن ور احلي اة‪ ،‬ف ال يب اح إال لض رورة ش رعية هب دف إنق اذ األم م ن‬
‫خطر حمقق‪.‬‬

‫وأما حقوقهم بعد والدهتم فمنها‪:‬‬


‫‪1‬ـ حقوق تتعلق ابستقبال املولود‪:‬‬
‫أ املساواة يف الفرح عند استقبال املولود بني الذكر واألنثى‪ ،‬خالفاً لعادات اجلاهلية‪.‬‬
‫ب اس تحباب األذان يف أذن املول ود‪ ،‬وذل ك مل ا روي ع ن أى راف ع‪ ‬ق ال‪ ":‬رأي ت الن يب ‪ ‬أذن يف‬
‫أذن احلسن بن علي حني ولدته فاطمة ابلصالة "‪.‬‬
‫ج استحباب حتنيكه بتمرة أو حالوة والدعاء له ابلربكة‪ ،‬ملا روي عن أى موسى األشعري ‪ ‬قال‪":‬‬
‫ولد يل غالم فأتيت به النيب‪ ‬فسماه إبراهيم وحنكه بتمرة "‪.‬‬

‫‪2‬ـ حق اختيار االسم احلسن‪:‬‬


‫م ن ح ق الول د عل ى والدي ه أن خيت ارا ل ه االس م احلس ن يف اللف ظ واملع ىن‪ ،‬وال يطل ق علي ه م ن‬
‫األمس اء م ا ينف ر أو يك ون س بيالً للس خرية من ه‪ ،‬والثاب ت م ن فع ل رس ول هللا‪ ‬أن ه ك ان يغ ري األمس اء‬
‫فغري اسم عاصية إىل َجيلة‪ ،‬وقال‪ ":‬إن أح ب أمس ائكم إىل هللا‬ ‫املنفرة واملكروهة إىل األمساء احلسنة‪َّ ،‬‬
‫عب د هللا وعب د ال رلن "‪ ،‬وذل ك مل ا يف االس م اجلمي ل م ن أتث ري كب ري عل ى شخص ية اإلنس ان‪ ،‬وعل ى‬
‫سلوكه طوال فرتة حياته‪.‬‬

‫‪3‬ـ حق اخلتان‪:‬‬
‫وهو من الشعائر الواجبة يف حق الذكور‪ ،‬يقول النيب‪ ":‬الفطرة مخس‪ :‬اخلتان‪ ،‬واالستحداد‪،‬‬
‫وقص الشارب‪ ،‬وتقليم األظافر‪ ،‬ونتف اإلبط "‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫فجع ل اخلت ان رأس خص ال الفط رة‪ ،‬وذك ر اب ن الق يم رل ه هللا أن ه جي ب عل ى ال ويل أن خي نت‬
‫الصيب قبل البلوغ‪ ،‬فإن ذلك مما ال يتم الواجب إال ب ه‪ ،‬واألفض ل أن يك ون اخلت ان يف األايم األوىل م ن‬
‫والدة الولد حىت إذا عقل وتفهم األمور وأصبح يف مرحلة التمييز وجد نفس ه خمت وانً‪ ،‬ف ال حيس ب ل ه يف‬
‫املستقبل حساابً‪ ،‬وال جيد يف نفسه مهاً‪ ،‬وقد ثبت أن للختان فوائد صحية ابلنسبة لل ذكور‪ ،‬وأن ال ذين‬
‫ال خيتنون يعانون من القذارة وبعض األمراض اخلطرية‪.‬‬

‫‪4‬ـ العقيقة عن املولود‪:‬‬


‫(هي الذبيحة اليت تذبح للمولود)‪ ،‬وقد وردت أحاديث عن النيب‪ ‬تبني ه ذا احل ق منه ا قول ه‬
‫‪ " :‬ك ل غ الم رهين ة بعقيقت ه‪ ،‬ت ذبح عن ه ي وم س ابعه‪ ،‬وحيل ق ويس مى"‪ ،‬والس نة أن يع ق ع ن ال ذكر‬
‫بشاتني‪ ،‬وعن األنثى بشاة‪ ،‬وهو أفضل من التصدق بثمنها‪ ،‬واحلكمة منها‪:‬‬
‫أ أهنا سنة‪ ،‬والعمل ابلسنة من أفضل القرابت‪.‬‬
‫ب أهنا سبب جتدد النعمة من هللا على الوالدين‪ ،‬وإظهار للفرح والسرور‪.‬‬

‫‪5‬ـ حق النسب‪:‬‬
‫لقد صانت الشريعة اإلسالمية النسب من الضياع والعبث والكذب والتزييف‪ ،‬ومل ترتكه ألهواء‬
‫من يدعونه أو ينفونه‪ ،‬فهو من احلقوق الشرعية املرتتبة على عقد الزواج‪ ،‬ويتعلق به عدة حقوق‪:‬‬
‫أ حق األب‪ :‬ألنه يرتتب على ثبوت نسب الولد ثبوت الوالية عليه وحق اإلرث واإلنفاق‪.‬‬
‫ب ح ق األم‪ :‬ألن م ن حقه ا ص يانة الول د م ن الض ياع ودف ع التهم ة عنه ا‪ ،‬وثب وت ح ق الرض اعة‪،‬‬
‫واحلضانة‪ ،‬واإلرث‪.‬‬
‫ج ح ق الول د‪ :‬دف ع التعي ري ع ن نفس ه‪ ،‬وثب وت حق وق النفق ة‪ ،‬والرض اعة‪ ،‬والس كن‪ ،‬واإلرث وغ ري‬
‫ذلك‪.‬‬
‫‪6‬ـ حق الرضاعة‪:‬‬
‫الرضاع حق للطفل يثبت مبجرد والدته‪ ،‬وواجب على األم‪ ،‬أتمث برتك القيام به من غري عذر‬
‫اعة ‪.‬والنص‬
‫ضم‬ ‫ني لِ مم ْن أ ممر ماد أمن يُتِ َّم َّ‬
‫الر م‬ ‫ني مك ِاملم ْ ِ‬
‫ات يُر ِض ْعن أ ْموالم مد ُه َّن مح ْولم ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫مشروع‪ ،‬قال تع اىل‪  :‬موالْ موال مد ُ ْ م‬
‫وإن كان وارداً يف صيغة اخلرب‪ ،‬إال أنه يف معىن األمر الدال على الوجوب‪ ،‬وأجرة الرضاع واجبة على‬
‫األب يف احلاالت اليت ال تكون األم متعينة لإلرضاع‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫والرض اعة الطبيعي ة نعم ة م ن هللا وهبه ا لإلنس ان‪ ،‬وه ي ذات فوائ د مادي ة ومعنوي ة وص حية‬
‫وتربوية‪ ،‬ال تعد وال حتصى‪.‬‬

‫‪7‬ـ حق احلضانة‪:‬‬
‫حيتاج الطفل إىل العناية به‪ ،‬وذلك ابلقيام على ما يتعلق برتبيته من نظافة ومتريض ومعاونة يف املأكل‬
‫واملشرب وامللبس‪ ،‬والقيام هبذه املهمة هو ما يطلق عليه الفقهاء كلمة »احلضانة«‪ ،‬فهي حق للصغري‪،‬‬
‫وواجبة على األم‪ ،‬وهي أحق الناس هبا وأقدرهم عليها‪ ،‬ملا جبلت عليه من مشاعر احلنان والشفقة‪،‬‬
‫والقدرة على التحمل والصرب‪ ،‬ويف احلديث‪ ":‬من أحق حبسن صحابيت اي رسول هللا ؟ قال‪ :‬أمك‪،‬‬
‫قال‪ :‬مث من؟ قال‪ :‬أمك‪ ،‬قال‪ :‬مث من؟ قال‪ :‬أمك‪ ،‬قال‪ :‬مث من؟ قال‪ :‬أبوك "‪.‬‬

‫فمن حق األوالد أن ختتار هلم احلاضنات اللوايت يعنني هبم‪ ،‬إىل جانب األمهات إذا دعت احلاجة‬
‫إىل هذا‪ ،‬وينبغي أن تكون احلاضنات معروفات ابلدين واخللق‪ ،‬ألن األوالد يتأثرون هبن سلباً كان أو‬
‫إجياابً‪ ،‬وال يستطيع أحد أن ينكر ما للمربيات اليوم من أثر على األوالد‪.‬‬

‫‪8‬ـ حق النفقة‪:‬‬
‫النفقة حق من حقوق األوالد على اآلابء إىل أن يستطيع األبناء إعالة أنفسهم‪ ،‬لقول النيب ‪ ‬هلند‬
‫زوجة أى سفيان ‪ ":‬خذي ما يكفيك وولدك ابملعروف"‪.‬‬
‫وتتضمن النفقة ابإلضافة إىل املأكل واملشرب وامللبس والعالج‪ ،‬نفقة الرتبية والتعليم يف َجيع املراحل‬
‫التعليمية‪.‬‬

‫‪9‬ـ حق الرتبية‪:‬‬
‫إن أعظم مهمة لألسرة هي تربية الطفل‪ ،‬فمسؤولية األسرة حنو تربية الطفل تربية سليمة هبدف تكوين‬
‫شخصية الطفل تكويناً سوايً متزانً‪ ،‬مسؤولية جسيمة‪ ،‬السيما يف هذا العصر الذي تكاثرت مشاكله‪،‬‬
‫وتداخلت اجلهات اليت تؤثر يف هذه الرتبية‪ ،‬واحلديث يف هذا املوضوع يطول‪ ،‬ولكننا نشري إىل أهم ما‬
‫نراه يف هذا اجملال‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬أن الرتبية تقوم على أساس غرس العقيدة الصافية يف نفسية الطفل وحمبته للرسول ‪.‬‬
‫اثنياً‪ :‬ويف مرحلة التمييز يبدأ دور التعليم والتدريب على بعض األركان األساسية يف الدين‪ ،‬وذلك‬
‫بتعليمه الصالة والقرآن‪ ،‬وآداب اإلسالم الشخصية واالجتماعية‪ ،‬قال ‪ " :‬مروا أوالدكم ابلصالة‬
‫وهم أبناء سبع سنني‪ ،‬واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم يف املضاجع"‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫اثلثاً‪ :‬تقوم الرتبية على أساس أن يكون الوالدان أنفسهما القدوة احلسنة ألوالدمها يف أقواهلما وأفعاهلما‬
‫وتصرفاهتما املختلفة‪ ،‬فالقدوة احلسنة هلا أثر كبري يف نفس الطفل‪ ،‬ألنه مولع ابلتقليد واحملاكاة‪ ،‬فهو‬
‫يراقب سلوك الوالدين‪ ،‬فإن وجدمها صادقني نشأ على الصدق‪ ،‬وهكذا يف ابقي األمور‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬الرتبية تعتمد على التخطيط السليم القائم على أساس التشاور والتكامل املسبق بني األبوين‪،‬‬
‫حبيث ال يهدم أحدمها ما يبنيه اآلخر‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬جتنب احملاذير الثالثة وهي‪:‬‬
‫أ التدليل املفسد‪ ،‬وما يتعلق به من شدة اخلوف على الولد‪.‬‬
‫ب القسوة املفرطة‪ ،‬وما يتعلق هبا من تقريع الطفل على مشهد من اآلخرين‪.‬‬
‫ج التفرقة يف املعاملة‪ ،‬وما يتعلق هبا من تفضيل وإيثار بعض األبناء على بعض‪ ،‬فذلك يولد العداوة‬
‫والبغضاء واحلقد بينهم سواء أكان التفاضل بني الذكور أم بني اإلانث‪ ،‬قال رسول هللا‪ ":‬اتقوا هللا‪،‬‬
‫واعدلوا بني أوالدكم"‪.‬‬
‫سادساً‪ :‬أن تقوم الرتبية اإلسالمية على الرلة والتعاطف واحملبة واحلنان‪ ،‬صح عنه‪ ‬أنه كان يقبل‬
‫ذات مرة احلسن بن علي رضي هللا عنهما وعنده األقرع بن حابس‪ ،‬فقال األقرع‪ :‬إن يل عشرة من‬
‫الولد ما قبلت منهم أحداً‪ ،‬فنظر إليه رسول هللا‪ ‬مث قال‪ " :‬من ال يمرحم ال يُرحم"‪.‬‬
‫سابعاً‪ :‬أن هتدف الرتبية إىل تكوين الشخصية املتوازنة واليت جتمع بني التمسك مببادع الدين احلنيف‬
‫وتعاليمه وقيمه ومقومات احلياة املعاصرة‪ ،‬فتكون شخصية متمسكة بدينها وهويتها‪ ،‬ومنفتحة على‬
‫عصرها‪.‬‬
‫‪10‬ـ حق األبناء يف اإلرث‪:‬‬
‫من حق األبناء أن يرثوا آابءهم وأمهاهتم‪ ،‬وهذا احلق قرره هلم رب العاملني بقوله‪:‬‬
‫ني ‪ ،‬فاالبن يرث بطريق التعصيب؛ فيحوز الرتكة‬ ‫اّللُ ِيف أ ْموالم ِد ُكم لِ َّ‬
‫لذ مك ِر ِمثْل مح ِظ األُنْثميم ْ ِ‬ ‫‪‬ي ِ‬
‫وصي ُك ُم َّ‬‫ُ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫كلها إذا انفرد ومل يوجد وارث غريه‪ ،‬فإن كانوا أكثر من واحد ذكوراً قسم بينهم ابلتساوي‪ ،‬وإن كانوا‬
‫ذكوراً وإاناثً‪ ،‬فللبنت سهم ولالبن سهمان‪ ،‬وليس هذا حتيزاً للذكور أو ظلماً لإلانث معاذ هللا ولكن‬
‫احلاجة وظروف كل منهما هي اليت اقتضت مثل هذا التفريق يف النصيب‪ ،‬فالولد يتكلف تكاليف ال‬
‫تلزم هبا البنت‪ ،‬كدفع املهر وأتثيث بيت الزوجية‪ ،‬واإلنفاق على الزوجة واألوالد‪ ،‬أما أخته فإهنا أتخذ‬
‫مرياثها ملكاً خالصاً هلا ال تكلف منه شيئاً‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫اثنياً‪ :‬حقوق الوالدين على أوالدهم‪:‬‬

