Professional Documents
Culture Documents
محاضرات الثقافة الإسلامية 113 سلم 1445
محاضرات الثقافة الإسلامية 113 سلم 1445
113سلم
سلم الثقافة اإلسالمية
القسم األول
المجتمع المسلم
[ ]
سلم الثقافة اإلسالمية
احملاضرة األول
يف ابجملتمع اإلسالمي واألسس اليت يقوم عليها
التعر ُ
تعريف اجملتمع:
لفظ اجملتمع مشتق من مَجم مع ،فاجلمع ضم األشياء املتفقة وضده التفريق واإلفراد ،وأحسن
صاحب لسان العرب حني قال يف بيان معىن هذه اللفظة " :جتمع القوم :اجتمعوا من هاهنا
وهاهنا".
وحني النظر يف داللة لفظ اجملتمع من حيث هو مصطلح ،جيد املرء عدة تعريفات منشؤها تباين
النظرات تبعاً للتخصصات ،فنجد تعريفاً من منظور سياسي ،وآخر من منظور اجتماعي ،واثلثاً
نفسياً وهكذا.
ولسنا بصدد تتبع وإيراد هذه التعريفات ،وحسبنا يف هذا املقام تعريف لعله األقرب إىل املباحث
اليت سنعرض هلا.
فاجملتمع هو :عدد كبري من األفراد املستقرين ،جتمعهم روابط اجتماعية ومصاحل مشرتكة ،تصحبها
أنظمة تضبط السلوك وسلطة ترعاها.
وليس يبعد تعريف اجملتمع املسلم من غريه من اجملتمعات إال مبا فيه من خصائص ومواصفات –
سوف نفصل القول فيها-وعلى هدي من هذا ميكن تعريف اجملتمع اإلسالمي أبنه :خالئق مسلمون
يف أرضهم مستقرون ،جتمعهم رابطة اإلسالم ،وتدار أمورهم يف ضوء تشريعات إسالمية وأحكام،
ويرعى شؤوهنم والة أمر منهم وحكام.
تعريف اجلماعة:
اجلماعة :هي الطائفة من الناس جيمعها رابط فأكثر ،كالقرابة أو اجلنس ،فهي هبذا املفهوم جزء
من مكوانت اجملتمع ،يف حني أن مفهوم األمة أوسع وأمشل ،خباصة يف ضوء املنظور اإلسالمي الذي
يعنينا يف هذا املقام.
[ ]
سلم الثقافة اإلسالمية
تعريف األمة:
تعرف األمة بقوهلم :إهنا كل َجاعة جيمعهم أمر ما ،إما دين واحد أو زمان أو مكان واحد سواء
أكان هذا األمر اجلامع تسخرياًكاجلنس واللون ،أو اختياراًكاملعتقد واألرض.
هذا التعريف لألمة يتعذر قبوله على إطالقه؛ ألنه جيعل العوامل واألسباب الدنيوية كاللغة واألرض
واجلنس من مقومات األمة ،وهذا ما ال يقره اإلسالم ،مع اعرتافه أبن هلا أثراً إجيابياً ،إال أهنا ال تقوى
على تكوين أمة واحدة إما لضعفها كاألرض ،وإما لضيقها كالقرابة.
وبناء على ما سبق ميكن أن نعرف األمة اإلسالمية يف ضوء دالالت النصوص الشرعية أبهنا:
َجاعات من الناس جتمعهم عقيدة اإلسالم بغض النظر عن أي رابطة أخرى من الروابط االجتماعية،
َّاس ،وقوله تعاىل :وإِ َّن ه ِذهِ
ت لِلن ِ ٍ
م م ُخ ِر مج ْ
ويشهد هلذا القرآن الكرمي بقوله تعاىلُ :كْن تُ ْم مخ ْ مري أ َُّمة أ ْ
ِ
اح مدةً وأ ممانْ ربُّ ُكم فماتَّ ُق ِ
ون . أ َُّمتُ ُك ْم أ َُّمةً مو م م ْ
إن الدول الغربية مل تستطع أن تنطوي كلها حتت أمة واحدة على الرغم من وجود روابط كثرية بينها،
وما زلنا نسمع مصطلح األمم األوروبية ,ومثلها كذلك الدول األفريقية ،فإهنا على ما بينها من روابط
تسمى األمم األفريقية ،يف حني أننا ال نسمع مبصطلح األمم اإلسالمية بل هي أمة إسالمية واحدة ،على
الرغم مما بني أفرادها من اختالف يف اللغة واجلنس واألرض ،وهذا يعين أن األمة اإلسالمية تتكون من
عدة جمتمعات العتبارات تفرض نفسها ،لكن التوافق بني اجملتمعات اإلسالمية ملحوظ بسبب اتفاقهم
على مرجعية عليا واحدة ,وهي اإلسالم.
[ ]
سلم الثقافة اإلسالمية
أهم األسس العامة اليت يقوم عليها بناء اجملتمع اإلسالمي :
ميكن القول إن األسس العامة اليت يقوم عليها بناء اجملتمع اإلسالمي – بعد األساس العقدي
املهمني عليها – هي:
( )1اإلنسان.
( )4األرض
[ ]
سلم الثقافة اإلسالمية
إىل بناء شخصية للفرد املسلم متزنة مستقلة جتمع بني ما استودع فيها من رغبات ونزعات ،وبني ما
أني ط هبا من مسؤوليات على مستوى الفرد واجلماعات ،وهذا ما جعل من هذا اإلنسان حبق
خملوقاً متميزاً ،وصار خليقاً ألن يصبح خليفة يف األرض ،وأهالً للقيام بواجباته جتاه نفسه وجتاه
جمتمعه كما أسلفنا.
لقد أسهم يف حتقيق هذه الغاية العظمى واملهمة األمسى أن هللا تعاىل أودع يف اإلنسان نزعتني
متباينتني يف الظاهر ،لكنهما متكاملتان ومها:
)1النزعة الفردية وهي اليت جتعله حيب اخلري لنفسه ويدفع الشر عنها ،وحيرص على حتقيق ذاته.
)2والنزعة االجتماعية وهي اليت تدفعه إىل صف اجلماعة وحضن اجملتمع ،ألن هللا تعاىل جعل
حبكمته حاجة الفرد إىل الفرد ,كحاجة العضو إىل العضو يف اجلسد الواحد ،ويفهم هذا إذا
علم أن سلوك الفرد ورغباته كاحلب والوفاء والتميز والفخر ،البد هلا من حميط اجتماعي
متارس فيه.
يضاف إىل هذه الدوافع الفطرية ،دوافع مكتسبة أوجدها الشارع احلكيم من خالل تشريعات
وتكاليف خوطب هبا الفرد ،هلا اتصال مباشر ابجملتمع ،وهذا ملحوظ يف العبادات كلها كما سنرى،
(ذلك ألن احلياة داخل اجملتمع ،متنح الفرد قوة فوق قوته).
إن املتأمل يف مكانة الفرد يف اإلسالم وما أحيط به من عناية وهتيئة ،يدرك أنه أهل ألن يكون
األساس األول يف بناء اجملتمع ابعتباره اللبنة األوىل يف األسرة ،تلك األسرة اليت تؤلف مع مثيالهتا،
اجملتمع الرابين.
[ ]
سلم الثقافة اإلسالمية
التكرمي وسخر له ما يف السماوات واألرض ورزقه من الطيب ات وفض له عل ى غ ريه م ن املخلوق ات ،وق د
ش رع هللا لك ل جان ب م ن جوان ب حي اة اإلنس ان ه دايً ومنهج اً ون وراً ،وب دخول اإلنس ان يف اإلس الم
يصبح خماطباً هبذا اهل دي ال ذي ي نظم ل ه س لوكه ،وتعامل ه م ع اجله ات املختلف ة للحي اة ،ويش رع ل ه م ن
األحكام واآلداب والنظم ما يتالءم مع طبعه وجبلته وطاقته النفسية.
ول ذا كان ت كرام ة اإلنس ان يف اإلس الم حمفوظ ة ،وحقوق ه حمفوظ ة ال جي وز التع دي عليه ا م ا مل
يرتكب حمظوراً يستحق عليه العقوبة؛ وذلك ألن حقوقه جزء من العقيدة ،أو هي م ن ص لب العقي دة،
وأن ممارستها نوع من العبادة اليت يرتتب عليها الثواب يف الفعل والعقاب يف االمتناع.
ال لق د أعل ن اإلس الم كرام ة اإلنس ان ف اعتربه خليف ة هللا تع اىل يف األرض ،فق ال س بحانه :موإِ ْذ قم م
ض مخلِي مفةً ك لِْلمالمئِ مك ِة إِِين ج ِ
اعل ِيف األ ْمر ِ م مربُّ م م
اه ْم ِيف الْ مِرب ويقول هللا سبحانه وتعاىل يف التأكيد على ه ذا األص ل ﴿ :مولممق ْد مكَّرْمنم ا بم ِين م
آد مم مو ملمْلنم ُ
ض ْلنماهم علمى مكثِ ٍري ِممَّن خلم ْقنما تم ْف ِ ِ والْبح ِر ورمزقْ نم ِ
ضيالً ﴾. ْ م اه ْم م من الطَّيِبمات موفم َّ ُ ْ م
م م ْ مم ُ
كان من تكرمي هللا لإلنسان أن ه جع ل الك ون وم ا في ه يف خدم ة اإلنس ان ،وس خرها ملنفعت ه ،فق ال
ض وأمس ب م علم ي ُكم نِعم ه ظم ِ ِ
اهمرةً الس مم ماوات مومم ا ِيف ْاأل ْمر ِ م ْ م م ْ ْ م م ُ
اّللم مس َّخمر لم ُك م َّم ا ِيف َّ تع اىل :أممملْ تم مرْوا أ َّ
من َّ
موماب ِطنمةً.
وه ذا التك رمي ل يس خاص اً نس ان دون غ ريه ،وال بل ون دون آخ ر ،إمن ا اجلمي ع سواس ية يف ح ق
التكرمي ،فاخلطاب لبين آدم ،ومعيار التفاضل بينهم هو التقوى والعمل الصاحل.
لقد خلق هللا اإلنس ان لعبادت ه وح ده ال ش ريك ل ه ،وح ني يلت زم الف رد يف اجملتم ع املس لم مب ا أُم ر ب ه
قوالً وفعالً ظاهراً وابطناً فإنه يكون بذلك ق د أس لم وجه ه ل ج ل وع ال ،وعلي ه فل ن يفع ل إال م ا أم ره
هللا ب ه م ن فع ل اخل ري واجتن اب الش ر ،وإذا ك ان جمم وع األف راد يف اجملتم ع هب ذه الص فة ف إن ذل ك يع ين
[ ]
سلم الثقافة اإلسالمية
تك وين جمتم ع ملت زم مب ا أم ره ب ه الش رع احلني ف ،ويع ين أن ك ل أف راد اجملتم ع يعتنق ون عقي دة واح دة،
ويؤمنون برب واحد ،ويدينون ديناً واحداً ،وهو ال دين اإلس المي ال ذي يرس خ مب ادع التع اون وال رتاحم
والتعاطف والتآخي؛ اليت هي قوم اجملتمعات.
إن جمتمعاً ال تتوفر فيه وحدة العقيدة بني أفراده ،اليت ه ي أق وى ال والءات واالنتم اءات ،ستض رب
الفوضى فيه أطناهبا ،وتتفكك أواصر القرابة واحملبة والتآخي بني أفراده.
إن ه ذه اآلايت الكرمي ات وه ذه األحادي ث الش ريفة ج اءت لتؤك د وح دة األص ل البش ري وحتط م
الفوارق التمييزية بني البشر ،فكل البشر من نفس آدم.
إذا نظران إىل األوامر والنواهي والتكاليف الشرعية جندها تتوجه إىل َجيع أفراد اجملتمع املس لم دون
اس تثناء ألح د ،إال م ن ك ان ل ه ع ذر يف ع دم االمتث ال ،ق ال هللا تع اىل واعب دوا هللا وال تش ركوا ب ه
شيئاً ،فهذا األمر ال يُستثىن منه جنس أو ل ون أو عائل ة ،أو قبيل ة أو إقل يم ،فتوج ه اخلط اب للرج ال
يعين َجيع الرجال ،وتوجه اخلطاب للنساء يعين َجيع النساء ،وهكذا.
[ ]
سلم الثقافة اإلسالمية
وه م َجيع اً الرج ال م نهم والنس اء أم ام خ القهم س واء ،يف املس ؤولية واجل زاء واحلس اب والعق اب
مص داقاً لقول ه تع اىل :فم ن يعم ل مثق ال ذرة خ رياً ي ره ،وم ن يعم ل مثق ال ذرة ش را ي ره وق ال
يد ﴾.اّلل لميس بِظمَّالٍم لِْلعبِ ِ ت أميْدي ُكم موأ َّ سبحانه ﴿ :مذلِ م ِ
م من َّم ْ م َّم ْ
ك مبما قمد م
األساس الثاين :الروابط االجتماعية:
فطر اإلنسان على حب االنتماء إىل اجملتمع ،فهو مييل بطبعه إىل بين جنسه ويكره العزلة،
ذلك( :أن االجتماع ما هو إالَّ تعبري عن غريزة مستكنة يف أعماق نفس اإلنسان واجلماعة ،صفة
الزمة من صفاته).
وحيثما وجد جتمع إنساين برزت بال شك روابط اجتماعية وصالت (وهي عبارة عن
فكر وسلوك) تنمو وتعمل يف ظل التفاعل االجتماعي بني األفراد.
ويرى بعض الباحثني أن هذه الروابط منها ما هو عالقات اجتماعية ،مثل الصداقة
واملصاهرة ،ومنها ما هو عمليات اجتماعية أشد تعقيداً من سابقتها ،مثل اجلوار والصراع .ومنهم من
يقسم هذه الروابط إىل فطرية كالقرابة ،وإىل مكتسبة كاجلوار.
وعلى كل ،فهي ظواهر منت يف ظل االجتماع وتولدت منه بسبب شعور كل فرد حباجته إىل
التعاون مع اآلخرين واالرتباط هبم حتقيقاً للمصاحل املشرتكة ،وهو ما كشف عنه رائد علم االجتماع
ابن خلدون يف مقدمته بقوله( :إن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن حتصيل حاجته ،فال بد من
اجتماع القدر الكبري من أبناء جنسه).
جيدر بنا أن نذكر يف هذا املقام متيز اجملتمع اإلسالمي عن غريه يف جمال الروابط االجتماعية،
فهو وإن أقر كثرياً من الروابط ورعاها حق رعايتها ،إالَّ أنه جعل الرابطة العظمى والعروة الوثقى هي
العقيدة وما يفيض عنها من تشريعات وهداايت ،ألهنا املرجعية األوىل والعليا ألبناء اجملتمع اإلسالمي
يف كل ما يصدر عنهم من سلوك وتصرفات فكان للعقيدة واحلالة هذه دور ظاهر يف إجياد روابط
اجتماعية ،ويف هتذيب روابط أخرى كان قد أقرها العرف من قبل.
إن اإلسالم يعتمد يف بناء جمتمعه على قوة الرابطة اليت يضعها بني املسلمني وجيعل منهم
جسماً واحداً يتجه بقوة إىل غاية واحدة ،ذلك ما يصوره احلديث النبوي املشهور( :مثل املؤمنني
يف توادهم وترالهم وتعاطفهم مثل اجلسد ،إذا اشتكى منه عضو ،تداعى له سائر اجلسد ابلسهر
واحلمى).
[ ]
سلم الثقافة اإلسالمية
ويف ضوء هذه املفاهيم تبني لنا أن الروابط االجتماعية واحدة من األسس اليت يبىن عليها
اجملتمع (وال نبعد عن الصواب إذا قلنا أن اجملتمع نسيج مكون من صالت اجتماعية).
يؤثر األفراد بعضهم يف بعض عندما يضمهم جمتمع واحد ،فينشأ عن هذا جمموعة من
السلوكيات واألحاسيس والتصورات ،ختتلف عما يفكر فيه الفرد وحيس به أو يريده لنفسه ،ورمبا
اختذت اجلماعات قرارات مل يردها بعض أفرادها لو خلوا أبنفسهم الختالف اإلرادة الفردية عن
اإلرادة اجلماعية ،وكأن هذا يعين وجود شخصية َجاعية تفرض نفسها على األفراد.
يسمي علماء االجتماع هذا الذي أشران إليه ،ابلضبط االجتماعي ،ويعين ضرورة الوعي
بشعور اآلخرين ،ومراعاة حقوقهم وانتهاج سلوك يتأثر هبذا الوعي وهذا السلوك.
ال شك يف أن حاجة اجملتمع ماسة لوجود ضوابط وأنظمة (تطلق نشاط األفراد يف جماالت،
تقوم األمور تبعاً هلا ،فتعترب بعض
وحتبس نشاطهم يف جماالت أخرى ،وتضع هلم مقاييس للسلوك َّ
األمور كرمية حمببة ،وتعترب بعضها كريهاً مذموماً).
لقد تنبه املعنيون بشؤون اجملتمع إىل أمهية هذا األساس يف بنائه ،وكان غاية ما توصلوا إليه من
أجل حتقيق هذا الغرض ما مسي بنظرية العقد االجتماعي ،واليت اتضحت معاملها على يد العامل
الشهري (روسو) (وهي فكرة مادية تقوم يف حقيقتها على تبادل املصاحل والتعايش بني الناس لينال كل
منهم حقوقه ،وهي حماولة ال أبس هبا لكف نوازع العدوان والتسلط) لكنها ال تقوى هي وال مثيالهتا
حبال على التأليف بني قلوب أفراد اجملتمع ،والبث احملبة بينهم ،وال زرع روح التسامح يف اجملتمع ،فهي
ال تزيد على كوهنا حماولة للتوفيق بني الرغائب ،واملالءمة بني املصاحل ،حىت ال حيدث تصارع وال
اختالف.
لإلسالم منهج يف هذا اجملال ما عرفت البشرية يف اترخيها الطويل منهجاً يوازيه أو يدانيه،
سلك فيه مسالك متنوعة ،فآتت مثارها ،وكان من ذلك أن زين ألفراد اجملتمع طريقاً سهالً موصالً
للجنة ولرضوان هللا عن طريق حمبة اآلخرين ،قال( :ال تدخلون اجلنة حىت تؤمنوا ،وال تؤمنوا حىت
حتابوا ،أوال أدلكم على شيء إذا فعلتموه حتاببتم؟ أفشو السالم بينكم) ،.فجعل انتشار احملبة املتبادلة
بني أفراد اجملتمع ،عالمة على حتقق اإلميان ،ورتب عليه دخول اجلنة وهذا من أعظم احلوافز اليت
توضع بني يدي املسلم اليقظ ،وال شك أن احملبة يف هللا إذا فشت بني أفراد اجملتمع ،كان هلا من اآلاثر
والثمار ما هو كفيل بتجاوز كثري من األزمات ،ومنو التسامح يف املعامالت.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
كذلك رغب اإلسالم أبناءه يف العناية بقضااي اجملتمع وحاجات أفراده ،ورتب على هذا
مكاسب عظيمة بينها الرسول .بقوله ( : املسلم أخو املسلم ،ال يظلمه وال يسلمه ،من كان يف
حاجة أخيه ،كان هللا يف حاجته ،ومن َّفرج عن مسلم كربة فرج هللا عنه هبا كربة من كرب يوم القيامة،
ومن سرت مسلماً ،سرته هللا يوم القيامة).
لقد أوجدت هذه النصوص الشرعية وأمثاهلا ،رقابة ذاتية لدى اإلنسان املسلم ،وحافزاً داخلياً
حيمله على التفاعل اإلجياى مع أبناء جمتمعه ،وجتعله يستحضر املسؤولية املنوطة به جتاههم وتكون مثرة
هذا كله ،أن تقوى أواصر احملبة والتسامح والنصح واإليثار وحسن العشرة وكف األذى بني أفراد
اجملتمع ،وهو ما يسند نظم اجملتمع ويربز معامل االنضباط فيه.
مل يركن اإلسالم يف ضبط السلوك وحفظ األمن االجتماعي إىل هذا املنهج على الرغم من
أمهية أثره اإلجياى ،إمنا تعداه إىل إجياد تشريعات حيتكم إليها أفراد اجملتمع عن رضا وطيب نفس كوهنا
رابنية املصدر ،فقد نظم اإلسالم العالقة بني أفراد اجملتمع املسلم ،وأوجد نظماً ختص األسرة الصغرية
والكبرية ،ونظم أمور املعامالت ،ليقف كل فرد على ما له وما عليه ،وهو منهج يتسم ابلواقعية،
ويسهم يف ضبط األمور يف اجملتمع.
دعت احلاجة -إضافة إىل ذلك كله -إىل وجود بعض الروادع متثلت يف تشريعات تتعلق
تقوم اعوجاج بعض األفراد ،وتردهم إىل الصواب ،لاية هلم من شرور ابلعقوابت على أنواعهاِ ،
أنفسهم ،وصيانة ألمن اجملتمع .ويف ضوء هذا العرض الذي تقدم ،تظهر أمهية األنظمة يف اجملتمع
ومكانة الضبط االجتماعي ،ابعتباره واحداً من أسس بناء اجملتمع.
تعد األرض واحدة من األسس اليت يبىن عليها اجملتمع ،وبيان هذا :أن هللا تعاىل أنزل اإلسالم
أبحكامه وتشريعاته ليحكم يف األرض ،ويطبق على أرض الواقع ،يتمثله الناس يف شؤون حياهتم من
أجل تقدمي أمنوذج حي ومثايل جملتمع مسلم متميز.
وال خيفى أن هذه الغاايت الكربى تستدعي بعض العوامل املساعدة على حتقيقها ،منها توفر
حرية التصرف لدى األفراد ،والسالمة من التأثري اخلارجي ،ووجود مناخ مناسب إلقامة أحكام هللا
وتشريعاته ،مث وجود سلطة متلك صالحية اختاذ القرار وتنفيذه ،ويتعذر توافر هذه العوامل أو يكاد إذا
مل توجد بقعة من األرض جتمع املسلمني ،وتكون الكلمة فيها هلم.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
وتتضمن سرية النيب وأتباعه الكرام ،إشارات توضح هذا املعىن ،فإن النيب ملا بُعث يف
مكة وصار له أتباع ،حرصوا على االلتفاف حول النيب وتكوين جتمع خاص هبم ،متميز يف كثري
من نواحي احلياة عن اجملتمع اجلاهلي الكبري الذي يعيشون فيه ،فأمكنهم التميز يف جوانب كالعبادات
واألخالق ،وتعذر التميز يف جوانب أخرى كاملعامالت العامة ومل يكن لإلسالم يومئذ قانون انفذ ،ومل
يكن له قوة يستطيع هبا تنفيذ تعاليمه ،فكان الوازع الداخلي لدى املسلمني آنذاك ،مغنياً عن القانون
والسلطان.
ولقد حبث النيب منذ وقت مبكر عن أرض يقيم هبا هو وأصحابه ،لينشئ جمتمعاً خاصاً،
فقصد أهل الطائف فلم جييبوه ،مث عرض دعوته على أهل املدينة ،فاستجاب أهلها الكرام لدعوته،
وفتحوا أبواب مدينتهم أمام الرسول وَجوع املسلمني من كل مكان ،فكانت اهلجرة من أعظم
أحداث التاريخ اإلسالمي على اإلطالق ،ألهنا هيأت األرض ووفرت املناخ املناسب إلقامة جمتمع
إسالمي مستقل ومتميز ،فبدأت معامل هذا اجملتمع تربز للعيان ،وتتابعت التشريعات يف شىت اجملاالت
خباصة تلك اليت تنظم العالقات واملعامالت بني أفراد اجملتمع الواحد.
لقد تضمن القرآن الكرمي ربطاً بني إقامة األحكام الشرعية وبني التمكني يف األرض حني قال
الزمك اةم وأممرواْ ِابلْمعر ِ َّ ِ
وف مومهنمْواْ مع ِن الْ ُمْن مك ِرالصالمةم موآتم ُواْ َّ م م ُ م ْ ُ
ض أمقم ُامواْ َّ ين إِ ْن َّم َّكن ُ
َّاه ْم ِيف األ ْمر ِ تعاىل :الذ م
موَِّّللِ معاقِبمةُ األ ُُمور .
فقد سيقت اآلية الكرمية يف مقام الشكر لبيان أن التمكني يف األرض يقتضي شكر هللا تعاىل
قامة أحكامه اليت أمر هبا بسبب زوال كثري من العوائق.
إذا فهم هذا ،تبينت العلة اليت من أجلها شنَّع القرآن الكرمي على أولئك الذين آثروا البقاء يف
أرض الكفر ،ومل يهاجروا إىل أرض اإلسالم لالنضمام إىل اجملتمع املسلم ،وذلك يف قوله تعاىل :إِ َّن
ني ِيف األ ْمر ِ
ض قمالْواْ أممملْ تم ُك ْن الَّ ِذين تموفَّاهم الْمالئِ مكةُ ظمالِ ِمي أمنْ ُف ِس ِهم قمالُواْ فِيم ُكنتم قمالُواْ ُكنَّا مست ْ ِ
ض معف مُ ْم م ُْ ْ م م ُُ م
ِ ِ أمرض َِّ
ِ
ت ممصريا ً .ك ممأْ مو ُاه ْم مج مهن َُّم مو مساءم ْاّلل مو ِاس معةً فمتُ مهاج ُرواْ ف ميها فمأ ُْولمئ م
ِ
ْ ُ
وميكن القول يف ضوء ما تقدم :إن األرض من أسس بناء اجملتمع اإلسالمي ،ويتعذر إقامة
جمتمع واضح املعامل ما مل يكن للمسلمني أرض ،هلم فيها القول والفصل.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
احملاضرة الثانية
أهم املبادئ اليت يقوم عليها اجملتمع اإلسالمي
لقد أعطى اإلسالم هبذا لألخالق شأان عظيما ،وقدرا عاليا ،جتلى أثرها يف بناء اجملتمع املسلم.
ومل جيعل اإلسالم األخالق يف يوم من األايم من قبيل الكماليات اليت قد يستغين عنها األفراد أو
اجملتمعات فهي من كمال اإلميان ،وهي ضرورة من الضرورات اليت ال ميكن تصوير احلياة بدوهنا .
س فِينما مم ْن مال ِد ْرمه مم ِ
س؟» قمالُوا :الْ ُم ْفل ُ
ِ ول هللاِ ،قم م
ال« :أمتم ْد ُرو من مما الْ ُم ْفل ُ ف مع ْن أِمى ُهمريْ مرةم ،أ َّ
من مر ُس م
ص مالةٍ ،مو ِصيم ٍام ،مومزمكاةٍ ،مو مَيِْيت قم ْد مشتم مم ِ ِ ال« :إِ َّن الْم ْفلِ ِ
س م ْن أ َُّم ِيت مَيِْيت يم ْومم الْقيم مامة بِ م ُ م اع ،فم مق ملمهُ مومال ممتم م
ب مه مذا ،فميُ ْعطمى مه مذا ِم ْن مح مسنماتِِه ،مومه مذا ضمر م ك مد مم مه مذا ،مو م ال مه مذا ،مو مس مف م ف مه مذا ،موأم مك مل مم م مه مذا ،موقم مذ م
ت معلمْي ِهُ ،مثَّ طُر مِح ِيف ِ ِ ِ
ضى مما معلمْيه أُخ مذ م ْن مخطم مااي ُه ْم فمطُِر مح ْ ت مح مسنماتُهُ قم ْب مل أم ْن يُ ْق م ِ ِِ
م ْن مح مسنماته ،فمِإ ْن فمنيم ْ
ِ
النَّا ِر»؛ كل ذلك بسبب سوء خلقه والعياذ ابل .
وااللتزام ابألخالق يف اجملتمع املسلم انبع من تعاليم الدين ،والفرد املسلم يلتزمها دائما عن
قناعة ،وإذا كان االلتزام ابألخالق انبعاً عن قناعة الفرد كان التزامه هبا أشد ،والتأثر هبا أعمق .أما
يف غري اجملتمع املسلم فااللتزام ابألخالق قد يكون انبعا من النظام أو األعراف ،أو العادات ،
فيكون االلتزام هبا مرتبط بقوة تلك األنظمة واألعراف والعادات ،وعادة ما يسهل على الفرد
التخلص منها .هذا هو الفرق اجلوهري بني االلتزام ابألخالق يف اجملتمع اإلسالمي ،واجملتمعات
األخرى .
إن هللا سبحانه وتعاىل حينما خلق اإلنسان خلقه لعبادته ،قال تعاىل :وما خلقت اجلن
واألنس إال ليعبدون ،والعبادة أنواع كثرية نذكر فيما َييت بعضها وبعضا من فوائدها وآاثرها على
اجملتمع اإلسالمي :
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
-5الزكاة تزيل األحقاد والضغائن املتولدة يف نفوس الفقراء جتاه األغنياء ،مما حييل تلك األحقاد
والضغائن إىل حمبة وألفة .
-6يف دفع الزكاة حتقيق للتوازن االقتصادي -وهو ما عجزت عنه اجملتمعات املتحضرة -ففي
اإلسالم لكل حقبه يف الكسب والعمل ،ولكن البد من إيتاء الزكاة ،ولو ترك الناس بال قيد لظهرت
الطبقية يف أبشع صورها ،طبقة يف قمة الفقر ،وأخرى يف قمة الغىن .
الصيـ ـام
للصيام فوائد كثرية اجتماعية وفردية نذكر منها :
-1متممر على اجملتمعات أو األفراد أوقات عصيبة ،حيتاج فيها إىل التحمل ،كما حيدث عند وقوع
الكوارث و املصائب ،والبد من إعداد اجملتمع واألفراد ملواجهتها فيما إذا لو وقعت ،واإلعداد يكون
ابلتدريب على التحمل والصرب ،والصوم أفضل وسيلة لذلك.
-2هناك شرحية من اجملتمع ال جتد ما تسد به رمقها فرتاهم وأطفاهلم يتضرعون جوعا ،ويتجرعون
األمل بسبب ذلك ،ومن طبع اإلنسان إال يدرك مدى اآلم اآلخرين إال إذا مر بنفس املوقف اليت
سببت هلم اآلالم .وإذا صام اإلنسان شعر ابجلوع وأدرك األمل الذي يسببه اجلوع للفقراء واملساكني ،
فيهبوا لنجدهتم ومساعدهتم مبا ييسر هللا له .
-3وما أحوج الفرد إىل احملافظة على صحته ،وابلصوم يتخلص اجلسم من السموم الزائدة ،وتراتح
املعدة ،وتقل الدهون يف الدم إىل غري ذلك من الفوائد الصحية .
-4والصيام ليس فقط حبس النفس عن األكل والشرب واجلماع ،بل حىت عن َجيع املعاصي ،قال
" : من مل يدع قول الزور والعمل به ،فليس ل حاجة يف أن يدع طعامه وشرابه " ،فهو تعويد
على كف النفس عن كل اآلاثم والرذائل ،فيصبح الفرد قريبا من اخلري بعيدا عن الشر ،وإذا كان أفراد
اجملتمع كذلك شاع األمن والطمأنينة يف وسطه .
