You are on page 1of 477

‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬

‫ابن رشد‬

‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬


‫للمام ابن رشد القرطبي‬
‫الجزء الول‪.‬‬
‫مقدمة المؤلف‪.‬‬
‫‪-‬بسم ال الرحمن الرحيم‪.‬‬
‫أما بعد حمد ال بجميع محامده‪ ،‬والصلة والسلم على محمد رسوله وآله وأصحابه‪،‬‬
‫فإن غرضي في هذا الكتاب أن أثبت فيه لنفسي )في نسخة فاس‪ :‬التنبيه لنفسببي بببدل‬
‫أن أثبت( )انظر ترجمة المؤلف آخر الكتاب(‬
‫على جهة التذكرة من مسائل الحكام المتفق عليها والمختلببف فيهببا بأدلتهببا‪ ،‬والتنبببيه‬
‫على نكت الخلف فيها‪ ،‬ما يجري مجرى الصول والقواعد لما عسى أن يببرد علببى‬
‫المجتهد مببن المسببائل المسببكوت عنهبا فبي الشبرع‪ ،‬وهببذه المسببائل فبي الكببثر هبي‬
‫المسائل المنطوق بها في الشرع أو تتعلق بالمنطوق بببه تعلقببا قريبببا‪ ،‬وهببي المسببائل‬
‫التي وقع التفبباق عليهببا‪ ،‬أو اشببتهر الخلف فيهببا بيببن الفقهبباء السببلميين مببن لببدن‬
‫الصحابة رضي ال عنهم إلى أن فشا التقليد‪.‬‬
‫وقبل ذلك فلنذكر كم أصناف الطرق التي تتلقي منها الحكام الشرعية‪ ،‬وكم أصببناف‬
‫الحكام الشرعية‪ ،‬وكم أصناف السباب التي أوجبت الختلف بأوجز ما يمكننا فببي‬
‫ذلك‪ .‬فنقول‪:‬‬
‫إن الطرق التي منها تلقيت الحكام عن النبي عليه الصببلة والسببلم بببالجنس ثلثببة‪:‬‬
‫إمبا لفبظ‪ ،‬وإمبا فعبل‪ ،‬وإمبا إقبرار‪ .‬وأمبا مبا سبكت عنبه الشبارع مبن الحكبام فقبال‬
‫الجمهور‪ :‬إن طريق الوقوف عليه هو القياس‪ .‬وقال أهل الظاهر‪ :‬القياس في الشببرع‬
‫باطل‪ ،‬ومبا سبكت عنبه الشبارع فل حكببم لببه‪ .‬ودليبل العقبل يشببهد ثبببوته ]أي ثببوت‬
‫القيبباس‪ .‬دار الحببديث[‪ ،‬وذلببك أن الوقببائع بيببن أشببخاص الناسببي غيببر متناهيببة‪،‬‬
‫والنصوص والفعال والقرارات متناهية‪ ،‬ومحال أن يقابل ما ل يتناهى بما يتناهى‪.‬‬
‫وأصناف اللفاظ التي تتلقى منها الحكام من السمع أربعة‪ :‬ثلثة متفق عليها‪ ،‬ورابع‬
‫مختلف فيه‪ .‬أما الثلثة المتفق عليها فلفظ عام يحمل على عمببومه‪ ،‬أو خبباص يحمببل‬
‫على خصوصه‪ ،‬أو لفظ عام يراد به الخصوص‪ ،‬أو لفظ خاص يراد به العموم‪ ،‬وفي‬
‫هذا يدخل التنبببيه ببالعلى علبى الدنببى‪ ،‬وببالدنى علبى العلببى‪ ،‬وبالمسباوي علبى‬
‫المساوى؛ فمثال الول قوله تعالى }حرمت عليكم الميتة والببدم ولحببم الخنزيببر{ فببإن‬
‫المسلمين اتفقوا على أن لفظ الخنزير متناول لجميع أصناف الخنازير ما لم يكن ممببا‬
‫يقال عليه السم بالشتراك‪ ،‬مثل خنزير المباء‪ ،‬ومثبال العبام يبراد ببه الخباص قبوله‬
‫تعالى }خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بهببا{ فببإن المسببلمين اتفقببوا علببى أن‬
‫ليست الزكاة واجبة في جميع أنواع المال‪ ،‬ومثال الخاص يراد به العببام قببوله تعببالى‬
‫}فل تقل لهما أف{ وهو من بباب التنبببيه بببالدنى علببى العلببى‪ ،‬فبإنه يفهببم مببن هببذا‬
‫تحريم الضرب والشتم وما فوق ذلك‪ ،‬وهذه إما أن يأتي المستدعى بهببا فعلببه بصببيغة‬
‫المر‪ ،‬وإما أن يأتي بصيغة الخبر يراد به المببر‪ ،‬وكببذلك المسببتدعي تركببه‪ ،‬إمببا أن‬
‫يأتي بصيغة النهي‪ ،‬وإما أن يأتي بصيغة الخبر يراد به النهي‪ ،‬وإذا أتت هذه اللفبباظ‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بهذه الصيغ‪ ،‬فهل يحمل استدعاء الفعل بهببا علببى الوجببوب أو علببى النببدب علببى مببا‬
‫سيقال في حد الواجب والمندوب إليه‪ ،‬أو يتوقف حتى يدل الدليل علببى أحببدهما‪ ،‬فيببه‬
‫بين العلماء خلف مذكور في كتب أصول الفقه‪ ،‬وكذلك الحال فبي صبيغ النهبي هبل‬
‫تدل على الكراهية أو التحريم‪ ،‬أو ل تببدل علببى واحببد منهمببا‪ ،‬فيببه الخلف المببذكور‬
‫أيضا‪ ،‬والعيان التي يتعلق بها الحكم إما أن يدل عليها بلفظ يببدل علببى معنببى واحببد‬
‫فقط‪ ،‬وهو الببذي يعببرف فببي صببناعة أصببول الفقببه بببالنص‪ ،‬ول خلف فببي وجببوب‬
‫العمل به‪ ،‬وإما أن يدل عليها بلفظ يدل على أكثر من معنى واحد‪ ،‬وهذا قسببمان‪ :‬إمببا‬
‫أن تكببون دللتببه علببى تلببك المعبباني بالسببواء‪ ،‬وهببو الببذي يعببرف فببي أصببول الفقببه‬
‫بالمجمل‪ ،‬ول خلف في أنه ل يوجب حكما‪ ،‬وإما أن تكون دللتببه علببى بعببض تلببك‬
‫المعاني أكثر من بعض‪ ،‬وهذا يسمى بالضافة إلى المعاني الببتي دللتببه عليهببا أكببثر‬
‫ظاهرا‪ ،‬ويسمى بالضافة إلى المعاني التي دللته عليها أقل محتمل‪ ،‬وإذا ورد مطلقا‬
‫حمل علببى تلببك المعبباني الببتي هببو أظهببر فيهببا حببتى يقببوم الببدليل علببى حملببه علببى‬
‫المحتمل‪ ،‬فيعرض الخلف للفقهاء في أقاويل الشارع‪ ،‬لكن ذلك من قبل ثلثة معببان‪:‬‬
‫من قبل الشتراك في لفظ العين الذي علق به الحكم‪ ،‬ومن قبل الشببتراك فببي اللببف‬
‫واللم المقرونة بجنس تلك العين‪ ،‬هل أريد بها الكل أو البعض؟ ومن قبل الشببتراك‬
‫الذي في ألفاظ الوامر والنواهي‪ .‬وأما الطريق الرابع فهو أن يفهم من إيجاب الحكببم‬
‫لشيء ما نفي ذلك الحكم عما عدا ذلك الشيء أو من نفى الحكم عن شيء مببا إيجببابه‬
‫لما عدا ذلك الشيء الذي نفي عنه‪ ،‬وهببو الببذي يعببرف بببدليل الخطبباب‪ ،‬وهببو أصببل‬
‫مختلف فيه‪ ،‬مثل قوله عليه الصلة والسلم "في سائمة الغنم الزكاة" فإن قوما فهموا‬
‫منه أن ل زكاة في غير السائمة‪ ،‬وأما القيبباس الشببرعي فهببو إلحبباق الحكببم الببواجب‬
‫لشيء ما بالشرع بالشيء‪ ،‬المسكوت عنه لشبهه بالشيء الذي أوجب الشرع لببه ذلببك‬
‫الحكم أو لعلة جامعة بينهما‪ ،‬ولذلك كان القياس الشرعي صنفين قياس شبببه‪ ،‬وقيبباس‬
‫علة؛ والفرق بين القياس الشرعي واللفبظ الخباص يبراد ببه العبام‪ :‬أن القيباس يكبون‬
‫على الخاص الذي أريد به الخاص‪ ،‬فيلحق به غيره‪ ،‬أعني أن المسببكوت عنببه يلحببق‬
‫بالمنطوق به من جهة الشبه الذي بينهما ل من جهة دللة اللفظ لن إلحاق المسببكوت‬
‫عنه بالمنطوق به من جهة تنبيه اللفظ ليس بقياس‪ ،‬وإنما هببو مببن ببباب دللببة اللفببظ‪،‬‬
‫وهذان الصنفان يتقاربان جدا لنهما إلحاق مسكوت عنه بمنطوق به‪ ،‬وهمببا يلتبسببان‬
‫علببى الفقهبباء كببثيرا جببدا‪ ،‬فمثببال القيبباس إلحبباق شببارب الخمببر بالقبباذف فببي الحببد‬
‫والصببداق بالنصبباب فببي القطببع‪ ،‬وأمببا إلحبباق الربويببات بالمقتببات أو بالمكيببل أو‬
‫بالمطعوم فمن باب الخاص أريبد ببه العبام‪ ،‬فتأمبل هبذا فبإن فيبه غموضبا‪ .‬والجنبس‬
‫الول هو الذي ينبغي للظاهرية أن تنازع فيه‪ ،‬وأما الثاني فليس ينبغي لها أن تنببازع‬
‫فيه لنه من باب السمع‪ ،‬والذي يرد ذلك يرد نوعا مببن خطبباب العببرب‪ ،‬وأمببا الفعببل‬
‫فإنه عند الكثر من الطرق التي تتلقي منهببا الحكببام الشببرعية‪ ،‬وقببال قببوم الفعببال‪:‬‬
‫ليست تفيد حكما إذ ليس لها صيغ‪ ،‬والذين قالوا إنها تتلقي منهببا الحكببام اختلفببوا فببي‬
‫نوع الحكم الذي تببدل عليببه‪ ،‬فقبال قببوم‪ :‬تبدل علبى الوجببوب‪ ،‬وقبال قببوم‪ :‬تبدل علبى‬
‫الندب‪ ،‬والمختار عند المحققين أنها إن أتت بيانا لمجمل واجب دلبت علبى الوجبوب‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وإن أتت بيانا لمجمل مندوب إليه دلت على النببدب؛ وإن لببم تببأت بيانببا لمجمببل‪ ،‬فبإن‬
‫كانت من جنس القربة دلت على النببدب وإن كببانت مببن جنببس المباحببات دلببت علببى‬
‫الباحة‪ ،‬وأما القرار فإنه يدل على الجواز فهببذه أصببناف الطببرق الببتي تتلقببى منهببا‬
‫الحكام أو تستنبط‪.‬‬
‫وأما الجماع فهو مستند إلى أحد هذه الطرق الربعة‪ ،‬إل أنه إذا وقع في واحد منهببا‬
‫ولم يكن قطعيا نقل الحكم من غلبة الظبن إلبى القطبع وليبس الجمباع أصبل مسبتقل‬
‫بذاته من غير استناد إلى واحد من هببذه الطببرق‪ ،‬لنببه لببو كببان كببذلك لكببان يقتضببي‬
‫إثبات شرع زائد بعد النببي صبلى الب عليبه وسبلم إذ كبان ل يرجبع إلبى أصبل مبن‬
‫الصببول المشببروعة‪ .‬وأمببا المعبباني المتداولببة المتأديببة مببن هببذه الطببرق اللفظيببة‬
‫للمكلفين‪ ،‬فهي بالجملة‪ :‬إما أمر بشيء وإما نهبي عنبه‪ ،‬وإمبا تخييبر فيبه‪ .‬والمبر إن‬
‫فهم منه الجزم وتعلق العقاب بتركه سمي واجبببا‪ ،‬وإن فهببم منببه الثببواب علببى الفعببل‬
‫وانتفى العقاب مع الترك سمي ندبا‪ .‬والنهي أيضا إن فهم منببه الجببزم وتعلببق العقبباب‬
‫بالفعل سمي محرما ومحظورا‪،‬وإن فهم منه الحث على تركه مببن غيبر تعلبق عقبباب‬
‫بفعلببه سببمي مكروهببا‪ ،‬فتكببون أصببناف الحكببام الشببرعية الملتقبباة مببن هببذه الطببرق‬
‫الخمس‪ :‬واجب‪ ،‬ومندوب‪ ،‬ومحظور‪ ،‬ومكروه‪ ،‬ومخير فيه وهو المباح‪ .‬وأما أسباب‬
‫الختلف بالجنس فستة‪ :‬أحدها تردد اللفاظ بين هذه الطببرق الربببع‪ :‬أعنببي بيببن أن‬
‫يكون اللفظ عاما يراد به الخاص‪ ،‬أو خاصا يراد به العام‪ ،‬أو عاما يراد به العببام‪ ،‬أو‬
‫خاصا يراد به الخاص‪ ،‬أو يكون له دليل خطاب‪ ،‬أو ل يكون لببه‪ .‬والثبباني الشببتراك‬
‫الذي في اللفاظ‪ ،‬وذلك إما في اللفظ المفرد كلفظ القببرء الببذي ينطلببق علببى الطهببار‬
‫وعلى الحيض‪ ،‬وكذلك لفظ المر هل يحمل على الوجوب أو الندب‪ ،‬ولفظ النهي هل‬
‫يحمل على التحريم أو على الكراهية‪ ،‬وإما في اللفببظ المركببب مثببل قببوله تعببالى }إل‬
‫الذين تابوا{ فإنه يحتمل أن يعود على الفاسببق فقببط‪ ،‬ويحتمببل أن يعببود علببى الفاسببق‬
‫والشبباهد‪ ،‬فتكببون التوبببة رافعببة للفسببق ومجيببزة شببهادة القبباذف‪ .‬والثببالث اختلف‬
‫العراب‪ .‬والرابع تردد اللفظ بين حمله على الحقيقة أو حملببه علببى نببوع مببن أنببواع‬
‫المجاز‪ ،‬التي هي‪ :‬إما الحذف‪ ،‬وإما الزيادة‪ ،‬وإما التقببديم وإمببا التببأخير‪ ،‬وإمببا تببردده‬
‫على الحقيقة أو الستعارة‪ .‬والخببامس إطلق اللفببظ تببارة وتقييببده تببارة‪ ،‬مثببل إطلق‬
‫الرقبة في العتق تارة‪ ،‬وتقييدها باليمان تارة‪ .‬والسببادس التعببارض فببي الشببيئين فببي‬
‫جميع أصناف اللفاظ الببتي يتلقببى منهببا الشببرع الحكببام بعضببها مببع بعببض وكببذلك‬
‫التعارض الذي يأتي في الفعال أو في القبرارات‪ ،‬أو تعببارض القياسبات أنفسببها‪،‬أو‬
‫التعارض الذي يتركب من هذه الصببناف الثلثببة‪ :‬أعنببي معارضببة القببول للفعببل أو‬
‫للقرار أو للقياس‪ ،‬ومعارضة الفعل للقرار أو للقياس‪ ،‬ومعارضة القرار للقياس‪.‬‬
‫قال القاضي رضي ال عنه‪:‬‬
‫وإذ قد ذكرنا بالجملة هذه الشياء‪ ،‬فلنشرع فيما قصدنا له‪ ،‬مستعينين بال‪ ،‬ولنبدأ مببن‬
‫ذلك بكتاب الطهارة على عاداتهم‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الطهارة من الحدث‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬فنقول‪ :‬إنببه اتفببق المسببلمون علببى أن الطهببارة الشببرعية طهارتببان‪ :‬طهببارة مببن‬
‫الحدث‪ ،‬وطهارة من الخبث‪ ،‬واتفقببوا علببى أن الطهببارة مببن الحببدث ثلثببة أصببناف‪:‬‬
‫وضوء‪ ،‬وغسل‪ ،‬وبدل منهما وهو التيمم‪ ،‬وذلك لتضمن ذلك آية الوضوء الواردة في‬
‫ذلك‪ ،‬فلنبدأ من ذلك بالقول في الوضوء‪ ،‬فنقول‪:‬‬
‫*‪*3‬كتاب الوضوء‪.‬‬
‫@‪-‬إن القول المحيط بأصول هذه العبادة ينحصر في خمسة أبواب‪ :‬الباب الول فببي‬
‫الدليل على وجوبها‪ ،‬وعلى من تجب ومتى تجب‪ .‬الثاني فببي معرفببة أفعالهببا‪ .‬الثببالث‬
‫في معرفة ما به تفعل وهو الماء‪ .‬الرابع في معرفببة نواقضببها‪ .‬الخببامس فببي معرفببة‬
‫الشياء التي تفعل من أجلها‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الول‪.‬‬
‫@‪-‬فأما الدليل على وجوبها فالكتاب والسنة والجماع‪ .‬أما الكتبباب فقببوله تعببالى }يببا‬
‫أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلة فاغسلوا وجوهكم وأيببديكم إلببى المرافببق{ اليببة‪.‬‬
‫فإنه اتفق المسلمون على أن امتثال هذا الخطاب واجب على كل مببن لزمتببه الصببلة‬
‫إذا دخل وقتها‪ .‬وأمبا السببنة فقببوله عليببه الصبلة والسبلم "ل يقبببل الب صببلة بغيبر‬
‫طهور ول صدقة من غلول" وقوله عليببه الصببلة والسببلم "ل يقبببل الب صببلة مببن‬
‫أحدث حتى يتوضأ" وهذان الحديثان ثابتان عند أئمة النقببل‪ .‬وأمببا الجمبباع‪ ،‬فببإنه لببم‬
‫ينقل عن أحد من المسلمين في ذلك خلف‪ ،‬ولو كان هنبباك خلف لنقببل‪ ،‬إذ العببادات‬
‫تقتضببي ذلببك‪ .‬وأمببا مببن تجببب عليببه فهببو البببالغ العاقببل‪ ،‬وذلببك أيضببا ثببابت بالسببنة‬
‫والجماع‪ .‬أما السنة فقوله عليه الصلة والسلم "رفع القلم عن ثلث‪ ،‬فذكر‪ :‬الصبي‬
‫حتى يحتلم‪ ،‬والمجنببون حببتى يفيببق" وأمببا الجمبباع‪ ،‬فببإنه لببم ينقببل فببي ذلببك خلف‪،‬‬
‫واختلف الفقهاء هل من شرط وجوبهببا السببلم أم ل؟ وهببي مسببألة قليلببة الغنبباء فببي‬
‫الفقه‪ ،‬لنها راجعة إلى الحكم الخروي‪ .‬وأما متى تجب فإذا دخل وقببت الصببلة‪ ،‬أو‬
‫أراد النسان الفعل الذي الوضببوء شببرط فيببه‪ ،‬وإن لببم يكببن ذلببك متعلقببا بببوقت‪ ،‬أمببا‬
‫وجوبه عند دخول وقت الصلة علبى المحبدث فل خلف فيبه لقبوله تعبالى }يبا أيهبا‬
‫الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلة{ الية‪ ،‬فأوجب الوضوء عند القيام إلى الصلة‪ ،‬ومن‬
‫شروط الصلة دخول الوقت‪ ،‬وأما دليل وجببوبه عنببد إرادة الفعببال الببتي هببو شببرط‬
‫فيها فسيأتي ذلك عند ذكر الشياء التي يفعل الوضوء من أجلها واختلف النباس فبي‬
‫ذلك‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الثاني‪.‬‬
‫@‪-‬وأما معرفة فعل الوضوء فالصل فيه ما ورد من صفته في قوله تعالى }يا أيهببا‬
‫الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصبلة فاغسببلوا وجببوهكم وأيبديكم إلببى المرافبق وامسببحوا‬
‫برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين{ ‪ .‬وما ورد من ذلك أيضببا فببي صببفة وضببوء النبببي‬
‫صلى ال عليه وسلم في الثببار الثابتببة‪ ،‬ويتعلببق بببذلك مسببائل اثنتببا عشببرة مشببهورة‬
‫تجري مجرى المهات‪ ،‬وهي راجعة إلى معرفة الشروط والركببان وصببفة الفعببال‬
‫وأعدادها وتعيينها وتحديد محال أنواع أحكام جميع ذلك‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الولى من الشروط(‪:‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫اختلف علماء المصار هل النية شببرط فببي صببحة الوضببوء أم ل بعببد اتفبباقهم علببى‬
‫اشتراط النية في العبادات لقوله تعالى }وما أمروا إل ليعبدوا ال مخلصين له الببدين{‬
‫ولقوله صلى ال عليه وسلم "إنما العمال بالنيات" الحبديث المشبهور‪ .‬فبذهب فريبق‬
‫منهم إلى أنها شرط‪ ،‬وهو مذهب الشببافعي ومالببك وأحمبد وأببي ثببور وداود‪ .‬وذهبب‬
‫فريق آخر إلى أنها ليست بشرط‪ ،‬وهو مذهب أبي حنيفة والثوري‪ .‬وسبببب اختلفهببم‬
‫تردد الوضوء بين أن يكون عبادة محضة‪ :‬أعني غير معقولببة المعنبى‪ ،‬وإنمببا يقصبد‬
‫بهببا القربببة فقببط كالصببلة وغيرهببا‪ ،‬وبيببن أن يكببون عبببادة معقولببة المعنببى كغسببل‬
‫النجاسة‪ ،‬فإنهم ل يختلفون أن العبادة المحضة مفتقببرة إلببى النيببة‪ ،‬والعبببادة المفهومببة‬
‫المعنى غير مفتقرة إلى النية‪ ،‬والوضوء فيه شبه من العبببادتين‪ ،‬ولببذلك وقببع الخلف‬
‫فيه‪ ،‬وذلك أنه يجمع عبادة ونظافة‪ ،‬والفقه أن ينظر بأيهما هو أقوى شبها فيلحق به‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية من الحكام(‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء في غسل اليد قبل إدخالها في إناء الوضوء‪ ،‬فببذهب قببوم إلببى أنببه مببن‬
‫سنن الوضوء بإطلق‪ ،‬وإن تيقن طهارة اليد‪ ،‬وهو مشهور مببذهب مالببك والشببافعي‪.‬‬
‫وقيل إنه مستحب للشاك في طهارة يده؛ وهو أيضا مروي عن مالك‪ .‬وقيل إن غسببل‬
‫اليد واجب على المنتبه من النوم‪ ،‬وبه قال داود وأصحابه‪ .‬وفرق قوم بين نببوم الليببل‬
‫ونوم النهار‪ ،‬فأوجبوا ذلك في نوم الليل ولم يوجبوه في نوم النهببار‪ ،‬وبببه قبال أحمببد‪،‬‬
‫فتحصل في ذلك أربعة أقبوال‪ :‬قبول إنبه سبنة ببإطلق‪ ،‬وقبوله إنبه اسبتحباب للشباك‬
‫وقول إنه واجب على المنتبه من نوم وقول أنه واجب على المنتبه من نوم الليل دون‬
‫نوم النهار‪ ،‬والسبب في اختلفهم في ذلك اختلفهم في مفهوم الثابت من حببديث أبببي‬
‫هريرة أنه عليه الصلة والسلم قال "إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبببل أن‬
‫يدخلها الناء‪ ،‬فإن أحببدكم ل يببدري أيببن بباتت يببده" وفببي بعببض روايبباته "فليغسببلها‬
‫ثلثا" فمن لم يبر بيبن الزيبادة البواردة فبي هبذا الحبديث علبى مبا فبي آيبة الوضبوء‬
‫معارضة‪ ،‬وبين آية الوضوء حمل لفظ المر ههنا على ظاهره من الوجوب‪ ،‬وجعببل‬
‫ذلك فرضا من فروض الوضوء‪ ،‬ومببن فهببم مببن هببؤلء مببن لفببظ البيببات نببوم الليببل‬
‫أوجب ذلك من نوم الليل فقط‪ ،‬ومن لم يفهم منه ذلك وإنما فهم منه النوم فقببط أوجببب‬
‫ذلك على كل مستيقظ من النوم نهارا أو ليل‪ ،‬ومن رأى أن بيببن هببذه الزيببادة واليببة‬
‫تعارضا إذ كان ظاهر الية المقصود منه حصر فروض الوضوء كببان وجببه الجمببع‬
‫بينهما عنده أن يخرج لفظ المر عن ظاهره الذي هو الوجوب إلى الندب‪ ،‬ومن تأكببد‬
‫عنده هذا الندب لمثابرته عليه الصلة والسلم على ذلك قببال إنببه مببن جنببس السببنن‪،‬‬
‫ومن لم يتأكد عنده هذا الندب قببال إن ذلببك مببن جنببس المنببدوب المسببتحب‪ ،‬وهببؤلء‬
‫غسل اليد عندهم بهذه الحال إذا تيقنت طهارتها‪ :‬أعني مببن يقببول إن ذلببك سببنة‪ ،‬مببن‬
‫يقول إنه ندب‪ ،‬ومن لم يفهم من هؤلء من هذا الحببديث علببة تببوجب عنببده أن يكببون‬
‫من باب الخاص أريد به العام كان ذلك عنده مندوبا للمسبتيقظ مبن النبوم فقبط‪ ،‬ومبن‬
‫فهم منه علة الشك وجعله من باب الخاص أريد به العام كان ذلك عنده للشبباك‪ ،‬لنببه‬
‫في معنى النائم‪ ،‬والظاهر من هذا الحديث أنه لم يقصببد بببه حكببم اليببد فببي الوضببوء‪،‬‬
‫وإنما قصد به حكم الماء الذي يتوضأ به‪ ،‬إذا كان المبباء مشببترطا فيببه الطهببارة وأمببا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫من نقل من غسله صلى ال عليه وسلم يديه قبل إدخالهما في الناء في أكثر أحيببانه‪،‬‬
‫فيحتمل أن يكون من حكم اليد على أن يكون غسلها في البتداء من أفعال الوضببوء‪،‬‬
‫ويحتمل أن يكون من حكم الماء‪ ،‬أعني أن ل ينجس أو يقع فيه شك إن قلنا إن الشببك‬
‫مؤثر‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثالثة من الركان(‪:‬‬
‫اختلفوا في المضمضة والستنشاق في الوضوء على ثلثة أقوال‪ :‬قول إنهمببا سببنتان‬
‫في الوضوء‪ ،‬وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة‪ ،‬وقول إنهما فرض فيه‪ ،‬وبه قال‬
‫ابن أبي ليلى وجماعة من أصحاب داود‪ ،‬وقببول إن الستنشبباق فببرض والمضمضببة‬
‫سنة‪ ،‬وبه قال أبو ثور وأبو عبيدة وجماعة مببن أهببل الظبباهر‪ ،‬وسبببب اختلفهببم فببي‬
‫كونها فرضا أو سنة اختلفهم في السنن الببواردة فببي ذلببك‪ ،‬هببل هببي زيببادة تقتضببي‬
‫معارضة آية الوضوء أو ل تقتضي ذلك؛ فمن رأى أن هببذه الزيببادة إن حملببت علببى‬
‫الوجوب اقتضت معارضة الية‪ ،‬إذ المقصود مببن اليببة تأصببيل هببذا الحكببم وتبببيينه‬
‫أخرجها من باب الوجوب إلى باب الندب‪ ،‬ومن لم ير أنها تقتضببي معارضببة حملهببا‬
‫على الظاهر من الوجوب ومن استوت عنده هذه القببوال والفعببال فببي حملهببا علببى‬
‫الوجوب لم يفرق بين المضمضة والستنشاق‪ ،‬ومن كان عنببده القببول محمببول علببى‬
‫الوجوب والفعببل محببول علببى النببدب فببرق بيببن المضمضببة والستنشبباق‪ ،‬وذلببك أن‬
‫المضمضة نقلت من فعله عليه الصلة والسلم ولم تنقببل مببن أمببره وأمبا الستنشباق‬
‫فمن أمره عليه الصلة والسلم وفعله‪ ،‬وهو قوله عليببه الصببلة والسببلم "إذا توضببأ‬
‫أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينثر‪ ،‬ومن استجمر فليوتر" خرجه مالك فببي مببوطئه‪،‬‬
‫والبخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الرابعة من تحديد المحال(‪:‬‬
‫اتفق العلماء على أن غسل الوجه بالجملة من فرائض الوضوء لقوله تعالى }فاغسلوا‬
‫وجببوهكم{ واختلفببوا منببه فببي ثلثببة مواضببع‪ :‬فببي غسببل البيبباض الببذي بيببن العببذار‬
‫والذن‪ ،‬وفي غسل ما انسدل من اللحية‪ ،‬وفي تخليببل اللحيببة‪ ،‬فالمشببهور مببن مببذهب‬
‫مالك أنه ليس البيباض البذي بيبن العبذار والذن مبن البوجه‪ ،‬وقبد قيبل فبي المبذهب‬
‫بالفرق بين المرد والملتحي فيكون في المذهب في ذلك ثلثة أقوال‪ .‬وقال أبو حنيفة‬
‫والشافعي‪ :‬هو من الوجه‪ .‬وأما ما انسدل من اللحية‪ ،‬فذهب مالك إلى وجببوب إمببرار‬
‫الماء عليه‪ ،‬ولم يوجبه أبو حنيفة ول الشافعي فببي أحببد قببوليه؛ وسبببب اختلفهببم فببي‬
‫هاتين المسئلتين هو خفاء تناول اسم الوجه لهذين الموضعين‪ ،‬أعني هل يتناولهمببا أو‬
‫ل يتناولهما وأما تخليل اللحيببة فمببذهب مالببك أنببه ليببس واجبببا‪ ،‬وبببه قببال أبببو حنيفببة‬
‫والشافعي في الوضوء‪ ،‬وأوجبه ابن عبد الحكم من أصحاب مالببك؛ وسبببب اختلفهببم‬
‫في ذلك اختلفهم في صحة الثار التي ورد فيها المر بتخليل اللحيببة والكببثر علببى‬
‫أنها غير صحيحة مع أن الثار الصحاح التي ورد فيها صفة وضببوئه عليببه الصببلة‬
‫والسلم ليس في شيء منها التخليل‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الخامسة من التحديد(‪:‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫اتفق العلمبباء علببى أن غسبل اليبدين والببذراعين مببن فببروض الوضببوء لقببوله تعبالى‬
‫}وأيديكم إلى المرافق{ واختلفبوا فبي إدخبال المرافبق فيهبا؛ فبذهب الجمهبور ومالبك‬
‫والشببافعي وأبببو حنيفببة إلببى وجببوب إدخالهببا‪ ،‬وذهببب بعببض أهببل الظبباهر وبعببض‬
‫متأخري أصحاب مالك والطبري إلى أنه ل يجب إدخالهببا فببي الغسببل؛ والسبببب فببي‬
‫اختلفهم في ذلك الشتراك الذي في حرف إلى‪ ،‬وفي اسم اليد في كلم العرب وذلك‬
‫أن حرف إلى مرة يدل في كلم العرب على الغاية‪ ،‬ومببرة يكببون بمعنببى مببع‪ ،‬واليببد‬
‫أيضا في كلم العرب تطلق على ثلثة معان على الكف فقط‪ ،‬وعلى الكف والببذراع‪،‬‬
‫وعلى الكف والذراع والعضد‪ ،‬فمببن جعببل "إلببى" بمعنببى مببع )هنببا فببي نسببخة فبباس‬
‫بمعنى من(‪ ،‬أو فهم من اليد مجموع الثلثة العضاء أوجب دخولها في الغسل )فيهببا‬
‫هنا زيادة لن إلى عنده تكون بمعنى من ومبدأ الشببيء مببن الشببيء(‪ ،‬ومببن فهببم مببن‬
‫"إلى" الغاية ومن اليد مببا دون المرفببق ولببم يكببن الحببد عنببده داخل فببي المحببدود لببم‬
‫يدخلهما في الغسل‪ ،‬وخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أنببه غسببل يببده اليمنببى‬
‫حتى أشرع في العضد ثم اليسببرى كببذلك‪ ،‬ثببم غسببل رجلببه اليمنببى حببتى أشببرع فببي‬
‫الساق‪ ،‬ثم غسل اليسرى كذلك‪ ،‬ثم قال هكذا رأيت رسول ال صببلى ال ب عليببه وسببلم‬
‫يتوضأ‪ .‬وهو حجة لقببول مببن أوجببب إدخالهببا فببي الغسببل‪ ،‬لنببه إذا تببردد اللفببظ بيببن‬
‫المعنيين علبى السببواء وجببب أن ل يصبار إلببى أحببد المعنييببن إل ببدليل‪ ،‬وإن كبانت‬
‫"إلى" في كلم العرب أظهر في معنى الغاية منها فببي معنببى مببع‪ ،‬وكببذلك اسببم اليببد‬
‫أظهر فيما دون العضد منه فيما فوق العضد‪ ،‬فقول مببن لببم يبدخلها مببن جهببة الدللببة‬
‫اللفظية أرجح‪ ،‬وقول من أدخلها من جهببة هببذا الثببر أبيببن‪ ،‬إل أن يحمببل هببذا الثببر‬
‫على الندب‪ ،‬والمسألة محتملة كما ترى‪ ،‬وقد قال قوم‪ :‬إن الغاية إذا كببانت مببن جنببس‬
‫ذي الغاية دخلت فيه‪ ،‬وإن لم تكن من جنسه لم تدخل فيه‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة السادسة من التحديد(‪:‬‬
‫اتفق العلماء على أن مسح الرأس من فروض الوضوء‪ ،‬واختلفوا في القببدر المجببزئ‬
‫منه‪ .‬فذهب مالك إلى أن الواجب مسحه كله‪ ،‬وذهب الشافعي وبعض أصببحاب مالببك‬
‫وأبو حنيفة إلى أن مسح بعضه هو الفرض‪ ،‬ومن أصحاب مالك من حد هذا البعببض‬
‫بالثلث‪ ،‬ومنهم من حده بالثلثين‪ ،‬وأما أبو حنيفة فحده بالربع‪ ،‬وحد مع هذا القببدر مببن‬
‫اليد الذي يكون به المسح‪ ،‬فقببال‪ :‬إن مسببحه بأقببل مببن ثلثببة أصببابع لببم يجببزه‪ .‬وأمببا‬
‫الشببافعي فلببم يحببد فببي الماسببح ول فببي الممسببوح حببدا‪ .‬وأصببل هببذا الختلف فببي‬
‫الشتراك الذي في الباء في كلم العرب‪ ،‬وذلك أنها مرة تكون زائدة مثل قوله تعالى‬
‫}تنبت بالدهن{ على قراءة من قرأ تنبت بضم التاء وكسر الباء من أنبت‪ ،‬ومببرة تببدل‬
‫على التبعيض مثل قول القائل‪ :‬أخذت بثوبه وبعضده‪ ،‬ول معنى لنكار هذا فببي كلم‬
‫العرب‪ ،‬أعني كون الباء مبعضة‪ ،‬وهو قول الكوفيين من النحويين‪ ،‬فمببن رآهببا زائدة‬
‫أوجب مسح الببرأس كلببه؛ ومعنببى الببزائدة ههنببا كونهببا مؤكببدة‪ ،‬ومببن رآهببا مبعضببة‬
‫أوجب مسح بعضه‪ ،‬وقد احتج من رجح هذا المفهوم بحديث المغيرة "أن النبي عليببه‬
‫الصلة والسلم توضأ فمسح بناصيته وعلبى العمامببة" خرجببه مسببلم‪ .‬وإن سبلمنا أن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الباء زائدة بقي ههنا أيضا احتمال آخر‪ ،‬وهو هل الببواجب الخببذ بببأوائل السببماء أو‬
‫بأواخرها‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة السابعة من العداد(‪:‬‬
‫اتفق العلماء على أن الواجب من طهارة العضاء المغسولة هو مرة مببرة إذا أسبببغ‪،‬‬
‫وإن الثنين والثلث مندوب إليهما‪ ،‬لما صح "أنه صلى ال عليببه وسببلم توضببأ مببرة‬
‫مرة وتوضأ مرتين مرتين وتوضأ ثلثببا ثلثببا" ولن المببر ليببس يقتضببي إل الفعببل‬
‫مرة مرة‪ ،‬أعني المر الوارد في الغسل في آية الوضوء‪ ،‬واختلفوا فببي تكريببر مسببح‬
‫الرأس هل هو فضيلة أم ليس في تكريره فضيلة‪ .‬فذهب الشافعي إلى أنببه مببن توضبأ‬
‫ثلثا ثلثا يمسح رأسبه أيضبا ثلثبا‪ ،‬وأكبثر الفقهباء يبرون أن المسبح ل فضبيلة فبي‬
‫تكريره؛ وسبب اختلفهم في ذلببك اختلفهببم فببي قبببول الزيببادة الببواردة فببي الحببديث‬
‫الواحد إذا أتت من طريق واحد ولم يرها الكثر‪ ،‬وذلك أن أكثر الحاديث التي روي‬
‫فيها أنه توضأ ثلثا ثلثا من حديث عثمان وغيره لم ينقبل فيهبا إل أنبه مسبح واحبدة‬
‫فقط‪ .‬في بعض الروايات عن عثمان فببي صببفة وضببوئه أنببه عليببه الصببلة والسببلم‬
‫مسح برأسه ثلثا‪ ،‬وعضد الشافعي وجوب قبول هذه الزيادة بظبباهر عمببوم مبا روي‬
‫أنه عليه الصلة والسببلم توضببأ مببرة مببرة ومرتيببن مرتيببن وثلثببا ثلثببا‪ ،‬وذلببك أن‬
‫المفهوم من عموم هذا اللفظ وإن كان من لفظ الصحابي هو حمله على سائر أعضاء‬
‫الوضوء‪ ،‬إل أن هذه الزيادة ليست في الصحيحين‪ ،‬فإن صحت يجب المصببير إليهببا‪،‬‬
‫لن من سكت عن شيء ليس هو بحجة على من ذكره‪ .‬وأكثر العلماء أوجببب تجديببد‬
‫الماء لمسح الرأس قياسا على سائر العضاء‪ .‬وروى عن ابن الماجشون أنه قال‪ :‬إذا‬
‫نفذ الماء مسح رأسه ببلل لحيته‪ ،‬وهو اختيار ابن حبيب ومالك والشافعي‪.‬‬
‫ويستحب في صفة المسح أن يبدأ بمقدم رأسه فيمر يديه إلى قفاه ثم يردهما إلى حيث‬
‫بدأ على ما في حديث عبد ال بببن زيببد الثببابت‪ .‬وبعببض العلمبباء يختببار أن يبببدأ مببن‬
‫مؤخر الرأس‪ ،‬وذلك أيضا مروي من صفة وضوئه عليه الصلة والسلم من حديث‬
‫الربيع بنت معوذ‪ ،‬إل أنه لم يثبت في الصحيحين‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثامنة من تعيين المحال(‪:‬‬
‫اختلف العلماء في المسح على العمامة‪ ،‬فأجاز ذلك أحمد بن حنبل وأبو ثور والقاسببم‬
‫بن سلم وجماعة‪ ،‬ومنع من ذلك جماعة منهم مالببك والشببافعي وأبببو حنيفببة‪ ،‬وسبببب‬
‫اختلفهم في ذلببك اختلفهببم فببي وجببوب العمببل بببالثر الببوارد فببي ذلببك مببن حببديث‬
‫المغيرة وغيره "أنه عليه الصلة والسلم مسح بناصيته وعلى العمامة" وقياسا علببى‬
‫الخف‪ ،‬ولذلك اشترط أكثرهم لبسهما على طهارة‪ ،‬وهذا الحببديث إنمببا رده مببن رده‪،‬‬
‫إما لنه لم يصح عنده‪ ،‬وإما لن ظاهر الكتاب عارضه عنده‪ ،‬أعني المر فيه بمسح‬
‫الرأس‪ ،‬وإما لنه لم يشتهر العمل به عند مببن يشببترط اشببتهار العمببل فيمببا نقببل مببن‬
‫طريق الحاد وبخاصة في المدينة على المعلوم مببن مببذهب مالببك أنببه يببرى اشببتهار‬
‫العمل‪ ،‬وهو حديث خرجه مسلم‪ ،‬وقال فيه أبو عمر بن عبد البر إنببه حببديث معلببول‪،‬‬
‫وفي بعض طرقه أنه مسح على العمامة ولم يذكر الناصية‪ ،‬ولذلك لم يشببترط بعببض‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫العلماء في المسح على العمامة المسح على الناصية‪ ،‬إذ ل يجتمع الصل والبدل فببي‬
‫فعل واحد‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة التاسعة من الركان(‪:‬‬
‫اختلفوا في مسح الذنين هل هو سنة أو فريضة‪ ،‬وهل يجدد لهما الماء أم ل؟ فببذهب‬
‫بعض الناس إلى أنه فريضة‪ ،‬وأنه يجدد لهما الماء وممن قال بهذا القول جماعة مببن‬
‫أصحاب مالك ويتأولون مع هذا أنه مذهب مالك لقوله فيهما إنهما من الببرأس‪ .‬وقببال‬
‫أبو حنيفة وأصحابه مسحهما فرض كذلك )انظر هببذا‪ ،‬فببإن المقببرر فببي مببذهب أبببي‬
‫حنفية أن مسحهما سنة ل فبرض( إل أنهمبا يمسبحان مبع البرأس بمباء واحبد‪ .‬وقبال‬
‫الشافعي مسحهما سنة ويجدد لهما الماء‪ .‬وقال بهذا القوم جماعة أيضببا مببن أصببحاب‬
‫مالببك؛ ويتببأولون أيضببا أنببه قببوله لمببا روي عنببه أنببه قببال حكببم مسببحهما حكببم‬
‫المضصمضة؛ وأصل اختلفهم في كون مسحهما سنة أو فرضا اختلفهم فببي الثببار‬
‫الواردة بذلك‪ ،‬أعني مسحه عليه الصلة والسلم أذنيبه هببل هببي زيببادة علببى مبا فببي‬
‫الكتاب من مسح الرأس فيكون حكمهما أن يحمل على الندب لمكببان التعببارض الببذي‬
‫يتخيل بينها وبين الية إن حملت على الوجوب‪ ،‬أم هي مبينة لمجمل الذي في الكتاب‬
‫فيكون حكمهما حكم الرأس في الوجوب‪ ،‬فمن أوجبهما جعلها مبينة لمجمببل الكتبباب‪،‬‬
‫ومن لم يوجبهما جعلها زائدة كالمضمضة‪ ،‬والثار الواردة بببذلك كببثيرة‪ ،‬وإن كببانت‬
‫لم تثبت في الصحيحين فهي قد اشتهر العمل بها‪ .‬وأما اختلفهم في تجديد الماء لهمببا‬
‫فسببه تردد الذنين بين أن يكونا عضوا مفردا بذاته من أعضاء الوضببوء‪ ،‬أو يكونببا‬
‫جزءا من الرأس‪ .‬وقد شذ قوم فذهبوا إلى أنهما يغسلن مببع الببوجه‪ ،‬وذهببب آخببرون‬
‫إلى أنه يمسح باطنهما مببع الببرأس ويغسببل ظاهرهمببا مببع الببوجه‪ ،‬وذلببك لببتردد هببذا‬
‫العضو بين أن يكون جزءا من الوجه أو جببزءا مببن الببرأس‪ ،‬وهببذا ل معنببى لببه مببع‬
‫اشتهار الثار في ذلك بالمسح واشتهار العمل به‪ .‬والشببافعي يسببتحب فيهمببا التكببرار‬
‫كما يستحبه في مسح الرأس‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة العاشرة من الصفات(‪:‬‬
‫اتفق العلماء على أن الرجلين من أعضاء الوضببوء‪ ،‬واختلفببوا فببي نببوع طهارتهمببا‪،‬‬
‫فقال قوم‪ :‬طهارتهما الغسل‪ ،‬وهم الجمهور‪ ،‬وقال قوم‪ :‬فرضهما المسببح‪ ،‬وقببال قببوم‪:‬‬
‫بل طهارتهما تجوز بالنوعين‪ :‬الغسل والمسح‪ ،‬وإن ذلك راجع إلببى اختيببار المكلببف‪،‬‬
‫وسبببب اختلفهببم القراءتبان المشببهورتان فبي آيبة الوضبوء‪ :‬أعنببي قبراءة مببن قببرأ‪،‬‬
‫وأرجلكم بالنصب عطفا على المغسول‪ ،‬وقببراءة مببن قببرأ وأرجلكببم بببالخفض عطفببا‬
‫على الممسوح‪ ،‬وذلك أن قراءة النصب ظاهرة في الغسببل‪ ،‬وقببراءة الخفببض ظبباهرة‬
‫في المسح كظهور تلبك فبي الغسبل‪ ،‬فمببن ذهببب إلببى أن فرضببهما واحبد مبن هباتين‬
‫الطهببارتين علببى التعييببن إمببا الغسببل وإمببا المسببح ذهببب إلببى ترجيببح ظبباهر إحببدى‬
‫القراءتين على القراءة الثانيببة‪ ،‬وصببرف بالتأويببل ظبباهر القببراءة الثانيببة إلببى معنببى‬
‫ظاهر القراءة التي ترجحت عنده؛ ومن اعتقد أن دللة كل واحدة من القراءتين علببى‬
‫ظاهرها على السواء‪ ،‬وأنه ليست إحداهما على ظاهرها أدل من الثانية على ظاهرها‬
‫أيضا جعل ذلك من الواجب المخيببر ككفببارة اليميببن وغيببر ذلببك‪ ،‬وبببه قببال الطبببري‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وداود‪ .‬وللجمهور تأويلت في قراءة الخفض‪ ،‬أجودها أن ذلك عطبف علبى اللفبظ ل‬
‫على المعنى‪ ،‬إذ كان ذلك موجودا في كلم العرب مثل قول الشاعر‪:‬‬
‫لعب الزمان بها وغيرها * بعدي سوا في المحور والقطر‪.‬‬
‫بالخفض‪ ،‬ولو عطف على المعنى لرفع القطر‪.‬‬
‫وأما الفريق الثاني‪ ،‬وهم الذين أوجبوا المسح‪ ،‬فإنهم تأولوا قببراءة النصبب علبى أنهببا‬
‫عطف على الموضع كما قال الشاعر‪ :‬فلسنا بالجبال ول الحديدا‪.‬‬
‫وقد رجح الجمهور قراءتهم هذه بالثابت عنه عليه الصلة والسلم إذ قال في قوم لببم‬
‫يستوفوا غسل أقدامهم في الوضوء "ويل للعقاب من النار" قال فهببذا يببدل علببى أن‬
‫الغسل هو الفرض‪ ،‬لن الواجب هو الذي يتعلق بتركه العقاب‪ ،‬وهذا ليس فيه حجببة‪،‬‬
‫لنه إنما وقع الوعيد على أنهم تركوا أعقابهم دون غسل‪ ،‬ول شك أن من شببرع فببي‬
‫الغسل ففرضه الغسل في جميع القدم كما أن من شرع في المسح ففرضه المسح عند‬
‫من يخير بين المرين‪ ،‬وقد يدل هذا على ما جاء في أثر آخر خرجه أيضا مسلم أنببه‬
‫قال‪ :‬فجعلنا نمسح على أرجلنا فنادى "ويل للعقاب من النار" وهذا الثر وإن كانت‬
‫العادة قد جرت بالحتجاج به في منع المسح‪ ،‬فهو أدل على جوازه منببه علببى منعببه‪،‬‬
‫لن الوعيد إنما تعلق فيه بترك التعميم ل بنوع الطهارة‪ ،‬بل سكت عن نوعها‪ ،‬وذلك‬
‫دليل على جوازها‪ ،‬وجواز المسح هو أيضا مروي عبن بعبض الصبحابة والتبابعين‪،‬‬
‫ولكن من طريق المعنى‪ ،‬فالغسل أشد مناسبة للقدمين من المسح كمببا أن المسببح أشببد‬
‫مناسبة للرأس من الغسل‪ ،‬إذ كانت القدمان ل ينقى دنسهما غالبا إل بالغسببل‪ ،‬وينقببى‬
‫دنس الرأس بالمسح وذلك أيضا غالب‪ ،‬والمصالح المعقولة ل يمتنع أن تكون أسبببابا‬
‫للعبادات المفروضة حتى يكون الشرع لحظ فيهما معنيين‪ :‬معنى مصببلحيا‪ ،‬ومعنببى‬
‫عباديا‪ ،‬وأعني بالمصلحي ما رجع إلى المور المحسوسة‪ ،‬وبالعبادي ما رجع "إلى"‬
‫زكاة النفس‪ .‬وكذلك اختلفوا في الكعبين هل يدخلن في المسح أو في الغسل عند مببن‬
‫أجاز المسح؟ وأصل اختلفهم الشتراك الذي في حرف إلببى أعنببي فببي قببوله تعببالى‬
‫}وأرجلكم إلى الكعبين{ وقد تقدم القول في اشتراك هذا الحرف في قوله تعببالى }إلببى‬
‫المرفقين{ لكن الشتراك وقع هنالك من جهتين من اشتراك اسم اليببد‪ ،‬ومببن اشببتراك‬
‫حرف إلى وهنا من قبل اشتراك حرف إلببى فقببط‪ .‬وقببد اختلفببوا فببي الكعببب مببا هببو‪،‬‬
‫وذلك لشتراك اسم الكعب واختلف أهل اللغة في دللته‪ ،‬فقيل هما العظمببان اللببذان‬
‫عند معقد الشبراك وقيبل همبا العظمبان النباتئان فبي طبرف السباق‪ ،‬ول خلف فيمبا‬
‫أحسب في دخولهما في الغسل عند من يرى أنهما عند معقببد الشببراك إذا كانببا جببزءا‬
‫من القدم‪ ،‬لذلك قال قوم‪ :‬إنه إذا كان الحد من جنس المحدود دخلت الغاية فيه‪ :‬أعنببي‬
‫الشيء الذي يدل عليه حرف إلى‪ ،‬إذا لم يكن من جنببس المحبدود لبم يببدخل فيبه مثبل‬
‫قوله تعالى }ثم أتموا الصيام إلى الليل{ ‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الحادية عشرة من الشروط(‪:‬‬
‫اختلفوا في وجود ترتيب أفعال الوضوء على نسق الية‪ .‬فقال قببوم‪ :‬هببو سببنة‪ ،‬وهببو‬
‫الذي حكاه المتأخرون من أصحاب مالك عن المذهب‪ ،‬وبه قال أبببو حنيفببة والثببوري‬
‫وداود‪ .‬وقال قوم‪ :‬هو فريضة‪ ،‬وبه قال الشببافعي وأحمببد وأبببو عبيببد‪ ،‬وهببذا كلببه فببي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ترتيببب المفببروض مببع المفببروض‪ ،‬وأمببا ترتيببب الفعببال المفروضببة مببع الفعببال‬
‫المسنونة فهو عند مالك مستحب؛ وقال أبو حنيفة هو سنة؛ وسبببب اختلفهببم شببيئان‪:‬‬
‫أحدهما الشتراك الذي في واو العطف‪ ،‬وذلك أنببه قببد يعطببف بهببا الشببياء المترتبببة‬
‫بعضها على بعض‪ ،‬وقد يعطف بهببا غيببر المرتبببة‪ ،‬وذلببك ظبباهر مببن اسببتقراء كلم‬
‫العرب‪ ،‬ولذلك انقسم النحويون فيها قسمين‪ ،‬فقال نحبباة البصببرة‪ :‬ليببس تقتضببي نسببقا‬
‫ول ترتيبا‪ ،‬وإنما تقتضي الجمع فقط‪ ،‬وقال الكوفيون‪ :‬بل تقتضببي النسببق والببترتيب؛‬
‫فمن رأى أن الواو في آية الوضوء تقتضي الترتيب قال بإيجاب الترتيب‪ ،‬ومببن رأى‬
‫أنها ل تقتضي الترتيب لببم يقببل بإيجببابه‪ .‬والسبببب الثبباني اختلفهببم فببي أفعبباله عليببه‬
‫الصلة والسلم‪ ،‬هل هي محمولة على الوجببوب أو علببى النببدب؟ فمببن حملهببا علببى‬
‫الوجوب قال بوجوب الترتيب‪ ،‬لنه لم يرو عنه عليه الصلة والسلم أنه توضببأ قببط‬
‫إل مرتبا‪ ،‬ومن حملها على النببدب قببال إن الببترتيب سببنة‪ ،‬ومببن فببرق بيببن المسببنون‬
‫والمفروض من الفعال قال‪ :‬إن الترتيب البواجب إنمبا ينبغبي أن يكبون فبي الفعبال‬
‫الواجبة‪ ،‬ومن لم يفرق قال‪ :‬إن الشروط الواجبببة قببد تكببون فببي الفعببال الببتي ليسببت‬
‫واجبة‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية عشرة من الشروط(‪:‬‬
‫اختلفوا في الموالة في أفعال الوضوء‪ ،‬فذهب مالك إلى أن الموالة فرض مع الببذكر‬
‫ومع القدرة ساقطة مع النسيان ومع الذكر عند العذر ما لم يتفاحش التفبباوت‪ .‬وذهببب‬
‫الشافعي وأبو حنيفة إلى أن الموالة ليست من واجببات الوضبوء‪ ،‬والسببب فببي ذلببك‬
‫الشتراك الذي في الواو أيضا‪ ،‬وذلك أنه قد يعطف بها الشببياء المتتابعببة المتلحقببة‬
‫بعضها على بعض‪ ،‬وقد يعطف بها الشياء المتراخية بعضها عن بعض‪ .‬وقببد احتببج‬
‫قوم لسقوط الموالة بما ثبببت عنببه عليببه الصببلة والسببلم أنببه كببان يتوضببأ فببي أول‬
‫طهوره ويؤخر غسل رجليه إلى آخر الطهببر‪ ،‬وقببد يببدخل الخلف فببي هببذه المسببألة‬
‫أيضا في الختلف في حمل الفعال على الوجوب أو على الندب‪ ،‬وإنما فببرق مالببك‬
‫بين العمد والنسيان‪ ،‬لن الناسي الصل فيه في الشرع أنببه معفببو عنببه إلببى أن يقببوم‬
‫الدليل على غير ذلك‪ ،‬لقوله عليه الصلة والسلم "رفع عن أمببتي الخطببأ والنسببيان"‬
‫وكذلك العذر يظهر من أمر الشرع أن له تأثيرا في التخفيف‪ ،‬وقد ذهب قببوم إلببى أن‬
‫التسمية من فببروض الوضببوء واحتجببوا لببذلك بالحببديث المرفببوع‪ ،‬وهببو قببوله عليببه‬
‫الصلة والسلم "ل وضوء لمن لم يسم ال" وهذا الحديث لم يصح عنببد أهببل النقببل‪،‬‬
‫وقد حمله بعضهم على أن المراد به النية‪ ،‬وبعضهم حمله علببى النببدب فيمببا أحسببب‪،‬‬
‫فهذه مشهورات المسائل التي تجري من هذا الباب مجرى الصببول‪ ،‬وهببي كمببا قلنببا‬
‫متعلقببة إمببا بصببفات أفعببال هببذه الطهببارة‪ ،‬وإمببا بتحديببد مواضببعها‪ ،‬وإمببا بتعريببف‬
‫شروطها وأركانها وسائر ما ذكر‪ ،‬ومما يتعلق بهذا البباب مسبح الخفيبن إذ كبان مبن‬
‫أفعال الوضوء‪.‬‬
‫*‪)*4‬والكلم المحيط بأصوله يتعلق بالنظر في سبع مسائل( بالنظر في جوازه‪ ،‬وفي‬
‫تحديد محله‪ ،‬وفي تعيين محله‪ ،‬وفي صفته‪ :‬أعني صببفة المحببل‪ ،‬وفببي تببوقيته‪ ،‬وفببي‬
‫شروطه‪ ،‬وفي نواقضه‪:‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪)-‬المسألة الولى(‪ :‬فأما الجواز‪ ،‬ففيه ثلثة أقوال‪ :‬القول المشهور أنه جببائز علببى‬
‫الطلق‪ ،‬وبه قال جمهبور فقهباء المصبار‪ .‬والقبول الثباني جبوازه فبي السبفر دون‬
‫الحضر‪ .‬والقول الثالث منع جوازه بإطلق وهو أشدها‪ .‬والقاويل الثلثة مروية عن‬
‫الصدر الول وعن مالك‪ ،‬والسبب في اختلفهم ما يظن مببن معارضببة آيببة الوضببوء‬
‫الببوارد فيهببا المببر بغسببل الرجببل للثببار الببتي وردت فببي المسببح مببع تببأخير آيببة‬
‫الوضوء‪ ،‬وهذا الخلف كان بين الصحابة في الصدر الول‪ ،‬فكان منهم من يرى أن‬
‫آية الوضوء ناسخة لتلك الثار‪ ،‬وهو مذهب ابن عباس‪ ،‬واحتج القائلون بجبوازه بمببا‬
‫رواه مسلم أنببه كببان يعجبهببم حبديث جريببر‪ ،‬وذلببك أنببه روى "أنببه رأى النبببي عليببه‬
‫الصلة والسلم يمسح على الخفين‪ ،‬فقيل له إنما كان ذلك قبببل نببزول المببائدة‪ ،‬فقببال‪:‬‬
‫ما أسلمت إل بعد نزول المائدة" وقال المتأخرون القببائلون بجببوزاه‪ :‬ليببس بيببن اليببة‬
‫والثار تعارض‪ ،‬لن المر بالغسل إنما هو متوجه إلى مببن ل خببف لببه‪ ،‬والرخصببة‬
‫إنما هي للبببس الخببف‪ ،‬وقيببل إن تأويببل قببراءة الرجببل بببالخفض هببو المسببح علببى‬
‫الخفين‪ ،‬وأما من فرق بين السفر والحضببر فلن أكببثر الثببار الصببحاح الببواردة فببي‬
‫مسحه عليه الصلة والسلم إنما كبانت فبي السبفر‪ ،‬مبع أن السبفر مشبعر بالرخصبة‬
‫والتخفيف‪ ،‬والمسح على الخفين هو من ببباب التخفيببف‪ ،‬فببإن نزعببه ممببا يشببق علببى‬
‫المسافر‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية(‪ :‬وأما تحديد المحل فاختلف فيه أيضا فقهاء المصار‪ ،‬فقال قوم‪:‬‬
‫إن الواجب من ذلك مسح أعلى الخف‪ ،‬وإن مسح الباطن أعني أسفل الخف مستحب‪،‬‬
‫ومالك أحد من رأى هذا والشافعي‪ ،‬ومنهبم مبن أوجبب مسبح ظهورهمبا وبطونهمبا‪،‬‬
‫وهو مذهب ابن نافع من أصحاب مالك‪ ،‬ومنهم مببن أوجببب مسببح الظهببور فقببط ولببم‬