‫إن حقوق الوالدين على األبناء من أجل احلقوق وأعظمها بعد حق هللا تعاىل‪ ،‬فهما يبذالن‬
‫من اجلهود من أجل تربية األوالد وإعدادهم للحياة ما يستحقان املكافأة عليه‪ ،‬وقد بني هللا سبحانه‬
‫ك أمالَّ تم ْعبُ ُدواْ إِالَّ إِ َّايهُ موِابلْ موالِ مديْ ِن إِ ْح مساانً إِ َّما‬
‫ضى مربُّ م‬
‫وتعاىل كثرياً من هذه احلقوق بقوله تعاىل‪  :‬موقم م‬
‫ُف والم تم ْن هرُمها وقُل َّهلما قموالً مك ِرمياً و ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ي ب لُغم َّن ِع م ِ‬
‫ض مهلُمما‬ ‫اخف ْ‬ ‫م ْ‬ ‫مح ُد ُمهما أ ْمو كالم ُمهما فمالم تم ُقل َّهلُممآ أ م م ْ م م ُم ْ‬ ‫ند مك الْك ممرب أ م‬ ‫مْ‬
‫صغِرياً ‪ ،‬فهااتن اآليتان تضمنتا حقوق الوالدين‬ ‫ِ‬ ‫الذ ِل ِمن َّ ِ‬
‫الر ْلمة موقُل َّرب ْار ملْ ُه مما مك مما مربَّيم ِاين م‬ ‫اح ُّ م‬ ‫مجنم م‬
‫بصورة ال لبس فيها وال غموض‪ ،‬ونستطيع بسهولة أن نتبني منها بعض حقوقهم‪ ،‬ومنها‪:‬‬

‫‪1‬ـ األمر ابإلحسان إليهما‪:‬‬


‫فاإلحسان إىل الوالدين أمر من هللا تعاىل ليس ألحد أن يتهاون فيه أبداً‪ ،‬وقد قرن هللا سبحانه‬
‫وتعاىل اإلحسان إليهم ا بعبادت ه لعظ م ش أهنما‪ ،‬وض روب اإلحس ان كث رية تتعل ق ابلتعام ل معهم ا‪ ،‬وال رب‬
‫هبما‪ ،‬وتفضيلهما عل ى األنف س واألوالد واألزواج‪ ،‬وأن نك ون يف غاي ة األدب معهم ا يف الق ول والعم ل‬
‫حبس ب الع رف ح ىت يك وان مغتبط ني بن ا‪ ،‬وم ن أعظ م اإلحس ان ابلوال دين إذا ك اان أو أح دمها ال ميل ك‬
‫النفق ة أن ينف ق ول ده علي ه ابملع روف‪ ،‬يق ول‪ ":‬إن أطي ب م ا أكل تم م ن كس بكم‪ ،‬وإن أوالدك م م ن‬
‫كسبكم‪ ،‬فكلوه هنيئاً مريئاً "‪.‬‬

‫‪2‬ـ النهي عن هنرمها‪:‬‬


‫أي حرم ة زجرمه ا خبش ونة‪ ،‬واإلس اءة إليهم ا ابلكلم ة اجلارح ة‪ ،‬أو رف ع الص وت عليهم ا‪ ،‬أو‬
‫تغل يظ الك الم هلم ا وإن ك ان بكلم ة » أف « الدال ة عل ى التض جر والت ربم‪ ،‬ب ل جي ب عل ى األوالد أن‬
‫يتخريوا يف خماطبة آابئهم أَجل الكلمات وألطف العبارات‪ ،‬وأن يكون قوهلم كرمياً ال يصحبه شيء من‬
‫العنف‪ ،‬وإذا كان ت كلم ة »أف« القليل ة احل روف منهي اً عنه ا فم ا ابلن ا بغريه ا‪ ،‬وه و هن ي ل يس خاص اً‬
‫حبالة الكرب‪ ،‬وإمنا يف َجيع األحوال‪.‬‬

‫‪3‬ـ التواضع هلما إل حد التذلل‪:‬‬


‫وهذا ليس عيباً‪ ،‬بل هو مندوب ومطلوب‪ ،‬وإذا كان جيب عل ى املس لم أن يك ون متواض عاً م ع‬
‫أخيه املسلم رحيماً به‪ ،‬فقد وجب عليه أن يكون أكثر تواضعاً وتذلالً مع أبويه‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫‪4‬ـ وجوب شكرمها‪:‬‬


‫ِِ‬
‫لقد قرن هللا سبحانه وتعاىل شكر الوالدين بشكره فقال‪  :‬أ ِمن ا ْش ُك ْر ِيل مول موال مديْ م‬
‫ك إِ مَّ‬
‫يل‬
‫صريُ ‪ ،‬وهذا الشكر ملا يقدمه الوالدان لإلنسان من أشياء كثرية لصاحله وخدمة له‪ ،‬وخباصة األم‬ ‫الْم ِ‬
‫م‬
‫(من لل ورضاعة وعناية وما إىل ذلك من الواجبات املناطة إليها)‪ ،‬ولذلك قدمت األم على األب‬
‫يف الرب‪ ،‬فقد سأل رجل النيب‪ ‬عن أحق الناس حبسن صحبته‪ ،‬فقال‪ ":‬أمك‪ ،‬قال‪ :‬مث من؟ قال‪:‬‬
‫أمك …"‪ ،‬وكررها ثالث مرات‪ ،‬مث قال يف املرة الرابعة‪ :‬أبوك‪.‬‬

‫‪5‬ـ تقدمي برمها على اجلهاد يف سبيل هللا‪:‬‬


‫وذلك ملا يف برمها من اإلحسان إليهما‪ ،‬وعمل الصاحل الذي يرض اه هللا س بحانه وتع اىل ويرفع ه‬
‫إليه‪ ،‬سأل عبد هللا بن مسعود ‪ ‬النيب ‪ ":‬أي العم ل أح ب إىل هللا ع ز وج ل؟ ق ال‪ :‬الص الة عل ى‬
‫وقتها‪ ،‬قال‪ :‬مث أي؟ قال‪ :‬بر الوالدين‪ ،‬قال‪ :‬مث أي؟ قال‪ :‬اجلهاد يف سبيل هللا "‪ ،‬واحلديث دلي ل عل ى‬
‫عظم فضيلة برمها‪ ،‬وأنه يقدم على جهاد التطوع‪.‬‬

‫‪6‬ـ بر الوالدين ولو كاان كافرين‪:‬‬

‫فالوالدان الكافران هلما حق الرب واإلحسان والطاعة فيما عدا الكفر واملعاصي‪ ،‬فالطاعة يف‬
‫املعروف‪ ،‬وال طاعة ملخلوق يف معصية هللا تعاىل‪ ،‬ألن حق هللا وتوحيده أعظم من حق الوالدين‪ ،‬يقول‬
‫ك بِِه ِع ْلم فمالم تُ ِطعهما وص ِ‬
‫احْب ُه مما ِيف الدُّنْيما‬ ‫ُْم م م‬ ‫س لم م‬ ‫ِ ِ‬ ‫تعاىل‪  :‬موإِن مج م‬
‫اه مد ماك معلمى أمن تُ ْشرمك ى مما لمْي م‬
‫مم ْع ُروفاً ‪.‬‬

‫وع ن أمس اء بن ت أى بك ر رض ي هللا عنهم ا قال ت‪ " :‬ق دمت أم ي وه ي مش ركة‪ ،‬فاس تفتيت‬
‫رسول هللا ‪ ‬فقلت‪ :‬إن أمي قدمت علي وهي راغبة‪ ،‬أفأصلها ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬صلي أمك"‪.‬‬

‫‪7‬ـ جتنب أسباب سبهما وشتمهما‪:‬‬


‫قال رسول هللا ‪ ":‬إن من الكبائر شتم الرجل والدي ه‪ ،‬ق الوا‪ :‬اي رس ول هللا وه ل يش تم الرج ل‬
‫والدي ه؟ ق ال‪ :‬نع م‪ ،‬يس ب الرج ل أاب الرج ل فيس ب أابه ويس ب أم ه فيس ب أم ه"‪ ،‬فك م م ن إنس ان‬
‫يتسبب يف شتم والديه وهو ال يدري‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫‪8‬ـ بر الوالدين بعد وفاهتما‪:‬‬


‫إن بر الوالدين ليس مقصوراً على حياهتم ا‪ ،‬وإمن ا ه و ممت د إىل م ا بع د الوف اة‪ ،‬ألن رابط ة امل ودة‬
‫ابقية يف احلياة وبعد املمات ابل دعاء واالس تغفار وقض اء دينهم ا س واء أك ان دين اً للعب اد أم دين اً ل ع ز‬
‫وج ل‪ ،‬فق د ج اءت ام رأة إىل الن يب‪ ‬فقال ت‪ ":‬إن أم ي ن ذرت أن حت ج فل م حت ج ح ىت مات ت‪ ،‬أف أحج‬
‫عنها؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬حجي عنها"‪ ،‬واحلج عن الوالدين بعد موهتما نوع م ن أن واع ال رب هبم ا واإلحس ان‬
‫إليهما‪.‬‬
‫ومن متام برمها صلة أهل ودمها‪ ،‬وهذه الصلة حق من حقوقهما؛ وه ي أن حيس ن إىل م ن ك اان‬
‫حيسنان إليه ويودانه‪ ،‬قال‪ ":‬إن أبر الرب صلة الولد ود أبيه بعد أن يويل "‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫احملاضرة الثانية عشرة‬