احل ـج
واحلج له فوائد عظيمة تعود على اجملتمع املسلم ابخلري والنفع ومن ابرز تلك الفوائد :
-1إن احلج مؤمتر عام جيمع املسلمني من َجيع أصقاع الدنيا ،وبقاعها ،وجباهلا ووهادها ،هلم
كلهم هدف واحد ،وهذا يقوي اإلحساس بوحدة املسلمني وانتماءهم لدينهم .
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
-2تدريب اجملتمع املسلم على التنظيم والسيطرة ،فها هم أكثر من مليونني مسلم يتحركون ابجتاه
واحد ،وينجزون هذه املهمة يف سويعات معدودة ،يتحركون من مكان إىل مكان هبذه األعداد
الكبرية دون أن يكون تفرق بينهم أو ضياع ،أو تشتت .
-3يف احلج تبدو املساواة يف أمسى صوريها ،فالكل خلع مالبسه ،ولبس رداءً أبيضاً ،ال فرق بني
رئيس ومرؤوس ،أو غين أو فقري ،أو صغري أو كبري .
-4يشهد املسلمون يف احلج منافع كثرية هلم ،فيتبادلون البضائع ،كما يعقدون الصفقات التجارية
وجيتمعون ملناقشة مشكالهتم ،ويعقدون أيضا املعاهدات السياسية فيما بينهم ،وغري ذلك من املنافع
اليت تعود على املسلمني ابخلري .
وحينما تصر اجملتمعات على ترك األمر ابملعروف والنهي عن املنكر ،فإن عواقب وخيمة وأضرار
جسيمة تلحق هبا ،فإن ترك التناصح بني أفراد اجملتمع املسلم واألمر ابملعروف والنهي عن املنكر سبب
لتفشي األمراض االجتماعية املختلفة املفضية إىل املصائب ،قال " : إن الناس إذا رأوا املنكر ال
يغريونه ،أوشك أن يعمهم بعقابه".
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
والنصيحة واألمر ابملعروف والنهي عن املنكر له آداب وأحكام مبثوثة يف كتب العلماء البد من
الرجوع إليها لتقوم هذه الشعرية بني أفراد اجملتمع على مراد هللا ورسوله ،حمققة للمصاحل ودافعة
للمضار.
خامساً :تنظيم املعامالت وفق أحكام الشريعة اإلسالمية.
تشمل املعامالت األنشطة اليومية املتعددة ،وكلها ينبغي أن تكون وفق الشريعة اإلسالمية .ألن
الشريعة صاحلة لكل األزمنة ،ويف كل اجملاالت ،فكل عمل جيب أن يكون حالال ،وأن ينجز على
الوجه احلالل ،سواء كان يف املعامالت اليومية كالزراعة ،والصناعة ،والتجارة ،واإلدارة ،وسواها .أو يف
املعامالت املالية كالصرف وغريه ،أو االجتماعية كالتعليم ،والزواج ،وما يتبعه من نفقة وتربية األوالد
وطالق -إن حدث -وما يتبعه من أحكام.
وتطبيق الشريعة اإلسالمية ينظم حياه الفرد واجملتمع ،وليس من جانب من جوانب احلياة إال
وللشريعة فيه بصمة ظاهرة ،وليس للمسلمني اخليار يف تطبيق الشريعة اإلسالمية ،بل هي ضرورة
حتمية يف عالقة البشر مع رهبم ، مث يف تنظيم حياهتم ،واحلكم بغري ما شرع هللا سبب يف الضياع
واالحنراف عن جادة احلق والصواب يف الدنيا ،واخلسران واهلالك يف اآلخرة .
وتتجلى ضرورة تطبيق الشريعة اإلسالمية وأمهيته يف الدور الكبري الذي حتققه يف حصول
األمن والطمأنينة يف اجملتمعات اإلسالمية ،فال وهو املشرع أعلم مبا يصلح أحوال البشرية يف
حاهلا ومآهلا ،كيف ال وهو العامل بطبيعة البشر ،ومبا كان يف املاضي ومبا سيكون يف املستقبل،
وخري ذليل على ذلك أن الدول املتقدمة مع ما لديها من دراسات يف جمال اجلرمية ومع ما متلكه من
أجهزة ومادايت وقوى بشرية ملكافحتها قد وقفت عاجزة أما تصاعد اجلرمية وانتشارها وارتفاع نسبها
من عام آلخر.
ولو أهنم طبقوا الشريعة ألمن الناس على أعراضهم وأمواهلم وحياهتم وأرواحهم وعقوهلم،
ولسدوا ابابً واسعاً من أبواب اجلرمية.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
احملاضرة الثالثة
مسات وخصائص اجملتمع اإلسالمي
متيز اجملتمع اإلسالمي عن غريه من اجملتمعات بعدد من السمات جعلته حبق جمتمعاً فريداً مل
تعرف البشرية جمتمعاً غريه َجع يف ثناايه هذه السمات احلميدة ،ليكون أمنوذجاً يرجتى ،ومثاالً حيتذى
عند العقالء من بين البشر ،وكان هذا التميز بسبب املنهج القومي الذي متثله اجملتمع اإلسالمي وأفراده
يف وضع أسسه وإرساء مبادئه ،وذلك من خالل نصوص الكتاب الكرمي والسنة النبوية املطهرة اليت
أقرت وأوجبت تلك املبادع واألسس.
وملا كان يتعذر يف هذا املقام أن نذكر مسات اجملتمع اإلسالمي َجيعها ،فإننا سنذكر منها ما
له صلة ابملوضوعات اليت نعرض هلا يف هذا املقرر ،وهي السمات األربع األوىل منها .
نعين هبذه السمة ،أن للمجتمع اإلسالمي مرجعيته العليا وهي الوحي بشقيه – الكتاب
والسنة – يرجع إليها اجملتمع يف كل تصرفاته ،فهي اليت تدير شؤون أفراده وحتكم تصرفاهتم ،وهذا من
اّللِ مومر ُسولِِه
ني إِ مذا ُدعُواْ إِ مىل َّ ِِ
مقتضيات االستخالف يف األرض ،قال تعاىل :إَِّمنما مكا من قم ْومل الْ ُم ْؤمن م
ك ُه ُم الْ ُم ْفلِ ُحو من وقال سبحانه :موما كا من لِ ُم ْؤِم ٍن موال ِ
ليم ْح ُك مم بمْي نم ُه ْم أمن يم ُقولُواْ مِمس ْعنما موأمطم ْعنما موأُْولمئِ م
ضالالً ض َّل م اّللم مومر ُسولمهُ فم مق ْد م
ص َّ اخلِممريةُ ِم ْن أ ْمم ِرِه ْم مومم ْن يم ْع ِ
اّللُ مومر ُسولُهُ أ ْممراً أم ْن يم ُكو من مهلُُم ْ
ضى َّ ُم ْؤِمنم ٍة إِذا قم م
ُمبِيناً .
إن االلتزام والقيام مبا أتمر به شريعة اجملتمع ،هو اجلانب العملي يف العقيدة ،هو دليل قوة
االستمساك ابلعقيدة ،إذ العمل جزء من العقيدة مرتبط هبا ،يعلو بعلوها وينحط ابحنطاطها ،وهذا ما
جيعلنا نشدد على أن اجملتمع اإلسالمي جمتمع يقوم على أساس العقيدة ،وأن أثرها فيه تفوق كل أثر،
وأهنا أكرب ميزة متيزه عن غريه من اجملتمعات.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
يعين هذا أن اجملتمع اإلسالمي حيتكم إىل قاعدة احلسن ما حسنه الشرع والقبيح ما قبحه
الشرع ،فهو ملتزم التزاماً ال حتويل عنه وال تبديل ابألحكام الشرعية اليت تنظم تصرفات األفراد وشؤون
األسرة وأخالقيات اجملتمع ،ويرى ذلك كله جزءاً من التزامه الديين وعبوديته ل تعاىل.
إن مفهوم العمل الصاحل ،مرتبط مبفهوم العبادة كما يفهمها اجملتمع اإلسالمي ،فدائرة العمل
الصاحل واسعة ،فكل عمل يؤدي إىل مرضاة هللا وجيلب النفع إىل البشرية ،فهو عمل صاحل يرحب به
اجملتمع اإلسالمي ،ويفتح له أبوابه ويشجع عليه أصحابه ،وليس من طبيعة اجملتمع اإلسالمي تصنيف
األعمال إىل رفيع ووضيع ،وال التنفري من عمل قط ما دام صاحلاً وتدعو احلاجة إليه ،يف الوقت نفسه
يضيِق اجملتمع اإلسالمي على األعمال العبثية بكل أنواعها.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
إن السماحة صفة ابرزة من صفات اجملتمع اإلسالمي ،ألهنا ظاهرة يف ثنااي اإلسالم كله،
ٍ
اضطَُّر مغ ْ مري ماب ٍغ موالم معاد فمال إِ ْمثمفاألحكام الشرعية مبنية عليها ،فهذا قول هللا تعاىل ينطق هبا :فم مم ِن ْ
معلمْيهِ ،وهللا تعاىل يصف رسوله ابلسماحة ويوجهه للمداومة عليها ،وذلك يف قوله تعاىل :
ِ ت فمظاً مغلِي م فمبِما ر ْل ٍة ِمن َِّ ِ
ك ،و يتضح هذا يف ضواْ ِم ْن مح ْول م ظ الْ مق ْل ِ
ب المنْ مف ُّ نت مهلُْم مولم ْو ُكْن م
اّلل ل م م مم م
الس ْم محةُ "،اّللِ معَّز مو مج َّل؟ قال ":احلمنِ ِيفيةُ َّ ب إِ مىل َّمح ُ
ِ
األداين أ م
ِ
جواب النيب :حينما ُسئل ،أمي م
يعين :اليت ال حرج فيها وال تضييق.
وتظهر السماحة يف اجملتمع اإلسالمي جلية يف املواطن اليت يظن فيها ظهور ضدها كاالنفعال
واملشادة والغضب واألاننية ،وذلك يف حاالت البيع والشراء واالختالط يف أماكن املنافع واالحتكاك
يف الطرق العامة ،فإن أبناء اجملتمع اإلسالمي ميتثلون قول النيب
ضى» فالسماحة مبفهومها الواسع ،صفة ع ،موإِ مذا ا ْش ممرتى ،موإِ مذا اقْ تم م «رِح مم َّ
اّللُ مر ُجال مسمْ ًحا إِ مذا ماب م م
مصاحبة لتصرفات أفراد اجملتمع اإلسالمي ،فهم بعيدون عن االنفعاالت ،حذرون من املشاحنات،
معرضون عن التجاوزات ،وهذا ما تقتضيه األخوة يف الدين.
وال يعين هذا أن السماحة حمصورة بني املسلمني فيما بينهم ،فقد أمر هللا تعاىل هبا مع
املخالفني يف الدين ،فأمر ابإلحسان إىل الوالدين الكافرين ،وأذن سبحانه برب املخالفني ما مل يكونوا
حماربني ،وأابح الزواج من نساء اليهود والنصارى ،وأجاز املعامالت الدنيوية معهم ،وهذه هي
السماحة بعينها ،وهذا غري الوالء الذي ال يكون إالَّ ل ويف هللا.
وال يُ ْع مذر املسلم برتك السماحة واإلعراض عنها حبجة أن غريه ال يعىن هبا أو حبجة كثرة اهلموم
وضغط العمل وسوء األحوال ،فإن هللا تعاىل وصف عباد الرلن بقوله و ِعباد َّ َّ ِ
الر ْلم ِن الذ م
ين ميمْ ُشو من م مُ
ض هوانً وإِ مذا خاطمب هم اجل ِ
اهلُو من قمالُواْ مسالمماً . معلمى األ ْمر ِ م ْ م م م ُ ُ م
وسرية النيب حافلة ابألحداث اليت تؤكد مساحته مع كل من تعامل معهم ،فهذا أعراى
جيذب رسول هللا من ثوبه حىت ترك أثراً يف عنقه وهو يقول له :اعطين مما أعطاك هللا فإنك ال
تعطين من مالك وال من مال أبيك ،فتبسم له النيب وأمر له بعطاء.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
كلما كان اجملتمع إىل اإلسالم أقرب كان ابب السماحة فيه أوسع وأرحب ،فيحسن ابملرء أن
ص مربُواْ مومما يلقاها إِالَّ ذُو مح ٍظ جياهد نفسه لتصبح السماحةُ خلقاً الزماً له :وما ي لمق ِ َّ ِ
َّاها إالَّ الذ م
ين م مم ُ م م
مع ِظي ٍم .
اثنيهما :عن طريق اجملتمع :فما اجملتمع اإلسالمي يف أصل تكوينه إالَّ عدد كبري من األسر اليت نشأت
على هدي من هللا تعاىل ،فقامت بدورها املنوط هبا يف رعاية أفرادها وتوجيههم ،ليكونوا
عناصر خري وحراس أمن يف اجملتمع.
يضاف إىل هذا ،أن اجملتمع نفسه حتكمه ضوابط وتسود فيه روابط اجتماعية ،منبعها
كلها اإلميان ،وهي مبجموعها تزين ألبناء اجملتمع اخلري بكل أشكاله ،وحتث عليه ابلرتغيب،
وتقبح الشر بكل صوره ،وحتذر منه ابلرتهيب ،وهذا كله ينتظم يف تشريع األمر ابملعروف
والنهي عن املنكر الذي امتاز به اجملتمع املسلم ،والذي يُعد مبثابة السياج والعالج.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
إن اجملتمع اإلسالمي مبواصفاته املتميزة يرعى أبناءه ،وحياصر فيهم نزعة التفرد والتمرد ،ويعز يف
نفوسهم احرتام القيم اجلماعية ،وهذا يسهم إىل حد بعيد يف توفري األمن هلذا اجملتمع.
اثلثها :عن طريق العقوابت :فهي موانع لفئة من الناس عن املساس أبمن اجملتمع،
فإن اإلسالم ال يركن يف هذا املقام إىل الوازع الفردي والرقابة اجلماعية فحسب ،فحيث إن
بعض النفوس متيل إىل حب األذى والعدوان ،والقوي ميال إىل النيل من الضعيف ،فقد ال
تكفي واحلالة هذه صيحات التهذيب واإلصالح ،وال آايت الوعيد أبليم العذاب يف اآلخرة
للمعتدين ،قد ال يكفي هذا وال ذاك ،فالبد من رادع مادي وعقاب عاجل ،كي تنزجر هذه
الفئة ،ويعيش اجملتمع آمناً.
ال خيفى أن املقصد األمسى لإلسالم هو إصالح الفرد واجملتمع ،وقد بذل يف سبيل هذا
جهوداً كبرية ،وقد آتت مثارها بفضل هللا ،فكان من متام حكمة هللا ومن مظاهر رلته ،أن يرعى هذا
اإلجناز العظيم ،ويصونه من عبث العابثني ،فكانت احلدود والعقوابت بعامة ،رلة من هللا تعاىل
ابجملتمع.
إن الذين يعرتضون على هذه احلدود حبجة اإلشفاق على األفراد ،هم يف حقيقة األمر يعتدون
على حقوق جمتمع أبكمله ،فجرمهم هبذا املسلك ،أشد وأقبح من جرم من ارتكب جرميته.
كما أن أولئك الذين يرون أن بعض العقوابت قاسية ،تعذر عليهم – جلهلهم -أن يتصوروا
قساوة اجلرمية اليت قام هبا من استحق هذه العقوبة ،إذ لو مل تكن العقوبة مبستوى اجلرمية ،ملا كانت
هذه العقوبة رادعة.
لقد غاب عن هؤالء الذين يعرتضون على العقوابت الشرعية ،أن حياة اجملتمع وأمنه ،منوطة
ُويل األملْب ِ ِ
اب ، اص محيماة اي أ ِ م هبا ،وقد أابن القرآن الكرمي عن هذا املعىن بقوله تعاىل :مولم ُك ْم ِيف الْق م
ص ِ
إن التهديد بقتل من يقتل ،أو تنفيذ حكم القصاص فيه ،كفيل أبن حيول بني عشرات جرائم القتل
اليت كانت قد حتدث لوال اخلوف من القصاص ،وإن الوقائع واألحداث ،شاهدة على هذا.
إن العقوابت اليت شرعها هللا تعاىل بشروط وضوابط هي غاية يف االحتياط تعد رلة من هللا
تعاىل ،ألهنا حتفظ على اجملتمع أمنه ،وجتعله متميزاً بني اجملتمعات األخرى هبذه السمة.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
احملاضرة الرابعة
أسباب ووسائل تقوية الروابط االجتماعية
سبق احلديث عن الروابط االجتماعية ابعتبارها واحدة من األسس اليت يبىن عليها اجملتمع
اإلسالمي ،وقد حرص الشارع احلكيم على هذه الروابط بتعاهد الفراسة ومداومة احلراسة ،حىت ال
خيبو نورها ،وال يضعف دورها ،ذلك أنه على الرغم من أن اإلنسان اجتماعي بطبعهَ ،يلف ويؤلف،
وحيرص على لقاء اآلخرين ،ويغشى جتمعاهتم ،إال أن اإلسالم مل يركن إىل هذا الدافع الذايت وحده،
ألن يف اإلنسان ضعفاً ينسيه وميالً إىل شغل يلهيه.
وتعد العبادات بعامة ،أبرز الوسائل اليت تعني على تقوية الروابط االجتماعية بني أبناء اجملتمع
الواحد ،فاالجتماع ظاهر يف الصلوات كلها ،ويف الزكاة تعامل مع مثانية أصناف من أبناء اجملتمع،
ويظهر معىن اجلماعة جلياً يف الصوم حني ميسك أبناء اجملتمع الواحد يف وقت واحد ،ويفطرون يف
وقت واحد ،كذلك احلج مؤمتر جامع للمسلمني يربز فيه مفهوم األمة الواحدة.
يضاف إىل هذا تشريعات وأحكام تتصل ابلواجبات االجتماعية واألخالق الفاضلة ،كانت
كلها أسباابً لتقوية الروابط االجتماعية .ومنها.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
إن هذا تفاضل كبري حري ابملسلم أن يستحضره عند كل فرض ،وأن يستحضر الغرض األمسى
الذي من أجله أقر الشارع احلكيم هذا التفاضل ،وما حيمل يف ثناايه من ثواب عظيم.
وتزداد حكمة الشارع وضوحاً يف هذا املقام ،حني نرى النيب يشتد غضبه على أولئك الذين
مييلون إىل االنفراد ،وال يستشعرون معىن أن يكون الواحد جزءاً من اجلماعة ،حني يؤدون الصالة
هم حراق بيوهتم عليهم حني قال : املكتوبة فرادى يف بيوهتم ،وقد بل الغضب ابلنيب مبلغه حني َّ
" والذي نفسي بيده لقد مهمت أن آمر حبطب فيحطب مث آمر ابلصالة فيؤذن هلا مث آمر رجالً فيؤم
الناس مث أخالف إىل رجال فأحرق عليهم بيوهتم".
إن صالة اجلمعة مؤمتر أسبوعي اجتماعي يتحقق من خالله منافع عدة ،يستمع فيه املصلون
إىل توجيهات ومواعظ ترشدهم إىل اخلريِ ،
وتقوم سلوكهم ،وتعاجل مشاكلهم االجتماعية.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
إن الصالة على امليت ،واملشاركة يف دفنه بغض النظر عن مدى صلته ومعرفته ابمليت وأهله
مسلك ليد يسهم يف تقوية الروابط االجتماعية بني أفراد اجملتمع الواحد ،خباصة يف مثل هذه
الظروف اليت يكون فيها أهل امليت يف أمس احلاجة إىل املواساة ،والوقوف إىل جانبهم لتخفيف
مصاهبم ،كما يشعر املشيعون أهنم جتمعوا لوداع أخ هلم كان جزءاً من جمتمعهم ،يدعون له ويستغفرون
له ،يفعلون هذا وهم يستحضرون أن كل واحد منهم سوف حيظى هبذه العناية عند موته من أبناء
جمتمعه.
وقد ذهب كثري من العلماء إىل أن فعل املباح ينقلب إىل واجب إذا أمر به أحد الوالدين أو
كالمها ،وأنه ال جيوز لالبن أن يسافر يف مباح إال ذن والديه.
وهكذا يكون بر الوالدين واإلحسان إليهما من أسباب الرتابط يف بيئة اإلنسان اخلاصة
احمليطة به ،وهو ال تزال آاثره مشهودة يف اجملتمع اإلسالمي ،بينما تفتقدها اجملتمعات الغربية كما
هو مشاهد ،حيث يهجر األبناء آابءهم وال يسألون عنهم ،ورمبا مرت الشهور وهم ال يعرفون
شيئا عن أخبارهم وأحواهلم ،وما إذا كانوا يف مرض أو عجز أو حاجة إىل إعانة.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
واجلريان على ثالث درجات كما تدل عليه النصوص الشرعية العامة :جار له حق واحد ،وهو
اجلار الكافر ،له حق اجلوار ،وجار له حقان ،وهو اجلار املسلم ،له حق اجلوار وحق اإلسالم ،وجار
له ثالثة حقوق ،وهو اجلار املسلم ذو الرحم ،له حق اجلوار وحق اإلسالم وحق الرحم.
وقد دعا اإلسالم إىل إكرام اجلار يف سبيل زايدة التآلف االجتماعي ،وأوجب له حقوقا كثرية،
ومن ذلك :االبتداء ابلسالم ،وإظهار السرور معه ،وغض البصر عن حرماته ،والتلطف مع أوالده،
وحفظه يف غيبته ،والصرب عليه ،وسرت زالته وما انكشف من عوراته ،ومشاركته أفراحه ،ومواساته يف
مصيبته ،وداللته على اخلري واملعروف ،وبذل ذلك له .واألصل يف هذه احلقوق حديث " :من كان
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
يؤمن ابل واليوم اآلخر ،فليُكرم جاره " .ويف حديث آخر " :ما زال جربيل يوصيين ابجلار حىت
ظننت أنه ِ
سيورثه ".
ولعل هذه املعاين تشمل تعاون اجلريان فيما بينهم على رعاية احلي الذي يسكنون فيه ،واالرتقاء
به ،وتنمية مرافقه ،مبا يعود عليهم وعلى حيهم ابخلري.
وإذا قام كل إنسان حبقوق جريانه ،أصبح أفراد اجملتمع َجيعا متحابني متعاضدين؛ ألهنم َجيعا
جريان ،سواء يف السكن أو يف العمل واألسواق أو يف املزارع.
3ـ دعوة اإلسالم إل أسباب التآلف االجتماعي العام تقوية للروابط االجتماعية:
حيتاج اإلنسان يف أي عصر من العصور ،إىل أن يعيش حياته االجتماعية العامة يف وفاق
وآتلف وتعاون مع اآلخرين ،وقد حرصت الشريعة اإلسالمية على تشريع الكثري من احلقوق للمسلم
على أخيه املسلم ،ال يسعه التساهل فيها أو تركها ،ومن ذلك ما يلي:
وقد أكد اإلسالم على ابتداء اآلخرين ابلسالم ومصافحتهم إن أمكن ذلك؛ ملا فيه من تعميق
معاين املودة والتآلف ،والفوز مبغفرة هللا تعاىل ،ففي احلديث الشريف " :ما من مسلمني يلتقيان
فيتصافحان إال غُ ِفر هلما قبل أن يفرتقا ".
أما رد السالم :فهو واجب ديين ابتفاق الفقهاءَ ،يمث اتركه وحياسب عليه ،قال هللا تعاىل:
اّللم مكا من معلمى ُك ِل مش ْي ٍء مح ِسيباً .
وها إِ َّن َّ ٍِ
موإِذما ُحيِيتُم بِتمحيَّة فم محيُّواْ ِأب ْ
مح مس من منها أ ْمو ُرُّد م
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
هذا ،ومن أسباب التآلف االجتماعي اليت شرعها اإلسالم :التزاور فيما بني اجلريان واألصدقاء،
وكفالة اليتيم ،واإلحس ان إىل األرملة واملس كني ...وغري ذلك.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
أَجعني ،بل لقد كثرت توصيات الرسول هبا يف كل زمان ومكان حىت قال " :ما من شيء أثقل
الفاحش البذيء ".
م يف ميزان املؤمن يوم القيامة من خلق حسن ،وإن هللا تعاىل ليُبغِض
هذا ،وليس اخللق املطلوب يف اإلسالم جمرد معرفة أن الصدق فضيلة ،والكذب رذيلة ،وأن
اإلخالص مسو ،واخلداع احنطاط ،وال جمرد احلديث فيما بني الناس عن ذلك ،إمنا اخللق هو تفاعل
النفس وأتثرها مبا ينبغي أن تكون عليه ،وتتَّصف به من مكارم األخالق ابتغاء رضوان هللا تعاىل ،وما
ينبغي أن هتجره وترتكه من ذميم األخالق وفاسدها ابتغاء رضوان هللا أيضاً؛ ألن إصالح الباطن
حقيقة هو أساس لكل إصالح ظاهري ،وإن األخالق الكرمية هي الشجرة الطيبة اليت تؤيت أكلها كل
حني ذن رهبا ومن أجله ،ال من أجل األعراف والعادات واألنظمة.
أصناف األخالق:
صنف بعض الباحثني املعاصرين األخالق يف مخسة أقسام على النحو التايل:
1األخالق الفردية :كالصرب ،والعفة ،وضبط النفس...
2األخالق األسريةِ :
كرب الوالدين ،واإلحسان للزوجة ،وصلة األرحام...
3األخالق االجتماعية :كإفشاء السالم ،وعيادة املريض ،والوفاء ابلعهد ،واجلد يف العمل،
واإلصالح بني املتخاصمني ،وإماطة األذى عن الطريق...
4األخالق املتصلة حبق هللا تعال :كالصدق مع هللا تعاىل ،والقيام حبقوقه ،وشكره على
نعمه ،ومناصرة دينه ،وحسن التوكل عليه...
5أخالق الدولة :كالرفق ابلرعية ،والعمل ابلشورى ،ولاية النفوس واألعراض واألموال،
وحت ِري املصاحل العامة ،والوفاء ابملعاهدات.
هذا ،ومن املكارم األخالقية املهمة اليت دعا إليها اإلسالم ما يلي:
أوال ـ الصدق:
هو التزام احلقيقة دائما ،ظاهراً وابطناً ،يف األقوال واألفعال ،ويف احلديث الشريف " :إن
الرب ،وإن الرب يهدي إىل اجلنة ،وإن الرجل ليصدق حىت يكون ِص ِديقاً ،وإن
الصدق يهدي إىل ِ ِ
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
الكذب يهدي إىل الفجور ،وإن الفجور يهدي إىل النار ،وإن الرجل ليكذب حىت يُكتمب عند هللا
كذاابً ".
وال خيفى أن للصدق مظاهر يتجلى فيها ،ومن ذلك :الصدق يف املعاملة ،والعمل ،واحلديث،
والوعدِ ،
ورد األمانة ،قال النيب " :آية املنافق ثالث :إذا حدَّث كذب ،وإذا وعد أخلف ،وإذا
اؤمتن خان".
شر الناس ذا الوجهني،
ومنها أيضاً :صدق احلال والسريرة مع الناس ،قال النيب ":جتدون َّ
الذي َييت هؤالء بوج ه وهؤالء بوجه " .وهذا ما يسمى اليوم :النفاق االجتماعي ،وهو من أخطر
األمور على مسرية أي جمتمع وهنضته.
اثنياً :احلياء
عد الرسول " :احلياء شعبة من اإلميان " ،وهو قِوام حياة اإلنسان السوي؛ ويبعث على َّ
الفضائل واخلريات ،ويصرف عن املعاصي واملنكرات ،سواء فيما يتعلق حبقوق هللا تعاىل أو حبقوق
الناس ،فإذا ختلق به املرء ،أحبه هللا وكتب له احملبة عند الناس.
أما نقيض احلياء :فهو الوقاحة والب مذاء يف القول أو الفعل ،وهي من صفات أهل النار " :احلياء
من اإلميان ،واإلميان يف اجلن ة ،والبذاء م ن اجلفاء ،واجلفاء يف النار " .ومن املالحظ أن الناس جبلوا
على حب احليي اللطيف ،وكراهة البذيء الفاحش.
اثلثاً :البشاشة وطالقة الوجه.
هي من الصفات اليت تدل على حسن يف اخللق ،واعتدال يف املزاج ،وسالمة يف الصحة
النفسية ،كما أهنا من أهم األسباب اليت تقربك من الناس ،وتوثِق عالقتك هبم ،وتكسبك حمبتهم
وثقتهم ،ويف احلديث " :كل معروف صدقةَّ ،
وإن من املعروف أن تلقى أخاك بوجه طمْلق ".
أما صاحب الوجه العبوس واجلبني امل مق ِطب فغالبا ما يعيش يف حالة من االكتئاب واهلموم اليت
ُ
ال هناية هلا ،وهو ال يُبقي له على صديق؛ لسوء خلقه وكثرة شروره ،فيتحاشاه الناس ويستعيذون منه.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
عد اإلسالم العمل والكسب عبادة يؤجر عليها اإلنسان ،ملا يرتتب على ذلك من بل لقد َّ
الكفاية الذاتية ،وحتقيق حاجات اجملتمع وتنمية موارده.
أما العاجزون الذين ال يستطيعون العمل ملرض أو شيخوخة ،أو القادرون الذين ال جيدون
أضرت هبم احلروب والكوارث ،فلمعمالً ،أو ال يكفيهم دخلهم لتحقيق معيشة الئقة هبم ،أو الذين َّ
يرتكهم اإلسالم ألنياب الفاقة واحلاجة ،بل شرع هلم العديد من التدابري احلامسة يف التكافل االجتماعي
لرعايتهم والنهوض هبم ،وأتمني احلياة املعيشية الالئقة هبم ،وبعض هذه الوسائل هي على سبيل
الوجوب والفرض ،وبعضها اآلخر على سبيل الرتغيب والندب ،وبيان هذا فيما يلي:
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
النوع األول :النفقة على الزوجة :هي واجبة ،قال هللا تعاىل :وعلمى الْمولُ ِ
ود لمهُ ِرْزقُ ُه َّن مْ م
تفرغ أوقاهتا ،وحتتبس نفسها للقيام بشؤون الزوج واألوالد ورعاية وف .ألن الزوجة ِ وكِسوُهتُ َّن ِابلْمعر ِ
م ُْ م ْم
البيت واألسرة ،وهتيئة املناخ املناسب حلياة سعيدة وهانئة .وكل هذا مما يقوي الروابط االجتماعية
وحيقق التكافل األسري.
وهذا الذي تقدم خالف ما عليه العمل يف اجملتمعات غري اإلسالمية ،حيث امتنع الزوج من
إعالة الزوجة بتأييد من القانون ،وفرض عليها اجملتمع أن تعمل وختتلط ابلناس؛ لتعول نفسها وتبحث
عن لقمة العيش ولو كانت يف مقتبل العمر ،فتهربت من احلمل والوالدة ،ومتزقت العالقات األسرية،
وكثرت املشكالت االجتماعية واألخالقية...
النوع الثاين :النفقة على األقارب :وهي واجبة على الرجل املوسر لوالديه وأوالده وأقرابئه
وولم ِده الذكور واإلانث
وجيرب الرجل على نفقة والديه م
احملتاجني ،قال اإلمام ابن قدامة يف كتابه املغين ُْ :
إذا كانوا فقراء وكان له ما ينفق عليهم.
ويف مذهب احلنابلة :جتب النفقة على الرجل املوسر ألقرابئه الفقراء من ذوي الفروض
كل قريب يرث قريبه الفقري العاجز عن الكسب لو مات غنياً ،جتب عليه نفقته حال والعصبات ،إ ْذ ُّ
فقره وعجزه.
