Professional Documents
Culture Documents
ابن رشد
بهذه الصيغ ،فهل يحمل استدعاء الفعل بهببا علببى الوجببوب أو علببى النببدب علببى مببا
سيقال في حد الواجب والمندوب إليه ،أو يتوقف حتى يدل الدليل علببى أحببدهما ،فيببه
بين العلماء خلف مذكور في كتب أصول الفقه ،وكذلك الحال فبي صبيغ النهبي هبل
تدل على الكراهية أو التحريم ،أو ل تببدل علببى واحببد منهمببا ،فيببه الخلف المببذكور
أيضا ،والعيان التي يتعلق بها الحكم إما أن يدل عليها بلفظ يببدل علببى معنببى واحببد
فقط ،وهو الببذي يعببرف فببي صببناعة أصببول الفقببه بببالنص ،ول خلف فببي وجببوب
العمل به ،وإما أن يدل عليها بلفظ يدل على أكثر من معنى واحد ،وهذا قسببمان :إمببا
أن تكببون دللتببه علببى تلببك المعبباني بالسببواء ،وهببو الببذي يعببرف فببي أصببول الفقببه
بالمجمل ،ول خلف في أنه ل يوجب حكما ،وإما أن تكون دللتببه علببى بعببض تلببك
المعاني أكثر من بعض ،وهذا يسمى بالضافة إلى المعاني الببتي دللتببه عليهببا أكببثر
ظاهرا ،ويسمى بالضافة إلى المعاني التي دللته عليها أقل محتمل ،وإذا ورد مطلقا
حمل علببى تلببك المعبباني الببتي هببو أظهببر فيهببا حببتى يقببوم الببدليل علببى حملببه علببى
المحتمل ،فيعرض الخلف للفقهاء في أقاويل الشارع ،لكن ذلك من قبل ثلثة معببان:
من قبل الشتراك في لفظ العين الذي علق به الحكم ،ومن قبل الشببتراك فببي اللببف
واللم المقرونة بجنس تلك العين ،هل أريد بها الكل أو البعض؟ ومن قبل الشببتراك
الذي في ألفاظ الوامر والنواهي .وأما الطريق الرابع فهو أن يفهم من إيجاب الحكببم
لشيء ما نفي ذلك الحكم عما عدا ذلك الشيء أو من نفى الحكم عن شيء مببا إيجببابه
لما عدا ذلك الشيء الذي نفي عنه ،وهببو الببذي يعببرف بببدليل الخطبباب ،وهببو أصببل
مختلف فيه ،مثل قوله عليه الصلة والسلم "في سائمة الغنم الزكاة" فإن قوما فهموا
منه أن ل زكاة في غير السائمة ،وأما القيبباس الشببرعي فهببو إلحبباق الحكببم الببواجب
لشيء ما بالشرع بالشيء ،المسكوت عنه لشبهه بالشيء الذي أوجب الشرع لببه ذلببك
الحكم أو لعلة جامعة بينهما ،ولذلك كان القياس الشرعي صنفين قياس شبببه ،وقيبباس
علة؛ والفرق بين القياس الشرعي واللفبظ الخباص يبراد ببه العبام :أن القيباس يكبون
على الخاص الذي أريد به الخاص ،فيلحق به غيره ،أعني أن المسببكوت عنببه يلحببق
بالمنطوق به من جهة الشبه الذي بينهما ل من جهة دللة اللفظ لن إلحاق المسببكوت
عنه بالمنطوق به من جهة تنبيه اللفظ ليس بقياس ،وإنما هببو مببن ببباب دللببة اللفببظ،
وهذان الصنفان يتقاربان جدا لنهما إلحاق مسكوت عنه بمنطوق به ،وهمببا يلتبسببان
علببى الفقهبباء كببثيرا جببدا ،فمثببال القيبباس إلحبباق شببارب الخمببر بالقبباذف فببي الحببد
والصببداق بالنصبباب فببي القطببع ،وأمببا إلحبباق الربويببات بالمقتببات أو بالمكيببل أو
بالمطعوم فمن باب الخاص أريبد ببه العبام ،فتأمبل هبذا فبإن فيبه غموضبا .والجنبس
الول هو الذي ينبغي للظاهرية أن تنازع فيه ،وأما الثاني فليس ينبغي لها أن تنببازع
فيه لنه من باب السمع ،والذي يرد ذلك يرد نوعا مببن خطبباب العببرب ،وأمببا الفعببل
فإنه عند الكثر من الطرق التي تتلقي منهببا الحكببام الشببرعية ،وقببال قببوم الفعببال:
ليست تفيد حكما إذ ليس لها صيغ ،والذين قالوا إنها تتلقي منهببا الحكببام اختلفببوا فببي
نوع الحكم الذي تببدل عليببه ،فقبال قببوم :تبدل علبى الوجببوب ،وقبال قببوم :تبدل علبى
الندب ،والمختار عند المحققين أنها إن أتت بيانا لمجمل واجب دلبت علبى الوجبوب،
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وإن أتت بيانا لمجمل مندوب إليه دلت على النببدب؛ وإن لببم تببأت بيانببا لمجمببل ،فبإن
كانت من جنس القربة دلت على النببدب وإن كببانت مببن جنببس المباحببات دلببت علببى
الباحة ،وأما القرار فإنه يدل على الجواز فهببذه أصببناف الطببرق الببتي تتلقببى منهببا
الحكام أو تستنبط.
وأما الجماع فهو مستند إلى أحد هذه الطرق الربعة ،إل أنه إذا وقع في واحد منهببا
ولم يكن قطعيا نقل الحكم من غلبة الظبن إلبى القطبع وليبس الجمباع أصبل مسبتقل
بذاته من غير استناد إلى واحد من هببذه الطببرق ،لنببه لببو كببان كببذلك لكببان يقتضببي
إثبات شرع زائد بعد النببي صبلى الب عليبه وسبلم إذ كبان ل يرجبع إلبى أصبل مبن
الصببول المشببروعة .وأمببا المعبباني المتداولببة المتأديببة مببن هببذه الطببرق اللفظيببة
للمكلفين ،فهي بالجملة :إما أمر بشيء وإما نهبي عنبه ،وإمبا تخييبر فيبه .والمبر إن
فهم منه الجزم وتعلق العقاب بتركه سمي واجبببا ،وإن فهببم منببه الثببواب علببى الفعببل
وانتفى العقاب مع الترك سمي ندبا .والنهي أيضا إن فهم منببه الجببزم وتعلببق العقبباب
بالفعل سمي محرما ومحظورا،وإن فهم منه الحث على تركه مببن غيبر تعلبق عقبباب
بفعلببه سببمي مكروهببا ،فتكببون أصببناف الحكببام الشببرعية الملتقبباة مببن هببذه الطببرق
الخمس :واجب ،ومندوب ،ومحظور ،ومكروه ،ومخير فيه وهو المباح .وأما أسباب
الختلف بالجنس فستة :أحدها تردد اللفاظ بين هذه الطببرق الربببع :أعنببي بيببن أن
يكون اللفظ عاما يراد به الخاص ،أو خاصا يراد به العام ،أو عاما يراد به العببام ،أو
خاصا يراد به الخاص ،أو يكون له دليل خطاب ،أو ل يكون لببه .والثبباني الشببتراك
الذي في اللفاظ ،وذلك إما في اللفظ المفرد كلفظ القببرء الببذي ينطلببق علببى الطهببار
وعلى الحيض ،وكذلك لفظ المر هل يحمل على الوجوب أو الندب ،ولفظ النهي هل
يحمل على التحريم أو على الكراهية ،وإما في اللفببظ المركببب مثببل قببوله تعببالى }إل
الذين تابوا{ فإنه يحتمل أن يعود على الفاسببق فقببط ،ويحتمببل أن يعببود علببى الفاسببق
والشبباهد ،فتكببون التوبببة رافعببة للفسببق ومجيببزة شببهادة القبباذف .والثببالث اختلف
العراب .والرابع تردد اللفظ بين حمله على الحقيقة أو حملببه علببى نببوع مببن أنببواع
المجاز ،التي هي :إما الحذف ،وإما الزيادة ،وإما التقببديم وإمببا التببأخير ،وإمببا تببردده
على الحقيقة أو الستعارة .والخببامس إطلق اللفببظ تببارة وتقييببده تببارة ،مثببل إطلق
الرقبة في العتق تارة ،وتقييدها باليمان تارة .والسببادس التعببارض فببي الشببيئين فببي
جميع أصناف اللفاظ الببتي يتلقببى منهببا الشببرع الحكببام بعضببها مببع بعببض وكببذلك
التعارض الذي يأتي في الفعال أو في القبرارات ،أو تعببارض القياسبات أنفسببها،أو
التعارض الذي يتركب من هذه الصببناف الثلثببة :أعنببي معارضببة القببول للفعببل أو
للقرار أو للقياس ،ومعارضة الفعل للقرار أو للقياس ،ومعارضة القرار للقياس.
قال القاضي رضي ال عنه:
وإذ قد ذكرنا بالجملة هذه الشياء ،فلنشرع فيما قصدنا له ،مستعينين بال ،ولنبدأ مببن
ذلك بكتاب الطهارة على عاداتهم.
**2كتاب الطهارة من الحدث.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
@-فنقول :إنببه اتفببق المسببلمون علببى أن الطهببارة الشببرعية طهارتببان :طهببارة مببن
الحدث ،وطهارة من الخبث ،واتفقببوا علببى أن الطهببارة مببن الحببدث ثلثببة أصببناف:
وضوء ،وغسل ،وبدل منهما وهو التيمم ،وذلك لتضمن ذلك آية الوضوء الواردة في
ذلك ،فلنبدأ من ذلك بالقول في الوضوء ،فنقول:
**3كتاب الوضوء.
@-إن القول المحيط بأصول هذه العبادة ينحصر في خمسة أبواب :الباب الول فببي
الدليل على وجوبها ،وعلى من تجب ومتى تجب .الثاني فببي معرفببة أفعالهببا .الثببالث
في معرفة ما به تفعل وهو الماء .الرابع في معرفببة نواقضببها .الخببامس فببي معرفببة
الشياء التي تفعل من أجلها.
**4الباب الول.
@-فأما الدليل على وجوبها فالكتاب والسنة والجماع .أما الكتبباب فقببوله تعببالى }يببا
أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلة فاغسلوا وجوهكم وأيببديكم إلببى المرافببق{ اليببة.
فإنه اتفق المسلمون على أن امتثال هذا الخطاب واجب على كل مببن لزمتببه الصببلة
إذا دخل وقتها .وأمبا السببنة فقببوله عليببه الصبلة والسبلم "ل يقبببل الب صببلة بغيبر
طهور ول صدقة من غلول" وقوله عليببه الصببلة والسببلم "ل يقبببل الب صببلة مببن
أحدث حتى يتوضأ" وهذان الحديثان ثابتان عند أئمة النقببل .وأمببا الجمبباع ،فببإنه لببم
ينقل عن أحد من المسلمين في ذلك خلف ،ولو كان هنبباك خلف لنقببل ،إذ العببادات
تقتضببي ذلببك .وأمببا مببن تجببب عليببه فهببو البببالغ العاقببل ،وذلببك أيضببا ثببابت بالسببنة
والجماع .أما السنة فقوله عليه الصلة والسلم "رفع القلم عن ثلث ،فذكر :الصبي
حتى يحتلم ،والمجنببون حببتى يفيببق" وأمببا الجمبباع ،فببإنه لببم ينقببل فببي ذلببك خلف،
واختلف الفقهاء هل من شرط وجوبهببا السببلم أم ل؟ وهببي مسببألة قليلببة الغنبباء فببي
الفقه ،لنها راجعة إلى الحكم الخروي .وأما متى تجب فإذا دخل وقببت الصببلة ،أو
أراد النسان الفعل الذي الوضببوء شببرط فيببه ،وإن لببم يكببن ذلببك متعلقببا بببوقت ،أمببا
وجوبه عند دخول وقت الصلة علبى المحبدث فل خلف فيبه لقبوله تعبالى }يبا أيهبا
الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلة{ الية ،فأوجب الوضوء عند القيام إلى الصلة ،ومن
شروط الصلة دخول الوقت ،وأما دليل وجببوبه عنببد إرادة الفعببال الببتي هببو شببرط
فيها فسيأتي ذلك عند ذكر الشياء التي يفعل الوضوء من أجلها واختلف النباس فبي
ذلك.
**4الباب الثاني.
@-وأما معرفة فعل الوضوء فالصل فيه ما ورد من صفته في قوله تعالى }يا أيهببا
الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصبلة فاغسببلوا وجببوهكم وأيبديكم إلببى المرافبق وامسببحوا
برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين{ .وما ورد من ذلك أيضببا فببي صببفة وضببوء النبببي
صلى ال عليه وسلم في الثببار الثابتببة ،ويتعلببق بببذلك مسببائل اثنتببا عشببرة مشببهورة
تجري مجرى المهات ،وهي راجعة إلى معرفة الشروط والركببان وصببفة الفعببال
وأعدادها وتعيينها وتحديد محال أنواع أحكام جميع ذلك.
@)-المسألة الولى من الشروط(:
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
اختلف علماء المصار هل النية شببرط فببي صببحة الوضببوء أم ل بعببد اتفبباقهم علببى
اشتراط النية في العبادات لقوله تعالى }وما أمروا إل ليعبدوا ال مخلصين له الببدين{
ولقوله صلى ال عليه وسلم "إنما العمال بالنيات" الحبديث المشبهور .فبذهب فريبق
منهم إلى أنها شرط ،وهو مذهب الشببافعي ومالببك وأحمبد وأببي ثببور وداود .وذهبب
فريق آخر إلى أنها ليست بشرط ،وهو مذهب أبي حنيفة والثوري .وسبببب اختلفهببم
تردد الوضوء بين أن يكون عبادة محضة :أعني غير معقولببة المعنبى ،وإنمببا يقصبد
بهببا القربببة فقببط كالصببلة وغيرهببا ،وبيببن أن يكببون عبببادة معقولببة المعنببى كغسببل
النجاسة ،فإنهم ل يختلفون أن العبادة المحضة مفتقببرة إلببى النيببة ،والعبببادة المفهومببة
المعنى غير مفتقرة إلى النية ،والوضوء فيه شبه من العبببادتين ،ولببذلك وقببع الخلف
فيه ،وذلك أنه يجمع عبادة ونظافة ،والفقه أن ينظر بأيهما هو أقوى شبها فيلحق به.
@)-المسألة الثانية من الحكام(:
اختلف الفقهاء في غسل اليد قبل إدخالها في إناء الوضوء ،فببذهب قببوم إلببى أنببه مببن
سنن الوضوء بإطلق ،وإن تيقن طهارة اليد ،وهو مشهور مببذهب مالببك والشببافعي.
وقيل إنه مستحب للشاك في طهارة يده؛ وهو أيضا مروي عن مالك .وقيل إن غسببل
اليد واجب على المنتبه من النوم ،وبه قال داود وأصحابه .وفرق قوم بين نببوم الليببل
ونوم النهار ،فأوجبوا ذلك في نوم الليل ولم يوجبوه في نوم النهببار ،وبببه قبال أحمببد،
فتحصل في ذلك أربعة أقبوال :قبول إنبه سبنة ببإطلق ،وقبوله إنبه اسبتحباب للشباك
وقول إنه واجب على المنتبه من نوم وقول أنه واجب على المنتبه من نوم الليل دون
نوم النهار ،والسبب في اختلفهم في ذلك اختلفهم في مفهوم الثابت من حببديث أبببي
هريرة أنه عليه الصلة والسلم قال "إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبببل أن
يدخلها الناء ،فإن أحببدكم ل يببدري أيببن بباتت يببده" وفببي بعببض روايبباته "فليغسببلها
ثلثا" فمن لم يبر بيبن الزيبادة البواردة فبي هبذا الحبديث علبى مبا فبي آيبة الوضبوء
معارضة ،وبين آية الوضوء حمل لفظ المر ههنا على ظاهره من الوجوب ،وجعببل
ذلك فرضا من فروض الوضوء ،ومببن فهببم مببن هببؤلء مببن لفببظ البيببات نببوم الليببل
أوجب ذلك من نوم الليل فقط ،ومن لم يفهم منه ذلك وإنما فهم منه النوم فقببط أوجببب
ذلك على كل مستيقظ من النوم نهارا أو ليل ،ومن رأى أن بيببن هببذه الزيببادة واليببة
تعارضا إذ كان ظاهر الية المقصود منه حصر فروض الوضوء كببان وجببه الجمببع
بينهما عنده أن يخرج لفظ المر عن ظاهره الذي هو الوجوب إلى الندب ،ومن تأكببد
عنده هذا الندب لمثابرته عليه الصلة والسلم على ذلك قببال إنببه مببن جنببس السببنن،
ومن لم يتأكد عنده هذا الندب قببال إن ذلببك مببن جنببس المنببدوب المسببتحب ،وهببؤلء
غسل اليد عندهم بهذه الحال إذا تيقنت طهارتها :أعني مببن يقببول إن ذلببك سببنة ،مببن
يقول إنه ندب ،ومن لم يفهم من هؤلء من هذا الحببديث علببة تببوجب عنببده أن يكببون
من باب الخاص أريد به العام كان ذلك عنده مندوبا للمسبتيقظ مبن النبوم فقبط ،ومبن
فهم منه علة الشك وجعله من باب الخاص أريد به العام كان ذلك عنده للشبباك ،لنببه
في معنى النائم ،والظاهر من هذا الحديث أنه لم يقصببد بببه حكببم اليببد فببي الوضببوء،
وإنما قصد به حكم الماء الذي يتوضأ به ،إذا كان المبباء مشببترطا فيببه الطهببارة وأمببا
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
من نقل من غسله صلى ال عليه وسلم يديه قبل إدخالهما في الناء في أكثر أحيببانه،
فيحتمل أن يكون من حكم اليد على أن يكون غسلها في البتداء من أفعال الوضببوء،
ويحتمل أن يكون من حكم الماء ،أعني أن ل ينجس أو يقع فيه شك إن قلنا إن الشببك
مؤثر.
@)-المسألة الثالثة من الركان(:
اختلفوا في المضمضة والستنشاق في الوضوء على ثلثة أقوال :قول إنهمببا سببنتان
في الوضوء ،وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة ،وقول إنهما فرض فيه ،وبه قال
ابن أبي ليلى وجماعة من أصحاب داود ،وقببول إن الستنشبباق فببرض والمضمضببة
سنة ،وبه قال أبو ثور وأبو عبيدة وجماعة مببن أهببل الظبباهر ،وسبببب اختلفهببم فببي
كونها فرضا أو سنة اختلفهم في السنن الببواردة فببي ذلببك ،هببل هببي زيببادة تقتضببي
معارضة آية الوضوء أو ل تقتضي ذلك؛ فمن رأى أن هببذه الزيببادة إن حملببت علببى
الوجوب اقتضت معارضة الية ،إذ المقصود مببن اليببة تأصببيل هببذا الحكببم وتبببيينه
أخرجها من باب الوجوب إلى باب الندب ،ومن لم ير أنها تقتضببي معارضببة حملهببا
على الظاهر من الوجوب ومن استوت عنده هذه القببوال والفعببال فببي حملهببا علببى
الوجوب لم يفرق بين المضمضة والستنشاق ،ومن كان عنببده القببول محمببول علببى
الوجوب والفعببل محببول علببى النببدب فببرق بيببن المضمضببة والستنشبباق ،وذلببك أن
المضمضة نقلت من فعله عليه الصلة والسلم ولم تنقببل مببن أمببره وأمبا الستنشباق
فمن أمره عليه الصلة والسلم وفعله ،وهو قوله عليببه الصببلة والسببلم "إذا توضببأ
أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينثر ،ومن استجمر فليوتر" خرجه مالك فببي مببوطئه،
والبخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة.
@)-المسألة الرابعة من تحديد المحال(:
اتفق العلماء على أن غسل الوجه بالجملة من فرائض الوضوء لقوله تعالى }فاغسلوا
وجببوهكم{ واختلفببوا منببه فببي ثلثببة مواضببع :فببي غسببل البيبباض الببذي بيببن العببذار
والذن ،وفي غسل ما انسدل من اللحية ،وفي تخليببل اللحيببة ،فالمشببهور مببن مببذهب
مالك أنه ليس البيباض البذي بيبن العبذار والذن مبن البوجه ،وقبد قيبل فبي المبذهب
بالفرق بين المرد والملتحي فيكون في المذهب في ذلك ثلثة أقوال .وقال أبو حنيفة
والشافعي :هو من الوجه .وأما ما انسدل من اللحية ،فذهب مالك إلى وجببوب إمببرار
الماء عليه ،ولم يوجبه أبو حنيفة ول الشافعي فببي أحببد قببوليه؛ وسبببب اختلفهببم فببي
هاتين المسئلتين هو خفاء تناول اسم الوجه لهذين الموضعين ،أعني هل يتناولهمببا أو
ل يتناولهما وأما تخليل اللحيببة فمببذهب مالببك أنببه ليببس واجبببا ،وبببه قببال أبببو حنيفببة
والشافعي في الوضوء ،وأوجبه ابن عبد الحكم من أصحاب مالببك؛ وسبببب اختلفهببم
في ذلك اختلفهم في صحة الثار التي ورد فيها المر بتخليل اللحيببة والكببثر علببى
أنها غير صحيحة مع أن الثار الصحاح التي ورد فيها صفة وضببوئه عليببه الصببلة
والسلم ليس في شيء منها التخليل.
@)-المسألة الخامسة من التحديد(:
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
اتفق العلمبباء علببى أن غسبل اليبدين والببذراعين مببن فببروض الوضببوء لقببوله تعبالى
}وأيديكم إلى المرافق{ واختلفبوا فبي إدخبال المرافبق فيهبا؛ فبذهب الجمهبور ومالبك
والشببافعي وأبببو حنيفببة إلببى وجببوب إدخالهببا ،وذهببب بعببض أهببل الظبباهر وبعببض
متأخري أصحاب مالك والطبري إلى أنه ل يجب إدخالهببا فببي الغسببل؛ والسبببب فببي
اختلفهم في ذلك الشتراك الذي في حرف إلى ،وفي اسم اليد في كلم العرب وذلك
أن حرف إلى مرة يدل في كلم العرب على الغاية ،ومببرة يكببون بمعنببى مببع ،واليببد
أيضا في كلم العرب تطلق على ثلثة معان على الكف فقط ،وعلى الكف والببذراع،
وعلى الكف والذراع والعضد ،فمببن جعببل "إلببى" بمعنببى مببع )هنببا فببي نسببخة فبباس
بمعنى من( ،أو فهم من اليد مجموع الثلثة العضاء أوجب دخولها في الغسل )فيهببا
هنا زيادة لن إلى عنده تكون بمعنى من ومبدأ الشببيء مببن الشببيء( ،ومببن فهببم مببن
"إلى" الغاية ومن اليد مببا دون المرفببق ولببم يكببن الحببد عنببده داخل فببي المحببدود لببم
يدخلهما في الغسل ،وخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أنببه غسببل يببده اليمنببى
حتى أشرع في العضد ثم اليسببرى كببذلك ،ثببم غسببل رجلببه اليمنببى حببتى أشببرع فببي
الساق ،ثم غسل اليسرى كذلك ،ثم قال هكذا رأيت رسول ال صببلى ال ب عليببه وسببلم
يتوضأ .وهو حجة لقببول مببن أوجببب إدخالهببا فببي الغسببل ،لنببه إذا تببردد اللفببظ بيببن
المعنيين علبى السببواء وجببب أن ل يصبار إلببى أحببد المعنييببن إل ببدليل ،وإن كبانت
"إلى" في كلم العرب أظهر في معنى الغاية منها فببي معنببى مببع ،وكببذلك اسببم اليببد
أظهر فيما دون العضد منه فيما فوق العضد ،فقول مببن لببم يبدخلها مببن جهببة الدللببة
اللفظية أرجح ،وقول من أدخلها من جهببة هببذا الثببر أبيببن ،إل أن يحمببل هببذا الثببر
على الندب ،والمسألة محتملة كما ترى ،وقد قال قوم :إن الغاية إذا كببانت مببن جنببس
ذي الغاية دخلت فيه ،وإن لم تكن من جنسه لم تدخل فيه.
@)-المسألة السادسة من التحديد(:
اتفق العلماء على أن مسح الرأس من فروض الوضوء ،واختلفوا في القببدر المجببزئ
منه .فذهب مالك إلى أن الواجب مسحه كله ،وذهب الشافعي وبعض أصببحاب مالببك
وأبو حنيفة إلى أن مسح بعضه هو الفرض ،ومن أصحاب مالك من حد هذا البعببض
بالثلث ،ومنهم من حده بالثلثين ،وأما أبو حنيفة فحده بالربع ،وحد مع هذا القببدر مببن
اليد الذي يكون به المسح ،فقببال :إن مسببحه بأقببل مببن ثلثببة أصببابع لببم يجببزه .وأمببا
الشببافعي فلببم يحببد فببي الماسببح ول فببي الممسببوح حببدا .وأصببل هببذا الختلف فببي
الشتراك الذي في الباء في كلم العرب ،وذلك أنها مرة تكون زائدة مثل قوله تعالى
}تنبت بالدهن{ على قراءة من قرأ تنبت بضم التاء وكسر الباء من أنبت ،ومببرة تببدل
على التبعيض مثل قول القائل :أخذت بثوبه وبعضده ،ول معنى لنكار هذا فببي كلم
العرب ،أعني كون الباء مبعضة ،وهو قول الكوفيين من النحويين ،فمببن رآهببا زائدة
أوجب مسح الببرأس كلببه؛ ومعنببى الببزائدة ههنببا كونهببا مؤكببدة ،ومببن رآهببا مبعضببة
أوجب مسح بعضه ،وقد احتج من رجح هذا المفهوم بحديث المغيرة "أن النبي عليببه
الصلة والسلم توضأ فمسح بناصيته وعلبى العمامببة" خرجببه مسببلم .وإن سبلمنا أن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الباء زائدة بقي ههنا أيضا احتمال آخر ،وهو هل الببواجب الخببذ بببأوائل السببماء أو
بأواخرها.
@)-المسألة السابعة من العداد(:
اتفق العلماء على أن الواجب من طهارة العضاء المغسولة هو مرة مببرة إذا أسبببغ،
وإن الثنين والثلث مندوب إليهما ،لما صح "أنه صلى ال عليببه وسببلم توضببأ مببرة
مرة وتوضأ مرتين مرتين وتوضأ ثلثببا ثلثببا" ولن المببر ليببس يقتضببي إل الفعببل
مرة مرة ،أعني المر الوارد في الغسل في آية الوضوء ،واختلفوا فببي تكريببر مسببح
الرأس هل هو فضيلة أم ليس في تكريره فضيلة .فذهب الشافعي إلى أنببه مببن توضبأ
ثلثا ثلثا يمسح رأسبه أيضبا ثلثبا ،وأكبثر الفقهباء يبرون أن المسبح ل فضبيلة فبي
تكريره؛ وسبب اختلفهم في ذلببك اختلفهببم فببي قبببول الزيببادة الببواردة فببي الحببديث
الواحد إذا أتت من طريق واحد ولم يرها الكثر ،وذلك أن أكثر الحاديث التي روي
فيها أنه توضأ ثلثا ثلثا من حديث عثمان وغيره لم ينقبل فيهبا إل أنبه مسبح واحبدة
فقط .في بعض الروايات عن عثمان فببي صببفة وضببوئه أنببه عليببه الصببلة والسببلم
مسح برأسه ثلثا ،وعضد الشافعي وجوب قبول هذه الزيادة بظبباهر عمببوم مبا روي
أنه عليه الصلة والسببلم توضببأ مببرة مببرة ومرتيببن مرتيببن وثلثببا ثلثببا ،وذلببك أن
المفهوم من عموم هذا اللفظ وإن كان من لفظ الصحابي هو حمله على سائر أعضاء
الوضوء ،إل أن هذه الزيادة ليست في الصحيحين ،فإن صحت يجب المصببير إليهببا،
لن من سكت عن شيء ليس هو بحجة على من ذكره .وأكثر العلماء أوجببب تجديببد
الماء لمسح الرأس قياسا على سائر العضاء .وروى عن ابن الماجشون أنه قال :إذا
نفذ الماء مسح رأسه ببلل لحيته ،وهو اختيار ابن حبيب ومالك والشافعي.
ويستحب في صفة المسح أن يبدأ بمقدم رأسه فيمر يديه إلى قفاه ثم يردهما إلى حيث
بدأ على ما في حديث عبد ال بببن زيببد الثببابت .وبعببض العلمبباء يختببار أن يبببدأ مببن
مؤخر الرأس ،وذلك أيضا مروي من صفة وضوئه عليه الصلة والسلم من حديث
الربيع بنت معوذ ،إل أنه لم يثبت في الصحيحين.
@)-المسألة الثامنة من تعيين المحال(:
اختلف العلماء في المسح على العمامة ،فأجاز ذلك أحمد بن حنبل وأبو ثور والقاسببم
بن سلم وجماعة ،ومنع من ذلك جماعة منهم مالببك والشببافعي وأبببو حنيفببة ،وسبببب
اختلفهم في ذلببك اختلفهببم فببي وجببوب العمببل بببالثر الببوارد فببي ذلببك مببن حببديث
المغيرة وغيره "أنه عليه الصلة والسلم مسح بناصيته وعلى العمامة" وقياسا علببى
الخف ،ولذلك اشترط أكثرهم لبسهما على طهارة ،وهذا الحببديث إنمببا رده مببن رده،
إما لنه لم يصح عنده ،وإما لن ظاهر الكتاب عارضه عنده ،أعني المر فيه بمسح
الرأس ،وإما لنه لم يشتهر العمل به عند مببن يشببترط اشببتهار العمببل فيمببا نقببل مببن
طريق الحاد وبخاصة في المدينة على المعلوم مببن مببذهب مالببك أنببه يببرى اشببتهار
العمل ،وهو حديث خرجه مسلم ،وقال فيه أبو عمر بن عبد البر إنببه حببديث معلببول،
وفي بعض طرقه أنه مسح على العمامة ولم يذكر الناصية ،ولذلك لم يشببترط بعببض
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
العلماء في المسح على العمامة المسح على الناصية ،إذ ل يجتمع الصل والبدل فببي
فعل واحد.
@)-المسألة التاسعة من الركان(:
اختلفوا في مسح الذنين هل هو سنة أو فريضة ،وهل يجدد لهما الماء أم ل؟ فببذهب
بعض الناس إلى أنه فريضة ،وأنه يجدد لهما الماء وممن قال بهذا القول جماعة مببن
أصحاب مالك ويتأولون مع هذا أنه مذهب مالك لقوله فيهما إنهما من الببرأس .وقببال
أبو حنيفة وأصحابه مسحهما فرض كذلك )انظر هببذا ،فببإن المقببرر فببي مببذهب أبببي
حنفية أن مسحهما سنة ل فبرض( إل أنهمبا يمسبحان مبع البرأس بمباء واحبد .وقبال
الشافعي مسحهما سنة ويجدد لهما الماء .وقال بهذا القوم جماعة أيضببا مببن أصببحاب
مالببك؛ ويتببأولون أيضببا أنببه قببوله لمببا روي عنببه أنببه قببال حكببم مسببحهما حكببم
المضصمضة؛ وأصل اختلفهم في كون مسحهما سنة أو فرضا اختلفهم فببي الثببار
الواردة بذلك ،أعني مسحه عليه الصلة والسلم أذنيبه هببل هببي زيببادة علببى مبا فببي
الكتاب من مسح الرأس فيكون حكمهما أن يحمل على الندب لمكببان التعببارض الببذي
يتخيل بينها وبين الية إن حملت على الوجوب ،أم هي مبينة لمجمل الذي في الكتاب
فيكون حكمهما حكم الرأس في الوجوب ،فمن أوجبهما جعلها مبينة لمجمببل الكتبباب،
ومن لم يوجبهما جعلها زائدة كالمضمضة ،والثار الواردة بببذلك كببثيرة ،وإن كببانت
لم تثبت في الصحيحين فهي قد اشتهر العمل بها .وأما اختلفهم في تجديد الماء لهمببا
فسببه تردد الذنين بين أن يكونا عضوا مفردا بذاته من أعضاء الوضببوء ،أو يكونببا
جزءا من الرأس .وقد شذ قوم فذهبوا إلى أنهما يغسلن مببع الببوجه ،وذهببب آخببرون
إلى أنه يمسح باطنهما مببع الببرأس ويغسببل ظاهرهمببا مببع الببوجه ،وذلببك لببتردد هببذا
العضو بين أن يكون جزءا من الوجه أو جببزءا مببن الببرأس ،وهببذا ل معنببى لببه مببع
اشتهار الثار في ذلك بالمسح واشتهار العمل به .والشببافعي يسببتحب فيهمببا التكببرار
كما يستحبه في مسح الرأس.
@)-المسألة العاشرة من الصفات(:
اتفق العلماء على أن الرجلين من أعضاء الوضببوء ،واختلفببوا فببي نببوع طهارتهمببا،
فقال قوم :طهارتهما الغسل ،وهم الجمهور ،وقال قوم :فرضهما المسببح ،وقببال قببوم:
بل طهارتهما تجوز بالنوعين :الغسل والمسح ،وإن ذلك راجع إلببى اختيببار المكلببف،
وسبببب اختلفهببم القراءتبان المشببهورتان فبي آيبة الوضبوء :أعنببي قبراءة مببن قببرأ،
وأرجلكم بالنصب عطفا على المغسول ،وقببراءة مببن قببرأ وأرجلكببم بببالخفض عطفببا
على الممسوح ،وذلك أن قراءة النصب ظاهرة في الغسببل ،وقببراءة الخفببض ظبباهرة
في المسح كظهور تلبك فبي الغسبل ،فمببن ذهببب إلببى أن فرضببهما واحبد مبن هباتين
الطهببارتين علببى التعييببن إمببا الغسببل وإمببا المسببح ذهببب إلببى ترجيببح ظبباهر إحببدى
القراءتين على القراءة الثانيببة ،وصببرف بالتأويببل ظبباهر القببراءة الثانيببة إلببى معنببى
ظاهر القراءة التي ترجحت عنده؛ ومن اعتقد أن دللة كل واحدة من القراءتين علببى
ظاهرها على السواء ،وأنه ليست إحداهما على ظاهرها أدل من الثانية على ظاهرها
أيضا جعل ذلك من الواجب المخيببر ككفببارة اليميببن وغيببر ذلببك ،وبببه قببال الطبببري
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وداود .وللجمهور تأويلت في قراءة الخفض ،أجودها أن ذلك عطبف علبى اللفبظ ل
على المعنى ،إذ كان ذلك موجودا في كلم العرب مثل قول الشاعر:
لعب الزمان بها وغيرها * بعدي سوا في المحور والقطر.
بالخفض ،ولو عطف على المعنى لرفع القطر.
وأما الفريق الثاني ،وهم الذين أوجبوا المسح ،فإنهم تأولوا قببراءة النصبب علبى أنهببا
عطف على الموضع كما قال الشاعر :فلسنا بالجبال ول الحديدا.
وقد رجح الجمهور قراءتهم هذه بالثابت عنه عليه الصلة والسلم إذ قال في قوم لببم
يستوفوا غسل أقدامهم في الوضوء "ويل للعقاب من النار" قال فهببذا يببدل علببى أن
الغسل هو الفرض ،لن الواجب هو الذي يتعلق بتركه العقاب ،وهذا ليس فيه حجببة،
لنه إنما وقع الوعيد على أنهم تركوا أعقابهم دون غسل ،ول شك أن من شببرع فببي
الغسل ففرضه الغسل في جميع القدم كما أن من شرع في المسح ففرضه المسح عند
من يخير بين المرين ،وقد يدل هذا على ما جاء في أثر آخر خرجه أيضا مسلم أنببه
قال :فجعلنا نمسح على أرجلنا فنادى "ويل للعقاب من النار" وهذا الثر وإن كانت
العادة قد جرت بالحتجاج به في منع المسح ،فهو أدل على جوازه منببه علببى منعببه،
لن الوعيد إنما تعلق فيه بترك التعميم ل بنوع الطهارة ،بل سكت عن نوعها ،وذلك
دليل على جوازها ،وجواز المسح هو أيضا مروي عبن بعبض الصبحابة والتبابعين،
ولكن من طريق المعنى ،فالغسل أشد مناسبة للقدمين من المسح كمببا أن المسببح أشببد
مناسبة للرأس من الغسل ،إذ كانت القدمان ل ينقى دنسهما غالبا إل بالغسببل ،وينقببى
دنس الرأس بالمسح وذلك أيضا غالب ،والمصالح المعقولة ل يمتنع أن تكون أسبببابا
للعبادات المفروضة حتى يكون الشرع لحظ فيهما معنيين :معنى مصببلحيا ،ومعنببى
عباديا ،وأعني بالمصلحي ما رجع إلى المور المحسوسة ،وبالعبادي ما رجع "إلى"
زكاة النفس .وكذلك اختلفوا في الكعبين هل يدخلن في المسح أو في الغسل عند مببن
أجاز المسح؟ وأصل اختلفهم الشتراك الذي في حرف إلببى أعنببي فببي قببوله تعببالى
}وأرجلكم إلى الكعبين{ وقد تقدم القول في اشتراك هذا الحرف في قوله تعببالى }إلببى
المرفقين{ لكن الشتراك وقع هنالك من جهتين من اشتراك اسم اليببد ،ومببن اشببتراك
حرف إلى وهنا من قبل اشتراك حرف إلببى فقببط .وقببد اختلفببوا فببي الكعببب مببا هببو،
وذلك لشتراك اسم الكعب واختلف أهل اللغة في دللته ،فقيل هما العظمببان اللببذان
عند معقد الشبراك وقيبل همبا العظمبان النباتئان فبي طبرف السباق ،ول خلف فيمبا
أحسب في دخولهما في الغسل عند من يرى أنهما عند معقببد الشببراك إذا كانببا جببزءا
من القدم ،لذلك قال قوم :إنه إذا كان الحد من جنس المحدود دخلت الغاية فيه :أعنببي
الشيء الذي يدل عليه حرف إلى ،إذا لم يكن من جنببس المحبدود لبم يببدخل فيبه مثبل
قوله تعالى }ثم أتموا الصيام إلى الليل{ .
@)-المسألة الحادية عشرة من الشروط(:
اختلفوا في وجود ترتيب أفعال الوضوء على نسق الية .فقال قببوم :هببو سببنة ،وهببو
الذي حكاه المتأخرون من أصحاب مالك عن المذهب ،وبه قال أبببو حنيفببة والثببوري
وداود .وقال قوم :هو فريضة ،وبه قال الشببافعي وأحمببد وأبببو عبيببد ،وهببذا كلببه فببي
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
ترتيببب المفببروض مببع المفببروض ،وأمببا ترتيببب الفعببال المفروضببة مببع الفعببال
المسنونة فهو عند مالك مستحب؛ وقال أبو حنيفة هو سنة؛ وسبببب اختلفهببم شببيئان:
أحدهما الشتراك الذي في واو العطف ،وذلك أنببه قببد يعطببف بهببا الشببياء المترتبببة
بعضها على بعض ،وقد يعطف بهببا غيببر المرتبببة ،وذلببك ظبباهر مببن اسببتقراء كلم
العرب ،ولذلك انقسم النحويون فيها قسمين ،فقال نحبباة البصببرة :ليببس تقتضببي نسببقا
ول ترتيبا ،وإنما تقتضي الجمع فقط ،وقال الكوفيون :بل تقتضببي النسببق والببترتيب؛
فمن رأى أن الواو في آية الوضوء تقتضي الترتيب قال بإيجاب الترتيب ،ومببن رأى
أنها ل تقتضي الترتيب لببم يقببل بإيجببابه .والسبببب الثبباني اختلفهببم فببي أفعبباله عليببه
الصلة والسلم ،هل هي محمولة على الوجببوب أو علببى النببدب؟ فمببن حملهببا علببى
الوجوب قال بوجوب الترتيب ،لنه لم يرو عنه عليه الصلة والسلم أنه توضببأ قببط
إل مرتبا ،ومن حملها على النببدب قببال إن الببترتيب سببنة ،ومببن فببرق بيببن المسببنون
والمفروض من الفعال قال :إن الترتيب البواجب إنمبا ينبغبي أن يكبون فبي الفعبال
الواجبة ،ومن لم يفرق قال :إن الشروط الواجبببة قببد تكببون فببي الفعببال الببتي ليسببت
واجبة.
@)-المسألة الثانية عشرة من الشروط(:
اختلفوا في الموالة في أفعال الوضوء ،فذهب مالك إلى أن الموالة فرض مع الببذكر
ومع القدرة ساقطة مع النسيان ومع الذكر عند العذر ما لم يتفاحش التفبباوت .وذهببب
الشافعي وأبو حنيفة إلى أن الموالة ليست من واجببات الوضبوء ،والسببب فببي ذلببك
الشتراك الذي في الواو أيضا ،وذلك أنه قد يعطف بها الشببياء المتتابعببة المتلحقببة
بعضها على بعض ،وقد يعطف بها الشياء المتراخية بعضها عن بعض .وقببد احتببج
قوم لسقوط الموالة بما ثبببت عنببه عليببه الصببلة والسببلم أنببه كببان يتوضببأ فببي أول
طهوره ويؤخر غسل رجليه إلى آخر الطهببر ،وقببد يببدخل الخلف فببي هببذه المسببألة
أيضا في الختلف في حمل الفعال على الوجوب أو على الندب ،وإنما فببرق مالببك
بين العمد والنسيان ،لن الناسي الصل فيه في الشرع أنببه معفببو عنببه إلببى أن يقببوم
الدليل على غير ذلك ،لقوله عليه الصلة والسلم "رفع عن أمببتي الخطببأ والنسببيان"
وكذلك العذر يظهر من أمر الشرع أن له تأثيرا في التخفيف ،وقد ذهب قببوم إلببى أن
التسمية من فببروض الوضببوء واحتجببوا لببذلك بالحببديث المرفببوع ،وهببو قببوله عليببه
الصلة والسلم "ل وضوء لمن لم يسم ال" وهذا الحديث لم يصح عنببد أهببل النقببل،
وقد حمله بعضهم على أن المراد به النية ،وبعضهم حمله علببى النببدب فيمببا أحسببب،
فهذه مشهورات المسائل التي تجري من هذا الباب مجرى الصببول ،وهببي كمببا قلنببا
متعلقببة إمببا بصببفات أفعببال هببذه الطهببارة ،وإمببا بتحديببد مواضببعها ،وإمببا بتعريببف
شروطها وأركانها وسائر ما ذكر ،ومما يتعلق بهذا البباب مسبح الخفيبن إذ كبان مبن
أفعال الوضوء.
*)*4والكلم المحيط بأصوله يتعلق بالنظر في سبع مسائل( بالنظر في جوازه ،وفي
تحديد محله ،وفي تعيين محله ،وفي صفته :أعني صببفة المحببل ،وفببي تببوقيته ،وفببي
شروطه ،وفي نواقضه:
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
@)-المسألة الولى( :فأما الجواز ،ففيه ثلثة أقوال :القول المشهور أنه جببائز علببى
الطلق ،وبه قال جمهبور فقهباء المصبار .والقبول الثباني جبوازه فبي السبفر دون
الحضر .والقول الثالث منع جوازه بإطلق وهو أشدها .والقاويل الثلثة مروية عن
الصدر الول وعن مالك ،والسبب في اختلفهم ما يظن مببن معارضببة آيببة الوضببوء
الببوارد فيهببا المببر بغسببل الرجببل للثببار الببتي وردت فببي المسببح مببع تببأخير آيببة
الوضوء ،وهذا الخلف كان بين الصحابة في الصدر الول ،فكان منهم من يرى أن
آية الوضوء ناسخة لتلك الثار ،وهو مذهب ابن عباس ،واحتج القائلون بجبوازه بمببا
رواه مسلم أنببه كببان يعجبهببم حبديث جريببر ،وذلببك أنببه روى "أنببه رأى النبببي عليببه
الصلة والسلم يمسح على الخفين ،فقيل له إنما كان ذلك قبببل نببزول المببائدة ،فقببال:
ما أسلمت إل بعد نزول المائدة" وقال المتأخرون القببائلون بجببوزاه :ليببس بيببن اليببة
والثار تعارض ،لن المر بالغسل إنما هو متوجه إلى مببن ل خببف لببه ،والرخصببة
إنما هي للبببس الخببف ،وقيببل إن تأويببل قببراءة الرجببل بببالخفض هببو المسببح علببى
الخفين ،وأما من فرق بين السفر والحضببر فلن أكببثر الثببار الصببحاح الببواردة فببي
مسحه عليه الصلة والسلم إنما كبانت فبي السبفر ،مبع أن السبفر مشبعر بالرخصبة
والتخفيف ،والمسح على الخفين هو من ببباب التخفيببف ،فببإن نزعببه ممببا يشببق علببى
المسافر.
@)-المسألة الثانية( :وأما تحديد المحل فاختلف فيه أيضا فقهاء المصار ،فقال قوم:
إن الواجب من ذلك مسح أعلى الخف ،وإن مسح الباطن أعني أسفل الخف مستحب،
ومالك أحد من رأى هذا والشافعي ،ومنهبم مبن أوجبب مسبح ظهورهمبا وبطونهمبا،
وهو مذهب ابن نافع من أصحاب مالك ،ومنهم مببن أوجببب مسببح الظهببور فقببط ولببم
يستحب مسح البطون ،وهو مذهب أبي حنيفة وداود وسببفيان وجماعبة ،وشبذ أشبهب
فقببال :إن الببواجب مسببح الببباطن ،أو العلببى أيهمببا مسببح )نسببخة فبباس :والعلببى
مستحب(؛ وسبب اختلفهم تعارض الثار الواردة في ذلببك وتشبببيه المسببح بالغسببل،
وذلك أن في ذلك أثرين متعارضين :أحدهما حديث المغيرة بن شعبة وفيه "أنه صلى
ال عليه وسلم مسح على الخف وباطنه" والخر حديث علي "لو كببان الببدين بببالرأي
لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعله" وقد رأيت رسول ال صلى ال عليه وسببلم
يمسح على ظاهر خفيه ،فمن ذهب مذهب الجمع بين الحديثين حمببل حببديث المغيببرة
على الستحباب ،وحديث علي على الوجوب ،وهي طريقة حسنة .ومن ذهب مذهب
الترجيح أخذ إما بحديث علي ،وإما بحديث المغيرة ،فمن رجح حديث المغيببرة علببى
حديث علي رجحه من قبببل القيبباس ،أعنببي قيبباس المسببح علببى الغسببل ،ومببن رجببح
حديث علي رجحه من قبببل مخببالفته للقيبباس أو مببن جهببة السببند ،والسببعد فببي هببذه
المسألة هو مالك .وأما من أجاز القتصار على مسح الباطن فقط فل أعلم لببه حجببة،
لنه ل هذا الثر اتبع ،ول هذا القياس استعمل ،أعني قياس المسح على الغسل.
@)-المسألة الثالثة( :وأما نوع محل المسح فإن الفقهاء القائلين بالمسببح اتفقببوا علببى
جواز المسح علبى الخفيبن ،واختلفبوا فبي المسبح علبى الجبوربين ،فأجباز ذلبك قبوم
ومنعه قوم ،وممن منع ذلك مالك والشافعي وأبو حنيفة ،وممن أجاز ذلك أبو يوسببف
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
ومحمد صاحبا أببي حنيفببة وسببفيان الثببوري .وسبببب اختلفهببم اختلفهببم فبي صببحة
الثببار الببواردة عنببه عليببه الصببلة والسببلم أنببه مسببح علببى الجببوربين والنعليببن.
واختلفهم أيضا في هل يقباس علبى الخببف غيببره أم هبي عببادة ل يقباس عليهببا ول
يتعدى بها محلها ،فمن لم يصح عنده الحديث أو لم يبلغه ،ولم ير القياس على الخببف
قصر المسح عليه ،ومن صح عنده الثر ،أو جوز القياس علببى الخببف أجبباز المسببح
على الجوربين ،وهذا الثر لببم يخرجببه الشببيخان أعنببي البخبباري ومسببلما وصببححه
الترمذي ،ولتردد الجوربين المجلدين بين الخف والجورب غير المجلد عن مالك فببي
المسح عليهما روايتان :إحداهما بالمنع والخرى بالجواز.
@)-المسألة الرابعة( :وأما صفة الخف ،فإنهم اتفقوا على جواز المسح علببى الخببف
الصحيح ،واختلفوا في المخرق ،فقال مالك وأصببحابه :يمسببح عليببه إذا كببان الخببرق
يسيرا ،وحدد أبو حنيفة بما يكون الظاهر منه أقل من ثلثة أصابع .وقال قوم بجببواز
المسح على الخف المنخرق ما دام يسمى خفا وإن تفاحش خرقببه ،وممببن روى عنببه
ذلك الثوري ،ومنع الشافعي أن يكون في مقدم الخف خرق يظهر منه القدم ولو كببان
يسيرا في أحد القولين عنه وسبب اختلفهم في ذلك اختلفهم في انتقببال الفببرض مببن
الغسل إلى المسح هل هو لموضع الستر أعنببي سببتر خببف القببدمين ،أم هببو لموضببع
المشقة في نوع الخفين؟ فمن رآه لموضع الستر لم يجز المسح على الخف المنخرق،
لنه إذا انكشف من القدم شيء انتقل فرضهما من المسح إلببى الغسببل ،ومببن رأى أن
العلة في ذلك المشقة لم يعتبر الخرق ما دام يسببمى خفببا .وأمببا التفريببق بيببن الخببرق
الكثير واليسير فاستحسببان ورفببع للحببرج .وقببال الثببوري :كببانت خفبباف المهبباجرين
والنصار ل تسلم من الخروق كخفاف الناس ،فلو كببان فببي ذلببك حظببر لببورد ونقببل
عنهم .قلت :هذه المسألة هي مسكوت عنها ،فلو كان فيها حكم مع عمببوم البتلء بببه
لبينه صلى ال عليه وسلم ،وقد قال تعالى }لتبين للناس ما نزل إليهم{ .
@)-المسألة الخامسة( :وأما التوقيت فإن الفقهاء أيضا اختلفوا فيببه ،فببرأى مالببك أن
ذلك غير مؤقت ،وأن لبس الخفين يمسح عليهما مببا لببم ينزعهمببا أو تصببيبه جنابببة؛
وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أن ذلك مؤقت .والسبب في اختلفهببم اختلف الثببار
في ذلك ،وذلك أنه ورد في ذلك ثلثة أحاديث :أحببدها حببديث علببي عببن النبببي عليببه
الصلة والسلم أنه قال "جعل رسول ال صلى ال عليببه وسببلم ثلثببة أيببام وليبباليهن
للمسافر ويوما وليلة للمقيم" خرجه مسلم .والثبباني حببديث أبببي بببن عمببارة "أنببه قببال
يارسول ال أأمسح على الخف؟ قال :نعم ،قال :يوما؟ قال :نعم ،ويومين؟ قببال :نعببم،
قال :وثلثة؟ قال نعم حتى بلبغ سببعا ،ثبم قبال :امسبح مبا ببدا لبك" خرجبه أببو داود
والطحاوي .والثالث حديث صفوان بن عسال قال :كنا فببي سببفر فأمرنببا أن ل ننببزع
خفافنا ثلثة أيام ولياليهن إل من جنابة ،ولكن من بول أو نوم أو غائط )هكببذا روايببة
الترمذي ورواية النسائي "ثلثة أيام بلياليهن" من غائط وبول ونببوم إل مببن جنابببة(.
قلت :أما حديث علي فصحيح خرجه مسلم .وأما حديث أبي بن عمارة فقببال فيببه أبببو
عمر بن عبد البر إنه حببديث ل يثبببت وليببس لببه إسببناد قببائم ،ولببذلك ليببس ينبغببي أن
يعارض به حديث علي .وأما حببديث صببفوان بببن عسببال فهببو وإن كببان لببم يخرجببه
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
البخاري ول مسلم فإنه قد صححه قوم من أهل العلم بحديث الترمذي وأبو محمد بببن
حزم ،وهو بظاهره معارض بدليل الخطاب لحديث أبي كحديث علي ،وقد يحتمل أن
يجمع بينهما بأن يقال :إن حديث صفوان وحديث علببي خرجببا مخرجببا السببؤال عببن
التوقيت ،وحديث أبي بن عمارة نص في تببرك التببوقيت ،لكببن حببديث أبببي لببم يثبببت
بعد ،فعلى هذا يجب العمل بحديثي علي وصفوان ،وهو الظهر إل أن دليل الخطاب
فيهمببا يعارضببه القيبباس ،وهببو كببون التببوقيت غيببر مببؤثر فببي نقببض الطهببارة ،لن
النواقض هي الحداث.
@)-المسألة السادسببة( :وأمببا شببرط المسببح علببى الخفيببن ،فهببو أن تكببون الببرجلن
طاهرتين بطهر الوضوء ،وذلك شيء مجمع عليه إل خلفا شاذا .وقد روي عن ابن
القاسم عن مالك ذكره ابن لبابة في المنتخب ،وإنما قال به الكببثر لثبببوته فببي حببديث
المغيرة وغيره إذا أراد أن ينزع الخف عنه ،فقال عليه الصلة والسلم "دعهما فإني
أدخلتهمببا وهمببا طاهرتببان" والمخببالف حمببل هببذه الطهببارة علببى الطهببارة اللغويببة،
واختلف الفقهاء من هذا الباب فيمن غسببل رجليببه ولبببس خفيببه ثببم أتببم وضببوءه هببل
يمسح عليهما؟ فمن لم ير أن الترتيب واجب ورأى أن الطهارة تصح لكل عضو قبل
أن تكمل الطهارة لجميع العضاء قببال بجببواز ذلببك ،ومببن رأى أن الببترتيب واجببب
وأنه ل تصح طهارة العضو إل بعبد طهبارة جميبع أعضباء الطهبارة لبم يجبز ذلبك،
وبالقول الول قال أبو حنيفة ،وبالقول الثبباني قببال الشببافعي ومالببك ،إل أن مالكببا لببم
يمنع ذلك من جهببة الببترتيب ،وإنمببا منعببه مببن جهببة أنببه يببرى أن الطهببارة ل توجببد
للعضو إل بعد كمال جميع الطهارة ،وقد قال عليه الصلة والسلم "وهما طاهرتان"
فأخبر عن الطهارة الشرعية .وفي بعبض روايبات المغيبرة "إذا أدخلبت رجليبك فبي
الخف وهما طاهرتان فامسح عليهما" وعلى هذه الصول يتفرع الجواب فيمببن لبببس
أحد خفيه بعد أن غسل إحدى رجليه وقبل أن يغسل الخببرى؛ فقببال مالببك :ل يمسببح
على الخفين لنه لبس للخف قبل تمام الطهارة ،وهو قول الشافعي وأحمد وإسببحاق.
وقال أبو حنيفة والثوري والمزي والطبري وداود :يجوز له المسح ،وبه قال جماعببة
من أصحاب مالك منهم مطرف وغيره ،وكلهم أجمعوا أنه لو نزع الخببف الول بعببد
غسل الرجل الثانية ثم لبسها جاز له المسح ،وهل من شرط المسح على الخببف أن ل
يكون على خف آخر عن مالك فيه قولن .وسبب الخلف هل كما تنتقل طهارة القدم
إلى الخف إذا ستره الخف ،كببذلك تنتقببل طهببارة الخببف السببفل الواجبببة إلببى الخببف
العلى؟ فمن شبه النقلة الثانية ببالولى أجباز المسببح علببى الخبف العلببى ،ومبن لبم
يشبهها بها وظهر له الفرق لم يجز ذلك.
@)-المسألة السابعة( :فأما نواقض هذه الطهارة ،فببإنهم أجمعببوا علببى أنهببا نببواقض
الوضوء بعينها ،واختلفوا هل نزع الخف نباقض لهبذه الطهبارة أم ل؟ فقبال قبوم :إن
نزعه وغسل قدميه فطهارته باقية ،وإن لم يغسلهما وصلى أعبباد الصببلة بعببد غسببل
قدميه ،وممن قال بذلك مالك وأصحابه والشافعي وأبو حنيفببة ،إل أن مالكببا رأى أنببه
إن أخر ذلك استأنف الوضوء على رأيه في وجوب المولة على الشرط الببذي تقببدم.
وقال قوم :طهارته باقية حتى يحدث حدثا ينقض الوضوء وليس عليه غسببل ،وممببن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
قال بهذا القول داود وابن أبي ليلى .وقال الحسن بن حبي :إذا نبزع خفيبه فقبد بطلبت
طهارته ،وبكل واحد من هذه القوال الثلثة قالت طائفببة مببن فقهبباء التببابعين ،وهببذه
المسألة هي مسكوت عنها .وسبب اختلفهم هل المسح على الخفيبن هبو أصبل ببذاته
في الطهارة أو بدل من غسل القدمين عند غيبوبتهما في الخفين؟ فإن قلنببا هببو أصببل
بذاته فالطهارة باقية وإن نزع الخفين كمن قطعت رجله بعد غسببلهما ،وإن قلنببا إنببه
بدل ،فيحتمل أن يقال إذا نزع الخف بطلت الطهارة وإن كنا نشترط الفببور ،ويحتمببل
أن يقال إن غسلهما أجزأت الطهارة إذا لببم يشببترط الفببور .وأمببا اشببتراط الفببور مببن
حين نزع الخف فضعيف ،وإنما هببو شببيء يتخيببل فهببذا مببا رأينببا أن نثبتببه فببي هببذا
الباب.
**4الباب الثالث في المياه.
@-والصل في وجوب الطهارة بالمياه قوله تعالى }وينزل عليكم مببن السببماء مبباءا
ليطهركم به{ وقوله }فلم تجدوا ماء فببتيمموا صببعيدا طيبببا{ وأجمببع العلمبباء علببى أن
جميع أنواع المياه طاهرة في نفسها مطهرة لغيرها ،إل ماء البحر ،فإن فيه خلفا في
الصدر الول شبباذا ،وهببم محجوببون بتنبباول اسببم المباء المطلبق لببه ،وبببالثر البذي
خرجه مالك وهو قوله عليببه الصببلة والسببلم فببي البحببر "هببو الطهببور مبباؤه الحببل
ميتتببه" وهببو وإن كببان حببديثا مختلفببا فببي صببحته ،فظبباهر الشببرع يعضببده ،وكببذلك
أجمعوا على أن كل ما يغير الماء مما ل ينفك عنه غالبا أنه ل يسلبه صببفة الطهببارة
والتطهير إل خلفا شاذا ،روي في الماء الجن عن ابن سيرين ،وهو أيضا محجوج
بتناول اسم الماء المطلق له ،واتفقوا على أن الماء الذي غيرت النجاسة إما طعمه أو
لونه أو ريحه أو أكثر من واحد مببن هببذه الوصبباف أنببه ل يجببوز بببه الوضببوء ول
الطهور .واتفقوا على أن الماء الكثير المستبحر ل تضره النجاسة التي لم تغيببر أحببد
أوصافه وأنه طاهر ،فهذا ما أجمعوا عليه من هذا الباب ،واختلفوا من ذلك فببي سببت
مسائل تجري مجرى القواعد والصول لهذا الباب.
@)-المسألة الولى( اختلفوا في الماء إذا خببالطته نجاسببة ولببم تغيببر أحببد أوصببافه،
فقال قوم :هو طاهر سواء كان كثيرا أو قليل ،وهي إحدى الروايات عن مالببك ،وبببه
قال أهل الظاهر ،وقال قببوم :بببالفرق بيببن القليببل والكببثير ،فقببالوا إن كببان قليل كببان
نجسا ،وإن كان كثيرا لم يكن نجسا .وهؤلء اختلفببوا فببي الحببد بيببن القليببل والكببثير،
فذهب أبو حنيفة إلى أن الحد في هذا هو أن يكون الماء من الكببثرة بحيببث إذا حركببه
آدمي من أحد طرفيه لم تسر الحركة إلى الطرف الثاني منه .وذهب الشافعي إلى أن
الحد في ذلك هو قلتان من هجر ،وذلك نحو قلل من خمسمائة رطل ،ومنهم مببن لببم
يجد في ذلك حدا ،ولكن قال :إن النجاسة تفسد قليل الماء وإن لم تغير أحببد أوصببافه،
وهذا أيضا مروي عن مالبك ،وقبد روي أيضبا أن هبذا المباء مكبروه فيتحصبل عبن
مالك في الماء اليسير تحله النجاسببة اليسببيرة ثلثبة أقبوال :قبول إن النجاسببة تفسبده،
وقول إنها ل تفسده إل أن يتغير أحد أوصافه ،وقول إنه مكروه .وسبب اختلفهم فبي
ذلك هو تعارض ظواهر الحاديث الببواردة فببي ذلببك ،وذلببك أن حببديث أبببي هريببرة
المتقدم وهو قوله عليه الصلة والسلم "إذا استيقظ أحدكم من نببومه" الحببديث ،يفهببم
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
من ظاهره أن قليل النجاسة ينجس قليل الماء ،وكذلك أيضا حديث أبي هريرة الثابت
عنه عليه الصلة والسلم أنه قال "ل يبولن أحدكم فببي المبباء الببدائم ثببم يغتسببل فيببه"
فإنه يوهم بظاهره أيضا أن قليل النجاسة ينجس قليل الماء.
وكذلك ما ورد من النهي عن اغتسال الجنب في الماء الدائم .وأما حديث أنس الثابت
"أن أعرابيا قام إلى ناحية من المسجد فبال فيها ،فصاح به النبباس ،فقببال رسببول الب
صلى ال عليه وسلم :دعوه ،فلما فرغ أمر رسول ال صلى ال عليببه وسببلم بببذنوب
ماء فصب على بوله" فظاهره أن قليل النجاسة ل يفسد قليل الماء ،إذ معلوم أن ذلببك
الموضع قد طهر من ذلك الذنوب .وحديث أبي سعيد الخدري كذلك أيضا خرجه أبو
داود قال :سببمعت رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم يقببال لببه "إنببه يتسببقى مببن بئر
بضاعة ،وهي بئر يلقى فيها لحوم الكلب والمحائض وعذرة الناس ،فقال النبي عليه
الصلة والسلم :إن الماء ل ينسجه شيء" فببرام العلمبباء الجمببع بيببن هببذه الحبباديث
واختلفوا في طريق الجمببع فبباختلفت لببذلك مببذاهبهم؛ فمببن ذهببب إلببى القببول بظبباهر
حديث العرابي وحديث أبي سعيد قال :إن حديثي أبي هريرة غير معقولي المعنببى،
وامتثال ما تضمناه عبادة ل لن ذلك المباء ينجبس ،حبتى إن الظاهريبة أفرطبت فبي
ذلببك فقببالت :لببو صببب البببول إنسببان فببي ذلببك المبباء مببن قببدح لمببا كببره الغسببل بببه
والوضوء ،فجمع بينهما على هذا الوجه من قال هذا القببول ،ومببن كببره المبباء القليببل
تحلببه النجاسببة اليسببيرة جمببع بيببن الحبباديث ،فببإنه حمببل حببديثي أبببي هريببرة علببى
الكراهية ،وحمل حديث العرابي وحببديث أبببي سببعيد علببى ظاهرهمببا ،أعنببي علببى
الجزاء .وأما الشافعي وأبو حنيفة ،فجمعا بين حديثي أبي هريرة وحديث أبي سببعيد
الخدري ،بأن حمل حديثي أبي هريرة علببى المبباء القليببل ،وحببديث أبببي سببعيد علببى
الماء الكثير .وذهب الشافعي إلى أن الحد في ذلك الذي يجمع الحاديث هببو مببا ورد
في حديث عبد ال بن عمر عن أبيه ،خرجه أبو داود والترمذي ،وصححه أبو محمد
بن حزم قال "سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن الماء ومببا ينببوبه مببن السببباع
والدواب؟ فقال :إن كان الماء قلتين لم يحمل خبثا" وأما أبو حنيفة فذهب إلى أن الحد
في ذلك من جهة القياس ،وذلك أنه اعتبر سريان النجاسببة فببي جميببع المبباء بسببريان
الحركة ،فإذا كان الماء بحيث يظن أن النجاسة ل يمكببن فيهببا أن تسببري فببي جميعببه
فالماء طاهر ،لكن من ذهب هذين المذهبين فحديث العرابي المشببهور معبارض لبه
ول بد ،فلذلك لجأت الشافعية إلى أن فرقت بين ورود الماء علببى النجاسببة وورودهببا
على المبباء ،فقببالوا إن ورد عليهببا المبباء كمببا فببي حببديث العرابببي لببم ينجببس ،وإن
وردت النجاسة على الماء كما في حديث أبي هريرة نجس.
وقال جمهور الفقهاء :هببذا تحكببم ،ولببه إذا تؤمببل وجببه مببن النظببر ،وذلبك أنهببم إنمبا
صاروا إلى الجماع على أن النجاسة اليسيرة ل تؤثر في الماء الكثير إذا كببان المبباء
الكثير بحيث يتوهم أن النجاسة ل تسري في جميع أجزائه ،وأنه يستحيل عينهببا عببن
الماء الكثير ،وإذا كان ذلك كذلك ،فل يبعد أن قدرا ما من الماء لو حلبه قبدر مبا مبن
النجاسة لسرت فيه ولكان نجسببا ،فببإذا ورد ذلببك المبباء علببى النجاسببة جببزءا فجببزءا
فمعلوم أنه تفنى عين تلك النجاسة وتذهب قبل فناء ذلك الماء ،وعلى هذا فيكون آخر
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
جزء ورد من ذلك الماء قد طهر المحل لن نسبته إلببى مببا ورد عليببه ممببا بقببي مببن
النجاسة نسبة الماء الكثير إلى القليل من النجاسة ،ولذلك كان العلم يقع في هذه الحال
بذهاب عين النجاسة ،أعني في وقوع الجزء الخير الطاهر على آخر جزء يبقى من
عين النجاسة ،ولهذا أجمعوا على أن مقدار ما يتوضأ به يطهر قطببرة البببول الواقعببة
في الثوب أو البدن.
واختلفوا إذا وقعت القطرة من البول في ذلك القدر من الماء .وأولى المببذاهب عنببدي
وأحسنها طريقة في الجمع ،هببو أن يحمببل حببديث أبببي هريببرة ومببا فببي معنبباه علببى
الكراهيببة ،وحببديث أبببي سببعيد وأنببس علببى الجببواز ،لن هببذا التأويببل يبقببى مفهببوم
الحاديث على ظاهرها ،أعني حديثي أبي هريرة من أن المقصود بها تأثير النجاسببة
في الماء؛ وحد الكراهية عندي هو ما تعافه النفس وترى أنه ماء خبيث ،وذلك أن ما
يعاف النسان شربه يجب أن يجتنب استعماله في القربة إلى ال ب تعببالى ،وأن يعبباف
وروده على ظاهر بدنه كما يعاف وروده على داخله ،وأمببا مببن احتببج بببأنه لببو كببان
قليل النجاسة ينجس قليل الماء لما كان الماء يطهر أحدا أبدا ،إذ كان يجب علببى هببذا
أن يكون المنفصل من الماء عن الشيء النجس المقصود تطهيره أبدا نجسا ،فقول ل
معنى له ،لما بيناه من أن نسبة آخر جزء يرد مببن المبباء علببى آخببر جببزء يبقببى مببن
النجاسة في المحل نسبة الماء الكثير إلى النجاسة القليلببة ،وإن كببان يعجببب بببه كببثير
من المتببأخرين ،فإنببا نعلببم قطعببا أن المبباء الكببثير يحيببل النجاسببة ويقلببب عينهببا إلببى
الطهارة ،ولذلك أجمع العلماء على أن المبباء اللكببثير ل تفسببده النجاسببة القليلببة ،فببإذا
تابع الغاسل صب الماء على المكان النجس أو العضو النجس ،فيحيل الماء ضببرورة
عين النجاسة بكثرته ،ول فرق بين الماء الكثير أن يرد على النجاسة الواحببدة بعينهببا
دفعة ،أو يرد عليها جزءا بعد جزء ،فإذا هؤلء إنما احتجوا بموضببع الجمبباع علببى
موضع الخلف من حيث لم يشعروا بذلك ،والموضبعان فبي غايبة التبباين ،فهبذا مبا
ظهر لنا في هذه المسألة من سبب اختلف الناس فيها وترجيح أقوالهم فيها ،ولوددنببا
لو أن سلكنا في كل مسألة هذا المسلك ،لكن رأينا أن هذا يقتضي طببول وربمببا عبباق
الزمان عنه ،وأن الحوط هو أن نببؤم الغببرض الول الببذي قصببدناه ،فببإن يسببر الب
تعالى فيه وكان لنا انفساح من العمر فسيتم هذا الغرض.
@ )-المسألة الثانية( الماء الذي خالطه زعفران أو غيره من الشياء الطبباهرة الببتي
تنفك منه غالبا متى غيرت أحد أوصافه ،فإنه طاهر عند جميبع العلمباء غيبر مطهبر
عند مالك والشافعي ،ومطهر عند أبي حنيفببة مببا لببم يكببن التغيببر عببن طبببخ .وسبببب
اختلفهم هو خفاء تناول اسم الماء المطلبق للمباء البذي خبالطه أمثبال هبذه الشبياء،
أعني هل يتنبباوله أو ل يتنبباوله؟ فمببن رأى أنببه ل يتنبباوله اسببم المبباء المطلببق وإنمببا
يضاف إلى الشيء الذي خالطه فيقال ماء كذا ل ماء مطلق لم يجببز الوضببوء بببه ،إذ
كان الوضوء إنما يكون بالماء المطلق ،ومن رأى أنه يتناوله اسم الماء المطلق أجاز
به الوضوء ،ولظهور عدم تناول اسم الماء للمبباء المطبببوخ مببع شببيء طبباهر اتفقببوا
على أنه ل يجوز الوضوء به ،وكذلك فببي ميبباه النبببات المسببتخرجة منببه إل مببا فببي
كتاب ابن شعبان من أجازة طهببر الجمعببة بمباء الببورد .والحببق أن الختلط يختلبف
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
بالكثرة والقلة ،فقد يبلغ من الكثرة إلى حد ل يتناوله اسم الماء المطلبق مثبل مبا يقبال
ماء الغسل ،وقد ل يبلغ إلى ذلك الحد ،وبخاصة متى تغيرت منه الريح فقببط ،ولببذلك
لم يعتبر الريح قوم ممن منعوا الماء المضبباف ،وقببد قببال عليببه الصببلة والسببلم لم
عطية عند أمره إياها بغسل ابنته "اغسلنها بماء وسدر واجعلبن فبي الخيبرة كبافورا
أو شيئا من كافور" فهذا ماء مختلط ولكنه لببم يبلببغ مببن الختلط بحيببث يسببلب عنببه
اسم الماء المطلق ،وقد روي عن مالك باعتبار الكثرة فببي المخالطببة والقلببة والفببرق
بينهما ،فأجازه مع القلة وإن ظهرت الوصاف ،ولم يجزه مع الكثرة.
@)-المسلئة الثالثة( الماء المستعمل في الطهارة .اختلفوا فيه على ثلثة أقوال :فقوم
لم يجيزوا الطهارة به على كل حال ،وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة ،وقوم كرهببوه
ولم يجيزوا التيمم مع وجوده ،وهو مذهب مالك وأصحابه ،وقوم لم يببروا بينببه وبيببن
الماء المطلق فرقا ،وبه قال أبببو ثببور وداود وأصببحابه ،وشببذ أبببو يوسببف فقببال إنببه
نجس .وسبب الخلف في هذا أيضا ما يظببن مببن أنببه ل يتنبباوله اسببم المبباء المطلببق
حتى إن بعضهم غل فظن أن اسم الغسالة أحق به من اسم الماء ،وقد ثبببت أن النبببي
صلى ال عليه وسلم كان أصحابه يقتتلون علبى فضبل وضبوئه ،ول ببد أن يقبع مبن
الماء المستعمل في الناء الذي بقي فيه الفضل .وبالجملببة فهببو مبباء مطلببق لنببه فببي
الغلب ليس ينتهي إلى أن يتغير أحد أوصافه بدنس العضبباء الببتي تغسببل بببه ،فببإن
انتهى إلى ذلك ،فحكمه حكم الماء الذي تغير أحببد أوصببافه بشببيء طبباهر ،وإن كببان
هذا تعافه النفوس أكثر ،وهذا لحظ من كرهه ،وأما من زعم أنه نجس فل دليل معه.
@)-المسألة الرابعببة( اتفببق العلمبباء علببى طهببارة أسببآر المسببلمين وبهيمببة النعببام،
واختلفوا فيما عدا ذلك اختلفا كثيرا ،فمنهم من زعببم أن كببل حيببوان طبباهر السببؤر،
ومنهم من استثنى من ذلك الخنزير فقط ،وهذان القولن مرويببان عببن مالببك ،ومنهببم
من استثنى من ذلك الخنزير والكلب ،وهو مببذهب الشببافعي ومنهببم مببن اسببتثنى مببن
ذلك السباع عامة ،وهو مذهب اببن القاسبم ،ومنهبم مبن ذهبب إلبى أن السبآر تابعبة
للحببوم ،فببإن كببانت اللحببوم محرمببة فالسببآر نجسببة ،وإن كببانت مكروهببة فالسببآر
مكروهة ،وإن كانت مباحة فالسآر طاهرة .وأما سؤر المشرك فقيل إنه نجس ،وقيل
إنه مكروه إذا كان يشرب الخمر ،وهو مذهب ابن القاسم ،وكذلك عنببده جميببع أسببآر
الحيوانات التي ل تتوقى النجاسة غالبا مثل الدجاج المخلة والبببل الجللببة والكلب
المخلة .وسبب اختلفهم في ذلك هو ثلثبة أشبياء :أحبدها معارضبة القيباس لظباهر
الكتاب .والثاني معارضته لظاهر الثار .والثالث معارضة الثار بعضها بعضببا فببي
ذلك .أما القياس فهو أنه لما كان الموت من غير ذكاة هو سبب نجاسة عين الحيببوان
بالشرع وجب أن تكون الحياة هي سبب طهارة عين الحيببوان ،وإذا كببان ذلببك كببذلك
فكل حي طاهر العين ،وكبل طباهر العيبن فسبؤره طباهر .وأمبا ظباهر الكتباب فبإنه
عارض هذا القياس في الخنزير والمشرك ،وذلببك أن الب تعببالى يقببول فببي الخنزيببر
}فإنه رجس{ وما هببو رجببس فببي عينببه فهببو نجببس لعينببه ،ولببذلك اسببتثنى قببوم مببن
الحيوان الحي الخنزير فقط ،ومن لم يستثنه حمل قوله "رجس" علببى جهببة الببذم لببه.
وأما المشرك ففي قوله تعبالى }إنمببا المشبركون نجببس{ فمبن حمبل هبذا أيضبا علببى
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
ظاهره استثنى من مقتضى ذلك في القياس المشركين ،ومن أخرجه مخرج الببذم لهببم
طرد قياسه.
وأما الثار فإنها عارضت هذا القياس في الكلب والهر والسببباع .أمببا الكلببب فحببديث
أبي هريرة المتفق على صحته ،وهو قوله عليه الصلة والسلم "إذا ولبغ الكلببب فبي
إناء أحدكم فليرقه وليغسله سبع مرات" وفي بعببض طرقببه "أولهببن بببالتراب" وفببي
بعضها "وعفروه الثامنة بالتراب" وأما الهر فما رواه قرة عن ابن سببيرين عببن أبببي
هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "طهور الناء إذا ولببغ فيببه الهببر أن
يغسل مرة أو مرتين" وقرة ثقة عنببد أهببل الحببديث .وأمببا السببباع فحببديث ابببن عمببر
المتقدم عن أبيه قال "سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن المبباء ومببا ينببوبه مببن
السباع والدواب فقال :إن كان الماء قلتين لم يحمل خبثببا" .وأمببا تعببارض الثببار فببي
هذا الباب ،فمنها أنه روي عنه "أنه سئل صلى ال عليه وسلم عن الحياض التي بين
مكة والمدينة تردها الكلب والسباع ،فقال "لها ما حملت في بطونهببا ولكببم مببا غبببر
شرابا وطهورا" ونحو هذا حديث عمر الذي رواه مالببك فببي مببوطئه وهببو قببوله "يببا
صاحب الحوض ل تخبرنا فإنا نرد على السباع وترد علينا" وحديث أبي قتادة أيضبا
الذي خرجه مالك "أن كبشة سكبت له وضوء فجاءت هرة لتشرب منببه فأصببغى لهببا
الناء حتى شربت ،ثم قال إن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال :إنها ليست بنجس
إنما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات"
فاختلف العلماء في تأويل هذه الثار ووجه جمعها مع القياس المذكور؛ فببذهب مالببك
في المر بإراقة سؤر الكلب وغسل الناء منه ،إلى أن ذلك عبببادة غيببر معللببة ،وأن
الماء الذي يلغ فيه ليس بنجس ،ولم ير إراقة ما عدا الماء من الشياء الببتي يلببغ فيهببا
الكلب في المشهور عنه ،وذلك كما قلنا لمعارضة ذلك القياس لببه ،ولنببه ظببن أيضببا
أنه إن فهم منه أن الكلب نجس العين عارضه ظاهر الكتاب وهو قوله تعببالى }فكلببوا
مما أمسكن عليكم{ يريد أنه لو كان نجببس العيببن لنجببس الصببيد بمماسببته ،وأيببد هببذا
التأويل بما جاء في غسله من العدد والنجاسات ليس يشترط فببي غسببلها العببدد فقببال:
إن هذا الغسل إنما هو عباده ،ولم يعرج على سائر تلببك الثببار لضببعفها عنببده .وأمببا
الشببافعي فاسببتثنى الكلببب مببن الحيببوان الحببي ورأى أن ظبباهر هببذا الحببديث يببوجب
نجاسة سؤره ،وأن لعابه هو النجس ل عينه فيما أحسب ،وأنه يجب أن يغسل الصببيد
منه ،وكذلك استثنى الخنزير لمكببان اليببة المببذكورة .وأمببا أبببو حنيفببة فبإنه زعببم أن
المفهوم من هذه الثار الواردة بنجاسة سؤر السباع والهر والكلب هو من قبل تحريم
لحومها ،وأن هذا من باب الخاص أريد به العام فقال :السآر تابعة للحببوم الحيببوان،
وأما بعض الناس فاسببتثنى مببن ذلببك الكلببب والهببر والسببباع علببى ظبباهر الحبباديث
الواردة في ذلك .وأما بعضهم فحكم بطهارة سببؤر الكلببب والهببر ،فاسببتثنى مببن ذلببك
السباع فقط .أما سؤر الكلب فللعدد المشترط في غسله ،ولمعارضة ظاهر الكتاب لببه
ولمعارضة حديث أبي قتادة له ،إذ علل عدم نجاسة الهرة من قبل أنها مببن الطببوافين
والكلب طواف .وأما الهرة فمصيرا إلى ترجيح حديث أبي قتادة على حديث قرة عن
ابببن سببيرين ،وترجيببح حببديث ابببن عمببر علببى حببديث عمببر ،ومببا ورد فببي معنبباه
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
لمعارضة حديث أبي قتادة له بدليل الخطاب؛ وذلك أنببه لمببا علببل عببدم النجاسببة فببي
الهرة بسبب الطواف فهم منه أن مببا ليببس بطببواف وهببي السببباع فأسببآرها محرمببة،
وممن ذهب هذا المذهب ابن القاسم،
وأما أبو حنيفة فقال كما قلنا بنجاسة سؤر الكلب ،ولم ير العدد في غسببله شببرطا فببي
طهارة الناء الذي ولغ فيه لنه عارض ذلك عنده القياس في غسل النجاسات ،أعني
أن المعتبر فيها إنما هو إزالبة العيبن فقبط ،وهبذا علبى عبادته فبي رد أخببار الحباد
لمكان معارضة الصول لها .قببال القاضببي :فاسببتعمل مببن هببذا الحببديث بعضببا ولببم
يستعمل بعضا ،أعني أنه استعمل منه ما لم تعارضه عنده الصول ،ولم يستعمل مببا
عارضته منه الصول ،وعضد ذلببك بببأنه مببذهب أبببي هريببرة الببذي روى الحببديث،
فهذه هي الشياء الببتي حركببت الفقهبباء إلببى هببذا الختلف الكببثير فببي هببذه المسببألة
وقادتهم إلى الفتراق فيها ،والمسألة اجتهادية محضة يعسر أن يوجببد فيهببا ترجيببح ،
ولعل الرجح أن يستثنى من طهارة أسآر الحيوان الكلب والخنزير والمشرك لصحة
الثار الواردة في الكلب ولن ظاهر الكتاب أولببى أن يتبببع فببي القببول بنجاسببة عيببن
الخنزير والمشرك من القياس ،وكذلك ظبباهر الحببديث ،وعليببه أكببثر الفقهبباء ،أعنببي
على القول بنجاسة سؤر الكلب ،فإن المر بإراقة ما ولغ فيه الكلببب مخيببل ومناسببب
في الشرع لنجاسة الماء الذي ولغ فيه ،أعني أن المفهوم بالعادة في الشرع من المر
بإراقة الشيء وغسل الناء منه هو لنجاسة الشيء ،وما اعترضوا به من أنه لو كببان
ذلك لنجاسة الناء لما اشترط فيه العدد ،فغير نكير أن يكببون الشببرع يخببص نجاسببة
دون نجاسة بحكم دون حكم تغليظا لها .قال القاضي :وقد ذهب جدي رحمة ال عليه
في كتاب المقدمات إلى أن هذا الحديث معلل معقول المعنى ليس من سبب النجاسببة.
بل من سبب ما يتوقع أن يكون الكلب الببذي ولببغ فببي النبباء كلبببا ،فيخبباف مببن ذلببك
السم .قال :ولذلك جاء هذا العدد الذي هو السبع في غسله ،فإن هذا العدد قد اسببتعمل
في الشرع في مواضع كثيرة في العلج والمببداواة مببن المببراض ،وهببذا الببذي قببال
رحمه ال هو وجه حسن على طريقة المالكية ،فإنه إذا قلنا إن ذلك الماء غير نجس،
فالولى أن يعطى علة في غسله من أن يقول إنه غير معلل ،وهذا طاهر بنفسه ،وقد
اعترض عليه فيما بلغني بعض الناس بأن قال :إن الكلب الكلببب ل يقببرب المبباء فببي
حين كلبه ،وهذا الذي قالوه هو عند استحكام هذه العلة بالكلب ،ل في مباديهببا وفببي
أول حدوثها ،فل معنى لعتراضهم .وأيضا فإنه ليس في الحديث ذكببر المبباء ،وإنمببا
فيه ذكر الناء ،ولعل في سؤره خاصية من هذا الوجه ضارة ،أعني قبل أن يسببتحكم
به الكلب ،ول يستنكر ورود مثل هذا في الشرع ،فيكببون هببذا مببن ببباب مببا ورد فببي
الذباب إذا وقع في الطعببام أن يغمببس ،وتعليببل ذلببك بببأن فببي أحببد جنبباحيه داء وفببي
الخر دواء .وأما ما قيل في المذهب من أن هذا الكلب هو الكلب المنهي عن اتخبباذه
أو الكلب الخضري فضعيف وبعيد من هذا التعليل ،إل أن يقول قائل :إن ذلببك أعنببي
النهي من باب التحريج في اتخاذه.
@)-المسألة الخامسة( اختلف العلماء في أسآر الطهر على خمسة أقوال :فذهب قوم
إلى أن أسآر الطهر طاهرة بإطلق ،وهو مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة .وذهب
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
آخرون إلى أنه ل يجوز للرجل أن يتطهر بسببؤر المببرأة ،ويجببوز للمببرأة أن تتطهببر
بسؤر الرجل ،وذهب آخرون إلى أنه يجوز للرجل أن يتطهر بسؤر المرأة ما لم تكن
المرأة جنبا أو حائضببا ،وذهببب آخببرون إلببى أنببه ل يجببوز لواحببد منهمببا أن يتطهببر
بفضل صاحبه إل أن يشرعا معا .وقال قوم :ل يجوز وإن شرعا معببا ،وهببو مببذهب
أحمد بن حنبل .وسبب اختلفهم فببي هببذا اختلف الثببار ،وذلببك أن فببي ذلببك أربعببة
آثار :أحدها أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يغتسل من الجنابة هببو وأزواجببه مببن
إناء واحد ،والثبباني حببديث ميمونببة أنببه اغتسببل مببن فضببلها ،والثببالث حببديث الحكببم
الغفاري أن النبي عليه الصلة والسلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة ،خرجببه
أبو داود والترمذي .والرابع حديث عبد ال بن سرجس قال "نهى رسببول ال ب صببلى
ال عليه وسلم أن يغتسل الرجل بفضل المرأة والمرأة بفضل الرجل ،ولكن يشببرعان
معا" .فذهب العلمباء فبي تأويبل هبذه الحباديث مبذهبين :مبذهب الترجيبح ،ومبذهب
الجمع في بعض والترجيح في بعض ،أما من رجح حديث اغتسببال النبببي صببلى الب
عليه وسلم مع أزواجه من إناء واحد على سائر الحاديث ،لنببه ممببا اتفببق الصببحاح
على تخريجه ،ولم يكن عنده فرق بين أن يغتسببل معببا أو يغتسببل كببل منهمببا بفضببل
صاحبه ،لن المغتسلين معا كل واحد منهما مغتسل بفضل صباحبه ،وصبحح حبديث
ميمونببة مبع هبذا الحبديث ورجحبه علبى حبديث الغفبباري فقببال بطهبر السببآر علببى
الطلق .وأما من رجح حديث الغفاري على حديث ميمونة وهو مببذهب أبببي محمببد
بن حزم .وجمع بين حديث الغفاري وحديث اغتسال النبي عليه الصلة والسببلم مببع
أزواجه من إناء واحد بأن فرق بين الغتسال معا ،وبيببن أن يغتسببل أحببدهما بفضببل
الخر وعمل على هذين الحديثين فقط أجباز للرجبل أن يتطهبر مبع المبرأة مبن إنباء
واحد ،ولم يجز أن يتطهر هو من فضل طهرهببا ،وأجبباز أن تتطهببر هببي مببن فضببل
طهره .وأما من ذهب مذهب الجمع بين الحاديث كلها ما خل حببديث ميمونببة ،فببإنه
أخذ بحديث عبد ال بن سرجس ،لنه يمكن أن يجتمع عليه حديث الغفاري ،وحببديث
غسل النبي صلى ال عليه وسلم مع أزواجه من إناء واحد ويكون فيببه زيببادة ،وهببي
أن ل تتوضأ المرأة أيضا بفضل الرجل ،لكن يعارضه حبديث ميمونبة ،وهببو حببديث
خرجه مسلم ،لكن قد علله كما قلنا بعض الناس من أن بعض رواتببه قببال فيببه :أكببثر
ظني أو أكثر علمي أن أبا الشعثاء حدثني ،وأما من لم يجز لواحببد منهمببا أن يتطهببر
بفضل صبباحبه ول يشببرعان معببا ،فلعلببه لببم يبلغببه مببن الحبباديث إل حببديث الحكببم
الغفاري وقاس الرجل على المرأة .وأما من نهى عن سؤر المرأة الجنببب والحببائض
فقط ،فلست أعلم له حجة إل أنه مروي عن بعض السلف أحسبه عن ابن عمر.
@)-المسألة السادسة( صار أبو حنيفة من بين معظم أصحابه وفقهاء المصببار إلببى
إجازة الوضوء بنبيذ التمر في السفر لحديث اببن عبباس "أن اببن مسبعود خبرج مبع
رسول ال صلى ال عليه وسلم ليلة الجن ،فسأله رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم
فقال :هل معك من ماء؟ فقال :معي نبيذ في إداوتي ،فقال رسول ال صلى ال ب عليببه
وسلم :اصبب فتوضأ به ،وقال :شراب وطهور" وحديث أبي رافع مببولى ابببن عمببر
عن عبد ال بن مسعود بمثله ،وفيه قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "ثمببرة طيبببة
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وماء طهور" وزعموا أنه منسوب إلى الصحابة علي وابن عببباس ،وأنببه ل مخببالف
لهم من الصحابة ،فكان كالجماع عندهم .ورد أهببل الحببديث هببذا الخبببر ولببم يقبلببوه
لضعف رواته ،ولنه قد روي من طرق أوثق من هذه الطرق أن ابن مسعود لم يكن
مع رسول ال صلى ال عليه وسببلم ليلببة الجببن .واحتببج الجمهببور لببرد هببذا الحببديث
بقوله تعالى }فلم تجدوا ماء فتيموا صعيدا طيبا{ قالوا فلم يجعل ههنا وسطا بين الماء
والصعيد ،وبقوله عليه الصلة والسلم "الصعيد الطيب وضوء المسببلم وإن لببم يجببد
الماء إلى عشر حجج ،فإذا وجد الماء فليمسه بشرته" ولهم أن يقولوا إن هذا قد أطلق
عليه في الحديث اسم الماء ،والزيادة ل تقتضي نسببخا فيعارضببها الكتبباب ،لكببن هببذا
مخالف لقولهم إن الزيادة نسخ.
**4الباب الرابع في نواقض الوضوء.
@-والصل في هذا الببباب قببوله تعببالى }أو جبباء أحببد منكببم مببن الغببائط أو لمسببتم
النساء{ وقوله عليه الصلة والسببلم "ل يقبببل الب صببلة مببن أحببدث حببتى يتوضببأ"
واتفقوا في هبذا البباب علببى انتقباض الوضببوء مببن البببول والغبائط والريببح والمببذي
والودي لصحة الثار في ذلك إذا كان خروجها على وجه الصحة.
@)-ويتعلق بهذا الباب مما اختلفوا فيه سبع مسائل( تجري منه مجرى القواعد لهببذا
الباب.
@)-المسألة الولى( اختلف علماء المصار في انتقبباض الوضببوء ممببا يخببرج مببن
الجسد من النجس على ثلثة مببذاهب :فبباعتبر قببوم فببي ذلببك الخببارج وحببده مببن أي
موضع خببرج وعلببى أي جهببة خببرج ،وهببو أبببو حنيفببة وأصببحابه والثببوري وأحمببد
وجماعة ولهم من الصحابة السلف فقالوا :كل نجاسة تسبيل مبن الجسبد وتخبرج منبه
يجب منها الوضوء كالدم والرعاف الكثير والفصد والحجامة والقيببء إل البلغببم عنببد
أبي حنيفة .وقال أبو يوسف من أصحاب أبي حنيفة :إنه إذا مل الفببم ففيببه الوضببوء،
ولم يعتبر أحد من هؤلء اليسير من الدم إل مجاهد ،واعتبر قوم آخببرون المخرجيببن
الذكر والدبر ،فقالوا :كل ما خرج من هببذين السبببيلين فهببو نبباقض للوضببوء مببن أي
شيء خرج من دم أو حصا أو بلغم وعلى أي وجه خببرج كببان خروجببه علببى سبببيل
الصحة أو على سبيل المرض ،وممن قال بهذا القول الشافعي وأصحابه ومحمببد بببن
عبببد الحكببم مببن أصببحاب مالببك .واعتبببر قببوم آخببرون الخببارج والمخببرج وصببفة
الخروج ،فقالوا :كل ما خرج من السبيلين مما هو معتاد خروجه وهو البول والغببائط
والمذي والودي والريح إذا كان خروجه على وجه الصحة فهو ينقض الوضوء ،فلببم
يروا في الدم والحصاة والدود وضوءا ول في السلس ،وممن قببال بهببذا القببول مالببك
وجل أصحابه .والسبب في اختلفهم أنه لما أجمع المسلمون علببى انتقبباض الوضببوء
مما يخرج من السبيلين من غائط وبول وريح ومذي لظاهر الكتاب ولتظبباهر الثببار
بذلك .تطرق إلى ذلك ثلث احتمالت :أحدها أن يكون الحكم إنما علببق بأعيببان هببذه
الشياء فقط المتفق عليها على مببا رآه مالببك رحمببه البب .الحتمببال الثبباني أن يكببون
الحكم إنما علق بهذه من جهة أنها أنجاس خارجة من البدن لكببون الوضببوء طهببارة،
والطهارة إنما يؤثر فيها النجس .والحتمال الثالث أن يكببون الحكببم أيضببا إنمببا علببق
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
بها من جهة أنها خارجة من هبذين السببيلين ،فيكببون علبى هببذين القببولين الخيريببن
ورود المر بالوضوء من تلك الحداث المجمع عليها إنما هو من باب الخاص أريببد
بببه العببام ويكببون عنببد مالببك وأصببحابه إنمببا هببو مببن ببباب الخبباص المحمببول علببى
خصوصه؛ فالشافعي وأبو حنيفة اتفقا على أن المر بها هو من باب الخاص أريد به
العام ،واختلفا أي عام هو الذي قصد بببه؟ فمالببك يرجببح مببذهبه بببأن الصببل هببو أن
يحمل الخاص على خصوصه حتى يدل الدليل على غير ذلك ،والشافعي محتببج بببأن
المراد به المخرج ل الخارج باتفاقهم على إيجاب الوضببوء مببن الريببح الببذي يخببرج
مببن أسببفل ،وعببدم إيجبباب الوضببوء منببه إذا خببرج مببن فببوق وكلهمببا ذات واحببدة،
والفرق بينهما اختلف المخرجيببن ،فكببان هببذا تنبيهببا علببى أن الحكببم للمخببرج وهببو
ضعيف لن الريحين مختلفان في الصفة والرائحة ،وأبو حنيفببة يحتببج لن المقصببود
بذلك هو الخارج النجس لكون النجاسة مؤثرة في الطهارة ،وهذه الطهارة وإن كانت
طهارة حكمية فإن فيها شبها من الطهارة المعنوية ،أعنببي طهببارة النجببس ،وبحببديث
ثوبان "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قاء فتوضببأ" وبمببا روي عببن عمببر وابببن
عمر رضي ال عنهما من إيجابهما الوضوء من الرعاف وبما روي من أمره صببلى
ال عليه وسلم المستحاضة بالوضوء لكل صلة ،فكان المفهوم من هذا كله عنببد أبببي
حنيفة الخارج النجس ،وإنما اتفببق الشببافعي وأبببو حنيفببة علببى إيجبباب الوضببوء مببن
الحداث المتفق عليها وإن خرجت على جهة المرض لمببره صببلى الب عليببه وسببلم
بالوضوء عند كببل صببلة للمستحاضببة والستحاضببة مببرض .وأمببا مالببك فببرأى أن
المببرض لببه ههنببا تببأثير فببي الرخصببة قياسببا أيضببا علببى مببا روي أيضببا مببن أن
المستحاضة لم تؤمر إل بالغسل فقط ،وذلك أن حديث فاطمة بنت أبي حبيش هذا هو
متفق على صحته ،ويختلف في هذه الزيادة فيه ،أعني المر بالوضببوء لكببل صببلة،
ولكن صححها أبو عمر بن عبد البر ،قياسا على من يغلبه الدم من جرح ول ينقطع،
مثل ما روي أن عمر رضي ال عنه صلى وجرحه يثعب دما.
@)-المسألة الثانية( اختلببف العلمبباء فببي النببوم علببى ثلثببة مببذاهب :فقببوم رأوا أنببه
حدث ،فأوجبوا من قليله وكثيره الوضوء ،وقوم رأوا أنه ليس بحدث فلم يوجبوا منببه
الوضوء إل إذا تيقن بالحدث على مذهب من ل يعتبر الشك ،وإذا شببك علببى مببذهب
من يعتبر الشك حتى إن بعض السلف كان يوكل بنفسه إذا نام من يتفقد حبباله ،أعنببي
هل يكون منه حدث أم ل؟ وقوم فرقوا بين النببوم القليببل الخفيببف والكببثير المسببتثقل،
فببأوجبوا فببي الكببثير المسببتثقل الوضببوء دون القليببل ،وعلببى هببذا فقهبباء المصببار
والجمهور .ولما كببانت بعببض الهيئات يعببرض فيهببا السببتثقال مببن النببوم أكببثر مببن
بعض ،وكذلك خروج الحدث اختلف الفقهاء في ذلك ،فقال مالك :مببن نببام مضببطجعا
أو ساجدا فعليه الوضوء ،طويل كان النوم أو قصببيرا .ومببن نببام جالسببا فل وضببوء
عليه إل أن يطول ذلك به .واختلف القول فبي مبذهبه فبي الراكبع ،فمببرة قببال حكمبه
حكم القائم ،ومرة قال حكمه حكم الساجد .وأما الشافعي فقال :على كل نائم كيفما نببام
الوضوء إل من نام جالسا ،وقال أبو حنيفببة وأصببحابه :ل وضببوء إل علببى مببن نببام
مضطجعا ،وأصل اختلفهم في هذه المسألة اختلف الثار الواردة فببي ذلببك ،وذلببك
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
أن ههنا أحاديث يوجب ظاهرها أنه ليس في النوم وضوء أصل ،كحديث ابن عباس
"أن النبي صلى ال عليه وسلم دخل إلى ميمونة فنام عندها حتى سببمعنا غطيطببه ثببم
صلى ولم يتوضأ" وقوله عليه الصلة والسلم "إذا نعس أحببدكم فببي الصببلة فليرقببد
حتى يذهب عنه النوم ،فإنه لعله يذهب أن يستغفر ربه فيسب نفسه" وما روي أيضببا
"أن أصببحاب النبببي صببلى الب عليببه وسببلم كبانوا ينببامون فببي المسببجد حببتى تخفببق
رؤوسهم ثم يصلون ول يتوضئون" وكلهببا آثببار ثابتببة وههنببا أيضببا أحبباديث يببوجب
ظاهرها أن النوم حدث ،وأبينها في ذلك حديث صفوان بن عسال وذلك أنه قال "كنببا
في سفر مع النبي صلى ال عليه وسبلم فأمرنبا أن ل ننبزع خفافنبا مبن غبائط وببول
ونوم ول ننزعها إل من جنابة" فسوى بين البول والغائط والنوم ،صححه الترمببذي.
ومنها حديث أبي هريرة المتقدم ،وهو قوله عليه الصلة والسلم "إذا استيقظ أحببدكم
مببن نببومه فليغسببل يببده قبببل أن يببدخلها فببي وضببوئه" فببإن ظبباهره أن النببوم يببوجب
الوضوء قليله وكثيره ،وكذلك يدل ظاهر آية الوضوء عند من كان عنده المعنببى فببي
قوله تعالى }يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلة{ أي إذا قمتببم مببن النببوم علببى مببا
روي عن زيد بن أسلم وغيره من السلف فلمببا تعارضببت ظببواهر هببذه الثببار ذهببب
العلماء فيها مذهبين :مذهب الترجيح ،ومذهب الجمع؛ فمن ذهب مذهب الترجيح إمببا
أسقط وجوب الوضوء من النوم أصل على ظاهر الحاديث التي تسقطه وإما أوجبببه
من قليله أو كثيره على ظاهر الحبباديث الببتي تببوجبه أيضببا ،أعنببي علببى حسببب مببا
ترجح عنده من الحاديث الموجبة ،أو مببن الحبباديث المسببقطة؛ ومببن ذهببب مببذهب
الجمع حمل الحاديث الموجبة للوضوء منبه علبى الكببثير والمسبقطة للوضببوء علببى
القليل ،وهو كما قلنا مذهب الجمهور ،والجمع أولى من الترجيح ما أمكن الجمع عند
أكثر الصوليين .وأما الشافعي فإنما حملها على أن استثنى من هيئات النائم الجلوس
فقط لنه قد صح ذلك عن الصحابة ،أعني أنهم كانوا ينببامون جلوسببا ول يتوضببئون
ويصلون .وإنما أوجبه أبو حنيفة في النوم والضطجاع فقط لن ذلك ورد في حديث
مرفوع ،وهو أنه عليه الصلة والسلم قال "إنما الوضوء علببى مببن نببام مضببطجعا"
والرواية بذلك ثابتة عن عمر .وأما مالك فلما كان النبوم عنببده إنمبا ينقبض الوضبوء
من حيث كان غالبا سبببب للحببدث راعببى فيببه ثلثببة أشببياء :السببتثقال أو الطببول أو
الهيئة ،فلم يشببترط فببي الهيئة الببتي يكببون منهببا خببروج الحببدث غالبببا ل الطببول ول
الستثقال ،واشترط ذلك في الهيئات التي ل يكون خروج الحدث منها غالبا.
@)-المسألة الثالثة( اختلف العلماء فببي إيجبباب الوضببوء مببن لمببس النسبباء باليببد أو
بغير ذلك من العضاء الحساسة ،فذهب قوم إلى أن من لمس امرأة بيده مفضيا إليها
ليس بينه وبينها حجاب ول ستر فعليه الوضوء ،وكذلك مببن قبلهببا لن القبلببة عنببدهم
لمس ما ،سواء التذ أم لم يلتذ وبهذا القول قال الشافعي وأصحابه ،إل أنببه مببرة فببرق
بين اللمس والملموس ،فأوجب الوضوء على اللمس دون الملمببوس ،ومببرة سببوى
بينهما ،ومرة أيضا فرق بين ذوات المحارم والزوجببة ،فببأوجب الوضببوء مببن لمببس
الزوجة دون ذوات المحارم ،ومرة سوى بينهما .وذهب آخرون إلى إيجاب الوضوء
من اللمس إذا قارنته اللذة أو قصد اللذة في تفصيل لهم في ذلك وقببع بحببائل أو بغيببر
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
حائل بأي عضو اتفق ما عدا القبلة ،فإنهم لم يشترطوا لذة في ذلك ،وهو مذهب مالك
وجمهور أصحابه ،ونفى قببوم إيجبباب الوضببوء مببن لمببس النسبباء وهببو مببذهب أبببي
حنيفة ،ولكل سلف من الصحابة إل اشتراط اللببذة فببإني ل أذكببر أحببدا مببن الصببحابة
اشترطها .وسبب اختلفهم في هذه المسألة اشتراك اسم اللمس في كلم العرب ،فببإن
العرب تطلقه مرة على اللمس الذي هو باليد ،ومرة تكني به عن الجماع ،فذهب قببوم
إلى أن اللمس الموجب للطهببارة فبي آيبة الوضبوء هبو الجمباع فبي قبوله تعبالى }أو
لمستم النساء{ وذهب آخرون إلى أنه اللمببس باليببد ،ومببن هببؤلء مببن رآه مببن ببباب
العام أريد به الخاص فاشترط فيه اللذة ،ومنهم من رآه من باب العببام أريببد بببه العببام
فلم يشترط اللذة فيه ،ومن اشترط اللذه فإنما دعاه إلى ذلببك مببا عببارض عمببوم اليببة
من أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يلمس عائشة عند سببجوده بيببده وربمببا لمسببته
وخرج أهل الحديث حديث حبيب بن أبببي ثببابت عببن عببروة عببن عائشببة عببن النبببي
صلى ال عليه وسلم "أنه قبل بعض نسائه ثم خرج إلببى الصببلة ولببم يتوضببأ ،فقلببت
من هي إل أنت؟ فضحكت" قال أبو عمر هببذا الحببديث وهنببه الحجببازيون وصببححه
الكوفيون ،وإلى تصحيحه مال أبو عمر بن عبد البر ،قال :وروى هذا الحديث أيضببا
من طريق معبد بن نباتة ،وقال الشافعي إن ثبت حديث معبد بن نباتة في القبلة لم أر
فيها ول في اللمس وضوءا .وقببد احتببج مببن أوجببب الوضببوء مببن اللمببس باليببد بببأن
اللمس ينطلق حقيقة على اللمس باليببد وينطلببق مجببازا علببى الجمبباع ،وأنببه إذا تببردد
اللفظ بين الحقيقة والمجاز ،فبالولى أن يحمبل علبى الحقيقببة حببتى يببدل الببدليل علبى
المجاز؛ ولولئك أن يقولوا إن المجاز إذا كثر اسببتعماله كببان أدل علببى المجبباز منببه
على الحقيقة كالحال في اسم الغائط الذي هو أدل على الحدث الذي هو فيه مجاز منه
على المطمئن من الرض الذي هو فيه حقيقببة .والببذي أعتقببده أن اللمببس وإن كببانت
دللته على المعنيين بالسواء أو قريبا من السواء أنببه أظهببر عنببدي فببي الجمبباع وإن
كان مجازا ،لن ال تبارك وتعالى قد كنى بالمباشرة والمس عببن الجمبباع وهمببا فببي
معنى اللمس ،وعلى هذا التأويل فببي اليبة يحتبج بهببا فبي إجبازة البتيمم للجنببب دون
تقدير تقديم فيها ول تأخير على ما سيأتي بعد ،وترتفببع المعارضببة الببتي بيببن الثببار
والية على التأويل الخر .وأما من فهم من الية اللمسين معا فضعيف ،فإن العببرب
إذا خاطبت بالسم المشترك إنما تقصد به معنى واحد مببن المعبباني الببتي يببدل عليهببا
السم ل جميع المعاني التي يدل عليها ،وهذا بين بنفسه في كلمهم.
@)-المسألة الرابعة( مس الذكر .اختلف العلماء فيه على ثلثة مببذاهب ،فمنهببم مببن
رأى الوضوء فيه كيفما مسه ،وهو مذهب الشافعي وأصببحابه وأحمببد وداود ،ومنهببم
من لم ير فيه وضوءا أصببل وهببو أبببو حنيفببة وأصببحابه ،ولكل الفريقيببن سببلف مببن
الصحابة والتابعين .وقوم فرقوا بين أن يمسه بحال أو ل يمسه بتلك الحببال ،وهببؤلء
افترقوا فيه فرقا :فمنهم من فرق فيه بين أن يلتذ أو ل يلتذ .ومنهبم مبن فبرق بيبن أن
يمسه بباطن الكف أو ل يمسه ،فأوجبوا الوضوء مع اللببذة ولببم يوجبببوه مببع عببدمها،
وكذلك أوجبه قوم مع المس بباطن الكف ولببم يوجبببوه مببع المببس بظاهرهببا ،وهببذان
العتباران مرويان عن أصحاب مالك ،وكان اعتبار باطن الكف راجببع إلببى اعتبببار
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
سبب اللذة .وفرق قوم في ذلك بين العمد والنسيان ،فأوجبوا الوضوء منببه مببع العمببد
ولم يوجبوه مع النسيان ،وهو مببروي عببن مالببك ،وهببو قببول داود وأصببحابه .ورأى
قوم أن الوضوء من مسه سنة ل واجب ،قال أبو عمر :وهذا الذي استقر مببن مببذهب
مالك عند أهل المغرب من أصحابه ،والرواية عنه فيه مضببطربة .وسبببب اختلفهببم
في ذلك أن فيه حديثين متعارضين :أحببدهما الحببديث الببوارد مببن طريببق بسببرة أنهببا
سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول "إذا مس أحببدكم ذكببره فليتوضببأ" وهببو
أشهر الحاديث الواردة في إيجاب الوضوء من مس الذكر ،خرجه مالك في الموطأ،
وصححه يحيى بن معين وأحمبد ببن حنببل ،وضبعفه أهبل الكوفبة؛ وقبد روي أيضبا
معناه من طريق أم حبيبة ،وكان أحمد بن حنبل يصححه ،وقد روي أيضا معنبباه مببن
طريق أبي هريرة ،وكان ابن السكن أيضا يصححه ،ولم يخرجه البخاري ول مسبلم.
والحديث الثاني المعارض له حديث طلق بن علي قال "قدمنا على رسول ال ب صببلى
ال عليه وسلم وعنده رجل كأنه بدوي ،فقال :يا رسول ال ما ترى فببي مببس الرجببل
ذكببره بعببد أن يتوضببأ؟ فقببال :وهببل هببو إل بضببعة منببك؟" خرجببه أيضببا أبببو داود
والترمذي ،وصححه كثير من أهل العلم الكوفيون وغيرهم؛ فذهب العلماء في تأويببل
هذه الحاديث أحد مذهبين :إما مذهب الترجيح أو النسخ ،وإمببا مببذهب الجمببع ،فمببن
رجح حديث بسرة أو رآه ناسخا لحديث طلق بن علي قال بإيجاب الوضوء من مببس
الذكر ،ومن رجح حديث طلق بن علي أسقط وجوب الوضوء من مسه ،ومن رام أن
يجمع بين الحديثين أوجب الوضوء منه في حال ولم يوجبه في حال ،أو حمل حديث
بسرة على الندب ،وحديث طلق بن علي نفى الوجوب والحتجاجات التي يحتببج بهببا
كل واحد من الفريقين في ترجيح الحديث الببذي رجحببه كببثيرة يطببول ذكرهببا ،وهببي
موجودة في كتبهم ،ولكن نكتة اختلفهم هو ما أشرنا إليه.
@)-المسألة الخامسة( اختلف الصدر الول في إيجاب الوضوء مببن أكببل مببا مسببته
النار لختلف الثار الواردة في ذلك عن رسول ال صببلى الب عليببه وسببلم ،واتفببق
جمهور فقهاء المصار بعد الصبدر الول علببى سبقوطه ،إذ صببح عنبدهم أنببه عمببل
الخلفاء الربعة ،ولما ورد من حديث جابر أنه قال" :كان آخببر المريبن مببن رسببول
ال صلى ال عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار" خرجه أبو داود .ولكن ذهب
قوم من أهل الحديث أحمد وإسحاق وطائفة غيرهم أن الوضوء يجببب فقببط مببن أكببل
لحم الجزور لثبوت الحديث الوارد بذلك عنه عليه الصلة والسلم.
@)-المسألة السادسة( :شبذ أببو حنيفبة فبأوجب الوضببوء مببن الضبحك فببي الصببلة
لمرسل أبي العالية ،وهو أن قوما ضحكوا في الصلة فأمرهم النبي صببلى ال ب عليببه
وسلم بإعادة الوضوء والصلة .ورد الجمهور هذا الحديث لكببونه مرسببل ولمخببالفته
للصول ،وهو أن يكون شيء ما ينقض الطهارة فببي الصببلة ول ينقضببها فببي غيببر
الصلة وهو مرسل صحيح.
@)-المسألة السابعة( وقد شببذ قببوم فببأوجبوا الوضببوء مببن حمببل الميببت ،وفيببه أثببر
ضعيف "من غسل ميتا فليغتسل ،ومن حمله فليتوضببأ" وينبغببي أن تعلببم أن جمهببور
العلماء أوجبوا الوضوء من زوال العقل بأي نوع كببان مببن قبببل إغمبباء أو جنببون أو
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
سكر ،وهؤلء كلهم قاسوه على النوم ،أعني أنهم رأوا أنببه إذا كببان يببوجب الوضببوء
في الحالة التي هي سبب للحدث غالبا وهو الستثقال ،فأحرى أن يكون ذهاب العقببل
سببا لذلك ،فهذه هي مسائل هببذا الببباب المجمببع عليهببا ،والمشببهورات مببن المختلببف
فيها ،وينبغي أن نصير إلى الباب الخامس.
**4الباب الخامس .وهو معرفة الفعال التي تشترط هذه الطهارة في فعلها.
@-والصل في هذا الباب قوله تعببالى }يبا أيهبا البذين آمنببوا إذا قمتبم إلبى الصببلة{
الية ،وقوله عليه الصلة والسببلم "ليقبببل الب صببلة بغيببر طهببور ول صببدقة مببن
غلول" فاتفق المسلمون على أن الطهارة شرط من شروط الصببلة لمكببان هببذا ،وإن
كانوا اختلفوا هل هي شرط من شروط الصحة أو من شروط الوجوب ،ولببم يختلفببوا
أن ذلك شرط في جميع الصلوات إل في صلة الجنازة وفي السببجود ،أعنببي سببجود
التلوة ،فإن فيه خلفا شاذا ،والسبب فببي ذلببك الحتمببال العببارض فببي انطلق اسببم
الصلة على الصلة على الجنائز وعلببى السببجود ،فمببن ذهببب إلببى أن اسببم الصببلة
ينطلق على صلة الجنائز وعلى السجود نفسه وهبم الجمهبور اشبترط هبذه الطهبارة
فيهما :ومن ذهب إلى أنه ل ينطلق عليهما إذ كانت صلة الجنببائز ليببس فيهببا ركببوع
ول سجود ،وكان السجود أيضا ليس فيه قيام ول ركببوع لبم يشبترطوا هببذه الطهببارة
فيهما ،ويتعلق بهذا الباب مع هذه المسألة أربع مسائل:
@)-المسألة الولى( هل هذه الطهارة شرط في مس المصببحف أم ل؟ فببذهب مالببك
وأبو حنيفة والشافعي إلى أنها شرط في مس المصحف ،وذهب أهل الظاهر إلى أنها
ليست بشرط في ذلك ،والسبب في اختلفهببم تببردد مفهببوم قببوله تعببالى }ل يمسببه إل
المطهرون{ بين أن يكون المطهرون هم بنو آدم وبين أن يكونوا هم الملئكببة ،وبيببن
أن يكون هذا الخبببر مفهمببومه النهببي ،وبيببن أن يكببون خبببرا ل نهيببا ،فمببن فهببم مببن
المطهرون بني آدم ،وفهببم مببن الخبببر النهببي قببال :ل يجببوز أن يمببس المصببحف إل
طاهر ،ومن فهم منه الخبر فقط وفهم من لفظ المطهرون الملئكة قال :إنه ليببس فببي
الية دليل على اشتراط هذه الطهارة في مس المصحف ،وإذا لم يكن هنالببك دليببل ل
من كتاب ول من سنة ثابتة بقي المر على البراءة الصلية وهي الباحة؛ وقد احتج
الجمهور لمذهبهم بحديث عمرو بن حزم "أن النبي عليببه الصببلة والسببلم كتببب :ل
يمس القرآن إل طاهر" وأحاديث عمرو بن حزم اختلف الناس في وجوب العمل بهببا
لنها مصحفة ،ورأيت ابن المفوز يصححها إذا روتها الثقات لنها كتاب النببي عليبه
الصلة والسلم ،وكذلك أحاديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جببده ،وأهببل الظبباهر
يردونهما ،ورخص مالك للصبيان في مبس المصبحف علبى غيبر طهبر لنهبم غيبر
مكلفين.
@)-المسألة الثانية( اختلببف النبباس فببي إيجبباب الوضببوء علببى الجنببب فببي أحببوال:
أحدها إذا أراد أن ينام وهو جنب؛ فذهب الجمهور إلى استحبابه دون وجبوبه وذهبب
أهل الظاهر إلى وجوبه لثبوت ذلك عن النبي صلى ال عليه وسلم مببن حببديث عمببر
"أنه ذكر لرسول ال صلى ال عليه وسلم أنه تصيبه جنابة من الليل ،فقال له رسببول
ال صلى ال عليه وسلم :توضأ واغسل ذكرك ثببم نببم" وهببو أيضبا مبروي عنببه مببن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
طريق عائشة .وذهب الجهمور إلى حمل المر بببذلك علببى النببدب والعببدول بببه عببن
ظاهره لمكان عدم مناسبة وجوب الطهببارة لرادة النببوم ،أعنببي المناسبببة الشببرعية،
وقد احتجوا أيضا لذلك بأحاديث أثبتها حديث ابن عببباس "أن رسببول ال ب صببلى ال ب
عليه وسلم خببرج مببن الخلء فببأتي بطعببام ،فقببالوا :أل نأتيببك بطهببر؟ فقببال :أأصببلي
فأتوضأ .وفي بعض رواياته :فقيل له :أل تتوضأ؟ فقال :مببا أردت الصببلة فأتوضببأ"
والستدلل بببه ضببعيف ،فبإنه مببن ببباب مفهببوم الخطباب مبن أضبعف أنبواعه ،وقببد
احتجوا بحديث عائشة "أنه عليه الصلة والسلم كان ينام وهو جنب ل يمس المبباء"
إل أنه حديث ضعيف .وكذلك اختلفوا في وجوب الوضوء على الجنب الذي يريد أن
يأكل أو يشرب وعلى الذي يريد أن يعاود أهله ،فقال الجمهور فببي هببذا كلببه بإسببقاط
الوجوب لعدم مناسبببة الطهببارة لهببذه الشببياء ،وذلببك أن الطهببارة إنمببا فرضببت فببي
الشرع لحوال التعظيم كالصلة ،وأيضا فلمكان تعارض الثار في ذلببك ،وذلببك أنببه
روي عنه عليه الصلة والسلم "أنه أمر الجنب إذا أراد أن يعبباود أهلببه أن يتوضببأ"
وروي عنببه أنببه كببان يجببامع ثببم يعبباود ول يتوضببأ .وكببذلك روي عنببه منببع الكببل
والشرب للجنب حتى يتوضأ .وروي عنه إباحة ذلك.
@)-المسألة الثالثة( ذهب مالك والشافعي إلى اشتراط الوضوء في الطواف ،وذهب
أبو حنيفة إلى إسقاطه .وسبببب اختلفهببم تببردد الطببواف بيببن أن يلحببق حكمببه بحكببم
الصلة أو ل يلحق ،وذلك أنه ثبت "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم منع الحائض
الطواف كما منعها الصلة" فأشبه الصلة من هذه الجهة .وقد جاء في بعببض الثببار
تسمية الطواف صلة ،وحجة أبي حنيفة أنه ليس كل شيء منعه الحيببض ،فالطهببارة
شرط في فعله إذا ارتفع الحيض كالصوم عند الجمهور.
@)-المسألة الرابعة( ذهب الجمهور إلى أنبه يجبوز لغيببر متوضبئ أن يقببرأ القببرآن
ويببذكر البب ،وقببال قببوم :ل يجببوز ذلببك لببه إل أن يتوضببأ .وسبببب الخلف حببديثان
متعارضان ثابتان :أحدهما حديث أبي جهم قال "أقبل رسول ال صلى ال عليه وسلم
من نحو بئر جمل ،فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه السلم حتى أقبل على الجدار،
فمسح بوجهه ويديه ،ثم إنه رد عليه الصلة والسلم السلم" .والحديث الثاني حديث
علي "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان ل يحجبه عن قببراءة القببرآن شببيء إل
الجنابة" فصببار الجمهببور إلببى أن الحببديث الثبباني ناسببخ للول ،وصببار مببن أوجببب
الوضوء لذكر ال إلى ترجيح الحديث الول.
**3كتاب الغسل.
@-والصل في هذه الطهارة قوله تعالى }وإن كنتم جنبا فبباطهروا{ والكلم المحيببط
بقواعدها ينحصر بعد المعرفة بوجوبها وعلى من تجب ،ومعرفة ما بببه تفعببل ،وهببو
الماء المطلق في ثلثببة أبببواب :الببباب الول :فببي معرفببة العمببل فببي هببذه الطهببارة.
والثاني :في معرفة نواقض هذه الطهارة .والباب الثالث :فببي معرفببة أحكببام نببواقض
هذه الطهارة .فأما على من تجب؟ فعلى كل من لزمته الصببلة ول خلف فببي ذلببك،
وكذلك ل خلف في وجوبها ودلئل ذلك هي دلئل الوضببوء بعينهببا ،وقببد ذكرناهببا،
وكذلك أحكام المياه ،وقد تقدم القول فيها.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
**4الباب الول في معرفة العلم في هذه الطهارة .وهذا الباب يتعلق به أربع مسائل:
@)-المسألة الولى( اختلف العلماء هبل مبن شبرط هبذه الطهببارة إمبرار اليببد علبى
جميع الجسد كالحال في طهارة أعضاء الوضببوء ،أم يكفببي فيهببا إفاضببة المبباء علببى
جميع الجسد وإن لم يمر يديه على بدنه؛ فأكثر العلماء على أن إفاضة الماء كافية في
ذلك .وذهب مالك وجل أصببحابه والمزنببي مببن أصببحاب الشببافعي إلببى أنببه إن فببات
المتطهر موضع واحد من جسده لم يمر يده عليه أن طهره لم يكمل بعد .والسبب في
اختلفهم اشتراك اسم الغسل ومعارضة ظبباهر الحبباديث الببواردة فببي صببفة الغسببل
لقياس الغسل على ذلك في الوضوء ،وذلك أن الحاديث الثابتة التي وردت في صفة
غسله عليه الصلة والسلم من حديث عائشة وميمونة ليس فيها ذكببر التببدلك ،وإنمببا
فيها إفاضة الماء فقط .ففي حديث عائشة قالت "كان رسول ال صلى ال عليه وسببلم
إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسببل فرجببه ،ثببم
يتوضأ وضوءه للصلة ،ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشببعر ،ثببم يصببب
على رأسه ثلث غرفات ،ثم يفيض الماء على جلده كله" والصفة الواردة في حببديث
ميمونة قريبة مبن هبذا ،إل أنبه أخبر غسبل رجليبه مبن أعضباء الوضبوء إلبى آخبر
الطهر ،وفي حديث أم سلمة أيضا ،وقد سبألته عليبه الصببلة والسبلم " :هببل تنقبض
ضفر رأسها لغسل الجنابة ،فقال عليه الصلة والسببلم :إنمببا يكفيببك أن تحببثي علببى
رأسك الماء ثلث حثيات ،ثم تفيضي عليك الماء فإذا أنت قد طهرت" وهو أقوى في
إسقاط التببدلك مببن تلببك الحبباديث الخببر ،لنببه ل يمكببن هنالببك أن يكببون الواصببف
لطهره قد ترك التدلك ،وأمبا ههنبا فإنمبا حصبر لهبا شبروط الطهبارة ،ولبذلك أجمبع
العلماء على أن صفة الطهارة الواردة من حديث ميمونة وعائشة هي أكمل صببفاتها،
وأن ما ورد في حديث أم سلمة من ذلك فهو من أركانها الواجبببة ،وأن الوضببوء فببي
أول الطهر ليس من شرط الطهر إل خلفا شاذا ،روي عببن الشببافعي وفيببه قببوة مببن
جهة الحاديث ،وفي قول الجمهبور قبوة مبن جهبة النظبر ،لن الطهبارة ظباهر مبن
أمرها أنها شرط في صحة الوضوء ،ل أن الوضوء شرط في صحتها ،فهو من باب
معارضة القياس لظبباهر الحببديث ،وطريقببة الشببافعي تغليببب ظبباهر الحبباديث علببى
القياس؛ فذهب قوم كمببا قلنببا إلببى ظبباهر الحبباديث وغلبببوا ذلببك علببى قياسببها علببى
الوضوء ،فلم يوجبوا التدلك ،وغلب آخرون قياس هذه الطهارة علببى الوضببوء علببى
ظاهر الحاديث ،فأوجبوا التدلك كالحال في الوضوء ،فمن رجح القيبباس صببار إلببى
إيجاب التدلك ،ومن رجح ظاهر الحبباديث علببى القيبباس صببار إلببى إسببقاط التببدلك،
وأعني بالقياس :قياس الطهر على الوضوء .وأما الحتجبباج مببن طريببق السببم ففيببه
ضعف إذ كان اسم الطهر والغسل ينطلق في كلم العرب على المعنيين جميعببا علببى
حد سواء.
@)-المسألة الثانية( اختلفوا هل من شروط هذه الطهارة النيببة أم ل؟ كبباختلفهم فببي
الوضوء ،فذهب مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وداود وأصحابه إلببى أن النيببة مببن
شروطها ،وذهب أبو حنيفة وأصحابه والثوري إلى أنها تجزئ بغير نية كالحببال فببي
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الوضوء عندهم .وسبب اختلفهم في الطهر هو بعينه سبب اختلفهببم فببي الوضببوء،
وقد تقدم ذلك.
@)-المسألة الثالثببة( اختلفببوا فببي المضمضببة والستنشبباق فببي هببذه الطهببارة أيضببا
كاختلفهم فيهما في الوضوء .أعني هل هما واجبان فيها أم ل؟ فذهب قوم إلى أنهمببا
غير واجبين فيها ،وذهب قوم إلى وجوبهما؛ وممن ذهببب إلببى عببدم وجوبهمببا مالببك
والشافعي ،وممن ذهب إلى وجوبهما أبو حنيفة وأصحابه .وسبب اختلفهم معارضة
ظاهر حديث أم سلمة للحاديث التي نقلت من صفة وضببوئه عليببه الصببلة والسببلم
في طهره وذلك أن الحاديث التي نقلت من صفة وضوئه في الطهر فيها المضمضة
والستنشاق ،وحديث أم سلمة ليس فيه أمر ل بمضمضة ول باستنشبباق ،فمببن جعببل
حديث عائشة وميمونة مفسرا لمجمل حديث أم سبلمة ولقبوله تعبالى }وإن كنتبم جنببا
فاطهروا{ أوجب المضمضة والستنشاق ،ومن جعله معارضا جمع بينهما بأن حمببل
حديثي عائشة وميمونة على الندب ،وحديث أم سببلمة علببى الوجببوب ،ولهببذا السبببب
بعينه اختلفوا في تخليل الرأس هل هو واجب في هذه الطهببارة أم ل؟ ومببذهب مالببك
أنه مستحب ،ومذهب غيره أنه واجببب ،وقببد عضببد مببذهبه مببن أوجببب التخليببل بمببا
روي عنه عليه الصلة والسلم أنه قال " تحت كل شعرة جنابة فأنقوا البشببرة وبلببوا
الشعر".
@)-المسألة الرابعة( اختلفوا هل من شرط هببذه الطهببارة الفببور والببترتيب ،أم ليسببا
من شروطهما كاختلفهم من ذلك في الوضوء؟ .وسبب اختلفهم فببي ذلببك هببل فعلببه
عليه الصلة والسلم محمول على الوجوب أو على الندب؟ فإنه لببم ينقببل عنببه عليببه
الصلة والسلم أنه ما توضأ قط إل مرتبا متواليا ،وقد ذهب قوم إلى أن الترتيب في
هذه الطهارة أبين منها في الوضوء .وذلببك بيببن الببرأس وسببائر الجسببد ،لقببوله عليببه
الصلة والسلم في حديث أم سلمة "إنما يكفيك أن تحثي علببى رأسببك ثلث حثيببات،
ثم تفيضي الماء على جسدك" وحرف ثم يقتضي الترتيب بل خلف بين أهل اللغة.
**4الباب الثاني في معرفة نواقض هذه الطهارة.
@-والصل في هذا الباب قوله تعالى }وإن كنتم جنبا فبباطهروا{ وقببوله }ويسببألونك
عن المحيض قل هو أذى{ الية .واتفق العلماء على وجوب هذه الطهارة من حدثين:
أحدهما خروج المني على وجه الصحة في النوم أو اليقظة من ذكر كان أو أنثى ،إل
ما روي عن النخعي من أنه كان ل يرى على المرأة غسل من الحتلم ،وإنما اتفببق
الجمهور على مساواة المرأة في الحتلم للرجل لحببديث أم سببلمة الثببابت أنهببا قببالت
"يا رسول ال المرأة ترى في المنام مثل ما يرى الرجل هل عليها غسببل؟ قببال :نعببم
إذا رأت الماء" .وأما الحببديث الثبباني الببذي اتفقببوا عليببه فهببو دم الحيببض ،أعنببي إذا
انقطع ،وذلك أيضا لقوله تعالى }ويسألونك عن المحيض{ الية ،ولتعليمه الغسل مببن
الحيض لعائشبة وغيرهبا مبن النسباء .واختلفبوا فبي هبذا البباب ممبا يجبري مجبرى
الصول في مسئلتين مشهورتين.
@)-المسألة الولى( اختلف الصحابة رضي ال عنهم في سبب إيجبباب الطهببر مببن
الوطء ،فمنهم من رأى الطهر واجبا في التقاء الختانين أنزل أم لم ينزل ،وعليه أكثر
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
فقهباء المصبار مالببك وأصببحابه والشبافعي وأصبحابه وجماعبة مبن أهببل الظبباهر،
وذهب قوم من أهل الظاهر إلى إيجاب الطهر مع النزال فقط والسبب في اختلفهببم
في ذلك تعارض الحاديث فببي ذلببك ،لنببه ورد فببي ذلببك حببديثان ثابتببان اتفببق أهببل
الصحيح على تخريجهما .قال القاضي رضي ال عنه :ومتى قلت ثابت ،فإنما أعنببي
به ما أخرجه البخاري ومسلم ،أو ما اجتمعا عليه :أحدهما حديث أبي هريببرة رضببي
ال عنه عن النبي عليه الصلة والسلم أنه قال "إذا قعببد بيببن شببعبها الربببع وألببزق
الختان بالختان فقد أوجب الغسل" والحديث الثاني حببديث عثمببان أنببه سببئل فقيببل لببه
"أرأيت الرجل إذا جامع أهلببه ولببم يمببن؟ قببال عثمببان :يتوضببأ كمببا يتوضببأ للصببلة
سمعته من رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم " فببذهب العلمبباء فببي هببذين الحببديثين
مذهبين :أحدهما مذهب النسخ ،والثبباني مببذهب الرجببوع إلببى مببا عليببه التفبباق عنببد
التعببارض الببذي ل يمكببن الجمببع فيببه ول الترجيببح .فببالجمهور رأوا أن حببديث أبببي
هريرة ناسخ لحديث عثمان ،ومن الحجة لهم على ذلك ما روي عن أبي بن كعب أنه
قال :إن رسول ال صلى ال عليه وسلم إنما جعل ذلك رخصببة فببي أول السببلم ثببم
أمر بالغسل ،خرجه أبو داود .وأما من رأى أن التعارض بين هذين الحديثين هو مما
ل يمكن الجمع فيه بينهما ول الترجيح فوجب الرجببوع عنببده إلببى مبا عليببه التفبباق،
وهو وجوب الماء من الماء .وقد رحج الجمهور حديث أبي هريرة من جهة القيبباس،
قالوا :وذلك أنه لما وقع الجماع علببى أن مجبباورة الختببانين تببوجب الحببد وجببب أن
يكون هبو المبوجب للغسبل ،وحكمبوا أن هبذا القيباس مبأخوذ عبن الخلفباء الربعبة،
ورجح الجمهور ذلك أيضا من حديث عائشة لخبارها ذلك عن رسول ال صلى الب
عليه وسلم ،خرجه مسلم.
@)-المسألة الثانية( اختلف العلماء في الصفة المعتبرة في كون خروج المني موجبا
للطهر .فذهب مالك إلى اعتبار اللذة في ذلك .وذهب الشافعي إلببى أن نفببس خروجببه
هو الموجب للطهر سواء خرج بلذة أو بغير لذة .وسبب اختلفهم في ذلك هو شيئان:
أحدهما هل اسم الجنب ينطلق على الذي أجنببب علببى الجهببة الغيببر المعتببادة أم ليببس
ينطلق عليه؟ فمن رأى أنه إنما ينطلق على الذي أجنب على طريق العادة لببم يببوجب
الطهر في خروجه من غير لذة ،ومن رأى أنه ينطلق على خروج المني كيفما خرج
أوجب منه الطهر وإن لم يخرج مع لذة .والسبب الثاني تشبيه خروجه بغيببر لببذة بببدم
الستحاضة ،واختلفهم في خروج الدم على جهة الستحاضببة هببل يببوجب طهببرا أم
ليس يوجبه؟ فسنذكره في باب الحيض وإن كان من هذا الباب.
وفي المذهب في هذا الباب فرع ،وهو إذا انتقل من أصل مجاريه بلذة ثببم خببرج فببي
وقت آخر بغير لذة مثل أن يخرج مببن المجببامع بعببد أن يتطهببر ،فقيببل يعيببد الطهببر،
وقيل ل يعيده ،وذلك أن هذا النوع من الخببروج صببحبته اللببذة فببي بعببض نقلتببه ولببم
تصحبه في بعض ،فمن غلب حال اللذة قال :يجب الطهر ،ومن غلب حال عدم اللببذة
قال :ل يجب عليه الطهر.
**4الباب الثالث .في أحكام هذين الحدثين أعني الجنابة والحيض.
**5أما أحكام الحدث الذي هو الجنابة ،ففيه ثلث مسائل:
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
@)-المسألة الولى( اختلف العلماء فببي دخببول المسببجد للجنببب علببى ثلثببة أقببوال:
فقوم منعوا ذلك بإطلق ،وهو مذهب مالك وأصحابه؛ وقوم منعوا ذلك إل لعابر فيببه
ل مقيم ومنهم الشافعي؛ وقوم أباحوا ذلك للجميع ،ومنهم داود وأصحابه فيما أحسب.
وسبب اختلف الشافعي وأهل الظاهر هو تردد قبوله تببارك وتعببالى }يبا أيهبا البذين
آمنوا ل تقربوا الصلة وأنتم سكارى{ الية ،بين أن يكون في الية مجاز حتى يكون
هنالك محذوف مقدر وهبو موضبع الصبلة :أي ل تقرببوا موضبع الصبلة ،ويكبون
عابر السبيل استثناء من النهي عن قرب موضببع الصببلة ،وبيببن أن ل يكببون هنالببك
محذوف أصل وتكون الية على حقيقتها ،ويكون عابر السبيل هو المسافر الذي عدم
الماء وهو جنب ،فمن رأى أن في اليبة محبذوفا أجباز المبرور للجنبب فبي المسبجد
ومن لم ير ذلك لم يكن عنده في الية دليل على منع الجنب القامة في المسببجد وأمببا
من منع العبور في المسجد فل أعلم لببه دليل إل ظبباهر مببا روي عنببه عليببه الصببلة
والسلم أنه قال "ل أحل المسجد لجنب ول حائض" وهو حديث غير ثابت عند أهببل
الحديث ،واختلفهم في الحائض في هذا المعنى هو اختلفهم في الجنب.
@)-المسألة الثانية :مس الجنب المصحف( ذهب قوم إلى إجببازته وذهببب الجهمببور
إلى منعبه ،وهبم البذين منعبوا أن يمسبه غيبر متوضبئ .وسببب اختلفهبم هبو سببب
اختلفهم في منع غير المتوضئ أن يمسه أعني قوله }ل يمسببه إل المطهببرون{ وقببد
ذكرنا سبب الختلف في الية فيما تقدم ،وهو بعينه سبب اختلفهم في منع الحائض
مسه.
@)-المسألة الثالثة :قراءة القرآن للجنب( اختلف النبباس فببي ذلببك ،فببذهب الجمهببور
إلى منع ذلك ،وذهب قوم إلى إباحته ،والسبب في ذلك الحتمال المتطرق إلى حديث
علي أنه قال "كان عليه الصلة والسلم ل يمنعه من قراءة القرآن شيء إل الجنابببة"
وذلك أن قوما قالوا :إن هذا ل يوجب شيئا ،لنه ظن من الراوي ،ومن أين يعلم أحببد
أن ترك القراءة كان لموضع الجنابة إل لو أخبره بذلك؟ والجمهور رأوا أنه لببم يكببن
علي رضي ال عنه ليقول هذا عن توهم ول ظن ،وإنما قاله عن تحقق ،وقوم جعلوا
الحائض في هذا الختلف بمنزلببة الجنببب ،وقببوم فرقببوا بينهمببا ،فأجببازوا للحببائض
القراءة القليلة استحسانا لطول مقامها حائضا ،وهببو مببذهب مالببك ،فهببذه هببي أحكببام
الجنابة.
@)-وأما أحكام الدماء الخارجة من الرحم( فببالكلم المحيببط بأصببولها ينحصببر فببي
ثلثببة أبببواب :الول :معرفببة أنببواع الببدماء الخارجببة مببن الرحببم .والثبباني :معرفببة
العلمببات الببتي تببدل علببى انتقببال الطهببر إلببى الحيببض ،والحيببض إلببى الطهببر أو
الستحاضببة ،والستحاضببة أيضببا إلببى الطهببر .والثببالث :معرفببة أحكببام الحيببض
والستحاضة :أعني موانعهما وموجباتهما.
ونحن نذكر في كل ببباب مببن هببذه البببواب الثلثببة مببن المسببائل مببا يجببري مجببرى
القواعد والصول لجميع مببا فببي هببذا الببباب علببى مببا قصببدنا إليببه ممببا اتفقببوا عليببه
واختلفوا فيه.
**4الباب الول.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
@-اتفق المسلمون على أن الدماء الببتي تخببرج مببن الرحببم ثلثببة :دم حيببض ،وهببو
الخارج على جهة الصحة ،ودم استحاضة ،وهو الخبارج علبى جهببة المبرض ،وأنببه
غير دم الحيض لقوله عليه الصلة والسلم "إنما ذلك عببرق وليببس بالحيضببة" .ودم
نفاس ،وهو الخارج مع الولد.
**4الباب الثاني.
@-أما معرفة علمات انتقال هذه الببدماء بعضببها إلببى بعببض ،وانتقببال الطهببر إلببى
الحيض ،والحيض إلى الطهر ،فإن معرفة ذلبك فبي الكبثر تنبنبي علبى معرفبة أيبام
الدماء المعتادة وأيام الطهار ،ونحن نذكر منها ما يجري مجرى الصول وهي سبع
مسائل:
@)-المسألة الولى( اختلف العلماء في أكثر أيام الحيض وأقلهببا وأقببل أيببام الطهببر،
فروي عن مالك أن أكثر أيام الحيض خمسة عشر يوما ،وبه قال الشافعي ،وقال أبببو
حنيفة :أكثره عشرة أيام ،وأما أقل أيام الحيض فل حد لها عنببد مالببك ،بببل قببد تكببون
الدفعببة الواحببدة عنببده حيضببا ،إل أنببه ل يعتببد بهببا فببي القببراء فببي الطلق .وقببال
الشافعي :أقله يوم وليلة .وقال أبو حنيفة :أقله ثلثة أيام .وأما أقل الطهر فاضببطربت
فيه الروايات عبن مالبك ،فبروي عنبه عشبرة أيبام ،وروي عنبه ثمانيبة أيبام ،وروي
خمسة عشر يوما ،وإلى هذه الرواية مال البغدايون من أصحابه ،وبهبا قبال الشببافعي
وأبو حنيفة ،وقيل سبعة عشر يوما ،وهو أقصى ما انعقد عليه الجماع فيما أحسببب،
وأما أكثر الطهر فليس له عندهم حد؛ وإذا كان هذا موضوعا من أوقاويلهم فمن كان
لقل الحيض عنده قدر معلوم وجب أن يكون ما كان أقل من ذلك القببدر إذا ورد فببي
سن الحيض عنده استحاضة ،ومن لم يكن لقل الحيض عنده قببدر محببدود وجببب أن
تكون الدفعة عنده حيضا ،ومن كان أيضا عنده أكثره محدودا وجب أن يكون ما زاد
على ذلك القدر عنده استحاضة ،ولكن محصل مذهب مالك في ذلببك أن النسبباء علببى
ضربين :مبتدأة ومعتادة؛ فالمبتدأة تترك الصلة برؤية أول دم تراه إلببى تمببام خمسببة
عشر يوما ،فإن لم ينقطع صلت وكانت مستحاضة ،وبببه قبال الشبافعي ،إل أن مالكببا
قال تصلي من حين تتيقن الستحاضة ،وعند الشافعي أنها تعيد صببلة مببا سببلف لهببا
من اليام ،إل أقل الحيض عنده وهو يوم وليلة .وقيل عن مالك بل تعتد أيام لداتها ثم
تستظهر بثلثة ايام ،فإن لم ينقطع الدم فهي مستحاضة .وأما المعتببادة ففيهببا روايتببان
عن مالك :إحداهما بناؤها على عادتهببا وزيببادة ثلثببة أيببام مببا لببم تتجباوز أكببثر مببدة
الحيض .والثانية جلوسها إلى انقضاء أكثر مببدة الحيببض ،أو تعمببل علببى التمييببز إن
كانت من أهل التمييز .وقبال الشببافعي :تعمبل علبى أيببام عادتهببا وهببذه القاويببل لهببا
المختلف فيها عنببد الفقهبباء فببي أقببل الحيببض وأكببثره وأقببل الطهببر ل مسببتند لهببا إل
التجربببة والعببادة ،وكببل إنمببا قببال مببن ذلببك مببا ظببن أن التجربببة أوقفتببه علببى ذلببك
ولختلف ذلك في النساء عسببر أن يعببرف بالتجربببة حببدود هببذه الشببياء فببي أكببثر
النساء ،ووقع في ذلك هببذا الخلف الببذي ذكرنببا وأجمعببوا بالجملببة علببى أن الببدم إذا
تمادى أكثر من مدة أكثر الحيض أنه استحاضة لقول رسول ال صلى ال عليه وسلم
الثابت لفاطمة بنت حبيش "فإذا أقبلت الحيضببة فبباتركي الصببلة ،فبإذا ذهبببت قببدرها
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
فاغسلي عنك الدم وصلي" والمتجاوزة لمد أكثر أيام الحيض قد ذهببب عنهببا قببدرها
ضرورة وإنما صار الشافعي ومالك رحمه ال في المعتادة في إحدى الروايببتين عنببه
إلى أنها تبني على عادتها لحديث أم سببلمة الببذي رواه فببي الموطببأ "أن امببرأة كببانت
تهراق الدماء على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال لتنظر إلى عببدد الليببالي
واليام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها ،فلتترك الصببلة
قدر ذلك من الشهر ،فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ثم لتسببتثفر بثببوب ثببم لتصببلي" فببألحقوا
حكم الحائض التي تشك في الستحاضة بحكم المستحاضة الببتي تشببك فببي الحيببض.
وإنما رأى أيضا في المبتدأة أن يعتبر أيام لداتها ،لن أيام لداتها شبيهة بأيامها فجعببل
حكمهما واحدا .وأما الستظهار الذي قال به مالك بثلثبة أيببام ،فهبو شببيء انفببرد بببه
مالك وأصحابه رحمهم ال وخالفهم في ذلك جميع فقهاء المصار ما عدا الوزاعي،
إذ لم يكن لذلك ذكر في الحاديث الثابتة ،وقد روي في ذلك أثر ضعيف.
@)-المسألة الثانية( ذهب مالك وأصحابه في الحائض التي تنقطببع حيضببتها ،وذلببك
بأن تحيض يوما أو يومين ،وتطهر يوما أو يومين إلى أنها تجمببع أيببام الببدم بعضببها
إلى بعض وتلغي أيبام الطهبر وتغتسببل فببي كببل يببوم تبرى فيبه الطهبر أول مبا تبراه
وتصلي ،فإنها ل تدري لعل ذلك طهر فإذا اجتمع لها من أيام الدم خمسة عشبر يومبا
فهي مستحاضة ،وبهذا القول قال الشافعي .وروي عن مالك أيضا أنها تلفق أيام البدم
وتعتبر ذلك أيام عادتها فإن ساوتها استظهرت بثلثة أيام ،فإن انقطع الببدم وإل فهببي
مستحاضة ،وجعل اليام التي ل تر فيها الدم غير معتبرة في العدد ل معنى له ،فببإنه
ل تخلو تلك اليام أن تكون أيام حيض أو أيام طهر ،فإن كانت أيام حيض فيجببب أن
تلفقها إلى أيام الدم ،وإن كانت أيام طهر فليبس يجبب أن تلفبق أيببام الببدم ،إذ كبان قبد
تخللها طهر ،والذي يجيء على أصوله أنها أيام حيببض ل أيببام طهببر إذ أقببل الطهببر
عنده محدود وهو أكثر من اليوم واليومين فتببدبر هببذا فببإنه بيببن إن شبباء الب تعببالى.
والحق أن دم الحيض ودم النفبباس يجببري ثببم ينقطببع يومببا أو يببومين ثببم يعببود حبتى
تنقضي أيام الحيض أو أيام النفاس كما تجري ساعة أو ساعتين من النهار ثم تنقطع.
@)-المسألة الثالثة( اختلفوا في أقل النفاس وأكثره؛ فذهب مالك إلى أنه ل حد لقله،
وبه قال الشافعي؛ وذهب أبو حنيفة وقوم إلى أنه محدود ،فقال أبو حنيفة :هو خمسببة
وعشرون يوما ،وقال أبو يوسف صاحبه :أحد عشر يومببا ،وقببال الحسببن البصببري:
عشرون يوما .وأما أكثره فقال مالك مرة :هو ستون يوما ،ثم رجببع عببن ذلببك فقببال:
يسأل عن ذلك النساء ،وأصحابه ثابتون على القول الول وببه قبال الشبافعي .وأكبثر
أهل العلم من الصحابة على أن أكثره أربعببون يومببا ،وبببه قببال أبببو حنيفببة وقببد قيببل
تعتبر المرأة في ذلك أيام أشباهها من النساء ،فإذا جاوزتها فهببي مستحاضببة .وفببرق
قوم بين ولدة الذكر وولدة النثى ،فقالوا :للذكر ثلثون يومببا وللنببثى أبعببون يومببا
وسبب الخلف عسر الوقوف على ذلك بالتجربة لختلف أحببوال النسبباء فببي ذلببك،
ولنه ليس هناك سنة يعمل عليها كالحال في اختلفهم في أيام الحيض والطهر.
@)-المسألة الرابعة( اختلف الفقهاء قديما وحديثا هببل الببدم الببذي تببرى الحامببل هببو
حيض أم استحاضة؟ فذهب مالك والشافعي في أصح قوليه وغيرهما إلى أن الحامببل
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
تحيض؛ وذهب أبو حنيفة وأحمد والثوري وغيرهم إلببى أن الحامببل ل تحيببض ،وأن
الدم الظاهر لها دم فساد وعلة ،إل أن يصيبها الطلببق ،فببأجمعوا علببى أنببه دم نفبباس،
وأن حكمه حكم الحيض في منعه الصلة وغير ذلك من أحكببامه ،ولمالببك وأصببحابه
في معرفة انتقال الحائض الحامببل إذا تمببادى بهببا الببدم مببن حكببم الحيببض إلببى حكببم
الستحاضة أقوال مضطربة :أحدها أن حكمهبا حكبم الحبائض نفسبها؛ أعنبي إمبا أن
تقعد أكثر أيام الحيبض ثبم هبي مستحاضبة ،وإمبا أن تسبتظهر علبى أيامهبا المعتبادة
بثلثة أيام ما لم يكن مجموع ذلك أكثر من خمسة عشر يوما ،وقيل إنها تقعد حائضا
ضعف أكثر أيام الحيض ،وقيل إنها تضعف أكببثر أيببام الحيببض بعببدد الشببهور الببتي
مرت لها ففي الشهر الثاني من حملها تضعف أيام أكثر الحيض مرتين ،وفي الثببالث
ثلث مرات وفي الرابع أربع مرات وكذلك ما زادت الشبهر .وسببب اختلفهبم فبي
ذلك عسر الوقوف على ذلك بالتجربة واختلط المرين ،فإنه مببرة يكببون الببدم الببذي
تراه الحامل دم حيض ،وذلك إذا كانت قببوة المببرأة وافببرة والجنيببن صببغيرا ،وبببذلك
أمكن أن يكون حمل على حمببل علببى مببا حكبباه بقببراط وجببالينوس وسببائر الطببباء،
ومرة يكون الدم الذي تراه الحامل لضعف الجنين ومرضه التابع لضببعفها ومرضببها
في الكثر ،فيكون دم علة ومرض ،وهو في الكثر دم علة.
@)-المسألة الخامسة( اختلف الفقهبباء فببي الصببفرة والكببدرة هببل هببي حيبض أم ل؟
فرأت جماعة أنها حيض في أيام الحيض ،وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ،وروي مثببل
ذلك عن مالك .وفي المدونة عنه :أن الصفرة والكدرة حيض فبي أيبام الحيبض وفبي
غير أيام الحيض رأت ذلك مع الدم أم لم تره .وقببال داود وأبببو يوسببف :إن الصببفرة
والكدرة ل تكون حيضة إل بأثر الدم .والسبب في اختلفهم مخالفببة ظبباهر حبديث أم
عطية لحديث عائشة ،وذلك أنه روي عن أم عطية أنها قالت :كنا ل نعد الصفرة ول
الكدرة بعد الغسل شيئا ،وروي عن عائشة :أن النساء كن يبعثببن إليهبا بالدرجبة فيهبا
الكرسف فيه الصفرة والكدرة من دم الحيض يسألنها عن الصلة؛ فتقببول :ل تعجلببن
حتى ترين القصة البيضاء ،فمن رجح حديث عائشة جعل الصببفرة والكببدرة حيضببا،
سواء ظهرت في أيام الحيض أو في غير أيامه مع الدم أو بل دم ،فببإن حكببم الشببيء
الواحد في نفسه ليس يختلف ،ومن رام الجمع بين الحديثين قال :إن حببديث أم عطيببة
هو بعد انقطاع الدم ،وحديث عائشة في أثر انقطبباعه ،أو إن حببديث عائشببة هببو فببي
أيام الحيض ،وحديث أم عطية في غير أيام الحيض .وقد ذهب قوم إلى ظاهر حديث
أم عطية ولم يروا الصفرة ول الكدرة شببيئا ل فببي أيببام حيببض ول فببي غيرهببا ،ول
بأثر الدم ول بعد انقطاعه ،لقول رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم "دم الحيببض دم
أسود يعرف" ولن الصفرة والكدرة ليست بدم ،وإنما هي من سائر الرطوبببات الببتي
ترخيها الرحم ،وهو مذهب أبي محمد بن حزم.
@)-المسألة السادسة( اختلف الفقهاء في علمة الطهر ،فرأى قوم أن علمة الطهببر
رؤية القصة البيضاء أو الجفوف ،وبببه قببال ابببن حبببيب مببن أصببحاب مالببك وسببواء
كببانت المببرأة ممببن عادتهببا أن تطهببر بالقصببة البيضبباء أو بببالجفوف أي ذلببك رأت
طهرت به .وفرق قوم فقالوا :إن كانت المرأة ممن تببرى القصببة البيضبباء فل تطهببر
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
حتى تراها ،وإن كانت ممن ل تراها فطهرها الجفوف ،وذلك في المدونة عن مالببك.
وسبب اختلفهم أن منهم من راعى العادة ومنهم من راعببى انقطبباع الببدم فقببط ،وقببد
قيل إن التي عادتها الجفوف تطهر بالقصة البيضبباء ول تطهببر الببتي عادتهببا القصببة
البيضاء بالجفوف وقد قيل بعكس هذا وكله لصحاب مالك.
@)-المسألة السابعة( اختلف الفقهاء في المستحاضة إذا تمادى بها الببدم مببتى يكببون
حكمها حكم الحائض ،كما اختلفوا في الحائض إذا تمادى بها الدم متى يكببون حكمهببا
حكبم المستحاضبة ،وقبد تقبدم ذلبك ،فقبال مالبك فبي المستحاضبة أببدأ :حكمهبا حكبم
الطاهرة إلى أن يتغير الببدم إلببى صببفة الحيببض ،وذلببك إذا مضببى لستحاضببتها مببن
اليام ما هو أكثر من أقببل أيببام الطهببر ،فحينئذ تكببون حائضببا :أعنببي إذا اجتمببع لهببا
هذان الشيئان تغير الدم وأن يمر لها في الستحاضببة مببن اليببام مببا يمكببن أن يكببون
طهرا ،وإل فهي مستحاضة أبدا .وقال أبو حنيفة تقعد أيام عادتها إن كانت لها عادة،
وإن كانت مبتدأة قعدت أكثر الحيض وذلك عنببده عشببرة أيببام .وقببال الشببافعي تعمببل
على التمييز إن كانت من أهل التمييز ،وإن كانت من أهل العادة عملت على العببادة،
وإن كانت من أهلهما معا فله في ذلك قببولن :أحببدهما تعمببل علببى التمييببز ،والثبباني
على العادة .والسبب في اختلفهم أن في ذلك حديثين مختلفين أحدهما حببديث عائشببة
عن فاطمة بنت أبي حبيش "أن النبي عليه الصلة والسلم أمرها وكانت مستحاضببة
أن تدع الصلة قدر أيامها التي كانت تحيض فيها قبببل أن يصببيبها الببذي أصببابها ثببم
تغتسل وتصلي" وفي معناه أيضا حديث أم سلمة المتقدم الذي خرجه مالك ،والحديث
الثاني ما خرجه أبو داود من حديث فاطمة بنت أبببي حبببيش أنهببا كببانت استحيضببت
فقال لها رسول ال صلى ال عليه وسلم "إن دم الحيضة أسود يعرف ،فإذا كان ذلببك
فامكثي عن الصلة ،وإذا كان الخر فتوضيء وصلي فإنما هو عرق" وهذا الحديث
صححه أبو محمد بن حزم ،فمن هؤلء من ذهب مذهب الترجيح ،ومنهببم مببن ذهببب
مذهب الجمع ،فمببن ذهببب مببذهب ترجيببح حببديث أم سببلمة ومببا ورد فببي معنبباه قبال
باعتبار اليام ،ومالك رضي ال عنه اعتبر عدد اليام فقط فببي الحببائض الببتي تشببك
في الستحاضة ،ولم يعتبرها في المستحاضة التي تشك في الحيض ،أعني ل عددها
ول موضببعها مببن الشببهر إذا كببان عنببدها ذلببك معلومببا ،والنببص إنمببا جبباء فببي
المستحاضة التي تشك في الحيض ،فاعتبر الحكم في الفرع ،ولم يعتبره فببي الصببل
وهذا غريب فتأمله .ومن رجح حديث فاطمببة بنببت أبببي حببيش قبال باعتبببار اللبون،
ومن هؤلء من راعى مع اعتبار لون الدم مضي ما يمكن أن يكببون طهببرا مببن أيببام
الستحاضة ،وهو قول مالك فيما حكاه عبد الوهاب .ومنهم من لببم يبراع ذلبك .ومبن
جمع بين الحديثين قال :الحديث الول هبو فبي البتي تعبرف عبدد أيامهبا مبن الشبهر
وموضعها .والثاني في التي ل تعرف عددها ول موضعها وتعرف لون الدم ،ومنهببم
من رأى أنها إن لم تكن من أهل التمييز ول تعرف موضع أيامها من الشهر وتعرف
عددها أو ل تعببرف عببددها إنهببا تتحببرى علببى حببديث حمنببة بنببت جحببش ،صببححه
الترمذي ،وفيه أن رسول ال صلى ال عليببه وسببلم قببال لهببا "إنمببا هببي ركضببة مببن
الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم ال ب ثببم اغتسببلي" وسببيأتي الحببديث
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
بكماله عند حكم المستحاضة في الطهر ،فهذه هي مشهورات المسببائل الببتي فببي هببذا
الباب ،وهي بالجملببة واقعببة فببي أربعببة مواضببع :أحببدها معرفببة انتقببال الطهببر إلببى
الحيض .والثاني معرفة انتقال الحيض إلببى الطهبر .والثبالث معرفببة انتقببال الحيببض
إلى الستحاضة .والرابع معرفة انتقال الستحاضة إلى الحيببض ،وهببو الببذي وردت
فيه الحاديث .وأما الثلثة فمسكوت عنهببا :أعنببي عببن تحديببدها ،وكببذلك المببر فببي
انتقال النفاس إلى الستحاضة.
**4الباب الثالث .وهو معرفة أحكام الحيض والستحاضة.
@-والصل في هذا الباب قوله تعالى }ويسئلونك عن المحيبض{ اليبة ،والحباديث
الواردة في ذلك التي سنذكرها .واتفق المسلمون على أن الحيض يمنع أربعة أشببياء:
أحدها فعل الصلة ووجوبها ،أعني أنه ليببس يجببب علببى الحببائض قضبباؤها بخلف
الصوم .والثاني أنه يمنع فعل الصبوم ل قضبباءه ،وذلببك لحبديث عائشبة الثبابت أنهبا
قالت" :كنا نؤمر بقضاء الصوم ول نؤمر بقضاء الصلة" وإنما قال بوجوب القضاء
عليها طائفة من الخوارج .والثالث فيما أحسب الطواف لحببديث عائشببة الثببابت حيببن
أمرها رسول ال صلى ال عليه وسببلم أن تفعببل كببل مببا يفعببل الحبباج غيببر الطببواف
بالبيت .والرابع الجماع في الفرج لقوله تعالى }فاعتزلوا النساء في المحيض{ الية.
@)-واختلفوا من أحكامها في مسائل( نذكر منها مشهوراتها ،وهي خمس:
@)-المسألة الولى( اختلف الفقهاء فببي مباشببرة الحببائض ومببا يسببتباح منهببا ،فقببال
مالك والشافعي وأبو حنيفة :له منها ما فوق الزار فقط .وقال سببفيان الثببوري وداود
الظاهري :إنما يجببب عليببه أن يجتنببب موضببع الببدم فقببط .وسبببب اختلفهببم ظببواهر
الحاديث الواردة في ذلك ،والحتمال الذي في مفهببوم آيببة الحيببض ،وذلببك أنببه ورد
في الحاديث الصحاح عن عائشة وميمونة وأم سلمة أنه عليه الصبلة والسبلم كببان
يأمر إذا كانت إحداهن حائضا أن تشد عليهببا إزارهببا ثببم يباشببرها ،وورد أيضببا مببن
حديث ثابت بن قيس عن النبي صببلى الب عليبه وسببلم أنببه قبال "اصببنعوا كبل شبيء
بالحائض إل النكاح" وذكر أبو داود عن عائشة أن رسول ال صلى الب عليببه وسببلم
قال لها وهي حائض "اكشفي عن فخذك ،قالت :فكشفت ،فوضع خببده وصببدره علببى
فخذي ،وحنيت عليه حتى دفئ ،وكان قد أوجعه البرد .وأما الحتمببال الببذي فببي آيببة
الحيض ،فهو تردد قوله تعالى }قل هو أذى فباعتزلوا النسبباء فببي المحيببض{ بيببن أن
يحمببل علببى عمببومه إل مببا خصصببه الببدليل ،أو أن يكببون مببن ببباب العببام أريببد بببه
الخاص ،بدليل قوله تعالى فيه }قل هو أذى{ والذى إنما يكون في موضع الدم ،فمن
كان المفهوم منه عنده العموم ،أعني أنه إذا كان الواجب عنببده أن يحمببل هببذا القببول
علبى عمبومه حبتى يخصصبه البدليل ،اسبتثنى مبن ذلبك مبا فبوق الزار بالسبنة ،إذ
المشهور جواز تخصيص الكتاب بالسنة عند الصوليين ،ومببن كببان عنببده مببن ببباب
العام أريد به الخاص رجح هذه الية على الثببار المانعببة ممببا تحببت الزار ،وقببوي
ذلك عنده بالثار المعارضة للثار المانعببة ممببا تحببت الزار ،ومببن النبباس مببن رام
الجمع بين هذه الثار ،وبين مفهوم الية على هببذا المعنببى الببذي نبببه عليببه الخطبباب
الوارد فيها وهو كببونه أذى ،فحمببل أحبباديث المنببع لمببا تحببت الزار علببى الكراهيببة
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وأحاديث الباحة ،ومفهوم الية علببى الجببواز ،ورجحببوا تببأويلهم هببذا بببأنه قببد دلببت
السنة أنه ليس من جسم الحائض شيء نجس إل موضبع البدم وذلبك "أن رسبول الب
صببلى الب عليببه وسببلم سببأل عائشببة أن تنبباوله الخمببرة وهببي حببائض ،فقببالت :إنببي
حائض ،فقال عليه الصلة والسلم :إن حيضتك ليست في يدك" وما ثبت أيضببا مببن
ترجيلها رأسه عليه الصلة والسلم وهي حائض ،وقوله عليببه الصببلة والسببلم "إن
المؤمن ل ينجس".
@)-المسألة الثانية( اختلفوا في وطء الحائض فبي طهرهبا وقببل الغتسبال ،فبذهب
مالك والشافعي والجمهببور إلببى أن ذلببك ل يجببوز حببتى تغتسببل ،وذهببب أبببو حنيفببة
وأصحابه إلى أن ذلك جائز إذا طهرت لكثر مببدة الحيببض وهببو عنببده عشببرة أيببام،
وذهب الوزاعي إلى أنها إن غسلت فرجها بالماء جاز وطؤهببا ،أعنببي كببل حببائض
طهرت متى طهرت ،وبه قال أبو محمد بن حزم .وسبب اختلفهم الحتمال الذي في
قوله تعالى }فإذا تطهرن فاتوهن من حيث أمركم ال{ هل المراد به الطهر الذي هببو
انقطاع دم الحيض أم الطهر بالماء؟ ثم إن كان الطهر بالمبباء ،فهببل المببراد بببه طهببر
جميع الجسد أم طهر الفرج؟ فإن الطهر في كلم العرب وعرف الشرع اسم مشترك
يقال على هذه الثلثة المعاني ،وقد رجح الجمهببور مببذهبهم بببأن صببيغة التفعببل إنمببا
تنطلق على ما يكون من فعل المكلفين ،ل على مببا يكببون مببن فعببل غيرهببم ،فيكببون
قوله تعالى }فإذا تطهرن{ أظهر في معنببى الغسببل بالمبباء منببه فببي الطهببر الببذي هببو
انقطاع الدم ،والظهر يجب المصير إليه حببتى يببدل الببدليل علببى خلفببه ،ورجببح أو
حنيفة مذهبه بأن لفظ يفعلن في قوله تعالى }حتى يطهرن{ هو أظهر في الطهر الذي
هو انقطاع دم الحيض منه في التطهر بالمبباء .والمسببألة كمببا تببرى محتملببة ،ويجببب
على من فهم من لفظ الطهر في قوله تعببالى }حببتى يطهببرن{ معنببى واحببدا مببن هببذه
المعاني الثلثة أن يفهم ذلك المعنى بعينه من قوله تعالى }فإذا تطهرن{ لنه مما ليس
يمكن أو مما يعسر أن يجمع في الية بين معنيين من هذه المعاني مختلفين حتى يفهم
من لفظه يطهرن النقاء ،ويفهم من لفظ تطهرن الغسل بالماء على ما جرت بببه عببادة
المالكيين في الحتجاج لمالك ،فبإنه ليببس مببن عببادة العببرب أن يقولببوا ل تعببط فلنببا
درهما حتى يدخل الدار ،فإذا دخل المسجد فأعطه درهما ،بل إنما يقولون وإذا دخببل
الدار فأعطه درهما ،لن الجملة الثانية هي مؤكدة لمفهوم الجملة الولى .ومن تببأول
قوله تعالى }ول تقربوهن حتى يطهرن{ على أنه النقاء ،وقوله }فببإذا تطهببرن{ علببى
أنه الغسل بالماء فهو بمنزلة من قال ل تعط فلنا درهما حتى يدخل الدار ،فإذا دخببل
المسببجد فببأعطه درهمببا ،وذلببك غيببر مفهببوم فببي كلم العببرب ،إل أن يكببون هنالببك
محذوف ويكبون تقبدير الكلم :ول تقرببوهن حبتى يطهبرن ويتطهبرن فبإذا تطهبرن
فأتوهن من حيث أمركم ال ،وفي تقدير هببذا الحببذف بعببد أمببا ول دليببل عليببه إل أن
يقول قائل :ظهور لفظ التطهر في معنى الغتسال هو الدليل عليه ،لكن هذا يعارضه
ظهور عدم الحذف في الية ،فإن الحذف مجبباز ،وحمببل الكلم علببى الحقيقببة أظهببر
من حمله على المجاز ،وكذلك فببرض المجتهببد هنببا إذا انتهببى بنظببره إلببى مثببل هببذا
الموضع أن يوازن بين الظاهرين ،فما ترجح عنده منهما على صبباحبه عمببل عليببه،
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وأعنببي بالظبباهرين أن يقببايس بيببن ظهببور لفببظ فببإذا تطهببرن فببي الغتسببال بالمبباء
وظهور عدم الحذف في الية إن أحب أن يحمل لفظ تطهرن على ظاهره من النقباء،
فأي الظاهرين كان عنده أرجببح عمببل عليببه ،أعنببي إمببا أن ل يقببدر فببي اليببة حببذفا
ويحمل لفظ فإذا تطهرن على النقاء أو يقدر في الية حذفا ويحمل لفببظ فببإذا تطهببرن
على الغسل بالماء ،أو يقايس بيببن ظهببور لفببظ فببإذا تطهببرن فببي الغتسببال وظهببور
يطهرن في النقاء ،فأي كان عنده أظهر أيضا صرف تأويببل اللفببظ الثبباني لببه وعمببل
على أنهما يدلن في الية على معنى واحد ،أعني إما علببى معنببى النقبباء وإمببا علببى
معنى الغتسال بالماء ،وليس في طباع النظر الفقهي أن ينتهي في هذه الشببياء إلببى
أكثر من هذا فتأمله ،وفي مثل هذه الحال يسوغ أن يقبال :كببل مجتهببد مصببيب .وأمببا
اعتبار أبي حنيفة أكثر الحيض في هذه المسألة فضعيف.
@)-المسألة الثالثة( اختلف الفقهاء في الذي يأتي امرأته وهببي حببائض ،فقببال مالببك
والشافعي وأبو حنيفة :يستغفر الب ول شبيء عليبه .وقبال أحمبد ببن حنببل :يتصبدق
بدينار أو بنصف دينار .وقالت فرقة من أهل الحديث :إن وطئ في الدم فعليه دينببار،
وإن وطئ في انقطاع الببدم فنصببف دينببار .وسبببب اختلفهببم فببي ذلببك اختلفهببم فببي
صحة الحاديث الواردة في ذلك أو وهيها ،وذلك أنه روي عن ابن عباس عن النبببي
صلى ال عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهببي حببائض أن يتصببدق بببدينار .وروي
عنه بنصف دينار .وكذلك روي أيضا في حديث ابن عباس هذا أنه إن وطئ في الدم
فعليه دينار ،وإن وطئ في انقطاع الدم فنصبف دينبار .وروي هبذا الحبديث يتصبدق
بخمسي دينار ،وبه قال الوزاعي ،فمن صح عنبده شببيء مببن هببذه الحبباديث صببار
إلى العمل بها ،ومن لم يصح عنده شيء منها وهم الجمهور عمل على الصل الببذي
هو سقوط الحكم حتى يثبت بدليل.
@)-المسألة الرابعة( اختلببف العلمبباء فببي المستحاضببة ،فقببوم أوجبببوا عليهببا طهببرا
واحدا فقط ،وذلك عند ما ترى أنه قد انقضببت حيضببتها بإحببدى تلببك العلمببات الببتي
تقدمت على حسب مذهب هبؤلء فبي تلبك العلمببات ،وهبؤلء البذين أوجبببوا عليهبا
طهرا واحدا انقسموا قسمين :فقوم أوجبوا عليها أن تتوضأ لكل صلة ،وقوم استحبوا
ذلك لها ولم يوجبوه عليها ،والذين أوجبوا عليها طهرا واحد فقط هم مالك والشببافعي
وأبو حنيفة وأصحابهم وأكثر فقهاء المصار ،وأكثر هببؤلء أوجبببوا أن تتوضببأ لكببل
صلة ،وبعضهم لم يوجب عليها إل استحبابا وهو مذهب مالك ،وقببوم آخببرون غيببر
هؤلء رأوا أن على المستحاضة أن تتطهببر لكببل صببلة ،وقببوم رأوا أن الببواجب أن
تؤخر الظهببر إلببى أول العصببر ،ثببم تتطهببر وتجمببع بيببن الصببلتين ،وكببذلك تببؤخر
المغرب إلى آخر وقتها وهو أول وقت العشاء ،وتتطهر طهرا ثانيا وتجمع بينهما ثببم
تتطهر طهرا ثالثا لصلة الصبح ،فأوجبوا عليها ثلثة أطهار في اليوم والليلة ،وقببوم
رأوا أن عليها طهرا واحدا في اليوم والليلة ،ومن هؤلء من لببم يحببد لببه وقتببا ،وهببو
مروي عببن علببي .ومنهببم مبن رأى أن تتطهببر مبن طهببر إلببى طهبر ،فيتحصبل فببي
المسألة بالجملة أربعة أقوال :قول إنه ليس عليها إل طهرا واحد فقط عند انقطبباع دم
الحيض .وقول إن عليها الطهر لكل صلة.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وقول إن عليها ثلثة أطهار في اليوم والليلة .وقول إن عليها طهرا واحببدا فببي اليببوم
والليلة .والسبب في اختلفهم في هذه المسألة هو اختلف ظواهر الحبباديث الببواردة
في ذلك ،وذلك أن الوارد في ذلك من الحاديث المشهورة أربعة أحاديث :واحد منها
متفق على صحته ،وثلثة مختلف فيها .أما المتفق على صحته فحديث عائشببة قببالت
"جاءت فاطمة ابنة أبي حبيش إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالت :يببا رسببول
ال إني امرأة أستحاض فل أطهر ،أفأدع الصلة؟ فقال لها عليه الصلة والسلم :ل،
إنما ذلك عرق وليست بالحيضببة ،فببإذا أقبلببت الحيضببة فببدعي الصببلة ،وإذا أدبببرت
فاغسلي عنك الدم وصلي" وفي بعض روايات هذا الحديث "وتوضببئي لكببل صببلة"
وهذه الزيادة لم يخرجها البخاري ول مسلم ،وخرجهببا أبببو داود وصببححها قببوم مببن
أهل الحديث .والحديث الثاني حببديث عائشببة عببن أم حبيبببة بنببت جحببش امببرأة عبببد
الرحمن بن عبوف "أنهببا استحاضبت فأمرهبا رسبول الب صبلى الب عليبه وسببلم أن
تغتسل لكببل صببلة" وهببذا الحببديث هكببذا أسببنده إسببحاق عببن الزهببري ،وأمببا سببائر
أصحاب الزهري فإنما رووا عنه :أنها استحيضت ،فسألت رسول ال صلى ال عليه
وسلم فقال لها" :إنما هو عرق وليست بالحيضة" وأمرها أن تغتسل وتصلي ،فكببانت
تغتسل لكل صلة على أن ذلك هو الذي فهمت منه ،ل أن ذلك منقول من لفظه عليببه
الصلة والسلم ،ومن هذا الطريق خرجه البخاري ،وأما الثالث فحديث أسماء بنببت
عميس "أنها قالت :يا رسول ال إن فاطمة ابنة أبي حبيش استحيضت ،فقببال رسببول
ال صلى ال عليه وسلم :لتغتسل للظهر والعصر غسل واحببدا ،وللمغببرب والعشبباء
غسل واحدا ،وتغتسل للفجر وتتوضأ فيما بين ذلك" خرجه أبببو داود ،وصببححه أبببو
محمد بن حزم.
وأما الرابع فحديث حمنة ابنبة جحبش ،وفيبه "أن رسبول الب صبلى الب عليبه وسبلم
خيرها بين أن تصلي الصلوات بطهر واحد عند ما ترى أنببه قببد انقطببع دم الحيببض،
وبين أن تغتسل في اليوم والليلة ثلث مرات على حديث أسماء بنببت عميببس ،إل أن
هنالك ظاهره على الوجوب وهنا على التخيير ،فلما اختلفبت ظبواهر هبذه الحباديث
ذهب الفقهاء في تأويلها أربعة مببذاهب :مببذهب النسببخ ،ومببذهب الترجيببح ،ومببذهب
الجمع ،ومذهب البناء ،والفببرق بيببن الجمببع والبنبباء أن الببباني ليببس يببرى أن هنالببك
تعارضا فيجمع بين الحديثين ،وأما الجامع فهو يرى أن هنالك تعارضا فببي الظبباهر،
فتأمل هذا ،فإنه فرق بين.
أما من ذهب مذهب الترجيح فمن أخذ بحديث فاطمة بنة حبيش لمكببان التفبباق علببى
صحته عمل على ظاهره ،أعني من أنه لم يأمرها صببلى الب عليببه وسببلم أن تغتسببل
لكل صلة ول أن تجمع بين الصلوات بغسببل واحببد ،ول بشببيء مببن تلببك المببذاهب،
وإلى هذا ذهب مالك وأبو حنيفة والشببافعي وأصببحاب هببؤلء وهببم الجمهببور ،ومببن
صحت عنده من هؤلء الزيادة الواردة فيه ،وهو المر بالوضوء لكل صببلة أوجببب
ذلك عليها ،ومن لم تصح عنده لم يوجب ذلك عليهببا ،وأمببا مببن ذهببب مببذهب البنبباء
فقال :إنه ليببس بيببن حببديث فاطمببة وحببديث أم حبيبببة الببذي مببن رواتببه ابببن إسببحاق
تعارض أصل ،وأن الذي في حببديث أم حبيبببة مببن ذلببك زيببادة علببى مببا فببي حببديث
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
فاطمة ،فإن حديث فاطمة إنما وقع الجواب فيببه عببن السببؤال ،هببل ذلببك الببدم حيببض
يمنع الصلة أم ل؟ فأخبرها عليه الصلة والسلم أنها ليسببت بحيضببة تمنببع الصببلة
ولم يخبرها فيه بوجوب الطهر أصل لكل صلة ول عنببد انقطبباع دم الحيبض؛ وفببي
حديث أم حبيبة أمرها بشيء واحد وهو التطهر لكل صلة ،لكن للجمهور أن يقولببوا
إن تأخير البيان عن وقت الحاجة ل يجوز ،فلو كان واجبا عليها الطهببر لكببل صببلة
لخبرها بذلك ،ويبعد أن يدعى مبدع أنهبا كبانت تعبرف ذلببك مببع أنهببا كببانت تجهببل
الفرق بين الستحاضة والحيض.
وأمبا تركبه عليبه الصبلة والسبلم إعلمهبا ببالطهر لبواجب عليهبا عنبد انقطباع دم
الحيض ،فمضمن في قوله" إنها ليست بالحيضة" لنببه كبان معلومببا مببن سببنته عليببه
الصلة والسلم أن انقطاع الحيض يوجب الغسل ،فببإذا إنمببا لببم يخبرهببا بببذلك لنهببا
كانت عالمة به ،وليس المر كذلك في وجوب الطهر لكل صببلة إل أن يببدعي مببدع
أن هذه الزيادة لم تكن قبل ثابتة وتثبت بعد ،فيتطرق إلى ذلك المسألة المشهورة ،هي
الزيادة نسببخ أم ل؟ وقببد روي فببي بعببض طببرق حببديث فاطمببة أمببره عليببه الصببلة
والسلم لها بالغسل ،فهذا هو حال من ذهب مذهب الترجيح ومذهب البناء ،وأما مببن
ذهببب مببذهب النسببخ فقببال :إن حببديث أسببماء بنببت عميببس ناسببخ لحببديث أم حبيبببة،
واستدل على ذلك بما روي عن عائشة "أن سهلة بنت سهيل استحيضت وأن رسببول
ال صلى ال عليه وسلم كان يأمرها بالغسل عند كل صلة ،فلما جهدها ذلببك أمرهببا
أن تجمع بين الظهر والعصر فببي غسببل واحببد والمغببرب والعشبباء فببي غسببل واحببد
وتغتسل ثالثا للصبح" وأما الذين ذهبوا مذهب الجمببع فقببالوا :إن حببديث فاطمببة ابنببة
حبيش محمول على التي تعرف أيام الحيض من أيام الستحاضة ،وحببديث أم حبيبببة
محمول على التي ل تعرف ذلببك ،فببأمرت بببالطهر فببي كببل وقببت احتياطببا للصببلة،
وذلك أن هذه إذا قامت إلى الصلة يحتمل أن تكون طهرت فيجببب عليهببا أن تغتسببل
لكل صلة .وأما حببديث أسببماء ابنببة عميببس فمحمببول علببى الببتي ل يتميببز لهببا أيببام
الحيض من أيام الستحاضة ،إل أنه قد ينقطع عنها في أوقات فهببذه إذا انقطببع عنهببا
الدم وجب عليها أن تغتسل وتصلي بذلك الغسببل صببلتين .وهنببا قببوم ذهبببوا مببذهب
التخيير بين حديثي أم حبيبة وأسماء واحتجوا لذلك بحببديث حمنببة بنببت جحببش وفيببه
"أن رسول ال صلى ال عليه وسلم خيرها" وهؤلء منهم من قال :إن المخيببرة هببي
التي ل تعرف أيببام حيضببتها .ومنهببم مببن قبال :بببل هببي المستحاضببة علببى الطلق
عارفة كانت أو غير عارفببة ،وهببذا هببو قببول خببامس فببي المسببألة ،إل أن الببذي فببي
حديث حمنة ابنة جحش إنما هو التخيير بين أن تصلي الصلوات كلهببا بطهببر واحببد،
وبين أن تتطهر في اليببوم والليلبة ثلث مببرات .وأمببا مببن ذهبب إلبى أن البواجب أن
تطهر في كل يوم مرة واحدة ،فلعله إنما أوجب ذلك عليها لمكان الشببك ولسببت أعلببم
في ذلك أثرا.
@)-المسألة الخامسة( اختلف العلماء في جواز وطء المستحاضة على ثلثة أقببوال:
فقال قوم :يجوز وطؤها ،وهببو الببذي عليببه فقهبباء المصببار ،وهببو مببروي عببن ابببن
عباس وسعيد بن المسيب وجماعة من التابعين .وقال قوم ليس يجوز وطؤهببا ،وهببو
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
مروي عن عائشة ،وبه قال النخعي والحكم .وقال قوم :ل يأتيها زوجها إل أن يطول
ذلك بها ،وبهذا القول قال أحمد بن حنبل .وسبب اختلفهم هل إباحة الصلة لها هببي
رخصة لمكان تأكيد وجببوب الصببلة ،أم إنمببا أبيحببت لهببا الصببلة لن حكمهببا حكببم
الطاهر؟ فمن رأى أن ذلك رخصة لم يجببز لزوجهببا أن يطأهببا ،ومببن رأى ذلببك لن
حكمها حكم الطاهر أباح لها ذلك ،وهي بالجملة مسألة مسكوت عنهببا .وأمببا التفريببق
بين الطول ول طول فاستحسان.
**3كتاب التيمم.
@-والقول المحيط بأصول هببذا الكتبباب يشببتمل بالجملببة علببى سبببعة أبببواب :الببباب
الول في معرفة الطهارة التي هذه الطهارة بدل منها .الثباني :معرفبة مبن تجبوز لبه
هذه الطهارة .الثالث :في معرفة شروط جواز هذه الطهببارة .الرابببع :فببي صببفة هببذه
الطهارة .الخببامس :فيمببا تصببنع بببه هببذه الطهببارة .السببادس :فببي نببواقض الطهببارة.
السابع :في الشياء التي هذه الطهارة شرط في صحتها أو في استباحتها.
**4الباب الول في معرفة الطهارة التي هذه الطهارة بدل منها.
@-اتفق العلماء على أن هذه الطهارة هي بدل من الطهارة الصغرى ،واختلفببوا فببي
الكبرى ،فروى عن عمر وابن مسعود أنهما كانا ل يريانها بدل مببن الكبببرى ،وكببان
علي وغيره من الصحابة يرون أن التيمم يكون بدل من الطهبارة الكبببرى ،وببه قبال
عامة الفقهاء .والسبب في اختلفهم الحتمال البوارد فبي آيبة البتيمم ،وأنببه لبم تصبح
عندهم الثار الواردة بالتيمم للجنب ،أما الحتمال الوارد في اليببة فلن قببوله تعببالى
}فلم تجدوا ماء فتيمموا{ يحتمل أن يعود الضمير الذي فيه على المحدث حدثا أصغر
فقط ،ويحتمل أن يعود عليهما معا ،لكن من كانت الملمسة عنببده فببي اليببة الجمبباع
فالظهر أنه عائد عليهما معا ،و من كانت الملمسببة عنببده هببي اللمببس باليببد ،أعنببي
قوله تعالى }أو لمستم النساء{ فالظهر أنه إنما يعببود الضببمير عنببده علببى المحببدث
حدثا أصغر فقط ،إذ كانت الضمائر إنما يحمل أبدا عودها على أقرب مببذكور إل أن
يقدر في الية تقديما وتأخير حتى يكون تقديرها هكذا يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى
الصلة ،أو جاء أحد منكم من الغائط ،أو لمستم النساء ،فاغسببلوا وجببوهكم وأيببديكم
إلى المرافق ،وامسحوا برءوسكم وأرجلكببم إلببى الكعبببين ،وإن كنتببم جنبببا فبباطهروا:
وإن كنتم مرضى أو على سفر فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبببا .ومثببل هببذا ليببس
ينبغي أن يصار إليه إل بدليل ،فإن التقديم والتأخير مجاز وحمل الكلم على الحقيقببة
أولى من حمله على المجاز ،وقد يظن أن في الية شيئا يقتضي تقديما وتأخيرا ،وهو
أن حملها على ترتيبها يوجب أن المرض والسفر حدثان ،لكن هذا ل يحتبباج إليببه إذا
قدرت أو ههنا بمعنى الواو ،وذلك موجود في كلم العرب في مثل قول الشاعر:
وكان سيان أن ل يسرحوا نعما * أو يسرحوه بها واغبرت السرح
فإنه إنما يقال :سيان زيد وعمرو .وهذا هو أحببد السببباب الببتي أوجبببت الخلف فببي
هذه المسألة .وأما ارتيابهم في الثار التي وردت فببي هببذا المعنببى فبببين ممببا خرجببه
البخاري ومسلم :أن رجل أتى عمر رضببي الب عنببه فقببال :أجنبببت فلببم أجببد المبباء،
فقال :ل تصل ،فقال عمار :أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سببرية فأجنبنببا
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
فلم نجد الماء ،فأما أنت فلم تصل ،وأما أنا فتمعكت في التراب فصببليت ،فقببال النبببي
صلى ال عليه وسلم :إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك ثم تنفخ فيهما ثم تمسببح بهمببا
وجهك وكفيك ،فقال عمر :اتق ال يا عمار ،فقال :إن شئت لم أحدث به" وفي بعببض
الروايات :أنه قال له عمر :نوليك ما توليت وخرج مسلم عن شببقيق ) (1قببال :كنببت
جالسا مع عبد ال بن مسعود وأبي موسى فقال أبو موسى :يا أبا عبد الرحمن أرأيت
لو أن رجل أجنب فلم يجد الماء شببهرا كيببف يصببنع بالصببلة؟ فقببال عبببد الب لبببي
موسى :ل يتيمم وإن لم يجد الماء شهرا ،فقال أبو موسى :فكيف بهذه الية في سورة
المائدة }فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا{ فقال عبد البب :لببو رخبص لهببم فببي هببذه
الية لوشك إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد ،فقال أببو موسبى لعببد الب ألبم
تسمع لقول عمار؟ وذكر له الحديث المتقدم ،فقال له عبد البب :ألببم تببر عمببر لببم يقنببع
بقول عمببار؟ لكببن الجمهببور رأوا أن ذلببك قببد ثبببت مببن حببديث عمببار وعمببران بببن
الحصين ،خرجهما البخاري ،وإن نسيان عمر ليس مؤثرا في وجوب العمببل بحببديث
عمار ،وأيضا فإنهم استدلوا بجواز التيمم للجنب والحائض بعموم قوله عليه الصببلة
والسلم "جعلت لي الرض مسجدا وطهورا" .وأما حديث عمران بن الحصببين فهببو
"أن رسول ال صلى ال عليه وسلم رأى رجل معتزل لم يصببل مببع القببوم فقببال :يببا
فلن أما يكفيك أن تصلي مع القوم؟ فقال :يا رسول ال أصابتني جنابة ول ماء فقببال
عليه الصلة والسلم :عليك بالصعيد فإنه يكفيك" ولموضببع هببذا الحتمببال اختلفببوا:
هل لمن ليس عنده ماء أن يطأ أهله أم ل يطؤها؟ أعني من يجوز للجنب التيمم.
----------
)"(1شقيق" :الصل غير واضح ،والتصحيح من صحيح مسلم .دار الحديث[
----------
**4الباب الثاني في معرفة من تجوز له الطهارة.
@-وأما من تجوز لبه هبذه الطهبارة ،فببأجمع العلمباء أنهببا تجبوز لثنيببن :للمريبض
والمسببافر إذا عببدما المبباء .واختلفببوا فببي أربببع :المريببض يجببد المبباء ويخبباف مببن
استعماله ،وفي الحاضر يعدم الماء ،وفببي الصببحيح المسببافر يجببد المبباء فيمنعببه مببن
الوصول إليه خوف ،وفي الذي يخاف من اسببتعماله مببن شببدة البببرد .فأمببا المريببض
البذي يجبد المباء ويخباف مبن اسبتعماله ،فقبال الجمهبور :يجبوز البتيمم لبه؛ وكبذلك
الصحيح الذي يخاف الهلك أو المرض الشديد من بببرد المباء ،وكبذلك الببذي يخبباف
من الخروج إلى الماء ،إل أن معظمهببم أوجببب عليببه العببادة إذا وجببد المبباء ،وقببال
عطاء :ل يتيمم المريض ول غير المريض إذا وجد المبباء .وأمببا الحاضببر الصببحيح
الذي يعدم الماء ،فذهب مالك والشببافعي إلببى جببواز الببتيمم لببه ،وقببال أبببو حنيفببة :ل
يجوز التيمم للحاضر الصحيح وإن عببدم المبباء ،وسبببب اختلفهببم فببي هببذه المسببائل
الربع التي هي قواعد هذا الباب؛ أما في المريض الذي يخاف مببن اسببتعمال المبباء،
فهو اختلفهم :هل في الية محذوف مقدر في قوله تعالى }وإن كنتم مرضى أو على
سفر{ .فمن رأى أن في الية حذفا وأن تقببدير الكلم وإن كنتببم مرضببى ل تقببدرون
على استعمال الماء ،وأن الضمير في قوله تعالى }فلببم تجببدوا مبباء{ إنمببا يعببود علببى
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
المسافر فقط أجاز الببتيمم للمريببض الببذي يخبباف مببن اسببتعمال المبباء .ومببن رأى أن
الضمير في "فلم تجدوا ماء" يعود على المريض والمسافر معا وأنببه ليببس فببي اليببة
حذف لم يجز للمريض إذا وجد الماء التيمم .وأما سبب اختلفهم فببي الحاضببر الببذي
يعدم الماء ،فاحتمال الضمير الذي في قببوله تعبالى "فلببم تجببدوا مبباء" أن يعببود علببى
أصناف المحدثين :أعني الحاضرين والمسافرين ،أو على المسافرين فقببط .فمببن رآه
عائدا على جميع أصناف المحببدثين أجبباز الببتيمم للحاضببرين ،ومببن رآه عببائدا علببى
المسافرين فقط أو علببى المرضببى والمسببافرين لببم يجببز الببتيمم للحاضببر الببذي عببدم
الماء ،وأما سبب اختلفهم في الخائف من الخروج إلى المبباء ،فبباختلفهم فببي قياسببه
على من عدم الماء ،وكذلك اختلفهم في الصحيح يخاف من برد المبباء ،السبببب فيببه
هو اختلفهم في قياسه على المريببض الببذي يخبباف مببن اسببتعمال المبباء ،وقببد رجببح
مذهبهم القائلون بجبواز الببتيمم للمريبض بحببديث جبابر فبي المجبروح الببذي اغتسبل
فمات ،فأجاز عليه الصلة والسلم المسح له وقال "قتلوه قتلهم البب" وكببذلك رجحببوا
أيضا قياس الصحيح الذي يخاف من برد المبباء علببى المريببض بمببا روي أيضببا فببي
ذلك عن عمرو بن العاص أنه أجنب في ليلة باردة ،فتيمم وتل قببول ال ب تعببالى }ول
تقتلوا أنفسكم إن ال كبان بكبم رحيمبا{ فببذكر ذلببك للنببي عليببه الصببلة والسببلم فلبم
يعنف.
**4الباب الثالث في معرفة شروط جواز هذه الطهارة.
@-وأما معرفة شروط هذه الطهارة ،فيتعلق بهبا ثلث مسبائل قواعبد :إحبداها :هبل
النية من شرط هذه الطهارة أم ل؟ .والثانية :هل الطلب شرط فببي جببواز الببتيمم عنببد
عدم الماء أم ل؟ .والثالثة :هل دخول الوقت شرط في جواز التيمم أم ل؟.
@)-أما المسببألة الولببى( فبالجمهور علببى أن النيببة فيهبا شببرط لكونهببا عبببادة غيببر
معقولة المعنى ،وشذ زفر فقال :إن النية ليست بشرط فيها ،وأنها ل تحتاج إلببى نيببة،
وقد روى ذلك أيضا عن الوزاعي والحسن بن حي وهو ضعيف.
@)-وأما المسألة الثانية( فإن مالكا رضي ال عنه اشترط الطلببب وكببذلك الشببافعي،
ولم يشترطه أبو حنيفة .سبب اختلفهم في هذا هو هل يسمى من لببم يجببد المبباء دون
طلب غير واجد للماء أم ليس يسمى غير واجببد للمبباء إل إذا طلبب المبباء فلببم يجبده؟
لكن الحق في هذا أن يعتقد أن المتيقن لعدم الماء إما بطلب متقدم وإما بغير ذلببك هببو
عادم للماء ،وأما الظان فليس بعادم للماء ،ولذلك يضعف القول بتكببرر الطلببب الببذي
في المذهب في المكان الواحد بعينه ويقوى اشببتراطه ابتببداء إذا لببم يكببن هنالببك علببم
قطعي بعدم الماء.
@)-وأما المسألة الثالثة( وهو اشتراط دخول الوقت فمنهم من اشترطه وهو مببذهب
الشافعي ومالك ،ومنهم مببن لببم يشببترطه ،وبببه قببال أبببو حنيفببة وأهببل الظبباهر وابببن
شعبان من أصببحاب مالببك .وسبببب اختلفهببم هببو :هببل ظبباهر مفهببوم آيببة الوضببوء
يقتضي أن ل يجوز التيمم والوضوء إل عند دخول الوقت لقوله تعالى }يا أيها الببذين
آمنوا إذا قمتم إلى الصلة{ الية ،فببأوجب الوضببوء والببتيمم عنببد وجببوب القيببام إلببى
الصلة ،وذلك إذا دخل الوقت ،فوجب لهذا أن يكون حكم الوضببوء والببتيمم فببي هببذا
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
حكم الصلة ،أعني أنه كما أن الصلة من شرط صحتها الببوقت ،كببذلك مببن شببروط
صحة الوضوء والتيمم الوقت ،إل أن الشرع خصص الوضوء من ذلك ،فبقي الببتيمم
على أصله أم ليس يقتضي هذا ظاهر مفهوم اليببة ،وأن تقببدير قببوله تعببالى }يببا أيهببا
الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلة{ أي إذا أردتم القيام إلى الصلة ،وأيضببا فببإنه لببو لببم
يكن هنالك محذوف لما كان يفهم من ذلك إل إيجبباب الوضببوء والببتيمم عنببد وجببوب
الصلة فقط ،ل أنه ل يجزئ إن وقع قبببل الببوقت إل أن يقاسبا علببى الصببلة ،فلببذلك
الولى أن يقال في هذا إن سبب الخلف فيه هو قياس التيمم على الصلة ،لكببن هببذا
يضعف ،فإن قياسه على الوضوء أشبه ،فتأمل هذه المسألة ،فإنها ضعيفة ،أعني مببن
يشترط في صحته دخببول الببوقت ويجعلببه مببن العبببادات المؤقتببة ،فببإن التببوقيت فببي
العبادة ل يكون إل بدليل سمعي ،وإنما يسببوغ القببول بهببذا إذا كببان علببى رجبباء مببن
وجود الماء قبل دخول الوقت فيكون هذا ليس من ببباب أن هببذه العبببادة مؤقتببة ،لكببن
من باب أنه ليس ينطلق اسم الغير واجد للماء إل عند دخول وقت الصببلة ،لنببه مببا
لم يدخل وقتها أمكن أن يطرأ هو على الماء ،ولذلك اختلف المذهب متى يتيمم؟ ،هل
في أول الوقت أو في وسطه أو في آخره؟ لكن ههنا مواضع يعلببم قطعببا أن النسببان
ليس بطارئ على الماء فيها قبل دخول الوقت ،ول الماء بطارئ عليببه .وأيضببا فببإن
قدرنا طرو الماء فليس يجب عليه إل نقض التيمم فقط ل منع صحته ،وتقدير الطرو
هو ممكن في الوقت وبعببده ،فلببم جعببل حكمببه قبببل دخببول الببوقت خلف حكمببه فببي
الوقت أعني أنه قبل الوقت يمنع انعقاد التيمم ،وبعد دخول الوقت ل يمنعه ،وهذا كله
ل ينبغي أن يصار إليه إل بدليل سمعي ،ويلزم على هببذا أن ل يجببوز الببتيمم إل فببي
آخر الوقت فتأمله.
**4الباب الرابع في صفة هذه الطهارة
@-وأما صفة هذه الطهارة فيتعلق بها ثلث مسائل هي قواعد هذا الباب.
@)-المسألة الولى( اختلف الفقهاء في حد اليدي التي أمر الب بمسببحها فببي الببتيمم
في قوله }فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه{ على أربعة أقببوال :القببول الول :أن الحببد
الواجب في ذلببك هببو الحببد الببواجب بعينببه فببي الوضببوء ،وهببو إلببى المرافببق ،وهببو
مشهور المذهب ،وبه قال فقهاء المصار .والقول الثاني :أن الفرض هو مسح الكف
فقط ،وبه قال أهل الظاهر وأهل الحديث .والقول الثالث :السببتحباب إلببى المرفقيببن،
والفرض الكفان ،وهو مروي عن مالك .والقببول الرابببع :أن الفببرض إلببى المنبباكب،
وهو شاذ روي عن الزهري ومحمد بن مسلمة .والسبب فببي اختلفهببم اشببتراك اسببم
اليد في لسان العرب ،وذلك أن اليببد فببي كلم العببرب يقببال علببى ثلثببة معببان :علببى
الكف فقط وهو أظهرها اسببتعمال ،ويقببال علببى الكببف والببذراع ،ويقببال علببى الكببف
والساعد والعضد .والسبب الثبباني اختلف الثببار فببي ذلببك ،وذلببك أن حببديث عمببار
المشهور فيه من طرقه الثابتة "إنما يكفيك أن تضرب بيدك ثم تنفخ فيها ثم تمسح بها
وجهك وكفيك" .وورد في بعض طرقه أنه قال له عليه الصلة والسلم "وأن تمسببح
بيديك إلى المرفقين" .وروي أيضا عن ابن عمر أن النبي عليه الصلة والسببلم قببال
"التيمم ضربتان :ضببربة للببوجه ،وضببربة لليببدين إلببى المرفقيببن" وروي أيضببا مببن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
طريق ابن عباس ومن طريق غيره؛ فذهب الجمهور إلى ترجيح هذه الحاديث على
حديث عمار الثابت من جهة عضد القيبباس لهببا :أعنببي مببن جهببة قيباس الببتيمم علببى
الوضوء وهو بعينه حملهم على أن عبدلوا بلفببظ اسببم اليببد عبن الكببف البذي هبو فيبه
أظهر إلى الكف والسبباعد ،ومببن زعببم أنببه ينطلببق عليهمببا بالسببواء ،وأنببه ليببس فببي
أحدهما أظهر منه في الثاني فقط أخطأ ،فإن اليد وإن كببانت اسببما مشببتركا فهببي فببي
الكف حقيقة ،وفيما فببوق الكببف مجبباز ،وليببس كببل اسببم مشببترك هببو مجمببل ،وإنمببا
المشترك المجمل الذي وضع من أول أمببره مشببتركا ،وفببي هببذا قببال الفقهبباء إنببه ل
يصح الستدلل به ،ولذلك ما نقول إن الصببواب هببو أن يعتقببد أن الفببرض إنمببا هببو
الكفان فقط ،وذلببك أن اسببم اليببد ل يخلببو أن يكببون فببي الكببف أظهببر منببه فببي سببائر
الجزاء أو يكون دللته على سائر أجزاء الذراع والعضد بالسواء ،فببإن كببان أظهببر
فيجب المصير إلى الخذ بالثر الثابت ،فأمببا أن يغلببب القيبباس ههنببا علببى الثببر فل
معنى له ،ول أن ترجح به أيضا أحاديث لم تثبت بعد ،فببالقول فببي هببذه المسببألة بيببن
من الكتاب والسنة فتأمله .وأما من ذهب إلى الببباط فإنمببا ذهببب إلببى ذلببك ،لنببه قببد
روي في بعض طرق حديث عمار أنه قال "تيممنا مببع رسببول الب صببلى الب عليببه
وسلم فمسحنا بوجوهنا وأيدينا إلى المناكب" .ومن ذهب إلى أن يحمل تلك الحبباديث
على الندب وحديث عمار على الوجوب فهو مذهب حسببن إذ كببان الجمببع أولببى مببن
الترجيح عند أهل الكلم الفقهي ،إل أن هذا إنما ينبغي أن يصار إليه إن صحت تلببك
الحاديث.
@)-المسألة الثانية( اختلف العلماء في عدد الضببربات علببى الصببعيد للببتيمم ،فمنهببم
من قال واحدة ،ومنهم من قببال اثنببتين ،والببذين قببالوا اثنببتين منهببم مببن قببال :ضببربة
للوجه وضربة لليدين ،وهم الجمهور ،وإذا قلت الجمهور فالفقهبباء الثلثببة معببدودون
فيهم :أعني مالكا والشافعي وأبا حنيفة ،ومنهم من قال :ضببربتان لكببل واحببد منهمببا:
أعني لليد ضربتان وللوجه ضربتان ،والسبب في اختلفهم أن الية مجملبة فبي ذلبك
والحاديث متعارضة ،وقياس التيمم على الوضوء في جميع أحواله غير متفق عليه،
والذي في حديث عمار الثابت من ذلك إنما هو ضببربة واحببدة للببوجه والكفيببن معببا،
لكن ههنا أحاديث فيها ضربتان ،فرجح الجمهور هذه الحبباديث لمكببان قيبباس الببتيمم
على الوضوء.
@)-المسألة الثالثة( اختلف الشببافعي مببع مالببك وأبببي حنيفببة وغيرهمببا فببي وجببوب
توصيل التراب إلى أعضاء التيمم ،فلم ير ذلك أبو حنيفة واجبا ول مالك ،ورأى ذلك
الشافعي واجبا .وسبب اختلفهم الشببتراك الببذي فببي حببرف "مببن" فببي قببوله تعببالى
}فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه{ وذلك أن مببن قببد تببرد للتبعيببض ،وقببد تببرد لتمييببز
الجنس ،فمن ذهب إلى أنها ههنا للتبعيببض أوجببب نقبل البتراب إلببى أعضباء الببتيمم.
ومن رأى أنها لتمييز الجنس قال :ليس النقل واجبا .والشافعي إنما رجح حملها علببى
التبعيض من جهة قياس التيمم على الوضوء ،لكن يعارضه حديث عمار المتقدم لن
فيه ثم تنفخ فيها ،وتيمم رسول ال صلى ال عليه وسلم على الحائط ،وينبغي أن تعلم
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
أن الختلف في وجوب الترتيب في التيمم ووجوب الفور فيه هو بعينه اختلفهم في
ذلك في الوضوء وأسباب الخلف هنالك هي أسبابه هنا فل معنى لعادته.
**4الباب الخامس فيما تصنع به هذه الطهارة.
@-وفيبه مسبألة واحبدة ،وذلبك أنهببم اتفقبوا علببى جوازهبا ببتراب الحببرث الطيببب،
واختلفوا في جواز فعلها بما عدا التراب من أجزاء الرض المتولدة عنها كالحجارة،
فذهب الشافعي إلى أنه ل يجوز التيمم إل بالتراب الخببالص وذهببب مالببك وأصببحابه
إلى أنه يجوز التيمم بكل ما صعد على وجه الرض من أجزائها فببي المشببهور عنببه
الحصا والرمببل والببتراب .وزاد أبببو حنيفببة فقببال :وبكببل مببا يتولببد مببن الرض مببن
الحجارة مثل النورة والزرنيخ والجص والطين والرخام .ومنهم من شببرط أن يكببون
التراب على وجه الرض وهم الجمهور .وقال أحمببد بببن حنبببل :يتمببم بغبببار الثببوب
واللبد .والسبب في اختلفهم شيئان :أحدهما اشتراك اسم ا لصعيد في لسببان العببرب،
فببإنه مببرة يطلببق علببى الببتراب الخببالص ،ومببرة يطلببق علببى جميببع أجببزاء الرض
الظاهرة ،حتى إن مالكا وأصحابه حملهم دللة اشتقاق هببذا السببم أعنببي الصببعيد أن
يجيزوا في إحدى الروايات عنهم التيمم على الحشيش وعلى الثلج ،قالوا :لنه يسمى
صعيدا في أصبل التسببمية ،أعنبي مببن جهببة صببعوده علبى الرض ،وهبذا ضببعيف.
والسبب الثاني إطلق اسم الرض في جواز التيمم بها فببي بعببض روايببات الحببديث
المشهور ،وتقييدها بالتراب في بعضها ،وهو قوله عليه الصلة والسلم "جعلببت لببي
الرض مسببجدا وطهببورا" فببإن فببي بعببض روايبباته "جعلببت لببي الرض مسببجدا
وطهورا" وفي بعضها "جعلت لي الرض مسجد وجعلببت لببي تربتهببا طهببورا" وقببد
اختلف أهل الكلم الفقهي هل يقضي بالمطلق علببى المقيببد أو بالمقيببد علببى المطلببق؟
والمشهور عندهم أن يقضي بالمقيد على المطلق وفيه نظر ،ومذهب أبببي محمببد بببن
حزم أن يقضي بالمطلق على المقيد ،لن المطلق فيبه زيبادة معنبى ،فمببن كببان رأيببه
القضاء بالمقيد على المطلق وحمل اسم الصعيد الطيب على التراب لم يجز التيمم إل
بالتراب ،ومن قضى بالمطلق على المقيد وحمل اسم الصعيد على كل ما علببى وجببه
الرض من أجزائها أجاز التيمم بالرمل والحصى .وأما إجازة التيمم بما يتولببد منهببا
فضعيف إذ كان ل يتناوله اسم الصعيد فإن أعم دللة اسببم الصببعيد أن يببدل علببى مببا
تدل عليه الرض ،ل أن يدل على الزرنيخ والنورة ،ول على الثلج والحشيش ،وال ب
الموفق للصواب ،والشتراك الذي في اسم الطيب أيضا من أحد دواعي الخلف.
**4الباب السادس في نواقض هذه الطهارة.
@-وأما نواقض هذه الطهارة فإنهم اتفقوا على أنه ينقضها مببا ينقببض الصببل الببذي
هو الوضوء أو الطهر ،واختلفوا من ذلك فببي مسببألتين :إحببداهما هببل ينقضببها إرادة
صلة أخرى مفروضة غير المفروضة التي تيمم لها؟ .والمسألة الثانية هببل ينقضببها
وجود الماء أم ل؟.
@)-أما المسألة الولى( فذهب مالك فيها إلى أن إرادة الصلة الثانية تنقض طهببارة
الولى ،ومذهب غيره خلف ذلك .وأصل هبذا الخلف يبدور علبى شبيئين :أحبدهما
هل في قوله تعالى }يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلة{ محذوف مقدر :أعني إذا
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
قمتم من النببوم ،أو قمتببم محببدثين ،أم ليببس هنالببك محببذوف أصببل؟ فمببن راى أن ل
محذوف هنالك قال :ظاهر الية وجوب الوضببوء أو الببتيمم عنببد القيببام لكببل صببلة،
لكن خصصت السنة من ذلك الوضببوء فيبقببي البتيمم علببى أصبله ،لكببن ل ينبغبي أن
يحتج بهذا لمالك فإن مالكا يرى أن في الية محذوفا على ما رواه عن زيد بببن أسببلم
في موطئه .وأما السبب الثاني فهو تكرار الطلب عند دخببول وقببت كببل صببلة وهببذا
هو ألزم لصول مالك أعني أن يحتج له بهذا ،وقد تقدم القول في هذه المسألة ،ومببن
لم يتكرر عنده الطلب وقدر في الية محذوفا لم ير إرادة الصلة الثانية ما لببم ينقبض
التيمم.
@)-وأما المسألة الثانية( فإن الجمهور ذهبوا إلى أن وجببود المبباء ينقضببها .وذهببب
قببوم إلببى أن النبباقض لهببا هببو الحببدث ،وأصببل هببذ الخلف هببل وجببود المبباء يرفببع
استصحاب الطهرة التي كانت بالتراب ،أو يرفببع ابتببداء الطهببارة بببه؟ فمببن رى أنببه
يرفع ابتداء الطهارة به قال :ل ينقضها إل الحدث .ومببن رأى أنببه يرفببع استصببحاب
الطهارة قال :إنببه ينقضببها ،فببإن حببد النبباقض هببو الرافببع للستصببحاب ،وقببد احتببج
الجمهور لمبذهبهم بالحبديث الثبابت ،وهبو قبوله عليبه الصبلة والسبلم "جعلبت لبي
الرض مسجدا وطهورا ما لم يجد الماء" والحديث محتمل ،فببإنه يمكببن أن يقببال :إن
قوله عليه الصلة والسلم "ما لببم يجببد المبباء" يمكببن أن يفهببم منببه :فبإذا وجببد المبباء
انقطعت هذه الطهارة وارتفعت ،ويمكن أن يفهم منه :فإذا وجد الماء لم تصببح ابتببداء
هذه الطهارة ،والقوى في عضد الجمهور هو حديث أبي سببعيد الخببدري ،وفيببه أنببه
عليه الصلة والسلم قال "فإذا وجدت الماء فأمسه جلببدك" فببإن المببر محمببول عنببد
جمهور المتكلمين على الفور ،وإن كان أيضا قد يتطرق إليه الحتمال المتقبدم فتأمبل
هذا .وقد حمل الشافعي تسليمه على أن وجود الماء يرفببع هببذه الطهببارة أن قببال :إن
التيمم ليس رافعا للحدث :أي ليس مفيدا للمتيمم الطهارة الرافعببة للحببدث ،وإنمببا هببو
مبيح للصلة فقط مع بقاء الحدث ،وهذا ل معنى له ،فإن الب قببد سببماه طهببارة ،وقببد
ذهب قوم من أصحاب مالك هذا المذهب فقالوا :إن التيمم ل يرفببع الحببدث ،لنببه لببو
رفعه لم ينقضه إل الحدث .والجواب أن هذه الطهارة وجود الماء في حقها هو حدث
خاص بها على القول بأن الماء ينقضببها ،واتفببق القببائلون بببأن وجببود المبباء ينقضببها
على أنه ينقضها قبل الشروع في الصلة وبعد الصلة ،واختلفوا هل ينقضببها طببروه
في الصلة؟ فذهب مالك والشببافعي وداود إلببى أنببه ل ينقببض الطهببارة فببي الصببلة،
وذهب أبو حنيفة وأحمد وغيرهما إلى أنببه ينقببض الطهببارة فببي الصببلة وهببم أحفببظ
للصل ،لنه أمر غير مناسب الشرع أن يوجببد شببيء واحببد ل ينقببض الطهببارة فببي
الصلة وينقضها في غير الصلة ،وبمثل هذا شنعوا على مذهب أبي حنيفة فيما يراه
من أن الضحك في الصلة ينقض الوضوء ،مع أنه مستند في ذلك إلببى الثببر فتأمببل
هذه المسألة فإنها بينة ،ول حجة في الظواهر التي يرام الحتجاح بها بببإرادته وإنمببا
أبطلها طرو الماء كما لو أحدث.
**4الباب السابع في الشياء التي هذه الطهارة شرط في صحتها أو في استباحتها
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
@-واتفق الجمهور على أن الفعال التي هذه الطهارة شرط في صحتها هي الفعال
التي الوضوء شرط في صحتها من الصلة ومببس المصبحف وغيبر ذلببك ،واختلفببوا
هل يستباح بها أكثر من صلة واحدة فقط؟ فمشهور مذهب مالك أنببه ل يسببتباح بهببا
صلتان مفروضتان أبدا ،واختلف قوله في الصلتين المقضيتين ،والمشهور عنه أنه
إذا كانت إحدى الصلتين فرضا والخرى نفل أنه إذا قدم الفرض جمع بينهمببا ،وإن
قدم النفل لببم يجمببع بينهمببا .وذهببب أبببو حنيفببة إلببى أنببه يجببوز الجمببع بيببن صببلوات
مفروضة بتيمم واحد .وأصل هذا الخلف هو :هل التيمم يجب لكل صلة أم ل؟ إمببا
من قبل ظاهر الية كما تقدم ،وإما من قبل وجوب تكرار الطلب ،وإما من كليهما.
**2كتاب الطهارة من النجس.
@-والقول المحيط بأصول هذه الطهارة وقواعدها ينحصر فببي سببتة أبببواب .الببباب
الول :في معرفة حكم هذه الطهارة :أعني في الوجوب أو في الندب إما مطلقا وإمببا
من جهة أنها مشترطة في الصلة .الباب الثاني :في معرفة أنببواع النجاسببات .الببباب
الثالث :في معرفة المحال التي يجب إزالتها عنها .الباب الرابببع :فببي معرفببة الشببيء
الذي تزال به .الباب الخامس :في صفة إزالتها في محل محببل .الببباب السببادس :فببي
آداب الحداث.
**3الباب الول في معرفة حكم هذه الطهارة.
@-والصل في هذا الباب إما من الكتاب ،فقببوله تعببالى }وثيابببك فطهببر{ وإمببا مببن
السنة ،فآثار كثيرة ثابتة ،منها قوله عليه الصلة والسلم "من توضأ فليسببتنثر ،ومببن
استجمر فليوتر" ومنها "أمره صلى الب عليببه وسببلم بغسببل دم الحيببض مببن الثببوب،
وأمره بصب ذنوب من ماء على بول العرابببي" وقببوله عليببه الصببلة والسببلم فببي
صاحبي القبر "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ،أما أحببدهما فكببان ل يسببتنزه مببن
البول" واتفق العلماء لمكان هذه المسموعات على أن إزالة النجاسببة مببأمور بهببا فببي
الشرع واختلفوا :هل ذلك على الوجوب أو علببى النببدب المببذكور ،وهببو الببذي يعبببر
عنه بالسنة؟ فقال قوم :إن إزالة النجاسات واجبة ،وبه قال أبو حنيفة والشافعي ،وقال
قوم :إزالتها سنة مؤكدة وليست بفرض .وقال قوم :هي فرض مع الذكر ،ساقطة مببع
النسيان ،وكل هذين القولين عن مالك وأصحابه .وسبببب اختلفهببم فببي هببذه المسببألة
راجع إلى ثلثة أشياء :أحدها اختلفهم في قوله تبارك وتعببالى }وثيابببك فطهببر{ هببل
ذلك محمول على الحقيقة أو محمول على المجاز؟ .والسبب الثاني تعببارض ظببواهر
الثار في وجوب ذلك ،والسبب الثالث اختلفهم في المر والنهي الوارد لعلة معقولة
المعنى ،هل تلك العلببة المفهومببة مببن ذلببك المببر أو النهببي ،قرينببة تنقببل المببر مببن
الوجوب إلى الندب ،والنهي من الحظر إلى الكراهة؟ أم ليست قرينببة؟ وأنببه ل فببرق
في ذلك بين العبادة المعقولة وغير المعقولة ،وإنما صببار مببن صببار إلببى الفببرق فببي
ذلك لن الحكام المعقولة المعاني في الشرع أكثرها هي مببن ببباب محاسببن الخلق
أو من باب المصالح ،وهببذه فبي الكبثر هببي منببدوب إليهبا ،فمبن حمبل قببوله تعبالى
}وثيابك فطهر{ علببى الثيبباب المحسوسببة قببال :الطهببارة مببن النجاسببة واجبببة ،ومببن
حملها على الكناية عن طهارة القلب لم ير فيهببا حجببة .وأمببا الثببار المتعارضببة فببي
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
ذلك ،فمنها حديث صاحبي القبر المشهور ،وقوله فيهما صلى ال عليه وسببلم "إنهمببا
ليعذبان ،وما يعذبان في كبير :أمببا أحببدهما فكببان ل يسببتنزه مببن بببوله" فظبباهر هببذا
الحديث يقتضي الوجوب ،لن العذاب ل يتعلق إل بببالواجب ،وأمببا المعببارض لببذلك
فما ثبت عنه عليه الصلة والسلم من أنه رمي عليه وهببو فببي الصببلة سببل جببزور
بالدم والفرث فلببم يقطببع الصببلة .وظبباهر هببذا أنببه لببو كبانت إزالببة النجاسببة واجبببة
كوجوب الطهارة من الحدث لقطع الصلة ومنهببا مببا روي "أن النبببي عليببه الصببلة
والسلم كان في صلة من الصلوات يصلي في نعليه ،فطببرح نعليببه ،فطببرح النبباس
لطرحه نعليه ،فأنكر ذلك عليهم عليه الصلة والسلم وقال "إنما خلعتهبا لن جبريبل
أخبرني أن فيها قذرا" فظاهر هذا أنه لو كانت واجبببة لمببا بنببي علببى مببا مضببى مببن
الصلة ،فمن ذهب في هذه الثار مذهب ترجيح الظواهر قال إما بالوجوب إن رجح
ظاهر حبديث الوجبوب ،أو بالنبدب إن رجبح ظباهر حبديث النبدب ،أعنبي الحبديثين
اللذين يقضيان أن إزالتها من باب الندب المؤكد .ومن ذهب مذهب الجمع ،فمنهم من
قال هي فرض مع الذكر والقدرة ،ساقطة مع النسيان وعدم القببدرة .ومنهببم مببن قببال
هي فرض مطلقا وليست من شروط صحة الصلة وهي قول رابع في المسبألة وهبو
ضعيف ،لن النجاسة إنما تزال في الصلة ،وكذلك مببن فببرق بيببن العبببادة المعقولببة
المعنى والغير معقولته ،أعني أنه جعل الغير معقولة آكد في باب الوجوب فببرق بيببن
المر الوارد في الطهارة من الحدث ،وبين المر الببوارد فببي الطهببارة مببن النجببس،
لن الطهارة من النجس معلوم أن المقصود بها النظافة ،وذلك من محاسببن الخلق.
وأما الطهارة من الحدث فغير معقولة المعنى مببع مببا اقببترن بببذلك مببن صببلتهم فببي
النعال مع أنها ل تنفك من أن يوطأ بها النجاسات غالبا ،وما أجمعوا عليه مببن العفببو
عن اليسير في بعض النجاسات.
**3الباب الثاني في معرفة أنواع النجاسات.
@-وأما أنواع النجاسات ،فإن العلماء اتفقوا من أعيانها علبى أربعببة :ميتببة الحيببوان
ذي الدم الذي ليس بمائي ،وعلى لحم الخنزير بأي سبب اتفق أن تذهب حياته ،وعلى
الدم نفسه من الحيوان الذي ليس بمائي انفصل من الحي أو الميت إذا كان مسببفوحا،
أعني كثيرا ،وعلى بول ابن آدم ورجيعه ،وأكثرهم علببى نجاسببة الخمببر ،وفببي ذلببك
خلف عن بعض المحدثين ،واختلفوا في غير ذلك ،والقواعد من ذلك سبع مسائل:
@)-المسألة الولى( اختلفوا في ميتببة الحيببوان الببذي ل دم لببه ،وفببي ميتببة الحيببوان
البحري ،فذهب قوم إلى أن ميتة ما ل دم له طاهرة ،وكذلك ميتة البحر ،وهو مذهب
مالك وأصحابه ،وذهب قوم إلى التسببوية بيببن ميتببة ذوات الببدم والببتي ل دم لهببا فببي
النجاسة ،واستثنوا من ذلك ميتة البحببر ،وهببو مببذهب الشببافعي ،إل مببا وقببع التفبباق
على أنه ليس بميتة مثل دود الخل وما يتولد في المطعومات ،وساوى قبوم بيبن ميتبة
البر والبحر ،واستثنوا ميتة ما ل دم لببه ،وهببو مببذهب أبببي حنيفببة .وسبببب اختلفهببم
اختلفهم في مفهوم قوله تعالى }حرمت عليكم الميتة{ وذلك أنهم فيمببا أحسببب اتفقببوا
أنه من باب العام أريد به الخاص ،واختلفوا أي خاص أريد به ،فمنهم من استثنى من
ذلك ميتة البحر وما ل دم له ،ومنهم من استثنى من ذلك ميتة البحر فقط ،ومنهم مببن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
استثنى من ذلك ميتة البحر فقط ،ومنهم من استثنى من ذلببك ميتببة مببا ل دم لببه فقببط.
وسبب اختلفهم في هذه المستثنيات هو سبب اختلفهم فببي الببدليل المخصببوص .أمببا
من اسبتثنى مببن ذلبك مبا ل دم لببه ،فحجتبه مفهبوم الثببر الثبابت عنبه عليببه الصببلة
والسلم من أمره بمقببل الببذباب إذا وقببع فببي الطعببام ،قبالوا :فهببذا يببدل علببى طهببارة
الببذباب وليببس لببذلك علببة إل أنببه غيببر ذي دم .وأمببا الشببافعي فعنببده أن هببذا خبباص
بالذباب لقوله عليه الصلة والسلم " فإن في إحدى جناحية داء وفي الخببرى دواء"
ووهن الشافعي هذا المفهوم من الحديث بأن ظبباهر الكتبباب يقتضببي أن الميتببة والببدم
نوعان مببن أنببواع المحرمببات :أحببدهما تعمببل فيببه التذكيببة وهببي الميتببة ،وذلببك فببي
الحيوان المباح الكل باتفبباق ،والببدم ل تعمببل فيببه التذكيببة فحكمهمببا مفببترق ،فكيببف
يجوز أن يجمع بينهما حتى يقال :إن الدم هببو سبببب تحريببم الميتببة؟ وهببذا قببوي كمببا
ترى ،فإنه لو كان الدم هو السبب في تحريببم الميتببة لمببا كببانت ترتقببع الحرميببة عببن
الحيوان بالذكاة ،وتبقى حرمية الدم الذي لم ينفصل بعد عببن المببذكاة ،وكببانت الحليببة
إنما توجد بعد انفصال الدم عنه لنه إذا ارتفع السبببب ارتفببع المسبببب الببذي يقتضببيه
ضرورة ،لنه إن وجد السبب والمسبب غير موجود فليس له هو سببببا ،ومثببال ذلببك
أنه إذا ارتفع التحريم عن عصير العنببب وجببب ضببرورة أن يرتفببع السببكار إن كنببا
نعتقد أن السكار هو سبب التحريم .وأما من استثنى من ذلك ميتة البحببر فببإنه ذهببب
إلى الثر الثابت في ذلك من حديث جابر ،وفيه "أنهم أكلببوا مببن الحببوت الببذي رمبباه
البحر أيامبا وتبزودوا منبه ،وأنهبم أخبببروا ببذلك رسبول الب صبلى الب عليببه وسببلم
فاستحسن فعلهم ،وسألهم :هل بقي منببه شببيء؟" وهببو دليببل علببى أنببه لببم يجببوز لهببم
لمكان ضروة خروج الزاد عنهم .واحتجوا أيضا بقببوله عليببه الصببلة والسببلم "هببو
الطهور ماؤه الحل ميتته" .وأما أبو حنيفة فرجح عموم الية على هذا الثر ،إما لن
الية مقطوع بها ،والثر مظنون ،وإما لنه رأى أن ذلك رخصة لهببم ،أعنببي حبديث
جابر أو لنه احتمل عنده أن يكون الحوت مببات بسبببب ،وهببو رمببي البحببر بببه إلببى
الساحل ،لن الميتة هو ما مات من تلقاء نفسه من غير سبب خارج ،ولختلفهم فببي
هذا أيضا سبب آخر وهو احتمال عودة الضمير في قوله تعالى }وطعامه متاعببا لكببم
وللسيارة{ أعني أن يعود على البحر أو على الصيد نفسه ،فمن أعاده على البحر قال
طعامه هو الطافي ،ومن أعاده على الصيد قال هو الذي أحل فقط مببن صببيد البحببر،
مع أن الكوفيين أيضا تمسكوا في ذلك بأثر ورد فيه تحريم الطافي مببن السببمك وهببو
عندهم ضعيف.
@)-المسألة الثانية( وكما اختلفوا فببي أنببواع الميتببات كببذلك اختلفببوا فببي أجببزاء مببا
اتفقوا عليه أنه ميتة ،وذلك أنهم اتفقوا على أن اللحم من أجزاء الميتة ميتة .واختلفببوا
في العظام والشعر ،فذهب الشافعي إلى أن العظببم والشبعر ميتببة ،وذهببب أببو حنيفبة
إلى أنهما ليسا بميتة ،وذهب مالك للفبرق بيبن الشبعر والعظبم فقبال :إن العظبم ميتبة
وليس الشعر ميتة .وسبب اختلفهم هو اختلفهببم فيمببا ينطلببق عليببه اسببم الحيبباة مببن
أفعال العضاء .فمن رأى أن النمو والتغببذي هببو مببن أفعببال الحيبباة قببال :إن الشببعر
والعظام إذا فقدت النمو والتغذي فهي ميتة .ومببن رأى أنببه ل ينطلببق اسببم الحيبباة إل
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
على الحس قال :إن الشعر والعظام ليست بميتة لنها ل حس لها .ومببن فببرق بينهمببا
أوجب للعظام الحس ولم يوجب للشعر .وفي حس العظببام اختلف ،والمببر مختلببف
فيه بين الطباء ،ومما يدل على أن التغذي والنمو ليسا هما الحيبباة الببتي يطلببق علببى
عدمها اسم الميتة ،أن الجميع قد اتفقوا على أن مبا قطبع مبن البهيمبة وهبي حيبة أنبه
ميتة لو زود ذلك في الحديث وهو قوله عليه الصلة والسلم "مببا قطببع مببن البهيمببة
وهي حية فهو ميتة" واتفقوا على أن الشعر إذا قطع من الحي أنه طاهر ،ولو انطلببق
اسم الميتة على من فقد التغذي والنمو لقيل فببي النبببات المقلببوع إنببه ميتببة ،وذلببك أن
النبات فيه التغذي والنمو ،وللشافعي أن يقول إن التغذي الذي ينطلق على عدمه اسببم
الموت هو التغذي الموجود في الحساس.
@)-المسألة الثالثببة( اختلفببوا فببي النتفبباع بجلببود الميتببة ،فببذهب قببوم إلببى النتفبباع
بجلودها مطلقا دبغببت أو لببم تببدبغ ،وذهببب قببوم إلببى خلف هببذا ،وهببو أل ينتفببع بببه
أصل ،وإن دبغت وذهب قوم إلى الفرق بين أن تببدبغ وأن ل تببدبغ ،ورأوا أن الببدباغ
مطهر لها ،وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة ،وعن مالك في ذلك روايتببان :إحببداهما
مثببل قببول الشببافعي ،والثانيببة أن الببدباغ ل يطهرهببا ،ولكببن تسببتعمل فببي اليابسببات،
والذين ذهبوا إلى أن الدباغ مطهر اتفقوا على أنببه مطهببر لمببا تعمببل فيببه الببذكاة مببن
الحيوان :أعني المباح الكل ،واختلفوا فيما ل تعمل فيه الذكاة ،فببذهب الشببافعي إلببى
أنه مطهر لما تعمل فيه الذكاة فقط ،وأنببه بببدل منهببا فببي إفببادة الطهببارة .وذهببب أبببو
حنيفة إلى تأثير الدباغ في جميع ميتات الحيوان ما عدا الخنزيببر .وقببال داود :تطهببر
حتى جلد الخنزير .وسبببب اختلفهببم تعببارض الثببار فببي ذلببك ،وذلببك أنببه ورد فببي
حديث ميمونة إباحببة النتفبباع بهببا مطلقببا ،وذلببك أن فيببه أنببه مببر بميتببة ،فقببال عليببه
الصلة والسلم "هل انتفعتم بجلدها؟" وفي حديث ابن عكيم منع النتفاع بها مطلقببا،
وذلك أن فيه "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كتب :أل تنتفعوا من الميتببة بإهبباب
ول عصب" قال :وذلك قبل موته بعام .وفي بعضها المر بالتنفبباع بهببا بعببد الببدباغ
والمنع قبل الدباغ ،والثابت في هذا الببباب هببو حببديث ابببن عببباس أنببه عليببه الصببلة
والسلم قال "إذا دبغ الهاب فقد طهر" فلمكان اختلف هذه الثار اختلف الناس فببي
تأويلها ،فذهب قبوم مبذهب الجمبع علبى حبديث اببن عبباس ،أعنبي أنهبم فرقبوا فبي
النتفاع بها بين المدبوغ وغير المدبوغ .وذهب قببوم مببذهب النسببخ ،فأخببذوا بحببديث
ابن عكيم لقوله فيه موته بعام .وذهب قوم مذهب الترجيح لحديث ميمونة ،ورأوا أنببه
يتضمن زيادة على ما في حديث اببن عبباس ،وأن تحريبم النتفباع ليبس يخبرج مبن
حديث ابن عباس قبل الدباغ ،لن التنفاع غير الطهارة ،أعني كل طبباهر ينتفببع بببه،
وليس يلزم عكس هذا المعنى ،أعني أن كل ما ينتفع به هو طاهر.
@)-المسألة الرابعة( اتفق العلماء على أن دم الحيوان البري نجس ،واختلفوا في دم
السمك ،وكذلك اختلفوا في الدم القليل مببن دم الحيببوان غيببر البحببري ،فقببال قببوم :دم
السمك طاهر ،وهو أحد قولي مالببك ومببذهب الشببافعي .وقببال قببوم :هببو نجببس علببى
أصل الدماء ،وهو قول مالك في المدونة .وكذلك قال قوم :إن قليل الدماء معفو عنه.
وقال قوم :بل القليل منها والكثير حكمه واحد ،والول عليببه الجمهببور .والسبببب فببي
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
اختلفهم في دم السمك هو اختلفهم في ميتته ،فمن جعببل ميتتببه داخلببة تحببت عمببوم
التحريم جعل دمه كذلك ،ومن أخرج ميتته أخرج دمه قياسا على الميتتببة ،وفببي ذلببك
أثببر ضببعيف وهببو قببوله عليببه الصببلة والسببلم "أحلببت لنببا ميتتببان ودمببان الجببراد
والحوت ،والكبد والطحال" .وأما اختلفهم في كثير الدم وقليلببه فسببببه اختلفهببم فببي
القضاء بالمقيد على المطلق أو بالمطلق على المقيد ،وذلك أنه ورد تحريم الدم مطلقا
في قوله تعالى }حرمببت عليكببم الميتببة والببدم ولحببم الخنزيببر{ وورد مقيببدا فببي قببوله
تعالى }قل ل أجد فيما أوحي إلي محرما{ إلى قوله }أو دما مسفوحا أو لحببم خنزيببر{
فمن قضى بالمقيد على المطلق وهم الجمهور قال المسفوح هو النجس المحرم فقببط،
ومن قضى بالمطلق على المقيد لن فيببه زيببادة قببال :المسببفوح وهببو الكببثير ،وغيببر
المسفوح وهببو القليبل ،كببل ذلببك حببرام ،وأيببد هبذا ببأن كبل مبا هببو نجببس لعينبه فل
يتبعض.
@)-المسببألة الخامسببة( اتفببق العلمبباء علببى نجاسببة بببول ابببن آدم ورجيعببه إل بببول
الصبي الرضيع ،واختلفوا فيما سواه من الحيوان ،فببذهب الشببافعي وأبببو حنيفببة إلببى
أنها كلها نجسة .وذهب قوم إلى طهارتها بإطلق ،أعني فضلتي سائر الحيوان البول
والرجيع .وقال قوم :أبوالها وأرواثها تابعة للحومها ،فما كببان منهببا لحومهببا محرمببة
فأبوالها وأرواثها نجسة محرمة ،ومببا كببان منهببا لحومهببا مأكولببة فأبوالهببا وأوراثهببا
طبباهرة ،مببا عببدا الببتي تأكببل النجاسببة ،ومببا كببان منهببا مكروهببة فأبوالهببا وأوراثهببا
مكروهة ،وبهذا قال مالببك كمببا قببال أبببو حنيفببة بببذلك فببي السببآر .وسبببب اختلفهببم
شيئان :أحدهما اختلفهم في مفهوم الباحة الواردة فببي الصببلة فببي مرابببض الغنببم،
وإباحته عليه الصلة والسلم للعرنيين شرب أبوال البل وألبانها ،وفي مفهوم النهي
عن الصلة في أعطان البل .والسبب الثاني اختلفهم في قيبباس سببائر الحيببوان فببي
ذلك على النسان ،فمن قاس سائر الحيوان على النسبان ورأى أنبه مبن بباب قيباس
الولى والحرى لم يفهم من إباحة الصلة في مرابض الغنم طهارة أرواثها وأبوالها
جعل ذلك عبادة ،ومن فهم من النهي عن الصلة فببي أعطببان البببل النجاسببة وجعببل
إباحته للعرنيين أبوال البل لمكان المداواة على أصله في إجازة ذلك قال :كل رجيببع
وبول فهو نجس ،ومن فهم من حديث إباحة الصلة في مرابض الغنم طهارة أرواثها
وأبوالها وكذلك من حديث العرنيين وجعل النهي عن الصلة في أعطان البل عبببادة
أو لمعنى غير معنى النجاسببة ،وكببان الفببرق عنببده بيببن النسببان وبهيمببة النعببام أن
فضلتي النسان مستقذرة بالطبع وفضلتي بهيمة النعام ليست كذلك جعببل الفضببلت
تابعة للحوم وال أعلم .ومن قاس على بهيمة النعام غيرها جعل الفضببلت كلهببا مببا
عدا فضلتي النسان غير نجسة ول محرمببة والمسببألة محتملببة ،ولببول أنببه ل يجببوز
إحداث قول لم يتقدم إليه أحد في المشهور ،وإن كانت مسألة فيها خلف لقيببل إن مببا
ينتن منها ويستقذر بخلف ما ل ينتببن ول يسببتقذر ،وبخاصببة مببا كببان منهببا رائحتببه
حسنة لتفاقهم على إباحة العنبر وهو عنببد أكببثر النبباس فضببلة مببن فضببلت حيببوان
البحر ،وكذلك المسك ،وهو فضلة دم الحيوان الذي يوجد المسك فيه فيما يذكر.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
@)-المسألة السادسة( اختلف الناس في قليل النجاسات على ثلثة أقوال :فقببوم رأوا
قليلها وكثيرها سواء ،وممن قال بهذا القول الشافعي .وقببوم رأوا أن قليببل النجاسببات
معفو عنه ،وحدوه بقدر الدرهم البغلي ،وممن قال بهذا القول أبو حنيفة ،وشببذ محمببد
بن الحسن فقال :إن كانت النجاسة ربببع الثبوب فمبا دونبه جبازت ببه الصبلة .وقبال
فريق ثالث :قليل النجاسات وكثيرها سواء إل الدم على ما تقدم ،وهببو مببذهب مالببك،
وعنببه فببي دم الحيببض روايتببان والشببهر مسبباواته لسببائر الببدماء .وسبببب اختلفهببم
اختلفهم في قياس قليل النجاسببة علببى الرخصببة الببواردة فببي السببتجمار للعلببم بببأن
النجاسة هناك باقية ،فمن أجاز القياس على ذلك استجاز قليل النجاسة ،ولببذلك حببدوه
بالدرهم قياسا على قدر المخرج ،ومن رأى أن تلك رخصة والرخص ل يقاس عليها
منع ذلك .وأما سبب استثناء مالك من ذلببك الببدماء ،فقببد تقببدم ،وتفصببيل مببذهب أبببي
حنيفة أن النجاسات عنده تنقسم إلببى مغلظببة ومخففببة ،وأن المغلظببة هببي الببتي يعفببى
منها عن قدر الببدرهم ،والمخففببة هببي الببتي يعفببى منهببا عببن ربببع الثببوب ،والمخففببة
عندهم مثببل أرواث الببدواب ،ومببا ل تنفببك منبه الطبرق غالبببا ،وتقسببيمهم إياهبا إلببى
مغلظة ومخففة حسن جدا.
@)-المسألة السابعة( اختلفوا في المنبي :هبل هبو نجبس أم ل؟ فبذهبت طائفبة منهبم
مالك وأبو حنيفة إلى أنه نجس ،وذهبت طائفة إلببى أنببه طبباهر ،وبهببذا قببال الشببافعي
وأحمد وداود وسبببب اختلفهببم فيببه شببيئان :أحببدهما اضببطراب الروايببة فببي حببديث
عائشة وذلك أن في بعضها "كنت أغسل ثوب رسول ال صلى ال ب عليببه وسببلم مببن
المني فيخرج إلى الصلة وإن فيه لبقع الماء" وفي بعضها "أفركه مببن ثببوب رسببول
ال صلى الب عليبه وسبلم " وفبي بعضبها "فيصبلي فيبه" خبرج هبذه الزيبادة مسبلم.
والسبب الثاني تردد المني بين أن يشبه بالحداث الخارجة من البدن ،وبين أن يشبببه
بخروج الفضلت الطاهرة كاللبن وغيره ،فمن جمع الحاديث كلها بأن حمل الغسببل
على باب النظافة ،واسببتدل مببن الفبرك علببى الطهبارة علببى أصببله فببي أن الفبرك ل
يطهر نجاسة ،وقاسه على اللبن وغيره من الفضببلت الشببريفة لببم يببره نجسببا ،ومببن
رجح حديث الغسل على الفرك وفهم منه النجاسة وكان بالحداث عنده أشبه منه مما
ليس بحدث قال :إنه نجس ،وكذلك أيضا من اعتقببد أن النجاسببة تببزول بببالفرك قببال:
الفرك يدل على نجاسته كما يدل الغسل وهو مذهب أبي حنيفة ،وعلى هببذا فل حجببة
لولئك في قولها فيصلي فيه ،بل فيه حجبة لببي حنيفبة فبي أن النجاسبة تبزال بغيبر
الماء وهو خلف قول الماليكة.
**3الباب الثالث في معرفة المحال التي يجب إزالتها عنها.
@-وأمببا المحببال الببتي تببزال عنهببا النجاسببات فثلثببة ول خلف فببي ذلببك :أحببدها
البدان ،ثم الثياب ،ثم المساجد ومواضع الصلة .وإنما اتفق العلماء على هذه الثلثة
لنها منطوق بها في الكتاب والسنة .أما الثياب ففي قوله تعالى }وثيابك فطهر{ علببى
مذهب من حملها على الحقيقة ،وفي الثابت مببن أمببره عليببه الصببلة والسببلم بغسببل
الثوب من دم الحيض وصبه الماء على بول الصبي الذي بببال عليببه .وأمببا المسبباجد
فلمره عليه الصلة والسلم بصب ذنوب من ماء على بول العرابي الذي بببال فببي
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
المسجد ،وكذلك ثبت عنه عليه الصببلة والسببلم "أنببه أمببر بغسببل المببذي مببن البببدن
وغسل النجاسات من المخرجين" واختلف الفقهاء هل يغسل الذكر كله مببن المببذي أم
ل؟ لقوله عليه الصلة والسلم في حديث علي المشهور ،وقد سئل عببن المببذي فقببال
"يغسل ذكره ويتوضأ" وسبب الخلف فيه هو :هل الواجب هو الخذ بأوائل السماء
أو بأواخرها؟ فمن رأى أنه بأواخرها :أعني بأكثر ما ينطلق عليه السببم قببال يغسببل
الذكر كله ،ومن رأى الخذ بأقل ما ينطلق عليه قبال إنمبا يغسبل موضبع الذى فقبط
قياسا على البول والمذي.
**3الباب الرابع في الشيء الذي تزال به.
@-وأما الشيء الذي به تزال ،فإن المسلمين اتفقوا علببى أن المبباء الطبباهر المطهببر
يزيلها من هذه الثلثة المحال ،واتفقوا أيضا على أن الحجارة تزيلها من المخرجيببن،
واختلفوا فيما سوى ذلك من المائعات والجامدات التي تزيلها .فذهب قببوم إلببى أن مببا
كان طاهرا يزيل عين النجاسة مائعا كان أو جامدا فببي أي موضببع كببانت ،وبببه قببال
أبو حنيفة وأصحابه .وقال قوم :ل تزال النجاسة بما سببوى المبباء إل فببي السببتجمار
فقط المتفق عليه ،وبه قال مالك والشافعي .واختلفوا أيضا في إزالتها فبي السبتجمار
بالعظم والروث ،فمنع ذلك قوم ،وأجازه بغير ذلك مما ينقي ،واستثنى مالك من ذلببك
ما هو مطعوم ذو حرمة كالخبز ،وقببد قيببل ذلببك فيمببا فببي اسببتعماله سببرف كالببذهب
والياقوت .وقوم قصروا النقاء على الحجار فقط ،وهو مذهب أهببل الظبباهر .وقببوم
أجازوا الستنجاء بالعظم دون الروث وإن كان مكروها عندهم .وشذ الطبري فأجبباز
الستجمار بكل طاهر ونجس .وسبب اختلفهم في إزالة النجاسة بما عدا المبباء فيمببا
عببدا المخرجيببن هببو :هببل المقصببود بإزالببة النجاسببة بالمبباء هببو إتلف عينهببا فقببط
فيستوي في ذلك مع الماء كل ما يتلف عينها؟ أم للماء في ذلك مزيد خصببوص ليببس
بغير الماء ،فمن لم يظهر عنده للماء مزيد خصببوص قببال بإزالتهببا بسببائر المائعببات
والجامدات الطاهرة ،وأيد هذا المفهببوم بالتفبباق علببى إزالتهببا مببن المخرجيببن بغيببر
الماء ،وبما ورد من حديث أم سلمة أنها قببالت "إنببي أمببرأة أطيببل ذيلببي وأمشببي فببي
المكان القذر ،فقال لها رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم يطهببره مببا بعببده" وكببذلك
بالثار التي خرجها أبببو داود فببي هببذا مثببل قببوله عليببه الصببلة والسببلم "إذا وطببئ
أحدكم الذى بنعليه فإن التراب له طهور" إلى غير ذلك مما روي فببي هببذا المعنببى،
ومن رأى أن للماء في ذلك مزيد خصوص منع ذلك إل في موضببع الرخصببة فقببط،
وهو المخرجان ،ولما طالبت الحنفية الشبافعية ببذلك الخصبوص المزيبد البذي للمباء
لجئوا في ذلك إلى أنها عبادة إذ لم يقدروا أن يعطوا في ذلك سببا معقول ،حتى أنهببم
سلموا أن الماء ل يزيل النجاسة بمعنى معقول ،وإنما إزالته بمعنببى شببرعي حكمببي،
وطال الخطب والجدل بينهم :هل إزالة النجاسة بالمبباء عبببادة أو معنببى معقببول خلفببا
عن سلف ،واطرت الشافعية إلى أن تثبت أن في الماء قببوة شببرعية فببي رفببع أحكببام
النجاسات ليسببت فببي غيببره ،وإن اسببتوى مببع سببائر الشببياء فببي إزالببة العيببن ،وأن
المقصود إنما هو إزالة ذلك الحكم الذي اختص به الماء لذهاب عين النجاسة ،بل قد
يذهب العين ويبقببى الحكببم فباعببدوا المقصببد وقببد كببانوا اتفقببوا قبببل مببع الحنفييببن أن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
طهارة النجاسة ليست طهارة حكمية أعنببي شببرعية ،ولببذلك لببم تحتببج إلببى نيببة ولببو
راموا النفصال عنهم بأنا نرى أن للماء قوة إحالببة للنجبباس والدنبباس وقلعهببا مببن
الثياب والبدان ليست لغيره ،ولذلك اعتمده الناس في تنظيف البببدان والثيبباب لكببان
قول جيدا وغيره بعيد ،بل لعله واجب أن يعتقد أن الشرع إنما اعتمد في كل موضببع
غسل النجاسة بالماء لهذه الخاصية التي في الماء ،ولو كانوا قالوا هذا لكانوا قد قالوا
في ذلك قول هو أدخل في المذهب الفقه الجاري على المعاني وإنما يلجببأ الفقيببه إلببى
أن يقول عبادة إذا ضاق عليه المسلك مع الخصم ،فتأمل ذلك فإنه بين من أمرهم فببي
أكثر المواضع .وأما اختلفهبم فبي البروث فسببببه اختلفهببم فببي المفهببوم مبن النهببي
الوارد في ذلك عنه عليه الصلة والسلم ،أعنببي أمببره عليببه الصببلة والسببلم أن ل
يستنجي بعظم ول روث ،فمن دل عنده النهي على الفساد لم يجز ذلببك ،ومببن لببم يببر
ذلك إذ كانت النجاسة معنى معقول حمل ذلببك علببى الكراهيببة ولببم يعببده إلببى إبطببال
الستنجاء بذلك ،ومن فرق بين العظام والروث فلن الروث نجس عنده.
**3الباب الخامس في صفة إزالتها.
@-وأما الصفة التي بها تزول فاتفق العلماء على أنها غسببل ومسببح ونضببح لببورود
ذلك في الشرع وثبوته في الثار .واتفقوا على أن الغسل عام لجميع أنواع النجاسات
ولجميع محال النجاسات ،وأن المسببح بالحجببار يجببوز فببي المخرجيببن ويجببوز فببي
الخفين وفي النعلين من العشب اليابس ،وكببذلك ذيببل المببرأة الطويببل اتفقببوا علببى أن
طهارته هي على ظاهر حديث أم سلمة من العشببب اليببابس ،واختلفببوا مببن ذلببك فببي
ثلث مواضع هي أصول هذا الباب :أحدها في النضح لي نجاسببة هببو والثبباني فببي
المسح لي محل هو ولي نجاسة هو بعد أن اتفقوا على ما ذكرناه .والثالث اشببتراط
العدد في الغسل والمسح .أما النضح فإن قوما قالوا :هببذا خبباص بإزالببة بببول الطفببل
الذي لم يأكل الطعام .وقوم فرقوا بين بول الذكر في ذلك والنثى ،فقالوا :ينضح بول
الذكر ويغسل بول النثى ،وقوم قببالوا :الغسببل طهببارة مببا يببتيقن بنجاسببته ،والنضببح
طهارة ما شك فيه ،وهو مببذهب مالببك بببن أنببس رضببي الب عنببه .وسبببب اختلفهببم
تعارض ظواهر الحاديث فببي ذلببك ،أعنببي اختلفهببم فببي مفهومهببا ،وذلببك أن ههنببا
حديثين ثابتين في النضح :أحدهما حديث عائشة "أن النبي عليه الصلة والسلم كان
يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم ،فأتى بصبي فبال عليه ،فدعا بماء فأتبعه بوله
ولم يغسله" وفي بعض رواياته "فنضحه ولم يغسله" خرجه البخاري والخر حببديث
أنس المشهور حين وصف صلة رسول ال صلى ال عليه وسلم في بيته قال :فقمت
إلى حصير لنا قد أسود من طول ما لبث ،فنضحته بالماء .فمن الناس من صببار إلببى
العمل بمقتضى حديث عائشة .وقبال :هبذا خباص بببول الصبببي واسببتثناه مببن سبائر
البول .ومن الناس من رحج الثار الواردة في الغسل على هذا الحديث ،وهو مببذهب
مالك ،ولم ير النضح إل الذي في حديث أنس ،وهو الثوب المشكوك فيه على ظبباهر
مفهومه .وأما الذي فرق في ذلك بين بول الذكر والنثى ،فببإنه اعتمببد علببى مببا رواه
أبو داود عن أبي السمح من قوله عليه الصلة والسلم "يغسل بببول الجاريببة ويببرش
بول الصبي" وأما من لم يفرق فإنما اعتمد قياس النببثى علببى الببذكر الببذي ورد فيببه
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الحديث الثابت .وأما المسح فإن قوما أجازوه فبي أي محببل كبانت النجاسبة إذا ذهبب
عينها على مذهب أبي حنيفة ،وكذلك الفببرك علببى قيبباس مببن يببرى أن كببل مببا أزال
العين فقد طهر ،وقوم لم يجيزوه إل في المتفق عليه وهو المخببرج وفببي ذيببل المببرأة
وفي الخف ،وذلك من العشب اليابس ل من الذى غيببر اليببابس وهببو مببذهب مالببك،
وهؤلء لم يعدوا المسح إلى غيببر المواضببع الببتي جبباءت فببي الشببرع ،وأمببا الفريببق
الخر فإنهم عدوه .والسبب في اختلفهم في ذلببك هببل مببا ورد مببن ذلببك رخصببة أو
حكم؟ فمن قال رخصة لم يعدها إلى غيرها :أعني لم يقس عليها ،ومن قال هببو حكببم
من أحكام إزالة النجاسببة كحكببم الغسببل عببداه .وأمببا اختلفهببم فببي العببدد ،فببإن قومببا
اشترطوا البقاء فقط في الغسل والمسح ،وقوم اشترطوا العببدد فببي السببتجمار وفببي
الغسل ،والذين اشترطوه في الغسل منهم من اقتصر على المحل الذي ورد فيه العببدد
في الغسل بطريق السمع ،ومنهم من عداه إلى سائر النجاسببات ،أمببا مببن لببم يشببترط
العببدد ل فببي غسببل ول فببي مسببح فمنهببم مالببك وأبببو حنيفببة ،وأمببا مببن اشببترط فببي
الستجمار العدد :أعني ثلثة أحجار ل أقل من ذلك ،فمنهم الشببافعي وأهببل الظباهر،
وأما من اشترط العدد في الغسل واقتصر به علببى محلببه الببذي ورد فيببه وهببو غسببل
الناء سبعا من ولوغ الكلب ،فالشافعي ومن قال بقوله .وأما من عداه واشترط السبع
في غسل النجاسات ففي أغلب ظني أن أحمببد بببن حنبببل منهببم .وأبببو حنيفببة يشببترط
الثلثة في إزالة النجاسة الغير محسوسة العين أعني الحكميببة .وسبببب اختلفهببم فببي
هذا تعارض المفهوم من هذه العبادة لظاهر اللفظ في الحاديث التي ذكر فيها العببدد،
وذلك أن من كان المفهوم عنده من المر بإزالة النجاسة إزالة عينها لم يشترط العدد
أصل ،وجعل العدد الوارد من ذلك في الستجمار في حديث سلمان الثابت الذي فيببه
المر أن ل يستنجي بأقل من ثلثة أحجار علببى سبببيل السببتحباب حببتى يجمببع بيببن
المفهوم من الشرع والمسموع من هذه الحاديث ،وجعببل العببدد المشببترط فببي غسببل
الناء من ولوغ الكلب عبادة ل لنجاسة كما تقدم من مذهب مالك .وأما من صار إلى
ظواهر هذه الثار واستثناها من المفهوم فاقتصر بالعدد على هببذه المحببال الببتي ورد
العدد فيها ،وأما من رجح الظاهر على المفهوم فإنه عدى ذلك إلى سببائر النجاسببات.
وأما حجة أبي حنيفة في الثلثة فقوله عليه الصلة والسببلم "إذا اسببتيقظ أحببدكم مببن
نومه فليغسل يده ثلثا قبل أن يدخلها في إنائه".
**3الباب السادس في آداب الستنجاء.
@-وأما آداب الستنجاء ودخول الخلء فأكثرها محمولة عنببد الفقهبباء علببى النببدب،
وهي معلومببة مببن السببنة كالبعببد فببي المببذهب إذا أراد الحاجببة وتببرك الكلم عليهببا،
والنهي عن الستنجاء باليمين ،وأن ل يمس ذكره بيمينببه ،وغيببر ذلببك ممببا ورد فببي
الثار ،وإنما اختلفوا من ذلك في مسألة واحدة مشهورة وهببي اسببتقبال القبلببة للغببائط
والبول واستدبارها ،فإن للعلماء فيها ثلثة أقوال :أنه ل يجوز أن تستقبل القبلة لغائط
ول بول أصل ،ول في موضع من المواضع ،وقول إن ذلببك يجببوز بببإطلق .وقببول
إنه يجوز في المباني والمدن ول يجوز ذلك في الصحراء وفي غير المباني والمدن.
والسبببب فببي اختلفهببم هببذا حببديثان متعارضببان ثابتببان :أحببدهما حببديث أبببي أيببوب
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
النصاري أنه قببال عليببه الصببلة والسببلم "إذا أتيتببم الغببائط فل تسببتقبلوا القبلببة ول
تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا" .والحديث الثاني حديث عبد ال بن عمر أنه قببال
"ارتقيت على ظهر بيت أختي حفصة ،فرأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم قاعببدا
لحاجته على لبنتين مستقبل الشام مسببتدبر القبلببة" فببذهب النبباس فببي هببذين الحببديثين
ثلثة مذاهب :أحدها مذهب الجمع .والثاني مذهب الترجيح .والثالث مذهب الرجببوع
إلى البراءة الصلية إذا وقع التعارض ،وأعني بببالبراءة الصببلية عببدم الحكببم ،فمببن
ذهب مذهب الجمع حمبل حبديث أببي أيببوب النصباري علببى الصبحاري وحيبث ل
سترة ،وحمل حديث ابن عمر على السترة ،وهببو مببذهب مالببك .ومببن ذهببب مببذهب
الترجيببح رجببح حببديث أبببي أيببوب ،لنببه إذا تعببارض حببديثان أحببدهما فيببه شببرع
موضوع ،والخر موافق للصل الذي هو عببدم الحكببم ولببم يعلببم المتقببدم منهمببا مببن
المتأخر وجب أن يصار إلى الحديث المثبت للشرع ،لنه قد وجببب العمببل بنقلببه مببن
طريق العدول ،وتركه الذي ورد أيضا من طريق العدول يمكببن أن يكببون ذلببك قبببل
شرع ذلك الحكم ،ويمكن أن يكون بعده ،فلم يجببز أن نببترك شببرعا وجببب العمببل بببه
بظن لم نؤمر أن نوجب النسخ به إل لو نقل أنه كان بعبده ،فبإن الظنبون البتي تسبتند
إليها الحكام محدودة بالشرع :أعني التي توجب رفعها أو إيجابهببا ،وليسببت هببي أي
ظن اتفق ،ولذلك يقولون إن العمل ما لم يجب بالظن وإنما وجببب بالصببل المقطببوع
به ،يريدون بذلك الشرع المقطوع به الذي أوجب العمل بذلك النوع من الظن ،وهببذه
الطريقة التي قلناها هي طريقة أبببي محمببد بببن حببزم الندلسببي ،وهببي طريقببة جيببدة
مبنية على أصول أهل الكلم الفقهي ،وهو راجع إلببى أنببه ل يرتفببع بالشببك مببا ثبببت
بالدليل الشرعي .وأما من ذهب مذهب الرجوع إلى الصل عند التعارض فهو مبني
على أن الشك يسقط الحكم ويرفعه وأنه كل حكم ،وهو مذهب داود الظاهري ،ولكبن
خالفه أبو محمد بن حزم في هذا الصل مع أنه من أصحابه .قال القاضي :فهببذا هببو
الببذي رأينببا أن نثبتببه فببي هببذا الكتبباب مببن المسببائل الببتي ظننببا أنهببا تجببري مجببرى
الصببول ،وهببي الببتي نطببق بهببا فببي الشببرع أكببثر ذلببك ،أعنببي أن أكثرهببا يتعلببق
بالمنطوق به ،إما تعلقا قريبا ،أو قريبا من القريب ،وإن تذكرنا لشيء من هذا الجنس
أثبتناه في هذا الباب ،وأكثر ما عولت فيما نقلته من نسبة هببذه المببذاهب إلببى أربابهببا
هو كتاب الستذكار ،وأنا قد أبحت لمن وقع من ذلك على وهم لي أن يصببلحه ،والب
المعين والموفق.
**2كتاب الصلة.
@)-بسم ال الرحمن الرحيببم( وصببلى الب علببى سببيدنا محمببد وآلببه وصببحبه وسببلم
تسليما.
الصلة تنقسم أول وبالجملة إلى فرض ،وندب .والقول المحيط بأصببول هببذه العبببادة
ينحصر بالجملة في أربعبة أجنباس :أعنبي أرببع جمبل :الجملبة الولبى :فبي معرفبة
الوجوب وما يتعلق به .والجملة الثانية :فببي معرفببة شببروطها الثلث :أعنببي شببروط
الوجوب وشروط الصحة وشروط التمببام والكمببال .والجملببة الثالثببة :فببي معرفببة مببا
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
تشتمل عليه من أفعال وأقوال ،وهي الركان .والجملة الرابعة فببي قضببائها ومعرفببة
إصلح ما يقع فيها من الخلل وجبره ،لنه قضاء ما إذا كان استدراكا لما فات.
*)*3الجملة الولى( وهذه الجملة فيها أربع مسائل هي في معنى ُأصول هذا الباب.
@-المسألة الولى :في بيان وجوبها .الثانية :في بيان عببدد الواجبببات منهببا .الثالثببة:
في بيان على من تجب .الرابعة :ما الواجب على من تركها متعمدا؟.
@)-المسألة الولى( أما وجوبها فبين مبن الكتباب والسببنة والجمباع ،وشببهرة ذلبك
تغني عن تكلف القول فيه.
@)-المسألة الثانية( وأما عدد الواجب منها ففيه قولن :أحدهما قول مالك والشافعي
والكثر ،وهو أن الواجب هي الخمس صلوات فقط ل غير .والثاني قول أبببي حنيفببة
وأصحابه ،وهو أن الوتر واجب مع الخمس ،واختلفهم هببل يسببمى مببا ثبببت بالسببنة
واجبا أو فرضا ل معنى له؟ .وسبب اختلفهم الحاديث المتعارضببة .أمببا الحبباديث
التي مفهومها وجوب الخمس فقط بل هي نص في ذلك فمشهورة وثابتة ،ومن أبينهببا
في ذلك ما ورد في حديث السراء المشهور "أنه لما بلغ الفرض إلى خمببس قببال لببه
موسى :ارجع إلى ربك فإن أمتك ل تطيببق ذلببك ،قببال :فراجعتببه ،فقببال تعببالى :هببي
خمس وهي خمسون ل يبدل القول لدي" وحديث العرابي المشهور الذي سأل النبي
عليه الصلة والسلم عن السلم فقال له" :خمس صببلوات فببي اليببوم والليلببة ،قببال:
هل علي غيرها؟ قال :ل ،إل أن تطوع" وأما الحاديث التي مفهومها وجوب الوتر،
فمنها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول ال صلى ال ب عليببه وسببلم
قال "إن ال قد زادكم صلة وهي الوتر فحافظوا عليهببا" وحببديث حارثببة بببن حذافببة
قال "خرج علينا رسول ال صلى ال عليه وسببلم فقببال" :إن الب أمركببم بصببلة هببي
خير لكم من حمر النعم وهي الوتر وجعلها لكم فيمببا بيببن صببلة العشبباء إلببى طلببوع
الفجر" وحديث بريدة السلمي أن رسول ال صلى ال عليببه وسببلم قببال "الببوتر حببق
فمن لم يوتر فليس منا" فمن رأى أن الزيادة هي نسخ ولببم تقببو عنببده هببذه الحبباديث
قوة تبلغ بها أن تكون ناسخة لتلك الحاديث الثابتة المشببهورة رجببح تلببك الحبباديث،
وأيضا فإنه ثبت من قوله تعالى في حديث السراء "إنه ل يبدل القول لدي" وظاهره
أنه ل يزاد فيها ول ينقص منها وإن كان هو في النقصان أظهر ،والخبر ليس يببدخله
النسخ ،ومن بلغت عنده قوة هذه الخبار التي اقتضت الزيادة على الخمس إلى رتبببة
توجب العمل أوجب المصير الى هذه الزيادة ،ل سيما إن كان ممن يببرى أن الزيببادة
ل توجب نسخا ،لكن ليس هذا من رأي أبي حنيفة.
@)-المسألة الثالثة( وأما على من تجب فعلى المسلم البالغ ول خلف في ذلك.
@)-المسألة الرابعة( وأمببا مببا الببواجب علببى مببن تركهببا عمببدا وأمببر بهببا فببأبى أن
يصليها ل جحودا لفرضها ،فإن قوما قالوا :يقتل ،وقوما قالوا :يعزر ويحبس ،والذين
قالوا يقتل منهم من أوجب قتلببه كفببرا ،وهببو مببذهب أحمببد وإسببحاق وابببن المبببارك،
ومنهم من أوجبه حدا وهو مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وأهل الظبباهر ممببن
رأى حبسه وتعزيره حتى يصلي .والسبب في هببذا الختلف اختلف الثببار ،وذلببك
أنه ثبت عنه عليه الصلة والسلم أنه قال "ل يحل دم امرئ مسلم إل بإحببدى ثلث:
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
كفر بعد إيمببان ،أو زنببا بعببد إحصببان ،أو قتببل نفببس بغيببر نفببس" وروي عنببه عليببه
الصلة والسلم من حديث بريدة أنه قال "العهد الذي بيننا وبينهم الصلة فمن تركهببا
فقد كفر" وحديث جابر عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال "ليس بين العبببد وبيببن
الكفر }أو قال الشرك{ إل ترك الصلة" فمن فهم من الكفر ههنا الكفر الحقيقي جعببل
هذا الحديث كأنه تفسير لقوله عليه الصلة والسلم "كفر بعد إيمان" ومببن فهببم ههنببا
التغليظ والتوبيخ أي أن أفعاله أفعال كافر وأنه في صببورة كببافر كمببا قببال "ل يزنببي
الزاني حين يزني وهو مؤمن ،ول يسرق السارق حين يسرق وهو مببؤمن" ولببم يببر
قتله كفرا .وأما من قال يقتل حدا فضعيف ول مسببتند لببه إل قيبباس شبببه ضببعيف إن
أمكن ،وهو تشبيه الصلة بالقتببل فببي كببون الصببلة رأس المببأمورات ،والقتببل رأس
المنهيات.