‫وآاثرها‬ ‫فُـ َر ُق النِّّكاح‪ُ ،‬‬
‫أسباهبا ُ‬
‫أ) الطَّــالق ‪:‬‬
‫تعريف الطالق ‪:‬‬
‫شتق من اإلطالق‪ ،‬وهو‪ :‬اإلرسال والرتك‪ ،‬يُقال‪ :‬طملِ ُق اليد‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫الطَّالق يف اللغة هو‪ :‬مح ُّل ال ِواثق‪ُ ،‬م ُ‬
‫أطلقت البعري‬ ‫قال‪:‬‬ ‫كثري البذل والعطاء‪ ،‬قال الراغب األصفهاين‪" :‬أصل الطَّ ِ‬
‫الق التَّخليةُ من ال ِواثق‪ ،‬يُ ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫قت املرأة‪ ،‬حنو خلَّيتها فهي ‪ :‬طالق‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫من عقاله‪ ،‬وطلَّقتُهُ‪ ،‬وهو طالق وطمْلق بال قيد‪ ،‬ومنه استعري ‪ :‬طلَّ ُ‬
‫أي ُخممالةُُ عن ِحبالة النِكاح" ‪.‬‬

‫ويف اصطالح الفقهاء‪:‬‬


‫هنالك عدة تعريفات للطالق عند الفقهاء‪ ،‬خيتلفون يف تعريفه على حسب مذاهبهم الفقهية‪ ،‬وإن‬
‫"ح ُّل ْقي ِد النِكاح"‪.‬‬
‫كان املؤدى واحداً‪،‬فمن ذلك ‪ :‬ما عرفه الفقيه احلنبلي ابن قدامة حيث قال‪ :‬م‬
‫وقال القرطيب ‪" :‬هو مح ُّل العِصمة املنعقدةِ بني الزوجني أبلفاظ خمصوصة"‪ ،‬وقال احلافظ ابن حجر‪:‬‬
‫" مح ُّل عقد التزويج"‪.‬‬

‫ُحكمه ‪:‬‬
‫الطالق مما تعرتيه األحكام التكليفية اخلمسة‪ ،‬وهي ‪ :‬التحرمي واإلابحة واإلستحباب والكراهة‬
‫والوجوب‪.‬‬
‫أ ‪ -‬فيكون حراماً‪ ،‬إذا كان الطالق‪ ،‬طالق بدعة‪ ،‬وذلك أن يطلقها بلفظ الثالث‪ ،‬دفعة واحدة‪ ،‬أو‬
‫يف حيض‪ ،‬أو يطلقها يف طُهر جامعها فيه‪ ،‬قال ابن قدامة‪" :‬أَجع العلماء يف َجيع األمصار‪ ،‬وكل‬
‫األعصار‪ ،‬على حترميه‪ ،‬ويُسمى طالق البدعة‪ ،‬ألن املطلق خالف السنة‪ ،‬وترك أمر هللا تعاىل ورسوله‬
‫‪."...‬‬
‫ب‪ -‬ويكون مباحاً إذا ترتب على استمرارية الزواج ضرر ابلزوجة أو الزوج‪.‬‬
‫ِخيف عدم‬ ‫ج ‪ -‬ويكون مستحباً‪ ،‬إذا كانت الزوجة سليطة اللسان‪ ،‬مؤذية لزوجها أو ألهله‪ ،‬أو‬
‫إقامة حدود هللا بينهما‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫د ‪ -‬ويكون مكروهاً‪ ،‬إذا كان احلال بني الزوجني مستقيمة‪ ،‬ومل تكن هنالك حاجة إىل إيقاع الطالق‪،‬‬
‫ضمرمر وال ِضمرار"‪ ،‬ويذهب بعض‬
‫ألن يف إيقاع الطالق‪ ،‬ضرراً ابلزوجني‪ ،‬واألوالد‪ ،‬ويف احلديث ‪" :‬ال م‬
‫الفقهاء إىل القول ابحلرمة يف هذه احلال‪ ،‬ألن يف ذلك ضرراً ابلزوجني‪.‬‬
‫ه ‪ -‬ويكون واجباً‪ ،‬وذلك يف طالق امل ِويل بعد الرتبص‪ ،‬إذا أىب الفيئة‪ ،‬وطالق احلكمني يف الشقاق‬
‫ُ‬ ‫إذا رأاي ذلك‪ ،‬وطالق امل ِ‬
‫العن‪ ،‬أو كان الرجل عنيناً‪ ،‬ففي هذه األحوال جيب الطالق لرفع الضرر عن‬
‫الزوجة‪.‬‬

‫لكن األصل فيه يف أغلب األحوال اإلابحة واحلل‪ ،‬دل على ذلك الكتاب والسنة‪ ،‬فمن أدلة‬
‫صواْ ال ِّْع َّدةَ واتَّـ ُقواْ َّ‬ ‫َِّب إِّذَا طَلَّ ْقتُم النِّّساء فَطَلِّّ ُق ُ ِّ ِّ ِِّّ‬ ‫الكتاب قوله تعاىل‪  :‬أييُّـ َها النِّ ُّ‬
‫اَّللَ‬ ‫وه َّن لع َّدهت َّن َوأ ْ‬
‫َح ُ‬ ‫ُ ََ‬
‫ود َِّّ‬ ‫وهتِّ َّن والَ َخيْرجن إِّالَّ أَن أيْتِّني بَِّف ِّ‬
‫اح َش ٍة ُّمبَـيِّّنَ ٍة َوتِّل َ‬ ‫وه َّن ِّمن بـي ِّ‬
‫اَّلل َوَمن يَـتَـ َع َّد‬ ‫ْك ُح ُد ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُْ َ‬ ‫ُُ‬ ‫َربَّ ُك ْم الَ ُُتْ ِّر ُج ُ‬
‫ك أ َْمراً ‪[ ‬الطالق‪.]1 :‬‬ ‫ث بَـ ْع َد ذَلِّ َ‬
‫اَّللَ ُْحي ِّد ُ‬ ‫ود َِّّ‬
‫اَّلل فَـ َق ْد ظَلَ َم نَـ ْف َسهُ الَ تَ ْد ِّرى ل ََع َّل َّ‬ ‫ُح ُد َ‬

‫ومن السنة ‪ :‬أن الرسول ‪ ‬طلق حفصة بنت عمر بن اخلطاب رضي هللا عنهما‪ ،‬مث راجعها‪.‬‬
‫رسول هللا‬
‫فقالت‪ :‬اي م‬
‫ْ‬ ‫أن امرأةم اثبِت بن قم ْيس أتمت النَّيب ‪،‬‬ ‫وعن ابن عباس –رضي هللا عنهما‪َّ -‬‬
‫ِ‬ ‫قيس ما ْ ِ‬
‫اثبت بن ٍ‬
‫ول هللا ‪: ‬‬‫رس ُ‬
‫فر يف اإلسالم‪ ،‬فقال ُ‬ ‫لق وال دي ٍن‪ ،‬ولكين أكرهُ ال ُك م‬
‫ب عليه يف ُخ ُ‬ ‫أعت ُ‬ ‫ُ‬
‫قالت‪ :‬نم مع ْم‪ ،‬قال رسول ‪" : ‬اقْ بم ِل احلم ِدي مقةم وطلِقها تمطْلِيقةً"‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ين عليه محديقتمهُ؟" ْ‬
‫ِ‬
‫"أمتُ ُرد م‬

‫ومما تقدم من األدلة وغريها‪ ،‬يُعلم أن الشريعة قد أابحت الطالق‪ ،‬خبالف بعض الشرائع‬
‫السماوية احملرفة والقوانني األرضية املعاصرة‪.‬‬

‫أح َّل‬
‫حذر من الطالق من غري أسباب موجبة لذلك ففي احلديث‪" :‬ما م‬ ‫غري أن شرع تعاىل هللا َّ‬
‫ت مزْو مجها طمالمقاً يف مغ ِْري مما مأب ِ‬ ‫هللا شيئاً أب غمض إلي ِه ِمن الطَّالم ٍق"‪ ،‬ويف احلديث أيضاً‪" :‬أمُّميما ٍ‬
‫مس‪،‬‬ ‫امرأمة مسأملم ْ‬
‫م‬ ‫ُ ْ ْ م ْ ْ‬
‫اجلمن َِّة"‪.‬‬
‫فم محرام معلمْيها مرائِ محةُ ْ‬

‫أن الطَّالق يف حال استقامة الزوجني مكروه‪ ،‬إال أاب حنيفة‪ ،‬قال‪ :‬هو‬
‫قال ابن ُهبرية‪" :‬أَجعوا َّ‬
‫حرام مع استقامة احلال"‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪" :‬األصل يف الطالق احلظر‪ ،‬وإمنا أبيح منه قدر احلاجة"‪.‬‬
‫وقال أيضاً ‪ " :‬ولوال أن احلاجة داعية إىل الطالق‪ ،‬لكان الدليل يقتضي حترميه‪ ،‬كما دلَّت عليه اآلاثر‬
‫واألصول‪ ،‬ولكن هللا تعاىل أابحه رلة منه بعباده‪ ،‬حلاجتهم إليه أحياانً" ‪.‬‬

‫وقال الكاساين ‪ " :‬إن األصل يف الطالق هو احلظر‪ ...‬إال أنه أبيحت الطلقة الواحدة للحاجة إىل‬
‫اخلالص عند خمالفة األخالق "‪.‬‬

‫ومما يؤكد ما سبق‪ ،‬أن الشرع احلنيف حث األزواج على أن ال يلجأوا إىل الطالق إال بعد‬
‫استفراغ الوسع‪ ،‬وسد َجيع منافذ اإلصالح‪ ،‬وذلك بعد الوعظ واإلرشاد‪ ،‬مث اهلجر يف املضجع‪ ،‬مث‬
‫الضرب غري املربح‪ ،‬مث بعث احلكمني لإلصالح بينهما‪ ،‬مث إذا مل ينجح هذا كله‪ ،‬فيلجآن إىل الطالق‬
‫أخرياً‪.‬‬

‫ِّحكمتُهُ‪:‬‬
‫اإلسالم دين العدل واحلكمة يف َجيع تشريعاته وأحكامه‪ ،‬فال حيل وال حيرم شيئاً إال حلِِ مك ِم عظيمة‪،‬‬
‫علمها مم ْن علمها‪ ،‬وجهلها مم ْن جهلها‪َ  ،‬و َّ‬
‫اَّللُ يَـ ْعلَ ُم َوأَنْـتُ ْم الَ تَـ ْعلَ ُمو َن ‪[ ‬البقرة‪.]216:‬‬

‫فمن تلك احلِ مكم ‪ :‬تشريعه للطالق إذا تعسرت احلياة الزوجية‪ ،‬ومل يكن بُ ٌّد إال الطالق‪ .‬فالزواج يقوم‬
‫أمور يستحيل معها بقاء كل‬ ‫ِ‬
‫على احملبة واألُلفة والوفاق بني الزوجني‪ ،‬فقد يُعكر تلك احلياة الزوجية ُ‬
‫عكر استمرارية‬ ‫من الزوجني مع اآلخر‪ ،‬فمن غري املعقول أن يؤمر الزوجان ابلبقاء معاً‪ ،‬مع وجود ما ي ِ‬
‫ُ‬
‫اَّللُ ُكالًّ ِّّمن َس َعتِّ ِّه‬
‫احلياة الزوجية‪ ،‬فجاء الشرع احلنيف ابحلم ِل‪ ،‬وهو الطالق ‪َ  :‬وإِّن يَـتَـ َف َّرقَا يُـغْ ِّن َّ‬
‫ِّ‬ ‫وَكا َن َّ ِّ‬
‫َّاس على جواز الطالق‪،‬‬ ‫اَّللُ َواسعاً َحكيماً ‪[ ‬النساء‪ ،]130 :‬قال ابن قدامة‪" :‬وأَجع الن ُ‬ ‫َ‬
‫والعربة دالة على جوازه‪ ،‬فإنه رمبا فسدت احلال بني الزوجني‪ ،‬فيصري بقاء النكاح مفسدة حمضة‪،‬‬
‫وضرراً جمرداً لزام الزوج النفقة والسكىن‪ ،‬وحبس املرأة مع ُسوء العشرة‪ ،‬واخلصومة الدائمة من غري‬
‫فائدة‪ ،‬فاقتضى ذلك شرع ما يزيل النكاح‪ ،‬لتزول املفسدة احلاصلة منه"‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫أقسام الطالق‪:‬‬
‫ي ِ‬
‫قسم الفقهاء رلهم هللا الطالق من حيثيات خمتلفة إىل أقسام متعددة ‪:‬‬‫ُ‬