وبناء على هذا ،جتب النفقة يف مال القريب املوسر للمحتاجني إليها من أصوله وفروعه،
وإخوته وأخواته ،وأعمامه وأبنائهم ،وحنو هؤالء من الوارثني أصحاب الفروض والعصبات.
وهكذا نرى أن اإلسالم نظَّم صورة تكاملية ليس هلا مثيل يف األنظمة األخرى لتحقيق مزيد
من التكافل االجتماعي وتقوية الروابط بني أطراف اجملتمع؛ ألن اجملتمع يف احلقيقة يتكون من
جمموعات األسر كلها.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
ِّ
الصدقات التطوعية إل أنواع ،منها ما يلي: هذا ،ويقسم العلماءُ
النوع األول :الصدقة النافلة املطلقة :جيوز أن تكون نقدية أو عينية ،كطعام أو كساء أو عالج
أو أدوات ،قليلة أو كثرية ،وهي ال ترتبط بزمان وال مكان.
النوع الثاين :الصدقة اجلارية :هي :الوقف ،ومعناه :حتبيس األصل وتسبيل املنفعة .أي:
التنازل عن ملكية ذات املال ل تعاىل ،من أجل أن ينتفع به الناس ،وذلك كوقف املساجد ولوازمها،
واملدارس واملكتبات واملس تشفيات والبيوت واملزارع ومياه الش رب وغريها.
الذري األهلي ،علىوقد بل املسلمون الذروة يف اإلقبال على الوقف اخلريي العام ،والوقف ُّ
الذرية و األهل فما جتد بلداً إال وفيها مساجد أو مدارس أو مساكن أو مستشفيات أو مياه موقوفة،
رغبة يف ثواب هللا تعاىل ،وبذالً ألسباب التكافل االجتماعي ،وإعانة للناس على العيش يف سعادة
ورخاء.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
النوع الثالث :الوصااي :ه ي تربعات مالية مضافة إىل ما بعد املوت ،تُصرف ألصحاهبا بعد
وفاء الديون ،ممَّا ال يزيد على ثلث الرتكة ،حىت يستدرك هبا اإلنسان ما قد يكون فاته من أعمال الرب
واخلري ،مث يُوزَّع الباقي بني الورثة ،وهي تسهم يف تقوية الروابط االجتماعية وزايدة التآلف بني الناس.
النوع الرابع :العواري واملنائح والقروض احلسنة واألعطيات واهلدااي واهلبات :هي من صور
قصد هبا التيسري على اآلخرين ،وتفريج كرابهتم، التكافل االجتماعي وأعمال الرب واإلرفاق ،اليت يُ م
والتحبُّب إليهم ،طمعاً يف ثواب هللا وحسن جزائه ،قال تعاىل :موتم مع ماونُواْ معلمى الْ ِرب موالتَّ ْق موى .
وهكذا يتضح :مدى حرص اإلسالم على استكمال أسباب الروابط االجتماعية ،من خالل
تشري ِع معاملم للتكافل االجتماعي ،على سبيل الوجوب ،أو على سبيل االستحباب ،وهذا مما مل يعرف
يف أي تشريع أو نظام آخر.
6ـ دعوة اإلسالم إل احلوار واجلدال ابليت هي أحسن تقوية للروابط:
اعتمد اإلسالم يف عرضه للدعوة إىل هللا على أسلوب اجملادلة ابليت هي أحسن ،وجعل ذلك
ْم ِة موالْ مم ْو ِعظمِة فريضة ال يسع املسلم تركها ،قال هللا تعاىل بصيغة األمرْ :ادع إِِىل سبِ ِيل ربِ م ِ ِ
ك اب ْحلك م ُ م م
ِ ِ ِ ِِ ِ ْ ِ ِ
ين . ك ُه مو أ ْمعلم ُم ِمبمن م
ض َّل معن مسبيله موُه مو أ ْمعلم ُم ابلْ ُم ْهتمد م مح مس ُن إِ َّن مربَّ م
احلم مسنمة مو مجاد ْهلُم ِابلَِّيت ه مي أ ْ
وإن اهلدف من احلوار ،هو التوصل إىل بيان احلقيقة الكربى ،وهي صدق اإلسالم وصحة
تعاليمه وتشريعاته ،وحرصه على حتقيق مصاحل الناس وسعادهتم ،وهذه ال حتتاج يف غالب األحوال إال
إىل عرض الدليل وبيان الفضائل واملكرمات.
بل إن من يراجع أحداث السرية النبوية والتاريخ اإلسالمي ،جيد كثريا من الوقائع اليت أثَّر فيها
احلوار واجلدال احلسن ،يف ختلي كثري من األفراد واجلماعات عن معتقداهتم وقناعاهتم وسلوكياهتم
إن فىت شااب أتى النيب اخلاطئة ،واعتناق اإلسالم والرضا بتعاليمه وتشريعاته ،فعن أى أمامة قالَّ :
فقال :اي رسول هللا ،ائذن يل ابلزىن ،فأقبل القوم عليه فزجروه ،وقالوا :مم ْه ،مم ْه (أي :ماشأنك؟.
وما وراءك؟) .فقال له النيب :اُْدنُ ْه مين ،فدان منه قريبا فجلس ،فقال له :أحتبُّه ألمك؟ فقال :ال
وهللا ،جعلين هللا فداءك ،قال :وال الناس حيبونه ألمهاهتم ،أستحبه البنتك ؟ .فقال :ال وهللا اي رسول
هللا ،جعلين هللا فداءك ،قال :وال الناس حيبونه لبناهتم ،قال :أستحبه ألختك؟ .فقال :ال وهللا،
جعلين هللا فداءك ،قال :وال الناس حيبونه ألخواهتم ،قال :أحتبه لعمتك؟ .فقال :ال وهللا ،جعلين هللا
فداءك ،قال :وال الناس حيبونه لعماهتم ،قال أحتبه خلالتك؟ .قال :ال وهللا ،جعلين هللا فداءك ،قال:
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
وال الناس حيبونه خلاالهتم ،قال :فوضع يده على صدره ،وقال :اللهم اغفر ذنبهِ ،
وطهر قلبه،
فرجه ،فلم يكن بعد ذلك الفىت يلتفت إىل شيء. ِ
وحصن م
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
احملاضرة اخلامسة
أهم املشكالت االجتماعية وسبل الوقاية منها وعالجها
ال ختلو حياة املسلمني املعاصرة من مشكالت تنتظر التشخيص ،وبيان سبل الوقاية والعالج،
ومن هذه املشكالت إَجاالً:
1االحنراف الفكري :وهو أخطر أنواع االحنراف ،حيث يعتنق بعض الشباب أفكاراً غري سويَّة
هتدم معامل الدين ،أو التشكيك يف احلضارة اإلسالمية ومقوماهتا ،أو الفهم اخلاطئ ملعىن القضاء
والقدر ،أو التشدد يف األخذ بتعاليم الدين وأحكامه ،أو االعرتاض أو التهاون حبكم هللا .وغالباً ما
يرتتب على هذا االحنراف الفكري ،التسبب يف هدم الدين من داخله أو من خارجه.
ويشهد هلذا ما ورد :أن بعض أصحاب النيب قال :أان أصلي الليل أبداً ،وقال آخر :أان أصوم
الدهر وال أفطر ،وقال آخر :أان أعتزل النساء فال أتزوج أبداً ،فجاء إليهم النيب فقال :أنتم الذين قلتم
كذا وكذا؟ .أما وهللا إين ألخشاكم ل وأتقاكم له ،لكين أصوم وأفطر ،وأصلي وأرقد ،وأتزوج النساء ،فمن
رغب عن سنيت فليس مين.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
وهكذا استطاع النيب ببيانه أن حيقق األمن الثقايف للمجتمع املسلم ،وحيميه من االحنراف
الفكري والغلو يف الدين وإن كانت دواعيه سامية؛ لئال يصري هؤالء النفر قدوة لغريهم ،يف اخلروج
ِ
على سنن االعتدال والوسطية اليت جاء هبا اإلسالم ،وحينئذ يُضلُّون م
غريهم بغري علم وال هدى،
الناس
ويكونون سبباً يف تشدد اجملتمع وانغالقه على ذاته ،فيهدمون اإلسالم من داخله و ينفرون م
عنه.
ومما يهدم الدين من خارجه إقبال بعض الشباب على الثقافات واألفكار غري اإلسالمية ،اليت
تعمقوا يف دين هللا وحييطوا مبعامله العامةِ ،
ويكونوا تزعزع فطرهتم ،وختلخل معتقداهتم ،وذلك قبل أن ي َّ
قلت للنيب ِ
ألنفسهم حصانة فكرية حتميهم من االنزالق يف الشبهات واتباع غري احلق ،قال عمر ُ :
فتغري وجه
مررت بيهودي من يهود قريظة ،فكتب يل جوامع من التوراة ألعرضها عليك ،قالَّ : ُ :
رسول هللا ،قال عبد هللا بن اثبت :فقلت لعمر :أال ترى إىل ما بوجه النيب ؟ .فقال عمر:
فس ِري عن النيب مث قال :والذي نفسي بيده، رضينا ابل رابً وابإلسالم ديناً ومبحمد رسوالً ،قالُ :
لو أصبح موسى بني أظْه ِركم ،ما ِ
وس معه إال أن يتبعين ،ولو تركتموين لضللتم . ُ
يفهمن أحد أن اإلسالم مينع من االبتكار والتجديد واالنفتاح على العلوم والثقافات َّ وال
األخرى النافعة ،إذ ال خيفى ما حفلت به آايت القرآن الكرمي ،وأحاديث النيب من الدعوة إىل
ينمي اجملتمعات ،ويرفع من شأهنا ،ومن هذا قوله تعاىل :موقُل َّر ِب ِزْدِين ِع ْلماً
العلم النافع الذي ِ
وقوله " :احلكمة ضالة املؤمن ،فحيث وجدها فهو أحق هبا ".
2االحنراف السلوكي :ال خيفى وجود بعض مظاهر االحنراف السلوكي عند بعض املسلمني يف
املعامالت املالية ويف األخالق ،وقد نتج عن ذلك ازدايد أعمال الفساد واجلرمية ،من نصب،
واحتيال ،وسرقة ،وأكل للمال ابلباطل ،وحماابة ،ونفعية ،فضالً عن التربج ،واحملاداثت احملرمة
بني الشباب والفتيات ،واجلرأة على اقرتاف املنكرات ،واالستهتار ابآلخرين وعدم االستحياء
منهم...
كما نم ِش م
ط التشبه بغري املسلمني فيما هو من خصائصهم وال نفع فيه من األعياد ،واملناسبات،
واملواسم ،واالجتماعات ،واملهرجاانت ،وأزايء املالبس(املوضات) ،ويف حفالت الزواج .وحنو ذلك مما
فيه ابتعاد عن هدي النبوة ،وينطبق عليه حديث " :من تشبَّه بقوم فهو منهم ".
وهنا البد أن يعلم أنه ال ينبغي اخللط بني عبادات غري املسلمني وعاداهتم ،وبني إجنازاهتم اليت
فيها مصلحة للمسلمني يف حياهتم الدنيوية ،كاالبتكارات واالخرتاعات واملصاحل األخرى املشاهبة،
فإنه ينبغي االستفادة منها والعمل هبا ،وهي ليست من التشبه هبم يف شيء ،ويشهد هلذا :اقرتاح
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
سلمان الفارسي على النيب حفر اخلندق لصد هجوم األحزاب على املدينة ،وقوله للنيب :
كانت الفرس تصنع مثل هذا إذا حزهبم البأس ،فأقر النيب هذا االقرتاح ،وأمر أصحابه حبفر
اخلندق...
وقد تعددت وتنوعت وسائل اإلعالم املعاصرة من مقروءة ومسموعة ومرئية ،وإن كثريا من
مواقع " اإلنرتنت " وقنوات التلفزيون " ووسائل التواصل ،ومواقع اليوتيوب ،وغريها ،قد أخذت
مكان الصدارة يف شؤون الرتبية والتعليم والتوجيه والتأثري وخاصة على الشباب والناشئة ،مبا فيها من
إمكانيات متنوعة وفائقة وجذابة ،يسهل التعامل معها والوصول إليها يف أغلب األحيان واألماكن.
إال أن بعض وسائل اإلعالم يف بعض البالد واجملتمعات اإلسالمية تعيش بعيدة عن القيم اإلنسانية
النبيلة ،والسلوك الفطري السوي ،وعن تعاليم اإلسالم وهديه ومقاصده ،حيث صارت يف متناول
أفراد األسرة واجملتمع كباراً وصغاراً ،نساء ورجاالً ،مثقفني وغري مثقفني .وتبث األفكار والقيم ال
تتناسب مع قيم اإلسالم وأخالقه .
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
والواقع غري ذلك؛ ألن علماء األمة الرابنيني ،هم منارات اهلدى يف أي جمتمع؛ مبا أعطاهم هللا
عرف به احلالل من احلرام ،والصواب من اخلطأ ،وهم احلصانة لألفراد يف تعاىل من العلم النافع ،الذي يُ م
َّ ِ َّ ِ
ين الم السراء والضراء ،وهلذا فضلهم هللا تعاىل على غريهم فقال قُ ْل مه ْل يم ْستم ِوي الذ م
ين يم ْعلم ُمو من موالذ م
اب . ي ْعلممو من إَِّمنما ي تم مذ َّكر أُولُو األملْب ِ
م م ُ ْ م ُ
إن العلماء هم ورثة األنبياء ،وإن صحبتهم من أقوى العوامل يف إصالح الفرد املسلم ،وتعميق
إميانه ،وتطبيع أخالقه على االعتدال من غري إفراط وال تفريط ،وتعليمه أمور الدين ،واألخذ بيده حنو
اّلل وُكونُواْ مع َّ ِ ِ َّ ِ
ني .وعن ابن عباس قال: الصادق م مم ين مآمنُواْ اتَّ ُقواْ َّم م
الكمال املنشود :يمأميُّ مها الذ م
ذكركم هللام رؤيتُه ،وزاد يف عملكم منط ُقهَّ ،
وذكركم أي جلسائنا خري ؟ قال" :من َّ قيل :اي رسول هللاُّ :
ابآلخرة عملُه".
وعليه فإنه ينبغي على الشباب يف أي جمتمع إسالمي ،توثيق صلتهم ابلعلماء الرابنيني الثقات
املخلصني وتقويتها ،واإلكثار من زايراهتم ،وحضور جمالسهم والتعلم منهم ،واحرتامهم وإكرامهم،
وعرض املشكالت عليهم ،واالستماع إىل آرائهم وتوجيهاهتم ،وتلك الصفات حبق من أهم أسباب
احلصانة من االحنراف بكافة أنواعه وصوره ،وهي أيضاً من أبرز عوامل االرتقاء ابألمة ،وحتقيق آماهلا
وطموحاهتا ،وخباصة يف هذه الظروف العصيبة اليت مير هبا املسلمون ،قال الشعيب :صلَّى زيد بن اثبت
خل عنك اي على جنازة ،ف ُق ِربت إليه بغلته لريكبها ،فجاء ابن عباس فأخذ بركابه ،فقال زيدِ :
ابن عم رسول هللا فقال ابن عباس :هكذا أ ُِم ْران أن نفعل بعلمائنا ،فقبَّل زيد يده وقال :هكذا
أمران أن نفعل أبهل بيت نبينا .
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
-1حتصني الشباب ابلثقافة اإلسالمية الواعية من خالل االهتمام ابلرعاية األسرية والربامج
اإلعالمية الدينية والرتبوية ،وربطهم ابملساجد ،وتعريفهم ابألحكام الشرعية لتلك املشكالت،
ين الم يم ْعلم ُمو من إَِّمنما َّ ِ َّ ِ
ين يم ْعلم ُمو من موالذ مواخلطورة املرتتبة عليها ،قال هللا تعاىل :قُ ْل مه ْل يم ْستم ِوي الذ م
اب . ي تم مذ َّكر أُولُو األملْب ِ
م م ُ ْ
ونساء كانوا يف موضع ٍ ٍ
وشباب -2اإلكثار من ذكر القصص والنماذج واملواقف التارخيية ٍ
لرجال
القدوة الصاحلة ،وقد قيل :إن احلكاايت جند من جنود هللا تعاىل ،يثبِت هبا قلوب أوليائه،
ت بِِه فُ مؤ ماد مك . ك ِم ْن أمنْبم ِاء ُّ
الر ُس ِل مما نُثمبِ ُ ص معلمْي م وهذا مصداق قوله تعاىل :موُك الًّ نَّ ُق ُّ
-3حث الشباب والفتيات على الزواج املبكر ،وتيسري أسبابه هلم ،وتقليل املهور ونفقات
األعراس؛ لتحصينهم ضد اإلغراءات واملفاسد( :اي معشر الشباب ،من استطاع منكم الباءة
فليتزوج ،فإنه أغض للبصر و أحصن للفرج ،ومن مل يستطع فعليه ابلصوم فإنه له ِو مجاء).
-4عدم التهاون مع األخالق الوافدة والعادات الغريبة اليت تنايف آداب اإلسالم وقيمه ،يف
اجملالس واملنتدايت وحنوها ،والعمل على جتنُّب ما يثري الغرائز ،وحماسبة من جيرتع على ذلك،
ك أ ْمزمكى مهلُْم إِ َّن َّ ِ ضواْ ِمن أمب ِ ِ ِِ
اّللم وج ُه ْم ذل م صا ِره ْم مومْحي مفظُواْ فُ ُر مني يمغُ ُّ ْ ْ م ق ال هللا ت ع اىل :قُ ْل ل ْل ُم ْؤمن م
ضن ِمن أمب ِ ِ ِ
صا ِره َّن مومْحي مفظْ من فُ ُر م
وج ُه َّن . ض ْم ْ ْ م صنم عُو من موقُل ل ْل ُم ْؤِمنمات يم ْغ ُ ِ
مخبِري مبما يم ْ
-5إنزال العقوبة الشرعية ابملفسدين واجملرمني ،وعدم التهاون معهم؛ ملا يسبِبونه من أضرار
ومفاسد دينية وأخالقية وصحية ومعيشية ،تدمر اجملتمع ومكتسباته عاجالً أو آجالً ،قال هللا
اص حياة اي أُ ِويل األملْب ِ ِ
اب لم معلَّ ُك ْم تمتَّ ُقو من . م ص ِ مم تعاىل :مولم ُك ْم ِيف الْق م
املشكلة الرابعة :فشو الفواحش األخالقية :كالزان ،واللواط ،والقذف ،واملخدرات واملسكرات.
وإليك أخي الكرمي بيان حكمها ِ
وحكمة حترميها ،واألخطار املرتتبة عليها. ُ
حرم هللا سبحانه وتعاىل الفواحش بشىت أنواعها ،ليبقى اجملتمع سليماً نظيفاً نقياً ،مادايً ومعنوايً،
ش مما ظم مهمر ِمْن مها مومما بمطم من ومن هذه الفواحش: ِ
قال تعاىل :موالم تم ْقمربُواْ الْ مف مواح م
-1فاحشة الزان:
حكمه :هو حرام ،ومن كبائر الذنوب ابلكتاب والسنة وإَجاع األمة.
الزىن إِنَّه مكا من فم ِ
اح مشةً مو مساءم مسبِيالً . قال تعاىل :موالم تم ْقمربُواْ ِ م ُ
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
وقال " : م ن أش راط الس اعة أن يرف ع العل م ويظه ر اجله ل ،ويش رب اخلم ر ،ويظه ر ال زان ،" ..وق ال
.
" :ال يزين الزاين حني يزين وهو مؤمن"
وأما اإلَجاع فقد أَجع املسلمون على اختالف مذاهبهم على حترمي الزان.
وأم ا احلكم ة م ن حت رمي ال زان :فتتجل ى ظه ار مفاس ده وأض راره عل ى الف رد واجملتم ع ،ب ل وعل ى
اإلنسانية كلها يف حال معاشهم ومعادهم ،ومن هذه األضرار واملخاطر اليت ُح ِرم الزان من أجلها:
ال زان يس بب أمراض اً فتاك ة تعص ف حبي اة أف راد اجملتم ع ،كالس يالن والزه ري واإلي دز وغريه ا ،كم ا -1
أنه سبب يف العذاب األليم يوم القيامة ،ألنه من الكبائر.
ال زان يفس د نظ ام البي ت ويقط ع العالق ة ب ني ال زوجني ،ويع رض األوالد لس وء الرتبي ة والتش رد -2
واالحنراف ،كما أنه يسبب ضياع النسب.
الزان وإن أشبع الرغبات اجلنسية ،إال أنه ال يشبع الرغبات الروحية ،واليت هي من مقاص د ال زواج -3
الشرعي.
ال زان يك ون س بباً يف الع زوف ع ن ال زواج الش رعي ،وه و عملي ة حيواني ة مؤقت ة ال تبع ة وراءه ا، -4
ميجها الطبع السليم ،وينأى عنها اإلنسان السوي الشريف.
-2اللـواط:
والل واط فعل ة ق ذرة واحن راف ع ن الفط رة ،وش ذوذ يف الس لوك ،وم ن أبش ع املنك رات وأخطره ا
على اإلنسانية من َجيع اجلوانب ،وقد فعله قوم لوط عليه السالم ،فعاقبهم هللا عقاابً شديداً.
حكم اللواط :هو حرام من كبائر الذنوب ،ودليله من الكتاب والسنة واإلَجاع.
ني .إِنَّ ُك ْم لمتمأْتُو من ِ اح مش مة ما سب مق ُكم ِهبا ِمن أ ٍ ِ
قوله تعاىل :ولُوطاً إِ ْذ قم مال لِمقوِم ِه أ ممأتْتُو من الْ مف ِ
محد من الْ معالمم م
م مم ْ م ْ م ْ م
ِ
الر مج مال مش ْه موًة ِمن ُدون الن مسآء بم ْل أمنْتُ ْم قم ْوم ُّم ْس ِرفُو من .
ِ ِ ِ
وقال "من وجدمتوه يعمل عمل قوم لوط ،فاقتلوا الفاعل واملفعول به".
و قد أَجعت األمة على حترميه.
احلكمة من حترمي اللواطُ :حرم اللواط ألنه من أكرب اجلرائم والفواحش اليت تسبب فساد الدين
واخللق ،والفطرة والدنيا ،واحلياة نفسها ،وهلذا كان عقاب مرتكبيها مناسباً لبشاعة فعلهم ،فخسف
هللا األرض بقوم لوط ،وأمطر عليهم فملم َّما مجاءم أ ْمم ُرمان مج مع ْلنما معالِيم مها مسافِلم مها موأ ْممطمْرمان معلمْي مها ِح مج مارةً ِمن
يد ،وأمر بقتل الفاعل ند ربِك وما ِهي ِمن الظَّالِ ِمني بِبعِ ٍ ِ ِس ِج ٍيل َّمْن ٍ
م م ضود ُّ م مس َّوممةً ع م م م م م م م ُ
واملفعول به كما تقدم.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
-3القذف:
وهو الرمي ابلزان يف معرض التعيري أو يف النسب مما يوجب احلد منهما.
وق ال الن يب " اجتنب وا الس بع املوبق ات ،ق الوا :اي رس ول هللا وم ا ه ن؟ ق ال :الش رك ابل...
وقذف احملصنات املؤمنات الغافالت".
كما أَجع العلماء على حترمي القذف ،وعدوه من الكبائر.
ِّحكمة حترمي القذف :تقدم الك الم عل ى احلكم ة م ن حت رمي ال زان والل واط ،ويض اف هن ا أيض اً :لبش اعة
هذه اجلرائم كان الرمي واالهتام هبا شنيعاً وذلك حلماية األعراض وصوهنا عن ال تهم والطع ون ،واحملافظ ة
عل ى مسع ة اإلنس ان وص يانة كرامت ه ،ومن ع ض عاف النف وس م ن إش اعة الفاحش ة يف األب رايء الغ افلني،
واحملافظة على مشاعر أفراد األسرة والعمل على متاسكها ،وابلتايل متاسك أفراد اجملتمع بشكل عام.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
املخاطر املرتتبة على القذف :ال شك أن القذف له خط ر عظ يم ،وهل ذا رت ب هللا تع اىل علي ه عقوب ة
تناسب هذا الفعل ،وهو جلد القاذف مثانني جلدة ،ووصفه ابلفاس ق ،وع دم قب ول ش هادته وم ن ه ذه
املخاطر :أن القذف يؤدي إىل حلوق العار واملعرة ابملقذوف و املقذوفة ،و م ن يقرهبم ا وتش عب ظن ون
الناس حوله ،ويؤدي إىل التشكيك يف نسب األوالد ،ويتسبب يف تفكك األس ر واهنياره ا ،كم ا ي ؤدي
إىل األحقاد والعداء بني أفراد األسرة ،وأحياانً إىل املشاجرات وسفك الدماء.
-2املسكرات :واملسكر :هو املغيب للعقل مع نشوة وسرور ،وميل إىل البطش ،واالنتقام.
ومن أنواع املسكرات :العرق ،والويسكي ،والكونياك ،والكحول.
وعلى كل حال ،فهي َجيعها تشرتك يف ختدير العقل ،وإحداث فتور عام يف البدن -عل ى م ا
م َّر يف التعريف ات -م ع وج ود خت يالت فاس دة ،وأفك ار غ ري حقيقي ة ،ق د يرتت ب عليه ا بع ض اجل رائم
واجلناايت.
وبناءً على هذا تلحق املخدرات ابملسكرات الشرتاكهما يف علة حترمي املسكر.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
اخلممر والْمي ِسر واألمنصاب واأل ْمزالمم ِرجس ِمن عم ِل الشَّيطم ِ َّ ِ
ان ْ ْ مم ين مآمنُواْ إَِّمنما ْ ْ ُ م م ْ ُ م م ُ م ُ ْ قوله تعاىل :يمأميُّ مها الذ م
اجتمنِبُوهُ لم معلَّ ُك ْم تُ ْفلِ ُحو من .
فم ْ
وقوله " :كل مسكر مخر ،وكل مسكر حرام".
وسأل أبو موسى األشعري رسول هللا عندما بعثه النيب إىل اليمن عن ش راب هن اك ق ائالً:
اي رسول هللا :إن شراابً يصنع أبرضنا يقال له املِْزر من الشعري ،وشراب يقال له البت ع م ن العس ل فق ال
رسول هللا : كل مس كر ح رام ،وع ن أم س لمة -رض ي هللا عنه ا -قال ت :هن ى رس ول هللا ع ن
كل مسكر ومفرت".
-1حفظ الكليات اخلمس ،الدين ،والعقل ،والنفس ،والعرض ،واملال ،واليت جاء الشرع حبفظها.
-2حفظ كرامة اإلنسان ،واحملافظة على املن زلة اليت تليق نسانيته ،والبعد عن الذلة والصغار.
-3حفظ األسرة من التفكك والضياع ،واجملتمع من االحنالل والدمار.
أ) أضرار دينية :ألن تعاطيها يصد عن ذكر هللا تعاىل وعن الصالة ،وابقي العبادات والطاعات.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
وتضخم الطحال .ونقص املناعة ،فهو ُحيم ِول االنسان اجلميل الباسم ،إىل هيكل عظم ي ش احب الل ون
كئيب املنظر.
-3الدخان أو التبغ:
تعريفه :هو نبات حشيش خمدر ،مر الطعم مشتمل على مادة النيكوتني السامة.
حكمه :حرام ،لتحقق ضرره على الدين والبدن واملال ،مع عدم نفعه مطلقاً.
ومن األدلة على حترميه:
ث ،وما من عاق ل يق ول :إن ال دخان ل يس اخلمبمائِ م
ات موُحيم ِرُم معلمْي ِه ُم ْ -1قوله تعاىل :وُِحي ُّل مهلم الطَّيِب ِ
م ُُ م
خبيثاً مستقذراً طعماً ورائحةً.
اّللم مك ا من بِ ُك ْم مرِحيم اً .وق د ثب ت ض رر ال دخان عل ى -2قول ه تع اىل :موالم تم ْقتُلُ واْ أمنْ ُف مس ُك ْم إِ َّن َّ
الصحة ،وأنه سام ،وسبب يف أمراض كثرية مهلكة تسوق صاحبها إىل حتفه ،فهو حمرم.
-3تقدم يف املخدرات أن النيب قال" :كل مسكر حرام" وهنى عن كل مسكر ومفرت"،
والدخان على أقل تقدير مفرت.
ني وقال سبحانه :موالم تُبم ِذ ْر تم ْب ِذيراً ِ
ب الْ ُم ْس ِرف م -4قوله تعاىل :وُكلُواْ موا ْشمربُواْ موالم تُ ْس ِرفُواْ إِنَّهُ الم ُِحي ُّ
ني . اط ِ إِ َّن الْمب ِذ ِرين مكانُواْ إِخوا من الشَّي ِ
م ْم ُم م
واإلسراف أو التبذير هو إنفاق املال وإن قل يف غري حقه ،وإنفاق املال على ال دخان ه و م ن ه ذا
القبيل ،فالدخان إذن حرام.
وال يقولن قائل :ليس يف كل ما ذكر هنا وغريه دليل صريح يقضي بتحرمي الدخان.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
واجل واب :إن ال دخان يق اس عل ى غ ريه م ن املخ درات ،إذ ل يس ك ل ش يء ال ب د وأن يُ نمص عل ى
حكم ه يف الش ريعة ،وإمن ا هن اك كلي ات عام ة وقواع د ش رعية ين درج حتته ا أحك ام كث رية ،ومنه ا
الدخان وأمثاله.
حكمة حترمي الدخان :هنى اإلسالم عن كل ما فيه مضرة على اإلنسان ،وقد احتوى الدخان على
كثري من األضرار كاألضرار الدينية ،واألضرار األخالقية ،واألضرار االجتماعية ،واألضرار االقتصادية،
واألضرار الصحية.
أ) أمــا األض ـرار الدينيــة :فال دخان م ن أس باب الص د ع ن ذك ر هللا وع ن الص الة ،وع دم حض ور
ص احبه جم الس ال ذكر -غالب اً -كم ا أن ه يثق ل علي ه الص يام ،واالعتك اف ،يق ول الش يخ عب دهللا ب ن
جربين :لعل ذلك حدث بسبب عمى القلب احلسي واملعنوي.
ب) وأمــا أض ـراره اخللقي ــة واالجتماعيــة :فباملش اهدة ن رى كث رياً م ن امل دخنني ل ديهم اجل رأة عل ى
إس اءة األخ الق ،ابإلض افة إىل أن امل دخن كث ري الغض ب يث ور ألتف ه األس باب ،ال س يما إذا نف د م ا
عن ده م ن ال دخان ،ورمب ا يض طر إىل طل ب ال دخان بط رق غ ري مش روعة ،كالس رقة أو االخ تالس ،أو
التسول.
ُّ
ج) وأما أضراره الصحية :فهي مؤملة وقاتلة ،فسموم الدخان وتعفنه كلها تصب يف نفس امل دخن
وبدنه ،فيصاب أبمراض كث رية يف ك ل جه از م ن أجه زة جس مه ،كس رطان احلنج رة وس رطان القص بات
اهلوائية ،وسرطان املعدة والبنكرايس ،وتصلب الشرايني ،وغريها.