‫يستحب مسح البطون‪ ،‬وهو مذهب أبي حنيفة وداود وسببفيان وجماعبة‪ ،‬وشبذ أشبهب‬
‫فقببال‪ :‬إن الببواجب مسببح الببباطن‪ ،‬أو العلببى أيهمببا مسببح )نسببخة فبباس‪ :‬والعلببى‬
‫مستحب(؛ وسبب اختلفهم تعارض الثار الواردة في ذلببك وتشبببيه المسببح بالغسببل‪،‬‬
‫وذلك أن في ذلك أثرين متعارضين‪ :‬أحدهما حديث المغيرة بن شعبة وفيه "أنه صلى‬
‫ال عليه وسلم مسح على الخف وباطنه" والخر حديث علي "لو كببان الببدين بببالرأي‬
‫لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعله" وقد رأيت رسول ال صلى ال عليه وسببلم‬
‫يمسح على ظاهر خفيه‪ ،‬فمن ذهب مذهب الجمع بين الحديثين حمببل حببديث المغيببرة‬
‫على الستحباب‪ ،‬وحديث علي على الوجوب‪ ،‬وهي طريقة حسنة‪ .‬ومن ذهب مذهب‬
‫الترجيح أخذ إما بحديث علي‪ ،‬وإما بحديث المغيرة‪ ،‬فمن رجح حديث المغيببرة علببى‬
‫حديث علي رجحه من قبببل القيبباس‪ ،‬أعنببي قيبباس المسببح علببى الغسببل‪ ،‬ومببن رجببح‬
‫حديث علي رجحه من قبببل مخببالفته للقيبباس أو مببن جهببة السببند‪ ،‬والسببعد فببي هببذه‬
‫المسألة هو مالك‪ .‬وأما من أجاز القتصار على مسح الباطن فقط فل أعلم لببه حجببة‪،‬‬
‫لنه ل هذا الثر اتبع‪ ،‬ول هذا القياس استعمل‪ ،‬أعني قياس المسح على الغسل‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثالثة(‪ :‬وأما نوع محل المسح فإن الفقهاء القائلين بالمسببح اتفقببوا علببى‬
‫جواز المسح علبى الخفيبن‪ ،‬واختلفبوا فبي المسبح علبى الجبوربين‪ ،‬فأجباز ذلبك قبوم‬
‫ومنعه قوم‪ ،‬وممن منع ذلك مالك والشافعي وأبو حنيفة‪ ،‬وممن أجاز ذلك أبو يوسببف‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ومحمد صاحبا أببي حنيفببة وسببفيان الثببوري‪ .‬وسبببب اختلفهببم اختلفهببم فبي صببحة‬
‫الثببار الببواردة عنببه عليببه الصببلة والسببلم أنببه مسببح علببى الجببوربين والنعليببن‪.‬‬
‫واختلفهم أيضا في هل يقباس علبى الخببف غيببره أم هبي عببادة ل يقباس عليهببا ول‬
‫يتعدى بها محلها‪ ،‬فمن لم يصح عنده الحديث أو لم يبلغه‪ ،‬ولم ير القياس على الخببف‬
‫قصر المسح عليه‪ ،‬ومن صح عنده الثر‪ ،‬أو جوز القياس علببى الخببف أجبباز المسببح‬
‫على الجوربين‪ ،‬وهذا الثر لببم يخرجببه الشببيخان أعنببي البخبباري ومسببلما وصببححه‬
‫الترمذي‪ ،‬ولتردد الجوربين المجلدين بين الخف والجورب غير المجلد عن مالك فببي‬
‫المسح عليهما روايتان‪ :‬إحداهما بالمنع والخرى بالجواز‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الرابعة(‪ :‬وأما صفة الخف‪ ،‬فإنهم اتفقوا على جواز المسح علببى الخببف‬
‫الصحيح‪ ،‬واختلفوا في المخرق‪ ،‬فقال مالك وأصببحابه‪ :‬يمسببح عليببه إذا كببان الخببرق‬
‫يسيرا‪ ،‬وحدد أبو حنيفة بما يكون الظاهر منه أقل من ثلثة أصابع‪ .‬وقال قوم بجببواز‬
‫المسح على الخف المنخرق ما دام يسمى خفا وإن تفاحش خرقببه‪ ،‬وممببن روى عنببه‬
‫ذلك الثوري‪ ،‬ومنع الشافعي أن يكون في مقدم الخف خرق يظهر منه القدم ولو كببان‬
‫يسيرا في أحد القولين عنه وسبب اختلفهم في ذلك اختلفهم في انتقببال الفببرض مببن‬
‫الغسل إلى المسح هل هو لموضع الستر أعنببي سببتر خببف القببدمين‪ ،‬أم هببو لموضببع‬
‫المشقة في نوع الخفين؟ فمن رآه لموضع الستر لم يجز المسح على الخف المنخرق‪،‬‬
‫لنه إذا انكشف من القدم شيء انتقل فرضهما من المسح إلببى الغسببل‪ ،‬ومببن رأى أن‬
‫العلة في ذلك المشقة لم يعتبر الخرق ما دام يسببمى خفببا‪ .‬وأمببا التفريببق بيببن الخببرق‬
‫الكثير واليسير فاستحسببان ورفببع للحببرج‪ .‬وقببال الثببوري‪ :‬كببانت خفبباف المهبباجرين‬
‫والنصار ل تسلم من الخروق كخفاف الناس‪ ،‬فلو كببان فببي ذلببك حظببر لببورد ونقببل‬
‫عنهم‪ .‬قلت‪ :‬هذه المسألة هي مسكوت عنها‪ ،‬فلو كان فيها حكم مع عمببوم البتلء بببه‬
‫لبينه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقد قال تعالى }لتبين للناس ما نزل إليهم{ ‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الخامسة(‪ :‬وأما التوقيت فإن الفقهاء أيضا اختلفوا فيببه‪ ،‬فببرأى مالببك أن‬
‫ذلك غير مؤقت‪ ،‬وأن لبس الخفين يمسح عليهما مببا لببم ينزعهمببا أو تصببيبه جنابببة؛‬
‫وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أن ذلك مؤقت‪ .‬والسبب في اختلفهببم اختلف الثببار‬
‫في ذلك‪ ،‬وذلك أنه ورد في ذلك ثلثة أحاديث‪ :‬أحببدها حببديث علببي عببن النبببي عليببه‬
‫الصلة والسلم أنه قال "جعل رسول ال صلى ال عليببه وسببلم ثلثببة أيببام وليبباليهن‬
‫للمسافر ويوما وليلة للمقيم" خرجه مسلم‪ .‬والثبباني حببديث أبببي بببن عمببارة "أنببه قببال‬
‫يارسول ال أأمسح على الخف؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬يوما؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬ويومين؟ قببال‪ :‬نعببم‪،‬‬
‫قال‪ :‬وثلثة؟ قال نعم حتى بلبغ سببعا‪ ،‬ثبم قبال‪ :‬امسبح مبا ببدا لبك" خرجبه أببو داود‬
‫والطحاوي‪ .‬والثالث حديث صفوان بن عسال قال‪ :‬كنا فببي سببفر فأمرنببا أن ل ننببزع‬
‫خفافنا ثلثة أيام ولياليهن إل من جنابة‪ ،‬ولكن من بول أو نوم أو غائط )هكببذا روايببة‬
‫الترمذي ورواية النسائي "ثلثة أيام بلياليهن" من غائط وبول ونببوم إل مببن جنابببة(‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أما حديث علي فصحيح خرجه مسلم‪ .‬وأما حديث أبي بن عمارة فقببال فيببه أبببو‬
‫عمر بن عبد البر إنه حببديث ل يثبببت وليببس لببه إسببناد قببائم‪ ،‬ولببذلك ليببس ينبغببي أن‬
‫يعارض به حديث علي‪ .‬وأما حببديث صببفوان بببن عسببال فهببو وإن كببان لببم يخرجببه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫البخاري ول مسلم فإنه قد صححه قوم من أهل العلم بحديث الترمذي وأبو محمد بببن‬
‫حزم‪ ،‬وهو بظاهره معارض بدليل الخطاب لحديث أبي كحديث علي‪ ،‬وقد يحتمل أن‬
‫يجمع بينهما بأن يقال‪ :‬إن حديث صفوان وحديث علببي خرجببا مخرجببا السببؤال عببن‬
‫التوقيت‪ ،‬وحديث أبي بن عمارة نص في تببرك التببوقيت‪ ،‬لكببن حببديث أبببي لببم يثبببت‬
‫بعد‪ ،‬فعلى هذا يجب العمل بحديثي علي وصفوان‪ ،‬وهو الظهر إل أن دليل الخطاب‬
‫فيهمببا يعارضببه القيبباس‪ ،‬وهببو كببون التببوقيت غيببر مببؤثر فببي نقببض الطهببارة‪ ،‬لن‬
‫النواقض هي الحداث‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة السادسببة(‪ :‬وأمببا شببرط المسببح علببى الخفيببن‪ ،‬فهببو أن تكببون الببرجلن‬
‫طاهرتين بطهر الوضوء‪ ،‬وذلك شيء مجمع عليه إل خلفا شاذا‪ .‬وقد روي عن ابن‬
‫القاسم عن مالك ذكره ابن لبابة في المنتخب‪ ،‬وإنما قال به الكببثر لثبببوته فببي حببديث‬
‫المغيرة وغيره إذا أراد أن ينزع الخف عنه‪ ،‬فقال عليه الصلة والسلم "دعهما فإني‬
‫أدخلتهمببا وهمببا طاهرتببان" والمخببالف حمببل هببذه الطهببارة علببى الطهببارة اللغويببة‪،‬‬
‫واختلف الفقهاء من هذا الباب فيمن غسببل رجليببه ولبببس خفيببه ثببم أتببم وضببوءه هببل‬
‫يمسح عليهما؟ فمن لم ير أن الترتيب واجب ورأى أن الطهارة تصح لكل عضو قبل‬
‫أن تكمل الطهارة لجميع العضاء قببال بجببواز ذلببك‪ ،‬ومببن رأى أن الببترتيب واجببب‬
‫وأنه ل تصح طهارة العضو إل بعبد طهبارة جميبع أعضباء الطهبارة لبم يجبز ذلبك‪،‬‬
‫وبالقول الول قال أبو حنيفة‪ ،‬وبالقول الثبباني قببال الشببافعي ومالببك‪ ،‬إل أن مالكببا لببم‬
‫يمنع ذلك من جهببة الببترتيب‪ ،‬وإنمببا منعببه مببن جهببة أنببه يببرى أن الطهببارة ل توجببد‬
‫للعضو إل بعد كمال جميع الطهارة‪ ،‬وقد قال عليه الصلة والسلم "وهما طاهرتان"‬
‫فأخبر عن الطهارة الشرعية‪ .‬وفي بعبض روايبات المغيبرة "إذا أدخلبت رجليبك فبي‬
‫الخف وهما طاهرتان فامسح عليهما" وعلى هذه الصول يتفرع الجواب فيمببن لبببس‬
‫أحد خفيه بعد أن غسل إحدى رجليه وقبل أن يغسل الخببرى؛ فقببال مالببك‪ :‬ل يمسببح‬
‫على الخفين لنه لبس للخف قبل تمام الطهارة‪ ،‬وهو قول الشافعي وأحمد وإسببحاق‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة والثوري والمزي والطبري وداود‪ :‬يجوز له المسح‪ ،‬وبه قال جماعببة‬
‫من أصحاب مالك منهم مطرف وغيره‪ ،‬وكلهم أجمعوا أنه لو نزع الخببف الول بعببد‬
‫غسل الرجل الثانية ثم لبسها جاز له المسح‪ ،‬وهل من شرط المسح على الخببف أن ل‬
‫يكون على خف آخر عن مالك فيه قولن‪ .‬وسبب الخلف هل كما تنتقل طهارة القدم‬
‫إلى الخف إذا ستره الخف‪ ،‬كببذلك تنتقببل طهببارة الخببف السببفل الواجبببة إلببى الخببف‬
‫العلى؟ فمن شبه النقلة الثانية ببالولى أجباز المسببح علببى الخبف العلببى‪ ،‬ومبن لبم‬
‫يشبهها بها وظهر له الفرق لم يجز ذلك‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة السابعة(‪ :‬فأما نواقض هذه الطهارة‪ ،‬فببإنهم أجمعببوا علببى أنهببا نببواقض‬
‫الوضوء بعينها‪ ،‬واختلفوا هل نزع الخف نباقض لهبذه الطهبارة أم ل؟ فقبال قبوم‪ :‬إن‬
‫نزعه وغسل قدميه فطهارته باقية‪ ،‬وإن لم يغسلهما وصلى أعبباد الصببلة بعببد غسببل‬
‫قدميه‪ ،‬وممن قال بذلك مالك وأصحابه والشافعي وأبو حنيفببة‪ ،‬إل أن مالكببا رأى أنببه‬
‫إن أخر ذلك استأنف الوضوء على رأيه في وجوب المولة على الشرط الببذي تقببدم‪.‬‬
‫وقال قوم‪ :‬طهارته باقية حتى يحدث حدثا ينقض الوضوء وليس عليه غسببل‪ ،‬وممببن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫قال بهذا القول داود وابن أبي ليلى‪ .‬وقال الحسن بن حبي‪ :‬إذا نبزع خفيبه فقبد بطلبت‬
‫طهارته‪ ،‬وبكل واحد من هذه القوال الثلثة قالت طائفببة مببن فقهبباء التببابعين‪ ،‬وهببذه‬
‫المسألة هي مسكوت عنها‪ .‬وسبب اختلفهم هل المسح على الخفيبن هبو أصبل ببذاته‬
‫في الطهارة أو بدل من غسل القدمين عند غيبوبتهما في الخفين؟ فإن قلنببا هببو أصببل‬
‫بذاته فالطهارة باقية وإن نزع الخفين كمن قطعت رجله بعد غسببلهما‪ ،‬وإن قلنببا إنببه‬
‫بدل‪ ،‬فيحتمل أن يقال إذا نزع الخف بطلت الطهارة وإن كنا نشترط الفببور‪ ،‬ويحتمببل‬
‫أن يقال إن غسلهما أجزأت الطهارة إذا لببم يشببترط الفببور‪ .‬وأمببا اشببتراط الفببور مببن‬
‫حين نزع الخف فضعيف‪ ،‬وإنما هببو شببيء يتخيببل فهببذا مببا رأينببا أن نثبتببه فببي هببذا‬
‫الباب‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الثالث في المياه‪.‬‬
‫@‪-‬والصل في وجوب الطهارة بالمياه قوله تعالى }وينزل عليكم مببن السببماء مبباءا‬
‫ليطهركم به{ وقوله }فلم تجدوا ماء فببتيمموا صببعيدا طيبببا{ وأجمببع العلمبباء علببى أن‬
‫جميع أنواع المياه طاهرة في نفسها مطهرة لغيرها‪ ،‬إل ماء البحر‪ ،‬فإن فيه خلفا في‬
‫الصدر الول شبباذا‪ ،‬وهببم محجوببون بتنبباول اسببم المباء المطلبق لببه‪ ،‬وبببالثر البذي‬
‫خرجه مالك وهو قوله عليببه الصببلة والسببلم فببي البحببر "هببو الطهببور مبباؤه الحببل‬
‫ميتتببه" وهببو وإن كببان حببديثا مختلفببا فببي صببحته‪ ،‬فظبباهر الشببرع يعضببده‪ ،‬وكببذلك‬
‫أجمعوا على أن كل ما يغير الماء مما ل ينفك عنه غالبا أنه ل يسلبه صببفة الطهببارة‬
‫والتطهير إل خلفا شاذا‪ ،‬روي في الماء الجن عن ابن سيرين‪ ،‬وهو أيضا محجوج‬
‫بتناول اسم الماء المطلق له‪ ،‬واتفقوا على أن الماء الذي غيرت النجاسة إما طعمه أو‬
‫لونه أو ريحه أو أكثر من واحد مببن هببذه الوصبباف أنببه ل يجببوز بببه الوضببوء ول‬
‫الطهور‪ .‬واتفقوا على أن الماء الكثير المستبحر ل تضره النجاسة التي لم تغيببر أحببد‬
‫أوصافه وأنه طاهر‪ ،‬فهذا ما أجمعوا عليه من هذا الباب‪ ،‬واختلفوا من ذلك فببي سببت‬
‫مسائل تجري مجرى القواعد والصول لهذا الباب‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الولى( اختلفوا في الماء إذا خببالطته نجاسببة ولببم تغيببر أحببد أوصببافه‪،‬‬
‫فقال قوم‪ :‬هو طاهر سواء كان كثيرا أو قليل‪ ،‬وهي إحدى الروايات عن مالببك‪ ،‬وبببه‬
‫قال أهل الظاهر‪ ،‬وقال قببوم‪ :‬بببالفرق بيببن القليببل والكببثير‪ ،‬فقببالوا إن كببان قليل كببان‬
‫نجسا‪ ،‬وإن كان كثيرا لم يكن نجسا‪ .‬وهؤلء اختلفببوا فببي الحببد بيببن القليببل والكببثير‪،‬‬
‫فذهب أبو حنيفة إلى أن الحد في هذا هو أن يكون الماء من الكببثرة بحيببث إذا حركببه‬
‫آدمي من أحد طرفيه لم تسر الحركة إلى الطرف الثاني منه‪ .‬وذهب الشافعي إلى أن‬
‫الحد في ذلك هو قلتان من هجر‪ ،‬وذلك نحو قلل من خمسمائة رطل‪ ،‬ومنهم مببن لببم‬
‫يجد في ذلك حدا‪ ،‬ولكن قال‪ :‬إن النجاسة تفسد قليل الماء وإن لم تغير أحببد أوصببافه‪،‬‬
‫وهذا أيضا مروي عن مالبك‪ ،‬وقبد روي أيضبا أن هبذا المباء مكبروه فيتحصبل عبن‬
‫مالك في الماء اليسير تحله النجاسببة اليسببيرة ثلثبة أقبوال‪ :‬قبول إن النجاسببة تفسبده‪،‬‬
‫وقول إنها ل تفسده إل أن يتغير أحد أوصافه‪ ،‬وقول إنه مكروه‪ .‬وسبب اختلفهم فبي‬
‫ذلك هو تعارض ظواهر الحاديث الببواردة فببي ذلببك‪ ،‬وذلببك أن حببديث أبببي هريببرة‬
‫المتقدم وهو قوله عليه الصلة والسلم "إذا استيقظ أحدكم من نببومه" الحببديث‪ ،‬يفهببم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫من ظاهره أن قليل النجاسة ينجس قليل الماء‪ ،‬وكذلك أيضا حديث أبي هريرة الثابت‬
‫عنه عليه الصلة والسلم أنه قال "ل يبولن أحدكم فببي المبباء الببدائم ثببم يغتسببل فيببه"‬
‫فإنه يوهم بظاهره أيضا أن قليل النجاسة ينجس قليل الماء‪.‬‬
‫وكذلك ما ورد من النهي عن اغتسال الجنب في الماء الدائم‪ .‬وأما حديث أنس الثابت‬
‫"أن أعرابيا قام إلى ناحية من المسجد فبال فيها‪ ،‬فصاح به النبباس‪ ،‬فقببال رسببول الب‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ :‬دعوه‪ ،‬فلما فرغ أمر رسول ال صلى ال عليببه وسببلم بببذنوب‬
‫ماء فصب على بوله" فظاهره أن قليل النجاسة ل يفسد قليل الماء‪ ،‬إذ معلوم أن ذلببك‬
‫الموضع قد طهر من ذلك الذنوب‪ .‬وحديث أبي سعيد الخدري كذلك أيضا خرجه أبو‬
‫داود قال‪ :‬سببمعت رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم يقببال لببه "إنببه يتسببقى مببن بئر‬
‫بضاعة‪ ،‬وهي بئر يلقى فيها لحوم الكلب والمحائض وعذرة الناس‪ ،‬فقال النبي عليه‬
‫الصلة والسلم‪ :‬إن الماء ل ينسجه شيء" فببرام العلمبباء الجمببع بيببن هببذه الحبباديث‬
‫واختلفوا في طريق الجمببع فبباختلفت لببذلك مببذاهبهم؛ فمببن ذهببب إلببى القببول بظبباهر‬
‫حديث العرابي وحديث أبي سعيد قال‪ :‬إن حديثي أبي هريرة غير معقولي المعنببى‪،‬‬
‫وامتثال ما تضمناه عبادة ل لن ذلك المباء ينجبس‪ ،‬حبتى إن الظاهريبة أفرطبت فبي‬
‫ذلببك فقببالت‪ :‬لببو صببب البببول إنسببان فببي ذلببك المبباء مببن قببدح لمببا كببره الغسببل بببه‬
‫والوضوء‪ ،‬فجمع بينهما على هذا الوجه من قال هذا القببول‪ ،‬ومببن كببره المبباء القليببل‬
‫تحلببه النجاسببة اليسببيرة جمببع بيببن الحبباديث‪ ،‬فببإنه حمببل حببديثي أبببي هريببرة علببى‬
‫الكراهية‪ ،‬وحمل حديث العرابي وحببديث أبببي سببعيد علببى ظاهرهمببا‪ ،‬أعنببي علببى‬
‫الجزاء‪ .‬وأما الشافعي وأبو حنيفة‪ ،‬فجمعا بين حديثي أبي هريرة وحديث أبي سببعيد‬
‫الخدري‪ ،‬بأن حمل حديثي أبي هريرة علببى المبباء القليببل‪ ،‬وحببديث أبببي سببعيد علببى‬
‫الماء الكثير‪ .‬وذهب الشافعي إلى أن الحد في ذلك الذي يجمع الحاديث هببو مببا ورد‬
‫في حديث عبد ال بن عمر عن أبيه‪ ،‬خرجه أبو داود والترمذي‪ ،‬وصححه أبو محمد‬
‫بن حزم قال "سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن الماء ومببا ينببوبه مببن السببباع‬
‫والدواب؟ فقال‪ :‬إن كان الماء قلتين لم يحمل خبثا" وأما أبو حنيفة فذهب إلى أن الحد‬
‫في ذلك من جهة القياس‪ ،‬وذلك أنه اعتبر سريان النجاسببة فببي جميببع المبباء بسببريان‬
‫الحركة‪ ،‬فإذا كان الماء بحيث يظن أن النجاسة ل يمكببن فيهببا أن تسببري فببي جميعببه‬
‫فالماء طاهر‪ ،‬لكن من ذهب هذين المذهبين فحديث العرابي المشببهور معبارض لبه‬
‫ول بد‪ ،‬فلذلك لجأت الشافعية إلى أن فرقت بين ورود الماء علببى النجاسببة وورودهببا‬
‫على المبباء‪ ،‬فقببالوا إن ورد عليهببا المبباء كمببا فببي حببديث العرابببي لببم ينجببس‪ ،‬وإن‬
‫وردت النجاسة على الماء كما في حديث أبي هريرة نجس‪.‬‬
‫وقال جمهور الفقهاء‪ :‬هببذا تحكببم‪ ،‬ولببه إذا تؤمببل وجببه مببن النظببر‪ ،‬وذلبك أنهببم إنمبا‬
‫صاروا إلى الجماع على أن النجاسة اليسيرة ل تؤثر في الماء الكثير إذا كببان المبباء‬
‫الكثير بحيث يتوهم أن النجاسة ل تسري في جميع أجزائه‪ ،‬وأنه يستحيل عينهببا عببن‬
‫الماء الكثير‪ ،‬وإذا كان ذلك كذلك‪ ،‬فل يبعد أن قدرا ما من الماء لو حلبه قبدر مبا مبن‬
‫النجاسة لسرت فيه ولكان نجسببا‪ ،‬فببإذا ورد ذلببك المبباء علببى النجاسببة جببزءا فجببزءا‬
‫فمعلوم أنه تفنى عين تلك النجاسة وتذهب قبل فناء ذلك الماء‪ ،‬وعلى هذا فيكون آخر‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫جزء ورد من ذلك الماء قد طهر المحل لن نسبته إلببى مببا ورد عليببه ممببا بقببي مببن‬
‫النجاسة نسبة الماء الكثير إلى القليل من النجاسة‪ ،‬ولذلك كان العلم يقع في هذه الحال‬
‫بذهاب عين النجاسة‪ ،‬أعني في وقوع الجزء الخير الطاهر على آخر جزء يبقى من‬
‫عين النجاسة‪ ،‬ولهذا أجمعوا على أن مقدار ما يتوضأ به يطهر قطببرة البببول الواقعببة‬
‫في الثوب أو البدن‪.‬‬
‫واختلفوا إذا وقعت القطرة من البول في ذلك القدر من الماء‪ .‬وأولى المببذاهب عنببدي‬
‫وأحسنها طريقة في الجمع‪ ،‬هببو أن يحمببل حببديث أبببي هريببرة ومببا فببي معنبباه علببى‬
‫الكراهيببة‪ ،‬وحببديث أبببي سببعيد وأنببس علببى الجببواز‪ ،‬لن هببذا التأويببل يبقببى مفهببوم‬
‫الحاديث على ظاهرها‪ ،‬أعني حديثي أبي هريرة من أن المقصود بها تأثير النجاسببة‬
‫في الماء؛ وحد الكراهية عندي هو ما تعافه النفس وترى أنه ماء خبيث‪ ،‬وذلك أن ما‬
‫يعاف النسان شربه يجب أن يجتنب استعماله في القربة إلى ال ب تعببالى‪ ،‬وأن يعبباف‬
‫وروده على ظاهر بدنه كما يعاف وروده على داخله‪ ،‬وأمببا مببن احتببج بببأنه لببو كببان‬
‫قليل النجاسة ينجس قليل الماء لما كان الماء يطهر أحدا أبدا‪ ،‬إذ كان يجب علببى هببذا‬
‫أن يكون المنفصل من الماء عن الشيء النجس المقصود تطهيره أبدا نجسا‪ ،‬فقول ل‬
‫معنى له‪ ،‬لما بيناه من أن نسبة آخر جزء يرد مببن المبباء علببى آخببر جببزء يبقببى مببن‬
‫النجاسة في المحل نسبة الماء الكثير إلى النجاسة القليلببة‪ ،‬وإن كببان يعجببب بببه كببثير‬
‫من المتببأخرين‪ ،‬فإنببا نعلببم قطعببا أن المبباء الكببثير يحيببل النجاسببة ويقلببب عينهببا إلببى‬
‫الطهارة‪ ،‬ولذلك أجمع العلماء على أن المبباء اللكببثير ل تفسببده النجاسببة القليلببة‪ ،‬فببإذا‬
‫تابع الغاسل صب الماء على المكان النجس أو العضو النجس‪ ،‬فيحيل الماء ضببرورة‬
‫عين النجاسة بكثرته‪ ،‬ول فرق بين الماء الكثير أن يرد على النجاسة الواحببدة بعينهببا‬
‫دفعة‪ ،‬أو يرد عليها جزءا بعد جزء‪ ،‬فإذا هؤلء إنما احتجوا بموضببع الجمبباع علببى‬
‫موضع الخلف من حيث لم يشعروا بذلك‪ ،‬والموضبعان فبي غايبة التبباين‪ ،‬فهبذا مبا‬
‫ظهر لنا في هذه المسألة من سبب اختلف الناس فيها وترجيح أقوالهم فيها‪ ،‬ولوددنببا‬
‫لو أن سلكنا في كل مسألة هذا المسلك‪ ،‬لكن رأينا أن هذا يقتضي طببول وربمببا عبباق‬
‫الزمان عنه‪ ،‬وأن الحوط هو أن نببؤم الغببرض الول الببذي قصببدناه‪ ،‬فببإن يسببر الب‬
‫تعالى فيه وكان لنا انفساح من العمر فسيتم هذا الغرض‪.‬‬
‫@‪ )-‬المسألة الثانية( الماء الذي خالطه زعفران أو غيره من الشياء الطبباهرة الببتي‬
‫تنفك منه غالبا متى غيرت أحد أوصافه‪ ،‬فإنه طاهر عند جميبع العلمباء غيبر مطهبر‬
‫عند مالك والشافعي‪ ،‬ومطهر عند أبي حنيفببة مببا لببم يكببن التغيببر عببن طبببخ‪ .‬وسبببب‬
‫اختلفهم هو خفاء تناول اسم الماء المطلبق للمباء البذي خبالطه أمثبال هبذه الشبياء‪،‬‬
‫أعني هل يتنبباوله أو ل يتنبباوله؟ فمببن رأى أنببه ل يتنبباوله اسببم المبباء المطلببق وإنمببا‬
‫يضاف إلى الشيء الذي خالطه فيقال ماء كذا ل ماء مطلق لم يجببز الوضببوء بببه‪ ،‬إذ‬
‫كان الوضوء إنما يكون بالماء المطلق‪ ،‬ومن رأى أنه يتناوله اسم الماء المطلق أجاز‬
‫به الوضوء‪ ،‬ولظهور عدم تناول اسم الماء للمبباء المطبببوخ مببع شببيء طبباهر اتفقببوا‬
‫على أنه ل يجوز الوضوء به‪ ،‬وكذلك فببي ميبباه النبببات المسببتخرجة منببه إل مببا فببي‬
‫كتاب ابن شعبان من أجازة طهببر الجمعببة بمباء الببورد‪ .‬والحببق أن الختلط يختلبف‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بالكثرة والقلة‪ ،‬فقد يبلغ من الكثرة إلى حد ل يتناوله اسم الماء المطلبق مثبل مبا يقبال‬
‫ماء الغسل‪ ،‬وقد ل يبلغ إلى ذلك الحد‪ ،‬وبخاصة متى تغيرت منه الريح فقببط‪ ،‬ولببذلك‬
‫لم يعتبر الريح قوم ممن منعوا الماء المضبباف‪ ،‬وقببد قببال عليببه الصببلة والسببلم لم‬
‫عطية عند أمره إياها بغسل ابنته "اغسلنها بماء وسدر واجعلبن فبي الخيبرة كبافورا‬
‫أو شيئا من كافور" فهذا ماء مختلط ولكنه لببم يبلببغ مببن الختلط بحيببث يسببلب عنببه‬
‫اسم الماء المطلق‪ ،‬وقد روي عن مالك باعتبار الكثرة فببي المخالطببة والقلببة والفببرق‬
‫بينهما‪ ،‬فأجازه مع القلة وإن ظهرت الوصاف‪ ،‬ولم يجزه مع الكثرة‪.‬‬
‫@‪)-‬المسلئة الثالثة( الماء المستعمل في الطهارة‪ .‬اختلفوا فيه على ثلثة أقوال‪ :‬فقوم‬
‫لم يجيزوا الطهارة به على كل حال‪ ،‬وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة‪ ،‬وقوم كرهببوه‬
‫ولم يجيزوا التيمم مع وجوده‪ ،‬وهو مذهب مالك وأصحابه‪ ،‬وقوم لم يببروا بينببه وبيببن‬
‫الماء المطلق فرقا‪ ،‬وبه قال أبببو ثببور وداود وأصببحابه‪ ،‬وشببذ أبببو يوسببف فقببال إنببه‬
‫نجس‪ .‬وسبب الخلف في هذا أيضا ما يظببن مببن أنببه ل يتنبباوله اسببم المبباء المطلببق‬
‫حتى إن بعضهم غل فظن أن اسم الغسالة أحق به من اسم الماء‪ ،‬وقد ثبببت أن النبببي‬
‫صلى ال عليه وسلم كان أصحابه يقتتلون علبى فضبل وضبوئه‪ ،‬ول ببد أن يقبع مبن‬
‫الماء المستعمل في الناء الذي بقي فيه الفضل‪ .‬وبالجملببة فهببو مبباء مطلببق لنببه فببي‬
‫الغلب ليس ينتهي إلى أن يتغير أحد أوصافه بدنس العضبباء الببتي تغسببل بببه‪ ،‬فببإن‬
‫انتهى إلى ذلك‪ ،‬فحكمه حكم الماء الذي تغير أحببد أوصببافه بشببيء طبباهر‪ ،‬وإن كببان‬
‫هذا تعافه النفوس أكثر‪ ،‬وهذا لحظ من كرهه‪ ،‬وأما من زعم أنه نجس فل دليل معه‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الرابعببة( اتفببق العلمبباء علببى طهببارة أسببآر المسببلمين وبهيمببة النعببام‪،‬‬
‫واختلفوا فيما عدا ذلك اختلفا كثيرا‪ ،‬فمنهم من زعببم أن كببل حيببوان طبباهر السببؤر‪،‬‬
‫ومنهم من استثنى من ذلك الخنزير فقط‪ ،‬وهذان القولن مرويببان عببن مالببك‪ ،‬ومنهببم‬
‫من استثنى من ذلك الخنزير والكلب‪ ،‬وهو مببذهب الشببافعي ومنهببم مببن اسببتثنى مببن‬
‫ذلك السباع عامة‪ ،‬وهو مذهب اببن القاسبم‪ ،‬ومنهبم مبن ذهبب إلبى أن السبآر تابعبة‬
‫للحببوم‪ ،‬فببإن كببانت اللحببوم محرمببة فالسببآر نجسببة‪ ،‬وإن كببانت مكروهببة فالسببآر‬
‫مكروهة‪ ،‬وإن كانت مباحة فالسآر طاهرة‪ .‬وأما سؤر المشرك فقيل إنه نجس‪ ،‬وقيل‬
‫إنه مكروه إذا كان يشرب الخمر‪ ،‬وهو مذهب ابن القاسم‪ ،‬وكذلك عنببده جميببع أسببآر‬
‫الحيوانات التي ل تتوقى النجاسة غالبا مثل الدجاج المخلة والبببل الجللببة والكلب‬
‫المخلة‪ .‬وسبب اختلفهم في ذلك هو ثلثبة أشبياء‪ :‬أحبدها معارضبة القيباس لظباهر‬
‫الكتاب‪ .‬والثاني معارضته لظاهر الثار‪ .‬والثالث معارضة الثار بعضها بعضببا فببي‬
‫ذلك‪ .‬أما القياس فهو أنه لما كان الموت من غير ذكاة هو سبب نجاسة عين الحيببوان‬
‫بالشرع وجب أن تكون الحياة هي سبب طهارة عين الحيببوان‪ ،‬وإذا كببان ذلببك كببذلك‬
‫فكل حي طاهر العين‪ ،‬وكبل طباهر العيبن فسبؤره طباهر‪ .‬وأمبا ظباهر الكتباب فبإنه‬
‫عارض هذا القياس في الخنزير والمشرك‪ ،‬وذلببك أن الب تعببالى يقببول فببي الخنزيببر‬
‫}فإنه رجس{ وما هببو رجببس فببي عينببه فهببو نجببس لعينببه‪ ،‬ولببذلك اسببتثنى قببوم مببن‬
‫الحيوان الحي الخنزير فقط‪ ،‬ومن لم يستثنه حمل قوله "رجس" علببى جهببة الببذم لببه‪.‬‬
‫وأما المشرك ففي قوله تعبالى }إنمببا المشبركون نجببس{ فمبن حمبل هبذا أيضبا علببى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ظاهره استثنى من مقتضى ذلك في القياس المشركين‪ ،‬ومن أخرجه مخرج الببذم لهببم‬
‫طرد قياسه‪.‬‬
‫وأما الثار فإنها عارضت هذا القياس في الكلب والهر والسببباع‪ .‬أمببا الكلببب فحببديث‬
‫أبي هريرة المتفق على صحته‪ ،‬وهو قوله عليه الصلة والسلم "إذا ولبغ الكلببب فبي‬
‫إناء أحدكم فليرقه وليغسله سبع مرات" وفي بعببض طرقببه "أولهببن بببالتراب" وفببي‬
‫بعضها "وعفروه الثامنة بالتراب" وأما الهر فما رواه قرة عن ابن سببيرين عببن أبببي‬
‫هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "طهور الناء إذا ولببغ فيببه الهببر أن‬
‫يغسل مرة أو مرتين" وقرة ثقة عنببد أهببل الحببديث‪ .‬وأمببا السببباع فحببديث ابببن عمببر‬
‫المتقدم عن أبيه قال "سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن المبباء ومببا ينببوبه مببن‬
‫السباع والدواب فقال‪ :‬إن كان الماء قلتين لم يحمل خبثببا"‪ .‬وأمببا تعببارض الثببار فببي‬
‫هذا الباب‪ ،‬فمنها أنه روي عنه "أنه سئل صلى ال عليه وسلم عن الحياض التي بين‬
‫مكة والمدينة تردها الكلب والسباع‪ ،‬فقال "لها ما حملت في بطونهببا ولكببم مببا غبببر‬
‫شرابا وطهورا" ونحو هذا حديث عمر الذي رواه مالببك فببي مببوطئه وهببو قببوله "يببا‬
‫صاحب الحوض ل تخبرنا فإنا نرد على السباع وترد علينا" وحديث أبي قتادة أيضبا‬
‫الذي خرجه مالك "أن كبشة سكبت له وضوء فجاءت هرة لتشرب منببه فأصببغى لهببا‬
‫الناء حتى شربت‪ ،‬ثم قال إن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ :‬إنها ليست بنجس‬
‫إنما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات"‬
‫فاختلف العلماء في تأويل هذه الثار ووجه جمعها مع القياس المذكور؛ فببذهب مالببك‬
‫في المر بإراقة سؤر الكلب وغسل الناء منه‪ ،‬إلى أن ذلك عبببادة غيببر معللببة‪ ،‬وأن‬
‫الماء الذي يلغ فيه ليس بنجس‪ ،‬ولم ير إراقة ما عدا الماء من الشياء الببتي يلببغ فيهببا‬
‫الكلب في المشهور عنه‪ ،‬وذلك كما قلنا لمعارضة ذلك القياس لببه‪ ،‬ولنببه ظببن أيضببا‬
‫أنه إن فهم منه أن الكلب نجس العين عارضه ظاهر الكتاب وهو قوله تعببالى }فكلببوا‬
‫مما أمسكن عليكم{ يريد أنه لو كان نجببس العيببن لنجببس الصببيد بمماسببته‪ ،‬وأيببد هببذا‬
‫التأويل بما جاء في غسله من العدد والنجاسات ليس يشترط فببي غسببلها العببدد فقببال‪:‬‬
‫إن هذا الغسل إنما هو عباده‪ ،‬ولم يعرج على سائر تلببك الثببار لضببعفها عنببده‪ .‬وأمببا‬
‫الشببافعي فاسببتثنى الكلببب مببن الحيببوان الحببي ورأى أن ظبباهر هببذا الحببديث يببوجب‬
‫نجاسة سؤره‪ ،‬وأن لعابه هو النجس ل عينه فيما أحسب‪ ،‬وأنه يجب أن يغسل الصببيد‬
‫منه‪ ،‬وكذلك استثنى الخنزير لمكببان اليببة المببذكورة‪ .‬وأمببا أبببو حنيفببة فبإنه زعببم أن‬
‫المفهوم من هذه الثار الواردة بنجاسة سؤر السباع والهر والكلب هو من قبل تحريم‬
‫لحومها‪ ،‬وأن هذا من باب الخاص أريد به العام فقال‪ :‬السآر تابعة للحببوم الحيببوان‪،‬‬
‫وأما بعض الناس فاسببتثنى مببن ذلببك الكلببب والهببر والسببباع علببى ظبباهر الحبباديث‬
‫الواردة في ذلك‪ .‬وأما بعضهم فحكم بطهارة سببؤر الكلببب والهببر‪ ،‬فاسببتثنى مببن ذلببك‬
‫السباع فقط‪ .‬أما سؤر الكلب فللعدد المشترط في غسله‪ ،‬ولمعارضة ظاهر الكتاب لببه‬
‫ولمعارضة حديث أبي قتادة له‪ ،‬إذ علل عدم نجاسة الهرة من قبل أنها مببن الطببوافين‬
‫والكلب طواف‪ .‬وأما الهرة فمصيرا إلى ترجيح حديث أبي قتادة على حديث قرة عن‬
‫ابببن سببيرين‪ ،‬وترجيببح حببديث ابببن عمببر علببى حببديث عمببر‪ ،‬ومببا ورد فببي معنبباه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫لمعارضة حديث أبي قتادة له بدليل الخطاب؛ وذلك أنببه لمببا علببل عببدم النجاسببة فببي‬
‫الهرة بسبب الطواف فهم منه أن مببا ليببس بطببواف وهببي السببباع فأسببآرها محرمببة‪،‬‬
‫وممن ذهب هذا المذهب ابن القاسم‪،‬‬
‫وأما أبو حنيفة فقال كما قلنا بنجاسة سؤر الكلب‪ ،‬ولم ير العدد في غسببله شببرطا فببي‬
‫طهارة الناء الذي ولغ فيه لنه عارض ذلك عنده القياس في غسل النجاسات‪ ،‬أعني‬
‫أن المعتبر فيها إنما هو إزالبة العيبن فقبط‪ ،‬وهبذا علبى عبادته فبي رد أخببار الحباد‬
‫لمكان معارضة الصول لها‪ .‬قببال القاضببي‪ :‬فاسببتعمل مببن هببذا الحببديث بعضببا ولببم‬
‫يستعمل بعضا‪ ،‬أعني أنه استعمل منه ما لم تعارضه عنده الصول‪ ،‬ولم يستعمل مببا‬
‫عارضته منه الصول‪ ،‬وعضد ذلببك بببأنه مببذهب أبببي هريببرة الببذي روى الحببديث‪،‬‬
‫فهذه هي الشياء الببتي حركببت الفقهبباء إلببى هببذا الختلف الكببثير فببي هببذه المسببألة‬
‫وقادتهم إلى الفتراق فيها‪ ،‬والمسألة اجتهادية محضة يعسر أن يوجببد فيهببا ترجيببح ‪،‬‬
‫ولعل الرجح أن يستثنى من طهارة أسآر الحيوان الكلب والخنزير والمشرك لصحة‬
‫الثار الواردة في الكلب ولن ظاهر الكتاب أولببى أن يتبببع فببي القببول بنجاسببة عيببن‬
‫الخنزير والمشرك من القياس‪ ،‬وكذلك ظبباهر الحببديث‪ ،‬وعليببه أكببثر الفقهبباء‪ ،‬أعنببي‬
‫على القول بنجاسة سؤر الكلب‪ ،‬فإن المر بإراقة ما ولغ فيه الكلببب مخيببل ومناسببب‬
‫في الشرع لنجاسة الماء الذي ولغ فيه‪ ،‬أعني أن المفهوم بالعادة في الشرع من المر‬
‫بإراقة الشيء وغسل الناء منه هو لنجاسة الشيء‪ ،‬وما اعترضوا به من أنه لو كببان‬
‫ذلك لنجاسة الناء لما اشترط فيه العدد‪ ،‬فغير نكير أن يكببون الشببرع يخببص نجاسببة‬
‫دون نجاسة بحكم دون حكم تغليظا لها‪ .‬قال القاضي‪ :‬وقد ذهب جدي رحمة ال عليه‬
‫في كتاب المقدمات إلى أن هذا الحديث معلل معقول المعنى ليس من سبب النجاسببة‪.‬‬
‫بل من سبب ما يتوقع أن يكون الكلب الببذي ولببغ فببي النبباء كلبببا‪ ،‬فيخبباف مببن ذلببك‬
‫السم‪ .‬قال‪ :‬ولذلك جاء هذا العدد الذي هو السبع في غسله‪ ،‬فإن هذا العدد قد اسببتعمل‬
‫في الشرع في مواضع كثيرة في العلج والمببداواة مببن المببراض‪ ،‬وهببذا الببذي قببال‬
‫رحمه ال هو وجه حسن على طريقة المالكية‪ ،‬فإنه إذا قلنا إن ذلك الماء غير نجس‪،‬‬
‫فالولى أن يعطى علة في غسله من أن يقول إنه غير معلل‪ ،‬وهذا طاهر بنفسه‪ ،‬وقد‬
‫اعترض عليه فيما بلغني بعض الناس بأن قال‪ :‬إن الكلب الكلببب ل يقببرب المبباء فببي‬
‫حين كلبه‪ ،‬وهذا الذي قالوه هو عند استحكام هذه العلة بالكلب‪ ،‬ل في مباديهببا وفببي‬
‫أول حدوثها‪ ،‬فل معنى لعتراضهم‪ .‬وأيضا فإنه ليس في الحديث ذكببر المبباء‪ ،‬وإنمببا‬
‫فيه ذكر الناء‪ ،‬ولعل في سؤره خاصية من هذا الوجه ضارة‪ ،‬أعني قبل أن يسببتحكم‬
‫به الكلب‪ ،‬ول يستنكر ورود مثل هذا في الشرع‪ ،‬فيكببون هببذا مببن ببباب مببا ورد فببي‬
‫الذباب إذا وقع في الطعببام أن يغمببس‪ ،‬وتعليببل ذلببك بببأن فببي أحببد جنبباحيه داء وفببي‬
‫الخر دواء‪ .‬وأما ما قيل في المذهب من أن هذا الكلب هو الكلب المنهي عن اتخبباذه‬
‫أو الكلب الخضري فضعيف وبعيد من هذا التعليل‪ ،‬إل أن يقول قائل‪ :‬إن ذلببك أعنببي‬
‫النهي من باب التحريج في اتخاذه‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الخامسة( اختلف العلماء في أسآر الطهر على خمسة أقوال‪ :‬فذهب قوم‬
‫إلى أن أسآر الطهر طاهرة بإطلق‪ ،‬وهو مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة‪ .‬وذهب‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫آخرون إلى أنه ل يجوز للرجل أن يتطهر بسببؤر المببرأة‪ ،‬ويجببوز للمببرأة أن تتطهببر‬
‫بسؤر الرجل‪ ،‬وذهب آخرون إلى أنه يجوز للرجل أن يتطهر بسؤر المرأة ما لم تكن‬
‫المرأة جنبا أو حائضببا‪ ،‬وذهببب آخببرون إلببى أنببه ل يجببوز لواحببد منهمببا أن يتطهببر‬
‫بفضل صاحبه إل أن يشرعا معا‪ .‬وقال قوم‪ :‬ل يجوز وإن شرعا معببا‪ ،‬وهببو مببذهب‬
‫أحمد بن حنبل‪ .‬وسبب اختلفهم فببي هببذا اختلف الثببار‪ ،‬وذلببك أن فببي ذلببك أربعببة‬
‫آثار‪ :‬أحدها أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يغتسل من الجنابة هببو وأزواجببه مببن‬
‫إناء واحد‪ ،‬والثبباني حببديث ميمونببة أنببه اغتسببل مببن فضببلها‪ ،‬والثببالث حببديث الحكببم‬
‫الغفاري أن النبي عليه الصلة والسلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة‪ ،‬خرجببه‬
‫أبو داود والترمذي‪ .‬والرابع حديث عبد ال بن سرجس قال "نهى رسببول ال ب صببلى‬
‫ال عليه وسلم أن يغتسل الرجل بفضل المرأة والمرأة بفضل الرجل‪ ،‬ولكن يشببرعان‬
‫معا"‪ .‬فذهب العلمباء فبي تأويبل هبذه الحباديث مبذهبين‪ :‬مبذهب الترجيبح‪ ،‬ومبذهب‬
‫الجمع في بعض والترجيح في بعض‪ ،‬أما من رجح حديث اغتسببال النبببي صببلى الب‬
‫عليه وسلم مع أزواجه من إناء واحد على سائر الحاديث‪ ،‬لنببه ممببا اتفببق الصببحاح‬
‫على تخريجه‪ ،‬ولم يكن عنده فرق بين أن يغتسببل معببا أو يغتسببل كببل منهمببا بفضببل‬
‫صاحبه‪ ،‬لن المغتسلين معا كل واحد منهما مغتسل بفضل صباحبه‪ ،‬وصبحح حبديث‬
‫ميمونببة مبع هبذا الحبديث ورجحبه علبى حبديث الغفبباري فقببال بطهبر السببآر علببى‬
‫الطلق‪ .‬وأما من رجح حديث الغفاري على حديث ميمونة وهو مببذهب أبببي محمببد‬
‫بن حزم‪ .‬وجمع بين حديث الغفاري وحديث اغتسال النبي عليه الصلة والسببلم مببع‬
‫أزواجه من إناء واحد بأن فرق بين الغتسال معا‪ ،‬وبيببن أن يغتسببل أحببدهما بفضببل‬
‫الخر وعمل على هذين الحديثين فقط أجباز للرجبل أن يتطهبر مبع المبرأة مبن إنباء‬
‫واحد‪ ،‬ولم يجز أن يتطهر هو من فضل طهرهببا‪ ،‬وأجبباز أن تتطهببر هببي مببن فضببل‬
‫طهره‪ .‬وأما من ذهب مذهب الجمع بين الحاديث كلها ما خل حببديث ميمونببة‪ ،‬فببإنه‬
‫أخذ بحديث عبد ال بن سرجس‪ ،‬لنه يمكن أن يجتمع عليه حديث الغفاري‪ ،‬وحببديث‬
‫غسل النبي صلى ال عليه وسلم مع أزواجه من إناء واحد ويكون فيببه زيببادة‪ ،‬وهببي‬
‫أن ل تتوضأ المرأة أيضا بفضل الرجل‪ ،‬لكن يعارضه حبديث ميمونبة‪ ،‬وهببو حببديث‬
‫خرجه مسلم‪ ،‬لكن قد علله كما قلنا بعض الناس من أن بعض رواتببه قببال فيببه‪ :‬أكببثر‬
‫ظني أو أكثر علمي أن أبا الشعثاء حدثني‪ ،‬وأما من لم يجز لواحببد منهمببا أن يتطهببر‬
‫بفضل صبباحبه ول يشببرعان معببا‪ ،‬فلعلببه لببم يبلغببه مببن الحبباديث إل حببديث الحكببم‬
‫الغفاري وقاس الرجل على المرأة‪ .‬وأما من نهى عن سؤر المرأة الجنببب والحببائض‬
‫فقط‪ ،‬فلست أعلم له حجة إل أنه مروي عن بعض السلف أحسبه عن ابن عمر‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة السادسة( صار أبو حنيفة من بين معظم أصحابه وفقهاء المصببار إلببى‬
‫إجازة الوضوء بنبيذ التمر في السفر لحديث اببن عبباس "أن اببن مسبعود خبرج مبع‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ليلة الجن‪ ،‬فسأله رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم‬
‫فقال‪ :‬هل معك من ماء؟ فقال‪ :‬معي نبيذ في إداوتي‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال ب عليببه‬
‫وسلم‪ :‬اصبب فتوضأ به‪ ،‬وقال‪ :‬شراب وطهور" وحديث أبي رافع مببولى ابببن عمببر‬
‫عن عبد ال بن مسعود بمثله‪ ،‬وفيه قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "ثمببرة طيبببة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وماء طهور" وزعموا أنه منسوب إلى الصحابة علي وابن عببباس‪ ،‬وأنببه ل مخببالف‬
‫لهم من الصحابة‪ ،‬فكان كالجماع عندهم‪ .‬ورد أهببل الحببديث هببذا الخبببر ولببم يقبلببوه‬
‫لضعف رواته‪ ،‬ولنه قد روي من طرق أوثق من هذه الطرق أن ابن مسعود لم يكن‬
‫مع رسول ال صلى ال عليه وسببلم ليلببة الجببن‪ .‬واحتببج الجمهببور لببرد هببذا الحببديث‬
‫بقوله تعالى }فلم تجدوا ماء فتيموا صعيدا طيبا{ قالوا فلم يجعل ههنا وسطا بين الماء‬
‫والصعيد‪ ،‬وبقوله عليه الصلة والسلم "الصعيد الطيب وضوء المسببلم وإن لببم يجببد‬
‫الماء إلى عشر حجج‪ ،‬فإذا وجد الماء فليمسه بشرته" ولهم أن يقولوا إن هذا قد أطلق‬
‫عليه في الحديث اسم الماء‪ ،‬والزيادة ل تقتضي نسببخا فيعارضببها الكتبباب‪ ،‬لكببن هببذا‬
‫مخالف لقولهم إن الزيادة نسخ‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الرابع في نواقض الوضوء‪.‬‬
‫@‪-‬والصل في هذا الببباب قببوله تعببالى }أو جبباء أحببد منكببم مببن الغببائط أو لمسببتم‬
‫النساء{ وقوله عليه الصلة والسببلم "ل يقبببل الب صببلة مببن أحببدث حببتى يتوضببأ"‬
‫واتفقوا في هبذا البباب علببى انتقباض الوضببوء مببن البببول والغبائط والريببح والمببذي‬
‫والودي لصحة الثار في ذلك إذا كان خروجها على وجه الصحة‪.‬‬
‫@‪)-‬ويتعلق بهذا الباب مما اختلفوا فيه سبع مسائل( تجري منه مجرى القواعد لهببذا‬
‫الباب‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الولى( اختلف علماء المصار في انتقبباض الوضببوء ممببا يخببرج مببن‬
‫الجسد من النجس على ثلثة مببذاهب‪ :‬فبباعتبر قببوم فببي ذلببك الخببارج وحببده مببن أي‬
‫موضع خببرج وعلببى أي جهببة خببرج‪ ،‬وهببو أبببو حنيفببة وأصببحابه والثببوري وأحمببد‬
‫وجماعة ولهم من الصحابة السلف فقالوا‪ :‬كل نجاسة تسبيل مبن الجسبد وتخبرج منبه‬
‫يجب منها الوضوء كالدم والرعاف الكثير والفصد والحجامة والقيببء إل البلغببم عنببد‬
‫أبي حنيفة‪ .‬وقال أبو يوسف من أصحاب أبي حنيفة‪ :‬إنه إذا مل الفببم ففيببه الوضببوء‪،‬‬
‫ولم يعتبر أحد من هؤلء اليسير من الدم إل مجاهد‪ ،‬واعتبر قوم آخببرون المخرجيببن‬
‫الذكر والدبر‪ ،‬فقالوا‪ :‬كل ما خرج من هببذين السبببيلين فهببو نبباقض للوضببوء مببن أي‬
‫شيء خرج من دم أو حصا أو بلغم وعلى أي وجه خببرج كببان خروجببه علببى سبببيل‬
‫الصحة أو على سبيل المرض‪ ،‬وممن قال بهذا القول الشافعي وأصحابه ومحمببد بببن‬
‫عبببد الحكببم مببن أصببحاب مالببك‪ .‬واعتبببر قببوم آخببرون الخببارج والمخببرج وصببفة‬
‫الخروج‪ ،‬فقالوا‪ :‬كل ما خرج من السبيلين مما هو معتاد خروجه وهو البول والغببائط‬
‫والمذي والودي والريح إذا كان خروجه على وجه الصحة فهو ينقض الوضوء‪ ،‬فلببم‬
‫يروا في الدم والحصاة والدود وضوءا ول في السلس‪ ،‬وممن قببال بهببذا القببول مالببك‬
‫وجل أصحابه‪ .‬والسبب في اختلفهم أنه لما أجمع المسلمون علببى انتقبباض الوضببوء‬
‫مما يخرج من السبيلين من غائط وبول وريح ومذي لظاهر الكتاب ولتظبباهر الثببار‬
‫بذلك‪ .‬تطرق إلى ذلك ثلث احتمالت‪ :‬أحدها أن يكون الحكم إنما علببق بأعيببان هببذه‬
‫الشياء فقط المتفق عليها على مببا رآه مالببك رحمببه البب‪ .‬الحتمببال الثبباني أن يكببون‬
‫الحكم إنما علق بهذه من جهة أنها أنجاس خارجة من البدن لكببون الوضببوء طهببارة‪،‬‬
‫والطهارة إنما يؤثر فيها النجس‪ .‬والحتمال الثالث أن يكببون الحكببم أيضببا إنمببا علببق‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بها من جهة أنها خارجة من هبذين السببيلين‪ ،‬فيكببون علبى هببذين القببولين الخيريببن‬
‫ورود المر بالوضوء من تلك الحداث المجمع عليها إنما هو من باب الخاص أريببد‬
‫بببه العببام ويكببون عنببد مالببك وأصببحابه إنمببا هببو مببن ببباب الخبباص المحمببول علببى‬
‫خصوصه؛ فالشافعي وأبو حنيفة اتفقا على أن المر بها هو من باب الخاص أريد به‬
‫العام‪ ،‬واختلفا أي عام هو الذي قصد بببه؟ فمالببك يرجببح مببذهبه بببأن الصببل هببو أن‬
‫يحمل الخاص على خصوصه حتى يدل الدليل على غير ذلك‪ ،‬والشافعي محتببج بببأن‬
‫المراد به المخرج ل الخارج باتفاقهم على إيجاب الوضببوء مببن الريببح الببذي يخببرج‬
‫مببن أسببفل‪ ،‬وعببدم إيجبباب الوضببوء منببه إذا خببرج مببن فببوق وكلهمببا ذات واحببدة‪،‬‬
‫والفرق بينهما اختلف المخرجيببن‪ ،‬فكببان هببذا تنبيهببا علببى أن الحكببم للمخببرج وهببو‬
‫ضعيف لن الريحين مختلفان في الصفة والرائحة‪ ،‬وأبو حنيفببة يحتببج لن المقصببود‬
‫بذلك هو الخارج النجس لكون النجاسة مؤثرة في الطهارة‪ ،‬وهذه الطهارة وإن كانت‬
‫طهارة حكمية فإن فيها شبها من الطهارة المعنوية‪ ،‬أعنببي طهببارة النجببس‪ ،‬وبحببديث‬
‫ثوبان "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قاء فتوضببأ" وبمببا روي عببن عمببر وابببن‬
‫عمر رضي ال عنهما من إيجابهما الوضوء من الرعاف وبما روي من أمره صببلى‬
‫ال عليه وسلم المستحاضة بالوضوء لكل صلة‪ ،‬فكان المفهوم من هذا كله عنببد أبببي‬
‫حنيفة الخارج النجس‪ ،‬وإنما اتفببق الشببافعي وأبببو حنيفببة علببى إيجبباب الوضببوء مببن‬
‫الحداث المتفق عليها وإن خرجت على جهة المرض لمببره صببلى الب عليببه وسببلم‬
‫بالوضوء عند كببل صببلة للمستحاضببة والستحاضببة مببرض‪ .‬وأمببا مالببك فببرأى أن‬