وعلى الجملة فاسم الكفر إنما ينطلق بالحقيقة على التكذيب ،وتارك الصلة معلوم أنه
ليس بمكذب إل أن يتركها معتقدا لتركها هكببذا ،فنحببن إذن بيببن أحببد أمريببن :إمببا إن
أردنا أن نفهم من الحديث الكفر الحقيقي يجب علينا أن نتأول أنببه أراد عليببه الصببلة
والسلم من ترك الصلة معتقدا لتركها فقد كفر ،وإما أن يحمل على اسم الكفر علببى
غير موضوعه الول ،وذلك على أحد معنيين :إما على أن حكمه حكم الكافر :أعنببي
في القتل وسائر أحكام الكفار وإن لم يكببن مكببذبا ،وإمببا علببى أن أفعبباله أفعببال كببافر
على جهة التغليظ والببردع لببه :أي أن فاعببل هببذا يشبببه الكببافر فببي الفعببال ،إذ كببان
الكافر ل يصلي كما قال عليببه الصببلة والسببلم "ل يزنببي الزانببي حيببن يزنببي وهببو
مؤمن" وحمله على أن حكمه حكم الكافر في أحكامه ل يجب المصير إليببه إل بببدليل
لنه حكم لم يثبت بعد في الشرع من طريق يجب المصير إليه ،فقد يجب إذا لببم يببدل
عندنا على الكفر الحقيقي الذي هو التكذيب أن يببدل علببى المعنببى المجببازي ل علببى
معنى يوجب حكما لم يثبت بعد في الشرع بل يثبت ضده ،وهببو أنببه ل يحببل دمببه إذ
هو خارج عن الثلث الذين نص عليهم الشرع فتأمل هذا ،فإنه بين وال أعلم .أعنببي
أنه يجب علينا أحد أمرين :إما أن نقدر في الكلم محذوفا إن أردنا حمله على المعنى
الشرعي المفهوم من اسم الكفر ،وإما أن نحمله علببى المعنببى المسببتعار ،وأمببا حملببه
على أن حكمه حكم الكافر في جميع أحكامه مع أنه مببؤمن فشببيء مفبارق للصببول،
مع أن الحديث نص في حق من يجببب قتلببه كفببرا أو حببدا ،ولببذلك صببار هببذا القببول
مضاهيا لقول من يكفر بالذنوب.
*)*3الجملة الثانية في الشروط(
@-وهذه الجملة فيها ثمانية أبواب :الببباب الول :فببي معرفببة الوقببات .الثبباني :فببي
معرفة الذان والقامة .الثالث :في معرفة القبلة .الرابع :في ستر العورة واللباس في
الصلة .الخامس :في اشتراط الطهارة من النجس في الصببلة .السببادس :فببي تعييببن
المواضع التي يصلي فيهببا مببن المواضببع الببتي ل يصببلي فيهببا .السببابع :فببي معرفببة
الشببروط الببتي هببي شببروط فببي صببحة الصببلة .الثببامن :فببي معرفببة النيببة وكيفيببة
اشتراطها في الصلة.
**3الباب الول في معرفة الوقات.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
@-وهذا الببباب ينقسببم أول إلببى فصببلين :الول فببي معرفببة الوقببات المببأمور بهببا.
الثاني في معرفة الوقات المنهي عنها.
**4الفصل الول في معرفة الوقات المأمور بها.
@-وهببذا الفصببل ينقسببم إلببى قسببمين أيضببا :القسببم الول فببي الوقببات الموسببعة
والمختارة .والثاني في أوقات أهل الضرورة.
@-القسم الول من الفصل الول من الباب الول من الجملة الثانية.
والصل في هذا الباب قوله تعالى }إن الصبلة كبانت علبى المبؤمنين كتاببا موقوتبا{
اتفق المسلمون على أن للصلوات الخمس أوقاتا خمسا هي شرط في صحة الصببلة،
وأن منهببا أوقببات فضببيلة وأوقببات توسببعة ،واختلفببوا فببي حببدود أوقببات التوسببعة
والفضيلة ،وفيه خمس مسائل:
@)-المسألة الولى( اتفقوا على أن أول وقت الظهر الذي ل تجوز قبله هو الزوال،
إل خلفا شاذا روي عن ابن عببباس ،وإل مببا روي مببن الخلف فببي صببلة الجمعببة
على ما سببيأتي ،واختلفببوا منهبا فبي موضبعين فبي آخبر وقتهبا الموسببع وفبي وقتهبا
المرغب فيه .فأما آخر وقتها الموسع فقال مالببك والشببافعي وأبببو ثببور وداود هببو أن
يكون ظل كل شيء مثله .وقال أبو حنيفة :آخر الوقت أن يكون ظل كل شببيء مثليببه
في إحدى الروايتين عنه ،وهو عنده أول وقت العصر .وقد روي عنه أن آخببر وقببت
الظهر هو المثل ،وأول وقت العصر المثلن ،وأن ما بين المثل والمثلين ليس يصلح
لصلة الظهر ،وبه قال صاحباه أبو يوسف ومحمد .وسبب الخلف في ذلك اختلف
الحاديث وذلك أنه ورد في إمامبة جبريبل أنبه صبلى ببالنبي صبلى الب عليبه وسبلم
الظهر في اليوم الول حين زالت الشمس ،وفي اليوم الثاني حين كان ظل كل شببيء
مثله ،ثم قال" :الوقت ما بين هببذين" وروي عنببه قببال صببلى الب عليببه وسببلم" :إنمببا
بقاؤكم فيما سلف قبلكم من المم كما بين صلة العصر إلببى غببروب الشببمس ،أوتببي
أهببل التببوراة التببوراة فعملببوا حببتى إذا انتصببف النهببار ثببم عجببزوا فببأعطوا قيراطببا
قيراطا ،ثم أوتي أهل النجيل النجيل فعملوا إلى صلة العصر ،ثم عجزوا فببأعطوا
قيراطببا قيراطببا ،ثببم أوتينببا القببرآن فعملنببا إلببى غببروب الشببمس فأعطينببا قيراطيببن
قيراطيببن ،فقببال أهببل الكتبباب أي ربنببا أعطيببت هببؤلء قيراطيببن قيراطيببن وأعطينببا
قيراطا قيراطا ونحن كنا أكثر عمل؟ قببال الب تعببالى :هببل ظلمتكببم مببن أجركببم مببن
شيء؟ قالوا :ل ،قال :فهو فضلي أوتيه من أشاء" فذهب مالك والشببافعي إلببى حببديث
إمامة جبريل ،وذهب أبو حنيفة إلى مفهوم ظاهر هذا ،وهو أنه إذا كببان مببن العصببر
إلى الغروب أقصر من أول الظهر إلى العصر على مفهوم هذا الحبديث ،فبواجب أن
يكون العصر أكثر من قامة ،وأن يكون هذا هو آخر وقت الظهر .وقال أبو محمد بن
حزم :وليس كما ظنوا وقد امتحنت المر فوجدت القامة تنتهي مببن النهببار إلببى تسببع
ساعات وكسر .قال القاضي :أنا الشاك في الكسر ،وأظنه قال :وثلبث حجبة مبن قبال
باتصال الوقتين ،أعني اتصال ل بفصل غير منقسم قوله عليببه الصببلة والسببلم "ل
يخرج وقت صلة حتى يدخل وقت أخرى" وهو حديث ثبابت .وأمبا وقتهبا المرغبب
فيه والمختار فذهب مالك إلببى أنببه للمنفببرد أول الببوقت ويسببتحب تأخيرهببا عببن أول
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الوقت قليل في مساجد الجماعببات .وقببال الشببافعي :أول الببوقت أفضببل إل فببي شببدة
الحر .وروي مثل ذلك عن مالك .وقالت طائفة :أول الببوقت أفضببل بببإطلق للمنفببرد
والجماعة وفي الحر والبرد ،وإنما اختلفوا في ذلك لختلف الحاديث ،وذلك أن في
ذلك حديثين ثابتين :أحدهما قوله عليه الصلة والسلم "إذا اشببتد الحببر فببأبردوا عببن
الصلة ،فإن شدة الحر من فيح جهنم" والثاني "أن النبي عليه الصببلة والسببلم كببان
يصلي الظهر بالهاجرة" وفي حديث خباب "أنهم شكوا إليه حر الرمضاء فلم يشكهم"
خرجه مسلم .قال زهير رواي الحديث :قلت لبي إسببحاق شببيخه أفببي الظهببر؟ قببال:
نعم ،قلت :أفي تعجليها؟ قال :نعم ،فرجح قوم حديث البراد إذ هو نص ،وتأولوا هذه
الحاديث إذ ليست بنص .وقوم رجحوا هذه الحاديث لعموم ما روي من قوله عليببه
الصلة والسلم "وقد سئل :أي العمال أفضل؟ قال :الصلة لول ميقاتها" والحديث
متفق عليه ،وهذه الزيادة فيه ،أعني "لول ميقاتها" مختلف فيه.
@)-المسألة الثانية( اختلفوا من صلة العصر فببي موضببعين :أحببدهما فببي اشببتراك
أول وقتها مع آخر وقت صلة الظهر .والثبباني فببي آخببر وقتهببا .فأمببا اختلفهببم فببي
الشتراك فإنه اتفق مالك والشافعي وداود وجماعببة علببى أن أول وقببت العصببر هببو
بعينه آخر وقت الظهر ،وذلك إذا صبار ظبل كبل شبيء مثلبه ،إل أن مالكبا يبرى أن
آخر وقت الظهر وأول وقت العصر هو وقت مشترك للصلتين معا :أعني بقببدر مببا
يصلي فيه أربع ركعات .وأما الشافعي وأبو ثور وداود فآخر وقت الظهر عندهم هو
الن الذي هو أول وقت العصر هو زمان غير منقسم .وقال أبو حنيفبة كمبا قلنبا أول
وقت العصر إلى أن يصير ،ظل كل شيء مثليه ،وقد تقدم سبب اختلف أبببي حنيفببة
معهببم فببي ذلببك .وأمببا سبببب اختلف مالببك مببع الشببافعي ومببن قببال بقببوله فببي هببذه
فمعارضة حديث جبريل في هذا المعنى لحديث عبد ال بن عمر ،وذلك أنه جبباء فببي
إمامة جبريل أنه صلى بالنبي عليه الصلة والسلم الظهر في اليوم الثاني في الوقت
الذي صلى فيه العصر في اليوم الول .وفي حديث ابن عمر أنببه قببال عليببه الصببلة
والسلم "وقت الظهر ما لم يحضر وقت العصبر" خرجبه مسبلم .فمبن رجبح حبديث
جبريل جعل الوقت مشتركا ،ومن رجح حببديث عبببد الب لببم يجعببل بينهمببا اشببتراكا،
وحديث جبريل أمكن أن يصرف إلى حديث عبد ال من حديث عبببد الب إلببى حببديث
جبريل ،لنه يحتمل أن يكون الراوي تجوز في ذلك لقرب ما بيببن الوقببتين ،وحببديث
إمامة جبريل صححه الترمذي ،وحديث ابن عمر خرجببه مسببلم .وأمببا اختلفهببم فببي
آخر وقت العصر فعن مالك في ذلك روايتان إحداهما :أن آخر وقتها أن يصببير ظببل
كل شيء مثليه ،وبه قال الشافعي .والثانية أن آخر وقتها ما لم تصفر الشببمس ،وهببذا
قول أحمد بن حنبل .وقببال أهببل الظبباهر :آخببر وقتهببا قبببل غببروب الشببمس بركعببة.
والسبب في اختلفهم أن في ذلك ثلثة أحاديث متعارضة :الظاهر أحدها حديث عبببد
ال بن عمر خرجه مسلم وفيه "فإذا صليتم العصر فإنه وقت إلى أن تصفر الشببمس"
وفي بعض رواياته "وقت العصر ما لم تصفر الشمس" .والثبباني حببديث ابببن عببباس
في إمامة جبريل ،وفيه "أنه صلى به العصر في اليوم الثاني حين كان ظل كل شيء
مثليه" .والثالث حديث أبي هريرة المشببهور "مببن أدرك ركعببة مببن العصببر قبببل أن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
تغرب الشمس ،فقد أدرك العصر ،ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس
فقد أدرك الصببح" فمبن صبار إلبى ترجيبح حبديث إمامبة جبريبل جعبل آخبر وقتهبا
المختار المثلين )ومن صار إلى ترجيح حديث ابن عمببر جعببل آخببر وقتهببا اصببفرار
الشمس( )ما بين القوسين زائد بالنسخة المطبوعة بفاس أثبتناه لنه مببن الضببروري(
ومن صار إلى ترجيح حديث أبي هريرة قال :وقت العصر إلى أن يبقى منهببا ركعببة
قبل غروب الشمس ،وهم أهل الظاهر كما قلنا .وأما الجمهور فسلكوا في حديث أبببي
هريرة وحديث ابن عمر مع حديث ابن عباس إذ كان معارضببا لهمببا كببل التعببارض
مسلك الجمع ،لن حديثي ابن عببباس وابببن عمببر تتقببارب الحببدود المببذكورة فيهمببا،
ولذلك قال مالك مرة بهذا ،ومرة بذلك .وأما الذي في حديث أبي هريرة فبعيببد منهمببا
ومتفاوت فقالوا :حديث أبي هريرة إنما خرج مخرج أهل العذار.
@)-المسألة الثالثة( اختلفوا في المغرب هل لها وقت موسع كسائر الصببلوات أم ل؟
فذهب قوم إلى أن وقتها واحد غير موسع ،وهذا هو أشهر الروايات عن مالببك وعببن
الشافعي .وذهب قوم إلى أن وقتها موسع وهو ما بيببن غببروب الشببمس إلببى غببروب
الشفق ،وبه قال أبو حنيفة وأحمد وأبببو ثببور وداود وقببد روي هببذا القببول عببن مالببك
والشافعي .وسبب اختلفهم في ذلك معارضة حديث إمامببة جبريببل فببي ذلببك لحببديث
عبد ال بن عمر وذلك أن في حديث إمامة جبريل أنه صلى المغرب في اليومين فببي
وقت واحد ،وفي حديث عبد ال "ووقت صلة المغرب ما لم يغب الشفق" فمن رجح
حديث إمامة جبريل جعل لها وقتا واحد ،ومن رجح حببديث عبببد الب جعببل لهببا وقتببا
موسعا ،وحديث عبد ال خرجه مسلم ولم يخرج الشيخان حديث إمامة جبريل :أعني
حديث ابن عباس الذي فيه أنببه صببلى بببالنبي عليببه الصببلة والسببلم عشببر صببلوات
مفسرة الوقات ثم قال له :الوقت ما بين هذين ،والذي في حببديث عبببد الب مببن ذلببك
هو موجود أيضا في حديث بريدة السلمي ،خرجه مسلم ،وهو أصل في هببذا الببباب.
قببالوا :وحببديث بريببدة أولببى لنببه كببان بالمدينببة عنببد سببؤال السببائل لببه عببن أوقببات
الصلوات ،وحديث جبريل كان في أول الفرض بمكة.
@)-المسألة الرابعة( اختلفوا من وقبت العشباء الخبرة فبي موضبعين :أحبدهما فبي
أوله ،والثاني في آخبره .أمببا أولببه فبذهب مالببك والشبافعي وجماعببة إلبى أنبه مغيببب
الحمرة ،وذهب أبو حنيفة إلى أنه مغيببب البيبباض الببذي يكببون بعببد الحمببرة .وسبببب
اختلفهم في هذه المسألة اشتراك اسم الشفق في لسان العرب فإنه كما أن الفجببر فببي
لسانهم فجران كذلك الشفق شفقان :أحمر ،وأبيض .ومغيب الشببفق البيببض يلببزم أن
يكون بعببده مببن أول الليببل )إمببا بعببد الفجببر المسببتدق مببن آخببر الليببل :أعنببي الفجببر
الكاذب ،وإما بعد الفجر البيض المستطير وتكون الحمببرة نظيببر الحمببرة ،فببالطوالع
إذا أربعة :الفجببر الكبباذب ،والفجببر الصببادق ،والحمببر والشببمس ،وكببذلك يجببب أن
تكون الغوارب ولذلك ما ذكر عن الخليل من أنه رصد الشفق البيببض فوجببده يبقببى
إلى ثلث الليل كذب بالقياس والتجربة )ما بين القوسين زيادة بالنسخة المصرية غيببر
موجودة بالنسخة الفاسية فأثبتناها كما هي ا هب(( ،وذلببك أنببه ل خلف بينهببم أنببه قببد
ثبت في حديث بريدة وحديث إمامة جبريل أنببه صبلى العشبباء فببي اليببوم الول حيببن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
غاب الشفق ،وقد رجح الجمهور مذهبهم بمببا ثبببت "أن رسببول الب صببلى الب عليببه
وسلم كان يصلي العشاء عند مغيب القمر في الليلة الثالثة" ورجح أبببو حنيفببة مذهبببة
بما ورد في تأخير العشاء واستحباب تأخيره وقوله "لول أن أشق على أمتي لخرت
هذه الصلة إلى نصف الليل" وأما آخر وقتها فاختلفوا فيه على ثلثة أقوال :قول إنه
ثلث الليل .وقول إنه نصف الليل وقول إنه إلى طلببوع الفجببر ،وبببالول :أعنببي ثلببث
الليل ،قال الشافعي وأبو حنيفة ،وهو المشهور مببن مببذهب مالببك ،وروي عببن مالببك
القول الثاني :أعني نصف الليبل ،وأمببا الثببالث فقببول داود .وسببب الخلف فبي ذلبك
تعارض الثار ،ففي حديث إمامة جبريل أنه صلها بالنبي عليه الصلة والسلم في
اليوم الثاني ثلث الليل .وفي حديث أنس أنه قببال "أخببر النبببي صببلى الب عليببه وسببلم
صلة العشاء إلى نصف الليل" خرجه البخاري .وروي أيضا من حببديث أبببي سببعيد
الخدري وأبي هريرة عن النبي عليه الصلة والسببلم أنببه قببال "لببول أن أشببق علببى
أمتي لخرت العشاء إلى نصف الليل" وفي حديث أبي قتادة ليس التفريببط فببي النببوم
إنما التفريط أن تؤخر الصلة حتى يدخل وقت الخرى .فمن ذهببب مبذهب الترجيبح
لحديث إمامة جبريل قال ثلث الليل ،ومببن ذهببب مببذهب الترجيببح لحببديث أنببس قببال
شطر الليل .وأما أهل الظاهر فاعتمدوا حديث أبي قتادة وقالوا هو عببام وهببو متببأخر
عن حديث إمامة جبريل فهو ناسخ ولو لببم يكببن ناسببخا لكببان تعببارض الثببار يسببقط
حكمها ،فيجب أن يصار إلى استصحاب حال الجمبباع ،وقببد اتفقببوا علببى أن الببوقت
يخرج لما بعد طلوع الفجر واختلفوا فيما قبل ،فإنا روينا عببن ابببن عببباس أن الببوقت
عنده إلى طلوع الفجر فوجب أن يستصحب حكم الوقت ،إل حيث وقع التفبباق علببى
خروجه وأحسب أنه به قال أبو حنيفة.
@)-المسببألة الخامسببة( واتفقببوا علببى أن أول وقببت الصبببح طلببوع الفجببر الصببادق
وآخره طلوع الشمس ،إل ما روي عن ابن القاسم وعن بعض أصحاب الشافعي مببن
أن آخر وقتها السفار .واختلفببوا فببي وقتهببا المختببار ،فببذهب الكوفيببون وأبببو حنيفببة
وأصببحابه والثببوري وأكببثر العراقييببن إلببى أن السببفار بهببا أفضببل ،وذهببب مالببك
والشافعي وأصحابه وأحمد بن حنبل وأبببو ثببور وداود إلببى أن التغليببس بهببا أفضببل،
وسبب اختلفهم اختلفهم فببي طريقببة جمببع الحبباديث المختلفببة الظببواهر فببي ذلببك،
وذلك أنه ورد عنه عليه الصلة والسلم من طريق رافع بن خديج أنه قببال "أسببفروا
بالصبح فكلما أسفرتم فهو أعظم للجر" وروي عنه عليببه الصببلة والسببلم أنبه قبال
وقد سئل أي العمال أفضل؟ قال" :الصلة لول ميقاتها" وثبببت عنببه عليببه الصببلة
والسلم أنه كان يصلي الصبح فتنصرف النساء متلفعات بمروطهببن مببا يعرفببن مببن
الغلس" وظاهر الحديث أنه كان عمله في الغلب ،فمن قبال إن حبديث رافببع خباص
وقوله "الصلة لول ميقاتها" عام ،والمشهور أن الخبباص يقضببي عببن العببام إذا هببو
استثنى من هذا العموم صلة الصبح وجعل حديث عائشة محمول على الجواز ،وأنه
إنما تضمن الخبار بوقوع ذلك منه ل بأنه كان ذلببك غببالب أحببواله صببلى الب عليببه
وسلم قال :السفار أفضل مببن التغليببس .ومببن رجببح حببديث العمببوم لموافقببة حببديث
عائشة له ،ولنه نص في ذلك أو ظاهر ،وحديث رافع بن خديج محتمل ،لنببه يمكببن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
أن يريد بذلك تبين الفجببر وتحققببه ،فل يكببون بينببه وبيببن حببديث عائشببة ول العمببوم
الوارد في ذلك تعارض قال :أفضل الوقت أوله .وأما مببن ذهببب إلببى أن آخببر وقتهببا
السفار فإنه تأول الحديث في ذلك أنه لهل الضببرورات :أعنببي قبوله عليبه الصببلة
والسلم "من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقببد أدرك الصبببح" وهببذا
شبيه بما فعله الجمهور في العصر .والعجب أنهم عبدلوا عبن ذلبك فبي هبذا ووافقبوا
أهل الظاهر ،ولذلك لهل الظاهر أن يطالبوهم بالفرق بين ذلك.
@-القسم الثاني من الفصل الول من الباب الول.
فأما أوقات الضرورة والعذر فأثبتها كما قلنببا فقهبباء المصببار ونفاهببا أهببل الظبباهر،
وقد تقدم سبب اختلفهم في ذلك .واختلف هببؤلء الببذين أثبتوهببا فببي ثلثببة مواضببع:
أحدها لي الصلوات توجد هذه الوقات وليها ل؟ والثاني في حببدود هببذه الوقببات.
والثالث في من هم أهل العذر الذين رخص لهم في هذه الوقببات وفببي أحكببامهم فببي
ذلك :أعني من وجوب الصلة ومن سقوطها.
@)-المسألة الولى( اتفق مالك والشافعي على أن هذا الببوقت هببو لربببع صببلوات:
للظهر والعصر مشتركا بينهما ،والمغببرب والعشبباء كببذلك ،وإنمببا اختلفببوا فببي جهببة
اشتراكهما على ما سببيأتي بعببد ،وخببالفهم أبببو حنيفببة فقببال :إن هببذا الببوقت إنمببا هببو
للعصر فقط ،وأنه ليس ههنا وقت مشترك .وسبب اختلفهم في ذلك هو اختلفهم في
جواز الجمع بين الصلتين في السفر في وقببت إحببداهما علببى مببا سببيأتي بعببد ،فمببن
تمسك بالنص الوارد في صلة العصر أعني الثابت من قوله عليببه الصببلة والسببلم
"من أدرك ركعة من صلة العصر قبل مغيب الشمس فقد أدرك العصببر" وفهببم مببن
هذا الرخصة ،ولم يجز الشتراك في الجمع لقببوله عليببه الصببلة والسببلم "ل يفببوت
وقت صلة حتى يدخل وقت الخرى" ولما سنذكره بعد فببي ببباب الجمببع مببن حجببج
الفريقين قال :إنه ل يكون هذا الوقت إل لصلة العصر فقببط .ومببن أجبباز الشببتراك
فببي الجمببع فببي السببفر قبباس عليببه أهببل الضببرورات ،لن المسببافر أيضببا صبباحب
ضرورة وعذر ،فجعل هذا الوقت مشتركا للظهر والعصر والمغرب والعشاء.
@)-المسألة الثانية( اختلف مالك والشببافعي فببي آخببر الببوقت المشببترك لهمببا ،فقببال
مالك :هو للظهر والعصر مبن بعبد البزوال ،بمقبدار أرببع ركعبات للظهبر للحاضبر
وركعببتين للمسببافر ،إلببى أن يبقببى للنهببار مقببدار أربببع ركعببات للحاضببر وركعببتين
للمسافر فجعل الببوقت الخبباص للظهببر إنمببا هببو مقببدار أربببع ركعببات للحاضببر بعببد
الزوال ،وإما ركعتان للمسافر ،وجعل الوقت الخاص بالعصر إما أربع ركعببات قبببل
المغيب للحاضر وإما ثنتبان للمسبافر :أعنببي أنبه مببن أدرك الببوقت الخباص فقبط لبم
تلزمه إل الصببلة الخاصببة بببذلك الببوقت إن كببان ممببن لببم تلزمببه الصببلة قبببل ذلببك
الوقت ،ومن أدرك أكثر من ذلك أدرك الصلتين معا أو حكم ذلك الوقت وجعل آخر
الوقت الخاص لصلة العصر مقدار ركعة قبببل الغببروب ،وكببذلك فعببل فببي اشببتراك
المغرب والعشاء ،إل أن الوقت الخاص مرة جعلببه للمغببرب فقببال :هببو مقببدار ثلث
ركعات قبل أن يطلع الفجر ،ومرة جعله للصلة الخيرة كما فعببل فببي العصببر فقببال
هو مقدار أربع ركعات وهو القياس ،وجعل آخر هذا الوقت مقدار ركعة قبببل طلببوع
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الفجر .وأما الشافعي فجعل حدود أواخببر هببذه الوقببات المشببتركة حببدا واحببدا وهببو
إدراك ركعة قبل غروب الشمس ،وذلك للظهر والعصببر معببا ،ومقببدار ركعببة أيضببا
قبل انصداع الفجر وذلك للمغرب والعشاء معا ،وقد قيل عنببه بمقببدار تكبببيرة :أعنببي
أنه من أدرك تكبيرة قبل غروب الشمس فقد لزمته صلة الظهر والعصر معا .وأمببا
أبو حنيفة فوافق مالكا في أن آخر وقت العصر مقدار ركعة لهل الضرورات عنببده
قبل الغروب ولم يوافق في الشببتراك والختصبباص .وسبببب اختلفهببم أعنببي مالكببا
والشافعي هل القول باشبتراك البوقت للصبلتين معبا يقتضبي أن لهمبا وقبتين :وقبت
خبباص بهمببا ووقببت مشببترك؟ أم إنمببا يقتضببي أن لهمببا وقتببا مشببتركا فقببط؟ وحجببة
الشافعي أن الجمع إنما دل على الشتراك فقط ل على وقت خاص .وأما مالك فقبباس
الشتراك عنده في وقت الضرورة على الشتراك عنده في وقت التوسعة :أعني أنببه
لما كان لوقت الظهر والعصر الموسع وقتان ،وقت مشترك ووقت خاص ،وجببب أن
يكون المر كذلك في أوقببات الضببرورة ،والشبافعي ل يببوافقه علببى اشبتراك الظهببر
والعصر في وقت التوسعة ،فخلفهما فببي هببذه المسببألة إنمببا ينبنببي والب أعلببم علببى
اختلفهم في تلك الولى فتأمله ،فإنه بين وال أعلم.
@)-المسألة الثالثة( وأما هذه الوقات :أعنببي أوقببات الضببرورة ،فبباتفقوا علببى أنهببا
لربع :للحائض تطهر في هذه الوقات أو تحيض في هذه الوقات وهببي لببم تصببل،
والمسافر يذكر الصلة في هذه الوقات وهو حاضر ،أو الحاضر يذكرها فيهببا وهببو
مسافر ،والصبي يبلببغ فيهببا ،والكبافر يسببلم .واختلفبوا فببي المغمببي عليبه فقبال مالبك
والشافعي :هو كالحائض من أهل هذه الوقات لنببه ل يقضببي عنببدهم الصببلة الببتي
ذهب وقتها .وعند أبي حنيفة أنه يقضي الصلة فيما دون الخمس ،فإذا أفاق عنده من
إغمائه متى ما أفاق قضى الصلة .وعند الخببر أنببه إذا أفباق فببي أوقببات الضببرورة
لزمته الصلة التي أفاق في وقتها ،وإذا لم يفق فيها لم تلزمه الصلة ،وستأتي مسببألة
المغمى عليه فيما بعد ،واتفقوا على أن المرأة إذا طهرت في هذه الوقات إنما تجببب
عليها الصلة التي طهرت في وقتها ،فإن طهرت عند مالك وقد بقي من النهار أربع
ركعات لغروب الشمس إلى ركعة فالعصر فقط لزمة لهببا وإن بقببي خمببس ركعببات
فالصلتان معا .وعند الشافعي إن بقي ركعة للغببروب فالصببلتان معببا كمببا قلنببا ،أو
تكبيرة على القول الثاني له ،وكذلك المر عند مالك في المسافر الناسي يحضببر فببي
هذه الوقات ،أو الحاضر يسافر ،وكذلك الكببافر يسببلم فببي هببذه الوقببات :أعنببي أنببه
تلزمهم الصلة ،وكذلك الصبي يبلغ ،والسبب في أن جعل مالك الركعة جببزءا لخببر
الوقت ،وجعل الشافعي جزء الركعة حدا مثل التكبببيرة .منهببا أن قببوله عليببه الصببلة
والسلم "من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر" وهببو
عند مالك من باب التنبيه بالقل على الكثر ،وعند الشافعي من بباب التنبببيه بببالكثر
على القل ،وأيد هذا بما روي "من أدرك سجدة من العصببر قبببل أن تغببرب الشببمس
فقد أدرك العصر" فإنه فهم من السجدة ههنا جزء من الركعة وذلك علبى قببوله الببذي
قال فيه :من أدرك منهم تكبببيرة قبببل الغببروب أو الطلببوع فقببد أدرك الببوقت .ومالببك
يرى أن الحائض إنما تعتد بهذا الوقت بعد الفراغ من طهرها ،وكببذلك الصبببي يبلببغ.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وأمببا الكببافر يسببلم فيعتببد لببه بببوقت السببلم دون الفببراغ مببن الطهببر وفيببه خلف.
والمغمى عليه عند مالك كالحائض ،وعند عبد الملك كالكافر يسببلم .ومالببك يببرى أن
الحائض إذا حاضت في هذه الوقات وهببي لببم تصببل بعببد أن القضبباء سبباقط عنهببا،
والشببافعي يببرى أن القضبباء واجببب عليهببا ،وهببو لزم لمببن يببرى أن الصببلة تجببب
بدخول أول الوقت ،لنها إذا حاضبت وقبد مضبى مبن البوقت مبا يمكبن أن تقبع فيبه
الصلة فقد وجبت عليها الصببلة ،إل أن يقببال إن الصببلة إنمببا تجببب بببآخر الببوقت،
وهو مذهب أبي حنيفة ل مذهب مالك ،فهذا كمببا تببرى لزم لقببول أبببي حنيفببة أعنببي
جاريا على أصوله ل على أصول قول مالك.
**4الفصل الثاني من الباب الول في الوقات المنهي عن الصلة فيها.
@-وهذه الوقات اختلف العلماء منها في موضعين :أحدهما في عددها ،والثاني في
الصلوات التي يتعلق النهي عن فعلها فيها.
@)-المسألة الولى( اتفق العلماء على أن ثلثة من الوقات منهي عن الصلة فيهببا
وهي :وقت طلوع الشمس ،ووقت غروبهببا ،ومببن َلبُدن تصببلي صببلة الصبببح حببتى
تطلع الشمس .واختلفوا في وقتين :في وقت الزوال وفي الصلة بعد العصر؛ فببذهب
مالك وأصحابه إلى أن الوقات المنهي عنها هي أربعببة :الطلببوع ،والغببروب ،وبعببد
الصبح ،وبعد العصببر ،وأجبباز الصببلة عنببد الببزوال .وذهببب الشببافعي إلببى أن هببذه
الوقات خمسة كلها منهي عنها إل وقت الزوال يوم الجمعة فإنه أجبباز فيببه الصببلة.
واستثنى قوم من ذلك الصلة بعد العصر .وسبب الخلف في ذلببك أحببد شببيئين :إمببا
معارضة أثر لثر ،وإما معارضة الثر للعمل عنببد مببن راعببى العمببل :أعنببي عمببل
أهل المدينة ،وهو مالك بن أنس ،فحيث ورد النهي ولببم يكببن هنبباك معببارض ل مببن
قول ول من عمل اتفقوا عليه ،وحيث ورد المعارض اختلفوا .أما اختلفهم في وقببت
الزوال فلمعارضة العمل فيه للثر ،وذلك أنه ثبت من حديث عقبة بن عامر الجهنببي
أنه قال "ثلث ساعات كان رسول ال صلى ال عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيها وأن
نقبر فيها موتانا :حين تطلع الشمس بازغببة حببتى ترتفببع ،وحيببن يقببوم قببائم الظهيببرة
حتى تميل ،وحيببن تضببيف الشببمس للغببروب" خرجببه مسببلم ،وحببديث أبببو عبببد الب
الصنابحي في معناه ،ولكنه منقطع ،خرجه مالك في مببوطئه .فمببن النبباس مببن ذهببب
إلى منع الصلة في هذه الوقات الثلثة كلها .ومن الناس من استثنى من ذلببك وقببت
الزوال ،إما بإطلق وهو مالك ،وإما في يوم الجمعة فقط وهو الشببافعي .وأمببا مالببك
فلن العمل عنده بالمدينة لما وجده على الوقتين فقط ولم يجببده علببى الببوقت الثببالث:
أعني الزوال أباح الصلة فيه ،وأعتقد أن ذلك النهي منسوخ بالعمل .وأما من لببم يببر
للعمل تأثيرا فبقي على أصله في المنع ،وقد تكلمنا فببي العمببل وقببوته فببي كتابنببا فببي
الكلم الفقهي ،وهو الذي يدعى بأصول الفقه .وأما الشافعي فلما صح عنده مببا روى
ابن شهاب عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي أنهببم كببانوا فببي زمببن عمببر بببن الخطبباب
يصلون يوم الجمعة حتى يخرج عمر ،ومعلوم أن خروج عمر كان بعد الزوال على
ما صح ذلك من حديث الطنفسة التي كانت تطرح إلببى جببدار المسببجد الغربببي ،فببإذا
غشي الطنفسة كلها ظل الجدار خرج عمر بن الخطاب مع مببا رواه أيضببا عببن أبببي
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
هريرة "أن رسول ال صلى ال عليببه وسببلم نهببى عببن الصببلة نصببف النهببار حببتى
تزول الشمس إل يوم الجمعة" استثنى من ذلك النهي يوم الجمعبة ،وقبوي هبذا الثبر
عنده العمل في أيام عمر بذلك وإن كان الثببر عنببده ضببعيفا .وأمببا مببن رجببح الثببر
الثابت في ذلك فبقي على أصله فببي النهببي .وأمببا اختلفهببم فببي الصببلة بعببد صببلة
العصر فسببه تعارض الثار الثابتة في ذلك ،وذلك أن في ذلك حببديثين متعارضببين:
أحدهما حديث أبي هريرة المتفق على صحته "أن رسول ال صببلى ال ب عليببه وسببلم
نهى عن الصلة بعد صلة العصر حتى تغرب الشبمس ،وعبن الصبلة بعبد الصببح
حتى تطلع الشمس" .والثاني حديث عائشة قالت "ما ترك رسول ال صلى ال ب عليببه
وسلم صلتين فببي بيببتي قبط سببرا ول علنيببة :ركعببتين قبببل الفجببر ،وركعببتين بعببد
العصر" فمن رجح حديث أبي هريرة قال بالمنع ،ومببن رجببح حببديث عائشببة أو رآه
ناسخا لنه العمل الذي مات عليه صلى ال عليه وسلم قال بالجواز ،وحديث أم سلمة
يعارض حديث عائشة ،وفيببه "أنهببا رأت رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم يصببلي
ركعتين بعد العصر ،فسألته عن ذلك فقال :إنه أتاني ناس مببن عبببد القيببس فشببغلوني
عن الركعتين اللتين بعد الظهر وهما هاتان".
@)-المسألة الثانية( اختلف العلماء في الصلة التي ل تجوز في هذه الوقات فذهب
أبو حنيفة وأصحابه إلى أنها ل تجببوز فببي هببذه الوقببات صببلة بببإطلق ل فريضببة
مقضية ول سنة ول نافلة إل عصر يومه ،قالوا :فإنه يجوز أن يقضببيه عنببد غببروب
الشمس إذا نسيه .واتفق مالك والشببافعي أنببه يقضببي الصببلوات المفروضببة فببي هببذه
الوقات .وذهببب الشببافعي إلببى أن الصببلوات الببتي ل تجببوز فببي هببذه الوقببات هببي
النوافل فقط التي تفعل لغير سبببب ،وأن السببنن مثببل صببلة الجنببازة تجببوز فببي هببذه
الوقات ،ووافقه مالك في ذلك بعد العصر وبعد الصبح :أعني في السنن ،وخالفه في
التي تفعل لسبب مثل ركعتي المسجد ،فإن الشافعي يجيز هاتين الركعتين بعد العصر
وبعد الصبح ،ول يجيز ذلك مالك ،واختلف قول مالك في جواز السببنن عنببد الطلببوع
والغروب .وقال الثوري في الصلوات التي ل تجوز فببي هببذه الوقببات هببي مببا عببدا
الفرض ولم يفرق سنة من نفل ،فيتحصل في ذلك ثلثبة أقبوال :قبول هبي الصبلوات
بإطلق .وقول إنها ما عدا الفروض سواء كانت سنة أو نفل .وقببول إنهببا النفببل دون
السنن .وعلى الرواية التي منع مالك فيهبا صبلة الجنببائز عنبد الغبروب قبول رابببع،
وهو أنها النفل فقط بعد الصبح والعصر والنفل والسنن معا عنببد الطلببوع والغببروب.
وسبب الخلف في ذلك اختلفهم في الجمع بين العمومات المتعارضة في ذلك أعني
الواردة في السنة ،وأي يخص بأي ،وذلك أن عموم قوله عليببه الصببلة والسببلم "إذا
نسي أحدكم الصلة فليصلها إذا ذكرها" يقتضي استغراق جميع الوقات ،وقببوله فببي
أحاديث النهي في هذه الوقات "نهى رسول ال صبلى الب عليبه وسبلم عبن الصبلة
فيها" يقتضي أيضا عمبوم أجنباس الصبلوات المفروضبات والسبنن والنوافبل ،فمبتى
حملنا الحديثين على العموم في ذلك وقببع بينهمببا تعببارض هببو مببن جنببس التعببارض
الذي يقع بين العام والخاص ،إما في الزمان ،وإما في اسم الصببلة .فمببن ذهببب إلببى
الستثناء في الزمان :أعني الستثناء الخاص مبن العببام منببع الصببلوات ببإطلق فبي
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
تلك الساعات ،ومن ذهب إلى استثناء الصلة المفروضة المنصوص عليها بالقضبباء
من عموم اسم الصلة المنهي عنها منع ما عدا الفرض في تلك الوقات ،وقببد رجببح
مالك مذهبه من استثناء الصلوات المفروضببة مبن عمبوم لفببظ الصببلة بمببا ورد مبن
قوله عليه الصلة والسلم "من أدرك ركعة من العصر قبببل أن تغببرب الشببمس فقببد
أدرك العصر" ولذلك استثنى الكوفيون عصر اليوم من الصببلوات المفروضببة ،لكببن
قد كان يجب عليهم أن يستثنوا من ذلك صلة الصبح أيضا للنببص الببوارد فيهببا ،ول
يببردوا ذلببك برأيهببم مببن أن المببدرك لركعببة قبببل الطلببوع يخببرج للببوقت المحظببور،
والمدرك لركعة قبل الغروب يخرج للوقت المباح .وأما الكوفيون فلهببم أن يقولببوا إن
هذا الحديث ليس يدل على استثناء الصلوات المفروضة من عموم اسم الصببلة الببتي
تعلق النهببي بهبا فبي تلببك اليبام لن عصببر اليببوم ليبس فببي معنببى سببائر الصببلوات
المفروضة ،وكذلك كان لهم أن يقولوا في الصبببح لببو سبلموا أنبه يقضببى فبي البوقت
المنهي عنه ،فإذا الخلف بينهم آيل إلى أن المستثنى الذي ورد به اللفظ هل هببو مببن
باب الخاص أريد به الخاص أم من باب الخاص أريد به العام؟ وذلك أن من رأى أن
المفهوم من ذلك هي صلة العصر والصبح فقط المنصوص عليهمببا فهببو عنببده مببن
باب الخاص أريد به الخاص ،ومن رأى أن المفهوم من ذلك ليس هو صلة العصببر
فقط ول الصبح بل هي جميع الصلة المفروضة ،فهو عنده من باب الخاص أريد به
العام ،وإذا كان ذلك كذلك فليس ها هنا دليل قاطع على أن الصلوات المفروضة هببي
المستثناة من اسم الصلة الفائتة ،كما أنببه ليببس ههنببا دليببل أصببل ل قبباطع ول غيببر
قاطع على استثناء الزمان الخاص الوارد في أحاديث النهي من الزمان العببام الببوارد
في أحاديث المر دون استثناء الصلة الخاصة المنطوق بها في أحبباديث المببر مببن
الصلة العامة المنطوق بها في أحاديث النهي ،وهذا بيببن ،فببإنه إذا تعببارض حببديثان
في كل واحد منهما عام وخباص لبم يجبب أن يصبار إلبى تغليبب أحبدهما إل ببدليل:
أعني استثناء خاص هذا من عام ذاك أو خاص ذاك مببن عبام هببذا ،وذلببك بيببن والب
أعلم.
**3الباب الثاني في معرفة الذان والقامة.
@-هذا الباب ينقسم أيضا إلى فصلين :الول في الذان .والثاني في القامة.
**4الفصل الول.
@-هببذا الفصببل ينحصببر الكلم فيببه فببي خمسببة أقسببام :الول :صببفته .الثبباني :فببي
حكمه .الثالث :في وقته .الرابع :في شروطه .الخامس :فيما يقوله السامع له.
@-القسم الول من الفصل الول من الباب الثاني في صفة الذان.
اختلف العلماء في الذان على أربع صفات مشهورة :إحداها تثنية التكبير فيه وتربيع
الشهادتين وباقيه مثنى ،وهو مذهب أهل المدينببة مالببك وغيببره ،واختببار المتببأخرون
من أصحاب مالك الترجيع ،وهو أن يثني الشهادتين أول خفيا ثببم يثنيهمببا مببرة ثانيببة
مرفوع الصوت .والصفة الثانية أذان المكيين ،وبه قال الشافعي ،وهو تربيع التكبببير
الول والشببهادتين وتثنيببة ببباقي الذان ،والصببفة الثالثببة أذان الكببوفيين ،وهببو تربيببع
التكبير الول وتثنية باقي الذان ،وبه قال أبو حنيفة .والصفة الرابعة أذان البصريين
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وهو تربيع التكبير الول وتثليث الشهادتين وحببي علببى الصببلة وحببي علببى الفلح،
ويبدأ بأشهد أن ل إله إل ال حتى يصل إلببى حببي علببى الفلح ،ثببم يعيببد كببذلك مببرة
ثانية :أعني الربع كلمات تبعا ،ثم يعيببدهن ثالثببة ،وبببه قببال الحسببن البصببري وابببن
سيرين .والسبب في اختلف كل واحد مببن هببؤلء الربببع فببرق اختلف الثببار فببي
ذلك واختلف اتصال العمل عند كل واحد منهم ،وذلك أن المدنيين يحتجون لمذهبهم
بالعمل المتصل بذلك في المدينة ،والمكيببون كببذلك أيضببا يحتجببون بالعمببل المتصببل
عندهم بذلك وكذلك الكوفيون والبصريون ولكببل واحببد منهببم آثببار تشببهد لقببوله .أمببا
تثنية التكبير في أوله على مذهب أهبل الحجباز فبروي مبن طبرق صبحاح عبن أببي
محذورة وعبد ال بن زيد النصاري ،وتربيعه أيضا مببروي عبن أبببي محببذورة مبن
طرق أخر وعن عبد ال بن زيد .قال الشافعي :وهي زيادات يجب قبولها مع اتصال
العمل بذلك بمكة .وأما الترجيع الذي اختاره المتببأخرون مببن أصببحاب مالببك فببروي
من طريق أبي قدامة :قببال أبببو عمببر :وأبببو قدامببة عنببدهم ضببعيف .وأمببا الكوفيببون
فبحديث أبي ليلى وفيه "أن عبد ال بن زيد رأى في المنام رجل قام على خرم حائط
وعليه بردان أخضران ،فأذن مثنى وأقام مثنى وأنه أخبر بذلك رسول ال صببلى ال ب
عليه وسلم ،فقام بلل فأذن مثنى وأقام مثنى" والذي خرجه البخباري فبي هبذا البباب
إنما هو من حديث أنس فقط وهو "أن بلل أمر أن يشفع الذان ويوتر القامة إل قببد
قامت الصلة ،فإنه يثنيها" وخرج مسلم عن أبي محذورة على صفة أذان الحجببازين
ولمكببان هببذا التعببارض الببذي ورد فببي الذان رأى أحمببد بببن حنبببل وداود أن هببذه
الصفات المختلفة إنما وردت على التخيير ل على إيجاب واحدة منهببا ،وأن النسببان
مخير فيها ،واختلفوا في قول المؤذن في صلة الصبح الصببلة خيببر مببن النببوم هببل
يقال فيها أم ل؟ فذهب الجمهور إلى أنه يقال ذلببك فيهببا .وقببال آخببرون :إنببه ل يقببال
لنه ليس من الذان المسنون ،وبه قال الشافعي .وسبب اختلفهم اختلفهببم هببل قيببل
ذلك في زمان النبي صلى ال عليه وسلم؟ أو إنما قيل في زمان عمر؟.
@-القسم الثاني من الفصل الول من الباب الثاني.
اختلف العلماء في حكم الذان هل هو واحب أو سنة مؤكدة ،وإن كان واجبا فهل هو
من فروض العيان أو من فروض الكفاية؟ فقيل عن مالك إن الذان هو فرض على
مساجد الجماعات ،وقيل سنة مؤكدة ،ولم يره على المنفرد ل فرضا ول سببنة .وقببال
بعض أهل الظاهر هو واجب على العيان .وقال بعضهم :على الجماعببة كببانت فببي
سفر أو في حضر .وقال بعضهم :في السفر .واتفببق الشببافعي وأبببو حنيفببة علببى أنببه
سنة للمنفرد والجماعة إل أنه آكد في حق الجماعة .قال أبو عمر :واتفببق الكببل علببى
أنه سنة مؤكدة أو فرض على المصري لما ثبت "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم
كان إذا سمع النداء لم يغر ،وإذا لم يسمعه أغببار" .والسبببب فببي اختلفهببم معارضببة
المفهوم من ذلك لظواهر الثار ،وذلك أنه ثبت أن رسول ال صببلى الب عليببه وسببلم
قال لمالك بن الحويرث ولصاحبه "إذا كنتما في سفر فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركمببا"
وكذلك ما روي من اتصال عمله به صلى ال عليه وسلم في الجماعة ،فمن فهببم مببن
هذا الوجوب مطلقا قال إنه فرض على العيان أو على الجماعببة ،وهببو الببذي حكبباه
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
ابن المغلس عببن داود ،ومببن فهببم منببه الببدعاء إلببى الجتمبباع للصببلة قببال إنببه سببنة
المساجد أو فرض في المواضع التي يجتمع إليها الجماعة .فسبب الخلف هو تببردده
بيببن أن يكببون قببول مببن أقاويببل الصببلة المختصببة بهببا أو يكببون المقصببود بببه هببو
الجتماع.
@-القسم الثالث من الفصل الول في وقته.
وأما وقت الذان فاتفق الجميع على أنه ل يؤذن للصلة قبل وقتهببا ،مببا عببدا الصبببح
فإنه اختلفوا فيها ،فذهب مالك والشافعي إلى أنه يجوز أن يؤذن لها قبل الفجر ،ومنع
ذلك أبو حنيفة ،وقال قوم :ل بد للصبح إذا أذن لها قبببل الفجببر مبن أذان بعبد الفجبر،
لن الواجب عندهم هو الذان بعد الفجر .وقال أبو محمد بن حزم :ل بد لها من أذان
بعد الوقت ،وإن أذن قبل الوقت جاز إذا كان بينهما زمان يسير قببدر مببا يهبببط الول
ويصعد الثاني .والسبب في اختلفهم أنه ورد في ذلببك حببديثان متعارضببان :أحببدهما
الحديث المشهور الثببابت ،وهببو قببوله عليببه الصببلة والسببلم "إن بلل ينببادي بليببل،
فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم ،وكان ابن مكتوم رجل أعمى ل ينادي حتى
يقال له أصبحت أصبحت .والثاني ما روي عن ابن عمببر "أن بلل أذن قبببل طلببوع
الفجر ،فأمره النبببي صببلى الب عليببه وسببلم أن يرجببع فينببادي :أل إن العبببد قببد نببام"
وحديث الحجازين أثبت ،وحديث الكوفيين أيضا خرجه أبو داود وصححه كببثير مببن
أهل العلم ،فذهب الناس في هذين الحديثين إما مذهب الجمع ،وإما مببذهب الترجيببح،
فأما من ذهب مذهب الترجيح فالحجازيون ،فإنهم قالوا :حديث بلل أثبببت والمصببير
إليه أوجب .وأما من ذهببب مببذهب الجمببع فببالكوفيون ،وذلببك أنهببم قبالوا :يحتمببل أن
يكون نداء بلل في وقت يشك فيه في طلوع الفجببر ،لنببه كببان فببي بصببره ضببعف،
ويكون نداء ابن أم مكتوم في وقت يتيقن فيه طلوع الفجر ،ويدل على ذلببك مببا روي
عن عائشة أنها قالت "لم يكن بين أذانيهما إل بقدر ما يهبط هببذا ويصببعد هببذا" وأمببا
من قال إنه يجمع بينهما :أعني أن يؤذن قبل الفجر وبعببده فعلببى ظبباهر مبباروي مببن
ذلك في صلة الصبح خاصة أعني أنه كان يؤذن لها في عهد رسول ال ب صببلى ال ب
عليه وسلم مؤذنان بلل وابن أم مكتوم.
@-القسم الرابع من الفصل الول من الشروط.
وفي هذا القسم مسائل ثمانية :إحداها هل من شروط من أذن أن يكون هو الببذي يقيببم
أم ل؟ والثانية هببل مببن شببرط الذان أن ل يتكلببم فببي أثنببائه أم ل؟ والثالثببة هببل مببن
شرطه أن يكون على طهارة أم ل؟ والرابعة هل مببن شببرطه أن يكببون متوجهببا إلببى
القبلة أم ل؟ والخامسة هل من شرطه أن يكون قائما أم ل؟ والسادسة هببل يكببره أذان
الراكب أم ليس يكره؟ والسابعة هل من شرطه البلوغ أم ل؟ والثامنة هل من شببرطه
أن ل يأخذ على الذان أجرا أم يجوز له أن يأخذه؟ .فأما اختلفهم في الرجلين يببؤذن
أحدهما ويقيم الخر ،فأكثر فقهاء المصار على إجازة ذلك ،وذهب بعضببهم إلببى أن
ذلك ل يجوز ،والسبب في ذلك أنه ورد في هذا حديثان متعارضببان :أحببدهما حببديث
الصدائي قال "أتيت رسول ال صلى ال عليبه وسببلم فلمببا كبان أوان الصبببح أمرنببي
فأذنت ثم قام إلى الصلة ،فجاء بلل ليقيم ،فقال رسول ال صلى ال عليببه وسببلم إن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
أخا صداء أذن ،ومن أذن فهو يقيم" .والحديث الثبباني مببا روي أن عبببد الب بببن زيببد
حين أري الذان رسول ال صلى ال عليه وسلم بلل فأذن ،ثم أمببر عبببد الب فأقببام.
فمن ذهب مذهب النسخ قال :حديث عبد ال بن زيد متقدم وحديث الصببدائي متببأخر.
ومن ذهب مذهب الترجيح قال :حديث عبد ال بن زيببد أثبببت ،لن حببديث الصببدائي
انفرد به عبد الرحمبن ببن زيباد الفريقبي وليبس بحجبة عنبدهم .وأمبا اختلفهبم فبي
الجرة على الذان فلمكان اختلفهم في تصحيح الخبر الوارد في ذلك :أعني حببديث
عثمان بن أبي العاص أنه قال "إن من آخر ما عهد إلي رسببول الب صببلى الب عليببه
وسلم أن أتخذ مؤذنا ل يأخذ على أذانه أجرا" ومن منعه قبباس الذان فببي ذلببك علببى
الصلة .وأما سائر الشروط الخر فسبب الخلف فيها هو قياسها على الصلة ،فمببن
قاسها على الصلة أوجب تلبك الشبروط الموجبودة فبي الصبلة ،ومبن لبم يقسبها لبم
يوجب ذلك .قال أبو عمر بن عبد البر :قد روينا عن أبببي وائل بببن حجببر قببال :حببق
وسنة مسنونة أن ل يؤذن إل وهو قائم ،ول يؤذن إل على طهر ،قال :وأبو وائل هو
من الصحابة ،وقوله سنة يدخل في المسند وهو أولى من القياس .قبال القاضبي :وقبد
خرج الترمذي عن أبي هريرة أنه عليه الصلة والسلم قال "ل يؤذن إل متوضئ".
@-القسم الخامس.
اختلف العلماء فيما يقوله السامع للمؤذن ،فذهب قوم إلى أنه يقببول مببا يقببول المببؤذن
كلمة بكلمة إلى آخر النداء ،وذهب آخرون إلى أنه يقول مثل ما يقببول المببؤذن إل إذا
قال حي على الصلة حي على الفلح ،فإنه يقول :ل حول ول قوة إل بال .والسبببب
في الختلف في ذلببك تعببارض الثببار ،وذلببك أنببه قببد روي مببن حببديث أبببي سببعيد
الخدري أنه عليه الصلة والسلم قال "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول" وجاء
من طريق عمر بن الخطاب وحديث معاوية أن السامع يقول عند حي على الفلح ل
حببول ول قبوة إل بببال .فمببن ذهببب مببذهب الترجيببح أخبذ بعمبوم حبديث أبببي سببعيد
الخدري ،ومن بنى العام في ذلك على الخاص جمع بين الحديثين ،وهو مذهب مالببك
بن أنس.
**4الفصل الثاني من الباب الثاني من الجملة الثانية في القامة.
@-اختلفوا في القامة في موضعين في حكمها وفي صبفتها .أمبا حكمهبا فإنهبا عنبد
فقهاء المصار في حق العيان ،والجماعات سنة مؤكدة أكثر من الذان ،وهي عنببد
أهل الظاهر فرض ول أدري هببل هببي فببرض عنببدهم علببى الطلق أو فببرض مببن
فروض الصلة؟ والفرق بينهما أن على القول الول ل تبطل الصلة بتركها .وعلببى
الثاني تبطل .وقال ابن كنانة من أصببحاب مالببك :مببن تركهببا عامببدا بطلببت صببلته.
وسبب هذا الختلف اختلفهم هل هي من الفعببال الببتي وردت بيانبا لمجمببل المببر
بالصلة فيحمل على الوجببوب لقببوله عليببه الصببلة والسببلم "صببلوا كمببا رأيتمببوني
أصلي" أم هي من الفعال التي تحمل على الندب؟ وظاهر حديث مالك بن الحويرث
يوجب كونها فرضا إما في الجماعة وإما على المنفرد .وأما صفة القامة فإنهببا عنببد
مالك والشافعي .إما التكبير الذي في أولها فمثنى .وأما ما بعببد ذلببك فمببرة واحببدة إل
قوله قد قامت الصبلة ،فإنهبا عنبد مالبك مبرة واحبدة ،وعنبد الشبافعي مرتيبن .وأمبا
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الحنفية فإن القامة عندهم مثنى مثنى ،وخير أحمد بن حنبل بين الفراد والتثنية على
رأيه في التخيير في النداء .وسبب الختلف تعبارض حببديث أنببس فبي هبذا المعنبى
وحديث أبي ليلى المتقدم ،وذلك أن في حديث أنس الثبابت أمبر بلل أن يشبفع الذان
ويفرد القامة إل قد قامت الصلة .وفي حديث أبي ليلببى أنببه عليببه الصببلة والسببلم
أمر بلل فأذن مثنى وأقام مثنببى .والجمهبور أنبه ليبس علببى النسباء أذان ول إقامبة.
وقال مالك :إن أقمن فحسن ،وقال الشافعي :إن أذن وأقمن فحسن ،وقببال إسببحاق :إن
عليهن الذان والقامة .وروي عببن عائشببة أنهببا كببانت تببؤذن وتقيبم فيمبا ذكبره اببن
المنذر ،والخلف آيل إلى هل تببؤم المببرأة أو ل تببؤم؟ وقيببل الصببل أنهببا فببي معنببى
الرجل في كل عبادة ،إل أن يقوم الدليل على تخصيصها ،أم فببي بعضببها هببي كببذلك
وفي بعضها يطلب الدليل؟.
**3الباب الثالث من الجملة الثانية في القبلة.
@-اتفق المسلمون على أن التوجه نحو البيت شرط من شروط صحة الصلة لقببوله
تعالى }ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحببرام{ أمببا إذا أبصببر البببيت،
فالفرض عندهم هبو التبوجه إلبى عيبن الببيت ،ول خلف فبي ذلبك .وأمبا إذا غبابت
الكعبة عن البصار فاختلفوا من ذلك في موضعين :أحدهما هل الفرض هو العين أو
الجهة؟ والثاني هل فرضه الصابة أو الجتهاد :أعنببي إصببابة الجهببة أو العيببن عنببد
من أوجب العين؟ فبذهب قبوم إلبى أن الفبرض هبو العيبن ،وذهبب آخبرون إلبى أنبه
الجهة .والسبب في اختلفهم هل في قوله تعالى }فول وجهك شطر المسببجد الحببرام{
محذوف حتى يكون تقديره :ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسببجد الحببرام أم
ليس ههنا محبذوف أصبل وأن الكلم علببى حقيقتببه؟ فمببن قبدر هنالببك محببذوفا قبال:
الفرض الجهة ،ومن لم يقببدر هنالببك محببذوفا قببال :الفببرض العيببن ،والببواجب حمببل
الكلم على الحقيقة حتى يدل الدليل على حمله على المجاز ،وقد يقال إن الدليل على
تقدير هذا المحذوف قوله عليه الصلة والسلم "ما بيببن المشببرق والمغببرب قبلببة إذا
توجه نحو البيت" قالوا :واتفاق المسببلمين علببى الصببف الطويببل خببارج الكعبببة يببدل
على أن الفرض ليس هو العين أعني إذا لم تكن الكعبة مبصرة .والببذي أولبه إنببه لببو
كان واجبا قصد العين لكان حرجا ،قد قببال تعبالى }ومببا جعببل عليكببم فبي البدين مببن
حببرج{ فببإن إصببابة العيببن شببيء ل يببدرك إل بتقريببب وتسببامح بطريببق الهندسببة
واستعمال الرصاد في ذلك ،فكيف بغير ذلببك مببن طببرق الجتهبباد ونحببن لببم نكلببف
الجتهبباد فيببه بطريببق الهندسببة المبنببي علببى الرصبباد المسببتنبط منهببا طببول البلد
وعرضها.
@)-وأما المسألة الثانية( فهي هل فرض المجتهد في القبلة الصابة أو الجتهاد فقط
حتى يكون إذا قلنا إن فرضه الصابة متى تبين له أنه أخطأ أعاد الصلة .ومتى قلنا
إن فرضه الجتهاد لم يجب أن يعيد إذا تبين له الخطأ ،وقد كان صلى قبببل اجتهبباده.
أما الشافعي فزعم أن فرضه الصابة وأنه إذا تبين له أنه أخطأ أعاد أبدا .وقال قوم:
ل يعيد وقد مضت صلته ما لم يتعمد أو صببلى بغيبر اجتهبباد ،وبببه قبال مالبك وأببو
حنيفة ،إل أن مالكا استحب له العادة في الوقت .وسبب الخلف في ذلببك معارضببة
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الثر للقياس مع الختلف أيضا في تصحيح الثر الوارد في ذلك .أمببا القيبباس فهببو
تشبيه الجهة بالوقت :أعني بوقت الصلة ،وذلك أنهببم أجمعببوا علببى أن الفببرض فيببه
هو الصابة ،وأنه إن انكشف للمكلف أنه صلى قبل الوقت أعاد أبببدا إل خلفببا شبباذا
في ذلك عن ابن عباس وعن الشعبي ،وما روي عن مالك مببن أن المسببافر إذا جهببل
فصلى العشاء قبل غيبوية الشفق ثم انكشف له أنه صلها قبل غيبوبة الشببفق أنببه قببد
مضت صلته ،ووجه الشبه بينهما أن هذا ميقات وقت ،وهذا ميقات جهة .وأما الثر
فحديث عامر بن ربيعة قال "كنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم فببي ليلببة ظلمبباء
في سفر ،فخفيت علينا القبلة ،فصلى كل واحد منببا إلببى وجببه وعّلمنببا ،فلمببا أصبببحنا
فإذا نحن قد صلينا إلى غير القبلبة ،فسبألنا رسبول الب صبلى الب عليبه وسببلم فقببال:
مضت صلتكم ،ونزلت }ول المشرق والمغرب فأينمببا تولببوا فثبم وجبه البب{ وعلبى
هذا فتكون هذه الية محكمة ،وتكون فيمن صلى فانكشف له أنببه صببلى لغيببر القبلببة،
والجمهور على أنها منسوخة بقوله تعببالى }ومببن حيببث خرجببت فببول وجهببك شببطر
المسجد الحرام{ فمن لم يصح عنده هذا الثر قاس ميقات الجهة على ميقات الزمان،
ومن ذهب مذهب الثر لم تبطل صلته .وفي هذا الباب مسألة مشهورة ،وهي جواز
الصلة في داخل الكعبة .وقد اختلفوا في ذلك ،فمنهم من منعه على الطلق ،ومنهببم
من أجببازه علببى الطلق ،ومنهببم مببن فببرق بيببن النفببل فببي ذلببك والفببرض .وسبببب
اختلفهم تعارض الثار في ذلك ،والحتمال المتطرق لمن استقبل أحد حيطانهببا مببن
داخل هل يسمى مستقبل للبيت كما يسمى من استقبله من خارج أم ل؟ أما الثر فببإنه
ورد في ذلك حديثان متعارضان كلهما ثابت :أحدهما حببديث ابببن عببباس قببال "لمببا
دخل رسول ال صلى ال عليه وسلم البببيت دعببا فببي نببواحيه كلهببا ولببم يصببل حببتى
خرج ،فلما خرج ركع ركعتين في قبل الكعبة وقال :هذه القبلة" والثبباني حببديث عبببد
ال بن عمر "أن رسول ال صلى ال عليه وسببلم دخببل الكعبببة هببو وأسببامة بببن زيببد
وعثمان بن طلحة وبلل بن رباح ،فأغلقها عليه ومكث فيها ،فسألت بلل حين خرج
ماذا صنع رسول ال صلى ال عليه وسلم؟ فقال :جعببل عمببودا عببن يسبباره وعمببودا
عن يمينه وثلثة أعمدة وراءه ثم صلى" فمن ذهب مذهب الترجيح أو النسخ قال إمببا
بمنع الصلة مطلقا إن رجح حديث ابن عباس ،وإما بإجازتها مطلقا إن رجح حببديث
ابن عمر ،ومن ذهب مببذهب الجمببع بينهمببا حمببل حببديث ابببن عببباس علببى الفببرض
وحديث ابن عمر على النفل ،والجمع بينهما فيه عسر ،فإن الركعتين اللتين صببلهما
عليه الصلة والسلم خارج الكعبة وقال "هذه القبلببة" هببي نفببل ،ومببن ذهببب مببذهب
سقوط الثر عند التعارض ،فإن كان ممن يقول باستصحاب حكم الجمبباع والتفبباق
لم يجز الصلة داخل البيت أصل ،وإن كان ممن ل يرى استصببحاب حكببم الجمبباع
عاد النظر في انطلق اسم المستقبل للبيت على من صلى داخل الكعبببة ،فمببن جببوزه
أجاز الصلة ،ومن لببم يجببوزه ،وهببو الظهببر ،لببم يجببز الصببلة فببي البببيت ،واتفببق
العلماء بأجمعهم على استحباب السترة بين المصلي والقبلة إذا صلى ،منفردا كببان أو
إماما ،وذلك لقوله عليه الصببلة والسببلم "إذا وضببع أحببدكم بيببن يببديه مثببل مببؤخرة
الرحل فليصل" واختلفوا في الخط إذا لم يجبد سبترة ،فقبال الجمهبور :ليبس عليبه أن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
يخط .وقال أحمببد بببن حنبببل :يخببط خطببا بيببن يببديه .وسبببب اختلفهببم اختلفهببم فببي
تصحيح الثر الوارد في الخط ،والثر رواه أبو هريرة أنه عليه الصلة والسلم قال
"إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا ،فإن لم يكن فلينصب عصا ،فببإن لببم تكببن
معه عصا فليخط خطا ول يضره من مر بين يديه" خرجه أبو داود وكببان أحمببد بببن
حنبل يصححه والشافعي ل يصححه وقد روي "أنه صلى ال عليه وسلم صلى لغيببر
سترة" والحديث الثابت أنه كان يخرج له العنزة ،فهذه جملة قواعد هببذا الببباب وهببي
أربع مسائل.
**3الباب الرابع من الجملة الثانية.
@-وهذا الباب ينقسم إلى فصلين :أحدهما في ستر العورة والثبباني فيمببا يجببزئ مببن
اللباس في الصلة.
**4الفصل الول.
@-اتفق العلماء على أن ستر العورة فرض بببإطلق ،واختلفببوا هببل هببو شببرط مببن
شروط صحة الصببلة أم ل؟ وكببذلك اختلفببوا فببي حببد العببورة مببن الرجببل والمببرأة،
وظاهر مذهب مالك أنها من سنن الصلة ،وذهب أبو حنيفة والشافعي إلببى أنهببا مببن
فروض الصلة وسبب الخلف في ذلك تعارض الثببار واختلفهببم فببي مفهببوم قببوله
تعالى }يا بني آدم خذوا زينتكم عند كببل مسببجد{ هببل المببر بببذلك علببى الوجببوب أو
على الندب؟ فمن حمله على الوجوب قال :المراد به ستر العورة ،واحتببج لببذلك بببأن
سبب نزول هذه الية كان أن المرأة كانت تطوف بالبيت عريانة وتقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله * وما بدا منه فل أحله
فأنزلت هذه الية "وأمر رسول ال صلى ال عليه وسلم أن ل يحج بعد العام مشببرك
ول يطوف بالبيت عريان" ومن حمله على الندب قال :المراد بببذلك الزينببة الظبباهرة
من الرداء وغير ذلك من الملبس التي هي زينة ،واحتج لذلك بما جبباء فببي الحببديث
من أنه كبان رجبال يصبلون مبع النببي عليبه الصبلة والسبلم عاقبدي أزرهبم علبى
أعنبباقهم كهيئة الصبببيان ،ويقببال للنسبباء ل ترفعببن رؤوسببكن حببتى يسببتوي الرجببال
جلوسا قالوا :ولذلك من لم يجد ما به يستر عورته لم يختلف في أنه يصلي ،واختلف
فيمن عدم الطهارة هل يصلي أم ل يصلي؟.
@)-وأما المسألة الثانية( وهي حد العورة من الرجل فذهب مالك والشببافعي إلببى أن
حد العورة منه ما بين السرة إلى الركبة ،وكذلك قببال أبببو حنيفببة وقببال قببوم :العببورة
هما السوأتان فقط من الرجببل .وسبببب الخلف فببي ذلببك أثببران متعارضببان كلهمببا
ثابت :أحببدهما حبديث جرهبد أن النبببي صبلى الب عليببه وسبلم قبال "الفخببذ عببورة".
والثاني حديث أنس "أن النبي صلى ال عليه وسلم حسر عن فخببذه وهببو جببالس مببع
أصحابه" قال البخاري وحديث أنس أسند وحببديث جرهببد أحببوط ،وقببد قببال بعضببهم
العورة الدبر والفرج والفخذ.
@)-وأما المسألة الثالثة( وهي حد العورة في المرأة ،فببأكثر العلمبباء علببى أن بببدنها
كله عورة ما خلى الوجه والكفيبن ،وذهبب أببو حنيفبة إلبى أن قبدمها ليسبت بعبورة،
وذهب أبو بكر بن عبد الرحمن وأحمد إلى أن المرأة كلها عورة .وسبب الخلف في
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
ذلك احتمال قوله تعببالى }ول يبببدين زينتهببن إل مببا ظهببر منهببا{ هببل هببذا المسببتثنى
المقصود منه أعضاء محدودة ،أم إنما المقصود به ما ل يملببك ظهببوره؟ فمببن ذهببب
إلى أن المقصود من ذلك ما ل يملك ظهوره عند الحركة قال :بدنها كله عورة حببتى
ظهرها ،واحتج لذلك بعموم قوله تعالى }يا أيهببا النبببي قببل لزواجببك وبناتببك ونسبباء
المؤمنين{ الية ،ومن رأى أن المقصود من ذلبك مبا جبرت ببه العبادة ببأنه ل يسبتر
وهو الوجه والكفان ذهب إلى أنهما ليسا بعورة واحتج لذلك بأن المببرأة ليسببت تسببتر
وجهها في الحج.
**4الفصل الثاني من الباب الرابع فيما يجزئ في اللباس في الصلة.
@-أما اللباس فالصل فيه قوله تعالى }خذوا زينتكم عند كل مسجد{ والنهببي البوارد
عن هيئات بعض الملبس في الصلة ،وذلك أنهم اتفقوا فيما أحسب على أن الهيئات
من اللباس التي نهي عن الصلة فيها مثل اشتمال الصببماء ،وهببو أن يحتبببي الرجببل
في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شيء ،وأن يحتببي الرجبل فبي ثبوب واحبد ليبس
على فرجه منه شيء ،وسائر ما ورد مببن ذلببك أن ذلببك كلببه سببد ذريعببة أل تنكشببف
عورته ،ول أعلم أن أحدا قال ل تجوز صلة على إحدى هذه الهيئات إن لم تنكشببف
عورته ،وقد كان على أصول أهل الظاهر يجب ذلك واتفقوا على أنه يجببزئ الرجببل
من اللباس في الصلة الثببوب الواحببد لقببول النبببي صببلى الب عليببه وسببلم وقببد سببئل
أيصلي الرجل في الثوب الواحد؟ فقال "أو لكلكم ثوبان؟" واختلفوا في الرجل يصببلي
مكشوف الظهر والبطن ،فببالجمهور علببى جبواز صبلته لكببون الظهبر والبطبن مببن
الرجل ليسا بعورة ،وشذ قوم فقالوا :ل تجوز صلته لنهيه صلى ال ب عليببه وسببلم أن
يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عبباتقه منببه شببيء ،وتمسببك بوجببوب قببوله
تعالى }خذوا زينتكم عند كل مسجد{ واتفق الجمهور على أن اللباس المجببزئ للمببرأة
في الصلة هو درع وخمار ،لما روي عن أم سلمة "أنها سألت رسول ال صلى ال ب
عليه وسلم :ماذا تصلي فيه المرأة؟ فقال :في الخمار والدرع السابغ إذا غيبت ظهور
قدميها" ولما روي أيضا عن عائشة عن النبي عليه الصلة والسلم أنه قال "ل يقبل
ال صلة حائض إل بخمار" وهو مروي عن عائشة وميمونة وأم سببلمة أنهببم كببانوا
يفتون بذلك وكل هؤلء يقولون إنها إن صلت مكشوفة أعادت في الببوقت وبعببده ،إل
مالكا فإنه قال :إنها تعيد في الوقت فقببط .والجمهببور علببى أن الخببادم لهببا أن تصببلي
مكشوفة الرأس والقببدمين ،وكببان الحسببن البصببري يببوجب عليهببا الخمببار واسببتحبه
عطاء .وسبب الخلف الخطبباب المتببوجه إلببى الجنببس الواحببد هببل يتنبباول الحببرار
والعبيببد معببا أم الحببرار فقببط دون العبيببد؟ واختلفببوا فببي صببلة الرجببل فببي الثببوب
الحرير فقال قوم :تجوز صلته فيه .وقال قوم :ل تجوز .وقبوم اسبتحبوا لبه العبادة
في الوقت .وسبب اختلفهم في ذلك هل الشيء المنهي عنه مطلقا اجتنابه شببرط فببي
صحة الصلة أم ل؟ فمن ذهب إلى أنببه شببرط :قببال إن الصببلة ل تجببوز بببه ،ومببن
ذهب إلى أنه يكون بلباسه مأثوما والصلة جائزة قال :ليس شرطا في صحة الصلة
كالطهارة التي هي شرط ،وهذه المسألة هي من نببوع الصببلة فببي الببدار المغصببوبة
والخلف فيها مشهور.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
**3الباب الخامس.
@-وأما الطهارة من النجس فمن قال إنها سنة مؤكدة فيبعد أن يقول إنها فببرض فببي
الصلة أي من شروط صحتها .ومن قال إنها فببرض بببإطلق فيجببوز أن يقببول إنهببا
فرض في الصلة ،ويجوز أن ل يقول ذلك؛ وحكببى عبببد الوهبباب عببن المببذهب فببي
ذلببك قببولين :أحببدهما إن إزالببة النجاسببة شببرط فببي صببحة الصببلة فببي حبال القببدرة
والذكر ،والقول الخر إنها ليست شرطا .والذي حكاه من أنها شرط ل يتخببرج علببى
مشهور المذهب من أن غسل النجاسة سنة مؤكببدة ،وإنمببا يتخببرج علببى القببول بأنهببا
فرض مع الذكر والقدرة ،وقد مضت هذه المسألة في كتاب الطهارة ،وعببرف هنالببك
أسباب الخلف فيها ،وإنما الذي يتعلق به ههنا الكلم مببن ذلببك :هببل مببا هببو فببرض
مطلق مما يقع في الصلة يجب أن يكون فرضا في الصلة أم ل؟ والحق أن الشببيء
المأمور به على الطلق ل يجب أن يكون شرطا في صحة شيء مببا )آخببر مببأمور
به ،وإن وقع فيه إل بأمر آخر ،وكذلك المر في الشيء المنهي عنه على الطلق ل
يجب أن يكون شرطا في صحة شيء مببا( )مببا بيببن القوسببين غيببر موجببود بالنسببخة
المصرية ،لكنه مثبت في النسخة الفاسية اهب( إل بأمر آخر.
**3الباب السادس.
@-وأما المواضع التي يصلي فيها ،فإن من الناس من أجاز الصلة في كل موضببع
ل تكون فيه نجاسة ،ومنهم من استثنى من ذلك سبعة مواضع :المزبلببة ،والمجببزرة،
والمقبرة ،وقارعة الطريق ،والحمام ،ومعاطن البل ،وفبوق ظهبر بيبت الب ،ومنهبم
من استثنى من ذلك المقبرة فقط ،ومنهم من استثنى المقبرة والحمام ،ومنهم من كببره
الصلة في هذه المواضع المنهي عنها ولم يبطلها وهو أحد ما روي عن مالببك ،وقببد
روي عنه الجواز ،وهذه رواية ابن القاسم .وسبب اختلفهم تعببارض ظببواهر الثببار
في هذا الباب ،وذلك أن ههنا حديثين متفق علببى صببحتهما وحببديثين مختلببف فيهمببا.
فأما المتفق عليهما فقوله عليه الصلة والسلم "أعطيت خمسا لم يعطهن أحببد قبلببي،
وذكر فيها :وجعلت لببي الرض مسببجدا وطهببورا فأينمببا أدركتنببي الصببلة صببليت"
وقوله عليه الصلة والسلم "اجعلببوا مببن صببلتكم فببي بيببوتكم ول تتخببذوها قبببورا"
وأما الغير المتفق عليهما فأحدهما ما روي "أنه عليه الصلة والسلم نهى أن يصلي
في سبعة مواطن :في المزبلة ،والمجزرة ،والمقبرة ،وقارعة الطريببق ،وفببي الحمببام
وفي معاطن البل ،وفوق ظهر بيت ال" خرجه الترمذي .والثاني مببا روي أنببه قببال
عليه الصلة والسلم "صلوا في مرابض الغنم ول تصلوا في أعطبان الببل" فبذهب
الناس في هذه الحبباديث ثلثببة مببذاهب :أحببدهما مببذهب الترجيببح والنسببخ ،والثبباني
مذهب البناء :أعني بناء الخاص على العام ،والثالث مببذهب الجمببع .فأمببا مببن ذهببب
مذهب الترجيح والنسخ فأخذ بالحديث المشببهور ،وهببو قببوله عليببه الصببلة والسببلم
"جعلت لي الرض مسجدا وطهورا" وقال هذا ناسخ لغيره ،لن هذه هي فضائل لببه
عليه الصلة والسلم ،وذلك مما ل يجوز نسخه .وأما من ذهب مذهب بناء الخاص
على العام فقال :حديث الباحة عام ،وحديث النهي خباص ،فيجببب أن يبنببي الخبباص
علببى العببام .فمببن هببؤلء مببن اسببتثنى السبببعة مواضببع ،ومنهببم مببن اسببتثنى الحمببام
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
والمقبرة وقال :هذا هو الثابت عنه عليه الصلة والسلم لنببه قببد روي أيضببا النهببي
عنهما مفردين .ومنهم من استثنى المقبرة فقط للحديث المتقدم .وأما من ذهب مببذهب
الجمع ولم يستثن خاصا من عام فقال أحاديث النهي محمولبة علبى الكراهبة ،والول
على الجواز .واختلفوا في الصلة في البيع والكنائس ،فكرههببا قببوم ،وأجازهببا قببوم،
وفرق قوم بين أن يكون فيها صور أو ل يكون ،وهو مذهب ابن عباس لقببول عمببر:
ل تدخل كنائسهم من أجل التماثيل ،والعلة فيمن كرهها ل من أجل التصاوير ،حملها
على النجاسة ،واتفقوا على الصلة على الرض ،واختلفوا في الصلة على الطنافس
وغير ذلك مما يقعد عليه على الرض ،والجمهور على إباحة السجود على الحصير
وما يشبهه مما تنبت الرض ،والكراهية بعد ذلببك ،وهببو مببذهب مالببك بببن أنببس )ل
يخفى ما في هذه العبارة فتدبر(.
**3الباب السابع .في معرفة الشروط التي هي شروط في صحة الصلة.
@-وأما التروك المشترطة في الصلة ،فاتفق المسلمون على أن منهببا قببول ،ومنهببا
فعل .فأما الفعال فجميبع الفعبال المباحبة البتي ليسببت مببن أفعببال الصببلة ،إل قتبل
العقرب والحية في الصلة ،فإنهم اختلفوا في ذلك لمعارضة الثر فببي ذلببك للقيبباس،
واتفقوا فيما أحسب على جواز الفعل الخفيف .وأما القوال فهي أيضببا القببوال الببتي
ليست من أقاويل الصلة ،وهذه أيضا لم يختلفوا أنها تفسد الصلة عمدا لقببوله تعببالى
}وقوموا ل قانتين{ ولما ورد من قوله عليه الصلة والسلم "إن ال يحدث من أمببره
ما يشاء" ومما أحدث أن ل تكلموا في الصلة ،وهو حديث ابن مسعود وحببديث زيببد
بن أرقبم أنبه قبال "كنبا نتكلبم فبي الصبلة حبتى نزلبت }وقومبوا لب قبانتين{ فأمرنبا
بالسكوت ونهينا عن الكلم" وحديث معاوية بن الحكببم السببلمي :سببمعت رسببول ال ب
صلى ال عليه وسلم يقول "إن صلتنا ل يصلح فيها شيء من كلم النبباس إنمببا هببو
التسبيح والتهليل والتحميد وقراءة القرآن" إل أنهبم اختلفبوا مبن ذلبك فبي موضبعين:
أحدهما إذا تكلم سبباهيا ،والخببر إذا تكلببم عامببدا لصببلح الصببلة .وشببذ الوزاعببي
فقال :من تكلم في الصببلة لحيبباء نفببس أو لمببر كبببير ،فببإنه يبنببى .والمشببهور مببن
مذهب مالك أن التكلم عمدا على جهة الصببلح ل يفسبدها .وقبال الشببافعي :يفسبدها
التكلم كيف كان إل مع النسيان .وقال أبو حنيفة :يفسدها التكلببم كيببف كببان .والسبببب
فببي اختلفهببم تعببارض ظببواهر الحبباديث فببي ذلببك ،وذلببك أن الحبباديث المتقدمببة
تقتضي تحريم الكلم علببى العمببوم ،وحببديث أبببي هريببرة المشببهور "أن رسببول الب
صلى ال عليه وسلم انصرف مببن اثنببتين ،فقببال لببه ذو اليببدين :اقصببرت الصببلة أم
نسيت يا رسول ال؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم :أصدق ذو اليدين؟ فقببالوا:
نعم ،فقام رسول ال صلى ال عليه وسلم فصلى ركعتين أخريين ثم سلم" ظبباهره أن
النبي صلى ال عليه وسلم تكلم والناس معه ،وأنهم بنوا بعببد التكلببم ،ولببم يقطببع ذلببك
التكلم صلتهم ،فمن أخذ بهذا الظبباهر ،ورأى أن هببذا شببيء يخببص الكلم لصببلح
الصلة استثنى هذا من ذلك العموم ،وهو مذهب مالك بن أنس ،ومبن ذهبب إلبى أنبه
ليس في الحديث دليل علبى أنهبم تكلمبوا عمبدا فبي الصبلة وإنمبا يظهبر منهبم أنهبم
تكلموا وهم يظنون أن الصلة قد قصرت ،وتكلم النبببي عليببه الصببلة والسببلم وهببو
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
يظن أن الصلة قد تمت ،ولم يصح عنده أن الناس قببد تكلمببوا بعببد قببول رسببول الب
صلى ال عليه وسلم" :ما قصرت الصلة وما نسيت" قال :إن المفهببوم مببن الحببديث
إنمببا هببو إجببازة الكلم لغيببر العامببد ،فببإذا السبببب فببي اختلف مالببك والشببافعي فببي
المستثنى من ذلك العموم هو اختلفهم في مفهوم هذا الحديث مع أن الشببافعي اعتمببد
أيضا في ذلك أصل عاما ،وهو قوله عليه الصبلة والسبلم "رفبع عبن أمبتي الخطبأ
والنسيان" وأما أبو حنيفببة فحمببل أحبباديث النهببي علببى عمومهببا ،ورأى أنهببا ناسببخة
لحديث ذي اليدين وأنه متقدم عليها.
**3الباب الثامن .في معرفة النية وكيفية اشتراطها في الصلة.
@-وأما النية فاتفق العلماء على كونها شرطا في صحة الصلة لكببون الصببلة هببي
رأس العبادات التي وردت فبي الشبرع لغيبر مصبلحة معقولبة :أعنبي مبن المصبالح
المحسوسة ،واختلفوا هل من شرط نية المأموم أن توافق نية المام في تعيين الصلة
وفي الوجوب حتى ل يجوز أن يصلي المأموم ظهرا بإمام يصلي عصرا؟ ول يجوز
أن يصلي المام ظهرا يكون في حقة نفل ،وفببي حببق المببأموم فرضببا؟ فببذهب مالببك
وأبو حنيفة إلى أنه يجب أن توافق نية المأموم نية المببام ،وذهببب الشببافعي إلببى أنببه
ليس يجب .والسبب في اختلفهم معارضة مفهوم قوله عليببه الصببلة والسببلم "إنمببا
جعل المام ليؤتم به" لما جاء في حديث معاذ من أنه كان يصلي مع النبي صلى ال ب
عليه وسلم ثبم يصبلي بقبومه ،فمبن رأى ذلبك خاصبا لمعباذ ،وأن عمبوم قبوله عليببه
الصببلة والسببلم "إنمبا جعببل المببام ليببؤتم ببه" يتنباول النيبة اشببترط موافقببة المبام
للمأموم .ومن رأى أن الباحة لمعاذ في ذلك هي إباحة لغيره من سائر المكلفين وهو
الصل قال :ل يخلو المر في ذلك الحديث الثاني من أحد أمرين :إما أن يكبون ذلبك
العموم الذي فيه ل يتناول النية لن ظاهره إنما هو في الفعال ،فل يكون بهذا الوجه
معارضا لحديث معاذ ،وإما أن يكون يتناولها فيكون حديث معاذ قد خصص في ذلك
العموم .وفي النية مسائل ليس لها تعلق بالمنطوق به من الشرع رأينا تركهببا إذ كببان
غرضنا على القصد الول إنما هو الكلم في المسائل التي تتعلببق بببالمنطوق بببه مببن
الشرع.
*)*3الجملة الثالثة مببن كتبباب الصببلة( وهببي معرفببة مببا تشببتمل عليببه مببن القببوال
والفعال ،وهي الركان والصلوات المفروضة تختلف في هذين بالزيادة والنقصببان،
إما من قبل النفراد والجماعة ،وإما من قبل الزمان ،مثل مخالفة ظهر الجمعة لظهر
سائر اليام ،وإما من قبل الحضر والسفر ،وإما من قبببل المببن والخببوف ،وإمببا مببن
قبل الصحة والمرض ،فإذا أريد أن يكون القول في هذه صناعيا وجاريببا علببى نظبام
فيجب أن يقال أول فيما تشترك فيه هذه كلها ثم يقال فيما يخص واحدة واحببدة منهببا،
أو يقال في واحدة واحدة منها وهو السهل وإن كان هببذا النببوع مبن التعليبم يعبرض
منه تكرار ما ،وهو الذي سلكه الفقهاء ونحببن نتبعهببم فببي ذلببك ،فنجعببل هببذه الجملببة
منقسمة إلى ستة أبواب .الباب الول :في صببلة المنفببرد الحاضببر المببن الصببحيح.
الباب الثاني :في صلة الجماعة :أعني في أحكام المام والمأموم في الصلة .الببباب
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الثالث :في صلة الجمعة .الباب الرابع :في صلة السفر .الباب الخامس :فببي صببلة
الخوف .الباب السادس :في صلة المريض.
**3الباب الول في صلة المنفرد الحاضر المن الصحيح.
@-وهذا الباب فيه فصلن :الفصل الول :في أقوال الصببلة .والفصببل الثبباني :فببي
أفعال الصلة.
**4الفصببل الول فببي أقببوال الصببلة .وفببي هببذا الفصببل مببن قواعببد المسببائل تسببع
مسائل:
@)-المسألة الولى( اختلف العلماء في التكبير على ثلثببة مببذاهب :فقببوم قببالوا :إن
التكبير كله واجب في الصلة .وقوم قببالوا :إنببه كلببه ليببس بببواجب وهببو شبباذ .وقببوم
أوجبوا تكبيرة الحرام فقبط ،وهبم الجمهببور ،وسببب اختلف مببن أوجببه كلبه ومبن
أوجب منه تكبيرة الحرام فقط :معارضة ما نقل مببن قببوله لمببا نقببل مببن فعلببه عليببه
الصلة والسلم ،فأما ما نقل من قوله فحببديث أبببي هريببرة المشببهور أن النبببي عليببه
الصلة والسلم قال للرجل الذي علمه الصلة "إذا أردت الصلة فأسبغ الوضوء ثببم
استقبل القبلة ثم كبر ثم اقرأ" فمفهوم هذا هو أن التكبيرة الولببى هببي الفببرض فقببط،
ولو كان ما عدا ذلك من التكبير فرضا لببذكره لببه كمببا ذكببر سببائر فببروض الصببلة.
وأما ما نقل من فعله فمنها حديث أبببي هريبرة "أنببه كببان يصببلي فيكببر كلمببا حفبض
ورفع ،ثم يقول :إني لشبهكم صلة بصلة رسول ال صلى ال عليببه وسببلم" ومنهببا
حديث مطرف بن عبد ال بن الشخير قال "صليت أنببا وعمببران بببن الحصببين خلببف
علي بن أبي طالب رضي ال عنه ،فكان إذا سجد كبر ،وإذا رفع رأسه مببن الركببوع
كبر ،فلما قضى صلته وانصرفنا أخذ عمران بيده ،فقال :أذكرني هذا صببلة محمببد
صلى ال عليه وسلم "فالقائلون بإيجابه تمسكوا بهذا العمل المنقول في هذه الحاديث
وقالوا :الصل أن تكون كل أفعاله التي أتت بيانا لواجب ،محمولة على الوجوب كما
قال صلى ال عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي" و"خذوا عني مناسككم" وقالت
الفرقة الولى ما في هذه الثار يدل على أن العمل عند الصحابة إنما كان على إتمام
التكبير ولذلك كان أبو هريرة يقول :إني لشبهكم صلة بصلة رسول ال صلى البب
عليه وسلم .وقال عمران :أذكرني هذا بصلته صلة محمببد صببلى الب عليببه وسببلم.
وأما من جعل التكبير كله نفل فضعيف ،ولعلببه قاسببه علببى سببائر الذكببار الببتي فببي
الصلة مما ليست بواجب ،إذ قاس تكبيرة الحببرام علببى سببائر التكبببيرات .قببال أبببو
عمر بن عبد البر :ومما يؤيد مذهب الجمهور ما رواه شعبة بن الحجاج عببن الحسببن
بن عمران عن عبد ال بن عبد الرحمن بن أبببزي عببن أبيببه قببال :صببليت مببع النبببي
صلى ال عليه وسبلم فلبم يتبم التكببير ،وصبليت مبع عمبر ببن عببد العزيبز فلبم يتبم
التكبير .وما رواه أحمد بن حنبل عن عمر رضي ال عنه أنه كان ل يكبر إذا صببلى
وحده ،وكأن هؤلء رأوا أن التكبير إنما هو لمكببان إشببعار المببام للمببأمومين بقيببامه
وقعوده ،ويشبه أن يكون إلى هذا ذهب من رآه نفل.
@)-المسببألة الثانيببة( قببال مالببك :ل يجببزئ مببن لفببظ التكبببير إل ال ب أكبببر .وقببال
الشافعي :ال أكبر وال الكبر اللفظان كلهما يجزئ .وقببال أبببو حنيفببة :يجببزئ مببن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
لفظ التكبير كل لفظ في معناه مثل :ال العظم ،والب الجببل .وسبببب اختلفهببم :هببل
اللفظ هو المتعبد به في الفتتاح أو المعنى ،وقد استدل المببالكيون والشببافعيون بقببوله
عليه الصلة والسلم "مفتاح الصلة الطهور ،وتحريمها التكبببير ،وتحليلهببا التسببليم"
قالوا :واللف واللم ههنا للحصر ،والحصر يببدل علببى أن الحكببم خبباص بببالمنطوق
به ،وأنه ل يجوز بغيره ،وليس يوافقهم أبو حنيفة على هذا الصل ،فإن هذا المفهببوم
هو عنده من باب دليل الخطاب ،وهو أن يحكم للمسكوت عنببه بضببد حكببم المنطببوق
به ،ودليل الخطاب عند أبي حنيفة غير معمول به.
@)-المسألة الثالثة( ذهب قوم إلى أن التوجيه في الصلة واجب ،وهو أن يقول بعببد
التكبير :إما }وجهت وجهي للذي فطببر السببموات والرض{ وهببو مببذهب الشببافعي،
وإما أن يسبح وهو مذهب أبي حنيفة ،وإما أن يجمع بينهما وهو مببذهب أبببي يوسببف
وصاحبه .وقال مالك ليس التوجيه بواجب فببي الصببلة ول بسببنة .وسبببب الختلف
معارضة الثار الواردة بالتوجيه للعمببل عنببد مالببك ،أو الختلف فببي صببحة الثببار
الواردة بذلك .قال القاضي :قد ثبت في الصحيحين عن أبببي هريببرة "أن رسببول ال ب
صلى ال عليه وسلم كان يسكت بين التكبير والقراءة إسكاتة ،قال :فقلببت :يببا رسببول
ال بأبي أنت وأمي :إسكاتك بين التكبير والقببراءة مببا تقببول؟ قببال :أقببول اللهببم باعببد
بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ،اللهم نقنببي مببن الخطايببا كمببا
ينقى الثوب ) (1البيض من الدنس ،اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبببرد" وقببد
ذهب قوم إلى استحسان سكتات كثيرة في الصلة ،منها حين يكبر ،ومنها حين يفرغ
مببن قببراءة أم القببرآن وإذا فببرغ مببن القببراءة قبببل الركببوع ،وممببن قببال بهببذا القببول
الشافعي وأبو ثور والوزاعي ،وأنكر ذلك مالببك وأصببحابه وأبببو حنيفببة وأصببحابه.
وسبب اختلفهم اختلفهم في تصحيح حببديث أبببي هريببرة أنببه قببال "كببانت لببه عليببه
الصلة والسلم في صلته حين يكبر ويفتتح الصلة وحين يقرأ فاتحة الكتبباب ،وإذا
فرغ من القراءة قبل الركوع.
----------
)] (1في نسببختنا "البببرب" بببدل "الثببوب" وهببو خطببأ مطبعببي! .وتصببحيحنا موافببق
للروايات المشهورة لهذا الدعاء .دار الحديث[
----------
@)-المسألة الرابعة( اختلفوا في قراءة بسم ال الرحمن الرحيببم فببي افتتبباح القببراءة
في الصلة ،فمنع ذلك مالك في الصلة المكتوبة جهرا كانت أو سرا ،ل في اسببتفتاح
أم القرآن ول في غيرها من السور ،وأجاز ذلك في النافلة .وقال أبو حنيفة والثببوري
وأحمد يقرؤها مع أم القرآن في كل ركعة سرا ،وقببال الشببافعي :يقرؤهببا ول بببد فببي
الجهر جهرا وفي السر سرا ،وهي عنده آية من فاتحة الكتاب ،وبببه قببال أحمببد وأبببو
ثور وأبو عبيد .واختلف قول الشافعي هل هي آية من كل سورة؟ أم إنما هي آية مببن
سورة النمل فقط ،ومن فاتحة الكتاب؟ فروي عنه القولن جميعا .وسبب الخلف فببي
هذا آيل إلى شيئين :أحدهما اختلف الثار في هذا الباب ،والثاني اختلفهم :هل بسببم
ال الرحمن الرحيم آية من فاتحة الكتاب أم ل؟ فأما الثار التي احتج بهببا مببن أسببقط
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
ذلك فمنها حديث ابن مغفل قال "سمعني أبي وأنا أقرأ بسم ال الرحمن الرحيم ،فقال:
يا بني إياك والحدث ،فإني صليت مع رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم وأبببي بكببر
وعمر فلم أسمع رجل منهم يقرؤها "قال أبببو عمببر بببن عبببد البببر :ابببن مغفببل رجببل
مجهول .ومنها ما رواه مالك من حديث أنس أنه قال" :قمببت وراء أبببي بكببر وعمببر
وعثمان رضي ال عنهم ،فكلهم كان ل يقبرأ بسبم الب إذا افتتحبوا الصبلة" قبال أببو
عمر :وفي بعض الروايات أنه قال" :خلف النبي صلى ال عليه وسببلم فكببان ل يقببرأ
بسم ال الرحمن الرحيم" فقال أبو عمر :إل أن أهببل الحببديث قببالوا فببي حببديث أنببس
هذا :إن النقل فيه مضطرب اضببطرابا ل تقببوم بببه حجببة ،وذلببك أن مببرة روي عنببه
مرفوعا إلى النبي صلى ال عليه وسلم ومرة لم يرفع ،ومنهم من يذكر عثمببان ومببن
ل يذكره ،ومنهم من يقول :فكانوا يقرءون بسم ال الرحمن الرحيم ،ومنهم من يقول:
فكانوا ل يقرءون بسم ال الرحمن الرحيم .ومنهم من يقول :فكانوا ل يجهرون ببسببم
ال الرحمن الرحيم .وأما الحاديث المعارضة لهذا ،فمنها حببديث نعيببم بببن عبببد الب
المجمر قال :صليت خلف أبي هريرة فقرأ بسببم الب الرحمببن الرحيببم قبببل أم القببرآن
وقبل السورة وكبر في الخفض والرفع وقال :أنا أشبهكم بصلة رسول ال صلى ال ب
عليه وسلم .ومنها حديث ابن عباس "أن النبي عليه الصلة والسلم كان يجهر ببسببم
ال الرحمن الرحيم" ومنها حديث أم سلمة أنها قالت" :كان رسول ال صلى ال عليه
وسلم يقرأ ببسم ال الرحمن الرحيم .الحمد ل رب العالمين" فاختلف هذه الثار أحد
ما أوجب اختلفهم في قراءة بسم ال الرحمن الرحيم في الصلة .والسبب الثاني كما
قلنا هو :هل بسم ال الرحمن الرحيم آية من أم الكتبباب وحببدها أو مببن كببل سببورة أم
ليست آية ل أم الكتاب ول من كل سورة؟ فمبن رأى أنهبا آيبة مبن أم الكتباب أوجبب
قراءتها بوجوب قراءة أم الكتاب عنده في الصلة ،ومن رأى أنهببا آيببة مببن أول كببل
سببورة وجببب عنببده أن يقرأهببا مببع السببورة .وهببذه المسببألة قببد كببثر الختلف فيهببا
والمسألة محتملة ،ولكن من أعجب ما وقع في هذه المسألة أنهم يقولون :ربما اختلف
فيه هل بسم ال الرحمن الرحيم آية من القرآن في غير سورة النمل؟ أم إنما هببي آيببة
من القرآن في سورة النمل فقط؟ ويحكون على جهة الرد على الشافعي أنها لو كانت
من القرآن في غير سورة النمل لبينه رسول ال صلى ال عليه وسلم لن القرآن نقل
تواترا ،هذا الذي قاله القاضي في الرد على الشافعي وظن أنه قاطع وأمببا أبببو حامببد
فانتصر لهذا بأن قال إنه أيضا لو كانت من غير القرآن لوجب على رسول ال صلى
ال عليه وسلم أن يبين ذلك ،وهذا كله تخبط وشيء غير مفهوم ،فإنه كيف يجوز في
الية الواحدة بعينها أن يقال فيها إنها من القرآن في موضع وإنها ليسببت مببن القببرآن
في موضع آخر ،بل يقال إن بسم ال الرحمن الرحيم قد ثبت أنهببا مببن القببرآن حيثمببا
ذكرت ،وأنها آية من سورة النمل ،وهل هي آية من سورة أم القرآن ومن كل سببورة
يستفتح بها ،مختلف فيه ،والمسألة محتملة ،وذلك أنها في سائر السببور فاتحببة ،وهببي
جزء من سورة النمل ،فتأمل هذا فإنه بين ،وال أعلم.
@)-المسألة الخامسة( اتفق العلماء على أنه ل تجوز صلة بغير قراءة ل عمببدا ول
سهوا ،إل شيئا روي عن عمر رضي ال عنه أنه صلى فنسي القراءة ،فقيببل لببه فببي
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
ذلك ،فقال :كيف كان الركوع والسجود؟ فقيل حسن ،فقال :ل بببأس إذا ،وهببو حببديث
غريب عندهم ،أدخله مالك في موطئه في بعض الروايببات وإل شبيئا روي عببن ابببن
عباس أنه ل يقرأ في صلة السر وأنه قال "قرأ رسول ال صلى ال عليه وسببلم فببي
صلوات وسكت في أخرى" فنقرأ فيما قرأ ونسكت فيما سكت .وسئل هل فببي الظهببر
والعصر قراءة؟ فقال :ل ،وأخذ الجمهور بحديث خباب "أنببه صببلى ال ب عليببه وسببلم
كان يقرأ في الظهر والعصر ،قيل فبأي شيء كنتبم تعرفبون ذلبك؟ قبال :باضبطراب
لحيته" وتعلق الكوفيون بحديث ابن عببباس فببي تببرك وجببوب القببراءة فببي الركعببتين
الخيرتين من الصلة لستواء صلة الجهر والسر في سكوت النبي صلى ال ب عليببه
وسلم في هاتين الركعتين .واختلفوا في القراءة الواجبة في الصلة ،فرأى بعضهم أن
الواجب من ذلك أم القرآن لمن حفظها ،وأن ما عداها ليس فيه تببوقيت ،ومببن هببؤلء
من أوجبها في كل ركعة ،ومنهم من أوجبها في أكثر الصلة ،ومنهم من أوجبها فببي
نصف الصلة ،ومنهم من أوجبها في ركعة من الصلة ،وبالول قال الشافعي ،وهي
أشهر الروايات عن مالك ،وقبد روي عنبه أنبه إن قرأهبا فبي ركعبتين مبن الرباعيبة
أجزأته.
وأمببا مببن رأى أنهببا تجببزئ فببي ركعببة ،فمنهببم الحسببن البصببري وكببثير مببن فقهبباء
البصرة .وأما أبو حنيفة فالواجب عنده إنما هو قراءة القرآن أي آية اتفقببت أن تقببرأ،
وحد أصحابه في ذلببك ثلث آيببات قصببار أو آيببة طويلببة مثببل آيببة الببدين ،وهببذا فببي
الركعتين الوليين .وأما في الخيرتيببن فيسببتحب عنببده التسبببيح فيهمببا دون القببراءة،
وبه قال الكوفيون .والجمهور يستحبون القراءة فيها كلها .والسبب في هببذا الختلف
تعارض الثار في هذا الباب ،ومعارضة ظاهر الكتاب للثر .أما الثار المتعارضببة
في ذلك ،فأحدها حديث أبي هريرة الثببابت "ان رجل دخببل المسببجد فصببلى ثببم جبباء
فسلم على النبي صلى ال عليه وسلم ،فرد عليه النبي صببلى الب عليببه وسببلم السببلم
وقال :ارجع فصل فإنك لم تصل ،فصلى ثم أمره بالرجوع ،فعببل ذلببك ثلث مببرات،
فقال :والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره ،فقال عليه الصلة والسببلم :إذا قمببت إلببى
الصلة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ،ثم اقرأ ما تيسر معببك مببن القببرآن ،ثببم
اركع حتى تطمئن راكعا ،ثم ارفع حتى تعتدل قائما ،ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ،ثم
ارفع حتى تطمئن جالسا ،ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ،ثم ارفع حببتى تسببتوي قائمببا،
ثم افعل ذلك في صلتك كلها"
وأما المعارض لهذا فحديثان ثابتان متفق عليهما :أحدهما حديث عبببادة بببن الصببامت
أنه عليه الصلة والسلم قبال "ل صبلة لمبن ل يقبرأ بفاتحبة الكتباب" وحبديث أببي
هريرة أيضا أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال "من صلى صببلة لببم يقببرأ فيهببا
بأم القرآن فهي خداج ،فهي خببداج ،فهببي خبداج ثلثببا" وحبديث أببي هريببرة المتقبدم
ظاهره أنه يجزئ من القراءة في الصلة ما تيسر من القرآن ،وحديث عبادة وحديث
أبي هريبرة الثباني يقتضبيان أن أم القبرآن شبرط فبي الصبلة ،وظباهر قبوله تعبالى
}فاقرءوا ما تيسر منه{ يعضد حديث أبي هريببرة المتقببدم ،:والعلمبباء المختلفببون فببي
هذه المسألة إما أن يكونوا ذهبوا فببي تأويببل هببذه الحبباديث مببذهب الجمببع ،وإمببا أن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
يكونوا ذهبوا مذهب الترجيح ،وعلى كل القولين يتصور هذا المعنى ،وذلك أنببه مببن
ذهب مذهب من أوجب قراءة ما تيسر من القرآن له أن يقول هذا أرجح ،لن ظبباهر
الكتاب يوافقه ،وله أن يقبول علبى طريبق الجمبع أنبه يمكبن أن يكبون حبديث عببادة
المقصود به نفي الكمال ل نفي الجزاء ،وحديث أبي هريببرة المقصببود منببه العلم
بالمجزئ من القراءة ،إذا كان المقصود منه تعليم فرائض الصلة ،ولولئك أيضا أن
يذهبوا هذين المبذهبين ببأن يقولببوا هببذه الحباديث أوضببح لنهبا أكبثر ،وأيضببا فبإن
حديث أبي هريرة المشهور يعضببده ،وهببو الحببديث الببذي فيببه يقببول تعببالى "قسببمت
الصلة بيني وبين عبدي نصفين :نصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي مببا سببأل ،يقببول
العبد الحمد ل رب العالمين ،يقول ال حمدني عبدي" الحديث ،ولهم أن يقولوا أيضببا
إن قوله عليه الصلة والسلم "ثم اقرأ ما تيسر معببك مببن القببرآن" مبهببم والحبباديث
الخر معينة ،والمعين يقضي على المبهم ،وهذا فيه عسببر ،فببإن معنببى حببرف "مببا"
ههنا إنما هو معنى أي شيء تيسر ،وإنما يسوغ هذا إن دلببت "مببا" فببي كلم العببرب
على ما تدل عليه لم العهببد ،فكببان يكببون تقببدير الكلم :اقببرأ الببذي تيسببر معببك مببن
القرآن ويكون المفهوم منببه أم الكتبباب ،إذا كببانت اللببف واللم فببي الببذي تببدل علببى
العهد ،فينبغي أن يتأمل هذا في كلم العببرب ،فببإن وجببدت العببرب تفعببل هببذا أعنببي
تتجوز في موطن ما ،فتدل بما على شيء معين فليسغ هذا التأويل ،وإل فل وجه له،
فالمسألة كما ترى محتملة ،وإنما كان يرتفع الحتمال لو ثبت النسخ.
وأما الختلف من أوجب أم الكتاب في الصلة في كل ركعة أو فببي بعببض الصببلة
فسببه احتمال عودة الضمير الذي في قوله عليه الصلة والسببلم "لببم يقببرأ فيهببا بببأم
القرآن" على كل أجزاء الصلة أو على بعضها ،وذلك أن من قرأ فببي الكببل منهببا أو
في الجزء :أعني في ركعة أو ركعتين لم يدخل تحت قوله عليه الصلة والسببلم "لببم
يقرأ فيها" وهذا الحتمال بعينه هو الذي أصار أبا حنيفة إلى أن يترك القببراءة أيضببا
في بعض الصلة :أعني في الركعتين الخرتين ،واختار مالك أن يقرأ في الركعببتين
الوليين من الرباعية بالحمد وسورة ،وفي الخرتين بالحمد فقط ،فاختار الشافعي أن
تقرأ في الربع من الظهببر بالحمببد وسببورة إل أن السببورة الببتي تكببون فببي الولييببن
تكون أطول ،فذهب مالك إلى حديث أبي قتادة الثابت "أنه عليه الصلة والسلم كببان
يقرأ في الوليين من الظهر والعصر بفاتحببة الكتبباب وسببورة ،وفببي الخرييببن منهببا
بفاتحة الكتاب فقط .وذهب الشافعي إلى ظاهر حديث ابي سعيد الثابت أيضا أنه كببان
يقرأ في الركعتين الوليين من الظهر قببدر ثلثيببن آيببة ،وفببي الخرييببن قببدر خمسببة
عشر آية ،ولم يختلفوا في العصبر لتفباق الحبديثين فيهبا ،وذلبك أن فبي حبديث أببي
سعيد هببذا "أنببه كببان يقببرأ فببي الولييببن مببن العصببر قببدر خمببس عشببرة آيببة ،وفببي
الخريين قدر النصف من ذلك".
@)-المسألة السادسة( اتفق الجمهور على منع قراءة القببرآن فببي الركببوع والسببجود
لحديث علي في ذلك قال "نهاني جبريل صلى ال عليه وسلم أن أقببرأ القببرآن راكعببا
وساجدا" قال الطبري :وهو حديث صحيح ،وبه أخذ فقهاء المصار ،وصار قوم من
التابعين إلى جواز ذلك ،وهو مذهب البخاري لنه لم يصح الحديث عنده ،وال أعلم.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
واختلفوا :هل الركوع والسجود قول محدود يقوله المصببلي أم ل؟ فقببال مالببك :ليببس
في ذلك قول محدود .وذهب الشببافعي وأبببو حنيفببة وأحمببد وجماعببة غيرهببم إلببى أن
المصلي يقول في ركوعه :سبببحان ربببي العظيببم ثلثببا ،وفببي السببجود سبببحان ربببي
العلى ثلثا على ما جاء في حبديث عقببة ببن عبامر .وقبال الثبوري :أحبب إلبى أن
يقولها المام خمسا في صلته حتى يدرك الذي خلفببه ثلثببة تسبببيحات .والسبببب فببي
هذا الختلف معارضة حديث ابن عببباس فببي هببذا الببباب لحببديث عقبببة بببن عببامر،
وذلك أن في حديث ابن عباس أنه عليه الصلة والسلم قال "أل وإني نهيت أن أقببرأ
القرآن راكعا أو ساجدا ،فأما الركوع فعظموا فيه الرب ،وأما السببجود فاجتهببدوا فيببه
في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم" وفي حببديث عقبببة بببن عببامر أنببه قببال "لمببا نزلببت
فسبح باسببم ربببك العظيبم قبال لنبا رسبول الب صبلى الب عليبه وسببلم :اجعلوهبا فبي
ركوعكم ،ولما نزلت سبح اسببم ربببك العلببى قببال :اجعلوهببا فببي سببجودكم" وكببذلك
اختلفوا في الدعاء في الركوع بعد اتفاقهم على جواز الثناء على ال ،فكره ذلك مالك
لحديث علي أنه قال عليه الصلة والسببلم" :أمببا الركببوع فعظمببوا فيببه الببرب ،وأمببا
السجود فاجتهدوا فيه في الدعاء" وقالت طائفة يجوز الدعاء فببي الركببوع ،واحتجببوا
بأحاديث جاء فيها أنه عليه الصلة والسلم دعا في الركببوع وهببو مببذهب البخبباري،
واحتج بحديث عائشببة قببالت "كببان النبببي عليببه الصببلة والسببلم يقببول فببي ركببوعه
وسجوده :سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي" وأبو حنيفة ل يجيز الدعاء فببي
الصلة بغير ألفاظ القرآن )وكذا ما ورد من السنة ا هب مصححه( ،ومالببك والشببافعي
يجيزان ذلك .والسبب في ذلك اختلفهم فيه ،هل هو كلم أم ل؟.
@)-المسألة السابعة( اختلفوا في وجوب التشهد وفي المختار منه ،فذهب مالك وأبو
حنيفة وجماعة إلى أن التشهد ليببس بببواجب ،وذهبببت طائفببة إلببى وجببوبه ،وبببه قببال
الشافعي وأحمد وداود .وسبب اختلفهببم معارضببة القيبباس لظبباهر الثببار ،وذلببك أن
القياس يقتضي إلحاقه بسائر الركان التي ليست بواجبة فببي الصببلة ،لتفبباقهم علببى
وجوب القرآن ،وأن التشهد ليس بقببرآن فيجببب .وحببديث ابببن عببباس أنببه قببال "كببان
رسول ال صلى ال عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن" يقتضببي
وجببوبه مببع أن الصببل عنببد هببؤلء أن أفعبباله وأقببواله فببي الصببلة يجببب أن تكببون
محمولة على الوجوب حتى يدل الدليل على خلف ذلك ،والصل عند غيرهببم علببى
خلف هذا ،وهو أن ما ثبت وجوبه في الصلة مما اتفق عليه أو صرح بوجببوبه فل
يجب أن يلحق به إل ما صرح به ونص عليه ،فهما كمببا تببرى أصببلن متعارضببان.
وأما المختار من التشهد ،فإن مالكا رحمه ال اختار تشهد عمر رضي ال عنه الببذي
كان يعلمه الناس على المنبر ،وهو :التحيات ل الزاكيات ل الطيبببات الصببلوات لبب،
السلم عليك أيها النبي ،ورحمة ال وبركاته ،السلم علينا وعلى عباد ال الصببالحين
أشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له ،وأشهد أن محمببدا عبببده ورسببوله .واختببار
أهل الكوفة أبو حنيفة وغيره تشهد عبد ال بن مسعود .قال أبو عمر :وبه قببال أحمببد
وأكثر أهل الحديث ،لثبوت نقله عن رسول ال صلى ال عليه وسلم وهببو" :التحيببات
ل والصلوات والطيبات ،السلم عليك أيها النبي ورحمة ال وبركبباته ،السببلم علينببا
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وعلى عباد ال الصالحين ،أشهد أن ل إله إل ال ،وأشهد أن محمببدا عبببده ورسببوله"
واختار الشافعي وأصحابه تشهد عبد ال بن عباس الببذي رواه عببن النبببي صببلى الب
عليه وسلم قال "كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة
من القرآن ،فكان يقول "التحيات المباركات الصلوات الطيبات ل ،سببلم عليببك أيهببا
النبي ورحمة ال وبركاته سلم علينا وعلى عباد ال الصببالحين ،أشببهد أن ل إلببه إل
ال وأن محمدا رسول ال" وسبب اختلفهم اختلف ظنونهم في الرجح منهببا ،فمببن
غلب على ظنه رجحان حديث ما من هذه الحاديث الثلثة مال إليه ،وقد ذهب كببثير
من الفقهاء إلى أن هذا كله على التخيير كالذان والتكبير على الجنببائز وفببي العيببدين
وفي غير ذلك مما تواتر نقله ،وهو الصواب وال أعلم .وقد اشترط الشافعي الصببلة
على النبي صلى ال عليه وسلم في التشهد وقببال :إنهبا فبرض لقببوله تعبالى }يبا أيهبا
الذين آمنوا صلوا عليه وسببلموا تسببليما{ ذهببب إلببى أن هببذا التسببليم هببو التسببليم مببن
الصلة ،وذهب الجمهور إلى أنه التسليم الذي يؤتى به عقببب الصببلة عليببه ،وذهببب
قوم من أهل الظاهر إلى أنه واجب أن يتعببوذ المتشببهد مببن الربببع الببتي جبباءت فببي
الحديث من عذاب القبر ومن عذاب جهنم ومن فتنة المسيح الدجال ومن فتنببة المحيببا
والممات ،لنه ثبت "أن رسول ال صلى ال عليبه وسبلم كبان يتعبوذ منهبا فبي آخبر
تشهده" وفي بعض طرقبه "إذا فبرغ أحبدكم مبن التشبهد الخيبر فليتعبوذ مبن أرببع"
الحديث خرجه مسلم.
@)-المسألة الثامنة( اختلفوا في التسليم من الصلة ،فقببال الجمهببور بوجببوبه ،وقببال
أبو حنيفة وأصحابه :ليس بواجب ،والذين أوجبوه منهم من قال الواجب على المنفرد
والمام تسليمة واحدة ،ومنهم من قال اثنتان ،فذهب الجمهببور مببذهب ظبباهر حببديث
علي ،وهو قوله عليببه الصببلة والسببلم فيببه "وتحليلهببا التسببليم" ومببن ذهببب إلببى أن
الواجب مببن ذلببك تسببليمتان ،فلمببا ثبببت مببن "أنببه عليببه الصببلة والسببلم كببان يسببلم
تسليمتين" وذلك عند من حمل فعله على الوجببوب .واختببار مالببك للمببأموم تسببليمتين
والمام واحدة ،وقد قيل عنه إن المأموم يسلم ثلثا :الواحدة للتحليل ،والثانية للمببام،
والثالثة لمن هو عن يساره .وأما أبو حنيفة فذهب إلى ما رواه عبد الرحمن بن زيبباد
الفريقي أن عبد الرحمن بن رافع وبكر بن سوادة حدثاه عن عبد ال بببن عمببرو بببن
العاص قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "إذا جلس الرجل فببي آخببر صببلته
فأحدث قبل أن يسلم فقد تمببت صببلته" قبال أبببو عمبر ببن عبببد البببر :وحببديث علببي
المتقدم أثبت عند أهل النقببل ،لن حببديث عبببد الب بببن عمببرو بببن العبباص انفببرد بببه
الفريقي ،وهو عند أهل النقل ضعيف .قال القاضي :إن كان أثبت مببن طريببق النقببل
فإنه محتمل من طريق اللفظ ،وذلك أنه ليببس يببدل علببى أن الخببروج مببن الصببلة ل
يكون بغير التسليم إل بضرب من دليل الخطاب وهببو مفهببوم ضببعيف عنببد الكببثر،
ولكن للجمهور أن يقولوا إن اللف واللم التي للحصر أقوى من دليببل الخطبباب فببي
كون حكم المسكوت عنه بضد حكم المنطوق به.
@)-المسألة التاسعة( اختلفوا في القنببوت ،فببذهب مالببك إلببى أن القنببوت فببي صببلة
الصبح مستحب .وذهب الشافعي إلى أنه سنة ،وذهببب أبببو حنيفببة إلببى أنببه ل يجببوز
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
القنوت في صلة الصبح ،وأن القنوت إنما موضعه الوتر .وقال قببوم :بببل يقنببت فببي
كل صلة .وقال قوم :ل قنوت إل في رمضان .وقال قببوم :بببل فببي النصببف الخيببر
منه .وقال قوم :بل في النصف الول منه .والسبب في ذلببك اختلف الثببار المنقولببة
في ذلك عن النببي صبلى الب عليبه وسبلم ،وقيباس بعبض الصبلوات فبي ذلبك علبى
بعض :أعني التي قنت فيها على التي لببم يقنببت فيهببا .قببال أبببو عمببر بببن عبببد البببر:
والقنوت بلعن الكفرة فببي رمضببان مسببتفيض فببي الصببدر الول اقتببداء برسببول الب
صلى ال عليه وسلم في دعائه على رعل وذكوان ،والنفر الببذين قتلببوا أصببحاب بئر
معونة .وقال الليث بن سعد :ما قنت منذ أربعيببن عامببا أو خمسببة وأربعيببن عامببا إل
وراء إمام يقنت .قال الليث :وأخذت في ذلك بالحديث الذي جاء عن النبي صببلى الب
عليه وسلم أنه قنت شهرا أو أربعين يدعو لقوم ويدعو على آخرين ،حببتى أنببزل ال ب
تبارك وتعالى معاتبببا }ليببس لببك مببن المببر شببيء أو يتببوب عليهببم أو يعببذبهم فببإنهم
ظالمون{ فترك رسول ال صلى ال عليه وسلم القنوت فما قنت بعدها حتى لقي البب،
قال :فمنذ حملت هذا الحديث لم أقنت ،وهو مببذهب يحيببى بببن يحيببى .قببال القاضببي:
ولقد حدثني الشياخ أنه كان العمل عليببه بمسببجده عنببدنا بقرطبببة ،وأنببه اسببتمر إلببى
زماننا أو قريب من زماننا .وخرج مسببلم عببن أبببي هريببرة "أن النبببي عليببه الصببلة
والسلم قنت في صلة الصبح ،ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزلت }ليس لببك مببن المببر
شيء أو يتوب عليهم{ وخرج عن أبي هريرة أنه قنت فببي الظهببر والعشبباء الخيببرة
وصلة الصبح .وخرج عنه عليه الصلة والسلم "أنه قنت شهرا في صببلة الصبببح
يدعو على بني عصية" واختلفوا فيما يقنت به ،فاستحب مالببك القنببوت ببب "اللهببم إنببا
نستعينك ونستغفرك ونستهديك ونؤمن بك ونخنع لك ونخلع ونترك من يكفرك ،اللهم
إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ،نرجو رحمتك ونخبباف عببذابك إن
عذابك بالكافرين ملحق" ويسميها أهل العراق السورتين ،ويروى أنهببا فببي مصببحف
أبي بن كعب .وقال الشافعي وإسبحاق ببل يقنبت "بباللهم اهبدنا فيمبن هبديت وعافينبا
فيمن عببافيت ،وقنببا شببر مببا قضببيت ،إنببك تقضببي ول يقضببى عليببك ،تببباركت ربنببا
وتعاليت" وهذا يرويه الحسن بن علي من طرق ثابتة أن النبي عليه الصلة والسببلم
علمه هذا الدعاء يقنت به في الصلة .وقال عبد ال بن داود :من لم يقنت بالسبورتين
فل يصلي خلفه .وقال قوم :ليس في القنوت شيء موقوت.
**4الفصل الثاني في الفعال التي هي أركان وفي هببذا الفصببل مببن قواعببد المسببائل
ثماني مسائل
@)-المسألة الولى( اختلف العلماء في رفع اليدين في الصببلة فببي ثلثببة مواضببع:
أحدها في حكمه .والثاني في المواضع التي يرفع فيها مببن الصببلة .والثببالث إلببى أن
ينتهي برفعها .فأما الحكم ،فذهب الجمهببور إلببى أنببه سببنة فببي الصببلة ،وذهببب داود
وجماعة من أصحابه إلى أن ذلك فرض ،وهؤلء انقسموا أقسبباما فمنهببم مببن أوجببب
ذلك في تكبيرة الحرام فقط .ومنهم مببن أوجببب ذلببك فببي السببتفتاح وعنببد الركببوع:
أعني عنببد النحطبباط فيببه وعنببد الرتفبباع منببه ،ومنهببم مببن أوجببب ذلببك فببي هببذين
الموضعين وعند السببجود ،وذلببك بحسببب اختلفهببم فببي المواضببع الببتي يرفببع فيهبا.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وسبب اختلفهم معارضة ظاهر حديث أبي هريرة الذي فيببه تعليببم فببرائض الصببلة
لفعله عليه الصلة والسلم ،وذلك أن حديث أبي هريرة إنما فيه أنه قال له وكبر ولم
يأمره برفع يديه ،وثبت عنه عليه الصلة والسلم من حديث ابببن عمببر وغيببره "أنببه
كان يرفع يديه إذا افتتح الصلة" وأما اختلفهم في المواضع التي ترفببع فيهببا فببذهب
أهل الكوفة أبو حنيفة وسفيان الثوري وسائر فقهائهم إلى أنه ل يرفببع المصببلي يببديه
إل عند تكبيرة الحرام فقط ،وهي رواية ابن القاسم عن مالك،
وذهب الشافعي وأحمد وأبو عبيد وأبو ثور ،وجمهور أهل الحديث وأهل الظاهر إلى
الرفع عند تكبيرة الحرام وعند الركوع ،وعند الرفع من الركببوع وهببو مببروى عببن
مالك إل أنه عند بعض أولئك فرض وعند مالك سنة .وذهب بعض أهل الحديث إلى
رفعها عند السجود وعند الرفع منه .والسبب فببي هببذا الختلف كلببه اختلف الثببار
الواردة في ذلك ومخالفة العمل بالمدينة لبعضها ،وذلببك أن فببي ذلببك أحبباديث أحببدها
حديث عبد ال بن مسعود ،وحديث البراء بن عازب "أنه كان عليه الصببلة والسببلم
يرفع يديه عند الحرام مرة واحدة ل يزيد عليها ،والحديث الثبباني حببديث ابببن عمببر
عن أبيه أن رسول ال صلى ال عليه وسببلم كببان إذا افتتببح الصببلة رفببع يببديه حببذو
منكبيه ،وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما أيضا كذلك وقبال "سببمع الب لمببن حمببده
ربنا ولك الحمد" كببان ل يفعببل ذلببك فببي السببجود ،وهببو حببديث متفببق علببى صببحته
وزعمببوا أنببه روى ذلببك عببن النبببي صببلى ال ب عليببه وسببلم ثلثببة عشببر رجل مببن
أصحابه .والحديث الثالث حديث وائل بن حجر ،وفيه زيادة على ما فببي حببديث عبببد
ال بن عمر "أنه كان يرفع يديه عند السجود" فمن حمل الرفع ههنا على أنه ندب أو
فريضة ،فمنهم من اقتصر به على الحرام فقط ترجيحا لحديث عبد ال ب بببن مسببعود
وحديث البراء بن عازب وهو مذهب مالك لموافقة العمل به ،ومنهم من رجح حديث
عبد الب بببن عمببر ،فببرأى الرفببع فببي الموضببعين أعنببي فببي الركببوع وفببي الفتتبباح
لشهرته ،واتفق الجميع عليه ومن كان رأيه من هؤلء أن الرفببع فريضببة حمببل ذلببك
على الفريضة ،ومن كان رأيه أنببه نببدب حمببل ذلببك علببى النببدب ،ومنهببم مببن ذهببب
مذهب الجمع وقال :إنه يجب أن تجمع هذه الزيادات بعضها إلى بعض علببى مببا فببي
حديث وائل بن حجر ،فإذا العلماء ذهبوا في هذه الثار مذهبين :إما مذهب الترجيح،
وإما مذهب الجمع .والسبب في اختلفهم في حمل رفع اليدين فببي الصببلة :هببل هببو
على الندب أو على الفرض؟ هو السبب الذي قلناه قبل من أن بعض النبباس يببرى أن
الصل في أفعاله صلى ال عليه وسلم أن تحمل على الوجوب حتى يدل الدليل علببى
غير ذلك ،ومنهم من يرى أن الصل ل يزاد فيما صح بدليل واضح مببن قببول ثببابت
أو إجماع أنه من فبرائض الصببلة إل ببدليل واضببح ،وقبد تقبدم هبذا مببن قولنببا ،ول
معنى لتكرير الشيء الواحد مرات كثيرة ،وأما الحد الببذي ترفببع إليببه اليبدان ،فببذهب
بعضهم إلى أنه المنكبان ،وبببه قببال مالببك والشببافعي وجماعببة ،وذهببب بعضببهم إلببى
رفعهما إلى الذنين ،وبه قال أبو حنيفة ،وذهببب بعضببهم إلببى رفعهمببا إلببى الصببدر،
وكل ذلك مروي عن النبي صلى ال عليه وسلم ،إل أن أثبببت مببا فببي ذلببك أنببه كببان
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
يرفعهما حذو منكبيه وعليه الجمهور ،والرفع إلى الذنين أثبت من الرفع إلى الصدر
وأشهر.
@)-المسألة الثانية( ذهب أبو حنيفة إلى أن العتدال من الركوع وفي الركوع غيببر
واجب .وقال الشافعي :هو واجب .واختلف أصحاب مالك :هل ظاهر مذهبه يقتضببي
أن يكون سنة أو واجبا إذ لم ينقبل عنبه نبص فبي ذلبك :والسبببب فبي اختلفهبم :هببل
الواجب الخذ ببعض ما ينطلق عليه السببم أم بكببل ذلببك الشببيء الببذي ينطلببق عليببه
السم ،فمن كان الواجب عنده الخذ ببعض ما ينطلق عليه السم لم يشترط العتدال
في الركوع ،ومن كان الواجب عنده الخذ بالكببل اشببترط العتببدال ،وقببد صببح عببن
النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال فببي الحببديث المتقببدم للرجببل الببذي علمببه فببروض
الصلة "اركع حتى تطمئن راكعا ،وارفع حتى تطمئن رافعا" فالواجب اعتقبباد كببونه
فرضا ،وعلى هذا الحديث عول كل من رأى أن الصل ل تحمل أفعاله عليه الصلة
والسلم في سائر أفعال الصلة مما لم ينص عليهبا فبي هبذا الحبديث علبى الوجبوب
حتى يدل الدليل على ذلك ،ومبن قببل هبذا لبم يبروا رفبع اليبدين فرضبا ول مبا عبدا
تكبيرة الحرام والقراءة من القاويل التي في الصلة فتأمل هذا ،فإنه أصببل منبباقض
للصل الول وهو سبب الخلف في أكثر هذه المسائل.
@)-المسألة الثالثة( اختلف الفقهاء في هيئة الجلوس ،فقببال مالببك وأصببحابه يقضببي
بببأليتيه إلببى الرض وينصببب رجلببه اليمنببى ويثنبي اليسببرى ،وجلبوس المببرأة عنببده
كجلببوس الرجببل .وقببال أبببو حنيفببة وأصببحابه :ينصببب الرجببل اليمنببى ويقعببد علببى
اليسرى .وفرق الشافعي بين الجلسة الوسطى والخيرة ،فقال في الوسطى بمثل قول
أبي حنيفة ،وفي الخيرة بمثل قول مالك .وسبب اختلفهم في ذلببك تعببارض الثببار،
وذلك أن في ذلك ثلثة آثار :أحببدها وهببو ثببابت باتفبباق حببديث أبببي حميببد السبباعدي
الوارد في وصف صلته عليه الصلة والسلم ،وفيه "وإذا جلس في الركعتين جلس
على رجله اليسرى ونصب اليمنى ،وإذا جلس في الركعة الخيرة قدم رجله اليسرى
ونصب اليمنى وقعد على مقعدته" .والثاني حديث وائل بن حجر ،وفيه "أنبه كبان إذا
قعد في الصلة نصب اليمنى وقعد على اليسرى" .والثببالث مببا رواه مالببك عببن عبببد
ال بن عمر أنه قال "إنما سنة الصلة أن تنصب رجلك اليمنى وتثني اليسرى ،وهببو
يدخل في المسند لقوله فيه :إنما سنة الصلة .وفي روايته عن القاسببم بببن محمببد أنببه
أراهم الجلوس في التشهد ،فنصب رجله اليمنى وثنبى اليسببرى وجلبس علببى وركبه
اليسر ولم يجلس على قدمه ،ثم قببال :أرانببي هببذا عبببد الب بببن عبببد الب بببن عمببر،
وحدثني أن أباه كان يفعل ذلك ،فذهب مالك مذهب الترجيح لهذا الحديث ،وذهب أبو
حنيفة مذهب الترجيح لحديث وائل .وذهب الشافعي مذهب الجمببع علببى حببديث أبببي
حميد .وذهب الطبري مذهب التخيير .وقال :هذه الهيئات كلهببا جببائزة وحسببن فعلهببا
لثبوتها عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وهو قول حسببن ،فبإن الفعببال المختلفبة
أولى أن تحمل على التخيير منها على التعارض ،وإنما يتصور ذلك التعارض أكببثر
ذلك في الفعل مع القول أو في القول مع القول.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
@)-المسألة السادسة( اختار قوم إذا كان الرجل في وتببر مببن صببلته أن ل ينهببض
حببتى يسببتوي قاعببدا ،واختببار آخببرون أن ينهببض مببن سببجوده نفسببه ،وبببالول قببال
الشافعي وجماعة ،وبالثاني قال مالك وجماعة .وسبببب الخلف أن فببي ذلببك حببديثين
مختلفين :أحدهما حديث مالك بن الحويرث الثببابت "أنببه رأى رسببول الب صببلى الب
عليه وسلم يصلي" فإذا كان في وتر من صلته لم ينهض حببتى يسببتوي قاعببدا وفببي
حديث أبي حميد فببي صببفة صببلته عليببه الصببلة والسببلم أنببه لمببا رفببع رأسببه مببن
السجدة الثانية من الركعة الولببى قببام ولببم يتببورك" فأخببذ بالحببديث الول الشببافعي،
وأخذ بالثاني مالك ،وكذلك اختلفوا إذا سجد ،هل يضع يببديه قبببل ركبببتيه ،أو ركبببتيه
قبل يديه؟ ومذهب مالك وضع الركبتين قبل اليدين .وسبببب اختلفهببم أن فببي حببديث
ابن حجر قال "رأيت رسول ال صلى الب عليببه وسببلم إذا سببجد وضببع ركبببتيه قبببل
يديه ،وإذا نهض رفع يببديه قبببل ركبببتيه" وعببن أبببي هريببرة أن النبببي عليببه الصببلة
والسلم قال "إذا سجد أحدكم فل يبرك كما يبرك البعيببر وليضببع يببديه قبببل ركبببتيه"
وكان عبد ال بن عمر يضع يديه قبل ركبتيه .وقال بعض أهل الحديث :حببديث وائل
بن حجر أثبت من حديث أبي هريرة.
@)-المسألة السابعة( اتفق العلماء على أن السجود يكون على سبعة أعضاء :الوجه
واليدين والركبتين وأطراف القدمين ،لقوله عليه الصببلة والسببلم "أمببرت أن أسببجد
على سبعة أعضاء" واختلفوا فيمن سجد على وجهه ونقصه السجود على عضو مببن
تلك العضاء هل تبطل صلته أم ل؟ فقال قببوم :ل تبطببل صببلته لن اسببم السببجود
إنما يتناول الوجه فقط .وقال قوم :تبطل إن لم يسجد على السبببعة العضبباء للحببديث
الثابت ،ولم يختلفوا أن من سجد على جبهته وأنفه فقببد سببجد علببى وجهببه ،واختلفببوا
فيمن سجد على أحدهما ،فقال مالك :إن سجد على جبهته دون أنفببه جبباز ،وإن سببجد
على أنفه دون جبهته لم يجز .وقبال أبببو حنيفببة :ببل يجبوز ذلبك .وقبال الشببافعي :ل
يجوز إل أن يسجد عليهما جميعا .وسبب اختلفهم :هل الواجب هو امتثال بعض مببا
ينطلق عليه السم أم كله ،وذلك أن في حديث النبي عليه الصلة والسلم الثابت عن
ابن عباس "أمرت أن أسجد علببى سبببعة أعضبباء" فببذكر منهببا الببوجه ،فمببن رأى أن
الواجب هو بعض ما ينطلق عليه السم ،قال :إن سجد على الجبهة أو النف أجببزأه.
ومن رأى أن اسم السجود يتناول من سجد علببى الجبهببة ول يتنبباول مببن سببجد علببى
النف أجاز السجود على الجبهبة دون النبف ،وهببذا كببأنه تحديببد للبعببض الببذي هببو
امتثاله ،هو الواجب مما ينطلق عليه السم ،وكببان هببذا علببى مبذهب مببن يفببرق بيببن
أبعاض الشيء ،فرأى أن بعضها يقببوم فببي امتثبباله مقببام الوجببوب وبعضببها ل يقببوم
مقامه فتأمل هذا فإنه أصل في هذا الباب ،وإل جاز لقائل أن يقول :إنببه إن مببس مببن
أنفه الرض مثقال خردلة تم سجوده ،وأما مبن رأى أن البواجب هببو امتثببال كببل مببا
ينطلق عليه السم ،فالواجب عنده أن يسجد على الجبهة والنف .والشافعي يقول :إن
هذا الحتمال الذي من قبل اللفظ قد أزاله فعله عليه الصلة والسلم وبينه ،فإنه كببان
يسجد على النف والجبهة لما جاء من أنه انصرف من صلة مببن الصببلوات وعلببى
جبهته وأنفه أثر الطين والماء ،فوجب أن يكون فعله مفسرا للحديث المجمل .قال أبو
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
عمر بن عبد البر :وقد ذكر جماعة من الحفاظ حديث ابن عباس فببذكروا فيببه النببف
والجبهة .قال القاضي أبببو الوليببد :وذكببر بعضببهم الجبهببة فقببط ،وكل الروايببتين فببي
كتاب مسلم ،وذلك حجة لمالك .واختلفوا أيضا هببل مببن شببرط السببجود أن تكببون يببد
الساجد بارزة وموضوعة على الذي يوضع عليها الوجه أم ليس ذلببك مببن شببروطه؟
فقال مالك :ذلك من شرط السجود أحسبه شرط تمامه .وقالت جماعة :ليس ذلببك مببن
شرط السجود .ومن هذا الباب اختلفهم في السببجود علببى طاقببات العمامببة ،وللنبباس
فيه ثلثة مذاهب :قببول بببالمنع ،وقببول بببالجواز ،وقببول بببالفرق بيببن أن يسبجد علببى
طاقات يسيرة من العمامة أو كثيرة ،وقول بالفرق بيببن أن يمببس مببن جبهتببه الرض
شيء أو ل يمس منها شيء ،وهذا الختلف كلببه موجببود فببي المببذهب وعنببد فقهبباء
المصار ،وفي البخاري وكانوا يسجدون على القلنس والعمائم .واحتببج مببن لببم يببر
إبراز اليدين في السجود بقول ابن عباس "أمر النبي صلى ال عليببه وسببلم أن نسببجد
على سبعة أعضاء ول نكفت ثوبا ول شعرا" وقياسببا علببى الركبببتين وعلببى الصببلة
في الخفين يمكن أن يحتج بهذا العموم في السجود على العمامة.
@)-المسألة الثامنة( اتفبق العلمباء علبى كراهيبة القعباء فبي الصبلة لمبا جباء فبي
الحديث من النهي أن يقعي الرجل في صلته كما يقعي الكلب إل أنهببم اختلفببوا فيمببا
يدل عليه السم ،فبعضهم رأى أن القعاء المنهي عنه هو جلوس الرجل علببى أليببتيه
في الصلة ناصبا فخببذيه مثببل إقعبباء الكلببب والسبببع ول خلف بينهببم أن هببذه الهيئة
ليست من هيئات الصلة .وقوم رأوا أن معنى القعاء الذي نهببي عنببه هببو أن يجعببل
أليته على عقيبه بين السجدتين وأن يجلس على صدور قدميه ،وهو مذهب مالببك لمببا
روي عن ابن عمر أنه ذكر أنه إنما كان يفعل ذلك لنه كان يشتكي قدميه .وأمبا اببن
عباس فكان يقول :القعاء على القدمين في السجود على هذه الصفة هبو سبنة نببيكم،
خرجه مسلم .وسبب اختلفهم هو تردد اسم القعاء المنهي عنه فببي الصببلة بيببن أن
يدل على المعنى اللغوي أو يدل على معنى شرعي :أعني على هيئة خصببها الشببرع
بهذا السم ،فمن رأى أنه يدل على المعنى اللغوي قال :هو إقعبباء الكلببب .ومببن رأى
أنه يدل على معنى شرعي قال :إنما أريد بذلك إحبدى هيئات الصببلة المنهبي عنهبا،
ولما ثبت عن ابن عمر أن قعود الرجل على صدور قببدميه ليببس مببن سببنة الصببلة،
سبق إلى اعتقاده أن هذه الهيئة هي التي أريد بالقعاء المنهببي عنببه ،وهببذا ضببعيف،
فإن السماء التي لم تثبت لها معان شرعية يجب أن تحمل على المعنى اللغوي حببتى
يثبت لها معنى شرعي ،بخلف المر في السماء التي ثبت لها معان شرعية :أعني
أنه يجب أن يحمل على المعاني الشرعية حتى يدل الدليل على المعنببى اللغببوي ،مببع
أنه قد عارض حديث ابن عمر في ذلك حديث ابن عباس.
**3الباب الثاني من الجملة الثالثة.
@-وهذا الباب الكلم المحيط بقواعده فيببه فصببول سبببعة :أحببدها :فببي معرفببة حكببم
صلة الجماعة .والثاني في معرفة شروط المامة ،ومن أولى بالتقديم وأحكام المببام
الخاصة بببه .الثببالث :فببي مقببام المببأموم مببن المببام والحكببام الخاصببة بالمببأمومين.
الرابع :في معرفة ما يتبع فيه المببأموم المببام ممببا ليببس يتبعببه .الخببامس :فببي صببفة
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
التباع .السادس :فيمبا يحملبه المبام عبن المبأمومين .السبابع :فبي الشبياء البتي إذا
فسدت لها صلة المام يتعدى الفساد إلى المأمومين.
**4الفصل الول في معرفة حكم صلة الجماعة.
@-في هذا الفصل مسئلتان :إحببداهما :هببل صببلة الجماعببة واجبببة علببى مببن سببمع
النداء أم ليست بواجبة .المسألة الثانية إذا دخل الرجل المسجد وقد صلى ،هببل يجببب
عليه أن يصلي مع الجماعة الصلة التي قد صلها أم ل؟.
@)-أما المسألة الولى( فإن العلماء اختلفوا فيها ،فذهب الجمهور إلببى أنهببا سببنة أو
فرض على الكفاية .وذهبت الظاهرية إلى أن صلة الجماعة فرض متعين علببى كببل
مكلف .والسبب في اختلفهم تعارض مفهومات الثار في ذلك وذلك أن ظبباهر قببوله
عليه الصلة والسلم "صلة الجماعة تفضل صلة الفبذ بخمبس وعشبرين درجبة أو
بسبع وعشرين درجببة" يعنببي أن الصببلة فببي الجماعببات مببن جنببس المنببدوب إليببه،
وكأنها كمال زائد على الصببلة الواجبببة ،فكببأنه قببال عليببه الصببلة والسببلم :صببلة
الجماعة أكمل من صلة المنفرد .والكمال إنما هو شيء زائد على الجزاء ،وحديث
العمى المشهور حيببن اسببتأذنه فببي التخلببف عببن صببلة الجماعببة لنببه ل قببائد لببه،
فرخص له في ذلك ،ثم قال له عليه الصلة والسلم :أتسمع النداء؟ قال :نعم ،قال :ل
أجد لك رخصة" هو كالنص في وجوبها مع عدم العذر ،خرجببه مسببلم .وممببا يقببوي
هذا حديث أبي هريرة المتفق على صحته ،وهو "أن رسول ال صلى ال عليه وسببلم
قال :والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب ثم آمر بالصلة فيببؤذن لهببا
ثم آمر رجل فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجبال فبأحرق عليهببم بيببوتهم ،والببذي نفسببي
بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عظما سمينا أو مرماتين حسنتين لشببهد العشبباء" وحببديث
ابن مسعود ،وقال فيه "إن رسول ال صلى ال عليه وسببلم علمنببا سببنن الهببدى ،وإن
من سنن الهدى الصلة في المسجد الذي يؤذن فيه" وفي بعض رواياته "ولببو تركتببم
سنة نبيكم لضللتم" فسلك كل واحد من هببذين الفريقيببن مسببلك الجمببع بتأويببل حببديث
مخالفه ،وصرفه إلى ظاهر الحديث الذي تمسك به .فأما أهل الظاهر فإنهم قببالوا :إن
المفاضلة ل يمتنع أن تقع في الواجبات أنفسها :أي إن صببلة الجماعببة فببي حببق مببن
فرضه صلة الجماعة تفضل صلة المنفرد فبي حبق مببن سبقط عنبه وجبوب صبلة
الجماعة لمكان العذر بتلك الدرجات المببذكورة .قببالوا :وعلببى هببذا فل تعببارض بيببن
الحديثين واحتجوا لذلك بقوله عليه الصلة والسلم" :صلة القاعد على النصببف مببن
صلة القائم" وأما أولئك فزعموا أنه يمكن أن يحمل حببديث العمببى علببى نببداء يببوم
الجمعة ،إذ ذلك هو النداء الذي يجب على من سمعه التيان إليه باتفاق وهذا فيه بعببد
وال أعلم ،لن نص الحديث هو أن أبا هريرة قال "أتى النبي صلى ال ب عليببه وسببلم
رجل أعمى ،فقال :يا رسول ال إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد ،فسببأل رسببول
ال أن يرخص له فيصلي في بيته ،فرخص له ،فلما ولى دعاه فقال :هل تسمع النداء
بالصلة .قال :نعم ،قال :فأجب" وظاهر هذا يبعد أن يفهم منببه نببداء الجمعبة ،مبع أن
التيان إلى صلة الجمعة واجب على كل من كان في المصر وإن لببم يسببمع النببداء،
ول أعرف فببي ذلببك خلفببا .وعببارض هببذا الحببديث أيضببا حببديث عتبببان بببن مالببك
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
المذكور في الموطأ ،وفيه أن عتبان بن مالك كان يؤم وهو أعمى ،وأنه قبال لرسبول
ال صلى ال عليه وسلم "إنه تكون الظلمة المطر والسيل وأنا رجببل ضببرير البصببر
فصل يا رسول ال في بيتي مكانا أتخذه مصلى ،فجباءه رسبول الب صبلى الب عليبه
وسلم فقال :أين تحب أن أصلي فأشار له إلى مكان من البيت فصلى فيببه رسببول الب
صلى ال عليه وسلم".
@)-وأما المسألة الثانية( فإن الذي دخل المسجد وقد صلى ل يخلو من أحد وجهين:
إما أن يكون صلى منفردا ،وإما أن يكون صلى في جماعة .فبإن كبان صببلى منفببردا
فقال قوم :يعيد معهم كل الصببلوات إل المغببرب فقببط ،وممببن قببال بهببذا القببول مالببك
وأصببحابه .وقببال أبببو حنيفببة :يعيببد الصببلوات كلهببا إل المغببرب والعصببر .وقببال
الوزاعي :إل المغرب والصبح .وقال أبو ثور :إل العصر والفجر .وقببال الشببافعي:
يعيد الصلوات كلها ،وإنما اتفقوا على إيجاب إعادة الصلة عليه بالجملة لحديث بشر
بن محمد عن أبيه "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال له حين دخل المسجد ولببم
يصل معه :مالك لم تصل مع الناس :ألست برجببل مسببلم؟ فقببال بلببى يببا رسببول البب،
ولكني صليت في أهلي ،فقال عليه الصلة والسببلم :إذا جئت فصببل مببع النبباس وإن
كنت قد صليت" فاختلف الناس لحتمال تخصببيص هبذا العمبوم بالقيبباس أو بالببدليل،
فمن حمله على عمومه أوجب عليه إعادة الصلوات كلها وهو مذهب الشببافعي .وأمببا
من استثنى من ذلك صلة المغرب فقط فإنه خصص العموم بقياس الشبه وهو مالببك
رحمه ال ،وذلك أنه زعم أن صلة المغرب هي وتببر ،فلببو أعيببدت لشبببهت صببلة
الشفع التي ليست بوتر ،لنها كانت تكون بمجموع ذلك سببت ركعببات ،فكأنهببا كببانت
تنتقل من جنسها إلى جنس صلة أخرى وذلك مبطل لها ،وهذا القيبباس فيببه ضببعف،
لن السلم قد فصل بين الوتار والتمسك بالعموم أقوى من الستثناء بهذا النوع مببن
القياس ،وأقوى من هذا ما قاله الكوفيون من أنه إذا أعادهببا يكببون قببد أوتببر مرتيببن،
وقد جاء في الثر " ل وتران في ليلة" وأما أبو حنيفببة فببإنه قببال :إن الصببلة الثانيببة
تكون له نفل ،فإن أعاد العصر يكون قد تنفل بعد العصر ،وقد جاء النهي عببن ذلببك،
فخصص العصر بهذا القياس والمغرب بأنها وتر ،والوتر ل يعاد ،وهذا قياس جديببد
إن سلم لهم الشافعي أن الصلة الخيرة لهم نفل .وأما من فرق بين العصر والصبببح
في ذلك فلنه لبم تختلبف الثبار فبي النهبي عبن الصبلة بعبد الصببح ،واختلبف فبي
الصلة بعد العصر كما تقدم ،وهو قول الوزاعي .وأمبا إذا صبلى فبي جماعبة فهبل
يعيد في جماعة أخرى؟ فأكثر الفقهاء على أنه ل يعيد ،منهم مالك وأبو حنيفة ،وقببال
بعضهم :بل يعيد ،وممن قببال بهببذا القببول أحمببد وداود وأهببل الظبباهر .والسبببب فببي
اختلفهم تعارض مفهوم الثار في ذلك ،وذلك أنه ورد عنه عليه الصلة والسلم أنه
قال "ل تصلي صلة في يوم مرتين" وروي عنه "أنه أمر الببذين صببلوا فببي جماعببة
أن يعيدوا مع الجماعة الثانية" وأيضا فإن ظاهر حديث بشر يوجب العادة على كببل
مصل إذا جاء المسجد ،فإن قوته قوة العموم ،والكببثر علببى أنببه إذا ورد العببام علببى
سبب خاص ل يقتصر به على سببه ،وصلة معاذ مع النبي عليببه الصببلة والسببلم،
ثم كان يؤم قومه في تلك الصلة فيه دليل علببى جبواز إعبادة الصبلة فبي الجماعبة،
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
فذهب الناس في هذه الثار مذهب الجمببع ومببذهب الترجيببح .أمببا مببن ذهببب مببذهب
الترجيح فإنه أخذ بعموم قوله عليه الصلة والسلم "ل تصلى صلة واحببدة فببي يببوم
مرتين" ولم يستثن من ذلك إل صلة المنفببرد فقببط لوقببوع التفبباق عليهببا .وأمببا مببن
ذهب مذهب الجمع فقالوا إن معنببى قببوله عليببه الصببلة والسببلم" :ل تصببلى صببلة
واحدة في يوم مرتين" إنما ذلك أن ل يصلي الرجل الصلة الواحببدة بعينهببا مرتيببن،
يعتقد في كل واحدة منهما أنها فرض ،بل يعتقد فببي الثانيببة أنهببا زائدة علببى الفببرض
ولكنه مأمور بها .وقال قوم :بببل معنببى هببذا الحببديث إنمببا هببو للمنفببرد :أعنببي أن ل
يصلي الرجل المنفرد صلة واحدة بعينها مرتين.
**4الفصل الثاني .في معرفة شببروط المامبة ،ومبن أولببى بالتقببديم ،وأحكبام المبام
الخاصة به .وفي هذا الفصل مسائل أربع:
@)-المسألة الولى( اختلفوا فيمن أولى بالمامة ،فقببال مالببك :يببؤم القببوم أفقههببم ل
أقرؤهم ،وبه قال الشبافعي ،وقبال أببو حنيفبة والثبوري وأحمبد :يبؤم القبوم أقرؤهبم.
والسبب في هذا الختلف اختلفهم في مفهوم قوله عليه الصلة والسلم "يؤم القببوم
أقرؤهم لكتاب ال فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسبنة ،فبإن كببانوا فببي السببنة
سواء فأقدمهم هجرة ،فإن كانوا في الهجرة سواء ،فأقببدمهم إسببلما ،ول يببؤم الرجببل
الرجل في سلطانه ول يقعد في بيته على تكرمته إل بإذنه" وهببو حببديث متفببق علببى
صحته لكن اختلف العلماء في مفهومه ،فمنهم من حمله على ظاهره وهو أبو حنيفببة.
ومنهم من فهم من القرأ ههنا الفقه .لنه زعم أن الحاجة إلى الفقه في المامة أمس
من الحاجة إلى القراءة ،وأيضا فإن القرأ مببن الصببحابة كببان هببو الفقببه ضببرورة،
وذلك بخلف ما عليه الناس اليوم.
@)-المسألة الثانية( اختلف النبباس فببي إمامببة الصبببي الببذي لببم يبلببغ الحلببم إذا كببان
قارئا ،فأجاز ذلك لعموم )هذا الثر( }ما بين القوسين زائدة في النسخة المصرية مببع
أنه لم يذكر أثرا ،فلهذا نبهنا على زيادته{ ولحديث عمرو بن سلمة أنه كان يؤم قومه
وهو صبي .ومنع ذلك قوم مطلقا ،وأجازه قوم في النفل ،ولم يجيزوه فببي الفريضببة،
وهو مروي عن مالك .وسبب الخلف في ذلك هل يؤم أحببد فببي صببلة غيببر واجبببة
عليه من وجبت عليه؟ ،وذلك لختلف نية المام والمأموم؟.
@)-المسألة الثالثة( اختلفوا في إمامة الفاسببق ،فردهببا قببوم بببإطلق ،وأجازهببا قببوم
بإطلق ،وفرق قوم بين أن يكون فسقه مقطوعا بببه أو غيببر مقطببوع بببه ،فقببالوا :إن
كان فسقه مقطوعا به أعاد الصلة المصلي وراءه أبدا ،وإن كان مظنونا استحبت له
العادة في الوقت ،وهذا الذي اختاره البهري تأول على المذهب ،ومنهببم مببن فببرق
بين أن يكون فسقه بتأويل أو يكون بغير تأويل مثل الذي يشرب النبيذ ويتبأول أقبوال
أهل العراق ،فأجازوا الصلة وراء المتأول ولم يجيزوها وراء غير المتأول .وسبببب
اختلفهم في هذا أنه شيء مسكوت عنبه فبي الشبرع ،والقيبباس فيبه متعبارض .فمبن
رأى أن الفسق لما كان ل يبطل صحة الصلة ولم يكن من يحتاج المببأموم إمببامه إل
صحة صلته فقط علببى قببول مببن يببرى أن المببام يحمببل عببن المببأموم أجبباز إمامببة
الفاسق ،ومن قاس المامة على الشهادة واتهم الفاسق أن يكون يصببلي صببلة فاسببدة
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
كما يتهم في الشهادة أن يكذب لم يجز إمامته ،ولذلك فببرق قببوم بيببن أن يكببون فسببقه
بتأويل أو بغير تأويببل ،وإلببى قريببب مببن هببذا يرجببع مببن فببرق بيببن أن يكببون فسببقه
مقطوعا به أو غير مقطببوع بببه ،لنببه إذا كببان مقطوعببا بببه فكببأنه غيببر معببذور فببي
تأويله ،وقبد رام أهبل الظباهر أن يجيبزوا إمامببة الفاسببق بعمببوم قبوله عليبه الصبلة
والسببلم "يببؤم القببوم أقرؤهببم" قببالوا :فلببم يسببتثن مببن ذلببك فاسببقا مببن غيببر فاسببق،
والحتجاج بالعموم في غير المقصود ضعيف ،ومنهم من فببرق بيببن أن يكببون فسببقه
في شروط صحة الصلة ،أو في أمور خارجة عن الصلة بناء علبى أن المبام إنمبا
يشترط فيه وقوع صلته صحيحة.
@)-المسألة الرابعة( اختلفوا في إمامة المرأة ،فالجمهور على أنه ل يجببوز أن تببؤم
الرجال واختلفوا في إمامتها النساء ،فأجاز ذلك الشافعي ،ومنع ذلببك مالببك وشببذ أبببو
ثور والطبري ،فأجازا إمامتها علبى الطلق ،وإنمبا اتفبق الجمهبور علبى منعهبا أن
تؤم الرجال ،لنه لو كان جائزا لنقل ذلك عن الصدر الول ،ولنببه أيضببا لمببا كببانت
سنتهن في الصلة التأخير عن الرجال علم أنه ليس يجوز لهببن التقببدم عليهببم ،لقببوله
عليه الصلة والسببلم "أخروهببن حيببث أخرهببن البب" ولببذلك أجبباز بعضببهم إمامتهببا
النساء إذ كن متساويات في المرتبة في الصلة ،مع أنببه أيضبا نقبل ذلبك عببن بعببض
الصدر الول ،ومن أجاز إمامتهببا فإنمبا ذهبب إلبى مببا رواه أبببو داود مببن حببديث أم
ورقة "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يزورهببا فببي بيتهببا وجعببل لهببا مؤذنببا
يؤذن لهببا ،وأمرهببا أن تببؤم أهببل دارهببا" وفببي هببذا الببباب مسبائل كببثيرة أعنبي مببن
اختلفهم في الصفات المشترطة في المببام تركنببا ذكرهببا لكونهببا مسببكوتا عنهببا فببي
الشرع .قال القاضي :وقصدنا في هذا الكتبباب إنمببا هببو ذكببر المسببائل المسببموعة أو
ماله تعلق قريب بالمسموع.
@)-وأما أحكام المام الخاصة به( فإن في ذلك أربعة مسائل متعلقة بالسمع :إحداها
هل يببؤمن المببام إذا فببرغ مببن قببراءة أم القببرآن؟ أم المببأموم هببو الببذي يببؤمن فقببط.
والثانية مببتى يكبببر تكبببيرة الحببرام؟ والثالثببة إذا أرتببج عليببه هببل يفتببح عليببه أم ل؟
والرابعة هل يجوز أن يكون موضعه أرفع من موضببع المببأمومين .فأمببا هببل يببؤمن
المام إذا فرغ مببن قببراءة أم الكتبباب ،فببإن مالكببا ذهببب فببي روايببة ابببن القاسببم عنببه
والمصريين أنه ل يؤمن ،وذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يؤمن كالمأموم سواء ،وهي
رواية المدنيين عن مالك ،وسبب اختلفهم أن في ذلببك حببديثين متعارضببي الظبباهر:
أحدهما حديث أبي هريرة المتفق عليه في الصحيح أنه قال :قال رسول ال صلى ال
عليه وسلم "إذا أمن المام فأمنوا" والحديث الثاني ما خرجه مالببك عببن أبببي هريببرة
أيضببا أنببه قببال عليببه الصببلة والسببلم "إذا قببال المببام غيببر المغضببوب عليهببم ول
الضالين فقولوا أمين" فأما الحديث الول فهو نص فببي تببأمين المببام .وأمببا الحببديث
الثاني فيستدل منه على أن المام ل يؤمن ،وذلك أنه لو كان يؤمن لمببا أمببر المببأموم
بالتأمين عند الفراغ من أم الكتبباب قبببل أن يببؤمن المببام ،لن المببام كمببا قببال عليببه
الصلة والسلم "إنما جعل المام ليؤتم به" إل أن يخص هذا من أقوال المام :أعني
أن يكون للمأموم أن يؤمن معببه أو قبلببه ،فل يكببون فيببه دليببل علببى حكببم المببام فببي
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
التأمين ،ويكون إنما تضمن حكم المأموم فقط ،لكن الذي يظهر أن مالكا ذهب مذهب
الترجيح للحديث الذي رواه لكون السبامع هبو المببؤمن ل الببداعي ،وذهبب الجمهببور
لترجيح الحديث الول لكببونه نصببا ،ولنببه ليببس فيببه شببيء مببن حكببم المببام ،وإنمببا
الخلف بينه وبين الحديث الخر في موضببع تببأمين المببأموم فقببط ل فببي هببل يببؤمن
المام أو ل يؤمن فتأمل هببذا .ويمكببن أيضببا أن يتببأول الحببديث الول بببأن يقببال :إن
معنى قوله "فإذا أمن فببأمنوا" أي إذا بلببغ موضببع التببأمين ،وقببد قيببل إن التببأمين هببو
الدعاء وهذا عدول عن الظاهر لشيء غير مفهوم مببن الحببديث إل بقيبباس :أعنببي أن
يفهم من قوله "فإذا قببال غيببر المغضببوب عليهببم ول الضببالين فببأمنوا" أنببه ل يببؤمن
المام .وأما متى يكبر المام فإن قوما قالوا :ل يكبببر إل بعببد تمببام القامببة واسببتواء
الصفوف ،وهو مذهب مالك والشافعي وجماعة .وقوم قالوا :إن موضببع التكبببير هببو
قبل أن يتم القامة ،واستحسببنوا تكبببيره عنببد قببول المببؤذن قببد قببامت الصببلة ،وهببو
مذهب أبي حنيفة والثوري وزفر .وسبببب الخلف فببي ذلببك تعببارض ظبباهر حببديث
أنس وحديث بلل .أما حديث أنس فقال" :أقبل علينا رسول ال صلى ال عليه وسببلم
قبببل أن يكبببر فببي الصببلة فقببال :أقيمببوا صببفوفكم وتراصببوا فببإني أراكببم مببن وراء
ظهري" وظاهر هذا أن الكلم منه كان بعد الفببراغ مببن القامبة ،مثبل مبا روي عبن
عمر أنه كان إذا تمت القامة واستوت الصفوف حينئذ يكبر .وأمببا حببديث بلل فببإنه
روى "أنه كان يقيم للنبي صببلى الب عليببه وسببلم ،فكبان يقببول لببه :يبا رسببول الب ل
تسبقني بآمين" خرجه الطحاوي .قالوا :فهذا يدل على أن رسول ال صببلى الب عليببه
وسلم كان يكبر والقامة لم تتم .وأما اختلفهم في الفتح علببى المببام إذا أرتببج عليببه،
فإن مالكا والشافعي وأكثر العلماء أجازوا الفتح عليه ،ومنببع ذلببك الكوفيببون .وسبببب
الخلف في ذلك اختلف الثار ،وذلك "أنه روي أن رسول ال صلى ال عليه وسلم
تردد في آية ،فلما انصرف قال :أين أبي ألم يكبن فبي القبوم؟" أي يريبد الفتبح عليبه.
وروي عنه عليه الصلة والسلم أنه قال "ل يفتح على المام" والخلف في ذلك في
الصدر الول ،والمنببع مشببهور عببن علببي ،والجببواز عببن ابببن عمببر مشببهور .وأمببا
موضع المام فإن قوما أجازوا أن يكون أرفع مببن موضببع المببأمومين ،وقببوم منعببوا
ذلك ،وقوم استحبوا من ذلببك اليسببير ،وهببو مببذهب مالببك .وسبببب الخلف فببي ذلببك
حديثان متعارضان :أحدهما الحديث الثابت" :أنه عليه الصلة والسلم أم الناس على
المنبر ليعلمهم الصلة ،وأنه كان إذا أراد أن يسجد نزل من على المنبببر"والثبباني مببا
رواه أبو داود أن حذيفة أم الناس على دكان ،فأخذ ابن مسعود بقميصبه فجبذبه ،فلمبا
فرغ من صلته قال :ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عبن ذلببك ،أو ينهببى عبن ذلبك؟ .وقببد
اختلفوا هل يجب على المام أن ينوي المامة أم ل؟ فبذهب قببوم إلببى أنببه ليببس ذلببك
بواجب عليه لحديث ابن عباس أنه أقام إلى جنب رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد
دخوله في الصلة ،ورأى قببوم أن هببذا محتمببل ،وأنببه لبببد مببن ذلببك إذا كببان يحمببل
بعض أفعال الصلة عن المبأمومين ،وهبذا علبى مببذهب مببن يبرى أن المبام يحمببل
فرضا أو نفل عن المأمومين.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
**4الفصل الثالث .في مقام المأموم من المام ،والحكام الخاصة بالمببأمومين .وفببي
هذا الباب خمس مسائل:
@)-المسألة الولى( اتفق جمهور العلماء على أن سنة الواحد المنفرد أن يقببوم عببن
يمين المام لثبوت ذلك من حديث اببن عبباس وغيببره ،وأنهبم إن كبانوا ثلثببة سببوى
المام قاموا وراءه ،واختلفوا إذا كانا اثنين سوى المام ،فذهب مالببك والشببافعي إلببى
أنهما يقومان خلف المام .وقببال أبببو حنيفببة وأصببحابه والكوفيببون :بببل يقببوم المببام
بينهما .والسبب في اختلفهم أن في ذلك حديثين متعارضين :أحدهما حديث جابر بن
عبد ال قال" :قمت عن يسار رسول ال صلى ال عليه وسببلم ،فأخببذ بيببدي فببأدارني
حتى أقامني عن يمينه ،ثم جاء جابر بن صخر فتوضأ ،ثم جاء فقام عن يسار رسول
ال صلى ال عليه وسلم فأخذ بأيدينا جميعا ،فدفعنا حتى قمنا خلفه" والحببديث الثبباني
حديث ابن مسعود أنه صلى بعلقمة والسود فقام وسطهما ،وأسنده إلببى النبببي صببلى
ال عليه وسلم قال أبو عمر :واختلببف رواة هببذا الحببديث ،فبعضببهم أوقفببه وبعضببهم
أسنده ،والصحيح أنه موقوف ،وأما أن سنة المرأة أن تقف خلببف الرجببل أو الرجببال
إن كان هنالك رجل سوى المام ،أو خلف المام إن كانت وحدها ،فل أعلم في ذلببك
خلفا لثبوت ذلك من حديث أنس البذي خرجبه البخباري "أن النببي صبلى الب عليبه
وسلم صلى به وبأمه أو خالته ،قال :فأقامني عببن يمينببه وأقببام المببرأة خلفنببا" والببذي
خرجه عنه أيضا مالك أنه قببال "فصببففت أنببا واليببتيم وراءه عليببه الصببلة والسببلم،
والعجوز من ورائنا" وسنة الواحد عند الجمهور أن يقف عن يمين المام لحديث ابن
عباس حين بات عند ميمونة .وقال قببوم :بببل عببن يسبباره ،ول خلف فببي أن المببرأة
الواحدة تصلي خلف المام ،وأنها إن كانت مع الرجل صلى الرجل إلى جانب المام
والمرأة خلفه.
@)-المسألة الثانية( أجمع العلماء على أن الصف الول مرغب فيه ،وكذلك تببراص
الصفوف وتسويتها لثبوت المر بذلك عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ،واختلفببوا
إذا صلى إنسان خلف الصف وحده ،فالجمهور على أن صببلته تجببزئ .وقببال أحمببد
وأبو ثبور وجماعبة صبلته فاسبدة .وسببب اختلفهبم اختلفهبم فبي تصبحيح حبديث
وابصة ومخالفة العمل له ،وحببديث وابصببة هببو أنببه قببال عليبه الصببلة والسببلم "ل
صلة لقائم خلف الصف" وكان الشافعي يرى أن هذا يعارضه قيببام العجببوز وحببدها
خلف الصف في حديث أنس .وكان أحمد يقول :ليس في ذلك حجة ،لن سنة النسبباء
هي القيام خلف الرجال .وكان أحمد كما قلنا يصحح حديث وابصة .وقال غيره :هببو
مضطرب السناد ل تقوم به حجة .واحتج الجمهور بحديث أبي بكرة أنببه ركببع دون
الصف فلم يأمره رسول ال صلى ال عليه وسلم بالعادة وقال له "زادك ال حرصا
ول تعد" ولو حمل هذا على الندب لم يكن تعارض :أعني بين حديث وابصة وحديث
أبي بكرة.
@)-المسألة الثالثة( اختلف الصدر الول في الرجل يريد الصلة فيسمع القامة هل
يسرع المشي إلى المسجد أم ل مخافة أن يفوته جزء من الصلة؟ فروي عن عمببرو
وابن مسعود أنهم كانوا يسرعون المشي إذا سمعوا القامة .وروي عن زيد بن ثابت
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وأبي ذر وغيرهم من الصببحابة أنهببم كببانوا ل يببرون السببعي ،بببل أن تببؤتى الصببلة
بوقار وسكينة ،وبهذا القول قال فقهاء المصار لحديث أبي هريرة الثببابت "إذا ثببوب
بالصلة فل تأتوها وأنتم تسببعون ،وأتوهببا وعليكببم السببكينة" ويشبببه أن يكببون سبببب
الخلف في ذلك أنه لم يبلغهم هذا الحديث أو رأوا أن الكتبباب يعارضببه لقببوله تعببالى
}فاستبقوا الخيرات{ وقوله }السبابقون السبابقون أولئك المقرببون{ وقبوله }وسبارعوا
إلى مغفرة من ربكم{ .
وبالجملة فأصول الشرع تشهد بالمبادرة إلى الخير ،لكن إذا صببح الحببديث وجببب أن
تستثنى الصلة من بين سائر أعمال القرب.
@)-المسألة الرابعة( متى يستحب أن يقام إلى الصلة ،فبعببض استحسببن البببدء فببي
أول القامة على الصل في الترغيب في المسببارعة ،وبعببض عنببد قببوله :قببد قببامت
الصلة ،وبعضهم عند حي على الفلح ،وبعضهم قال :حتى يببروا المببام ،وبعضببهم
لم يحد في ذلك حدا كمالك رضي ال عنببه ،فببإنه وكببل ذلببك إلببى قببدر طاقببة النبباس،
وليس في هذا شرع مسموع إل حديث أبي قتادة أنه قال عليببه الصببلة والسببلم" :إذا
أقيمت الصلة فل تقوموا حتى تروني" فإن صح هذا وجب العمل بببه ،وإل فالمسببألة
باقية على أصلها المعفو عنه :أعني أنه ليس فيها شرع ،وأنه متى قام كل فحسن.
@)-المسألة الخامسة( ذهب مالك وكثير من العلماء إلى أن الببداخل وراء المببام إذا
خاف فوات الركعة بأن يرفع المام رأسببه منهببا إن تمببادى حببتى يصببل إلببى الصببف
الول أن له أن يركع دون الصف الول ثم يدب راكعا ،وكره ذلك الشببافعي ،وفببرق
أبو حنيفة بين الجماعة والواحد ،فكرهبه للواحبد ،وأجبازه للجماعببة .ومبا ذهببب إليبه
مالك مروي عن زيد بن ثابت وابن مسعود .وسبب اختلفهم اختلفهببم فببي تصببحيح
حديث أبي بكرة ،وهو "أنه دخل المسجد ورسول الب صبلى الب عليبه وسبلم يصبلي
بالناس وهم ركوع ،فركع ثم سعى إلى الصف ،فلما انصرف رسببول ال ب صببلى ال ب
عليه وسلم قال :من الساعي؟ قال أبو بكرة أنا ،قال :زادك ال حرصا ول تعد".
**3الفصل الرابع .في معرفة ما يجب على المأموم أن يتبع فيه المام.
@-وأجمع العلماء علببى أنببه يجببب علببى المببأموم أن يتبببع المببام فببي جميببع أقببواله
وأفعاله إل في قوله :سمع ال لمن حمده ،وفي جلوسه إذا صلى جالسببا لمببرض عنببد
من أجاز إمامة الجالس .وأما اختلفهببم فببي قببوله سببمع الب لمببن حمببده ،فببإن طائفببة
ذهبت إلى أن المام يقببول إذا رفببع رأسبه مببن الركببوع :سببمع الب لمبن حمببده فقببط،
ويقببول المبأموم :ربنببا ولببك الحمبد فقبط ،وممبن قبال بهبذا القبول مالببك وأبببو حنيفبة
وغيرهما .وذهبت طائفة أخرى إلى أن المام والمأموم يقولن جميعا سبمع الب لمببن
حمده ربنا ولك الحمد ،وإن المأموم يتبع فيهما معا المام كسائر التكبببير سببواء .وقببد
روي عن أبي حنيفة أن المنفبرد والمببام يقولنهمبا جميعبا ،ول خلف فببي المنفببرد:
أعني أنه يقولهمببا جميعببا .وسبببب الختلف فببي ذلببك حببديثان متعارضببان :أحببدهما
حديث أنس أن النبي صلى ال عليه وسلم قال "إنما جعل المام ليؤتم بببه ،فببإذا ركببع
فاركعوا ،وإذا رفع فارفعوا ،وإذا قال سمع ال لمن حمده فقولببوا :ربنببا ولببك الحمببد"
والحديث الثاني حديث ابن عمر "أنه صلى ال عليه وسلم كان إذا افتتح الصلة رفببع
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
يديه حذو منكبيه ،وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهمببا أيضببا كببذلك وقببال :سببمع الب
لمن حمده ربنا ولك الحمد" فمن رجح مفهوم حديث أنس قال :ل يقول المببأموم سبمع
ال لمن حمده ول المام ربنا ولك الحمد ،وهو مببن ببباب دليببل الخطبباب ،لنببه جعببل
حكم المسكوت عنه بخلف حكم المنطوق به .ومن رجح حديث ابن عمر قال :يقببول
المام ربنا ولك الحمد ،ويجب على المأموم أن يتبع المببام فببي قببوله سببمع الب لمببن
حمده لعموم قوله "إنما جعل المام ليؤتم به" ومن جمع بين الحبديثين فبرق فبي ذلبك
بين المام والمأموم .والحق في ذلك أن حديث أنس يقتضي بدليل الخطاب أن المببام
ل يقول ربنا ولك الحمد ،وأن المأموم ل يقول سمع ال لمن حمده .وحديث ابن عمببر
يقتضببي نصببا أن المببام يقببول ربنببا ولببك الحمببد ،فل يجببب أن يببترك النببص بببدليل
الخطبباب فببإن النببص أقببوى مببن دليببل الخطبباب .وحببديث أنببس يقتضببي بعمببومه أن
المأموم يقول :سمع ال لمن حمده بعموم قببوله "إنمببا جعبل المبام ليبؤتم بببه" وبببدليل
خطابه أن ل يقولها ،فببوجب أن يرجببح بيببن العمببوم ودليببل الخطبباب ،ول خلف أن
العموم أقوى من دليل الخطاب ،لكن العموم يختلف أيضا في القوة والضعف ،ولببذلك
ليس يبعد أن يكون بعض أدلة الخطاب أقوى من بعض أدلة العموم فالمسألة لعمببري
اجتهادية :أعني في المأموم.
@)-وأما المسألة الثانية( وهي صلة القائم خلف القاعد ،فإن حاصل القببول فيهببا أن
العلماء اتفقوا على أنه ليس للصحيح أن يصلي فرضا قاعدا إذا كان منفببردا أو إمامببا
لقوله تعالى }وقوموا ل قانتين{ واختلفوا إذا كان المأموم صحيحا فصببلى خلببف إمببام
مريض يصلي قاعدا على ثلثة أقوال :أحدها أن المأموم يصلي خلفببه قاعببدا ،وممببن
قال بهذا القول أحمد وإسحق ،والقول الثاني أنهم يصلون خلفه قيامببا .قببال أبببو عمببر
بن عبد البببر :وعلببى هببذا جماعببة فقهبباء المصببار الشببافعي وأصببحابه وأبببو حنيفببة
وأصحابه وأهل الظاهر وأبو ثور وغيرهم ،وزاد هببؤلء فقببال يصببلون وراءه قيامببا
وإن كان ل يقوى على الركوع والسجود بل يببؤمئ إيمبباء .وروى ابببن القاسببم أنببه ل
تجوز إمامة القاعد وأنه إن صلوا خلفه قياما أو قعودا بطلت صلتهم ،وقد روي عن
مالك أنهم يعيدون الصلة في الوقت ،وهببذا إنمببا بنببي علببى الكراهببة ل علببى المنببع،
والول هببو المشببهور عنببه .وسبببب الختلف تعببارض الثببار فببي ذلببك ومعارضببة
العمببل للثببار :أعنببي عمببل أهببل المدينببة عنببد مالببك ،وذلببك أن فببي ذلببك حببديثين
متعارضين :أحدهما حديث أنس ،وهو قوله عليه الصلة والسلم "وإذا صببلى قاعببدا
فصلوا قعودا" وحديث عائشة في معناه ،وهو "أنه صلى صلى ال عليببه وسببلم وهببو
شاك جالسا وصلى وراءه قوم قياما فأشار إليهم أن اجلسوا فلمببا انصببرف قببال "إنمببا
جعل المام ليؤتم به ،فإذا ركع فاركعوا ،وإذا رفع فارفعوا ،وإذا صلى جالسا فصلوا
جلوسا" والحديث الثاني حديث عائشة "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم خرج فببي
مرضببه الببذي تببوفي منببه ،فببأتى المسببجد فوجببد أبببا بكببر وهببو قببائم يصببلي بالنبباس،
فاستأخر أبو بكر فأشار إليه رسول ال صببلى الب عليببه وسببلم أن كمببا أنببت ،فجلببس
رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى جنبب أببي بكببر ،فكببان أبببو بكبر يصبلي بصبلة
رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وكان الناس يصلون بصلة أبي بكر" فذهب النبباس
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
في هذين الحديثين مذهبين :مذهب النسخ ،ومذهب الترجيبح .فأمببا مببن ذهببب مببذهب
النسخ فإنهم قالوا :إن ظاهر حديث عائشة وهو "أن النبي عليه الصلة والسببلم كببان
يؤم النبباس ،وأن أبببا بكببر كبان مسبمعا" لنببه ل يجببوز أن يكببون إمامبان فبي صبلة
واحدة ،وإن الناس كانوا قياما ،وإن النبي عليه الصلة والسبلم كببان جالسبا ،فببوجب
أن يكون هذا من فعله عليه الصلة والسلم ،إذ كان آخر ما فعله ناسخا لقببوله وفعلببه
المتقدم .وأما من ذهب مذهب الترجيح فإنهم رجحوا حببديث أنببس بببأن قببالوا إن هببذا
الحديث قد اضطربت الرواية عن عائشة فيه فيمن كان المام ،هل رسول الب صبلى
ال عليه وسلم أو أبو بكر؟ .وأما مالك فليس له مستند من السماع ،لن كل الحببديثين
اتفقا على جواز إمامة القاعد ،وإنما اختلفا في قيام المببأموم أو قعببوده ،حببتى إنببه لقببد
قال أبو محمد بن حزم إنه ليس في حديث عائشة أن الناس صلوا ل قياما ول قعودا،
وليس يجب أن يترك المنصوص عليه لشيء لم ينص عليه .قال أبو عمر :وقببد ذكببر
أبو المصعب في مختصره عن مالك أنه قببال :ل يببؤم النبباس أحببد قاعببدا ،فببإن أمهببم
قاعدا فسدت صلتهم وصلته لن النبي صببلى الب عليببه وسببلم قببال "ل يببؤمن أحببد
بعدي قاعدا" قال أبو عمر وهذا حديث ل يصح عند أهل العلم بالحديث ،لنببه يرويببه
جابر الجعفي مرسل ،وليس بحجة فيما أسند فكيف فيما أرسل؟ وقد روى ابن القاسببم
عن مالك أنه كان يحتج بما رواه ربيعة بن أبي عبد الرحمببن "أن رسببول ال ب صببلى
ال عليه وسلم خرج وهو مريض ،فكان أبو بكر هو المام ،وكان رسول ال ب صببلى
ال عليه وسلم يصلي بصلة أبي بكر وقال :ما مات نبي حتى يؤمه رجل مببن أمتببه"
وهذا ليس فيه حجة إل أن يتوهم أنه ائتم بأبي بكر لنه ل تجوز صلة المام القاعد،
وهذا ظن ل يجب أن يترك له النص مع ضعف هذا الحديث.
**4الفصل الخامس في صفة التباع.
@-وفيه مسئلتان :إحداهما في وقت تكبيرة الحرام للمأموم ،والثانيببة فببي حكببم مببن
رفع رأسه قبل المام .أما اختلفهم في وقت تكبير المببأموم ،فببإن مالكببا استحسببن أن
يكبر بعد فراغ المام من تكبيرة الحرام ،قال :وإن كبر معه أجزأه ،وقد قيببل إنببه ل
يجزئه ،وأما إن كبر قبله فل يجزئه .وقال أبو حنيفة :وغيره يكبر مع تكبيرة المببام،
فإن فرغ قبله لم يجزه .وأما الشافعي فعنه في ذلك روايتان :إحداهما مثل قببول مالببك
وهو الشهر .والثانية أن المأموم إن كبر قببل المبام أجبزأه .وسببب الخلف أن فبي
ذلك حبديثين متعارضببين :أحببدهما قبوله عليببه الصببلة والسببلم "فببإذا كبببر فكبببروا"
والثاني ما روي "أنه عليه الصلة والسلم كبر في صببلة مببن الصببلوات ،ثببم أشببار
إليهم أن امكثوا فذهب ثم رجع وعلى رأسه أثر الماء" فظاهر هذا أن تكبيره وقع بعد
تكبيرهم لنه لم يكن له تكبير أول لمكان عدم الطهارة ،وهو أيضا مبني علببى أصببله
أن صلة المأموم غير مرتبطة بصلة المام ،والحديث ليس فيببه ذكببر هببل اسببتأنفوا
التكبير أو لم يستأنفوه ،فليس ينبغي أن يحمل على أحدهما إل بتوقيف ،والصببل هببو
التباع وذلك ل يكون إل بعد أن يتقدم المام إما بالتكبير وإما بافتتاحه .وأما من رفع
رأسه قبل المام فإن الجمهور يرون أنه أساء ولكن صلته جائزة ،وأنبه يجبب عليبه
أن يرجع فيتبع المام .وذهب قوم إلى أن صلته تبطل للوعيد الببذي جبباء فببي ذلببك،
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وهو قوله عليه الصلة والسلم "أما يخاف الذي يرفع رأسه قبل المام أن يحول الب
رأسه رأس حمار"؟.
**4الفصل السادس فيما حمله المام عن المأمومين.
@-واتفقوا على أنه ل يحمل المام عن المأموم شببيئا مببن فببرائض الصببلة مببا عببدا
القراءة ،فإنهم اختلفوا في ذلك على ثلثة أقببوال :أحببدها أن المببأموم يقبرأ مببع المببام
فيما أسر فيه ول يقرأ معه فيما جهر به .والثاني أنه ل يقرأ معه أصل .والثببالث أنببه
يقرأ فيما أسر أم الكتاب وغيرهببا ،وفيمببا جهببر أم الكتبباب فقببط ،وبعضببهم فببرق فببي
الجهر بين أن يسمع قراءة المببام أو ل يسببمع ،فببأوجب عليببه القببراءة إذا لببم يسببمع،
ونهاه عنها إذا سمع ،وبالول قال مالك ،إل أنه يستحسببن لببه القببراءة فيمببا أسببر فيببه
المام .وبالثاني قال أبو حنيفة ،وبالثالث قال الشافعي ،والتفرقببة بيببن أن يسببمع أو ل
يسمع هو قول أحمد بن حنبل .والسبب في اختلفهم اختلف الحاديث في هذا الباب
وبناء بعضها على بعض ،وذلك أن في ذلك أربعة أحاديث :أحدها قوله عليه الصلة
والسلم "ل صلة إل بفاتحة الكتاب" ومبا ورد مبن الحباديث فبي هبذا المعنبى ممببا
ذكرناه في باب وجوب القراءة .والثاني ما روى مالك عببن أبببي هريببرة؟ أن رسببول
ال صلى ال عليه وسلم انصرف من صلة جهر فيها بالقراءة فقببال :هببل قببرأ معببي
منكم أحد آنفا ،فقال رجل :نعم أنا يا رسول البب ،فقببال رسببول البب :إنببي أقببول مببالي
أنازع القرآن" فانتهى الناس عن القراءة فيما جهببر فيببه رسببول الب صببلى الب عليببه
وسلم .والثالث حديث عبادة بببن الصببامت قببال "صببلى بنببا رسببول الب صببلة الغببداة
فثقلت عليه القراءة .فلما انصرف قال :إني لراكم تقرءون وراء المببام ،قلنببا :نعببم،
قال :فل تفعلوا إل بأم القرآن" قال أببو عمبر ،وحبديث عببادة ببن الصبامت هنبا مبن
رواية مكحول وغيره متصل السند صحيح .والحديث الرابع حديث جببابر عببن النبببي
عليه الصلة والسلم قال "من كان له إمام فقراءته له قراءة" وفي هذا أيضببا حببديث
خامس صححه أحمد بن حنبل ،وهو ما روي أنه قال عليه الصلة والسببلم "إذا قببرأ
المام فأنصتوا" فاختلف الناس في وجه جمع هذه الحاديث .فمن الناس مببن اسببتثنى
من النهي عن القراءة فيما جهر فيه المام قراءة أم القرآن فقط على حديث عبادة بببن
الصامت .ومنهم مبن اسبتثنى مبن عمبوم قبوله عليبه الصبلة والسبلم "ل صبلة إل
بفاتحة الكتاب" المأموم فقط في صلة الجهر لمكان النهببي الببوارد عببن القببراءة فيمببا
جهر فيه المام في حببديث أبببي هريببرة ،وأكببد ذلببك بظبباهر قببوله تعببالى }وإذا قببرئ
القرآن فاستمعوا لببه وأنصببتوا لعلكببم ترحمببون{ قببالوا :وهببذا إنمببا ورد فببي الصببلة.
ومنهم من استثنى القراءة الواجبة على المصلي المأموم فقببط سببرا كببانت الصببلة أو
جهرا ،وجعل الوجوب الوارد في القراءة في حق المام والمنفببرد فقببط مصببيرا إلببى
حديث جابر ،وهو مذهب أبي حنيفة ،فصار عنده حديث جابر مخصصا لقببوله عليببه
الصلة والسلم "واقرأ ما تيسر معك فقط" لنه ل يرى وجوب قراءة أم القببرآن فببي
الصلة ،وإنما يرى وجببوب القببراءة مطلقببا علببى مببا تقببدم ،وحببديث جببابر لببم يببروه
مرفوعا إل جابر الجعفي ،ول حجة في شببيء ممببا ينفببرد بببه .قببال أبببو عمببر :وهببو
حديث ل يصح إل مرفوعا عن جابر.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
**4الفصل السابع .في الشياء التي إذا فسدت لهببا صببلة المببام يتعببدى الفسبباد إلببى
المأمومين.
@-واتفقوا على أنه إذا طرأ عليببه الحببدث فببي الصببلة فقطببع أن صببلة المببأمومين
ليست تفسد .واختلفوا إذا صلى بهم وهو جنب وعلموا بذلك بعد الصببلة ،فقببال قببوم:
صلتهم صحيحة ،وقال قوم :صلتهم فاسدة ،وفرق قوم بين أن يكببون المببام عالمببا
بجنابته أو ناسيا لها ،فقالوا إن كان عالما فسببدت صببلتهم ،وإن كببان ناسببيا لببم تفسببد
صلتهم ،وبالول قال الشافعي ،وبالثاني قال أبو حنيفة ،وبالثالث قال مالببك .وسبببب
اختلفهم هل صببحة انعقبباد صببلة المببأموم مرتبطببة بصببحة صببلة المببام أم ليسببت
مرتبطببة؟ فمببن لببم يرهببا مرتبطببة قببال :صببلتهم جببائزة ،ومببن رآهببا مرتبطببة قببال:
صلتهم فاسدة ،ومن فرق بين السهو والعمد قصد إلى ظاهر الثر المتقدم وهو "أنببه
عليه الصلة والسلم كبر في صلة من الصلوات ،ثم أشار إليهببم أن امكثبوا ،فببذهب
ثم رجع وعلى جسمه أثر الماء" فإن ظاهر هببذا أنهببم بنببوا علببى صببلتهم والشببافعي
يرى أنه لو كانت الصلة مرتبطة للزم أن يبدءوا بالصلة مرة ثانية.
**3الباب الثالث من الجملة الثالثة.
@-والكلم المحيط بقواعد هذا الباب منحصر في أربعة فصول :الفصل الول :فببي
وجوب الجمعة وعلببى مببن تجببب .الثبباني :فببي شببروط الجمعببة .الثببالث :فببي أركببان
الجمعة .الرابع :في أحكام الجمعة.
**4الفصل الول في وجوب الجمعة ومن تجب عليه.
@-أما وجوب صلة الجمعة على العيان فهو الذي عليه الجمهور لكونها بببدل مببن
واجب وهو الظهر ،ولظاهر قوله تعالى }يا أيهببا الببذين آمنبوا إذا نببودي للصبلة مببن
يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر ال وذروا البببيع{ والمببر علببى الوجببوب ،ولقببوله عليببه
الصلة والسلم "لينتهين أقوام عببن ودعهببم الجمعببات أو ليختمببن الب علببى قلببوبهم"
وذهب قوم إلى أنها من فروض الكفايات .وعن مالك رواية شاذة أنها سببنة .والسبببب
في هذا الختلف تشبيهها بصلة العيد لقوله عليه الصلة والسلم "إن هذا يوم جعله
ال عيدا" وأما على من تجب فعلى من وجدت فيه شببروط وجببوب الصببلة المتقدمببة
ووجد فيها زائدا عليها أربعة شروط اثنان باتفاق واثنببان مختلببف فيهمببا .أمببا المتفببق
عليهما فالذكورة والصحة ،فل تجب على امرأة ول علببى مريببض باتفبباق ،ولكببن إن
حضروا كانوا من أهل الجمعة .وأما المختلف فيهما فهما المسافر والعبد ،فببالجمهور
على أنه ل تجب عليهما الجمعة ،وداود وأصببحابه علببى أنببه تجببب عليهمببا الجمعببة.
وسبب اختلفهم اختلفهم في صحة الثر الوارد في ذلببك ،وهببو قببوله عليببه الصببلة
والسلم "الجمعة حق واجب على كل مسلم فببي جماعببة إل أربعببة :عبببد مملببوك .أو
امرأة .أو صبي أو مريض" وفي أخرى "إل خمسة"وفيببه "أو مسببافر" والحببديث لببم
يصح عند أكثر العلماء.
**4الفصل الثاني في شروط الجمعة.
@-وأما شروط الجمعة فاتفقوا على أنها شببروط الصببلة المفروضببة بعينهببا :أعنببي
الثمانية المتقدمة مبا عبدا الببوقت والذان ،فبإنهم اختلفببوا فيهمبا ،وكبذلك اختلفبوا فببي
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
شروطها المختصة بها .أما الوقت فإن الجمهور على أن وقتهببا وقببت الظهببر بعينببه:
أعني وقت الزوال ،وأنها ل تجوز قبل الزوال ،وذهب قوم إلى أنه يجببوز أن تصببلى
قبل الزوال وهو قول أحمد بن حنبل .والسبب فببي هببذا الختلف فببي مفهببوم الثببار
الواردة في تعجيل الجمعة مثل ما خرجه البخاري عن سهل بن سعد أنه قببال مببا كنببا
نتغدى على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم ول نقيل إل بعد الجمعببة .ومثببل مببا
روي أنهم كانوا يصلون وينصرفون وما للجدران أظلل ،فمن فهببم مببن هببذه الثببار
الصلة قبل الزوال أجاز ذلك ،ومن لم يفهم منهببا إل التكبببير فقببط لببم يجببز ذلببك لئل
تتعارض الصول في هذا الباب ،وذلك أنه قببد ثبببت مببن حببديث أنببس بببن مالببك "أن
النبي صلى ال عليه وسلم كان يصلي الجمعة حين تميل الشببمس" وأيضببا فإنهببا لمببا
كانت بدل من الظهر وجب أن يكون وقتها وقت الظهببر ،فببوجب مببن طريببق الجمببع
بين هذه الثار أن تحمل تلك على التبكير ،إذ ليست نصببا فببي الصببلة قبببل الببزوال،
وهو الذي عليه الجمهور.
وأما الذان فإن جمهور الفقهاء اتفقوا على أن وقته هو إذا جلس المببام علببى المنبببر
واختلفوا هل يؤذن بين يدي المام مؤذن واحد فقط أو أكثر من واحد؟ فذهب بعضهم
إلى أنه إنمببا يببؤذن بيببن يببدي المببام مببؤذن واحببد فقببط ،وهببو الببذي يحببرم بببه البببيع
والشراء .وقال آخرون :بل يؤذن اثنان فقط .وقال قوم :بل إنما يؤذن ثلثة .والسبببب
في اختلفهم اختلف الثار في ذلك ،وذلك أنه روى البخاري عن السائب ابببن يزيببد
أنه قال "كان النداء يوم الجمعة إذا جلس المببام علببى المنبببر علببى عهببد رسببول الب
صلى ال عليه وسلم وأبي بكر وعمر ،فلما كان زمان عثمان وكثر الناس زاد النببداء
الثالث على الزوراء" وروي أيضا عن السائب بن يزيد أنه قال "لم يكن يوم الجمعببة
لرسول ال صلى ال عليه وسلم إل مؤذن واحد" وروي أيضا عن سعيد بن المسببيب
أنه قال "كان الذان يوم الجمعة على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبي بكببر
وعمر أذانا واحدا حين يخرج المام فلما كان زمان عثمان وكثر النبباس فببزاد الذان
الول ليتهيأ الناس للجمعة" ورى ابن حبببيب "أن المببؤذنين كببانوا يببوم الجمعببة علببى
عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم ثلثة" فذهب قوم إلى ظاهر مببا رواه البخبباري،
وقالوا :يؤذن يوم الجمعة مؤذنان .وذهببب آخببرون إلببى أن المببؤذن واحببد فقببالوا :إن
معنى قوله :فلما كان زمان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث أن النداء الثاني هببو
القامة.
وأخذ آخرون بما رواه ابن حبيب ،وأحاديث ابن حبيب عند أهل الحديث ضببعيفة ول
سيما بما انفرد به .وأما شروط الوجوب والصحة المختصة ليوم الجمعة فبباتفق الكببل
على أن من شرطها الجماعة ،واختلفوا في مقدار الجماعة ،فمنهم من قال :واحد مببع
المام وهو الطبري .ومنهم من قال اثنان سوى المببام .ومنهببم مببن قببال :ثلثببة دون
المام ،وهو قول أبي حنيفة .ومنهم من اشترط أربعين ،وهو قببول الشببافعي وأحمببد.
وقال قوم ثلثين .ومنهم من لم يشترط عددا ،ولكن رأى أنه يجوز بما دون الربعين
ول يجوز بالثلثة والربعة ،وهو مذهب مالك ،وحدهم بأنهم الذين يمكببن أن تتقببرى
بهم قرية.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وسبب اختلفهم في هذا اختلفهم في أقل ما ينطلق عليه اسم الجمع هل ذلك ثلثة أو
أربعة أو اثنان ،وهل المام داخل فيهم أم ليس بداخل فيهم؟ وهل الجمع المشترط في
هذه الصلة هو أقل ما ينطلق عليه اسم الجمع في غالب الحوال ،وذلك هو أكثر من
الثلثة والربعة ،فمن ذهب إلى أن الشببرط فببي ذلببك هببو أقببل مببا ينطلببق عليببه اسببم
الجمع وكان عنده أن أقل ما ينطلق عليه اسم الجمع اثنان ،فإن كان ممببن يعببد المببام
في الجمع المشترط في ذلك قال تقوم الجمعة باثنين المام وواحد ثان ،وإن كان ممن
ل يرى أن يعد المام في الجمع قال تقوم باثنين سوى المام ،ومن كببان أيضببا عنببده
أن أقل الجمع ثلثة ،فإن كان ل يعد المام في جملتهم قال بثلثبة سبوى المبام ،وإن
كان ممن يعد المام في جملتهم وافق قول من قال أقل الجمع اثنان ولم يعد المام في
جملتهم .وأما من راعى ما ينطلق عليه في الكثر والعرف المستعمل اسم الجمع قال
ل تنعقد بالثنين ول بالربعة ولم يحد فببي ذلببك حببدا ،ولمببا كببان مببن شببرط الجمعببة
الستيطان عنده حد هذا الجمع بالقدر من الناس الذين يمكنهببم أن يسببكنوا علببى حببدة
من الناس وهو مالك رحمه ال .وأما من اشترط الربعين فمصيرا إلببى مببا روي أن
هذا العدد كان في أول جمعة صليت بالناس ،فهببذا هببو أحببد شببروط صببلة الجمعببة:
أعني شروط الوجوب وشروط الصحة فإن من الشروط ما هي شروط وجوب فقببط،
ومنها ما يجمع المريببن جميعببا :أعنببي أنهببا شببروط وجببوب وشببروط صببحة .وأمببا
الشرط الثاني وهو السببتيطان ،فببإن فقهبباء المصببار اتفقببوا عليببه لتفبباقهم علببى أن
الجمعة ل تجب على مسافر ،وخالف فبي ذلبك أهبل الظباهر ليجبابهم الجمعبة علبى
المسافر.
واشترط أبو حنيفة المصر والسلطان مع هذا ،ولم يشترط العدد .وسبب اختلفهم في
هذا الباب هو الحتمال المتطرق إلى الحوال الراتبة التي اقترنت بهذه الصببلة عنببد
فعله إياها صبلى الب عليبه وسبلم هبل هبي شبرط فبي صبحتها أو وجوبهبا أم ليسبت
بشرط؟ وذلك أنه لم يصببلها صبلى الب عليبه وسببلم إل فببي جماعبة ومصبر ومسببجد
جامع ،فمن رأى أن اقتران هذه الشياء بصلته مما يوجب كونها شبرطا فبي صبلة
الجمعة اشببترطها ،ومببن رأى بعضببها دون بعببض اشببترط ذلببك البعببض دون غيببره
كاشتراط مالك المسجد وتركه اشتراط المصر والسلطان ،ومن هببذا الوضببع اختلفببوا
في مسائل كثيرة من هذا الباب مثل اختلفهم هل تقام جمعتان في مصببر واحببد أو ل
تقام؟ والسبب في اختلفهم في اشتراط الحوال والفعال المقترنة بها هو كون بعض
تلك الحبوال أشبد مناسببة لفعبال الصبلة مبن بعبض ،ولبذلك اتفقبوا علبى اشبتراط
الجماعة ،إذ كان معلوما من الشرع أنها حال من الحوال الموجودة في الصلة ،ولم
ير مالك المصر ول السلطان شرطا فببي ذلببك لكببونه غيببر مناسببب لحببوال الصببلة
ورأى أن المسببجد شببرطا لكببونه أقببرب مناسبببة ،حببتى لقببد اختلببف المتببأخرون مببن
أصحابه هل من شرط المسجد السقف أم ل؟ وهل من شرطه أن تكون الجمعة راتبببة
فيه أم ل؟ وهذا كله لعله تعمق في هذا الباب ودين ال يسر .ولقائل أن يقول :إن هذه
لو كانت شروطا في صحة الصلة لما جاز أن يسكت عنهببا عليببه الصببلة والسببلم،
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
ول أن يترك بيانها لقوله تعالى }لتبين للناس ما نزل إليهم{ ولقوله تعببالى }لتبببين لهببم
الذي اختلفوا فيه{ وال المرشد للصواب.
**4الفصببل الثببالث فببي الركببان .اتفببق المسببلمون علببى أنهببا خطبببة وركعتببان بعببد
الخطبة ،واختلفوا في ذلك في خمس مسائل هي قواعد هذا الباب.
@)-المسألة الولبى( فبي الخطببة ،هبل هبي شبرط فبي صبحة الصبلة وركبن مببن
أركانها أم ل؟ فذهب الجمهور إلى أنها شرط وركن .وقال قوم :إنها ليسببت بفببرض،
وجمهور أصحاب مالك على أنها فرض إل ابن الماجشون .وسبب اختلفهم هو هببل
الصل المتقدم من احتمال كل ما اقترن بهببذه الصببلة أن يكببون مببن شببروطها أو ل
يكون .فمن رأى أن الخطبة حال من الحوال المختصة بهببذه الصببلة ،وبخاصببة إذا
توهم أنها عوض من الركعتين اللتين نقصببتا مببن هببذه الصببلة قببال :إنهببا ركببن مببن
أركان هذه الصلة وشرط في صحتها ،ومببن رأى أن المقصببود منهببا هببو الموعظببة
المقصودة من سائر الخطب رأى أنها ليست شرطا من شببروط الصببلة ،وإنمببا وقببع
خلف في هذه الخطبة هل هي فرض أم ل؟ لكونهببا راتبببة مببن سببائر الخطببب ،وقببد
احتج قوم لوجوبها بقوله تعالى }فاسعوا إلى ذكر ال{ وقالوا هو الخطبة.
@)-المسألة الثانية( واختلف الذين قالوا بوجوبها في القدر المجببزئ منهببا فقببال ابببن
القاسم :هو أقل ما ينطلق اسم خطبة في كلم العرب من الكلم المؤلف المبتدأ بحمببد
ال .وقال الشافعي :أقل ما يجزئ من ذلك خطبتان اثنتان يكون في كل واحدة منهمببا
قائما يفصل إحداهما من الخرى بجلسة خفيفة يحمببد الب فببي كببل واحببدة منهمببا فببي
أولها ويصلي على النبي ويوصي بتقوى ال ويقرأ شيئا من القرآن في الولى ويدعو
في الخرة والسبب في اختلفهم هو هل يجزئ من ذلك أقببل مببا ينطلببق عليببه السببم
اللغوي أو السم الشرعي ،فمن رأى أن المجزئ أقل ما ينطلق عليه السم اللغوي لم
يشترط فيها شيئا من القوال التي نقلت عنه صلى ال عليه وسلم فيها .ومببن رأى أن
المجزئ من ذلك أقل ما ينطلق عليه السم الشرعي اشترط فيها أصول القوال الببتي
نقلت من خطبه صلى ال عليه وسلم :أعني القوال الراتبة الغير مبتذلة .والسبب في
هذا الختلف أن الخطبة التي نقلت عنه فيها أقوال راتبة وغيببر راتبببة ،فمببن اعتبببر
القوال الغير راتبة وغلب حكمها قببال :يكفببي مببن ذلببك أقببل مببا ينطلببق عليببه السببم
اللغوي :أعني اسم خطبة عند العرب .ومن اعتبر القوال الراتبة وغلب حكمها قال:
ل يجزئ من ذلك إل أقل ما ينطلق عليه اسم الخطبة في عببرف الشببرع واسببتعماله،
وليس من شرط الخطبة عند مالك الجلوس ،وهو شرط كما قلنا عند الشافعي ،وذلببك
أنه من اعتبر المعنى المعقول منه من كونه استراحة للخطيب لم يجعله شرطا ،ومبن
جعل ذلك عبادة جعله شرطا.
@)-المسألة الثالثة( اختلفوا في النصبات يبوم الجمعبة والمبام يخطبب علبى ثلثبة
أقوال :فمنهم من رأى أن النصات واجب على كل حال وأنببه حكببم لزم مببن أحكببام
الخطبة ،وهم الجمهور ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمببد بببن حنبببل وجميببع فقهبباء
المصار ،وهؤلء انقسموا ثلثة أقسام ،فبعضهم أجاز التشميت ورد السلم في وقت
الخطبببة ،وبببه قبال الثببوري والوزاعبي وغيرهبم وبعضبهم لببم يجببز رد السببلم ول
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
التشميت ،وبعض فرق بين السلم والتشميت فقالوا يببرد السببلم ول يشببمت ،والقببول
الثاني مقابل القول الول ،وهو أن الكلم في حال الخطبة جببائز إل فببي حيببن قببراءة
القرآن فيها ،وهو مروي عببن الشبعبي وسببعيد بببن جبببير وإبراهيببم النخعببي ،والقبول
الثالث الفرق بين أن يسمع الخطبة أو ل يسمعها ،فإن سببمعها أنصببت وإن لببم يسببمع
جاز له أن يسبح أو يتكلببم فببي مسببألة مببن العلببم ،وبببه قببال أحمببد وعطبباء وجماعببة،
والجمهور على أنه إن تكلم لم تفسد صلته .وروي عن ابن وهب أنببه قببال :مببن لغببا
فصلته ظهر أربع وإنما صار الجمهور لوجببوب النصببات لحببديث أبببي هريببرة أن
النبي عليه الصلة والسلم قال "إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والمام يخطب
فقد لغوت" وأما من لم يوجبه فل أعلم لهم شبهة إل أن يكونببوا يببرون أن هببذا المببر
قد عارضه دليل الخطاب في قوله تعببالى }وإذا قببرئ القببرآن فاسببتمعوا لببه وأنصببتوا
لعلكم ترحمون{ أي أن ما عدا القرآن فليس يجب له النصات ،وهذا فيه ضعف وال
أعلم .والشبه أن يكون هذا الحديث لم يصلهم .وأما اختلفهم في رد السلم وتشميث
العاطس ،فالسبب فيه تعارض عموم المر بذلك لعمببوم المببر بالنصببات ،واحتمببال
أن يكون كل واحد منهما مستثنى من صاحبه ،فمن استثنى من عموم المر بالصمت
يوم الجمعة المر بالسلم وتشميت العاطس أجازهما ،ومن استثنى من عمببوم المببر
برد السلم والتشميت المر بالصمت في حين الخطبة لم يجز ذلك ،ومببن فببرق فببإنه
اسببتثنى رد السببلم مببن النهببي عببن التكلببم فببي الخطبببة ،واسببتثنى مببن عمببوم المببر
التشميت وقبت الخطببة ،وإنمبا ذهبب واحبد واحبد مبن هبؤلء إلبى واحبد واحبد مبن
المستثنيات لما غلب على ظنه من قوة العموم في أحدها وضببعفه فببي الخببر ،وذلببك
أن المببر بالصببمت هببو عببام فببي الكلم خبباص فببي الببوقت ،والمببر بببرد السببلم
والتشميت هو عام في الببوقت خباص فببي الكلم ،فمببن اسببتثنى الزمببان الخبباص مببن
الكلم العام لم يجز رد السلم ول التشببميت فببي وقببت الخطبببة ،ومببن اسببتثنى الكلم
الخاص من النهي عن الكلم العام أجاز ذلك .والصواب أن ل يصببار لسببتثناء أحببد
العمومين بأحد الخصوصين إل بدليل ،فإن عسر ذلك فبالنظر في ترجيببح العمومببات
والخصوصات ،وترجيح تأكيد الوامر بهببا والقببول فببي تفصببيل ذلببك يطببول ،ولكببن
معرفة ذلك بإيجاز أنببه إن كببانت الوامببر قوتهببا واحببدة والعمومببات والخصوصببات
قوتها واحدة ولم يكن هنالك دليل على أي يستثنى من أي وقع التمانع ضرورة ،وهذا
يقل وجوده ،وإن لم يكن فوجه الترجيببح فببي العمومببات والخصوصببات الواقعببة فببي
أمثال هذه المواضع هو النظببر إلببى جميببع أقسببام النسببب الواقعببة بيببن الخصوصببين
والعمومين ،وهي أربع :عمومان في مرتبة واحدة من القوة ،وخصوصان في مرتبببة
واحدة من القوة ،فهذا ل يصار لستثناء أحدهما إل بدليل ،والثاني مقابببل هببذا ،وهببو
خصوص في نهاية القوة وعموم في نهاية الضعف ،فهذا يجب أن يصار إليه ول بببد
أعني أن يستثنى من العموم الخصوص ،الثالث خصوصان في مرتبة واحببدة ،وأحببد
العمومين أضعف من الثاني ،فهذا ينبغي أن يخصص فيببه العمببوم الضببعيف ،الرابببع
عمومان في مرتبة واحدة وأحد الخصوصين أقوى من الثبباني ،فهببذا يجببب أن يكببون
الحكم فيه للخصوص القوي ،وهذا كله إذا تساوت الوامببر فيهببا فببي مفهببوم التأكيببد،
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
فإن اختلفت حدثت من ذلك تراكيب مختلفة ووجبت المقايسة أيضببا بيببن قببوة اللفبباظ
وقوة الوامر ،ولعسر انضباط هذه الشياء قيل إن كببل مجتهببد مصببيب أو أقببل ذلببك
غير مأثوم.
@)-المسألة الرابعة( اختلفوا فيمن جاء يوم الجمعة والمام على المنبببر :هببل يركببع
أم ل؟ فذهب بعض إلى أنه ل يركع وهو مذهب مالك ،وذهب بعضهم إلى أنه يركع.
والسبب فببي اختلفهببم معارضببة القيبباس لعمببوم الثببر ،وذلببك أن عمببوم قببوله عليببه
الصلة والسلم "إذا جاء أحدكم المسجد فليركع ركعتين" يوجب أن يركع الداخل في
المسجد يوم الجمعة وإن كان المام يخطب ،والمر بالنصات إلببى الخطيبب يبوجب
دليله أن ل يشتغل بشيء مما يشغل عن النصات وإن كان عبادة ،ويؤيد عمببوم هببذا
الثر ما ثبت من قوله عليه الصلة والسلم "إذا جاء أحدكم المسجد والمببام يخطببب
فليركع ركعتين خفيفتين" خرجه مسلم في بعض رواياته ،وأكببثر روايبباته "أن النبببي
عليه الصلة والسلم أمر الرجل الداخل أن يركع ،ولم يقل إذا جاء أحدكم" الحببديث.
فيتطرق إلى هذا الخلف في هل تقبل زيادة الراوي الواحببد إذا خببالفه أصببحابه عببن
الشيخ الول الذي اجتمعوا في الرواية عنه أم ل؟ فبإن صبحت الزيبادة وجبب العمبل
بها ،فإنها نص في موضع الخلف والنص ل يجب أن يعارض بالقيبباس ،لكببن يشبببه
أن يكون الذي راعاه مالك في هذا هو العمل.
@)-المسألة الخامسة( أكثر الفقهاء على أن من سنة القراءة في صلة الجمعة قراءة
سورة الجمعة في الركعة الولى لما تكرر ذلك من فعله عليه الصلة والسلم ،وذلك
أنه خرج مسلم عن أبي هريرة "أن رسول ال صبلى الب عليبه وسبلم كبان يقبرأ فبي
الركعة الولى بالجمعة ،وفي الثانية بإذا جاءك المنافقون" وروى مالببك أن الضببحاك
بن قيس سأل النعمان بن بشير ماذا كان يقرأ به رسول ال صلى ال عليه وسلم يببوم
الجمعة على أثر سورة الجمعة قال "كان يقبرأ بهبل أتباك حبديث الغاشبية" واسبتحب
مالك العمل على هذا الحديث وإن قرأ عنده بسبح اسم ربك العلى كببان حسببنا ،لنببه
مروي عن عمر بن عبد العزيز وأمببا أبببو حنيفببة فلببم يقببف فيهببا شببيئا .والسبببب فببي
اختلفهم معارضة حال الفعل للقياس ،وذلك أن القياس يوجب أن ل يكون لها سببورة
راتبة كالحال في سائر الصلوات ،ودليل الفعبل يقتضبي أن يكببون لهبا سبورة راتببة.
وقال القاضي :خرج مسلم عن النعمان ابن بشير "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم
كان يقرأ في العيدين وفي الجمعة بسبح اسم ربك العلى ،وهل أتاك حديث الغاشية"
قال فإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد قرأ بهما في الصلتين ،وهببذا يببدل علببى
أنه ليس هناك سورة راتبة وأن الجمعة ليس كان يقرأ بها دائما.
**4الفصل الرابع في أحكام الجمعة.
@-وفي هذا الباب أربع مسائل .الولى :في حكببم طهببر الجمعببة .الثانيببة :علببى مببن
تجب ممن خارج المصر .الثالثة :في وقت الرواح المرغب فيه إلى الجمعة .الرابعة:
في جواز البيع يوم الجمعة بعد النداء.
@)-المسألة الولى( اختلفوا في طهر الجمعة؛ فذهب الجمهور إلى أنه سنة ،وذهببب
أهل الظاهر إلى أنه فرض ول خلف فيما أعلم أنه ليس شرطا فببي صببحة الصببلة،
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
والسبببب فبي اختلفهبم تعبارض الثببار وذلبك أن فبي هبذا البباب حبديث أببي سببعيد
الخدري ،وهو قوله عليه الصلة والسلم "طهر يوم الجمعة واجب علببى كببل محتلببم
كطهر الجنابة" وفيه حديث عائشة قالت" :كان النبباس عمببال أنفسببهم فيروحببون إلببى
الجمعة بهيئتهم ،فقيل لو اغتسلتم؟ والول صببحيح باتفبباق ،والثبباني خرجببه أبببو داود
ومسلم .وظاهر حديث أبي سعيد يقتضببي وجببوب الغسببل ،وظبباهر حببديث عاشببة أن
ذلك كان لموضع النظافة وأنه ليس عبادة ،وقبد روي "مببن توضببأ يبوم الجمعببة فبهبا
ونعمت ،ومن اغتسل فالغسل أفضل" وهو نبص فبي سبقوط فرضبيته إل أنبه حبديث
ضعيف .وأما وجوب الجمعة على من هو خارج المصر ،فببإن قومببا قببالوا :ل تجببب
على من خارج المصر ،وقوم قالوا :بل تجب ،وهؤلء اختلفوا اختلفا كببثيرا ،فمنهببم
من قال :من كان بينه وبين الجمعة مسيرة يوم وجب عليببه التيببان إليهببا وهببو شبباذ،
ومنهم من قال يجب عليه التيان إليها على ثلثة أميال ،ومنهم من قببال :يجببب عليببه
التيان من حيث يسمع النداء في الغلب ،وذلك من ثلثة أميال مببن موضببع النببداء،
وهذان القولن عن مالك ،وهذه المسألة ثبتت في شروط الوجببوب .وسبببب اختلفهببم
في هببذا الببباب اختلف الثببار ،وذلببك أنببه ورد أن النبباس كببانوا يببأتون الجمعببة مببن
العوالي في زمان النبي صلى ال عليه وسلم ،وذلك ثلثة أميببال مببن المدينببة .وروى
أبو داود أن النبي عليه الصلة والسلم قال "الجمعببة علببى مببن سببمع النببداء" وروي
"الجمعة على من آواه الليل إلى أهله" وهو أثر ضعيف وأما اختلفهببم فببي السبباعات
التي وردت في فضل الرواح ،وهو قوله عليه الصلة والسلم "من راح في السبباعة
الولى فكأنما قرب بدنة ،ومن راح في الساعة الثانية فكأنمببا قببرب بقببرة ،ومببن راح
في الساعة الثالثببة فكأنمببا قببرب كبشببا ،ومببن راح فببي السبباعة الرابعببة فكأنمبا قببرب
دجاجة ،ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة" فإن الشافعي وجماعة من
العلماء اعتقدوا أن هببذه السبباعات هببي سبباعات النهببار فنببدبوا إلببى الببرواح مببن أول
النهار ،وذهب مالك إلى أنها أجزاء ساعة واحدة قبل الزوال وبعده ،وقببال قببوم :هببي
أجزاء ساعة قبل الزوال وهو الظهر لوجوب السعي بعد الزوال إل على مذهب من
يرى أن الواجب يدخله الفضيلة .وأما اختلفهم فببي البببيع والشببراء وقببت النببداء فببإن
قوما قالوا :يفسخ البيع إذا وقببع النببداء ،وقومببا قبالوا ل يفسببخ .وسبببب اختلفهببم هببل
النهي عن الشيء الذي أصله مباح إذا تقيد النهي بصفة يعببود بفسبباد المنهببي عنببه أم
ل؟ .وآداب الجمعة ثلث الطيبب والسبواك واللبباس الحسبن ،ول خلف فيبه لبورود
الثار بذلك.
**3الباب الرابع في صلة السفر.
@-وهذا الباب فيه فصلن :الفصل الول في القصر .الفصل الثاني في الجمع.
**4الفصل الول في القصر.
@-والسفر له تأثير في القصر باتفاق ،وفي الجمع باختلف .أمببا القصببر فببإنه اتفببق
العلماء على جواز قصر الصلة للمسافر إل قببول شبباذ ،وهببو قببول عائشببة وهببو أن
القصر ل يجوز إل للخائف لقوله تعالى }إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا{ وقببالوا :إن
النبي عليه الصلة والسلم إنما قصر لنه كان خائفا ،واختلفوا مببن ذلببك فببي خمسببة
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
مواضع :أحدها في حكم القصر ،والثاني في المسافة التي يجب فيها القصر ،والثالث
في السببفر الببذي يجببب فيببه القصببر ،والرابببع فببي الموضببع الببذي يبببدأ منببه المسببافر
بالتقصير ،والخامس في مقدار الزمان الذي يجوز للمسافر فيه إذا أقام في موضع أن
يقصر الصلة .فأما حكم القصر فإنهم اختلفوا فيه على أربعة أقوال :فمنهبم مبن رأى
أن القصر هو فببرض المسببافر المتعيببن عليببه .ومنهببم مببن رأى أن القصببر والتمببام
كلهما فرض مخير له كالخيار في واجب الكفارة .ومنهم من رأى أن القصببر سببنة.
ومنهببم مببن رأى أنببه رخصببة وأن التمببام أفضببل ،وبببالقول الول قببال أبببو حنيفببة
وأصحابه والكوفيون بأسرهم :أعني أنه فرض متعين ،وبالثاني قال بعببض أصببحاب
الشافعي وبالثالث "أعنببي أنببه سببنة" قببال مالببك فببي أشببهر الروايببات عنببه .وبببالرابع
"أعني أنه رخصببة" قببال الشببافعي فببي أشببهر الروايببات عنببه ،وهببو المنصببور عنببد
أصحابه .والسبببب فببي اختلفهببم معارضببة المعنببى المعقببول لصببيغة اللفببظ المنقببول
ومعارضببة دليببل الفعببل أيضببا للمعنببى المعقببول ولصببيغة اللفببظ المنقببول ،وذلببك أن
المفهوم من قصر الصلة للمسافر إنما هو الرخصة لموضع المشقة كمببا رخببص لببه
في الفطر وفي أشياء كثيرة
ويؤيد هذا حديث يعلى بن أمية قببال "قلببت لعمببر :إنمببا قببال الب }إن خفتببم أن يفتنكببم
الذين كفروا{ يريد في قصر الصلة في السفر ،فقال عمر "عجبت مما عجبببت منببه،
فسألت رسول ال صلى ال عليه وسلم عما سألتني عنه فقال :صدقة تصدق ال ب بهببا
عليكم ،فاقبلوا صدقته" فمفهوم هذا الرخصة .وحديث أبي قلبة عببن رجببل مببن بنببي
عامر أنه أتى النبي صلى ال عليه وسلم فقال له النبي صلى ال عليه وسببلم "إن ال ب
وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلة" وهما في الصحيح ،وهببذا كلببه يببدل علببى
التخفيف والرخصة ورفع الحرج ،ل أن القصر هو الواجب ول أنه سنة .وأما الثببر
الذي يعارض بصيغته المعنبى المعقبول ومفهبوم هبذه الثبار فحبديث عائشبة الثبابت
باتفاق قالت "فرضت الصلة ركعتين ركعتين ،فأقرت صلة السفر ،وزيد في صلة
الحضر" وأما دليل الفعل الذي يعارض المعنى المعقول ومفهوم الثببر المنقببول فببإنه
ما نقل عنه عليه الصلة والسلم من قصر الصلة فببي كببل أسببفاره ،وأنببه لببم يصببح
عنه عليه الصلة والسلم أنه أتم الصلة قط فمن ذهب إلى أنه سنة أو واجب مخيببر
فإنما حمله على ذلك أنه لم يصح عنده "أن النبي عليه الصببلة والسببلم أتببم الصببلة
وما هذا شأنه"
فقد يجب أن يكون أحد الوجهين :أعني إما واجبا مخيرا ،وإمببا أن يكببون سببنة ،وإمببا
أن يكون فرضا معينا ،لكببن كببونه فرضببا معينببا يعارضببه المعنببى المعقببول ،وكببونه
رخصة يعارضه اللفظ المنقول ،فوجب أن يكببون واجبببا مخيببرا أو سببنة ،وكببان هببذا
نوعا من طريق الجمع ،وقد اعتلوا لحديث عائشة بالمشهور عنها من أنها كانت تتم،
وروى عطاء "أن النبي صلى ال عليببه وسببلم كببان يتببم الصببلة فببي السببفر ويقصببر
ويصوم ويفطر ويؤخر الظهر ويعجل العصر ويؤخر المغرب ويعجل العشاء" ومما
يعارضه أيضا حديث أنس وأبي نجيح المكي قال :اصطحبت أصببحاب محمببد صببلى
ال عليه وسلم ،فكان بعضهم يتم وبعضهم يقصر وبعضببهم يصببوم وبعضببهم يفطببر،
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
فل يعيب هؤلء على هؤلء ،ول هؤلء على هؤلء ،ولم يختلببف فببي إتمببام الصببلة
عببن عثمببان وعائشببة ،فهببذا هببو اختلفهببم فببي الموضببع الول .وأمببا اختلفهببم فببي
الموضع الثاني وهي المسافة التي يجوز فيها القصر ،فببإن العلمبباء اختلفببوا فببي ذلببك
أيضا اختلفا كثيرا ،فذهب مالك والشببافعي وأحمببد وجماعببة كببثيرة إلببى أن الصببلة
تقصر في أربعة برد ،وذلك مسيرة يوم بالسير الوسط.
وقال أبو حنيفة وأصببحابه والكوفيببون :أقببل مبا تقصببر فيببه الصببلة ثلثببة أيببام ،وإن
القصر إنما هو لمن سار من أفق إلى أفق .وقال أهل الظباهر :القصبر فبي كبل سبفر
قريبا كان أو بعيدا .والسبب في اختلفهم معارضة المعنى المعقببول مببن ذلببك اللفببظ،
وذلك أن المعقول من تأثير السفر في القصر أنببه لمكببان المشببقة الموجببودة فيببه مثببل
تأثيره في الصوم ،وإذا كان المر على ذلك فيجب القصر حيث المشقة .وأمببا مببن ل
يراعي في ذلك إل اللفظ فقط ،فقبالوا :قبد قبال النببي عليبه الصبلة والسبلم "إن الب
وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلة" فكل من انطلق عليه اسم مسافر جبباز لببه
القصر والفطر ،وأيدوا ذلك بما رواه مسبلم عبن عمبر ببن الخطباب "أن النببي عليبه
الصلة والسلم كان يقصر في نحو السبعة عشر ميل" وذهب قوم إلببى خببامس كمببا
قلنببا وهببو أن القصببر ل يجببوز إل للخببائف لقببوله تعببالى }إن خفتببم أن يفتنكببم الببذين
كفروا{ وقد قيل إنه مذهب عائشة وقالوا :إن النبي صلى ال عليببه وسببلم إنمببا قصببر
لنه كان خائفا.
وأما اختلف أولئك الذين اعتبروا المشقة فسببه اختلف الصحابة في ذلك ،وذلك أن
مذهب الربعة برد مروي عن ابن عمر وابن عباس ،ورواه مالببك ،ومببذهب الثلثببة
أيام مروي أيضا عببن ابببن مسببعود وعثمببان وغيرهمببا .وأمببا الموضببع الثببالث وهببو
اختلفهم في نوع السفر الذي تقتصر فيببه الصببلة ،فببرأى بعضببهم أن ذلببك مقصببور
على السفر المتقرب به كالحج والعمرة والجهاد ،وممن قال بهذا القول أحمبد .ومنهبم
من أجازه في السفر المباح دون سفر المعصية ،وبهببذا القببول قببال مالببك والشببافعي.
ومنهم من أجازه في كل سببفر قربببة كببان أو مباحببا أو معصببية وبببه قببال أبببو حنيفببة
وأصحابه والثوري وأبو ثور .والسبببب فببي اختلفهببم معارضببة المعنببى المعقببول أو
ظاهر اللفظ لدليل الفعل ،وذلك أن من اعتبر المشببقة أو ظبباهر لفببظ السببفر لببم يفببرق
بين سفر وسفر .وأما من اعتبر دليل الفعل قال :إنه ل يجوز إل في السببفر المتقببرب
به لن النبي عليه الصلة والسلم لم يقصر قببط إل فببي سببفر متقببرب بببه .وأمببا مببن
فرق بين المباح والمعصية فعلى جهة التغليظ،
والصل فيه :هببل تجببوز الرخببص للعصبباة أم ل؟ وهببذه مسببألة عببارض فيهببا اللفببظ
المعنى ،فاختلف الناس فيها لذلك .وأما الموضع الرابع وهببو اختلفهببم فببي الموضببع
الذي منه يبدأ المسافر بقصر الصلة ،فإن مالكا قببال فببي الموطببأ :ل يقصببر الصببلة
الذي يريد السفر حتى يخرج من بيوت القرية ول يتببم حببتى يببدخل أول بيوتهببا .وقببد
روي عنه أنه ل يقصر إذا كانت قرية جامعببة حببتى يكببون منهبا بنحببو ثلثبة أميبال،
وذلك عنده أقصى مببا تجببب فيببه الجمعببة علببى مببن كببان خببارج المصببر فببي إحببدى
الروايتين عنه ،وبالقول الول قال الجمهببور .والسبببب فببي هببذا الختلف معارضببة
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
مفهوم السم لدليل الفعل ،وذلك أنه إذا شرع في السفر فقد انطلببق عليببه اسببم مسببافر
فمن راعى مفهوم السم قال :إذل خرج من بيببوت القريببة قصببر .ومببن راعببى دليببل
الفعل :أعني فعله عليه الصلة والسلم قال :ل يقصر إل إذا خرج من بيببوت القريببة
بثلثة أميال لما صح من حديث أنس قال "كان النبي صلى ال عليبه وسبلم إذا خبرج
مسيرة ثلثة أميال أو ثلثة فراسخ }شعبة الشاك{ صلى ركعتين" وأما اختلفهببم فببي
الزمان الذي يجوز للمسافر إذا قام فيه في بلد أن يقصر فاختلف كثير حكى فيه أبببو
عمر نحوا من أحد عشر قول ،إل أن الشهر منها هو ما عليه فقهاء المصببار ولهببم
في ذلك ثلثة أقوال :أحدها مذهب مالك والشافعي إنه إذا أزمع المسببافر علببى إقامببة
أربعة أيام أتم .والثاني مذهب أبي حنيفبة وسبفيان الثبوري أنبه إذا أزمبع علبى إقامبة
خمسة عشر يوما أتم .والثالث مذهب أحمد وداود أنه إذا أزمع على أكثر مببن أربعببة
أيام أتم .وسببب الخلف أنبه أمبر مسبكوت عنبه فبي الشبرع والقيباس علبى التحديبد
ضعيف عند الجميع ،ولذلك رام هؤلء كلهم أن يستدلوا لمببذهبهم مببن الحببوال الببتي
نقلت عنه عليه الصلة والسلم أنه أقام فيها مقصرا ،أو أنه جعل لها حكببم المسببافر.
فالفريق الول احتجوا لمذهبهم بما روى "أنه عليه الصلة والسببلم أقببام بمكببة ثلثببا
يقصر في عمرته" وهذا ليس فيه حجة على أنه النهاية للتقصير،
وإنما فيه حجة على أنه يقصر في الثلثة فما دونها .والفريق الثاني احتجوا لمببذهبهم
بما روي أنه أقام بمكة مقصرا وذلك نحوا من خمسة عشر يوما في بعض الروايببات
وقد روي سبعة عشر يوما وثمانية عشر يوما وتسعة عشر يوما ،رواه البخاري عن
ابن عباس ،وبكل قال فريق .والفريق الثالث احتجوا بمقامه فببي حجببة بمكببة مقصببرا
أربعة أيام ،وقد احتجت المالكية لمذهبها "أن رسول ال صلى الب عليببه وسببلم جعببل
للمهاجر ثلثة أيام بمكة مقام بعد قضاء نسكه" فدل هذا عنببدهم علببى أن إقامببة ثلثببة
أيام ليست تسلب عن المقيم فيها اسم السبفر ،وهببي النكتببة البتي ذهببب الجميببع إليهبا،
وراموا استنباطها مببن فعلببه عليببه الصببلة والسببلم :أعنببي مببتى يرتفببع عنببه بقصببد
القامة اسم السفر ،ولذلك اتفقوا على أنه إن كانت القامة مدة ل يرتفع فيها عنه اسم
السفر بحسب رأي واحد منهم في تلك المدة وعاقه عائق عن السفر أنببه يقصببر أبببدا،
وإن أقام ما شاء ال .ومن راعى الزمبان القبل مبن مقبامه تبأول مقبامه فبي الزمبان
الكثر مما ادعاه خصمه على هذه الجهة؛ فقالت المالكية مثل إن الخمسة عشر يومببا
التي أقامها عليه الصلة والسلم عام الفتح إنمببا أقامهببا وهببو أبببدا ينببوي أنببه ل يقيببم
أربعة أيام ،وهذا بعينه يلزمهم في الزمان الذي حدوه ،والشبه في المجتهببد فببي هببذا
أن يسلك أحد أمرين :إما أن يجعل الحكم لكثر الزمان الذي روي عنه عليه الصببلة
والسلم أنه أقام فيه مقصرا ،ويجعل ذلك حدا من جهة الصل هو التمام فببوجب أل
يزاد على هذا الزمان إل بدليل ،أو يقول إن الصل في هذا هو أقل الزمان الذي وقع
عليه الجماع ،وما ورد من أنه عليببه الصببلة والسببلم أقببام مقصببرا أكببثر مببن ذلببك
الزمان ،فيحتمل أن يكون أقببامه لنببه جبائز للمسببافر ،ويحتمببل أن يكببون أقببامه بنيببة
الزمان الذي تجوز إقامته فيه مقصرا باتفاق ،فعرض له أن قام أكببثر مببن ذلببك ،وإذا
كان الحتمال وجب التمسك بالصل ،وأقل ما قيببل فببي ذلببك يببوم وليلببة ،وهببو قببول
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
ربيعة بن أبي عبد الرحمن .وروي عن الحسن البصري أن المسببافر يقصببر أبببدا إل
أن يقدم مصرا من المصار ،وهذا بناء علببى أن اسببم السببفر واقببع عليببه حببتى يقببدم
مصرا من المصار ،فهذه أمهات المسائل التي تتعلق بالقصر.
**4الفصل الثاني في الجمع.
@-وأما الجمع فإنه يتعلق به ثلث مسائل :إحداها جوازه .والثانية في صفة الجمببع.
والثالثة في مبيحات الجمببع .أمببا جببوازه فببإنهم أجمعببوا علببى أن الجمببع بيببن الظهببر
والعصر في وقت الظهر بعرفة سببنة ،وبيببن المغببرب والعشبباء بالمزدلفببة أيضببا فببي
وقببت العشبباء سببنة أيضببا .واختلفببوا فببي الجمببع فببي غيببر هببذين المكببانين ،فأجببازه
الجمهور على اختلف بينهم في المواضع التي يجوز فيها من التي ل يجوز ،ومنعببه
أبو حنيفة وأصحابه بإطلق .وسبب اختلفهبم أول اختلفهبم فبي تأويبل الثبار البتي
رويت في الجمع والستدلل منها على جواز الجمع لنها كلها أفعال وليست أقببوال،
والفعال يتطرق إليها الحتمال كثيرا أكببثر مببن تطرقببه إلببى اللفببظ .وثانيببا اختلفهببم
أيضا في تصحيح بعضها ،وثالثببا اختلفهببم فببي إجببازة القيبباس فببي ذلببك فهببي ثلثببة
أسباب كما ترى .أما الثار التي اختلفوا في تأويلها ،فمنها حديث أنس الثببابت باتفبباق
أخرجه البخاري ومسلم قال "كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا ارتحل قبببل أن
تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ،ثم نزل فجمع بينهما ،فإن زاغت الشمس
قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب" ومنها حديث ابن عمر أخرجه الشببيخان أيضببا
قال "رأيت رسول ال صبلى الب عليبه وسبلم إذا عجبل ببه السبير فبي السبفر يبؤخر
المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء" والحببديث الثببالث حببديث ابببن عببباس خرجببه
مالك ومسلم قال "صلى رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم الظهببر والعصببر جميعببا
والمغرب والعشاء جميعا في غير خوف ول سفر" فذهب القائلون بجواز الجمببع فببي
تأويل هذه الحاديث إلببى أنببه أخببر الظهببر إلببى وقببت العصببر المختببص بهببا وجمببع
بينهما .وذهب الكوفيبون إلبى أنبه إنمبا أوقبع صبلة الظهبر فبي آخبر وقتهبا وصبلة
العصر في أول وقتها على ما جاء في حديث إمامة جبريل قببالوا :وعلببى هببذا يصببح
حمل حديث ابن عباس لنه قد انعقببد الجمبباع أنببه ل يجببوز هببذا فببي الحضببر لغيببر
عذر :أعني أن تصبلى الصبلتان معبا فبي وقبت إحبداهما ،واحتجبوا لتبأويلهم أيضبا
بحديث ابن مسعود قال "والذي ل إله غيره ما صلى رسول ال صلى ال عليه وسببلم
صلة قط إل في وقتها إل صلتين جمع بين الظهر والعصر بعرفة ،وبيببن المغببرب
والعشاء بجمع" قالوا :وأيضا فهذه الثار محتملة أن تكون على ما تأولناه نحن أو مببا
تأولتموه أنتم .وقد صح توقيت الصلة وتبيانها في الوقات ،فل يجوز أن تنتقببل عببن
أصل ثابت بأمر محتمل .وأما الثر الذي اختلفوا في تصبحيحه ،فمبا رواه مالبك مبن
حديث معاذ بن جبل "أنهم أخرجوا مع رسول ال صلى ال عليببه وسببلم عببام تبببوك،
فكان رسول ال صلى ال عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر والمغببرب والعشبباء،
قال :فأخر الصلة يوما ،ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ،ثببم دخببل ثببم خببرج
فصلى المغرب والعشاء جميعا" وهذا الحديث لو صح لكان أظهر من تلك الحبباديث
في إجازة الجمع
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
لن ظاهره أنه قببدم العشبباء إلببى وقببت المغببرب ،وإن كببان لهببم أن يقولببوا إنببه أخببر
المغرب إلى آخر وقتها وصببلى العشبباء فببي أول وقتهبا لنبه ليبس فببي الحببديث أمببر
مقطوع به على ذلك ،بل لفظ الراوي محتمل .وأما اختلفهببم فببي إجببازة القيبباس فببي
ذلك فهو أن يلحق سائر الصلوات في السفر بصلة عرفة والمزدلفة ،أعني أن يجبباز
الجمع قياسا على تلك ،فيقال مثل :صلة وجبت في سفر ،فجاز أن تجمع أصله جمع
الناس بعرفة والمزدلفة ،وهو مذهب سالم بن عبد ال :أعني جواز هذا القيبباس ،لكببن
القياس في العبادات يضعف ،فهذه هي أسباب الخلف الواقع في جواز الجمع.
@)-وأما المسألة الثانية( وهي صببورة الجمببع فبباختلف فيببه أيضببا القببائلون بببالجمع
أعني في السفر .فمنهم من رأى الختيار أن تؤخر الصلة الولى وتصلى مع الثانية
وإن جمعتا معا في أول وقت الولى جاز ،وهي إحدى الروايتين عببن مالببك ،ومنهببم
من سوى بين المرين :أعني أن يقدم الخرة إلى وقت الولى أو يعكس المببر وهببو
مذهب الشافعي وهي رواية أهل المدينة عن مالك ،والولى رواية ابببن القاسببم عنببه،
وإنما كان الختيار عند مالك هذا النوع من الجمع لنه الثابت من حديث أنس ،ومببن
سوى بينهما فمصيرا إلى أنه ل يرجح بالعدالة :أعني أنه ل تفضل عدالببة عدالببة فببي
وجوب العمل بها ،ومعنى هذا أنه إذا صح حديث معاذ وجببب العمببل بببه كمببا وجببب
بحديث أنس إذا كان رواة الحديثين عدول ،وإن كان رواة أحد الحديثين أعدل.
@)-وأما المسألة الثالثة( وهي السباب المبيحة للجمع ،فاتفق القائلون بجواز الجمع
على أن السفر منها ،واختلفوا في الجمع في الحضر وفي شببروط السببفر المبيببح لببه،
وذلك أن السفر منهم من جعله سببببا مبيحببا للجمببع أي سببفر كببان وبببأي صببفة كببان،
ومنهم من اشترط فيه ضربا من السير ،ونوعا من أنواع السببفر ،فأمببا الببذي اشببترط
فيه ضربا من السير فهو مالك في رواية ابن القاسببم عنببه ،وذلببك أنببه قببال :ل يجمببع
المسافر إل أن يجد به السير ،ومنهم من لم يشترط ذلك وهو الشببافعي ،وهببي إحببدى
الروايتين عن مالك ،ومن ذهب هذا المذهب فإنما راعى قول ابن عمر "كان رسببول
ال صلى ال عليه وسلم إذا عجل به السببير" الحببديث .ومببن لببم يببذهب هببذا المببذهب
فإنما راعى ظاهر حديث أنس وغيره ،وكذلك اختلفوا كما قلنا فبي نبوع السبفر الببذي
يجوز فيه الجمع .فمنهم من قال :هو سفر القربة كالحج والغزو ،وهببو ظبباهر روايببة
ابن القاسم .ومنهم من قال :هو السفر المباح دون سفر المعصية ،وهو قول الشببافعي
وظاهر رواية المدنيين عببن مالببك .والسبببب فببي اختلفهببم فببي هببذا هببو السبببب فببي
اختلفهم في السفر الذي تقصر فيه الصلة ،وإن كان هنالك التعميم ،لن القصر نقل
قول وفعل ،والجمع إنما نقل فعل فقط ،فمن اقتصر به على نببوع السببفر الببذي جمببع
فيه رسول ال صلى ال عليببه وسببلم لببم يجببزه فببي غيببره ،ومببن فهببم منببه الرخصببة
للمسافر عداه إلى غيره من السفار .وأما الجمع في الحضر لغيببر عببذر ،فببإن مالكببا
وأكثر الفقهاء ل يجيزونه .وأجاز ذلك جماعة من أهل الظاهر وأشهب مببن أصببحاب
مالك .وسبب اختلفهم اختلفهم في مفهوم حديث ابن عباس ،فمنهببم مببن تبأوله علبى
أنه كان في مطر كما قال مالك .ومنهم من أخذ بعمومه مطلقا .وقد خرج مسلم زيادة
في حديثه ،وهو قوله عليببه الصببلة والسببلم "فببي غيببر خببوف ول سببفر ول مطببر"
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وبهذا تمسك أهل الظاهر .وأما الجمع في الحضر لعذر المطببر فأجبازه الشببافعي ليل
كان أو نهارا ومنعه مالك في النهار وأجازه في الليل ،وأجازه أيضا فببي الطيببن دون
المطر في الليل ،وقد عدل الشافعي مالكا في تفريقه من صلة النهار في ذلك وصلة
الليل ،لنه روى الحديث وتأوله :أعني خصص عمومه من جهة القيبباس ،وذلببك أنببه
قال في قول ابن عباس "جمع رسول ال صلى ال عليه وسببلم بيببن الظهببر والعصببر
والمغرب والعشاء في غير خوف ول سفر" أرى ذلك كان في مطببر قببال :فلببم يأخببذ
بعموم الحديث ول بتأويله :أعنببي تخصيصببه ،بببل رد بعضببه وتببأول بعضببه ،وذلببك
شيء ل يجوز بإجماع ،وذلك أنه لم يأخذ بقوله فيه "جمع بين الظهر والعصر" وأخذ
بقوله "والمغرب والعشاء" وتأوله وأحسب أن مالكببا رحمببه الب إنمببا رد بعببض هببذا
الحديث لنه عارضه العمل ،فأخذ منه بالبعض الذي لم يعارضه العمل ،وهو الجمببع
في الحضر بين المغرب والعشاء على ما روى أن ابن عمببر كببان إذا جمببع المببراء
بين المغرب والعشاء جمع معهم لكن النظر في هببذا الصببل الببذي هببو العمببل كيببف
يكون دليل شرعيا فيه نظر ،فإن متقدمي شيوخ المالكية كانوا يقولببون إنببه مببن ببباب
الجماع ،وذلك ل وجه له ،فإن إجماع البعض ل يحتج به ،وكان متأخروهم يقولببون
إنه من باب نقل التواتر ،ويحتجون في ذلك بالصاع وغيره مما نقله أهل المدينة خلفا
عن سلف ،والعمبل إنمبا هبو فعبل والفعبل ل يفيبد التبواتر إل أن يقبترن ببالقول فبإن
التببواتر طريقببة الخبببر ل العمببل ،وببأن جعببل الفعببال تفيببد التببواتر عسببير بببل لعلببه
ممنوع ،والشبه عندي أن يكون من باب عموم البلوي الذي يببذهب إليبه أببو حنيفببة،
وذلك أنه ل يجوز أن يكون أمثال هذه السنن مع تكررها وتكرر وقوع أسبببابها غيببر
منسوخة ،ويذهب العمل بها على أهببل المدينببة الببذين تلقببوا العمببل بالسببنن خلفبا عببن
سلف ،وهو أقوى من عموم البلببوي الببذي يببذهب إليببه أبببو حنيفببة ،لن أهببل المدينببة
أحرى أن ل يذهب عليهم ذلك من غيرهم من النبباس الببذين يعتبببرهم أبببو حنيفببة فببي
طريق النقل ،وبالجملة العمل ل يشك أنه قرينة إذا اقترنت بالشيء المنقول إن وافقته
أفادت به غلبة ظن وإن خالفته أفادت به ضعف ظن ،فأما هل تبلغ هذه القرينة مبلغببا
ترد بها أخبار الحاد الثابتة ففيه نظر ،وعسى أنها تبلغ في بعض ول تبلغ في بعض
لتفاضل الشياء في شدة عموم البلوى بها ،وذلك أنه كلما كببانت السببنة الحاجببة إليهببا
أمس وهي كثيرة التكرار على المكلفيببن كببان نقلهببا مببن طريببق الحبباد مببن غيببر أن
ينتشر قول أو عمل فيه ضعف ،وذلك أنه يوجب ذلك أحد أمرين :إما أنها منسببوخة،
وإما أن النقل فيه اختلل ،وقد بين ذلك المتكلمون كأبي المعالي وغيره .وأمببا الجمببع
في الحضر للمريض فإن مالكا أباحه لببه إذا خبباف أن يغمببى عليببه أو كببان بببه بطببن
ومنع ذلك الشافعي .والسبب في اختلفهببم هببو اختلفهببم فببي تعببدي علببة الجمببع فببي
السفر :أعني المشقة ،فمن طرد العلة رأى أن هذا من باب الولببى والحببرى ،وذلببك
أن المشقة على المريض في إفراد الصلوات أشد منهببا علببى المسببافر ،ومببن لببم يعببد
هذه العلة وجعلها كما يقولون قاصببرة :أي خاصببة بببذلك الحكببم دون غيببره لببم يجببز
ذلك.
**3الباب الخامس من الجملة الثالثة ،وهو القول في صلة الخوف.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
@-اختلف العلماء في جواز صلة الخببوف بعببد النبببي عليببه الصببلة والسببلم وفببي
صفتها ،فأكثر العلماء على أن صلة الخوف جائزة لعموم قوله تعببالى }وإذا ضببربتم
في الرض فليس عليكم جنبباح أن تقصببروا{ اليببة .ولمببا ثبببت ذلببك مببن فعلببه عليببه
الصلة والسلم وعمل الئمة والخلفاء بعده بذلك ،وشذ أبو يوسف من أصببحاب أبببي
حنيفة فقال :ل تصلى صلة الخوف بعببد النبببي صببلى الب عليببه وسببلم بإمببام واحببد،
وإنما تصلى بعده بإمامين يصلي واحد منهما بطائفة ركعتين ثم يصلي الخر بطائفببة
أخرى وهي الحارسة ركعتين أيضا وتحرس التي قد صببلت .والسبببب فببي اختلفهببم
هل صلة النبي بأصحابه صلة الخوف هي عبادة أو هي لمكان فضببل النبببي صببلى
ال عليه وسلم فمن رأى أنها عبادة لم ير أنها خاصة بببالنبي عليببه الصببلة والسببلم،
ومن رآها لمكان فضل النبي عليه الصلة والسلم رآها خاصة بالنبي عليببه الصببلة
والسلم ،وإل فقببد كببان يمكننببا أن ينقسببم النبباس علببى إمببامين ،وإنمببا كببان ضببرورة
اجتماعهم على إمام واحد خاصة من خواص النبي عليه الصلة والسلم وتأيبد عنبده
هببذا التأويببل ببدليل الخطباب المفهبوم مبن قبوله تعبالى }وإذا كنببت فيهبم فبأقمت لهببم
الصلة{ الية .ومفهوم الخطاب أنه إذا لم يكن فيهم فالحكم غير هذا الحكم،
وقد ذهبت طائفة من فقهاء الشام إلى أن صلة الخوف تؤخر عن وقبت الخبوف إلببى
وقت المن كما فعل رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم الخندق .والجمهور على أن
ذلك الفعل يوم الخندق كان قبل نزول صبلة الخبوف وأنبه منسبوخ بهبا .وأمبا صبفة
صلة الخوف فإن العلماء اختلفوا فيها اختلفا كثيرا لختلف الثار فبي هبذا البباب:
أعني المنقولة من فعله صلى ال عليه وسلم في صلة الخوف ،والمشببهور مببن ذلببك
سبع صفات .فمن ذلك ما أخرجه مالببك ومسببلم مببن حبديث صببالح بببن خببوات عمببن
صلى مع رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم ذات الرقبباع صببلة الخببوف أن طائفببة
صفت معه وصفت طائفة وجاه العدو ،فصلى بالتي معه ركعة ،ثم ثبت قائمبا وأتمبوا
لنفسهم ثم انصرفوا وجاه العدو ،وجاءت الطائفة الخرى فصببلى بهببم الركعببة الببتي
بقيت من صلتهم ،ثم ثبت جالسا وأتمبوا لنفسبهم ثبم سبلم بهبم ،وبهبذا الحبديث قبال
الشافعي ،وروى مالك هذا الحديث بعينه عن القاسم بن محمد عن صببالح بببن خببوات
موقوفا كمثل حديث يزيد بن رومان أنه لما قضى الركعببة بالطائفببة الثانيببة سببلم ولببم
ينتظرهم حتى يفرغوا من الصلة ،واختار مالك هذه الصببفة ،فالشببافعي آثببر المسببند
على الموقوف ،ومالك آثر الموقوف لنه أشبه بالصول :أعني أنببه ل يجلببس )قببوله
يجلس لعله يسلم كما يظهر من سابقه اهب مصححه( المام حتى تفرغ الطائفة الثانيببة
من صلتها لن المام متبوع ل متبع وغير مختلف عليه .والصفة الثالثة ما ورد في
حديث أبي عبيدة بن عبد ال بن مسعود عن أبيه ،رواه الثوري وجماعة وخرجه أبببو
داود قال :صببلى رسببول الب صبلى الب عليببه وسبلم صبلة الخببوف بطائفبة وطائفبة
مستقبلوا العدو ،فصلى بالذين معه ركعببة وسببجدتين وانصببرفوا ولببم يسببلموا فوقفببوا
بإزاء العدو ،ثم جاء الخرون فقاموا معه فصلى بهم ركعة ثم سلم فقام هؤلء فصلوا
لنفسهم ركعة ثم سلموا وذهبوا ،فقاموا مقام أولئك مستقبلي العدو ،ورجع أولئك إلبى
مراتبهم فصلوا لنفسهم ركعة ثم سلموا "وبهذه الصفة قبال أببو حنيفببة وأصببحابه مببا
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
خل أبا يوسف على ما تقدم" .والصفة الرابعة الواردة في حديث أبي عياش الزرقببي
قال "كنا مع رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم بعسببفان وعلببى المشببركين خالببد بببن
الوليد ،فصلينا الظهر ،فقال المشركون :لقد أصبنا غفلة لو كنا حملنا عليهم وهببم فببي
الصلة ،فأنزل ال آية القصر بين الظهر والعصر ،فلما حضرت العصر قام رسببول
ال صلى ال عليه وسلم مستقبل القبلة والمشببركون أمببامه فصببلى خلببف رسببول الب
صلى ال عليه وسلم صف واحد وصف بعد ذلك صف آخر ،فركع رسول ال صببلى
ال ب عليببه وسببلم وركعببوا جميعببا ثببم سببجد وسببجد الصببف الببذي يليببه وقببام الخببر
يحرسونهم فلما صلى هؤلء سجدتين وقبباموا سببجد الخببرون الببذين كببانوا خلفببه ثببم
تأخر الصف الذي يليه إلى مقببام الخريببن ،وتقببدم الصببف الخببر إلببى مقببام الصببف
الول ثم ركع رسول ال صلى ال عليه وسلم وركعوا جميعا ،ثم سجد وسجد الصف
الذي يليه ،وقام الخرون يحرسونهم ،فلما جلببس رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم
والصف الذي يليه سجد الخرون ثم جلسوا جميعا فسببلم بهببم جميعببا" وهببذه الصببلة
صلها بعسفان وصلها يوم بني سليم.
قال أبو داود :وروي هذا عن جابر وعن ابن عباس وعن مجاهد ،وعن أبببي موسببى
وعن هشام ابن عروة عن أبيببه عببن النبببي صببلى الب عليببه وسببلم ،قببال :وهببو قببول
الثوري وهو أحوطها يريد أنه ليس في هذه الصفة كبير عمل مخالف لفعال الصلة
المعروفة ،وقال بهذه الصفة جملة من أصحاب مالك وأصببحاب الشببافعي ،وخرجهببا
مسلم عن جابر ،وقال جابر :كما يصنع حرسكم هؤلء بببأمرائكم .والصببفة الخامسببة
الببواردة فببي حببديث حذيفببة قببال ثعلبببة بببن زهببدم قببال كنببا مببع سببعيد بببن العاصببي
بطبرستان ،فقام فقال :أيكم صلى مع رسول ال صلى ال عليه وسلم صلة الخببوف؟
قال حذيفة :أنا ،فصلى بهؤلء ركعة وبهؤلء ركعة ولم يقضوا شيئا"
وهذا مخالف للصل مخالفة كثيرة .وخرج أيضا عن ابن عببباس فببي معنبباه أنببه قبال
"الصلة على لسان نبيكم في الحضر أربع وفي السفر ركعتببان وفببي الخببوف ركعببة
واحدة" وأجاز هذه الصفة الثوري .والصفة السادسببة الببواردة فببي حببديث أبببي بكببرة
وحديث جابر عن النبي صلى ال عليببه وسببلم أنببه صببلى بكببل طائفببة مببن الطببائفتين
ركعتين ركعتين ،وبه كان يفتي الحسن ،وفيه دليل على اختلف نية المام والمببأموم
لكونه متما ،وهم مقصرون ،خرجه مسلم عن جابر.
والصفة السابعة الواردة في حديث ابن عمر عن النبي عليه الصلة والسلم أنه كببان
إذا سئل عن صلة الخوف قال :يتقدم المام وطائفة مببن النبباس فيصببلي بهببم ركعببة.
وتكون طائفة منهم بينه وبين العدو لم يصلوا ،فإذا صلى الذين معه ركعببة اسببتأخروا
مكان الذين لم يصلوا معه ول يسلمون ،ويتقدم الذين لم يصلوا فيصلون معببه ركعببة،
ثم ينصرف المام وقد صلى ركعتين تتقدم كل واحدة من الطائفتين فيصلون لنفسهم
ركعببة ركعببة بعببد أن ينصببرف المببام فتكببون كببل واحببدة مببن الطببائفتين قببد صببلت
ركعتين ،فإن كان خوف أشد من ذلببك صببلوا رجببال قيامببا علببى أقببدامهم ،أو ركبانببا
مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها ،وممن قال بهذه الصفة أشهب عببن مالببك وجماعببة.
وقال أبو عمر :الحجة لمن قال بحديث ابن عمر هذا أنه ورد بنقل الئمة أهل المدينة
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وهم الحجة في النقبل علبى مبن خبالفهم ،وهبي أيضبا مبع هبذا أشببه بالصبول ،لن
الطائفة الولى والثانية لم يقضوا الركعة إل بعد خروج رسببول الب صببلى الب عليببه
وسلم من الصلة وهو المعروف من سنة القضاء المجتمع عليها في سائر الصلوات،
وأكثر العلماء على ما جاء في هذا الحديث من أنه إذا اشببتد الخببوف جبباز أن يصببلوا
مستقبلي القبلة وغير مستقبليها ،وإيماء من غير ركوع ول سجود .وخببالف فببي ذلببك
أبو حنيفة فقال :ل يصلي الخائف إل إلى القبلة ،ول يصلي أحببد فببي حببال المسببايفة.
وسبب الخلف في ذلك مخالفة هذا الفعل للصول ،وقببد رأى قببوم أن هببذه الصببفات
كلها جائزة ،وأن للمكلف أن يصلي أيتها أحب ،وقد قيل :إن هذا الختلف إنمببا كببان
بحسب اختلف المواطن.
**3الباب السادس من الجملة الثالثة في صلة المريض.
@-أجمع العلماء على أن المريض مخاطب بأداء الصلة ،وأنببه يسببقط عنببه فببرض
القيام إذا لم يستطعه ويصلي جالسا ،وكذلك يسقط عنه فببرض الركببوع والسببجود إذا
لم يستطعهما أو أحدهما ويومئ مكانهمبا .واختلفبوا فيمبن لبه أن يصبلي جالسبا وفبي
هيئة الجلوس وفي هيئة الذي ل يقدر على الجلوس ول على القيببام ،فأمببا مببن لببه أن
يصلي جالسا فإن قوما قالوا :هذا الذي ل يستطيع القيام أصل ،وقوم قببالوا هببو الببذي
يشق عليه القيام من المرض ،وهو مببذهب مالببك .وسبببب اختلفهببم هببو :هببل يسببقط
فرض القيام مع المشقة أو مع عدم القدرة؟ وليس في ذلك نص .وأما صببفة الجلببوس
فإن قوما قالوا :يجلس متربعا :أعني الجلبوس البذي هبو ببدل مبن القيبام ،وكبره اببن
مسعود الجلوس متربعا ،فمن ذهب إلى التربيع فل فببرق بينببه وبيبن جلبوس التشببهد،
ومن كره فلنه ليس من جلوس الصلة .وأما صفة صلة الببذي ل يقببدر علببى القيببام
ول على الجلوس ،فإن قوما قالوا يصلي مضطجعا ،وقوم قالوا :يصببلي كيفمببا تيسببر
له ،وقوم قالوا :يصلي مستقبل رجله إلى الكعبة ،وقوم قالوا :إن لم يستطع الجلببوس
صلى على جنبه ،فإن لم يستطع على جنبه صلى مستلقيا ورجله إلى القبلة على قدر
طاقته ،وهو الذي اختاره ابن المنذر.
*)*3الجملة الرابعة( وهذه الجملة تشمل مببن أفعببال الصببلة علببى الببتي ليسببت أداء،
وهذه هي إما إعادة وإما قضاء وإما جبر لما زاد أو نقص بالسجود ففي هببذه الجملببة
إذا ثلثة أبواب .الباب الول :في العادة .الباب الثاني :فببي القضبباء .الببباب الثببالث:
في الجبران الذي يكون بالسجود.
**3الباب الول في العادة.
@-وهذا الباب الكلم فيه في السباب التي تقتضي العادة ،وهي مفسدات الصببلة.
واتفقوا على أن من صلى بغير طهارة أنه يجب عليه العادة عمدا أو نسيانا ،وكذلك
من صلى لغير القبلة عمدا كان ذلك أو نسيانا.
وبالجملة فكل من أخل بشرط من شروط صحة الصببلة وجبببت عليببه العببادة وإنمببا
يختلفون من أجل اختلفهم في الشروط المصححة.
)وها هنا مسائل تتعلق بهذا الباب خارجة عما ذكر من فروض الصلة اختلفوا فيها(
فمنها أنهم اتفقوا على أن الحدث يقطببع الصببلة ،واختلفببوا هببل يقتضببي العببادة مببن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
أولها إذا كان قد ذهب منها ركعة أو ركعتان قبل طببرو الحببدث أم يبنببي علبى مبا قبد
مضى من الصلة ،فذهب الجمهور إلى أنه ل يبني ل فببي حببدث ول فببي غيببره ممببا
يقطع الصلة إل في الرعاف فقط .ومنهم من رأى أنه ل يبني ل في الحبدث ول فبي
الرعاف ،وهو الشافعي ،وذهب الكوفيون إلبى أنبه يبنبي فبي الحبداث كلهبا .وسببب
اختلفهم أنه لم يرد في جواز ذلك أثر عن النبي عليه الصببلة والسببلم ،وإنمببا صببح
عن ابن عمر أنه رعف في الصلة فبنى ولببم يتوضببأ ،فمببن رأى أن هببذا الفعببل مببن
الصحابي يجري مجرى التوقيف إذ ليس يمكن أن يفعبل مثبل هبذا بقيباس أجباز هبذا
الفعل ،ومن كان عنده من هؤلء أن الرعاف ليس بحببدث أجبباز البنبباء فببي الرعبباف
فقط ولم يعده لغيره ،وهو مذهب مالك ،ومبن كبان عنبده أنبه حبدث أجباز البنباء فبي
سائر الحداث قياسا على الرعاف ،ومن رأى أن مثل هذا ل يجب أن يصار إليببه إل
بتوقيف من النبي عليه الصببلة والسببلم إذ قببد انعقببد الجمبباع علببى أن المصببلي إذا
انصرف إلى غير القبلة أنه قد خرج من الصلة ،وكذلك إذا فعل فيهببا فعل كببثيرا لببم
يجز البناء ل في الحدث ول في في الرعاف.
@)-المسألة الثانية( اختلف العلماء هل يقطع الصلة مرور شيء بين يدي المصببلي
إذا صلى لغير سبترة أو مبر بينبه وبيبن السبترة؟ فبذهب الجمهبور إلبى أنبه ل يقطبع
الصلة شيء ،وأنه ليس عليه العادة ،وذهبت طائفة إلى أنببه يقطببع الصببلة :المببرأة
والحمار والكلب السود .وسبب هذا الخلف معارضة القول للفعل ،وذلك أنببه خببرج
مسلم عبن أببي ذر أنبه عليبه الصبلة والسبلم قبال "يقطبع الصبلة المبرأة والحمبار
والكلب السود" وخرج مسلم والبخاري عن عائشة أنها قالت "لقد رأيتنببي بيببن يببدي
رسول ال صلى ال عليه وسلم معترضببة كبباعتراض الجنببازة وهببو يصببلي" وروي
مثل قول الجمهور عن علي وعن أبي ،ول خلف بينهم في كراهية المرور بين يدي
المنفرد والمام إذا صلى لغير سترة أو مر بينه وبين السترة ،ولم يروا بأسببا أن يمببر
خلف السترة وكذلك لم يروا بأسا أن يمر بين يدي المأموم لثبوت حببديث ابببن عببباس
وغيره قال "لقد أقبلت راكبا على أتان وأنببا يببومئذ قببد نبباهزت الحتلم ورسببول الب
صلى ال عليبه وسبلم يصبلي بالنباس ،فمبررت بيبن يبدي بعبض الصبفوف ،فنزلبت
وأرسلت التان ترتع ودخلت فببي الصببف ،فلببم ينكببر علببي ذلببك أحببد" وهببذا عنببدهم
يجري مجرى المسند ،وفيه نظر ،وإنما اتفق الجمهور على كراهية المرور بين يدي
المصلي ،لما جاء فيه من الوعيد في ذلك ،ولقوله عليه الصلة والسلم فيببه "فليقبباتله
فإنما هو شيطان".
@)-المسألة الثالثة( اختلفوا في النفخ في الصلة على ثلثة أقوال :فقوم كرهوه ولببم
يروا العادة على من فعله ،وقوم أوجبوا العادة على من نفخ ،وقببوم فرقببوا بيببن أن
يسمع أو ل يسمع .وسبب اختلفهم تردد النفخ بين أن يكون كلما أو ل يكون كلما.
@)-المسألة الرابعة( اتفقببوا علبى أن الضببحك يقطبع الصبلة ،واختلفبوا فببي التبسببم
وسبب اختلفهم تردد التبسم بين أن يلحق بالضحك أو ل يلحق به.