د) وأمــا أض ـراره االقتصــادية :فه ي كث رية وكب رية ،إذ يص رف عل ى الس جاير مب ال كب رية ،ويص رف
على عالج األمراض اليت يس ببها ك ذلك مب ال طائل ة ،كم ا أن امل دخن يق ِرت عل ى أهل ه وأوالده ،لي ِ
ؤمن
مثن سجايره ،وهذا يسبب مشاكل اقتصادية واجتماعية ،و هذه احلقائق ال ينكرها أحد حىت الذين ال
يدينون بدين احلق.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
األسرة المسلمة
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
احملاضرة السادسة
أمهية األسرة ومكانتها يف اإلسالم.
أوال :أمهية األسرة يف اإلسالم.
اقتضت سنة هللا تعاىل يف اخللق أن يكون قائماً على الزوجية ،فخلق سبحانه وتعاىل من كل شيء
زوجني ،قال تعاىل :وِمن ُك ِل مشي ٍء مخمل ْقنما مزْو مج ْ ِ
ني لم معلَّ ُك ْم تم مذ َّكُرو من . ْ م
كما أودع سبحانه وتعاىل ميالً فطرايً بني زوجي كل جنس ،فكل ذكر مييل إىل أنثاه ،والعكس،
وذلك لتكاثر املخلوقات واستمرار احلياة على وجه األرض ،وجعل سبحانه ميل الرجل إىل األنثى
واألنثى إىل الرجل خمتلفاً عن ابقي الكائنات ،فامليل عند اإلنسان غري مقيد بوقت وال متناه عند حد
الوظيفة اجلنسية ،وذلك الختالف طبيعة اإلنسان عن طبيعة احليوان ،فالصلة القلبية والتعلق الروحي
عند اإلنسان ،ال يقفان عند قضاء املأرب فحسب ،بل يستمران مدى احلياة.
مكرماً مفضالً عند خالقه -عز وجل -على كثري ممن خلق ،فقد جعل حتقيق وملا كان اإلنسان َّ
هذا امليل واتصال الرجل ابملرأة عن طريق الزواج الشرعي فقط ،وهلذا خلق هللا آدم عليه السالم وخلق
اح مدةٍ مو مج مع مل ِمْن مها مزْو مج مها
سوِ ِ ِ
منه حواء ،مث أسكنهما اجلنة فق ال تعاىلُ :ه مو الَّذي مخلم مق ُك ْم من نَّ ْف ٍ م
ِ
اجلمنَّةم .
ك ْ اس ُك ْن أمنْ م
ت مومزْو ُج م ليم ْس ُك من إِلمْي مها وقال تعاىل :موقُ ْلنما ماي م
آد ُم ْ
وهكذا كانت أول أسرة يف اتريخ البشرية هي أسرة آدم عليه السالم ،مث تكاثرت األسر وانتشرت
إىل ما نراه اليوم ،مصداقاً لقوله تع اىل :مو مج معْلنما ُك ْم ُش ُعوابً موقمبمائِ مل لِتم مع مارفُوا
ين اإلسالم ابألسرة ،فأحاطها بسياج من العناية والرعاية ،وحرص على استمرارها قوية ِ
لقد عُ م
متماسكة ،وما ذلك إال ملكانة األسرة وأمهيتها ،فما مكانة األسرة يف اإلسالم؟
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
-4تُعد األسرة مؤسسة للتدريب على حتمل املسؤوليات ،وإبراز الطاقات ،إذ حياول كلٌّ من
الزوجني بذل الوسع للقيام بواجباته ،وإثبات جدارته لتحقيق سعادة األسرة.
-5تعد األسرة هي اللبنة لبناء اجملتمع فاجملتمع يتكون من جمموع األسر.
أما اتصال الرجل ابملرأة عن طريق غري مشروع (السفاح) فهو اتصال ال يليق بكرامة اإلنسان،
وهو وإن حقَّق الشهوة العابرة املشوبة ابحلسرة والندامة ،إال أنه ال حيقق حبال من األحوال السكن
واهلدوء واالستقرار ،كما أنه مل يكن من مقاصده حتمل املسؤوليات ،وإجناب املواليد ،وإن جاء مولود
فهو سقط ،أو لقيط طريد ،وهكذا يكون مثل هذا االتصال بني الذكر واألنثى ،مصدر شقاء
وتعاسة ،وأشباح شريرة تطارد الفاعلني له ،فهم ال يشعرون بسعادة وال استقرار ما داموا على هذه
وسر سعادهتا وبقائها ،وابلتايل سعادة اجملتمع
أس تكون األسرة ُّ احلال ،ويبقى الزواج الشرعي ُّ
واستقراره.
-1اليواننيون:
كانت املرأة عند اليواننيني مسلوبة احلرية ،واحلقوق اإلنسانية واالجتماعية ،واالقتصادية .كما
كانت تباع وتشرتى ،وال حتظى ابحرتام ،وبقيت املرأة على هذه احلال ،إىل أن تبذلت واختلطت
ابلرجال مؤخراً ،فشاع الزان عندهم وصار فعل الفاحشة غري ُمستمبشع وال ُمستنكر ،فكان ذلك إيذاانً
ابهنيار حضارهتم وسقوطها.
-2الرومانيون:
كانت املرأة الرومانية معدومة األهلية متاماً كالصغري واجملنون ،وعندما تتزوج تدخل يف سيادة
زوجها ،وتصري يف حكم ابنته ،وله أن حياكمها ،ويعاقبها ابإلعدام يف بعض األحيان ،مث تغري
وضعها ،فخرجت إىل جمالس اللهو والطرب ،وشرب اخلمور مما أدى إىل خراب حضارة الرومان
وزواهلا.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
-4اليهود:
يمعُ ُّد اليهود -بناءً على أصلهم احملرف -املرأة لعنة ،إذ هي أصل الشرور ومنبع اخلطااي ،ألهنا -
حبسب زعمهم -أغرت آدم -عليه السالم -ابألكل من الشجرة امللعونة ،كما يعدوهنا جنسة يف
أايم حيضها ،وهي عندهم مبرتبة اخلادم ،وألبيها احلق يف بيعها قاصرة ،وهي حمرومة من املرياث ،مث
تغري حال املرأة عند كثري من اليهود ،من النقيض إىل النقيض ،ويكفي أن نعلم أن املرأة أصبحت
عندهم من األسلحة اليت يستخدموهنا يف غزو قلوب الشباب وإفسادهم ،والسيطرة على العامل.
وقد جاء يف بروتوكوالت حكماء صهيون" :جيب أن نعمل لتنهار األخالق يف كل مكان فتسهل
سيطرتنا ،إن فرويد منا وسيظل يعرض العالقات اجلنسية يف ضوء الشمس ،لكي ال يبقى يف نظر
الشباب شيء مقدس ،ويصبح مهه األكرب هو إرواء غرائزه اجلنسية ،وحينئذ تنهار أخالقه".
-5النصارى :
كانت النظرة إىل املرأة عن د رج ال الكنيس ة ق دمياً نظ رة س وداوية ،ألهن ا يف نظ رهم ه ي ال يت أغ رت آدم
علي ه الس الم ابألك ل م ن الش جرة امللعون ة ،وك انوا يش ككون يف إنس انية امل رأة ،ول يس هل ا عن دهم ح ق يف
التملك ،بل إنه يباح بيعها يف بعض األحي ان ،كم ا أهن م ك انوا حيتق رون العالق ة اجلنس ية ب ني الرج ل وامل رأة،
ويزهدون هبا ،وإن كانت عن طريق مشروع.ِ
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
-5جعل اإلسالم املرأة أهالً للتكليف ،فهي مكلفة كما أن الرجل مكلف ،وجمزية أبعماهلا دنيا
وآخرة ،إن خرياً فخري وإن شراً فشر ،قال تعاىل :من ع ِمل ص ِ
احلاً ِمن ذم مك ٍر أ ْمو أُنْثمى موُه مو مْ م م م
ِ
مجمرُهم ِأب ْ
مح مس ِن مما مكانُواْ يم ْع مملُو من . ُم ْؤمن فملمنُ ْحيِيم نَّهُ محيماةً طميِبمةً مولمنم ْج ِزيمن ُ
َّه ْم أ ْ
-6أعطاه ا اإلس الم حقوق اً مالي ة بع د أن كان ت حمروم ة منه ا ،فله ا ح ق امله ر ،وهل ا أن ت رث،
وتتصرف فيما متتلك ،وفق حدود الشرع.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
-7جعل هلا احلق يف املشاورة وإبداء الرأي ،بعد أن كانت مسلوبة متاماً من هذا،
اح معلمْي ِه مما . ق ال تعاىل :فمِإ ْن أمرادا فِصاالً عن تمر ٍ ِ
اض مْن ُه مما موتم مش ُاوٍر فمالم ُجنم م مم م م م
كم ا يؤخ ذ رأيه ا يف ال زواج ،وهل ا ح ق يف اخلل ع ،إذا م ا كره ت االس تمرار يف ال زواج ،ه ذا
ابإلضافة إىل حقوق كثرية َييت ذكرها.
ولعل أوضح مثال على حفظ حقوق املرأة يف مملكتنا احلبيبة اململكة العربية السعودية ،وهي
الدولة اليت قامت على حتكيم كتاب هللا وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم ما نصت عليه رؤية اململكة
من 2030
مهما من عناصر قوة اململكة ،وسنستمر يف تنمية مواهبها واستثمار عنصرا ًّ
( أن املرأة السعودية تعد ً
طاقاهتا ومتكينها من احلصول على الفرص املناسبة لبناء مستقبلها واإلسهام يف تنمية جمتمعنا واقتصادان
بتوفري العوامل اليت تساعد على متكينها ،من إرادة سياسية ،وإمكاانت اقتصادية ،ووعي جمتمعي أبمهية
دور املرأة يف التنمية ( .
وتقدمت املرأة السعودية خبطوات اثبتة حنو التمكني بعد صدور العديد من القرارات
والتشريعات واألنظمة اليت تعزز مكانتها وحتفظ حقوقها الشخصية واالجتماعية ،وضمان مشاركتها
يف منظومة التنمية وصناعة القرار ،بفضل ما أولته حكومة خادم احلرمني الشريفني امللك سلمان
بن عبدالعزيز وويل عهده األمني من رعاية ودعم وفق رؤية اململكة الطموحة .2030
وسعياً لتهيئة بيئة مناسبة لربامج الرؤية ،بذلت اجلهات ذات العالقة مبا فيها جملس الشورى
جهودا ملموسة يف سبيل حتسني الوضع احلقوقي والتشريعي للمرأة يف اململكة ،وذلك من
ووزارة العدل ً
خالل إصدار القرارات وسن التشريعات املتعلقة بتوظيفها ومتكينها ابلعمل يف القطاع احلكومي،
توجهها حنو رايدة األعمال والتجارة
وتوفري الدعم االجتماعي والصحي واألمين هلا ،وتعزيز ُّ
واالستثمار.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
احملاضرة السابعة
الشبه املثارة حول املرأة يف اإلسالم
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
بيتها يف التعليم ،والتمريض ،واملصارف وكثري من املؤسسات األخرى وفق ضوابط الشريعة
اإلسالمية .ووفق األنظمة اليت حتفظها من أي اعتداء أو جتاوز .
ج -تكوين املرأة النفسي واجلسدي خيالف تكوين الرجل ،فاملرأة يعرتيها حيض ولل ونفاس،
ورضاع ،وما يرافق ذلك من آالم وحاالت نفسية ،فمن الطبيعي أن يكون لكل من الرجل
واملرأة عمل يناسب طبيعته ،قال تعاىل :ولمْيس َّ
الذ مك ُر مكاألُنْثمى . م م
الشبهة الثانية والرد عليها :شهادة املرأة .
قالوا :إن اإلسالم انتقص املرأة وعاملها دون الرجل فجعل شهادهتا على النصف من شهادة
يديْ ِن ِمن استم ْش ِه ُدواْ مش ِه مالرجل ،ويف هذا هدر إلنسانيتها وكرامتها ،يشريون إىل قوله تعاىل :مو ْ
امهما فمتُ مذكِمر إِ ْح مد ُ ضو من ِمن الشُّه مدا ِء أمن تم ِ ِِ وان ر ُجلم ْ ِ ِ ِ
امهما ض َّل إْ ْح مد ُ ني فم مر ُجل مو ْاممرأ مماتن ممَّن تم ْر م ْ م م ِر مجال ُك ْم فمإن َّملْ يم ُك م م
ُخمرى . األ ْ
وللرد عليهم نقول :
سوى بني الرجل واملرأة يف هذاأ -موضوع الشهادة ال عالقة له ابإلنسانية والكرامة ،فاإلسالم َّ
اجلانب.
ب -إن موضوع الشهادة خاص ابألمور املالية ،وإثبات احلقوق ،واجلناايت ،وهذا كله ليس من
اختصاص املرأة ،وال من ضمن اهتماماهتا ،فهي تنسى هذه األمور ،وال تلقي هلا ابالً ،ولذلك
ُخمرى . امهما فمتُ مذكِمر إِ ْح مد ُ
امهما األ ْ
جاء التعليل يف اآلية :أمن تم ِ
ض َّل إْ ْح مد ُ
ج -كما أن املرأة عاطفيه بطبعها ،فقد تتأثر ابملوقف أو تتأثر ابملشهود له أو عليه ،ذكراً كان أو
أنثى ،فينعكس ذلك على شهادهتا.
د -ومما يدل على أن شهادهتا ال عالقة هلا ابإلنسانية وال ابالنتقاص من كرامتها وقدرها ،هو أن
اإلسالم قبل شهادهتا وحدها فيما خيص النساء ،ومما يطلعن عليه دون الرجال غالباً ،فتقبل
هبذا شهادهتا وحدها يف إثبات الوالدة ،ويف الثيوبة والبكارة ،ويف الرضاع وحنوها.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
وقبل الرد على هذه الشبهة جبوانبها املتعددة ،ال بد من التأكيد على احلقائق اآلتية:
اب لم ُك ْم ِم من ِ
−أابح اإلسالم التعدد ملن رغب فيه وقدر عليه ،فقال تعاىل :فمانك ُحواْ مما طم م
ِ ِ ِ ِ ِ
ك أ ْمد مىن أمالَّ ع فمِإ ْن خ ْفتُ ْم أمالَّ تم ْعدلُواْ فم مواح مدةً أ ْمو مما مملم مك ْ
ت أمْميمانُ ُك ْم ذل م النِ مساء ممثْ مىن موثُالم م
ث موُرماب م
تمعُولُواْ وال جيوز منعه بشكل عام ،أو التشكيك فيه ،أو التنفري عنه.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
−أن هللا تعاىل أحكم شرعة التعدد ونظامه إحكاماً متقناً مبا يزيح عنه كل نقد وعيب،
واإلساءات اليت حتصل يف التعدد ،إمنا هي من سوء استخدام حق التعدد ،وهذا ال يكون
حجة على الشرع.
−جيب على من يعدد ،العدل بني األزواج فيما ميلك ،يف املسكن ،والنفقة ،والكسوة،
واملعاشرة ،وأما ما ليس يف مقدوره أو استطاعته كامليل القليب ،فليس مؤاخذاً به لقوله تعاىل :
وها مكالْ ُم معلَّ مق ِة . ِ ولمن تمست ِطيعواْ أمن تمع ِدلُواْ ب ِ ِ
صتُ ْم فمالم ممتيلُواْ ُك َّل الْ ممْي ِل فمتم مذ ُر م
ني الن مساء مولم ْو محمر ْ
ْ مْ م م ْم ُ
وقالت أم املؤمنني عائشة -رضي هللا عنها -أن النيب كان يقسم بني نسائه فيعدل ويقول:
"اللهم هذه قسميت فيما أملك ،فال تلمين فيما متلك وال أملك".
−إن زواج النيب بزوجاته الطاهرات أمهات املؤمنني ،كان مضرب املثل ،يف العفاف والطهر،
والغاايت النبيلة ،وكان َجعه ألكثر من أربع من أمهات املؤمنني خصوصية من خصوصياته
اليت أكرمه هللا هبا ،وكان زواجه هبن ألغراض سامية ،ومصلحة دينية ،كبيان التشريع ،أو
حتقيق التكافل جبرب خواطر األرامل ،أو أتليف قلوب الناس وتقريبهم إىل اإلسالم ،أو تقدير
وتكرمي بعض األصحاب الذين ضحوا وأبلوا يف اإلسالم بالءً حسناً ،وقد كان أول زواجه أبم
املؤمنني خدجية ،وكانت ثيباً وتكربه خبمسة عشر عاماً ،ومل يتزوج عليها وهي حية .رضي هللا
عن أمهات املؤمنني أَجعني.
−قد يكون التعدد -أحياانً -ضرورة من الضرورات االجتماعية أو الشخصية ،وهلذا أابحه
الشارع احلكيم ،ومن هذه الضرورات:
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
ب -قوهلم :التعدد امتهان للمرأة وتسلط عليها ..ليس صحيحاً ما ادعوه ،بل يف التعدد إكرام
للمرأة وحفظ ملصاحلها ،وقد سبق ذكر ضرورات التعدد وحكمه ،فاملرأة األوىل من مصلحتها
البقاء مع زوجها ،واملرأة الثانية مل جترب على الزواج ،ويف التعدد مصلحة عامة ،تقدم على
مصلحة الزوجة اليت تفضل وحدة الزوجية ،واملرأة من األفضل هلا أن تكون اثنية أو اثلثة أو
رابعة ،وتنجب األطفال ،من أن تكون بال زوج مهددة ابألخطار ،والفتنة..
ج -قوهلم :إن التعدد ينشأ عنه املشاكل واألحقاد بني أفراد األسرة ..اخل ،نعم قد يوجد مثل
هذه املشاكل الناشئة عن الغرية ،كما أن مثل هذا قد يوجد يف األسرة اليت ليس فيها تعدد،
ووجود مثل هذا ،ال مينع التعدد وال يعطله ،فال سبحانه شرع التعدد مع علمه سبحانه
ابلنفوس والطبائع ،وهذا دال على أن مقاصد التعدد تسمو بكثري ،عما قد يقع من الكيد
والتباغض أثراً هلذه الغرية الطبيعية.
وما حيصل يف األسرة من خصام وخالف ،ميكن أن يتالشى متاماً ،أو يكرب ويعظم خطره فعالً
وذلك حبسب حكمة الزوج وحسن تصرفه وإدراكه ملسؤوليته ،وحبسب عدله وظلمه ،فكلما كان
الزوج حمسناً ألزواجه وأبنائه ،عادالً بينهم ،سالكاً هبم طريق الصالح والرشد ،تعليماً وتربية
ونصحاً ،كانت حياته وحياهتم تسودها املودة واحملبة ،وكلما كان مقصراً يف احلقوق مهمالً يف
التذمر ،معرضة لالهنيار ،سواء مع التعدد أو
الرتبية والرعاية ،كانت األسرة مضطربة يسودها ُّ
بدونه.
د -قوهلم :التعدد يؤدي إل كثرة النسل مما يصعب معه الرتبية والتعليم ...اخل
مما ال شك فيه أنه كلما ازداد عدد أفراد األسرة ،اتسعت مسؤوليات األب واألم ،واحتاجت
أمور األسرة إىل مزيد عناية ورعاية واهتمام من َجيع النواحي ،لكن ما قالوه ميكن أن ينطبق
على جمتمع تسوده الرذيلة ال الفضيلة ،وحتكمه الشهوة واملادة ،ال الشريعة واخللق القومي ،حيث
يكثر فيه اللقطاء ،الذين مل يُعرف آابؤهم وال ينتمون إىل أسرة يعتزون هبا وحيافظون على مسعتها
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
ومما يدل على ضرورة التعدد -أحياانً -وحاجة الناس إليه هو :أن اجملتمعات اليت
أُطلقت فيها احلرايت ،وأخذت مببدأ املساواة بني الرجال والنساء ،قد جترعت مرارة الفجور
واإلابحية والتشرد والتفكك ،مما حدا مبفكريهم وعقالئهم نساء ورجاالً ،ابملناداة ابألخذ بنظام
التعدد كما هو احلال عند املسلمني ،ومن هذه البالد ،انكلرتا ،وأمريكا ،وأملانيا ،وفرنسا وغريها.
تعريف احلِّجاب:
هو لباس شرعي ساب تسترت به املرأة املسلمة ليمنع الرجال األجانب من رؤية شىء من
جسدها ،ويقابله التربج والسفور.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
ومن السنة :عن أم عطية -رضي هللا عنها -قالت :أمران أن خنرج احلُيَّض يوم العيد وذوات
اخلدور ،فيشهدن َجاعة املسلمني ودعوهتم ،ويعتزل احليض عن مصالهن ،قالت امرأة :اي رسول هللا:
إحداان ليس هلا جلباب ،قال" :لتلبسها صاحبتها من جلباهبا.
دل احلديث على أن نساء الصحابة -رضي هللا عنهم -ال خترج إحداهن إال جبلباب ،لذا مل َّ
يرخص النيب هلن ابخلروج بغري جلباب ،فيما هو مأمور به ،فكيف يرخص هلن يف ترك اجللباب
خلروج غري مأمور به وال حمتاج إليه؟
مقاصد احلجاب:
شرع الشارع احلكيم احلجاب حلِكم عديدة منها:
-1طهارة قل وب الرج ال والنس اء من الوساوس واخلواطر الشيطانية اليت تفسد النفوس ،ومتيت
القلوب ،قال تعاىل :ذلِ ُك ْم أمطْ مه ُر لُِقلُوبِ ُك ْم موقُلُوهبِِ َّن [ األحزاب]53 :
-2حفظ النساء وصيانتهن من أن يتعرضن ألذى أو شر ،وذلك ألن احلجاب يضفي على مرتديته
ك أ ْمد مىن أم ْن يُ ْعمرفْ من ِ
مهابة ،تصد الفساق عن التجرؤ عليها ابللفظ أو اللحظ ،قال تعاىل :مذل م
فمال يُ ْؤذميْن [ األحزاب.]59 :
-3يعد احلجاب يف الظاهر ،ترَجة لصالح املرأة يف الباطن ،وإشعاراً حبسن مسلكها ،وبقائها على
فطرة احلياء الذي هو الزم من لوازم أنوثتها وجمانبتها للرجال وخمالطتهم.
حقيقة احلجاب:
الكالم عليه من جانبني ،مها :صفات احلجاب ،حدود احلجاب ،وما الذي تبديه أو ختفيه املرأة من
بدهنا.
صفات احلجاب الشرعي :لكي حيقق احلجاب الغرض ،ال بد وأن تكون طبيعته مناسبة لطبيعة املرأة
اليت فطرها هللا تعاىل على احلياء والسرت ،وقد اشرتط العلماء رلهم هللا شروطاً يف احلجاب الشرعي
هي:
-1أن يكون ساتراً جلميع بدن املرأة ،وأن يكون ثخيناً ال يشف عما حتته ،وأن يكون فضفاضاً غري
ضيق حىت ال يصف جسمها.
أقدامهن.
َّ رخص الرسول يف ذيول النساء قدر ذراع حىت ال تنكشف وهلذا َّ
وقال " : صنفان من أهل النار مل أرمها ..ونساء كاسيات عارايت ،مميالت مائالت ،رؤوسهن
كأسنمة البخت املائلة ،ال يدخلن اجلنة وال جيدن رحيها ،وإن رحيها ليوجد من مسرية كذا
وكذا".
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
-2أن ال يكون زينة يف نفسه ،وال يكون مطيبا أبي نوع من أنواع الطيب ،قال " :إذا شهدت
إحداكن املسجد فال متس طيباً".
فإذا هنيت املرأة عن التطيب يف الذهاب إىل املساجد ،فمن ابب أوىل أن متنع من ذلك يف
الذهاب إىل غريها.
وقال " :إذا استعطرت املرأة فمرت على القوم ليجدوا رحيها ،فهي كذا وكذا" قال قوالً
شديداً.
-3أن ال يشبه لباس الرجال ،ففي احلديث الصحيح" :لعن رسول هللا املتشبهني من الرجال
ابلنساء واملتشبهات من النساء ابلرجال".
-4أال يكون احلجاب لباس شهرة ،قال رسول هللا " :من لبس ثوب شهرة يف الدنيا ،ألبسه هللا
ثوب مذلة يوم القيامة".
حدود احلجاب:
تقدم أن احلجاب واجب ،ويظهر من عموم األدلة أنه يشمل َجيع البدن ،وأن املرأة كلها
عورة.
ومن األدلة على ذلك :
ض ْع من س معلمْي ِه َّن ُجنماح أمن يم م ِ ِ ِ ِ ِ َّ ِ
-1قوله تعاىل :موالْ مق مواع ُد م من الن مساء الالميت الم يمْر ُجو من ن مكاحاً فملمْي م
اّللُ مِمسيع ِعلِيم ( النور ،)60:ففي اآلية ات بِ ِزينم ٍة موأمن يم ْستم ْع ِف ْف من مخ ْري َّهلُ َّن مو َّ
ثِي ماهب َّن مغري متم ِربج ِ
م ُ ْم ُ م م
نفي اإلمث عن العج ائز الاليت ال يرجون نكاحاً ،وال يُرغب يف مثلهن يف حالة التخفف م ن
بعض الثياب اليت تسرت َجيع البدن ،وإظهار مثل الوجه والكفني والقدمني من غري تربج بزينة،
اب من النساء ،والاليت يرجون نكاحاً جيب عليهن احلجاب ،وسرت فدل هذا على أن الشو َّ
َجيع البدن.
جر ثوبه ُخيالء مل ينظر هللا إليه يوم القيامة ،فقالت أم سلمة :فكيف يصنعن -2قال " : من َّ
هلن؟ قال :يُرخني شرباً ،فقالت :إذا تنكشف أقدامهن ،قال :فريخينه ذراعاً ال النساء بذيو َّ
يزدن عليه".
ف دل هذا احلديث على وجوب سرت قدم املرأة ،مع أن القدم أقل فتنة من غريه ،مما يدل على أن
املرأة عورة وجيب سرت َجيع بدهنا.
ض ِربْ من -3عن عائشة-رضي هللا عنها -قالت :يرحم هللا نساء املهاجرات األُول ملا أنزل هللا مولْيم ْ
ِخبُ ُم ِرِه َّن معلمى ُجيُوهبِِ َّن[النور ]31:شققن مروطهن فاختمرن هبا ،هكذا فهمت الصحابيات
الفضليات من اآلية ،أن احلجاب يشمل َجيع البدن ،فبادرن إىل شق مروطهن ،وسرت
رؤوسهن ووجوههن.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
-4عن عائشة رضي هللا عنها قالت" :إن كان رسول هللا ليصلي الصبح فينصرف النساء
متلفعات مبروطهن ما يُعرفن من الغملمس" ،وعنها قالت" :لو أدرك رسول هللا ما أحدث
النساء ملنعهن كما ُمنعت نساء بين إسرائيل" ،أي منعهن من الذهاب إىل املساجد لتربجهن.
فدل احلديث على أن احلجاب والتسرت كان من عادة نساء الصحابة -رضي هللا عنهم أَجعني،
دل على أن عائشة أم املؤمنني -رضي هللا عنها -رأت من بعض نساء ذلك وهم خري القرون ،كما َّ
القرن الفاضل ما جيعل النيب مينعهن من املساجد لو كان حياً ،فكيف ببعض نساء زماننا اليوم،
وال حول وال قوة إال ابل.
خنلص من هذا إىل أن املرأة جيب عليها االلتزام بطاعة رهبا عز وجل وطاعة رسوله ابرتداء
احلجاب الساتر جلميع جسمها ،وعدم إبداء شيء من زينتها لغري من استثناهم هللا تعاىل بقوله:
آاب ِء بُعُولمتِ ِه َّن أ ْمو أمبْنمائِ ِه َّن أ ْمو أمبْنما ِء بُعُولمتِ ِه َّن أ ْمو إِ ْخ مواهنِِ َّن والم ي ب ِدين ِزينم تم ه َّن إِالَّ لِب عولمتِ ِه َّن أمو ِ
آابئ ِه َّن أ ْمو م
ْ م ُُ م ُْ م ُ
الر مج ِال ِ ِ ِ ِ ِ ِِ ِِ
ني مغ ِْري أ ُْوِيل ا ِإل ْربمة م من ِ ت أمْميما ُهنُ َّن أم ِو التَّابِع م أ ْمو بمِين إِ ْخ مواهن َّن أ ْمو بمِين أ م
مخ مواهت َّن أ ْمو ن مسائ ِه َّن أ ْمو مما مملم مك ْ
ات النِ مسا ِء ( ٍالنور ،)31:هم البعل (الزوج) ،واألب وأبو الزوج، الط ْف ِل الَّ ِذين ممل يظْهرواْ علمى عور ِ
م ْ م م ُ م مْم
أم ِو ِ
واالبن ،وابن الزوج ،واألخ ،وابن األخ ،وابن االخت ،والنساء املسلمات ،والرقيق ،واخلدم ممن ال
شهوة هلم ،واألطفال الذين ال شهوة هلم.
الشبهة الثانية :قالوا :احلجاب فيه تكبيل للمرأة ،وسبب يف ختلفها ،وتقدمها إمنا يكون مرهوانً
بتحررها منه.
الرد عليها :ليس هن اك عالقة أو مالزمة بني التقدم أو التخلف بشكل عام وبني احلجاب،
فهناك نساء بلغن الذروة يف اجملاالت العلمية واخلدمات االجتماعية ،والفكرية من لدن الصحابة وإىل
اليوم ،فهل هؤالء يوصفن أبهنن متخلفات؟ وهل حال احلجاب بينهن وبني التميز؟ وهل يستطيع
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
الشبهة الثالثة :قالوا :احلجاب دليل على إساءة الظن ابملرأة ،وعدم وثوق الزوج هبا.
الرد عليها :أن احلجاب شرع لصون املرأة وسرتها ،وهي مأمورة ابحلجاب متزوجة كانت أم عزابء،
والتزامها ابحلجاب فيه إرضاء خلالقها ،مث إرضاء لزوجها وذويها ،وهذا من شأنه أن يبعث الثقة هبا،
واالطمئنان إليها وإىل سلوكياهتا ،فاحلقيقة هي عكس ما يقوله هؤالء متاماً.
وخالصة القول :فإن هذه الشبه وأمثاهلا ،ال يراد هبا مصلحة املرأة والغمرية على حقوقها أو
سعادهتا ،وإمنا يراد هبا إشباع غرائز أصحاهبا ،وحتقيق أاننيتهم اليت متلي عليهم اجياد صيد مسني دائماً،
وآخر ما يفكر به هؤالء -إن فكروا -هو مصلحة املرأة وسعادهتا ،فلتحذر الفتاة املسلمة هذه
صم ِاب َّّللِ
النداءات الكاذبة ،والشعارات الزائفة ،والتجارة اخلاسرة ،ولتعتصم ابل عز وجل ومن ي عتم ِ
مم مْ
اط م ْستم ِقي ٍم
فم مق ْد ه ِدي إِ مىل ِصر ٍ
م ُ م
خامساً ُّ :
الشبه املثارة حول إرث املرأة ،وأهنا ال ترث إالّ على النصف من الرجل.
زعم بعض املنتقصني لإلسالم أن اإلسالم أساء إىل املرأة وظلمها حني جعل حصتها يف املرياث
نصف حصة الرجل.