‫المببرض لببه ههنببا تببأثير فببي الرخصببة قياسببا أيضببا علببى مببا روي أيضببا مببن أن‬
‫المستحاضة لم تؤمر إل بالغسل فقط‪ ،‬وذلك أن حديث فاطمة بنت أبي حبيش هذا هو‬
‫متفق على صحته‪ ،‬ويختلف في هذه الزيادة فيه‪ ،‬أعني المر بالوضببوء لكببل صببلة‪،‬‬
‫ولكن صححها أبو عمر بن عبد البر‪ ،‬قياسا على من يغلبه الدم من جرح ول ينقطع‪،‬‬
‫مثل ما روي أن عمر رضي ال عنه صلى وجرحه يثعب دما‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية( اختلببف العلمبباء فببي النببوم علببى ثلثببة مببذاهب‪ :‬فقببوم رأوا أنببه‬
‫حدث‪ ،‬فأوجبوا من قليله وكثيره الوضوء‪ ،‬وقوم رأوا أنه ليس بحدث فلم يوجبوا منببه‬
‫الوضوء إل إذا تيقن بالحدث على مذهب من ل يعتبر الشك‪ ،‬وإذا شببك علببى مببذهب‬
‫من يعتبر الشك حتى إن بعض السلف كان يوكل بنفسه إذا نام من يتفقد حبباله‪ ،‬أعنببي‬
‫هل يكون منه حدث أم ل؟ وقوم فرقوا بين النببوم القليببل الخفيببف والكببثير المسببتثقل‪،‬‬
‫فببأوجبوا فببي الكببثير المسببتثقل الوضببوء دون القليببل‪ ،‬وعلببى هببذا فقهبباء المصببار‬
‫والجمهور‪ .‬ولما كببانت بعببض الهيئات يعببرض فيهببا السببتثقال مببن النببوم أكببثر مببن‬
‫بعض‪ ،‬وكذلك خروج الحدث اختلف الفقهاء في ذلك‪ ،‬فقال مالك‪ :‬مببن نببام مضببطجعا‬
‫أو ساجدا فعليه الوضوء‪ ،‬طويل كان النوم أو قصببيرا‪ .‬ومببن نببام جالسببا فل وضببوء‬
‫عليه إل أن يطول ذلك به‪ .‬واختلف القول فبي مبذهبه فبي الراكبع‪ ،‬فمببرة قببال حكمبه‬
‫حكم القائم‪ ،‬ومرة قال حكمه حكم الساجد‪ .‬وأما الشافعي فقال‪ :‬على كل نائم كيفما نببام‬
‫الوضوء إل من نام جالسا‪ ،‬وقال أبو حنيفببة وأصببحابه‪ :‬ل وضببوء إل علببى مببن نببام‬
‫مضطجعا‪ ،‬وأصل اختلفهم في هذه المسألة اختلف الثار الواردة فببي ذلببك‪ ،‬وذلببك‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أن ههنا أحاديث يوجب ظاهرها أنه ليس في النوم وضوء أصل‪ ،‬كحديث ابن عباس‬
‫"أن النبي صلى ال عليه وسلم دخل إلى ميمونة فنام عندها حتى سببمعنا غطيطببه ثببم‬
‫صلى ولم يتوضأ" وقوله عليه الصلة والسلم "إذا نعس أحببدكم فببي الصببلة فليرقببد‬
‫حتى يذهب عنه النوم‪ ،‬فإنه لعله يذهب أن يستغفر ربه فيسب نفسه" وما روي أيضببا‬
‫"أن أصببحاب النبببي صببلى الب عليببه وسببلم كبانوا ينببامون فببي المسببجد حببتى تخفببق‬
‫رؤوسهم ثم يصلون ول يتوضئون" وكلهببا آثببار ثابتببة وههنببا أيضببا أحبباديث يببوجب‬
‫ظاهرها أن النوم حدث‪ ،‬وأبينها في ذلك حديث صفوان بن عسال وذلك أنه قال "كنببا‬
‫في سفر مع النبي صلى ال عليه وسبلم فأمرنبا أن ل ننبزع خفافنبا مبن غبائط وببول‬
‫ونوم ول ننزعها إل من جنابة" فسوى بين البول والغائط والنوم‪ ،‬صححه الترمببذي‪.‬‬
‫ومنها حديث أبي هريرة المتقدم‪ ،‬وهو قوله عليه الصلة والسلم "إذا استيقظ أحببدكم‬
‫مببن نببومه فليغسببل يببده قبببل أن يببدخلها فببي وضببوئه" فببإن ظبباهره أن النببوم يببوجب‬
‫الوضوء قليله وكثيره‪ ،‬وكذلك يدل ظاهر آية الوضوء عند من كان عنده المعنببى فببي‬
‫قوله تعالى }يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلة{ أي إذا قمتببم مببن النببوم علببى مببا‬
‫روي عن زيد بن أسلم وغيره من السلف فلمببا تعارضببت ظببواهر هببذه الثببار ذهببب‬
‫العلماء فيها مذهبين‪ :‬مذهب الترجيح‪ ،‬ومذهب الجمع؛ فمن ذهب مذهب الترجيح إمببا‬
‫أسقط وجوب الوضوء من النوم أصل على ظاهر الحاديث التي تسقطه وإما أوجبببه‬
‫من قليله أو كثيره على ظاهر الحبباديث الببتي تببوجبه أيضببا‪ ،‬أعنببي علببى حسببب مببا‬
‫ترجح عنده من الحاديث الموجبة‪ ،‬أو مببن الحبباديث المسببقطة؛ ومببن ذهببب مببذهب‬
‫الجمع حمل الحاديث الموجبة للوضوء منبه علبى الكببثير والمسبقطة للوضببوء علببى‬
‫القليل‪ ،‬وهو كما قلنا مذهب الجمهور‪ ،‬والجمع أولى من الترجيح ما أمكن الجمع عند‬
‫أكثر الصوليين‪ .‬وأما الشافعي فإنما حملها على أن استثنى من هيئات النائم الجلوس‬
‫فقط لنه قد صح ذلك عن الصحابة‪ ،‬أعني أنهم كانوا ينببامون جلوسببا ول يتوضببئون‬
‫ويصلون‪ .‬وإنما أوجبه أبو حنيفة في النوم والضطجاع فقط لن ذلك ورد في حديث‬
‫مرفوع‪ ،‬وهو أنه عليه الصلة والسلم قال "إنما الوضوء علببى مببن نببام مضببطجعا"‬
‫والرواية بذلك ثابتة عن عمر‪ .‬وأما مالك فلما كان النبوم عنببده إنمبا ينقبض الوضبوء‬
‫من حيث كان غالبا سبببب للحببدث راعببى فيببه ثلثببة أشببياء‪ :‬السببتثقال أو الطببول أو‬
‫الهيئة‪ ،‬فلم يشببترط فببي الهيئة الببتي يكببون منهببا خببروج الحببدث غالبببا ل الطببول ول‬
‫الستثقال‪ ،‬واشترط ذلك في الهيئات التي ل يكون خروج الحدث منها غالبا‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثالثة( اختلف العلماء فببي إيجبباب الوضببوء مببن لمببس النسبباء باليببد أو‬
‫بغير ذلك من العضاء الحساسة‪ ،‬فذهب قوم إلى أن من لمس امرأة بيده مفضيا إليها‬
‫ليس بينه وبينها حجاب ول ستر فعليه الوضوء‪ ،‬وكذلك مببن قبلهببا لن القبلببة عنببدهم‬
‫لمس ما‪ ،‬سواء التذ أم لم يلتذ وبهذا القول قال الشافعي وأصحابه‪ ،‬إل أنببه مببرة فببرق‬
‫بين اللمس والملموس‪ ،‬فأوجب الوضوء على اللمس دون الملمببوس‪ ،‬ومببرة سببوى‬
‫بينهما‪ ،‬ومرة أيضا فرق بين ذوات المحارم والزوجببة‪ ،‬فببأوجب الوضببوء مببن لمببس‬
‫الزوجة دون ذوات المحارم‪ ،‬ومرة سوى بينهما‪ .‬وذهب آخرون إلى إيجاب الوضوء‬
‫من اللمس إذا قارنته اللذة أو قصد اللذة في تفصيل لهم في ذلك وقببع بحببائل أو بغيببر‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫حائل بأي عضو اتفق ما عدا القبلة‪ ،‬فإنهم لم يشترطوا لذة في ذلك‪ ،‬وهو مذهب مالك‬
‫وجمهور أصحابه‪ ،‬ونفى قببوم إيجبباب الوضببوء مببن لمببس النسبباء وهببو مببذهب أبببي‬
‫حنيفة‪ ،‬ولكل سلف من الصحابة إل اشتراط اللببذة فببإني ل أذكببر أحببدا مببن الصببحابة‬
‫اشترطها‪ .‬وسبب اختلفهم في هذه المسألة اشتراك اسم اللمس في كلم العرب‪ ،‬فببإن‬
‫العرب تطلقه مرة على اللمس الذي هو باليد‪ ،‬ومرة تكني به عن الجماع‪ ،‬فذهب قببوم‬
‫إلى أن اللمس الموجب للطهببارة فبي آيبة الوضبوء هبو الجمباع فبي قبوله تعبالى }أو‬
‫لمستم النساء{ وذهب آخرون إلى أنه اللمببس باليببد‪ ،‬ومببن هببؤلء مببن رآه مببن ببباب‬
‫العام أريد به الخاص فاشترط فيه اللذة‪ ،‬ومنهم من رآه من باب العببام أريببد بببه العببام‬
‫فلم يشترط اللذة فيه‪ ،‬ومن اشترط اللذه فإنما دعاه إلى ذلببك مببا عببارض عمببوم اليببة‬
‫من أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يلمس عائشة عند سببجوده بيببده وربمببا لمسببته‬
‫وخرج أهل الحديث حديث حبيب بن أبببي ثببابت عببن عببروة عببن عائشببة عببن النبببي‬
‫صلى ال عليه وسلم "أنه قبل بعض نسائه ثم خرج إلببى الصببلة ولببم يتوضببأ‪ ،‬فقلببت‬
‫من هي إل أنت؟ فضحكت" قال أبو عمر هببذا الحببديث وهنببه الحجببازيون وصببححه‬
‫الكوفيون‪ ،‬وإلى تصحيحه مال أبو عمر بن عبد البر‪ ،‬قال‪ :‬وروى هذا الحديث أيضببا‬
‫من طريق معبد بن نباتة‪ ،‬وقال الشافعي إن ثبت حديث معبد بن نباتة في القبلة لم أر‬
‫فيها ول في اللمس وضوءا‪ .‬وقببد احتببج مببن أوجببب الوضببوء مببن اللمببس باليببد بببأن‬
‫اللمس ينطلق حقيقة على اللمس باليببد وينطلببق مجببازا علببى الجمبباع‪ ،‬وأنببه إذا تببردد‬
‫اللفظ بين الحقيقة والمجاز‪ ،‬فبالولى أن يحمبل علبى الحقيقببة حببتى يببدل الببدليل علبى‬
‫المجاز؛ ولولئك أن يقولوا إن المجاز إذا كثر اسببتعماله كببان أدل علببى المجبباز منببه‬
‫على الحقيقة كالحال في اسم الغائط الذي هو أدل على الحدث الذي هو فيه مجاز منه‬
‫على المطمئن من الرض الذي هو فيه حقيقببة‪ .‬والببذي أعتقببده أن اللمببس وإن كببانت‬
‫دللته على المعنيين بالسواء أو قريبا من السواء أنببه أظهببر عنببدي فببي الجمبباع وإن‬
‫كان مجازا‪ ،‬لن ال تبارك وتعالى قد كنى بالمباشرة والمس عببن الجمبباع وهمببا فببي‬
‫معنى اللمس‪ ،‬وعلى هذا التأويل فببي اليبة يحتبج بهببا فبي إجبازة البتيمم للجنببب دون‬
‫تقدير تقديم فيها ول تأخير على ما سيأتي بعد‪ ،‬وترتفببع المعارضببة الببتي بيببن الثببار‬
‫والية على التأويل الخر‪ .‬وأما من فهم من الية اللمسين معا فضعيف‪ ،‬فإن العببرب‬
‫إذا خاطبت بالسم المشترك إنما تقصد به معنى واحد مببن المعبباني الببتي يببدل عليهببا‬
‫السم ل جميع المعاني التي يدل عليها‪ ،‬وهذا بين بنفسه في كلمهم‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الرابعة( مس الذكر‪ .‬اختلف العلماء فيه على ثلثة مببذاهب‪ ،‬فمنهببم مببن‬
‫رأى الوضوء فيه كيفما مسه‪ ،‬وهو مذهب الشافعي وأصببحابه وأحمببد وداود‪ ،‬ومنهببم‬
‫من لم ير فيه وضوءا أصببل وهببو أبببو حنيفببة وأصببحابه‪ ،‬ولكل الفريقيببن سببلف مببن‬
‫الصحابة والتابعين‪ .‬وقوم فرقوا بين أن يمسه بحال أو ل يمسه بتلك الحببال‪ ،‬وهببؤلء‬
‫افترقوا فيه فرقا‪ :‬فمنهم من فرق فيه بين أن يلتذ أو ل يلتذ‪ .‬ومنهبم مبن فبرق بيبن أن‬
‫يمسه بباطن الكف أو ل يمسه‪ ،‬فأوجبوا الوضوء مع اللببذة ولببم يوجبببوه مببع عببدمها‪،‬‬
‫وكذلك أوجبه قوم مع المس بباطن الكف ولببم يوجبببوه مببع المببس بظاهرهببا‪ ،‬وهببذان‬
‫العتباران مرويان عن أصحاب مالك‪ ،‬وكان اعتبار باطن الكف راجببع إلببى اعتبببار‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫سبب اللذة‪ .‬وفرق قوم في ذلك بين العمد والنسيان‪ ،‬فأوجبوا الوضوء منببه مببع العمببد‬
‫ولم يوجبوه مع النسيان‪ ،‬وهو مببروي عببن مالببك‪ ،‬وهببو قببول داود وأصببحابه‪ .‬ورأى‬
‫قوم أن الوضوء من مسه سنة ل واجب‪ ،‬قال أبو عمر‪ :‬وهذا الذي استقر مببن مببذهب‬
‫مالك عند أهل المغرب من أصحابه‪ ،‬والرواية عنه فيه مضببطربة‪ .‬وسبببب اختلفهببم‬
‫في ذلك أن فيه حديثين متعارضين‪ :‬أحببدهما الحببديث الببوارد مببن طريببق بسببرة أنهببا‬
‫سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول "إذا مس أحببدكم ذكببره فليتوضببأ" وهببو‬
‫أشهر الحاديث الواردة في إيجاب الوضوء من مس الذكر‪ ،‬خرجه مالك في الموطأ‪،‬‬
‫وصححه يحيى بن معين وأحمبد ببن حنببل‪ ،‬وضبعفه أهبل الكوفبة؛ وقبد روي أيضبا‬
‫معناه من طريق أم حبيبة‪ ،‬وكان أحمد بن حنبل يصححه‪ ،‬وقد روي أيضا معنبباه مببن‬
‫طريق أبي هريرة‪ ،‬وكان ابن السكن أيضا يصححه‪ ،‬ولم يخرجه البخاري ول مسبلم‪.‬‬
‫والحديث الثاني المعارض له حديث طلق بن علي قال "قدمنا على رسول ال ب صببلى‬
‫ال عليه وسلم وعنده رجل كأنه بدوي‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول ال ما ترى فببي مببس الرجببل‬
‫ذكببره بعببد أن يتوضببأ؟ فقببال‪ :‬وهببل هببو إل بضببعة منببك؟" خرجببه أيضببا أبببو داود‬
‫والترمذي‪ ،‬وصححه كثير من أهل العلم الكوفيون وغيرهم؛ فذهب العلماء في تأويببل‬
‫هذه الحاديث أحد مذهبين‪ :‬إما مذهب الترجيح أو النسخ‪ ،‬وإمببا مببذهب الجمببع‪ ،‬فمببن‬
‫رجح حديث بسرة أو رآه ناسخا لحديث طلق بن علي قال بإيجاب الوضوء من مببس‬
‫الذكر‪ ،‬ومن رجح حديث طلق بن علي أسقط وجوب الوضوء من مسه‪ ،‬ومن رام أن‬
‫يجمع بين الحديثين أوجب الوضوء منه في حال ولم يوجبه في حال‪ ،‬أو حمل حديث‬
‫بسرة على الندب‪ ،‬وحديث طلق بن علي نفى الوجوب والحتجاجات التي يحتببج بهببا‬
‫كل واحد من الفريقين في ترجيح الحديث الببذي رجحببه كببثيرة يطببول ذكرهببا‪ ،‬وهببي‬
‫موجودة في كتبهم‪ ،‬ولكن نكتة اختلفهم هو ما أشرنا إليه‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الخامسة( اختلف الصدر الول في إيجاب الوضوء مببن أكببل مببا مسببته‬
‫النار لختلف الثار الواردة في ذلك عن رسول ال صببلى الب عليببه وسببلم‪ ،‬واتفببق‬
‫جمهور فقهاء المصار بعد الصبدر الول علببى سبقوطه‪ ،‬إذ صببح عنبدهم أنببه عمببل‬
‫الخلفاء الربعة‪ ،‬ولما ورد من حديث جابر أنه قال‪" :‬كان آخببر المريبن مببن رسببول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار" خرجه أبو داود‪ .‬ولكن ذهب‬
‫قوم من أهل الحديث أحمد وإسحاق وطائفة غيرهم أن الوضوء يجببب فقببط مببن أكببل‬
‫لحم الجزور لثبوت الحديث الوارد بذلك عنه عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة السادسة(‪ :‬شبذ أببو حنيفبة فبأوجب الوضببوء مببن الضبحك فببي الصببلة‬
‫لمرسل أبي العالية‪ ،‬وهو أن قوما ضحكوا في الصلة فأمرهم النبي صببلى ال ب عليببه‬
‫وسلم بإعادة الوضوء والصلة‪ .‬ورد الجمهور هذا الحديث لكببونه مرسببل ولمخببالفته‬
‫للصول‪ ،‬وهو أن يكون شيء ما ينقض الطهارة فببي الصببلة ول ينقضببها فببي غيببر‬
‫الصلة وهو مرسل صحيح‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة السابعة( وقد شببذ قببوم فببأوجبوا الوضببوء مببن حمببل الميببت‪ ،‬وفيببه أثببر‬
‫ضعيف "من غسل ميتا فليغتسل‪ ،‬ومن حمله فليتوضببأ" وينبغببي أن تعلببم أن جمهببور‬
‫العلماء أوجبوا الوضوء من زوال العقل بأي نوع كببان مببن قبببل إغمبباء أو جنببون أو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫سكر‪ ،‬وهؤلء كلهم قاسوه على النوم‪ ،‬أعني أنهم رأوا أنببه إذا كببان يببوجب الوضببوء‬
‫في الحالة التي هي سبب للحدث غالبا وهو الستثقال‪ ،‬فأحرى أن يكون ذهاب العقببل‬
‫سببا لذلك‪ ،‬فهذه هي مسائل هببذا الببباب المجمببع عليهببا‪ ،‬والمشببهورات مببن المختلببف‬
‫فيها‪ ،‬وينبغي أن نصير إلى الباب الخامس‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الخامس‪ .‬وهو معرفة الفعال التي تشترط هذه الطهارة في فعلها‪.‬‬
‫@‪-‬والصل في هذا الباب قوله تعببالى }يبا أيهبا البذين آمنببوا إذا قمتبم إلبى الصببلة{‬
‫الية‪ ،‬وقوله عليه الصلة والسببلم "ليقبببل الب صببلة بغيببر طهببور ول صببدقة مببن‬
‫غلول" فاتفق المسلمون على أن الطهارة شرط من شروط الصببلة لمكببان هببذا‪ ،‬وإن‬
‫كانوا اختلفوا هل هي شرط من شروط الصحة أو من شروط الوجوب‪ ،‬ولببم يختلفببوا‬
‫أن ذلك شرط في جميع الصلوات إل في صلة الجنازة وفي السببجود‪ ،‬أعنببي سببجود‬
‫التلوة‪ ،‬فإن فيه خلفا شاذا‪ ،‬والسبب فببي ذلببك الحتمببال العببارض فببي انطلق اسببم‬
‫الصلة على الصلة على الجنائز وعلببى السببجود‪ ،‬فمببن ذهببب إلببى أن اسببم الصببلة‬
‫ينطلق على صلة الجنائز وعلى السجود نفسه وهبم الجمهبور اشبترط هبذه الطهبارة‬
‫فيهما‪ :‬ومن ذهب إلى أنه ل ينطلق عليهما إذ كانت صلة الجنببائز ليببس فيهببا ركببوع‬
‫ول سجود‪ ،‬وكان السجود أيضا ليس فيه قيام ول ركببوع لبم يشبترطوا هببذه الطهببارة‬
‫فيهما‪ ،‬ويتعلق بهذا الباب مع هذه المسألة أربع مسائل‪:‬‬
‫@‪)-‬المسألة الولى( هل هذه الطهارة شرط في مس المصببحف أم ل؟ فببذهب مالببك‬
‫وأبو حنيفة والشافعي إلى أنها شرط في مس المصحف‪ ،‬وذهب أهل الظاهر إلى أنها‬
‫ليست بشرط في ذلك‪ ،‬والسبب في اختلفهببم تببردد مفهببوم قببوله تعببالى }ل يمسببه إل‬
‫المطهرون{ بين أن يكون المطهرون هم بنو آدم وبين أن يكونوا هم الملئكببة‪ ،‬وبيببن‬
‫أن يكون هذا الخبببر مفهمببومه النهببي‪ ،‬وبيببن أن يكببون خبببرا ل نهيببا‪ ،‬فمببن فهببم مببن‬
‫المطهرون بني آدم‪ ،‬وفهببم مببن الخبببر النهببي قببال‪ :‬ل يجببوز أن يمببس المصببحف إل‬
‫طاهر‪ ،‬ومن فهم منه الخبر فقط وفهم من لفظ المطهرون الملئكة قال‪ :‬إنه ليببس فببي‬
‫الية دليل على اشتراط هذه الطهارة في مس المصحف‪ ،‬وإذا لم يكن هنالببك دليببل ل‬
‫من كتاب ول من سنة ثابتة بقي المر على البراءة الصلية وهي الباحة؛ وقد احتج‬
‫الجمهور لمذهبهم بحديث عمرو بن حزم "أن النبي عليببه الصببلة والسببلم كتببب‪ :‬ل‬
‫يمس القرآن إل طاهر" وأحاديث عمرو بن حزم اختلف الناس في وجوب العمل بهببا‬
‫لنها مصحفة‪ ،‬ورأيت ابن المفوز يصححها إذا روتها الثقات لنها كتاب النببي عليبه‬
‫الصلة والسلم‪ ،‬وكذلك أحاديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جببده‪ ،‬وأهببل الظبباهر‬
‫يردونهما‪ ،‬ورخص مالك للصبيان في مبس المصبحف علبى غيبر طهبر لنهبم غيبر‬
‫مكلفين‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية( اختلببف النبباس فببي إيجبباب الوضببوء علببى الجنببب فببي أحببوال‪:‬‬
‫أحدها إذا أراد أن ينام وهو جنب؛ فذهب الجمهور إلى استحبابه دون وجبوبه وذهبب‬
‫أهل الظاهر إلى وجوبه لثبوت ذلك عن النبي صلى ال عليه وسلم مببن حببديث عمببر‬
‫"أنه ذكر لرسول ال صلى ال عليه وسلم أنه تصيبه جنابة من الليل‪ ،‬فقال له رسببول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬توضأ واغسل ذكرك ثببم نببم" وهببو أيضبا مبروي عنببه مببن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫طريق عائشة‪ .‬وذهب الجهمور إلى حمل المر بببذلك علببى النببدب والعببدول بببه عببن‬
‫ظاهره لمكان عدم مناسبة وجوب الطهببارة لرادة النببوم‪ ،‬أعنببي المناسبببة الشببرعية‪،‬‬
‫وقد احتجوا أيضا لذلك بأحاديث أثبتها حديث ابن عببباس "أن رسببول ال ب صببلى ال ب‬
‫عليه وسلم خببرج مببن الخلء فببأتي بطعببام‪ ،‬فقببالوا‪ :‬أل نأتيببك بطهببر؟ فقببال‪ :‬أأصببلي‬
‫فأتوضأ‪ .‬وفي بعض رواياته‪ :‬فقيل له‪ :‬أل تتوضأ؟ فقال‪ :‬مببا أردت الصببلة فأتوضببأ"‬
‫والستدلل بببه ضببعيف‪ ،‬فبإنه مببن ببباب مفهببوم الخطباب مبن أضبعف أنبواعه‪ ،‬وقببد‬
‫احتجوا بحديث عائشة "أنه عليه الصلة والسلم كان ينام وهو جنب ل يمس المبباء"‬
‫إل أنه حديث ضعيف‪ .‬وكذلك اختلفوا في وجوب الوضوء على الجنب الذي يريد أن‬
‫يأكل أو يشرب وعلى الذي يريد أن يعاود أهله‪ ،‬فقال الجمهور فببي هببذا كلببه بإسببقاط‬
‫الوجوب لعدم مناسبببة الطهببارة لهببذه الشببياء‪ ،‬وذلببك أن الطهببارة إنمببا فرضببت فببي‬
‫الشرع لحوال التعظيم كالصلة‪ ،‬وأيضا فلمكان تعارض الثار في ذلببك‪ ،‬وذلببك أنببه‬
‫روي عنه عليه الصلة والسلم "أنه أمر الجنب إذا أراد أن يعبباود أهلببه أن يتوضببأ"‬
‫وروي عنببه أنببه كببان يجببامع ثببم يعبباود ول يتوضببأ‪ .‬وكببذلك روي عنببه منببع الكببل‬
‫والشرب للجنب حتى يتوضأ‪ .‬وروي عنه إباحة ذلك‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثالثة( ذهب مالك والشافعي إلى اشتراط الوضوء في الطواف‪ ،‬وذهب‬
‫أبو حنيفة إلى إسقاطه‪ .‬وسبببب اختلفهببم تببردد الطببواف بيببن أن يلحببق حكمببه بحكببم‬
‫الصلة أو ل يلحق‪ ،‬وذلك أنه ثبت "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم منع الحائض‬
‫الطواف كما منعها الصلة" فأشبه الصلة من هذه الجهة‪ .‬وقد جاء في بعببض الثببار‬
‫تسمية الطواف صلة‪ ،‬وحجة أبي حنيفة أنه ليس كل شيء منعه الحيببض‪ ،‬فالطهببارة‬
‫شرط في فعله إذا ارتفع الحيض كالصوم عند الجمهور‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الرابعة( ذهب الجمهور إلى أنبه يجبوز لغيببر متوضبئ أن يقببرأ القببرآن‬
‫ويببذكر البب‪ ،‬وقببال قببوم‪ :‬ل يجببوز ذلببك لببه إل أن يتوضببأ‪ .‬وسبببب الخلف حببديثان‬
‫متعارضان ثابتان‪ :‬أحدهما حديث أبي جهم قال "أقبل رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫من نحو بئر جمل‪ ،‬فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه السلم حتى أقبل على الجدار‪،‬‬
‫فمسح بوجهه ويديه‪ ،‬ثم إنه رد عليه الصلة والسلم السلم"‪ .‬والحديث الثاني حديث‬
‫علي "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان ل يحجبه عن قببراءة القببرآن شببيء إل‬
‫الجنابة" فصببار الجمهببور إلببى أن الحببديث الثبباني ناسببخ للول‪ ،‬وصببار مببن أوجببب‬
‫الوضوء لذكر ال إلى ترجيح الحديث الول‪.‬‬
‫*‪*3‬كتاب الغسل‪.‬‬
‫@‪-‬والصل في هذه الطهارة قوله تعالى }وإن كنتم جنبا فبباطهروا{ والكلم المحيببط‬
‫بقواعدها ينحصر بعد المعرفة بوجوبها وعلى من تجب‪ ،‬ومعرفة ما بببه تفعببل‪ ،‬وهببو‬
‫الماء المطلق في ثلثببة أبببواب‪ :‬الببباب الول‪ :‬فببي معرفببة العمببل فببي هببذه الطهببارة‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬في معرفة نواقض هذه الطهارة‪ .‬والباب الثالث‪ :‬فببي معرفببة أحكببام نببواقض‬
‫هذه الطهارة‪ .‬فأما على من تجب؟ فعلى كل من لزمته الصببلة ول خلف فببي ذلببك‪،‬‬
‫وكذلك ل خلف في وجوبها ودلئل ذلك هي دلئل الوضببوء بعينهببا‪ ،‬وقببد ذكرناهببا‪،‬‬
‫وكذلك أحكام المياه‪ ،‬وقد تقدم القول فيها‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫*‪*4‬الباب الول في معرفة العلم في هذه الطهارة‪ .‬وهذا الباب يتعلق به أربع مسائل‪:‬‬
‫@‪)-‬المسألة الولى( اختلف العلماء هبل مبن شبرط هبذه الطهببارة إمبرار اليببد علبى‬
‫جميع الجسد كالحال في طهارة أعضاء الوضببوء‪ ،‬أم يكفببي فيهببا إفاضببة المبباء علببى‬
‫جميع الجسد وإن لم يمر يديه على بدنه؛ فأكثر العلماء على أن إفاضة الماء كافية في‬
‫ذلك‪ .‬وذهب مالك وجل أصببحابه والمزنببي مببن أصببحاب الشببافعي إلببى أنببه إن فببات‬
‫المتطهر موضع واحد من جسده لم يمر يده عليه أن طهره لم يكمل بعد‪ .‬والسبب في‬
‫اختلفهم اشتراك اسم الغسل ومعارضة ظبباهر الحبباديث الببواردة فببي صببفة الغسببل‬
‫لقياس الغسل على ذلك في الوضوء‪ ،‬وذلك أن الحاديث الثابتة التي وردت في صفة‬
‫غسله عليه الصلة والسلم من حديث عائشة وميمونة ليس فيها ذكببر التببدلك‪ ،‬وإنمببا‬
‫فيها إفاضة الماء فقط‪ .‬ففي حديث عائشة قالت "كان رسول ال صلى ال عليه وسببلم‬
‫إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسببل فرجببه‪ ،‬ثببم‬
‫يتوضأ وضوءه للصلة‪ ،‬ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشببعر‪ ،‬ثببم يصببب‬
‫على رأسه ثلث غرفات‪ ،‬ثم يفيض الماء على جلده كله" والصفة الواردة في حببديث‬
‫ميمونة قريبة مبن هبذا‪ ،‬إل أنبه أخبر غسبل رجليبه مبن أعضباء الوضبوء إلبى آخبر‬
‫الطهر‪ ،‬وفي حديث أم سلمة أيضا‪ ،‬وقد سبألته عليبه الصببلة والسبلم ‪" :‬هببل تنقبض‬
‫ضفر رأسها لغسل الجنابة‪ ،‬فقال عليه الصلة والسببلم ‪ :‬إنمببا يكفيببك أن تحببثي علببى‬
‫رأسك الماء ثلث حثيات‪ ،‬ثم تفيضي عليك الماء فإذا أنت قد طهرت" وهو أقوى في‬
‫إسقاط التببدلك مببن تلببك الحبباديث الخببر‪ ،‬لنببه ل يمكببن هنالببك أن يكببون الواصببف‬
‫لطهره قد ترك التدلك‪ ،‬وأمبا ههنبا فإنمبا حصبر لهبا شبروط الطهبارة‪ ،‬ولبذلك أجمبع‬
‫العلماء على أن صفة الطهارة الواردة من حديث ميمونة وعائشة هي أكمل صببفاتها‪،‬‬
‫وأن ما ورد في حديث أم سلمة من ذلك فهو من أركانها الواجبببة‪ ،‬وأن الوضببوء فببي‬
‫أول الطهر ليس من شرط الطهر إل خلفا شاذا‪ ،‬روي عببن الشببافعي وفيببه قببوة مببن‬
‫جهة الحاديث‪ ،‬وفي قول الجمهبور قبوة مبن جهبة النظبر‪ ،‬لن الطهبارة ظباهر مبن‬
‫أمرها أنها شرط في صحة الوضوء‪ ،‬ل أن الوضوء شرط في صحتها‪ ،‬فهو من باب‬
‫معارضة القياس لظبباهر الحببديث‪ ،‬وطريقببة الشببافعي تغليببب ظبباهر الحبباديث علببى‬
‫القياس؛ فذهب قوم كمببا قلنببا إلببى ظبباهر الحبباديث وغلبببوا ذلببك علببى قياسببها علببى‬
‫الوضوء‪ ،‬فلم يوجبوا التدلك‪ ،‬وغلب آخرون قياس هذه الطهارة علببى الوضببوء علببى‬
‫ظاهر الحاديث‪ ،‬فأوجبوا التدلك كالحال في الوضوء‪ ،‬فمن رجح القيبباس صببار إلببى‬
‫إيجاب التدلك‪ ،‬ومن رجح ظاهر الحبباديث علببى القيبباس صببار إلببى إسببقاط التببدلك‪،‬‬
‫وأعني بالقياس‪ :‬قياس الطهر على الوضوء‪ .‬وأما الحتجبباج مببن طريببق السببم ففيببه‬
‫ضعف إذ كان اسم الطهر والغسل ينطلق في كلم العرب على المعنيين جميعببا علببى‬
‫حد سواء‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية( اختلفوا هل من شروط هذه الطهارة النيببة أم ل؟ كبباختلفهم فببي‬
‫الوضوء‪ ،‬فذهب مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وداود وأصحابه إلببى أن النيببة مببن‬
‫شروطها‪ ،‬وذهب أبو حنيفة وأصحابه والثوري إلى أنها تجزئ بغير نية كالحببال فببي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الوضوء عندهم‪ .‬وسبب اختلفهم في الطهر هو بعينه سبب اختلفهببم فببي الوضببوء‪،‬‬
‫وقد تقدم ذلك‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثالثببة( اختلفببوا فببي المضمضببة والستنشبباق فببي هببذه الطهببارة أيضببا‬
‫كاختلفهم فيهما في الوضوء‪ .‬أعني هل هما واجبان فيها أم ل؟ فذهب قوم إلى أنهمببا‬
‫غير واجبين فيها‪ ،‬وذهب قوم إلى وجوبهما؛ وممن ذهببب إلببى عببدم وجوبهمببا مالببك‬
‫والشافعي‪ ،‬وممن ذهب إلى وجوبهما أبو حنيفة وأصحابه‪ .‬وسبب اختلفهم معارضة‬
‫ظاهر حديث أم سلمة للحاديث التي نقلت من صفة وضببوئه عليببه الصببلة والسببلم‬
‫في طهره وذلك أن الحاديث التي نقلت من صفة وضوئه في الطهر فيها المضمضة‬
‫والستنشاق‪ ،‬وحديث أم سلمة ليس فيه أمر ل بمضمضة ول باستنشبباق‪ ،‬فمببن جعببل‬
‫حديث عائشة وميمونة مفسرا لمجمل حديث أم سبلمة ولقبوله تعبالى }وإن كنتبم جنببا‬
‫فاطهروا{ أوجب المضمضة والستنشاق‪ ،‬ومن جعله معارضا جمع بينهما بأن حمببل‬
‫حديثي عائشة وميمونة على الندب‪ ،‬وحديث أم سببلمة علببى الوجببوب‪ ،‬ولهببذا السبببب‬
‫بعينه اختلفوا في تخليل الرأس هل هو واجب في هذه الطهببارة أم ل؟ ومببذهب مالببك‬
‫أنه مستحب‪ ،‬ومذهب غيره أنه واجببب‪ ،‬وقببد عضببد مببذهبه مببن أوجببب التخليببل بمببا‬
‫روي عنه عليه الصلة والسلم أنه قال " تحت كل شعرة جنابة فأنقوا البشببرة وبلببوا‬
‫الشعر"‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الرابعة( اختلفوا هل من شرط هببذه الطهببارة الفببور والببترتيب‪ ،‬أم ليسببا‬
‫من شروطهما كاختلفهم من ذلك في الوضوء؟‪ .‬وسبب اختلفهم فببي ذلببك هببل فعلببه‬
‫عليه الصلة والسلم محمول على الوجوب أو على الندب؟ فإنه لببم ينقببل عنببه عليببه‬
‫الصلة والسلم أنه ما توضأ قط إل مرتبا متواليا‪ ،‬وقد ذهب قوم إلى أن الترتيب في‬
‫هذه الطهارة أبين منها في الوضوء‪ .‬وذلببك بيببن الببرأس وسببائر الجسببد‪ ،‬لقببوله عليببه‬
‫الصلة والسلم في حديث أم سلمة "إنما يكفيك أن تحثي علببى رأسببك ثلث حثيببات‪،‬‬
‫ثم تفيضي الماء على جسدك" وحرف ثم يقتضي الترتيب بل خلف بين أهل اللغة‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الثاني في معرفة نواقض هذه الطهارة‪.‬‬
‫@‪-‬والصل في هذا الباب قوله تعالى }وإن كنتم جنبا فبباطهروا{ وقببوله }ويسببألونك‬
‫عن المحيض قل هو أذى{ الية‪ .‬واتفق العلماء على وجوب هذه الطهارة من حدثين‪:‬‬
‫أحدهما خروج المني على وجه الصحة في النوم أو اليقظة من ذكر كان أو أنثى‪ ،‬إل‬
‫ما روي عن النخعي من أنه كان ل يرى على المرأة غسل من الحتلم‪ ،‬وإنما اتفببق‬
‫الجمهور على مساواة المرأة في الحتلم للرجل لحببديث أم سببلمة الثببابت أنهببا قببالت‬
‫"يا رسول ال المرأة ترى في المنام مثل ما يرى الرجل هل عليها غسببل؟ قببال‪ :‬نعببم‬
‫إذا رأت الماء"‪ .‬وأما الحببديث الثبباني الببذي اتفقببوا عليببه فهببو دم الحيببض‪ ،‬أعنببي إذا‬
‫انقطع‪ ،‬وذلك أيضا لقوله تعالى }ويسألونك عن المحيض{ الية‪ ،‬ولتعليمه الغسل مببن‬
‫الحيض لعائشبة وغيرهبا مبن النسباء‪ .‬واختلفبوا فبي هبذا البباب ممبا يجبري مجبرى‬
‫الصول في مسئلتين مشهورتين‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الولى( اختلف الصحابة رضي ال عنهم في سبب إيجبباب الطهببر مببن‬
‫الوطء‪ ،‬فمنهم من رأى الطهر واجبا في التقاء الختانين أنزل أم لم ينزل‪ ،‬وعليه أكثر‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فقهباء المصبار مالببك وأصببحابه والشبافعي وأصبحابه وجماعبة مبن أهببل الظبباهر‪،‬‬
‫وذهب قوم من أهل الظاهر إلى إيجاب الطهر مع النزال فقط والسبب في اختلفهببم‬
‫في ذلك تعارض الحاديث فببي ذلببك‪ ،‬لنببه ورد فببي ذلببك حببديثان ثابتببان اتفببق أهببل‬
‫الصحيح على تخريجهما‪ .‬قال القاضي رضي ال عنه‪ :‬ومتى قلت ثابت‪ ،‬فإنما أعنببي‬
‫به ما أخرجه البخاري ومسلم‪ ،‬أو ما اجتمعا عليه‪ :‬أحدهما حديث أبي هريببرة رضببي‬
‫ال عنه عن النبي عليه الصلة والسلم أنه قال "إذا قعببد بيببن شببعبها الربببع وألببزق‬
‫الختان بالختان فقد أوجب الغسل" والحديث الثاني حببديث عثمببان أنببه سببئل فقيببل لببه‬
‫"أرأيت الرجل إذا جامع أهلببه ولببم يمببن؟ قببال عثمببان‪ :‬يتوضببأ كمببا يتوضببأ للصببلة‬
‫سمعته من رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم " فببذهب العلمبباء فببي هببذين الحببديثين‬
‫مذهبين‪ :‬أحدهما مذهب النسخ‪ ،‬والثبباني مببذهب الرجببوع إلببى مببا عليببه التفبباق عنببد‬
‫التعببارض الببذي ل يمكببن الجمببع فيببه ول الترجيببح‪ .‬فببالجمهور رأوا أن حببديث أبببي‬
‫هريرة ناسخ لحديث عثمان‪ ،‬ومن الحجة لهم على ذلك ما روي عن أبي بن كعب أنه‬
‫قال‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم إنما جعل ذلك رخصببة فببي أول السببلم ثببم‬
‫أمر بالغسل‪ ،‬خرجه أبو داود‪ .‬وأما من رأى أن التعارض بين هذين الحديثين هو مما‬
‫ل يمكن الجمع فيه بينهما ول الترجيح فوجب الرجببوع عنببده إلببى مبا عليببه التفبباق‪،‬‬
‫وهو وجوب الماء من الماء‪ .‬وقد رحج الجمهور حديث أبي هريرة من جهة القيبباس‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬وذلك أنه لما وقع الجماع علببى أن مجبباورة الختببانين تببوجب الحببد وجببب أن‬
‫يكون هبو المبوجب للغسبل‪ ،‬وحكمبوا أن هبذا القيباس مبأخوذ عبن الخلفباء الربعبة‪،‬‬
‫ورجح الجمهور ذلك أيضا من حديث عائشة لخبارها ذلك عن رسول ال صلى الب‬
‫عليه وسلم‪ ،‬خرجه مسلم‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية( اختلف العلماء في الصفة المعتبرة في كون خروج المني موجبا‬
‫للطهر‪ .‬فذهب مالك إلى اعتبار اللذة في ذلك‪ .‬وذهب الشافعي إلببى أن نفببس خروجببه‬
‫هو الموجب للطهر سواء خرج بلذة أو بغير لذة‪ .‬وسبب اختلفهم في ذلك هو شيئان‪:‬‬
‫أحدهما هل اسم الجنب ينطلق على الذي أجنببب علببى الجهببة الغيببر المعتببادة أم ليببس‬
‫ينطلق عليه؟ فمن رأى أنه إنما ينطلق على الذي أجنب على طريق العادة لببم يببوجب‬
‫الطهر في خروجه من غير لذة‪ ،‬ومن رأى أنه ينطلق على خروج المني كيفما خرج‬
‫أوجب منه الطهر وإن لم يخرج مع لذة‪ .‬والسبب الثاني تشبيه خروجه بغيببر لببذة بببدم‬
‫الستحاضة‪ ،‬واختلفهم في خروج الدم على جهة الستحاضببة هببل يببوجب طهببرا أم‬
‫ليس يوجبه؟ فسنذكره في باب الحيض وإن كان من هذا الباب‪.‬‬
‫وفي المذهب في هذا الباب فرع‪ ،‬وهو إذا انتقل من أصل مجاريه بلذة ثببم خببرج فببي‬
‫وقت آخر بغير لذة مثل أن يخرج مببن المجببامع بعببد أن يتطهببر‪ ،‬فقيببل يعيببد الطهببر‪،‬‬
‫وقيل ل يعيده‪ ،‬وذلك أن هذا النوع من الخببروج صببحبته اللببذة فببي بعببض نقلتببه ولببم‬
‫تصحبه في بعض‪ ،‬فمن غلب حال اللذة قال‪ :‬يجب الطهر‪ ،‬ومن غلب حال عدم اللببذة‬
‫قال‪ :‬ل يجب عليه الطهر‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الثالث‪ .‬في أحكام هذين الحدثين أعني الجنابة والحيض‪.‬‬
‫*‪*5‬أما أحكام الحدث الذي هو الجنابة‪ ،‬ففيه ثلث مسائل‪:‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪)-‬المسألة الولى( اختلف العلماء فببي دخببول المسببجد للجنببب علببى ثلثببة أقببوال‪:‬‬
‫فقوم منعوا ذلك بإطلق‪ ،‬وهو مذهب مالك وأصحابه؛ وقوم منعوا ذلك إل لعابر فيببه‬
‫ل مقيم ومنهم الشافعي؛ وقوم أباحوا ذلك للجميع‪ ،‬ومنهم داود وأصحابه فيما أحسب‪.‬‬
‫وسبب اختلف الشافعي وأهل الظاهر هو تردد قبوله تببارك وتعببالى }يبا أيهبا البذين‬
‫آمنوا ل تقربوا الصلة وأنتم سكارى{ الية‪ ،‬بين أن يكون في الية مجاز حتى يكون‬
‫هنالك محذوف مقدر وهبو موضبع الصبلة‪ :‬أي ل تقرببوا موضبع الصبلة‪ ،‬ويكبون‬
‫عابر السبيل استثناء من النهي عن قرب موضببع الصببلة‪ ،‬وبيببن أن ل يكببون هنالببك‬
‫محذوف أصل وتكون الية على حقيقتها‪ ،‬ويكون عابر السبيل هو المسافر الذي عدم‬
‫الماء وهو جنب‪ ،‬فمن رأى أن في اليبة محبذوفا أجباز المبرور للجنبب فبي المسبجد‬
‫ومن لم ير ذلك لم يكن عنده في الية دليل على منع الجنب القامة في المسببجد وأمببا‬
‫من منع العبور في المسجد فل أعلم لببه دليل إل ظبباهر مببا روي عنببه عليببه الصببلة‬
‫والسلم أنه قال "ل أحل المسجد لجنب ول حائض" وهو حديث غير ثابت عند أهببل‬
‫الحديث‪ ،‬واختلفهم في الحائض في هذا المعنى هو اختلفهم في الجنب‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية‪ :‬مس الجنب المصحف( ذهب قوم إلى إجببازته وذهببب الجهمببور‬
‫إلى منعبه‪ ،‬وهبم البذين منعبوا أن يمسبه غيبر متوضبئ‪ .‬وسببب اختلفهبم هبو سببب‬
‫اختلفهم في منع غير المتوضئ أن يمسه أعني قوله }ل يمسببه إل المطهببرون{ وقببد‬
‫ذكرنا سبب الختلف في الية فيما تقدم‪ ،‬وهو بعينه سبب اختلفهم في منع الحائض‬
‫مسه‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثالثة‪ :‬قراءة القرآن للجنب( اختلف النبباس فببي ذلببك‪ ،‬فببذهب الجمهببور‬
‫إلى منع ذلك‪ ،‬وذهب قوم إلى إباحته‪ ،‬والسبب في ذلك الحتمال المتطرق إلى حديث‬
‫علي أنه قال "كان عليه الصلة والسلم ل يمنعه من قراءة القرآن شيء إل الجنابببة"‬
‫وذلك أن قوما قالوا‪ :‬إن هذا ل يوجب شيئا‪ ،‬لنه ظن من الراوي‪ ،‬ومن أين يعلم أحببد‬
‫أن ترك القراءة كان لموضع الجنابة إل لو أخبره بذلك؟ والجمهور رأوا أنه لببم يكببن‬
‫علي رضي ال عنه ليقول هذا عن توهم ول ظن‪ ،‬وإنما قاله عن تحقق‪ ،‬وقوم جعلوا‬
‫الحائض في هذا الختلف بمنزلببة الجنببب‪ ،‬وقببوم فرقببوا بينهمببا‪ ،‬فأجببازوا للحببائض‬
‫القراءة القليلة استحسانا لطول مقامها حائضا‪ ،‬وهببو مببذهب مالببك‪ ،‬فهببذه هببي أحكببام‬
‫الجنابة‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما أحكام الدماء الخارجة من الرحم( فببالكلم المحيببط بأصببولها ينحصببر فببي‬
‫ثلثببة أبببواب‪ :‬الول‪ :‬معرفببة أنببواع الببدماء الخارجببة مببن الرحببم‪ .‬والثبباني‪ :‬معرفببة‬
‫العلمببات الببتي تببدل علببى انتقببال الطهببر إلببى الحيببض‪ ،‬والحيببض إلببى الطهببر أو‬
‫الستحاضببة‪ ،‬والستحاضببة أيضببا إلببى الطهببر‪ .‬والثببالث‪ :‬معرفببة أحكببام الحيببض‬
‫والستحاضة‪ :‬أعني موانعهما وموجباتهما‪.‬‬
‫ونحن نذكر في كل ببباب مببن هببذه البببواب الثلثببة مببن المسببائل مببا يجببري مجببرى‬
‫القواعد والصول لجميع مببا فببي هببذا الببباب علببى مببا قصببدنا إليببه ممببا اتفقببوا عليببه‬
‫واختلفوا فيه‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الول‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬اتفق المسلمون على أن الدماء الببتي تخببرج مببن الرحببم ثلثببة‪ :‬دم حيببض‪ ،‬وهببو‬
‫الخارج على جهة الصحة‪ ،‬ودم استحاضة‪ ،‬وهو الخبارج علبى جهببة المبرض‪ ،‬وأنببه‬
‫غير دم الحيض لقوله عليه الصلة والسلم "إنما ذلك عببرق وليببس بالحيضببة"‪ .‬ودم‬
‫نفاس‪ ،‬وهو الخارج مع الولد‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الثاني‪.‬‬
‫@‪-‬أما معرفة علمات انتقال هذه الببدماء بعضببها إلببى بعببض‪ ،‬وانتقببال الطهببر إلببى‬
‫الحيض‪ ،‬والحيض إلى الطهر‪ ،‬فإن معرفة ذلبك فبي الكبثر تنبنبي علبى معرفبة أيبام‬
‫الدماء المعتادة وأيام الطهار‪ ،‬ونحن نذكر منها ما يجري مجرى الصول وهي سبع‬
‫مسائل‪:‬‬
‫@‪)-‬المسألة الولى( اختلف العلماء في أكثر أيام الحيض وأقلهببا وأقببل أيببام الطهببر‪،‬‬
‫فروي عن مالك أن أكثر أيام الحيض خمسة عشر يوما‪ ،‬وبه قال الشافعي‪ ،‬وقال أبببو‬
‫حنيفة‪ :‬أكثره عشرة أيام‪ ،‬وأما أقل أيام الحيض فل حد لها عنببد مالببك‪ ،‬بببل قببد تكببون‬
‫الدفعببة الواحببدة عنببده حيضببا‪ ،‬إل أنببه ل يعتببد بهببا فببي القببراء فببي الطلق‪ .‬وقببال‬
‫الشافعي‪ :‬أقله يوم وليلة‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬أقله ثلثة أيام‪ .‬وأما أقل الطهر فاضببطربت‬
‫فيه الروايات عبن مالبك‪ ،‬فبروي عنبه عشبرة أيبام‪ ،‬وروي عنبه ثمانيبة أيبام‪ ،‬وروي‬
‫خمسة عشر يوما‪ ،‬وإلى هذه الرواية مال البغدايون من أصحابه‪ ،‬وبهبا قبال الشببافعي‬
‫وأبو حنيفة‪ ،‬وقيل سبعة عشر يوما‪ ،‬وهو أقصى ما انعقد عليه الجماع فيما أحسببب‪،‬‬
‫وأما أكثر الطهر فليس له عندهم حد؛ وإذا كان هذا موضوعا من أوقاويلهم فمن كان‬
‫لقل الحيض عنده قدر معلوم وجب أن يكون ما كان أقل من ذلك القببدر إذا ورد فببي‬
‫سن الحيض عنده استحاضة‪ ،‬ومن لم يكن لقل الحيض عنده قببدر محببدود وجببب أن‬
‫تكون الدفعة عنده حيضا‪ ،‬ومن كان أيضا عنده أكثره محدودا وجب أن يكون ما زاد‬
‫على ذلك القدر عنده استحاضة‪ ،‬ولكن محصل مذهب مالك في ذلببك أن النسبباء علببى‬
‫ضربين‪ :‬مبتدأة ومعتادة؛ فالمبتدأة تترك الصلة برؤية أول دم تراه إلببى تمببام خمسببة‬
‫عشر يوما‪ ،‬فإن لم ينقطع صلت وكانت مستحاضة‪ ،‬وبببه قبال الشبافعي‪ ،‬إل أن مالكببا‬
‫قال تصلي من حين تتيقن الستحاضة‪ ،‬وعند الشافعي أنها تعيد صببلة مببا سببلف لهببا‬
‫من اليام‪ ،‬إل أقل الحيض عنده وهو يوم وليلة‪ .‬وقيل عن مالك بل تعتد أيام لداتها ثم‬
‫تستظهر بثلثة ايام‪ ،‬فإن لم ينقطع الدم فهي مستحاضة‪ .‬وأما المعتببادة ففيهببا روايتببان‬
‫عن مالك‪ :‬إحداهما بناؤها على عادتهببا وزيببادة ثلثببة أيببام مببا لببم تتجباوز أكببثر مببدة‬
‫الحيض‪ .‬والثانية جلوسها إلى انقضاء أكثر مببدة الحيببض‪ ،‬أو تعمببل علببى التمييببز إن‬
‫كانت من أهل التمييز‪ .‬وقبال الشببافعي‪ :‬تعمبل علبى أيببام عادتهببا وهببذه القاويببل لهببا‬
‫المختلف فيها عنببد الفقهبباء فببي أقببل الحيببض وأكببثره وأقببل الطهببر ل مسببتند لهببا إل‬
‫التجربببة والعببادة‪ ،‬وكببل إنمببا قببال مببن ذلببك مببا ظببن أن التجربببة أوقفتببه علببى ذلببك‬
‫ولختلف ذلك في النساء عسببر أن يعببرف بالتجربببة حببدود هببذه الشببياء فببي أكببثر‬
‫النساء‪ ،‬ووقع في ذلك هببذا الخلف الببذي ذكرنببا وأجمعببوا بالجملببة علببى أن الببدم إذا‬
‫تمادى أكثر من مدة أكثر الحيض أنه استحاضة لقول رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫الثابت لفاطمة بنت حبيش "فإذا أقبلت الحيضببة فبباتركي الصببلة‪ ،‬فبإذا ذهبببت قببدرها‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فاغسلي عنك الدم وصلي" والمتجاوزة لمد أكثر أيام الحيض قد ذهببب عنهببا قببدرها‬
‫ضرورة وإنما صار الشافعي ومالك رحمه ال في المعتادة في إحدى الروايببتين عنببه‬
‫إلى أنها تبني على عادتها لحديث أم سببلمة الببذي رواه فببي الموطببأ "أن امببرأة كببانت‬
‫تهراق الدماء على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال لتنظر إلى عببدد الليببالي‬
‫واليام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها‪ ،‬فلتترك الصببلة‬
‫قدر ذلك من الشهر‪ ،‬فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ثم لتسببتثفر بثببوب ثببم لتصببلي" فببألحقوا‬
‫حكم الحائض التي تشك في الستحاضة بحكم المستحاضة الببتي تشببك فببي الحيببض‪.‬‬
‫وإنما رأى أيضا في المبتدأة أن يعتبر أيام لداتها‪ ،‬لن أيام لداتها شبيهة بأيامها فجعببل‬
‫حكمهما واحدا‪ .‬وأما الستظهار الذي قال به مالك بثلثبة أيببام‪ ،‬فهبو شببيء انفببرد بببه‬
‫مالك وأصحابه رحمهم ال وخالفهم في ذلك جميع فقهاء المصار ما عدا الوزاعي‪،‬‬
‫إذ لم يكن لذلك ذكر في الحاديث الثابتة‪ ،‬وقد روي في ذلك أثر ضعيف‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية( ذهب مالك وأصحابه في الحائض التي تنقطببع حيضببتها‪ ،‬وذلببك‬
‫بأن تحيض يوما أو يومين‪ ،‬وتطهر يوما أو يومين إلى أنها تجمببع أيببام الببدم بعضببها‬
‫إلى بعض وتلغي أيبام الطهبر وتغتسببل فببي كببل يببوم تبرى فيبه الطهبر أول مبا تبراه‬
‫وتصلي‪ ،‬فإنها ل تدري لعل ذلك طهر فإذا اجتمع لها من أيام الدم خمسة عشبر يومبا‬
‫فهي مستحاضة‪ ،‬وبهذا القول قال الشافعي‪ .‬وروي عن مالك أيضا أنها تلفق أيام البدم‬
‫وتعتبر ذلك أيام عادتها فإن ساوتها استظهرت بثلثة أيام‪ ،‬فإن انقطع الببدم وإل فهببي‬
‫مستحاضة‪ ،‬وجعل اليام التي ل تر فيها الدم غير معتبرة في العدد ل معنى له‪ ،‬فببإنه‬
‫ل تخلو تلك اليام أن تكون أيام حيض أو أيام طهر‪ ،‬فإن كانت أيام حيض فيجببب أن‬
‫تلفقها إلى أيام الدم‪ ،‬وإن كانت أيام طهر فليبس يجبب أن تلفبق أيببام الببدم‪ ،‬إذ كبان قبد‬
‫تخللها طهر‪ ،‬والذي يجيء على أصوله أنها أيام حيببض ل أيببام طهببر إذ أقببل الطهببر‬
‫عنده محدود وهو أكثر من اليوم واليومين فتببدبر هببذا فببإنه بيببن إن شبباء الب تعببالى‪.‬‬
‫والحق أن دم الحيض ودم النفبباس يجببري ثببم ينقطببع يومببا أو يببومين ثببم يعببود حبتى‬
‫تنقضي أيام الحيض أو أيام النفاس كما تجري ساعة أو ساعتين من النهار ثم تنقطع‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثالثة( اختلفوا في أقل النفاس وأكثره؛ فذهب مالك إلى أنه ل حد لقله‪،‬‬