@)-المسألة الخامسة( اختلفوا في صلة الحاقن ،فأكثر العلمبباء يكرهببون أن يصببلي
الرجل وهو حاقن ،لما روي من حديث زيد بن أرقم قال :سببمعت رسببول الب صببلى
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
ال عليه وسلم يقول "إذا أراد أحدكم الغائط فليبببدأ بببه قبببل الصببلة" ولمببا روي عببن
عائشة عن النبي عليه الصلة والسلم أنه قال "ل يصلي أحدكم بحضرة الطعببام ول
وهو يدافع الخبثان" يعني الغائط والبول .ولما ورد مببن النهببي عببن ذلببك عبن عمبر
أيضا ،وذهب قوم إلى أن صلته فاسدة ،وأنه يعيد .وروى ابن القاسببم عببن مالببك مببا
يدل على أن صلة الحاقن فاسدة ،وذلك أنه روي عنه أنه أمببره بالعببادة فببي الببوقت
وبعد الوقت .والسبب في اختلفهم اختلفهم في النهي ،هببل يببدل علببى فسبباد المنهببى
عنه أم ليس يدل على فساده؟ وإنما يدل على تأثيم من فعله فقط إذا كان أصببل الفعببل
الذي تعلق النهي به واجبا أو جائزا ،وقد تمسك القائلون بفسبباد صببلته بحببديث رواه
الشاميون ،منهم من يجعله عن ثوبان ،ومنهم من يجعله عببن أبببي هريببرة عببن النبببي
صلى ال عليه وسلم قال "ل يحل لمؤمن أن يصلي وهو حاقن جدا" قال أبو عمر بن
عبد البر :هو حديث ضعيف السند ل حجة فيه.
@)-المسألة السادسة( اختلفوا في رد سلم المصلي على من سببلم عليببه ،فرخصببت
فيه طائفة منهم سعيد بن المسيب والحسن بن أبي الحسن البصري وقتادة .ومنع ذلبك
قوم بالقول وأجازوا الرد بالشارة ،وهو مذهب مالك والشببافعي ،ومنببع آخببرون رده
بالقول والشارة ،وهو مذهب النعمان ،وأجاز قوم الرد في نفسه ،وقوم قالوا يببرد إذا
فرغ من الصلة .والسبب في اختلفهم :هل رد السبلم نبوع مبن التكلبم فبي الصبلة
المنهى عنه أم ل؟ فمن رأى أنه من نوع الكلم المنهببى عنببه ،وخصببص المببر بببرد
السلم في قوله تعالى }وإذا حييتم بتحية فحيببوا بأحسببن منهببا{ اليببة بأحبباديث النهببي
عن الكلم في الصلة قال :ل يجوز الرد في الصلة ،ومن رأى أنه ليببس داخل فببي
الكلم المنهى عنه ،أو خصص أحاديث النهي بالمر برد السلم أجازه فببي الصببلة.
قال أبو بكر بن المنذر ،ومن قال ل يرد ول يصير فقد خبالف السببنة ،فبإنه قبد أخبببر
حبيب أن النبي عليه الصلة والسلم رد علببى البذين سببلموا عليبه وهببو فببي الصببلة
بإشارة.
**3الباب الثاني في القضاء.
@-والكلم في هذا الباب على من يجببب القضبباء ،وفببي صببفة أنببواع القضبباء وفببي
شروطه ،فأما على من يجب القضاء؟ فاتفق المسلمون علببى أنببه يجببب علببى الناسببي
والنببائم ،واختلفببوا فببي العامببد والمغمببى عليببه ،وإنمببا اتفببق المسببلمون علببى وجببوب
القضاء على الناسي والنائم لثبوت قوله عليه الصببلة والسببلم وفعلببه :وأعنببي بقببوله
عليه الصلة والسلم "رفع القلم عن ثلث" فببذكر النببائم وقببوله "إذا نببام أحببدكم عببن
الصلة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" وما روي أنه نام عن الصلة حتى خرج وقتهببا
فقضاها .وأما تاركها عمببدا حبتى يخببرج الببوقت ،فببإن الجمهببور علببى أنببه آثببم ،وأن
القضاء عليه واجب وذهب بعض أهل الظاهر إلى أنه ل يقضي وأنه آثم ،وأحببد مببن
ذهب إلى ذلك أبو محمد بن حزم .وسبب اختلفهم اختلفهم في شببيئين :أحببدهما فببي
جواز القياس في الشرع .والثاني في قياس العامد على الناسي إذا سلم جواز القياس.
فمن رأى أنه إذا وجب القضاء على الناسي الذي قد عذره الشرع فببي أشببياء كببثيرة،
فالمتعمد أحرى أن يجب عليه لنه غير معذور أوجبب القضباء عليبه ،ومبن رأى أن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الناسي والعامد ضدان :والضداد ل يقاس بعضبها علببى بعبض إذ أحكامهبا مختلفببة،
وإنما تقاس الشباه ،لم يجز قياس العامد على الناسي ،والحبق فبي هبذا أنبه إذا جعبل
الوجوب من باب التغليظ كان القياس سائغا .وأما إن جعبل مبن بباب الرفبق بالناسبي
والعذر له وأن ل يفوته ذلك الخير ،فالعامد في هذا ضد الناسي ،والقياس غيببر سببائغ
لن الناسي معذور والعامد غيببر معبذور ،الصببل أن القضبباء ل يجبب ببأمر الداء،
وإنما يجب بأمر مجدد علبى مبا قبال المتكلمبون ،لن القاضبي قبد فباته أحبد شبروط
التمكن من وقوع الفعل على صحته ،وهو الوقت إذ كان شرطا مببن شببروط الصببحة
والتأخير عن الوقت في قياس التقديم عليه ،لكن قد ورد الثر بالناسي والنببائم وتببردد
العامد بين أن يكون شبيها أو غير شبيه ،وال الموفق للحق .وأما المغمى عليه ،فببإن
قوما أسقطوا عنه القضاء فيما ذهب وقته ،وقوم أوجبوا عليببه القضبباء .ومببن هببؤلء
من اشترط القضاء في عدد معلوم ،وقالوا :يقضي في الخمس فما دونها .والسبب في
اختلفهم تردده بين النائم والمجنون ،فمن شبببهه بالنببائم أوجببب عليببه القضبباء ،ومببن
شبهه بالمجنون أسقط عنه الوجوب .وأما صفة القضاء ،فإن القضاء نوعببان :قضبباء
لجملة الصلة ،وقضاء لبعضببها .أمببا قضبباء الجملببة فببالنظر فيببه فببي صببفة القضبباء
وشروطه ووقته .فأما صفة القضاء فهي بعينها صفة الداء إذا كببانت الصببلتان فببي
صفة واحدة مبن الفرضبية وأمبا إذا كبانت فبي أحبوال مختلفبة مثبل أن يبذكر صبلة
حضرية في سفر أو صلة سفرية في حضر ،فبباختلفوا فببي ذلببك علببى ثلثببة أقببوال:
فقوم قالوا :إنما يقضي مثل الذي عليه ولم يراعوا الوقت الحاضر ،وهو مذهب مالك
وأصحابه ،وقوم قالوا :إنما يقضي أبدا أربعا سفرية كانت منسية أو حضببرية ،فعلببى
رأي هؤلء إن ذكببر فببي السببفر حضببرية صببلها حضببرية ،وإن ذكببر فببي الحضببر
سفرية صلها حضرية وهبو مبذهب الشبافعي .وقبال قبوم :إنمبا يقضبي أببدا فبرض
الحال التي هببو فيهببا فيقضببي الحضببرية فببي السببفر سببفرية ،والسببفرية فببي الحضببر
حضرية ،فمن شبه القضاء بالداء راعببى الحبال الحاضبرة وجعببل الحكببم لهببا قياسبا
على المريض يتذكر صلة نسيها في الصببحة أو الصببحيح يتببذكر صببلة نسببيها فببي
المرض :أعني أن فرضه هو فرض الصلة في الحال الحاضرة ،ومن شبببه القضبباء
بالديون أوجب للمقضية صببفة المنسببية .وأمببا مببن أوجببب أن يقضببي أبببدا حضببرية،
فراعى الصفة في إحداهما والحال فببي الخببرى ،أعنببي أنببه إذا ذكببر الحضببرية فببي
السفر راعى صفة المقضببية ،وإذا ذكببر السببفرية فببي الحضببر راعببى الحببال؛ وذلببك
اضطراب جار على غير قياس إل أن يذهب مذهب الحتيبباط ،وذلببك بتصببور فيمببن
يرى القصر رخصة.
@)-وأما شروط القضاء ووقته( فإن من شروطه الذي اختلفببوا فيببه الببترتيب وذلببك
أنهم اختلفوا في وجوب الترتيب في قضاء المنسيات :أعني بوجوب ترتيب المنسيات
مع الصلة الحاضرة الوقت ،وترتيب المنسيات بعضها مع بعض إذا كانت أكثر مببن
صلة واحدة ،فببذهب مالببك إلببى أن الببترتيب واجببب فيهببا فببي الخمببس صببلوات فمببا
دونها ،وأنه يبدأ بالمنسية وإن فات وقت الحاضببرة حببتى أنببه قببال :إن ذكببر المنسببية
وهو في الحاضرة فسدت الحاضرة عليه ،وبمثببل ذلببك قببال أبببو حنيفببة والثببوري إل
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
أنهم رأوا الترتيب واجبا مع اتساع وقت الحاضرة ،واتفق هؤلء على سقوط وجوب
الترتيب مع النسببيان .وقبال الشببافعي ل يجبب البترتيب ،وإن فعببل ذلببك إذا كببان فببي
الوقت متسع فحسن يعني في وقت الحاضرة .والسبببب فببي اختلفهببم اختلف الثببار
في هذا الباب واختلفهم في تشبببيه القضبباء بببالداء .فأمببا الثببار فببإنه ورد فببي ذلببك
حديثان متعارضان :أحدهما ما روي عنه عليه الصلة والسببلم أنببه قببال "مببن نسببي
صلة وهو مع المبام فبي أخبرى فليصبل مبع المبام ،فبإذا فبرغ مبن صبلته فليعبد
الصلة التي نسي ثم ليعد الصلة التي صلى مع المام" وأصحاب الشافعي يضعفون
هذا الحديث ويصححون حديث ابن عباس أن النبببي عليببه الصببلة والسببلم قببال "إذا
نسي أحدكم صلة فذكرها وهو في صلة مكتوبة فليتم التي هو فيها ،فإذا فببرغ منهببا
قضى التي نسي" والحديث الصحيح في هذا الباب هو ما تقدم من قوله عليه الصببلة
والسلم ،إذا نام أحدكم عن الصلة أو نسيها" الحديث .وأما اختلفهم في جهة تشبببيه
القضاء بالداء فببإن مببن رأى أن الببترتيب فببي الداء إنمببا لببزم مببن أجببل أن أوقاتهببا
المختصة بصلة منها هي مرتبة في نفسها إذ كان الزمان ل يعقل إل مرتبا لم يلحببق
بها القضاء ،لنه ليس للقضاء وقت مخصوص ومن رأى أن الترتيب فببي الصببلوات
المؤداة هو في الفعل وإن كان الزمببان واحببدا مثببل الجمببع بيببن الصببلتين فببي وقببت
إحداهما ،شبه القضاء بببالداء :وقببد رأت المالكيببة أن تببوجب الببترتيب للمقضببية مببن
جهة الوقت ل من جهببة الفعببل لقببوله عليببه الصببلة والسببلم" :فليصببلها إذا ذكرهببا"
قالوا :فوقت المنسية وهو وقت الذكر ،ولذلك وجب أن تفسد عليببه الصببلة الببتي هببو
فيها في ذلك الوقت ،وهذا ل معنى لببه لنببه إن كببان وقببت الببذكر وقتببا للمنسببية فهببو
بعينه أيضا وقت للحاضرة أو وقت للمنسيات إذا كانت أكثر مببن صببلة واحببدة ،وإذا
كان الوقت واحدا فلبم يببق أن يكبون الفسباد الواقبع فيهبا إل مبن قببل البترتيب بينهبا
كالترتيب الذي يوجد فبي أجبزاء الصبلة الواحبدة فبإنه ليبس إحبدى الصبلتين أحبق
بالوقت من صبباحبتها إذ كببان وقتببا لكليهمببا إل أن يقببوم دليببل الببترتيب ،وليببس ههنببا
عندي شيء يمكن أن يجعل أصل في هذا الباب لترتيب المنسيات إل الجمع عند مببن
سلمه ،فإن الصلوات المؤداة أوقاتها مختلفة والترتيب فببي القضبباء إنمببا يتصببور فببي
الوقت الواحد بعينه للصلتين معا ،فافهم هذا فإن فيه غموضببا ،وأظببن مالكببا رحمببه
الب إنمببا قبباس ذلببك علببى الجمببع وإنمببا صببار الجميببع إلببى استحسببان الببترتيب فببي
المنسببيات إذا لببم يخببف فببوات الحاضببرة لصببلته عليببه الصببلة والسببلم الصببلوات
الخمس يوم الخندق مرتبة ،وقد احتج بهذا من أوجب القضاء على العامد ،ول معنببى
لهذا ،فإن هذا منسوخ ،وأيضا فإنه كان تركا لعذر وأما التحديد في الخمس فما دونها
فليس له وجه إل أن يقال :إنه إجماع ،فهذا حكم القضاء الذي يكون فببي فببوات جملببة
الصلة ،وأما القضاء الذي يكون في فببوات بعببض الصببلوات ،فمنببه مبا يكببون سببببه
النسيان ،ومنه ما يكون سببه سبببق المببام للمببأموم :أعنببي أن يفببوت المببأموم بعببض
صلة المام ،فأمببا إذا فببات المببأموم بعببض الصببلة ،فببإن فيببه مسببائل ثلثببا قواعببد:
إحداها مبتى تفبوت الركعبة .والثانيبة هبل إتيبانه بمبا فباته بعبد صبلة المبام أداء أو
قضاء .والثالثة متى يلزمه حكم صلة المببام ومببتى ل يلزمببه ذلببك .أمببا مببتى تفببوته
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الركعة ،فإن في ذلببك مسببألتين :إحببداهما إذا دخببل والمببام قببد أهببوى إلببى الركببوع،
والثانية إذا كان مع المام في الصلة فسها أن يتبعه في الركوع أو منعه ذلك ما وقع
من زحام أو غيره.
@)-وأما المسألة الولى( فإن فيها ثلثة أقوال :أحدها وهو الذي عليه الجمهور أنببه
إذا أدرك المام قبل أن يرفع رأسه من الركوع وركع معه فهو مدرك للركعة وليببس
عليه قضاؤها ،وهؤلء اختلفوا :هل من شرط هذا الداخل أن يكبببر تكبببيرتين تكبببيرة
للحرام وتكبببيرة للركبوع أو يجزيببه تكبببيرة الركبوع؟ .وإن كبانت تجزيبه فهبل مبن
شرطها أن ينوي بها تكبيرة الحببرام أم ليببس ذلببك مببن شببرطها؟ فقببال بعضببهم :بببل
تكبيرة واحبدة تجزيبه إذا نبوى بهبا تكببيرة الفتتباح ،وهبو مبذهب مالبك والشبافعي،
والختيار عندهم تكبيرتان ،وقال قوم :ل بد من تكبيرتين ،وقال قببوم :تجببزى واحببدة
وإن لم ينو بها تكبيرة الفتتاح .والقول الثاني أنه إذا ركببع المببام فقببد فبباتته الركعببة،
وأنه ل يدركها ما لم يدركه قائما وهو منسوب إلى أبي هريرة .والقول الثالث أنه إذا
انتهى إلى الصف الخر وقد رفع المام رأسه ولببم يرفببع بعضببهم ،فببأدرك ذلببك أنببه
يجزيه لن بعضهم أئمة لبعض ،وبه قال الشببعبي .وسبببب هببذا الختلف تببردد اسببم
الركعببة بيببن أن يببدل علببى الفعببل نفسببه الببذي هببو النحنبباء فقببط ،أو علببى النحنبباء
والوقوف معا ،وذلك أنه قال عليه الصلة والسلم" :من أدرك من الصلة ركعة فقببد
أدرك الصلة" قال ابن المنذر :ثبت ذلك عن رسول ال صلى ال عليببه وسببلم ،فمببن
كان اسم الركعة ينطلق عنده على القيام والنحناء معا قبال :إذا فباته قيبام المبام فقبد
فاتته الركعة ،ومن كان اسم الركعببة ينطلببق عنببده علببى النحنبباء نفسببه جعببل إدراك
النحناء إدراكا للركعة ،والشتراك الذي عرض لهذا السم إنما هببو مببن قبببل تببردده
بيببن المعنببى اللغببوي والمعنببى الشببرعي ،وذلببك أن اسببم الركعببة ينطلببق لغببة علببى
النحناء ،وينطلق شرعا علببى القيببام والركببوع والسببجود فمببن رأى أن اسببم الركعببة
ينطلق في قوله عليه الصلة والسلم "من أدرك ركعة" علببى الركعببة الشببرعية ولببم
يذهب مذهب الخذ ببعض ما تدل عليه السماء قال :لبد أن يدرك مع المام الثلثة
الحوال أعني :القيام ،والنحناء ،والسجود ،ويحتمل أن يكون من ذهبب إلبى اعتببار
النحناء فقط أن يكون اعتبر أكثر ما يدل عليببه السببم ههنببا لن مببن أدرك النحنبباء
فقد أدرك منها جزأين ،ومن فاته النحناء إنما هو أدرك منها جزءا واحدا فقط ،فعلى
هببذا يكببون الخلف آيل إلببى اختلفهببم فببي الخببذ ببعببض دللببة السببماء أو بكلهببا،
فالخلف يتصور فيها من الوجهين جميعا .وأما من اعتبببر الركببوع مببن فببي الصببف
من المأمومين فلن الركعة من الصلة قد تضاف إلى المام فقببط ،وقببد تضبباف إلببى
المام والمأمومين .فسبب الختلف هو الحتمال في هذه الضافة :أعني قوله عليببه
الصلة والسببلم "مببن أدرك ركعببة مببن الصببلة" ومببا عليببه الجمهببور أظهببر .وأمببا
اختلفهم في :هببل تجزيببه تكبببيرة واحببدة أو تكبيرتببان؟ أعنببي المببأموم إذا دخببل فببي
الصلة والمام راكع .فسببه هل من شرط تكبيرة الحببرام أن يببأتي بهببا واقفببا أم ل؟
فمن رأى أن مببن شببرطها الموضببع الببذي تفعببل فيببه تعلقببا بالفعببل أعنببي فعلببه عليببه
الصلة والسلم ،وكان يرى أن التكبير كله فرض قال :لبد من تكبيرتين .ومن رأى
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
أنه ليس من شرطها الموضع تعلقببا بعمببوم قببوله عليببه الصببلة والسببلم "وتحريمهببا
التكبير" وكان عنده أن تكبيرة الحرام هببي فقببط الفببرض قببال :يجزيببه أن يببأتي بهببا
وحدها .وأما من أجاز أن يأتي بتكبيرة واحدة ولم ينوبها تكبيرة الحرام ،فقيببل يبنببي
على مذهب من يرى أن تكبيرة الحرام ليست بفرض ،وقيل إنما يبنببي علببى مببذهب
من يجوز تأخير نية الصلة عن تكبيرة الحرام ،لنببه ليببس معنببى أن ينببوي تكبببيرة
الحرام إل مقارنة النية للدخول في الصلة ،لن تكبيرة الحرام لهببا وصببفان :النيببة
المقارنة ،والولية :أعني وقوعها في أول الصلة ،فمن اشترط الوصببفين قببال :لبببد
من النية المقارنة ،ومن اكتفى بالصفة الواحدة اكتفى بتكبيرة واحدة ،وإن لببم تقارنهببا
النية.
@)-وأما المسألة الثانية( وهببي إذا سببها عببن اتببباع المببام فببي الركببوع حببتى سببجد
المام ،فإن قوما قالوا :إذا فاته إدراك الركوع معه ،فقببد فبباتته الركعببة ووجببب عليببه
قضاؤها ،وقوم قالوا :يعتد بالركعة إذا أمكنه أن يتم من الركوع قبببل أن يقببوم المببام
إلى الركعة الثانية ،وقوم قالوا :يتبعه ويعتببد بالركعببة مببا لببم يرفببع المببام رأسببه مببن
النحناء في الركعة الثانية ،وهبذا الختلف موجبود لصبحاب مالبك ،وفيبه تفصبيل
واختلف بينهم بين أن يكون عن نسيان أو أن يكون عن زحام ،وبيببن أن يكببون فببي
جمعة أو في غير جمعة ،وبين اعتبار أن يكون المأموم عببرض لببه فببي هببذا الركعببة
الولى أو فببي الركعببة الثانيببة ،وليببس قصببدنا تفصببيل المببذهب ول تخريجببه ،وإنمببا
الغرض الشارة إلى قواعد المسائل وأصولها ،فنقببول :إن سبببب الختلف فببي هببذه
المسألة هو :هل من شرط فعل المأموم أن يقببارن فعببل المببام ،أو ليببس مببن شببرطه
ذلك؟ وهل هذا الشرط هو في جميع أجببزاء الركعببة الثلثببة؟ أعنببي القيببام والنحنبباء
والسجود أم إنما هو شرط في بعضها؟ ومببتى يكببون إذا لببم يقببارن فعلببه فعببل المببام
اختلفا عليه :أعني أن يفعل هو فعل والمام فعل ثانيا ،فمن رأى أنه شرط فببي كببل
جزء من أجزاء الركعة الواحدة :أعني أن يقارن فعل المأموم فعببل المببام ،وإل كببان
اختلفا عليه ،وقد قال عليه الصلة والسلم "فل تختلفوا عليه" قببال :مببتى لببم يببدرك
معه من الركوع ولو جزأ يسيرا لم يعتد بالركعة ،ومن اعتبره في بعضببها قببال :هببو
مدرك للركعة إذا أدرك فعل الركعببة قبببل أن يقببوم إلببى الركعببة الثانيببة ،وليببس ذلببك
اختلفا عليه ،فإذا قام إلى الركعة الثانية فإن اتبعه فقد اختلف عليه في الركعه الولى
وأما من قال إنه يتبعه ما لم ينحن في الركعه الثانية فإنه رأى أنه ليس من شرط فعل
المأموم أن يقارن بعضه بعض فعل المام ول كله ،وإنما من شببرطه أن يكببون بعببده
فقط ،وإنما اتفقوا على أنه إذا قام من النحنبباء فببي الركعببة الثانيببة أنببه ل يعتببد بتلببك
الركعة إن اتبعه فيها ،لنه يكون في حكم الولى والمام في حكم الثانية ،وذلك غايبة
الختلف عليه.
@)-وأما المسببألة الثانيببة( مببن المسببائل الثلث الول الببتي هببي أصببول هببذا الببباب
وهي :هل إتيان المأموم بما فاته من الصلة مع المام أداء أو قضبباء؟ فببإن فببي ذلببك
ثلثة مذاهب ،قوم قالوا :إن ما يأتي به بعد سلم المام هو قضاء وإن ما أدرك ليس
هو أول صلته .وقوم قالوا :إن الذي يأتي به بعد سلم المام هو أداء ،وإن ما أدرك
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
هو أول صلته .وقوم فرقوا بين القوال والفعال فقالوا :يقضي فببي القببوال يعنببون
في القراءة ،ويبني في الفعال يعنون الداء ،فمببن أدرك ركعببة مببن صببلة المغببرب
على المذهب الول :أعني مذهب القضاء قام إذا سلم المام إلى ركعببتين يقببرأ فيهمببا
بأم القرآن وسورة من غير أن يجلس بينهما ،وعلى المذهب الثاني :أعني على البناء
قام إلى ركعة واحدة يقرأ فيها بأم القرآن وسورة ويجلببس ،ثببم يقببوم إلببى ركعببة يقببرأ
فيها بأم القرآن فقط ،وعلى المببذهب الثببالث يقببوم إلببى ركعببة فيقببرأ فيهببا بببأم القببرآن
وسورة ،ثم يجلس ثم يقوم إلى ركعة ثانية يقرأ فيهبا أيضبا ببأم القبرآن وسبورة ،وقبد
نسبت القاويل الثلثة إلببى المببذهب ،والصببحيح عببن مالببك أنببه يقضببي فببي القببوال
ويبني في الفعال لنه لم يختلف قوله في المغرب إنه إذا أدرك منها ركعة أنببه يقببوم
إلى الركعة الثانية ثم يجلببس ،ول اختلف فببي قببوله إنببه يقضببي ببأم القبرآن وسبورة
وسبب اختلفهم أنه ورد في بعض روايببات الحببديث المشببهور "فمببا أدركتببم فصببلوا
وما فاتكم فأتموا" والتمام يقتضي أن يكببون مببا أدرك هببو أول صببلته وفببي بعببض
رواياته "فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا" والقضاء يوجب أن ما أدرك هو آخر
صلته؛ فمن ذهب مذهب التمام قال :ما أدرك هو أول صلته؛ ومببن ذهببب مببذهب
القضاء قال :ما أدرك هو آخر صلته ،ومن ذهب مببذهب الجمببع جعببل القضبباء فببي
القببوال والداء فببي الفعببال ،وهببو ضببعيف :أعنببي أن يكببون بعببض الصببلة أداء
وبعضها قضاء ،واتفاقهم على وجوب الترتيب في أجزاء الصلة ،وعلى أن موضببع
تكبيرة الحببرام هببو افتتبباح الصببلة ،ففيببه دليببل واضببح علببى أن مببا أدرك هببو أول
صلته لكن تختلف نية المأموم والمام في الترتيب فتأمل هذا ،ويشبه أن يكببون هببذا
هو أحد ما راعاه من قال :ما أدرك فهو آخر صلته.
@)-وأما المسألة الثالثة( من المسائل الول ،وهببي مببتى يلببزم المببأموم حكببم صببلة
المببام فببي التببباع؟ فببإن فيهببا مسببائل :إحببداها مببتى يكببون مببدركا لصببلة الجمعببة.
والثانية :متى يكون مدركا معه لحكم سجود السهو :أعني سهو المام .والثالثبة :مبتى
يلزم المسافر الداخل وراء إمام يتم التمام إذا أدرك من صلة المام بعضها.
@)-فأما المسألة الولببى( فببإن قومببا قببالوا :إذا أدرك ركعببة مببن الجمعببة فقببد أدرك
الجمعة ،ويقضي ركعة ثانيبة ،وهبو مببذهب مالببك والشببافعي ،فبإن أدرك أقببل صببلى
ظهرا أربعا .وقوم قالوا :بل يقضي ركعتين أدرك منهبا مبا أدرك ،وهبو مبذهب أببي
حنيفة ،وسبب الخلف فبي هبذا هبو مبا يظبن مبن التعبارض بيبن عمبوم قبوله عليبه
الصلة والسلم" :ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" وبين مفهوم قوله عليه الصببلة
والسلم" :من أدرك ركعة من الصلة فقد أدرك الصلة" فإنه مبن صبار إلبى عمبوم
قوله عليه الصلة والسلم "وما فاتكم فببأتموا" أوجببب أن يقضببي ركعببتين وإن أدرك
منها أقل من ركعتين ومن كان المحذوف عنده في قوله عليببه الصببلة والسببلم "فقببد
أدرك الصلة" أي فقد أدرك حكم الصلة وقال :دليل الخطاب يقتضببي أن مببن أدرك
أقل من ركعة فلم يدرك حكم الصلة والمحذوف في هذا القول محتمل ،فإنه يمكن أن
يراد به فضل الصلة ،ويمكن أن يببراد بببه وقببت الصببلة ،ويمكببن أن يببراد بببه حكببم
الصلة ولعله ليس هذا المجاز في أحدهما أظهر منه في الثاني ،فإن كان المر كذلك
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
كان من باب المجمل الذي ل يقتضي حكما ،وكان الخر بببالعموم أولببى ،وإن سببلمنا
أنه أظهر في أحد هذه المحذوفات وهو مثل الحكم على قول مببن يببرى ذلببك لببم يكببن
هذا الظاهر معارضا للعموم ،إل من بباب دليبل الخطباب ،والعمبوم أقبوى مبن دليبل
الخطاب عند الجميع ،ولسيما الدليل المبني على المحتمل أو الظاهر .وأما من يببرى
أن قوله عليه الصلة والسلم "فقد أدرك الصلة" أنه يتضمن جميع هذه المحببذوفات
فضعيف وغير معلوم من لغة العبرب ،إل أن يتقبرر أن هنالبك اصبطلحا عرفيببا أو
شرعيا.
وأما مسألة اتببباع المببأموم للمببام فببي السببجود :أعنببي فببي سببجود السببهو فببإن قومببا
اعتبروا في ذلك الركعة :أعني أن يدرك من الصلة معببه ركعببة ،وقببوم لببم يعتبببروا
ذلك ،فمن لم يعتبر ذلك فمصيرا إلى عموم قببوله عليببه الصببلة والسببلم "إنمببا جعببل
المام ليؤتم به" ومن اعتبر ذلك فمصيرا إلى مفهوم قوله عليه الصلة والسلم "فقببد
أدرك الصلة" ولذلك اختلفوا في المسألة الثالثة فقال قببوم :إن المسببافر إذا أدرك مببن
صلة المام الحاضرة أقل من ركعبة لبم يتبم ،وإذا أدرك ركعبة لزمبه التمبام ،فهبذا
حكم القضاء الذي يكون لبعض الصلة من قبل سبببق المببام لببه .وأمببا حكببم القضبباء
لبعض الصلة الذي يكون للمام والمنفرد من قبل النسيان ،فإنهم اتفقببوا علببى أن مببا
كان منها ركنا فهو يقضي :أعني فريضة ،وأنه ليس يجزي منه إل التيان بببه ،وفيببه
مسائل اختلفوا فيها ،بعضهم أوجب فيها القضاء وبعضهم أوجب فيهببا العببادة ،مثببل
من نسي أربع سجدات من أربع ركعات سجدة من كل ركعة ،فإن قوما قالوا :يصببلح
الرابعة بأن يسجد لها ،ويبطل ما قبلها من الركعات ثببم يببأتي بهببا ،وهببو قببول مالببك.
وقوم قالوا :تبطل الصلة بأسرها ويلزمه العادة ،وهي إحبدى الروايبتين عبن أحمبد
بن حنبل .وقوم قالوا :يأتي بأربع سجدات متوالية وتكمل بهببا صببلته ،وبببه قببال أبببو
حنيفة والثوري والوزاعي .وقوم قالوا :يصلح الرابعة ويعتد بسجدتين ،وهو مببذهب
الشببافعي .وسبببب الخلف فببي هببذا مراعبباة الببترتيب ،فمببن راعبباه فببي الركعببات
والسجدات أبطل الصلة ،ومن راعاه في السجدات أبطل الركعببات مببا عببدا الخيببرة
قياسا على قضاء ما فات المبأموم مبن صبلة المبام ،ومبن لبم يبراع البترتيب أجباز
سجودها معا في ركعة واحدة ،ول سببيما إذا اعتقبد أن البترتيب ليببس هببو واجبببا فبي
الفعل المكرر في كل ركعة :أعني السببجود ،وذلببك أن كببل ركعببة تشببتمل علببى قيببام
وانحناء وسجود ،والسجود مكرر ،فزعبم أصبحاب أببي حنيفبة أن السبجود لمبا كبان
مكببررا لببم يجببب أن يراعببي فيببه التكريببر فببي الببترتيب ،ومببن هببذا الجنببس اختلف
أصحاب مالك فيمن نسي قراءة أم القرآن من الركعببة الولببى فقيببل ل يعتببد بالركعببة
ويقضيها ،وقيل يعيد الصلة ،وقيل يسجد للسهو وصببلته تامببة ،وفببروع هببذا الببباب
كثيرة ،وكلها غير منطوق به ،وليس قصدنا ههنا إل ما يجري مجرى الصول.
**3الباب الثالث من الجملة الرابعة في سجود السهو.
@-والسجود المنقول في الشريعة فبي أحبد موضبعين إمبا عنبد الزيبادة أو النقصبان
اللذين يقعان في أفعال الصلة وأقوالها من قبل النسيان ل من قبببل العمببد .وأمببا عنببد
الشك في أفعال الصلة ،فأما السجود الذي يكون من قبببل النسببيان ل مببن قبببل الشببك
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
فالكلم فيه ينحصر في ستة فصول :الفصل الول :في معرفة حكم السببجود .الثبباني:
في معرفة مواضعه من الصلة .الثالث :في معرفة الجنس من الفعال والفعال التي
يسجد لها .الرابع :في صفة سجود السهو .الخامس :في معرفة من يجب عليه سببجود
السهو .السادس :بماذا ينبه المأموم المام الساهي على سهوه.
**4الفصل الول.
@-اختلفوا في سجود السهو هل هو فرض أو سنة ،فببذهب الشببافعي إلببى أنببه سببنة،
وذهب أبو حنيفة إلى أنه فرض لكببن مببن شببروط صببحة الصببلة .وفببرق مالببك بيببن
السجود للسهو في الفعال وبين السجود للسهو في القببوال وبيببن الزيببادة والنقصببان
فقال :سجود السهو الذي يكون للفعال الناقصة واجب ،وهو عنده من شروط صببحة
الصلة ،هذا في المشهور ،وعنه أن سجود السبهو للنقصبان واجبب وسبجود الزيبادة
مندوب والسبب في اختلفهم اختلفهم في حمل أفعاله عليه الصلة والسلم في ذلببك
على الوجوب أو على الندب فأما أبو حنيفة فحمل أفعبباله عليببه الصببلة والسببلم فببي
السجود على الوجوب إذ كان هو الصل عندهم إذ جاء بيانبا لبواجب كمبا قبال عليبه
الصلة والسلم" :صلوا كما رأيتموني أصلي" وأما الشافعي فحمببل أفعبباله فببي ذلببك
على الندب وأخرجها عن الصل بالقياس ،وذلك أنه لما كان السببجود عنببد الجمهببور
ليس ينوب عن فرض وإنما ينوب عن ندب رأى أن البدل عما ليس بواجب ليس هببو
بواجب .وأما مالك فتأكدت عنده الفعال أكثر من القوال ،لكونها من صلب الصببلة
أكثر من القوال ،أعني أن الفروض التي هي أفعال هي أكثر مببن فببروض القببوال،
فكأنه رأى أن الفعال آكد من القوال ،وإن كببان ليببس ينببوب سبجود السببهو إل عمببا
كان منها ليس بفرض ،وتفريقبه أيضبا بيببن سبجود النقصببان والزيبادة علبى الروايبة
الثانية ليكون سجود النقصان شرع بدل مما سقط من أجزاء الصلة وسببجود الزيببادة
كأنه استغفار ل بدل.
**4الفصل الثاني.
@-اختلفوا في مواضع سجود السهو علببى خمسببة أقببوال :فببذهبت الشببافعية إلببى أن
سجود السهو موضعه أبببدا قبببل السببلم ،وذهبببت الحنفيببة إلببى أن موضببعه أبببدا بعببد
السلم .وفرقت المالكية فقالت :إن كان السبجود لنقصببان كبان قبببل السببلم وإن كبان
لزيادة كان بعد السلم .وقال أحمد بن حنبل :يسببجد قبببل السببلم فببي المواضببع الببتي
سجد فيهبا رسبول الب صبلى الب عليبه وسبلم قببل السبلم ،ويسبجد بعبد السبلم فبي
المواضع التي سجد فيها رسول ال صلى ال عليه وسببلم بعببد السببلم ،فمببا كببان مببن
سجود في غير تلك المواضع يسجد له أبدا قبل السلم .وقال أهببل الظبباهر :ل يسببجد
للسهو إل في المواضع الخمسة التي سجد فيها رسول ال صلى ال عليه وسلم فقببط،
وغير ذلببك إن كببان فرضببا أتببى بببه ،وإن كببان نببدبا فليببس عليببه شببيء والسبببب فببي
اختلفهم أنه عليه الصلة والسلم ثبت عنه أنه سجد قبل السلم وسببجد بعببد السببلم،
وذلك أنه ثبت من حديث ابن بحينة عنه أنه قال "صلى لنا رسول ال صلى ال عليببه
وسلم ركعتين ثم قام فلم يجلس فقام النبباس معببه ،فلمببا قضببى صببلته سببجد سببجدتين
وهو جالس" وثبت أيضا أنه سجد بعد السلم في حديث ذي اليدين المتقدم إذ سلم من
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
اثنتين ،فذهب الذين جوزوا القياس في سجود السهو :أعني الببذين رأوا تعديببة الحكببم
في المواضبع البتي سبجد فيهبا عليبه الصبلة والسبلم إلبى أشبباهها فبي هبذه الثبار
الصحيحة ثلثببة مببذاهب :أحببدها مببذهب الترجيببح .والثبباني مببذهب الجمببع .والثببالث
الجمع بين الجمع والترجيح .فمن رجح حديث ابن بحينة قال" :السجود قبببل السببلم"
واحتج لذلك بحديث أبي سعيد الخدري الثابت أنه عليه الصلة والسلم قال "إذا شببك
أحدكم في صلته فلم يدر كم صلى أثلثببا أم أربعببا فليصببل ركعببة وليسببجد سببجدتين
وهببو جببالس قبببل التسببليم ،فببإن كببانت الركعببة الببتي صببلها خامسببة شببفعها بهبباتين
السجدتين ،وإن كانت رابعة فالسجدتان ترغيم للشيطان" قالوا :ففيببه السببجود للزيببادة
قبل السلم لنهببا ممكنببة الوقبوع خامسببة ،واحتجببوا لبذلك أيضبا بمببا روي عبن ابببن
شهاب أنه قال" :كان آخر المرين من رسول ال صلى ال عليه وسببلم السببجود قبببل
السلم" وأما من رجح حديث ذي اليدين فقال :السجود بعد السلم ،واحتجوا لترجيببح
هذا الحديث بأن حديث ابن بحينة قد عارضببه حببديث المغيببرة ابببن شببعبة "أنببه عليببه
الصلة والسلم قام من اثنتين ولم يجلس ثم سجد بعببد السببلم" قببال أبببو عمببر :ليببس
مثله في النقل فيعببارض بببه ،واحتجببوا أيضببا لببذلك بحببديث ابببن مسببعود الثببابت "أن
رسول ال صلى ال عليه وسلم صلى خمسا ساهيا وسجد لسهوه بعببد السببلم" .وأمببا
من ذهب مذهب الجمع فإنهم قالوا :إن هذه الحاديث ل تتنبباقض ،وذلببك أن السببجود
فيها بعد السلم إنما هو في الزيببادة والسببجود قبببل السببلم فببي النقصببان ،فببوجب أن
يكون حكم السجود في سائر المواضع كما هو في هببذا الموضببع ،قببالوا :وهببو أولببى
من حمل الحاديث على التعارض .وأمببا مببن ذهبب مبذهب الجمبع والترجيبح فقببال:
يسجد في المواضع التي سجد فيها رسول ال صلى ال عليه وسلم على النحببو الببذي
سجد فيها رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فبإن ذلبك هبو حكبم تلبك المواضبع .وأمبا
المواضع التي لم يسجد فيها رسول ال صلى الب عليبه وسبلم ،فبالحكم فيهبا السببجود
قبل السلم فكأنه قبباس علببى المواضببع الببتي سببجد فيهببا عليببه الصببلة والسببلم قبببل
السلم ،ولم يقس على المواضع التي سجد فيها بعد السلم ،وأبقببى سببجود المواضببع
التي سجد فيها على ما سجد فيها ،فمن جهة أنببه أبقببى حكببم هببذه المواضببع علببى مببا
وردت عليه وجعلها متغايرة الحكببام هببو ضببرب مببن الجمببع ورفببع للتعببارض بيببن
مفهومها ومن جهة أنه عدى مفهوم بعضها دون البعض ،وألحببق ببه المسبكوت عنببه
فذلك ضرب من الترجيح :أعني أنه قال على السجود الذي قبل السلم ولم يقس على
الذي بعده .وأما من لم يفهم من هذه الفعال حكما خارجا عنها وقصببر حكمهببا علببى
أنفسها وهم أهل الظاهر فاقتصروا بالسجود على هذه المواضع فقط .وأمببا أحمببد بببن
حنبل ،فجاء نظره مختلطا من نظر أهل الظاهر ونظر أهل القياس ،وذلك أنه اقتصر
بالسجود كما قلنا بعد السلم على المواضع الببتي ورد فيهببا الثببر ولببم يعببده ،وعببدى
السجود الذي ورد في المواضع التي قبل السلم ،ولكل واحد من هببؤلء أدلببة يرجببح
بها مذهبه من جهة القياس :أعني لصحاب القياس وليس قصدنا في هذا الكتبباب فببي
الكثر ذكر الخلف الذي يوجبه القيبباس كمببا ليببس قصببدنا ذكببر المسببائل المسببكوت
عنها في الشرع إل في القل ،وذلك إما من حيث هي مشهورة ،وأصل لغيرها ،وإما
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
من حيث هي كثيرة الوقوع .والمواضع الخمسة التي سها فيها رسول الب صببلى الب
عليه وسلم :أحدها أنه قام من اثنتين على ما جاء في حديث ابببن بحينببة .والثبباني أنببه
سلم من اثنتين على ما جاء في حديث ذي اليدين .والثالث أنه صببلى خمسببا علببى مببا
في حديث ابن عمر ،خرجه مسلم والبخاري .والرابع أنه سلم من ثلث على مببا فببي
حديث عمران بن الحصين .والخامس السجود عن الشك على ما جاء في حديث أبببي
سعيد الخدري ،وسيأتي بعد .واختلفوا لماذا يجب سبجود السبهو؟ فقيبل يجبب للزيبادة
والنقصان ،وهو الشهر؛ وقيل للسهو نفسه ،وبه قال أهل الظاهر والشافعي.
**4الفصل الثالث.
@-وأما القوال والفعال التي يسجد لها فإن القائلين بسجود السببهو لكببل نقصببان أو
زيادة وقعت في الصلة على طريق السهو اتفقوا علببى أن السببجود يكببون عببن سببنن
الصلة دون الفرائض ودون الرغائب .فالرغائب ل شيء عندهم فيها :أعني إذا سها
عنها في الصلة ما لم يكن أكثر من رغيبة واحدة ،مثل مببا يببرى مالببك أنببه ل يجببب
سجود من نسبيان تكببيرة واحبدة ،ويجبب مبن أكبثر مبن واحبدة .وأمبا الفبرائض فل
يجزئ عنها التيان بها وجبرها إذا كببان السببهو عنهببا ممببا ل يببوجب إعببادة الصببلة
بأسرها على ما تقدم فيما يوجب العادة وما يبوجب القضبباء ،أعنببي علبى مببن تبرك
بعض أركان الصلة )هكذا هذه بالعبارة بالصول ،وفيها من الغمببوض مببا ل يخفببى
تأمل ا هب( ،وأما سجود السهو للزيبادة فبإنه يقبع عنبد الزيبادة فببي الفببرائض والسبنن
جميعا ،فهذه الجملة ل اختلف بينهم فيها ،وإنما يختلفون من قبل اختلفهببم فيمببا هببو
منها فرض أو ليس بفرض ،وفيما هو منها سنة أو ليس بسنة ،وفيما هو منها سنة أو
رغيبة؛ مثال ذلك أن عند مالك ليس يسجد لترك القنوت لنه عنده مسببتحب ،ويسببجد
له عند الشافعي لنه عنببده سببنة ،وليببس يخفببى عليببك هببذا ممببا تقببدم القببول فيببه مببن
اختلفهم بين ما هو سنة أو فريضة أو رغيبة ،وعند مالببك وأصببحابه سببجود السببهو
للزيادة اليسيرة في الصلة وإن كانت مببن غيببر جنببس الصببلة ،وينبغببي أن تعلببم أن
السنة والرغيبة هي عندهم من ببباب النببدب ،وإنمببا تختلفببان عنببدهم بالقببل والكببثر:
أعني في تأكيد المر بها ،وذلك راجع إلى قببرائن أحببوال تلببك العبببادة ،ولببذلك يكببثر
اختلفهم في هذا الجنس كثيرا ،حببتى إن بعضببهم يببرى أن فببي بعببض السببنن مببا إذا
تركت عمدا إن كانت فعل ،أو فعلت عمدا إن كانت تركببا أن حكمهببا حكببم الببواجب:
أعني في تعلق الثم بها ،وهذا موجود كثيرا لصحاب مالك ،وكذلك تجدهم قد اتفقوا
ما خل أهل الظاهر على أن تبارك السبنن المتكببررة بالجملببة آثببم ،مثببل مبا لببو تبرك
إنسان الوتر أو ركعتي الفجر دائما لكان مفسقا آثما ،فكأن العبادات بحسب هذا النظر
مثلها ما هي فرض بعينها وجنسها مثل الصلوات الخمس .ومنها ما هي سببنة بعينهببا
فرض بجنسها مثل الوتر وركعتي الفجر وما أشبه ذلك من السنن .وكببذلك قببد تكببون
عند بعضهم الرغائب رغببائب بعينهببا سببنن بجنسببها مثببل مببا حكينبباه عببن مالببك مببن
إيجاب السجود لكثر من تكبيرة واحدة :أعني للسببهو عنهببا ،ول تكببون فيمببا أحسببب
عند هؤلء سنة بعينها وجنسها .وأما أهببل الظبباهر فالسببنن عنببدهم هببي سببنن بعينهببا
لقوله عليببه الصببلة والسببلم للعرابببي الببذي سبأله عببن فببروض السببلم "أفلببح إن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
صدق ،دخل الجنة إن صدق" وذلك بعد أن قال له :وال ل أزيد على هذا ول أنقببص
منه :يعني الفرائض ،وقد تقدم هذا الحديث .واتفقوا من هذا الباب على سجود السببهو
لترك الجلسة الوسطى واختلفوا فيهببا هببل هببي فببرض أو سببنة ،وكببذلك اختلفببوا هببل
يرجع المام إذا سبح به إليها أو ليس يرجع؟ وإن رجع فمتى يرجع؟ قببال الجمهببور:
يرجع ما لم يستو قائما .وقال قوم :يرجع مببا لببم يعقببد الركعببة الثالثببة .وقببال قببوم :ل
يرجع إن فارق الرض قيد شبر ،وإذا رجع عند الذين ل يرون رجببوعه ،فببالجمهور
على أن صلته جائزة .وقال قوم :تبطل صلته.
**4الفصل الرابع.
@-وأما صفة سجود السهو فببإنهم اختلفببوا فببي ذلببك؛ فببرأى مالببك أن حكببم سببجدتي
السبهو إذا كبانت بعبد السبلم أن يتشبهد فيهبا ويسبلم منهبا ،وببه قبال أببو حنيفبة لن
السجود كله عنده بعد السلم ،وإذا كانت قبل السلم أن يتشهد لهببا فقببط ،وأن السببلم
من الصلة هو سلم منها ،وبه قال الشافعي إذا كان السجود كلببه عنببده قبببل السببلم،
وقد روي عن مالك أنه ل يتشهد للتي قبل السلم ،وبه قال جماعة .قال أبو عمر :أما
السلم من التي بعد السلم فثابت عن النبي صببلى الب عليبه وسببلم .وأمبا التشبهد فل
أحفظه من وجه ثابت .وسبب هذا الختلف هو اختلفهببم فببي تصببحيح مببا ورد مببن
ذلك في حديث ابن مسعود أعني من أنه عليه الصلة والسلم "تشهد ثم سلم" وتشبيه
سجدتي السهو بالسببجدتين الخيرتيببن مببن الصببلة ،فمببن شبببهها بهببا لببم يببوجب لهببا
التشهد ،وبخاصة إذا كانت في نفس الصلة .وقال أبو بكر بن المنذر :اختلف العلماء
في هذه المسألة على ستة أقوال :فقالت طائفة :ل تشهد فيها ول تسليم ،وبه قال أنببس
بن مالك والحسن وعطاء .وقال قوم :مقابل هذا وهو أن فيهببا تشببهدا وتسببليما .وقببال
قوم :فيها تشهد فقط دون تسليم ،وبه قال الحكم وحمبباد والنخعببي ،وقببال قببوم :مقابببل
هذا وهو أنه فيها تسليما وليس فيها تشهد وهو قول ابن سبيرين .والقبول الخبامس إن
شاء تشهد وسلم ،وإن شاء لم يفعل ،وروي ذلك عن عطاء .والسادس قول أحمببد بببن
حنبل إنه إن سجد بعد السلم تشهد وإن سجد قبل السلم لم يتشهد ،وهو الذي حكينبباه
نحن عن مالك .قببال أببو بكببر قبد ثبببت "أنبه صبلى الب عليبه وسببلم كبببر فيهبا أربببع
تكبيرات وأنه سلم" وفي ثبوت تشهده فيها نظر.
**4الفصل الخامس.
@-اتفقوا على أن سجود السهو من سنة المنفرد والمام .واختلفوا في المأموم يسهو
وراء المام هل عليه سجود أم ل؟ فذهب الجمهور إلى أن المام يحمل عنببه السببهو،
وشذ مكحول فألزمه السجود في خاصة نفسه .وسبب اختلفهم اختلفهببم فيمببا يحمببل
المام من الركان عبن المبأموم ومبا ل يحملبه ،واتفقبوا علبى أن المبام إذا سبها أن
المأموم يتبعه في سجود السهو وإن لم يتبعه في سهوه .واختلفوا متى يسببجد المببأموم
إذا فاته مع المام بعض الصلة وعلى المام سجود سهو ،فقال قوم :يسجد مع المام
ثم يقوم لقضاء ما عليه ،وسواء كببان سببجوده قبببل السببلم أو بعببده ،وبببه قببال عطبباء
والحسن والنخعي والشعبي وأحمد وأبو ثور وأصحاب الرأي .وقال قبوم :يقضبي ثبم
يسجد ،وبه قال ابن سيرين وإسحاق .وقال قوم :إذا سجد قبل التسببليم سببجدهما معببه،
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وإن سجد بعد التسليم سجدهما بعبد أن يقضبي ،وببه قبال مالبك والليبث والوزاعبي.
وقال قوم :يسجدهما مع المام ثببم يسببجدهما ثانيببة بعببد القضبباء ،وبببه قببال الشببافعي.
وسبب اختلفهم اختلفهم أي أولى وأخلق أن يتبعه فببي السببجود مصبباحبا لببه أو فببي
آخر صلته ،فكأنهم اتفقوا على أن التباع واجب لقوله عليببه الصببلة والسببلم "إنمببا
جعل المام ليؤتم به" واختلفوا هل موضعها للمأموم هو موضببع السببجود أعنببي فببي
آخر الصلة؟ أو موضعها هو وقت سجود المام؟ فمن آثر مقارنة فعلببه لفعببل المببام
على موضع السجود ورأى ذلك شرطا في التباع ،أعني أن يكون فعلهما واحدا حقبا
قال :يسجد مع المام وإن لم يأت بها في موضع السجود ،ومن آثبر موضبع السبجود
قال :يؤخرها إلبى آخبر الصبلة ،ومبن أوجبب عليبه المريبن أوجبب عليبه السبجود
مرتين وهو ضعيف.
**4الفصل السادس.
@-واتفقوا على أن السنة لمن سها في صلته أن يسبح لببه ،وذلببك للرجببل لمببا ثبببت
عنه عليه الصلة والسلم أنه قال "مالي أراكم أكثرتم من التصفيق من نابه شيء في
صلته فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه ،وإنما التصفيق للنسبباء" واختلفببوا فببي النسبباء
فقال مالك وجماعة :إن التسبيح للرجببال والنسبباء .وقببال الشببافعي وجماعببة :للرجببال
التسبيح وللنسبباء التصببفيق .والسبببب فببي اختلفهببم اختلفهببم فببي مفهببوم قببوله عليببه
الصلة والسلم "وإنما التصفيق للنساء" فمن ذهب إلببى أن معنببى ذلببك أن التصببفيق
هو حكم النساء في السهو وهو الظاهر قال :النساء يصفقن ول يسبحن ،ومن فهم من
ذلك الذم للتصفيق قال :الرجال والنساء في التسبيح سواء ،وفيه ضعف لنببه خببروج
عن الظاهر بغير دليل ،إل أن تقاس المرأة في ذلك علبى الرجبل ،والمبرأة كبثيرا مبا
يخالف حكمها في الصلة حكم الرجل ،ولذلك يضعف القياس.
وأما سجود السهو الذي هو لموضع الشك فإن الفقهاء اختلفوا فيمن شببك فببي صببلته
فلم يدر كم صلى أواحدة أو اثنتين أو ثلثا أو أربعببا علببى ثلثببة مببذاهب .فقببال قببوم:
يبني على اليقين وهو القل ول يجزيه التحببري ويسببجد سببجدتي السببهو ،وهببو قببول
مالك والشافعي وداود .وقال أبو حنيفة :إن كان أول أمره فسدت صلته ،وإن تكببرر
ذلك منه تحرى وعمل على غلبة الظن ثم يسجد سجدتين بعد السببلم .وقبالت طائفببة:
إنه ليس عليه إذا شك ل رجوع إلى اليقين ول تحر ،وإنما عليه السجود فقط إذا شك.
والسبب في اختلفهم تعارض ظواهر الثار الواردة في هذا الباب ،وذلك أن في هذا
الباب ثلثة آثار :أحدها حديث البناء علببى اليقيببن ،وهببو حببديث أبببي سببعيد الخببدري
قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسببلم "إذا شببك أحببدكم فببي صببلته فلببم يببدر كببم
صلى أثلثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثببم يسببجد سببجدتين قبببل أن
يسلم ،فإن صلى خمسا شفعن له صلته ،وإن كان صلى إتمامبا لرببع كانتبا ترغيمبا
للشيطان" خرجه مسلم .والثاني حديث ابببن مسبعود أن النببي عليببه الصبلة والسبلم
قال "إذا سها أحدكم في صلته فليتحببر وليسببجد سببجدتين" وفببي روايببة أخببرى عنببه
"فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب ثم ليسلم ثم ليسجد سجدتي السببهو ويتشببهد ويسببلم"
والثالث حديث أبي هريرة خرجه مالك والبخاري أن رسول ال صلى ال عليه وسلم
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
قال "إن أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان فلبس عليه حتى ل يدري كم صلى ،فإذا
وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس" وفي هذا المعنى أيضا حديث عبببد ال ب
بن جعفر ،خرجه أبو داود أن رسول ال صببلى الب عليببه وسببلم قببال "مببن شببك فببي
صلته فليسجد سجدتين بعدها ويسلم" فذهب الناس في هذه الحبباديث مببذهب الجمببع
ومذهب الترجيح ،والذين ذهبوا مذهب الترجيح منهم من لببم يلتفببت إلببى المعببارض،
ومنهم من رام تأويل المعارض وصرفه إلى الذي رجح ،ومنهم مببن جمببع المريببن،
أعني جمع بعضها ورجح بعضها ،وأول غير المرجببح إلببى معنببى المرجببح ،ومنهببم
من جمع بين بعضها وأسقط حكم البعض .فأما مببن ذهببب مببذهب الجمببع فببي بعببض
والترجيح في بعض مع تأويل غير المرجح وصرفه إلببى المرجببح ،فمالببك بببن أنببس
فإنه حمل حديث أبي سعيد الخدري على الذي لم يستنكحه الشك ،وحمل حببديث أبببي
هريرة على الذي يغلب عليه الشك ويستنكحه ،وذلك من باب الجمببع ،وتببأول حببديث
ابن مسعود على أن المببراد بببالتحري هنالببك هببو الرجببوع إلببى اليقيببن ،فببأثبت علببى
مذهبه الحاديث كلها .وأما من ذهب مذهب الجمع بين بعضها وإسقاط البعض وهببو
الترجيح من غير تأويل المرجح عليه فأبو حنيفة ،فإنه قال :إن حديث أبي سعيد إنمببا
هو حكم من لم يكن عنده ظن غالب يعمل عليه ،وحديث ابن مسعود على الذي عنبده
ظن غالب ،وأسقط حكم حديث أبي هريرة وذلك أنه قببال :مببا فببي حببديث أبببي سببعيد
وابن مسعود زيادة ،والزيادة يجب قبولها والخذ بها ،وهببذا أيضببا كببأنه ضببرب مببن
الجمع .وأما الذي رجح بعضها وأسقط حكم البعض فالذين قببالوا إنمببا عليببه السببجود
فقط ،وذلك أن هؤلء رجحوا حديث أبببي هريببرة وأسببقطوا حببديث أبببي سببعيد وابببن
مسعود ،ولذلك كان أضعف القوال ،فهذا ما رأينا أن نثبته في هذا القسم مببن قسببمي
كتاب الصلة وهو القول في الصلة المفروضة ،فلنصببر بعببد إلببى القببول فببي القسببم
الثاني من الصلة الشرعية ،وهي الصلوات التي ليست فروض عين.
**2كتاب الصلة الثاني.
@-ولن الصلة التي ليست بمفروضة على العيان منها ما هي سنة ،ومنها ما هي
نفل ،ومنها ما هي فرض على الكفاية ،وكانت هذه الحكام منها ما هببو متفببق عليببه،
ومنها ما هو مختلف فيه ،رأينا أن نفرد القول في واحدة واحبدة مبن هببذه الصببلوات،
وهي بالجملة عشر :ركعتا الفجر والوتر والنفل وركعتببا دخببول المسببجد والقيببام فببي
رمضان والكسوف والستسقاء والعيدان وسجود القرآن ،فإنه صببلة مببا يشببتمل هببذا
الكتاب على عشرة أبواب ،والصلة على الميت نببذكرها علببى حببدة فببي ببباب أحكببام
الميت على ما جرت به عادة الفقهاء ،وهو الذي يترجمونه بكتاب الجنائز.
**3الباب الول القول في الوتر.
@-واختلفوا في الوتر في خمسة مواضع :منها في حكمه ،ومنها في صببفته ،ومنهببا
في وقته ،ومنها في القنوت فيه ،ومنها في صلته على الراحلة .أما حكمببه فقببد تقببدم
القول فيه عند بيببان عببدد الصببلوات المفروضببة .وأمببا صببفته فببإن مالكببا رحمببه الب
استحب أن يوتر بثلث يفصل بينها بسلم .وقال أبو حنيفة :الوتر ثلث ركعببات مببن
غير أن يفصل بينها بسلم .وقال الشافعي :الوتر ركعة واحدة .ولكببل قببول مببن هببذه
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
القاويل سلف من الصحابة والتابعين .والسبب في اختلفهم اختلف الثببار فببي هببذا
الباب ،وذلك أنه ثبت عنه عليه الصلة والسلم من حديث عائشببة "أنببه كببان يصببلي
من الليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة" وثبت عن ابببن عمببر أن رسببول الب
صلى ال عليه وسلم قال "صلة الليل مثنى مثنى فإذا رأيت أن الصبح يدركك فأوتر
بواحدة" وخرج مسلم عن عائشة "أنه عليه الصلة والسلم كان يصلي ثلث عشببرة
ركعة ويوتر من ذلك بخمس ل يجلس في شيء إل في آخرها" وخرج أبو داود عببن
أبي أيوب النصاري أنه عليه الصلة والسلم قال "الوتر حق علببى كببل مسببلم فمببن
أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوتر بثلث فليفعل ،ومببن أحببب أن يببوتر
بواحدة فليفعل" وخرج أبو داود "أنه كان يوتر بسبع وتسع وخمس" وخرج عن عبببد
ال بن قيس قال "قلت لعائشة بكم كان رسول ال صلى ال عليه وسببلم يببوتر؟ قببالت:
كان يوتر بببأربع وثلث وسببت وثلث وثمببان وثلث عشببر وثلث ،ولببم يكببن يببوتر
بأنقص من سبع ول بأكثر من ثلث عشرة"
وحديث ابن عمر عببن النبببي عليببه الصببلة والسببلم أنببه قببال "المغببرب وتببر صببلة
النهار" فذهب العلماء في هذه الحاديث مببذهب الترجيببح .فمببن ذهببب إلببى أن الببوتر
ركعة واحدة فمصيرا إلى قببوله عليببه الصببلة والسببلم "فببإذا خشببيت الصبببح فببأوتر
بواحدة" وإلى حديث عائشة "أنه كان يوتر بواحدة" ومببن ذهببب إلببى أن الببوتر ثلث
من غير أن يفصل بينها وقصر حكم الوتر على الثلث فقط ،فليس يصح له أن يحتج
بشيء مما في هذا الباب ،لنها كلها تقتضي التخيير ما عدا حديث ابن عمر أنببه قببال
عليه الصلة والسلم "المغرب وتر صلة النهار" فإن لبي حنيفببة أن يقببول :إنببه إذا
شبه شيء بشيء وجعل حكمهما واحدا كان المشبه به أحرى أن يكون بتلببك الصببفة،
ولما شبهت المغرب بوتر صلة النهار وكانت ثلثا وجب أن يكون وتر صلة الليببل
ثلثا .وأما مالك فإنه تمسك في هذا الباب بأنه عليه الصلة والسلم لببم يببوتر قببط إل
في أثر شفع ،فرأى أن ذلك من سنة الوتر ،وأن أقل ذلك ركعتان ،فالوتر عنببده علببى
الحقيقة إما أن يكون ركعة واحدة ،ولكن من شرطها أن يتقدمها شفع ،وإمببا أن يببرى
أن الوتر المأمور به هو يشتمل على شفع ووتر ،فإنه إذا زيد على الشفع وتببر صببار
الكل وترا،
ويشهد لهذا المذهب حديث عبببد الب بببن قيببس المتقببدم ،فببإنه سببمي الببوتر فيببه العببدد
المركب من شفع ووتر ويشهد لعتقاده أن الوتر هو الركعة الواحدة أنببه كببان يقببول:
كيف يوتر بواحدة ليس قبلها شيء ،وأي شيء يوتر له؟ وقد قال رسول ال صلى ال
عليه وسلم "توتر له مببا قبد صبلى" فبإن ظباهر هبذا القبول أنببه كببان يببرى أن الببوتر
الشرعي هو العدد الوتر بنفسه :أعني الغير مركب من الشببفع والببوتر وذلببك أن هببذا
هو وتر لغيره ،وهذا التأويل عليه أولببى .والحببق فببي هببذا أن ظبباهر هببذه الحبباديث
يقتضي التخيير في صفة الوتر من الواحدة إلى التسببع علببى مببا روي ذلببك مببن فعببل
رسول ال صلى ال عليه وسلم ،والنظر إنما هو في هل من شببرط الببوتر أن يتقببدمه
شفع منفصل أم ليس ذلك من شرطه ،فيشبه أن يقال ذلك من شرطه ،لنه هكبذا كبان
وتر رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ويشبه أن يقال ليس ذلك من شرطه لن مسببلما
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
قد خرج "أنه عليه الصلة والسلم كان إذا انتهى إلببى الببوتر أيقببظ عائشببة فببأوترت"
وظاهره أنها كانت توتر دون أن تقدم على وترها شفعا،
وأيضا فإنه قد خرج من طريق عائشة "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يوتر
بتسع ركعات يجلس في الثامنة والتاسعة ول يسلم إل في التاسعة ثبم يصبلي ركعبتين
وهو جالس فتلك إحدى عشرة ركعة ،فلما أس وأخبذ اللحبم أوتبر بسببع ركعبات ولبم
يجلس إل في السادسة والسابعة ولم يسلم إل فببي السببابعة ،ثببم يصببلي ركعببتين وهببو
جالس فتلك تسع ركعات" وهذا الحديث فيه الوتر متقدم على الشفع ،ففيه حجببة علببى
أنه ليس من شرط الوتر أن يتقدمه شفع ،وأن الوتر ينطلق على الثلث ومببن الحجببة
في ذلك ما روى أبو داود عن أبي بن كعبب قبال "كبان رسبول الب صبلى الب عليبه
وسلم يوتر بسبح اسم ربك العلى ،وقل يا أيها الكافرون ،وقببل هببو الب أحببد" وعببن
عائشة مثله "وقالت في الثالثة بقل هو ال أحد والمعوذتين" .وأمببا وقتببه فببإن العلمبباء
اتفقوا على أن وقته من بعد صلة العشاء إلى طلببوع الفجببر لببورود ذلببك مببن طببرق
شتى عنه عليه الصلة والسلم ،ومن أثبببت مبا فببي ذلببك مببا خرجببه مسببلم عببن أبببي
نضرة العوفي أن أبا سعيد أخبرهم أنهم سألوا النبي صلى ال عليه وسببلم عببن الببوتر
فقال "الوتر قبل الصبح" واختلفوا في جواز صلته بعد الفجر ،فقوم منعوا ذلك وقوم
أجازوه ما لم يصل الصبح ،وبالقول الول قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن صبباحبا
أبي حنيفة وسفيان الثوري ،وبالثاني قال الشافعي ومالك وأحمد.
وسبب اختلفهم معارضة عمل الصببحابة فببي ذلببك بالثببار ،وذلببك أن ظبباهر الثببار
الببواردة فببي ذلببك أن ل يجببوز أن يصببلي بعببد الصبببح كحببديث أبببي نضببرة المتقببدم
وحديث أبي حذيفة العدوي نص في هذا خرجه أبو داود وفيبه "وجعلهبا لكبم مبا بيبن
صلة العشبباء إلببى أن يطلببع الفجببر" ول خلف بيببن أهببل الصببول أن مببا بعببد إلببى
بخلف ما قبلها إذا كانت غاية ،وإن هذا وإن كان مبن بباب دليبل الخطبباب فهببو مببن
أنواعه المتفق عليها ،مثل قوله }وأتموا الصيام إلى الليبل{ وقبوله }إلبى المرفقيبن{ ل
خلف بين العلماء أن ما بعد الغاية بخلف الغاية وأما العمل المخالف في ذلك للثر
فإنه روي عن ابن مسعود وابن عباس وعبببادة بببن الصببامت وحذيفببة وأبببي الببدرداء
وعائشة أنهم كانوا يوترون بعد الفجر وقبل صلة الصبح ،ولم يرو عن غيرهببم مببن
الصحابة خلف هذا؛ وقد رأى قوم أن مثل هذا هو داخل في باب الجماع ول معنى
لهذا فإنه ليس ينسب إلى ساكت قول قائل :أعني أنه ليس ينسب إلى الجماع مببن لببم
يعرف له قول في المسألة.
وأما هذه المسألة فكيف يصح أن يقال إنه لم يرو في ذلك خلف عن الصببحابة ،وأي
خلف أعظم من خلف الصحابة الذين رووا هذه الحبباديث ،أعنببي خلفهببم لهببؤلء
الذين أجازوا صلة الوتر بعد الفجر ،والذي عندي في هببذا أن هببذا مببن فعلهببم ليببس
مخالفا للثار الواردة في ذلك أعني في إجازتهم الوتر بعد الفجر ،بببل إجببازتهم ذلببك
هو من باب القضاء ل من بباب الداء ،وإنمبا يكبون قبولهم خلف الثبار لبو جعلبوا
صلته بعد الفجر من باب الداء فتأمل هذا ،وإنما يتطرق الخلف لهذه المسببألة مببن
باب اختلفهم في هل القضاء في العبادة المؤقتة يحتبباج إلببى أمببر جديببد أم ل؟ أعنببي
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
غير أمر الداء وهذا التأويل بهم أليق ،فإن أكثر ما نقل عنهم هذا المببذهب مببن أنهببم
أبصروا يقضون الوتر قبل الصلة وبعد الفجر وإن كان الذي نقببل عببن ابببن مسببعود
في ذلك قول ،أعني أنه كان يقول :إن وقت الوتر من بعد العشاء الخرة إلببى صببلة
الصبح ،فليس يجب لمكان هذا أن يظن بجميع مبن ذكرنباه مبن الصبحابة أنبه يبذهب
هذا المذهب من قبل أنه أبصر يصلي الوتر بعد الفجر ،فينبغي أن تتأمل صببفة النقببل
في ذلك عنهم .وقد حكى ابن المنذر في وقت الببوتر عببن النبباس خمسببة أقببوال :منهببا
القببولن المشببهوران اللببذان ذكرتهمببا .والقببول الثببالث أنببه يصببلي الببوتر وإن صببلى
الصبح ،وهو قول طاوس .والرابع أنه يصليها وإن طلعت الشمس ،وبه قال أبو ثببور
والوزاعي .والخامس أنه يوتر من الليلببة القابلببة وهببو قببول سببعيد بببن جبببير .وهببذا
الختلف إنما سببه اختلفهم في تأكيده وقربه مببن درجببة الفببرض ،فمببن رآه أقببرب
أوجب القضاء في زمان أبعد من الزمان المختص به ،ومن رآه أبعد أوجببب القضبباء
في زمان أقرب ،ومن رآه سنة كسائر السببنن ضببعف عنببده القضبباء إذ القضبباء إنمببا
يجب في الواجبات ،وعلى هذا يجيء اختلفهببم فببي قضبباء صببلة العيببد لمببن فبباتته،
وينبغي أن ل يفرق في هذا بين الندب والببواجب أعنببي أن مببن رأى أن القضبباء فببي
الواجب يكون بأمر متجدد أن يعتقد مثل ذلك في الندب ،ومن رأى أنببه يجببب بببالمر
الول أن يعتقد مثل ذلك في الندب
وأما اختلفهم في القنوت فيه فذهب أبو حنيفببة وأصببحابه إلببى أنببه يقنببت فيببه ومنعببه
مالك وأجازه الشافعي في أحد قوليه في النصف الخر من رمضان ،وأجازه قوم في
النصف الول من رمضان ،وقوم في رمضان كله.
والسبب في اختلفهم في ذلك اختلف الثار ،وذلبك أنبه روي عنبه صبلى الب عليبه
وسلم القنوت مطلقا ،وروي عنه القنوت شهرا ،وروي عنببه أنببه آخببر أمببره لببم يكببن
يقنت في شيء من الصلة ،وأنه نهى عن ذلك ،وقد تقدمت هذه المسألة .وأما صببلة
الوتر على الراحلة حيث توجهت به فإن الجمهور على جببواز ذلببك لثبببوت ذلببك مببن
فعله عليه الصلة والسلم ،أعني أنه كان يوتر على الراحلة :وهو مما يعتمدونه فببي
الحجة على أنها ليست بفرض إذا كان قد صح عنه عليه الصببلة والسببلم "أنببه كببان
يتنفل على الراحلبة" ولبم يصبح عنبه أنبه صبلى قبط مفروضبة علبى الراحلبة .وأمبا
الحنفية فلمكببان اتفبباقهم معهببم علببى هببذه المقدمببة ،وهببو أن كببل صببلة مفروضببة ل
تصلى على الراحلة ،واعتقادهم أن الوتر فرض وجب عندهم من ذلببك أن ل تصببلى
على الراحلة ،وردوا الخبر بالقياس وذلك ضعيف.
وذهب أكثر العلماء إلى أن المرء إذا أوتر ثم نام فقام يتنفل أنه ل يببوتر ثانيببة ،لقببوله
عليه الصلة والسلم "ل وتران في ليلة" خرج ذلببك أبببو داود ،وذهببب بعضببهم إلببى
أنه يشفع الوتر الول بأن يضيف إليه ركعببة ثانيببة ويببوتر أخببرى بعببد التنفببل شببفعا،
وهي المسألة التي يعرفونها بنقض الوتر وفيه ضعف من وجهين :أحببدهما أن الببوتر
ليس ينقلب إلى النفل بتشفيعه ،والثاني أن التنفل بواحببدة غيببر معببروف مببن الشببرع.
وتجويز هذا ول تجويزه هو سبب الخلف في ذلك ،فمن راعببى مببن الببوتر المعقببول
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وهو ضد الشفع قال ينقلب شفعا إذا أضيف إليه ركعة ثانيا ،ومن راعى منببه المعنببى
الشرعي قال :ليس ينقلب شفعا لن الشفع نفل والوتر سنة مؤكدة أو واجبة.
**3الباب الثاني في ركعتي الفجر.
@-واتفقوا على أن ركعتي الفجر سنة لمعاهدته عليببه الصببلة والسببلم علببى فعلهببا
أكثر منه على سائر النوافل والترغيبة فيها ،ولنه قضاها بعد طلوع الشمس حين نام
عن الصلة .واختلفوا من ذلك في مسائل إحببداها فببي المسببتحب مببن القببراءة فيهمببا؛
فعند مالك المستحب أن يقرأ فيهما بأم القرآن فقبط ،وقبال الشبافعي :ل ببأس أن يقبرأ
فيهما بأم القرآن مع سورة قصببيرة ،وقببال أبببو حنيفببة :ل توقيببف فيهمببا فببي القببراءة
يستحب ،وأنه يجوز أن يقببرأ فيهمببا المببرء حزبببه مببن الليببل .والسبببب فببي اختلفهببم
اختلف قراءته عليه الصلة والسلم في هذه الصببلة واختلفهببم فببي تعييببن القببراءة
في الصلة ،وذلببك أنبه روي عنبه عليبه الصببلة والسبلم "أنببه كببان يخفببف ركعببتي
الفجر" على ما روته عائشة قببالت "حببتى أنببي أقببول أقببرأ فيهمببا بببأم القببرآن أم ل؟"
فظاهر هذا أنه كان يقرأ فيهما بأم القرآن فقببط .وروي عنببه مببن طريببق أبببي هريببرة
خرجه أبو داود "أنه كان يقرأ فيهما بقل هببو الب أحببد وقببل يببا أيهببا الكببافرون" فمببن
ذهب مذهب حديث عائشة اختار قراءة أم القببرآن فقببط ،ومببن ذهببب مببذهب الحببديث
الثاني اختار أم القرآن وسورة قصيرة ،ومن كان على أصله في أنه ل تتعين للقراءة
في الصلة لقوله تعالى }فاقرءوا ما تيسر منه{ قال يقرأ فيهما ما أحب.
والثانية في صفة القراءة المستحبة فيهما ،فذهب مالك والشبافعي وأكبثر العلمبباء إلبى
أن المستحب فيهما هو السببرار ،وذهببب قببوم إلببى أن المسببتحب فيهمببا هببو الجهببر،
وخير قوم في ذلك بين السرار والجهر .والسبب فببي ذلببك تعببارض مفهببوم الثببار،
وذلك أن حديث عائشة المتقدم المفهوم من ظباهره "أنبه عليبه الصبلة والسبلم كببان
يقرأ فيهما سرا" ولول ذلك لم تشك عائشة هل قرأ فيهما بأم القرآن أم ل؟ وظاهر ما
روى أبو هريرة أنه كان يقرأ فيهما بب }قل يا أيها الكافرون{ و }قل هو ال ب أحببد{ أن
قراءته عليه الصلة والسلم فيهما جهرا" ولول ذلك ما علم أبو هريرة ما كببان يقببرأ
فيهما ،فمن ذهب مذهب الترجيح بين هذين الثرين قال :إما باختيار الجهر إن رحببج
حديث أبي هريرة ،وإما باختيار السرار إن رجح حديث عائشة ،ومن ذهببب مببذهب
الجمع قببال بببالتخيير والثالثببة فببي الببذي لببم يصببل ركعببتي الفجببر وأدرك المببام فببي
الصبلة أو دخبل المسبجد ليصبلهما ،فبأقيمت الصبلة فقبال مالبك :إذا كبان قبد دخبل
المسجد فببأقيمت الصببلة فليببدخل مببع المببام فببي الصببلة ول يركعهمببا فببي المسببجد
والمام يصلي الفرض ،وإن كببان لببم يببدخل المسببجد فبإن لببم يخببف أن يفببوته المببام
بركعببة فليركعهببا خببارج المسببجد ،وإن خبباف فببوات الركعببة فليببدخل مببع المببام ثببم
يصليهما إذا طلعت الشمس؛
ووافق أبو حنيفة مالكا في الفرق بين أن يدخل المسجد أو ل يدخله ،وخالفه في الحببد
في ذلك فقال :يركعهما خارج المسجد ما ظن أنه يدرك ركعة من الصبح مع المببام.
وقال الشافعي إذا أقيمت الصلة المكتوبببة فل يركعهمببا أصببل ل داخببل المسببجد ول
خارجه ،وحكى ابن المنذر أن قومببا جببوزوا ركوعهمببا فببي المسببجد والمببام يصببلي
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وهو شاذ .والسبب في اختلفهم اختلفهم في مفهوم قوله عليببه الصببلة والسببلم "إذا
أقيمت الصلة فل صلة إل المكتوبة" فمن حمببل هببذا علببى عمببومه لببم يجببز صببلة
ركعتي الفجر إذا أقيمت الصلة المكتوبة ل خارج المسبجد ول داخلببه ،ومببن قصبره
على المسجد فقد أجاز ذلك خارج المسجد ما لم تفته الفريضة أو لم يفته منهببا جببزء.
ومببن ذهببب مببذهب العمببوم فالعلببة عنببده فببي النهببي إنمببا هببو الشببتغال بالنفببل عببن
الفريضة ،ومن قصر ذلك على المسجد فالعلة عنده إنما هببو أن تكببون صببلتان معببا
في موضع واحبد لمكبان الختلف علبى المببام كمبا روي عبن أببي سببلمة بببن عببد
الرحمن أنه قال "سمع قوم القامة فقاموا يصلون ،فخرج عليهم رسول ال صلى ال
عليببه وسببلم فقببال :أصببلتان معببا؟ أصببلتان معببا؟" قببال :وذلببك فببي صببلة الصبببح
والركعتين اللتين قبل الصبح.
وإنما اختلف مالك وأبو حنيفة في القدر الذي يراعى من فبوات صبلة الفريضبة مبن
قبل اختلفهم في القدر الذي به يفوت فضل صلة الجماعة للمشببتغل بركعببتي الفجببر
إذا كان فضل صلة الجماعة عندهم أفضل من ركعتي الفجر ،فمببن رأى أنببه بفببوات
ركعة منها يفوته فضل صلة الجماعة قال :يتشاغل بها ما لم تفته ركعة من الصببلة
المفروضة ،ومببن رأى أنببه يببدرك الفضببل إذا أدرك ركعببة مببن الصببلة لقببوله عليببه
الصلة والسلم "من أدرك ركعة من الصلة فقد أدرك الصلة" أي قد أدرك فضببلها
وحمل ذلك على عمومه في تارك ذلك قصدا أو بغيببر اختيببار قببال :يتشبباغل بهببا مببا
ظن أنه يدرك ركعة منها .ومالك إنما يحمل هذا الحببديث والب أعلببم علببى مببن فباتته
الصلة دون قصد منه لفواتها ،ولذلك رأى أنه إذا فاتته منها ركعة فقببد فبباته فضببلها.
وأما من أجاز ركعتي الفجر في المسجد والصلة تقام ،فالسبب في ذلك أحببد أمريببن:
إما أنه لم يصح عنده هذا الثر أو لم يبلغه .قال أبو بكر بببن المنببذر :هببو أثببر ثببابت:
أعني قوله عليه الصلة والسلم "إذا أقيمت الصلة فل صلة إل المكتوبة"
وكذلك صححه أبو عمر بن عبد البر ،وإجازة ذلك تروى عن ابن مسعود ،والرابعببة
في وقت قضائها إذا فاتت حتى صلى الصبح ،فبإن طائفبة قبالت يقضبيها بعبد صبلة
الصبح ،وبه قال عطاء وابببن جريببج وقببال قببوم يقضببيها بعببد طلببوع الشببمس ،ومببن
هؤلء من جعل لها غير هذا الوقت غير المتسع ،ومنهم من جعلببه لهببا متسببعا فقببال:
يقضيها من لدن طلوع الشمس إلى وقت الزوال ول يقضيها بعد الزوال ،ومن هؤلء
الذين قالوا بالقضاء ،ومنهم مببن اسببتحب ذلببك ،ومنهببم مببن خيببر فيببه .والصببل فببي
قضائها صلته لها عليه الصلة والسلم بعد طلوع الشمس حين نام عن الصلة.
**3الباب الثالث في النوافل.
@-واختلفوا في النوافل هل تثنببى أو تربببع أو تثلببث؟ فقببال مالببك والشببافعي :صببلة
التطوع بالليل والنهار مثنى مثنى يسلم في كل ركعتين .وقال أبو حنيفة :إن شاء ثنى
أو ثلث أو ربع أو سدس أو ثمن دون أن يفصل بينهما بسلم؛ وفرق قوم بيببن صببلة
الليل وصلة النهار فقالوا :صلة الليل مثنى مثنى ،وصلة النهار أربع .والسبب فببي
اختلفهم اختلف الثار الواردة في هببذا الببباب ،وذلببك أنببه ورد فببي هببذا الببباب مببن
حديث ابن عمر أن رجل سأل النبببي عليببه الصببلة والسببلم عببن صببلة الليببل فقببال
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
"صلة الليل مثنى مثنى ،فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له مببا قببد
صلى" وثبت عنه عليه الصلة والسلم "أنه كان يصلي قبل الظهر ركعببتين وبعببدها
ركعتين وبعد المغرب ركعتين وبعد الجمعة ركعتين وقبل العصر ركعتين" فمن أخذ
بهذين الحديثين قال :صلة الليل والنهار مثنى مثنى .وثبت أيضا مببن حببديث عائشببة
أنها قالت ،وقد وصفت صلة رسول ال صلى ال عليه وسلم "كان يصلي أربعببا فل
تسأل عن حسنهن وطولهن ،ثببم يصببلي أربعببا فل تسببأل عببن حسببنهن وطببولهن ،ثببم
يصلي ثلثا ،قالت :فقلت يا رسول ال أتنام قبل أن تببوتر؟ قببال :يببا عائشببة إن عينببي
تنامان ول ينام قلبي" وثبت عنه أيضا من طريق أبي هريببرة أنببه قبال عليببه الصببلة
والسلم "من كان يصلي بعد الجمعة فليصلي أربعا" وروى السود عببن عائشببة "أن
رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يصلي من الليل تسببع ركعببات فلمببا أسببن صببلى
سبع ركعات" فمن أخذ أيضا بظاهر هذه الحاديث جوز التنفل بالربع والثلث دون
أن يفصل بينهما بسلم ،والجمهور على أنه ل يتنفل بواحدة ،وأحسببب أن فيببه خلفببا
شاذا.
**3الباب الرابع في ركعتي دخول المسجد.
@-والجمهور على أن ركعتي دخول المسجد مندوب إليها من غير إيجبباب ،وذهببب
أهل الظاهر إلى وجوبها .وسبب الخلف في ذلك هل المر فببي قببوله عليببه الصببلة
والسببلم "إذا جبباء أحببدكم المسببجد فليركببع ركعببتين" محمببول علببى النببدب أو علببى
الوجببوب ،فببإن الحببديث متفببق علببى صببحته ،فمببن تمسببك فببي ذلببك بمببا اتفببق عليببه
الجمهور من أن الصل هو حمل الوامر المطلقببة علببى الوجببوب حببتى يببدل الببدليل
على الندب ،ولم ينقدح عنده دليل ينقل الحكم من الوجوب إلى النبدب قبال :الركعتبان
واجبتان ،ومن انقدح عنده دليل على حمل الوامر ههنا على النببدب أو كببان الصببل
عنده في الوامر أن تحمل على الندب حتى يدل الدليل على الوجوب فإن هذا قد قال
به قوم قال الركعتان غير واجبتين ،لكن الجمهور إنما ذهبببوا إلببى حمببل المببر ههنببا
على الندب لمكان التعببارض الببذي بينببه وبيببن الحبباديث الببتي تقتضببي بظاهرهببا أو
بنصها أن ل صببلة مفروضببة إل الصببلوات الخمببس الببتي ذكرناهببا فببي صببدر هببذا
الكتاب مثل حديث العرابي وغيره ،وذلك أنه إن حمببل المببر ههنببا علببى الوجببوب
لزم أن تكون المفروضات أكثر من خمس ،ولمن أوجبها أن الوجوب ههنببا إنمببا هببو
متعلق بدخول المسجد ل مطلقببا ،كببالمر بالصببلوات المفروضببة ،وللفقهبباء أن تقييببد
وجوبها بالمكان شبيه وجوبها بالزمان ،ولهل الظاهر أن المكبان المخصبوص ليبس
من شرط صحة الصلة ،والزمببان مببن شببرط صببحة الصببلة المفروضببة .واختلببف
العلماء من هذا الباب فيمن جاء بالمسجد وقد ركع ركعتي الفجر في بيته ،هببل يركببع
عند دخوله المسجد أم ل؟ فقال الشافعي :يركع ،وهي رواية أشهب عن مالببك؛ وقببال
أبو حنيفة :ل يركع ،وهي رواية ابن القاسببم عببن مالببك .وسبببب اختلفهببم معارضببة
عموم قوله عليه الصلة والسلم "إذا جبباء أحببدكم المسببجد فليركببع ركعببتين" وقببوله
عليببه الصببلة والسببلم "ل صببلة بعببد الفجببر إل ركعببتي الصبببح" فههنببا عمومببان
وخصوصببان :أحببدهما فببي الزمببان ،والخببر فببي الصببلة ،وذلببك أن حببديث المببر
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
بالصلة عند دخول المسجد عام في الزمان خاص في الصلة ،والنهببي عببن الصببلة
بعد الفجر إل ركعتا الصبح خاص في الزمان عام في الصببلة ،فمببن اسببتثنى خباص
الصلة من عامها رأى الركوع بعد ركعتي الفجر ،ومن اسبتثنى خباص الزمببان مبن
عامه لم يوجب ذلك ،وقد قلنا :إن مثل هذا التعارض إذا وقببع فليببس يجببب أن يصببار
إلى أحد التخصيصين إل بدليل ،وحديث النهي ل يعببارض بببه حببديث المببر الثببابت
وال أعلم ،فإن ثبت الحديث وجب طلب الدليل من موضع آخر.
**3الباب الخامس في قيام رمضان.
@-وأجمعوا على أن قيام شهر رمضان مرغب فيبه أكبثر مبن سبائر الشبهر لقبوله
عليه الصلة والسلم "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" وأن
التراويح التي جمع عليها عمر بن الخطاب الناس مرغب فيها وإن كانوا اختلفببوا أي
أفضل أهي أو الصلة آخر الليل؟ أعني التي كانت صلة رسول ال صلى ال ب عليببه
وسلم ،لكن الجمهور على أن الصلة آخر الليل أفضببل لقببوله عليببه الصببلة والسببلم
"أفضل الصلة صلتكم في بيوتكم إل المكتوبة" ولقول عمببر فيهببا" :والببتي تنببامون
عنها أفضببل" واختلفببوا فببي المختببار مببن عببدد الركعببات الببتي يقببوم بهببا النبباس فببي
رمضان ،فاختار مالببك فببي أحببد قببوليه ،وأبببو حنيفببة والشببافعي وأحمببد ودواد القيببام
بعشرين ركعببة سببوى الببوتر ،وذكببر ابببن القاسببم عببن مالببك أنببه كببان يستحسببن سببتا
وثلثين ركعة والوتر ثلث .وسبب اختلفهم اختلف النقل في ذلك ،وذلببك أن مالكببا
روى عن يزيد بن رومان قببال :كببان النبباس يقومببون فببي زمببان عمببر بببن الخطبباب
بثلث وعشرين ركعة .وخرج ابن أبي شيبة عن داود بن قيببس قبال :أدركببت النباس
بالمدينة في زمان عمر بن عبد العزيز وأبان بن عثمان يصلون سببتا وثلثيببن ركعببة
ويوترون بثلث ،وذكر ابن القاسببم عببن مالببك أنببه المببر القببديم :يعنببي القيببام بسببت
وثلثين ركعة.
**3الباب السادس في صلة الكسوف.
@-اتفقوا على أن صلة كسوف الشمس سنة وأنها في جماعة ،واختلفوا في صببفتها
وفي صفة القراءة فيها وفي الوقات التي تجوز فيها ،وهل مبن شبروطها الخطببة أم
ل؟ وهل كسوف القمر في ذلك ككسوف الشمس؟ ففي ذلك خمس مسائل أصببول فببي
هذا الباب.
@)-المسألة الولى( ذهب مالك والشافعي وجمهور أهببل الحجبباز وأحمببد أن صببلة
الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان؛ وذهب أبو حنيفة والكوفيون إلى أن صببلة
الكسوف ركعتان علببى هيئة صببلة العيببد والجمعببة .والسبببب فببي اختلفهببم اختلف
الثار الواردة في هذا الببباب ومخالفببة القيبباس لبعضبها ،وذلببك أنبه ثببت مببن حببديث
عائشة أنها قالت" :خسفت الشمس في عهد رسول ال صلى ال ب عليببه وسببلم فصببلى
بالناس فقام فأطال القيام ،ثم ركع فأطال الركوع ،ثم قام فأطال القيام وهو دون القيببام
الول ،ثم ركع فأطال الركوع ،وهببو دون الركببوع الول ،ثببم رفببع فسببجد ،ثببم رفببع
فسجد ،ثم فعل في الركعة الخرة مثل ذلك ،ثببم انصببرف وقببد تجلببت الشببمس" ولمببا
ثبت أيضا من هذه الصفة في حديث ابن عباس :أعني من ركوعين فببي ركعببة .قببال
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
أبو عمر :هذان الحديثان من أصح ما روي في هذا الباب ،فمن أخذ بهببذين الحببديثين
ورجحهما على غيرهما من قبل النقل قال :صلة الكسوف ركعتان في ركعببة .وورد
أيضا من حديث أبي بكرة وسمرة بن جندب وعبد ال بن عمر والنعمان بن بشير أنه
صلى في الكسوف ركعتين كصلة العيد .قال أبو عمر بن عبد البر :وهي كلهببا آثببار
مشهورة صحاح ،ومن أحسنها حديث أبي قلبة عن النعمان بببن بشببير قببال" :صببلى
بنا رسول ال صلى ال عليه وسلم في الكسوف نحو صلتكم يركع ويسببجد ركعببتين
ركعتين ،ويسأل ال حتى تجلت الشمس" فمببن رجببح هببذه الثببار لكثرتهببا وموافقتهببا
للقياس :أعني موافقتها لسائر الصلوات قال :صلة الكسوف ركعتببان .قببال القاضببي:
خرج مسلم حديث سمرة .قال أبو عمر :وبالجملة فإنما صار كل فريق منهم إلببى مببا
ورد عن سلفه ،ولذلك رأى بعض أهل العلم أن هببذا كلببه علببى التخييببر ،وممببن قببال
بذلك الطبري ،قال القاضي :وهو الولى ،فببإن الجمببع أولببى مببن الترجيببح .قببال أبببو
عمر :وقد روي في صلة الكسوف عشر ركعات فبي ركعبتين ،وثمببان ركعببات فبي
ركعتين وسببت ركعببات فببي ركعببتين ،وأربببع ركعببات فببي ركعببتين لكببن مببن طببرق
ضعيفة .قال أبو بكر ابن المنبذر ،وقبال إسبحاق ببن راهبويه :كبل مبا ورد مبن ذلبك
فمؤتلف غير مختلف لن العتبار في ذلك لتجلي الكسوف ،فالزيادة في الركوع إنما
تقع بحسب اختلف التجلي فبي الكسبوفات البتي صببلى فيهبا ،وروي عبن العلء ببن
زياد أنه كان يرى أن المصلي ينظر إلى الشببمس إذا رفببع رأسببه مببن الركببوع ،فببإذا
كانت قد تجلت سجد وأضاف إليها ركعة ثانية وإن كانت لم تنجببل ركببع فببي الركعببة
الواحدة ركعة ثانية ،ثم نظر إلى الشمس؛ فإن كببانت قببد تجلببت سببجد وأضبباف إليهببا
ثانية ،وإن كانت لم تنجل ركع ثالثة فببي الركعببة الولبى وهكببذا حبتى تنجلبي .وكببان
إسحاق بن راهويه يقول :ل يتعدى بذلك أربع ركعات في كل ركعببة ،لنببه لببم يثبببت
عن النبي عليه الصلة والسلم أكثر من ذلك .وقال أبو بكر بن المنبذر وكبان بعبض
أصحابنا يقول :الختيار في صلة الكسوف ثابت ،والخيار في ذلك للمصلي إن شبباء
في كل ركعة ركوعين ،وإن شاء ثلثة ،وإن شاء أربعة ،ولم يصح عنده ذلببك .قببال:
وهببذا يببدل علببى أن النبببي عليببه الصببلة والسببلم صببلى فببي كسببوفات كببثيرة .قببال
القاضي :هذا الذي ذكره هو الذي خرجه مسلم ،ول أدري كيببف قببال أبببو عمببر فيهببا
إنها وردت من طرق ضعيفة .وأما عشر ركعات في ركعتين فإنما أخرجببه أبببو داود
فقط.
@)-المسألة الثانية( واختلفوا في القراءة فيها ،فذهب مالك والشافعي إلى أن القببراءة
فيها سر .وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسببن وإسببحاق بببن راهببويه :يجهببر بببالقراءة
فيها .والسبب في اختلفهببم اختلف الثببار فببي ذلببك بمفهومهببا وبصبيغها ،وذلببك أن
مفهوم حديث ابن عباس الثابت أنه قببرأ سببرا لقببوله فيببه عنببه عليببه الصببلة والسببلم
"فقام قياما نحوا من سورة البقرة" وقد روي هذا المعنى نصا عنه أنه قال "قمت إلى
جنب رسول ال صلى ال عليه وسلم فمببا سببمعت منببه حرفببا" وقببد روي أيضببا مببن
طريق ابن إسحاق عن عائشة في صلة الكسوف أنها قالت "تحريت قراءته فحزرت
أنه قرأ سورة البقرة ،فمن رجح هذه الحاديث قال :القراءة فيها سر ،ولمكان ما جاء
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
في هذه الثار استحب مالبك والشبافعي أن يقبرأ فبي الولبى البقبرة ،وفبي الثانيبة آل
عمران ،وفي الثالثة بقدر مائة وخمسين آية من البقرة ،وفي الرابعة بقدر خمسين آية
من البقرة ،وفي كل واحدة أم القرآن؛ ورجحوا أيضا مذهبهم هذا بما روي عنه عليه
الصلة والسلم أنه قال "صلة النهار عجماء" ووردت ههنا أيضببا أحبباديث مخالفببة
لهذه ،فمنها أنه روى "أنه عليه الصلة والسلم قرأ فببي إحببدى الركعببتين فببي صببلة
الكسوف بالنجم" ومفهوم هذا أنه جهر ،وكان أحمببد وإسببحاق يحتجببان لهببذا المببذهب
بحديث سفيان بن الحسن عن الزهري عن عروة عن عائشة "أن النبي عليه الصببلة
والسلم جهر بالقراءة في كسوف الشمس" قببال أبببو عمببر :سببفيان بببن الحسببن ليببس
بالقوي .وقال :وقد تابعه على ذلك عن الزهببري عببن عبببد الرحمببن بببن سببليمان بببن
كثير ،وكلهم ليس في حديث الزهري ،مع أن حديث ابن إسحاق المتقببدم عببن عائشببة
يعارضه ،واحتج هؤلء أيضا لمذهبهم بالقياس الشبهي ،فقالوا :صلة سنة تفعببل فببي
جماعة نهارا ،فوجب أن يجهر فيها أصله العيدان والستسببقاء ،وخيببر فببي ذلببك كلببه
الطبري وهي طريقة الجمع ،وقد قلنا إنها أولى من طريقببة الترجيبح إذا أمكنبت ،ول
خلف في هذا أعلمه بين الصوليين.
@)-المسألة الثالثة( واختلفوا في الوقت الذي تصلى فيه ،فقال الشبافعي :تصبلى فبي
جميع الوقات المنهى عن الصلة فيها وغير المنهى .وقال أبو حنيفة :ل تصببلى فببي
الوقات المنهى عن الصلة فيها .وأما مالك فروى عنه ابن وهب أنه قال :ل يصببلى
لكسوف الشمس إل في الوقت الذي تجوز فيه النافلة .وروى ابن القاسم أن سببنتها أن
تصلى ضحى إلببى البزوال .وسببب اختلفهببم فببي هببذه المسببألة اختلفهببم فببي جنببس
الصلة التي ل تصلى في الوقات المنهى عنها ،فمن رأى أن تلببك الوقببات تختببص
بجميع أجناس الصلة لببم يجببز فيهببا صببلة كسببوف ول غيرهببا ،ومببن رأى أن تلببك
الحاديث تختص بالنوافل وكانت الصلة عنده فبي الكسبوف سبنة أجباز ذلبك ،ومبن
رأى أيضا أنها من النفل لم يجزها في أوقات النهي .وأما رواية ابن القاسم عن مالك
فليس لها وجه إل تشبيهها بصلة العيد.
@)-المسألة الرابعة( واختلفوا أيضا هل مببن شببرطها الخطبببة بعببد الصببلة؟ فببذهب
الشافعي إلى أن ذلك من شرطها .وذهب مالك وأبو حنيفة إلى أنه ل خطبة في صلة
الكسوف .والسبب في اختلفهم اختلفهم في العلة التي من أجلهببا خطببب رسببول الب
صلى ال عليه وسلم النباس لمبا انصبرف مبن صبلة الكسبوف علبى مبا فبي حبديث
عائشة وذلك أنها روت "أنه لما انصرف مببن الصببلة وقببد تجلببت الشببمس حمببد الب
وأثنى عليه ثم قال" :إن الشمس والقمر آيتان من آيات ال ل يخسفان لموت أحببد ول
لحياته" الحديث ،فزعم الشافعي أنه إنمببا خطببب لن مببن سببنة هببذه الصببلة الخطبببة
كالحال في صلة العيدين والستسقاء .وزعم بعببض مببن قبال بقببول أؤلئك أن خطبببة
النبي عليه الصلة والسلم إنما كانت يومئذ لن الناس زعموا أن الشمس إنما كسفت
لموت إبراهيم ابنه عليه السلم.
@)-المسألة الخامسة( واختلفوا في كسوف القمر ،فذهب الشافعي إلى أنه يصلى لببه
في جماعة ،وعلى نحو ما يصلى في كسوف الشمس ،وبه قال أحمد وداود وجماعة؛
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وذهب مالك وأبو حنيفة إلى أنه ل يصلى له في جماعة ،واسببتحب أن يصببلي النبباس
له أفذاذا ركعتين كسائر الصلوات النافلة .وسبب اختلفهم اختلفهم فببي مفهببوم قببوله
عليه الصلة والسلم "إن الشمس والقمر آيتان من آيات ال ب ل يخسببفان لمببوت أحببد
ول لحياته فإذا رأيتموهما فادعوا ال وصلوا حتى يكشف ما بكببم وتصببدقوا" خرجببه
البخاري ومسلم .فمن فهم ههنا من المر بالصلة فيهمببا معنببى واحببدا وهببي الصببفة
التي فعلها في كسوف الشمس رأى الصلة فيها في جماعة .ومن فهم من ذلك معنببى
مختلفا لنه لم يرو عنه عليه الصلة والسلم أنه صلى فببي كسببوف القمببر مببع كببثرة
دورانه .قال :المفهوم من ذلك أقل ما ل ينطلق عليببه اسببم صببلة فببي الشببرع ،وهببي
النافلة فذا ،وكأن قائل هذا يقول يرى أن الصل هو أن يحمل اسم الصلة في الشرع
إذا ورد المر بها على أقل ما ينطلق عليه هذا السببم فببي الشببرع إل أن يببدل الببدليل
على غير ذلك ،فلما دل فعله عليه الصلة والسلم في كسوف الشمس على غير ذلك
بقي المفهوم في كسوف القمر على أصله ،والشافعي يحمل فعله في كسببوف الشببمس
بيانا لمجمل ما أمر به من الصلة فيهما ،فوجب الوقوف عند ذلك .وزعببم أبببو عمببر
ابن عبد البر أنه روي عن ابببن عببباس وعثمببان أنهمببا صببليا فببي القمببر فببي جماعببة
ركعتين في كل ركعة ركوعان مثل قول الشافعي .وقد استحب قببوم الصببلة للزلزلببة
والريح والظلمة وغير ذلك من اليات قياسا على كسوف القمر والشمس لنصه عليببه
الصلة والسلم على العلة في ذلك ،وهو كونها آية ،وهو مببن أقببوى أجنبباس القيبباس
عندهم ،لنه قياس العلة الببتي نببص عليهببا ،لكببن لببم يببر هببذا مالببك ول الشببافعي ول
جماعة من أهل العلم .وقال أبو حنيفة :إن صلى للزلزلببة فقببد أحسببن وإل فل حببرج،
وروي عن ابن عباس أنه صلى لها مثل صلة الكسوف.
**3الباب السابع في صلة الستسقاء.
@-أجمع العلماء على أن الخروج إلى الستسقاء والبروز عن المصر والبدعاء إلبى
ال تعالى والتضرع إليه في نزول المطر سنة سنها رسول ال صلى ال عليه وسلم،
واختلفوا في الصلة في الستسقاء ،فالجمهور علببى أن ذلببك مببن سببنة الخببروج إلببى
الستسقاء إل أبا حنيفة فإنه قال :ليس من سنته الصلة .وسبب الخلف أنبه ورد فبي
بعض الثار أنه استسقى وصلى ،وفي بعضها لم يذكر فيهببا صببلة ،ومببن أشببهر مببا
ورد في أنه صلى وبه أخذ الجمهور حديث عباد بن تميبم عببن عمببه "أن رسببول الب
صلى ال عليه وسلم خرج بالناس يستسقي فصلى بهم ركعببتين جهببر فيهببا بببالقراءة،
ورفع يببديه حببذو منكبببيه وحببول رداءه واسببتقبل القبلببة واستسببقى" خرجببه البخبباري
ومسلم .وأما الحاديث الببتي ذكببر فيهببا الستسببقاء وليببس فيهببا ذكببر للصببلة ،فمنهببا
حديث أنس بن مالك خرجه مسلم أنه قال "جاء رجل إلى رسول ال صلى ال ب عليببه
وسلم فقال :يا رسول ال هلكت المواشي وتقطعت السبل فادع ال ،فببدعا رسببول الب
صلى ال عليه وسلم فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة" ومنها حديث عبد ال ب بببن زيببد
المازني ،وفيه أنه قال "خبرج رسبول الب صبلى الب عليبه وسبلم فاستسبقى ،وحبول
رداءه حين استقبل القبلة" ولم يذكر فيه صلة ،وزعم القائلون بظبباهر هببذا الثببر أن
ذلك مروي عن عمر بن الخطاب ،أعني أنه خرج إلى المصلى فاستسقى ولم يصببل؛
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
والحجة للجمهور أنه لم يذكر شيئا ،فليس هو بحجة على من ذكره ،والذي يدل عليببه
اختلف الثار في ذلك ليس عندي فيه شيء أكثر مببن أن الصببلة ليسببت مببن شببرط
صحة الستسقاء ،إذ قد ثبت أنه عليه الصلة والسلم قد استسقى على المنبر ،ل أنها
ليست من سنته كما ذهب إليه أبو حنيفة .وأجمع القائلون بأن الصلة من سببنته علببى
أن الخطبة أيضا من سنته لورود ذلك في الثر .قال ابن المنذر :ثبت أن رسببول ال ب
صلى ال عليه وسلم صلى صلة الستسقاء وخطب واختلفوا هل هي قبل الصلة أو
بعدها؟ لختلف الثار في ذلك ،فرأى قوم أنها بعد الصلة قياسا على العيدين ،وبببه
قال الشافعي ومالك .وقال الليث بن سعد :الخطبة قبل الصلة .قال ابببن المنببذر" :قببد
روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه استسببقى فخطببب قبببل الصببلة" وروي عببن
عمر بن الخطاب مثل ذلك وبببه نأخببذ .قببال القاضببي :وقببد خببرج ذلببك أبببو داود مببن
طرق ،ومن ذكر الخطبة فإنما ذكرها في علمي قبل الصلة ،واتفقوا على أن القراءة
فيها جهرا ،واختلفوا هل يكبر فيها كما يكبر في العيدين؟ فذهب مالبك إلبى أنببه يكبببر
فيها كما يكبر في سائر الصلوات ،وذهب الشافعي إلى أنه يكبببر فيهببا كمببا يكبببر فببي
العيدين .وسبب الخلف اختلفهم في قياسها على صلة العيدين .وقد احتبج الشبافعي
لمذهبه في ذلك بما روي عن ابن عباس "أن رسول ال صلى ال عليببه وسببلم صببلى
فيها ركعتين كما يصلي في العيببدين" واتفقببوا علببى أن مببن سببنتها أن يسببتقبل المببام
القبلة واقفا ويدعو ويحول رداءه رافعا يببديه علببى مببا جبباء فببي الثببار واختلفببوا فببي
كيفية ذلك ،ومتى يفعل ذلك .فأما كيفية ذلك؟ فالجمهور على أنه يجعل ما على يمينببه
على شماله وما على شماله على يمينه .وقال الشافعي :بببل يجعببل أعله أسببفله ،ومببا
على يمينه منه على يساره ،وما على يسبباره علببى يمينببه .وسبببب الختلف اختلف
الثار في ذلك ،وذلك أنه جاء في حديث عبد ال ابن زيد "أنه صلى ال ب عليببه وسببلم
خرج إلى المصلى يستسقي ،فاستقبل القبلة وقلب رداءه وصلى ركعتين" وفي بعببض
رواياته قلت :أجعل الشمال على اليمين ،واليمين على الشمال ،أم أجعل أعله أسفله؟
قال :بل اجعل الشمال على اليمين واليمين على الشمال .وجاء أيضا في حببديث عبببد
ال هذا أنه قال "استسقى رسول ال صلى ال عليه وسلم وعليه خميصة لببه سببوداء،
فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلها ،فلما ثقلت عليبه قلبهبا علبى عبباتقه" وأمبا مبتى
يفعل المام ذلك ،فإن مالكا والشافعي قال :يفعل ذلك عند الفراغ مببن الخطبببة .وقببال
أبو يوسف :يحول رداءه إذا مضى صدر من الخطبة ،وروي ذلك أيضببا عببن مالببك،
وكلهم يقول :إنه إذا حول المام رداءه قائما حول الناس أرديتهم جلوسا ،لقببوله عليببه
الصلة والسلم "إنما جعل المام ليؤتم ببه" إل محمبد ببن الحسبن والليبث اببن سبعد
وبعض أصحاب مالك ،فإن الناس عندهم ل يحولون أرديتهم بتحويل المام ،لنببه لببم
ينقببل ذلببك فببي صببلته عليببه الصببلة والسببلم بهببم ،وجماعببة مببن العلمبباء علببى أن
الخروج لها وقت الخروج إلى صلة العيدين إل أبببا بكببر بببن محمببد ابببن عمببرو بببن
حزم فإنه قال :إن الخروج إليها عند الزوال .وروى أبو داود عن عائشة "أن رسببول
ال صلى ال عليه وسلم خرج إلى الستسقاء حين بدا حاجب الشمس".
**3الباب الثامن في صلة العيدين.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
@-أجمع العلماء على استحسببان الغسببل لصببلة العيببدين وأنهمببا بل أذان ول إقامببة
لثبوت ذلك عن رسول ال صلى ال عليه وسببلم إل مببا أحببدث مببن ذلببك معاويببة فببي
أصح القاويل قاله أبو عمر .وكذلك أجمعوا على أن السنة فيهببا تقببديم الصببلة علببى
الخطبة لثبوت ذلك أيضا عببن رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم ،إل مببا روي عببن
عثمببان بببن عفببان أنببه أخببر الصببلة وقببدم الخطبببة لئل يفببترق النبباس قبببل الخطبببة،
وأجمعوا أيضا على أنه ل توقيت في القراءة في العيدين ،وأكببثرهم اسببتحب أن يقببرأ
في الولى بسبح ،وفي الثانية بالغاشية لتواتر ذلببك عببن رسببول الب صببلى الب عليببه
ق والقببرآن المجيببد" و "اقببتربت السبباعة" وسلم واستحب الشافعي القراءة فيهمببا ببب " ّ
لثبوت ذلك عنه عليه الصلة والسلم .واختلفوا من ذلك في مسائل أشهرها اختلفهم
في التكبير ،وذلك أنه حكى في ذلك أبو بكر بن المنذر نحوا من اثني عشببر قببول إل
أنا نذكر من ذلك المشهور الذي يستند إلى صحابي أو سماع فنقول :ذهب مالببك إلببى
أن التكبير في الولى من ركعتي العيدين سبع مع تكبيرة الحرام قبل القببراءة ،وفببي
الثانية ست مع تكبيرة القيام من السجود .وقال الشافعي :في الولى ثمانية )أي ومنها
تكبيرة الحرام ا هب مصححه( ،وفي الثانية ست مع تكبيرة القيام من السببجود .وقببال
أبو حنيفة :يكبر في الولببى ثلثبا بعبد تكببيرة الحببرام يرفبع يبديه فيهبا ،ثببم يقببرأ أم
القرآن وسورة ،ثم يكبر راكعا ول يرفع يديه ،فبإذا قبام إلبى الثانيبة وكببر ولبم يرفبع
يديه وقرأ فاتحة الكتاب وسورة ،ثببم كبببر ثلث تكبببيرات يرفببع فيهببا يببديه ،ثببم يكبببر
للركوع ول يرفع فيها يديه .وقال قوم :فيها تسع في كل ركعة ،وهو مروي عن ابببن
عباس والمغيرة بن شعبة وأنس بن مالك وسعيد بن المسيب ،وبه قال النخعي وسبب
اختلفهم اختلف الثار المنقولة في ذلك عن الصحابة؛ فذهب مالك رحمببه ال ب إلببى
ما رواه عن ابن عمر أنه قال شببهدت الضببحى والفطببر مببع أبببي هريببرة فكبببر فببي
الولى سبع تكبيرات قبل القراءة في الخرة خمسببا قبببل القببراءة ،ولن العمببل عنببده
بالمدينة كان على هذا ،وبهذا الثر بعينه أخذ الشببافعي ،إل أنببه تببأول فببي السبببع أنببه
ليس فيها تكبيرة الحرام كما ليس في الخمس تكبببيرة القيببام ،ويشبببه أن يكببون مالببك
إنما أصاره أن يعد تكبيرة الحرام في السبع ،ويعد تكبيرة القيببام زائدا علببى الخمببس
المروية أن العمل ألفاه على ذلك ،فكأنه عنده وجه من الجمع بين الثر والعمل ،وقببد
خرج أبو داود معنى حديث أبي هريرة مرفوعا عن عائشة وعن عمرو بن العبباص.
وروى أنه سئل أبو موسى الشعري وحذيفة بن اليمان :كيف كان رسول ال ب صببلى
ال عليه وسلم يكبر في الضحى والفطر؟ فقال أبببو موسببى كببان "يكبببر أربعببا علببى
الجنائز" فقال حذيفة :صدق ،فقال أبو موسى :كذلك كنت أكبر في البصرة حين كنت
عليهم ،وقال قوم بهذا.
وأما أبو حنيفة وسائر الكوفيين فإنهم اعتمدوا في ذلك علببى ابببن مسببعود ،وذلببك أنببه
ثبت عنه أنه كان يعلمهم صلة العيدين على الصفة المتقدمة ،وإنما صار الجميع إلى
الخذ بأقاويل الصحابة في هذه المسألة ،لنه لم يثبت فيهببا عببن النبببي عليببه الصببلة
والسلم شيء ،ومعلوم أن فعل الصحابة في ذلك هو توقيف ،إذ ل مدخل للقياس فببي
ذلك .وكذلك اختلفوا في رفع اليدين عند كل تكبيرة ،فمنهم من رأى ذلك وهو مببذهب
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
المام في المصلى صلى ركعتين ،وإن صلى في غير المصلى صلى أربببع ركعببات.
وقال قوم :ل قضاء عليه أصل ،وهو قول مالك وأصحابه .وحكببى ابببن المنببذر عنببه
مثل قول الشافعي ،فمن قال أربعا شبهها بصلة الجمعة وهببو تشبببيه ضببعيف ،ومببن
قال ركعتين كما صلهما المببام فمصببيرا إلببى أن الصببل هببو أن القضبباء يجببب أن
يكون على صفة الداء ،ومن منع القضاء فلنه رأى أنها صلة من شرطها الجماعة
والمام كالجمعة ،فلم يجب قضاؤها ركعتين ول أربعا إذ ليست هي بدل مببن شببيء،
وهذان القولن هما اللذان يتردد فيهما النظر :أعني قول الشافعي وقببول مالببك .وأمببا
سائر القاويل في ذلك فضببعيف ل معنببى لببه ،لن صببلة الجمعببة بببدل مببن الظهببر،
وهذه ليست بدل من شيء ،فكيف يجب أن تقاس إحداهما على الخرى في القضبباء،
وعلى الحقيقة فليس من فاتته الجمعة فصلته للظهر قضاء بل هي أداء ،لنه إذا فاته
البدل وجبت هي وال الموفق للصواب.
واختلفوا في التنفل قبل صلة العيد وبعدها ،فالجمهور على أنه ل يتنفببل ل قبلهببا ول
بعدها ،وهو مروي عن علي بن أبي طالب وابن مسببعود وحذيفببة وجببابر ،وبببه قببال
أحمد .وقيل يتنفل قبلها وبعدها ،وهو مذهب أنس وعببروة ،وبببه قببال الشببافعي .وفيببه
قول ثالث وهو أن ل يتنفل بعدها ول يتنفل قبلها ،وقال به الثوري والوزاعببي وأبببو
حنيفة ،وهو مروي أيضا عببن ابببن مسببعود ،وفببرق قببوم بيببن أن تكببون الصببلة فببي
المصلى أو في المسجد ،وهببو مشببهور مببذهب مالببك .وسبببب اختلفهببم أنببه ثبببت أن
رسول ال صلى ال عليه وسلم خرج يبوم فطبر أو يبوم أضبحى فصبلى ركعبتين لبم
يصل قبلهما ول بعدهما" وقال عليه الصلة والسلم "إذا جاء أحدكم المسجد فليركببع
ركعتين" وترددها أيضا من حيث هي مشروعة بين أن يكببون حكمهببا فببي اسببتحباب
التنفببل قبلهببا وبعببدها حكببم المكتوبببة أو ل يكببون ذلببك حكمهببا؟ فمببن رأى أنببه تركببه
الصلة قبلها وبعدها هو من باب ترك الصببلة قبببل السببنن وبعببدها ولببم ينطلببق اسببم
المسجد عنده على المصلى لم يستحب تنفل قبلها ول بعدها ،ولذلك تردد المذهب في
الصلة قبلها إذا صليت في المسجد لكون دليل الفعل معارضا في ذلك القببول ،أعنببي
أنه من حيث هو داخل في مسجد يستحب له الركوع ،ومببن حيببث هببو مصببل صببلة
العيد يستحب له أن ل يركع تشبها بفعله عليببه الصببلة والسببلم .ومببن رأى أن ذلببك
من باب الرخصة ورآى أن اسم المسجد ينطلق على المصلى ندب إلى التنفببل قبلهببا.
ومن شبهها بالصلة المفروضة استحب التنفل قبلها وبعدها كمببا قلنببا .ورأى قببوم أن
التنفل قبلها وبعدها من باب المباح الجائز ل من باب المندوب ول من باب المكروه،
وهو أقل اشتباها إن لم يتناول اسم المسجد المصلى .واختلفبوا فبي وقبت التكببير فبي
عيببد الفطببر بعببد أن أجمببع علببى اسببتحبابه الجمهببور لقببوله تعببالى }ولتكملببوا العببدة
ولتكبروا ال على ما هداكم{ فقال جمهور العلماء :يكبر عند الغدو إلى الصلة ،وهو
مذهب ابن عمر وجماعة من الصحابة والتابعين ،وبه قال مالك وأحمد وإسحاق وأبو
ثور.
وقال قوم يكبر من ليلة الفطر إذا رأوا الهلل حتى يغدو إلى المصببلى وحببتى يخببرج
المام ،وكذلك في ليلة الضببحى عنببدهم إن لببم يكببن حاجببا .وروي عببن ابببن عببباس
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
إنكار التكبير جملة إل إذا كبر المام ،واتفقوا أيضا على التكبير في أدبببار الصببلوات
أيام الحج .واختلفوا في توقيت ذلك اختلفا كثيرا ،فقال قوم :يكبر من صببلة الصبببح
يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق ،وبه قال سفيان وأحمد وأبو ثور .وقيببل
يكبر من صلة الظهر من يوم النحر إلى صلة الصبح من آخر أيام التشببريق ،وهببو
قول مالك والشافعي .وقال الزهري مضت السنة أن يكبر المببام فببي المصببار دبببر
صلة الظهر من يوم النحر إلى العصر من آخر أيام التشريق.
وبالجملة فالخلف في ذلك كثير حكى ابن المنذر فيها عشرة أقوال .وسبب اختلفهببم
في ذلك هو أنه نقلت بالعمل ولم ينقل في ذلك قول محدود ،فلما اختلفت الصحابة في
ذلك اختلف من بعدهم .والصل في هببذا الببباب قببوله تعببالى }واذكببروا الب فببي أيببام
معدودات{ فهذا الخطاب وإن كان المقصود به أول أهببل الحببج ،فببإن الجمهببور رأوا
أنه يعم أهل الحج وغيرهم وتلقى ذلك بالعمل وإن كانوا اختلفوا في التوقيت في ذلك،
ولعل التوقيت في ذلك على التخيير لنهم كلهم أجمعوا علببى التببوقيت واختلفببوا فيببه.
وقال قوم :التكبير دبر الصلة في هذه اليام إنما هو لمن صلى فببي جماعببة ،وكببذلك
اختلفوا في صفة التكبير في هذه اليام ،فقال مالك والشافعي :يكبر ثلثا ال أكبر ال ب
أكبر ال أكبر .وقيل يزيد بعد هذا ل إلببه إل الب وحببده ل شببريك لببه ،لببه الملببك ولببه
الحمد وهو على كل شيء قدير .وروي عن ابببن عببباس أنببه يقببول :الب أكبببر كبببيرا
ثلث مرات ،ثم يقول الرابعة ولب الحمببد .وقببالت جماعببة :ليببس فيببه شببيء مببؤقت.
والسبب في هذا الختلف عدم التحديد في ذلك في الشرع مع فهمهم من الشببرع فببي
ذلك التوقيت :أعني فهببم الكببثر .وهببذا هبو السببب فببي اختلفهبم فبي تبوقيت زمببان
التكبير ،أعني فهم التوقيت مع عدم النص فبي ذلبك ،وأجمعبوا علبى أنبه يسبتحب أن
يفطر في عيد الفطر قببل الغبدو إلبى المصبلى ،وأن ل يفطبر يبوم الضبحى إل بعبد
النصراف من الصلة ،وأنه يستحب أن يرجع من غيببر الطريببق الببتي مشببى عليهببا
لثبوت ذلك من فعله عليه الصلة والسلم.
**3الباب التاسع في سجود القرآن.
@-والكلم في هذا الباب ينحصر في خمسة فصول :فببي حكببم السببجود .وفببي عببدد
السجدات التي لها عزائم ،أعني التي يسجد لها .وفي الوقات التي يسجد لهبا .وعلبى
مببن يجببب السببجود .وفببي صببفة السببجود .فأمببا حكببم سببجود التلوة فببإن أبببا حنيفببة
وأصحابه قالوا :هو واجب ،وقال مالك والشافعي :هو مسنون وليس بواجب .وسبببب
الخلف اختلفهم في مفهوم الوامر بالسجود والخببار البتي معناهبا معنبى الوامبر
بالسجود مثل قوله تعالى }إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيببا{ هببل هببي
محمولة على الوجوب أو على الندب فأبو حنيفة حملها على ظاهرهببا مببن الوجببوب،
ومالك والشافعي اتبعا في مفهومها الصحابة إذ كانوا هم أقعد بفهم الوامر الشرعية،
وذلك أنه لما ثبت أن عمر بن الخطاب قرأ السجدة يوم الجمعببة فنببزل وسببجد وسببجد
الناس فلما كان في الجمعة الثانية وقرأها تهيأ الناس للسببجود فقببال :علببى رسببلكم إن
ال لم يكتبها علينا إل أن نشاء قالوا وهذا بمحضر الصحابة ،فلم ينقل عن أحببد منهببم
خلف وهم أفهم بمغزى الشرع ،وهذا إنما يحتج به من يببرى قببول الصببحابي إذا لببم
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
يكن له مخالف حجة ،وقد احتج أصحاب الشافعي في ذلك بحديث زيد بببن ثببابت أنببه
قال "كنت أقرأ القرآن على رسول ال صلى ال عليه وسلم فقببرأت سببورة الحببج فلببم
يسجد ولم نسجد" وكذلك أيضا يحتج لهؤلء بما روي عنه عليه الصلة والسلم "أنه
لم يسجد في المفصل" وبما روي أنه سجد فيها لن وجه الجمع بين ذلببك يقتضببي أن
ل يكون السجود واجبا ،وذلك بأن يكون كل واحد منهم حدث بما رأى ،ومن قال إنبه
سجد ،ومن قال إنه لم يسجد .وأما أبو حنيفة فتمسك في ذلببك بببأن الصببل هببو حمببل
الوامر على الوجوب والخبار التي تتنزل منزلة الوامر وقد قببال أبببو المعببالي :إن
احتجاج أبببي حنيفببة بببالوامر الببواردة بالسببجود فببي ذلببك ل معنببى لببه ،فببإن إيجبباب
السجود مطلقا ليس يقتضي وجوبه مقيدا وهو عند القراءة :أعني قببراءة آيببة السببجود
قال :ولو كان المر كما زعم أبو حنيفة لكانت الصلة تجببب عنببد قببراءة اليببة الببتي
فيها المر بالصلة ،وإذا لم يجب ذلك فليس يجب السجود عند قراءة الية البتي فيهبا
المر بالسجود من المر بالسجود.
ولبي حنيفة أن يقول ،قد أجمع المسلمون على أن الخبار الواردة فببي السببجود عنببد
تلوة القرآن هي بمعنى المر وذلك في أكثر المواضع ،وإذا كان ذلك كذلك فقد ورد
المر بالسجود مقيدا بالتلوة أعني عند التلوة ،وورد المر ببه مطلقبا فبوجب حمبل
المطلق على المقيد ،وليس المر في ذلك بالسجود كالمر بالصلة ،فإن الصببلة قيببد
وجوبها بقيود أخر ،وأيضا فإن النبي عليه الصببلة والسببلم قببد سببجد فيهببا فبببين لنببا
بذلك معنى المببر بالسببجود الببوارد فيهببا :أعنببي أنببه عنببد التلوة ،فببوجب أن يحمببل
مقتضى المر في الوجوب عليه .وأما عدد عزائم سجود القرآن ،فإن مالكببا قببال فببي
الموطأ :المر عندنا أن عزائم سجود القرآن إحدى عشبرة سبجدة ليبس فبي المفصبل
منها شيء وقال أصحابه :أولها خاتمة العراف ،وثانيها في الرعد عنببد قببوله تعببالى
}بالغدو والصال{ وثالثها في النحل عند قوله تعالى }ويفعلون ما يؤمرون{ ورابعهببا
في بني إسرائيل عند قوله تعالى }ويزيدهم خشببوعا{ وخامسببها فببي مريببم عنببد قببوله
تعالى }خروا سجدا وبكيا{ وسادسها الولى من الحج عند قوله تعببالى }إن ال ب يفعببل
ما يشاء{ وسابعها في الفرقان عند قوله تعالى }وزادهم نفورا{ وثامنها في النمل عند
قوله تعالى }رب العرش العظيم{ وتاسعها في }الّم تنزيل{ عنبد قبوله تعبالى }وهبم ل
ص{ عنببد قببوله تعببالى }وخببر راكعببا وأنبباب{ والحاديببة
يستكبرون{ وعاشببرها فببي } ّ
عشرة في }حّم تنزيل{ عند قوله تعالى }إن كنتم إياه تعبدون{ وقيل عند قوله }وهم ل
يسأمون{ وقال الشافعي :أربع عشرة سجدة :ثلث منهببا فببي المفصببل :فببي النشببقاق
ص{ سجدة لنها عنده من باب الشكر. وفي النجم وفي }اقرأ باسم ربك{ ولم ير في } ّ
ص{ وقببال وقال أحمد :هي خمسة عشرة سجدة أثبت فيها الثانية من الحببج وسببجدة } ّ
أبو حنيفة :هي اثنتا عشرة سجدة .قال الطحاوي :وهي كل سجدة جاءت بلفظ الخبببر.
والسبب في اختلفهم اختلفهم في المذاهب التي اعتمدوها في تصحيح عددها وذلببك
أن منهم من اعتمد عمل أهل المدينة ،ومنهببم مببن اعتمببد القيبباس ،ومنهببم مببن اعتمببد
السماع.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
أما الذين اعتمدوا العمل فمالببك وأصببحابه .وأمببا الببذين اعتمببدوا القيبباس فببأبو حنيفببة
وأصحابه ،وذلك أنهم قالوا :وجدنا السجدات التي أجمع عليها جاءت بصبيغة الخببر،
وهي سجدة العراف والنحل والرعد والسراء ومريم وأول الحج والفرقببان والنمببل
والّم تنزيل ،فوجب أن تلحق بها سائر السببجدات الببتي جبباءت بصببيغة الخبببر ،وهببي
ص وفي النشقاق ،ويسقط ثلثة جاءت بلفظ المببر وهببي الببتي فببي والنجببم التي في ّ
وفي الثانية من الحج وفي اقرأ باسم ربك وأما الذين اعتمببدوا السببماع فبإنهم صبباروا
إلى ما ثبت عنه عليه الصببلة والسببلم مببن سبجوده فببي النشببقاق وفببي }اقببرأ باسببم
ربك{ وفي }والنجم{ خرج ذلك مسببلم .وقببال الثببرم :سببئل أحمببد كببم فببي الحببج مببن
سجدة؟ قال سجدتان .وصحح حديث عقبة بن عامر عن النبي صلى ال ب عليببه وسببلم
أنه قال "في الحج سجدتان" وهو قول عمر وعلي.
ص لماقال القاضي :خرجه أبو داود .وأما الشافعي فإنه إنما صار إلى إسقاط سجدة ّ
رواه أبو داود عن أبي سعيد الخدري "أن النبي عليه الصلة والسلم قرأ وهببو علببى
ص{ فنزل وسجد فلما كان يوم آخر قرأها فتهيأ النبباس المنبر آية السجود من سورة } ّ
للسجود فقال :إنما هي توبة نبببي ،ولكببن رأيتكبم تشببيرون للسبجود فنزلبت فسبجدت"
وفي هذا ضرب من الحجة لبي حنيفة في قببوله بوجببوب السببجود ،لنببه علببل تببرك
السجود في هذه السجدة بعلة انتفت في غيرها من السببجدات ،فببوجب أن يكببون حكببم
التي انتفت عنها العلة بخلف التي ثبتت لهببا العلببة ،وهببو نببوع مببن السببتدلل وفيببه
اختلف ،لنه من باب تجويز دليل الخطاب .وقد احتج بعض من لم ير السببجود فببي
المفصل بحديث عكرمة عن ابن عباس خرجببه أبببو داود "أن رسببول الب صببلى الب
عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ هاجر إلى المدينة" قال أبو عمر :وهو
منكر لن أبا هريرة الذي روى سجوده في المفصل لم يصحبه عليه الصلة والسلم
إل بالمدينة .وقد روى الثقات عنه "أنه سجد عليه الصلة والسلم في والنجم" .وأمببا
وقت السجود فإنهم اختلفوا فيه؛ فمنع قوم السجود فببي الوقببات المنهببى عببن الصببلة
فيها ،وهو مببذهب أبببي حنيفببة علببى أصببله فببي منببع الصببلوات المفروضببة فببي هببذه
الوقات ،ومنع مالك أيضا ذلك في الموطأ لنها عنده مببن النفببل والنفببل ممنببوع فببي
هذه الوقات عنده .وروى ابن القاسم عنه أنببه يسببجد فيهببا بعببد العصببر مببالم تصببفر
الشمس أو تتغير ،وكذلك بعد الصبح وبه قال الشافعي وهذا بناء على أنهببا سببنة وأن
السنن تصلى في هذه الوقات ما لم تدن الشمس من الغروب أو الطلببوع .وأمببا علببى
من يتوجه حكمها؟ فأجمعوا على أنه يتوجه على القارئ في صلة كببان أو فببي غيببر
صلة .واختلفوا في السامع هل عليه سجود أم ل؟ فقال أبو حنيفة :عليه السجود ،ولم
يفرق بين الرجل والمرأة .وقال مالك :يسجد السامع بشببرطين :أحبدهما إذا كببان قعببد
ليسمع القرآن ،والخر أن يكون القارئ يسجد ،وهببو مببع هببذا ممببن يصببح أن يكببون
إماما للسامع .وروى ابن القاسم عن مالك أنه يسجد السامع ،وإن كان القارئ ممن ل
يصلح المامة إذا جلس إليه .وأما صفة السجود فإن جمهور الفقهبباء قببالوا :إذا سببجد
القارئ كبر إذا خفض وإذا رفع ،واختلف قول مالك في ذلك إذا كان في غير صبلة.
وأما إذا كان في الصلة فإنه يكبر قول واحدا.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
غسل عمر وكفن وحنط وصلى عليه ،وكان شهيدا يرحمه ال .واختلف الببذين اتفقببوا
على أن الشهيد في حرب المشركين ل يغسل في الشهداء من قتل اللصوص أو غيببر
أهل الشرك .فقال الوزاعي وأحمد وجماعة حكمهم حكم من قتله أهل الشرك .وقببال
مالك والشافعي :يغسل .وسبببب اختلفهببم هببو هببل المببوجب لرفببع حكببم الغسببل هببي
الشهادة مطلقا أو الشهادة علبى أيببدي الكفبار ،فمبن رأى أن سبببب ذلببك هبي الشبهادة
مطلقا قال :ل يغسل كل من نص عليه النبي عليببه الصببلة والسببلم أنببه شببهيد ممببن
قتل .ومن رأى أن سبب ذلك هي الشهادة من الكفار قصببر ذلببك عليهببم .وأمببا غسببل
المسلم الكافر فكان مالك يقول :ل يغسل المسلم والده الكافر ول يقبره ،إل أن يخبباف
ضياعه فيواريه .وقال الشافعي :لبأس بغسل المسلم قرابته مببن المشببركين ودفنهببم،
وبه قال أبو ثور وأبو حنيفة وأصحابه قال أبو بكر بن المنذر :ليس في غسببل الميببت
المشرك سنة تتبع ،وقد روى "أن النبي عليه الصلة والسببلم .أمببر بغسببل عمببه لمببا
مات" .وسبب الخلف هل الغسل من باب العبادة ،أو مببن ببباب النظافببة؟ فببإن كببانت
عبادة لم يجز غسل الكافر ،وإن كانت نظافة جاز غسله.
**4الفصل الثالث فيمن يجوز أن يغسل الميت.
@-وأما من يجوز أن يغسل الميت ،فإنهم اتفقببوا علببى أن الرجببال يغسببلون الرجببال
والنساء يغسلون النساء .واختلفوا في المرأة تموت مع الرجال ،أو الرجل يمببوت مببع
النساء ما لم يكونا زوجين على ثلثة أقوال :فقال قوم :يغسل كل واحد منهما صاحبه
من فوق الثياب .وقال قوم :ييمم كل واحببد منهمببا صبباحبه ،وبببه قببال الشببافعي وأبببو
حنيفة وجمهور العلماء .وقال قوم :ل يغسل واحد منهما صاحبه ول ييممه ،وبه قببال
الليث بن سعد ،بل يدفن من غير غسببل .وسبببب اختلفهببم هببو الترجيببح بيببن تغليببب
النهي على المر ،أو المر على النهي ،وذلك أن الغسببل مببأمور بببه ،ونظببر الرجببل
إلى بدن المرأة والمرأة إلى بدن الرجل منهي عنببه .فمببن غلببب النهببي تغليبببا مطلقببا،
أعني لم يقس الميت على الحي في كون الطهارة الببتراب لببه بببدل مببن طهببارة المبباء
عند تعذرها قال :ل يغسل واحد منهمببا صبباحبه ول ييممببه .ومببن غلببب المببر علببى
النهي قال يغسل كل واحد منهما صاحبه :أعني غلب المر على النهي تغليبا مطلقببا.
ومن ذهب إلى التيمم فلنه رأى أنه ل يلحق المر والنهي في ذلببك تعببارض ،وذلببك
أن النظر إلى مواضع التيمم يجوز لكل الصنفين ،ولذلك رأى مالببك أن ييمببم الرجببل
المرأة في يديها ووجهها فقط لكون ذلك منهببا ليسببا بعببورة ،وأن تيمببم المببرأة الرجببل
إلى المرفقين لنه ليس من الرجل عورة إل من السرة إلى الركبة على مذهبه ،فكببأن
الضرورة التي نقلت الميت من الغسل إلى التيمم عند من قال به هي تعببارض المببر
والنهي ،فكأنه شبه هذه الضرورة بالضبرورة البتي يجبوز معهبا للحبي البتيمم ،وهبو
تشبيه فيه بعد ولكن عليه الجمهور .فأما مالك فبباختلف فببي قببوله هببذه المسببألة فمببرة
قال :ييمم كل واحد منهما صاحبه قول مطلقا ،ومرة فرق في ذلك بين ذوي المحببارم
وغيرهم ،ومرة فرق في ذوي المحارم بين الرجال والنساء ،فيتحصل عنه أن له فببي
ذوي المحارم ثلثة أقوال :أشهرها أنه يغسل كل واحد منهمببا علببى الثيبباب .والثبباني
أنه ل يغسل أحدهما صاحبه لكن ييممه مثل قول الجمهببور فببي غيببر ذوي المحببارم.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
والثالث الفرق بين الرجال والنسبباء :أعنببي تغسببل المببرأة الرجببل ول يغسببل الرجببل
المرأة .فسبب المنع أن كل واحد منهما ل يحل له أن ينظببر إلببى موضببع الغسببل مببن
صاحبه كالجانب سواء .وسبب الباحة أنه موضع ضرورة وهم أعذر في ذلبك مبن
الجنبببي .وسبببب الفببرق أن نظببر الرجببال إلببى النسبباء أغلببظ مببن نظببر النسبباء إلببى
الرجال ،بدليل أن النساء حجببن عبن نظبر الرجبال إليهبن ولبم يحجبب الرجبال عبن
النساء .وأجمعوا من هذا الباب على جواز غسل المرأة زوجها .واختلفببوا فببي جببواز
غسله إياها ،فالجمهور علببى جببواز ذلببك؛ وقببال أبببو حنيفببة :ل يجببوز غسببل الرجببل
لزوجته .وسبب اختلفهم هو تشبيه الموت بالطلق ،فمن شبهه بالطلق قال :ل يحل
أن ينظر إليها بعد الموت ،ومن لم يشبهه بالطلق وهم الجمهور قال :إن ما يحببل لببه
من النظر إليها قبل الموت يحل له بعد الموت ،وإنما دعا أبا حنيفببة أن يشبببه المببوت
بالطلق لنه رأى أنه إذا ماتت إحدى الختين حل له نكاح الخرى ،كالحال فيها إذا
طلقت ،وهذا فيه بعد ،فإن علة منع الجمع مرتفعة بين الحي والميت ،ولذلك حلت إل
أن يقال إن علة منع الجمع غير معقوله ،وإن منع الجمع بين الختين عبببادة محضببة
غير معقولة المعنى ،فيقوى حينئذ مذهب أبي حنيفة ،وكذلك أجمعوا على أن المطلقة
المبتوتة ل تغسل زوجها ،واختلفوا في الرجعية ،فروي عن مالببك أنهببا تغسببله ،وبببه
قال أبو حنيفة وأصحابه .وقال ابن القاسببم :ل تغسببله وإن كببان الطلق رجعيببا وهببو
قياس قول مالك ،لنه ليس يجوز عنده أن يراها ،وبه قال الشافعي .وسبب اختلفهببم
هو هل يحل للزوج أن ينظر إلى الرجعية أو ل ينظر إليها؟ وأما حكم الغاسببل فببإنهم
اختلفوا فيما يجب عليه ،فقال قوم :من غسل ميتا وجببب عليببه الغسببل .وقبال قبوم :ل
غسل عليه .وسبب اختلفهم معارضة حديث أبي هريرة لحديث أسماء ،وذلك أن أبببا
هريرة روى عن النبي عليه الصلة والسلم أنه قال "من غسل ميتبا فليغتسبل ،ومبن
حمله فليتوضأ" خرجه أبو داود .وأما حديث أسماء فإنها لما غسببلت أببا بكببر رضبي
ال عنه خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين والنصبار وقبالت إنبي صبائمة،
وإن هذا يوم شديد البببرد فهببل علببي مببن غسببل؟ قببالوا :ل ،وحببديث أسببماء فببي هببذا
صحيح .وأما حديث أبي هريرة فهو عند أكثر أهل العلببم فيمببا حكببى أبببو عمببر غيببر
صحيح ،لكن حديث أسماء ليس فيه في الحقيقة معارضة لببه ،فببإن مببن أنكببر الشببيء
يحتمل أن يكون ذلك لنه لم تبلغه السنة في ذلبك الشبيء ،وسبؤال أسبماء والب أعلبم
يدل على الخلف في ذلك في الصدر الول ،ولهذا كله قال الشافعي رضي ال ب عنببه
على عادته في الحتياط واللتفات إلى الثر ل غسببل علببى مببن غسببل الميببت إل أن
يثبت حديث أبي هريرة.
**4الفصل الرابع في صفة الغسل .وفي هذا الفصل مسائل:
@)-إحداها( هل ينزع عن الميت قميصه إذا غسل؟ أم يغسببل فببي قميصببه؟ اختلفببوا
في ذلك ،فقال مالك :إذا غسل الميت تنزع ثيابه وتستر عورته ،وبه قال أبببو حنيفببة،
وقال الشافعي :يغسل في قميصه .وسبب اختلفهم تردد غسله عليه الصببلة والسببلم
في قميصه بين أن يكون خاصا به وبين أن يكون سنة فمن رأى أنه خاص به أنببه ل
يحرم من النظر إلى الميت إل ما يحرم منه وهو حي قال :يغسل عريانببا إل عببورته
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
فقط التي يحرم النظر إليها في حال الحياة .ومن رأى أن ذلببك سببنة يسببتند إلببى ببباب
الجماع أو إلى المر اللهي ،لنه روي في الحديث أنهم سمعوا صوتا يقول لهم :ل
تنزعوا القميص ،وقد ألقي عليهم النوم قال :الفضل أن يغسل الميت في قميصه.
@)-المسألة الثانية( قال أبو حنيفة :ل يوضأ الميببت .وقببال الشببافعي :يوضببأ .وقببال
مالك :إن وضئ فحسن .وسبب الخلف في ذلببك معارضببة القيبباس للثببر .وذلببك أن
القياس يقتضي أن ل وضوء على الميببت ،لن الوضببوء طهببارة مفروضببة لموضببع
العبادة ،وإذا أسقطت العبادة عن الميبت سبقط شبرطها البذي هبو الوضبوء ولبول أن
الغسل ورد في الثار لما وجب غسله .وظاهر حببديث أم عطيببة الثببابت أن الوضببوء
شرط في غسل الميت لن فيه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال في غسل ابنته
"ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها" وهذه الزيادة ثابتة خرجها البخاري ومسببلم،
ولذلك يجب أن تعارض بالروايات التي فيها الغسل مطلقببا ،لن المقيببد يقضببي علببى
المطلق ،إذ فيه زيادة على ما يراه كثير من الناس ،ويشبه أيضا أن يكون من أسببباب
الخلف في ذلك معارضة المطلق للمقيد ،وذلببك أنببه وردت آثببار كببثيرة فيهببا المببر
بالغسببل مطلقببا مببن غيببر ذكبر وضبوء فيهببا ،فهببؤلء رجحبوا الطلق علبى التقييببد
لمعارضة القيبباس لببه فببي هببذا الموضببع .والشببافعي جببرى علببى الصببل مببن حمببل
المطلق على المقيد.
@)-المسألة الثالثة( اختلفوا في التوقيت في الغسببل ،فمنهببم مببن أوجبببه ،ومنهببم مببن
استحسنه واستحبه .والذين أوجبوا التوقيت منهم من أوجب الوتر ،أي وتر كان ،وبه
قال ابن سيرين .ومنهم من أوجب الثلثة فقط ،وهو أبو حنيفببة .ومنهببم مببن حببد أقببل
الوتر في ذلك فقال :ل ينقص عن الثلثه ولم يحد الكثر وهببو الشببافعي .ومنهببم مببن
حد الكثر في ذلك فقبال :ل يتجباوز ببه السببعة ،وهبو أحمبد ببن حنببل .وممبن قبال
باستحباب الوتر ولم يحد فيه حدا مالك بن أنس وأصببحابه .وسبببب الخلف بيببن مببن
شرط التوقيت ومن لم يشترطه بل استحبه معارضة القيبباس للثبر ،وذلبك أن ظباهر
حديث أم عطية يقتضي التوقيت ،لن فيه "اغسلنها ثلثا أو خمسا أو أكببثر مببن ذلببك
إن رأيتن" وفي بعض رواياته "أو سبعا" .وأما قياس الميت على الحي فببي الطهببارة
فيقتضي أن ل توقيت فيها كما ليس في طهارة الحي توقيت ،فمببن رجببح الثببر علببى
النظببر قببال بببالتوقيت .ومببن رأى الجمببع بيببن الثببر والنظببر حمببل التببوقيت علببى
الستحباب .وأما الذين اختلفوا في التوقيت ،فسبب اختلفهم ألفاظ الروايات فببي ذلببك
عن أم عطية .فأما الشافعي فإنه رأى أن ل ينقص عن ثلثة لنه أقببل وتببر نطببق بببه
في حديث أم عطية ،ورأى أن ما فببوق ذلببك مببباح لقببوله عليببه الصببلة والسببلم "أو
أكثر من ذلك إن رأيتن" .وأما أحمد فأخببذ بببأكثر وتببر نطببق بببه فببي بعببض روايببات
الحديث ،وهو قببوله عليببه الصببلة والسببلم "أو سبببعا" .وأمببا أبببو حنيفببة فصببار فببي
قصره الوتر على الثلث لمببا روي أن محمببد بببن سببيرين كببان يأخببذ الغسببل عببن أم
عطيببة "ثلثببا يغسببل بالسببدر مرتيببن والثالثببة بالمبباء والكببافور" وأيضببا فببإن الببوتر
الشرعي عنده إنما ينطلق على الثلث فقط .وكان مالك يستحب أن يغسل في الولببى
بالماء القراح ،وفي الثانية بالسدر ،وفي الثالثة بالمبباء والكببافور .واختلفببوا إذا خببرج
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
من بطنه حدث هل يعاد غسله أم ل؟ فقيل ل يعاد ،وبه قال مالك ،وقيل يعاد .والببذين
رأوا أنه يعاد اختلفوا في العدد الذي تجب به العادة إن تكرر خببروج الحببدث ،فقيببل
يعبباد الغسببل عليببه واحببدة ،وبببه قبال الشببافعي .وقيببل يعبباد ثلثببا .وقيببل يعبباد سبببعا.
وأجمعوا على أنه ل يزاد على السبع شيء .واختلفوا في تقليم أظفببار الميببت والخببذ
من شعره ،فقال قوم :تقلم أظفاره ويؤخذ منه .وقال قوم :ل تقلم أظفاره ول يؤخذ من
شعره وليس فيه أثببر .وأمببا سبببب الخلف فببي ذلببك ،فببالخلف الواقببع فببي ذلببك فببي
الصدر الول ،ويشبه أن يكون سبب الخلف في ذلك قياس الميت على الحببي ،فمببن
قاسه أوجب تقليم الظفار وحلق العانة لنها من سببنة الحببي باتفبباق ،وكببذلك اختلفببوا
في عصر بطنه قبل أن يغسل .فمنهم من رأى ذلك ،ومنهم من لم يره .فمببن رآه رأى
أن فيه ضربا من الستنقاء من الحدث عند ابتداء الطهارة ،وهو مطلوب مببن الميببت
كما هو مطلوب من الحي .ومن لم ير ذلك رأى أنه مببن ببباب تكليببف مببا لببم يشببرع،
وأن الحي في ذلك بخلف الميت.
**3الباب الثالث في الكفان.
@-والصل في هذا الباب أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كفن في ثلثببة أثببواب
بيض سحولية ليس فيها قميص ول عمامببة "وخببرج أبببو داود عببن ليلببى بنببت قببائف
الثقفية قالت "كنت فيمت غسل أم كلثوم بنت رسول ال صلى ال عليببه وسببلم ،فكببان
أول ما أعطاني رسول ال صلى ال عليه وسلم الحقو ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة
ثم أدرجت بعد في الثوب الخر ،قالت :ورسول ال صلى ال عليه وسلم جالس عنببد
الباب معه أكفانها يناولناها ثوبا ثوببا" فمببن العلمباء مبن أخبذ بظباهر هبذين الثريببن
فقال :يكفن الرجل فبي ثلثبة أثبواب والمبرأة فبي خمسبة أثبواب ،وببه قبال الشبافعي
وأحمد وجماعة .وقال أبو حنيفة :أقل ما تكفن فيه المرأة ثلثة أثواب ،والسنة خمسببة
أثواب ،وأقل ما يكفن فيه الرجل ثوبان ،والسنة فيه ثلثة أثببواب .ورأى مالببك أنببه ل
حد في ذلك ،وأنه يجزئ ثوب واحد فيهما إل أنه يستحب الوتر .وسبب اختلفهم فببي
التوقيت اختلفهم في مفهوم هذين الثرين ،فمن فهم منهما الباحة لببم يقببل بببالتوقيت
إل أنه استحب الوتر لتفاقهما في الوتر ،ولببم يفببرق فببي ذلببك بيببن المببرأة والرجببل،
وكأنه فهم منهما الباحة إل في التوقيت ،فإنه فهم منه شرعا لمناسببته للشبرع ،ومبن
فهم من العدد أنه شرع الباحة قال بالتوقيت ،إما على جهة الوجوب ،وإما على جهة
الستحباب ،وكله واسع إن شاء ال وليس فيه شرع محدود ،ولعله تكلف شببرع فيمببا
ليس فيه شرع ،وقد كفن مصعب بن عمير يوم أحد بنمرة فكانوا إذا غطوا بها رأسببه
خرجت رجله ،وإذا غطوا بها رجليه خرج رأسه فقال رسببول الب صببلى الب عليببه
وسلم "غطوا بها رأسه واجعلببوا علببى رجليببه مببن الذخببر" واتفقببوا علببى أن الميببت
يغطى رأسه ويطيب إل المحرم إذا مات في إحرامه فببإنهم اختلفببوا فيببه ،فقببال مالببك
وأبو حنيفة :المحرم بمنزلة غير المحرم .وقال الشببافعي :ل يغطبى رأس المحببرم إذا
مات ول يمس طيبا .وسبب اختلفهم معارضة العموم للخصوص .فأمببا الخصببوص
فهو حديث ابن عباس قال "أتى النبي صلى ال ب عليببه وسببلم برجببل وقصببته راحلتببه
فمات وهو محرم فقال :كفنوه في ثوبين واغسلوه بماء وسدر ول تخمببروا رأسببه ول
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
تقربوه طيبا فإنه يبعث يوم القيامة يلبي" وأما العموم فهو ما ورد مببن المببر بالغسببل
مطلقا فمن خص من الموات المحرم بهذا الحببديث كتخصببيص الشببهداء بقتلببى أحببد
جعل الحكم منه عليببه الصببلة والسببلم علببى الواحببد حكمببا علببى الجميببع ،وقببال :ل
يغطى رأس المحرم ول يمس طيبببا .ومببن ذهببب مببذهب الجمببع ل مببذهب السببتثناء
والتخصيص قال :حديث العرابي خاص به ل يعدى إلى غيره.
**3الباب الرابع في صفة المشي مع الجنازة.
@-واختلفوا في سنة المشي مع الجنازة .فذهب أهل المدينة إلى أن من سنتها المشي
أمامهببا .وقببال الكوفيببون وأبببو حنيفببة وسببائرهم :إن المشببي خلفهببا أفضببل .وسبببب
اختلفهم اختلف الثار التي روى كل واحد من الفريقين عن سلفه وعمل به ،فروى
مالك عن النبي عليه الصلة والسلم مرسل ،المشبي أمبام الجنبازة ،وعبن أببي بكبر
وعمر وبه قال الشافعي .وأخذ أهل الكوفبة بمبا رووا عبن علبي ببن أببي طبالب مبن
طريق عبد الرحمن بن أبزي قال :كنت أمشي مع علببي فببي جنببازة وهببو آخببذ بيببدي
وهو يمشي خلفها وأبو بكر وعمر يمشيان أمامها ،فقلت له في ذلببك فقببال :إن فضببل
الماشي خلفها على الماشي أمامها كفضل صلة المكتوبة على صلة النافلببة ،وإنهمببا
ليعلمان ذلك ،ولكنهما سهلن يسهلن على الناس .وروي عنببه رضببي الب عنببه أنببه
قال :قدمها بين يديك واجعلها نصب عينيك فإنما هي موعظة وتببذكرة وعبببرة ،وبمببا
روي أيضا عن ابن مسعود أنه كان يقول :سألنا رسول ال صلى ال عليه وسلم عببن
السير مع الجنازة فقال "الجنببازة متبوعببة وليسببت بتابعببة ،وليببس معهببا مببن يقببدمها"
وحديث المغيرة بن شعبة عن النبي صلى ال عليه وسببلم قببال "الراكببب يمشببي أمببام
الجنازة والماشي خلفهببا وأمامهببا وعببن يمينهببا ،ويسببارها قريبببا منهببا" وحببديث أبببي
هريرة أيضا في هذا المعنى قال "امشوا خلف الجنازة" ،وهذه الحاديث صببار إليهببا
الكوفيون وهي أحاديث يصححونها ويضعفها غيرهم .وأكثر العلمبباء علببى أن القيببام
إلى الجنازة منسوخ بما روى مالك من حديث علببي بببن أبببي طببالب "أن رسببول الب
صلى ال عليه وسلم كان يقوم في الجنائز ثم جلس" وذهب قببوم إلببى وجببوب القيببام،
وتمسكوا في ذلك بما روي من أمره صلى ال عليه وسلم بالقيببام لهببا كحببديث عببامر
بن ربيعة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسببلم "إذا رأيتببم الجنببائز فقومببوا إليهببا
حتى تخلفكم أو توضع" واختلف الذين رأوا أن القيام منسوخ في القيام على القبر في
وقت الدفن ،فبعضهم رأى أنه لم يدخل تحت النهي ،وبعضببهم رأى أنببه داخببل تحببت
النهي على ظاهر اللفظ ،ومن أخرجه من ذلك احتج بفعل علببي فبي ذلبك ،وذلبك أنببه
روى النسخ ،وقام على قبر ابن المكفف فقيل له أل تجلس يببا أميببر المببؤمنين؟ فقببال:
قليل لخينا قيامنا على قبره.
**3الباب الخامس في الصلة على الجنازة.
@-وهذه الجملبة يتعلبق بهبا بعبد معرفبة وجوبهبا فصبول :أحبدها فبي صبفة صبلة
الجنازة .والثاني :علببى مببن يصببلي ،ومببن أولببى بالصببلة .والثببالث :فببي وقببت هببذه
الصلة .والرابع :في موضع هذه الصلة .والخامس :في شروط هذه الصلة.
**4الفصل الول في صفة صلة الجنازة .فأما صفة الصلة فإنها يتعلق بها مسائل:
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
@)-المسألة الولى( اختلفوا في عدد التكبببير فببي الصببدر الول اختلفببا كببثيرا مببن
ثلث إلى سبع :أعنبي الصببحابة رضبي الب عنهبم ،ولكببن فقهباء المصببار علبى أن
التكبير في الجنازة أربع ،إل ابن أبي ليلى وجابر بن زيببد فإنهمببا كانببا يقولببون إنهمببا
خمس .وسبب الختلف اختلف الثار فببي ذلببك ،وذلببك أنببه روي مببن حببديث أبببي
هريرة "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم نعى النجاشي في اليببوم الببذي مببات فيببه،
وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبببر أربببع تكبببيرات" وهببو حببديث متفببق علببى
صحته ،ولذلك أخذ به جمهور فقهاء المصار ،وجاء في هذا المعنى أيضا مببن "أنببه
عليه الصلة والسلم صلى على قبر مسكينة فكبر عليها أربعببا" وروى مسببلم أيضببا
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال "كان زيد بن أرقم يكبر على الجنائز أربعببا ،وأنببه
كبر على جنازة خمسا ،فسألناه فقال :كان رسول ال صلى الب عليببه وسببلم يكبرهببا"
وروي عن أبي خيثمة عن أبيه قببال "كببان النبببي صببلى الب عليببه وسببلم يكبببر علببى
الجنائز أربعا وخمسا وستا وسبعا وثمانيا حتى مات النجاشببي ،فصببف النبباس وراءه
وكبر أربعا ،ثم ثبت صلى ال عليه وسلم على أربع حتى توفاه ال" وهببذا فيببه حجببة
لئحة للجمهور .وأجمببع العلمبباء علببى رفببع اليببدين فببي أول التكبببير علببى الجنببازة،
واختلفوا في سائر التكبير ،فقال قوم :يرفع؛ وقال قوم :ل يرفع .وروى الترمذي عن
أبي هريرة "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كبر فببي جنببازة فرفببع يببديه فببي أول
التكبير ووضع يده اليمنى على اليسرى" فمن ذهب إلى ظاهر هذا الثر وكان مذهبه
في الصلة أنه ل يرفع إل في أول التكبببير قببال :الرفببع فببي أول التكبببير .ومببن قببال
يرفببع فببي كببل تكبببير شبببه التكبببير الثبباني بببالول ،لنببه كلببه يفعببل فببي حببال القيببام
والستواء.
@)-المسألة الثانية( اختلف الناس في القراءة فببي صببلة الجنبازة ،فقبال مالببك وأببو
حنيفة :ليس فيها قراءة إنما هو الدعاء .وقال مالببك :قببراءة فاتحببة الكتبباب فيهببا ليببس
بعمول به في بلدنا بحال قال :وإنما يحمد ال ويثني عليه بعد التكبيرة الولى ثم يكبر
الثانية فيصلي على النبي صلى ال عليه وسلم ،ثم يكبر الثالثة فيشفع للميت ثببم يكبببر
الرابعة ويسلم .وقال الشافعي :يقرأ بعد التكبيرة الولى بفاتحة الكتاب ،ثببم يفعببل فببي
سائر التكبيرات مثل ذلك ،وبه قببال أحمببد وداود .وسبببب اختلفهببم معارضببة العمببل
للثر وهل يتناول أيضا اسم الصلة صلة الجنائز أم ل؟ أما العمل فهببو الببذي حكبباه
مالك عن بلده ،وأما الثر فما رواه البخاري عن طلحة بن عبببد الب بببن عببوف قببال:
صليت خلف ابن عباس على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب فقال :تعلموا أنها السنة ،فمببن
ذهب إلى ترجيح هذا الثر على العمل وكان اسم الصلة يتناول عنده صلة الجنببازة
وقد قال صلى ال عليه وسلم "ل صلة إل بفاتحة الكتاب" رأى قراءة فاتحببة الكتبباب
فيها .ويمكن أن يحتج لمذهب مالك بظواهر الثار التي نقل فيها دعاؤه عليه الصببلة
والسلم على الجنائز ،ولم ينقل فيهبا أنبه قببرأ ،وعلببى هبذا فتكبون تلببك الثببار كأنهببا
معارضة لحديث ابن عباس ومخصصة لقببوله "ل صببلة إل بفاتحببة الكتبباب" وذكببر
الطحاوي عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سببهل بببن حنيببف قببال وكببان مببن كبببراء
الصببحابة وعلمبائهم وأبنبباء الببذين شبهدوا ببدرا :أن رجل مبن أصببحاب النبببي عليبه
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الصلة والسلم أخبره أن السنة فببي الصببلة علببى الجنببائز أن يكبببر المببام ثببم يقببرأ
فاتحة الكتاب سرا في نفسه ،ثم يخلص الدعاء في التكبيرات الثلث .قال ابن شهاب:
فذكرت الذي أخبر به أبو أمامة من ذلك لمحمد بن سويد الفهري فقببال :وأنببا سببمعت
الضحاك بن قيس يحدث عن حببيب ببن مسبلمة فبي الصبلة علبى الجنبائز بمثبل مبا
حدثك به أبو أمامة.
@)-المسببألة الثالثببة( واختلفببوا فببي التسببليم مببن الجنببازة هببل هببو واحببد أو اثنببان؟
فالجمهور على أنه واحد؛ وقالت طائفة وأبو حنيفة :يسلم تسليمتين ،واختاره المزنببي
من أصحاب الشافعي ،وهو أحد قولي الشافعي .وسبب اختلفهم اختلفهم في التسليم
من الصلة ،وقياس صلة الجنائز على الصلة المفروضة ،فمن كانت عنده التسليمة
واحدة في الصلة المكتوبة وقاس صلة الجنازة عليها قال بواحدة .ومن كببانت عنببده
تسليمتين في الصلة المفروضة قال :هنببا بتسببليمتين إن كببانت عنببده تلببك سببنة فهببذه
سنة ،وإن كانت فرضا فهذه فرض وكذلك اختلف المذهب هل يجهر فيها أو ل يجهر
بالسلم؟.
@)-المسألة الرابعة( واختلفوا أين يقوم المام من الجنازة ،فقال جملببة مببن العلمبباء:
يقوم في وسطها ذكرا كان أو أنثى؛ وقال قوم آخرون :يقوم من النثى وسببطها ومببن
الذكر عند رأسه؛ ومنهم من قال :يقوم من الذكر والنثى عنببد صببدرهما ،وهببو قببول
ابن القاسم وقول أبي حنيفة ،وليس عند مالك والشافعي في ذلك حد؛ وقال قوم :يقببوم
منهما أين شاء .والسبب في اختلفهم اختلف الثار في هذا الباب ،وذلببك أنببه خببرج
البخاري ومسلم من حديث سمرة بن جندب قال "صليت خلف رسول ال ب صببلى الب
عليه وسلم على أم كعب ماتت وهي نفساء ،فقببام رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم
للصلة على وسطها" وخرج أبو داود من حديث همام بببن غبالب قبال" :صبليت مببع
أنس بن مالك على جنازة رجل فقام حيال رأسه ،ثم جاءوا بجنازة امرأة فقالوا يبا أببا
حمزة صل عليها ،فقام حيال وسط السرير ،فقال العلء بن زياد ،هكذا رأيت رسببول
ال صلى ال عليه وسلم يصببلي علببى الجنببائز كبببر أربعببا وقببام علببى جنببازة المببرأة
مقامك منها ومن الرجل مقامك منه ،قال نعم ،فبباختلف النبباس فببي المفهببوم مببن هببذه
الفعال ،فمنهم من رأى أن قيامه عليه الصلة والسببلم فببي هببذه المواضببع المختلفببة
يببدل علببى الباحببة وعلببى عببدم التحديببد .ومنهببم مببن رأى أن قيببامه علببى أحببد هببذه
الوضاع أنه شرع وأنه يدل على التحديد ،وهؤلء انقسموا قسببمين :فمنهببم مببن أخببذ
بحديث سمرة بن جندب للتفاق على صحته فقال :المببرأة فببي ذلببك والرجببل سببواء،
لن الصل أن حكمهما واحد إل أن يثبت في ذلك فارق شرعي؛ ومنهببم مببن صببحح
حديث ابن غالب وقال فيه زيادة على حديث سمرة بن جندب فيجببب المصببير إليهببا،
وليس بينهما تعارض أصل .وأما مذهب ابن القاسم وأبي حنيفة فل أعلم له من جهببة
السمع في ذلك مسندا إل ما روي عن ابن مسعود من ذلك.
@)-المسألة الخامسة( واختلفوا في ترتيب جنائز الرجال والنسبباء إذا اجتمعببوا عنببد
الصلة ،فقال الكثر :يجعل الرجال مما يلي المبام ،والنسباء ممببا يلبي القبلببة .وقبال
قوم بخلف هذا :أي النساء مما يلي المام ،والرجال مما يلي القبلة؛ وفيه قببول ثببالث
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
أنه يصلي كل على حدة الرجال مفردون والنساء مفردات .وسبب الخلف مببا يغلببب
على الظن باعتبار أحوال الشرع من أنه يجب أن يكون في ذلبك شبرع محبدود ،مبع
أنه لم يرد في ذلك شرع يجب الوقوف عنده ،ولذلك رأى كبثير مبن النباس أنبه ليبس
في أمثال هذه المواضع شرع أصل .وأنه لو كان فيها شرع لبين للناس ،وإنما ذهببب
الكثر لما قلناه من تقديم الرجال على النساء لما رواه مالك في الموطأ من أن عثمان
بن عفان وعبد ال بن عمر وأبا هريرة كانوا يصلون على الجنببائز بالمدينببة الرجببال
والنساء معا ،فيجعلون الرجال مما يلي المام ،ويجعلون النساء مما يلي القبلة .وذكر
عبد الرزاق عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر أنه صلى كذلك علببى جنببازة فيهببا
ابن عببباس وأبببو هريببرة وأبببو سببعيد الخببدري وأبببو قتببادة والمببام يببومئذ سببعيد بببن
العاص ،فسألهم عن ذلك ،أو أمر من سألهم فقالوا :هي السنة ،وهذا يدخل في المسند
عندهم ،ويشبه أن يكون من قال بتقديم الرجال شبههم أمام المام بحالهم خلف المببام
في الصلة ،ولقوله عليه الصلة والسلم "أخروهن من حيث أخرهن ال" .وأما مببن
قال بتقديم النساء على الرجال فيشبه أن يكون اعتقد أن الول هو المقببدم ولببم يجعببل
التقديم بالقرب من المام .وأما من فرق فاحتياطا من أن ل يجببوز ممنوعببا ،لنببه لببم
ترد سنة بجبواز الجمبع ،فيحتمبل أن يكبون علبى أصبل الباحبة ،ويحتمبل أن يكبون
ممنوعا بالشرع ،وإذا وجد الحتمال وجب التوقف إذا وجد إليه سبيل.
@)-المسألة السادسببة( واختلفببوا فببي الببذي يفببوته بعبض التكبببير علببى الجنببازة فببي
مواضع :منها هل يدخل بتكبير أم ل؟ ومنهببا هببل يقضببي مببا فبباته أم ل؟ وإن قضببى
فهل يدعو بين التكبير أم ل؟ فروى أشهب عن مالك أنه يكبر أول دخوله ،وهببو أحببد
قولي الشافعي .وقال أبو حنيفة :ينتظر حتى يكبر المببام وحينئذ يكبببر ،وهببي روايببة
ابن القاسم عن مالك ،والقياس التكبير قياسا علببى مببن دخببل فببي المفروضببة .واتفببق
مالك وأبو حنيفة والشافعي على أنه يقضي ما فاته من التكبير إل أن أبا حنيفببة يببرى
أن يدعو بين التكبير المقضي ومالك والشافعي يريان أن يقضببيه نسببقا ،وإنمببا اتفقببوا
على القضاء لعموم قوله عليه الصلة والسلم "ما أدركتم فصلوا ومببا فبباتكم فببأتموا"
فمن رأى أن هذا العموم يتناول التكبير والدعاء قبال :يقتضبي التكببير ومبا فباته مبن
الدعاء ،ومن أخرج الدعاء من ذلك إذ كان غير مبؤقت قبال :يقضبي التكببير فقبط إذ
كان هو المؤقت ،فكان تخصيص الدعاء من ذلك العموم هو من باب تخصيص العام
بالقياس ،فأبو حنيفة أخذ بالعموم وهؤلء بالخصوص.
@)-المسألة السابعة( واختلفوا في الصلة على القبر لمن فاتته الصلة على الجنازة
فقال مالك :ل يصلى على القبر؛ وقال أبو حنيفة :ل يصلي على القبر إل البولي فقبط
إذا فاتته الصلة على الجنازة ،وكان الذي صببلى عليهببا غيببر وليهببا؛ وقببال الشببافعي
وأحمد وداود وجماعة :يصبلي علببى القببر مببن فباتته الصببلة علبى الجنببازة؛ واتفبق
القائلون بإجازة الصلة على القبر أن من شرط ذلك حدوث الببدفن ،وهببؤلء اختلفببوا
في هذه المدة وأكثرها شببهر .وسبببب اختلفهببم معارضببة العمببل للثببر .أمببا مخالفببة
العمل فإن ابن القاسم قال :قلت لمالك فالحديث الذي جاء عن النبببي صببلى ال ب عليببه
وسلم أنه صلى على قبر إمرأة قال :قد جاء هذا الحديث وليس عليه العمل ،والصببلة
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
على القبر ثابتة باتفاق من أصحاب الحديث ،قال أحمد بن حنبل :رويت الصلة على
القبببر عببن النبببي عليببه الصببلة والسببلم مببن طببرق سببتة كلهببا حسببان .وزاد بعببض
المحدثين ثلثة طرق فذلك تسع .وأما البخبباري ومسببلم فرويببا ذلببك مببن طريببق أبببي
هريرة .وأما مالك فخرجه مرسل عن أبي أمامة بن سهل .وقد روى ابن وهببب عببن
مالك مثل قول الشافعي ،وأما أبو حنيفة فإنه جرى في ذلك على عادته فيمببا أحسببب،
أعني من رد أخبار الحاد التي تعم بها البلبوى إذا لببم تنتشبر ول انتشببر العمبل بهببا،
وذلك أن عدم النتشار إذا كان خبرا شأنه شأن النتشار قرينة توهن الخبر وتخرجببه
عن غلبة الظن بصدقه إلى الشك فيه أو إلى غلبة الظن بكذبه أو نسخه :قال القاضي:
وقد تكلمنا فيما سلف من كتابنا هذا في وجه الستدلل بالعمل ،وفببي هببذا النببوع مببن
الستدلل الذي يسميه الحنفية عموم البلوى ،وقلنا :إنها من جنس واحد.
**4الفصل الثاني فيمن يصلي عليه ومن أولى بالتقديم.
@-وأجمع أكثر أهل العلم على إجازة الصلة على كل من قال ل إلببه إل البب ،وفببي
ذلك أثر أنه قال عليه الصلة والسلم "صلوا على من قال ل إله إل ال" وسواء كان
من أهل الكبائر أو من أهل البدع ،إل أن مالكا كره لهل الفضببل الصبلة علبى أهببل
البدع ،ولم ير أن يصلي المام على من قتله حدا .واختلفببوا فيمببن قتببل نفسببه ،فببرأى
قوم أنه ل يصببلى عليببه ،وأجبباز آخببرون الصببلة عليببه ،ومببن العلمبباء مببن لببم يجببز
الصلة على أهل الكبببائر ول علببى أهببل البغببي والبببدع .والسبببب فببي اختلفهببم فببي
الصلة ،أما في أهل الببدع فلختلفهبم فبي تكفيرهبم بببدعهم ،فمبن كفرهبم بالتأويبل
البعيد لم يجز الصلة عليهم ،ومن لببم يكفرهببم إذ كببان الكفببر عنببده إنمببا هببو تكببذيب
الرسول ل تأويل أقواله عليه الصلة والسلم قال :الصلة عليهم جائزة ،وإنما أجمببع
العلماء على ترك الصلة على المنافقين مع تلفظهم بالشهادة لقوله تعببالى }ول تصببل
على أحد منهم مات أبدا ول تقم علبى قبببره{ اليبة .وأمببا اختلفهببم فببي أهببل الكبببائر
فليس يمكن أن يكون له سبب إل من جهة اختلفهم فببي القببول فببي التكفيببر بالببذنوب
لكن ليس هذا مذهب أهل السنة ،فلذلك ليس ينبغي أن يمنع الفقهاء الصلة علببى أهببل
الكبائر.
وأما كراهية مالك الصلة على أهل البدع فذلك لمكان الزجر والعقوبة لهم ،وإنما لببم
ير مالك صلة المام على من قتله حبدا "لن رسببول الب صببلى الب عليبه وسبلم لببم
يصل على ما عز ولم ينبه عبن الصبلة عليبه" خرجبه أببو داود ،وإنمبا اختلفبوا فبي
الصلة على من قتل نفسه لحديث جابر بببن سببمرة "أن رسببول الب صببلى الب عليببه
وسلم أبى أن يصلي على رجل قتل نفسه" فمن صحح هذا الثر قال :ل يصلى علببى
قاتل نفسه ،ومن لم يصححه رأى أن حكمه حكم المسببلمين وإن كببان مببن أهببل النببار
كما ورد به الثر ،لكن ليس هو من المخلدين لكونه من أهل اليمان ،وقببد قببال عليببه
الصلة والسلم حكاية عبن ربببه "أخرجبوا مببن النببار مبن فبي قلببه مثقبال حبببة مببن
اليمان" واختلفوا أيضا في الصلة على الشهداء المقتولين في المعركببة ،فقببال مالببك
والشافعي ل يصلى على الشهيد المقتول فببي المعركببة ول يغسببل ،وقببال أبببو حنيفببة:
يصلى عليه ول يغسل .وسبب اختلفهم اختلف الثار الواردة فببي ذلببك ،وذلببك أنببه
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
خرج أبو داود من طريق جابر "أنه صلى ال عليببه وسببلم أمببر بشببهداء أحببد فببدفنوا
بثيابهم ولم يصل عليهم ولم يغسلوا" وروى من طريق ابن عببباس مسببندا "أنببه عليببه
الصلة والسلم صلى على قتلى أحد وعلى حمزة ولم يغسل ولم يببتيمم" وروى ذلببك
أيضا مرسل من حديث أبي مالك الغفاري ،وكذلك روى أيضا أن أعرابيا جاءه سهم
فوقع في حلقه فمات ،فصلى النبي صلى ال عليببه وسببلم وقبال" :إن هببذا عبببد خببرج
مجاهدا في سبيلك فقتل شهيدا وأنا شهيد عليه" وكل الفريقين يرجببح الحبباديث الببتي
أخذ بها،
وكانت الشافعية تعتل بحديث ابن عباس هذا وتقول :يرويه ابن أبي الزنبباد وكببان قببد
اختل آخر عمره ،وقد كان شعبة يطعببن فيببه؛ وأمببا المراسببيل فليسببت عنببدهم بحجببة
واختلفوا متى يصببلى علببى الطفببل فقببال مالببك :ل يصببلى علببى الطفببل حبتى يسببتهل
صارخا ،وبه قال الشافعي؛ وقال أبو حنيفة يصلي عليه إذا نفخ فيه الروح ،وذلك أنه
إذا كان له في بطن أمه أربعة أشهر فأكثر ،وبه قال ابن أبي ليلببى .وسبببب اختلفهببم
في ذلك معارضة المطلق للمقيد ،وذلك أنه روى الترمذي عن جابر بن عبد ال عببن
النبي عليه الصلة والسلم أنه قال "الطفل ل يصلى عليه ول يرث ول يورث حببتى
يستهل صارخا" وروي عن النبي عليه الصلة والسلم من حديث المغيرة بن شببعبة
أنه قال "الطفل يصلى عليه" فمببن ذهببب مببذهب حببديث جببابر قببال :ذلببك عببام وهببذا
مفسر ،فالواجب أن يحمل ذلك العموم على هذا التفسير ،فيكون معنى حديث المغيرة
أن الطفل يصلى عليه إذا استهل صببارخا ،ومببن ذهببب مببذهب حببديث المغيببرة قببال:
معلوم أن المعتبر في الصلة وهو حكم السلم والحياة والطفل إذا تحببرك فهببو حببي
وحكمه حكم المسلمين ،وكل مسلم حبي إذا مبات صبلى عليبه ،فرجحبوا هبذا العمبوم
على ذلك الخصوص لموضع موافقة القياس له ومن الناس من شببذ وقببال :ل يصببلى
على الطفال أصل .وروى أبو داود "أن النبي عليه الصلة والسلم لببم يصببل علببى
ابنه إبراهيم وهو ابن ثمانية أشهر" وروي فيه "أنه صلى عليه وهو ابن سبعين ليلة"
واختلفوا في الصلة على الطفال المسبيين ،فذهب مالك في رواية البصرين عنه أن
الطفل من أولد الحربيين ل يصلى عليه حتى يعقل السلم سواء سبى مببع أبببويه أو
لببم يسببب معهمببا ،وأن حكمببه حكببم أبببويه إل أن يسببلم الب فهببو تببابع لببه دون الم،
ووافقه الشافعي على هذا إل أنه إن أسلم أحد أبويه فهو عنده تابع لمن أسلم منهمببا ل
للب وحده على ما ذهب إليه مالك .وقال أبو حنيفة :يصلى على الطفال المسبببيين،
وحكمهم حكم من سباهم .وقال الوزاعي :إذا ملكهم المسببلمون صببلى عليهببم :يعنببي
إذا بيعوا في السبي .قال :وبهذا جرى العمل في الثغر وبه الفتيا فيببه .وأجمعببوا علببى
أنه إذا كانوا مع آبائهم ولم يملكهم مسلم ول أسلم أحد أبويهم أن حكمهم حكببم آبببائهم.
والسبب في اختلفهم اختلفهم في أطفال المشركين هببل هببم مببن أهببل الجنببة أو مببن
أهل النار؟ وذلك أنه جاء في بعض الثار أنهم من آبائهم :أي أن حكمهم حكببم آبببائهم
ودليل قوله عليه الصلة والسببلم "كببل مولببود يولببد علببى الفطببرة" أن حكمهببم حكببم
المؤمنين .وأما من أولى بالتقديم للصلة على الجنازة فقيل الولي وقيل الببوالي ،فمببن
قال الوالي شبهه بصلة الجمعة من حيث هي صلة جماعة ،ومن قال الببولي شبببهها
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
بسائر الحقوق التي الولي أحق بها ،مثل مواراته ودفنببه ،وأكببثر أهببل العلببم علببى أن
الوالي بها أحق.
قال أبو بكر بن المنذر :وقدم الحسين بن علي سبعيد ببن العباص وهبو والبي المدينبة
ليصلي على الحسن بن علي وقال :لول أنها سنة ما تقدمت ،قال أبو بكر :وبببه أقببول
وأكثر العلماء على أنه ل يصلى إل على الحاضر .وقال بعضهم يصلى على الغببائب
لحديث النجاشببي ،والجمهببور علببى أن ذلببك خبباص بالنجاشببي وحببده .واختلفببوا هببل
يصلى على بعض الجسد والجمهور على أنه يصلى علببى أكببثره لتنبباول إسببم الميببت
له ،ومن قال أنه يصلى على أقله قال :لن حرمة البعببض كحرمببة الكببل ،لسببيما إن
كان ذلك البعض محل الحياة ،وكان ممن يجيز الصلة على الغائب.
**3الفصل الثالث في وقت الصلة على الجنازة:
@-واختلفوا في الوقت الذي تجوز فيه الصلة علببى الجنببازة ،فقببال قببوم :ل يصببلى
عليها في الوقات الثلثة الببتي ورد النهببي عببن الصببلة فيهببا ،وهببي وقببت الغببروب
والطلوع وزوال الشببمس علببى ظبباهر حببديث عقبببة بببن عببامر "ثلث سبباعات كببان
رسول ال صلى ال عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيها وأن نقبر موتانا" الحديث .وقال
قوم :ل يصلى في الغروب والطلوع فقط ،ويصلى بعد العصر ما لم تصفر الشببمس،
وبعد الصبح ما لبم يكبن السبفار .وقبال قبوم :ل يصبلى علبى الجنبازة فبي الوقبات
الخمسة التي ورد النهي عن الصلة فيها ،وبه قبال عطبباء والنخعببي وغيرهببم ،وهببو
قياس قول أبي حنيفة .وقال الشافعي :يصلى على الجنببازة فببي كببل وقببت لن النهببي
عنده إنما هو خارج على النوافل ل على السنن على ما تقدم.
**4الفصل الرابع في مواضع الصلة.
@-واختلفوا في الصلة على الجنازة في المسجد فأجازها العلمبباء وكرههببا بعضببهم
منهم أبو حنيفة وبعض أصحاب مالك ،وقد روي كراهية ذلك عن مالك ،وتحقيقه إذا
كانت الجنازة خارج المسجد والنبباس فببي المسببجد .وسبببب الخلف فببي ذلببك حببديث
عائشة وحديث أبي هريرة .أما حديث عائشة فما رواه مالك من أنهببا أمببرت أن يمببر
عليها بسعد بن أبي وقاص في المسجد حين مات لتدعو له ،فأنكر الناس عليها ذلببك،
فقالت عائشة :ما أسرع ما نسي الناس ،ما صلى رسببول ال ب صببلى الب عليببه وسببلم
على سهل بن بيضاء إل في المسجد .وأمبا حبديث أببي هريببرة ،فهبو أن رسبول الب
صلى ال عليه وسلم قال" :من صلى على جنازة في المسجد فل شببيء لببه" وحببديث
عائشة ثابت وحديث أبي هريرة غيببر ثببابت أو غيببر متفببق علببى ثبببوته ،لكببن إنكببار
الصحابة على عائشببة يببدل علببى اشببتهار العمببل بخلف ذلببك عنببدهم ،ويشببهد لببذلك
بروزه صلى ال عليه وسلم للمصلى لصلته علببى النجاشببي ،وقببد زعببم بعضببهم أن
سبب المنع في ذلك هو أن ميت بني آدم ميتة ،وفيه ضعف ،لن حكم الميتة شرعي،
ول يثبت لبن آدم حكبم الميتبة إل ببدليل ،وكببره بعضبهم الصببلة علببى الجنبائز فبي
المقابر للنهي الوارد عن الصببلة فيهبا ،وأجازهببا الكببثر لعمببوم قببوله عليببه الصببلة
والسلم "جعلت لي الرض مسجدا وطهورا".
**4الفصل الخامس في شروط الصلة على الجنازة.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
@-واتفببق الكببثر علببى أن مببن شببرطها الطهببارة كمببا اتفببق جميعهببم علببى أن مببن
شرطها القبلة .واختلفوا في جواز التيمم لها إذا خيف فواتها ،فقال قوم :يتيمم ويصلى
لها إذا خاف الفوات ،وبه قال أبو حنيفة وسببفيان والوزاعببي وجماعببة؛ وقببال مالببك
والشافعي وأحمد :ل يصلى عليها بتيمم .وسبببب اختلفهببم قياسببها فببي ذلببك علببى أن
الصلة المفروضة فمن شبهها بها أجاز التيمم ،أعني من شبببه ذهبباب الببوقت بفببوات
الصلة على الجنازة ،ومن لببم يشبببهها بهببا لببم يجببز الببتيمم لنهبا عنبده مبن فببروض
الكغاية أو من سنن الكفاية على اختلفهم في ذلك ،وشذ قوم فقالوا :يجببوز أن يصببلى
على الجنازة بغير طهارة ،وهو قول الشعبي ،وهؤلء ظنوا أن اسم الصلة ل يتناول
صلة الجنازة ،وإنما يتناولها اسم الدعاء إذ كان ليس فيها ركوع ول سجود.
**3الباب السادس في الدفن.
@-وأجمعوا على وجوب الدفن ،والصل فيه قوله تعبالى }ألبم نجعبل الرض كفاتبا
أحياء وأمواتا{ وقوله }فبعث الب غراببا يبحبث فبي الرض{ وكبره مالبك والشبافعي
تجصيص القبور ،وأجاز ذلك أبو حنيفة ،وكذلك كره قوم القعود عليها ،وقوم أجازوا
ذلك وتأولوا النهي عن ذلبك أنبه القعبود عليهبا لحاجبة النسبان والثبار البواردة فبي
النهي عن ذلك ،منها حديث جابر بن عبد ال قال "نهى رسببول الب صببلى الب عليببه
وسلم عن تجصيص القبببور والكتابببة عليهببا والجلببوس عليهببا والبنبباء عليهببا" ومنهببا
حديث عمرو بن حزم قال "رآني رسول ال صلى ال ب عليببه وسببلم علببى قبببر فقببال:
انزل عن القبر ول تؤذي صاحب القبر ول يؤذيببك" واحتببج مببن أجبباز القعببود علببى
القبر بما روي عن زيد بن ثابت أنه قال "إنما نهى رسول ال صلى ال ب عليببه وسببلم
عن الجلوس على القبور لحدث أو غائط أو بول" قالوا :ويؤيد ذلك ما روي عن أبببي
هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "من جلس على قبر يبول أو يتغببوط
فكأنما جلس على جمرة نار" وإلى هذا ذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي.
)بسم ال الرحمن الرحيم وصلى الب علبى سبيدنا محمبد وآلبه وسبلم تسبليما( )تنببيه:
حيث أننا التزمنا في التصحيح النسخة المغربية وفيها تقديم كتاب الزكاة على الصيام
فقدمناه تبعا لها ،وإن كانت النسخة المصرية قدمت الصيام(.
**2كتاب الزكاة
@-والكلم المحيط بهذه العبادة بعد معرفة وجوبها ينحصر في خمس جمل :الجملببة
الولى :في معرفة من تجب عليببه .الثانيببة :فببي معرفببة مببا تجببب فيببه مببن المببوال.
الثالثة :في معرفة كم تجب ومن كم تجب .الرابعة :فببي معرفببة مببتى تجببب ومببتى ل
تجب .الخامسة :معرفة لمن تجب وكم يجب له.
@)-فأما معرفة وجوبها( فمعلوم من الكتاب والسنة والجماع ول خلف في ذلك.
*)*3الجملة الولى(
@-وأما على من تجب فإنهم اتفقوا أنها على كل مسلم حر بالغ عاقل مالك النصبباب
ملكا تاما .واختلفوا في وجوبها على اليتيم والمجنون والعبيببد وأهببل الذمببة والنبباقص
الملك مثل الذي عليه دين أو له الدين ،ومثال المبال المحببس الصبل .فأمبا الصبغار
فإن قوما قالوا :تجب الزكاة في أموالهم ،وبه قال علي وابن عمر وجابر وعائشة من
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الصحابة ومالك والشافعي والثوري وأحمد وإسببحاق وأبببو ثببور وغيرهببم مببن فقهبباء
المصار .وقال قوم :ليس في مببال اليببتيم صبدقة أصبل ،وبببه قبال النخعببي والحسببن
وسعيد بن جبير من التابعين .وفرق قوم بين ما تخببرج الرض وبيببن مببا ل تخرجببه
فقالوا :عليه الزكاة فيما تخرجه الرض ،وليس عليه زكاة فيما عدا ذلك مببن الماشببية
والناض والعروض وغير ذلك ،وهو أبو حنيفة وأصحابه .وفرق آخرون بين الناض
فقالوا :عليه الزكاة إل فببي النبباض .وسبببب اختلفهببم فببي إيجبباب الزكبباة عليببه أو ل
إيجابها هو اختلفهم في مفهوم الزكاة الشرعية هل هي عبادة كالصببلة والصببيام؟ أم
هي حق واجب للفقراء على الغنياء؟ فمن قال أنها عبادة اشترط فيها البلببوغ ،ومببن
قال أنها حق واجب للفقراء والمساكين في أموال الغنياء لم يعتبر في ذلك بلوغا من
غيره .وأما من فرق بين ما تخرجه الرض أو ل تخرجه وبين الخفببي والظبباهر فل
أعلم له مستندا في هذا الوقت .وأمببا أهببل الذمببة فببإن الكببثر علببى أن ل زكبباة علببى
جميعهم إل ما روت طائفة من تضعيف الزكاة علببى نصببارى بنببي تغلببب ،أعنببي أن
يؤخذ منهم مثل ما يؤخذ من المسلمين في كل شيء ،وممن قال بهذا القببول الشببافعي
وأبو حنيفة وأحمد والثوري ،وليس عن مالك في ذلك قول ،وإنما صببار هببؤلء لهببذا
لنه أثبت أنه فعل عمر بن الخطاب بهم ،وكأنهم رأوا أن مثل هذا هبو توقيبف ولكبن
الصول تعارضه .وأما العبيد فإن الناس فيهم على ثلثة مذاهب :فقوم قالوا :ل زكاة
في أموالهم أصل ،وهو قول ابن عمر وجابر من الصحابة ومالك وأحمد وأبي عبيببد
من الفقهاء .وقال آخرون :بل زكاة مال العبد على سيده ،وبه قال الشافعي فيما حكبباه
ابن المنذر والثوري وأبو حنيفة وأصحابه ،وأوجبت طائفة أخرى على العبد في ماله
الزكاة ،وهو مروي عن ابن عمر من الصحابة ،وبببه قببال عطبباء مببن التببابعين وأبببو
ثور من الفقهاء وأهل الظاهر وبعضهم ،وجمهور من قال ل زكاة في مال العبببد هببم
على أن ل زكاة في مال المكاتب حتى يعتق .وقال أبو ثور :في مال المكاتب زكاة.
وسبب اختلفهم في زكاة مال العبد اختلفهم في هببل يملببك العبببد ملكببا تامببا أو غيببر
تام؟ فمن رأى أنه ل يملك ملكا تاما وأن السيد هببو المالببك إذ كببان ل يخلببو مببال مببن
مالك قال :الزكاة على السيد ،ومن رأى أنه لواحد منهما يملكه ملكببا تامببا ل السببيد إذ
كانت يد العبد هي التي عليه ل يد السيد ول العبد أيضا ،لن للسيد انتزاعه منه قببال:
ل زكباة فبي مباله أصبل .ومبن رأى أن اليبد علبى المبال تبوجب الزكباة فيبه لمكبان
تصرفها فيه تشبيها بتصرف يد الحر قببال :الزكبباة عليببه ل سببيما مببن كببان عنببده أن
الخطاب العام يتناول الحرار والعبيببد ،وأن الزكبباة عبببادة تتعلببق بببالمكلف لتصببرف
اليد في المال .وأما المالكون الذين عليهم الديون التي تستغرق أمببوالهم ،أو تسببتغرق
ما تجب فيه الزكاة من أموالهم وبأيديهم أموال تجب فيهببا الزكبباة ،فببإنهم اختلفببوا فبي
ذلك ،فقال قوم :ل زكاة في مال حيا كان أو غيره حتى تخرج منه الديون ،فببإن بقببي
ما تجب فيه الزكاة زكى وإل فل ،وبه قال الثوري وأبو ثور وابن مبببارك وجماعببة.
وقال أبو حنيفة وأصحابه :الدين ل يمنع زكاة الحبوب ويمنع ما سواها .وقببال مالببك:
الدين يمنع الزكاة الناض فقط إل أن يكون لببه عببروض فيهببا وفبباء مببن دينببه فببإنه ل
يمنع .وقال قوم :بمقابل القول الول ،وهو أن الدين ل يمنع زكاة أصل .والسبب فببي
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
اختلفهم اختلفهم هل الزكاة عبادة أو حق مرتب في المال للمساكين؟ فمن رأى أنها
حق لهم قال :ل زكاة في مال من عليه الدين ،لن حق صاحب الدين متقببدم بالزمببان
على حق المساكين ،وهو في الحقيقة مال صاحب الدين ل الذي المال بيده .ومن قال
هي عبببادة قببال :تجببب علببى مببن بيببده مبال لن ذلببك هببو شببرط التكليببف ،وعلمتببه
المقتضية الوجوب على المكلف سواء كان عليه دين أو لم يكن؛ وأيضا فإنه تعارض
هنالك حقان :حق ل ،وحببق للدمببي ،وحببق الب أحببق أن يقضببى ،والشبببه بغببرض
الشرع إسقاط الزكاة عن المديان لقوله عليه الصلة والسلم فيها "صببدقة تؤخببذ مببن
أغنيائهم وترد على فقرائهم" والمدين ليس بغني .وأما من فببرق بيببن الحبببوب وغيببر
الحبوب وبين الناض وغير الناض فل أعلم له شبهة بينة ،وقد كان أبببو عبيببد يقببول:
إنه إن كان ل يعلم أن عليه دينا إل بقوله لم يصدق ،وإن علم أن عليه دينببا لببم يؤخببذ
منه ،وهذا ليس خلفا لمن يقول بإسقاط الدين الزكبباة ،وإنمببا هببو خلف لمببن يقببول:
يصدق في الدين كما يصدق في المال.
وأما المال الذي هو في الذمة ،أعني في ذمة الغير وليس هو بيبد المالببك وهببو البدين
فإنهم اختلفوا فيه أيضا ،فقوم قالوا :ل زكاة فيه وإن قبض حتى يستكمل شرط الزكاة
عند القابض له ،وهو الحول ،وهو أحد قولي الشافعي ،وبه قال الليببث ،أو هبو قيباس
قوله؛ وقوم قالوا :إذا قبضه زكاة لما مضى مببن السببنين .وقببال مالببك :يزكيببه لحببول
واحد وإن أقام عند المديان سنين إذا كان أصله عن عوض .وأمببا إذا كببان عببن غيببر
عوض مثل الميراث فإنه يستقبل به الحول ،وفي المذهب تفصيل في ذلببك ومببن هببذا
الباب اختلفهم في زكاة الثمار المحبوسببة الصببول ،وفببي زكبباة الرض المسببتأجرة
على من تجب زكاة ما يخرج منها؟ هل علببى صبباحب الرض أو صبباحب الببزرع؟
ومن ذلك اختلفهم في أرض الخراج إذا انتقلت من أهل الخراج إلى المسببلمين وهببم
أهببل العشببر ،وفببي الرض العشببر وهببي أرض المسببلمين إذا انتقلببت إلببى الخببراج،
وأعني أهل الذمة ،وذلك أنه يشبه أن يكببون سبببب الخلف فببي هببذا كلببه أنهببا أملك
ناقصة.
@)-وأما المسألة الولى( وهي زكاة الثمار المحبسة الصول فببإن مالكببا والشببافعي
كانا يوجبان فيها الزكاة ،وكان مكحول وطاوس يقولن ل زكاة فيها ،وفرق قوم بيببن
أن تكببون محبسببة علببى المسبباكين وبيببن أن تكببون علببى قببوم أعيببانهم فبأوجبوا فيهببا
الصببدقة إذا كببانت علببى قببوم بأعيببانهم ،ولببم يوجبببوا فيهببا الصببدقة إذا كببانت علببى
المساكين ،ول معنى لمن أوجبها على المساكين لنه يجتمببع فببي ذلببك شببيئان اثنببان:
أحدهما أنها ملببك نبباقص ،والثانيببة أنهببا علببى قببوم غيببر معينيببن مببن الصببنف الببذين
تصرف إليهم الصدقة ل من الذين تجب عليهم.
@)-وأما المسألة الثانية( وهي الرض المستأجرة على من تجببب زكبباة مببا تخرجببه
فإن قوما قالوا :الزكاة على صاحب الزرع ،وبه قال مالك والشافعي والثببوري وابببن
مبارك وأببو ثببور وجماعبة .وقبال أببو حنيفبة وأصبحابه :الزكباة علبى رب الرض
وليس على المستأجر منه شيء .والسبببب فببي اختلفهببم هببل العشببر حببق الرض أو
حق الزرع أو حق مجموعهما؟ إل أنه لببم يقببل أحببد إنببه حببق لمجموعهمببا وهببو فببي
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الحقيقة حق مجموعهما ،فلما كان عندهم أنه حق لحد المرين اختلفوا في أيهما هببو
أولى أن ينسب إلى الموضع الببذي فيببه التفبباق ،وهببو كببون الببزرع والرض لمالببك
واحد ،فذهب الجمهور إلى أنه للشيء الذي تجب فيه الزكاة وهو الحببب .وذهببب أبببو
حنيفة إلى أنه للشيء الذي هو أصل الوجوب وهو الرض .وأما اختلفهم في أرض
الخراج إذا انتقلت إلى المسلمين هل فيها عشر مع الخراج أم ليببس فيهببا عشببر؟ فببإن
الجمهور على أن فيها العشببر :أعنببي الزكبباة .قبال أبببو حنيفببة وأصببحابه :ليببس فيهببا
عشر .وسبب اختلفهم كما قلنا هل الزكاة حق الرض ،أو حق الحب؟ فببإن قلنببا إنببه
حق الرض لم يجتمع فيها حقان :وهما العشر والخراج ،وإن قلنا :الزكاة حق الحببب
كان الخراج حق الرض ،والزكاة حق الحب ،وإنما يجيببء هببذا الخلف فيهببا لنهببا
ملك ناقص كما قلنا ولببذلك اختلببف العلمبباء فببي جببواز بيببع أرض الخببراج .وأمببا إذا
انتقلت أرض العشر إلى الذمي يزرعهبا ،فبإن الجمهبور علبى أنبه ليبس فيهبا شبيء.
وقال النعمان :إذا اشترى الببذمي أرض عشببر تحببولت أرض خببراج ،فكببأنه رأى أن
العشر هو حق أرض المسلمين ،والخراج هببو حببق أرض الببذميين ،لكببن كببان يجببب
على هذا الصل إذا انتقلت أرض الخراج إلى المسلمين أن تعود أرض عشر كما أن
عنده إذا انتقلت أرض العشر إلى الذمي عادت أرض خراج ،ويتعلق بالمالبك مسبائل
أليببق المواضببع بببذكرها هببو هببذا الببباب :أحببدها إذا أخببرج المببرء الزكبباة فضبباعت.
والثانية إذا أمكن إخراجها فهلك بعض المال قبل الخببراج .والثالثببة إذا مببات وعليببه
زكاة .والرابعة إذا ببباع الببزرع أو الثمببر وقببد وجبببت فيببه الزكبباة علببى مببن الزكبباة،
وكذلك إذا وهبه.
@)-فأما المسألة الولى( وهي إذا أخرج الزكاة فضباعت ،فبإن قومبا قبالوا :تجبزى
عنه؛ وقوم قالوا :هو لها ضامن حتى يضعها موضعها؛ وقوم فرقوا بين أن يخرجهببا
بعببد أن أمكنببه إخراجهببا ،وبيببن أن يخرجهببا أول زمببان الوجببوب والمكببان ،فقببال
بعضهم :إن أخرجها بعد أيببام مببن المكببان والوجببوب ضببمن وإن أخرجهببا فببي أول
الوجوب ولم يقع منه تفريط لم يضبمن وهببو مشبهور مبذهب مالبك؛ وقببوم قبالوا :إن
فرط ضمن وإن لم يفرط زكى ما بقي ،وبه قال أبو ثببور والشببافعي ،وقببال قببوم :بببل
يعد الذاهب من الجميع ويبقى المساكين ورب المال شريكين في الباقي بقدر حظهمببا
من حببظ رب المببال ،مثببل الشببريكين يببذهب بعببض المببال المشببترك بينهمببا ويبقيببان
شريكين على تلك النسبة في الباقي ،فيتحصل في المسألة خمسببة أقببوال :قببول إنببه ل
يضمن بإطلق ،وقول إنه يضمن بإطلق ،وقببول إن فببرط ضببمن وإن لببم يفببرط لببم
يضمن ،وقول إن فرط ضمن وإن لم يفرط زكى مببا بقببي ،والقببول الخببامس يكونببان
شريكين في الباقي.
@)-وأما المسألة الثانية( إذا ذهببب بعببض المببال بعببد الوجببوب وقببل تمكبن إخبراج
الزكاة؛ فقوم قالوا :يزكى ما بقي؛ وقوم قالوا :حال المساكين وحببال رب المببال حببال
الشريكين يضيع بعض مالهما .والسبب في اختلفهم تشبيه الزكاة بالديون ،أعنببي أن
يتعلق الحق فيها بالذمة ل بعين المال ،أو تشبيهها بالحقوق التي تتعلق بعين المببال ل
بذمة الذي يده على المال كالمناء وغيرهم .فمن شبه مالكي الزكاة بالمناء قببال :إذا
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
اخرج فهلك المخرج فل شيء عليه؛ ومن شبههم بالغرماء قال :يضمنون؛ ومن فرق
بين التفريط ول تفريط ألحقهم بالمناء من جميع الوجببوه إذا كببان الميببن يضببمن إذا
فرط .وأما من قال :إذا لم يفرط زكى مببا بقببي فببإنه شبببه مببن هلببك بعببض مبباله بعببد
الخراج بمن ذهب بعض ماله قبل وجوب الزكاة فيه ،كما أنه إذا وجبت الزكاة عليه
فإنما يزكى الموجود فقط ،وكذلك هببذا إنمببا يزكببى الموجببود مببن مبباله فقببط .وسبببب
الختلف هو تردد شبه المالك بين الغريم والمين والشريك ومببن هلببك بعببض مبباله
قبل الوجوب .وأما إذا وجبت الزكاة وتمكن من الخراج فلم يخرج حتى ذهب بعض
المال فإنهم متفقون فيما أحسب أنه ضامن إل في الماشبية عنبد مبن رأى أن وجوبهبا
إنما يتم بشرط خروج الساعي مع الحول وهو مذهب مالك.
@)-وأما المسألة الثالثة( وهي إذا مات بعد وجببوب الزكبباة عليببه .فببإن قومببا قببالوا:
يخرج من رأس ماله ،وبه قال الشافعي وأحمد وإسبحاق وأببو ثبور ،وقبوم قبالوا :إن
أوصى بها أخرجت عنه من الثلث وإل فل شيء عليه ،ومن هؤلء من قال :يبدأ بها
إن ضبباق الثلببث ،ومنهبم مببن قببال :ل يببدأ بهبا ،وعبن مالببك القببولن جميعبا ،ولكبن
المشهور أنها بمنزلة الوصية .وأما اختلفهم في المال يباع بعد وجوب الصدقة فيببه،
فإن قوما قالوا :يأخذ المصدق الزكاة من المال نفسببه ويرجببع المشببتري بقيمتببه علببى
البائع ،وبه قال أبو ثور .وقال قوم :البيع مفسوخ ،وبه قال الشافعي .وقال أبو حنيفة:
المشتري بالخيار بين إنقاذ البيع ورده ،والعشر مأخوذ من الثمرة أو من الحببب الببذي
وجبت فيه الزكاة ،وقال مالك :الزكاة على البببائع .وسبببب اختلفهببم تشبببيه بيببع مببال
الزكاة بتفويته وإتلف عينه ،فمن شبهه بببذلك قببال :الزكبباة مترتبببة فببي ذمببة المتلببف
والمفوت؛ ومن قال البيع ليس بإتلف لعين المال ول تفويت له وإنما هو بمنزلة مببن
باع ما ليس له قال :الزكاة في عين المال ،ثم هل البيع مفسوخ أو غير مفسببوخ نظببر
آخر يذكر في باب البيوع إن شاء ال تعالى .ومن هذا النوع اختلفهم في زكاة المال
الموهوب ،وفي بعض هذه المسائل التي ذكرنا تفصيل في المذهب لم نر أن نتعرض
له إذ كان غير موافق لغرضنا مع أنه يعسر فيهبا إعطباء أسبباب تلبك الفبروق لنهبا
أكثرها استحسانية مثببل تفصببيلهم الببديون الببتي تزكببى مببن الببتي ل تزكببى ،والببديون
المسقطة للزكاة من التي ل تسقطها ،فهذا ما رأينببا أن نببذكره فببي هببذه الجملببة وهببي
معرفة من تجب عليه الزكاة وشروط الملك التي تجبب ببه وأحكبام مبن تجبب عليبه.
وقد بقي من أحكامه حكم مشهور ،وهو ماذا حكم من منع الزكاة ولم يجحد وجوبهببا؟
فذهب أبو بكر رضي ال عنه إلى أن حكمه حكم المرتد ،وبذلك حكم في مانع الزكاة
من العرب وذلك أنه قاتلهم وسبى ذريتهم ،وخببالفه فببي ذلببك عمببر رضببي الب عنببه،
وأطلق من كان استرق منهم ،وبقول عمر قال الجمهببور .وذهبببت طائفببة إلببى تكفيببر
من منبع فريضببة مببن الفبرائض وإن لبم يجحبد وجوبهببا .وسببب اختلفهببم هببل اسببم
اليمان الذي هو ضببد الكفببر ينطلببق علببى العتقبباد دون العمببل فقببط أو مببن شببرطه
وجود العمل معه؟ فمنهم من رأى أن من شرطه وجببود العمببل معببه ،ومنهببم مببن لببم
يشترط ذلك حتى لو لم يلفظ بالشهادة إذا صببدق بهببا فحكمببه حكببم المببؤمن عنببد البب،
والجمهور وهم أهل السنة على أنه ليس يشترط فيه ،أعني فبي اعتقباد اليمبان البذي
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
ضده الكفر من العمال إل التلفظ بالشهادة فقط ،لقوله صلى ال عليببه وسببلم "أمببرت
أن أقاتل الناس حتى يقولوا ل إله إل ال ويؤمنوا بي" فاشترط مع العلم القببول ،وهببو
عمل مببن العمببال ،فمببن شبببه سببائر الفعببال الواجبببة بببالقول قببال :جميببع العمببال
المفروضة شرط في العلم الذي هو اليمان ،ومببن شبببه القببول بسببائر العمببال الببتي
اتفق الجمهور على أنها ليست شرطا في العلم الذي هو اليمان قببال :التصببديق فقببط
هو شرط اليمان ،وبه يكون حكمه عند الب تعبالى حكبم المبؤمن ،والقبولن شباذان،
واستثناء التلفظ بالشهادتين من سائر العمال هو الذي عليه الجمهور.
*) *3الجملة الثانية( وأما ما تجب فيه الزكاة مببن المببوال ،فببإنهم اتفقببوا منهببا علببى
أشياء واختلفوا في أشياء .وأما ما اتفقوا عليبه فصبنفان مبن المعبدن البذهب والفضبة
اللتين ليستا بحلي ،وثلثة أصناف مببن الحيببوان البببل والبقببر والغنببم ،وصببنفان مببن
الحبوب الحنطة والشعير ،وصنفان مببن الثمببر التمببر والزبيببب ،وفببي الزيببت خلف
شاذ .واختلفوا أما من الذهب ففي الحلي فقط ،وذلببك أنببه ذهببب فقهبباء الحجبباز مالببك
والليث والشببافعي إلببى أنببه ل زكبباة فيببه إذا أريببد للزينببة واللببباس؛ وقببال أبببو حنيفببة
وأصحابه :فيه الزكاة .والسبب في اختلفهم تببردد شبببهه بيببن العببروض وبيببن التبببر
والفضة اللتين المقصود منهما المعاملة في جميع الشياء ،فمن شبهه بالعروض التي
المقصود منها المنببافع أول قببال :ليببس فيببه زكبباة ،ومببن شبببهه بببالتبر والفضببة الببتي
المقصود منها المعاملة بها أول قال :فيه الزكاة .ولختلفهببم أيضببا سببب آخبر وهبو
اختلف الثار في ذلك ،وذلك أنه روى جابر عن النبي عليه الصلة والسلم أنه قال
"ليس في الحلي زكاة" وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن امرأة أتت إلى
رسول ال صلى ال عليه وسلم ومعها ابنة لها ،وفي يد ابنتها مسك مببن ذهببب ،فقببال
لهببا :أتبؤدين زكبباة هببذا؟ قبالت :ل ،قبال :أيسبرك أن يسببورك الب بهمببا يببوم القيامببة
سوارين من نار؟ فخلعتهما وألقتهما إلى النبي صلى ال عليه وسببلم وقببالت :همببا ل ب
ورسوله" والثران ضعيفان ،وبخاصة حديث جابر ،ولكون السبب الملك لختلفهم
تردد الحلي المتخذ للباس بين التبر والفضة اللببذين المقصببود منهمببا أول المعاملببة ل
النتفاع ،وبين العببروض المقصببود منهببا الببتي بالوضببع الول خلف المقصببود مببن
التبر والفضة ،أعني النتفاع بها ل المعاملة ،وأعني بالمعاملة كونهببا ثمنببا .واختلببف
قول مالك في الحلي المتخذ للكراء فمرة شبهه بالحلي المتخذ من اللباس ،ومرة شبهه
بالتبر المتخذ للمعاملة.
@)-وأما ما اختلفوا فيه من الحيوان( فمنه ما اختلفوا في نوعه ،ومنه ما اختلفوا في
صنفه .وأما ما اختلفوا في نببوعه فالخيببل ،وذلببك أن الجمهببور علببى أن ل زكبباة فببي
الخيل ،فذهب أبو حنيفة إلى أنها إذا كانت سائمة وقصببد بهببا النسببل أن فيهببا الزكبباة،
أعني إذا كانت ذكرانا وإناثا .والسبب في اختلفهم معارضة القياس لّلفظ ،ومببا يظببن
من معارضة اللفظ لّلفظ فيها .أمببا اللفببظ الببذي يقتضببي أن ل زكبباة فيهببا فقببوله عليببه
الصلة والسلم "ليس على المسلم فببي عبببده ول فرسببه صببدقة" وأمببا القيبباس الببذي
عارض هذا العموم ،فهو أن الخيل السائمة حيوان مقصود به النمبباء والنسببل ،فأشبببه
البل والبقر .وأما اللفظ الذي يظن أنه معارض لذلك العموم فهو قبوله عليبه الصبلة
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
والسلم "وقد ذكر الخيل ولم ينس حق ال في رقابها ول ظهورها" فذهب أبو حنيفببة
إلى أن حق ال هو الزكاة ،وذلك السائمة منها .قببال القاضببي :وأن يكببون هببذا اللفببظ
مجمل أحرى منه أن يكون عاما ،فيحتج به في الزكبباة؛ وخببالف أبببا حنيفببة فببي هببذه
المسألة صاحباه أبو يوسف ومحمد ،وصح عن عمر رضي الب عنببه أنببه كببان يأخببذ
منها الصدقة ،فقيل إنه كان باختيار منهم .وأما ما اختلفوا في صنفه فهي السائمة مبن
البل والبقر والغنم من غير السائمة منها ،فإن قوما أوجبوا الزكاة في هذه الصببناف
الثلثببة سببائمة كببانت أو غيببر سببائمة ،وبببه قببال الليببث ومالببك؛ وقببال سببائر فقهبباء
المصببار :ل زكبباة فببي غيببر السببائمة مببن هببذه الثلثببة النببواع .وسبببب اختلفهببم
معارضة المطلق للمقيد ،ومعارضببة القيبباس لعمببوم اللفببظ .أمببا المطلببق فقببوله عليببه
الصلة والسلم "في أربعين شاة شاة" .أما المقيد فقببوله عليببه الصببلة والسببلم "فببي
سائمة الغنم الزكاة" فمن غلب المطلبق علببى المقيبد قبال :الزكبباة فبي السببائمة وغيبر
السائمة؛ ومن غلب المقيد قال :الزكاة في السائمة منها فقبط ،ويشببه أن يقبال إن مبن
سبب الخلف في ذلك أيضا معارضة دليل الخطاب للعموم ،وذلك أن دليبل الخطباب
في قوله عليه الصلة والسلم "في سائمة الغنم الزكاة" يقتضي أن ل زكاة فببي غيببر
السائمة ،وعموم قوله عليه الصلة والسلم "في أربعين شاة شاة" يقتضي أن السائمة
في هذا بمنزلة غير السببائمة لكببن العمبوم أقببوى مببن دليبل الخطباب ،كمبا أن تغليببب
المقيد على المطلق أشهر من تغليب المطلق على المقيد .وذهب أبو محمببد بببن حببزم
إلى أن المطلق يقتضي على المقيد ،وإن في الغنم سائمة وغير سائمة الزكاة ،وكذلك
في البل لقوله عليه الصلة والسلم "ليس فيمببا دون خمببس ذود مببن البببل صببدقه"
وأن البقر لما لم يثبت فيها أثر وجب أن يتمسك فيها بالجمبباع ،وهببو أن الزكبباة فببي
السائمة منها فقط ،فتكون التفرقة بين البقر وغيرها قول ثالث.
وأما القياس المعارض لعموم قوله عليه الصلة والسلم فيها "في أربعين شبباة شبباة"
فهو أن السائمة هي التي المقصود منها النماء والربح ،وهو الموجود فيها أكثر ذلك،
والزكاة إنما هي فضببلت المببوال ،والفضببلت إنمببا توجببد أكببثر ذلببك فببي المببوال
السائمة ،ولذلك اشترط فيها الحول ،فمن خصص بهذا القياس ذلك العموم لببم يببوجب
الزكاة في غير السائمة ،ومن لم يخصص ذلببك ورأى أن العمببوم أقببوى أوجببب ذلببك
في الصنفين جميعا ،فهذا هببو مببا اختلفببوا فيببه مببن الحيببوان الببتي تجببب فيببه الزكبباة،
وأجمعوا على أنه ليس فيما يخرج من الحيوان زكاة إل العسببل ،فببإنهم اختلفببوا فيببه،
فالجمهور على أنه ل زكاة فيه ،وقال قوم :فيه الزكاة .وسبب اختلفهم اختلفهببم فببي
تصحيح الثر الوارد في ذلك ،وهو قوله عليه الصلة والسلم "فببي كببل عشببرة أزق
زق" خرجببه الترمببذي وغيببره .وأمببا مببا اختلفببوا فيببه مببن النبببات بعببد اتفبباقهم علببى
الصناف الربعة التي ذكرناها فهو جنس النبات الذي تجب فيه الزكاة ،فمنهم من لم
ير الزكاة إل في تلبك الربببع فقببط ،وبببه قبال ابببن أبببي ليلبى وسببفيان الثببوري واببن
المبارك؛ ومنهم من قال :الزكاة في جميببع المببدخر المقتببات مببن النبببات ،وهببو قببول
مالك والشافعي؛ ومنهم من قال :الزكاة في كل ما تخرجه الرض مببا عببدا الحشببيش
والحطب والقصب .وهو أبو حنيفة .وسبب الخلف إما بيببن مببن قصببر الزكبباة علببى
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الصناف المجمع عليها ،وبين من عببداها إلببى المببدخر المقتببات ،فهببو اختلفهببم فببي
تعلق الزكاة بهذه الصناف الربعة هل هو لعينها أو لعلة فيها ،وهببي القتيببات فمببن
قال لعينهبا قصبر الوجبوب عليهبا ،ومبن قبال لعلبة القتيبات عبدى الوجبوب لجميبع
المقتات .وسبب الخلف بين من قصر الوجببوب علبى المقتببات وبيبن مبن عببداه إلبى
جميع ما تخرجه الرض إل ما وقع عليه الجماع من الحشببيش والحطببب والقصببب
هو معارضة القياس لعموم اللفببظ ،أمببا اللفببظ الببذي يقتضببي العمببوم فهببو قببوله عليببه
الصلة والسلم "فيما سقت السماء العشر ،وفيما سقى بالنضببج نصببف العشببر" ومببا
بمعنببى الببذي ،والببذي مببن ألفبباظ العمببوم وقببوله تعببالى }وهببو الببذي أنشببأ جنببات
معروشات{ الية .إلى قوله }وآتوا حقه يوم حصاده{ .
وأما القياس ،فهو أن الزكاة إنما المقصود منها سببد الخلببة ،وذلببك ل يكببون غالبببا إل
فيما هو قوت ،فمن خصص العموم بهذا القياس أسقط الزكاة مما عدا المقتات ،ومببن
غلب العمببوم أوجبهبا فيمبا عببدا ذلبك ،إل مبا أخرجببه الجمباع ،والبذين اتفقببوا علبى
المقتات اختلفوا في أشياء من قبل اختلفهم فيها ،هل هي مقتاتة أم ليست بمقتاتة؟
وهل يقباس علببى مببا اتفببق عليببه أو ليبس يقباس؟ مثببل اختلف مالبك والشببافعي فببي
الزيتون ،فإن مالكا ذهب إلى وجوب الزكاة فيه ،ومنع ذلك الشافعي في قوله الخيببر
بمصر .وسبببب اختلفهببم هببل هببو قببوت أم ليببس بقببوت؟ ،ومببن هببذا الببباب اختلف
أصحاب مالبك فبي إيجباب الزكباة فبي البتين أو ل إيجابهبا .وذهبب بعضبهم إلبى أن
الزكاة تجب في الثمار دون الخضببر ،وهببو قببول ابببن حبببيب لقببوله سبببحانه وتعببالى
}وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات{ الية ،ومن فرق فببي اليببة بيببن
الثمببار والزيتببون فل وجببه لقببوله إل وجببه ضببعيف .واتفقببوا علببى أن ل زكبباة فببي
العروض التي لببم يقصببد بهببا التجببارة ،واختلفببوا فببي أتجببب الزكبباة فيمبا اتخببذ منهببا
للتجارة؟ فذهب فقهاء المصار إلى وجوب ذلك ،ومنببع ذلببك أهببل الظبباهر .والسبببب
في اختلفهم اختلفهم فببي وجببوب الزكبباة بالقيبباس ،واختلفهببم فببي تصببحيح حببديث
سمرة بن جندب أنه قال "كببان رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم يأمرنببا أن نخببرج
الزكاة مما نعده للبيع" وفيما روي عنه عليه الصلة والسلم أنه قال "أد زكاة البببر".
وأما القياس الذي اعتمده الجمهور فهو أن العروض المتخذة للتجارة مال مقصود بببه
التنمية ،فأشبببه الجنبباس الثلثببة الببتي فيهببا الزكبباة باتفبباق ،أعنببي الحببرث والماشببية
والذهب والفضة .وزعم الطحاوي أن زكاة العروض ثابتة عن عمر وابببن عمببر ول
مخالف لهما من الصحابة ،وبعضببهم يببرى أن مثببل هببذا هببو إجمبباع مببن الصببحابة،
أعني إذا نقل عن واحد منهم قول ولم ينقل عن غيره خلفه ،وفيه ضعف.
*)*3الجملة الثالثة( وأما معرفة النصاب في واحد واحد مببن هببذه المببوال المزكبباة،
وهو المقدار الذي فيه تجب الزكاة فيما له منها نصاب ،ومعرفببة الببواجب مببن ذلببك،
أعني في عينه وقدره ،فإنا نذكر من ذلك ما اتفقوا عليه واختلفوا فيه في جنس جنببس
من هذه الجناس المتفق عليها والمختلف فيها عند الذين اتفقوا عليببه ،ولنجعببل الكلم
في ذلك في فصول :الفصل الول :في الذهب والفضة .الثاني :في البل .الثالث :في
الغنم .الرابع :في البقر .الخامس :في النبات .السادس :في العروض.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
المائتي درهم حتى تبلغ الزيادة أربعين درهمببا ،فببإذا بلغتهببا كببان فيهببا ربببع عشببرها
وذلببك درهببم ،وبهببذا القببول قببال أبببو حنيفببة وزفببر وطائفببة مببن أصببحابهما .وسبببب
اختلفهم اختلفهم في تصحيح حديث الحسن ابن عمارة ،ومعارضببة دليببل الخطبباب
لبه ،وترددهمبا بيبن أصبلين فبي هبذا البباب مختلفيبن فبي هبذا الحكبم وهبي الماشبية
والحبوب .أما حديث الحسن بن عمارة فبإنه رواه عببن أبببي إسببحاق عببن عاصببم بببن
ضمرة عن علي عن النبي صلى ال عليه وسلم قببال "قببد عفببوت عببن صببدقة الخيببل
والرقيق فهاتوا من الرقة ربع العشر من كل مببائتي درهببم خمسببة دراهببم ،ومببن كببل
عشرين دينارا نصف دينار ،وليس في مائتي درهم شيء حبتى يحبول عليهبا الحبول
ففيها خمسة دراهم ،فما زاد ففي كل أربعين درهمببا درهببم ،وفببي كببل أربعببة دنببانير
تزيد على العشرين دينارا درهم حتى تبلغ أربعيببن دينببارا ،ففببي كببل أربعيببن دينببار،
وفي كل أربعة وعشرين نصف دينار ودرهم" .وأمببا دليببل الخطبباب المعببارض لببه،
فقوله عليه الصلة والسلم "ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة" ومفهببومه
أن فيما زاد على ذلك الصدقة قل أو كببثر .وأمببا ترددهمببا بيببن الصببلين اللببذين همببا
الماشية والحبوب ،فإن النص على الوقاص ورد في الماشية .وأجمعوا علببى أنببه ل
أوقاص في الحبوب ،فمن شبه الفضة والذهب بالماشببية قببال فيهمببا الوقبباص ،ومببن
شبههما بالحبوب قال ل وقص.
@)-وأما المسألة الثالثة( وهي ضم الذهب إلبى الفضبة فبي الزكباة ،فبإن عنبد مالبك
وأبي حنيفة وجماعة أنها تضم الدراهم إلى الدنانير ،فإذا كمل من مجموعهما نصاب
وجبت فيه الزكاة؛ وقال الشافعي وأبو ثور وداود :ل يضم ذهب إلى فضة ول فضببة
إلى ذهب .وسبب اختلفهببم هببل كببل واحببد منهمببا يجببب فيببه الزكبباة لعينببه أم لسبببب
يعمهما ،وهو كونهما كما يقول الفقهاء رءوس الموال وقيم المتلفببات؟ فمببن رأى أن
المعتبر في كل واحد منهما هو عينه ولذلك اختلف النصاب فيهما قببال :همببا جنسببان
ل يضم أحدهما إلى الثاني كالحال في البقر والغنم؛ ومن رأى أن المعتبببر فيهمببا هببو
ذلك المببر الجببامع الببذي قلنبباه أوجببب ضببم بعضببهما إلببى بعببض ،ويشبببه أن يكببون
الظهر اختلف الحكام حيث تختلف السماء وتختلف الموجودات أنفسها ،وإن كان
قد يوهم اتحادهما اتفاق المنافع ،وهو الذي اعتمد مالك رحمه ال في هذا الباب وفببي
باب الربا ،والببذين أجبازوا ضببمهما اختلفببوا فبي صبفة الضببم .فببرأى مالببك ضبمهما
بصرف محدود ،وذلك بأن ينزل الدينار بعشبرة دراهبم علبى مبا كبانت عليبه قبديما،
فمن كانت عنده عشرة دنانير ومائة درهم وجبت عليه فيهما الزكاة عنببده ،وجبباز أن
يخرج من الواحد عن الخر .وقال من هؤلء آخرون :تضم بالقيمة في وقت الزكاة،
فمن كانت عنده مثل مائة درهم وتسعة مثاقيل قيمتها مائة درهم وجبببت عليببه فيهمببا
الزكاة ،ومن كانت عنده مائة درهم تساوي أحد عشببر مثقببال وتسببعة مثاقيببل وجبببت
عليه أيضا فيهما الزكاة ،وممن قببال بهببذا القببول أبببو حنيفببة ،وبمثببل هببذا القببول قببال
الثببوري إل أنببه يراعببي الحببوط للمسبباكين فببي الضببم :أعنببي القيمببة أو الصببرف
المحدود :ومنهم من قال :يضم القل منها إلببى الكببثر ول يضببم الكببثر إلببى القببل؛
وقال آخرون :تضم الدنانير بقيمتها أبدا كانت الدنانير أقل من الببدراهم أو أكببثر ،ول
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
تضم الدراهم إلى الدنانير لن الببدراهم أصببل والببدنانير فببرع ،إذ كببان لببم يثبببت فببي
الدنانير حديث ول إجماع حتى تبلغ أربعين ،وقال بعضهم :إذا كان عنده نصاب مببن
أحدهما ضم إليه قليل الخر وكثيره ،ولم ير الضم في تكميل النصاب إذا لم يكن فببي
واحد منهما نصاب بل في مجموعهما .وسبب هذا الرتباك ما راموه من أن يجعلببوا
من شيئين نصابهما مختلف في الوزن نصابا واحدا ،وهذا كله ل معنى له ،ولعل من
رام ضم أحدهما إلى الخر فقد أحدث حكما في الشرع حيببث ل حكببم ،لنببه قببد قببال
بنصاب ليس هو بنصاب ذهب ول فضة ،ويستحيل في عادة التكليف والمر بالبيببان
أن يكون في أمثال هذه الشياء المحتملة حكم مخصوص ،فيسكت عنه الشارع حببتى
يكون سكوته سببا لن يعرض فيه من الختلف مببا مقببداره هببذا المقببدار ،والشببارع
إنما بعث صلى ال عليه وسلم لرفع الختلف.
@)-وأما المسألة الرابعة( فإن عند مالك وأبي حنيفة أن الشريكين ليببس يجببب علببى
أحدهما زكاة حتى يكون لكل واحد منهما نصاب؛ وعند الشافعي أن المببال المشببترك
حكمه حكم مال رجل واحد .وسبب اختلفهم الجمباع البذي فبي قبوله عليبه الصبلة
والسلم "ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة" فإن هذا القدر يمكببن أن يفهببم
منه إنما يخصه هذا الحكم إذا كان لمالك واحد فقط ،ويمكن منه أنه يخصه هذا الحكم
كان لمالك واحد أو أكثر من مالك واحد ،إل أنه لما كان مفهوم اشتراط النصاب إنما
هو الرفق فواجب أن يكون النصاب من شرطه أن يكون لمالك واحد ،وهببو الظهببر
وال أعلم .والشافعي كأنه شبه الشركة بالخلطة ،ولكن تأثير الخلطة فبي الزكباة غيبر
متفق عليه على ما سيأتي بعد.
@)-وأما المسألة الخامسة( وهي اختلفهببم فببي اعتبببار النصبباب فببي المعببدن وقببدر
الواجب فيه ،فإن مالكا والشافعي راعيا النصاب في المعدن ،وإنما الخلف بينهما أن
مالكا لم يشترط الحول واشترطه الشافعي على مبا سبنقول بعبد فبي الجملبة الرابعبة،
وكذلك لم يختلف قولهما إن الواجب فيما يخرج منه هو ربع العشر؛ وأما أبببو حنيفببة
فلم ير فيه نصابا ول حول ،وقال :الواجب هو الخمس .وسبب الخلف في ذلببك هببل
اسم الركاز يتناول المعدن أم ل يتناوله؟ لنه قال عليه الصلة والسلم "وفي الركبباز
الخمس" وروى أشهب عن مالك أن المعدن الذي يوجد بغيببر عمببل أنببه ركبباز وفيببه
الخمس .فسبب اختلفهم فبي هبذا هبو اختلفهبم فبي دللبة اللفبظ ،وهببو أحببد أسببباب
الختلفات العامة التي ذكرناها.
**4الفصل الثاني في نصاب البل والواجب فيه.
@-وأجمع المسلمون على أن في كل خمس من البل شاة إلى أربع وعشببرين ،فببإذا
كانت خمسا وعشرين ففيها ابنة مخاض إلى خمس وثلثين ،فإن لم تكن ابنة مخاض
فابن لبون ذكر ،فإذا كانت ستا وثلثين ففيهببا بنببت لبببون إلببى خمببس وأربعيببن ،فببإذا
كانت ستا وأربعين ففيها حقة إلى ستين ،فإذا كببانت واحببدا وسببتين ففيهببا جذعببة إلببى
خمس وسبعين ،فإذا كانت ستا وسبعين ففيها ابنتا لبون إلى تسعين ،فإذا كانت واحببدا
وتسعين ففيها حقتان إلى عشرين ومائة لثبوت هذا كله في كتاب الصببدقة الببذي أمببر
به رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وعمل به بعده أبو بكر وعمر .واختلفوا منها فببي
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
مواضع :منها فيما زاد على العشببرين والمببائة ،ومنهببا إذا عببدم السببن الواجبببة عليببه
وعنده السن الذي فوقه أو الذي تحته ما حكمه؟ ومنها هببل تجببب الزكبباة فببي صببغار
البل وإن وجبت فما الواجب؟.
@)-فأما المسألة الولى( وهي اختلفهم فيما زاد على المببائة وعشببرين ،فببإن مالكببا
قال :إذا زادت على عشرين ومائة واحدة ،فالمصدق بالخيار إن شاء أخذ ثلث بنات
لبون ،وإن شاء أخذ حقتين إلى أن تبلغ ثلثين ومبائة فيكبون فيهبا حقبه وابنتبا لببون.
وقال ابن القاسم من أصحابه :بل يأخذ ثلث بنات لبون من غيببر خيببار إلببى أن تبلببغ
ثمانين ومائة فتكون فيها حقة وابنتا لبون ،وبهذا القول قال الشافعي .قبال عببد الملبك
بن الماجشون من أصحاب مالك :بل يأخذ الساعي حقتين فقط مببن غيببر خيببارإلى أن
تبلغ مائة وثلثين .وقال الكوفيببون :أبببو حنيفببة وأصببحابه والثببوري :إذا زادت علببى
عشرين ومائة عادت الفريضة على أولها ،ومعنى عودتها أن يكببون عنببدهم فببي كببل
خمس ذود شاة ،فببإذا كببانت البببل مببائة وخمسببة وعشببرين كببان فيهببا حقتببان وشبباة،
الحقتبان للمبائة والعشبرين ،والشباة للخمبس ،فبإذا بلغبت ثلثيبن ومبائة ففيهبا حقتبان
وشاتان ،فإذا كببانت خمسببا وثلثيببن ففيهببا حقتببان وثلث شببياه إلببى خمببس وأربعيببن
ومائة ،ففيها حقتان وأربع شياه إلى خمس وأربعين ومببائة ،فببإذا بلغتهببا ففيهببا حقتببان
وابنة مخاض ،الحقتان للمائة والعشرين ،وابنة المخاض للخمس وعشرين كما كببانت
في الفرض الول إلى خمسين ومائة ،فإذا بلغتها ففيها ثلث حقاق ،فببإذا زادت علببى
الخمسين ومائة استقبل بها الفريضة الولى إلببى أن تبلببغ مببائتين ،فيكببون فيهببا أربببع
حقاق ثم يستقبل بها الفريضة .وأما ما عدا الكوفيين من الفقهاء ،فإنهم اتفقوا علببى أن
ما زاد على المائة والثلثيبن ،ففبي كبل أربعيبن بنبت لببون وفبي كبل خمسبين حقبه.
وسبب اختلفهم في عودة الفرض أو ل عودته اختلف الثار في هذا الببباب ،وذلببك
أنه ثبت في كتاب الصدقة أنببه قببال عليببه الصببلة والسببلم "فمببا زاد علببى العشببرين
ومائة ففي كل أربعين بنت لبون ،وفي كل خمسين حقة" وروي من طريق أبببي بكببر
بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده عن النبي عليه الصلة والسلم أنه كتببب كتبباب
الصببدقة وفيببه "إذا زادت البببل علببى مببائة وعشببرين اسببتؤنفت الفريضببة" فببذهب
الجمهور إلى ترجيح الحديث الول إذ هو أثبت ،وذهب الكوفيون إلى ترجيح حببديث
عمرو بن حزم لنه ثبت عندهم هذا من قول علي وابن مسعود ،قالوا :ول يصببح أن
يكون مثل هذا إل توقيفا إذ كان مثل هذا ل يقال بالقيبباس .وأمببا سبببب اختلف مالببك
وأصحابه والشافعي فيما زاد على المائة وعشرين إلى الثلثيببن فلنببه لببم يسببتقم لهببم
حساب الربعينببات ول الخمسببينات ،فمببن رأى أن مبا بيبن المببائة وعشببرين إلبى أن
يستقيم الحساب وقص قال :ليس فيما زاد علببى ظبباهر الحببديث الثببابت شببيء ظبباهر
حتى يبلغ مائة وثلثين وهو ظاهر الحديث .وأما الشافعي وابن القاسم فإنما ذهبا إلببى
أن فيها ثلث بنات لبون ،لنه قد روي عببن ابببن شبهاب فببي كتبباب الصببدقة أنهبا إذا
بلغت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلث بنات لبون ،فإذا بلغت ثلثين ومائة ففيها بنتا
لبون وحقة .فسبب اختلف ابن الماجشون وابببن القاسببم هببو معارضببة ظبباهر الثببر
الثابت للتفسير الذي في هذا الحديث فإن ابن الماجشببون رجببح ظبباهر الثببر للتفبباق
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
على ثبوته ،وابن القاسم والشافعي حمل المجمل على المفصل المفسببر .وأمببا تخييببر
مالك الساعي ،فكأنه جمع بين الثرين وال أعلم.
@)-وأما المسألة الثانية( وهو إذا عدم السن الواجب من البل الواجبة وعنببده السببن
الذي فوق هذا السن أو تحته ،فإن مالكا قال :يكلف شراء ذلببك السببن .وقببال قببوم بببل
يعطي السن الذي عنببده وزيببادة عشببرين درهمببا إن كببان السببن الببذي عنببده أحببط أو
شاتين ،وإن كان أعلى دفع إليه المصدق عشرين درهمببا أو شبباتين ،وهببذا ثببابت فببي
كتاب الصدقة فل معنببى للمنازعببة فيببه ،ولعببل مالكببا لببم يبلغببه هببذا الحببديث ،وبهببذا
الحديث قال الشافعي وأبو ثور .وقال أبو حنيفة :الواجب عليه القيمة على أصببله فببي
إخراج القيم في الزكاة .وقال قوم :بل يعطي السن الذي عنده ،وما بينهما من القيمة.
@)-وأما المسألة الثالثة( وهي هل تجب في صغار البل ،وإن وجبت فمبباذا يكلببف؟
فإن قوما قالوا :تجب فيها الزكاة ،وقوم قالوا :ل تجب .وسبببب اختلفهببم هببل يتنبباول
اسم الجنس الصغار أو ل يتناوله .والذين قببالوا :ل تجببب فيهببا زكبباة هببو أبببو حنيفببة
وجماعة من أهل الكوفة ،وقد احتجوا بحديث سويد ابن غفلة أنببه قببال :أتانببا مصببدق
النبي عليه الصلة والسلم ،فأتيته فجلست إليببه فسببمعته يقببول :إن فببي عهببدي أن ل
آخذ من راضع لبن ،ول أجمع بين مفترق ول نفرق بيببن مجتمببع ،قببال :وأتبباه رجببل
بناقة كوماء فأبى أن يأخذها .والذين أوجبوا الزكاة فيها منهم مببن قببال :يكلببف شببراء
السن الواجبة عليه ،ومنهم من قال :يأخذ منهببا وهببو القيببس ،وبنحببو هببذا الختلف
اختلفوا في صغار البقر وسخال الغنم.
**4الفصل الثالث في نصاب البقر وقدر الواجب في ذلك.
@-جمهور العلماء على أن في ثلثين من البقببر تبيعببا وفببي أربعيببن مسببنة ،وقببالت
طائفة :في كل عشر مببن البقببر شبباة إلببى ثلثيببن ففيهببا تبببيع ،وقيببل إذا بلغببت خمسببا
وعشرين ففيها بقرة إلى خمس وسببعين ففيهببا بقرتببان إذا جباوزت ذلبك ،فبإذا بلغبت
مائة وعشرين ففي كل أربعين بقرة ،وهببذا عببن سببعيد بببن المسببيب .واختلببف فقهبباء
المصببار فيمببا بيببن الربعيببن والسببتين؛ فببذهب مالببك والشببافعي وأحمببد والثببوري
وجماعة أن ل شيء فيما زاد على الربعين حتى تبلغ الستين ،فإذا بلغت ستين ففيهببا
تبيعان إلى سبعين ،ففيها مسنة وتبيع إلببى ثمببانين ،ففيهبا مسببنتان إلببى تسببعين ،ففيهببا
ثلثة أتبعة إلى مائة ،ففيها تبيعان ومسنة ،ثم هكذا ما زاد ،ففي كل ثلثين تبيع ،وفي
كل أربعين مسنة .وسبببب اختلفهببم فببي النصبباب أن حببديث معبباذ غيببر متفببق علببى
صحته ،ولذلك لم يخرجه الشيخان .وسبب اختلف فقهاء المصببار فبي البوقص فبي
البقر أنه جاء في حديث معاذ هذا أنببه توقببف فببي الوقبباص وقببال :حببتى أسببأل فيهببا
النبي صلى ال عليه وسلم ،فلما قدم عليه وجده قد توفي صلى ال عليببه وسببلم ،فلمببا
لم يرد في ذلك نص طلب حكمه من طريق القياس ،فمن قاسها على البل والغنببم لببم
ير في الوقاص شيئا ،ومن قال إن الصل في الوقاص الزكاة إل ما اسببتثناه الببدليل
من ذلك وجب أن ل يكون عنده في البقر وقببص ،إذ ل دليببل هنالببك مببن إجمبباع ول
غيره.
**4الفصل الرابع في نصاب الغنم وقدر الواجب من ذلك.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
@-وأجمعوا من هذا الباب على أن في سائمة الغنم إذا بلغت أربعيببن شبباة شبباة إلببى
عشرين ومائة ،فإذا زادت على العشرين ومائة ففيها شاتان إلببى مببائتين ،فببإذا زادت
على المائتين فثلث شياه إلى ثلثمائة ،فإذا زادت على الثلثمائة ففي كل مببائة شبباة،
وذلك عند الجمهور إل الحسن بن صالح فإنه قال :إذا كانت الغنم ثلثمائة شبباة وشبباة
واحدة أن فيها أربع شياه ،وإذا كانت أربعمائة شبباة وشبباة ففيهببا خمببس شببياه ،وروى
قوله هذا عن منصور عن إبراهيم ،والثار الثابتة المرفوعة في كتاب الصببدقة علببى
ما قال الجمهور .واتفقوا على أن المعز تضم مع الغنم ،واختلفوا من أي صنف منهببا
يأخذ المصدق ،فقال مالك :يأخذ من الكثر عددا ،فببإن اسببتوت خيببر السبباعي .وقببال
أبو حنيفة :بل الساعي يخير إذا اختلفت الصناف .وقال الشبافعي :يأخبذ الوسبط مببن
الصناف المختلفة لقول عمر رضي ال عنه :نعد عليهم السخلة يحملها الراعببي ول
نأخذها ول نأخببذ الكولببة ول الربببى ول المبباخض ول فحببل الغنببم ،ونأخببذ الجذعببة
والثنية ،وذلك عدل بين خيار المال ووسببطه .وكببذلك اتفببق جماعببة فقهبباء المصببار
على أنه ل يؤخذ في الصدقة تيس ول هرمببة ول ذات عببور لثبببوت ذلببك فببي كتبباب
الصدقة ،إل أنه يرى المصدق أن ذلك خيببر للمسبباكين .واختلفببوا فببي العميبباء وذات
العلة هل تعد على صاحب المال أم ل؟ فببرأى مالببك والشببافعي أن تعببد ،وروي عببن
أبي حنيفة أنها ل تعد .وسبب اختلفهم هل مطلق السم يتناول الصحاء والمرضببى
أم ل يتناولهما؟ .واختلفوا مبن هبذا البباب فبي نسبل المهبات هبل تعبد مبع المهبات
فيكمل النصاب بها إذا لم تبلغ نصابا؟ فقال مالك يعتد بها ،وقال الشافعي وأببو حنيفبة
وأبو ثور :ل يعتد بالسخال إل أن تكببون المهببات نصببابا .وسبببب اختلفهببم احتمببال
قول عمر رضي ال عنه إذ أمر أن تعتد عليهم بالسخال ول يؤخببذ منهببا شببيء ،فببإن
قوما فهموا من هذا إذا كانت المهات نصابا ،وقببوم فهمببوا هببذا مطلقببا ،وأحسببب أن
أهل الظاهر ل يوجبون في السخال شيئا ،ول يعدون بهببا لببو كببانت المهببات نصببابا
ولو لم تكن لن اسم الجنس ل ينطلق عليها عندهم ،وأكببثر الفقهبباء علببى أن للخلطببة
تأثير في قدر الببواجب مببن الزكبباة .واختلببف القببائلون بببذلك هببل لهببا تببأثير فببي قببدر
النصاب أم ل؟
وأما أبو حنيفة وأصحابه فلم يروا للخلطة تببأثيرا ،ل فببي قببدر الببواجب ول فببي قببدر
النصاب ،وتفسببير ذلببك أن مالكببا والشببافعي وأكببثر فقهبباء المصببار اتفقببوا علببى أن
الخلطاء يزكون زكاة المالك الواحد .واختلفوا مببن ذلببك فببي موضببعين :أحببدهما فببي
نصاب الخلطاء هل يعد نصاب مالك واحد سواء كان لكل واحد منهببم نصبباب أو لببم
يكن؟ أم إنما يزكون زكاة الرجل الواحد إذا كان لكل واحد منهم نصاب؟ .والثاني في
صفة الخلطة التي لها تأثير في ذلك .وأما اختلفهببم أول فببي هببل للخلطببة تببأثير فببي
النصاب وفي الواجب أو ليس لها تأثير؟ .فسبب اختلفهم اختلفهم في مفهوم ما ثبت
في كتاب الصدقة من قوله عليه الصلة والسلم "ل يجمع بين مفترق ول يفرق بيببن
مجتمع خشية الصدقة" وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية ،فإن كل واحببد
من الفريقين أنزل مفهوم هذا الحديث على اعتقاده ،وذلك أن الذين رأوا للخلطة تأثير
ما في النصاب والقدر الواجب أو في القدر الواجب فقط قالوا :إن قوله عليه الصببلة
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
والسلم "وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية" وقوله "ل يجمع بين مفترق
ول يفرق بين مجتمع" يدل دللة واضحة على أن ملك الخليطين كملك رجببل واحببد،
فإن هذا الثر مخصص لقوله عليه الصلة والسلم "ليببس فيمبا دون خمببس ذود مبن
البل صدقة" إما في الزكاة عند مالك وأصحابه :أعني فببي قببدر الببواجب ،وإمببا فببي
الزكاة والنصاب معا عند الشافعي وأصحابه .وأما الذين لم يقولوا بالخلطة فقالوا :إن
الشريكين قد يقال لهما خليطان ،ويحتمببل أن يكببون قببوله عليببه الصببلة والسببلم "ل
يجمع بين مفترق ول يفرق بين مجتمع" إنما هبو نهبي للسبعاة أن يقسبم ملبك الرجبل
الواحد قسمة توجب عليه كثرة الصببدقة ،مثببل رجببل يكببون لببه مببائة وعشببرون شبباة
فيقسم عليه إلى أربعين ثلث مرات ،أو يجمع ملك رجل واحد إلببى ملببك رجبل آخبر
حيث يوجب الجمع كثرة الصدقة قالوا :وإذا كان هذا الحتمال في هذا الحديث وجب
أن ل تخصص به الصول الثابتة المجمع عليها أعنببي أن النصبباب والحببق الببواجب
في الزكاة يعتبر بملك الرجل الواحد.
وأما الذين قالوا بالخلطة ،فقالوا :إن لفظ الخلطة هو أظهر في الخلطة نفسها منبه فبي
الشركة ،وإذا كان ذلك كببذلك فقببوله عليببه الصببلة والسببلم فيهمببا "إنهمببا يتراجعببان
بالسوية" مما يدل على أن الحق الواجب عليهما حكمه حكببم رجببل واحببد ،وأن قببوله
عليببه الصببلة والسببلم "إنهمببا يتراجعببان بالسببوية" يببدل علببى أن الخليطيببن ليسببا
بشريكين ،لن الشريكين ليس يتصور بينهما تراجع إذ المأخوذ هو من مال الشركة،
فمن اقتصر على هذا المفهوم ولم يقببس عليببه النصبباب قببال :الخليطببان إنمببا يزكيببان
زكاة الرجل الواحد إذا كان لكل واحد منهما نصاب ،ومن جعل حكببم النصبباب تابعببا
لحكم الحق الببواجب قببال :نصببابهما نصبباب الرجببل الواحببد ،كمببا أن زكاتهمببا زكبباة
الرجل الواحد ،وكل واحد من هؤلء أنزل قوله عليه الصلة والسلم "ل يجمببع بيببن
مفترق ول يفرق بين مجتمع" على ما ذهب إليه.
فأما مالك رحمه ال تعالى فإنه قال :معنى قوله "ل يفرق بين مجتمببع" أن الخليطيببن
يكون لكل واحد منهما مائة شاة وشاة ،فتكون عليهما فيهمببا ثلثببة شببياه ،فببإذا افترقببا
كان على واحد منهما شاة ،ومعنى قوله "ل يجمع بين مفترق" أن يكون النفر الثلث
لكل واحد منهم أربعون شاة ،فإذا جمعوها كان عليهم شاة واحدة ،فعلى مذهبه النهببي
إنما هو متجه نحو الخلطاء الذين لكل واحد منهم نصاب .وأمببا الشببافعي فقببال معنببى
قوله "ول يفرق بين مجتمع" أن يكون رجلن لهما أربعون شاة ،فإذا فرقا غنمهما لم
يجب عليهما فيها زكاة ،إذ كان نصاب الخلطاء عنده نصاب ملببك واحببد فببي الحكببم.
وأما القائلون بالخلطة فإنهم اختلفوا فيما هي الخلطة المببؤثرة بالزكبباة .فأمببا الشببافعي
فقال :إن من شرط الخلطة أن تختلط ماشيتهما وتراحا لواحد وتحلبا لواحببد وتسببرحا
لواحد وتسقيا معا ،وتكون فحولهما مختلطة ول فرق عنده بالجملببة والشببركة ولببذلك
يعتبر كمال النصاب لكل واحد من الشريكين كما تقدم .وأما مالك فالخليطان عنده ما
اشتركا في الدلو والحوض والمراح والراعي والفحل ،واختلف أصحابه فببي مراعبباة
بعض هذه الوصاف أو جميعها .وسبب اختلفهم اشتراك اسم الخلطة ،ولذلك لم يببر
قوم تأثير الخلطة في الزكاة ،وهو مذهب أبي محمد بن حزم الندلسي.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
صنف واحد وإن اختلفت أسماؤها ،فكل واحد منهما يروم أن يقرر قاعببدته باسببتقراء
الشرع ،أعني أن أحدهما يحتج لمبذهبه بالشبياء البتي اعتببر فيهبا الشبرع السبماء،
والخر بالشياء الببتي اعتبببر الشببرع فيهببا المنببافع ،ويشبببه أن يكببون شببهادة الشببرع
للسماء في الزكاة أكثر مبن شبهادته للمنبافع وإن كبان كل العتببارين موجبودا فبي
الشرع ،وال أعلم.
@)-وأما المسألة الثانية( وهي تقدير النصاب بالخرص واعتباره به دون الكيل فببإن
جمهببور العلمبباء علببى إجببازة الخببرص فببي النخيببل والعنبباب حيببن يبببدو صببلحها
لضرورة أن يخلى بينها وبيبن أهلهببا يأكلونهببا رطبببا ،وقببال داود :ل خبرص إل فبي
النخيل فقط .وقال أبو حنيفة وصبباحباه :الخببرص باطببل وعلببى رب المببال أن يببؤدي
عشر ما تحصل بيبده زاد علبى الخببرص أو نقبص منبه .والسبببب فبي اختلفهببم فبي
جواز الخرص معارضة الصول للثر الوارد في ذلببك .أمببا الثببر الببوارد فببي ذلببك
وهو الذي تمسك به الجمهور فهو ما روي "أن رسول ال صلى ال عليه وسببلم كببان
يرسل عبد ال بن رواحببة إلبى خيببر فيخبرص عليهببم النخبل" .وأمببا الصببول البتي
تعارضه فلنه من باب المزابنببة المنهببي عنهببا ،وهببو بيببع الثمببر فببي رءوس النخببل
بالثمر كيل ،ولنه أيضا من باب بيع الرطب بالتمر نسيئة فيدخله المنع من التفاضببل
ومن النسيئة وكلهما من أصول الربا ،فلما رأى الكوفيون هذا مع أن الخرص الذي
كان يخرص على أهل خيبر لم يكن للزكاة إذ كانوا ليسوا بأهببل زكبباة قببالوا :يحتمببل
أن يكون تخمينا ليعلم ما بأيدي كل قوم مببن الثمببار .قبال القاضببي :أمببا بحسببب خبببر
مالك ،فالظاهر أنه كان في القسمة لما روي أن عبد ال بن رواحة كان إذا فببرغ مببن
الخرص قال :إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي ،أعني في قسمة الثمار ل في قسمة الحب.
وأمببا بحسببب حببديث عائشببة الببذي رواه أبببو داود فإنمببا الخببرص لموضببع النصببيب
الواجب عليهم في ذلك ،والحديث هو أنها قالت وهبي تبذكر شبأن خيببر "كبان النببي
صلى ال عليه وسلم يبعث عبد ال بن رواحة إلى يهود خيبر فيخرص عليهببم النخببل
حين يطيب قبل أن يؤكبل منبه" وخبرص الثمببار لبم يخرجبه الشبيخان ،وكيفمبا كبان
فالخرص مستثنى من تلك الصول ،هذا إن ثبت أنه كان منه عليببه الصببلة والسببلم
حكما منه على المسلمين ،فإن الحكم لو ثبببت علببى أهببل الذمببة ليببس يجببب أن يكببون
حكما على المسلمين إل بدليل وال أعلم .ولو صح حديث عتاب بن أسيد لكان جببواز
الخرص بينا وال أعلم ،وحديث عتاب بن أسيد هو أنه قال "أمرني رسول ال صببلى
ال عليه وسلم أن أخرص العنب وآخببذ زكبباته زبيبببا كمببا تؤخببذ زكبباة النخببل تمببرا"
وحديث عتاب بن أسيد طعن فيه ،لن راويه عنه هو سعيد بن المسيب وهو لم يسمع
منه ،ولذلك لم يجز داود خرص العنب .واختلف من أوجب الزكبباة فببي الزيتببون فببي
جواز خرصه .والسبب في اختلفهم اختلفهم في قياسه في ذلك على النخل والعنب؛
والمخرج عند الجميع من النخل في الزكاة هو التمر ل الرطب ،وكبذلك الزبيبب مبن
العنب ل العنب نفسه ،وكذلك عند القائلين بوجوب الزكاة في الزيتببون هببو الزيببت ل
الحب قياسا على التمر والزبيب .وقببال مالببك فببي العنببب الببذي ل يببتزبب والزيتببون
الذي ل ينعصر أرى أن يؤخذ منه حبا.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
@)-وأما المسألة الثالثة( فإن مالكا وأبو حنيفة قال :يحسب على الرجل ما أكببل مببن
ثمره وزرعببه قببل الحصباد فبي النصباب ،وقببال الشببافعي :ل يحسبب عليبه ويببترك
الخارص لرب المال ما يأكل هو وأهله .والسبب في اختلفهم ما يعارض الثار فببي
ذلك من الكتاب والقياس .أما السنة في ذلك فما رواه سهل بببن أبببي حثمببة "أن النبببي
صلى ال عليه وسلم بعث أبا حثمة خارصا ،فجاء رجل فقببال :يببا رسببول الب إن أبببا
حثمة قد زاد علي ،فقال رسول ال صلى ال عليببه وسببلم :إن ابببن عمببك يزعببم أنببك
زدت عليه ،فقال :يا رسول ال لقد تركت له قدر عريببة أهلببه ومببا يطعمببه المسبباكين
وما تسقطه الريح ،فقال :قد زادك ابن عمك وأنصببفك" وروي أن رسببول الب صببلى
ال عليه وسلم قال "إذا خرصتم فببدعوا الثلببث ،فببإن لببم تببدعوا الثلببث فببدعوا الربببع"
وروي عن جابر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال "خففوا في الخرص فإن في
المال العرية والكلة والوصية والعامل والنوائب وما وجب في الثمر من الحق" وأما
الكتاب المعارض لهذه الثار والقياس فقوله تعالى }كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه
يوم حصاده{ .وأما القياس فلنه مال فوجبت فيه الزكاة أصله سببائر المببوال .فهببذه
هي المسائل المشهورة التي تتعلق بقدر البواجب فبي الزكباة والبواجب منبه فبي هبذه
الجناس الثلثة التي الزكاة مخرجببة مببن أعيانهببا ،لببم يختلفببوا أنهببا إذا خرجببت مببن
العيان أنفسها أنها مجزئة ،واختلفوا هل يجوز فيها أن يخرج بدل العين القيمة أو ل
يجوز؟ فقال مالك والشافعي :ل يجببوز إخببراج القيببم فببي الزكببوات بببدل المنصببوص
عليه في الزكوات ،وقال أبو حنيفة :يجوز سببواء قبدر علببى المنصبوص عليبه أو لبم
يقدر .وسبب اختلفهببم هببل الزكبباة عبببادة أو حببق واجببب للمسبباكين ،فمببن قببال إنهببا
عبادة :قال إن أخرج من غير تلك العيان لم يجببز لنببه إذا أتببى بالعبببادة علببى غيببر
الجهة المأمور بها فهي فاسببدة ،ومببن قببال هببي حببق للمسبباكين فل فببرق بيببن القيمببة
والعين عنببده ،وقببد قبالت الشببافعية :لنببا أن نقببول وإن سببلمنا أنهببا حبق للمسبباكين أن
الشارع إنما علق الحق بالعين قصببدا منببه لتشببريك الفقببراء مببع الغنيبباء فببي أعيببان
الموال :والحنفيبة تقبول :إنمبا خصبت بالبذكر أعيبان المبوال تسبهيل علبى أربباب
الموال ،لن كل ذي مال إنما يسهل عليه الخراج من نببوع المببال الببذي بيببن يببديه،
ولذلك جاء في بعض الثر أنه جعل في الدية على أهل الحلببل حلل علببى مببا سببيأتي
في كتاب الحدود.
**4الفصل السادس في نصاب العروض.
@-والنصاب في العروض على مذهب القائلين بذلك إنما هو فيمببا اتخببذ منهببا للبببيع
خاصة على ما يقدر قبل ،والنصاب فيها على مذهبهم هو النصاب في العين إذ كانت
هذه هبي قيبم المتلفبات ورءوس المبوال ،وكببذلك الحبول فبي العبروض عنببد الببذين
أوجبوا الزكاة في العروض ،فببإن مالكببا قببال ،إذا ببباع العببروض زكبباة لسببنة واحببدة
كالحال في الدين ،وذلك عنده في التاجر الذي تضبط له أوقات شراء عروضه .وأمببا
الذين ل ينضبط لهم وقت ما يبيعونه ول يشترونه وهم الذين يخصون باسببم المببدير،
فحكم هؤلء عند مالك إذا حال عليهم الحول من يوم ابتداء تجارتهم إلى أن يقببوم مببا
بيده من العروض ،ثم يضم إلى ذلك ما بيده من العين وماله من الببدين الببذي يرتجببى
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
قبضه إن لم يكن عليه دين مثله :وذلك بخلف قوله في دين غير المدير ،فإذا بلغ مببا
اجتمع عنده من ذلك نصابا أدى زكاته ،وسواء نض له في عامه شيء مببن العيببن أو
لم ينض بلغ نصابا أو لم يبلغ نصابا ،وهذه رواية ابن الماجشببون عببن مالببك .وروى
ابن القاسم عنه :إذا لم يكن له ناض وكان يتجر بالعروض لم يكن عليه في العروض
شيء .فمنهم من لم يشترط وجود الناض عنده ،ومنهببم مببن شببرطه .والببذي شببرطه،
منهم من اعتبر فيه النصاب ،ومنهم من لم يعتبر ذلك .وقال المازني :زكاة العروض
تكببون مببن أعيانهببا ل مببن أثمانهببا .وقببال الجمهببور ،الشببافعي وأبببو حنيفببة وأحمببد
والثوري والوزاعي وغيرهم :المدير وغير المدير حكمببه واحببد ،وأنببه مببن اشببترى
عرضا للتجارة فحال عليه الحول قومه وزكاه .وقال قوم :بل يزكي ثمنه الذي ابتاعه
به ل قيمته ،وإنما لم يوجب الجمهور على المدير شيئا لن الحببول إنمببا يشببترط فببي
عين المال ل في نوعه .وأما مالك فشبه النوع ههنببا بببالعين لئل تسببقط الزكبباة رأسببا
على المدير ،وهذا هو بأن يكون شرعا زائدا أشبه منه بأن يكون شرعا مستنبطا مببن
شرع ثابت ،ومثل هذا هو الذي يعرفونه بالقياس المرسل ،وهببو الببذي ل يسببتند إلببى
أصل منصوص عليه في الشببرع إل مببا يعقببل مببن المصببلحة الشببرعية فيببه ،ومالببك
رحمه ال يعتبر المصالح وإن لم يستند إلى أصول منصوص عليها.
*)*3الجملة الرابعة في وقت الزكاة( وأما وقت الزكاة فإن جمهور الفقهاء يشترطون
في وجوب الزكبباة فبي البذهب والفضببة والماشبية الحببول ،لثبببوت ذلبك عببن الخلفبباء
الربعة ،ولنتشاره في الصحابة رضي ال عنهم ،ولنتشار العمببل بببه ،ولعتقببادهم
أن مثل هذا النتشار من غير خلف ل يجببوز أن يكببون إل عببن توقيببف .وقببد روي
مرفوعا من حديث ابن عمر عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال "ل زكاة في مال
حتى يحول عليه الحببول" وهببذا مجمببع عليببه عنببد فقهبباء المصببار ،وليببس فيببه فببي
الصدر الول خلف إل ما روي عن ابن عباس ومعاويببة .وسبببب الختلف أنببه لببم
يرد في ذلك حديث ثابت .واختلفوا من هذا الباب في مسائل ثمانية مشهورة :إحداها:
هل يشترط الحول في المعدن إذا قلنا إن الواجب فيه ربع العشر؟ .الثانية :في اعتبار
حولي ربح المال .الثالثة :حول الفوائد الواردة على مال تجببب فيببه الزكبباة .الرابعببة:
في اعتبار حول الدين إذا قلنا إن فيه الزكاة .الخامسة :في اعتبار حول العببروض إذا
قلنا إن فيها الزكاة .السادسة :في حول فائدة الماشية .السابعة :في حول نسل الغنم إذا
قلنا إنها تضم إلى المهات ،إما على رأي من يشترط أن تكون المهات نصابا وهببو
الشبافعي وأببو حنيفبة ،وإمبا علبى مبذهب مبن ل يشبترط ذلبك ،وهبو مبذهب مالبك.
والثامنة :في جواز إخراج الزكاة قبل الحول.
@)-أما المسألة الولى( وهي المعدن ،فإن الشافعي راعى فيه الحببول مببع النصبباب
وأما مالك فراعى فيببه النصبباب دون الحببول .وسبببب اختلفهببم تببردد شبببهة بيببن مببا
تخرجه الرض مما تجب فيه الزكاة وبين التببر والفضببة المقتنييببن ،فمبن شبببهه بمبا
تخرجه الرض لم يعتبر الحببول فيببه ،ومببن شبببهه بببالتبر والفضببة المقتنييببن أوجببب
الحول ،وتشبيهه بالتبر والفضة أبين وال أعلم.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
@)-المسألة الثانية( وأما اعتبار حول ربح المال فإنهم اختلفوا فيه على ثلثة أقوال:
فرأى الشافعي أن حوله يعتبر من يوم استفيد سواء كببان الصببل نصببابا أو لببم يكببن،
وهو مروي عن عمر بن عبد العزيز أنه كتببب أن ل يعببرض لرببباح التجببارة حببتى
يحول عليها الحول .وقال مالك :حول الربح هو حول الصل :أي إذا كمل للصببول
حول زكى الربح معه ،سواء كان الصل نصابا أو أقل مببن نصبباب إذا بلببغ الصببل
مع ربحه نصابا ،قال أبو عبيد :ولم يتابعه عليه أحد من الفقهبباء إل أصببحابه .وفببرق
قوم بين أن يكون رأس المال الحائل عليه الحول نصبابا أو ل يكبون فقبالوا :إن كبان
نصابا زكى الربح مع رأس ماله ،وإن لم يك نصابا لم يببزك وممببن قببال بهببذا القببول
الوزاعي وأبو ثور وأبو حنيفة .وسبب اختلفهببم تببردد الربببح بيببن أن يكببون حكمببه
حكم المال المستفاد أو حكم الصل ،فمن شبهه بالمال المستفاد ابتداء قال :يستقبل بببه
الحول ،ومن شبهه بالصل وهو رأس المال قال :حكمه حكم رأس المال ،إل أن من
شروط هذا التشبيه أن يكون رأس المال قد وجبت فيه الزكاة ،وذلببك ل يكببون إل إذا
كان نصابا ،ولذلك يضعف قياس الربببح علببى الصببل فببي مببذهب مالببك ،ويشبببه أن
يكون الذي اعتمده مالك رضي ال عنه في ذلك هو تشبببيه ربببح المببال بنسببل الغنببم،
لكن نسل الغنم مختلف أيضا فيه ،وقد روي عن مالك مثل قول الجمهور.