‫أوالً ‪ :‬من حيث املشروعية ‪:‬‬


‫السين ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الطالق ُّ‬
‫واملراد به الطالق املوافق للسنة‪ ،‬وهو ‪ :‬أن يطلِق الرجل زوجته طلقة واحدة يف طُهر مل ميسها فيه‪ ،‬قال‬
‫ابن مسعود (طالق السنة أن يطلقها طاهراً من غري َجاع)‪.‬‬
‫قال ابن قدامة‪( :‬وال خالف يف أنه إذا طلَّقها يف طهر مل يصبها فيه‪ ،‬مث يرتكها حىت تنقضي َّ‬
‫عد ُهتا‪،‬‬
‫للسنة‪ُ ،‬مطلِق للعدَّة اليت أمر هللا تعاىل هبا)‪.‬‬
‫مصيب ُّ‬
‫ُ‬ ‫أنه‬

‫ب ‪ -‬طالق البدعة ‪:‬‬


‫وهو خالف طالق السنة‪ُ ،‬مسي به ألنه طالق خمالف للسنة اليت أمر هللا ورسوله‬
‫هبا‪ ،‬وهو ‪ :‬أن يطلق الرجل زوجته بلفظ الثالث بكلمة واحدة‪ ،‬أو يطلقها بلفظ الثالث يف جملس‬
‫واحد‪ ،‬أو يطلقها وهي حائض‪ ،‬أويطلقها يف طهر جامعها فيه‪ ،‬فالطالق يف َجيع هذه احلاالت‬
‫يكون حراماً‪ ،‬قال ابن قدامة (أَجع العلماء يف َجيع األمصار‪ ،‬وكل األعصار على حترميه‪ ،‬ويسمى‬
‫طالق البدعة‪ ،‬ألن املطلق خالف السنة‪ ،‬وترك أمر هللا تعاىل ورسوله ‪.)‬‬

‫اثنياً ‪ :‬ومن حيث بقاء الزوجية وعدمها إل ‪:‬‬


‫أ ‪ -‬الطالق الرجعي‪:‬‬
‫وهوالطَّالق الذي ميلك الزوج فيه مراجعة زوجته ما دامت يف العدة إذا طلقها طلقة‬
‫أو طلقتني‪ ،‬وذلك من غري مهر وال شهود‪ ،‬وال عقد جديد‪ ،‬وال رضا املرأة‪ ، ،‬ألهنا زوجته ما دامت‬
‫وء َوالَ َِّحي ُّل َهلُ َّن أَن يَ ْكتُ ْم َن َما‬ ‫ات ي َرتبَّصن ِِّبَنْـ ُف ِّس ِّه َّن ثَالَثَةَ قُـر ٍ‬
‫ُ‬ ‫يف العدة‪ ،‬لقوله تعاىل‪َ  :‬وال ُْمطَلَّ َق ُ َ َ ْ َ‬
‫َح ُّق بَِّرِّّد ِّه َّن ِّيف ذَلِّ َ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ك إِّ ْن أ ََر ُ‬
‫ادواْ‬ ‫اَّللُ ِّيف أ َْر َحام ِّه َّن إِّن ُك َّن يُـ ْؤم َّن ِّاب ََّّلل َوالْيَـ ْوم اآلخ ِّر َوبُـعُولَتُـ ُه َّن أ َ‬
‫َخلَ َق َّ‬
‫يم ‪[ ‬البقرة‪:‬‬ ‫اَّللُ َع ِّز ٌيز َح ُك ٌ‬ ‫ال َعلَْي ِّه َّن َد َر َجةٌ َو َّ‬ ‫وف َولِّ ِّّ‬
‫لر َج ِّ‬ ‫إِّصالَحاً وَهل َّن ِّمثْل الَّ ِّذي َعلَي ِّه َّن ِّابلْمعر ِّ‬
‫َ ُْ‬ ‫ْ‬ ‫َُ ُ‬ ‫ْ‬
‫‪ .]228‬و سيأيت الحقاً حديث ابن عمر رضي هللا عنهما‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫ب ‪ -‬الطالق البائن‪:‬‬
‫وهو على ضربني‪:‬‬
‫‪ -1‬الطالق البائن بينونة صغرى‪ :‬وهو إرجاع املطلقة واحدة‪ ،‬أو طلقتني‪ ،‬اليت انقضت عدهتا‪ ،‬وذلك‬
‫برضاها‪ ،‬ومبهر جديد‪ ،‬وعقد جديد‪.‬‬
‫‪ -2‬الطالق البائن بينونة كربى‪ ،‬وهو إرجاع املطلقة ثالاثً‪ ،‬إىل زوجها األول‪ ،‬وهذا يشرتط فيه أن‬
‫يكون نكاح الزوج الثاين نكاح رغبة النكاح حتليل‪ ،‬ودخل هبا دخوالً حقيقياً‪ ،‬مث مات عنها أو‬
‫طلقها‪ ،‬فيجوز أن يتزوجها الزوج األول بعد إنقضاء عدهتا من الثاين‪ ،‬بعقد جديد‪ ،‬ومهر جديد‪،‬‬
‫فهذا يسمى بينونة كربى‪ ،‬ألهنا ابنت من زوجها األول‪ ،‬ومل حتل له إال بعد نكاح آخر‪ ،‬نكاح‬
‫رغبة‪ ،‬وأن يدخل هبا وتذوق عسيلته‪ ،‬ويذوق عسيلتها حلديث رفاعة ال ُقرظي أنَّه تم َّزوج امرأةً‪ ،‬مث‬
‫فذكرت له أنَّهُ ليس مم معهُ إالَّ ِمثْ ُل ُه ْدبمٍة‪ ،‬فقال‪" :‬ال َّ‬
‫حىت‬ ‫ْ‬ ‫آخر‪ ،‬فأتت النيب ‪،‬‬
‫جت م‬ ‫فتزو ْ‬ ‫طلَّقها َّ‬
‫وق عُ ِ‬
‫سيلتك"‪.‬‬ ‫تم ُذوقِي عُسيلمتهُ‪ ،‬ويم ُذ م‬

‫اثلثاً ‪ :‬ينقسم الطالق من حيث الصيغة إل ‪:‬‬


‫أ) ُمنَ َّج َزة ‪ :‬وهي ‪ :‬الصيغة اليت ليست معلقة على شرط‪ ،‬وال مضافة إىل زمن معني‪ ،‬بل يقصد هبا‬
‫إيقاع الطالق يف احلال‪ ،‬كأن يقول لزوجته ‪ِ :‬‬
‫أنت طالق‪ ،‬وحكمه‪ :‬وقوع الطالق يف احلال‪ ،‬ويرتتب‬
‫عليه آاثره مبجرد التلفظ به‪.‬‬
‫ب) معلقة على أمر ممكن‪ :‬وهو أن يعلق الزوج الطالق على حصول شرط معلق‪ ،‬كأن يقول ‪ :‬إن‬
‫فعلت كذا فأنت طالق‪،‬وحكمه ‪ :‬وقوع الطَّالق إذا حتقق الشرط‪،‬وحصل املشروط‪0‬‬
‫ج) معلقة على أمر مستحيل‪ ،‬كأن يقول ‪ :‬إن دخل اجلمل يف س ِم اخلياط ِ‬
‫فأنت طالق‪ ،‬وحنو‬ ‫م‬
‫ذلك‪،‬وهذا فيه خالف‪،‬أظهره أنه اليقع به الطَّالق‪،‬ألنه علَّقه على صفة مل توجد‪،‬وهللا أعلم ‪0‬‬

‫رابعاً ‪ :‬من حيث العدد ‪:‬‬


‫أما من حيث العدد ‪ :‬فقد بني هللا تعاىل أن للزوج ثالث تطليقات‪ ،‬يف قوله تعاىل‪ :‬الطَّالَ ُق َم َّرََت ِّن‬
‫ِّ‬ ‫اك ِّمبَعر ٍ‬
‫وه َّن َش ْيئاً إِّالَّ أَن َخيَافَآ أَالَّ‬ ‫ان َوالَ َِّحي ُّل لَ ُك ْم أَن ََتْ ُخ ُذواْ ممَّآ آتَـ ْيـتُ ُم ُ‬
‫وف أَو تَس ِّريح ِِّبِّ ْحس ٍ‬
‫ْ ْ ٌ َ‬
‫ِّ‬
‫فَإ ْم َس ٌ ْ ُ‬
‫ود َِّّ‬ ‫ت بِّ ِّه تِّل َ‬ ‫ِّ‬ ‫ود َِّّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ود َِّّ‬ ‫ِّ‬
‫اَّلل‬ ‫ْك ُح ُد ُ‬ ‫اح َعلَْي ِّه َما ف َ‬
‫يما افْـتَ َد ْ‬ ‫اَّلل فَالَ ُجنَ َ‬ ‫يما ُح ُد َ‬ ‫اَّلل فَِّإ ْن خ ْفتُ ْم أَالَّ يُق َ‬ ‫يما ُح ُد َ‬
‫يُق َ‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫ك ُه ُم الظَّالِّ ُمو َن فَِّإ ْن طَلَّ َق َها فَالَ َِّحت ُّل لَهُ ِّمن بَـ ْع ُد َح َّىت‬ ‫ود َِّّ‬
‫اَّلل فَأ ُْولَـئِّ َ‬ ‫وها َوَمن يَـتَـ َع َّد ُح ُد َ‬‫فَالَ تَـ ْعتَ ُد َ‬
‫ريهُ ‪ ‬البقرة(‪.)230-229‬‬ ‫ِّ‬
‫تَـ ْنك َح َزْوجاً غَ ْ َ‬

‫فدلت اآلية الكرمية على أن الزوج ميلك من الطالق ثالث تطليقات‪ ،‬وجيعلها متفرقات مرة بعد‬
‫أخرى‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬من حيث األلفاظ‪:‬‬


‫يكون الطالق من حيث األلفاظ إما صرحياً‪ ،‬أبلفاظ تدل عليه دون قرائن‪ ،‬وال حتتاج إىل نية‬
‫الطالق‪ ،‬ألهنا ال يراد هبا غريه كقوله لزوجته‪ :‬أنت طالق‪ ،‬أو طلقتك‪ ،‬أو مطلَّقة‪ ،‬و حنو ذلك من ألفاظ‬
‫مادة ((الطالق))‪.‬‬

‫وإما يكون الطالق أبلفاظ الكناية‪ ،‬و هي اليت حتتمل معىن الطالق ومعىن غريه‪ ،‬وال تنصرف إىل‬
‫الطالق وال يقع إال إذا نواه الزوج أو كانت هناك قرينة تدل عليه‪ ،‬كقول الزوج لزوجته‪ :‬اخرجي‪ ،‬احلقي‬
‫أبهلك‪ ،‬ال أريد أن أرى وجهك‪ِ ،‬‬
‫اعتدي‪ ،‬أنت خليِة‪ ...‬فهذه العبارات وحنوها ال يقع هبا الطالق ما مل‬
‫ينوه الزوج‪ ،‬أو تقوم قرينة عليه حال غضبه ونزاعه مع زوجته‪...‬‬

‫الرجعة ومب تكون ‪:‬‬


‫الرجعة‪ :‬هي عود الزوجة املطلقة للعصمة من غري جتديد عقد‪ ،‬وقيل‪ :‬هي ُّرد املرأة إىل النكاح من‬
‫طالق غري ابئن يف العدة‪ ،‬علي وجه خمصوص‪.‬‬