‫وبه قال الشافعي؛ وذهب أبو حنيفة وقوم إلى أنه محدود‪ ،‬فقال أبو حنيفة‪ :‬هو خمسببة‬
‫وعشرون يوما‪ ،‬وقال أبو يوسف صاحبه‪ :‬أحد عشر يومببا‪ ،‬وقببال الحسببن البصببري‪:‬‬
‫عشرون يوما‪ .‬وأما أكثره فقال مالك مرة‪ :‬هو ستون يوما‪ ،‬ثم رجببع عببن ذلببك فقببال‪:‬‬
‫يسأل عن ذلك النساء‪ ،‬وأصحابه ثابتون على القول الول وببه قبال الشبافعي‪ .‬وأكبثر‬
‫أهل العلم من الصحابة على أن أكثره أربعببون يومببا‪ ،‬وبببه قببال أبببو حنيفببة وقببد قيببل‬
‫تعتبر المرأة في ذلك أيام أشباهها من النساء‪ ،‬فإذا جاوزتها فهببي مستحاضببة‪ .‬وفببرق‬
‫قوم بين ولدة الذكر وولدة النثى‪ ،‬فقالوا‪ :‬للذكر ثلثون يومببا وللنببثى أبعببون يومببا‬
‫وسبب الخلف عسر الوقوف على ذلك بالتجربة لختلف أحببوال النسبباء فببي ذلببك‪،‬‬
‫ولنه ليس هناك سنة يعمل عليها كالحال في اختلفهم في أيام الحيض والطهر‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الرابعة( اختلف الفقهاء قديما وحديثا هببل الببدم الببذي تببرى الحامببل هببو‬
‫حيض أم استحاضة؟ فذهب مالك والشافعي في أصح قوليه وغيرهما إلى أن الحامببل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫تحيض؛ وذهب أبو حنيفة وأحمد والثوري وغيرهم إلببى أن الحامببل ل تحيببض‪ ،‬وأن‬
‫الدم الظاهر لها دم فساد وعلة‪ ،‬إل أن يصيبها الطلببق‪ ،‬فببأجمعوا علببى أنببه دم نفبباس‪،‬‬
‫وأن حكمه حكم الحيض في منعه الصلة وغير ذلك من أحكببامه‪ ،‬ولمالببك وأصببحابه‬
‫في معرفة انتقال الحائض الحامببل إذا تمببادى بهببا الببدم مببن حكببم الحيببض إلببى حكببم‬
‫الستحاضة أقوال مضطربة‪ :‬أحدها أن حكمهبا حكبم الحبائض نفسبها؛ أعنبي إمبا أن‬
‫تقعد أكثر أيام الحيبض ثبم هبي مستحاضبة‪ ،‬وإمبا أن تسبتظهر علبى أيامهبا المعتبادة‬
‫بثلثة أيام ما لم يكن مجموع ذلك أكثر من خمسة عشر يوما‪ ،‬وقيل إنها تقعد حائضا‬
‫ضعف أكثر أيام الحيض‪ ،‬وقيل إنها تضعف أكببثر أيببام الحيببض بعببدد الشببهور الببتي‬
‫مرت لها ففي الشهر الثاني من حملها تضعف أيام أكثر الحيض مرتين‪ ،‬وفي الثببالث‬
‫ثلث مرات وفي الرابع أربع مرات وكذلك ما زادت الشبهر‪ .‬وسببب اختلفهبم فبي‬
‫ذلك عسر الوقوف على ذلك بالتجربة واختلط المرين‪ ،‬فإنه مببرة يكببون الببدم الببذي‬
‫تراه الحامل دم حيض‪ ،‬وذلك إذا كانت قببوة المببرأة وافببرة والجنيببن صببغيرا‪ ،‬وبببذلك‬
‫أمكن أن يكون حمل على حمببل علببى مببا حكبباه بقببراط وجببالينوس وسببائر الطببباء‪،‬‬
‫ومرة يكون الدم الذي تراه الحامل لضعف الجنين ومرضه التابع لضببعفها ومرضببها‬
‫في الكثر‪ ،‬فيكون دم علة ومرض‪ ،‬وهو في الكثر دم علة‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الخامسة( اختلف الفقهبباء فببي الصببفرة والكببدرة هببل هببي حيبض أم ل؟‬
‫فرأت جماعة أنها حيض في أيام الحيض‪ ،‬وبه قال الشافعي وأبو حنيفة‪ ،‬وروي مثببل‬
‫ذلك عن مالك‪ .‬وفي المدونة عنه‪ :‬أن الصفرة والكدرة حيض فبي أيبام الحيبض وفبي‬
‫غير أيام الحيض رأت ذلك مع الدم أم لم تره‪ .‬وقببال داود وأبببو يوسببف‪ :‬إن الصببفرة‬
‫والكدرة ل تكون حيضة إل بأثر الدم‪ .‬والسبب في اختلفهم مخالفببة ظبباهر حبديث أم‬
‫عطية لحديث عائشة‪ ،‬وذلك أنه روي عن أم عطية أنها قالت‪ :‬كنا ل نعد الصفرة ول‬
‫الكدرة بعد الغسل شيئا‪ ،‬وروي عن عائشة‪ :‬أن النساء كن يبعثببن إليهبا بالدرجبة فيهبا‬
‫الكرسف فيه الصفرة والكدرة من دم الحيض يسألنها عن الصلة؛ فتقببول‪ :‬ل تعجلببن‬
‫حتى ترين القصة البيضاء‪ ،‬فمن رجح حديث عائشة جعل الصببفرة والكببدرة حيضببا‪،‬‬
‫سواء ظهرت في أيام الحيض أو في غير أيامه مع الدم أو بل دم‪ ،‬فببإن حكببم الشببيء‬
‫الواحد في نفسه ليس يختلف‪ ،‬ومن رام الجمع بين الحديثين قال‪ :‬إن حببديث أم عطيببة‬
‫هو بعد انقطاع الدم‪ ،‬وحديث عائشة في أثر انقطبباعه‪ ،‬أو إن حببديث عائشببة هببو فببي‬
‫أيام الحيض‪ ،‬وحديث أم عطية في غير أيام الحيض‪ .‬وقد ذهب قوم إلى ظاهر حديث‬
‫أم عطية ولم يروا الصفرة ول الكدرة شببيئا ل فببي أيببام حيببض ول فببي غيرهببا‪ ،‬ول‬
‫بأثر الدم ول بعد انقطاعه‪ ،‬لقول رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم "دم الحيببض دم‬
‫أسود يعرف" ولن الصفرة والكدرة ليست بدم‪ ،‬وإنما هي من سائر الرطوبببات الببتي‬
‫ترخيها الرحم‪ ،‬وهو مذهب أبي محمد بن حزم‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة السادسة( اختلف الفقهاء في علمة الطهر‪ ،‬فرأى قوم أن علمة الطهببر‬
‫رؤية القصة البيضاء أو الجفوف‪ ،‬وبببه قببال ابببن حبببيب مببن أصببحاب مالببك وسببواء‬
‫كببانت المببرأة ممببن عادتهببا أن تطهببر بالقصببة البيضبباء أو بببالجفوف أي ذلببك رأت‬
‫طهرت به‪ .‬وفرق قوم فقالوا‪ :‬إن كانت المرأة ممن تببرى القصببة البيضبباء فل تطهببر‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫حتى تراها‪ ،‬وإن كانت ممن ل تراها فطهرها الجفوف‪ ،‬وذلك في المدونة عن مالببك‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم أن منهم من راعى العادة ومنهم من راعببى انقطبباع الببدم فقببط‪ ،‬وقببد‬
‫قيل إن التي عادتها الجفوف تطهر بالقصة البيضبباء ول تطهببر الببتي عادتهببا القصببة‬
‫البيضاء بالجفوف وقد قيل بعكس هذا وكله لصحاب مالك‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة السابعة( اختلف الفقهاء في المستحاضة إذا تمادى بها الببدم مببتى يكببون‬
‫حكمها حكم الحائض‪ ،‬كما اختلفوا في الحائض إذا تمادى بها الدم متى يكببون حكمهببا‬
‫حكبم المستحاضبة‪ ،‬وقبد تقبدم ذلبك‪ ،‬فقبال مالبك فبي المستحاضبة أببدأ‪ :‬حكمهبا حكبم‬
‫الطاهرة إلى أن يتغير الببدم إلببى صببفة الحيببض‪ ،‬وذلببك إذا مضببى لستحاضببتها مببن‬
‫اليام ما هو أكثر من أقببل أيببام الطهببر‪ ،‬فحينئذ تكببون حائضببا‪ :‬أعنببي إذا اجتمببع لهببا‬
‫هذان الشيئان تغير الدم وأن يمر لها في الستحاضببة مببن اليببام مببا يمكببن أن يكببون‬
‫طهرا‪ ،‬وإل فهي مستحاضة أبدا‪ .‬وقال أبو حنيفة تقعد أيام عادتها إن كانت لها عادة‪،‬‬
‫وإن كانت مبتدأة قعدت أكثر الحيض وذلك عنببده عشببرة أيببام‪ .‬وقببال الشببافعي تعمببل‬
‫على التمييز إن كانت من أهل التمييز‪ ،‬وإن كانت من أهل العادة عملت على العببادة‪،‬‬
‫وإن كانت من أهلهما معا فله في ذلك قببولن‪ :‬أحببدهما تعمببل علببى التمييببز‪ ،‬والثبباني‬
‫على العادة‪ .‬والسبب في اختلفهم أن في ذلك حديثين مختلفين أحدهما حببديث عائشببة‬
‫عن فاطمة بنت أبي حبيش "أن النبي عليه الصلة والسلم أمرها وكانت مستحاضببة‬
‫أن تدع الصلة قدر أيامها التي كانت تحيض فيها قبببل أن يصببيبها الببذي أصببابها ثببم‬
‫تغتسل وتصلي" وفي معناه أيضا حديث أم سلمة المتقدم الذي خرجه مالك‪ ،‬والحديث‬
‫الثاني ما خرجه أبو داود من حديث فاطمة بنت أبببي حبببيش أنهببا كببانت استحيضببت‬
‫فقال لها رسول ال صلى ال عليه وسلم "إن دم الحيضة أسود يعرف‪ ،‬فإذا كان ذلببك‬
‫فامكثي عن الصلة‪ ،‬وإذا كان الخر فتوضيء وصلي فإنما هو عرق" وهذا الحديث‬
‫صححه أبو محمد بن حزم‪ ،‬فمن هؤلء من ذهب مذهب الترجيح‪ ،‬ومنهببم مببن ذهببب‬
‫مذهب الجمع‪ ،‬فمببن ذهببب مببذهب ترجيببح حببديث أم سببلمة ومببا ورد فببي معنبباه قبال‬
‫باعتبار اليام‪ ،‬ومالك رضي ال عنه اعتبر عدد اليام فقط فببي الحببائض الببتي تشببك‬
‫في الستحاضة‪ ،‬ولم يعتبرها في المستحاضة التي تشك في الحيض‪ ،‬أعني ل عددها‬
‫ول موضببعها مببن الشببهر إذا كببان عنببدها ذلببك معلومببا‪ ،‬والنببص إنمببا جبباء فببي‬
‫المستحاضة التي تشك في الحيض‪ ،‬فاعتبر الحكم في الفرع‪ ،‬ولم يعتبره فببي الصببل‬
‫وهذا غريب فتأمله‪ .‬ومن رجح حديث فاطمببة بنببت أبببي حببيش قبال باعتبببار اللبون‪،‬‬
‫ومن هؤلء من راعى مع اعتبار لون الدم مضي ما يمكن أن يكببون طهببرا مببن أيببام‬
‫الستحاضة‪ ،‬وهو قول مالك فيما حكاه عبد الوهاب‪ .‬ومنهم من لببم يبراع ذلبك‪ .‬ومبن‬
‫جمع بين الحديثين قال‪ :‬الحديث الول هبو فبي البتي تعبرف عبدد أيامهبا مبن الشبهر‬
‫وموضعها‪ .‬والثاني في التي ل تعرف عددها ول موضعها وتعرف لون الدم‪ ،‬ومنهببم‬
‫من رأى أنها إن لم تكن من أهل التمييز ول تعرف موضع أيامها من الشهر وتعرف‬
‫عددها أو ل تعببرف عببددها إنهببا تتحببرى علببى حببديث حمنببة بنببت جحببش‪ ،‬صببححه‬
‫الترمذي‪ ،‬وفيه أن رسول ال صلى ال عليببه وسببلم قببال لهببا "إنمببا هببي ركضببة مببن‬
‫الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم ال ب ثببم اغتسببلي" وسببيأتي الحببديث‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بكماله عند حكم المستحاضة في الطهر‪ ،‬فهذه هي مشهورات المسببائل الببتي فببي هببذا‬
‫الباب‪ ،‬وهي بالجملببة واقعببة فببي أربعببة مواضببع‪ :‬أحببدها معرفببة انتقببال الطهببر إلببى‬
‫الحيض‪ .‬والثاني معرفة انتقال الحيض إلببى الطهبر‪ .‬والثبالث معرفببة انتقببال الحيببض‬
‫إلى الستحاضة‪ .‬والرابع معرفة انتقال الستحاضة إلى الحيببض‪ ،‬وهببو الببذي وردت‬
‫فيه الحاديث‪ .‬وأما الثلثة فمسكوت عنهببا‪ :‬أعنببي عببن تحديببدها‪ ،‬وكببذلك المببر فببي‬
‫انتقال النفاس إلى الستحاضة‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الثالث‪ .‬وهو معرفة أحكام الحيض والستحاضة‪.‬‬
‫@‪-‬والصل في هذا الباب قوله تعالى }ويسئلونك عن المحيبض{ اليبة‪ ،‬والحباديث‬
‫الواردة في ذلك التي سنذكرها‪ .‬واتفق المسلمون على أن الحيض يمنع أربعة أشببياء‪:‬‬
‫أحدها فعل الصلة ووجوبها‪ ،‬أعني أنه ليببس يجببب علببى الحببائض قضبباؤها بخلف‬
‫الصوم‪ .‬والثاني أنه يمنع فعل الصبوم ل قضبباءه‪ ،‬وذلببك لحبديث عائشبة الثبابت أنهبا‬
‫قالت‪" :‬كنا نؤمر بقضاء الصوم ول نؤمر بقضاء الصلة" وإنما قال بوجوب القضاء‬
‫عليها طائفة من الخوارج‪ .‬والثالث فيما أحسب الطواف لحببديث عائشببة الثببابت حيببن‬
‫أمرها رسول ال صلى ال عليه وسببلم أن تفعببل كببل مببا يفعببل الحبباج غيببر الطببواف‬
‫بالبيت‪ .‬والرابع الجماع في الفرج لقوله تعالى }فاعتزلوا النساء في المحيض{ الية‪.‬‬
‫@‪)-‬واختلفوا من أحكامها في مسائل( نذكر منها مشهوراتها‪ ،‬وهي خمس‪:‬‬
‫@‪)-‬المسألة الولى( اختلف الفقهاء فببي مباشببرة الحببائض ومببا يسببتباح منهببا‪ ،‬فقببال‬
‫مالك والشافعي وأبو حنيفة‪ :‬له منها ما فوق الزار فقط‪ .‬وقال سببفيان الثببوري وداود‬
‫الظاهري‪ :‬إنما يجببب عليببه أن يجتنببب موضببع الببدم فقببط‪ .‬وسبببب اختلفهببم ظببواهر‬
‫الحاديث الواردة في ذلك‪ ،‬والحتمال الذي في مفهببوم آيببة الحيببض‪ ،‬وذلببك أنببه ورد‬
‫في الحاديث الصحاح عن عائشة وميمونة وأم سلمة أنه عليه الصبلة والسبلم كببان‬
‫يأمر إذا كانت إحداهن حائضا أن تشد عليهببا إزارهببا ثببم يباشببرها‪ ،‬وورد أيضببا مببن‬
‫حديث ثابت بن قيس عن النبي صببلى الب عليبه وسببلم أنببه قبال "اصببنعوا كبل شبيء‬
‫بالحائض إل النكاح" وذكر أبو داود عن عائشة أن رسول ال صلى الب عليببه وسببلم‬
‫قال لها وهي حائض "اكشفي عن فخذك‪ ،‬قالت‪ :‬فكشفت‪ ،‬فوضع خببده وصببدره علببى‬
‫فخذي‪ ،‬وحنيت عليه حتى دفئ‪ ،‬وكان قد أوجعه البرد‪ .‬وأما الحتمببال الببذي فببي آيببة‬
‫الحيض‪ ،‬فهو تردد قوله تعالى }قل هو أذى فباعتزلوا النسبباء فببي المحيببض{ بيببن أن‬
‫يحمببل علببى عمببومه إل مببا خصصببه الببدليل‪ ،‬أو أن يكببون مببن ببباب العببام أريببد بببه‬
‫الخاص‪ ،‬بدليل قوله تعالى فيه }قل هو أذى{ والذى إنما يكون في موضع الدم‪ ،‬فمن‬
‫كان المفهوم منه عنده العموم‪ ،‬أعني أنه إذا كان الواجب عنببده أن يحمببل هببذا القببول‬
‫علبى عمبومه حبتى يخصصبه البدليل‪ ،‬اسبتثنى مبن ذلبك مبا فبوق الزار بالسبنة‪ ،‬إذ‬
‫المشهور جواز تخصيص الكتاب بالسنة عند الصوليين‪ ،‬ومببن كببان عنببده مببن ببباب‬
‫العام أريد به الخاص رجح هذه الية على الثببار المانعببة ممببا تحببت الزار‪ ،‬وقببوي‬
‫ذلك عنده بالثار المعارضة للثار المانعببة ممببا تحببت الزار‪ ،‬ومببن النبباس مببن رام‬
‫الجمع بين هذه الثار‪ ،‬وبين مفهوم الية على هببذا المعنببى الببذي نبببه عليببه الخطبباب‬
‫الوارد فيها وهو كببونه أذى‪ ،‬فحمببل أحبباديث المنببع لمببا تحببت الزار علببى الكراهيببة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأحاديث الباحة‪ ،‬ومفهوم الية علببى الجببواز‪ ،‬ورجحببوا تببأويلهم هببذا بببأنه قببد دلببت‬
‫السنة أنه ليس من جسم الحائض شيء نجس إل موضبع البدم وذلبك "أن رسبول الب‬
‫صببلى الب عليببه وسببلم سببأل عائشببة أن تنبباوله الخمببرة وهببي حببائض‪ ،‬فقببالت‪ :‬إنببي‬
‫حائض‪ ،‬فقال عليه الصلة والسلم‪ :‬إن حيضتك ليست في يدك" وما ثبت أيضببا مببن‬
‫ترجيلها رأسه عليه الصلة والسلم وهي حائض‪ ،‬وقوله عليببه الصببلة والسببلم "إن‬
‫المؤمن ل ينجس"‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية( اختلفوا في وطء الحائض فبي طهرهبا وقببل الغتسبال‪ ،‬فبذهب‬
‫مالك والشافعي والجمهببور إلببى أن ذلببك ل يجببوز حببتى تغتسببل‪ ،‬وذهببب أبببو حنيفببة‬
‫وأصحابه إلى أن ذلك جائز إذا طهرت لكثر مببدة الحيببض وهببو عنببده عشببرة أيببام‪،‬‬
‫وذهب الوزاعي إلى أنها إن غسلت فرجها بالماء جاز وطؤهببا‪ ،‬أعنببي كببل حببائض‬
‫طهرت متى طهرت‪ ،‬وبه قال أبو محمد بن حزم‪ .‬وسبب اختلفهم الحتمال الذي في‬
‫قوله تعالى }فإذا تطهرن فاتوهن من حيث أمركم ال{ هل المراد به الطهر الذي هببو‬
‫انقطاع دم الحيض أم الطهر بالماء؟ ثم إن كان الطهر بالمبباء‪ ،‬فهببل المببراد بببه طهببر‬
‫جميع الجسد أم طهر الفرج؟ فإن الطهر في كلم العرب وعرف الشرع اسم مشترك‬
‫يقال على هذه الثلثة المعاني‪ ،‬وقد رجح الجمهببور مببذهبهم بببأن صببيغة التفعببل إنمببا‬
‫تنطلق على ما يكون من فعل المكلفين‪ ،‬ل على مببا يكببون مببن فعببل غيرهببم‪ ،‬فيكببون‬
‫قوله تعالى }فإذا تطهرن{ أظهر في معنببى الغسببل بالمبباء منببه فببي الطهببر الببذي هببو‬
‫انقطاع الدم‪ ،‬والظهر يجب المصير إليه حببتى يببدل الببدليل علببى خلفببه‪ ،‬ورجببح أو‬
‫حنيفة مذهبه بأن لفظ يفعلن في قوله تعالى }حتى يطهرن{ هو أظهر في الطهر الذي‬
‫هو انقطاع دم الحيض منه في التطهر بالمبباء‪ .‬والمسببألة كمببا تببرى محتملببة‪ ،‬ويجببب‬
‫على من فهم من لفظ الطهر في قوله تعببالى }حببتى يطهببرن{ معنببى واحببدا مببن هببذه‬
‫المعاني الثلثة أن يفهم ذلك المعنى بعينه من قوله تعالى }فإذا تطهرن{ لنه مما ليس‬
‫يمكن أو مما يعسر أن يجمع في الية بين معنيين من هذه المعاني مختلفين حتى يفهم‬
‫من لفظه يطهرن النقاء‪ ،‬ويفهم من لفظ تطهرن الغسل بالماء على ما جرت بببه عببادة‬
‫المالكيين في الحتجاج لمالك‪ ،‬فبإنه ليببس مببن عببادة العببرب أن يقولببوا ل تعببط فلنببا‬
‫درهما حتى يدخل الدار‪ ،‬فإذا دخل المسجد فأعطه درهما‪ ،‬بل إنما يقولون وإذا دخببل‬
‫الدار فأعطه درهما‪ ،‬لن الجملة الثانية هي مؤكدة لمفهوم الجملة الولى‪ .‬ومن تببأول‬
‫قوله تعالى }ول تقربوهن حتى يطهرن{ على أنه النقاء‪ ،‬وقوله }فببإذا تطهببرن{ علببى‬
‫أنه الغسل بالماء فهو بمنزلة من قال ل تعط فلنا درهما حتى يدخل الدار‪ ،‬فإذا دخببل‬
‫المسببجد فببأعطه درهمببا‪ ،‬وذلببك غيببر مفهببوم فببي كلم العببرب‪ ،‬إل أن يكببون هنالببك‬
‫محذوف ويكبون تقبدير الكلم‪ :‬ول تقرببوهن حبتى يطهبرن ويتطهبرن فبإذا تطهبرن‬
‫فأتوهن من حيث أمركم ال‪ ،‬وفي تقدير هببذا الحببذف بعببد أمببا ول دليببل عليببه إل أن‬
‫يقول قائل‪ :‬ظهور لفظ التطهر في معنى الغتسال هو الدليل عليه‪ ،‬لكن هذا يعارضه‬
‫ظهور عدم الحذف في الية‪ ،‬فإن الحذف مجبباز‪ ،‬وحمببل الكلم علببى الحقيقببة أظهببر‬
‫من حمله على المجاز‪ ،‬وكذلك فببرض المجتهببد هنببا إذا انتهببى بنظببره إلببى مثببل هببذا‬
‫الموضع أن يوازن بين الظاهرين‪ ،‬فما ترجح عنده منهما على صبباحبه عمببل عليببه‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأعنببي بالظبباهرين أن يقببايس بيببن ظهببور لفببظ فببإذا تطهببرن فببي الغتسببال بالمبباء‬
‫وظهور عدم الحذف في الية إن أحب أن يحمل لفظ تطهرن على ظاهره من النقباء‪،‬‬
‫فأي الظاهرين كان عنده أرجببح عمببل عليببه‪ ،‬أعنببي إمببا أن ل يقببدر فببي اليببة حببذفا‬
‫ويحمل لفظ فإذا تطهرن على النقاء أو يقدر في الية حذفا ويحمل لفببظ فببإذا تطهببرن‬
‫على الغسل بالماء‪ ،‬أو يقايس بيببن ظهببور لفببظ فببإذا تطهببرن فببي الغتسببال وظهببور‬
‫يطهرن في النقاء‪ ،‬فأي كان عنده أظهر أيضا صرف تأويببل اللفببظ الثبباني لببه وعمببل‬
‫على أنهما يدلن في الية على معنى واحد‪ ،‬أعني إما علببى معنببى النقبباء وإمببا علببى‬
‫معنى الغتسال بالماء‪ ،‬وليس في طباع النظر الفقهي أن ينتهي في هذه الشببياء إلببى‬
‫أكثر من هذا فتأمله‪ ،‬وفي مثل هذه الحال يسوغ أن يقبال‪ :‬كببل مجتهببد مصببيب‪ .‬وأمببا‬
‫اعتبار أبي حنيفة أكثر الحيض في هذه المسألة فضعيف‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثالثة( اختلف الفقهاء في الذي يأتي امرأته وهببي حببائض‪ ،‬فقببال مالببك‬
‫والشافعي وأبو حنيفة‪ :‬يستغفر الب ول شبيء عليبه‪ .‬وقبال أحمبد ببن حنببل‪ :‬يتصبدق‬
‫بدينار أو بنصف دينار‪ .‬وقالت فرقة من أهل الحديث‪ :‬إن وطئ في الدم فعليه دينببار‪،‬‬
‫وإن وطئ في انقطاع الببدم فنصببف دينببار‪ .‬وسبببب اختلفهببم فببي ذلببك اختلفهببم فببي‬
‫صحة الحاديث الواردة في ذلك أو وهيها‪ ،‬وذلك أنه روي عن ابن عباس عن النبببي‬
‫صلى ال عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهببي حببائض أن يتصببدق بببدينار‪ .‬وروي‬
‫عنه بنصف دينار‪ .‬وكذلك روي أيضا في حديث ابن عباس هذا أنه إن وطئ في الدم‬
‫فعليه دينار‪ ،‬وإن وطئ في انقطاع الدم فنصبف دينبار‪ .‬وروي هبذا الحبديث يتصبدق‬
‫بخمسي دينار‪ ،‬وبه قال الوزاعي‪ ،‬فمن صح عنبده شببيء مببن هببذه الحبباديث صببار‬
‫إلى العمل بها‪ ،‬ومن لم يصح عنده شيء منها وهم الجمهور عمل على الصل الببذي‬
‫هو سقوط الحكم حتى يثبت بدليل‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الرابعة( اختلببف العلمبباء فببي المستحاضببة‪ ،‬فقببوم أوجبببوا عليهببا طهببرا‬
‫واحدا فقط‪ ،‬وذلك عند ما ترى أنه قد انقضببت حيضببتها بإحببدى تلببك العلمببات الببتي‬
‫تقدمت على حسب مذهب هبؤلء فبي تلبك العلمببات‪ ،‬وهبؤلء البذين أوجبببوا عليهبا‬
‫طهرا واحدا انقسموا قسمين‪ :‬فقوم أوجبوا عليها أن تتوضأ لكل صلة‪ ،‬وقوم استحبوا‬
‫ذلك لها ولم يوجبوه عليها‪ ،‬والذين أوجبوا عليها طهرا واحد فقط هم مالك والشببافعي‬
‫وأبو حنيفة وأصحابهم وأكثر فقهاء المصار‪ ،‬وأكثر هببؤلء أوجبببوا أن تتوضببأ لكببل‬
‫صلة‪ ،‬وبعضهم لم يوجب عليها إل استحبابا وهو مذهب مالك‪ ،‬وقببوم آخببرون غيببر‬
‫هؤلء رأوا أن على المستحاضة أن تتطهببر لكببل صببلة‪ ،‬وقببوم رأوا أن الببواجب أن‬
‫تؤخر الظهببر إلببى أول العصببر‪ ،‬ثببم تتطهببر وتجمببع بيببن الصببلتين‪ ،‬وكببذلك تببؤخر‬
‫المغرب إلى آخر وقتها وهو أول وقت العشاء‪ ،‬وتتطهر طهرا ثانيا وتجمع بينهما ثببم‬
‫تتطهر طهرا ثالثا لصلة الصبح‪ ،‬فأوجبوا عليها ثلثة أطهار في اليوم والليلة‪ ،‬وقببوم‬
‫رأوا أن عليها طهرا واحدا في اليوم والليلة‪ ،‬ومن هؤلء من لببم يحببد لببه وقتببا‪ ،‬وهببو‬
‫مروي عببن علببي‪ .‬ومنهببم مبن رأى أن تتطهببر مبن طهببر إلببى طهبر‪ ،‬فيتحصبل فببي‬
‫المسألة بالجملة أربعة أقوال‪ :‬قول إنه ليس عليها إل طهرا واحد فقط عند انقطبباع دم‬
‫الحيض‪ .‬وقول إن عليها الطهر لكل صلة‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وقول إن عليها ثلثة أطهار في اليوم والليلة‪ .‬وقول إن عليها طهرا واحببدا فببي اليببوم‬
‫والليلة‪ .‬والسبب في اختلفهم في هذه المسألة هو اختلف ظواهر الحبباديث الببواردة‬
‫في ذلك‪ ،‬وذلك أن الوارد في ذلك من الحاديث المشهورة أربعة أحاديث‪ :‬واحد منها‬
‫متفق على صحته‪ ،‬وثلثة مختلف فيها‪ .‬أما المتفق على صحته فحديث عائشببة قببالت‬
‫"جاءت فاطمة ابنة أبي حبيش إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالت‪ :‬يببا رسببول‬
‫ال إني امرأة أستحاض فل أطهر‪ ،‬أفأدع الصلة؟ فقال لها عليه الصلة والسلم‪ :‬ل‪،‬‬
‫إنما ذلك عرق وليست بالحيضببة‪ ،‬فببإذا أقبلببت الحيضببة فببدعي الصببلة‪ ،‬وإذا أدبببرت‬
‫فاغسلي عنك الدم وصلي" وفي بعض روايات هذا الحديث "وتوضببئي لكببل صببلة"‬
‫وهذه الزيادة لم يخرجها البخاري ول مسلم‪ ،‬وخرجهببا أبببو داود وصببححها قببوم مببن‬
‫أهل الحديث‪ .‬والحديث الثاني حببديث عائشببة عببن أم حبيبببة بنببت جحببش امببرأة عبببد‬
‫الرحمن بن عبوف "أنهببا استحاضبت فأمرهبا رسبول الب صبلى الب عليبه وسببلم أن‬
‫تغتسل لكببل صببلة" وهببذا الحببديث هكببذا أسببنده إسببحاق عببن الزهببري‪ ،‬وأمببا سببائر‬
‫أصحاب الزهري فإنما رووا عنه‪ :‬أنها استحيضت‪ ،‬فسألت رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم فقال لها‪" :‬إنما هو عرق وليست بالحيضة" وأمرها أن تغتسل وتصلي‪ ،‬فكببانت‬
‫تغتسل لكل صلة على أن ذلك هو الذي فهمت منه‪ ،‬ل أن ذلك منقول من لفظه عليببه‬
‫الصلة والسلم ‪ ،‬ومن هذا الطريق خرجه البخاري‪ ،‬وأما الثالث فحديث أسماء بنببت‬
‫عميس "أنها قالت‪ :‬يا رسول ال إن فاطمة ابنة أبي حبيش استحيضت‪ ،‬فقببال رسببول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬لتغتسل للظهر والعصر غسل واحببدا‪ ،‬وللمغببرب والعشبباء‬
‫غسل واحدا‪ ،‬وتغتسل للفجر وتتوضأ فيما بين ذلك" خرجه أبببو داود‪ ،‬وصببححه أبببو‬
‫محمد بن حزم‪.‬‬
‫وأما الرابع فحديث حمنة ابنبة جحبش‪ ،‬وفيبه "أن رسبول الب صبلى الب عليبه وسبلم‬
‫خيرها بين أن تصلي الصلوات بطهر واحد عند ما ترى أنببه قببد انقطببع دم الحيببض‪،‬‬
‫وبين أن تغتسل في اليوم والليلة ثلث مرات على حديث أسماء بنببت عميببس‪ ،‬إل أن‬
‫هنالك ظاهره على الوجوب وهنا على التخيير‪ ،‬فلما اختلفبت ظبواهر هبذه الحباديث‬
‫ذهب الفقهاء في تأويلها أربعة مببذاهب‪ :‬مببذهب النسببخ‪ ،‬ومببذهب الترجيببح‪ ،‬ومببذهب‬
‫الجمع‪ ،‬ومذهب البناء‪ ،‬والفببرق بيببن الجمببع والبنبباء أن الببباني ليببس يببرى أن هنالببك‬
‫تعارضا فيجمع بين الحديثين‪ ،‬وأما الجامع فهو يرى أن هنالك تعارضا فببي الظبباهر‪،‬‬
‫فتأمل هذا‪ ،‬فإنه فرق بين‪.‬‬
‫أما من ذهب مذهب الترجيح فمن أخذ بحديث فاطمة بنة حبيش لمكببان التفبباق علببى‬
‫صحته عمل على ظاهره‪ ،‬أعني من أنه لم يأمرها صببلى الب عليببه وسببلم أن تغتسببل‬
‫لكل صلة ول أن تجمع بين الصلوات بغسببل واحببد‪ ،‬ول بشببيء مببن تلببك المببذاهب‪،‬‬
‫وإلى هذا ذهب مالك وأبو حنيفة والشببافعي وأصببحاب هببؤلء وهببم الجمهببور‪ ،‬ومببن‬
‫صحت عنده من هؤلء الزيادة الواردة فيه‪ ،‬وهو المر بالوضوء لكل صببلة أوجببب‬
‫ذلك عليها‪ ،‬ومن لم تصح عنده لم يوجب ذلك عليهببا‪ ،‬وأمببا مببن ذهببب مببذهب البنبباء‬
‫فقال‪ :‬إنه ليببس بيببن حببديث فاطمببة وحببديث أم حبيبببة الببذي مببن رواتببه ابببن إسببحاق‬
‫تعارض أصل‪ ،‬وأن الذي في حببديث أم حبيبببة مببن ذلببك زيببادة علببى مببا فببي حببديث‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فاطمة‪ ،‬فإن حديث فاطمة إنما وقع الجواب فيببه عببن السببؤال‪ ،‬هببل ذلببك الببدم حيببض‬
‫يمنع الصلة أم ل؟ فأخبرها عليه الصلة والسلم أنها ليسببت بحيضببة تمنببع الصببلة‬
‫ولم يخبرها فيه بوجوب الطهر أصل لكل صلة ول عنببد انقطبباع دم الحيبض؛ وفببي‬
‫حديث أم حبيبة أمرها بشيء واحد وهو التطهر لكل صلة‪ ،‬لكن للجمهور أن يقولببوا‬
‫إن تأخير البيان عن وقت الحاجة ل يجوز‪ ،‬فلو كان واجبا عليها الطهببر لكببل صببلة‬
‫لخبرها بذلك‪ ،‬ويبعد أن يدعى مبدع أنهبا كبانت تعبرف ذلببك مببع أنهببا كببانت تجهببل‬
‫الفرق بين الستحاضة والحيض‪.‬‬
‫وأمبا تركبه عليبه الصبلة والسبلم إعلمهبا ببالطهر لبواجب عليهبا عنبد انقطباع دم‬
‫الحيض‪ ،‬فمضمن في قوله" إنها ليست بالحيضة" لنببه كبان معلومببا مببن سببنته عليببه‬
‫الصلة والسلم أن انقطاع الحيض يوجب الغسل‪ ،‬فببإذا إنمببا لببم يخبرهببا بببذلك لنهببا‬
‫كانت عالمة به‪ ،‬وليس المر كذلك في وجوب الطهر لكل صببلة إل أن يببدعي مببدع‬
‫أن هذه الزيادة لم تكن قبل ثابتة وتثبت بعد‪ ،‬فيتطرق إلى ذلك المسألة المشهورة‪ ،‬هي‬
‫الزيادة نسببخ أم ل؟ وقببد روي فببي بعببض طببرق حببديث فاطمببة أمببره عليببه الصببلة‬
‫والسلم لها بالغسل‪ ،‬فهذا هو حال من ذهب مذهب الترجيح ومذهب البناء‪ ،‬وأما مببن‬
‫ذهببب مببذهب النسببخ فقببال‪ :‬إن حببديث أسببماء بنببت عميببس ناسببخ لحببديث أم حبيبببة‪،‬‬
‫واستدل على ذلك بما روي عن عائشة "أن سهلة بنت سهيل استحيضت وأن رسببول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم كان يأمرها بالغسل عند كل صلة‪ ،‬فلما جهدها ذلببك أمرهببا‬
‫أن تجمع بين الظهر والعصر فببي غسببل واحببد والمغببرب والعشبباء فببي غسببل واحببد‬
‫وتغتسل ثالثا للصبح" وأما الذين ذهبوا مذهب الجمببع فقببالوا‪ :‬إن حببديث فاطمببة ابنببة‬
‫حبيش محمول على التي تعرف أيام الحيض من أيام الستحاضة‪ ،‬وحببديث أم حبيبببة‬
‫محمول على التي ل تعرف ذلببك‪ ،‬فببأمرت بببالطهر فببي كببل وقببت احتياطببا للصببلة‪،‬‬
‫وذلك أن هذه إذا قامت إلى الصلة يحتمل أن تكون طهرت فيجببب عليهببا أن تغتسببل‬
‫لكل صلة‪ .‬وأما حببديث أسببماء ابنببة عميببس فمحمببول علببى الببتي ل يتميببز لهببا أيببام‬
‫الحيض من أيام الستحاضة‪ ،‬إل أنه قد ينقطع عنها في أوقات فهببذه إذا انقطببع عنهببا‬
‫الدم وجب عليها أن تغتسل وتصلي بذلك الغسببل صببلتين‪ .‬وهنببا قببوم ذهبببوا مببذهب‬
‫التخيير بين حديثي أم حبيبة وأسماء واحتجوا لذلك بحببديث حمنببة بنببت جحببش وفيببه‬
‫"أن رسول ال صلى ال عليه وسلم خيرها" وهؤلء منهم من قال‪ :‬إن المخيببرة هببي‬
‫التي ل تعرف أيببام حيضببتها‪ .‬ومنهببم مببن قبال‪ :‬بببل هببي المستحاضببة علببى الطلق‬
‫عارفة كانت أو غير عارفببة‪ ،‬وهببذا هببو قببول خببامس فببي المسببألة‪ ،‬إل أن الببذي فببي‬
‫حديث حمنة ابنة جحش إنما هو التخيير بين أن تصلي الصلوات كلهببا بطهببر واحببد‪،‬‬
‫وبين أن تتطهر في اليببوم والليلبة ثلث مببرات‪ .‬وأمببا مببن ذهبب إلبى أن البواجب أن‬
‫تطهر في كل يوم مرة واحدة‪ ،‬فلعله إنما أوجب ذلك عليها لمكان الشببك ولسببت أعلببم‬
‫في ذلك أثرا‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الخامسة( اختلف العلماء في جواز وطء المستحاضة على ثلثة أقببوال‪:‬‬
‫فقال قوم‪ :‬يجوز وطؤها‪ ،‬وهببو الببذي عليببه فقهبباء المصببار‪ ،‬وهببو مببروي عببن ابببن‬
‫عباس وسعيد بن المسيب وجماعة من التابعين‪ .‬وقال قوم ليس يجوز وطؤهببا‪ ،‬وهببو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مروي عن عائشة‪ ،‬وبه قال النخعي والحكم‪ .‬وقال قوم‪ :‬ل يأتيها زوجها إل أن يطول‬
‫ذلك بها‪ ،‬وبهذا القول قال أحمد بن حنبل‪ .‬وسبب اختلفهم هل إباحة الصلة لها هببي‬
‫رخصة لمكان تأكيد وجببوب الصببلة‪ ،‬أم إنمببا أبيحببت لهببا الصببلة لن حكمهببا حكببم‬
‫الطاهر؟ فمن رأى أن ذلك رخصة لم يجببز لزوجهببا أن يطأهببا‪ ،‬ومببن رأى ذلببك لن‬
‫حكمها حكم الطاهر أباح لها ذلك‪ ،‬وهي بالجملة مسألة مسكوت عنهببا‪ .‬وأمببا التفريببق‬
‫بين الطول ول طول فاستحسان‪.‬‬
‫*‪*3‬كتاب التيمم‪.‬‬
‫@‪-‬والقول المحيط بأصول هببذا الكتبباب يشببتمل بالجملببة علببى سبببعة أبببواب‪ :‬الببباب‬
‫الول في معرفة الطهارة التي هذه الطهارة بدل منها‪ .‬الثباني‪ :‬معرفبة مبن تجبوز لبه‬
‫هذه الطهارة‪ .‬الثالث‪ :‬في معرفة شروط جواز هذه الطهببارة‪ .‬الرابببع‪ :‬فببي صببفة هببذه‬
‫الطهارة‪ .‬الخببامس‪ :‬فيمببا تصببنع بببه هببذه الطهببارة‪ .‬السببادس‪ :‬فببي نببواقض الطهببارة‪.‬‬
‫السابع‪ :‬في الشياء التي هذه الطهارة شرط في صحتها أو في استباحتها‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الول في معرفة الطهارة التي هذه الطهارة بدل منها‪.‬‬
‫@‪-‬اتفق العلماء على أن هذه الطهارة هي بدل من الطهارة الصغرى‪ ،‬واختلفببوا فببي‬
‫الكبرى‪ ،‬فروى عن عمر وابن مسعود أنهما كانا ل يريانها بدل مببن الكبببرى‪ ،‬وكببان‬
‫علي وغيره من الصحابة يرون أن التيمم يكون بدل من الطهبارة الكبببرى‪ ،‬وببه قبال‬
‫عامة الفقهاء‪ .‬والسبب في اختلفهم الحتمال البوارد فبي آيبة البتيمم‪ ،‬وأنببه لبم تصبح‬
‫عندهم الثار الواردة بالتيمم للجنب‪ ،‬أما الحتمال الوارد في اليببة فلن قببوله تعببالى‬
‫}فلم تجدوا ماء فتيمموا{ يحتمل أن يعود الضمير الذي فيه على المحدث حدثا أصغر‬
‫فقط‪ ،‬ويحتمل أن يعود عليهما معا‪ ،‬لكن من كانت الملمسة عنببده فببي اليببة الجمبباع‬
‫فالظهر أنه عائد عليهما معا‪ ،‬و من كانت الملمسببة عنببده هببي اللمببس باليببد‪ ،‬أعنببي‬
‫قوله تعالى }أو لمستم النساء{ فالظهر أنه إنما يعببود الضببمير عنببده علببى المحببدث‬
‫حدثا أصغر فقط‪ ،‬إذ كانت الضمائر إنما يحمل أبدا عودها على أقرب مببذكور إل أن‬
‫يقدر في الية تقديما وتأخير حتى يكون تقديرها هكذا يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى‬
‫الصلة‪ ،‬أو جاء أحد منكم من الغائط‪ ،‬أو لمستم النساء‪ ،‬فاغسببلوا وجببوهكم وأيببديكم‬
‫إلى المرافق‪ ،‬وامسحوا برءوسكم وأرجلكببم إلببى الكعبببين‪ ،‬وإن كنتببم جنبببا فبباطهروا‪:‬‬
‫وإن كنتم مرضى أو على سفر فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبببا‪ .‬ومثببل هببذا ليببس‬
‫ينبغي أن يصار إليه إل بدليل‪ ،‬فإن التقديم والتأخير مجاز وحمل الكلم على الحقيقببة‬
‫أولى من حمله على المجاز‪ ،‬وقد يظن أن في الية شيئا يقتضي تقديما وتأخيرا‪ ،‬وهو‬
‫أن حملها على ترتيبها يوجب أن المرض والسفر حدثان‪ ،‬لكن هذا ل يحتبباج إليببه إذا‬
‫قدرت أو ههنا بمعنى الواو‪ ،‬وذلك موجود في كلم العرب في مثل قول الشاعر‪:‬‬
‫وكان سيان أن ل يسرحوا نعما * أو يسرحوه بها واغبرت السرح‬
‫فإنه إنما يقال‪ :‬سيان زيد وعمرو‪ .‬وهذا هو أحببد السببباب الببتي أوجبببت الخلف فببي‬
‫هذه المسألة‪ .‬وأما ارتيابهم في الثار التي وردت فببي هببذا المعنببى فبببين ممببا خرجببه‬
‫البخاري ومسلم‪ :‬أن رجل أتى عمر رضببي الب عنببه فقببال‪ :‬أجنبببت فلببم أجببد المبباء‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ل تصل‪ ،‬فقال عمار‪ :‬أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سببرية فأجنبنببا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فلم نجد الماء‪ ،‬فأما أنت فلم تصل‪ ،‬وأما أنا فتمعكت في التراب فصببليت‪ ،‬فقببال النبببي‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ :‬إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك ثم تنفخ فيهما ثم تمسببح بهمببا‬
‫وجهك وكفيك‪ ،‬فقال عمر‪ :‬اتق ال يا عمار‪ ،‬فقال‪ :‬إن شئت لم أحدث به" وفي بعببض‬
‫الروايات‪ :‬أنه قال له عمر‪ :‬نوليك ما توليت وخرج مسلم عن شببقيق )‪ (1‬قببال‪ :‬كنببت‬
‫جالسا مع عبد ال بن مسعود وأبي موسى فقال أبو موسى‪ :‬يا أبا عبد الرحمن أرأيت‬
‫لو أن رجل أجنب فلم يجد الماء شببهرا كيببف يصببنع بالصببلة؟ فقببال عبببد الب لبببي‬
‫موسى‪ :‬ل يتيمم وإن لم يجد الماء شهرا‪ ،‬فقال أبو موسى‪ :‬فكيف بهذه الية في سورة‬
‫المائدة }فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا{ فقال عبد البب‪ :‬لببو رخبص لهببم فببي هببذه‬
‫الية لوشك إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد‪ ،‬فقال أببو موسبى لعببد الب ألبم‬
‫تسمع لقول عمار؟ وذكر له الحديث المتقدم‪ ،‬فقال له عبد البب‪ :‬ألببم تببر عمببر لببم يقنببع‬
‫بقول عمببار؟ لكببن الجمهببور رأوا أن ذلببك قببد ثبببت مببن حببديث عمببار وعمببران بببن‬
‫الحصين‪ ،‬خرجهما البخاري‪ ،‬وإن نسيان عمر ليس مؤثرا في وجوب العمببل بحببديث‬
‫عمار‪ ،‬وأيضا فإنهم استدلوا بجواز التيمم للجنب والحائض بعموم قوله عليه الصببلة‬
‫والسلم "جعلت لي الرض مسجدا وطهورا"‪ .‬وأما حديث عمران بن الحصببين فهببو‬
‫"أن رسول ال صلى ال عليه وسلم رأى رجل معتزل لم يصببل مببع القببوم فقببال‪ :‬يببا‬
‫فلن أما يكفيك أن تصلي مع القوم؟ فقال‪ :‬يا رسول ال أصابتني جنابة ول ماء فقببال‬
‫عليه الصلة والسلم‪ :‬عليك بالصعيد فإنه يكفيك" ولموضببع هببذا الحتمببال اختلفببوا‪:‬‬
‫هل لمن ليس عنده ماء أن يطأ أهله أم ل يطؤها؟ أعني من يجوز للجنب التيمم‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫)‪"(1‬شقيق"‪ :‬الصل غير واضح‪ ،‬والتصحيح من صحيح مسلم‪ .‬دار الحديث[‬
‫‪----------‬‬
‫*‪*4‬الباب الثاني في معرفة من تجوز له الطهارة‪.‬‬
‫@‪-‬وأما من تجوز لبه هبذه الطهبارة‪ ،‬فببأجمع العلمباء أنهببا تجبوز لثنيببن‪ :‬للمريبض‬
‫والمسببافر إذا عببدما المبباء‪ .‬واختلفببوا فببي أربببع‪ :‬المريببض يجببد المبباء ويخبباف مببن‬
‫استعماله‪ ،‬وفي الحاضر يعدم الماء‪ ،‬وفببي الصببحيح المسببافر يجببد المبباء فيمنعببه مببن‬
‫الوصول إليه خوف‪ ،‬وفي الذي يخاف من اسببتعماله مببن شببدة البببرد‪ .‬فأمببا المريببض‬
‫البذي يجبد المباء ويخباف مبن اسبتعماله‪ ،‬فقبال الجمهبور‪ :‬يجبوز البتيمم لبه؛ وكبذلك‬
‫الصحيح الذي يخاف الهلك أو المرض الشديد من بببرد المباء‪ ،‬وكبذلك الببذي يخبباف‬
‫من الخروج إلى الماء‪ ،‬إل أن معظمهببم أوجببب عليببه العببادة إذا وجببد المبباء‪ ،‬وقببال‬
‫عطاء‪ :‬ل يتيمم المريض ول غير المريض إذا وجد المبباء‪ .‬وأمببا الحاضببر الصببحيح‬
‫الذي يعدم الماء‪ ،‬فذهب مالك والشببافعي إلببى جببواز الببتيمم لببه‪ ،‬وقببال أبببو حنيفببة‪ :‬ل‬
‫يجوز التيمم للحاضر الصحيح وإن عببدم المبباء‪ ،‬وسبببب اختلفهببم فببي هببذه المسببائل‬
‫الربع التي هي قواعد هذا الباب؛ أما في المريض الذي يخاف مببن اسببتعمال المبباء‪،‬‬
‫فهو اختلفهم‪ :‬هل في الية محذوف مقدر في قوله تعالى }وإن كنتم مرضى أو على‬
‫سفر{ ‪ .‬فمن رأى أن في الية حذفا وأن تقببدير الكلم وإن كنتببم مرضببى ل تقببدرون‬
‫على استعمال الماء‪ ،‬وأن الضمير في قوله تعالى }فلببم تجببدوا مبباء{ إنمببا يعببود علببى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المسافر فقط أجاز الببتيمم للمريببض الببذي يخبباف مببن اسببتعمال المبباء‪ .‬ومببن رأى أن‬
‫الضمير في "فلم تجدوا ماء" يعود على المريض والمسافر معا وأنببه ليببس فببي اليببة‬
‫حذف لم يجز للمريض إذا وجد الماء التيمم‪ .‬وأما سبب اختلفهم فببي الحاضببر الببذي‬
‫يعدم الماء‪ ،‬فاحتمال الضمير الذي في قببوله تعبالى "فلببم تجببدوا مبباء" أن يعببود علببى‬
‫أصناف المحدثين‪ :‬أعني الحاضرين والمسافرين‪ ،‬أو على المسافرين فقببط‪ .‬فمببن رآه‬
‫عائدا على جميع أصناف المحببدثين أجبباز الببتيمم للحاضببرين‪ ،‬ومببن رآه عببائدا علببى‬
‫المسافرين فقط أو علببى المرضببى والمسببافرين لببم يجببز الببتيمم للحاضببر الببذي عببدم‬
‫الماء‪ ،‬وأما سبب اختلفهم في الخائف من الخروج إلى المبباء‪ ،‬فبباختلفهم فببي قياسببه‬
‫على من عدم الماء‪ ،‬وكذلك اختلفهم في الصحيح يخاف من برد المبباء‪ ،‬السبببب فيببه‬
‫هو اختلفهم في قياسه على المريببض الببذي يخبباف مببن اسببتعمال المبباء‪ ،‬وقببد رجببح‬
‫مذهبهم القائلون بجبواز الببتيمم للمريبض بحببديث جبابر فبي المجبروح الببذي اغتسبل‬
‫فمات‪ ،‬فأجاز عليه الصلة والسلم المسح له وقال "قتلوه قتلهم البب" وكببذلك رجحببوا‬
‫أيضا قياس الصحيح الذي يخاف من برد المبباء علببى المريببض بمببا روي أيضببا فببي‬
‫ذلك عن عمرو بن العاص أنه أجنب في ليلة باردة‪ ،‬فتيمم وتل قببول ال ب تعببالى }ول‬
‫تقتلوا أنفسكم إن ال كبان بكبم رحيمبا{ فببذكر ذلببك للنببي عليببه الصببلة والسببلم فلبم‬
‫يعنف‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الثالث في معرفة شروط جواز هذه الطهارة‪.‬‬
‫@‪-‬وأما معرفة شروط هذه الطهارة‪ ،‬فيتعلق بهبا ثلث مسبائل قواعبد‪ :‬إحبداها‪ :‬هبل‬
‫النية من شرط هذه الطهارة أم ل؟‪ .‬والثانية‪ :‬هل الطلب شرط فببي جببواز الببتيمم عنببد‬
‫عدم الماء أم ل؟‪ .‬والثالثة‪ :‬هل دخول الوقت شرط في جواز التيمم أم ل؟‪.‬‬
‫@‪)-‬أما المسببألة الولببى( فبالجمهور علببى أن النيببة فيهبا شببرط لكونهببا عبببادة غيببر‬
‫معقولة المعنى‪ ،‬وشذ زفر فقال‪ :‬إن النية ليست بشرط فيها‪ ،‬وأنها ل تحتاج إلببى نيببة‪،‬‬
‫وقد روى ذلك أيضا عن الوزاعي والحسن بن حي وهو ضعيف‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثانية( فإن مالكا رضي ال عنه اشترط الطلببب وكببذلك الشببافعي‪،‬‬
‫ولم يشترطه أبو حنيفة‪ .‬سبب اختلفهم في هذا هو هل يسمى من لببم يجببد المبباء دون‬
‫طلب غير واجد للماء أم ليس يسمى غير واجببد للمبباء إل إذا طلبب المبباء فلببم يجبده؟‬
‫لكن الحق في هذا أن يعتقد أن المتيقن لعدم الماء إما بطلب متقدم وإما بغير ذلببك هببو‬
‫عادم للماء‪ ،‬وأما الظان فليس بعادم للماء‪ ،‬ولذلك يضعف القول بتكببرر الطلببب الببذي‬
‫في المذهب في المكان الواحد بعينه ويقوى اشببتراطه ابتببداء إذا لببم يكببن هنالببك علببم‬
‫قطعي بعدم الماء‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثالثة( وهو اشتراط دخول الوقت فمنهم من اشترطه وهو مببذهب‬
‫الشافعي ومالك‪ ،‬ومنهم مببن لببم يشببترطه‪ ،‬وبببه قببال أبببو حنيفببة وأهببل الظبباهر وابببن‬
‫شعبان من أصببحاب مالببك‪ .‬وسبببب اختلفهببم هببو‪ :‬هببل ظبباهر مفهببوم آيببة الوضببوء‬
‫يقتضي أن ل يجوز التيمم والوضوء إل عند دخول الوقت لقوله تعالى }يا أيها الببذين‬
‫آمنوا إذا قمتم إلى الصلة{ الية‪ ،‬فببأوجب الوضببوء والببتيمم عنببد وجببوب القيببام إلببى‬
‫الصلة‪ ،‬وذلك إذا دخل الوقت‪ ،‬فوجب لهذا أن يكون حكم الوضببوء والببتيمم فببي هببذا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫حكم الصلة‪ ،‬أعني أنه كما أن الصلة من شرط صحتها الببوقت‪ ،‬كببذلك مببن شببروط‬
‫صحة الوضوء والتيمم الوقت‪ ،‬إل أن الشرع خصص الوضوء من ذلك‪ ،‬فبقي الببتيمم‬
‫على أصله أم ليس يقتضي هذا ظاهر مفهوم اليببة‪ ،‬وأن تقببدير قببوله تعببالى }يببا أيهببا‬
‫الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلة{ أي إذا أردتم القيام إلى الصلة‪ ،‬وأيضببا فببإنه لببو لببم‬
‫يكن هنالك محذوف لما كان يفهم من ذلك إل إيجبباب الوضببوء والببتيمم عنببد وجببوب‬
‫الصلة فقط‪ ،‬ل أنه ل يجزئ إن وقع قبببل الببوقت إل أن يقاسبا علببى الصببلة‪ ،‬فلببذلك‬
‫الولى أن يقال في هذا إن سبب الخلف فيه هو قياس التيمم على الصلة‪ ،‬لكببن هببذا‬
‫يضعف‪ ،‬فإن قياسه على الوضوء أشبه‪ ،‬فتأمل هذه المسألة‪ ،‬فإنها ضعيفة‪ ،‬أعني مببن‬
‫يشترط في صحته دخببول الببوقت ويجعلببه مببن العبببادات المؤقتببة‪ ،‬فببإن التببوقيت فببي‬
‫العبادة ل يكون إل بدليل سمعي‪ ،‬وإنما يسببوغ القببول بهببذا إذا كببان علببى رجبباء مببن‬
‫وجود الماء قبل دخول الوقت فيكون هذا ليس من ببباب أن هببذه العبببادة مؤقتببة‪ ،‬لكببن‬
‫من باب أنه ليس ينطلق اسم الغير واجد للماء إل عند دخول وقت الصببلة‪ ،‬لنببه مببا‬
‫لم يدخل وقتها أمكن أن يطرأ هو على الماء‪ ،‬ولذلك اختلف المذهب متى يتيمم؟‪ ،‬هل‬
‫في أول الوقت أو في وسطه أو في آخره؟ لكن ههنا مواضع يعلببم قطعببا أن النسببان‬
‫ليس بطارئ على الماء فيها قبل دخول الوقت‪ ،‬ول الماء بطارئ عليببه‪ .‬وأيضببا فببإن‬
‫قدرنا طرو الماء فليس يجب عليه إل نقض التيمم فقط ل منع صحته‪ ،‬وتقدير الطرو‬
‫هو ممكن في الوقت وبعببده‪ ،‬فلببم جعببل حكمببه قبببل دخببول الببوقت خلف حكمببه فببي‬
‫الوقت أعني أنه قبل الوقت يمنع انعقاد التيمم‪ ،‬وبعد دخول الوقت ل يمنعه‪ ،‬وهذا كله‬
‫ل ينبغي أن يصار إليه إل بدليل سمعي‪ ،‬ويلزم على هببذا أن ل يجببوز الببتيمم إل فببي‬
‫آخر الوقت فتأمله‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الرابع في صفة هذه الطهارة‬
‫@‪-‬وأما صفة هذه الطهارة فيتعلق بها ثلث مسائل هي قواعد هذا الباب‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الولى( اختلف الفقهاء في حد اليدي التي أمر الب بمسببحها فببي الببتيمم‬
‫في قوله }فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه{ على أربعة أقببوال‪ :‬القببول الول‪ :‬أن الحببد‬
‫الواجب في ذلببك هببو الحببد الببواجب بعينببه فببي الوضببوء‪ ،‬وهببو إلببى المرافببق‪ ،‬وهببو‬
‫مشهور المذهب‪ ،‬وبه قال فقهاء المصار‪ .‬والقول الثاني‪ :‬أن الفرض هو مسح الكف‬
‫فقط‪ ،‬وبه قال أهل الظاهر وأهل الحديث‪ .‬والقول الثالث‪ :‬السببتحباب إلببى المرفقيببن‪،‬‬
‫والفرض الكفان‪ ،‬وهو مروي عن مالك‪ .‬والقببول الرابببع‪ :‬أن الفببرض إلببى المنبباكب‪،‬‬