@)-وأما المسألة الثالثة( وهي حول الفوائد ،فببإنهم أجمعببوا علببى أن المببال إذا كببان
أقل من نصاب واستفيد إليه مال من غيببر ربحببه يكمببل مببن مجموعهمببا نصبباب أنببه
يستقل به الحول من يوم كمل .واختلفوا إذا استفاد مال وعنببده نصبباب مببال آخببر قببد
حال عليه الحول ،فقال مالك :يزكببى المسببتفاد إن كببان نصببابا لحببوله ول يضببم إلببى
المال الذي وجبت فيه الزكاة ،وبهذا القول في الفوائد قال الشافعي ،وقببال أبببو حنيفببة
وأصحابه والثوري :الفوائد كلها تزكى بحول الصل إذا كان الصل نصابا ،وكببذلك
الربح عندهم .وسبب اختلفهم هل حكمه حكم المال الوارد عليه أم حكمببه حكببم مببال
لم يرد على مال آخر؟ فمن قال حكمه حكم مال لم يرد على مال آخر :أعني مال فيه
زكاة .قال :ل زكاة في الفائدة ،ومن جعل حكمه حكببم الببوارد عليببه وأنببه مببال واحببد
قال :إذا كان في الوارد عليه الزكاة بكونه نصببابا اعتبببر حببوله بحببول المببال الببوارد
عليه ،وعموم قوله عليه الصلة والسلم "ل زكاة في مال حتى يحول عليببه الحببول"
يقتضي أن ل يضاف مال إلى مال إل بدليل وكببأن أبببا حنيفببة اعتمببد فببي هببذا قيبباس
الناض على الماشية ،ومن أصله الذي يعتمده في هذا الباب أنه ليس من شرط الحول
أن يوجد المال نصابا في جميع أجزائه بل أن يوجد نصبابا فبي طرفيبه فقبط وبعضبا
منه في كله؛ فعنده أنه إذا كان مال في أول الحول نصابا ثم هلك بعضببه فصببار أقببل
من نصاب ثم استفاد مال في آخر الحول صار به نصابا أنه تجب فيه الزكبباة ،وهببذا
عنده موجود في هذا المال لنه لم يستكمل الحول ،وهو في جميع أجزائه مببال واحببد
بعينه ،بل زاد ولكن ألفى في طرفي الحول نصابا ،والظاهر أن الحول الببذي اشببترط
في المال إنما هو في مال معين ل يزيد ول ينقص ل بربح ول بفائدة ول بغير ذلببك،
إذ كان المقصود بالحول هو كون المال فضلة مستغنى عنه وذلببك أن مببا بقببي حببول
عند المالك لم يتغير عنده فليس به حاجة إليه فجعل فيه الزكبباة فببإن الزكبباة إنمببا هببي
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
في فضول الموال .وأمبا مببن رأى أن اشبتراط الحببول فببي المببال إنمببا سببببه النمبباء
فواجب عليه أن يقببول :تضببم الفببوائد فضببل عببن الرببباح إلببى الصببول وأن يعتبببر
النصاب في طرفي الحول فتأمل هذا فإنه بين والب أعلببم .ولببذلك رأى مالببك أن مببن
كان عنده في أول الحول ماشية تجب فيها الزكاة ثم باعهببا وأبببدلها فببي آخببر الحببول
بماشية من نوعها أنهببا تجببب فيهببا الزكبباة ،فكببأنه اعتبببر أيضببا طرفببي الحببول علببى
مذهب أبي حنيفة ،وأخذ أيضا ما اعتمد أبو حنيفة في فائدة الناض القياس على فببائدة
الماشية على ما قلناه.
@)-وأما المسألة الرابعة( وهي اعتبار حول الدين إذا قلنا إن فيببه الزكبباة فببإن قومببا
قالوا :يعتبر ذلك فيه من أول ما كان دينا يزكيه لعدة ذلك إن كبان حبول فحبول ،وإن
كان أحوال فأحوال ،أعنببي أنببه إن كببان حببول تجببب فيببه زكبباة واحببدة ،وإن أحببوال
وجبت فيه الزكاة لعدة تلك الحوال .وقوم قالوا :يزكيببه لعببام واحببد ،وإن أقببام الببدين
أحوال عند الذي عنده الدين .وقوم قالوا :يسببتقبل بببه الحببول .وأمببا مببن قببال يسببتقبل
بالدين الحول من يوم قبض فلم يقل بإيجاب الزكاة في البدين .ومبن قبال فيبه :الزكباة
بعدد الحوال التي أقام فمصببيرا إلببى تشبببيه الببدين بالمببال الحاضببر .وأمببا مببن قببال:
الزكاة فيه لحول واحد وإن أقام أحوال ،فل أعرف له مستندا في وقببتي هببذا ،لنببه ل
يخلو ما دام دينا أن يقول إن فيه زكاة أو ل يقول ذلك ،فإن لم يكن فيه زكاة فل كلم
بل يستأنف به ،وإن كان فيه زكاة فل يخلو أن يشترط فيها الحول أو ل يشترط ذلك،
فإن اشترطنا وجب أن يعتبر عدد الحوال إل أن يقول كلما انقضى حول فلببم يتمكببن
من أدائه سقط عنه ذلك الحق اللزم في ذلك الحببول ،فببإن الزكبباة وجبببت بشببرطين:
حضور عين المال ،وحلول الحول ،فلم يبق إل حق العام الخير ،وهذا يشبببهه مالببك
بالعروض التي للتجارة ،فإنها ل تجب عنده فيها زكاة إل إذا باعها وإن أقامت عنببده
أحوال كثيرة ،وفيه ما شبه بالماشية التي ل يأتي الساعي أعواما إليها ثم يأتي فيجدها
قد انقضت فإنه يزكي على مذهب مالك الذي وجد فقط لنه لما أن حال عليها الحول
فيما تقببدم ولبم يتمكبن مببن إخببراج الزكباة إذ كبان مجيببء السباعي شبرطا عنبده فبي
إخراجها مع حلببول الحببول سببقط عنببه حببق ذلببك الحببول الحاضببر وحوسببب بببه فببي
العوام السالفة كان الواجب فيها أقل أو أكثر إذا كانت ممببا تجببب فيببه الزكبباة ،وهببو
شيء يجري على غير قيبباس ،وإنمببا اعتبببر مالببك فيببه العمببل .وأمببا الشببافعي فيببراه
ضامنا لنه ليس مجيء الساعي شرطا عنده في الوجوب ،وعلببى هببذا كببل مببن رأى
أنه ل يجوز أن يخرج زكاة ماله إل بأن يدفعها إلى المام فعدم المام ،أو عدم المام
العادل إن كان ممن شرط العدالة في ذلببك أنببه إذا هلكببت بعببد انقضبباء الحببول وقبببل
التمكن من دفعها إلى المام فل شيء عليببه .ومالببك تنقسببم عنببده زكبباة الببديون لهببذه
الحوال الثلثة ،أعنببي أن مببن الببديون عنببده مببا يزكببى لعببام واحببد فقببط مثببل ديببون
التجارة ،ومنها مببا يسببتقبل بهببا الحببول مثببل ديببون المببواريث .والثببالث ديببن المببدبر
وتحصيل قوله في الديون ليس بغرضنا.
@)-المسألة الخامسة( وهي حول العروض ،وقببد تقببدم القببول فيهببا عنببد القببول فببي
نصاب العروض.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
@)-وأما المسألة السادسة( وهي فوائد الماشية ،فإن مذهب مالك فيها بخلف مذهبه
في فوائد الناض ،وذلك أنه يبني الفائدة على الصل إذا كان الصل نصابا كما يفعببل
أبو حنيفة في فائدة الدارهم وفي فائدة الماشببية ،فببأبو حنيفببة مببذهبه فببي الفببوائد حكببم
واحد ،أعني أنها تبنى على الصل إذا كانت نصابا كانت فائدة غنببم أو فببائدة نبباض،
والرباح عنده والنسببل كببالفوائد .وأمببا مالببك فالربببح والنسببل عنببده حكمهمببا واحببد،
ويفببرق بيبن فبوائد النبباض وفبوائد الماشببية .وأمبا الشبافعي فالرببباح والفببوائد عنببده
حكمهما واحد باعتبار حولهما بأنفسهما ،وفوائد الماشية ونسلها واحد باعتبار حولهما
بالصل إذا كان نصابا ،فهذا هو تحصيل مذاهب هؤلء الفقهبباء الثلثببة ،وكببأنه إنمببا
فرق مالك بين الماشية والنبباض اتباعببا لعمببر ،وإل فالقيبباس فيهمببا واحببد ،أعنببي أن
الربح شبيه بالنسل والفائدة بالفبائدة ،وحبديث عمبر هبذا هبو أنبه أمبر أن يعبد عليهبم
بالسخال ول يأخذ منها شيئا ،وقد تقدم الحديث في باب النصاب.
@)-المسألة السابعة( وهي اعتبار حول نسل الغنم ،فإن مالكا قال :حول النسببل هببو
حول المهات كببانت المهببات نصببابا أو لببم تكببن كمببا قببال فببي ربببح النبباض .وقببال
الشافعي وأبو حنيفة وأبببو ثببور :ل يكببون حببول النسببل حببول المهببات إل أن تكببون
المهات نصابا .وسبب اختلفهم هو بعينه سبب اختلفهم في ربح المال.
@)-وأما المسألة الثامنة( وهي جواز إخراج الزكاة قبل الحول ،فإن مالكا منببع ذلببك
وجوزه أبو حنيفة والشافعي .وسبب الخلف هل هي عبادة أو حق واجب للمسبباكين،
فمن قال عبادة وشبهها بالصلة لم يجز إخراجهببا قبببل الببوقت ومببن شبببهها بببالحقوق
الواجبة المؤجلة أجاز إخراجها قببل الجببل علببى جهبة التطببوع وقببد احتبج الشببافعي
لرأيه بحببديث علببي "أن النبببي عليببه الصببلة والسببلم استسببلف صببدقة العببباس قبببل
محلها".
*)*3الجملة الخامسة فيمن تجب له الصدقة(
**4الفصل الول في عدد الصناف الذين تجب لهم الزكاة:
@-فأما عددهم فهم الثمانية الذين نص الب عليهببم فببي قببوله تعببالى }إنمببا الصببدقات
للفقراء والمساكين{ الية .واختلفوا مببن العببدد فببي مسببألتين :إحببداهما هببل يجببوز أن
تصرف جميع الصببدقة إلببى صببنف واحببد مببن هببؤلء الصببناف أم هببم شببركاء فببي
الصدقة ل يجوز أن يخص منهم صنف دون صنف؟ فذهب مالك وأبو حنيفة إلى أنه
يجوز للمام أن يصرفها في صببنف واحببد أو أكببثر مببن صببنف واحببد إذا رأى ذلببك
بحسب الحاجة .وقال الشافعي :ل يجوز ذلك ببل يقسبم علبى الصبناف الثمانيبة كمبا
سمى ال تعالى ،وسبب اختلفهم معارضة اللفظ للمعنى ،فببإن اللفببظ يقتضببي القسببمة
بين جميعهم ،والمعنى يقتضببي أن يببؤثر بهببا أهببل الحاجببة إذ كببان المقصببود بببه سببد
الخلببة ،فكببان تعديببدهم فببي اليببة عنببد هببؤلء إنمببا ورد لتمييببز الجنببس أعنببي أهببل
الصدقات ل تشريكهم في الصدقة ،فالول أظهببر مببن جهببة اللفببظ ،وهببذا أظهببر مببن
صببدائي أن رجل سببأل جهة المعنى .ومن الحجببة للشببافعي مببا رواه أبببو داود عببن ال ّ
النبي صلى ال عليه وسلم أن يعطيه من الصدقة ،فقال له رسول ال صلى الب عليببه
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وسلم" :إن ال لم يرض بحكم نبي ول غيره فببي الصببدقات حببتى حكببم فيهببا فجزأهببا
ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الجزاء أعطيتك حقك".
وأما )المسألة الثانية( :فهل المؤلفة قلوبهم حقهم باق إلببى اليبوم أم ل؟ فقبال مالبك :ل
مؤلفة اليوم .وقال الشافعي وأبو حنيفة :بل حق المؤلفة باق إلى اليوم إذا رأى المببام
ذلك ،وهم الذين يتألفهم المام على السلم :وسبب اختلفهم هل ذلببك خبباص بببالنبي
صلى ال عليه وسلم ،أو عام له ولسائر المة؟ والظهر أنه عببام ،وهببل يجببوز ذلببك
للمام في كل أحواله أو في حببال دون حببال؟ أعنببي فببي حببال الضببعف ل فببي حببال
القوة ،ولذلك قال مالك :ل حاجة إلى المؤلفة الن لقوة السلم ،وهذا كما قلنا التفببات
منه إلى المصالح.
**4الفصل الثاني في الصفة التي تقتضي صرفها إليهم:
@-وأما صفاتهم التي يستوجبون بها الصدقة ويمنعون منها بأضدادها :فأحدها الفقر
الذي هو ضد الغنى لقوله تعالى} :إنما الصببدقات للفقببراء والمسبباكين{ واختلفببوا فببي
الغني الذي تجوز له الصدقة من الذي ل تجوز ،وما مقببدار الغنببى المحببرم للصببدقة.
فأما الغني الذي ل تجوز له الصدقة فإن الجمهور على أنه ل تجوز الصدقة للغنياء
بأجمعهم إل للخمس الذين نص عليهم النبي عليه الصلة والسلم فببي قببوله "ل تحببل
الصدقة لغني إل لخمسة :لغاز في سبيل ال ،أو لعامل عليها ،أو لغارم ،أو لرجل لببه
جار مسكين فتصدق على المسكين فأهدى المسكين للغنى" وروي عن ابن القاسم أنه
ل يجوز أخذ الصدقة لغني أصل مجاهدا كان أو عامل ،والذين أجازوها للعامل وإن
كان غنيا أجازوها للقضاة ومن في معناهم ممن المنفعة بهم عامة للمسلمين ،ومن لببم
يجز ذلك فقياس ذلك عنده هو أن ل تجوز لغني أصل .وسبب اختلفهم هو هل العلة
في إيجاب الصدقة للصناف المذكورين هو الحاجة فقط أو الحاجة والمنفعة العامببة؟
فمن اعتبر ذلك بأهل الحاجة المنصوص عليهم في الية قال :الحاجة فقط ،ومن قببال
الحاجة والمنفعة العامة توجب أخببذ الصببدقة اعتبببر المنفعببة للعامببل والحاجببة بسببائر
الصناف المنصوص عليهم .وأما حد الغنى الذي يمنع من الصببدقة فببذهب الشببافعي
إلى أن المانع من الصدقة هو أقل ما ينطلق عليببه السببم .وذهببب أبببو حنيفببة إلببى أن
الغني هو مالك النصاب لنهم الذين سماهم النبي عليه الصلة والسلم أغنيبباء لقببوله
في حديث معاذ له فأخبرهم أن ال فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد علببى
فقرائهم وإذا كان الغنياء هم الذين هم أهل النصاب وجب أن يكون الفقراء ضببدهم.
وقال مالك :ليس في ذلك حد إنما هو راجع إلى الجتهاد .وسبب اختلفهم هل الغنببى
المانع هو معنى شرعي أم معنى لغوي؟ فمن قال معنى شرعي قال :وجود النصبباب
هو الغنى ،ومن قال معنى لغوي اعتبر في ذلك أقل ما ينطلق عليه السم ،فمببن رأى
أن أقل ما ينطلق عليه السم هو محدود في كل وقت وفي كل شخص جعل حده هذا،
ومن رأى أنه غير محدود وأن ذلك يختلف باختلف الحالت والحاجات والشخاص
والمكنة والزمنة وغير ذلك قال :هو غير محدود ،وأن ذلببك راجببع إلببى الجتهبباد.
وقد روى أبو داود في هذا حديث الغنى الذي يمنع الصدقة عن النبي صلى ال عليببه
وسلم أنه ملك خمسين درهما ،وفي أثر آخر أنببه ملببك أوقيببة وهببي أربعببون درهمببا،
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وأحسب أن قوما قالوا بهذه الثار في حد الغنى .واختلفبوا مببن هبذا البباب فبي صبفة
الفقير والمسكين والفصل الذي بينهما ،فقال قببوم :الفقيببر أحسببن حبال مببن المسببكين،
وبه قال البغبداديون مبن أصببحاب مالببك ،وقببال آخبرون :المسبكين أحسببن حبال مبن
الفقير ،وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي في أحد قوليه وفي قببوله الثبباني أنهمببا
إسمان دالن على معنى واحد ،وإلى هذا ذهب ابن القاسم ،وهذا النظر هو لغببوي إن
لم تكن له دللة شرعية .والشبه عند استقراء اللغة أن يكونا اسمين دالين على معنى
واحد يختلف بالقل والكثر في كل واحد منهما ل أن هببذا راتببب مببن أحببدهما علببى
قدر غير القدر الذي الخر راتب عليه ،واختلفوا في قوله تعالى }وفي الرقاب{ فقببال
مالك :هم العبيد يعتقهم المام ويكون ولؤهم للمسلمين وقال الشافعي وأبو حنيفة :هم
المكاتبون وابن السبيل هو عنببدهم المسببافر فببي طاعببة ينفببذ زاده فل يجببد مببا ينفقببه.
وبعضهم يشترط فيه أن يكون ابببن السبببيل جببار الصببدقة .وأمببا فببي سبببيل الب فقببال
مالك :سبيل ال مواضع الجهاد والرباط وبببه قببال أبببو حنيفببة .وقببال غيببره :الحجبباج
والعمار .وقال الشافعي :هو الغازي جار الصببدقة ،وإنمببا اشببترط جببار الصببدقة لن
عند أكثرهم أنه ل يجوز تنقيل الصدقة من بلد إلى بلد إل من ضرورة.
**4الفصل الثالث كم يجب لهم؟
@-وأما قدر ما يعطى من ذلك ،أما الغارم فبقدر مببا عليببه إذا كببان دينببه فببي طاعببة
وفي غير سرف بل في أمر ضروري ،وكذلك ابن السبيل يعطى ما يحمله إلى بلببده،
ويشبه أن يكون ما يحمله إلى مغزاه عند من جعل ابن السبيل الغازي .واختلفببوا فببي
مقدار ما يعطى المسكين الواحد من الصدقة ،فلم يحد مالك في ذلك حدا وصرفه إلى
الجتهاد ،وبه قال الشافعي قال :وسواء كان مببا يعطببى مببن ذلببك نصببابا أو أقببل مببن
نصاب .وكره أبو حنيفة أن يعطى أحد من المساكين مقدار نصاب من الصدقة .وقال
الثوري :ل يعطى أحد أكثر مببن خمسببين درهمببا .وقببال الليببث :يعطببى مببا يبتبباع بببه
خادما إذا كان ذا عيال وكانت الزكاة كثيرة ،وكان أكثرهم مجمعون على أنه ل يجب
أن يعطى عطية يصير بها من الغنبى فبي مرتببة مبن ل تجبوز لبه الصبدقة ،لن مبا
حصل له من ذلك المال فببوق القببدر الببذي هببو بببه مببن أهببل الصببدقة صببار فببي أول
مراتب الغنى فهو حرام عليه .وإنما اختلفوا في ذلك لختلفهم فببي هببذا القببدر ،فهببذه
المسألة كأنها تبنى على معرفة أول مراتب الغنى .وأما العامل عليها فل خلف عنببد
الفقهاء أنه إنما يأخذ بقدر عمله ،فهذا ما رأينا أن نثبته في هببذا الكتبباب ،وإن تببذكرنا
شيئا مما يشاكل غرضنا ألحقناه به إن شاء ال تعالى.
**2كتاب زكاة الفطر:
@-والكلم في هذا الكتاب يتعلق بفصبول :أحبدها فببي معرفببة حكمهببا ،والثبباني فبي
معرفة من تجب عليه ،والثالث كم تجب عليه ،ومن مباذا تجببب عليببه ،والرابببع مببتى
تجب عليه؟ ،والخامس من تجوز له؟ .
**3الفصل الول في معرفة حكمها:
@-فأما زكاة الفطر ،فإن الجمهور على أنها فببرض ،وذهببب بعببض المتببأخرين مببن
أصحاب مالك إلى أنها سنة ،وبه قال أهل العراق .وقال قوم :هي منسببوخة بالزكبباة.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وسبب اختلفهم تعارض الثار في ذلك ،وذلك بأنه ثبت من حديث عبد ال بن عمببر
أنه قال :فرض رسول ال صلى ال عليه وسلم زكاة الفطر على الناس مبن رمضبان
صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين.
وظاهر هذا يقتضي الوجوب علببى مببذهب مببن يقلببد الصبباحب فببي فهببم الوجببوب أو
الندب من أمره عليه الصلة والسلم إذا لم يحد لنا لفظه ،وثبت أن رسول ال صببلى
ال عليه وسلم قال في حديث العرابي المشهور وذكببر رسبول الب صبلى الب عليبه
وسلم الزكاة قال :هل علي غيرهببا؟ قببال :ل إل أن تطببوع .فببذهب الجمهببور إلببى أن
هببذه الزكبباة داخلببة تحببت الزكبباة المفروضببة ،وذهببب الغيببر إلببى أنهببا غيببر داخلببة،
واحتجوا في ذلك بما روي عن قيس بن سعد بن عبادة أنه قال :كان رسول ال صلى
ال عليه وسلم يأمرنا بها قبل نزول الزكاة ،فلما نزلت آية الزكاة لم نؤمر بها ولم ننه
عنها ونحن نفعله.
**3الفصل الثاني في من تجب عليه وعن من تجب؟
@-وأجمعببوا علببى أن المسببلمين مخبباطبون بهببا ذكرانببا كببانوا أو إناثببا ،صببغارا أو
كبارا ،عبيدا أو أحرارا لحديث عمر المتقدم إل ما شذ فيه الليث فقال ليس علبى أهبل
العمود زكاة الفطر ،وإنما هي على أهل القرى ول حجة له ،وما شذ أيضبا مبن قببول
من لم يوجبها على اليتيم .وأما عن من تجب؟ فإنهم اتفقوا على أنها تجب على المرء
في نفسه ،وأنها زكاة بدن ل زكاة مال ،وأنها تجب في ولده الصغار عليه إذا لم يكببن
لهم مال ،وكذلك في عبيده إذا لم يكن لهم مال واختلفوا فيما سوى ذلك.
وتلخيص مذهب مالك في ذلك :أنها تلببزم الرجببل عمببن ألزمببه الشببرع النفقببة عليببه،
ووافقه في ذلك الشافعي .وإنما يختلفان من قبل اختلفهم فيمبن تلبزم المبرء نفقتبه إذا
كان معسرا ومن ليس تلزمه ،وخالفه أبو حنيفة في الزوجة وقال تببؤدي عببن نفسببها،
وخالفهم أبو ثور في العبد إذا كان له مال ،فقال :إذا كان له مال زكى عن نفسببه ولببم
يزك عنه سيده ،وبه قال أهل الظاهر والجمهور علببى أنببه ل تجببب علببى المببرء فببي
أولده الصغار إذا كان لهم مال زكاة فطببر ،وبببه قببال الشببافعي وأبببو حنيفببة ومالببك،
وقال الحسن هي على الب وإن أعطاها من مال البن فهو ضامن ،وليس من شبرط
هذه الزكاة الغنى عند أكثرهم ول نصاب بل أن تكون فضل عن قوته وقببوت عيبباله.
وقال أبو حنيفة وأصحابه :ل تجب علببى مببن تجببوز لببه الصببدقة ،لنببه ل يجتمببع أن
تجوز له وأن تجب عليه ،وذلك بين وال أعلببم ،وإنمببا اتفببق الجمهببور علببى أن هببذه
الزكاة ليست بلزمة لمكلف ،مكلف في ذاته فقط كالحال في سائر العبادات ،بل ومن
قبل غيره ليجابها على الصغير والعبيد ،فمن فهم من هذا أن علة الحكم الولية قال:
الولي يلزمه إخراج الصدقة على كل من يليه ،ومن فهم من هببذه النفقببة قببال :المنفببق
يجب أن يخرج الزكاة عن كل من ينفق عليه بالشببرع .وإنمببا عببرض هببذا الختلف
لنه اتفق في الصغير والعبد ،وهما اللذان نبها على أن هذه الزكاة ليست معلقة بذات
المكلف فقط بل ومن قبل غيره إن وجدت الولية فيها ووجببوب النفقببة ،فببذهب مالببك
إلى أن العلة في ذلك وجوب النفقة ،وذهب أبو حنيفة إلى أن العلة فببي ذلببك الوليببة،
ولببذلك اختلفببوا فببي الزوجببة .وقببد روي مرفوعببا "أدوا زكبباة الفطببر عببن كببل مببن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
تمونون" ولكنه غير مشهور .واختلفوا من العبيد في مسائل :إحداها كما قلنبا وجبوب
زكاته على السيد إذا كان له مال ،وذلك مبني على أنه يملك أو ل يملك .والثانية فببي
العبد الكافر هل يؤدي عنه زكاته أم ل؟ فقال مالك والشافعي وأحمد :ليس على السيد
فببي العبببد الكببافر زكبباة .وقببال الكوفيببون :عليببه الزكبباة فيببه .والسبببب فببي اختلفهببم
اختلفهم في الزيادة الواردة في ذلك في حديث ابن عمر ،وهو قببوله مببن المسببلمين،
فإنه قد خولف فيها نافع بكون ابن عمببر أيضببا الببذي هببو راوي الحببديث مببن مببذهبه
إخراج الزكاة عن العبيد الكفار .وللخلف أيضا سبب آخر ،وهو كون الزكاة الواجبة
على السيد في العبد هل هي لمكان أن العبد يكلف أو أنه مببال؟ فمببن قببال لمكببان أنببه
مكلف اشترط السلم ،ومن قال لمكان أنه مال لم يشترطه ،قببالوا :ويببدل علببى ذلببك
إجماع العلماء على أن العبد إذا أعتق ولم يخرج عنه موله زكاة الفطر أنه ل يلزمببه
إخراجها عن نفسه بخلف الكفارات .والثالثة في المكاتب ،فإن مالكا وأبببا ثبور قبال:
يؤدي عنه سيده زكاة الفطر .وقال الشافعي وأببو حنيفببة وأحمببد :ل زكبباة عليببه فيبه.
والسبب في اختلفهم تردد المكاتب بيببن الحببر والعبببد .والرابعببة فببي عبيببد التجببارة،
ذهب مالك والشافعي وأحمد إلى أن على السيد فيهببم زكبباة الفطببر ،وقببال أبببو حنيفببة
وغيره :ليس في عبيد التجارة صدقة .وسبب الخلف معارضة القياس للعموم وذلببك
أن عموم اسم العبد يقتضبي وجبوب الزكباة فبي عبيبد التجبارة وغيرهبم ،وعنبد أببي
حنيفة أن هذا العموم مخصص بالقياس ،وذلك هببو اجتمبباع زكبباتين فببي مببال واحببد،
وكذلك اختلفوا في العبيد وفروع هذا الباب كثيرة.
**3الفصل الثالث مماذا تجب؟
@-وأما مماذا تجب؟ فإن قوما ذهبوا ظغلى أنها تجب إما من البببر أو مببن التمببر أو
من الشعير أو من القط ،وأن ذلك على التخيير للذي تجب عليه ،وقوم ذهبوا إلى أن
الواجب عليه هو غالب قوت البلد أو قوت المكلف إذا لم يقدر على قوت البلببد ،وهببو
الذي حكاه عبد الوهبباب عببن المببذهب .والسبببب فببي اختلفهببم اختلفهببم فببي مفهببوم
حديث أبي سعيد الخدري أنه قال "كنا نخرج زكاة الفطر في عهد رسببول ال ب صببلى
ال عليه وسلم صاعا من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من أقببط أو صبباعا مببن
تمر" فمن فهم من هذا الحديث التخيير قال أّيا أخرج من هببذا أجببزأ عنببه ،ومببن فهببم
منه أن اختلف المخرج ليس سببه الباحة وإنما سببه اعتبار قوت المخرج أو قببوت
غالب البلد قال بالقول الثاني .وأما كم يجب؟ فإن العلماء اتفقوا على أنه ل يؤدي فببي
زكاة الفطر من التمببر والشببعير أقببل مببن صبباع لثبببوت ذلببك فببي حبديث ابببن عمببر،
واختلفوا في قدر ما يؤدى من القمح ،فقال مالببك والشببافعي :ل يجببزئ منببه أقببل مببن
صاع ،وقال أبو حنيفة وأصحابه :يجزئ من البر نصف صاع .والسبب في اختلفهم
تعارض الثار ،وذلك أنه جاء في حديث أبببي سببعيد الخببدري أنببه قببال" :كنببا نخببرج
زكاة الفطر في عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم صاعا من طعببام أو صبباعا مببن
شعير أو صاعا من أقط أو صاعا من تمر أو صبباعا مببن زبيببب" وظبباهره أنببه أراد
بالطعام القمح .وروى الزهري أيضا عن أبي سعيد عن أبيه أن رسول ال صلى ال ب
عليه وسلم قال" :في صدقة الفطر صاعا من بر بيببن اثنيببن أو صبباعا مببن شببعير أو
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
تمر عن كل واحد" خرجه أبو داود .وروي عن ابن المسيب أنه قال" :كببانت صببدقة
الفطر على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم نصف صبباع مببن حنطببة أو صبباعا
من شعير أو صاعا من تمر" .فمن أخذ بهذه الحاديث قال :نصبف صبباع مبن الببر،
ومن أخذ بظاهر حديث أبي سعيد وقال البر في ذلك علببى الشببعير سبّوى بينهمببا فببي
الوجوب
**3الفصل الرابع متى تجب زكاة الفطر؟
@-وأمبا مببتى يجببب إخببراج زكبباة الفطبر؟ فبإنهم اتفقبوا علببى أنهبا تجبب فبي آخببر
رمضان لحديث ابن عمر "فرض رسول ال صلى ال عليببه وسببلم زكبباة الفطببر مببن
رمضان" واختلفوا في تحديد الوقت ،فقال مالببك فببي روايببة ابببن القاسببم عنببه :تجببب
بطلوع الفجر من يوم الفطر .وروى عنه أشهب أنها تجب بغروب الشمس مببن آخببر
يوم رمضان ،وبالول قال أبو حنيفة ،وبالثباني قبال الشبافعي .وسببب اختلفهبم هبل
هي عبادة متعلقة بيوم العيد :أو بخببروج شببهر رمضببان؟ لن ليلببة العيببد ليسببت مببن
شهر رمضان ،وفائدة هذا الختلف في المولود يولد قبل الفجر من يببوم العيببد وبعببد
مغيب الشمس هل تجب عليه أم ل تجب؟.
**3الفصل الخامس في معرفتها:
@-وأما لمن تصرف فأجمعوا على أنه تصرف لفقراء المسلمين لقوله عليه الصببلة
والسلم "أغنببوهم عببن السببؤال فببي هببذا اليببوم" واختلفببوا هببل تجببوز لفقببراء الذمببة،
والجمهور على أنها ل تجوز لهم ،وقال أبو حنيفة :تجوز لهم .وسبببب اختلفهببم هببل
سبب جوازها هو الفقر فقبط ،أو الفقبر والسبلم معبا؟ فمبن قبال الفقبر والسبلم لبم
يجزها للذميين ،ومن قال الفقر فقط أجازها لهم ،واشترط قببوم فببي أهببل الذمببة البذين
تجوز لهم أن يكونوا رهبانا ،وأجمع المسلمون على أن زكاة المببوال لتجببوز لهببل
الذمة لقوله عليه الصلة والسلم" :صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم".
بسم ال الرحمن الرحيم وصلى ال على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما
**2كتاب الصيام
@-وهببذا الكتبباب ينقسببم أول قسببمين :أحببدهما فببي الصببوم الببواجب ،والخببر فببي
المندوب إليه .والنظر في الصببوم الببواجب ينقسببم إلببى قسببمين :أحببدهما فببي الصببوم
والخر في الفطر .أما القسم الول وهو الصيام فإنه ينقسم أول إلى جملتين :إحداهما
معرفة أنواع الصيام الواجب ،والخببرى معرفببة أركببانه .وأمببا القسببم الببذي يتضببمن
النظر في الفطر فإنه ينقسم إلى معرفة المفطرات وإلى معرفة المفطرين وأحكامهم.
*]*3كتاب الصيام الول[
*)*3الجملة الولى( وهي معرفة أنواع الصيام
@-فلنبدأ بالقسم الول من هذا الكتاب ،وبالجملببة الولببى منببه ،وهببي معرفببة أنببواع
الصيام
فنقول :إن الصوم الشرعي منه واجب ،ومنه مندوب إليه .والواجب ثلثة أقسام :منه
ما يجب للزمان نفسه ،وهو صوم شهر رمضبان بعينببه .ومنبه مبا يجبب لعلبة ،وهببو
صيام الكفارات .ومنه ما يجب بإيجاب النسان ذلك على نفسببه ،وهببو صببيام النببذر.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
والببذي يتضبمن هبذا الكتباب القبول فيببه مببن أنببواع هبذه الواجببات هببو صببوم شبهر
رمضببان فقببط .وأمببا صببوم الكفببارات فيببذكر عنببد ذكببر المواضببع الببتي تجببب منهببا
الكفارة ،وكذلك صوم النذر ويذكر في كتاب النذر.
فأما صوم شهر رمضان فهو واجب بالكتاب والسببنة والجمبباع .فأمببا الكتبباب فقببوله
تعالى }كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكببم لعلكببم تتقببون{ وأمببا السببنة
ففي قوله عليه الصلة والسلم "بني السلم على خمس ،وذكر فيها الصببوم" وقببوله
للعرابي "وصيام شهر رمضان" قال :هل علي غيرها؟ قال :ل إل أن تطوع .وأمببا
الجماع فإنه لم ينقل إلينا خلف عن أحد من الئمة فببي ذلببك .وأمببا علببى مببن يجببب
وجوبا غير مخير فهو البالغ العاقل الحاضر الصحيح إذا لم تكن فيببه الصببفة المانعببة
من الصوم وهي الحيض للنسبباء ،هببذا ل خلف فيببه لقببوله تعببالى }فمببن شببهد منكببم
الشهر فليصمه{ .
**3الجملة الثانية :في الركان
@-والركان ثلثة :إثنان متفق عليهمببا ،وهمببا الزمببان والمسبباك عببن المفطببرات.
والثالث مختلف فيه وهو النية .فأما الركن الول الذي هببو الزمببان ،فببإنه ينقسببم إلببى
قسمين :أحدهما زمان الوجوب ،وهو شببهر رمضببان .والخببر زمببان المسبباك عببن
المفطرات ،وهو أيام هذا الشهر دون الليالي ،ويتعلق بكل واحد مببن هببذين الزمببانين
مسائل قواعد اختلفوا فيها ،فلنبدأ بما يتعلق من ذلك بزمان الوجببوب ،وأول ذلببك فببي
تحديد طرفي هذا الزمان .وثانيا فبي معرفبة الطريبق البتي بهبا يتوصبل إلبى معرفبة
العلمة المحدودة في حق شخص شخص وأفببق أفببق .فأمببا طرفببا هببذا الزمببان ،فببإن
العلماء أجمعوا على أن الشهر العربي يكون تسعا وعشرين ويكون ثلثين وعلببى أن
العتبار فببي تحديببد شببهر رمضببان إنمببا هببو الرؤيببة ،لقببوله عليببه الصببلة والسببلم
"صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته" وعني بالرؤية أول ظهور القمر بعد السؤال.
واختلفوا في الحكم إذا غم الشهر ولم تمكن الرؤية وفببي وقببت الرؤيببة المعتبببر ،فأمببا
اختلفهببم إذا غببم الهلل ،فببإن الجمهببور يببرون أن الحكببم فببي ذلببك أن تكمببل العببدة
ثلثين ،فإن كان الذي غم هلل أول الشهر عد الشهر الذي قبله ثلثيببن يومببا ،وكببان
أول رمضان الحادي والثلثين ،وإن كببان الببذي غببم هلل آخببر الشببهر صببام النبباس
ثلثين يوما .وذهب ابن عمر إلى أنه إن كببان المغمّببى عليببه هلل أول الشببهر صببيم
اليوم الثاني وهو الذي يعرف بيوم الشك .وروى بعض السلف أنببه إذا أغمببى الهلل
رجع إلى الحساب بمسير القمر والشمس ،وهو مذهب مطرف بن الشببخير وهببو مببن
كبار التابعين .وحكى ابن سريج عن الشببافعي أنببه قببال :مببن كببان مببذهبه السببتدلل
بالنجوم ومنازل القمر ثم تبين له من جهة الستدلل أن الهلل مبرئي وقبد غبم ،فبإن
له أن يعقد الصوم ويجزيه .وسبب اختلفهم الجمال الذي في قببوله صببلى الب عليببه
وسلم "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقببدروا لببه" فببذهب الجمهببور
إلى أن تأويله أكملببوا العببدة ثلثيببن .ومنهببم مببن رأى أن معنببى التقببدير لببه هببو عببده
بالحساب .ومنهم من رأى أن معنى ذلك أن يصبح المببرء صببائما ،وهببو مببذهب ابببن
عمر كما ذكرنا وفيه بعد في اللفظ .وإنما صار الجمهور إلى هذا التأويل لحديث ابببن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
عباس الثابت أنه قال عليه الصلة والسببلم "فببإن غببم عليكببم فببأكملوا العببدة ثلثيببن"
وذلك مجمل وهذا مفسر ،فببوجب أن يحمببل المجمببل علببى المفسببر ،وهببي طريقببة ل
خلف فيها بين الصوليين ،فإنهم ليس عندهم بين المجمل والمفسر تعبارض أصبل،
فمذهب الجمهور في هذا لئح وال أعلم .وأما اختلفهم في إعتبار وقت الرؤية فإنهم
اتفقوا على أنه إذا رؤي من العشي أن الشهر من اليوم الثاني ،واختلفوا إذا رؤي فببي
سائر أوقات النهار أعنببي أول مببا رؤي ،فمببذهب الجمهببور أن القمببر فببي أول وقببت
رؤي من النهار أنه لليببوم المسبتقبل كحكببم رؤيتببه بالعشببي ،وبهبذا القببول قبال مالبك
والشافعي وأبو حنيفة وجمهور أصحابهم .وقال أبو يوسف مببن أصببحاب أبببي حنيفببة
والثوري وابببن حبببيب مببن أصببحاب مالببك :إذا رؤي الهلل قبببل الببزوال فهببو لليلببة
الماضية وإن رؤي بعد الزوال فهو للتية .وسبب اختلفهم ترك اعتبار التجربة فيما
سبيله التجربة والرجوع إلى الخبار في ذلك ،وليببس فببي ذلببك أثببر عببن النبببي عليببه
الصلة والسلم يرجع إليه ،لكن روي عن عمر رضي ال عنه أثران :أحببدهما عببام
والخر مفسر ،فذهب قوم إلى العببام وذهببب قببوم إلببى المفسببر .فأمببا العببام فمببا رواه
العمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال :أتانا كتاب عمر ونحن بخانقين أن الهلببة
بعضها أكبر من بعض ،فإذا رأيتم الهلل نهارا فل تفطروا حتى يشهد رجلن أنهمببا
رأياه بالمس.
وأما الخاص فما روى الثوري عنه أنه بلبغ عمبر ببن الخطباب أن قومبا رأوا الهلل
بعد الزوال فأفطروا ،فكتب إليهم يلبومهم وقبال :إذا رأيتبم الهلل نهبارا قببل البزوال
فأفطروا ،وإذا رأيتموه بعد الزوال فل تفطروا .قبال القاضببي :الببذي يقتضببي القيبباس
والتجربة أن القمر ل يرى والشمس بعد لم تغب إل وهو بعيد منها ،لنه حينئذ يكون
أكبر من قوس الرؤية ،وإن كان يختلف في الكبر والصغر فبعيد وال ب أعلببم أن يبلببغ
من الكبر أن يرى والشمس بعد لم تغب ،ولكن المعتمد في ذلك التجربة كمببا قلنببا ول
فرق فبي ذلبك قببل البزوال ول بعببده ،وإنمببا المعتببر فببي ذلببك مغيببب الشبمس أو ل
مغيبها .وأما اختلفهم فببي حصببول العلببم بالرؤيببة فببإن لببه طريقيببن :أحببدهما الحببس
والخر الخببر ،فأمبا طريبق الحبس فبإن العلمباء أجمعبوا علبى أن مبن أبصبر هلل
الصوم وحده أن عليه أن يصببوم ،إل عطبباء بببن أبببي رببباح فببإنه قببال :ل يصببوم إل
برؤية غيره معه ،واختلفوا هل يفطر برؤيته وحده؟ فذهب مالك وأبببو حنيفببة وأحمببد
إلى أنه ل يفطر .وقال الشافعي :يفطر ،وبه قببال أبببو ثببور ،وهببذا ل معنببى لببه ،فببإن
النبي عليه الصلة والسلم قد أوجببب الصببوم والفطببر للرؤيببة .والرؤيببة إنمببا تكببون
بالحس ،ولول الجماع على الصيام بالخبر عن الرؤية لبعبد وجبوب الصبيام ببالخبر
لظاهر هذا الحديث ،وإنما فرق من فرق بين هلل الصوم والفطر لمكان سد الذريعة
أن ل يببدعى الفسبباق أنهببم رأوا الهلل فيفطببرون وهببم بعببد لببم يببروه ،ولببذلك قببال
الشافعي :إن خاف التهمة أمسك عن الكل والشرب واعتقد الفطر ،وشذ مالببك فقببال:
من أفطببر وقببد رأى الهلل وحببده فعليببه القضبباء والكفببارة .وقببال أبببو حنيفببة :عليببه
القضاء فقط .وأما طريق الخبر فإنهم اختلفوا فببي عببدد المخبببرين الببذين يجببب قبببول
خبرهم عن الرؤية وفي صفتهم.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
فأما مالك فقال :إنه ل يجوز أن يصام ول يفطر بأقل من شهادة رجلين عدلين .وقال
الشافعي في رواية المزني :إنه يصببام بشببهادة رجببل واحببد علببى الرؤيببة ،ول يفطببر
بأقل من شهادة رجلين .وقببال أبببو حنيفببة :إن كببانت السببماء مغيمببة قبببل واحببد ،وإن
كانت صاحية بمصر كبير لم تقبل إل شهادة الجم الغفير .وروي عنه أنه تقبل شببهادة
عدلين إذا كانت السماء مصحية وقد روي عن مالك أنه ل تقبل شببهادة الشبباهدين إل
إذا كانت السماء مغيمة ،وأجمعوا على أنه ل يقبل فببي الفطببر إل إثنببان ،إل أبببا ثببور
فإنه لم يفرق في ذلك بين الصوم والفطر كما فرق الشافعي.
وسبب اختلفهم اختلف الثار في هذا الباب ،وتردد الخبببر فببي ذلببك بيببن أن يكببون
من باب الشهادة أو من باب العمل بالحاديث التي ل يشترط فيها العدد.
وتردد الخبر في ذلك بين أن يكون من ببباب الشببهادة أو مببن ببباب العمببل بالحبباديث
التي ل يشترط فيها العدد .أما الثار فمن ذلك ما خرجه أبببو داود عببن عبببد الرحمببن
بن زيد بن الخطاب أنه خطب النباس فببي اليببوم البذي يشببك فيببه فقبال :إنببي جالسبت
أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم وسألتهم وكلهم حدثوني أن رسول ال صلى
ال عليه وسلم قال" :صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ،فإن غم عليكم فببأتموا ثلثيببن،
فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا"
ومنها حديث ابن عباس أنه قال "جاء أعرابي إلى النبي صبلى الب عليبه وسبلم فقبال
أبصرت الهلل الليلة ،فقال أتشهد أن ل إله إل ال وأن محمد رسول ال؟ قببال :نعببم،
قال :يا بلل أذن في الناس فليصوموا غدا" خرجه الترمذي قال :وفي إسببناده خلف
لنه رواه جماعة مرسل.
ومنها حديث ربعي بن خراش خرجه أبو داود عن ربعي بن خراش عببن رجببل مببن
أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم قال " كان الناس في آخر يوم مببن رمضببان
فقام أعرابيان فشهدا عند النبي صلى ال عليه وسلم لهل الهلل أمببس عشببية ،فببأمر
رسول ال صلى ال عليه وسلم الناس أن يفطروا وأن يعودوا إلببى المصببلى" فببذهب
الناس في هذه الثار مذهب الترجيح ومذهب الجمع ،فالشافعي جمع بين حببديث ابببن
عببباس وحببديث ربعببي بببن خببراش علببى ظاهرهمببا ،فببأوجب الصببوم بشببهادة واحببد
والفطر بإثنين ،ومالك رجح حديث عبد الرحمن ابن زيد لمكان القياس :أعنببي تشبببيه
ذلك بالشهادة في الحقوق ،ويشبه أن يكون أبو ثور لببم يببر تعارضببا بيببن حببديث ابببن
عباس وحديث ربعي بن خراش ،وذلببك أن الببذي فبي حبديث ربعبي ببن خببراش أنبه
قضى بشهادة إثنين ،وفي حديث ابن عباس أنه قضى بشهادة واحببد ،وذلببك ممببا يببدل
علببى جببواز المريببن جميعببا ،ل أن ذلببك تعببارض ،ول أن القضبباء الول مختببص
بالصوم والثاني بالفطر ،فإن القول بهذا إنما ينبني على توهم التعارض ،وكذلك يشبه
أن ل يكون تعارض بين حديث عبببد الرحمببن بببن زيببد وبيببن حببديث ابببن عببباس إل
بدليل الخطاب ،وهو ضعيف إذا عارضه النص ،فقببد نببرى أن قببول أبببي ثببور علببى
شذوذه هو أبين ،مع أن تشبيه الببرائي بببالراوي هببو أمثببل مببن تشبببيهه بالشبباهد ،لن
الشهادة إما أن يقببول إن اشببتراط العببدد فيهببا عبببادة غيببر معللببة فل يجببوز أن يقيببس
عليها ،وإما أن يقول إن اشتراط العدد فيها هو لموضببع التنببازع الببذي فببي الحقببوق،
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
والشبة التي تعرض من قبل قول أحد الخصببمين فاشبترط فيهبا العبدد وليكبون الظبن
أغلب والميل إلى حجة أحد الخصمين أقوى ،ولم يتعد بببذلك الثنيببن لئل يعسببر قيببام
الشهادة فتبطل الحقوق ،وليس في رؤية القمر شبهة مببن مخببالف تببوجب السببتظهار
بالعدد،
ويشبببه أن يكببون الشببافعي إنمببا فببرق بيببن هلل الفطببر وهلل الصببوم للتهمببة الببتي
تعرض للناس في هلل الفطر ول تعرض في هلل الصوم ،ومببذهب أبببي بكببر بببن
المنذر هو مذهب أبي ثور أحسبه هبو مبذهب أهبل الظباهر وقببد احتببج أبببو بكبر ببن
المنذر لهذا الحديث بانعقاد الجماع على وجوب الفطر والمسبباك عببن الكببل بقببول
واحد ،فوجب أن يكون المر كذلك فبي دخبول الشبهر وخروجبه ،إذ كلهمبا علمبة
تفصل زمان الفطر من زمان الصوم ،وإذا قلنا إن الرؤية تثبت بالخبر فببي حببق مببن
لم يره فهل يتعدى ذلك من بلد إلى بلد؟ أعني هل يجب على أهل بلد مببا إذا لببم يببروه
أن يأخذوا في ذلك برؤية بلد آخر أم لكل بلد رؤية؟ فيه خلف ،فأمببا مالببك فببإن ابببن
القاسم والمصريين رووا عنه أنه إذا ثبت عند أهل بلد أن أهببل بلببد آخببر رأوا الهلل
أن عليهم قضاء ذلك اليوم الذي أفطروه وصامه غيرهم ،وبه قال الشافعي وأحمد.
وروى المدنيون عن مالك أن الرؤية ل تلزم بالخبر عند أهل البلببد الببذي وقعببت فيببه
الرؤية ،إل أن يكون المام يحمل الناس على ذلك ،وبه قال ابن الماجشون والمغيببرة
من أصحاب مالك ،وأجمعوا أنه ل يراعى ذلك في البلدان النائية كالندلس والحجاز.
والسبببب فببي هببذا الخلف تعببارض الثببر والنظببر .أمببا النظببر فهببو أن البلد إذا لببم
تختلف مطالعها كل الختلف فيجب أن يحمل بعضها علببى بعببض لنهببا فببي قيبباس
الفق الواحبد .وأمبا إذا اختلفببت إختلفبا كببثيرا فليبس يجبب أن يحمبل بعضبها علبى
بعض .وأما الثر فما رواه مسلم عببن كريببب أن أم الفضببل بنبت الحببرث بعثتبه إلبى
معاوية بالشام فقال :قدمت الشام فقضيت حاجتها ،واستهل على رمضان وأنا بالشام،
فرأيت الهلل ليلة الجمعة ،ثبم قبدمت المدينبة فبي آخبر الشبهر فسبألني عببد الب ببن
عباس ،ثم ذكر الهلل فقال :متى رأيتم الهلل؟ فقلت :رأيته ليلة الجمعة ،فقببال :أنببت
رأيته؟ فقلت نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية قال :لكنا رأيناه ليلببة السبببت فل
نزال نصوم حتى نكمل ثلثين يوما أو نراه ،فقلببت :أل تكتفببي برؤيببة معاويببة؟ فقببال
ل ،هكذا أمرنا النبي عليه الصلة والسببلم ،فظبباهر هببذا الثببر يقتضببي أن لكببل بلببد
رؤيته قرب أو بعد ،والنظر يعطي الفببرق بيببن البلد النائيببة والقريبببة ،وبخاصببة مببا
كان نأيه في الطول والعرض كثيرا ،وإذا بلغ الخبر مبلبغ التبواتر لبم يحتبج فيبه إلبى
شبهادة ،فهبذه هبي المسبائل البتي تتعلبق بزمبان الوجبوب .وأمبا البتي تتعلبق بزمبان
المساك فإنهم اتفقوا على أن آخره غيبوبة الشمس لقوله تعالى -ثم أتموا الصيام إلببى
الليل -واختلفوا في أوله ،فقال الجمهور هو طلبوع الفجبر الثبباني المسببتطير البيببض
لثبوت ذلك عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ،أعني حده بالمستطير ولظاهر قببوله
تعالى -حتى يتبين لكم الخيط البيض -الية .وشذت فرقة فقالوا :هببو الفجببر الحمببر
الذي يكون بعد البيض وهو نظيببر الشببفق الحمببر ،وهببو مببروي عببن حذيفببة وابببن
مسعود .وسبب هذا الخلف هو إختلف الثار في ذلك واشتراك اسببم الفجببر ،أعنببي
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
أنه يقال على البيض والحمر .وأما الثار البتي احتجببوا بهببا فمنهببا حبديث ذر عببن
حذيفة قال "تسحرت مع النبي صلى ال عليه وسلم ولو أشاء أن أقول هببو النهببار إل
أن الشمس لم تطلع" وخرج أبو داود عن قيس بن مطلق عن أبيببه أنببه عليببه الصببلة
والسلم قال" :كلوا واشربوا ول ُيِهيَدّنكم ) (1الساطع المصعد فكلببوا واشببربوا حببتى
يعترض لكم الحمر" قال أبو داود :هذا ما تفبرد ببه أهبل اليمامببة وهببذا شبذوذ ،فبإن
قوله تعالى -حتى يتبين لكم الخيط البيض -نبص فبي ذلبك أو كبالنص ،والببذين رأوا
أنه الفجر البيض المستطير وهم الجمهور والمعتمد اختلفوا في الحد المحببرم للكببل
فقال قوم :هو طلوع الفجر نفسه .وقال قوم هو تبينه عند الناظر إليه ومن لببم يتبببينه،
فالكل مباح له حتى يتبينه وإن كان قد طلع ،وفائدة الفرق أنببه إذا انكشببف أن مبباظن
من أنه لم يطلع ،كان قد طلع .فمن كببان الحببد عنببده هببو الطلببوع نفسببه أوجببب عليببه
القضاء ،ومن قال :هو العلم الحاصل به لم يوجب عليه قضاء .وسبب الختلف فببي
ذلك الحتمال الذي في قوله تعالى -وكلوا واشربوا حببتى يتبببين لكببم الخيببط البيببض
من الخيط السود من الفجببر -هببل المسبباك بببالتبيين نفسببه أو بالشببيء المتبببين؟ لن
العرب تتجوز فتستعمل لحق الشيء بببدل الشببيء علببى وجببه السببتعارة فكببأنه قببال
تعالى -وكلوا واشربوا حتى يتبين لكببم الخيببط البيببض مببن الخيببط السببود -لنببه إذا
تبين في نفسه تبين لنا ،فإذا إضافة التبيين لنا هي التي أوقعت الخلف ،لنه قد يتبببين
في نفسه ويتميز ول يتبين لنا ،وظاهر اللفببظ يببوجب تعلببق المسبباك بببالعلم والقيبباس
يوجب تعلقه بالطلوع نفسه ،أعني قياسا على الغببروب وعلببى سببائر حببدود الوقببات
الشرعية كالزوال وغيره فإن العتبار فببي جميعهببا فببي الشببرع هببو بببالمر نفسببه ل
بالعلم المتعلق به .والمشهور عن مالك وعليببه الجمهببور أن الكببل يجببوز أن يتصببل
بالطلوع ،وقيل بل يجب المساك قبببل الطلببوع .والحجببة للقببول الول مببا فببي كتبباب
البخاري أظنه في بعض رواياته قال النبي صلى ال ب عليببه وسببلم" :وكلببوا واشببربوا
حتى ينادي ابن أم مكتوم فإنه ل ينببادي حببتى يطلببع الفجببر" وهببو نببص فببي موضببع
الخلف أو كالنص والموافق لظاهر قوله تعالى -كلببوا واشببربوا -اليببة .ومببن ذهببب
إلى أنه يجب المساك قببل الفجبر فجريببا علببى الحتيباط وسبدا للذريعبة وهببو أورع
القولين والول أقيس ،وال أعلم.
----------
) (1هكذا بالنسخة المصرية ،وبالنسخة المغربية" :ول يهمزنكم" ،فتأمل.
----------
@-الركن الثاني وهو المساك:
وأجمعوا على أنه يجب على الصائم المساك زمان الصوم عن المطعوم والمشروب
والجماع لقوله تعالى }فالن باشروهن وابتغوا ما كتب ال لكم وكلببوا واشببربوا حببتى
يتبين لكم الخيط البيض من الخيط السود من الفجر{ واختلفوا من ذلببك فببي مسببائل
منها مسكوت عنها ومنها منطوق بها أما المسكوت عنها :إحببداها فيمببا يببرد الجببوف
مما ليس بمغذ وفيما يرد الجوف من غير منفذ الطعام والشببراب مثببل الحقنببة ،وفيمببا
يرد باطن سائر العضاء ول يرد الجوف مثل أن يرد الدماغ ول يرد المعدة .وسبب
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
اختلفهم في هذه هو قياس المغذي على غير المغذي ،وذلك أن المنطوق به إنما هببو
المغذي ،فمن رأى أن المقصود بالصوم معنى معقول لم يلحق المغذي بغير المغذي،
ومن رأى أنها عبادة غير معقولة ،وأن المقصود منها إنما هو المساك فقط عما يرد
الجوف سوى بين المغذي وغير المغذي ،وتحصيل مذهب مالك أنببه يجببب المسبباك
عن ما يصل إلى الحلق من أي المنافذ وصل مغذيا كان أو غيببر مغبذ .وأمببا مببا عبدا
المأكول والمشروب من المفطرات فكلهم يقولون إن مببن قبببل فببأمنى فقببد أفطببر وإن
أمذى فلم يفطر إل مالك .واختلفوا في القبلة للصائم ،فمنهم مببن أجازهببا ،ومنهببم مببن
كرهها للشاب وأجازها للشيخ ومنهم من كرهها على الطلق ،فمن رخص فيها فلما
روى من حديث عائشة وأم سلمة "أن النبببي عليببه الصببلة والسببلم كببان يقبببل وهببو
صبائم" ومبن كرههبا فلمبا يبدعوا إليبه مبن الوقباع .وشبذ قبوم فقبالوا :القبلبة تفطبر،
واحتجوا لذلك بما روي عن ميمونة بنت سعد قالت "سأل رسول ال صلى الب عليببه
وسلم عن القبلة للصائم فقال" :أفطرا جميعا" خرج هذا الثر الطحاوي ولكن ضعفه.
وأما ما يقع من هذه مببن قبببل الغلبببة ومببن قبببل النسببيان فببالكلم فيببه عنببد الكلم فببي
المفطرات وأحكامها .وأما ما اختلفوا فيه مما هو منطوق بببه فالحجامببة والقيببء .أمببا
الحجامة فإن فيها ثلثة مذاهب :قوم قالوا :إنها تفطر وأن المساك عنها واجب ،وبببه
قال أحمد وداود والوزاعي وإسحق بن راهويه وقببوم قببالوا :إنهببا مكروهببة للصببائم
وليست تفطر ،وبه قال مالك والشافعي والثوري .وقوم قالوا :إنها غير مكروهببة ول
مفطرة ،وبه قال أبو حنيفة وأصحابه .وسبب اختلفهببم تعببارض الثببار الببواردة فببي
ذلك ،وذلك أنه ورد في ذلك حديثان :أحدهما ما روي من طريق ثوبان ومببن طريببق
رافع بن خديج أنه عليه الصببلة والسببلم قببال" :أفطببر الحبباجم والمحجببوم" وحببديث
ثوبان هذا كان يصححه أحمد .والحديث الثاني حببديث عكرمببة عببن ابببن عببباس "أن
رسول ال صلى ال عليه وسلم احتجم وهو صائم" وحديث ابن عباس هببذا صببحيح؛
فذهب العلماء فببي هببذين الحببديثين ثلثببة مببذاهب :أحببدها مببذهب الترجيببح .والثبباني
مذهب الجمعة .والثالث مذهب السقاط عند التعارض والرجوع إلى البراءة الصلية
إذا لم يعلم الناسخ من المنسوخ ،فمن ذهب مذهب الترجيح قال بحديث ثوبببان ،وذلببك
أن هذا موجب حكما ،وحديث ابن عببباس رافعببه ،والمببوجب مرجببح عنببد كببثير مببن
العلماء على الرافع لن الحكم إذا ثبببت بطريببق يببوجب العمببل لببم يرتفببع إل بطريببق
يوجب العمل برفعه ،وحديث ثوبان قد وجب العمل به ،وحديث ابن عباس يحتمل أن
يكون ناسخا ويحتمل أن يكون منسوخا ،وذلك شك والشك ل يببوجب عمل ول يرفببع
العلم الموجب للعمل ،وهذا على طريقة من ل يرى الشك مؤثرا في العلببم ،ومببن رام
الجمع بينهما حمل حديث النهي على الكراهية وحديث الحتجام علببى الحظببر ،ومببن
أسقطهما للتعارض قال بإباحة الحتجام للصائم .وأما القيء فإن جمهور الفقهاء على
أن من ذرعه القيء فليس بمفطر ،إل ربيعة فإنه قال :إنه مفطببر ،وجمهببورهم أيضببا
على أنببه مببن اسبتقاء فقباء فبإنه مفطببر إل طبباوس .وسبببب اختلفهببم مببا يتببوهم مببن
التعارض بين الحاديث الواردة في هذه المسألة اختلفهم أيضا في تصحيحها ،وذلك
أنه ورد في هذا الباب حديثان أحدهما حديث أبي الدرداء "أن رسببول الب صببلى الب
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
عليه وسلم قاء فأفطر" قال معدان :فلقيبت ثوببان فبي مسبجد دمشبق فقلبت لبه أن أببا
الدرداء حدثني "أن رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم قبباء فببأفطر ،قببال :صببدق أنببا
صببت له وضوءه" وحديث ثوبان هذا صححه الترمذي .والخر حديث أبببي هريببرة
خرجه الترمذي وأبو داود أيضببا أن النبببي عليببه الصببلة والسببلم قببال" :مببن ذرعببه
القيء وهو صائم فليس عليه قضاء وإن اسببتقاء فعليببه القضبباء" وروى موقوفببا عببن
ابن عمر؛ فمن لم يصح عنده الثران كلهما قال :ليس فيببه فطببر أصببل ،ومببن أخببذ
بظبباهر حببديث ثوبببان ورجحببه علببى حببديث أبببي هريببرة أوجببب الفطببر مببن القيببء
بإطلق ،ولم يفرق بيببن أن يسببتقيء أو ل يسببتقيء؛ ومببن جمببع بيببن الحببديثين وقببال
حديث ثوبان مجمل وحديث أبي هريرة مفسر والواجب حمبل المجمبل علبى المفسببر
فرق بين القئ والستقاءة ،وهو الذي عليه الجمهور
@-الركن الثالث وهو النية:
والنظر في النية في مواضع منهبا هببل هببي شببرط فبي صببحة هبذه العببادة أم ليسبت
بشرط؟ وإن كانت شرطا فما الذي يجزئ من تعيينها؟ وهببل يجببب تجديببدها فببي كببل
يوم من أيام رمضان أم يكفببي فببي ذلببك النيببة الواقعببة فببي اليببوم الول؟ وإذا أوقعهببا
المكلف فأي وقت إذا وقعت فيه صح الصوم؟ وإذا لببم تقببع فيببه بطببل الصببوم؟ وهببل
رفض النية يوجب الفطر وإن لم يفطر؟ وكل هذه المطالب قببد اختلببف العلمبباء فيهببا.
أما كون النية شرطا في صحة الصيام فإنه قول الجمهور؛ وشذ زفر فقال :ل يحتبباج
رمضان إلى النية إل أن يكون الذي يدركه صيام شهر رمضببان مريضببا أو مسببافرا
فيريد الصوم .والسبب في اختلفهم الحتمال المتطببرق إلببى الصببوم هببل هببو عبببادة
معقولة المعنى أو غير معقولة المعنى؟ فمببن رأى أنهببا غيببر معقولببة المعنببى أوجببب
النية ،ومن رأى أنها معقولة المعنى قال :قد حصل المعنى إذا صام وإن لم ينو ،لكببن
تخصيص زفر رمضان بذلك من بين أنواع الصوم فيببه ضببعف ،وكببأنه لمببا رآى أن
أيام رمضان ل يجوز فيها الفطر ،أي أن كل صوم يقع فيهببا ينقلببب صببوما شببرعيا،
وأن هذا شيء يخص هذه اليام .وأما اختلفهم في تعيين النية المجزية في ذلببك فببإن
مالكا قال :ل بد في ذلك من تعيين صوم رمضببان ،ول يكفيببه اعتقبباد الصببوم مطلقببا
ول اعتقاد صوم معين غير صوم رمضان .وقال أبو حنيفة :إن اعتقد مطلق الصببوم
أجزأه ،وكذلك إن نوى فيه صيام غير رمضان أجزأه وانقلب إلى صيام رمضببان إل
أن يكون مسافرا ،فإنه إذا نوى المسافر عنده في رمضان صيام غيببر رمضببان كببان
ما نوى ،لنه لم يجب عليه صببوم رمضببان وجوبببا معينببا ،ولببم يفببرق صبباحباه بيببن
المسافر والحضر وقال :كل صوم نوى فببي رمضببان انقلببب إلببى رمضببان .وبسبببب
اختلفهم هل الكافي في تعيين النية في هذه العبادة هو تعيين جنببس العبببادة أو تعييببن
شخصها ،وذلك أن كل المرين موجود في الشرع ،مثال ذلك أن النية فببي الوضببوء
يكفي منها اعتقاد رفع الحدث لي شبيء كبان مبن العببادة البتي الوضبوء شبرط فبي
صحتها ،وليس يختص عبادة عبادة بوضوء وضوء.
وأما الصلة فل بببد فيهببا مببن تعييببن شببخص العبببادة ،فل بببد مببن تعييببن الصببلة إن
عصرا فعصرا ،وإن ظهرا فظهببرا ،وهبذا كلببه علببى المشبهور عنببد العلمبباء ،فبتردد
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الصوم عند هؤلء بين هذين الجنسين ،فمن ألحقه بالجنس الواحد قال :يكفي في ذلببك
اعتقاد الصوم فقط ،ومن ألحقه بالجنس الثاني اشترط تعيين الصوم .واختلفهم أيضا
في إذا نوى في أيام رمضلن صوما آخر هل ينقلب أو ل ينقلب؟ سببببه أيضببا أن مببن
العبادة عندهم من ينقلب من قبل أن الوقت الذي توقع فيه مختص بالعبادة التي تنقلب
إليه ،ومنها ما ليس ينقلب ،أما التي ل تنقلب فأكثرها ،وأما التي تنقلب باتفاق فالحج.
وذلك أنهم قالوا إذا ابتدأ الحج تطوعا من وجب عليه الحج انقلب التطوع إلى فرض،
ولم يقولوا ذلك في الصلة ول في غيرها ،فمن شبه الصوم بالحببج قببال ينقلببب ومببن
شبهه بغيره من العبادات قال ل ينقلب .وأما اختلفهم في وقت النية ،فإن مالكببا رأى
أنببه ل يجببزئ الصببيام إل بنيببة قبببل الفجببر ،وذلببك فببي جميببع أنببواع الصببوم؛ وقببال
الشافعي :تجزئ النية بعد الفجر في النافلة ول تجزئ في الفروض .وقال أبو حنيفببة:
تجزئ النية بعد الفجر في الصيام المتعلق وجبوبه ببوقت معيبن مثبل رمضبان ونبذر
أيام محدودة ،وكببذلك فببي النافلببة ،ول يجببزئ فببي الببواجب فببي الذمببة .والسبببب فببي
اختلفهم تعارض الثار في ذلك؛ أما الثار المتعارضة في ذلك ،فأحببدها مببا خرجببه
البخاري عن حفصة أنه قال عليه الصلة والسلم "من لم يبيت الصيام من الليببل فل
صيام له" ورواه مالك موقوفا قال أبو عمببر :حببديث حفصببة فببي إسببناده اضببطراب.
والثاني ما رواه مسلم عن عائشة قالت "قال لي رسول ال صلى ال عليه وسببلم ذات
يوم :يا عائشة هل عندكم شيء؟ قالت :قلت يارسول ال مببا عنببدنا شببيء ،قببال فببإني
صائم" ولحديث معاوية أنه قال علبى المنبببر :يببا أهببل المدينببة أيبن علمبباؤكم سببمعت
رسول ال صلى ال عليببه وسببلم يقببول "اليببوم هببذا يببوم عاشببوراء ولببم يكتببب علينببا
صيامه وأنببا صببائم فمببن شبباء منكببم فليصببم ومببن شبباء فليفطببر" فمببن ذهببب مببذهب
الترجيح أخذ بحديث حفصة ،ومن ذهببب مببذهب الجمببع فببرق بيببن النفببل والفببرض،
أعني حمل حديث حفصة على الفرض ،وحديث عائشة ومعاويببة علببى النفببل ،وإنمببا
فرق أبو حنيفة بين الواجب المعين والواجب في الذمة ،لن الواجب المعين لببه وقببت
مخصوص يقوم مقام النية في التعيين ،الببذي فببي الذمببة ليببس لببه وقببت مخصببوص،
فأوجب أن التعيين بالنية؛ وجمهور الفقهاء على أنه ليست الطهارة من الجنابة شرطا
في صحة الصوم لما ثبت من حديث عائشة وأم سلمة زوجي النبببي صببلى الب عليببه
وسلم أنهما قالتا "كان رسول ال صلى ال عليه وسببلم يصبببح جنبببا مببن جمبباع غيببر
احتلم في رمضان ثم يصوم" ومن الحجة لهما الجماع على أن الحتلم بالنهببار ل
يفسد الصوم .وروي عن إبراهيم النخعي وعببروة بببن الزبيببر وطبباوس أنببه إن تعمببد
ذلك أفسد صومه .وسببب اختلفهببم مبا روي عبن أببي هريببرة أنبه كبان يقبول "مبن
أصبح جنبا في رمضان أفطر" وروي عنه أنه قال :ما أنا قلته ،محمد صلى ال عليه
وسلم قاله ورب الكعبة.
وذهب ابن الماجشون من أصحاب مالك أن الحائض إذا طهرت قبببل الفجببر فببأخرت
الغسل إلى يومها يوم فطر وأقاويل هؤلء شاذة ومردودة بالسنن المشهورة الثابتة.
@-القسم الثاني من الصوم المفروض:
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وهو الكلم في الفطر وأحكامه :والمفطببرون فببي الشببرع علببى ثلثببة أقسببام :صببنف
يجوز له الفطر والصوم بإجماع .وصنف يجب عليببه الفطببر علببى اختلف فببي ذلببك
بين المسلمين .وصنف ل يجوز له الفطر ،وكل واحد من هؤلء تتعلق به أحكام .أما
الذين يجوز لهم المران :فالمريض بإتفاق ،والمسافر باختلف ،والحامل والمرضببع
والشيخ الكبير .وهذا التقسيم كله مجمع عليه .فأما المسبافر فبالنظر فيبه فبي مواضبع
منها :هل إن صام أجزأه صومه أم ليس يجزيه؟ وهل إن كان يجزئ المسافر صومه
الفضل له الصوم أو الفطر أو هو مخير بينهما؟ وهل الفطر الجائز له هو فببي سببفر
محدود أم في كل ما ينطلق عليه اسم السفر في وضع اللغببة؟ ومببتى يفطببر المسببافر؟
ومتى يمسك؟ وهل إذا مر بعض الشببهر لببه أن ينشببئ السببفر أم ل؟ ثببم إذا أفطببر مببا
حكمه؟ وأما المريض فالنظر فيه أيضا في تحديد المرض الذي يجوز لببه فيببه الفطببر
وفي حكم الفطر.
)أما المسألة الولى( وهي إن صام المريض والمسافر هل يجزيه صومه عن فرضه
أم ل؟ فإنهم اختلفوا في ذلك ،فذهب الجمهور إلى أنه إن صام وقببع صببيامه وأجببزأه،
وذهب أهل الظاهر إلى أنه ل يجزيه وأن فرضه هو أيام أخر .والسبب في اختلفهببم
تردد قوله تعالى }فمن كان منكم مريضا أو على سببفر فعببدة مببن أيببام أخببر{ بيببن أن
يحمل على الحقيقة فل يكون هنالك محببذوف أصببل ،أو يحمببل علببى المجبباز فيكببون
التقدير فأفطر فعببدة مببن أيببام أخببر ،وهببذا الحببذف فببي الكلم هببو الببذي يعرفببه أهببل
صناعة الكلم بلحن الخطاب ،فمن حمل الية على الحقيقة ولم يحملها علببى المجبباز
قال :إن فرض المسافر عدة من أيام أخر لقوله تعالى }فعدة من أيام أخر{ ومببن قببدر
فأفطر قال :إنما فرضببه عبدة مبن أيببام أخبر إذا أفطبر .وكل الفريقيببن يرجبح تبأويله
بالثار الشاهدة لكل المفهومين .وإن كان الصل هو أن يحمل الشببيء علببى الحقيقببة
حتى يدل الدليل على حمله على المجاز .أما الجمهور فيحتجون لمذهبهم بما ثبت من
حديث أنس قال "سافرنا مع رسول ال صلى ال عليه وسببلم فببي رمضببان فلببم يعببب
الصائم على المفطر ول المفطر على الصائم" وبمببا ثبببت عنببه أيضببا أنببه قببال :كببان
أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم يسافرون فيصوم بعضببهم ويفطببر بعضببهم.
فأهل الظاهر يحتجون لمذهبهم بما ثبت عببن ابببن عببباس "أن رسببول الب صببلى الب
عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح في رمضبان ،فصبام حبتى بلبغ الكديبد ثبم أفطبر
فأفطر الناس" وكانوا يأخذون بالحدث فالحدث من أمر رسول ال صببلى الب عليببه
وسلم .قالوا :وهذا يدل على نسخ الصوم .قال أبو عمر :والحجببة علببى أهببل الظبباهر
إجماعهم على أن المريض إذا صام أجزأه صومه.
)وأما المسألة الثانية( وهي هل الصوم أفضل أو الفطر؟ إذا قلنا أنببه مببن أهببل الفطببر
على مذهب الجمهور؛ فإنهم اختلفوا في ذلببك علببى ثلثببة مببذاهب :فبعضببهم رأى أن
الصوم أفضل ،وممن قببال بهببذا القببول مالببك وأبببو حنيفببة .وبعضببهم رأى أن الفطببر
أفضل ،وممن قال بهذا القول أحمد وجماعة .وبعضببهم رأى أن ذلببك علببى التخييببر،
وأنه ليس أحدهما أفضل .والسبب في اختلفهببم معارضببة المفهببوم مببن ذلببك لظبباهر
بعض المنقببول ،ومعارضببة المنقببول بعضببه لبعببض وذلببك أن المعنببى المعقببول مببن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
إجازة الفطر للصائم إنما هو الرخصة له لمكان رفع المشقة عنه ،ومببا كببان رخصببة
فالفضل ترك الرخصة ،ويشهد لهذا حديث حمزة بن عمببرو السببلمي خرجببه مسببلم
ي من جنبباح؟ فقببال ي قوة على الصيام في السفر فهل عل ّ أنه قال "يا رسول ال أجد ف ّ
رسول ال صلى ال عليه وسلم :هي رخصة من ال فمن أخذ بها فحسن ،ومن أحببب
أن يصوم فل جناح عليه" وأما ما ورد من قوله عليه الصلة والسلم "ليس من البر
ن آخر فعله عليه الصلة والسلم كان الفطببر ،فيببوهم أن أن تصوم في السفر" ومن أ ّ
الفطر أفضل ،لكبن الفطبر لمبا كبان ليبس حكمبا وإنمبا هبو فعبل المبباح عسبر علبى
الجمهور أن يضعوا المباح أفضل من الحكم .وأما من خّير فببي ذلببك فلمكببان حببديث
عائشة قالت "سأل حمزة بن عمرو السلمي رسبول الب صبلى الب عليبه وسبلم عبن
الصيام في السفر فقال :إن شئت فصم وإن شئت فأفطر" خرجه مسلم.
)وأما المسألة الثالثة(
وهي هل الفطر الجائز للمسافر هو في سفر محبدود أو فبي سبفر غيبر محبدود .فبإن
العلماء اختلفوا فيها؛ فذهب الجمهور إلى أنه إنما يفطر فببي السببفر الببذي تقصببر فيببه
الصلة ،وذلك على حسب اختلفهم في هذه المسألة .وذهب قبوم إلبى أنبه يفطبر فبي
كل ما ينطلق عليه اسم سفر وهم أهل الظاهر .والسبب في اختلفهم معارضة ظاهر
اللفظ للمعنى ،وذلك أن ظاهر اللفظ أن كل من ينطلق عليه اسم مسافر فلببه أن يفطببر
لقوله تعالى }فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعببدة مببن أيببام أخببر{ وأمببا المعنببى
المعقول من إجازة الفطر في السفر فهو المشقة ،ولمببا كببانت ل توجببد فببي كببل سببفر
وجب أن يجوز الفطر في السفر الذي فيه المشقة ولما كان الصحابة كأنهم مجمعببون
على الحد في ذلك وجب يقاس ذلك على الحد في تقصير الصلة .وأما المرض الذي
يجوز فيه الفطر ،فإنهم اختلفوا فيه أيضا ،فذهب قوم إلى أنه المرض الذي يلحق مببن
الصوم فيه مشقة وضرورة ،وبه قال مالك .وذهب قوم إلى أنه المرض الغالب ،وبببه
قال أحمد .وقال قوم إذا انطلق عليه اسم المريض أفطر .وسبب اختلفهببم هببو بعينببه
سبب اختلفهم في حد السفر.
)وأما المسألة الخامسة( ]ل يوجد رابعة؟؟[
وهي متى يفطر المسافر ومتى يمسك ،فإن قوما قالوا :يفطببر يببومه الببذي خببرج فيببه
مسافرا ،وبه قال الشعبي والحسن وأحمد .وقالت طائفة :ل يفطر يومه ذلك ،وبه قال
فقهاء المصار .واستحب جماعة العلماء لمن علم أنه يببدخل المدينببة أول يببومه ذلببك
أن يدخل صائما ،وبعضهم في ذلك أكثر تشديدا من بعض وكلهم لم يوجبوا على مببن
دخل مفطرا كفارة .واختلفببوا فببي مببن دخببل وقببد ذهببب بعببض النهببار ،فببذهب مالببك
والشافعي على أنه يتمادى على فطره .وقال أبو حنيفة وأصحابه :يكببف عببن الكببل،
وكذلك الحائض عنده تطهر تكف عن الكل .والسبب في اختلفهم فببي الببوقت الببذي
يفطر فيه المسافر هو معارضببة الثبر للنظببر .أمببا الثببر فببإنه ثبببت مببن حببديث ابببن
عباس "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم صببام حببتى بلببغ الكديببد ثببم أفطببر وأفطببر
الناس معه" وظاهر هذا أنه أفطبر بعبد أن بيبت الصبوم .وأمبا النباس فل يشبك أنهبم
أفطروا بعد تبييتهم الصوم ،وفببي هببذا المعنببى أيضببا حببديث جبابر بببن عبببد الب "أن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
رسول ال صلى ال عليه وسلم خببرج عببام الفتببح إلببى مكببة ،فسببار حببتى بلببغ كببراع
الغميم وصام الناس ،ثم دعا بقدح من ماء فرفعببه حببتى نظببر النبباس إليببه ثببم شببرب،
فقيل لببه بعببد ذلببك إن بعببض النبباس قببد صببام فقببال" :أولئك العصبباة أولئك العصبباة"
وخرج أبو داود عن أبي نضرة الغفاري أنبه لمبا تجباوز الببيوت دعبا بالسبفرة ،قبال
جعفر راوي الحديث :فقلت :ألست تؤم البيوت؟ فقال :أترغببب عببن سببنة رسببول الب
صلى ال عليه وسلم؟ قال جعفر :فأكل .وأما النظر فلما كان المسافر ل يجوز لببه إل
أن يبيت الصوم ليلة سفره لم يجز لببه أن يبطببل صببومه وقببد بيتببه لقببوله تعببالى }ول
تبطلوا أعمالكم{ وأما اختلفهم في إمساك الببداخل فببي أثنبباء النهببار عببن الكببل أو ل
إمساكه .فالسبب في اختلفهم في تشبيه من يطرأ عليه في يوم شك أفطر فيه الثبببوت
أنه من رمضان ،فمن شبهه به قال يمسك عن الكل ،ومن لم يشبهه به قال ل يمسك
عن الكل ،لن الول أكل لموضع الجهل ،وهذا أكل لسبب مبيبح أو مبوجب للكبل.
والحنفية تقول :كلهما سببان موجبان للمساك عن الكل بعد إباحة الكل.
)وأما المسألة السادسة(
وهي هل يجوز للصائم في رمضان أن ينشيء سفرا ثم ل يصوم فيه ،فبإن الجمهبور
على أنه يجوز ذلك له .وروي عن بعضببهم وهببو عبيببدة السببلماني وسببويد بببن غفلببة
وابن مجلز أنببه إن سببافر فيببه صببام ولببم يجيببزوا لببه الفطببر .والسبببب فببي اختلفهببم
اختلفهم في مفهوم قوله تعالى }فمن شهد منكم الشهر فليصمه{ وذلك أنببه يحتمببل أن
يفهم منه أن من شهد أن الواجب أن يصوم ذلك البعض الببذي شببهده ،وذلببك أنببه لمببا
كان المفهوم باتفاق أن من شبهده كلبه فهبو يصبومه كلبه كبأن مبن شبهد بعضبه فهبو
يصوم بعضه ،ويؤيد تأويل الجمهور إنشاء رسول ال صلى ال عليه وسلم السفر في
رمضان .وأما حكم المسببافر إذا أفطببر فهببو القضبباء باتفبباق وكببذلك المريببض لقببوله
تعالى }فعدة من أيبام أخبر{ مبا عبدا المريبض بإغمباء أو جنبون ،فبإنهم اختلفبوا فبي
وجوب القضاء عليه ،وفقهاء المصار على وجوبه على المغمى عليببه واختلفببوا فببي
المجنون ،ومذهب مالك وجوب القضاء عليه وفيه ضعف لقوله عليه الصلة والسلم
"وعن المجنون حتى يفيق" والذين أوجبوا عليهم القضاء اختلفببوا فببي كببون الغمبباء
والجنون مفسدًا للصوم ،فقوم قالوا إنه مفسد ،وقوم قببالوا :ليببس بمفسببد ،وقببوم فرقببوا
بين أن يكون أغمي عليه بعد الفجر أو قبل الفجر ،وقببوم قببالوا :إن أغمببي عليببه بعببد
مضي أكثر النهار أجزأه ،وإن أغمي عليه في أول النهار قضى ،وهو مذهب مالببك،
وهذا كلببه فيببه ضببعف ،فببإن الغمبباء والجنببون صببفة يرتفببع بهبا التكليببف وبخاصببة
الجنون ،إذا ارتفع التكليف لم يوصف لمفطر ول صائم فكيف يقال فببي الصببفة الببتي
ترفع التكليف إنها مبطلة للصببوم إل كمببا يقببال فببي الميببت أو فببي مببن ل يصببح منببه
العمل إنه قد بطل صومه وعمله .ويتعلق بقضبباء المسببافر والمريببض مسببائل :منهببا
هل يقضيان ما عليهما متتابعا أم ل؟ ومنها ماذا عليهما إذا أخرا القضبباء بغيببر عببذر
إلى أن يدخل رمضان آخر؟ ومنها إذا ماتا ولم يقضيا هل يصوم عنهما وليهمببا أو ل
يصوم؟
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
)أما المسألة الولى( فإن بعضهم أوجب أن يكون القضاء متتابعا علببى صببفة الداء،
وبعضهم لم يوجب ذلك ،وهؤلء منهم من خير ومنهم من استحب التتابع ،والجماعببة
على ترك إيجاب التتابع .وسبب اختلفهم تعارض ظواهر اللفظ والقيبباس ،وذلببك أن
القياس يقتضي أن يكون الداء على صببفة القضبباء أصببل ذلببك الصببلة والحببج .أمببا
ظاهر قوله تعالى }فعدة مببن أيببام أخببر{ فإنمببا يقتضببي إيجبباب العببدد فقببط ل إيجبباب
التتابع .وروي عببن عائشببة أنهببا قببالت :نزلببت فعببدة مببن أيببام أخببر متتابعببات فسببقط
}متتابعات{ .وأما إذا أخر القضاء حتى دخل رمضان آخببر؛ فقببال قببوم :يجببب عليببه
بعد صيام رمضان الداخل القضاء والكفارة ،وبه قال مالبك والشببافعي وأحمببد .وقبال
قوم :ل كفارة عليه وبه قال الحسن البصري وإبراهيم النخعي .وسبب اختلفهببم هببل
تقاس الكفارات بعضها على بعض أم ل؟ فمن لم يجز القياس في الكفارات قال :إنمببا
عليه القضاء فقط .ومن أجاز القياس في الكفارات قال :عليبه كفبارة قياسبا علببى مبن
أفطبر متعمبدا لن كليهمبا مسبتهين بحرمبة الصبوم .أمبا هبذا فببترك القضباء زمبان
القضاء ،وأما ذلك فبالكبل فبي يبوم ل يجبوز فيبه الكبل ،وإنمبا كبان يكبون القيباس
مستندا لو ثبت أن للقضاء زمنببا محببدودا بنببص مببن الشببارع ،لن أزمنببة الداء هببي
المحدودة في الشرع ،وقد شببذ قببوم فقببالوا :إذا اتصببل مببرض المريببض حببتى يببدخل
رمضان آخر أنه ل قضاء عليه وهذا مخالف للنص .وأما إذا مات وعليه صببوم فببإن
قوما قالوا :ل يصوم أحد عن أحد .وقوم قالوا يصبوم عنبه وليبه ،والبذين لبم يوجببوا
الصوم قالوا :يطعم عنه وليه ،وبه قال الشافعي .وقال بعضببهم :ل صببيام ول إطعببام
إل أن يوصي به ،وهو قول مالببك .وقببال أبببو حنيفببة يصببوم ،فببإن لببم يسببتطع أطعببم
وفرق قوم بين النذر والصيام المفروض فقالوا يصوم عنه وليه في النذر ول يصببوم
في الصيام المفروض والسبب في اختلفهم معارضبة القيبباس للثبر وذلبك أنببه ثببت
عنه من حديث عائشة أنه قال عليه الصلة والسلم "من مببات وعليببه صببيام صببامه
عنه وليه" خرجه مسلم ،وثبت عنه أيضا من حديث ابن عباس أنببه قببال "جبباء رجببل
إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال :يارسول ال إن أمي مبباتت وعليهببا صببوم شببهر
أفأقضيه عنها؟ فقال :لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها؟ قال نعببم ،قببال :فببدين
ال أحق بالقضاء" فمن رأى أن الصول تعارضه ،وذلك أنه كما أنببه ل يصببلي أحببد
عن أحد ول يتوضأ أحد عن أحد وكذلك ل يصوم أحد عن أحبد قبال :ل صبيام علبى
الولي ،ومن أخذ بالنص في ذلك قال :بإيجاب الصيام عليه ،ومن لم يأخذ بالنص فببي
ذلك قصببر الوجببوب علببى النببذر ،ومببن قباس رمضببان عليببه قبال :يصببوم عنببه فببي
رمضان .وأما من أوجب الطعام فمصيرا إلى قراءة من قرأ }وعلى الببذين يطيقببونه
فدية{ الية.
)يتبع(...
@)تابع- :(1 ...القسم الثاني من الصوم المفروض... ...:
ومن خير في ذلك فجمعا بين الية والثر ،فهذه هي أحكببام المسببافر والمريببض مببن
الصنف البذي يجبوز لهببم الفطببر والصبوم .وأمببا ببباقي هببذا الصببنف وهببو المرضببع
والحامل والشيخ الكبير ،فإن فيه مسألتين مشهورتين :إحداهما الحامل والمرضببع إذا
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
أفطرتا ماذا عليهما؟ وهذه المسألة للعلماء فيها أربعة مببذاهب :أحبدها أنهمبا يطعمبان
ول قضاء عليهما ،وهببو مببروي عببن ابببن عمببر وابببن عببباس .والقببول الثبباني أنهمببا
يقضيان فقط ول إطعام عليهما وهو مقابل الول وبه قال أبو حنيفببة وأصببحابه وأبببو
عبيد وأبو ثور .والثالث أنهما يقضيان ويطعمان وبه قال الشافعي والقببول الرابببع أن
الحامل تقضي ول تطعم والمرضع تقضبي وتطعبم ،وسببب اختلفهبم تبردد شببههما
بين الذي يجهده الصوم وبين المريض ،فمن شبههما بالمريض قال :عليهمببا القضبباء
فقط ،ومن شبههما بالذي يجهده الصوم قال عليهما الطعام فقط بدليل قراءة مبن قبرأ
}وعلى الذين يطيقونه فديبة طعبام مسباكين{ اليبة .وأمبا مبن جمبع عليهمبا المريبن
فيشبه أن يكون رأى فيهما من كل واحد شبها فقال :عليهما القضاء من جهة ما فيهما
من شبه المريض وعليهما الفدية من جهة ما فيهما من شبببه الببذين يجهببدهم الصببيام،
ويشبه أن يكون شبههما بالمفطر الصحيح لكن يضعف هذا ،فإن الصحيح ل يباح لببه
الفطببر .ومببن فببرق بيببن الحامببل والمرضببع ألحببق الحامببل بببالمريض وأبقببى حكببم
المرضع مجموعا من حكم المريض وحكم الذي يجهده الصببوم أو شبببهها بالصببحيح
ومن أفرد لهما أحد الحكمين أولى وال أعلم ممن جمع ،كما أن من أفردهما بالقضاء
أولى ممن أفردهما بالطعام فقط لكون القراءة غيببر متببواترة ،فتأمببل هببذا فببإنه بيببن.
وأما الشيخ الكبير والعجوز اللذان ل يقدران على الصيام فإنهم أجمعوا على أن لهمببا
أن يفطرا ،واختلفوا في ما عليهما إذا أفطرا ،فقال قببوم :عليهمببا الطعببام .وقبال قببوم
ليس عليهما إطعام ،وبالول قببال الشببافعي وأبببو حنيفببة ،وبالثبباني قببال مالببك إل أنببه
استحبه .وأكثر من رأى الطعام عليهما يقول مد عن كل يوم ،وقيل إن حفن حفنببات
كما كان أنس يصنع أجببزأه .وسبببب اختلفهببم اختلفهببم فببي القببراءة الببتي ذكرناهببا،
أعني قراءة من قرأ }وعلى الذين يطوقونه{ فمن أوجب العمل بالقراءة التي لم تثبببت
في المصحف إذا وردت من طريق الحاد العدول قال :الشيخ منهم ،ومن لببم يببوجب
بها عمل جعل حكمه حكم المريض الذي يتمادى به المرض حتى الموت ،فهببذه هببي
أحكام الصنف من الناس الببذين يجببوز لهببم الفطببر ،أعنببي أحكببامهم المشببهورة الببتي
أكثرها منطوق به أو لها تعلق بالمنطوق به في الصنف الذي يجوز لببه الفطببر .وأمببا
النظر في أحكام الصنف الذي يجوز له الفطر إذا أفطر ،فإن النظببر فببي ذلببك يتببوجه
إلى من يفطر بجماع وإلى من يفطر بغير جمبباع وإلببى مببن يفطببر ببأمر متفببق عليببه
وإلى من يفطر بأمر مختلف عليه ،أعني بشبهة أو بغير شبهة ،وكل واحد من هببذين
إمببا أن يكببون علببى طريببق السببهو أو طريببق العمببد أو طريببق الختيببار أو طريببق
الكراه .أما من أفطر بجماع متعمدا فببي رمضببان ،فببإن الجمهببور علببى أن الببواجب
عليه القضاء والكفارة ،لما ثبت من حديث أبي هريرة أنه قال "جاء رجل إلى رسول
ال صلى ال عليه وسلم فقال :هلكت يا رسول ال ،قال :وما أهلكك؟ قال وقعت على
إمرأتي في رمضان ،قال :هل تجد ما تعتق به رقبة؟ قال :ل ،قال :فهببل تسببتطيع أن
تصوم شهرين متتابعين؟ قال :ل ،قال :فهل تجد ما تطعم به ستين مسببكينا؟ قببال :ل،
ثم جلس فأتى النبي صلى ال عليه وسلم بفببرق فيببه تمببر فقببال :تصببدق بهببذا ،فقببال:
أعلى أفقر مني؟ فما بين لبتيها أهل بيت أحوج إليه منا ،قببال :فضببحك النبببي صببلى
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
ال عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال :إذهب فأطعمه أهلببك" واختلفببوا مببن ذلببك فببي
مواضع :منها هل الفطار متعمدا بالكل والشرب حكمببه كلفطببار فببي الجمبباع فببي
القضاء والكفارة أم ل؟ ومنها إذا جامع ساهيا ماذا عليه؟ ومنها مباذا علبى المبرأة إذا
لم تكن مكرهة؟ ومنها هبل الكفبارة واجببة فيبه مترتببة أو علبى التخييبر؟ ومنهبا كبم
المقببدار الببذي يجببب أن يعطببى كببل مسببكين إذا كفببر بالطعببام؟ ومنهببا هببل الكفببارة
متكببررة بتكببرر الجمبباع أم ل؟ ومنهببا إذا لزمببه الطعببام وكببان معسببرا هببل يلزمببه
الطعام إذا أثرى أم ل؟ وشذ قوم فلم يوجبوا على المفطر عمدا بالجمبباع إل القضبباء
فقط ،إما لنه لم يبلغهم هذا الحديث ،وأما أنه لم يكن المر عزمة فببي هببذا الحببديث،
لنه لو كان عزمة لوجب إذا لببم يسببتطع العتبباق أو الطعببام أن يصببوم ،ول بببد إذا
كان صحيحا على ظاهر الحديث ،وأيضا لو كان عزمة لعلمه عليه الصلة والسلم
أنه إذا صح أنه يجب عليه الصيام أن لو كان مريضا وكببذلك شببذ قببوم أيضببا فقببالوا:
ليس عليه إل الكفارة فقط إذ ليس في الحديث ذكر القضاء ،والقضاء الواجب بالكتاب
إنما هو لمن أفطر ممن يجوز له الفطر ،أو ممن ل يجوز له الصببوم علببى الختلف
الذي قررناه قبل في ذلك ،فأما من أفطر متعمدا فليس في إيجاب القضاء عليببه نببص
فيلحق في قضاء المتعمد الخلف الببذي لحببق فببي قضبباء تببارك الصببلة عمببدا حببتى
خرج وقتها ،إل أن الخلف في هاتين المسألتين شاذ .وأما الخلف المشهور فهو في
المسائل التي عددناها قبل.
)أما المسألة الولى( وهي هل تجب الكفارة بالفطار بالكببل والشببرب متعمببدا ،فببإن
مالك وأصحابه وأبببا حنيفببة وأصببحابه والثببوري وجماعببة ذهبببوا إلببى أن مببن أفطببر
متعمدا بأكل أو شرب أن عليه القضاء والكفارة المببذكورة فببي هببذا الحببديث .وذهببب
الشافعي وأحمد وأهل الظاهر إلى أن الكفارة إنما تلزم في الفطار من الجمبباع فقببط.
والسبب في اختلفهم اختلفهم في جواز قياس المفطر بالكل والشرب على المفطببر
بالجماع ،فمن رأى أن شبههما فيه واحد وهبو انتهباك حرمببة الصببوم جعبل حكمهمبا
واحد .ومببن رأى أنببه وإن كببانت الكفببارة عقاببا لنتهباك الحرمبة فإنهببا أشببد مناسبببة
للجماع منها لغيره ،وذلك أن العقاب المقصود به الردع والعقبباب الكبببر قببد يوضببع
لما إليه النفس أميل وهو لها أغلب من الجنايببات وإن كببانت الجنايببة متقاربببة إذ كببان
المقصود من ذلك إلتزام الناس بالشرائع ،وأن يكونوا أخيارا عببدول كمببا قببال تعببالى
}كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين مببن قبلكببم لعلكببم تتقببون{ قببال هببذه الكفببارة
المغلظة خاصة بالجماع ،وهذا إذا كان ممن يرى القياس .وأمببا مببن ل يببرى القيبباس
فأمره بين أنه ليس يعدى حكم الجماع إلى الكل والشببرب .وأمببا مببا روى مالبك فبي
الموطببأ أن رجل أفطببر فببي رمضببان فببأمره النبببي صببلى الب عليببه وسببلم بالكفببارة
المذكورة فليس بحجة لن قول الراوي فأفطر هو مجمببل ،والمجمببل ليببس لببه عمببوم
فيؤخذ به ،لكن هذا قببول علببى إن الببراوي كببان يببرى أن الكفببارة لموضببع الفطببار،
ولول ذلك لما عبر بهذا اللفظ ولذكر النوع من الفطر الذي أفطر به.
)وأما المسألة الثانية( وهو إذا جامع ناسيا لصومه ،فإن الشافعي وأبا حنيفببة يقببولن:
ل قضاء عليه ول كفارة .قال مالك :عليببه القضبباء دون الكفببارة .وقببال أحمببد وأهببل
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الظاهر عليه القضاء والكفارة وسبب اختلفهببم فببي قضبباء الناسببي معارضببة ظبباهر
الثر في ذلك للقياس وأما القياس فهو تشبيه ناسي الصوم بناسي الصلة ،فمن شبببهه
بناسي الصلة أوجب عليه القضاء كوجوبه بالنص على ناسببي الصببلة .وأمببا الثببر
المعارض بظاهره لهذا القياس فهو ما خرجه البخاري ومسلم عن أبببي هريببرة قببال:
قال رسول ال صلى ال عليببه وسببلم" :مببن نسببي وهببو صببائم فأكببل أو شببرب فليتببم
صومه فإنما أطعمه ال وسقاه" وهذا الثر يشهد له عموم قوله عليه الصلة والسببلم
"رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" ومن هذا الباب اختلفهببم فيمببن
ظن أن الشمس قد غربت فأفطر ثم ظهرت الشمس بعد ذلك هببل عليببه قضبباء أم ل؟
وذلك أن هذا مخطئ ،والمخطئ والناسي حكمهما واحد ،فكيفمببا قلنببا فتببأثير النسببيان
في إسقاط القضاء بين وال أعلم .وذلك أّنا إن قلنا أن الصل هبو أن ل يلبزم الناسببي
قضاء حبتى يبدل البدليل علبى ذلبك وجبب أن يكبون النسبيان ل يبوجب القضباء فبي
الصوم إذ ل دليل ههنا على ذلك بخلف المر في الصلة ،وإن قلنببا أن الصببل هببو
إيجاب القضاء حتى يدل الدليل على رفعه عن الناسي فقد دل الدليل فببي حببديث أبببي
هريرة على رفعه عن الناسي ،اللهم إل أن يقول قائل :إن الدليل الذي اسببتثنى ناسببي
الصوم من ناسي سبائر العببادات الببتي رفبع عببن تاركهبا الحبرج ببالنص هببو قيبباس
الصوم على الصلة ،ولكن إيجاب القضبباء فيببه ضببعف ،وإنمببا القضبباء عنببد الكببثر
واجب بأمر متجدد .وأما من أوجب القضاء والكفارة على المجببامع ناسببيا فضببعيف،
فإن تأثير النسيان في إسقاط العقوبات بّين في الشرع والكفببارة مببن أنببواع العقوبببات
وإنما أصارهم إلى ذلك أخذهم بمجمل الصفة المنقولة في الحديث أعنببي مببن أنببه لببم
يذكر فيه أنه فعل ذلك عمدا ول نسبيانا ،لكببن مببن أوجبب الكفبارة علببى قاتببل الصببيد
نسيانا لم يحفظ أصله في هذا مع أن النص إنما جاء في المتعمد ،وقد كان يجب علببى
أهل الظاهر أن يأخذوا بالمتفق عليه وهببو إيجبباب الكفببارة علببى العامببد إلببى أن يببدل
الدليل على إيجابها على الناسي ،أو يأخذوا بعموم قوله عليه الصببلة والسببلم "رفببع
عن أمتي الخطأ والنسيان" حتى يدل الدليل على التخصيص ،ولكببن كل الفريقيببن لببم
يلزم أصله وليس في مجمل ما نقل من حديث العرابببي حجببة .ومببن قببال مببن أهببل
الصببول إن تببرك التفصببيل فببي اختلف الحببوال مببن الشببارع بمنزلببة العمببوم فببي
القوال فضعيف ،فإن الشارع لم يحكم قط إل على مفصل وإنما الجمال في حقنا.
)وأما المسألة الثالثة( وهو اختلفهم في وجوب الكفارة على المرأة إذا طاوعته علببى
الجمباع ،فبإن أببا حنيفبة وأصبحابه ومالكبا وأصبحابه أوجببوا عليهبا الكفبارة ،وقبال
الشافعي وداود :ل كفارة عليها .وسبب اختلفهم معارضة ظاهر الثر للقياس ،وذلك
أنه عليه الصلة والسلم لببم يببأمر المببرأة فببي الحببديث بالكفببارة ،والقيبباس أنهببا مثببل
الرجل إذ كان كلهما مكلف.
)وأما المسألة الرابعه( وهي هل هذه الكفارة مرتبة ككفارة الظهار أو علببى التخييببر،
وأعني بالترتيب أن ل ينتقل المكلف إلى واحد من الواجبات المخيببرة إل بعببد العجببز
عن الذي قبله ،وبالتخيير أن يفعل منها ما شاء ابتداء من غير عجز عن الخر فإنهم
أيضا اختلفوا في ذلك ،فقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وسائر الكوفيين :هي غيببر
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
مرتبة ،فالعتق أول ،فإن لم يجد فالصيام ،فإن لم يستطع فالطعبام .وقبال مالبك :هبي
على التخيير .وروى عنه ابن القاسم مع ذلك أنببه بسببتحب الطعببام أكببثر مببن العتببق
ومن الصيام .وسبب اختلفهم في وجوب الترتيب تعببارض ظبواهر الثببار فبي ذلببك
والقيسة ،وذلك أن ظاهر حديث العرابي المتقدم يوجب أنها على الببترتيب إذ سببأله
النبي عليه الصلة والسلم عن الستطاعة عليها مرتبا ،وظبباهر مببا رواه مالببك مببن
"أن رجل أفطر في رمضان فأمره رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يعتق رقبببه أو
يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا" أنها على التخيير ،إذ أو إنما تقتضببي
في لسان العرب التخيير ،وإن كان ذلك من لفظ الراوي الصاحب ،إذ كانوا هببم أقعببد
بمفهوم الحوال ودللت القوال .وأما القيسببة المعارضببة فببي ذلببك فتشبببيهها تببارة
بكفارة الظهار وتارة بكفارة اليمين ،لكنها أشبه بكفارة الظهببار منهببا بكفببارة اليميببن،
وأخذ الترتيب من حكاية لفظ الراوي .وأما استحباب مالك البتداء بالطعام فمخببالف
لظواهر الثار ،وإنما ذهب إلى هذا من طريق القياس ،لنه رأى الصيام قد وقع بدله
الطعام في مواضع شتى من الشرع ،وإنه مناسب له أكثر من غيره بدليل قراءة من
قرأ }وعلى الذين يطوقببونه فديببة طعببام مسبباكين{ ولببذلك اسببتحب هببو وجماعببة مببن
العلماء لمن مات وعليه صوم أن يكفر بالطعبام عنبه ،وهبذا كبأنه مبن بباب ترجيببح
القياس الذي تشهد له الصول على الثر الذي ل تشهد له الصول.
)وأما المسببألة الخامسببة( وهببو اختلفهببم فببي مقببدار الطعببام ،فببإن مالكببا والشببافعي
وأصحابهما قالوا :يطعم لكل مسكين مدا بمد النبي صببلى الب عليببه وسببلم وقببال أبببو
حنيفة وأصحابه :ل يجزئ أقل من مدين بمد النبي صلى ال عليه وسلم وذلك نصف
صاع لكل مسكين .وسبب اختلفهم معارضة القياس للثر .وأما القياس فتشبببيه هببذه
الفدية بفدية الذى المنصوص عليها .وأما الثر فمببا روي فببي بعببض طببرق حببديث
الكفارة أن الفرق كان فيه خمسة عشر صاعا ،لكن ليس يدل كونه فيببه خمسببة عشببر
صاعا على الواجب من ذلك لكل مسكين إل دللة ضعيفة ،وإنمببا يببدل علببى أن بببدل
الصيام في هذه الكفارة هو هذا القدر.
)وأما المسألة السادسة( وهي تكرر الكفارة بتكرر الفطار فإنهم أجمعوا على أن من
وطئ في يوم رمضان ثم كفر ثم وطئ في يوم آخر أن عليه كفارة أخرى ،وأجمعببوا
على أنه من وطئ مرارا في يوم واحد أنه ليس عليه إل كفارة واحدة .واختلفوا فيمن
وطئ في يوم من رمضان ولم يكفر حتى وطئ في يببوم ثببان ،فقببال مالببك والشببافعي
وجماعة :عليه لكل يوم كفارة ،وقال أبو حنيفة وأصحابه :عليببه كفبارة واحبدة مبا لبم
يكفر عن الجماع الول .والسبب في اختلفهم تشبيه الكفارات بالحببدود ،فمببن شبببهها
بالحدود قال :كفارة واحدة تجزئ في ذلببك عببن أفعببال كببثيرة كمببا يلببزم الزانببي جلببد
واحد ،وإن زنى ألف مرة إذا لم يحد لواحدة منها .ومن لم يشبهها بالحدود جعل لكببل
واحد من اليام حكما منفردا بنفسه في هتك الصوم فيببه أوجببب فببي كببل يببوم كفبارة.
قالوا :والفرق بينهما أن الكفارة فيها نوع من القربة .والحدود زجر محض.
)يتبع(...
@)تابع- :(2 ...القسم الثاني من الصوم المفروض... ...:
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
)وأما المسألة السابعة( وهي هل يجب عليه الطعام إذا أيسر وكان معسرا فببي وقببت
الوجوب فإن الوزاعي قال :ل شيء عليه إن كان معسرا .وأما الشببافعي فببتردد فببي
ذلك .والسبب في اختلفهم في ذلك أنه حكم مسكوت عنببه فيحتمببل أن يشبببه بالببديون
فيعود الوجوب عليه في وقت الثراء ،ويحتمببل أن يقببال :لببو كببان ذلببك واجبببا عليببه
لبينه له عليه الصلة والسلم ،فهذه أحكام من أفطر متعمدا فببي رمضببان ممببا أجمببع
على أنه مفطر .وأما من أفطر مما هو مختلف فيه ،فإن بعض من أوجب فيببه الفطببر
أوجب فيه القضاء والكفارة وبعضهم أوجب فيه القضاء فقببط ،مثببل مببن رأى الفطببر
في الحجامة ومن الستقاء ،ومن بلع الحصاة ،ومثل المسببافر يفطببر أول يببوم يخببرج
عند من يرى أنه ليس لببه أن يفطببر فببي ذلببك اليببوم ،فببإن مالكببا أوجببب فيببه القضبباء
والكفارة ،وخالفه في ذلك سائر فقهاء المصار وجمهور أصحابه .وأمببا مببن أوجببب
القضاء والكفارة من السببتقاء فببأبو ثببور والوزاعببي وسببائر مببن يببرى أن السببتقاء
مفطر ل يوجبون إل القضاء فقط .والذي أوجب القضاء والكفببارة فببي الحتجببام مببن
القائلين بأن الحجامة تفطر هو عطاء وحببده .وسببب هببذا الخلف أن المفطبر بشببيء
فيه اختلف فيه شبه من غير المفطر ومن المفطر .فمن غلب أحد الشبهين أوجب له
ذلك الحكم وهذان الشبهان الموجودان فيه هما اللذان أوجبببا فيببه الخلف ،أعنببي هببل
هو مفطر أو غير مفطر ،ولكون الفطار شبهة ل يوجب الكفارة عند الجمهور وإنما
يوجب القضاء فقط ،نزع أبو حنيفة إلى أنه من أفطر متعمدا للفطر ثم طرأ عليه فببي
ذلك اليوم سبب مبيح للفطر أنه ل كفارة عليه كالمرأة تفطببر عمببدا ثببم تحيببض ببباقي
النهار ،وكالصحيح يفطر عمدا ثم يمببرض والحاضببر يفطبر ثبم يسبافر ،فمبن اعتببر
المر في نفسه أعني أنه مفطر في يوم جاز له الفطار فيه لم يوجب عليهم الكفببارة،
وذلك أن كل واحد من هؤلء قد كشف له الغيب أنه أفطر في يببوم جبباز لببه الفطببار
فيه ،ومن اعتبر الستهانه بالشرع أوجب عليه الكفارة ،لنه حين أفطر لم يكن عنببده
علم بالباحة ،وهو مذهب مالك والشافعي .ومن هذا الباب إيجاب مالك القضبباء فقببط
ك في الفجر ،وإيجابه القضاء والكفارة على من أكل وهو شبباك على من أكل وهو شا ّ
في الغروب على ما تقدم من الفرق بينهما .واتفق الجمهور على أنه ليس فببي الفطببر
عمدا في قضاء رمضان كفارة ،لنه ليس له حرمة زمان الداء :أعني رمضببان ،إل
قتادة فإنه أوجب عليه القضاء والكفارة .وروي عن ابن القاسم وابببن وهببب أن عليببه
يومين قياسا على الحج الفاسد .وأجمعوا علببى أن مببن سببنن الصببوم تببأخير السببحور
وتعجيل الفطر لقوله عليه الصلة والسلم " ل يزال النبباس بخيببر مببا عجلببوا الفطببر
وأخروا السحور" وقال "تسحروا فإن في السحور بركة" وقال عليه الصلة والسببلم
"فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السببحر" وكببذلك جمهببورهم علببى أن
من سنن الصوم ومرغباته كف اللسان عن الرفث والخنا لقوله عليه الصلة والسببلم
"إنما الصوم جنة ،فإذا أصبح أحدكم صائما فل يرفث ول يجهببل ،فببإن امببرؤ شبباتمه
فليقل إني صائم" وذهب أهل الظاهر إلى أن الرفث يفطر وهو شاذ فهببذه مشببهورات
ما يتعلق بالصوم المفروض من المسائل وبقي القول في الصوم المندوب إليببه ،وهببو
القسم الثاني من هذا الكتاب
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
ويببوم الجمعببة ويببوم السبببت والنصببف الخببر مببن شببعبان وصببيام الببدهر .أمببا أيببام
التشريق فإن أهل الظاهر لببم يجيببزوا الصببوم فيهببا .وقببوم أجببازوا ذلببك فيهببا .وقببوم
كرهوه ،وبه قال مالك ،إل أنه أجاز صيامها لمن وجب عليه الصوم فببي الحببج وهببو
المتمتع ،وهذه اليام هي الثلثة اليبام البتي بعبد يبوم النحبر .والسببب فبي اختلفهبم
تردد قوله عليه الصببلة والسببلم فببي "إنهببا أيببام أكببل وشببرب" بيببن أن يحمببل علببى
الوجوب أو على الندب ،فمن حمله علبى الوجببوب قبال :الصبوم يحببرم ،ومبن حملبه
على الندب قال :الصوم مكروه ،ويشبه أن يكون من حمله على الندب إنما صار إلى
ذلك وغلبه على الصل الذي هو حمله على الوجببوب لنببه رأى أنببه إن حملببه علببى
الوجوب عارضه حديث أبي سعيد الخببدري الثببابت بببدليل الخطبباب ،وهببو أنببه قببال:
سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول "ل يصح الصيام في يومين يببوم الفطببر
من رمضان ويوم النحر" فبدليل الخطباب يقتضبي أن مبا عبدا هبذين اليبومين يصبح
الصيام فيه ،وإل كان تخصيصهما عبثا ل فائدة فيه .وأما يببوم الجمعببة فببإن قومببا لببم
يكرهوا صيامه ،ومن هؤلء مالك وأصحابه وجماعببة ،وقببوم كرهببوا صببيامه إل أن
يصام قبله أو بعده .والسبب في اختلفهم اختلف الثار في ذلببك ،فمنهببا حببديث ابببن
مسعود "أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يصوم ثلثة أيام من كل شببهر قببال :ومببا
رأيته يفطر يوم الجمعة" وهو حديث صحيح.
ومنها حديث جابر "أن سائل سأل جابرا أسمعت رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم
نهى أن يفرد يوم الجمعة بصوم؟ قببال :نعببم ورب هببذا البببيت" خرجببه مسببلم .ومنهببا
حديث أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى الب عليببه وسببلم "ل يصببوم أحببدكم يببوم
الجمعة إل أن يصوم قبله أو يصوم بعده" خرجه أيضا مسلم ،فمن أخذ بظاهر حديث
ابن مسعود ،أجاز صيام يوم الجمعة مطلقببا ،ومببن أخببذ بظبباهر حببديث جببابر كرهببه
مطلقا ،ومن أخذ بحديث أبي هريرة جمع بين الحديثين ،أعني حببديث جببابر وحببديث
ابن مسعود.
وأما يوم الشك فإن جمهور العلماء على النهي عببن صببيام يببوم الشببك علببى أنببه مببن
رمضان لظواهر الحاديث الببتي يببوجب مفهومهببا تعلببق الصببوم بالرؤيببة أو بإكمببال
العدد إل ما حكيناه عن ابن عمر ،واختلفببوا فببي تحببري صببيامه تطوعببا ،فمنهببم مببن
كرهه على ظاهر حديث عمار "مبن صبام يبوم الشبك فقبد عصبى أببا القاسبم" ومبن
أجازه فلنه قد روي أنه عليه الصلة والسلم صام شبعبان كلبه ،ولمبا قبد روي مبن
أنه عليه الصلة والسلم قال "ل تتقدموا رمضان بيوم ول بيومين إل أن يوافق ذلببك
صوما كان يصومه أحدكم فليصمه" وكان الليث بن سعد يقببول :إنببه إن صببامه علببى
أنه من رمضان ثم جاء الثبت أنه من رمضان أجزأه ،وهذا دليببل علببى أن النيببة تقببع
بعد الفجر في التحول من نية التطوع إلى نية الفرض .وأما يوم السبت ،فالسبببت فببي
اختلفهم فيه اختلفهم في تصحيح ما روي مببن أنببه عليببه الصببلة والسببلم قببال "ل
تصببوموا يببوم السبببت إل فيمببا افببترض عليكببم" خرجببه أبببو داود ،قببالوا :والحببديث
منسوخ ،نسخة حديث جويرية بنت الحبارث "أن النببي عليببه الصبلة والسبلم دخبل
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
عليها يوم الجمعبة وهبي صبائمة فقبال :صبمت أمبس؟ فقبالت :ل ،فقبال :تريبدين أن
تصومي غدا؟ قالت :ل ،قال :فأفطري".
وأما صيام الدهر فإنه قد ثبت النهي عن ذلك ،لكن مالبك لبم يبر ببذلك بأسبا ،وعسبى
رأى النهي في ذلك إنما هو من باب خوف الضعف والمرض .وأمببا صببيام النصببف
الخر من شعبان ،فإن قوما كرهوه ،وقوما أجازوه ،فمن كرهوه فلمببا روي مببن أنببه
عليه الصلة والسلم قال "ل صوم بعببد النصببف مببن شببعبان حببتى رمضببان" ومببن
أجازه فلما روي عن أم سلمة قالت "ما رأيت رسول ال صلى ال عليببه وسببلم صببام
شهرين متتابعين إل شعبان ورمضان" ولما روي عن ابن عمر قال "كان رسول ال
صلى ال عليه وسلم يقرن شعبان برمضببان" وهببذه الثببار خرجهببا الطحبباوي .وأمببا
الركن الثاني وهو النية فل أعلم أن أحدا لم يشببترط النيببة فببي صببوم التطببوع ،وإنمببا
اختلفوا في وقت النية على ما تقدم .وأما الركن الثالث وهو المساك عببن المفطببرات
فهو بعينه المساك الواجب فببي الصببوم المفببروض ،والختلف الببذي هنالببك لحببق
ههنا .وأما حكم الفطار في التطوع فإنهم أجمعوا على أنه ليس علببى مببن دخببل فببي
صيام تطوع فقطعه لعذر قضاء .واختلفوا إذا قطعه لغير عذر عامبدا ،فبأوجب مالبك
وأبو حنيفة عليه القضاء ،وقال الشافعي وجماعة :ليس عليه قضاء.
والسبببب فببي اختلفهببم اختلف الثببار فببي ذلببك ،وذلببك أن مالكببا روى أن حفصببة
وعائشة زوجي النبي عليه الصببلة والسببلم أصبببحتا صببائمتين متطوعببتين ،فأهببدى
لهما الطعام فأفطرتا عليه ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم :اقضيا يومببا مكببانه"
وعارض هذا حديث أم هببانئ قببالت "لمببا كببان يببوم الفتببح فتببح مكببة ،جبباءت فاطمببة
فجلست عن يسببار رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم وأم هببانئ عببن يمينببه ،قببالت:
فجاءت الوليدة بإناء فيه شراب ،فناولته فشرب منه ،ثم ناوله أم هببانئ فشببربت منببه،
قالت :يا رسول ال لقد أفطرت وكنت صائمة ،فقال لها عليه الصلة والسلم :أكنببت
تقضين شيئا؟ قالت :ل ،قال :فل يضرك إن كبان تطوعبا" واحتبج الشبافعي فبي هبذا
المعنى بحديث عائشة أنها قالت "دخل علي رسول ال صلى ال ب عليببه وسببلم فقلببت:
أنا خبأت لك خبئا ،فقال :أما إنببي كنببت أريببد الصببيام ولكببن قربيببه" وحببديث عائشببة
وحفصة غير مسند.
ولختلفهم أيضا في هذه المسألة سبب آخر ،هببو تببردد الصببوم التطببوع بيببن قياسببه
على صلة التطوع أو على حج التطوع ،وذلك أنهم أجمعببوا علببى أن مببن دخببل فببي
الحج والعمرة متطوعا يخرج منهما أن عليه القضبباء .وأجمعببوا علببى أن مببن خببرج
من صلة التطوع فليس عليه قضاء فيما علمت ،وزعم من قاس الصوم على الصلة
أنه أشبه بالصلة منه بالحج ،لن الحج له حكم خاص في هذا المعنى ،وهو أنه يلببزم
المفسد له المسير فيه إلى آخره ،وإذا أفطر في التطببوع ناسببيا فببالجمهور علببى أن ل
قضاء عليه ،وقال ابن علية عليه القضاء قياسا على الحج ،ولعل مالكببا حمببل حببديث
أم هانئ على النسيان ،وحديث أم هانئ خرجه أبو داود ،وكذلك خرج حبديث عائشبة
بقريب من اللفظ الذي ذكرناه ،وخرج حديث عائشة وحفصة بعينه.
بسم ال الرحمن الرحيم.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
**2كتاب العتكاف.
@-والعتكاف مندوب إليه بالشرع واجب بالنذر ،ول خلف فببي ذلببك إل مببا روي
عن مالك أنه كره الدخول فيه مخافة أن ل يوفى شرطه وهو في رمضبان أكبثر منبه
في غيره ،وبخاصة في العشر الواخر منه ،إذ كان ذلك هو آخر اعتكافه صببلى ال ب
عليه وسلم ،وهو بالجملة يشتمل على عمل مخصوص في موضببع مخصببوص وفببي
زمان مخصوص بشروط مخصوصة وتروك مخصوصة .فأما العمببل الببذي يخصببه
ففيه قولن :قيل إنه الصلة وذكر ال وقببراءة القببرآن ل غيببر ذلببك مببن أعمببال البببر
والقرب ،وهو مذهب ابن القاسم .وقيل جميع أعمال القرب والبر المختصة بالخرة،
وهو مذهب ابن وهب ،فعلى هبذا المببذهب يشبهد الجنبائز ويعبود المرضببى ويببدرس
العلم ،وعلى المذهب الول ل ،وهذا هو مذهب الثوري ،والول هو مذهب الشببافعي
وأبي حنيفة .وسبب اختلفهم أن ذلك شبيء مسبكوت عنببه ،أعنببي أنبه ليبس فيببه حببد
مشببروع بببالقول ،فمببن فهببم مببن العتكبباف حبببس النفببس علببى الفعببال المختصببة
بالمساجد قال :ل يجوز للمعتكف إل الصلة والقببراءة .ومببن فهببم منببه حبببس النفببس
على القرب الخروية كلها أجاز له غير ذلك ممببا ذكرنبباه .وروي عببن علببي رضببي
ال عنه أنه قال :من اعتكف ل يرفث ول يساب ،وليشهد الجمعة والجنازة ،ويوصي
أهله إذا كانت له حاجة وهو قائم ول يجلس .ذكره عبد الببرزاق .وروي عببن عائشببة
خلف هذا ،وهو أن السنة للمعتكف أن ل يشهد جنازة ول يعود مريضا ،وهذا أيضا
أحد ما أوجب الختلف في هذا المعنى .وأما المواضع التي يكببون فيهببا العتكبباف،
فإنهم اختلفوا فيها فقال قوم :ل اعتكاف إل في المساجد الثلثة بيت ال الحرام وبيببت
المقدس ومسجد النبي عليه الصلة والسلم وبه قال حذيفة وسعيد بن المسيب .وقببال
آخرون :العتكاف عام في كل مسجد ،وبه قال الشافعي وأبو حنيفة والثببوري ،وهببو
مشهور مذهب مالك .وقال آخرون :ل اعتكاف إل في مسجد فيه جمعة ،وهي رواية
ابن عبد الحكم عن مالك .وأجمع الكل على أن من شرط العتكبباف المسببجد ،إل مببا
ذهب إليه ابن لبابة من أنه يصح في غيببر مسببجد ،وأن مباشببرة النسبباء إنمببا حرمببت
على المعتكف إذا اعتكف في المسجد ،وإل ما ذهب إليه أبو حنيفة من أن المرأة إنما
تعتكف في مسجد بيتها.
وسبب اختلفهم في اشتراط المسجد أو ترك اشتراطه هببو الحتمببال الببذي فببي قببوله
تعالى }ول تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد{ بين أن يكون له دليل خطاب أو ل
يكون له؟ فمنن قال له دليل خطاب قبال :ل اعتكبباف إل فببي مسبجد ،وإن مبن شبرط
العتكبباف تببرك المباشببرة .ومببن قببال ليببس لببه دليببل خطبباب قببال :المفهببوم منببه أن
العتكاف جائز في غير المسجد وأنببه ل يمنببع المباشببرة لن قببائل لببو قببال :ل تعببط
فلنا شيئا إذا كان داخل في الدار لكببان مفهببوم دليببل الخطبباب يببوجب أن تعطيببه إذا
كان خارج الدار ،ولكن هو قول شاذ .والجمهور على أن العكببوف إنمببا أضببيف إلببى
المساجد لنها مببن شببرطه .وأمببا سبببب اختلفهببم فببي تخصببيص بعببض المسبباجد أو
تعميمها فمعارضة العموم للقياس المخصببص لببه ،فمببن رجببح العمببوم قببال :فببي كببل
مسجد على ظاهر الية .ومن انقدح له تخصببيص بعببض المسبباجد مببن ذلببك العمببوم
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
بقياس اشترط أن يكون مسجدا فيه جمعببة لئل ينقطبع عمبل المعتكببف ببالخروج إلبى
الجمعة ،أو مسجدا تشد إليه المطي مثل مسجد النبي صلى ال عليه وسلم الببذي وقببع
فيه اعتكافه ،ولم يقس سائر المساجد عليه إذ كانت غير مساوية له في الحرمة .وأمببا
سبب اختلفهم في اعتكاف المرأة فمعارضة القياس أيضا للثر ،وذلك "أنببه ثبببت أن
حفصة وعائشة وزينب أزواج النبي صلى ال عليه وسلم اسببتأذن رسببول الب صببلى
ال عليه وسلم في العتكاف في المسجد ،فأذن لهم حين ضربن أخبببيتهن فيببه" فكببان
هذا الثر دليل على جواز اعتكاف المرأة في المسجد .وأمببا القيبباس المعببارض لهببذا
فهو قياس العتكاف على الصلة ،وذلك أنه لما كانت صلة المرأة في بيتهببا أفضببل
منها في المسجد على ما جاء الخبر وجب أن يكون العتكاف في بيتهبا أفضبل قبالوا
وإنما يجوز للمرأة أن تعتكف في المسجد مع زوجها فقط على نحو ما جاء في الثببر
من اعتكاف أزواجه عليه الصلة والسلم معببه كمببا تسببافر معببه ول تسببافر مفببردة،
وكأنه نحو من الجمع بين القياس والثر.
وأما زمان العتكاف فليس لكثره عندهم حد واجببب ،وإن كببان كلهببم يختببار العشببر
الواخر من رمضان بل يجوز الدهر كله ،إما مطلقببا عنببد مببن ل يببرى الصببوم مببن
شببروطه ،وإمببا مببا عببدا اليببام الببتي ل يجببوز صببومها عنببد مببن يببرى الصببوم مببن
شروطه .وأما أقله فببإنهم اختلفببوا فيببه ،وكببذلك اختلفببوا فببي الببوقت الببذي يببدخل فيببه
المعتكف لعتكافه وفي الوقت الذي يخرج فيه منه .أما أقببل زمببان العتكبباف ،فعنببد
الشافعي وأبي حنيفة وأكثر الفقهاء أنه ل حد لببه .واختلببف عببن مالببك فببي ذلببك فقيببل
ثلثة أيام ،وقيل يوم وليلة .وقال ابن القاسم عنه أقله عشرة أيام ،وعند البغداديين من
أصحابه أن العشرة استحباب وأن أقلبه يبوم وليلبة .والسببب فبي اختلفهبم معارضبة
القياس للثر؛ أما القياس فإنه من اعتقد أن من شرطه الصوم قال :ل يجوز اعتكبباف
ليلة ،وإذا لم يجز اعتكافه ليلة فل أقل من يوم وليلة ،إذ انعقاد صوم النهار إنما يكون
بالليل.
وأما الثر المعبارض فمبا خرجبه البخباري مبن "أن عمبر رضببي الب عنببه نبذر أن
يعتكف ليلة فأمره رسول ال صلى ال عليه وسببلم أن يفببي بنببذره" ول معنببى للنظببر
مع الثابت من مذهب الثر .وأما اختلفهم في الوقت الذي يببدخل فيببه المعتكببف إلببى
اعتكافه إذا نذر أياما معدودة أو يوما واحدا ،فإن مالكببا والشببافعي وأبببا حنيفببة اتفقببوا
على أنه من نذر اعتكاف شهر أنه يدخل المسجد قبل غروب الشمس .وأما مببن نببذر
أن يعتكف يوما فإن الشافعي قال :من أراد أن يعتكف يومببا واحببدا دخببل قبببل طلببوع
الفجر ،وخرج بعد غروبها .وأما مالك فقببوله فبي اليبوم والشببهر واحبد بعينبه ،وقبال
زفر والليث :يدخل قبل طلوع الفجر ،واليوم والشهر عندهما سواء .وفببرق أبببو ثببور
بين نذر الليالي واليام فقال :إذا نذر أن يعتكف عشرة أيام دخببل قبببل طلببوع الفجببر،
وإذا نذر عشر ليالي دخببل قبببل غروبهببا .وقببال الوزاعببي :يببدخل فببي اعتكببافه بعببد
صلة الصبح .والسبب فبي اختلفهبم معارضبة القيسبة بعضبها بعضبا ،ومعارضبة
الثر لجميعها؛ وذلك أنه من رأى أن أول الشهر ليلة واعتبر الليالي قال :يببدخل قبببل
مغيب الشمس ،ومن لم يعتبر الليالي قال :يدخل قبل الفجر ،ومن رأى أن اسببم اليببوم
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
يقع على الليل والنهار معا أوجب إن نذر يوما أن يدخل قببل غببروب الشببمس ،ومبن
رأى أنه إنما ينطلق على النهار أوجب الدخول قبل طلوع الفجر ،ومببن رأى أن اسببم
اليوم خاص بالنهار واسم الليل بالليل فرق بين أن ينذر أياما أو ليالي.
والحق أن اسم اليوم في كلم العرب قد يقال على النهار مفردا ،وقد يقال علببى الليببل
والنهار معا ،لكن يشبه أن يكون دللته الولى إنمببا هببي علببى النهببار ،ودللتببه علببى
الليل بطريق اللزوم .وأما الثر المخالف لهذه القيسة كلها فهبو مبا خرجببه البخبباري
وغيره من أهل الصحيح عن عائشة قببالت "كببان رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم
يعتكف في رمضان وإذا صلى الغداة دخل مكانه الذي كان يعتكف فيببه" .وأمببا وقببت
خروجه ،فإن مالكا رأى أن يخرج المعتكف العشر الواخر من رمضان من المسجد
إلى صلة العيد على جهة السبتحباب ،وأنبه إن خبرج بعبد غبروب الشبمس أجبزأه.
وقببال الشبافعي وأببو حنيفببة :ببل يخبرج بعبد غبروب الشببمس .وقببال سبحنون وابببن
الماجشون :إن رجع إلى بيته قبل صببلة العيببد فببس اعتكببافه .وسبببب الختلف هببل
الليلة الباقية هي من حكم العشببر أم ل؟ وأمببا شببروطه فثلث :النيببة والصببيام وتببرك
مباشرة النساء .أما النية فل أعلم فيها اختلفا .وأما الصيام فإنهم اختلفوا فيببه؛ فببذهب
مالك وأبو حنيفة وجماعة إلى أنه ل اعتكاف إل بالصوم .وقال الشببافعي :العتكبباف
جائز بغير صوم ،وبقول مالك قال من الصحابة ابن عمر وابببن عببباس علببى خلف
عنه في ذلببك ،وبقببول الشببافعي قببال علببي وابببن مسببعود .والسبببب فببي اختلفهببم أن
اعتكاف رسول ال صلى ال عليه وسلم إنما وقع في رمضببان فمببن رأى أن الصببوم
المقترن باعتكافه هو شرط في العتكاف وإن لم يكن الصببوم للعتكبباف نفسببه قببال:
لبد من الصوم مع العتكاف ،ومن رأى أنه إنمببا اتفببق ذلببك اتفاقببا ل علببى أن ذلببك
كان مقصودا له عليه الصلة والسلم في العتكاف قال :ليس الصوم من شرطه.
ولذلك أيضا سبب آخر وهو اقترانه في آية واحدة .وقد احتج الشببافعي بحببديث عمببر
المتقدم وهو أنه أمره عليه الصلة والسلم أن يعتكف ليلة والليل ليس بمحل للصيام.
واحتجت المالكية بما روى عبد الرحمن بن إسحاق عن عروة عن عائشة أنها قالت:
السنة للمعتكف أن ل يعود مريضا ول يشهد جنازة ول يمس امرأة ول يباشببرها ول
يخرج إل إلى ما لبد لببه منببه ،ول اعتكباف إل بصبوم ،ول اعتكباف إل فبي مسبجد
جامع .قال أبو عمر بن عبد البر :لم يقل أحد في حبديث عائشبة :هبذه السبنة إل عببد
الرحمن بن إسببحق ،ول يصببح هببذا الكلم عنببدهم إل مببن قببول الزهببري ،وإن كببان
المر هكذا بطل أن يجري مجرى المسند .وأما الشرط الثالث وهببي المباشببرة فببإنهم
أجمعوا على أن المعتكف إذا جامع عامدا بطل اعتكافه إل ما روي عن ابن لبابة في
غير المسجد ،واختلفوا فيه إذا جامع ناسببيا ،واختلفببوا فببي فسبباد العتكبباف بمببا دون
الجماع من القبلبة واللمبس ،فبرأى مالبك أن جميبع ذلبك يفسبد العتكباف .وقبال أببو
حنيفة :ليس فببي المباشببرة فسبباد إل أن ينببزل ،وللشببافعي قببولن :أحببدهما مثببل قببول
مالك .والثاني مثل قول أبي حنيفة .وسبب اختلفهم هبل السبم المبتردد بيبن الحقيقبة
والمجاز له عمببوم أم ل؟ وهببو أحببد أنببواع السببم المشببترك ،فمببن ذهببب إلببى أن لببه
عموما قال :إن المباشرة في قوله تعالى }ول تباشروهن وأنتم عاكفون في المسبباجد{
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
ينطلق على الجماع وعلى ما دونه ،ومن لم ير عموما وهو الشهر الكثر قال :يببدل
إما على الجماع وإما على ما دون الجماع ،فإذا قلنببا إنببه يببدل علببى الجمبباع بإجمبباع
بطل أن يدل على غير الجماع ،لن السم الواحد ل يدل على الحقيقة والمجبباز معببا،
ومن أجرى النزال بمنزلة الوقاع فلنه في معناه ،ومن خالف فلنه ل ينطلببق عليببه
السم حقيقة ،واختلفوا فيما يجب على المجامع فقال الجمهور :ل شببيء عليببه ،وقببال
قوم :عليه كفارة ،فبعضهم قال :كفارة المجامع في رمضان ،وبه قببال الحسببن ،وقببال
قوم :يتصدق بدينارين ،وبه قال مجاهد ،وقال قوم :يعتببق رقبببة ،فببإن لببم يجببد أهببدى
بدنة ،فإن لم يجد تصدق بعشرين صاعا من تمر.
وأصل الخلف هل يجوز القياس في الكفارة أم ل؟ والظهر أنه ل يجببوز ،واختلفببوا
في مطلق النذر بالعتكاف هل من شرطه التتابع أم ل؟ فقال مالك وأبو حنيفببة :ذلببك
من شرطه .وقال الشافعي :ليس من شرطه ذلك .والسبب فببي اختلفهببم قياسببه علببى
نذر الصوم المطلق .وأما موانع العتكاف ،فاتفقوا على أنها ما عدا الفعال التي هي
أعمال المعتكف وأنه ل يجوز للمعتكف الخروج مببن المسببجد إل لحاجببة النسببان أو
ما هو في معناها مما تدعو إليه الضرورة لما ثبت من حديث عائشة أنها قالت "كببان
رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا اعتكف يدني إلي رأسه وهو في المسجد فببأرجله،
وكان ل يدخل البيت إل لحاجة النسان" واختلفوا إذا خرج لغيببر حاجببة مببتى ينقطببع
اعتكبافه ،فقبال الشبافعي :ينتقبض اعتكبافه عنبد أول خروجبه وبعضبهم رخبص فبي
الساعة ،وبعضهم في اليوم ،واختلفوا هل له أن يدخل بيتا غير بيت مسجده؟ فرخص
فيه بعضهم وهم الكثر مالبك والشبافعي وأببو حنيفبة .ورأى بعضبهم أن ذلبك يبطبل
اعتكافه ،وأجاز مالك له البيع والشراء وأن يلي عقد النكاح وخببالفه غيببره فببي ذلببك.
وسبب اختلفهم أنه ليس في ذلك حد منصوص عليه إل الجتهاد وتشبيه ما لم يتفقوا
عليه بما اتفقوا عليه .واختلفوا أيضا هل للمعتكف أن يشببترط فعببل شببيء ممببا يمنعبه
العتكاف فينفعه شرطه في الباحة أم ليس ينفعه مثل ذلك أن يشببترط شببهود جنببازة
أو غير ذلك؟ فأكثر الفقهاء علببى أن شببرطه ل ينفعببه ،وأنببه إن فعببل بطببل اعتكببافه،
وقال الشافعي :ينفعه شرطه .والسبب في اختلفهم تشبيههم العتكاف بالحببج فببي أن
كليهما عبادة مانعة لكثير من المباحات والشتراط في الحج إنمببا صببار إليببه مبن رآه
لحديث ضباعة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال لهببا :أهلببي بالحببج واشببترطي
أن تحلي حيث حبستني" لكن هذا الصل مختلف فيه في الحج ،فالقياس فيببه ضببعيف
عند الخصم المخالف له .واختلفوا إذا اشترط التتابع في النذر ،أو كان التتابع لزمببا،
فمطلق النذر عند من يرى ذلك ما هببي الشببياء الببتي إذا قطعببت العتكبباف أوجبببت
الستئناف أو البناء مثل المرض ،فإن منهم من قال :إذا قطع المرض العتكاف بنببى
المعتكف وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي ،ومنهم من قال :يسببتأنف العتكبباف،
وهو قول الثوري.
ول خلف فيما أحسب عندهم أن الحائض تبنى ،واختلفوا هل يخرج مببن المسببجد أم
ليس يخرج ،وكذلك اختلفوا إذا جن المعتكف أو أغمي عليه هببل يبنببى أو ليببس يبنببى
بل يستقل .والسبب في اختلفهم في هذا الباب أنه ليس في هذه الشياء شيء محببدود
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
من قبل السمع ،فيقع التنازع من قبل تشبيههم ما اتفقوا عليه فيما اختلفببوا فيببه ،أعنببي
بما اتفقوا عليه في هذه العبادة ،أو في العبادات التي مببن شببرطها التتببابع مثببل صببوم
النهار وغيره .والجمهور على أن العتكاف المتطوع إذا قطع لغيببر عببذر أنببه يجببب
فيه القضباء لمبا ثببت أن رسبول الب صبلى الب عليبه وسبلم أراد أن يعتكبف العشبر
الواخر من رمضان فلم يعتكف فاعتكف عشرا من شببوال وأمببا الببواجب بالنببذر فل
خلف في قضائه فيما أحسب ،والجمهور علببى أن مببن أتببى كبببيرة انقطببع اعتكببافه،
فهذه جملة ما رأينا أن نثبته في أصول هذا الببباب وقواعببده ،والب الموفببق والمعيببن،
وصلى ال على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.
**3كتاب الحج.
@-بسم ال الرحمن الرحيم وصلى ال على محمد وآله وسلم تسليما.
والنظر في هذا الكتاب في ثلثة أجنبباس :الجنببس الول .يشببتمل علببى الشببياء الببتي
تجري من هذه العبادة مجرى المقدمات التي تجب معرفتها لعمل هذه العبادة .الجنس
الثاني :في الشياء التي تجري منها مجرى الركان ،وهي المببور المعمولببة أنفسببها
والشياء المتروكة .الجنبس الثببالث :فبي الشبياء البتي تجبري منهببا مجبرى المببور
اللحقة ،وهي أحكام الفعال ،وذلك أن كل عبادة فإنها توجد مشتملة على هذه الثلثة
الجناس.
**4الجنس الول.
@-وهذا الجنس يشتمل على شيئين :علبى معرفبة الوجبوب وشبروطها ،وعلبى مبن
يجب ومتى يجب؟ فأما وجوبه فل خلف فيه لقببوله سبببحانه }ول ب علببى النبباس حببج
البيت من استطاع إليه سبيل{ وأمببا شببروط الوجببوب فبإن الشببروط قسببمان :شببروط
صببحة ،وشببروط وجببوب .فأمببا شببروط الصببحة فل خلف بينهببم أن مببن شببروطه
السلم ،إذ ل يصح حج من ليس بمسلم .واختلفببوا فببي صببحة وقببوعه مببن الصبببي،
فذهب مالك والشافعي إلى جواز ذلك ،ومنع منه أبو حنيفة .وسبب الخلف معارضة
الثر في ذلك للصول ،وذلك أن من أجاز ذلك أخذ فيه بحديث ابن عباس المشهور،
وخرجه البخاري ومسلم .وفيه "أن المرأة رفعببت إليببه عليببه الصببلة والسببلم صبببيا
فقالت :ألهذ حج يا رسول ال؟ قال :نعم ولك أجر" ومن منع ذلك تمسك بببأن الصببل
هو أن العبادة ل تصببح مببن غيببر عاقببل ،وكببذلك اختلببف أصببحاب مالببك فببي صببحة
وقوعها من الطفبل الرضبيع ،وينبغبي أن ل يختلببف فبي صبحة وقبوعه ممبن يصببح
وقوع الصلة منه ،وهو كما قال عليه الصلة والسلم "من السبع إلببى العشببر" وأمببا
شروط الوجبوب فيشبترط فيهبا السبلم علبى القبول ببأن الكفبار مخباطبون بشبرائع
السلم ،ول خلف في اشتراط الستطاعة في ذلك لقببوله تعبالى }مبن اسببتطاع إليببه
سبيل{ وإن كان في تفصيل ذلك اختلف وهي بالجملة تتصور على نوعين :مباشببرة
ونيابة .فأما المباشر فل خلف عندهم أن من شببرطها السببتطاع بالبببدن والمببال مببع
المن .واختلفوا في تفصببيل السببتطاعة بالبببدن والمببال ،فقببال الشببافعي وأبببو حنيفببة
وأحمد :وهو قول ابن عباس وعمر بن الخطاب إن من شببرط ذلببك الببزاد والراحلببة.
وقال مالك :من استطاع المشي فليس وجود الراحلة من شرط الوجوب فببي حقببه بببل
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
يجب عليه الحج ،وكذلك ليس الزاد عنده من شرط السببتطاعة إذا كببان ممببن يمكنببه
الكتساب في طريقه ولو بالسؤال .والسبب في هببذا الخلف معارضببة الثببر الببوارد
في تفسير الستطاعة لعموم لفظها ،وذلك أنببه ورد أثببر عنببه عليببه الصببلة والسببلم
"أنه سئل ما الستطاعة فقال :الزاد والراحلة" فحمل أبو حنيفة والشببافعي ذلببك علببى
كل مكلف ،وحمله مالك على من ل يستطيع المشي ول لببه قببوة علببى الكتسبباب فببي
طريقببه ،وإنمببا اعتقببد الشببافعي هببذا الببرأي لن مببن مببذهبه إذا ورد الكتبباب مجمل،
فوردت السنة بتفسير ذلك المجمل أنه ليببس ينبغببي العببدول عببن ذلببك التفسببير .وأمببا
وجوبه باستطاعة النيابة مع العجز عن المباشرة ،فعند مالك وأبي حنيفة أنببه ل تلببزم
النيابة إذا استطلعت مع العجز عن المباشبرة ،وعببن الشبافعي أنهبا تلبزم فيلببزم علببى
مذهبه الذي عنده مال بقدر أن يحج به عنه غيببره إذا لببم يقببدر هببو ببببدنه عنببه غيببره
بماله وإن وجد من يحج عنببه بمبباله وبببدنه مببن أخ أو قريببب سببقط ذلببك عنببه ،وهببي
المسألة التي يعرفونها بالمعضوب ،وهو الذي ل يثبببت علببى الراحلببة ،وكببذلك عنببده
الذي يأتيه الموت ولم يحج يلزم ورثته عنده أن يخرجوا من ماله بمببا يحببج بببه عنببه.
وسبب الخلف في هذا معارضة القياس للثر ،وذلك أن القياس يقتضي أن العبببادات
ل ينوب فيها أحد عن أحد ،فإنه ل يصلي أحد عببن أحببد باتفبباق ول يزكببي أحببد عببن
أحد.
وأما الثر المعارض لهذا فحديث ابن عباس المشببهور ،خرجببه الشببيخان ،وفيببه "أن
امرأة من خثعم قالت لرسول ال صلى ال عليه وسلم :يا رسول ال فريضبة الب فبي
الحج على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا ل يستطيع أن يثبببت علببى الراحلببة ،أفأحببج
عنه؟ قال :نعم" وذلك في حجة الوداع ،فهذا في الحي .وأما فببي الميببت فحببديث ابببن
عباس أيضا خرجه البخاري قال "جاءت امرأة من جهينة إلى النبي صببلى الب عليببه
وسلم فقالت :يا رسول ال إن أمي نذرت الحج فماتت أفأحج عنها؟ قال :حجي عنها،
أرأيت لو كان عليهببا ديببن أكنببت قاضببيته؟ ديببن الب أحببق بالقضبباء" ول خلف بيببن
المسلمين أنه يقع عن الغير تطوعا ،وإنما الخلف في وقببوعه فرضببا .واختلفببوا مببن
هذا الباب في الذي يحج عن غيره سواء كان حيا أو ميتا هل من شرطه أن يكون قببد
حج عن نفسه أم ل؟ فذهب بعضهم إلى أن ذلك ليببس مببن شببرطه ،وإن كببان قببد أدى
الفرض عن نفسه فذلك أفضل ،وبه قال مالك فيمن يحج عن الميت ،لن الحببج عنببده
عن الحي ل يقع .وذهب آخرون إلى أن من شرطه أن يكون قد قضى فريضة نفسه،
وبه قال الشافعي وغيره أنه إن حج عن غيره من لم يقببض فببرض نفسببه انقلببب إلببى
فرض نفسه ،وعمدة هؤلء حديث ابن عباس "أن النبي صبلى الب عليبه وسبلم سبمع
رجل يقول لبيك عن شبرمة ،قال :ومن شبرمة؟ قال :أخ لي ،أو قال قريب لي ،قال:
أفحججت عن نفسك؟ قال :ل ،قال :فحج عبن نفسببك ثببم حببج عببن شبببرمة" والطائفببة
الولى عللت هذا الحديث بأنه قد روي موقوفا علببى ابببن عببباس .واختلفببوا مببن هببذا
الباب في الرجل يؤاجر نفسه في الحج فكره ذلك مالك والشافعي وقال :إن وقع ذلببك
جاز ولم يجز ذلك أبو حنيفة ،وعمدته أنه قربة إلى ال عز وجببل فل تجببوز الجبارة
عليه ،وعمدة الطائفة الولى إجماعهم على جواز الجارة في كتب المصاحف وبنبباء
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
المساجد ،وهي قربة .والجبارة فبي الحبج عنبد مالبك نوعبان :أحبدهما البذي يسبميه
أصحابه على البلغ ،وهو الذي يؤاجر نفسه على ما يبلغه من الببزاد والراحلببة ،فببإن
نقص ما أخذه عن البلغ وفاه ما يبلغه ،وإن فضل عن ذلك شيء رده.
والثاني على سببنة الجببارة وإن نقببص شببيء وفبباه مببن عنببده وإن فضببل شببيء فلببه.
والجمهببور علببى أن العبببد ل يلزمببه الحببج حببتى يعتببق ،وأوجبببه عليببه بعببض أهببل
الظاهر ،فهذه معرفة على من تجب هذه الفريضة وممن تقع .وأما مببتى تجببب فببإنهم
اختلفببوا هببل هببي علببى الفببور أو علببى الببتراخي؟ والقببولن متببأولن علببى مالببك
وأصحابه ،والظاهر عند المتأخرين من أصحابه أنها على التراخي وبالقول إنها على
الفور قال البغداديون مببن أصببحابه .واختلببف فببي ذلببك قببول أبببي حنيفببة وأصببحابه،
والمختار عندهم أنه على الفور .وقال الشافعي :هو على التوسببعة ،وعمببدة مببن قببال
هو على التوسعة أن الحج فرض قبل حج النبي صلى ال عليه وسلم بسنين ،فلو كان
على الفور لما أخببره النبببي عليببه الصببلة والسببلم ،ولببو أخببره لعببذر لبببينه ،وحجببة
الفريق الثاني أنه لما كان مختصا بوقت كان الصل تأثيم تاركه حتى يذهب الببوقت،
أصله وقت الصلة ،والفرق عند الفريق الثاني بينه وبين المر بالصلة أنه ل يتكرر
وجوبه بتكرار الوقت ،والصلة يتكرر وجوبها بتكرار الوقت.
وبالجملة فمن شبه أول وقت من أوقات الحج الطارئة على المكلببف المسببتطيع بببأول
الوقت من الصلة قال :هو على التراخي ،ومن شبهه بآخر الوقت من الصببلة قببال:
هو على الفور ،ووجه شبهه بآخر الوقت أنه ينقضي بدخول وقت ل يجوز فيببه فعلببه
كما ينقضي وقت الصلة بدخول وقت ليس يكون فيه المصلي مؤديا ،ويحتببج هببؤلء
بالغرر الذي يلحق المكلف بتأخيره إلى عببام آخببر بمببا يغلببب علببى الظببن مببن مكببان
وقوع الموت في مدة من عام ،ويرون أنه بخلف تأخير الصلة من أول الوقت إلببى
آخره ،لن الغالب أنه ل يموت أحد في مقدار ذلك الزمان إل نادرا ،وربما قببالوا :إن
التأخير في الصلة يكون مع مصاحبة الوقت الذي يؤدي فيه الصلة ،والتأخير ههنببا
يكون مع دخول وقت ل تصح فيه العبادة ،فهو ليس يشبهه فببي هببذا المببر المطلببق،
وذلك أن المر عند من يقول إنه على التراخي ليس يؤدي الببتراخي فيببه إلببى دخببول
وقت ل يصح فيه وقوع المأمور فيببه كمببا يببؤدي الببتراخي فببي الحببج إذا دخببل وقتببه
فأخره المكلف إلى قابببل ،فليببس الختلف فببي هببذه المسببألة مببن ببباب اختلفهببم فببي
مطلق المر هل هو على الفور أو علببى الببتراخي كمببا قببد يظببن .واختلفببوا مببن هببذا
الباب هل من شرط وجوب الحج على المرأة أن يكون معها زوج أو ذو محرم منهببا
يطاوعها على الخروج معها إلى السفر للحج؟ فقال مالك والشافعي :ليببس مببن شببرط
الوجوب ذلك ،وتخرج المرأة إلى الحج إذا وجدت رفقة مأمونة.
وقال أبو حنيفببة وجماعببة :وجببود ذي المحببرم ومطبباوعته لهببا شببرط فببي الوجببوب.
وسبب الخلف معارضة المر بالحج والسفر إليه للنهي عن سفر المرأة ثلثا إل مع
ذي محرم .وذلك أنه ثبت عنه عليه الصلة والسلم مببن حببديث أبببي سببعيد الخببدري
وأبي هريرة وابن عباس وابن عمر أنه قال عليببه الصببلة والسببلم "ل يحببل لمببرأة
تؤمن بال واليوم الخر أن تسافر إل مع ذي محببرم" فمببن غلببب عمببوم المببر قببال:
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
تسافر للحج وإن لم يكن معها ذو محرم ،ومن خصص العموم بهببذا الحببديث أو رأى
أنه من باب تفسير الستطاعة قال :ل تسبافر للحبج إل مبع ذي محبرم ،فقبد قلنبا فبي
وجوب هذا النسك الذي هو الحج وبأي شيء يجب وعلى من يجب ومتى يجب؟ وقد
بقي من هذا الباب القول في حكم النسك الذي هو العمرة ،فإن قوما قالوا :إنه واجب،
وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور وأبو عبيد والثببوري والوزاعببي ،وهببو قببول ابببن
عباس من الصحابة وابن عمر وجماعة من التابعين .وقال مالك وجماعة :هي سببنة.
وقال أبو حنيفة :هي تطوع ،وبه قال أبو ثور وداود ،فمن أوجبها احتج بقببوله تعببالى
}وأتموا الحج والعمرة ل{ وبآثار مروية ،منها ما روي عن ابن عمببر عببن أبيببه قببال
"دخل أعرابي حسن الوجه أبيض الثياب على رسول ال صلى ال عليه وسلم فقببال:
ما السلم يا رسول ال؟ فقال :أن تشهد أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال وتقيم
الصة وتؤتي الزكاة وتصوم شهر رمضان وتحج وتعتمر وتغتسل من الجنابة" وذكر
عبد الرزاق قال :أخبرنا معمر عن قتادة أنه كان يحببدث أنببه "لمببا نزلببت }ولب علببى
الناس حج البيت من استطاع إليه سبيل{ قال رسول ال صلى ال عليه وسلم :ببباثنين
حجة وعمرة فمن قضاها فقد قضى الفريضة" وروي عن زيببد بببن ثببابت عنببه عليببه
الصلة والسلم أنه قال "الحج والعمببرة فريضببتان ل يضببرك بأيهمببا بببدأت" وروي
عن ابن عباس "العمرة واجبة" وبعضهم يرفعه إلى النبي صلى ال عليه وسلم.
وأما حجة الفريق الثاني ،وهم الذين يرون أنها ليسبت واجببة ،فالحباديث المشبهورة
الثابتة الواردة في تعديد فرائض السلم من غير أن يذكر منهببا العمببرة مثببل حببديث
ابن عمر "بني السلم على خمببس" فببذكر الحببج مفببردا" ومثببل حببديث السببائل عببن
السلم ،فإن في بعض طرقه "وأن يحج البيت" وربما قالوا إن المببر بالتمببام ليببس
يقتضي الوجوب ،لن هذا يخص السنن والفرائض أعنببي إذا شببرع فيهببا أن تتببم ول
تقطع ،واحتج هؤلء أيضا أعني من قال إنهببا سببنة بآثببار ،منهببا حببديث الحجبباج بببن
أرطاة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد ال قال "سأل رجببل النبببي صببلى الب
عليه وسلم عن العمرة أواجبة هي؟ قال :ل ولن تعتمر خير لك" قببال أبببو عمببر بببن
عبد البر :وليس هو حجة فيما انفرد به ،وربما احتج مببن قببال إنهببا تطببوع بمببا روي
عن أبي صالح الحنفبي قبال :قبال رسببول الب صببلى الب عليبه وسبلم "الحببج واجببب
والعمرة تطوع" وهو حديث منقطع .فسبب الخلف في هذا هببو تعببارض الثببار فببي
هذا الباب ،وتردد المر بالتمام بين أن يقتضي الوجوب أم ل يقتضيه.
**4القول في الجنس الثاني.
@-وهو تعريف أفعال هذه العبادة في نوع نوع منها والتروك المشترطة فيها .وهذه
العبادة كما قلنا صنفان :حج وعمرة ،والحج على ثلثة أصناف :إفراد وتمتع وقران،
وهي كلها تشتمل على أفعبال محبدودة فبي أمكنبة محبدودة وأوقبات محبدودة ،ومنهبا
فرض ،ومنها غير فرض ،وعلى تروك تشترط في تلك الفعال وكل من هذه أحكببام
محدودة إما عند الخلل بها ،وإما عند الطوارئ المانعببة منهببا ،فهببذا الجنببس ينقسببم
أول إلى القول في الفعال وإلى القول فببي الببتروك .وأمببا الجنببس الثببالث فهببو الببذي
يتضمن القول في الحكام فلنبدأ بالفعبال ،وهببذه منهببا مببا تشببترك فيببه هببذه الربعببة
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
النواع من النسك ،أعني أصناف الحج الثلث ،والعمببرة ،ومنهببا مببا يختببص بواحببد
واحد منها ،فلنبدأ من القول فيها بالمشببترك ثببم نصببير إلببى مببا يخببص واحببدا واحببدا
منها ،فنقول :إن الحج والعمرة أول أفعالهما الفعل الذي يسمى الحرام.
**4القول في شروط الحرام.
@-والحرام شروطه الول المكان والزمان ،أما المكان فهببو الببذي يسببمى مببواقيت
الحج ،فلنبدأ بهذا فنقول :إن العلماء بالجملبة مجمعبون علببى أن المببواقيت الببتي منهبا
يكون الحرام ،أما لهل المدينة فذو الحليفة ،وأما لهل الشام فالجحفبة ،ولهبل نجبد
قرن ،ولهل اليمن يلملم ،لثبوت ذلك عن رسول ال صلى ال عليه وسلم من حببديث
ابن عمر وغيره .واختلفببوا فببي ميقببات أهببل العببراق فقببال جمهببور فقهبباء المصببار
ميقاتهم من ذات عرق .وقببال الشببافعي والثببوري :إن أهلببوا مببن العقيببق كببان أحببب.
واختلفوا فيمن أقته لهم فقالت طائفة :عمر ابن الخطاب .وقالت طائفة :بل رسول الب
صلى ال عليه وسلم هو الذي أقت لهل العراق ذات عرق والعقيق .وروي ذلك من
حديث جابر وابن عباس وعائشة .وجمهور العلماء على أن من يخطئ هببذه وقصببده
الحببرام فلبم يحببرم إل بعببدها أن عليبه دمبا ،وهبؤلء منهببم مببن قببال :إن رجببع إلبى
الميقات فأحرم منه سقط عنه الدم ومنهم الشافعي .ومنهم من قال :ل يسقط عنببه الببدم
وإن رجع ،وبه قال مالك .وقال قوم :ليس عليه دم .وقال آخببرون :إن لببم يرجببع إلببى
الميقات فسد حجه وأنه يرجع إلى الميقات فيهل منه بعمرة وهذا يببذكر فببي الحكببام.
وجمهور العلماء على أن من كان منزله دونهن فميقات إحرامه من منزله .واختلفببوا
هل الفضل إحرام الحاج منهن أو من منزله إذا كان منزله خارجا منهن؟ فقال قببوم:
الفضل له من منزله ،والحرام منها رخصة وبه قال الشافعي وأبو حنيفة والثببوري
وجماعة .وقال مالك وإسحاق وأحمد :إحرامه مببن المببواقيت أفضببل ،وعمببدة هببؤلء
الحاديث المتقدمة ،وأنها السنة الببتي سببنها رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم فهببي
أفضل .وعمدة الطائفة الخرى أن الصحابة قد أحرمت من قبل الميقببات ابببن عببباس
وابن عمر وابن مسعود وغيرهم قالوا :وهببم أعببرف بالسببنة ،وأصببول أهببل الظبباهر
تقتضببي أن ل يجببوز الحببرام إل مببن الميقببات إل أن يصببح إجمبباع علببى خلفببه.
واختلفوا فيمن ترك الحرام من ميقاته وأحرم من ميقات آخببر غيببر ميقبباته ،مثببل أن
يترك أهل المدينة الحرام من ذي الحليفة ويحرموا من الجحفة ،فقال قوم :عليببه دم،
وممن قال بببه مالببك وبعببض أصببحابه .وقبال أبببو حنيفبة :ليبس عليبه شبيء .وسبببب
الخلف هل هو من النسك الذي يجببب فببي تركببه الببدم أم ل؟ ول خلف أنببه ل يلببزم
الحرام من مر بهذه المواقيت ممن أراد الحج أوالعمرة .وأمببا مببن لببم يردهمببا ومببر
بهما فقال قوم :كل من مر بهما يلزمه الحببرام إل مببن يكببثر تببرداده مثببل الحطببابين
وشبههم ،وبه قال مالك .وقال قوم :ل يلزم الحببرام بهببا إل لمريببد الحببج أو العمببرة،
وهذا كله لمن ليس مبن أهبل مكبة .وأمببا أهببل مكبة فبإنهم يحرمببون بالحببج منهبا ،أو
بالعمرة يخرجون إلى الحل ول بد .وأما مببتى يحببرم بالحببج أهببل مكببة فقيببل إذا رأوا
الهلل ،وقيل إذا خرج الناس إلى منى فهذا هو ميقات المكان المشببترط لنببواع هببذه
العبادة.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وقال الشافعي والثبوري وأحمبد وأببو ثببور وداود :ل شبيء عليبه إذا لبم يجبد إزارا،
وعمدة مذهب مالك ظاهر حديث ابن عمر المتقدم قببال :ولببو كببان فببي ذلببك رخصببة
لستثناها رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم كمببا اسببتثنى فببي لبببس الخفيببن .وعمببدة
الطائفة الثانية حديث عمرو بن دينار عن جابر وابن عباس قال :سببمعت رسبول الب
صلى ال عليه وسلم يقول "السراويل لمن لم يجد الزار والخف لمن لم يجد النعلين"
وجمهور العلماء على إجازة لباس الخفين مقطوعين لمن لم يجد النعلين .وقال أحمد:
جائز لمن لم يجد النعلين أن يلبس الخفيببن غيببر مقطببوعين أخببذا بمطلببق حبديث ابببن
عباس .وقال عطاء :في قطعهما فساد والب ل يحببب الفسبباد .واختلفببوا فيمببن لبسببهما
مقطوعين مع وجود النعلين ،فقال مالك :عليه الفديبة ،وببه قبال أببو ثبور .وقبال أبببو
حنيفببة :ل فديبة عليبه ،والقببولن عبن الشببافعي ،وسببنذكر هببذا فبي الحكببام .وأجمبع
العلماء على أن المحرم ل يلبس الثببوب المصبببوغ بببالورس والزعفببران لقببوله عليببه
الصلة والسلم في حديث ابن عمر "ل تلبسوا من الثيبباب شببيئا مسببه الزعفببران ول
الورس"
واختلفوا في المعصفر فقال مالك :ليس به بببأس فببإنه ليببس بطيببب .وقببال أبببو حنيفببة
والثوري :هو طيب وفيه الفدية ،وحجببة أبببي حنيفببة مببا خرجببه مالببك عببن علببي "أن
النبي عليه الصلة والسلم نهى عن لبس القسي وعن لبس المعصفر" وأجمعوا على
أن إحرام المرأة في وجههببا وأن لهببا أن تغطبي رأسببها وتسببتر شبعرها ،وأن لهببا أن
تسدل ثوبها على وجهها من فوق رأسها سدل خفيفا تستتر به عن نظر الرجببال إليهببا
كنحو ما روي عن عائشة أنها قالت "كنا مع رسول ال صلى ال عليببه وسببلم ونحببن
محرمون فإذا مر بنا ركب سدلنا على وجوهنا الثوب مببن قبببل رءوسببنا ،وإذا جبباوز
الركب رفعناه" ولم يأت تغطية وجوههن إل ما رواه مالببك عببن فاطمببة بنببت المنببذر
أنها قالت "كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مببع أسببماء بنببت أبببي بكببر الصببديق".
واختلفوا في تخمير المحرم وجهه بعد إجماعهم على أنه ل يخمر رأسه ،فروى مالك
عن ابن عمر أن ما فببوق الببذقن مببن الببرأس ل يخمببره المحببرم ،وإليببه ذهببب مالببك.
وروي عنه أنه إن فعل ذلك ولم ينزعه مكانه افتدى .وقال الشافعي والثببوري وأحمببد
وأبو داود وأبو ثور يخمر المحرم وجهببه إلببى الحبباجبين .وروي مببن الصببحابة عببن
عثمان وزيد بن ثابت وجابر وابن عباس وسعد بن أبببي وقبباص .واختلفببوا فببي لبببس
القفازين للمرأة فقال مالك :إن لبست المرأة القفازين افتببدت ،ورخببص فيببه الثببوري،
وهو مروي عن عائشة .والحجة لمالك ما خرجه أبببو داود عببن النبببي عليببه الصببلة
والسلم أنه نهى عن النقاب والقفازين وبعض الرواة يرويه موقوفببا عببن ابببن عمببر،
وصححه بعض رواة الحديث ،أعني رفعه إلى النبي عليه الصلة والسلم ،فهذا هببو
مشهور اختلفهم واتفاقهم في اللباس ،وأصل الخلف في هذا كله اختلفهم في قياس
بعض المسكوت عنه علببى المنطببوق بببه واحتمببال اللفببظ المنطببوق بببه وثبببوته أو ل
ثبوته ،وأما الشيء الثاني من المتروكات فهو الطيب ،وذلك أن العلماء أجمعوا علببى
أن الطيب كله يحرم على المحرم بالحج والعمرة في حال إحرامه.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
واختلفوا في جوازه للمحرم عند الحرام قبل أن يحرم لما يبقببى مببن أثببره عليببه بعببد
الحببرام ،فكرهببه قبوم وأجبازه آخبرون ،وممبن كرهببه مالببك ،ورواه عبن عمببر بببن
الخطاب ،وهو قول عثمان وابن عمر وجماعة من التابعين .وممن أجازه أبببو حنيفببة
والشافعي والثوري وأحمد وداود ،والحجة لمالك رحمببه الب مببن جهببة الثببر حببديث
صفوان ابن يعلى ثبت في الصحيحين ،وفيه "أن رجل جاء إلى النبي صلى ال عليه
وسلم بجبة مضمخة بطيب ،فقال :يا رسول ال كيف ترى في رجل أحرم بعمرة فببي
جبة بعد ما تضمخ بطيب؟ فأنزل الوحي على رسول ال صلى ال ب عليببه وسببلم فلمببا
أفاق قال :أين السائل عن العمرة أنفا؟ فالتمس الرجببل فببأتى بببه ،فقببال عليببه الصببلة
والسلم :أما الطيب الذي بك فاغسله عنك ثلث مرات ،وأما الجبة فانزعها ثم اصنع
ما شئت في عمرتك كمبا تصببنع فبي حجتببك" اختصببرت الحببديث ،وفقهببه هببو الببذي
ذكرت.
وعمدة الفريق الثاني ما رواه مالك عن عائشة أنها قالت "كنببت أطيببب رأس رسببول
ال صلى ال عليه وسلم لحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت" واعتببل
الفريق الول بما روي عببن عائشببة أنهببا قببالت }وقببد بلغهببا إنكببار ابببن عمببر تطيببب
المحرم قبل إحرامه{ "يرحم ال أبا عبد الرحمن طيبببت رسببول الب صببلى الب عليببه
وسلم فطاف على نسائه ثم أصبح محرما" قالوا :وإذا طاف على نسائه اغتسل ،فإنما
يبقى عليه أثر ريح الطيب ل جرمة نفسه ،قالوا :ولما كان الجماع قد انعقد علببى أن
كل ما ل يجوز للمحرم ابتداؤه وهو محرم ،مثل لبس الثياب وقتل الصيد ل يجوز له
استصحابه وهو محرم ،فوجب أن يكون الطيب كذلك .فسبب الخلف تعارض الثار
في هذا الحكم .وأما المتروك الثالث فهو مجامعة النساء ،وذلك أنببه أجمببع المسببلمون
على أن وطء النساء على الحاج حببرام مببن حيببن يحببرم لقببوله تعببالى }فل رفببث ول
فسوق ول جدال في الحج{ .وأما الممنببوع الرابببع وهببو إلقبباء التفببث وإزالببة الشببعر
وقتل القمل ،ولكن اتفقوا على أنه يجوز لببه غسببل رأسببه مببن الجنابببة ،واختلفببوا فببي
كراهية غسله من غير الجنابة ،فقال الجمهور :لبأس بغسله رأسه.
وقال مالك :بكراهية ذلك ،وعمدته أن عبد الب بببن عمببر كببان ل يغسببل رأسببه وهببو
محرم إل من الحتلم .وعمدة الجمهور ما رواه مالك عن عبد ال بن جبير "أن ابببن
عباس والمسور بن مخرمة اختلفا بالبواء ،فقال عبد ال :يغسل المحرم رأسه ،وقال
المسور بن مخرمة :ل يغسل المحرم رأسه ،قال :فأرسلني عبببد ال ب بببن عببباس إلببى
أبي أيوب النصاري قال :فوجدته يغتسل بين القرنيببن وهببو مسببتتر بثببوب ،فسببلمت
عليه فقال :من هذا؟ فقلت عبد ال بن جبير أرسلني إليك عبببد الب بببن عببباس أسببألك
كيف كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم ،فوضع أبو أيببوب
يده على الثوب فتطأطأ حتى بدا لي رأسه ثم قال لنسان يصب عليه اصبببب ،فصببب
على رأسه ،ثم حرك رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر ،ثم قببال :هكببذا رأيببت رسببول الب
صلى ال عليه وسلم يفعل" وكان عمر يغسل رأسه وهببو محببرم ويقببول" :مببا يزيببده
الماء إل شعثا" رواه مالك في الموطبأ ،وحمبل مالبك حبديث أببي أيببوب علبى غسببل
الجنابة والحجة له إجماعهم علببى أن المحببرم ممنببوع مببن قتببل القمببل ونتببف الشببعر
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وإلقاء التفث وهببو الوسببخ ،والغاسببل رأسببه هببو إمببا أن يفعببل هببذه كلهببا أو بعضببها.
واتفقوا على منع غسله رأسه بالخطمى .وقال مالك وأبو حنيفة :إن فعل ذلببك افتببدى.
وقال أبو ثور وغيره :ل شببيء عليببه .واختلفبوا فببي الحمببام فكبان مالبك يكببره ذلبك،
ويرى أن على من دخله الفدية .وقال أبببو حنيفببة والشببافعي والثببوري وداود :لبببأس
بذلك .وروي عن ابن عباس دخول الحمبام وهبو محبرم مبن طريقيبن ،والحسبن أن
يكببره دخببوله لن المحببرم منهببي عببن إلقبباء التفببث .وأمببا المحظببور الخببامس فهببو
الصطياد ،وذلك أيضا مجمع عليه لقوله سبحانه وتعالى }وحرم عليكم صيد البر مببا
دمتم حرما{ وقوله تعالى }ول تقتلوا الصيد وأنتم حرم{ وأجمعوا علببى أنببه ل يجببوز
له صيده ول أكل ما صاد هو منه ،واختلفوا إذا صاده حلل هل يجوز للمحرم أكله؟
على ثلثة أقوال :قول إنه يجوز له أكله على الطلق ،وبه قال أبو حنيفة ،وهو قول
عمر ابن الخطاب والزبير.
وقال قوم :هو محرم عليه على كل حال وهو قول ابن عباس وعلي وابن عمر ،وبببه
قال الثوري .وقال مالك :ما لم يصد من أجل المحرم أو من أجل قببوم محرميببن فهببو
حلل ،وما صيد من أجل محرم فهو حرام على المحببرم .وسبببب اختلفهببم تعببارض
الثار في ذلك ،فأحدها ما خرجه مالك من حديث أبي قتادة :أنه كان مع رسببول الب
صلى ال عليه وسلم حتى إذا كانوا ببعض طرق مكة تخلف مع أصحاب له محرمين
وهو غير محرم ،فرأى حمارا وحشيا فاستوى على فرسه فسأل أصببحابه أن ينبباولوه
سوطه فأبوا عليه فسألهم رمحه فأبوا عليه ،فأخذه ثم شد على الحمار فقتله ،فأكل منه
بعض أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبى بعضهم ،فلما أدركوا رسول ال
صلى ال عليه وسلم سألوه عن ذلك فقبال :إنمببا هببي طعمببة أطعمكموهببا الب" وجبباء
أيضا في معناه حديث طلحة بن عبيد ال ذكره النسائي أن عبد الرحمن التميمي قال:
كنا مع طلحة ابن عبيد ال ونحن محرمون ،فأهدى له ظبي وهو راقد ،فأكل بعضنا،
فاستيقظ طلحة فوافق على أكله وقال :أكلناه مببع رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم.
والحديث الثاني حديث ابن عباس خرجه أيضا مالك "أنه أهدى لرسول ال صلى ال
عليه وسلم حمارا وحشيا وهو بالبواء أو بودان فرده عليه وقال :إنا لببم نببرده عليببك
إل أنا حرم" وللختلف سبب آخر ،وهو هل يتعلق النهي عببن الكببل بشببرط القتببل،
أو يتعلق بكل واحد منهما النهي عن النفراد؟ فمببن أخببذ بحببديث أبببي قتببادة قببال :إن
النهي إنما يتعلق بالكل مع القتل ،ومن أخذ بحديث ابن عباس قال :النهي يتعلق بكل
واحد منهما على انفراده ،فمببن ذهببب فببي هببذه الحبباديث مببذهب الترجيببح قببال :إمببا
بحديث أبي قتادة ،وإما بحببديث ابببن عببباس ،ومببن جمببع بيببن الحبباديث قببال بببالقول
الثالث قالوا :والجمع أولى ،وأكدوا ذلك بما روي عن جابر عن النبببي عليببه الصببلة
والسلم أنه قال "صيد البر حلل لكم وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصد لكم"
واختلفوا في المضطر هل يأكل الميتة أو يصيد فببي الحببرم؟ فقببال مالببك وأبببو حنيفببة
والثوري وزفر وجماعة :إذا اضطر أكل الميتة ولحم الخنزير دون الصيد .وقال أبببو
يوسف :يصيد ويأكل وعليه الجزاء ،والول أحسن للذريعة .وقال أبو يوسبف :أقيبس
لن تلك محرمة لعينها والصيد محرم لغرض من الغراض ،ومببا حببرم لعلببة أخببف
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
مما حرم لعينه ،وما هو محرم لعينه أغلظ ،فهذه الخمسببة اتفببق المسببلمون علببى أنهببا
من محظورات الحرام،
واختلفوا في نكاح المحرم فقال مالك والشافعي والليث والوزاعي :ل ينكببح المحببرم
ول ينكح ،فإن نكح فالنكاح باطل ،وهو قول عمر وعلي بببن أبببي طببالب وابببن عمببر
وزيد ابن ثابت .وقال أبو حنيفببة والثببوري :ل بببأس بببأن ينكببح المحببرم أو أن ينكببح.
والسبب في اختلفهم اختلف الثار في ذلك فأحدها ما رواه مالك من حديث عثمببان
ابن عفان أنه قال :قال رسول ال صلى ال عليببه وسببلم "ل ينكببح المحببرم ول ينكببح
ول يخطب" والحديث المعارض لهذا حديث ابببن عببباس "أن رسببول ال ب صببلى الب
عليه وسلم نكح ميمونة وهو محرم" خرجه أهل الصحاح إل أنه عارضته آثار كثيرة
عن ميمونة "أن رسول ال صلى ال عليه وسببلم تزوجهببا وهببو حلل" رويببت عنهببا
من طرق شتى عن أبي رافع وعن سليمان ابببن يسببار وهببو مولهببا ،وعببن زيببد بببن
الصم ،ويمكن الجمع بين الحديثين بأن يحمببل الواحببد علببى الكراهيببة والثبباني علببى
الجواز ،فهذه هي مشهورات ما يحرم على المحببرم ،وأمببا مببتى يحببل فسببنذكره عنببد
ذكرنا أفعال الحببج ،وذلببك أن المعتمببر يحبل إذا طباف وسبعى وحلبق .واختلفببوا فبي
الحاج على ما سيأتي بعد ،وإذ قد قلنا في تروك المحرم فلنقل في أفعاله:
**4القول في أنواع هذا النسك.
@-والمحرمون إما محرم بعمببرة مفبردة أو محبرم بحبج فبرد ،أو جبامع بيبن الحببج
والعمرة ،وهذان ضربان :إما متمتع ،وإما قارن ،فينبغي أول أن نجرد أصببناف هببذه
المناسك الثلث ثم نقول ما يفعل المحرم في كلها ،وما يخص واحببدا واحببدا منهببا إن
كان هنالك ما يخص ،وكذلك نفعل فيمببا يعببد الحببرام مببن أفعببال الحببج إن شبباء الب
تعالى.
**4القول في شرح أنواع هذه المناسك.
@-فنقول :إن الفراد هو ما يتعرى عن صفات التمتع والقران ،فلذلك يجب أن نبببدأ
أول بصفة التمتع ،ثم نردف ذلك بصفة القران.
**4القول في التمتع.
@-فنقول :إن العلماء اتفقوا على أن هذا النوع مببن النسببك الببذي هببو المعنببى بقببوله
سبحانه }فمن تمتع بببالعمرة إلببى حببج فمببا استيسببر مببن الهببدى{ هببو أن يهببل الرجببل
بالعمرة في أشهر الحج من الميقات ،وذلببك إذا كببان مسببكنه خارجببا عببن الحببرم ،ثببم
يأتي حتى يصل البيت فيطوف لعمرته ويسعى ويحلببق فببي تلببك الشببهر بعينهببا ،ثببم
يحل بمكة ،ثم ينشئ الحج في ذلك العام بعينه وفي تلببك الشببهر بعينهببا مببن غيببر أن
ينصرف إلى بلده إل ما روي عن الحسن أنه كان يقول هو متمتع وإن عاد إلببى بلببده
ولم يحج :أي عليه هدى المتمتع المنصوص عليه في قوله تعالى }فمن تمتع بببالعمرة
إلى الحج فما استيسر من الهدي{ لنه كان يقول عمرة في أشببهر الحببج متعببة .وقببال
طاوس :من اعتمر في غير أشهر الحج ثم أقام حتى الحج وحج من عامه أنه متمتببع.
واتفق العلماء على أن من لم يكن من حاضري المسجد الحرام فهو متمتبع .واختلفبوا
في المكي هل يقع منه التمتع أم ل يقع؟ والذين قالوا إنه يقع منه اتفقوا على أنه ليببس
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
عليه دم لقوله تعالى }ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام{ واختلفوا فيمببن
هو حاضر المسجد الحرام ممن ليس هو ،فقال مالببك :حاضببرو المسببجد الحببرام هببم
أهل مكة وذي طوى ،وما كان مثل ذلك من مكة .وقال أبو حنيفة :هم أهل المببواقيت
فمن دونهم إلى مكة .وقال الشافعي بمصر :من كان بينه وبين مكة ليلتان وهو أكمببل
المواقيت .وقال أهل الظاهر :من كان ساكن الحرم .وقال الثوري :هم أهل مكة فقط.
وأبو حنيفة يقول :إن حاضري المسجد الحرام ل يقع منهم التمتع ،وكره ذلببك مالببك.
وسبب الختلف اختلف ما يدل عليه اسم حاضري المسجد الحرام بالقل والكببثر،
ولذلك ل يشك أن أهل مكة هم حاضري المسجد الحرام كمببا ل يشببك أن مببن خببارج
المواقيت ليس منهم فهذا هو نوع التمتع المشهور ،ومعنى التمتع أنه تمتع بتحلله بيببن
النسكين وسقوط السفر عنه مرة ثانية إلى النسك الثاني الذي هو الحج ،وهنببا نوعببان
من التمتع اختلف العلماء فيهما :أحدهما فسخ الحج في عمرة ،وهو تحويل النيببة مببن
الحرام بالحج إلى العمرة ،فجمهور العلماء يكرهون ذلك مبن الصبدر الول وفقهباء
المصار.
وذهب ابن عباس إلى جواز ذلك ،وبه قال أحمد وداود وكلهم متفقون أن رسببول ال ب
صلى ال عليه وسلم أمر أصحابه عام حج بفسخ الحج في العمببرة ،وهببو قببوله عليببه
الصلة والسلم "لببو اسببتقبلت مببن أمببري مببا اسببتدبرت لمببا سببقت الهببدي ولجعلتهببا
عمرة" وأمره لمن لم يسق الهدي من أصببحابه أن يفسببخ إهللببه فببي العمببرة ،وبهببذا
تمسك أهل الظاهر ،والجمهور رأوا ذلك من باب الخصببوص لصبحاب رسبول الب
صلى الب عليببه وسببلم ،واحتجببوا بمببا روي عببن ربيعببة بببن أبببي عبببد الرحمببن عببن
الحارث بن بلل ابن الحارث المبدني عببن أبيببه قبال "قلبت يبا رسبول الب أفسبخ لنبا
خاصة أم لمن بعدنا؟ قال :لنا خاصة" وهذا لم يصح عند أهل الظاهر صحة يعارض
بها العمل المتقدم .وروي عن عمر أنه قال "متعتان كانتا على عهد رسول ال صبلى
ال عليه وسلم أنا أنهي عنهما وأعاقب عليهمببا :متعببة النسبباء ،ومتعببة الحببج" وروي
عن عثمان أنه قال :متعة الحج كانت لنا وليسببت لكببم .وقببال أبببو ذر :مببا كببان لحببد
بعدنا أن يحرم بالحج ثم يفسخه في عمببرة هببذا كلببه مببع ظبباهر قببوله تعببالى }وأتمببوا
الحج والعمرة ل{ .والظاهرية على أن الصل اتباع فعل الصحابة حتى يببدل الببدليل
من كتاب الب أو سببنة ثابتببة علببى أنببه خبباص .فسبببب الختلف هببل فعببل الصببحابة
محمول على العموم أو على الخصوص .وأما النوع الثاني مببن التمتببع فهببو مببا كببان
يذهب إليه ابن الزبير من أن التمتع الببذي ذكببره الب هببو تمتببع المحصببر بمببرض أو
عدو ،وذلك إذا خرج الرجل حاجا فحبسببه عببدو أو أمببر تعببذر بببه عليببه الحببج حببتى
تذهب أيام الحج ،فيأتي البيت فيطوف ويسعى بين الصفا والمببروة ،ويحببل ثببم يتمتببع
بحله إلى العام المقبل ،ثم يحج ويهدي ،وعلى هذا القول ليس يكون التمتببع المشببهور
إجماعا .وشذ طاوس أيضا فقببال :إن المكببي إذا تمتببع مببن بلببد غيببر مكببة كببان عليببه
الهدي .واختلف العلماء فيمن أنشأ عمرة في غيبر أشببهر الحببج ثببم عملهبا فبي أشبهر
الحج ثم حج من عامه ذلك ،فقال مالك :عمرته في الشببهر الببذي حببل فيببه ،فببإن كببان
حل في أشهر الحج فهو متمتع ،وإن كان في غير أشهر الحج فليس بمتمتع ،وبقريببب
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
منه قال أبو حنيفة والشافعي والثوري ،إل أن الثوري اشترط أن يوقع طوافه كله في
شوال ،وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة :إن طاف ثلثة أشواط في رمضان وأربعة فببي شببوال كببان متمتعببا،
وإن كان عكس ذلك لم يكن متمتعا أعني أن يكون طاف أربعة أشببواط فببي رمضببان
وثلثة في شوال .وقال أبو ثور :إذا دخل العمرة في غير أشببهر الحبج فسببواء طباف
لها في غير أشهر الحج أو في أشهر الحج ل يكون متمتعا.
وسبب الختلف هل يكون متمتعا بإيقاع إحرام العمرة في أشهر الحج فقط أم بإيقاع
الطواف معه؟ ثم إن كان بإيقاع الطواف معببه فهببل بإيقبباعه كلببه أم أكببثره فببأبو ثببور
يقول :ل يكون متمتعا إل بإيقاع الحرام في أشهر الحج ،لن بالحرام تنعقد العمرة.
والشافعي يقول :الطواف هو أعظم أركانها ،فوجب أن يكون بببه متمتعببا؛ فببالجمهور
على أن من أوقع بعضها في أشهر الحج كمن أوقعها كلها ،وشروط التمتع عند مالك
ستة :أحدها أن يجمع بين الحج والعمرة في شهر واحببد .والثبباني أن يكببون ذلببك فببي
عام واحد .والثالث أن يفعل شيئا من العمرة في أشهر الحج .والرابع أن يقدم العمببرة
على الحج .والخامس أن ينشئ الحج بعد الفراغ من العمرة وإحلله منهببا .والسببادس
أن يكون وطنه غير مكة ،فهذه هي صورة التمتع والختلف المشهور فيه والتفاق.
**4القول في القارن.
@-وأما القران فهو أن يهل بالنسكين معا أو يهل بالعمرة في أشهر الحج ،ثم يببردف
ذلك بالحج قبل أن يهل من العمرة .واختلف أصحاب مالك في الوقت الذي يكببون لببه
فيه ،فقيل ذلك له ما لم يشببرع فببي الطببواف ولببو شببوطا واحببدا ،وقيببل مببا لببم يطببف
ويركع ويكره بعد الطواف وقبل الركوع ،فإن فعل لزمه ،وقيل له ذلك ما بقببي عليببه
شيء من عمل العمرة مببن طببواف أو سببعي ،مببا خل أنهببم اتفقببوا علببى أنببه إذا أهببل
بالحج ولم يبق عليه من أفعببال العمببرة إل الحلق فببإنه ليببس بقببارن ،والقببارن الببذي
يلزمه هدي المتمتع هو عند الجمهببور مببن غيببر حاضببري المسببجد الحببرام ،إل ابببن
الماجشون من أصحاب مالببك ،فبإن القبارن مببن أهببل مكبة عنبده عليبه الهببدي .وأمببا
الفراد فهو ما تعرى من هذه الصفات ،وهو أن ل يكون متمتعا ول قارنا بل أن يهل
بالحج فقط .وقد اختلف العلماء أي أفضل هل الفراد أو القران أو التمتببع؟ .والسبببب
في اختلفهم اختلفهم فيما فعل رسول ال صلى ال عليه وسلم مبن ذلببك ،وذلببك أنبه
روي عنه عليه الصلة والسلم أنه كان مفردا وروي أنه تمتع وروي عنبه أنبه كبان
قارنا فاختار مالك الفراد ،واعتمببد فببي ذلببك علببى مببا روي عببن عائشببة أنهببا قببالت
"خرجنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم عام حجة الوداع ،فمنا من أهببل بعمببرة،
ومنا من أهل بحج وعمرة ،وأهل رسول ال صلى ال عليه وسلم بالحج" ورواه عببن
عائشة من طرق كثيرة قال أبو عمر بن عبد البر :وروى الفراد عن النبي صلى ال
عليه وسلم عن جابر بن عبد ال من طرق شتى متواترة صحاح ،وهو قول أبي بكببر
وعمر وعثمان وعائشببة وجبابر .والببذين رأوا أن النببي صببلى الب عليبه وسببلم كببان
متمتعا احتجوا بما رواه الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمببر قببال
"تمتع رسول ال صلى ال عليه وسلم في عام حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وساق الهدي معه من ذي الحليفة" وهو مذهب عبد ال بببن عمببر وابببن عببباس وابببن
الزبير .واختلف عن عائشة في التمتع والفراد .واعتمد مببن رأى أنببه عليببه الصببلة
والسلم كان قارنا أحاديث كثيرة ،منها حديث ابن عباس عن عمر بن الخطاب قببال:
سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول وهو بوادي العقيق "أتاني الليلة آت مببن
ربي فقال :أهل في هببذا الببوادي المبببارك وقببل عمببرة فببي حجببة" خرجببه البخبباري،
وحديث مروان ابن الحكم قال "شهدت عثمان وعليا وعثمببان ينهببى عببن المتعببة وأن
يجمع بينهما ،فلما رأى ذلك علي أهل بهما :لبيك بعمرة وحجة ،وقال :ما كنببت لدع
سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم لقول أحد" خرجه البخاري ،وحديث أنس خرجه
البخاري أيضا قبال :سببمعت رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم يقببول "لبيببك عمببرة
وحجة" وحديث مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت "خرجنا مع رسول
ال صلى ال عليه وسلم عام حجة الوداع فأهللنا بعمرة ،ثم قال رسول ال :مببن كببان
معه هدي فليهل بالحج مع العمببرة ،ثببم ل يحببل حببتى يحببل منهمببا جميعببا" واحتجببوا
فقالوا :ومعلوم أنه كان معه صلى ال عليه وسلم هدي ،ويبعببد أن يببأمر بببالقران مببن
معه هدي ويكون معه هدي ول يكون قارنا .وحديث مالك أيضا عن نببافع عبن عمببر
عن حفصة عن النبي عليه الصلة والسلم أنه قال "إني قلدت هببديي ولبببدت رأسببي
فل أحل حتى أنحر هديي" وقال أحمد :ل أشك أن رسول ال صببلى ال ب عليببه وسببلم
كان قارنا ،والتمتع أحب إلي ،واحتج في اختياره التمتع بقوله عليببه الصببلة والسببلم
"لو استقبلت من أمري ما اسببتدبرت مببا سببقت الهببدي ولجعلتهببا عمببرة" واحتببج مببن
طريق المعنى من رأى أن الفراد الفضل أن التمتع والقران رخصببة ولببذلك وجببب
فيهما الدم .وإذ قلنا في وجوب هذا النسك وعلى من يجب وما شروط وجببوبه ومببتى
يجب وفي أي وقت يجب ومن أي مكان يجب وقلنا بعد ذلك فيما يجتنبه المحببرم بمببا
هو محرم ،ثم قلنا أيضا في أنواع هذا النسك يجب أن نقول في أول أفعببال الحبباج أو
المعتمر وهو الحرام.
**4القول في الحرام.
@-واتفق جمهور العلماء على أن الغسل للهلل سنة ،وأنه من أفعال المحرم حبتى
قال ابن نوار :إن هذا الغسل للهلل عند مالك أوكد مببن غسببل الجمعببة .وقببال أهببل
الظاهر :هو واجب .وقببال أبببو حنيفببة والثببوري :يجببزئ منببه الوضببوء وحجببة أهببل
الظاهر مرسل مالك من حديث أسماء بيببت عميببس أنهببا ولببدت محمببد بببن أبببي بكببر
بالبيداء ،فذكر ذلك أبو بكر لرسول ال صلى ال عليه وسلم فقال :مرها فلتغتسببل ثببم
لتهل" والمر عندهم على الوجوب وعمدة الجمهور أن الصل هو براءة الذمة حببتى
يثبت الوجوب بأمر ل مدفع فيه ،وكان عبببد ال ب بببن عمببر يغتسببل لحرامببه قبببل أن
يحرم ولدخوله مكة ولوقوفه عشية يوم عرفة ،ومالك يببرى هببذه الغتسببالت الثلث
من أفعال المحرم ،واتفقوا على أن الحرام ل يكببون إل بنيببة ،واختلفببوا هببل تجببزئ
النية فيه من غير التلبية؟ فقال مالك والشافعي :تجزئ النية من غير التلبية .وقال أبو
حنيفة :التلبية في الحج كالتكبيرة في الحرام بالصلة إل أنببه يجببزئ عنببده كببل لفببظ
يقوم مقام التلبية كما يجزئ عنده في افتتاح الصلة كل لفظ يقببوم مقببام التكبببير وهببو
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
كل ما يدل على التعظيم .واتفق العلماء على أن لفظ تلبية رسول ال صلى ال ب عليببه
وسلم "لبيك اللهم لبيك ،لبيببك ل شببريك لببك لبيببك ،إن الحمببد والنعمببة لببك والملببك ل
شريك لك" وهي من رواية مالك عن نافع عن ابن عمر عببن النبببي صببلى الب عليببه
وسلم وهو أصببح سببندا .واختلفببوا فببي هببل هببي واجبببة بهببذا اللفببظ أم ل؟ فقببال أهببل
الظاهر :هي واجبة بهذا اللفظ ،ول خلف عنببد الجمهببور فببي اسببتحباب هببذا اللفببظ،
وإنما اختلفوا فبي الزيبادة عليببه أو فببي تبببديله ،وأوجبب أهبل الظباهر رفببع الصببوت
بالتلبية ،وهو مستحب عند الجمهور لما رواه مالك "أن رسببول الب صببلى الب عليببه
وسلم قال :أتاني جبريل فبأمرني أن آمبر أصبحابي ومبن معبي أن يرفعبوا أصبواتهم
بالتلبية وبالهلل" وأجمع أهل العلم على أن تلبية المرأة فيما حكاه أبو عمببر هببو أن
تسمع نفسها بالقول .وقال مالك :ل يرفع المحرم صوته في مساجد الجماعة بل يكفيه
أن يسمع من يليببه ،إل فببي المسببجد الحببرام ومسببجد منببى فببإنه يرفببع صببوته فيهمببا.
واستحب الجمهور رفع الصوت عند التقبباء الرفبباق وعنببد الطلل علببى شببرف مببن
الرض .وقال أبو حازم :كان أصحاب رسول ال صببلى ال ب عليببه وسببلم ل يبلغببون
الروحاء حتى تبح حلوقهم .وكان مالك ل يرى التلبية من أركببان الحببج ويببرى علببى
تاركها دما ،وكان غيره يراها من أركانه .وحجة من رآها واجبة أن أفعاله صلى ال
عليه وسلم إذا أتت بيانا لواجب أنها محمولة على الوجوب حتى يدل الدليل على غير
ذلك لقوله عليه الصلة والسلم "خذوا عني مناسككم" وبهذا يحتج مببن أوجببب لفظببه
فيها فقط .ومن لم ير وجوب لفظه فاعتمد في ذلك على ما روي من حديث جابر قال
"أهل رسول ال صلى ال عليه وسلم" فذكر التلبية التي في حببديث ابببن عمبر .وقببال
في حديثه "والناس يزيدون على ذلبك "لبيبك ذا المعبارج" ونحبوه مبن الكلم والنببي
يسمع ول يقول شيئا وما روي عن ابن عمر أنه كان يزيد في التلبية وعببن عمبر بببن
الخطاب وعن أنس وغيره .واستحب العلمبباء أن يكببون ابتببداء المحببرم بالتلبيببة بببأثر
صلة يصليها ،فكان مالك يستحب ذلك بأثر نافلة لما روي من مرسله عن هشام ابن
عروة ،عن أبيه "أن رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم كببان يصببلي فببي مسببجد ذي
الحليفة ركعتين فإذا استوت به راحلته أهل" .واختلفت الثار في الموضع الذي أحرم
منه رسول ال صلى ال عليه وسلم بحجتببه مببن أقطببار ذي الحليفببة ،فقببال قببوم :مببن
مسجد ذي الحليفة بعد أن صلى فيه ،وقال آخرون :إنما أحرم حين أطل على البيداء،
وقال قوم :إنما أهل حين استوت به راحلته .وسئل ابن عباس عن اختلفهم فببي ذلببك
فقال :كل حدث ل عن أول إهلله عليه الصلة والسببلم بببل عببن أول إهلل سببمعه،
وذلك أن الناس يأتون متسابقين فعلى هذا ل يكون في هببذا اختلف ،ويكببون الهلل
إثر الصلة .وأجمع الفقهاء على أن المكي ل يلزمه الهلل حتى إذا خرج إلى منببى
ليتصل له عمل الحج ،وعمدتهم ما رواه مالك عن ابن جريببج أنببه قببال لعبببد الب بببن
عمر :رأيتك تفعل هنا أربعا لم أر أحد يفعلها ،فذكر منها ورأيتك إذا كنت بمكبة أهبل
الناس إذا رأوا الهلل ولم تهل أنت إلى يوم التروية ،فأجبابه ابببن عمببر :أمببا الهلل
"فإني لم أر رسول ال صلى ال عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلتببه" يريببد حببتى
يتصل له عمل الحج .وروى مالك أن عمر ابن الخطاب كان يأمر أهل مكة أن يهلوا
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
إذا رأوا الهلل .ول خلف عنببدهم أن المكببي ل يهببل إل مببن جببوف مكببة إذا كببان
حاجا ،وإما إذا كان معتمرا فإنهم أجمعببوا علببى أنببه يلزمببه أن يخببرج إلببى الحببل ثببم
يحرم منه ليجمع بين الحل والحرم كما يجمع الحبباج ،أعنببي لنببه يخببرج إلببى عرفببة
وهو حل .وبالجملة فاتفقوا على أنها سنة المعتمر ،واختلفببوا إن لببم يفعببل فقببال قببوم:
يجزيه وعليه دم ،وبه قال أبو حنيفة وابن القاسم .وقال آخرون :ل يجزيه وهببو قببول
الثوري وأشهب.
@)-وأما متى يقطع المحرم التلبية( فإنهم اختلفوا في ذلك ،فروى مالك أن علببي بببن
أبي طالب رضي ال عنه كان يقطع التلبية إذا زاغت الشمس مبن يبوم عرفبة .وقبال
مالك :وذلك المر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا .وقال ابن شهاب :كبانت الئمبة
أبو بكر وعمر وعثمان وعلي يقطعون التلبية عند زوال الشمس من يوم عرفببة .قببال
أبو عمر بن عبد البر :واختلف في ذلببك عببن عثمببان وعائشببة .وقببال جمهببور فقهبباء
المصار وأهل الحديث أبو حنيفة والشافعي والثوري وأحمد وأبببو ثببور وداود وابببن
أبي ليلى وأبو عبيد والطببري والحسبن ببن حيبى :إن المحببرم ل يقطبع التلبيببة حبتى
يرمي جمرة العقبة لما ثبت "أن رسول ال صلى ال عليه وسبلم لبم يبزل يلببي حبتى
رمى جمرة العقبة" إل أنهم اختلفوا متى يقطعهببا ،فقببال قببوم :إذا رماهببا بأسببرها لمببا
روي عن ابن عباس "أن الفضل بن عباس كان رديببف رسببول الب صببلى الب عليببه
وسلم وأنه لبى حين رمى جمرة العقبة وقطع التلبية في آخر حصاة" وقببال قببوم :بببل
يقطعها في أول جمرة يلقيها روي ذلك عن ابن مسعود .وروى في وقت قطع التلبيببة
بأقاويل غير هذه إل أن هذين القولين هما المشهوران .واختلفوا في وقت قطع التلبية
بالعمرة ،وقال مالك :يقطع التلبية إذا انتهى إلببى الحببرم ،وبببه قببال أبببو حنيفببة .وقببال
الشافعي :إذا افتتح الطواف ،وسلف مالك في ذلك ابن عمر وعروة ،وعمدة الشببافعي
أن التلبية معناها إجابة إلى الطواف بالبيت فل تنقطع حتى يشرع في العمببل .وسبببب
الخلف معارضة القياس لفعل بعببض الصببحابة وجمهببور العلمبباء كمببا قلنببا متفقببون
على إدخال المحرم الحج على العمرة ويختلفون في إدخال العمرة على الحببج .وقببال
أبو ثور :ل يدخل حج علببى عمببرة ول عمببرة علببى حببج كمببا ل تببدخل صببلة علببى
صلة ،فهذه هي أفعال المحرم بما هو محرم وهو أول أفعال الحج .وأما الفعل الببذي
بعد هذا فهو الطواف عند دخول مكة فلنقل في الطواف:
**4القول في الطواف بالبيت والكلم في الطواف :في صفته وشببروطه وحكمببه فببي
الوجوب أو الندب وفي إعداده.
@-القول في الصفة.
والجمهور مجمعون على أن صفة كل طواف واجبببا كببان أو غيببر واجببب أن يبتببدئ
من الحجر السود ،فإن استطاع أن يقبلببه قبلببه أو يلمسببه بيببده ويقبلهببا إن أمكنببه ،ثببم
يجعل البيت على يساره ويمضي على يمينه ،فيطوف سبعة أشواط يرمل في الثلثببة
الشواط الول ثم يمشي في الربعة ،وذلك في طواف القدوم على مكة وذلك للحبباج
والمعتمر دون المتمتع ،وأنه ل رمل على النساء ،ويستلم الركن اليمبباني وهببو الببذي
على قطر الركن السود لثبوت هذه الصفة من فعله صلى ال عليببه وسببلم .واختلفببوا
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
في حكم الرمل في الثلثة الشواط الول للقببادم هببل هببو سببنة أو فضبيلة؟ فقبال اببن
عباس :هو سنة ،وبه قال الشافعي وأبو حنيفببة وإسببحق وأحمببد وأبببو ثببور .واختلببف
قول مالك في ذلك وأصحابه .والفرق بين القولين أن من جعله سنة أوجب فببي تركببه
الدم ،ومن لم يجعله سنة لم يببوجب فببي تركببه شببيئا .واحتببج مببن لببم يببر الرمببل سببنة
بحديث ابن الطفيل عن ابن عباس قال :قلت لبن عباس زعببم قومببك أن رسببول ال ب
صلى ال عليه وسلم حين طاف بالبيت رمل وأن ذلببك سببنة ،فقببال :صببدقوا وكببذبوا،
قال :قلت ما صدقوا وما كذبوا؟ قال :صدقوا "رمل رسول ال صلى الب عليببه وسبلم
حيببن طبباف بببالبيت ،وكببذبوا ليببس بسببنة ،إن قريشببا زمببن الحديبيببة قببالوا :إن بببه
وبأصحابه هزال وقعدوا علببى قعيقعببان ينظببرون إلببى النبببي صببلى الب عليببه وسببلم
وأصحابه ،فبلغ ذلك النبي صلى ال عليه وسلم فقال لصحابه :ارملوا أروهم أن بكم
قوة ،فكان رسول ال صلى ال عليه وسلم يرمل من الحجر السود إلى اليمبباني فببإذا
توارى عنهم مشى" وحجة الجمهببور حبديث جببابر "أن رسببول الب صببلى الب عليببه
وسلم رمل في الثلثة الشواط في حجة الوداع ومشى أربعا" وهو حببديث ثببابت مببن
رواية مالك وغيره قالوا :وقد اختلف على أبي الطفيببل عببن ابببن عببباس فببروي عنببه
"أن رسول ال صلى ال عليه وسلم رمبل مبن الحجبر السبود إلبى الحجبر السبود"
وذلك بخلف الرواية الولى ،وعلى أصول الظاهرية يجب الرمل لقوله "خذوا عني
مناسككم" وهو قولهم أو قول بعضهم الن فيما أظن .وأجمعوا على أنه ل رمل على
من أحرم بالحج من مكة من غير أهلهببا وهببم المتمتعببون لنهببم قببد رملببوا فببي حيببن
دخولهم حين طافوا للقدوم .واختلفوا في أهل مكببة هببل عليهببم إذا حجببوا رمببل أم ل؟
فقال الشافعي :كل طواف قبل عرفة مما يوصل بينببه وبيببن السببعي فببإنه يرمببل فيببه،
وكان مالك يستحب ذلك وكان ابن عمر ل يرى عليهببم رمل إذا طببافوا بببالبيت علببى
ما روى عنه مالك .وسبببب الخلف هببل الرمببل كببان لعلببة أو لغيببر علببة؟ وهببل هببو
مختص بالمسافر أم ل؟ وذلك أنه كان عليه الصلة والسببلم حيببن رمببل واردا علببى
مكة .واتفقوا على أن من سنة الطواف استلم الركنين السود واليماني للرجببال دون
النساء .واختلفوا هل تستلم الركان كلها أم ل؟ فبذهب الجمهبور إلبى أنبه إنمبا يسبتلم
الركنان فقط لحديث ابن عمر "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لببم يكببن يسببتلم إل
الركنين فقط" واحتج من رأى استلم جميعها بما روي عن جابر قببال :كنببا نببرى إذا
طفنا أن نستلم الركان كلها ،وكان بعض السلف ل يحببب أن يسببتلم الركنيببن إل فببي
الوتر من الشواط .وكذلك أجمعوا على أن تقبيببل الحجببر السببود خاصببة مببن سببنن
الطواف إن قدر ،وإن لم يقدر علببى الببدخول إليبه قببل يبده ،وذلبك لحببديث عمببر ببن
الخطاب الذي رواه مالك أنه قال وهو يطوف بالبيت حين بلببغ الحجببر السببود "إنمببا
أنت حجر ولول أني رأيت رسول ال قبلك ما قبلتك ،ثم قبله" وأجمعوا علببى أن مببن
سنة الطواف ركعتين بعد انقضاء الطواف ،وجمهورهم علببى أنببه يببأتي بهببا الطببائف
عند انقضاء كل أسبوع إن طاف أكثر من أسبوع واحد .وأجبباز بعببض السببلف أن ل
يفرق بين السابيع وأن ل يفصل بينهما ركوع ثم يركع لكببل أسبببوع ركعببتين ،وهببو
مروي عن عائشة أنها كانت ل تفببرق بيببن ثلثببة السببابيع ثببم تركببع سببت ركعببات.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وحجة الجمهور "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم طاف بالبيت سبعا وصلى خلف
المقام ركعتين ،وقال :خذوا عني مناسككم" وحجة من أجاز الجمع أنه قال :المقصود
إنما هو ركعتان لكل أسبوع ،والطواف ليس له وقت معلوم ول الركعتان المسنونتان
بعده ،فجاز الجمع بين أكثر من ركعتين لكثر من أسبوعين ،وإنما استحب من يببرى
أن يفرق بيببن ثلثببة السببابيع لن رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم انصببرف إلببى
الركعتين بعد وتر من طوافه ،ومن طاف أسابيع غير وتر ثم عاد إليهببا لببم ينصببرف
عن وتر من طوافه.
@-القول في شروطه.
وأما شروطه فإن منها حد موضعه ،وجمهببور العلمبباء علببى أن الحجببر مببن البببيت،
وأن من طاف بالبيت لزمه إدخال الحجر فيه ،وأنه شرط في صحة طواف الفاضة.
وقال أبو حنيفة وأصحابه :هو سنة .وحجبة الجمهبور مبا رواه مالبك عبن عائشبة أن
رسبول الب صبلى الب عليبه وسبلم قبال "لبول حبدثان قومبك ببالكفر لهبدمت الكعببة
ولصيرتها على قواعد إبراهيم" فإنهم تركوا منها سبعة أذرع من الحجر ضاقت بهببم
النفقة والخشب ،وهو قول ابن عباس ،وكببان يحتببج بقببوله تعببالى }وليطوفببوا بببالبيت
العتيق{ ثم يقول طاف رسول ال صلى ال عليه وسلم من وراء الحجر ،وحجببة أبببي
حنيفة ظاهر الية .وأما وقت جوازه فإنهم اختلفوا في ذلك على ثلثببة أقببوال :أحببدها
إجازة الطواف بعد الصبح والعصر ،ومنعببه وقببت الطلببوع والغببروب ،وهببو مببذهب
عمر بن الخطاب وأبي سعيد الخدري ،وبببه قببال مالببك وأصببحابه وجماعببة .والقببول
الثاني كراهيته بعد الصبح والعصر ،ومنعه عند الطلوع والغببروب ،وبببه قببال سببعيد
بن جبير ومجاهد وجماعة .والقول الثالث إباحة ذلك في هذه الوقات كلها ،وبببه قببال
الشببافعي وجماعببة ،وأصببول أدلتهبم راجعببة إلبى منبع الصببلة فبي هبذه الوقبات أو
إباحتها .أما وقت الطلوع والغروب فالثار متفقة علببى منببع الصببلة فيهببا والطببواف
هل هو ملحق بالصلة؟ في ذلك الخلف .ومما احتجت به الشافعية حديث جبببير بببن
مطعم أن النبي عليه الصلة والسلم قال "يا بني عبد مناف أو يا بنببي عبببد المطلببب
إن وليتم من هذا المر شيئا فل تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت أن يصلي فيه أي ساعة
شاء من ليل أو نهار" رواه الشافعي وغيره عن ابن عيينة بسنده إلى جبير بن مطعم.
واختلفوا في جواز الطواف بغير طهارة مببع إجمبباعهم علببى أن مببن سبنته الطهبارة،
فقال مالك والشافعي :ل يجزئ طببواف بغيببر طهببارة ل عمببدا ول سببهوا .وقببال أبببو
حنيفة :يجزئ ويستحب له العبادة وعليبه دم .وقببال أببو ثببور :إذا طباف علبى غيببر
وضوء أجزأه طوافه إن كببان ل يعلببم ،ول يجببزئه إن كببان يعلببم ،والشببافعي يشببترط
طهارة ثوب الطائف كاشتراط ذلك للمصلي .وعمدة من شرط الطهارة فببي الطببواف
قوله صلى ال عليه وسلم للحائض وهي أسماء بنت عميس "اصنعي ما يصنع الحاج
غير أن ل تطوفي بالبيت" وهو حببديث صببحيح ،وقببد يحتجببون أيضببا بمببا روي أنببه
صلى ال عليه وسلم قال "الطواف بالبيت صلة إل أن ال أحل فيه النطق فل ينطببق
إل بخير" وعمدة من أجاز الطواف بغير طهارة إجماع العلمبباء علببى جببواز السببعي
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
بين الصفا والمروة من غير طهارة ،وأنه ليببس كببل عبببادة يشببترط فيهببا الطهببر مببن
الحيض من شرطها الطهر من الحدث أصله الصوم.
@-القول في أعداده وأحكامه.
وأما أعداده ،فإن العلماء أجمعوا على أن الطواف ثلثة أنببواع :طببواف القببدوم علببى
مكة ،وطواف الفاضة بعد رمي جمرة العقبة يوم النحر ،وطواف الوداع ،وأجمعببوا
على أن الواجب منها الذي يفببوت الحببج بفببواته هببو طببواف الفاضببة ،وأنببه المعنببى
بقوله تعالى }ثبم ليقضببوا تفثهببم وليوفببوا نببذورهم وليطوفبوا بببالبيت العبتيق{ وأنبه ل
يجزئ عنه دم ،وجمهورهم على أنه ل يجزئ طواف القدوم علببى مكببة عببن طببواف
الفاضة إذا نسي طواف الفاضة لكونه قبل يوم النحر .وقببالت طائفببة مببن أصببحاب
مالك :إن طواف القدوم يجزئ عن طواف الفاضة كأنهم رأوا أن الببواجب إنمببا هببو
طواف واحد .وجمهور العلماء على أن طواف الوداع يجببزئ عببن طببواف الفاضببة
إن لببم يكببن طبباف طببواف الفاضببة لنببه طببواف بببالبيت معمببول فببي وقببت طببواف
الوجوب الذي هو طواف الفاضة بخلف طواف القدوم الذي هو قبببل وقببت طببواف
الفاضة وأجمعوا فيما حكاه أبو عمر بن عبد البر أن طواف القدوم والوداع من سنة
الحاج ل لخائف فوات الحج فإنه يجزئ عنه طواف الفاضة ،واسببتحب جماعببة مببن
العلماء لمن عرض له هذا أن يرمل في الشواط الثلثة مبن طبواف الفاضبة ،علبى
سنة طواف القدوم من الرمل ،وأجمعوا على أن المكي ليس عليه إل طواف الفاضة
كما أجمعوا على أنه ليببس علبى المعتمببر إل طببواف القبدوم .وأجمعبوا أن مببن تمتببع
بالعمرة إلى الحج أن عليه طوافين طوافا للعمرة لحله منها وطوافا للحببج يببوم النحببر
على ما في حديث عائشة المشهور .وأما المفرد للحببج فليببس عليببه إل طببواف واحببد
كما قلنا يوم النحببر .واختلفببوا فببي القببارن فقببال مالببك والشببافعي وأحمببد وأبببو ثببور:
يجزئ القارن طواف واحد وسببعي واحببد ،وهببو مببذهب عبببد الب بببن عمببر وجببابر،
وعمدتهم حديث عائشة المتقدم .وقال الثوري والوزاعي وأبو حنيفة وابن أبببي ليلببى
على القارن طوافان وسعيان ،ورووا هذا عن علي وابن مسببعود لنهمببا نسببكان مببن
شرط كل واحببد منهمببا إذا انفببرد طببوافه وسببعيه ،فببوجب أن يكببون المببر كببذلك إذا
اجتمعببا ،فهببذا هببو القببول فببي وجببوب هببذا الفعببل وصببفته وشببروطه وعببدده ووقتببه
وصفته ،والذي يتلو هذا الفعل من أفعال الحج أعني طببواف القببدوم هببو السببعي بيببن
الصفا والمروة وهو الفعل الثالث للحرام فلنقل فيه:
**4القول في السعي بين الصفا والمروة.
@-والقول في السعي في حكمه وفي صفته وفي شروطه وفي ترتيبه.
@-القول في حكمه.
أما حكمه؛ فقال مالك والشافعي :هو واجب ،وإن لم يسع كببان عليببه حببج قابببل ،وبببه
قال أحمد وإسحق .وقال الكوفيون :هو سنة ،وإذا رجع إلى بلده ولم يسع كببان عليببه
دم .وقال بعضهم :هو تطوع ول شيء على تاركه؛ فعمببدة مببن أوجبببه مببا روي "أن
رسول ال صبلى الب عليبه وسبلم كبان يسبعى ويقبول :اسبعوا فبإن الب كتبب عليكبم
السعي" روى هذا الحديث الشافعي عن عبد ال بن المؤمل ،وأيضببا فببإن الصببل أن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
أفعاله عليه الصلة والسلم في هذه العبببادة محمولببة علببى الوجببوب ،إل مببا أخرجببه
الدليل من سماع أو إجماع أو قياس عند أصحاب القياس .وعمدة من لم يببوجبه قببوله
تعالى }إن الصفا والمروة من شعائر ال فمن حج البيت أو اعتمر فل جناح عليببه أن
يطوف بهما{ قالوا :إن معناه أن ل يطوف وهي قراءة ابن مسعود ،وكما قال سبحانه
} .يبين الب لكببم أن تضببلوا{ معنبباه :أي لئل تضببلوا ،وضببعفوا حببديث ابببن المؤمببل.
وقالت عائشة :الية على ظاهرها وإنما نزلت في النصببار تحرجببوا أن يسببعوا بيببن
الصفا والمروة على مببا كببانوا يسببعون عليببه فببي الجاهليببة لنببه كببان موضببع ذبببائح
المشببركين ،وقببد قيببل إنهببم كببانوا ل يسببعون بيببن الصببفا والمببروة تعظيمببا لبعببض
الصنام ،فسألوا عن ذلك فنزلت هذه الية مبيحة لهم ،وإنما صار الجمهور إلى أنهببا
من أفعال الحج لنها صفة فعله صلى الب عليببه وسببلم تببواترت بببذلك الثببار ،أعنببي
وصل السعي بالطواف.
@-القول في صفته.
وأما صفته فإن جمهببور العلمبباء علببى أن مببن سببنة السببعي بيببن الصببفا والمببروة أن
ينحدر الراقي على الصفا بعد الفراغ من الدعاء ،فيمشي على جبلته حتى يبلببغ بطببن
المسيل فيرمل فيه حتى يقطعه إلى ما يلي المببروة ،فببإذا انقطببع ذلببك وجبباوزه مشببى
على سجيته حتى يأتي المروة فيرقي عليها حتى يبدو له البيت ثم يقببول عليهببا نحببوا
ممببا قبباله مببن الببدعاء والتكبببير علببى الصببفا ،وإن وقببف أسببفل المببروة أجببزأه عنببد
جميعهم ،ثم ينزل عن المروة فيمشي على سجيته حتى ينتهي إلى بطببن المسببيل فببإذا
انتهى إليه رمل حتى يقطعه إلى الجانب الذي يلي الصفا ،يفعل ذلك سبع مببرات يبببدأ
في كل ذلك بالصفا ويختم بالمروة ،فبإن ببدأ ببالمروة قبببل الصببفا ألغبي ذلببك الشببوط
لقول رسول ال صلى ال عليه وسلم "نبدأ بما بببدأ الب بببه :نبببدأ بالصببفا" يريببد قببوله
تعالى }إن الصفا والمروة من شعائر ال{ وقببال عطبباء إن جهببل فبببدأ بببالمروة أجببزأ
عنه .وأجمعوا على أنه ليس في وقت السعي قول محدود فإنه موضببع دعبباء .وثبببت
من حديث جابر "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان إذا وقف على الصببفا يكبببر
ثلثا ويقول :ل إله إل ال وحده ل شريك له ،له الملك وله الحمد وهو على كل شيء
قدير ،يصنع ذلك ثلث مرات ،ويدعو ويصنع على المروة مثل ذلك".
@-القول في شروطه.
وأما شروطه فإنهم اتفقوا على أن من شرطه الطهارة مببن الحيببض كببالطواف سببواء
لقوله صلى ال عليه وسلم في حديث عائشة "افعلي كببل مببا يفعببل الحبباج غيببر أن ل
تطوفي بالبيت ول تسعي بين الصفا والمروة" انفببرد بهببذه الزيببادة يحيببى عببن مالببك
دون من روى عنه هذا الحديث ،ول خلف بينهم أن الطهارة ليست من شببروطه إل
الحسن فإنه شبهه بالطواف.
@-القول في ترتيبه.
وأما ترتيبه فإن جمهور العلماء اتفقوا على أن السعي إنما يكببون بعببد الطببواف ،وأن
من سعى قبل أن يطوف بالبيت يرجع فيطوف وإن خرج عبن مكببة ،فبإن جهبل ذلبك
حتى أصاب النساء في العمرة أو فببي الحببج كببان عليببه حببج قابببل والهببدي أو عمببرة
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
أخرى .وقال الثوري :إن فعل ذلك فل شيء عليببه .وقببال أبببو حنيفببة :إذا خببرج مببن
مكة فليس عليه أن يعود وعليه دم .فهذا هو القول في حكم السعي وصفته وشببروطه
المشهورة وترتيبه.
**4الخروج إلى عرفة.
@-وأما الفعل الببذي يلببي هببذا الفعببل للحبباج ،فهببو الخببروج يببوم الترويببة إلببى منببى
والمبيت بها ليلة عرفببة .واتفقببوا علببى أن المببام يصببلي بالنبباس بمنببى يببوم الترويببة
الظهر والعصر والمغرب والعشاء بها مقصورة ،إل أنهم أجمعوا على أن هذا الفعببل
ليس شرطا في صحة الحج لمببن ضبباق عليببه الببوقت ،ثببم إذا كببان يببوم عرفببة مشببى
المام مع الناس من منى إلى عرفة ووقفوا بها.
@-الوقوف بعرفة.
والقول في هذا الفعل ينحصر في معرفة حكمه وفي صفته وفببي شببروطه .أمببا حكببم
الوقوف بعرفة فإنهم أجمعوا على أنه ركن من أركان الحج ،وأن من فاته فعليببه حببج
قابل والهدي في قول أكثرهم لقوله عليه الصلة والسلم" :الحج عرفة" وأمببا صببفته
فهو أن يصل المام إلى عرفة يببوم عرفببة قبببل الببزوال ،فببإذا زالببت الشببمس خطببب
الناس ثم جمع بين الظهر والعصر في أول وقت الظهر ثم وقف حتى تغيب الشمس.
وإنما اتفقوا على هذا لن هذه الصفة هي مجمع عليها من فعله صلى ال عليبه وسبلم
ول خلف بينهم أن إقامة الحج هي للسلطان العظم أو لمن يقيمه السببلطان العظببم
لذلك وأنه يصلي وراءه برا كان السلطان أو فاجرا أو مبتدعا ،وأن السنة في ذلك أن
يأتي المسجد بعرفة يوم عرفة مع الناس ،فإذا زالت الشببمس خطببب النبباس كمببا قلنببا
وجمع بين الظهر والعصر .واختلفوا في وقت أذان المؤذن بعرفبة للظهبر والعصببر،
فقال مالك :يخطب المام حتى يمضي صدرا من خطبته أو بعضها ،ثم يؤذن المؤذن
وهو يخطب .وقال الشافعي :يؤذن إذا أخذ المام في الخطبة الثانية .وقال أبو حنيفة:
إذا صعد المام المنبر أمر المؤذن بالذان فأذن كالحال في الجمعة ،فإذا فرغ المؤذن
قام المام يخطب ثم ينزل ويقيم المؤذن الصلة ،وبه قال أبببو ثببور تشبببيها بالجمعببة.
وقد حكى ابن نافع عن مالك أنه قال :الذان بعرفة بعبد جلبوس المببام للخطبببة وفبي
حديث جابر "أن النبي صلى ال عليه وسلم لما زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت
له وأتى بطن الوادي فخطب الناس ثم أذن بلل ثم أقام فصلى الظهر ثم أقببام فصببلى
العصر ولم يصل بينهما شيئا ثم راح إلى الموقببف" واختلفببوا هببل يجمببع بيببن هبباتين
الصلتين بأذانين وإقامتين أو بأذان واحد وإقامتين فقال مالبك :يجمبع بينهمبا ببأذانين
وإقامتين .وقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأبو ثور وجماعة :يجمع بينهمببا بببأذان
واحد وإقامتين .وروي عببن مالببك مثببل قببولهم .وروي عببن أحمببد أنببه يجمببع بينهمببا
بإقامتين ،والحجة للشافعي حديث جابر الطويل في صفة حجه عليه الصبلة والسبلم
وفيه "أنه صلى الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين كمببا قلنببا" وقببول مالببك مببروي
عن ابن مسعود ،وحجته أن الصل هو أن تفرد كل صلة بببأذان وإقامببة ،ول خلف
بين العلماء أن المام لو لم يخطب يوم عرفة قبببل الظهببر أن صببلته جببائزة بخلف
الجمعة ،وكذلك أجمعوا أن القراءة فببي هببذه الصببلة سببرا ،وأنهببا مقصببورة إذا كببان
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
المام مسافرا .واختلفوا إذا كان المام مكيببا هببل يقصببر بمنببى الصببلة يببوم الترويببة
وبعرفة يوم عرفة وبالمزدلفة ليلة النحر إن كان من أحد هببذه المواضببع؟ فقبال مالبك
والوزاعي وجماعة :سنة هذه المواضع التقصير سواء كببان مببن أهلهببا أو لببم يكببن.
وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأبو ثور وداود :ل يجوز أن يقصر من كان مببن
أهل تلك المواضع ،وحجة مالك أنه لم يرو أن أحدا أتم الصلة معه صببلى ال ب عليببه
وسلم أعني بعد سلمه منها .وحجة الفريق الثاني البقبباء علببى الصببل المعببروف أن
القصر ل يجوز إل للمسافر حتى يدل الدليل على التخصبيص .واختلببف العلمباء فبي
وجوب الجمعة بعرفة ومنى ،فقال مالببك :ل تجببب الجمعببة بعرفببة ول بمنببى إل أيببام
الحج ل لهل مكة ول لغيرهم إل أن يكون المام من أهل عرفة .وقال الشافعي مثل
ذلك ،إل أنه يشترط في وجوب الجمعة أن يكون هنالك من أهل عرفة أربعون رجل
على مذهبه في اشتراط هذا العدد في الجمعة .وقال أبببو حنيفببة :إذا كببان أميببر الحببج
ممن ل يقصر الصلة بمنبى ول بعرفبة صبلى بهبم فيهبا الجمعبة إذا صبادفها .وقبال
أحمد :إذا كان والي مكة يجمع بهم .وبه قال أبو ثور.
@)-وأما شروطه( فهو الوقوف بعرفة بعد الصلة ،وذلك أنه لم يختلف العلماء "أن
رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد ما صببلى الظهببر والعصببر بعرفببة ارتفببع فوقببف
بجبالها داعيا إلى ال تعالى ووقف معه كل من حضر إلى غروب الشمس ،وأنببه لمببا
استيقن غروبها وبان له ذلك دفع منها إلى المزدلفة" ول خلف بينهم أن هذا هو سنة
الوقوف بعرفة ،وأجمعوا على أن مببن وقببف بعرفببة قبببل الببزوال وأفبباض منهببا قبببل
الزوال أنه ل يعتد بوقوفه ذلك ،وأنه إن لم يرجع فيقف بعد الزوال أو يقف مبن ليلتببه
تلك قبل طلوع الفجر فقد فاته الحج .وروي عن عبد ال بن معمر الديلي قال :سمعت
رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول "الحج عرفات ،فمن أدرك عرفة قبببل أن يطلببع
الفجر فقد أدرك" وهو حديث انفرد به هذا الرجل من الصحابة إل أنببه مجمببع عليببه.
واختلفوا فيمن وقف بعرفة بعد الزوال ثم دفع منها قبل غروب الشمس ،فقببال مالببك:
عليه حج قابببل إل أن يرجببع قبببل الفجببر ،وإن دفببع منهببا قبببل المببام وبعببد الغيبوبببة
أجزأه .وبالجملة فشرط صحة الوقوف عنده هو أن يقف ليل .وقال جمهببور العلمباء:
من وقف بعرفة بعد الزوال فحجه تبام وإن دفببع قبببل الغببروب ،إل أنهببم اختلفبوا فببي
وجوب الدم عليه ،وعمدة الجمهور حديث عببروة بببن مضببرس ،وهببو حببديث مجمببع
على صحته قال "أتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم بجمع فقلت لببه :هببل لببي مببن
حج؟ فقال :من صلى هذه الصلة معنا ووقف هذا الموقف حتى نفيض أو أفاض قبل
ذلك من عرفات ليل أو نهارا فقد تببم حجببه وقضببى تفثببه" وأجمعببوا علببى أن المببراد
بقوله في هذا الحديث نهارا أنه بعد الزوال ،ومن اشترط الليببل احتببج بوقببوفه بعرفببة
صلى ال عليه وسلم حين غربت الشمس ،لكن للجمهور أن يقولببوا إن وقببوفه بعرفببة
إلى المغيب قد نبأ حديث عروة بن مضرس أنه على جهة الفضل إذ كان مخيرا بين
ذلك .وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم من طبرق أنببه قبال "عرفبة كلهبا موقبف
وارتفعوا عن بطن عرنة ،والمزدلفة كلها موقف إل بطن محسر ،ومنى كلها منحببر،
وفجاج مكة منحر ومبيت" واختلف العلماء فيمن وقف من عرفببة بعرنببة فقيببل حجببه
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
تام وعليه دم ،وبه قال مالك ،وقال الشافعي :ل حج له .وعمدة من أبطل الحج النهببي
الوارد عن ذلك في الحديث .وعمدة من لم يبطله أن الصل أن الوقببوف بكببل عرفببة
جائز إل ما قام عليه الدليل ،وقالوا :ولم يأت هذا الحبديث مبن وجبه تلبزم ببه الحجبة
والخروج عن الصل ،فهذا هو القول في السنن التي في يوم عرفة .وأما الفعل الذي
يلي الوقوف بعرفة من أفعال الحج فهو النهوض إلى المزدلفة بعد غيبة الشببمس ومببا
يفعل بها فلنقل فيه.
**4القول في أفعال المزدلفة.
@-والقول الجملي أيضا في هذا الموضع ينحصر في معرفة حكمه وفي صفته وفي
وقته .فأما كون هذا الفعل من أركان الحج فالصبل فيبه قبوله سببحانه }فباذكروا الب
عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم{ وأجمعببوا علببى أن مببن بببات المزدلفببة ليلببة
النحر وجمع فيها بين المغببرب والعشبباء مببع المببام ووقببف بعببد صببلة الصبببح إلببى
السفار بعد الوقوف بعرفة أن حجه تام ،وأن ذلك الصفة التي فعل رسول ال صببلى
ال عليه وسلم .واختلفوا هل الوقوف بها بعد صلة الصبببح ،والمبببيت بهببا مببن سببنن
الحج أو من فروضه ،فقال الوزاعي وجماعة من التابعين :هو فببرض مببن فببروض
الحج ،ومن فاته كان عليه حج قابل والهدي ،وفقهبباء المصببار يببرون أنببه ليببس مببن
فروض الحج ،وأن من فاته الوقوف بالمزدلفة والمبيت بها فعليه دم .وقال الشببافعي:
إن دفع منها إلى بعد نصف الليل الول ولم يصل بها فعليه دم ،وعمببدة الجمهببور مببا
صح عنه أنه صلى الب عليببه وسببلم قبدم ضببعفة أهلببه ليل فلببم يشبباهدوا معببه صببلة
الصبح بها ،وعمدة الفريق الول قوله صببلى الب عليبه وسببلم فببي حببديث عببروة ببن
مضرس وهو حديث متفق على صحته "مببن أدرك معنببا هببذه الصببلة :يعنببي صبلة
الصبح بجمع ،وكان قد أتى قبل ذلك عرفات ليل أو نهارا فقد تم حجه وقضببى تفثببه"
وقوله تعالى }فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا ال عند المشعر الحببرام واذكببروه كمببا
هداكم{ .ومن حجة الفريق الول أن المسلمين قد أجمعوا على ترك الخذ بجميع مببا
في هذا الحديث ،وذلك أن أكثرهم على أن من وقببف بالمزدلفببة ليل ودفببع منهببا إلببى
قبل الصبح أن حجه تام ،وكذلك من بات فيها ونام عن الصلة وكذلك أجمعببوا علببى
أنببه لببو وقبف بالمزدلفبة ولببم يببذكر الب أن حجبه تبام ،وفببي ذلببك أيضبا مبا يضبعف
احتجاجهم بظاهر الية ،والمزدلفة وجمع هما اسمان لهذا الموضع وسببنة الحببج فيهببا
كما قلنا أن يبيت الناس بها ويجمعون بيببن المغببرب والعشبباء فببي أول وقببت العشبباء
ويغلسوا بالصبح فيها.
**4القول في رمي الجمار.
@-وأما الفعل بعدها فهو رمي الجمببار ،وذلببك أن المسببلمين اتفقببوا علببى "أن النبببي
صلى ال عليه وسلم وقف بالمشعر الحرام وهي المزدلفة بعد ما صلى الفجر ثم دفببع
منها قبل طلوع الشمس إلى منى ،وأنه في هببذا اليببوم وهببو يببوم النحببر رمببى جمببرة
العقبة من بعد طلوع الشمس" وأجمع المسلمون أن من رماها في هذا اليوم فببي ذلببك
الوقت :أعني بعد طلوع الشمس إلى زوالها فقد رماها في وقتها ،وأجمعوا أن رسول
ال صلى ال عليه وسلم لم يرم يوم النحر من الجمرات غيرها.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
واختلفوا فيمن رمى جمرة العقبة قبل طلوع الفجر ،فقال مالببك :لببم يبلغنببا أن رسببول
ال صلى ال عليه وسلم رخص لحد أن يرمي قبل طلببوع الفجببر ،ول يجببوز ذلببك،
فإن رماها قبل الفجر أعادها ،وبه قال أبو حنيفة وسفيان وأحمد.
وقال الشافعي :ل بأس به وإن كان المستحب هو بعد طلوع الشمس ،فحجة منع ذلببك
فعله صلى ال عليه وسلم مع قوله "خذوا عني مناسككم" وما روي عببن ابببن عببباس
"أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قّدم ضببعفة أهلببه وقببال :ل ترمببوا الجمببرة حببتى
تطلع الشمس".
وعمدة من جوز رميها قبل الفجر حديث أم سلمة خرجببه أبببو داود وغيببره وهببو "أن
عائشة قالت :أرسل رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم لم سببلمة يببوم النحببر فرمببت
الجمرة قبل الفجر ومضت فأفاضت ،وكان ذلك اليوم الذي يكببون رسببول ال ب صببلى
ال عليه وسلم عندها.
وحديث أسماء أنه رمت الجمرة بليل وقالت :إنا كنببا نصببنعه علببى عهببد رسببول الب
صلى ال عليه وسلم.
وأجمع العلماء أن الوقت المستحب لرمي جمرة العقبة هو من لدن طلوع الشمس إلى
وقت الزوال ،وأنه إن رماها قبل غروب الشمس من يوم النحر أجزأ عنببه ول شببيء
عليه ،إل مالكا فإنه قال :أستحب له أن يريق دما.
واختلفوا فيمن لم يرمها حتى غابت الشمس فرماها من الليل أو من الغد ،فقال مالببك:
عليه دم.
وقال أبو حنيفة :إن رمى من الليل فل شيء عليه ،وإن أخرها إلى الغد فعليه دم.
وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي ل شيء عليببه إن أخرهببا إلبى الليببل أو إلبى الغببد،
وحجتهم "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم رخص لرعاة البل في مثل ذلك :أعني
أن يرموا ليل" وفي حديث ابن عباس "أن رسول ال صلى ال ب عليببه وسببلم قببال لببه
السائل :يا رسول ال رميت بعد ما أمسيت ،قال له :ل حببرج" وعمببدة مالببك أن ذلببك
الوقت المتفق عليه الذي رمى فيه رسول ال صلى ال عليه وسببلم هببو السببنة ،ومببن
خالف سنة من سنن الحج فعليه دم ،على ما روي عن ابن عباس وأخذ به الجمهور.
وقال مالك :ومعنى الرخصة للرعباة إنمببا ذلببك إذا مضببى يبوم النحبر ورمببوا جمبرة
العقبة ثم كان اليوم الثالث وهو أول أيام النفببر ،فرخببص لهببم رسببول الب صببلى الب
عليه وسلم أن يرموا في ذلك اليوم له ولليوم الذي بعده ،فإن نفببروا فقببد فرغببوا ،وإن
أقاموا إلى الغد رموا مع الناس يوم النفر الخيببر ونفببروا ،ومعنببى الرخصببة للرعبباة
عند جماعة العلماء هو جمع يومين في يوم واحد ،إل أن مالكببا إنمببا يجمببع عنببده مببا
وجب مثل أن يجمع في الثالث فيرمي عن الثاني والثالث ،لنه ل يقضي عنده إل مببا
وجب ،ورخص كثير من العلماء في جمع يومين في يوم ،سواء تقدم ذلك اليوم الذي
أضيف إلى غيره أو تأخر ولم يشبهوه بالقضاء ،وثبت "أن رسول ال صلى ال عليه
وسلم رمى في حجته الجمرة يبوم النحبر ،ثبم نحبر بدنبة ،ثبم حلبق رأسبه ،ثبم طباف
طواف الفاضة" وأجمع العلماء على أن هذا سنة الحج.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
واختلفوا فيمن قدم من هذه ما أخببره النبببي صببلى الب عليببه وسببلم أو بببالعكس ،فقببال
مالك :من حلق قبل أن يرمي جمرة العقبة فعليه الفدية.
وقال الشافعي وأحمد وداود وأبو ثور :ل شيء عليه.
وعمدتهم ما رواه مالك من حديث عبد ال بن عمر أنه قال "وقف رسببول الب صببلى
ال عليه وسلم للناس بمنى والناس يسألونه ،فجاءه رجل فقال :يا رسول ال لم أشببعر
فحلقت قبل أن أنحر.
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم :إنحر ول حرج ،ثم جاءه آخر فقال :يببا رسببول
ال لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي ،فقال عليه الصلة والسلم :إرم ول حببرج ،قببال:
خ بَر إل قببال :إفعببلفما سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم يومئذ عن شيء ُقِدَم أو ُأ ِ
ول حرج".
وروى هذا من طريق ابن عباس عن النبي صلى ال عليه وسلم.
وعمدة مالك أن رسول ال صلى ال عليه وسلم حكم علببى مببن حلببق قبببل محلببه مببن
ضرورة بالفدية فكيف من غير ضرورة ،مع أن الحديث لببم يببذكر فيببه حلببق الببرأس
قبل رمي الجمار ،وعند مالك أن من حلق قبل أن يذبببح فل شببيء عليببه وكببذلك مببن
ذبح قبل أن يرمي.
وقال أبو حنيفة :إن حلق قبل أن ينحر أو يرمي فعليه دم ،وإن كان قارنا فعليه دمان،
وقال زفر :عليه ثلث دماء دم للقران ودمان للحلق قبل النحر وقبل الرمي.
وأجمعوا على أن من نحر قبل أن يرمي فل شيء عليه لنه منصوص عليببه ،إل مببا
روي عن ابن عباس أنه كان يقول :من قدم من حجه شيئا أو أخر فليهرق دما.
وأنه من قدم الفاضة قبل الرمي والحلق أنه يلزمه إعادة الطواف.
وقال الشافعي ومن تابعه :ل إعادة عليه.
وقال الوزاعي :إذا طاف للفاضة قبل أن يرمبي جمبرة العقببة ثبم واقبع أهلبه أراق
دما.
واتفقوا على أن جملة ما يرميه الحاج سبعون حصاة منها في يوم النحر جمرة العقبة
بسبع ،وأن رمي هذه الجمرة من حيث تيسر من العقبة من أسببفلها أو مببن أعلهببا أو
من وسطها كل ذلك واسع ،والموضع المختار منها بطن الوادي لما جبباء فببي حببديث
ابن مسعود أنه استبطن الوادي ثببم قببال :مببن ههنببا والببذي ل إلببه غيببره رأيببت الببذي
أنزلت عليه سورة البقرة يرمي .وأجمعوا على أنه يعيد الرمي إذا لم تقع الحصاة في
العقبة ،وأنه يرمي في كل يوم من أيام التشريق ثلث جمار بواحد وعشببرين حصبباة
كل جمرة منها بسبع ،وأنه يجوز أن يرمي منها يومين وينفر في الثالث لقببوله تعببالى
-فمن تعجل في يومين فل إثم عليه -وقدرها عندهم أن يكون في مثل حصى الخببذف
لما روي من حديث جابر وإبن عباس وغيرهم "أن النبي عليه الصلة والسلم رمى
الجمار بمثل حصى الخذف" والسببنة عنببدهم فببي رمببي الجمببرات كببل يببوم مببن أيببام
التشريق أن يرمي الجمرة الولى فيقف عندها ويدعو ،وكذلك الثانية ويطيببل المقببام،
ثم يرمي الثالثة ول يقف لما روي في ذلك عن رسول ال صلى ال عليه وسببلم "أنببه
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
كان يفعل ذلك في رميه" والتكبير عندهم عند رمي كل جمرة حسن لنه يبروى عنبه
عليه الصلة والسلم.
وأجمعوا على أن من سنة رمي الجمار الثلث في أيام التشببريق أن يكببون ذلببك بعببد
الزوال.
واختلفوا إذا رماها قبل الزوال في أيام التشبريق ،فقبال جمهبور العلمباء :مبن رماهبا
قبل الزوال أعاد رميها بعد الزوال.وروي عن أبي جعفببر محمببد بببن علببي أنببه قببال:
رمي الجمار من طلوع الشمس إلى غروبها .وأجمعوا علببى أن مببن لببم يببرم الجمببار
أيام التشريق حتى تغيب الشمس من آخرها أنه ل يرميها بعد .واختلفوا فببي الببواجب
من الكفارة فقال مالك :إن من ترك الجمار كلها أو بعضها أو واحببدة منهبا فعليببه دم،
وقال أبو حنيفة :إن ترك كلها كبان عليببه دم ،وإن تبرك جمبرة واحببدة فصبباعدا كبان
عليه لكل جمرة إطعام مسكين نصف صاع حنطة إلى أن يبلغ دمببا بببترك الجميببع إل
جمرة العقبة فمن تركها فعليه دم .وقال الشافعي :عليببه فببي الحصبباة مببد مببن طعببام،
وفي حصاتين مدان ،وفي ثلث دم .وقال الثوري مثله ،إل أنه قال في الرابعببة الببدم.
ورخصت طائفة من التابعين في الحصاة الواحدة ولم يببروا فيهببا شببيئا ،والحجببة لهببم
حديث سعد بن أبي وقاص قال "خرجنببا مببع رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم فببي
حجته ،فبعضنا يقول :رميت بسبع ،وبعضنا يقببول :رميببت بسببت ،فلببم يعببب بعضببنا
على بعض" وقال أهل الظاهر :ل شيء فببي ذلببك والجمهببور علببى أن جمببرة العقبببة
ليست من أركان الحج .وقال عبد الملك من أصببحاب مالببك :هبي مبن أركببان الحببج.
فهذه هي جملة أفعال الحج من حيببن الحببرام إلببى أن يحببل ،والتحلببل تحللن :تحلببل
أكبر ،وهو طواف الفاضة ،وتحلل أصغر وهو رمي جمرة العقبة ،وسنذكر مببا فببي
هذا الختلف.
القول في الجنس الثالث:
وهو الذي يتضمن القول في الحكام ،وقد نفى القول فببي حكببم الختللت الببتي تقببع
في الحج ،وأعظمها في حكم من شرع في الحج فمنعه بمرض أو بعدو أو فاته وقببت
الفعل الببذي هببو شببرط فببي صببحة الحببج أو أفسببد حجببه بإتيببانه بعببض المحظببورات
المفسدة للحج أو للفعال التي هي تروك أو أفعال ،فلنبتدئ من هذه بما هو نببص فببي
الشريعة وهو حكم المحصر وحكم قاتل الصيد وحكم الحالق رأسه قبببل محببل الحلببق
وإلقائه التفث قبل أن يحل ،وقد يدخل في هذا الباب حكم المتمتع وحكببم القببارن علببى
القول بأن وجوب الهدي في هذه هو لمكان الرخصة.
القول في الحصار
وأما الحصار ،فالصل فيه قوله سبحانه- :فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي -إلى
قوله -فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر مببن الهببدي -فنقببول :اختلببف
العلماء في هذه الية اختلفا كببثيرا ،وهببو السبببب فببي اختلفهببم فببي حكببم المحصببر
بمرض أو بعدو ،فببأول اختلفهببم فببي هببذه اليببة هببل المحصببر ههنببا هببو المحصببر
بالمرض .فأما من قال :إن المحصر ههنا هو المحصر بالعدو فاحتجوا بقببوله تعببالى
-فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه -قالوا :فلو كان المحصبر هبو المحصبر
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
بمرض لما كان لذكر المرض بعد ذلببك فببائدة ،واحتجببوا أيضببا بقببوله سبببحانه -فببإذا
أمنتم فمن تمتع بببالعمرة إلببى الحببج -وهببذه حجببة ظبباهرة ،ومببن قببال :إن اليببة إنمببا
وردت فببي المحصببر بببالمرض فببإنه زعببم أن المحصببر هببو مببن أحصببر ،ول يقببال
أحصر في العدو ،وإنما يقببال حصببره العببدو وأحصببره المببرض ،قببالوا :وإنمببا ذكببر
المرض بعد ذلك لن المرض صنفان :صنف محصر ،وصنف غير محصر ،وقالوا
معنى قوله -فإذا أمنتم -معناه من المرض .وأما الفريق الول فقالوا عكس هذا ،وهببو
أن أفعل أبدا وفعل في الشيء الواحد إنما يأتي لمعنيين :أما فعل فإذا أوقع بغيره فعل
من الفعال ،وأما أفعل فإذا عرضه لوقوع ذلك الفعل به يقال :أقتله إذا فعببل بببه فعببل
القتل ،واقتله إذا عرضه للقتل ،وإذا كان هذا هكذا فأحصر أحق بالعدو وحصر أحببق
بالمرض ،لن العدو إنما عرض للحصار ،والمرض فهو فاعببل الحصببار .وقببالوا
ل يطلق المن إل في ارتفاع الخوف من العدو وإن قيل فببي المببرض فباسببتعارة ول
يصببار إلببى السببتعارة إل لمببر يببوجب الخببروج عببن الحقيقببة ،وكببذلك ذكببر حكببم
المريض بعد الحصببر الظبباهر منببه أن المحصببر غيببر المريببض ،وهببذا هببو مببذهب
الشافعي .والمذهب الثاني مذهب مالك وأبببي حنيفببة .وقببال قببوم :بببل المحصببر ههنببا
الممنوع من الحج بأي نوع امتنع إما بمببرض أو بعببدو أو بخطببأ فببي العببدد أو بغيببر
ذلك .وجمهور العلماء على أن المحصر عبن الحببج ضببربان :إمببا محصببر بمبرض،
وإما محصر بعدو .فأما المحصر بالعدو فاتفق الجمهور على أنه يحل من عمرتببه أو
حجه حيث أحصر .وقال الثوري والحسببن بببن صببالح ل يتحلببل إل فببي يببوم النحببر،
والذين قالوا :يتحلل حيث أحصر اختلفوا في إيجاب الهدي عليه وفببي موضببع نحببره
إذا قيل بوجوبه وفي إعادة ما حصر عنه من حج أو عمرة ،فذهب مالببك إلببى أنببه ل
يجب عليه العادة .وذهب أبو حنيفة إلى أنه إن كان أحرم بالحج عليه حجة وعمرة،
وإن كان قارنا فعليه حج وعمرتان ،وإن كان معتمرا قضى عمرته ،وليس عليه عنببد
أبي حنيفة ومحمد بن الحسن تقصير ،واختار أبو يوسف تقصيره ،وعمببدة مالببك فببي
أن ل إعادة عليه "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم حببل هببو وأصببحابه بالحديبيببة،
فنحروا الهدي وحلقوا رؤوسهم وحلوا من كل شيء قبل أن يطوف بالبيت ،وقبببل أن
يصل إلى الهببدي ،ثببم لببم يعلببم أن رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم أمببر أحببد مببن
الصحابة ول ممن كان معه أن يقضي شيئا ول أن يعود لشببيء" وعمببدة مببن أوجببب
عليه العادة "أن رسول ال صلى ال عليه وسببلم اعتمبر فببي العببام المقبببل مبن عبام
الحديبية قضاء لتلك العمرة" ولذلك قيل لها عمرة القضاء .وإجمبباعهم أيضببا علببة أن
المحصر بمرض أو ما أشبهه عليه القضاء .فسبب الخلف هو هل قضى رسول الب
صلى ال عليه وسلم أو لم يقض؟ وهل يثبت القضاء بالقياس أم ل؟ وذلك أن جمهور
العلماء على أن القضاء يجب بأمر ثان غير أمر الداء .وأما من أوجب عليبه الهبدي
فبناء على أن الية وردت في المحصر بالعدو ،أو على أنهببا عامببة لن الهببدي فيهببا
نص ،وقببد احتببج هببؤلء بنحببر النببي صببلى الب عليببه وسبلم وأصببحابه الهببدي عبام
الحديبية حين أحصروا .وأجاب الفريق الخبر أن ذلببك الهبدي لببم يكببن هببدي تحلببل،
وإنما كان هديا سيق ابتداء ،وحجة هؤلء أن الصل هو أن ل هدي عليه إل أن يقوم
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الدليل .وأما اختلفهم فبي مكبان الهبدي عنبد مبن أوجببه فالصبل فيبه اختلفهبم فبي
موضع نحر رسول ال صلى ال عليه وسلم هديه عبام الحديبيبة ،فقبال اببن إسبحاق:
نحره في الحرم ،وقال غيره :إنما نحره في الحببل ،واحتببج بقببوله تعببالى -هببم الببذين
كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله -وإنما ذهببب أبببو
حنيفة إلى أن من أحصر عن الحج أن عليه حجا وعمرة لن المحصر قد فسخ الحببج
في عمرة ولم يتم واحببدا منهمببا ،فهببذا هببو حكببم المحصببر بعببدو عنببد الفقهبباء .وأمببا
المحصر بمرض ،فإن مذهب الشافعي وأهل الحجاز أنه ل يحله إل الطببواف بببالبيت
والسعي ما بين الصفا والمروة ،وأنه بالجملة يتحلل بعمرة ،لنه إذا فاته الحج بطببول
مرضه انقلب عمرة ،وهو مذهب ابن عمر وعائشة وابببن عببباس ،وخببالف فببي ذلببك
أهل العراق فقالوا :يحل مكانه وحكمه حكببم المحصببر بعببدو ،أعنببي أن يرسببل هببديه
ويقدر يوم نحره ويحل في اليوم الثالث وبه قال ابن مسعود.
)يتبع(...
@)تابع- :(1 ...وأما الفعل بعدها فهو رمي الجمار ،وذلك أن المسلمين اتفقوا علببى
"أن... ...
واحتجوا بحديث الحجاج بن عمرو النصبباري قببال :سببمعت رسببول الب صببلى الب
عليه وسلم يقول "من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى" وبإجماعهم على أن
المحصر بعدو ليس من شرط إحلله الطواف بالبيت .والجمهببور علببى أن المحصببر
بمرض عليه الهدي .وقال أبو ثور وداود :ل هدي عليه اعتمادا على ظاهر حكم هذا
المحصر ،وعلى أن الية الببواردة فببي المحصببر هببو حصببر العببدو ،وأجمعببوا علببى
إيجاب القضاء عليه ،وكل من فاته الحج بخطأ من العبدد فبي اليبام أو بخفباء الهلل
عليه أو غير ذلك من العذار فحكمه حكبم المحصبر بمبرض عنبد مالبك .وقبال أببو
حنيفة :من فاته الحج بعببذر غيببر مببرض يحببل بعمببرة ول هببدي عليببه وعليببه إعببادة
الحج ،والمكي المحصر بمرض عند مالببك كغيبر المكبي يحببل بعمببرة وعليبه الهببدي
وإعادة الحج .وقال الزهري :لبد )قوله لبد الخ :هكذا هذه العبارة في غببالب النسببخ
ولينظر معناها ،وفي بعض :ولبد أن يعيد )وجعل بياضا لباقي العبارة فليتأمببل ا هب ب
مصححه( .أن يقف بعمرة وإن نعش نعشا .وأصل مذهب مالك أن المحصر بمببرض
إن بقي على إحرامه إلى العام المقبل حتى يحببج حجبة القضباء فل هببدي عليببه ،فبإن
تحلل بعمرة فعليه هدي المحصر ،لنه حلق رأسه قببل أن ينحبر فبي حجبة القضباء،
وكل من تأول قوله سبحانه -فإذا أمنتم فمن تمتببع بببالعمرة إلببى الحببج -أنببه خطبباب
للمحصر وجب عليه أن يعتقبد علبى ظباهر اليبة أن عليبه هبديين :هبديا لحلقبه عنبد
التحلل قبل نحره في حجة القضاء ،وهبديا لتمتعبه ببالعمرة إلبى الحبج ،وإن حبل فبي
أشهر الحج من العمرة وجب عليه هدي ثالث ،وهو هدي التمتع الذي هو أحببد أنببواع
نسك الحج.
وأما مالك رحمه ال ،فكان يتببأول لمكببان هببذا أن المحصببر إنمببا عليببه هببدي واحببد،
وكان يقول :إن الهدي الذي في قوله سبحانه -فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي -
هو بعينه الهدي الذي في قوله -فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلببى الحببج فمببا استيسببر
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
من الهدي -وفيه بعد في التأويل ،والظهر أن قوله سبببحانه -فببإذا أمنتببم فمببن تمتببع
بالعمرة إلى الحج -أنه في غير المحصر بل هو في التمتع الحقيقي ،فكأنه قببال :فببإذا
لم تكونوا خائفين لكن تمتعتم بالعمرة إلى الحج فما استيسببر مببن الهببدي ،ويببدل علببى
هببذا التأويببل قببوله سبببحانه -ذلببك لمببن لببم يكببن أهلببه حاضببري المسببجد الحببرام -
والمحصر يستوي فيه حاضر المسجد الحببرام وغيببره بإجمبباع .وقببد قلنببا فببي أحكببام
المحصر الذي نص ال عليه ،فلنقل في أحكام القاتل للصيد:
القول في أحكام جزاء الصيد
فنقول :إن المسلمين أجمعوا على أن قوله تعالى -يا أيها الذين آمنوا ل تقتلببوا الصببيد
وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم
هديا ببالغ الكعببة أو كفبارة طعبام مسباكين أو عبدل ذلبك صبياما -هبي آيبة محكمبة،
واختلفوا في تفاصيل أحكامها وفيما يقاس علبى مفهومهببا ممببا ل يقبباس عليبه ،فمنهبا
أنهم اختلفوا هببل الببواجب فببي قتببل الصببيد قيمتببه أو مثلببه؟ فببذهب الجمهببور إلببى أن
الواجب المثل ،وذهب أبو حنيفة إلى أنه مخير بين القيمة ،أعني قيمة الصيد وبيببن أ،
يشتري بها المثل .ومنها أنهم اختلفوا في استئناف الحكم على قاتل الصببيد فيمببا حكببم
فيه السلف من الصحابة ،مثل حكمهم أن من قتل نعامة فعليه بدنة تشبببيها بهببا ،ومببن
قتل غزال فعليه شاة ،ومن قتل بقرة وحشية فعليه إنسية ،فقال مالك :يستأنف في كببل
ما وقبع مبن ذلبك الحكبم ببه ،وببه قبال أببو حنيفبة .وقبال الشبافعي :إن اجبتزأ بحكبم
الصحابة مما حكموا فيه جاز ،ومنها هل الية على التخييبر أو علبى البترتيب؟ فقبال
مالك :هي على التخيير ،وبه قال أبو حنيفببة ،يريببد أن الحكميببن يخيببران الببذي عليببه
الجزاء .وقال زفر :هي على الترتيب ،واختلفوا هل يقوم الصببيد أو المثببل إذا اختببار
الطعام إن وجب علبى القبول ببالوجوب فيشبتري بقيمتبه طعامبا؟ فقبال مالبك :يقبوم
الصيد ،وقال الشافعي :يقوم المثل ،فقال مالك :يصوم لكل مد يوما وهببو الببذي يطعببم
عندهم كل مسكين ،وبه قال الشافعي وأهل الحجاز .وقببال أهببل الكوفببة :يصببوم لكببل
مدين يوما ،وهو القدر الذي يطعم كل مسكين عندهم .واختلفوا في قتببل الصببيد خطببأ
هل فيه جزاء أم ل؟ فبالجمهور علببى أن فيببه الجببزاء .وقببال أهببل الظبباهر :ل جببزاء
عليه .واختلفوا في الجماعة يشتركون فبي قتبل الصبيد ،فقبال مالبك :إذا قتبل جماعبة
محرمون صيدا فعلى كل واحد منهم جزاء كامل ،وببه قبال الثبوري وجماعبة .وقبال
الشافعي :عليهم جزاء واحد .وفرق أبببو حنيفببة بيببن المحرميببن يقتلببون الصببيد وبيببن
المحلين يقتلونه في الحرم فقال :على كل واحد من المحرمين جببزاء وعلببى المحليببن
جزاء واحد .واختلفوا هل يكون أحد الحكمين قاتببل الصببيد ،فببذهي مالببك إلببى أنببه ل
يجوز .وقببال الشببافعي :يجببوز .واختلببف أصببحاب أبببي حنيفببة علببى القببولين جميعببا
واختلفوا في موضع الطعام ،فقال مالك :فببي الموضببع الببذي أصبباب فيببه الصببيد إن
كان ثّم طعام ،وإل ففي أقرب المواضع إلى ذلك الموضع.
وقال أبببو حنيفببة :حيثمببا أطعببم .وقببال الشببافعي :ل يطعببم إل مسبباكين مكببة .وأجمببع
العلماء على أن المحرم إذا قتل الصيد أن عليه الجزاء للنص في ذلببك .واختلفبوا فبي
الحلل يقتل الصيد في الحرم ،فقال جمهور فقهاء المصار :عليه الجزاء .وقال داود
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وأصحابه :ل جزاء عليه .ولم يختلف المسلمون فببي تحريببم قتببل الصببيد فببي الحبرم،
وإنما اختلفوا في الكفارة وذلك لقوله سبحانه -اولم يروا أنا جعلنا حرمببا آمنببا -وقببول
رسول ال صلى ال عليبه وسبلم "إن الب حبّرم مكبة يبوم خلبق السبموات والرض"
وجمهور فقهاء المصار علببى أن المحببرم إذا قتببل الصببيد وأكلببه أنببه ليببس عليببه إل
كفببارة واحببدة .وروى عببن عطبباء وطائفببة أن فيببه كفببارتين ،فهببذه هببي مشببهورات
المسائل المتعلقة بهذه الية.
)وأما السباب التي دعتهم إلى هذا الختلف( فنحن نشبير إلبى طبرف منهبا فنقبول.
أما من اشترط في وجوب الجزاء أن يكون القتل عمدا فحجته أن اشتراط ذلببك نببص
في الية ،وأيضا فإن العمد هو الموجب للعقاب والكفارات عقابا ما .وأما من أوجببب
الجببزاء مببع النسببيان فل حجببة لببه ،إل أن يشبببه الجببزاء عنببد إتلف الصببيد بببإتلف
الموال ،فإن الموال عند الجمهور تضمن خطأ ونسيانا ،لكبن يعبارض هبذا القيباس
اشتراط العمد في وجوب الجزاء ،فقد أجاب بعضهم عن هذا :أي العمد إنمببا اشببترط
لمكان تعلق العقاب المنصوص عليه في قوله -ليذوق وبال أمره -وذلببك ل معنببى لببه
لن الوبال المذوق هو في الغرامة فسواء قتله مخطئا أو متعمدا قببد ذاق الوبببال ،ول
خوف أن الناسي غير معاقب ،وأكثر مببا تلببزم هببذه الحجببة لمببن كببان مببن أصببله أن
الكفارات ل تثبت بالقياس ،فببإنه ل دليببل لمببن أثبتهببا علببى الناسببي إل القيبباس .وأمببا
اختلفهم في المثل هل هو الشبيه أو المثل في القيمة ،فببإن سبببب الختلف أن المثببل
يقال على الذي هو مثل وعلى الذي هو مثل في القيمة؛ لكن حجة من رأى أن الشبيه
أقوى من جهة دللة اللفظ أن انطلق لفظ المثل على الشبيه في لسان العرب أظهببر،
وأظهر منه علبى المثبل فبي القيمبة ،لكبن لمبن حمبل ههنبا المثبل علبى القيمبة دلئل
حركته إلى اعتقاد ذلك :أحببدها أن المثببل الببذي هببو العببدل هببو منصببوص عليببه فببي
الطعام والصيام ،وأيضا فإن المثل إذا حمل ههنا على التعديل كان عامببا فببي جميببع
الصيد ،فإن من الصيد ما ل يلقي له شبيه ،وأيضا فإن المثببل فيمبا ل يوجبد لبه شببيه
هو التعديل ،وليس يوجد للحيوان المصيد في الحقيقة شبيه إل من جنسببه ،وقببد نببص
أن المثل الواجب فيه هو من غير جنسه ،فوجب أن يكون مثل في التعببديل والقيمببة،
وأيضا فإن الحكم في الشبيه قببد فببرغ منببه ،فأمببا الحكببم بالتعببديل فهببو شببيء يختلببف
باختلف الوقات ،ولذلك هببو كببل وقببت يحتبباج إلببى الحكميببن المنصببوص عليهمببا،
وعلى هذا يأتي التقدير في الية بمشابه ،فكأنه قال :ومن قتله منكم متعمدا فعليه قيمة
ما قتل من النعم أو عدل القيمة طعاما أو عدل ذلك صياما .وأما اختلفهم هل المقببدر
هو الصيد أو مثله من النعم إذا قدر بالطعام ،فمن قبال المقبدر هبو الصبيد قبال :لنبه
الذي لما لم يوجد مثله رجع إلى تقديره بالطعام ،ومن قال إن المقدر هو الواجب مببن
النعم قال :لن الشيء إنما تقدر قيمته إذا عدم بتقدير مثله أعني شبيهه .وأما من قببال
إن الية على التخيير فإنه التفت إلى حرف "أو" إذ كان مقتضبباها فببي لسببان العببرب
التخيير وأما من نظر إلى ترتيب الكفارات في ذلك فشبهها فببي الكفببارات الببتي فيهببا
الترتيب باتفاق ،وهي كفارة الظهار والقتل .وأما اختلفهم في هل يستأنف الحكم فببي
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الصيد الواحد الذي وقع الحكم فيه من الصحابة ،فالسبب في اختلفهم هو هببل الحكببم
شرعي غير معقول المعنى أم هذا معقول المعنى؟
فمن قال هو معقول المعنى قال :ما قد حكم فيه فليس يوجد شيء أشبه بببه منببه ،مثببل
النعامة فإنه ل يوجد أشبه بها من البدنة فل معنى إعادة الحكم ،ومبن قبال هبو عببادة
قال :يعاد ولبد منه ،وبه قال مالك .وأما اختلفهببم فببي الجماعببة يشببتركون فببي قتببل
الصيد الواحببد ،فسببببه هببل الجببزاء مببوجبه هببو التعببدي فقببط أو التعببدي علببى جملببة
الصيد؟ فمن قال التعدي فقط أوجب على كل واحد من الجماعة القاتلة للصيد جببزاء،
ومن قال التعدي على جملة الصببيد قبال :عليهببم جببزاء واحببد .وهببذه المسببئلة شبببيهة
بالقصبباص فببي النصبباب فببي السببرقة وفببي القصبباص فببي العضبباء وفببي النفببس،
وستأتي في مواضعها من هذا الكتاب إن شاء ال .وتفريق أبي حنيفة بيببن المحرميببن
وبين غير المحرمين القاتلين فببي الحببرم علببى جهببة التغليببظ علببى المحرميببن ،ومببن
أوجب على كل واحد من الجماعة جزاء فإنما نظر إلببى سببد الببذرائع ،فبإنه لببو سببقط
عنهم الجزاء جملة لكان من أراد أن يصيد في الحرم صاد فببي جماعببة ،وإذا قلنببا إن
الجزاء هو كفارة للثم فيشبه أنه ل يتبعض إثم قتل الصيد بالشتراك فيه ،فيجببب أن
ل يتبعض الجزاء فيجب على كل واحببد كفببارة .وأمببا اختلفهببم فببي هببل يكببون أحببد
الحكمين قاتل للصيد ،فالسبب فيه معارضة مفهوم الظبباهر لمفهببوم المعنببى الصببلي
في الشرع ،وذلك أنه لم يشترطوا في الحكمين إل العدالة ،فيجب على ظاهر هببذا أن
يجوز الحكم ممن يوجد فيه هذا الشرط ،سواء كان قاتببل الصببيد أو غيببر قاتببل .وأمببا
مفهوم المعنى الصلي في الشرع فهو أن المحكوم عليه ل يكون حاكمببا علببى نفسببه.