‫وء َوالَ َِّحي ُّل َهلُ َّن أَن‬ ‫ات ي َرتبَّصن ِِّبَنْـ ُف ِّس ِّه َّن ثَالَثَةَ قُـر ٍ‬
‫ُ‬ ‫والدليل على ذلك قوله تعاىل‪َ  :‬وال ُْمطَلَّ َق ُ َ َ ْ َ‬
‫َح ُّق بَِّرِّّد ِّه َّن ِّيف ذَلِّ َ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ك‬ ‫اَّللُ ِّيف أ َْر َحام ِّه َّن إِّن ُك َّن يُـ ْؤم َّن ِّاب ََّّلل َوالْيَـ ْوم اآلخ ِّر َوبُـعُولَتُـ ُه َّن أ َ‬
‫يَ ْكتُ ْم َن َما َخلَ َق َّ‬
‫اَّللُ َع ِّز ٌيز َح ُك ٌ‬
‫يم ‪‬‬ ‫ال َعلَْي ِّه َّن َد َر َجةٌ َو َّ‬ ‫لر َج ِّ‬ ‫وف َولِّ ِّّ‬
‫ادواْ إِّصالَحاً وَهل َّن ِّمثْل الَّ ِّذي َعلَي ِّه َّن ِّابلْمعر ِّ‬
‫َ ُْ‬ ‫ْ‬ ‫َُ ُ‬ ‫إِّ ْن أ ََر ُ ْ‬
‫[البقرة‪ :‬من ‪.]228‬‬
‫"أن النَّيب ‪ ‬طلَّ مق حفصةم بنت عمر‪ُ ،‬مثَّ راجعها"‪.‬‬ ‫ومن السنة ‪َّ :‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫وقوله عليه الصالة والسالم البن عمر ملا طلق زوجته وهي حائض‪ ،‬فسأل عمر النيب ‪ ‬عن ذلك‪،‬‬
‫"مرهُ فلرياجعها‪."...‬‬
‫فقال‪ُ :‬‬

‫وتكون الرجعة بعدة أمور منها‪:‬‬


‫ك‪ ،‬أو أمسكتُ ِ‬
‫ك‪ ،‬وحنو‬ ‫ك‪ ،‬أو رددتُ ِ‬
‫ك‪ ،‬أو أرجعتُ ِ‬‫أ‪ -‬ابللفظ الصريح الدال عليها‪ ،‬كأن يقول‪ :‬راجعتُ ِ‬
‫ذلك‪.‬‬
‫كنت‪ ،‬و ِ‬
‫أنت امرأيت‪.‬‬ ‫أنت عندي كما ِ‬ ‫ب‪ -‬أو بلفظ الكناية عند بعض الفقهاء‪ ،‬ومن ألفاظها ‪ِ :‬‬
‫ج‪ -‬أو ابلفعل‪ ،‬كأن يطأها‪ ،‬أو يقبلها‪ ،‬أو يلمسها بشهوة‪.‬‬
‫وصداق‪ ،‬وال ِرضى املرأة‪ ،‬وال ِعلمها‪َ ،‬جاع‬
‫ٍ‬ ‫قال ابن قدامة‪" :‬وَجلتُهُ أن الرجعة ال تفتقر إىل ِ‬
‫ويل‪،‬‬
‫أهل العلم"‪.‬‬

‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ " :‬أبو حنيفة جيعل الوطء رجعة‪ ،‬وهو أحد الرواايت عن ألد ‪ ،‬والشافعي‬
‫ال جيعله رجعة‪ ،‬وهو رواية عن ألد‪ ،‬ومالك جيعله رجعة مع النية‪ ،‬وهو رواية عن ألد‪ ،‬فيبيح وطء الرجعية‬
‫إذا قصد هبا الرجعة‪ ،‬وهذا أعدل األقوال‪ ،‬وأشبهها ابألصول"‪.‬‬

‫ب ) اخلُلع‪:‬‬
‫تعريف اخللع ‪:‬‬
‫الر ُج ُل ثوبهُ‪ ،...‬إذا نزعهُ وأزاله"‪.‬‬
‫اخلُلع يف اللغة ‪" :‬من خلع َّ‬
‫وض‪ ،‬أبلفاظ خمصوصة"‪.‬‬ ‫ويف االصطالح‪" :‬فِراق الزوج لزوجته بِعِ ٍ‬

‫ويقسم الفقهاء ألفاظ اخللع إىل قسمني ‪:‬‬

‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ت‬ ‫اح َعلَْي ِّه َما ف َ‬
‫يما افْـتَ َد ْ‬ ‫‪ )1‬ألفاظ صرحية‪ :‬كأن يقول‪ :‬خالعتُك‪ ،‬وفاديتُك‪ ،‬قال تعاىل ‪  :‬فَالَ ُجنَ َ‬
‫ك‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬ ‫وفسخت نكاح ِ‬
‫ُ م‬ ‫بِّ ِّه ‪( ‬البقرة ‪،)229‬‬

‫ك‪ ،‬وأبنتُ ِ‬
‫ك‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬ ‫ك‪ ،‬وأبرأتُ ِ‬
‫‪ )2‬ألفاظ كناايت‪ ،‬مثل ابرأتُ ِ‬
‫م‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫أدلة اخلُلع ‪:‬‬


‫ود َِّّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫اَّلل‬ ‫دل على جواز اخللع‪ ،‬الكتاب والسنة‪ ،‬فمن الكتاب قوله تعاىل‪  :‬فَِّإ ْن خ ْفتُ ْم أَالَّ يُق َ‬
‫يما ُح ُد َ‬
‫ت بِّه ‪ [ ‬البقرة‪.] 229 :‬‬ ‫ِّ‬
‫اح َعلَْي ِّه َما ف َ‬
‫يما افْـتَ َد ْ‬ ‫فَالَ ُجنَ َ‬
‫وأما من السنة ‪:‬فحديث اثبت بن قيس السابق‪ ،‬وفيه أن النيب ‪ ‬قال هلا‪" :‬أتردين عليه حديقته؟‬
‫قالت‪ :‬نعم‪ ،‬فأمر زوجها بفراقها بقوله‪" :‬اقبلي احلديقة‪ ،‬وطلقها تطليقة"‪.‬‬

‫حكمة مشروعية اخللع‪:‬‬


‫سبق أن ذكران أن الشارع احلكيم جعل الطالق بيد الرجل العتبارات معقولة‪ ،‬وقد يلحق ابملرأة ضرر‬
‫يف استمرارية النكاح‪ ،‬لسوء ُخلُق الزوج أو غري ذلك‪ ،‬فشرع هلا حق الفرقة منه‪ ،‬مقابل قدر معلوم من‬
‫املال‪،‬يتفقان عليه‪ ،‬قال ابن رشد‪" :‬والفقه أن الفداء إمنا ُجعل للمرأة يف مقابلة ما بيد الرجل من‬
‫الطالق فإنه ملا جعل الطالق بيد الرجل إذا فم مرك _ أي كرهها‪ -‬املرأة‪ ،‬جعل اخلُلع بيد املرأة إذا فممركت‬
‫الرجل"‪.‬‬

‫كربه‪ ،‬أو‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫وقال ابن قدامة‪" :‬وَجلة األمر أن املرأة إذا كرهت زوجها‪ ،‬خلملقه أو ُخلُقه‪ ،‬أو دينه أو ل م‬
‫ض ْع ِف ِه‪ ،‬أو حنو ذلك‪ ،‬وخشيت أال تؤدي حق هللا تعاىل يف طاعته‪ ،‬جاز هلا أن ختالعه بِعِوض‪ ،‬تفتدي‬
‫م‬
‫به نفسها منه‪ ."...‬وحكم اخللع أنه كالطالق‪ ،‬ينقص عدد الطلقات اليت ميلكها الزوج‪.‬‬

‫ج) الِّلعان ‪:‬‬


‫تعريف اللعان ‪:‬‬
‫اللعان يف اللغة ‪ :‬مصدر العن‪ ،‬وهو من الطرد واإلبعاد‪ ،‬على سبيل السخط‪ ،‬وهو مشتق من اللعن‪،‬‬
‫ألن الزوج يلعن نفسه يف اخلامسة‪ ،‬إن كان كاذابً ‪.‬‬
‫ويف االصطالح ‪ :‬قذف الرجل زوجته البالغة احلرة املسلمة ابلزان‪ ،‬أونفيه نسب ولدها منه‪.‬‬

‫صفتــه‪:‬‬
‫وصفة اللعان‪ :‬أن يقول الزوج وهو قائم ‪ :‬أشهد ابل لقد زنت زوجيت هذه‪ ،‬ويشري إليها ويكرر أربع‬
‫مرات‪ ،‬ويقول يف اخلامسة ‪َّ :‬‬
‫أن لعنة هللا عليه‪ ،‬إن كان من الكاذبني‪ ،‬مث تقوم املرأة وتقول ‪ :‬أشهد ابل‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫علي فيما رماين به من الزان‪ ،‬وتكرر ذلك أربع مرات‪ ،‬وتقول يف اخلامسة ‪َّ :‬‬
‫أن غضب هللا‬ ‫لقد كذب َّ‬
‫عليها‪ ،‬إن كان من الصادقني‪،‬ويستحب أن توقف عن التلفظ ابخلامسة وتوعظ‪،‬ويقال هلا ‪:‬عذاب‬
‫الدنيا أهون لك من عذاب اآلخرة ‪0‬‬

‫شروط اللعان ‪ :‬ويشرتط يف اللعان شروط منها ‪:‬‬


‫(أ) أن يكون اللعان من زوجني مكلفني‪ُ ،‬حرين عاقلني ابلغني مسلمني‪.‬‬
‫(ب) أن يكون اللعان حبضرة اإلمام أو انئبه‪ ،‬كالقاضي وحنوه‪.‬‬
‫(ج) أن يبدأ الزوج ابللعان‪ ،‬مث تليه الزوجة‪.‬‬

‫حكمـه ‪:‬‬
‫اللعان جائز‪ ،‬وهو مشروع ابلكتاب والسنة واإلَجاع‪.‬‬

‫دليله‪:‬‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫ادةُ‬‫س ُه ْم فَ َش َه َ‬ ‫ِّ‬
‫اج ُه ْم َوَملْ يَ ُك ْن هلُ ْم ُش َه َدآءُ إالَّ أَن ُف ُ‬ ‫ين يَـ ْرُمو َن أَ ْزَو َ‬‫أما الكتاب ففي قوله تعاىل ‪َ  :‬والَّذ َ‬
‫اَّلل َعلَْي ِّه إِّن َكا َن ِّم َن‬ ‫َن لَعنَةَ َِّّ‬
‫اخلَام َسةُ أ َّ ْ‬
‫ادقِّني ‪  ‬و ْ ِّ‬
‫َ‬ ‫الص ِّ َ‬
‫ات ِّاب َِّّ‬
‫َّلل إِّنَّهُ ل َِّم َن َّ‬ ‫اد ٍ‬ ‫َح ِّد ِّه ْم أ َْربَ ُع َش َه َ‬
‫أَ‬
‫اخلَ ِّام َسةَ أَ َّن‬
‫ني‪َ .‬و ْ‬‫اذبِّ َ‬ ‫َ‬
‫ات ِّاب َِّّ‬
‫َّلل إِّنَّهُ ل َِّمن الْ َك ِّ‬ ‫اد ٍ‬
‫اب أَن تَ ْش َه َد أ َْربَ َع َش َه َ‬ ‫ني ‪َ  ‬ويَ ْد َرُؤاْ َع ْنـ َها ال َْع َذ َ‬
‫الْ َك ِّ‬
‫اذبِّ َ‬
‫ني ‪ [ ‬النور‪.] 9-6 :‬‬ ‫ادق َ‬ ‫اَّلل َعلَْيـ َها إِّن َكا َن ِّم َن َّ‬
‫الص ِّ ِّ‬ ‫ضب َِّّ‬
‫غَ َ َ‬