‫وهو شاذ روي عن الزهري ومحمد بن مسلمة‪ .‬والسبب فببي اختلفهببم اشببتراك اسببم‬
‫اليد في لسان العرب‪ ،‬وذلك أن اليببد فببي كلم العببرب يقببال علببى ثلثببة معببان‪ :‬علببى‬
‫الكف فقط وهو أظهرها اسببتعمال‪ ،‬ويقببال علببى الكببف والببذراع‪ ،‬ويقببال علببى الكببف‬
‫والساعد والعضد‪ .‬والسبب الثبباني اختلف الثببار فببي ذلببك‪ ،‬وذلببك أن حببديث عمببار‬
‫المشهور فيه من طرقه الثابتة "إنما يكفيك أن تضرب بيدك ثم تنفخ فيها ثم تمسح بها‬
‫وجهك وكفيك"‪ .‬وورد في بعض طرقه أنه قال له عليه الصلة والسلم "وأن تمسببح‬
‫بيديك إلى المرفقين"‪ .‬وروي أيضا عن ابن عمر أن النبي عليه الصلة والسببلم قببال‬
‫"التيمم ضربتان‪ :‬ضببربة للببوجه‪ ،‬وضببربة لليببدين إلببى المرفقيببن" وروي أيضببا مببن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫طريق ابن عباس ومن طريق غيره؛ فذهب الجمهور إلى ترجيح هذه الحاديث على‬
‫حديث عمار الثابت من جهة عضد القيبباس لهببا‪ :‬أعنببي مببن جهببة قيباس الببتيمم علببى‬
‫الوضوء وهو بعينه حملهم على أن عبدلوا بلفببظ اسببم اليببد عبن الكببف البذي هبو فيبه‬
‫أظهر إلى الكف والسبباعد‪ ،‬ومببن زعببم أنببه ينطلببق عليهمببا بالسببواء‪ ،‬وأنببه ليببس فببي‬
‫أحدهما أظهر منه في الثاني فقط أخطأ‪ ،‬فإن اليد وإن كببانت اسببما مشببتركا فهببي فببي‬
‫الكف حقيقة‪ ،‬وفيما فببوق الكببف مجبباز‪ ،‬وليببس كببل اسببم مشببترك هببو مجمببل‪ ،‬وإنمببا‬
‫المشترك المجمل الذي وضع من أول أمببره مشببتركا‪ ،‬وفببي هببذا قببال الفقهبباء إنببه ل‬
‫يصح الستدلل به‪ ،‬ولذلك ما نقول إن الصببواب هببو أن يعتقببد أن الفببرض إنمببا هببو‬
‫الكفان فقط‪ ،‬وذلببك أن اسببم اليببد ل يخلببو أن يكببون فببي الكببف أظهببر منببه فببي سببائر‬
‫الجزاء أو يكون دللته على سائر أجزاء الذراع والعضد بالسواء‪ ،‬فببإن كببان أظهببر‬
‫فيجب المصير إلى الخذ بالثر الثابت‪ ،‬فأمببا أن يغلببب القيبباس ههنببا علببى الثببر فل‬
‫معنى له‪ ،‬ول أن ترجح به أيضا أحاديث لم تثبت بعد‪ ،‬فببالقول فببي هببذه المسببألة بيببن‬
‫من الكتاب والسنة فتأمله‪ .‬وأما من ذهب إلى الببباط فإنمببا ذهببب إلببى ذلببك‪ ،‬لنببه قببد‬
‫روي في بعض طرق حديث عمار أنه قال "تيممنا مببع رسببول الب صببلى الب عليببه‬
‫وسلم فمسحنا بوجوهنا وأيدينا إلى المناكب"‪ .‬ومن ذهب إلى أن يحمل تلك الحبباديث‬
‫على الندب وحديث عمار على الوجوب فهو مذهب حسببن إذ كببان الجمببع أولببى مببن‬
‫الترجيح عند أهل الكلم الفقهي‪ ،‬إل أن هذا إنما ينبغي أن يصار إليه إن صحت تلببك‬
‫الحاديث‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية( اختلف العلماء في عدد الضببربات علببى الصببعيد للببتيمم‪ ،‬فمنهببم‬
‫من قال واحدة‪ ،‬ومنهم من قببال اثنببتين‪ ،‬والببذين قببالوا اثنببتين منهببم مببن قببال‪ :‬ضببربة‬
‫للوجه وضربة لليدين‪ ،‬وهم الجمهور‪ ،‬وإذا قلت الجمهور فالفقهبباء الثلثببة معببدودون‬
‫فيهم‪ :‬أعني مالكا والشافعي وأبا حنيفة‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬ضببربتان لكببل واحببد منهمببا‪:‬‬
‫أعني لليد ضربتان وللوجه ضربتان‪ ،‬والسبب في اختلفهم أن الية مجملبة فبي ذلبك‬
‫والحاديث متعارضة‪ ،‬وقياس التيمم على الوضوء في جميع أحواله غير متفق عليه‪،‬‬
‫والذي في حديث عمار الثابت من ذلك إنما هو ضببربة واحببدة للببوجه والكفيببن معببا‪،‬‬
‫لكن ههنا أحاديث فيها ضربتان‪ ،‬فرجح الجمهور هذه الحبباديث لمكببان قيبباس الببتيمم‬
‫على الوضوء‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثالثة( اختلف الشببافعي مببع مالببك وأبببي حنيفببة وغيرهمببا فببي وجببوب‬
‫توصيل التراب إلى أعضاء التيمم‪ ،‬فلم ير ذلك أبو حنيفة واجبا ول مالك‪ ،‬ورأى ذلك‬
‫الشافعي واجبا‪ .‬وسبب اختلفهم الشببتراك الببذي فببي حببرف "مببن" فببي قببوله تعببالى‬
‫}فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه{ وذلك أن مببن قببد تببرد للتبعيببض‪ ،‬وقببد تببرد لتمييببز‬
‫الجنس‪ ،‬فمن ذهب إلى أنها ههنا للتبعيببض أوجببب نقبل البتراب إلببى أعضباء الببتيمم‪.‬‬
‫ومن رأى أنها لتمييز الجنس قال‪ :‬ليس النقل واجبا‪ .‬والشافعي إنما رجح حملها علببى‬
‫التبعيض من جهة قياس التيمم على الوضوء‪ ،‬لكن يعارضه حديث عمار المتقدم لن‬
‫فيه ثم تنفخ فيها‪ ،‬وتيمم رسول ال صلى ال عليه وسلم على الحائط‪ ،‬وينبغي أن تعلم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أن الختلف في وجوب الترتيب في التيمم ووجوب الفور فيه هو بعينه اختلفهم في‬
‫ذلك في الوضوء وأسباب الخلف هنالك هي أسبابه هنا فل معنى لعادته‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الخامس فيما تصنع به هذه الطهارة‪.‬‬
‫@‪-‬وفيبه مسبألة واحبدة‪ ،‬وذلبك أنهببم اتفقبوا علببى جوازهبا ببتراب الحببرث الطيببب‪،‬‬
‫واختلفوا في جواز فعلها بما عدا التراب من أجزاء الرض المتولدة عنها كالحجارة‪،‬‬
‫فذهب الشافعي إلى أنه ل يجوز التيمم إل بالتراب الخببالص وذهببب مالببك وأصببحابه‬
‫إلى أنه يجوز التيمم بكل ما صعد على وجه الرض من أجزائها فببي المشببهور عنببه‬
‫الحصا والرمببل والببتراب‪ .‬وزاد أبببو حنيفببة فقببال‪ :‬وبكببل مببا يتولببد مببن الرض مببن‬
‫الحجارة مثل النورة والزرنيخ والجص والطين والرخام‪ .‬ومنهم من شببرط أن يكببون‬
‫التراب على وجه الرض وهم الجمهور‪ .‬وقال أحمببد بببن حنبببل‪ :‬يتمببم بغبببار الثببوب‬
‫واللبد‪ .‬والسبب في اختلفهم شيئان‪ :‬أحدهما اشتراك اسم ا لصعيد في لسببان العببرب‪،‬‬
‫فببإنه مببرة يطلببق علببى الببتراب الخببالص‪ ،‬ومببرة يطلببق علببى جميببع أجببزاء الرض‬
‫الظاهرة‪ ،‬حتى إن مالكا وأصحابه حملهم دللة اشتقاق هببذا السببم أعنببي الصببعيد أن‬
‫يجيزوا في إحدى الروايات عنهم التيمم على الحشيش وعلى الثلج‪ ،‬قالوا‪ :‬لنه يسمى‬
‫صعيدا في أصبل التسببمية‪ ،‬أعنبي مببن جهببة صببعوده علبى الرض‪ ،‬وهبذا ضببعيف‪.‬‬
‫والسبب الثاني إطلق اسم الرض في جواز التيمم بها فببي بعببض روايببات الحببديث‬
‫المشهور‪ ،‬وتقييدها بالتراب في بعضها‪ ،‬وهو قوله عليه الصلة والسلم "جعلببت لببي‬
‫الرض مسببجدا وطهببورا" فببإن فببي بعببض روايبباته "جعلببت لببي الرض مسببجدا‬
‫وطهورا" وفي بعضها "جعلت لي الرض مسجد وجعلببت لببي تربتهببا طهببورا" وقببد‬
‫اختلف أهل الكلم الفقهي هل يقضي بالمطلق علببى المقيببد أو بالمقيببد علببى المطلببق؟‬
‫والمشهور عندهم أن يقضي بالمقيد على المطلق وفيه نظر‪ ،‬ومذهب أبببي محمببد بببن‬
‫حزم أن يقضي بالمطلق على المقيد‪ ،‬لن المطلق فيبه زيبادة معنبى‪ ،‬فمببن كببان رأيببه‬
‫القضاء بالمقيد على المطلق وحمل اسم الصعيد الطيب على التراب لم يجز التيمم إل‬
‫بالتراب‪ ،‬ومن قضى بالمطلق على المقيد وحمل اسم الصعيد على كل ما علببى وجببه‬
‫الرض من أجزائها أجاز التيمم بالرمل والحصى‪ .‬وأما إجازة التيمم بما يتولببد منهببا‬
‫فضعيف إذ كان ل يتناوله اسم الصعيد فإن أعم دللة اسببم الصببعيد أن يببدل علببى مببا‬
‫تدل عليه الرض‪ ،‬ل أن يدل على الزرنيخ والنورة‪ ،‬ول على الثلج والحشيش‪ ،‬وال ب‬
‫الموفق للصواب‪ ،‬والشتراك الذي في اسم الطيب أيضا من أحد دواعي الخلف‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب السادس في نواقض هذه الطهارة‪.‬‬
‫@‪-‬وأما نواقض هذه الطهارة فإنهم اتفقوا على أنه ينقضها مببا ينقببض الصببل الببذي‬
‫هو الوضوء أو الطهر‪ ،‬واختلفوا من ذلك فببي مسببألتين‪ :‬إحببداهما هببل ينقضببها إرادة‬
‫صلة أخرى مفروضة غير المفروضة التي تيمم لها؟‪ .‬والمسألة الثانية هببل ينقضببها‬
‫وجود الماء أم ل؟‪.‬‬
‫@‪)-‬أما المسألة الولى( فذهب مالك فيها إلى أن إرادة الصلة الثانية تنقض طهببارة‬
‫الولى‪ ،‬ومذهب غيره خلف ذلك‪ .‬وأصل هبذا الخلف يبدور علبى شبيئين‪ :‬أحبدهما‬
‫هل في قوله تعالى }يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلة{ محذوف مقدر‪ :‬أعني إذا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫قمتم من النببوم‪ ،‬أو قمتببم محببدثين‪ ،‬أم ليببس هنالببك محببذوف أصببل؟ فمببن راى أن ل‬
‫محذوف هنالك قال‪ :‬ظاهر الية وجوب الوضببوء أو الببتيمم عنببد القيببام لكببل صببلة‪،‬‬
‫لكن خصصت السنة من ذلك الوضببوء فيبقببي البتيمم علببى أصبله‪ ،‬لكببن ل ينبغبي أن‬
‫يحتج بهذا لمالك فإن مالكا يرى أن في الية محذوفا على ما رواه عن زيد بببن أسببلم‬
‫في موطئه‪ .‬وأما السبب الثاني فهو تكرار الطلب عند دخببول وقببت كببل صببلة وهببذا‬
‫هو ألزم لصول مالك أعني أن يحتج له بهذا‪ ،‬وقد تقدم القول في هذه المسألة‪ ،‬ومببن‬
‫لم يتكرر عنده الطلب وقدر في الية محذوفا لم ير إرادة الصلة الثانية ما لببم ينقبض‬
‫التيمم‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثانية( فإن الجمهور ذهبوا إلى أن وجببود المبباء ينقضببها‪ .‬وذهببب‬
‫قببوم إلببى أن النبباقض لهببا هببو الحببدث‪ ،‬وأصببل هببذ الخلف هببل وجببود المبباء يرفببع‬
‫استصحاب الطهرة التي كانت بالتراب‪ ،‬أو يرفببع ابتببداء الطهببارة بببه؟ فمببن رى أنببه‬
‫يرفع ابتداء الطهارة به قال‪ :‬ل ينقضها إل الحدث‪ .‬ومببن رأى أنببه يرفببع استصببحاب‬
‫الطهارة قال‪ :‬إنببه ينقضببها‪ ،‬فببإن حببد النبباقض هببو الرافببع للستصببحاب‪ ،‬وقببد احتببج‬
‫الجمهور لمبذهبهم بالحبديث الثبابت‪ ،‬وهبو قبوله عليبه الصبلة والسبلم "جعلبت لبي‬
‫الرض مسجدا وطهورا ما لم يجد الماء" والحديث محتمل‪ ،‬فببإنه يمكببن أن يقببال‪ :‬إن‬
‫قوله عليه الصلة والسلم "ما لببم يجببد المبباء" يمكببن أن يفهببم منببه‪ :‬فبإذا وجببد المبباء‬
‫انقطعت هذه الطهارة وارتفعت‪ ،‬ويمكن أن يفهم منه‪ :‬فإذا وجد الماء لم تصببح ابتببداء‬
‫هذه الطهارة‪ ،‬والقوى في عضد الجمهور هو حديث أبي سببعيد الخببدري‪ ،‬وفيببه أنببه‬
‫عليه الصلة والسلم قال "فإذا وجدت الماء فأمسه جلببدك" فببإن المببر محمببول عنببد‬
‫جمهور المتكلمين على الفور‪ ،‬وإن كان أيضا قد يتطرق إليه الحتمال المتقبدم فتأمبل‬
‫هذا‪ .‬وقد حمل الشافعي تسليمه على أن وجود الماء يرفببع هببذه الطهببارة أن قببال‪ :‬إن‬
‫التيمم ليس رافعا للحدث‪ :‬أي ليس مفيدا للمتيمم الطهارة الرافعببة للحببدث‪ ،‬وإنمببا هببو‬
‫مبيح للصلة فقط مع بقاء الحدث‪ ،‬وهذا ل معنى له‪ ،‬فإن الب قببد سببماه طهببارة‪ ،‬وقببد‬
‫ذهب قوم من أصحاب مالك هذا المذهب فقالوا‪ :‬إن التيمم ل يرفببع الحببدث‪ ،‬لنببه لببو‬
‫رفعه لم ينقضه إل الحدث‪ .‬والجواب أن هذه الطهارة وجود الماء في حقها هو حدث‬
‫خاص بها على القول بأن الماء ينقضببها‪ ،‬واتفببق القببائلون بببأن وجببود المبباء ينقضببها‬
‫على أنه ينقضها قبل الشروع في الصلة وبعد الصلة‪ ،‬واختلفوا هل ينقضببها طببروه‬
‫في الصلة؟ فذهب مالك والشببافعي وداود إلببى أنببه ل ينقببض الطهببارة فببي الصببلة‪،‬‬
‫وذهب أبو حنيفة وأحمد وغيرهما إلى أنببه ينقببض الطهببارة فببي الصببلة وهببم أحفببظ‬
‫للصل‪ ،‬لنه أمر غير مناسب الشرع أن يوجببد شببيء واحببد ل ينقببض الطهببارة فببي‬
‫الصلة وينقضها في غير الصلة‪ ،‬وبمثل هذا شنعوا على مذهب أبي حنيفة فيما يراه‬
‫من أن الضحك في الصلة ينقض الوضوء‪ ،‬مع أنه مستند في ذلك إلببى الثببر فتأمببل‬
‫هذه المسألة فإنها بينة‪ ،‬ول حجة في الظواهر التي يرام الحتجاح بها بببإرادته وإنمببا‬
‫أبطلها طرو الماء كما لو أحدث‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب السابع في الشياء التي هذه الطهارة شرط في صحتها أو في استباحتها‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬واتفق الجمهور على أن الفعال التي هذه الطهارة شرط في صحتها هي الفعال‬
‫التي الوضوء شرط في صحتها من الصلة ومببس المصبحف وغيبر ذلببك‪ ،‬واختلفببوا‬
‫هل يستباح بها أكثر من صلة واحدة فقط؟ فمشهور مذهب مالك أنببه ل يسببتباح بهببا‬
‫صلتان مفروضتان أبدا‪ ،‬واختلف قوله في الصلتين المقضيتين‪ ،‬والمشهور عنه أنه‬
‫إذا كانت إحدى الصلتين فرضا والخرى نفل أنه إذا قدم الفرض جمع بينهمببا‪ ،‬وإن‬
‫قدم النفل لببم يجمببع بينهمببا‪ .‬وذهببب أبببو حنيفببة إلببى أنببه يجببوز الجمببع بيببن صببلوات‬
‫مفروضة بتيمم واحد‪ .‬وأصل هذا الخلف هو‪ :‬هل التيمم يجب لكل صلة أم ل؟ إمببا‬
‫من قبل ظاهر الية كما تقدم‪ ،‬وإما من قبل وجوب تكرار الطلب‪ ،‬وإما من كليهما‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الطهارة من النجس‪.‬‬
‫@‪-‬والقول المحيط بأصول هذه الطهارة وقواعدها ينحصر فببي سببتة أبببواب‪ .‬الببباب‬
‫الول‪ :‬في معرفة حكم هذه الطهارة‪ :‬أعني في الوجوب أو في الندب إما مطلقا وإمببا‬
‫من جهة أنها مشترطة في الصلة‪ .‬الباب الثاني‪ :‬في معرفة أنببواع النجاسببات‪ .‬الببباب‬
‫الثالث‪ :‬في معرفة المحال التي يجب إزالتها عنها‪ .‬الباب الرابببع‪ :‬فببي معرفببة الشببيء‬
‫الذي تزال به‪ .‬الباب الخامس‪ :‬في صفة إزالتها في محل محببل‪ .‬الببباب السببادس‪ :‬فببي‬
‫آداب الحداث‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول في معرفة حكم هذه الطهارة‪.‬‬
‫@‪-‬والصل في هذا الباب إما من الكتاب‪ ،‬فقببوله تعببالى }وثيابببك فطهببر{ وإمببا مببن‬
‫السنة‪ ،‬فآثار كثيرة ثابتة‪ ،‬منها قوله عليه الصلة والسلم "من توضأ فليسببتنثر‪ ،‬ومببن‬
‫استجمر فليوتر" ومنها "أمره صلى الب عليببه وسببلم بغسببل دم الحيببض مببن الثببوب‪،‬‬
‫وأمره بصب ذنوب من ماء على بول العرابببي" وقببوله عليببه الصببلة والسببلم فببي‬
‫صاحبي القبر "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير‪ ،‬أما أحببدهما فكببان ل يسببتنزه مببن‬
‫البول" واتفق العلماء لمكان هذه المسموعات على أن إزالة النجاسببة مببأمور بهببا فببي‬
‫الشرع واختلفوا‪ :‬هل ذلك على الوجوب أو علببى النببدب المببذكور‪ ،‬وهببو الببذي يعبببر‬
‫عنه بالسنة؟ فقال قوم‪ :‬إن إزالة النجاسات واجبة‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة والشافعي‪ ،‬وقال‬
‫قوم‪ :‬إزالتها سنة مؤكدة وليست بفرض‪ .‬وقال قوم‪ :‬هي فرض مع الذكر‪ ،‬ساقطة مببع‬
‫النسيان‪ ،‬وكل هذين القولين عن مالك وأصحابه‪ .‬وسبببب اختلفهببم فببي هببذه المسببألة‬
‫راجع إلى ثلثة أشياء‪ :‬أحدها اختلفهم في قوله تبارك وتعببالى }وثيابببك فطهببر{ هببل‬
‫ذلك محمول على الحقيقة أو محمول على المجاز؟‪ .‬والسبب الثاني تعببارض ظببواهر‬
‫الثار في وجوب ذلك‪ ،‬والسبب الثالث اختلفهم في المر والنهي الوارد لعلة معقولة‬
‫المعنى‪ ،‬هل تلك العلببة المفهومببة مببن ذلببك المببر أو النهببي‪ ،‬قرينببة تنقببل المببر مببن‬
‫الوجوب إلى الندب‪ ،‬والنهي من الحظر إلى الكراهة؟ أم ليست قرينببة؟ وأنببه ل فببرق‬
‫في ذلك بين العبادة المعقولة وغير المعقولة‪ ،‬وإنما صببار مببن صببار إلببى الفببرق فببي‬
‫ذلك لن الحكام المعقولة المعاني في الشرع أكثرها هي مببن ببباب محاسببن الخلق‬
‫أو من باب المصالح‪ ،‬وهببذه فبي الكبثر هببي منببدوب إليهبا‪ ،‬فمبن حمبل قببوله تعبالى‬
‫}وثيابك فطهر{ علببى الثيبباب المحسوسببة قببال‪ :‬الطهببارة مببن النجاسببة واجبببة‪ ،‬ومببن‬
‫حملها على الكناية عن طهارة القلب لم ير فيهببا حجببة‪ .‬وأمببا الثببار المتعارضببة فببي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ذلك‪ ،‬فمنها حديث صاحبي القبر المشهور‪ ،‬وقوله فيهما صلى ال عليه وسببلم "إنهمببا‬
‫ليعذبان‪ ،‬وما يعذبان في كبير‪ :‬أمببا أحببدهما فكببان ل يسببتنزه مببن بببوله" فظبباهر هببذا‬
‫الحديث يقتضي الوجوب‪ ،‬لن العذاب ل يتعلق إل بببالواجب‪ ،‬وأمببا المعببارض لببذلك‬
‫فما ثبت عنه عليه الصلة والسلم من أنه رمي عليه وهببو فببي الصببلة سببل جببزور‬
‫بالدم والفرث فلببم يقطببع الصببلة‪ .‬وظبباهر هببذا أنببه لببو كبانت إزالببة النجاسببة واجبببة‬
‫كوجوب الطهارة من الحدث لقطع الصلة ومنهببا مببا روي "أن النبببي عليببه الصببلة‬
‫والسلم كان في صلة من الصلوات يصلي في نعليه‪ ،‬فطببرح نعليببه‪ ،‬فطببرح النبباس‬
‫لطرحه نعليه‪ ،‬فأنكر ذلك عليهم عليه الصلة والسلم وقال "إنما خلعتهبا لن جبريبل‬
‫أخبرني أن فيها قذرا" فظاهر هذا أنه لو كانت واجبببة لمببا بنببي علببى مببا مضببى مببن‬
‫الصلة‪ ،‬فمن ذهب في هذه الثار مذهب ترجيح الظواهر قال إما بالوجوب إن رجح‬
‫ظاهر حبديث الوجبوب‪ ،‬أو بالنبدب إن رجبح ظباهر حبديث النبدب‪ ،‬أعنبي الحبديثين‬
‫اللذين يقضيان أن إزالتها من باب الندب المؤكد‪ .‬ومن ذهب مذهب الجمع‪ ،‬فمنهم من‬
‫قال هي فرض مع الذكر والقدرة‪ ،‬ساقطة مع النسيان وعدم القببدرة‪ .‬ومنهببم مببن قببال‬
‫هي فرض مطلقا وليست من شروط صحة الصلة وهي قول رابع في المسبألة وهبو‬
‫ضعيف‪ ،‬لن النجاسة إنما تزال في الصلة‪ ،‬وكذلك مببن فببرق بيببن العبببادة المعقولببة‬
‫المعنى والغير معقولته‪ ،‬أعني أنه جعل الغير معقولة آكد في باب الوجوب فببرق بيببن‬
‫المر الوارد في الطهارة من الحدث‪ ،‬وبين المر الببوارد فببي الطهببارة مببن النجببس‪،‬‬
‫لن الطهارة من النجس معلوم أن المقصود بها النظافة‪ ،‬وذلك من محاسببن الخلق‪.‬‬
‫وأما الطهارة من الحدث فغير معقولة المعنى مببع مببا اقببترن بببذلك مببن صببلتهم فببي‬
‫النعال مع أنها ل تنفك من أن يوطأ بها النجاسات غالبا‪ ،‬وما أجمعوا عليه مببن العفببو‬
‫عن اليسير في بعض النجاسات‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني في معرفة أنواع النجاسات‪.‬‬
‫@‪-‬وأما أنواع النجاسات‪ ،‬فإن العلماء اتفقوا من أعيانها علبى أربعببة‪ :‬ميتببة الحيببوان‬
‫ذي الدم الذي ليس بمائي‪ ،‬وعلى لحم الخنزير بأي سبب اتفق أن تذهب حياته‪ ،‬وعلى‬
‫الدم نفسه من الحيوان الذي ليس بمائي انفصل من الحي أو الميت إذا كان مسببفوحا‪،‬‬
‫أعني كثيرا‪ ،‬وعلى بول ابن آدم ورجيعه‪ ،‬وأكثرهم علببى نجاسببة الخمببر‪ ،‬وفببي ذلببك‬
‫خلف عن بعض المحدثين‪ ،‬واختلفوا في غير ذلك‪ ،‬والقواعد من ذلك سبع مسائل‪:‬‬
‫@‪)-‬المسألة الولى( اختلفوا في ميتببة الحيببوان الببذي ل دم لببه‪ ،‬وفببي ميتببة الحيببوان‬
‫البحري‪ ،‬فذهب قوم إلى أن ميتة ما ل دم له طاهرة‪ ،‬وكذلك ميتة البحر‪ ،‬وهو مذهب‬
‫مالك وأصحابه‪ ،‬وذهب قوم إلى التسببوية بيببن ميتببة ذوات الببدم والببتي ل دم لهببا فببي‬
‫النجاسة‪ ،‬واستثنوا من ذلك ميتة البحببر‪ ،‬وهببو مببذهب الشببافعي‪ ،‬إل مببا وقببع التفبباق‬
‫على أنه ليس بميتة مثل دود الخل وما يتولد في المطعومات‪ ،‬وساوى قبوم بيبن ميتبة‬
‫البر والبحر‪ ،‬واستثنوا ميتة ما ل دم لببه‪ ،‬وهببو مببذهب أبببي حنيفببة‪ .‬وسبببب اختلفهببم‬
‫اختلفهم في مفهوم قوله تعالى }حرمت عليكم الميتة{ وذلك أنهم فيمببا أحسببب اتفقببوا‬
‫أنه من باب العام أريد به الخاص‪ ،‬واختلفوا أي خاص أريد به‪ ،‬فمنهم من استثنى من‬
‫ذلك ميتة البحر وما ل دم له‪ ،‬ومنهم من استثنى من ذلك ميتة البحر فقط‪ ،‬ومنهم مببن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫استثنى من ذلك ميتة البحر فقط‪ ،‬ومنهم من استثنى من ذلببك ميتببة مببا ل دم لببه فقببط‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم في هذه المستثنيات هو سبب اختلفهم فببي الببدليل المخصببوص‪ .‬أمببا‬
‫من اسبتثنى مببن ذلبك مبا ل دم لببه‪ ،‬فحجتبه مفهبوم الثببر الثبابت عنبه عليببه الصببلة‬
‫والسلم من أمره بمقببل الببذباب إذا وقببع فببي الطعببام‪ ،‬قبالوا‪ :‬فهببذا يببدل علببى طهببارة‬
‫الببذباب وليببس لببذلك علببة إل أنببه غيببر ذي دم‪ .‬وأمببا الشببافعي فعنببده أن هببذا خبباص‬
‫بالذباب لقوله عليه الصلة والسلم " فإن في إحدى جناحية داء وفي الخببرى دواء"‬
‫ووهن الشافعي هذا المفهوم من الحديث بأن ظبباهر الكتبباب يقتضببي أن الميتببة والببدم‬
‫نوعان مببن أنببواع المحرمببات‪ :‬أحببدهما تعمببل فيببه التذكيببة وهببي الميتببة‪ ،‬وذلببك فببي‬
‫الحيوان المباح الكل باتفبباق‪ ،‬والببدم ل تعمببل فيببه التذكيببة فحكمهمببا مفببترق‪ ،‬فكيببف‬
‫يجوز أن يجمع بينهما حتى يقال‪ :‬إن الدم هببو سبببب تحريببم الميتببة؟ وهببذا قببوي كمببا‬
‫ترى‪ ،‬فإنه لو كان الدم هو السبب في تحريببم الميتببة لمببا كببانت ترتقببع الحرميببة عببن‬
‫الحيوان بالذكاة‪ ،‬وتبقى حرمية الدم الذي لم ينفصل بعد عببن المببذكاة‪ ،‬وكببانت الحليببة‬
‫إنما توجد بعد انفصال الدم عنه لنه إذا ارتفع السبببب ارتفببع المسبببب الببذي يقتضببيه‬
‫ضرورة‪ ،‬لنه إن وجد السبب والمسبب غير موجود فليس له هو سببببا‪ ،‬ومثببال ذلببك‬
‫أنه إذا ارتفع التحريم عن عصير العنببب وجببب ضببرورة أن يرتفببع السببكار إن كنببا‬
‫نعتقد أن السكار هو سبب التحريم‪ .‬وأما من استثنى من ذلك ميتة البحببر فببإنه ذهببب‬
‫إلى الثر الثابت في ذلك من حديث جابر‪ ،‬وفيه "أنهم أكلببوا مببن الحببوت الببذي رمبباه‬
‫البحر أيامبا وتبزودوا منبه‪ ،‬وأنهبم أخبببروا ببذلك رسبول الب صبلى الب عليببه وسببلم‬
‫فاستحسن فعلهم‪ ،‬وسألهم‪ :‬هل بقي منببه شببيء؟" وهببو دليببل علببى أنببه لببم يجببوز لهببم‬
‫لمكان ضروة خروج الزاد عنهم‪ .‬واحتجوا أيضا بقببوله عليببه الصببلة والسببلم "هببو‬
‫الطهور ماؤه الحل ميتته"‪ .‬وأما أبو حنيفة فرجح عموم الية على هذا الثر‪ ،‬إما لن‬
‫الية مقطوع بها‪ ،‬والثر مظنون‪ ،‬وإما لنه رأى أن ذلك رخصة لهببم‪ ،‬أعنببي حبديث‬
‫جابر أو لنه احتمل عنده أن يكون الحوت مببات بسبببب‪ ،‬وهببو رمببي البحببر بببه إلببى‬
‫الساحل‪ ،‬لن الميتة هو ما مات من تلقاء نفسه من غير سبب خارج‪ ،‬ولختلفهم فببي‬
‫هذا أيضا سبب آخر وهو احتمال عودة الضمير في قوله تعالى }وطعامه متاعببا لكببم‬
‫وللسيارة{ أعني أن يعود على البحر أو على الصيد نفسه‪ ،‬فمن أعاده على البحر قال‬
‫طعامه هو الطافي‪ ،‬ومن أعاده على الصيد قال هو الذي أحل فقط مببن صببيد البحببر‪،‬‬
‫مع أن الكوفيين أيضا تمسكوا في ذلك بأثر ورد فيه تحريم الطافي مببن السببمك وهببو‬
‫عندهم ضعيف‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية( وكما اختلفوا فببي أنببواع الميتببات كببذلك اختلفببوا فببي أجببزاء مببا‬
‫اتفقوا عليه أنه ميتة‪ ،‬وذلك أنهم اتفقوا على أن اللحم من أجزاء الميتة ميتة‪ .‬واختلفببوا‬
‫في العظام والشعر‪ ،‬فذهب الشافعي إلى أن العظببم والشبعر ميتببة‪ ،‬وذهببب أببو حنيفبة‬
‫إلى أنهما ليسا بميتة‪ ،‬وذهب مالك للفبرق بيبن الشبعر والعظبم فقبال‪ :‬إن العظبم ميتبة‬
‫وليس الشعر ميتة‪ .‬وسبب اختلفهم هو اختلفهببم فيمببا ينطلببق عليببه اسببم الحيبباة مببن‬
‫أفعال العضاء‪ .‬فمن رأى أن النمو والتغببذي هببو مببن أفعببال الحيبباة قببال‪ :‬إن الشببعر‬
‫والعظام إذا فقدت النمو والتغذي فهي ميتة‪ .‬ومببن رأى أنببه ل ينطلببق اسببم الحيبباة إل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫على الحس قال‪ :‬إن الشعر والعظام ليست بميتة لنها ل حس لها‪ .‬ومببن فببرق بينهمببا‬
‫أوجب للعظام الحس ولم يوجب للشعر‪ .‬وفي حس العظببام اختلف‪ ،‬والمببر مختلببف‬
‫فيه بين الطباء‪ ،‬ومما يدل على أن التغذي والنمو ليسا هما الحيبباة الببتي يطلببق علببى‬
‫عدمها اسم الميتة‪ ،‬أن الجميع قد اتفقوا على أن مبا قطبع مبن البهيمبة وهبي حيبة أنبه‬
‫ميتة لو زود ذلك في الحديث وهو قوله عليه الصلة والسلم "مببا قطببع مببن البهيمببة‬
‫وهي حية فهو ميتة" واتفقوا على أن الشعر إذا قطع من الحي أنه طاهر‪ ،‬ولو انطلببق‬
‫اسم الميتة على من فقد التغذي والنمو لقيل فببي النبببات المقلببوع إنببه ميتببة‪ ،‬وذلببك أن‬
‫النبات فيه التغذي والنمو‪ ،‬وللشافعي أن يقول إن التغذي الذي ينطلق على عدمه اسببم‬
‫الموت هو التغذي الموجود في الحساس‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثالثببة( اختلفببوا فببي النتفبباع بجلببود الميتببة‪ ،‬فببذهب قببوم إلببى النتفبباع‬
‫بجلودها مطلقا دبغببت أو لببم تببدبغ‪ ،‬وذهببب قببوم إلببى خلف هببذا‪ ،‬وهببو أل ينتفببع بببه‬
‫أصل‪ ،‬وإن دبغت وذهب قوم إلى الفرق بين أن تببدبغ وأن ل تببدبغ‪ ،‬ورأوا أن الببدباغ‬
‫مطهر لها‪ ،‬وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة‪ ،‬وعن مالك في ذلك روايتببان‪ :‬إحببداهما‬
‫مثببل قببول الشببافعي‪ ،‬والثانيببة أن الببدباغ ل يطهرهببا‪ ،‬ولكببن تسببتعمل فببي اليابسببات‪،‬‬
‫والذين ذهبوا إلى أن الدباغ مطهر اتفقوا على أنببه مطهببر لمببا تعمببل فيببه الببذكاة مببن‬
‫الحيوان‪ :‬أعني المباح الكل‪ ،‬واختلفوا فيما ل تعمل فيه الذكاة‪ ،‬فببذهب الشببافعي إلببى‬
‫أنه مطهر لما تعمل فيه الذكاة فقط‪ ،‬وأنببه بببدل منهببا فببي إفببادة الطهببارة‪ .‬وذهببب أبببو‬
‫حنيفة إلى تأثير الدباغ في جميع ميتات الحيوان ما عدا الخنزيببر‪ .‬وقببال داود‪ :‬تطهببر‬
‫حتى جلد الخنزير‪ .‬وسبببب اختلفهببم تعببارض الثببار فببي ذلببك‪ ،‬وذلببك أنببه ورد فببي‬
‫حديث ميمونة إباحببة النتفبباع بهببا مطلقببا‪ ،‬وذلببك أن فيببه أنببه مببر بميتببة‪ ،‬فقببال عليببه‬
‫الصلة والسلم "هل انتفعتم بجلدها؟" وفي حديث ابن عكيم منع النتفاع بها مطلقببا‪،‬‬
‫وذلك أن فيه "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كتب‪ :‬أل تنتفعوا من الميتببة بإهبباب‬
‫ول عصب" قال‪ :‬وذلك قبل موته بعام‪ .‬وفي بعضها المر بالتنفبباع بهببا بعببد الببدباغ‬
‫والمنع قبل الدباغ‪ ،‬والثابت في هذا الببباب هببو حببديث ابببن عببباس أنببه عليببه الصببلة‬
‫والسلم قال "إذا دبغ الهاب فقد طهر" فلمكان اختلف هذه الثار اختلف الناس فببي‬
‫تأويلها‪ ،‬فذهب قبوم مبذهب الجمبع علبى حبديث اببن عبباس‪ ،‬أعنبي أنهبم فرقبوا فبي‬
‫النتفاع بها بين المدبوغ وغير المدبوغ‪ .‬وذهب قببوم مببذهب النسببخ‪ ،‬فأخببذوا بحببديث‬
‫ابن عكيم لقوله فيه موته بعام‪ .‬وذهب قوم مذهب الترجيح لحديث ميمونة‪ ،‬ورأوا أنببه‬
‫يتضمن زيادة على ما في حديث اببن عبباس‪ ،‬وأن تحريبم النتفباع ليبس يخبرج مبن‬
‫حديث ابن عباس قبل الدباغ‪ ،‬لن التنفاع غير الطهارة‪ ،‬أعني كل طبباهر ينتفببع بببه‪،‬‬
‫وليس يلزم عكس هذا المعنى‪ ،‬أعني أن كل ما ينتفع به هو طاهر‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الرابعة( اتفق العلماء على أن دم الحيوان البري نجس‪ ،‬واختلفوا في دم‬
‫السمك‪ ،‬وكذلك اختلفوا في الدم القليل مببن دم الحيببوان غيببر البحببري‪ ،‬فقببال قببوم‪ :‬دم‬
‫السمك طاهر‪ ،‬وهو أحد قولي مالببك ومببذهب الشببافعي‪ .‬وقببال قببوم‪ :‬هببو نجببس علببى‬
‫أصل الدماء‪ ،‬وهو قول مالك في المدونة‪ .‬وكذلك قال قوم‪ :‬إن قليل الدماء معفو عنه‪.‬‬
‫وقال قوم‪ :‬بل القليل منها والكثير حكمه واحد‪ ،‬والول عليببه الجمهببور‪ .‬والسبببب فببي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫اختلفهم في دم السمك هو اختلفهم في ميتته‪ ،‬فمن جعببل ميتتببه داخلببة تحببت عمببوم‬
‫التحريم جعل دمه كذلك‪ ،‬ومن أخرج ميتته أخرج دمه قياسا على الميتتببة‪ ،‬وفببي ذلببك‬
‫أثببر ضببعيف وهببو قببوله عليببه الصببلة والسببلم "أحلببت لنببا ميتتببان ودمببان الجببراد‬
‫والحوت‪ ،‬والكبد والطحال"‪ .‬وأما اختلفهم في كثير الدم وقليلببه فسببببه اختلفهببم فببي‬
‫القضاء بالمقيد على المطلق أو بالمطلق على المقيد‪ ،‬وذلك أنه ورد تحريم الدم مطلقا‬
‫في قوله تعالى }حرمببت عليكببم الميتببة والببدم ولحببم الخنزيببر{ وورد مقيببدا فببي قببوله‬
‫تعالى }قل ل أجد فيما أوحي إلي محرما{ إلى قوله }أو دما مسفوحا أو لحببم خنزيببر{‬
‫فمن قضى بالمقيد على المطلق وهم الجمهور قال المسفوح هو النجس المحرم فقببط‪،‬‬
‫ومن قضى بالمطلق على المقيد لن فيببه زيببادة قببال‪ :‬المسببفوح وهببو الكببثير‪ ،‬وغيببر‬
‫المسفوح وهببو القليبل‪ ،‬كببل ذلببك حببرام‪ ،‬وأيببد هبذا ببأن كبل مبا هببو نجببس لعينبه فل‬
‫يتبعض‪.‬‬
‫@‪)-‬المسببألة الخامسببة( اتفببق العلمبباء علببى نجاسببة بببول ابببن آدم ورجيعببه إل بببول‬
‫الصبي الرضيع‪ ،‬واختلفوا فيما سواه من الحيوان‪ ،‬فببذهب الشببافعي وأبببو حنيفببة إلببى‬
‫أنها كلها نجسة‪ .‬وذهب قوم إلى طهارتها بإطلق‪ ،‬أعني فضلتي سائر الحيوان البول‬
‫والرجيع‪ .‬وقال قوم‪ :‬أبوالها وأرواثها تابعة للحومها‪ ،‬فما كببان منهببا لحومهببا محرمببة‬
‫فأبوالها وأرواثها نجسة محرمة‪ ،‬ومببا كببان منهببا لحومهببا مأكولببة فأبوالهببا وأوراثهببا‬
‫طبباهرة‪ ،‬مببا عببدا الببتي تأكببل النجاسببة‪ ،‬ومببا كببان منهببا مكروهببة فأبوالهببا وأوراثهببا‬
‫مكروهة‪ ،‬وبهذا قال مالببك كمببا قببال أبببو حنيفببة بببذلك فببي السببآر‪ .‬وسبببب اختلفهببم‬
‫شيئان‪ :‬أحدهما اختلفهم في مفهوم الباحة الواردة فببي الصببلة فببي مرابببض الغنببم‪،‬‬
‫وإباحته عليه الصلة والسلم للعرنيين شرب أبوال البل وألبانها‪ ،‬وفي مفهوم النهي‬
‫عن الصلة في أعطان البل‪ .‬والسبب الثاني اختلفهم في قيبباس سببائر الحيببوان فببي‬
‫ذلك على النسان‪ ،‬فمن قاس سائر الحيوان على النسبان ورأى أنبه مبن بباب قيباس‬
‫الولى والحرى لم يفهم من إباحة الصلة في مرابض الغنم طهارة أرواثها وأبوالها‬
‫جعل ذلك عبادة‪ ،‬ومن فهم من النهي عن الصلة فببي أعطببان البببل النجاسببة وجعببل‬
‫إباحته للعرنيين أبوال البل لمكان المداواة على أصله في إجازة ذلك قال‪ :‬كل رجيببع‬
‫وبول فهو نجس‪ ،‬ومن فهم من حديث إباحة الصلة في مرابض الغنم طهارة أرواثها‬
‫وأبوالها وكذلك من حديث العرنيين وجعل النهي عن الصلة في أعطان البل عبببادة‬
‫أو لمعنى غير معنى النجاسببة‪ ،‬وكببان الفببرق عنببده بيببن النسببان وبهيمببة النعببام أن‬
‫فضلتي النسان مستقذرة بالطبع وفضلتي بهيمة النعام ليست كذلك جعببل الفضببلت‬
‫تابعة للحوم وال أعلم‪ .‬ومن قاس على بهيمة النعام غيرها جعل الفضببلت كلهببا مببا‬
‫عدا فضلتي النسان غير نجسة ول محرمببة والمسببألة محتملببة‪ ،‬ولببول أنببه ل يجببوز‬
‫إحداث قول لم يتقدم إليه أحد في المشهور‪ ،‬وإن كانت مسألة فيها خلف لقيببل إن مببا‬
‫ينتن منها ويستقذر بخلف ما ل ينتببن ول يسببتقذر‪ ،‬وبخاصببة مببا كببان منهببا رائحتببه‬
‫حسنة لتفاقهم على إباحة العنبر وهو عنببد أكببثر النبباس فضببلة مببن فضببلت حيببوان‬
‫البحر‪ ،‬وكذلك المسك‪ ،‬وهو فضلة دم الحيوان الذي يوجد المسك فيه فيما يذكر‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪)-‬المسألة السادسة( اختلف الناس في قليل النجاسات على ثلثة أقوال‪ :‬فقببوم رأوا‬
‫قليلها وكثيرها سواء‪ ،‬وممن قال بهذا القول الشافعي‪ .‬وقببوم رأوا أن قليببل النجاسببات‬
‫معفو عنه‪ ،‬وحدوه بقدر الدرهم البغلي‪ ،‬وممن قال بهذا القول أبو حنيفة‪ ،‬وشببذ محمببد‬
‫بن الحسن فقال‪ :‬إن كانت النجاسة ربببع الثبوب فمبا دونبه جبازت ببه الصبلة‪ .‬وقبال‬
‫فريق ثالث‪ :‬قليل النجاسات وكثيرها سواء إل الدم على ما تقدم‪ ،‬وهببو مببذهب مالببك‪،‬‬
‫وعنببه فببي دم الحيببض روايتببان والشببهر مسبباواته لسببائر الببدماء‪ .‬وسبببب اختلفهببم‬
‫اختلفهم في قياس قليل النجاسببة علببى الرخصببة الببواردة فببي السببتجمار للعلببم بببأن‬
‫النجاسة هناك باقية‪ ،‬فمن أجاز القياس على ذلك استجاز قليل النجاسة‪ ،‬ولببذلك حببدوه‬
‫بالدرهم قياسا على قدر المخرج‪ ،‬ومن رأى أن تلك رخصة والرخص ل يقاس عليها‬
‫منع ذلك‪ .‬وأما سبب استثناء مالك من ذلببك الببدماء‪ ،‬فقببد تقببدم‪ ،‬وتفصببيل مببذهب أبببي‬
‫حنيفة أن النجاسات عنده تنقسم إلببى مغلظببة ومخففببة‪ ،‬وأن المغلظببة هببي الببتي يعفببى‬
‫منها عن قدر الببدرهم‪ ،‬والمخففببة هببي الببتي يعفببى منهببا عببن ربببع الثببوب‪ ،‬والمخففببة‬
‫عندهم مثببل أرواث الببدواب‪ ،‬ومببا ل تنفببك منبه الطبرق غالبببا‪ ،‬وتقسببيمهم إياهبا إلببى‬
‫مغلظة ومخففة حسن جدا‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة السابعة( اختلفوا في المنبي‪ :‬هبل هبو نجبس أم ل؟ فبذهبت طائفبة منهبم‬
‫مالك وأبو حنيفة إلى أنه نجس‪ ،‬وذهبت طائفة إلببى أنببه طبباهر‪ ،‬وبهببذا قببال الشببافعي‬
‫وأحمد وداود وسبببب اختلفهببم فيببه شببيئان‪ :‬أحببدهما اضببطراب الروايببة فببي حببديث‬
‫عائشة وذلك أن في بعضها "كنت أغسل ثوب رسول ال صلى ال ب عليببه وسببلم مببن‬
‫المني فيخرج إلى الصلة وإن فيه لبقع الماء" وفي بعضها "أفركه مببن ثببوب رسببول‬
‫ال صلى الب عليبه وسبلم " وفبي بعضبها "فيصبلي فيبه" خبرج هبذه الزيبادة مسبلم‪.‬‬
‫والسبب الثاني تردد المني بين أن يشبه بالحداث الخارجة من البدن‪ ،‬وبين أن يشبببه‬
‫بخروج الفضلت الطاهرة كاللبن وغيره‪ ،‬فمن جمع الحاديث كلها بأن حمل الغسببل‬
‫على باب النظافة‪ ،‬واسببتدل مببن الفبرك علببى الطهبارة علببى أصببله فببي أن الفبرك ل‬
‫يطهر نجاسة‪ ،‬وقاسه على اللبن وغيره من الفضببلت الشببريفة لببم يببره نجسببا‪ ،‬ومببن‬
‫رجح حديث الغسل على الفرك وفهم منه النجاسة وكان بالحداث عنده أشبه منه مما‬
‫ليس بحدث قال‪ :‬إنه نجس‪ ،‬وكذلك أيضا من اعتقببد أن النجاسببة تببزول بببالفرك قببال‪:‬‬
‫الفرك يدل على نجاسته كما يدل الغسل وهو مذهب أبي حنيفة‪ ،‬وعلى هببذا فل حجببة‬
‫لولئك في قولها فيصلي فيه‪ ،‬بل فيه حجبة لببي حنيفبة فبي أن النجاسبة تبزال بغيبر‬
‫الماء وهو خلف قول الماليكة‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثالث في معرفة المحال التي يجب إزالتها عنها‪.‬‬
‫@‪-‬وأمببا المحببال الببتي تببزال عنهببا النجاسببات فثلثببة ول خلف فببي ذلببك‪ :‬أحببدها‬
‫البدان‪ ،‬ثم الثياب‪ ،‬ثم المساجد ومواضع الصلة‪ .‬وإنما اتفق العلماء على هذه الثلثة‬
‫لنها منطوق بها في الكتاب والسنة‪ .‬أما الثياب ففي قوله تعالى }وثيابك فطهر{ علببى‬
‫مذهب من حملها على الحقيقة‪ ،‬وفي الثابت مببن أمببره عليببه الصببلة والسببلم بغسببل‬
‫الثوب من دم الحيض وصبه الماء على بول الصبي الذي بببال عليببه‪ .‬وأمببا المسبباجد‬
‫فلمره عليه الصلة والسلم بصب ذنوب من ماء على بول العرابي الذي بببال فببي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المسجد‪ ،‬وكذلك ثبت عنه عليه الصببلة والسببلم "أنببه أمببر بغسببل المببذي مببن البببدن‬
‫وغسل النجاسات من المخرجين" واختلف الفقهاء هل يغسل الذكر كله مببن المببذي أم‬
‫ل؟ لقوله عليه الصلة والسلم في حديث علي المشهور‪ ،‬وقد سئل عببن المببذي فقببال‬
‫"يغسل ذكره ويتوضأ" وسبب الخلف فيه هو‪ :‬هل الواجب هو الخذ بأوائل السماء‬
‫أو بأواخرها؟ فمن رأى أنه بأواخرها‪ :‬أعني بأكثر ما ينطلق عليه السببم قببال يغسببل‬
‫الذكر كله‪ ،‬ومن رأى الخذ بأقل ما ينطلق عليه قبال إنمبا يغسبل موضبع الذى فقبط‬
‫قياسا على البول والمذي‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الرابع في الشيء الذي تزال به‪.‬‬
‫@‪-‬وأما الشيء الذي به تزال‪ ،‬فإن المسلمين اتفقوا علببى أن المبباء الطبباهر المطهببر‬
‫يزيلها من هذه الثلثة المحال‪ ،‬واتفقوا أيضا على أن الحجارة تزيلها من المخرجيببن‪،‬‬
‫واختلفوا فيما سوى ذلك من المائعات والجامدات التي تزيلها‪ .‬فذهب قببوم إلببى أن مببا‬
‫كان طاهرا يزيل عين النجاسة مائعا كان أو جامدا فببي أي موضببع كببانت‪ ،‬وبببه قببال‬
‫أبو حنيفة وأصحابه‪ .‬وقال قوم‪ :‬ل تزال النجاسة بما سببوى المبباء إل فببي السببتجمار‬
‫فقط المتفق عليه‪ ،‬وبه قال مالك والشافعي‪ .‬واختلفوا أيضا في إزالتها فبي السبتجمار‬
‫بالعظم والروث‪ ،‬فمنع ذلك قوم‪ ،‬وأجازه بغير ذلك مما ينقي‪ ،‬واستثنى مالك من ذلببك‬
‫ما هو مطعوم ذو حرمة كالخبز‪ ،‬وقببد قيببل ذلببك فيمببا فببي اسببتعماله سببرف كالببذهب‬
‫والياقوت‪ .‬وقوم قصروا النقاء على الحجار فقط‪ ،‬وهو مذهب أهببل الظبباهر‪ .‬وقببوم‬
‫أجازوا الستنجاء بالعظم دون الروث وإن كان مكروها عندهم‪ .‬وشذ الطبري فأجبباز‬
‫الستجمار بكل طاهر ونجس‪ .‬وسبب اختلفهم في إزالة النجاسة بما عدا المبباء فيمببا‬
‫عببدا المخرجيببن هببو‪ :‬هببل المقصببود بإزالببة النجاسببة بالمبباء هببو إتلف عينهببا فقببط‬
‫فيستوي في ذلك مع الماء كل ما يتلف عينها؟ أم للماء في ذلك مزيد خصببوص ليببس‬
‫بغير الماء‪ ،‬فمن لم يظهر عنده للماء مزيد خصببوص قببال بإزالتهببا بسببائر المائعببات‬
‫والجامدات الطاهرة‪ ،‬وأيد هذا المفهببوم بالتفبباق علببى إزالتهببا مببن المخرجيببن بغيببر‬
‫الماء‪ ،‬وبما ورد من حديث أم سلمة أنها قببالت "إنببي أمببرأة أطيببل ذيلببي وأمشببي فببي‬
‫المكان القذر‪ ،‬فقال لها رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم يطهببره مببا بعببده" وكببذلك‬
‫بالثار التي خرجها أبببو داود فببي هببذا مثببل قببوله عليببه الصببلة والسببلم "إذا وطببئ‬
‫أحدكم الذى بنعليه فإن التراب له طهور" إلى غير ذلك مما روي فببي هببذا المعنببى‪،‬‬
‫ومن رأى أن للماء في ذلك مزيد خصوص منع ذلك إل في موضببع الرخصببة فقببط‪،‬‬
‫وهو المخرجان‪ ،‬ولما طالبت الحنفية الشبافعية ببذلك الخصبوص المزيبد البذي للمباء‬
‫لجئوا في ذلك إلى أنها عبادة إذ لم يقدروا أن يعطوا في ذلك سببا معقول‪ ،‬حتى أنهببم‬
‫سلموا أن الماء ل يزيل النجاسة بمعنى معقول‪ ،‬وإنما إزالته بمعنببى شببرعي حكمببي‪،‬‬
‫وطال الخطب والجدل بينهم‪ :‬هل إزالة النجاسة بالمبباء عبببادة أو معنببى معقببول خلفببا‬
‫عن سلف‪ ،‬واطرت الشافعية إلى أن تثبت أن في الماء قببوة شببرعية فببي رفببع أحكببام‬
‫النجاسات ليسببت فببي غيببره‪ ،‬وإن اسببتوى مببع سببائر الشببياء فببي إزالببة العيببن‪ ،‬وأن‬
‫المقصود إنما هو إزالة ذلك الحكم الذي اختص به الماء لذهاب عين النجاسة‪ ،‬بل قد‬
‫يذهب العين ويبقببى الحكببم فباعببدوا المقصببد وقببد كببانوا اتفقببوا قبببل مببع الحنفييببن أن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫طهارة النجاسة ليست طهارة حكمية أعنببي شببرعية‪ ،‬ولببذلك لببم تحتببج إلببى نيببة ولببو‬
‫راموا النفصال عنهم بأنا نرى أن للماء قوة إحالببة للنجبباس والدنبباس وقلعهببا مببن‬
‫الثياب والبدان ليست لغيره‪ ،‬ولذلك اعتمده الناس في تنظيف البببدان والثيبباب لكببان‬
‫قول جيدا وغيره بعيد‪ ،‬بل لعله واجب أن يعتقد أن الشرع إنما اعتمد في كل موضببع‬
‫غسل النجاسة بالماء لهذه الخاصية التي في الماء‪ ،‬ولو كانوا قالوا هذا لكانوا قد قالوا‬
‫في ذلك قول هو أدخل في المذهب الفقه الجاري على المعاني وإنما يلجببأ الفقيببه إلببى‬
‫أن يقول عبادة إذا ضاق عليه المسلك مع الخصم‪ ،‬فتأمل ذلك فإنه بين من أمرهم فببي‬
‫أكثر المواضع‪ .‬وأما اختلفهبم فبي البروث فسببببه اختلفهببم فببي المفهببوم مبن النهببي‬
‫الوارد في ذلك عنه عليه الصلة والسلم‪ ،‬أعنببي أمببره عليببه الصببلة والسببلم أن ل‬
‫يستنجي بعظم ول روث‪ ،‬فمن دل عنده النهي على الفساد لم يجز ذلببك‪ ،‬ومببن لببم يببر‬
‫ذلك إذ كانت النجاسة معنى معقول حمل ذلببك علببى الكراهيببة ولببم يعببده إلببى إبطببال‬
‫الستنجاء بذلك‪ ،‬ومن فرق بين العظام والروث فلن الروث نجس عنده‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الخامس في صفة إزالتها‪.‬‬
‫@‪-‬وأما الصفة التي بها تزول فاتفق العلماء على أنها غسببل ومسببح ونضببح لببورود‬
‫ذلك في الشرع وثبوته في الثار‪ .‬واتفقوا على أن الغسل عام لجميع أنواع النجاسات‬
‫ولجميع محال النجاسات‪ ،‬وأن المسببح بالحجببار يجببوز فببي المخرجيببن ويجببوز فببي‬
‫الخفين وفي النعلين من العشب اليابس‪ ،‬وكببذلك ذيببل المببرأة الطويببل اتفقببوا علببى أن‬
‫طهارته هي على ظاهر حديث أم سلمة من العشببب اليببابس‪ ،‬واختلفببوا مببن ذلببك فببي‬
‫ثلث مواضع هي أصول هذا الباب‪ :‬أحدها في النضح لي نجاسببة هببو والثبباني فببي‬
‫المسح لي محل هو ولي نجاسة هو بعد أن اتفقوا على ما ذكرناه‪ .‬والثالث اشببتراط‬
‫العدد في الغسل والمسح‪ .‬أما النضح فإن قوما قالوا‪ :‬هببذا خبباص بإزالببة بببول الطفببل‬
‫الذي لم يأكل الطعام‪ .‬وقوم فرقوا بين بول الذكر في ذلك والنثى‪ ،‬فقالوا‪ :‬ينضح بول‬
‫الذكر ويغسل بول النثى‪ ،‬وقوم قببالوا‪ :‬الغسببل طهببارة مببا يببتيقن بنجاسببته‪ ،‬والنضببح‬
‫طهارة ما شك فيه‪ ،‬وهو مببذهب مالببك بببن أنببس رضببي الب عنببه‪ .‬وسبببب اختلفهببم‬
‫تعارض ظواهر الحاديث فببي ذلببك‪ ،‬أعنببي اختلفهببم فببي مفهومهببا‪ ،‬وذلببك أن ههنببا‬
‫حديثين ثابتين في النضح‪ :‬أحدهما حديث عائشة "أن النبي عليه الصلة والسلم كان‬
‫يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم‪ ،‬فأتى بصبي فبال عليه‪ ،‬فدعا بماء فأتبعه بوله‬
‫ولم يغسله" وفي بعض رواياته "فنضحه ولم يغسله" خرجه البخاري والخر حببديث‬
‫أنس المشهور حين وصف صلة رسول ال صلى ال عليه وسلم في بيته قال‪ :‬فقمت‬
‫إلى حصير لنا قد أسود من طول ما لبث‪ ،‬فنضحته بالماء‪ .‬فمن الناس من صببار إلببى‬