واجلواب على هذا :أن اإلسالم ارتفع بنظام اإلرث عما كان معموالً به عند العرب يف
اجلاهلية ،وعند بعض الشعوب يف العصر احلاضر الذين يورثون الرجال دون النساء.
مث إن اإلسالم راعى يف توزيع اإلرث مقدار حاجة الوارث إىل املال ولو بعد حني ،فكلما كانت
حاجة الوارث أشد كلما كان نصيبه من الرتكة أكثر ،فلما كانت حاجة األوالد الذكور إىل املال أشد
كانت حصتهم من املرياث أكثر؛ ألهنم يف الغالب هم من يستقبل احلياة بتكاليفها ولوازما ومتطلباهتا
املالية املتعددة ،فهو املكلف مبهر الزواج ،وإعداد السكن واألاثث ،ونفقات البيت واللباس
والعالج ...وهنا يظهر أن توزيع اإلسالم إلرث املرأة ليس له عالقة بكوهنا أنثى ،وإمنا بكوهنا أقل
احتياجاً إىل املال.
على أنه البد لنا من القول :إن هناك حاالت ترث فيها املرأة مثل الرجل ،ورمبا أكثر منه ،وبيان
ذلك على النحو التايل:
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
وقد ضربت لنا سرية املصطفى صلى هللا عليه وسلم أروع األمثلة يف حتقيق هذه احلرية الدينية
للمرأة.
فلم تلزم امرأة بدخول اإلسالم تبعاً لزوجها ،أو أبيها ،أو أخيها ،بل كانت هلا احلرية الكاملة
الختيار دينها ..واألروع من ذلك كله أن النيب صلى هللا عليه وسلم جعل للنساء بيعة خاصة
مستقلة عن بيعة الرجال ،ليؤكد حرية املرأة ومسؤوليتها الكاملة عن نفسها وقرارها.
ِ ِ اي أميُّها النَِّيب إِ مذا ج م ِ
ني موال ات يُبمايِ ْعنم م
ك معلمى أمن ال يُ ْش ِرْك من ِاب َّّلل مشْي ئًا موال يم ْس ِرقْ من موال يمْزن م اءك الْ ُم ْؤمنم ُ م م ُّ م
صينمك ِيف معر ٍ
وف فمبمايِ ْع ُه َّن ِ ِِ ان يم ْف مِرتينمهُ بمْ م ِ ِ
الده َّن وال َيْتِني بِب هتم ٍ
ني أميْديه َّن موأ ْمر ُجله َّن موال يم ْع م م ْ ُ يم ْقتُ ْل من أ ْمو م ُ م م م ُ ْ
اّللم مغ ُفور َّرِحيم. استم ْغ ِف ْر مهلُ َّن َّ
اّللم إِ َّن َّ مو ْ
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
لذا ،فقد حرصت الصحابيات على طلب العلم ،والسعي إليه ،ومل تكتف بتلقيه عن الرجال،
لكنها طالبت الرسول صلى هللا عليه وسلم أبن جيعل هلن يوماً خاصاً هبن ،ولتأكيد الرسول على حق
املرأة وحريتها يف هذا اجملال فقد جعل هلن يوماً خاصاً هبن.
عن أى سعيد اخلدري -رضي هللا عنه -قال :جاءت امرأة إىل رسول صلى هللا عليه وسلم
فقالت :اي رسول هللا ذهب الرجال حبديثك ،فاجعل لنا من نفسك يوماً أنتيك فيه تعلمنا مما علمك
هللا ،فقال :صلى هللا عليه وسلم "اجتمعن يف يوم كذا وكذا ،يف مكان كذا وكذا" ،فاجتمعن فأاتهن
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فعلمهن مما علمه هللا.
ومن النماذج الكثرية من نساء هذه األمة الاليت كن مثاالً ُحيتذى يف جماالت العلم واملعرفة:
أ .عائشة أم املؤمنني -رضي هللا عنها -:كانت من أعلم الناس ابلقرآن ،والفرائض ،واحلالل
واحلرام ،والشعر ،وحديث العرب ،والنسب ،والطب ،حىت أصبحت مرجعاً للصحابة والتابعني،
يرجعون إليها إذا أشكل عليهم أمر من أمور الدين.
الفتح ب ِن ٍ
حممدُّ ،أم ز ٍ
ينب البغدادية :كانت من أهل الفقه عباس ب ِن أى ِت ِ ب .فاطمةُ بِْن ُ
والعلم ،والزهد والوعظ ،وصفها ابن تيمية – رله هللا – ابلفضيلة والعلم ،وكانت حتضر جمالس ابن
تيمية ،حىت قيل إنه كان يستعد هلا من كثرة مسائلها وسرعة فهمها.
ج .شهدة بنت أى نصر ألد بن الفرج بن عمر اإلبري ،فخر النساء ،الكاتبة الكبرية،
ومسندة العراق املشهورة ،من أساتذة علم احلديث ،تتلمذ على يديها كثري من العلماء منهم :ابن
اجلوزي ،الذي ذكر أهنا من شيوخه ،وابن قدامه املقدسي ،واملؤرخ املشهور ابن عساكر ،الذي كانت
من شيوخه نيف ومثانون امرأة.
د .أم حبيبة األصبهانية ،عائشة بنت احلافظ معمر بن الفاخر العبشمية القرشية :كانت من
شيوخ احلافظ املنذري ،الذي ذكر أنه حصل منها على إجازة.
ه .فاطمة بنت الشيخ عالء الدين السمرقندي :الفقيه احلنفي الكبري ،صاحب (حتفة الفقهاء)
كانت فقيهة جليلة ،تزوجها الشيخ عالء الدين الكاساين ،صاحب(البدائع)الذي شرح فيه كتاب
شيخه عالء الدين السمرقندي ،وكانت فاطمة ترد على زوجها خطأه يف الفقه إذا أخطأ ،وكانت
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
الفتوى خترج وعليها خطها وخط أبيها ،وبعد زواجها كانت الفتوى خترج وعليها خطها وخط أبيها
وخط زوجها.
هذه النماذج ،وغريها كثري يف جماالت العلم املختلفة من تشري إىل مدى اهتمام املرأة املسلمة ابلعلم،
وأنه إذا بلغت املرأة شأواً يف العلم فلها أن تتوىل الفتوى ،بل وهلا حق االجتهاد يف األحكام الشرعية
إذا ما توافرت فيها شروط االجتهاد شأهنا يف ذلك شأن الرجل ،ال فرق بينهما.
اثلثا :حرية تويل الوظائف العامة.
للمرأة يف اإلسالم حرية تويل الوظائف العامة – فيما دون اخلالفة العظمى – أما مناصب
القضاء ،والسياسة ،فقد اختلفت فيها العلماء بني مانع وجموز ،فقد أجاز اإلمام أى حنيفة – رله
هللا – تويل املرأة القضاء فيما جتوز فيه شهادهتا – أي يف غري األمور اجلنائية – أما املانعون فيذهبون
إىل أن املرأة ال طاقة هلا يف الغالب على حتمل مثل هذه املسؤوليات اجلسمية ،والصراعات ،وهذا ال
يعين أنه ال توجد نساء يفقن الرجال ،ولكنه من النادر ،واألحكام ال تبىن على النادر ،بل على
األغلب العام ،ألن النادر ال حكم له – .لقد وىل أمري املؤمنني عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه قضاء
احلسبة يف سوق املدينة إىل الشفاء بنت عبد هللا.
وقد ثبت أن النساء يف صدر اإلسالم األول مارسن أعماالً خمتلفة مثل :التعليم ،التجارة ،الطب،
الزراعة ،بل شاركن يف اجلهاد ،والغزو مع الرسول صلى هللا عليه وسلم والعمل يف جمال الدعوة،
ض َيْمرو من ِابلْمعر ِ ِ ِ ِ
وف مويمْن مه ْو من م ُْ ض ُه ْم أ ْموليماء بم ْع ٍ م ُ ُ ات بم ْع ُ
وإصالح اجملتمع قال تعاىل :موالْ ُم ْؤمنُو من موالْ ُم ْؤمنم ُ
ِ
الزمكاةم مويُ ِطيعُو من اّللم مومر ُسولمهُ أ ُْولمئِ م
ك مس م ْري ملُ ُه ُم اّللُ إِ َّن اّللم مع ِزيز الصالمةم مويُ ْؤتُو من َّ مع ِن الْ ُمن مك ِر مويُق ُ
يمو من َّ
مح ِكيم.
رابعا :حرية املرأة يف االختيار يف الزواج.
للمرأة يف اإلسالم -ثيباً أو بكراً – كامل احلرية يف اختيار من ترغب الزواج منه ،ورفض من ال
تريده ،وال حق لوليها -األب ،أو غريه -أن جيربها على ما ال تريد ،أو يكرهها على الزواج ممن ال
ترغب ،فإن فرض عليها شيء من ذلك ،فلها رد هذا الزواج .قال صلى هللا عليه وسلم (ال تنكح
األمي حىت تستأ مر ،وال تنكح البكر حىت تستأذن).
وقد خرج البخاري يف صحيحه أن خنساء بنت حذام أنكحها أبوها وهي كارهة ،فأتت النيب
صلى هللا عليه وسلم فرد نكاحها.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
جاءت فتاة إىل النيب صلى هللا عليه وسلم فقالت :إن أى زوجين ابن أخيه لريفع ى خسيسته
فجعل صلى هللا عليه وسلم األمر إليها ،إن شاءت أقرت ما صنع أبوها ،وإن شاءت أبطلته.
فقالت :قد أجزت ما صنع أى ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس إىل اآلابء من األمر شيء.
ومن هناء ذهب َجهور العلماء إىل عدم إجبار البكر البال على النكاح ،وال تزوج إال برضاها-
وأجاز األئمة الثالثة لألب تزويج البكر البال بغري إذهنا ،خالفاً ألى حنيفة فقد اشرتط إذهنا – وما
ذلك إال دليل على ما أعطى اإلسالم للمرأة من احلرية ،والكرامة ،واالعرتاف بشخصيتها وحقها يف
القبول أو الرفض ،فيما يتعلق حبياهتا.
يقول اإلمام ابن القيم -رله هللا:-
" فإن البكر البالغة الرشيدة ال يتصرف أبوها يف أقل شيء من ماهلا إال برضاها ،وال جيربها على
إخراج اليسري منه بدون رضاها ،فكيف جيوز أن يرقها ،وخيرج بضعها منها بغري رضاها إىل من يريده
هو ،وهي من أكره الناس فيه ،وهو من أبغض شيء إليها؟ ومع هذا ،ينكحها إايه قهراً بغري رضاها
إىل من يريده ،وجيعلها أسرية عنده ،كما قال صلى هللا عليه وسلم " :اتقوا هللا يف النساء فإهنن معو ٍان
عندكم" أي أسرى ،ومعلوم أن إخراج ماهلا كله بغري رضاها أسهل عليها من تزوجيها مبن ال ختتاره بغري
رضاها."..
إىل أن يقول( :وأما موافقته ملصاحل األمة ،فال خيفى أن مصلحة البنت يف تزوجيها مبن ختتاره وترضاه،
وحصول مقاصد النكاح هلا به ،وحصول ضد ذلك مبن تبغضه وتنفر عنه ،فلو مل أتت السنة الصرحية
هبذا القول ،لكان القياس ،وقواعد الشريعة ال تقتضي غريه).
ويقول( :من املعلوم أنه ال يلزم من كون الثيب أحق بنفسها من وليها ،أال يكون للبكر يف نفسها
حق البته).
ومل يقف األمر عند هذا احلد ،بل إن اإلسالم أعطى للمرأة احلق يف مفارقة الزوج إذا مل تستطع احلياة
معه ،أو إذا كرهته -اخللع ،أو الفداء -عن ابن عباس -رضي هللا عنه -قال :جاءت امرأة اثبت بن
قيس إىل النيب صلى هللا عليه وسلم فقالت :اي رسول هللا ،ما أنقم على اثبت يف دين وال خلق،
ولكين أكره الكفر يف اإلسالم – يف رواية :ولكين ال أطيقه -فقال صلى هللا عليه وسلم (أتردين
عليه حديقته؟) قالت :نعم .قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ( :اقبل احلديقة وطلقها تطليقة)-
قيل :إن ذلك بسبب سوء خلقه ،وقيل :بسبب دمامته.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
احملاضرة الثامنة
عوامل محاية األسرة املسلمة
اعتىن اإلسالم ابألسرة ملا هلا من مكانة عالية مرموقة ،إذ أن كل أسرة ُّ
تعد لبنة من لبنات بناء
اجملتمع الكبري ،وهي احملضن األول الذي ينشأ فيه الفرد املسلم ،وترتىب فيها األجيال.
فشرع هللا سبحانه أحكاماً وآداابً تتعلق ابألسرة املسلمة ،تعد عوامل للحفاظ عليها من
االحنراف ،ولاية هلا من االنزالق يف لأة الرذيلة ،فتكون يف حصن حصني وسياج منيع ،عن كل
أسباب الفساد ودواعي الضالل.
وإن من أبرز هذه العوامل ما يلي :إجياب احلجاب ،وغض البصر ،واالستئذان لدخول
البيوت ،حترمي اخللوة ،قرار النساء يف البيوت ،الغرية على احملارم ،عقوبة الزان والقذف ،منع االختالط،
جعل القوامة بيد الزوج ،منع املرأة من السفر بدون حمرم ،والتعدد.
وقد تقدم احلديث عن بعض هذه العوامل ابلتفصيل ،كاحلجاب ،واالختالط ،والتعدد ،وبقي
أن نوضح بقية تلك العوامل ،فنقول :
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
ومن فوائد ذكر حفظ الفروج بعد غض األبصار ،أن إطالق البصر فيما حرم هللا ،من أعظم
وأقوى أسباب الوقوع يف الفواحش.
وقد وردت عن النيب أحاديث كثرية توجه املسلم وحتثه على التزام هذا األمر اإلهلي ،من
ذلك :ما رواه عبد هللا بن عباس رضي هللا عنهما قال" :كان الفضل بن عباس رديف رسول هللا ،
فجاءته امرأته من خثعم تستفتيه ،فجعل الفضل ينظر إليها ،وتنظر إليه ،فجعل رسول هللا يصرف
وجه الفضل إىل ِ
الشق اآلخر" احلديث.
غض البصر يف املرتبة األوىل من حق الطريق ،الذي جيب أداؤه على كل
وقد جعل النيب َّ
من سلكه أو جلس على جانبه ،فعن أى سعيد اخلدري رضي هللا عنه ،عن النيب قال" :إايكم
واجللوس يف الطرقات" قالوا :اي رسول هللا ما لنا بد من جمالسنا نتحدث فيها ،قال رسول هللا " :
ورد السالم،
كف األذىُّ ،"غض البصر ،و ُّ
ُّ فإذا أبيتم فأعطوا الطريق حقه" قالوا :وما حقه؟ قال:
واألمر ابملعروف ،والنهي عن املنكر" متفق عليه.
ولغض البصر فوائد كثرية ،ومنافع عديدة ،ذكرها ابن القيم رله هللا منها:
-1أنه امتثال ألمر هللا الذي هو غاية سعادة العبد يف معاشه ومعاده.
-2أنه مينع وصول أثر السهم املسموم الذي لعل فيه هالكه إىل قلبه.
-3أنه يقوي القلب ويفرحه ،ويكسبه نوراً.
-4أنه ِ
يورث الفراسة الصادقة اليت مييز هبا بني احملق واملبطل.
يسد على الشيطان مدخله من القلب. -5أنه ُّ
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
بن سعد رضي هللا عنه قال :اطلع رجل من ُج ْح ٍر يف ُح مجر النيب ومع النيب ً
مدرى(ُّ )1
حيك به
رأسه ،فقال" :لو أعلم أنك تنظر ،لطعنت به يف عينيك ،إمنا ُجعل االستئذان من أجل البصر" متفق
عليه.
قال احلافظ ابن حجر :أصل مشروعية االستئذان لالحرتاز من وقوع النظر إىل ما ال يريد
صاحب املن زل النظر إليه لو دخل بغري إذن ،وأعظم ذلك النظر إىل النساء األجنبيات.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
ومن املعلوم أن أهل البيت إذا استأذهنم أحد ابلدخول ،فإهنم قبل اإلذن له سيهيئون املكان
إن مل يكن مهيئاً ،وتذهب النساء عن مكان االستقبال ،أو طريق الداخل ،ويبذلون كل ما من شأنه
احلفاظ على مظهر بيتهم ،وعدم اطالع أحد على ما يسوؤه ،أو يلوم أهل البيت عليه ،وحنو ذلك.
وقد ذكر ابن سعدي يف تفسريه مفسدتني من مفاسد ترك االستئذان فقال :منها :ما ذكر
الرسول حيث قال" :إمنا ُجعل االستئذان من أجل البصر" فبسبب اإلخالل به ،يقع البصر على
العورات اليت داخل البيوت ،فإن البيت لإلنسان يف سرت عورة ما وراءه ،مبن زلة الثوب يف سرت عورة
جسده.
ومنها :أن ذلك يوجب الريبة من الداخل ،ويُتَّهم ابلشر ،سرقة أو غريها ،ألن الدخول ُخفية،
يدل على الشر.
وإذا كان اإلسالم قد حرم الدخول إال ذن ،فإنه أيضاً قد منع من جمرد اإلطالع على البيت
من خارج ،وأذن ألهل البيت أن يفقؤوا عينه ،ولو فعلوا ذلك ملا عوتبوا ،وال عوقبوا ،ألهنم فعلوا ما
أذن به الشارع ،واملطلع هو الذي تسبب على نفسه بفعله املشني ،ويدل لذلك ما روى أبو هريرة
حل هلم أن يفقؤوا
رضي هللا عنه قال :قال رسول هللا " :من اطلع يف بيت قوم بغري أذهنم ،فقد َّ
عينه" ،ويف لفظ " ...فحذفته حبصاه ففقأت عينه ،مل يكن عليك جناح" متفق عليه.
وهلذا قال يف احلديث املتقدم ":لو أعلم أنك تنظر ،لطعنت به يف عينيك" .وقد َّ
عد عمر
ابن اخلطاب مثل هذا العمل ،من مظاهر الفسق ،فقال :من مأل عينيه من قاع بيت قبل أن
يؤذن له ،فقد فسق.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
واملغرضة ،فقال عليه الصالة والسالم " :ما خال رجل ابمرأة إال كان الشيطان اثلثهما " وقال" :ال
يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيَّ ٍبة،
َّ خيلون رجل ابمرأة إال مع ذي حمرم" متفق عليه .وقال" :ال
إال ومعها رجل أو اثنان".
فإنه ال يزيل اخللوة ويقطعها إال وجود حمرم للمرأة ،حيصل بوجوده األمن ،وتزول بسببه دواعي
الفتنة ،ووساوس الشيطان ،وإذا وجد أكثر من امرأة أو رجل زالت اخللوة أيضاً يف غري مواطن الريب.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
عد ابن القيمبنقص اإلميان ،بل قد تتالشى وتضمحل بسبب ما يقرتفه العبد من الذنوب ،وهلذا َّ
ذهاب الغرية أثراً من آاثر الذنوب واملعاصي فقال :ومن عقوابهتا :أهنا تطفئ من القلب انر الغرية اليت
هي حلياته وصالحه كاحلرارة الغريزية حلياة َجيع البدن ،إىل أن قال :أشرف الناس وأعالهم قدراً ومهة،
أشدهم غريةً على نفسه وخاصته وعموم الناس.
والغمرية من صفات الرب جل وعال ،وتفسري غريته سبحانه :ما روى أبو هريرة ،أن النيب
حرم هللا" ،وعن ابن مسعود عن النيب قال: قال" :إن هللا يغار ،وغرية هللا أن َييت املؤمن ما َّ
حرم الفواحش ،وما أحد أحب إليه املدح من هللا" ،والنيب "ما من أحد أغري من هللا ،من أجل ذلك َّ
أشد األمة غرية ،ألنه كان يغار ل ولدينه.
وقد قال ألصحابه" :أتعجبون من غرية سعد؟ ألان أغري منه ،وهللا أغري مين".
دل هذا احلديث ،على شدة وقوة غرية سعد بن عُبمادة ،وقد قال رسول هللا هذا وقد َّ
صفح.
احلديث ،عندما مسع سعداً يقول :لو رأيت رجالً مع امرأيت لضربته ابلسيف غري ُم ْ
وقد شهد النيب لبعض أصحابه بشدة الغرية ،كما شهد هبا لسعد بن عبادة ،ومنهم :عمر بن
اخلطاب رضي هللا عنه ،فعن أى هريرة رضي هللا عنه قال :بينما حنن عند رسول هللا جلوس ،فقال
رسول هللا " : بينما أان انئم رأيتين يف اجلنة ،فإذا امرأة تتوضأ إىل جانب قصر ،فقلت :ملن هذا؟
قال :هذا لعمر ،فذكرت غريتك ،فوليت مدبراً" فبكى عمر وهو يف اجمللس مث قال :أ ممو عليك اي
رسول هللا أغار؟
والغرية احملمودة :هي اليت تكون يف الريبة ،أما الغرية من غري ريبة ،فهي هوس وظن فاسد ،وهي
مذمومة ،وهللا تعاىل يكرهها ،قال " :إن من الغرية ما حيب هللا ،ومنها ما يكره هللا ،فالغرية اليت
حيبها هللا ،الغرية يف الريبة ،والغرية اليت يكره هللا ،الغرية يف غري ريبة ".
فعلى أولياء ال نساء أن يدركوا ذلك ،فال يطلقوا ألنفسهم العنان ساءة الظن يف نسائهم وبناهتم
دون دليل وبرهان ،وليعلموا أن الغرية دون شيء مريب ،هي جمرد إساءة ظن ،وهتمة ال صحة هلا ،وإن
ذلك يضر وال ينفع ،ويفسد العالقة بني الزوجني ،قال ابن القيم :واليت يكرهها هللا أن يغار من غري
ريبة ،بل جمرد سوء ظن ،وهذه الغرية تفسد احملبة ،وتوقع العداوة بني احملب وحمبوبه.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
وغرية الرجل على أهله أمر واجب ،وللغرية حدود وضوابط ،فهي غرية معتدلة ،غرية ال تلقي
بصاحبها يف خضم الشك وظلمات الوهم ،ألن األصل يف املعاملة حسن الظن والثقة ابلغري ما مل
بيوت قد هتدمت ،وكم من أس ٍر حتطمت وتفرقت بسبب األوهام يثبت خالف ذلك ،وكم من ٍ
والظنون اليت ال أساس هلا من الصحة.
سادساً :عقوبة الزان والقذف والفواحش األخالقية:
إن عرض املسلم أحد الكليات اخلمس اليت جاءت الشريعة ابلعناية هبا واحملافظة عليها ،وهلذا
شرع ما سبق ذكره من األحكام واآلداب وحنوها مما حيقق سد الذريعة إىل وقوع احملرمات ،وارتكاب
الفواحش واملوبقات.
يضاف إىل ذلك ما أوجبه هللا على كل من مل ينكح من اجلنسني من االستعفاف ،لاية لعرضه،
ين الم مِجي ُدو من نِ مكاحاً مح َّىت ِ ِ َّ ِ
وصيانة لنفسه من ارتكاب ما حرم هللا .فقال تعاىل :مولْيم ْستم ْعفف الذ م
ضلِ ِه .
اّللُ ِمن فم ْ
يُ ْغنِيم ُه ُم َّ
إن الزان والقذف من أخطر اجلرائم ،ملا هلما من آاثر عظيمة على الفرد واألسرة ،بل واجملتمع
أبسره ،ومن ذلك :احنراف السلوك ،وشيوع الفاحشة ،وتلطيخ السمعة ،والتعرض للعفيفات ،والوقوع
يف األعراض احملرمة بفعل ،أو قول أو عليهما حنو ذلك.
فحماية لألسرة ،وحتقيقاً لسالمة اجملتمع ،وأتديباً للمجرمني املتعدين حلدود هللا ،جند أن هللا
تعاىل قد رتب عليهما عقوابت مغلظة.
فجعل سبحانه الرجم للزاين إن كان حمصناً ،وجلد مائة مع تغريب عام إن كان غري حمصن.
اّللِ ، اح ٍد ِمْن ُه مما ِمئمةم مج ْل مدةٍ موالم مأتْ ُخ ْذ ُك ْم هبِِ مما مرأْفمة ِيف ِدي ِن َّ
الزِاين فماجلِ ُدواْ ُك َّل و ِ
م ْ الزانِيمةُ مو َّ
قال تعاىلَّ :
وقال " :خذوا عين ،قد جعل هللا هلن سبيالً ،البكر ابلبكر جلد مائة ونفي عام ،والثيب ابلثيب،
جلد مائة والرجم ".
وجعل حد القذف مثانني جلدة ،قال تعاىل :والَّ ِذين يرمو من اْلمحصمن ِ
ات ُمثَّ مملْ مَيْتُواْ ِأبْمربم معِة ُش مه مدا مء م م مْ ُ ُ ْ م
اس ُقو من [ النور.] 4 : ك هم اْلمف ِ ِ ِ فم ِ
ني مجْل مدًة موالم مت ْقمبلُواْ مهلُْم مش مه مادًة أمبمداً موأُْولمئ م ُ ُ
وه ْم ممثمان م
اجل ُد ُ
ْ
فهذه العقوابت فيها غاية التأديب للفاعل ،ليقلع عن اجلرمية ،ويتوب منها ،ويعود إىل اإلميان،
وفيها أيضاً ردع لكل من تسول له نفسه من أفراد اجملتمع الوقوع يف شيء من ذلك ،قال تعاىل يف
ني [ النور.]2 : ِِ ِ ِ
حد الزان :مولْيم ْش مه ْد مع مذ ماهبُمما طمآئ مفة م من الْ ُم ْؤمن م
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
تذكر العقوبة اليت ترتتب على اجلرمية ،فإنه سرعان ما يعرض عنها ،ويضاف إىل فإن املسلم إذا َّ
ذلك العقوبة االجتماعية املتمثلة يف التشهري بني الناس ،وتلطيخ السمعة ،وازدراء اجملتمع.
فيظهر لنا جلياً ،أن عقوبة الزان والقذف ،من عوامل لاية األسرة ،واحلفاظ على أفرادها من
االحنراف.
احملاضرة التاسعة
يعترب عقد النكاح من أهم وأخطر العقود يف اإلسالم ،فقد اهتم اإلسالم به اهتماماً ابلغاً ،حىت
صارت له مكانته املرموقة ،ومن زلته السامية ،واعترب هللا عقد النكاح ميثاقاً ،ووصفه أبنه غليظ ،قال هللا
مخ ْذ من ِمن ُكم ِميثماقاً مغلِيظاً . ض ُك ْم إِ مىل بم ْع ٍ
ض موأ م ف مأتْ ُخ ُذونمهُ موقم ْد أمفْ م
ضى بم ْع ُ تعاىل :مومكْي م
ومما يدل على كبري قدره ،وعظيم أثره ،اهتمام اإلسالم هبذا العقد ،ما شرع يف بدايته من أحكام
وآداب .ومنها ما يُعرف ابخلطبة.
اثنياً :مشروعيتها:
اح
ثبتت مشروعيتها ابلقرآن والسنة واإلَجاع والعرف ،فمن القرآن :قوله تعاىل :موالم ُجنم م
ضتُ ْم بِِه ِم ْن ِخطْبم ِة النِ مسا ِء .
يما معَّر ِْ
معلمْي ُك ْم ف م
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
ومن السنة :قوله ":إذا خطب أحدكم امرأة ،فإن استطاع أن ينظر إىل ما يدعوه إىل
نكاحها فليفعل" ،وكذلك فعله عندما خطب أزواجه رضي هللا عنهن ،ومن ذلك :ما قاله عبدهللا
بن عمر رضي هللا عنهما :أن عمر بن اخلطاب حني أتمميت حفصة ( أي مات زوجها ) ،قال:
لقيت أاب بكر فقلت :إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر ،فلبثت ليايل مث خطبها رسول هللا ...
احلديث.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
وقد جعل كثري من العلماء واملربني حسن اختيار الزوج لزوجته من حقوق األوالد على أبيهم-
وهو كذلك يف حق الزوجة -ألن نتائج هذا االختيار ،ستظهر على األوالد بال ريب ،إذ أن حال
الزوج أو الزوجة من حيث الدين واألخالق والسلوك ،سينعكس على أبنائهم ،وال ينتبه ملثل هذا األمر
إال املوفقون الذين منحهم هللا بُعد النظر ،والتنبه للعواقب.
وأول هذه املعايري الختيار الزوج أو الزوجة هو الدين ،فالدين هو األساس الذي يبىن عليه
االختيار ،مث بعد ذلك ينظر إىل غريه من الصفات واملعايري.
وقد حث اإلسالم األولياء على تزويج بناهتم وأخواهتم من صاحب الدين واخللق ،قال :
"إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ،إال تفعلوا تكن فتنة يف األرض وفساد عريض".
فصاحب الدين واالستقامة ،هو الذي يقوم ابلواجب األكمل يف رعاية األسرة ،وهو الذي
يؤدي ما لزوجته من حقوق شرعية ،ألنه خياف هللا تعاىل ويراقبه ،بل إنه إن مل يُكرم املرأة ،فإنه ال
يظلمها ،وهذا من أهم أسباب دوام احلياة الزوجية واستمرارها.
وابلنسبة لتوفر هذا الوصف املهم يف املرأة املخطوبة ،فإنه قد وردت أحاديث كثرية حتث على
اختيار ذات الدين ،من ذلك :قوله" : تنكح املرأة ألربع :ملاهلا وحلسبها وجلماهلا ولدينها ،فاظفر
بذات الدين تربت يداك" متفق عليه.
ودين املرأة يدعوها للقيام بواجباهتا حنو رهبا وحنو أسرهتا ،فهي طائعة لرهبا ،منفذة أوامره،
ات قمانِتمات محافِظمات لِْلغمْي ِ
ب حافظة لغيبة زوجها ،كما وصفها هللا سبحانه وتعاىل بقوله :فم َّ ِ
الصاحلم ُ
اّللُ . ِمبما مح ِف م
ظ َّ
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
وجعل الدين هو األساس يف االختيار ألمهيته ،وألنه هو الذي يبقى ويدوم ذن هللا ،خبالف
ُ
غريه من املعايري فسرعان ما تتالشى وتزول كاجلمال مثالً.
وقد استحب بعض العلماء توفر بعض األوصاف يف املرأة املخطوبة ،ملا هلا من آاثر إجيابية،
وفوائد كثرية ،على احلياة الزوجية ،من ذلك:
)1أن تكون بكراً ،لقوله جلابر وقد تزوج ثيباً " :فهال بكراً تالعبها وتالعبك " متفق عليه،
وقد استثىن الفقهاء من ذلك إن كانت له مصلحة راجحة يف نكاح الثيب ،فإنه يقدمها على
البكر.
)2أن تكون ولوداً ،ملا روى أنس قال :كان رسول هللا يقول" :تزوجوا الودود الولود ،فإين
مكاثر بكم األمم يوم القيامة" .وألن وجود األوالد ،يوثق العالقة الزوجية ويقويها ،ويعرف كون
املرأة ولوداً أبن تكون من نساء يعرفن بكثرة األوالد.