‫ومن السنة النبوية ‪ :‬حديث ابن شهاب‪( :‬أن سهل بن سعد الساعدي أخربه أن عوميراً العجالين جاء‬
‫إىل عاصم بن عدي األنصاري فقال له ‪ :‬اي عاصم أرأيت رجالً وجد مع امرأته رجال أيقتله فتقتلونه أم‬
‫كيف يفعل؟ سل يل اي عاصم عن ذلك رسول هللا ‪ ،‬فسأل عاصم رسول هللا ‪ ‬عن ذلك‪،‬‬
‫فكره رسول هللا ‪ ‬املسائل وعاهبا‪،‬حىت كرب على عاصم ما مسع من رسول هللا ‪ ،‬فلما رجع‬
‫عاصم إىل أهله جاءه عومير فقال اي عاصم‪ ،‬ماذا قال لك رسول هللا ‪ ‬؟ فقال عاصم لعومير ‪ :‬مل‬
‫أتتين خبري‪ ،‬قد كره رسول هللا ‪ ‬املسألة اليت سألته عنها‪ ،‬فقال عومير ‪ :‬وهللا ال انتهي حىت أسأله‬
‫عنها‪ ،‬فأقبل عومير حىت جاء رسول هللا ‪ ‬وسط الناس فقال ‪ :‬اي رسول هللا أرأيت رجالً وجد مع‬
‫امرأته رجالً‪ ،‬أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل ؟ فقال رسول هللا ‪( : ‬قد أنزل فيك ويف صاحبتك‪،‬‬
‫فاذهب فأت هبا‪ ،‬قال سهل ‪ :‬فتالعنا وأان مع الناس عند رسول هللا ‪ ، ‬فلما فرغا من تالعنهما‪،‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫كذبت عليها اي رسول هللا إن أمسكتها‪ ،‬فطلقها ثالاثً قبل أن َيمره رسول هللا ‪ ،‬قال‬
‫ُ‬ ‫قال عومير ‪:‬‬
‫ابن شهاب ‪ :‬فكانت سنة املتالعنني)‪.‬‬

‫ما يرتتب على اللعان‪:‬‬


‫ويرتتب على اللعان بعد إيقاعه‪ ،‬عدة أمور منها ‪:‬‬
‫كذب نفسه‪ ،‬كما يف قصة عُومير‬ ‫(أ) الفرقة األبدية‪ ،‬فال جيوز أن يتزوجها بعد املالعنة ولو َّ‬
‫العجالين‪ ،‬ولقول سهل بن سعد رضي هللا عنهما ‪ ( :‬مضت السنة بعد يف املتالعنني أن يفرق‬
‫بينهما‪ ،‬مث ال جيتمعان أبداً )‪.‬‬
‫أن ِهالل ابن أمية قذف إمرأته‬‫احلد عن الزوجني‪ ،‬حلديث ابن عباس رضي هللا عنهما ‪َّ :‬‬ ‫(ب) سقوط ِ‬
‫عند رس ول هللا ‪ ‬بشريك بن مس ْحم اء‪ ،‬فقال النيب ‪ ( : ‬البينة وإال حد يف ظهرك )‪.‬‬
‫(ج) نفي الولد عن الزوج وإحلاقه ابلزوجة‪ ،‬حلديث ابن عمر رضي هللا عنهما ‪ :‬أن النيب ‪ ‬العن بني‬
‫‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫رجل وامرأته‪ ،‬فانتفى من ولدها‪ ،‬ففرق بينهما‪ ،‬وأحلق الولد ابملرأة )‬

‫د) الظهار‪:‬‬
‫تعريف الظهار لغة‪ :‬مشتق من الظهر‪ ،‬قال ابن منظور ‪ :‬الظهر من كل شيء خالف البطن‪ ،‬واجلمع‬
‫أظهر وظهور وظهران‪ ،‬والظهار من النساء‪ ،‬وظاهر الرجل امرأته‪ ،‬وظاهرهتا مظاهرة وظهاراً إذا قال ‪:‬‬
‫علي كظهر ذات رحم‪ ،‬قال ابن قدامة‪" :‬وإمنا خصوا الظهر بذلك من بني سائر األعضاء‪ ،‬ألن‬ ‫هي َّ‬
‫كل مركوب يسمى ظهراً‪ ،‬حلصول الركوب على ظهره يف األغلب‪ ،‬فشبهوا الزوجة بذلك"‬
‫تعريفه اصطالحاً ‪ :‬أما تعريف الظهار يف اصطالح الفقهاء فهو‪" :‬أن يشبه امرأته أو عضواً منه ا مبن‬
‫حترم علي ه‪ ،‬ولو إىل أمد‪ ،‬كأخت زوجته أو بعضو منها‪."...‬‬

‫اه ُرو َن‬‫حكمه ‪ :‬الظهار حمرم ابلكتاب والسنة‪ ،‬قال ابن قدامة‪" :‬وهو حمرم لقوله تعاىل‪  :‬الَّ ِّذين يظَ ِّ‬
‫َُ‬
‫ِّمن ُك ْم ِّّمن نِّّ َسآئِّ ِّه ْم َّما ُه َّن أ َُّم َه ِّاهتِّ ْم إِّ ْن أ َُّم َها ُهتُ ْم إِّالَّ الالَّئِّي َولَ ْد َهنُ ْم َوإِّ َّهنُ ْم لَيَـ ُقولُو َن ُمن َكراً ِّّم َن الْ َق ْو ِّل‬
‫ور ‪ [ ‬اجملادلة ‪ :‬آية ‪.]2‬‬ ‫َوُزوراً َوإِّ َّن َّ‬
‫اَّللَ ل ََع ُف ٌّو غَ ُف ٌ‬

‫وقال ابن القيم‪:‬‬


‫"والظهار حرام ال جيوز اإلقدام عليه‪ ،‬ألنه كما أخرب هللا عنه منكر من القول وزور‪."..‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫اه ُرو َن ِّمن ُك ْم ِّّمن‬‫ودليل حترميه من الكتاب والسنة‪ ،‬فأما الكتاب ‪ :‬فقوله تعاىل ‪  :‬الَّ ِّذين يظَ ِّ‬
‫َُ‬
‫نِّّ َسآئِّ ِّه ْم َّما ُه َّن أ َُّم َه ِّاهتِّ ْم إِّ ْن أ َُّم َها ُهتُ ْم إِّالَّ الالَّئِّي َولَ ْد َهنُ ْم َوإِّ َّهنُ ْم لَيَـ ُقولُو َن ُمن َكراً ِّّم َن الْ َق ْو ِّل َوُزوراً َوإِّ َّن‬
‫ودو َن لِّ َما قَالُواْ فَـتَ ْح ِّر ُير َرقَـبَ ٍة ِّّمن قَـ ْب ِّل أَن‬
‫اه ُرو َن ِّمن نِّّ َسآئِّ ِّه ْم ُُثَّ يَـعُ ُ‬ ‫اَّلل لَع ُف ٌّو غَ ُفور ‪  ‬والَّ ِّذين يظَ ِّ‬
‫َ َُ‬ ‫ٌ‬ ‫ََّ َ‬
‫ري ‪( ‬اجملادلة ‪ :‬آية ‪.)3،2‬‬ ‫وعظُو َن بِّ ِّه َو َّ‬
‫اَّللُ ِّمبَا تَـ ْع َملُو َن َخبِّ ٌ‬ ‫آسا َذلِّ ُك ْم تُ َ‬ ‫يَـتَ َم َّ‬

‫وأما من السنة‪ :‬فحديث خولة بنت مالك بن ثعلبة قالت ‪ :‬ظاهر مين زوجي أوس بن الصامت‪،‬‬
‫فجئت رسول هللا ‪ ‬أشكو إليه ورسول هللا ‪ ‬جيادلين فيه ويقول ‪ " :‬اتقي هللا فإنه ابن عمك‬
‫"فما برحت حىت نزل القرآن قد مسع هللا قول اليت جتادلك يف زوجها إىل الفرض فقال ‪ ":‬يعتق‬
‫رقبة " قالت ‪:‬ال جيد قال ‪:‬فيصوم شهرين متتابعني قالت‪ :‬اي رسول هللا إنه شيخ كبري ما به من صيام‪،‬‬
‫قال ‪ " :‬فليطعم ستني مسكينا " قالت ‪:‬ما عنده من شيء يتصدق به‪ ،‬قالت ‪:‬فأيت ساعتئذ بعرق‬
‫من متر‪ ،‬قلت اي رسول هللا ‪ :‬فإين أعينه بعرق آخر‪ ،‬قال ‪ :‬قد أحسنت اذهيب فأطعمي هبا عنه ستني‬
‫مسكينا‪ ،‬وارجعي إىل بن عمك "‪.‬‬

‫ألفاظ الظهار‪:‬‬
‫علي كظهر أمي"‪ ،‬وهذا هو املذكور يف قوله‬ ‫ِّ‬
‫يقع الظهار بلفظه الصريح‪ ،‬كقول الرجل‪" :‬أنت ّ‬
‫تعاىل‪ " :‬الَّ ِذين يظم ِ‬
‫اه ُرو من ِمن ُكم ِمن نِ مسائِ ِهم"‪ ،‬وال خالف بني العلماء يف أن الظهار يقع هبذا اللفظ‪،‬‬ ‫مُ‬
‫علي كظهر خاليت‪ ،‬وعميت وحنو ذلك" فذهب َجهور‬ ‫ِ‬
‫واختلفوا يف غريه‪،‬كقول الرجل لزوجته‪ :‬أنت َّ‬
‫أهل العلم إىل أنه ظهار‪ ،‬قال احلسن البصري‪ :‬من ظاهر بذات حمرم‪ :‬أخت‪ ،‬أو خالة‪ ،‬أو عمة‪ ،‬فهو‬
‫ظهار"‪.‬‬

‫مايلزم املظاهر‪:‬‬
‫يلزم املظاهر الكفارة‪ ،‬وهي على الرتتيب‪ ،‬فيعتق رقبة‪ ،‬فإذا مل جيد الرقبة فيصوم شهرين متتابعني‪،‬‬
‫ِّ‬
‫وإذا مل يستطع الصيام‪ ،‬فيطعم ستني مسكيناً كما نصت اآلية على ذلك يف قوله تعال‪َ  :‬والَّذ َ‬
‫ين‬
‫وعظُو َن بِّ ِّه‬ ‫ودو َن لِّ َما قَالُواْ فَـتَ ْح ِّر ُير َرقَـبَ ٍة ِّّمن قَـ ْب ِّل أَن يَـتَ َم َّ‬
‫آسا ذَلِّ ُك ْم تُ َ‬ ‫اه ُرو َن ِّمن نِّّ َسآئِّ ِّه ْم ُُثَّ يَـعُ ُ‬
‫يظَ ِّ‬
‫ُ‬
‫آسا فَ َمن َّملْ‬‫ني ِّمن قَـ ْب ِّل أَن يَـتَ َم َّ‬
‫ام َش ْه َريْ ِّن ُمتَـتَابِّ َع ْ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ري ‪  ‬فَ َمن َّملْ َِّجي ْد فَصيَ ُ‬ ‫اَّللُ ِّمبَا تَـ ْع َملُو َن َخبِّ ٌ‬
‫َو َّ‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫اَّلل ولِّ ْل َكافِّ ِّرين َع َذ ِّ‬


‫ْك ح ُد ُ ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫يست ِّطع فَِّإطْعام ِّستِّّني ِّمس ِّكيناً ذَلِّ َ ِّ ِّ‬
‫يم‬
‫اب أَل ٌ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ود َّ َ‬ ‫ك لتُـ ْؤمنُواْ ِّاب ََّّلل َوَر ُسوله َوتل َ ُ‬ ‫َ َْ ْ َ ُ َ ْ‬
‫‪( ‬اجملادلة ‪.)4،3‬‬