‫العمل بمقتضى حديث عائشة‪ .‬وقبال‪ :‬هبذا خباص بببول الصبببي واسببتثناه مببن سبائر‬
‫البول‪ .‬ومن الناس من رحج الثار الواردة في الغسل على هذا الحديث‪ ،‬وهو مببذهب‬
‫مالك‪ ،‬ولم ير النضح إل الذي في حديث أنس‪ ،‬وهو الثوب المشكوك فيه على ظبباهر‬
‫مفهومه‪ .‬وأما الذي فرق في ذلك بين بول الذكر والنثى‪ ،‬فببإنه اعتمببد علببى مببا رواه‬
‫أبو داود عن أبي السمح من قوله عليه الصلة والسلم "يغسل بببول الجاريببة ويببرش‬
‫بول الصبي" وأما من لم يفرق فإنما اعتمد قياس النببثى علببى الببذكر الببذي ورد فيببه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الحديث الثابت‪ .‬وأما المسح فإن قوما أجازوه فبي أي محببل كبانت النجاسبة إذا ذهبب‬
‫عينها على مذهب أبي حنيفة‪ ،‬وكذلك الفببرك علببى قيبباس مببن يببرى أن كببل مببا أزال‬
‫العين فقد طهر‪ ،‬وقوم لم يجيزوه إل في المتفق عليه وهو المخببرج وفببي ذيببل المببرأة‬
‫وفي الخف‪ ،‬وذلك من العشب اليابس ل من الذى غيببر اليببابس وهببو مببذهب مالببك‪،‬‬
‫وهؤلء لم يعدوا المسح إلى غيببر المواضببع الببتي جبباءت فببي الشببرع‪ ،‬وأمببا الفريببق‬
‫الخر فإنهم عدوه‪ .‬والسبب في اختلفهم في ذلببك هببل مببا ورد مببن ذلببك رخصببة أو‬
‫حكم؟ فمن قال رخصة لم يعدها إلى غيرها‪ :‬أعني لم يقس عليها‪ ،‬ومن قال هببو حكببم‬
‫من أحكام إزالة النجاسببة كحكببم الغسببل عببداه‪ .‬وأمببا اختلفهببم فببي العببدد‪ ،‬فببإن قومببا‬
‫اشترطوا البقاء فقط في الغسل والمسح‪ ،‬وقوم اشترطوا العببدد فببي السببتجمار وفببي‬
‫الغسل‪ ،‬والذين اشترطوه في الغسل منهم من اقتصر على المحل الذي ورد فيه العببدد‬
‫في الغسل بطريق السمع‪ ،‬ومنهم من عداه إلى سائر النجاسببات‪ ،‬أمببا مببن لببم يشببترط‬
‫العببدد ل فببي غسببل ول فببي مسببح فمنهببم مالببك وأبببو حنيفببة‪ ،‬وأمببا مببن اشببترط فببي‬
‫الستجمار العدد‪ :‬أعني ثلثة أحجار ل أقل من ذلك‪ ،‬فمنهم الشببافعي وأهببل الظباهر‪،‬‬
‫وأما من اشترط العدد في الغسل واقتصر به علببى محلببه الببذي ورد فيببه وهببو غسببل‬
‫الناء سبعا من ولوغ الكلب‪ ،‬فالشافعي ومن قال بقوله‪ .‬وأما من عداه واشترط السبع‬
‫في غسل النجاسات ففي أغلب ظني أن أحمببد بببن حنبببل منهببم‪ .‬وأبببو حنيفببة يشببترط‬
‫الثلثة في إزالة النجاسة الغير محسوسة العين أعني الحكميببة‪ .‬وسبببب اختلفهببم فببي‬
‫هذا تعارض المفهوم من هذه العبادة لظاهر اللفظ في الحاديث التي ذكر فيها العببدد‪،‬‬
‫وذلك أن من كان المفهوم عنده من المر بإزالة النجاسة إزالة عينها لم يشترط العدد‬
‫أصل‪ ،‬وجعل العدد الوارد من ذلك في الستجمار في حديث سلمان الثابت الذي فيببه‬
‫المر أن ل يستنجي بأقل من ثلثة أحجار علببى سبببيل السببتحباب حببتى يجمببع بيببن‬
‫المفهوم من الشرع والمسموع من هذه الحاديث‪ ،‬وجعببل العببدد المشببترط فببي غسببل‬
‫الناء من ولوغ الكلب عبادة ل لنجاسة كما تقدم من مذهب مالك‪ .‬وأما من صار إلى‬
‫ظواهر هذه الثار واستثناها من المفهوم فاقتصر بالعدد على هببذه المحببال الببتي ورد‬
‫العدد فيها‪ ،‬وأما من رجح الظاهر على المفهوم فإنه عدى ذلك إلى سببائر النجاسببات‪.‬‬
‫وأما حجة أبي حنيفة في الثلثة فقوله عليه الصلة والسببلم "إذا اسببتيقظ أحببدكم مببن‬
‫نومه فليغسل يده ثلثا قبل أن يدخلها في إنائه"‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب السادس في آداب الستنجاء‪.‬‬
‫@‪-‬وأما آداب الستنجاء ودخول الخلء فأكثرها محمولة عنببد الفقهبباء علببى النببدب‪،‬‬
‫وهي معلومببة مببن السببنة كالبعببد فببي المببذهب إذا أراد الحاجببة وتببرك الكلم عليهببا‪،‬‬
‫والنهي عن الستنجاء باليمين‪ ،‬وأن ل يمس ذكره بيمينببه‪ ،‬وغيببر ذلببك ممببا ورد فببي‬
‫الثار‪ ،‬وإنما اختلفوا من ذلك في مسألة واحدة مشهورة وهببي اسببتقبال القبلببة للغببائط‬
‫والبول واستدبارها‪ ،‬فإن للعلماء فيها ثلثة أقوال‪ :‬أنه ل يجوز أن تستقبل القبلة لغائط‬
‫ول بول أصل‪ ،‬ول في موضع من المواضع‪ ،‬وقول إن ذلببك يجببوز بببإطلق‪ .‬وقببول‬
‫إنه يجوز في المباني والمدن ول يجوز ذلك في الصحراء وفي غير المباني والمدن‪.‬‬
‫والسبببب فببي اختلفهببم هببذا حببديثان متعارضببان ثابتببان‪ :‬أحببدهما حببديث أبببي أيببوب‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫النصاري أنه قببال عليببه الصببلة والسببلم "إذا أتيتببم الغببائط فل تسببتقبلوا القبلببة ول‬
‫تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا"‪ .‬والحديث الثاني حديث عبد ال بن عمر أنه قببال‬
‫"ارتقيت على ظهر بيت أختي حفصة‪ ،‬فرأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم قاعببدا‬
‫لحاجته على لبنتين مستقبل الشام مسببتدبر القبلببة" فببذهب النبباس فببي هببذين الحببديثين‬
‫ثلثة مذاهب‪ :‬أحدها مذهب الجمع‪ .‬والثاني مذهب الترجيح‪ .‬والثالث مذهب الرجببوع‬
‫إلى البراءة الصلية إذا وقع التعارض‪ ،‬وأعني بببالبراءة الصببلية عببدم الحكببم‪ ،‬فمببن‬
‫ذهب مذهب الجمع حمبل حبديث أببي أيببوب النصباري علببى الصبحاري وحيبث ل‬
‫سترة‪ ،‬وحمل حديث ابن عمر على السترة‪ ،‬وهببو مببذهب مالببك‪ .‬ومببن ذهببب مببذهب‬
‫الترجيببح رجببح حببديث أبببي أيببوب‪ ،‬لنببه إذا تعببارض حببديثان أحببدهما فيببه شببرع‬
‫موضوع‪ ،‬والخر موافق للصل الذي هو عببدم الحكببم ولببم يعلببم المتقببدم منهمببا مببن‬
‫المتأخر وجب أن يصار إلى الحديث المثبت للشرع‪ ،‬لنه قد وجببب العمببل بنقلببه مببن‬
‫طريق العدول‪ ،‬وتركه الذي ورد أيضا من طريق العدول يمكببن أن يكببون ذلببك قبببل‬
‫شرع ذلك الحكم‪ ،‬ويمكن أن يكون بعده‪ ،‬فلم يجببز أن نببترك شببرعا وجببب العمببل بببه‬
‫بظن لم نؤمر أن نوجب النسخ به إل لو نقل أنه كان بعبده‪ ،‬فبإن الظنبون البتي تسبتند‬
‫إليها الحكام محدودة بالشرع‪ :‬أعني التي توجب رفعها أو إيجابهببا‪ ،‬وليسببت هببي أي‬
‫ظن اتفق‪ ،‬ولذلك يقولون إن العمل ما لم يجب بالظن وإنما وجببب بالصببل المقطببوع‬
‫به‪ ،‬يريدون بذلك الشرع المقطوع به الذي أوجب العمل بذلك النوع من الظن‪ ،‬وهببذه‬
‫الطريقة التي قلناها هي طريقة أبببي محمببد بببن حببزم الندلسببي‪ ،‬وهببي طريقببة جيببدة‬
‫مبنية على أصول أهل الكلم الفقهي‪ ،‬وهو راجع إلببى أنببه ل يرتفببع بالشببك مببا ثبببت‬
‫بالدليل الشرعي‪ .‬وأما من ذهب مذهب الرجوع إلى الصل عند التعارض فهو مبني‬
‫على أن الشك يسقط الحكم ويرفعه وأنه كل حكم‪ ،‬وهو مذهب داود الظاهري‪ ،‬ولكبن‬
‫خالفه أبو محمد بن حزم في هذا الصل مع أنه من أصحابه‪ .‬قال القاضي‪ :‬فهببذا هببو‬
‫الببذي رأينببا أن نثبتببه فببي هببذا الكتبباب مببن المسببائل الببتي ظننببا أنهببا تجببري مجببرى‬
‫الصببول‪ ،‬وهببي الببتي نطببق بهببا فببي الشببرع أكببثر ذلببك‪ ،‬أعنببي أن أكثرهببا يتعلببق‬
‫بالمنطوق به‪ ،‬إما تعلقا قريبا‪ ،‬أو قريبا من القريب‪ ،‬وإن تذكرنا لشيء من هذا الجنس‬
‫أثبتناه في هذا الباب‪ ،‬وأكثر ما عولت فيما نقلته من نسبة هببذه المببذاهب إلببى أربابهببا‬
‫هو كتاب الستذكار‪ ،‬وأنا قد أبحت لمن وقع من ذلك على وهم لي أن يصببلحه‪ ،‬والب‬
‫المعين والموفق‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الصلة‪.‬‬
‫@‪)-‬بسم ال الرحمن الرحيببم( وصببلى الب علببى سببيدنا محمببد وآلببه وصببحبه وسببلم‬
‫تسليما‪.‬‬
‫الصلة تنقسم أول وبالجملة إلى فرض‪ ،‬وندب‪ .‬والقول المحيط بأصببول هببذه العبببادة‬
‫ينحصر بالجملة في أربعبة أجنباس‪ :‬أعنبي أرببع جمبل‪ :‬الجملبة الولبى‪ :‬فبي معرفبة‬
‫الوجوب وما يتعلق به‪ .‬والجملة الثانية‪ :‬فببي معرفببة شببروطها الثلث‪ :‬أعنببي شببروط‬
‫الوجوب وشروط الصحة وشروط التمببام والكمببال‪ .‬والجملببة الثالثببة‪ :‬فببي معرفببة مببا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫تشتمل عليه من أفعال وأقوال‪ ،‬وهي الركان‪ .‬والجملة الرابعة فببي قضببائها ومعرفببة‬
‫إصلح ما يقع فيها من الخلل وجبره‪ ،‬لنه قضاء ما إذا كان استدراكا لما فات‪.‬‬
‫*‪)*3‬الجملة الولى( وهذه الجملة فيها أربع مسائل هي في معنى ُأصول هذا الباب‪.‬‬
‫@‪-‬المسألة الولى‪ :‬في بيان وجوبها‪ .‬الثانية‪ :‬في بيان عببدد الواجبببات منهببا‪ .‬الثالثببة‪:‬‬
‫في بيان على من تجب‪ .‬الرابعة‪ :‬ما الواجب على من تركها متعمدا؟‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الولى( أما وجوبها فبين مبن الكتباب والسببنة والجمباع‪ ،‬وشببهرة ذلبك‬
‫تغني عن تكلف القول فيه‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية( وأما عدد الواجب منها ففيه قولن‪ :‬أحدهما قول مالك والشافعي‬
‫والكثر‪ ،‬وهو أن الواجب هي الخمس صلوات فقط ل غير‪ .‬والثاني قول أبببي حنيفببة‬
‫وأصحابه‪ ،‬وهو أن الوتر واجب مع الخمس‪ ،‬واختلفهم هببل يسببمى مببا ثبببت بالسببنة‬
‫واجبا أو فرضا ل معنى له؟‪ .‬وسبب اختلفهم الحاديث المتعارضببة‪ .‬أمببا الحبباديث‬
‫التي مفهومها وجوب الخمس فقط بل هي نص في ذلك فمشهورة وثابتة‪ ،‬ومن أبينهببا‬
‫في ذلك ما ورد في حديث السراء المشهور "أنه لما بلغ الفرض إلى خمببس قببال لببه‬
‫موسى‪ :‬ارجع إلى ربك فإن أمتك ل تطيببق ذلببك‪ ،‬قببال‪ :‬فراجعتببه‪ ،‬فقببال تعببالى‪ :‬هببي‬
‫خمس وهي خمسون ل يبدل القول لدي" وحديث العرابي المشهور الذي سأل النبي‬
‫عليه الصلة والسلم عن السلم فقال له‪" :‬خمس صببلوات فببي اليببوم والليلببة‪ ،‬قببال‪:‬‬
‫هل علي غيرها؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬إل أن تطوع" وأما الحاديث التي مفهومها وجوب الوتر‪،‬‬
‫فمنها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول ال صلى ال ب عليببه وسببلم‬
‫قال "إن ال قد زادكم صلة وهي الوتر فحافظوا عليهببا" وحببديث حارثببة بببن حذافببة‬
‫قال "خرج علينا رسول ال صلى ال عليه وسببلم فقببال‪" :‬إن الب أمركببم بصببلة هببي‬
‫خير لكم من حمر النعم وهي الوتر وجعلها لكم فيمببا بيببن صببلة العشبباء إلببى طلببوع‬
‫الفجر" وحديث بريدة السلمي أن رسول ال صلى ال عليببه وسببلم قببال "الببوتر حببق‬
‫فمن لم يوتر فليس منا" فمن رأى أن الزيادة هي نسخ ولببم تقببو عنببده هببذه الحبباديث‬
‫قوة تبلغ بها أن تكون ناسخة لتلك الحاديث الثابتة المشببهورة رجببح تلببك الحبباديث‪،‬‬
‫وأيضا فإنه ثبت من قوله تعالى في حديث السراء "إنه ل يبدل القول لدي" وظاهره‬
‫أنه ل يزاد فيها ول ينقص منها وإن كان هو في النقصان أظهر‪ ،‬والخبر ليس يببدخله‬
‫النسخ‪ ،‬ومن بلغت عنده قوة هذه الخبار التي اقتضت الزيادة على الخمس إلى رتبببة‬
‫توجب العمل أوجب المصير الى هذه الزيادة‪ ،‬ل سيما إن كان ممن يببرى أن الزيببادة‬
‫ل توجب نسخا‪ ،‬لكن ليس هذا من رأي أبي حنيفة‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثالثة( وأما على من تجب فعلى المسلم البالغ ول خلف في ذلك‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الرابعة( وأمببا مببا الببواجب علببى مببن تركهببا عمببدا وأمببر بهببا فببأبى أن‬
‫يصليها ل جحودا لفرضها‪ ،‬فإن قوما قالوا‪ :‬يقتل‪ ،‬وقوما قالوا‪ :‬يعزر ويحبس‪ ،‬والذين‬
‫قالوا يقتل منهم من أوجب قتلببه كفببرا‪ ،‬وهببو مببذهب أحمببد وإسببحاق وابببن المبببارك‪،‬‬
‫ومنهم من أوجبه حدا وهو مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وأهل الظبباهر ممببن‬
‫رأى حبسه وتعزيره حتى يصلي‪ .‬والسبب في هببذا الختلف اختلف الثببار‪ ،‬وذلببك‬
‫أنه ثبت عنه عليه الصلة والسلم أنه قال "ل يحل دم امرئ مسلم إل بإحببدى ثلث‪:‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫كفر بعد إيمببان‪ ،‬أو زنببا بعببد إحصببان‪ ،‬أو قتببل نفببس بغيببر نفببس" وروي عنببه عليببه‬
‫الصلة والسلم من حديث بريدة أنه قال "العهد الذي بيننا وبينهم الصلة فمن تركهببا‬
‫فقد كفر" وحديث جابر عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال "ليس بين العبببد وبيببن‬
‫الكفر }أو قال الشرك{ إل ترك الصلة" فمن فهم من الكفر ههنا الكفر الحقيقي جعببل‬
‫هذا الحديث كأنه تفسير لقوله عليه الصلة والسلم "كفر بعد إيمان" ومببن فهببم ههنببا‬
‫التغليظ والتوبيخ أي أن أفعاله أفعال كافر وأنه في صببورة كببافر كمببا قببال "ل يزنببي‬
‫الزاني حين يزني وهو مؤمن‪ ،‬ول يسرق السارق حين يسرق وهو مببؤمن" ولببم يببر‬
‫قتله كفرا‪ .‬وأما من قال يقتل حدا فضعيف ول مسببتند لببه إل قيبباس شبببه ضببعيف إن‬
‫أمكن‪ ،‬وهو تشبيه الصلة بالقتببل فببي كببون الصببلة رأس المببأمورات‪ ،‬والقتببل رأس‬
‫المنهيات‪.‬‬
‫وعلى الجملة فاسم الكفر إنما ينطلق بالحقيقة على التكذيب‪ ،‬وتارك الصلة معلوم أنه‬
‫ليس بمكذب إل أن يتركها معتقدا لتركها هكببذا‪ ،‬فنحببن إذن بيببن أحببد أمريببن‪ :‬إمببا إن‬
‫أردنا أن نفهم من الحديث الكفر الحقيقي يجب علينا أن نتأول أنببه أراد عليببه الصببلة‬
‫والسلم من ترك الصلة معتقدا لتركها فقد كفر‪ ،‬وإما أن يحمل على اسم الكفر علببى‬
‫غير موضوعه الول‪ ،‬وذلك على أحد معنيين‪ :‬إما على أن حكمه حكم الكافر‪ :‬أعنببي‬
‫في القتل وسائر أحكام الكفار وإن لم يكببن مكببذبا‪ ،‬وإمببا علببى أن أفعبباله أفعببال كببافر‬
‫على جهة التغليظ والببردع لببه‪ :‬أي أن فاعببل هببذا يشبببه الكببافر فببي الفعببال‪ ،‬إذ كببان‬
‫الكافر ل يصلي كما قال عليببه الصببلة والسببلم "ل يزنببي الزانببي حيببن يزنببي وهببو‬
‫مؤمن" وحمله على أن حكمه حكم الكافر في أحكامه ل يجب المصير إليببه إل بببدليل‬
‫لنه حكم لم يثبت بعد في الشرع من طريق يجب المصير إليه‪ ،‬فقد يجب إذا لببم يببدل‬
‫عندنا على الكفر الحقيقي الذي هو التكذيب أن يببدل علببى المعنببى المجببازي ل علببى‬
‫معنى يوجب حكما لم يثبت بعد في الشرع بل يثبت ضده‪ ،‬وهببو أنببه ل يحببل دمببه إذ‬
‫هو خارج عن الثلث الذين نص عليهم الشرع فتأمل هذا‪ ،‬فإنه بين وال أعلم‪ .‬أعنببي‬
‫أنه يجب علينا أحد أمرين‪ :‬إما أن نقدر في الكلم محذوفا إن أردنا حمله على المعنى‬
‫الشرعي المفهوم من اسم الكفر‪ ،‬وإما أن نحمله علببى المعنببى المسببتعار‪ ،‬وأمببا حملببه‬
‫على أن حكمه حكم الكافر في جميع أحكامه مع أنه مببؤمن فشببيء مفبارق للصببول‪،‬‬
‫مع أن الحديث نص في حق من يجببب قتلببه كفببرا أو حببدا‪ ،‬ولببذلك صببار هببذا القببول‬
‫مضاهيا لقول من يكفر بالذنوب‪.‬‬
‫*‪)*3‬الجملة الثانية في الشروط(‬
‫@‪-‬وهذه الجملة فيها ثمانية أبواب‪ :‬الببباب الول‪ :‬فببي معرفببة الوقببات‪ .‬الثبباني‪ :‬فببي‬
‫معرفة الذان والقامة‪ .‬الثالث‪ :‬في معرفة القبلة‪ .‬الرابع‪ :‬في ستر العورة واللباس في‬
‫الصلة‪ .‬الخامس‪ :‬في اشتراط الطهارة من النجس في الصببلة‪ .‬السببادس‪ :‬فببي تعييببن‬
‫المواضع التي يصلي فيهببا مببن المواضببع الببتي ل يصببلي فيهببا‪ .‬السببابع‪ :‬فببي معرفببة‬
‫الشببروط الببتي هببي شببروط فببي صببحة الصببلة‪ .‬الثببامن‪ :‬فببي معرفببة النيببة وكيفيببة‬
‫اشتراطها في الصلة‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول في معرفة الوقات‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬وهذا الببباب ينقسببم أول إلببى فصببلين‪ :‬الول فببي معرفببة الوقببات المببأمور بهببا‪.‬‬
‫الثاني في معرفة الوقات المنهي عنها‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول في معرفة الوقات المأمور بها‪.‬‬
‫@‪-‬وهببذا الفصببل ينقسببم إلببى قسببمين أيضببا‪ :‬القسببم الول فببي الوقببات الموسببعة‬
‫والمختارة‪ .‬والثاني في أوقات أهل الضرورة‪.‬‬
‫@‪-‬القسم الول من الفصل الول من الباب الول من الجملة الثانية‪.‬‬
‫والصل في هذا الباب قوله تعالى }إن الصبلة كبانت علبى المبؤمنين كتاببا موقوتبا{‬
‫اتفق المسلمون على أن للصلوات الخمس أوقاتا خمسا هي شرط في صحة الصببلة‪،‬‬
‫وأن منهببا أوقببات فضببيلة وأوقببات توسببعة‪ ،‬واختلفببوا فببي حببدود أوقببات التوسببعة‬
‫والفضيلة‪ ،‬وفيه خمس مسائل‪:‬‬
‫@‪)-‬المسألة الولى( اتفقوا على أن أول وقت الظهر الذي ل تجوز قبله هو الزوال‪،‬‬
‫إل خلفا شاذا روي عن ابن عببباس‪ ،‬وإل مببا روي مببن الخلف فببي صببلة الجمعببة‬
‫على ما سببيأتي‪ ،‬واختلفببوا منهبا فبي موضبعين فبي آخبر وقتهبا الموسببع وفبي وقتهبا‬
‫المرغب فيه‪ .‬فأما آخر وقتها الموسع فقال مالببك والشببافعي وأبببو ثببور وداود هببو أن‬
‫يكون ظل كل شيء مثله‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬آخر الوقت أن يكون ظل كل شببيء مثليببه‬
‫في إحدى الروايتين عنه‪ ،‬وهو عنده أول وقت العصر‪ .‬وقد روي عنه أن آخببر وقببت‬
‫الظهر هو المثل‪ ،‬وأول وقت العصر المثلن‪ ،‬وأن ما بين المثل والمثلين ليس يصلح‬
‫لصلة الظهر‪ ،‬وبه قال صاحباه أبو يوسف ومحمد‪ .‬وسبب الخلف في ذلك اختلف‬
‫الحاديث وذلك أنه ورد في إمامبة جبريبل أنبه صبلى ببالنبي صبلى الب عليبه وسبلم‬
‫الظهر في اليوم الول حين زالت الشمس‪ ،‬وفي اليوم الثاني حين كان ظل كل شببيء‬
‫مثله‪ ،‬ثم قال‪" :‬الوقت ما بين هببذين" وروي عنببه قببال صببلى الب عليببه وسببلم‪" :‬إنمببا‬
‫بقاؤكم فيما سلف قبلكم من المم كما بين صلة العصر إلببى غببروب الشببمس‪ ،‬أوتببي‬
‫أهببل التببوراة التببوراة فعملببوا حببتى إذا انتصببف النهببار ثببم عجببزوا فببأعطوا قيراطببا‬
‫قيراطا‪ ،‬ثم أوتي أهل النجيل النجيل فعملوا إلى صلة العصر‪ ،‬ثم عجزوا فببأعطوا‬
‫قيراطببا قيراطببا‪ ،‬ثببم أوتينببا القببرآن فعملنببا إلببى غببروب الشببمس فأعطينببا قيراطيببن‬
‫قيراطيببن‪ ،‬فقببال أهببل الكتبباب أي ربنببا أعطيببت هببؤلء قيراطيببن قيراطيببن وأعطينببا‬
‫قيراطا قيراطا ونحن كنا أكثر عمل؟ قببال الب تعببالى‪ :‬هببل ظلمتكببم مببن أجركببم مببن‬
‫شيء؟ قالوا‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فهو فضلي أوتيه من أشاء" فذهب مالك والشببافعي إلببى حببديث‬
‫إمامة جبريل‪ ،‬وذهب أبو حنيفة إلى مفهوم ظاهر هذا‪ ،‬وهو أنه إذا كببان مببن العصببر‬
‫إلى الغروب أقصر من أول الظهر إلى العصر على مفهوم هذا الحبديث‪ ،‬فبواجب أن‬
‫يكون العصر أكثر من قامة‪ ،‬وأن يكون هذا هو آخر وقت الظهر‪ .‬وقال أبو محمد بن‬
‫حزم‪ :‬وليس كما ظنوا وقد امتحنت المر فوجدت القامة تنتهي مببن النهببار إلببى تسببع‬
‫ساعات وكسر‪ .‬قال القاضي‪ :‬أنا الشاك في الكسر‪ ،‬وأظنه قال‪ :‬وثلبث حجبة مبن قبال‬
‫باتصال الوقتين‪ ،‬أعني اتصال ل بفصل غير منقسم قوله عليببه الصببلة والسببلم "ل‬
‫يخرج وقت صلة حتى يدخل وقت أخرى" وهو حديث ثبابت‪ .‬وأمبا وقتهبا المرغبب‬
‫فيه والمختار فذهب مالك إلببى أنببه للمنفببرد أول الببوقت ويسببتحب تأخيرهببا عببن أول‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الوقت قليل في مساجد الجماعببات‪ .‬وقببال الشببافعي‪ :‬أول الببوقت أفضببل إل فببي شببدة‬
‫الحر‪ .‬وروي مثل ذلك عن مالك‪ .‬وقالت طائفة‪ :‬أول الببوقت أفضببل بببإطلق للمنفببرد‬
‫والجماعة وفي الحر والبرد‪ ،‬وإنما اختلفوا في ذلك لختلف الحاديث‪ ،‬وذلك أن في‬
‫ذلك حديثين ثابتين‪ :‬أحدهما قوله عليه الصلة والسلم "إذا اشببتد الحببر فببأبردوا عببن‬
‫الصلة‪ ،‬فإن شدة الحر من فيح جهنم" والثاني "أن النبي عليه الصببلة والسببلم كببان‬
‫يصلي الظهر بالهاجرة" وفي حديث خباب "أنهم شكوا إليه حر الرمضاء فلم يشكهم"‬
‫خرجه مسلم‪ .‬قال زهير رواي الحديث‪ :‬قلت لبي إسببحاق شببيخه أفببي الظهببر؟ قببال‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬قلت‪ :‬أفي تعجليها؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فرجح قوم حديث البراد إذ هو نص‪ ،‬وتأولوا هذه‬
‫الحاديث إذ ليست بنص‪ .‬وقوم رجحوا هذه الحاديث لعموم ما روي من قوله عليببه‬
‫الصلة والسلم "وقد سئل‪ :‬أي العمال أفضل؟ قال‪ :‬الصلة لول ميقاتها" والحديث‬
‫متفق عليه‪ ،‬وهذه الزيادة فيه‪ ،‬أعني "لول ميقاتها" مختلف فيه‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية( اختلفوا من صلة العصر فببي موضببعين‪ :‬أحببدهما فببي اشببتراك‬
‫أول وقتها مع آخر وقت صلة الظهر‪ .‬والثبباني فببي آخببر وقتهببا‪ .‬فأمببا اختلفهببم فببي‬
‫الشتراك فإنه اتفق مالك والشافعي وداود وجماعببة علببى أن أول وقببت العصببر هببو‬
‫بعينه آخر وقت الظهر‪ ،‬وذلك إذا صبار ظبل كبل شبيء مثلبه‪ ،‬إل أن مالكبا يبرى أن‬
‫آخر وقت الظهر وأول وقت العصر هو وقت مشترك للصلتين معا‪ :‬أعني بقببدر مببا‬
‫يصلي فيه أربع ركعات‪ .‬وأما الشافعي وأبو ثور وداود فآخر وقت الظهر عندهم هو‬
‫الن الذي هو أول وقت العصر هو زمان غير منقسم‪ .‬وقال أبو حنيفبة كمبا قلنبا أول‬
‫وقت العصر إلى أن يصير‪ ،‬ظل كل شيء مثليه‪ ،‬وقد تقدم سبب اختلف أبببي حنيفببة‬
‫معهببم فببي ذلببك‪ .‬وأمببا سبببب اختلف مالببك مببع الشببافعي ومببن قببال بقببوله فببي هببذه‬
‫فمعارضة حديث جبريل في هذا المعنى لحديث عبد ال بن عمر‪ ،‬وذلك أنه جبباء فببي‬
‫إمامة جبريل أنه صلى بالنبي عليه الصلة والسلم الظهر في اليوم الثاني في الوقت‬
‫الذي صلى فيه العصر في اليوم الول‪ .‬وفي حديث ابن عمر أنببه قببال عليببه الصببلة‬
‫والسلم "وقت الظهر ما لم يحضر وقت العصبر" خرجبه مسبلم‪ .‬فمبن رجبح حبديث‬
‫جبريل جعل الوقت مشتركا‪ ،‬ومن رجح حببديث عبببد الب لببم يجعببل بينهمببا اشببتراكا‪،‬‬
‫وحديث جبريل أمكن أن يصرف إلى حديث عبد ال من حديث عبببد الب إلببى حببديث‬
‫جبريل‪ ،‬لنه يحتمل أن يكون الراوي تجوز في ذلك لقرب ما بيببن الوقببتين‪ ،‬وحببديث‬
‫إمامة جبريل صححه الترمذي‪ ،‬وحديث ابن عمر خرجببه مسببلم‪ .‬وأمببا اختلفهببم فببي‬
‫آخر وقت العصر فعن مالك في ذلك روايتان إحداهما‪ :‬أن آخر وقتها أن يصببير ظببل‬
‫كل شيء مثليه‪ ،‬وبه قال الشافعي‪ .‬والثانية أن آخر وقتها ما لم تصفر الشببمس‪ ،‬وهببذا‬
‫قول أحمد بن حنبل‪ .‬وقببال أهببل الظبباهر‪ :‬آخببر وقتهببا قبببل غببروب الشببمس بركعببة‪.‬‬
‫والسبب في اختلفهم أن في ذلك ثلثة أحاديث متعارضة‪ :‬الظاهر أحدها حديث عبببد‬
‫ال بن عمر خرجه مسلم وفيه "فإذا صليتم العصر فإنه وقت إلى أن تصفر الشببمس"‬
‫وفي بعض رواياته "وقت العصر ما لم تصفر الشمس"‪ .‬والثبباني حببديث ابببن عببباس‬
‫في إمامة جبريل‪ ،‬وفيه "أنه صلى به العصر في اليوم الثاني حين كان ظل كل شيء‬
‫مثليه"‪ .‬والثالث حديث أبي هريرة المشببهور "مببن أدرك ركعببة مببن العصببر قبببل أن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫تغرب الشمس‪ ،‬فقد أدرك العصر‪ ،‬ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس‬
‫فقد أدرك الصببح" فمبن صبار إلبى ترجيبح حبديث إمامبة جبريبل جعبل آخبر وقتهبا‬
‫المختار المثلين )ومن صار إلى ترجيح حديث ابن عمببر جعببل آخببر وقتهببا اصببفرار‬
‫الشمس( )ما بين القوسين زائد بالنسخة المطبوعة بفاس أثبتناه لنه مببن الضببروري(‬
‫ومن صار إلى ترجيح حديث أبي هريرة قال‪ :‬وقت العصر إلى أن يبقى منهببا ركعببة‬
‫قبل غروب الشمس‪ ،‬وهم أهل الظاهر كما قلنا‪ .‬وأما الجمهور فسلكوا في حديث أبببي‬
‫هريرة وحديث ابن عمر مع حديث ابن عباس إذ كان معارضببا لهمببا كببل التعببارض‬
‫مسلك الجمع‪ ،‬لن حديثي ابن عببباس وابببن عمببر تتقببارب الحببدود المببذكورة فيهمببا‪،‬‬
‫ولذلك قال مالك مرة بهذا‪ ،‬ومرة بذلك‪ .‬وأما الذي في حديث أبي هريرة فبعيببد منهمببا‬
‫ومتفاوت فقالوا‪ :‬حديث أبي هريرة إنما خرج مخرج أهل العذار‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثالثة( اختلفوا في المغرب هل لها وقت موسع كسائر الصببلوات أم ل؟‬
‫فذهب قوم إلى أن وقتها واحد غير موسع‪ ،‬وهذا هو أشهر الروايات عن مالببك وعببن‬
‫الشافعي‪ .‬وذهب قوم إلى أن وقتها موسع وهو ما بيببن غببروب الشببمس إلببى غببروب‬
‫الشفق‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة وأحمد وأبببو ثببور وداود وقببد روي هببذا القببول عببن مالببك‬
‫والشافعي‪ .‬وسبب اختلفهم في ذلك معارضة حديث إمامببة جبريببل فببي ذلببك لحببديث‬
‫عبد ال بن عمر وذلك أن في حديث إمامة جبريل أنه صلى المغرب في اليومين فببي‬
‫وقت واحد‪ ،‬وفي حديث عبد ال "ووقت صلة المغرب ما لم يغب الشفق" فمن رجح‬
‫حديث إمامة جبريل جعل لها وقتا واحد‪ ،‬ومن رجح حببديث عبببد الب جعببل لهببا وقتببا‬
‫موسعا‪ ،‬وحديث عبد ال خرجه مسلم ولم يخرج الشيخان حديث إمامة جبريل‪ :‬أعني‬
‫حديث ابن عباس الذي فيه أنببه صببلى بببالنبي عليببه الصببلة والسببلم عشببر صببلوات‬
‫مفسرة الوقات ثم قال له‪ :‬الوقت ما بين هذين‪ ،‬والذي في حببديث عبببد الب مببن ذلببك‬
‫هو موجود أيضا في حديث بريدة السلمي‪ ،‬خرجه مسلم‪ ،‬وهو أصل في هببذا الببباب‪.‬‬
‫قببالوا‪ :‬وحببديث بريببدة أولببى لنببه كببان بالمدينببة عنببد سببؤال السببائل لببه عببن أوقببات‬
‫الصلوات‪ ،‬وحديث جبريل كان في أول الفرض بمكة‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الرابعة( اختلفوا من وقبت العشباء الخبرة فبي موضبعين‪ :‬أحبدهما فبي‬
‫أوله‪ ،‬والثاني في آخبره‪ .‬أمببا أولببه فبذهب مالببك والشبافعي وجماعببة إلبى أنبه مغيببب‬
‫الحمرة‪ ،‬وذهب أبو حنيفة إلى أنه مغيببب البيبباض الببذي يكببون بعببد الحمببرة‪ .‬وسبببب‬
‫اختلفهم في هذه المسألة اشتراك اسم الشفق في لسان العرب فإنه كما أن الفجببر فببي‬
‫لسانهم فجران كذلك الشفق شفقان‪ :‬أحمر‪ ،‬وأبيض‪ .‬ومغيب الشببفق البيببض يلببزم أن‬
‫يكون بعببده مببن أول الليببل )إمببا بعببد الفجببر المسببتدق مببن آخببر الليببل‪ :‬أعنببي الفجببر‬
‫الكاذب‪ ،‬وإما بعد الفجر البيض المستطير وتكون الحمببرة نظيببر الحمببرة‪ ،‬فببالطوالع‬
‫إذا أربعة‪ :‬الفجببر الكبباذب‪ ،‬والفجببر الصببادق‪ ،‬والحمببر والشببمس‪ ،‬وكببذلك يجببب أن‬
‫تكون الغوارب ولذلك ما ذكر عن الخليل من أنه رصد الشفق البيببض فوجببده يبقببى‬
‫إلى ثلث الليل كذب بالقياس والتجربة )ما بين القوسين زيادة بالنسخة المصرية غيببر‬
‫موجودة بالنسخة الفاسية فأثبتناها كما هي ا هب((‪ ،‬وذلببك أنببه ل خلف بينهببم أنببه قببد‬
‫ثبت في حديث بريدة وحديث إمامة جبريل أنببه صبلى العشبباء فببي اليببوم الول حيببن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫غاب الشفق‪ ،‬وقد رجح الجمهور مذهبهم بمببا ثبببت "أن رسببول الب صببلى الب عليببه‬
‫وسلم كان يصلي العشاء عند مغيب القمر في الليلة الثالثة" ورجح أبببو حنيفببة مذهبببة‬
‫بما ورد في تأخير العشاء واستحباب تأخيره وقوله "لول أن أشق على أمتي لخرت‬
‫هذه الصلة إلى نصف الليل" وأما آخر وقتها فاختلفوا فيه على ثلثة أقوال‪ :‬قول إنه‬
‫ثلث الليل‪ .‬وقول إنه نصف الليل وقول إنه إلى طلببوع الفجببر‪ ،‬وبببالول‪ :‬أعنببي ثلببث‬
‫الليل‪ ،‬قال الشافعي وأبو حنيفة‪ ،‬وهو المشهور مببن مببذهب مالببك‪ ،‬وروي عببن مالببك‬
‫القول الثاني‪ :‬أعني نصف الليبل‪ ،‬وأمببا الثببالث فقببول داود‪ .‬وسببب الخلف فبي ذلبك‬
‫تعارض الثار‪ ،‬ففي حديث إمامة جبريل أنه صلها بالنبي عليه الصلة والسلم في‬
‫اليوم الثاني ثلث الليل‪ .‬وفي حديث أنس أنه قببال "أخببر النبببي صببلى الب عليببه وسببلم‬
‫صلة العشاء إلى نصف الليل" خرجه البخاري‪ .‬وروي أيضا من حببديث أبببي سببعيد‬
‫الخدري وأبي هريرة عن النبي عليه الصلة والسببلم أنببه قببال "لببول أن أشببق علببى‬
‫أمتي لخرت العشاء إلى نصف الليل" وفي حديث أبي قتادة ليس التفريببط فببي النببوم‬
‫إنما التفريط أن تؤخر الصلة حتى يدخل وقت الخرى‪ .‬فمن ذهببب مبذهب الترجيبح‬
‫لحديث إمامة جبريل قال ثلث الليل‪ ،‬ومببن ذهببب مببذهب الترجيببح لحببديث أنببس قببال‬
‫شطر الليل‪ .‬وأما أهل الظاهر فاعتمدوا حديث أبي قتادة وقالوا هو عببام وهببو متببأخر‬
‫عن حديث إمامة جبريل فهو ناسخ ولو لببم يكببن ناسببخا لكببان تعببارض الثببار يسببقط‬
‫حكمها‪ ،‬فيجب أن يصار إلى استصحاب حال الجمبباع‪ ،‬وقببد اتفقببوا علببى أن الببوقت‬
‫يخرج لما بعد طلوع الفجر واختلفوا فيما قبل‪ ،‬فإنا روينا عببن ابببن عببباس أن الببوقت‬
‫عنده إلى طلوع الفجر فوجب أن يستصحب حكم الوقت‪ ،‬إل حيث وقع التفبباق علببى‬
‫خروجه وأحسب أنه به قال أبو حنيفة‪.‬‬
‫@‪)-‬المسببألة الخامسببة( واتفقببوا علببى أن أول وقببت الصبببح طلببوع الفجببر الصببادق‬
‫وآخره طلوع الشمس‪ ،‬إل ما روي عن ابن القاسم وعن بعض أصحاب الشافعي مببن‬
‫أن آخر وقتها السفار‪ .‬واختلفببوا فببي وقتهببا المختببار‪ ،‬فببذهب الكوفيببون وأبببو حنيفببة‬
‫وأصببحابه والثببوري وأكببثر العراقييببن إلببى أن السببفار بهببا أفضببل‪ ،‬وذهببب مالببك‬
‫والشافعي وأصحابه وأحمد بن حنبل وأبببو ثببور وداود إلببى أن التغليببس بهببا أفضببل‪،‬‬
‫وسبب اختلفهم اختلفهم فببي طريقببة جمببع الحبباديث المختلفببة الظببواهر فببي ذلببك‪،‬‬
‫وذلك أنه ورد عنه عليه الصلة والسلم من طريق رافع بن خديج أنه قببال "أسببفروا‬
‫بالصبح فكلما أسفرتم فهو أعظم للجر" وروي عنه عليببه الصببلة والسببلم أنبه قبال‬
‫وقد سئل أي العمال أفضل؟ قال‪" :‬الصلة لول ميقاتها" وثبببت عنببه عليببه الصببلة‬
‫والسلم أنه كان يصلي الصبح فتنصرف النساء متلفعات بمروطهببن مببا يعرفببن مببن‬
‫الغلس" وظاهر الحديث أنه كان عمله في الغلب‪ ،‬فمن قبال إن حبديث رافببع خباص‬
‫وقوله "الصلة لول ميقاتها" عام‪ ،‬والمشهور أن الخبباص يقضببي عببن العببام إذا هببو‬
‫استثنى من هذا العموم صلة الصبح وجعل حديث عائشة محمول على الجواز‪ ،‬وأنه‬
‫إنما تضمن الخبار بوقوع ذلك منه ل بأنه كان ذلببك غببالب أحببواله صببلى الب عليببه‬
‫وسلم قال‪ :‬السفار أفضل مببن التغليببس‪ .‬ومببن رجببح حببديث العمببوم لموافقببة حببديث‬
‫عائشة له‪ ،‬ولنه نص في ذلك أو ظاهر‪ ،‬وحديث رافع بن خديج محتمل‪ ،‬لنببه يمكببن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أن يريد بذلك تبين الفجببر وتحققببه‪ ،‬فل يكببون بينببه وبيببن حببديث عائشببة ول العمببوم‬
‫الوارد في ذلك تعارض قال‪ :‬أفضل الوقت أوله‪ .‬وأما مببن ذهببب إلببى أن آخببر وقتهببا‬
‫السفار فإنه تأول الحديث في ذلك أنه لهل الضببرورات‪ :‬أعنببي قبوله عليبه الصببلة‬
‫والسلم "من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقببد أدرك الصبببح" وهببذا‬
‫شبيه بما فعله الجمهور في العصر‪ .‬والعجب أنهم عبدلوا عبن ذلبك فبي هبذا ووافقبوا‬
‫أهل الظاهر‪ ،‬ولذلك لهل الظاهر أن يطالبوهم بالفرق بين ذلك‪.‬‬
‫@‪-‬القسم الثاني من الفصل الول من الباب الول‪.‬‬
‫فأما أوقات الضرورة والعذر فأثبتها كما قلنببا فقهبباء المصببار ونفاهببا أهببل الظبباهر‪،‬‬
‫وقد تقدم سبب اختلفهم في ذلك‪ .‬واختلف هببؤلء الببذين أثبتوهببا فببي ثلثببة مواضببع‪:‬‬
‫أحدها لي الصلوات توجد هذه الوقات وليها ل؟ والثاني في حببدود هببذه الوقببات‪.‬‬
‫والثالث في من هم أهل العذر الذين رخص لهم في هذه الوقببات وفببي أحكببامهم فببي‬
‫ذلك‪ :‬أعني من وجوب الصلة ومن سقوطها‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الولى( اتفق مالك والشافعي على أن هذا الببوقت هببو لربببع صببلوات‪:‬‬
‫للظهر والعصر مشتركا بينهما‪ ،‬والمغببرب والعشبباء كببذلك‪ ،‬وإنمببا اختلفببوا فببي جهببة‬
‫اشتراكهما على ما سببيأتي بعببد‪ ،‬وخببالفهم أبببو حنيفببة فقببال‪ :‬إن هببذا الببوقت إنمببا هببو‬
‫للعصر فقط‪ ،‬وأنه ليس ههنا وقت مشترك‪ .‬وسبب اختلفهم في ذلك هو اختلفهم في‬
‫جواز الجمع بين الصلتين في السفر في وقببت إحببداهما علببى مببا سببيأتي بعببد‪ ،‬فمببن‬
‫تمسك بالنص الوارد في صلة العصر أعني الثابت من قوله عليببه الصببلة والسببلم‬
‫"من أدرك ركعة من صلة العصر قبل مغيب الشمس فقد أدرك العصببر" وفهببم مببن‬
‫هذا الرخصة‪ ،‬ولم يجز الشتراك في الجمع لقببوله عليببه الصببلة والسببلم "ل يفببوت‬
‫وقت صلة حتى يدخل وقت الخرى" ولما سنذكره بعد فببي ببباب الجمببع مببن حجببج‬
‫الفريقين قال‪ :‬إنه ل يكون هذا الوقت إل لصلة العصر فقببط‪ .‬ومببن أجبباز الشببتراك‬
‫فببي الجمببع فببي السببفر قبباس عليببه أهببل الضببرورات‪ ،‬لن المسببافر أيضببا صبباحب‬
‫ضرورة وعذر‪ ،‬فجعل هذا الوقت مشتركا للظهر والعصر والمغرب والعشاء‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية( اختلف مالك والشببافعي فببي آخببر الببوقت المشببترك لهمببا‪ ،‬فقببال‬
‫مالك‪ :‬هو للظهر والعصر مبن بعبد البزوال‪ ،‬بمقبدار أرببع ركعبات للظهبر للحاضبر‬
‫وركعببتين للمسببافر‪ ،‬إلببى أن يبقببى للنهببار مقببدار أربببع ركعببات للحاضببر وركعببتين‬
‫للمسافر فجعل الببوقت الخبباص للظهببر إنمببا هببو مقببدار أربببع ركعببات للحاضببر بعببد‬
‫الزوال‪ ،‬وإما ركعتان للمسافر‪ ،‬وجعل الوقت الخاص بالعصر إما أربع ركعببات قبببل‬
‫المغيب للحاضر وإما ثنتبان للمسبافر‪ :‬أعنببي أنبه مببن أدرك الببوقت الخباص فقبط لبم‬
‫تلزمه إل الصببلة الخاصببة بببذلك الببوقت إن كببان ممببن لببم تلزمببه الصببلة قبببل ذلببك‬
‫الوقت‪ ،‬ومن أدرك أكثر من ذلك أدرك الصلتين معا أو حكم ذلك الوقت وجعل آخر‬
‫الوقت الخاص لصلة العصر مقدار ركعة قبببل الغببروب‪ ،‬وكببذلك فعببل فببي اشببتراك‬
‫المغرب والعشاء‪ ،‬إل أن الوقت الخاص مرة جعلببه للمغببرب فقببال‪ :‬هببو مقببدار ثلث‬
‫ركعات قبل أن يطلع الفجر‪ ،‬ومرة جعله للصلة الخيرة كما فعببل فببي العصببر فقببال‬
‫هو مقدار أربع ركعات وهو القياس‪ ،‬وجعل آخر هذا الوقت مقدار ركعة قبببل طلببوع‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الفجر‪ .‬وأما الشافعي فجعل حدود أواخببر هببذه الوقببات المشببتركة حببدا واحببدا وهببو‬
‫إدراك ركعة قبل غروب الشمس‪ ،‬وذلك للظهر والعصببر معببا‪ ،‬ومقببدار ركعببة أيضببا‬
‫قبل انصداع الفجر وذلك للمغرب والعشاء معا‪ ،‬وقد قيل عنببه بمقببدار تكبببيرة‪ :‬أعنببي‬
‫أنه من أدرك تكبيرة قبل غروب الشمس فقد لزمته صلة الظهر والعصر معا‪ .‬وأمببا‬
‫أبو حنيفة فوافق مالكا في أن آخر وقت العصر مقدار ركعة لهل الضرورات عنببده‬
‫قبل الغروب ولم يوافق في الشببتراك والختصبباص‪ .‬وسبببب اختلفهببم أعنببي مالكببا‬
‫والشافعي هل القول باشبتراك البوقت للصبلتين معبا يقتضبي أن لهمبا وقبتين‪ :‬وقبت‬
‫خبباص بهمببا ووقببت مشببترك؟ أم إنمببا يقتضببي أن لهمببا وقتببا مشببتركا فقببط؟ وحجببة‬
‫الشافعي أن الجمع إنما دل على الشتراك فقط ل على وقت خاص‪ .‬وأما مالك فقبباس‬
‫الشتراك عنده في وقت الضرورة على الشتراك عنده في وقت التوسعة‪ :‬أعني أنببه‬
‫لما كان لوقت الظهر والعصر الموسع وقتان‪ ،‬وقت مشترك ووقت خاص‪ ،‬وجببب أن‬
‫يكون المر كذلك في أوقببات الضببرورة‪ ،‬والشبافعي ل يببوافقه علببى اشبتراك الظهببر‬
‫والعصر في وقت التوسعة‪ ،‬فخلفهما فببي هببذه المسببألة إنمببا ينبنببي والب أعلببم علببى‬
‫اختلفهم في تلك الولى فتأمله‪ ،‬فإنه بين وال أعلم‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثالثة( وأما هذه الوقات‪ :‬أعنببي أوقببات الضببرورة‪ ،‬فبباتفقوا علببى أنهببا‬
‫لربع‪ :‬للحائض تطهر في هذه الوقات أو تحيض في هذه الوقات وهببي لببم تصببل‪،‬‬
‫والمسافر يذكر الصلة في هذه الوقات وهو حاضر‪ ،‬أو الحاضر يذكرها فيهببا وهببو‬
‫مسافر‪ ،‬والصبي يبلببغ فيهببا‪ ،‬والكبافر يسببلم‪ .‬واختلفبوا فببي المغمببي عليبه فقبال مالبك‬
‫والشافعي‪ :‬هو كالحائض من أهل هذه الوقات لنببه ل يقضببي عنببدهم الصببلة الببتي‬
‫ذهب وقتها‪ .‬وعند أبي حنيفة أنه يقضي الصلة فيما دون الخمس‪ ،‬فإذا أفاق عنده من‬
‫إغمائه متى ما أفاق قضى الصلة‪ .‬وعند الخببر أنببه إذا أفباق فببي أوقببات الضببرورة‬
‫لزمته الصلة التي أفاق في وقتها‪ ،‬وإذا لم يفق فيها لم تلزمه الصلة‪ ،‬وستأتي مسببألة‬
‫المغمى عليه فيما بعد‪ ،‬واتفقوا على أن المرأة إذا طهرت في هذه الوقات إنما تجببب‬
‫عليها الصلة التي طهرت في وقتها‪ ،‬فإن طهرت عند مالك وقد بقي من النهار أربع‬
‫ركعات لغروب الشمس إلى ركعة فالعصر فقط لزمة لهببا وإن بقببي خمببس ركعببات‬
‫فالصلتان معا‪ .‬وعند الشافعي إن بقي ركعة للغببروب فالصببلتان معببا كمببا قلنببا‪ ،‬أو‬
‫تكبيرة على القول الثاني له‪ ،‬وكذلك المر عند مالك في المسافر الناسي يحضببر فببي‬
‫هذه الوقات‪ ،‬أو الحاضر يسافر‪ ،‬وكذلك الكببافر يسببلم فببي هببذه الوقببات‪ :‬أعنببي أنببه‬
‫تلزمهم الصلة‪ ،‬وكذلك الصبي يبلغ‪ ،‬والسبب في أن جعل مالك الركعة جببزءا لخببر‬
‫الوقت‪ ،‬وجعل الشافعي جزء الركعة حدا مثل التكبببيرة‪ .‬منهببا أن قببوله عليببه الصببلة‬
‫والسلم "من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر" وهببو‬
‫عند مالك من باب التنبيه بالقل على الكثر‪ ،‬وعند الشافعي من بباب التنبببيه بببالكثر‬
‫على القل‪ ،‬وأيد هذا بما روي "من أدرك سجدة من العصببر قبببل أن تغببرب الشببمس‬
‫فقد أدرك العصر" فإنه فهم من السجدة ههنا جزء من الركعة وذلك علبى قببوله الببذي‬
‫قال فيه‪ :‬من أدرك منهم تكبببيرة قبببل الغببروب أو الطلببوع فقببد أدرك الببوقت‪ .‬ومالببك‬
‫يرى أن الحائض إنما تعتد بهذا الوقت بعد الفراغ من طهرها‪ ،‬وكببذلك الصبببي يبلببغ‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأمببا الكببافر يسببلم فيعتببد لببه بببوقت السببلم دون الفببراغ مببن الطهببر وفيببه خلف‪.‬‬
‫والمغمى عليه عند مالك كالحائض‪ ،‬وعند عبد الملك كالكافر يسببلم‪ .‬ومالببك يببرى أن‬
‫الحائض إذا حاضت في هذه الوقات وهببي لببم تصببل بعببد أن القضبباء سبباقط عنهببا‪،‬‬
‫والشببافعي يببرى أن القضبباء واجببب عليهببا‪ ،‬وهببو لزم لمببن يببرى أن الصببلة تجببب‬
‫بدخول أول الوقت‪ ،‬لنها إذا حاضبت وقبد مضبى مبن البوقت مبا يمكبن أن تقبع فيبه‬
‫الصلة فقد وجبت عليها الصببلة‪ ،‬إل أن يقببال إن الصببلة إنمببا تجببب بببآخر الببوقت‪،‬‬
‫وهو مذهب أبي حنيفة ل مذهب مالك‪ ،‬فهذا كمببا تببرى لزم لقببول أبببي حنيفببة أعنببي‬
‫جاريا على أصوله ل على أصول قول مالك‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني من الباب الول في الوقات المنهي عن الصلة فيها‪.‬‬
‫@‪-‬وهذه الوقات اختلف العلماء منها في موضعين‪ :‬أحدهما في عددها‪ ،‬والثاني في‬
‫الصلوات التي يتعلق النهي عن فعلها فيها‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الولى( اتفق العلماء على أن ثلثة من الوقات منهي عن الصلة فيهببا‬
‫وهي‪ :‬وقت طلوع الشمس‪ ،‬ووقت غروبهببا‪ ،‬ومببن َلبُدن تصببلي صببلة الصبببح حببتى‬
‫تطلع الشمس‪ .‬واختلفوا في وقتين‪ :‬في وقت الزوال وفي الصلة بعد العصر؛ فببذهب‬
‫مالك وأصحابه إلى أن الوقات المنهي عنها هي أربعببة‪ :‬الطلببوع‪ ،‬والغببروب‪ ،‬وبعببد‬
‫الصبح‪ ،‬وبعد العصببر‪ ،‬وأجبباز الصببلة عنببد الببزوال‪ .‬وذهببب الشببافعي إلببى أن هببذه‬
‫الوقات خمسة كلها منهي عنها إل وقت الزوال يوم الجمعة فإنه أجبباز فيببه الصببلة‪.‬‬
‫واستثنى قوم من ذلك الصلة بعد العصر‪ .‬وسبب الخلف في ذلببك أحببد شببيئين‪ :‬إمببا‬
‫معارضة أثر لثر‪ ،‬وإما معارضة الثر للعمل عنببد مببن راعببى العمببل‪ :‬أعنببي عمببل‬
‫أهل المدينة‪ ،‬وهو مالك بن أنس‪ ،‬فحيث ورد النهي ولببم يكببن هنبباك معببارض ل مببن‬
‫قول ول من عمل اتفقوا عليه‪ ،‬وحيث ورد المعارض اختلفوا‪ .‬أما اختلفهم في وقببت‬
‫الزوال فلمعارضة العمل فيه للثر‪ ،‬وذلك أنه ثبت من حديث عقبة بن عامر الجهنببي‬
‫أنه قال "ثلث ساعات كان رسول ال صلى ال عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيها وأن‬
‫نقبر فيها موتانا‪ :‬حين تطلع الشمس بازغببة حببتى ترتفببع‪ ،‬وحيببن يقببوم قببائم الظهيببرة‬
‫حتى تميل‪ ،‬وحيببن تضببيف الشببمس للغببروب" خرجببه مسببلم‪ ،‬وحببديث أبببو عبببد الب‬
‫الصنابحي في معناه‪ ،‬ولكنه منقطع‪ ،‬خرجه مالك في مببوطئه‪ .‬فمببن النبباس مببن ذهببب‬
‫إلى منع الصلة في هذه الوقات الثلثة كلها‪ .‬ومن الناس من استثنى من ذلببك وقببت‬
‫الزوال‪ ،‬إما بإطلق وهو مالك‪ ،‬وإما في يوم الجمعة فقط وهو الشببافعي‪ .‬وأمببا مالببك‬
‫فلن العمل عنده بالمدينة لما وجده على الوقتين فقط ولم يجببده علببى الببوقت الثببالث‪:‬‬
‫أعني الزوال أباح الصلة فيه‪ ،‬وأعتقد أن ذلك النهي منسوخ بالعمل‪ .‬وأما من لببم يببر‬
‫للعمل تأثيرا فبقي على أصله في المنع‪ ،‬وقد تكلمنا فببي العمببل وقببوته فببي كتابنببا فببي‬
‫الكلم الفقهي‪ ،‬وهو الذي يدعى بأصول الفقه‪ .‬وأما الشافعي فلما صح عنده مببا روى‬
‫ابن شهاب عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي أنهببم كببانوا فببي زمببن عمببر بببن الخطبباب‬
‫يصلون يوم الجمعة حتى يخرج عمر‪ ،‬ومعلوم أن خروج عمر كان بعد الزوال على‬
‫ما صح ذلك من حديث الطنفسة التي كانت تطرح إلببى جببدار المسببجد الغربببي‪ ،‬فببإذا‬