وأما اختلفهم في الموضع ،فسببه الطلق أعني أنببه لببم يشببترط فيببه موضببع ،فمببن
شبهه بالزكاة في أنببه حببق للمسبباكين فقببال ل ينقببل مببن موضببعه .وأمببا مببن رأى أن
المقصود بذلك إنما هو الرفق بمسبباكين مكببة قببال :ل يطعببم إل مسبباكين مكببة ،ومببن
اعتمد ظاهر الطلق قال :يطعم حيث شاء .وأما اختلفهببم فببي الحلل يقتببل الصببيد
فببي الحببرم هببل عليببه كفببارة أم ل؟ فسببببه هببل يقبباس فببي الكفببارات عنببد مببن يقببول
بالقياس؟ وهل القياس أصل من أصول الشرع عند الذين يختلفون فيه؟ فأهل الظبباهر
ينفون قياس قتل الصيد في الحرم علببى المحببرم لمنعهببم القيبباس فببي الشببرع ،ويحببق
على أصل أبي حنيفبة أن يمنعبه لمنعبه القيبباس فبي الكفبارات ،ول خلف بينهببم فبي
تعلق السم به لقوله سبحانه وتعببالى -أو لببم يببروا أنببا جعلنببا حرامببا آمنببا ويتخطببف
الناس من حولهم -وقول رسول ال صلى ال عليه وسلم "إن ال حرم مكة يوم خلق
السببموات والرض" وأمببا اختلفهببم فيمببن قتلببه ثببم أكلببه هببل عليببه جببزاء واحببد أم
جزاءان؟ فسببه هل أكله تعد ثان عليه سوى القتل أم ل؟ وإن كان تعديا عليه فهل هو
مساو للتعدي الول أم ل؟ وذلك أنهم اتفقوا على أنه إن أكل أثم ،ولما كان النظر فببي
كفارة الجزاء يشتمل على أربعة أركان :معرفة الواجب في ذلك ،ومعرفة مببن تجببب
عليه ،ومعرفة الفعل الذي لجله يجب ،ومعرفة محل الوجوب .وكان قببد تقببدم الكلم
في أكثر هذه الجناس ،وبقي من ذلك أمران :أحببدهما اختلف فببي بعببض الواجبببات
من المثال في بعض المصيدات .والثاني ما هو صيد مما ليس بصيد يجب أن ينظر
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
فيما بقي علينا من ذلك ،فمن أصول هذا الباب مبا روي عبن عمبر ببن الخطباب أنبه
قضى في الضبع بكبش ،وفببي الغببزال بعنببز ،وفببي الرنببب ،وفببي اليربببوع بجفببرة،
واليربوع :دويبة لهببا أربببع قببوائم وذنببب ،تجببتر كمببا تجببتر الشبباة ،وهببي مببن ذوات
الكروش ،والعنز عند أهل العلم من المعز ما قد ولد أو ولببد مثلببه ،والجفببرة والعنبباق
من المعز ،فالجفرة ما أكل واستغنى عن الرضاع ،والعنبباق قيببل فببوق الجفببرة وقيببل
دونها ،وخالف مالك هذه الحديث فقال :في الرنب واليربوع ل يقومان إل بما يجوز
هديا وأضحية ،وذلك الجذع فما فوقه من الضأن ،والثني فما فوقه من البببل والبقببر،
وحجة مالك قوله تعالى -هديا بالغ الكعبة -ولم يختلفوا أن من جعل علببى نفسببه هببديا
أنه ل يجيزه أقل من الجزع فمبا فببوقه مببن الضببأن والثنبى ممبا سببواه ،وفبي صبغار
الصيد عند مالك مثل ما في كباره .وقال الشبافعي :يفبدى صبغار الصبيد بالمثبل مبن
صغار النعم وكبار الصيد بالكبار منها ،وهو مروي عن عمر وعثمببان وعلببي وابببن
مسعود ،وحجته أنها حقيقة المثببل ،فعنببده فببي النعامببة الكبببيرة بدنببة ،وفببي الصببغيرة
فصيل ،وأبو حنيفة على أصله فبي القيمبة .واختلفبوا مبن هبذا البباب فبي حمبام مكبة
وغيرها ،فقال مالك في حمام مكة :شاة ،وفي حمام الحل حكومة .واختلف قببول ابببن
القاسم في حمام الحرم غير مكة،فقال مرة شاة كحمام مكة ،ومرة قال حكومة كحمببام
الحل .وقال الشافعي :في كل حمام شاة ،وفي حمببام سببوى الحببرم قيمتببه .وقببال داود
كل شيء ل مثل له من الصيد فل جزاء فيها إل الحمام فإن فيه شاة ،ولعله ظن ذلببك
إجماعا ،فإنه روي عن عمر بن الخطاب ول مخالف لببه مببن الصببحابة .وروي عببن
عطاء أنه قال :في كببل شببيء مببن الطيببر شبباة .واختلفببوا مببن هببذا الببباب فببي بيببض
النعامة ،فقال مالك :أرى في بيض النعامة عشر ثمن البدنة ،وأبو حنيفة علببى أصببله
في القيمة .ووافقه الشافعي في هذه المسألة .وبه قال أبببو ثببور .وقببال أبببو حنيفببة :إن
كان فيها فرخ ميت فعليه الجزاء :أعني جزاء النعامة .واشترط أبو ثور فببي ذلببك أن
يخرج حيا ثم يموت.
)يتبع(...
@)تابع- :(2 ...وأما الفعل بعدها فهو رمي الجمار ،وذلك أن المسلمين اتفقوا علببى
"أن... ...
وروي عن علي أنه قضى في بيض النعامة بأن يرسل الفحببل علببى البببل فببإذا تبببين
لقاحها سميت ما أصبت من البيض ،فقلت :هذا هدي ،ثم ليس عليك ضببمان مببا فسببد
من الحمل .وقال عطاء :من كبانت لبه إببل فبالقول قبول علبي ،وإل ففبي كبل بيضبة
درهمان ،قال أبو عمر :وقد روي عن ابن عببباس عببن كعببب بببن عجببرة عببن النبببي
عليه الصلة والسلم "في بيض النعامة يصيبه المحرم ثمنه" من وجه ليس بببالقوي.
وروي عن ابن مسعود أن فيه القيمة ،قال :وفيه أثر ضعيف .وأكثر العلماء علببى أن
الجراد من صيد البر يجب على المحرم فيه الجزاء .واختلفوا في البواجب مبن ذلبك،
فقببال عمببر رضببي الب عنببه :قبضببة مببن طعببام ،وبببه قببال مالببك .وقببال أبببو حنيفببة
وأصحابه :تمرة خير من جرادة .وقال الشافعي :في الجراد قيمته ،وبه قال أبببو ثببور
إل أنه قال :كل ما تصدق به من حفنة طعام أو تمرة فهبو لبه قيمبة .وروي عبن اببن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
عباس أن فيها تمرة مثل قول أبي حنيفبة .وقبال ربيعبة :فيهبا صباع مبن طعبام وهبو
شاذ .وقد روي عن ابن عمر أن فيها شويهة وهو أيضا شاذ ،فهذه هي مشهورات ما
اتفقوا على الجزاء فيه ،واختلفوا فيما هو الجزاء فيه .وأمببا إختلفهببم فيمببا هببو صببيد
مما ليس بصيد ،وفيما هو من صيد البحر مما ليس منه ،فبإنهم اتفقبوا علببى أن صببيد
البر محّرم على المحرم إل الخمس الفواسق المنصوص عليها ،واختلفوا فيمببا يلحببق
به مما ليس يلحق ،وكذلك اتفقوا على أن صببيد البحببر حلل كلببه للمحببرم ،واختلفببوا
فيما هو من صيد البحر مما ليس منه ،وهذا كله لقوله تعالى- :أحل لكببم صببيد البحببر
وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكببم صببيد البببر مببا دمتببم حرمببا -ونحببن نببذكر
مشهور ما اتفقوا عليه من هذين الجنسين وما اختلفوا فيه ،فنقول:
ثبت من حديث ابن عمر وغيره أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قبال "خمبس مبن
الدواب ليس على المحرم جناح في قتلهن :الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلببب
والعقور" واتفق العلماء على القول بهذا الحديث ،وجمهورهم على القول بإباحة قتببل
ما تضمنه لكونه ليس بصيد وإن كان بعضهم اشترط في ذلك أوصببافا مببا .واختلفببوا
هل هذا باب من الخاص أريد به الخاص ،أو باب من الخاص أريد به العام ،والببذين
قالوا هو من باب الخاص أريد به العام اختلفوا في أي عببام أريببد بببذلك ،فقببال مالببك:
الكلب العقور الوارد في الحديث إشبارة إلببى كبل سببع عبباد ،وأن مببا ليبس بعباد مببن
السباع فليس للمحرم قتله ولم ير قتل صغارها التي ل تعدو ول ما كان منها أيضا ل
يعدو ول خلف بينهم في قتل الحية والفعى والسود ،وهو مروي عببن النبببي عليببه
الصلة والسلم من حديث أبي سعيد الخدري قال :قببال رسببول الب صببلى الب عليببه
وسببلم "تقتببل الفعببى والسببود" وقببال مالببك :ل أرى قتببل الببوزغ ،والخبببار بقتلهببا
متواترة ،لكن مطلقا ل فببي الحببرم ،ولببذلك توقببف فيهببا مالببك فببي الحببرم .وقبال أبببو
حنيفة :ل يقتل من الكلب العقورة إل الكلب النسي والذئب ،وشذت طائفة فقالت :ل
يقتل إل الغراب البقع .وقال الشافعي :كل محرم الكل فهو معنى في الخمس.
وعمدة الشافعي أنه إنما حرم علببى المحببرم مببا أحببل للحلل ،وأن المباحببة الكببل ل
يجوز قتلها بإجماع لنهي رسول ال صلى ال عليه وسلم عن صيد البهائم .وأمببا أبببو
حنيفة فلم يفهم من اسم الكلب النسي فقط بل مببن معنبباه كببل ذئب وحشببي .واختلفببوا
في الزنبور فبعضهم شبهه بالعقرب ،وبعضهم رأى أنه أضببعف نكايبة مبن العقببرب.
وبالجملببة فالمنصببوص عليهببا تتضببمن أنواعببا مببن الفسبباد ،فمببن رأى أنببه مببن ببباب
الخاص أريد به العام ألحق بواحد واحد منها ما يشبه إن كببان لببه شبببه ،ومببن لببم يببر
ذلك قصر النهي على المنطوق به.
وشذت طائفة فقالت :ل يقتل إل الغراب البقع ،فخصصت عمببوم السببم الببوارد فببي
الحديث الثابت بما روي عن عائشة أنه عليه الصلة والسلم قال "خمببس يقتلببن فببي
الحرم ،فذكر فيهن الغراب البقع" وشذ النخعي فمنع المحرم قتببل الصببيد إل الفببأرة.
وأما اختلفهم فيما هو من صيد البحر مما ليس هو منه ،فإنهم اتفقوا على أن السببمك
من صيد البحر ،واختلفوا فيما عدا السمك ،وذلك بناء منهم على ما كببان منببه يحتبباج
إلى زكاة فليس من صيد البحر ،وأكثر ذلك ما كان محرما ،ول خلف بين من يحببل
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
جميع ما في البحر في أن صيده حلل ،وإنما اختلف هببؤلء فيمببا كببان مببن الحيببوان
يعيش في البر وفي الماء بأي الحكمين يلحق؟ وقيبباس قببول أكببثر العلمبباء أنببه يلحببق
بالذي عيشه فيه غالبا ،وهو حيث يولببد .والجمهببور علببى أن طيببر المبباء محكببوم لببه
بحكم حيوان البر .وروي عن عطاء أنه قال في طير الماء حيث يكون أغلببب عيشببه
يحكم له بحكمه.
واختلفوا في نبات الحرم هل فيه جزاء أم ل؟
فقال مالك :ل جزا فيه ،وإنما فيه الثم فقط للنهي الوارد في ذلك .وقال الشافعي :فيه
الجزاء في الدوخة بقرة ،وفيما دونها شاة .وقال أبو حنيفببة :كبل مبا كبان مببن غبرس
النسان فل شيء فيه ،وكل ما كان نابتا بطبعه ففيه قيمة .وسبب الخلف هببل يقبباس
النبات في هذا على الحيوان لجتماعهما في النهي عن ذلببك فببي قببوله عليببه الصببلة
والسلم "ل ينفر صيدها ول يعضد شجرها" فهذا هو القول في مشببهور مسببائل هببذا
الجنس ،فلنقل في حكم الحالق رأسه قبل محل الحلق.
* *4القول في فدية الذى وحكم الحالق رأسه قبل محل الحلق
@ -وأما فدية الذى فمجمع أيضا عليها لورود الكتاب بذلك والسنة.
أما الكتاب فقوله تعالى -فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام
أو صدقة أو نسك . -
وأما السنة فحديث كعب ابن عجرة الثابت "أنه كان مع رسببول ال ب صببلى ال ب عليببه
وسلم محرما ،فآذاه القمل في رأسه ،فأمره رسول ال صلى ال عليه وسببلم أن يحلببق
رأسه وقال :صم ثلثة أيام أو أطعم ستة مساكين مدين لكببل إنسببان ،أو انسببك بشبباة،
أي ذلك فعلت أجزأ عنك"
والكلم في هذه الية على من تجب الفدية ،وعلى من ل تجب ،وإذا وجبت فمببا هببي
الفدية الواجبة؟ وفي أي شيء تجب الفدية ،ولمن تجب ومتى تجب وأين تجببب؟ فأمببا
على من تجب الفدية ،فإن العلماء أجمعوا على أنها واجبة على كببل مببن أمبباط الذى
من ضرورة لورود النص بذلك ،واختلفوا فيمن أمبباطه بغيببر ضببرورة ،فقببال مالببك:
عليه الفدية المنصوص عليها .وقال الشافعي وأبو حنيفة :إن حلق دون
ضرورة فإنما عليه دم فقط ،واختلفوا هل من شرط مببن وجبببت عليببه الفديببة بإماطببة
الذى أن يكون متعمدا أو الناسي في ذلك والمتعمد سواء ،فقال مالك :العامد في ذلك
والناسي واحد ،وهو قول أبي حنيفة والثوري والليث .وقال الشافعي في أحببد قببوليه:
وأهل الظاهر ل فدية على الناسي ،فمن اشترط في وجوب الفديببة الضببرورة فببدليله
النص ،ومن أوجب ذلك على غير المضببطر فحجتببه أنببه إذا وجبببت علببى المضببطر
فهي على غير المضطر أوجب ،ومن فرق بين العامد والناسي فلتفريببق الشببرع فببي
ذلك بينهما في مواضع كثيرة ،ولعموم قوله تعالى- :وليس عليكم جناح فيمببا أخطببأتم
به ولكن ما تعمدت قلوبكم -ولعموم قوله عليه الصلة والسلم "رفع عن أمتي الخطأ
والنسيان" ومن لم يفرق بينهما فقياسا على كثير من العبادات الببتي لببم يفببرق الشببرع
فيها بين الخطأ والنسيان.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وأما ما يجببب فيببه فديببة الذى ،فببإن العلمبباء أجمعببوا علببى أنهببا ثلث خصببال علببى
التخيير :الصيام والطعام والنسك لقوله تعالى- :ففدية من صيام أو صببدقة أو نسببك-
والجمهور على أن الطعام هو لستة مساكين ،وأن النسك أقله شاة .وروي عن أنببس
وعكرمة ونببافع أنهببم قببالوا :الطعببام لعشببرة مسبباكين والصببيام عشببرة أيببام .ودليببل
الجمهور حديث كعب بن عجرة الثابت .وأما من قال الصيام عشرة أيام فقياسببا علببى
صيام التمتع وتسوية الصيام مع الطعام ،ولما ورد أيضا في جزاء الصببيد فبي قبوله
تعالى- :أو عدل ذلك صياما -وأما كم يطعم لكببل مسببكين مببن المسبباكين السببتة الببتي
ورد فيهببا النببص ،فببإن الفقهبباء اختلفببوا فببي ذلببك لختلف الثببار فببي الطعببام فببي
الكفارات ،فقال مالك والشافعي وابو حنيفة وأصحابهم :الطعببام فببي ذلببك مببدان بمببد
النبي صلى ال عليه وسلم لكل مسكين .وروي عن الثوري أنه قال :من البببر نصببف
صاع ومن التمر والزبيب والشعير صاع.
وروي أيضا عن أبي حنيفة مثله وهو أصله في الكفارات.
وأما ما تجب فيه الفدية ،فاتفقوا على أنها تجب على من حلق رأسه لضرورة مرض
أو حيوان يؤذيه في رأسه .قال ابن عباس :المرض أن يكون برأسه قببروح ،والذى:
القمل وغيره .وقال عطاء :المرض الصداع ،والذى :القمل وغيره .والجمهور على
أن كل ما منعه المحرم من لباس الثياب المخيطة وحلق الرأس وقص الظفار أنه إذا
استباحه فعليه الفدية :أي دم على اختلف بينهم في ذلك أو إطعببام ،ولببم يفرقببوا بيببن
الضرر وغيره في هذه الشياء ،وكذلك استعمال الطيب .وقبال قبوم :ليبس فبي قبص
الظفار شيء .وقال قوم فيه دم .وحكبى اببن المنبذر أن منبع المحبرم قبص الظفبار
إجماع.
واختلفوا فيمن أخذ بعض أظفاره ،فقال الشافعي وأبو ثور :إن أخذ ظفرا واحدا أطعم
مسكينا واحدا ،.وإن أخذ ظفرين أطعم مسببكينين ،وإن أخببذ ثلثببا فعليببه دم فببي مقببام
واحد .وقال أبو حنيفة في أحد أقببواله :ل شببيء عليببه حببتى يقصببها كلهببا .وقببال أبببو
محمد بن حزم :يقص المحرم أظفاره وشاربه وهو شذوذ ،وعنبده أن ل فديبة إل مبن
حلق الرأس فقط للعذر الذي ورد فيه النص .وأجمعوا على منع حلببق شببعر الببرأس،
واختلفوا في حلق الشعر من سائر الجسد ،فالجمهور على أن فيه الفديببة .وقببال داود:
ل فدية فيه .واختلفوا فيمن نتف مببن رأسببه الشببعرة والشببعرتين أو مببن لحمببه ،فقببال
مالك :ليس على من نتف الشعر اليسير شيء إل أن يكون أماط به أذى فعليه الفديببة.
وقال الحسن :في الشعرة مد وفي الشعرتين مدين ،وفي الثلثة دم ،وبه قال الشببافعي
وأبو ثور .وقال عبد الملك صاحب مالك :فيما قل من الشعر إطعام وفيما كببثر فديببة.
فمن فهم من منع المحرم حلق الشعر أنه عبادة سوى بين القليبل والكبثير ،لن القليبل
ليس في إزالته زوال أذى.
أما موضع الفدية فاختلفوا فيه ،فقبال مالبك :يفعبل مبن ذلبك مبا شباء أيبن شباء بمكبة
وبغيرها وإن شاء ببلده ،وسواء عنده في ذلك ذبح النسببك والطعببام والصببيام ،وهببو
قول مجاهد والذي عند مالك ههنبا هبو نسبك وليبس بهبدي .فبإن الهبدي ل يكبون إل
بمكة أو بمنى .وقال أبو حنيفة والشافعي :الدم والطعام ل يجزيان إل بمكة والصوم
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
حيث شاء .وقال ابن العباس :مببا كببان مببن دم فبمكببة ،ومببا كببان مببن إطعببام وصببيام
فحيث شاء ،وعن أبي حنيفة مثله .ولم يختلف قول الشافعي أن دم الطعام ل يجببزئ
إل لمساكين الحرم.
وسبب الخلف استعمال قياس دم النسك على الهدي ،فمن قاسبه علبى الهبدي أوجبب
فيه شروط الهدي من الذبح في المكان المخصوص به وفي مساكين الحرم ،وإن كان
مالك يرى أن الهدي يجوز إطعامه لغير مساكين الحرم ،والذي يجمع النسك والهببدي
هو أن المقصود بهمبا منفعبة المسباكين المجباورين لببيت الب ،والمخبالف يقبول :إن
الشرع لما فرق بين اسمهما فسمى أحدهما نسكا وسمى الخر هببديا وجببب أن يكببون
حكمهما مختلفا .وأما الوقت فالجمهور على أن هذه الكفببارة ل تكببون إل بعببد إماطببة
الذى ،ول يبعد أن يدخله الخلف قياسببا علببى كفببارة اليمببان ،فهببذا هببو القببول فببي
كفارة إماطة الذى .واختلفوا في حلق الرأس هل هو مببن مناسببك الحببج أو هببو ممببا
يتحلل به منه؟ ول خلف بين الجمهور في أنه من أعمال الحببج ،وأن الحلببق أفضببل
من التقصير لما ثبت من حديث ابن عمر أن رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم قببال
"اللهم ارحم المحلقين ،قالوا :والمقصرين يا رسول ال ،قبال :اللهبم ارحبم المحلقيبن،
قالوا :والمقصرين يا رسول ال ،قال :اللهببم ارحببم المحلقيببن ،قببالوا :والمقصببرين يببا
رسول ال ،قال :والمقصرين" وأجمع العلماء علببى أن النسبباء ل يحلقببن وأن سببنتهن
التقصير .واختلفوا هل هو نسك يجب على الحاج والمعتمر أول؟ فقال مالك :الحلق
نسك للحاج وللمعتمر وهببو أفضببل مببن التقصببير ،ويجببب علببى كببل مببن فبباته الحببج
وأحصر بعدو أو بمرض أو بعذر وهو قول جماعة الفقهبباء إل فببي المحصببر بعببدو،
فإن أبببا حنيفببة قببال :ليببس عليببه حلق ول تقصببير .وبالجملببة فمببن جعببل الحلق أو
التقصير نسكا أوجب في تركه الدم ،ومن لم يجعله من النسك لم يوجب فيه شيئا.
* *4القول في كفارة المتمتع
@ -وأما كفارة المتمتع التي نص ال عليها فبي قبوله سببحانه -فمبن تمتبع ببالعمرة
إلى الحج فما استيسر من الهدي -الية ،فببإنه ل خلف فببي وجوبهببا ،وإنمببا الخلف
في المتمتع من هو؟ وقد تقدم ما في ذلك من الخلف والقول فببي هببذه الكفببارة أيضببا
يرجع إلى تلك الجناس بعينها على من تجب؟ وما الواجب فيها؟ ومتى تجببب ولمببن
تجب وفببي أي مكببان تجببب؟ فأمببا علببى مببن تجببب فعلببى المتمتببع باتفبباق ،وقببد تقببدم
الخلف في المتمتع من هو .وأما اختلفهم فبي البواجب ،فبإن الجمهبور مبن العلمباء
على أن ما استيسر من الهدي هو شاة ،واحتج مالك في أن اسم الهدي قد ينطلق على
الشاة بقوله تعالى في جزاء الصبيد -هبدايا ببالغ الكعببة -ومعلبوم بالجمباع أنبه قبد
يجب في جزاء الصيد
شاة ،وذهب ابن عمر إلى أن اسم الهدي ل ينطلق إل على البل والبقببر ،وأن معنببى
قوله تعالى -فما استيسر من الهدي -أي بقرة أدون من بقرة ،وبدنة أدون من بدنببة.
وأجمعببوا أن هببذه الكفببارة علببى الببترتيب ،وأن مببن لببم يجببد الهببدي فعليببه الصببيام.
واختلفوا من حد الزمان الذي ينتقل بانقضائه فرضببه مببن الهببدي إلببى الصببيام ،فقببال
مالك :إذا شرع في الصوم فقد انتقل واجبببه إلببى الصببوم وإن وجببد الهببدي فببي أثنبباء
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الصوم .وقال أبو حنيفة :إن وجد الهدي في صوم الثلثة اليام لزمه ،وإن وجده فببي
صوم السبعة لم يلزمه ،وهذه المسئلة نظير مسئلة مببن طلببع عليببه المباء فبي الصبلة
وهو متيمم .وسبب الخلف هو هل مبا هبو شبرط فبي ابتبداء العبببادة هببو شببرط فبي
استمرارها .وإنما فرق أبو حنيفة بين الثلثة والسبببعة ،لن الثلثببة اليببام هببي عنببده
بدل من الهدي والسبعة ليست ببدل ،وأجمعببوا علببى أنببه إذا صببام الثلثببة اليببام فببي
العشر الول من ذي الحجة أنه قد أتى بها في محلهببا لقببوله سبببحانه -فصببيام ثلثببة
أيام في الحج -ول خلف أن العشر الول من أيام الحج .واختلفوا فيمن صامها فببي
أيام عمل العمرة قبل أن يهل بالحج أو صامها في أيام منى ،فأجاز مالك صيامها فببي
أيام منى ومنعه أبو حنيفة وقال :إذا فاتته اليام الولى وجب الهدي في ذمتببه ومنعببه
مالك قبل الشروع في عمل الحج وأجازه أبو حنيفة .وسبب الخلف هل ينطلببق اسببم
الحج على هذه اليام المختلف فيها أم ل؟ وإن انطلببق فهببل مببن شببرط الكفببارة أن ل
تجزئ إل بعد وقوع موجبها ،فمن
قال :ل تجزئ كفارة إل بعد وقوع موجبها قال :ل يجزي الصوم إل بعد الشروع في
الحج ،ومن قاسها على كفارة اليمان قال :يجزي.
واتفقوا أنه إذا صام السبعة اليام في أهله أجببزأه ،واختلفببوا إذا صببامها فببي الطريببق
فقال مالك :يجزي الصوم ،وقال الشافعي :ل يجزي .وسبب الخلف الحتمببال الببذي
في قوله سبحانه -إذا رجعتم -فإن اسم الراجع ينطلق على مببن فبرغ مببن الرجبوع،
وعلى من هو في الرجوع نفسه ،فهذه هي الكفارة التي ثبتت بالسمع وهي من المتفق
عليها ،ول خلف أن من فاته الحج بعد أن شببرع فيببه إمببا بفببوت ركببن مببن أركببانه،
وإما من قبل غلطه في الزمان ،أو من قبل جهله أو نسببيانه أو إتيببانه فببي الحببج فعل
مفسدا له ،فإن عليه القضاء إذا كان حجا واجبا وهل عليه هدي مع القضاء؟ واختلفوا
فيه ،وإن كان تطوعا فهل عليه قضبباء أم ل؟ الخلف فببي ذلببك كلببه ،لكببن الجمهببور
على أن عليه الهدي لكون النقصان الداخل عليه مشببعرا بوجببوب الهببدي .وشببذ قببوم
فقالوا :ل هدي أصل ول قضبباء إل أن يكببون فببي حببج واجببب ،وممببا يخببص الحببج
الفاسد عند الجمهور دون سائر العبادات أنه يمضي فيه المفسد له ول يقطعببه وعليببه
دم .وشذ قببوم فقببالوا :هببو كسببائر العبببادات ،وعمببدة الجمهببور ظبباهر قببوله تعببالى -
وأتموا الحج والعمرة ل -فالجمهور عمموا والمخالفون خصصوا قياسا على غيرهبا
مببن العبببادات إذا وردت عليهببا المفسببدات ،واتفقببوا علببى أن المفسببد للحببج إمببا مببن
الفعال المأمور بها فترك الركان التي هي شرط في صحته على اختلفهم فيما هببو
ركن مما ليس بركن .وأما من التروك المنهي عنها فالجماع ،وإن كانوا اختلفببوا فببي
الوقت الذي إذا وقع فيه الجماع كان مفسدا للحج .فأما إجمبباعهم علببى إفسبباد الجمبباع
للحج فلقوله تعالى -فمن فرض فيهن الحج فل رفث ول فسوق ول جدال في الحج -
واتفقوا على أن من وطئ قبل الوقوف بعرفة فقد أفسد حجه ،وكببذلك مببن وطببئ مببن
المعتمرين قبل أن يطبوف ويسببعى .واختلفببوا فبي فسبباد الحبج ببالوطء بعببد الوقببوف
بعرفة وقبل رمي جمرة العقبة وبعد رمي الجمببرة وقبببل طببواف الفاضببة الببذي هببو
الواجب ،فقال مالك :من وطئ قبل رمي جمرة العقبببة فقببد فسببد حجببه وعليببه الهببدي
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
والقضاء ،وبه قال الشافعي .وقال أبو حنيفة والثوري :عليه الهدي بدنببة وحجببه تببام.
وقد روي مثل هذا عن مالك .وقال مالك :مببن وطببئ بعببد رمببي جمببرة العقبببة وقبببل
طواف الفاضة فحجه تام ،وبقول مالك في أن الوطء قبببل طببواف الفاضببة ل يفسببد
الحج قال الجمهور :ويلزمه عندهم الهدي.
وقالت طائفة :من وطئ قبل طواف الفاضة فسد حجه ،وهو قول ابن عمببر .وسبببب
الخلف أن للحج تحلل يشبه السلم في الصببلة وهببو التحلببل الكبببر وهببو الفاضببة
وتحلل أصغر ،وهل يشترط في إباحة الجماع تحللن أو أحدهما؟
ول خلف بينهم أن التحلل الصغر الذي هو رمي الجمببرة يببوم النحببر أنببه يحببل بببه
الحاج من كل شيء حرم عليه بالحج إل النساء والطيب والصيد ،فإنهم اختلفببوا فيببه،
والمشهور عن مالك أنه يحل له كل شيء إل النساء والطيببب ،وقيببل عنببه إل النسبباء
والطيب والصيد ،لن الظاهر من قوله -وإذا حللتم فاصطادوا -أنه التحلببل الكبببر.
واتفقوا على أن المعتمر يحل من عمرته إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمببروة
وإن لم يكن حلق ول قصر لثبوت الثبار فبي ذلبك إل خلفبا شباذا .وروي عبن ابببن
عباس أنه يحل بالطواف .وقال أبو حنيفببة :ل يحبل إل بعببد الحلق ،وإن جبامع قبلبه
فسدت عمرته .واختلفوا في صفة الجماع الذي يفسد الحج وفببي مقببدماته ،فببالجمهور
على أن التقاء الختانين يفسد الحج ،ويحتمل من يشترط فببي وجببوب الطهببر النببزال
مع التقاء الختانين أن يشترطه في الحج .واختلفوا في إنزال المبباء فيمببا دون الفببرج،
فقال أبو حنيفة :ل يفسد الحج إل النزال في الفرج .وقال الشافعي :مببا يببوجب الحببد
يفسد الحج .وقببال مالببك :النببزال نفسببه يفسببد الحببج ،وكببذلك مقببدماته مببن المباشببرة
والقبلة .واستحب الشافعي فيمن جببامع دون الفببرج أن يهببدي .واختلفببوا فيمببن وطببئ
مرارا ،فقال مالك :ليس عليه إل هدي واحد .وقببال أبببو حنيفببة :إن كببرر الببوطء فببي
مجلس واحد كان عليه هدي واحد ،وإن كرره في مجالس كان عليه لكل وطء هببدي.
وقال محمد بن الحسن :يجزيه هدي واحد ،وإن كرر الوطء ما لم يهببد لببوطئه الول.
وعن الشافعي الثلثة القوال ،إل أن الشببهر عنببه مثببل قببول مالببك .واختلفببوا فيمببن
وطئ ناسيا ،فسوى مالك في ذلك بين العمد والنسببيان .وقببال الشببافعي فببي الجديببد ل
كفارة عليه .واختلفوا هل على المرأة هببدي؟ فقببال مالببك :إن طبباوعته فعليهببا هببدي،
وإن أكرهها فعليه هديان .وقال الشافعي :ليس عليه إل هدي واحد كقوله في المجامع
فببي رمضببان وجمهببور العلمبباء علببى أنهمببا إذا حجببا مببن قابببل تفرقببا أعنببي الرجببل
والمببرأة ،وقيببل ل يفترقببان ،والقببول بببأن ل يفترقببا مببروي عببن بعببض الصببحابة
والتابعين ،وبه قال أبو حنيفة .واختلف قول مالك والشافعي مببن أيببن يفترقببان؟ فقببال
الشافعي :يفترقان من حيث أفسدا الحج ،وقال مالك :يفترقان من حيث أحرما ،إل أن
يكونا حرما قبل الميقببات ،فمبن أخبذهما بببالفتراق فسببدا للذريعببة وعقوببة ،ومببن لبم
يؤاخذهما به فجريا على الصل ،وأنه ل يثبت حكم في هذا الباب إل بسماع.
واختلفوا في الهدي الواجب في الجماع ما هببو؟ فقببال مالببك وأبببو حنيفببة :هببو شبباة،
وقال الشافعي :ليجزئه إل بدنة ،وإن لم يجبد قبومت البدنبة دراهبم وقبومت البدراهم
طعاما ،فإن لم يجد صام عن كل مد يوما ،قال :والطعام والهدي ل يجبزى إل بمكبة
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
أو بمنى والصوم حيث شاء .وقال مالك :كل نقص دخل الحببرام مببن وطببء أو حلببق
شعر أو إحصار فإن صاحبه إن لم يجد الهدي صام ثلثببة أيببام فببي الحببج وسبببعة إذا
رجع ،ول يدخل الطعام فيه ،فمالك شبببه الببدم اللزم ههنببا بببدم المتمتببع ،والشببافعي
شبهه بالدم الواجب بالفدية ،والطعام عند مالك ل يكون إل في كفارة الصيد وكفببارة
إزالة الذى ،والشافعي يرى أن الصيام والطعام قد وقعا بدل لدم في موضعين ،ولم
يقع بدلهما إل في موضع واحد ،فقياس المسكوت عنه على المنطوق به فببي الطعببام
أولى ،فهذا ما يخص الفساد بالجماع.
وأما الفساد بفوات الوقت ،وهببو أن يفببوته الوقببوف بعرفببة يببوم عرفببة ،فببإن العلمبباء
أجمعوا أن من هذه صفته ل يخببرج مببن إحرامببه إل بببالطواف بببالبيت والسببعي بيببن
الصفا والمروة ،أعني أنه يحل ولبد بعمرة ،وأن عليه حج قابل .واختلفوا هببل عليببه
هدي أم ل؟ فقال مالك والشافعي وأحمد والثوري وأبو ثور :عليببه الهببدي ،وعمببدتهم
إجماعهم على أن من حبسه مرض حتى فاته الحج أن عليه الهدي .وقال أبببو حنيفببة:
يتحلل بعمرة ويحج من قابل ول هدي عليه .وحجة الكببوفيين أن الصببل فببي الهببدي
إنما هو بدل من القضاء ،فإذا كان القضاء فل هدي إل ما خصصه الجماع.
واختلف مالك والشافعي وأبو حنيفة فيمببن فبباته الحببج وكببان قارنببا هببل يقضببي حجبا
مفردا أو مقرونا بعمرة؟ فذهب مالك والشافعي إلى أنه يقضي قارنا لنه إنما يقضببي
مثل الذي عليه .وقال أبو حنيفة :ليس عليه إل الفراد لنببه قببد طبباف لعمرتببه فليببس
يقضي إل ما فاته .وجمهور العلماء على أن من فاته الحج أنه ل يقيببم علببى إحرامببه
ذلك إلى عام آخر وهذا هو الختيار عند مالك ،إل أنه أجاز ذلك ليسببقط عنببه الهببدي
ول يحتاج أن يتحلل بعمرة.
وأصل اختلفهم في هذه المسئلة اختلفهم فيمن أحرم بالحببج فببي غيببر أشببهر الحببج،
فمن لم يجعله محرما لم يجز للذي فاته الحج أن يبقببى محرمببا إلببى عببام آخببر ،ومببن
أجاز الحرام في غير أيام الحج أجاز له البقباء محرمبا ،قبال القاضبي :فقبد قلنبا فبي
الكفارات الواجبة بالنص في الحج وفي صفة القضاء في الحج الفببائت والفاسببد وفببي
صفة إحلل من فاته الحج ،وقلنا قبل ذلك في الكفارات المنصوص عليها ،وما ألحق
الفقهاء بذلك من كفارة المفسد حجه ،وبقي أن نقول في الكفببارات الببتي اختلفببوا فيهببا
ترك نسك منها من مناسك الحج مما لم ينص عليه.
* *4القول في الكفارات المسكوت عنها
@ -فنقول :إن الجمهور اتفقوا على أن النسك ضربان :نسك هو سنة موكببدة ونسببك
هو مرغب فيه .فالذي هو سنة يجب على تاركه الدم لنه حج نبباقص أصببله المتمتببع
والقارن .وروي عن ابن عباس أنه قال :من فاته من نسكه شيء فعليه دم ،وأما الذي
هو نفل فلم يروا فيه دما ،ولكنهم اختلفوا اختلفا كثيرا في ترك نسك نسك هل فيه دم
أم ل؟ وذلك لختلفهم فيه هل هو سنة أو نفل؟ وأما ما كان فرضا فل خلف عندهم
أنه ل يجبر بالدم ،وإنما يختلفون في الفعل الواحد نفسببه مببن قبببل اختلفهببم هببل هببو
فببرض أم ل؟ وأمببا أهببل الظبباهر فببإنهم ل يببرون دمببا إل حيببث ورد النببص لببتركهم
القياس وبخاصة في العبادات ،وكذلك اتفقوا علببى أن مببا كببان مببن المببتروك مسببنونا
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
ففعل ففيه فدية الذى ،وما كان مرغبا فيه فليس فيه شببيء .واختلفببوا فببي تببرك فعببل
لختلفهم هل هو سببنة أم ل؟ وأهببل الظبباهر ل يوجبببون الفديببة إل فببي المنصببوص
عليه ونحن نذكر المشهور من اختلف الفقهاء في ترك نسك نسك ،أعني في وجوب
الدم أو ل وجوبه من أول المناسك إلى آخرها ،وكببذلك فببي فعببل محظببور محظببور،
فأول ما اختلفوا فيه من المناسك من جاوز الميقات فلم يحرم هل عليه دم؟ فقال قببوم:
ل دم عليه .وقال قوم :عليه الدم وإن رجع ،وهببو قببول مالببك وابببن المبببارك .وروي
عن الثوري .وقال قوم :إن رجع إليه فليس عليببه دم ،وإن لببم يرجببع فعليببه دم ،وهببو
قول الشافعي وأبي يوسف ومحمد ومشهور قول الثوري .وقال أبو حنيفببة :إن رجببع
ملبيا فل دم عليه ،وإن رجع غير ملببب كببان عليببه الببدم .وقببال قببوم :هببو فببرض ول
يجبره بالدم .واختلفوا فيمن غسل رأسه بببالخطمى .فقببال مالببك وأبببو حنيفببة :يفتببدى.
وقال الثوري وغيره :ل شيء عليه.
ورأى مالك أن في الحمام الفدية ،وأباحه الكثرون وروي عن ابن عباس من طريق
ثابت دخوله ،والجمهور على أنه يفتدى من لبس من المحرمين مببا نهببي عببن لباسببه.
واختلفوا إذا لبس السببراويل لعبدم الزار هببل يفتببدى أم ل؟ فقببال مالبك وأبببو حنيفببة:
يفتدى ،وقال الثوري وأحمد وأبو ثور وداود :ل شيء عليه إذا لم يجد إزارا .وعمببدة
من منع النهي المطلق وعمدة من لم ير فيه فدية حديث عمببرو بببن دينببار عببن جببابر
وابن عباس قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول "السراويل لمن لم يجد
الزار والخف لمن لم يجد النعلين" واختلفوا فيمن لبس الخفين مقطوعين مببع وجببود
النعليببن ،فقببال مالببك :عليببه الفديببة ،وقببال أبببو حنيفببة :ل فديببة عليببه ،والقببولن عببن
الشافعي.
واختلفوا في لبببس المببرأة القفببازين هببل فيببه فديببة أم ل؟ وقببد ذكرنببا كببثيرا مببن هببذه
الحكام في باب الحرام ،وكذلك اختلفوا فيمن تببرك التلبيببة هببل عليببه دم أم ل؟ وقببد
تقدم .واتفقوا على أن من نكس الطواف أو نسي شوطا من أشواطه أنه يعيببده مببا دام
بمكة .واختلفوا إذا بلغ إلى أهله ،فقال قوم منهم أبو حنيفة :يجزيه الدم ،وقال قوم :بل
يعيد ويجبر ما نقصه ول يجزيه الدم .وكذلك اختلفوا في وجوب الدم علببى مببن تببرك
الرمل في الثلثة الشواط ،وبالوجوب قال ابن عباس والشافعي وأبببو حنيفببة وأحمببد
وأبو ثور .واختلف في ذلك قببول مالببك وأصببحابه .والخلف فببي هببذه الشببياء كلهببا
مبناه على أنه هل هو سنة أم ل؟ وقد تقدم القول في ذلك .وتقبيل الحجر أو تقبيل يببده
بعد وضعها عليه إذا لم يصل الحجر عند كل من لم يوجب الببدم قياسببا علببى المتمتببع
إذا تركه فيه دم .وكذلك اختلفوا فيمن نسي ركعتي الطواف حتى رجع إلببى بلببده هببل
عليه دم أم ل؟ فقال مالك :عليه دم .وقال الثوري :يركعهما ما دام فببي الحببرم .وقببال
الشافعي وأبو حنيفة :يركعهما حيث شاء ،والذين قالوا فببي طببواف الببوداع إنببه ليببس
بفرض اختلفوا فيمن تركه ولم تتمكن له العودة إليه هببل عليببه دم أم ل؟ فقببال مالببك:
ليس عليه شيء إل أن يكون قريبا فيعود .وقال أبو حنيفببة والثببوري :عليببه دم إن لببم
يعد ،وإنما يرجع عندهم ما لم يبلغ المواقيت ،وحجة من لم يبره سبنة مؤكبدة سبقوطه
عن المكي والحائض .وعند أبي حنيفة أنه إذا لم يدخل الحجر في الطواف أعاد ما لم
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
يخرج من مكة ،فإن خرج فعليه دم .واختلفوا هل من شببرط صببحة الطببواف المشببي
فيه مع القدرة عليه؟ فقال مالك :هو من شرطه كالقيام فببي الصببلة ،فببإن عجببز كببان
كصلة القاعد ويعيد عنده أبدا .إل إذا رجع إلى بلده فببإن عليببه دمببا .وقبال الشببافعي:
الركوب في الطواف جائز "لن النبي صلى ال عليه وسلم طبباف بببالبيت راكبببا مببن
غير مرض" ولكنه أحب أن يستشرف الناس إليه ،ومن لم ير السعي واجبا فعليه فيه
دم إذا انصرف إلى بلده .ومن رآه تطوعبا لبم يبوجب فيبه شبيئا ،وقبد تقبدم اختلفهبم
أيضا فيمن قدم السعي على الطواف هل فيه دم إذا لببم يعببد حببتى يخببرج مببن مكببة أم
ليس فيه دم؟
واختلفوا في وجوب الدم على من دفع من عرفة قبل الغروب فقال الشببافعي وأحمببد:
إن عاد فدفع بعد غروب الشمس فل دم عليه ،وإن لم يرجع حتى طلببع الفجببر وجببب
عليه الدم .وقال أبو حنيفة والثوري :عليببه الببدم رجببع أو لببم يرجببع ،وقببد تقببدم هببذا.
واختلفوا فيمن وقف من عرفة بعرنة ،فقال الشافعي :ل حج له ،وقال مالك :عليه دم.
وسبب الختلف هل النهي عن الوقوف بها من باب الحظببر أو مببن ببباب الكراهيببة،
وقد ذكرنا في باب أفعال الحج إلى انقضائها كثيرا مببن اختلفهببم فيمببا تركببه دم ومببا
ليس فيه دم ،وإن كان الترتيب يقتضي ذكره في هذا الموضع ،والسهل ذكره هنالك.
قال القاضي :فقد قلنا في وجوب هذه العبادة وعلى من تجب؟ وشروط وجوبها ومتى
تجب؟ وهي التي تجري مجرى المقدمات لمعرفببة هببذه العبببادة ،وقلنببا بعببد ذلببك فببي
زمان هذه العبادة ومكانها ومحظوراتها وما اشتملت عليه أيضا من الفعال في مكان
مكان من أماكنها وزمان زمان من أزمنتها الجزئية إلى انقضاء زمانها ،ثببم قلنببا فببي
أحكام التحلل الواقع في هذه العبادة ،وما يقبل مببن ذلببك الصببلح بالكفببارات ومببا ل
يقبل الصلح بل يوجب العادة ،وقلنا أيضا في حكم العادة بحسب موجباتها .وفي
هذا الباب يدخل من شرع فيها فأحصر بمرض أو عدو أو غير ذلك.
والذي بقي من أفعبال هببذه العبببادة هبو القبول فببي الهببدي ،وذلبك أن هبذا النبوع مببن
العبادات هو جزء من هذه العبادة ،وهو مما ينبغي أن يفرد بالنظر فلنقل فيه:
* *4القول في الهدي
@ -فنقول :إن النظر في الهبدي يشبتمل علبى معرفبة وجبوبه وعلبى معرفبة جنسبه
وعلى معرفة سنه وكيفية سوقه ومن أين يساق وإلى أين ينتهي بسوقه ،وهو موضببع
نحره وحكم لحمه بعد النحر ،فنقول :إنهم قد أجمعوا على أن الهدي المسوق في هببذه
العبادة منه واجب ومنه تطوع؛ فببالواجب منببه مببا هببو واجببب بالنببذر ،ومنببه مببا هببو
واجب في بعض أنواع هذه العبببادة ،ومنبه مبا هبو واجبب لنبه كفبارة .فأمبا مبا هببو
واجب في بعض أنواع هذه العبادة فهو هدي المتمتع باتفاق وهدي القارن ببباختلف.
وأما الذي هو كفارة فهدي القضاء على مذهب من يشترط فيه الهبدي ،وهبدي كفبارة
الصيد ،وهدي إلقاء الذى والتفث وما أشبه ذلك مببن الهببدي الببذي قاسببه الفقهبباء فببي
الخلل بنسبك نسبك منهبا علبى المنصبوص عليبه .فأمبا جنبس الهبدي فبإن العلمباء
متفقون على أنه ل يكون الهدي إل من الزواج الثمانيببة الببتي نببص الب عليهببا ،وأن
الفضل في الهدايا هي البل ثم البقر ثم الغنم ثم المعز ،وإنما اختلفببوا فببي الضببحايا.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وأما السنان فإنهم أجمعوا أن الثني فما فوقه يجزي منها ،وأنه ل يجزي الجببذع مببن
المعز في الضحايا والهدايا لقوله عليه الصلة والسلم لبي بببردة "تجببزي عنببك ول
تجزي عن أحد بعدك" واختلفببوا فببي الجببذع مببن الضببأن ،فببأكثر أهببل العلببم يقولببون
بجوازه في الهدايا والضحايا .وكان ابن عمر يقول :ل يجزي في الهدايا إل الثني من
كل جنس ،ول خلف في أن الغلى ثمنا من الهدايا أفضل .وكان الزبير يقول لبنيببه:
يا بني ل يهدين أحدكم ل من الهدي شيئا يسببتحي أن يهببديه لكريمببه ،فببإن الب أكببرم
الكرماء وأحق من اختير له ،وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم "في الرقبباب وقببد
قيل له أيها أفضل فقال :أغلها ثمنا وأنفسها عند أهلها" وليببس فببي عببدد الهببدي حببد
معلوم ،وكان هدي رسول ال صلى ال عليه وسلم مائة .وأما كيفية سوق الهدي فهو
التقليد والشعار بأنه هدي "لن رسول ال صلى ال عليه وسلم خرج عام الحديبيببة،
فلما كان بذي الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم" وإذا كان الهدي من البل والبقر فل
خلف أنه يقلد نعل أو نعلين أو ما أشبه ذلك لمن لم يجد النعال.
واختلفوا في تقليد الغنم ،فقال مالك وأبو حنيفة :ل تقلد الغنببم .وقببال الشببافعي وأحمببد
وأبو ثور وداود :تقلد لحديث العمش عن إبراهيم عن السود عن عائشة "أن النبببي
صلى ال عليه وسلم أهدى إلى البيت مرة غنما فقلده" واسببتحبوا تببوجيهه إلببى القبلببة
في حين تقليده ،واستحب مالك الشعار من الجانب اليسببر لمببا رواه عببن نببافع عببن
ابن عمر أنه كان إذا أهدى هديا من المدينة قلببده وأشببعره بببذي الحليفببة قلببده قبببل أن
يشعره ،وذلك فببي مكبان واحبد وهبو مببوجه للقبلببة يقلبده بنعليبن ويشبعره مببن الشببق
اليسر ،ثم يساق معه حتى يوقف به مع الناس بعرفة ،ثبم يبدفع ببه معهبم إذا دفعبوا،
وإذا قدم منى غداة النحر نحره قبل أن يحلق أو يقصبر ،وكببان هبو ينحبر هبديه بيبده
يصفهن قياما ويوجههن للقبلة ثم يأكل ويطعم .واسببتحب الشببافعي وأحمببد وأبببو ثببور
الشعار من الجانب اليمن لحديث ابن عباس "أن رسول ال صببلى ال ب عليببه وسببلم
صلى الظهر بذي الحليفة ،ثم دعا ببدنه فأشعرها من صفحة سنامها اليمببن ثببم سببلت
الدم عنها وقلدها بنعلين ثم ركب راحلته ،فلما استوت على البيداء أهل بالحببج" وأمببا
من أين يساق الهدي؟ فإن مالكا يرى أن من سنته أن يساق مببن الحببل ،ولببذلك ذهببب
إلى أن من اشترى الهدي بمكة ولم يدخله من الحل أن عليه أن يقفببه بعرفببة ،وإن لببم
يفعل فعليه البدل .وأما إن كان أدخله من الحل فيستحب له أن يقفه بعرفة ،وهو قببول
ابن عمر ،وبه قال الليث .وقال الشافعي والثبوري وأببو ثببور :وقببوف الهببدي بعرفبة
سنة ،ول حرج على من لم يقفه كان داخل من الحل أو لم يكن .وقال أبو حنيفة ليبس
توقيف الهدي بعرفة من السنة ،وحجة مالك في إدخال الهببدي مببن الحببل إلببى الحببرم
"أن النبببي عليببه الصببلة والسببلم كببذلك فعببل وقببال :خببذوا عنببي مناسببككم" وقببال
الشافعي :التعريف سنة مثل التقليد .وقال أبو حنيفة :ليس التعريف بسنة ،وإنمببا فعببل
ذلك رسول ال صببلى الب عليببه وسببلم لن مسببكنه كببان خببارج الحببرم .وروي عببن
عائشة التخيير في تعريف الهدي أو ل تعريفه.
وأما محله فهو البيت العتيق كما قال تعالى }ثم محلها إلى البيت العتيق{ وقببال }هببديا
بالغ الكعبة{
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وأجمع العلماء على أن الكعبة ل يجوز لحد فيها ذبح ،وكذلك المسببجد الحببرام ،وأن
المعنى في قوله }هديا بالغ الكعبة{ أنه إنما أراد به النحر بمكة إحسانا منه لمساكينهم
وفقرائهم .وكان مالك يقول :إنما المعنى في قوله }هديا بببالغ الكعبببة{ مكببة ،وكببان ل
يجيز لمن نحر هديه في الحرم إل أن ينحببره بمكببة .وقببال الشببافعي وأبببو حنيفببة :إن
نحره في غير مكة من الحرم أجزأه .وقال الطبببري :يجببوز نحببر الهببدي حيببث شبباء
المهدي إل هدي القران وجزاء الصيد فإنهما ل ينحران إل بالحرم.
وبالجملة فالنحر بمنى إجماع من العلماء وفي العمرة بمكببة ،إل مببا اختلفببوا فيببه مببن
نحر المحصر .وعند مالك إن نحر للحج بمكة والعمرة بمنى أجزأه ،وحجة مالك فببي
أنه ل يجوز النحر ببالحرم إل بمكبة قبوله صبلى الب عليبه وسبلم "وكبل فجباج مكبة
وطرقها منحر" واستثنى مالك من ذلك هدي الفدية ،فأجاز ذبحه بغير مكة .وأما متى
ينحر فإن مالكا قال :إن ذبح هدي التمتع أو التطوع قبل يوم النحر لم يجزه ،وجببوزه
أبو حنيفة في التطوع وقال الشافعي :يجبوز فببي كليهمببا قبببل يببوم النحببر ،ول خلف
عند الجمهور أن ما عدل من الهدي بالصيام أنه يجوز حيث شاء ،لنه ل منفعببة فببي
ذلك ل لهل الحرم ول لهل مكة ،وإنما اختلفوا في الصببدقة المعدولببة عببن الهببدي،
فجمهور العلماء على أنها لمساكين مكة والحرم ،لنها بدل من جزاء الصيد الذي هو
لهم،
وقال مالك :الطعام كالصيام يجوز بغير مكة .وأما صفة النحر فببالجمهور مجمعببون
على أن التسمية مستحبة فيها لنها زكبباة ،ومنهببا مببن اسببتحب مببع التسببمية التكبببير.
ويستحب للمهدي أن يلي نحر هديه بيده وإن استخلف جاز ،وكذلك فعببل رسببول ال ب
صلى ال عليه وسببلم فبي هبديه ،ومبن سبنتها أن تنحببر قيامببا لقبوله سبببحانه وتعبالى
}فاذكروا اسم ال عليها صواف{ وقد تكلم في صفة النحر في كتاب الذبائح .وأمببا مببا
يجوز لصاحب الهدي من النتفاع به وبلحمه فإن فببي ذلببك مسببائل مشببهورة :أحببدها
هل يجوز له ركوب الهدي الواجب أو التطوع؟ فذهب أهببل الظبباهر إلببى أن ركببوبه
جائز من ضرورة ومن غير ضرورة ،وبعضهم أوجببب ذلببك ،وكببره جمهببور فقهبباء
المصار ركوبها من غير ضرورة ،والحجة للجمهور ما خرجه أبو داود عببن جببابر
وقد سئل عن ركوب الهدي فقببال :سببمعت رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم يقببول
"اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرا" ومن طريق المعنى أن النتفبباع
بما قصد به القربة إلى ال تعالى منعه مفهوم من الشببريعة ،وحجببة أهببل الظبباهر مببا
رواه مالك عن أبي الزناد عن العرج عن أبي هريرة "أن رسول ال صلى ال عليه
وسلم رأى رجل يسوق بدنة فقببال :اركبهببا ،فقبال :يببا رسببول الب إنهببا هببدي ،فقببال:
اركبها ،ويلك في الثانية أو في الثالثة".
وأجمعوا أن هدي التطوع إذا بلغ محله أنه يأكل منه صاحبه كسائر النبباس ،وأنببه إذا
عطب قبل أن يبلغ محله خلى بينه وبين الناس ولم يأكببل منببه ،وزاد داود :ول يطعببم
منه شيئا أهل رفقته "لما ثبت أن رسول ال صلى الب عليبه وسبلم بعبث بالهبدي مبع
ناجية السلمي وقال له :إن عطب منها شيء فانحره ثم اصبببغ نعليببه فببي دمببه وخببل
بينه وبين الناس" وروي عن ابن عباس هذا الحديث فزاد فيه "ول تأكل منه أنت ول
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
أهل رفقتك" وقال بهذه الزيادة داود وأبو ثور .واختلفوا فيم يجب على من أكل منببه،
فقال مالك :إن أكل منه وجب عليه بدله .وقال الشافعي وأبو حنيفببة والثببوري وأحمببد
وابن حبيب من أصحاب مالك :عليه قيمة ما أكبل أو أمبر ببأكله طعامبا يتصبدق ببه.
وروي ذلك عن علي وابن مسعود وابن عباس وجماعة من التابعين .وما عطب فببي
الحرم قبل أن يصل مكة فهل بلغ محله أم ل؟ فيه الخلف مبني على الخلف المتقدم
هل المحل هو مكة أو الحرم؟ وأما الهدي الواجب إذا عطب قبل محله فببإن لصبباحبه
أن يأكل منه لن عليه بدله ،ومنهم من أجاز له بيع لحمه وأن يستعين بببه فببي البببدل،
وكره ذلك مالك .واختلفوا في الكل من الهدي الواجب إذا بلغ محله ،فقبال الشبافعي:
ل يؤكل من الهدي الواجب كلببه ولحمببه كلببه للمسبباكين ،وكببذلك جلببه إن كببان مجلل
والنعل الذي قلد به .وقال مالك :يؤكل من كل الهدي الواجب إل جبزاء الصبيد ونبذر
المساكين وفدية الذى .وقال أبو حنيفة :ل يؤكل من الهدي الواجب إل هببدي المتعببة
وهدي القران .وعمدة الشافعي تشبيه جميع أصناف الهدي الواجب بالكفارة.
وأما من فرق فلنه يظهر في الهدي معنيان :أحدهما أنببه عبببادة مبتببدأة .والثبباني أنببه
كفارة ،وأحد المعنيين في بعضها أظهر ،فمن غلب شبهه بالعبادة على شبهه بالكفارة
في نوع نوع من أنواع الهدي كهدي القران وهدي التمتع وبخاصة عند من يقببول إن
التمتع والقران أفضل لم يشترط أن ل يأكل ،لن هذا الهدي عنده هو فضيلة ل كفارة
تدفع العقوببة ،ومبن غلبب شببهه بالكفبارة قبال :ل يبأكله لتفباقهم علبى أنبه ل يأكبل
صاحب الكفارة من الكفارة ،ولما كببان هببدي جببزاء الصببيد وفديببة الذى ظبباهر مببن
أمرهما أنهما كفارة لم يختلف هؤلء الفقهاء في أنه ل يأكل منها .قببال القاضببي :فقببد
قلنا في حكم الهدي وفي جنسه وفي سنه وكيفية سوقه ،وشروط صببحته مببن الزمببان
والمكان ،وصفة نحره وحكم النتفاع به ،وذلك مببا قصببدناه وال ب الموفببق للصببواب.
وبتمام القول في هذا بحسب ترتيبنا تم القببول فببي هببذا الكتبباب بحسببب غرضببنا ولب
الشكر والحمد كثيرا على ما وفق وهدى ومن به من التمام والكمال.
وكان الفراغ منه يوم الربعاء التاسع من جمادى الولى الذي هو عام أربعة وثمانين
وخمسمائة ،وهو جزء من كتاب المجتهد الذي وضعته منذ أزيد من عشرين عاما أو
نحوها ،والحمد ل رب العالمين .كان رضي ال عنه عببزم حيببن تببأليف الكتبباب أول
أل يثبت كتاب الحج ،ثم بدا له بعد فأثبته.
بسم ال الرحمببن الرحيببم وصببلى الب علببى سببيدنا محمببد وعلببى آلببه وصببحبه وسببلم
تسليما.
**2كتاب الجهاد
@-والقول المحيببط بأصببول هبذا البباب ينحصبر فببي جملببتين :الجملبة الولببى :فببي
معرفة أركان الحرب .الثانية :في أحكام أموال المحاربين إذا تملكها المسلمون.
*)*3الجملة الولى( وفي هذه الجملة فصول سبعة:
@-أحدها :معرفة حكم هذه الوظيفة ولمببن تلببزم .والثبباني :معرفببة الببذين يحبباربون.
والثالث :معرفة ما يجوز من النكاية في صنف صنف من أصناف أهل الحببرب ممببا
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
ل يجوز .والرابع :معرفة جواز شبروط الحبرب .والخبامس :معرفبة العبدد البذين ل
يجوز الفرار عنهم .والسادس :هل تجوز المهادنة؟ .والسابع :لماذا يحاربون؟.
**4الفصل الول في معرفة حكم هذه الوظيفة.
@-فأما حكم هذه الوظيفة فبأجمع العلمبباء علببى أنهبا فبرض علببى الكفايبة ل فببرض
عين ،إل عبد ال بن الحسن ،فإنه قال إنها تطوع ،وإنما صار الجمهور لكونه فرضا
لقوله تعالى }كتب عليكم القتال وهو كره لكم{ الية .وأما كونه فرضببا علببى الكفايببة،
أعني إذا قام به البعض سقط عن البعض فلقوله تعالى }ومببا كببان المؤمنببون لينفببروا
كافة{ الية ،وقوله }وكل وعد ال الحسنى{ ولم يخرج قط رسول ال صلى ال عليببه
وسلم للغزو إل وترك بعض الناس ،فإذا اجتمعت هذه اقتضى ذلك كون هذه الوظيفة
فرضا على الكفاية .وأما على من يجب فهم الرجال الحرار البالغون الببذين يجببدون
بما يغببزون الصببحاء إل المرضببى وإل الزمنببى ،وذلببك ل خلف فيببه لقببوله تعببالى
}ليس على العمى حرج ول على المريض حببرج ول علببى العببرج حببرج{ وقببوله
}ليس على الضعفاء ول على المرضى ول على الذين ل يجببدون مببا ينفقببون حببرج{
الية .وأما كون هذه الفريضة تختص بالحرار فل أعلم فيها خلفببا ،وعامببة الفقهبباء
متفقون على أن من شرط هذه الفريضة إذن البوين فيها ،إل أن تكببون عليببه فببرض
عين مثل أن ل يكون هنالك من يقوم بالفرض إل بقيام الجميع به ،والصل فببي هببذا
ما ثبت "أن رجل قال لرسول ال صلى ال عليه وسلم "إني أريد الجهاد ،قببال :أحببي
والداك؟ قال :نعم ،قال :ففيهما فجاهد" واختلفوا فبي إذن الببوين المشببركين .وكببذلك
اختلفوا في إذن الغريم إذا كان عليه دين لقوله عليه الصلة والسلم وقد سأله الرجل
"أيكفر ال عني خطاياي إن مت صابرا محتسبا فببي سبببيل البب؟ قببال :نعببم إل الببدين
كذلك قال لي جبريل آنفا" والجمهور على جواز ذلك ،وبخاصة إذا تخلببف وفبباء مببن
دينه.
**4الفصل الثاني في معرفة الذين يحاربون.
@-فأما الذين يحاربون فاتفقوا على أنهببم جميببع المشببركين لقببوله تعببالى }وقبباتلوهم
حتى ل تكون فتنة ويكون الدين كله لبب{ إل مببا روي عببن مالببك أنببه قببال :ل يجببوز
ابتداء الحبشة بالحرب ول الببترك ،لمببا روي أنببه عليببه الصببلة والسببلم قببال "ذروا
الحبشة ما وذرتكم" وقد سئل مالك عن صحة هذا الثر فلم يعترف بذلك لكن قال :لم
يزل الناس يتحامون غزوهم.
**4الفصل الثالث في معرفة ما يجوز من النكاية بالعدو.
@-وأما ما يجوز من النكاية بالعدو ،فإن النكاية ل تخلو أن تكون في الموال أو في
النفوس أو في الرقاب ،أعني الستعباد والتملك .فأما النكاية التي هي الستعباد فهببي
جائزة بطريق الجماع في جميع أنواع المشركين ،أعني ذكرانهم وإنبباثهم وشببيوخهم
وصبيانهم صغارهم وكبارهم إل الرهبان ،فإن قوما رأوا أن يتركوا ول يؤسبروا ببل
يتركوا دون أن يعرض إليهم ل بقتل ول باستعباد لقول رسببول الب صببلى الب عليببه
وسلم "فذروهم وما حبسوا أنفسهم إليه" واتباعا لفعل أبي بكببر ،وأكببثر العلمبباء علببى
أن المام مخير في السارى في خصال :منها أن يمن عليهببم ،ومنهببا أن يسببتعبدهم،
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
ومنها أن يقتلهم ،ومنها أن يأخذ منهم الفداء ،ومنها أن يضرب عليهبم الجزيبة .وقبال
قوم :ل يجوز قتل السير .وحكى الحسبن ببن محمبد التميمبي أنبه إجمباع الصبحابة.
والسبب في اختلفهم تعارض اليببة فببي هببذا المعنببى وتعببارض الفعبال ومعارضببة
ظاهر الكتاب لفعله عليه الصلة والسببلم ،وذلببك أن ظبباهر قببوله تعببالى }فببإذا لقيتببم
الذين كفروا فضرب الرقاب{ الية ،أنببه ليببس للمببام بعببد السببر إل المببن أو الفببداء
وقوله تعالى }ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الرض{ الية .والسبب
الذي نزلت فيه من أسارى بدر يدل علببى أن القتببل أفضببل مببن السببتعباد ،وأمببا هببو
عليه الصلة والسلم فقد قتل السارى في غير ما موطن وقببد مببن واسببتعبد النسبباء.
وحكى أبو عبيد أنه لم يستعبد أحببرار ذكببور العببرب وأجمعببت الصببحابة بعببده علببى
استعباد أهل الكتبباب ذكرانهبم وإنبباثهم ،فمبن رأى أن اليببة الخاصببة بفعبل السبارى
ناسخة لفعله قال :ل يقتل السير ،ومن رأى أن الية ليس فيها ذكر لقتل السببير ول
المقصود منها حصر ما يفعل بالسارى بببل فعلببه عليببه الصببلة والسببلم وهببو حكببم
زائد على ما في الية ،ويحط العتب الذي وقع في ترك قتل أسارى بدر قال :بجببواز
قتل السير ،والقتل إنما يجوز إذا لم يكن يوجد بعد تأمين ،وهذا ما ل خلف فيه بين
المسلمين ،وإنما اختلفوا فيمن يجوز تأمينه ممن ل يجوز ،واتفقوا على جببواز تببأمين
المام ،وجمهور العلماء على جواز أمان الرجببل الحببر المسببلم إل مببا كببان مببن ابببن
الماجشون يرى أنه موقوف على إذن المام.
واختلفوا في أمان العبد وأمان المرأة ،فالجمهور على جوازه ،وكببان ابببن الماجشببون
وسحنون يقولن :أمان المرأة موقوف علببى إذن المببام .وقببال أبببو حنيفببة :ل يجببوز
أمان العبد إل أن يقاتل .والسبب في اختلفهم معارضببة العمببوم للقيبباس .أمببا العمببوم
فقوله عليه الصلة والسلم "المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدنبباهم وهببم يببد
على من سواهم" فهذا يوجب أمان العبد بعمومه .وأما القياس المعببارض لببه فهببو أن
المان من شرطه الكمال ،والعبد ناقص بالعبودية ،فببوجب أن يكببون للعبوديببة تببأثير
في إسقاطه قياسا على تأثيرها في إسقاط كثير مببن الحكببام الشببرعية وأن يخصببص
ذلك العموم بهذا القياس .وأما اختلفهم في أمان المرأة ،فسببببه اختلفهببم فببي مفهببوم
قوله عليه الصلة والسلم "قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ" وقياس المببرأة فببي ذلببك
على الرجل ،وذلك أن من فهم من قوله عليه الصلة والسلم "قد أجرنببا مببن أجببرت
يا أم هانئ" إجازة أمانها ل صحته في نفسه ،وأنه لول إجازته لذلك لم يبؤثر قبال :ل
أمان للمرأة إل أن يجيزه المام ،ومن فهم من ذلك أن إمضاءه أمانها كببان مببن جهببة
أنه قد انعقد وأثر ل من جهة أن إجازته هي التي صببححت عقببده قببال :أمببان المببرأة
جائز ،وكذلك من قاسها على الرجل ولم ير بينهما فرقا في ذلببك أجبباز أمانهببا ،ومببن
رأى أنها ناقصة عن الرجببل لببم يجببز أمانهببا ،وكيفمببا كببان فالمببان غيببر مببؤثر فببي
الستعباد وإنمببا يببؤثر فببي القتببل ،وقببد يمكببن أن نببدخل الختلف فببي هببذا مببن قبببل
اختلفهم في ألفبباظ جمببوع المببذكر هببل تتنبباول النسبباء أم ل؟ أعنببي بحسببب العببرف
الشرعي .وأما النكاية التي تكون في النفوس فهي القتل ول خلف بين المسلمين أنببه
يجوز في الحرب قتل المشركين الذكران البببالغين المقبباتلين .وأمببا القتببل بعببد السببر
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
ففيه الخلف الذي ذكرنا ،وكذلك ل خلف بينهم في أنبه ل يجبوز قتبل صببيانهم ول
قتل نسائهم ما لم تقاتل المرأة والصبي ،فإذا قاتلت المرأة استبيح دمها ،وذلك لما ثبت
"أنه عليه الصلة والسلم نهى عن قتل النساء والولدان ،وقال في امببرأة مقتولببة :مببا
كانت هذه لتقاتل"
واختلفوا في أهل الصوامع المنتزعين عن الناس والعميان والزمنببى والشببيوخ الببذين
ل يقاتلون والمعتوه والحراث والعسيف ،فقال مالك :ل يقتل العمى ول المعتببوه ول
أصحاب الصوامع ،ويترك لهببم مببن أمببوالهم بقببدر مببا يعيشببون بببه ،وكببذلك ل يقتببل
الشيخ الفاني عنده ،وبه قال أبو حنيفة وأصحابه .وقال الثوري والوزاعببي :ل تقتببل
الشيوخ فقط .وقال الوزاعي :ل تقتل الحراث .وقال الشافعي في الصببح عنببه تقتببل
جميع هذه الصناف.
والسبب في اختلفهم معارضة بعض الثار بخصوصها لعموم الكتاب ،ولعموم قوله
عليه الصلة والسلم الثابت "أمرت أن أقاتل الناس حببتى يقولببوا ل إلببه الب إل البب"
الحديث ،وذلك في قوله تعالى }فببإذا انسببلخ الشببهر الحببرم فبباقتلوا المشببركين حيببث
وجدتموهم{ يقتضي قتل كل مشرك راهبا كان أو غيره ،وكببذلك قببوله عليببه الصببلة
والسلم "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ل إله إل ال" .وأمببا الثببار الببتي وردت
باستبقاء هذه الصناف؛ فمنها ما رواه داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عببباس
"أن النبببي صببلى ال ب عليببه وسببلم كببان إذا بعببث جيوشببه قببال :ل تقتلببوا أصببحاب
الصوامع" ومنها أيضا ما روي عن أنس بن مالك عن النبببي عليببه الصببلة والسببلم
قال "ل تقتلوا شيخا فانيببا ول طفل صببغيرا ول امببرأة ول تغلببوا" خرجببه أبببو داود،
ومن ذلك أيضا ما رواه مالبك عببن أبببي بكبر أنبه قبال :سببتجدون قومبا زعمبوا أنهببم
حبسوا أنفسهم ل فدعهم وما حبسوا أنفسهم له ،وفيه :ول تقتلببن امببرأة ول صبببيا ول
كبيرا هرما".
ويشبه أن يكون السبب الملك في الختلف في هببذه المسببألة معارضببة قببوله تعببالى
}وقاتلوا في سببيل الب البذين يقباتلونكم ول تعتبدوا إن الب ل يحبب المعتبدين{ لقبوله
تعالى }فإذا انسلخ الشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم{ الية .فمببن رأى
أن هذه ناسخة لقوله تعالى }وقاتلوا في سبيل ال الذين يقاتلونكم{ لن القتال أول إنمبا
أبيح لمن يقاتل قال :الية على عمومها ،ومن رأى أن قوله تعالى }وقاتلوا فببي سبببيل
ال الذين يقاتلونكم{ وهي محكمة وأنها تتناول )قوله تتنبباول الببخ :هكببذا هببذه العبببارة
ولينظر التناول بعد قوله يقاتلونكم تأمل ا هب ب مصببححه( .هببؤلء الصببناف الببذين ل
يقاتلون استثناها من عمبوم تلبك ،وقبد احتبج الشبافعي بحبديث سبمرة أن رسبول الب
صلى ال عليه وسلم قال "اقتلبوا شبيوخ المشبركين واسبتحيوا شبرخهم" وكبأن العلبة
الموجبة للقتل عنده إنما هي الكفر ،فوجب أن تطرد هذه العلة في جميع الكفار.
وأما من ذهب إلى أنه ل يقتل الحراث ،فإنه احتببج فببي ذلببك بمببا روي عببن زيببد بببن
وهب قال :أتانا كتاب عمر رضي ال عنه وفيه :ل تغلوا ول تغدروا ول تقتلوا وليدا
واتقوا ال في الفلحين .وجاء في حديث رببباح بببن ربيعببة النهببي عببن قتببل العسببيف
المشرك وذلك "أنه خرج مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في غزوة غزاها ،فمببر
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
رباح وأصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم على امرأة مقتولة ،فوقف رسول ال
صلى ال عليه وسلم عليها ثم قال :ما كانت هذه لتقاتل ،ثم نظر في وجوه القوم فقببال
لحببدهم :الحببق بخالببد بببن الوليببد فل يقتلببن ذريببة ول عسببيفا ول امببرأة" .والسبببب
الموجب بالجملة لختلفهم اختلفهبم فبي العلبة الموجبببة للقتبل ،فمبن زعببم أن العلببة
الموجبة لذلك هي الكفر لم يستثن أحدا من المشركين ،ومببن زعبم أن العلبة فببي ذلببك
إطاقة القتال للنهي عن قتل النساء مع أنهن كفار استثنى من لم يطببق القتببال ومببن لببم
ينصب نفسه إليه كالفلح والعسيف .وصح النهي عن المثلة،
واتفق المسلمون على جواز قتلهم بالسلح ،واختلفوا في تحريقهبم بالنبار ،فكبره قبوم
تحريقهم بالنار ورميهم بها وهو قول عمر .ويبروى عبن مالبك ،وأجباز ذلبك سبفيان
الثوري ،وقبال بعضبهم :إن ابتبدأ العبدو ببذلك جباز وإل فل .والسببب فبي اختلفهبم
معارضة العموم للخصوص .أما قوله تعببالى }فبباقتلوا المشببركين حيببث وجببدتموهم{
ولم يستثن قتل من قتل .وأما الخصوص فما ثبت أن رسول ال صلى ال عليه وسلم
قال في رجل "إن قدرتم عليه فاقتلوه ول تحرقوه بالنار فإنه ل يعببذب بالنببار إل رب
النار" واتفق عوام الفقهاء على جواز رمي الحصون بالمجانيق سواء كان فيها نسبباء
وذرية أو لم يكن لما جاء "أن النبي عليه الصلة والسلم نصب المنجنيق علببى أهببل
الطائف"؛ وأما إذا كان الحصببن فيببه أسببارى مببن المسببلمين وأطفببال مببن المسببلمين،
فقالت طائفة :يكف عن رميهم بالمنجنيق وبه قال الوزاعي .وقال الليث :ذلببك جببائز
ومعتمد من لم يجزه قوله تعبالى }لبو تزيلبوا لعببذبنا الببذين كفبروا منهببم عبذابا أليمبا{
الية .وأما من أجاز ذلك فكأنه نظر إلى المصلحة ،فهذا هو مقدار النكاية التي يجوز
أن تبلغ بهم في نفوسببهم ورقببابهم .وأمببا النكايببة الببتي تجببوز فببي أمببوالهم وذلببك فببي
المباني والحيوان والنبات فإنهم اختلفوا في ذلك ،فأجبباز مالببك قطببع الشببجر والثمببار
وتخريب العامر ،ولم يجز قتل المواشي ول تحريببق النخببل ،وكببره الوزاعببي قطببع
الشجر المثمببر وتخريببب العببامر كنيسببة كببان أو غيببر ذلببك ،وقببال الشببافعي :تحببرق
البيوت والشجر إذا كانت لهم معاقل ،وكره تخريب البيوت وقطع الشجر إذا لببم يكببن
لهم معاقل.
والسبب في اختلفهم مخالفة فعل أبي بكر في ذلك لفعله عليه الصلة والسلم ،وذلك
أنه ثبت "أنه عليه الصلة والسلم حرق نخل بني النضير" وثبت عن أبببي بكببر أنببه
قال :ل تقطعن شجرا ول تخربن عامرا ،فمن ظبن أن فعبل أببي بكبر هبذا إنمبا كبان
لمكان علمه بنسخ ذلك الفعل منه صلى ال عليه وسلم ،إذ ل يجوز على أبي بكببر أن
يخالفه مع علمه بفعله ،أو رأى أن ذلك كان خاصا ببني النضببير لغزوهببم قببال بقببول
أبي بكر ،ومن اعتمد فعله عليه الصلة والسلم ولم ير قول أحد ول فعله حجة عليه
قال :بتحريق الشجر .وإنما فرق مالك بين الحيببوان والشببجر لن قتببل الحيببوان مثلببة
وقد نهى عن المثلة ،ولم يأت عنه عليه الصببلة والسببلم أنببه قتببل حيوانببا ،فهببذا هببو
معرفة النكاية التي يجوز أن تبلغ من الكفار في نفوسهم وأموالهم.
**4الفصل الرابع في شرط الحرب.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
@-فأما شرط الحرب فهو بلوغ الدعوة باتفبباق ،أعنببي أنببه ل يجببوز حرابتهببم حببتى
يكونوا قد بلغتهم الدعوة ،وذلك شيء مجمع عليه من المسلمين لقوله تعالى }وما كنببا
معذبين حتى نبعث رسول{ وأما هل يجب تكرار الببدعوة عنببد تكببرار الحببرب فببإنهم
اختلفوا في ذلك ،فمنهم من أوجبها ،ومنهببم مببن اسببتحبها ومنهببم مببن لببم يوجبهببا ول
استحبها .والسبب في اختلفهم معارضببة القببول للفعببل ،وذلببك "أنببه ثبببت عنببه عليببه
الصلة والسلم كان إذا بعبث سبرية قبال لميرهبا :إذا لقيبت عبدوك مبن المشبركين
فادعهم إلى ثلث خصال أو خلل فأيتهن ما أجابوك إليها فاقبببل منهببم وكببف عنهببم،
ادعهم إلى السلم فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهببم ،ثببم ادعهببم إلببى التحببول مببن
دراهم إلى دار المهاجرين وأعلمهببم أنهببم إن فعلببوا ذلببك أن لهببم مببا للمهبباجرين وأن
عليهم ما على المهاجرين ،فإن أبوا واختاروا دارهم فأعلمهم أنهبم يكونبون كبأعراب
المسلمين يجري عليهم حكم ال الذي يجري على المؤمنين ،ول يكون لهم في الفيببء
والغنيمببة نصببيب إل أن يجاهبدوا مبع المسبلمين ،فبإن هببم أبببوا فبادعهم إلبى إعطبباء
الجزية ،فإن أجابوا فاقبل منهم وكف عنهم ،فإن أبو فاستعن بال وقاتلهم" وثبببت مببن
فعله عليه الصلة والسلم أنه كان يبيت للعدو ويغير عليهم مع الغدوات ،فمن النبباس
وهم الجمهور من ذهب إلى أن فعله ناسخ لقوله وأن ذلك إنما كببان فببي أول السببلم
قبل أن تنتشر الدعوة بدليل دعوتهم فيه إلببى الهجببرة ،ومببن النبباس مببن رجببح القببول
على الفعل ،وذلك بأن حمل الفعل على الخصوص ،ومن استحسن الدعاء فهببو وجببه
من الجمع.
**4الفصل الخامس في معرفة العدد الذين ل يجوز الفرار عنهم.
@-وأما معرفة العدد الذين ل يجوز الفرار عنهم فهم الضببعف ،وذلببك مجمببع عليببه
لقوله تعالى }الن خفف ال عنكم وعلم أن فيكم ضعفا{ الية .وذهب ابببن الماجشببون
ورواه عن مالك أن الضعف إنما يعتبر فبي القبوة ل فبي العبدد ،وأنبه يجبوز أن يفبر
الواحد عن الواحد إذا كان أعتق جوادا منه وأجود سلحا وأشد قوة.
**4الفصل السادس في جواز المهادنة.
@-فأما هل تجوز المهادنة؟ فإن قوما أجازوها ابتداء مببن غيببر سبببب إذا رأى ذلببك
المببام مصببلحة للمسببلمين ،وقببوم لببم يجيزوهببا إل لمكببان الضببرورة الداعيببة لهببل
السلم من فتنة أو غير ذلك إما بشيء يأخذونه منهم ل على حكببم الجزيببة إذ كببانت
الجزية إنما شرطها أن تؤخذ منهم وهم بحيث تنفذ عليهم أحكببام المسببلمين ،وإمببا بل
شيء يأخذونه منهم ،وكان الوزاعي يجيز أن يصالح المام الكفار على شيء يدفعه
المسلمون إلى الكفار إذا دعت إلى ذلك ضرورة فتنة أو غير ذلببك مببن الضببرورات.
وقال الشافعي :ل يعطببي المسببلمون الكفببار شببيئا إل أن يخببافوا أن يصببطلموا لكببثرة
العدو وقلتهم أو لمحنة نزلببت بهببم ،وممببن قببال بإجببازة الصببلح إذا رأى المببام ذلببك
مصلحة مالك والشافعي وأبو حنيفة ،إل أن الشافعي ل يجوز عنده الصلح لكثر مببن
المدة التي صالح عليها رسول ال صلى ال عليه وسلم الكفار عببام الحديبيببة .وسبببب
اختلفهم في جواز الصلح من غير ضرورة معارضة ظاهر قوله تعالى }فإذا انسببلخ
الشهر الحببرم فبباقتلوا المشببركين حيببث وجببدتموهم{ وقببوله تعببالى }قبباتلوا الببذين ل
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
يؤمنون بال ول باليوم الخر{ لقوله تعالى }وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على
ال{ فمن رأى أن آية المر بالقتال حتى يسلموا أو يعطوا الجزية ناسخة لية الصببلح
قال :ل يجوز الصلح إل من ضرورة ،ومن رأى أن آية الصلح مخصصة لتلك قببال:
الصلح جائز إذا رأى ذلك المام وعضببد تببأويله بفعلببه ذلببك صببلى الب عليببه وسببلم،
وذلك أن صلحه صلى ال عليه وسلم عام الحديبية لم يكن لموضببع الضببرورة .وأمببا
الشافعي فلما كان الصل عنده المر بالقتال حببتى يسببلموا أو يعطببوا الجزيببة ،وكببان
هذا مخصصا عنده بفعله عليه الصلة والسلم عام الحديبية لم ير أن يزاد على المدة
التي صالح عليها رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وقد اختلف فببي هببذه المببدة ،فقيببل
كانت أربع سنين وقيل ثلثا ،وقيل عشر سنين ،وبذلك قال الشافعي .وأمببا مببن أجبباز
أن يصالح المسلمون المشركين بأن يعطببوا لهببم المسببلمون شببيئا إذا دعببت إلببى ذلببك
ضرورة فتنة أو غيرها فمصيرا إلى ما روي "أنه كان عليه الصلة والسببلم قببد هببم
أن يعطي بعض ثمر المدينة لبعض الكفار الذين كانوا في جملبة الحبزاب لتخبببيبهم،
فلم يوافقه على القدر الذي كان سمح له به من ثمر المدينببة حبتى أفبباء الب بنصببره".
وأما من لم يجز ذلك إل أن يخاف المسلمون أن يصطلموا فقياسا على إجماعهم على
جواز فداء أسارى المسببلمين ،لن المسببلمين إذا صبباروا فببي هببذا الحببد فهببم بمنزلببة
السارى.
**4الفصل السابع لماذا يحاربون؟
@-فأما لماذا يحاربون؟ فاتفق المسلمون على أن المقصود بالمحاربة لهببل الكتبباب
ما عدا أهل الكتاب من قريبش ونصبارى العبرب هبو أحبد أمريبن :إمبا البدخول فبي
السلم ،وإما إعطاء الجزية لقببوله تعببالى }قبباتلوا الببذين ل يؤمنببون بببال ول ببباليوم
الخر ول يحرمون مببا حبرم الب ورسبوله ول يبدينون ديببن الحببق مببن البذين أوتببوا
الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون{ وكذلك اتفببق عامببة الفقهبباء علببى
أخذها من المجوس لقوله صلى ال عليه وسلم "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" واختلفببوا
فيما سوى أهل الكتاب من المشركين هل تقبل منهببم الجزيبة أم ل؟ فقبال قببوم :تؤخبذ
الجزية من كل مشرك ،وبه قال مالك .وقوم استثنوا من ذلك مشركي العببرب .وقببال
الشافعي وأبو ثور وجماعة :ل تؤخببذ إل مببن أهببل الكتبباب والمجببوس .والسبببب فببي
اختلفهم معارضة العموم للخصبوص .أمبا العمبوم فقبوله تعبالى }وقباتلوهم حبتى ل
تكون فتنة ويكون الدين كله ل{ وقوله عليه الصلة والسلم "أمرت أن أقاتببل النبباس
حببتى يقولببوا ل إلببه إل ال ب فببإذا قالوهببا عصببموا منببي دمبباءهم وأمببوالهم إل بحقهببا
وحسابهم على ال" وأمبا الخصبوص فقبوله لمبراء السبرايا البذين كبان يبعثهبم إلبى
مشركي العرب ،ومعلوم أنهم كانوا من غير أهببل كتباب "فبإذا لقيببت عببدوك فبادعهم
إلى ثلث خصال ،فذكر الجزيببة فيهببا" وقببد تقببدم الحببديث .فمببن رأى أن العمببوم إذا
تأخر عن الخصوص فهو ناسبخ لبه قبال :ل تقببل الجزيبة مبن مشبرك مبا عبدا أهبل
الكتاب لن الية المرة بقتالهم على العموم هي متأخرة عن ذلببك الحببديث وذلببك أن
المر بقتال المشركين عامة هو في سورة براءة ،ذلك عام الفتح ،وذلك الحديث إنمببا
هو قبل الفتح بدليل دعائهم فيه للهجرة ،ومن رأى أن العموم يبنببي علببى الخصببوص
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
تقدم أو تأخر أو جهل التقدم والتأخر بينهما قال :تقبببل الجزيببة مببن جميببع المشببركين
وأما تخصببيص أهببل الكتبباب مببن سببائر المشببركين فخببرج مببن ذلببك العمببوم باتفبباق
بخصوص قوله تعالى }مببن البذين أوتببوا الكتباب حبتى يعطببوا الجزيبة عبن يببد وهببم
صاغرون{ وسيأتي القول في الجزية وأحكامها في الجملببة الثانيببة مببن هببذا الكتبباب،
فهذه هي أركان الحرب .ومما يتعلق بهذه الجملة من المسائل المشهورة :النهببي عببن
السفر بالقرآن إلى أرض العدو ،وعامة الفقهاء على أن ذلك غيببر جببائز لثبببوت ذلببك
عن رسول ال صلى ال عليه وسلم .وقال أبو حنيفة :يجوز ذلك إذا كان في العساكر
المأمونة .والسبب في اختلفهم هل النهي عام أريد به العام أو عام أريد به الخاص.
*)*3الجملة الثانية( والقول المحيببط بأصببول هببذه الجملببة ينحصببر أيضببا فببي سبببعة
فصول :الول :في حكم الخمس .الثاني :في حكم الربعة الخماس .الثالث :في حكم
النفال .الرابع :في حكم ما وجد من أموال المسلمين عند الكفار .الخامس :فببي حكببم
الرضين .السادس :في حكم الفيء .السابع :في أحكام الجزية والمال الي يؤخذ منهم
على طريق الصلح.
**4الفصل الول في حكم خمس الغنيمة.
@-واتفبق المسببلمون علببى أن الغنيمببة البتي تؤخببذ قسببرا مببن أيبدي البروم مببا عببدا
الرضين أن خمسها للمام وأربعة أخماسها للذين غنموها لقوله تعالى }واعلموا أنما
غنمتم من شيء فأن ل خمسه وللرسببول{ اليببة .واختلفببوا فببي الخمببس علببى أربعببة
مذاهب مشهورة :أحدها أن الخمس يقسم على خمسة أقسام على نص الية ،وبه قببال
الشافعي .والقببول الثباني أنببه يقسببم علببى أربعبة أخمباس ،وأن قببوله تعببالى }فببأن لب
خمسه{ هو افتتاح كلم وليس هو قسما خامسا .والقول الثبالث أنبه يقسببم اليببوم ثلثبة
أقسام ،وأن سهم النبي وذي القربى سقطا بموت النبي صلى ال عليه وسببلم .والقببول
الرابع أن الخمس بمنزلة الفيء يعطى منببه الغنببي والفقيببر ،وهببو قببول مالببك وعامببة
الفقهاء .والذين قالوا يقسم أربعة أخماس أو خمسة اختلفوا فيما يفعل بسهم رسول ال
صلى ال عليه وسلم وسهم القرابة بعد موته .فقببال قببوم :يببرد علببى سببائر الصببناف
الذين لهم الخمس .وقال قوم :بل يرد على باقي الجيش .وقال قببوم :بببل سببهم رسببول
ال صلى ال عليه وسلم للمببام ،وسببهم ذوي القربببى لقرابببة المببام .وقببال قببوم :بببل
يجعلن في السلح والعدة .واختلفوا في القرابة من هم؟ فقبال قبوم :بنبو هاشبم فقبط،
وقال قوم :بنو عبد المطلب وبنو هاشم .وسبب اختلفهم في هل الخمس يقصببر علببى
الصناف المذكورين أم يعدي لغيرهم هو هل ذكر تلك الصناف في الية المقصببود
منها تعيين الخمس لهم أم قصد التنبيه بهم على غيرهم فيكون ذلك من ببباب الخبباص
أريد به العام؟ فمن رأى أنه من باب الخاص أريد به الخاص قال :ل يتعدى بالخمس
تلك الصناف المنصوص عليها وهو الذي عليه الجمهبور ،ومبن رأى أنبه مبن بباب
الخاص أريد به العام قببال يجببوز للمببام أن يصببرفها فيمببا يببراه صببلحا للمسببلمين،
واحتج من رأى أن سهم النبي صلى ال عليه وسلم للمام بعبده بمبا روي عنبه عليبه
الصلة والسلم أنه قال "إذا أطعم ال نبيا طعمة فهو للخليفة بعده" وأمببا مببن صببرفه
على الصناف الباقين أو على الغانمين فتشبيها بالصببنف المحبببس عليهببم .وأمببا مببن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
قال القرابة هم بنو هاشم وبنو عبد المطلب فإنه احتببج بحببديث جبببير بببن مطعببم قببال
"قسم رسول ال صلى ال عليه وسلم سهم ذوي القربى لبني هاشم وبني المطلب مببن
الخمس" قال :وإنما بنو هاشم وبنو المطلب صنف واحد ،ومن قال بنو هاشببم صببنف
فلنهم الذين ل يحل لهم الصدقة .واختلف العلماء في سهم النبي صلى ال عليه وسلم
من الخمس؛ فقال قوم :الخمس فقط ،ول خلف عندهم في وجوب الخمببس لببه غبباب
عن القسمة أو حضرها .وقال قوم :بل الخمس والصفي وهو سهم مشهور لببه صببلى
ال عليه وسلم ،وهو شببيء كببان يصببطفيه مببن رأس الغنيمببة فببرس أو أمببة أو عبببد.
وروي أن صفية كانت من الصبفي .وأجمعبوا علبى أن الصبفي ليبس لحبد مبن بعبد
رسول ال صلى ال عليه وسلم إل أبا ثور فإنه قال :يجري مجرى سهم النبي صببلى
ال عليه وسلم.
**4الفصل الثاني في حكم الربعة الخماس.
@-وأجمع جمهور العلماء على أن أربعة أخماس الغنيمة للغانمين إذا خرجببوا بببإذن
المام .واختلفوا في الخارجين بغير إذن المببام وفيمببن يجببب لببه سببهمه مببن الغنيمببة
ومتى يجب وكم يجب وفيما يجببوز لببه مببن الغنيمببة قبببل القسببم؟ فببالجمهور علببى أن
أربعة أخماس الغنيمة للذين غنموها خرجوا بببإذن المببام أو بغيببر ذلببك لعمببوم قببوله
تعالى }واعلموا أنما غنمتم من شيء{ الية .وقال قوم :إذا خرجت السرية أو الرجببل
الواحد بغير إذن المام فكل مبا سباق نفبل يأخبذه المبام ،وقبال قبوم :ببل يأخبذه كلبه
الغانم .فالجمهور تمسكوا بظاهر الية ،وهؤلء كأنهم اعتمبدوا صبورة الفعبل الواقبع
في ذلك في عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وذلك أن جميع السرايا إنمببا كببانت
تخرج عن إذنه عليه الصلة والسلم ،فكأنهم رأوا أن إذن المام شرط في ذلك وهببو
ضعيف .وأما من له السهم من الغنيمة؟ فإنهم اتفقوا على الذكران الحببرار البببالغين،
واختلفوا في أضدادهم :أعني في النساء والعبيد ومن لم يبلغ من الرجال ممببن قببارب
البلوغ فقال قوم ليس للعبيد ول للنساء حظ من الغنيمة ولكببن يرضببخ لهببم ،وبببه قببال
مالك ،وقال قوم :ل يرضخ لهم ول لهم حظ الغانمين ،وقال قوم :بببل لهببم حببظ واحببد
من الغانمين ،وهو قول الوزاعي .وكذلك اختلفوا في الصبببي المراهببق ،فمنهببم مببن
قال :يقسم له وهو مذهب الشافعي ،ومنهم من اشترط في ذلك أن يطيق القتبال ،وهبو
مذهب مالك ،ومنه من قال :يرضخ له .وسبببب اختلفهببم فببي العبيببد هببو هببل عمببوم
الخطاب يتنبباول الحببرار والعبيببد معببا أم الحببرار فقببط دون العبيببد؟ وأيضببا فعمببل
الصحابة معارض لعموم الية ،وذلك أنه انتشر فيهم رضي ال عنهببم أن الغلمببان ل
سهم لهم ،وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عببباس ،ذكببره ابببن أبببي شبببية مببن
طرق عنهما ،قال أبو عمر بن عبد البر :أصح ما روي من ذلبك عبن عمبر مبا رواه
سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن شهاب عن مالك بببن أوس بببن الحببدثان
قال :قال عمر :ليس أحد إل وله في هذا المال حق إل ما ملكت أيمانكم ،وإنما صببار
الجمهور إلى أن المرأة ل يقسببم لهببا ويرضببخ بحببديث أم عطيببة الثببابت قببالت" :كنببا
نغزو مع رسول ال صلى ال عليه وسلم فنداوي الجرحى ونمرض المرضببى وكببان
يرضخ لنا من الغنيمة" .وسبب اختلفهم هو اختلفهم في تشبببيه المببرأة بالرجببل فببي
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
كونها إذا غزت لها تأثير في الحرب أم ل؟ فببإنهم اتفقببوا علببى أن النسبباء مببباح لهببن
الغزو ،فمن شبههن بالرجال أوجب لهن نصيبا في الغنيمة ،ومن رآهن ناقصات عن
الرجال في هذا المعنى إما لم يوجب لهن شيئا وإمببا أوجببب لهببن دون حببظ الغببانمين
وهو الرضاخ ،والولى اتباع الثببر ،وزعببم الوزاعببي "أن رسببول الب صببلى الب
عليه وسلم أسهم للنساء بخيبر" وكذلك اختلفوا في التجار والجراء هل يسببهم لهببم أم
ل؟ فقال مالك :ل يسهم لهم إل أن يقاتلوا ،وقال قوم :بل يسهم إذا شهدوا القتال.
وسبب اختلفهم هو تخصيص عموم قوله تعالى }واعلموا أنما غنمتم من شببيء فببأن
ل خمسه{ بالقياس الذي يوجب الفرق بين هؤلء وسائر الغانمين ،وذلك أن من رأى
أن التجار والجراء حكمهم حكببم خلف سببائر المجاهببدين لنهببم لببم يقصببدوا القتببال
وإنما قصببدوا إمببا التجببارة وإمببا الجببارة اسببتثناهم مببن ذلببك العمببوم .ومببن رأى أن
العموم أقوى من هذا القياس أجرى العموم على ظاهره ،ومن حجة من اسببتثناهم مببا
خرجه عبد الرزاق أن عبد الرحمن بن عوف قببال لرجببل مببن فقببراء المهبباجرين أن
يخرج معهم ،فقال نعم فوعده ،فلما حضر الخروج دعاه فأبى أن يخرج معه واعتببذر
له بأمر عياله وأهله ،فأعطاه عبد الرحمببن ثلثببة دنببانير علببى أن يخببرج معببه ،فلمببا
هزموا العدو سأل الرجل عبد الرحمن نصيبه من المغنم فقال عبببد الرحمببن :سببأذكر
أمرك لرسول ال صلى ال عليه وسلم ،فذكره له ،فقال رسببول ال ب صببلى الب عليببه
وسلم "تلك الثلثة دنانير حظه ونصيبه من غزوه في أمر دنياه وآخرته" وخرج مثله
أبو داود عن يعلى بن منبه ومن أجاز له القسم شبهه بالجعببائل أيضببا وهببو أن يعيببن
أهل الديوان بعضهم بعضا ،أعني أن يعين القاعد منهم الغازي .وقببد اختلببف العلمبباء
في الجعائل ،فأجازها مالك ومنعها غيره ،ومنهم من أجاز ذلك من السببلطان فقببط أو
إذا كانت ضرورة ،وبه قال أبو حنيفة والشافعي .وأما الشرط الذي يجب به للمجاهببد
السهم من الغنيمة ،فإن الكثر على أنه إذا شهد القتال وجب له السببهم وإن لبم يقاتبل،
وأنه إذا جاء بعد القتال فليس له سهم في الغنيمة ،وبهذا قال الجمهور .وقال قببوم :إذا
لحقهم قبل أن يخرجوا إلى دار السببلم وجببب لببه حظببه مببن الغنيمببة إن اشبتغل فبي
شيء من أسبابها ،وهو قول أبي حنيفة .والسبب في اختلفهم سببان :القياس والثببر.
أما القياس فهو هل يلحق تأثير الغازي في الحفظ بتأثيره فببي الخببذ؟ وذلببك أن الببذي
شهد القتال له تأثير في الخذ :أعني في أخببذ الغنيمببة وبببذلك اسببتحق السببهم ،والببذي
جاء قبل أن يصلوا إلى بلد المسلمين له تأثير في الحفظ ،فمن شبه التأثير في الحفظ
بالتأثير في الخذ قال :يجب له السببهم وإن لببم يحضببر القتببال ،ومببن رأى أن الحفببظ
أضعف لم يوجب له.
وأما الثر فإن في ذلببك أثريببن متعارضببين :أحببدهما مببا روي عببن أبببي هريببرة "أن
رسول ال صلى ال عليه وسلم بعث أبان بن سعيد على سرية من المدينة قبببل نجببد،
فقدم أبان وأصحابه على النبي صلى ال عليه وسلم بخيبر بعد ما فتحوها فقال أبببان:
اقسم لنا يا رسول ال ،فلم يقسم له رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم منهببا" والثببر
الثاني ما روي أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قببال يببوم بببدر "إن عثمببان انطلببق
في حاجة ال وحاجة رسوله ،فضرب له رسول ال صلى ال عليه وسببلم بسببهم ولببم
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
يضرب لحد غاب عنها" قالوا :فوجب له السهم لن اشتغاله كان بسبب المببام .قببال
أبو بكر بن المنذر :وثبت أن عمر بن الخطاب رضي ال عنه قال :الغنيمة لمن شبهد
الوقيعة .وأما السرايا التي تخرج من العساكر فتغنم ،فالجمهور على أن أهل العسكر
يشاركونهم فيما غنموا وإن لم يشهدوا الغنيمة ول القتال ،وذلببك لقببوله عليببه الصببلة
والسلم "وترد سراياهم على قعدتهم" خرجه أبو داود ،ولن لهم تأثير أيضا في أخببذ
الغنيمة .وقال الحسن البصري :إذا خرجت السرية بإذن المببام مببن عسببكره خمسببها
وما بقي فلهل السببرية ،وإن خرجببوا بغيببر إذنببه خمسببها ،وكببان مببا بقببي بيببن أهببل
الجيش كله .وقال النخعي :المام بالخيار إن شاء خمس ما ترد السرية وإن شاء نفلبه
كله .والسبب أيضا فبي هبذا الختلف هبو تشببيه تبأثير العسبكر فبي غنيمبة السبرية
بتأثير من حضر القتال بها وهم أهل السرية ،فإذن الغنيمة إنمبا تجبب عنبد الجمهبور
للمجاهد بأحد شرطين :إما أن يكببون ممببن حضببر القتببال ،وإمببا أن يكببون ردءا لمببن
حضر القتببال ،وأمببا كببم يجببب للمقاتببل فببإنهم اختلفببوا فببي الفببارس ،فقببال الجمهببور:
للفارس ثلثة أسهم :سهم له ،وسهمان لفرسه .وقال أبو حنيفة :للفارس سهمان :سببهم
لفرسه ،وسهم له.
والسبب فببي اختلفهببم اختلف الثببار ومعارضببة القيبباس للثببر ،وذلببك أن أبببا داود
خرج عن ابن عمر "أن النبي صلى ال عليه وسلم أسهم لرجل وفرسبه ثلثبة أسببهم:
سهمان للفرس ،وسهم لراكبه" وخرج أيضا عن مجمببع بببن حارثببة النصبباري مثببل
قول أبي حنيفة .وأما القياس المعارض لظاهر حديث ابببن عمبر فهبو أن يكبون سببهم
الفرس أكببر مبن سبهم النسبان ،هبذا البذي اعتمبده أببو حنيفبة فبي ترجيبح الحبديث
الموافق لهذا القياس على الحديث المخالف له ،وهببذا القيبباس ليببس بشببيء ،لن سببهم
الفرس إنما استحقه النسان البذي هببو الفببارس ببالفرس وغيببر بعيبد أن يكبون تببأثير
الفارس بالفرس في الحرب ثلثة أضعاف تأثير الراجل بل لعله واجب مع أن حديث
ابن عمر أثبت .وأما ما يجوز للمجاهد أن يأخذ من الغنيمة قبل القسم فببإن المسببلمون
اتفقوا على تحريم الغول لما ثبت في ذلك عن رسول ال صلى الب عليببه وسببلم مثببل
قوله عليه الصلة والسلم "أد الخائط والمخيط ،فإن الغلول عببار وشببنار علببى أهلببه
يوم القيامة" إلى غير ذلببك مببن الثببار الببواردة فببي هببذا الببباب .واختلفببوا فببي إباحببة
الطعام للغزاة ما داموا في أرض الغزو فأباح ذلك الجمهور ،ومنع من ذلك قوم وهو
مذهب ابن شهاب .والسبب فببي اختلفهببم معارضببة الثببار الببتي جبباءت فببي تحريببم
الغلول للثار الواردة في إباحة أكل الطعام من حديث ابن عمر وابن المغفل وحديث
ابن أبي أوفى ،فمن خصص أحاديث تحريم الغلول بهببذه أجبباز أكببل الطعببام للغببزاة،
ومن رجح أحاديث تحريم الغلول على هذا لم يجز ذلك ،وحديث ابن مغفل هببو قببال:
"أصبت جراب شحم يوم خيبر ،فقلت ل أعطببي منببه شببيئا ،فببالتفت فببإذا رسببول الب
صلى ال عليه وسلم يبتسم" خرجه البخاري ومسلم .وحديث ابن أبي أوفى قبال "كنبا
نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ول ندفعه" خرجه أيضا البخاري .واختلفببوا
في عقوبة الغال ،فقال قوم :يحرق رحله ،وقال بعضهم :ليس لبه عقباب إل التعزيبر.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وسبب اختلفهم اختلفهم في تصحيح حديث صالح بن محمد بن زائدة عن سالم عببن
ابن عمر أنه قال :قال عليه الصلة والسلم "من غل فأحرقوا متاعه".
**4الفصل الثالث في حكم النفال.
@-وأما تنفيل المام من الغنيمة لمن شاء ،أعني أن يزيده على نصيبه ،فإن العلمبباء
اتفقوا على جواز ذلك ،واختلفوا من أي شيء يكون النفببل وفببي مقببداره وهببل يجببوز
الوعد به قبل الحرب؟ وهل يجب السلب للقاتل أم ليس يجب إل أن ينفلببه لببه المببام؟
فهذه أربع مسائل هي قواعد هذا الفصل.
@)-أما المسألة الولى( فإن قوما قالوا :النفل يكون من الخمس الببواجب لبببيت مببال
المسلمين ،وبه قال مالك :وقال قوم :بل النفل إنما يكون من خمس الخمس وهببو حبظ
المام فقط ،وهو الذي اختاره الشافعي .وقال قوم :بل النفل مببن جملببة الغنيمببة ،وبببه
قال أحمببد وأبببو عبيببدة ،ومببن هببؤلء مببن أجبباز تنفيببل جميببع الغنيمببة .والسبببب فببي
اختلفهم هو هل بين اليتين الببواردتين فببي المغببانم تعببارض أم همببا علببى التخييببر؟
أعني قوله تعالى }واعلموا أنما غنمتم من شيء{ الية ،وقوله تعببالى }يسببألونك عببن
النفال{ الية .فمن رأى أن قوله تعالى }واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن ل خمسه{
ناسخا لقوله تعالى }يسألونك عن النفال{ قال :ل نفل إل مببن الخمببس أو مببن خمببس
الخمس .ومببن رأى أن اليببتين ل معارضببة بينهمببا وأنهمببا علببى التخييببر ،أعنببي أن
للمام أن ينفل مببن رأس الغنيمببة مببن شبباء ،ولببه أل ينفببل بببأن يعطببى جميببع أرببباع
الغنيمة للغانمين قال بجواز النفل من رأس الغنيمة .ولختلفهم أيضا سبب آخر وهو
اختلف الثار في هذا الباب ،وفي ذلك أثران :أحدهما ما روى مالك عبن اببن عمبر
"أن رسول ال صلى ال عليه وسلم بعببث سببرية فيهببا عبببد الب ابببن عمببر قبببل نجببد
فغنموا إبل كثيرة ،فكان سهمانهم اثني عشببر بعيببرا ونفلببوا بعيببرا بعيببرا" وهببذا يببدل
على أن النفل كان بعببد القسببمة مببن الخمببس .والثبباني حبديث حبببيب بببن مسببلمة "أن
رسول ال صلى ال عليه وسلم كان ينفل الربع من السبرايا بعبد الخمبس فبي الببداءة
وينفلهم الثلث بعد الخمس في الرجعة" يعني في بداءة غببزوه عليببه الصببلة والسببلم
وفي انصرافه.
@)-وأما المسألة الثانية( وهي مببا مقببدار مببا للمببام أن ينفببل مببن ذلببك؟ عنببد الببذين
أجازوا النفل من رأس الغنيمة فإن قوما قالوا :ل يجببوز أن ينفببل أكببثر مببن الثلببث أو
الربع على حديث حبيب بن مسلمة .وقال قوم :إن نفل المام السرية جميع ما غنمببت
جاز مصيرا إلى أن آية النفال غير منسوخة بل محكمة ،وأنهببا علببى عمومهببا غيببر
مخصصة .ومن رأى أنها مخصصة بهذا الثر قال :ل يجوز أن ينفل أكثر من الربع
أو الثلث.
@)-وأما المسألة الثالثة( وهي هل يجوز الوعد بالتنفيل قبل الحببرب أم ليببس يجببوز
ذلك؟ فإنهم اختلفوا فيه ،فكره ذلك مالك وأجازه وجماعة .وسبب اختلفهببم معارضببة
مفهوم مقصد الغزو لظاهر الثر ،وذلك أن الغزو إنمببا يقصببد بببه وجببه الب العظيببم،
ولتكون كلمة ال هببي العليببا ،فببإذا وعببد المببام بالنفببل قبببل الحببرب خيببف أن يسببفك
دماءهم الغزاة في حق غير ال .وأما الثر الذي يقتضي ظاهره جببواز الوعببد بالنفببل
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
فهو حديث حبيب بن مسلمة "أن النبي عليببه الصببلة والسببلم كببان ينفببل فببي الغببزو
السرايا الخارجة من العسكر الربع وفي القفول الثلث" ومعلوم أن المقصود مببن هببذا
إنما هو التنشيط على الحرب.
@)-وأما المسألة الرابعة( وهي هل يجب سلب المقتول للقاتببل أو ليببس يجبب إل إن
نفله له المام؟ فإنهم اختلفوا في ذلك ،فقال مالك :ل يستحق القاتببل سببلب المقتببول إل
أن ينفله له المام على جهة الجتهاد وذلك بعد الحرب ،وبه قال أبو حنيفة والثوري.
وقال الشافعي وأحمد وأبو ثببور وإسببحاق وجماعببة السببلف :واجببب للقاتببل قببال ذلببك
المام أو لم يقله .ومن هؤلء من جعل السلب له على كل حال ولم يشببترط فببي ذلببك
شرطا .ومنهم مببن قببال ل يكببون لببه السببلب إل إذا قتلببه مقبل غيببر مببدبر ،وبببه قببال
الشافعي .ومنهم من قال :إنما يكون السلب للقاتل إذا كان القتل قبل معمعة الحرب أو
بعدها .وأما إن قتله في حين المعمعة فليس له سلب ،وبه قال الوزاعي .وقببال قببوم:
إن استكثر المام السلب جبباز أن يخمسببه .وسبببب اختلفهببم هببو احتمببال قببوله عليببه
الصلة والسلم يوم حنين بعد ما برد القتال "من قتل قتيل فله سببلبه" أن يكببون ذلببك
منه عليه الصلة والسلم على جهببة النفببل أو علببى جهببة السببتحقاق للقاتببل ،ومالببك
رحمه ال قوي عنده أنه على جهة النفل من قبل أنه لم يثبت عنده أنه قال ذلببك عليببه
الصلة والسلم ول قضى به إل أيام حنين ،ولمعارضة آية الغنيمة له إن حمببل ذلببك
على الستحقاق :أعني قوله تعالى }واعلموا أنما غنمتببم مببن شببيء{ اليببة .فببإنه لمببا
نص في الية على أن الخمس ل علم أن الربعة الخماس واجبة للغببانمين كمببا أنببه
لما نص على الثلث للم في المببواريث علببم أن الثلببثين للب .قببال أبببو عمببر :وهببذا
القول محفوظ عنه صلى ال عليه وسلم فببي حنيببن وفببي بببدر .وروي عببن عمببر بببن
الخطاب أنه قال" :كنا ل نخمس السبلب علبى عهبد رسبول صبلى الب عليبه وسبلم".
وخرج أبو داود عن عوف بن مالك الشجعي وخالد بن الوليد "أن رسول ال صببلى
ال عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل" وخببرج ابببن أبببي شببيبة عببن أنببس بببن مالببك أن
البراء بن مالك حمل على مرزبان يوم الدارة فطعنه طعنة على قربوس سرجه فقتله
فبلغ سلبه ثلثين ألفا ،فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فقال لبي طلحة :إنا كنببا ل نخمببس
السلب وإن سلب البراء قد بلغ مال كثيرا ول أراني إل خمسته قال :قال ابن سيرين:
فحدثني أنس بن مالك أنه أول سلب خمس في السلم ،وبهببذا تمسببك مببن فببرق بيببن
السلب القليل والكثير .واختلفوا في السلب الواجب مببا هببو؟ فقببال قببوم :لببه جميببع مببا
وجد على المقتول ،واستثنى قوم من ذلك الذهب والفضة.
**4الفصل الرابع في حكم ما وجد من أموال المسلمين عند الكفار.
@-وأما أموال المسلمين التي تسترد من أيدي الكفببار فببإنهم اختلفببوا فببي ذلببك علببى
أربعة أقوال مشهورة :أحبدها أن مبا اسبترد المسبلمون مبن أيبدي الكفبار مبن أمبوال
المسلمين فهو لربابها من المسلمين وليس للغزاة المستردين لذلك منها شيء ،وممبن
قال بهذا القول الشافعي وأصحابه وأبو ثور ،والقول الثبباني أن مببا اسببترد المسببلمون
من ذلبك فهبو غنيمبة الجيبش ليبس لصباحبه منبه شبيء ،وهبذا القبول قباله الزهبري
وعمرو بن دينار ،وهو مروي عن علي بن أبي طببالب .والقببول الثببالث أن مببا وجببد
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
من أموال المسلمين قبل القسم فصاحبه أحق به بل ثمن ،وما وجد من ذلك بعد القسم
فصاحبه أحق به بالقيمة ،وهؤلء انقسموا قسمين :فبعضهم رأى هذا الببرأي فببي كببل
ما استرده المسلمون من أيدي الكفار بأي وجه صار ذلك إلى أيدي الكفببار ،وفببي أي
موضع صار ،وممن قال بهذا القول مالك والثوري وجماعة ،وهو مروي عببن عمببر
بن الخطاب .وبعضهم فرق بين ما صار مببن ذلببك إلببى أيببدي الكفببار غلبببة وحببازوه
حتى أوصلوه إلى دار المشركين ،وبين ما اخذ منهم قبل أن يحوزوه ويبلغببوا بببه دار
الشرك ،فقالوا :ما حازوه فحكمه إن ألفاه صاحبه قببل القسبم فهبو لبه ،وإن ألفباه بعبد
القسم فهو أحق به بالثمن .قالوا :وأما ما لم يحزه العدو بأن يبلغوا دارهم به فصبباحبه
أحق به قبل القسم وبعده ،وهذا هو القول الرابع.
واختلفهم راجع إلى اختلفهم في هل يملك الكفار على المسلمين أموالهم إذا غلبوهم
عليها أم ليس يملكونها؟ وسبب اختلفهببم فببي هببذه المسببألة تعبارض الثببار فببي هببذا
الباب والقياس ،وذلك أن حبديث عمبران بببن حصبين يبدل علبى أن المشببركين ليبس
يملكون على المسلمين شيئا ،وهو قال :أغار المشركون على سببرح المدينببة وأخببذوا
العضباء ناقة رسول ال صلى ال عليه وسلم وامرأة من المسببلمين ،فلمببا كببانت ذات
ليلة قامت المرأة وقد ناموا ،فجعلت ل تضببع يببدها علببى بعيببر إل أرغببى حببتى أتببت
العضباء ،فأتت ناقة ذلول فركبتهببا ثببم تببوجهت قبببل المدينببة ونببذرت لئن نجاهببا الب
لتنحرها ،فلما قدمت إلى المدينة عرفت الناقة ،فأتوا بها رسببول الب صببلى الب عليببه
وسلم ،فأخبرته المرأة بنذرها ،فقال" :بئس ما جزيتها ،ل نذر فيما ل يملببك ابببن آدم،
ول نذر في معصية" وكذلك يدل ظاهر حديث ابببن عمببر علببى مثببل هببذا ،وهببو أنببه
أغار له فرس فأخذها العدو فظهر عليه المسلمون ،فردت عليه في زمان رسول البب
صلى ال عليه وسلم ،وهما حديثان ثابتان .وأمببا الثببر الببذي يببدل علببى ملببك الكفببار
على المسلمين فقوله عليه الصلة والسلم "وهل ترك لنا عقيل من منزل" يعنببي أنببه
باع دوره التي كانت له بمكة بعد هجرتببه منهببا عليببه الصببلة والسببلم إلببى المدينببة.
وأما القياس فإن من شبه الموال بالرقاب قال الكفار كما ل يملكببون رقببابهم ،فكببذلك
ل يملكون أموالهم كحال الباغي مع العادل ،أعني أنه ل يملك عليهم المرين جميعا،
ومن قال يملكون قال :من ليس يملك فهو ضامن للشيء إن فاتت عينه ،وقببد أجمعببوا
على أن الكفار غير ضامنين لموال المسلمين ،فلزم عن ذلك أن الكفبار ليسبوا بغيببر
مالكين للموال فهم مالكون ،إذ لو كانوا غير مالكين لضمنوا.
وأما من فرق بين الحكم قبل الغنم وبعده ،وبيببن مببا أخببذه المشببركون بغلبببة أو بغيببر
غلبة بأن صار إليهم من تلقائه مثببل العبببد البببق والفببرس العببائد فليببس لببه حببظ مببن
النظر ،وذلك أنه ليس يجد وسطا بين أن يقول إما أن يملك المشرك على المسلم شيئا
أو ل يملكه إل أن يثبت في ذلك دليل سمعي ،لكن أصحاب هذا المذهب إنما صبباروا
إليه لحديث الحسن بن عمارة عن عبد الملك بن ميسرة عن طباوس عببن ابببن عببباس
أن رجل وجد بعيرا له كان المشركون قد أصابوه ،فقال رسول الب صببلى الب عليببه
وسلم "إن أصبته قبل أن يقسم فهو لبك ،وإن أصبببته بعبد القسبم أخبذته بالقيمبة" لكبن
الحسن بن عمارة مجتمع على ضعفه وترك الحتجاج به عنبد أهبل الحبديث ،والبذي
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
عول عليه مالك فيما أحسب من ذلك هو قضاء عمر بذلك ،ولكن ليس يجعل له أخذه
بالثمن بعد القسم على ظاهر حديثه واستثناء أبببي حنيفببة أم الولببد والمببدبر مببن سبائر
الموال ل معنى له ،وذلك أنه يرى أن الكفار يملكون على المسببلمين سببائر المببوال
ما عدا هذين ،وكذلك قول مالك في أم الولد إنه إذا أصابها مولها بعد القسم أن على
المام أن يفديها فإن لم يفعل أجبر سيدها على فدائها ،فإن لم يكن له مال أعطيت له،
واتبعه الذي أخرجت في نصيبه بقيمتها دينا متى أيسر هو قببول أيضببا ليببس لببه حببظ
من النظر لنه إن لم يملكها الكفار فقد يجب أن يأخببذها بغيببر ثمببن ،وإن ملكوهببا فل
سبيل له عليها ،وأيضا فإنه ل فرق بينها وبيببن سببائر المببوال إل أن يثبببت فببي ذلببك
سماع ،ومن هذا الصل ،أعني اختلفهم هل يملك المشرك مال المسببلم أو ل يملببك؟
اختلف الفقهاء في الكافر يسلم وبيده مال مسلم هل يصببح لببه أم ل؟ فقببال مالببك وأبببو
حنيفة :يصح له .وقال الشافعي :على أصله ل يصح له .واختلببف مالببك وأبببو حنيفببة
إذا دخل مسلم إلى الكفار على جهة التلصص وأخذ مما في أيببديهم مببال مسببلم ،فقببال
أبو حنيفة :هو أولى به وإن أراده صاحبه أخذه بالثمن ،وقال مالك :هو لصاحبه ،فلببم
يجر على أصله.
ومن هذا الباب اختلفهببم فببي الحربببي يسببلم ويهبباجر ويببترك فببي دار ولببده وزوجببه
ومبباله هببل يكببون لمببا تببرك حرمببة مببال المسببلم وزوجببه وذريتببه فل يجببوز تملكهببم
للمسلمين إن غلبوا على ذلك أم ليس لما ترك حرمة؟ فمنهم مببن قببال :لكببل مببا تببرك
حرمة السلم؛ ومنهم من قال :ليس له حرمة؛ ومنهم من فرق بيببن المببال والزوجببة
والولد فقال :ليس للمال حرمة ،وللولد والزوجة حرمة ،وهذا جببار علببى غيببر قيبباس
وهو قول مالك ،والصل أن المبيح للمال هببو الكفببر ،وأن العاصببم لببه هببو السببلم،
كما قال عليه الصلة والسلم "فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم" فمن زعببم
أن ههنا مبيحا للمال غير الكفر من تملك عدو أو غيره فعليه الدليل ،وليس ههنا دليل
تعارض به هذه القاعدة ،وال أعلم.
**4الفصل الخامس في حكم ما افتتح المسلمون من الرض عنوة.
@-واختلفوا فيما افتتح المسبلمون مبن الرض عنبوة .فقبال مالبك :ل تقسبم الرض
وتكون وقفا يصرف خراجها في مصالح المسلمين من أرزاق المقاتلة وبناء القنبباطر
والمساجد وغير ذلك من سبل الخيببر إل أن يببرى المببام فببي وقببت مببن الوقببات أن
المصببلحة تقتضببي القسببمة ،فببإن لببه أن يقسببم الرض .وقببال الشببافعي :الرضببون
المفتتحة تقسم كما تقسم الغنائم :يعني خمسة أقسام .وقال أبو حنيفة :المام مخير بين
أن يقسمها على المسلمين أو يضرب على أهلها الكفارة فيها الخراج ويقرها بأيببديهم.
وسبب اختلفهم ما يظن من التعارض بيببن آيببة سببورة النفببال وآيببة سببورة الحشببر،
وذلك أن آيببة النفببال تقتضببي بظاهرهببا أن كببل مببا غنببم يخمببس ،وهببو قببوله تعببالى
}واعلموا أنما غنمتم{ وقوله تعالى في آية الحشر }والذين جبباءوا مببن بعببدهم{ عطفببا
على ذكر الذين أوجبب لهببم الفيببء يمكبن أن يفهبم منبه أن جميبع النباس الحاضبرين
والتين شركاء في الفيء كما روي عن عمر رضي ال عنه أنه قال في قببوله تعببالى
}والذين جاءوا من بعدهم{ ما أرى هذه الية إل قد عمت الخلق حببتى الراعببي بكببداء
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
أو كلما هذا معناه ،ولذلك لم تقسم الرض التي افتتحت فببي أيببامه عنببوة مببن أرض
العراق ومصر؛ فمن رأى أن اليتين متواردتببان علببى معنببى واحببد وأن آيببة الحشببر
مخصصببة ليببة النفببال اسببتثنى مببن ذلببك الرض؛ ومببن رأى أن اليببتين ليسببتا
متواردتين على معنى واحد ،بببل رأى أن آيببة النفببال فببي الغنيمببة وآيببة الحشببر فببي
الفيء على ما هو ظاهر من ذلك قال :تخمس الرض ول بد ،ول سيما "أنه قد ثبببت
أنه عليه الصلة والسلم قسم خيببر بيبن الغبزاة" .قبالوا :فبالواجب أن تقسبم الرض
لعموم الكتاب وفعله عليه الصلة والسلم الذي يجري مجرى البيببان للمجمببل فضببل
عن العام .وأما أبو حنيفة فإنما ذهب إلى التخيير بين القسمة وبين أن يقر الكفار فيها
على خراج يؤدونه ،لنه زعبم أنبه قبد روي "أن رسبول الب صبلى الب عليبه وسبلم
أعطى خيبر بالشطر ثم أرسل ابن رواحة فقاسمهم" قالوا :فظهر من هببذا أن رسببول
ال صلى ال عليه وسلم لم يكن قسم جميعهببا ولكنببه قسببم طائفببة مببن الرض وتببرك
طائفة لم يقسمها ،قالوا :فبان بهذا أن المببام بالخيببار بيببن القسببمة والقببرار بأيببديهم،
وهو الذي فعل عمر رضي ال عنه .وإن أسلموا بعد الغلبببة عليهببم كببان مخيببرا بيببن
المن عليهم أو قسمتها على ما فعل رسول ال صلى ال عليه وسلم بمكببة :أعنببي مببن
المن ،وهذا إنما يصح على رأي من رأى أنه افتتحها عنوة ،فببإن النبباس اختلفببوا فببي
ذلك وإن كان الصح أنه افتتحها عنوة لنه البذي خرجبه مسبلم .وينبغبي أن تعلبم أن
قول من قال :إن آية الفيء وآية الغنيمة محمولتان على الخيار ،وأن آية الفيء ناسخة
لية الغنيمة أو مخصصة لها أنه قول ضعيف جدا إل أن يكون اسببم الفيببء والغنيمببة
يدلن على معنى واحد ،فإن كان ذلك فاليتان متعارضببتان ،لن آيببة النفببال تببوجب
التخميس ،وآية الحشر توجب القسمة دون التخميس فوجب أن تكون إحداهما ناسببخة
للخرى أو يكببون المببام مخيببرا بيببن التخميببس وتببرك التخميببس ،وذلببك فببي جميببع
الموال المغنومة .وذكر بعض أهل العلم أنه مذهب لبعض الناس وأظنببه حكبباه عببن
المذهب ،ويجببب علببى مببذهب مببن يريببد أن يسببتنبط مببن الجمببع بينهمببا تببرك قسببمة
الرض وقسمة ما عدا الرض أن تكون كل واحدة من اليتين مخصصببة بعببض مببا
في الخرى أو ناسخة له حتى تكون آية النفال خصصت من عمببوم آيببة الحشببر مببا
عدا الرضين فأوجبت فيها الخمس ،وآية الحشر خصصت مببن آيببة النفببال الرض
فلم توجب فيها خمسا ،وهذه الدعوى ل تصح إل بدليل مع أن الظاهر من آية الحشر
أنها تضمنت القول فببي نببوع مببن المببوال مخببالف الحكببم للنببوع الببذي تضببمنته آيببة
النفال وذلك أن قوله تعالى }فما أوجفتم عليه مببن خيببل ول ركبباب{ هببو تنبببيه علببى
العلة التي من أجلها لم يوجب حق للجيش خاصة دون الناس والقسمة بخلف ذلك إذ
كانت تؤخذ باليجاف.
**4الفصل السادس في قسمة الفيء.
@-وأما الفيء عند الجمهور فهو كل ما صار للمسلمين من الكفار من قبببل الرعببب
والخوف من غير أن يوجف عليه بخيببل أو رجببل .واختلببف النبباس فببي الجهببة الببتي
يصرف إليها؛ فقال قوم :إن الفيء لجميع المسلمين الفقير والغني ،وإن المام يعطببي
منه للمقاتلة وللحكام وللببولة ،وينفببق منببه فببي النببوائب الببتي تنببوب المسببلمين كبنبباء
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
القناطر وإصلح المساجد وغير ذلك ول خمس فببي شببيء منببه وبببه قببال الجمهببور،
وهو الثابت عن أبي بكر وعمر؛ وقببال الشببافعي :بببل يكببون فيببه الخمببس ،والخمببس
مقسوم على الصناف الذين ذكروا في آية الغنبائم وهبم الصبناف البذين ذكبروا فبي
الخمس بعينه من الغنيمة ،وإن الباقي هو مصروف إلى اجتهاد المام ينفق منه علببى
نفسه وعلى عياله ومن رأى ،وأحسب أن قوما قالوا :إن الفيء غيببر مخمببس ،ولكببن
يقسم على الصناف الخمسة الذين يقسم عليهم الخمس ،وهو أحد أقوال الشافعي فيما
أحسب .وسبب اختلف مببن رأى أنببه يقسببم جميعببه علببى الصببناف الخمسببة أو هببو
مصروف إلى اجتهاد المام هو سبب اختلفهبم فبي قسبمة الخمبس مبن الغنيمبة وقبد
تقدم ذلك ،أعني أن من جعل ذكر الصناف في الية تنبيها على المستحقين لببه قببال:
هو لهذه الصناف المذكورين ومن فوقهم .ومن جعببل ذكببر الصببناف تعديببدا للببذين
يستوجبون هذا المال قال :ل يتعدى به هؤلء الصببناف ،أعنببي أنببه جعلببه مببن ببباب
الخصوص ل من باب التبيه .وأما تخميس الفيء فلم يقل به أحد قبل الشافعي ،وإنمببا
حمله على هذا القول أنه رأى الفيء قد قسم في الية على عدد الصناف الببذين قسببم
عليهببم الخمببس ،فاعتقببد لببذلك أن فيببه الخمببس ،لنببه ظببن أن هببذه القسببمة مختصببة
بالخمس وليس ذلك بظاهر ،بل الظاهر أن هذه القسمة تخص جميببع الفيببء ل جببزءا
منه ،وهو الذي ذهب إليه فيما أحسب قوم .وخرج مسلم عن عمر قال :كببانت أمببوال
بني النضير ممببا أفبباء الب علببى رسببوله ممببا لببم يوجببف عليببه المسببلمون بخيببل ول
ركاب ،فكانت للنبي صلى ال عليه وسلم خالصة ،فكببان ينفببق منهببا علببى أهلببه نفقببة
سنة ،وما بقي يجعله في الكراع والسلح عدة في سبيل ال ،وهببذا يببدل علببى مببذهب
مالك.
**4الفصل السابع في الجزية.
@-والكلم المحيط بأصول هذا الفصل ينحصر فببي سببت مسببائل :المسببألة الولببى:
ممن يجوز أخذ الجزية؟ الثانية :على أي الصناف منهببم تجببب الجزيببة؟ الثالثببة :كببم
تجب؟ الرابعة :متى تجبب ومببتى تسببقط؟ الخامسببة :كبم أصبناف الجزيببة؟ السادسببة:
فيماذا يصرف مال الجزية؟
@)-المسألة الولى( فأما من يجوز أخذ الجزية منه؟ فإن العلماء مجمعون على أنببه
يجوز أخذها من أهل الكتاب العجم ومن المجوس كما تقدم ،واختلفوا في أخذها ممببن
ل كتاب له وفيمن هو من أهل الكتاب من العرب بعد اتفاقهم فيما حكى بعضببهم أنهببا
ل تؤخذ من قرشي كتابي ،وقد تقدمت هذه المسألة.
@)-المسألة الثانية( وهي أي الصناف من الناس تجببب عليهببم؟ فببإنهم اتفقببوا علببى
أنها إنما تجب بثلثة أوصاف الذكورية والبلوغ والحرية ،وأنها ل تجب على النسبباء
ول على الصبيان إذا كانت إنما هي عوض من القتل والقتل إنما هببو متببوجه بببالمر
نحو الرجال البالغين إذ قد نهى عن قتببل النسبباء والصبببيان ،وكببذلك أجمعببوا أنهببا ل
تجب على العبيد .واختلفوا في أصناف من هؤلء :منهببا فببي المجنببون وفببي المقعببد،
ومنها في الشيخ ،ومنها في أهل الصوامع ،ومنها في الفقير هببل يتبببع بهببا دينببا مببتى
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
أيسر أم ل؟ وكل هذه المسائل اجتهادية ليس فيهببا تببوقيت شببرعي .وسبببب اختلفهببم
مبني على هل يقتلون أم ل؟ أعني هؤلء الصناف.
@)-وأما المسألة الثالثة( وهي كم الواجب فببإنهم اختلفببوا فببي ذلببك ،فببرأى مالببك أن
القدر الواجب في ذلك هو ما فرضه عمر رضببي الب عنببه وذلببك علببى أهببل الببذهب
أربعة دنانير ،وعلى أهل الورق أربعون درهما ،ومع ذلك أرزاق المسلمين وضببيافة
ثلثة أيام ل يزاد على ذلك ول ينقص منه؛ وقال الشبافعي :أقلببه محببدود وهببو دينبار
وأكثره غير محدود وذلك بحسب ما يصالحون عليه .وقال قوم :ل تبوقيت فبي ذلبك،
وذلك مصروف إلى اجتهبباد المببام وبببه قببال الثببوري؛ وقببال أبببو حنيفببة وأصببحابه:
الجزية اثنا عشر درهما وأربعة وعشرون درهما وثمانية وأربعون ل ينقببص الفقيببر
من اثني عشر درهما ول يزاد الغني على ثمانيببة وأربعيببن درهمببا ،والوسببط أربعببة
وعشرون درهما؛ وقال أحمد :دينار أو عببدله معببافر ل يببزاد عليببه ول ينقببص منببه.
وسبب اختلفهم اختلف الثار في هذا الباب ،وذلك أنه روي "أن رسول ال ب صببلى
ال عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمببن وأمببره أن يأخببذ مببن كببل حببالم دينببارا أو عببدله
معافر" وهي ثياب باليمن .وثبت عن عمر أنه ضرب الجزية على أهل الذهب أربعة
دنانير وعلى أهل الورق أربعين درهما مع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلثة أيام.
وروي عنه أيضا أنه بعث عثمان بن حنيف فوضع الجزية على أهببل السببواد ثمانيببة
وأربعين وأربعة وعشرين واثني عشر .فمن حمل هذه الحاديث كلهببا علببى التخييببر
وتمسك في ذلك بعموم ما ينطلق عليه اسم جزية إذ ليس في توقيت ذلببك حببديث عببن
النبي صلى ال عليه وسلم متفق على صحته ،وإنما ورد الكتاب في ذلك عاما ،قببال:
ل حد في ذلك وهو الظهر وال أعلم .ومن جمع بين حديث معاذ والثابت عن عمببر
قال :أقله محدود ول حببد لكبثره .ومبن رجببح أحببد حبديثي عمبر قبال :إمببا ببأربعين
درهما وأربعة دنانير ،وإما بثمانية وأربعين درهمببا وأربعببة وعشببرين واثنببي عشببر
على ما تقدم .ومن رجح حديث معاذ لنه مرفوع قال :دينار فقط أو عببدله معببافرا ل
يزاد على ذلك ول ينقص منه.
@)-وأما المسألة الرابعة( وهي متى تجب الجزية؟ فإنهم اتفقببوا علببى أنهببا ل تجببب
إل بعد الحول ،وأنه تسقط عنه إذا أسلم قبل انقضاء الحول .واختلفوا إذا أسلم بعد مببا
يحول عليه الحول هل تؤخذ منه جزيبة للحبول الماضبي بأسبره أو لمبا مضبى منبه؟
فقببال قببوم :إذا أسببلم فل جزيببة عليببه بعببد انقضبباء الحببول كببان بعببد إسببلمه أو قبببل
انقضائه ،وبهذا القول قال الجمهور؛ وقالت طائفة :إن أسلم بعد الحببول وجبببت عليببه
الجزية ،وإن أسلم قبل حلول الحول لم تجببب عليببه ،وإنهببم اتفقببوا علببى أنببه ل تجببب
عليه قبل انقضاء الحول .لن الحول شرط في وجوبهببا ،فببإذا وجببد الرافببع لهببا وهببو
السلم قبل تقرر الوجوب ،أعني قبل وجود شرط الوجوب لم تجببب؛ وإنمببا اختلفببوا
بعد انقضاء الحول لنها قد وجبت؛ فمن رأى أن السلم يهدم هذا الواجب في الكفببر
كما يهدم كثيرا من الواجبات قال :تسقط عنه وإن كان إسلمه بعد الحول؛ ومن رأى
أنه ل يهدم السلم هذا الواجب كما ل يهدم كثيرا من الحقوق المترتبببة مثببل الببديون
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وغير ذلك قال :ل تسقط بعد انقضاء الحول .فسبب اختلفهم هببو هببل السببلم يهببدم
الجزية الواجبة أو ل يهدمها.
@)-وأما المسألة الخامسببة( وهببي كببم أصببناف الجزيببة؟ فببإن الجزيببة عنببدهم ثلثببة
أصناف :جزية عنوية ،وهي هذه التي تكلمنا فيها ،أعني التي تفرض على الحربييببن
بعد غلبتهم .وجزية صلحية ،وهي التي يتبرعون بها ليكببف عنهببم ،وهببذه ليببس فيهببا
توقيت ل في الواجب ،ول فيمببن يجببب عليببه ول مببتى يجببب عليبه ،وإنمبا ذلببك كلببه
راجع إلى التفاق الواقع في ذلك بين المسلمين وأهل الصببلح إل أن يقببول قببائل :إنببه
إن كان قبول الجزية الصلحية واجبا على المسلمين فقد يجب أن يكون ههنببا قببدر مببا
إذا أعطبباه مببن أنفسببهم الكفبار وجبب علبى المسببلمين قبببول ذلببك منهببم فيكبون أقلهبا
محدودا وأكثرها غير محدود .وأما الجزية الثالثبة فهبي العشببرية ،وذلبك أن جمهبور
العلماء على أنه ليس على أهل الذمة عشر ول زكاة أصل فببي أمببوالهم إل مببا روي
عن طائفة منهم أنهم ضاعفوا الصدقة على نصارى بنبي تغلببب ،أعنبي أنهببم أوجبببوا
إعطاء ضعف ما على المسلمين من الصدقة في شيء شيء مببن الشببياء الببتي تلببزم
فيها المسلمين الصدقة ،وممن قال بهذا القول الشافعي وأبو حنيفببة وأحمببد والثببوري،
وهو فعل عمر بن الخطاب رضي ال عنه بهم ،وليس يحفظ عن مالك في ذلك نببص
فيما حكوا ،وقد تقدم ذلبك فبي كتباب الزكباة .واختلفبوا هبل يجبب العشبر عليهبم فبي
الموال التي يتجرون بها إلى بلد المسلمين بنفس التجارة أو الذن إن كانوا حربيين
أم ل تجب إل بالشرط؟ فبرأى مالبك وكبثير مبن العلمباء أن تجبار أهبل الذمبة البذين
لذمتهم بالقرار في بلدهم الجزية يجب أن يؤخذ منهم ممبا يجلببونه مببن بلببد إلببى بلبد
العشر ،إل ما يسوقون إلى المدينة خاصة فيؤخذ منه فيه نصف العشببر ،ووافقببه أبببو
حنيفبة فبي وجبوبه ببالذن فبي التجبارة أو بالتجبارة نفسبها وخبالفه فبي القبدر فقبال:
الواجب عليهم نصف العشر؛ ومالك لم يشترط عليهم في العشر الواجب عنده نصببابا
ول حول؛ وأما أبو حنيفة فاشترط في وجوب نصف العشر عليهم الحببول والنصبباب
وهو نصاب المسلمين نفسه المذكور فببي كتبباب الزكبباة؛ وقبال الشببافعي :ليببس يجببب
عليهم عشر أصل ول نصف عشر في نفس التجارة ول في ذلك شيء محدود إل ما
اصطلح عليه أو اشترط ،فعلى هذا تكون الجزية العشرية من نوع الجزية الصببلحية؛
وعلى مذهب مالك وأبي حنيفة تكون جنسببا ثالثببا مببن الجزيببة غيببر الصببلحية والببتي
على الرقاب .وسبب اختلفهم أنه لم يأت في ذلببك عببن رسببول ال ب صببلى الب عليببه
وسلم سنة يرجع إليها ،وإنما ثبت أن عمر بن الخطاب فعببل ذلببك بهببم؛ فمببن رأى أن
فعل عمر هذا إنما فعله بأمر كان عنده في ذلك من رسول ال صلى الب عليببه وسببلم
أوجب أن يكون ذلك سنتهم؛ ومن رأى أن فعله هببذا كببان علببى وجببه الشببرط ،إذ لببو
كان على غير ذلك لذكره قال :ليس ذلببك بسببنة لزمببة لهببم إل بالشببرط .وحكببى أبببو
عبيد في كتاب الموال عن رجل من أصحاب النبي عليببه الصببلة والسببلم ل أذكببر
اسمه الن أنه قيل له :لم كنتم تأخذون العشر من مشركي العرب؟ فقال :لنهببم كببانوا
يأخذون منا العشر إذا دخلنا إليهم .قال الشافعي :وأقل ما يجب أن يشارطوا عليه هو
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
ما فرضه عمر رضي ال عنه ،وإن شورطوا على أكثر فحسن .قال :وحكم الحربببي
إذا دخل بأمان حكم الذمي.
@)-وأما المسألة السادسة( وهي في ماذا تصببرف الجزيببة؟ فببإنهم اتفقببوا علببى أنهببا
مشتركة لمصببالح المسببلمين مببن غيببر تحديببد كالحببال فببي الفيببء عنببد مببن رأى أنببه
مصروف إلى اجتهاد المام ،حتى لقد رأى كثير من الناس أن اسم الفيء إنما ينطلببق
على الجزية في آية الفيء ،وإذا كان المر هكذا ،فالموال السلمية ثلثة أصببناف:
صدقة ،وفيء ،وغنيمة ،وهذا القدر كاف في تحصيل قواعد هذا الكتاب وال الموفببق
للصواب.
**2كتاب اليمان
@-وهذا الكتاب ينقسم أول إلى جملتين :الجملة الولى :في معرفة ضروب اليمببان
وأحكامها .والجملة الثانية :في معرفة الشياء الرافعة لليمان اللزمة وأحكامها.
*)*3الجملببة الولببى( وهببذه الجملببة فيهببا ثلثببة فصببول :الفصببل الول :فببي معرفببة
اليمببان المباحببة وتمييزهببا مببن غيببر المباحببة .الثبباني :فببي معرفببة اليمببان اللغويببة
والمنعقدة .الثالث :في معرفة اليمان التي ترفعها الكفارة والتي ل ترفعها.
**4الفصل الول في معرفة اليمان المباحة وتمييزها من غيرها.
@-واتفق الجمهور على أن الشياء منها ما يجوز في الشرع أن يقسم به ،ومنها مببا
ل يجوز أن يقسببم بببه .واختلفببوا أي الشببياء الببتي هببي بهببذه الصببفة؛ فقببال قببوم :إن
الحلف المباح في الشرع هو الحلف بال ،وأن الحالف بغير ال عاص؛ وقال قوم :بل
يجوز الحلف بكل معظم بالشرع؛ والذين قالوا إن اليمان المباحببة هببي اليمببان بببال
اتفقوا على إباحة اليمان التي بأسمائه ،واختلفوا فببي اليمببان الببتي بصبفاته وأفعبباله.
وسبب اختلفهم في الحلف بغير ال من الشبياء المعظمبة بالشبرع معارضبة ظباهر
الكتاب في ذلك للثببر ،وذلبك أن الب قبد أقسببم فببي الكتبباب بأشببياء كبثيرة مثببل قبوله
}والسماء والطارق{ وقوله }والنجم إذا هوى{ إلى غير ذلك من القسببام الببواردة فببي
القرآن .وثبت أن النبي عليه الصلة والسلم قببال "إن ال ب ينهبباكم أن تحلفببوا بآبببائكم
من كان حالفا فليحلف بال أو ليصمت" فمببن جمببع بيببن الثببر والكتبباب بببأن قببال إن
الشياء الواردة في الكتاب المقسوم بها فيها محبذوف وهبو الب تببارك وتعبالى ،وأن
التقدير :ورب النجم ،ورب السماء قال :اليمان المباحة هي الحلف بببال فقببط؛ ومببن
جمع بينهما بأن المقصود بالحديث إنما هو أن ل يعظببم مببن لببم يعظببم الشببرع بببدليل
قوله فيه "إن ال ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم" وأن هذا من ببباب الخبباص أريببد بببه العببام
أجاز الحلف بكل معظم في الشرع .فإذا سبب اختلفهبم هبو اختلفهبم فبي بنباء الي
والحديث .وأما من منع الحلف بصفات ال وأفعاله فضعيف .وسبب اختلفهم هو هل
يقتصر بالحديث على ما جاء من تعليق الحكم فيه بالسم فقط ،أو يعدى إلى الصفات
والفعال ،لكن تعليق الحكم في الحديث بالسم فقط جمود كببثير ،وهببو أشبببه بمببذهب
أهل الظاهر وإن كان مرويا في المذهب حكاه اللخمي عن محمد بن المببواز .وشببذت
فرقة فمنعت اليمين بال عز وجل ،والحديث نص في مخالفة هذا المذهب.
**4الفصل الثاني في معرفة اليمان اللغوية والمنقعدة.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
@-واتفقوا أيضا على أن اليمان منها لغو ومنهببا منعقببدة لقببوله تعببالى }ل يؤاخببذكم
ال باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بمببا عقببدتم اليمببان{ واختلفببوا فيمببا هببي اللغببو؟
فذهب مالك وأبو حنيفة إلى أنها اليمين على الشيء يظن الرجل أنببه علببى يقيببن منببه
فيخرج الشيء على خلف ما حلف عليه .وقال الشافعي :لغو اليمين ما لم تنعقد عليه
النية مثل ما جرت به العادة من قول الرجل في أثناء المخاطبببة ل وال ب ل بببال ممببا
يجري على اللسنة بالعادة مببن غيببر أن يعتقببد لزومببه ،وهببذا القببول رواه مالببك فببي
الموطأ عن عائشة ،والقول الول مروي عن الحسن بن أبي الحسن وقتببادة ومجاهببد
وإبراهيم النخعي .وفيه قول ثالث ،وهببو أن يحلببف الرجببل وهببو غضبببان ،وبببه قبال
إسماعيل القاضي من أصحاب مالك .وفيه قببول رابببع ،وهببو الحلببف علببى المعصببية
وروي عن ابن عباس .وفيه قول خببامس ،وهببو أن يحلببف الرجببل علببى أن ل يأكببل
شيئا مباحا له بالشرع .والسبب في اختلفهم فببي ذلببك هببو الشببتراك الببذي فببي اسببم
اللغو ،وذلك أن اللغببو قببد يكببون الكلم الباطببل مثببل قببوله تعببالى }والغببوا فيببه لعلكببم
تغلبون{ وقد يكون الكلم الذي ل تنعقد عليه نية المتكلم به ،ويدل على أن اللغببو فببي
الية هو هذا أن هذه اليمين هي ضد اليمين المنعقدة وهي المؤكدة ،فببوجب أن يكببون
الحكم المضاد للشيء المضاد .والذين قالوا إن اللغو هو الحلف في إغلق أو الحلببف
على ما ل يوجب الشرع فيه شيئا بحسب ما يعتقد في ذلك قوم ،فإنمببا ذهبببوا إلببى أن
اللغو ههنا يدل على معنى عرفببي فببي الشببرع وهبي اليمبان البتي يبببين الشبرع فببي
مواضع أخر سقوط حكمها مثل ما روي أنه" :ل طلق في إغلق" ومببا أشبببه ذلببك،
لكن الظهر هما القولن الولن :أعني قول مالك والشافعي.
**4الفصل الثالث في معرفة اليمببان الببتي ترفعهببا الكفببارة والببتي ل ترفعهببا .وهببذا
الفصل أربع مسائل:
@)-المسألة الولى( اختلفبوا فبي اليمبان ببال المنعقبدة هبل يرفبع جميعهبا الكفبارة
سواء كان حلفا على شيء ماض أنه كان فلم يكن وهي التي تعرف باليمين الغموس،
وذلك إذا تعمد الكذب ،أو على شيء مستقبل أنه يكون مببن قبببل الحببالف أو مببن قبببل
من هو بسببه فلم يكن ،فقال الجمهور :ليس في اليمين الغموس كفارة ،وإنمببا الكفببارة
في اليمان التي تكون في المستقبل إذا خالف اليمين الحالف ،وممن قببال بهببذا القببول
مالك وأبو حنيفة وأحمد بن حنبببل .وقببال الشببافعي وجماعببة :يجببب فيهببا الكفببارة أي
تسقط الكفارة الثم فيها كمبا تسبقطه فبي غيبر الغمبوس .وسببب اختلفهبم معارضبة
عموم الكتاب للثر ،وذلك أن قوله تعالى }ولكن يؤاخذكم بما عقدتم اليمببان فكفببارته
إطعام عشرة مساكين{ الية توجب أن يكون في اليميببن الغمببوس كفببارة لكونهببا مببن
اليمان المنعقدة ،وقوله عليه الصلة والسببلم "مببن اقتطببع حببق امببرئ مسببلم بيمينببه
حرم ال عليه الجنة وأوجب له النار" يببوجب أن اليميببن الغمببوس ليببس فيهببا كفببارة،
ولكن للشافعي أن يستثني من اليمان الغموس ما ل يقتطع بها حق الغير ،وهو الببذي
ورد فيه النص ،أو يقول :إن اليمبان البتي يقتطبع بهبا حبق الغيبر قبد جمعبت الظلبم
والحنث ،فوجب أل تكون الكفارة تهدم المرين جميعا ،أو ليبس يمكببن فيهببا أن تهبدم
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الحنث دون الظلم ،لن رفع الحنث بالكفارة إنما هو من باب التوبببة ،وليببس تتبعببض
التوبة في الذنب الواحد بعينه ،فإن تاب ورد المظلمة وكفر سقط عنه جميع الثم.
@)-المسألة الثانية( واختلببف العلمبباء فيمببن قببال :أنببا كببافر بببال أو مشببرك بببال أو
يهودي أو نصراني إن فعلت كببذا ثببم يفعببل ذلببك هببل عليببه كفببارة أم ل؟ فقببال مالببك
والشافعي :ليس عليه كفارة ول هذه يمين؛ وقببال أبببو حنيفببة :هببي يميببن وعليببه فيهببا
الكفببارة إذا خببالف اليميببن وهببو قببول أحمببد بببن حنبببل أيضببا .وسبببب اختلفهببم هببو
اختلفهم في هل يجوز اليمين بكل مبباله حرمببة أم ليببس يجببوز إل بببال فقببط؟ ثببم إن
وقعت فهل تنعقد أم ل؟ فمن رأى أن اليمان المنعقدة :أعني الببتي هببي بصببيغ القسببم
إنما هي اليمان الواقعة بال عز وجل وبأسمائه قال :ل كفارة فيهبا إذ ليسبت بيميببن؛
ومن رأى أن اليمببان تنعقببد بكببل مببا عظببم الشببرع حرمتببه قببال :فيهببا الكفببارة ،لن
الحلف بالتعظيم كالحلف بببترك التعظيببم ،وذلببك أنببه كمببا يجببب التعظيببم يجببب أن ل
يترك التعظيم ،فكما أن من حلف بوجوب حق ال عليه لزمه كذلك مببن حلببف بببترك
وجوبه لزمه.
@)-المسألة الثالثة( واتفق الجمهببور فببي اليمببان الببتي ليسببت أقسبباما بشببيء وإنمببا
تخرج مخرج اللزام الواقع بشرط من الشروط ،مثل أن يقول القائل :فإن فعلببت كببذا
فعلي مشي إلى بيت ال ،أو إن فعلت كببذا وكببذا فغلمببي حببر أو امرأتببي طببالق أنهببا
تلببزم فببي القببرب ،وفيمببا إذا الببتزمه النسببان لزمببه بالشببرع مثببل الطلق والعتببق.
واختلفوا هل فيها كفارة أم ل؟ فذهب مالك إلى أن ل كفارة فيها ،وأنه إن لم يفعل مببا
حلف عليه أثم ول بد؛ وذهب الشافعي وأحمد وأبو عبيد وغيرهم إلى أن هذا الجنببس
من اليمان فيها الكفارة إل الطلق والعتق؛ وقال أبو ثور :يكفببر مببن حلببف بببالعتق،
وقول الشافعي مروي عن عائشة .وسبب اختلفهم هل هي يميببن أو نببذر ،فمببن قببال
إنها يمين أوجب فيها الكفارة لدخولها تحت عموم قوله تعالى }فكفارته إطعبام عشبرة
مساكين{ الية .ومن قال إنها من جنس النذر :أي من جنس الشياء التي نص عليهببا
الشرع على أنه إذا ألتزمها النسان لزمته قال :ل كفببارة فيهببا لكببن يعسببر هببذا علببى
المالكية لتسميتهم إياهببا إيمانببا ،لكببن لعلهببم إنمببا سببموها أيمانببا علببى طريببق التجببوز
والتوسع .والحق أنه ليس يجب أن تسمى بحسب الدللة اللغوية أيمانببا ،فببإن اليمببان
في لغة العرب لها صيغ مخصوصة ،وإنما يقع اليمين بالشببياء الببتي تعظببم وليسببت
صيغة الشرط هي صيغة اليمين ،فأما هل تسمى أيمانا بالعرف الشرعي وهل حكمها
حكم اليمان؟ ففيه نظر ،وذلك أنه قد ثبت أنه عليه الصلة والسلم قال "كفارة النذر
كفارة يمين" وقال تعالى }لم تحرم ما أحل ال لك{ إلى قوله }قد فرض ال لكببم تحلببة
أيمانكم{ فظاهر هبذا أنبه قبد سبمي بالشبرع القبول البذي مخرجبه مخبرج الشبرط أو
مخرج اللزام دون شرط ول يمين ،فيجب أن تحمل على ذلببك جميببع القاويببل الببتي
تجري هذا المجرى إل ما خصصه الجماع من ذلببك مثببل الطلق ،فظبباهر الحببديث
يعطي أن النذر ليس بيمين وأن حكمه حكم اليمين؛ وذهب داود وأهل الظاهر إلى أنه
ليس يلزم من مثل هذه القاويل ،أعني الخارجة مخرج الشرط إل ما ألزمه الجمبباع
من ذلك وذلك أنها ليست بنذور فيلزم فيهببا النببذر ،ول بأيمببان فترفعهببا الكفببارة ،فلببم
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
يوجبوا على من قال :إن فعلت كذا وكذا فعلي المشي إلى بيت ال ب مشببيا ول كفببارة،
بخلف ما لو قال :علي المشببي إلببى بيببت الب لن هببذا نببذر باتفبباق ،وقببد قببال عليببه
الصلة والسلم "من نذر أن يطيببع الب فليطعببه ،ومببن نببذر أن يعصببيه فل يعصببيه"
فسبب هذا الخلف في هذه القاويل التي تخرج مخرج الشرط هو هل هببي أيمببان أو
نذور؟ أو ليست أيمانا ول نذورا؟ فتأمل هذا فإنه بين إن شاء ال تعالى.
@)-المسألة الرابعة( اختلفوا في قول القائل :أقسم أو أشهد إن كان كذا وكذا هل هبو
يمين أم ل؟ على ثلثة أقوال :فقيل إنه ليس بيمين ،وهببو أحببد قببولي الشببافعي؛ وقيببل
إنها أيمان ضد القول الول ،وبه قال أبو حنيفة؛ وقيل إن أراد ال بها فهو يمين ،وإن
لم يرد ال بها فليست بيمين ،وهو مذهب مالك .وسبببب اختلفهببم هببو هببل المراعببى
اعتبار صيغة اللفظ أو اعتبار مفهببومه بالعببادة أو اعتبببار النيببة؟ فمببن اعتبببر صببيغة
اللفظ قال :ليست بيمين إذ لم يكن هنالك نطق بمقسوم بببه؛ ومببن اعتببر صببيغة اللفبظ
بالعادة قال :هي يمين وفي اللفظ محذوف ول بد وهو ال تعالى؛ ومن لم يعتبر هذين
المرين واعتبر النية إذ كان اللفظ صالحا للمرين فرق في ذلك كما تقدم.
*)*3الجملببة الثانيببة( وهببذه الجملببة تنقسببم أول قسببمين :القسببم الول :النظببر فببي
الستثناء .والثاني :النظر في الكفارات.
**4القسم الول .وفي هذا القسم فصلن :الفصل الول :في شروط الستثناء المؤثر
في اليمين .الفصل الثاني :في تعريف اليمان التي يبؤثر فيهبا السبتثناء مبن البتي ل
يؤثر.
**5الفصل الول في شروط الستثناء المؤثر في اليمين.
@-وأجمعوا على أن الستثناء بالجملة له تأثير في حل اليمان واختلفوا في شببروط
الستثناء الذي يجب له هذا الحكم بعد أن أجمعوا علببى أنببه إذا اجتمببع فببي السببتثناء
ثلثة شروط أن يكون متناسقا مع اليمين وملفوظا به ومقصودا من أول اليمين أنه ل
ينعقد معه اليمين؛ واختلفوا في هببذه الثلثببة مواضببع ،أعنببي إذا فببرق السببتثناء مببن
اليمين أو نواه ولم ينطق به أو حدثت له نية الستثناء بعد اليمين وإن أتى به متناسببقا
مع اليمين.
@)-فأما المسألة الولى( وهي اشتراط اتصاله بالقسم فإن قوما اشترطوا ذلببك فيببه،
وهو مذهب مالببك؛ وقببال الشببافعي :ل بببأس بينهمببا بالسببكتة الخفيفببة كسببكتة الرجببل
للتذكر أو للتنفس أو لنقطاع الصوت .وقال قوم من التابعين يجوز للحالف الستثناء
ما لم يقم من مجلسه؛ وكان ابن عباس يرى أن له السببتثناء أبببدا علببى مببا ذكببر منببه
متى ما ذكر ،وإنما اتفق الجميع على أن استثناء مشيئة ال في المر المحلببوف علببى
فعله إن كان فعل أو على تركه إن كان تركببا رافببع لليميببن ،لن السببتثناء هببو رفببع
للزوم اليمين .قال أبو بكر بن المنذر :ثبت أنه رسول ال صلى الب عليببه وسببلم قببال
"من حلف فقال إن شاء ال لم يحنث" وإنما اختلفوا هل يؤثر في اليمين إذا لم توصل
بها أو ل يؤثر؟ لختلفهم هل الستثناء حال للنعقاد أم هببو مببانع لببه؟ فببإذا قلنببا إنببه
مانع للنعقاد ل حال له اشترط أن يكون متصل باليمين ،وإذا قلنا إنببه حببال لببم يلببزم
فيه ذلك .والذين اتفقوا على أنه حال اختلفوا هل هو حال بببالقرب أو بالبعببد علببى مببا
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
حكينا ،وقد احتج من رأى أنه حال بالقرب بما رواه سعد عن سماك ابببن حببرب عببن
عكرمة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "وال لغببزون قريشببا ،قالهببا ثلث
مرات ثم سكت ،ثم قال :إن شاء ال" فدل هذا على أن الستثناء حال لليميببن ل مببانع
لها من النعقاد .قالوا :ومن الدليل على أنه حال بالقرب أنه لو كان حال بالبعد علببى
ما رواه ابن عباس لكان الستثناء يغني عن الكفارة والذي قبالوه بيبن .وأمبا اشبتراط
النطق باللسان فإنه اختلف فيه ،فقيل لبد فيه من اشتراط اللفظ أي لفظ كان من ألفاظ
الستثناء وسواء كان بألفاظ الستثناء أو بتخصيص العموم أو بتقييد المطلق هذا هببو
المشهور .وقيل إنما ينفع الستثناء بالنية بغير لفظ فببي حببرف إل فقببط :أي بمببا يببدل
عليه لفظ إل ،وليس ينفع ذلك فيما سواه من الحروف ،وهذه التفرقة ضعيفة .والسبب
في هذا الختلف هو هل تلزم العقود اللزمة بالنية فقط دون اللفظ أو ببباللفظ والنيببة
معا مثل الطلق والعتق واليمين وغير ذلك.
@)-وأما المسألة الثانية( وهببي هببل تنفببع النيببة الحادثببة فببي السببتثناء بعببد انقضبباء
اليمين؟ فقيل أيضا فبي المبذهب إنهببا تنفببع إذا حبدثت متصبلة ببباليمين؛ وقيبل ببل إذا
حدثت قبل أن يتم النطق باليمين؛ وقيل بل الستثناء على ضربين :استثناء من عببدد،
واستثناء من عموم بتخصيص أو من مطلق بتقييد ،فالستثناء من العببدد ل ينفببع فيببه
إل حدوث النية قبل النطق باليمين؛ والستثناء من العموم ينفع فيه حببدوث النيببة بعببد
اليمين إذا وصل الستثناء نطقا باليمين .وسبب اختلفهم هل الستثناء مببانع للعقببد أو
حال له؟ فإن قلنا إنه مانع فل بد من اشتراط حدوث النيببة فببي أول اليميببن؛ وإن قلنببا
إنه حال لم يلزم ذلك؛ وقد أنكر عبد الوهاب أن يشترط حدوث النيببة فببي أول اليميببن
للتفاق وزعم على أن الستثناء حال لليمين كالكفارة سواء.
**5الفصل الثاني مببن القسببم الول فببي تعريببف اليمببان الببتي يببؤثر فيهببا السببتثناء
وغيرها.
@-وقد اختلفوا في اليمان التي يؤثر فيها استثناء مشيئة ال من التي ل يببؤثر فيهببا.
فقال مالك وأصحابه :ل تؤثر المشيئة إل فببي اليمببان الببتي تكفببر وهببي اليميببن بببال
عندهم أو النبذر المطلببق علبى مببا سببيأتي .وأمببا الطلق والعتباق فل يخلببو أن يعلببق
الستثناء في ذلك بمجرد الطلق أو العتق فقط مثل أن يقول :هي طالق إن شبباء ال ب
أو عتيق إن شاء ال ،وهبذه ليسببت عنببدهم يمينبا .وإمببا أن يعلبق الطلق بشببرط مببن
الشروط ،مثل أن يقول :إن كبان كبذا فهبي طبالق إن شباء الب ،أو إن كبان كبذا فهبو
عتيق إن شاء ال .فأما القسم الول فل خلف فببي المببذهب أن المشببيئة غيببر مببؤثرة
فيه .وأما القسم الثاني وهو اليمين بالطلق ففي المذهب فيه قببولن أصببحهما أنببه إذا
صرف الستثناء إلى الشرط الذي علق به الطلق صح وإن صرفه إلى نفس الطلق
لم يصح .وقال أبو حنيفة والشافعي :الستثناء يؤثر في ذلك كلببه سببواء قرنببه بببالقول
الذي مخرجه مخرج الشرط ،أو بالقول الذي مخرجه مخرج الخبببر .وسبببب الخلف
ما قلناه من أن الستثناء هببل هببو حبال أو مبانع؟ فبإذا قلنببا مببانع وقببرن بلفببظ مجببرد
الطلق فل تأثير له فيه إذ قد وقع الطلق ،أعني إذا قال الرجل لزوجته :هببي طببالق
إن شاء ال ،لن المانع إنما يقوم لما لم يقع وهو المستقبل؛ وإن قلنا إنببه حببال للعقببود
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وجب أن يكون له تأثير في الطلق وإن كان قد وقع ،فتأمل هذا فإنه بين؛ ول معنببى
لقول المالكية إن الستثناء في هبذا مسبتحيل لن الطلق قبد وقبع ،إل أن يعتقببدوا أن
الستثناء هو مانع ل حال ،فتأمل هذا فإنه ظاهر إن شاء ال.
**4القسم الثاني من الجملة الثانية.
@-وهذا القسم فيه فصول ثلثة قواعد .الفصل الول :في موجب الحنببث وشببروطه
وأحكامه .الفصل الثاني :في رافع الحنث وهي الكفارات .الفصل الثالث :مببتى ترفببع
وكم ترفع.
**5الفصل الول في موجب الحنث وشروطه وأحكامه.
@-واتفقوا على أن موجب الحنث هو المخالفة لما انعقدت عليببه اليميببن ،وذلببك إمببا
فعل ما حلف على أل يفعله وإما ترك ما حلف على فعله إذا علم أنه قببد تراخببى عببن
فعل ما حلف على فعلببه إلببى وقببت ليببس يمكنببه فيببه فعلببه وذلببك فببي اليميببن بببالترك
المطلق ،مثل أن يحلف لتأكلن هذا الرغيف فيأكله غيره؛ أو إلى وقت هو غير الوقت
الذي اشترط في وجود الفعل عنه ،وذلك في الفعل المشترط فعله في زمببان محببدود،
مثل أن يقول :وال لفعلن اليوم كذا وكببذا ،فببإنه إذا انقضببى النهببار ولببم يفعببل حنببث
ضرورة .واختلفوا من ذلك فببي أربعببة مواضببع :أحببدها إذا أتببى بالمخببالف ناسببيا أو
مكرها .والثاني هل يتعلببق مببوجب اليميببن بأقببل مببا ينطلببق عليببه السببم أو بجميعببه.
والموضببع الثببالث هببل يتعلببق اليميببن بببالمعنى المسبباوي لصببيغة اللفببظ أو بمفهببومه
المخصص للصيغة والمعمم لها .والموضع الرابببع هببل اليميببن علببى نيببة الحببالف أو
المستحلف.
@)-فأما المسألة الولى( فإن مالكا يرى الساهي والمكره بمنزلة العامببد؛ والشببافعي
يرى أن ل حنث على الساهي ول على المكببره .وسبببب اختلفهببم معارضببة العمببوم
قوله تعالى }ولكن يؤاخذكم بما عقدتم اليمان{ ولم يفرق بين عامد وناس لعموم قوله
عليه الصلة والسلم "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" فإن هذين
العمومين يمكن أن يخصص كل واحد منهما بصاحبه.
@)-وأما الموضع الثاني( فمثل أن يحلف أن ل يفعل شيئا ففعل بعضه أو أنببه يفعببل
شيئا فلم يفعل بعضه؛ فعند مالك إذا حلف ليأكلن هذا الرغيف فأكل بعضه ل يبرأ إل
بأكله كله ،وإذا قال :ل آكل هذا الرغيف إنه يحنببث إن أكببل بعضببه؛ وعنببد الشببافعي
وأبي حنيفة أنه ل يحنث في الوجهين جميعببا حمل علببى الخببذ بببأكثر مببا يببدل عليببه
السم .وأما تفريق مالك بين الفعل والترك فلم يجر فبي ذلبك علبى أصبل واحبد لنبه
أخذ في الترك بأقل ما يدل عليه السم وأخذ في الفعببل بجميببع مببا يببدل عليببه السببم،
وكأنه ذهب إلى الحتياط.
@)-وأما المسألة الثالثة( فمثل أن يحلف على شيء بعينه يفهم منه القصد إلى معنى
أعم من ذلك الشيء الذي لفظ به أو أخص ،أو يحلف على شيء وينوي به معنى أعم
أو أخص ،أو يكون للشيء الذي حلببف عليببه اسببمان أحببدهما لغببوي والخببر عرفببي
وأحببدهما أخبص مببن الخببر .وأمببا إذا حلببف علببى شببيء بعينببه فببإنه ل يحنببث عنببد
الشافعي وأبي حنيفببة إل بالمخالفببة الواقعببة فببي ذلببك الشببيء بعينببه الببذي وقببع عليببه
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الحلف وإن كان المفهوم منه معنى أعم أو أخببص مببن قبببل الدللببة العرفيببة .وكببذلك
أيضا فيما أحسب ل يعتبرون النية المخالفة للفظ ،وإنما يعتبرون مجرد اللفاظ فقببط.
وأما مالك فإن المشهور من مذهبه أن المعتبر أول عنده في اليمببان الببتي ل يقضببي
على حالفها بموجبها هو النية ،فإن عدمت فقرينة الحببال فببإن عببدمت فعببرف اللفببظ،
فإن عدم فدللة اللغة؛ وقيل ل يراعببي إل النيببة أو ظبباهر اللفببظ اللغببوي فقببط؛ وقيببل
يراعي النية وبساط الحال ول يراعبي العببرف وأمبا اليمببان الببتي يقضبي بهببا علببى
صاحبها فإنه إن جاء الحالف مستفتيا كان حكمه حكم اليمين التي ل يقضي بها علببى
صاحبها من مراعاة هذه الشياء فيها على هذا الترتيب وإن كان مما يقضي بها عليه
لم يراع فيها إل اللفظ إل أن يشهد لما يدعي مبن النيبة المخالفبة لظباهر اللفبظ قرينبة
الحال أو العرف.
@)-وأما المسببألة الرابعببة( فببإنهم اتفقببوا علببى أن اليميببن علببى نيببة المسببتحلف فببي
الدعاوي واختلفوا في غير ذلببك مثببل اليمببان علببى المواعيببد ،فقببال قببوم :علببى نيببة
الحالف .وقال قوم :على نية المستحلف .وثبت أن رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم
قال "اليمين على نية المستحلف" وقال عليه الصلة والسلم "يمينك على ما يصببدقك
عليه صاحبك" خرج هذين الحديثين مسلم .ومن قال :اليمين على نية الحببالف .فإنمببا
اعتبر المعنى القائم بالنفس من اليمين ل ظاهر اللفظ .وفي هذا الببباب فببروع كببثيرة.
لكن هذه المسائل الرببع هبي أصبول هبذا البباب إذ يكباد أن يكبون جميبع الختلف
الواقع في هذا الباب راجعا إلى الختلف في هذه .وذلببك فببي الكببثر مثببل اختلفهببم
فيمن حلبف أن ل يأكبل رءوسبا فأكببل رءوس حيتببان هببل يحنببث أم ل؟ فمببن راعببى
العرف قال :ل يحنث؛ ومن راعببى دللببة اللغببة قببال :يحنببث .ومثببل اختلفهببم فيمببن
حلف أن ل يأكل لحما فأكل شحما؛ فمن اعتبر دللببة اللفببظ الحقيقببي قببال :ل يحنببث؛
ومن رأى أن اسم الشيء قد ينطلق على ما يتولد منه قال :يحنث.
وبالجملببة فبباختلفهم فببي المسببائل الفروعيببة الببتي فببي هببذا الببباب هببي راجعببة إلببى
اختلفهم في هذه المسائل التي ذكرنا ،وراجعة إلى اختلفهم في دللت اللفاظ الببتي
يحلف بها ،وذلببك أن منهببا مببا هببي مجملببة ،ومنهببا مببا هببي ظبباهرة ،ومنهببا مببا هببي
نصوص.
**5الفصل الثاني في رافع الحنث.
@-واتفقوا على أن الكفارة في اليمان هي الربعة النواع التي ذكر ال ب فببي كتببابه
في قوله تعالى }فكفبارته{ اليبة .وجمهبورهم علبى أن الحبالف إذا حنبث مخيبر بيبن
الثلثة منها :أعني الطعام أو الكسوة أو العتق ،وأنه ل يجوز له الصيام إل إذا عجز
عن هذه الثلثة لقوله تعالى }فمن لم يجد فصيام ثلثة أيام{ إل ما روي عن ابن عمر
أنه كان إذا غلظ اليمين أعتق أو كسا ،وإذا لم يغلظها أطعببم .واختلفببوا مببن ذلببك فببي
سبع مسائل مشبهورة :المسبألة الولبى :فبي مقبدار الطعبام لكبل واحبد مبن العشبرة
مساكين .الثانية :في جنس الكسببوة إذا اختببار الكسببوة وعببددها .الثالثببة :فببي اشببتراط
التتببابع فببي صببيام الثلثببة اليببام أو ل إشببتراطه .الرابعببة :فببي اشببتراط العببدد فببي
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
المسبباكين .الخامسبة :فببي اشببتراط السبلم فيهبم والحريبة .والسادسبة :فببي اشبتراط
السلمة في الرقبة المعتقة من العيوب .السابعة :في اشتراط اليمان فيها.
@)-المسألة الولى( أما مقدار الطعام؟ فقال مالك والشافعي وأهل المدينببة :يعطببى
لكل مسكين مد من حنطة بمد النبببي صببلى الب عليببه وسببلم ،إل أن مالكببا قببال :المببد
خاص بأهل المدينة فقببط لضببيق معايشببهم .وأمببا سببائر المببدن فيعطببون الوسببط مببن
نفقتهم .وقال ابن القاسم :يجبري المبد فبي كبل مدينبة مثبل قبول الشبافعي .وقبال أببو
حنيفة :يعطيهم نصف صاع من حنطة ،أو صاعا من شعير أو تمر ،قال :فإن غداهم
وعشاهم أجزأه .والسبب في اختلفهم في ذلك اختلفهم فبي تأويببل قبوله تعبالى }مبن
أوسط ما تطعمون أهليكم{ هل المببراد بببذلك أكلببة واحببدة أو قببوت اليببوم وهببو غببذاء
وعشاء؟ فمن قال أكلة واحدة قال :المد وسط في الشبع؛ ومن قال غداء وعشاء قببال:
نصف صاع .ولختلفهم أيضا سبب آخر ،وهو تردد هذه الكفارة بيببن كفببارة الفطببر
متعمدا في رمضان وبين كفارة الذى؛ فمن شبهها بكفارة الفطر قال :مد واحد ،ومن
شبهها بكفارة الذى قال :نصف صاع .واختلفوا هل يكون مع الخبز في ذلببك إدام أم
ل؟ وإن كان فمبا هبو الوسبط فيبه؟ فقيبل يجبزي الخببز قفبارا؛ وقبال اببن حببيب :ل
يجزي؛ وقيل الوسط من الدام الزيت؛ وقيل اللبن والسمن والتمر .واختلف أصببحاب
مالك من الهل الذين أضاف إليهم الوسط من الطعام في قوله تعالى }مببن أوسببط مببا
تطعمون أهليكم{ فقيل أهل المكفر وعلى هذا إنما يخرج الوسط من الشيء الذي منببه
يعيش إن قطنية فقطنية وإن حنطة فحنطبة ،وقيببل بببل هببم أهببل البلببد البذي هبو فيبه،
وعلى هذا فالمعتبر في اللزم له هو الوسط من عيش أهل البلد ل من عيشببه :أعنببي
الغالب ،وعلى هذين القولين يحمل قدر الوسط من الطعام ،أعني الوسط من قدر مببا
يطعم أهله ،أو الوسط من قدر ما يطعم أهل البلد أهليهم إل في المدينة خاصة.
@)-وأما المسألة الثانية( وهي المجزئ من الكسوة .فإن مالكا رأى أن الببواجب فببي
ذلك هو أن يكسي ما يجزئ فيه الصلة ،فإن كسا الرجل كسبا ثوببا وإن كسبا النسباء
كسا ثوبين درعا وخمارا .وقال الشافعي وأبو حنيفة :يجزئ في ذلببك أقببل مببا ينطلببق
عليببه السببم إزار أو قميببص أو سببراويل أو عمامببة ،وقببال أبببو يوسببف :ل تجببزئ
العمامة ول السراويل .وسبب اختلفهم هل الواجب الخذ بأقبل دللبة السبم اللغبوي
أو المعنى الشرعي.
@)-وأما المسألة الثالثة( وهي اختلفهم في اشتراط تتابع اليام الثلثببة فببي الصببيام
فإن مالكا والشافعي لم يشترطا في ذلك وجوب التتابع وإن كانا استحباه واشترط ذلك
أبو حنيفة .وسبب اختلفهم في ذلك شيئان :أحدهما هببل يجببوز العمببل بببالقراءة الببتي
ليست في المصحف ،وذلببك أن فببي قببراءة عبببد الب بببن مسببعود }فصببيام ثلثببة أيببام
متتابعات{ .والسبب الثاني اختلفهم هل يحمل المر بمطلق الصببوم علببى التتببابع أم
ليس يحمل إذا كان الصل الواجب بالشرع إنما هو التتابع.
@)-وأما المسألة الرابعة( وهي اشتراط العدد فببي المسبباكين ،فببإن مالكببا والشببافعي
قال :ل يجزيه إل أن يطعم عشرة مساكين؛ وقال أبو حنيفة :إن أطعم مسببكينا واحببدا
عشرة أيام أجزأه .والسبب في اختلفهم هل الكفارة حق واجب للعدد المذكور أو حق
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
واجب على المكفر فقدر بالعدد المذكور ،فإن قلنبا إنبه حبق واجبب للعبدد كالوصبية،
فلبد من اشتراط العدد ،وإن قلنا حق واجب على المكفر لكنه قبدر بالعبدد أجبزأ مبن
ذلك إطعام مسكين واحد على عدد المذكورين والمسألة محتملة.
@)-وأما المسألة الخامسة( وهي اشتراط السلم والحرية في المساكين ،فببإن مالكببا
والشافعي اشترطاهما ولم يشببترط ذلببك أبببو حنيفببة .وسبببب اختلفهببم هببل اسببتيجاب
الصدقة هو بالفقر فقط؟ أو بالسلم؟ إذ كان السمع قد أنبببأ أنببه يثبباب بالصببدقة علببى
الفقير الغير المسلم ،فمن شبه الكفارة بالزكاة الواجبة للمسببلمين اشببترط السببلم فببي
المساكين الذين تجب لهم هذه الكفارة؛ ومن شبهها بالصدقات التي تكون عببن تطببوع
أجاز أن يكونوا غير مسلمين .وأما سبب اختلفهم في العبيد فهببو هببل يتصببور فيهببم
وجود الفقر أم ل إذا كانوا مكفيين من ساداتهم في غالب الحوال ،أو ممببن يجببب أن
يكفوا؟ فمن راعى وجود الفقر فقط قال العبيد والحرار سواء ،إذ قد يوجد من العبيببد
من يجوعه سيده؛ ومن راعى وجوب الحق له علببى الغيببر بببالحكم قببال :يجببب علببى
السيد القيام بهببم ،ويقتضببي بببذلك عليببه وإن كببان معسببرا قضببى عليببه ببببيعه ،فليببس
يحتاجون إلى المعونة بالكفارات وما جرى مجراها من الصدقات.
@)-وأما المسألة السادسة( وهي هل من شرط الرقبة أن تكون سليمة مببن العيببوب؟
فإن فقهاء المصار شببرطوا ذلببك ،أعنببي العيببوب المببؤثرة فببي الثمببان ،وقببال أهببل
الظاهر :ليس ذلك من شرطها .وسبب اختلفهم هل الواجب الخذ بأقل ما يدل عليببه
السم أو بأتم ما يدل عليه.
@)-وأمببا المسببألة السببابعة( وهببي اشببتراط اليمببان فببي الرقبببة أيضببا ،فببإن مالكببا
والشببافعي اشببترطا ذلببك؛ وأجبباز أبببو حنيفببة أن تكببون الرقبببة غيببر مؤمنببة .وسبببب
اختلفهم هببو هببل يحمببل المطلببق علببى المقيببد فببي الشببياء الببتي تتفببق فببي الحكببام
وتختلف في السباب كحكم حال هذه الكفارات مببع كفببارة الظهببار؛ فمببن قببال يحمببل
المطلق على المقيد في ذلك قال باشتراط اليمان في ذلك حمل على اشتراط ذلك في
كفارة الظهار في قوله تعالى }فتحرير رقبة مؤمنة{ ومن قببال ل يحمببل وجببب عنببده
أن يبقى موجب اللفظ على إطلقه.
**4الفصل الثالث متى ترفع الكفارة الحنث ،وكم ترفع؟
@-وأما متى ترفع الكفارة الحنث وتمحوه ،فإنهم اختلفوا في ذلك ،فقال الشافعي :إذا
كفر بعد الحنث أو قبله فقد ارتفع الثم؛ وقال أبو حنيفة :ل يرتفع الحنث إل بببالتفكير
الذي يكون بعد الحنبث ل قبلبه؛ وروي عبن مالبك فبي ذلبك القبولن جميعبا .وسببب
اختلفهم شيئان :أحدهما اختلف الرواية في قوله عليه الصبلة والسبلم "مبن حلبف
على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه" فببإن قومببا
رووه هكببذا ،وقببوم رووه "فليكفببر عببن يمينببه وليببأت الببذي هببو خيببر" وظبباهر هببذه
الرواية أن الكفارة تجوز قبل الحنث ،وظاهر الثانية أنها بعد الحنث .والسبببب الثبباني
اختلفهم في هل يجزئ تقديم الحق الواجب قبل وقبت وجبوبه ،لنبه مبن الظبباهر أن
الكفارة إنما تجب بعد الحنث كالزكاة بعد الحول ولقائل أن يقول إن الكفارة إنما تجب
بإرادة الحنث والعبزم عليبه كالحبال فببي كفببارة الظهببار فل يبدخله الخلف مبن هبذه
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الجهة ،وكان سبب الخلف من طريق المعنى هو هل الكفارة رافعة للحنببث إذا وقببع
أو مانعة له؟ فمن قال مانعة أجاز تقديمها على الحنث؛ ومن قال رافعة لم يجزهببا إل
بعد وقوعه .وأما تعدد الكفارات بتعدد اليمان فإنهم اتفقوا فيما علمببت أن مببن حلببف
على أمور شتى بيمين واحدة أن كفارته كفارة يميببن واحببدة ،وكببذلك فيمببا أحسببب ل
خلف بينهم أنه إذا حلف بأيمان شتى على شيء واحد أن الكفارات الواجبة في ذلببك
بعدد اليمان كالحالف إذا حلف بأيمان شتى على أشياء شتى .اختلفوا إذا حلببف علببى
شيء واحد بعينه مرار كثيرة ،فقال قوم :في ذلك كفارة يمين واحدة ،وقال قببوم :فببي
كل يمين كفارة إل أن يريد التأكيد ،وهو قول مالك؛ وقال قوم :فيها كفارة واحدة ،إل
أن يريد التغليظ .وسبب اختلفهم هل المببوجب للتعببدد هببو تعببدد اليمببان بببالجنس أو
بالعدد ،فمن قال :اختلفها بالعدد قال لكبل يميبن كفبارة إذا كبرر ومبن قبال اختلفهبا
بالجنس قال :في هذه المسألة يمين واحدة .واختلفوا إذا حلف في يميببن واحببدة بببأكثر
من صفتين من صفات ال تعالى هل تعببدد الكفببارات بتعببدد الصببفات الببتي تضببمنت
اليمين أم في ذلك كفارة واحدة؟ فقببال مالببك :الكفببارة فببي هببذه اليميببن متعببددة بتعببدد
الصفات.
فمن حلف بالسميع العليم الحكيم كان عليه ثلث كفببارات عنببده ،وقببال قببوم :إن أراد
الكلم الول وجاء بذلك على أنه قببول واحببد فكفببارة واحببدة إذا كببانت يمينببا واحببدة.
والسبب في اختلفهم :هل مراعاة الواحدة أو الكثرة في اليمين هو راجع إلببى صببيغة
القول أو إلى تعدد الشياء التي يشتمل عليها القول الذي مخرجه مخبرج يميبن ،فمبن
اعتبر الصيغة قال كفببارة واحببدة؛ ومببن اعتبببر عببدد مببا تضببمنته صببيغة القببول مببن
الشياء التي يمكن أن يقسم بكل واحد منها على انفراده قال :الكفارة متعددة بتعددها،
وهذا القبدر كباف فبي قواعبد هبذا الكتباب وسببب الختلف فبي ذلبك ،والب المعيبن
برحمته.
**2كتاب النذور
@-وهذا الكتاب فيه ثلثة فصول :الفصل الول :في أصناف النذور .الفصل الثاني:
فيما يلزم من النذور وما ل يلزم وجملة أحكامهببا .الثببالث :فببي معرفببة الشببيء الببذي
يلزم عنها وأحكامها.
**3الفصل الول في أصناف النذور.
@-والنذور تنقسم أول قسمين :قسبم مبن جهبة اللفبظ وقسبم مبن جهبة الشبياء البتي
تنذر .فأما من جهة اللفظ فإنه ضربان :مطلببق وهببو المخببرج مخببرج الخبببر .ومقيببد
وهو المخرج مخرج الشرط .والمطلق على ضربين :مصببرح فيببه بالشببيء المنببذور
به ،وغير مصرح ،فالول مثل قول القائل :ل علي نذر أن أحج ،والثاني مثل قببوله:
ل علي نذر ،دون أن يصرح بمخرج النذر ،والول ربمبا صبرح فيبه بلفبظ النبذور،
وربما لم يصرح فيه به ،مثل أن يقول :ل علي أن أحج .وأما المقيد المخرج مخببرج
الشرط فكقول القائل :إن كان كذا فعلي ل نذر كببذا وأن أفعببل كببذا وهببذا ربمببا علقببه
بفعل من أفعال ال تعالى مثل أن يقول :إن شفى ال مريضببي فعلببي نببذر كببذا وكببذا،
وربما علقه بفعل نفسه ،مثل أن يقول :إن فعلت كذا فعلي نببذر كببذا ،وهببذا هببو الببذي
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
يسميه الفقهاء أيمانا ،وقد تقدم من قولنا أنها ليست بأيمببان ،فهببذه هببي أصببناف النببذر
من جهة الصيغ .وأما أصنافه من جهة الشياء التي من جنس المعاني المنببذور بهببا،
فإنها تنقسم إلى أربعة أقسام نذر بأشياء مببن جنببس القببرب ،ونببذر بأشببياء مببن جنببس
المعاصي ،ونذر بأشياء من جنس المكروهبات ،ونببذر بأشببياء مببن جنببس المباحبات،
وهذه الربعة تنقسم قسمين :نذر بتركها ،ونذر بفعلها.
**3الفصل الثاني فيما يلزم من النذور وما ل يلزم.
@-وأما ما يلزم من هذه النذور وما ل يلزم ،فإنهم اتفقوا علببى لببزوم النببذر المطلببق
في القرب إل ما حكى عن بعض أصحاب الشافعي أن النذر المطلق ل يجوز ،وإنمببا
اتفقببوا علببى لببزوم النببذر المطلببق إذا كببان علببى وجببه الرضببا ل علببى وجببه اللجبباج
وصرح فيه بلفظ النذر ل إذا لببم يصببرح ،وسببواء كببان النببذر مصببرحا فيببه بالشببيء
المنذور أو كان غير مصرح .وكذلك أجمعوا على لزوم النذر الذي مخرجببه مخببرج
الشرط إذا كان نذرا بقربة ،وإنما صاروا لوجوب النذر لعمببوم قببوله تعببالى }يببا أيهببا
الذين آمنوا أوفوا بالعقود{ ولن ال تعالى قد مببدح بببه فقببال }يوفببون بالنببذر{ وأخبببر
بوقوع العقاب بنقضه فقال }ومنهم من عاهد ال لئن آتانا من فضله{ الية ،إلبى قبوله
}بما كانوا يكذبون{ .والسبب في اختلفهم في التصريح بلفظ النذر في النذر المطلق
هو اختلفهم في هل يجب النذر بالنية واللفظ معا أو بالنية فقط؟ فمببن قببال بهمببا معببا
إذا قال ل علي كذا وكذا ولم يقل نذرا لم يلزمه شيء لنببه إخبببار بوجببوب شببيء لببم
يوجبه ال عليه إل أن يصرح بجهة الوجوب؛ ومن قال ليس من شببرطه اللفببظ قببال:
ينعقد النذر وإن لم يصرح بلفظه ،وهو مذهب مالك ،أعنببي أنببه إذا لببم يصببرح بلفببظ
النذر أنه يلزم ،وإن كان من مذهبه أن النببذر ل يلببزم إل بالنيببة واللفببظ لكببن رأى أن
حذف لفظ النذر مببن القببول غيببر معتبببر إذ كببان المقصببود بالقاويببل الببتي مخرجهببا
مخرج النذر النذر وإن لم يصرح فيها بلفببظ النببذر ،وهببذا مببذهب الجمهببور ،والول
مذهب سعيد بن المسيب ،ويشبه أن يكون من لم ير لزوم النذر المطلق إنما فعل ذلك
من قبل أنه حمل المر بالوفاء على النببدب؛ وكببذلك مببن اشببترط فيببه الرضببا ،فإنمببا
اشترطه لن القربة إنما تكون على جهة الرضا ل علببى جهببة اللجبباج ،وهببو مببذهب
الشافعي .وأما مالك فالنذر عنده لزم على أي جهة وقع ،فهذا ما اختلفوا فببي لزومببه
من جهة اللفظ .وأما ما اختلفوا في لزومه من جهة الشياء المنذور بها فببإن فيببه مببن
المسائل الصول اثنتين.
@)-المسألة الولببى( اختلفببوا فيمببن نببذر معصببية ،فقببال مالببك والشببافعي وجمهببور
العلماء :ليس يلزمه في ذلك شيء .وقال أبو حنيفة وسفيان والكوفيون :بل هببو لزم،
واللزم عنببدهم فيببه هببو كفببارة يميببن ل فعببل المعصببية .وسبببب اختلفهببم تعببارض
ظواهر الثار في هذا الباب ،وذلك أنه روي في هببذا الببباب حببديثان أحببدهما حببديث
عائشة عن النبي عليه الصلة والسلم أنه قال "من نببذر أن يطيببع الب فليطعببه ومببن
نذر أن يعصي ال فل يعصيه" فظاهر هببذا أنببه ل يلببزم النببذر بالعصببيان :والحببديث
الثاني حديث عمران بن حصين وحديث أبي هريرة الثابت عببن النبببي عليببه الصببلة
والسلم أنه قال "ل نذر في معصية ال وكفارته كفارة يمين" وهببذا نببص فببي معنببى
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
اللزوم؛ فمن جمع بينهما في هذا قال :الحديث الول تضمن العلم بأن المعصببية ل
تلزم وهذا الثاني تضمن لزوم الكفارة؛ فمن رجح ظبباهر حببديث عائشببة إذ لببم يصببح
عنده حديث عمران وأبي هريرة قببال :ليببس يلببزم فببي المعصببية شببيء؛ ومببن ذهببب
مذهب الجمع بين الحديثين أوجب في ذلك كفارة يمين .قال أبو عمببر بببن عبببد البببر:
ضعف أهل الحديث حديث عمران وأبي هريرة قالوا :لن حديث أبببي هريببرة يببدور
على سليمان بن أرقم وهو متروك الحديث .وحديث عمران بن الحصين يببدور علببى
زهير بن محمد عن أبيه وأبوه مجهول لم يبرو عنببه غيببر ابنبه ،وزهيببر أيضبا عنبده
مناكير ،ولكنه خرجه مسلم من طريق عقبة بن عامر ،وقببد جببرت عببادة المالكيببة أن
يحتجوا لمالك في هذا المسألة بما روي "أن رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم رأى
رجل قائما في الشمس ،فقال :مببا بببال هببذا؟ قببالوا :نببذر أن ل يتكلببم ول يسببتظل ول
يجلس ويصوم ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسببلم :مببروه فليتكلببم وليجلببس وليتببم
صيامه" قالوا :فأمره أن يتم ما كان طاعة ل ويترك ما كان معصية ،وليس بالظاهر
أن ترك الكلم معصية ،وقد أخبر ال أنه نذر مريم ،وكذلك يشبه أن يكون القيام فببي
الشمس ليس بمعصية ،إل ما يتعلق بذلك من جهة إتعاب النفس .فإن قيل فيه معصية
فبالقياس ل بالنص ،فالصل فيه أنه من المباحات.
@)-المسألة الثانية( واختلفوا فيمن حرم على نفسه شيئا من المباحات فقال مالببك :ل
يلزم ما عدا الزوجة؛ وقال أهل الظاهر :ليس في ذلببك شبيء؛ وقبال أبببو حنيفبة :فبي
ذلك كفارة يمين .وسبب اختلفهم معارضة مفهوم النظر لظاهر قوله تعالى }يببا أيهببا
النبي لم تحرم ما أحل ال لببك تبتغببي مرضببات أزواجببك{ وذلببك أن النببذر ليببس هببو
اعتقاد خلف الحكببم الشببرعي أعنببي مببن تحريببم محلببل أو تحليببل محببرم ،وذلببك أن
التصرف في هذا إنما هو للشارع فوجب أن يكون لمكان هببذا المفهببوم أن مببن حببرم
على نفسه شيئا أباحه ال له بالشرع أنه ل يلزمببه كمببا ل يلببزم إن نببذر تحليببل شببيء
حرمه الشرع ،وظاهر قوله تعالى }قد فرض ال لكم تحلة أيمانكم{ أثببر العتببب علببى
التحريم يوجب أن تكون الكفارة تحل هذا العقد ،وإن كان ذلك كذلك فهببو غيببر لزم،
والفرقة الولى تأولت التحريم المذكور في الية أنه كان العقد بيمين .وقد اختلف في
الشيء الذي نزلت فيه هذه الية .وفي كتاب مسلم أن ذلك كان في شربة عسل ،وفيه
عن ابن عباس أنه قال :إذا حرم الرجل عليه امرأتببه فهببو يميببن يكفرهببا ،وقببال }لقببد
كان لكم في رسول ال أسوة حسنة{
**3الفصل الثالث في معرفة الشيء الذي يلزم عنها وأحكامها.
@-وأما اختلفهم في ماذا يلزم في نذر نذر من النذور وأحكام ذلك ،فإن فيه اختلفا
كثيرا ،لكن نشير نحن من ذلك إلى مشهورات المسبائل فبي ذلبك ،وهبي البتي تتعلبق
بأكثر ذلك بالنطق الشرعي على عادتنا في هذا الكتاب ،وفي ذلك مسائل خمس:
@)-المسألة الولى( اختلفوا في الواجب في النذر المطلق الذي ليس يعين فيه الناذر
شيئا سوى أن يقول :ل علي نذر ،فقبال كبثير مبن العلمباء :فبي ذلبك كفبارة يميبن ل
غير؛ وقال قوم :بل فيه كفارة الظهبار؛ وقبال قبوم :أقببل مبا ينطلبق عليببه السببم مبن
القرب صيام يوم أو صلة ركعتين ،وإنما صار الجمهور لوجوب كفببارة اليميببن فيببه
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
للثابت من حديث عقبة بن عامر أنه عليه الصلة والسببلم قببال "كفببارة النببذر كفببارة
يمين" خرجه مسلم .وأما من قال صيام يوم أو صلة ركعتين فإنما ذهب مببذهب مببن
يرى أن المجزئ أقل ما ينطلق عليه السم ،وصببلة ركعببتين أو صببيام يببوم أقببل مببا
ينطلق عليه اسم النذر .وأما من قال فيه كفارة الظهار فخارج عن القياس والسماع.
@)-المسألة الثانية( اتفقوا علبى لببزوم النبذر بالمشببي إلببى بيبت الب ،أعنبي إذا نبذر
المشي راجل .واختلفوا إذا عجز في بعض الطريق فقال قبوم :ل شبيء عليبه؛ وقبال
قوم :عليه .واختلفوا في ماذا عليه على ثلثة أقوال :فذهب أهل المدينة إلببى أن عليببه
أن يمشي مرة أخرى من حيث عجز ،وإن شاء ركب وأجزأه وعليه دم ،وهذا مروي
عن علي .وقال أهل مكة :عليه هدي دون إعببادة مشببي .وقببال مالببك :عليببه المببران
جميعا ،يعني أنه يرجع فيمشي من حيث وجب وعليببه هببدي ،والهببدي عنببده بدنببة أو
بقرة أو شاة إن لم يجد بقرة أو بدنة .وسبب اختلفهم منازعة الصببول لهببذه المسببألة
ومخالفة الثر لها ،وذلك أن من شبه العاجز إذا مشى مرة ثانية بالمتمتع والقارن من
أجل أن القارن فعل ما كان عليه في سفرين في سفر واحد ،وهذا فعل مببا كببان عليببه
في سفر واحد في سفرين قال :يجب عليه هدي القارن أو المتمتع؛ ومن شبهه بسببائر
الفعال التي تنوب عنها في الحج إراقة الدم قال :فيه دم؛ ومببن أخببذ بالثببار الببواردة
في هذا الباب قال :إذا عجز فل شيء عليه .قال أبو عمر :والسنن الواردة الثابتة فببي
هذا الباب دليل على طرح المشببقة وهببو كمببا قببال ،واحببدها حببديث عقبببة بببن عببامر
الجهني قال :نذرت أختي أن تمشي إلى بيت ال عببز وجببل فببأمرتني أن أسببتفتي لهببا
رسول ال صلى الب عليبه وسبلم ،فاسبتفتيت لهبا النببي صبلى الب عليبه وسبلم فقبال
"لتمش ولتركب" خرجه مسلم .وحديث أنس بن مالك "أن رسول ال صلى ال عليببه
وسلم رأى رجل يهبادي بيبن ابنبتيه ،فسبأل عنبه فقبالوا :نبذر أن يمشبي ،فقبال عليبه
الصلة والسلم :إن ال لغني عن تعذيب هذا نفسببه ،وأمببره أن يركببب" وهببذا أيضببا
ثابت.
@)-المسألة الثالثة( اختلفوا بعد اتفاقهم على لببزوم المشببي فببي حببج أو عمببرة فيمببن
نذر أن يمشي إلى مسجد النبي صلى ال عليه وسلم أو إلى بيببت المقببدس يريببد بببذلك
الصلة فيهما ،فقال مالك والشافعي :يلزمه المشي؛ وقال أبو حنيفببة :ل يلزمببه شببيء
وحيث صلى أجزأه ،وكذلك عنده إن نذر الصلة فببي المسببجد الحببرام ،وإنمببا وجببب
عنده المشببي بالنببذر إلببى المسببجد الحببرام لمكببان الحببج والعمببرة .وقببال أبببو يوسببف
صاحبه :من نذر أن يصلي في بيت المقدس أو في مسجد النبي عليه الصلة والسلم
لزمه ،وإن صلى في البيت الحرام أجزأه عن ذلك ،وأكثر النبباس علببى أن النببذر لمببا
سوى هذه المساجد الثلثة ل يلزم لقوله عليه الصلة والسببلم "ل تسببرج المطببي إل
لثلث ،فذكر المسجد الحرام ومسجده وبيببت المقببدس" وذهببب بعببض النبباس إلببى أن
النذر إلى المساجد التي يرجى فيها فضل زائد واجببب ،واحتببج فببي ذلببك بفتببوى ابببن
عباس لولد المبرأة البتي نبذرت أن تمشبي إلبى مسبجد قبباء فمباتت أن يمشبي عنهبا.
وسبب اختلفهم في النذر إلى ما عدا المسجد الحرام اختلفهم في المعنببى الببذي إليببه
تسرج المطي إلى هذه الثلث مسبباجد ،هببل ذلببك لموضببع صببلة الفببرض فيمببا عببدا
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
البيت الحرام أو لموضع صلة النفل؟ فمن قال لموضع صلة الفرض وكان الفرض
عنده ل ينذر إذ كان واجبا بالشببرع قببال :النببذر بالمشببي إلببى هببذين المسببجدين غيببر
لزم؛ ومن كان عنده أن النذر قد يكببون فببي الببواجب أو أنببه أيضببا قببد يقصببد هببذان
المسجدان لموضع صلة النفل لقوله عليه الصلة والسلم "صلة فببي مسببجدي هببذا
أفضل من ألف صلة فيما سبواه إل المسبجد الحبرام" واسببم الصببلة يشببمل الفببرض
والنفل ،قال :هو واجب؛ لكن أبو حنيفة حمل هذا الحديث على الفببرض مصببيرا إلببى
الجمع بينه وبين قوله عليه الصلة والسلم "صلة أحدكم في بيته أفضل من صببلته
في مسجدي هذا إل المكتوبة" وإل وقع التضباد بيبن هبذين الحبديثين ،وهبذه المسبألة
هي أن تكون من الباب الثاني أحق من أن تكون من هذا الباب.
@)-المسألة الرابعة( واختلفوا في الواجب على أن من نذر أن ينحببر ابنببه فببي مقببام
إبراهيم ،فقال مالك :ينحر جزورا فداء له؛ وقال أبو حنيفببة :ينحببر شبباة ،وهببو أيضببا
مروي عن ابن عباس؛ وقال بعضهم :بل ينحر مائة من البل ،وقال بعضببهم :يهببدي
ديته ،وروي ذلك عن علي؛ وقال بعضهم :بل يحببج بببه؛ وبببه قببال الليببث؛ وقببال أبببو
يوسف والشببافعي :ل شببيء عليببه لنببه نببذر معصببية ول نببذر فببي معصببية .وسبببب
اختلفهم قصة إبراهيم عليه الصلة والسلم ،أعني هل ما تقرب به إبراهيم هو لزم
للمسلمين أم ليببس بلزم؟ فمببن رأى أن ذلببك شببرع خببص بببه إبراهيببم قببال :ل يلببزم
النذر؛ ومن رأى أنه لزم لنا قال :النببذر لزم .والخلف فببي هببل يلزمنببا شببرع مببن
قبلنا مشهور ،لكن يتطرق إلى هذا خلف آخر ،وهو أن الظبباهر مببن هبذا الفعبل أنبه
كان خاصا بإبراهيم ولم يكن شرعا لهل زمانه ،وعلى هذا فليببس ينبغببي أن يختلببف
هل هو شرع لنا أم ليس بشرع؟ والذين قالوا إنه شرع إنما اختلفببوا فببي الببواجب فببي
ذلك من قبل اختلفهم أيضا في هل يحمل الواجب في ذلك على الببواجب إبراهيببم ،أم
يحمل على غير ذلك من القرب السلمية ،وذلك إما صدقة بديته ،وإما حج به ،وإما
هدي بدنة .وأما الذين قالوا مائة من البل ،فذهبوا إلى حديث عبد المطلب.
@)-المسألة الخامسة( واتفقوا على أن من نذر أن يجعل ماله كلببه فببي سبببيل الب أو
في سبيل من سبل البر أنه يلزمه وأنه ليس ترفعه الكفببارة وذلببك إذا كببان نببذرا علببى
جهة الخبر ل على جهة الشرط وهو البذي يسبمونه يمينبا .واختلفبوا فيمبن نبذر ذلبك
على جهة الشرط مثل أن يقول :مالي للمساكين إن فعلت كذا ففعلببه؛ فقببال قببوم :ذلببك
لزم كالنذر على جهة الخبر ول كفارة فيه وهو مذهب مالك في النذور التي صبيغها
هذه الصيغة ،أعني أنه ل كفارة فيه؛ وقال قوم :الواجب فببي ذلببك كفببارة يميبن فقبط،
وهو مذهب الشببافعي فببي النببذور الببتي مخرجهببا مخببرج الشببرط لنببه ألحقهببا بحكببم
اليمان؛ وأما مالك فألحقها بحكم النذور على ما تقببدم مببن قولنببا فببي كتبباب اليمببان،
والذين اعتقدوا وجوب إخراج ماله في الموضع الببذي اعتقببدوه اختلفببوا فببي الببواجب
عليه ،فقال مالك :يخرج ثلث ماله فقط؛ وقال قوم :بل يجب عليه إخراج جميع مبباله،
وبه قال إبراهيم النخعي وزفر؛ وقال أبببو حنيفببة :يخببرج جميببع المببوال الببتي تجببب
الزكبباة فيهبا ،وقببال بعضببهم :إن أخبرج مثبل زكبباة مباله أجبزأه .وفبي المسبألة قببول
خامس .وهو إن كان المال كثيرا أخرج خمسه وإن كان وسطا أخرج سبعه وإن كان
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
يسيرا أخرج عشره ،وحد هؤلء الكثير ببألفين ،والوسببط بببألف ،والقليببل بخمسببمائة،
وذلك مروي عن قتادة .والسبب في اختلفهم في هذه المسألة ،أعنببي مببن قببال المببال
كله أو ثلثه معارضة الصل في هذا الباب للثر ،وذلك أن مببا جبباء فببي حببديث أبببي
لبابة بن عبد المنذر حين تاب ال عليه وأراد أن يتصدق بجيع ماله ،فقال رسول البب
صلى ال عليه وسلم "يجزيك من ذلك الثلث" هو نص في مذهب مالك .وأما الصببل
فيوجب أن اللزم له إنما هببو جميببع مباله حمل علببى سببائر النببذر ،أعنببي أنببه يجببب
الوفاء به على الوجه الببذي قصببده لكببن الببواجب هببو اسببتثناء هببذه المسببألة مببن هببذه
القاعدة ،إذ قد استثناها النص ،إل أن مالكا لم يلزم في هذه المسألة أصله ،وذلببك أنببه
قال :إن حلف أو نذر شيئا معينا لزمه وإن كان كل ماله ،وكذلك يلببزم عنبده إن عيبن
جزءا من ماله وهو أكثر من الثلث ،وهذا مخالف لنص ما رواه في حديث أبي لبابببة
وفي قول رسول ال صلى ال عليه وسببلم للببذي جبباء بمثببل بيضببة مببن ذهببب فقببال:
أصبت هذا من معدن فخذها فهي صدقة ما أملك غيرهبا ،فبأعرض عنببه رسببول الب
صلى ال عليه وسلم ،ثم جاءه عن يمينه ثم عن يساره ثم مببن خلفببه ،فأخببذها رسببول
ال صلى ال عليه وسلم فحببذفه بهببا ،فلببو أصببابه بهببا لوجعببه ،وقببال عليببه الصببلة
والسلم "يأتي أحدكم بما يملك فيقول هذه صدقة ثم يقعد يتكفف الناس ،خير الصببدقة
ما كان عن ظهر غنى" وهذا نص في أنه ل يلزم المال المعين إذا تصببدق بببه وكببان
جميع ماله؛ ولعل مالكا لم تصح عنده هذه الثار .وأما سائر القاويل التي قيلببت فببي
هذه المسألة فضعاف ،وبخاصة من حد في ذلببك غيببر الثلبث ،وهببذا القبدر كباف فبي
أصول هذا الكتاب ،وال الموفق للصواب.
**2كتاب الضحايا
@-وهذا الكتاب فبي أصبوله أربعبة أببواب :البباب الول :فبي حكبم الضبحايا ومبن
المخاطب بها .الباب الثاني :في أنبواع الضبحايا وصبفاتها وأسبنانها وعبددها .البباب
الثالث :في أحكام الذبح .الباب الرابع :في أحكام لحوم الضحايا.
**3الباب الول في حكم الضحايا ،ومن المخاطب بها
@-اختلف العلماء في الضحية هل هي واجبة أم هي سنة؟ فببذهب مالببك والشببافعي
إلى أنهببا مببن السببنن المؤكببدة؛ ورخببص مالببك للحبباج فببي تركهببا بمنببى؛ ولببم يفببرق
الشافعي في ذلك بين الحاج وغيره؛ وقال أبو حنيفة :الضببحية واجبببة علببى المقيميببن
في المصار الموسببرين ،ول تجببب علببى المسببافرين؛ وخببالفه صبباحباه أبببو يوسببف
ومحمد فقال :إنهببا ليسببت بواجبببة؛ وروي عبن مالبك مثبل قببول أببي حنيفببة .وسببب
اختلفهببم شببيئان :أحبدهما هببل فعلببه عليببه الصبلة والسببلم فبي ذلبك محمبول علببى
الوجوب أو على الندب ،وذلك أنه لم يترك صلى الب عليببه وسببلم الضببحية قببط فيمببا
روي عنه حتى في السفر على ما جاء في حديث ثوبان قال" :ذبح رسول ال ب صببلى
ال عليه وسلم أضحيته ثم قببال :يببا ثوبببان أصببلح لحببم هببذه الضببحية ،قببال :فلببم أزل
أطعمه منها حتى قدم المدينة" .والسبب الثاني اختلفهم في مفهوم الحبباديث الببواردة
في أحكام الضحايا ،وذلك أنه ثبت عنه عليه الصلة والسلم من حديث أم سببلمة أنببه
قببال "إذا دخببل العشببر فببأراد أحببدكم أن يضببحي فل يأخببذ مببن شببعره شببيئا ول مببن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
أظفاره" قالوا :فقوله" :إذا أراد أحدكم أن يضحي" فيه دليل علببى أن الضببحية ليسببت
بواجبة .ولما أمر عليه الصلة والسلم لبي بردة بإعادة أضحيته إذ ذبح قبل الصلة
فهم قوم من ذلك الوجوب ،ومذهب ابن عباس أن ل وجوب .قال عكرمة :بعثني ابن
عباس بدرهمين أشتري بهما لحما وقال :من لقيببت فقببل لببه هببذه ضببحية ابببن عببباس
وروي عن بلل أنه ضحى بديك ،وكل حديث ليس بببوارد فببي الغببرض الببذي يحتببج
فيه به فالحتجاج به ضعيف .واختلفوا هل يلزم الذي يريد التضحية أن ل يأخببذ مببن
العشر الول من شعره وأظفاره ،والحديث بذلك ثابت.
**3الباب الثاني في أنواع الضحايا وصفاتها وأسنانها وعددها.
@-وفي هذا الباب أربع مسائل مشببهورة :إحببداها فببي تمييببز الجنببس .والثانيببة :فببي
تمييز الصفات .والثالثة :في معرفة السن .والرابعة :في العدد.
@)-المسألة الولى( أجمع العلماء علبى جبواز الضبحايا مبن جميبع بهيمبة النعبام،
واختلفوا في الفضل من ذلك ،فذهب مالك إلى أن الفضل في الضحايا :الكببباش ثببم
البقر ثم البل ،بعكس المر عنده في الهدايا؛ وقد قيل عنه البل ثم البقر ثم الكببباش؛
وذهب الشافعي إلى عكس ما ذهب إليه مالك في الضحايا :البل ثم البقر ثم الكببباش،
وبه قال أشهب وابن شعبان .وسبب اختلفهم معارضة القياس لدليل الفعل ،وذلك أنه
لم يرو عنه عليه الصببلة والسببلم أنببه ضببحى إل بكبببش ،فكببان ذلببك دليل علببى أن
الكباش في الضحايا أفضل ،وذلك فيما ذكر بعض الناس وفي البخاري عن ابن عمر
ما يدل ما يدل على خلف ذلك وهو أنه قال "كان رسول ال صببلى الب عليببه وسببلم
يذبح وينحر بالمصلى" وأمببا القيبباس فلن الضببحايا قربببة بحيببوان فببوجب أن يكببون
الفضل فيها الفضل في الهدايا ،وقد احتج الشافعي لمذهبه بعموم قوله عليه الصلة
والسلم "من راح في الساعة الولى فكأنما قرب بدنة ومببن راح فببي السبباعة الثانيببة
فكأنما قرب بقرة ومبن راح فبي السباعة الثالثبة فكأنمبا قبرب كبشبا" الحببديث ،فكبان
الواجب حمل هذا على جميع القرب بالحيوان .وأما مالك فحمله على الهدايا فقط لئل
يعارض الفعل القول وهو الولى .وقد يمكن أن يكببون لختلفهببم سبببب آخببر ،وهببو
هل الذبح العظيم الذي فدى به إبراهيم سنة باقية إلى اليوم وإنها الضحية ،وإن ذلببك
معنى قوله }وتركنا عليه في الخرين{ فمن ذهب إلى هذا قال :الكباش أفضببل؛ ومبن
رأى أن ذلك ليست سنة باقية لم يكن عنده دليل على أن الكببباش أفضببل ،مببع أنببه قببد
ثبت أن رسول ال صلى ال عليه وسلم ضحى بالمرين جميعا وإذا كان ذلببك كببذلك
فالواجب المصير إلى قول الشافعي ،وكلهم مجمعون على أنه ل تجوز الضحية بغير
بهيمة النعام إل ما حكببى عببن الحسببن بببن صببالح أنببه قببال :تجببوز التضببحية ببقببرة
الوحش عن سبعة ،والظبي عن واحد.
@)-المسألة الثانية( أجمع العلماء على اجتناب العرجاء البين عرجهببا فببي الضببحايا
والمريضة البين مرضها والعجفاء التي ل تنقى )العجفبباء الببتي ل تنقببى :أي الببتي ل
مخ في عظامها( مصيرا لحديث البراء بن عازب أن رسول ال صلى ال عليه وسلم
سئل ماذا ينقببى مببن الضببحايا؟ فأشببار بيببده وقببال" :أربببع" وكببان البببراء يشببير بيببده
ويقول :يدي أقصر من يد رسول ال صلى ال عليه وسببلم :العرجبباء البببين عرجهببا،
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
والعوراء البين عورها ،والمريضة البين مرضها ،والعجفاء الببتي ل تنقببى" .وكببذلك
أجمعوا على أن ما كان من هذه الربع خفيفا فل تأثير له في منع الجزاء .واختلفببوا
في موضعين :أحدهما فيما كبان مبن العيبوب أشبد مبن هبذه المنصبوص عليهبا مثبل
العمى وكسر الساق .والثاني فيما كان مساويا لها في إفادة النقص وشينها ،أعنببي مببا
كان من العيوب في الذن والعين والذنب والضرس وغيببر ذلببك مببن العضبباء ولببم
يكن يسيرا .فأما الموضع الول ،فإن الجمهور على أن ما كان أشد من هببذه العيببوب
المنصوص عليها فهي أحرى أن تمنع الجزاء .وذهب أهل الظاهر إلى أنببه ل تمنببع
الجزاء ول يتجنب بالجملة أكثر من هببذه العيببوب الببتي وقببع النببص عليهببا .وسبببب
اختلفهم هل هذا اللفظ الوارد هببو خبباص أريببد بببه الخصببوص ،أو خبباص أريببد بببه
العموم؟ فمن قال أريد به الخصوص ولببذلك أخبببر بالعببدد قببال :ل يمنببع الجببزاء إل
هذه الربعة فقط؛ ومن قال هو خاص أريد به العموم وذلك من النوع الببذي يقببع فيببه
التنبيه بالدنى على العلى قال :ما هو أشد من المنصوص عليهببا فهببو أحببرى أن ل
يجزى .وأما الموضع الثاني ،أعني ما كببان مببن العيببوب فببي سببائر العضبباء مفيببدا
للنقص على نحو إفادة هذه العيوب المنصوص عليها له فإنهم اختلفوا فببي ذلببك علببى
ثلثة أقوال :أحدها أنها تمنع الجزاء كمنع المنصوص عليهببا ،وهببو المعببروف مببن
مذهب مالك فببي الكتببب المشببهورة .والقببول الثبباني أنهببا ل تمنببع الجببزاء وإن كببان
يستحب اجتنابها ،وبه قببال ابببن القصببار وابببن الجلب وجماعببة مببن البغببداديين مببن
أصحاب مالك .والقول الثالث أنها ل تمنع الجببزاء ول يسببتحب تجنبهببا ،وهببو قببول
أهل الظاهر .وسبب اختلفهم شيئان أحببدهما اختلفهببم فببي مفهببوم الحببديث المتقببدم.
والثاني تعارض الثار في هذا الباب .أما الحديث المتقدم ،فمن رآه من باب الخبباص
أريد به الخاص قال :ل يمنع ما سوى الربع مما هو مساو لهببا أو أكببثر منهببا .وأمببا
من رآه من باب الخاص أريد به العام وهم الفقهاء ،فمن كان عنده أنه من باب التبببيه
بالدنى على العلى فقط ،ل من ببباب التنبببيه بالمسباوى علبى المسبباوى قبال :يلحببق
بهذه الربع ما كان أشد منها ،ول يلحق بها ما كان مساويا لها فببي منببع الجببزاء إل
على وجه الستحباب؛ ومن كان عنده أنه من باب التنبيه على المرين جميعببا أعنببي
علببى مببا هببو أشببد مببن المنطببوق بببه أو مسبباويا لببه قببال :تمنببع العيببوب الشبببيهة
بالمنصوص عليها الجزاء كما يمنعه العيببوب الببتي هببي أكبببر منهببا ،فهببذا هببو أحببد
أسباب الخلف في هذه المسألة ،وهو من قبل تبردد اللفبظ بيبن أن يفهبم منبه المعنبى
الخاص أو المعنى العام ،ثم إن من فهم منه العام ،فأي عام هو؟ هببل الببذي هببو أكببثر
من ذلك؟ أو الذي هو أكثر والمسبباوي معببا علببى المشببهور مببن مببذهب مالببك؟ وأمببا
السبب الثاني فإنه ورد فببي هببذا الببباب مببن الحبباديث الحسبان حببديثان متعارضببان،
فذكر النسائي عن أبي بردة أنه قال" :يا رسببول الب أكببره النقببص يكببون فببي القببرن
والذن ،فقال له النبي صلى ال عليه وسلم :ما كرهته فدعه ول تحرمه على غيرك"
وذكر علي بن أبي طالب قال "أمرنا رسول ال صلى ال ب عليببه وسببلم أن نستشببرف
العيببن والذن ول يضببحى بشببرقاء ول خرقبباء ول مببدابرة ول بببتراء" والشببرقاء:
المشقوقة الذن .والخرقاء :المثقوبة الذن .والمدابرة :التي قطع من جنبتي أذنها مببن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
خلف .فمن رجح حديث أبي بببردة قببال :ل يتقببي إل العيببوب الربببع أو مببا هببو أشببد
منها؛ ومن جمع بين الحديثين بأن حمل حديث أبي بردة على اليسير الببذي هببو غيببر
بين وحديث علي على الكثير الذي هببو بيببن ألحببق بحكببم المنصببوص عليهببا مببا هببو
مساو لها ،ولذلك جرى أصحاب هذا المببذهب إلببى التحديببد فيمببا يمنببع الجببزاء ممببا
يذهب من هذه العضاء ،فاعتبر بعضهم ذهاب الثلببث مببن الذن والببذنب ،وبعضببهم
اعتبر الكثر؛ وكذلك المر في ذهاب السنان وأطباء الثدي ،وأما القببرن فببإن مالكببا
قال :ليس ذهاب جزء منه عيبا إل أن يكون يدمى فإنه عنببده مببن ببباب المببرض ،ول
خلف في أن المرض البين يمنع الجزاء .وخرج أبو داود "أن النبببي عليببه الصببلة
والسلم نهى عن أعصب الذن والقرن" واختلفوا في الصكاء وهببي الببتي خلقببت بل
أذنين ،فذهب مالك والشافعي إلى أنها ل تجوز؛ وذهببب أبببو حنيفببة إلببى أنببه إذا كبان
خلقة جاز كالجم ولم يختلف الجمهور أن قطع الذن كله أو أكثره عيببب ،وكببل هببذا
الختلف راجع إلببى مببا قببدمناه .واختلفببوا فببي البببتر؛ فقببوم أجببازوه لحببديث جببابر
الجعفي عن محمد بن قرظة عن أبي سعيد الخدري أنه قال "اشتريت كبشببا لضببحي
به ،فأكل الذئب ذنبه ،فسألت رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقال :ضح به" وجببابر
عند أكثر المحدثين ل يحتج به وقوم أيضا منعوه لحديث علي المتقدم.
@)-وأما المسألة الثالثة( وهي معرفة السن المشببترطة فببي الضببحايا فببإنهم أجمعببوا
على أنه ل يجوز الجذع من المعز بل الثنبي فمبا فبوقه لقبوله عليبه الصببلة والسببلم
لبي بردة لما أمره بالعادة "يجزيك ،ول يجذي جذع عن أحد غيرك" واختلفوا فببي
الجذع من الضأن ،فالجمهور على جوازه ،وقال قوم :بل الثنببي مببن الضببأن .وسبببب
اختلفهم معارضة العموم للخصوص ،فالخصوص هو حديث جابر قال :قال رسول
ال صلى ال عليه وسلم "ل تذبحوا إل مسنة إل أن يعسر عليكم فتببذبحوا جذعببة مببن
الضأن" خرجه مسلم .والعموم هو ما جاء في حديث أبي بببردة بببن نيبار خرجببه مببن
قوله عليه الصلة والسلم "ول تجزي جذعة عن أحد بعدك" فمن رجح هببذا العمببوم
على الخصوص ،وهو مذهب أبي محمد بن حزم في هببذه المسببألة لنببه زعببم أن أبببا
الزبير مبدلس عنبد المحبدثين ،والمبدلس عنبدهم مبن ليبس يجبري العنعنبة مبن قبوله
مجرى المسند لتسامحه في ذلك ،وحديث أبي بردة ل مطعن فيه .وأما من ذهب إلببى
بناء الخاص على العام على ما هو مشهور عند جمهور الصوليين فإنه اسببتثنى مببن
ذلك العموم جذع الضأن المنصوص عليها وهو الولى ،وقد صحح هذا الحديث أبببو
بكر بن صفور )هكذا بالصل وليحرر( ،وخطأ أبا محمد بن حزم فيما نسب إلى أبي
الزبير في غالب ظني في قول له رد فيه على ابن حزم.
@)-وأما المسألة الرابعة( وهي عدد ما يجببزي مبن الضبحايا عبن المضبحين فبإنهم
اختلفوا في ذلك ،فقال مالك :يجوز أن يذبح الرجل الكبش أو البقرة أو البدنة مضببحيا
عن نفسه وعن أهل بيته الذين تلزمبه نفقتهببم بالشببرع ،وكببذلك عنبده الهببدايا؛ وأجبباز
الشافعي وأبو حنيفة وجماعة أن ينحر الرجل البدنة عن سبع ،وكذلك البقببرة مضببحيا
أو مهديا ،وأجمعوا على أن الكبش ل يجزي إل عن واحد ،إل ما رواه مالك من أنببه
يجزي أن يذبحه الرجل عن نفسه وعن أهل بيته ل على جهة الشركة بببل إذا اشببتراه
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
مفردا ،وذلك لما روي عن عائشة أنها قالت "كنا بمنى فدخل علينا بلحم بقر ،فقلنا ما
هو؟ فقالوا :ضحى رسول ال صلى ال عليه وسلم عن أزواجه" وخالفه في ذلك أبببو
حنيفة والثوري علببى وجببه الكراهببة ل علببى وجببه عببدم الجببزاء .وسبببب اختلفهببم
معارضة الصل في ذلببك للقيبباس المبنببي علببى الثببر الببوارد فببي الهببدايا ،وذلببك أن
الصل هو أن ل يجزي إل واحد عن واحد ،ولببذلك اتفقببوا علببى منببع الشببتراك فببي
الضببأن ،وإنمببا قلنببا :إن الصببل هببو أن ل يجببزي إل واحببد عببن واحببد ،لن المببر
بالتضحية ل يتبعض إذ كان من كببان لببه شببرك فببي ضببحية ليببس ينطلببق عليببه اسببم
مضح إل إن قام الببدليل الشببرعي علببى ذلببك .وأمببا الثببر الببذي انبنببى عليببه القيبباس
المعارض لهذا الصل فما روي عن جابر أنه قال "نحرنا مع رسول ال ب صببلى ال ب
عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبع" وفي بعببض روايببات الحببديث "سببن رسببول
ال صلى ال عليه وسلم البدنة عن سبببعة والبقببرة عببن سبببعة" فقبباس الشببافعي وأبببو
حنيفة الضحايا في ذلك على الهدايا؛ وأما مالك فرجببح الصببل علببى القيبباس المبنببي
على هذا الثر لنه اعتل لحديث جابر بأن ذلك كان حين صد المشركون رسول البب
صلى ال عليه وسلم عن البيت ،وهدي المحصر بعد ليس هو عنده واجبببا وإنمببا هببو
تطوع ،وهدي التطوع يجوز عنبده فيبه الشبتراك ،ول يجبوز الشبتراك فبي الهبدي
الواجب ،لكن على القول بأن الضحايا غير واجبة فقد يمكن قياسها على هذا الهببدي؛
وروي عنببه ابببن القاسببم أنببه ل يجببوز الشببتراك ل فببي هببدي تطببوع ول فببي هببدي
وجوب ،وهذا كأنه رد للحديث لمكان مخالفته للصل في ذلك ،وأجمعوا علبى أنبه ل
يجوز أن يشترك في النسك أكثر من سبعة .وإن كان قببد روي مببن حببديث رافببع بببن
خديج ومن طريق ابن عباس وغيره "البدنة عن عشرة" .وقال الطحاوي :وإجماعهم
على أنه ل يجوز أن يشترك في النسك أكثر من سبعة دليل على أن الثببار فببي ذلببك
غير صحيحة ،وإنما صار مالك لجواز تشريك الرجل أهل بيته في أضحيته أو هديبة
لما رواه عن ابن شهاب أنه قال "ما نحر رسول ال صلى ال عليببه وسببلم عببن أهببل
بيته إل بدنة واحدة أو بقرة واحدة" وإنما خولف مالك في الضحايا فببي هببذا المعنببى،
أعني في التشريك لن الجماع انعقد على منع التشريك فيه في الجانب ،فببوجب أن
يكون القارب في ذلك في قياس الجانب ،وإنما فببرق مالببك فببي ذلببك بيببن الجببانب
والقارب لقياسه الضحايا على الهدايا في الحديث الببذي احتببج بببه :أعنببي حببديث ان
شهاب ،فاختلفهم في هذه المسألة إذا رجع إلى تعارض القيسة في هذا الباب :أعني
إما إلحاق القارب بالجانب ،وإما قياس الضحايا على الهدايا.
**3الباب الثالث في أحكام الذبح.
@-ويتعلق بالذبح المختص بالضببحايا النظببر فببي الببوقت والذبببح .أمببا الببوقت فبإنهم
اختلفوا فيه في ثلثة مواضع :في ابتدائه وفي انتهائه وفي الليببالي المتخللببة لببه .فأمببا
في ابتدائه ،فإنهم اتفقوا على أن الذبح قبل الصلة ل يجوز لثبوت قوله عليه الصببلة
والسلم "من ذبح قبل الصببلة فإنمببا هببي شبباة لحببم" وأمببره بالعببادة لمببن ذبببح قبببل
الصلة وقوله "أول ما نبدأ به في يومنا هذا هو أن نصلي ثببم ننحببر" إلببى غيببر ذلببك
من الثار الثابتة التي فببي هببذا المعنببى .واختلفببوا فيمببن ذبببح قبببل ذبببح المببام وبعببد
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الصلة ،فذهب مالك إلى أنه ل يجوز لحد ذبح أضحيته قبل ذبببح المببام؛ وقببال أبببو
حنيفة والثوري :يجوز الذبح بعد الصلة وقبل ذبح المام .وسبببب اختلفهببم اختلف
الثار في هذا الباب ،وذلك أنه جاء في بعضها "أن النبي عليه الصلة والسببلم أمببر
لمن ذبح قبل الصلة أن يعيد الذبح" ،وفي بعضها "أنه أمببر لمببن ذبببح قبببل ذبحببه أن
يعيد" وخرج هذا الحديث الذي فيه هذا المعنى مسلم؛ فمن جعل ذلك موطنين اشترط
ذبح المام في جواز الذبح؛ ومن جعل لذلك موطنا واحدا قال :إنما يعتبر فببي إجببزاء
الذبح الصلة فقط .وقد اختلفت الرواية في حديث أبي بردة ابببن نيببار ،وذلببك أن فببي
بعض رواياته "أنه ذبح قبل الصلة فأمره رسول ال صلى ال ب عليببه وسببلم أن يعيببد
الذببح" وفبي بعضبها "أنبه ذببح قببل ذببح رسبول الب صبلى الب عليبه وسبلم فبأمره
بالعادة" وإذا كان ذلك كذلك فحمل قول الراوي أنه ذبح قبل رسببول ال ب صببلى ال ب
عليه وسلم ،وقول الخر ذبح قبل الصلة على موطن واحد أولى ،وذلك أن من ذبببح
قبل الصلة فقد ذبح قبل رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فيجب أن يكون المؤثر فببي
عدم الجزاء إنما هو الذبح قبل الصلة كما جاء في الثار الثابتة في ذلك من حببديث
أنس وغيره "أن من ذبح قبل الصلة فليعد" وذلك أن تأصيل هببذا الحكببم منببه صببلى
ال عليه وسلم يدل بمفهوم الخطاب دللة قوية أن الذبح بعد الصلة يجزئ ،لنببه لببو
كان هنالك شرط آخر مما يتعلق به إجزاء الذبح لم يسكت عنه رسول ال صببلى ال ب
عليه وسلم مع أن فرضه التبيين ،ونص حديث أنس هذا قال :قبال رسبول الب صببلى
ال عليه وسلم يوم النحر "من كان ذبح قبل الصلة فليعد" واختلفوا من هذا الباب في
فرع مسكوت عنه ،وهو متى يذبح من ليببس لببه إمببام مببن أهببل القببرى؟ فقببال مالببك:
يتحرون ذبح أقببرب الئمببة إليهببم؛ وقببال الشببافعي :يتحببرون قببدر الصببلة والخطبببة
ويذبحون؛ وقال أبو حنيفة :من ذبح مببن هببؤلء بعببد الفجببر أجببزأه؛ وقببال قببوم :بعببد
طلوع الشمس؛ وكذلك اختلف أصحاب مالك في فرع آخر ،وهو إذا لببم يذبببح المببام
في المصلى ،فقال قوم :يتحرى ذبحه بعد انصرافه؛ وقال قوم :ليس يجب ذلك .وأمببا
آخر زمان الذبببح فبإن مالكببا قبال :آخببره اليببوم الثبالث مببن أيبام النحبر وذلبك مغيببب
الشمس .فالذبح عنده هو في اليام المعلومات يوم النحر ويومان بعده ،وبببه قببال أبببو
حنيفة وأحمد وجماعة؛ وقال الشافعي والوزاعي :الضحى أربعة يوم النحر وثلثببة
أيام بعده .وروي عن جماعة أنهم قالوا :الضحى يوم واحد وهو يوم النحر خاصببة؛
وقد قيل الذبح إلى آخر يوم من ذي الحجة وهو شاذ ل دليل عليه ،وكل هذه القاويل
مروية عن السلف .وسبب اختلفهم شيئان :أحدهما اختلفهم في اليام المعلومات ما
هي في قوله تعالى }ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم ال في أيببام معلومببات علببى مببا
رزقهم من بهيمة النعام{ فقيل يوم النحر ويومان بعده وهو المشببهور؛ وقيببل العشببر
الول من ذي الحجة .والسبب الثاني معارضة دليل الخطباب فبي هبذه اليبة لحبديث
جبير بن مطعم ،وذلك أنه ورد فيه عنه عليه الصلة والسلم أنه قال "كل فجاج مكة
منحر وكل أيام التشريق ذبح" فمن قال في اليام المعلومات إنها يوم النحببر ويومببان
بعده في هذه الية ورجح دليل الخطاب فيها على الحديث المببذكور قببال "ل نحببر إل
في هذه اليببام" ومببن رأى الجمببع بيببن الحببديث واليببة وقببال ل معارضببة بينهمببا إذ
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الحديث اقتضى حكما زائدا على ما في الية ،مع أن الية ليس المقصود منها تحديببد
أيام الذبح ،والحديث المقصود منه ذلبك قبال :يجبوز الذببح فببي اليببوم الراببع إذ كببان
باتفاق من أيام التشببريق ،ول خلف بينهببم أن اليببام المعببدودات هببي أيببام التشببريق
وأنها ثلثة بعد يوم النحر ،إل ما روي عن سعيد بن جبير أنببه قببال :يببوم النحببر مببن
أيام التشريق .وإنما اختلفوا في اليام المعلومات علببى القببولين المتقببدمين .وأمببا مببن
قال يوم النحر فقط فبناء على أن المعلومات هي العشر الول قال :وإذا كان الجماع
قد انعقد أنه ل يجوز الذبح منها إل في اليوم العاشببر وهببي محببل الذبببح المنصببوص
عليها فواجب أن يكون الذبح إنما هو يوم النحر فقط.
@)-وأما المسألة الثالثة( وهي اختلفهم في الليالي الببتي تتخلببل أيببام النحببر ،فببذهب
مالك في المشهور عنه إلى أنه ل يجببوز الذبببح فببي ليببالي أيببام التشببريق ول النحببر.
وذهب الشافعي وجماعة إلى جواز ذلك .وسبببب اختلفهببم الشببتراك الببذي فببي اسببم
اليوم ،وذلك أنه مرة يطلقه العرب على النهار والليلة مثل قببوله تعببالى }فتمتعببوا فببي
داركم ثلثة أيام{ ومرة يطلقه على اليام دون الليالي مثل قوله تعالى }سخرها عليهم
سبع ليال وثمانية أيام حسوما{ فمن جعل اسم اليوم يتناول الليل مببع النهببار فببي قببوله
تعالى }ليذكروا اسم ال في أيام معلومات{ قال :يجوز الذبح بالليببل والنهببار فببي هببذه
اليام؛ ومن قال ليس يتناول اسم اليوم الليل في هببذه اليببة قببال :ل يجببوز الذبببح ول
النحر بالليل .والنظر هل اسم اليوم أظهر في أحدهما من الثاني ،ويشبه أن يقببال إنببه
أظهر في النهار منه في الليل ،لكن إن سلمنا أن دللته في الية هي على النهار فقببط
لم يمنع الذبح بالليل إل بنحو ضببعيف مببن إيجبباب دليببل الخطبباب ،وهببو تعليببق ضببد
الحكم بضد مفهوم السم ،وهذا النوع من أنواع الخطاب هو من أضببعفها حببتى إنهببم
قالوا ما قال به أحد المتكلمين إل الدقاق فقط إل أن يقول قائل إن الصل هببو الحظببر
في الذبح ،وقد ثبت جوازه بالنهار ،فعلى من جببوزه بالليببل الببدليل .وأمببا الذابببح فببإن
العلماء استحبوا أن يكون المضحي هو الذي يلي ذبح أضحيته بيده ،واتفقوا على أنببه
يجوز أن يوكل غيره على الذبح .واختلفوا هل تجوز الضحية إن ذبحهببا غيببره بغيببر
إذنه ،فقيل ل يجوز ،وقيل بالفرق بين أن يكون صديقا أو ولببدا أو أجنبيببا ،أعنببي أنببه
يجوز أن كان صديقا أو ولدا ،ولم يختلف المذهب فيما أحسب أنه إن كان أجنبيا أنهببا
ل تجوز.
**3الباب الرابع في أحكام لحوم الضحايا.
@-واتفقوا على أن المضحي مأمور أن يأكل من لحم أضحيته ويتصدق لقوله تعالى
}فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير{ وقوله تعالى }وأطعمببوا القببانع والمعببتر{ ولقببوله
صلى ال عليه وسلم في الضحايا "كلوا وتصدقوا وادخببروا" .واختلببف مببذهب مالببك
هل يؤمر بالكل والصدقة معا ،أم هو مخيبر بيبن أن يفعبل أحبد المريبن؟ أعنبي أن
يأكل الكل أو يتصدق بالكل؟ وقال ابن المببواز لببه أن يفعببل أحببد المريببن؛ واسببتحب
كثير من العلماء أن يقسمها أثلثا :ثلثببا للدخببار ،وثلثببا للصببدقة ،وثلثببا للكببل لقببوله
عليه الصلة والسلم "فكلوا وتصدقوا وادخروا" وقببال عبببد الوهبباب فببي الكببل إنببه
ليس بواجب في المذاهب خلفا لقوم أوجبوا ذلك ،وأظن أهل الظاهر يوجبون تجزئة
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
لحوم الضحايا إلى القسام الثلثة التي يتضمنها الحديث والعلماء متفقون فيما علمببت
أنه ل يجوز مع لحمها ،واختلفوا في جلدها وشعرها وما عدا ذلك مما ينتفع به منهببا،
فقال الجمهور :ل يجوز يبعه؛ وقال أبو حنيفة :يجوز بيعببه بغيببر الببدراهم والببدنانير:
أي بالعروض .وقال عطاء :يجوز بكل شيء دراهم ودنانير وغير ذلك ،وإنمببا فببرق
أبو حنيفة بين الدراهم وغيرهببا ،لنببه رأى أن المعاوضببة بببالعروض هببي مببن ببباب
النتفاع لجماعهم على أنببه يجببوز أن ينتفببع بببه ،وهببذا القببدر كبباف فببي قواعببد هببذا
الكتاب والحمد ل.
**2كتاب الذبائح
@-والقول المحيط بقواعد هذا الكتاب ينحصر في خمسة أبببواب :الببباب الول :فببي
معرفة محل الذبح والنحر ،وهو المذبوح أو المنحور .الباب الثاني :في معرفة الذبببح
والنحر .الباب الثالث :في معرفة اللة التي بها يكببون الذبببح والنحببر .الببباب الرابببع:
في معرفة شروط الذكاة .الباب الخامس :في معرفبة الذاببح والنباحر والصبول هبي
الربعة ،والشروط يمكن أن تدخل في الربعة البواب والسهل في التعليم أن يجعل
بابا على حدته.
**3الباب الول في معرفة محل الذبح والنحر.
@-والحيوان في اشتراط الببذكاة فببي أكلببه علببى قسببمين :حيببوان ل يحببل إل بببذكاة،
وحيوان يحل بغير ذكاة .ومن هذه ما اتفقوا عليه ومنها ما اختلفوا فيه .واتفقببوا علببى
أن الحيوان الذي يعمل فيه الذبح هو الحيوان البببري ذو الببدم الببذي ليببس بمحببرم ول
منفوذ المقاتل ول ميئوس منه بوقذ أو نطح أو ترد أو افببتراس سبببع أو مببرض ،وأن
الحيوان البحري ليس يحتاج إلى ذكاة .واختلفوا فببي الحيببوان الببذي ليببس يببدمي ممببا
يجوز أكله مثل الجراد وغيره هل له ذكاة أم ل؟ وفببي الحيببوان المببدمي الببذي يكببون
تارة في البحر وتارة في البر مثببل السببلحفاة وغيببره .واختلفببوا فبي تبأثير البذكاة فببي
الصناف التي نص عليها في آية التحريم وفي تأثير الذكاة فيما ل يحببل أكلببه ،أعنببي
في تحليل النتفاع بجلودها وسببلب النجاسببة عنهببا ،ففببي هببذا الببباب إذا سببت مسببائل
أصول :المسألة الولى :في تأثير الذكاة في الصناف الخمسة الببتي نببص عليهببا فببي
الية إذا أدركت حية .المسألة الثانية :فببي تبأثير الببذكاة فببي الحيببوان المحبرم الكببل.
المسألة الثالثة :في تأثير الذكاة في المريضة .المسألة الرابعبة :فببي هببل ذكباة الجنيبن
ذكبباة أمببه أم ل؟ المسببألة الخامسببة :هببل للجببراد ذكبباة أم ل؟ المسببألة السادسببة :هببل
للحيوان الذي يأوي في البر تارة وفي البحر تارة ذكاة أم ل؟.
@)-المسألة الولى( أما المنخنقبة والموقبوذة والمترديبة والنطيحبة ومبا أكبل السبببع
فإنهم اتفقوا فيما أعلم أنه إذا لم يبلغ الخنق منها أو الوقذ منها إلى حالة ل يرجى فيها
أن الذكاة عاملة فيها ،أعني أنه إذا غلب على الظن أنها تعيش ،وذلك بببأن ل يصبباب
لها مقتل .واختلفوا إذا غلب على الظن أنها تهلببك مببن ذلببك بإصببابة مقتببل أو غيببره،
فقال قوم :تعمل الذكاة فيها ،وهو مببذهب أبببي حنيفببة والمشببهور مببن قببول الشببافعي،
وهو قول الزهري وابن عباس؛ وقال قوم :ل تعمل الذكاة فيها؛ وعن مالببك فببي ذلببك
الوجهان ،ولكن الشهر أنها ل تعمل في الميئوس منها :وبعضهم تببأول فببي المببذهب
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
أن الميئوس منها على ضربين ميئوسة مشكوك فيها ،وميئوسة مقطوع بموتها وهببي
المنفوذة المقاتل على اختلف بينهم أيضا في المقاتببل قببال :فأمببا الميئوسببة المشببكوك
فيها ففببي المببذهب فيهببا روايتببان مشببهورتان؛ وأمببا المنفببوذة المقاتببل فل خلف فببي
المذهب المنقول أن الببذكاة ل تعمببل فيهببا وإن كببان يتخببرج فيهببا الجببواز علببى وجببه
ضعيف .وسبب اختلفهم اختلفهببم فببي مفهببوم قببوله تعببالى }إل مببا ذكيتببم{ هببل هببو
استثناء متصل فيخرج من الجنس بعض ما يتنبباوله اللفببظ وهببو المنخنقببة والموقببوذة
والمتردية والنطيحة وما أكببل السبببع علببى عببادة السببتثناء المتصببل ،أم هببو اسببتثناء
منقطع ل تأثير له في الجملة المتقدمة ،إذ كان هذا أيضا شأن السببتثناء المنقطببع فببي
كلم العرب ،فمن قال إنه متصل قال :الذكاة تعمل في هذه الصناف الخمسببة؛ وأمببا
من قبال السببتثناء منقطببع فبإنه قبال :ل تعمبل البذكاة فيهبا .وقببد احتبج مببن قبال :إن
الستثناء متصل بإجماعهم على أن الذكاة تعمل في المرجو منها قال :فهذا يدل علببى
أن الستثناء له تأثير فيهبا فهبو متصبل .وقبد احتبج أيضبا مبن رأى أنبه منقطبع ببأن
التحريم لم يتعلبق بأعيببان هببذه الصببناف الخمسبة وهبي حيبة وإنمبا يتعلبق بهببا بعببد
الموت ،وإذا كان ذلك كذلك فالستثناء منقطع ،وذلك أن معنى قببوله تعببالى }حرمببت
عليكببم الميتببة{ إنمببا هببو لحببم الميتببة ،وكببذلك لحببم الموقببوذة والمترديببة والنطيحببة
وسائرها :أي لحم الميتة بهذه السباب سوى التي تموت من تلقاء نفسها ،وهببي الببتي
تسمى ميتة أكثر ذلك في كلم العرب أو بالحقيقة قالوا ،فلما علم أن المقصود لم يكن
تعليق التحريم بأعيان هذه وهي حية ،وإنما علق بها بعببد المببوت ،لن لحببم الحيببوان
محرم في حال الحياة بدليل اشتراط الذكاة فيها ،وبببدليل قببوله عليببه الصببلة والسببلم
"ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة" وجب أن يكون قوله }إل ما ذكيتم{ استثناء
منقطعا ،لكن الحق في ذلك أن كيفما كان المر في الستثناء فواجب أن تكون الببذكاة
تعمل فيها ،وذلك أنه إن علقنا التحريم بهذه الصناف في الية بعد المببوت وجببب أن
تدخل في التذكية من جهة ما هي حية الصببناف الخمسببة وغيرهببا ،لنهببا مببا دامببت
حية مساوية لغيرها في ذلك من الحيوان ،أعني أنها تقبل الحلية من قبل التذكية الببتي
الموت منها هو سبب الحلية ،وإن قلنا إن السبتثناء متصبل فل خفبباء بوجبوب ذلببك،
ويحتمل أن يقال :إن عموم التحريم يمكن أن يفهم منه تناول أعيان هذه الخمسببة بعببد
الموت وقبله كالحال في الخنزير الذي ل تعمل فيه الذكاة ،فيكون الستثناء على هببذا
رافعا لتحريم أعيانها بالتنصيص على عمل الذكاة فيها ،وإذا كان ذلك كذلك لببم يلببزم
ما اعترض به ذلك المعترض من الستدلل على كون السببتثناء منقطعببا .وأمببا مببن
فرق بين المنفوذة المقاتل والمشببكوك فيهببا فيحتمببل أن يقببال إن مببذهبه أن السببتثناء
منقطع وأنه إنما جاز تببأثير الببذكاة فببي المرجببوة بالجمبباع ،وقبباس المشببكوكة علببى
المرجببوة .ويحتمببل أن يقببال إن السببتثناء متصببل ،ولكببن اسببتثناء هببذا الصببنف مببن
الموقوذة بالقياس ،وذلببك أن الببذكاة إنمببا يجببب أن تعمببل فببي حيببن يقطببع أنهببا سبببب
الموت ،فأما إذا شك هل كان موجب الموت الذكاة أو الوقذ أو النطببح أو سببائرها فل
يجب أن تعمل في ذلك وهذه هببي حبال المنفبوذة المقاتببل ،ولببه أن يقببول إن المنفببوذة
المقاتل في حكم الميتة والذكاة من شرطها أن ترفع الحياة الثابتة ل الحياة الذاهبة.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
@)-المسألة الثانية( وأما هببل تعمببل الببذكاة فببي الحيوانببات المحرمببات الكببل حببتى
تطهر بذلك جلودهم ،فإنهم أيضا اختلفوا في ذلك؛ فقال مالك :الذكاة تعمل في السببباع
وغيرها ما عدا الخنزير ،وبه قال أبو حنيفة ،إل أنه اختلف المذهب في كون السببباع
فيه محرمة أو مكروهة على ما سيأتي في كتاب الطعمة والشربة .وقببال الشببافعي:
الذكاة تعمل في كل حيوان محرم الكل )ليس هذا مشهور مذهب الشافعي فليراجببع ا
هب مصححه( فيجوز بيع جميع أجزائه والنتفاع بها ماعدا اللحم .وسبب الخلف هل
جميع أجزاء الحيوان تابعة للحم في الحلية والحرمة ،أم ليست بتابعة للحم؟ فمن قببال
إنها تابعة للحم قال :إذا لم تعمل الذكاة في اللحم لم تعمل فيما سببواه؛ ومببن رأى أنهببا
ليست بتابعة قال :وإن لم تعمل في اللحم فإنها تعمل فببي سببائر أجببزاء الحيببوان ،لن
الصل أنها تعمل في جميع الجزاء ،فإذا ارتفع بالدليل المحرم للحم عملها في اللحببم
بقي عملها في سائر الجزاء إل أن يدل الدليل على ارتفاعه.
@)-المسألة الثالثة( واختلفوا في تأثير الذكاة في البهيمة الببتي أشببرفت علببى المببوت
مببن شببدة المببرض بعببد اتفبباقهم علببى عمببل الببذكاة فببي الببتي تشببرف علببى المببوت،
فالجمهور على أن الذكاة تعمل فيها وهو المشهور عن مالببك ،وروي عنببه أن الببذكاة
ل تعمل فيها .وسبب الخلف معارضة القياس للثببر .فأمببا الثببر فهببو مببا روي "أن
أمة لكعب بن مالك كانت ترعى غنما بسلع فأصيب شاة منها فأدركتها فذكتها بحجر،
فسئل رسول ال صلى ال عليه وسبلم فقبال :كلوهبا" خرجبه البخباري ومسبلم .وأمبا
القياس فلن المعلوم من الذكاة أنها إنما تفعل في الحي وهذه في حكم الميت وكل من
أجاز ذبحها فإنهم اتفقبوا علبى أنبه ل تعمبل البذكاة فيهبا إل إذا كبان فيهبا دليبل علبى
الحياة .واختلفوا فيما هو الدليل المعتبر في ذلك ،فبعضهم اعتبر الحركة وبعضهم لببم
يعتبرها ،والول مذهب أبي هريرة والثاني مببذهب زيببد بببن ثببابت؛ وبعضببهم اعتبببر
فيها ثلث حركات :طرف العيببن وتحريببك الببذنب والركببض بالرجببل ،وهببو مببذهب
سعيد بن المسيب وزيد بن أسلم ،وهو الذي اختاره محمد بن المواز وبعضببهم شببرط
مع هذه التنفس ،وهو مذهب ابن حبيب.
@)-المسألة الرابعة( واختلفوا هل تعمببل ذكبباة الم فببي جنينهببا أم ليببس تعمببل فيببه؟
وإنما هو ميتة ،أعني إذا خرج منها بعد ذبح الم؛ فذهب جمهور العلماء إلى أن ذكاة
الم ذكاة لجنينها ،وبه قال مالك والشافعي؛ وقال أبو حنيفة :إن خرج حيا ذبح وأكل،
وإن خرج ميتا فهو ميتة .والذين قالوا :إن ذكاة الم ذكاة له بعضهم اشترط فببي ذلببك
تمام خلقته ونبات شعره ،وبه قال مالك؛ وبعضهم لم يشترط ذلك ،وبه قال الشببافعي.
وسبب اختلفهم اختلفهم في صحة الثببر المببروي فببي ذلببك مببن حببديث أبببي سببعيد
الخدري مع مخالفته للصول ،وحديث أبي سعيد هو قال "سألنا رسول ال صلى الب
عليه وسلم عن البقرة أو الناقة أو الشاة ينحرها أحدنا فنجد في بطنها جنينببا أنببأكله أو
نلقه؟ فقال :كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه" وخببرج مثلببه الترمببذي وأبببو داود عببن
جابر .واختلفوا في تصحيح هذا الثر فلم يصححه بعضببهم وصببححه بعضببهم وأحببد
من صححه الترمذي .وأما مخالفة الصل في هببذا الببباب للثببر ،فهببو أن الجنيببن إذا
كان حيا ثم مات بمبوت أمبه فإنمبا يمبوت خنقبا فهبو مبن المنخنقبة البتي ورد النبص
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
بتحريمها ،وإلى تحريمه ذهب أبببو محمببد بببن حببزم ولببم يببرض سببند الحببديث .وأمببا
اختلف القائلين بحليته في اشتراطهم نبببات الشببعر فيببه أو ل اشببتراطه فالسبببب فيببه
معارضة العموم للقياس ،وذلك أن عموم قبوله عليببه الصببلة والسببلم "ذكباة الجنيبن
ذكاة أمه" يقتضي أن ل يقع هنالك تفصيل وكونه محل للذكاة يقتضي أن يشترط فيببه
الحياة قياسا على الشياء التي تعمل فيهببا التذكيببة ،والحيبباة ل توجببد إل فيببه إذا نبببت
شعره وتم خلقه ،يعضد هذا القياس أن هذا الشرط مروي عن ابن كعب وعن جماعة
من الصحابة .وروى معمر عن الزهري عن عبد ال بن كعببب بببن مالببك قببال :كببان
أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم يقولون :إذا أشعر الجنين فببذكاته ذكبباة أمببه.
وروى ابن المبارك عن ابن أبي ليلى قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "ذكاة
الجنين ذكاة أمه أشعر أو لم يشعر" إل أن ابن أبي ليلى سيء الحفظ عندهم ،والقياس
يقتضي أن تكون ذكاته في ذكاة أمه من قبل أنه جزء منها ،وإذا كان ذلك كببذلك ،فل
معنى لشتراط الحياة فيه ،فيضعف أن يخصص العموم الوارد في ذلك بالقياس الذي
تقدم ذكره عن أصحاب مالك.
@)-المسألة الخامسبة( واختلفبوا فبي الجبراد؛ فقبال مالبك :ل يؤكبل مبن غيبر ذكباة
وذكاته عنده هو أن يقتل إما بقطع رأسه أو بغير ذلك .وقال عامة الفقهاء :يجوز أكل
ميتته ،وبه قال مطبرف؛ وذكباة مبا ليبس ببذي دم عنبد مالبك كبذكاة الجبراد .وسببب
اختلفهم في ميتة الجراد هو هل يتنباوله اسبم الميتببة أم ل فبي قبوله تعبالى }حرمبت
عليكم الميتة{ وللخلف سبب آخر وهو هل هو نثرة حوت أو حيوان بري.
@)-المسألة السادسة( واختلفوا في الذي يتصرف في الببر والبحببر هببل يحتبباج إلببى
ذكاة أم ل؟ فغلب قوم فيه حكم البر وغلب آخرون حكم البحر ،واعتبر آخرون حيببث
يكون عيشه ومتصرفه منهما غالبا.
**3الباب الثاني في الذكاة.
@-وفي قواعببد هببذا الببباب مسببئلتان :المسببألة الولببى :فببي أنببواع الببذكاة المختصببة
بصنف صنف من بهيمة النعام .الثانية :في صفة الذكاة.
@)-المسألة الولى( واتفقوا على أن الذكاة في بهيمببة النعببام نحببر وذبببح ،وأن مبن
سنة الغنم والطيببر الذبببح ،وأن مببن سببنة البببل النحببر ،وأن البقببر يجببوز فيهببا الذبببح
والنحر .واختلفوا هل يجوز النحر في الغنم والطير والذبببح فببي البببل؟ فببذهب مالببك
إلى أنه ل يجوز النحر في الغنم والطير ول الذبح في البل ،وذلك فببي غيببر موضببع
الضرورة :وقال قوم :يجوز جميع ذلك من غير كراهة ،وبه قال الشافعي وأبو حنيفة
والثوري وجماعة من العلماء .وقال أشهب :إن نحر ما يذبببح أو ذبببح مببا ينحببر أكببل
ولكنه يكره .وفرق ابن بكير بين الغنم والبببل فقببال :يؤكببل البعيببر بالذبببح ول تؤكببل
الشاة بالنحر ،ولم يختلفوا فببي جببواز ذلببك فببي موضببع الضببرورة .وسبببب اختلفهببم
معارضة الفعل للعموم .فأما العموم فقوله عليه الصلة والسلم "ما أنهر الببدم وذكببر
اسم ال عليه فكلوا" وأما الفعل ،فإنه ثبت أن رسول ال صببلى الب عليببه وسببلم نحببر
البل والبقر وذبح الغنبم ،وإنمببا اتفقبوا علببى جبواز ذببح البقبر لقببوله تعبالى }إن الب
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
يأمركم أن تذبحوا بقرة{ وعلى ذبح الغنم لقوله تعالى في الكبش }وفديناه بذبح عظيم{
.
@)-المسألة الثانية( وأما صفة الببذكاة فببإنهم اتفقببوا علببى أن الذبببح الببذي يقطببع فيببه
الودجان والمرئ والحلقوم مبيح للكل .واختلفوا مببن ذلببك فببي مواضببع :أحببدها هببل
الواجب قطع الربعة كلها أو بعضها؟ وهل الواجب في المقطوع منها قطببع الكببل أو
الكثر؟ وهل من شرط القطع أن ل تقع الجوزة إلى جهة البدن بل إلى جهببة الببرأس،
وهل إن قطعها من جهة العنق جاز أكلها أم ل؟ وهل إن تمادى فببي قطببع هببذه حببتى
قطع النخاع جاز ذلك أم ل؟ وهل من شرط الذكاة أن ل يرفع يده حتى يتببم الببذكاة أم
ل؟ فهذه ست مسائل في عدد المقطوع وفي مقداره وفي موضببعه وفببي نهايببة القطببع
وفي جهته أعني من قدام أو خلف وفي صفته.
@)-أما المسألة الولى( فإن المشهور عن مالك في ذلك هو قطع الودجين والحلقوم
وأنه ل يجزئ أقل من ذلك :وقيببل عنببه بببل الربعببة؛ وقيببل بببل الببودجين فقببط ،ولببم
يختلف المذهب في أن الشرط في قطع الودجين هببو اسببتيفاؤهما .واختلببف فببي قطببع
الحلقوم على القول بوجوبه فقيل كله ،وقيل أكثره .وأما أبو حنيفة فقال :الببواجب فببي
التذكية هو قطع ثلثة غير معينة من الربعة ،إمببا الحلقببوم والودجببان ،وإمببا المببرئ
والحلقوم وأحد الودجين ،أو المرئ والودجان .وقال الشبافعي :البواجب قطبع المبرئ
والحلقوم فقط .وقال محمد بن الحسببن :البواجب قطببع أكببثر كبل واحبد مبن الربعبة.
وسبب اختلفهم أنه لم يأت في ذلك شرط منقول ،وإنما جاء في ذلك أثببران :أحببدهما
يقتضي إنهار الدم فقط ،والخر يقتضببي قطببع الوداج مببع إنهببار الببدم؛ ففببي حببديث
رافع بن خديج أنه قال عليه الصلة والسلم "ما أنهر الدم وذكر اسم ال عليببه فكببل"
وهو حديث متفق على صحته .وروي عن أبي أمامة عن النبي صلى ال عليه وسببلم
أنه قال "ما فرى الوداج فكلوا ما لم يكن رض ناب أو نحبر ظفبر" فظباهر الحبديث
الول يقتضي قطع بعض الوداج فقط لن إنهار الدم يكون بذلك ،وفببي الثبباني قطببع
جميببع الوداج ،فالحببديثان والب أعلببم متفقببان علببى قطببع الببودجين ،إمببا أحببدهما أو
البعض من كليهما أو من واحد منهما ،ولذلك وجه الجمع بين الحببديثين أن يفهببم مببن
لم التعريف في قوله عليه الصلة والسببلم "مبا فببرى الوداج" البعببض ل الكبل ،إذ
كانت لم التعريببف فببي كلم العببرب قببد تببدل علببى البعببض وأمببا مببن اشببترط قطببع
الحلقببوم والمبرئ فليببس لبه حجببة مببن السبماع وأكبثر مببن ذلببك مبن اشبترط المببرئ
والحلقوم دون الودجين ،ولهذا ذهب قوم إلى أن الواجب هببو قطببع مببا وقببع الجمبباع
على جوازه ،لن الذكاة لما كانت شببرطا فببي التحليببل ولببم يكبن فبي ذلبك نبص فيمبا
يجري وجب أن يكون الواجب في ذلك مببا وقببع الجمبباع علببى جببوازه ،إل أن يقببوم
الدليل على جواز الستثناء من ذلك وهو ضعيف ،لن ما وقع الجماع على إجببزائه
ليس يلزم أن يكون شرطا في الصحة.
@)-وأما المسألة الثالثة( في موضع القطببع وهببي إن لببم يقطببع الجببوزة فببي نصببفها
وخرجت إلى جهة البدن فاختلف فيه في المذهب؛ فقال مالك وابن القاسببم :ل تؤكببل؛
وقال أشهب وابن عبد الحكم وابببن وهببب تؤكببل .وسبببب الخلف هببل قطببع الحلقببوم
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
شرط في الذكاة أو ليس بشرط؟ فمن قال إنه شرط قال :ل بد أن تقطع الجوزة ،لنببه
إذا قطع فوق الجوزة فقد خرج الحلقوم سليما؛ ومن قال إنه ليس بشرط قال :إن قطع
فوق الجوزة جاز.
@)-وأمببا المسببألة الرابعببة( وهببي إن قطببع أعضبباء الببذكاة مببن ناحيببة العنببق ،فببإن
المذهب ل يختلف أنه ل يجوز وهو مذهب سعيد بن المسببيب وابببن شببهاب وغيرهببم
وأجاز ذلك الشافعي وأبو حنيفة وإسحاق وأبو ثور ،وروي ذلك عن ابن عمر وعلببي
وعمران بن الحصين .وسبب اختلفهم هببل تعمببل الببذكاة فببي المنفببوذة المقاتببل أم ل
تعمل ،وذلك أن القاطع لعضاء الذكاة من القفا ل يصببل إليهببا بببالقطع إل بعببد قطببع
النخاع وهو مقتل من المقاتل ،فترد الذكاة علبى حيبوان قببد أصبيب مقتلبه ،وقبد تقبدم
سبب الخلف في هذه المسألة.
@)-وأما المسألة الخامسة( وهي أن يتمادى الذابح بالذبح حببتى يقطببع النخبباع ،فببإن
مالكا كره ذلك إذا تمادى في القطع ولم ينو قطع النخاع من أول المر ،لنه إن نوى
ذلك فكأنه نوى التذكية على غير الصفة الجائزة .وقال مطببرف وابببن الماجشببون :ل
تؤكل إن قطعها متعمدا دون جهل ،وتؤكل إن قطعها ساهيا أو جاهل.
@)-وأما المسألة السادسة( وهي هل من شرط الذكاة أن تكون فببي فببور واحببد فببإن
المذهب ل يختلف أن ذلك مببن شببرط الببذكاة ،وأنببه إذا رفببع يببده قبببل تمببام الذبببح ثببم
أعادها ،وقد تباعد ذلببك أن تلببك الببذكاة ل تجببوز .واختلفببوا إذا أعبباد يببده بفببور ذلببك
وبالقرب ،فقال ابن حبيب :إن أعاد يده بالفور أكلت؛ وقال سببحنون :ل تؤكببل؛ وقيببل
إن رفعها لمكان الختبار هل تمت الذكاة أم ل فأعادها على الفور إن تبين له أنها لببم
تتم أكلت وهو أحد ما تؤول على سببحنون وقببد تببؤول قببوله علببى الكراهببة .قببال أبببو
الحسن اللخمي :ولو قيل عكس هذا لكان أجود ،أعني أنه إذا رفع يده وهببو يظببن أنببه
قد أتم الذكاة فتبين له غير ذلك فأعادها أنها تؤكل ،لن الول وقع عن شك وهذا عن
اعتقاد ظنه يقينا وهذا مبني على أن من شرط الببذكاة قطبع كببل أعضبباء البذكاة ،فبإذا
رفع يده قبل أن تستتم كانت منفوذة المقاتل غير مذكاة ،فل تبؤثر فيهببا العبودة ،لنهبا
بمنزلة ذكاة طرأت على المنفوذة المقاتل.