)3أن تكون ودوداً للحديث السابق ،أي متوددة إىل زوجها ،وهذا يؤكد على استحباب التزوج من
ذات اخللق ،ألن ذات اخللق هي اليت تتودد إىل زوجها .وإن املودة بني الزوجني من أهم مالمح
آايتِِه أم ْن مخلم مق لم ُكم ِم ْن أمن ُف ِس ُك ْم ِ
احلياة الزوجية السعيدة ،ومسببات دوامها .قال تعاىل :موم ْن م
آلاي ٍت لِمق ْوٍم يمتم مف َّك ُرو من .
ك م
ِ ِ
أ ْمزمواجاً لتم ْس ُكنُواْ إِلمْي مها مو مج مع مل بمْي نم ُكم َّم موَّدةً مومر ْلمةً إِ َّن ِيف ذمل م
وقد ذكر النيب أوصاف الزوجة الصاحلة بقوله " :ما استفاد املؤمن بعد تقوى هللا خرياً من زوجة
أبرته ،وإن غاب عنها حفظته يف
سرته ،وإن أقسم عليها َّصاحلة ،إن أمرها أطاعته ،وإن نظر إليها َّ
نفسها وماله".
)4أن تكون ذات عقل ،غري عجولة وال متهورة ،فاحلمقاء ال تصلح العشرة معها ،وال يطيب العيش
معها ,ورمبا تعدى احلُمق إىل ولدها ،وقد قيل :اجتنبوا احلمقاء ،فإن ولدها ضياع ،وصحبتها
بالء.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
-7بنات األخت :وهن كل من ينتسب ببنوة األخت من أوالدها وأوالد أوالدها الذكور
واإلانث ،وإن نزلن.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
وقد نبه على احلكمة يف حترمي ذلك بقوله يف حديث آخر" :إنكن إذا فعلنت ذلك قطعنت
أرحامكن" والضابط هلذا النوع :أنه حيرم اجلمع بني كل امرأتني لو كانت إحدامها ذكراًِ ،حي َّل له التزوج
ابألخرى.
الثاين :حترمي اجلمع لكثرة العدد ،فال حيل للرجل أن جيمع بني أكثر من أربع زوجات ابتفاق
ِ
ع ،يعين اثنتني أو اب لم ُك ْم ِم من النِ مسآء ممثْ مىن موثُالم م
ث موُرماب م
ِ
العلماء ،لقوله تعاىل :فمانك ُحواْ مما طم م
ثالاثً أو أربعاً .وألن النيب قال لغيالن بن سلمة حني أسلم وحتته عشر نسوة" :أمسك أربعاً
وفارق سائرهن".
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
احملرمة بسبب اإلحرام ،ال حيل نكاح حمرم وال حمرمة يف أرجح قويل أهل العلم ،لقوله " :ال
(هـ) َّ
نكح وال خيطب".ينكح احملرم وال ي ِ
ُ
(ز) املرأة املخطوبة للغري إن أجيب ،أي متت املوافقة عليه ،فال حتل مخطبتها ،ملا روى ابن عمر
رضي هللا عنهما :أن النيب قال" :ال خيطب الرجل على خطبة أخيه حىت يرتك أو َيذن له" متفق
عليه ،وألن يف ذلك إفساداً على اخلاطب األول واعتداءً على حقه ،وإيقاعاً للعداوة بينهما ،فحرم
كبيعه على بيعه.
أما إن مل تسكن املرأة إىل اخلاطب األول ،ومل تعطه جواابً فلغريه خطبتها ،وهللا أعلم.
النظر إل املخطوبة:
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
شرع اإلسالم للخاطب أن ينظر إىل خمطوبته بل استحب له ذلك ،كما ثبت يف عدة أحاديث
صحيحة ،منها:
-1عن أى هريرة قال :كنت عند النيب فأاته رجل فأخربه أنه تزوج امرأة من األنصار،
فقال له رسول هللا " :أنظرت إليها ؟ " قال :ال ،قال " :فاذهب فانظر إليها ،فإن يف
أعني األنصار شيئا".
-2قول النيب للمغرية بن شعبة وقد خطب امرأة" :أنظرت إليها ؟" قال :ال ،قال" :انظر
إليها ،فإنه أحرى أن يؤدم بينكما" .وقوله ":أحرى أن يؤدم بينكما" أي جيمع بينكما ابحلب
واملوافقة.
-3روى جابر بن عبد هللا قال :قال رسول هللا " :إذا خطب أحدكم املرأة ،فإن استطاع
أن ينظر إىل ما يدعوه إىل نكاحها ،فليفعل".
فهذه األحاديث وما يف معناها ،تدل داللة صرحية على استحباب نظر اخلاطب إىل املرأة اليت
يرغب يف نكاحها.
وقد اتفق الفقهاء على ذلك ،فقال الوزير ابن هبرية :واتفقوا على أن من أراد تزوج امرأة ،فله أن
ينظر منها ما ليس بعورة.
ويتحقق هبذا النظر مصلحة الطرفني ،فإن اخلاطب واملخطوبة إذا رأى أحدمها اآلخر ،واجتمع به
-مع حضور احملرم من أقارهبا -فإما أن يطمئن إىل اآلخر ومييل إليه ،ويقع لديه موقع القبول ،فتصح
رغبتهما يف الزواج ،فإن مت كان ذلك أدعى للوفاق ودوام العشرة بينهما ،وإما أن حيصل عكس ذلك،
فيعدالن عن اخلطبة .واألرواح جنود جمندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ،ويف حصول
النظر احرتاز من الغرر ،وانتفاء للجهل والغش ،وحصول النكاح بعد رؤية أبعد عن الندم ،الذي رمبا
حيصل للمتزوج لو مل حتصل رؤية ،فيظهر له األمر على خالف ما ُحيب.
ويكون النظر إىل ما يدعوه إىل نكاحها كما يف احلديث السابق مما يظهر غالباً ،وأكثر ما
ينص عليه أهل العلم يف هذا الباب النظر إىل الوجه والكفني .ألهنما أكثر ما يظهر منها غالباً ،وألنه
ابلنظر إليهما يتم املراد.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
قال ابن قدامة " :ال خالف بني أهل العلم يف إابحة النظر إىل وجهها ،ألنه ليس بعورة،
وهو جممع احملاسن ،وموضع النظر ".
وللخاطب أن يكرر النظر ،ويتأمل احملاسن ،ألن املقصود إمنا حيصل بذلك.
ويرى اجلمهور جواز النظر إليها بدون إذهنا أو علمها ،واستدلوا بفعل جابر حيث قال:
خطبت امرأة فكنت أختبأ هلا حىت رأيت منها ما دعاين إىل نكاحها .وألن النظر بغري إذهنا جيعل
اخلاطب يراها بدون تصنع ،بعيدة عن الزينة اليت قد خترجها أحياانً عن خلقتها احلقيقية ،وألن يف
ذلك جتنب أذى الفتاة وأهلها ،فالرؤية إذا كانت عالنية ومل يتحقق النكاح ،قد حيصل بذلك كسر
لكرامة الفتاة ،بل وسيتساءل الناس عن سبب ترك اخلاطب ،ويف هذا إحراج كبري للفتاة وأهلها.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
اخلاطب واملخطوبة ،بعيدة كل البعد عن املنهج اإلسالمي ،والسبب يف ذلك ضعف الوازع الديين،
والتقصري يف الرتبية اإلسالمية الصحيحة ،والتأثر أبحوال وعادات وتقاليد غري املسلمني ،ودعاة الزي
واالحنالل ،حيث مسح هؤالء وأولئك للخاطب أن خيتلي مبخطوبته ،وأذنوا له ابخلروج هبا إىل األسواق
واملالهي واحلدائق وحنوها من األماكن العامة ،ولرمبا وافق أهل الفتاة على سفر اخلاطب هبا دون
حسيب وال رقيب ،بدعوى التعرف على بعضهما البعض عن قرب .وهذه التصرفات ال يقرها
وحيذر منها ،وجيعل املخطوبة يف سياج حصني ،درة مصونة يف بيت أهلها ،حىت اإلسالم ،بل مينعها ِ
يتم عقد النكاح ،وليست ألعوبة يعبث هبا كل عابث ،ويتمتع هبا كل مستهرت حبجة أهنا خمطوبته،
حىت يذهب حياؤها ،ويقضى على عفافها يف حالة ضعف من اخلاطبني اللذين َجع بينهما الشيطان.
إن اإلسالم حيرم اخلُلوة ابملخطوبة ،ألهنا مازالت أجنبية عن اخلاطب ،وقد قال عليه الصالة والسالم:
"ال خيلون رجل ابمرأة إال مع ذي حمرم".
فاحلنفية يرون أن للخاطب احلق يف اسرتداد واستعادة ما أهداه إن كان مل يتلف أو يستهلك.
وللمالكية يف ذلك تفصيل بني أن يكون العدول من جهته أو جهتها :فإن كان العدول من جهته فال
رجوع له فيما أهداه ،وإن كان العدول من جهتها فله الرجوع بكل ما أهداه ،سواء أكان ابقيا على
حاله ،أو كان قد هلك ،فريجع ببدله ،إال إذا كان عرف أو شرط ،فيجب العمل به.
والشافعية يعتربن حكمها حكم اهلبة ،والصحيح أن اهلبة ال جيوز الرجوع فيها ؛ ألن املوهوب له حني
قبض العني املوهوبة دخلت يف ملكه ،وجاز له التصرف فيها ،فرجوع الواهب فيها انتزاع مللكه منه
بغري رضاه ،وهذا ابطل شرعا وعقال.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
وفرق احلنابلة بني كون اهلدية قبل العقد أو بعده ،فإن كانت بعد العقد مل يرجع بشيء ،وإن
كانت قبل العقد فإن وعدوا ومل يفوا بوعدهم وفسخوا اخلطبة رجع ابهلدية ،وإن كان العدول منه أو
ماتت املخطوبة فال يرجع ابهلدية ،وهللا أعلم.
احملاضرة العاشرة
النكاح :أركانه وأحكامه وشروطه ومقاصده
أ ـ تعريف النكاح:
النكاح يف اللغة :الضم والتداخل يقال :تناكحت األشجار ،إذا انضم بعضها إىل بعض،
ويطلق ويراد به عقد الزواج ،يقال ،نكح فالن امرأة ينكحها نكاحاً إذا تزوجها ،ويراد به أيضاً الوطء.
قال أبو علي الفارسيَّ :فرقت العرب فرقاً لطيفاً يعرف به موضع العقد من الوطء ،فإذا قالوا ،نكح
فُالنة أو بنت فالن أو أخته ،أرادوا تزوجها وعقد عليها ،وإذا قالوا :نكح امرأته أو زوجته ،مل يريدوا
إال اجملامعة ،ألن بذكر امرأته وزوجته يستغىن عن العقد.
يتضمن إابحة ٍ
وطء بلفظ إنكاح أو تزويج أو ترَجته. والنكاح شرعاً :عقد َّ
ب – حكم النكاح:
النكاح مندوب إليه يف اجلملة للنصوص الواردة يف الرتغيب فيه كما سيأيت ،قال الوزير ابن
هبرية :اتفقوا على أن النكاح من العقود الشرعية املسنونة أبصل الشرع.
لكن عند التفصيل ،خيتلف حكمه ابختالف حال الشخص ،لذا فإن العلماء ذكروا أنه تعرتيه
األحكام التكليفية اخلمسة ،وهي الوجوب والندب والتحرمي والكراهة واإلابحة.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
فيجب على من خياف على نفسه الزان برتكه ،ويندب لذي شهوة وال خياف الزان برتكه،
وحيرم على من ال يقدر على النفقة أو على الوطء ما مل ترض بذلك ،ويكره ملن مل حيتج إليه وخيشى
أن ال يقوم مبا أوجب هللا عليه من القيام حبقوق الزوجة ،فيقع يف ظلمها إن تزوج ،ويباح فيما عدا
ذلك.
ج – الرتغيب يف النكاح:
وحتث عليه ،منها
قد وردت نصوص كثرية من القرآن الكرمي والسنة النبوية ،ترغب يف النكاح ُّ
ما يلي:
ِ
ع [ النساء.]3: اب لم ُك ْم ِم من النِ مساء ممثْ مىن موثُالم م
ث موُرماب م
ِ
قوله تعاىل :فمانك ُحواْ مما طم م
قوله عليه الصالة والسالم" :اي معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ،فإنه أغض للبصر،
وأحصن للفرج ،ومن مل يستطع ،فعليه ابلصوم ،فإنه له وجاء".
قوله عليه الصالة والسالم " :تزوجوا الودود الولود ،فإين مكاثر بكم األمم يوم القيامة".
د – أركان النكاح :
ركن الشيء لغة :جانبه األقوى.
ويف االصطالح :ركن الشيء ما ال وجود لذلك الشيء إال به ،كالقيام والركوع والسجود للصالة.
وأركان الزواج ثالثة :
األول :الزوجان
وينبغي أن يكوان خاليني من املوانع اليت متنع صحة النكاح ،أبن ال تكون املرأة من اللوايت حيرمن على
الرجل بنسب ،أو رضاع ،أو مصاهرة ،أو عدة أو غري ذلك.
الثاين :اإلجياب
وهو ما حيصل أوالً إلنشاء العقد ،أبن يصدر من الويل أو اخلاطب ،كأن يقول الويل :زوجتك أو
أنكحتك ابنيت على مهر قدره كذا ،أو يقول اخلاطب :تزوجت ابنتك على مهر قدره كذا.
الثالث :القبول
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
وهو اللفظ الدال على الرضا ابلزواج ،فيأيت اتلياً إلمتام العقد ،ويصدر من اخلاطب أو الويل ،كأن
يقول :قبلت هذا الزواج أو هذا النكاح.
وإن كانت املخالفة يف مقدار املهر مثل :زوجتك ابنيت على مخسني ،فقال الزوج :قبلت الزواج
أبربعني مل ينعقد النكاح إال إذا كانت املخالفة ملا هو أحسن ،كأن يقول :قبلت الزواج بستني
فيصح العقد.
-4مساع كل من املتعاقدين كالم صاحبه ،وفهمه أن املراد منه هو ابتداء العقد أو إمتامه ،ولو كان
هذا عرب اإلنرتنت كما ذهب إليه عدد من الفقهاء املعاصرين.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
-5أن تكون الصيغة منجزة ،مبعىن دالة على حتقيق الزواج وترتب اآلاثر عليه يف احلال ،من غري
إضافة إىل زمن مستقبل أو تعليق على شرط.
أما اإلضافة إىل زمن مستقبل فمعناها أن جيعل املتعاقدان ظرفاً مستقبالً مبتدأ لثبوت حكم العقد
وترتب آاثره ،كأن يقول الويل :أزوجك ابنيت بعد غد ،أو بعد سنة ،فيقول الزوج :قبلت.
وهذا ال يصح ،ألن اإلضافة إىل املستقبل تنايف عقد الزواج الذي يوجب حل االستمتاع يف احلال.
وأما الصيغة املعلقة على شرط فكأن يقول الويل للخاطب :إن جنحت يف االمتحان زوجتك ابنيت،
فيقول اخلاطب :قبلت ،والزواج ال ينعقد هبذه الصيغة ،ألن إنشاء العقد معلق على شيء مستقبل قد
حيدث وقد ال حيدث.
-6أن تكون الصيغة مؤبدة ،مبعىن غري مؤقتة بوقت ،فإن صحبها توقيت ،كان العقد ابطالً ،عينت
املدة أو مل تعني ،كانت املدة قصرية أو طويلة ،فلو قال هلا :تزوجتك شهراً أو سنة على مهر
قدره كذا ،فقالت :قبلت ،فإن ذلك العقد ال يصح.
هـ -شروط النكاح:
الزواج من أغلظ املواثيق وأكرمها عند هللا تعاىل ،ألنه عقد متعلق بذات اإلنسان ونسبه ،وهلذا العقد
شروط كسائر العقود الصحيحة ،لكنه يسمو عليها ابختصاص وصفه ابمليثاق الغليظ كما ورد يف قوله
مخ ْذ من ِمن ُكم ِميثماقاً مغلِيظاً [ النساء،]21: ض ُك ْم إِ مىل بم ْع ٍ
ض موأ م ف مأتْ ُخ ُذونمهُ موقم ْد أمفْ م
ضى بم ْع ُ تعاىل :مومكْي م
وهلذا التعبري قيمته يف اإلحياء مبوجبات احلفظ واملودة والرلة ،واهلدف من هذه الشروط :هو لاية
األسرة اليت سيتم إنشاؤها من االختالف والتصدع والتفرق والتفكك ،وهتيئة املناخ املالئم لتحقيق
األهداف املرجوة من النكاح ،ومن مث كان هلذا العقد شروط أربعة:
األول :تعيني الزوجني ،فال يكفي أن يقول :زوجتك ابنيت :إذا كان له عدة بنات ،أو يقول :زوجتها
ابنك ،وله عدة أبناء ،وحيصل التعيني ابإلشارة إىل املتزوج ،أو تسميته ،أو وصفه مبا يتميز به.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
الثاين :رضا كل من الزوجني ابآلخر ،فال يصح إن أكره أحدمها عليه ،وال سيما املرأة ،فإن رضاها
أساس يف عقد الزواج ،سواء أكانت بكراً أم ثيباً ،لقوله":ال تنكح األمي حىت تستأمر ،وال تنكح
البكر حىت تستأذن .قيل :وكيف إذهنا ؟ قال :أن تسكت" ،وهبذا ندرك أن رضا املرأة ال بد منه
عند الزواج ،سواء سبق هلا الزواج أو كانت بكراً.
أما اليت سبق هلا الزواج ،فال بد أن تصرح برضاها ،إذ ال مينعها احلياء من أن تصرح ،خبالف البكر
اليت يغلب عليها احلياء عادة ،فيكتفى منها ابلسكوت أو أية قرينة يفهم منها رضاها.
الثالث :الشهادة على عقد النكاح ،فهي شرط الزم يف عقد النكاح ال يعترب صحيحاً بدوهنا،
حلديث جابر مرفوعاً" :ال نكاح إال بويل وشاهدي عدل".
احلكمة من وجوب اإلشهاد:
-1أن النكاح يتعلق به حق غري املتعاقدين ،وهم األوالد واحملارم ،فاشرتطت الشهادة فيه لئال
جيحد ،فيضيع النسب ،ويتزوج الرجال احملارم.
-2أن عقد النكاح عظيم اخلطر الرتباطه ابألعراض ،واإلشهاد عليه ينفي التهم ويبعد الظنون إذا
رؤي معها.
الرابع :موافقة الويل ،وهو أن يعقد للمرأة وليها؛ كأبيها وأخيها ،فلو زوجت املرأة نفسها ،أو زوجت
غريها كابنتها أو أختها ،أو وكلت غري وليها يف تزوجيها ولو ذن وليها مل يصح النكاح يف احلاالت
الثالث ،وذلك ملا َييت :
-1أن هللا تعاىل خاطب األولياء ابلنكاح فقال :موأمنْ ِك ُحواْ األ مماي ممى ِمْن ُك ْم [ النور.]32:
-2حديث أى موسى األشعري أن النيب قال":ال نكاح إال بويل" ،وهو لنفي احلقيقة
الشرعية ،أي :ال نكاح موجود يف الشرع إال بويل ،بدليل ما ورد عن عائشة رضي هللا عنها
قالت :قال رسول هللا": أميا امرأة نكحت بغري وليها ،فنكاحها ابطل ،فنكاحها ابطل،
فنكاحها ابطل".
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
-1أنه يكون أكثر خربة منها ابلرجال ،الختالطه ابلناس ومعرفته أبحواهلم ،إضافة إىل أن املرأة
سريعة التأثر مما يسهل معه أن ختدع ألسباب كثرية ،فتخطئ يف اختيار األصلح هلا.
-2أن زوج املرأة سيصبح عضواً يف أسرهتا ،ومن غري الالئق أن ينضم إىل األسرة عضو يكون رب
األسرة غري راض عنه.
-3أن فيه إكراماً للمرأة ،وإبعاداً هلا عن خدش حيائها عند ما تتوىل تزويج نفسها.
ضل الويل:
َع ْ
العضل يف اللغةَ :ييت مبعىن املنع واحلبس عن الشيء ،يقال :عضل املرأة عن الزوج منعها وحبسها
عنه.
واصطالحاً :منع املرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك ورغب كل واحد منهما يف صاحبه.
والعضل ظلم وإضرار ابملرأة يف منعها حقها يف التزويج مبن ترضاه ،وذلك لنهي هللا تعاىل عنه يف قوله
اج ُه َّن [ البقرة.]232: ِ
وه َّن أمن يمنك ْح من أ ْمزمو م
ضلُ ُ
خماطباً األولياء :فمالم تم ْع ُ
فإذا حتقق العضل من الويل دون سبب مقبول ،انتقلت الوالية إىل السلطان ملا َييت:
1قول النيب":فإن اشتجروا فالسلطان ويل من ال ويل له".
2ألن الويل قد امتنع ظلماً من حق توجه عليه ،فيقوم السلطان أو انئبه مقامه إلزالة الظلم ،كما لو
كان عليه دين وامتنع عن قضائه.
الشروط يف النكاح:
املراد هبا ما يشرتطه أحد الزوجني أو كالمها يف صلب العقد ،أو يتفقان عليه قبل العقد مما يصلح
بذله واالنتفاع به ،وهي غري شروط النكاح وتنقسم إىل قسمني :
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
النوع األول :شروط يتضمنها العقد وإن مل تذكر يف صلبه ،ألن مشروعية العقد من أجلها ،فال
حاجة لذكرها ،بل هي الزمة مبجرد العقد ،وذكرها يف العقد ال يؤثر ،كما أن إمهاهلا ال يسقطها،
وذلك مثل :اشرتاط انتقال املرأة إىل بيت زوجها ومتكينه من االستمتاع هبا ،وكاشرتاط النفقة والسكىن
على الزوج ،فهذه من مضمون العقد ودال عليها شرعاً ،كما دل عليها عرفاً وعادة.
النوع الثاين :شروط نفع معينة ،يشرتطها أحد الزوجني ،فتكون ملزمة لآلخر إذا رضي هبا ومل تكن
خمالفة للشرع؛ فاشرتاط الرجل على امرأته يف عقد الزواج تقسيط املهر أو أتجيله غري مفهوم من
مقتضى العقد ،لكن ملا اشرتطه عليها كان الزماً ،وكذلك اشرتاطها عليه زايدة يف املهر أو إكمال
دراستها ،أو أن تستمر يف وظيفتها ،فعلى الزوج أن يفي مبا اشرتطت عليه ،وهلا حق املطالبة به أو
الفسخ إن مل يف مبا وعدها به ،وقد أمر هللا تعاىل ابلوفاء ابلعهود فقال:
وأموفُواْ بِعه ِد َِّ
دمت [ النحل ،]91:ويف احلديث " :إن أحق الشروط أن توفوا به ما اّلل إِ مذا مع م
اه ُّْ م ْ مْ
استحللتم به الفروج ".
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
حكمه :ابطل ابتفاق علماء املسلمني ،وقد دل على حترمي نكاح املتعة الكتاب والسنة واإلمجاع.
ِ ِ ِ ِ َّ ِ
ين ُه ْم ل ُف ُروج ِه ْم محافظُو من إِالَّ معلمى أ ْمزمواج ِه ْم أ ْمو مما مملم مك ْ
ت أمْميما ُهنُْم أما الكتاب فقوله تعاىل :موالذ م
[ املؤمنون ،]6-5:واملتمتع هبا ليست زوجة ،وال يف حكم الزوجة يف نظر الشارع ،وال فيما تعارف
عليه الناس.
ومن السنة قول النيب" :اي أيها الناس إين كنت قد أذنت لكم يف االستمتاع من النساء ،وإن هللا
قد حرم ذلك إىل يوم القيامة ".
وأما اإلَجاع فإن األمة أبسرها قد أَجعت على حترمي املتعة إال من ال يلتفت إليه.
حكمه :حرام ،وذلك حلديث عبد هللا بن مسعود ":لعن رسول هللاِ
احمل َّل واحمللِل له" ،فدل ذلك
على حترمي نكاح التحليل ،ألنه ال يكون اللعن إال على فاعل احملرم ،وهو أغلظ من نكاح املتعة من
وجهني:
أحدمها :جهالة مدته ،والثاين :أن الوطء فيه من أجل التحليل ،وليس رغبةً يف املرأة.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
الشغار لغة :اخللو من العِ موض ،يقال :مكان شاغر ،أي :خال ،واجلهة شاغرة ،أي :خالية ،ومسي
ابلشغار خللوه من املهر.
واصطالحاً :أن ينكح الرجل وليته (ابنته أو أخته) على أن يزوجه اآلخر وليته ليكون بُضع كل واحدة
منهما صداقاً لألخرى.
حكمه :اتفق أهل العلم على أن نكاح الشغار منهي عنه ،فهو ابطل ،جيب التفريق فيه ،سواء كان
مصرحاً فيه بنفي املهر أو مسكواتً عنه ،وذلك حلديث جابر بن عبد هللا رضي هللا عنهما " :هنى
رسول هللا عن الشغار " ،والنهي يقتضي الفساد ،فيكون العقد فاسداً.
مقاصد النكاح
ملا كان أساس قيام األسرة هو الزواج ،فقد اهتم اإلسالم به أميا اهتمام؛ فنقاه من أن يكون زواجاً
جاهلياً ،أبن استبعد الصور الشاذة اليت كانت موجودة يف اجلاهلية ،كنكاح اخلِ ْدن (العشيق)،
واالستبضاع( ،)1وأبقى على الصورة الشرعية اليت تنسجم مع الفطرة ،ويقرها العقل السليم ،وذلك
لتحقيق مقاصد عديدة ،من أمهها:
) (1هو نوع من نكاح اجلاهلية حيث كان الرجل يطلب من زوجته أو جاريته بعد انقطاع حيضها أن تذهب لرجل من أشراف القوم
لتجامعه لتحمل منه ،وحينما تعود لبيتها ال يقرهبا زوجها حىت يتبني للها ،وكانوا يفعلون ذلك رغبة يف قوة الولد أو جنابته!! وحنو ذلك.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
خلق هللا يف اإلنسان غريزة البحث عن الطعام اليت شباعها يبقى شخصه ،والغريزة اجلنسية اليت
ابالستجابة هلا يبقى نوعه ،وكان ال بد لإلنسان أن يقف أمامها أحد مواقف ثالثة:
األول :أن يطلق هلا العنان تسبح أين شاءت وكيف شاءت ،بال روادع تردعها ،من دين أو خلق،
كما هو الشأن يف املذاهب اإلابحية اليت ال تؤمن ابلدين وال ابلفضيلة ،ويف هذا املوقف احنطاط
ابإلنسان إىل مرتبة احليوان ،وإفساد للفرد واألسرة كلها.
الثاين :أن يكبتها ،كما هو الشأن يف مذاهب التقشف واحلرمان كالرهبانية وحنوها ،ويف هذا املوقف
وأد للغريزة ،ومنافاة حلكمة من ركبها يف اإلنسان وفطره عليها ،ومصادمة لسنة احلياة اليت تستخدم
هذه الغرائز لتستمر يف سريها.
الثالث :أن يضع هلا حدوداً تنطلق يف داخلها وضمن إطارها ،دون كبت مرذول ،وال انطالق جمنون،
كما هو الشأن يف الدين اإلسالمي الذي حرم السفاح ،وشرع النكاح ،واعرتف ابلغريزة ،فيسر هلا
سبيلها من احلالل.
وهذا املوقف هو العدل والوسط ،فلوال شرع الزواج ما أدت الغريزة دورها يف استمرار بقاء
اإلنسان ابلطريقة الشرعية ،ولوال حترمي السفاح وإجياب اختصاص الرجل ابمرأة ،ما نشأت األسرة اليت
تكون يف ظالهلا العواطف االجتماعية الراقية من مودة ورلة وحنان ،وحب وإيثار ،ولوال األسرة ما
نشأ اجملتمع وال أخذ طريقه إىل الرقي.
-2حتقيق السكن النفسي والروحي:
فبالزواج جيد كل من الزوجني يف ظل صاحبه سكن النفس ،وسعادة القلب ،وراحة الضمري ،إذ َيوي
إىل من حينو عليه ،وينسيه مهوم احلياة ،وميسح عنه ألواءها ،قال تعاىل:
ِ ِ
آايتِِه أم ْن مخلم مق لم ُكم ِم ْن أمن ُف ِس ُك ْم أ ْمزمواجاً لتم ْس ُكنُواْ إِلمْي مها مو مج مع مل بمْي نم ُكم َّم موَّدةً مومر ْلمةً إِ َّن ِيف ذمل م
ك ِ
موم ْن م
آلاي ٍت لِمق ْوٍم يمتم مف َّك ُرو من [ الروم.]21: م
-3صيانة أفراد اجملتمع من االحنراف:
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
يساعد الزواج على لاية اجملتمع من االحنراف ،والوقوع يف الرذيلة ،فالزواج هو الوسيلة الوحيدة
لتكوين األسرة ،واألسرة هي اليت حتمي أفرادها ابلرتبية السليمة ،والرقابة واملتابعة الدائمة هلم ،ونلمس
ذلك إذا نظران إىل اجملتمعات اليت تنادي بتأخري الزواج ،أو اجملتمعات اليت تضع العراقيل أمام الشباب
الراغب يف الزواج ،حيث تنتشر الرذيلة بصورة أزعجت القائمني على هذه اجملتمعات.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
املراد بتحديد النسل :هو وقف النسل اإلنساين عن النمو والزايدة ،فيقدم الزوج والزوجة على
املعاشرة ،لكن مع احليلولة دون وقوع احلمل.
نشأهتا وتطورها:
يعيد الباحثون ميالد هذه الدعوة يف العامل إىل أواخر القرن الثامن عشر امليالدي ،ويربطوهنا
ابلقسيس والعامل االقتصادي الربيطاين مالتوس malthusفقد كان الشعب الربيطاين يتقلب إذ
ذاك يف سعة من العيش وترف ورخاء عظيمني ،وقد الحظ أن الشعب الربيطاين يتكاثر عدده أكثر
من املتوقع ،فنشر مقاالً بعنوان(( :تزايد السكان وأتثريه يف تقدم اجملتمع يف املستقبل)) يف عام
1798م ،أوضح فيه أن وسائل اإلنتاج وأسباب الرزق يف األرض حمدودة ،غري أنه ال يوجد حد يقف
عنده تزايد السكان وتضخم النسل ،فإذا ترك األمر بدون تنسيق ،فسيأيت يوم تضيق األرض بسكاهنا،
وتقل فيه وسائل العيش عن تلبية حاجاهتم ،وحىت يكون منو عدد السكان متالئماً مع منو وسائل
اإلنتاج ،وأن ال يزيد األول على الثاين حبال ،اقرتح لتنفيذ هذا التنسيق سبيلني اثنني :
أوهلما :أال يتزوج الشباب إال بعد أن تتقدم هبم السن.
اثنيهما :أن يبذل األزواج بعد أن جتمعهم احلياة الزوجية قصارى جهدهم ،ومبختلف الوسائل ،يف
سبيل اإلقالل من اإلجناب.