‫غشي الطنفسة كلها ظل الجدار خرج عمر بن الخطاب مع مببا رواه أيضببا عببن أبببي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫هريرة "أن رسول ال صلى ال عليببه وسببلم نهببى عببن الصببلة نصببف النهببار حببتى‬
‫تزول الشمس إل يوم الجمعة" استثنى من ذلك النهي يوم الجمعبة‪ ،‬وقبوي هبذا الثبر‬
‫عنده العمل في أيام عمر بذلك وإن كان الثببر عنببده ضببعيفا‪ .‬وأمببا مببن رجببح الثببر‬
‫الثابت في ذلك فبقي على أصله فببي النهببي‪ .‬وأمببا اختلفهببم فببي الصببلة بعببد صببلة‬
‫العصر فسببه تعارض الثار الثابتة في ذلك‪ ،‬وذلك أن في ذلك حببديثين متعارضببين‪:‬‬
‫أحدهما حديث أبي هريرة المتفق على صحته "أن رسول ال صببلى ال ب عليببه وسببلم‬
‫نهى عن الصلة بعد صلة العصر حتى تغرب الشبمس‪ ،‬وعبن الصبلة بعبد الصببح‬
‫حتى تطلع الشمس"‪ .‬والثاني حديث عائشة قالت "ما ترك رسول ال صلى ال ب عليببه‬
‫وسلم صلتين فببي بيببتي قبط سببرا ول علنيببة‪ :‬ركعببتين قبببل الفجببر‪ ،‬وركعببتين بعببد‬
‫العصر" فمن رجح حديث أبي هريرة قال بالمنع‪ ،‬ومببن رجببح حببديث عائشببة أو رآه‬
‫ناسخا لنه العمل الذي مات عليه صلى ال عليه وسلم قال بالجواز‪ ،‬وحديث أم سلمة‬
‫يعارض حديث عائشة‪ ،‬وفيببه "أنهببا رأت رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم يصببلي‬
‫ركعتين بعد العصر‪ ،‬فسألته عن ذلك فقال‪ :‬إنه أتاني ناس مببن عبببد القيببس فشببغلوني‬
‫عن الركعتين اللتين بعد الظهر وهما هاتان"‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية( اختلف العلماء في الصلة التي ل تجوز في هذه الوقات فذهب‬
‫أبو حنيفة وأصحابه إلى أنها ل تجببوز فببي هببذه الوقببات صببلة بببإطلق ل فريضببة‬
‫مقضية ول سنة ول نافلة إل عصر يومه‪ ،‬قالوا‪ :‬فإنه يجوز أن يقضببيه عنببد غببروب‬
‫الشمس إذا نسيه‪ .‬واتفق مالك والشببافعي أنببه يقضببي الصببلوات المفروضببة فببي هببذه‬
‫الوقات‪ .‬وذهببب الشببافعي إلببى أن الصببلوات الببتي ل تجببوز فببي هببذه الوقببات هببي‬
‫النوافل فقط التي تفعل لغير سبببب‪ ،‬وأن السببنن مثببل صببلة الجنببازة تجببوز فببي هببذه‬
‫الوقات‪ ،‬ووافقه مالك في ذلك بعد العصر وبعد الصبح‪ :‬أعني في السنن‪ ،‬وخالفه في‬
‫التي تفعل لسبب مثل ركعتي المسجد‪ ،‬فإن الشافعي يجيز هاتين الركعتين بعد العصر‬
‫وبعد الصبح‪ ،‬ول يجيز ذلك مالك‪ ،‬واختلف قول مالك في جواز السببنن عنببد الطلببوع‬
‫والغروب‪ .‬وقال الثوري في الصلوات التي ل تجوز فببي هببذه الوقببات هببي مببا عببدا‬
‫الفرض ولم يفرق سنة من نفل‪ ،‬فيتحصل في ذلك ثلثبة أقبوال‪ :‬قبول هبي الصبلوات‬
‫بإطلق‪ .‬وقول إنها ما عدا الفروض سواء كانت سنة أو نفل‪ .‬وقببول إنهببا النفببل دون‬
‫السنن‪ .‬وعلى الرواية التي منع مالك فيهبا صبلة الجنببائز عنبد الغبروب قبول رابببع‪،‬‬
‫وهو أنها النفل فقط بعد الصبح والعصر والنفل والسنن معا عنببد الطلببوع والغببروب‪.‬‬
‫وسبب الخلف في ذلك اختلفهم في الجمع بين العمومات المتعارضة في ذلك أعني‬
‫الواردة في السنة‪ ،‬وأي يخص بأي‪ ،‬وذلك أن عموم قوله عليببه الصببلة والسببلم "إذا‬
‫نسي أحدكم الصلة فليصلها إذا ذكرها" يقتضي استغراق جميع الوقات‪ ،‬وقببوله فببي‬
‫أحاديث النهي في هذه الوقات "نهى رسول ال صبلى الب عليبه وسبلم عبن الصبلة‬
‫فيها" يقتضي أيضا عمبوم أجنباس الصبلوات المفروضبات والسبنن والنوافبل‪ ،‬فمبتى‬
‫حملنا الحديثين على العموم في ذلك وقببع بينهمببا تعببارض هببو مببن جنببس التعببارض‬
‫الذي يقع بين العام والخاص‪ ،‬إما في الزمان‪ ،‬وإما في اسم الصببلة‪ .‬فمببن ذهببب إلببى‬
‫الستثناء في الزمان‪ :‬أعني الستثناء الخاص مبن العببام منببع الصببلوات ببإطلق فبي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫تلك الساعات‪ ،‬ومن ذهب إلى استثناء الصلة المفروضة المنصوص عليها بالقضبباء‬
‫من عموم اسم الصلة المنهي عنها منع ما عدا الفرض في تلك الوقات‪ ،‬وقببد رجببح‬
‫مالك مذهبه من استثناء الصلوات المفروضببة مبن عمبوم لفببظ الصببلة بمببا ورد مبن‬
‫قوله عليه الصلة والسلم "من أدرك ركعة من العصر قبببل أن تغببرب الشببمس فقببد‬
‫أدرك العصر" ولذلك استثنى الكوفيون عصر اليوم من الصببلوات المفروضببة‪ ،‬لكببن‬
‫قد كان يجب عليهم أن يستثنوا من ذلك صلة الصبح أيضا للنببص الببوارد فيهببا‪ ،‬ول‬
‫يببردوا ذلببك برأيهببم مببن أن المببدرك لركعببة قبببل الطلببوع يخببرج للببوقت المحظببور‪،‬‬
‫والمدرك لركعة قبل الغروب يخرج للوقت المباح‪ .‬وأما الكوفيون فلهببم أن يقولببوا إن‬
‫هذا الحديث ليس يدل على استثناء الصلوات المفروضة من عموم اسم الصببلة الببتي‬
‫تعلق النهببي بهبا فبي تلببك اليبام لن عصببر اليببوم ليبس فببي معنببى سببائر الصببلوات‬
‫المفروضة‪ ،‬وكذلك كان لهم أن يقولوا في الصبببح لببو سبلموا أنبه يقضببى فبي البوقت‬
‫المنهي عنه‪ ،‬فإذا الخلف بينهم آيل إلى أن المستثنى الذي ورد به اللفظ هل هببو مببن‬
‫باب الخاص أريد به الخاص أم من باب الخاص أريد به العام؟ وذلك أن من رأى أن‬
‫المفهوم من ذلك هي صلة العصر والصبح فقط المنصوص عليهمببا فهببو عنببده مببن‬
‫باب الخاص أريد به الخاص‪ ،‬ومن رأى أن المفهوم من ذلك ليس هو صلة العصببر‬
‫فقط ول الصبح بل هي جميع الصلة المفروضة‪ ،‬فهو عنده من باب الخاص أريد به‬
‫العام‪ ،‬وإذا كان ذلك كذلك فليس ها هنا دليل قاطع على أن الصلوات المفروضة هببي‬
‫المستثناة من اسم الصلة الفائتة‪ ،‬كما أنببه ليببس ههنببا دليببل أصببل ل قبباطع ول غيببر‬
‫قاطع على استثناء الزمان الخاص الوارد في أحاديث النهي من الزمان العببام الببوارد‬
‫في أحاديث المر دون استثناء الصلة الخاصة المنطوق بها في أحبباديث المببر مببن‬
‫الصلة العامة المنطوق بها في أحاديث النهي‪ ،‬وهذا بيببن‪ ،‬فببإنه إذا تعببارض حببديثان‬
‫في كل واحد منهما عام وخباص لبم يجبب أن يصبار إلبى تغليبب أحبدهما إل ببدليل‪:‬‬
‫أعني استثناء خاص هذا من عام ذاك أو خاص ذاك مببن عبام هببذا‪ ،‬وذلببك بيببن والب‬
‫أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني في معرفة الذان والقامة‪.‬‬
‫@‪-‬هذا الباب ينقسم أيضا إلى فصلين‪ :‬الول في الذان‪ .‬والثاني في القامة‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول‪.‬‬
‫@‪-‬هببذا الفصببل ينحصببر الكلم فيببه فببي خمسببة أقسببام‪ :‬الول‪ :‬صببفته‪ .‬الثبباني‪ :‬فببي‬
‫حكمه‪ .‬الثالث‪ :‬في وقته‪ .‬الرابع‪ :‬في شروطه‪ .‬الخامس‪ :‬فيما يقوله السامع له‪.‬‬
‫@‪-‬القسم الول من الفصل الول من الباب الثاني في صفة الذان‪.‬‬
‫اختلف العلماء في الذان على أربع صفات مشهورة‪ :‬إحداها تثنية التكبير فيه وتربيع‬
‫الشهادتين وباقيه مثنى‪ ،‬وهو مذهب أهل المدينببة مالببك وغيببره‪ ،‬واختببار المتببأخرون‬
‫من أصحاب مالك الترجيع‪ ،‬وهو أن يثني الشهادتين أول خفيا ثببم يثنيهمببا مببرة ثانيببة‬
‫مرفوع الصوت‪ .‬والصفة الثانية أذان المكيين‪ ،‬وبه قال الشافعي‪ ،‬وهو تربيع التكبببير‬
‫الول والشببهادتين وتثنيببة ببباقي الذان‪ ،‬والصببفة الثالثببة أذان الكببوفيين‪ ،‬وهببو تربيببع‬
‫التكبير الول وتثنية باقي الذان‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة‪ .‬والصفة الرابعة أذان البصريين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وهو تربيع التكبير الول وتثليث الشهادتين وحببي علببى الصببلة وحببي علببى الفلح‪،‬‬
‫ويبدأ بأشهد أن ل إله إل ال حتى يصل إلببى حببي علببى الفلح‪ ،‬ثببم يعيببد كببذلك مببرة‬
‫ثانية‪ :‬أعني الربع كلمات تبعا‪ ،‬ثم يعيببدهن ثالثببة‪ ،‬وبببه قببال الحسببن البصببري وابببن‬
‫سيرين‪ .‬والسبب في اختلف كل واحد مببن هببؤلء الربببع فببرق اختلف الثببار فببي‬
‫ذلك واختلف اتصال العمل عند كل واحد منهم‪ ،‬وذلك أن المدنيين يحتجون لمذهبهم‬
‫بالعمل المتصل بذلك في المدينة‪ ،‬والمكيببون كببذلك أيضببا يحتجببون بالعمببل المتصببل‬
‫عندهم بذلك وكذلك الكوفيون والبصريون ولكببل واحببد منهببم آثببار تشببهد لقببوله‪ .‬أمببا‬
‫تثنية التكبير في أوله على مذهب أهبل الحجباز فبروي مبن طبرق صبحاح عبن أببي‬
‫محذورة وعبد ال بن زيد النصاري‪ ،‬وتربيعه أيضا مببروي عبن أبببي محببذورة مبن‬
‫طرق أخر وعن عبد ال بن زيد‪ .‬قال الشافعي‪ :‬وهي زيادات يجب قبولها مع اتصال‬
‫العمل بذلك بمكة‪ .‬وأما الترجيع الذي اختاره المتببأخرون مببن أصببحاب مالببك فببروي‬
‫من طريق أبي قدامة‪ :‬قببال أبببو عمببر‪ :‬وأبببو قدامببة عنببدهم ضببعيف‪ .‬وأمببا الكوفيببون‬
‫فبحديث أبي ليلى وفيه "أن عبد ال بن زيد رأى في المنام رجل قام على خرم حائط‬
‫وعليه بردان أخضران‪ ،‬فأذن مثنى وأقام مثنى وأنه أخبر بذلك رسول ال صببلى ال ب‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فقام بلل فأذن مثنى وأقام مثنى" والذي خرجه البخباري فبي هبذا البباب‬
‫إنما هو من حديث أنس فقط وهو "أن بلل أمر أن يشفع الذان ويوتر القامة إل قببد‬
‫قامت الصلة‪ ،‬فإنه يثنيها" وخرج مسلم عن أبي محذورة على صفة أذان الحجببازين‬
‫ولمكببان هببذا التعببارض الببذي ورد فببي الذان رأى أحمببد بببن حنبببل وداود أن هببذه‬
‫الصفات المختلفة إنما وردت على التخيير ل على إيجاب واحدة منهببا‪ ،‬وأن النسببان‬
‫مخير فيها‪ ،‬واختلفوا في قول المؤذن في صلة الصبح الصببلة خيببر مببن النببوم هببل‬
‫يقال فيها أم ل؟ فذهب الجمهور إلى أنه يقال ذلببك فيهببا‪ .‬وقببال آخببرون‪ :‬إنببه ل يقببال‬
‫لنه ليس من الذان المسنون‪ ،‬وبه قال الشافعي‪ .‬وسبب اختلفهم اختلفهببم هببل قيببل‬
‫ذلك في زمان النبي صلى ال عليه وسلم؟ أو إنما قيل في زمان عمر؟‪.‬‬
‫@‪-‬القسم الثاني من الفصل الول من الباب الثاني‪.‬‬
‫اختلف العلماء في حكم الذان هل هو واحب أو سنة مؤكدة‪ ،‬وإن كان واجبا فهل هو‬
‫من فروض العيان أو من فروض الكفاية؟ فقيل عن مالك إن الذان هو فرض على‬
‫مساجد الجماعات‪ ،‬وقيل سنة مؤكدة‪ ،‬ولم يره على المنفرد ل فرضا ول سببنة‪ .‬وقببال‬
‫بعض أهل الظاهر هو واجب على العيان‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬على الجماعببة كببانت فببي‬
‫سفر أو في حضر‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬في السفر‪ .‬واتفببق الشببافعي وأبببو حنيفببة علببى أنببه‬
‫سنة للمنفرد والجماعة إل أنه آكد في حق الجماعة‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬واتفببق الكببل علببى‬
‫أنه سنة مؤكدة أو فرض على المصري لما ثبت "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫كان إذا سمع النداء لم يغر‪ ،‬وإذا لم يسمعه أغببار"‪ .‬والسبببب فببي اختلفهببم معارضببة‬
‫المفهوم من ذلك لظواهر الثار‪ ،‬وذلك أنه ثبت أن رسول ال صببلى الب عليببه وسببلم‬
‫قال لمالك بن الحويرث ولصاحبه "إذا كنتما في سفر فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركمببا"‬
‫وكذلك ما روي من اتصال عمله به صلى ال عليه وسلم في الجماعة‪ ،‬فمن فهببم مببن‬
‫هذا الوجوب مطلقا قال إنه فرض على العيان أو على الجماعببة‪ ،‬وهببو الببذي حكبباه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ابن المغلس عببن داود‪ ،‬ومببن فهببم منببه الببدعاء إلببى الجتمبباع للصببلة قببال إنببه سببنة‬
‫المساجد أو فرض في المواضع التي يجتمع إليها الجماعة‪ .‬فسبب الخلف هو تببردده‬
‫بيببن أن يكببون قببول مببن أقاويببل الصببلة المختصببة بهببا أو يكببون المقصببود بببه هببو‬
‫الجتماع‪.‬‬
‫@‪-‬القسم الثالث من الفصل الول في وقته‪.‬‬
‫وأما وقت الذان فاتفق الجميع على أنه ل يؤذن للصلة قبل وقتهببا‪ ،‬مببا عببدا الصبببح‬
‫فإنه اختلفوا فيها‪ ،‬فذهب مالك والشافعي إلى أنه يجوز أن يؤذن لها قبل الفجر‪ ،‬ومنع‬
‫ذلك أبو حنيفة‪ ،‬وقال قوم‪ :‬ل بد للصبح إذا أذن لها قبببل الفجببر مبن أذان بعبد الفجبر‪،‬‬
‫لن الواجب عندهم هو الذان بعد الفجر‪ .‬وقال أبو محمد بن حزم‪ :‬ل بد لها من أذان‬
‫بعد الوقت‪ ،‬وإن أذن قبل الوقت جاز إذا كان بينهما زمان يسير قببدر مببا يهبببط الول‬
‫ويصعد الثاني‪ .‬والسبب في اختلفهم أنه ورد في ذلببك حببديثان متعارضببان‪ :‬أحببدهما‬
‫الحديث المشهور الثببابت‪ ،‬وهببو قببوله عليببه الصببلة والسببلم "إن بلل ينببادي بليببل‪،‬‬
‫فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم‪ ،‬وكان ابن مكتوم رجل أعمى ل ينادي حتى‬
‫يقال له أصبحت أصبحت‪ .‬والثاني ما روي عن ابن عمببر "أن بلل أذن قبببل طلببوع‬
‫الفجر‪ ،‬فأمره النبببي صببلى الب عليببه وسببلم أن يرجببع فينببادي‪ :‬أل إن العبببد قببد نببام"‬
‫وحديث الحجازين أثبت‪ ،‬وحديث الكوفيين أيضا خرجه أبو داود وصححه كببثير مببن‬
‫أهل العلم‪ ،‬فذهب الناس في هذين الحديثين إما مذهب الجمع‪ ،‬وإما مببذهب الترجيببح‪،‬‬
‫فأما من ذهب مذهب الترجيح فالحجازيون‪ ،‬فإنهم قالوا‪ :‬حديث بلل أثبببت والمصببير‬
‫إليه أوجب‪ .‬وأما من ذهببب مببذهب الجمببع فببالكوفيون‪ ،‬وذلببك أنهببم قبالوا‪ :‬يحتمببل أن‬
‫يكون نداء بلل في وقت يشك فيه في طلوع الفجببر‪ ،‬لنببه كببان فببي بصببره ضببعف‪،‬‬
‫ويكون نداء ابن أم مكتوم في وقت يتيقن فيه طلوع الفجر‪ ،‬ويدل على ذلببك مببا روي‬
‫عن عائشة أنها قالت "لم يكن بين أذانيهما إل بقدر ما يهبط هببذا ويصببعد هببذا" وأمببا‬
‫من قال إنه يجمع بينهما‪ :‬أعني أن يؤذن قبل الفجر وبعببده فعلببى ظبباهر مبباروي مببن‬
‫ذلك في صلة الصبح خاصة أعني أنه كان يؤذن لها في عهد رسول ال ب صببلى ال ب‬
‫عليه وسلم مؤذنان بلل وابن أم مكتوم‪.‬‬
‫@‪-‬القسم الرابع من الفصل الول من الشروط‪.‬‬
‫وفي هذا القسم مسائل ثمانية‪ :‬إحداها هل من شروط من أذن أن يكون هو الببذي يقيببم‬
‫أم ل؟ والثانية هببل مببن شببرط الذان أن ل يتكلببم فببي أثنببائه أم ل؟ والثالثببة هببل مببن‬
‫شرطه أن يكون على طهارة أم ل؟ والرابعة هل مببن شببرطه أن يكببون متوجهببا إلببى‬
‫القبلة أم ل؟ والخامسة هل من شرطه أن يكون قائما أم ل؟ والسادسة هببل يكببره أذان‬
‫الراكب أم ليس يكره؟ والسابعة هل من شرطه البلوغ أم ل؟ والثامنة هل من شببرطه‬
‫أن ل يأخذ على الذان أجرا أم يجوز له أن يأخذه؟‪ .‬فأما اختلفهم في الرجلين يببؤذن‬
‫أحدهما ويقيم الخر‪ ،‬فأكثر فقهاء المصار على إجازة ذلك‪ ،‬وذهب بعضببهم إلببى أن‬
‫ذلك ل يجوز‪ ،‬والسبب في ذلك أنه ورد في هذا حديثان متعارضببان‪ :‬أحببدهما حببديث‬
‫الصدائي قال "أتيت رسول ال صلى ال عليبه وسببلم فلمببا كبان أوان الصبببح أمرنببي‬
‫فأذنت ثم قام إلى الصلة‪ ،‬فجاء بلل ليقيم‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليببه وسببلم إن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أخا صداء أذن‪ ،‬ومن أذن فهو يقيم"‪ .‬والحديث الثبباني مببا روي أن عبببد الب بببن زيببد‬
‫حين أري الذان رسول ال صلى ال عليه وسلم بلل فأذن‪ ،‬ثم أمببر عبببد الب فأقببام‪.‬‬
‫فمن ذهب مذهب النسخ قال‪ :‬حديث عبد ال بن زيد متقدم وحديث الصببدائي متببأخر‪.‬‬
‫ومن ذهب مذهب الترجيح قال‪ :‬حديث عبد ال بن زيببد أثبببت‪ ،‬لن حببديث الصببدائي‬
‫انفرد به عبد الرحمبن ببن زيباد الفريقبي وليبس بحجبة عنبدهم‪ .‬وأمبا اختلفهبم فبي‬
‫الجرة على الذان فلمكان اختلفهم في تصحيح الخبر الوارد في ذلك‪ :‬أعني حببديث‬
‫عثمان بن أبي العاص أنه قال "إن من آخر ما عهد إلي رسببول الب صببلى الب عليببه‬
‫وسلم أن أتخذ مؤذنا ل يأخذ على أذانه أجرا" ومن منعه قبباس الذان فببي ذلببك علببى‬
‫الصلة‪ .‬وأما سائر الشروط الخر فسبب الخلف فيها هو قياسها على الصلة‪ ،‬فمببن‬
‫قاسها على الصلة أوجب تلبك الشبروط الموجبودة فبي الصبلة‪ ،‬ومبن لبم يقسبها لبم‬
‫يوجب ذلك‪ .‬قال أبو عمر بن عبد البر‪ :‬قد روينا عن أبببي وائل بببن حجببر قببال‪ :‬حببق‬
‫وسنة مسنونة أن ل يؤذن إل وهو قائم‪ ،‬ول يؤذن إل على طهر‪ ،‬قال‪ :‬وأبو وائل هو‬
‫من الصحابة‪ ،‬وقوله سنة يدخل في المسند وهو أولى من القياس‪ .‬قبال القاضبي‪ :‬وقبد‬
‫خرج الترمذي عن أبي هريرة أنه عليه الصلة والسلم قال "ل يؤذن إل متوضئ"‪.‬‬
‫@‪-‬القسم الخامس‪.‬‬
‫اختلف العلماء فيما يقوله السامع للمؤذن‪ ،‬فذهب قوم إلى أنه يقببول مببا يقببول المببؤذن‬
‫كلمة بكلمة إلى آخر النداء‪ ،‬وذهب آخرون إلى أنه يقول مثل ما يقببول المببؤذن إل إذا‬
‫قال حي على الصلة حي على الفلح‪ ،‬فإنه يقول‪ :‬ل حول ول قوة إل بال‪ .‬والسبببب‬
‫في الختلف في ذلببك تعببارض الثببار‪ ،‬وذلببك أنببه قببد روي مببن حببديث أبببي سببعيد‬
‫الخدري أنه عليه الصلة والسلم قال "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول" وجاء‬
‫من طريق عمر بن الخطاب وحديث معاوية أن السامع يقول عند حي على الفلح ل‬
‫حببول ول قبوة إل بببال‪ .‬فمببن ذهببب مببذهب الترجيببح أخبذ بعمبوم حبديث أبببي سببعيد‬
‫الخدري‪ ،‬ومن بنى العام في ذلك على الخاص جمع بين الحديثين‪ ،‬وهو مذهب مالببك‬
‫بن أنس‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني من الباب الثاني من الجملة الثانية في القامة‪.‬‬
‫@‪-‬اختلفوا في القامة في موضعين في حكمها وفي صبفتها‪ .‬أمبا حكمهبا فإنهبا عنبد‬
‫فقهاء المصار في حق العيان‪ ،‬والجماعات سنة مؤكدة أكثر من الذان‪ ،‬وهي عنببد‬
‫أهل الظاهر فرض ول أدري هببل هببي فببرض عنببدهم علببى الطلق أو فببرض مببن‬
‫فروض الصلة؟ والفرق بينهما أن على القول الول ل تبطل الصلة بتركها‪ .‬وعلببى‬
‫الثاني تبطل‪ .‬وقال ابن كنانة من أصببحاب مالببك‪ :‬مببن تركهببا عامببدا بطلببت صببلته‪.‬‬
‫وسبب هذا الختلف اختلفهم هل هي من الفعببال الببتي وردت بيانبا لمجمببل المببر‬
‫بالصلة فيحمل على الوجببوب لقببوله عليببه الصببلة والسببلم "صببلوا كمببا رأيتمببوني‬
‫أصلي" أم هي من الفعال التي تحمل على الندب؟ وظاهر حديث مالك بن الحويرث‬
‫يوجب كونها فرضا إما في الجماعة وإما على المنفرد‪ .‬وأما صفة القامة فإنهببا عنببد‬
‫مالك والشافعي‪ .‬إما التكبير الذي في أولها فمثنى‪ .‬وأما ما بعببد ذلببك فمببرة واحببدة إل‬
‫قوله قد قامت الصبلة‪ ،‬فإنهبا عنبد مالبك مبرة واحبدة‪ ،‬وعنبد الشبافعي مرتيبن‪ .‬وأمبا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الحنفية فإن القامة عندهم مثنى مثنى‪ ،‬وخير أحمد بن حنبل بين الفراد والتثنية على‬
‫رأيه في التخيير في النداء‪ .‬وسبب الختلف تعبارض حببديث أنببس فبي هبذا المعنبى‬
‫وحديث أبي ليلى المتقدم‪ ،‬وذلك أن في حديث أنس الثبابت أمبر بلل أن يشبفع الذان‬
‫ويفرد القامة إل قد قامت الصلة‪ .‬وفي حديث أبي ليلببى أنببه عليببه الصببلة والسببلم‬
‫أمر بلل فأذن مثنى وأقام مثنببى‪ .‬والجمهبور أنبه ليبس علببى النسباء أذان ول إقامبة‪.‬‬
‫وقال مالك‪ :‬إن أقمن فحسن‪ ،‬وقال الشافعي‪ :‬إن أذن وأقمن فحسن‪ ،‬وقببال إسببحاق‪ :‬إن‬
‫عليهن الذان والقامة‪ .‬وروي عببن عائشببة أنهببا كببانت تببؤذن وتقيبم فيمبا ذكبره اببن‬
‫المنذر‪ ،‬والخلف آيل إلى هل تببؤم المببرأة أو ل تببؤم؟ وقيببل الصببل أنهببا فببي معنببى‬
‫الرجل في كل عبادة‪ ،‬إل أن يقوم الدليل على تخصيصها‪ ،‬أم فببي بعضببها هببي كببذلك‬
‫وفي بعضها يطلب الدليل؟‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثالث من الجملة الثانية في القبلة‪.‬‬
‫@‪-‬اتفق المسلمون على أن التوجه نحو البيت شرط من شروط صحة الصلة لقببوله‬
‫تعالى }ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحببرام{ أمببا إذا أبصببر البببيت‪،‬‬
‫فالفرض عندهم هبو التبوجه إلبى عيبن الببيت‪ ،‬ول خلف فبي ذلبك‪ .‬وأمبا إذا غبابت‬
‫الكعبة عن البصار فاختلفوا من ذلك في موضعين‪ :‬أحدهما هل الفرض هو العين أو‬
‫الجهة؟ والثاني هل فرضه الصابة أو الجتهاد‪ :‬أعنببي إصببابة الجهببة أو العيببن عنببد‬
‫من أوجب العين؟ فبذهب قبوم إلبى أن الفبرض هبو العيبن‪ ،‬وذهبب آخبرون إلبى أنبه‬
‫الجهة‪ .‬والسبب في اختلفهم هل في قوله تعالى }فول وجهك شطر المسببجد الحببرام{‬
‫محذوف حتى يكون تقديره‪ :‬ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسببجد الحببرام أم‬
‫ليس ههنا محبذوف أصبل وأن الكلم علببى حقيقتببه؟ فمببن قبدر هنالببك محببذوفا قبال‪:‬‬
‫الفرض الجهة‪ ،‬ومن لم يقببدر هنالببك محببذوفا قببال‪ :‬الفببرض العيببن‪ ،‬والببواجب حمببل‬
‫الكلم على الحقيقة حتى يدل الدليل على حمله على المجاز‪ ،‬وقد يقال إن الدليل على‬
‫تقدير هذا المحذوف قوله عليه الصلة والسلم "ما بيببن المشببرق والمغببرب قبلببة إذا‬
‫توجه نحو البيت" قالوا‪ :‬واتفاق المسببلمين علببى الصببف الطويببل خببارج الكعبببة يببدل‬
‫على أن الفرض ليس هو العين أعني إذا لم تكن الكعبة مبصرة‪ .‬والببذي أولبه إنببه لببو‬
‫كان واجبا قصد العين لكان حرجا‪ ،‬قد قببال تعبالى }ومببا جعببل عليكببم فبي البدين مببن‬
‫حببرج{ فببإن إصببابة العيببن شببيء ل يببدرك إل بتقريببب وتسببامح بطريببق الهندسببة‬
‫واستعمال الرصاد في ذلك‪ ،‬فكيف بغير ذلببك مببن طببرق الجتهبباد ونحببن لببم نكلببف‬
‫الجتهبباد فيببه بطريببق الهندسببة المبنببي علببى الرصبباد المسببتنبط منهببا طببول البلد‬
‫وعرضها‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثانية( فهي هل فرض المجتهد في القبلة الصابة أو الجتهاد فقط‬
‫حتى يكون إذا قلنا إن فرضه الصابة متى تبين له أنه أخطأ أعاد الصلة‪ .‬ومتى قلنا‬
‫إن فرضه الجتهاد لم يجب أن يعيد إذا تبين له الخطأ‪ ،‬وقد كان صلى قبببل اجتهبباده‪.‬‬
‫أما الشافعي فزعم أن فرضه الصابة وأنه إذا تبين له أنه أخطأ أعاد أبدا‪ .‬وقال قوم‪:‬‬
‫ل يعيد وقد مضت صلته ما لم يتعمد أو صببلى بغيبر اجتهبباد‪ ،‬وبببه قبال مالبك وأببو‬
‫حنيفة‪ ،‬إل أن مالكا استحب له العادة في الوقت‪ .‬وسبب الخلف في ذلببك معارضببة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الثر للقياس مع الختلف أيضا في تصحيح الثر الوارد في ذلك‪ .‬أمببا القيبباس فهببو‬
‫تشبيه الجهة بالوقت‪ :‬أعني بوقت الصلة‪ ،‬وذلك أنهببم أجمعببوا علببى أن الفببرض فيببه‬
‫هو الصابة‪ ،‬وأنه إن انكشف للمكلف أنه صلى قبل الوقت أعاد أبببدا إل خلفببا شبباذا‬
‫في ذلك عن ابن عباس وعن الشعبي‪ ،‬وما روي عن مالك مببن أن المسببافر إذا جهببل‬
‫فصلى العشاء قبل غيبوية الشفق ثم انكشف له أنه صلها قبل غيبوبة الشببفق أنببه قببد‬
‫مضت صلته‪ ،‬ووجه الشبه بينهما أن هذا ميقات وقت‪ ،‬وهذا ميقات جهة‪ .‬وأما الثر‬
‫فحديث عامر بن ربيعة قال "كنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم فببي ليلببة ظلمبباء‬
‫في سفر‪ ،‬فخفيت علينا القبلة‪ ،‬فصلى كل واحد منببا إلببى وجببه وعّلمنببا‪ ،‬فلمببا أصبببحنا‬
‫فإذا نحن قد صلينا إلى غير القبلبة‪ ،‬فسبألنا رسبول الب صبلى الب عليبه وسببلم فقببال‪:‬‬
‫مضت صلتكم‪ ،‬ونزلت }ول المشرق والمغرب فأينمببا تولببوا فثبم وجبه البب{ وعلبى‬
‫هذا فتكون هذه الية محكمة‪ ،‬وتكون فيمن صلى فانكشف له أنببه صببلى لغيببر القبلببة‪،‬‬
‫والجمهور على أنها منسوخة بقوله تعببالى }ومببن حيببث خرجببت فببول وجهببك شببطر‬
‫المسجد الحرام{ فمن لم يصح عنده هذا الثر قاس ميقات الجهة على ميقات الزمان‪،‬‬
‫ومن ذهب مذهب الثر لم تبطل صلته‪ .‬وفي هذا الباب مسألة مشهورة‪ ،‬وهي جواز‬
‫الصلة في داخل الكعبة‪ .‬وقد اختلفوا في ذلك‪ ،‬فمنهم من منعه على الطلق‪ ،‬ومنهببم‬
‫من أجببازه علببى الطلق‪ ،‬ومنهببم مببن فببرق بيببن النفببل فببي ذلببك والفببرض‪ .‬وسبببب‬
‫اختلفهم تعارض الثار في ذلك‪ ،‬والحتمال المتطرق لمن استقبل أحد حيطانهببا مببن‬
‫داخل هل يسمى مستقبل للبيت كما يسمى من استقبله من خارج أم ل؟ أما الثر فببإنه‬
‫ورد في ذلك حديثان متعارضان كلهما ثابت‪ :‬أحدهما حببديث ابببن عببباس قببال "لمببا‬
‫دخل رسول ال صلى ال عليه وسلم البببيت دعببا فببي نببواحيه كلهببا ولببم يصببل حببتى‬
‫خرج‪ ،‬فلما خرج ركع ركعتين في قبل الكعبة وقال‪ :‬هذه القبلة" والثبباني حببديث عبببد‬
‫ال بن عمر "أن رسول ال صلى ال عليه وسببلم دخببل الكعبببة هببو وأسببامة بببن زيببد‬
‫وعثمان بن طلحة وبلل بن رباح‪ ،‬فأغلقها عليه ومكث فيها‪ ،‬فسألت بلل حين خرج‬
‫ماذا صنع رسول ال صلى ال عليه وسلم؟ فقال‪ :‬جعببل عمببودا عببن يسبباره وعمببودا‬
‫عن يمينه وثلثة أعمدة وراءه ثم صلى" فمن ذهب مذهب الترجيح أو النسخ قال إمببا‬
‫بمنع الصلة مطلقا إن رجح حديث ابن عباس‪ ،‬وإما بإجازتها مطلقا إن رجح حببديث‬
‫ابن عمر‪ ،‬ومن ذهب مببذهب الجمببع بينهمببا حمببل حببديث ابببن عببباس علببى الفببرض‬
‫وحديث ابن عمر على النفل‪ ،‬والجمع بينهما فيه عسر‪ ،‬فإن الركعتين اللتين صببلهما‬
‫عليه الصلة والسلم خارج الكعبة وقال "هذه القبلببة" هببي نفببل‪ ،‬ومببن ذهببب مببذهب‬
‫سقوط الثر عند التعارض‪ ،‬فإن كان ممن يقول باستصحاب حكم الجمبباع والتفبباق‬
‫لم يجز الصلة داخل البيت أصل‪ ،‬وإن كان ممن ل يرى استصببحاب حكببم الجمبباع‬
‫عاد النظر في انطلق اسم المستقبل للبيت على من صلى داخل الكعبببة‪ ،‬فمببن جببوزه‬
‫أجاز الصلة‪ ،‬ومن لببم يجببوزه‪ ،‬وهببو الظهببر‪ ،‬لببم يجببز الصببلة فببي البببيت‪ ،‬واتفببق‬
‫العلماء بأجمعهم على استحباب السترة بين المصلي والقبلة إذا صلى‪ ،‬منفردا كببان أو‬
‫إماما‪ ،‬وذلك لقوله عليه الصببلة والسببلم "إذا وضببع أحببدكم بيببن يببديه مثببل مببؤخرة‬
‫الرحل فليصل" واختلفوا في الخط إذا لم يجبد سبترة‪ ،‬فقبال الجمهبور‪ :‬ليبس عليبه أن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يخط‪ .‬وقال أحمببد بببن حنبببل‪ :‬يخببط خطببا بيببن يببديه‪ .‬وسبببب اختلفهببم اختلفهببم فببي‬
‫تصحيح الثر الوارد في الخط‪ ،‬والثر رواه أبو هريرة أنه عليه الصلة والسلم قال‬
‫"إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا‪ ،‬فإن لم يكن فلينصب عصا‪ ،‬فببإن لببم تكببن‬
‫معه عصا فليخط خطا ول يضره من مر بين يديه" خرجه أبو داود وكببان أحمببد بببن‬
‫حنبل يصححه والشافعي ل يصححه وقد روي "أنه صلى ال عليه وسلم صلى لغيببر‬
‫سترة" والحديث الثابت أنه كان يخرج له العنزة‪ ،‬فهذه جملة قواعد هببذا الببباب وهببي‬
‫أربع مسائل‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الرابع من الجملة الثانية‪.‬‬
‫@‪-‬وهذا الباب ينقسم إلى فصلين‪ :‬أحدهما في ستر العورة والثبباني فيمببا يجببزئ مببن‬
‫اللباس في الصلة‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول‪.‬‬
‫@‪-‬اتفق العلماء على أن ستر العورة فرض بببإطلق‪ ،‬واختلفببوا هببل هببو شببرط مببن‬
‫شروط صحة الصببلة أم ل؟ وكببذلك اختلفببوا فببي حببد العببورة مببن الرجببل والمببرأة‪،‬‬
‫وظاهر مذهب مالك أنها من سنن الصلة‪ ،‬وذهب أبو حنيفة والشافعي إلببى أنهببا مببن‬
‫فروض الصلة وسبب الخلف في ذلك تعارض الثببار واختلفهببم فببي مفهببوم قببوله‬
‫تعالى }يا بني آدم خذوا زينتكم عند كببل مسببجد{ هببل المببر بببذلك علببى الوجببوب أو‬
‫على الندب؟ فمن حمله على الوجوب قال‪ :‬المراد به ستر العورة‪ ،‬واحتببج لببذلك بببأن‬
‫سبب نزول هذه الية كان أن المرأة كانت تطوف بالبيت عريانة وتقول‪:‬‬
‫اليوم يبدو بعضه أو كله * وما بدا منه فل أحله‬
‫فأنزلت هذه الية "وأمر رسول ال صلى ال عليه وسلم أن ل يحج بعد العام مشببرك‬
‫ول يطوف بالبيت عريان" ومن حمله على الندب قال‪ :‬المراد بببذلك الزينببة الظبباهرة‬
‫من الرداء وغير ذلك من الملبس التي هي زينة‪ ،‬واحتج لذلك بما جبباء فببي الحببديث‬
‫من أنه كبان رجبال يصبلون مبع النببي عليبه الصبلة والسبلم عاقبدي أزرهبم علبى‬
‫أعنبباقهم كهيئة الصبببيان‪ ،‬ويقببال للنسبباء ل ترفعببن رؤوسببكن حببتى يسببتوي الرجببال‬
‫جلوسا قالوا‪ :‬ولذلك من لم يجد ما به يستر عورته لم يختلف في أنه يصلي‪ ،‬واختلف‬
‫فيمن عدم الطهارة هل يصلي أم ل يصلي؟‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثانية( وهي حد العورة من الرجل فذهب مالك والشببافعي إلببى أن‬
‫حد العورة منه ما بين السرة إلى الركبة‪ ،‬وكذلك قببال أبببو حنيفببة وقببال قببوم‪ :‬العببورة‬
‫هما السوأتان فقط من الرجببل‪ .‬وسبببب الخلف فببي ذلببك أثببران متعارضببان كلهمببا‬
‫ثابت‪ :‬أحببدهما حبديث جرهبد أن النبببي صبلى الب عليببه وسبلم قبال "الفخببذ عببورة"‪.‬‬
‫والثاني حديث أنس "أن النبي صلى ال عليه وسلم حسر عن فخببذه وهببو جببالس مببع‬
‫أصحابه" قال البخاري وحديث أنس أسند وحببديث جرهببد أحببوط‪ ،‬وقببد قببال بعضببهم‬
‫العورة الدبر والفرج والفخذ‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثالثة( وهي حد العورة في المرأة‪ ،‬فببأكثر العلمبباء علببى أن بببدنها‬
‫كله عورة ما خلى الوجه والكفيبن‪ ،‬وذهبب أببو حنيفبة إلبى أن قبدمها ليسبت بعبورة‪،‬‬
‫وذهب أبو بكر بن عبد الرحمن وأحمد إلى أن المرأة كلها عورة‪ .‬وسبب الخلف في‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ذلك احتمال قوله تعببالى }ول يبببدين زينتهببن إل مببا ظهببر منهببا{ هببل هببذا المسببتثنى‬
‫المقصود منه أعضاء محدودة‪ ،‬أم إنما المقصود به ما ل يملببك ظهببوره؟ فمببن ذهببب‬
‫إلى أن المقصود من ذلك ما ل يملك ظهوره عند الحركة قال‪ :‬بدنها كله عورة حببتى‬
‫ظهرها‪ ،‬واحتج لذلك بعموم قوله تعالى }يا أيهببا النبببي قببل لزواجببك وبناتببك ونسبباء‬
‫المؤمنين{ الية‪ ،‬ومن رأى أن المقصود من ذلبك مبا جبرت ببه العبادة ببأنه ل يسبتر‬
‫وهو الوجه والكفان ذهب إلى أنهما ليسا بعورة واحتج لذلك بأن المببرأة ليسببت تسببتر‬
‫وجهها في الحج‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني من الباب الرابع فيما يجزئ في اللباس في الصلة‪.‬‬
‫@‪-‬أما اللباس فالصل فيه قوله تعالى }خذوا زينتكم عند كل مسجد{ والنهببي البوارد‬
‫عن هيئات بعض الملبس في الصلة‪ ،‬وذلك أنهم اتفقوا فيما أحسب على أن الهيئات‬
‫من اللباس التي نهي عن الصلة فيها مثل اشتمال الصببماء‪ ،‬وهببو أن يحتبببي الرجببل‬
‫في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شيء‪ ،‬وأن يحتببي الرجبل فبي ثبوب واحبد ليبس‬
‫على فرجه منه شيء‪ ،‬وسائر ما ورد مببن ذلببك أن ذلببك كلببه سببد ذريعببة أل تنكشببف‬
‫عورته‪ ،‬ول أعلم أن أحدا قال ل تجوز صلة على إحدى هذه الهيئات إن لم تنكشببف‬
‫عورته‪ ،‬وقد كان على أصول أهل الظاهر يجب ذلك واتفقوا على أنه يجببزئ الرجببل‬
‫من اللباس في الصلة الثببوب الواحببد لقببول النبببي صببلى الب عليببه وسببلم وقببد سببئل‬
‫أيصلي الرجل في الثوب الواحد؟ فقال "أو لكلكم ثوبان؟" واختلفوا في الرجل يصببلي‬
‫مكشوف الظهر والبطن‪ ،‬فببالجمهور علببى جبواز صبلته لكببون الظهبر والبطبن مببن‬
‫الرجل ليسا بعورة‪ ،‬وشذ قوم فقالوا‪ :‬ل تجوز صلته لنهيه صلى ال ب عليببه وسببلم أن‬
‫يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عبباتقه منببه شببيء‪ ،‬وتمسببك بوجببوب قببوله‬
‫تعالى }خذوا زينتكم عند كل مسجد{ واتفق الجمهور على أن اللباس المجببزئ للمببرأة‬
‫في الصلة هو درع وخمار‪ ،‬لما روي عن أم سلمة "أنها سألت رسول ال صلى ال ب‬
‫عليه وسلم‪ :‬ماذا تصلي فيه المرأة؟ فقال‪ :‬في الخمار والدرع السابغ إذا غيبت ظهور‬
‫قدميها" ولما روي أيضا عن عائشة عن النبي عليه الصلة والسلم أنه قال "ل يقبل‬
‫ال صلة حائض إل بخمار" وهو مروي عن عائشة وميمونة وأم سببلمة أنهببم كببانوا‬
‫يفتون بذلك وكل هؤلء يقولون إنها إن صلت مكشوفة أعادت في الببوقت وبعببده‪ ،‬إل‬
‫مالكا فإنه قال‪ :‬إنها تعيد في الوقت فقببط‪ .‬والجمهببور علببى أن الخببادم لهببا أن تصببلي‬
‫مكشوفة الرأس والقببدمين‪ ،‬وكببان الحسببن البصببري يببوجب عليهببا الخمببار واسببتحبه‬
‫عطاء‪ .‬وسبب الخلف الخطبباب المتببوجه إلببى الجنببس الواحببد هببل يتنبباول الحببرار‬
‫والعبيببد معببا أم الحببرار فقببط دون العبيببد؟ واختلفببوا فببي صببلة الرجببل فببي الثببوب‬
‫الحرير فقال قوم‪ :‬تجوز صلته فيه‪ .‬وقال قوم‪ :‬ل تجوز‪ .‬وقبوم اسبتحبوا لبه العبادة‬
‫في الوقت‪ .‬وسبب اختلفهم في ذلك هل الشيء المنهي عنه مطلقا اجتنابه شببرط فببي‬
‫صحة الصلة أم ل؟ فمن ذهب إلى أنببه شببرط‪ :‬قببال إن الصببلة ل تجببوز بببه‪ ،‬ومببن‬
‫ذهب إلى أنه يكون بلباسه مأثوما والصلة جائزة قال‪ :‬ليس شرطا في صحة الصلة‬
‫كالطهارة التي هي شرط‪ ،‬وهذه المسألة هي من نببوع الصببلة فببي الببدار المغصببوبة‬
‫والخلف فيها مشهور‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫*‪*3‬الباب الخامس‪.‬‬
‫@‪-‬وأما الطهارة من النجس فمن قال إنها سنة مؤكدة فيبعد أن يقول إنها فببرض فببي‬
‫الصلة أي من شروط صحتها‪ .‬ومن قال إنها فببرض بببإطلق فيجببوز أن يقببول إنهببا‬
‫فرض في الصلة‪ ،‬ويجوز أن ل يقول ذلك؛ وحكببى عبببد الوهبباب عببن المببذهب فببي‬
‫ذلببك قببولين‪ :‬أحببدهما إن إزالببة النجاسببة شببرط فببي صببحة الصببلة فببي حبال القببدرة‬
‫والذكر‪ ،‬والقول الخر إنها ليست شرطا‪ .‬والذي حكاه من أنها شرط ل يتخببرج علببى‬
‫مشهور المذهب من أن غسل النجاسة سنة مؤكببدة‪ ،‬وإنمببا يتخببرج علببى القببول بأنهببا‬
‫فرض مع الذكر والقدرة‪ ،‬وقد مضت هذه المسألة في كتاب الطهارة‪ ،‬وعببرف هنالببك‬
‫أسباب الخلف فيها‪ ،‬وإنما الذي يتعلق به ههنا الكلم مببن ذلببك‪ :‬هببل مببا هببو فببرض‬
‫مطلق مما يقع في الصلة يجب أن يكون فرضا في الصلة أم ل؟ والحق أن الشببيء‬
‫المأمور به على الطلق ل يجب أن يكون شرطا في صحة شيء مببا )آخببر مببأمور‬
‫به‪ ،‬وإن وقع فيه إل بأمر آخر‪ ،‬وكذلك المر في الشيء المنهي عنه على الطلق ل‬
‫يجب أن يكون شرطا في صحة شيء مببا( )مببا بيببن القوسببين غيببر موجببود بالنسببخة‬
‫المصرية‪ ،‬لكنه مثبت في النسخة الفاسية اهب( إل بأمر آخر‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب السادس‪.‬‬
‫@‪-‬وأما المواضع التي يصلي فيها‪ ،‬فإن من الناس من أجاز الصلة في كل موضببع‬
‫ل تكون فيه نجاسة‪ ،‬ومنهم من استثنى من ذلك سبعة مواضع‪ :‬المزبلببة‪ ،‬والمجببزرة‪،‬‬
‫والمقبرة‪ ،‬وقارعة الطريق‪ ،‬والحمام‪ ،‬ومعاطن البل‪ ،‬وفبوق ظهبر بيبت الب‪ ،‬ومنهبم‬
‫من استثنى من ذلك المقبرة فقط‪ ،‬ومنهم من استثنى المقبرة والحمام‪ ،‬ومنهم من كببره‬
‫الصلة في هذه المواضع المنهي عنها ولم يبطلها وهو أحد ما روي عن مالببك‪ ،‬وقببد‬
‫روي عنه الجواز‪ ،‬وهذه رواية ابن القاسم‪ .‬وسبب اختلفهم تعببارض ظببواهر الثببار‬
‫في هذا الباب‪ ،‬وذلك أن ههنا حديثين متفق علببى صببحتهما وحببديثين مختلببف فيهمببا‪.‬‬
‫فأما المتفق عليهما فقوله عليه الصلة والسلم "أعطيت خمسا لم يعطهن أحببد قبلببي‪،‬‬
‫وذكر فيها‪ :‬وجعلت لببي الرض مسببجدا وطهببورا فأينمببا أدركتنببي الصببلة صببليت"‬
‫وقوله عليه الصلة والسلم "اجعلببوا مببن صببلتكم فببي بيببوتكم ول تتخببذوها قبببورا"‬
‫وأما الغير المتفق عليهما فأحدهما ما روي "أنه عليه الصلة والسلم نهى أن يصلي‬
‫في سبعة مواطن‪ :‬في المزبلة‪ ،‬والمجزرة‪ ،‬والمقبرة‪ ،‬وقارعة الطريببق‪ ،‬وفببي الحمببام‬
‫وفي معاطن البل‪ ،‬وفوق ظهر بيت ال" خرجه الترمذي‪ .‬والثاني مببا روي أنببه قببال‬
‫عليه الصلة والسلم "صلوا في مرابض الغنم ول تصلوا في أعطبان الببل" فبذهب‬
‫الناس في هذه الحبباديث ثلثببة مببذاهب‪ :‬أحببدهما مببذهب الترجيببح والنسببخ‪ ،‬والثبباني‬
‫مذهب البناء‪ :‬أعني بناء الخاص على العام‪ ،‬والثالث مببذهب الجمببع‪ .‬فأمببا مببن ذهببب‬
‫مذهب الترجيح والنسخ فأخذ بالحديث المشببهور‪ ،‬وهببو قببوله عليببه الصببلة والسببلم‬
‫"جعلت لي الرض مسجدا وطهورا" وقال هذا ناسخ لغيره‪ ،‬لن هذه هي فضائل لببه‬
‫عليه الصلة والسلم ‪ ،‬وذلك مما ل يجوز نسخه‪ .‬وأما من ذهب مذهب بناء الخاص‬
‫على العام فقال‪ :‬حديث الباحة عام‪ ،‬وحديث النهي خباص‪ ،‬فيجببب أن يبنببي الخبباص‬
‫علببى العببام‪ .‬فمببن هببؤلء مببن اسببتثنى السبببعة مواضببع‪ ،‬ومنهببم مببن اسببتثنى الحمببام‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والمقبرة وقال‪ :‬هذا هو الثابت عنه عليه الصلة والسلم لنببه قببد روي أيضببا النهببي‬
‫عنهما مفردين‪ .‬ومنهم من استثنى المقبرة فقط للحديث المتقدم‪ .‬وأما من ذهب مببذهب‬
‫الجمع ولم يستثن خاصا من عام فقال أحاديث النهي محمولبة علبى الكراهبة‪ ،‬والول‬
‫على الجواز‪ .‬واختلفوا في الصلة في البيع والكنائس‪ ،‬فكرههببا قببوم‪ ،‬وأجازهببا قببوم‪،‬‬
‫وفرق قوم بين أن يكون فيها صور أو ل يكون‪ ،‬وهو مذهب ابن عباس لقببول عمببر‪:‬‬
‫ل تدخل كنائسهم من أجل التماثيل‪ ،‬والعلة فيمن كرهها ل من أجل التصاوير‪ ،‬حملها‬
‫على النجاسة‪ ،‬واتفقوا على الصلة على الرض‪ ،‬واختلفوا في الصلة على الطنافس‬
‫وغير ذلك مما يقعد عليه على الرض‪ ،‬والجمهور على إباحة السجود على الحصير‬
‫وما يشبهه مما تنبت الرض‪ ،‬والكراهية بعد ذلببك‪ ،‬وهببو مببذهب مالببك بببن أنببس )ل‬
‫يخفى ما في هذه العبارة فتدبر(‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب السابع‪ .‬في معرفة الشروط التي هي شروط في صحة الصلة‪.‬‬
‫@‪-‬وأما التروك المشترطة في الصلة‪ ،‬فاتفق المسلمون على أن منهببا قببول‪ ،‬ومنهببا‬
‫فعل‪ .‬فأما الفعال فجميبع الفعبال المباحبة البتي ليسببت مببن أفعببال الصببلة‪ ،‬إل قتبل‬
‫العقرب والحية في الصلة‪ ،‬فإنهم اختلفوا في ذلك لمعارضة الثر فببي ذلببك للقيبباس‪،‬‬
‫واتفقوا فيما أحسب على جواز الفعل الخفيف‪ .‬وأما القوال فهي أيضببا القببوال الببتي‬
‫ليست من أقاويل الصلة‪ ،‬وهذه أيضا لم يختلفوا أنها تفسد الصلة عمدا لقببوله تعببالى‬
‫}وقوموا ل قانتين{ ولما ورد من قوله عليه الصلة والسلم "إن ال يحدث من أمببره‬
‫ما يشاء" ومما أحدث أن ل تكلموا في الصلة‪ ،‬وهو حديث ابن مسعود وحببديث زيببد‬
‫بن أرقبم أنبه قبال "كنبا نتكلبم فبي الصبلة حبتى نزلبت }وقومبوا لب قبانتين{ فأمرنبا‬
‫بالسكوت ونهينا عن الكلم" وحديث معاوية بن الحكببم السببلمي‪ :‬سببمعت رسببول ال ب‬
‫صلى ال عليه وسلم يقول "إن صلتنا ل يصلح فيها شيء من كلم النبباس إنمببا هببو‬
‫التسبيح والتهليل والتحميد وقراءة القرآن" إل أنهبم اختلفبوا مبن ذلبك فبي موضبعين‪:‬‬
‫أحدهما إذا تكلم سبباهيا‪ ،‬والخببر إذا تكلببم عامببدا لصببلح الصببلة‪ .‬وشببذ الوزاعببي‬
‫فقال‪ :‬من تكلم في الصببلة لحيبباء نفببس أو لمببر كبببير‪ ،‬فببإنه يبنببى‪ .‬والمشببهور مببن‬
‫مذهب مالك أن التكلم عمدا على جهة الصببلح ل يفسبدها‪ .‬وقبال الشببافعي‪ :‬يفسبدها‬
‫التكلم كيف كان إل مع النسيان‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬يفسدها التكلببم كيببف كببان‪ .‬والسبببب‬
‫فببي اختلفهببم تعببارض ظببواهر الحبباديث فببي ذلببك‪ ،‬وذلببك أن الحبباديث المتقدمببة‬
‫تقتضي تحريم الكلم علببى العمببوم‪ ،‬وحببديث أبببي هريببرة المشببهور "أن رسببول الب‬
‫صلى ال عليه وسلم انصرف مببن اثنببتين‪ ،‬فقببال لببه ذو اليببدين‪ :‬اقصببرت الصببلة أم‬
‫نسيت يا رسول ال؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬أصدق ذو اليدين؟ فقببالوا‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬فقام رسول ال صلى ال عليه وسلم فصلى ركعتين أخريين ثم سلم" ظبباهره أن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم تكلم والناس معه‪ ،‬وأنهم بنوا بعببد التكلببم‪ ،‬ولببم يقطببع ذلببك‬
‫التكلم صلتهم‪ ،‬فمن أخذ بهذا الظبباهر‪ ،‬ورأى أن هببذا شببيء يخببص الكلم لصببلح‬
‫الصلة استثنى هذا من ذلك العموم‪ ،‬وهو مذهب مالك بن أنس‪ ،‬ومبن ذهبب إلبى أنبه‬
‫ليس في الحديث دليل علبى أنهبم تكلمبوا عمبدا فبي الصبلة وإنمبا يظهبر منهبم أنهبم‬
‫تكلموا وهم يظنون أن الصلة قد قصرت‪ ،‬وتكلم النبببي عليببه الصببلة والسببلم وهببو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يظن أن الصلة قد تمت‪ ،‬ولم يصح عنده أن الناس قببد تكلمببوا بعببد قببول رسببول الب‬
‫صلى ال عليه وسلم‪" :‬ما قصرت الصلة وما نسيت" قال‪ :‬إن المفهببوم مببن الحببديث‬
‫إنمببا هببو إجببازة الكلم لغيببر العامببد‪ ،‬فببإذا السبببب فببي اختلف مالببك والشببافعي فببي‬
‫المستثنى من ذلك العموم هو اختلفهم في مفهوم هذا الحديث مع أن الشببافعي اعتمببد‬
‫أيضا في ذلك أصل عاما‪ ،‬وهو قوله عليه الصبلة والسبلم "رفبع عبن أمبتي الخطبأ‬
‫والنسيان" وأما أبو حنيفببة فحمببل أحبباديث النهببي علببى عمومهببا‪ ،‬ورأى أنهببا ناسببخة‬
‫لحديث ذي اليدين وأنه متقدم عليها‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثامن‪ .‬في معرفة النية وكيفية اشتراطها في الصلة‪.‬‬
‫@‪-‬وأما النية فاتفق العلماء على كونها شرطا في صحة الصلة لكببون الصببلة هببي‬
‫رأس العبادات التي وردت فبي الشبرع لغيبر مصبلحة معقولبة‪ :‬أعنبي مبن المصبالح‬