‫وحيرم عليه َجاع زوجته اليت ظاهر منها قبل الكفارة‪ ،‬لآلية‪ِ " :‬من قم ْب ِل أمن يمتم مم َّ‬
‫اسا"‪ ،‬قال ابن القيم‪:‬‬
‫"ال جيوز وطء املظاهر منها قبل التكفري‪."...‬‬

‫هـ) اإليالء ‪:‬‬


‫تعريف اإليالء ‪:‬‬
‫اإليالء لغة ‪ :‬مصدر آىل يُويل إيالء‪ ،‬وهو مبعىن احللف واالمتناع‪.‬‬
‫أما يف اصطالح الفقهاء ‪:‬‬
‫فهو احللف على ترك وطء الزوجة‪ ,‬أو هو ‪ :‬حلف الزوج ابل أو بصفة من صفاته‪ ،‬على ترك قرابن‬
‫زوجته مدة أربعة أشهر فأكثر‪.‬‬
‫وقال الرتمذي ‪ :‬اإليالء هو ‪ :‬أن حيلف الرجل أال يقرب امرأته أربعة أشهر فأكثر‪.‬‬

‫حكمه ‪:‬‬
‫حكم اإليالء يف الشرع ‪ :‬أصله اإلابحة‪ ،‬فقد أابح هللا تعاىل اإليالء‪ ،‬لكن حدده مبدة ال تزيد‬
‫عن أربعة أشهر‪ ،‬فقد كانوا يف اجلاهلية يؤلون كيف شاءوا‪ ،‬ولو لسنني عديدة‪ ،‬إضراراً ابملرأة‪،‬‬
‫فجاء اإلسالم بتحرمي اإليالء‪ ،‬إذا كان القصد منه اإلضرار ابملرأة‪.‬‬

‫دليله ‪:‬‬
‫ص أ َْربَـ َع ِّة أَ ْش ُه ٍر فَِّإ ْن فَآءُوا فَِّإ َّن‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ودليله من القرآن الكرمي قوله تعاىل‪  :‬لّلَّذ َ‬
‫ين يُـ ْؤلُو َن من نّ َسآئ ِّه ْم تَـ َربُّ ُ‬
‫اَّلل َِّمس ِّ‬ ‫اَّلل غَ ُف ِّ‬
‫يم} [ البقرة ‪.]227- 226‬‬ ‫يع َعل ٌ‬‫يم ‪َ  ‬وإِّ ْن َع َزُمواْ الطَّالَ َق فَِّإ َّن ََّ ٌ‬ ‫ََّ ٌ‬
‫ور َّرح ٌ‬
‫وأما من السنة فحديث أنس بن مالك رضي هللا عنه قال ‪ :‬آىل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم من‬
‫نسائه شهراً‪.‬‬

‫حكمة مشروعيته ‪:‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫اإلي الء ن وع م ن الع الج ل بعض ح االت نش وز امل رأة ومترده ا‪ ،‬فق د ش رع اإلس الم أتدي ب امل رأة‬
‫الناش ز ابهلج ر يف املض اجع‪ ،‬فك ذلك اإلي الء هج ر هل ا أيض اً‪ ،‬فق د أابح الش ارع لل زوج أن ي ويل م ن‬
‫زوجت ه‪ ،‬إذا ظه ر منه ا نش وز أو إع راض‪ ،‬لك ن ح دده مب دة معلوم ة‪ ،‬وه ي أربع ة أش هر‪ ،‬لرف ع الض رر‬
‫ت بض عة عش ر رج الً م ن‬ ‫عنه ا‪ ،‬فيح رم ال زايدة عل ى امل دة املض روبة‪ ،‬ق ال س ليمان ب ن يس ار ‪( :‬أدرك ُ‬
‫الصحابة‪ ،‬كلهم يُوقف املويل) يعين بعد أربعة أشهر‪.‬‬
‫وق ال اب ن الق يم ‪ " :‬وألن هللا جع ل ل ه م دة أربع ة أش هر‪ ،‬وبع د انقض ائها‪ ،‬إم ا أن يطلق وا‪ ،‬وإم ا أن‬
‫يفيؤوا"‪.‬‬

‫و) إسالم أحد الزوجني وأثره يف عقد النكاح‪:‬‬


‫من فُرق النكاح ‪ :‬اختالف الدين‪ ،‬فقد منع الشارع احلكيم من الزواج ابملشركة يف قوله تعاىل‪َ  :‬والَ‬
‫ات َح َّىت يُـ ْؤِّم َّن ‪ [ ‬البقرة ‪.]221:‬‬
‫تَـ ْن ِّكحواْ الْم ْش ِّرَك ِّ‬
‫ُ ُ‬
‫غري أنه أابح الزواج من الكتابية العتبارات معينة يف قوله تعاىل‪ ... :‬والْمحصنَ ُ ِّ ِّ‬
‫ات م َن الَّذ َ‬
‫ين أُوتُواْ‬ ‫َ ُْ َ‬
‫َّخ ِّذي أَ ْخ َد ٍ‬
‫صنِّني غَ ْري مسافِّ ِّحني والَ مت ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ْكت ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ان اآلية ‪[ ‬‬ ‫ورُه َّن ُْحم َ َ ُ َ َ َ ُ‬ ‫ُج َ‬ ‫اب من قَـ ْبل ُك ْم إِّذَآ آتَـ ْيـتُ ُم ُ‬
‫وه َّن أ ُ‬ ‫ال َ َ‬
‫املائدة ‪.] 5 :‬‬
‫وكذا حرم اإلسالم زواج املسلمة ابلكافر‪ ،‬سواء كان كتابياً أو غريه يف قوله تعاىل‪َ  :‬والَ تُـ ْن ِّك ُحواْ‬
‫ني َح َّىت يُـ ْؤِّمنُواْ ‪ [ ‬البقرة ‪.] 221 :‬‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ال ُْمش ِّرك َ‬

‫وتتلخص ال ُفرقة بسبب اختالف الدين على النحو اآليت ‪:‬‬


‫‪ )1‬إذا أسلم الزوجان معاً أو أحدمها‪ ،‬فهما على نكاحهم ا ف إن ك ان بينهم ا حمرمي ة‪ ،‬ك أن تك ون أخت ه‬
‫من النسب أو الرضاع‪ ،‬أو خالته أو عمته‪ ،‬وحن و ذل ك‪ ،‬فُ ِرق بينهم ا‪ ،‬وه ذا حم ل إَج اع ب ني األم ة‪،‬‬
‫ق ال اب ن الق يم ‪( :‬ف إذا أس لما وبينه ا وبين ه حمرمي ة م ن نس ب أو رض اع أو ص هر‪ ،‬أو كان ت أخ ت‬
‫الزوجة‪ ،‬أو عمتها أو خالتها‪ ،‬أو من محي ُرم اجلمع بينها وبينه‪ ،‬فُ ِرق بينهما َجاع األمة)‪.‬‬
‫‪ )2‬وإذا أس لم ال زوج وح ده‪ ،‬وكان ت الزوج ة كتابي ة‪ ،‬بق ي ال زواج كم ا ه و‪ ،‬لع دم وج ود امل انع‪ ،‬ألن هللا‬
‫تعاىل أابح الزواج من الكتابية كما سبق‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫‪ )3‬وإذا أس لم ال زوج قب ل الزوج ة‪ ،‬ومل تك ن الزوج ة كتابي ة‪ ،‬فيج ب التفري ق بينهم ا إذا انقض ت الع دة‬
‫ار الَ ُهـ َّن ِّحـلٌّ َّهلـُ ْم َوالَ ُهـ ْم َِّحيلُّـو َن‬ ‫وه َّن م ْؤِّمنَـ ٍ‬
‫ات فَـالَ تَـ ْرِّجعُـ ُ‬
‫وه َّن إِّ َل الْ ُك َّفـ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫لآلي ة ‪  :‬فَـِّإ ْن َعل ْمتُ ُمـ ُ ُ‬
‫ورُه َّن َوالَ متُْ ِّس ـ ُكواْ‬
‫وه َّن أُ ُج ـ َ‬ ‫وه َّن إِّ َذآ آتَـ ْيـتُ ُم ـ ُ‬
‫نك ُح ـ ُ‬ ‫وهم َّم ـآ أَن َف ُق ـواْ والَ جنَ ـاح َعلَـي ُكم أَن تَ ِّ‬
‫َ ُ َ ْ ْ‬ ‫َهلُـ َّن َوآتُـ ُ‬
‫يم‬ ‫اَّلل َْحي ُكـم بـي ـنَ ُكم و َّ ِّ‬ ‫بِّ ِّعص ِّم الْ َكوافِّ ِّر واسأَلُواْ مآ أَن َف ْقتم ولْيسأَلُواْ مآ أَن َف ُقـواْ َذلِّ ُكـم ح ْكـم َِّّ‬
‫اَّللُ َعلـ ٌ‬ ‫ُ َْ ْ َ‬ ‫ْ ُ ُ‬ ‫ُْ َ َ ْ َ‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫يم ‪ [ ‬املمتحنة ‪.]10 :‬‬ ‫ِّ‬
‫َحك ٌ‬
‫‪ )4‬وإذا أسلمت الزوجة‪ ،‬ومل يُسلم الزوج‪ ،‬فُرق بينهما أيضاً‪ ،‬إذا انقضت العدة لآلية السابقة‪.‬‬

‫العدة ‪ :‬أنواعها وأحكامها‪.‬‬


‫تعريف العدة ‪:‬‬
‫العدة يف اللغة ‪ :‬بكسر العني‪ ،‬مأخوذة من العدد‪ ،‬ألن املعتدة تعدد الشهر‪ ،‬قال اجلوهري‪ِ :‬ع ُِ َّدة‬ ‫ِّ‬
‫ّ‬
‫ت ِع َّد ُهتا‪ ،‬واملرأة معتدة‪.‬‬
‫ضْ‬‫َّت‪ ،‬وانْ مق م‬
‫املرأة أايم أقرائها‪ ،‬وقد اعتمد ْ‬
‫ويف اإلصطالح‪ :‬هي الرتبص احملدود شرعاً‪ ،‬أو هي‪ :‬مدة ترتبص فيها املرأة عقب وقوع سبب الفرقة‪،‬‬
‫فتمتنع عن التزويج فيه‪.‬‬

‫حكمها ودليلها ‪:‬‬


‫العدة واجبة على كل امرأة مسلمة‪ ،‬أو كتابية‪ ،‬بنص الكتاب والسنة‪ ،‬فدليلها من الكتاب قوله تعاىل‪:‬‬
‫صواْ ال ِّْع َّدةَ َواتَّـ ُقواْ َّ‬
‫اَّللَ َربَّ ُك ْم الَ ُُتْ ِّر ُج ُ‬ ‫َِّب إِّذَا طَلَّ ْقتُم النِّّسآء فَطَلِّّ ُق ُ ِّ ِّ ِِّّ‬ ‫‪ ‬أييُّـ َها النِّ ُّ‬
‫وه َّن‬ ‫وه َّن لع َّدهت َّن َوأ ْ‬
‫َح ُ‬ ‫ُ َ َ‬
‫ود ا َِّّ‬ ‫ود َِّّ‬ ‫وهتِّ َّن والَ َخيْرجن إِّالَّ أَن أيْتِّني بَِّف ِّ‬
‫اح َش ٍة ُّمبَـيِّّنَ ٍة َوتِّل َ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َّلل فَـ َق ْد ظَلَ َم‬ ‫اَّلل َوَمن يَـتَـ َع َّد ُح ُد َ‬ ‫ْك ُح ُد ُ‬ ‫َ َ‬ ‫من بُـيُ َ ُ ْ َ‬
‫ك أ َْمراً ‪( ‬الطالق‪.)1:‬‬ ‫ث بَـ ْع َد َذلِّ َ‬
‫اَّللَ ُْحي ِّد ُ‬
‫نَـ ْف َسهُ الَ تَ ْد ِّرى ل ََع َّل َّ‬