وما كادت أفكار مالتوس malthusهذه تنتشر ،حىت ظهر الباحث الفرنسي فرانسيس
بالس francis palaceفنادى بدعوته ودعا إىل ضرورة احلد من تزايد السكان ،وبعد ذلك
بقليل ظهر يف أمريكا الطبيب املشهور تشارلس نوروتون charles knorottonفأيد الفكرة
ذاهتا ،موضحاً التدابري الطبية اليت اقرتحها لتنفيذ الفكرة ،وسرعان ما لقيت هذه الدعوة رواجاً يف
األوساط املختلفة من الغرب ،ووجد الباحثون عن اللذة اهلاربون من مغارم املسؤولية يف االستجابة هلا
ما حيقق بغيتهم ويقرب هدفهم.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
أوالً :أثبتت وقائع التاريخ وجتارب األمم أن فقر املناطق املكتظة ابلسكان يف أي أمة مرده إىل عدم
استغالل اخلريات واملوارد ،ال إىل كثرة األوالد وتزايد السكان ،ألن هللا تعاىل تكفل ابلرزق لكل كائن
حي ،حيث قال يف كتابه الكرمي :وِيف َّ ِ
وع ُدو من ،وقال سبحانه وتعاىل :مومما الس مماء ِرْزقُ ُك ْم مومما تُ م م
اّللِ ِرْزقُها وي ْعلمم مستم مقَّرمها ومستم ومد معها ُكلٌّ ِيف كِتم ٍ
اب ُّمبِ ٍ ِمن مدابٍَّة ِيف األ ْمر ِ ِ
ني . مُ ْ ْ م ض إالَّ معلمى َّ م م م ُ ُ ْ
اثنياً :أهنا قصرت احلاجات اإلنسانية على اخلريات الثابتة يف األرض ،واملنافع الطبيعية الكامنة فيها،
بغض النظر عن أي تفاعل بينها وبني اإلنسان ،وليس األمر كذلك ،فإن مقومات العيش تتمثل يف
هذا ويف التفاعل بينها وبني بين اإلنسان ،فكثرة النسل تزيد من تفاعل اإلنسان مع خريات األرض،
فتكثر املوارد ويتسع الرزق.
اثلثاً :أن رقي األمم حيتاج للعباقرة واملبدعني ،وهم قلة يف كل أمة ،فكلما كثر العدد كثرت نسبتهم.
والسبب يف ذلك أن مرافق احلياة كثرية واحتياجات اإلنسان ال تكاد حتصى ،فإذا قل عدد السكان
اضطروا َجيعاً إىل االهنماك يف حتقيق تلك االحتياجات ،وضاع وقتهم فيها ،وإذا كثر العدد وجدت
فرصة لإلتقان واإلبداع ،وكثر عدد الذين يبتكرون ويكتشفون ،فتكثر املوارد.
فهي دعوة سياسية هدفها إضعاف املسلمني ،وال أدل على ذلك من التسهيالت الكثرية لتحديد
النسل يف العامل اإلسالمي ،إذ توزع وسائل منع احلمل يف الصيدليات وغريها جماانً ،بينما هي يف
الدول األخرى تكلف طالبيها مبلغاً من املال ليس هيناً.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
لقد عرضت هذه القضية على عدد من اهليئات واجملامع الفقهية يف العامل اإلسالمي ،فصدر يف
حقها ابإلَجاع من علماء األمة عدة قرارات ،تبني حرمة الدعوة إىل حتديد النسل ،والتحذير من
مغبتها ملا تنطوي عليه من أهداف سيئة ،ومن ذلك :اجمللس التأسيسي لرابطة العامل اإلسالمي ،وجممع
البحوث اإلسالمية ،وهيئة كبار العلماء ،وجملس اجملمع الفقهي اإلسالمي.
وذلك ملا يف حتديد النسل من اعتداء على الدين ،واحلرية الشخصية ،وحقوق اإلنسان ،ففي
الوقت الذي يروجون هلذه املكيدة جند العدو الصهيوين يستورد من أقطار الدنيا شذاذ اآلفاق لتعمري
بالد العرب املغتصبة.
تنظيم النسل:
واملراد به :اختصار إجناب الذرية ،حبيث ال َييت النسل إال وفق نظام مرتب ومنسق بني كل مولود
وآخر.
فإذا رغب الزوجان يف التوقف عن اإلجناب مؤقتاً ألسباب شرعية القصد؛ منها مراعاة حال
األسرة وشؤوهنا ،من صحة ،أو إلمتام مدة الرضاعة ،أو تكون الزوجة ضعيفة واحلمل يزيدها ضعفاً ،أو
مرضاً ،وهي كثرية احلمل ،فال أبس بتنظيم فرتة للها.
وقد كان الصحابة يعزلون يف عهد النيب ومل يُنهوا عن ذلك ،والعزل من أسباب امتناع احلمل،
ألن اإلسالم يبين أحكامه على دفع الضرر ،فإذا كان احلمل حيدث ضرراً ابألم ،أو كان اجلنني نفسه
يف خطر ،فإن الضرورة تقدر بقدرها ،وما سوى ذلك فإن اإلسالم ال يبيح املنع أو التنظيم.
اإلجهاض:
وهو إسقاط اجلنني من بطن أمه قبل متامه.
وهو ثالثة أنواع :إجهاض اختياري ،وإجهاض ضروري ،وإجهاض عفوي
وهذا األخري معفو عنه ،ألنه ال خيار للمرأة فيه.
أما اإلجهاض االختياري فهو :إخراج احلمل من الرحم يف غري موعده الطبيعي عمداً وبال ضرورة أبي
وسيلة من الوسائل ،وله عدة دوافع منها :
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
1عدم الرغبة يف كثرة األوالد ،وهذه موضة العصر بني األزواج اجلدد الذين أتثروا ابلدعاية املضادة
للنسل ،فضالً عن اتسام اجليل املعاصر ابلبحث عن حياة مرتفة بال أعباء.
2حفظ َجال املرأة ،وذلك بعد أن حتولت مكانتها يف اجملتمع من مربية أجيال إىل جمرد متعة.
3دخول املرأة يف ميدان العمل؛ فقد كان لذلك دور كبري يف انشغاهلا عن االهتمام ببيتها وهترهبا من
تربية األوالد ،مما جيعلها تسعى للخالص من جنينها عندما تدرك أنه سيُعيقها عن حياهتا.
ويف هذا النوع حيرم اإلجهاض يف َجيع أطوار اجلنني ،فدوافعه السابقة تنبئ عن حرمته ،ألنه عمل
شنيع وجرمية نكراء؛ فإن كان بعد نفخ الروح فيه فهو جناية على حي متكامل اخللق ،ولذلك وجبت
يف إسقاطه الدية كاملة إن نزل حياً مث مات ،أما إن نزل ميتاً فتجب فيه نصف عشر الدية الحتمال
أن يكون قد مات بسبب آخر.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
يتشوف اإلسالم إىل استمرارية األسرة اليت تكونت بتحقق عق د النك اح ،ودوامه ا واس تمرارها،
وال يتم هلا ذلك حىت يقوم كل من الزوجني بدوره املن اط ب ه ،و الرج ل وامل رأة – حبك م الفط رة – مؤه ل
ك ل منهم ا للقي ام مبه ام داخ ل ه ذا الكي ان ال ميك ن لآلخ ر القي ام ب ه ف إذا ق ام ك ل منهم ا ب دوره،
تكمل ت مقوم ات البق اء وال دوام واالس تمرار لألس رة ،وحتق ق االس تقرار يف ظ ل حق وق وواجب ات ك ل
منهما لآلخر ،مبا ليس تطوعاً وال اختي اراً ،وإمن ا ه و ف رض وإل زام ح ىت تق وم احلي اة الزوجي ة عل ى قواع د
راسخة من التق دير واحملب ة وال و م ،ف ال يتحم ل الع بء واح د دون اآلخ ر وإال لض جر و ت ربم م ن تل ك
احلي اة ،ولك ن ش عور ك ل منهم ا ب دور اآلخ ر يدفع ه إىل التف اين يف إس عاد ش ريكه و تق دمي ك ل أس باب
الراح ة ،فيع يش الزوج ان يف س عادة وهن اء ،وب ذلك ت ؤيت احلي اة الزوجي ة مثاره ا املرج وة م ن نس ل تلحظ ه
عناية األبوة وترعاه عاطفة األمومة.
وإن املتأمل يف احلقوق اليت شرعها هللا يف هذا ال دين لك ل واح د م ن ال زوجني ي رى فيه ا كم ال
علم هللا وحكمته وكمال عدله ورلته ،وأنه سبحانه قد م نح ك الً منهم ا م ن احلق وق م ا تق وم ب ه احلي اة
الزوجية على أكمل وج ه واحلي اة األس رية عل ى أمت ح ال ،فال ذي يط الع حق وق ال زوج مس تقلة يظ ن أن ه
ق د م نح م ن احلق وق م ا مل تن ل الزوج ة مثله ا ،ف إذا ط الع حق وق الزوج ة مس تقلة ظ ن أهن ا منح ت م ن
احلقوق ما مل ينل الزوج مثلها ،ولكنه إذا نظر إىل هذه و تلك ظهر له كمال العناية الرابنية ابجلانبني.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
مو مج مع مل بمْي نم ُكم َّم موَّدةً مومر ْلمةً ،وأساس العشرة احلسنة" املعروف" ،ويكون ابلبعد عما ينفر ،والسعي إىل
ما يرضي ،واإلخالص يف أداء الواجب ،مع العطف والتسامح والتلطف يف احلديث ،واحرتام الرأي
وف ،وقد اشروه َّن ِابلْمعر ِ
ِ
وإشاعة األنس ،ألن هذا من املعروف املأمور به يف قول ه تع اىل :مو مع ُ ُ م ْ ُ
فسر القرطيب هذه اآلية حبسن صحبة النساء إذا عقدوا عليهن ،وذلك بتوفية حقها من املهر والنفقة،
وأال يعبس يف وجهها بغري ذنب ،وأن يكون منطلقاً يف القول ،ال فظاً وال غليظاً ،وال مظهراً ميالً إىل
غريها ،فإن هذا أهنأ للعيش.
أحــدمها :أن الزوج ة تعت رب أمان ة عن ده ،فه و مطال ب ابحل رص عل ى ه ذه األمان ة وب ذل ك ل جه ده يف
صوهنا واحلفاظ عليها.
اثنيهم ــا :أن النس اء خلق ن م ن ض لع أع وج ،ومقتض ى ذل ك أن يك ون لل زوج م ن احلكم ة والكياس ة
واملرونة وسعة الصدر ما يكبح ب ه َج اح الغض ب ،ح ىت ال ي ذهب م ذهب الش طط ،ول ذلك ح رص
الرس ولعل ى توجي ه ال زوج إىل امل نهج الس وي يف معاش رة امل رأة فق ال ":استوص وا ابلنس اء خ رياً
فإن املرأة خلقت من ضلع وإن أعوج شيء يف الضلع أعاله ،فإن ذهبت تقيمه كسرته ،وإن تركته مل
يزل أعوج فاستوصوا ابلنساء خرياً" ،ومن هنا جعل ميزان التفاضل يف اخللق عشرة الرجل احلسنة
لنسائه فقال" :أكمل املؤمنني إمياانً أحسنهم خلقاً ،وخياركم خياركم لنسائهم" ،فإنه إذا كان أحسن
خلقاً مع امرأته ،فسيكون أحسن خلقاً مع غريها من الناس ،وكثرياً ما يقع الن اس يف ه ذه املخالف ة،
ف رتى الرج ل إذا قاب ل أهل ه ك ان أس وأ الن اس أخالق اً ،وإذا لق ي غ ريهم الن ت عريكت ه وانبس طت
أخالقه وجادت نفسه وكثر خريه ،وهذا من حرمان التوفيق.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
-4حرمة املصاهرة:
فبمجرد متام العقد صحيحاً ،حيرم على الزوج أصول املرأة ،وبعد دخول ه هب ا حي رم علي ه فروعه ا،
كما حيرم على املرأة أصول الرجل وفروعه مبجرد العقد.
-6اإلرث:
من احلقوق املشرتكة بني الزوجني التوارث ،فريث الزوج زوجته ،كما ترث الزوجة زوجها مىت
ف مما تم مرمك ِ
ص ُ توافرت الشروط ،وقد بني هللا تعاىل مرياث كل من الزوجني يف قوله تعاىل :مولم ُك ْم ن ْ
ني ِهبمآ أ ْمو مديْ ٍن ِ ِ ٍِ ِ أمزواج ُكم إِ ْن َّمل ي ُكن َّهل َّن ولمد فمِإن مكا من مهل َّن ولمد فملم ُكم ُّ ِ
الربُ ُع ممَّا تممرْك من من بم ْعد موصيَّة يُوص م ُ ُ م ْم ُ ْ ْ م ْ ُ م
الربع ِممَّا تمرْكتُم إِن َّمل ي ُكن لَّ ُكم ولمد فمِإن مكا من لم ُكم ولمد فملمه َّن الثُّمن ِممَّا تمرْكتُم ِمن ب ع ِد و ِصيَّةٍ
مْ م م ُ ُُ ْ م ْم ْ ْ م م ْ مومهلُ َّن ُُّ ُ
وصو من ِهبمآ أ ْمو مديْ ٍن ،ويثبت هذا احلق لكل منهما مبجرد متام العقد ولو قبل الدخول. تُ ُ
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
أي َجاع ة إال إذا ك ان هل ا رئ يس ي دير ش ؤوهنا وحي افظ عل ى كياهن ا ،وال تفل ح ه ذه الر س ة إال إذا ك ان
الرئيس مطاعاً ،ألن يف عدم طاعته مفسدة عظيمة تلحق األسرة ،وجتعل حياهتا فوضى.
لذلك كان من الضروري وجود رئيس مسؤول عن األسرة؛ يرعاها ويتحمل مسؤوليتها ،ولو
للناها املرأة لظلمناها ،ولو جعلناها مشرتكة ملا استقامت أحوال األسرة ،ألن كالً منهما يريد أن
ض موِمبمآ أمنْ مف ُقواْ
ض ُه ْم معلمى بم ْع ٍ ال قم َّوامو من علمى النِس ِ
آء ِ يستأثر برأيه ،يقول تعاىلِ :
اّللُ بم ْع م
َّل َّ
م ضف
م اممب م الر مج ُ ُ م
ِم ْن أ ْمم مواهلِِ ْم ،وقد حث النيب النساء على طاعة أزواجهن ،ملا يف ذلك من املصلحة واخلري،
حيث جعل رضا الزوج على زوجته سبباً لدخوهلا اجلنة ،فقال ":أميا امرأة ماتت وزوجها راض
عنها دخلت اجلنة ".
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
-1املهر:
وهو حق مقرر للمرأة جيب على الزوج ابلنكاح الصحيح ،وقد ثبت هذا الوجوب ابلكتاب
ص ُدقماهتِِ َّن ِ ْحنلمةً ،ومن السنة قول النيب ِ
والسنة واإلَجاع ،فمن الكتاب قوله تعاىل :موآتُواْ الن مسآءم م
ملريد النكاح " :التمس ولو خامتاً من حديد" ،وانعقد اإلَجاع على وجوب املهر على الزوج
للزوجة.
وهذا املهر عطية خالصة للزوجة بال مقاب ل ،ألن النحل ة م ا ال ع وض علي ه ،والقص د م ن امله ر
تطيي ب خ اطر الزوج ة وكس ب وده ا ،ول ذلك ال ينبغ ي أن تك ون املغ االة يف امله ور س بباً ملن ع الش بان
والشاابت من الزواج ،كم ا ه و الواق ع يف ه ذا الزم ان .وق د اس تنكر الن يب ح ال رج ل أص دق امرأت ه
أربع أواق ،وجاء إليه ليصيب إعانة منه فقال " :عل ى أرب ع أواق ؟ كأمن ا تنحت ون الفض ة م ن ع رض
ه ذا اجلب ل ،م ا عن دان م ا نعطي ك ،ولك ن عس ى أن نبعث ك يف بع ث تص يب من ه ،فبع ث بعث اً إىل ب ين
عبس ،وبعث ذلك الرجل فيهم".
-2النفقة:
جتب للزوجة النفقة على زوجها مبجرد متام العقد الصحيح وانتقال الزوجة إىل بيت زوجها
وف ،فكلمة ود لمه ِرْزقُه َّن وكِسوُهتُ َّن ِابلْمعر ِ
ِ
م ُْ ومتكينه من االستمتاع هبا ،لقول هللا تعاىل :موعلمى الْ مم ْولُ ُ ُ م ْ م
(على) تفيد اإللزام ،وذلك يقتضي الوجوب ،وقول رسول هللا ":اتقوا هللا يف النساء فإنكم
أخذمتوهن أبمان هللا واستحللتم فروجهن بكلمة هللا ،وهلن عليكم رزقهن وكسوهتن ابملعروف" ،وقد
انعقد اإلَجاع على وجوب اإلنفاق على الزوجة ومل خيالف يف ذلك أحد.
وتشمل النفقة املسكن واملأكل وامللبس ،وتقدر حبسب يسار الزوج وإعساره ،لقوله تعاىل:
ِ ِ
اّللُ نم ْفساً إِالَّ ممآ م
آات مها ف َّاّللُ الم يُ مكل ُ لِيُ ِنف ْق ذُو مس مع ٍة ِمن مس معتِ ِه موممن قُ ِد مر معلمْي ِه ِرْزقُهُ فم ْليُ ِنف ْق ممَّآ م
آاتهُ َّ
اّللُ بم ْع مد عُ ْس ٍر يُ ْسراً .
مسيم ْج مع ُل َّ
وه ذا أدع ى لالس تقرار ،ألن امل رأة إذا مل يهي ئ هل ا ال زوج ذل ك ،فق د تض طر للخ روج للعم ل
وجل ب ال رزق لإلنف اق عل ى نفس ها ،مم ا جيعله ا خت ل بواجباهت ا حن و زوجه ا وأس رهتا ،وه و م ا ي ؤدي إىل
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
اخ تالل نظ ام األس رة ،فك ل م ن ال زوج والزوج ة ل ه مهم ة يؤديه ا جت اه األس رة ينبغ ي أن يتف رغ هل ا وأال
ينشغل بغريها.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
ويلح ق ب ذلك إس قاط احلم ل (اإلجه اض) عموم اً ،فه و ح رام واالعت داء عل ى اجلن ني يف ه ذه
املرحل ة يش كل جناي ة عل ى خمل وق مل ي ر ن ور احلي اة ،ف ال يب اح إال لض رورة ش رعية هب دف إنق اذ األم م ن
خطر حمقق.
3ـ حق اخلتان:
وهو من الشعائر الواجبة يف حق الذكور ،يقول النيب ":الفطرة مخس :اخلتان ،واالستحداد،
وقص الشارب ،وتقليم األظافر ،ونتف اإلبط ".
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
فجع ل اخلت ان رأس خص ال الفط رة ،وذك ر اب ن الق يم رل ه هللا أن ه جي ب عل ى ال ويل أن خي نت
الصيب قبل البلوغ ،فإن ذلك مما ال يتم الواجب إال ب ه ،واألفض ل أن يك ون اخلت ان يف األايم األوىل م ن
والدة الولد حىت إذا عقل وتفهم األمور وأصبح يف مرحلة التمييز وجد نفس ه خمت وانً ،ف ال حيس ب ل ه يف
املستقبل حساابً ،وال جيد يف نفسه مهاً ،وقد ثبت أن للختان فوائد صحية ابلنسبة لل ذكور ،وأن ال ذين
ال خيتنون يعانون من القذارة وبعض األمراض اخلطرية.
5ـ حق النسب:
لقد صانت الشريعة اإلسالمية النسب من الضياع والعبث والكذب والتزييف ،ومل ترتكه ألهواء
من يدعونه أو ينفونه ،فهو من احلقوق الشرعية املرتتبة على عقد الزواج ،ويتعلق به عدة حقوق:
أ حق األب :ألنه يرتتب على ثبوت نسب الولد ثبوت الوالية عليه وحق اإلرث واإلنفاق.
ب ح ق األم :ألن م ن حقه ا ص يانة الول د م ن الض ياع ودف ع التهم ة عنه ا ،وثب وت ح ق الرض اعة،
واحلضانة ،واإلرث.
ج ح ق الول د :دف ع التعي ري ع ن نفس ه ،وثب وت حق وق النفق ة ،والرض اعة ،والس كن ،واإلرث وغ ري
ذلك.
6ـ حق الرضاعة:
الرضاع حق للطفل يثبت مبجرد والدته ،وواجب على األم ،أتمث برتك القيام به من غري عذر
اعة .والنص
ضم ني لِ مم ْن أ ممر ماد أمن يُتِ َّم َّ
الر م ني مك ِاملم ْ ِ
ات يُر ِض ْعن أ ْموالم مد ُه َّن مح ْولم ْ ِ ِ
مشروع ،قال تع اىل :موالْ موال مد ُ ْ م
وإن كان وارداً يف صيغة اخلرب ،إال أنه يف معىن األمر الدال على الوجوب ،وأجرة الرضاع واجبة على
األب يف احلاالت اليت ال تكون األم متعينة لإلرضاع.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
والرض اعة الطبيعي ة نعم ة م ن هللا وهبه ا لإلنس ان ،وه ي ذات فوائ د مادي ة ومعنوي ة وص حية
وتربوية ،ال تعد وال حتصى.
7ـ حق احلضانة:
حيتاج الطفل إىل العناية به ،وذلك ابلقيام على ما يتعلق برتبيته من نظافة ومتريض ومعاونة يف املأكل
واملشرب وامللبس ،والقيام هبذه املهمة هو ما يطلق عليه الفقهاء كلمة »احلضانة« ،فهي حق للصغري،
وواجبة على األم ،وهي أحق الناس هبا وأقدرهم عليها ،ملا جبلت عليه من مشاعر احلنان والشفقة،
والقدرة على التحمل والصرب ،ويف احلديث ":من أحق حبسن صحابيت اي رسول هللا ؟ قال :أمك،
قال :مث من؟ قال :أمك ،قال :مث من؟ قال :أمك ،قال :مث من؟ قال :أبوك ".
فمن حق األوالد أن ختتار هلم احلاضنات اللوايت يعنني هبم ،إىل جانب األمهات إذا دعت احلاجة
إىل هذا ،وينبغي أن تكون احلاضنات معروفات ابلدين واخللق ،ألن األوالد يتأثرون هبن سلباً كان أو
إجياابً ،وال يستطيع أحد أن ينكر ما للمربيات اليوم من أثر على األوالد.
8ـ حق النفقة:
النفقة حق من حقوق األوالد على اآلابء إىل أن يستطيع األبناء إعالة أنفسهم ،لقول النيب هلند
زوجة أى سفيان ":خذي ما يكفيك وولدك ابملعروف".
وتتضمن النفقة ابإلضافة إىل املأكل واملشرب وامللبس والعالج ،نفقة الرتبية والتعليم يف َجيع املراحل
التعليمية.
9ـ حق الرتبية:
إن أعظم مهمة لألسرة هي تربية الطفل ،فمسؤولية األسرة حنو تربية الطفل تربية سليمة هبدف تكوين
شخصية الطفل تكويناً سوايً متزانً ،مسؤولية جسيمة ،السيما يف هذا العصر الذي تكاثرت مشاكله،
وتداخلت اجلهات اليت تؤثر يف هذه الرتبية ،واحلديث يف هذا املوضوع يطول ،ولكننا نشري إىل أهم ما
نراه يف هذا اجملال:
أوالً :أن الرتبية تقوم على أساس غرس العقيدة الصافية يف نفسية الطفل وحمبته للرسول .
اثنياً :ويف مرحلة التمييز يبدأ دور التعليم والتدريب على بعض األركان األساسية يف الدين ،وذلك
بتعليمه الصالة والقرآن ،وآداب اإلسالم الشخصية واالجتماعية ،قال " :مروا أوالدكم ابلصالة
وهم أبناء سبع سنني ،واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم يف املضاجع".
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
اثلثاً :تقوم الرتبية على أساس أن يكون الوالدان أنفسهما القدوة احلسنة ألوالدمها يف أقواهلما وأفعاهلما
وتصرفاهتما املختلفة ،فالقدوة احلسنة هلا أثر كبري يف نفس الطفل ،ألنه مولع ابلتقليد واحملاكاة ،فهو
يراقب سلوك الوالدين ،فإن وجدمها صادقني نشأ على الصدق ،وهكذا يف ابقي األمور.
رابعاً :الرتبية تعتمد على التخطيط السليم القائم على أساس التشاور والتكامل املسبق بني األبوين،
حبيث ال يهدم أحدمها ما يبنيه اآلخر.
خامساً :جتنب احملاذير الثالثة وهي:
أ التدليل املفسد ،وما يتعلق به من شدة اخلوف على الولد.
ب القسوة املفرطة ،وما يتعلق هبا من تقريع الطفل على مشهد من اآلخرين.
ج التفرقة يف املعاملة ،وما يتعلق هبا من تفضيل وإيثار بعض األبناء على بعض ،فذلك يولد العداوة
والبغضاء واحلقد بينهم سواء أكان التفاضل بني الذكور أم بني اإلانث ،قال رسول هللا ":اتقوا هللا،
واعدلوا بني أوالدكم".
سادساً :أن تقوم الرتبية اإلسالمية على الرلة والتعاطف واحملبة واحلنان ،صح عنه أنه كان يقبل
ذات مرة احلسن بن علي رضي هللا عنهما وعنده األقرع بن حابس ،فقال األقرع :إن يل عشرة من
الولد ما قبلت منهم أحداً ،فنظر إليه رسول هللا مث قال " :من ال يمرحم ال يُرحم".
سابعاً :أن هتدف الرتبية إىل تكوين الشخصية املتوازنة واليت جتمع بني التمسك مببادع الدين احلنيف
وتعاليمه وقيمه ومقومات احلياة املعاصرة ،فتكون شخصية متمسكة بدينها وهويتها ،ومنفتحة على
عصرها.
10ـ حق األبناء يف اإلرث:
من حق األبناء أن يرثوا آابءهم وأمهاهتم ،وهذا احلق قرره هلم رب العاملني بقوله:
ني ،فاالبن يرث بطريق التعصيب؛ فيحوز الرتكة اّللُ ِيف أ ْموالم ِد ُكم لِ َّ
لذ مك ِر ِمثْل مح ِظ األُنْثميم ْ ِ ي ِ
وصي ُك ُم َُّ
ُ ْ
كلها إذا انفرد ومل يوجد وارث غريه ،فإن كانوا أكثر من واحد ذكوراً قسم بينهم ابلتساوي ،وإن كانوا
ذكوراً وإاناثً ،فللبنت سهم ولالبن سهمان ،وليس هذا حتيزاً للذكور أو ظلماً لإلانث معاذ هللا ولكن
احلاجة وظروف كل منهما هي اليت اقتضت مثل هذا التفريق يف النصيب ،فالولد يتكلف تكاليف ال
تلزم هبا البنت ،كدفع املهر وأتثيث بيت الزوجية ،واإلنفاق على الزوجة واألوالد ،أما أخته فإهنا أتخذ
مرياثها ملكاً خالصاً هلا ال تكلف منه شيئاً.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
إن حقوق الوالدين على األبناء من أجل احلقوق وأعظمها بعد حق هللا تعاىل ،فهما يبذالن
من اجلهود من أجل تربية األوالد وإعدادهم للحياة ما يستحقان املكافأة عليه ،وقد بني هللا سبحانه
ك أمالَّ تم ْعبُ ُدواْ إِالَّ إِ َّايهُ موِابلْ موالِ مديْ ِن إِ ْح مساانً إِ َّما
ضى مربُّ م
وتعاىل كثرياً من هذه احلقوق بقوله تعاىل :موقم م
ُف والم تم ْن هرُمها وقُل َّهلما قموالً مك ِرمياً و ِ ٍ ِ ي ب لُغم َّن ِع م ِ
ض مهلُمما اخف ْ م ْ مح ُد ُمهما أ ْمو كالم ُمهما فمالم تم ُقل َّهلُممآ أ م م ْ م م ُم ْ ند مك الْك ممرب أ م مْ
صغِرياً ،فهااتن اآليتان تضمنتا حقوق الوالدين ِ الذ ِل ِمن َّ ِ
الر ْلمة موقُل َّرب ْار ملْ ُه مما مك مما مربَّيم ِاين م اح ُّ م مجنم م
بصورة ال لبس فيها وال غموض ،ونستطيع بسهولة أن نتبني منها بعض حقوقهم ،ومنها:
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
فالوالدان الكافران هلما حق الرب واإلحسان والطاعة فيما عدا الكفر واملعاصي ،فالطاعة يف
املعروف ،وال طاعة ملخلوق يف معصية هللا تعاىل ،ألن حق هللا وتوحيده أعظم من حق الوالدين ،يقول
ك بِِه ِع ْلم فمالم تُ ِطعهما وص ِ
احْب ُه مما ِيف الدُّنْيما ُْم م م س لم م ِ ِ تعاىل :موإِن مج م
اه مد ماك معلمى أمن تُ ْشرمك ى مما لمْي م
مم ْع ُروفاً .
وع ن أمس اء بن ت أى بك ر رض ي هللا عنهم ا قال ت " :ق دمت أم ي وه ي مش ركة ،فاس تفتيت
رسول هللا فقلت :إن أمي قدمت علي وهي راغبة ،أفأصلها ؟ قال :نعم ،صلي أمك".
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
ُحكمه :
الطالق مما تعرتيه األحكام التكليفية اخلمسة ،وهي :التحرمي واإلابحة واإلستحباب والكراهة
والوجوب.
أ -فيكون حراماً ،إذا كان الطالق ،طالق بدعة ،وذلك أن يطلقها بلفظ الثالث ،دفعة واحدة ،أو
يف حيض ،أو يطلقها يف طُهر جامعها فيه ،قال ابن قدامة" :أَجع العلماء يف َجيع األمصار ،وكل
األعصار ،على حترميه ،ويُسمى طالق البدعة ،ألن املطلق خالف السنة ،وترك أمر هللا تعاىل ورسوله
."...
ب -ويكون مباحاً إذا ترتب على استمرارية الزواج ضرر ابلزوجة أو الزوج.
ِخيف عدم ج -ويكون مستحباً ،إذا كانت الزوجة سليطة اللسان ،مؤذية لزوجها أو ألهله ،أو
إقامة حدود هللا بينهما.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
د -ويكون مكروهاً ،إذا كان احلال بني الزوجني مستقيمة ،ومل تكن هنالك حاجة إىل إيقاع الطالق،
ضمرمر وال ِضمرار" ،ويذهب بعض
ألن يف إيقاع الطالق ،ضرراً ابلزوجني ،واألوالد ،ويف احلديث " :ال م
الفقهاء إىل القول ابحلرمة يف هذه احلال ،ألن يف ذلك ضرراً ابلزوجني.
ه -ويكون واجباً ،وذلك يف طالق امل ِويل بعد الرتبص ،إذا أىب الفيئة ،وطالق احلكمني يف الشقاق
ُ إذا رأاي ذلك ،وطالق امل ِ
العن ،أو كان الرجل عنيناً ،ففي هذه األحوال جيب الطالق لرفع الضرر عن
الزوجة.