**3الباب الثالث فيما تكون به الذكاة.
@-أجمع العلماء على أن كل مبا أنهبر البدم وفبرى الوداج مبن حديبد أو صبخر أو
عود أو قضيب أن التذكية به جائزة .واختلفوا في ثلثة :في السببن والظفببر والعظببم،
فمن الناس من أجاز التذكية ببالعظم ومنعهبا بالسبن والظفبر ،والبذين منعوهبا بالسبن
والظفر منهم من فرق بين أن يكونا منزوعين أو ل يكونا منزوعيببن ،فأجبباز التذكيببة
بهما إذا كانا منزوعين ولم يجزها إذا كانا متصلين؛ ومنهم من قال :إن البذكاة بالسبن
والعظم مكروهة غير ممنوعة ،ول خلف في المببذهب أن الببذكاة بببالعظم جببائزة إذا
أنهر الدم ،واختلف في السن والظفر فيه على القاويل الثلثة ،أعنببي بببالمنع مطلقببا،
والفببرق فيهمببا بيببن النفصببال والتصببال وبالكراهيببة ل بببالمنع .وسبببب اختلفهببم
اختلفهم في مفهوم النهي الوارد في قوله عليه الصلة والسلم في حببديث رافببع بببن
خديج ،وفيه قال "يا رسول ال إنا لقو العدو غدا وليس معنا مببدى فنذبببح بالقصببب؟
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
فقال عليه الصلة والسلم :ما أنهر الدم وذكر اسم ال عليه فكل ليببس السببن والظفببر
وسأحدثكم عنه ،أما السن فعظم ،وأما الظفر فمدى الحبشة" فمن الناس مببن فهببم منببه
أن ذلك لمكان أن هذه الشياء ليس في طبعها أن تنهر الدم غالبا؛ ومنهم من فهم مببن
ذلك أنه شرع غير معلل ،والذين فهموا منه أنه شرع غير معلل :منهم مببن اعتقببد أن
النهي في ذلك يدل على فساد المنهي عنه؛ ومنهم مببن اعتقببد أنببه ل يببدل علببى فسبباد
المنهى عنه؛ ومنهم من اعتقد أن النهببي فببي ذلببك علببى وجببه الكراهببة ل علببى وجببه
الحظر ،فمن فهم أن المعنى في ذلك أنه ل ينهر الببدم غالبببا قببال :إذا وجببد منهمببا مببا
ينهر الدم جاز ،ولذلك رأى بعضهم أن يكونا منفصلين إذ كببان إنهببار الببدم منهمببا إذا
كانا بهبذه الصبفة أمكبن ،وهبو مبذهب أببي حنيفبة؛ ومبن رأى أن النهبي عنهمبا هبو
مشروع غير معلل وأنه يدل على فساد المنهى عنه قال :إن ذبح بهما لم تقع التذكيببة،
وإن أنهر الدم؛ ومن رأى أنه ل يدل على فساد المنهى عنه قال :إن فعل وأنهببر الببدم
أثم وحلت الذبيحة؛ ومن رأى أن النهي على وجه الكراهية كره ذلك ولم يحرمه ،ول
معنى لقول من فرق بين العظم والسن ،فإنه عليه الصلة والسلم قد علببل المنببع فببي
السن بأنه عظم ،ول يختلف المذهب أنه يكره غير الحديد من المحدودات مببع وجببود
الحديد لقوله عليه الصلة والسلم "إن ال كتب الحسببان علببى كبل شبيء فبإذا قتلتببم
فأحسنوا القتلببة ،وإذا ذبحتببم فأحسببنوا الذبحببة وليحببد أحببدكم شببفرته وليببرح ذبيحتببه"
خرجه مسلم.
**3الباب الرابع في شروط الذكاة.
@-وفي هذا الباب ثلث مسائل :المسألة الولى :فبي اشبتراط التسبمية .الثانيبة :فبي
اشتراط البسملة .الثالثة :في اشتراط النية.
@)-المسألة الولى( واختلفوا في حكم التسمية على الذبيحة على ثلثة أقببوال :فقيببل
هي فرض على الطلق وقيل بل هي فرض مع الذكر ساقطة مع النسيان؛ وقيل بببل
هي سنة مؤكدة ،وبالقول الول قال أهل الظاهر وابن عمر والشببعبي وابببن سببيرين،
وبببالقول الثبباني قببال مالببك وأبببو حنيفببة والثببوري ،وبببالقول الثببالث قببال الشببافعي
وأصحابه ،وهو مروي عن ابن عباس وأبي هريرة وسبب اختلفهم معارضة ظاهر
الكتاب في ذلك للثر .فأما الكتاب فقوله تعالى }ول تأكلوا مما لم يذكر اسم ال عليببه
وإنه لفسق{ .وأما السنة المعارضة لهذه الية فما رواه مالك عن هشام عن أبيببه أنببه
قال "سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم فقيببل :يببا رسببول الب إن ناسبا مببن الباديببة
يأتوننا بلحمان ول ندري أسبموا الب عليهبا أم ل؟ فقبال رسبول الب صبلى الب عليبه
وسلم :سموا ال عليها ثم كلوها" فذهب مالك إلى أن الية ناسخة لهذا الحديث وتأول
أن هذا الحديث كان في أول السلم ولم ير ذلك الشافعي ،لن هببذا الحببديث ظبباهره
أنه كان بالمدينة وآية التسمية مكية ،فببذهب الشببافعي لمكببان هببذا مببذهب الجمببع بببأن
حمل المر بالتسمية على الندب .وأما من اشترط الببذكر فببي الوجببوب فمصببيرا إلببى
قوله عليه الصلة والسلم "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".
@)-المسألة الثانية( وأما استقبال القبلببة بالذبيحببة ،فببإن قومببا اسببتحبوا ذلببك ،وقومببا
أجازوا ذلك ،وقوما أوجبوه ،وقوما كرهوا أن ل يستقبل بها القبلة ،والكراهية والمنع
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
موجودان في المذهب ،وهي مسألة مسكوت عنها ،والصل فيها الباحببة إل أن يببدل
الدليل على اشتراط ذلك ،وليس في الشرع شيء يصلح أن يكون أصببل تقبباس عليببه
هذه المسألة إل أن يستعمل فيها قياس مرسل وهو القيباس الببذي ل يسبتند إلبى أصببل
مخصوص عند من أجازه أو قياس شبه بعيد وذلك أن القبلة هي جهببة معظمببة وهببذه
عبادة ،فوجب أن يشترط فيها الجهة لكن هذا ضببعيف لنببه ليببس كببل عبببادة تشببترط
فيها الجهة ما عببدا الصببلة ،وقيبباس الذبببح علببى الصببلة بعيببد ،وكببذلك قياسببه علببى
استقبال القبلة بالميت.
@)-المسألة الثالثة( وأما اشتراط النية فيها فقيل في المذهب بوجوب ذلك ،ول أذكر
فيها خارج المذهب في هذا الوقت خلفا في ذلك ،ويشبه أن يكببون فببي ذلببك قببولن:
قول بالوجوب ،وقول بترك الوجوب ،فمن أوجب قال :عبببادة لشببتراط الصببفة فيهببا
والعدد ،فوجب أن يكون من شرطها النية؛ ومن لم يوجبها قال :فعل معقببول يحصببل
عنه فوات النفس الذي هو المقصود منه ،فوجب أن ل تشترط فيها النية كما يحصببل
من غسل النجاسة إزالة عينها.
**3الباب الخامس فيمن تجوز تذكيته ومن ل تجوز.
@-والمذكور في الشرع ثلثة أصناف :صببنف اتفببق علببى جببواز تببذكيته ،وصببنف
اتفق على منع ذكاته ،وصنف اختلف فيه .فأما الصنف الببذي اتفببق علببى ذكبباته فمببن
جمع خمسة شروط :السلم والذكورية والبلوغ والعقل وترك تضببيع الصببلة .وأمببا
الذي اتفق على منع تذكيته فالمشركون عببدة الصبنام لقبوله تعبالى }ومبا ذببح علبى
النصب{ ولقوله }وما أهل به لغير ال{ وأما الذين اختلف فيهم فأصناف كببثيرة ،لكببن
المشهور منها عشرة :أهل الكتاب والمجوس والصابئون والمرأة والصبي والمجنون
والسببكران والببذي يضبيع الصببلة والسببارق والغاصببب .فأمببا أهببل الكتبباب فالعلمبباء
مجمعون علببى جببواز ذبببائحهم لقببوله تعببالى }وطعببام الببذين أوتببوا الكتبباب حببل لكببم
وطعامكم حل لهببم{ ومختلفببون فببي التفصببيل ،فبباتفقوا علببى أنهببم إذا لببم يكونببوا مببن
نصارى بني تغلب ول مرتدين وذبحببوا لنفسببهم وعلببم أنهببم سببموا الب تعببالى علببى
ذبيحتهم وكانت الذبيحة مما لم تحرم عليهم في التوراة ول حرموها هم علببى أنفسببهم
أنه يجوز منها ما عدا الشحم .واختلفوا في مقببابلت هببذه الشبروط ،أعنببي إذا ذبحببوا
لمسلم باستنابته أو كانوا من نصارى بني تغلب أو مرتدين ،وإذا لم يعلببم أنهببم سببموا
الب أو جهببل مقصببود ذبحهببم أو علببم أنهببم سببموا غيببر الب ممببا يببذبحونه لكنائسببهم
وأعيادهم أو كانت الذبيحة مما حرمت عليهم بالتوراة كقوله تعالى }كل ذي ظفر{ أو
كانت مما حرموها على أنفسهم مثل الذبائح التي تكببون عنببد اليهببود فاسببدة مببن قبببل
خلقبة إلهيبة ،وكبذلك اختلفبوا فبي الشبحوم .فأمبا إذا ذبحبوا باسبتنابة مسبلم فقيبل فبي
المذهب عن مالك يجوز وقيل ل يجوز .وسبب الختلف هل من شرط ذبببح المسببلم
اعتقاد تحليل الذبيحة على الشروط السلمية في ذلك أم ل؟ فمن رأى أن النية شرط
في الذبيحة قال :ل تحل ذبيحة الكتابي لمسلم ،لنببه ل يصببح منببه وجببود هببذه النيببة.
ومن رأى أن ذلك ليس بشرط وغلب عموم الكتاب :أعني قوله تعالى }وطعببام الببذين
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
أوتوا الكتاب حل لكم{ قال يجوز ،وكذلك مببن اعتقببد أن نيببة المسببتنيب تجببزئ وهببو
قول ابن وهب.
)وأما المسألة الثانية( وهي ذبائح نصارى بني تغلب والمرتدين ،فإن الجمهببور علببى
أن ذبائح النصارى من العرب حكمها حكم ذبائح أهل الكتاب ،وهو قول ابن عببباس؛
ومنهم من لم يجز ذبائحهم ،وهو أحد قولي الشافعي ،وهو مببروى عببن علببي رضببي
ال عنه .وسبب الخلف هل يتناول العرب المتنصرين والمتهودين اسم الببذين أوتببوا
الكتاب كما يتنباول ذلبك المبم المختصبة بالكتباب وهبم بنبو اسبرائيل والبروم .وأمبا
المرتد فإن الجمهور على أن ذبيحته ل تؤكببل .وقببال اسببحاق :ذبيحتببه جببائزة؛ وقببال
الثوري :مكروهة .وسبب الخلف هل المرتد ل يتناوله اسم أهل الكتاب إذ كان ليببس
له حرمة أهل الكتاب أو يتناوله؟
)وأما المسألة الثالثة( وهي إذا لم يعلم أن أهل الكتبباب سببموا الب علببى الذبيحببة فقببال
الجمهور :تؤكل ،وهو مروى عببن علببي ،ولسببت أذكببر فيببه فببي هببذا الببوقت خلفببا،
ويتطرق إليه الحتمال بأن يقال إن الصل هو أن ل يؤكببل مببن تببذكيتهم إل مبا كببان
على شروط السلم؛ فإذا قيل على هببذا أن التسببمية مببن شببرط التذكيببة وجببب أن ل
تؤكل ذبائحهم بالشك في ذلك .وأما إذا علم أنهم ذبحوا ذلك لعيببادهم وكنائسببهم فببإن
من العلماء من كرهه ،وهو قول مالك؛ ومنهم من أبباحه ،وهبو قبول أشبهب؛ ومنهبم
من حرمه ،وهو الشافعي .وسبب اختلفهم تعارض عمومي الكتاب فببي هببذا الببباب،
وذلك أن قوله تعالى }وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم{ يحتمل أن يكون مخصصببا
لقوله تعالى }وما أهل به لغير ال{ ويحتمل أن يكون قوله تعالى }ومبا أهببل بببه لغيببر
ال{ مخصصا لقوله تعالى }وطعام الذين أوتوا الكتبباب حببل لكببم{ إذ كببان كببل واحببد
منهما يصح أن يستثنى مببن الخببر ،فمببن جعببل قببوله تعببالى ومببا أهببل بببه لغيببر الب
مخصصا لقوله تعالى }وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم{ قال :ل يجوز ما أهببل بببه
للكنائس والعياد؛ ومن عكس المر قال :يجوز .وأما إذا كانت الذبيحة ممببا حرمببت
عليهببم ،فقيببل يجببوز؛ وقيببل ل يجببوز ،وقيببل بببالفرق بيببن أن تكببون محرمببة عليهببم
بالتوراة أو من قبل أنفسهم ،أعني بإباحة ما ذبحوا مما حرموا على أنفسهم ومنببع مببا
حرم ال عليهم؛ وقيل يكره ول يمنع .والقاويل الربعة موجودة في المببذهب :المنببع
عن ابن القاسم ،والباحببة عببن ابببن وهببب وابببن عبببد الحكببم ،والتفرقببة عببن أشببهب.
وأصل الختلف معارضببة عمببوم اليببة لشببتراط نيببة الببذكاة :أعنببي اعتقبباد تحليببل
الذبيحة بالتذكية؛ فمن قال ذلك شرط في التذكية قببال ل تجببوز هببذه الببذبائح لنهببم ل
يعتقدون تحليلها بالتذكية؛ ومن قال ليس بشرط فيها وتمسك بعموم الية المحللة قال:
تجوز هذه الذبائح .وهذا بعينه هو سبب اختلفهم في أكل الشحوم مببن ذبببائحهم ،ولببم
يخالف في ذلك أحد غير مالك وأصحابه؛ فمنهم مببن قببال :إن الشببحوم محرمببة وهببو
قول أشهب؛ ومنهم من قال مكروهة ،والقولن عن مالك؛ ومنهم من قال مباحة.
ويدخل في الشحوم سبب آخر من أسباب الخلف سببوى معارضببة العمببوم لشببتراط
اعتقاد تحليببل الذبيحببة بالببذكاة ،وهببو هببل تتبعببض التذكيببة أو ل تتبعببض؟ فمببن قببال
تتبعض قال :ل تؤكل الشحوم؛ ومن قال ل تتبعبض قبال :يؤكبل الشبحم .ويبدل علبى
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
تحليل شحوم ذبائحهم حديث عبد ال بن مغفبل إذ أصباب جبراب الشبحم يبوم خيببر،
وقد تقدم في كتاب الجهاد .ومن فرق بين ما حرم عليهم من ذلك فببي أصببل شببرعهم
وبين ما حرموا على أنفسهم قال :ما حرم عليهم هو أمبر حبق فل تعمبل فيبه البذكاة،
وما حرموا على أنفسهم هو أمر باطل فتعمل فيه التذكية .قال القاضي :والحق أن مبا
حرم عليهم أو حرموا على أنفسهم هو في وقت شريعة السبلم أمبر باطبل إذ كبانت
ناسخة لجميع الشرائع ،فيجب أن ل يراعي اعتقادهم في ذلببك ،ول يشببترط أيضبا أن
يكون اعتقادهم في تحليل الذبائح اعتقاد المسلمين ول اعتقاد شريعتهم لنه لو اشترط
ذلك لما جاز أكل ذبائحهم بوجه من الوجوه ،لكون اعتقاد شريعتهم في ذلك منسوخا،
ولعتقاد شريعتنا ل يصح منهم ،وإنما هذا حكم خصهم ال تعالى به ،فذبائحهم والبب
أعلم جائزة لنا على الطلق وإل ارتفع حكم آية التحليل جملة ،فتأمبل هبذا فبإنه بيبن
وال أعلم .وأما المجوس فإن الجمهور على أنه ل تجببوز ذبببائحهم لنهببم مشببركون،
وتمسك قوم في إجازتهببا بعمببوم قببوله عليببه الصببلة والسببلم "سببنوا بهببم سببنة أهببل
الكتاب" .وأما الصائبون فببالختلف فيهببم مببن قبببل اختلفهببم فببي هببل هببم مببن أهببل
الكتاب أم ليسوا من أهل الكتاب .وأما المرأة والصبي فإن الجمهور على أن ذبائحهم
جائزة غير مكروهببة ،وهببو مببذهب مالببك ،وكببره ذلببك أبببو المصببعب .والسبببب فببي
اختلفهم .نقصان المرأة والصبي ،وإنما لم يختلف الجمهور في المرأة لحببديث معبباذ
بن سببعيد "أن جاريببة لكعببب بببن مالببك كببانت ترعببى بسببلع فأصببيبت شبباة فأدركتهببا
فذبحتها بحجر ،فسئل رسول ال صلى ال عليببه وسببلم عببن ذلببك فقببال :ل بببأس بهببا
فكلوها" وهو حديث صحيح.
وأما المجنون والسكران فإن مالكا لم يجز ذبيحتهمببا ،وأجبباز ذلببك الشببافعي .وسبببب
الخلف اشتراط النية في الذكاة ،فمن اشترط النية منع ذلبك إذ ل يصببح مبن الجنبون
ول مببن السببكران وبخاصببة الملتببخ )الملتببخ :الملطببخ ،قبباموس( .وأمببا جببواز تذكيببة
السارق والغاصب ،فإن الجمهور على جواز ذلك؛ ومنهببم مببن منببع ذلببك ورأى أنهببا
ميتة ،وبه قال داود وإسحاق بن راهويه .وسبب اختلفهم هل النهي يببدل علببى فسبباد
المنهى عنه أو ل يببدل؟ فمببن قببال يببدل قببال :السببارق والغاصببب منهببى عببن ذكاتهببا
وتناولها وتملكها ،فإذا كان ذكاها فسدت التذكية؛ ومن قال ل يدل إل إذا كان المنهببى
عنه شرطا من شروط ذلك الفعل قال :تذكيتهم جائزة لنه ليس صببحة الملببك شببرطا
من شروط التذكية.
وفي موطأ ابن وهب "أنه سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم عنها فلم ير بها بأسا"
وقد جاء إباحة ذلك مع الكراهية فيما روي عن النبي عليه الصلة والسلم في الشبباة
الببتي ذبحببت بغيببر إذن ربهببا ،فقببال رسببول ال ب صببلى ال ب عليببه وسببلم "أطعموهببا
السارى" وهذا القدر كاف في أصول هذا الكتاب وال أعلم.
**2كتاب الصيد.
@-وهذا الكتاب في أصوله أيضا أربعة أبواب :الباب الول :في حكببم الصببيد وفببي
محل الصيد .الثاني :فيما به يكون الصيد .الثالث :فببي صببفة ذكبباة الصببيد والشببرائط
المشترطة في عمل الذكاة في الصيد .الرابع :فيمن يجوز صيده.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
بعرضه فل تأكل فإنه وقيذ" وهذا الحديث هببو أصببل فبي أكبثر مبا فبي هبذا الكتباب.
والحديث الثاني حديث أبي ثعلبة الخشني ،وفيه من قوله عليببه الصببلة والسببلم "مببا
أصبت بقوسك فسم ال ثم كل ،وما صدت بكلبك المعلم فاذكر اسببم الب ثببم كببل ،ومببا
صدت بكلبببك الببذي ليببس بمعلببم وأدركببت ذكبباته فكببل" وهببذان الحببديثان اتفببق أهببل
الصحيح على إخراجهما .واللت التي يصاد بها منها ما اتفقوا عليها بالجملة .ومنها
ما اختلفوا فيها وفي صفاتها ،وهي ثلث :حيوان جارح ومحدد ومثقبل .فأمبا المحبدد
فاتفقوا عليه كالرماح والسيوف والسهام للنص عليها في الكتاب والسببنة .وكببذلك بمبا
جرى مجراها مما يعقر ما عدا الشببياء الببتي اختلفببوا فببي عملهببا فببي ذكبباة الحيببوان
النسي وهي السن والظفر والعظم وقد تقببدم اختلفهببم فببي ذلببك فل معنببى لعببادته.
وأما المثقل فاختلفوا في الصيد به مثل الصيد بالمعراض والحجر؛ فمببن العلمبباء مببن
لم يجز من ذلك إل ما أدركت ذكاته؛ ومنهببم مببن أجببازه علببى الطلق؛ ومنهببم مببن
فرق بين ما قتله المعراض أو الحجر بثقله أو بحده إذا خرق جسد الصيد فأجببازه إذا
خرق ولم يجزه إذا لم يخرق ،وبهذا القببول قببال مشبباهير الفقهبباء المصببار الشببافعي
ومالك وأبو حنيفة وأحمد والثوري وغيرهم .وهو راجع إلى أنه ل ذكاة إل بمحدد.
وسبب اختلفهم معارضة الصول في هذا الببباب بعضببها بعضببا ،ومعارضببة الثببر
لها ،وذلك أن من الصول في هذا الباب أن الوقيذ محببرم بالكتبباب والجمبباع ،ومببن
أصببوله أن العقببر ذكبباة الصببيد؛ فمببن رأى أن مببا قتببل المعببراض وقيببذ منعببه علببى
الطلق؛ ومن رآه عقرا مختصببا بالصببيد وأن الوقيببذ غيببر معتبببر فيببه أجببازه علببى
الطلق؛ ومن فرق بين ما خرق من ذلك أو لم يخرق فمصيرا إلى حديث عدي ابن
حاتم المتقدم وهو الصواب .وأما الحيوان الجارح فالتفاق والختلف فيه منه متعلق
بالنوع والشرط ،ومنه ما يتعلق بالشرط .فأما النوع الذي اتفقوا عليه فهببو الكلب مبا
عدا الكلب السود ،فإنه كرهه قوم منهم الحسن البصببري وإبراهيببم النخعببي وقتببادة؛
وقال أحمببد :مببا أعببرف أحببدا يرخببص فيببه إذا كببان بهيمببا ،وبببه قببال إسببحاق .وأمببا
الجمهور فعلى إجازة صيده إذا كان معلما .وسبب اختلفهم معارضة القياس للعموم،
وذلك أن عموم قوله تعالى }وما علمتم من الجبوارح مكلبببين{ يقتضببي تسبوية جميبع
الكلب في ذلك "وأمره عليه الصلة والسلم بقتل الكلب السود البهيم" يقتضببي فببي
ذلببك القيبباس أن ل يجببوز اصببطياده علببى رأي مببن رأى أن النهببي يببدل علببى فسبباد
المنهى عنه ،وأما الذي اختلفوا فيه من أنواع الجوارح فيما عدا الكلب ومببن جببوارح
الطيور وحيواناتها الساعية؛ فمنهم من أجاز جميعها إذا علمت حتى السنور كما قببال
ابن شعبان ،وهو مذهب مالك وأصحابه ،وبه قال فقهاء المصببار وهببو مببروي عببن
ابن عباس ،أعني أن ما قبل التعليم من جميع الجوارح فهببو آلببة لببذكاة الصببيد .وقببال
قوم :ل اصطياد بجارح ما عدا الكلب ول باز ول صقر ول غير ذلك إل ما أدركببت
ذكاته ،وهو قول مجاهد؛ واستثنى بعضهم من الطيببور الجارحببة البببازي فقببط فقببال:
يجوز صيده وحده.
وسبب اختلفهم في هذا الباب شببيئان :أحببدهما قيبباس سبائر الجببوارح علببى الكلب،
وذلك أنه قد يظن أن النص إنما ورد في الكلب ،أعني قوله تعالى }ومببا علمتببم مببن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الجوارح مكلبين{ إل أن يتأول أن لفظه مكلبين مشتقة من كلببب الجببارح ل مببن لفببظ
الكلب ،ويدل على هذا عموم اسم الجوارح الببذي فببي اليببة ،فعلببى هببذا يكببون سبببب
الختلف الشتراك الذي في لفظه مكلبين .والسبب الثبباني هببل مببن شببرط المسبباك
المساك على صاحبه أم ل؟ وإن كان من شببرطه فهببل يوجببد فببي غيببر الكلببب أو ل
يوجد؟ فمن قال ل يقاس سائر الجوارح علببى الكلب وأن لفظببه مكلبببين هببي مشببتقة
من اسم الكلب ل من اسم غير الكلب أو أنه ل يوجد المسبباك إل فببي الكلببب :أعنببي
على صاحبه وأن ذلك شرط قبال :ل يصبباد بجببارح سببوى الكلببب؛ ومببن قبباس علببى
الكلب سائر الجوارح ولم يشترط فببي المسبباك المسبباك علببى صبباحبه قببال :يجببوز
صيد سائر الجوارح إذا قبلت التعليم.
وأما من استثنى من ذلك البازي فقط فمصيرا إلى ما روي عببن عببدي بببن حبباتم أنببه
قال "سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم عن صيد البازي فقببال :مببا أمسببك عليببك
فكل" خرجه الترمذي فهذه هي أسباب اتفاقهم واختلفهببم فببي أنببواع الجببوارح .وأمببا
الشروط المشترطة في الجوارح فإن منها ما اتفقوا عليه وهببو التعليببم بالجملببة لقببوله
تعالى }وما علمتم من الجبوارح مكلببين{ وقبوله عليبه الصبلة والسبلم "إذا أرسبلت
كلبك المعلم"
واختلفوا في صفة التعليم وشروطه ،فقال قوم :التعليم ثلثة أصناف :أحدها أن تببدعو
الجارح فيجيب .والثاني أن تشيله فينشببلى .والثببالث أن تزجببره فيزدجببر .ول خلف
بينهم في اشتراط هذه الثلثة في الكلب ،وإنما اختلفوا في اشتراط النزجار في سائر
الجوارح ،فاختلفوا أيضا في هل من شرطه أن ل يأكل الجارح؟ فمنهم مببن اشببترطه
على الطلق؛ ومنهم من اشببترطه فببي الكلببب فقببط؛ وقببول مالببك :إن هببذه الشببروط
الثلثببة شببرط فببي الكلب وغيرهببا؛ وقببال ابببن حبببيب مببن أصببحابه :ليببس يشببترط
النزجار فيما ليس يقبل ذلك من الجوارح مثل البزاة والصقور ،وهو مببذهب مالببك،
أعني أنه ليس من شرط الجارح ل كلب ول غيره أن ل يأكل ،واشترطه بعضهم في
الكلب ولم يشترطه فيما عداه من جوارح الطيور؛ ومنهم مببن اشببترطه كمببا قلنببا فببي
الكل؛ والجمهور على جواز أكل صيد البازي والصقر وإن أكببل ،لن تضببريته إنمببا
تكون بالكل .فالخلف في هذا الباب راجع إلببى موضببعين :أحببدهما هببل مببن شببرط
التعليم أن ينزجر إذا زجر؟ والثاني هببل مببن شببرطه أل يأكببل؟ .وسبببب الخلف فببي
اشتراط الكل أو عدمه شيئان :أحدهما اختلف الثار في ذلك .والثبباني هبل إذا أكببل
فهو ممسك أم ل؟ فأما الثار فمنها حديث عدي بن حاتم المتقببدم وفيببه "فببإن أكببل فل
تأكل فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسببه" والحببديث المعببارض لهببذا حببديث أبببي
ثعلبة الخشني قال :قال رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم "إذا أرسببلت كلبببك المعلببم
وذكرت اسم ال فكل ،قلت :وإن أكل منه يا رسول ال؟ قال :وإن أكل"
فمن جمع بين الحديثين بأن حمل حديث عدي بن حاتم على الندب وهذا على الجببواز
قال :ليس من شرطه أل يأكل؛ ومن رجح حديث عدي بن حباتم إذ هبو حبديث متفبق
عليه وحديث أبي ثعلبة مختلف فيه ،ولذلك لم يخرجه الشيخان البخاري ومسلم وقببال
من شرط المساك أن ل يأكل بدليل الحديث المذكور قال :إن أكل الصببيد لببم يؤكببل،
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وبببه قببال الشببافعي وأبببو حنيفببة وأحمببد وإسببحق والثببوري ،وهببو قببول ابببن عببباس،
ورخص في أكل مما أكل الكلب كما قلنا مالك وسعيد بن مالك وابن عمببر وسببليمان.
وقالت المالكية المتأخرة إنه ليس الكل بدليل على أنه لم يمسببك لسببيده ول المسبباك
لسيده بشرط في الذكاة ،لن نية الكلب غير معلومببة ،وقببد يمسببك لسببيده ثببم يبببدو لببه
فيمسك لنفسه ،وهذا الببذي قببالوه خلف النببص فببي الحببديث وخلف ظبباهر الكتبباب،
وهو قوله تعالى }فكلوا مما أمسكن عليكم{ وللمساك على سيد الكلب طريببق تعببرف
به ،وهو العادة ،ولذلك قال عليه الصلة والسلم "فإن أكل فل تأكببل فببإني أخبباف أن
يكون إنما أمسك على نفسه".
وأما اختلفهم في الزدجار فليس له سبب إل اختلفهم في قياس سائر الجببوارح فببي
ذلببك علببى الكلببب ،لن الكلببب الببذي ل يزدجببر ل يسببمى معلمببا باتفبباق ،فأمببا سببائر
الجوارح إذا لم تنزجر هل تسمى معلمة أم ل؟ ففيه التردد وهو سبب الخلف.
**3الباب الثالث في معرفة الذكاة المختصة بالصيد وشروطها.
@-واتفقببوا علببى أن الببذكاة المختصببة بالصببيد هببي العقببر .واختلفببوا فببي شببروطها
اختلفببا كببثيرا ،وإذا اعتبببرت أصببولها الببتي هببي أسببباب الختلف سببوى الشببروط
المشترطة في اللة وفي الصائد وجدتها ثمانية شروط :اثنان يشببتركان فببي الببذكاتين
أعني ذكاة المصيد وغير المصيد وهي النيببة والتسببمية .وسببتة تختببص بهببذه الببذكاة:
أحدها أنها لم تكن اللة أو الجارح الذي أصاب الصيد قببد أنفببذ مقبباتله فببإنه يجببب أن
يذكى بذكاة الحيوان النسي إذا قدر عليه قبل أن يمببوت ممببا أصببابه مببن الجببارح أو
من الضرب .وأما إن كببان قببد أنفببذ مقبباتله فليببس يجببب ذلببك وإن كببان قببد يسببتحب.
والثاني أن يكون الفعل الذي أصيب به الصيد مبدؤه من الصائد ل من غيببره :أعنببي
ل من اللة كالحال في الحبالببة ،ول مببن الجببارح كالحببال فيمببا يصببيب الكلببب الببذي
ينشلى من ذاته .والثالث أن ل يشاركه في العقر من ليس عقبره ذكباة .والرابببع أن ل
يشك في عين الصيد الذي أصابه وذلك عند غيبته عن عينببه .والخببامس أن ل يكببون
الصيد مقدورا عليه في وقت الرسال عليه .والسادس أن ل يكببون مببوته مببن رعببب
من الجارح أو بصدمه منه .فهذه هي أصول الشروط التي مببن قبببل اشببتراطها أو ل
اشببتراطها عببرض الخلف بيببن الفقهبباء ،وربمببا اتفقببوا علببى وجببوب بعببض هببذه
الشروط ،ويختلفون في وجودها في نازلة نازلة ،كاتفاق المالكية علببى أن مببن شببرط
الفعل أن يكون مبببدؤه مببن الصببائد ،واختلفهببم إذا أفلببت الجببارح مببن يببده أو خببرج
بنفسه ،ثم أغراه هل يجوز ذلك الصيد أم ل لتردد هذه الحبال بيبن أن يوجبد لهبا هبذا
الشرط أو ل يوجد كاتفاق أبي حنيفة ومالك على أن من شرطه إذا أدرك غير منفببوذ
المقاتل أن يذكى إذا قدر عليه قبل أن يموت .واختلفهم بين أن يخلصببه حيببا فيمببوت
في يده قبل أن يتمكن مببن ذكباته ،فبإن أبببا حنيفبة منبع هبذا وأجبازه مالبك ورآه مثببل
الول ،أعني إذا لم يقدر على تخليصه من الجارح حتى مات لببتردد هببذه الحببال بيببن
أن يقال أدركه غير منفوذ المقاتل وفي غير يد الجارح فأشبه المفرط أو لم يشبهه فلم
يقع منه تفريط.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وإذا كانت هذه الشروط هي أصول الشروط المشترطة في الصيد مع سائر الشببروط
المذكورة في اللة والصائد نفسه على ما سيأتي يجب أن يببذكر منهببا مببا اتفقببوا منببه
عليببه ومببا اختلفببوا فيببه ،وأسببباب الخلف فببي ذلببك ومببا يتفببرع عنهببا مببن مشببهور
مسائلهم .فنقول :أما التسمية والنية فقد تقدم الخلف فيهما وسببه فببي كتبباب الببذبائح،
ومن قبل اشتراط النية في الذكاة لم يجز عند مببن اشببترطها إذا أرسببل الجببارح علببى
صيد وأخذ آخر ذكاة ذلك الصيد لم يرسل عليه ،وبه قال مالك؛ وقببال الشببافعي وأبببو
حنيفة وأحمد وأبو ثور :ذلك جائز ويؤكل؛ ومن قبل هذا أيضا اختلف أصحاب مالببك
في الرسال على صيد غير مرئي ،كالذي يرسل علببى مببا فببي غيضببة أو مببن وراء
أكمة ول يدري هل هنالك شيء أم ل؟ لن القصد في هذا يشببوبه شببيء مببن الجهببل.
وأما الشرط الول الخاص بذكاة الصبيد مبن الشبروط السبتة البتي ذكرناهبا وهبو أن
عقر الجارح له إذا لم ينفذ مقاتله ،إنما يكون إذا لم يببدركه المرسببل حيببا ،فباشببتراطه
قال جمهور العلماء لما جاء في حديث عدي بن حاتم في بعض رواياته أنه قال عليه
الصلة والسلم "وإن أدركته حيا فاذبحه" وكان النخعي يقببول :إذا أدركتببه حيببا ولببم
يكن معك حديدة فأرسل عليه الكلب حتى تقتله ،وبه قببال الحسببن البصببري مصببيرا
لعموم قوله تعالى }فكلوا ممببا أمسببكن عليكببم{ ومببن قبببل هببذا الشببرط قببال مالببك :ل
يتوانى المرسل في طلب الصيد ،فبإن تبوانى فبأدركه ميتبا ،فبإن كبان منفبوذ المقاتبل
بسهم حل أكله وإل لم يحل من أجل أنه لو لم يتوان لكان يمكببن أن يببدركه حيببا غيببر
منفود المقاتل .وأما الشرط الثاني وهببو أن يكببون الفعببل مبببدؤه مببن القببانص ويكببون
متصل حببتى يصببيب الصببيد ،فمببن قبببل اختلفهببم فيببه اختلفببوا فيمببا تصببيبه الحبالببة
والشبببكة إذا أنقببذت المقاتببل بمحببدد فيهببا ،فمنببع ذلببك مالببك والشببافعي والجمهببور،
ورخص فيه الحسن البصري؛ ومن هذا الصببل لببم يجببز مالببك الصببيد الببذي أرسببل
عليه الجارح فتشاغل بشيء آخر ثم عاد إليه من قبل نفسه .وأما الشرط الثببالث وهببو
أن ل يشاركه في العقر من ليس عقره ذكاة له ،فهبو شبرط مجمبع عليبه فيمبا أذكبر،
لنه ل يدري من قتله .وأما الشرط الرابع وهو أن ل يشك فببي عيببن الصببيد ول فببي
قتل جارحة له ،فمن قبل ذلك اختلفوا في أكل الصيد إذا غبباب مصببرعه ،فقببال مالببك
مرة :ل بأس بأكل الصيد إذا غاب عنك مصرعه إذا وجدت به أثرا من كلبك أو كان
به سهمك ما لم يبت ،فببإذا بببات فببإني أكرهببه .وبالكراهيببة قببال الثببوري؛ وقببال عبببد
الوهبباب :إذا بببات الصببيد مببن الجببارح لببم يؤكببل ،وفببي السببهم خلف؛ وقببال ابببن
الماجشون :يؤكل فيهما جميعا إذا وجببد منفببوذ المقاتببل؛ وقببال مالببك فببي المدونببة :ل
يؤكل فيهما جميعا إذا بببات وإن وجببد منفببوذ المقاتببل؛ وقببال الشببافعي :القيبباس أن ل
تأكله إذا غاب عنك مصرعه؛ وقال أبو حنيفة :إذا تببوارى الصببيد والكلببب فببي طلبببه
فوجده المرسل مقتول جاز أكله ما لم يترك الكلب الطلب ،فإن تركه كرهنا أكله.
وسبب اختلفهم شيئان اثنان :الشك العارض في عين الصيد أو في زكبباته .والسبببب
الثاني اختلف الثار في هذا الباب ،فروى مسلم والنسائي والترمذي وأبببو داود عببن
أبي ثعلبة عن النبي عليه الصلة والسلم في الذي يدرك صيده بعد ثلث فقببال "كببل
ما لم ينتن" وروى مسلم عن أبي ثعلبة أيضا عببن النبببي عليببه الصببلة والسببلم قببال
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
"إذا رميت سهمك فغاب عنك مصرعه فكل ما لم يبت" وفي حببديث عببدي بببن حبباتم
أنه قال عليه الصلة والسلم "إذا وجدت سهمك فيه ولم تجد فيه أثر سبع وعلمت أن
سهمك قتلببه فكببل" .ومببن هببذا الببباب اختلفهببم فببي الصببيد يصبباد بالسببهم أو يصببيبه
الجارح فيسقط في ماء أو يتردى من مكان عال ،فقال مالك :ل يؤكببل لنببه ل يببدري
من أي المرين مات ،إل أن يكون السهم قد أنقذ مقاتله ول يشك أن منببه مببات ،وبببه
قال الجمهور؛ وقال أبو حنيفة :ل يؤكل إن وقع فببي مبباء منفببوذ المقاتببل ،ويؤكببل إن
تردى .وقال عطاء :ل يؤكل أصل إذا أصببيبت المقاتببل وقببع فببي مبباء أو تبردى مببن
موضع عال لمكان أن يكون زهوق نفسه من قبل التردي أو من الماء قبببل زهوقهببا
من قبل إنقاذ المقاتل .وأما موته من صدم الجببارح لببه ،فببإن ابببن القاسببم منعببه قياسببا
على المثقل ،وأجازه أشهب لعموم قوله تعالى }فكلوا مما أمسكن عليكم{ ولببم يختلببف
المذهب أن ما مات من خوف الجارح أنه غير مذكي .وأما كونه فببي حيببن الرسببال
غير مقدور عليه ،فإنه اشترط فيما علمت متفببق عليببه .وذلببك يوجببد إذا كببان الصببيد
مقدورا على أخذه باليد دون خوف أو غرر .إما من قببل أنببه قبد نشببب فببي شببيء أو
تعلق بشيء أو رماه أحد فكسر جناحه أو ساقه ،وفي هذا الباب فروع كثيرة من قبببل
تردد بعض الحوال بين أن يرصف فيهبا الصببيد بببأنه مقببدور عليببه أو غيببر مقببدور
عليه ،مثل أن تضببطره الكلب فيقببع فببي حفببرة ،فقيببل فببي المببذهب يؤكببل ،وقيببل ل
يؤكل.
واختلفوا في صفة العقر إذا ضرب الصيد فأبين منه عضو ،فقال قبوم :يؤكببل الصبيد
ما بان منه؛ وقال قوم :يؤكلن جميعا؛ وفرق قوم بين أن يكون ذلك العضببو مقتل أو
غير مقتل ،فقالوا :إن كان مقتل أكل جميعببا ،وإن كببان غيببر مقتببل أكببل الصببيد ولببم
يؤكل العضو ،وهو معنى قول مالك :وإلى هببذا يرجببع خلفهببم فببي أن يكببون القطببع
بنصفين أو يكون أحببدهما أكبببر مببن الثبباني .وسبببب اختلفهببم معارضببة قببوله عليببه
الصلة والسلم "ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة" لعموم قببوله تعببالى }فكلببوا
مما أمسكن عليكم{ ولعموم قوله تعالى }تناله أيديكم ورماحكم{ فمن غلب حكم الصيد
وهو العقر مطلقا قال :يؤكل الصيد والعضببو المقطببوع مببن الصببيد ،وحمببل الحببديث
على النسببي؛ ومببن حملببه علببى الوحشببي والنسببي معببا واسببتثنى مببن ذلببك العمببوم
بالحديث العضو المقطوع فقال :يؤكل الصيد دون العضو البائن ،ومن اعتبر في ذلك
الحياة المستقرة ،أعني في قوله وهي حية فرق بيببن أن يكببون العضببو مقتل أو غيببر
مقتل.
**3الباب الرابع في شروط القانص.
@-وشروط القانص هي شروط الذابح نفسه ،وقد تقدم ذلك في كتاب الذبائح المتفببق
عليهببا والمختلببف فيهببا ،ويخببص الصببطياد فببي البببر شببرط زائد وهببو أن ل يكببون
محرما ،ول خلف في ذلك لقوله تعالى }وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما{ فببإن
اصطاد محرم فهل يحل ذلك الصيد للحلل أم هو ميتة ل يحل لحببد أصببل؟ اختلببف
فيه الفقهاء ،فذهب مالك إلى أنه ميتة ،وذهب الشافعي وأبو حنيفة وأبو ثببور إلببى أنببه
يجوز لغير المحرم أكله .وسبب اختلفهم هو الصل المشهور .وهو هل النهي يعببود
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
بفساد المنهي أم ل؟ وذلك بمنزلة ذبح السارق والغاصب .واختلفوا من هذا الباب في
كلب المجوس المعلم ،فقال مالك :الصطياد به جائز ،فإن المعتبببر الصببائد ل اللببة،
وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وغيرهم؛ وكرهه جببابر بببن عبببد ال ب والحسببن وعطبباء
ومجاهد والثوري ،لن الخطاب في قوله تعالى }ومببا علمتببم مببن الجببوارح مكلبببين{
متوجه نحو المؤمنين ،وهذا كاف بحسببب المقصببود مببن هببذا الكتبباب ،والب الموفببق
للصواب.
**2كتاب العقيقة
@-والقول المحيط بأصول هذا الكتاب ينحصر في سببتة أبببواب :الول :فببي معرفببة
حكمها .الثاني :في معرفة محلها .الثالث :في معرفة من يعق عنه وكم يعببق .الرابببع:
في معرفة وقت هذا النسك .الخبامس :فببي سببن هببذا النسببك وصبفته .السبادس :حكببم
لحمها وسائر آجزائها.
@-فأما حكمها؛ فذهبت طائفة منهم الظاهرية إلى أنها واجبة ،وذهب الجمهببور إلببى
أنها سنة ،وذهب أبو حنيفة إلببى أنهببا ليسببت فرضببا ول سببنة؛ وقببد قيببل إن تحصببيل
مذهبه أنها عنده تطوع .وسبب اختلفهم تعارض مفهوم الثار في هذا الببباب ،وذلببك
أن ظاهر حديث سببمرة وهببو قببول النبببي عليببه الصببلة والسببلم "كببل غلم مرتهببن
بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويماط عنه الذى" يقتضي الوجوب ،وظاهر قوله عليببه
الصلة والسلم وقد سئل عن العقيقة فقال "ل أحب العقوق ومن ولببد لببه ولببد فببأحب
أن ينسك عن ولده فليفعل" يقتضي الندب أو الباحة ،فمن فهم منه الندب قال :العقيقة
سنة؛ ومن فهم الباحة قال :ليست بسنة ول فرض وخرج الحببديثين أبببو داود؛ ومببن
أخذ بحديث سمرة أوجبها.
وأما محلهببا فببإن جمهببور العلمبباء علببى أنببه ل يجببوز فببي العقيقببة إل مببا يجببوز فببي
الضببحايا مببن الزواج الثمانيببة .وأمببا مالببك فاختببار فيهببا الضببأن علببى مببذهبه فببي
الضحايا ،واختلف قوله هل يجزي فيهببا البببل والبقببر أو ل يجببزي؟ وسببائر الفقهبباء
على أصلهم أن البببل أفضببل مببن البقببر والبقببر أفضببل مببن الغنببم .وسبببب اختلفهببم
تعارض الثار في هذا الباب والقياس .أما الثر فحديث ابببن عببباس "أن رسببول ال ب
صلى ال عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا" وقببوله عببن الجاريببة شبباة
وعن الغلم شاتان" خرجهما أبو داود .وأما القياس فلنهمببا نسببك ،فببوجب أن يكببون
العظم فيها أفضل قياسا على الهدايا.
وأما من يعق عنه ،فإن جمهورهم على أنه يعق عن الذكر والنثى الصببغيرين فقببط؛
وشذ الحسن فقال :ل يعق عن الجارية؛ وأجاز بعضببهم أن يعببق عببن الكبببير .ودليببل
الجمهور على تعلقها بالصغير قوله عليه الصلة والسلم "يببوم سببابعه" .ودليببل مببن
خالف ما روي عن أنس "أن النبي عليه الصلة والسلم عق عن نفسه بعد مببا بعببث
بالنبوة" ودليلهم أيضا على تعلقها بالنثى قوله عليبه الصبلة والسبلم "عبن الجاريبة
شاة وعن الغلم شاتان" .ودليل من اقتصر بها على الذكر قوله عليه الصلة والسلم
"كل غلم مرتهن بعقيقته" .وأما العدد فإن الفقهاء اختلفوا أيضا في ذلك ،فقال مالببك:
يعق عن الذكر والنثى بشاة شاة؛ وقال الشافعي وأبببو ثببور وأبببو داود وأحمببد :يعببق
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
عن الجارية شاة وعن الغلم شاتان .وسبب اختلفهم اختلف الثار فببي هببذا الببباب.
فمنها حديث أم كرز الكعبية خرجه أبو داود قال :سمعت رسول ال صببلى الب عليببه
وسلم يقول في العقيقة "عن الغلم شاتان مكافأتان ،وعن الجارية شبباة" والمكافأتببان:
المتماثلتان .وهذا يقتضي الفرق في ذلك بين الذكر والنثى ،وما روي "أنه عق عببن
الحسن والحسين كبشا كبشا" يقتضي الستواء بينهما.
وأما وقت هذا النسك فإن جمهور العلماء على أنه يببوم سببابع المولببود ومالببك ل يعببد
في السبوع اليوم الذي ولد فيه إن ولد نهارا ،وعبد الملك بن الماجشون يحتسب بببه.
وقال ابن القاسم في العقيقة :إن عق ليل لم يجزه .واختلببف أصببحاب مالببك فببي مبببدأ
وقت الجزاء ،فقيل وقت الضحايا :أعني ضحى؛ وقيل بعبد الفجبر قياسبا علبى قبول
مالك في الهدايا ،ولشك أن من أجاز الضحايا ليل أجاز هذه ليل؛ وقد قيل يجوز في
السابع الثاني والثالث.
وأما سن هذا النسك وصفته فسن الضحايا وصفتها الجائزة ،أعني أنه يتقي فيهببا مببن
العيوب ما يتقي في الضحايا ،ول أعلم في هذا خلفا في المذهب ول خارجا منه.
وأما حكم لحمها وجلدها وسائر أجزائها فحكم لحم الضحايا في الكل والصدقة ومنع
البيع ،وجميع العلماء على أنه كان يدمي رأس الطفل في الجاهليببة بببدمها وأنببه نسببخ
في السلم ،وذلك لحديث بريدة السلمي قال "كنا في الجاهليببة إذا ولببد لحببدنا غلم
ذبح له شاة ولطخ رأسه بدمها ،فلمبا جباء السبلم كنبا نذببح ونحلبق رأسبه ونلطخبه
بزعفران" وشذ الحسن وقتادة فقال :يمس رأس الصبببي بقطنببة قببد غمسببت فببي الببدم
واستحب كسر عظامها لما كانوا في الجاهلية يقطعونها مببن المفاصببل .واختلببف فببي
حلق رأس المولود يوم السابع ،والصببدقة بببوزن شببعره فضببة ،فقيببل هببو مسببتحب،
وقيل هو غير مستحب ،والقولن عن مالك ،والستحباب أجود ،وهو قول ابن حبيب
لما رواه مالك في الموطأ "أن فاطمة بنت رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم حلقببت
شعر الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم ،وتصدقت بزنة ذلك فضة".
**2كتاب الطعمة والشربة
@-والكلم فببي أصببول هببذا الكتبباب يتعلببق بجملببتين :الجملببة الولببى :نببذكر فيهببا
المحرمات في حال الختيار .الجملة الثانية :نذكر فيها أحوالها في حال الضطرار.
*)*3الجملة الولى(
@-والغذية النسانية نبات وحيوان .فأما الحيوان الذي يغتذى بببه ،فمنببه حلل فببي
الشرع ،ومنه حرام ،وهذا منه بري ومنه بحري .والمحرمة منهببا مببا تكببون محرمببة
لعينها ،ومنها ما تكون لسبب وارد عليها .وكل هذه منها مببا اتفقببوا عليببه ،ومنهببا مببا
اختلفوا فيه .فأما المحرمة لسبب وارد عليها فهي بالجملة تسببعة :الميتببة ،والمنخنقببة،
والموقوذة ،والمتردية ،والنطيحة ،وما أكل السبع ،وكل ما نقصبه شببرط مببن شببروط
التذكية من الحيوان الذي التذكية شرط في أكله ،والجللببة ،والطعببام الحلل يخببالطه
نجس .فأما الميتة فاتفق العلماء على تحريم ميتة البر ،واختلفوا في ميتة البحببر علببى
ثلثة أقوال :فقال قوم :هي حلل بإطلق؛ وقال قوم :هي حرام بإطلق؛ وقببال قببوم:
ما طفا من السمك حرام ،وما جزر عنه البحر فهو حلل .وسبب اختلفهببم تعببارض
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الثار في هذا الباب ،ومعارضببة عمببوم الكتبباب لبعضببها معارضببة كليببة ،ومببوافقته
لبعضها موافقة جزئية ،ومعارضة بعضها لبعض معارضة جزئية .فأما العمببوم فهببو
قوله تعالى }حرمت عليكم الميتة{ .وأما الثار المعارضة لهذا العموم معارضة كلية
فحديثان :الواحد متفق عليه ،والخر مختلف فيه .أما المتفق عليه فحديث جابر ،وفيه
"إن أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم وجدوا حوتا يسمى العنبببر ،أو دابببة قببد
جزر عنه البحر فأكلوا منه بضعة وعشرين يوما أو شهرا ،ثم قدموا على رسول ال
صلى ال عليه وسلم فأخبروه فقببال :هببل معكببم مبن لحمبه شبيء :فأرسبلوا منببه إلببى
رسول ال صلى ال عليه وسببلم فببأكله" وهببذا إنمببا يعببارض الكتبباب معارضببة كليببة
بمفهومه ل بلفظه .وأما الحديث الثاني المختلف فيه ،فما رواه مالك عن أبببي هريببرة
"أنه سئل عن ماء البحر فقال :هوالطهور ماؤه الحل ميتتببه" .وأمببا الحببديث الموافببق
للعموم موافقة جزئية فما روى إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير عن جابر عن النبي
عليه الصلة والسلم قال "ما ألقى البحر أو جزر عنه فكلببوه ،ومببا طفببا فل تببأكلوه"
وهو حديث أضعف عندهم من حديث مالك .وسبب ضعف حديث مالك أن في رواته
من ل يعرف ،وأنه ورد من طريق واحد؛ قببال أبببو عمببر بببن عبببد البببر :بببل رواتببه
معروفون وقد ورد من طرق .وسبببب ضبعف حبديث جبابر أن الثقبات أوقفبوه علببى
جابر؛ فمن رجح حديث جابر هذا على حديث أبي هريرة لشهادة عموم الكتاب له لببم
يستثن من ذلك إل ما جزر عنه البحر إذ لم يرد في ذلك تعارض؛ ومن رجح حببديث
أبي هريرة قال بالباحة مطلقا .وأما من قال بالمنع مطلقا فمصيرا إلى ترجيح عموم
الكتاب ،وبالباحة مطلقا قال مالك والشافعي ،وبالمنع مطلقا قال أبو حنيفة وقال قببوم
غير هؤلء بالفرق .وأما الخمسة التي ذكر ال مع الميتة فل خلف أن حكمها عندهم
للة وهي التي تأكل النجاسة فاختلفوا في أكلها .وسبب اختلفهم حكم الميتة .وأما الج ّ
معارضة القياس للثر .أما الثر فما روي :أنه عليه الصلة والسلم نهى عن لحببوم
للة وألبانها" خرجه أبو داود عن ابن عمر .وأما القياس المعارض لهذا ،فهببو أن الج ّ
ما يرد جوف الحيوان ينقلب إلى لحم ذلك الحيوان وسائر أجببزائه ،فببإذا قلنببا أن لحببم
الحيوان حلل ،وجب أن يكون لما ينقلب من ذلك حكم ما ينقلب إليه ،وهو اللحم كما
للة ،ومالك يكرهها .وأمببا لو انقلب ترابا ،أو كانقلب الدم لحما ،والشافعي يحرم الج ّ
النجاسة تخالط الحلل فالصل فيه الحديث المشهور من حديث أبي هريرة وميمونببة
"أنه سبئل عليبه الصببلة والسبلم عببن الفبأرة تقببع فببي السبمن فقبال :إن كبان جامببدا
فاطرحوها وما حولها وكلوا الباقي ،وإن كان ذائبا فأريقوه أو ل تقربوه"
وللعلمبباء فبي النجاسبة تخببالط المطعومببات الحلل مببذهبان :أحبدهما مبن يعتببر فببي
التحريم المخالطة فقط وإن لم يتغير للطعام لون ول رائحة ول طعم من قبل النجاسة
التي خالطته وهو المشهور والذي عليه الجمهور .والثاني مذهب من يعتبر فببي ذلببك
التغير ،وهو قبول أهبل الظباهر وروايبة عبن مالبك .وسببب اختلفهبم اختلفهبم فبي
مفهوم الحديث ،وذلك أن منهم من جعله من باب الخاص أريد به الخبباص وهببم أهببل
الظاهر فقالوا :هذا الحببديث يمببر علببى ظبباهره ،وسبائر الشببياء يعتبببر فيهببا تغيرهببا
بالنجاسة أو ل تغيرها بها؛ ومنهم مببن جعلببه مببن ببباب الخبباص أريببد بببه العببام وهببم
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الجمهور فقبالوا :المفهبوم منبه أن بنفبس مخالطبة النجبس ينجبس الحلل ،إل أنبه لبم
يتعلل لهم الفرق بين أن يكون جامدا أو ذائبا لوجود المخالطة في هاتين الحالتين وإن
كانت في إحدى الحالتين أكثر :أعني في حالة الذوبان؛ ويجب على هذا أن يفرق بين
المخالطة القليلة والكثيرة ،فلما لم يفرقوا بينهما فكأنهم اقتصببروا مببن بعببض الحببديث
على ظاهره ،ومن بعضه على القياس عليه ،ولذلك أقرته الظاهرية كله على ظاهره.
وأما المحرمات لعينها ،فمنها ما اتفقوا أيضا عليه ،ومنها ما اختلفوا فيه .فأما المتفببق
منها عليه فاتفق المسلمون منها على اثنين :لحم الخنزير ،والدم .فأما الخنزير فاتفقوا
على تحريم شحمه ولحمه وجلده ،واختلفببوا فببي النتفبباع بشببعره وفببي طهببارة جلببده
مدبوغا وغير مدبوغ ،وقد تقدم ذلك في كتاب الطهارة .وأما الدم فاتفقوا على تحريببم
المسفوح منه من الحيوان المذكى ،واختلفوا في غير المسفوح منه.
وكببذلك اختلفببوا فببي دم الحببوت؛ فمنهببم مببن رآه نجسببا؛ ومنهببم مببن لببم يببره نجسببا،
والختلف في هذا كله موجود في مذهب مالك وخارجا عنببه .وسبببب اختلفهببم فببي
غير المسفوح معارضة الطلق للتقييد ،وذلك أن قوله تعالى }حرمببت عليكببم الميتببة
والدم{ يقتضي تحريم مسفوح الدم وغيبره ،وقبوله تعبالى }أو دمبا مسبفوحا{ يقتضبي
بحسب دليل الخطاب تحريم المسفوح فقط؛ فمن رد المطلببق إلببى المقيببد اشببترط فببي
التحريببم السببفح؛ ومببن رأى أن الطلق يقتضببي حكمببا زائدا علببى التقييببد ،وأن
معارضة المقيد للمطلق إنما هو من باب دليل الخطاب ،والمطلق عام ،والعببام أقببوى
من دليل الخطاب قضى بالمطلق على المقيد ،وقال :يحرم قليل الدم وكثيره .والسببفح
المشترط في حرمية الدم إنمبا هبو دم الحيبوان المبذكى ،أعنبي أنبه البذي يسبيل عنبد
التذكية من الحيوان الحلل الكل .وأما أكل دم يسيل من الحيوان الحي فقليله وكثيره
حرام؛ وكذلك الدم من الحيوان المحببرم الكببل ،وإن ذكببى فقليلببه وكببثيره حببرام ،ول
خلف في هذا .وأما سبب اختلفهببم فببي دم الحببوت فمعارضببة العمببوم للقيبباس .أمببا
العموم فقوله تعالى }والدم{ .وأما القياس فما يمكن أن يتوهم من كون الدم تابعببا فببي
التحريم لميتة الحيوان ،أعني أن ما حرم ميتته حرم دمه ،ومببا حبل ميتتبه حبل دمبه،
ولذلك رأى مالك أن ما ل دم له فليس بميتة .قال القاضي :وقد تكلمنا في هذه المسألة
في كتاب الطهارة ،ويذكر الفقهاء فببي هببذا حببديثا مخصصببا لعمببوم الببدم قببوله عليببه
الصلة والسلم "أحلت لنا ميتتان ودمان" وهذا الحديث في غالب ظني ليس هو فببي
الكتب المشهورة من كتب الحببديث .وأمببا المحرمببات لعينهببا المختلببف فيهببا فأربعببة:
أحدها لحوم السباع مببن الطيببر ومببن ذوات الربببع .والثبباني ذوات الحببافر النسببية.
والثالث لحوم الحيوان المأمور بقتله في الحرم .والرابع لحوم الحيوانات الببتي تعافهببا
النفوس وتستخبثها بالطبع .وحكى أبببو حامببد عببن الشببافعي أنببه يحببرم لحببم الحيببوان
المنهي عن أكله قال :كالخطاف والنحل فيكون هذا جنسا خامسا من المختلف فيه.
@)-فأما المسألة الولى( وهي السباع ذوات الربع ،فببروى ابببن القاسببم عببن مالببك
أنها مكروهة ،وعلى هذا القول عول جمهور أصحابه وهو المنصور عنببدهم؛ وذكببر
مالك في الموطأ ما دليله أنها عنده محرمة ،وذلك أنه قال بعقببب حببديث أبببي هريببرة
عن النبي عليه الصلة والسلم أنه قال "أكل كل ذي ناب من السببباع حببرام" وعلببى
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
ذلك المر عندنا ،وإلى تحريمها ذهب الشافعي وأشهب وأصحاب مالك وأبو حنيفببة،
إل أنهم اختلفوا في جنس السباع المحرمة فقال أبو حنيفة :كل ما أكل اللحم فهو سبببع
حتى الفيل والضبع واليربوع عنده من السباع ،وكذلك السنور؛ وقال الشافعي :يؤكببل
الضبببع والثعلببب ،وإنمببا السببباع المحرمببة الببتي تعببدو علببى النبباس كالسببد والنمببر
والذئب ،وكل القولين في المذهب ،وجمهورهم على أن القرد ل يؤكل ول ينتفع بببه؛
وعند الشافعي أيضا أن الكلببب حبرام ل ينتفببع ببه ،لنبه فهببم مببن النهبي عببن سببؤره
نجاسة عينه .وسبب اختلفهم في تحريببم لحببوم السببباع مببن ذوات الربببع معارضببة
الكتاب للثار ،وذلك أن ظبباهر قببوله }قببل ل أجبد فيمبا أوحبي إلبى إل محرمبا علببى
طاعم يطعمه{ الية ،أن ما عدا المببذكور فببي هببذه اليببة حلل ،وظباهر حبديث أببي
ثعلبة الخشني أنه قال "نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من
السباع إن السباع محرمة" هكذا رواه البخاري ومسلم .وأما مالك فمببا رواه فببي هببذا
المعنى من طريق أبي هريرة هو أبين في المعارضة وهو أن رسبول الب صبلى الب
عليه وسلم قال "أكل كل ذي ناب من السباع حرام" وذلك أن الحديث الول قد يمكن
الجمع بينه وبين الية بأن يحمل النهي المذكور فيه على الكراهية .وأمببا حببديث أبببي
هريرة فليس يمكن الجمع بينه وبين الية إل أن يعتقد أنه ناسببخ لليببة عنببد مببن رأى
أن الزيادة نسخ وأن القرآن ينسخ بالسنة المتواترة .فمن جمع بيببن حببديث أبببي ثعلبببة
والية حمل حديث لحبوم السبباع علبى الكراهيببة .ومببن رأى أن حببديث أبببي هريبرة
يتضمن زيادة على ما في الية حرم لحوم السببباع ،ومببن اعتقببد أن الضبببع والثعلببب
محرمان فاستدل بعموم لفظ السباع؛ ومن خصص من ذلك العادية فمصيرا لما روى
عبد الرحمن ابن عمار قال :سألت جابر بن عببد الب عبن الضببع آكلهبا؟ قبال :نعبم،
قلت :أصيد هي؟ قال :نعم ،قلت :فأنت سمعت ذلك من رسول صلى ال عليه وسببلم؟
قال :نعم .وهذا الحديث وإن كان انفرد به عبببد الرحمببن فهببو ثقببة عنببد جماعببة أئمببة
الحديث ،ولما ثبت من إقراره عليه الصلة والسلم على أكل الضب بين يببديه .وأمببا
سباع الطير ،فالجمهور على أنها حلل لمكان الية المتكررة وحرمها قببوم لمببا جبباء
في حديث ابن عباس أنه قال "نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم عن أكببل كببل ذي
ناب من السباع وكل مخلب من الطير" إل أن هذا الحديث لم يخرجه الشيخان ،وإنما
ذكره أبو داود.
@)-وأما المسألة الثانيببة( وهببي اختلفهببم فببي ذوات الحببافر النسببي :أعنببي الخيببل
والبغال والحمير ،فإن جمهور العلماء على تحريم لحوم الحمر النسية ،إل مببا روي
عن ابن عباس وعائشة أنهما كانا يبيحانها ،وعن مالك أنه كان يكرهها ،روايبة ثانيبة
مثببل قببول الجمهببور؛ وكببذلك الجمهببور علببى تحريببم البغببال ،وقببوم كرهوهببا ولببم
يحرموها ،وهو مروي عن مالك .وأما الخيل فذهب مالك وأبببو حنيفببة وجماعببة إلببى
أنها محرمة؛ وذهب الشافعي وأبو يوسف ومحمد وجماعة إلى إباحتها .والسبببب فببي
اختلفهم في الحمر النسية معارضة الية المذكورة للحبباديث الثابتببة فببي ذلببك مببن
حديث جابر وغيره قال "نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم يببوم خيبببر عببن لحببوم
الحمر الهلية وأذن في لحوم الخيل" فمن جمع بين الية وهببذا الحببديث حملهببا علببى
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الكراهية؛ ومن رأى النسخ قال بتحريم الحمر أو قببال بالزيببادة دون أن يببوجب عنببده
نسخا ،وقد احتج من لم ير تحريمها بما روي عن أبي إسحق الشيباني عببن ابببن أبببي
أوفى قال "أصبنا حمرا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم بخيبر وطبخناهبا ،فنبادى
منادي رسول ال صلى ال عليه وسلم أن أكفئوا القدور بما فيهببا" .قببال ابببن إسببحق:
فذكرت ذلك لسعيد بببن جببير فقببال :إنمببا نهببي عنهبا لنهبا كبانت تأكببل الجلببة .وأمبا
اختلفهم في البغال ،فسببه معارضة دليل الخطاب في قوله تعببالى }والخيببل والبغببال
والحمير لتركبوها وزينة{ وقوله مع أن ذلك من النعام }لتركبوا منها ومنها تأكلون{
للية الحاصرة للمحرمات ،لنه يدل مفهوم الخطاب فيها أن المببباح فببي البغببال إنمببا
هو الركوب مع قيبباس البغببل أيضببا علببى الحمببار .وأمببا سبببب اختلفهببم فببي الخيببل
فمعارضة دليل الخطاب في هذه الية لحديث جابر ،ومعارضببة قيبباس الفببرس علببى
البغل والحمار له ،لكن إباحة لحم الخيل نص في حديث جابر فل ينبغي أن يعببارض
بقياس ول بدليل خطاب.
@)-وأما المسألة الثالثة( وهي اختلفهم في الحيوان المأمور بقتله فببي الحببرم وهببي
الخمس المنصوص عليها :الغراب والحبدأة والعقببرب والفببأرة والكلبب العقبور ،فبإن
قوما فهموا من المر بالقتل لها مع النهي عن قتل البهائم المباحة الكل أن العلببة فببي
ذلك هو كونها محرمة ،وهو مذهب الشافعي؛ وقوما فهموا من ذلك معنببى التعببدي ل
معنى التحريم ،وهببو مببذهب مالببك وأبببي حنيفببة وجمهببور أصببحابهما .وأمببا الجنببس
الرابع ،وهو الذي تستخبثه النفوس كالحشرات والضببفادع والسببرطانات والسببلحفات
وما في معناها ،فإن الشافعي حرمها وأباحها الغير؛ ومنهم مببن كرههبا فقببط .وسببب
اختلفهم اختلفهم في مفهوم ما ينطلق عليه اسببم الخبببائث فببي قببوله تعببالى }ويحببرم
عليهم الخبائث{ فمن رأى أنها المحرمات بنص الشرع لم يحرم من ذلك ما تسببتخبثه
النفوس مما لم يرد فيه نص؛ ومن رأى أن الخبائث هي ما تستخبثه النفوس قال :هي
محرمة .وأما ما حكاه أبو حامد عن الشافعي في تحريمبه الحيبوان المنهبي عبن قتلبه
كالخطاف والنحل زعم فإني لست أدري أين وقعت الثار الببواردة فببي ذلببك ،ولعلهببا
في غير الكتب المشهورة عندنا .وأما الحيببوان البحببري ،فببإن العلمبباء أجمعببوا علببى
تحليل ما لم يكن منه موافقا بالسم لحيوان في البر محرم ،فقال مالبك :ل ببأس بأكبل
جميع حيوان البحر ،إل أنه كره خنزير الماء وقال :أنتببم تسببمونه خنزيببرا ،وببه قبال
ابن أبي ليلى والوزاعي ومجاهد وجمهور العلماء ،إل أن منهم من يشترط في غيببر
السمك التذكية ،وقد تقدم ذلك .وقال الليث بن سعد :أما إنسان الماء وخنزير الماء فل
يؤكلن على شيء من الحالت .وسبب اختلفهم هو هل يتنبباول لغببة أو شببرعا اسببم
الخنزير والنسان خنزير الماء وإنسانه ،وعلى هذا يجب أن يتطببرق الكلم إلببى كببل
حيوان في البحر مشارك بالسم في اللغة أو في العرف لحيوان محرم في البببر مثببل
الكلب عند من يرى تحريمه ،والنظر في هذه المسألة يرجع إلى أمرين :أحببدهما هببل
هذه السماء لغوية؟ والثاني هل للسم المشترك عموم أم ليس لبه؟ فبإن إنسبان المباء
وخنزيره يقالن مع خنزير البر وإنسانه باشتراك السم ،فمببن سببلم أن هببذه السببماء
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
لغوية ورأى أن للسم المشترك عموما لزمه أن يقول بتحريمها ،ولذلك توقببف مالببك
في ذلك وقال :أنتم تسمونه خنزيرا.
فهذه حال الحيوان المحرم الكل في الشرع والحيوان المباح الكل .وأما النبات الذي
هو غذاء فكله حلل إل الخمر وسبائر النببذة المتخبذة مبن العصبارات البتي تتخمبر
ومن العسل نفسه .أما الخمر فإنهم اتفقوا على تحريم قليلها وكثيرها :أعني التي هببي
من عصير العنب .وأما النبذة فإنهم اختلفوا في القليل منها الذي ل يسكر ،وأجمعببوا
على أن المسكر منها حرام ،فقال جمهببور فقهبباء الحجبباز وجمهببور المحببدثين :قليببل
النبذة وكثيرها المسكرة حرام .وقال العراقيون إبراهيم النخعي من التابعين وسببفيان
الثوري وابن أبي ليلى وشريك وابن شبرمة وأبو حنيفة وسائر فقهاء الكوفيين وأكببثر
علماء البصرين :إن المحرم من سببائر النبببذة المسببكرة هببو السببكر نفسببه ل العيببن.
وسبب اختلفهبم تعبارض الثبار والقيسبة فبي هبذا البباب ،فللحجبازيين فبي تثببيت
مذهبهم طريقتان :الطريقة الولى الثار الببواردة فببي ذلببك .والطريقببة الثانيببة تسببمية
النبذة بأجمعها خمرا .فمن أشهر الثار التي تمسك بها أهببل الحجبباز مببا رواه مالببك
عن ابن شهاب عن أبي سلمة عبد الرحمن عن عائشبة أنهبا قبالت "سبئل رسبول الب
صلى ال عليه وسلم عن البتع وعن نبيذ العسل؟ فقال :كل شراب أسكر فهببو حببرام"
خرجه البخبباري .وقببال يحيببى بببن معيببن :هببذا أصببح حببديث روي عببن النبببي عليببه
الصلة والسلم في تحريم المسكر؛ ومنها أيضا ما خرجببه مسببلم عببن ابببن عمببر أن
النبي عليه الصلة والسلم قال "كل مسكر خمر ،وكل خمببر حببرام" فهببذان حببديثان
صحيحان .أما الول فاتفق الكل عليه .وأما الثبباني فببانفرد بتصببحيحه مسببلم .وخببرج
الترمذي وأبو داود والنسائي عن جابر بن عببد الب صبلى الب عليبه وسببلم قببال "مبا
أسكر كثيره فقليله حرام" وهو نص في موضع الخلف .وأما السببتدلل الثبباني مببن
أن النبذة كلها تسمى خمرا ،فلهم في ذلك طريقتان :إحداهما من جهة إثبات السببماء
بطريق الشتقاق ،والثاني من جهة السماع .فأما التي من جهة الشببتقاق فببإنهم قببالوا
إنه معلوم عند أهل اللغة أن الخمر إنما سميت خمرا لمخامرتها العقببل ،فببوجب لببذلك
أن ينطلق اسم الخمر لغة على كل ما خامر العقل.
وهبذه هبي الطريقبة مبن إثببات السبماء فيهبا اختلف بيبن الصبوليين ،وهبي غيبر
مرضية عند الخراسانيين .وأما الطريقة الثانية التي من جهة السماع ،فإنهم قالوا إنببه
وإن لم يسلم لنا أن النبذة تسمى في اللغة خمرا شرعا ،واحتجوا في ذلك بحديث ابن
عمر المتقدم ،وبما روي أيضا عن أبي هريرة أن رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم
قال "الخمر من هاتين الشجرتين :النخلة والعنبة" وما روي أيضا عببن ابببن عمببر أن
رسول ال صلى ال عليه وسلم قال "إن مببن العنببب خمببرا ،وإن مببن العسببل خمببرا،
ومن الزبيب خمرا ،ومن الحنطة خمرا وأنا أنهاكم عن كل مسببكر" فهببذه هببي عمببدة
الحجازيين في تحريم النبببذة .وأمببا الكوفيببون فببإنهم تمسببكوا لمببذهبهم بظبباهر قببوله
تعالى }ومن ثمر النخيل والعناب تتخذون منه سكرا ورزقببا حسببنا{ وبآثببار رووهببا
في هذا الباب ،وبالقياس المعنوي.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
أما احتجاجهم بالية فإنهم قالوا :السكر هو المسكر ولو كان محببرم العيببن لمببا سببماه
ال رزقا حسنا.
وأما الثار التي اعتمدوها في هذا الباب ،فمن أشهرها عندهم حديث أبي عون الثقفي
عن عبد ال بن شداد عن ابن عباس عن النبي عليببه الصببلة والسببلم قببال "حرمببت
عليكم الخمر لعينها" والسكر من غيرها وقالوا :هذا نص ل يحتمل التأويل ،وضببعفه
أهل الحجاز لن بعض رواته روى "والمسكر من غيرها" ومنها حديث شببريك عببن
سماك بن حرب بإسناده عن أبي بردة بن نيار قال :قال رسببول الب صببلى الب عليببه
وسلم "إني كنت نهيتكم عن الشراب في الوعية فاشربوا فيما بببدا لكببم ول تسببكروا"
خرجها الطحاوي .ورووا عن ابن مسعود أنه قال :شهدت تحريم النبيببذ كمببا شببهدتم،
ثم شهدت تحليله فحفظت ونسببيتم .ورووا عببن أبببي موسببى قببال "بعثنببي رسببول الب
صلى ال عليببه وسببلم أنببا ومعبباذا إلببى اليمببن ،فقلنببا :يببا رسببول الب إن بهببا شببرابين
يصنعان من البر والشعير :أحدهما يقال له المزر ،والخر يقال له البتع ،فما نشرب؟
فقال عليه الصلة والسلم :اشربا ول تسكرا" خرجه الطحاوي أيضا إلببى غيببر ذلببك
من الثار التي ذكروها في هذا الباب.
وأما احتجاجهم من جهة النظر فإنهم قالوا :قد نص القرآن أن علة التحريم في الخمر
إنما هي الصد عن ذكر الب ووقببوع العببداوة والبغضبباء كمببا قببال تعببالى }إنمببا يريببد
الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكببر ال ب
وعن الصلة{ وهذه العلة توجد في القدر المسكر ل فيما دون ذلك ،فوجب أن يكببون
ذلك القدر هو الحرام إل ما انعقد عليببه الجمبباع مببن تحريببم قليببل الخمببر وكثيرهببا،
قالوا :وهذا النوع من القياس يلحق بالنص ،وهو القياس الذي ينبه الشرع على العلببة
فيه.
وقال المتأخرون من أهل النظر :حجة الحجازيين مببن طريببق السببمع أقببوى ،وحجببة
العراقيين مبن طريبق القيباس أظهبر .وإذا كبان هبذا كمبا قبالوا فيرجبع الخلف إلبى
اختلفهم في تغليب الثر علببى القيبباس ،أو تغليببب القيبباس علببى الثببر إذا تعارضببا،
وهي مسألة مختلف فيها ،لكن الحق أن الثر إذا كان نصا ثابتببا ،فببالواجب أن يغلببب
على القياس .وأما إذا كان ظاهر اللفظ محتمل للتأويل فهنببا يببتردد النظببر هببل يجمببع
بينهما بأن يتأول اللفظ أو يغلب ظبباهر اللفببظ علببى مقتضببى القيبباس؟ وذلببك مختلببف
بحسب قوة لفظ من اللفاظ الظاهرة ،وقوة قياس من القياسات التي تقابلها ول يببدرك
الفرق بينهما إل بالذوق العقلي كما يبدرك المبوزون مبن الكلم مبن غيبر المبوزون،
وربما كان الذوقان على التساوي؛ ولذلك كثر الختلف في هذا النوع حتى قال كثير
من الناس :كل مجتهد مصيب.
قال القاضي :والذي يظهر لي وال أعلم أن قوله عليه الصببلة والسببلم "كببل مسببكر
حرام" وإن كان يحتمل أن يراد به القدر المسكر ل الجنس المسكر ،فإن ظهوره فببي
تعليق التحريم بببالجنس أغلببب علببى الظببن مببن تعليقببه بالقببدر لمكببان معارضببة ذلببك
القياس له على ما تأوله الكوفيون ،فإنه ل يبعد أن يحرم الشارع قليل المسكر وكثيره
سدا للذريعة وتغليظا ،مع أن الضرر إنما يوجد في الكثير ،وقد ثبت من حال الشببرع
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
بالجماع أنه اعتبر في الخمر الجنس دون القدر الواجب ،فوجب كل مبا وجبدت فيبه
علة الخمر أن يلحق بالخمر ،وأن يكون على من زعم وجود الفرق إقامة الدليل على
ذلك ،هذا إن لم يسلموا لنا صحة قوله عليه الصلة والسلم "مببا أسببكر كببثيره فقليلببه
حرام" فإنهم إن سلموه لم يجدوا انفكاكا فإنه نص في موضبع الخلف ،ول يصبح أن
تعارض النصوص بالمقاييس ،وأيضببا فببإن الشببرع قببد أخبببر أن فببي الخمببر مضببرة
ومنفعة ،فقال تعالى }قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس{ وكان القياس إذا قصببد الجمببع
بين انتقاء المضرة ووجود المنفعة أن يحرم كثيرها ويحلل قليلها؛ فلمببا غلببب الشببرع
حكم المضرة على المنفعببة فبي الخمبر ومنبع القليببل منهبا والكببثير ،وجببب أن يكببون
المر كذلك في كل ما يوجببد فيببه علببى تحريببم الخمببر ،إل أن يثبببت فببي ذلببك فببارق
شرعي.
واتفقوا على أن النتباذ حلل ما لم تحدث فيببه الشببدة المطربببة الخمريببة لقببوله عليببه
الصلة والسلم "فانتبذوا وكل مسكر حرام" ،ولما ثبببت عنببه عليببه الصببلة والسببلم
"أنه كان ينتبذ ،وأنه كان يريقببه فببي اليببوم الثباني أو الثببالث" واختلفببوا فبي ذلبك فببي
مسئلتين :إحداهما :في الواني التي ينتبذ فيها .والثانية :في انتبباذ شبيئين مثبل البسبر
والرطب ،والتمر والزبيب.
@)-فأما المسألة الولى( فإنهم أجمعوا علببى جببواز النتببباذ فببي السببقية ،واختلفببوا
فيما سواها؛ فروى ابن القاسم عن مالك أنه كره النتباذ في الدباء والمزفت ولم يكره
غير ذلك؛ وكره الثوري النتباذ في الدباء والحنتم والنقير والمزفت؛ وقال أبو حنيفببة
وأصحابه :ل بأس بالنتباذ في جميع الظببروف والوانببي .وسبببب اختلفهببم اختلف
الثار في هذا الباب ،وذلك أنه ورد مببن طريببق ابببن عببباس النهببي عببن النتببباذ فببي
الربع التي كرهها الثوري وهو حديث ثابت .وروى مالك عن ابن عمر في الموطببأ
"أن النبي عليه الصلة والسبلم نهبى عبن النتبباذ فبي البدباء والمزفبت" وجباء فبي
حديث جابر عن النبي عليه الصلة والسلم من طريببق شببريك عببن سببماك أنببه قببال
"كنت نهيتكم أن تنبذوا في الدباء والحنتم والنقير والمزفت فانتبذوا ول أحل مسببكرا"
وحديث أببي سببعيد الخببدري الببذي رواه مالبك فبي الموطبأ ،وهببو أنببه عليبه الصبلة
والسلم قال "كنت نهيتكم عببن النتببباذ فانتبببذوا ،وكببل مسببكر حببرام" .فمببن رأى أن
النهي المتقدم الذي نسخ إنما كان نهيا عن النتباذ فببي هببذه الوانببي إذ لببم يعلببم ههنببا
نهي متقدم غير ذلك قال :يجوز النتباذ فببي كببل شببيء؛ ومببن قببال إن النهببي المتقببدم
الذي نسخ إنما كان نهيا عببن النتببباذ مطلقببا قببال :بقببي النهببي عببن النتببباذ فببي هببذه
الواني؛ فمن اعتمد في ذلك حبديث اببن عمبر قبال بباليتين المبذكورتين فيبه؛ ومبن
اعتمد في ذلك حديث ابن عباس قال بالربعة ،لنه يتضمن مزيدا ،والمعارضة بينببه
وبين حديث ابن عمر إنما هي من باب دليل الخطاب .وفببي كتبباب مسببلم النهببي عببن
النتباذ في الحنتم ،وفيه أنه رخص لهم فيه إذا كان غير مزفت.
@)-وأما المسألة الثانية( وهي انتباذ الخليطين ،فإن الجمهور قالوا بتحريم الخليطين
من الشياء التي من شأنها أن تقبل النتباذ؛ وقال قوم :بل النتباذ مكروه؛ وقال قببوم:
هو مباح؛ وقال قوم :كل خليطين فهما حبرام وإن لبم يكونبا ممبا يقبلن النتبباذ فيمبا
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
أحسب الن .والسبب في اختلفهم ترددهم في هل النهببي الببوارد فببي ذلببك هببو علببى
الكراهة أو على الحظر؟ وإذا قلنا إنه على الحظر ،فهل يدل على فسبباد المنهببى عنببه
أم ل؟ وذلببك أنببه ثبببت عنببه عليببه الصببلة والسببلم "أنببه نهببى عببن أن يخلببط التمببر
والزبيب ،والزهو والرطب ،والبسر والزبيب" وفببي بعضببها أنببه قببال عليببه الصببلة
والسلم "ل تنتبذوا الزهو والزبيب جميعا ،ول التمر والزبيببب جميعببا ،وانتبببذوا كببل
واحببد منهمببا علببى حببدة" فيخببرج فببي ذلببك بحسببب التأويببل القاويببل الثلثببة :قببول
بتحريمه ،وقول بتحليله مع الثم في النتباذ ،وقول بكراهية ذلك .وأمببا مببن قببال إنببه
مباح ،فلعله اعتمد في ذلك عموم الثر بالنتباذ في حديث أبي سببعيد الخببدري .وأمببا
من منع كل خليطين ،فإما أن يكون ذهب إلى أن علة المنع هو الختلط ل ما يحدث
عن الختلط من الشدة في النبيذ ،وإما أن يكون قد تمسببك بعمببوم مببا ورد أنببه نهببى
عن الخليطين؛ وأجمعوا على أن الخمر إذا تخللت من ذاتها جاز أكلهببا .واختلفببوا إذا
قصد تخليلهببا علببى ثلثببة أقببوال :التحريببم ،والكراهيببة ،والباحببة .وسبببب اختلفهببم
معارضة القيباس للثبر واختلفهبم فبي مفهبوم الثبر ،وذلبك أن أببا داود خبرج مبن
حديث أنس بن مالك أن أبا طلحة "سأل النبي عليه الصلة والسلم عن أيتببام ورثببوا
خمرا ،فقال :أهرقها ،قال :أفل أجعلها خل؟ قال :ل" فمن فهم مببن المنببع سببد ذريعببة
حمل ذلك على الكراهية؛ ومن فهم النهي لغير علة قال بالتحريم؛ ويخببرج علببى هببذا
أن ل تحريم أيضا على مذهب من يببرى أن النهببي ل يعببود بفسبباد المنهببي .والقيبباس
المعارض لحمل الخل علببى التحريببم أنببه قببد علببم مببن ضببرورة الشببرع أن الحكببام
المختلفببة إنمببا هببي للببذوات المختلفببة ،وأن الخمببر غيببر ذات الخببل ،والخببل بإجمبباع
حلل ،فإذا انتقلت ذات الخمر إلى ذات الخل وجب أن يكون حلل كيفما انتقل.
*)*3الجملة الثانية :في استعمال المحرمات في حال الضطرار(
@-والصببل فببي هببذا الببباب قببوله تعببالى }وقببد فصببل لكببم مببا حببرم عليكببم إل مببا
اضطررتم إليه{ والنظر في هذا الباب في السبب المحلل وفي جنببس الشببيء المحلببل
وفي مقداره .فأما السبب ،فهو ضرورة التغذي :أعني إذا لم يجببد شببيئا حلل يتغببذى
به ،وهو ل خلف فيه .وأما السبببب الثبباني طلببب البببرء ،وهببذا المختلببف فيببه؛ فمببن
أجازه احتج بإباحة النبي عليه الصلة والسلم الحرير لعبد الرحمن بن عوف لمكببان
حكة به؛ ومن منعه فلقوله عليه الصلة والسلم "إن الب لببم يجعببل شببفاء أمببتي فيمببا
حرم عليها" .وأما جنس الشيء المستباح فهو كل شيء محبرم مثبل الميتبة وغيرهبا؛
والختلف في الخمبر عنبدهم هبو مبن قببل التبداوي بهبا ل مبن قببل اسبتعمالها فبي
التغذي ،ولذلك أجببازوا للعطشببان أن يشببربها إن كببان منهببا ري ،وللشببرق أن يزيببل
شرقه بها .وأما مقدار ما يؤكل من الميتببة وغيرهببا فببإن مالكببا قببال :حببد ذلببك الشبببع
والتزود منها حتى يجد غيرها؛ وقال الشافعي وأبو حنيفة :ل يأكل منها إل ما يمسببك
الرمببق ،وبببه قببال بعببض أصببحاب مالببك .وسبببب الختلف هببل المببباح لببه فببي
الضطرار هو جميعها أم ما يمسك الرمق فقط؟ والظبباهر أنببه جميعهببا لقببوله تعببالى
}فمن اضطر غير باغ ول عاد{ واتفق مالببك والشببافعي علببى أنببه ل يحببل للمضببطر
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
أكل الميتة إذا كان عاصيا بسفره لقوله تعالى }غير باغ ول عبباد{ وذهببب غيببره إلببى
جواز ذلك.
)انتهى كتاب الطعمة والشربة(
تم الجزء الول من كتبباب )بدايببة المجتهببد ونهايببة المقتصببد( ويليببه :الجببزء الثبباني،
وأوله :كتاب النكاح.
**1الجزء الثاني.
**2كتاب النكاح
@-بسم ال الرحمن الرحيم.
وأصول هذا الكتاب تنحصر فبي خمسبة أببواب :البباب الول :فببي مقبدمات النكباح.
الباب الثاني :فببي موجبببات صببحة النكبباح .الببباب الثببالث :فببي موجبببات الخيببار فببي
النكاح .الباب الرابع :في حقوق الزوجية .الباب الخامس :في النحكببة المنهببي عنهببا
والفاسدة.
**3الباب الول في مقدمات النكاح.
@-وفي هذا الببباب أربببع مسببائل فببي حكببم النكبباح وفببي حكببم خطبببة النكبباح ،وفببي
الخطبة على الخطبة ،وفي النظر إلى المخطوبة قبل التزويج .فأما حكم النكبباح فقببال
قوم :هو مندوب إليه ،وهم الجمهور؛ وقال أهل الظاهر :هو واجب ،وقالت المتأخرة
من المالكية :هو في حق بعض الناس واجب ،وفي حق بعضببهم منببدوب إليببه ،وفببي
حق بعضهم مباح ،وذلك بحسب ما يخاف على نفسه من العنت .وسبب اختلفهم هل
تحمل صيغة المر به في قوله تعالى }فانكحوا ما طاب لكببم مببن النسبباء{ وفببي قببوله
عليه الصلة والسلم "تناكحوا فإني مكاثر بكببم المببم" ومببا أشبببه ذلببك مببن الخبببار
الواردة في ذلك على الوجوب أم على الندب أم على الباحة .فأمببا مببن قببال إنببه فببي
حق بعض الناس واجب ،وفي حق بعضهم مندوب إليه ،وفي حق بعضهم مباح ،فهو
التفات إلى المصلحة ،وهذا النوع من القياس هببو الببذي يسببمى المرسببل ،وهببو الببذي
ليس له أصل معين يستند إليه ،وقببد أنكببره كبثير مببن العلمبباء ،والظباهر مبن مببذهب
مالك القول به.
وأما خطبة النكاح المروية عن النبي صلى ال عليه وسلم فقال الجمهور إنهببا ليسببت
واجبة ،وقال داود هي واجبة .وسبب الخلف هل يحمل فعله في ذلببك عليببه الصببلة
والسلم على الوجوب أو على الندب :فأما الخطبة على الخطبة ،فإن النهي فببي ذلببك
ثابت عن النبي عليه الصلة والسلم .واختلفوا هل يدل ذلك على فسبباد المنهببي عنببه
أو ل يدل .وإن كان يدل ففي أي حالبة يبدل؟ فقبال داود يفسبخ؛ وقبال الشبافعي وأببو
حنيفة ل يفسخ؛ وعن مالك القولن جميعببا ،وثببالث وهببو أن يفسببخ قبببل الببدخول ول
يفسخ بعده؛ وقال ابن القاسم :إنما معنى النهببي إذا خطببب رجببل صببالح علببى خطبببة
رجل صالح ،وأما إن كان الول غير صالح والثاني صببالح جبباز .وأمببا الببوقت عنببد
الكثر فهو إذا ركن بعضهم إلى بعض ل في أول الخطبة بببدليل حببديث فاطمببة بنببت
قيس "حيث جاءت إلى النبي صلى ال عليه وسلم فذكرت له أن أبببا جهببم بببن حذيفببة
ومعاوية بن أبببي سببفيان خطباهببا ،فقببال :أمببا أبببو جهببم فرجببل ل يرفببع عصبباه عببن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
النساء ،وأما معاوية فصببعلوك ل مبال لببه ،ولكببن انكحببي أسببامة" .وأمببا النظببر إلببى
المرأة عند الخطبة ،فأجاز ذلك مالك إلى الوجه والكفين فقط؛ وأجاز ذلبك غيبره إلببى
جميع البدن عدا السوأتين؛ ومنع ذلك قوم على الطلق؛ وأجاز أبو حنيفة النظر إلى
القدمين مع الوجه والكفين .والسبب في اختلفهم أنه ورد المر بالنظر إليهن مطلقببا،
وورد بالمنع مطلقا ،وورد مقيدا :أعني بالوجه والكفين على ما قاله كثير من العلمبباء
في قوله تعالى }ول يبدين زينتهن إل ما ظهر منها{ إنه الوجه والكفان ،وقياسا علببى
جواز كشفهما في الحج عند الكثر ،ومن منع تمسك بالصل وهو تحريم النظر إلببى
النساء.
**3الباب الثاني في موجبات صحة النكاح.
@-وهذا الباب ينقسم إلى ثلثة أركان :الركبن الول :فبي معرفبة كيفيبة هبذا العقبد.
الركن الثاني :في معرفة محل هذا العقد .الثالث :في معرفة شروط هذا العقد.
@)-الركن الول( في الكيفية .والنظر في هذا الركن في مواضببع :فببي كيفيببة الذن
المنعقد به ،ومن المعتبر رضاه في لزوم هذا العقد ،وهل يجوز عقده على الخيببار أم
ل يجوز؟ وهل إن تراخى القبول من أحد المتعاقببدين لببزم ذلببك العقببد ،أم مببن شببرط
ذلك الفور؟
@)-الموضع الول( الذن في النكبباح علببى ضببربين :فهببو واقببع فببي حببق الرجببال
والثيب من النساء باللفاظ ،وهو في حق البكار المستأذنات واقببع بالسببكوت :أعنببي
الرضببا .وأمببا الببرد فببباللفظ ول خلف فببي هببذه الجملببة إل مببا حكببي عببن أصببحاب
الشافعي أن أذن البكر إذا كان المنكح غير أب ول جد بالنطق ،وإنما صار الجمهببور
إلى أن إذنها بالصمت للثابت من قوله عليه الصلة والسلم " اليم أحق بنفسببها مببن
وليها ،والبكر تستأمر في نفسها وإذنها صماتها" واتفقوا على أن انعقبباد النكبباح بلفببظ
النكاح ممن إذنه اللفظ ،وكذلك بلفظ التزويج .واختلفوا في انعقاده بلفظ الهبة أو بلفببظ
البيع أو بلفظ الصدقة ،فأجازه قبوم ،وببه قبال مالبك وأببو حنيفبة؛ وقبال الشبافعي :ل
ينعقد إل بلفظ النكاح أو التزويج .وسبب اختلفهم هل هببو عقببد يعتبببر فيببه مببع النيببة
اللفظ الخاص به؟ ام ليس من صحته اعتبار اللفببظ؟ فمببن ألحقببه بببالعقود الببتي يعتبببر
فيها المران قال :ل نكاح منعقد إل بلفظ النكاح أو التزويج؛ ومن قال :إن اللفظ ليس
من شرطه اعتبارا بما ليس مببن شببرطه اللفببظ أجبباز النكبباح بببأي لفببظ اتفببق إذا فهببم
المعنى الشرعي من ذلك ،أعني أنه إذا كان بينه وبين المعنى الشرعي مشاركة.
@)-الموضع الثاني( وأما من المعتبر قبوله فببي صببحة هببذا العقببد ،فببإنه يوجببد فببي
الشرع على ضربين :أحببدهما يعتبببر فيببه رضببا المتنبباكحين أنفسببهما :أعنببي الببزوج
والزوجة ،إما مع الولي ،وإما دونه على مذهب من ل يشترط الولي في رضا المرأة
المالكة أمر نفسها .والثاني يعتبر فيه رضا الولياء فقط ،وفببي كببل واحببد مببن هببذين
الضربين مسببائل اتفقببوا عليهببا ،ومسببائل اختلفببوا فيهببا ،ونحببن نببذكر منهببا قواعببدها
وأصولها فنقول :أما الرجال البالغون الحببرار المببالكون لمببر أنفسببهم فببإنهم اتفقببوا
على اشتراط رضاهم وقبولهم في صحة النكاح .واختلفوا هل يجبر العبد على النكاح
سيده والوصي محجوره البالغ أم ليس يجبببره؟ فقببال مالببك :يجبببر السببيد عبببده علببى
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
النكاح ،وبه قبال أبببو حنيفببة .وقبال الشببافعي :ل يجبببره .والسببب فببي اختلفهببم هببل
النكبباح مببن حقببوق السببيد أم ليببس مببن حقببوقه؟ وكببذلك اختلفببوا فببي جبببر الوصببي
محجببوره ،والخلف فببي ذلببك موجببود فببي المببذهب .وسبببب اختلفهببم هببل النكبباح
مصلحة من مصالح المنظور له أم ليس بمصلحة وإنما طريقببه الملذ؟ وعلببى القببول
بأن النكاح واجب ينبغي أن ل يتوقف في ذلك .وأما النساء اللتي يعتبر رضاهن في
النكاح ،فاتفقوا على اعتبار رضا الثيب البالغ لقببوله عليببه الصببلة والسببلم "والببثيب
تعرب عن نفسها" إل ما حكى عن الحسن البصري .واختلفوا فبي البكبر الببالغ وفبي
الثيب الغير البالغ ما لم يكن ظهر منها الفساد .فأما البكر البالغ فقال مالببك والشببافعي
وابببن أبببي ليلببى :للب فقببط أن يجبرهببا علببى النكبباح؛ وقببال أبببو حنيفببة والثببوري
والوزاعي وأبو ثور وجماعة :ل بد من اعتببار رضباها؛ ووافقهبم مالبك فبي البكبر
المعنسة على أحد القولين عنببه .وسبببب اختلفهببم معارضببة دليببل الخطبباب فببي هببذا
للعموم ،وذلك أن ما روي عنه عليه الصلة والسلم مببن قببوله" :ل تنكببح اليتيمببة إل
بإذنها" وقوله "تسببتأمر اليتيمببة فببي نفسببها" أخرجببه أبببو داود ،والمفهببوم منببه بببدليل
الخطاب أن ذات الب بخلف اليتيمة ،وقوله عليه الصببلة والسببلم فببي حببديث ابببن
عباس المشهور "والبكر تستأمر" يوجب بعمومه اسببتئمار كببل بكببر .والعمببوم أقببوى
من دليل الخطاب ،مع أنه خرج مسلم في حديث ابن عباس زيادة ،وهو أنه قال عليه
الصلة والسلم" :والبكر يستأذنها أبوها" وهو نص في موضع الخلف .وأما الببثيب
الغير البالغ ،فإن مالكا وأبا حنيفة قال :يجبرها الب على النكاح؛ وقببال الشببافعي :ل
يجبرها ،وقال المتأخرون :إن في المذهب فيها ثلثة أقوال :قول إن الب يجبرها مببا
لم تبلبغ بعبد الطلق ،وهبو قبول أشبهب؛ وقبول إنبه يجبرهبا وإن بلغبت ،وهبو قبول
سحنون؛ وقوله إنه ل يجبرها وإن لم تبلغ ،وهو قول أبببي تمببام؛ والببذي حكينبباه عببن
مالك هو الذي حكاه أهل مسائل الخلف كابن القصار وغيره عنه.
وسبب اختلفهم معارضة دليل الخطاب للعموم ،وذلك أن قوله عليه الصلة والسببلم
"تستأمر اليتيمببة فببي نفسببها ول تنكببح اليتيمببة إل بإذنهببا" يفهببم منببه أن ذات الب ل
تستأمر إل ما أجمع عليببه الجمهببور مببن اسببتئمار الببثيب البببالغ ،وعمببوم قببوله عليببه
الصلة والسلم "الثيب أحق بنفسها مببن وليهببا" يتنبباول البببالغ وغيببر البببالغ ،وكببذلك
قوله "ل تنكح اليم حتى تستأمر ول تنكح حتى تستأذن" يببدل بعمببومه علببى مببا قبباله
الشافعي .ولختلفهببم فببي هبباتين المسببئلتين سبببب آخببر ،وهببو اسببتنباط القيبباس مببن
موضع الجماع ،وذلك أنهم لما أجمعوا على أن الب يجبر البكر غيببر البببالغ ،وأنببه
ل يجبر الثيب البالغ إل خلفا شاذا فيهما جميعا كما قلنا اختلفوا فبي مبوجب الجببار
هل هو البكارة أو الصغر؟ فمن قال الصببغر قببال :ل تجبببر البكببر البببالغ؛ ومببن قببال
البكارة قال :تجبر البكر البالغ ول تجبر الثيب الصغيرة؛ ومن قببال كببل واحببد منهمببا
يوجب الجبار إذا انفرد قال :تجبر البكر البالغ والببثيب غيببر البببالغ ،والتعليببل الول
تعليل أبي حنيفة ،والثاني تعليل الشافعي ،والثالث تعليل مالك ،والصول أكثر شهادة
لتعليل أبي حنيفة .واختلفوا في الثيوبة التي ترفع الجبار وتوجب النطببق بالرضببا أو
الرد ،فذهب مالك وأبو حنيفة إلى أنها الثيوبة التي تكون بنكاح صحيح أو شبهة نكاح
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
أو ملك ،وأنها ل تكون بزنى ول بغصب؛ وقال الشافعي :كببل ثيوبببة ترفببع الجبببار.
وسبب اختلفهم هل يتعلق الحكم بقوله عليه الصلة والسلم "الثيب أحق بنفسها مببن
وليها" بالثيوبة الشرعية أم بالثيوبة اللغوية؟.
واتفقوا على أن الب يجبر ابنه الصغير على النكاح ،وكذلك ابنتببه الصببغيرة البكببر،
ول يستأمرها لما ثبت "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم تزوج عائشببة رضببي الب
عنها بنت ست أو سبع وبنى بها بنت تسع بإنكاح أبي بكر أبيها رضي البب عنببه" إل
ما روي من الخلف عن ابن شبرمة .واختلفوا من ذلببك فببي مسببئلتين :إحببداهما هببل
يزوج الصغيرة غير الب؟ والثانية هل يزوج الصغير غيببر الب؟ فأمببا هببل يببزوج
الصغيرة غير الب أم ل؟ فقال الشافعي :يزوجها الجبد أببو الب والب فقبط؛ وقبال
مالك :ل يزوجهبا إل الب فقبط ،أو مبن جعبل الب لببه ذلببك إذا عيببن البزوج إل أن
يخاف عليها الضيعة والفساد؛ وقال أبببو حنيفببة :يببزوج الصببغيرة كببل مببن لببه عليهببا
ولية من أب وقريب وغير ذلك ،ولها الخيار إذا بلغت،
وسبببب اختلفهببم معارضببة العمببوم للقيبباس ،وذلببك أن قببوله عليببه الصببلة والسببلم
"والبكر تسبتأمر وإذنهبا صبماتها" يقتضبي العمبوم فبي كبل بكبر إل ذات الب البتي
خصصها الجمبباع ،إل الخلف الببذي ذكرنبباه ،وكببون سببائر الوليبباء معلومببا منهببم
النظر والمصلحة لوليتهم يوجب أن يلحقوا بالب في هذا المعنى ،فمنهم من ألحق به
جميع الولياء ومنهم من ألحق به الجد فقط ،لنه في معنببى الب إذ كببان أبببا أعلببى،
وهو الشافعي؛ ومن قصر ذلببك علببى الب رأى أن مببا للب فببي ذلببك غيببر موجببود
لغيره ،إما من قبل أن الشرع خصبه ببذلك ،وإمبا مبن قببل أن يوجبد فيبه مبن الرأفبة
والرحمة ل يوجد في غيره ،وهو الذي ذهب إليه مالك رضببي ال ب عنببه ،ومببا ذهببب
إليه أظهر }وال أعلم{ إل أن يكون هنالك ضرورة .وقد احتج الحنفيببة بجببواز إنكبباح
الصغار غير الباء بقوله تعبالى }فببإن خفتببم أن ل تقسببطوا فببي اليتببامى فببانكحوا مببا
طاب لكم من النساء{ قال :واليببتيم ل ينطلببق إل علببى غيببر البالغببة .والفريببق الثبباني
قالوا :إن اسم اليتيم قد ينطلق على بالغة بدليل قببوله عليببه الصببلة والسببلم "تسببتأمر
اليتيمة" والمستأمرة هي من أهل الذن وهي البالغة ،فيكببون لختلفهببم سبببب آخببر،
وهو اشتراك اسم اليتيم؛ وقد احتج أيضا من لم يجز نكاح غير الب لهببا بقببوله عليببه
الصببلة والسببلم "تسببتأمر اليتيمببة فببي نفسببها" قببالوا :والصببغيرة ليسببت مببن أهببل
الستئمار باتفاق ،فوجب المنع ،ولولئك أن يقولوا :إن هذا حكم اليتيمة التي هي مببن
أهل الستئمار ،وأما الصغيرة فمسببكوت عنهببا .وأمببا :هببل يببزوج الببولي غيببر الب
الصغير؟ فإن كان مالكا أجازه للوصي؛ وأبا حنيفة أجازه للوليبباء ،إل أن أبببا حنيفببة
أوجب الخيار له إذا بلببغ ،ولببم يببوجب ذلببك مالببك؛ وقببال الشببافعي :ليببس لغيببر الب
إنكاحه .وسبب اختلفهم قياس غير الب في ذلك على الب .فمببن رأى أن الجتهبباد
الموجود فيه الذي جاز للب به أن يزوج الصغير من ولده ل يوجد في غير الب لم
يجز ذلك؛ ومن رأى أنببه يوجببد فيببه أجبباز ذلببك؛ ومببن فببرق بيببن الصببغير فببي ذلببك
والصغيرة فلن الرجل يملك الطلق إذا بلغ ول تملكه المرأة ،ولذلك جعل أبو حنيفة
لهما الخيار إذا بلغا.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
@)-وأما الموضع الثالث( وهو هل يجوز عقد النكبباح علببى الخيببار ،فببإن الجمهببور
على أنه ل يجوز؛ وقال أبو ثور يجوز .السبب في اختلفهم تردد النكاح بيبن البببيوع
التي ل يجوز فيها الخيار ،والبيوع التي يجوز فيها الخيبار ،أو نقبول إن الصبل فبي
العقود أن ل خيار إل ما وقع عليه النص وعلى المثبببت الخيببار الببدليل ،أو نقببول إن
أصل منع الخيار )هكذا هذه العبارة بالصول ،وليس لها معنببى واضببح( فببي البببيوع
هو الغرر والنكحببة ل غبرر فيهبا ،لن المقصببود بهببا المكارمببة ل المكايسبة ،ولن
الحاجة إلى الخيار والرؤية في النكاح أشد منه في البببيوع .وأمببا تراخببي القبببول مببن
أحد الطرفين عن العقد ،فأجاز مالك من ذلك التراخي اليسببير ،ومنعببه قببوم ،وأجببازه
قوم ،وذلك مثل أن ينكح الولي امرأة بغير إذنها ،فيبلغها النكاح فتجيزه ،وممببن منعببه
مطلقا الشافعي ،وممن أجازه مطلقا أبو حنيفة وأصحابه ،والتفرقة بين المر الطويببل
والقصير لمالك .وسبب الخلف هل من شرط النعقاد وجود القبببول مببن المتعاقببدين
في وقت واحد معا ،أم ليس ذلك شرطه؟ ومثل هذا الخلف عرض في البيع.
@)-الركن الثاني :في شروط العقد( وفيه ثلثة فصول :الفصل الول :في الوليبباء.
الثاني :في الشهود .الثالث :في الصداق.
**4الفصل الول في الولياء
@-والنظر في الولياء في مواضع أربعببة :الول :فببي اشببتراط الوليببة فببي صببحة
النكاح .الموضع الثاني :في صفة الولي .الثالث :في أصببناف الوليبباء وترتيبهببم فببي
الولية ،وما يتعلق بذلك .الرابع :فببي عضببل الوليبباء مببن يلببونهم ،وحكببم الختلف
الواقع بين الولي والمولى عليه.
@)-الموضع الول( اختلف العلماء هل الولية شرط مببن شببروط صببحة النكبباح أم
ليست بشرط؟ فذهب مالك إلى أنه ل يكون نكاح إل بولي ،وأنهببا شببرط فببي الصببحة
في رواية أشهب عنه ،وبه قال الشافعي؛ وقال أبو حنيفة وزفر والشببعبي والزهببري:
إذا عقدت المرأة نكاحها بغير ولي وكان كفؤا جبباز؛ وفببرق داود بيببن البكببر والببثيب
فقال باشتراط الولي في البكر وعدم اشتراطه في الببثيب .ويتخببرج علببى روايببة ابببن
القاسم عن مالك في الولية قول رابع أن اشتراطها سببنة ل فببرض ،وذلببك أنببه روى
عنه أنه كان يرى الميراث بين الزوجين بغير ولي ،وأنه يجوز للمرأة غيببر الشببريفة
أن تستخلف رجل من الناس على إنكاحها ،وكان يستحب أن تقدم البثيب وليهبا ليعقبد
عليها ،فكأنه عنده من شروط التمام ل من شروط الصحة ،بخلف عبارة البغببداديين
من أصحاب مالك ،أعني أنهم يقولون إنها من شروط الصحة ل مببن شببروط التمببام.
وسبب اختلفهم أنه لم تأت آية ول سنة هي ظاهرة فببي اشببتراط الوليببة فببي النكبباح
فضل عن أن يكون في ذلك نص ،بل اليات والسنن الببتي جببرت العببادة بالحتجبباج
بها عند من يشترطها هي كلها محتملة ،وكذلك اليببات والسببنن الببتي يحتببج بهببا مببن
يشترط إسقاطها هي أيضا محتملة في ذلك ،والحاديث مع كونها محتملة في ألفاظها
مختلف في صحتها إل حديث ابن عباس وإن كان المسقط لها ليببس عليببه دليببل ،لن
الصل براءة الذمة ،ونحن نورد مشهور ما احتج به الفريقان ونبببين وجببه الحتمببال
في ذلك ،فمن أظهر ما يحتج به من الكتاب من اشترط الولية قوله تعالى }فإذا بلغببن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
أجلهن فل تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن{ قالوا :وهذا خطاب للولياء ،ولم لببم يكببن
لهم حق في الولية لما نهوا عن العضل ،وقوله تعالى }ول تنكحببوا المشببركين حببتى
يؤمنوا{ قبالوا :وهببذا خطبباب للوليبباء أيضببا؛ ومببن أشببهر مببا احتببج بببه هببؤلء مببن
الحاديث ما رواه الزهري عن عروة عن عائشة قببالت :قببال رسببول الب صببلى الب
عليه وسلم "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلث مببرات ،وإن دخببل
بها فالمهر لها بما أصاب منها ،فإن اشتجروا فالسلطان ولي من ل ولببي لببه" خرجببه
الترمذي وقال فيه :حديث حسن وأما من احتج به من لم الولية من الكتبباب والسببنة،
فقوله تعالى }فل جناح عليكم فيما فعلببن فببي أنفسببهن بببالمعروف{ قببالوا :وهببذا دليببل
على جواز تصرفها في العقد على نفسها .وقالوا :وقد أضاف إليهن في غيببر مببا آيببة
من الكتاب الفعل فقال }أن ينكحن أزواجهن{ وقال }حتى تنكح زوجا غيره{ .
وأما من السنة فباحتجوا بحبديث اببن عبباس المتفبق علبى صبحته ،وهبو قبوله عليبه
الصلة والسبلم "اليببم أحببق بنفسببها مببن وليهببا ،والبكببر تسببتأمر فببي نفسببها وإذنهبا
صماتها" وبهذا الحديث احتج داود في الفرق عنده بين الثيب والبكر في هذا المعنى،
فهذا مشهور ما احتج به الفريقان من السماع .فأما قوله تعالى }فإذا بلغببن أجلهببن فل
تعضلوهن{ فليس فيه أكثر من نهى قرابة المرأة وعصبتها مببن أن يمنعوهببا النكبباح،
وليس نهيهم عن العضل مما يفهم منه اشببتراط إذنهببم فببي صببحة العقببد ل حقيقببة ول
مجازا ،أعني بوجه من وجوه أدلة الخطاب الظاهرة أو النص ببل قبد يمكبن أن يفهبم
منه ضد هذا ،وهو أن الولياء ليس لهم سبيل على مببن يلببونهم ،وكببذلك قببوله تعببالى
}ول تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا{ هو أن يكون خطابا لولي المر مببن المسببلمين
أو لجميع المسلمين أحرى منه أن يكون خطابا للولياء ،وبالجملة فهو متردد بيببن أن
يكون خطابا للولياء .أو لولي المر ،فمن احتج بهذه الية فعليببه البيببان أنببه أظهببر
في خطاب الولياء منه فبي أولبي المبر ،فبإن قيبل إن هبذا عبام والعبام يشبمل ذوي
المر والولياء قيل إن هذا الخطاب إنما هو خطاب بالمنع والمنع بالشببرع ،فيسببتوي
فيه الولياء وغيرهم ،وكون الولي مأمورا بالمنع بالشرع ل يوجب له وليببة خاصببة
في الذن أصله الجنبي ،ولو قلنا أنه خطاب للولياء يوجب اشتراط إذنهم في صحة
النكبباح لكببان مجمل ل يصببح بببه عمببل ،لنببه ليببس فيببه ذكببر أصببناف الوليبباء ول
صفاتهم ومراتبهم ،والبيان ل يجوز تأخيره عن وقت الحاجة ،ولو كان فببي هببذا كلببه
شرع معروف لنقل تواترا أو قريبا من التواتر ،لن هذا مما تعم به البلببوى ،ومعلببوم
أنه كان في المدينة من ل ولي له ،ولم ينقل عنه صلى ال عليه وسببلم أنببه كببان يعقببد
أنكحتهم ول ينصب لذلك من يعقدها ،وأيضا فإن المقصود مببن اليببة ليببس هببو حكببم
الولية وإنما المقصود منها تحريم نكاح المشببركين والمشببركات وهببذا ظبباهر ،والب
أعلم .وأما حديث عائشة فهو حديث مختلف في وجوب العمل به ،والظهر أن مببا ل
يتفق على صحته أنه ليس يجب العمل به .وأيضا فإن سلمنا صحة الحديث فليس فيببه
إل اشتراط إذن الولي لمن لها ولي :أعني المولى عليها ،وإن سلمنا أنه عببام فببي كببل
امرأة فليس فيه أن المرأة ل تعقد على نفسها ،أعني أن ل تكون هي الببتي تلببى العقببد
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
بل الظهر منه إنه إذا أذن الولي لها جاز أن تعقببد علببى نفسببها دون أن تشببترط فببي
صحة النكاح إشهاد الولي معها.
وأما ما احتج به الفريق الخر من قوله تعالى }فل جناح عليكببم فيمببا فعلببن بأنفسببهن
من معروف{ فإن المفهوم منه النهي عببن التببثريب عليهببن فيمببا اسببتبددن بفعلببه دون
أوليائهن ،وليس ههنا شببيء يمكببن أن تسببتبد بببه المببرأة دون الببولي إل عقببد النكبباح،
فظاهر هذه اليبة }والب أعلبم{ أن لهبا أن تعقبد النكباح وللوليباء الفسبخ إذا لبم يكبن
بالمعروف وهو الظاهر من الشببرع إل أن هببذا لببم يقببل بببه أحببد ،وأن يحتببج ببعببض
ظاهر الية على رأيهم ول يحتج ببعضها فيه ضعف .وأما إضافة النكاح إليهن فليس
فيه دليل على اختصاصهن بالعقد ،لكن الصل هببو الختصبباص إل أن يقببوم الببدليل
على اختلف ذلك .وأما حديث ابن عباس فهو لعمري ظبباهر فببي الفببرق بيببن الببثيب
والبكر ،لنه إذا كان كل واحد منهما يستأذن ويتولى العقد عليهما الببولي فبمبباذا ليببت
شعري تكون اليم أحق بنفسها من وليها؟
وحديث الزهري هو أن يكون موافقا هذا الحديث أحرى من أن يكببون معارضببا لببه،
ويحتمل أن تكون التفرقة بينهما في السكوت والنطق فقط ،ويكون السكوت كافيا فببي
العقد والحتجاج بقوله تعالى }فل جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف{ هببو
أظهر فببي أن المبرأة تلبي العقببد مببن الحتجبباج بقببوله }ول تنحكببوا المشبركين حببتى
يؤمنوا{ على أن الولي هو الذي يلي العقد .وقد ضعفت الحنفية حديث عائشة ،وذلببك
أنه حديث رواه جماعة عن ابن جريج عن الزهري ،وحكى ابن علية عن ابن جريج
أنه سأل الزهري عنه فلم يعرفه ،قببالوا :والببدليل علببى ذلببك أن الزهببري لببم يشببترط
الولية ول الولية من مذهب عائشة .وقد احتجوا أيضا بحديث ابببن عببباس أنببه قببال
"ل نكاح إل بولي وشاهدي عدل" ولكنه مختلف في رفعه .وكذلك اختلفوا أيضببا فببي
صحة الحديث الوارد "في نكاح النبي عليه الصلة والسلم أم سلمة وأمره لبنهببا أن
ينكحها إياه".
وأما احتجاج الفريقين من جهة المعاني فمحتمل ،وذلك أنه يمكببن أن يقببال إن الرشببد
إذا وجد في المرأة اكتفى به في عقد النكاح كما يكتفي بببه فببي التصببرف فببي المببال،
ويشبه أن يقال إن المرأة مائلة بالطبع إلى الرجال أكثر من ميلها إلى تبذير المببوال،
فاحتاط الشرع بأن جعلها محجورة في هذا المعنى على التأبيد ،مع أن ما يلحقها مببن
العار في إلقاء نفسها في غير موضع كفاءة إلى أوليائها ،لكن يكفي في ذلك أن يكون
للولياء الفسخ أو الحسبة ،والمسألة محتملة كما ترى ،لكن الذي يغلب على الظن أنه
لو قصد الشارع اشتراط الولية لبين جنس الولياء وأصنافهم ومراتبهببم ،فببإن تببأخر
البيان عن وقت الحاجة ل يجبوز ،فبإذا كبان ل يجبوز عليبه ،عليبه الصبلة والسبلم
تأخير البيان عن وقت الحاجة وكان عموم البلوى في هببذه المسببألة يقتضببي أن تنقببل
اشتراط الولية عنه صلى ال عليه وسلم تواترا أو قريبا من التواتر ثم لم ينقببل ،فقببد
يجب أن يعتقد أحبد أمريبن :إمبا أنبه ليسبت الوليبة شبرطا فبي صبحة النكباح وإنمبا
للولياء الحسبة في ذلك ،وأما إن كان شرطا فليس من صحتها تمييز صببفات الببولي
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وأصنافهم ومراتبهم ،ولذلك يضعف قبول مبن يبطبل عقبد البولي البعبد مبع وجبوب
القرب.
@)-الموضع الثاني( وأما النظر في الصفات الموجبببة للوليببة والسببالبة لهببا ،فببإنهم
اتفقوا على أن من شرط الولية السلم والبلوغ والذكورة ،وأن سوالبها أضداد هذه:
أعني الكفر والصغر والنوثة؛ واختلفوا في ثلثة :في العبببد والفاسببق والسببفيه .فأمببا
العبببد فببالكثر علببى منببع وليتببه ،وجوزهببا أبببو حنيفببة :وأمببا الرشببد فالمشببهور فببي
المذهب :أعني عند أكثر أصحاب مالك أن ذلك ليس من شرطها :أعني الولية ،وبببه
قال أبو حنيفبة؛ وقبال الشبافعي :ذلببك مببن شببرطها؛ وقببد روى عببن مالببك مثببل قبول
الشافعي ،وبقول الشافعي قال أشهب وأبو مصعب .وسبب الخلف تشبيه هذه الولية
بولية المال؛ فمن رأى أنه قد يوجب الرشد في هذه الولية مع عدمه في المال قببال:
ليس من شرطه أن يكون رشيدا في المببال؛ ومببن رأى أن ذلببك ممتنببع الوجببود قببال:
لبد من الرشد في المال ،وهما قسمان كمببا تببرى ،أعنببي أن الرشببد فببي المببال غيببر
الرشد في اختيار الكفباءة لهبا .وأمبا العدالبة فإنمبا اختلفبوا فيهبا مبن جهبة أنهبا نظبر
للمعنى :أعني هذه الولية ،فل يؤمن مع عدم العدالببة أن ل يختببار لهببا الكفبباءة .وقببد
يمكن أن يقال إن الحالة التي بها يختار الولياء لمولياتهم الكفببء غيببر حالببة العدالببة
وهي خببوف لحببوق العببار بهببم ،وهببذه هببي موجببودة بببالطبع وتلببك العدالببة الخببرى
مكتسبة ،ولنقص العبد يدخل الخلف في وليته كما يدخل في عدالته.
@)-الموضع الثالث( وأمبا أصبناف الوليبة عنبد القبائلين بهبا فهبي نسبب وسبلطان
ومولى أعلى وأسفل ،ومجرد السلم عند مالبك صببفة تقتضبي الوليببة علبى الدنينببة
]هكذا في نسختنا ،فليصحح؟؟[ .واختلفببوا فببي الوصببي؛ فقببال مالببك :يكببون الوصببي
وليا ،ومنع ذلك الشافعي .وسبب اختلفهم هببل صببفة الوليببة ممببا يمكببن أن يسببتناب
فيها ،أم ليس يمكن ذلك؟ .ولهذا السبب بعينببه اختلفببوا فببي الوكالببة فببي النكبباح ،لكببن
الجمهور على جوازها إل أبا ثببور ،ول فببرق بيببن الوكالببة واليصبباء ،لن الوصببي
وكيل بعد الموت ،والوكالة تنقطع بالموت .واختلفوا في ترتيببب الوليبة مببن النسببب،
فعند مالك أن الولية معتبرة بالتعصيب إل البن ،فمن كان أقرب عصبببة كببان أحببق
بالولية ،والبناء عنده أولى وإن سفلوا ثم الباء ثببم الخببوة للب والم ثببم للب ثببم
بنو الخوة للب والم ثم للب فقط ثم الجداد للب وإن علوا .وقال المغيببرة :الجببد
وأبوه أولى من الخ وابنه ليس من أصل )هكذا بالصببل ،ولعبل صبوابه :لنببه ليببس
بأصبل ،فليتأمبل ،ا هبب مصبححه( .ثبم العمومبة علبى ترتيبب الخبوة وإن سبفلوا ثبم
المولى ثم السلطان والمولى العلى عنده أحق من السفل ،والوصي عنده أولببى مببن
ولي النسب :أعني وصي الب واختلف أصحابه فيمن هو أولى وصي الب أو ولببي
النسب؟ فقال ابن القاسم الوصي أولى ،مثل قببول مالببك؛ وقببال ابببن الماجشببون وابببن
عبد الحكم :الولي أولى؛ وخالف الشافعي مالكا فببي وليببة البنببوة فلببم يجزهببا أصببل،
وفي تقديم الخوة على الجد فقال :ل وليببة للبببن؛ وروى عببن مالببك أن الب أولببى
من البن وهو أحسن؛ وقال أيضا :الجد أولى من الخ ،وبه قال المغيببرة؛ والشببافعي
اعتبر التعصيب ،أعني أن الولد ليس من عصبتها لحديث عمببر "ل تنكببح المببرأة إل
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان" ولم يعتبره مالك في البببن لحببديث أم
سلمة "أن النبي صلى ال عليه وسلم أمر ابنها أن ينكحها إياه" ولنهببم اتفقببوا :أعنببي
مالكا والشافعي على أن البن يببرث الببولء الببواجب للم ،والببولء عنببدهم للعصبببة.
وسبب اختلفهم في الجد هو اختلفهببم فيمببن هببو أقببرب هببل الجببد أو الخ؟ ويتعلببق
بببالترتيب ثلث مسببائل مشببهورة :أحببدها :إذا زوج البعببد مببع حضببور القببرب.
والثانية :إذا غاب القرب هل تنتقل الولية إلى البعد أو إلى السلطان؟ .والثالثببة :إذا
غاب البن عن ابنته البكر هل تنتقل الولية أو ل تنتقل؟.
@)-فأما المسألة الولى( فاختلف فيهببا قببول مالببك ،فمببرة قببال :إن زوج البعببد مببع
حضور القرب فالنكاح مفسوخ ،ومرة قببال :النكبباح جببائز ،ومببرة قببال :للقببرب أن
يجيز أو يفسخ ،وهذا الخلف كله عنده فيما عدا الب في ابنتببه البكببر والوصببي فببي
محجورته ،فإنه ل يختلف قوله إن النكاح في هذين مفسوخ ،أعني تزويج غيببر الب
البنت البكر مع حضور الب أو غير الوصي المحجورة مع حضور الوصببي؛ وقببال
الشببافعي :ل يعقببد أحببد مببع حضببور الب ل فببي بكببر ول فببي ثيببب .وسبببب هببذا
الختلف هو هل الترتيب حكم شرعي :أعني ثابتا بالشرع في الولية ،أم ليس بحكم
شرعي؟ وإن كان حكما فهل ذلك حبق مبن حقبوق البولي القبرب ،أم ذلبك حبق مبن
حقوق ال؟ فمن لم ير الترتيب حكمببا شببرعيا قبال :يجببوز نكبباح البعببد مببع حضببور
القرب؛ ومن رأى أنه حكم شرعي ورأى أنبه حبق للبولي قبال :النكباح منعقبد ،فبإن
أجازه الولي جاز ،وإن لببم يجببزه انفسببخ؛ ومببن رأى أنببه حببق لب قبال :النكبباح غيببر
منعقد ،وقد أنكر قوم هذا المعنى فببي المببذهب أعنببى أن يكببون النكبباح منفسببخا غيببر
منعقد.
@)-وأما المسألة الثانية( فإن مالكا يقول :إذا غاب الولي القرب انتقلت الولية إلببى
البعد؛ وقال الشافعي :تنتقل إلى السلطان .وسبب اختلفهم هل الغيبة في ذلك بمنزلة
الموت أم ل؟ وذلك أنه ل خلف عندهم في انتقالها في الموت.
@)-وأما المسألة الثالثة( وهي غيبة الب عببن ابنتببه البكببر ،فببإن فببي المببذهب فيهببا
تفصيل واختلفا ،وذلك راجع إلى بعد المكان وطول الغيبة أو قربه والجهببل بمكببانه
أو العلم به .وحاجة البنت إلى النكاح إما لعدم النفقة ،وإما لما يخاف عليهببا مببن عببدم
الصون ،وإما للمرين جميعا؛ فاتفق المذهب على أنه إذا كانت الغيببة بعيببدة أو كببان
الب مجهول الموضع أو أسيرا وكانت في صون وتحبت نفقبة أنهبا إن لبم تبدع إلبى
التزويج ل تزوج وإن دعت فتزوج عند السببر وعنببد الجهببل بمكببانه ،واختلفببوا هببل
تزوج مع العلم بمكببانه أم ل إذا كببان بعيببدا ،فقيببل تببزوج وهببو قببول مالببك؛ وقيببل ل
تزوج ،وهو قول عبد الملك وابن وهببب .وأمببا إن عببدمت النفقببة أو كببانت فببي غيببر
صون فإنها تزوج أيضبا فبي هبذه الحبوال الثلثبة :أعنبي فبي الغيببة البعيبدة ،وفبي
السر ،والجهل بمكانه؛ وكذلك إن اجتمع المران فإذا كانت فببي غيببر صببون تببزوج
وإن لم تببدع إلببى ذلببك؛ ولببم يختلفببوا فيمببا أحسببب أنهببا ل تببزوج فببي الغيبببة القريبببة
المعلومة لمكان إمكان مخاطبته ،وليببس يبعببد بحسببب النظببر المصببلحي الببذي انبنببى
عليه هذا النظر أن يقال إن ضاق الوقت وخشي السلطان عليهببا الفسبباد زوجببت وإن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
كان الموضع قريبا؛ وإذا قلنا إنه يجوز ولية البعد مع حضور القرب؛ فإن جعلببت
امرأة أمرها إلى وليين فزوجها كل واحد منهما ،فإنه ل يخلو أن تكون تقببدم أحببدهما
في العقد على الخر أو يكونا عقدا معا ،ثم ل يخلو ذلببك مببن أن يعلمببم المتقببدم أو ل
يعلم ،فأما إذا علبم المتقبدم منهمبا فبإجمعوا علبى أنهبا للول إذا لبم يبدخل بهبا واحبد
منهما .واختلفوا إذا دخل الثاني؛ فقال قبوم هبي للول؛ وقبال قبوم هبي للثباني ،وهبو
قول مالك وابن القاسم ،وبالول قال الشافعي وابن عبد الحكم؛ وأما إن أنكحاهببا معببا
فل خلف في فسبخ النكباح فيمبا أعبرف .وسببب الخلف فبي اعتببار البدخول أو ل
اعتباره معارضة العموم للقياس ،وذلك أنه قد روى أنببه عليببه الصببلة والسببلم قببال
"أيما امرأة أنكحها وليان فهي للول منهما" فعموم هببذا الحببديث يقتضببي أنهببا للول
دخل بها الثاني أو لم يدخل؛ ومببن اعتبببر الببدخول فتشبببيها بفببوات السببلعة فببي البببيع
المكروه وهو ضعيف .وأما إن لم يعلم الول فإن الجمهور على الفسخ؛ وقببال مالببك:
يفسخ ما لم يدخل أحدهما؛ وقال شريح :تخير فأيهما اختارت كان هببو الببزوج ،وهببو
شاذ ،وقد روى عن عمر بن عبد العزيز.
@)-الموضع الرابع :في عضل الولياء( واتفقببوا علببى أنببه ليببس للببولي أن يعضببل
وليته إذا دعت إلى كفء وبصداق مثلها وأنها ترفع أمرها إلى السلطان فيزوجها مببا
عدا الب ،فببإنه اختلببف فيببه المببذهب .واختلفببوا بعببد هببذا التفبباق فيمببا هببي الكفبباءة
المعتبرة في ذلك وهل صداق المثل منها أم ل؟ وكذلك اتفقوا على أن للمرأة أن تمنع
نفسها من إنكاح من له من الولياء جبرها إذا لم تكن فيها الكفاءة موجودة كالب في
ابنته البكر .أما غير البالغ باتفاق ،والبالغ والثيب الصغيرة ببباختلف علببى مببا تقببدم،
وكذلك الوصي في محجوره على القول بببالجبر ،فأمببا الكفبباءة فببإنهم اتفقببوا علببى أن
الدين معتبر في ذلك إل ما روى عن محمد بن الحسن من إسقاط اعتبار الببدين ،ولببم
يختلف المذهب أن البكر إذا زوجها الب من شارب الخمببر وبالجملببة مببن فاسببق أن
لها أن تمنع نفسها من النكاح وينظر الحاكم في ذلك فيفرق بينهما ،وكذلك إن زوجها
ممن ماله حرام ،أو ممن هو كثير الحلف بالطلق .واختلفوا في النسب هببل هببو مببن
الكفاءة أم ل؟ وفي الحرية وفي اليسار وفي الصحة من العيوب ،فالمشهور عن مالك
أنه يجوز نكاح الموالي من العرب وأنه احتج لذلك بقوله تعالى }إن أكرمكم عنببد الب
أتقاكم{ وقال سفيان الثوري وأحمببد :ل تببزوج العربيببة مببن مببولى؛ وقببال أبببو حنفيببة
وأصحابه :ل تزوج قرشية إى من قرشي ،ول عربيببة إل مببن عربببي .والسبببب فببي
اختلفهم في مفهوم قوله عليه الصلة والسلم "تنكبح المبرأة لبدينها وجمالهبا ومالهبا
وحسبها فاظفر بذات الدين تربت يمينك" فمنهم مبن رأى أن البدين هبو المعتببر فقبط
لقوله عليه الصلة والسبلم "فعليبك ببذات البدين ترببت يمينبك" ومنهبم مبن رأى أن
الحسب في ذلك هو بمعنى الدين وكذلك المال ،وأنه ل يخرج من ذلك إل ما أخرجببه
الجماع ،وهو كون الحسن ليس من الكفاءة ،وكل من يقول يرد النكبباح مببن العيببوب
يجعل الصحة منها من الكفاءة ،وعلى هذا فيكون الحسن يعتبر لجهة ما ،ولم يختلببف
المذهب أيضا أن الفقر مما يوجب فسخ إنكاح الب ابنته البكر ،أعني إذا كببان فقيببرا
غير قادر على النفقة عليها فالمال عنببده مببن الكفبباءة ،ولببم يببر ذلببك أبببو حنيفببة .أمببا
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الحرية فلم يختلف المذهب أنها من الكفاءة لكون السنة الثابتة لتخيير المة إذا عتقت.
وأما مهر المثل فإن مالكا والشافعي يريان أنه ليس مببن الكفبباءة ،وأن للب أن ينكببح
ابنته بأقل من صداق المثل :أعني البكر وأن الثيب الرشببيدة إذا رضببيت بببه لببم يكببن
للولياء مقال؛ وقال أبو حنيفة :مهر المثل من الكفاءة .وسبب اختلفهم أما فببي الب
فلختلفهببم هببل لببه أن يضببع مببن صببداق ابنتببه البكببر شببيئا أم ل؟ وأمببا فببي الببثيب
فلختلفهم هل ترتفع عنها الولية في مقدار الصداق إذا كانت رشيدة كما ترتفع فببي
سائر تصرفاتها المالية أم ليس ترتفع الولية عبن مقبدار الصبداق إذ كبانت ل ترتفبع
عنها في التصرف في النكاح ،والصداق من أسبابه ،وقد كان هببذا القببول أخلببق بمببن
يشترط الولية ممن لم يشترطها ،لكبن أتبى المبر ببالعكس .ويتعلبق بأحكبام الوليبة
مسألة مشهورة ،وهي هل يجوز للبولي أن ينكبح وليتبه مبن نفسبه أم ل يجبوز ذلبك؟
فمنع ذلك الشافعي قياسا على الحاكم والشبباهد ،أعنببي أنببه ل يحكببم لنفسببه ول يشببهد
لنفسه ،وأجاز ذلك مالك ول أعلم له حجة في ذلك إل ما روى من "أنه عليه الصببلة
والسلم تزوج أم سلمة بغير ولي" لن ابنها كان صغيرا ،وما ثبت "أنه عليه الصلة
والسلم أعتق صفية فجعل صداقها عتقها" .والصل عند الشببافعي فببي أنكحببة النبببي
عليه الصبلة والسبلم أنهبا علبى الخصبوص حبتى يبدل البدليل علبى العمبوم لكبثرة
خصوصببيته فببي هببذا المعنببى صبلى الب عليببه وسببلم ،ولكبن تببردد قببوله فببي المببام
العظم.
**4الفصل الثاني في الشهادة
@-واتفق أبو حنيفة والشافعي ومالك على أن الشببهادة مببن شببرط النكبباح ،واختلفببوا
هل هي شرط تمام يؤمر به عند الدخول أو شرط صحة يؤمر به عند العقببد ،واتفقببوا
على أنه ل يجوز نكاح السر .واختلفوا إذا أشببهد شبباهدين ووصببيا بالكتمبان هبل هبو
سر أو ليس سر؟ فقال مالك :هو سر ويفسخ؛ وقال أبو حنيفة والشببافعي :ليببس بسببر.
وسبب اختلفهم هل الشهادة في ذلك حكم شرعي أم إنما المقصببود منهببا سببد ذريعببة
الختلف أو النكار؟ فمن قال حكم شرعي قال :هي شرط من شروط الصحة؛ ومن
قال توثق قال :من شروط التمام .والصل في هذا ما روى عن ابن عباس "ل نكبباح
إل بشاهدي عدل وولي مرشد" ول مخالف له من الصحابة ،وكببثير مببن النبباس رأى
هذا داخل في بباب الجمباع وهببو ضبعيف ،وهببذا الحببديث قبد روى مرفوعببا ذكببره
الببدارقطني ،وذكببر أن فببي سببنده مجاهيببل؛ وأبببو حنيفببة ينعقببد النكبباح عنببده بشببهادة
فاسقين ،لن المقصود عنده بالشهادة هبو العلن فقبط؛ والشبافعي يبرى أن الشبهادة
تتضمن المعنيين :أعنببي العلن والقببول ،ولببذلك اشببترط فيهببا العدالببة؛ وأمبا مالبك
فليس تتضمن عنده العلن إذا وصى الشاهدان بالكتمببان .وسبببب اختلفهببم هببل مببا
تقع فيه الشهادة ينطلق عليه اسم السر أم ل؟ والصل في اشتراط العلن قول النبي
عليه الصلة والسلم "أعلنوا هذا النكاح واضربوا عليه بالدفوف" خرجببه أبببو داود،
وقال عمر فيه :هذا نكاح السر ولو تقدمت فيه لرجمت .وقال أبو ثور وجماعة :ليس
الشهود من شرط النكاح ،ل شرط صحة ول شرط تمام ،وفعل ذلك الحسن بن علي،
وروى عنه أنه تزوج بغير شهادة ثم أعلن بالنكاح.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
بالتحديد ليس تسببلم مقببدماته ،وذلببك أنببه انبنببى علببى مقببدمتين :إحببداهما أن الصببداق
عبادة ،والثانية أن العبادة مؤقتة ،وفي كليهما نزاع للخصببم ،وذلببك أنببه قببد يلفببى فببي
الشرع من العبادات ما ليست مؤقتة ،بل الواجب فيها هو أقل ما ينطلق عليببه السببم.
وأيضا فإنه ليس فيه شبه العبادات خالصا ،وإنما صار المرجحون لهذا القيبباس علببى
مفهوم الثر لحتمال أن يكون ذلك الثر خاصا بذاك الرجل لقوله فيه "قببد أنكحتكهببا
بما معك من القرآن" وهذا خلف للصول ،وإن كان قد جاء في بعببض روايبباته أنببه
قال "قم فعلمها" لما ذكر أنه معه من القرآن ،فقام فعلمها ،فجبباء نكاحببا بإجبارة ،لكببن
لما التمسوا أصل يقيسون عليه قدر الصداق لم يجدوا شيئا أقرب شبها به من نصاب
القطع على بعد ما بينهما.
وذلك أن القياس الذي استعملوه في ذلك هو أنهم قالوا :عضو مسببتباح بمببال ،فببوجب
أن يكون مقدرا أصله القطع ،وضعف هذا القياس هو من قبببل السببتباحة فيهمببا هببي
مقولة باشتراك السم ،وذلك أن القطع غير الوطء ،وأيضا فإن القطببع اسببتباحة علببى
جهة العقوبة والذى ونقص خلقه ،وهذا استباحة على جهة اللذة والمودة ،ومن شببأنه
قياس الشبه على ضعفه أن يكون الذي به تشابه الفرع والصل شيئا واحدا ل ببباللفظ
بل بالمعنى ،وأن يكون الحكم إنما وجد للصل من جهة الشبه ،وهذا كله معببدوم فببي
هذا القياس ،ومع هذا فإنه من الشبه الذي لم ينبه عليه اللفظ ،وهذا النوع مببن القيبباس
مردود عند المحققين ،لكن لم يستعملوا هذا القياس في إثبات التحديد المقابببل لمفهببوم
الحديث إذ هو في غاية الضعف ،وإنما استعملوه في تعيين قدر التحديد .وأما القيبباس
الذي استعملوه في معارضة مفهوم الحديث فهو أقوى من هذا ،ويشببهد لعببدم التحديببد
ما خرجه الترمذي "أن امرأة تزوجت على نعليببن ،فقببال لهببا رسببول الب صببلى الب
عليه وسلم :أرضيت من نفسك ومالك بنعلين؟ فقالت :نعم ،فجوز نكاحهببا" وقببال هببو
حديث حسن صحيح .ولما اتفق القائلون بالتحديببد علببى قياسببه علببى نصبباب السببرقة
اختلفوا في ذلك بحسب اختلفهم في نصاب السرقة ،فقببال مالببك :هببو ربببع دينببار أو
ثلثة دراهم ،لنه النصاب في السرقة عنده ،وقال أبو حنيفة :هو عشرة دراهم ،لنببه
النصاب في السرقة عنده؛ وقال ابن شبرمة :هو خمسة دراهببم ،لنببه النصبباب عنببده
أيضا في السرقة.
وقد احتجت الحنفية لكون الصداق محددا بهذا القدر بحديث يروونببه عببن جببابر عببن
النبي عليه الصلة والسلم أنه قال"ل مهر بأقل من عشرة دراهم" ولو كان هذا ثابتا
لكان رافعا لموضع الخلف لنه كان يجببب لموضببع هببذا الحببديث أن يحمببل حببديث
سهل بن سعد على الخصوص ،لكن حديث جابر هذا ضعيف عند أهل الحببديث فببإنه
يرويه ،قالوا مبشر بن عبيد عن الحجاج ببن أرطبأة عببن عطبباء عببن جبابر ،ومبشببر
والحجاج ضعيفان ،وعطبباء أيضببا لببم يلببق جببابرا ،ولببذلك ل يمكببن أن يقببال إن هببذا
الحديث معارض لحديث سهل بن سعد.
@)-المسألة الثالثة( أما جنسه فكل ما جبباز أن يتملببك وأن يكببون عوضببا .واختلفببوا
من ذلك في مكانين :في النكاح بالجارة ،وفي جعل عتق أمتببه صببداقها .أمببا النكبباح
على الجارة ففببي المببذهب فيببه ثلثببة أقببوال :قببول بالجببازة ،وقببول بببالمنع ،وقببول
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
بالكراهة :والمشهور عن مالك الكراهة ،ولذلك رأى فسخه قبل الدخول ،وأجازه مببن
أصحابه أصبغ وسحنون ،وهو قول الشافعي ،ومنعه ابن القاسببم وأبببو حنيفببة إل فببي
العبد فإن أبا حنيفة أجازه .وسبب اختلفهم سببان :أحدهما هببل شببرع مببن قبلنببا لزم
لنا حتى يدل الدليل على ارتفاعه أم المر بالعكس؟ فمببن قببال هببو لزم أجببازه لقببوله
تعالى }إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثمبباني حجببج{ اليببة؛
ومن قال ليس بلزم قال :ل يجوز النكبباح بالجببارة .والسبببب الثبباني هببل يجببوز أن
يقاس النكاح في ذلك على الجارة؟ وذلك أن الجارة هي مسببتثناة مببن بيببوع الغببرر
المجهول ،ولذلك خالف فيها الصم وابن علية ،وذلك أن أصل التعامل إنما هو علببى
عين معروفة ثابتة في عيببن معروفببة ثابتببة ،والجببارة هببي عيببن ثابتببة فببي مقابلتهببا
حركات وأفعال غير ثابتة ول مقدرة بنفسها .ولذلك اختلف الفقهاء متى تجب الجبرة
على المستأجر؛ وأمببا كببون العتببق صببداقا فببإنه منعببه فقهبباء المصببار مببا عببدا داود
وأحمد .وسبب اختلفهم معارضة الثر الوارد في ذلك للصول ،أعني مبا ثببت مبن
"أنه عليه الصلة والسلم أعتق صفية وجعل عتقها صببداقها" مببع احتمببال أن يكببون
هذا خاصا به عليه الصلة والسلم لكثرة اختصاصه في هذا الببباب ،ووجببه مفببارقته
للصول أن العتق إزالة ملك ،والزالة ل تتضمن استباحة الشببيء بببوجه آخببر لنهببا
إذا أعتقت ملكت نفسها فكيف يلزمها النكبباح؟ ولببذلك قببال الشببافعي :إنهببا إن كرهببت
زواجه غرمت له قيمتها ،لنببه رأى أنهببا قببد أتلفببت عليببه قيمتهببا إذ كببان إنمببا أتلفهببا
بشرط الستمتاع بها ،وهذا كله ل يعارض به فعله عليه الصلة والسببلم ،ولببو كببان
غير جائز لغيره لبينه عليه الصلة والسلم .والصل أن أفعاله لزمة لنا ،إل ما قببام
الدليل على خصوصيته .وأما صبفة الصبداق فبإنهم اتفقبوا علببى انعقبباد النكبباح علبى
العوض المعين الموصوف ،أعني المنضبببط جنسببه وقببدره بالوصببف .واختلفببوا فببي
العوض الغير موصوف ول معين ،مثل أن يقول أنكحتكها علببى عبببد أو خببادم ،مببن
غير أن يصف ذلك وصفا يضبط قيمته ،فقال مالك وأبو حنيفة يجوز؛ وقال الشببافعي
ل يجوز؛ وإذا وقع النكاح على هذا الوصف عند مالك كببان لهببا الوسببط ممببا سببمى؛
وقال أبو حنيفة :يجبر على القيمة .وسبب اختلفهم هل يجري النكاح في ذلك مجرى
البيع مببن القصببد فببي التشباح ،أو ليبس يبلببغ ذلبك المبلبغ بببل القصببد منببه أكببثر ذلبك
المكارمة؟ فمن قال يجري في التشبباح مجببرى البببيع قببال :كمببا ل يجببوز البببيع علببى
شيء غير موصوف كذلك ل يجوز النكاح؛ ومن قال ليس يجري مجراه إذ المقصود
منه إنما هو المكارمة قال :يجوز .وأما التأجيل فببإن قومببا لببم يجيببزوه أصببل ،وقببوم
أجببازوه واسببتحبوا أن يقببدم شببيئا منببه إذا أراد الببدخول وهببو مببذهب مالببك؛ والببذين
أجازوا التأجيل منهم من لبم يجبزه إل لزمبن محبدود وقبدر هبذا البعبد ،وهبو مبذهب
مالك؛ ومنهم من أجازه لموت أو فراق ،وهو مذهب الوزاعي .وسبب اختلفهم هببل
يشبه النكاح البيع في التأجيل أو ل يشبهه؟ فمن قال يشبهه لم يجز التأجيببل لمببوت أو
فراق؛ ومن قال ل يشبهه أجاز ذلك؛ ومن منع التأجيل فلكونه عبادة.
@)-الموضع الثاني :في النظر في التقرر( واتفق العلماء على أن الصداق يجب كله
بالدخول أو الموت .أما وجوبه كله بالدخول فلقوله تعببالى }وإن أردتببم اسببتبدال زوج
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فل تأخذوا منه شيئا{ اليببة .وأمببا وجببوبه بببالموت
فل أعلم الن فيه دليل مسموعا إل انعقاد الجماع على ذلك .واختلفوا هل من شببرط
وجوبه مع الدخول المسيس أم ليس ذلك من شرطه ،بل يجب بالدخول والخلوة ،وهو
الذي يعنون بإرخاء الستور؟ فقال مالك والشافعي وداود :ل يجب بإرخاء الستور إل
نصف المهر ما لم يكن المسيس؛ وقال أبو حنيفة؛ يجب المهببر بببالخلوة نفسببها إل أن
يكون محرما أو مريضا أو صائما في رمضان أو كببانت المببرأة حائضببا؛ وقببال ابببن
أبي ليلى :يجب المهر كله بالدخول ولم يشترط في ذلببك شببيئا .وسبببب اختلفهببم فببي
ذلك معارضة حكم الصحابة في ذلك لظاهر الكتاب ،وذلك أنببه نببص تبببارك وتعببالى
في المدخول بها المنكوحة أنه ليس يجوز أن يؤخذ من صداقها شيء في قوله تعببالى
}وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض{ ونص في المطلقببة قبببل المسببيس أن
لها نصف الصداق ،فقال تعالى }وإن طلقتموهن مببن قبببل أن تمسببوهن وقببد فرضببتم
لهن فريضة فنصف ما فرضتم{ وهذا نص كما ترى في حكم كببل واحببدة مببن هبباتين
الحالتين :أعني قبببل المسببيس وبعببد المسببيس ول وسببط بينهمببا ،فببوجب بهببذا إيجابببا
ظبباهرا أن الصببداق ل يجببب إل بالمسببيس ،والمسببيس ههنببا الظبباهر مببن أمببره أنببه
الجماع ،وقد يحتمل أن يحمل على أصله في اللغة وهو المس ،ولعببل هببذا هببو الببذي
تأولت الصحابة ،ولذلك قال مالك في العنين المؤجل إنه قد وجب لهببا الصببداق عليببه
إذا وقع الطلق لطول مقامه معها ،فجعل له دون الجماع تأثيرا في إيجاب الصببداق.
وأما الحكام الواردة في ذلك عن الصحابة فهو أن من أغلق بابا أو أرخى سبترا فقبد
وجب عليه الصداق لم يختلف عليهم في ذلك فيما حكموا .واختلفوا من هذا الباب في
فرع ،وهو إذا اختلفا في المسببيس أعنببي القببائلين باشببتراط المسببيس ،وذلببك مثببل أن
تدعي هي المسيس وينكر هو ،فالمشهور عبن مالبك أن القبول قولهبا؛ وقيبل إن كبان
دخول بناء صّدقت ،وإن كان دخول زيارة لم تصدق؛ وقيل إن كانت بكرا نظر إليهببا
النساء ،فيتحصل فيها في المذهب ثلثة أقوال؛ وقال الشببافعي وأهببل الظبباهر :القببول
قوله ،وذلك لنه مدعى عليه؛ ومالك ليس يعتبر في وجوب اليمين على المدعى عليه
من جهة ما هو مدعى عليه ،بل من جهة ما هو أقوى شبهة في الكثر ،ولذلك يجعل
القول في مواضع كثيرة قول المدعي إذا كان أقوى شبهة .وهببذا الخلف يرجببع إلببى
هل إيجاب اليمين على المدعى عليه معلل أو غير معلل ،وكببذلك القببول فببي وجببوب
البينة على المدعي ،وسيأتي هذا في مكانه.
@)-الموضع الثالث :في التشطير( واتفقببوا اتفاقببا مجمل أنببه إذا طلببق قبببل الببدخول
وقد فرض صداقا أنه يرجع عليها بنصف الصداق لقوله تعالى }فنصف مبا فرضببتم{
الية .والنظر في التشطير في أصول ثلثة :في محله من النكحة ،وفي مببوجبه مببن
أنواع الطلق :أعني الواقع قبل الدخول ،وفي حكم ما يعرض له من التغييببرات قبببل
الطلق .أما محله من النكاح عند مالببك فهببو النكبباح الصببحيح ،أعنببي أن يكببون يقببع
الطلق الذي قبل الدخول في النكاح الصحيح .وأما النكاح الفاسد ،فإن لم تكن الفرقببة
فيه فسخا وطلق قبل الفسخ ففي ذلك قولن .وأما موجب التشطير فهببو الطلق الببذي
يكون باختيار من الزوج ل باختيببار منهببا مثببل الطلق الببذي يكببون مبن قببل قيامهبا
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
بعيب يوجد فيه .واختلفوا من هذا الباب في الذي يكون سببه قيامها عليه بالصداق أو
النفقة مع عسره ،ول فرق بينه وبين القيام بالعيب .وأمبا الفسبوخ البتي ليسبت طلقبا
فل خلف أنها ليست توجب التشطير إذا كان فيها الفسخ مببن قبببل العقببد أو مببن قبببل
الصداق ،وبالجملة من قبل عدم موجبات الصحة ،وليس لها في ذلببك اختيببار أصببل.
وأما الفسوخ الطارئة على العقد الصحيح مثل الردة والرضاع فإن لببم يكببن لحببدهما
فيه اختيار أو كان لها دونه لم يوجب التشببطير وإن كببان لببه فيببه اختيببار مثببل الببردة
أوجب التشطير.
والذي يقتضيه مذهب أهببل الظبباهر أن كببل طلق قبببل البنبباء فببواجب أن يكببون فيببه
التنصيف سببواء كببان مببن سببببها أو سببببه ،وأن مببا كببان فسببخا ولببم يكببن طلقببا فل
تنصيف فيه .وسبب الخلف هل هذه السنة معقولببة المعنببى أم ليسببت بمعقولببة؛ فمببن
قال إنها معقولة المعنى وأنه إنما وجب لها نصف الصداق عوض ما كان لها لمكببان
الجبر على رد سلعتها وأخذ الثمن كالحال في المشببترى فلمببا فببارق النكبباح فببي هببذا
المعنى البيع جعل لها هذا عوضا من ذلك الحق قبال :إذا كببان الطلق مببن سببببها لببم
يكن لها شيء لنها أسقطت ما كان لها مببن جبببره علببى دفببع الثمببن وقبببض السببلعة،
ومن قال إنها سنة غير معقولة واتبع ظاهر اللفظ قال :يلزم التشببطير فببي كببل طلق
كان من سببه أو سببها .فأما حكم ما يعرض للصداق من التغيرات قبببل الطلق فببإن
ذلك ل يخلو أن يكون من قبلها أو من ال ،فما كان من قبل الب فل يخلبو مبن أربعببة
أوجه :إما أن يكون تلفا للكل ،وإما أن يكبون نقصبا ،وإمبا أن يكبون زيبادة ،وأمبا أن
يكون زيادة ونقصا معا .وما كان من قبلها فل يخلو أن يكببون تصببرفها فيببه بتفببويت
مثل البيع والعتق والهبببة ،أو يكببون تصببرفها فيببه فببي منافعهببا الخاصببة بهببا أو فيمببا
تتجهببز بببه إلببى زوجهببا؛ فعنببد مالببك أنهمببا فببي التلببف وفببي الزيببادة وفببي النقصببان
شريكان؛ وعند الشافعي أنه يرجع فببي النقصببان والتلببف عليهببا بالنصببف ول يرجببع
بنصف الزيادة وسبب اختلفهم هل تملك المرأة الصداق قبل الدخول أو الموت ملكببا
مستقرا أو ل تملكه؟ فمن قال إنها ل تملكه ملكا مستقرا قال :هما فيه شبريكان مبا لبم
تتعد فتدخله في منافعها؛ ومن قال تملكبه ملكبا مسبتقرا والتشبطير حبق واجبب تعيبن
عليها عند الطلق وبعد استقرار الملك أوجب الرجوع عليها بجميع ما ذهب عنببدها؛
ولم يختلفوا أنها إذا صرفته في منافعها ضامنة للنصف .واختلفوا إذا اشببترت بببه مببا
يصلحها للجهاز مما جرت به العادة هل يرجع عليهبا بنصبف مبا اشبترته أم بنصبف
الصداق الذي هو الثمن؟ فقال مالك :يرجع عليها بنصف ما اشترته؛ وقال أبو حنيفببة
والشافعي :يرجع عليها بنصف الثمن الذي هو الصداق .واختلفوا من هببذا الببباب فببي
فرع مشهور متعلق بالسماع وهو هل للب أن يعفببو عبن نصبف الصببداق فببي ابنتببه
البكر؟ أعني إذا طلقت قبل الدخول وللسيد في أمته؟ فقال مالببك :ذلببك لببه؛ وقببال أبببو
حنيفة والشافعي :ليس ذلك له .وسبب اختلفهم هببو الحتمببال الببذي فببي قببوله تعببالى
}إل أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح{ وذلك في لفظة "يعفو" فإنهببا تقببال فببي
كلم العرب مرة بمعنى يسقط ومرة بمعنى يهب ،وفي قوله "الذي بيده عقدة النكاح"
على من يعود هذا الضمير هل على الببولي أو علببى الببزوج؛ فمببن قببال علببى الببزوج
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
جعل "يعفو" بمعنى يهب ومن قال على الولي جعل "يعفو" بمعنى يسببقط .وشببذ قببوم
فقالوا :لكل ولي أن يعفو عن نصف الصداق الواجب للمرأة ،ويشبببه أن يكببون هببذان
الحتمالن اللذان في الية على السواء ،لكن من جعله الزوج فلم يوجب حكمببا زائدا
في الية :أي شرعا زائدا ،لن جواز ذلك معلوم مببن ضببرورة الشببرع .ومببن جعلببه
الولي ،إما الب وإما غيره فقد زاد شرعا ،فلذلك يجب عليه أن يأتي بببدليل يبببين بببه
أن الية أظهر في الولي منهببا فببي الببزوج وذلببك شببيء يعسببر؛ والجمهببور علببى أن
المرأة الصغيرة والمحجورة ليس لها أن تهب من صداقها النصف الواجب لها؛ وشببذ
قوم فقالوا :يجوز أن تهب مصيرا لعموم قوله تعالى }إل أن يعفون{
واختلفوا من هذا الباب في المرأة إذا وهبت صداقها لزوجها ثم طلقت قبببل الببدخول؛
فقال مالك :ليس يرجع إليها بشيء؛ وقببال الشببافعي :يرجببع عليهببا بنصببف الصببداق.
وسبب الخلف هل النصف الواجب للزوج بالطلق هو في عين الصداق أو في ذمة
المرأة؟ فمن قال في عين الصداق قال :ل يرجببع عليهببا بشببيء لنببه قبببض الصببداق
كله؛ ومن قال هو في ذمة المرأة قال :يرجع وإن وهبته لببه كمببا لببو وهبببت لببه غيببر
ذلك من مالها :وفرق أبو حنيفبة فبي هبذه المسبألة بيبن القببض ول قببض ،فقبال :إن
قبضت فله النصف وإن لم تقبض حتى وهبت فليس له شيء كأنه رأى أن الحببق فببي
العين مالم تقبض ،فإذا قبضت صار في الذمة.
@)-الموضع الرابع :في التفويض( وأجمعوا على أن نكاح التفويض جائز ،وهو أن
يعقد النكاح دون صداق لقوله تعالى }ل جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لببم تمسببوهن
أو تفرضببوا لهببن فريضببة{ .واختلفببوا مببن ذلببك فببي موضببعين :أحببدهما إذا طلبببت
الزوجة فببرض الصببداق واختلفببا فببي القببدر .الموضببع الثبباني :إذا مببات الببزوج ولببم
يفرض هل لها صداق أم ل؟.
@)-فأما المسألة الولى( وهي إذا قامت المرأة تطلب أن يفببرض لهببا مهببرا ،فقببالت
طائفة :يفرض لها مهر مثلها ،وليس للزوج في ذلك خيار ،فإن طلق بعد الحكم ،فمن
هؤلء من قبال :لهبا نصبف الصبداق؛ ومنهبم مبن قبال :ليبس لهبا شبيء ،لن أصبل
الفببرض لببم يكببن فببي عقببد النكبباح ،وهببو قببول أبببي حنيفببة وأصببحابه؛ وقببال مالببك
وأصحابه :الزوج بين خيارات ثلث :إما أن يطلق ول يفرض ،وإمببا أن يفببرض مببا
تطلبه المرأة به ،وإما أن يفرض صداق المثل ويلزمها .وسبب اختلفهم ،أعنببي بيببن
من يوجب مهر المثل من غير خيببار للببزوج إذا طلببق بعببد طلبهببا الفببرض ،ومببن ل
يببوجب اختلفهببم فببي مفهببوم قببوله تعببالى }ل جنبباح عليكببم إن طلقتببم النسبباء مببا لببم
تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة{ هل هذا محمول على العموم فببي سببقوط الصببداق
سواء كان سبب الطلق اختلفهم في فرض الصداق أو لم يكن الطلق سببه الخلف
في ذلك ،وأيضا فهل يفهم من رفع الجناح عن ذلك سقوط المهر في كببل حببال ،أو ل
يفهم ذلك؟ فيه احتمال وإن كان الظهر سقوطه في كل حال لقوله تعببالى }ومتعببوهن
على الموسع قدره وعلى المقتر قدره{ ول خلف أعلمه في أنببه إذا طلببق ابتببداء أنببه
ليس عليه شيء ،وقد كان يجب على مببن أوجببب لهببا المتعببة مببع شببطر الصببداق إذا
طلق قبل الدخول في نكاح غير التفويض وأوجب لها مهر المثل في نكبباح التفببويض
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
أن يوجب لهببا مببع المتعببة فيببه شببطر مهببر المثببل ،لن اليببة لببم تتعببرض بمفهومهببا
لسقاط الصداق في نكاح التفويض ،وإنما تعرضت لباحة الطلق قبل الفببرض فببإن
كان يوجب نكاح التفويض مهر المثل إذا طلببب فببواجب أن يتشببطر إذا وقببع الطلق
كما يتشطر في المسمى ،ولهذا قال مالببك إنببه ليببس يلببزم فيببه مهببر المثببل مببع خيببار
الزوج.
@)-وأما المسألة الثانية( وهي إذا مات الببزوج قبببل تسببمية الصببداق وقبببل الببدخول
بها ،فإن مالكا وأصحابه والوزاعي قالوا :ليس لها صببداق ولهببا المتعببة والميببراث.
وقال أبو حنيفة :لها صداق المثل والميراث وبببه وقببال أحمببد وداود ،وعببن الشببافعي
القولن جميعا ،إل أن المنصور عند أصحابه وهو مثل قول مالك .وسبببب اختلفهببم
معارضة القياس للثر .أما الثر فهو ما روي عببن ابببن مسببعود أنببه سببئل عببن هببذه
المسألة فقال :أقول فيها برأيي فإن كان صوابا فمن ال وإن كان خطأ فمني :أرى لها
صداق امرأة من نسائها ول وكس ول شطط وعليها العدة ولها الميراث ،فقببام معقببل
بن يسار الشجعي فقال :أشهد لقضيت فيها بقضاء رسول ال صلى ال ب عليببه وسببلم
في بروع بنت واشق ،خرجه أبو داود والنسببائي والترمببذي وصببححه .وأمببا القيبباس
المعارض لهذا فهو أن الصداق عوض ،فلما لبم يقببض المعبوض لببم يجببب العببوض
قياسا على البيع .وقال المزني عن الشافعي في هذه المسببألة :إن ثبببت حببديث بببروع
فل حجة في قول أحد مع السنة ،والذي قاله هو الصواب وال أعلم.
@)-الموضع الخامس :في الصدقة الفاسدة( والصداق يفسد إمببا لعينببه وإمببا لصببفة
فيه من جهل أو عببذر ،فالببذي يفسببد لعينببه فمثببل الخمببر والخنزيبر ومببا ل يجبوز أن
يتملك ،والذي يفسد من قبل العذر والجهببل فالصببل فيببه بببالبيوع ،وفببي ذلببك خمببس
مسائل مشهورة:
@)-المسألة الولى( إذا كان الصداق خمرا أو خنزيرا أو ثمرة لببم يبببد صببلحها أو
بعيرا شاردا ،وقال أبو حنيفة :العقد صحيح إذا وقع فيه مهر المثببل؛ وعببن مالببك فببي
ذلك روايتان :إحداهما فساد العقد وفسخه قببل البدخول وبعبده وهبو قبول أببي عبيبد.
والثانية أنه إن دخل ثبت ولها صداق المثل .وسبب اختلفهم هل حكم النكاح في ذلك
حكم البيع أم ليس كذلك؟ فمن قال حكمه حكم البيع قال :يفسد النكبباح بفسبباد الصببداق
كما يفسد الببيع بفسباد الثمبن ،ومبن قبال ليبس مبن شبرط صبحة عقبد النكباح صبحة
الصداق بدليل أن ذكر الصببداق ليببس شببرطا فببي صببحة العقببد قببال :يمضببي النكبباح
ويصحح بصداق المثل ،والفرق بين الدخول وعدمه ضعيف ،والذي تقتضيه أصببول
مالك أن يفرق بين الصداق المحرم العين وبين المحرم لصفة فيه قياسببا علببى البببيع،
ولست أذكر الن فيه نصا.
@)-المسألة الثانية( واختلفوا إذا اقترن بالمهر بيع مثل أن تدفع إليه عبدا ويدفع ألف
درهم عن الصداق وعن ثمن العبد ول يسمى الثمن من الصداق ،فمنعببه مالببك وابببن
القاسم ،وبه قال أبو ثور ،وأجازه أشهب ،وهو قول أبي حنيفة؛ وفرق عبد الب فقببال:
إن كان الباقي بعد البيع ربع دينار فصاعدا بأمر ل يشك فيه جاز .واختلف فيببه قببول
الشافعي ،فمرة قال :ذلك جبائز ،ومبرة قبال :فيبه مهبر المثبل .وسببب اختلفهبم هبل
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
النكاح في ذلك شبيه بالبيع أم ليس بشبيه؟ فمن شبهه في ذلك بالبيع منعه ،ومن جببوز
في النكاح من الجهل ما ل يجوز في البيع قال يجوز.
@)-المسألة الثالثة( واختلف العلمباء فيمببن نكببح امبرأة واشببترط عليبه فببي صبداقها
حبباء يحبابي ببه الب علبى ثلثبة أقبوال :فقبال أببو حنيفبة وأصبحابه :الشبرط لزم
والصداق صحيح؛ وقال الشافعي :المهر فاسببد ولهببا صببداق المثببل؛ وقببال مالببك :إذا
كان الشرط عند النكاح فهو لبنته ،وإن كببان بعببد النكبباح فهببو لببه .وسبببب اختلفهببم
تشبيه النكاح في ذلك بالبيع ،فمن شبببهه بالوكيببل يبببيع السببلعة ويشببترط لنفسببه حببباء
قال :ل يجوز النكاح كما ل يجوز البيع؛ ومن جعل النكاح في ذلك مخالفا للبيع قببال:
يجوز .وأما تفريق مالك فلنه اتهمه إذا كان الشبرط فببي عقببد النكبباح أن يكببون ذلبك
الذي اشترطه لنفسه نقصانا من صداق مثلها ،ولم يتهمببه إذا كببان بعببد انعقبباد النكبباح
والتفاق على الصداق ،وقول مالك هو قول عمببر ابببن عبببد العزيببز والثببوري وأبببي
عبيد .وخرج أبو داود والنسائي وعبد الرزاق عن عمببرو بببن شببعيب عببن أبيببه عببن
جده قال :قال رسول ال صلى الب عليبه وسبلم "أيمبا امبرأة نكحبت علبى حبباء قببل
عصمة النكاح فهو لها ،وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه ،وأحق ما ُأكببِرم
الرجل عليه ابنته وأخته" وحديث عمرو بن شعيب مختلف فيه من قبببل أنببه صببحفه،
ولكنه نص في قول مالك .وقال أبو عمر بن عبد البر :إذا روته الثقات وجببب العمببل
به.
@)-المسببألة الرابعببة( واختلفببوا فببي الصببداق يسببتحق أو يوجببد بببه عيببب ،فقببال
الجمهور :النكاح ثابت .واختلفوا هل ترجع بالقيمة أو بالمثل أو بمهر المثل؟ واختلف
في ذلك قول الشافعي ،فقال مرة بالقيمة ،وقال مرة بمهر المثل؛ وكببذلك قببال اختلببف
المذهب في ذلك ،فقيل ترجع بالقيمة ،وقيل ترجع بالمثببل .قببال أبببو الحسببن اللخمببي:
ولو قيل ترجع بالقل من القيمة أو صداق المثل لكان ذلك وجها .وشذ سحنون فقببال:
النكاح فاسد .ومبنى الخلف هل يشبه النكاح في ذلك البيع أو ل يشبببهه؟ فمببن شبببهه
قال :ينفسخ؛ ومن لم يشبهه قال :ل ينفسخ.
)المسألة الخامسة( واختلفوا في الرجل ينكح المرأة على أن الصداق ألف إن لببم يكببن
له زوجة ،وإن كانت له زوجة فالصداق ألفان ،فقال الجمهور بجوازه .واختلفببوا فببي
الواجب في ذلك ،فقال قببوم :الشببرط جببائز ،ولهببا مببن الصببداق بحسببب مببا اشببترط؛
وقالت طائفة :لها مهر المثل ،وهو قول الشافعي وبه قال أبببو ثببور ،إل أنببه قببال :إن
طلقها قبل الدخول لم يكن لها إل المتعة؛ وقال أبو حنيفة :إن كانت له امرأة فلها ألف
درهم ،وإن لم تكن له امرأة فلها مهر مثلها ما لم يكببن أكببثر مببن اللفيببن أو أقببل مببن
اللف؛ ويتخرج في هذا قول أن النكاح مفسوخ لمكان الغرر ،ولست أذكر الن نصا
فيها في المذهب فهذه مشهور مسائلهم في هذا الباب وفروعه كبثيرة ..واختلفبوا فيمبا
يعتبر به مهر المثل إذا قضى به في هذه المواضع وما أشبهها ،فقال مالك :يعتبر في
جمالها ونصابها )قوله ونصابها :هكذا في النسخ ولعله منصبها فتأمل ا هب مصححه(
ومالها؛ وقال الشافعي :يعتبر بنساء عصبتها فقط؛ وقال أبببو حنيفببة :يعتبببر فببي ذلببك
نساء قرابتها من العصبة وغيرهم ،ومبنى الخلف هل المماثلة في المنصببب فقببط أو
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
فببي المنصببب والمببال والجمببال ،لقببوله عليببه الصببلة والسببلم "تنكببح المببرأة لببدينها
وجمالها وحسبها" الحديث.
@)-الموضع السادس :في اختلف الزوجيببن فببي الصببداق( واختلفهببم ل يخلببو أن
يكون في القبض أو في القدر أو في الجنس أو في الوقت :أعني وقت الوجببوب فإمببا
إذا اختلفا في القدر فقالت المرأة مثل بمائتين وقال الزوج بمائة ،فإن الفقهبباء اختلفببوا
في ذلك اختلفا كثيرا ،فقال مالك :إنه إن كان الختلف قبل الدخول وأتى الزوج بما
يشبه والمرأة بما يشبه أنهما يتحالفببان ويتفاسببخان ،وإن حلببف أحببدهما ونكببل الخببر
كان القول قول الحالف ،وإن نكل جميعا كان بمنزلة ما إذا حلفا جميعا ،ومن أتى بما
يشبه منهما كان القول قبوله ،وإن كبان الختلف بعبد البدخول فبالقول قبول البزوج؛
وقالت طائفة :القول قول الزوج مع يمينه ،وببه قبال أببو ثبور واببن أببي ليلبى واببن
شبرمة وجماعة؛ وقالت طائفة :القول قول الزوجة إلى مهر مثلها ،وقول الزوج فيما
زاد على مهر مثلها؛ وقالت طائفة :إذا اختلفا تحالفا ورجبع إلبى مهبر المثبل ولبم تبر
الفسخ كمالك ،وهو مذهب الشافعي والثوري وجماعة ،وقد قيل إنها ترد إلببى صببداق
المثل دون يمين ما لم يكن صداق المثل أكثر مما ادعت وأقل مما ادعى هو.
واختلفهم مبني على اختلفهم في مفهوم قوله عليه الصلة والسلم "البينة على مببن
ادعى واليمين على من أنكر" هبل ذلبك معلببل أو غيببر معلببل؟ فمبن قبال معلببل قبال:
يحلف أبدا أقواهما شبهة ،فببإن اسببتويا تحالفببا وتفاسببخا ،ومببن قببال غيببر معلببل قببال:
يحلف الزوج لنهبا تقبر لبه بالنكباح وجنبس الصبداق وتبدعي عليبه قبدرا زائدا فهبو
مدعى عليه؛ وقيل أيضا يتحالفان أبدا ،لن كل واحد منهما مدعى عليببه ،وذلببك عنببد
من لم يراع الشباه ،والخلف في ذلك في المذهب ومن قبال القبول قولهببا إلببى مهبر
المثل ،والقول قوله فيما زاد على مهر المثل رأى أنهما ل يستويان أبدا في الببدعوى،
بل يكون أحدهما ولبد أقوى شبببهة ،وذلببك أنبه ل يخلببو دعواهببا مببن أن يكببون فيمبا
يعادل صداق مثلها فما دونه فيكون القول قولها ،أو يكون فيما فوق ذلك فيكون القول
قوله .وسبب اختلف مالك والشافعي في التفاسخ بعد التحالف والرجوع إلببى صببداق
المثل ،هو هل يشبه النكبباح بببالبيع فببي ذلببك أم ليببس يشبببه؟ فمببن قببال يشبببه بببه قببال
بالتفاسخ؛ ومن قال ل يشبه ،لن الصداق ليس من شبرط صبحة العقبد قبال :بصبداق
المثل بعد التحالف وكذلك من زعم من أصحاب مالك أنه ل يجوز لهما بعد التحببالف
أن يتراضيا على شيء ول أن يرجع أحدهما إلى قببول الخببر ويرضببى بببه فهببو فببي
غاية الضعف؛ ومن ذهب إلى هذا فإنما يشبببه باللعببان ،وهببو تشبببيه ضببعيف مببع أن
وجود هذا الحكم للعان مختلببف فيببه .وأمببا إذا اختلفببا فببي القبببض فقببالت الزوجببة لببم
أقبض ،وقال الزوج قد قبضت فقال الجمهور :القول قببول المببرأة الشببافعي والثببوري
وأحمد وأبو ثور؛ وقال مالك :القول قولها قبل الببدخول ،والقببول قببوله بعببد الببدخول؛
وقال بعض أصحابه :إنما قال ذلك مالك لن العرف بالمدينة كان عندهم أن ل يدخل
الزوج حتى يدفع الصداق ،فإن كان بلد ليس فيه هذا العرف كببان القببول قولهببا أبببدا؛
والقول بأن القول قولها أبدا أحسن لنها مدعى عليها ،ولكن مالك راعى قببوة الشبببهة
التي له إذا دخل بها الزوج؛ واختلف أصحاب مالك إذا طال الدخول هل يكون القول
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
قوله بيمين أو بغير يمين أحسن .وأما إذا اختلببف فببي جنببس الصببداق فقببال هببو مثل
زوجتك على هذا العبد ،وقالت هي زوجتك على هذا الثوب ،فالمشهور فببي المببذهب
أنهما يتحالفان ويتفاسخان إن كان الختلف قبل البناء وإن كان بعد البناء ثبت وكان
لها صداق مثل ما لم يكن أكثر مما ادعت أو أقل مما اعترف به؛ وقال ابن القصببار:
يتحالفان قبل الدخول ،والقببول قببول الببزوج بعببد الببدخول؛ وقببال أصبببغ :القببول قببول
الزوج إن كان يشبه سواء أشبه قولهما أو لم يشبه ،فإن لم يشبه قول الزوج فإن كببان
قولها مشبها كان القببول قولهبا ،وإن لبم يكبن قولهببا مشبببها تحالفببا وكببان لهببا صببداق
المثل؛ وقول الشببافعي فببي هببذه المسببألة مثببل قببوله عنببد اختلفهببا فببي القببدر :أعنببي
يتحالفان ويتراجعان إلى مهر المثل .وسبب قول الفقهاء بالتفاسخ فببي البببيع سببتعرف
أصله في كتاب البيوع إن شاء ال .وأما اختلفهم في الوقت فإنه يتصور في الكببالئ.
والذي يجيء على أصل قول مالك فيه في المشهور عنببه أن القببول فببي الجببل قببول
الغارم قياسا على البيع وفيه خلف ويتصور أيضببا مببتى يجببب هببل قبببل الببدخول أو
بعده؟ فمن شبه النكاح بالبيوع قال :ل يجببب إل بعببد الببدخول قياسببا علببى البببيع إذ ل
يجب الثمن على المشتري إل بعد قبض السلعة ومن رأى أن الصداق عبببادة يشببترط
في الحلية قال :يجب قبل الدخول لذلك استحب مالك أن يقدم الزوج قبل الدخول شيئا
من الصداق.
*)*4الركن الثالث :في معرفة محل العقد(
@-وكل امرأة فإنها تحل في الشرع بوجهين :إمببا بنكبباح ،أو بملببك يميببن .والموانببع
الشرعية بالجملة تنقسم أول إلى قسمين :موانع مؤبدة ،وموانع غير مؤبدة .والموانببع
المؤبدة تنقسم إلى متفق عليها ،ومختلف فيها .فبالمتفق عليهببا ثلث :نسببب ،وصببهر،
ورضاع .والمختلف فيها الزنى ،واللعان والغير مؤبدة تنقسم إلى تسعة :أحببدها مببانع
العدد .والثاني :مانع الجمع .والثالث :مانع الرق والرابع :مانع الكفر والخامس :مانع
الحرام .والسادس :مانع المرض .والسابع :مانع العدة على اختلف في عدم تأييببده.
والثامن :مبانع التطليبق ثلثببا للمطلببق .والتاسببع :مبانع الزوجيبة .فبالموانع الشبرعية
بالجملة أربعة عشر مانعا ،ففي هذا الباب أربعة عشر فصل.
**3الفصل الول في مانع النسب
@-واتفقوا علبى أن النسباء اللئي يحرمبن مبن قببل النسبب السببع المبذكورات فبي
القرآن :المهات والبنات والخوات والعمات والخالت وبنببات الخ وبنببات الخببت.
واتفقوا على أن الم ههنا :اسم لكل أنثى لها عليببك ولدة مببن جهببة الم أو مببن جهببة
الب؛ والبنت :اسم لكل أنببثى لببك عليهببا ولدة مببن قبببل البببن أو مببن قبببل البنببت أو
مباشرة؛ أما الخت :فهي اسم لكببل أنببثى شبباركتك فببي أحببد أصببليك أو مجموعيهمببا
أعني الب أو الم أو كليهما؛ والعمة :اسم لكل أنثى هي أخت لبيك أو لكل ذكببر لببه
عليك ولدة؛ وأما الخالة :فهي اسم لخت أمببك أو أخببت كببل أنببثى لهببا عليببك ولدة؛
وبنات الخ :اسم لكل أنببثى لخيببك عليهببا ولدة مببن قبببل أمهببا أو مببن قبببل أبيهببا أو
مباشرة؛ وبنات الخت :اسم لكل أنثى لختك عليها ولدة مباشرة أو من قبل أمهببا أو
من قبل أبيها .فهؤلء العيان السبببع محرمببات ،ول خلف أعلمببه فببي هببذه الجملببة.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
والصل فيها قوله تعالى )حرمت عليكم( إلى آخببر اليببة .وأجمعببوا علببى أن النسببب
الذي يحرم الوطء بنكاح يحرم الوطء بملك اليمين.
**4الفصل الثاني في المصاهرة
@-وأما المحرمببات بالمصبباهرة فببإنهن أربببع :زوجببات الببباء ،والصببل فيببه قببوله
تعالى }ول تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء{ الية ،وزوجات البنبباء .والصببل فببي
ذلك أيضا قوله تعالى }وحلئل أبنائكم الببذين مببن أصببلبكم{ وأمهببات النسبباء أيضببا،
والصل في ذلك قوله تعالى }وأمهات نسائكم{ .وبنات الزوجات ،والصل فيه قوله
تعالى }وربائبكم اللتي في جحوركم من نسائكم اللتي دخلتببم بهببن{ فهببؤلء الربببع
اتفق المسلمون على تحريببم اثنيببن منهببن بنفببس العقببد ،وهببو تحريببم زوجببات الببباء
والبناء ،وواحدة بالدخول وهي ابنة الزوجة .واختلفوا منهببا فببي موضببعين :أحببدهما
هل من شرطها أن تكون فببي حجببر الببزوج والثانيببة هببل تحببرم بالمباشببرة للم للببذة
أوبالوطء؟ .وأما أم الزوجة فبإنهم اختلفببوا هببل تحببرم بببالوطء أو بالعقببد علببى البنببت
فقط؟ واختلفوا أيضا من هذا الباب في مسألة رابعة ،وهي هل يوجب الزنببا مببن هببذا
التحريم ما يوجبه النكاح الصحيح أو النكاح بشبهة؛ فهنا أربعة مسائل.
@)-المسألة الولى( وهي هل من شببرط تحريببم بنببت الزوجببة أن تكببون فببي حجببر
الزوج أم ليس ذلك من شرطه؟ فإن الجمهور على أن ذلك ليس مببن شببرط التحريببم؛
وقال داود ذلك من شرطه؛ ومبني الخلف هببل قببوله تعببالى }اللتببي فببي حجببوركم{
وصف له تأثير في الحرمة أو ليس له تأثير ،وإنما خرج مخرج الموجود أكثر؟ فمن
قال خرج مخرج الموجود الكثر وليس هو شرطا في الربائب ،إذ ل فببرق فببي ذلببك
بين التي في حجره أو التي ليست في حجره قال :تحرم الربيبة بإطلق؛ ومببن جعلببه
شرطا غير معقول المعنى قال :ل تحرم إل إذا كانت في حجره.
@)-المسألة الثانية( وأما هل تحرم البنت بمباشرة الم فقط أو بالوطء؟ فببإنهم اتفقببوا
على أن حرمتها بالوطء .واختلفوا فيمبا دون البوطء مبن اللمبس والنظبر إلبى الفبرج
لشببهوة أو لغيببر شببهوة هببل ذلببك يحببرم أم ل؟ فقببال مالببك والثببوري وأبببو حنيفببة
والوزاعي والليث بن سعد :إن اللمس لشهوة يحرم الم ،وهو أحببد قببولي الشببافعي؛
وقال داود والمزني :ل يحرمها إل الوطء وهببو أحببد قببولي الشببافعي المختببار عنببده،
والنظر عند مالك كاللمس إذا كان نظر تلذذ إلى أي عضببو كببان ،وفيببه عنببه خلف؛
ووافقه أبو حنيفة في النظر إلى الفرج فقط؛ وحمل الثوري النظر محمبل اللمبس ولببم
يشترط اللذة؛ وخالفهم في ذلك ابن أبي ليلى والشافعي في أحد قببوليه فلببم يببوجب فببي
النظر شيئا ،وأوجب في اللمس .ومبنى الخلف هل المفهوم من اشتراط الدخول فببي
قوله تعالى }اللتي دخلتم بهن{ الوطء أو التلذذ بما دون الوطء؟ فإن كان التلببذذ فهببل
يدخل فيه النظر أم ل؟
@)-المسألة الثالثة( وأما الم فببذهب الجمهببور مببن كافببة فقهبباء المصببار إلببى أنهببا
تحرم بالعقد على البنت دخل بها أو لبم يبدخل ،وذهبب قبوم إلبى أن الم ل تحبرم إل
بالدخول على البنت كالحال في البنببت :أعنببي أنهببا ل تحببرم إل بالببدخول علببى الم،
وهو مروي عببن علببي وابببن عببباس رضببي الب عنهمببا مببن طببرق ضببعيفة .ومبنببى
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الخلف هل الشرط في قوله تعالى }اللتي دخلتم بهن{ يعود إلى أقرب مببذكور وهببم
الربائب فقط أو إلببى الربببائب والمهببات المببذكورات قبببل الربببائب فببي قببوله تعببالى
}وأمهات نسائكم وربائبكم اللتي في حجوركم من نسببائكم اللتببي دخلتببم بهببن{ فببإنه
يحتمل أن يكون قوله }اللتي دخلتم بهن{ يعود علببى المهببات والبنببات ،ويحتمببل أن
يعود إلببى أقببرب مببذكور وهببم البنببات .ومببن الحجببة للجمهببور مببا روى المثنببى بببن
الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي عليببه الصببلة والسببلم قببال
"أيما رجل نكح امرأة فدخل بها أو لم يدخل فل تحل له أمها".
@)-وأما المسألة الرابعة( فاختلفوا في الزنا هل يوجب مببن التحريببم فببي هببؤلء مببا
يوجب الوطء في نكاح صحيح أو بشبهة؟ أعني الذي يدرأ فيه الحببد ،فقببال الشببافعي:
الزنا بالمرأة ل يحرم نكاح أمها ول ابنتها ول نكاح أبي الزانببي لهببا ول ابنببه؛ وقببال
أبي حنيفة :والثوري والوزاعي :يحرم الزنا ما يحرم النكاح وأما مالك ففي المؤطببأ
عنه قول الشافعي أنه ل يحرم ،وروى عنه ابن القاسم مثل قول أبي حنيفة أنه يحرم؛
وقال سحنون :أصحاب مالك يخالفون ابن القاسم فيها ،ويذهبون إلى ما فببي المؤطببأ؛
وقد روى عن الليث أن الوطء بشبهة ل يحرم وهبو شباذ .وسببب الخلف الشبتراك
في اسم النكاح :أعني في دللته على المعنى الشرعي واللغوي ،فمببن راعببى الدللببة
اللغوية في قوله تعالى }ول تنكحوا ما نكح آببباؤكم{ قببال :يحببرم الزنببا ،ومببن راعببى
الدللة الشرعية قال :ل يحرم الزنبا ،ومبن علببل هببذا الحكبم بالحرمببة البتي بيببن الم
والبنت وبين الب والبن قال :يحرم الزنا أيضا ،ومن شببهه بالنسبب قبال :ل يحبرم
لجماع الكثر على أن النسب ل يلحق بالزنا .واتفقوا فيما حكى ابن المنذر علببى أن
الوطء بملك اليمين يحرم منه ما يحرم الوطء بالنكاح .واختلفببوا فببي تببأثير المباشببرة
في ملك اليمين كما اختلفوا في النكاح.
**4الفصل الثالث في مانع الرضاع
@-واتفقوا علببى أن الرضبباع بالجملببة يحببرم منببه مببا يحببرم مببن النسببب :أعنببي أن
المرضعة تنزل منزلة الم ،فتحرم على المرضع هي وكل من يحرم على البن مببن
قبل أم النسب .واختلفوا من ذلك في مسائل كثيرة ،والقواعد منها تسببع :إحببداها :فببي
مقدار المحرم من اللبن .والثانية :في سن الرضاع .والثالثة :فببي حببال المرضببع فببي
ذلك الوقت عند من يشترط للرضاع المحرم وقتبا خاصببا .والرابعبة :هببل يعتببر فيببه
وصوله برضاع والتقام الثدي أو ل يعتبر .والخامسة :هل يعتبر فيببه المخالطببة أم ل
يعتبر .والسادسة :هل يعتبر فيه الوصول من الحلق أو ل يعتبر والسابعة :هببل ينببزل
صاحب اللبن :أعني الزوج من المرضع منزلة الب ،وهو الذي يسمونه لبببن الفحببل
أم ليببس ينببزل منببه بمنزلببة أب .والثامنببة :الشببهادة علببى الرضبباع .والتاسببعة :صببفة
المرضعة.
@)-المسألة الولى( أما مقدار المحرم من اللببن فبإن قومببا قبالوا فيبه بعبدم التحديببد
وهو مذهب مالك وأصحابه؛ وروى عن علي وابن مسعود وهو قول ابن عمر وابببن
عباس ،وهؤلء يحرم عندهم أي قدر كان ،وبه قببال أبببو حنيفببة وأصببحابه والثببوري
والوزاعي؛ وقالت طائفة :بتحديد القدر المحرم ،وهببؤلء انقسببموا إلببى ثلث فببرق،
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
فقالت طائفة :ل تحرم المصة ول المصتان وتحرم الثلث رضعات فمبا فوقهبا ،وبببه
قال أبو عبيد وأبو ثور؛ وقالت طائفة :المحرم خمببس رضببعات ،وبببه قببال الشببافعي؛
وقالت طائفة :عشر رضعات .والسبب في اختلفهم في هذه المسألة معارضة عمببوم
الكتاب للحاديث الواردة في التحديد ومعارضة الحبباديث فببي ذلببك بعضببها بعضببا.
فأما عموم الكتاب فقوله تعالى }وأمهاتكم اللتي أرضعنكم{ اليببة ،وهببذا يقتضببي مببا
ينطلق عليه اسم الرضاع ،والحاديث المتعارضة في ذلك راجعبة إلبى حبديثين فبي
المعنى :أحدهما حديث عائشة وما في معناه أنه قال عليه الصلة والسببلم "ل تحببرم
المصة ول المصتان أو الرضعة والرضعتان" خرجه مسلم من طريببق عائشببة ومببن
طريق أم الفضل ومن طريق ثالث ،وفيه قال :قال رسول ال صببلى الب عليببه وسببلم
"ل تحرم الملجة ول الملجتان" والحديث الثاني حديث سهلة في سالم أنه قال لها
النبي صلى ال عليه وسلم "أرضعيه خمس رضعات" وحديث عائشة في هذا المعنى
أيضا قالت "كان فيما نزل من القببرآن عشببر رضببعات معلومببات ثببم نسببخن بخمببس
معلومات ،فتوفي رسول ال صلى ال عليه وسلم وهببن ممببا يقببرأ مببن القببرآن" فمببن
رجح ظاهر القرآن على هذه الحاديث قببال :تحببرم المصببة والمصببتان؛ ومببن جعببل
الحاديث مفسرة للية وجمع بينها وبين الية ورجح مفهوم دليل الخطبباب فببي قببوله
عليه الصلة والسلم "ل تحرم المصة ول المصتان" على مفهوم دليل الخطبباب فببي
حديث سالم قال :الثلثة فما فوقها هي التي تحرم ،وذلك أن دليببل الخطبباب فببي قببوله
"ل تحرم المصة ول المصتان" يقتضي أن ما فوقها يحرم ،ودليل الخطاب فببي قببوله
"أرضعيه خمس رضعات" يقتضي أن مببا دونهببا ل يحببرم والنظببر فببي ترجيببح أحببد
دليلي الخطاب.
@)-المسببألة الثانيببة( واتفقببوا علببى أن الرضبباع يحببرم فببي الحببولين .واختلفببوا فببي
رضباع الكببير فقبال مالبك وأببو حنيفبة والشبافعي وكافبة الفقهباء :ل يحبرم رضباع
الكببير؛ وذهبب داود وأهبل الظباهر إلبى أنبه يحبرم ،وهبو مبذهب عائشبة ،ومبذهب
الجمهور هو مذهب ابن مسعود وابن عمر وأبي هريبرة واببن عبباس وسبائر أزواج
النبي عليه الصلة والسلم .وسبب اختلفهم تعارض الثار في ذلك .وذلببك أنببه ورد
فببي ذلببك حببديثان :أحببدهما حببديث سبالم ،وقببد تقببدم ،والثبباني حببديث عائشببة خرجببه
البخاري ومسلم قالت "دخل رسول ال صلى الب عليببه وسببلم وعنببدي رجببل ،فاشببتد
ذلك عليه ورأيت الغضب في وجهه ،فقلت :يا رسول ال ب إنببه أخببي مببن الرضبباعة،
فقال عليه الصلة والسلم :انظرن من إخببوانكن مببن الرضبباعة فببإن الرضبباعة مببن
المجاعببة" فمببن ذهببب إلببى ترجيبح هبذا الحبديث قبال :ل يحببرم اللبببن الببذي ل يقبوم
للمرضع مقام الغذاء ،إل أن حديث سالم نازلببة فببي عيببن ،وكببان سببائر أزواج النبببي
صلى ال عليه وسلم يرون ذلك رخصة لسالم؛ ومن رجح حديث سالم وعلببل حببديث
عائشة بأنها لم تعمل به قال :يحرم رضاع الكبير.
@)-المسألة الثالثببة( واختلفببوا إذا اسببتغنى المولببود بالغببذاء قبببل الحببولين وفطببم ثببم
أرضعته امرأة فقال مالك :ل يحرم ذلك الرضاع؛ وقال أببو حنيفبة والشبافعي :تثببت
الحرمة به .وسبب اختلفهم اختلفهم في مفهوم قببوله عليببه الصببلة والسببلم "فإنمببا
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الرضاعة من المجاعببة" فبإنه يحتمببل أن يريببد ببذلك الرضباع الببذي يكبون فببي سببن
المجاعة كيفما كان الطفل وهو سن الرضاع ،ويحتمل أن يريببد إذا كببان الطفببل غيببر
مفطوم ،فإن فطم في بعض الحولين لم يكبن رضباعا مبن المجاعبة ،فبالختلف آيبل
إلى أن الرضبباع الببذي سببببه المجاعببة والفتقببار إلببى اللبببن هببل يعتبببر فيببه الفتقببار
الطبيعي للطفال وهو الفتقار الذي سببه سن الرضاع أو افتقار المرضع نفسه وهو
الذي يرتفع بالفطم ولكنه موجود بالطبع ،والقائلون بتأثير الرضاع في مدة الرضباع
سواء من اشترط منهم الفطام )قوله الفطام :هكذا بالنسخ ،ولعله عبدم الفطبام لنبه لبم
يشترط أحد الفطام في التحريم ،بل مالك اشترط عدم الفطام تأمل ا هب مصببححه( .أو
لم يشترطه اختلفوا فببي هببذه المببدة ،فقببال هببذه بالمببدة حببولن فقببط ،وبببه قببال زفببر؛
واستحسن مالك التحريم في الزيادة اليسببيرة علببى العببامين ،وفببي قببول الشببهر عنببه،
وفي قببول عنببه إلببى ثلثببة أشببهر؛ وقببال أبببو حنيفببة :حببولن وسببتة شببهور .وسبببب
اختلفهم ما يظن من معارضة آية الرضاع لحببديث عائشببة المتقببدم ،وذلببك أن قببوله
تعالى }والوالببدات يرضببعن أولدهببن حببولين كبباملين{ يببوهم أن مببا زاد علببى هببذين
الحببولين ليببس هببو رضبباع مجاعببة مببن اللبببن ،وقببوله عليببه الصببلة والسببلم "إنمببا
الرضبباعة مببن المجاعببة" يقتضببي عمببومه أن مببا دام الطفببل غببذاؤه اللبببن أن ذلببك
الرضاع يحرم.
@)-المسألة الرابعة( وأما هل يحرم الوجور واللدود ،وبالجملة ما يصل إلببى الحلببق
من غيببر رضبباع ،فبإن مالكببا قببال :يحببرم الوجببور واللببدود؛ وقببال عطبباء وداود :ل
يحببرم .وسبببب اختلفهببم هببل المعتبببر وصببول اللبببن كيفمببا وصببل إلببى الجببوف ،أو
وصوله على الجهة المعتادة؟ فمن راعببى وصببوله علببى الجهببة المعتببادة وهببو الببذي
ينطلق عليه اسم الرضاع قال :ل يحرم الوجور ول اللدود؛ ومن راعى وصول اللبن
إلى الجوف كيفما وصل قال :يحرم.
@)-المسألة الخامسة( وأما هبل مبن شببرط اللبببن المحبرم إذا وصبل إلببى الحلبق أن
يكون غير مخالط لغيره ،فإنهم اختلفوا في ذلك أيضا ،فقببال ابببن القاسببم :إذا اسببتهلك
اللبن في ماء أو غيره ثم سقيه الطفل لم تقع الحرمة ،وبه قال أبببو حنيفببة وأصببحابه؛
وقال الشافعي وابن حبببيب ومطببرف وابببن الماجشببون مببن أصببحاب مالببك :تقببع بببه
الحرمة بمنزلة ما لو انفرد اللبن أو كان مختلطا لم تذهب عينه .وسبب اختلفهم هببل
يبقى للبن حكم الحرمة إذا اختلط بغيره ،أم ل يبقى به حكمها كالحال في النجاسببة إذا
خالطت الحلل الطاهر .والصل المعتبر في ذلك انطلق اسم اللبن عليه كالماء هببل
يطهر إذا خالطه شيء طاهر؟.
@)-المسألة السادسة( وأما هل يعتبر فيه الوصول إلى الحلق أو ل يعتبر فإنه يشبببه
أن يكون هذا هو سبببب اختلفهببم فببي السببعوط بباللبن والحقنبة بببه .ويشببه أن يكبون
اختلفهم في ذلك لموضع الشك هل يصل اللبن من هذه العضاء أو ل يصل؟.
@)-المسألة السابعة( وأما هل يصير الرجل الذي لببه اللبببن :أعنببي زوج المببرأة أبببا
للمرضع حتى يحرم بينهما ومن قبلهما ما يحرم من الباء والبناء الذين مببن النسببب
وهببي الببتي يسببمونها لبببن الفحببل ،فببإنهم اختلفببوا فببي ذلببك ،فقببال مالببك وأبببو حنيفببة
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
والشافعي وأحمد والوزاعي والثوري :لبن الفحل يحرم؛ وقالت طائفة :ل يحرم لبببن
الفحل ،وبالول قال علي وابن عباس ،وبالقول الثاني قالت عائشة وابن الزبير وابببن
عمر .وسبب اختلفهم معارضة ظاهر الكتباب لحبديث عائشبة المشبهور :أعنبي آيبة
الرضاع ،وحديث عائشة هو "قالت جاء أفلح أخو أبي القعيس يسببتأذن علببي بعببد أن
أنزل الحجاب فأبيت أن آذن له ،وسألت رسول ال صلى ال ب عليببه وسببلم فقببال :إنببه
عمك فأذني له ،فقلت :يا رسول الب إنمببا أرضببعتني المببرأة ولببم يرضببعني الرجببل،
فقال :إنه عمك فليلج عليببك" خرجببه البخبباري ومسببلم ومالببك؛ فمببن رأى أن مببا فببي
الحديث شرع زائد على ما في الكتاب ،وهو قوله تعالى }وأمهاتكم اللتببي أرضببعنكم
وأخواتكم من الرضاعة{ وعلى قوله صلى ال عليه وسلم "يحببرم مببن الرضبباعة مببا
يحرم من الولدة" قال :لبن الفحل محرم؛ ومن رأى أن آيببة الرضبباع وقببوله "يحببرم
من الرضاع ما يحرم من الولدة" إنما ورد على جهة التأصيل لحكم الرضبباع ،إذ ل
يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة قال :ذلك الحديث إن عمببل بمقتضبباه أوجببب أن
يكون ناسخا لهذه الصول ،لن الزيادة المغيرة للحكم ناسخة ،مع أن عائشة لببم يكببن
مذهبها التحريم بلبن الفحل ،وهي الراوية للحبديث ،ويصبعب رد الصبول المنتشبرة
التي يقصد بها التأصيل والبيان عند وقت الحاجة بالحبباديث النببادرة وبخاصببة الببتي
تكون في عين ،ولذلك قال عمر رضي ال عنه في حديث فاطمة بنت قيس :ل نترك
كتاب ال لحديث امرأة.
@)-المسألة الثامنة( وأما الشببهادة علببى الرضبباع فببإن قومببا قببالوا :ل تقبببل فيببه إل
شهادة امرأتين ،وقوما قالوا :ل تقبل فيه إل شهادة أربع ،وبه قببال الشببافعي وعطبباء؛
وقوما قالوا تقبل فيه شهادة امرأة واحدة؛ والذين قالوا تقبل فيه شببهادة امرأتيببن منهببم
من اشترط في ذلك فشو قولهما بذلك قبل الشهادة .وهببو مببذهب مالببك وابببن القاسببم؛
ومنهم من لم يشترطه ،وهببو قببول مطببرف وابببن الماجشببون .والببذين أجببازوا أيضببا
شهادة امرأة واحدة منهم من لم يشببترط فشببو قولهببا قبببل الشببهادة ،وهببو مببذهب أبببي
حنيفة؛ ومنهم من اشترط ذلك ،وهي رواية عن مالك ،وقببد روى عنببه أنببه ل تجببوز
فيه شهادة أقل من اثنتين .والسبب في اختلفهم ،أما بين الربببع والثنببتين فباختلفهم
في شهادة النساء هل عديل كل رجل هو امرأتان فيما ليس يمكببن فيببه شببهادة الرجببل
أو يكفي في ذلببك امرأتببان ،وسبتأتي هببذه المسببألة فببي كتبباب الشببهادات إن شباء الب
تعالى .وأما اختلفهم في قبول شهادة المرأة الواحدة فمخالفببة الثببر الببوارد فببي ذلببك
للصل المجمع عليه ،أعني أنه ل يقبل من الرجال أقل من اثنيببن ،وأن حببال النسبباء
في ذلك إما أن يكبون أضبعف مبن حبال الرجبال ،وإمبا أن تكبون أحبوالهم فبي ذلبك
مساوية للرجال ،والجماع منعقد على أنه ل يقضي بشببهادة واحببدة ،والمببر الببوارد
في ذلك هو حديث عقبة بن الحارث قببال "يببا رسببول الب إنببي تزوجببت امببرأة فببأتت
امرأة فقالت :قد أرضعتكما ،فقال رسول ال صلى ال عليببه وسببلم :كيببف وقببد قيببل؟
دعها عنك" وحمل بعضهم هذا الحديث على الندب جمعببا بينببه وبيببن الصببول وهببو
أشبه ،وهي رواية عن مالك.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
@)-المسألة التاسعة( وأما صفة المرضعة فإنهم اتفقوا على أنه يحرم لبن كل امببرأة
بالغ وغير بالغ ،واليائسة من المحيض كان لها زوج أم لم يكن ،حامل كانت أم غيببر
حامل؛ وشذ بعضهم فأوجب حرمة للبن الرجببل ،وهببذا غيببر موجببود فضببل عببن أن
يكون له حكم شرعي ،وإن وجد فليس لبنا إل باشتراك السم .واختلفوا من هذا الباب
في لبن الميتة .وسبب الخلف هل يتناولها العموم أو ل يتناولهببا ،ول لبببن للميتببة إن
وجد لها إل باشتراك السم ،ويكاد أن تكون مسألة غير واقعة فل يكون لها وجود إل
في القول.
**4الفصل الرابع في مانع الزنا.
@-واختلفوا في زواج الزانية .فأجاز هذا الجمهور ،ومنعهببا قببوم .وسبببب اختلفهببم
اختلفهم في مفهوم قوله تعبالى }والزانيبة ل ينكحهبا إل زان أو مشبرك وحبرم ذلبك
على المؤمنين{ هل خرج مخبرج البذم أو مخبرج التحريبم؟ وهببل الشببارة فبي قببوله
}وحرم ذلك على المؤمنين{ إلى الزنبا أو إلبى النكباح؟ وإنمبا صبار الجمهبور لحمبل
الية على الذم ل على التحريم لما جاء في الحببديث "أن رجل قببال للنبببي صببلى الب
عليه وسلم في زوجته إنها ل ترد يد لمببس ،فقبال لببه النبببي عليببه الصببلة والسببلم:
طلقها ،فقال له :إني أحبها .فقال له :فأمسكها" وقال قوم أيضا :إن الزنا يفسخ النكبباح
بناء على هذا الصل .وبه قببال الحسببن .وأمببا زواج الملعنببة مببن زوجهببا الملعببن
فسنذكرها في كتاب اللعان.
**4الفصل الخامس في مانع العدد.
@-واتفق المسلمون على جواز نكباح أربعبة مببن النسبباء معببا ،وذلببك للحبرار مبن
الرجال .واختلفوا في موضعين :في العبيد ،وفيما فوق الربع .وأما العبيد فقال مالببك
في المشهور عنه :يجوز أن ينكببح أربعببا ،وبببه قببال أهببل الظبباهر .وقببال أبببو حنيفببة
والشافعي :ل يجوز له الجمع إل بين اثنتين فقط .وسبب اختلفهببم هببل العبوديببة لهببا
تأثير في إسقاط هذا العدد كما لها تأثير في إسقاط نصف الحد الواجب على الحر في
الزنا ،وكذلك في الطلق عند من رأى ذلك .وذلك أن المسلمين اتفقوا علببى تنصببيف
حده في الزنا :أعني أن حده نصف حد الحر ،واختلفوا في غير ذلببك .وأمببا مببا فببوق
الربع فإن الجمهور على أنه ل تجوز الخامسة لقوله تعالى }فببانكحوا مببا طبباب لكببم
من النساء مثنى وثلث ورباع{ ولما روي عنه عليه الصلة والسلم أنه قببال لغيلن
لما أسلم وتحته عشر نسوة "أمسك أربعا وفارق سائرهن" وقالت فرقة :يجوز تسببع،
ويشبه أن يكون من أجاز التسع ذهب مذهب الجمع في الية المببذكورة ،أعنببي جمببع
العداد في قوله تعالى }مثنى وثلث ورباع{ .
**4الفصل السادس في مانع الجمع.
@-واتفقوا على أنه ل يجمع بين الختين بعقد نكاح لقوله تعببالى }وأن تجمعببوا بيببن
الختين{ واختلفوا في الجمع بينهما بملك اليمين ،والفقهاء على منعه ،وذهبببت طائفببة
إلببى إباحببة ذلببك .وسبببب اختلفهببم معارضببة عمبوم قببوله تعببالى }وأن تجمعبوا بيبن
الختين{ لعموم الستثناء في آخببر اليببة ،وهببو قببوله تعببالى }إل مببا ملكببت أيمببانكم{
وذلك أن هذا الستثناء يحتمل أن يعود لقرب مذكور ،ويحتمببل أن يعببود لجميببع مببا
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
تضمنته الية من التحريم إل ما وقع الجماع على أنه ل تأثير لببه فيببه ،فيخببرج مببن
عموم قوله تعالى }وأن تجمعوا بين الخببتين{ ملببك اليميببن ،ويحتمببل أن ل يعببود إل
إلى أقرب مذكور ،فيبقى قوله تعالى }وأن تجمعوا بيببن الخببتين{ علببى عمببومه ،ول
سيما إن عللنا ذلك بعلة الخوة أو بسبب موجود فيهمببا .واختلببف الببذين قببالوا بببالمنع
في ملك اليمين إذا كانت إحداهما بنكاح والخرى بملك يمين ،فمنعه مالك وأبو حنيفة
وأجازه الشافعي ،وكذلك اتفقوا فيما أعلم على تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبيببن
المرأة وخالتها لثبوت ذلك عنه عليه الصلة والسلم من حديث أبي هريببرة وتببواتره
عنه عليه الصلة والسلم من أنه قبال عليببه الصببلة والسببلم "ل يجمببع بيببن المببرأة
وعمتها ول بين المرأة وخالتها" واتفقوا على أن العمة ههنا هي كل أنببثى هببي أخببت
لذكر له عليك ولدة إما بنفسه وإما بواسطة ذكر آخر ،وأن الخالة :هي كل أنثى هببي
أخت لكل أنثى لها عليك ولدة إما بنفسها وإما بتوسط أنثى غيرها وهن الحرات مببن
قبل الم؛ واختلفوا هل هذا من باب الخاص أريد به الخاص ،أم هو من باب الخبباص
أريد به العام؟ والذين قالوا هو من باب الخاص أريببد بببه العببام اختلفببوا أي عببام هببو
المقصود به؟ فقال قوم وهم الكثر وعليه الجمهور من فقهبباء المصببار :هببو خبباص
أريد به الخصوص فقط ،وأن التحريم ل يتعدى إلى غير من نص عليببه؛ وقببال قببوم:
هو خاص والمراد به العموم ،وهو الجمع بين كببل امرأتيببن بينهمببا رحببم محرمببة أو
غير محرمة ،فل يجوز الجمع عند هؤلء بين ابنتي عم أو عمة ،ول بين ابنتي خببال
أو خالة ،ول بين المرأة وبنت عمها أو بنت عمتها ،أو بينها وبين بنت خالتها؛ وقببال
قوم :إنما يحرم الجمع بين كل امرأتين بينهما قرابة محرمة ،أعنببي لببو كببان أحببدهما
ذكرا والخر أنثى لم يجز لهما أن يتناكحا؛ ومن هؤلء من اشببترط فببي هببذا المعنببى
أن يعتبر هذا من الطرفين جميعا ،أعني إذا جعل كل واحد منهما ذكرا والخببر أنببثى
فلببم يجببز لهمببا أن يتناكحببا ،فهببؤلء ل يحببل الجمببع بينهمببا .وأمببا إن جعببل فببي أحببد
الطرفين ذكر يحرم التزويج ولم يحرم من الطرف الخر فإن الجمببع يجببوز كالحببال
في الجمع بين امرأة الرجل وابنته من غيرها ،فإنه إن وضببعنا البنببت ذكببرا لببم يحببل
نكاح المرأة منه لنها زوج أبيه ،وإن جعلنا المرأة ذكببرا حببل لهببا نكبباح ابنببة الببزوج
لنها تكببون ابنببة لجنبببي ،وهببذا القببانون هببو الببذي اختبباره أصببحاب مالببك ،وأولئك
يمنعون الجمع بين زوج الرجل وابنته من غيرها.
**4الفصل السابع في موانع الرق.
@-واتفقوا على أنه يجوز للعبد أن ينكح المة ،وللحببرة أن تنكببح العبببد إذا رضببيت
بذلك هي وأولياؤها .واختلفوا في نكاح الحر المة ،فقال قوم :يجببوز بببإطلق ،وهببو
المشهور من مببذهب ابببن القاسببم؛ وقببال قببوم :ل يجببوز إل بشببرطين :عببدم الطببول،
وخوف العنت ،وهو المشهور من مذهب مالك ،وهبو مببذهب أبببي حنيفببة والشببافعي.
والسبب في اختلفهم معارضة دليل الخطاب في قوله تعالى }ومببن لببم يسببتطع منكببم
طول أن ينكح{ الية ،لعموم قوله }وأنكحوا اليامى منكم والصببالحين{ اليببة ،وذلببك
أن مفهوم دليل الخطاب في قوله تعالى }ومن لم يستطع منكم طببول{ اليببة ،يقتضببي
أنه ل يحل نكاح المة إل بشرطين :أحدهما عدم الطول إلببى الحببرة ،والثبباني خببوف
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
العنت ،وقوله تعالى }وأنكحوا اليامى منكم{ يقتضببي بعمببومه إنكبباحهن مببن حببر أو
عبد ،واحدا كان الحر أو غير واحد ،خائفا للعنت أو غير خائف ،لكن دليببل الخطبباب
أقوى ههنا }وال أعلبم{ مبن العمبوم ،لن هبذا العمبوم لبم يتعبرض فيبه إلبى صبفات
الزوج المشترطة في نكاح الماء ،وإنما المقصببود بببه المببر بإنكبباحهن وأل يجبببرن
على النكاح ،وهو أيضا محمول على الندب عند الجمهور مع ما في ذلك مببن إرقبباق
الرجل ولده .واختلفوا من هذا الباب في فرعين مشببهورين ،أعنببي الببذين لببم يجيببزوا
النكاح إل بالشرطين المنصوص عليهما :أحدهما إذا كانت تحته حرة هل هببي طببول
أو ليست بطول؟ فقال أبو حنيفة :هي طول؛ وقال غيره :ليسببت بطببول؛ وعببن مالببك
في ذلك القولن .والمسألة الثانية هل يجوز لمن وجد فيه هذان الشرطان نكبباح أكببثر
من أمه واحدة ثلث أو أربع أو ثنتان؟ فمبن قبال إذا كببانت تحتببه حبرة فليببس يخبباف
العنت لنه غير عزب قال :إذا كانت تحته حرة لببم يجببز لببه نكبباح المببة؛ ومببن قببال
خوف العنت إنما يعتبر بإطلق سواء كان عزبا أو متأهل ،لنه قد ل تكون الزوجببة
الولى مانعة من العنت ،وهو ل يقدر على حرة تمنعه من العنت فلببه أن ينكببح أمببة،
لن حاله مع هذه الحرة في خوف العنت كحاله قبلها ،وبخاصة إذا خشي العنببت مببن
المة التي يريد نكاحها ،وهذا بعينه هو السبب في اختلفهم هل ينكح أمة ثانيببة علببى
المة الولى أو ل ينكحها؟ وذلك أن من اعتبر خوف العنت مع كببونه عزبببا إذ كببان
الخوف على العزب أكثر قال :ل ينكح أكثر من أمة واحدة ،ومن اعتبره مطلقا قببال:
ينكح أكثر من أمة واحدة ،وكذلك يقول إنه ينكببح علببى الحببرة ،واعتببباره مطلقببا فيببه
نظر؛ وإذا قلنا أن له أن يتزوج على الحرة أمة فتزوجها بغير إذنها فهببل لهببا الخيببار
في البقاء معه أو في فسخ النكاح؟ اختلف في ذلك قول مالك ،واختلفوا إذا وجد طول
بحرة هل يفببارق المببة أم ل؟ ولببم يختلفببوا أنببه إذا ارتفببع عنببه خببوف العنببت أنببه ل
يفارقها ،أعني أصحاب مالببك؛ واتفقببوا مببن هببذا الببباب علببى أنببه ل يجببوز أن تنكببح
المرأة من ملكته وإنها إذا ملكت زوجها انفسخ النكاح.
**4الفصل الثامن في مانع الكفر.
@-واتفقوا على أنه ل يجوز للمسلم أن ينكح الوثنية لقوله تعالى }ول تمسكوا بعصم
الكوافر{ واختلفوا في نكاحها بالملك ،واتفقوا على أنه يجوز أن ينكح الكتابية الحببرة،
إل ما روى في ذلك عن ابن عمر .واختلفوا في إحلل الكتابية المة بالنكاح؛ واتفقوا
على إحللها بملك اليميببن .والسبببب فببي اختلفهببم فببي نكبباح الوثنيببات بملببك اليميببن
معارضة عموم قوله تعالى }ول تمسببكوا بعصببم الكببوافر{ وعمببوم قببوله تعببالى }ول
تنكحوا المشركات حتى يؤمن{ لعموم قببوله }والمحصببنات مببن النسبباء إل مببا ملكببت
أيمانكم{ وهن المسبيات ،وظاهر هذا يقتضي العموم ،سواء كانت مشركة أو كتابيببة،
والجمهور على منعها ،وبالجواز قال طاوس ومجاهد ،ومن الحجة لهم مببا روى مببن
نكاح المسبيات فببي غببزوة أوطبباس إذ اسببتأذنوه فببي العببزل فببأذن لهببم؛ وإنمببا صببار
الجمهور لجواز نكاح الكتابيات الحرار بالعقببد ،لن الصببل بنبباء الخصببوص علببى
العموم :أعني أن قوله تعالى }والمحصنات من الذين أوتببوا الكتبباب{ هببو خصببوص،
وقوله }ول تنكحوا المشركات حتى يؤمن{ هو عموم ،فاستثنى الجمهببور الخصببوص
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
من العموم؛ ومن ذهب إلى تحريم ذلك جعل العام ناسخا للخاص ،وهو مذهب بعض
الفقهاء؛ وإنما اختلفوا في إحلل المببة الكتابيببة بالنكبباح لمعارضببة العمببوم فببي ذلببك
القيبباس ،وذلببك أن قياسببها علببى الحببرة يقتضببي إباحببة تزويجهببا ،وببباقي العمببوم إذا
استثنى منه الحرة يعارض ذلك ،لنه يوجب تحريمها على قول من يببرى أن العمببوم
إذا خصص بقي الباقي على عمومه؛ فمن خصص العموم الباقي بالقيبباس ،أو لببم يببر
الباقي من العموم المخصوص عموما قال :يجببوز نكبباح المببة الكتابيببة؛ ومببن رجببح
باقي العموم بعدم التخصيص على القياس قال :ل يجبوز نكباح المبة الكتابيبة؛ وهنبا
أيضا سبب آخر لختلفهببم ،وهببو معارضببة دليببل الخطبباب للقيبباس ،وذلببك أن قببوله
تعالى }من فتياتكم المؤمنببات{ يببوجب أن ل يجببوز نكبباح المببة الغيببر مؤمنببة بببدليل
الخطاب وقياسها على الحرة يوجب ذلك ،والقياس )قوله والقيبباس ،إلببى قببوله :وإنمببا
اتفقوا هو زائد ببعض النسخ الخطية والمصرية وفيه خفبباء ،فليتأمببل فببي معنبباه ا هبب
مصححه( .من كل جنس يجوز فيه النكاح بالتزويج ،ويجوز فيه النكاح بملببك اليميببن
أصله المسلمات؛ والطائفة الثانية أنه ثببم لببم يجببز نكبباح المببة المسببلمة بالتزويببج إل
بشرط فأحرى أن ل يجوز نكاح المة الكتابية بالتزويج ،وإنمببا اتفقببوا علببى إحللهببا
بملك اليمين لعموم قوله تعالى }إل ما ملكت أيمانكم{ ولجماعهم على أن السبي يحل
المسبية الغير المتزوجة .وإنما اختلفوا في المتزوجببة هببل يهببدم السبببي نكاحهببا ،وإن
هدم فمتى يهدم؟ فقال قوم :إن سبيا معا أعني الزوج والزوجة لم يفسخ نكاحهما ،وإن
سبى أحدهما قبل الخر انفسخ النكاح ،وبه قال أبو حنيفة؛ وقال قوم :بل السبي يهببدم
سبيا معا أو سبى أحدهما قبل الخر وبه قال الشافعي؛ وعن مالك قولن :أحببدهما أن
السبي ل يهدم النكاح أصل .والثاني أنه يهدم بإطلق مثل قول الشافعي .والسبب في
اختلفهم هل يهدم أو ل يهدم هو تردد المسترقين الذين أمنببوا مببن القتببل بيببن النسبباء
الذميين أهل العهد وبين الكافرة التي ل زوج لها أو المستأجرة من كافر .وأما تفريق
أبي حنيفة بين أن يسبيا معا وبين أن يسبي أحدهما فلن المؤثر عنده في الحلل هو
اختلف الدار بهما ل الرق ،والمؤثر في الحلل عند غيره هو الببرق ،وإنمببا النظببر
هل هو الرق مع الزوجية أو مع عدم الزوجية؟ والشبببه أن ل يكببون للزوجيببة ههنببا
حرمة لن محل البرق وهببو الكفببر سببب الحلل .وأمبا تشببيهها بالذميبة فبعيبد لن
الذمي إنما أعطى الجزية بشرط أن يقر على دينه فضل عن نكاحه.
**4الفصل التاسع في مانع الحرام.
@-واختلفوا في نكاح المحِرم فقببال مالببك والشببافعي والليببث والوزاعببي وأحمببد ل
ينكح المحرم ول ُينكح ،فإن فعل ذلك فالنكبباح باطببل ،وهببو قببول عمببر بببن الخطبباب
وعلي وابن عمر وزيد بن ثابت .وقببال أبببو حنيفببة :ل بببأس بببذلك .وسبببب اختلفهببم
تعارض النقل في هذا الباب ،فمنها حديث ابن عباس "أن رسول ال صلى ال ب عليببه
وسببلم نكببح ميمونببة وهببو محببرم" وهببو حببديث ثببابت النقببل خرجببه أهببل الصببحيح
وعارضه أحاديث كثيرة عن ميمونة "أن رسول ال صببلى الب عليببه وسببلم تزوجهببا
وهو حلل" قال أبو عمر :رويت عنها من طرق شتى ،من طريق أبببي رافببع ،ومببن
طريق سليمان بن يسار وهو مولها ،وعن يزيد بن الصم .وروى مالببك أيضببا مببن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
حديث عثمان بن عفان مع هذا أنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "ل ينكح
المحرم ول ُينكح ول يخطب" فمن رجح هذه الحاديث على حديث ابن عببباس قببال:
ل ينكح المحرم ول ُينكح؛ ومن رجح حديث ابببن عببباس أو جمببع بينببه وبيببن حببديث
عثمان بن عفان بأن حمل النهى الوارد في ذلببك علببى الكراهيببة قببال :ينكببح وُينكببح،
وهذا راجع إلى تعارض الفعل والقول والوجه الجمع أو تغليب القول.
**4الفصل العاشر في مانع المرض.
@-واختلفوا في نكاح المريض ،فقال أبو حنيفة والشببافعي :يجببوز؛ وقببال مالببك فببي
المشهور عنه :إنه ل يجببوز ،ويتخببرج ذلببك مببن قببوله إنببه يفببرق بينهمببا وإن صببح،
ويتخببرج مببن قببوله إنببه ل يفببرق بينهمببا أن التفريببق مسببتحب غيببر واجببب .وسبببب
اختلفهم تردد النكاح بين البيع وبين الهبة ،وذلك أنه ل تجوز هبببة المريببض إل مببن
الثلث ويجوز بيعه ولختلفهم أيضا سبب آخر ،وهو هل يتهم علببى إضببرار الورثببة
بإدخال وارث زائد أو ل يتهم؟ وقياس النكاح على الهبة غيببر صببحيح ،لنهببم اتفقببوا
على أن الهبة تجوز إذا حملها الثلث ،ولببم يعتبببروا بالنكبباح هنببا بببالثلث ،ورد جببواز
النكبباح بإدخببال وارث قيبباس مصببلحي ل يجببوز عنببد أكببثر الفقهبباء ،وكببونه يببوجب
مصالح لم يعتبرها الشرع إل في جنس بعيد من الجنس الذي يبرام فيبه إثببات الحكبم
بالمصلحة ،حتى إن قوما رأوا أن القول بهذا القول شببرع زائد وإعمببال هببذا القيبباس
يوهن ما في الشرع من التوقيف ،وأنه ل يجوز الزيببادة فيببه كمببا ل يجببوز النقصببان
والتوقف أيضا عن اعتبار المصالح تطرق للناس أن يتسرعوا لعدم السببنن الببتي فببي
ذلك الجنس إلى الظلم ،فلنفببوض أمثببال هببذه المصببالح إلببى العلمبباء بحكمببة الشببرائع
الفضلء الذين ل يتهمون بالحكم بها؛ وبخاصة إذا فهم من أهل ذلببك الزمببان أن فببي
الشتغال بظواهر الشرائع تطرقا إلى الظلم؛ ووجه عمل الفاضل العببالم فببي ذلببك أن
ينظر إلى شواهد الحال ،فإن دلت الدلئل على أنه قصد بالنكاح خيرا ل يمنع النكبباح
وإن دلت على أنه قصد الضرار بببورثته منببع مببن ذلببك كمببا فببي أشببياء كببثيرة مببن
الصنائع يعرض فيها للصناع الشيء وضده مما اكتسبوا من قوة مهنتهببم إذ ل يمكببن
أن يحد في ذلببك حببد مببؤقت صببناعي ،وهببذا كببثيرا مببا يعببرض فببي صببناعة الطببب
وغيرها من الصنائع المختلفة.
**4الفصل الحادي عشر في مانع العدة.
@-واتفقوا على أن النكاح ل يجوز في العدة كانت عدة حيض أو عدة حمل أو عببدة
أشهر .واختلفوا فيمن تببزوج امببرأة فببي عببدتها ودخببل بهببا ،فقببال مالببك والوزاعببي
والليث :يفرق بينهما ول تحل له أبببدا؛ وقببال أبببو حنيفببة والشببافعي والثببوري :يفببرق
بينهمببا ،وإذا انقضببت العببدة بينهمببا فل بببأس فببي تزويجببه إياهببا مببرة ثانيببة .وسبببب
اختلفهم هل قول الصاحب حجة أم ليس بحجة؟ وذلك أن مالكا روى عن ابن شهاب
عن سعيد بن المسيب وسببليمان بببن يسببار أن عمببر ابببن الخطبباب فببرق بيببن طليحببة
السدية وبين زوجها راشدا الثقفي لما تزوجها فببي العببدة مببن زوج ثببان وقببال :أيمببا
امرأة نكحت في عدتها فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يبدخل بهبا فبرق بينهمبا ،ثبم
اعتدت بقية عدتها من الول ،ثم كان الخر خاطبا من الخطاب؛ وإن كببان دخببل بهببا
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
فرق بينهما ،ثم اعتدت بقية عدتها من الول ،ثم اعتدت مببن الخببر ،ثببم ل يجتمعببان
أبدا .قال سعيد :ولها مهرها بما استحل منها .وربما عضدوا هذا القياس بقيبباس شبببه
ضعيف مختلف في أصله ،وهو أنه أدخل في النسببب شبببهة فأشبببه الملعببن .وروي
عن علي وابن مسعود مخالفة عمر في هذا .والصل أنها ل تحرم إل أن يقببوم علببى
ذلك دليل من كتاب أو سنة أو إجماع من المة .وفي بعض الروايببات أن عمببر كببان
قضى بتحريمها ،وكون المهر في بيت المال ،فلما بلببغ ذلببك عليببا أنكببره فرجببع عببن
ذلك عمر ،وجعل الصداق على الزوج ولم يقض بتحريمها عليه ،رواه الثببوري عببن
أشببعث عببن الشببعبي عببن مسببروق .وأمببا مببن قببال بتحريمهببا بالعقببد فهببو ضببعيف.
وأجمعوا على أنه ل توطأ حامل مسبية حتى تضع ،لتواتر الخبار بذلك عببن رسببول
ال صلى الب عليببه وسببلم .واختلفببوا إن وطيببء هببل يعتببق عليببه الولببد أو ل يعتببق،
والجمهور على أنببه ل يعتبق .وسببب اختلفهبم هبل مباؤه مبؤثر فببي خلقتببه أو غيبر
مؤثر؟ فإن قلنا أنه مؤثر كان له ابنا بجهة ما ،وإن قلنا أنه ليس بمؤثر لببم يكببن ذلببك.
وروي عن النبي عليه الصلة والسلم أنه قال "كيف يسببتعبده وقببد غببذاه فببي سببمعه
وبصره" .وأما النظر في مانع التطليق ثلثا ،فسيأتي في كتاب الطلق.
**4الفصل الثاني عشر في مانع الزوجية.
@-وأما مانع الزوجيببة فببإنهم اتفقببوا علببى أن الزوجيببة بيببن المسببلمين مانعببة وبيببن
الذميين .واختلفوا في المسبية على ما تقدم؛ واختلفوا أيضببا فببي المببة إذا بيعببت هببل
يكون بيعها طلقا؟ فببالجمهور علببى أنببه ليببس بطلق؛ وقببال قببوم :هببو طلق ،وهببو
مروي عن ابن عباس وجابر وابن مسعود وأبي بن كعب .وسبب اختلفهم معارضة
مفهوم حديث بريرة لعموم قوله تعالى }إل ما ملكببت أيمببانكم{ وذلببك أن قببوله تعببالى
}إل ما ملكت أيمانكم{ يقتضي المسبيات وغيرهن ،وتخيير بريرة يوجب أن ل يكون
بيعها طلقا ،لنه لو كان بيعها طلقا لما خيرها رسول ال صلى ال عليه وسلم بعببد
العتق ،ولكان نفس شراء عائشة لها طلقا من زوجها؛ والحجة للجمهببور مببا خرجببه
ابن أبي شيبة عن أبي سعيد الخدري "أن رسول ال صلى ال عليه وسببلم بعببث يببوم
حنين سرية فأصابوا حيا من العرب يوم أوطاس فهزمببوهم وقتلببوهم وأصببابوا نسبباء
لهن أزواج ،وكان ناس من أصببحاب رسببول الب صببلى الب عليبه وسبلم تبأثموا مببن
غشيانهن من أجل أزواجهن ،فأنزل ال عببز وجببل }والمحصببنات مببن النسبباء إل مببا
ملكببت أيمببانكم{ وهببذه المسببألة هببي أليببق بكتبباب الطلق .فهببذه هببي جملببة الشببياء
المصححة للنكحة في السلم ،وهي كما قلنا راجعة إلى ثلثة أجناس :صببفة العاقببد
والمعقود عليها ،وصفة العقد ،وصفة الشروط في العقد .وأما النكحببة الببتي انعقببدت
قبل السلم ثم طرأ عليها السلم ،فإنهم اتفقوا على أن السلم إذا كان منهمببا معببا:
أعني من الزوج والزوجة ،وقد كان عقد النكاح على من يصح ابتداء العقد عليها في
السلم أن السلم يصحح ذلك؛ واختلفببوا فببي موضببعين :أحببدهما إذا انعقببد النكبباح
على أكثر من أربع أو على من ل يجوز الجمع بينهما في السلم .والموضع الثبباني
إذا أسلم أحدهما قبل الخر.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
@)-فأما المسألة الولى( وهي إذا أسلم الكافر وعنده أكثر مببن أربببع نسببوة أو أسببلم
وعنده أختان ،فإن مالكا قال :يختار منهن أربعا ومن الختين واحدة أيتهما شاء ،وبه
قال الشافعي وأحمد وداود؛ وقال أبو حنيفة والثوري وابن أبببي ليلببى :يختببار الوائل
منهن في العقد ،فإن تزوجهن في عقد واحد فرق بينه وبينهن؛ وقببال ابببن الماجشببون
من أصحاب مالك :إذا أسلم وعنده أختان فارقهما جميعا ثم استأنف نكاح أيتهما شاء،
ولم يقل بذلك أحد من أصحاب مالك غيره .وسبب اختلفهم معارضة القياس للثببر،
وذلك أنه ورد في ذلك أثران :أحدهما مرسل مالك "أن غيلن بن سلمة الثقفي أسببلم
وعنده عشر نسوة أسلمن معه ،فأمره رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يختار منهن
أربعا" والحديث الثاني حبديث قيببس ببن الحبارث أنبه أسببلم علببى الخبتين ،فقبال لببه
رسول ال صلى ال عليه وسلم "إختر أيتهما شئت" .وأما القياس المخالف لهذا الثر
فتشبيه العقد على الواخر قبل السلم بالعقد عليهن بعد السببلم :أعنببي أنببه كمببا أن
العقد عليهن فاسد في السلم كذلك قبل السلم وفيه ضعف .وأمببا إذا أسببلم أحببدهما
قبل الخر ،وهي المسألة الثانية ثم أسلم الخر ،فببإنهم اختلفببوا فببي ذلببك ،فقببال مالببك
وأبو حنيفة والشافعي :إنه إذا أسلمت المرأة قبله فإنه إن أسلم في عدتها كان أحق بها
وإن أسلم هو وهي كتابية فنكاحها ثابت لما ورد في ذلك من حديث صفوان بن أمية،
وذلك "أن زوجه عاتكة ابنة الوليد بن المغيرة أسلمت قبله ،ثم أسلم هو فأقره رسببول
ال صلى ال عليه وسلم على نكاحه" قبالوا :وكبان بيبن إسبلم صبفوان وبيبن إسبلم
امرأته نحو من شهر .قال ابن شهاب :ولم يبلغنا أن امببرأة هبباجرت إلببى رسببول الب
صلى ال عليه وسلم وزوجها كافر مقيم بببدار الكفببر إل فرقببت هجرتهببا بينهببا وبيببن
زوجها إل أن يقدم زوجها مهاجرا قبل أن تنقضي عدتها .وأمببا إذا أسببلم البزوج قبببل
إسلم المرأة فإنهم اختلفوا في ذلك ،فقببال مالبك :إذا أسببلم البزوج قبببل المببرأة وقعبت
الفرقة إذا عرض عليها السلم فأبت؛ وقال الشافعي :سواء أسلم الرجل قبببل المببرأة
أو المرأة قبل الرجل إذا وقع السلم المتأخر في العدة ثبت النكاح .وسبببب اختلفهببم
معارضة العموم للثبر والقيباس ،وذلبك أن عمبوم قبوله تعبالى }ول تمسبكوا بعصبم
الكوافر{ يقتضي المفارقة على الفور .وأما الثر المعارض لمقتضى هذا العموم فمببا
روي من أن أبا سفيان بن حرب أسلم قبل هند بنت عتبة امرأته ،وكبان إسبلمه بمبر
الظهران ،ثم رجع إلى مكة وهنببد بهببا كببافرة ،فأخببذت بلحيتببه وقببالت :اقتلببوا الشببيخ
الضال ،ثم أسلمت بعده بأيام فاستقرا علببى نكاحهمببا .وأمببا القيبباس المعببارض للثببر
فلنه يظهر أنه ل فرق بين أن تسلم هي قبله أو هو قبلها ،فإن كانت العدة معتبرة في
إسلمها قبل فقد يجب أن تعتبر في إسلمه أيضا قبل.
**3الباب الثالث في موجبات الخيار في النكاح.
@-وموجبببات الخيببار أربعببة :العيببوب ،والعسببار بالصببداق أو بالنفقببة والكسببوة،
والثالث :الفقد :أعني فقد الزوج .والرابع :العتق للمة المزوجة فينعقد في هذا الببباب
أربعة فصول:
**4الفصل الول في خيار العيوب.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
@-اختلف العلماء في موجب الخيار بالعيوب لكببل واحببد مببن الزوجيببن ،وذلببك فببي
موضعين :أحدهما هل يرد بالعيوب أو ل يببرد؟ .والمرضببع الثبباني إذا قلنببا إنببه يببرد
فمن أيها يرد ،وما حكم ذلك؟ .فأما الموضع الول فإن مالكببا والشببافعي وأصببحابهما
قالوا :العيوب توجب الخيار في الرد أو المساك :وقال أهل الظاهر :ل توجب خيار
الرد والمساك ،وهو قول عمر بن عبد العزيز :وسبب اختلفهم شيئان :أحدهما هببل
قول الصاحب حجة ،والخر قياس النكاح في ذلك علببى البببيع؟ فأمببا قببول الصبباحب
الوارد في ذلك فهو ما روي عن عمر بن الخطاب أنه قال :أيمببا رجببل تببزوج امببرأة
وبها جنون أو جذام أو بببرص وفببي بعببض الروايببات :أو قببرن فلهببا صببداقها كببامل
وذلك غرم لزوجها على وليها .وأما القياس على البيع فببإن القببائلين بمببوجب الخيببار
للعيب في النكاح قالوا :النكاح في ذلك شبيه بالبيع؛ وقال المخالفون لهم :ليببس شبببيها
بالبيع لجتماع المسبلمين علبى أنبه ل يبرد النكباح بكبل عيبب ويبرد ببه الببيع .وأمبا
الموضع الثاني في الرد بالعيوب فإنهم اختلفوا في أي العيوب يببرد بهببا وفببي أيهببا ل
يرد وفي حكم الرد ،فاتفق مالك والشببافعي علببى أن الببرد يكببون مببن أربعببة عيببوب:
الجنون والجذام والبرص وداء الفرج الذي يمنع الوطء ،إما قرن أو رتق فببي المببرأة
أو عنة في الرجل أو خصاء .واختلف أصحاب مالك في أربببع :فببي السببواد والقببرع
وبخر الفرج وبخر الفببم ،فقيببل تببرد بهببا ،وقيببل ل تببرد؛ وقببال أبببو حنيفببة وأصببحابه
والثوري :ل ترد المرأة في النكاح إل بعيبين فقط :القببرن والرتببق .فأمببا أحكببام الببرد
فإن القائلين بالرد اتفقوا على أن الزوج إذا علم بالعيب قبببل الببدخول طلببق ول شببيء
عليه .واختلفوا إن علم بعد الدخول والمسيس؛ فقال مالك :إن كان وليها الذي زوجهبا
ممن يظن به لقربه منهببا أنببه عببالم بببالعيب مثببل الب والخ فهببو غببار يرجببع عليببه
الزوج بالصداق وليس يرجع على المرأة بشببيء وإن كببان بعيببدا رجببع الببزوج علببى
المرأة بالصداق كله إل ربع دينار فقط .وقال الشافعي :إن دخببل لزمببه الصببداق كلببه
بالمسيس ول رجوع له عليها ول علببى ولببي .وسبببب اختلفهببم تببردد تشبببيه النكبباح
بالبيع أو بالنكاح الفاسد الذي وقع فيه المسيس ،أعني اتفاقهم على وجوب المهببر فببي
النكحة الفاسدة بنفس المسيس ،لقوله عليه الصلة والسلم "أيما امببرأة نكحببت بغيببر
إذن سيدها فنكاحها باطل ولها المهر بما اسببتحل منهببا" فكببان موضببع الخلف تببردد
هذا الفسخ بين حكم الرد بالعيب في البيوع ،وبين حكم النكحة المفسوخة :أعني بعببد
الدخول؛ واتفق الذين قالوا بفسخ نكاح العنين أنه ل يفسخ حتى يؤجل سنة يخلى بينببه
وبينها بغير عائق .واختلف أصحاب مالك في العلة التي من أجلها قصببر الببرد علببى
هذه العيوب الربعة .فقيل لن ذلببك شببرع غيببر معلببل؛ وقيببل لن ذلببك ممببا يخفببى،
ومحمل سائر العيوب على أنها مما ل تخفى؛ وقيل لنها يخاف سرايتها إلى البنبباء،
وعلى هذا التعليل يرد بالسواد والقرع ،وعلى الول يرد بكل عيب إذا علببم أنببه ممببا
خفي على الزوج.
**4الفصل الثاني في خيار العسار بالصداق والنفقة.
@-واختلفوا في العسار بالصداق ،فكان الشافعي يقول :تخير إذا لم يدخل بها ،وبه
قال مالك .واختلف أصحابه في قدر التلوم له؛ فقيل ليس له في ذلك حد؛ وقيببل سببنة؛
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وقيل سنتين؛ وقال أبو حنيفة :هي غريم من الغرماء ل يفرق بينهمببا ويؤخببذ بالنفقببة،
ولها أن تمنع نفسها حتى يعطيها المهر .وسبب اختلفهم تغليب شبه النكباح فبي ذلبك
بالبيع أو تغليبب الضبرر اللحبق للمبرأة فبي ذلبك مبن عبدم البوطء تشببيها بباليلء
والعنببة .وأمببا العسببار بالنفقببة فقببال مالبك والشببافعي وأحمببد وأبببو ثبور وأبببو عبيبد
وجماعة :يفرق بينهما ،وهو مروي عن أبي هريبرة وسبعيد ببن المسبيب؛ وقبال أببو
حنيفببة والثببوري :ل يفبرق بينهمببا ،وبببه قبال أهبل الظباهر .وسببب اختلفهبم تشببيه
الضرر الواقع من ذلك بالضرر الواقع من العنة ،لن الجمهور على القول بببالتطليق
على العنيببن حببتى لقببد قببال ابببن المنببذر إنببه إجمبباع ،وربمببا قببالوا النفقببة فببي مقابلببة
السببتمتاع ،بببدليل أن الناشببز ل نفقببة لهببا عنببد الجمهببور ،فببإذا لببم يجببد النفقببة سببقط
الستمتاع فوجب الخيببار .وأمببا مببن ل يببرى القيبباس فببإنهم قببالوا قببد ثبتببت العصببمة
بالجماع فل تنحل إل بإجماع أو بدليل من كتبباب الب أو سببنة نبببيه فسبببب اختلفهببم
معارضة استصحاب الحال للقياس.
**4الفصل الثالث في خيار الفقد.
@-واختلفوا في المفقود الذي تجهل حياته أو مببوته فببي أرض السببلم ،فقببال مالببك
يضرب لمرأته أجل أربع سنين من يوم ترفع أمرها إلى الحاكم ،فإذا انتهى الكشببف
عن حياته أو موته فجهل ذلك ضرب لها الحاكم الجل ،فإذا انتهى اعتدت عدة الوفاة
أربعة أشهر وعشرا وحلت ،قال :وأما ماله فل يورث حتى يأتي عليه من الزمان مببا
يعلم أن المفقود ل يعيش إلى مثله غالبا ،فقيل سبعون ،وقيل ثمبانون ،وقيببل تسببعون،
وقيببل مببائة فيمببن غبباب وهببو دون هببذه السببنان ،وروي هببذا القببول عببن عمببر بببن
الخطاب ،وهو مروي أيضا عن عثمان وبه قببال الليببث؛ وقبال الشببافعي وأبببو حنيفببة
والثوري :ل تحل امرأة المفقود حتى يصببح مببوته ،وقببولهم مببروي عببن علببي وابببن
مسببعود .والسبببب فببي اختلفهببم معارضببة استصببحاب الحببال للقيبباس ،وذلببك أن
استصحاب الحال يوجب أن ل تنحببل عصببمة إل بمببوت أو طلق حببتى يببدل الببدليل
على غير ذلك .وأما القياس فهو تشبيه الضرر اللحق لها من غيبته باليلء والعنة،
فيكون لها الخيار كما يكون في هذين .والمفقودون عند المحصلين من أصحاب مالك
أربعة مفقود في أرض السلم وقع الخلف فيه ،ومفقود في أرض الحرب ،ومفقببود
في حروب السلم ،أعني فيما بينهم ومفقود في حروب الكفار ،والخلف عن مالببك
وعن أصحابه في الثلثة الصناف من المفقودين كثير؛ فأما المفقود في بلد الحببرب
فحكمه عندهم حكم السير ل تتزوج امرأته ول يقسم ماله حتى يصح مببوته ،مببا خل
أشهب ،فإنه حكم لبه بحكبم المفقبود فبي أرض المسبلمين .وأمبا المفقبود فبي حبروب
المسلمين فقال :إن حكمه حكم المقتول دون تلوم ،وقيل يتلوم له بحسب بعد الموضببع
الذي كانت فيه المعركة وقربه وأقصى الجل في ذلك سنة .وأما المفقود في حببروب
الكفار ففيه في المببذهب أربعببة أقببوال :قيببل حكمببه حكببم السببير؛ وقيببل حكمببه حكببم
المقتول بعد تلوم سنة ،إل أن يكون بموضع ل يخفى أمره فيحكم له بحكم المفقود في
حروب المسلمين وفتنهم؛ والقول الثالث أن حكمببه حكببم المفقببود فببي بلد المسببلمين؛
والرابع حكمه حكم المقتول في زوجته ،وحكم المفقود في أرض المسببلمين فببي مبباله
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
أعني يعمر وحينئذ يورث ،وهذه القاويببل كلهببا مبناهببا علببى تجببويز النظببر بحسببب
الصلح في الشرع ،وهو الذي يعرف بالقياس المرسببل ،وبيببن العلمبباء فيببه اختلف:
أعني بين القائلين بالقياس.
**4الفصل الرابع في خيار العتق.
@-واتفقوا على أن المة إذا عتقببت تحببت عبببد أن لهببا الخيببار؛ واختلفببوا إذا عتقبت
تحت الحر هل لها خيار أم ل؟ فقال مالك والشافعي وأهل المدينة والوزاعي وأحمببد
والليث ل خيار لها؛ وقال أبو حنيفة والثوري لها الخيار حببرا كببان أو عبببدا .وسبببب
اختلفهم تعارض النقل في حديث بريرة ،واحتمببال العلببة الموجبببة للخيببار أن يكببون
الجبر الذي كان في إنكاحها بإطلق إذا كانت أمة ،أو الجبر على تزويجها من عبببد؛
فمن قال :العلة الجبر على النكاح بإطلق قال :تخير تحببت الحببر والعبببد؛ ومببن قببال
الجبر على تزويج العبد فقط قبال :تخيببر تحببت العبببد فقببط .وأمبا اختلف النقبل فبإنه
روي عن ابن عباس أن زوج بريرة كان عبدا أسود .وروي عببن عائشببة أن زوجهببا
كان حرا ،وكل النقلين ثابت عند أصحاب الحديث؛ واختلفوا أيضببا فببي الببوقت الببذي
يكون لها الخيار فيه ،فقال مالك والشافعي :يكون لها الخيار ما لم يمسببها؛ وقببال أبببو
حنيفبة :خيارهبا علبى المجلبس؛ وقبال الوزاعبي :إنمبا يسبقط خيارهبا بالمسبيس إذا
علمت أن المسيس يسقط خيارها.
**3الباب الرابع في حقوق الزوجية.
@-واتفقوا علبى أن مبن حقبوق الزوجبة علبى البزوج النفقبة والكسبوة لقبوله تعبالى
}وعلى المولود له رزقهن وكسببوتهن ببالمعروف{ اليببة .ولمببا ثبببت مببن قببوله عليببه
الصلة والسلم "ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" ولقببوله لهنببد "خببذي مببا
يكفيك وولدك بببالمعروف" .فأمببا النفقببة فبباتفقوا علببى وجوبهببا ،واختلفببوا فببي أربعببة
مواضع في وقت وجوبها ،ومقدارها ،ولمببن تجببب؟ ،وعلببى مببن تجببب؟ .فأمببا وقببت
وجوبها فإن مالكا قال :ل تجببب النفقببة علببى الببزوج حببتى يببدخل بهببا أو يببدعى إلببى
الدخول بها وهي ممن توطأ وهو بالغ؛ وقال أبو حنيفة والشببافعي :يلببزم غيببر البببالغ
النفقة إذا كببانت هببي بالغببا ،وأمببا إذا هببو بالغببا والزوجببة صببغيرة فللشببافعي قببولن:
أحدهما مثل قول مالك ،والقول الثبباني أن لهببا النفقببة بببإطلق .وسبببب اختلفهببم هببل
النفقة لمكان الستمتاع أو لمكان أنها محبوسة على الزوج كالغائب والمريببض .وأمببا
مقدار النفقة فذهب مالك إلى أنها غير مقدرة بالشرع وأن ذلك راجع إلى مببا يقتضببيه
حببال الببزوج وحببال الزوجببة ،وأن ذلببك يختلببف بحسببب اختلف المكنببة والزمنببة
والحوال ،وبه قال أبو حنيفة؛ وذهب الشافعي إلى أنها مقدرة ،فعلى الموسببر مببدان،
وعلى الوسط مد ونصف ،وعلى المعسر مد .وسبب اختلفهم تردد حمل النفقببة فببي
هذا الباب على الطعام في الكفارة أو على الكسوة ،وذلك أنهم اتفقوا أن الكسوة غير
محدودة وأن الطعام محدود .واختلفوا من هذا الباب في هل يجب على الببزوج نفقببة
خادم الزوجة؟ وإن وجبت فكم يجب؟ والجمهور علببى أن علببى الببزوج النفقببة لخببادم
الزوجة إذا كانت ممن ل تخدم نفسها؛ وقيل بل على الزوجة خدمببة البببيت؛ واختلببف
الذين أوجبوا النفقة على خادم الزوجة على كم تجب نفقته؟ فقالت طائفبة :ينفبق علبى
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
خادم واحدة ،وقيل على خادمين إذا كانت المرأة ممن ل يخدمها إل خادمان وبه قببال
مالك وأبو ثور .ولسببت أعببرف دليل شببرعيا ليجبباب النفقببة علببى الخببادم إل تشبببيه
الخدام بالسكان ،فإنهم اتفقوا على أن السكان على الزوج للنص الوارد في وجوبه
للمطلقة الرجعية .وأما لمن تجببب النفقببة فببإنهم اتفقببوا علببى أنهببا تجببب للحببرة الغيببر
ناشز .واختلفوا في الناشز والمة .فأما الناشز فالجمهور على أنها ل تجب لها نفقببة،
وشذ قوم فقالوا تجب لها النفقة .وسبب الخلف معارضة العمببوم للمفهببوم ،وذلببك أن
عمببوم قببوله عليببه الصببلة والسببلم "ولهببن عليكببم رزقهببن وكسببوتهن بببالمعروف"
يقتضي أن الناشز ،وغير الناشببز فببي ذلببك سببواء ،والمفهببوم مببن أن النفقببة هببي فببي
مقابلة الستمتاع يوجب أن ل نفقة للناشز .وأمببا المببة فبباختلف فيهببا أصببحاب مالببك
اختلفا كثيرا ،فقيل لها النفقة كالحرة ،وهو المشهور؛ وقيل ل نفقببة لهببا وقيببل أيضببا
إن كانت تأتيه فلها النفقة ،وإن كان يأتيها فل نفقة لها؛ وقيل لها النفقة في الوقت التي
تأتيه؛ وقيل إن كان الزوج حرا فعليه النفقببة ،وإن كببان عبببدا فل نفقببة عليببه .وسبببب
اختلفهببم معارضببة العمببوم للقيبباس ،وذلببك أن العمببوم يقتضببي لهببا وجببوب النفقببة،
والقياس يقتضي أن ل نفقة لها إل على سيدها الذي يستخدمها ،أو تكون النفقة بينهما
لن كل واحد منهما ينتفع بها ضربا من النتفاع ،ولببذلك قببال قببوم :عليببه النفقببة فببي
اليوم الذي تأتيه .وقال ابن حبيب :يحكم على مولى المة المزوجببة أن تببأتي زوجهببا
في كل أربعة أيام .وأما على من تجب ،فاتفقوا أيضببا أنهببا تجببب علببى الببزوج الحببر
الحاضر؛ واختلفوا في العبد والغائب .فأما العبد فقال ابن المنذر :أجمع كل من يحفظ
عنه من أهل العلم أن على العبد نفقة زوجته؛ وقال أبو المصعب من أصحاب مالببك:
ل نفقة عليه.
وسبب الخلف معارضة العموم لكون العببد محجبورا عليبه فبي مباله .وأمبا الغبائب
فالجمهور على وجوب النفقة عليه؛ وقال أبو حنيفببة؛ ل تجببب إل بإيجبباب السببلطان.
وإنما اختلفوا فيمن القول قوله إذا اختلفوا في النفاق ،وسيأتي ذلك في كتاب الحكببام
إن شاء ال .وكذلك اتفقوا على أن من حقوق الزوجببات العببدل بينهببن فببي القسببم لمببا
ثبت من قسمه صلى ال عليه وسلم بيبن أزواجبه ولقبوله عليبه الصبلة والسبلم "إذا
كان للرجل امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شببقيه مببائل" ولمببا ثبببت
"أنه عليه الصلة والسلم كان إذا أراد السفر أقرع بينهن" واختلفوا في مقببام الببزوج
عند البكر والثيب وهل يحتسب به أو ل يحتسببب إذا كببانت لببه زوجببة أخببرى؟ فقببال
مالك والشافعي وأصحابهما :يقيم عند البكر سبعا وعند الببثيب ثلثبا ،ول يحتسببب إذا
كان له امرأة أخرى بأيام التي تزوج؛ وقال أبببو حنيفببة :القامببة عنببدهن سببواء بكببرا
كانت أو ثيبا ،ويحتسب بالقامة عندها إن كانت له زوجة أخرى.
وسبب اختلفهم معارضة حديث أنس لحديث أم سلمة ،وحببديث أنببس هببو "أن النبببي
صلى ال عليه وسلم كان إذا تزوج البكبر أقبام عنبدها سببعا ،وإذا تبزوج البثيب أقبام
عندها ثلثا" وحديث أم سلمة هو "أن النبي صلى ال عليه وسببلم تزوجهببا فأصبببحت
عنده فقال :ليس بك على أهلببك هببوان إن شببئت سبببعت عنببدك وسبببعت عنببدهن وإن
شئت ثلثت عندك ودرت فقالت :ثلث" وحديث أم سلمة هو مدني متفببق عليببه خرجببه
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
مالك والبخاري ومسلم ،وحديث أنس حبديث بصببري خرجببه أبببو داود ،فصببار أهببل
المدينة إلى ما خرجه أهل البصرة ،وصار أهل الكوفة إلى ما خرجه أهل المدينة.
واختلف أصحاب مالك في هل مقامه عنبد البكبر سبببعا وعنببد الببثيب ثلثببا واجبب أو
مستحب؟ فقال ابن القاسم :هو واجب؛ وقال ابن عبد الحكم :يستحب .وسببب الخلف
حمل فعله عليه الصلة والسلم على النببدب أو علببى الوجببوب .وأمببا حقببوق الببزوج
على الزوجة بالرضاع وخدمة البببيت علبى اختلف بينهبم فببي ذلببك ،وذلببك أن قومبا
أوجبوا عليها الرضبباع علببى الطلق؛ وقببوم لببم يوجبببوا ذلببك عليهببا بببإطلق وقببوم
أوجبوا ذلك على الدنيئة ولم يوجبوا ذلك على الشببريفة ،إل أن يكببون الطفببل ل يقبببل
إل ثديها ،وهو مشهور قول مالك .وسبب اختلفهم هببل آيببة الرضبباع متضببمنة حكببم
الرضاع :أعني إيجابه ،أو متضمنة أمره فقط؟ فمببن قببال أمببره قببال :ل يجببب عليهببا
الرضاع إذ ل دليل هنا على الوجوب؛ ومببن قببال تتضببمن المببر بالرضبباع وإيجببابه
وأنها من الخبار التي مفهومها مفهوم المر قال :يجبب عليهبا الرضباع .وأمبا مبن
فرق بين الدنيئة والشريفة فاعتبر في ذلك العرف والعادة .وأمببا المطلقببة فل رضبباع
عليها إل أن ل يقبل ثدي غيرها فعليها الرضاع وعلى الببزوج أجببر الرضبباع ،هببذا
إجماع لقوله سبحانه وتعالى }فإن أرضعن لكم فببآتوهن أجببورهن{ )والجمهببور علببى
أن الحضانة للم إذا طلقها الزوج وكان الولببد صببغيرا لقببوله عليببه الصببلة والسببلم
"من فبرق بيبن والببدة وولبدها فبرق الب بينببه وبيبن أحبتبه يببوم القيامببة" ولن المببة
والمسبية إذا لم يفرق بينها وبين ولدها فأخص بذلك الحرة .واختلفوا إذا بلغ الولد حد
التمييز فقال قوم يخير ،ومنهم الشافعي ،واحتجوا بأثر ورد في ذلك؛ وبقي قوم علببى
الصل لنه لم يصح عندهم هبذا الحبديث؛ والجمهبور علبى أن تزويجهبا لغيبر الب
يقطع الحضانة لما روي أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال "أنت أحق به مببا لببم
تنكحي" ومن لم يصح عنده هذا الحديث طرد الصببل .وأمببا نقببل الحضببانة مببن الم
إلى غير الب فليس فببي ذلببك شببيء يعتمببد عليببه() .مببا بيببن القوسببين لببم يوجببد فببي
النسخة الفاسية ول المصرية ،وهو موجود بالنسخة الخطية تعلق أحمببد بببك تيمببور ا
هب مصححه(.
**3الباب الخامس في النكحة المنهى عنها بالشرع والنكحة الفاسدة وحكمها.
@-والنكحببة الببتي ورد النهببي عنهببا فيهببا مصببرحا أربعببة :نكبباح الشببغار ،ونكبباح
المتعة ،والخطبة على خطبة أخيه ،ونكبباح المحلببل .فأمببا نكبباح الشببغار فببإنهم اتفقببوا
على أن صفته هو أن ينكح الرجل وليته رجل آخر على أن ينكحه الخببر وليتببه ول
صداق بينهما إل بضع هذه ببضع الخرى ،واتفقوا على أنه نكاح غير جببائز لثبببوت
النهي عنه؛ واختلفوا إذا وقع هل يصبحح بمهبر المثبل أم ل؟ فقبال مالبك :ل يصبحح
ويفسخ أبدا قبل الببدخول وبعببده ،وبببه قببال الشببافعي إل أنببه قببال :إن سببمى لحببدهما
صداقا أو لهما معا فالنكاح ثابت بمهر المثل ،والمهببر الببذي سببمياه فاسببد؛ وقببال أبببو
حنيفة :نكاح الشغار يصح بفرض صداق المثل ،وبه قال الليث وأحمد وإسببحق وأبببو
ثور والطبري .وسبب اختلفهم هل النهي المعلق بذلك معلبل بعبدم العببوض أو غيبر
معلل ،فإن قلنا غير معلل لزم الفسخ على الطلق؛ وإن قلنا العلة عدم الصداق صح
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
بفرض صداق المثل مثبل العقبد علببى خمببر أو علببى خنزيببر؛ وقبد أجمعبوا علبى أن
النكاح المنعقد على الخمبر والخنزيبر ل يفسبخ إذا فبات بالبدخول ،ويكبون فيبه مهبر
المثل؛ وكأن مالكا رضي الب عنبه رأى أن الصبداق وإن لبم يكبن مبن شبرط صبحة
العقد ففساد العقد ههنا من قبل فساد الصداق مخصوص لتعلق النهي بببه ،أو رأى أن
النهي إنما يتعلق بنفس تعيين العقد ،والنهي يدل على فساد المنهي.
وأما نكاح المتعة .فإنه وإن تواترت الخبار عببن رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم
بتحريمه إل أنها اختلفت في الوقت الذي وقع فيه التحريم ،ففي بعببض الروايببات أنببه
حرمها يوم خيبر ،وفي بعضها يوم الفتح ،وفي بعضها في غزوة تبوك ،وفي بعضها
في حجة الوداع ،وفي بعضها فببي عمببرة القضبباء ،وفببي بعضببها فببي عببام أوطبباس،
وأكثر الصببحابة وجميببع فقهبباء المصببار علببى تحريمهببا ،واشببتهر عببن ابببن عببباس
تحليلها ،وتبع ابن عباس على القول بها أصحابه من أهبل مكبة وأهبل اليمبن ،ورووا
أن ابن عباس كان يحتج لذلك لقوله تعالى }فما استمتعتم ببه منهبن فبآتوهن أجبورهن
فريضة ول جناح عليكم{ وفي حرف عنه إلى أجل مسمى ،وروى عنه أنببه قببال :مببا
كانت المتعة إل رحمة من ال عز وجل رحم بها أمة محمببد صببلى الب عليببه وسببلم،
ولول نهى عمر عنها ما اضطر إلى الزنا إل شقي .وهذا الذي روي عن ابن عببباس
رواه عنه ابن جريج وعمرو بن دينار .وعن عطاء قال" :سمعت جابر بببن عبببد ال ب
يقول" :تمتعنا على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبي بكر ونصفا من خلفببة
عمر" ثم نهى عنها عمر الناس.
وأما اختلفهم في النكاح الذي تقع فيه الخطبببة علببى خطبببه غيببره ،فقببد تقببدم أن فيببه
ثلثة أقوال :قول بالفسخ ،وقول بعدم الفسخ ،وفرق بين أن ترد الخطبببة علببى خطبببة
الغير بعد الركون والقرب من التمام أو ل ترد وهو مذهب مالك .وأما نكاح المحلببل:
أعني الذي يقصد بنكاحه تحليل المطلقة ثلثا ،فإن مالكا قال :هو نكاح مفسوخ؛ وقال
أبو حنيفة والشافعي :هو نكاح صبحيح .وسببب اختلفهبم اختلفهبم فبي مفهبوم قبوله
عليه الصلة والسلم "لعن ال المحلل" الحديث فمن فهم من اللعن التببأثيم فقببط قببال:
النكاح صحيح؛ ومن فهم من التأثيم فساد العقل تشبيها بببالنهي الببذي يببدل علببى فسبباد
المنهي عنه وقبال :النكباح فاسبد ،فهبذه هبي النكحبة الفاسبدة ببالنهي .وأمبا النكحبة
الفاسدة بمفهوم الشرع فإنها تفسببد إمببا بإسببقاط شببرط مببن شببروط صببحة النكبباح ،أو
لتغيير حكم واجب بالشرع من أحكامه مما هو عن ال عز وجل ،وإمببا بزيببادة تعببود
إلى إبطال شرط من شروط الصحة .وأمببا الزيببادات الببتي تعببرض مببن هببذا المعنببى
فإنها ل تفسد النكاح باتفاق ،وإنما اختلف العلماء في لزوم الشروط التي بهذه الصببفة
أو ل لزومها مثل أن يشترط عليه أن ل يتزوج عليها أو ل يتسببرى أو ل ينقلهببا مببن
بلدها ،فقال مالببك :إن اشببترط ذلببك لببم يلزمببه إل أن يكببون فببي ذلببك يميببن بعتببق أو
طلق ،فإن ذلك يلزمه إل أن يطلق أو يعتق من أقسببم عليببه ،فل يلبزم الشببرط الول
أيضا ،وكذلك قال الشافعي وأبو حنيفة .وقال الوزاعببي وابببن شبببرمة :لهببا شببرطها
وعليه الوفاء؛ وقال ابن شبهاب :كبان مبن أدركببت مبن العلمباء يقضببون بهبا ،وقبول
الجماعة مببروي عببن علببي ،وقببول الوزاعببي مببروي عببن عمببر .وسبببب اختلفهببم
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
معارضة العموم للخصوص .فأما العموم فحديث عائشة رضببي الب عنهببا :أن النبببي
صلى ال عليه وسلم خطب الناس فقال في خطبته "كل شرط ليس في كتاب ال فهببو
باطل ولو كان مائة شرط" وأما الخصوص فحديث عقبة بن عامر عببن النبببي صببلى
ال عليه وسلم أنه قال "أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج" والحببديثان
صببحيحان خرجهمببا البخبباري ومسببلم ،إل أن المشببهور عنببد الصببوليين القضبباء
بالخصوص على العموم وهو لزوم الشروط وهو ظاهر ما وقع في العتبية وإن كببان
المشهور خلف ذلك .وأما الشروط المقيدة بوضع من الصداق فببإنه قببد اختلببف فيهببا
لمذهب اختلفا كثيرا :أعني في لزومها أو عدم لزومها ،وليس كتابنا هببذا موضببوعا
على الفروع.
)وأما حكم النكحة الفاسدة إذا وقعت( فمنها ما اتفقوا على فسخه قبل الدخول وبعده،
وهو ما كان منها فاسدا بإسقاط شرط متفق على وجوب صحة النكاح بوجببوده ،مثببل
أن ينكح محرمة العين؛ ومنها ما اختلفوا فيه بحسب اختلفهم في ضعف علببة الفسبباد
وقوتهما ولماذا يرجع من الخلل بشروط الصحة ومالك في هذا الجنس }وذلببك فببي
الكثر{ يفسخه قبل الدخول ويثبته بعده والصل فيه عنده أن ل فسببخ ،ولكنببه يحتبباط
بمنزلة ما يرى في كثير مببن البببيع الفاسببد أنببه يفببوت بحوالببة السببواق وغيببر ذلببك،
ويشبه أن تكون هذه عنده هي النكحة المكروهة ،وإل فل وجه للفببرق بيببن الببدخول
وعدم الدخول والضطراب في المذهب في هذا الباب كثير ،وكأن هببذا راجببع عنببده
إلى قوة دليل الفسخ وضعفه ،فمتى كان الدليل عنده قويا فسخ قبله وبعده ،ومتى كببان
ضعيفا فسخ قبل ولم يفسخ بعد ،وسواء كان الدليل القوي متفقببا عليببه أو مختلفببا فيببه.