‫ص َن ِِّبَنْـ ُف ِّس ِّه َّن أ َْربَـ َعةَ أَ ْش ُه ٍر َو َع ْشراً فَِّإ َذا‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫وقوله تعاىل‪َ  :‬والَّذ َ‬
‫ين يُـتَـ َوفَّـ ْو َن من ُك ْم َويَ َذ ُرو َن أَ ْزَواجاً يَََ‬
‫رتبَّ ْ‬
‫بـلَغْن أَجلَه َّن فَالَ جنَاح َعلَي ُكم فِّيما فَـعلْن ِّيف أَنْـ ُف ِّس ِّه َّن ِّابلْمعر ِّ‬
‫ري ‪( ‬البقرة‬ ‫اَّللُ ِّمبَا تَـ ْع َملُو َن َخبِّ ٌ‬
‫وف َو َّ‬ ‫َ ُْ‬ ‫ُ َ ْ ْ َ َ َ‬ ‫َ َ َ ُ‬
‫‪)234‬‬

‫وأما من السنة ‪ :‬فقوله عليه الصالة والسالم لفاطمة بنت قيس‪" :‬اعتدي يف بيت ابن أم مكتوم"‪.‬‬

‫احلكمة من مشروعية العدة‪:‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫لقد شرع هللا العدة‪ ،‬وألزم املرأة هبا‪ ،‬حلِِ مك ٍم عظيمة‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫‪ )1‬معرفة براءة الرحم حىت ال ختتلط األنساب‪.‬‬
‫‪ )2‬إمه ال ال زوج املطملِ ق م دة‪ ،‬لي تمكن فيه ا م ن مراجع ة زوجت ه املطملَّق ة‪ ،‬طالق اً رجعي اً إذا‬
‫رغب فيها‪.‬‬
‫‪ )3‬تعظيم خطر عقد النكاح‪ ،‬ورفع قدره‪ ،‬وإظهار شرفه ومنزلته‪.‬‬
‫‪ )4‬متكني الزوجة املتوىف عنها زوجها من احلِداد عليه‪ ،‬وإظهار األسف على فراقه‪.‬‬
‫‪ )5‬مراعاة شعور أهل امليت‪،‬إذا كانت متوىف عنها زوجها ‪0‬‬
‫العدد‪:‬‬‫أنواع ِّ‬
‫ختتلف أنواع العدة على حسب حال املرأة ونوع الفراق‪ ،‬من طالق‪ ،‬أو موت الزوج وحنو ذلك‪ ،‬وهي‬
‫على أقسام ثالثة ‪:‬‬
‫‪ -‬العدة ابألشهر‪.‬‬
‫‪ -‬العدة ابلقروء‪.‬‬
‫‪ -‬العدة بوضع احلمل‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬العدة ابألشهر‪ ،‬والنساء املعتدات ابألشهر صنفان‪:‬‬


‫(أ) املطلقة اليت ال حتيض‪ ،‬سواء كانت ايئسة كالكبرية يف السن‪ ،‬أو كانت ال حتيض لصغرها‪ ،‬وعدهتن‬
‫يض ِّمن نِّّ َسآئِّ ُك ْم إِّ ِّن ْارتَـْبـتُ ْم فَ ِّع َّد ُهتُ َّن ثَالَثَةُ‬
‫ثالثة أشهر‪ ،‬لصريح اآلية ‪َ  :‬والالَّئِّي يَئِّ ْس َن ِّم َن ال َْم ِّح ِّ‬
‫ض َن ‪ [ ‬الطالق‪.] 4 :‬‬ ‫أَ ْش ُه ٍر َوالالَِّّيت َملْ َِّحي ْ‬

‫(ب) املتوىف عنها زوجها‪ ،‬إذا مل تكن حامالً‪ ،‬وعدهتا أربعة أشهر وعشرة أايم‪ ،‬لقوله تعاىل‪:‬‬
‫ص َن ِِّبَنْـ ُف ِّس ِّه َّن أ َْربَـ َعةَ أَ ْش ُه ٍر َو َع ْشراً ‪‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫‪َ ‬والَّذ َ‬
‫ين يُـتَـ َوفَّـ ْو َن من ُك ْم َويَ َذ ُرو َن أَ ْزَواجاً يَََ‬
‫رتبَّ ْ‬
‫[ البقرة ‪.]234:‬‬

‫اثنياً‪ :‬العدة ابل ُق ُروء‪ ،‬والقروء َجع قُرء‪ ،‬واختلف العلماء فيه‪ ،‬فقيل‪ :‬هو احليض‪ ،‬وقيل‪ :‬هو الطُّهر‪،‬‬
‫واملعتدات ابل ُق ُروء هن ذوات احليض‪ ،‬أي كل امرأة مطلقة حتيض‪ ،‬ودليل ذلك اآلية‪َ  :‬وال ُْمطَلَّ َق ُ‬
‫ات‬
‫ي َرتبَّصن ِِّبَنْـ ُف ِّس ِّه َّن ثَالَثَةَ قُـر ٍ‬
‫وء ‪( ‬البقرة‪.)228 :‬‬‫ُ‬ ‫ََ َْ‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫اثلثاً‪ :‬املعتدات بوضع احلمل‪ ،‬وهي‪ :‬كل إمرأة حامل من زوج إذا فارقها الزوج بطالق أو فسخ أو‬
‫ض ْع َن َمحْلَ ُه َّن ‪‬‬
‫َجلُ ُه َّن أَن يَ َ‬ ‫َمحَ ِّ‬
‫ال أ َ‬ ‫ت األ ْ‬
‫موت‪ ،‬فعدهتا بتمام وضع احلمل‪ ،‬لصريح اآلية‪َ  :‬وأ ُْوالَ ُ‬
‫(الطالق‪.)4 :‬‬

‫أحكام ِّ‬
‫الع َّدة للمتوىف عنها زوجها‪:‬‬
‫تتعلق ابملعتدة املتوىف عنها زوجها بعض األحكام‪،‬وهو( اإلحداد) فمن ذلك أهنا متتنع عن اآليت ‪:‬‬
‫الطيب والزينة والكحل‪ ،‬ولبس الثياب املصبوغة وحنو ذلك‪ ،‬حلديث أم سلمة رضي هللا عنها عن‬ ‫‪ِ )1‬‬
‫ص مفر من الثياب‪ ،‬وال امل ممشَّق‪ ،‬وال احلُلِي‪ ،‬وال‬ ‫النيب ‪ ‬أنه قال ‪( :‬املُتوىف عنها زوجها ال تلبس املُمع ْ‬
‫ُ‬
‫ختتضب‪ ،‬وال تكتحل)‪.‬‬
‫‪ )2‬وأيضاً جتتنب لبس الذهب واحللي واجملوهرات‪ ،‬حلديث أم سلمة السابق‪ ،‬وفيه (وال احلُلِي‪.)...‬‬
‫‪ )3‬وجيب عليها أيضاً البيتوتة يف بيتها‪ ،‬حلديث ال ُفريعة بنت مالك‪ ،‬أن زوجها تويف ومل يرتك هلا سكناً‪،‬‬
‫الكتماب أجله)‬‫ك حىت يبلُ م ِ‬ ‫فأرادت أن تسكن مع أهلها‪ ،‬فقال هلا الرسول ‪( : ‬ام ُكثِي يف بيتِ ِ‬
‫ْ‬
‫فاعتمددت فيه أربعة أشهر وعشراً‪ ،‬قالت ‪ :‬فلما كان عثمان بن عفان أرسل إيلَّ فسألين عن‬ ‫قالت‪ْ :‬‬
‫ذلك‪ ،‬فأخربته‪ ،‬فاتَّبعه وقضى به‪.‬‬

‫أما اخلروج هناراً لقضاء حوائجها الضرورية‪ ،‬فقد أذن هلا الشارع احلكيم بذلك‪ ،‬إذا مل يكن هلا‬
‫من خيدمها‪.‬‬
‫روى جابر بن عبدهللا رضي هللا عنه قا ‪ :‬طُلِ مقت خاليت ثالاثً‪ ،‬فخرجت مجت ُّذ خنلها‪ ،‬فلقيها رجل فنهاها‪،‬‬
‫فم مذ مكرت ذلك للنيب ‪ ،‬فقال ‪ ":‬اخرجي ِ‬
‫فجذي خنلك‪ ،‬لعلَّك أن تصدَّقي منه‪ ،‬أو تفعلي خرياً "‪.‬‬ ‫مْ‬

‫وأما املطلقة من طالق رجعي‪ ،‬فال إحداد عليها‪ ،‬قال ابن قدامة ‪( :‬وال إحداد على الرجعية‬
‫بغري خالف نعلمه‪ ،‬ألهنا يف حكم الزوجات‪ ،‬هلا أن تتزين لزوجها وتستشرف له لريغب فيها‪)...‬‬

‫وأما املطلقة من طالق ابئن‪ ،‬ففي وجوب اإلحداد عليها خالف بني أهل العلم‪ ،‬أظهرها عدم‬
‫الوجوب‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫تنبيه ‪ :‬اإلحداد الذي شرعه هللا وارتضاه للمرأة املسلمة هو ما سبق بيانه‪ ،‬غري أنه انتشرت يف كثري‬
‫من اجملتمعات اليوم كثري من العادات والتقاليد اليت ختالف شرع هللا املطهر‪ ،‬فمن ذلك ‪ :‬اعتقاد كثري‬
‫من النساء أن للعدة لباساً خاصاً هبا‪ ،‬كلبس السواد مثالً‪ ،‬وأن املرأة احملادة ال تغتسل‪ ،‬وال تكنس‬
‫بيتها‪ ،‬وال خترج يف ضوء القمر‪ ،‬وال تصعد إىل سطح البيت‪ ،‬وال تكلم حمارمها‪ ،‬وال تكشف هلم‪ ،‬وال‬
‫ترد على اهلاتف‪ ،‬وال تنظر إىل املرآة‪ ،‬وأهنا تفرتش األرض مدة إحدادها‪ ،‬وال جتلس على بساط‪ ،‬وغري‬
‫ذلك من البدع واخلرافات اليت ال أصل هلا يف الشرع املطهر‪.‬‬

‫]‬ ‫[‬
‫سلم‬ ‫الثقافة اإلسالمية‬

‫فهرس احملتوَّيت‬

‫الصفحة‬ ‫عنوان احملاضرة‬ ‫رقم احملاضرة‬


‫‪3‬‬ ‫يف ابجملتمع اإلسالمي واألسس اليت يقوم عليها‬
‫التعر ُ‬ ‫األول‬
‫‪13‬‬ ‫أهم املبادع اليت يقوم عليها اجملتمع اإلسالمي‬ ‫الثانية‬
‫‪21‬‬ ‫مسات وخصائص اجملتمع اإلسالمي‬ ‫الثالثة‬
‫‪26‬‬ ‫أسباب ووسائل تقوية الروابط االجتماعية‬ ‫الرابعة‬
‫‪41‬‬ ‫أهم املشكالت االجتماعية وسبل الوقاية منها وعالجها‬ ‫اخلامسة‬

‫‪53‬‬ ‫أمهية األسرة ومكانتها يف اإلسالم‪.‬‬ ‫السادسة‬


‫‪58‬‬ ‫الشبه املثارة حول املرأة يف اإلسالم‬ ‫السابعة‬
‫‪74‬‬ ‫عوامل لاية األسرة املسلمة‬ ‫الثامنة‬
‫اخلطبة وأحكامها‪ ،‬واحملرمات من النساء يف النكاح‪81 ،‬‬ ‫التاسعة‬
‫وأحكام النظر إىل املخطوبة‬
‫‪92‬‬ ‫النكاح‪ :‬أركانه وأحكامه وشروطه ومقاصده‬ ‫العاشرة‬

‫‪108‬‬ ‫اآلاثر املرتتبة على عقد الزواج‬ ‫احلادية عشرة‬


‫‪122‬‬ ‫وآاثرها‬ ‫فُمر ُق النِكاح‪ُ ،‬‬
‫أسباهبا ُ‬ ‫الثانية عشرة‬

‫]‬ ‫[‬

You might also like