لكن األصل فيه يف أغلب األحوال اإلابحة واحلل ،دل على ذلك الكتاب والسنة ،فمن أدلة
صواْ ال ِّْع َّدةَ واتَّـ ُقواْ َّ َِّب إِّذَا طَلَّ ْقتُم النِّّساء فَطَلِّّ ُق ُ ِّ ِّ ِِّّ الكتاب قوله تعاىل :أييُّـ َها النِّ ُّ
اَّللَ وه َّن لع َّدهت َّن َوأ ْ
َح ُ ُ ََ
ود َِّّ وهتِّ َّن والَ َخيْرجن إِّالَّ أَن أيْتِّني بَِّف ِّ
اح َش ٍة ُّمبَـيِّّنَ ٍة َوتِّل َ وه َّن ِّمن بـي ِّ
اَّلل َوَمن يَـتَـ َع َّد ْك ُح ُد ُ َ َ َ ُْ َ ُُ َربَّ ُك ْم الَ ُُتْ ِّر ُج ُ
ك أ َْمراً [ الطالق.]1 : ث بَـ ْع َد ذَلِّ َ
اَّللَ ُْحي ِّد ُ ود َِّّ
اَّلل فَـ َق ْد ظَلَ َم نَـ ْف َسهُ الَ تَ ْد ِّرى ل ََع َّل َّ ُح ُد َ
ومن السنة :أن الرسول طلق حفصة بنت عمر بن اخلطاب رضي هللا عنهما ،مث راجعها.
رسول هللا
فقالت :اي م
ْ أن امرأةم اثبِت بن قم ْيس أتمت النَّيب ، وعن ابن عباس –رضي هللا عنهماَّ -
ِ قيس ما ْ ِ
اثبت بن ٍ
ول هللا : رس ُ
فر يف اإلسالم ،فقال ُ لق وال دي ٍن ،ولكين أكرهُ ال ُك م
ب عليه يف ُخ ُ أعت ُ ُ
قالت :نم مع ْم ،قال رسول " : اقْ بم ِل احلم ِدي مقةم وطلِقها تمطْلِيقةً". ِ
ين عليه محديقتمهُ؟" ْ
ِ
"أمتُ ُرد م
ومما تقدم من األدلة وغريها ،يُعلم أن الشريعة قد أابحت الطالق ،خبالف بعض الشرائع
السماوية احملرفة والقوانني األرضية املعاصرة.
أح َّل
حذر من الطالق من غري أسباب موجبة لذلك ففي احلديث" :ما م غري أن شرع تعاىل هللا َّ
ت مزْو مجها طمالمقاً يف مغ ِْري مما مأب ِ هللا شيئاً أب غمض إلي ِه ِمن الطَّالم ٍق" ،ويف احلديث أيضاً" :أمُّميما ٍ
مس، امرأمة مسأملم ْ
م ُ ْ ْ م ْ ْ
اجلمن َِّة".
فم محرام معلمْيها مرائِ محةُ ْ
أن الطَّالق يف حال استقامة الزوجني مكروه ،إال أاب حنيفة ،قال :هو
قال ابن ُهبرية" :أَجعوا َّ
حرام مع استقامة احلال".
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية" :األصل يف الطالق احلظر ،وإمنا أبيح منه قدر احلاجة".
وقال أيضاً " :ولوال أن احلاجة داعية إىل الطالق ،لكان الدليل يقتضي حترميه ،كما دلَّت عليه اآلاثر
واألصول ،ولكن هللا تعاىل أابحه رلة منه بعباده ،حلاجتهم إليه أحياانً" .
وقال الكاساين " :إن األصل يف الطالق هو احلظر ...إال أنه أبيحت الطلقة الواحدة للحاجة إىل
اخلالص عند خمالفة األخالق ".
ومما يؤكد ما سبق ،أن الشرع احلنيف حث األزواج على أن ال يلجأوا إىل الطالق إال بعد
استفراغ الوسع ،وسد َجيع منافذ اإلصالح ،وذلك بعد الوعظ واإلرشاد ،مث اهلجر يف املضجع ،مث
الضرب غري املربح ،مث بعث احلكمني لإلصالح بينهما ،مث إذا مل ينجح هذا كله ،فيلجآن إىل الطالق
أخرياً.
ِّحكمتُهُ:
اإلسالم دين العدل واحلكمة يف َجيع تشريعاته وأحكامه ،فال حيل وال حيرم شيئاً إال حلِِ مك ِم عظيمة،
علمها مم ْن علمها ،وجهلها مم ْن جهلهاَ ،و َّ
اَّللُ يَـ ْعلَ ُم َوأَنْـتُ ْم الَ تَـ ْعلَ ُمو َن [ البقرة.]216:
فمن تلك احلِ مكم :تشريعه للطالق إذا تعسرت احلياة الزوجية ،ومل يكن بُ ٌّد إال الطالق .فالزواج يقوم
أمور يستحيل معها بقاء كل ِ
على احملبة واألُلفة والوفاق بني الزوجني ،فقد يُعكر تلك احلياة الزوجية ُ
عكر استمرارية من الزوجني مع اآلخر ،فمن غري املعقول أن يؤمر الزوجان ابلبقاء معاً ،مع وجود ما ي ِ
ُ
اَّللُ ُكالًّ ِّّمن َس َعتِّ ِّه
احلياة الزوجية ،فجاء الشرع احلنيف ابحلم ِل ،وهو الطالق َ :وإِّن يَـتَـ َف َّرقَا يُـغْ ِّن َّ
ِّ وَكا َن َّ ِّ
َّاس على جواز الطالق، اَّللُ َواسعاً َحكيماً [ النساء ،]130 :قال ابن قدامة" :وأَجع الن ُ َ
والعربة دالة على جوازه ،فإنه رمبا فسدت احلال بني الزوجني ،فيصري بقاء النكاح مفسدة حمضة،
وضرراً جمرداً لزام الزوج النفقة والسكىن ،وحبس املرأة مع ُسوء العشرة ،واخلصومة الدائمة من غري
فائدة ،فاقتضى ذلك شرع ما يزيل النكاح ،لتزول املفسدة احلاصلة منه".
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
أقسام الطالق:
ي ِ
قسم الفقهاء رلهم هللا الطالق من حيثيات خمتلفة إىل أقسام متعددة :ُ
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
ب -الطالق البائن:
وهو على ضربني:
-1الطالق البائن بينونة صغرى :وهو إرجاع املطلقة واحدة ،أو طلقتني ،اليت انقضت عدهتا ،وذلك
برضاها ،ومبهر جديد ،وعقد جديد.
-2الطالق البائن بينونة كربى ،وهو إرجاع املطلقة ثالاثً ،إىل زوجها األول ،وهذا يشرتط فيه أن
يكون نكاح الزوج الثاين نكاح رغبة النكاح حتليل ،ودخل هبا دخوالً حقيقياً ،مث مات عنها أو
طلقها ،فيجوز أن يتزوجها الزوج األول بعد إنقضاء عدهتا من الثاين ،بعقد جديد ،ومهر جديد،
فهذا يسمى بينونة كربى ،ألهنا ابنت من زوجها األول ،ومل حتل له إال بعد نكاح آخر ،نكاح
رغبة ،وأن يدخل هبا وتذوق عسيلته ،ويذوق عسيلتها حلديث رفاعة ال ُقرظي أنَّه تم َّزوج امرأةً ،مث
فذكرت له أنَّهُ ليس مم معهُ إالَّ ِمثْ ُل ُه ْدبمٍة ،فقال" :ال َّ
حىت ْ آخر ،فأتت النيب ،
جت م فتزو ْ طلَّقها َّ
وق عُ ِ
سيلتك". تم ُذوقِي عُسيلمتهُ ،ويم ُذ م
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
ك ُه ُم الظَّالِّ ُمو َن فَِّإ ْن طَلَّ َق َها فَالَ َِّحت ُّل لَهُ ِّمن بَـ ْع ُد َح َّىت ود َِّّ
اَّلل فَأ ُْولَـئِّ َ وها َوَمن يَـتَـ َع َّد ُح ُد َفَالَ تَـ ْعتَ ُد َ
ريهُ البقرة(.)230-229 ِّ
تَـ ْنك َح َزْوجاً غَ ْ َ
فدلت اآلية الكرمية على أن الزوج ميلك من الطالق ثالث تطليقات ،وجيعلها متفرقات مرة بعد
أخرى.
وإما يكون الطالق أبلفاظ الكناية ،و هي اليت حتتمل معىن الطالق ومعىن غريه ،وال تنصرف إىل
الطالق وال يقع إال إذا نواه الزوج أو كانت هناك قرينة تدل عليه ،كقول الزوج لزوجته :اخرجي ،احلقي
أبهلك ،ال أريد أن أرى وجهكِ ،
اعتدي ،أنت خليِة ...فهذه العبارات وحنوها ال يقع هبا الطالق ما مل
ينوه الزوج ،أو تقوم قرينة عليه حال غضبه ونزاعه مع زوجته...
وء َوالَ َِّحي ُّل َهلُ َّن أَن ات ي َرتبَّصن ِِّبَنْـ ُف ِّس ِّه َّن ثَالَثَةَ قُـر ٍ
ُ والدليل على ذلك قوله تعاىلَ :وال ُْمطَلَّ َق ُ َ َ ْ َ
َح ُّق بَِّرِّّد ِّه َّن ِّيف ذَلِّ َ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
ك اَّللُ ِّيف أ َْر َحام ِّه َّن إِّن ُك َّن يُـ ْؤم َّن ِّاب ََّّلل َوالْيَـ ْوم اآلخ ِّر َوبُـعُولَتُـ ُه َّن أ َ
يَ ْكتُ ْم َن َما َخلَ َق َّ
اَّللُ َع ِّز ٌيز َح ُك ٌ
يم ال َعلَْي ِّه َّن َد َر َجةٌ َو َّ لر َج ِّ وف َولِّ ِّّ
ادواْ إِّصالَحاً وَهل َّن ِّمثْل الَّ ِّذي َعلَي ِّه َّن ِّابلْمعر ِّ
َ ُْ ْ َُ ُ إِّ ْن أ ََر ُ ْ
[البقرة :من .]228
"أن النَّيب طلَّ مق حفصةم بنت عمرُ ،مثَّ راجعها". ومن السنة َّ :
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
وقوله عليه الصالة والسالم البن عمر ملا طلق زوجته وهي حائض ،فسأل عمر النيب عن ذلك،
"مرهُ فلرياجعها."...
فقالُ :
وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية " :أبو حنيفة جيعل الوطء رجعة ،وهو أحد الرواايت عن ألد ،والشافعي
ال جيعله رجعة ،وهو رواية عن ألد ،ومالك جيعله رجعة مع النية ،وهو رواية عن ألد ،فيبيح وطء الرجعية
إذا قصد هبا الرجعة ،وهذا أعدل األقوال ،وأشبهها ابألصول".
ب ) اخلُلع:
تعريف اخللع :
الر ُج ُل ثوبهُ ،...إذا نزعهُ وأزاله".
اخلُلع يف اللغة " :من خلع َّ
وض ،أبلفاظ خمصوصة". ويف االصطالح" :فِراق الزوج لزوجته بِعِ ٍ
ك ،وأبنتُ ِ
ك ،وحنو ذلك. ك ،وأبرأتُ ِ
)2ألفاظ كناايت ،مثل ابرأتُ ِ
م
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
صفتــه:
وصفة اللعان :أن يقول الزوج وهو قائم :أشهد ابل لقد زنت زوجيت هذه ،ويشري إليها ويكرر أربع
مرات ،ويقول يف اخلامسة َّ :
أن لعنة هللا عليه ،إن كان من الكاذبني ،مث تقوم املرأة وتقول :أشهد ابل
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
علي فيما رماين به من الزان ،وتكرر ذلك أربع مرات ،وتقول يف اخلامسة َّ :
أن غضب هللا لقد كذب َّ
عليها ،إن كان من الصادقني،ويستحب أن توقف عن التلفظ ابخلامسة وتوعظ،ويقال هلا :عذاب
الدنيا أهون لك من عذاب اآلخرة 0
حكمـه :
اللعان جائز ،وهو مشروع ابلكتاب والسنة واإلَجاع.
دليله:
َّ ِّ
ادةُس ُه ْم فَ َش َه َ ِّ
اج ُه ْم َوَملْ يَ ُك ْن هلُ ْم ُش َه َدآءُ إالَّ أَن ُف ُ ين يَـ ْرُمو َن أَ ْزَو َأما الكتاب ففي قوله تعاىل َ :والَّذ َ
اَّلل َعلَْي ِّه إِّن َكا َن ِّم َن َن لَعنَةَ َِّّ
اخلَام َسةُ أ َّ ْ
ادقِّني و ْ ِّ
َ الص ِّ َ
ات ِّاب َِّّ
َّلل إِّنَّهُ ل َِّم َن َّ اد ٍ َح ِّد ِّه ْم أ َْربَ ُع َش َه َ
أَ
اخلَ ِّام َسةَ أَ َّن
نيَ .و ْاذبِّ َ َ
ات ِّاب َِّّ
َّلل إِّنَّهُ ل َِّمن الْ َك ِّ اد ٍ
اب أَن تَ ْش َه َد أ َْربَ َع َش َه َ ني َ ويَ ْد َرُؤاْ َع ْنـ َها ال َْع َذ َ
الْ َك ِّ
اذبِّ َ
ني [ النور.] 9-6 : ادق َ اَّلل َعلَْيـ َها إِّن َكا َن ِّم َن َّ
الص ِّ ِّ ضب َِّّ
غَ َ َ
ومن السنة النبوية :حديث ابن شهاب( :أن سهل بن سعد الساعدي أخربه أن عوميراً العجالين جاء
إىل عاصم بن عدي األنصاري فقال له :اي عاصم أرأيت رجالً وجد مع امرأته رجال أيقتله فتقتلونه أم
كيف يفعل؟ سل يل اي عاصم عن ذلك رسول هللا ،فسأل عاصم رسول هللا عن ذلك،
فكره رسول هللا املسائل وعاهبا،حىت كرب على عاصم ما مسع من رسول هللا ،فلما رجع
عاصم إىل أهله جاءه عومير فقال اي عاصم ،ماذا قال لك رسول هللا ؟ فقال عاصم لعومير :مل
أتتين خبري ،قد كره رسول هللا املسألة اليت سألته عنها ،فقال عومير :وهللا ال انتهي حىت أسأله
عنها ،فأقبل عومير حىت جاء رسول هللا وسط الناس فقال :اي رسول هللا أرأيت رجالً وجد مع
امرأته رجالً ،أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل ؟ فقال رسول هللا ( : قد أنزل فيك ويف صاحبتك،
فاذهب فأت هبا ،قال سهل :فتالعنا وأان مع الناس عند رسول هللا ، فلما فرغا من تالعنهما،
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
كذبت عليها اي رسول هللا إن أمسكتها ،فطلقها ثالاثً قبل أن َيمره رسول هللا ،قال
ُ قال عومير :
ابن شهاب :فكانت سنة املتالعنني).
د) الظهار:
تعريف الظهار لغة :مشتق من الظهر ،قال ابن منظور :الظهر من كل شيء خالف البطن ،واجلمع
أظهر وظهور وظهران ،والظهار من النساء ،وظاهر الرجل امرأته ،وظاهرهتا مظاهرة وظهاراً إذا قال :
علي كظهر ذات رحم ،قال ابن قدامة" :وإمنا خصوا الظهر بذلك من بني سائر األعضاء ،ألن هي َّ
كل مركوب يسمى ظهراً ،حلصول الركوب على ظهره يف األغلب ،فشبهوا الزوجة بذلك"
تعريفه اصطالحاً :أما تعريف الظهار يف اصطالح الفقهاء فهو" :أن يشبه امرأته أو عضواً منه ا مبن
حترم علي ه ،ولو إىل أمد ،كأخت زوجته أو بعضو منها."...
اه ُرو َنحكمه :الظهار حمرم ابلكتاب والسنة ،قال ابن قدامة" :وهو حمرم لقوله تعاىل :الَّ ِّذين يظَ ِّ
َُ
ِّمن ُك ْم ِّّمن نِّّ َسآئِّ ِّه ْم َّما ُه َّن أ َُّم َه ِّاهتِّ ْم إِّ ْن أ َُّم َها ُهتُ ْم إِّالَّ الالَّئِّي َولَ ْد َهنُ ْم َوإِّ َّهنُ ْم لَيَـ ُقولُو َن ُمن َكراً ِّّم َن الْ َق ْو ِّل
ور [ اجملادلة :آية .]2 َوُزوراً َوإِّ َّن َّ
اَّللَ ل ََع ُف ٌّو غَ ُف ٌ
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
اه ُرو َن ِّمن ُك ْم ِّّمنودليل حترميه من الكتاب والسنة ،فأما الكتاب :فقوله تعاىل :الَّ ِّذين يظَ ِّ
َُ
نِّّ َسآئِّ ِّه ْم َّما ُه َّن أ َُّم َه ِّاهتِّ ْم إِّ ْن أ َُّم َها ُهتُ ْم إِّالَّ الالَّئِّي َولَ ْد َهنُ ْم َوإِّ َّهنُ ْم لَيَـ ُقولُو َن ُمن َكراً ِّّم َن الْ َق ْو ِّل َوُزوراً َوإِّ َّن
ودو َن لِّ َما قَالُواْ فَـتَ ْح ِّر ُير َرقَـبَ ٍة ِّّمن قَـ ْب ِّل أَن
اه ُرو َن ِّمن نِّّ َسآئِّ ِّه ْم ُُثَّ يَـعُ ُ اَّلل لَع ُف ٌّو غَ ُفور والَّ ِّذين يظَ ِّ
َ َُ ٌ ََّ َ
ري ( اجملادلة :آية .)3،2 وعظُو َن بِّ ِّه َو َّ
اَّللُ ِّمبَا تَـ ْع َملُو َن َخبِّ ٌ آسا َذلِّ ُك ْم تُ َ يَـتَ َم َّ
وأما من السنة :فحديث خولة بنت مالك بن ثعلبة قالت :ظاهر مين زوجي أوس بن الصامت،
فجئت رسول هللا أشكو إليه ورسول هللا جيادلين فيه ويقول " :اتقي هللا فإنه ابن عمك
"فما برحت حىت نزل القرآن قد مسع هللا قول اليت جتادلك يف زوجها إىل الفرض فقال ":يعتق
رقبة " قالت :ال جيد قال :فيصوم شهرين متتابعني قالت :اي رسول هللا إنه شيخ كبري ما به من صيام،
قال " :فليطعم ستني مسكينا " قالت :ما عنده من شيء يتصدق به ،قالت :فأيت ساعتئذ بعرق
من متر ،قلت اي رسول هللا :فإين أعينه بعرق آخر ،قال :قد أحسنت اذهيب فأطعمي هبا عنه ستني
مسكينا ،وارجعي إىل بن عمك ".
ألفاظ الظهار:
علي كظهر أمي" ،وهذا هو املذكور يف قوله ِّ
يقع الظهار بلفظه الصريح ،كقول الرجل" :أنت ّ
تعاىل " :الَّ ِذين يظم ِ
اه ُرو من ِمن ُكم ِمن نِ مسائِ ِهم" ،وال خالف بني العلماء يف أن الظهار يقع هبذا اللفظ، مُ
علي كظهر خاليت ،وعميت وحنو ذلك" فذهب َجهور ِ
واختلفوا يف غريه،كقول الرجل لزوجته :أنت َّ
أهل العلم إىل أنه ظهار ،قال احلسن البصري :من ظاهر بذات حمرم :أخت ،أو خالة ،أو عمة ،فهو
ظهار".
مايلزم املظاهر:
يلزم املظاهر الكفارة ،وهي على الرتتيب ،فيعتق رقبة ،فإذا مل جيد الرقبة فيصوم شهرين متتابعني،
ِّ
وإذا مل يستطع الصيام ،فيطعم ستني مسكيناً كما نصت اآلية على ذلك يف قوله تعالَ :والَّذ َ
ين
وعظُو َن بِّ ِّه ودو َن لِّ َما قَالُواْ فَـتَ ْح ِّر ُير َرقَـبَ ٍة ِّّمن قَـ ْب ِّل أَن يَـتَ َم َّ
آسا ذَلِّ ُك ْم تُ َ اه ُرو َن ِّمن نِّّ َسآئِّ ِّه ْم ُُثَّ يَـعُ ُ
يظَ ِّ
ُ
آسا فَ َمن َّملْني ِّمن قَـ ْب ِّل أَن يَـتَ َم َّ
ام َش ْه َريْ ِّن ُمتَـتَابِّ َع ْ ِّ ِّ
ري فَ َمن َّملْ َِّجي ْد فَصيَ ُ اَّللُ ِّمبَا تَـ ْع َملُو َن َخبِّ ٌ
َو َّ
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
وحيرم عليه َجاع زوجته اليت ظاهر منها قبل الكفارة ،لآليةِ " :من قم ْب ِل أمن يمتم مم َّ
اسا" ،قال ابن القيم:
"ال جيوز وطء املظاهر منها قبل التكفري."...
حكمه :
حكم اإليالء يف الشرع :أصله اإلابحة ،فقد أابح هللا تعاىل اإليالء ،لكن حدده مبدة ال تزيد
عن أربعة أشهر ،فقد كانوا يف اجلاهلية يؤلون كيف شاءوا ،ولو لسنني عديدة ،إضراراً ابملرأة،
فجاء اإلسالم بتحرمي اإليالء ،إذا كان القصد منه اإلضرار ابملرأة.
دليله :
ص أ َْربَـ َع ِّة أَ ْش ُه ٍر فَِّإ ْن فَآءُوا فَِّإ َّن ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
ودليله من القرآن الكرمي قوله تعاىل :لّلَّذ َ
ين يُـ ْؤلُو َن من نّ َسآئ ِّه ْم تَـ َربُّ ُ
اَّلل َِّمس ِّ اَّلل غَ ُف ِّ
يم} [ البقرة .]227- 226 يع َعل ٌيم َ وإِّ ْن َع َزُمواْ الطَّالَ َق فَِّإ َّن ََّ ٌ ََّ ٌ
ور َّرح ٌ
وأما من السنة فحديث أنس بن مالك رضي هللا عنه قال :آىل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم من
نسائه شهراً.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
اإلي الء ن وع م ن الع الج ل بعض ح االت نش وز امل رأة ومترده ا ،فق د ش رع اإلس الم أتدي ب امل رأة
الناش ز ابهلج ر يف املض اجع ،فك ذلك اإلي الء هج ر هل ا أيض اً ،فق د أابح الش ارع لل زوج أن ي ويل م ن
زوجت ه ،إذا ظه ر منه ا نش وز أو إع راض ،لك ن ح دده مب دة معلوم ة ،وه ي أربع ة أش هر ،لرف ع الض رر
ت بض عة عش ر رج الً م ن عنه ا ،فيح رم ال زايدة عل ى امل دة املض روبة ،ق ال س ليمان ب ن يس ار ( :أدرك ُ
الصحابة ،كلهم يُوقف املويل) يعين بعد أربعة أشهر.
وق ال اب ن الق يم " :وألن هللا جع ل ل ه م دة أربع ة أش هر ،وبع د انقض ائها ،إم ا أن يطلق وا ،وإم ا أن
يفيؤوا".
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
)3وإذا أس لم ال زوج قب ل الزوج ة ،ومل تك ن الزوج ة كتابي ة ،فيج ب التفري ق بينهم ا إذا انقض ت الع دة
ار الَ ُهـ َّن ِّحـلٌّ َّهلـُ ْم َوالَ ُهـ ْم َِّحيلُّـو َن وه َّن م ْؤِّمنَـ ٍ
ات فَـالَ تَـ ْرِّجعُـ ُ
وه َّن إِّ َل الْ ُك َّفـ ِّ ِّ
لآلي ة :فَـِّإ ْن َعل ْمتُ ُمـ ُ ُ
ورُه َّن َوالَ متُْ ِّس ـ ُكواْ
وه َّن أُ ُج ـ َ وه َّن إِّ َذآ آتَـ ْيـتُ ُم ـ ُ
نك ُح ـ ُ وهم َّم ـآ أَن َف ُق ـواْ والَ جنَ ـاح َعلَـي ُكم أَن تَ ِّ
َ ُ َ ْ ْ َهلُـ َّن َوآتُـ ُ
يم اَّلل َْحي ُكـم بـي ـنَ ُكم و َّ ِّ بِّ ِّعص ِّم الْ َكوافِّ ِّر واسأَلُواْ مآ أَن َف ْقتم ولْيسأَلُواْ مآ أَن َف ُقـواْ َذلِّ ُكـم ح ْكـم َِّّ
اَّللُ َعلـ ٌ ُ َْ ْ َ ْ ُ ُ ُْ َ َ ْ َ َ َ ْ َ َ
يم [ املمتحنة .]10 : ِّ
َحك ٌ
)4وإذا أسلمت الزوجة ،ومل يُسلم الزوج ،فُرق بينهما أيضاً ،إذا انقضت العدة لآلية السابقة.
ص َن ِِّبَنْـ ُف ِّس ِّه َّن أ َْربَـ َعةَ أَ ْش ُه ٍر َو َع ْشراً فَِّإ َذا ِّ ِّ
وقوله تعاىلَ :والَّذ َ
ين يُـتَـ َوفَّـ ْو َن من ُك ْم َويَ َذ ُرو َن أَ ْزَواجاً يَََ
رتبَّ ْ
بـلَغْن أَجلَه َّن فَالَ جنَاح َعلَي ُكم فِّيما فَـعلْن ِّيف أَنْـ ُف ِّس ِّه َّن ِّابلْمعر ِّ
ري ( البقرة اَّللُ ِّمبَا تَـ ْع َملُو َن َخبِّ ٌ
وف َو َّ َ ُْ ُ َ ْ ْ َ َ َ َ َ َ ُ
)234
وأما من السنة :فقوله عليه الصالة والسالم لفاطمة بنت قيس" :اعتدي يف بيت ابن أم مكتوم".
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
لقد شرع هللا العدة ،وألزم املرأة هبا ،حلِِ مك ٍم عظيمة ،منها :
)1معرفة براءة الرحم حىت ال ختتلط األنساب.
)2إمه ال ال زوج املطملِ ق م دة ،لي تمكن فيه ا م ن مراجع ة زوجت ه املطملَّق ة ،طالق اً رجعي اً إذا
رغب فيها.
)3تعظيم خطر عقد النكاح ،ورفع قدره ،وإظهار شرفه ومنزلته.
)4متكني الزوجة املتوىف عنها زوجها من احلِداد عليه ،وإظهار األسف على فراقه.
)5مراعاة شعور أهل امليت،إذا كانت متوىف عنها زوجها 0
العدد:أنواع ِّ
ختتلف أنواع العدة على حسب حال املرأة ونوع الفراق ،من طالق ،أو موت الزوج وحنو ذلك ،وهي
على أقسام ثالثة :
-العدة ابألشهر.
-العدة ابلقروء.
-العدة بوضع احلمل.
(ب) املتوىف عنها زوجها ،إذا مل تكن حامالً ،وعدهتا أربعة أشهر وعشرة أايم ،لقوله تعاىل:
ص َن ِِّبَنْـ ُف ِّس ِّه َّن أ َْربَـ َعةَ أَ ْش ُه ٍر َو َع ْشراً ِّ ِّ
َ والَّذ َ
ين يُـتَـ َوفَّـ ْو َن من ُك ْم َويَ َذ ُرو َن أَ ْزَواجاً يَََ
رتبَّ ْ
[ البقرة .]234:
اثنياً :العدة ابل ُق ُروء ،والقروء َجع قُرء ،واختلف العلماء فيه ،فقيل :هو احليض ،وقيل :هو الطُّهر،
واملعتدات ابل ُق ُروء هن ذوات احليض ،أي كل امرأة مطلقة حتيض ،ودليل ذلك اآليةَ :وال ُْمطَلَّ َق ُ
ات
ي َرتبَّصن ِِّبَنْـ ُف ِّس ِّه َّن ثَالَثَةَ قُـر ٍ
وء ( البقرة.)228 :ُ ََ َْ
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
اثلثاً :املعتدات بوضع احلمل ،وهي :كل إمرأة حامل من زوج إذا فارقها الزوج بطالق أو فسخ أو
ض ْع َن َمحْلَ ُه َّن
َجلُ ُه َّن أَن يَ َ َمحَ ِّ
ال أ َ ت األ ْ
موت ،فعدهتا بتمام وضع احلمل ،لصريح اآليةَ :وأ ُْوالَ ُ
(الطالق.)4 :
أحكام ِّ
الع َّدة للمتوىف عنها زوجها:
تتعلق ابملعتدة املتوىف عنها زوجها بعض األحكام،وهو( اإلحداد) فمن ذلك أهنا متتنع عن اآليت :
الطيب والزينة والكحل ،ولبس الثياب املصبوغة وحنو ذلك ،حلديث أم سلمة رضي هللا عنها عن ِ )1
ص مفر من الثياب ،وال امل ممشَّق ،وال احلُلِي ،وال النيب أنه قال ( :املُتوىف عنها زوجها ال تلبس املُمع ْ
ُ
ختتضب ،وال تكتحل).
)2وأيضاً جتتنب لبس الذهب واحللي واجملوهرات ،حلديث أم سلمة السابق ،وفيه (وال احلُلِي.)...
)3وجيب عليها أيضاً البيتوتة يف بيتها ،حلديث ال ُفريعة بنت مالك ،أن زوجها تويف ومل يرتك هلا سكناً،
الكتماب أجله)ك حىت يبلُ م ِ فأرادت أن تسكن مع أهلها ،فقال هلا الرسول ( : ام ُكثِي يف بيتِ ِ
ْ
فاعتمددت فيه أربعة أشهر وعشراً ،قالت :فلما كان عثمان بن عفان أرسل إيلَّ فسألين عن قالتْ :
ذلك ،فأخربته ،فاتَّبعه وقضى به.
أما اخلروج هناراً لقضاء حوائجها الضرورية ،فقد أذن هلا الشارع احلكيم بذلك ،إذا مل يكن هلا
من خيدمها.
روى جابر بن عبدهللا رضي هللا عنه قا :طُلِ مقت خاليت ثالاثً ،فخرجت مجت ُّذ خنلها ،فلقيها رجل فنهاها،
فم مذ مكرت ذلك للنيب ،فقال ":اخرجي ِ
فجذي خنلك ،لعلَّك أن تصدَّقي منه ،أو تفعلي خرياً ". مْ
وأما املطلقة من طالق رجعي ،فال إحداد عليها ،قال ابن قدامة ( :وال إحداد على الرجعية
بغري خالف نعلمه ،ألهنا يف حكم الزوجات ،هلا أن تتزين لزوجها وتستشرف له لريغب فيها)...
وأما املطلقة من طالق ابئن ،ففي وجوب اإلحداد عليها خالف بني أهل العلم ،أظهرها عدم
الوجوب.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
تنبيه :اإلحداد الذي شرعه هللا وارتضاه للمرأة املسلمة هو ما سبق بيانه ،غري أنه انتشرت يف كثري
من اجملتمعات اليوم كثري من العادات والتقاليد اليت ختالف شرع هللا املطهر ،فمن ذلك :اعتقاد كثري
من النساء أن للعدة لباساً خاصاً هبا ،كلبس السواد مثالً ،وأن املرأة احملادة ال تغتسل ،وال تكنس
بيتها ،وال خترج يف ضوء القمر ،وال تصعد إىل سطح البيت ،وال تكلم حمارمها ،وال تكشف هلم ،وال
ترد على اهلاتف ،وال تنظر إىل املرآة ،وأهنا تفرتش األرض مدة إحدادها ،وال جتلس على بساط ،وغري
ذلك من البدع واخلرافات اليت ال أصل هلا يف الشرع املطهر.
] [
سلم الثقافة اإلسالمية
فهرس احملتوَّيت
] [