ومن قبل هذا أيضا اختلف المذهب في وقوع الميببراث فببي النكحببة الفاسببدة إذا وقببع
الموت قبل الفسخ ،وكذلك وقوع الطلق فيببه ،فمببرة اعتبببر فيببه الختلف والتفبباق،
ومرة اعتبر فيه الفسخ بعد الدخول أو عدمه ،وقد نرى أن نقطع ههنا القول فببي هببذا
الكتاب ،فإن ما ذكرنا منه كفاية بحسب غرضنا المقصود.
**2كتاب الطلق
@-والكلم في هذا الباب ينحصر في أربع جمل :الجملة الولى :في أنببواع الطلق.
الجملة الثانية :في أركان الطلق .الجملة الثالثببة :فببي الرجعببة .الجملببة الرابعببة :فببي
أحكام المطلقات.
*)*3الجملة الولى( وفي هذه الجملة خمسة أبواب
@-الببباب الول :فببي معرفببة الطلق البببائن والرجعببي .الببباب الثبباني :فببي معرفببة
الطلق السني من البدعي .الباب الثالث :في الخلع .الباب الرابع :فببي تمييببز الطلق
من الفسخ .الباب الخامس :في التخيير والتمليك.
**4الباب الول في معرفة الطلق البائن والرجعي.
@-واتفقوا على أن الطلق نوعان :بائن ورجعي .وأن الرجعي هو الذي يملببك فيببه
الزوج رجعتها من غير اختيارها وأن من شرطه أن يكببون فببي مببدخول بهببا ،وإنمببا
اتفقوا على هذا لقوله تعالى }يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا
العدة{ إلى قوله تعالى }لعل ال يحببدث بعببد ذلببك أمببرا{ وللحببديث الثببابت أيضببا مببن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
حديث ابن عمر أنه صلى ال عليه وسلم أمره أن يراجع زوجتببه لمببا طلقهببا حائضببا
ول خلف في هذا.
وأما الطلق البائن ،فإنهم اتفقوا علببى أن البينونببة إنمببا توجببد للطلق مببن قبببل عببدم
الدخول ومن قبل عدم التطليقات ومن قبل العوض في الخلع على اختلف بينهم هببل
الخلع طلق أو فسخ على ما سيأتي بعد؛ واتفقوا على أن العدد الذي يببوجب البينونببة
فببي طلق الحببر ثلث تطليقببات إذا وقعببت مفترقببات لقببوله تعببالى }الطلق مرتببان{
الية .واختلفوا إذا وقعت ثلثا في اللفظ دون الفعل ،وكذلك اتفببق الجمهببور علببى أن
الرق مؤثر في إسببقاط أعببداد الطلق ،وأن الببذي يببوجب البينونببة فببي الببرق اثنتببان.
واختلفوا هل هذا معتبر برق الزوج أو برق الزوجة أم برق من رق منهما ،ففي هبذا
الباب إذن ثلث مسائل.
@)-المسألة الولى( جمهور الفقهاء المصببار علببى أن الطلق بلفببظ الثلث حكمببه
حكم الطلقة الثالثة؛ وقال أهل الظاهر وجماعة :حكمببه حكببم الواحببدة ول تببأثير للفببظ
في ذلك ،وحجة هؤلء ظاهر قوله تعالى }الطلق مرتان{ إلى قوله فببي الثالثببة }فببإن
طلقها فل تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره{ والمطلق بلفظ الثلث مطلق واحدة
ل مطلق ثلث ،واحتجوا أيضا بما خرجه البخاري ومسلم عن ابن عباس قببال :كببان
الطلق على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلفة عمببر
طلق الثلث واحدة فأمضاه عليهم عمر؛ واحتجوا أيضببا بمببا رواه ابببن إسببحق عببن
عكرمة عن ابن عباس قال "طلق ركانة زوجه ثلثا في مجلس واحببد ،فحببزن عليهببا
حزنا شديدا ،فسأله رسول ال صلى ال عليه وسلم :كيف طلقتها؟ قببال :طلقتهببا ثلثببا
في مجلس واحد ،قال :إنما تلك طلقة واحدة فارتجعها" وقبد احتبج مبن انتصببر لقبول
الجمهور بأن حديث ابن عباس الواقع فببي الصببحيحين إنمببا رواه عنببه مببن أصببحابه
طاوس ،وأن جلبة أصبحابه رووا عنبه لبزوم الثلث منهبم سبعيد ببن جببير ومجاهبد
وعطاء وعمرو بن دينار وجماعة غيرهم ،وأن حديث ابن إسحق وهببم ،وإنمببا روى
الثقات أنه طلق ركانة زوجه البتببة ل ثلثببا .وسبببب الخلف هببل الحكببم الببذي جعلببه
الشرع من البينونة للطلقة الثالثة يقع بإلزام المكلف نفسه هذا الحكم فببي طلقببة واحببدة
أم ليس يقع؟ ول يلزم من ذلك إل ما ألزم الشببرع؟ فمببن شبببه الطلق بالفعببال الببتي
يشترط في صحة وقوعها كون الشروط الشرعية فيها كالنكاح والبيوع قال :ل يلزم؛
ومن شبهه بالنذور واليمان التي ما التزم العبد منها لزمه علببى أي صببفة كببان ألببزم
الطلق كيفما ألزمه المطلق نفسه ،وكأن الجمهور غلبوا حكم التغليظ في الطلق سدا
للذريعة ولكن تبطل بذلك الرخصة الشرعية والرفق المقصود في ذلك أعني في قوله
تعالى }لعل ال يحدث بعد ذلك أمرا{ .
@)-المسألة الثانية( وأما اختلفهم في اعتبار نقص عدد الطلق البائن بالرق فمنهببم
من قال المعتبر فيه الرجال ،فإذا كان الزوج عبدا كان طلقببه البببائن الطلقببة الثانيببة،
سواء كانت الزوجة حرة أو أمة ،وبهذا قال مالك والشافعي ومن الصحابة عثمان بن
عفان وزيد بن ثابت وابن عباس ،وإن كان اختلف عنده في ذلبك ،لكبن الشبهر عنبه
هو هذا القول .ومنهم من قال إن العتبار في ذلك هببو بالنسبباء ،فببإذا كببانت الزوجببة
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
أمة كان طلقها البائن الطلقة الثانية سواء كان الزوج عبدا أو حرا ،وممن قببال بهببذا
القول من الصحابة علي وابن مسعود ،ومن فقهاء المصار أبو حنيفة وغيببره؛ وفببي
المسألة قول أشذ من هذين ،وهببو أن الطلق يعتبببر بببرق مببن رق منهمببا ،قببال ذلببك
عثمان البتي وغيره وروي عن ابن عمر .وسبب هذا الختلف هل المببؤثر فببي هببذا
هو رق المرأة أو رق الرجل ،فمن قال التأثير في هذا لمببن بيببده الطلق قببال :يعتبببر
بالرجال ومن قال التأثير في هذا للذي يقببع عليببه الطلق قببال :هببو حكببم مببن أحكببام
المطلقة فشبهوها بالعدة .وقد أجمعوا على أن العببدة بالنسبباء :أي نقصببانها تببابع لببرق
النسبباء؛ واحتببج الفريببق الول بمببا روي عببن ابببن عببباس مرفوعببا إلببى النبببي عليببه
الصلة والسلم أنه قال "الطلق بالرجال ،والعدة بالنساء" إل أنه حديث لم يثبت في
الصحاح .وأما من اعتبر من رق منهما فإنه جعبل سبببب ذلبك هبو البرق مطلقببا ولببم
يجعل سبب ذلك ل الذكورية ول النوثية مع الرق.
@)-المسألة الثالثة( وأما كون الرق مؤثرا في نقصان عببدد الطلق فببإنه حكببى قببوم
أنه إجماع؛ وأبو محمد بن حزم وجماعة من أهل الظاهر مخببالفون فيببه ،ويببرون أن
الحر والعبد في هذا سواء .وسبب الخلف معارضة الظاهر في هببذا للقيبباس ،وذلببك
أن الجمهور صاروا إلى هذا المكان قياس طلق العبد والمببة علببى حببدودهما؛ وقببد
أجمعوا على كون الرق مؤثرا في نقصان الحد .أما أهببل الظبباهر فلمببا كببان الصببل
عندهم أن حكم العبد في التكاليف حكم الحر إل ما أخرجه الدليل ،والدليل عندهم هببو
نص أو ظاهر من الكتاب أو السنة ،ولم يكن هنبباك دليببل مسببموع صببحيح وجببب أن
يبقى العبد على أصببله ،ويشبببه أن يكببون قيبباس الطلق علببى الحببد غيببر سببديد ،لن
المقصود بنقصان الحد رخصبة للعببد لمكبان نقصبه ،وأن الفاحشبة ليسبت تقببح منبه
قبحها من الحر .وأما نقصان الطلق فهو من باب التغليظ ،لن وقوع التحريببم علببى
النسببان بتطليقببتين أغلببظ مببن وقببوعه بثلث لمببا عسببى أن يقببع فببي ذلببك مببن النببدم
والشرع إنما سلك فببي ذلببك سببيل الوسبط ،وذلببك أنببه لبو كبانت الرجعبة دائمببة بيببن
الزوجة لعنتت المرأة وشقيت ،ولو كببانت البينونببة واقعببة فببي الطلقببة الواحببدة لعنببت
الببزوج مببن قبببل النببدم ،وكببان ذلببك عسببيرا عليببه ،فجمببع ال ب بهببذه الشببريعة بيببن
المصلحتين ،ولذلك ما نرى وال أعلببم أن مببن ألببزم الطلق الثلث فببي واحببدة ،فقببد
رفع الحكمة الموجودة في هذه السنة المشروعة.
**4الباب الثاني في معرفة الطلق السني من البدعي.
@-أجمع العلماء على أن المطلق للسنة في المدخول بها هو الذي يطلق امرأتببه فببي
طهر لم يمسها فيه طلقة واحدة ،وأن المطلق في الحيض أو الطهببر الببذي مسببها فيببه
غير مطلق للسنة ،وإنما أجمعوا على هذا لما ثببت مبن حبديث اببن عمبر "أنبه طلبق
امرأته وهي حائض على عهد رسول ال صلى ال عليببه وسببلم ،فقببال عليببه الصببلة
والسلم :مره فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ،ثم إن شاء أمسك وإن شبباء
طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر ال أن تطلق لهببا النسبباء" .واختلفببوا مببن هببذا
الباب في ثلثببة مواضبع :الموضبع الول :هبل مبن شبرطه أن ل يتبعهببا طلقببا فبي
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
العدة؟ .والثاني :هل المطلق ثلثا :أعني بلفببظ الثلث مطلببق للسببنة أم ل؟ .والثببالث:
في حكم من طلق في وقت الحيض.
@)-أما الموضع الول( فإنه اختلف فيه مالك وأبو حنيفة ومن تبعهمبا ،فقبال مالبك:
من شرطها أن ل يتبعها في العدة طلقا آخبر .وقبال أببو حنيفبة :إن طلقهببا عنببد كببل
طهر طلقة واحدة كان مطلقا للسنة .وسبب هذا الختلف هل من شببرط هببذا الطلق
أن يكون في حال الزوجية بعد رجعة أم ليس من شرطه؟ فمببن قبال هبو مبن شبرطه
قال :ل يتبعها فيه طلقا ،ومن قال ليس مبن شبرطه أتبعهبا الطلق ول خلف بينهبم
في وقوع الطلق المتبع.
@)-وأما الموضع الثاني( فإن مالكا ذهب إلببى أن المطلببق ثلثببا بلفببظ واحببد مطلببق
لغير سنة ،وذهب الشافعي إلى أنببه مطلببق للسببنة .وسبببب الخلف معارضببة إقببراره
عليه الصلة والسلم للمطلق بين يديه ثلثا في لفظة واحدة لمفهوم الكتاب فببي حكببم
الطلقة الثالثة .والحديث الذي احتج به الشافعي هببو مببا ثبببت مببن أن العجلنببي طلببق
زوجته ثلثا بحضرة رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد الفراغ مببن الملعنببة قببال:
فلو كان بدعة لما أقره رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم .وأمببا مالببك فلمببا رأى أن
المطلق بلفظ الثلث رافع للرخصة التي جعلها ال في العدد قال فيه إنه ليببس للسببنة،
واعتذر أصحابه عن الحديث بأن المتلعنين عنده قد وقعببت الفرقببة بينهمببا مببن قبببل
التلعن نفسه ،فوقع الطلق على غير محله ،فلم يتصف ل بسببنة ول ببدعببة ،وقببول
مالك -وال أعلم -أظهر ههنا من قول الشافعي.
@)-وأما الموضع الثالث :في حكم من طلق في وقت الحيببض( فببإن النبباس اختلفببوا
في ذلك في مواضع :منها أن الجمهور قالوا يمضي طلقه؛ وقالت فرقة :ل ينفببذ ول
يقع؛ والذين قالوا ينفذ قالوا :يؤمر بالرجعة وهؤلء افترقوا فرقتين فقوم رأوا أن ذلك
واجب وأنه يجبر على ذلك ،وبه قال مالك وأصحابه .وقالت فرقة بل يندب إلى ذلببك
ول يجبر ،وبه قال الشببافعي وأبببو حنيفببة والثببوري وأحمببد والببذين أوجبببوا الجبببار
اختلفوا في الزمان الببذي يقببع فيببه الجبببار ،فقببال مالببك وأكببثر أصببحابه ابببن القاسببم
وغيره يجبر ما لببم تنقببض عببدتها؛ وقبال أشببهب :ل يجبببر إل فببي الحيضببة الولببى.
والذين قالوا بالمر بالرجعة اختلفوا مببتى يوقببع الطلق بعببد الرجعببة إن شبباء ،فقببوم
اشترطوا في الرجعة أن يمسكها حتى تطهر من تلك الحيضة ثم تحيض ثم تطهر ،ثم
إن شاء طلقها وإن شاء أمسكها ،وبه قال مالك والشافعي وجماعببة؛ وقببوم قببالوا :بببل
يراجعها ،فإذا طهرت من تلك الحيضة الببتي طلقهببا فيهببا فببإن شبباء أمسببك وإن شبباء
طلق ،وبه قال أبو حنيفة والكوفيون ،وكل من اشترط في طلق السنة أن يطلقها فببي
طهر لم يمسها فيه لم ير المر بالرجعة إذا طلقها في طهر مسها فيببه ،فهنببا إذا أربببع
مسائل :أحدها :هل يقع الطلق أم ل؟ .والثانية :إن وقع فهببل يجبببر علببى الرجعببة أم
يؤمر فقط؟ .والثالثة :متى يوقببع الطلق بعببد الجببار أو النبدب ،والرابعببة مببتى يقببع
الجبار.
@)-أما المسببألة الولببى( فببإن الجمهببور إنمببا صبباروا إلببى أن الطلق إن وقببع فببي
الحيض اعتد به ،وكان طلقا لقوله صلى ال عليه وسلم في حببديث ابببن عمببر "مببره
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
فليراجعها" قالوا :والرجعة ل تكببون إل بعببد طلق ،وروى الشببافعي عببن مسببلم بببن
خالد عن ابن جريج أنهم أرسلوا إلى نافع يسألونه هل حسبت تطليقة اببن عمببر علببى
عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم؟ قال نعبم ،وروي أنبه الببذي كببان يفببتي ببه اببن
عمر .وأما من لم ير هذا الطلق واقعا فإنه اعتمد عموم قوله صلى ال ب عليببه وسببلم
"كل فعل أو عمل ليس عليه أمرنا فهو رد" وقالوا :أمر رسببول الب صببلى الب عليببه
وسلم برده يشعر بعدم نفوذه ووقوعه .وبالجملة فسببب الختلف هبل الشبروط البتي
اشترطها الشببرع فببي الطلق السببني هببي شببروط صببحة وإجببزاء ،أم شببروط كمببال
وتمام؟ فمن قال شروط إجزاء قال :ل يقع الطلق الذي عدم هذه الصفة ،ومببن قببال:
شروط كمال وتمام قال :يقع ويندب إلى أن يقع كامل ،ولذلك من قال بوقببوع الطلق
وجبره على الرجعة فقد تناقض ،فتدبر ذلك.
@)-وأما المسألة الثانية( وهي هل يجبر على الرجعة أو ل يجبر؟ فمن اعتمد ظاهر
المر وهو الوجوب على مببا هببو عليببه عنببد الجمهببور قببال :يجبببر؛ ومببن لحببظ هببذا
المعنى الذي قلناه من كون الطلق واقعا قال :هذا المر هو على الندب.
@)-وأما المسألة الثالثة( وهي متى يوقع الطلق بعد الجبببار فببإن مببن اشببترط فببي
ذلك أن يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهببر فإنمببا صببار لببذلك لنببه المنصببوص
عليه في حديث ابن عمر المتقدم قالوا :والمعنى في ذلك لتصببح الرجعببة بببالوطء فببي
الطهر الذي بعد الحيض لنه لو طلقها في الطهر الذي بعد الحيضة لم يكن عليها من
الطلق الخر عدة لنه كان يكببون كببالمطلق قبببل الببدخول .وبالجملببة فقببالوا إن مببن
شرط الرجعة وجود زمان يصح فيه الببوطء ،وعلبى هببذا التعليببل يكبون مببن شبروط
طلق السنة أن يطلقها في طهر لم يطلق في الحيضة التي قبلببه ،وهببو أحببد الشببروط
المشترطة عند مالك في طلق السنة فيما ذكره عند الوهاب .وأما الذين لم يشببترطوا
ذلك ،فإنهم صاروا إلى ما روى يونس ابن جبير وسعيد ابن جبير وابن سيرين ومببن
تابعهم عن ابن عمر في هذا الحديث أنه قال :يراجعها فببإذا طهببرت طلقهببا إن شبباء،
وقالوا :المعنى في ذلك أنه إنما أمر بالرجوع عقوبة له لنه طلق فبي زمبان كبره لبه
فيه الطلق ،فإذا ذهب ذلك الزمان وقع منه الطلق على وجببه غيببر مكببروه .فسبببب
اختلفهم تعارض الثار في هذه المسألة وتعارض مفهوم العلة.
@)-وأما المسألة الرابعة( وهي مبتى يجببر فإنمبا ذهببب مالببك إلبى أنبه يجببر علببى
رجعتها لطول زمان العدة لنه الزمان الذي له فيه ارتجاعها .وأما أشببهب فببإنه إنمببا
صار في هذا إلى ظاهر الحديث ،لن فيببه "مببره فليراجعهببا حببتى تطهببر" فببدل ذلببك
على أن المراجعة كبانت فبي الحيضبة ،وأيضببا فبإنه قببال :إنمببا أمببر بمراجعتهبا لئل
تطول عليها العدة ،فإنه إذا وقع عليها الطلق في الحيضة لببم تعتببد بهببا بإجمبباع فبإن
قلنا إنه يراجعها في غير الحيضة كان ذلك عليها أطول ،وعلببى هببذا التعليببل فينبغببي
أن يجوز إيقاع الطلق فببي الطهببر الببذي بعببد الحيضببة .فسبببب الختلف هببو سبببب
اختلفهم في علة المر بالرد.
**4الباب الثالث في الخلع.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
@-واسم الخلع والفدية والصببلح والمبببارأة كلهببا تئول إلببى معنببى واحببد ،وهببو بببذل
المرأة العوض على طلقها ،إل أن اسم الخلببع يختببص ببببذلها لببه جميببع مببا أعطاهببا
والصلح ببعضه والفدية بأكثره والمبارأة بإسقاطها عنه حقا لهببا عليببه علببى مببا زعببم
الفقهاء ،والكلم ينحصر في أصول هبذا النبوع مببن الفببراق فبي أربعبة فصببول :فببي
جواز وقوعه أول ،ثم ثانيا فببي شببروط وقببوعه :أعنببي جببواز وقببوعه ،ثببم ثالثببا فببي
نوعه :أعني هل هو طلق أو فسخ؟ .ثم رابعا فيما يلحقه من الحكام.
**5الفصل الول في جواز وقوعه.
@-فأما جواز وقوعه فعليببه أكببثر العلمباء .والصببل فببي ذلببك الكتبباب والسبنة ،أمببا
الكتاب فقوله تعالى }فل جناح عليهما فيما افتدت به{ .وأما السنة فحديث ابن عببباس
"أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى ال عليه وسلم فقالت :يببا رسببول الب ثببابت
بن قيس ل أعيب عليه في خلق ول دين ،ولكن أكره الكفر بعد الدخول فببي السببلم،
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم :أتردين عليه حديقته؟ قببالت :نعببم ،قببال رسببول
ال صببلى الب عليببه وسببلم :اقبببل الحديقببة وطلقهببا طلقببة واحببدة" خرجببه بهببذا اللفببظ
البخاري وأبو داود والنسائي ،وهو حديث متفق على صحته ،وشذ أبو بكر ابببن عبببد
ال المزيني عن الجمهور فقال :ل يحل للببزوج أن يأخببذ مببن زوجتببه شببيئا ،واسببتدل
على ذلك بأنه زعم أن قوله تعالى }فل جناح عليهما فيمببا افتببدت بببه{ منسببوخ بقببوله
تعالى }وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتببم إحببداهن قنطببارا فل تأخببذوا منببه
شيئا{ الية .والجمهور على أن معنى ذلك بغير رضاها ،وأما برضاها فجائز .فسبب
الخلف حمل هذا اللفظ على عمومه أو على خصوصه.
**5الفصل الثاني في شروط وقوعه.
@-فإما شروط جوازه فمنها ما يرجع إلى القدر الذي يجببوز فيببه؛ ومنهببا مببا يرجببع
إلى صفة الشيء الذي يجوز به؛ ومنها ما يرجع إلى الحال التي يجببوز فيهببا؛ ومنهببا
ما يرجع إلى صفة مبن يجبوز لبه الخلبع مبن النسباء أو مبن أوليبائهن ممبن ل تملبك
أمرها ،ففي هذا الفصل أربع مسائل:
@)-المسألة الولى( أمببا مقببدار مببا يجببوز لهببا أن تختلببع بببه ،فببإن مالكببا والشببافعي
وجماعة قالوا :جائز أن تختلع المرأة بأكثر مما يصير لها من الزوج في صببداقها إذا
كان النشوز من قبلها وبمثله وبأقل منببه؛ وقببال قببائلون :ليببس لببه أن يأخببذ أكببثر ممببا
أعطاها على ظاهر حديث ثابت ،فمن شبهه بسائر العواض في المعاملت رأى أن
القدر فيه راجع إلى الرضا؛ ومن أخذ بظاهر الحديث لم يجز أكبثر مبن ذلببك ،وكببأنه
رآه من باب أخذ المال بغير حق.
@)-المسألة الثانية( وأما صفة العوض ،فإن الشافعي وأبببا حنيفببة يشببترطان فيببه أن
يكون معلوم الصبفة ومعلبوم الوجبوب ،ومالبك يجيبز فيبه المجهبول الوجبود والقبدر
والمعدوم ،مثل البق والشارد والثمرة التي لم يبد صلحها والعبد غيببر الموصببوف.
وحكي عن أبي حنيفة جواز الغرر ومنع المعدوم .وسبب الخلف تردد العوض ههنا
بين العوض في البببيوع أو الشببياء الموهوبببة والموصببي بهببا؛ فمببن شبببهها بببالبيوع
اشترط ما يشترط في البيوع وفي أعواض البببيوع؛ ومببن شبببهه بالهبببات لببم يشببترط
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
ذلك .واختلفوا إذا وقع الخلع بما لم يحل كالخمر والخنزير هل يجب لها عوض أم ل
بعد اتفاقهم على أن الطلق يقع؟ فقال مالك :ل تستحق عوضا ،وبه قببال أبببو حنيفببة؛
وقال الشافعي :يجب لها مهر المثل )هكذا جميع النسخ .ولعل الصواب يجببب عليهببا،
فإن العوض راجع للزوج ،فليتأمل ا هب مصححه(.
@)-المسألة الثالثة( وأما ما يرجع إلببى الحببال الببتي يجببوز فيهببا الخلببع مببن الببتي ل
يجوز فإن الجمهور على أن الخلع جائز مع التراضي إذا لم يكببن سبببب رضبباها بمببا
تعطيه إضراره بها ،والصل في ذلك قوله تعالى }ول تعضلوهن لتذهبوا ببعببض مببا
آتيتموهن إل أن يأتين بفاحشة مبينة{ وقوله تعالى }فببإن خفتببم أن ل يقيمببا حببدود الب
فل جناح عليهما فيما افتببدت بببه{ وشببذ أبببو قلبببة والحسببن البصببري فقببال :ل يحببل
للرجل الخلع عليها حتى يشاهدها تزني ،وحملوا الفاحشة في الية على الزنببا؛ وقببال
داود :ل يجببوز إل بشببرط الخببوف أن ل يقيمببا حببدود الب علببى ظبباهر اليببة؛ وشببذ
النعمان فقال :يجوز الخلع مع الضرار؛ والفقه أن الفداء إنما جعل للمرأة في مقابلببة
ما بيد الرجل من الطلق ،فإنه لمببا جعببل الطلق بيببد الرجببل إذا فببرك المببرأة جعببل
الخلع بيد المرأة إذا فركبت الرجبل ،فيتحصبل فبي الخلبع خمسبة أقبوال :قبول إنبه ل
يجوز أصل .وقوله إنه يجوز على كل حال :أي مع الضرر .وقول إنببه ل يجببوز إل
مع مشاهدة الزنا .وقول مع خوف أن ل يقيما حببدود البب .وقببول إنببه يجببوز فببي كببل
حال إل مع الضرر ،وهو المشهور.
@)-المسألة الرابعة( وأما مببن يجببوز لببه الخلببع ممببن ل يجببوز فببإنه ل خلف عنببد
الجمهور أن الرشيدة تخببالع عببن نفسببها ،وأن المببة ل تخببالع عببن نفسببها إل برضببا
سيدها ،وكذلك السفيه مع وليها عند من يرى الحجر؛ وقال مالببك :يخببالع الب علببى
ابنته الصغيرة كما ينكحها وكذلك على ابنه الصغير لنه عنده يطلق عليببه ،والخلف
في البن الصغير قال الشافعي وأبو حنيفة :ل يجوز لنه ل يطلق عليه عنببدهم وال ب
أعلم وخلع المريضة يجوز عند مالك إذا كان بقدر ميراثه منها؛ وروى ابن نافع عن
مالك أنه يجوز خلعها بالثلث كله؛ وقال الشافعي :لو اختلعت بقدر مهببر مثلهببا جبباز،
وكان من رأس المال ،وإن زاد على ذلك كانت الزيادة من الثلث .وأما المهملببة الببتي
ل وصي لها ول أب فقال ابن القاسم :يجوز خلعهببا إذا كببان خلببع مثلهببا ،والجمهببور
على أنه يجوز خلع المالكة لنفسها؛ وشذ الحسن وابن سببيرين فقببال :ل يجببوز الخلببع
إل بإذن السلطان.
**5الفصل الثالث في نوعه.
@-وأما نوع الخلع فجمهور العلماء علببى أنببه طلق ،وبببه قببال مالببك ،وأبببو حنيفببة
سوى بين الطلق والفسببخ؛ وقببال الشببافعي :هببو فسببخ ،وبببه قببال أحمببد وداود ومببن
الصحابة ابن عباس .وقببد روي عببن الشببافعي أنببه كنايببة ،فبإن أراد بببه الطلق كببان
طلقا وإل كان فسخا ،وقد قيل عنه في قوله الجديد إنه طلق وفائدة الفرق هل يعتببد
به في التطليقات أم ل؟ وجمهور من رأى أنه طلق يجعله بائنا ،لنه لو كان للببزوج
في العدة منه الرجعة عليها لم يكن لفتدائها معنى وقببال أبببو ثببور :إن لببم يكببن بلفببظ
الطلق لم يكن له عليها رجعة ،وإن كان بلفظ الطلق كببان لببه عليهببا الرجعبة احتبج
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
من جعله طلقا بأن الفسوخ إنما هي التي تقتضي الفرقببة الغالبببة للببزوج فببي الفببراق
مما ليس يرجع إلى اختياره ،وهذا راجع إلى الختيار فليس بفسخ ،واحتج من لم يره
طلقا بأن ال تبارك وتعالى ذكر فببي كتببابه الطلق فقببال }الطلق مرتببان{ ثببم ذكببر
الفتداء ثم قال }فإن طلقها فل تحل لببه مببن بعببد حببتى تنكببح زوجببا غيببره{ فلببو كببان
الفتداء طلقا لكان الطلق الببذي ل تحببل لببه فيببه إل بعببد زوج هببو الطلق الرابببع،
وعند هؤلء أن الفسوخ تقع بالتراضي قياسا على فسوخ البيع :أعنببي القالببة ،وعنببد
المخالف أن الية إنما تضمنت حكم القتداء على أنه شيء يلحق جميع أنواع الطلق
ل أنه شيء غير الطلق .فسبب الخلف هل اقببتران العببوض بهببذه الفرقببة يخرجهببا
من نوع فرقة الطلق إلى نوع الفسخ أم ليس يخرجها؟.
**5الفصل الرابع فيما يلحقه من الحكام.
@-وأما لواحقه ففروع كثيرة ،لكببن نببذكر منهببا مببا شببهر :فمنهببا هببل يرتببدف علببى
المختلعببة طلق أم ل؟ فقببال مالببك :ل يرتببدف إل إن كببان الكلم متصببل؛ وقببال
الشافعي :ل يرتدف وإن كان الكلم متصل؛ وقال أبو حنيفة :يرتدف ولم يفببرق بيببن
الفببور والببتراخي .وسبببب الخلف أن العببدة عنببد الفريببق الول مببن أحكببام الطلق،
وعند أبي حنيفة من أحكام النكاح ،ولذلك ل يجوز عنده أن ينكح مع المبتوتة أختهببا،
فمن رآها من أحكام النكاح ارتدف الطلق عنده ،ومن لم ير ذلك لببم يرتببدف؛ ومنهببا
أن جمهور العلماء أجمعوا على أنه ل رجعة للزوج على المختلعة فببي العببدة ،إل مببا
روي عن سعيد بن المسيب وابن شهاب أنهما قال :إن رد لها ما أخذ منهبا فبي العبدة
أشهد على رجعتها ،والفرق الذي ذكرناه عن أبي ثور بين أن يكبون بلفبظ الطلق أو
ل يكون؛ ومنها أن الجمهور أجمعوا علببى أن لببه أن يتزوجهببا برضبباها فببي عببدتها؛
وقالت فرقة من المتأخرين :ل يتزوجها هو ول غيره في العدة .وسبب اختلفهم هببل
المنع من النكاح في العدة عبادة أو ليس بعبادة بل معلل؟ .واختلفوا في عدة المختلعببة
وسيأتي بعد .واختلفوا إذا اختلف الزوج والزوجة في مقدار العدد الذي وقع به الخلببع
فقال مالك :القول قوله إن لم يكن هنالك بينة؛ وقال الشافعي :يتحالفبان ويكبون عليهبا
مهر المثل ،شبه الشبافعي اختلفهمبا بباختلف المتببايعين؛ وقبال مالبك :هبي مبدعى
عليها وهو مدع .ومسائل هذا الباب كثيرة وليس مما يليق بقصدنا.
**4الباب الرابع في تمييز الطلق من الفسخ.
@-واختلف قول مالك رحمه ال في الفرق بين الفسخ الذي ل يعتد به في التطليقات
الثلث وبين الطلق الذي يعتد به في الثلث إلى قبولين :أحببدهما أن النكباح إن كبان
فيه خلف خارج عن مذهبه :أعني في جوازه ،وكان الخلف مشهورا فالفرقة عنببده
فيه طلق مثل الحكم بتزويج المببرأة نفسببها والمحببرم ،فهببذه علببى هببذه الروايببة هببي
طلق ل فسخ .والقول الثاني أن العتبار في ذلك هو بالسبب الموجب للتفببرق ،فببإن
كان غير راجع إلى الزوجين مما لو أراد القامة على الزوجيببة معببه لببم يصببح كببان
فسخا مثل نكاح المحرمة بالرضاع أو النكبباح أو العببدة وإن كببان ممببا لهمببا أن يقيمببا
عليه مثل الرد بالعيب كان طلقا.
**4الباب الخامس في التخيير والتمليك.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
@-ومما يعد من أنواع الطلق مما يرى أن لببه أحكامببا خاصببة :التمليببك والتخييببر،
والتمليك عن مالك فببي المشببهور غيببر التخييببر ،وذلببك أن التمليببك هببو عنببده تمليببك
المرأة إيقاع الطلق ،فهو يحتمل الواحدة فما فوقها ،ولذلك له أن يناكرهببا عنببده فيمببا
فوق الواحدة ،والخيار بخلف ذلك لنه يقتضي إيقاع طلق تنقطع معببه العصببمة إل
أن يكببون تخييببرا مقيببدا مثببل أن يقببول لهببا اختبباري نفسببك أو اختبباري تطليقببة أو
تطليقتين ،ففي الخيار المطلق عند مالك ليس لهببا إل أن تختببار زوجهببا أو تبببين منببه
بالثلث ،وإن اختارت واحدة لم يكن لها ذلك ،والمملكة ل يبطل تمليكهببا عنببده إن لببم
توقع الطلق حتى يطول المر بهببا علببى إحببدى الروايببتين أو يتفرقببا مببن المجلببس؛
والرواية الثانية أنه يبقى لها التمليببك إلببى أن تببرد أو تطلببق والفببرق عنببد مالببك بيببن
التمليك وتوكيله إياها على تطليق نفسها أن في التوكيل له أن يعزلهببا قبببل أن تطلببق،
وليس له ذلك في التمليك؛ وقال الشببافعي :اختبباري وأمببرك بيببدك سببواء ،ول يكببون
ذلك طلقا إل أن ينويه ،وإن نواه فهببو مببا أراد إن واحببدة فواحببدة وإن ثلثببا فثلث،
فله عنده أن يناكرها في الطلق نفسه ،وفي العدد في الخيار أو التمليك ،وهببي عنببده
إن طلقببت نفسببها رجعيببة ،وكببذلك هببي عنببد مالببك فببي التمليببك؛ وقببال أبببو حنيفببة
وأصحابه :الخيار ليس بطلق ،فإن طلقت نفسها في التمليك واحدة فهي بائنببة؛ وقببال
الثوري :الخيار والتمليك واحد ل فرق بينهما ،وقد قيل القول قولها في أعداد الطلق
في التمليك ،وليس للزوج مناكرتها ،وهذا القول مروي عن علي وابن المسيب ،وبببه
قال الزهري وعطاء ،وقد قيل إنه ليس للمرأة في التمليك إل أن تطلق نفسببها تطليقببة
واحدة ،وذلك مروي عن ابن عباس وعمببر رضببي الب عنهمببا ،روى أنببه جبباء ابببن
مسعود رجل فقال :كان بيني وبين امرأتي بعض ما يكون بين الناس ،فقببالت :لببو أن
الذي بيدك من أمري بيدي لعلمت كيف أصنع ،قال :فإن الذي بيدي من أمرك بيببدك،
قالت :فأنت طالق ثلثببا ،قببال :أراهببا واحببدة وأنببت أحببق بهببا مببا دامببت فببي عببدتها،
وسألقى أمير المؤمنين عمر ،ثم لقيببه فقببص عليببه القصببة فقببال :صببنع الب بالرجببال
وفعل :يعمدون إلى ما جعل ال في أيديهم فيجعلونه بأيدي النساء بفيها الببتراب ،مبباذا
قلت فيها؟ قال :قلت أراها واحدة وهو أحق بها قال :وأنا أرى ذلك ،ولو رأيببت غيببر
ذلك علمت أنك لم تصب ،وقد قيل ليس التمليك بشيء لن ما جعل الشرع بيد الرجل
ليس يجوز أن يرجع إلى يد المرأة بجعل جاعل .وكذلك التخيير وهو قول أبي محمد
بن حزم وقول مالك في المملكة إن لها الخيار في الطلق أو البقاء على العصببمة مببا
دامببت فببي المجلببس وهببو قببول الشببافعي وأبببي حنيفببة والوزاعببي وجماعببة فقهبباء
المصار؛ وعند الشافعي أن التمليك إذا أراد به الطلق كالوكالة ،ولبه أن يرجبع فبي
ذلك متى أحب ذلك ما لم يوقببع الطلق ،وإنمببا صببار الجمهببور للقضبباء بالتمليببك أو
بالتخيير ،وجعل ذلك للنساء لما ثبببت مببن تخييببر رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم
نساءه ،قالت عائشة خيرنا رسول ال صلى ال عليه وسلم فاخترناه فلببم يكببن طلقببا،
لكن أهل الظاهر يرون أن معنى ذلببك أنهببن لببو اخببترن أنفسببهن طلقهببن رسببول الب
صلى ال عليه وسلم ل أنهن كن يطلقن بنفببس اختيببار الطلق .وإنمببا صببار جمهببور
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الفقهاء إلى أن التخيير والتمليك واحد في الحكم ،لن من عببرف دللببة اللغببة أن مببن
ملك إنسانا أمرا من المور إن شاء أن يفعله أو ل يفعله فإنه قد خيره.
وأما مالك فيرى أن قوله لها اختاريني أو اختاري نفسك أنه ظاهر بعرف الشرع في
معنى البينونة بتخيير رسول ال صلى ال عليببه وسببلم نسبباءه لن المفهببوم منببه إنمببا
كان البينونة وإنما رأى مالك أنه ل يقبل قول الزوج في التمليك أنه لم يرد بببه طلقببا
إذا زعم ذلك لنه لفظ ظاهر في معنى جعل الطلق بيدها ،وأما الشافعي فلما لم يكن
اللفظ عنده نصا اعتبر فيه النيببة .فسبببب الخلف هببل يغلببب ظبباهر اللفببظ أو دعببوى
النية ،وكذلك فعل في التخيير ،وإنما اتفقوا على أن له مناكرتها في العدد :أعنببي فببي
لفظ التمليك ،لنه ل يدل عليببه دللببة محتملببة فضببل عببن ظبباهره ،وإنمببا رأى مالببك
والشافعي أنه إذا طلقببت نفسببها بتمليكببه إياهببا طلقببة واحببدة أنهببا تكببون رجعيببة ،لن
الطلق إنما يحمل على العرف الشرعي وهو طلق السنة ،وإنما رأى أبو حنيفة أنها
بائنة ،لنه إذا كان له عليها رجعة لم يكن لما طلبت من التمليك فائدة ولما قصببد هببو
من ذلك .وأما من رأى أن لها أن تطلق نفسببها فببي التمليببك ثلثببا وأنببه ليببس للببزوج
مناكرتها في ذلك ،فلن معنى التمليك عنده إنما هو تصيير جميع ما كان بيببد الرجببل
من الطلق بيد المرأة فهي مخيرة فيما توقعه من أعداد الطلق.
وأما من جعل التمليك طلقة واحدة فقط أو التخيير ،فإنما ذهب إلى أنه أقل مببا ينطلببق
عليه السم واحتياطا للرجال لن العلة في جعببل الطلق بأيببدي الرجببال دون النسبباء
هو لنقصان عقلهن وغلبة الشهوة عليهن مع سوء المعاشرة ،وجمهببور العلمبباء علببى
أن المببرأة إذا اختببارت زوجهببا أنببه ليببس بطلق لقببول عائشببة المتقببدم .وروي عببن
الحسببن البصببري أنهببا إذا اختببارت زوجهببا فواحببدة ،وإذا اختببارت نفسببها فثلث،
فيتحصل في هذه المسألة الخلف في ثلث مواضع :أحدها أنه ل يقببع بواحببد منهمببا
طلق .والثاني أنه تقع بينهما فرقة .والثالث الفرق بين التخيير والتمليك فيما تملك به
المببرأة ،أعنببي أن تملببك بببالتخيير البينونببة ،وبالتمليببك مببا دون البينونببة ،وإذا قلنببا
بالبينونببة فقيببل تملببك واحببدة ،وقيببل تملببك الثلث؛ وإذا قلنببا إنهببا تملببك واحببدة فقيببل
رجعية ،وقيل بائنة .وأما حكم اللفاظ البتي تجيبب بهبا المبرأة فبي التخييبر والتمليبك
فهي ترجع إلى حكم اللفاظ التي يقع بها الطلق فببي كونهببا صببريحة فببي الطلق أو
كناية أو محتملة ،وسيأتي تفصيل ذلك عند التكلم في ألفاظ الطلق.
*)*3الجملة الثانية( وفي هذه الجملة ثلثة أبواب
@-الباب الول :في ألفاظ الطلق وشروطه .الباب الثبباني :فببي تفصببيل مببن يجببوز
طلقه ممن ل يجوز .الباب الثالث في تفصيل من يقع عليها الطلق من النساء ممببن
ل يقع.
**4الباب الول في ألفاظ الطلق وشروطه.
@-وهذا الباب فيه فصلن :الفصل الول :في أنواع ألفاظ الطلق المطلقببة .الفصببل
الثاني :في أنواع ألفاظ الطلق المقيدة.
**5الفصل الول في أنواع ألفاظ الطلق المطلقة.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
@-أجمع المسلمون على أن الطلق يقع إذا كان بنية وبلفببظ صببريح .واختلفببوا هببل
يقع بالنية مع اللفظ الذي ليببس بصببريح ،أو بالنيببة دون اللفببظ ،أو ببباللفظ دون النيببة؛
فمن اشترط فيه النية واللفظ الصريح فاتباعا لظاهر الشرع ،وكذلك من أقببام الظبباهر
مقام الصريح ،ومن شبهه بالعقد في النذر وفي اليمين أوقعه بالنية فقبط ،ومبن أعمبل
التهمة أوقعه باللفظ فقببط .واتفببق الجمهببور علببى أن ألفبباظ الطلق المطلقببة صببنفان:
صريح ،وكناية .واختلفوا في تفصيل الصبريح مبن الكنايبة وفبي أحكامهبا ومبا يلبزم
فيها ،ونحن إنما قصدنا من ذلك ذكر المشببهور ومببا يجببري مجببرى الصببول ،فقببال
مالك وأصحابه :الصريح هو لفظ الطلق فقط ،وما عدا ذلك كناية ،وهي عنببده علببى
ضربين ظاهرة ومحتملة ،وبه قال أبو حنيفة؛ وقال الشافعي :ألفاظ الطلق الصريحة
ثلث :الطلق ،والفببراق ،والسببراح ،وهببي مببذكورة فببي القببرآن؛ وقببال بعببض أهببل
الظاهر :ل يقع طلق إل بهذه الثلث .فهذا هو اختلفهم في صريح الطلق من غير
صببريحه .وإنمببا اتفقببوا علببى أن لفببظ الطلق صببريح لن دللتببه علببى هببذا المعنببى
الشرعي دللة وضوعية بالشبرع فصبار أصبل فبي هبذا البباب .وأمبا ألفباظ الفبراق
والسراح فهببي مببترددة بيببن أن يكببون للشببرع فيهببا تصببرف :أعنببي أن تببدل بعببرف
الشرع على المعنى الذي يدل عليه الطلق ،أو هببي باقيبة علبى دللتهببا اللغويببة فبإذا
استعملت في هذا المعنى :أعنببي فببي معنببى الطلق كببانت مجببازا إذ هببذا هببو معنببى
الكناية :أعني اللفظ الذي يكون مجازا في دللته ،وإنما ذهب من ذهب إلى أنه ل يقع
الطلق إل بهببذه اللفبباظ الثلثببة ،لن الشببرع إنمببا ورد بهببذه اللفبباظ الثلثببة وهببي
عبادة ،ومن شرطها اللفظ ،فوجب أن يقتصر بها علببى اللفببظ الشببرعي الببوارد فيهببا.
فأما اختلفهم في أحكام صريح ألفاظ الطلق ففيه مسئلتان مشهورتان :إحداهما اتفق
مالك والشافعي وأبو حنيفة عليها .والثانية اختلفوا فيها .فأمببا الببتي اتفقببوا عليهببا فببإن
مالكا والشافعي وأبا حنيفة قالوا :ل يقبل قول المطلق إذا نطق بألفبباظ الطلق أنببه لببم
يرد به طلقا إذا قال لزوجتببه أنببت طببالق ،وكببذلك السببراح والفببراق عنببد الشببافعي؛
واستثنت المالكية بأن قالت :إل أن تقترن بالحالة أو بالمرأة قرينببة تببدل علببى صببدق
دعواه ،مثل أن تسأله أن يطلقها من وثاق هي فيه وشبهه فيقول لها أنت طالق .وفقببه
المسألة عند الشافعي وأبي حنيفببة أن الطلق ل يحتبباج عنببدهم إلببى نيببة؛ وأمببا مالببك
فالمشهور عنه أن الطلق عنده يحتاج إلى نية ،لكن لم ينوه ههنا لموضع التهم ،ومن
رأيه الحكم بالتهم سدا للذرائع ،وذلك مما خالفه فيه الشافعي وأبو حنيفة ،فيجب علببى
رأي من يشترط النية في ألفاظ الطلق ول يحكم بالتهم أن يصدقه فيما ادعى.
@)-وأما المسألة الثانية( فهي اختلفهم فيمن قال لزوجتببه أنببت طببالق ،وادعببى أنببه
أراد بذلك أكثر من واحدة إما ثنتين وإما ثلثا ،فقال مالببك :هببو مببا نبوى وقببد لزمببه،
وبببه قببال الشببافعي إل أن يقيببد فيقببول طلقببة واحببدة ،وهببذا القببول هببو المختببار عنببد
أصحابه؛ وأما أبو حنيفة فقال :ل يقع ثلثببا بلفببظ الطلق لن العببدد ل يتضببمنه لفببظ
الفراد ل كناية ول تصريحا .وسبب اختلفهم هببل يقببع الطلق بالنيببة دون اللفببظ أو
بالنية مع اللفظ المحتمل؟ فمن قال بالنية أوجب الثلث ،وكذلك من قال بالنية واللفببظ
المحتمل ورأى أن لفظ الطلق يحتمل العدد؛ ومن رأى أنه ل يحتمل العدد وأنه لبببد
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
من اشتراط اللفظ في الطلق مع النية قال :ل يجببب العببدد وإن نببواه؛ وهببذه المسببألة
اختلفوا فيها ،وهي من مسائل شروط ألفاظ الطلق :أعني اشتراط النية مع اللفظ ،أو
بانفراد أحدهما ،فالمشهور عن مالك أن الطلق ل يقع إل باللفظ والنية ،وبه قال أبببو
حنيفببة ،وقببد روي عنببه أنببه يقببع ببباللفظ دون النيببة؛ وعنببد الشببافعي أن لفببظ الطلق
الصريح ل يحتاج إلى نية ،فمن اكتفى بالنية احتج بقوله صلى ال عليببه وسببلم "إنمببا
العمال بالنيات" ومن لم يعتبر النية دون اللفببظ احتببج بقببوله عليببه الصببلة والسببلم
"رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما حدثت به أنفسها" والنيبة دون قبول حبديث نفبس
قال :وليس يلزم من اشترط النية في العمل في الحديث المتقدم أن تكببون النيببة كافيببة
بنفسها .واختلف المذهب هل يقع بلفظ الطلق في المدخول بها طلق بببائن إذا قصببد
ذلك المطلق ولم يكن هنالك عوض؟ فقيل يقع ،وقيل ل يقع ،وهببذه المسببألة هببي مببن
مسائل أحكام صريح ألفاظ الطلق .وأما ألفاظ الطلق التي ليست بصريح ،فمنها مببا
هي كناية ظاهرة عند مالك ،ومنها ما هي كناية محتملة؛ ومذهب مالك أنه إذا ادعببى
في الكناية الظاهرة أنه لم يرد طلقا لم يقبل قوله إل أن تكون هنالك قرينة تدل علببى
ذلك كرأيه في الصريح ،وكذلك ل يقبل عنده ما يدعيه من دون الثلث فببي الكنايببات
الظاهرة وذلك في المدخول بها إل أن يكون قال ذلك في الخلع .وأما غيببر المببدخول
بها فيصدقه في الكناية الظاهرة فيما دون الثلث ،لن طلق غير المدخول بها بائن،
وهذه هي مثل قولهم :حبلك على غاربك ،ومثل البتة ،ومثل قولهم :أنت خلية وبرية.
وأما مذهب الشافعي في الكنايات الظاهرة فإنه يرجع في ذلك إلى ما نواه ،فببإن كببان
نوى طلقا كان طلقا وإن كان نوى ثلثا كان ثلثا أو واحببدة كببان واحببدة ويصببدق
في ذلك وقول أبي حنيفة في ذلببك مثببل قببول الشببافعي ،إل أنببه إذا نببوى علببى أصببله
واحدة أو اثنتين وقع عنده طلقة واحدة بائنة ،وإن اقترنت به قرينة تدل علببى الطلق
وزعم أنه لم ينوه لم يصدق ،وذلببك إذا كببان عنببده فببي ذاكرتببه الطلق؛ وأبببو حنيفببة
يطلببق بالكنايببات كلهببا إذا اقببترنت بهببا هببذه القرينببة إل أربببع :حبلببك علببى غاربببك،
واعتدي ،واستبرئي ،وتقنعببي ،لنهببا عنببده مببن المحتملببة غيببر الظبباهرة وأمببا ألفبباظ
الطلق المحتملة غير الظاهرة فعند مالك أنه يعتبر فيها نيته كالحال عند الشافعي في
الكناية الظاهرة ،وخالفه في ذلك جمهور العلماء فقالوا :ليببس فيهببا شببيء ،وإن نببوى
طلقا فيتحصل في الكنايات الظاهرة ثلثة أقوال :قول أن يصدق بإطلق ،وهو قول
الشافعي؛ وقول إنه ل يصدق بإطلق إل أن يكببون هنالببك قرينببة ،وهببو قببول مالببك؛
وقببول إنببه يصببدق إل أن يكببون فببي مببذاكرة الطلق ،وهببو قببول أبببي حنيفببة .وفببي
المذهب خلف في مسائل يتردد حملها بين الظاهر والمحتمل ،وبين قوتهببا وضببعفها
في الدللة على صفة البينونة فوقع فيها الختلف وهي راجعببة إلببى هببذه الصببول؛
وإنما صار مالك إلى أنه ل يقبل قوله في الكنايات الظاهرة إنه لم يرد به طلقا ،لن
العرف اللغوي والشرعي شباهد عليبه ،وذلبك أن هببذه اللفبباظ إنمببا تلفببظ بهبا النبباس
غالبا ،والمراد بها الطلق ،إل أن يكون هنالك قرينببة تببدل علببى خلف ذلببك ،وإنمببا
صار إلى أنه ل يقبل قوله فيما يدعيه دون الثلث ،لن الظاهر من هببذه اللفبباظ هببو
البينونة ،والبينونة ل تقع إل خلعا عنده في المشهور أو ثلثا ،وإذا لم تقببع خلعببا لنببه
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
ليس هناك عوض فبقي أن يكون ثلثا ،وذلك في المدخول بها ،ويتخرج علببى القببول
في المذهب بأن البائن تقع من دون عببوض ودون عببدد أن يصببدق فببي ذلببك وتكببون
واحدة بائنة ،وحجة الشافعي أنه إذا وقع الجماع على أنه يقبل قوله فيما دون الثلث
في صريح ألفاظ الطلق كببان أحببرى أن يقبببل قببوله فببي كنببايته لن دللببة الصببريح
أقوى من دللة الكناية ،ويشبه أن تقول المالكية إن لفظ الطلق وإن كان صريحا في
الطلق فليس بصريح في العبدد ومببن الحجببة للشببافعي حببديث ركانببة المتقببدم ،وهبو
مذهب عمر في حبلك على غاربك ،وإنما صار الشافعي إلى أن الطلق في الكنايات
الظاهرة إذا نوى مببا دون الثلث يكببون رجعيببا لحببديث ركانببة المتقببدم ،وصببار أبببو
حنيفة إلى أنه يكون بائنا لنه المقصود به قطع العصمة ،ولم يجعله ثلثا لن الثلث
معنى زائد على البينونة عنده .فسبب اختلفهم هببل يقببدم عببرف اللفببظ علببى النيببة أو
النية على عرف اللفظ؟
وإذا غلبنا عرف اللفظ فهل يقتضي البينونة فقبط أو العبدد؟ فمبن قبدم النيبة لبم يقبض
عليه بعرف اللفظ ،ومن قدم العرف الظباهر لبم يلتفبت إلبى النيبة .وممبا اختلبف فيبه
الصدر الول وفقهاء المصار من هذا الباب :أعني من جنببس المسببائل الداخلببة فببي
هذا الباب لفظ التحريم :أعني من قال لزوجته أنت على حرام ،وذلببك أن مالكببا قببال:
يحمل في المدخول بها على البت :أي الثلث وينوي فببي غيببر المببدخول بهبا ،وذلبك
على قياس قوله المتقدم في الكنايات الظاهرة وهو قول ابن أبي ليلى وزيببد بببن ثببابت
وعلي من الصحابة ،وبه قال أصحابه إل ابن الماجشون فإنه قال :ل ينوي فببي غيببر
المدخول بها وتكون ثلثا،
فهذا هو أحد القوال في هذه المسألة،
والقول الثاني أنه إن نوى بذلك ثلثا فهي ثلث وإن نوى واحببدة فهببي واحببدة بائنببة،
وإن نوى يمينا فهو يمين يكفرها ،وإن لم ينو به طلقببا ول يمينببا فليببس بشببيء ،هببي
كذبة ،وقال بهذا القول الثوري،
والقول الثالث أنه يكون أيضا ما نوى بها وإن نببوى واحببدة فواحببدة أو ثلثببا فثلث،
وإن لم ينو شيئا فهو يمين يكفرها ،وهذا القول قاله الوزاعي.
والقول الرابع أن ينوي فيها في الموضعين فببي إرادة الطلق وفببي عببدده ،فمببا نببوى
كان ما نبوى ،فبإن نبوى واحببدة كببان رجعيببا ،وإن أراد تحريمهبا بغيبر طلق فعليبه
كفارة يمين وهو قول الشافعي.
والقول الخامس أنه ينوي أيضا في الطلق وفي العدد ،فإن نوى واحدة كببانت بائنببة،
فإن لم ينو طلقا كان يمينا وهو مول ،فإن نوى الكذب فليس بشيء ،وهذا القول قاله
أبو حنيفة وأصحابه.
والقول السادس إنها يمين يكفرهببا مببا يكفببر اليميببن ،إل أن بعببض هببؤلء قببال يميببن
مغلظة ،وهو قول عمر وابن مسعود وابن عبباس وجماعبة مبن التببابعين؛ وقبال ابببن
عباس وقد سئل عنها :لقبد كبان لكبم فبي رسبول الب أسبوة حسبنة ،خرجبه البخباري
ومسلم ذهب إلى الحتجاج بقوله تعالى }يا أيها النبي لم تحرم ما أحل ال لك{ الية.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
والقول السبابع أن تحريبم المبرأة كتحريبم المباء ،وليبس فيبه كفبارة ول طلق لقبوله
تعالى }ل تحرموا طيبات ما أحل ال لكم{ وهو قول مسببروق والجببدع وأبببي سببلمة
بن عبد الرحمن والشعبي وغيرهم .ومن قال فيها إنهببا غيببر مغلظببة بعضببهم أوجببب
فيها الواجب في الظهار ،وبعضهم أوجب فيها عتق رقبة .وسبب الختلف هببل هببو
يمين أو كناية؟ أو ليس بيمين ول كناية؟ فهذه أصول ما يقع من الختلف فببي ألفبباظ
الطلق.
**5الفصل الثاني في ألفاظ الطلق المقيدة.
@-والطلق المقيد ل يخلو من قسمين :إما تقييد اشتراط ،أو تقييد اسببتثناء ،والتقييببد
المشترط ل يخلو أن يعلق بمشيئة من له اختيار أو بوقوع فعل من الفعال المسببتقبلة
أو بخروج شيء مجهول العلم إلى الوجود على ما يببدعيه المعلببق للطلق بببه ممببا ل
يتوصل إلى علمه إل بعد خروجه إلبى الحببس ،أو إلببى الوجبود أو بمبا ل سببيل إلبى
الوقوف عليه مما هو ممكن أن يكون أو ل يكون .فأما تعليق الطلق بالمشيئة فإنه ل
يخلو أن يعلقه بمشيئة ال أو بمشيئة مخلوق ،فإذا علقه بمشيئة ال وسواء علقببه علببى
جهة الشرط مثل أن يقول أنت طببالق إن شبباء البب ،أو علببى جهببة السببتثناء مثببل أن
يقول أنت طالق إل أن يشاء ال ،فإن مالكا قال :ل يببؤثر السببتثناء فببي الطلق شببيئا
وهو واقع لبد .وقال أبببو حنيفببة والشببافعي :إذا اسببتثنى المطلببق مشببيئة الب لببم يقببع
الطلق .وسبببب الخلف هببل يتعلببق السببتثناء بالفعببال الحاضببرة الواقعببة كتعلقببه
بالفعال المستقبلة أو ل يتعلق؟ وذلك أن الطلق هو فعل حاضر؛ فمن قال ل يتعلببق
به قال :ل يؤثر الستثناء ول اشتراط المشيئة في الطلق؛ ومن قبال يتعلببق ببه قبال:
يؤثر فيه .وأما إن علق الطلق بمشيئة مببن تصببح مشببيئته ويتوصببل إلببى علمهببا فل
خلف في مذهب مالك أن الطلق يقف على اختيار الذي علق الطلق بمشيئته .وأما
تعليق الطلق بمشيئة من ل مشيئة له ،ففيه خلف في المذهب ،قيببل يلزمببه الطلق،
وقيل ل يلزمه ،والصبي والمجنون داخلن في هذا المعنى؛ فمن شبهه بطلق الهزل
وكان الطلق بالهزل عنده يقع قال :يقع هذا الطلق؛ ومن اعتبر وجود الشرط قببال:
ل يقع لن الشرط قد عدم ههنا .وأما تعليق الطلق بالفعال المسببتقبلة ،فببإن الفعببال
التي يعلق بها توجد على ثلثة أضرب :أحدها ما يمكن أن يقع أو ل يقع على السواء
كدخول الدار وقدوم زيد ،فهذا يقف وقوع الطلق فيه على وجود الشرط بل خلف.
وأما ما لبد من وقببوعه كطلببوع الشببمس غببدا ،فهببذا يقببع نبباجزا عنببد مالببك ،ويقببف
وقوعه عند الشافعي وأبي حنيفببة علببى وجببود الشببرط؛ فمبن شببهه بالشبرط الممكبن
الوقوع قال :ل يقع إل بوقوع الشرط؛ ومن شبببهه بببالوطء الواقببع فببي الجببل بنكبباح
المتعة لكونه وطئا مسببتباحا إلببى أجببل قببال :يقببع الطلق؛ والثببالث هببو الغلببب منببه
بحسببب العببادة وقببوع الشببرط ،وقببد ل يقببع كتعليببق الطلق بوضببع الحمببل ومجيببء
الحيض والطهر ،ففي ذلك روايتان عن مالك :إحداهما وقوع الطلق ناجزا؛ والثانية
وقوعه على وجود شرطه ،وهو الذي يأتي على مذهب أبي حنيفة والشافعي ،والقول
بإنجاز الطلق في هذا يضعف لنه مشبه عنده بما يقببع ولبببد ،والخلف فيببه قببوي،
وأما تعليق الطلق بالشرط المجهول الوجببود فببإن كببان ل سبببيل إلببى علمببه مثببل أن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
يقول :إن كان خلق ال اليوم في بحر القلزم حوتا بصفة كذا فببأنت طببالق ،فل خلف
أعلمببه فببي المببذهب أن الطلق يقببع فببي هببذا ،وأمببا إن علقببه بشببيء يمكببن أن يعلببم
بخروجه إلى الوجود مثل أن يقول :إن ولدت أنببثى فبأنت طبالق فبإن الطلق يتوقببف
على خروج ذلك الشيء إلببى الوجببود .وأمببا إن حلببف بببالطلق أنهببا تلببد أنببثى ،فببأن
الطلق في الحين يقع عنده وإن ولدت إنثى ،وكببان هببذا مببن ببباب التغليببظ ،والقيبباس
يوجب أن يوقف الطلق على خروج ذلك الشببيء أو ضببده ومببن قببول مالببك إنببه إذا
أوجب الطلق على نفسه بشرط أن يفعل فعل من الفعببال أنببه ل يحنببث حببتى يفعببل
ذلك الفعل ،وإذا أوجب الطلق على نفسه بشبرط تبرك فعببل مببن الفعببال فبإنه علبى
الحنث حتى يفعل ويوقف عنده عن وطء زوجته ،فإن امتنع عن ذلك الفعل أكثر مببن
مدة أجل اليلء ضرب له أجل اليلء ولكن ل يقع عنده حتى يفببوت الفعببل إن كببان
مما يقع فوته ،ومن العلماء من يرى أنه على بر حتى يفوت الفعل ،وإن كببان ممببا ل
يفوت كان على البر حتى يموت .ومن هذا الباب اختلفهببم فببي تبعيببض المطلقببة ،أو
تبعيببض الطلق وإرداف الطلق علببى الطلق .فأمببا مسببألة تبعيببض المطلقببة ،فببإن
مالكا قال :إذا قال يدك أو رجلك أو شعرك طالق طلقببت عليببه؛ وقببال أبببو حنيفببة :ل
تطلق إل بذكر عضو يعبر به عن جملة البدن كالرأس والقلب والفرج ،وكذلك تطلق
عنده إذا طلق الجزء منها ،مثل الثلث أو الربع؛ وقال داود :ل تطلق؛ وكذلك إذا قببال
عند مالك :طلقتك نصف تطليقة طلقت ،لن هذا كله عنده ل يتبعض؛ وعند المخالف
إذا تبعض لم يقع ،وأما إذا قال لغير المدخول بها :أنت طالق أنبت طبالق أنبت طبالق
نسقا ،فإنه يكون ثلثا عند مالك؛ وقال أبو حنيفببة والشببافعي :يقببع واحببدة؛ فمببن شبببه
تكرار اللفظ بلفظه بالعدد ،أعني بقوله طلقتك ثلثا قال :يقع الطلق ثلثا؛ ومببن رأى
أنه باللفظة الواحدة قد بانت منه قببال :ل يقببع عليهببا الثبباني والثببالث ،ول خلف بيببن
المسلمين في ارتدافه في الطلق الرجعي.
وأما الطلق المقيد بالستثناء فإنمببا يتصببور فببي العببدد فقببط ،فببإذا طلببق أعببدادا مببن
الطلق ،فل يخلو من ثلثة أحوال :إما أن يستثني ذلبك العبدد بعينبه ،مثبل أن يقبول:
أنت طالق ثلثا إل ثلثا ،أو اثنتين إل اثنتين؛ وإما أن يستثني ما هو أقل.
وإذا استثنى ما هو أقل ،فإما أن يستثني ما هو أقل مما هو أكثر ،وإما أن يسببتثني مببا
هو أكثر مما هو أقل ،فإذا اسببتثنى القببل مببن الكببثر فل خلف أعلمببه أن السببتثناء
يصح ويسقط المستثنى :مثل أن يقول :أنت طببالق ثلثببا إل واحببدة .وأمببا إن اسببتثنى
الكثر من القل فيتوجه فيه قولن :أحدهما أن الستثناء ل يصببح ،وهببو مبنببي علببى
منع أن يستثنى الكثر من القل .والخر أن الستثناء يصح ،وهو قببول مالببك .وأمببا
إذا استثنى ذلك العدد بعينه مثل أن يقول :أنت طالق ثلثا إل ثلثببا ،فببإن مالكببا قببال:
يقع الطلق لنه اتهمه على أنه رجوع منه .وأما إذا لم يقل بالتهمة وكان قصده بذلك
استحالة وقوع الطلق فل طلق عليه ،كمبا لبو قبال أنبت طبالق ل طبالق معبا ،فبإن
وقوع الشيء مع ضده مستحيل .وشذ أبو محمد بن حزم فقال :ل يقببع الطلق بصببفة
لم تقع بعد ول بفعل لم يقع ،لن الطلق ل يقع في وقت وقوعه إل بإيقاع مببن يطلببق
في ذلك الوقت ول دليل من كتاب ول سنة ول إجماع على وقوع طلق في وقت لببم
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
يوقعه فيه المطلق ،وإنما ألزم نفسه إيقاعه فيه ،فإن قلنبا بباللزوم لبزم أن يوقبف عنبد
ذلك الوقت حتى يوقع ،هذا قياس قوله عندي وحجته ،وإن كنت لست أذكببر فببي هببذا
الوقت احتجاجه في ذلك.
**4الباب الثاني في المطلق الجائز الطلق.
@-واتفقوا على أنببه الببزوج العاقببل البببالغ الحببر غيببر المكببره ،واختلفببوا فببي طلق
المكره والسكران وطلق المريض وطلق المقببارب للبلببوغ .واتفقببوا علببى أنببه يقببع
طلق المريض إن صح ،واختلفوا هل ترثه إن مببات أم ل؟ فأمببا طلق المكببره فببإنه
غير واقع عند مالك والشافعي وأحمد وداود وجماعة ،وبه قال عبد ال بن عمر وابن
الزبيببر وعمببر بببن الخطبباب وعلببي ابببن أبببي طببالب وابببن عببباس .وفببرق أصببحاب
الشببافعي بيببن أن ينببوي الطلق أو ل ينببوي شببيئا ،فببإن نببوى الطلق فعنهببم قببولن
أصحهما لزومه :وإن لم ينو فقولن أصحهما أنه ل يلزم؛ وقال أبو حنيفة وأصببحابه:
هو واقع ،وكذلك عتقه دون بيعه ،ففرقوا بين البيع والطلق والعتق .وسبببب الخلف
هل المطلق من قبل الكراه مختار أم ليس بمختار؟ لنه ليس يكره على اللفظ إذ كان
اللفظ إنما يقع باختياره .والمكره على الحقيقة هو الذي لم يكببن لببه اختيببار فببي إيقبباع
الشيء أصل ،وكل واحد من الفريقين يحتج بقوله عليه الصلة والسببلم " رفببع عببن
أمتي الخطأ والنسيان وما اسببتكرهوا عليببه" ولكببن الظهببر أن المكببره علببى الطلق
وإن كان موقعا للفظ باختياره أنه ينطلق عليه في الشرع اسم المكره لقوله تعالى }إل
مببن أكببره وقلبببه مطمئن باليمببان{ وإنمببا فببرق أبببو حنيفببة بيببن البببيع والطلق ،لن
الطلق مغلظ فيه ،ولذلك استوى جده وهزله .وأما طلق الصبي ،فإن المشهور عببن
مالك أنه ل يلزمه حتى يبلغ؛ وقال في مختصر ما ليس في المختصر :أنبه يلزمببه إذا
ناهز الحتلم ،وبه قال أحمد بن حنبل إذا هو أطاق صيام رمضان؛ وقال عطاء :إذا
بلغ اثنتي عشرة سنة جاز طلقه ،وروي عن عمر بن الخطاب رضي ال عنه .وأما
طلق السكران ،فالجمهور من الفقهاء على وقوعه؛ وقال قوم :ل يقببع منهببم المزنببي
وبعض أصحاب أبي حنيفة .والسبب في اختلفهم هل حكمه حكم المجنببون أم بينهمببا
فرق؟ فمن قال هو والمجنون سواء إذ كان كلهما فاقدا للعقل ،ومببن شببرط التكليببف
العقل قال :ل يقع؛ ومن قال الفرق بينهما أن السكران أدخل الفساد على عقله بإرادته
والمجنون بخلف ذلك ألزم السكران الطلق ،وذلك من باب التغليظ عليببه .واختلببف
الفقهاء فيما يلزم السببكران بالجملببة مببن الحكببام ومببا ل يلزمببه ،فقببال مالببك :يلزمببه
الطلق والعتق والقود من الجراح والقتل ،ولم يلزمه النكبباح ول البببيع ،وألزمببه أبببو
حنيفة كل شيء؛ وقال الليث :كل ما جبباء مببن منطببق السببكران فموضببوع عنببه ،ول
يلزمه طلق ول عتق ول نكاح ول بيع ول حد فببي قببذف ،وكببل مببا جنتببه جببوارحه
فلزم له ،فيحد في الشبرب والقتببل والزنبى والسبرقة .وثببت عبن عثمببان بببن عفبان
رضي الب عنبه أنبه كبان ل يبرى طلق السبكران .وزعبم بعبض أهبل العلبم أنبه ل
مخالف لعثمان في ذلك من الصحابة .وقول مبن قبال :إن كبل طلق جبائز إل طلق
المعتوه ليس نصا في إلزام السكران الطلق لن السكران معتببوه مببا ،وبببه قببال داود
وأبو ثور وإسحاق وجماعة من التابعين :أعني أن طلقه ليس يلببزم؛ وعببن الشببافعي
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
القولن في ذلك ،واختار أكثر أصحابه قوله الموافق للجمهور ،واختببار المزنببي مببن
أصحابه أن طلقه غير واقع .وأمببا المريببض الببذي يطلببق طلقببا بائنببا ويمببوت مببن
مرضببه ،فببإن مالكببا وجماعببة يقببول :ترثببه زوجتببه ،والشببافعي وجماعببة ل يورثهببا.
والذين قالوا بتوريثها انقسموا ثلث فببرق :ففرقببة قببالت لهببا الميببراث مببا دامببت فببي
العدة ،وممن قال بذلك أبو حنيفة وأصحابه والثوري؛ وقال قوم :لهببا الميببراث مببا لببم
تتزوج ،وممن قال بهذا أحمد وابن أبي ليلى؛ وقال قوم :بل ترث كبانت فبي العبدة أو
لم تكن ،تزوجت أم لم تتزوج ،وهو مذهب مالك والليث.
وسبب الخلف اختلفهم في وجوب العمل بسد الذرائع؛ وذلك أنه لما كببان المريببض
يتهم في أن يكون إنما طلق في مرضه زوجته ليقطع حظها من الميببراث؛ فمببن قببال
بسد الذرائع أوجب ميراثها؛ ومن لم يقل بسد الذرائع ولحظ وجوب الطلق لم يوجب
لها ميراثا ،وذلك أن هذه الطائفة تقول :إن كان الطلق قد وقع فيجب أن يقببع بجميببع
أحكامه ،لنهم قالوا :إنه ل يرثها إن ماتت وإن كببان لببم يقببع فالزوجيببة باقيببة بجميببع
أحكامها ،ولبد لخصومهم من أحد الجوابين ،لنه يعسر أن يقال إن في الشرع نوعببا
من الطلق توجد له بعض أحكام الطلق وبعض أحكام الزوجيببة؛ وأعسببر مببن ذلببك
القول بالفرق بين أن يصح أو ل يصح ،لن هذا يكون طلقا موقوف الحكببم إلببى أن
يصح أو ل يصح ،وهذا كله مما يعسر القول به في الشرع ،ولكن إنما أنس القببائلون
به أنه فتوى عثمان وعمببر حببتى زعمببت المالكيببة أنببه إجمبباع الصببحابة ،ول معنببى
لقولهم فإن الخلف فيه عن ابن الزبير مشهور .وأما من رأى أنهببا تببرث فببي العببدة،
فلن العدة عنده من بعض أحكام الزوجية ،وكأنه شبببهها بالمطلقببة الرجعيببة ،وروي
هذا القول عن عمر وعائشة .وأما من اشترط في توريثها ما لم تتزوج فإنه لحظ فببي
ذلك إجماع المسلمين على أن المرأة الواحببدة ل تببرث زوجيببن ،ولكببون التهمببة هببي
العلة عند الذين أوجبوا الميراث.
واختلفوا إذا طلبت هي الطلق أو ملكها أمرها الزوج فطلقت نفسها ،فقال أبو حنيفة:
ل ترث أصل؛ وفرق الوزاعي بيببن التمليببك والطلق فقببال :ليببس لهببا ميببراث فببي
التمليك ولها في الطلق وسوى مالك في ذلك كله حبتى لقبد قبال :إن مباتت ل يرثهبا
وترثه هي إن مات ،وهذا مخالف للصول جدا.
**4الباب الثالث فيمن يتعلق به الطلق من النساء ومن ل يتعلق.
@-وأما من يقع طلقه من النسبباء ،فببإنهم اتفقببوا علببى أن الطلق يقببع علببى النسبباء
اللتي في عصمة أزواجهن ،أو قبل أن تنقضي عددهن في الطلق الرجعي ،وأنه ل
يقع على الجنبيات :أعني الطلق المعلق .وأما تعليق الطلق على الجنبيات بشرط
التزويببج مثببل أن يقببول :إن نكحببت فلنببة فهببي طببالق ،فبإن للعلمبباء فببي ذلببك ثلثببة
مذاهب :قول إن الطلق ل يتعلببق بأجنبيببة أصببل عببم المطلببق أو خبص ،وهببو قببول
الشافعي وأحمد وداود وجماعة؛ وقول إنه يتعلق بشرط التزويج عمبم المطلببق جميبع
النساء أو خصص ،وهو قول أبي حنيفة وجماعة وقول إنبه إن عبم جميبع النسباء لبم
يلزمه ،وإن خصص لزمه ،وهو قول مالك وأصحابه ،أعني مثل أن يقول :كل امرأة
أتزوجها من بني فلن أو من بلد كذا فهي طالق ،وكذلك فبي وقببت كبذا ،فبإن هببؤلء
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
يطلقن عند مالك إذا زوجن .وسبب الخلف هل من شرط وقوع الطلق وجود الملك
متقدما بالزمان على الطلق أم ليس ذلك من شرطه؟ فمن قال هو من شرطه قال :ل
يتعلق الطلق بالجنبية؛ ومن قال ليس مببن شببرطه إل وجببود الملببك فقببط قببال :يقببع
بالجنبية .وأما الفبرق بيببن التعميببم والتخصبيص فاستحسبان مبنببي علبى المصببلحة،
وذلك أنه إذا عمم فأوجبنا عليه التعميم لم يجد سببيل إلبى النكباح الحلل ،فكبان ذلبك
عنتا به وحرجا ،وكأنه من باب نذر المعصية؛ وأما إذا خصببص فليببس المببر كببذلك
إذا ألزمناه الطلق؛ واحتج الشافعي بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جببده قببال:
قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "ل طلق إل من بعد نكاح" وفببي روايببة أخببرى
"ل طلق فيما ل يملك ول عتق فيما ل يملك" وثبت ذلك عن علي ومعاذ وجابر ابن
عبد ال وابن عباس وعائشة؛ وروي مثل قول أبي حنيفببة عببن عمببر وابببن مسببعود،
وضعف قوم الرواية بذلك عن عمر رضي ال عنهم.
*)*3الجملة الثالثة :في الرجعة بعد الطلق(
@-ولمبا كبان الطلق علبى ضبربين :ببائن ،ورجعبي ،وكبانت أحكبام الرجعبة بعبد
الطلق البببائن غيببر أحكببام الرجعببة بعببد الطلق الرجعببي وجببب أن يكببون فببي هببذا
الجنس بابان :الباب الول :في أحكام الرجعة في الطلق الرجعي .الباب الثاني :فببي
أحكام الرتجاع في الطلق البائن.
**4الباب الول في أحكام الرجعة في الطلق الرجعي.
@-وأجمع المسلمون على أن الزوج يملك رجعببة الزوجببة فببي الطلق الرجعببي مببا
دامت في العدة من غير اعتبببار رضبباها لقببوله تعببالى }وبعببولتهن أحببق بردهببن فببي
ذلك{ وأن من شرط هذا الطلق تقدم المسببيس لببه ،واتفقببوا علببى أنهببا تكببون بببالقول
والشهاد .واختلفوا هل الشهاد شرط في صحتها أم ليس بشرط؟ وكذلك اختلفوا هبل
تصح الرجعة بالوطء؟ فأما الشهاد فذهب مالك إلببى أنببه مسببتحب ،وذهببب الشببافعي
إلى أنه واجب .وسبب الخلف معارضة القياس للظاهر ،وذلك أن ظاهر قوله تعالى
}وأشهدوا ذوي عدل منكم{ يقتضي الوجوب ،وتشبيه هذا الحق بسببائر الحقببوق الببتي
يقبضها النسان يقتضي أن ل يجب الشهاد ،فكان الجمببع بيببن القيبباس واليببة حمببل
الية على الندب .وأما اختلفهم فيمببا تكببون بببه الرجعببة ،فببإن قومببا قببالوا :ل تكببون
الرجعببة إل بببالقول فقببط ،وبببه قببال الشببافعي؛ وقببوم قببالوا :تكببون رجعتهببا بببالوطء،
وهؤلء انقسموا إلى قسمين :فقال قببوم :ل تصببح الرجعببة بببالوطء إل إذا نببوى بببذلك
الرجعة ،لن الفعل عنده يتنزل منزلبة القبول مبع النيبة ،وهبو قبول مالبك؛ وأمبا أببو
حنيفة فأجاز الرجعة بالوطء إذا نوى بذلك الرجعة ودون النية؛ فأمببا الشببافعي فقبباس
الرجعة على النكاح وقال :قد أمر ال بالشببهاد ،ول يكببون الشببهاد إل علببى القببول.
وأما سبب الختلف بين مالك وأبي حنيفببة فبإن أببا حنيفبة يبرى أن الرجعيبة محللبة
للوطء عنده قياسا على المولى منها وعلى المظبباهرة ولن الملببك لببم ينفصببل عنببده،
ولذلك كان التوارث بينهما؛ وعند مالك أن وطء الرجعية حرام حتى يرتجعها ،فلبببد
عنده من النية ،فهذا هو اختلفهم في شروط صحة الرجعة .واختلفببوا فببي مقببدار مببا
يجوز للزوج أن يطلع عليه من المطلقة الرجعية ما دامت فببي العببدة ،فقببال مالببك :ل
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
يخلو معها ول يدخل عليها إل بإذنها ول ينظر إلى شعرها ،ول بأس أن يأكببل معهببا
إذا كان معهما غيرهما .وحكى ابن القاسم أنه رجع عن إباحة الكل معها؛ وقبال أببو
حنيفببة :ل بببأس أن تببتزين الرجعيببة لزوجهببا وتتطيببب لببه وتتشببوف وتبببدي البنببان
والكحل ،وبه قال الثوري وأبو يوسف والوزاعي ،وكلهم قببالوا :ل يببدخل عليهببا إل
أن تعلم بدخوله بقول أو حركة من تنحنح أو خفق نعل .واختلفوا فببي هببذا الببباب فببي
الرجل يطلق زوجته طلقة رجعية وهو غائب ثم يراجعها فيبلغهببا الطلق ول تبلغهببا
الرجعة فتتزوج إذا انقضت عدتها ،فذهب مالك إلى أنها للذي عقد عليها النكاح دخببل
بها أو لم يدخل ،هذا قوله في الموطأ ،وبه قببال الوزاعببي والليببث .وروى عنببه ابببن
القاسم أنه رجع عن القببول الول ،وأنببه قببال :الول أولببى بهببا إل أن يببدخل الثبباني،
وبالقول الول قال المدنيون من أصحابه قالوا :ولم يرجع عنه لنه أثبته فببي مببوطئه
إلى يوم مات وهو يقبرأ عليبه ،وهبو قبول عمبر ببن الخطباب ورواه عنبه مالبك فبي
الموطأ؛ وأما الشافعي والكوفيببون وأبببو حنيفببة وغيرهببم فقببالوا :زوجهببا الول الببذي
ارتجعها أحق بها دخل بها الثاني أو لم يدخل ،وبه قال داود وأبو ثور ،وهببو مببروي
عن علي وهو البين ،وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الب عنببه أنببه قببال فببي
هذه المسألة :إن الزوج الذي ارتجعها مخير بين أن تكون امرأته أو أن يرجببع عليهببا
بما كان أصدقها ،وحجة مالك في الرواية الولى ما رواه ابن وهب عببن يببونس عببن
ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال :مضببت السببنة فببي الببذي يطلببق امرأتببه ثببم
يراجعها فيكتمها رجعتها حتى تحل فتنكح زوجا غيره أنه ليس لببه مببن أمرهببا شببيء
ولكنها لمن تزوجها ،وقد قيل إن هذا الحديث إنما يروى عن ابن شهاب فقط؛ وحجببة
الفريق الول أن العلماء قد أجمعوا على أن الرجعة صحيحة وإن لم تعلم بها المرأة،
بدليل أنهم قد أجمعوا علببى أن الول أحببق بهببا قبببل أن تببتزوج ،وإذا كببانت الرجعببة
صحيحة كان زواج الثاني فاسدا ،فإن نكاح الغير ل تببأثير لببه فببي إبطببال الرجعببة ل
قبل الببدخول ول بعببد الببدخول ،وهببو الظهببر إن شبباء البب ،ويشببهد لهببذا مببا خرجببه
الترمذي عن سمرة بن جندب أن النبي صلى ال عليه وسلم قال "أيما امرأة تزوجهببا
اثنان فهي للول منهما ،ومن باع بيعا من رجلين فهو للول منهما".
**4الباب الثاني في أحكام الرتجاع في الطلق البائن.
@-والطلق البائن ،إما بما دون الثلث فذلك يقع في غير المدخول بهببا بل خلف،
وفي المختلعة باختلف ،وهل يقع أيضا دون عوض؟ فيه خلف ،وحكم الرجعة بعببد
هذا الطلق حكم ابتداء النكاح :أعني في اشتراط الصداق والولي والرضا ،إل أنه ل
يعتبر فيه انقضاء العدة عند الجمهور؛ وشذ قوم فقالوا :المختلعة ل يتزوجهببا زوجهببا
في العدة ول غيره ،وهببؤلء كبأنهم رأوا منبع النكباح فبي العبدة عبببادة .وأمبا البائنبة
بالثلث ،فإن العلماء كلهم على أن المطلقة ثلثا ل تحل لزوجها الول إل بعد الوطء
لحديث رفاعة بن سموءل "أنه طلق امرأته تميمببة بنببت وهببب فببي عهببد رسببول الب
صلى ال عليه وسلم ثلثا فنكحت عبد الرحمن بن الزبير ،فاعترض عنها فلم يستطع
أن يمسها ففارقها ،فببأراد رفاعببة زوجهببا الول أن ينكحهببا ،فببذكر ذلببك لرسببول الب
صلى ال عليه وسلم فنهاه عن تزويجها وقال :ل تحل لك حتى تذوق العسيلة" .وشببذ
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
سعيد بن المسيب فقال :إنه جائز أن ترجع إلى زوجها الول بنفس العقد لعموم قببوله
تعالى }حتى تنكح زوجا غيره{ والنكاح ينطلق على العقد ،وكلهم قال :التقاء الختانين
يحلها ،إل الحسن البصري فقال :ل تحل إل بوطء بإنزال .وجمهور العلماء علببى أن
الوطء الذي يوجب الحببد ويفسببد الصببوم والحببج ويحببل المطلقببة ويحصببن الزوجيببن
ويوجب الصداق هو التقاء الختببانين .وقببال مالببك وابببن القاسببم :ل يحببل المطلقببة إل
الوطء المباح الذي يكببون فببي العقببد الصببحيح فببي غيببر صببوم أو حببج أو حيببض أو
اعتكاف ،ول يحل الذمية عندهما وطء زوج ذمي لمسلم ،ول وطء من لم يكن بالغببا،
وخالفهما في ذلك كله الشافعي وأبو حنيفة والثوري والوزاعي فقببالوا :يحببل الببوطء
وإن وقع في عقد فاسد أو وقت غير مباح .وكذلك وطء المراهق عندهم يحل ،ويحببل
وطء الذمي الذمية للمسلم ،وكذلك المجنون عندهم ،والخصي الذي يبقى له مببا يغيبببه
في فرج ،والخلف فببي هببذا كلببه آيببل إلببى هببل يتنبباول اسببم النكبباح أصببناف الببوطء
الناقص أم ل يتناوله؟ واختلفوا من هذا الببباب فببي نكبباح المحلببل :أعنببي إذا تزوجهببا
على شرط أن يحللهبا لزوجهبا الول؛ فقبال مالبك :النكباح فاسبد يفسبخ قببل البدخول
وبعده ،والشرط فاسد ل تحل به ،ول يعتبر في ذلك عنده إرادة المرأة التحليل ،وإنمببا
يعتبر عنده إرادة الرجل؛ وقال الشافعي وأبو حنيفة النكاح جائز ،ول تؤثر النيببة فببي
ذلك ،وبه قال داود وجماعة وقالوا :هو محلل للببزوج المطلببق ثلثببا؛ وقببال بعضببهم:
النكاح جائز والشرط باطل :أي ليببس يحللهببا ،هببو قببول ابببن أبببي ليلببى ،وروي عببن
الثوري؛ واستدل مالك وأصحابه بما روي عن النبي صلى ال عليه وسلم من حببديث
علي بن أبي طالب وابن مسعود وأبي هريرة وعقبة بن عامر أنه قال صلى ال عليه
وسلم "لعن ال المحلل والمحلل له" فلعنه إياه كلعنه آكل الربا وشارب الخمر ،وذلببك
يدل على النهي ،والنهي يدل على فساد المنهى عنه ،واسم النكاح الشرعي ل ينطلببق
على النكاح المنهي عنه .وأما الفريق الخر فتعلببق بعمببوم قببوله تعببالى }حببتى تنكببح
زوجا غيره{ وهذا ناكح ،وقالوا :وليببس فببي تحريببم قصببد التحليببل مببا يببدل علببى أن
عدمه شرط في صحة النكاح ،كما أنه ليس النهي عن الصلة فببي الببدار المغصببوبة،
مما يدل على أن من شرط صحة الصلة صحة ملك البقعة أو الذن مببن مالكهببا فببي
ذلك ،قالوا :وإذا لم يدل النهي على فساد عقد النكاح فببأحرى أن ل يببدل علببى بطلن
التحليل ،وإنما لم يعتبر مالك قصد المرأة لنببه إذا لببم يوافقهببا علببى قصببدها لببم يكببن
لقصدها معنببى مببع أن الطلق ليببس بيبدها .واختلفبوا فبي هببل يهببدم البزوج مببا دون
الثلث؟ فقال أبو حنيفة يهدم ،وقال مالك والشافعي ل يهببدم :أعنببي إذا تزوجببت قبببل
الطلقة الثالثة غير الزوج الول ثم راجعها هل يعتد بببالطلق الول أم ل؟ فمببن رأى
أن هذا شيء يخص الثالثة بالشرع قال :ل يهدم ما دون الثالثة عنببده؛ ومببن رأى أنببه
إذا هدم الثالثة فهو أحرى أن يهدم ما دونها قال :يهدم ما دون الثلث ،وال أعلم.
*)*3الجملة الرابعة( وهذه الجملة فيها بابان ،الول :في العدة .والثاني :في المتعة.
**4الباب الول في العدة.
@-والنظر في هذا الباب فببي فصببلين :الفصببل الول :فببي عببدة الزوجببات :الفصببل
الثاني :في عدة ملك اليمين.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
**5الفصل الول في عدة الزوجات .والنظر في عدة الزوجببات ينقسببم إلببى نببوعين:
أحدهما في معرفة العدة .والثاني في معرفة أحكام العدة.
@)-النوع الول( وكل زوجة فهي إما حرة وإمببا أمببة ،وكببل واحببدة مببن هبباتين إذا
طلقت فل يخلو أن تكون مدخول بها أو غير مدخول بها ،فأما غير المدخول بهببا فل
عدة عليها بإجماع لقوله تعالى }فما لكم عليهن من عدة تعتدونها{ وأما المببدخول بهببا
فل يخلببو أن تكببون مببن ذوات الحيببض أو مببن غيببر ذوات الحيببض .وغيببر ذوات
الحيض إما صغار وإمببا يائسببات ،وذوات الحيبض إمببا حوامببل وإمببا جاريببات علببى
عبباداتهن فببي الحيببض ،وإمببا مرتفعببات الحيببض ،وإمببا مستحاضببات .والمرتفعببات
الحيض فببي سببن الحيببض إمببا مرتابببات بالحمببل :أي بحببس فببي البطببن ،وإمببا غيببر
مرتابات .وغير مرتابات إما معروفات سبب انقطاع الحيض من رضاع أو مببرض،
وإما غير معروفات .فأما ذوات الحيض الحرار الجاريات في حيضهن على المعتاد
فعدتهن ثلثة قروء ،والحوامل منهن عدتهن وضع حملهن ،واليائسات منهن عببدتهن
ثلثة أشهر ،ول خلف في هذا لنببه منصببوص عليببه فببي قببوله تعببالى }والمطلقببات
يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء{ الية ،وفي قوله تعالى }واللئى يئسببن مببن المحيببض
من نسائكم إن ارتبتم{ الية .واختلفوا من هذه الية في القببراء مببا هببي؟ فقببال قببوم:
هي الطهار :أعني الزمنة التي بين الدمين :وقال قوم :هي الببدم نفسببه ،وممببن قببال
إن القراء هي الطهبار .أمبا مبن فقهباء المصبار فمالبك والشبافعي وجمهبور أهبل
المدينة وأبو ثور وجماعة ،وأما من الصبحابة فبابن عمبر وزيببد بببن ثبابت وعائشبة؛
وممن قال إن القببراء هببي الحيببض أمببا مببن فقهبباء المصببار فببأبو حنيفببة والثببوري
والوزاعي وابن أبي ليلى وجماعة ،وأمببا مببن الصببحابة فعلببي وعمببر بببن الخطبباب
وابن مسعود وأبو موسى الشعري .وحكى الثرم عببن أحمببد أنببه قببال :الكببابر مببن
أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم يقولون :القراء هي الحيض .وحكى أيضببا
عن الشعبي أنه قول أحد عشر أو اثني عشر من أصحاب رسول ال صلى ال عليببه
وسلم .وأما أحمد بن حنبل فاختلفت الروايببة عنببه ،فببروي عنببه أنببه كبان يقببول :إنهببا
الطهار على قول زيد بن ثابت وابن عمر وعائشة ،ثببم تببوقفت الن مببن أجببل قببول
ابن مسعود وعلببي هببو أنهببا الحيببض ،والفببرق بيببن المببذهبين هببو أن مببن رأى أنهببا
الطهار رأى أنها إذا دخلت الرجعية عنده في الحيضة الثالثة لببم يكببن للببزوج عليهببا
رجعة وحلت للزواج ،ومن رأى أنها الحيض لم تحل عنببده حببتى تنقضببي الحيضببة
الثالثة .وسبب الخلف اشتراك اسم القرء ،فإنه يقال في كلم العرب على حببد سببواء
على الدم وعلى الطهار ،وقد رام كل الفريقين أن يدل على أن اسم القرء فببي اليببة
ظاهر في المعنى الذي يراه ،فالذين قالوا إنها الطهببار قببالوا :إن هببذا الجمببع خبباص
بالقرء الذي هو الطهر ،وذلك أن القرء الذي هو الحيض يجمببع علببى أقببراء ل علببى
قروء ،وحكوا ذلك عن ابن النباري ،وأيضا فإنهم قالوا :إن الحيضة مؤنثبة والطهبر
مذكر ،فلو كان القرء الذي يراد به الحيض لما ثبببت فببي جمعببه الهبباء ،لن الهبباء ل
تثبت في جمع المؤنث فيما دون العشرة ،وقالوا أيضا :إن الشتقاق يببدل علببى ذلببك،
لن القرء مشتق من قرأت الماء في الحوض :أي جمعتببه ،فزمببان اجتمبباع الببدم هببو
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
زمان الطهر ،فهذا هو أقوى ما تمسبك بببه الفريببق الول مببن ظباهر اليبة .وأمببا مببا
تمسك به الفريق الثاني من ظباهر اليبة فبإنهم قبالوا :إن قببوله تعببالى }ثلثببة قبروء{
ظاهر في تمام كل قرء منها ،لنه ليس ينطلق اسم القرء على بعضه إل تجوزا ،وإذا
وصفت القراء بأنها هي الطهار أمكن أن تكون العدة عندهم بقرءين وبعض قببرء،
لنها عندهم تعتد بالطهر الذي تطلق فيه وإن مضى أكببثره وإذا كببان ذلببك كببذلك فل
ينطلق عليها اسم الثلثة إل تجوزا ،واسببم الثلثببة ظبباهر فببي كمببال كببل قببرء منهببا،
وذلك ل يتفق إل بأن تكون القببراء هببي الحيببض لن الجمبباع منعقببد علببى أنهببا إن
طلقت في حيضة أنها ل تعتد بها ،ولكل واحد من الفريقين احتجاجببات متسبباوية مببن
جهة لفظ القرء ،والذي رضيه الحذاق أن الية مجملة في ذلك ،وأن الدليل ينبغببي أن
يطلب من جهة أخرى؛ فمن أقوى مببا تمسببك بببه مببن رأى أن القببراء هببي الطهببار
حديث ابن عمر المتقدم ،وقوله صلى ال عليه وسلم "مره فليراجعها حتى تحيض ثببم
تطهر ثم تحيض ثم تطهر ،ثم يطلقها إن شاء قبل أن يمسها ،فتلك العدة التي أمر البب
أن يطلق لها النساء" قالوا :وإجماعهم على أن طلق السنة ل يكون إل في طهببر لببم
تمس فيه ،وقوله عليه الصلة والسلم "فتلك العدة التي أمر ال أن يطلق لها النسبباء"
دليل واضح على أن العدة هي الطهار لكي يكون الطلق متصل بالعدة .ويمكببن أن
يتأول قوله }فتلك العدة{ أي فتلك مدة استقبال العدة لئل يتبعببض القببرء بببالطلق فببي
الحيض.
وأقوى ما تمسك به الفريق الثاني أن العدة إنما شرعت لبراءة الرحم ،وبراءتهببا إنمببا
تكببون بببالحيض ل بالطهببار ،ولببذلك كببان عببدة مببن ارتفببع الحيببض عنهببا باليببام،
والحيض هو سبب العدة بالقراء ،فوجب أن تكون القراء هي الحيببض واحتببج مببن
قال القراء هي الطهار بببأن المعتبببر فبي ببراءة الرحببم هبو النقلبة مببن الطهببر إلبى
الحيببض ل انقضبباء الحيببض ،فل معنببى لعتبببار الحيضببة الخيببرة ،وإذا كببان ذلببك
فالثلث المعتبر فيهن التمام :أعني المشترط هي الطهار التي بين الحيضتين ،ولكل
الفريقين احتجاجات طويلة .ومذهب الحنفية أظهببر مببن جهببة المعنببى ،وحجتهببم مببن
جهة المسموع متساوية أو قريب مببن متسبباوية ،ولببم يختلببف القببائلون أن العببدة هببي
الطهار أنها تنقضي بدخولها في الحيضة الثالثة .واختلف الذين قالوا إنهببا الحيببض،
فقيل تنقضي بانقطاع الدم من الحيضة الثالثة ،وبه قال الوزاعي؛ وقيل حين تغتسببل
من الحيضة الثالثة ،وبه قال من الصحابة عمببر بببن الخطبباب وعلببي وابببن مسببعود،
ومن الفقهاء الثوري وإسحاق ابن عبيد؛ وقيل حتى يمضي وقت الصلة التي طهرت
في وقتها؛ وقيل إن للزوج عليها الرجعة وإن فرطت في الغسل عشرين سببنة ،حكببى
هذا عن شريك وقد قيل تنقضي بدخولها في الحيضة الثالثة ،وهببو أيضببا شبباذ ،فهببذه
هي حال الحائض التي تحيض .وأما التي تطلق فل تحيببض وهببي فببي سببن الحيببض
وليس هناك ريبة حمل ول سبب من رضاع ول مرض ،فإنها تنتظر عند مالك تسعة
أشهر فإن لم تحض فيهن اعتدت بثلثة أشهر ،فإن حاضببت قبببل أن تسببتكمل الثلثببة
أشهر اعتبرت الحيض واستقبلت انتظاره ،فإن مر بهببا تسببعة أشببهر قبببل أن تحيبض
الثانية اعتدت ثلثة أشهر ،فإن حاضت قبل أن تستكمل الثلثة أشهر من العام الثبباني
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
انتظرت الحيضة الثالثة ،فإن مر بها تسعة أشهر قبل أن تحيض اعتدت ثلثة أشهر،
فإن حاضت الثالثة في الثلثة الشهر كانت قد استكملت عدة الحيض وتمببت عببدتها،
ولزوجها عليها الرجعة ما لم تحل .واختلف عن مالك متى تعتد بالتسعة أشهر؟ فقيببل
من يببوم طلقببت ،وهببو قببوله فببي الموطببأ؛ وروى ابببن القاسببم عنببه :مببن يببوم رفعهببا
حيضتها؛ وقال أبو حنيفة والشافعي والجمهور في التي ترتفع حيضتها وهي ل تيأس
منها في المستأنف إنها تبقى أبدا تنتظر حببتى تببدخل فببي السببن الببذي تيببأس فيببه مببن
المحيض ،وحينئذ تعتد بالشهر وتحيض قبل ذلك؛ وقول مالك مروي عببن عمببر بببن
الخطاب وابن عببباس ،وقببول الجمهببور قببول ابببن مسببعود وزيببد؛ وعمببدة مالببك مببن
طريق المعنى هو أن المقصود بالعدة إنما هو ما يقع به براءة الرحم ظنا غالبا بببدليل
أنه قد تحيض الحامل ،وإذا كان ذلك كذلك فعدة الحمل كافية في العلم ببببراءة الرحببم
بل هي قاطعة على ذلك ،ثم تعتد بثلثة أشبهر عبدة اليائسبة ،فبإن حاضبت قببل تمبام
السنة حكم لها بحكم ذوات الحيض ،واحتسبت بذلك القرء ،ثم تنتظر القرء الثبباني أو
السنة إلى أن تمضي لها ثلثة قروء؛ وأما الجمهور فصاروا إلى ظبباهر قببوله تعببالى
}واللئي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعببدتهن ثلثببة أشببهر{ والببتي هببي
من أهل الحيض ليست بيائسة ،وهذا الببرأي فيببه عسببر وحببرج؛ ولببو قيببل إنهببا تعتببد
بثلثة أشهر لكان جيدا إذا فهم من اليائسة التي ل يقطع بانقطاع حيضتها ،وكان قوله
}إن ارتبتم{ راجعا إلى الحكم ل إلى الحيض على ما تأوله مالك عليه ،فكأن مالكا لببم
يطابق مذهبه تأويله الية ،فإنه فهم من اليائسة هنا من تقطع على أنها ليست من أهل
الحيض ،وهذا ل يكون إل من قبل السن ،ولذلك جعل قببوله }إن ارتبتببم{ راجعببا إلببى
الحكم ل إلى الحيض :أي إن شككتم في حكمهن ،ثم قال في التي تبقى تسعة أشهر ل
تحيض وهي في سن من تحيض إنها تعتببد بالشببهر؛ وأمببا إسببمعيل وابببن بكيببر مببن
أصحابه ،فذهبوا إلى أن الريبة ههنا في الحيببض ،وأن اليببائس فببي كلم العببرب هببو
مالم يحكم عليه بما يئس منه بالقطع ،فطابقوا تأويبل اليبة مبذهبهم البذي هبو مبذهب
مالك ،ونعم ما فعلوا لنه إن فهم ههنببا مببن اليببائس القطببع فقببد يجببب أن تنتظببر الببدم
وتعتد به حتى تكون في هذا السن :أعني سن اليائس وإن من فهببم مببن اليببائس مببا ل
يقطع بذلك فقد يجب أن تعتد التي انقطع دمها عن العادة وهببي فببي سببن مببن تحيبض
بالشهر ،وهو قياس قول أهل الظاهر ،لن اليائسة في الطرفين ليس هي عندهم مببن
أهل العدة ل بالقراء ول بالشهور .وأما الفرق في ذلك بين ما قبل التسعة وما بعدها
فاستحسان .وأما التي ارتفعت حيضببتها لسبببب معلببوم مثببل رضبباع أو مببرض ،فببإن
المشهور عند مالك أنها تنتظر الحيض قصر الزمان أم طال؛ وقد قيببل إن المريضببة
مثل التي ترتفع حيضتها لغير سبب.
وأما المستحاضة فعدتها عنببد مالببك سببنة إذا لببم تميببز بيببن الببدمين ،فببإن ميببزت بيببن
الدمين فعنه روايتان :إحداهما أن عببدتها السببنة .والخببرى أنهببا تعمببل علببى التمييببز
فتعتد بالقراء؛ وقال أبو حنيفة عدتها القراء إن تميزت لها وإن لم تتميز لهببا فثلثببة
أشهر؛ وقال الشافعي :عدتها بالتمييز إذا انفصل عنها الدم ،فيكون الحمر القاني مبن
الحيضة ،ويكون الصفر من أيببام الطهببر ،فبإن طبببق عليهبا البدم اعتببدت بعبدد أيبام
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
حيضتها في صحتها وإنما ذهب مالك إلى بقاء السنة لنه جعلها مثل التي ل تحيببض
وهي من أهببل الحيببض؛ والشببافعي إنمببا ذهببب فببي العارفببة أيامهببا أنهببا تعمببل علببى
معرفتها قياسا على الصلة لقوله صلى ال عليه وسلم للمستحاضببة "اتركببي الصببلة
أيام أقرائك فإذا ذهب عنك قدرها فاغسلي الدم" وإنما اعتبر التمييز من اعتبره لقوله
صلى ال عليه وسلم لفاطمة بنت حبيش "إذا كان دم الحيببض فببإنه دم أسببود يعببرف،
فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلة ،فإذا كان الخر فتوضي وصلي فإنما هببو عببرق"
خرجه أبو داود ،وإنما ذهب من ذهب إلى عدتها بالشهور إذا اختلط عليها الدم ،لنببه
معلوم في الغلب أنها في كل شهر تحيض ،وقد جعل ال العدة بالشهور عند ارتفبباع
الحيض وخفاؤه كارتفاعه.
وأما المسترابة :أعني التي تجد حسا في بطنها تظن به أنببه حمببل فإنهببا تمكببث أكببثر
مدة حمل ،وقد اختلف فيه فقيل في المذهب أربع سنين ،وقيل خمس سنين؛ وقال أهل
الظاهر :تسببعة أشببهر ،ول خلف أن انقضبباء عبدة الحوامببل لوضببع حملهبن :أعنبي
المطلقات لقوله تعالى }وأولت الحمال أجلهببن أن يضببعن حملهببن{ وأمببا الزوجببات
غيببر الحببرائر فببإنهن ينقسببمن أيضببا بتلببك القسببام بعينهببا ،أعنببي حيضببا ويائسببات
ومستحاضات ومرتفعات الحيض من غير يائسات.
فأما الحيض اللتي يأتيهن حيضببهن ،فببالجمهور علببى أن عببدتهن حيضببتان؛ وذهببب
داود وأهل الظاهر إلى أن عدتهن ثلث حيض كالحرة ،وبه قبال اببن سبيرين .فأهبل
الظاهر اعتمدوا عموم قوله تعالى }والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلثة قببروء{ وهببي
ممن ينطلق عليها اسم المطلقة .واعتمد الجمهور تخصيص هذا العموم بقياس الشبه،
وذلك أنهم شبببهوا الحيببض بببالطلق والحببد ،أعنببي كببونه متنصببفا مببع الببرق ،وإنمببا
جعلوها حيضتين لن الحيضة الواحدة ل تتبعببض .وأمببا المببة المطلقببة اليائسببة مببن
المحيض أو الصغيرة فإن مالكا وأكثر أهل المدينة قالوا :عببدتها ثلثببة أشببهر؛ وقببال
الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأبو ثور وجماعة عببدتها شببهر ونصببف شببهر نصببف
عدة الحرة ،وهو القياس إذا قلنا بتخصيص العموم ،فكأن مالكا اضطرب قوله ،فمببرة
أخببذ بببالعموم وذلببك فببي اليائسببات ،ومببرة أخببذ بالقيبباس وذلببك فببي ذوات الحيببض،
والقياس في ذلك واحد .وأما البتي ترتفبع حيضبتها مبن غيبر سببب فبالقول فيهبا هبو
القول في الحرة والخلف في ذلك ،وكذلك المستحاضة واتفقوا على أن المطلقببة قبببل
الدخول ل عدة عليها.
واختلفوا فيمن راجع امرأته في العدة من الطلق الرجعي ثببم فارقهببا قبببل أن يمسببها
هل تستأنف عدة أم ل؟ فقال جمهور فقهاء المصار :تستأنف؛ وقالت فرقة :تبقى في
عدتها من طلقها الول وهببو أحببد قببولي الشببافعي؛ وقببال داود :ليببس عليهببا أن تتببم
عدتها ول عدة مستأنفة .وبالجملة فعند مالك أن كببل رجعببة تهببدم العببدة وإن لببم يكببن
مسيس ،ما خل رجعة المولى :وقال الشببافعي؛ إذا طلقهببا بعببد الرجعببة وقبببل الببوطء
ثبتت على عدتها الولى ،وقول الشببافعي أظهببر؛ وكببذلك عنببد مالببك رجعببة المعسببر
بالنفقة تقف صحتها عنده على النفاق فببإن أنفببق صببحت الرجعببة وهببدمت العببدة إن
كان طلقا ،وإن لم ينفق بقيت على عدتها الولى ،وإذا تزوجت ثانيا فببي العببدة فعببن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
مالك في ذلك روايتان :إحداهما تداخل العدتين .والخرى نفيه ،فوجه الولى اعتبببار
براءة الرحم ،لن ذلك حاصل مع التداخل .ووجه الثانية كون العدة عبادة ،فوجب أن
تتعدد بتعدد الوطء الذي له حرمة ،وإذا عتقببت المببة فببي عببدة الطلق مضببت علببى
عدة المة عند مالك ،ولم تنتقل إلى عدة الحرة؛ وقببال أبببو حنيفببة :تنتقببل فببي الطلق
الرجعي دون البائن؛ وقبال الشبافعي :تنتقبل فبي البوجهين معبا .وسببب الخلف هبل
العدة من أحكام الزوجية أم من أحكام انفصالها؟ فمن قال من أحكام الزوجية قببال :ل
تنتقل عدتها؛ ومن قال من أحكام انفصال الزوجية قال :تنتقببل كمببا لببو أعتقببت وهببي
زوجة ثم طلقت؛ وأما من فرق بين البائن والرجعي فبين ،وذلك أن الرجعي فيه شبه
من أحكام العصمة ،ولذلك وقع فيه الميراث باتفاق إذا مات وهي في عدة مببن طلق
رجعي ،وأنها تنتقل إلى عببدة المببوت ،فهببذا هببو القسببم الول مببن قسببمي النظببر فببي
العدة.
)يتبع(...
@)تابع)- :(1 ...النوع الول( وكل زوجة فهي إما حرة وإما أمة ،وكل واحدة مببن
هاتين إذا... ...
)القسم الثاني( وأما النظر فببي أحكبام العبدد ،فبإنهم اتفقبوا علببى أن للمعتببدة الرجعيببة
النفقة والسكنى ،وكذلك الحامل لقوله تعالى في الرجعيات }أسكنوهن من حيث سكنتم
من وجدكم{ الية ،ولقوله تعالى }وإن كن أولت حمببل فببأنفقوا عليهببن حببتى يضببعن
حملهن{ .واختلفوا في سكنى المبتوتة ونفقتها إذا لم تكببن حببامل علببى ثلثببة أقببوال:
أحدها أن لها السكنى والنفقة ،وهو قول الكوفيين .والقول الثاني أنه ل سكنى لهببا ول
نفقة ،وهو قول أحمد وداود وأبي ثور وإسحاق وجماعة .والثالث أن لها السببكنى ول
نفقة لها ،وهو قول مالك والشافعي وجماعببة .وسبببب اختلفهببم اختلف الروايببة فببي
حديث فاطمة بنت قيس ومعارضة ظاهر الكتاب له ،فاستدل من لببم يببوجب لهببا نفقببة
ول سكنى بما روي في حديث فاطمة بنت قيس أنها قالت "طلقنببي زوجببي ثلثببا فببي
عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فأتيت النبي صلى ال عليه وسلم فلم يجعل لببي
سكنى ول نفقة" خرجه مسلم ،وفي بعض الروايببات أن رسببول الب صببلى الب عليببه
وسلم قال "إنما السكنى والنفقة لمن لزوجها عليها الرجعة" وهببذا القببول مببروي عببن
علي وابن عباس وجابر ابن عبد ال .وأما الذين أوجبوا لها السكنى دون النفقة فببإنهم
احتجوا بما رواه مالك في موطئه من حديث فاطمة المذكورة ،وفيه "فقال رسول الب
صلى ال عليه وسلم "ليس لك عليه نفقة" وأمرها أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم ولببم
يذكر فيها إسقاط السكنى ،فبقي على عمببومه فببي قببوله تعببالى }أسببكنوهن مببن حيببث
سكنتم من وجدكم{ وعللوا أمره عليه الصلة والسلم بأن تعتد في بيت ابن أم مكتببوم
بأنه كان في لسانها بذاء .وأما الذين أوجبوا لها السكنى والنفقة فصاروا إلببى وجببوب
السكنى لها بعموم قوله تعالى }أسكنوهن من حيث سكنتم من وجببدكم{ وصبباروا إلببى
وجوب النفقة لها لكون النفقة تابعة لوجوب السكان في الرجعية وفببي الحامببل وفببي
نفس الزوجية .وبالجملة فحيثما وجبت السكنى في الشرع وجبت النفقببة .وروي عببن
عمر أنه قال في حديث فاطمة هذا :ل ندع كتاب نبينا وسنته لقول امرأة ،يريببد قببوله
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
تعالى }أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم{ الية .ولن المعروف مببن سببنته عليببه
الصلة والسلم أنه أوجب النفقة حيث تجب السكنى ،فلذلك الولى فببي هببذه المسببألة
إما أن يقال إن لها المرين جميعا مصيرا إلى ظاهر الكتاب والمعببروف مببن السببنة،
وإما أن يخصص هذا العموم بحديث فاطمة المذكور .وأما التفريق بين إيجاب النفقببة
والسكنى فعسير ،ووجه عسره ضعف دليله .وينبغي أن تعلم أن المسلمين اتفقوا على
أن العببدة تكببون فببي ثلثببة أشببياء :فببي طلق ،أو مببوت ،أو اختيببار المببة نفسببها إذا
اعتقت .واختلفوا فيها فبي الفسبوخ ،والجمهبور علبى وجوبهبا .ولمبا كبان الكلم فبي
العدة يتعلق فيه أحكام عدة الموت رأينا أن نذكرها ههنببا فنقببول :إن المسببلمين اتفقببوا
على أن عدة الحرة من زوجهببا الحببر أربعببة أشبهر وعشبرا لقببوله تعبالى }يتربصبن
بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا{ .واختلفوا في عدة الحامل وفي عدة المة إذا لم تأتهببا
حيضتها في الربعة الشهر وعشر فماذا حكمها؟ فذهب مالك إلى أن من شرط تمبام
هذه العدة أن تحيض حيضة واحدة في هذه المدة ،فإن لم تحض فهببي عنببده مسببترابة
فتمكث مدة الحمل؛ وقيل عنه إنهببا قببد ل تحيببض وقببد ل تكببون مسببترابة ،وذلببك إذا
كانت عادتها في الحيض أكثر من مدة العدة ،وهذا إما غير موجود ،أعني من تكببون
عادتها أن تحيض أكثر مببن أربعببة أشببهر إلببى أكببثر مببن أربعببة أشببهر ،وإمببا نببادر.
واختلف عنه فيمببن هببذه حالهببا مببن النسبباء إذا وجببدت ،فقيببل تنتظببر حببتى تحيببض؛
وروى عنه ابن القاسم تتزوج إذا انقضت عدة الوفاة ولم يظهر بها حمل ،وعلى هببذا
جمهور فقهاء المصار أبي حنيفة والشافعي والثوري.
@)-وأما المسألة الثانية( وهببي الحامببل الببتي يتببوفى عنهببا زوجهببا ،فقببال الجمهببور
وجميببع فقهبباء المصببار :عببدتها أن تضببع حملهببا مصببيرا إلببى عمببوم قببوله تعببالى
}وأولت الحمال أجلهن أن يضعن حملهن{ وإن كانت الية في الطلق وأخذا أيضا
بحببديث أم سببلمة أن سبببيعة السببلمية ولببدت بعببد وفبباة زوجهببا بنصببف شببهر وفيببه
"فجاءت رسول ال صلى الب عليبه وسبلم فقبال لهبا :قبد حللبت فبانكحي مبن شبئت"
وروى مالك عن ابن عباس أن عدتها آخر الجلين ،يريد أنها تعتد بأبعد الجلين ،إما
الحمل ،وإما انقضاء العدة عدة المبوت ،وروى مثبل ذلبك عبن علبي ببن أببي طبالب
رضي ال عنه ،والحجة لهم أن ذلك هو الذي يقتضيه الجمع بين عموم آيببة الحوامببل
وآية الوفاة .وأما المة المتوفي عنها من تحل له ،فإنهببا ل تخلببو أن تكببون زوجببة أو
ملك يمين أو أم ولد أو غير أم ولد ،فأمببا الزوجببة فقببال الجمهببور :إن عببدتها نصببف
عدة الحرة قاسوا ذلك على العدة؛ وقال أهل الظاهر :بل عببدتها عببدة الحببرة ،وكببذلك
عندهم عدة الطلق مصيرا إلى التعميم .وأمبا أم الولببد فقبال مالببك والشبافعي وأحمبد
والليث وأبو ثور وجماعة :عدتها حيضة ،وبه قال ابن عمر .وقال مالببك :وإن كببانت
ممببن ل تحيببض اعتببدت ثلثببة أشببهر ،ولهببا السببكنى؛ وقببال أبببو حنيفببة وأصببحابه
والثوري :عدتها ثلث حيض ،وهو قول علي وابن مسعود؛ وقال قوم :عدتها نصف
عدة الحرة المتوفي عنها زوجها؛ وقال قوم :عدتها عدة الحرة أربعببة أشببهر وعشببر؛
وحجة مالك أنها ليست زوجة فتعتد عببدة الوفبباة ول مطلقببة فتعتببد ثلث حيببض ،فلببم
يبق إل استبراء رحمها ،وذلك يكون بحيضة تشبيها بالمة يموت عنها سيدها ،وذلك
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
ما ل خلف فيه؛ وحجة أبي حنيفة أن العببدة إنمببا وجبببت عليهببا وهببي حببرة وليسببت
بزوجة فتعتد عدة الوفاة؛ ول بأمة فتعتد عدة المة ،فوجب أن تسببتبرئ رحمهببا بعببدة
الحرار .وأما الذين أوجبوا لهببا عببدة الوفبباة فباحتجوا بحببديث روي عببن عمببرو بببن
العاص قال :ل تلبسوا علينا سببنة نبينببا ،عببدة أم الولببد إذا تببوفي عنهببا سببيدها أربعببة
أشهر وعشر ،وضعف أحمد هذا الحديث ولم يأخذ به .وأما من أوجب عليهببا نصببف
عدة الحرة تشبيها بالزوجة المة .فسبب الخلف أنها مسببكوت عنهببا ،وهببي مببترددة
الشبه بين المة والحرة .وأما من شبهها بالزوجة المة فضعيف ،وأضبعف منبه مبن
شبهها بعدة الحرة المطلقة ،وهو مذهب أبي حنيفة.
**4الباب الثاني في المتعة.
@-والجمهور علببى أن المتعببة ليسببت واجبببة فببي كببل مطلقببة؛ وقببال قببوم مببن أهببل
الظاهر :هي واجبة في كل مطلقة؛ وقال قوم :هي مندوب إليهببا وليسببت واجبببة وبببه
قال مالك .والذين قببالوا بوجوبهببا فببي بعببض المطلقببات اختلفببوا فببي ذلببك؛ فقببال أبببو
حنيفة :هي واجبة على من طلق قبل الدخول ،ولم يفرض لهببا صببداقا مسببمى؛ وقببال
الشافعي :هي واجبة لكل مطلقة إذا كان الفراق من قبلببه إل الببتي سببمى لهببا وطلقببت
قبل الدخول ،وعلى هذا جمهور العلماء .واحتج أبو حنيفة بقوله تعالى }يا أيها الببذين
آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن مببن عببدة
تعتدونها ،فمتعوهن وسببرحوهن سببراحا جميل{ فاشببترط المتعببة مببع عببدم المسببيس،
وقال تعالى }وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما
فرضتم{ فعلم أنه ل متعة لها مع التسمية والطلق قبل المسيس ،لنه إذا لم يجب لهببا
الصداق فأحرى أن ل تجب لها المتعة ،وهذا لعمري مخيل ،لنه حيث لببم يجببب لهببا
صداق أقيمت المتعة مقامه ،وحيث ردت من يدها نصف الصداق لم يجب لها شيء.
وأما الشافعي فيحمل الوامر الواردة بالمتعة في قوله تعالى }ومتعوهن على الموسع
قدره وعلى المقتر قدره{ على العموم في كل مطلقة إل التي سببمي لهببا وطلقببت قبببل
الدخول .وأما أهل الظاهر فحملوا المر على العموم ،والجمهور على أن المختلعة ل
متعة لها لكونها معطية من يدها كالحال فببي الببتي طلقببت قبببل الببدخول وبعببد فببرض
الصداق ،وأهل الظاهر يقولون :هو شرع فتأخذ وتعطي .وأما مالك فإنه حمل المببر
بالمتعببة علببى النببدب لقببوله تعببالى فببي آخببر اليببة }حقببا علببى المحسببنين{ أي علببى
المتفضلين المتجملين ،وما كان من باب الجمال والحسان فليس بببواجب .واختلفببوا
في المطلقة المعتدة هل عليها إحداد؟ فقال مالك :ليس عليها إحداد.
**4باب في بعث الحكمين.
@-اتفق العلماء على جواز بعث الحكمين إذا وقببع التشبباجر بيببن الزوجيببن وجهلببت
أحوالهما في التشاجر :أعني المحق من المبطل لقوله تعالى }وإن خفتم شببقاق بينهمببا
فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها{ الية ،وأجمعوا على أن الحكميببن ل يكونببان
إل من أهل الزوجين :أحببدهما مببن قبببل الببزوج ،والخببر مببن قبببل المببرأة ،إل أن ل
يوجد في أهلهما من يصلح لذلك فيرسل من غيرهما؛ وأجمعوا علببى أن الحكميببن إذا
اختلفا لم ينفذ قولهما؛ وأجمعوا على أن قولهما في الجمع بينهما نافذ بغير توكيل مببن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الزوجين .واختلفوا في تفريق الحكمين بينهما إذا اتفقا على ذلك هببل يحتبباج إلببى إذن
من الزوج أو ل يحتاج إلببى ذلبك؟ فقبال مالببك وأصبحابه :يجببوز قولهمببا فببي الفرقببة
والجتماع بغير توكيل الزوجين ول إذن منهما في ذلك؛ وقال الشببافعي وأبببو حنيفببة
وأصحابهما :ليس لهما أن يفرقا ،إل أن يجعل الزوج إليهما التفريق .وحجة مالك مببا
رواه من ذلك عن علببي بببن أبببي طببالب أنببه قببال فببي الحكميببن :إليهمببا التفرقببة بيببن
الزوجين .والجمع .وحجة الشافعي وأبي حنيفة أن الصببل أن الطلق ليببس بيببد أحببد
سوى الزوج أو من يوكله الزوج .واختلف أصحاب مالك في الحكمين يطلقان ثلثببا،
فقال ابن القاسم :تكون واحدة ،وقبال أشببهب والمغيبرة تكبون ثلثبا إن طلقاهبا ثلثببا.
والصل أن الطلق بيد الرجل إل أن يقوم دليل على غير ذلبك .وقبد احتبج الشبافعي
وأبو حنيفة بما روي في حديث علي هذا أنه قال للحكمين :هل تدريان ما عليكما؟ إن
رأيتما أن تجمعا جمعتما ،وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما ،فقالت المببرأة رضببيت بكتبباب
ال وبما فيه لي وعلي ،فقال الرجل :أما الفرقة فل ،فقال علي :ل وال ل تنقلب حتى
تقر بمثل ما أقببرت بببه المببرأة ،قببال :فبباعتبر فببي ذلببك إذنببه .ومالببك يشبببه الحكميببن
بالسلطان ،والسلطان يطلق بالضرر عند مالك إذا تبين.
**2كتاب اليلء.
@)-بسم الب الرحمبن الرحيبم وصبلى الب علبى سبيدنا محمبد وآلبه وصبحبه وسبلم
تسليما(.
والصل في هذا الباب قوله تعالى }للذين يؤلببون مببن نسببائهم تربببص أربعببة أشببهر{
واليلء :هو أن يحلف الرجل أن ل يطأ زوجته إما مدة هي أكببثر مببن أربعببة أشببهر
أو أربعة أشهر أو بإطلق على الختلف المذكور في ذلك فيما بعد .واختلببف فقهبباء
المصار في اليلء في مواضع :فمنها هل تطلببق المببرأة بانقضبباء الربعببة الشببهر
المضروبة بالنص للمولى ،أم إنما تطلق بأن يوقببف بعببد الربعببة الشببهر؟ فإمببا فبباء
وإما طلق .ومنها هل اليلء يكون بكل يمين أم باليمان المباحببة فببي الشببرع فقببط؟.
ومنها إن أمسك عن الوطء بغير يمين هل يكون موليا أم ل؟ .ومنها هل المببولي هببو
الذي قيد يمينه بمده من أربعة أشهر فقط أو أكثر مببن ذلببك؟ أو المببولي هببو الببذي لبم
يقيد يمينه بمببده أصببل؟ .ومنهببا هببل طلق اليلء بببائن أو رجعببي؟ .ومنهببا إن أبببى
الطلق والفيء هل يطلق القاضي عليه أم ل؟ .ومنها هل يتكرر اليلء إذا طلقها ثببم
راجعها من غيببر إيلء حببادث فببي الببزواج الثبباني؟ .ومنهببا هببل مببن شببروط رجعببة
المولي أن يطأها في العدة أم ل؟ .ومنها هببل إيلء العبببد حكمببه أن يكببون مثببل إيلء
الحر أم ل؟ .ومنها هل إذا طلقها بعبد إنقضباء مبدة اليلء تلزمهبا عبدة أم ل؟ .فهبذه
هي مسائل الخلف المشهورة في اليلء بين فقهبباء المصببار الببتي تتنببزل مببن هببذا
الباب منزلة الصول ،ونحن نذكر خلفهببم فببي مسببألة مسببألة منهببا ،وعيببون أدلتهببم
وأسباب خلفهم على ما قصدنا.
@)-المسألة الولى( أما اختلفهم هل تطلببق بانقضبباء الربعببة الشببهر نفسببها أم ل
تطلق وإنما الحكم أن يوقف فإما فاء وإما طلق؟ فإن مالكا والشافعي وأحمد وأبا ثببور
وداود والليث ذهبوا إلى أنه يوقف بعد انقضاء الربعة الشهر ،فإما فاء وإمببا طلببق،
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وهو قول علي وابن عمر ،وإن كان قببد روي عنهمببا غيببر ذلببك ،لكببن الصببحيح هببو
هذا؛ وذهب أبو حنيفة وأصببحابه والثببوري وبالجملببة الكوفيببون إلببى أن الطلق يقببع
بانقضباء الربعبة الشبهر إل أن يفيبء فيهبا ،وهبو قبول اببن مسبعود وجماعبة مبن
التابعين .وسبب الخلف هل قوله تعالى }فإن فبباءوا فببإن الب غفببور رحيببم{ أي فببإن
فاءوا قبل انقضاء الربعة الشهر أو بعدها؟ فمن فهببم منببه قبببل انقضببائها قببال :يقببع
الطلق ،ومعنى العزم عنده في قوله تعالى }وإن عزموا الطلق فإن ال سميع عليم{
أن ل يفيء حتى تنقضي المدة فمببن فهببم مببن اشببتراط الفيئة اشببتراطها بعببد انقضبباء
المببدة قببال :معنببى قببوله }وإن عزمببوا الطلق{ أي ببباللفظ }فببإن ال ب سببميع عليببم{ .
وللمالكية في الية أربعة أدلة :أحدها أنه جعل مدة التربص حقا للزوج دون الزوجة،
فأشبهت مدة الجل في الديون المؤجلة .الببدليل الثبباني أن الب تعببالى أضبباف الطلق
إلى فعله .وعندهم ليس يقع من فعله إل تجوزا :أعني ليببس ينسببب إليببه علببى مببذهب
الحنفية إل تجوزا ،وليس يصار إلى المجاز عن الظاهر إل بدليل .الدليل الثالث قوله
تعالى }وإن عزموا الطلق فإن ال سبميع عليبم{ قبالوا :فهبذا يقتضبي وقبوع الطلق
على وجه يسمع ،وهو وقوعه باللفظ ل بانقضاء المدة .الرابع أن الفاء في قوله تعالى
}فإن فاءوا فإن ال غفور رحيم{ ظاهرة في معنى التعقيب ،فببدل ذلببك علببى أن الفيئة
بعد المدة ،وربما شبهوا هذه المدة بمدة العتق .وأمبا أببو حنيفبة فبإنه اعتمبد فبي ذلبك
تشبيه هذه المدة بالعدة الرجعية إذ كانت العدة إنما شرعت لئل يقع منه ندم ،وبالجملة
فشبهوا اليلء بالطلق الرجعي ،وشبهوا المدة بالعدة وهو شبه قوي ،وقد روي ذلك
عن ابن عباس.
@)-المسألة الثانية( وأما اختلفهم في اليمين التي يكون بها اليلء ،فإن مالكا قببال:
يقع اليلء بكل يمين ،وقال الشافعي :ل يقع إل باليمببان المباحببة فببي الشببرع وهببي
اليمين بال أو بصفة من صفاته .فمالك اعتمد العموم :أعني عموم قوله تعالى }للذين
يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر{ والشافعي يشبه اليلء بيمين الكفببارة ،وذلببك
أن كل اليمينين يترتب عليهما حكم شرعي ،فوجب أن تكون اليمين التي ترتب عليها
حكم اليلء هي اليمين التي يترتب عليها الحكم الذي هو الكفارة.
@)-المسألة الثالثة( وأما لحوق حكم اليلء للزوج إذا ترك الوطء بغير يميببن ،فببإن
الجمهور على أنه ل يلزمه حكببم اليلء بغيببر يميببن ،ومالببك يلزمببه وذلببك إذا قصببد
الضرار بترك الوطء ،وإن لم يحلف على ذلك؛ فالجمهور اعتمدوا الظبباهر ،ومالببك
اعتمد المعنى ،لن الحكم إنما لزمه باعتقاده ترك البوطء ،وسبواء شبد ذلبك العتقباد
بيمين أو بغير يمين ،لن الضرر يوجد في الحالتين جميعا.
@)-المسألة الرابعة( وأما اختلفهم في مدة اليلء ،فإن مالكا ومن قال بقببوله يببرى
أن مدة اليلء يجب أن تكون أكثر من أربعة أشهر إذ كان الفيء عندهم إنما هو بعد
الربعة الشهر؛ وأما أبو حنيفة فإن مبدة اليلء عنبده هببي الربعببة الشبهر فقبط إذ
كان الفيء عنده إنما هو فيها؛ وذهب الحسن وابن أبي ليلى إلى أنه إذا حلف وقتا مببا
وإن كان أقل من أربعة أشببهر كببان موليببا يضببرب لببه الجببل إلببى انقضبباء الربعببة
الشهر مببن وقببت اليميببن .وروي عببن ابببن عببباس أن المببولي هببو مببن حلببف أن ل
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
يصيب امرأته على التأبيد .والسبب في اختلفهبم فبي المبدة إطلق اليبة ،فباختلفهم
في وقت الفيء ،وفي صفة اليمين ومدته هبو كبون اليبة عامبة فبي هبذه المعباني أو
مجملة ،وكذلك اختلفهم في صفة المولي والمولي منها ونوع الطلق على ما سيأتي
بعد .وأما ما سوى ذلببك فسبببب اختلفهببم فيببه هببو سبببب السببكوت عنهببا ،وهببذه هببي
أركان اليلء :أعني معرفة نوع اليمين ووقت الفيء والمدة وصفة المببولي والمببولي
منها ونوع الطلق الواقع فيه.
@)-المسببألة الخامسببة( فأمببا الطلق الببتي يقببع ببباليلء فعنببد مالببك والشببافعي أنببه
رجعي ،لن الصل أن كل طلق وقع بالشرع أنه يحمل على أنه رجعي إلى أن يدل
الدليل على أنه بائن؛ وقال أبو حنيفة وأبو ثور :هو بائن ،وذلك أنه إن كان رجعيا لم
يببزل الضببرر عنهببا بببذلك لنببه يجبرهببا علببى الرجعببة .فسبببب الختلف معارضببة
المصلحة المقصودة باليلء للصل المعروف في الطلق ،فمن غلببب الصببل قببال:
رجعي ،ومن غلب المصلحة قال :بائن.
@)-المسألة السادسة( وأما هل يطلببق القاضببي إذا أبببى الفيببء أو الطلق أو يحبببس
حتى يطلق ،فإن مالكا قال :يطلببق القاضبي عليببه؛ وقبال أهببل الظبباهر :يحببس حببتى
يطلقها بنفسه .وسبب الخلف معارضة الصل المعروف في الطلق للمصلحة؛ فمن
راعى الصل المعروف في الطلق قال :ل يقع الطلق إل من الزوج؛ ومببن راعببى
الضرر الداخل من ذلك على النساء قال :يطلببق السببلطان وهببو نظببر إلببى المصببلحة
العامة ،وهذا هو الذي يعرف بالقياس المرسل والمنقول عن مالك العمببل بببه ،وكببثير
من الفقهاء يأبى ذلك.
@)-المسألة السابعة( وأما هل يتكرر اليلء إذا طلقها ثم راجعها؟ فإن مالكا يقببول:
إذا راجعها فلم يطأها تكرر اليلء عليه ،وهببذا عنببده فببي الطلق الرجعببي والبببائن.
وقال أبو حنيفة :الطلق البائن يسقط اليلء وهو أحد قولي الشافعي ،وهذا القول هو
الببذي اختبباره المزنببي وجماعببة العلمبباء علببى أن اليلء ل يتكببرر؛ بعببد الطلق إل
بإعادة اليمين .والسبب في اختلفهم معارضة المصلحة لظاهر شببرط اليلء ،وذلببك
أنه ل إيلء في الشرع إل حيث يكون يمين في ذلك النكاح بنفسه ل فببي نكبباح آخببر،
ولكن إذا راعينا هذا وجد الضرر المقصبود إزالتبه بحكبم اليلء ،ولبذلك رأى مالبك
أنه ل يحكم بحكم اليلء بغير يمين إذا وجد معنى اليلء.
@)-المسألة الثامنة( وأما هل تلزم الزوجة المولي منهببا عببدة أو ليببس تلزمهببا؟ فببإن
الجمهور على أن العدة تلزمهببا؛ وقببال جببابر بببن زيببد :ل تلزمهببا عببدة إذا كببانت قببد
حاضت في مدة الربعة الشهر ثلث حيض ،وقال بقوله طائفببة :وهببو مببروي عببن
ابن عباس .وحجته أن العدة إنما وضعت لبراءة الرحم ،وهذه قد حصلت لها البراءة.
وحجة الجمهور أنهببا مطلقببة فببوجب أن تعتببد كسببائر المطلقببات .وسبببب الخلف أن
العدة جمعت عبادة ومصلحة؛ فمن لحظ جانب المصلحة لم ير عليها عدة ،ومن لحظ
جانب العبادة أوجب عليها العدة.
@)-المسألة التاسببعة( وأمببا إيلء العبببد ،فببإن مالكببا قببال :إيلء العبببد شببهران علببى
النصف من إيلء الحر ،قياسا على حبدوده وطلقبه؛ وقبال الشبافعي وأهبل الظباهر:
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
إيلؤه مثل إيلء الحر أربعة أشهر تمسكا بالعموم ،والظاهر أن تعلق اليمببان بببالحر
والعبد سواء ،واليلء يمين ،وقياسا أيضا على مدة العنين؛ وقال أبو حنيفببة :النقببص
الداخل على اليلء معتبر بالنساء ل بالرجبال كالعبدة ،فبإن كبانت المبرأة حبرة كبان
اليلء إيلء الحببر وإن كببان الببزوج عبببدا ،وإن كببانت أمببة فعلببى النصببف؛ وقيبباس
اليلء على الحد غير جيد ،وذلك أن العبببد إنمببا كببان حببده أقببل مببن حببد الحببر ،لن
الفاحشة منه أقل قبحا ،ومن الحر أعظم قبحا ،ومدة اليلء إنمببا ضببربت جمعببا بيببن
التوسعة على الزوج وبين إزالة الضرر عن الزوجة ،فإذا فرضنا مدة أقصر من هذه
كان أضيق على الزوج وأنفببى للضببرر عببن الزوجببة ،والحببر أحببق بالتوسببعة ونفببي
الضرر عنه ،فلذلك كان يجب على هذا القيباس أن ل ينقبص مبن اليلء إل إذا كبان
الزوج عبدا والزوجة حرة فقط ،وهذا لم يقل به أحد ،فالواجب التسوية .والذين قببالوا
بتأثير الرق في مدة اليلء اختلفوا في زوال الرق بعد اليلء ،هببل ينتقببل إلببى إيلء
الحرار أم ل؟ فقال مالك :ل ينتقببل مببن إيلء العبيببد إلببى إيلء الحببرار؛ وقببال أبببو
حنيفببة :ينتقببل؛ فعنببده أن المببة إذا عتقببت وقببد آلببى زوجهببا منهببا انتقلببت إلببى إيلء
الحرار؛ وقال ابن القاسم :الصغيرة التي ل يجببامع مثلهببا ل إيلء عليهببا ،فببإن وقببع
وتمادى حسبت الربعة الشهر من يوم بلغت ،وإنما قبال ذلبك لنبه ل ضبرر عليهبا
فببي تببرك الجمبباع؛ وقببال أيضببا :ل إيلء علببى خصببي ول علببى مببن ل يقببدر علببى
الجماع.
@)-المسألة العاشرة( وأما هل من شرط رجعة المولي أن يطأ في العببدة أم ل؟ فببإن
الجمهور ذهبوا إلى أن ذلك ليس من شرطها؛ وأما مالك فإنه قال :إذا لم يطأ فيها من
غير عذر مرض أو ما أشبه ذلك فل رجعة عنده لببه عليهببا وتبقببى علببى عببدتها ،ول
سبيل له إليها إذا انقضت العدة .وحجة الجمهور أنببه ل يخلببو أن يكببون اليلء يعببود
برجعته إياها في العدة أو ل يعببود ،فببإن عبباد لببم يعتبببر واسببتؤنف اليلء مببن وقببت
الرجعة؛ أعني تحسب مدة اليلء من وقت الرجعة ،وإن لم يعد إيلء لم يعتبر أصل
إل على مذهب من يرى أن اليلء يكون بغير يمين ،وكيفما كان فل بببد مببن اعتبببار
الربعة الشهر من وقت الرجعة؛ وأما مالبك فبإنه قبال :كبل رجعبة مبن طلق كبان
لرفع ضرر ،فإن صحة الرجعة معتبببرة فيببه بببزوال ذلببك الضببرر ،وأصببله المعسببر
بالنفقة إذا طلق عليه ثم ارتجع ،فإن رجعتببه تعتبببر صببحتها بيسبباره .فسبببب الخلف
قياس الشبه ،وذلك أن من شبه الرجعة بابتداء النكاح أوجب فيها تجدد اليلء ،ومببن
شبه هذه الرجعة برجعة المطلق لضرر لم يرتفع منه ذلببك الضببرر قببال :يبقببى علببى
الصل.
**2كتاب الظهار.
@-والصل في الظهار الكتاب والسنة .فأما الكتاب فقوله تعالى }والببذين يظبباهرون
من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة{ الية .وأمبا السبنة فحبديث خولبة بنبت
مالك بن ثعلبة قالت "ظاهر مني زوجي أويس ابن الصامت ،فجئت إلببى رسببول ال ب
صلى ال عليه وسلم أشكو إليه ،ورسول ال يجادلني فيه ويقول :اتقببي ال ب فببإنه ابببن
عمك ،فما خرجت حتى أنزل ال }قد سمع ال قول التي تجادلك في زوجها وتشببتكي
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
إلى ال وال يسمع تحاوركما{ اليات ،فقال :ليعتق رقبة ،قالت :ل يجد ،قال :فيصوم
شهرين متتابعين ،قالت :يا رسول ال إنه شيخ كبير ما بببه مببن صببيام ،قببال :فليطعببم
ستين مسكينا ،قالت :ما عنده من شببيء يتصببدق بببه ،قببال :فببإني سبأعينه بعببرق مببن
تمر ،قالت :وأنا أعينببه بعببرق آخببر ،قببال :لقببد أحسببنت اذهبببي فببأطعمي عنببه سببتين
مسكينا" خرجه أبو داود .وحديث سلمة بن صخر البياضي عن النبي صلى ال عليببه
وسلم.
والكلم في أصول الظهار ينحصر في سبعة فصول :منها في ألفبباظ الظهببار .ومنهببا
في شروط وجوب الكفارة فيه .ومنها فيمن يصح فيه الظهار .ومنها فيما يحرم علببى
المظاهر .ومنها هل يتكرر الظهار بتكرر النكاح؟ .ومنهبا هبل يبدخل اليلء عليببه؟.
ومنها القول في أحكام كفارة الظهار.
**3الفصل الول في ألفاظ الظهار.
@-واتفق العلماء على أن الرجل إذا قال لزوجته :أنت علي كظهر أمي أنببه ظهببار،
واختلفوا إذا ذكر عضوا غير الظهر ،أو ذكر ظهر مببن تحببرم عليببه مببن المحرمببات
النكاح على التأبيد غير الم ،فقال مالببك :هببو ظهببار؛ وقببال جماعببة مببن العلمبباء :ل
يكون ظهارا إل بلفظ الظهر والم .وقال أبو حنيفة :يكون بكببل عضببو يحببرم النظببر
إليه .وسبب اختلفهم معارضة المعنى للظاهر ،وذلك أن معنى التحريببم تسببتوي فيببه
الم وغيرها من المحرمات والظهر وغيره من العضاء ،وأما الظاهر مببن الشبرع،
فإنه يقتضي أن ل يسمى ظهارا إل ما ذكر فيه لفظ الظهر والم .وأمببا إذا قببال :هببي
علي كأمي ولم يذكر الظهر ،فقال أبو حنيفة والشافعي :ينوي في ذلببك لنببه قببد يريببد
بذلك الجلل لها وعظم منزلتها عنده؛ وقال مالك :هو ظهار .وأما من شبببه زوجتببه
بأجنبية ل تحرم عليه على التأبيد ،فإنه ظهار عند مالك ،وعنببد ابببن الماجشببون ليببس
بظهار ،وسبب الخلف هل تشبببيه الزوجببة بمحرمببة غيببر مؤبببدة التحريببم كتشبببيهها
بمؤبدة التحريم؟.
**3الفصل الثاني في شروط وجوب الكفارة فيه.
@-وأما شروط وجوب الكفارة ،فإن الجمهور على أنهببا ل تجببب دون العببود ،وشببذ
مجاهد وطبباوس فقببال :ل تجببب دون العببود ،ودليببل الجمهببور قببوله تعببالى }والببذين
يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة{ وهو نص في معنى وجوب
تعلق الكفارة بالعود ،وأيضا فمن طريق القياس ،فإن الظهار يشبه الكفارة في اليمين،
فكما أن الكفارة إنمببا تلببزم بالمخالفببة أو بببإرادة المخالفببة ،كببذلك المببر فببي الظهببار.
وحجة مجاهد وطاوس أنه معنى يببوجب الكفببارة العليببا فببوجب أن يوجبهببا بنفسببه ل
بمعنى زائد تشبيها بكفارة القتل والفطر؛ وأيضا قالوا :إنه كان طلق الجاهليببة فنسببخ
تحريمه بالكفارة ،وهو معنى قوله تعالى }ثم يعودون لمببا قببالوا{ والعببود عنببدهم هببو
العود في السلم .فأما القائلون باشتراط العود في إيجاب الكفارة ،فإنهم اختلفببوا فيببه
ما هببو؟ فعببن مالببك فببي ذلببك ثلث روايببات :إحببداهن أن العببود هببو أن يعببزم علببى
إمساكها والوطء معا .والثانية أن يعزم علببى وطئهببا فقببط ،وهببي الروايببة الصببحيحة
المشهورة عن أصحابه ،وبه قال أبببو حنيفببة وأحمببد .والروايببة الثالثببة أن العببود هببو
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
نفس الوطء ،وهي أضعف الروايات عند أصحابه .وقال الشافعي :العود هو المساك
نفسه ،قال :ومن مضى له زمان يمكنه أن يطلق فيه ولم يطلق ثبت أنه عائد ولزمتببه
الكفارة ،لن إقامته زمانببا يمكببن أن يطلببق فيببه مببن غيببر أن يطلببق يقببوم مقببام إرادة
المساك منه ،أو هو دليل ذلك .وقال داود وأهببل الظبباهر :العببود هببو أن يكببرر لفببظ
الظهببار ثانيببة ،ومببتى لببم يفعببل ذلببك فليببس بعببائد ول كفببارة عليببه ،فببدليل الروايببة
المشهورة لمالك ينبني على أصلين :أحدهما أن المفهوم من الظهار هببو أن الوجببوب
الكفارة فيه إنما يكون بإرادته العود إلى مبا حبرم علبى نفسبه بالظهبار وهبو البوطء،
وإذا كان ذلك كذلك وجب أن تكون العودة هببي إمببا الببوطء نفسببه ،وإمببا العببزم عليببه
وإرادته .والصل الثاني ليس يمكن أن يكون العود نفسه هبو وطبء لقببوله تعبالى فبي
الية }فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا{ ولذلك كان الوطء محرما حببتى ُيَكَفببر .قببالوا:
ولو كان العود نفسه هو المساك لكببان الظهببار نفسببه يحببرم المسبباك فكببان الظهببار
يكون طلقا .وبالجملة فالمعول عليه عندهم في هذه المسألة هو الطريق الذي يعرفببه
الفقهاء بطريق السبر والتقسيم ،وذلك أن معنى العود ل يخلو أن يكببون تكببرار اللفببظ
على ما يراه داود أو الوطء نفسه أو المساك نفسه أو إرادة الوطء ،ول يكون تكرار
اللفظ ،لن ذلك تأكيد والتأكيد ل يوجب الكفارة ول يكون إرادة المساك للوطء ،فببإن
المساك موجود بعد ،فقد بقي أن يكون إرادة الوطء ،وإن كان إرادة المساك للببوطء
فقببد أراد الببوطء ،فثبببت أن العببود هببو الببوطء .ومعتمببد الشببافعية فببي إجرائهببم إرادة
المساك ،أو المساك مجرى إرادة الوطء أن المساك يلزم عنه الوطء فجعلببوا لزم
الشيء مشبها بالشيء ،وجعلوا حكمهما واحدا ،وهو قريب من الرواية الثانية؛ وربما
استدلت الشافعية على أن إرادة المساك هو السبببب فببي وجببوب الكفببارة أن الكفببارة
ترتفع بارتفاع المساك ،وذلك إذا طلق أثر الظهار ،ولهذا احتبباط مالببك فببي الروايببة
الثانية ،فجعل العود هو إرادة المرين جميعا :أعني الوطء والمساك؛ وإما أن يكون
العود الوطء فضعيف مخالف للنص ،والمعتمد فيها تشبببيه الظهببار ببباليمين :أي كمببا
أن كفارة اليمين إنما تجب بالحنث كذلك المر ههنا ،وهو قياس شبه عارضه النص.
وأما داود فإنه تعلق بظاهر اللفظ في قوله تعالى }ثم يعودون لما قالوا{ وذلك يقتضي
الرجوع إلى القول نفسه .وعند أبي حنيفببة أنببه العببود فبي السبلم إلببى مببا تقببدم مببن
ظهارهم في الجاهلية :وعند مالك والشافعي أن المعنببى فببي اليببة :ثببم يعببودون فيمببا
قالوا .وسبب الخلف بالجملة إنما هو مخالفة الظباهر للمفهبوم؛ فمبن اعتمبد المفهبوم
جعل العودة إرادة الوطء أو المساك ،وتأول معنى اللم في قوله تعالى }ثم يعببودون
لما قالوا{ بمعنى الفاء؛ وأما من اعتمد الظاهر فبإنه جعببل العببودة تكريبر اللفببظ ،وأن
العودة الثانية إنما هي ثانية للولى التي كببانت منهببم فببي الجاهليببة .ومببن تببأول أحببد
هذين ،فالشبه له أن يعتقد أن بنفس الظهار تجب الكفارة كما اعتقد ذلببك مجاهببد ،إل
أن يقدر في الية محذوفا وهو إرادة المساك ،فهنا إذا ثلثببة مببذاهب :إمببا أن تكببون
العودة هي تكرار اللفظ ،وإما أن تكون إرادة المسبباك ،وإمببا أن تكببون العببودة الببتي
هي في السلم ،وهذان ينقسمان قسمين :أعني الول والثالث .أحببدهما أن يقببدر فببي
الية محذوفا ،وهو إرادة المساك فيشترط هذه الرادة في وجوب الكفببارة ،وإمببا أل
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
يقدر فيها محذوفا فتجب الكفارة بنفس الظهببار .واختلفببوا مببن هببذا الببباب فببي فببروع
وهو :هل إذا طلق قبل إرادة المساك أو ماتت عنه زوجته هل تكون عليببه كفببارة أم
ل؟ فجمهور العلمباء علبى أن ل كفبارة عليبه إل أن يطلبق بعبد إرادة العبودة أو بعبد
المساك بزمان طويببل علبى مبا يبراه الشببافعي .وحكبي عبن عثمببان البببتي أن عليبه
الكفارة بعد الطلق ،وأنها إذا ماتت قبل إرادة العودة لم يكن له سبيل إلى ميراثهببا إل
بعد الكفارة ،وهذا شذوذ مخالف للنص ،وال أعلم.
**3الفصل الثالث فيمن يصح فيه الظهار.
@-واتفقوا على لزوم الظهار من الزوجة التي فببي العصببمة ،واختلفببوا فببي الظهببار
من المة ومن التي في غير العصمة ،وكذلك اختلفوا في ظهببار المببرأة مببن الرجببل،
فأما الظهار من المة فقال مالك والثوري وجماعة :الظهار منهببا لزم كالظهببار مببن
الزوجة الحرة ،وكذلك المدبرة وأم الولد؛ وقال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وأبو ثور:
ل ظهار من أمة؛ وقال الوزاعي :إن كان يطأ أمته فهو منها مظاهر ،وإن لم يطأهبا
فهي يمين وفيها كفارة يمين؛ وقال عطاء :هو مظاهر لكن عليه نصف كفارة .فببدليل
من أوقع ظهار المة عموم قوله تعالى }والذين يظاهرون مببن نسببائهم{ والمبباء مببن
النساء .وحجة من لم يجعله ظهارا أنهم قد أجمعوا أن النساء في قببوله تعببالى }للببذين
يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر{ هن ذوات الزواج ،فكذلك اسم النساء في آية
الظهار ،فسبب الخلف معارضة قياس الشبه للعموم :أعنببي تشبببيه الظهببار ببباليلء
وعموم لفظ النساء ،أعني أن عموم اللفظ يقتضي دخول الماء فببي الظهببار وتشبببيهه
باليلء يقتضي خروجهن من الظهار .وأمببا هببل مببن شببرط الظهبار كبون المظبباهر
منها في العصمة أم ل؟ فمذهب مالك أن ذلك ليس من شببرطه ،وأن مببن عيببن امببرأة
ما بعينها وظاهر منها بشرط التزويج كان مظاهرا منهببا ،وكببذلك إن لببم يعيببن وقببال
كل امرأة أتزوجها فهببي منبي كظهبر أمببي ،وذلببك بخلف الطلق وبقببول مالبك فبي
الظهار قال أبو حنيفة والثوري والوزاعي؛ وقببال قببائلون :ل يلببزم الظهببار إل فيمببا
يملك الرجل ،وممن قال بهذا القول الشافعي وأبو ثور وداود؛ وفببرق قببوم فقببالوا :إن
أطلق لم يلزمه ظهار وهو أن يقول :كل امرأة أتزوجها فهي منببي كظهببر أمببي ،فببإن
قيد لزمه وهو أن يقول :إن تزوجت فلنة أو سمى قرية أو قبيلببة ،وقببائل هببذا القببول
هو ابن أبي ليلى والحسن بن حيي .ودليل الفريق الول قوله تعببالى }أوفببوا بببالعقود{
ولنه عقد على شرط الملببك فأشبببه إذا ملببك ،والمؤمنببون عنببد شببروطهم وهببو قببول
عمر .وأما حجة الشافعي فحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبببي صببلى
ال عليه وسلم قال "ل طلق إل فيما يملك ول عتق إل فيما يملببك ،ول بيببع إل فيمببا
يملببك ،ول وفبباء بنببذر إل فيمببا يملببك" خرجببه أبببو داود والترمببذي والظهببار شبببيه
بالطلق ،وهو قول ابن عباس .وأما الذين فرقوا بين التعميم والتعيين ،فإنهم رأوا أن
التعميم في الظهار من باب الحرج ،وقد قال ال تعالى }وما جعل عليكم في الدين من
حرج{ .واختلفوا أيضا من هذا الباب في هل تظاهر المرأة من الرجل؟ فعن العلمبباء
في ثلثة أقوال :أشهرها أنه ل يكون منها ظهار ،وهو قول مالك والشافعي .والثبباني
أن عليهببا كفببارة يميببن .والثببالث أن عليهببا كفبارة الظهبار .ومعتمببد الجمهبور تشبببيه
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الظهار بالطلق ،ومن ألزم المرأة الظهار فتشبيهها للظهار باليمين؛ ومن فرق فلنببه
رأى أن أقل اللزم لها في ذلك المعنى هو كفارة يمين وهو ضعيف .وسبببب الخلف
تعارض الشباه في هذا المعنى.
**3الفصل الرابع فيما يحرم على المظاهر.
@-واتفقوا على أن المظاهر يحرم عليببه الببوطء ،واختلفببوا فيمببا دونببه مببن ملمسببة
ووطء في غير الفرج ونظر اللذة ،فذهب مالك إلى أنه يحببرم الجمبباع وجميببع أنببواع
الستمتاع مما دون الجماع من الوطء فيما دون الفرج واللمس والتقبيل والنظببر للببذة
ما عدا وجهها وكفيها ويديها من سائر بدنها ومحاسنها ،وبببه قببال أبببو حنيفببة إل أنببه
إنما كره النظر للفرج فقط؛ وقال الشافعي :إنما يحرم الظهار الوطء فببي الفببرج فقببط
المجمع عليه ل ما عدا ذلك ،وبببه قببال الثببوري وأحمببد وجماعببة .ودليببل مالببك قببوله
تعالى }من قبل أن يتماسا{ وظاهر لفظ التماس يقتضي المباشببرة فيمببا فوقهببا ،ولنببه
أيضا لفظ حرمت به عليه فأشبه لفظ الطلق ،ودليل قول الشافعي أن المباشرة كنايببة
عن الجماع بدليل إجماعهم على أن الوطء محببرم عليببه ،وإذا دلببت علببى الجمبباع لببم
تدل على ما فوق الجماع ،لنها إما أن تدل على ما فوق الجماع ،وإمببا أن تببدل علببى
الجماع ،وهي الدللة المجازية ،لكن قد اتفقببوا علببى أنهببا دالببة علببى الجمبباع فببانتفت
الدللة المجازية ،إذ ل يدل لفظ واحد دللتين حقيقة ومجببازا .قلببت :الببذين يببرون أن
اللفظ المشببترك لبه عمببوم ل يبعبد أن يكبون اللفببظ الواحبد عنببدهم يتضببمن المعنييببن
جميعا :أعني الحقيقة والمجاز ،وإن كان لم تجر به عادة للعرب ،ولذلك القول به فببي
غاية من الضعف ،ولو علم أن للشرع فيه تصرفا لجبباز ،وأيضببا فببإن الظهببار مشبببه
عندهم باليلء ،فوجب أن يختص عندهم بالفرج.
**3الفصل الخامس هل يتكرر الظهار بتكرر النكاح.
@-وأما تكرر الظهار بعببد الطلق :أعنببي إذا طلقهببا بعببد الظهببار قبببل أن ُيَكفببر ثببم
راجعها هل يتكرر عليها الظهار فل يحببل لببه المسببيس حببتى يكفببر فيببه خلف .قببال
مالببك :إن طلقهببا دون الثلث ثببم راجعهببا فببي العببدة أو بعببدها فعليببه الكفببارة ،وقببال
الشافعي :إن راجعها في العدة فعليه الكفارة ،وإن راجعها فببي غيببر العببدة فل كفببارة
عليه؛ وعنه قول آخر مثل قول مالك .وقال محمد بببن الحسببن :الظهببار راجببع عليهببا
نكحها بعد الثلث أو بعد واحدة ،وهذه المسألة شبيهة بمن يحلف بالطلق ثم يطلق ثم
يراجع هل تبقببى تلببك اليميببن عليببه أم ل؟ .وسبببب الخلف هببل الطلق يرفببع جميببع
أحكام الزوجية ويهدمها ،أو ل يهببدمها؟ فمنهببم مببن رأى أن البببائن الببذي هببو الثلث
يهببدم ،وأن مببا دون الثلث ل يهببدم؛ ومنهببم مببن رأى أن الطلق كلببه غيببر هببادم،
وأحسب أن من الظاهرية من يرى أنه كله هادم.
**3الفصل السادس في دخول اليلء عليه.
@-وأما هل يببدخل اليلء علببى الظهببار إذا كببان مضببارا ،وذلببك بببأن ل ُيَكِفببر مببع
قدرته على الكفارة؟ فإن فيه أيضا اختلفا ،فأبو حنيفة والشببافعي يقببولن :ل يتببداخل
الحكمان لن حكم الظهار خلف حكم اليلء ،وسواء كان عندهم مضارا أو لم يكن،
وبه قال الوزاعي وأحمد وجماعة .وقال مالك :يدخل اليلء على الظهار بشرط أن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
يكون مضارا .وقال الثوري :يدخل اليلء على الظهار ،وتبين منه بانقضاء الربعة
الشهر من غير اعتبار المضارة ،ففيه ثلثة أقوال :قول إنببه يببدخل بببإطلق ،وقببول
إنه ل يدخل بإطلق ،وقول إنببه يببدخل مببع المضببارة ول يببدخل مببع عببدمها .وسبببب
الخلف مراعاة المعنى واعتبار الظاهر؛ فمن اعتبر الظاهر قال :ل يتداخلن؛ ومببن
اعتبر المعنى قال :يتداخلن إذا كان القصد الضرر.
**3الفصل السابع في أحكام كفارة الظهار.
@-والنظر فببي كفببارة الظهببار فببي أشببياء منهببا فببي عببدد أنببواع الكفببارة وترتيبهببا،
وشروط نوع منها :أعني الشروط المصححة ،ومتى تجب كفارة واحدة؟ ومتى تجب
أكثر من واحدة .فأما أنواعها فإنهم أجمعوا على أنهببا ثلثببة أنببواع :إعتبباق رقبببة ،أو
صيام شهرين ،أو إطعام ستين مسكينا ،وأنها على الببترتيب .فالعتبباق أول ،فببإن لببم
يكن فالصيام ،فإن لم يكن فالطعام ،هذا في الحر .واختلفوا في العبد يكفر بببالعتق أو
بالطعام بعد اتفاقهم أن الذي يبدأ به الصيام أعني إذا عجز عن الصيام ،فأجاز للعبببد
العتق إن أذن له سيده أبو ثور وداود وأبى ذلك سائر العلمباء .وأمبا الطعبام فأجبازه
له مالك إن أطعم بإذن سيده ،ولم يجز ذلك أبو حنيفة والشافعي ،ومبنببى الخلف فببي
هذه المسألة هل يملك العبد أو ل يملك؟ .وأما اختلفهم في الشروط المصححة :فمنها
اختلفهم إذا وطئ في صيام الشهرين هببل عليببه اسببتئناف الصببيام أم ل؟ فقبال مالببك
وأبو حنيفة :يستأنف الصيام ،إل أن أبا حنيفة شرط في ذلك العمببد ،ولببم يفببرق مالببك
بين العمد في ذلك والنسيان؛ وقال الشافعي :ل يسببتأنف علببى حببال ،وسبببب الخلف
تشبيه كفارة الظهار بكفارة اليمين والشرط الببذي ورد فببي كفببارة الظهببار :أعنببي أن
تكون قبل المسيس؛ فمن اعتبر هذا الشرط قال :يستأنف الصوم؛ ومببن شبببهه بكفببارة
اليمين قال :ل يستأنف ،لن الكفارة في اليمين ترفع الحنث بعد وقوعه باتفاق .ومنها
هل من شرط الرقبة أن تكون مؤمنة أم ل؟ فذهب مالك والشافعي إلى أن ذلك شببرط
في الجزاء؛ وقال أبو حنيفة :يجزي في ذلك رقبة الكافر ،ول يجزي عنببدهم إعتبباق
الوثنية والمرتدة .دليل الفريق الول أنببه إعتبباق علببى وجببه القربببة فببوجب أن تكببون
مسلمة أصله العتاق في كفارة القتبل؛ وربمببا قبالوا إن هببذا ليببس مبن بباب القيباس،
وإنما هو من باب حمل المطلق على المقيد ،وذلك أنه قيد الرقبة باليمببان فببي كفببارة
القتل وأطلقها في كفارة الظهار فيجب صرف المطلبق إلبى المقيبد ،وهبذا النبوع مبن
حمل المطلق على المقيد فيببه خلف ،والحنفيببة ل يجيزونببه ،وذلببك أن السببباب فببي
القضيتين مختلفة.
وأما حجة أبي حنيفة فهو ظاهر العمببوم ،ول معارضببة عنببده بيببن المطلببق والمقيببد،
فوجب عنده أن يحمل كل على لفظه .ومنها اختلفهم هل من شرط الرقبببة أن تكببون
سالمة من العيوب أم ل؟ ثم إن كانت سليمة فمن أي العيوب تشترط سلمتها؟ فالببذي
عليه الجمهور أن للعيوب تأثيرا في منع إجزاء العتق؛ وذهب قوم إلبى أنبه ليبس لهبا
تأثير في ذلك .وحجة الجمهور تشبببيهها بالضبباحي والهببدايا لكببون القربببة تجمعهببا.
وحجة الفريق الثاني إطلق اللفظ في الية .فسبب الخلف معارضبة الظبباهر لقيبباس
الشبه .والذين قالوا إن للعيوب تأثيرا في منع الجببزاء اختلفببوا فببي عيببب عيببب ممببا
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
يعتبر في الجزاء أو عدمه .أما العمببى وقطببع اليببدين أو الرجليببن فل خلف عنببدهم
في أنه مانع للجزاء ،واختلفوا فيما دون ذلك؛ فمنها هببل يجببوز قطببع اليببد الواحببدة؟
أجازه أبو حنيفة ،ومنعه مالك والشافعي .وأما العور فقببال مالببك :ل يجببزي ،وقببال
عبد الملك :يجزي .وأما قطع الذنين فقال مالك :ل يجزي ،وقال أصحاب الشببافعي:
يجزي .وأما الصم فاختلف فيه في مذهب مالك ،فقيل يجزي ،وقيل ل يجزي .وأمببا
الخرس فل يجببزي عنببد مالببك ،وعببن الشببافعي فببي ذلببك قببولن .أمببا المجنببون فل
يجزي ،أما الخصي فقال ابن القاسببم :ل يعجبنببي الخصببي ،وقببال غيببره :ل يجببزي،
وقال الشافعي :يجزي .وإعتاق الصغير جائز في قول عامة فقهاء المصار ،وحكببى
عن بعض المتقدمين منعه ،والعرج الخفيف في المذهب يجزي ،أما العرج البين فل.
والسبب في اختلفهم :اختلفهم في قدر النقص المؤثر في القربة ،وليس له أصل في
الشرع إل الضحايا .وكذلك ل يجببزي فببي المببذهب مببا فيببه شببركة أو طببرف حريببة
كالكتابة والتدبير لقوله تعالى }فتحرير رقبة{ والتحرير هو إبداء العتبباق ،وإذا كببان
فيه عقد من عقود الحرية كالكتابة كان تنجيزا ل إعتاق ،وكببذلك الشببركة لن بعببض
الرقبة ليس برقبة .وقال أبو حنيفبة :إن كبان المكباتب أدى شبيئا مبن مبال الكتاببة لبم
يجز ،وإن كان لم يؤد جاز .واختلفوا هل يجزيه عتق مببدبره؟ فقببال مالببك :ل يجزيببه
تشبيها بالكتابة لنه عقد ليس له حله؛ وقال الشافعي :يجزيببه؛ ول يجببزي عنببد مالببك
إعتاق أم ولده ول المعتق إلى أجل مسمى .أما عتق أم الولد فلن عقدها آكد من عقد
الكتابة والتدبير ،بدليل أنهما قد يطرأ عليهما الفسخ .أما في الكتابببة فمببن العجببز عببن
أداء النجوم .وأما في التدبير فإذا ضاق عنه الثلبث .وأمببا العتببق إلبى أجبل فبإنه عقببد
عتق ل سبيل إلى حله.
واختلف مالك والشافعي مع أبي حنيفة في إجزاء عتق من يعتق عليه بالنسببب ،فقببال
مالك والشافعي :ل يجزي عنه وقال أبو حنيفة :إذا نوى بببه عتقببه عببن ظهببار أجببزأ.
فأبو حنيفة شبهه بالرقبة التي ل يجب عتقها ،وذلك أن كل واحدة مببن الرقبببتين غيببر
واجب عليه شراؤها وبذل القيمة فيها على وجه العتق ،فإذا نوى بذلك التكفيببر جبباز؛
والمالكية والشافعية رأت أنه إذا اشترى من يعتق عليه عتق عليه من غير قصد إلببى
إعتاقه فل يجزيه ،فأبو حنيفة أقام القصد للشراء مقام العتق ،وهببؤلء قببالوا :لبببد أن
يكببون قاصببدا للعتببق نفسببه ،فكلهمببا يسببمى معتقببا باختيبباره ،ولكببن أحببدهما معتببق
بالختيببار الول ،والخببر معتببق بلزم الختيببار ،فكببأنه معتببق علببى القصببد الثبباني
ومشتر على القصد الول ،والخر بببالعكس .واختلببف مالببك والشببافعي فيمببن أعتببق
نصفي عبببدين ،فقبال مالببك :ل يجببوز ذلببك ،وقبال الشببافعي :يجببوز لنبه فبي معنبى
الواحد ،ومالك تمسك بظاهر دللببة اللفببظ ،فهببذا مببا اختلفببوا فيببه مببن شببروط الرقبببة
المعتقة.
وأما شروط الطعام فإنهم اختلفوا من ذلك في القدر الذي يجزي لمسكين مسكين من
الستين مسكينا الذين وقع عليهم النص ،فعن مالك في ذلك روايتان أشهرهما أن ذلببك
مد بمد هشام لكل واحد ،وذلك مدان بمد النبي صببلى الب عليببه وسببلم ،وقببد قيببل هببو
أقل ،وقد قيل هو مد وثلث .وأما الرواية الثانية فمد مد لكل مسكين بمببد النبببي صببلى
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
ال عليه وسلم ،وبه قال الشافعي .فوجه الروايبة الولبى اعتبببار الشببع غالببا :أعنببي
الغذاء والعشاء ،ووجه هذه الرواية الثانية اعتبار هذه الكفارة بكفارة اليمين ،فهذا هو
اختلفهم في شروط الصحة في الواجبات في هذه الكفارة.
وأما اختلفهم في مواضع تعددها ومواضع اتحادهببا ،فمنهببا إذا ظبباهر بكلمببة واحببدة
من نسوة أكثر من واحدة هل يجزي ذلك في كفارة واحببدة ،أم يكببون عببدد الكفببارات
على عدد النسوة؟ فعند مالك أنه يجزي في ذلك كفارة واحببدة ،وعنببد الشببافعي وأبببي
حنيفة أن فيها من الكفارات بعدد المظاهر منهن إن إثنتين فاثنتين ،وإن ثلثببا فثلثببا،
وإن أكثر فأكثر ،فمن شبهه بالطلق أوجب في كل واحدة كفارة؛ ومن شبهه باليلء
أوجب فيه كفارة واحدة ،وهو باليلء أشبه .ومنها إذا ظاهر من امرأته فببي مجببالس
شتى هل عليه كفارة واحدة ،أو على عببدد المواضببع الببتي ظبباهر فيهببا؟ فقببال مالببك:
ليس عليه إل كفارة واحدة ،إل أن يظاهر ثم يكفر ثم يظاهر فعليه كفببارة ثانيببة ،وبببه
قال الوزاعي وأحمد وإسحاق؛ وقال أبو حنيفة والشافعي :لكل ظهار كفارة .وأما إذا
كان ذلك في مجلس واحد فل خلف عند مالك أن في ذلببك كفببارة واحببدة وعنببد أبببي
حنيفة أن ذلببك راجببع إلببى نيتببه ،فببإن قصببد التأكيببد كببانت الكفببارة واحببدة ،وإن أراد
استئناف الظهار كان ما أراد ولزمه من الكفارات على عدد الظهار .وقال يحيببى بببن
سعيد :تلزم الكفارة على عدد الظهببار سببواء كببان فببي مجلببس واحببد أو فببي مجببالس
شتى.
والسبب في هذا الختلف أن الظهار الواحد بالحقيقة هو الذي يكون بلفظ واحببد مببن
امرأة واحدة في وقت واحد ،والمتعدد بل خلف هو الذي يكون بلفظتين من امرأتين
في وقتين ،فإن كرر اللفظ من امرأة واحدة ،فهل يوجب تعدد اللفظ تعببدد الظهببار ،أم
ل يوجب ذلك فيه تعددا؟ وكذلك إن كان اللفظ واحد والمظاهر منها أكثر من واحببدة؟
وذلك أن هذه بمنزلة المتوسطات بين ذينك الطرفين؛ فمببن غلببب عليبه شببه الطبرف
الواحد أوجب له حكمه؛ ومن غلب عليه شبه الطرف الثاني أوجب له حكمببه .ومنهببا
إذا ظاهر من امرأته ثم مسها قبل أن يكفر هل عليه كفارة واحدة أم ل؟ فببأكثر فقهبباء
المصار ومالك والشافعي وأبو حنيفبة والثبوري والوزاعبي وأحمبد وإسبحاق وأببو
ثور وداود والطبري وأبو عبيد أن في ذلك كفارة واحدة ،والحجببة لهببم حببديث سببلمة
بن صخر البياضي "أنه ظاهر من امرأته في زمان رسول ال صلى ال عليببه وسببلم
ثم وقع بامرأته قبل أن يكفر ،فأتى رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم فببذكر لببه ذلببك
فأمره أن يكفر تكفيرا واحدا" وقال قوم :عليببه كفارتببان :كفببارة العببزم علببى الببوطء،
وكفارة الوطء ،لنه وطئ وطأ محرما ،وهو مروي عن عمرو ابن العاص وقبيصببة
بن ذؤيب وسعيد بن جبير وابن شهاب؛ وقد قيل :إنه ل يلزمه شيء ل عن العود ول
عن الوطء ،لن ال تعالى اشترط صحة الكفارة قببل المسبيس ،فبإذا مبس فقبد خبرج
وقتها فل تجب إل بأمر مجدد ،وذلك معلوم في مسئلتنا وفيه شذوذ .وقال أبببو محمببد
بن حزم :من كان فرضه الطعببام فليببس يحببرم عليببه المسببيس قبببل الطعببام ،وإنمببا
يحرم المسيس على من كان فرضه العتق أو الصيام.
**2كتاب اللعان
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
@-والقول فيه يشتمل على خمسببة فصببول بعببد القببول بوجببوبه :الفصببل الول :فببي
أنواع الدعاوي الموجبة له وشروطها .الفصل الثاني :في صفات المتلعنين .الثالث:
في صفة اللعان .الرابع :في حكم نكببول أحببدهما أو رجببوعه .الخببامس :فببي الحكببام
اللزمة لتمام اللعان.
@-فأما الصل في وجببوب اللعببان ،أمببا مببن الكتبباب فقببوله تعببالى }والببذين يرمببون
أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إل أنفسهم{ الية .وأما من السنة فما رواه مالك وغيببره
من مخرجي الصحيح من حببديث عببويمر العجلنببي "إذ جباء إلببى عاصببم بببن عببدي
العجلني رجل من قومه فقال له :يا عاصم أرايت رجل وجد مع امرأته رجل أيقتله
فتقتلوه؟ أم كيف يفعل؟ سل يا عاصم عن ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فسأل
عاصم عن ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فلما رجببع عاصببم؟ إلببى أهلببه جبباء
عويمر فقال :يا عاصم ماذا قال لك رسول ال صلى ال عليه وسببلم؟ فقببال لببم تببأتني
بخير ،قد كره رسول ال صلى ال عليه وسلم المسألة التي سألت عنهببا ،فقببال :وال ب
ل أنتهي حتى أسأله عنها ،فأقبل عويمر حتى أتى رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم
وسط الناس فقال :يا رسول ال أرأيت رجل وجد مبع امرأتبه رجل أيقتلبه فتقتلبوه أم
كيف يفعل؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم :قد نزل فيك وفببي صبباحبتك قببرآن
فاذهب فأت بها ،وقال مهل :فتلعنا وأنا مع الناس عند رسببول ال ب صببلى الب عليببه
وسلم ،فلما فرغا من تلعنهما قال عويمر :كذبت عليها يببا رسببول ال ب إن أمسببكتها،
فطلقها ثلثا قبل أن يأمره بذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم "قال مالك :قببال ابببن
شهاب :فلم تزل تلك سنة المتلعنين .وأيضا من جهة المعنى لما كان الفراش موجبببا
للحوق النسب كان بالنبباس ضببرورة إلببى طريببق ينفببونه بببه إذا تحققببوا فسبباده وتلببك
الطريق هي اللعببان ،فاللعببان حكببم ثببابت بالكتبباب والسببنة والقيبباس والجمبباع ،إذ ل
خلف في ذلك أعلمه ،فهذا هو القول في إثبات حكمه.
**3الفصل الول في أنواع الدعاوي الموجبة له وشروطها.
@-وأما صور الدعاوي التي يجب بها اللعان فهي أول صببورتان :إحببداهما دعببوى
الزنى ،والثانيببة نفببي الحمببل .ودعببوى الزنببى ل يخلببو أن تكببون مشبباهدة :أعنببي أن
يدعي أنه شاهدها تزني كما يشهد الشاهد على الزنى ،وأن تكون دعوى مطلقة .وإذا
نفي الحمل فل يخلو أن ينفيه أيضا نفيا مطلقا ،أو يزعم أنه لم يقربها بعد اسببتبرائها،
فهذه أربعة أحوال بسائط ،وسائر الدعاوي تتركب عن هذه ،مثببل أن يرميهببا بببالزنى
وينفي الحمل ،أو يثبت الحمل ويرميها بالزنى .فأما وجوب اللعان بالقببذف بالزنببا إذا
ادعى الرؤية فل خلف فيه ،قالت المالكية :إذا زعم أنه لم يطأها بعببد؛ وأمببا وجببوب
اللعان بمجرد القذف ،فالجمهور على جوازه الشببافعي وأبببو حنيفببة والثببوري وأحمببد
وداود وغيرهم .وأما المشهور عن مالك ،فإنه ل يجوز اللعان عنببده بمجببرد القببذف،
وقد قال ابن القاسم أيضا إنه يجوز ،وهي أيضا روايببة عببن مالببك .وحجببة الجمهببور
عموم قوله تعالى }والذين يرمون أزواجهم{ الية .ولم يخص فببي الزنببى صببفة دون
صفة ،كما قال في إيجاب حد القذف .وحجة مالك ظواهر الحاديث الواردة في ذلك.
منها قوله في حديث سعد "أرأيت لو أن رجل وجببد مببع امرأتببه رجل" وحببديث ابببن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
عباس ،وفيه "فجاء رسول ال صلى ال عليببه وسببلم فقببال :والب يببا رسببول الب لقببد
رأيت بعيني وسمعت بأذني ،فكره رسول ال صلى ال عليه وسلم ما جاء بببه واشببتد
عليه ،فنزلت }والذين يرمون أزواجهم{ الية" وأيضببا فببإن الببدعوى يجببب أن تكببون
ببينة كالشهادة .وفي هذا الباب فرع اختلف فيه قول مالك ،وهببو إذا ظهببر بهببا حمببل
بعد اللعان ،فعن مالك في ذلك روايتان :إحداهما سقوط الحمل عنه ،والخرى لحوقه
به .واتفقوا فيما أحسب أن من شرط الدعوى الموجبة اللعان برؤيببة الزنببى أن تكببون
في العصمة .واختلفوا فيمن قذف زوجته بببدعوى الزنببى ثببم طلقهببا ثلثببا هببل يكببون
بينهما لعان أم ل؟ فقال مالك والشافعي والوزاعي وجماعة :بينهما لعان؛ وقببال أبببو
حنيفة :ل لعان بينهما إل أن ينفي ولدا ول حد؛ وقال مكحول والحكم وقتادة يحببد ول
يلعن .وأما إن نفي الحمل فإنه كما قلنا على وجهين :أحدهما أن يدعي أنه استبرأها
ولم يطأها بعد الستبراء ،وهذا ما ل خلف فيه .واختلف قول مالببك فببي السببتبراء،
فقال مرة :ثلث حيض ،وقال مرة :حيضة .وأما نفيه مطلقا ،فالمشهور عن مالك أنه
ل يجب بذلك لعان.
وخالفه في هذا الشافعي وأحمد وداود ،وقالوا :ل معنى لهذا لن المرأة قد تحمببل مببع
رؤية الدم؛ وحكى عبد الوهاب عن أصحاب الشافعي أنه ل يجوز نفي الحمببل مطلقببا
مببن غيببر قببذف .واختلفببوا مببن هببذا الببباب فببي فببرع ،وهببو وقببت نفببي الحمببل فقببال
الجمهور :ينفيه وهي حامل ،وشرط مالك أنه متى لم ينفه وهو حمببل لببم يجببز لببه أن
ينفيه بعد الولدة بلعان؛ وقال الشببافعي :إذا علببم الببزوج بالحمببل فببأمكنه الحبباكم مببن
اللعان فلم يلعن لم يكن له أن ينفيه بعد الولدة؛ وقال أبو حنيفة :ل ينفي الولببد حببتى
تضع وحجة مالك ومن قال بقوله الثار المتواترة من حديث ابن عباس وابن مسعود
وأنببس وسببهل بببن سببعد "أن النبببي عليببه الصببلة والسببلم حيببن حكببم باللعببان بيببن
المتلعنين قال :إن جاءت به على صفة كذا فما أراه إل قد صدق عليها" قالوا :وهذا
يدل على أنها كانت حامل في وقت اللعببان .وحجببة أبببي حنيفببة أن الحمببل قببد ينفببش
ويضمحل ،فل وجه للعان إل على يقيببن .ومببن حجببة الجمهببور أن الشببرع قببد علببق
بظهور الحمل أحكاما كثيرة :كالنفقببة والعببدة ومنببع الببوطء ،فببوجب أن يكببون قيبباس
اللعان كذلك ،وعند أبي حنيفة أنه يلعن وإن لم ينف الحمل إل وقت الولدة ،وكذلك
ما قرب من الولدة ولم يوقت في ذلك وقتا ،ووقتا صاحباه أبو يوسف ومحمد فقببال:
له أن ينفيه ما بين أربعين ليلببة مبن وقبت الببولدة؛ والبذين أوجبببوا اللعبان فببي وقببت
الحمل اتفقوا على أنه لببه نفيببه فببي وقببت العصببمة ،واختلفببوا فببي نفيببه بعببد الطلق،
فذهب مالك إلى أنه له ذلك في جميع المدة التي يلحق الولد فيها بالفراش ،وذلببك هببو
أقصى زمان الحمل عنده وذلك نحو من أربببع سببنين عنببده أو خمببس سببنين ،وكببذلك
عنده حكم نفي الولد بعد الطلق إذا لم يزل منكرا له ،وبقريب مببن هببذا المعنببى قببال
الشافعي وقال قوم :ليس له أن ينفي الحمل إل في العدة فقط ،وإن نفاه في غير العببدة
حده وألحق به الولد ،فالحكم يجب به عند الجمهببور إلببى انقضبباء أطببول مببدة الحمببل
على اختلفهم في ذلك ،فببإن الظاهريببة تببرى أن أقصببر مببدة الحمببل الببتي يجببب بهببا
الحكم هو المعتاد من ذلك ،وهي التسعة أشهر وما قاربها،
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
ول اختلف بينهم أنه يجب الحكببم بببه فببي مببدة العصببمة ،فمببا زاد علببى أقصببر مببدة
الحمل وهي الستة أشهر :أعنبي أن يولبد المولبود لسبتة أشبهر مبن وقبت البدخول أو
بإمكانه ،لمن وقت العقد ،وشذ أبو حنيفة فقال من وقببت العقببد وإن علببم أن الببدخول
غير ممكن حتى أنه إن تزوج عنده رجل بالمغرب القصى امرأة بالمشرق القصببى
فجاءت بولد لرأس ستة أشهر من وقت العقد أنه يلحببق بببه إل أن ينفيببه بلعببان ،وهببو
في هذه المسألة ظاهري محض ،لنه إنما اعتمد في ذلببك عمببوم قببوله عليببه الصببلة
والسلم "الولد للفراش" وهذه المرأة قد صارت فراشا له بالعقد ،فكببأنه رأى أن هببذه
عبادة غير معللة ،وهذا شيء ضعيف .واختلف قول مالك من هببذا الببباب فببي فببرع،
وهو أنه إذا ادعى أنها زنت واعترف بالحمل فعنببه فببي ذلببك ثلث روايببات :إحببداها
أنه يحد ويلحق به الولد ول يلعن .والثانية أنه يلعن وينفي الولد .والثالثة أنه يلحق
به الولد ويلعن ليببدرأ الحببد عببن نفسببه .وسبببب الخلف هببل يلتفببت إلببى إثببباته مببع
موجب نفيه وهو دعواه الزنى؟ واختلفوا أيضا من هذا الباب في فرع ،وهببو إذا أقببام
الشهود على الزنى هل له يلعن أم ل؟ فقال أبو حنيفة وداود :ل يلعن ،لن اللعببان
إنما جعل عوض الشهود لقوله تعالى }والذين يرمون أزواجهم ولببم يكببن لهببم شببهداء
إل أنفسهم{ الية .وقال مالك والشافعي :يلعببن ،لن الشببهود ل تببأثير لهببم فببي دفببع
الفراش.
**3الفصل الثاني في صفات المتلعنين.
@-وأما صفة المتلعنين ،فإن قوما قالوا :يجوز اللعان بين كل زوجين حريببن كانببا
أو عبدين ،أو أحدهما حر والخر عبد محدودين كانا أو عدلين أو أحببدهما ،مسببلمين
كانا أو كان الزوج مسلما والزوجة كتابية ،ول لعان بين كافرين إل أن يترافعا إلينببا،
وممن قال بهذا القول مالك والشافعي؛ وقببال أبببو حنيفببة وأصببحابه :ل لعببان إل بيببن
مسلمين حرين عدلين .وبالجملة فاللعان عندهم إنما يجوز لمن كان من أهل الشببهادة.
وحجة أصحاب القول الول عموم قوله تعالى }والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهببم
شهداء إل أنفسهم{ ولم يشترط فببي ذلببك شببرطا .ومعتمببد الحنفيببة أن اللعببان شببهادة،
فيشترط فيها ما يشترط في الشهادة ،إذ قد سبماهم الب شببهداء لقببوله }فشبهادة أحبدهم
أربع شهادات بال{ ويقولون إنه ل يكون لعان إل بين من يجب عليه الحد في القببذف
الواقع بينهما .وقد اتفقوا على أن العبد ل يحد بقذفه ،وكذلك الكافر ،فشبهوا من يجب
عليه اللعان بمن يجب في قذفه الحد ،إذ كان اللعان إنمببا وضببع لببدرء الحببد مببع نفببي
النسب ،وربما احتجوا بما روى عمرو بن شعيب عن أبيببه عببن جببده أن رسببول الب
صلى ال عليه وسلم قال "ل لعان بين أربعة :العبدين ،والكافرين" والجمهببور يببرون
أنه يمين وإن كان يسمى شهادة ،فإن أحدا ل يشهد لنفسه ،وأمببا أن الشببهادة قببد يعبببر
عنها باليمين فذلك بين فببي قببوله تعببالى }إذا جبباءك المنببافقون قببالوا{ اليببة ،ثببم قببال
}اتخذوا أيمانهم جنة{ وأجمعوا على جواز لعان العمى ،واختلفوا في الخرس ،فقال
مالك والشافعي يلعن الخرس إذا فهم عنه ،وقال أبو حنيفة :ل يلعن لنه ليس من
أهل الشهادة ،وأجمعوا على أن من شرطه العقل والبلوغ.
**3الفصل الثالث في صفة اللعان.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
@-فأما صببفة اللعببان فمتقاربببة عنببد جمهببور العلمبباء ،وليببس بينهببم فببي ذلببك كبببير
خلف ،وذلك على ظاهر ما تقتضيه ألفاظ الية ،فيحلف الببزوج أربببع شببهادات بببال
لقد رأيتها تزني وأن ذلك الحمل ليس مني ،ويقببول فببي الخامسببة :لعنببة الب عليببه إن
كان من الكاذبين ،ثم تشبهد هبي أرببع شببهادات بنقيببض مبا شبهد هبو ببه ثبم تخمبس
بالغضببب ،هببذا كلببه متفببق عليببه .واختلببف النبباس هببل يجببوز أن يبببدل مكببان اللعنببة
الغضب ،ومكان الغضب اللعنببة ،ومكببان أشببهد أقسببم ،ومكببان قببوله بببال غيببره مببن
أسمائه؟ والجمهور على أنه ل يجوز من ذلك إل ما نص عليه من هذه اللفاظ أصله
عدد الشهادات ،وأجمعوا على أن من شرط صحته أن يكون بحكم حاكم.
**3الفصل الرابع في حكم نكول أحدهما أو رجوعه.
@-فأما إذا نكل الزوج فقال الجمهور :إنه يحد ،وقال أبو حنيفة :إنه ل يحد ويحبس.
وحجة الجمهور عموم قوله تعالى }والذين يرمون المحصنات{ الية ،وهذا عببام فببي
الجنبي والزوج ،وقد جعل اللتعان للزوج مقببام الشببهود ،فببوجب إذا نكببل أن يكببون
بمنزلة من قذف ولم يكن له شهود :أعني أنه يحببد ،ومببا جبباء أيضببا مببن حببديث ابببن
عمرو وغيره في قصة العجلني من قببوله عليببه الصببلة والسببلم "إن قتلببت قتلببت،
وإن نطقت جلدت ،وإن سكت سكت على غيظ" .واحتج الفريق الثاني بأن آية اللعببان
لم تتضببمن إيجبباب الحببد عليببه عنببد النكببول والتعريببض ليجببابه زيببادة فببي النببص،
والزيادة عندهم نسخ ،والنسخ ل يجوز بالقياس ول بأخبار الحاد ،قببالوا :وأيضببا لببو
وجب الحد لم ينفعه اللتعان ول كان لببه تببأثير فببي إسببقاطه ،لن اللتعببان يميببن فلببم
يسقط به الحد عن الجنبي ،فكببذلك الببزوج ،والحببق أن اللتعببان يميببن مخصوصببة،
فوجب أن يكون لها حكم مخصوص ،وقببد نببص علببى المببرأة أن اليميببن يببدرأ عنهببا
العذاب ،فالكلم فيما هو العذاب الذي يندرئ عنها باليمين ،وللشتراك الذي في اسببم
العببذاب اختلفببوا أيضببا فببي الببواجب عليهببا إذا نكلببت ،فقببال الشببافعي ومالببك وأحمببد
والجمهور :إنها تحد وحدها الرجم إن كان دخل بها ووجدت فيها شروط الحصببان،
وإن لم يكن دخل بها فالجلببد .وقببال أبببو حنيفببة إذا نكلببت وجببب عليهببا الحبببس حببتى
تلعن ،وحجته قوله عليه الصلة والسلم "ل يحل دم امرئ مسلم إل بإحببدى ثلث:
زنى بعد إحصان ،أو كفر بعد إيمان ،أو قتل نفس بغير نفس" وأيضا فببإن سببفك الببدم
بالنكول حكم ترده الصول ،فإنه إذا كببان كببثير مببن الفقهباء ل يوجبببون غببرم المبال
بالنكول فكان بالحري أن ل يجب بذلك سفك الدماء .وبالجملببة فقاعببدة الببدماء مبناهببا
في الشببرع علببى أنهببا ل تببراق إل بالبينببة العادلببة أو بببالعتراف ،ومببن الببواجب أل
تخصص هذه القاعدة بالسم المشترك فأبو حنيفة في هذه المسألة أولى بالصببواب إن
شاء ال .وقد اعترف أبو المعالي في كتابه البرهان بقوة أبي حنيفة فببي هببذه المسببألة
وهو شافعي .واتفقوا على أنه إذا أكذب نفسه حد وألحق به الولببد إن كببان نفببى ولببدا.
واختلفوا هل له أن يراجعها بعد اتفاق جمهورهم على أن الفرقببة تجببب باللعببان ،إمببا
بنفسه وإما بحكم حبباكم علببى مببا نقببوله بعببد؛ فقببال مالببك والشببافعي والثببوري وداود
وأحمد وجمهور فقهاء المصار إنهما ل يجتمعببان أبببدا وإن أكببذب نفسببه؛ وقببال أبببو
حنيفة وجماعة :إذا أكذب نفسه جلد الحد وكان خاطبببا مببن الخطبباب؛ وقببد قببال قببوم:
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
ترد إليه امرأته .وحجة الفريق الول قول رسول ال صلى ال عليه وسببلم "ل سبببيل
لك عليها" ولم يستثن فأطلق التحريم .وحجة الفريببق الثبباني أنببه إذا أكببذب نفسببه فقببد
بطل حكبم اللعبان ،فكمبا يلحبق ببه الولبد كببذلك تبرد المبرأة عليبه ،وذلببك أن السبببب
الموجب للتحريم إنما هو الجهل بتعيين صدق أحدهما مع القطع بأن أحببدهما كبباذب،
فإذا انكشف ارتفع التحريم.
**3الفصل الخامس في الحكام اللزمة لتمام اللعان.
@-فأما موجبات اللعان ،فإن العلماء اختلفوا مببن ذلببك فببي مسببائل :منهببا هببل تجببب
الفرقة أم ل؟ وإن وجبت فمتى تجب؟ وهل تجببب بنفببس اللعببان أم بحكببم حبباكم؟ وإذا
وقعت فهل هي طلق أو فسخ؟ فذهب الجمهور إلى أن الفرقة تقع باللعان لما اشببتهر
من ذلك في أحاديث اللعان "من أن رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم فببرق بينهمببا"
وقال ابن شهاب فيما رواه مالك عنه :فكانت تلك سنة المتلعنين ،ولقببوله صببلى الب
عليه وسلم "ل سبيل لك عليها" وقال عثمان البتي وطائفة من أهل البصرة :ل يعقببب
اللعان فرقة ،واحتجوا بببأن ذلببك حكببم لببم تتضببمنه آيببة اللعببان ،ول هببو صببريح فببي
الحاديث ،لن في الحديث المشهور أنه طلقها بحضرة النبي صببلى ال ب عليببه وسببلم
فلم ينكر ذلك عليه .وأيضا فإن اللعان إنما شرع لدرء حد القذف ،فلم يبوجب تحريمبا
تشبيها بالبينة .وحجة الجمهور أنه قد وقببع بينهمببا مببن التقبباطع والتببباغض والتهبباتر
وإبطال حدود ال ما أوجب أن ل يجتمعا بعدها أبدا ،وذلك أن الزوجيببة مبناهببا علببى
المودة والرحمة وهؤلء قد عدموا ذلك كببل العببدم ،ول أقببل مببن أن تكببون عقوبتهمببا
الفرقة .وبالجملة فالقبح الذي بينهمببا غايببة القبببح .وأمببا مببتى تقببع الفرقببة فقببال مالببك
والليث وجماعة :إنها تقع إذا فرغا جميعا من اللعان .وقال الشافعي :إذا أكمل الببزوج
لعانه وقعت الفرقة .وقال أبو حنيفة :ل تقع إل بحكم حاكم ،وبه قال الثببوري وأحمببد.
وحجة مالك على الشافعي حديث ابن عمر قال "فرق رسول ال صلى ال عليه وسلم
بين المتلعنين وقال :حسابكما على ال ،أحدكما كاذب ل سبيل لك عليها" وما روي
أنه لم يفرق بينهما إل بعد تمام اللعان .وحجة الشافعي أن لعانها إنمببا تببدرء بببه الحببد
عن نفسها فقط ،ولعان الرجل هو المؤثر في نفي النسب ،فوجب إن كان للعان تببأثير
في الفرقة أن يكون لعان الرجل تشبيها بالطلق .وحجتهما جميعا على أبي حنيفة أن
النبي صلى ال عليه وسلم أخبرهما بوقوع الفرقة عند وقوع اللعان منهما ،فببدل ذلببك
على أن اللعان هو سبب الفرقببة .وأمببا أبببو حنيفببة فيببرى أن الفببراق إنمببا نفببذ بينهمببا
بحكمه وأمره صلى ال عليه وسببلم بببذلك حيببن قببال "ل سبببيل لببك عليهببا" فببرأى أن
حكمه شرط في وقوع الفرقة كما أن حكمه شرط فببي صببحة اللعببان .فسبببب الخلف
بين من رأى أنه تقع به الفرقة ،وبين من لم ير ذلك أن تفريق النبي صببلى ال ب عليببه
وسلم بينهما ليس هو بينا في الحديث المشهور ،لنه بادر بنفسه فطلق قبل أن يخبببره
بوجوب الفرقة ،والصل أن ل فرقة إل بطلق ،وأنه ليس في الشببرع تحريببم يتأبببد:
أعني متفقا عليه ،فمن غلب هذا الصل على المفهببوم لحتمبباله نفببي وجببوب الفرقببة
)هكذا الصول ،ولعل فيه سقطا هكذا :ومن قببال بببالمفهوم قببال بإيجابهببا ،تأمببل ا هبب
مصححه( .قال بإيجابها .وأما سبب اختلف من اشترط حكم الحبباكم أو لببم يشببترطه
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
فتردد هذا الحكم بين أن يغلب عليه شبه الحكام التي يشترط في صحتها حكم الحاكم
أو التي ل يشترط ذلك فيها .وأما المسألة الرابعة ،وهي إذا قلنببا إن الفرقببة تقببع فهببل
ذلك فسخ أو طلق ،فإن القائلين بالفرقة اختلفوا في ذلك ،فقال مالببك والشببافعي :هببو
فسخ ،وقال أبو حنيفببة :هبو طلق ببائن .وحجبة مالببك تأبيبد التحريبم بببه فأشببه ذات
المحرم.
وأما أبو حنيفة فشبهها بالطلق قياسا على فرقة العنين إذ كانت عنده بحكم حاكم.
**2كتاب الحداد.
@-أجمع المسلمون على أن الحداد واجب على النساء الحرائر المسلمات فببي عببدة
الوفاة إل الحسن وحده .واختلفببوا فيمببا سببوى ذلببك مببن الزوجببات وفيمببا سببوى عببدة
الوفباة ،وفيمبا تمتنبع الحبادة منبه ممبا ل تمتنبع ،فقبال مالبك :الحبداد علبى المسبلمة
والكتابية والصغيرة والكبيرة .وأما المة يموت عنها سيدها سواء كانت أم ولد أم لببم
تكن فل إحداد عليها عنده ،وبه قال فقهاء المصار ،وخالف قول مالك المشهور فببي
الكتابية ابن نافع وأشهب ،وروياه عن مالك ،وبه قببال الشببافعي :أعنببي أنببه ل إحببداد
على الكتابية؛ وقال أبو حنيفة :ليببس علببى الصببغيرة ول علببى الكتابيببة إحببداد؛ وقببال
قوم :ليس علبى المبة المزوجبة إحبداد ،وقبد حكبي ذلبك عبن أببي حنيفبة ،فهبذا هبو
اختلفهم المشهور فيمن عليه إحداد من أصببناف الزوجببات ممببن ليببس عليببه إحببداد.
وأما اختلفهم من قبل العدد فإن مالكا قببال :ل إحببداد إل فببي عببدة الوفبباة .وقببال أبببو
حنيفة والثوري :الحداد في العدة من الطلق البائن واجب؛ وأما الشافعي فاستحسببنه
للمطلقة ولم يوجبه .وأما الفصل الثالث وهو ما تمتنع الحادة منه ممببا ل تمتنببع عنببه،
فإنها تمتنع عند الفقهاء بالجملة من الزينة الداعية للرجال إلى النساء ،وذلببك كببالحلي
والكحل إل ما لم تكن فيه زينة ولباس الثيبباب المصبببوغة إل السببواد ،فببإنه لببم يكببره
مالك لها لبس السواد ،ورخص كلهم في الكحل عند الضرورة ،فبعضهم اشببترط فيببه
ما لم يكن فيه زينة ،وبعضهم لم يشترطه ،وبعضهم اشترط جعله بالليل دون النهببار.
وبالجملة فأقاويل الفقهاء فيما تجتنب الحادة متقاربة ،وذلك ما يحرك الرجال بالجملببة
إليهن .وإنما صار الجمهور ليجاب الحداد في الجملة لثبوت السنة بذلك عن رسول
ال صلى ال عليه وسلم ،فمنها حديث أم سلمة زوج النبي عليه الصلة والسببلم "أن
امرأة جاءت إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالت :يا رسول ال إن ابنتي تبوفي
عنها زوجها ،وقد اشتكت عينيها أفتكتحلهما؟ فقال رسول ال صلى ال ب عليببه وسببلم:
ل ،مرتين أو ثلثا ،كل ذلك يقول لها ل ،ثم قال :إنما هي أربعببة أشببهر وعشببر وقببد
كانت إحداكن ترمي بالبعرة على رأس الحول" وقال أبو محمببد :فعلببى هببذا الحببديث
يجب التعويل على القول بإيجاب الحداد .وأما حديث أم حبيبببة حيببن دعببت بببالطيب
فمسحت به عارضيها ،ثم قالت :وال مالي به من حاجة غير أني سمعت رسببول الب
صلى ال عليه وسلم يقول "ل يحل لمرأة مؤمنة تببؤمن بببال واليببوم الخببر أن تحببد
على ميت فوق ثلث ليال ،إل على زوج أربعة أشهر وعشرا" فليس فيه حجة ،لنببه
استثناء مببن حظببر فهببو يقتضببي الباحببة دون اليجبباب .وكببذلك حببديث زينببب بنببت
جحش .قال القاضي :وفي المر إذا ورد بعد الحظر خلف بين المتكلمين :أعني هل
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
يقتضببي الوجببوب أو الباحببة .وسبببب الخلف بيببن مببن أوجبببه علببى المسببلمة دون
الكافرة أن من رأى أن الحداد عبادة لم يلزمه الكافرة؛ ومن رأى أنه معنى معقببول،
وهو تشوف الرجبال إليهبا وهبي إلبى الرجبال ،سبوى بيبن الكبافرة والمسبلمة؛ ومبن
راعى تشببوف الرجببال دون تشببوف النسبباء فببرق بيببن الصببغيرة والكبببيرة إذا كببانت
الصببغيرة ل يتشببوف الرجببال إليهببا .ومببن حجببة مببن أوجبببه علببى المسببلمات دون
الكافرات قوله عليه الصلة والسلم "ل يحل لمرأة تؤمن بال واليوم الخببر أن تحببد
إل على زوج" قال :وشرطه اليمان في الحداد يقتضي أنببه عبببادة .وأمببا مببن فببرق
بين المة والحرة وكذلك الكتابية ،فلنه زعم أن عببدة الوفبباة أوجبببت شببيئين باتفبباق:
أحدهما الحداد ،والثاني ترك الخروج ،فلما سببقط تببرك الخببروج عببن المببة بتبببذلها
والحاجة إلى استخدامها سقط عنها منع الزينة .وأما اختلفهم فببي المكاتبببة فمببن قبببل
ترددها بين الحرة والمة .وأما المة بملبك اليميبن وأم الولبد ،فإنمبا صبار الجمهبور
إلى إسقاط الحداد عنها لقوله عليه الصلة والسلم "ل يحل لمرأة تؤمن بال واليوم
الخر أن تحد إل على زوج" فعلم بدليل الخطبباب أن مببن عببدا ذات الببزوج ل يجببب
عليها إحداد ومن أوجبببه علببى المتببوفي عنهببا زوجهببا دون المطلقببة فتعلببق بالظبباهر
المنطوق به ،ومن ألحق المطلقات بهببن فمببن طريببق المعنببى ،وذلببك أنببه يظهببر مببن
معنى الحداد أن المقصود به أن ل تتشوف إليها الرجال في العببدة ول تتشببوف هببي
إليهم ،وذلك سدا للذريعة لمكان حفظ النساب ،وال أعلم .كمل كتاب الطلق والحمد
ل على آلئه ،والشكر على نعمه؛ ويتلوه كتاب البيوع إن شاء ال تعالى.
**2كتاب البيوع.
@-الكلم في البيوع ينحصببر فبي خمبس جمبل :فببي معرفببة أنواعهببا .وفببي معرفببة
شروط الصحة في واحد واحد منها .وفي معرفة شروط الفساد .وفببي معرفببة أحكببام
البببيوع الصببحيحة .وفببي معرفببة أحكببام البببيوع الفاسببدة .فنحببن نببذكر أنببواع البببيوع
المطلقة ،ثم نذكر شروط الفساد والصحة في واحد واحد منها ،وأحكام بيوع الصحة،
وأحكام البيوع الفاسدة .ولمبا كبانت أسبباب الفسباد والصبحة فببي البببيوع منهبا عامبة
لجميع أنببواع البببيوع أو لكثرهببا ومنهببا خاصببة ،وكببذلك المببر فببي أحكببام الصببحة
والفساد اقتضى النظر الصناعي أن نذكر المشترك من هذه الصناف الربعة :أعني
العام من أسباب الفساد وأسباب الصحة وأحكام الصحة وأحكام الفساد لجميع البيوع،
ثببم نببذكر الخبباص مببن هببذه الربعببة بواحببد واحببد مببن البببيوع ،فينقسببم هببذا الكتبباب
باضطرار إلى ستة أجزاء :الجزء الول :تعرف فيه أنواع البيوع المطلقببة .والثبباني:
تعرف فيه أسباب الفساد العامة في البيوع المطلقة أيضا :أعني في كلها أو أكثرها إذ
كانت أعبرف مببن أسبباب الصبحة .الثببالث :تعببرف فيبه أسببباب الصببحة فبي الببيوع
المطلقة أيضا .الرابع :نذكر فيه أحكام البببيوع الصببحيحة ،أعنببي الحكببام المشببتركة
لكببل البببيوع الصببحيحة أو لكثرهببا .الخببامس :نببذكر فيببه أحكببام البببيوع الفاسببدة
المشتركة :أعني إذا وقعت .السادس :نذكر فيه نوعا نوعا من البيوع بما يخصبه مبن
الصحة والفساد وأحكامها.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
@)-الجزء الول( إن كل معاملة وجدت بين اثنين ،فل يخلو أن تكببون عينببا بعيببن،
أو عينا بشيء في الذمة ،أو ذمة بذمة ،وكببل واحببد مببن هبذه الثلث إمبا نسبيئة وإمبا
ناجز ،وكل واحد من هذه أيضا إما ناجز من الطرفين وإما نسيئة من الطرفين ،وإمبا
ناجز من الطرف الواحد نسيئة من الطرف الخر ،فتكون كببل أنببواع البببيوع تسببعة.
فأما النسيئة من الطرفين فل يجوز بإجماع ل فببي العيببن ول فببي الذمببة ،لنببه الببدين
بالدين المنهى عنه .وأسماء هذه البببيوع منهببا مببا يكببون مببن قبببل صببفة العقببد وحبال
العقد؛ ومنها ما يكون من قبل صفة العين المبيعة ،وذلك أنها إذا كانت عينا بعيببن فل
تخلو أن تكون ثمنا بمثمون أو ثمنا بثمببن ،فببإن كببانت ثمنببا بثمببن سببمى صببرفا ،وإن
كانت ثمنا بمثمون سمي بيعا مطلقا وكذلك مثمونا بمثمون علببى الشببروط الببتي تقببال
بعد ،وإن كان عينا بذمة سمي سلما ،وإن كان على الخيار سمي بيع خيار ،وإن كببان
على المرابحة سمي بيع مرابحة ،وإن كان على المزايدة سمي بيع مزايدة.
@)-الجزء الثاني( وإذا اعتبرت السباب الببتي مببن قبلهببا ورد النهببي الشببرعي فببي
البيوع ،وهي أسباب الفساد العامة وجدت أربعة :أحدها تحريم عيببن المبببيع .والثبباني
الربا .والثالث الغرر .والرابببع الشببروط الببتي تئول إلببى أحببد هببذين أو لمجموعهمببا.
وهذه الربعة هي بالحقيقة أصول الفساد ،وذلك أن النهي إنما تعلببق فيهببا بببالبيع مببن
جهة ما هو بيع ل لمر من خارج .وأما التي ورد النهببي فيهببا لسببباب مببن خببارج؛
فمنها الغش؛ ومنها الضرر؛ ومنها لمكان الوقت المستحق بمببا هببو أهببم منببه؛ ومنهببا
لنها محرمة البيع .ففي هذا الجزء أبواب:
**3الباب الول في العيان المحرمة البيع.
@-وهذه على ضربين :نجاسات ،وغير نجاسات .فأما بيببع النجاسببات فالصببل فببي
تحريمها حديث جابر ،ثبت في الصحيحين قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسببلم
"إن ال ورسوله حرما بيع الخمر والميتة والخنزير والصنام ،فقيببل :يببا رسببول الب
أرأيت شحوم الميتبة فبإنه يطلبى بهببا السببفن ويستصبببح بهببا؟ فقبال :لعببن الب اليهببود
حرمت الشحوم عليهم فباعوها وأكلوا أثمانها" وقال في الخمر "إن الذي حرم شربها
حرم بيعها" والنجاسات على ضربين :ضرب اتفق المسلمون على تحريم بيعها وهي
الخمر وأنها نجسة ،إل خلفا شاذا في الخمر :أعني في كونها نجسة ،والميتة بجميببع
أجزائها التي تقبل الحياة ،وكذلك الخنزير بجميع أجزائه الببتي تقبببل الحيبباة .واختلببف
في النتفاع بشعره ،فأجازه ابن القاسم ومنه أصبغ .وأما القسم الثاني وهي النجاسات
التي تدعو الضرورة إلى استعمالها كالرجيع والزبل الذي يتخذ في البساتين ،فاختلف
في بيعها في المذهب فقيل بمنعها مطلقا ،وقيببل بإجازتهببا مطلقببا ،وقيببل بببالفرق بيببن
العذرة والزبل :أعني إباحة الزبل ومنع العذرة .واختلفوا فيما يتخذ مببن أنيبباب الفيببل
لختلفهم هل هو نجس أم ل؟ فمن رأى أنببه نبباب جعلببه ميتببة ،ومببن رأى أنببه قببرن
معكوس جعل حكمه حكم القرن ،والخلف فيه في المذهب .وأما مببا حببرم بيعببه ممببا
ليس بنجس أو مختلف في نجاسته ،فمنهببا الكلببب والسببنور .أمببا الكلببب فباختلفوا فببي
بيعه ،فقال الشافعي :ل يجوز بيع الكلب أصل .وقال أبو حنيفة :يجببوز ذلببك .وفببرق
أصحاب مالك بين كلب الماشية والزرع المأذون في اتخاذه وبين ما ل يجوز اتخاذه،
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
فاتفقوا على أن ما ل يجوز اتخاذه ل يجوز بيعه للنتفاع به وإمساكه .فأما مببن أراده
للكل فاختلفوا فيه ،فمن أجاز أكله أجاز بيعه ،ومن لم يجزه على روايببة ابببن حبببيب
لم يجز بيعه .واختلفوا أيضا في المأذون في اتخاذه ،فقيل هببو حببرام ،وقيببل مكببروه.
فأما الشافعي فعمدته شيئان :أحدهما ثبوت النهي الوارد عببن ثمببن الكلببب عببن النبببي
صلى ال عليه وسلم .والثاني أن الكلب عنده نجس العين كالخنزير ،وقد ذكرنا دليلببه
في ذلك في كتاب الطهارة .وأما من أجاز فعمدته أنه طاهر العين غير محرم الكل،
فجاز بيعه كالشياء الطاهرة العين ،وقد تقدم أيضا فبي كتباب الطهبارة اسببتدلل مببن
رأى أنه طاهر العين ،وفي كتاب الطعمة اسببتدلل مببن رأى أنببه حلل .ومببن فببرق
أيضا فعمدته أنه غير مباح للكل ول مباح النتفاع بببه ،إل مببا اسببتثناه الحببديث مببن
كلب الماشية أو كلب الزرع وما في معنبباه ،ورويببت أحبباديث غيببر مشببهورة اقببترن
فيها بالنهي من ثمن الكلب استثناء أثمببان الكلب المباحببة التخبباذ .وأمببا النهببي عببن
ثمن السنور فثابت ،ولكن الجمهور على إباحته لنه طاهر العين مباح المنافع .فسبب
اختلفهم في الكلب تعارض الدلة .ومن هذا الباب اختلفهم في بيع الزيببت النجببس
وما ضارعه بعد اتفاقهم على تحريم أكله ،فقال مالك :ل يجببوز بيببع الزيببت النجببس،
وبه قال الشافعي؛ وقال أبو حنيفة :يجوز إذا بين ،وبه قببال ابببن وهببب مببن أصببحاب
مالك .وحجة من حرمه حديث جابر المتقدم "أنببه سببمع رسببول الب صببلى الب عليببه
وسلم عام الفتح يقول :إن ال ورسوله حرما الخمر والميتببة والخنزيببر" .وعمببدة مببن
أجازه :أنه إذا كان في الشببيء أكببثر مببن منفعببة واحببدة وحببرم منببه واحببدة مببن تلببك
المنافع أنه ليس يلزمه أن يحرم منه سببائر المنببافع ،ول سببيما إذا كببانت الحاجببة إلببى
المنفعة غير المحرمة كالحاجة إلى المحرمة ،فإذا كان الصل هذا يخرج منه الخمببر
والميتة والخنزير وبقيت سائر محرمات الكل على الباحة :أعني أنببه إن كببان فيهببا
منافع سوى الكل فبيعت لهذا جاز ،ورووا عن علببي وابببن عببباس وابببن عمببر أنهببم
أجازوا بيع الزيت النجببس ليستصبببح بببه ،وفببي مببذهب مالببك جببواز الستصببباح بببه
وعمل الصابون مع تحريم بيعه ،وأجاز ذلك الشافعي أيضببا مببع تحريببم ثمنببه ،وهببذا
كله ضعيف ،وقد قيل إن في المذهب رواية أخببرى تمنببع الستصببباح بببه وهببو ألببزم
للصل :أعني لتحريم البيع .واختلف أيضا في المببذهب فببي غسببله وطبخببه هببل هببو
مؤثر في عين النجاسة ومزيل لها على قولين :أحببدهما جببواز ذلببك ،والخببر منعببه،
وهما مبنيان على أن الزيت إذا خالطته النجاسة هل نجاسببته نجاسببة عيببن أو نجاسببة
مجاورة؟ فمن رآه نجاسة مجاورة طهره عند الغسل والطبخ ،ومببن رآه نجاسببة عيببن
لم يطهره عند الطبخ والغسل .ومن مسائلهم المشهورة فببي هببذا الببباب اختلفهببم فببي
جواز بيع لبن الدمية إذا حلب ،فمالببك والشببافعي يجببوزانه ،وأببو حنيفببة ل يجببوزه.
وعمدة من أجاز بيعه أنه لبن أبيح شربه فأبيبح بيعبه قياسبا علبى لببن سبائر النعبام،
وأبو حنيفة يرى تحليله إنما هو لمكان ضرورة الطفل إليه ،وأنه في الصببل محببرم،
إذ لحم ابن آدم محرم ،والصل عندهم أن اللبان تابعة للحوم ،فقالوا في قياسهم هكذا
النسان حيوان ل يؤكل لحمه ،فلم يجز بيع لبنه أصببله لبببن الخنزيببر والتببان فسبببب
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
اختلفهم في هذا الباب تعارض أقيسة الشبه ،وفروع هذا الببباب كببثيرة ،وإنمببا نببذكر
من المسائل في كل باب مشهور ليجري ذلك مجرى الصول.
**3الباب الثاني في بيوع الربا.
@-واتفق العلماء على أن الربا يوجد في شيئين :في البيع ،وفيما تقرر في الذمة من
بيع أو سلف أو غير ذلك .فأما الربا فيما تقرر في الذمة فهببو صببنفان :صببنف متفببق
عليه ،وهو ربا الجاهلية الذي نهي عنه ،وذلك أنهم كانوا يسلفون بالزيادة وينظرون،
فكانوا يقولون :أنظرني أزدك ،وهذا هو الذي عناه عليه الصببلة والسببلم بقببوله فببي
حجة الوداع "أل وإن ربا الجاهلية موضوع وأول ربببا أضببعه ربببا العببباس بببن عبببد
المطلب ،والثاني "ضع وتعجل" وهو مختلف فيه وسنذكره فيما بعد :وأمببا الربببا فببي
البيع فإن العلماء أجمعوا علببى أنببه صببنفان :نسببيئة وتفاضببل ،إل مببا روي عببن ابببن
عباس من إنكاره الربا قي التفاضل لما رواه عن النبي صلى ال عليه وسلم أنببه قببال
"ل ربا إل في النسيئة وإنما صار جمهور الفقهبباء إلببى أن الربببا فببي هببذين النببوعين
لثبوت ذلك عنه صلى ال عليه وسلم .والكلم في الربا ينحصببر فببي أربعببة فصببول:
الفصل الول :في معرفة الشياء التي ل يجوز فيها التفاضل ،ول يجوز فيها الّنساء،
وتبين علة ذلك .الثبباني :معرفببة الشببياء الببتي يجببوز فيهببا التفاضببل ول يجببوز فيهببا
الّنساء .الثالث :في معرفة ما يجوز فيه المران جميعببا .الرابببع :فببي معرفببة مببا يعببد
صنفا واحدا مما ل يعد صنفا واحدا.
**4الفصل الول .في معرفة الشياء الببتي ل يجببوز فيهببا التفاضببل ول يجببوز فيهببا
الّنساء وتبيين علة ذلك .فنقول:
@-أجمع العلماء على أن التفاضل والّنساء ممبا ل يجبوز واحبد منهمبا فبي الصبنف
الواحد من الصناف التي نص عليها في حديث عبادة بن الصامت ،إل ما حكي عببن
ابن عباس ،وحديث عبادة هو قال "سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم ينهي عن
بيع الذهب بالببذهب والفضببة بالفضببة والبببر بببالبر والشببعير بالشببعير والتمببر بببالتمر
والملح بالملح إل سواء بسواء عينا بعين ،فمن زاد أو ازداد فقد أربى" فهببذا الحببديث
نص في منع التفاضل في الصنف الواحد من هذه العيان.
وأما منع الّنسيئة فيها فثابت من غير ما حببديث ،أشببهرها حببديث عمببر بببن الخطبباب
قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "الذهب بالذهب ربا ،إل هبباء وهبباء ،والبببر
بالبر ربا إل هاء وهاء والتمر بالتمر ربببا إل هبباء وهبباء ،والشببعير بالشببعير ربببا إل
هاء وهاء" فتضمن حديث عبادة منع التفاضبل فبي الصبنف الواحبد ،وتضبمن أيضبا
حديث عبادة منع الّنساء في الصنفين مببن هببذه ،وإباحببة التفاضببل ،وذلببك فببي بعببض
الروايات الصحيحة ،وذلك أن فيها بعد ذكره منببع التفاضببل فببي تلببك السببتة "وبيعببوا
الذهب بالورق كيف شئتم يدا بيد والبر بالشعير كيف شئتم يدا بيببد" وهببذا كلببه متفببق
عليه بين الفقهاء إل البر بالشعير.
واختلفوا فيما سوى هذه الستة المنصوص عليها ،فقال قوم منهببم أهببل الظبباهر :إنمببا
يمتنع التفاضل في صنف صببنف مببن هببذه الصببناف السببتة فقببط ،وأن مببا عببداها ل
يمتنع الصنف الواحد منها التفاضل ،وقبال هبؤلء أيضبا :إن الّنسباء ممتنبع فبي هبذه
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الستة أيضا فقط اتفقت الصببناف أو اختلفببت ،وهبذا أمبر متفببق عليببه :أعنببي امتنباع
الّنساء فيها مع اختلف الصناف ،إل ما حكببي عببن ابببن عليببة أنببه قببال :إذا اختلببف
الصنفان جاز التفاضل والنسيئة ما عدا الذهب والفضة.
فهؤلء جعلوا النهي المتعلق بأعيان هذه الستة من باب الخاص أريد به الخاص.
وأما الجمهور من فقهاء المصار ،فإنهم اتفقوا على أنببه مببن ببباب الخبباص أريببد بببه
العام.
واختلفوا في المعنى العام الذي وقع التنبيه عليه بهذه الصناف :أعني في مفهوم علة
التفاضل ومنع الّنساء فيها.
فالذي استقر عليه حذاق المالكية أن سبب منببع التفاضببل أمببا فببي الربعببة ،فالصببنف
الواحد من المدخر المقتات ،وقد قيل الصنف الواحد المدخر وإن لم يكن مقتاتببا ومببن
شرط الدخار عندهم أن يكون في الكثر ،وقال بعض أصببحابه :الربببا فببي الصببنف
المدخر وإن كان نادر الدخار.
وأما العلة عندهم في منع التفاضل في الذهب والفضة فهو الصنف الواحد أيضببا مببع
كونهما رءوسا للثمان وقيما للمتلفات ،وهذه العلة هي التي تعرف عندهم بالقاصرة،
لنها غير موجودة عندهم في غير الذهب والفضة.
وأما علة منع الّنساء عند المالكية في الربعة المنصوص عليها فهو الطعم والدخببار
دون اتفاق الصنف ،ولذلك إذا اختلفت أصبنافها جباز عنبدهم التفاضبل دون النسبيئة،
ولذلك يجوز التفاضل عندهم في المطعومات التي ليست مدخرة :أعنببي فببي الصببنف
الواحد منها ،ول يجوز الّنساء.
أما جواز التفاضل ،فلكونها ليسبت مبدخرة ،وقبد قيبل إن الدخبار شبرط فبي تحريبم
التفاضل في الصنف الواحد.
وأما منع الّنساء فيها فلكونها مطعومة مدخرة ،وقد قلنا إن الطعبم ببإطلق علببة لمنببع
الّنساء في المطعومات.
وأما الشافعية فعلة منع التفاضل عندهم في هببذه الربعببة هببو الطعببم فقببط مببع اتفبباق
الصنف الواحد.
وأما علة الّنساء فالطعم دون اعتبار الصنف مثل قول مالك.
وأما الحنفية فعلة منع التفاضل عندهم في الستة واحدة وهو الكيل أو الوزن مع اتفاق
الصنف ،وعلة الّنساء فيها اختلف الصنف ما عبدا النحباس والبذهب ،فبإن الجمباع
انعقد على أنه يجوز فيها الّنساء ،ووافق الشافعي مالكا في علة منع التفاضل والّنساء
في الذهب والفضة ،أعني أن كونهما رءوسا للثمان وقيما للمتلفات هو عنببدهم علببة
منع النسيئة إذا اختلف الصنف ،فإذا اتفقا منع التفاضبل ،والحنفيببة تعتببر فببي المكيببل
قببدرا يتببأتى فيببه الكيببل ،وسببيأتي أحكببام الببدنانير والببدراهم بمببا يخصببها فببي كتبباب
الصرف ،وأما هاهنا فالمقصود هو تبيين مذاهب الفقهاء في علببل الربببا المطلببق فببي
هذه الشياء ،وذكر عمدة دليل كل فريق منهم ،فنقول :إن الذين قصروا صنف الربببا
على هذه الصناف الستة فهم أحد صنفين :إما قببوم نفببوا القيبباس فببي الشببرع :أعنببي
استنباط العلل من اللفاظ وهم الظاهرية ،وإما قوم نفوا قياس الشبببه وذلببك أن جميببع
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
من ألحق المسكوت ههنا بالمنطوق به ،فإنما ألحقه بقياس الشبببه ل بقيبباس العلببة ،إل
ما حكي عن ابن الماجشون أنه اعتبر في ذلك المالية وقال :علة منع الربببا إنمببا هببي
حياطة الموال ،يريد منع العين.
وأما القاضي أبو بكببر الببباقلني فلمببا كببان قيبباس الشبببه عنببده ضببعيفا ،وكببان قيبباس
المعنى عنده أقوى منه اعتبر في هذا الموضع قيبباس المعنببى ،إذ لببم يتببأت لببه قيبباس
علة ،فألحق الزبيب فقط بهذه الصببناف الربعببة ،لنببه زعببم أنببه فببي معنببى التمببر،
ولكل واحد من هؤلء :أعني من القائسين دليل في اسببتنباط الشبببه الببذي اعتبببره فببي
إلحاق المسكوت عنه بالمنطوق به من هذه الربعة.
وأما الشافعية فإنهم قالوا في تثبيت علتهم الشبهية :إن الحكم إذا علق باسم مشببتق دل
على أن ذلك المعنى الذي اشتق منه السم هو علة الحكم مثل قوله تعببالى )والسببارق
والسارقة فاقطعوا أيببديهما( فلمبا علببق الحكبم بالسبم المشبتق وهببو السببارق علببم أن
الحكم متعلق بنفس السرقة.
قالوا :وإذا كان هذا هكذا ،وكان قد جاء من حديث سعيد بن عبببد الب أنببه قببال :كنببت
أسمع رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول" :الطعام بالطعام مثل بمثببل" فمببن البببين
أن الطعم هو الذي علق به الحكم.
وأما المالكية فإنها زادت علبى الطعببم إمبا صببفة واحبدة وهبو الدخبار علبى مببا فببي
الموطأ ،وإما صفتين وهو الدخار والقتيات على ما اختبباره البغببداديون ،وتمسببكت
في استنباط هذه العلة بأنه لو كان المقصود هو الطعم وحده لكتفى بالتنبيه على ذلك
بالنص على واحد من تلك الربعة أصناف المذكورة ،فلما ذكر منهببا عببددا علببم أنببه
قصد بكل واحد منها التنبيه على مافي معناه ،وهي كلها يجمعها القتيات والدخار.
أما البر والشعير فنبه بهما على أصناف الحبوب المدخرة ،ونبببه بببالتمر علببى جميببع
أنواع الحلوات المدخرة كالسكر والعسل والزبيب ،ونبه بالملح علببى جميببع التوابببل
المدخرة لصلح الطعام ،وأيضا فإنهم قالوا :لما كان معقول المعنببى فببي الربببا إنمببا
هو أن ل يغبن بعض الناس بعضببا وأن تحفببظ أمببوالهم ،فببواجب أن يكببون ذلببك فببي
أصول المعايش وهي القوات.
وأما الحنفية فعمدتهم في اعتبار المكيل والموزون أنه صلى ال عليه وسلم لمببا علببق
التحليل باتفاق الصنف واتفاق القدر ،وعلق التحريم باتفبباق الصببنف واختلف القببدر
في قوله صلى ال عليه وسلم لعامله بخيبببر مببن حببديث أبببي سببعيد وغيببره "إل كيل
بكيل يدا بيد" رأوا أن التقدير أعنببي الكيببل أو الببوزن هببو المببؤثر فببي الحكببم كتببأثير
الصنف ،وربما احتجوا بأحاديث ليست مشهورة فيها تنبيه قوي على اعتبار الكيل أو
الوزن.
منها أنهببم رووا فببي بعببض الحبباديث المتضببمنه المسببميات المنصببوص عليهببا فببي
حديث عببادة زيبادة ،وهبي كبذلك مبا يكبال ويبوزن ،وفبي بعضبها :وكبذلك المكيبال
والميزان ،هذا نص لو صحت الحبباديث ،ولكببن إذا تؤمببل المرمببن طريببق المعنببى
ظهر }وال أعلم{ أن علتهم أولى العلببل ،وذلببك أنببه يظهببر مببن الشببرع أن المقصببود
بتحريم الربا إنما هو لمكان الغبن الكثير الذي فيه ،وأن العدل في المعاملت إنما هو
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
مقاربة التساوي ،ولذلك لما عسر إدراك التساوي في الشياء المختلفبة البذوات جعبل
الدينار والدرهم لتقويمها :أعني تقديرها ،ولما كانت الشياء المختلفة الببذوات :أعنببي
غير الموزونة والمكيلة العدل فيها إنما هو في وجببود النسبببة ،أعنببي أن تكببون نسبببة
قيمة أحد الشيئين إلى جنسه نسبة قيمة الشيء لخر إلى جنسه ،مثببال ذلببك أن العببدل
إذا باع إنسان فرسا بثياب هو أن تكون نسبة قيمة ذلك الفرس إلى الفراس هي نسبة
قيمة ذلك الثوب إلى الثياب ،فإن كان ذلك الفرس قيمته خمسون فيجب أن تكون تلببك
الثياب قيمتها خمسون ،فليكن مثل الذي يساوي هذا القدر عددها هببو عشببرة أثببواب،
فإذا اختلف هذه المبيعات بعصها ببعض في العدد واجبة في المعاملة العدالة ،أعني
أن يكون عديل فرس عشرة أثواب في المثل.
وأما الشياء المكيلة والموزونببة ،فلمببا كببانت ليسببت تختلببف كببل الختلف ،وكببانت
منافعها متقاربة ولم تكن حاجة ضرورية لمن كان عنده منها صنف أن يستبدله بذلك
الصنف بعينه إل على جهة السرف كان العدل في هذا إنما هو بوجببود التسبباوي فببي
الكيل أو الوزن إذ كانت ل تتفاوت في المنببافع ،وأيضببا فببإن منببع التفاضببل فببي هببذه
الشببياء يببوجب أن ل يقببع فيهببا تعامببل لكببون منافعهببا غيببر مختلفببة ،والتعامببل إنمببا
يضطر إليه في المنافع المختلفة ،فإذا منببع التفاضببل فببي هببذه الشببياء أعنببي المكيلببة
والموزونة علتان :إحداهما وجود العدل فيها ،والثاني منع المعاملة إذا كانت المعاملة
بها من باب السرف.
وأما الدينار والدرهم فعلة المنع فيها أظهر إذ كانت هذه ليس المقصببود منهببا الربببح،
وإنما المقصود بها تقدير الشياء التي لها منافع ضرورية.
روى مالك عن سعيد بن المسيب أنه كببان يعتبببر فببي علببة الربببا فببي هببذه الصببناف
الكيل والطعم ،وهو معنى جيد لكون الطعم ضروريا في أقوات الناس ،فإنه يشبببه أن
يكون حفظ العين وحفظ السرف فيما هو قوت أهم منه فيما ليس هو قوتا.
وقد روي عن بعض التابعين أنه اعتبر في الربببا الجنبباس الببتي تجببب فيهببا الزكبباة،
وعن بعضهم النتفاع مطلقا????????
:أعني المالية ،وهو مذهب ابن الماجشون.
**4الفصل الثبباني .فببي معرفببة الشببياء الببتي يجببوز فيهببا التفاضببل ول يجببوز فيهببا
الّنساء.
@-فيجب من هذا أن تكون علة امتناع النسيئة في الربويبات هبي الطعبم عنبد مالبك
والشافعي .وأما في غير الربويات مما ليس بمطعوم ،فإن علة منع النسببيئة فيببه عنببد
مالك هو الصنف الواحد المتفق المنافع مع التفاضل ،وليس عند الشببافعي نسببيئة فببي
غير الربويات .وأما أبو حنيفة فعلة منع الّنساء عنببده هببو الكيببل فببي الربويببات وفببي
غير الربويات الصنف الواحد متفاضل كان أو غيببر متفاضببل ،وقببد يظهببر مببن ابببن
القاسم عن مالك أنه يمنع النسببيئة فبي هبذه ،لنبه عنبده مببن ببباب السببلف البذي يجبر
منفعة.
**4الفصل الثالث في معرفة ما يجوز فيه المران جميعا.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
@-وأما ما يجوز فيه المران جميعا :أعني التفاضل والّنساء ،فما لم يكن ربويا عند
الشافعي .وأما عند مالك فما لم يكببن ربويببا ول كببان صببنفا واحببدا متمبباثل أو صببنفا
واحدا بإطلق على مذهب أبي حنيفة ،ومالك يعتبر في الصنف المؤثر فببي التفاضببل
في الربويات ،وفي الّنساء في غير الربويات اتفاق المنببافع واختلفهببا ،فببإذا اختلفببت
جعلها صنفين ،وإن كان السم واحدا ،وأبو حنيفة يعتبر السم وكذلك الشببافعي ،وإن
كان الشافعي ليس الصنف عنده مؤثرا إل في الربويات فقط :أعني أنه يمنع التفاضل
فيه ،وليس هو عنببده علببة للّنسبباء أصببل ،فهببذا هببو تحصببيل مببذاهب هببؤلء الفقهبباء
الثلثة في هذه الفصول الثلث .فأما الشياء التي ل تجوز فيها النسيئة فإنها قسببمان:
منها ما ل يجوز فيها التفاضل وقد تقدم ذكرها ،ومنها ما يجوز فيهببا التفاضببل .فأمببا
الشياء التي ل يجوز فيها التفاضل فعلة امتنبباع النسببيئة فيهببا هببو الطعببم عنببد مالببك
وعند الشافعي الطعم فقط ،وعند أببي حنيفبة مطعومبات الكيبل والبوزن ،فبإذا اقبترن
بالطعم اتفاق الصنف حبرم التفاضبل عنببد الشببافعي ،وإذا اقببترن وصبف ثببالث وهببو
الدخببار حببرم التفاضببل عنببد مالببك ،وإذا اختلببف الصببنف جبباز التفاضببل وحرمببت
النسيئة .وأما الشياء التي ليببس يحببرم التفاضببل فيهببا عنببد مالببك فإنهببا صببنفان :إمببا
مطعومة ،وإما غير مطعومة .فأما المطعومة فالّنساء عنده ل يجوز فيها ،وعلة المنع
الطعم؛ وأما غير المطعومة فإنه ل يجوز فيهببا الّنسبباء عنببده فيمببا اتفقببت منبافعه مببع
التفاضل ،فل يجوز عنده شاة واحدة بشباتين إلبى أجبل إل أن تكبون إحبداهما حلوببة
والخببرى أكولبة ،هببذا هببو المشببهور عنبه؛ وقببد قيبل إنبه يعتببر اتفبباق المنببافع دون
التفاضل فعلى هذا ل يجوز عنده شاة حلوبة بشاة حلوبة إلببى أجببل .فأمببا إذا اختلفببت
المنافع فالتفاضل والنسيئة عنده جائزان وإن كان الصنف واحدا؛ وقيببل يعتبببر اتفبباق
السماء مع اتفاق المنافع ،والشببهر أن ل يعتبببر؛ وقببد قيببل يعتبببر .وأمببا أبببو حنيفببة
فالمعتبر عنده في منع الّنساء ما عببدا الببتي ل يجببوز عنببده فيهببا التفاضببل هببو اتفبباق
الصنف اتفقت المنافع أو اختلفت ،فل يجوز عنببده شبباة بشبباة ول بشبباتين نسببيئة وإن
اختلفت منافعها .وأما الشافعي فكل ما ل يجببوز التفاضببل عنببده فببي الصببنف الواحببد
يجوز فيه الّنساء ،فيجيز شاة بشاتين نسيئة ونقدا ،وكذلك شباة بشباة ،ودليبل الشببافعي
حديث عمرو بن العاص "أن رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم أمببره أن يأخببذ فببي
قلئص الصدقة البعير بالبعيرين إلى الصدقة" قالوا فهذا التفاضل في الجنس الواحببد
مع الّنساء .وأما الحنفية فاحتجت بحديث الحسن عن سمرة "أن رسول ال صلى البب
عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان" قالوا :وهذا يدل على تببأثير الجنببس علببى
النفراد في النسيئة .وأما مالك فعمدته في مراعاة منع الّنسباء عنبد اتفباق الغبراض
سد الذريعة ،وذلك أنه ل فائدة في ذلك إل أن يكون مببن ببباب سببلف يجببر نفعببا وهببو
يحرم ،وقد قيل عنه إنه أصل بنفسه ،وقد قيل عن الكوفيين إنه ل يجوز بيع الحيببوان
بالحيوان نسيئة اختلف الجنس أو اتفق على ظاهر حديث سمرة ،فكأن الشافعي ذهب
مذهب الترجيح لحديث عمرو بن العاص ،والحنفية لحديث سمرة مع التأويل له ،لن
ظاهره يقتضي أن ل يجوز الحيوان بالحيوان نسيئة اتفببق الجنببس أو اختلببف ،وكببأن
مالكا ذهب مذهب الجمع ،فحمل حديث سمرة على اتفاق الغراض ،وحديث عمببرو
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
بن العاص على اختلفهببا ،وسببماع الحسببن مببن سببمرة مختلببف فيببه ،ولكببن صببححه
الترمذي ،ويشهد لمالك ما رواه الترمذي عن جابر قببال :قببال رسببول الب صببلى الب
عليه وسلم "الحيوان اثنان بواحد ،ل يصلح الّنسبباء ول بببأس بببه يببدا بيببد" وقببال ابببن
المنذر :ثبت "أن رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم اشببترى عبببدا بعبببدين أسببودين،
واشترى جارية بسبعة أرؤس" وعلى هذا الحديث يكون بيع الحيوان بببالحيوان يشبببه
أن يكون أصل بنفسه ل من قبل سد ذريعة .واختلفوا فيما ل يجبوز بيعبه ّنسباء ،هبل
من شرطه التقابض في المجلس قبل الفتراق سائر الربويات بعد اتفاقهم في اشتراط
ذلك في المصارفة لقوله عليه الصببلة والسببلم "ل تبببيعوا منهببا غائبببا بنبباجز" فمببن
شرط فيها التقببابض فبي المجلبس شبببهها بالصببرف ،ومبن لببم يشببترط ذلبك قبال :إن
القبض قبل التفرق ليس شرطا في البيوع إل ما قام الدليل عليه ،ولما قام الدليل على
الصرف فقط بقيت سائر الربويات على الصل.
**4الفصل الرابع في معرفة ما يعد صنفا واحدا ،وما ل يعد صنفا واحدا.
@-واختلفوا من هذا الباب فيما يعد صنفا واحدا وهو المؤثر في التفاضل مما ل يعد
صنفا واحدا في مسائل كثيرة ،لكن نذكر منها أشببهرها ،وكببذلك اختلفببوا فببي صببفات
الصنف الواحد المؤثر في التفاضل ،هل من شرطه أن ل يختلف بببالجودة والببرداءة،
ول باليبس والرطوبة؟ فأما اختلفهم فيما يعد صنفا واحدا مما ل يعببد صببنفا واحببدا،
فمن ذلك القمح والشعير ،صار قوتا إلى أنهما صنف واحد ،وصار آخرون إلى أنهما
صببنفان ،فببالول قبال مالبك والوزاعبي ،وحكباه مالبك فبي الموطبأ عببن سببعيد بببن
المسيب؛ وبالثاني قال الشافعي وأبو حنيفة ،وعمدتهما السماع والقيبباس .أمببا السببماع
فقوله صلى ال عليبه وسبلم "ل تببيعوا الببر ببالبر والشبعير بالشبعير إل مثل بمثبل"
فجعلهما صنفين ،وأيضا فإن فبي بعبض طببرق حبديث عببادة ببن الصبامت "وبيعبوا
الذهب بالفضة كيف شئتم ،والبر بالشعير كيف شئتم ،والملببح بببالتمر كيببف شببئتم يببدا
بيد" ذكره عبد الببرزاق ووكيببع عببن الثببوري ،وصببحح هببذه الزيببادة الترمببذي .وأمببا
القياس فلنهما اختلفت أسماؤهما ومنافعهما ،فوجب أن يكونببا يكونببا صببنفين ،أصببله
الفضة والذهب وسائر الشياء المختلفة فببي السببم والمنفعببة .وأمببا عمببدة مالببك فببإنه
عمل سلفه بالمدينة .وأمببا أصببحابه فاعتمببدوا فببي ذلببك أيضببا السببماع والقيبباس .أمببا
السماع فما روي أن النبي عليببه الصببلة والسببلم قبال "الطعببام بالطعببام مثل بمثببل"
فقالوا :اسم الطعام يتناول البر والشعير وهذا ضعيف ،فإن هذا عام يفسره الحبباديث
الصحيحة .وأمببا مببن طريببق القيبباس فببإنهم عببددوا كببثيرا مببن اتفاقهمببا فببي المنببافع،
والمتفقة المنافع ل يجوز التفاضل فيها باتفبباق ،والسببلت عنببد مالببك والشببعير صببنف
واحد ،وأما القطية فإنها عنده صنف واحببد فببي الزكبباة ،وعنببه فببي البببيوع روايتببان:
إحداهما أنها صنف واحد ،والخببرى أنهببا أصببناف .وسبببب الخلف تعببارض اتفبباق
المنافع فيها واختلفها ،فمن غلب التفاق قببال :صببنف واحببد ،ومببن غلببب الختلف
قال :صنفان أو أصناف ،والرز والدخن والجاورس عنده صنف واحد.
@)-مسألة( واختلفوا من هذا الباب في الصنف الواحد من اللحم الذي ل يجببوز فيببه
التفاضل ،فقال مالك :اللحوم ثلثة أصناف :فلحم ذوات الربببع صببنف ،ولحببم ذوات
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الماء صنف ،ولحم الطير كله صببنف واحببد أيضببا ،وهببذه الثلثببة الصببناف مختلفببة
يجوز فيها التفاضل .وقال أبو حنيفة :كل واحد من هذه هو أنببواع كببثيرة ،والتفاضببل
فيه جائز إل في النوع الواحد بعينه .وللشافعي قولن :أحدهما مثل قول أبببي حنيفببة،
والخر أن جميعها صنف واحد .وأبو حنيفة يجيز لحم الغنم بالبقر متفاضببل ،ومالببك
ل يجيزه ،والشافعي ل يجيز بيببع لحببم الطيببر بلحببم الغنببم متفاضببل ،ومالببك يجيببزه.
وعمدة الشافعي قوله عليه الصببلة والسببلم "الطعببام بالطعببام مثل بمثببل" ولنهببا إذا
فارقتها الحياة زالت الصببفات الببتي كببانت بهببا تختلببف ،ويتناولهببا اسببم اللحببم تنبباول
واحدا .وعمدة المالكيببة أن هببذه الجنبباس مختلفببة ،فببوجب أن يكببون لحمهببا مختلفببا.
والحنفية تعتبر الختلف الذي في الجنس الواحد من هذه وتقول :إن الختلف الببذي
بين النواع التي في الحيوان ،أعني في الجنببس الواحببد منببه كأنببك قلببت الطببائر هببو
وزان الختلف الذي بين التمر والبر والشعير .وبالجملة فكل طائفة تدعي أن وزان
الختلف الذي بين الشياء المنصوص عليها الذي تبراه فببي اللحبم ،والحنفيببة أقبوى
من جهة المعنى ،لن تحريم التفاضل إنما هو عند اتفاق المنفعة.
@)-مسألة( واختلفوا من هذا الباب في بيع الحيوان بالميت على ثلثببة أقببوال :قببول
إنه ل يجوز بببإطلق ،وهببو قببول الشببافعي والليببث؛ وقببول إنببه يجببوز فببي الجنباس
المختلفة التي يجوز فيها التفاضل ،ول يجوز ذلك في المتفقببة :أعنببي الربويببة لمكببان
الجهل الذي فيها من طريق التفاضل ،وذلك في التي المقصود منها الكل ،وهو قببول
مالك ،فل يجوز شاة مذبوحة بشاة تببراد للكببل ،وذلببك عنببده فببي الحيببوان المببأكول،
حتى أنه ل يجيز الحي بالحي إذا كان المقصود الكل من أحدهما ،فهي عنده من هذا
الباب ،أعني أن امتناع ذلك عنده من جهبة الرببا والمزابنبة؛ وقبول ثبالث إنبه يجبوز
مطلقا ،وبه قال أبو حنيفة .وسبب الخلف معارضة الصول في هببذا الببباب لمرسببل
سعيد بن المسيب ،وذلك أن مالكا روى عن زيد بن أسلم عن سببعيد بببن المسببيب "أن
رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى عن بيببع الحيببوان ببباللحم" فمببن لببم تنقببدح عنببده
معارضة هذا الحديث لصل من أصول البيوع الببتي تببوجب التحريببم قببال بببه .ومببن
رأى أن الصول معارضة له وجب عليه أحد أمرين :إما أن يغلببب الحببديث فيجعلببه
أصل زائدا بنفسه أو يرده لمكان معارضة الصول له .فالشافعي غلب الحديث وأبببو
حنيفة غلب الصول ،ومالك رده إلى أصوله في الببيوع ،فجعبل الببيع فيبه مبن بباب
الربا ،أعني بيع الشيء الربوي بأصله ،مثل بيع الزيت بالزيتون وسيأتي الكلم على
هذا الصل ،فإنه الذي يعرفه الفقهاء بالمزابنببة ،وهببي داخلببة فببي الربببا بجهببة ،وفببي
الغرر بجهة ،وذلك أنها ممنوعة فبي الربويبات مبن جهبة الرببا والغبرر ،وفبي غيبر
الربويات من جهة الغرر فقط الذي سببه الجهل بالخارج عن الصل.
@)-مسألة( ومن هذا الباب اختلفهم في بيببع الببدقيق بالحنطببة مثل بمثببل ،فالشببهر
عن مالك جوازه ،وهو قول مالك في موطئه ،وروي عنببه أنببه ل يجببوز ،وهببو قببول
الشافعي وأبي حنيفة وابن الماجشون من أصحاب مالك؛ وقال بعض أصحاب مالببك:
ليس هو اختلفا مببن قببوله ،وإنمببا روايببة المنبع إذا كبان اعتبببار المثليببة بالكيبل ،لن
الطعام إذا صار دقيقا اختلف كيله ،ورواية الجواز إذا كان العتبار بالوزن .وأما أبو
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
حنيفة فالمنع عنده في ذلك من قبل أن أحدهما مكيل والخببر مببوزون .ومالببك يعتبببر
الكيل أو الوزن فيما جرت العادة أن يكال أو يوزن ،والعدد فيما ل يكببال ول يببوزن.
واختلفوا من هذا الببباب فيمببا تببدخله الصببنعة ممببا أصببله منببع الربببا فيببه مثببل الخبببز
بالخبز ،فقال أبو حنيفة :ل بأس ببيع ذلك متفاضل ومتماثل ،لنه قد خببرج بالصببنعة
عن الجنس الذي فيه الربا ،وقال الشافعي :ل يجوز متماثل فضل عن متفاضل ،لنه
قد غيرته الصببنعة تغيببرا جهلببت بببه مقبباديره الببتي تعتبببر فيهببا المماثلببة .وأمببا مالببك
فالشهر في الخبز عنده أنببه يجببوز متمبباثل ،وقببد قيببل فيببه أنببه يجببوز فيببه التفاضببل
والتسبباوي .وأمببا العجيببن بببالعجين فجببائز عنببده مببع المماثلببة .وسبببب الخلف هببل
الصنعة تنقله من جنس الربويات أو ليس تنقله ،وإن لم تنقله فهل تمكببن المماثلببة فيببه
أو ل تمكن؟ فقال أبببو حنيفببة :تنقلببه ،وقببال مالببك والشببافعي :ل تنقلببه .واختلفببوا فببي
إمكان المماثلة فيهما ،فكان مالببك يجيببز اعتبببار المماثلببة فببي الخبببز واللحببم بالتقببدير
والحزر فضل عن الوزن .وأما إذا كان أحد الربببويين لببم تببدخله صببنعة والخببر قببد
دخلته الصنعة ،فإن مالكا يرى في كثير منها أن الصنعة تنقله من الجنس :أعني مببن
أن يكون جنسا واحدا فيجيز فيها التفاضل ،وفببي بعضببها ليببس يببرى ذلببك ،وتفصبيل
مذهبه في ذلك عسير النفصال ،فاللحم المشوي والمطبببوخ عنببده مببن جنببس واحببد،
والحنطة المقلوة عنده وغير المقلببوة جنسببان ،وقببد رام أصببحابه التفصببيل فببي ذلببك،
والظاهر من مذهبه أنه ليس في ذلك قانون من قوله حتى ينحصببر فيببه أقببواله فيهببا،
وقد رام حصرها الباجي في المنتقي ،وكذلك أيضا يعسر حصر المنافع الببتي تببوجب
عنده التفاق في شيء شيء من الجناس التي يقع بها التعامل ،وتمييزها من التي ل
توجب ذلك :أعني فبي الحيبوان والعبروض والنببات .وسببب العسبر أن النسبان إذا
سئل عن أشياء متشبابهة فبي أوقبات مختلفبة ولبم يكبن عنبده قبانون يعمبل عليبه فبي
تمييزها إل ما يعطيه بادئ النظر في الحال جاوب فيها بجوابببات مختلفببة ،فببإذا جبباء
من بعده أحد فرام أن يجري تلك الجوبة على قانون واحد وأصل واحببد عسببر ذلببك
عليه ،وأنت تتبين ذلك من كتبهم ،فهذه هي أمهات هذا الباب.
@)-فصل( وأما اختلفهم في بيببع الربببوي الرطببب بجنسببه مببن اليببابس مببع وجببود
التماثل في القدر والتناجز ،فبإن السببب فببي ذلببك مببا روى مالبك عببن سببعد بببن أبببي
وقاص أنه قال "سمعت رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم يسببئل عببن شببراء التمببر
بالرطب ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ أينقص الرطب إذا جف؟ فقالوا :نعم،
فنهى عن ذلك" فأخذ به أكثر العلماء وقال :ل يجوز بيببع التمببر بببالرطب علببى حببال
مالك والشافعي وغيرهما .وقال أبببو حنيفببة :يجببوز ذلببك ،وخببالفه فببي ذلببك صبباحباه
محمد بن الحسببن وأبببو يوسببف .وقببال الطحبباوي بقببول أبببي حنيفببة .وسبببب الخلف
معارضة ظاهر حديث عبادة وغيره له ،واختلفهم فببي تصببحيحه ،وذلببك أن حببديث
عبادة اشترط في الجواز فقط المماثلة والمساواة ،وهذا يقتضي بظاهره حال العقببد ل
حال المآل؛ فمن غلب ظواهر أحبباديث الربويببات رد هببذا الحببديث؛ ومببن جعببل هببذا
الحديث أصل بنفسه قال :هو أمر زائد ومفسر لحبباديث الربويببات .والحببديث أيضببا
اختلف الناس في تصحيحه ولم يخرجه الشيخان .قال الطحاوي :خولف فيه عبد البب،
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
فرواه يحيى بن كثير عنه "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى عن بيببع الرطببب
بالتمر نسيئة" وقال :إن الذي يروي عنه هذا الحديث عن سببعد بببن أبببي وقبباص هببو
مجهول ،لكن جمهور الفقهاء صاروا إلى العمل به .وقال مالك في مببوطئه قياسببا بببه
على تعليل الحكم في هذا الحديث ،وكذلك كل رطب بيببابس مببن نببوعه حببرام :يعنببي
منع المماثلة كالعجين بالدقيق واللحم اليابس بالرطب وهو أحببد قسببمي المزابنببة عنببد
مالببك المنهببى عنهببا عنببده ،والعريببة عنببده مسببتثناة مببن هببذا الصببل ،وكببذلك عنببد
الشافعي ،والمزابنة المنهي عنها عند أبي حنيفة هو بيببع التمببر علببى الرض بببالتمر
في روءس النخيل لموضع الجهل بالمقدار الذي بينهما أعني بوجود التساوي ،وطرد
الشافعي هذه العلة في الشيئين الرطبين ،فلم يجز بيع الرطببب بببالرطب ،ول العجيببن
بالعجين مع التماثل ،لنه زعم أن التفاضل يوجد بينهما عند الجفاف .وخالفه في ذلك
جل مببن قبال بهببذا الحببديث .وأمببا اختلفهببم فببي بيببع الجيببد بببالرديء فببي الصببناف
الربوية ،فذلك يتصور بأن يباع منها صنف واحد وسط في الجودة بصنفين :أحببدهما
أجود من ذلك الصنف ،والخر أردأ ،مثل أن يبيع مببدين مببن تمببر وسببط بمببدين مببن
تمر أحدهما أعلى من الوسط ،والخر أدون منه ،فإن مالكببا يببرد هببذا لنببه يهمببه أن
يكون إنما قصد أن يدفع مدين من الوسط فببي مببد مببن الطيببب ،فجعببل معببه الرديببء
ذريعة إلى تحليل ما ل يجب من ذلك ،ووافقه الشافعي في هذا ،ولكببن التحريببم عنببده
ليس هو فيما أحسب لهذه التهمة لنه ل يعمل التهم ،ولكببن يشبببه أن يعتبببر التفاضببل
في الصفة ،وذلك أنه متى لم تكن زيادة الطيب على الوسط مثل نقصان الرديء عببن
الوسط ،وإل فليس هناك مساواة في الصفة .ومن هذا الباب اختلفهم فببي جببواز بيببع
صنف من الربويات بصنف مثله وعرض أو دنانير أو دراهم إذا كان الصبنف البذي
يجعل معه العرض أقل من ذلك الصنف المفرد أو يكون مع كل واحد منهما عببرض
والصنفان مختلفان في القدر ،فالول مثل أن يبيع كيليببن مببن التمببر بكيببل مببن التمببر
ودرهم ،والثاني مثل أن يبيع كيلين من التمر وثوب بثلثة أكيال مببن التمببر ودرهببم،
فقال مالك والشافعي والليث :إن ذلك ل يجوز ،وقال أبو حنيفببة والكوفيببون :إن ذلببك
جائز .فسببب الخلف هبل مببا يقابببل العببرض مببن الجنببس الرببوي ينبغبي أن يكبون
مساويا له في القيمة أو يكفي في ذلك رضا البائع ،فمببن قببال العتبببار بمسبباواته فببي
القيمة قال :ل يجوز لمكان الجهل بذلك ،لنه إذا لم يكن العرض مساويا لفضببل أحببد
الربويين على الثاني كان التفاضل ضرورة ،مثال ذلببك أنببه إن ببباع كيليببن مببن تمببر
بكيببل وثببوب فقببد يجببب أن تكببون قيمببة الثببوب تسبباوي الكيببل ،وإل وقببع التفاضببل
ضرورة .وأما أبو حنيفة فيكتفي في ذلببك بببأن يرضببى بببه المتبايعببان ،ومالببك يعتبببر
أيضا في هذا سد الذريعة ،لنه إنما جعل جاعل ذلك ذريعة إلى بيببع الصببنف الواحببد
متفاضل فهذه مشهورات مسائلهم في هذا الجنس.
**3باب في بيوع الذرائع الربوية.
@-وههنببا شببيء يعببرض للمتبببايعين إذا قببال أحببدهما للخببر بزيببادة أو نقصببان،
وللمتبايعين إذا اشترى أحدهما من صاحبه الشيء الذي باعه بزيادة أو نقصببان وهببو
أن يتصور بينهما من غير قصد إلى ذلك تبايع ربوي ،مثل أن يبيع إنسان من إنسببان
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
سلعة بعشرة دنانير نقدا ثم يشتريها منه بعشرين إلى أجل ،فإذا أضيفت البيعة الثانيببة
إلى الولى استقر المر على أن أحدهما دفع عشببرة دنببانير فببي عشببرين إلببى أجببل،
وهذا هو الذي يعرف ببيوع الجال .فنذكر من ذلك مسببألة فببي القالببة ،ومسببألة مببن
بيوع الجببال إذ كببان هببذا الكتبباب ليببس المقصببود بببه التفريببع ،وإنمببا المقصببود فيببه
تحصيل الصول.
@)-مسألة( لم يختلفوا أن من باع شيئا ما كأنك قلت عبدا بمائة دينار مثل إلى أجل،
ثم ندم البائع فسأل المبتاع أن يصرف إليه مبيعه ويدفع إليببه عشببرة دنببانير مثل نقببدا
أو إلى أجل ،أن ذلك يجوز وأنه ل بأس بذلك ،وأن القالة عنبدهم إذا دخلتهبا الزيبادة
والنقصان هي بيع مستأنف ،ول حرج في أن يبيع النسان الشببيء بثمببن ثببم يشببتريه
بأكثر منه ،لنه في هذه المسألة اشترى منه البائع الول العبد الذي باعه بالمائة التي
وجبت له وبالعشرة مثاقيل التي زادها نقدا أو إلببى أجببل ،وكببذلك ل خلف بينهببم لببو
كببان البببيع بمبائة دينبار إلبى أجبل والعشبرة مثاقيببل نقببدا أو إلببى أجبل .وأمبا إن نبدم
المشتري في هذه المسألة وسأل القالة على أن يعطي البائع العشرة المثاقيببل نقببدا أو
إلى أجل أبعد من الجل الذي وجبت فيه المائة ،فهنا اختلفوا ،فقبال مالببك؛ ل يجببوز،
وقال الشافعي :يجوز؛ ووجه مبباكره مببن ذلببك مالببك أن ذلببك ذريعببة إلببى قصببد بيببع
الذهب بالذهب إلى أجل وإلى بيع ذهب وعرض بببذهب ،لن المشببتري دفببع العشببرة
مثاقيل والعبد في المائة دينار التي عليببه ،وأيضببا يببدخله بيببع وسببلف كببأن المشببتري
باعه العبد بتسعين وأسلفه عشرة إلى الجل الذي يجب عليه قبضها من نفسه لنفسببه.
وأما الشافعي فهذا عنببده كلببه جببائز لنببه شببراء مسببتأنف ،ول فببرق عنببده بيببن هببذه
المسألة وبين أن تكون لرجبل علبى رجبل مبائة دينبار مؤجلبة ،فيشبتري منبه غلمبا
بالتسعين دينارا التي عليه ويتعجل له عشرة دنانير ،وذلك جائز بإجماع .قال :وحمل
الناس على التهم ل يجوز .وأما إن كان البيع الول نقببدا فل خلف فبي جبواز ذلببك،
لنه ليس يدخله بيع ذهببب بببذهب نسببيئة ،إل أن مالكببا كببره ذلببك لمببن هببو مببن أهببل
العينة :أعني الذي يداين الناس ،لنه عنده ذريعة لسلف في أكثر منه يتوصببلن إليببه
بما أظهرا من البيع من غير أن تكون له حقيقببة .وأمببا البببيوع الببتي يعرفوهببا ببببيوع
الجال ،فهي أن يبيع الرجل سلعة بثمن إلى أجل ثم يشتريها بثمن آخر إلى أجل آخر
أو نقدا.
) وهنا تسع مسائل إذا لم تكن هناك زيادة عرض اختلف منها في مسئلتين واتفق فببي
الباقي( وذلك أنه من باع شيئا إلى أجل ثم اشتراه ،فإمببا أن يشببتريه إلببى ذلببك الجببل
بعينه أو قبله أو بعده ،وفي كل واحد من هذه الثلثة إما أن يشتريه بمثل الثمببن الببذي
باعه به منه ،وإما بأقل ،وإما بأكثر يختلف من ذلك في اثنتين؛ وهو أن يشتريها قبببل
الجل نقدا بأقل من الثمن أو إلى أبعد من ذلك الجل بأكثر من ذلك الثمن .فعند مالك
وجمهور أهل المدينة أن ذلك ل يجوز .وقال الشافعي وداود وأبو ثببور يجببوز ،فمببن
منعه فوجه منعه اعتبار البيع الثباني ببالبيع الول ،فباتهمه أن يكببون إنمبا قصبد دفبع
الدنانير في أكثر منها إلى أجل ،وهببو الربببا المنهبي عنببه فبزور لبذلك هببذه الصببورة
ليتصل بها إلى الحرام مثل أن يقول قائل لخر :أسلفني عشرة دنانير إلى شهر وأرد
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
إليك عشرين دينارا ،فيقول :هذا ل يجوز ،ولكن أبيع منك هذا الحمببار بعشببرين إلببى
شهر ،ثم أشتريه منك بعشرة نقدا .وأما في الوجببوه الباقيببة فليببس يتهببم فيهببا لنببه إن
أعطى أكثر من الثمن في أقل من ذلك الجل لم يتهببم ،وكببذلك إن اشبتراها بأقبل مببن
ذلك الثمن إلى أبعد من ذلك الجببل ،ومببن الحجببة لمببن رأى هببذا الببرأي حببديث أبببي
العالية عن عائشة أنها سمعتها وقد قالت لها امرأة كانت أم ولد لزيد بببن أرقببم :يببا أم
المؤمنين إني بعت من زيد عبدا إلى العطاء بثمانمائة فاحتاج إلى ثمنه فاشتريته منببه
قبل محل الجل بستمائة ،فقالت عائشة :بئسما شريت ،وبئسما اشتريت ،أبلغببي زيببدا
أنه قد أبطل جهاده مع رسول ال صلى ال عليه وسلم إن لم يتببب ،قببالت :أرأيببت إن
تركت وأخذت الستمائة دينار؟ قالت :نعم }فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فلببه مببا
سلف{ وقال الشافعي وأصحابه :ل يثبت حديث عائشة ،وأيضا فإن زيببدا قببد خالفهببا،
وإذا اختلفت الصحابة فمذهبنا القياس ،وروي مثل قول الشافعي عن ابن عمببر .وأمببا
إذا حدث بببالمبيع نقببص عنببد المشببتري الول ،فببإن الثببوري وجماعببة مببن الكببوفيين
أجازوا لبببائعه بببالنظرة أن يشببتريه نقببدا بأقببل مببن ذلببك الثمببن وعببن مالببك فببي ذلببك
روايتان ،والصور التي يعتبرها مالك في الذرائع في هذه البيوع هي أن يتذرع منهببا
إلى :أنظرني أزدك ،أو إلى بيع ما ل يجوز متفاضل ،أو بيع مببا ل يجببوز َنسبباء ،أو
إلى بيع أو سلف ،أو إلى ذهب وعرض بذهب أو إلى :ضع وتعجببل ،أو بيببع الطعببام
قبل أن يسببتوفي ،أو بيببع أو صببرف ،فبإن هببذه هبي أصبول الربببا .ومبن هببذا الببباب
اختلفهم فيمن باع طعاما بطعام قبل أن يقبضه ،فمنعببه مالببك وأبببو حنيفبة وجماعبة،
وأجازه الشافعي والثوري والوزاعببي وجماعببة .وحجببة مببن كرهببه أنببه شبببيه ببببيع
الطعام بالطعام َنساء ،ومن أجازه لم ير ذلك فيه اعتبارا بترك القصد إلى ذلك .ومببن
ذلك اختلفهم فيمن اشترى طعاما بثمن إلى أجل معلوم ،فلما حل الجل لم يكببن عنببد
البائع طعام يدفعه إليه ،فاشترى من المشتري طعاما بثمببن يببدفعه إليببه مكببان طعببامه
الذي وجب له فأجاز ذلك الشافعي وقبال :ل فبرق بيبن أن يشبتري الطعبام مببن غيببر
المشتري الذي وجب له عليه أو من المشتري نفسه؛ ومنع مببن ذلببك مالببك ورآه مببن
الذريعة إلى بيع الطعام قبل أن يستوفي ،لنببه رد إليبه الطعببام البذي كبان ترتبب فببي
ذمته ،فيكون قد باعه منه قبل أن يستوفيه .وصورة الذريعة في ذلك أن يشتري رجل
من آخر طعاما إلى أجل معلوم ،فإذا حل الجل قال الذي عليببه الطعببام :ليببس عنببدي
طعام ،ولكن أشتري منك الطعام الذي وجب لك علببي ،فقببال هببذا ل يصببح لنببه بيببع
الطعام قبل أن يستوفي فيقول له :فبع طعاما مني وأرده عليك ،فيعرض مبن ذلببك مببا
ذكرناه ،أعني أن يرد عليه ذلك الطعام الذي أخذ منه ويبقى الثمن المببدفوع إنمببا هببو
ثمن الطعام الذي هو في ذمته.
وأما الشافعي فل يعتبر التهم كما قلنا وإنما يراعي فيما يحببل ويحببرم مببن البببيوع مببا
اشترطا وذكراه بألسنتهما وظهر من فعلهما لجماع العلماء علببى أنببه إذا قببال أبيعببك
هذه الدراهم بدراهم مثلها وأنظرك بهببا حببول أو شببهرا أنببه ل يجببوز ،ولببو قبال لببه:
أسلفني دراهم وأمهلني بها حول أو شهرا جاز ،فليببس بينهمببا إل اختلف لفببظ البببيع
وقصده ولفظ القصد وقرضببه ،ولمببا كببانت أصببول الربببا كمببا قلنببا خمسببة :أنظرنببي
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
أزدك ،والتفاضل ،والنساء ،وضع وتعجل ،وبيع الطعام قبل قبضه ،فإنه يظن أنه من
هذا الباب إذ فاعل ذلك يدفع دنانير ويأخذ أكثر منها من غير تكلف فعببل ول ضببمان
يتلق بذمته ،فينبغي أن نببذكر ههنببا هببذين الصببلين .أمببا :ضببع وتعجببل فأجببازه ابببن
عباس من الصحابة وزفر من فقهاء المصببار ،ومنعبه جماعببة منهبم اببن عمببر مببن
الصحابة ومالك وأبو حنيفة والثوري وجماعببة مببن فقهبباء المصببار ،واختلببف قببول
الشافعي في ذلك ،فأجاز مالك وجمهور من ينكر :ضع وتعجل ،أن يتعجل الرجل في
دينه المؤجل عرضا يأخذه وإن كانت قيمته أقل من دينه .وعمدة مببن لببم يجببز :ضببع
وتعجل أنه شبيه بالزيادة مع النظرة المجتمببع علببى تحريمهببا ،ووجببه شبببهه بهببا أنببه
جعل للزمان مقدارا من الثمن بدل منه في الموضعين جميعببا ،وذلببك أنببه هنالببك لمببا
زاد له في الزمان زاد له عرضه ثمنا ،وهنا لما حط عنه الزمان حط عنه في مقابلته
ثمنا .وعمدة من أجازه ما روي عن ابن عباس "أن النبي صلى ال ب عليببه وسببلم لمببا
أمر بإخراج بني النضير جاءه ناس منهم فقالوا :يا نبي ال إنك أمرت بإخراجنا ولنببا
على الناس ديون لم تحل ،فقال رسول ال صببلى الب عليببه وسببلم :ضببعوا وتعجلببوا"
فسبب الخلف معارضة قياس الشبه لهذا الحديث.
وأما بيع الطعام قبل قبضه ،فإن العلماء مجمعون علببى منببع ذلببك إل مببا يحكببى عببن
عثمان البتي .وإنما أجمع العلماء على ذلك لثبوت النهي عنه عببن رسببول ال ب صببلى
ال عليه وسلم من حديث مالك عن نافع عن عبد ال بببن عمببر أن رسببول الب صببلى
ال عليه وسلم قال "من ابتاع طعاما فل يبعه حتى يقبضه" .واختلف من هذه المسألة
فببي ثلثببة مواضببع أحببدها :فيمببا يشببترط فيببه القبببض مببن المبيعببات .والثبباني :فببي
الستفادات التي يشترط في بيعها القبض من التي ل يشترط .والثالث :في الفرق بين
ما يباع من الطعام مكيل وجزافا ،ففيه ثلثة فصول:
**4الفصل الول فيما يشترط فيه القبض من المبيعات.
@-وأما بيع ما سوى الطعام قبل القبض فل خلف في مذهب مالك في إجازته وأما
الطعام الربوي فل خلف في مذهبه أن القبض شرط في بيعه .وأما غير الربوي من
الطعام فعنه في ذلك روايتان :إحداهما المنع وهي الشهر ،وبها قال أحمد وأبو ثور،
إل أنهما اشترطا مع الطعم الكيل والوزن .والرواية الخرى الجواز .وأما أبو حنيفببة
فالقبض عنده شرط في كل مبيع ما عدا المبيعات التي ل تنتقل ول تحول مببن الببدور
والعقار .وأما الشافعي فإن القبض عنده شرط في كل مبيع ،وبه قببال الثببوري ،وهببو
مروي عن جابر بن عبد ال وابن عباس .وقال أبو عبيد وإسحاق :كل شيء ل يكببال
ول يوزن فل بأس ببيعه قبل قبضه ،فاشترط هؤلء القبض فببي المكيببل والمببوزون،
وبه قال اببن حببيب وعببد العزيبز اببن أببي سبلمة وربيعبة ،وزاد هبؤلء مبع الكيبل
والببوزن المعببدود ،فيتحصببل فببي اشببتراط القبببض سبببعة أقببوال :الول :فببي الطعببام
الربوي فقط .والثاني :في الطعببام بببإطلق .الثببالث :فببي الطعببام المكيببل والمببوزون.
الرابع :في كل شيء ينقل .الخامس :في كل شيء .السادس :فببي المكيببل والمببوزون.
السابع :في المكيل والموزون والمعدود .أما عمدة مالك في منعه ما عدا المنصببوص
عليه فدليل الخطاب في الحديث المتقدم .وأما عمدة الشافعي في تعميببم ذلببك فببي كببل
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
بيع فعموم قوله عليه الصلة والسلم "ل يحل بيع وسلف ول ربح ما لببم يضببمن ول
بيع ما ليس عندك" وهذا من باب بيع ما لم يضمن ،وهذا مبنببي علببى مببذهبه مببن أن
القبض شرط في دخول المبيع في ضمان المشتري ،واحتج أيضببا بحببديث حكيببم بببن
حزام قال :قلت "يا رسول ال إني اشتري بيوعا فما يحل لي منها وما يحببرم؟ فقببال:
يا ابن أخي إذا اشتريت بيعا فل تبعه حتى تقبضه" قال أبببو عمببر :حببديث حكيببم مببن
حزام رواه يحيى بن أبي كثير عن يوسف بن ماهك أن عبد ال بن عصببمة حببدثه أن
حكيم ابن حزام قال :ويوسف بن ماهك وعبد ال بن عصببمة ل أعببرف لهمببا جرحببة
إل أنه لم يرو عنهما إل رجل واحد فقط ،وذلك في الحقيقة ليببس بجرحببة وإن كرهببه
جماعة من المحدثين .ومن طريق المعنى أن بيع ما لم يقبض يتطرق منه إلى الربببا،
وإنما استثنى أبو حنيفة ما يحول وينقل عنده مما ل ينقل ،لن ما ينقببل القبببض عنببده
فيه هي التخلية .وأما من اعتبببر الكيببل والببوزن ،فلتفبباقهم أن المكيببل والمببوزون ل
يخرج من ضمان البائع إلى ضمان المشتري إل بالكيل أو الوزن وقد نهببي عببن بيببع
ما لم يضمن.
**4الفصل الثاني .في الستفادات التي يشترط في بيعها القبض من التي ل يشترط.
@-وأما ما يعتبر ذلك فيه مما ل يعتبببر ،فببإن العقببود تنقسببم أول إلببى قسببمين :قسببم
يكبون بمعاوضبة ،وقسبم يكبون بغيبر معاوضبة كالهببات والصبدقات .والبذي يكبون
بمعاوضة ينقسم ثلثة أقسام :أحدها يختص بقصببد المعاينببة والمكايسببة وهببي البببيوع
والجارات والمهور والصلح والمببال المضببمون بالتعببدي وغيببره .والقسببم الثبباني ل
يختص بقصد المغابنة ،وإنما يكون على جهببة الرفببق وهببو القببرض .والقسببم الثببالث
فهو ما يصح أن يقع على الوجهين جميعببا :أعنببي علببى قصببد المغابنببة وعلببى قصببد
الرفق ،كالشركة والقالة والتولية وتحصيل أقوال العلمبباء فببي هببذه القسببام .أمببا مببا
كان بيعا وبعوض فل خلف في اشتراط القبض فيه ،وذلك في الشيء الببذي يشببترط
فيه القبض واحد واحد من العلماء .وأما ما كبان خالصببا للرفبق :أعنببي القبرض ،فل
خلف أيضا أن القبض ليس شرطا في بيعه أعني أنه يجوز للرجل أن يبببيع القببرض
قبل أن يقبضه .واستثنى أبو حنيفة ممببا يكببون بعببوض المهببر والخلببع ،فقببال :يجببوز
بيعهما قبل القبض .وأما العقود التي تتردد بين قصببد الرفببق والمغابنببة وهببي التوليببة
والشركة والقالة ،فإذا وقعت على وجه الرفق من غيببر أن تكببون القالببة أو التوليببة
بزيادة أو نقصان ،فل خلف أعلمه في المببذهب أن ذلببك جببائز قبببل القبببض وبعببده،
وقال أبو حنيفة والشافعي :ل تجوز الشركة ول التولية قبببل القبببض ،وتجببوز القالببة
عندهما لنهببا قبببل القبببض فسببخ بيببع ل بيببع .فعمببدة مببن اشببترط القبببض فببي جميببع
المعاوضات أنها في معنى البيع المنهي عنببه ،وإنمببا اسببتثنى مالببك مببن ذلببك التوليببة
والقالة والشركة للثر والمعنى .أما الثر فما رواه من مرسل سعيد بن المسببيب أن
رسول ال صلى ال عليه وسلم قال "من ابتاع طعاما فل يبعه حتى يسببتوفيه" إل مببا
كان من شركة أو تولية أو إقالة .وأما من طريق المعنى فإن هذه إنما يراد بها الرفق
ل المغابنة إذا لم تدخلها زيادة أو نقصان ،وإنما استثنى من ذلك أبببو حنيفببة الصببداق
والخلع والجعل ،لن العوض في ذلك ليس بينا إذا لم يكن عينا.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
@-وهي البيوع المنهي عنها من قبل الغبببن الببذي سببببه الغببرر ،والغببرر يوجبد فبي
المبيعات من جهة الجهل على أوجه :إما من جهببة الجهببل بتعييببن المعقببود عليببه ،أو
تعيين العقد ،أو من جهة الجهل بوصف الثمن والمثمببون المبببيع ،أو بقببدره أو بببأجله
إن كان هنالك أجل ،وإما من جهة الجهل بوجوده أو تعذر القدرة عليببه ،وهببذا راجببع
إلى تعذر التسليم ،وإما من جهة الجهل بسلمته :أعني بقاءه ،وههنا بيوع تجمع أكثر
هذه أو بعضها ،ومن البيوع التي توجد فيها هذه الضروب من الغببرر بيببوع منطببوق
بها وبيوع مسكوت عنها ،والمنطوق به أكثره متفبق عليبه ،وإنمبا يختلبف فبي شبرح
أسمائها ،والمسكوت عنه مختلف فيه .ونحن نذكر أول المنطوق به في الشببرع ،ومببا
يتعلق به من الفقه ،ثم نذكر بعد ذلك مببن المسببكوت عنببه مببا شببهر الخلف فيببه بيببن
فقهاء المصار ليكون كالقانون في نفس الفقه :أعنبي فبي رد الفبروع إلبى الصبول.
فأما المنطوق به في الشرع فمنه "نهيه صلى ال عليه وسببلم عببن بيببع حبببل الحبلببة"
ومنها "نهيه عن بيه ما لم يخلق ،وعن بيع الثمار حتى تزهببى ،وعببن بيببع الملمسببة
والمنابذة ،وعن بيع الحصاة" ومنها "نهيه عن المعاومة ،وعن بيعتين في بيعة ،وعن
بيع وشرط ،وعن بيع وسلف ،وعن بيببع السببنبل حببتى يبببيض والعنببب حببتى يسببود"
"ونهيه عن المضامين والملقيح" .أما بيع الملمسة فكانت صورته فببي الجاهليببة أن
يلمس الرجل الثوب ول ينشره أو يبتبباعه ليل ،ول يعلببم مببا فيببه ،وهببذا مجمببع علببى
تحريمه ،وسبب تحريمه الجهل بالصفة .وأما بيع المنابذة فكان أن ينبذ كل واحد مببن
المتبايعين إلى صاحبه الثوب من غير أن يعين أن هذا بهذا ،بل كببانوا يجعلببون ذلببك
راجعا إلى التفاق .وأما بيع الحصاة ،فكانت صورته عندهم أن يقببول المشببتري :أي
ثوب وقعت عليه الحصاة التي أرمي بها فهو لي ،وقيل أيضا إنهم كانوا يقولببون :إذا
وقعت الحصاة من يدي فقد وجب البيع وهذا قمار.
وأما بيع حبل الحبلة ففيه تأويلن :أحدهما أنها كببانت بيوعببا يؤجلونهببا إلببى أن تنتببج
الناقة ما في بطنها ثم ينتج ما في بطنها ،والغرر من جهة الجل في هذا بيببن؛ وقيببل
إنمببا هببو بيببع جنيببن الناقببة ،وهببذا مببن ببباب النهببي عببن بيببع المضببامين والملقيببح.
والمضامين :هي ما في بطون الحوامل ،والملقيح :ما في ظهور الفحول ،فهذه كلهببا
بيوع جاهلية متفق على تحريمها ،وهي محرمة من تلك الوجه التي ذكرناهببا .وأمببا
بيع الثمار ،فإنه ثبببت عنببه عليببه الصببلة والسببلم "أنببه نهببى عببن بيعهببا حببتى يبببدو
صلحها وحتى تزهى" ويتعلق بذلك مسائل مشهورة نذكر منها نحن عيونهببا .وذلببك
أن بيع الثمار ل يخلو أن تكون قبل أن تخلق أو بعد أن تخلق ،ثببم إذا خلقببت ل يخلببو
أن تكون بعد الصرام أو قبلببه ،ثببم إذا كببان قبببل الصببرام فل يخلببو أن تكببون قبببل أن
تزهى أو بعد أن تزهى ،وكل واحد من هذين ل يخلو أن يكون بيعا مطلقببا أو بشببرط
التبقية أو بشرط القطع .أما القسم الول وهو بيع الثمار قبل أن تخلق فجميببع العلمبباء
مطبقون على منع ذلك ،لنه من باب النهببي عببن بيببع مببا لببم يخلببق ،ومببن ببباب بيببع
السنين والمعاومة .وقد روي عنه عليه الصلة والسببلم "أنببه نهببى عببن بيببع السببنين
وعن بيع المعاومة ،وهي بيع الشجر أعوامببا" إل مببا روي عببن عمببر ابببن الخطبباب
وابن الزبير أنهما كانا يجيزان بيع الثمار سنين .وأمببا بيعهببا بعببد الصببرام فل خلف
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
في جوازه .وأما بيعها بعد أن خلقت فأكثر العلمبباء علببى جببواز ذلببك علببى التفصببيل
الذي نذكره ،إل ما روي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ،وعن عكرمة أنببه ل يجببوز
إل بعد الصرام ،فإذا قلنا بقول الجمهور إنه يجوز قبببل الصببرام ،فل يخلببو أن تكببون
بعد أن تزهى أو قبل أن تزهى ،وقد قلنا إن ذلك ل يخلو أن يكون بيعا مطلقا أو بيعببا
بشرط القطع أو بشرط التبقية .فأمببا بيعهببا قبببل الزهببو بشببرط القطببع فل خلف فببي
جوازه إل ما روي عن الثوري وابن أبي ليلى من منببع ذلببك ،وهببي روايببة ضببعيفة.
وأما بيعها قبل الزهو بشرط التبقية فل خلف في أنه ل يجببوز إل مببا ذكببره اللخمببي
من جوازه تخريجا على المذهب .وأمببا بيعهببا قبببل الزهببو مطلقببا ،فبباختلف فببي ذلببك
فقهاء المصببار ،فجمهببورهم علببى أنببه ل يجببوز :مالببك والشببافعي وأحمببد وإسببحاق
والليث والثوري وغيرهم .وقال أبو حنيفة :يجوز ذلببك إل أنببه يلببزم المشببتري عنببده
فيه القطع ل من جهة ما هو بيع ما لم يره بل من جهة أن ذلببك شببرط عنببده فبي بيبع
الثمر على ما سيأتي بعد.
أما دليل الجمهور على منع بيعها مطلقا قبل الزهو ،فالحبديث الثبابت عبن اببن عمبر
"أن رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى عن بيع الثمببار حببتى يبببدو صببلحها ،نهببى
البائع والمشتري" فعلم أن ما بعد الغاية بخلف ما قبل الغاية ،وأن هذا النهي يتنبباول
البيع المطلق بشرط التبقية ،ولما ظهر للجمهور أن المعنى في هذا خوف مببا يصببيب
الثمار الجائحة غالبا قبل أن تزهى لقوله عليه الصببلة والسببلم فبي حبديث أنببس بببن
مالك بعد نهيه عن بيع الثمرة قبل الزهو "أرأيت إن منع ال الثمبرة فببم يأخبذ أحبدكم
مال أخيه؟" لم يحمل العلماء النهي في هذا على الطلق :أعني النهي عن البيع قبببل
الزهاء بل رأى أن معنى النهي هو بيعه بشرط التبقية إلى الزهباء ،فأجبازوا بيعهبا
قبل الزهاء بشرط القطع .واختلفوا إذا ورد البيع مطلقببا فببي هببذه الحببال هببل يحمببل
على القطع وهو الجائز ،أو على التبقية الممنوعة؟ فمن حمل الطلق علببى التبقيببة،
أو رأى أن النهي يتناوله بعمومه قال :ل يجوز؛ ومن حمله على القطع قببال :يجببوز،
والمشهور عن مالك أن الطلق محمول على التبقية ،وقد قيل عنه إنه محمول علببى
القطع .وأما الكوفيون فحجتهم في بيع الثمار مطلقا قبببل أن تزهببى حببديث ابببن عمببر
الثابت أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال "من باع نخل قد أبرت فثمرتها للبببائع
إل أن يشببترطها المبتبباع" قببالوا :فلمببا جبباز أن يشببترطه المبتبباع جبباز بيعببه مفببردا،
وحملوا الحديث الوارد بالنهي عن بيع الثمار قبببل أن تزهببى علببى النببدب ،واحتجببوا
لذلك بما روي عن زيد بن ثابت قال" :كان الناس في عهد رسول ال صلى ال عليه
وسلم يتبايعون الثمار قبل أن يبدو صلحها ،فببإذا جببد النبباس وحضببر تقاضببيهم قببال
المبتاع :أصاب الثمر الزمان أصابه ما أضر به قشببام ومببراض لعاهببات يببذكرونها،
فلما كثرت خصومتهم عند النبي قال كالمشورة يشير بها عليهم :ل تبيعوا الثمر حتى
يبدو صلحها" وربما قالوا :إن المعنى الذي دل عليه الحديث فببي قببوله "حببتى يبببدو
صلحه" هو ظهور الثمرة بببدليل قببوله عليببه الصببلة والسببلم "أرأيببت إن منببع الب
الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه؟"
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وقد كان يجب على من قال من الكوفيين بهذا القول ولم يكن يرى رأي أبو حنيفة في
أن من ضرورة بيع الثمار القطع أن يجيز بيع الثمر قبببل بببدو صببلحها علببى شببرط
التبقية ،فالجمهور يحملون جواز بيع الثمار بالشرط قبببل الزهبباء علببى الخصببوص:
أعني إذا بيع الثمر مع الصل .وأما شراء الثمببر مطلقببا بعببد الزهببو فل خلف فيببه،
والطلق فيه عند جمهور فقهاء المصار يقتضي التبقية ،بببدليل قببوله عليبه الصبلة
والسلم "أرأيت إن منع ال الثمرة" الحديث .ووجه الدليل منه أن الجوائح إنما تطببرأ
في الكثر على الثمار قبل بدو الصلح ،وأما بعد بببدو الصببلح فل تظهببر إل قليل،
ولو لم يجب في المبيع بشرط التبقية لم يكن هنالك جائحة تتوقبع ،وكبان هبذا الشبرط
باطل .وأما الحنفية فل يجوز عندهم بيع الثمر بشرط التبقية ،والطلق عنببدهم كمببا
قلنا محمول على القطع ،وهو خلف مفهوم الحبديث ،وحجتهبم أن نفبس بيبع الشبيء
يقتضي تسليمه وإل لحقه الغرر ،ولذلك لم يجز أن تباع العيان إلى أجل .والجمهور
على أن بيع الثمار مستثنى من بيع العيان إلى أجل لكون الثمر ليس يمكن أن ييبس
كله دفعة ،فالكوفيون خالفوا الجمهور في بيع الثمار في موضعين :أحدهما في جببواز
بيعها قبل أن تزهى.
والثاني في منع تبقيتها بالشرط بعد الزهاء أو بمطلق العقد ،وخلفهببم فببي الموضببع
الول أقوى من خلفهم في الموضع الثاني :أعني في شرط القطع وإن أزهى ،وإنمببا
كان خلفهم في الموضع الول أقرب ،لنه مببن ببباب الجمببع بيببن حببديثي ابببن عمببر
المتقدمين ،لن ذلك أيضببا مببروي عببن عمببر بببن الخطبباب وابببن الزبيببر ،وأمببا بببدو
الصلح الذي جوز رسول ال صلى ال عليه وسلم البببيع بعببده ،فهببو أن يصببفر فيببه
البسر ويسببود فيببه العنببب إن كبان ممبا يسببود ،وبالجملببة أن تظهببر فبي الثمبر صببفة
الطيب ،هذا هو قول جماعة فقهاء المصار لما رواه مالك عن حميد عببن أنببس "أنببه
صلى ال عليه وسلم سئل عن قوله حتى يزهى ،فقال :حتى يحمر" وروي عنه عليببه
الصلة والسلم "أنه نهى عن بيع العنب حتى يسود ،والحب حتى يشببتد" وكببان زيببد
بن ثابت في رواية مالك عنه ل يبيع ثماره حبتى تطلبع الثريببا ،وذلببك لثنبتي عشببرة
ليلة خلت من أيار وهو مايو ،وهو قول ابن عمر أيضا "سببئل عببن قببول رسببول الب
صلى ال عليه وسلم إنه نهى عن بيع الثمار حتى تنجو من العاهببات ،فقببال عبببد الب
بن عمر :ذلك وقت طلوع الثريا" وروي عن أبي هريرة عن النبببي صببلى الب عليببه
وسلم قال "إذا طلع النجم صباحا رفعت العاهات عببن أهببل البلببد" وروى ابببن القاسببم
عن مالك أنه ل بأس أن يباع الحائط وإن لم يزه إذا أزهى ما حوله مببن الحيطببان إذا
كان الزمان قد أمنت فيه العاهة ،يريد }وال أعلم{ طلوع الثريا ،إل أن المشهور عنه
أنه ل يباع حائط حتى يبدو فيببه الزهببو ،وقببد قيببل إنببه ل يعتبببر مببع الزهبباء طلببوع
الثريا .فالمحصببل فببي بببدو الصبلح للعلمبباء ثلثبة أقبوال :قبول إنببه الزهباء ،وهبو
المشهور ،وقول إنه طلوع الثريبا ،وإن لبم يكبن فبي الحبائط فبي حيبن الببيع إزهباء؛
وقول :المران جميعا .وعلى المشهور من اعتبار الزهبباء يقببول مالببك إنببه إذا كببان
في الحائط الواحد بعينه أجناس من الثمر مختلفة الطيب لبم يببع كبل صبنف منهببا إل
بظهور الطيب فيه ،وخالفه في ذلك الليث.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وأما النواع المتقاربة الطيب فيجوز عنده بيع بعضها بطيب البعض ،وبدو الصببلح
المعتبر عن مالك في الصنف الواحد من الثمر هو وجود الزهاء فببي بعضببه ل فببي
كله إذا لك يكن ذلك الزهاء مبكرا في بعضه تبكيرا يتراخى عنه البعض بل إذا كان
متتابعا ،لن الوقت الذي تنجو الثمرة فيه في الغالب من العاهات هببو إذا بببدا الطيببب
في الثمرة ابتداء متناسقا غير منقطع .وعند مالك أنه إذا بدا الطيببب فببي نخلببة بسببتان
جاز بيعه وبيع البساتين المجاورة له إذا كان نخببل البسبباتين مببن جنببس واحببد .وقببال
الشافعي :ل يجوز إل بيع نخل البستان الذي يظهببر فيببه الطيببب فقببط .ومالببك اعتبببر
الوقت الذي تؤمن فيه العاهة إذا كان الوقت واحببدا للنببوع الواحببد .والشببافعي اعتبببر
نقصان خلقة الثمر ،وذلك أنه إذا لم يطب كان من بيع ما لم يخلق ،وذلببك أمببن صببفة
الطيب فيه وهي مشتراة لم تخلق بعد ،لكن هذا كما قال ل يشترط في كل الثمببرة بببل
في بعض ثمرة جنة واحدة ،وهذا لم يقل به أحد ،فهذا هو مشهور ما اختلفوا فيه مببن
بيع الثمار.
ومن المسموع الذي اختلفوا فيه من هذا الباب ما جاء عنه عليه الصلة والسببلم مببن
النهي عن بيع السنبل حتى يبيض والعنب حتى يسود ،وذلببك أن العلمبباء اتفقببوا علببى
أنه ل يجوز بيع الحنطببة فببي سببنبلها دون السببنبل ،لنببه بيببع مببا لببم تعلببم صببفته ول
كثرته .واختلفوا في بيع السنبل نفسه مع الحبب ،فجبوز ذلبك جمهبور العلمباء :مالبك
وأبو حنيفة وأهل المدينة وأهل الكوفة؛ وقال الشافعي :ل يجوز بيع السنبل نفسه وإن
اشتد ،لنبه مبن بباب الغبرر وقياسبا علبى بيعبه مخلوطبا بتبنبه بعبد البدرس .وحجبة
الجمهور شيئان :الثر والقيبباس :فأمببا الثببر فمببا روي عببن نببافع عببن ابببن عمببر أن
رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى عن بيع النخيل حتى تزهى ،وعن السببنبل حببتى
تيبض وتأمن العاهة ،نهي البائع والمشتري" وهي زيادة على ما رواه مالك مببن هببذا
الحديث ،والزيادة إذا كانت من الثقة مقبولة وروي عن الشافعي أنه لما وصببلته هببذه
الزيادة رجع عن قوله ،وذلك أنه ل يصح عنده قياس مببع وجببود الحببديث .وأمببا بيببع
السنبل إذا أفرك ولم يشتد فل يجوز عند مالك إل على القطع .وأما بيببع السببنبل غيببر
محصود ،فقيل عن مالك يجوز ،وقيل ل يجوز ،إل إذا كان في حزمه .وأما بيعه في
تبنه بعد الدرس فل يجوز بل خلف فيما أحسب ،هذا إذا كببان جزافببا ،فأمببا إذا كببان
مكيل فجائز عند مالك ،ول أعرف فيه قول لغيره واختلف الذين أجازوا بيببع السببنبل
إذا طاب على من يكون حصاده ودرسه؛ فقال الكوفيون :على البائع حتى يعمله حبببا
للمشتري؛ وقال غيرهم :هو على المشتري.
ومن هذا الباب ما ثبت "أن رسول ال صببلى الب عليببه وسببلم نهببى عببن بيعببتين فببي
بيعة" وذلك من حديث ابن عمر وحديث ابن مسببعود وأبببي هريببرة ،قببال أبببو عمببر:
وكلهببا مببن نفببل العببدول ،فبباتفق الفقهبباء علببى القببول بمببوجب هببذا الحببديث عمومببا؛
واختلفوا في التفصيل ،أعني في الصورة التي ينطلق عليها السم من التي ل ينطلببق
عليها واتفقوا أيضا على بعضها ،وذلبك يتصببور علبى ثلثببة وجببوه :أحببدها إمبا فبي
مثمونين بثمنين ،أو مثمون واحد بثمنين ،أو مثمونين بثمن واحد على أن أحد البيعين
قد لزم .أما في مثمونين بثمنين ،فإن ذلك يتصور على وجهين :أحدهما أن يقببول لببه:
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
أبيعك هذه السلعة بثمن كذا على أن تبيعني هذه الدار بثمن كذا؛ والثاني أن يقول لببه:
أبيعك هذه السلعة بدينار أو هذه الخرى بببدينارين .وأمببا بيببع مثمببون واحببد بثمنيببن،
فإن ذلك يتصبور أيضبا علبى وجهيبن :أحبدهما أن يكبون أحبد الثمنيبن نقبدا والخبر
نسيئة ،مثل أن يقول له :أبيعك هذا الثوب نقدا بثمببن كببذا علببى أن أشببتريه منببك إلببى
أجل كذا بثمن كذا ،وأما مثمونان بثمن واحببد ،فمثبل أن يقبول لبه :أبيعببك أحبد هبذين
بثمن كذا ،فأما الوجه الول ،وهو أن يقول له :أبيعك هذه الدار بكذا علببى أن تبببيعني
هببذا الغلم بكببذا ،فنببص الشببافعي علببى أنببه ل يجببوز ،لن الثمببن فببي كليهمببا يكببون
مجهول ،لنه لو أفرد المبيعين لم يتفقا في كل واحد منهما على الثمن الذي اتفقا عليه
في المبيعين في عقد واحد.
)يتبع(...
@)تابع- :(1 ...وهي البيوع المنهي عنها من قبل الغبن الذي سببه الغرر ،والغببرر
يوجد في... ...
وأصل الشافعي في رد بيعتين في بيعة إنما هو جهل الثمن أو المثمببون .وأمببا الببوجه
الثاني ،وهو أن يقول :أبيعك هذه السببلعة بببدينار أو هببذه الخببرى بببدينارين علببى أن
البيع قد لزم في أحدهما فل يجوز عند الجميع ،وسببواء كببان النقببد واحببدا أو مختلفببا؛
وخالف عبد العزيز بن أبي سلمة في ذلببك ،فأجببازه إذا كببان النقببد زاحببدا أو مختلفببا،
وعلة منعه عند الجميع الجهل؛ وعند مالك من باب سد الذرائع لنه ممكن أن يختببار
في نفسه أحد الثوبين ،فيكون قد باع ثوبا ودينارا بثوب ودينار ،وذلك ل يجبوز علبى
أصل مالك .وأما الوجه الثالث ،وهو أن يقول له :أبيعك هذا الثوب نقدا بكذا أو نسيئة
بكذا ،فهذا إذا كان البيع فيه واجبا فل خلف في أنه ل يجوز ،وأما إذا لببم يكببن البببيع
لزما في إحدهما فأجازه مالك ،ومنعه أبو حنيفة والشافعي ،لنهما افترقبا علبى ثمبن
غير معلوم؛ وجعله مالك من باب الخيار ،لنه إذا كان عنده على الخيار لببم يتصببور
فيه ندم يوجب تحويل أحد الثمنين في الخر ،وهذا عند مالك هو المانع ،فعلة امتنبباع
هذا الوجه الثالث عند الشافعي وأبي حنيفة من جهببة جهببل الثمببن ،فهببو عنببدهما مببن
بيوع الغرر التي نهي عنهببا؛ وعلببة امتنبباعه عنببد مالببك سببد الذريعببة الموجبببة للربببا
لمكان أن يكون الذي له الخيار قد اختبار أول إنقبباذ العقببد بأحببد الثمنيبن المؤجبل أو
المعجل ثم بدا له ولم يظهر ذلك ،فيكون قد ترك أحد الثمنين للثمن الثاني ،فكأنه ببباع
أحد الثمنين بالثاني ،فيدخله ثمن بثمن نسيئة ،أو نسيئة ومتفاضل ،وهذا كلببه إذا كببان
الثمن نقدا ،وإن كان الثمن غير نقببد بببل طعامببا دخلببه وجببه آخببر ،وهببو بيببع الطعببام
بالطعام متفاضل .وأما إذا قال :أشتري منك هذا الثوب نقدا بكذا على أن تبببيعه منببي
إلى أجل ،فهو عندهم ل يجوز بإجماع ،لنه من باب العينة وهو بيع الرجل مببا ليببس
عنده ،ويدخله أيضا علة جهل الثمن .وأما إذا قال له :أبيعك أحدهذين الثببوبين بببدينار
وقد لزمه أحدهما أيهما اختار وافترقا قبل الخيار ،فإن كان الثوبان من صنفين وهمببا
مما يجوز أن يسلم أحدهما في الثاني فإنه ل خلف بيببن مالببك والشببافعي فببي أنببه ل
يجوز؛ وقال عبد العزيز بن أبي سلمة :إنه يجوز ،وعلة المنع الجهببل والغببرر .وأمببا
إن كانا من صنف واحد فيجوز عند مالك ،ول يجوز عند أبي حنيفة والشافعي؛
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وأما مالك فإنه أجازه لنه يجيز الخيار بعد عقببد البببيع فببي الصببناف المسببتوية لقلببة
الغرر عنده في ذلك؛ وأما من ل يجيزه فتعتبره بالغرر الذي ل يجوز ،لنهما افترقببا
على بيع غير معلوم .وبالجملة فالفقهاء متفقون على أن الغرر الكثير في المبيعات ل
يجوز ،وأن القليل يجوز .ويختلفببون فببي أشببياء مببن أنببواع الغببرر ،فبعضببهم بلحقهببا
بالغرر الكثير ،وبعضهم يلحقها بالغرر القليل المباح لترددها بين القليل والكثير؛ فإذا
قلنا بالجواز على مذهب مالك ،فقبببض الثببوبين مببن المشببتري علببى أن يختببار فهلببك
أحدهما أو أصابه عيببب فمببن يصببيبه ذلببك؟ فقيببل تكببون المصببيبة بينهمببا ،وقيببل بببل
يضمنه كله المشتري ،إل أن تقوم البينة على هلكه؛ وقيل فرق في ذلك بيببن الثيبباب
وما يغاب عليه وبين ما ل يغاب عليه كالعبببد فيضببمن فيمببا يغبباب عليببه ول يضببمن
فيما ل يغاب عليه .وأما هل يلزمه أخذ الباقي؟ قيل يلزم ،وقيل ل يلببزم ،وهببذا يببذكر
في أحكام البيوع .وينبغي أن نعلم أن المسائل الداخلة في هذا المعنببى هببي :أمببا عنببد
فقهاء المصار فمن باب الغرر؛ وأما عند مالك فمنها ما يكون عنده مببن ببباب ذرائع
الربا ،ومنها ما يكون من باب الغرر ،فهذه هي المسائل التي تتعلق بالمنطوق به فببي
هذا الباب .وأما نهيه عببن بيببع الثنيببا وعببن بيببع وشببرط فهببو وإن كببان سببببه الغببرر
فالشبه أن نذكرها في المبيعات الفاسدة من قبل الشروط.
@)-فصل( وأما المسائل المسكوت عنهبا فبي هبذا البباب المختلبف فيهبا بيبن فقهباء
المصار فكثيرة ،لكن نذكر منها أشهرها لتكون كالقانون للمجتهد النظار.
@)-مسألة( المبيعات على نوعين :مبببيع حاضببر مببرئي ،فهببذا ل خلف فببي بيعببه.
ومبيع غائب أو متعذر الرؤية ،فهنا اختلف العلماء؛ فقال قببوم :بيببع الغببائب ل يجببوز
بحال من الحوال ل ما وصف ول ما لم يوصف ،وهذا أشببهر قببولي الشببافعي وهببو
المنصوص عند أصحابه ،أعني أن بيبع الغبائب علبى الصبفة ل يجبوز؛ وقبال مالبك
وأكثر أهل المدينة :يجوز بيع الغائب على الصفة إذا كانت غيبته مما يؤمن أن تتغير
فيه قبل القبض صفته؛ وقال أبو حنيفة :يجوز بيع العين الغائبة من غير صفة ،ثم لببه
إذا رآها الخيار ،فإن شاء أنفذ البببيع وإن شبباء رده .وكببذلك المبببيع علببى الصببفة مببن
شرطه عندهم خيببار الرؤيببة وإن جباء علببى الصبفة؛ وعنببد مالبك أنبه إذا جباء علببى
الصفة فهو لزم؛ وعند الشافعي ل ينعقد البيع أصببل فببي الموضببعين؛ وقببد قيببل فببي
المذهب :يجوز بيع الغائب من غير صفة على شرط الخيار خيار الرؤية ،وقببع ذلببك
في المدونة ،وأنكره عبد الوهاب وقببال :هببو مخببالف لصببولنا .وسبببب الخلف هببل
نقصان العلم المتعلق بالصفة عن العلم المتعلق بالحس هو جهل مؤثر في بيع الشيء
فيكون من الغرر الكثير ،أم ليس بمؤثر وأنه من الغرر اليسير المعفو عنه؟ فالشافعي
رآه من الغرر الكثير؛ ومالك رآه من الغرر اليسير؛ وأما أبو حنيفة فإنه رأى أنببه إذا
كان له خيار الرؤية أنه ل غرر هناك وإن لببم تكببن لببه رؤيببة؛ وأمببا مالببك فببرأى أن
الجهل المقترن بعدم الصفة مؤثر في انعقبباد البببيع ،ول خلف عنببد مالببك أن الصببفة
إنما تنوب عن المعاينة لمكببان غيبببة المبببيع أو لمكببان المشببقة الببتي فببي نشببره ،ومببا
يخاف أن يلحقه من الفساد بتكرار النشر عليه ،ولهذا أجاز البيع على البرنامببج علببى
الصفة ،ولم يجز بيع السلح في جرابه ،ول الثوب المطوي في طيببه حببتى ينشببر أو
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
ينظر إلى ما في جرابها .واحتج أبو حنيفة بما روي عببن ابببن المسببيب أنببه قببال قببال
أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم :وددنا أن عثمببان بببن عفببان وعبببد الرحمببن ابببن
عوف تبايعا حتى نعلم أيهما أعظم جدا في التجارة ،فاشترى عبد الرحمن من عثمبان
بن عفان فرسا بأرض له أخرى بأربعين ألفا أو أربعة ألف ،فذكر تمام الخبر ،وفيببه
بيع الغائب مطلقا ،ول بد عند أبببي حنيفببة مببن اشببتراط الجنببس ،ويببدخل البببيع علببى
الصفة أو على خيار الرؤية من جهة ما هو غائب غرر آخر ،وهو هببل هببو موجببود
وقت العقد أو معدوم؟ ولذلك اشترطوا فيه أن يكون قريب الغيبة إل أن يكون مأمونببا
كالعقار ،ومن ههنا أجاز مالك بيع الشيء برؤية متقدمة ،أعنببي إذا كببان مببن القببرب
بحيث يؤمن أن تتغير فيه فاعلمه.
@)-مسألة( وأجمعوا على أنببه ل يجببوز بيببع العيببان إلببى أجببل ،وأن مببن شببرطها
تسليم المبيع إلى المبتاع بببأثر عقببد الصببفقة ،إل أن مالكببا وربيعببة وطائفببة مببن أهببل
المدينة أجازوا بيع الجارية الرفيعة على شرط المواضعة ،ولم يجيزوا فيها النقد كمببا
لم يجزه مالك في بيع الغائب ،وإنما منع ذلك الجمهور لما يببدخله مببن الببدين بالببدين،
ومن عدم التسليم ،ويشبه أن يكون بيع الدين بالدين من هذا الببباب ،أعنببي لمببا يتعلببق
بالغرر من عدم التسليم من الطرفيببن ل مببن ببباب الربببا ،وقبد تكلمنببا فبي علبة البدين
بالدين ،ومن هذا الباب ما كان يببرى ابببن القاسببم أنببه ل يجببوز أن يأخببذ الرجببل مببن
غريمه في دين له عليه تمبرا قبد ببدا صبلحه ويبراه مبن بباب البدين بالبدين ،وكبان
أشهب يجيز ذلك ويقول :إنما الدين بالدين ما لم يشرع في قبض شيء منه ،أعني أنه
كان يرى أن قبض الوائل من الثمان يقوم مقام قببض الواخبر ،وهبو القيباس عنبد
كثير من المالكيين ،وهو قول الشافعي وأبي حنيفة.
@)-مسألة( أجمع فقهاء المصببار علببى بيببع التمببر الببذي يثمببر بطنببا واحببدا يطيببب
بعضه وإن لم تطب جملته معا؛ واختلفوا فيما يثمر بطونا مختلفبة؛ وتحصببيل مبذهب
مالك في ذلك أن البطون المختلفة ل تخلو أن تتصل أو ل تتصل ،فببإن لببم تتصببل لببم
يكن بيع ما لم يخلق منها داخل فيما خلق كشجر التين يوجد فيببه الببباكور والعصببير،
ثم إن اتصلت فل يخلو أن تتميبز البطببون أو ل تتميببز ،فمثببال المتميببز جبز القصبيل
الذي يجز مدة بعد مدة .ومثال غير المتميببز المباطببخ والمقبباثئ والباذنجببان والقببرع،
ففي الذي يتميز عنه وينفصل روايتان :إحداهما الجواز والخرى المنببع .وفببي الببذي
يتصل ول يتميز قول واحد وهو الجواز ،وخالفه الكوفيون وأحمد وإسحاق والشافعي
في هذا كله ،فقالوا :ل يجوز بيع بطن منها بشببرط بطببن آخببر .وحجببة مالببك فيمبا ل
يتميز أنه ل يمكن حبس أوله على آخره ،فجاز أن يباع ما لم يخلق منها مع مببا خلببق
وبدا صلحه ،أصله جواز بيع ما لم يطب مبن الثمببر مبع مبا طبباب ،لن الغبرر فبي
الصفة شبهه بالغرر في عين الشيء ،وكأنه رأى أن الرخصببة ههنببا يجببب أن تقبباس
على الرخصة في بيع الثمار ،أعني ما طبباب مببع مببا لببم يطببب لموضببع الضببرورة،
والصل عنده أن من الغرر ما يجوز لموضببع الضببرورة ،ولببذلك منببع علببى إحببدى
الروايتين عنده بيببع القصببيل بطنببا أكببثر مببن واحببد لنببه ل ضببرورة هنبباك إذا كببان
متميزا .وأما وجه الجواز في القصيل فتشبيها له بما ل يتميز وهو ضعيف.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وأما الجمهور فإن هذا كله عندهم من بيبع مبا لبم يخلبق ،ومبن بباب النهبي عبن بيبع
الثمار معاومة .واللفت والجزر والكرنب جائز عند مالك بيعه إذا بببدا صببلحه وهببو
استحقاقه للكل ،ولم يجزه الشافعي إل مقلوعا ،لنه من باب بيع المغيب؛ ومببن هببذا
الباب بيع الجوز واللوز والباقل في قشره ،أجازه مالك ،ومنعه الشافعي .والسبب في
اختلفهم هل هو من الغرر المؤثر في البيوع أم ليس من المؤثر؟ وذلببك أنهببم اتفقببوا
أن الغرر ينقسم بهببذين القسببمين ،وأن غيببر المببؤثر هببو اليسببير أو الببذي تببدعو إليببه
الضرورة ،أو ما جمع المرين .ومن هببذا الببباب بيببع السببمك فببي الغببدير أو البركببة
اختلفوا فيه أيضا ،فقال أبو حنيفة :يجوز ،ومنعه مالك والشافعي فيمببا أحسببب ،وهببو
الذي تقتضي أصوله .ومن ذلك بيع البق أجبازه قبوم ببإطلق ،ومنعبه قبوم ببإطلق
ومنهببم الشببافعي؛ وقببال مالببك :إذا كببان معلببوم الصببفة معلببوم الموضببع عنببد البببائع
والمشتري جاز ،وأظنه اشترط أن يكون معلوم الباق ويتواضعان الثمن ،أعنببي أنببه
ل يقبضه البائع حتى يقبضه المشتري ،لنه يتردد عند العقد بيببن بيببع وسببلف ،وهببذا
أصل من أصوله يمنع به النقد في بيببع المواضببعة وفببي بيببع الغببائب غيببر المببأمون،
وفيما كان من هذا الجنس .وممن قال بجواز بيع البق والبعير الشارد عثمان البببتي.
والحجة للشافعي حديث شهر بببن حوشببب عببن أبببي سببعيد الخببدري "أن رسببول الب
صلى ال عليه وسلم نهى عن شراء العبد البق ،وعن شببراء مببا فببي بطببون النعببام
حتى تضع ،وعن شراء ما في ضببروعها ،وعببن شببراء الغنببائم حببتى تقسببم" وأجبباز
مالك بيع لبن الغنم أياما معدودة إذا كان ما يحلب منها معروفا في العببادة ،ولببم يجببز
ذلك في الشاة الواحدة؛ وقال سائر الفقهاء :ل يجوز ذلك إل بكيل معلوم بعببد الحلببب.
ومن هذا الباب منع مالك بيع اللحم في جلده .ومببن هببذا الببباب بيببع المريببض أجببازه
مالك إل أن يكون ميئوسا منه؛ ومنعه الشافعي وأبو حنيفة ،وهي رواية أخرى عنببه،
ومن هذا الباب بيع تراب المعدن والصواغين ،فأجاز مالببك بيببع تببراب المعببدن بنقببد
يخالفه أو بعرض ،ولم يجز بيع تببراب الصبباغة؛ ومنببع الشببافعي البببيع فببي المريببن
جميعا؛ وأجازه قوم في المرين جميعا ،وبه قال الحسن البصري،
فهذه هي البيوع التي يختلف فيها أكببثر ذلببك مببن قبببل الجهببل بالكيفيببة .وأمببا اعتبببار
الكميببة فببإنهم اتفقببوا علببى أنببه ل يجببوز أن يببباع شببيء مببن المكيببل أو المببوزون أو
المعدود أو المسموح إل أن يكون معلوم القدر عند البائع والمشتري؛ واتفقوا على أن
العلم الذي يكون بهذه الشياء من قبل الكيل المعلوم أو الصنوج المعلومببة مببؤثر فببي
صحة البيع ،وفي كل ما كان غير معلوم الكيببل والببوزن عنببد البببائع والمشببتري مببن
جميع الشببياء المكيلببة والموزونببة والمعببدودة والممسببوحة ،وأن العلببم بمقببادير هببذه
الشياء التي تكون من قبل الحزر والتخمين وهو الببذي يسببمونه الجببزاف يجببوز فببي
أشياء ويمنع في أشياء .وأصل مذهب مالك في ذلك أنه يجوز فببي كببل مببا المقصببود
منه الكثرة ل آحاد وهو عنده أصناف :منهببا مببا أصببله الكيببل ويجببوز جزافببا ،وهببي
المكيلت والموزونات؛ ومنها ما أصببله الجببزاف ويكببون مكيل ،وهببي الممسببوحات
كالرضين والثياب؛ ومنها ما ل يجوز فيها التقدير أصببل بالكيببل والببوزن ،بببل إنمببا
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
يجوز فيها العدد فقط ول يجوز بيعها جزافا ،وهي كما قلنا التي المقصود منهببا آحبباد
أعيانها.
وعند مالك أن التبر والفضة الغير المسكوكين يجوز بيعهما جزافا ول يجوز ذلك في
الدراهم والدنانير؛ وقال أبو حنيفة والشببافعي :يجببوز ويكببره .ويجببوز عنببد مالببك أن
تباع الصبرة المجهولة على الكيل :أي كل كيل منها بكذا ،فما كان فيهببا مببن الكيببال
وقع من تلك القيمة بعد كيلها والعلم بمبلغهببا؛ وقببال أبببو حنيفببة :ل يلببزم إل فببي كيببل
واحد وهو الذي سمياه .ويجوز هذا البيع عند مالك في العبيبد والثيباب وفبي الطعبام،
ومنعه أبو حنيفة في الثياب والعبيد ،ومنع ذلببك غيببره فببي الكببل فيمببا أحسببب للجهببل
بمبلغ الثمن .ويجوز عند مالك أن يصدق المشتري البائع في كيلهبا إذا لبم يكبن الببيع
نسيئة ،لنه يتهمه أن يكون صدقه لينظببره بببالثمن؛ وعببد غيببره ل يجببوز ذلببك حببتى
يكتالهببا المشببتري لنهيببه صببلى الب عليببه وسببلم عببن بيببع الطعببام حببتى تجببري فيببه
الصيعان؛ وأجازه قوم على الطلق؛ وممن منعه أبو حنيفة والشافعي وأحمد؛ وممن
أجازه بإطلق عطاء بن أبي رباح وابببن أبببي مليكببة؛ ول يجببوز عنببد مالببك أن يعلببم
البائع الكيل ويبيع المكيل جزافا ممببن يجهببل الكيببل؛ ول يجببوز عنببد الشببافعي وأبببي
حنيفة.
والمزابنة المنهبي عنهبا هبي عنبد مالبك مبن هبذا البباب ،وهبي بيبع مجهبول الكميبة
بمجهول الكمية ،وذلك أما في الربويات فلموضع التفاضل ،وأما فببي غيببر الربويببات
فلعدم تحقق القدر.
**3الباب الرابع في بيوع الشروط والثنيا.
@-وهذه البيوع الفساد الذي يكون فيها هو راجبع إلبى الفسباد البذي يكبون مبن قببل
الغرر ،ولكن لما تضمنها النص وجب أن تجعل قسما من أقسام البيوع الفاسببدة علببى
حدة .والصل في اختلف الناس في هذا الباب ثلثببة أحبباديث :أحببدها حببديث جببابر
قال "ابتاع مني رسول ال صلى ال عليبه وسبلم بعيبرا وشبرط ظهبره إلبى المدينبة"
وهذا الحديث في الصحيح .والحديث الثاني حببديث بريببرة أن رسببول الب صببلى الب
عليه وسلم قبال "كببل شببرط ليببس فبي كتباب الب فهببو باطببل ولببو كبان مبائة شببرط"
والحديث متفق على صحته .والثالث حديث جبابر قبال "نهببى رسبول الب صببلى الب
عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة والمعاومة والثنيا ،ورخص في العرايا"
وهو أيضا في الصحيح خرجه مسلم .ومن هذا الببباب مببا روي عببن أبببي حنيفببة أنببه
روى "أن رسول ال صلى ال عليبه وسبلم نهبى عبن بيبع وشبرط" فباختلف العلمباء
لتعارض هذه الحاديث في بيع وشرط ،فقال قوم :البيع فاسد والشببرط جبائز ،وممببن
قال بهذا القول الشافعي وأبو حنيفة؛ وقال قوم :البيع جائز والشرط جائز ،وممن قببال
بهذا القول ابن أبي شبرمة؛ وقال قوم :البيع جببائز والشببرط باطببل ،وممببن قببال بهببذا
القول ابن أبي ليلى؛ وقال أحمد :البيع جائز مع شرط واحببد ،وأمببا مببع شببرطين فل،
فمن أبطل البيع والشرط أخذ بعموم نهيه عن بيع وشببرط ،ولعمببوم نهيببه عببن الثنيببا؛
ومن أجازهما جميعا أخذ بحديث عمر الذي ذكر فيه البيع والشرط؛ ومن أجاز البببيع
وأبطل الشرط أخذ بعموم حديث بريرة؛ ومن لم يجز الشرطين وأجاز الواحببد احتببج
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
بحديث عمرو بن العاص خرجه أبو داود قال :قال رسول ال صلى ال ب عليببه وسببلم
"ل يحل سلف وبيع ،ول يجوز شرطان في بيع ،ول ربح ما لم تضببمن ،ول بيببع مببا
ليس هو عندك".
وأما مالك فالشروط عنده تنقسم ثلثة أقسام :شروط تبطل هي والببيع معببا؛ وشببروط
تجوز هي والبيع معا؛ وشروط تبطل ويثبت البببيع؛ وقببد يظببن أن عنببده قسببما رابعببا
وهو أن من الشروط ما إن تمسك المشترط بشرطه بطل البيع ،وإن تركه جاز البيع،
وإعطاء فروق بينة في مذهبه بين هذه الصناف الربعة عسير ،وقد رام ذلببك كببثير
من الفقهاء ،وإنما هي راجعة إلى كثرة ما يتضمن الشروط مبن صبنفي الفسباد البذي
يخل بصحة البيوع وهما الربا والغرر وإلى قلته وإلى التوسط بيببن ذلببك ،أو إلببى مببا
يفيد نقصا في الملك فما كان دخول هببذه الشببياء فيببه كببثيرا مببن قبببل الشببرط أبطلببه
وأبطل الشرط ،وما كان قليل أجازه وأجبباز الشببرط فيهببا ،ومببا كببان متوسببطا أبطببل
الشرط وأجاز البيع ،ويرى أصحابه أن مذهبه هو أولى المببذاهب ،إذ بمببذهبه تجتمببع
الحاديث كلها ،والجمع عندهم أحسن من الترجيح ،وللمتببأخرين مببن أصببحاب مالببك
في ذلك تفصيلت متقاربة ،وأحد من له ذلك جدي والمازري والباجي ،وتفصيله في
ذلك أنه قال :إن الشرط في المبيع يقع على ضربين أولين :أحبدهما أن يشبترطه بعبد
انقضاء الملك مثل من يبيع المة أو العبد ،ويشترط أنه متى عتق كان لببه ولؤه دون
المشتري ،فمثل هذا قالوا :يصح فيه العقد ويبطل الشرط لحديث بريرة.
والقسم الثاني أن يشترط عليه شرطا يقع في مدة الملك ،وهذا قالوا :ينقسم إلببى ثلثببة
أقسام :إما أن يشترط في المبيع منفعة لنفسه؛ وإما أن يشترط على المشتري منعا من
تصرف عام أو خاص؛ وإما أن يشترط إيقاع معنى في المبيع ،وهذا أيضا ينقسم إلى
قسمين :أحدهما أن يكون معنى من معاني البر .والثاني أن يكون معنى ليس فيه مببن
البر شيء .فأما إذا اشبترط لنفسببه منفعببة يسببيرة ل تعببود بمنببع التصبرف فبي أصبل
المبيع ،مثل أن يبيع الدار ويشترط سكناها مدة يسيرة مثل الشهر ،وقيل السنة ،فببذلك
جائز على حديث جابر .وإما أن يشترط منعا مببن تصببرف خبباص أو عببام ،فببذلك ل
يجوز لنه من الثنيا ،ومثبل أن يببيع المبة علبى أن ل يطأهبا أو ل يبيعهبا ،وإمبا أن
يشترط معنى من معاني البر مثل العتق ،فبإن كببان اشببترط تعجيلببه جباز عنببده ،وإن
تأخر لم يجز لعظم الغرر فيه .وبقول مالك في إجازة البيع بشرط العتق المعجل قببال
الشافعي على أن من قوله منع بيع وشرط ،وحديث جابر عنده مضطرب اللفببظ ،لن
في بعض رواياته أنه باعه واشترط ظهره إلى المدينة ،وفي بعضها أنه أعاره ظهره
إلى المدينة .ومالك رأى هذا من باب الغرر اليسير فأجازه في المدة القليلة ولم يجببزه
في الكثيرة .وأما أبو حنيفة فعلى أصله في منع ذلك .وأما إن اشترط معنى في المبيع
ليس ببر مثل أن ل يبيعها ،فذلك ل يجوز عند مالك ،وقيل عنه البببيع مفسببوخ ،وقيببل
بل يبطل الشرط فقط .وأما من قال له البائع :مببتى جئتببك بببالثمن رددت علببي المبببيع
فإنه ل يجوز عند مالك ،لنه يكون مترددا بين البببيع والسببلف؛ إن جبباء بببالثمن كببان
سلفا ،وإن لم يجيء كان بيعا .واختلف في المذهب هل يجبوز لبه ذلبك فبي القالبة أم
ل؟ فمن رأى أن القالة بيع فسخها عنده ما يفسخ سائر البيوع؛ ومن رأى أنهببا فسببخ
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
فرق بينهببا وبيببن البببيوع .واختلببف أيضببا فيمببن ببباع شببيئا بشببرط أن ل يبببيعه حببتى
ينتصف من الثمن ،فقيل عن مالك يجوز ذلك لن حكمه حكببم الرهببن ،ول فببرق فببي
ذلك بين أن يكون الرهن هو المبيع أو غيره؛
وقيل عن ابن القاسم :ل يجوز ذلك ،لنببه شببرط يمنببع المبتبباع التصببرف فببي المبببيع
بالمدة البعيدة التي ل يجوز للبائع اشتراط المنفعة فيها ،فوجب أن يمنع صببحة البببيع،
ولذلك قال ابن المواز إنه جائز في المد القصير .ومن المسموع في هذا الباب نهيببه
صلى ال عليبه وسبلم عببن بيببع وسبلف اتفبق الفقهبباء علببى أنبه مبن الببيوع الفاسبدة.
واختلفوا إذا ترك الشرط قبل القبببض ،فمنعببه أبببو حنيفببة والشببافعي وسببائر العلمبباء،
وأجازه مالك وأصببحابه إل محمببد بببن عبببد الحكببم ،وقببد روي عببن مالببك مثببل قببول
الجمهور؛ وحجة الجمهور أن النهي يتضمن فساد المنهي عنه مع أن الثمن يكون في
المبيع مجهول لقتران السلف به .وقد روي أن محمبد ببن أحمبد ببن سبهل الببرمكي
سأل عن هذه المسلئة إسماعيل بن إسحاق المببالكي فقببال لببه :مببا الفببرق بيببن السببلف
والبيع ،وبين رجل باع غلما بمبائة دينبار وزق خمبر فلمبا عقبد الببيع قبال :أنبا أدع
الزق ،قال :وهذا البيع مفسوخ عند العلماء بإجماع ،فأجاب إسماعيل عن هذا بجواب
ل تقوم به حجة ،وهو أن قال له :الفرق بينهما أن مشترط السلف هو مخير في تركه
أو عدم تركه ،وليس كذلك مسألة زق الخمر ،وهذا الجببواب هببو نفببس الشببيء الببذي
طولب فيه بالفرق ،وذلك أنه يقال له :لم كان هنا مخيرا ولم يكن هنالك مخيرا في أن
يترك الزق ويصح البيع ،والشبببه أن يقببال إن التحريببم ههنببا لببم يكببن لشببيء محببرم
بعينه وهو السلف لن السلف مببباح ،وإنمببا وقببع التحريببم مبن أجبل القبتران :أعنبي
اقتران البيع به ،وكذلك البيع في نفسه جائز ،وإنما امتنع من قبل اقتران الشببرط بببه،
وهنالك إنما امتنع البيع من أجل اقتران شيء محرم لعينه به ،ل أنه شيء محرم مببن
قبل الشرط .ونكتة المسألة هل إذا لحق الفساد بالبيع من قبل الشرط يرتفع الفسبباد إذا
ارتفع الشرط أم ل يرتفع ،كما ل يرتفع الفساد الللحق للبيع الحلل من أجببل اقببتران
المحرم العين به؟ وهذا أيضا ينبني على أصببل آخببر هببو هببل هببذا الفسبباد حكمببي أو
معقول؟ فإن قلنا حكمي لم يرتفببع بارتفبباع الشببرط ،وإن قلنببا معقببول ارتفببع بارتفبباع
الشرط؛
فمالك رآه معقول ،والجمهور رأوه غير معقول والفساد الذي يوجببد فببي بيببوع الربببا
والغرر هو أكثر ذلك حكمي ،لذلك ليس ينعقد عندهم أصل ،وإن ترك الربا بعد البيع
أو ارتفع الغرر .واختلفوا في حكمه إذا وقع على ما سيأتي في أحكام البيوع الفاسدة.
ومن هذا الباب بيع العربان فجمهور علماء المصببار علببى أنببه غيببر جبائز؛ وحكببي
عن قوم من التابعين أنهم أجازوه ،منهم مجاهد وابن سيرين ونافع بن الحارث وزيببد
بن أسلم ،وصورته :أن يشتري الرجل شيئا فيدفع إلى المبتبباع مببن ثمببن ذلببك المبببيع
شيئا على أنه إن نفذ البيع بينهما كان ذلك المدفوع من ثمن السلعة ،وإن لم ينفذ تببرك
المشتري بذلك الجزء من الثمن عند البائع ولم يطالبه به؛ وإنما صببار الجمهببور إلببى
منعه لنه من باب الغرر والمخاطرة وأكببل المببال بغيببر عببوض ،وكببان زيببد يقببول:
أجازه رسول ال صلى ال عليه وسلم .وقال أهل الحببديث :ذلببك غيببر معببروف عببن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
رسول ال صلى ال عليه وسلم .وفي الستثناء مسائل مشهورة من هذا الباب اختلف
الفقهاء فيها ،أعني هل تدخل تحت النهي عبن الثنيبا ،أو ليسبت تبدخل؟ فمبن ذلبك أن
يبيع الرجل حامل ويستثني ما في بطنها ،فجمهور فقهاء المصار مالك وأبببو حنيفببة
والشافعي والثوري على أنه ل يجوز؛ وقال أحمد وأبو ثور وداود ذلببك جببائز ،وهببو
مروي عن ابن عمر .وسبب الخلف هل المستثنى مبيع مع ما استثنى منببه ،أم ليببس
بمبيع وإنما هو باق على ملك البائع؟ فمبن قبال مببيع قبال :ل يجبوز وهبو مبن الثنيبا
المنهي عنها لما قال فيها من الجهل بصفته وقلة الثقة بسلمة خروجه؛ ومن قال هببو
باق على ملك البائع أجاز ذلك؛ وتحصببيل مببذهب مالببك فيمببن ببباع حيوانببا واسببتثنى
بعضه أن ذلك البعض ل يخلو أن يكون شائعا أو معينا أو مقدرا ،فإن كان شببائعا فل
خلف في جوازه مثل أن يبيع عبدا إل ربعه .وأما إن كان معينببا فل يخلببو أن يكببون
مغيبا مثل الجنين ،أو يكون غير مغيبب ،فبإن كبان مغيببا فل يجبوز ،وإن كبان غيبر
مغيب كالرأس واليد والرجل ،فل يخلببو الحيببوان أن يكببون ممببا يسببتباح ذبحببه أو ل
يكون،
فببإن كببان ممببا ل يسببتباح ذبحببه فببإنه ل يجببوز ،لنببه ل يجببوز أن يبببيع أحببد غلمببا
ويستثني رجله ،لن حقه غير متميز ول متبغض وذلك مما ل خلف فيببه ،وإن كبان
الحيوان مما يستباح ذبحه ،فإن باعه واستثنى منه عضوا له قيمة بشرط الذبببح ،ففببي
المذهب فيه قولن :أحدهما أنه ل يجوز وهو المشببهور؛ والثبباني يجببوز ،وهببو قببول
ابن حبيب جوز بيع الشاة مع استثناء القوائم والرأس .وأما إذا لم يكن للمستثنى قيمببة
فل خلف في جوازه في المذهب ،ووجه قول مالك إنه كان استثناؤه بجلده فما تحببت
الجلد مغيب وإن كان لم يستثنه بجلده فإنه ل يدري بببأي صببفة يخببرج لببه بعببد كشببط
الجلد عنه .ووجه قول ابن حبيب أنه استثنى عضوا معينا معلوما ،فلم يضره ما عليه
من الجلد أصله شراء الحب في سنبله والجوز في قشره .وأما إن كان المسببتثنى مببن
الحيوان بشرط الذبح إما عرفا وإما ملفوطا به جزءا مقدرا مثل أرطببال مبن جبزور،
فعن مالك في ذلك روايتان :إحداهما المنع ،وهي رواية ابن وهب؛ والثانيببة الجببازة
في الرطال اليسيرة فقط ،وهبي روايببة اببن القاسبم .وأجمعببوا مبن هبذا الببباب علببى
جواز بيع الرجل ثمر حائطه واستثناء نخلت معينات منه قياسا على جواز شببرائها.
واتفقوا على أنه ل يجوز أن يستثنى من حائط له عدة نخلت غير معينات إل بتعيين
المشتري لها بعد البيع ،لنببه بيببع مببا لببم يببره المتبايعببان .واختلفببوا فببي الرجببل يبببيع
الحائط ويستثني منه عببدة نخلت بعببد البببيع ،فمنعببه الجمهببور لمكببان اختلف صببفة
النخيل؛ وروي عن مالك إجازته؛ ومنببع ابببن القاسببم قببوله فببي النخلت وأجببازه فببي
استثناء الغنم .وكذلك اختلف قول مالك وابببن القاسببم فببي شببراء نخلت معببدودة مببن
حائطه على أن يعينها بعد الشراء المشتري فأجازه مالك ومنعه ابببن القاسببم .وكببذلك
اختلفوا إذا استثنى البائع مكيله من حائط؛ قال أبو عمر بن عبد البر :فمنع ذلك فقهاء
المصار الذين تدور الفتوى عليهم ،وألفت الكتاب على مذاهبهم لنهيه صلى ال عليه
وسلم عن الثنيا في البيع ،لنه استثناء مكيل من جزاف؛
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وأما مالك وسلفه من أهل المدينببة فببإنهم أجبازوا ذلببك فيمببا دون الثلببث ومنعببوه فيمببا
فوقه ،وحملوا النهي على الثنيا على ما فوق الثلث ،وشبهوا بيع ما عدا المستثنى ببيع
الصبرة التي ل يعلم مبلغ كيلها فتبباع جزافبا ويسبتثنى منهبا كيبل مبا ،وهبذا الصبل
أيضا مختلف فيه ،أعني إذا استثنى منها كيل معلوم .واختلف العلماء مببن هببذا الببباب
في بيع وإجارة معا في عقد واحد ،فأجازه مالك وأصحابه ،ولببم يجببزه الكوفيببون ول
الشافعي ،لن الثمن يرون أنه يكون حينئذ مجهول ،ومالك يقببول :إذا كببانت الجببارة
معلومة لم يكن الثمن مجهول ،وربمببا رآه الببذين منعببوه مببن ببباب بيعببتين فببي بيعببة.
وأجمعوا على أنه ل يجوز السلف أو البيع كما قلنبا .واختلببف قببول مالببك فببي إجببازة
السببلف والشببركة ،فمببرة أجبباز ذلببك ومببرة منعببه ،وهببذه كلهببا اختلببف العلمبباء فيهببا
لختلفها بالقل والكثر في وجود علل المنببع فيهببا المنصببوص عليهببا ،فمببن قببويت
عنده علة المنع في مسألة منها منعها ،ومن لم تقببو عنببده أجازهببا ،وذلببك راجببع إلببى
ذوق المجتهد ،لن هذه المبواد يتجباذب القبول فيهبا إلبى الضبدين علبى السبواء عنبد
النظر فيها ،ولعل في أمثال هذه المببواد يكببون القببول بتصببويب كببل مجتهببد صببوابا،
ولهذا ذهب بعض العلماء في أمثال هذه المسائل إلى التخيير.
**3الباب الخامس في البيوع المنهي عنها من أجل الضرر أوالغبن.
@-والمسموع من هذا الباب ما يثبت من نهيببه صببلى الب عليببه وسببلم عببن أن يبببيع
الرجل على بيع أخيه ،وعن أن يسوم أحد على سوم أخيه ،ونهيه عن تلقي الركبببان،
ونهيه عن أن يبيع حاضر لباد ،ونهيه عن النجش .وقببد اختلببف العلمبباء فببي تفصببيل
معاني هذه الثار اختلفا ليس بمتباعد ،فقال مالك :معنى قوله عليه الصلة والسببلم
"ل يبع بعضكم على بيع بعببض" ومعنببى نهيببه عببن أن يسببوم أحببد علببى سببوم أخيببه
واحد ،وهي في الحالة التي إذا ركن البائع فيها إلى السائم ولببم يبببق بينهمببا إل شببيء
يسير مثل اختيار الذهب أو اشتراط العيوب أو البراءة منها ،وبمثل تفسير مالك فسر
أبو حنيفة هذا الحديث .وقال الثوري معنى "ل يببع بعضبكم علببى بيبع بعبض" أن ل
يطرأ رجل آخر على المتبايعين فيقول عنبدي خيبر مبن هبذه السببلعة ولببم يحبد وقبت
ركون ول غيره .وقال الشافعي :معنى ذلك إذا تم البيع باللسان ولم يفترقا فببأتى أحببد
يعرض عليه سلعة له هي خير منها ،وهذا بناء علببى مبذهبه فبي أن البببيع إنمبا يلبزم
بالفتراق فهبو ومالبك متفقببان علببى أن النهببي إنمبا يتنباول حالببة قبرب لبزوم البببيع،
ومختلفان في هذه الحالة ما هي لختلفهما فيما به يكببون اللببزوم فببي البببيع علببى مببا
سنذكره بعد ،وفقهاء المصار على أن هذا البببيع يكببره ،وإن وقببع مضببى لنببه سببوم
على بيع لم يتم؛ وقال داود وأصحابه :إن وقع فسخ في أي حالة وقع تمسكا بالعموم؛
وروي عن مالك وعن بعض أصحابه فسخه ما لم يفت؛ وأنكببر ابببن الماجشببون ذلببك
في البيع فقال :وإنما قال بذلك مالك في النكاح ،وقد تقببدم ذلببك .واختلفببوا فببي دخببول
الذمي في النهي عن سوم أحد على سوم غيره ،فقال الجمهور :ل فرق في ذلببك بيببن
الذمي وغيره؛ وقال الوزاعببي :لبببأس بالسببوم علببى سببوم الببذمي لنببه ليببس بببأخي
المسلم ،وقد قال صلى ال عليه وسلم "ل يسم أحد على سبوم أخيبه" ومبن ههنبا منبع
قوم بيع المزايدة وإن كان الجمهور على جوازه .وسبب الخلف بينهم هل يحمل هذا
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
النهي على الكراهة أو على الحظر ،ثم إذا حمل على الحظر فهل يحمل علببى جميببع
الحوال ،أو في حالة دون حالة؟.
@)-فصل( وأما نهيه عن تلقي الركبان للبببيع ،فبباختلفوا فببي مفهببوم النهببي مببا هببو،
فرأى مالك أن المقصود بذلك أهل السواق لئل ينفرد المتلقي برخببص السببلعة ،دون
أهل السواق ،ورأى أنه ل يجوز أن يشتري أحد سلعة حتى تببدخل السببوق ،هببذا إذا
كان التلقي قريبا ،فإن كان بعيدا فل بأس به ،وحد القرب في المذهب بنحو مببن سببتة
أميال ،ورأى أنه إذا وقع جاز ،ولكن يشرك المشتري أهل السواق فببي تلببك السببلعة
التي من شأنها أن يكون ذلك سوقها .وأما الشافعي فقال إن المقصود بالنهي إنمبا هبو
لجل البائع لئل يغبنه المتلقببي ،لن البببائع يجهببل سببعر البلببد ،وكببان يقببول :إذا وقببع
فرب السلعة بالخيار إن شاء أنفذ البيع أو رده .ومذهب الشافعي هو نص فببي حببديث
أبي هريرة الثابت عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال عليه الصببلة والسببلم
"ل تتلقوا الجلببب ،فمببن تلقببى منببه شببيئا فاشببتراه فصبباحبه بالخيببار إذا أتببى السببوق"
خرجه مسلم وغيره.
@)-فصل( وأما نهيه صلى ال عليه وسلم عن بيع الحاضر للببباد ،فبباختلف العلمبباء
في معنى ذلك ،فقال قوم :ل يبع أهل الحضر لهل البادية قول واحدا .واختلببف عنببه
في شراء الحضري للبدوي ،فمرة أجازه ،وبه قببال ابببن حبببيب؛ ومببرة منعببه ،وأهببل
الحضر عنده هم المصار؛ وقببد قيببل عنببه إنببه ل يجببوز أن يبببيع أهببل القببرى لهببل
العمببود المنتقليببن ،وبمثببل قببول مالببك قببال الشببافعي والوزاعببي؛ وقببال أبببو حنيفببة
وأصحابه :ل بأس أن يبيع الحاضر للبادي ويخبره بالسعر ،وكرهه مالببك ،أعنببي أن
يخبر الحضري الببادي بالسبعر ،وأجبازه الوزاعبي .والبذين منعبوه اتفقبوا علبى أن
القصد بهذا النهي هو إرفاق أهل الحضر ،لن الشياء عند أهل البادية أيسر من أهل
الحاضرة ،وهي عندهم أرخص ،بببل أكببثر مببا يكببون مجانببا عنببدهم :أي بغيببر ثمببن،
فكأنهم رأوا أنه يكره أن ينصح الحضري للبدوي ،وهذا مناقض لقببوله عليببه الصببلة
والسلم "الدين النصيحة" وبهذا تمسك في جوازه أبو حنيفة .وحجة الجمهور حببديث
جابر خرجه مسلم وأببو داود قبال :قبال رسبول الب صبلى الب عليبه وسبلم "ل يببيع
حاضر لباد ذروا الناس يرزق ال بعضهم من بعببض" وهببذه الزيببادة انفببرد بهببا أبببو
داود فيما أحسب ،والشبه أن يكون من باب غبن البدوي لنه يببرد والسببعر مجهببول
عنده ،إل أن تثبت هذه الزيادة ،ويكون على هذا معنى الحديث معنى النهي عن تلقببي
الركبان على ما تببأوله الشببافعي وجبباء فببي الحببديث الثببابت .واختلفببوا إذا وقببع فقببال
الشافعي :إذا وقع فقد تم وجاز البيع لقوله عليه الصلة والسلم "دعوا النبباس يببرزق
ال بعضهم من بعض" واختلف في هذا المعنى أصحاب مالك؛ فقال بعضهم :يفسببخ؛
وقال بعضهم :ل يفسخ.
@)-فصل( وأما نهيه عليه الصلة والسببلم عببن النجببش ،فبباتفق العلمبباء علببى منببع
ذلك ،وأن النجش هو أن يزيد أحد في سلعة وليس في نفسه شببراؤها ،يريببد بببذلك أن
ينفع البائع ويضر المشببتري؛ واختلفببوا إذا وقببع هببذا البببيع ،فقببال أهببل الظبباهر :هببو
فاسد؛ وقال مالك :هو كالعيب والمشتري بالخيار ،إن شاء أن يببرد رد ،وإن شبباء أن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
يمسك أمسك؛ وقال أبو حنيفة والشافعي :إن وقع أثم وجاز البيع .وسبب الخلف هببل
يتضمن النهي فساد المنهي وإن كان النهي ليس في نفس الشيء بل من خبارج؛ فمببن
قال يتضمن فسخ البيع لم يجزه؛ ومن قال ليس يتضببمن أجببازه .والجمهببور علببى أن
النهببي إذا ورد لمعنببى فببي المنهببي عنببه أنببه يتضببمن الفسبباد مثببل النهببي عببن الربببا
والغرر ،وإذا ورد المر من خارج لم يتضمن الفساد ،ويشبه أن يدخل في هذا الباب
نهيه عليه الصلة والسلم عن بيع الماء لقوله عليه الصلة والسلم في بعض ألفاظه
"إنه نهى عن بيع فضل الماء ليمنببع بببه الكل" وقببال أبببو بكببر بببن المنببذر :ثبببت "أن
رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى عن بيع الماء ،ونهى عن بيع فضل المبباء ليمنببع
به الكل" وقال :ل يمنع وهو بئر ول بيع ماء .واختلف العلماء في تأويل هذا النهببي،
فحمله جماعة من العلماء على عمومه ،فقالوا :ل يحل بيع المبباء بحبال كببان مببن بئر
أو غدير أو عين في أرض مملكة أو غير مملكة ،غير أنه إن كان متملكببا كببان أحببق
بمقدار حاجته منه ،وبه قببال يحيببى بببن يحيببى قبال :أربببع ل أرى أن يمنعببن :المبباء،
والنار ،والحطب ،والكل .وبعضهم خصص هذه الحاديث معارضببة الصببول لهببا،
وهو أنه ل يحل مال أحد إل بطيب نفس منه كما قبال عليبه الصبلة والسبلم وانعقبد
عليه الجماع ،والذين خصصوا هذا المعنى اختلفوا في جهة تخصيصببه ،فقببال قببوم:
معنى ذلك أن البئر يكون بين الشريكين يسببقي هببذا يومببا وهببذا يومببا ،فيببروي زرع
أحدهما في بعض يومه ،ول يروي في اليوم الذي لشريكه زرعه ،فيجب عليببه أن ل
يمنع شريكه من الماء بقية ذلك اليوم .وقال بعضهم :إنما تأويل ذلك في الببذي يببزرع
على مائه فتنهار بئره ولجاره فضل ماء أنه ليس لجاره أن يمنعه فضل مببائه إلببى أن
يصببلح بئره ،والتببأويلن قريبببان ،ووجببه التببأويلين أنهببم حملببوا المطلببق فببي هببذين
الحديثين على المقيد وذلك أنه نهى عببن بيببع المبباء مطلقببا ،ثببم نهببى عببن منببع فضببل
الماء ،فحملوا المطلق في هذا الحديث على المقيببد وقببالوا :الفضببل هببو الممنببوع فببي
الحديثين ،وأما مالك فأصل مذهبه أن المبباء مببتى كببان متملكببة منبعببه فهببو لصبباحب
الرض له بيعه ومنعه ،إل أن يرد عليببه قببوم ل ثمببن معهببم ويخبباف عليهببم الهلك،
وحمل الحديث على آبار الصحراء التي تتخذ في الرضين الغير متملكببة ،فببرأى أن
صاحبها :أعني الذي حفرها أولى بها ،فإذا روت ماشيته ترك الفضل للنبباس ،وكببأنه
رأى أن البئر ل تتملك بالحياء .ومن هذا الباب التفرقبة بيببن الوالببدة وولببدها ،وذلببك
أنهم اتفقوا على منع التفرقة في المبيع بيببن الم وولببدها ،لثبببوت قببوله عليببه الصببلة
والسلم "من فرق بين والدة وولدها فرق ال بينه وبين أحبته يببوم القيامببة" واختلفببوا
من ذلك في موضعين في وقت جواز التفرقة وفي حكم البيع إذا وقع .فأما حكم البببيع
فقال مالك :يفسخ ،وقال الشافعي وأبو حنيفة :ل يفسخ وأثم البائع والمشتري .وسبببب
الخلف هل النهي يقتضي فساد المنهي إذا كان لعلبة مبن خبارج .وأمبا البوقت البذي
ينتقل فيه المنع إلى الجواز؛ فقال مالك :حببد ذلببك الثغببار؛ وقبال الشببافعي :حببد ذلببك
سبع سنين أو ثمان؛ وقال الوزاعي :حده فوق عشر سنين ،وذلببك أنببه إذا نفببع نفسببه
واستغنى في حياته عن أمه .ويلحق بهذا الباب إذا وقع في البيع غبن ل يتغابن الناس
بمثله هل يفسخ البيع أم ل؟ فالمشهور في المذهب أن ل يفسببخ .وقببال عبببد الوهبباب:
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
إذا كببان فببوق الثلببث رد ،وحكباه عببن بعببض أصببحاب مالببك؛ وجعلببه عليببه الصببلة
والسلم الخيار لصاحب الجلببب إذا تلقببى خببارج المصببر دليببل علببى اعتبببار الغبببن،
وكذلك ما جعل لمنقذ بن حبان من الخيببار ثلثببا لمببا ذكببر لببه أنببه يغبببن فببي البببيوع،
ورأى قوم من السلف الول أن حكم الوالد في ذلك حكم الوالدة ،وقوم رأوا ذلببك فببي
الخوة.
**3الباب السادس في النهي من قبل وقت العبادات.
@-وذلك إنما ورد في الشرع في وقت وجوب المشي إلى الجمعة فقط لقببوله تعببالى
}إذا نودي للصلة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر ال وذروا البيع{ وهذا أمر مجمع
عليه فيما أحسب ،أعني منع البيع عند الذان الذي يكببون بعببد الببزوال والمببام علببى
المنبر .واختلفوا في حكمه إذا وقع هل يفسخ أو ل يفسخ؟ ،فإن فسخ فعلى من يفسخ؟
وهل يلحق سائر العقود في هذا المعنى بالبيع أم ل يلحق؟ فالمشببهور عببن مالببك أنببه
يفسخ ،وقد قيل ل يفسخ ،وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة .وسبب الخلف كمببا قلنببا
غير ما مرة هببل النهببي الببوارد لسبببب مببن خببارج يقتضببي فسبباد المنهببي عنببه أو ل
يقتضيه؟ وأما على من يفسخ؟ فعند مالك على من تجب عليه الجمعة ل علببى مببن ل
تجب عليه .وأما أهل الظاهر فتقتضي أصولهم أن يفسخ علبى كبل ببائع .وأمبا سبائر
العقود فيحتمل أن تلحق بالبيوع ،لن فيها المعنى الذي في البيع مببن الشببغل بببه عببن
السعي إلى الجمعة ،ويحتمل أن ل يلحق به لنها تقببع فببي هببذا الببوقت نببادرا بخلف
البيوع .وأما سببائر الصببلوات فيمكببن أن تلحببق بالجمعببة علببى جهببة النببدب لمرتقببب
الوقت ،فإذا فات فعلى جهة الحظر ،وإن كان لم يقل به أحد في مبلببغ علمببي ،ولببذلك
مدح ال تاركي البيوع لمكان الصلة ،فقال تعببالى }رجببال ل تلهيهببم تجببارة ول بيببع
عن ذكر ال وإقام الصلة وإيتاء الزكاة{ .وإذ قد أثبتت أسباب الفساد العامببة للبببيوع
صْر إلى ذكر السباب والشروط المصححة له وهو القسم الثاني مببن النظببر العببام َفْلَن ِ
في البيوع.
@)-القسم الثاني( والسباب والشروط المصححة للبببيع هببي بالجملببة ضببد السببباب
المفسدة له ،وهي منحصرة في ثلثة أجناس :النظببر الول :فببي العقببد .والثبباني :فببي
المعقود عليه .والثالث :في العاقدين ،ففي هذا القسم ثلثة أبواب.
**3الباب الول في العقد.
@-والعقد ل يصببح إل بألفبباظ البببيع والشببراء الببتي صببيغتها ماضببية مثببل أن يقببول
البائع :قد بعت منك ،ويقول المشتري :قد اشببتريت منببك ،وإذا قببال لببه بعنببي سببلعتك
بكذا وكذا فقال قد بعتها .فعند مالك أن البيع قد وقع وقد لزم المستفهم إل أن يأتي فببي
ذلك بعذر ،وعند الشافعي أنه ل يتم حتى يقول المشتري قد اشتريت ،وكذلك إذا قببال
المشتري للبائع :بكم تبيع سلعتك؟ فيقول المشتري بكذا وكذا ،فقال :قد اشتريت منك.
اختلف هل يلزم البيع أم ل حتى يقول قد بعتهببا منببك ،وعنببد الشببافعي أنببه يقببع البببيع
باللفاظ الصريحة وبالكناية ،ول أذكر لمالك في ذلك قببول ،ول يكفببي عنببد الشببافعي
المعاطاة دون قول ،ول خلف فيما أحسب أن اليجاب والقبول المؤثرين في اللببزوم
ل يتراخى أحدهما عن الثاني حتى يفترق المجلس ،أعني أنه متى قال للبائع قد بعببت
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
سلعتي بكذا وكذا فسكت المشتري ولم يقبل حتى افترقا ثم أتى بعد ذلك فقال :قد قبلت
أنه ل يلزم ذلك البائع .واختلفوا متى يكون اللزوم .فقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما
وطائفة من أهببل المدينببة :إن البببيع يلببزم فببي المجلببس بببالقول وإن لببم يفترقببا؛ وقببال
الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وابن عمر من الصحابة رضببي الب عنهببم:
البيع لزم بالفتراق من المجلس وأنهما مهما لم يفترقا ،فليس يلببزم البببيع ول ينعقببد،
وهو قول ابن أبي ذئب في طائفبة مبن أهبل المدينبة واببن المببارك وسبوار القاضبي
وشريح القاضي وجماعة من التبابعين وغيرهبم ،وهبو مبروي عبن اببن عمبر وأببي
برزة السلمي من الصحابة ول مخالف لهما من الصحابة وعمدة المشترطين لخيببار
المجلس حديث مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول ال صلى ال عليببه وسببلم قببال
"المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لببم يفترقببا إل بيببع الخيببار" وفببي
بعض روايات هذا الحديث "إل أن يقول أحدهما لصاحبه اختر" وهذا حببديث إسببناده
عند الجميع من أوثق السانيد وأصحها ،حتى لقد زعم أبو محمد أن مثل هذا السببناد
يوقع العلم وإن كان من طريق الحاد .وأما المخالفون فقد اضطرب بهم وجه الببدليل
لمذهبهم في رد العمل بهذا الحديث .فالذي اعتمد عليه مالك رحمه ال فببي رد العمببل
به أنه لم يلف عمل أهل المدينة عليه مع أنه قببد عارضببه عنببده مببا رواه مببن منقطببع
حديث ابن مسعود أنه قال" :أيما بيعين تبايعا فببالقول قببول البببائع أو يببترادان" فكببأنه
حمل هذا على عمومه ،وذلك يقتضي أن يكون في المجلس وبعد المجلس ،ولببو كببان
المجلس شرطا فبي انعقباد الببيع لببم يكببن يحتبباج فيببه إلببى تبببيين حكبم الختلف فببي
المجلس لن البيع بعد لببم ينعقببد ول لببزم بببل الفببتراق مببن المجلببس ،وهببذا الحببديث
منقطع ول يعارض به الول ،وبخاصة أنببه ل يعارضببه إل مببن تببوهم العمببوم فيببه،
والولى أن ينبني هذا على ذلك ،وهذا الحديث لبم يخرجبه أحبد مسبندا فيمبا أحسبب،
فهذا هو الذي اعتمده مالك رحمه ال فبي تبرك العمبل بهبذا الحبديث .وأمبا أصبحاب
مالك فاعتمدوا في ذلك على ظواهر سمعية ،وعلى القياس ،فمببن أظهببر الظبباهر فببي
ذلك قوله عز وجل }يا أيها الذين آمنوا أوفوا بببالعقود{ والعقببد هببو اليجباب والقبببول
والمر على الوجوب ،وخيار المجلس يوجب ترك الوفاء بالعقببد ،لن لببه عنببدهم أن
يرجع في البيع بعد ما أنعم ما لم يفترقا .وأما القياس فإنهم قالوا :عقببد معاوضببة ،فلببم
يكن لخيار المجلس فيه أثر أصله سائر العقود مثل النكاح والكتابة والخلببع والرهببون
والصلح علببى دم العمببد ،فلمببا قيببل لهببم إن الظببواهر الببتي تحتجببون بهببا يخصصببها
الحديث المذكور ،فلم يبق لكم في مقابلببة الحبديث إل القيبباس ،فيلزمكبم علببى هبذا أن
تكونوا ممن يرى تغليب القياس على الثر ،وذلك مذهب مهجور عنببد المالكيببة ،وإن
كان قد روي عن مالك تغليب القياس على السماع مثل قول أبي حنيفة ،فأجببابوا عببن
ذلك بأن هذا ليس من باب رد الحديث بالقياس ول تغليب ،وإنما هو مببن ببباب تببأويله
وصرفه عن ظاهره .قببالوا :وتأويببل الظبباهر بالقيبباس متفببق عليببه عنببد الصببوليين.
قالوا :ولنا فيه تأويلن :أحدهما أن المتبايعين في الحببديث المببذكور همببا المتسبباومان
اللذان لم ينفذ بينهما البيع ،فقيل لهبم إنبه يكببون الحببديث علبى هببذا ل فبائدة فيببه لنببه
معلوم من دين المة أنهما بالخيار إذ لم يقع بينهما عقد بببالقول .وأمببا التأويببل الخببر
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
فقالوا إن التفرق ههنا إنما هو كناية عن الفتراق بالقول ل التفرق بالبدان كمببا قببال
ال تعالى }وإن يتفرقا يغن ال كل من سعته{ والعتراض على هذا أن هذا مجبباز ل
حقيقة ،والحقيقة هي التفرق بالبدان ،ووجه الترجيح أن يقاس بين ظبباهر هببذا اللفببظ
والقياس فيغلب القوى ،والحكمة في ذلك هي لموضع الندم ،فهذه هي أصول الركببن
الول الذي هو العقد.
@)-وأما الركن الثاني( الذي هو المعقود عليه ،فإنه يشترط فيه سببلمته مببن الغببرر
والربا ،وقد تقدم المختلف في هذه من المتفق عليببه وأسببباب الختلف فببي ذلببك ،فل
معنى لتكراره .والغرر ينتفي عببن الشببيء بببأن يكببون معلببوم الوجببود معلببوم الصببفة
معلوم القدر مقدورا على تسليمه ،وذلك في الطرفين الثمببن والمثمببون معلببوم الجببل
أيضا إن كان بيعا مؤجل.
@)-وأما الركن الثالث( وهما العاقدان ،فببإنه يشببترط فيهمببا أن يكونببا مببالكين تببامي
الملك أو وكيلين تامي الوكالة بببالغين ،وأن يكونببا مببع هببذا غيببر محجببور عليهمببا أو
على أحدهما ،إما لحق أنفسهما كالسفيه عند من يببرى التحجيببر عليببه أو لحببق الغيببر
كالعبد إل أن يكون العبد مأذونا له في التجارة .واختلفوا من هذا فببي بيببع الفضببولي،
هل ينعقد أم ل؟ وصورته أن يبيع الرجل مببال غيببره بشببرط إن رضببي بببه صبباحب
المال أمضي البيع ،وإن لم يرضى فسخ ،وكذلك في شراء الرجل للرجل بغير إذنببه،
على أنه إن رضي المشتري صح الشراء وإل لم يصح ،فمنعه الشافعي في الببوجهين
جميعا ،وأجازه مالك في الوجهين جميعا؛ وفرق أبو حنيفة بين البببيع والشببراء فقببال:
يجوز في البيع ول يجوز في الشراء .وعمدة المالكية مبا روي "أن النبببي صبلى الب
عليه وسلم دفع إلى عروة البارقي دينار وقال :اشتر لنببا مببن هببذا الجلببب شبباة ،قببال:
فاشتريت شاتين بدينار وبعت إحدى الشاتين بدينار وجئت بالشاة والدينار ،فقلببت :يببا
رسببول الب هببذه شباتكم ودينبباركم ،فقبال :اللهببم ببارك لبه فببي صبفقة يمينببه" ووجببه
الستدلل منه أن النبي صلى ال عليه وسلم لم يأمره في الشاة الثانية ل بالشببراء ول
بالبيع ،فصار ذلك حجة على أبي حنيفة في صحة الشراء للغير ،وعلى الشببافعي فببي
المرين جميعا .وعمدة الشافعي النهي الوارد عن بيع الرجل ما ليس عنببده ،المالكيببة
تحمله على بيعه لنفسه ل لغيره ،قالوا :والدليل على ذلك أن النهي إنما ورد في حكيم
بن حزام وقضيته مشهورة ،وذلك أنه كان يبيع لنفسه ما ليس عنببده .وسبببب الخلف
المسألة المشهورة ،هل إذا ورد النهي على سبب حمل على سببه أو يعببم؟ فهببذه هببي
أصول هذا القسم ،وبالجملة فالنظر في هذا القسم هو منطو بالقوة فببي الجببزء الول،
ولكن النظر الصناعي الفقهبي يقتضبي أن يفبرد ببالتكلم فيبه .وإذ قبد تكلمنبا فبي هبذا
الجزء بحسب غرضببنا فلنصببر إلببى القسببم الثببالث ،وهببو القببول فببي الحكببام العامببة
للبيوع الصحيحة.
@)-القسم الثالث :في الحكام العامة للبيوع الصحيحة( وهذا القسم تنحصبر أصبوله
التي لها تعلق قريب بالمسببموع فببي أربببع جمببل :الجملببة الولببى :فببي أحكببام وجببود
العيب في المبيعات .والجملة الثانية :في الضمان في المبيعببات مببتى ينتقببل مببن ملببك
البائع إلى ملك المشببتري .والثالثببة :فببي معرفببة الشببياء الببتي تتبببع المبببيع ممببا هببي
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
موجودة فيه في حين البيع من التي ل تتبعه .والرابعة :فببي اختلف المتبببايعين ،وإن
كان الليق به كتاب القضببية .وكببذلك أيضببا مببن أبببواب أحكببام البببيوع السببتحقاق،
وكذلك الشفعة هي أيضا من الحكام الطارئة عليبه ،لكبن جبرت العبادة أن يفبرد لهبا
كتاب.
*)*3الجملة الولى( وهذه الجملة فيها بابان :الباب الول :في أحكبام وجبود العيبوب
في البيع المطلق .والباب الثاني :في أحكامهما في البيع بشرط البراءة.
**3الباب الول في أحكام العيوب في البيع المطلق.
@-والصل في وجود البرد ببالعيب قبوله تعبالى }إل أن تكبون تجبارة عبن تبراض
منكم{ وحديث المصراة المشهور ،ولما كان القائم بالعيب ل يخلببو أن يقببوم فببي عقببد
يوجب الرد ،أو يقوم في عقد ل يوجب ذلك ،ثم إذا قام في عقد يوجب الرد ،فل يخلو
أيضا من أن يقوم بعيب يوجب حكما أو ل يوجبه ،ثم إن قام بعيب يببوجب حكمببا فل
يخلو المبيع أيضا أن يكون قد حبدث فيببه تغيببر بعبد الببيع أو ل يكببون ،فبإن كببان لببم
يحدث فما حكمه؟ وإن كبان حبدث فيبه فكبم أصبناف التغييبرات ومبا حكمهبا؟ كبانت
الفصول المحيطة بأصول هذا الباب خمسة :الفصببل الول :فببي معرفببة العقببود الببتي
يجب فيها بوجود العيب حكم ،من التي ل يجب ذلك فيها .الثاني :في معرفة العيببوب
التي توجب الحكم ،وما شرطها الموجب للحكم فيها .الثالث :في معرفببة حكببم العيببب
الموجب إذا كان المبيع لم يتغير .الرابع :في معرفة أصببناف التغيببرات الحادثببة عنببد
المشتري وحكمها .الخامس :في القضاء في هذا الحكم عنببد اختلف المتبببايعين ،وإن
كان أليق بكتاب القضية.
**4الفصل الول .في معرفة العقود التي يجب فيها بوجود العيب حكببم مببن الببتي ل
يجب فيها.
@-أما العقود التي يجب فيها العيب حكم بل خلف ،فهي العقود التي المقصود منها
المعاوضة ،كما أن العقود التي ليس المقصود منها المعاوضة ل خلف أيضا في أنه
ل تأثير للعيب فيها ،كالهبات لغير الثواب والصدقة؛ وأما ما بين هذين الصببنفين مببن
العقود ،أعني ما جمع قصد المكارمببة والمعاوضببة مثببل هبببة الثببواب ،فببالظهر فببي
المذهب أنه ل حكم فيها بوجود العيب ،وقد قيل يحكم به إذا كان العيب مفسدا.
**4الفصل الثاني .فببي معرفببة العيببوب الببتي تببوجب الحكببم ،ومببا شببرطها المببوجب
للحكم فيها.
@-وفي هذا الفصل نظران :أحدهما :في العيوب التي توجب الحكم .والنظببر الثبباني
في الشرط الموجب له.
@)-النظر الول( فأما العيوب التي توجب الحكم :فمنها عيببوب فببي النفببس؛ ومنهببا
عيوب في البدن ،وهذه منها ما هي عيوب بأن تشترط أضدادها في المبيع وهي التي
تسمى عيوبا من قبل الشببرط؛ ومنهببا مببا هببي عيببوب تببوجب الحكببم وإن لببم يشببترط
وجود أضدادها في المبيع ،وهذه هي التي فقدها نقص في أصل الخلقة؛ وأما العيوب
الخر فهي التي أضدادها كمالت ،وليس فقدها نقصا مثل الصنائع ،وأكثر مببا يوجببد
هذا الصنف في أحوال النفس ،وقببد يوجببد فببي أحببوال الجسببم .والعيببوب الجسببمانية،
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
عيب ،وبه قال الشافعي؛ وقال أبو حنيفة :ترد الجارية به ،ول يرد العبد به ،والتأنيث
في الذكر والتذكير في النثى عيب هذا كله في المذهب إل ما ذكرنا فيه الختلف.
@)-النظر الثاني( وأما شرط العيب الموجب للحكم به فهو أن يكون حادثا قبببل أمببد
التبايع باتفاق أو في العهدة عند من يقول بها ،فيجببب ههنببا أن نببذكر اختلف الفقهبباء
في العهدة فنقول :انفرد مالك بالقول بالعهدة دون سائر فقهبباء المصببار ،وسببلفه فببي
ذلك أهل المدينة الفقهاء السبعة وغيرهم ،ومعنى العهدة أن كل عيب حدث فيهببا عنببد
المشتري فهو من البائع ،وهي عند القائلين بها عهدتان :عهببدة الثلثببة اليببام ،وذلببك
من جمع العيوب الحادثة فيها عند المشتري .وعهدة السنة ،وهي من العيوب الثلثة:
الجذام والبرص والجنون ،فما حدث في السنة من هذه الثلث بالمبيع فهو من البائع،
وما حدث من غيرها من العيوب كببان مببن ضببمان المشببتري علببى الصببل .وعهببدة
الثلث عند المالكية بالجملة بمنزلة أيام الخيار وأيام الستبراء والنفقة فيها والضمان
من البببائع .وأمببا عهببدة السببنة فالنفقببة فيهببا والضببمان مببن المشببتري إل مببن الدواء
الثلثة ،وهذه العهدة عند مالك في الرقيق ،وهي أيضا واقعة في أصناف البببيوع فببي
كل ما القصد منه المماكسة والمحاكرة وكان بيعا ل في الذمة ،هذا مببا ل خلف فيببه
في المذهب ،واختلف في غير ذلك .وعهدة السنة تحسب عنده بعبد عهبدة الثلث فبي
الشببهر مبن المبذهب ،وزمببان المواضببعة يتبداخل مبع عهبدة الثلث إن كبان زمبان
المواضعة أطول من عهدة الثلث .وعهدة السنة ل تتداخل مع عهدة الستبراء ،هببذا
هو الظاهر من المذهب ،وفيه اختلف .وقال الفقهاء السبببعة :ل يتببداخل منهببا عهببدة
مع ثانية ،فعهدة الستبراء أول ،ثم عهدة الثلث ،ثم عهدة السنة .واختلف أيضبا عبن
مالك هل تلزم العهببدة فببي كببل البلد مببن غيببر أن يحمببل أهلهببا عليهببا؟ فببروي عنببه
الوجهان ،فإذا قيل ل يلزم أهل هذه البلد إل أن يكونوا قد حملوا على ذلك فهبل يجبب
أن يحمل عليها أهل كل بلد أم ل؟ فيه قولن في المببذهب ،ول يلببزم النقببد فببي عهببدة
الثلث وإن اشترط ،ويلزم في عهدة السنة؛ والعلة في ذلك أنه لببم يكمببل تسببليم البببيع
فيها للبائع قياسا علببى بيببع الخيببار لببتردد النقببد فيهببا بيببن السببلف والبببيع ،فهببذه كلهببا
مشهورات أحكام العهدة في مذهب مالك وهي كلها فروع مبنية على صببحة العهببدة،
فلنرجع إلى تقرير حجج المثبببتين لهببا والمبطليببن .وأمببا عمببدة مالببك رحمببه الب فببي
العهدة وحجته التي عول عليها ،فهي عمبل أهبل المدينبة .وأمبا أصبحابه المتبأخرون
فإنهم احتجوا بما رواه الحسن عن عقبة ابن عامر عن النبببي صببلى ال ب عليببه وسببلم
قال "عهدة الرقيق ثلثة أيام" وروي أيضا "ل عهدة بعد أربببع" وروى هببذا الحببديث
أيضا الحسن عن سمرة بن جندب الفزاري رضي ال عنه ،وكل الحديثين عنببد أهببل
العلم معلببول ،فببإنهم اختلفببوا فببي سببماع الحسببن عببن سببمرة ،وإن كببان الترمببذي قببد
صححه وأما سائر فقهاء المصار فلم يصح عنببدهم فببي العهببدة أثببر ،ورأوا أنهببا لببو
صحت مخالفة للصبول ،وذلبك أن المسبلمين مجمعبون علبى أن كبل مصبيبة تنبزل
بالمبيع قبل قبضه فهي من المشبتري ،فالتخصبيص لمثبل هبذا الصبل المتقبرر إنمبا
يكون بسماع ثابت ،ولهذا ضعف عند مالك في أحد الروايتين عنه أن يقضي بها فببي
كل بلد إل أن يكون ذلك عرفا في البلد أو يشترط وبخاصة عهدة السنة ،فإنه لم يببأت
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
في ذلك أثر .وروي عن الشافعي عن ابن جريح قال :سببألت ابببن شببهاب عببن عهببدة
السنة والثلث فقال :ما علمت فيها أمرا سالفا .وإذ قد تقرر القول في تمييببز العيببوب
التي توجب حكما من التي ل توجبه وتقرر الشرط فببي ذلببك ،وهببو أن يكببون العيببب
حادثا قبل البيع أو في العهدة عند من يرى العهدة ،فلنصر إلى ما بقي.
**4الفصل الثالث .في معرفة حكم العيب الموجب إذا كان المبيع لم يتغير.
@-وإذا وجدت العيوب ،فإن لم يتغير المبيع بشببيء مببن العيبوب عنببد المشبتري فل
يخلو أن يكون في عقار أو عروض أو في حيوان ،فببإن كببان فببي حيببوان فل خلف
أن المشتري مخير بين أن يرد المبيع ويأخببذ ثمنببه أو يمسببك ول شببيء لببه .وأمببا إن
كان عقار فمالك يفرق في ذلببك بيببن العيببب اليسببير والكببثير فيقببول :إن كببان العيببب
يسيرا لم يجب الرد ،ووجبت قيمة العيب وهو الرش ،وإن كان كببثيرا وجببب الببرد،
هذا هو الموجود المشهور في كتب أصحابه ،ولببم يفصببل البغببداديون هببذا التفصببيل.
وأما العروض فالمشهور في المذهب أنها ليست في هذا الحكم بمنزلة الصول ،وقببد
قيل إنها بمنزلة الصول في المذهب ،وهذا الذي كان يختاره الفقيه أبو بكر بن رزق
شيخ جدي رحمة ال عليهما ،وكان يقول :إنه ل فرق في هببذا المعنببى بيببن الصببول
والعروض ،وهذا الذي قاله يلزم من يفرق بين العيببب الكببثير والقليببل فببي الصببول:
أعني أن يفرق في ذلك أيضا في العروض ،والصل أن كل ما حط القيمة أنببه يجببب
به الرد ،وهو الذي عليه فقهاء المصار ،ولذلك لم يعول البغداديون فيما أحسب على
التفرقة التي قلت في الصول ،ولم يختلف قولهم فببي الحيببوان إنببه ل فببرق فيببه بيببن
العيب القليل والكثير.
@)-فصل( وإذ قلنا إن المشتري يخير بين أن يرد المبيع ويأخذ ثمنببه أو يمسببك ول
شيء له ،فإن اتفقا على أن يمسك المشتري سلعته ويعطيه البائع قيمة العيببب ،فعامببة
فقهاء المصار يجيزون ذلك ،إل ابن سريج مببن أصببحاب الشببافعي فببإنه قببال :ليببس
لهما ذلك لنه خيار في مال ،فلم يكن له إسقاطه بعوض كخيار الشفعة .قال القاضببي
عبد الوهاب :وهببذا غلببط ،لن ذلببك حببق للمشببتري فلببه أن يسببتوفيه :أعنببي أن يببرد
ويرجع بالثمن ،وله أن يعاوض على تركه ،وما ذكره مببن خيببار الشببفعة فببإنه شبباهد
لنا ،فإن له عندنا تركه إلى عوض يأخذه ،وهذا ل خلف فيه .وفي هذا الباب فرعان
مشهوران من قبل التبعيض :أحدهما هل إذا اشترى المشببتري أنواعببا مببن المبيعببات
في صفقة واحدة فوجد أحدها معيبا ،فهل يرجع بالجميع ،أو بالذي وجببد فيببه العيببب؟
فقال قوم :ليس له إل أن يرد الجميع أو يمسك ،وبه قال أبو ثببور والوزاعببي ،إل أن
يكون قد سمى ما لكل واحد من تلك النواع من القيمببة ،فببإن هببذا ممببا ل خلف فيببه
أنه يرد المبيع بعينه فقط ،وإنما الخلف إذا لم يسم .وقال قوم :يببرد المعيببب بحصببته
من الثمن وذلك بالتقدير ،وممن قال بهذا القببول سببفيان الثببوري وغيببره .وروي عببن
الشافعي القولن معببا .وفببرق مالببك فقببال :ينظببر فببي المعيببب ،فببإن كببان ذلببك وجببه
الصفقة والمقصود بالشراء رد الجميع ،وإن لم يكن وجه الصفقة رده بقيمتببه .وفببرق
أبو حنيفة تفريقا آخر وقال :إن وجد العيب قبببل القبببض رد الجميببع ،وإن وجببده بعببد
القبض رد المعيب بحصته من الثمن .ففي هذه المسألة أربعة أقوال .فحجببة مببن منببع
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
التبغيض في الببرد أن المبردود يرجببع فيببه بقيمببة لببم يتفببق عليهبا المشبتري والبببائع،
وكذلك الذي يبقى إنما يبقى بقيمة لم يتفقا عليهببا .ويمكببن أنببه لببو بعضببت السببلعة لببم
يشتر البعض بالقيمة التي أقيم بها .وأما حجة من رأى الرد في البعض المعيب ولبد
فلنه موضع ضرورة ،فأقيم فيه التقويم والتقدير مقام الرضا قياسا علببى أن مببا فببات
في البيع فليس فيه إل القيمة .وأمببا تفريببق مالببك بيببن مببا هببو وجببه الصببفقة أو غيببر
وجهها فاستحسان منه ،لنه رأى أن ذلك المعيب إذا لم يكن مقصودا في المبيع فليس
كبير ضرر في أن ل يوافق الثمن الذي أقيم به أراده المشتري أو البائع .وأما عند ما
يكون مقصودا أو جل المبيع فيعظم الضرر في ذلك .واختلف عنببه هببل يعتبببر تببأثير
العيب في قيمة الجميع أو في قيمة المعيب خاصببة .وأمببا تفريببق أبببي حنيفببة بيببن أن
يقبض أو ل يقبض ،فإن القبض عنده شرط مببن شببروط تمببام البببيع ،ومببا لببم يقبببض
المبيع فضمانه عنده من البائع ،وحكم الستحقاق في هذه المسألة حكم الرد بالعيب.
@)-وأما المسألة الثانية( فإنهم اختلفببوا أيضببا فببي رجليببن يبتاعببان شببيئا واحببدا فببي
صفقة واحدة فيجدان به عيبا فيريد أحدهما الرجوع ويأبى الخر ،فقال الشافعي :لمن
أراد الرد أن يرد ،وهي رواية ابن القاسببم عببن مالببك ،وقيببل ليببس لببه أن يببرد؛ فمببن
أوجب الرد شبهه بالصفقتين المفترقتين ،لنه قد اجتمع فيها عاقدان؛ ومبن لبم يبوجبه
شبهه بالصفقة الواحدة إذا أراد المشتري فيها تبغيض رد المبيع بالعيب.
**4الفصل الرابع .في معرفة أصناف التغيرات الحادثة عند المشتري وحكمها.
@-وأما إن تغير المبيع عند المشتري ولببم يعلببم بببالعيب إل بعببد تغيببر المبببيع عنببده
فالحكم في ذلك يختلف عند فقهاء المصار بحسب التغييببر .فأمببا إن تغيببر بمببوت أو
فساد أو عتق ،ففقهاء المصار على أنه فبوت ،ويرجبع المشبتري علبى الببائع بقيمبة
العيب .وقال عطاء بن أبي رباح :ل يرجع في الموت والعتق بشيء .وكببذلك عنببدهم
حكم من اشترى جارية فأولدها .وكذلك التدبير عندهم ،وهو القياس في الكتابة .وأمببا
تغيره في البيع فإنهم اختلفوا فيه ،فقال أبو حنيفة والشافعي :إذا باعه لم يرجع بشيء،
وكذلك قال الليث .وأما مالك فله في البيع تفصبيل ،وذلببك أنبه ل يخلببو أن يبببيعه مببن
بائعه منه أو من غير بائعه ،ول يخلو أيضا أن يبيعه بمثل الثمن أو أقل أو أكثر ،فإن
باعه من بائعه منه بمثل الثمن فل رجوع له بالعيب .وإن باعه منببه بأقببل مببن الثمببن
رجع عليه بقيمببة العيببب ،وإن ببباعه بببأكثر مببن الثمببن نظببر ،فببإن كببان البببائع الول
مدلسا :أي عالما بالعيب لم يرجع الول على الثاني بشيء ،وإن لم يكن مدلسببا رجببع
الول على الثاني في الثمن والثاني على الول أيضا ،وينفسخ البيعان ويعببود المبببيع
إلى ملك الول ،فإن باعه من عند بائعه منه ،فقببال ابببن القاسببم :ل رجببوع لببه بقيمببة
العيب ،مثل قبول أببي حنيفببة والشببافعي؛ وقبال اببن عبببد الحكببم :لبه الرجببوع بقيمببة
العيب؛ وقال أشهب :يرجع بالقل من قيمة العيب أو بقيمة الثمن ،هذا إذا ببباعه بأقببل
مما اشتراه ،وعلى هذا ل يرجع إذا باعه بمثل الثمن أو أكثر ،وبه قال عثمان البببتي.
ووجه قول ابن القاسم والشافعي وأبي حنيفة أنه إذا فات ببالبيع فقببد أخبذ عوضبا مببن
غير أن يعتبر تأثير بالعيب في ذلك العوض الذي هبو الثمبن ،ولببذلك مببتى قبام عليبه
المشتري منه بعيب رجع على البببائع الول بل خلف .ووجببه القببول الثبباني تشبببيهه
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
البيع بالعتق .ووجببه قببول عثمببان وأشببهب أنببه لببو كببان عنببده المبببيع لببم يكببن لببه إل
المساك أو الرد للجميع ،فإذا باعه فقد أخذ عوض ذلك الثمن ،فليس له إل مببا نقببص
إل أن يكبون أكبثر مبن قيمبة العيبب .وقبال مالبك :إن وهبب أو تصبدق رجبع بقيمبة
العيب؛ وقال أبو حنيفببة ل يرجبع ،لن هبتببه أو صبدقته تفببويت للملبك بغيببر عبوض
ورضي منه بذلك طلبا للجر ،فيكون رضاه بإسقاط حق العيب أولى وأحرى بببذلك.
وأما مالك فقاس الهبة على العتق ،وقد كان القياس أن ل يرجع في شيء من ذلك إذا
فات ولم يمكنه الرد ،لن إجماعهم على أنه إذا كان في يده فليس يجب له إل الرد أو
المساك ،دليل على أنه ليس للعيب تأثير في إسقاط شيء من الثمن ،وإنمببا لببه تببأثير
في فسخ البيع فقط .وأما العقود التي يتعاقبها السترجاع كببالرهن والجببازة فبباختلف
في ذلك أصحاب مالك ،فقال ابن القاسم :ل يمنع ذلك من الرد بببالعيب إذا رجببع إليببه
المبيع؛ وقال أشهب :إذا لم يكبن زمبان خروجبه عبن يبده زمانبا بعيبدا كبان لبه البرد
بالعيب ،وقول ابن القاسم أولى ،والهبة للثواب عند مالك كالبيع في أنهببا فببوت ،فهببذه
هي الحوال التي تطرأ على المبيع من العقود الحادثة فيها وأحكامها.
**3باب في طرو النقصان.
@-وأما إن طرأ على المبيع نقص فل يخلو أن يكون النقص في قيمته أو فببي البببدن
أو في النفس .فأما نقصان القيمببة لختلف السببواق ،فغيببر مببؤثر فببي الببرد بببالعيب
بإجماع .وأما النقصان الحادث في البدن ،فإن كان يسببيرا غيببر مببؤثر فببي القيمببة فل
تأثير له في البرد ببالعيب ،وحكمبه حكبم البذي لبم يحبدث ،وهبذا نبص مبذهب مالبك
وغيره.
وأما النقص الحادث في البببدن المببؤثر فببي القيمببة ،فبباختلف الفقهبباء فيببه علببى ثلثببة
أقوال:
أحدها أنه ليس له أن يرجع إل بقيمة العيب فقط وليس له غير ذلك إذا أبى البائع مببن
الرد ،وبه قال الشافعي في قوله الجديد وأبو حنيفة.
وقال الثوري :ليس له إل أن يرد ،ويرد مقدار العيبب البذي حبدث عنبده ،وهبو قبول
الشافعي الول.
والقول الثالث قول مالك :إن المشتري بالخيار بين أن يمسك ويضع عنببه البببائع مببن
الثمن قدر العيب أو يرده على البائع ويعطيه ثمن العيب البذي حبدث عنبده ،وأنببه إذا
اختلف البائع والمشتري ،فقال البائع للمشتري :أنا أقبببض المبببيع وتعطببي أنببت قيمببة
العيب الذي حدث عندك ،وقال المشتري :بببل أنببا أمسببك المبببيع ،وتعطببي أنببت قيمببة
العيب الذي حدث عندك ،فالقول قول المشببتري والخيببار لببه ،وقببد قيببل فببي المببذهب
القول قول البائع ،وهذا إنما يصح على قول من يرى أنه ليس للمشتري إل أن يمسك
أو يرد وما نقص عنده .وشذ أبو محمد بن حزم فقال :له أن يرد ول شيء عليه.
وأما حجة من قال :إنه ليس للمشتري إل أن يرد ويرد قيمة العيب ،أو يمسببك ،فلنببه
قد أجمعوا على أنه إذا لم يحدث بالمبيع عيب عند المشببتري فليببس إل الببرد ،فببوجب
استصحاب حال هذا الحكم ،وإن حدث عند المشتري عيب مببع إعطببائه قيمببة العيببب
الذي حدث عنده.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وأما من رأى أنه ل يرد المبيع بشيء وإنما لببه قيمببة العيببب الببذي كببان عنببد البببائع،
فقياسا على العتق والموت لكون هذا الصل غير مجمع عليه ،وقد خالف فيه عطاء.
وأما مالك فلما تعارض عنده حق البائع وحببق المشببتري غلببب المشببتري وجعببل لببه
الخيار ،لن البائع ل يخلو من أحد أمرين :إمببا أن يكببون مفرطببا فببي أنببه لببم يسببتعلم
العيب ويعلم به المشتري ،أو يكون علمه فدلس به على المشتري .وعند مالك أنه إذا
صح أنه دلس بالعيب وجب عليه الرد من غير أن يببدفع إليببه المشببتري قيمببة العيببب
الذي حدث عنده ،فإن مات من ذلك العيب كان ضمانه علببى البببائع بخلف الببذي لببم
يثبت أنه دلس فيه.
وأما حجة أبي محمد ،فلنه أمر حدث من عند ال كما لو حدث في ملك البببائع ،فببإن
الرد بالعيب دال على أن البيع لم ينعقد في نفسه ،وإنما انعقد في الظاهر ،وأيضببا فل
كتاب ول سنة يوجب على مكلف غرم ما لم يكببن لببه تببأثير فببي نقصببه إل أن يكببون
على جهة التغليظ عند من ضمن الغاصب ما نقبص عنبده ببأمر مبن الب ،فهبذا حكبم
العيوب الحادثة في البدن.
ت ]أي وأما العيوب التي في النفس كالباق والسرقة ،فقبد قيببل فببي المببذهب إنهبا ُتِفيب ُ
يفببوت بهببا اسببتطاعة الببرد[ الببرد كعيببوب البببدان ،وقيببل ل ،ول خلف أن العيببب
الحادث عند المشتري إذا ارتفع بعد حدوثه أنه ل تبأثير لببه فببي الببرد إل أن ل تببؤمن
عاقبته .واختلفوا من هذا الباب في المشتري يطأ الجارية ،فقال قوم :إذا وطببئ فليببس
له الرد وله الرجوع بقيمة العيب ،وسواء كبانت بكبرا أو ثيببا؛ وببه قبال أببو حنيفبة؛
وقال الشافعي :يرد قيمة الوطء في البكر ول يردها في الثيب؛ وقال قوم :بببل يردهببا
ويرد مهر مثلها ،وبه قال ابن أبي شبرمة وابن أبي ليلببى؛ وقببال سببفيان الثببوري :إن
كانت ثيبا رد نصف العشر من ثمنها ،وإن كببانت بكببرا رد العشببر مببن ثمنهببا؛ وقببال
مالك :ليس عليه في وطء الثيب شيء لنه غلة وجبت له بالضمان .وأمببا البكببر فهببو
عيب يثبت عنده للمشتري الخيار على ما سلف من رأيه ،وقد روي مثببل هببذا القببول
عن الشافعي؛ وقال عثمان البتي :الوطء معتبر في العرف في ذلك النوع من الرقيق،
فإن كان له أثر في القيمة رد البائع ما نقص ،وإن لم يكن له أثر لم يلزمه شيء ،فهذا
هو حكم النقصان الحادث في المبيعات.
وأما الزيادة الحادثة في المبيع :أعني المتولدة المنفصلة منببه ،فبباختلف العلمبباء فيهببا،
فذهب الشافعي إلى أنها غير مؤثرة في الرد وأنها للمشتري لعموم قوله عليه الصلة
والسلم "الخراج بالضمان" .وأما مالببك فاسببتثنى مببن ذلببك الولببد فقببال :يببرد للبببائع،
وليس للمشتري إل الرد الزائد مع الصل أو المساك .قال أبو حنيفببة :الببزوائد كلهببا
تمنع الرد وتوجب أرش العيببب إل الغلببة والكسببب .وحجتببه أن مببا تولببد عببن المبببيع
داخل في العقد ،فلما لم يكن رده ورد ما تولد عنه كان ذلك فوتا يقتضي أرش العيببب
إل ما نصصه الشرع من الخراج والغلة .وأما الزيادة الحادثة في نفس المبببيع الغيببر
المنفصلة عنه فإنها إن كانت مثل الصبغ في الثوب والرقم فإنهببا تببوجب الخيببار فببي
المذهب ،إما المساك والرجوع بقيمة العيب ،وإما في الرد وكونه شببريكا مببع البببائع
بقيمة الزيادة .وأما النماء في البدن مثل السمن فقد قيل في المببذهب يثبببت بببه الخيببار
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
للمشتري ،وقيل ل يثبت ،وكذلك النقص الذي هو الهزال ،فهببذا هببو القببول فببي حكببم
التغيير.
**4الفصل الخامس .في القضاء في اختلف الحكم عند اختلف المتبايعين.
@-وأما صفة الحكم في القضاء بهذه الحكام فببإنه إذا تقببار البببائع والمشببتري علببى
حالة من هذه الحوال المذكورة ههنا وجببب الحكببم الخبباص بتلببك الحببال ،فببإن أنكببر
البائع دعوى القائم ،فل يخلو أن ينكر وجود العيب أو ينكر حببدوثه عنببده .فببإن أنكببر
وجود العيب بالمبيع فإن كان العيب يستوي في إدراكببه جميببع النبباس كفببى فببي ذلببك
شاهدان عدلن ممن اتفق من الناس ،وإن كان مما يختببص بعلمببه أهببل صببناعة مببا،
شهد به أهل تلك الصناعة ،فقيل في المذهب عدلن .وقيل ل يشترط في ذلك العدالببة
ول العدد ول السلم ،وكذلك الحبال إن اختلفبوا فبي كبونه مبؤثرا فبي القيمبة ،وفبي
كونه أيضا قبل أمد التبايع أو بعده ،فإن لببم يكببن للمشببتري بينببة حلببف البببائع أنببه مببا
حدث عنده ،وإن لم تكن له بينة )لعله وإن كانت له بينة( على وجببود العيببب بببالمبيع
لم يجب له يمين على البائع .وأمببا إذا وجببب الرش فببوجه الحكببم فببي ذلببك أن يقببوم
الشيء سليما ويقوم معيبا ويرد المشتري ما بين ذلبك ،فبإن وجبب الخيبار قبوم ثلث
تقويمات :تقويم وهو سليم ،وتقويم بالعيب الحادث عند البائع ،وتقويم بالعيب الحادث
عند المشتري ،فيرد البائع من الثمن ويسقط عنه ما قدر منه قدر ما تنقص بببه القيمببة
المعيبة عن القيمة السليمة ،وإن أببى المشبتري البرد وأحبب المسباك رد الببائع مبن
الثمن ما بين القيمة الصحيحة والمعيبة عنده.
**3الباب الثاني في بيع البراءة.
@-اختلف العلماء في جواز هذا البيع .وصببورته أن يشببترط البببائع علببى المشببتري
التزام كل عيب يجده في المبيع على العموم ،فقال أبو حنيفة :يجوز البيع بالبراءة من
كل عيب سواء علمه البائع أو لم يعلمه ،سماه أو لببم يسببميه ،أبصببره أو لببم يبصببره،
وبه قال أبو ثور .وقال الشافعي في أشهر قوليه وهو المنصور عند أصبحابه ل يبببرأ
البائع إل من عيب يريه للمشتري ،وبببه قببال الثببوري .وأمببا مالببك فالشببهر عنببه أن
البراءة جائزة مما يعلم البائع من العيوب ،وذلك في الرقيببق خاصببة ،إل البببراءة مببن
الحمل في الجواري الرائعببات ،فببإنه ل يجببوز عنببده لعظببم الغببرر فيببه ،ويجببوز فببي
الوخش .وعنه في رواية ثانية :أنه يجوز في الرقيق والحيوان .وفي رواية ثالثة مثل
قول الشافعي .وقد روي عنه أن بيع البراءة إنما يصح من السببلطان فقببط ،وقيببل فببي
بيع السلطان وبيع المواريث ،وذلك من غير أن يشببترطوا البببراءة .وحجببة مببن رأى
القول بالبراءة على الطلق أن القيام بالعيب حق مببن حقببوق المشببتري قبببل البببائع،
فإذا أسقطه سقط أصله سائر الحقوق الواجبة .وحجة من لببم يجببزه علببى الطلق أن
ذلك من باب الغرر فيما لم يعلمه البائع ،ومن باب الغبن والغببش فيمببا علمببه ،ولببذلك
اشترط جهل البائع مالك .وبالجملة فعمدة مالك ما رواه فببي الموطببأ أن عبببد الب بببن
عمر باع غلما له بثمانمائة درهم وباعه على البراءة ،فقال الذي ابتاعه لعبد ال بببن
عمر :بالغلم داء لم تسمه ،فاختصما إلى عثمان ،فقال الرجل :ببباعني عبببدا وبببه داء
لم يسمه لي ،وقال عبد ال :بعته بالبراءة ،فقضى عثمان على عبد ال أن يحلببف لقببد
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
باع العبد وما به داء يعلمه ،فأبى عبد ال أن يحلف وارتجببع العبببد .وروي أيضببا أن
زيد بن ثابت كان يجيز بيع البراءة .وإنما خص مالك بذلك الرقيق لكون عيوبهم فببي
الكثر خافية .وبالجملة خيار الرد بالعيب حق ثابت للمشتري ،ولما كان ذلك يختلببف
اختلفا كثيرا كاختلف المبيعات فببي صببفاتها وجببب إذا اتفقببا علببى الجهببل بببه أن ل
يجوز أصله إذا اتفقا على جهل صببفة المبببيع المببؤثرة فببي الثمببن ،ولببذلك حكببى ابببن
القاسم في المدونة عن مالك أن آخر قبوله كبان إنكبار بيببع البببراءة إل مبا خفببف فيببه
السلطان ،وفبي قضباء البديون خاصبة .وذهبب المغيبرة مبن أصبحاب مالبك إلبى أن
البراءة إنما تجوز فيما كان من العيوب ل يتجاوز فيها ثلث المبيع ،والبراءة بالجملببة
إنما تلزم عند القائلين بالشرط :أعني إذا اشترطها إل بيببع السببلطان والمببواريث عنببد
مالك فقط .فالكلم بالجملة في بيع البراءة هو في جبوازه وفببي شببرط جببوازه ،وفيمبا
يجوز من العقود والمبيعات والعيوب ،ولمن يجوز بالشرط أو مطلقا ،وهببذه كلهببا قببد
تقدمت بالقوة في قولنا فاعلمه.
*)*3الجملة الثانية :في وقت ضمان المبيعات( واختلفوا في الوقت الذي يتضمن فيببه
المشتري المبيع أنى تكون خسارته إن هلك منه .فقال أبو حنيفة والشافعي :ل يضمن
المشتري إل بعد القبض .وأما مالك فله في ذلك تفصيل ،وذلك أن المبيعات عنده في
هذا الباب ثلثة أقسام :بيع يجب على البائع فيه حق توفيببة مببن وزن أو كيببل وعببدد.
وبيع ليس فيه حق توفية ،وهو الجزاف أو مببا ل يببوزن ول يكببال ول يعببد .فأمببا مببا
كان فيه حق توفية فل يضمن المشتري إل بعد القبض .وأما ما ليس فيببه حببق توفيببة
وهو حاضر فل خلف في المذهب أن ضببمانه مببن المشببتري وإن لببم يقبضببه .وأمببا
المبيع الغائب ،فعن مالك في ذلك ثلث روايات :أشهرها أن الضببمان مببن البببائع إل
أن يشترطه على المبتاع .والثانية أنه من المبتاع إل أن يشترطه على البائع .والثالثة
الفرق بين ما ليس بمأمون البقاء إلى وقت القتضاء كالحيوان والمأكولت ،وبين مببا
هو مأمون البقاء .والخلف في هذه المسألة مبني هل على القبض شرط مببن شببروط
العقد ،أو حكم من أحكام العقد ،والعقد لزم دون القبض؟ فمن قال القبض من شروط
صحة العقد أو لزومه أو كيفما شئت أن تعبر في هذا المعنى كان الضمان عنببده مببن
البائع حتى يقبضه المشتري؛ ومن قال هو حكم لزم من أحكام المبيع والبيع قد انعقد
ولزم قال :العقد يدخل في ضمان المشببتري .وتفريببق مالببك بيببن الغببائب والحاضببر،
والذي فيه حق توفية والذي ليس فيه حق توفيببة استحسببان ،ومعنببى الستحسببان فببي
أكثر الحوال هو التفات إلى المصلحة والعببدل .وذهببب أهببل الظبباهر إلببى أن بالعقببد
يدخل فببي ضببمان المشببتري وفيمببا أحسببب ،وعمببدة مببن رأى ذلببك اتفبباقهم علببى أن
الخراج قبل القبض للمشتري ،وقببد قبال عليبه الصبلة والسبلم "الخببراج بالضببمان"
وعمدة المخالف حديث عتاب بن أسيد أن رسول ال صلى ال عليببه وسببلم لمببا بعثببه
إلى مكة قال له "انههم عن بيع ما لم يقبضوا وربح مبا لبم يضبمنوا" وقبد تكلمنبا فبي
شرط القبض في المبيع فيما سلف ،ول خلف بين المسلمين أنه من ضمان المشتري
بعد القبببض إل فببي العهببدة والجببوائح .وإذ قببد ذكرنببا العهببدة فينبغببي أن نببذكر ههنببا
الجوائح.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
**4القول في الجوائح.
@-اختلف العلماء في وضع الجوائح في الثمار ،فقال بالقضاء بها مالببك وأصببحابه،
ومنعها أبو حنيفة والثوري والشافعي في قوله الجديد والليث .فعمدة من قال بوضعها
حديث جابر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال "من ببباع ثمببرا فأصببابته جائحببة
فل يأخذ من أخيه شيئا ،على ماذا يأخذ أحدكم مال أخيه؟" خرجببه مسببلم عببن جببابر.
وما روي عنه أنه قال "أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم بوضع الجوائح" .فعمببدة
من أجاز الجوائح حديثا جابر هذان ،وقياس الشبه أيضا ،وذلك أنهم قببالوا :إنببه مبببيع
بقي على البائع فيه حق توفية ،بببدليل مببا عليببه مببن سببقيه إلببى أن يكمببل ،فببوجب أن
يكون ضمانه منه أصله سائر المبيعات التي بقي فيها حق توفية ،والفرق عندهم بيببن
هذا المبيع وبين سائر البيوع أن هذا بيع وقع في الشرع والمبيع لم يكمل بعببد ،فكببأنه
مستثنى من النهي عن بيع ما لم يخلبق ،فبوجب أن يكبون فبي ضبمانه مخالفبا لسبائر
المبيعات .وأما عمدة من لم يقل بالقضاء بها فتشببيه هبذا الببيع بسببائر المبيعببات وأن
التخلية في هذا المبيع هو القبض .وقد اتفقوا على أن ضمان المبيعات بعد القبض من
المشتري ومن طريق السماع أيضا حديث أبي سعيد الخدري قببال "أجيببح رجببل فببي
ثمار ابتاعها وكببثر دينببه ،فقببال رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم :تصببدقوا عليببه،
فتصدق عليه فلم يبلغ وفاء دينه ،فقال رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم :خببذوا مببا
وجدتم وليس لكم إل ذلك" قالوا :فلم يحكم بالجائحة .فسبب الخلف في هببذه المسببألة
هو تعارض الثار فيهما وتعارض مقاييس الشبه ،وقببد رام كببل واحببد مببن الفريقيببن
صرف الحديث المعارض للحديث الذي هببو الصببل عنببده بالتأويببل ،فقببال مببن منببع
الجائحة :يشبه أن يكون المر بها إنما ورد من قبل النهي عن بيع الثمببار حببتى يبببدو
صلحها ،قالوا :ويشهد لذلك أنه لما كثر شكواهم بالجوائح أمروا أن ل يبببيعوا الثمببر
إل بعد أن يبدو صلحه ،وذلك في حديث زيد بن ثابت المشهور ،وقببال مببن أجازهببا
في حديث أبي سعيد :يمكن أن يكون البائع عديما فلم يقض عليه بجائحة أو أن يكون
المقدار الذي أصيب من الثمر مقدارا ل يلببزم فيببه جائحببة ،أو أن يكببون أصببيب فببي
غير الوقت الذي تجب فيه الجائحة ،مثل أن يصاب بعد الجذاذ أو بعببد الطيببب .وأمببا
الشافعي فروى حديث جابر عن سليمان بن عتيق عن جابر ،وكببان يضببعفه ويقببول:
إنه اضطرب في ذكر وضع الجوائح فيه ولكنه قال :إن ثبت الحديث وجببب وضببعها
في القليل والكثير ،ول خلف بينهم في القضاء بالجائحة بالعطش ،وقد جعل القائلون
بها اتفاقهم في هذا حجة على إثباتها.
والكلم في أصول الجوائح على مذهب مالك ينحصر في أربعة فصببول :الول :فببي
معرفة السباب الفاعلة للجوائح .الثاني :في محل الجوائح من المبيعات .الثببالث :فببي
مقدار ما يوضع منه فيه .الرابع :في الوقت الذي توضع فيه.
**4الفصل الول في معرفة السباب الفاعلة للجوائح.
@-وأما ما أصاب الثمرة من السماء مثل البرد والقحببط وضببده والعفببن ،فل خلف
في المذهب أنه جائحة .وأما العطش كما قلنا فل خلف بين الجميع أنه جائحة .وأمببا
ما أصاب من صنع الدميين فبعض من أصبحاب مالبك رآه جائحببة وبعببض لببم يببره
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
جائحة .والذين رأوه جائحة انقسموا إلى قسمين :فبعضببهم رأى منببه جائحببة مببا كببان
غالبا كالجيش ولم ير ما كان منه بمغافصة )غافصة :أخذه علببى غببرة( جائحببة مثببل
السرقة ،وبعضهم جعل كل ما يصببيب الثمبرة مبن جهبة الدمييبن جائحببة بببأي وجببه
كان ،فمن جعلها في المور السماوية فقط اعتمد ظاهر قببوله عليببه الصببلة والسببلم
"أرأيت إن منع ال الثمرة؟" ومن جعلها في أفعال الدميين شبهها بالمور السماوية،
ومن استثنى اللص قال :يمكن أن يتحفظ منه.
**4الفصل الثاني في محل الجوائح من المبيعات.
@-ومحل الجوائح هي الثمار والبقول .فأما الثمار فل خلف فيها في المذهب ،وأما
البقول ففيها خلف ،والشهر فيها الجائحة .وإنما اختلفوا فببي البقببول لختلفهببم فببي
تشبيهها بالصل الذي هو الثمر.
**4الفصل الثالث في مقدار ما يوضع منه فيه.
@-وأما المقدار الذي تجب فيه الجائحة ،أما في الثمار فالثلث ،وأما في البقول فقيببل
في القليل والكثير ،وقيل في الثلببث ،وابببن القاسببم يعتبببر ثلببث الثمببر بالكيببل وأشببهب
يعتبر الثلث في القيمة ،فإذا ذهب من الثمببر عنببد أشببهب مببا قيمتببه الثلببث مببن الكيببل
وضع عنه الثلث من الثمن ،وسواء كان ثلثا في الكيببل أو لببم يكببن .وأمببا ابببن القاسببم
فإنه إذا ذهب من الثمر الثلث مببن الكيببل ،فببإن كببان نوعببا واحببدا ليببس تختلببف قيمببة
بطونه حط عنه من الثمن الثلث ،وإن كان الثمر أنواعا كثيرة مختلفببة القيببم ،أو كببان
بطونا مختلفة القيم أيضا اعتبر قيمة ذلك الثلث الببذاهب مببن قيمببة الجميببع ،فمببا كببان
قدره حط بذلك القدر من الثمن ،ففي موضع يعتبر المكيلة فقط ،حيث تسببتوي القيمببة
في أجزاء الثمرة وبطونها وفي موضببع يعتبببر أمريببن جميعببا حيببث تختلببف القيمببة،
والمالكية يحتجون في مصيرهم إلببى التقببدير فببي وضببع الجببوائح وإن كببان الحببديث
الوارد فيها مطلقا بأن القليل في هذا معلوم من حكم العادة أنه يخببالف الكببثير إذ كببان
معلوما أن القليل يذهب من كل ثمر ،فكأن المشتري دخببل علببى هببذا الشببرط بالعببادة
وإن لم يدخل بالنطق ،وأيضا فإن الجائحة التي علبق الحكبم بهبا تقتضبي الفبرق بيبن
القليل والكثير .قببالوا :وإذا وجببب الفببرق وجببب أن يعتبببر فيببه الثلببث ،إذ قببد اعتبببره
الشرع في مواضع كثيرة ،وإن كان المذهب يضطرب في هذا الصل ،فمببرة يجعببل
الثلث من حيز الكثير كجعله إياه ههنا ،ومرة يجعله في حيز القليل ولم يضطرب فبي
أنه الفرق بين القليل والكثير ،والمقدارات يعسر إثباتها بالقياس عند جمهور الفقهبباء،
ولذلك قال الشافعي :لو قلت بالجائحة لقلت فيها بالقليببل والكببثير ،وكببون الثلببث فرقببا
بين القليل والكثير هببو نببص فببي الوصببية فببي قببوله عليببه الصببلة والسببلم "الثلببث،
والثلث كثير".
**4الفصل الرابع في الوقت الذي توضع فيه.
@-وأما زمبان القضباء بالجائحبة ،فباتفق المبذهب علبى وجوبهبا فبي الزمبان البذي
يحتاج فيه إلى تبقية الثمر على رءوس الشجر حيث يستوفي طيبه .واختلفوا إذا أبقبباه
المشتري فببي الثمببار ليبببيعه علببى النضببارة وشببيئا شببيئا ،فقيببل فيببه الجائحببة تشبببيها
بالزمان المتفق عليه ،وقيل ليس فيبه جائحبة تفريقبا بينبه وبيبن الزمبان المتفبق علبى
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وجوب القضاء بالجائحة فيه ،وذلك أن هببذا الزمببان يشبببه الزمببان المتفببق عليببه مببن
جهة ويخالفه من جهة؛ فمن غلب التفاق أوجب فيه الجائحببة؛ ومببن غلببب الختلف
لببم يببوجب فيببه جائحببة ،أعنببي مببن رأى أن النضببارة مطلوبببة بالشببراء كمببا الطيببب
مطلوب قال :بوجوب الجائحة فيه؛ ومبن لببم يببر المبر فيهمبا واحبدا قبال :ليبس فيببه
جائحة ،ومن ههنا اختلفوا في وجوب الجوائح في البقول.
*)*3الجملة الثالثة من جمل النظر فببي الحكببام( وهببو فببي تابعببات المبيعببات ،ومببن
مسائل هذا الباب المشهورة اثنتببان :الولبى بيببع النخيبل وفيهبا الثمبر مببتى يتبببع بيبع
الصل ومتى ل يتبعه؟ فجمهور الفقهاء على أن من باع نخل فيها ثمر قبل أن يببؤبر
فإن الثمر للمشتري ،وإذا كان البيع بعد البار فالثمر للببائع إل أن يشبترطه المبتباع،
والثمار كلها في هذا المعنى في معنى النخيل ،وهذا كله لثببوت حبديث اببن عمبر أن
رسول ال صلى ال عليه وسلم قببال "مببن ببباع نخل قببد أبببرت فثمرهببا للبببائع إل أن
يشترطه المبتاع" قالوا :فلما حكم صلى ال عليه وسلم بالثمن للبائع بعد البببار علمنببا
بدليل الخطاب أنها للمشتري قبل البار بل شرط ،وقببال أبببو حنيفببة وأصببحابه :هببي
للبائع قبل البار وبعده ،ولم يجعل المفهوم ههنا من باب دليل الخطاب بببل مببن ببباب
مفهوم الحرى والولى ،قالوا :وذلك أنه إذا وجبت للبائع بعد البار فهي أحببرى أن
تجب له قبل البار .وشبهوا خروج الثمببر ببالولدة ،وكمببا أن مبن بباع أمبة لهبا ولبد
فولدها للبائع إل أن يشترطه المبتاع كذلك المر في الثمن ،وقال ابن أبي ليلى :سواء
أبر أو لم يؤبر إذا بيع الصل فهو للمشتري اشترطها أو لم يشببترطها ،فببرد الحببديث
بالقياس ،لنه رأى أن الثمر جزء مببن المبببيع ،ول معنببى لهببذا القببول إل أن كبان لببم
يثبت عنده الحديث .وأما أبو حنيفة فلم يرد الحديث ،وإنما خالف مفهببوم الببدليل فيببه.
فإذا سبب الخلف في هذه المسألة بين أبي حنيفة والشافعي ومالك ومببن قببال بقببولهم
معارضة دليل الخطباب لبدليل مفهببوم الحببرى والولبى ،وهببو البذي يسبمى فحبوى
الخطاب لكنه ههنا ضعيف ،وإن كان في الصل أقوى من دليل الخطاب .وأما سبببب
مخالفة ابن أبي ليلى فمعارضة القياس للسماع ،وهو كما قلنببا ضببعيف .والبببار عنببد
العلماء أن يجعل طلع ذكور النحل في طلع إناثها ،وفي سائر الشجر أن تنور وتعقد،
والتذكير في شجر التين التي تذكر في معنى البببار ،وإبببار الببزرع مختلببف فيببه فببي
المذهب ،فروى ابن القاسم عن مالك أن إباره أن يفرك قياسا على سائر الثمر ،وهببل
الموجب لهذا الحكم هو البار أو وقت البار؟ قيل الوقت ،وقيببل البببار ،وعلببى هببذا
ينبني الختلف إذا أبر بعض النخيل ولم يؤبر البعض ،هل يتبع ما لم يببؤبر مببا أبببر
أو ل يتبعه؟ واتفقوا فيما أحسبه على أنه إذا بيع ثمر وقد دخل وقت البببار فلببم يببؤبر
أن حكمه حكم المؤبر.
@)-المسألة الثانية( وهي اختلفهم في بيع مال العبد ،وذلببك أنهببم اختلفببوا فببي مببال
العبد هل يتبعه في البيع والعتق؟ على ثلثة أقوال :أحدها أن مبباله فببي البببيع والعتببق
لسيده ،وكذلك في المكاتب ،وبه قال الشافعي والكوفيون .والثاني أن ماله تبع لببه فببي
البيع والعتق ،وهو قول داود وأبي ثور .والثالث أنه تبع له في العتق ل فببي البببيع إل
أن يشترطه المشتري ،وبه قال مالك والليث .فحجة من رأى أن ماله في البيع لسببيده
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
إل أن يشترطه المبتاع حديث ابن عمر المشهور عن النبي صلى ال عليه وسببلم أنببه
قال "من باع عبدا وله مببال فمبباله للببذي ببباعه إل أن يشببترطه المبتبباع" ومببن جعلببه
لسيده في العتق فقياسا على البيع .وحجة من رأى أنه تبع للعبد فببي كببل حببال انبنببت
على كون العبد مالكا عندهم وهي مسألة اختلف العلماء فيها اختلفا كثيرا :أعني هل
يملك العبد أو ل يملك؟ ويشبه أن يكون هؤلء إنما غلبوا القيبباس علببى السببماع ،لن
حديث ابن عمر هو حديث خالف فيه نافع سالما ،لن نافعا رواه عن ابن عمر وسالم
رواه عن ابن عمر عن النبي صلى ال عليه وسلم .وأما مالك فغلب القياس في العتق
والسماع في البيع .وقال مالك في الموطأ :المر المجتمع عليببه عنببدنا أن المبتبباع إذا
اشترط مال العبد فهو له نقدا كان أو عرضا أو دينا .وقد روي عن النبببي صببلى ال ب
عليه وسلم أنه قال "من أعتق غلما فماله له إل أن يستثنيه سيده" ويجوز عنببد مالببك
أن يشتري العبد وماله بدراهم ،وإن كان مال العبد دراهم أو فيه دراهم .وخببالفه أبببو
حنيفة والشافعي إذا كان مال العبد نقدا ،وقالوا :العبد وماله بمنزلة من ببباع شببيئين ل
يجوز فيهمببا إل مببا يجببوز فببي سببائر البببيوع .واختلببف أصببحاب مالببك فببي اشببتراط
المشتري لبعض مال العبد في صفقة البيع ،فقال ابن القاسم :ل يجوز ،وقببال أشببهب:
جائز أن يشترط بعضه ،وفرق بعضهم فقال :إن كان ما اشترى بببه العبببد عينببا وفببي
مال العبد عين لم يجز ذلك لنه يدخله دراهم بعرض ودراهم ،وإن كببان مببا اشببترى
به عروضا أو لم يكن في مال العبد دراهم جاز .ووجه قول ابن القاسم إنببه ل يجببوز
أن يشترط بعض تشبيهه بثمر النخبل بعبد الببار .ووجببه قببول أشببهب تشبببيه الجببزء
بالكل ،وفي هذا الباب مسائل مسكوت عنها كثيرة ليست مما قصببدناه .ومبن مشببهور
مسائلهم في هذا الباب الزيادة والنقصان اللذان يقعان في الثمن الذي انعقد عليه البببيع
بعد البيع بما يرضى به المتبايعان ،أعنببي أن يزيببد المشببتري البببائع بعببد البببيع علببى
الثمن الذي انعقد عليه البيع أو يحط منببه البببائع ،هببل يتبببع حكببم الثمببن أم ل؟ وفببائدة
الفرق أن من قال هي من الثمن أوجب ردها في السببتحقاق وفببي الببرد بببالعيب ومببا
أشبه ذلك ،وأيضا من جعلها فبي حكببم الثمببن الول إن كببانت فاسبدة الببيع ،ومببن لبم
يجعلها من الثمن :أعني الزيادة لم يوجب شيئا من هذا ،فذهب أبو حنيفة إلى أنها من
الثمن إل أنه قال ل تثبت الزيادة في حببق الشببفيع ول فببي بيببع المرابحببة ،بببل الحكببم
للثمن الول ،وبه قال مالك؛ وقال الشافعي :ل تلحق الزيادة والنقصان بببالثمن أصببل
وهو في حكم الهبة ،واستدل مببن ألحببق الزيببادة بببالثمن بقببوله عببز وجببل }ول جنبباح
عليكم فيما تراضيتم بببه مببن بعببد الفريضببة{ قبالوا :وإذا لحقببت الزيببادة فببي الصببداق
بالصداق لحقت في البيع بالثمن .واحتج الفريق الثاني باتفاقهم على أنها ل تلحببق فببي
الشفعة وبالجملة من رأى أن العقد الول قد تقرر قال :الزيببادة هبببة؛ ومببن رأى أنهببا
فسخ للعقد الول وعقد ثان عدها من الثمن.
*)*3الجملة الرابعة( وإذا اتفق المتبايعان على البيع واختلفا في مقدار الثمن ولم تكن
هناك بينة ففقهاء المصار متفقون على أنهما يتحالفان ويتفاسخان بالجملة ومختلفون
في التفصيل ،أعني في الوقت الببذي يحكببم فيببه باليمببان والتفاسببخ ،فقببال أبببو حنيفببة
وجماعة :إنهما يتحالفان ويتفاسخان ما لم تفت عين السببلعة ،فببإن فبباتت فببالقول قببول
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
المشتري مع يمينه .وقال الشافعي ومحمببد بببن الحسببن صبباحب أبببي حنيفببة وأشببهب
صباحب مالبك :يتحالفبان فبي كبل وقبت .وأمبا مالبك فعنبه روايتبان :إحبداهما أنهمبا
يتحالفان ويتفاسخان قبل القبض وبعد القبض القول قببول المشببتري .والروايببة الثانيببة
مثل قول أبي حنيفة ،وهي رواية ابن القاسم ،والثانيببة روايببة أشببهب ،والفببوت عنببده
يكون بتغيير السواق وبزيببادة المبببيع ونقصبانه .وقبال داود وأبببو ثبور :القببول قبول
المشتري على كل حال ،وكذلك قال زفر ،إل أن يكونا اختلفا في جنس الثمن ،فحينئذ
يكببون التفاسببخ عنببدهم والتحببالف ،ول خلف أنهببم إذا اختلفببوا فببي جنببس الثمببن أو
المثمون أن الواجب هو التحالف والتفاسخ ،وإنمبا صبار فقهباء المصبار إلبى القبول
على الجملة بالتحالف والتفاسخ عند الختلف في عدد الثمن لحديث ابببن مسببعود أن
رسول ال صلى ال عليه وسلم قال "أيما بيعين تبايعا فالقول قول البائع أو يببترادان"
فمن حمل هذا الحديث على وجببوب التفاسببخ وعمببومه قببال :يتحالفببان فببي كببل حببال
ويتفاسخان ،والعلة في ذلك عنده أن كل واحد منهمببا مببدع ومببدعى عليببه .وأمببا مببن
رأى أن الحديث إنما يجب أن يحمل على الحالة التي يجببب أن يتسبباوى فيهبا دعببوى
البائع والمشتري قال :إذا قبض السلعة أو فبباتت فقببد صببار القبببض شبباهدا للمشببتري
وشبهه لصدقه ،واليمين إنما يجب على أقوى المتداعيين شبهة ،وهذا هو أصل مالببك
في اليمان ،ولذلك يببوجب فببي مواضببع اليميببن علببى المببدعي ،وفببي مواضببع علببى
المدعى عليه ،وذلك أنه لم يجببب اليميببن ببالنص علبى المببدعى عليبه مببن حيببث هببو
مدعى عليه ،وإنما وجبببت عليببه مببن حيببث هببو فببي الكببثر أقببوى شبببهة ،فببإذا كببان
المدعي في مواطن أقوى شبهة وجب أن يكون اليمين في حيزه .وأما من رأى القول
قول المشتري ،فإنه رأى أن البائع مقر للمشتري بالشراء ومببدع عليببه عببددا مببا فببي
الثمن .وأما داود ومن قال بقببوله فببردوا حببديث ابببن مسببعود لنببه منقطببع ولببذلك لببم
يخرجه الشيخان البخاري ومسلم ،وإنما خرجه مالك .وعن مالك :إذا نكل المتبايعببان
عن اليمان روايتان :إحداهما الفسخ ،والثانية أن القول قول البببائع .وكبذلك مببن يببدأ
باليمين في المذهب فيه خلف ،فالشهر البائع علببى مببا فببي الحببديث ،وهببل إذا وقببع
التفاسخ يجوز لحدهما أن يختار قول صاحبه؟ فيه خلف في المذهب.
@)-القسم الرابع من النظر المشترك في البيوع( وهو النظر فببي حكببم البببيع الفاسببد
إذا وقع ،فنقول :اتفق العلماء على أن البيوع الفاسدة إذا وقعت ولم تفت بإحداث عقببد
فيها أو نماء أو نقصان أو حوالة سببوق أن حكمهببا الببرد أعنببي أن يببرد البببائع الثمببن
والمشتري المثمون .واختلفوا إذا قبضت وتصرف فيها بعتق أو هبة أو بيع أو رهببن
أو غير ذلك من سائر التصرفات هل ذلبك فبوت يبوجب القيمبة ،وكبذلك إذا نمبت أو
نقصت فقال الشافعي :ليس ذلك كله فوتا ول شبهة ملك في البيع الفاسد وأن الببواجب
الرد ،وقال مالك :كل ذلك فوت يوجب القيمة إل ما روى عنه ابن وهب في الربا أنه
ليس بفوت ،ومثل ذلك قال أبو حنيفة .والبيوع الفاسدة عند مالبك تنقسبم إلبى محرمببة
وإلى مكروهة .فأما المحرمة فإنها إذا فاتت مضت بالقيمة .وأما المكروهببة فإنهببا إذا
فاتت صحت عنده ،وربما صح عنده بعببض البببيوع الفاسببدة بببالقبض لخفببة الكراهببة
عنده في ذلك ،فالشافعية تشبه المبيع الفاسد لمكان الربا والغرر بالفاسد لمكان تحريببم
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
عينه كبيع الخمر والخنزير فليس عندهم فيه فببوت ،ومالببك يببرى أن النهببي فببي هببذه
المور إنما هو لمكان عدم العدل فيها ،أعني بيوع الربا والغببرر ،فببإذا فبباتت السببلعة
فالعدل فيها هو الرجوع بالقيمة ،لنه قد تقبض السلعة وهي تساوي ألفببا وتببرد وهببي
تساوي خمسببمائة أو بببالعكس ،ولببذلك يببرى مالببك حوالببة السببواق فوتببا فببي المبببيع
الفاسد ،ومالببك يببرى فببي البببيع والسببلف أنببه إذا فببات وكببان البببائع هببو المسببلف رد
المشتري القيمة ما لم تكن أزيد من الثمن ،لن المشتري قد رفع له في الثمببن لمكببان
السلف فليس من العدل أن يرد أكثر مبن ذلبك ،وإن كبان المشبتري هبو البذي أسبلف
البائع فقد حط البائع عنه من الثمن لمكان السلف ،فإذا وجبببت علببى المشببتري القيمببة
ردها ما لم تكن أقل من الثمن ،لن هذه البيوع إنما وقع المنببع فيهببا لمكببان مببا جعببل
فيها من العوض مقابل السلف الذي هو موضوع لعون الناس بعضهم لبعض ،ومالك
في هذه المسألة أفقه من الجميع .واختلفوا إذا ترك الشرط قبل القبببض :أعنببي شببرط
السببلف ،هببل يصببح البببيع أم ل؟ فقببال أبببو حنيفببة والشببافعي وسببائر العلمبباء :البببيع
مفسوخ؛ وقال مالببك وأصببحابه :البببيع غيببر مفسببوخ إل ابببن عبببد الحكببم قببال :البببيع
مفسوخ .وقد روي عن مالك مثل قول الجمهور .وحجة الجمهببور أن النهببي يتضببمن
فساد المنهي فإذا انعقد البيع فاسدا لم يصححه بعد رفببع الشببرط الببذي مببن قبلببه وقببع
الفساد ،كما أن رفع السبب المفسد في المحسوسببات بعببد فسبباد الشببيء ليببس يقتضببي
عودة الشيء إلى ما كان عليه قبل الفساد مببن الوجببود فبباعلمه .وروي أن محمببد بببن
أحمد بن سهل البرمكي سأل عن هذه المسألة إسماعيل بن إسحاق المببالكي فقببال لببه:
ما الفرق بين السلف والبيع وبين رجل باع غلما بمائة دينار وزق خمر ،فلما انعقببد
البيع بينهما قال :أنا أدع الزق ،وهذا البيع مفسببوخ عنببد العلمبباء بإجمبباع ،فببوجب أن
يكون بيع السلف كذلك ،فجاوب عن ذلك بجواب ل تقوم به حجة ،وقد تقدم القول في
ذلك .وإذ قد انقضى القول في أصول البيوع الفاسدة وأصول البيوع الصحيحة ،وفببي
أصول أحكام البيوع الصحيحة ،وأصببول الحكببام الفاسببدة المشببتركة العامببة لجميببع
البيوع أو لكثير منها فلنصر إلى ما يخص واحدا واحدا مببن هببذه الربعببة الجنبباس،
وذلك بأن نذكر منها ما يجري مجرى الصول.
**2كتاب الصرف.
@-ولما كان يخص هذا البيع شبرطان :أحبدهما عبدم النسبيئة وهبو الفبور ،والخبر
عدم التفاضل وهو اشبتراط المثليببة كبان النظبر فببي هببذا الببباب ينحصبر فببي خمسبة
أجناس :الول :في معرفة ما هو نسيئة مما ليس بنسيئة .الثبباني :فببي معرفببة مببا هببو
مماثل مما ليس بمماثل ،إذ هببذان القسببمان ينقسبمان بفصبول كببثيرة فيعبرض هنالببك
الخلف .الثالث :فيما وقع أيضا من هذا البيع بصورة مختلف فيها هل هو ذريعة إلى
أحببد هببذين أعنببي الزيببادة والنسببيئة أو كليهمببا عنببد مببن قببال بالببذرائع وهببو مالببك
وأصحابه ،وهذا ينقسم أيضببا إلببى نببوعين كانقسببام أصببله .الخببامس :فببي خصببائص
أحكام هذا البيع من جهة ما يعتبر فيه هذان الشرطان :أعنببي عببدم الّنسبباء والتفاضببل
أو كليهما ،وذلك أنه يخالف هذا البيع البيوع لمكببان هببذين الشببرطين فيببه فببي أحكببام
كثيرة .وأنت إذا تأملت الكتب الموضوعة في فببروع الكتبباب الببذي يرسببمونه بكتبباب
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الصرف وجدتها كلها راجعة إلى هذه الجناس الخمسة ،أو إلببى مببا تركببب منهببا مببا
عدا المسائل التي يدخلون في الكتاب الواحد بعينه مما ليس هو من ذلك الكتبباب مثببل
إدخال الملكية في الصرف مسائل كثيرة هي من باب القتضاء في السلف ،لكببن لمببا
كان الفاسد منها يئول إلى أحد هذين الصلين ،أعني إلى صببرف بنسببيئة أو بتفاضببل
أدخلوها فببي هببذا الكتبباب مثببل مسببائلهم فببي اقتضبباء القائمببة والمجموعببة والفببرادى
بعضها من بعض ،لكن لما كان قصدنا إنما هو ذكر المسببائل الببتي هببي منطببوق بهببا
في الشرع أو قريب من المنطبوق بهبا رأينبا أن نبذكر فبي هبذا الكتباب سببع مسبائل
مشهورة تجري مجرى الصول لما يطرأ على المجتهد من مسببائل هببذا الببباب ،فببإن
هذا الكتاب إنما وضعناه ليبلغ به المجتهد في هذه الصناعة رتبة الجتهبباد إذا حصببل
ما يجب له أن يحصل قبله من القدر الكافي له في علم النحو واللغة وصناعة أصببول
الفقه ،ويكفي من ذلك ما هو مساو لجببرم هببذا الكتبباب أو أقببل ،وبهببذه الرتبببة يسببمى
فقيها ل بحفظ مسائل الفقه ولو بلغت في العدد أقصى ما يمكن أن يحفظه إنسببان كمببا
نجد متفقهة زماننا يظنون أن الفقه هو الذي حفظ مسائل أكثر ،وهؤلء عببرض لهببم
شبيه ما يعرض لمن ظن أن الخفاف هو الذي عنده خفاف كثيرة ل الببذي يقببدر علببى
عملها ،وهو بين أن الذي عنده خفاف كثيرة سيأتيه إنسان بقدم ل يجبد فبي خفبافه مبا
يصلح لقدمه ،فيلجأ إلى صببانع الخفبباف ضببرورة ،وهببو الببذي يصببنع لكببل قببدم خفببا
يوافقه ،فهذا هو مثال أكثر المتفقهة فبي هبذا البوقت وإذ قبد خرجنبا عمبا كنبا بسببيله
فلنرجع إلى حيث كنا من ذكر المسائل التي وعدنا بها.
@)-المسألة الولى( أجمع العلماء على أن بيع الببذهب بالببذهب والفضببة بالفضببة ل
يجوز إل مثل بمثل يدا بيد ،إل ما روي عن ابن عباس ومن تبعه من المكييببن فببإنهم
أجازوا بيعه متفاضل ومنعوه نسيئة فقط ،وإنما صار ابن عباس لببذلك لمببا رواه عببن
أسامة بن زيد عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قبال "ل رببا إل فبي النسبيئة" وهبو
حديث صحيح ،فأخذ ابن عباس بظاهر هذا الحديث فلم يجعببل الربببا إل فببي النسببيئة.
وأما الجمهور فصاروا إلى ما رواه مالك عن نافع عن أبي سعيد الخدري أن رسببول
ال صلى ال عليببه وسببلم قببال "ل تبببيعوا الببذهب بالببذهب إل مثل بمثببل ،ول تشببفوا
بعضها على بعض ول تبيعوا الفضة بالفضة إل مثل بمثل ،ول تشفوا بعضببها علببى
بعض ،ول تبيعوا منها شيئا غائبا بناجز" وهببو مببن أصبح مببا روي فبي هبذا البباب.
وحديث عبادة بن الصامت حديث صحيح أيضا في هذا الباب ،فصبار الجمهبور إلبى
هذه الحاديث إذ كانت نصا في ذلك .وأما حديث ابن عباس فإنه ليس بنص في ذلببك
لنه روي فيه لفظان :أحدهما أنه قال "إنما الربا فببي النسببيئة" وهببذا ليببس يفهببم منببه
إجازة التفاضل إل من باب دليل الخطاب وهو ضعيف ول سيما إذا عارضه النببص.
وأما اللفظ الخر وهو "ل ربا إل في النسيئة" فهو أقوى مببن هببذا اللفببظ لن ظبباهره
يقتضي أن ما عدا النسببيئة فليببس بربببا ،لكببن يحتمببل أن يريببد بقببوله "ل ربببا إل فببي
النسيئة" من جهة أن الواقببع فببي الكببثر ،وإذا كببان هببذا محتمل والول نببص وجببب
تأويله على الجهة التي يصح الجمع بينهما .وأجمع الجمهور على أن مسكوكه وتبببره
ومصوغه سواء في منع بيع بعضه ببعض متفاضببل لعمببوم الحبباديث المتقدمببة فببي
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
ذلك ،إل معاوية فإنه كان يجيز التفاضل بين التبر والمصوغ لمكان زيادة الصببياغة،
وإل ما روي عن مالك أنه سئل عن الرجل يأتي دار الضرب بورقه فيعطيهببم أجببرة
الضببرب ويأخببذ منهببم دنببانير ودراهببم وزن ورقببه أو دراهمببه ،فقببال :إذا كببان ذلببك
لضرورة خروج الرفقة ونحو ذلك فأرجو أن ل يكون به بأس ،وبببه قبال ابببن القاسببم
من أصحابه ،وأنكر ذلك ابن وهب من أصحابه وعيسى بن دينار وجمهببور العلمبباء.
وأجاز مالك بدل الدينار الناقص بالوازن أو بالدينارين على اختلف بين أصحابه في
العدد الذي يجوز فيه ذلك من الذي ل يجوز على جهة المعروف.
@)-المسألة الثانية( اختلف العلماء في السيف والمصحف المحلى يباع بالفضة وفيه
حلية فضة ،أو بالذهب وفيه حلية ذهب ،فقال الشافعي :ل يجوز ذلك لجهببل المماثلببة
المشترطة في بيع الفضة بالفضة في ذلك والذهب بالذهب ،وقال مالك :إن كان قيمببة
ما فيه من الذهب أو الفضبة الثلبث فأقبل جباز بيعبه ،أعنبي بالفضبة إن كبانت حليتبه
فضة ،أو بالذهب إن كانت حليته ذهبا وإل لم يجز ،وكأنه رأى أنه إذا كببانت الفضببة
قليلة لم تكن مقصودة في البيع وصارت كأنها هبة؛ وقال أبو حنيفة وأصحابه :لبأس
ببيع السيف المحلى بالفضة إذا كانت الفضة أكثر من الفضة التي في السيف ،وكذلك
المر في بيع السيف المحلى بالذهب ،لنهم رأوا أن الفضة التي فيه أو الذهب يقابببل
مثله من الذهب أو الفضة المشتراة به ،ويبقى الفضل قيمببة السببيف .وحجببة الشببافعي
عموم الحاديث والنص الوارد في ذلك من حديث فضالة بن عبد ال النصاري أنببه
قال "أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو بخيبر بقلدة فيها ذهببب وخببرز وهببي
من المغانم تباع ،فأمر رسول ال صلى ال عليه وسلم بالذهب الذي في القلدة ينببزع
وحده ،ثم قال لهم رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم :الببذهب بالببذهب وزنببا بببوزن"
خرجه مسلم .وأما معاوية كما قلنا فأجاز ذلببك علببى الطلق ،وقببد أنكببره عليببه أبببو
سعيد وقال :ل أسكن في أرض أنت فيها لما رواه من الحديث.
@)-المسألة الثالثة( اتفق العلماء على أن من شرط الصرف أن يقع ناجزا .واختلفوا
في الزمان الذي يحد هذا المعنى ،فقال أبو حنيفة والشافعي :الصرف يقع ناجزا ما لم
يفترق المتصارفان تعجل أو تأخر القبض؛ وقال مالك :إن تأخر القبض في المجلببس
بطل الصرف وإن لم يفترقببا حببتى كببره المواعببدة فيببه .وسبببب الخلف ترددهببم فببي
مفهببوم قببوله عليببه الصببلة والسببلم "إل هبباء وهبباء" وذلببك أن هببذا يختلببف بالقببل
والكثر؛ فمن رأى أن هذا اللفظ صالح لمن لم يفترق من المجلس ،أعنببي أنببه يطلببق
عليه أنه باع هاء وهاء قال :يجوز التأخير في المجلس؛ ومن رأى أن اللفظ ل يصببح
إل إذا وقع القبض من المتصارفين على الفور قال :إن تبأخر القبببض عببن العقبد فبي
المجلس بطل الصرف لتفاقهم على هذا المعنى لم يجز عنببدهم فببي الصببرف حوالببة
ول حمالة ول خيار ،إل ما حكي عن أبي ثببور أنببه أجبباز فيببه الخيببار .واختلببف فببي
المذهب في التأخير الذي يغلب عليه المتصارفان أو أحدهما ،فمرة قيل فيببه إنببه مثببل
الذي يقع بالختيار ،ومرة قيل إنه ليس كذلك في تفاصيل لهببم فببي ذلببك ليببس قصببدنا
ذكرها في هذا الكتاب.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
@)-المسألة الرابعة( اختلف العلماء فيمببن اصببطرف دراهببم بببدنانير ثببم وجببد فيهببا
درهمببا زائفببا ،فببأراد رده ،فقببال مالببك :ينتقببض الصببرف ،وإن كببانت دنببانير كببثيرة
انتقض منها دينار للدرهم فما فوقه إلى صببرف الببدينار ،فبإن زاد درهببم علببى دينببار
انتقض منها دينار آخر ،وهكذا ما بينه وبين أن ينتهي إلى صببرف دينببار .قببال :وإن
رضبي بالبدرهم البزائف لبم يبطبل مبن الصبرف شبيء .وقبال أببو حنيفبة :ل يبطبل
الصرف بالدرهم الببزائف ،ويجببوز تبببديله إل أن تكببون الزيببوف نصببف الببدراهم أو
أكثر ،فإن ردهببا بطببل الصببرف فببي المببردود .وقببال الثببوري :إذا رد الزيببوف كببان
مخيرا إن شباء أبببدلها أو يكببون شببريكا لببه بقببدر ذلببك فببي الببدنانير :أعنببي لصبباحب
الدنانير .وقال أحمد :ل يبطل الصببرف بببالرد قليل كببان أو كببثيرا .وابببن وهببب مببن
أصحاب مالك يجيز البدل في الصرف ،وهو مبني على أن الغلبببة علببى النظببرة فببي
الصرف ليس لها تأثير ول سيما في البعض وهو أحسن .وعببن الشببافعي فببي بطلن
الصرف بالزيوف قولن ،فيتحصل لفقهاء المصار فببي هببذه المسببألة أربعببة أقببوال:
قول بإبطال الصرف مطلقا عند الرد؛ وقول بإثبات الصرف ووجببوب البببدل؛ وقببول
بالفرق بين القليببل والكببثير؛ وقببول ببالتخيير بيببن بببدل الببزائف أو يكببون شببريكا لببه.
وسبب الخلف في هذا كله :هل الغلبة على التأخير في الصرف مبؤثرة فيبه أو غيبر
مؤثرة؟ وإن كببانت مببؤثرة فهببل هببي مببؤثرة فببي القليببل أو فببي الكببثير؟ وأمببا وجببود
النقصان فإن المذهب اضبطرب فيبه ،فمبرة قبال فيبه إنبه إن رضبي بالنقصبان جباز
الصرف ،وإن طلب البدل انتقض الصرف قياسببا علببى الزيببوف ،ومببرة قببال :يبطببل
الصرف وإن رضي بببه ،وهببو ضببعيف .واختلفببوا أيضببا إذا قبببض بعببض الصببرف
وتأخر بعضه ،أعني الصرف المنعقد على التناجز ،فقيببل يبطببل الصببرف كلببه ،وبببه
قال الشافعي؛ وقيل يبطل منه المتأخر فقط ،وبه قال أبو حنيفة ومحمد وأبببو يوسببف،
والقولن في المذهب؛ ومبنببي الخلف الخلف فببي الصببفقة الواحببدة يخالطهببا حببرام
وحلل هل تبطل الصفقة كلها ،أو الحرام منها فقط؟.
@)-المسألة الخامسة( أجمع العلمباء علبى أن المراطلبة جبائزة فبي البذهب بالبذهب
وفي الفضة بالفضة ،وإن اختلف العدد لتفاق الوزن ،وذلك إذا كببانت صببفة الببذهبين
واحببدة .واختلفببوا فببي المراطلببة فببي موضببعين :أحببدهما أن تختلببف صببفة الببذهبين.
والثاني أن ينقص أحد البذهبين عبن الخبر ،فيريبد الخبر أن يزيبد ببذلك عرضبا أو
دراهم إن كانت المراطلة بذهب ،أو ذهبا إن كانت المراطلببة بببدراهم ،فببذهب مالببك،
أما في الموضع الول ،وهو أن يختلف جنس المراطل بهما في الجودة والرداءة أنببه
متى راطل بأحدهما بصنف من الذهب الواحد وأخرج الخبر ذهببين ،أحبدهما أجبود
من ذلك الصنف الواحد والخببر أردأ ،فببإن ذلببك عنببده ل يجببوز ،وإن كببان الصببنف
الواحد من الذهبين ،أعني البذي أخرجبه وحبده أجبود مبن البذهبين المختلفيبن اللبذين
أخرجهمببا الخببر أو أردأ منهمببا معببا ،أو مثببل أحببدهما وأجببود مببن الثبباني جببازت
المراطلة عنده .وقال الشافعي :إذا اختلف البذهبان فل يجبوز ذلببك .وقبال أببو حنيفبة
وجميع الكوفيين والبصريين يجوز جميع ذلك .وعمببدة مببذهب مالببك فببي منعببه ذلببك
التهام ،وهو مصير إلى القول بسد الذرائع ،وذلك أنه يتهببم أن يكببون المراطببل إنمببا
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
قصد بذلك بيع الببذهبين متفاضببل ،فكببأنه أعطببى جببزءا مببن الوسببط بببأكثر منببه مببن
الردأ ،أو بأقل منه من العلى ،فيتذرع من ذلك إلى بيببع الببذهب بالببذهب متفاضببل،
مثال ذلك أن إنسانا قال لخر :خذ مني خمسة وعشببرين مثقببال وسببطا بعشببرين مببن
العلى ،فقال :ل يجوز هذا لنا ،ولكن أعطيك عشرين من العلى وعشرة أدنببى مببن
ذهبك ،وتعطيني أنت ثلثين من الوسببط ،فتكببون العشببرة الدنببى يقابلهببا خمسببة مببن
ذهبك ،ويقابل العشرين من ذهب الوسط العشرين من ذهبك العلى .وعمدة الشافعي
اعتبار التفاضل الموجود فببي القيمببة .وعمببدة أبببي حنيفببة اعتبببار وجببود الببوزن مببن
الذهبين ورد القول بسد الذرائع .وكمثل اختلفهم في المصارفة التي تكون بالمراطلة
اختلفوا في هذا الموضع في المصارفة الببتي تكببون بالعببدد ،أعنببي إذا اختلفببت جببودة
الذهبين أو الذهاب .وأما اختلفهم إذا نقصت المراطلة ،فأراد أحدهما أن يزيد شببيئا
آخر مما فيه الربا ،أو مما ل ربببا فيببه ،فقريببب مببن هببذا الختلف ،مثببل أن يراطببل
أحدهما صاحبه ذهب بذهب ،فينقص أحد الذهبين عن الخر ،فيريد الذي نقص ذهبه
أن يعطي عوض الناقص دراهم أو عرضا ،فقال مالك والشافعي والليث :إن ذلببك ل
يجوز والمراطلة فاسدة؛ وأجاز ذلك كله أبو حنيفة والكوفيون .وعمدة الحنفيببة تقببدير
وجود المماثلة من الذهبين وبقاء الفضل مقابل العرض .وعمدة مالببك التهمببة فببي أن
يقصد بذلك بيع الذهب بالببذهب متفاضببل .وعمببدة الشببافعي عببدم المماثلببة بالكيببل أو
الوزن أو العدد الذي بالفضل ،ومثل هذا يختلفون إذا كانت المصارفة بالعدد.
@)-المسألة السادسة( واختلفبوا فبي الرجليبن يكبون لحبدهما علبى صباحبه دنبانير
وللخر عليه دراهم ،هل يجوز أن يتصارفاها وهي في الذمة؟ فقال مالك :ذلك جائز
إذا كانا قد حل معا؛ وقال أبو حنيفة يجوز في الحال وفي غير الحال؛ وقال الشببافعي
والليث :ل يجوز ذلك حل أو لم يحل .وحجة من لم يجزه أنه غائب بغببائب ،وإذا لببم
يجز غائب بنبباجز كبان أحببرى أن ل يجببوز غببائب بغببائب .وأمببا مالببك فأقببام حلببول
الجلين في ذلك مقام الناجز بالناجز ،وإنما اشترط أن يكونببا حببالين معببا ،لئل يكببون
ذلك من بيع الدين بالدين .وبقول الشافعي قببال ابببن وهببب وابببن كنانببة مببن أصببحاب
مالك؛ وقريب من هذا اختلفهم في جواز الصببرف علببى مببا ليببس عنببدهما إذا دفعببه
أحدهما إلببى صباحبه قببل الفبتراق مثببل أن يستقرضباه فببي المجلببس فتقابضباه قببل
الفتراق فأجاز ذلك الشافعي وأبو حنيفة وكرهه ابببن القاسببم مببن الطرفيببن واسببتخفه
من الطرف الواحد ،أعني إذا كان أحدهما هو المستقرض فقط .وقال زفر :ل يجببوز
ذلك إل أن يكون من طرف واحد .ومن هذا الباب اختلفهم في الرجل يكون له على
الرجل دراهم إلى أجل هل يأخذ فيها إذا حل الجل ذهبا أو بالعكس؟ فذهب مالك إلى
جواز ذلك إذا كان القبض قبل الفتراق ،وبه قال أبو حنيفة إل أنه أجاز ذلببك وإن لببم
يحل الجل ولم يجز ذلك جماعة من العلماء ،سواء كان الجل حال أو لم يكن ،وهو
قول ابن عباس وابن مسعود .وحجة من أجاز ذلك حديث ابن عمبر قبال "كنبت أبيبع
البل بالبقيع ،أبيع بالدنانير وآخذ الدراهم ،وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير ،فسبألت عبن
ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال" :ل بأس بذلك إذا كان بسعر يومه" خرجه
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
أبو داود .وحجة من لم يجزه ما جاء في حديث أبببي سببعيد وغيببره "ول تبببيعوا منهببا
غائبا بناجز".
@)-المسألة السابعة( اختلف في البيع والصرف في مذهب مالك فقال :إنه ل يجببوز
إل أن يكون أحدهما الكثر والخر تبببع لصبباحبه ،وسببواء كببان الصببرف فببي دينببار
واحد أو في دنانير؛ وقيل إن كان الصرف في دينار واحد جاز كيفما وقع ،وإن كببان
في أكثر اعتبر كون أحدهما تابعا للخببر فببي الجببواز ،فببإن كانببا معببا مقصببودين لببم
يجز ،وأجاز أشهب الصرف والبيع وهو أجود ،لنه ليس في ذلك ما يؤدي إلببى ربببا
ول إلى غرر.
**2كتاب السلم
@-وفي هذا الكتاب ثلثة أبواب :الباب الول :فببي محلببه وشببروطه .الببباب الثبباني:
فيما يجوز أن يقتضي من المسلم إليه بدل ما انعقد عليه السلم ،وما يعرض فببي ذلببك
من القالة والتعجيل والتأخير .الباب الثالث :في اختلفهم في السلم.
**3الباب الول في محله وشروطه.
@-أما محله ،فإنهم اجمعوا على جوازه في كل ما يكال أو يوزن لما ثبت من حديث
ابن عباس المشهور قال "قدم النبي صلى ال عليببه وسببلم المدينببة وهببم يسببلمون فببي
التمر السنتين والثلث ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم :من أسلف فليسببلف فببي
ثمن معلوم ووزن معلوم إلى أجببل معلببوم" واتفقببوا علببى امتنبباعه فيمببا ل يثبببت فببي
الذمة ،وهي الدور والعقار .وأما سائر ذلك مببن العببروض والحيببوان فبباختلفوا فيهببا،
فمنع ذلك داود وطائفة من أهل الظاهر مصيرا إلى ظبباهر هببذا الحببديث .والجمهببور
على أنه جائز في العروض الببتي تنضبببط بالصببفة والعببدد .واختلفببوا مببن ذلببك فيمببا
ينضبط مما ل ينضبط بالصفة ،فمن ذلك الحيبوان والرقيبق ،فبذهب مالبك والشبافعي
والوزاعي والليث إلى أن السلم فيهما جائز ،وهو قول ابن عمر من الصحابة .وقال
أبو حنيفة والثوري وأهل العراق :ل يجوز السلم في الحيوان ،وهو قول ابن مسعود.
وعن عمر في ذلك قولن .وعمدة أهل العراق في ذلك ما روي عن ابببن عببباس "أن
النبي صلى ال عليه وسلم نهى عن السلف في الحيوان" وهذا الحببديث ضببعيف عنببد
الفريق الول .وربما احتجوا أيضببا بنهيببه عليببه الصببلة والسببلم عببن بيببع الحيببوان
بالحيوان نسيئة .وعمدة مببن أجبباز السببلم فببي الحيببوان مببا روي عببن ابببن عمببر "أن
رسول ال صلى ال عليه وسلم أمره أن يجهز جيشا ،فنفببذت البببل ،فببأمره أن يأخببذ
على قلص الصدقة ،فأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة" وحديث أبي رافع أيضا
"أن النبي صلى ال عليه وسلم استسلف بكرا" قالوا :وهذا كلببه يببدل علببى ثبببوته فببي
الذمة .فسبب اختلفهم شيئان :أحدهما تعارض الثار في هذا المعنببى .والثبباني تببردد
الحيوان بين أن يضبط بالصفة أو ل يضبط ،فمن نظر إلى تباين الحيوان فببي الخلببق
والصفات وبخاصة صببفات النفببس قببال :ل تنضبببط؛ ومببن نظببر إلببى تشببابهها قببال:
تنضبط .ومنها اختلفهم في البيض والدر وغير ذلك ،فلم يجز أبببو حنيفببة السببلم فببي
البيض وأجازه مالك بالعدد ،وكببذلك فببي اللحببم أجببازه مالببك والشببافعي ،ومنعببه أبببو
حنيفة؛ وكذلك السلم في الرءوس والكارع ،أجازه مالك ،ومنعه أبو حنيفة .واختلببف
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
في ذلك قول أبي حنيفة والشافعي؛ وكذلك السلم في الدر والفصببوص ،أجببازه مالببك،
ومنعه الشافعي ،وقصدنا من هبذه المسببائل إنمببا هببو الصببول الضبابطة للشببريعة ل
إحصاء الفروع ،لن ذلك غير منحصر.
)وأما شروطه( فمنها مجمع عليها ومنها مختلف فيها ،فأما المجمع عليها فهببي سببتة:
منها أن يكون الثمن والمثمون ممبا يجبوز فيبه الّنسباء ،وامتنباعه فيمبا ل يجبوز فيبه
الّنساء ،وذلك إما اتفاق المنافع على ما يراه مالك رحمه ال ،وإما اتفاق الجنس علببى
ما يراه أبو حنيفة ،وإما اعتبار الطعببم مببع الجنببس علببى مببا يببراه الشببافعي فببي علببة
الّنساء .ومنها أن يكون مقدرا إما بالكيل أو بببالوزن أو بالعببدد إن كببان ممببا شببأنه أن
يلحقه التقدير ،أو منضبطا بالصفة إن كان مما المقصود منه الصفة .ومنها أن يكببون
موجودا عند حلول الجل .ومنها أن يكون الثمن غير مؤجببل أجل بعيببدا ،لئل يكببون
من باب الكالئ بالكالئ ،هذا في الجملة .واشترطوا في اشتراط اليومين والثلثببة فببي
تأخير نقد الثمن بعد اتفاقهم علببى أن ل يجببوز فببي المببدة الكببثيرة ول مطلقببا ،فأجبباز
مالك اشتراط تأخير اليومين والثلثة ،وأجاز تأخيره بل شرط .وذهب أبو حنيفة إلبى
أن من شرطه التقابض في المجلس كالصرف ،فهذه ستة متفبق عليهبا .واختلفبوا فبي
أربعة :أحدها الجل ،هل هو شرط فيه أم ل؟ والثاني هل من شرطه أن يكون جنببس
المسلم فيه موجودا في حال عقد السلم أم ل؟ .والثالث اشتراط مكان دفع المسلم فيببه.
والرابع أن يكببون الثمبن مقببدرا إمبا مكيل وإمببا موزونببا وإمبا معبدودا وأن ل يكبون
جزافا .فأما الجل فإن أبا حنيفة هو عنده شرط صحة بل خلف عنه في ذلك؛ وأمببا
مالك فالظاهر من مذهبه ،والمشهور عنه أنه من شرط السببلم ،وقببد قيببل إنببه يتخببرج
ل .وأما اللخمي فإنه فصببل المببر فببي ذلببك من بعض الروايات عنه جواز السلم الحا ّ
ل ،وهو الذي يكون من شببأنه فقال :إن السلم في المذهب يكون على ضربين :سلم حا ّ
بيع تلك السلعة وسلم مؤجل ،وهو الذي يكون ممن ليس مببن شببأنه بيببع تلببك السببلعة.
وعمدة من اشترط الجل شيئان :ظاهر حديث ابن عباس؛ والثاني أنه إذا لببم يشببترط
فيه الجل كان من باب بيع ما ليس عند البائع المنهي عنببه .وعمببدة الشببافعي أنببه إذا
أجاز مع الجل فهو حال أجوز لنه أقل غببررا ،وربمببا اسببتدلت الشببافعية بمببا روي
"أن النبي صلى ال عليه وسلم اشترى جمل من أعرابي بوسق تمر ،فلما دخل البيت
لم يجد التمر ،فاستقرض النبي صلى ال عليه وسلم تمببرا وأعطبباه إيبباه" قببالوا :فهببذا
ل بتمببر فببي الذمببة ،وللمالكيببة مببن طريببق المعنببى أن السببلم إنمببا جببوز
هو شراء حا ّ
لموضع الرتفاق ،ولن المسلف يرغببب فببي تقببديم الثمببن لسببترخاص المسببلم فيببه،
والمسلم إليه يرغب فيه لموضببع النسببيئة ،وإذا لببم يشببترط الجببل زال هببذا المعنببى.
واختلفوا في الجل في موضعين :أحدهما هل يقدر بغير اليام والشهور مثببل الجببذاذ
والقطاف والحصاد والموسم؟ .والثاني في مقداره من اليام .وتحصبيل مببذهب مالببك
في مقداره من اليام أن المسلم فيه على ضربين :ضرب يقتضي بالبلببد المسببلم فيببه،
وضرب يقتضي بغير البلد الذي وقع فيه السلم؛ فإن اقتضاه في البلد المسلم فيه ،فقال
ابن القاسم :إن المعتبر في ذلك أجل تختلف فيه السواق ،وذلك خمسة عشر يومببا أو
نحوها .وروي عن ابن وهب عن مالك أنه يجوز اليببومين والثلثببة؛ وقببال ابببن عبببد
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الحكم :ل بأس به إلى اليوم الواحد .وأما ما يقتضي ببلد آخر ،فإن الجل عنببدهم فيببه
هو قطع المسافة التي بين البلدين قلت أم كثرت ،وقال أبو حنيفببة :ل يكببون أقببل مببن
ثلثة أيام؛ فمن جعل الجل شرطا غير معلل اشترط منه أقل ما ينطلق عليببه السببم؛
ومن جعله شرطا معلل باختلف السواق اشترط من اليام ما تختلببف فيببه السببواق
غالبا .وأما الجل إلى الجذاذ والحصاد وما أشبه ذلك فأجازه مالك ومنعه أبببو حنيفببة
والشافعي؛ فمن رأى أن الختلف الذي يكون في أمثال هذه الجال يسير أجاز ذلك،
إذ الغرر اليسير معفو عنه في الشرع ،وشبهه بالختلف الذي يكون في الشهور من
قبل الزيادة والنقصان؛ ومن رأى أنه كثير ،وأنه أكثر من الختلف الذي يكببون مببن
قبل نقصان الشهور وكمالها لم يجزه .وأما اختلفهم في هل من شرط السلم أن يكون
جنس المسلم فيه موجودا في حين عقد السلم ،فببإن مالكببا والشببافعي وأحمببد وإسببحاق
وأبا ثور لم يشترطوا ذلك وقالوا :يجوز السلم في غير وقببت إبببانه .وقبال أبببو حنيفببة
وأصحابه والثوري والوزاعي :ل يجوز السلم إل في إبان الشيء المسلم فيه .فحجة
من لم يشترط البان ما ورد في حديث ابن عباس أن الناس كانوا يسلمون فببي التمببر
السنتين والثلث فأقروا على ذلك ولم ينهوا عنه .وعمدة الحنفية ما روي مببن حببديث
ابببن عمببر أن النبببي صببلى الب عليببه وسببلم قببال "ل تسببلموا فببي النخببل حببتى يبببدو
صلحها" وكأنهم رأوا أن الغرر يكون فيه أكثر إذا لم يكن موجودا فببي حببال العقببد،
وكأنه يشبه بيع ما لم يخلق أكثر ،وإن كان ذلك معينا وهببذا فببي الذمببة ،وبهببذا فببارق
السلم بيع ما لم يخلق.
)وأما الشرط الثالث( وهو مكان القبض ،فإن أبا حنيفة اشترطه تشبببيها بالزمببان ولببم
يشترطه غيره وهم الكثر .وقال القاضي أبو محمببد :الفضببل اشببتراطه .وقببال ابببن
المواز :ليس يحتاج إلى ذلك.
)وأما الشببرط الرابببع( وهببو أن يكببون الثمببن مقببدرا مكيل أو موزونببا أو معببدودا أو
مذروعا ل جزافا ،فاشترط ذلك أبو حنيفببة ،ولببم يشببترطه الشببافعي ول صبباحبا أبببي
حنيفة أبو يوسف ومحمد ،قالوا :وليس يحفظ عن مالك في ذلك نببص ،إل أنببه يجببوز
عنده بيع الجزاف ،إل فيما يعظم الغرر فيه على ما تقدم من مذهبه .وينبغي أن تعلببم
أن التقدير في السلم يكون بببالوزن فيمببا يمكببن فيببه الببوزن ،وبالكيببل فيمببا يمكببن فيببه
الكيل ،وبالذرع فيما يمكن فيه الذرع ،وبالعدد فيما يمكن فيه العدد .وإن لببم يكببن فيببه
أحد هذه التقديرات انضبط بالصفات المقصودة من الجنس مببع ذكببر الجنببس إن كببان
أنواعا مختلفة ،أو مع تركه إن كان نوعا واحببدا ،ولبم يختلفبوا أن السببلم ل يكبون إل
في الذمبة وأنببه ل يكبون فببي معيببن؛ وأجبباز مالببك السببلم فبي قريبة معينبة إذا كبانت
مأمونة ،وكأنه رآها مثل الذمة.
**3الباب الثاني .فيما يجوز أن يقتضي من المسلم إليه بدل ما انعقد عليه السلم ،وما
يعرض في ذلك من القالة والتعجيل والتأخير.
@-وفي هذا الباب فروع كثيرة ،لكن نذكر منها المشهور:
@)-مسألة( اختلف العلماء فيمن أسلم في شببيء مببن الثمببر ،فلمببا حببل الجببل تعببذر
تسليمه حتى عدم ذلك المسلم فيه وخرج زمببانه ،فقببال الجمهببور :إذا وقببع ذلببك كببان
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
المسلم بالخيار بين أن يأخذ الثمن أو يصير إلى العام القابل ،وبه قببال الشببافعي وأبببو
حنيفة وابن القاسم؛ وحجتهم أن العقد وقع على موصببوف فببي الذمببة فهببو ببباق علببى
أصله ،وليس من شرط جوازه أن يكون من ثمار هذه السنة ،وإنما هو شببيء شببرطه
المسلم فهو في ذلك بالخيار .وقال أشهب من أصحاب مالببك :ينفسببخ السببلم ضببرورة
ول يجوز التأخير ،وكأنه رآه من باب الكالئ بالكببالئ .وقببال سببحنون :ليببس لببه أخببذ
الثمن ،وإنما له أن يصبر إلى القابل ،واضطرب قول مالببك فببي هببذا والمعتمببد عليببه
في هذه المسألة ما رآه أبو حنيفة والشافعي وابن القاسم ،وهو الذي اختبباره أبببو بكببر
الطرطوشببي ،والكببالئ بالكببالئ المنهببى عنببه إنمببا هببو المقصببود ،ل الببذي يببدخل
اضطرارا.
@)-مسألة( اختلف العلماء في بيع المسلم فيه إذا حببان الجببل مببن المسببلم إليببه قبببل
قبضه؛ فمن العلماء من لم يجز ذلك أصل ،وهم القائلون بأن كل شيء ل يجوز بيعه
قبل قبضه ،وبه قال أبو حنيفة وأحمد وإسحاق .وتمسك أحمد وإسببحاق فببي منببع هببذا
بحديث عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قببال :قببال رسببول الب صببلى الب عليببه
وسلم "من أسلم في شيء فل يصرفه في غيره" .وأما مالببك فببإنه منببع شببراء المسببلم
فيه قبل قبضه في موضعين :أحببدهما إذا كببان المسببلم فيببه طعامببا ،وذلببك بنبباء علببى
مذهبه في أن الذي يشترطه في بيعه القبض هو الطعام على ما جاء عليه النببص فببي
الحديث .والثاني إذا لم يكن المسلم فيه طعامببا فأخببذ عوضببه المسببلم مببا ل يجببوز أن
يسلم فيه رأس ماله مثل أن يكون المسلم فيه عرضا والثمن عرضا مخالفببا لببه فيأخببذ
المسلم من المسلم إليه إذا حان الجل شيئا من جنس ذلبك العبرض البذي هبو الثمبن،
وذلك أن هذا يدخله إما سلف وزيادة إن كان العببرض المببأخوذ أكببثر مببن رأس مببال
السلم ،وإما ضببمان وسببلف إن كببان مثلببه أو أقببل .وكببذلك إن كببان رأس مببال السببلم
طعاما لم يجز أن يأخذ فيه طعاما آخر أكثر ،ل من جنسه ول مببن غيببر جنسببه ،فببإن
كان مثل طعامه في الجنس والكيل والصفة فيما حكاه عبد الوهاب جاز ،لنببه يحملببه
على العروض ،وكذلك يجوز عنده أن يأخذ من الطعام المسلم فيه طعامبا مبن صبفته
وإن كان أقل جودة ،لنه عنده من باب البدل في الدنانير .والحسان مثل أن يكون له
عليه قمح فيأخذ بمكيلته شعيرا ،وهذا كله من شرطه عند مالببك أن ل يتببأخر القبببض
لنه يدخله الدين بالدين .وإن كان رأس مال السببلم عينببا وأخببذ المسببلم فيبه عينبا مبن
جنسه جاز ما لم يكن أكثر منه ،ولم يتهمه على بيع العين بالعين نسيئة إذا كببان مثلببه
أو أقل ،وإن أخذ دراهم في دنانير لم يتهمه على الصببرف المتببأخر ،وكببذلك إن أخببذ
فيه دنانير من غير صنف الدنانير التي هي رأس مال السلم .وأما بيع السلم من غيببر
المسلم إليه ،فيجوز بكل شيء يجوز التبايع به ما لم يكن طعامببا ،لنببه ل يببدخله بيببع
الطعببام قبببل قبضببه .وأمببا القالببة فمببن شببرطها عنببد مالببك أن ل يببدخلها زيببادة ول
نقصان ،فإن دخلها زيادة أو نقصان كان بيعا من البببيوع ودخلهببا مببا يببدخل البببيوع،
أعني أنها تفسد عنده بما يفسد بيوع الجال مثل أن يتذرع إلى بيببع وسببلف ،أو إلببى:
ضع وتعجل ،أو إلى بيع السلم بما ل يجوز بيعه .مثال ذلك في دخول بيع وسلف بببه
إذا حل الجل ،فأقاله على أن أخذ البعض وأقال من البعض فإنه ل يجوز عنببده فببإنه
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
يدخله التبذرع إلبى بيبع وسبلف ،وذلبك جبائز عنبد الشبافعي وأببي حنيفبة ،لنهمبا ل
يقولن بتحريم بيوع الذرائع.
@)-مسألة( اختلف العلماء في الشراء برأس مببال السببلم مببن المسببلم إليببه شببيئا بعببد
القالة بما ل يجوز قبل القالة؛ فمن العلمبباء مببن لببم يجببزه أصببل ،ورأى أن القالببة
ذريعة إلى أن يجوز مببن ذلببك مببا ل يجببوز ،وبببه قببال أبببو حنيفببة وأصببحابه ومالببك
وأصحابه ،إل أن عند أبي حنيفة ل يجوز على الطلق ،إذ كان ل يجببوز عنببده بيببع
المسلم فيه قبل القبض على الطلق؛ ومالك يمنع ذلك في المواضببع الببتي يمنببع بيببع
المسلم فيه قبل القبض على ما فصلناه قبل هذا من مذهبه؛ ومن العلمبباء مببن أجببازه،
وبه قال الشافعي والثوري .وحجتهم أن بالقالة قد ملك رأس ماله ،فإذا ملكه جاز لببه
أن يشتري به ما أحب ،والظن الرديء بالمسلمين غير جائز .قال :وأمببا حببديث أبببي
سعيد فإنه إنما وقع النهي فيه قبل القالة.
@)-مسألة( اختلفوا إذا ندم المبتاع في السلم فقال للبائع :أقلني وأنظرك بالثمن الببذي
دفعت إليك ،فقال مالك وطائفة :ذلك ل يجوز؛ وقببال قببوم :يجببوز؛ واعتببل مالببك فببي
ذلك مخافة أن يكون المشتري لما حل له الطعام على البائع أخره عنه على أن يقبله،
فكان ذلك من باب بيع الطعام إلى أجل قبل أن يستوفي؛ وقوم اعتلوا لمنببع ذلببك بببأنه
مببن ببباب فسببخ الببدين بالببدين؛ والببذين رأوه جببائزا رأوه أنببه مببن ببباب المعببروف
والحسان الذي أمر ال تعالى به .قال رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم "مببن أقببال
مسلما صفقته أقال ال عثرته يوم القيامة ،ومن أنظر معسرا أظله ال في ظله يببوم ل
ظل إل ظله".
@)-مسألة( أجمع العلماء على أنه كان لرجل على رجل دراهم أو دنانير إلببى أجببل
فدفعها إليه عند محل الجل وبعده أنه يلزمه أخذها .واختلفوا في العببروض المؤجلببة
من السلم وغيره ،فقال مالك والجمهور :إن أتى بها قبل محل الجل لم يلزمه أخذها.
وقال الشببافعي :إن كببان ممبا ل يتغيببر ول يقصببد بببه النظببارة لزمببه أخببذه كالنحبباس
والحديد ،وإن كان مما يقصد به النظارة كالفواكه لم يلزمه .وأما إذا أتى به بعد محل
الجل فاختلف في ذلك أصحاب مالك فروي عنه أنه يلزمه قبضه مثببل أن يسببلم فببي
قطائف الشتاء فيأتي بها في الصيف ،فقال ابن وهب وجماعة :ل يلزمه ذلك .وحجببة
الجمهور في أنه ل يلزمه قبض العروض قبل محل الجل مبن قببل أنبه مبن ضبمانه
إلى الوقت المضروب الذي قصده ،ولما كان عليه من المؤنة في ذلببك ،وليببس كببذلك
الدنانير والدراهم ،إذ ل مؤنة فيهببا ،ومبن لببم يلزمببه بعبد الجبل فحجتببه أنببه رأى أن
المقصود من العروض إنمببا كببان وقببت الجببل ل غيببره .وأمببر مببن أجبباز ذلببك فببي
الوجهين ،أعني بعد الجل أو قبله فشبهه بالدنانير والدراهم.
@)-مسألة( اختلف العلماء فيمن أسلم إلى آخببر أو ببباع منببه طعامببا علببى مكيلببة مببا
فأخبر البائع أو المسلم إليه المشتري بكيل الطعام ،هل للمشتري أن يقبضه منببه دون
أن يكيله وأن يعمل في ذلك على تصديقه؟ فقال مالك :ذلك جائز في السلم وفي البببيع
بشرط النقد ،وإل خيف أن يكون من باب الربا ،كأنه إنما صدقه في الكيل لمكان أنببه
أنظره بالثمن .وقال أبو حنيفة والشافعي والثوري والوزاعي والليث :ل يجوز ذلببك
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
حتى يكيله البائع للمشتري مرة ثانية بعد أن كاله لنفسه بحضرة البببائع .وحجتهببم أنببه
لما كان ليس للمشتري أن يببيعه إل بعبد أن يكيلبه لبم يكبن لبه أن يقبضبه إل بعبد أن
يكيله البائع له ،لنه لما كان من شرط البيع الكيل فكببذلك القبببض واحتجببوا بمببا جبباء
في الحديث أنه عليه الصلة والسلم نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصبباعان:
صاع البائع ،وصاع المشتري .واختلفوا إذا هلك الطعام في يد المشتري قبببل الكيببل،
فاختلفا في الكيل ،فقال الشافعي :القول قول المشتري ،وبه قال أبو ثور؛ وقال مالببك:
القول قول البائع لنه قد صدقه المشتري عند قبضه إياه ،وهببذا مبنببي عنببده علببى أن
البيع يجوز بنفس تصديقه.
**3الباب الثالث في اختلف المتبايعين في السلم.
@-والمتبايعان في السلم إما أن يختلفا في قدر الثمن أو المثمون ،وإما في جنسببهما،
وإما في الجل ،وإما في مكان قبض السلم .فأما اختلفهم في قدر المسلم فيه ،فالقول
فيه قول المسلم إليه إن أتى بما يشبه ،وإل فالقول أيضا قول المسلم إن أتى أيضا بمببا
يشبه ،فإن أتيا بما ل يشببه فالقيباس أن يتحالفبا ويتفاسبخا .وأمبا اختلفهبم فبي جنبس
المسلم فيه ،فالحكم في ذلك التحببالف والتفاسببخ ،مثببل أن يقببول أحببدهما :أسببلمت فببي
تمر ،ويقول الخر :في قمح .وأما اختلفهم فببي الجببل فبإن كبان فبي حلببوله فبالقول
قول المسلم إليه ،وإن كان في قدره فالقول أيضا قول المسلم إليببه إل أن يببأتي بمببا ل
يشبه ،مثل أن يدعي المسلم وقببت إبببان المسببلم فيببه ،ويببدعي المسببلم إليببه غيببر ذلببك
الوقت ،فالقول قول المسببلم .وأمببا اختلفهببم فببي موضببع القبببض ،فالمشببهور أن مببن
ادعى موضع عقد السلم فالقول قوله ،وإن لم يدعه واحببد منهمببا فببالقول قببول المسببلم
إليه .وخالف سحنون في الوجه الول فقال :القول قول المسلم إليه وإن ادعى القبض
في موضع العقد وخالف أبو الفرج في الموضع الثاني فقال :إذا لم يببدع واحببد منهمببا
موضع العقد تحالفا وتفاسخا .وأما اختلفهم في الثمن فحكمه حكم اختلف المتبايعين
قبل القبض ،وقد تقدم ذلك.
**2كتاب بيع الخيار.
@-والنظر في أصول هببذا الببباب ،أمببا أول فهببل يجببوز أم ل؟ وإن جبباز ،فكببم مببدة
الخيار؟ وهل يشترط النقدية فيه أم ل؟ وممن ضببمان المبببيع فببي مببدة الخيببار؟ وهببل
يورث الخيار أم ل؟ ومن يصح خياره ممن ل يصح؟ وما يكبون مببن الفعببال خيبارا
كالقول؟ .أما جواز الخيار فعليه الجمهور ،إل الثوري وابن أبي شبرمة وطائفببة مببن
أهل الظاهر .وعمدة الجمهور حديث حبان ببن منقبذ وفيبه "ولبك الخيببار ثلثببا" ومبا
روي في حديث ابن عمر "البيعان بالخيار ما لم يفترقا إل بيبع الخيبار" .وعمبدة مبن
منعه أنه غرر وأن الصل هو اللزوم في البببيع إل أن يقببوم دليببل علببى جببواز البببيع
على الخيار من كتاب ال أو سنة ثابتة أو إجماع .قالوا :وحديث حبببان إمببا أنببه ليببس
بصحيح ،وإما أنه خاص لما شكي إليه صلى ال عليه وسببلم أنببه يخببدع فببي البببيوع.
قالوا :وأما حديث ابن عمر وقوله فيه "إل بيع الخيار" فقد فسببر المعنببى المببراد بهبذا
اللفظ ،وهو ما ورد فيه من لفظ آخر وهو "أن يقول أحدهما لصاحبه اختر" وأما مدة
الخيار عند الذين قالوا بجوازه فرأى مالك أن ذلك ليس له قدر محدود في نفسه وأنببه
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
إنما يتقدر بتقدير الحاجة إلى اختلف المبيعات ،وذلك يتفاوت بتفاوت المبيعات فقال:
مثل اليوم واليومين في اختيار الثوب ،والجمعة والخمسببة أيببام فببي اختيببار الجاريببة،
والشهر ونحوه في اختيار الدار .وبالجملة فل يجوز عنببده الجببل الطويببل الببذي فيببه
فضل عن اختيار المبيع .وقال الشافعي وأبو حنيفة :أجل الخيار ثلثببة أيببام ل يجببوز
أكثر من ذلك .وقال أحمد وأبببو يوسببف ومحمببد بببن الحسببن يجببوز الخيببار لي مببدة
اشترطت ،وبه قال داود .واختلفوا في الخيار المطلق دون المقيد بمدة معلومببة ،فقببال
الثوري والحسن ابن جني وجماعة بجواز اشتراط الخيببار مطلقببا ويكببون لببه الخيببار
أبدا ،وقال مالك :يجوز الخيار المطلق ولكن السلطان يضرب فيببه أجببل مثلببه .وقببال
أبو حنيفة والشافعي ل يجوز بحال الخيار المطلق ويفسد البببيع .واختلببف أبببو حنيفببة
والشافعي إن وقع الخيار في الثلثة اليام زمن الخيار المطلق ،فقببال أبببو حنيفببة :إن
وقع في الثلثة اليام جاز ،وإن مضت الثلثة فسد البيع؛ وقال الشافعي :بل هو فاسد
على كل حال ،فهذه هي أقاويل فقهبباء المصببار فببي مببدة الخيببار ،وهببي هببل يجببوز
مطلقا أو مقيدا؟ وإن جاز مقيدا فكم مقداره؟ وإن لم يجز مطلقا فهببل مببن شببرط ذلببك
أن ل يقع الخيار في الثلث أم ل يجوز بحال؟ وإن وقع في الثلث.
فأما أدلتهم فإن عمدة من لم يجز الخيار هو ما قلناه .وأما عمدة مببن لببم يجببز الخيببار
إل ثلثا فهو أن الصل هو أن ل يجوز الخيار فل يجوز منه إل مبا ورد فيبه النبص
في حديث منقذ بببن حبببان أو حبببان بببن منقببذ ،وذلببك كسبائر الرخببص المسببتثناة مببن
الصول مثل استثناء العرايا من المزابنة وغير ذلك .قالوا :وقببد جبباء تحديببد الخيببار
بالثلث في حديث المصراة وهو قوله "من اشترى مصراة فهو بالخيببار ثلثببة أيببام"
وأما حديث منقذ ،فأشبه طرقه المتصلة ما رواه محمد ابن إسحاق عن نافع عببن ابببن
عمر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال لمنقذ وكببان يخببدع فببي البببيع "إذا بعببت
فقل ل خلبة وأنت بالخيار ثلثا" .وأما عمدة أصببحاب مالببك ،فهببو أن المفهببوم مببن
الخيار هو اختيار المبيع ،وإذا كان ذلك كبذلك وجببب أن يكبون ذلببك محببدودا بزمبان
إمكان اختيار المبيع ،وذلك يختلف بحسب مبيع مبيع ،فكببأن النببص إنمببا ورد عنببدهم
تنبيها على هذا المعنى ،وهو عندهم من باب الخباص أريبد ببه العبام ،وعنبد الطائفبة
الولى من باب الخاص أريد به الخاص.
وأما اشتراط النقد فإنه ل يجوز عند مالك وجميع أصحابه لتردده عندهم بيببن السببلف
والبيع ،وفيه ضعف .وأما ممن ضمان المبيع في مدة الخيار فإنهم اختلفببوا فبي ذلبك،
فقال مالك وأصحابه والليث والوزاعي :مصيبته من البائع والمشتري أمين ،وسواء
كان الخيار لهما أو لحدهما؛ وقد قيل فببي المببذهب إنببه إن كببان هلببك بيببد البببائع فل
خلف فببي ضببمانه إيبباه ،وإن كببان هلببك بيببد المشببتري فببالحكم كببالحكم فببي الرهببن
والعارية إن كان مما يغاب عليه فضمانه منه ،وإن كان مما ل يغبباب عليببه فضببمانه
من البائع .وقال أبو حنيفة :إن كان شرط الخيار لكليهما أو للبائع وحده فضببمانه مببن
البائع والمبيع على ملكه ،وأما إن كان شرطه المشتري وحده فقببد خببرج المبببيع عببن
ملك البائع ولم يدخل في ملك المشتري ،وبقي معلقا حبتى ينقضبي الخيبار ،وقبد قيبل
عنه إن على المشتري الثمن ،وهذا يدل على أنه دخل عنده في ملك المشتري.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
وللشافعي قولن :أشهرهما أن الضمان من المشتري ليهما كان الخيببار .فعمببدة مببن
رأى أن الضمان من البائع على كل حال أنه عقببد غيببر لزم ،فلببم ينتقببل الملببك عببن
البائع كما لو قال بعتك ولم يقل المشتري قبلبت .وعمبدة مبن رأى أنبه مبن المشبتري
تشبيهه بالبيع اللزم وهو ضعيف لقياسه موضع الخلف على موضع التفبباق .وأمببا
من جعل الضمان لمشترط الخيار إذا شبرطه أحبدهما ولبم يشبترطه الثباني فلنبه إن
كان البائع هو المشترط فالخيار له إبقاء للمبببيع علببى ملكببه ،وإن كبان المشببتري هببو
المشترط له فقط فقد صرفه البائع من ملكه وأبانه فوجب أن يدخل في ملك المشبتري
إذا كان المشتري هو الذي شرطه فقط قال :قد خرج عن ملك البائع لنببه لببم يشببترط
خيارا ولم يلزم أن يدخل في ملك المشتري لنه شرط الخيار في رد الخر له ،ولكن
هذا القول يمانع الحكم ،فإنه لبد أن تكون مصببيبته مببن أحببدهما ،والخلف آيببل إلببى
هل الخيار مشترط ليقاع الفسخ في البيع أو لتتميببم الببيع ،فبإذا قلنبا لفسببخ الببيع فقبد
خرج من ضمان البائع ،وإن قلنا لتتميمه فهو في ضمانه.
@)-وأما المسألة الخامسة( وهي هل يورث خيار المبيع أم ل؟ فإن مالكا والشببافعي
وأصحابهما قالوا :يورث ،وإنه إذا مات صاحب الخيار فلورثته مببن الخيببار مثببل مببا
كان له؛ وقال أبو حنيفة وأصحابه :يبطل الخيببار بمببوت مببن لببه الخيببار ويتببم البببيع،
وهكذا عنده خيار الشفعة وخيار قبول الوصية وخيبار القالبة .وسبلم لهبم أببو حنيفبة
خيار الرد بالعيب :أعني أنه قال يورث ،وكببذلك خيببار اسببتحقاق الغنيمببة قبببل القسببم
وخيار القصاص وخيار الرهن .وسلم لهم مالك خيار رد الب ما وهبه لبنه ،أعنببي
أنه لم ير لورثة الميت من الخيار في رد ما وهبه لبنه ما جعل له الشبرع مبن ذلبك:
أعني للب ،وكذلك خيار الكتابببة والطلق واللعببان .ومعنببى خيببار الطلق أن يقببول
الرجل لرجل آخر طلق امرأتي متى شئت ،فيموت الرجل المجعول لببه الخيببار ،فببإن
ورثته ل يتنزلون منزلته عند مالك .وسلم الشافعي ما سلمت المالكية للحنفية من هذه
الخيببارات ،وسببلم زائدا خيببار القالببة والقبببول فقببال :ل يورثببان .وعمببدة المالكيببة
والشافعية أن الصل هو أن تورث الحقوق والمببوال إل مببا قببام دليببل علببى مفارقببة
الحق في هببذا المعنببى للمببال .وعمبدة الحنفيببة أن الصبل هببو أن يببورث المبال دون
الحقوق إل ما قام دليله من إلحاق الحقوق بالموال ،فموضع الخلف هل الصل هو
أن تورث الحقوق كالموال أم ل؟ وكل واحد من الفريقين يشبه من هذا ما لم يسببلمه
له خصمه منها بما يسلمه منها له ويحتببج علببى خصببمه؛ فالمالكيببة والشببافعية تحتببج
على أبي حنيفة بتسلميه وراثة خيار الرد بالعيب ،ويشبه سائر الخيارات التي يورثها
به؛ والحنفية تحتج أيضا على المالكية والشافعية بما تمنع من ذلك ،وكل واحببد منهببم
يروم أن يعطي فارقا فيما يختلف فيه قوله ومشابها فيما يتفق فيببه قببوله ،ويببروم فببي
قوله خصمه بالضد ،أعني أن يعطي فارقا فيما يضعه الخصببم متفقببا ،ويعطببي اتفاقببا
فيما يضعه الخصم متباينا ،ومثل ما تقول المالكيببة :إنمببا قلنببا إن خيببار الب فببي رد
هبته ل يورث ،لن ذلك خيار راجع إلببى صببفة فببي الب ل توجببد فببي غيببره وهببي
البوة ،فوجب أن ل تورث ل إلى صفة في العقد .وهذا هو سبب اختلفهم في خيببار
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
خيار ،أعني أنه من انقدح له في شيء منها أنه صفة للعقد ورثه ،ومن انقدح لببه أنببه
صفة خاصة بذي الخيار لم يورثه.
@)-وأما المسألة السادسة( وهي من يصببح خيبباره فببإنهم اتفقببوا علببى صببحة خيببار
المتبببايعين ،واختلفببوا فببي اشببتراط خيببار الجنبببي ،فقببال مالببك :يجببوز ذلببك والبببيع
صحيح؛ وقال الشافعي في أحد قوليه :ل يجوز إل أن يوكله الذي جعل له الخيار ول
يجوز الخيار عنده على هذا القول لغير العاقد ،وهو قول أحمد؛ وللشافعي قببول آخببر
مثل قول مالك ،وبقول مالك قال أبو حنيفة؛ واتفق المذهب علببى أن الخيببار للجنبببي
إذا جعله له المتبايعان ،وأن قوله لهما .واختلببف المببذهب إذا جعلببه أحببدهما فبباختلف
البائع ومن جعل له البائع الخيار أو المشتري ومن جعل لببه المشببتري الخيببار ،فقيببل
القول في المضاء ،والرد قببول الجنبببي سببواء اشببترط خيبباره البببائع أو المشببتري،
وقال عكس هببذا القببول مببن جعببل خيبباره هنببا كالمشببورة ،وقيببل بببالفرق بيببن البببائع
والمشتري :أي أن القول في المضاء والرد قول البائع دون الجنبي ،وقول الجنبي
دون المشتري إن كان المشببتري هببو المشببترط الخيببار؛ وقيببل القببول قببول مببن أراد
منهما المضاء ،وإن أراد البائع المضاء ،وأراد الجنبي الببذي اشببترط خيبباره الببرد
ووافقببه المشببتري ،فببالقول قببول البببائع فببي المضبباء ،وإن أراد البببائع الببرد وأراد
الجنبي المضاء ووافقه المشتري فالقول قول المشتري؛ وكذلك إن اشببتراط الخيببار
للجنبي المشتري ،فالقول فيهما قول من أراد المضاء ،وكذلك الحال في المشتري؛
وقيل بالفرق في هذا بين البائع والمشببتري :أي إن اشببترطه البببائع فببالقول قببول مببن
أراد المضاء منهما ،وإن اشترطه المشتري فالقول قول الجنبي ،وهو ظاهر ما في
المدونة ،وهذا كله ضعيف .واختلفوا فيمن اشترط من الخيببار مببا ل يجببوز ،مثببل أن
يشترط أجل مجهول وخيارا فوق الثلث عند مببن ل يجببوز الخيببار فببوق الثلث ،أو
خيار رجل بعيد الموضع بعينه :أعني أجنبيا ،فقببال مالببك والشببافعي :ل يصببح البببيع
وإن أسقط الشرط الفاسد؛ وقال أبببو حنيفببة :يصببح البببيع مببع إسببقاط الشببرط الفاسببد،
فأصل الخلف هل الفساد الواقبع فبي الببيع مبن قببل الشبرط يتعبدى إلبى العقبد أم ل
يتعدى ،وإنما هو في الشرط فقط؟ فمن قال يتعدى أبطل البيع وإن أسقطه؛ ومببن قبال
ل يتعدى قال :البيع يصح إذا أسقط الشرط الفاسد لنه يبقى العقد صحيحا.
**2كتاب بيع المرابحة.
@-أجمع جمهور العلماء على أن البيع صببنفان :مسبباومة ومرابحببة؛ وأن المرابحببة
هي أن يذكر البائع للمشتري الثمن الذي اشترى به السببلعة ويشببترط عليببه ربحببا مببا
للدينار أو الدرهم .واختلفوا من ذلك بالجملببة فببي موضببعين :أحببدهما فيمببا للبببائع أن
يعده من رأس مال السلعة مما أنفق على السلعة بعد الشراء مما ليس له أن يعده مببن
رأس المال .والموضع الثاني إذا كذب البائع للمشتري فأخبره أنه اشببتراه بببأكثر ممببا
اشترى السلعة به ،أو وهم فأخبر بأقل مما اشترى به السلعة ثم ظهر له أنببه اشببتراها
بأكثر ،ففي هذا الكتاب بحسب اختلف فقهاء المصار بابان :الباب الول :فيمببا يعببد
من رأس مال مما ل يعد ،وفي صفة رأس المال الببذي يجببوز أن يبنببي عليببه الربببح.
الثاني :في حكم ما وقع من الزيادة أو النقصان في خبر البائع بالثمن.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
**3الباب الول .فيما يعد من رأس المال مما ل يعد ،وفببي صببفة رأس المببال الببذي
يجوز أن يبني عليه الربح.
@-فأما ما يعد في الثمن مما ل يعد ،فإن تحصيل مذهب مالك في ذلك أن مببا ينببوب
البائع على السلعة زائدا علبى الثمبن ينقسبم ثلثبة أقسبام :قسبم يعبد فبي أصبل الثمبن
ويكون له حظ من الربح .وقسم ل يعد في أصل الثمن ول يكون له حببظ مببن الربببح.
وقسم ل يعد في أصل الثمن ول يكون له حظ من الربح .فأما الذي يحسبببه فببي رأس
المال ويجعل له حظا من الربح فهو مبا كبان مبؤثرا فبي عيبن السبلعة مثبل الخياطبة
والصبغ .وأما الذي يحسبه في رأس المال ول يجعل له حظا من الرببح فمبا ل يبؤثر
في عين السلعة مما ل يمكن البائع أن يتببوله بنفسببه كحمببل المتبباع مببن بلببد إلببى بلببد
وكراء البيوت التي توضع فيها .وأما ما ل يحتسب فيه المرين جميعا ،فما ليببس لببه
تأثير في عين السلعة مما يمكن أن يتوله صبباحب السببلعة بنفسببه كالسمسببرة والطببي
والشد .وقال أبو حنيفة :بل يحمل على ثمن السلعة كل ما نابه عليها .وقال أبببو ثببور:
ل يجوز المرابحة إل بالثمن الذي اشترى به السلعة فقط إل أن يفصببل ويفسببخ عنببده
إن وقع قال لنه كذب ،لنه يقول له :ثمن سلعتي كذا وكذا وليس المر كببذلك ،وهببو
عنده من باب الغش .وأما صفة رأس الثمن الذي يجوز أن يخبر به فإن مالكا والليث
قال فيمببن اشببترى سببلعة بببدنانير والصببرف يببوم اشببتراها صببرف معلببوم ثببم باعهببا
بدراهم والصرف قد تغير إلى زيادة أنه ليببس لببه أن يعلببم يببوم باعهببا بالببدنانير الببتي
اشتراها لنه من باب الكذب والخيانة ،وكذلك إن اشتراها بببدراهم ثببم باعهببا بببدنانير
وقد تغير الصرف .واختلف أصحاب مالك من هذا الباب فيمن ابتاع سببلعة بعببروض
هل يجوز لببه أن يبيعهببا مرابحببة أم ل يجببوز؟ فببإذا قلنببا بببالجواز فهببل يجببوز بقيمببة
العرض أو بالعرض نفسه؟ فقال ابن القاسم :يجوز له بيعها علببى مببا اشببتراه بببه مببن
العروض ول يجوز على القيمة .وقال أشهب :ل يجوز لمن اشترى سلعة بشيء مببن
العروض أن يبيعها مرابحة لنه يطالبه بعروض علبى صبفة عرضبه ،وفبي الغبالب
ليس يكون عنده فهو من باب بيبع مبا ليبس عنبده .واختلبف مالبك وأببو حنيفبة فيمبن
اشترى سلعة بدنانير فأخذ في الدنانير عروضا أو دراهم هل يجوز له بيعها مرابحببة
دون أن يعلم بما نقد أم ل يجوز؟ فقال مالك :ل يجوز إل أن يعلم مببا نقببد؛ وقببال أبببو
حنيفببة :يجببوز أن يبيعهببا منببه مرابحببة علببى الببدنانير الببتي ابتبباع بهببا السببلعة دون
العروض التي أعطى فيها أو الببدراهم؛ قببال مالببك أيضببا فيمببن اشببترى سببلعة بأجببل
فباعها مرابحة أنه ل يجوز حتى يعلم بالجل .وقال الشافعي إن وقببع كببان للمشببتري
مثل أجله؛ وقال أبو ثور :هو كالعيب وله الرد به ،وفي هذا الباب في المذهب فروع
كثيرة ليست مما قصدناه.
**3الباب الثاني .في حكم ما وقع من الزيادة أو النقصان في خبر البائع بالثمن.
@-واختلفوا فيمن ابتاع سلعة مرابحة على ثمن ذكره ،ثم ظهر بعد ذلك إما بببإقراره
وإما ببينة أن الثمن كان أقل والسلعة قائمة؛ فقال مالك وجماعببة :المشببتري بالخيببار،
إما أن يأخذ بالثمن الذي صح أو يترك إذا لم يلزمه البببائع أخببذها بببالثمن الببذي صببح
وإن ألزمه لزمه؛ وقال أبو حنيفببة وزفببر :بببل المشببتري بالخيببار علببى الطلق ،ول
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
يلزمه الخذ بالثمن الذي إن ألزمه البائع لزمه؛ وقال الثوري وابن أبببي ليلببى وأحمببد
وجماعة :بل يبقى البيع لزما لهما بعد حط الزيببادة؛ وعببن الشببافعي القببولن :القببول
بالخيار مطلقببا ،والقببول ببباللزوم بعببد الحببط .فحجببة مببن أوجببب البببيع بعببد الحببط أن
المشتري إنما أربحه على ما ابتاع به السلعة ل غير ذلك ،فلمبا ظهبر خلف مبا قبال
وجب أن يرجع إلى الذي ظهر ،كما لو أخذه بكيل معلوم فخرج بغير ذلك الكيببل أنببه
يلزمه توفية ذلببك الكيببل .وحجببة مببن رأى أن الخيببار مطلقببا تشبببيه الكببذب فببي هببذه
المسألة بالعيب ،أعني أنه كما يببوجب العيببب الخيببار كببذلك يببوجب الكببذب .وأمببا إذا
فاتت السلعة فقال الشافعي :يحط مقدار ما زاد من الثمببن ومببا وجببب لببه مببن الربببح؛
وقال مالك :إن كانت قيمتها يوم القبض أو يوم البيع على خلف عنه في ذلك مثل ما
وزن المبتاع أو أقل فل يرجببع عليببه المشببتري بشببيء ،وإن كببانت القيمببة أقببل خيببر
البائع بين رده للمشتري القيمة أو رده الثمن أو إمضببائه السببلعة بببالثمن الببذي صببح.
وأما إذا باع الرجل سلعته مرابحة ثم أقام البينة أن ثمنها أكببثر ممببا ذكببره وأنببه وهببم
في ذلك وهي قائمة ،فقال الشافعي :ل يسمع من تلك البينة لنببه كببذبها؛ وقببال مالببك:
يسمع منها ويجبر المبتاع على ذلك الثمن ،وهذا بعيد لنه بيع آخبر .وقبال مالبك فبي
هذه المسألة :إذا فاتت السلعة أن المبتاع مخير بين أن يعطي قيمة السلعة يوم قبضببها
أو أن يأخذها بالثمن الذي صح ،فهذه هي مشهورات مسائلهم في هذا الباب .ومعرفة
أحكام هذا البيع تنبني في مذهب مالك على معرفببة أحكببام ثلثببة مسببائل ومببا تركببب
منها ،حكم مسألة الكذب ،وحكم مسألة الغش ،وحكم مسألة وجببود العيببب .فأمببا حكببم
الكذب فقد تقدم .وأما حكم الرد بالعيب فهو حكمه في البيع المطلق .وأما حكببم الغببش
عنده فهو تخيير البائع مطلقا ،وليس للبائع أن يلزمه البيع وإن حط عنه مقببدار الغببش
كما له ذلك في مسألة الكذب ،هذا عند ابن القاسم .وأما عند أشهب ،فإن الغببش عنببده
ينقسم قسمين :قسم مؤثر في الثمن ،وقسم غير مؤثر .فأما غير المؤثر فل حكم عنببده
فيه .وأما المؤثر فحكمه عنده حكم الكذب .وأما التي تتركب فهي أربع مسائل :كببذب
وغش ،وكذب وتدليس ،وغش وتدليس بعيب ،وكذب وغش وتببدليس بعيببب؛ وأصببل
مذهب ابن القاسم فيها أنه يأخذ بالذي بقي حكمه إن كان فات بحكم أحدهما أو بالببذي
هو أرجح له إن لم يفت حكم أحدهما ،إما على التخيير حيث يمكن التخيير ،أو الجمع
حيث يمكن الجمع ،وتفصيل هذا لئق بكتب الفروع ،أعني مذهب ابن القاسم وغيره.
**2كتاب بيع العرية.
@-اختلف الفقهاء في معنببى العريببة والرخصببة الببتي أتببت فيهببا فببي السببنة ،فحكببى
القاضي أبو محمد عبببد الوهبباب المببالكي أن العريببة فببي مببذهب مالببك هببي أن يهببب
الرجل ثمرة نخلة أو نخلت من حائطه لرجل بعينببه ،فيجببوز للمعببرى شببراؤها مببن
المعري له بخرصها تمرا على شروط أربعة :أحببدها :أن تزهببي .والثبباني أن تكببون
خمسة أوسق فما دون ،فإن زادت فل يجوز .والثالث أن يعطيه التمر الببذي يشببتريها
به عند الجذاذ ،فإن أعطبباه نقببدا لببم يجببز .والرابببع أن يكببون التمببر مببن صببنف تمببر
العرية ونوعها ،فعلى مذهب مالك الرخصة فببي العريببة إنمببا هببي فببي حببق المعببري
فقط ،والرخصة فيها إنما هي استثناؤها من المزابنة ،وهي بيع الرطب بالتمر الجاف
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الذي ورد النهي عنه ،ومن صنفي الربا أيضا :أعني التفاضل والّنساء ،وذلك أن بيببع
ثمر معلوم الكيل بثمر معلبوم بببالتخمين وهببو الخبرص ،فيببدخله بيببع الجنببس الواحبد
متفاضل ،وهو أيضا ثمر بثمر إلى أجببل ،فهببذا هببو مببذهب مالببك فيمببا هببي العريببة،
وماهي الرخصة فيها ،ولمن الرخصة فيها؟ .وأما الشافعي فمعنى الرخصببة الببواردة
عنده فيها ليست للمعري خاصة ،وإنما هي لكل أحد من النبباس أراد أن يشببتري هببذا
القدر من التمر :أعني الخمسة أوسق أو ما دون ذلك بتمر مثلها؛ وروي أن الرخصة
فيها إنما هي معلقة بهذا القدر من التمر لضرورة الناس أن يببأكلوا رطبببا وذلببك لمببن
ليس عنده رطب ول تمر )هكذا بالنسخ ،ولعله :وعنببده تمببر يشببتري ،إذ هببي فسببحة
لمن عنده تمر وليس عنده رطب أن يشتري الرطب بالتمر ،ولذلك اشببتراط الشببافعي
دفع التمر نقدا ،فتأمل ا هب مصححه( يشتري به الرطب.
والشافعي يشترط في إعطاء التمر الذي تباع فبي العريبة أن يكبون نقبدا ،ويقبول :إن
تفرقا قبل القبض فسد البيع .والعرية جائزة عند مالك في كل ما ييبس ويدخر ،وهببي
عند الشافعي في التمر والعنب فقط ول خلف في جوازها فيما دون الخمسة الوسق
عند مالك والشافعي ،وعنهما الخلف إذا كانت خمسة أوسق ،فببروي الجببواز عنهمببا
والمنع ،والشهر عند مالك الجبواز .فالشبافعي يخبالف مالكبا فبي العريبة فبي أربعبة
مواضع :أحدها في سبب الرخصببة كمببا قلنببا .والثبباني أن العريببة الببتي رخببص فيهببا
ليست هبة ،وإنما سميت هبببة علببى التجببوز .والثببالث فببي اشببتراط النقببد عنببد البببيع.
والرابع في محلها .فهي عنده كما قلنا في التمر والعنب فقط ،وعند مالك فببي كببل مببا
يدخر وييبس .وأمببا أحمببد بببن حنبببل فيوافببق مالكببا فببي أن العريبة عنببده هبي الهببة،
ويخببالفه فببي أن الرخصببة إنمببا هببي عنببده فيهببا للموهببوب لببه أعنببي المعببرى لببه ل
المعري ،وذلك أنه يرى أن له أن يبيعها ممن شاء بهذه الصفة ل من المعري خاصة
كما ذهب إليه مالك.
وأما أبو حنيفة فيوافق مالكا في أن العرية هي الهبببة ،ويخببالفه فببي صببفة الرخصببة،
وذلك أن الرخصة عنده فيها ليست هي من باب استثنائها مببن المزابنببة ول هببي فببي
الجملة في البيع ،وإنما الرخصة فيها عنده من باب رجوع الواهب فببي هبتببه إذ كببان
الموهوب له لم يقبضها وليست عنده ببيع ،وإنمببا هببي رجببوع فببي الهبببة علببى صببفة
مخصوصة ،وهو أن يعطي بدلها تمرا بخرصها .وعمدة مذهب مالك في العرية أنها
بالصفة التي ذكر سنتها المشهورة عندهم بالمدينة ،قالوا :وأصل هذا أن الرجببل كببان
يهب النخلت من حائطه فيشق عليه دخول الموهوب له عليه ،فأبيح لببه أن يشببتريها
بخرصها تمرا عند الجذاذ .ومن الحجة له في أن الرخصة إنما هببي للمعببري حببديث
سهل بن أبي حثمة "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى عن بيع التمببر بببالرطب
إل أنه رخص في العرية أن تباع بخرصها يأكلها أهلهببا رطبببا" قببالوا :فقببوله يأكلهببا
رطبا دليل على أن ذلك خاص بمعريها ،لنهم في ظاهر هذا القول أهلها.
ويمكن أن يقال إن أهلها هم الذين اشتروها كائنا من كان ،لكن قوله رطبا هببو تعليببل
ل يناسب المعري ،وعلى مذهب الشافعي هو مناسب ،وهم الذين ليس عندهم رطببب
ول تمر يشترونها به ،ولذلك كانت الحجة للشافعي .وأما أن العرية عنببده هببي الهبببة
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
فالدليل على ذلك من اللغبة ،فبإن أهبل اللغبة قبالوا :العريبة هبي الهببة ،واختلبف فبي
تسميتها بذلك ،فقيل لنها عريت من الثمن ،وقيببل إنهببا مببأخوذة مببن عببروت الرجببل
أعروه إذا سألته ،ومنه قوله تعالى }وأطعموا القانع والمعتر{ وإنما اشترط مالببك نقببد
الثمن عند الجذاذ أعني تأخيره إلى ذلك الوقت ،لنه تمر ورد الشرع بخرصه ،فكبان
من سنته أن يتأجل إلى الجذاذ أصببله الزكبباة ،وفيببه ضببعف ،لنببه مصببادمة بالقيبباس
لصل السنة .وعنده أنه إذا تطوع بعد تمام العقد بتعجيل التمر جباز ،وأمببا اشببتراطه
جوازها في الخمسة الوسق أو فيما دونها ،فلما رواه عن أبي هريرة "أن رسول ال
صلى ال عليه وسلم أرخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق ،أو في
خمسة أوسق" وإنما كان عن مالك في الخمسة الوسق روايتان الشك الواقع في هببذا
الحديث من الراوي .وأما اشتراطه أن يكون من ذلببك الصببنف بعينببه إذا يبببس ،فلمببا
روي عن زيد بن ثابت أن رسول ال صلى ال عليه وسلم "رخص لصبباحب العريببة
أن يبيعها بخرصها تمرا" خرجه مسلم .وأما الشافعي فعمدته حديث رافببع بببن خديببج
وسهل بن أبي حثمة عن النبي صلى ال عليببه وسببلم "أنببه نهببى عببن المزابنببة التمببر
بالتمر إل أصحاب العرايا ،فإنه أذن لهم فيه وقوله "فيها يأكلها أهلها رطبا" .والعرية
عندهم هي اسم لما دون الخمسة الوسق من التمر ،وذلك أنه لما كان العرف عنببدهم
أن يهب الرجل في الغالب من نخلته هببذا القببدر فمببا دونببه ،خببص هببذا القببدر الببذي
جاءت فيه الرخصة باسم الهبة لموافقته في القدر للهبة ،وقد احتببج لمببذهبه بمببا رواه
بإسناد منقطع عن محمود بن لبيد أنه قال لرجل من أصببحاب رسببول الب صببلى الب
عليببه وسبلم إمبا زيبد ببن ثبابت وإمببا غيببره :مبا عرايباكم هببذه؟ قبال :فسببمى رجبال
محتاجين من النصار شكوا إلى رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم أن الرطببب أتببى
وليس بأيديهم نقد يبتاعون به الرطب فيأكلونه مع الناس ،وعنببدهم فضببل مببن قببوتهم
من التمر ،فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر الببذي بأيببديهم يأكلونهببا
رطبا ،وإنما لم يجز تأخير نقد التمر لنه بيع الطعام بالطعام نسيئة.
وأما أحمد فحجته ظاهر الحاديث المتقدمة أنه رخص في العرايا ولم يخص المعري
من غيره .وأما أبو حنيفة فلما لم يجز عنده المزابنة وكانت إن جعلت بيعا نوعببا مببن
المزابنة رأى أن انصرافها إلى المعري ليس هو من ببباب البببيع وإنمببا هببو مببن ببباب
رجوع الواهب فيما وهب باعطاء خرصها تمرا ،أو تسميته إياها بيعا عنببده مجببازا،
وقد التفت إلى هذا المعنى مالك في بعض الروايات عنه ،فلم يجز بيعها بالدراهم ول
بشيء من الشياء سوى الخرص ،وإن كان المشهور عنببه جببواز ذلبك .وقببد قيببل إن
قول أبي حنيفببة هببذا هببو مببن ببباب تغليببب القيبباس علببى الحببديث ،وذلببك أنببه خببالف
الحاديث في مواضع منها أنه لم يسمها بيعا ،وقد نص الشببارع علببى تسببميتها بيعببا.
ومنها أنه جاء في الحديث أنه نهى عن المزابنة ورخص في العرايا ،وعلى مذهبه ل
تكون العرية استثناء من المزابنة ،لن المزابنة هي في البيع .والعجب منه أنه سببهل
عليه أن يستثنيها من النهي عن الرجوع في الهبة التي لببم يقببع فيهببا السببتثناء بنببص
الشرع ،وعسر عليه أن يستثنيها مما استثنى منه الشارع ،وهي المزابنة ،وال أعلم.
)بسم ال الرحمن الرحيم وصلى ال على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما(.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
**2كتاب الجارات.
@-والنظر في هذا الكتاب شبيه بالنظر في البيوع :أعني أصوله تنحصر بالنظر في
أنواعها وفي شروط الصحة فيها والفساد وفي أحكامها ،وذلببك فببي نببوع نببوع منهببا،
أعني فيما يخص نوعا نوعا منها ،وفيما يعم أكثر من واحد منها فهببذا الكتبباب ينقسببم
أول إلى قسمين :القسم الول :فبي أنواعهبا وشبروط الصبحة والفسباد .والثباني :فبي
معرفة أحكام الجارات ،وهذا كله بعد قيام الدليل على جوازها .فلنببذكر أول مببا فببي
ذلك من الخلف ثم نصير إلى ذكر ما في ذينك القسمين مببن المسببائل المشببهورة ،إذ
كان قصدنا إنما هو ذكر المسائل التي تجري من هذه الشياء مجرى المهات ،وهي
التي اشتهر فيها الخلف بين فقهاء المصار .فنقول :إن الجببارة جببائزة عنببد جميببع
فقهاء المصار والصدر الول .وحكي عن الصم وابن علية منعها .ودليل الجمهور
قوله تعالى }إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين{ الية ،وقوله }فإن أرضببعن لكببم
فآتوهن أجورهن{ .ومن السنة الثابتة ما خرجه البخاري عن عائشة قببالت "اسببتأجر
خّريتببا ]أي دليل رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبو بكر رجل من بني الديل هاديا ِ
حاذقا عالما بالطرق .دار الحديث[ وهو على دين كفار قريش ،فدفعا إليببه راحلتيهمببا
وواعداه غار ثور بعد ثلث ليال براحلتيهما" وحديث جابر "أنه باع من النبي صببلى
ال عليه وسلم بعيرا وشببرط ظهببره إلببى المدينببة" ومببا جبباز اسببتيفاؤه بالشببرط جبباز
استيفاؤه بالجر ،وشبهة من منع ذلك أن المعاوضات إنما يسبتحق فيهبا تسبليم الثمبن
بتسليم العين كالحال في العيان المحسوسة والمنافع فببي الجببارات فببي وقببت العقببد
معدومة ،فكان ذلك غررا ومن بيع ما لم يخلق ،ونحن نقول :إنها وإن كانت معدومة
في حال العقد فهي مستوفاة في الغالب ،والشرع إنما لحظ من هذه المنافع ما يستوفي
في الغالب ،أو يكون استيفاؤه وعدم استيفاؤه على السواء.
@)-القسم الول( وهذا القسم النظر فيه إلى جنس الثمن وجنس المنفعببة الببتي يكببون
الثمن مقابل له وصفتها .فأما الثمن فينبغي أن يكون مما يجوز بيعه ،وقببد تقببدم ذلببك
في باب البيوع .وأما المنفعة فينبغي أن تكون من جنس ما لم ينه الشببرع عنببه ،وفببي
كل هذه مسائل اتفقوا عليها واختلفببوا فيهببا؛ فممببا اجتمعببوا علببى إبطببال إجببارته كببل
منفعة كانت لشيء محرم العين ،كذلك كل منفعة كببانت محرمببة بالشببرع ،مثببل أجببر
النوائح وأجر المغنيات ،وكذلك كل منفعة كانت فببرض عيببن علببى النسببان بالشببرع
مثبل الصبلة وغيرهبا ،واتفقبوا علبى إجبارة البدور والبدواب والنباس علبى الفعبال
المباحة ،وكذلك الثياب والبسط .واختلفوا في إجارة الرضين وفي إجارة المياه وفببي
إجارة المؤذن ،وفي الجارة على تعليم القرآن ،وفي إجارة نزو الفحببول .فأمببا كببراء
الرضين فاختلفوا فيها اختلفا كثيرا؛ فقوم لم يجيزوا ذلك بتة وهببم القببل ،وبببه قببال
طاوس وأبو بكر ابن عبد الرحمن؛ وقال الجمهور بجواز ذلك .واختلف هببؤلء فيمببا
يجوز بببه كراؤهببا؛ فقببال قببوم :ل يجببوز كراؤهببا إل بالببدراهم والببدنانير فقببط ،وهببو
مذهب ربيعة وسعيد بن المسيب؛ وقال قوم :يجوز كراء الرض بكل شببيء مببا عببدا
الطعام ،وسواء كان ذلك بالطعام الخارج منها أو لم يكن ،وما عدا ما ينبت فيها كببان
طعاما أو غيره ،وإلى هذا ذهب مالك وأكببثر أصببحابه .وقببال آخببرون :يجببوز كببراء
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
الرض بما عدا الطعببام فقببط؛ وقببال آخببرون :يجببوز كببراء الرض بكببل العببروض
والطعام وغير ذلك ما لم يكن بجزء مما يخببرج منهببا مببن الطعببام ،وممببن قببال بهببذا
القول سالم بن عبد ال وغيره من المتقدمين ،وهو قول الشببافعي وظبباهر قببول مالببك
في الموطأ؛ وقال قوم :يجوز كراؤها بكل شيء وبجزء ممببا يخببرج منهببا ،وبببه قببال
أحمببد والثببوري والليببث وأبببو يوسببف ومحمببد صبباحبا أبببي حنيفببة وابببن أبببي ليلببى
والوزاعي وجماعة .وعمدة من لم يجز كراءها بحال ما رواه مالك بسنده عن رافع
بن خديج "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى عن كراء المببزارع" قببالوا :وهببذا
عام ،وهؤلء لم يلتفتوا إلى ما روى مالك من تخصيص الراوي له حيبن روى عنبه،
قال حنظلة :فسألت رافع بن خديج عببن كرائهببا بالببذهب والببورق فقببال :ل بببأس بببه.
وروي هذا عن رافع ابن عمر وأخببذ بعمببومه ،وكببان ابببن عمببر قبببل يكببري أرضببه
فترك ذلك ،وهذا بناء علببى رأي مببن يببرى أنببه ل يخصببص العمببوم بقببول الببراوي.
وروي عن رافع ابن خديج عن أبيه قال "نهى رسول ال صلى الب عليببه وسببلم عببن
إجارة الرضين" قال أبو عمر بن عبد البر.
واحتجوا أيضا بحديث ضمرة عن ابن شوذب عن مطرف عن عطاء عن جابر قال:
خطبنا رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم فقببال "مببن كببانت لببه أرض فليزرعهببا أو
لُيزرعها ول يؤاجرها" فهذه هي جملة الحاديث التي تمسك بهببا مببن لببم يجببز كببراء
الرض .وقالوا أيضا من جهة المعنى :إنه لم يجز كراؤها لما فببي ذلببك مببن الغببرر،
لنه ممكن أن يصببيب الببزرع جائحببة مببن نببار أو قحببط أو غببرق ،فيكببون قببد لزمببه
كراؤها من غير أن ينتفع من ذلك بشيء .قال القاضببي :ويشبببه أن يقببال فببي هببذا إن
المعنى في ذلك قصد الرفق بالناس لكثرة وجببود الرض كمببا نهببى عببن بيببع المبباء،
ووجه الشبه بينهما أنهما أصل الخلقة .وأما عمدة مببن لببم يجببز كراءهببا إل بالببدراهم
والدنانير فحديث طارق بن عبد الرحمن عن سعيد بن المسيب عببن رافببع بببن خديببج
عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال "إنما يزرع ثلثة ،رجل لببه أرض فيزرعهببا،
ورجل منح أرضا فهو يببزرع مببا منببح ،ورجببل اكببترى بببذهب أو فضببة" قببالوا :فل
يجوز أن يتعببدى مببا فببي هببذا الحببديث والحبباديث الخببر مطلقببة وهببذا مقيببد ،ومببن
الواجب حمل المطلق على المقيد .وعمدة من أجاز كراءها بكل شيء ما عدا الطعام،
وسواء كان الطعام مدخرا أو لم يكن حديث يعلى بن حكيم عن سليمان بن يسار عببن
رافع بن خديببج قببال :قببال رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم "مببن كببانت لببه أرض
فليزرعها أو لُيزرعها أخاه بثلث ول ربع ول بطعام معيببن" قببالوا :وهببذا هببو معنببى
المحاقلة التي نهى رسول ال صلى ال عليه وسبلم عنهبا ،وذكبروا حبديث سبعيد ببن
المسيب مرفوعا ،وفيه :والمحاقلة استكراء الرض بالحنطة .قالوا :وأيضببا فببإنه مببن
باب بيع الطعام بالطعام نسيئة.
وعمدة من لم يجز كراءها بالطعام ول بشيء مما يخببرج منهبا ،أمببا بالطعببام فحجتبه
حجة من لم يجز كراءها بالطعام .وأما حجته على منع كرائها مما تنبت فهو ما ورد
من نهيه صلى ال عليه وسلم عن المخببابرة ،قبالوا :وهبي كببراء الرض بمبا يخبرج
منها وهذا هو قول مالك وكل أصحابه .وعمدة مببن أجبباز كراءهببا بجميببع العببروض
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
والطعام وغير ذلك مما يخرج منهببا أنببه كببراء منفعببة معلومببة بشببيء معلببوم ،فجباز
قياسا على إجارة سائر المنافع ،وكأن هؤلء ضعفوا أحاديث رافببع .روي عببن سببالم
ابن عبد ال وغيره في حديث رافببع أنهببم قببالوا :اكببترى رافببع .قببالوا :وقببد جباء فببي
بعض الروايات عنه ما يجب أن يحمببل عليهببا سببائرها قببال "كنببا أكببثر أهببل المدينببة
حقل ،قال :وكببان أحببدنا يكببري أرضببه ويقببول :هببذه القطعببة لببي وهببذه لببك ،وربمببا
أخرجت هذه ولم تخرج هذه ،فنهاهم النبي صلى الب عليببه وسبلم "خرجببه البخبباري.
وأما من لم يجز كراءها بما يخرج منها ،فعمدته النظر والثر .وأمببا الثببر فمببا ورد
من النهي عن المخابرة ،وما ورد مببن حببديث ابببن خديببج عببن ظهيببر بببن رافببع قبال
"نهانا رسول ال صلى ال عليه وسلم عن أمر كان رفقا بنا ،فقلت ما قال رسول ال ب
صلى ال عليه وسلم فهو حق قال" :دعاني رسول ال صلى ال عليه وسلم فقببال :مببا
تصنعون بمحاقلكم؟ قلنا :نؤاجرها علببى الرببع وعلببى الوسبق مبن التمببر والشبعير،
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم :ل تفعلوا ،ازرعوها أو زارعوها أو أمسكوها"
وهذا الحديث اتفق على تصحيحه المامان البخاري ومسلم .وأما مببن أجبباز كراءهببا
بما يخرج منها فعمدته حديث ابن عمر الثابت "أن رسول ال صببلى الب عليبه وسببلم
دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعملوها من أموالهم على نصف مببا
تخرجه الرض والثمرة" قالوا :وهذا الحديث أولى من أحاديث رافع لنها مضطربة
المتون ،وإن صحت أحاديث رافع حملناها على الكراهية ل على الحظببر ،بببدليل مببا
خرجه البخاري ومسلم عن ابن عباس أنه قال "إن النبي صلى ال عليه وسلم لببم ينببه
عنها ولكن قال :إن يمنح أحدكم أخاه يكن خيرا له من أن يأخذ منه شيئا" قببالوا :وقببد
قدم معاذ بن جبل اليمن حين بعثه رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم وهببم يخببابرون
فأقرهم) .وأما إجارة المؤذن( فإن قوما لم يببروا فببي ذلببم بأسببا؛ وقومببا كرهببوا ذلببك.
والذين كرهوا ذلك وحرموه احتجوا بما روي عن عثمان بن أبببي العبباص قببال :قببال
رسول ال صلى ال عليه وسلم "اتخذ مؤذنا ل يأخذ على أذانه أجرا" والذين أببباحوه
قاسوه على الفعال غير الواجبة ،وهذا هو سبب الختلف ،أعني هل هببو واجببب أم
ليس بواجب؟.
وأمببا السببتئجار علببى تعليببم القببرآن فقببد اختلفببوا فيببه أيضببا ،وكرهببه قببوم ،وأجببازه
آخرون .والذين أباحوه قاسوه على سائر الفعال ،واحتجوا بما روي عن خارجة بببن
الصامت عن عمه قال" :أقبلنا من عند رسول ال صلى ال عليببه وسببلم ،فأتينببا علببى
حي من أحياء العرب فقببالوا :إنكببم جئتببم مببن عنببد هببذا الرجببل فهببل عنببدكم دواء أو
رقية ،فإن عندنا معتوها في القيببود ،فقلنببا لهببم نعببم ،فجباءوا بببه ،فجعلببت أقببرأ عليببه
بفاتحة الكتاب ثلثة أيام غدوة وعشية أجمع بريقي ثم أتفببل عليببه ،فكأنمببا أنشببط مببن
عقال ،فأعطوني جعل ،فقلت ل حتى أسأل رسول ال صلى ال عليببه وسببلم ،فسببألته
فقال" :كل فلعمري لمن أكل برقية باطل فلقد أكلت برقية حقا" وبمببا روي عببن أبببي
سعيد الخدري "أن أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم كانوا فببي غببزاة ،فمببروا
بحي من أحياء العرب ،فقالوا :هل عنببدكم مببن راق ،فببإن سببيد الحببي قببد لببدغ أو قببد
عرض له ،قال :فرقي رجل بفاتحة الكتاب فبرئ ،فأعطى قطيعا من الغنببم ،فببأبى أن
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
يقبلها ،فسأل عن ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم فقبال :ببم رقيتببه؟ قبال :بفاتحبة
الكتاب ،قال :وما يدريك أنها رقية؟ قال :ثم قال رسببول ال ب صببلى ال ب عليببه وسببلم:
خذوها واضربوا لي معكم فيها بسهم" .وأما الذين كرهوا الجعببل علببى تعليببم القببرآن
فقالوا :هو من باب الجعل على تعليم الصببلة .قببالوا :ولببم يكببن الجعببل المببذكور فببي
الجارة على تعليم القرآن وإنما كان على الرقي ،وسواء كان الرقي بالقرآن أو غيره
الستئجار عليه عندنا جائز كالعلجات .قالوا :وليس واجبا علببى النبباس ،وأمببا تعليببم
القرآن فهو واجب على الناس .وأما إجارة الفحول من البل والبقر والببدواب ،فأجبباز
مالك أن يكري الرجل فحله على أن ينزو أكواما معلومة ،ولبم يجبز ذلبك أبببو حنيفببة
ول الشافعي.
وحجة من لم يجز ذلك ما جاء من النهي عن عسيب الفحل؛ ومن أجازه شبهه بسببائر
المنافع ،وهذا ضعيف لنه تغليب القياس على السببماع .واسببتئجار الكلببب أيضببا هببو
من هذا الباب ،وهو ل يجببوز عنببد الشببافعي ول عنببد مالببك .والشببافعي يشببترط فببي
جواز استئجار المنفعة أن تكببون متقومببة علببى انفرادهببا ،فل يجببوز اسببتئجار تفاحببة
للشم ،ول طعام لتزين الحانوت ،إذ هذه المنافع ليس لهببا قيببم علببى انفرادهببا ،فهببو ل
يجببوز عنببد مالببك ول عنببد الشببافعي .ومببن هببذا الببباب اختلف المببذهب فببي إجببارة
الدراهم والدنانير ،بالجملة كل ما ل يعرف بعينه ،فقال ابببن القاسببم :ل يصببح إجببارة
هذا الجنس وهو قرض ،وكان أبو بكر البهري وغيره أن ذلك يصح وتلببزم الجببرة
فيه ،وإنما منع من منع إجارتها ،لنه لم يتصور فيها منفعة إل بببإتلف عينهببا؛ ومببن
أجاز إجارتها تصور فيها منفعة ،مثل أن يتحمل بها أو يتكثر أو غير ذلك مما يمكببن
أن يتصببور فببي هببذا الببباب ،فهببذه هببي مشببهورات مسببائل الخلف المتعلقببة بجنببس
المنفعة .وأما مسائل الخلف المتعلقة بجنس الثمن فهي مسببائل الخلف المتعلقببة بمببا
يجوز أن يكون ثمنا في المبيعات وما ل يجوز.
ومما ورد النهي فيه من هبذا البباب مبا روي "أنبه صبلى الب عليبه وسبلم نهبى عبن
عسيب الفحل وعن كسب الحجام وعن قفيبز الطحبان" قبال الطحباوي :ومعنبى نهبي
النبي صلى ال عليه وسلم عن قفيز الطحان هو مبا كبانوا يفعلبونه فبي الجاهليبة مبن
دفع القمح إلى الطحان بجزء من الدقيق الذي يطحنببه ،قببالوا :وهببذا ل يجببوز عنببدنا،
وهو استئجار من المستأجر بعين ليس عنده ،ول هي من الشببياء الببتي تكببون ديونببا
على الذمم ،ووافقه الشبافعي علبى هببذا .وقبال أصببحابه :لبو اسببتأجر السبلخ بالجلببد
والطحان بالنخالة أو بصاع من الدقيق فسببد لنهيببه صببلى الب عليببه وسببلم عببن قفيببز
الطحان ،وهذا على مذهب مالك جائز ،لنه استأجره على جزء من الطعببام؛ معلببوم،
وأجرة الطحان ذلك الجزء وهو معلوم أيضبا .وأمبا كسبب الحجبام؛ فبذهب قبوم إلبى
تحريمه ،وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا :كسبه رديء يكببره للرجببل؛ وقببال آخببرون:
بل هو مباح .والسبب في اختلفهم تعارض الثار في هذا الباب؛ فمن رأى أنه حرام
احتج بما روي عن أبببي هريببرة قببال :قببال رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم "مببن
السحت كسب الحجام" ،وبما روي عن أنس بن مالك قال "حرم رسول ال صلى ال
عليه وسلم كسب الحجام" وروي عن عون بن أبي جحيفة قبال :اشبترى أببي حجامبا
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
فكسر محاجمه ،فقلت له يا أبت لم كسببرتها؟ فقببال" :إن رسببول الب صببلى الب عليببه
وسلم نهى عن ثمن الدم" .وأما من رأى إباحة ذلك ،فاحتج بما روي عن ابببن عببباس
قال "احتجم رسول ال صلى ال عليه وسلم وأعطى الحجام أجببره" قببالوا :ولببو كببان
حراما لم يعطه ،وحديث جابر "أن رسول ال صببلى الب عليببه وسببلم دعببا أبببا طيبببة
فحجمه ،فسأله كم ضريبتك؟ فقال :ثلثة آصع ،فوضع عنه صاعا" وعنه أيضا "أنببه
أمر للحجام بصاع من طعام" وأمر موالية أن يخففوا عنه"
)يتبع(...
@)تببابع)- :(1 ...القسببم الول( وهببذا القسببم النظببر فيببه إلببى جنببس الثمببن وجنببس
المنفعة التي... ...
وأما الذين قالوا بكراهيته فاحتجوا بما روي أن رفاعة بن رافببع أو رافببع بببن رفاعببة
جاء إلى مجلس النصار فقال "نهببى رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم عببن كسببب
الحجام وأمرنا أن نطعمه ناضحنا" وبما روي "عببن رجببل مببن بنببي حارثببة كببان لببه
حجام ،فسأل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن ذلك فنهاه ،ثببم عبباد فنهبباه ،ثببم عبباد
فنهاه ،فلم يزل يراجعه حتى قال له رسول ال صببلى ال ب عليببه وسببلم :اعلببف كسبببه
ناضحك وأطعمه رقيقك" .ومن هذا الباب أيضا اختلفهم في إجببارة دار بسببكنى دار
أخرى ،فأجار ذلك مالك ومنعه أبو حنيفة ،ولعله رآها من ببباب الببدين بالببدين ،وهببذا
ضعيف ،فهذه مشهورات مسائلهم فيما يتعلق بجنس الثمن وبجنس المنفعببة .وأمببا مببا
يتعلق بأوصافها فنذكر أيضا المشهور منهببا؛ فمببن ذلببك أن جمهببور فقهبباء المصببار
مالك وأببو حنيفببة والشببافعي اتفقببوا بالجملبة أن مبن شبرط الجبارة أن يكببون الثمبن
معلوما والمنفعة معلومة القدر ،وذلك إما بغايتها مثببل خياطببة الثببوب وعمببل الببباب،
وإما بضرب الجل إذا لم تكن لها غاية مثل خدمة الجير ،وذلك إما بالزمان إن كان
عمل واستيفاء منفعة متصلة الوجود مثل كراء الببدور والحببوانيت ،وإمببا بالمكببان إن
كان مشيا مثل كراء الرواحل .وذهبب أهبل الظباهر وطائفبة مبن السبلف إلبى جبواز
إجارات المجهولت مثل أن يعطي الرجل حماره لمن يسببقي عليببه أو يحتطببب عليببه
بنصف ما يعود عليه .وعمدة الجمهور أن الجارة بيع فامتنع فيها من الجهل }لمكان
الغبن{ ما امتنع في المبيعات .واحتببج الفريببق الثبباني بقيبباس الجببارة علببى القببراض
والمساقاة؛ والجمهور على أن القراض والمساقاة مستثنيان بالسببنة فل يقبباس عليهمببا
لخروجهما عن الصول؛ واتفق مالك والشافعي علببى أنهمببا إذا ضببربا للمنفعببة الببتي
لبس لها غاية أمدا من الزمان محببدودا ،وحببددوا أيضببا أول ذلببك المببد ،وكببان أولببه
عقب العقد أن ذلك جببائز .واختلفببوا إذا لببم يحببددوا أول الزمببان أو حببددوه ولببم يكببن
عقب العقد ،فقال مالك :يجببوز إذا حببدد الزمببان ولببم يحببدد أولببه ،مثببل أن يقببول لببه:
استأجرت منك هذه الدار سنة بكذا أو شهرا بكذا ،ول يذكر أول ذلك الشببهر ول أول
تلك السنة؛ وقال الشافعي ل يجوز ،ويكون أول الوقت عند مالك وقت عقد الجببارة،
فمنعه الشافعي لنه غرر ،وأجازه مالك لنه معلوم بالعادة ،وكذلك لم يجببز الشببافعي
إذا كان أول العقببد متراخيببا عببن العقببد ،وأجببازه مالببك .واختلببف قببول أصببحابه فببي
استئجار الرض غير المأمونة ،والتغيير فيما بعد من الزمان؛ وكببذلك اختلببف مالببك
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
والشافعي في مقدار الزمببان الببذي تقببدر بببه هببذه المنببافع؛ فمالببك يجيببز ذلببك السببنين
الكثيرة ،مثل أن يكري الدار لعشبرة أعبوام أو أكبثر ،ممبا ل تتغيبر البدار فبي مثلبه؛
وقال الشافعي :ل يجوز ذلك لكثر من عببام واحببد .واختلببف قببول ابببن القاسببم وابببن
الماجشون في أرض المطر وأرض السقي بالعيون وأرض السقي بالبببار والنهببار؛
فأجاز ابن القاسم فيها الكراء بالسنين الكثيرة؛
وفصل ابن الماجشون فقال :ل يجوز الكراء في أرض المطببر إل لعببام واحببد ،وأمببا
أرض السقي بالعيون فل يجوز كراؤها إل لثلثة أعوام وأربعبة؛ وأمببا أرض الببار
والنهار فل يجوز إل لعشرة أعوام فقبط .فبالختلف ههنبا فبي ثلثبة مواضبع :فبي
تحديد أول المدة ،وفببي طولهببا ،وفبي بعبدها عبن وقبت العقبد .وكبذلك اختلببف مالببك
والشافعي إذا لم يحدد المدة وحدد القدر الذي يجب لقل المدة مثببل أن يقببول :أكببتري
منك هذه الدار الشهر بكذا ،ول يضربان لذلك أمدا معلوما ،فقال الشافعي :ل يجببوز؛
وقال مالك وأصببحابه :يجببوز علببى قيبباس :أبيعببك مببن هببذه الصبببرة بحسبباب القفيببز
بدرهم ،وهذا ل يجوز غيره .وسبب الخلف اعتبار الجهبل الواقبع فببي هبذه الشببياء
هل هو من الغرر المعفو عنه أو المنهي عنببه؟ ومببن هببذا الببباب اختلفهببم فببي البببيع
والجارة ،أجازه مالك ،ومنعه الشافعي وأبو حنيفة ،ولم يجز مالببك أن يقببترن بببالبيع
إل الجارة فقط .ومن هذا الباب اختلفهم في إجارة المشاع؛ فقببال مالببك والشببافعي:
هي جائزة؛ وقال أبو حنيفة :ل تجوز ،لن عنده أن النتفاع بها مع الشاعة متعببذر؛
وعند مالك والشببافعي أن النتفبباع بهببا ممكببن مببع شببريكه كانتفبباع المكببري بهببا مببع
شريكه :أعنى رب المال .ومن هذا الباب استئجار الجير بطعببامه وكسببوته ،وكببذلك
الظئر ،فمنع الشافعي ذلك على الطلق ،وأجاز ذلك مالك على الطلق :أعنببي فببي
كل أجير؛ وأجبباز ذلببك أبببو حنيفببة فببي الظئر فقببط .وسبببب الخلف هببل هببي إجببارة
مجهولة ،أم ليست مجهولة؟ فهذه هي شرائط الجارة الراجعة إلى الثمببن والمثمببون.
وأما أنواع الجارة فإن العلماء على أن الجارة على ضببربين :إجببارة منببافع أعيببان
محسوسة ،وإجارة منافع في الذمة قياسببا علببى البببيع .والببذي فببي الذمببة مببن شببرطه
الوصف .والذي في العين من شرطه الرؤية أو الصفة عنببده كالحببال فببي المبيعببات،
ومن شرط الصفة عنده ذكر الجنس والنوع ،وذلك في الشيء الذي تسببتوفي منببافعه،
وفي الشيء الذي تستوفي به منافعه فلبد من وصف المركببوب مثل ،والحمببل الببذي
تستوفي به منفعببة المركببوب .وعنببد مالببك أن الراكببب ل يحتبباج أن يوصببف ،وعنببد
الشافعي يحتاج إلى الوصف ،وعنببد ابببن القاسببم أنببه إذا اسببتأجر الراعببي علببى غنببم
بأعيانها أن من شرط صحة العقببد اشببتراط الخلبف ،وعنببد غيبره تلببزم الجملببة بغيبر
شرط .ومن شرط إجارة الذمة أن يعجل النقد عند مالك ليخرج من الدين بالدين؛ كما
أن من شرط إجارة الرض غير المأمونة السقي عنده أن ل يشترط فيها النقد إل بعد
الري .واختلفوا في الكراء هببل يببدخل فببي أنببواعه الخيببار أم ل؟ فقببال مالببك :يجببوز
الخيار في الصنفين من الكراء المضمون والمعيببن؛ وقبال الشبافعي :ل يجببوز ،فهبذه
هي المشهورات من المسائل الواقعة في هذا القسم الول من هذا الكتاب ،وهو الببذي
يشتمل على النظر في محال هذا العقد وأوصافه وأنواعه ،وهي الشياء البتي تجبري
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
ابن رشد
من هذا العقد مجرى الركان ،وبها يوصببف العقبد إذا كبان علبى الشببروط الشبرعية
بالصحة وبالفساد إذا لم يكن على ذلك ،وبقي النظر فببي الجببزء الثبباني ،وهببو أحكببام
هذا العقد.
انتهى الجزء الول