‫المحسوسة‪ ،‬واختلفوا هل من شرط نية المأموم أن توافق نية المام في تعيين الصلة‬
‫وفي الوجوب حتى ل يجوز أن يصلي المأموم ظهرا بإمام يصلي عصرا؟ ول يجوز‬
‫أن يصلي المام ظهرا يكون في حقة نفل‪ ،‬وفببي حببق المببأموم فرضببا؟ فببذهب مالببك‬
‫وأبو حنيفة إلى أنه يجب أن توافق نية المأموم نية المببام‪ ،‬وذهببب الشببافعي إلببى أنببه‬
‫ليس يجب‪ .‬والسبب في اختلفهم معارضة مفهوم قوله عليببه الصببلة والسببلم "إنمببا‬
‫جعل المام ليؤتم به" لما جاء في حديث معاذ من أنه كان يصلي مع النبي صلى ال ب‬
‫عليه وسلم ثبم يصبلي بقبومه‪ ،‬فمبن رأى ذلبك خاصبا لمعباذ‪ ،‬وأن عمبوم قبوله عليببه‬
‫الصببلة والسببلم "إنمبا جعببل المببام ليببؤتم ببه" يتنباول النيبة اشببترط موافقببة المبام‬
‫للمأموم‪ .‬ومن رأى أن الباحة لمعاذ في ذلك هي إباحة لغيره من سائر المكلفين وهو‬
‫الصل قال‪ :‬ل يخلو المر في ذلك الحديث الثاني من أحد أمرين‪ :‬إما أن يكبون ذلبك‬
‫العموم الذي فيه ل يتناول النية لن ظاهره إنما هو في الفعال‪ ،‬فل يكون بهذا الوجه‬
‫معارضا لحديث معاذ‪ ،‬وإما أن يكون يتناولها فيكون حديث معاذ قد خصص في ذلك‬
‫العموم‪ .‬وفي النية مسائل ليس لها تعلق بالمنطوق به من الشرع رأينا تركهببا إذ كببان‬
‫غرضنا على القصد الول إنما هو الكلم في المسائل التي تتعلببق بببالمنطوق بببه مببن‬
‫الشرع‪.‬‬
‫*‪)*3‬الجملة الثالثة مببن كتبباب الصببلة( وهببي معرفببة مببا تشببتمل عليببه مببن القببوال‬
‫والفعال‪ ،‬وهي الركان والصلوات المفروضة تختلف في هذين بالزيادة والنقصببان‪،‬‬
‫إما من قبل النفراد والجماعة‪ ،‬وإما من قبل الزمان‪ ،‬مثل مخالفة ظهر الجمعة لظهر‬
‫سائر اليام‪ ،‬وإما من قبل الحضر والسفر‪ ،‬وإما من قبببل المببن والخببوف‪ ،‬وإمببا مببن‬
‫قبل الصحة والمرض‪ ،‬فإذا أريد أن يكون القول في هذه صناعيا وجاريببا علببى نظبام‬
‫فيجب أن يقال أول فيما تشترك فيه هذه كلها ثم يقال فيما يخص واحدة واحببدة منهببا‪،‬‬
‫أو يقال في واحدة واحدة منها وهو السهل وإن كان هببذا النببوع مبن التعليبم يعبرض‬
‫منه تكرار ما‪ ،‬وهو الذي سلكه الفقهاء ونحببن نتبعهببم فببي ذلببك‪ ،‬فنجعببل هببذه الجملببة‬
‫منقسمة إلى ستة أبواب‪ .‬الباب الول‪ :‬في صببلة المنفببرد الحاضببر المببن الصببحيح‪.‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬في صلة الجماعة‪ :‬أعني في أحكام المام والمأموم في الصلة‪ .‬الببباب‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الثالث‪ :‬في صلة الجمعة‪ .‬الباب الرابع‪ :‬في صلة السفر‪ .‬الباب الخامس‪ :‬فببي صببلة‬
‫الخوف‪ .‬الباب السادس‪ :‬في صلة المريض‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول في صلة المنفرد الحاضر المن الصحيح‪.‬‬
‫@‪-‬وهذا الباب فيه فصلن‪ :‬الفصل الول‪ :‬في أقوال الصببلة‪ .‬والفصببل الثبباني‪ :‬فببي‬
‫أفعال الصلة‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصببل الول فببي أقببوال الصببلة‪ .‬وفببي هببذا الفصببل مببن قواعببد المسببائل تسببع‬
‫مسائل‪:‬‬
‫@‪)-‬المسألة الولى( اختلف العلماء في التكبير على ثلثببة مببذاهب‪ :‬فقببوم قببالوا‪ :‬إن‬
‫التكبير كله واجب في الصلة‪ .‬وقوم قببالوا‪ :‬إنببه كلببه ليببس بببواجب وهببو شبباذ‪ .‬وقببوم‬
‫أوجبوا تكبيرة الحرام فقبط‪ ،‬وهبم الجمهببور‪ ،‬وسببب اختلف مببن أوجببه كلبه ومبن‬
‫أوجب منه تكبيرة الحرام فقط‪ :‬معارضة ما نقل مببن قببوله لمببا نقببل مببن فعلببه عليببه‬
‫الصلة والسلم‪ ،‬فأما ما نقل من قوله فحببديث أبببي هريببرة المشببهور أن النبببي عليببه‬
‫الصلة والسلم قال للرجل الذي علمه الصلة "إذا أردت الصلة فأسبغ الوضوء ثببم‬
‫استقبل القبلة ثم كبر ثم اقرأ" فمفهوم هذا هو أن التكبيرة الولببى هببي الفببرض فقببط‪،‬‬
‫ولو كان ما عدا ذلك من التكبير فرضا لببذكره لببه كمببا ذكببر سببائر فببروض الصببلة‪.‬‬
‫وأما ما نقل من فعله فمنها حديث أبببي هريبرة "أنببه كببان يصببلي فيكببر كلمببا حفبض‬
‫ورفع‪ ،‬ثم يقول‪ :‬إني لشبهكم صلة بصلة رسول ال صلى ال عليببه وسببلم" ومنهببا‬
‫حديث مطرف بن عبد ال بن الشخير قال "صليت أنببا وعمببران بببن الحصببين خلببف‬
‫علي بن أبي طالب رضي ال عنه‪ ،‬فكان إذا سجد كبر‪ ،‬وإذا رفع رأسه مببن الركببوع‬
‫كبر‪ ،‬فلما قضى صلته وانصرفنا أخذ عمران بيده‪ ،‬فقال‪ :‬أذكرني هذا صببلة محمببد‬
‫صلى ال عليه وسلم "فالقائلون بإيجابه تمسكوا بهذا العمل المنقول في هذه الحاديث‬
‫وقالوا‪ :‬الصل أن تكون كل أفعاله التي أتت بيانا لواجب‪ ،‬محمولة على الوجوب كما‬
‫قال صلى ال عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي" و"خذوا عني مناسككم" وقالت‬
‫الفرقة الولى ما في هذه الثار يدل على أن العمل عند الصحابة إنما كان على إتمام‬
‫التكبير ولذلك كان أبو هريرة يقول‪ :‬إني لشبهكم صلة بصلة رسول ال صلى البب‬
‫عليه وسلم‪ .‬وقال عمران‪ :‬أذكرني هذا بصلته صلة محمببد صببلى الب عليببه وسببلم‪.‬‬
‫وأما من جعل التكبير كله نفل فضعيف‪ ،‬ولعلببه قاسببه علببى سببائر الذكببار الببتي فببي‬
‫الصلة مما ليست بواجب‪ ،‬إذ قاس تكبيرة الحببرام علببى سببائر التكبببيرات‪ .‬قببال أبببو‬
‫عمر بن عبد البر‪ :‬ومما يؤيد مذهب الجمهور ما رواه شعبة بن الحجاج عببن الحسببن‬
‫بن عمران عن عبد ال بن عبد الرحمن بن أبببزي عببن أبيببه قببال‪ :‬صببليت مببع النبببي‬
‫صلى ال عليه وسبلم فلبم يتبم التكببير‪ ،‬وصبليت مبع عمبر ببن عببد العزيبز فلبم يتبم‬
‫التكبير‪ .‬وما رواه أحمد بن حنبل عن عمر رضي ال عنه أنه كان ل يكبر إذا صببلى‬
‫وحده‪ ،‬وكأن هؤلء رأوا أن التكبير إنما هو لمكببان إشببعار المببام للمببأمومين بقيببامه‬
‫وقعوده‪ ،‬ويشبه أن يكون إلى هذا ذهب من رآه نفل‪.‬‬
‫@‪)-‬المسببألة الثانيببة( قببال مالببك‪ :‬ل يجببزئ مببن لفببظ التكبببير إل ال ب أكبببر‪ .‬وقببال‬
‫الشافعي‪ :‬ال أكبر وال الكبر اللفظان كلهما يجزئ‪ .‬وقببال أبببو حنيفببة‪ :‬يجببزئ مببن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫لفظ التكبير كل لفظ في معناه مثل‪ :‬ال العظم‪ ،‬والب الجببل‪ .‬وسبببب اختلفهببم‪ :‬هببل‬
‫اللفظ هو المتعبد به في الفتتاح أو المعنى‪ ،‬وقد استدل المببالكيون والشببافعيون بقببوله‬
‫عليه الصلة والسلم "مفتاح الصلة الطهور‪ ،‬وتحريمها التكبببير‪ ،‬وتحليلهببا التسببليم"‬
‫قالوا‪ :‬واللف واللم ههنا للحصر‪ ،‬والحصر يببدل علببى أن الحكببم خبباص بببالمنطوق‬
‫به‪ ،‬وأنه ل يجوز بغيره‪ ،‬وليس يوافقهم أبو حنيفة على هذا الصل‪ ،‬فإن هذا المفهببوم‬
‫هو عنده من باب دليل الخطاب‪ ،‬وهو أن يحكم للمسكوت عنببه بضببد حكببم المنطببوق‬
‫به‪ ،‬ودليل الخطاب عند أبي حنيفة غير معمول به‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثالثة( ذهب قوم إلى أن التوجيه في الصلة واجب‪ ،‬وهو أن يقول بعببد‬
‫التكبير‪ :‬إما }وجهت وجهي للذي فطببر السببموات والرض{ وهببو مببذهب الشببافعي‪،‬‬
‫وإما أن يسبح وهو مذهب أبي حنيفة‪ ،‬وإما أن يجمع بينهما وهو مببذهب أبببي يوسببف‬
‫وصاحبه‪ .‬وقال مالك ليس التوجيه بواجب فببي الصببلة ول بسببنة‪ .‬وسبببب الختلف‬
‫معارضة الثار الواردة بالتوجيه للعمببل عنببد مالببك‪ ،‬أو الختلف فببي صببحة الثببار‬
‫الواردة بذلك‪ .‬قال القاضي‪ :‬قد ثبت في الصحيحين عن أبببي هريببرة "أن رسببول ال ب‬
‫صلى ال عليه وسلم كان يسكت بين التكبير والقراءة إسكاتة‪ ،‬قال‪ :‬فقلببت‪ :‬يببا رسببول‬
‫ال بأبي أنت وأمي‪ :‬إسكاتك بين التكبير والقببراءة مببا تقببول؟ قببال‪ :‬أقببول اللهببم باعببد‬
‫بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب‪ ،‬اللهم نقنببي مببن الخطايببا كمببا‬
‫ينقى الثوب )‪ (1‬البيض من الدنس‪ ،‬اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبببرد" وقببد‬
‫ذهب قوم إلى استحسان سكتات كثيرة في الصلة‪ ،‬منها حين يكبر‪ ،‬ومنها حين يفرغ‬
‫مببن قببراءة أم القببرآن وإذا فببرغ مببن القببراءة قبببل الركببوع‪ ،‬وممببن قببال بهببذا القببول‬
‫الشافعي وأبو ثور والوزاعي‪ ،‬وأنكر ذلك مالببك وأصببحابه وأبببو حنيفببة وأصببحابه‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم اختلفهم في تصحيح حببديث أبببي هريببرة أنببه قببال "كببانت لببه عليببه‬
‫الصلة والسلم في صلته حين يكبر ويفتتح الصلة وحين يقرأ فاتحة الكتبباب‪ ،‬وإذا‬
‫فرغ من القراءة قبل الركوع‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫)‪] (1‬في نسببختنا "البببرب" بببدل "الثببوب" وهببو خطببأ مطبعببي!‪ .‬وتصببحيحنا موافببق‬
‫للروايات المشهورة لهذا الدعاء‪ .‬دار الحديث[‬
‫‪----------‬‬
‫@‪)-‬المسألة الرابعة( اختلفوا في قراءة بسم ال الرحمن الرحيببم فببي افتتبباح القببراءة‬
‫في الصلة‪ ،‬فمنع ذلك مالك في الصلة المكتوبة جهرا كانت أو سرا‪ ،‬ل في اسببتفتاح‬
‫أم القرآن ول في غيرها من السور‪ ،‬وأجاز ذلك في النافلة‪ .‬وقال أبو حنيفة والثببوري‬
‫وأحمد يقرؤها مع أم القرآن في كل ركعة سرا‪ ،‬وقببال الشببافعي‪ :‬يقرؤهببا ول بببد فببي‬
‫الجهر جهرا وفي السر سرا‪ ،‬وهي عنده آية من فاتحة الكتاب‪ ،‬وبببه قببال أحمببد وأبببو‬
‫ثور وأبو عبيد‪ .‬واختلف قول الشافعي هل هي آية من كل سورة؟ أم إنما هي آية مببن‬
‫سورة النمل فقط‪ ،‬ومن فاتحة الكتاب؟ فروي عنه القولن جميعا‪ .‬وسبب الخلف فببي‬
‫هذا آيل إلى شيئين‪ :‬أحدهما اختلف الثار في هذا الباب‪ ،‬والثاني اختلفهم‪ :‬هل بسببم‬
‫ال الرحمن الرحيم آية من فاتحة الكتاب أم ل؟ فأما الثار التي احتج بهببا مببن أسببقط‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ذلك فمنها حديث ابن مغفل قال "سمعني أبي وأنا أقرأ بسم ال الرحمن الرحيم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫يا بني إياك والحدث‪ ،‬فإني صليت مع رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم وأبببي بكببر‬
‫وعمر فلم أسمع رجل منهم يقرؤها "قال أبببو عمببر بببن عبببد البببر‪ :‬ابببن مغفببل رجببل‬
‫مجهول‪ .‬ومنها ما رواه مالك من حديث أنس أنه قال‪" :‬قمببت وراء أبببي بكببر وعمببر‬
‫وعثمان رضي ال عنهم‪ ،‬فكلهم كان ل يقبرأ بسبم الب إذا افتتحبوا الصبلة" قبال أببو‬
‫عمر‪ :‬وفي بعض الروايات أنه قال‪" :‬خلف النبي صلى ال عليه وسببلم فكببان ل يقببرأ‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم" فقال أبو عمر‪ :‬إل أن أهببل الحببديث قببالوا فببي حببديث أنببس‬
‫هذا‪ :‬إن النقل فيه مضطرب اضببطرابا ل تقببوم بببه حجببة‪ ،‬وذلببك أن مببرة روي عنببه‬
‫مرفوعا إلى النبي صلى ال عليه وسلم ومرة لم يرفع‪ ،‬ومنهم من يذكر عثمببان ومببن‬
‫ل يذكره‪ ،‬ومنهم من يقول‪ :‬فكانوا يقرءون بسم ال الرحمن الرحيم‪ ،‬ومنهم من يقول‪:‬‬
‫فكانوا ل يقرءون بسم ال الرحمن الرحيم‪ .‬ومنهم من يقول‪ :‬فكانوا ل يجهرون ببسببم‬
‫ال الرحمن الرحيم‪ .‬وأما الحاديث المعارضة لهذا‪ ،‬فمنها حببديث نعيببم بببن عبببد الب‬
‫المجمر قال‪ :‬صليت خلف أبي هريرة فقرأ بسببم الب الرحمببن الرحيببم قبببل أم القببرآن‬
‫وقبل السورة وكبر في الخفض والرفع وقال‪ :‬أنا أشبهكم بصلة رسول ال صلى ال ب‬
‫عليه وسلم‪ .‬ومنها حديث ابن عباس "أن النبي عليه الصلة والسلم كان يجهر ببسببم‬
‫ال الرحمن الرحيم" ومنها حديث أم سلمة أنها قالت‪" :‬كان رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم يقرأ ببسم ال الرحمن الرحيم‪ .‬الحمد ل رب العالمين" فاختلف هذه الثار أحد‬
‫ما أوجب اختلفهم في قراءة بسم ال الرحمن الرحيم في الصلة‪ .‬والسبب الثاني كما‬
‫قلنا هو‪ :‬هل بسم ال الرحمن الرحيم آية من أم الكتبباب وحببدها أو مببن كببل سببورة أم‬
‫ليست آية ل أم الكتاب ول من كل سورة؟ فمبن رأى أنهبا آيبة مبن أم الكتباب أوجبب‬
‫قراءتها بوجوب قراءة أم الكتاب عنده في الصلة‪ ،‬ومن رأى أنهببا آيببة مببن أول كببل‬
‫سببورة وجببب عنببده أن يقرأهببا مببع السببورة‪ .‬وهببذه المسببألة قببد كببثر الختلف فيهببا‬
‫والمسألة محتملة‪ ،‬ولكن من أعجب ما وقع في هذه المسألة أنهم يقولون‪ :‬ربما اختلف‬
‫فيه هل بسم ال الرحمن الرحيم آية من القرآن في غير سورة النمل؟ أم إنما هببي آيببة‬
‫من القرآن في سورة النمل فقط؟ ويحكون على جهة الرد على الشافعي أنها لو كانت‬
‫من القرآن في غير سورة النمل لبينه رسول ال صلى ال عليه وسلم لن القرآن نقل‬
‫تواترا‪ ،‬هذا الذي قاله القاضي في الرد على الشافعي وظن أنه قاطع وأمببا أبببو حامببد‬
‫فانتصر لهذا بأن قال إنه أيضا لو كانت من غير القرآن لوجب على رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم أن يبين ذلك‪ ،‬وهذا كله تخبط وشيء غير مفهوم‪ ،‬فإنه كيف يجوز في‬
‫الية الواحدة بعينها أن يقال فيها إنها من القرآن في موضع وإنها ليسببت مببن القببرآن‬
‫في موضع آخر‪ ،‬بل يقال إن بسم ال الرحمن الرحيم قد ثبت أنهببا مببن القببرآن حيثمببا‬
‫ذكرت‪ ،‬وأنها آية من سورة النمل‪ ،‬وهل هي آية من سورة أم القرآن ومن كل سببورة‬
‫يستفتح بها‪ ،‬مختلف فيه‪ ،‬والمسألة محتملة‪ ،‬وذلك أنها في سائر السببور فاتحببة‪ ،‬وهببي‬
‫جزء من سورة النمل‪ ،‬فتأمل هذا فإنه بين‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الخامسة( اتفق العلماء على أنه ل تجوز صلة بغير قراءة ل عمببدا ول‬
‫سهوا‪ ،‬إل شيئا روي عن عمر رضي ال عنه أنه صلى فنسي القراءة‪ ،‬فقيببل لببه فببي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬كيف كان الركوع والسجود؟ فقيل حسن‪ ،‬فقال‪ :‬ل بببأس إذا‪ ،‬وهببو حببديث‬
‫غريب عندهم‪ ،‬أدخله مالك في موطئه في بعض الروايببات وإل شبيئا روي عببن ابببن‬
‫عباس أنه ل يقرأ في صلة السر وأنه قال "قرأ رسول ال صلى ال عليه وسببلم فببي‬
‫صلوات وسكت في أخرى" فنقرأ فيما قرأ ونسكت فيما سكت‪ .‬وسئل هل فببي الظهببر‬
‫والعصر قراءة؟ فقال‪ :‬ل‪ ،‬وأخذ الجمهور بحديث خباب "أنببه صببلى ال ب عليببه وسببلم‬
‫كان يقرأ في الظهر والعصر‪ ،‬قيل فبأي شيء كنتبم تعرفبون ذلبك؟ قبال‪ :‬باضبطراب‬
‫لحيته" وتعلق الكوفيون بحديث ابن عببباس فببي تببرك وجببوب القببراءة فببي الركعببتين‬
‫الخيرتين من الصلة لستواء صلة الجهر والسر في سكوت النبي صلى ال ب عليببه‬
‫وسلم في هاتين الركعتين‪ .‬واختلفوا في القراءة الواجبة في الصلة‪ ،‬فرأى بعضهم أن‬
‫الواجب من ذلك أم القرآن لمن حفظها‪ ،‬وأن ما عداها ليس فيه تببوقيت‪ ،‬ومببن هببؤلء‬
‫من أوجبها في كل ركعة‪ ،‬ومنهم من أوجبها في أكثر الصلة‪ ،‬ومنهم من أوجبها فببي‬
‫نصف الصلة‪ ،‬ومنهم من أوجبها في ركعة من الصلة‪ ،‬وبالول قال الشافعي‪ ،‬وهي‬
‫أشهر الروايات عن مالك‪ ،‬وقبد روي عنبه أنبه إن قرأهبا فبي ركعبتين مبن الرباعيبة‬
‫أجزأته‪.‬‬
‫وأمببا مببن رأى أنهببا تجببزئ فببي ركعببة‪ ،‬فمنهببم الحسببن البصببري وكببثير مببن فقهبباء‬
‫البصرة‪ .‬وأما أبو حنيفة فالواجب عنده إنما هو قراءة القرآن أي آية اتفقببت أن تقببرأ‪،‬‬
‫وحد أصحابه في ذلببك ثلث آيببات قصببار أو آيببة طويلببة مثببل آيببة الببدين‪ ،‬وهببذا فببي‬
‫الركعتين الوليين‪ .‬وأما في الخيرتيببن فيسببتحب عنببده التسبببيح فيهمببا دون القببراءة‪،‬‬
‫وبه قال الكوفيون‪ .‬والجمهور يستحبون القراءة فيها كلها‪ .‬والسبب في هببذا الختلف‬
‫تعارض الثار في هذا الباب‪ ،‬ومعارضة ظاهر الكتاب للثر‪ .‬أما الثار المتعارضببة‬
‫في ذلك‪ ،‬فأحدها حديث أبي هريرة الثببابت "ان رجل دخببل المسببجد فصببلى ثببم جبباء‬
‫فسلم على النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فرد عليه النبي صببلى الب عليببه وسببلم السببلم‬
‫وقال‪ :‬ارجع فصل فإنك لم تصل‪ ،‬فصلى ثم أمره بالرجوع‪ ،‬فعببل ذلببك ثلث مببرات‪،‬‬
‫فقال‪ :‬والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره‪ ،‬فقال عليه الصلة والسببلم ‪ :‬إذا قمببت إلببى‬
‫الصلة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر‪ ،‬ثم اقرأ ما تيسر معببك مببن القببرآن‪ ،‬ثببم‬
‫اركع حتى تطمئن راكعا‪ ،‬ثم ارفع حتى تعتدل قائما‪ ،‬ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا‪ ،‬ثم‬
‫ارفع حتى تطمئن جالسا‪ ،‬ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا‪ ،‬ثم ارفع حببتى تسببتوي قائمببا‪،‬‬
‫ثم افعل ذلك في صلتك كلها"‬
‫وأما المعارض لهذا فحديثان ثابتان متفق عليهما‪ :‬أحدهما حديث عبببادة بببن الصببامت‬
‫أنه عليه الصلة والسلم قبال "ل صبلة لمبن ل يقبرأ بفاتحبة الكتباب" وحبديث أببي‬
‫هريرة أيضا أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال "من صلى صببلة لببم يقببرأ فيهببا‬
‫بأم القرآن فهي خداج‪ ،‬فهي خببداج‪ ،‬فهببي خبداج ثلثببا" وحبديث أببي هريببرة المتقبدم‬
‫ظاهره أنه يجزئ من القراءة في الصلة ما تيسر من القرآن‪ ،‬وحديث عبادة وحديث‬
‫أبي هريبرة الثباني يقتضبيان أن أم القبرآن شبرط فبي الصبلة‪ ،‬وظباهر قبوله تعبالى‬
‫}فاقرءوا ما تيسر منه{ يعضد حديث أبي هريببرة المتقببدم‪ ،:‬والعلمبباء المختلفببون فببي‬
‫هذه المسألة إما أن يكونوا ذهبوا فببي تأويببل هببذه الحبباديث مببذهب الجمببع‪ ،‬وإمببا أن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يكونوا ذهبوا مذهب الترجيح‪ ،‬وعلى كل القولين يتصور هذا المعنى‪ ،‬وذلك أنببه مببن‬
‫ذهب مذهب من أوجب قراءة ما تيسر من القرآن له أن يقول هذا أرجح‪ ،‬لن ظبباهر‬
‫الكتاب يوافقه‪ ،‬وله أن يقبول علبى طريبق الجمبع أنبه يمكبن أن يكبون حبديث عببادة‬
‫المقصود به نفي الكمال ل نفي الجزاء‪ ،‬وحديث أبي هريببرة المقصببود منببه العلم‬
‫بالمجزئ من القراءة‪ ،‬إذا كان المقصود منه تعليم فرائض الصلة‪ ،‬ولولئك أيضا أن‬
‫يذهبوا هذين المبذهبين ببأن يقولببوا هببذه الحباديث أوضببح لنهبا أكبثر‪ ،‬وأيضببا فبإن‬
‫حديث أبي هريرة المشهور يعضببده‪ ،‬وهببو الحببديث الببذي فيببه يقببول تعببالى "قسببمت‬
‫الصلة بيني وبين عبدي نصفين‪ :‬نصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي مببا سببأل‪ ،‬يقببول‬
‫العبد الحمد ل رب العالمين‪ ،‬يقول ال حمدني عبدي" الحديث‪ ،‬ولهم أن يقولوا أيضببا‬
‫إن قوله عليه الصلة والسلم "ثم اقرأ ما تيسر معببك مببن القببرآن" مبهببم والحبباديث‬
‫الخر معينة‪ ،‬والمعين يقضي على المبهم‪ ،‬وهذا فيه عسببر‪ ،‬فببإن معنببى حببرف "مببا"‬
‫ههنا إنما هو معنى أي شيء تيسر‪ ،‬وإنما يسوغ هذا إن دلببت "مببا" فببي كلم العببرب‬
‫على ما تدل عليه لم العهببد‪ ،‬فكببان يكببون تقببدير الكلم‪ :‬اقببرأ الببذي تيسببر معببك مببن‬
‫القرآن ويكون المفهوم منببه أم الكتبباب‪ ،‬إذا كببانت اللببف واللم فببي الببذي تببدل علببى‬
‫العهد‪ ،‬فينبغي أن يتأمل هذا في كلم العببرب‪ ،‬فببإن وجببدت العببرب تفعببل هببذا أعنببي‬
‫تتجوز في موطن ما‪ ،‬فتدل بما على شيء معين فليسغ هذا التأويل‪ ،‬وإل فل وجه له‪،‬‬
‫فالمسألة كما ترى محتملة‪ ،‬وإنما كان يرتفع الحتمال لو ثبت النسخ‪.‬‬
‫وأما الختلف من أوجب أم الكتاب في الصلة في كل ركعة أو فببي بعببض الصببلة‬
‫فسببه احتمال عودة الضمير الذي في قوله عليه الصلة والسببلم "لببم يقببرأ فيهببا بببأم‬
‫القرآن" على كل أجزاء الصلة أو على بعضها‪ ،‬وذلك أن من قرأ فببي الكببل منهببا أو‬
‫في الجزء‪ :‬أعني في ركعة أو ركعتين لم يدخل تحت قوله عليه الصلة والسببلم "لببم‬
‫يقرأ فيها" وهذا الحتمال بعينه هو الذي أصار أبا حنيفة إلى أن يترك القببراءة أيضببا‬
‫في بعض الصلة‪ :‬أعني في الركعتين الخرتين‪ ،‬واختار مالك أن يقرأ في الركعببتين‬
‫الوليين من الرباعية بالحمد وسورة‪ ،‬وفي الخرتين بالحمد فقط‪ ،‬فاختار الشافعي أن‬
‫تقرأ في الربع من الظهببر بالحمببد وسببورة إل أن السببورة الببتي تكببون فببي الولييببن‬
‫تكون أطول‪ ،‬فذهب مالك إلى حديث أبي قتادة الثابت "أنه عليه الصلة والسلم كببان‬
‫يقرأ في الوليين من الظهر والعصر بفاتحببة الكتبباب وسببورة‪ ،‬وفببي الخرييببن منهببا‬
‫بفاتحة الكتاب فقط‪ .‬وذهب الشافعي إلى ظاهر حديث ابي سعيد الثابت أيضا أنه كببان‬
‫يقرأ في الركعتين الوليين من الظهر قببدر ثلثيببن آيببة‪ ،‬وفببي الخرييببن قببدر خمسببة‬
‫عشر آية‪ ،‬ولم يختلفوا في العصبر لتفباق الحبديثين فيهبا‪ ،‬وذلبك أن فبي حبديث أببي‬
‫سعيد هببذا "أنببه كببان يقببرأ فببي الولييببن مببن العصببر قببدر خمببس عشببرة آيببة‪ ،‬وفببي‬
‫الخريين قدر النصف من ذلك"‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة السادسة( اتفق الجمهور على منع قراءة القببرآن فببي الركببوع والسببجود‬
‫لحديث علي في ذلك قال "نهاني جبريل صلى ال عليه وسلم أن أقببرأ القببرآن راكعببا‬
‫وساجدا" قال الطبري‪ :‬وهو حديث صحيح‪ ،‬وبه أخذ فقهاء المصار‪ ،‬وصار قوم من‬
‫التابعين إلى جواز ذلك‪ ،‬وهو مذهب البخاري لنه لم يصح الحديث عنده‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫واختلفوا‪ :‬هل الركوع والسجود قول محدود يقوله المصببلي أم ل؟ فقببال مالببك‪ :‬ليببس‬
‫في ذلك قول محدود‪ .‬وذهب الشببافعي وأبببو حنيفببة وأحمببد وجماعببة غيرهببم إلببى أن‬
‫المصلي يقول في ركوعه‪ :‬سبببحان ربببي العظيببم ثلثببا‪ ،‬وفببي السببجود سبببحان ربببي‬
‫العلى ثلثا على ما جاء في حبديث عقببة ببن عبامر‪ .‬وقبال الثبوري‪ :‬أحبب إلبى أن‬
‫يقولها المام خمسا في صلته حتى يدرك الذي خلفببه ثلثببة تسبببيحات‪ .‬والسبببب فببي‬
‫هذا الختلف معارضة حديث ابن عببباس فببي هببذا الببباب لحببديث عقبببة بببن عببامر‪،‬‬
‫وذلك أن في حديث ابن عباس أنه عليه الصلة والسلم قال "أل وإني نهيت أن أقببرأ‬
‫القرآن راكعا أو ساجدا‪ ،‬فأما الركوع فعظموا فيه الرب‪ ،‬وأما السببجود فاجتهببدوا فيببه‬
‫في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم" وفي حببديث عقبببة بببن عببامر أنببه قببال "لمببا نزلببت‬
‫فسبح باسببم ربببك العظيبم قبال لنبا رسبول الب صبلى الب عليبه وسببلم‪ :‬اجعلوهبا فبي‬
‫ركوعكم‪ ،‬ولما نزلت سبح اسببم ربببك العلببى قببال‪ :‬اجعلوهببا فببي سببجودكم" وكببذلك‬
‫اختلفوا في الدعاء في الركوع بعد اتفاقهم على جواز الثناء على ال‪ ،‬فكره ذلك مالك‬
‫لحديث علي أنه قال عليه الصلة والسببلم‪" :‬أمببا الركببوع فعظمببوا فيببه الببرب‪ ،‬وأمببا‬
‫السجود فاجتهدوا فيه في الدعاء" وقالت طائفة يجوز الدعاء فببي الركببوع‪ ،‬واحتجببوا‬
‫بأحاديث جاء فيها أنه عليه الصلة والسلم دعا في الركببوع وهببو مببذهب البخبباري‪،‬‬
‫واحتج بحديث عائشببة قببالت "كببان النبببي عليببه الصببلة والسببلم يقببول فببي ركببوعه‬
‫وسجوده‪ :‬سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي" وأبو حنيفة ل يجيز الدعاء فببي‬
‫الصلة بغير ألفاظ القرآن )وكذا ما ورد من السنة ا هب مصححه(‪ ،‬ومالببك والشببافعي‬
‫يجيزان ذلك‪ .‬والسبب في ذلك اختلفهم فيه‪ ،‬هل هو كلم أم ل؟‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة السابعة( اختلفوا في وجوب التشهد وفي المختار منه‪ ،‬فذهب مالك وأبو‬
‫حنيفة وجماعة إلى أن التشهد ليببس بببواجب‪ ،‬وذهبببت طائفببة إلببى وجببوبه‪ ،‬وبببه قببال‬
‫الشافعي وأحمد وداود‪ .‬وسبب اختلفهببم معارضببة القيبباس لظبباهر الثببار‪ ،‬وذلببك أن‬
‫القياس يقتضي إلحاقه بسائر الركان التي ليست بواجبة فببي الصببلة‪ ،‬لتفبباقهم علببى‬
‫وجوب القرآن‪ ،‬وأن التشهد ليس بقببرآن فيجببب‪ .‬وحببديث ابببن عببباس أنببه قببال "كببان‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن" يقتضببي‬
‫وجببوبه مببع أن الصببل عنببد هببؤلء أن أفعبباله وأقببواله فببي الصببلة يجببب أن تكببون‬
‫محمولة على الوجوب حتى يدل الدليل على خلف ذلك‪ ،‬والصل عند غيرهببم علببى‬
‫خلف هذا‪ ،‬وهو أن ما ثبت وجوبه في الصلة مما اتفق عليه أو صرح بوجببوبه فل‬
‫يجب أن يلحق به إل ما صرح به ونص عليه‪ ،‬فهما كمببا تببرى أصببلن متعارضببان‪.‬‬
‫وأما المختار من التشهد‪ ،‬فإن مالكا رحمه ال اختار تشهد عمر رضي ال عنه الببذي‬
‫كان يعلمه الناس على المنبر‪ ،‬وهو‪ :‬التحيات ل الزاكيات ل الطيبببات الصببلوات لبب‪،‬‬
‫السلم عليك أيها النبي‪ ،‬ورحمة ال وبركاته‪ ،‬السلم علينا وعلى عباد ال الصببالحين‬
‫أشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمببدا عبببده ورسببوله‪ .‬واختببار‬
‫أهل الكوفة أبو حنيفة وغيره تشهد عبد ال بن مسعود‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬وبه قببال أحمببد‬
‫وأكثر أهل الحديث‪ ،‬لثبوت نقله عن رسول ال صلى ال عليه وسلم وهببو‪" :‬التحيببات‬
‫ل والصلوات والطيبات‪ ،‬السلم عليك أيها النبي ورحمة ال وبركبباته‪ ،‬السببلم علينببا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وعلى عباد ال الصالحين‪ ،‬أشهد أن ل إله إل ال‪ ،‬وأشهد أن محمببدا عبببده ورسببوله"‬
‫واختار الشافعي وأصحابه تشهد عبد ال بن عباس الببذي رواه عببن النبببي صببلى الب‬
‫عليه وسلم قال "كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة‬
‫من القرآن‪ ،‬فكان يقول "التحيات المباركات الصلوات الطيبات ل‪ ،‬سببلم عليببك أيهببا‬
‫النبي ورحمة ال وبركاته سلم علينا وعلى عباد ال الصببالحين‪ ،‬أشببهد أن ل إلببه إل‬
‫ال وأن محمدا رسول ال" وسبب اختلفهم اختلف ظنونهم في الرجح منهببا‪ ،‬فمببن‬
‫غلب على ظنه رجحان حديث ما من هذه الحاديث الثلثة مال إليه‪ ،‬وقد ذهب كببثير‬
‫من الفقهاء إلى أن هذا كله على التخيير كالذان والتكبير على الجنببائز وفببي العيببدين‬
‫وفي غير ذلك مما تواتر نقله‪ ،‬وهو الصواب وال أعلم‪ .‬وقد اشترط الشافعي الصببلة‬
‫على النبي صلى ال عليه وسلم في التشهد وقببال‪ :‬إنهبا فبرض لقببوله تعبالى }يبا أيهبا‬
‫الذين آمنوا صلوا عليه وسببلموا تسببليما{ ذهببب إلببى أن هببذا التسببليم هببو التسببليم مببن‬
‫الصلة‪ ،‬وذهب الجمهور إلى أنه التسليم الذي يؤتى به عقببب الصببلة عليببه‪ ،‬وذهببب‬
‫قوم من أهل الظاهر إلى أنه واجب أن يتعببوذ المتشببهد مببن الربببع الببتي جبباءت فببي‬
‫الحديث من عذاب القبر ومن عذاب جهنم ومن فتنة المسيح الدجال ومن فتنببة المحيببا‬
‫والممات‪ ،‬لنه ثبت "أن رسول ال صلى ال عليبه وسبلم كبان يتعبوذ منهبا فبي آخبر‬
‫تشهده" وفي بعض طرقبه "إذا فبرغ أحبدكم مبن التشبهد الخيبر فليتعبوذ مبن أرببع"‬
‫الحديث خرجه مسلم‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثامنة( اختلفوا في التسليم من الصلة‪ ،‬فقببال الجمهببور بوجببوبه‪ ،‬وقببال‬
‫أبو حنيفة وأصحابه‪ :‬ليس بواجب‪ ،‬والذين أوجبوه منهم من قال الواجب على المنفرد‬
‫والمام تسليمة واحدة‪ ،‬ومنهم من قال اثنتان‪ ،‬فذهب الجمهببور مببذهب ظبباهر حببديث‬
‫علي‪ ،‬وهو قوله عليببه الصببلة والسببلم فيببه "وتحليلهببا التسببليم" ومببن ذهببب إلببى أن‬
‫الواجب مببن ذلببك تسببليمتان‪ ،‬فلمببا ثبببت مببن "أنببه عليببه الصببلة والسببلم كببان يسببلم‬
‫تسليمتين" وذلك عند من حمل فعله على الوجببوب‪ .‬واختببار مالببك للمببأموم تسببليمتين‬
‫والمام واحدة‪ ،‬وقد قيل عنه إن المأموم يسلم ثلثا‪ :‬الواحدة للتحليل‪ ،‬والثانية للمببام‪،‬‬
‫والثالثة لمن هو عن يساره‪ .‬وأما أبو حنيفة فذهب إلى ما رواه عبد الرحمن بن زيبباد‬
‫الفريقي أن عبد الرحمن بن رافع وبكر بن سوادة حدثاه عن عبد ال بببن عمببرو بببن‬
‫العاص قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "إذا جلس الرجل فببي آخببر صببلته‬
‫فأحدث قبل أن يسلم فقد تمببت صببلته" قبال أبببو عمبر ببن عبببد البببر‪ :‬وحببديث علببي‬
‫المتقدم أثبت عند أهل النقببل‪ ،‬لن حببديث عبببد الب بببن عمببرو بببن العبباص انفببرد بببه‬
‫الفريقي‪ ،‬وهو عند أهل النقل ضعيف‪ .‬قال القاضي‪ :‬إن كان أثبت مببن طريببق النقببل‬
‫فإنه محتمل من طريق اللفظ‪ ،‬وذلك أنه ليببس يببدل علببى أن الخببروج مببن الصببلة ل‬
‫يكون بغير التسليم إل بضرب من دليل الخطاب وهببو مفهببوم ضببعيف عنببد الكببثر‪،‬‬
‫ولكن للجمهور أن يقولوا إن اللف واللم التي للحصر أقوى من دليببل الخطبباب فببي‬
‫كون حكم المسكوت عنه بضد حكم المنطوق به‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة التاسعة( اختلفوا في القنببوت‪ ،‬فببذهب مالببك إلببى أن القنببوت فببي صببلة‬
‫الصبح مستحب‪ .‬وذهب الشافعي إلى أنه سنة‪ ،‬وذهببب أبببو حنيفببة إلببى أنببه ل يجببوز‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫القنوت في صلة الصبح‪ ،‬وأن القنوت إنما موضعه الوتر‪ .‬وقال قببوم‪ :‬بببل يقنببت فببي‬
‫كل صلة‪ .‬وقال قوم‪ :‬ل قنوت إل في رمضان‪ .‬وقال قببوم‪ :‬بببل فببي النصببف الخيببر‬
‫منه‪ .‬وقال قوم‪ :‬بل في النصف الول منه‪ .‬والسبب في ذلببك اختلف الثببار المنقولببة‬
‫في ذلك عن النببي صبلى الب عليبه وسبلم‪ ،‬وقيباس بعبض الصبلوات فبي ذلبك علبى‬
‫بعض‪ :‬أعني التي قنت فيها على التي لببم يقنببت فيهببا‪ .‬قببال أبببو عمببر بببن عبببد البببر‪:‬‬
‫والقنوت بلعن الكفرة فببي رمضببان مسببتفيض فببي الصببدر الول اقتببداء برسببول الب‬
‫صلى ال عليه وسلم في دعائه على رعل وذكوان‪ ،‬والنفر الببذين قتلببوا أصببحاب بئر‬
‫معونة‪ .‬وقال الليث بن سعد‪ :‬ما قنت منذ أربعيببن عامببا أو خمسببة وأربعيببن عامببا إل‬
‫وراء إمام يقنت‪ .‬قال الليث‪ :‬وأخذت في ذلك بالحديث الذي جاء عن النبي صببلى الب‬
‫عليه وسلم أنه قنت شهرا أو أربعين يدعو لقوم ويدعو على آخرين‪ ،‬حببتى أنببزل ال ب‬
‫تبارك وتعالى معاتبببا }ليببس لببك مببن المببر شببيء أو يتببوب عليهببم أو يعببذبهم فببإنهم‬
‫ظالمون{ فترك رسول ال صلى ال عليه وسلم القنوت فما قنت بعدها حتى لقي البب‪،‬‬
‫قال‪ :‬فمنذ حملت هذا الحديث لم أقنت‪ ،‬وهو مببذهب يحيببى بببن يحيببى‪ .‬قببال القاضببي‪:‬‬
‫ولقد حدثني الشياخ أنه كان العمل عليببه بمسببجده عنببدنا بقرطبببة‪ ،‬وأنببه اسببتمر إلببى‬
‫زماننا أو قريب من زماننا‪ .‬وخرج مسببلم عببن أبببي هريببرة "أن النبببي عليببه الصببلة‬
‫والسلم قنت في صلة الصبح‪ ،‬ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزلت }ليس لببك مببن المببر‬
‫شيء أو يتوب عليهم{ وخرج عن أبي هريرة أنه قنت فببي الظهببر والعشبباء الخيببرة‬
‫وصلة الصبح‪ .‬وخرج عنه عليه الصلة والسلم "أنه قنت شهرا في صببلة الصبببح‬
‫يدعو على بني عصية" واختلفوا فيما يقنت به‪ ،‬فاستحب مالببك القنببوت ببب "اللهببم إنببا‬
‫نستعينك ونستغفرك ونستهديك ونؤمن بك ونخنع لك ونخلع ونترك من يكفرك‪ ،‬اللهم‬
‫إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد‪ ،‬نرجو رحمتك ونخبباف عببذابك إن‬
‫عذابك بالكافرين ملحق" ويسميها أهل العراق السورتين‪ ،‬ويروى أنهببا فببي مصببحف‬
‫أبي بن كعب‪ .‬وقال الشافعي وإسبحاق ببل يقنبت "بباللهم اهبدنا فيمبن هبديت وعافينبا‬
‫فيمن عببافيت‪ ،‬وقنببا شببر مببا قضببيت‪ ،‬إنببك تقضببي ول يقضببى عليببك‪ ،‬تببباركت ربنببا‬
‫وتعاليت" وهذا يرويه الحسن بن علي من طرق ثابتة أن النبي عليه الصلة والسببلم‬
‫علمه هذا الدعاء يقنت به في الصلة‪ .‬وقال عبد ال بن داود‪ :‬من لم يقنت بالسبورتين‬
‫فل يصلي خلفه‪ .‬وقال قوم‪ :‬ليس في القنوت شيء موقوت‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني في الفعال التي هي أركان وفي هببذا الفصببل مببن قواعببد المسببائل‬
‫ثماني مسائل‬
‫@‪)-‬المسألة الولى( اختلف العلماء في رفع اليدين في الصببلة فببي ثلثببة مواضببع‪:‬‬
‫أحدها في حكمه‪ .‬والثاني في المواضع التي يرفع فيها مببن الصببلة‪ .‬والثببالث إلببى أن‬
‫ينتهي برفعها‪ .‬فأما الحكم‪ ،‬فذهب الجمهببور إلببى أنببه سببنة فببي الصببلة‪ ،‬وذهببب داود‬
‫وجماعة من أصحابه إلى أن ذلك فرض‪ ،‬وهؤلء انقسموا أقسبباما فمنهببم مببن أوجببب‬
‫ذلك في تكبيرة الحرام فقط‪ .‬ومنهم مببن أوجببب ذلببك فببي السببتفتاح وعنببد الركببوع‪:‬‬
‫أعني عنببد النحطبباط فيببه وعنببد الرتفبباع منببه‪ ،‬ومنهببم مببن أوجببب ذلببك فببي هببذين‬
‫الموضعين وعند السببجود‪ ،‬وذلببك بحسببب اختلفهببم فببي المواضببع الببتي يرفببع فيهبا‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وسبب اختلفهم معارضة ظاهر حديث أبي هريرة الذي فيببه تعليببم فببرائض الصببلة‬
‫لفعله عليه الصلة والسلم‪ ،‬وذلك أن حديث أبي هريرة إنما فيه أنه قال له وكبر ولم‬
‫يأمره برفع يديه‪ ،‬وثبت عنه عليه الصلة والسلم من حديث ابببن عمببر وغيببره "أنببه‬
‫كان يرفع يديه إذا افتتح الصلة" وأما اختلفهم في المواضع التي ترفببع فيهببا فببذهب‬
‫أهل الكوفة أبو حنيفة وسفيان الثوري وسائر فقهائهم إلى أنه ل يرفببع المصببلي يببديه‬
‫إل عند تكبيرة الحرام فقط‪ ،‬وهي رواية ابن القاسم عن مالك‪،‬‬
‫وذهب الشافعي وأحمد وأبو عبيد وأبو ثور‪ ،‬وجمهور أهل الحديث وأهل الظاهر إلى‬
‫الرفع عند تكبيرة الحرام وعند الركوع‪ ،‬وعند الرفع من الركببوع وهببو مببروى عببن‬
‫مالك إل أنه عند بعض أولئك فرض وعند مالك سنة‪ .‬وذهب بعض أهل الحديث إلى‬
‫رفعها عند السجود وعند الرفع منه‪ .‬والسبب فببي هببذا الختلف كلببه اختلف الثببار‬
‫الواردة في ذلك ومخالفة العمل بالمدينة لبعضها‪ ،‬وذلببك أن فببي ذلببك أحبباديث أحببدها‬
‫حديث عبد ال بن مسعود‪ ،‬وحديث البراء بن عازب "أنه كان عليه الصببلة والسببلم‬
‫يرفع يديه عند الحرام مرة واحدة ل يزيد عليها‪ ،‬والحديث الثبباني حببديث ابببن عمببر‬
‫عن أبيه أن رسول ال صلى ال عليه وسببلم كببان إذا افتتببح الصببلة رفببع يببديه حببذو‬
‫منكبيه‪ ،‬وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما أيضا كذلك وقبال "سببمع الب لمببن حمببده‬
‫ربنا ولك الحمد" كببان ل يفعببل ذلببك فببي السببجود‪ ،‬وهببو حببديث متفببق علببى صببحته‬
‫وزعمببوا أنببه روى ذلببك عببن النبببي صببلى ال ب عليببه وسببلم ثلثببة عشببر رجل مببن‬
‫أصحابه‪ .‬والحديث الثالث حديث وائل بن حجر‪ ،‬وفيه زيادة على ما فببي حببديث عبببد‬
‫ال بن عمر "أنه كان يرفع يديه عند السجود" فمن حمل الرفع ههنا على أنه ندب أو‬
‫فريضة‪ ،‬فمنهم من اقتصر به على الحرام فقط ترجيحا لحديث عبد ال ب بببن مسببعود‬
‫وحديث البراء بن عازب وهو مذهب مالك لموافقة العمل به‪ ،‬ومنهم من رجح حديث‬
‫عبد الب بببن عمببر‪ ،‬فببرأى الرفببع فببي الموضببعين أعنببي فببي الركببوع وفببي الفتتبباح‬
‫لشهرته‪ ،‬واتفق الجميع عليه ومن كان رأيه من هؤلء أن الرفببع فريضببة حمببل ذلببك‬
‫على الفريضة‪ ،‬ومن كان رأيه أنببه نببدب حمببل ذلببك علببى النببدب‪ ،‬ومنهببم مببن ذهببب‬
‫مذهب الجمع وقال‪ :‬إنه يجب أن تجمع هذه الزيادات بعضها إلى بعض علببى مببا فببي‬
‫حديث وائل بن حجر‪ ،‬فإذا العلماء ذهبوا في هذه الثار مذهبين‪ :‬إما مذهب الترجيح‪،‬‬
‫وإما مذهب الجمع‪ .‬والسبب في اختلفهم في حمل رفع اليدين فببي الصببلة‪ :‬هببل هببو‬
‫على الندب أو على الفرض؟ هو السبب الذي قلناه قبل من أن بعض النبباس يببرى أن‬
‫الصل في أفعاله صلى ال عليه وسلم أن تحمل على الوجوب حتى يدل الدليل علببى‬
‫غير ذلك‪ ،‬ومنهم من يرى أن الصل ل يزاد فيما صح بدليل واضح مببن قببول ثببابت‬
‫أو إجماع أنه من فبرائض الصببلة إل ببدليل واضببح‪ ،‬وقبد تقبدم هبذا مببن قولنببا‪ ،‬ول‬
‫معنى لتكرير الشيء الواحد مرات كثيرة‪ ،‬وأما الحد الببذي ترفببع إليببه اليبدان‪ ،‬فببذهب‬
‫بعضهم إلى أنه المنكبان‪ ،‬وبببه قببال مالببك والشببافعي وجماعببة‪ ،‬وذهببب بعضببهم إلببى‬
‫رفعهما إلى الذنين‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة‪ ،‬وذهببب بعضببهم إلببى رفعهمببا إلببى الصببدر‪،‬‬
‫وكل ذلك مروي عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬إل أن أثبببت مببا فببي ذلببك أنببه كببان‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يرفعهما حذو منكبيه وعليه الجمهور‪ ،‬والرفع إلى الذنين أثبت من الرفع إلى الصدر‬
‫وأشهر‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية( ذهب أبو حنيفة إلى أن العتدال من الركوع وفي الركوع غيببر‬
‫واجب‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬هو واجب‪ .‬واختلف أصحاب مالك‪ :‬هل ظاهر مذهبه يقتضببي‬
‫أن يكون سنة أو واجبا إذ لم ينقبل عنبه نبص فبي ذلبك‪ :‬والسبببب فبي اختلفهبم‪ :‬هببل‬
‫الواجب الخذ ببعض ما ينطلق عليه السببم أم بكببل ذلببك الشببيء الببذي ينطلببق عليببه‬
‫السم‪ ،‬فمن كان الواجب عنده الخذ ببعض ما ينطلق عليه السم لم يشترط العتدال‬
‫في الركوع‪ ،‬ومن كان الواجب عنده الخذ بالكببل اشببترط العتببدال‪ ،‬وقببد صببح عببن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال فببي الحببديث المتقببدم للرجببل الببذي علمببه فببروض‬
‫الصلة "اركع حتى تطمئن راكعا‪ ،‬وارفع حتى تطمئن رافعا" فالواجب اعتقبباد كببونه‬
‫فرضا‪ ،‬وعلى هذا الحديث عول كل من رأى أن الصل ل تحمل أفعاله عليه الصلة‬
‫والسلم في سائر أفعال الصلة مما لم ينص عليهبا فبي هبذا الحبديث علبى الوجبوب‬
‫حتى يدل الدليل على ذلك‪ ،‬ومبن قببل هبذا لبم يبروا رفبع اليبدين فرضبا ول مبا عبدا‬
‫تكبيرة الحرام والقراءة من القاويل التي في الصلة فتأمل هذا‪ ،‬فإنه أصببل منبباقض‬
‫للصل الول وهو سبب الخلف في أكثر هذه المسائل‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثالثة( اختلف الفقهاء في هيئة الجلوس‪ ،‬فقببال مالببك وأصببحابه يقضببي‬
‫بببأليتيه إلببى الرض وينصببب رجلببه اليمنببى ويثنبي اليسببرى‪ ،‬وجلبوس المببرأة عنببده‬
‫كجلببوس الرجببل‪ .‬وقببال أبببو حنيفببة وأصببحابه‪ :‬ينصببب الرجببل اليمنببى ويقعببد علببى‬
‫اليسرى‪ .‬وفرق الشافعي بين الجلسة الوسطى والخيرة‪ ،‬فقال في الوسطى بمثل قول‬
‫أبي حنيفة‪ ،‬وفي الخيرة بمثل قول مالك‪ .‬وسبب اختلفهم في ذلببك تعببارض الثببار‪،‬‬
‫وذلك أن في ذلك ثلثة آثار‪ :‬أحببدها وهببو ثببابت باتفبباق حببديث أبببي حميببد السبباعدي‬
‫الوارد في وصف صلته عليه الصلة والسلم‪ ،‬وفيه "وإذا جلس في الركعتين جلس‬
‫على رجله اليسرى ونصب اليمنى‪ ،‬وإذا جلس في الركعة الخيرة قدم رجله اليسرى‬
‫ونصب اليمنى وقعد على مقعدته"‪ .‬والثاني حديث وائل بن حجر‪ ،‬وفيه "أنبه كبان إذا‬
‫قعد في الصلة نصب اليمنى وقعد على اليسرى"‪ .‬والثببالث مببا رواه مالببك عببن عبببد‬
‫ال بن عمر أنه قال "إنما سنة الصلة أن تنصب رجلك اليمنى وتثني اليسرى‪ ،‬وهببو‬
‫يدخل في المسند لقوله فيه‪ :‬إنما سنة الصلة‪ .‬وفي روايته عن القاسببم بببن محمببد أنببه‬
‫أراهم الجلوس في التشهد ‪ ،‬فنصب رجله اليمنى وثنبى اليسببرى وجلبس علببى وركبه‬
‫اليسر ولم يجلس على قدمه‪ ،‬ثم قببال‪ :‬أرانببي هببذا عبببد الب بببن عبببد الب بببن عمببر‪،‬‬
‫وحدثني أن أباه كان يفعل ذلك‪ ،‬فذهب مالك مذهب الترجيح لهذا الحديث‪ ،‬وذهب أبو‬
‫حنيفة مذهب الترجيح لحديث وائل‪ .‬وذهب الشافعي مذهب الجمببع علببى حببديث أبببي‬
‫حميد‪ .‬وذهب الطبري مذهب التخيير‪ .‬وقال‪ :‬هذه الهيئات كلهببا جببائزة وحسببن فعلهببا‬
‫لثبوتها عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهو قول حسببن‪ ،‬فبإن الفعببال المختلفبة‬
‫أولى أن تحمل على التخيير منها على التعارض‪ ،‬وإنما يتصور ذلك التعارض أكببثر‬
‫ذلك في الفعل مع القول أو في القول مع القول‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪)-‬المسألة الرابعة( اختلف العلماء في الجلسة الوسببطى والخيببرة‪ ،‬فببذهب الكببثر‬


‫في الوسطى إلى أنها سنة وليست بفرض‪ ،‬وشذ قوم وقالوا‪ :‬إنها فرض‪ ،‬وكذلك ذهب‬
‫الجمهور في الجلسة الخرى إلى أنها فرض وشببذ قببوم فقببالوا‪ :‬إنهببا ليسببت بفببرض‪.‬‬
‫والسبب في اختلفهم هو تعارض مفهببوم الحبباديث‪ ،‬وقيبباس إحببدى الجلسببتين علببى‬
‫الثانية‪ ،‬وذلك أن في حديث أبي هريرة المتقببدم "اجلببس حببتى تطمئن جالسببا" فببوجب‬
‫الجلوس على ظاهر هذا الحديث في الصلة كلها‪ ،‬فمببن أخببذ بهببذا قببال‪ :‬إن الجلببوس‬
‫كله فرض‪ ،‬ولما جاء في حديث ابن بحينة الثابت "أنبه عليبه الصبلة والسبلم أسبقط‬
‫الجلسة الوسطى ولم يجبرها وسببجد لهببا" وثبببت عنببه أنببه أسببقط ركعببتين فجبرهمببا‪،‬‬
‫وكذلك ركعة‪ .‬فهم الفقهاء من هذا الفرق بين حكببم الجلسببة الوسببطى وحكببم الركعببة‪،‬‬
‫وكانت عندهم الركعة فرضا بإجماع‪ ،‬فبوجب أن ل تكبون الجلسبة الوسبطى فرضبا‪،‬‬
‫فهذا هو الذي أوجببب أن فببرق الفقهبباء بيببن الجلسببتين‪ ،‬ورأوا أن سببجود السببهو إنمببا‬
‫يكون للسنن دون الفروض‪ ،‬ومببن رأى أنهببا فببرض قببال‪ :‬السببجود للجلسببة الوسببطى‬
‫شيء يخصها دون سائر الفرائض‪ ،‬وليس فببي ذلببك دليببل علببى أنهببا ليسببت بفببرض‪،‬‬
‫وأما من ذهب إلى أنهما كليهمبا سبنة فقباس الجلسبة الخيبرة علبى الوسبطى بعبد أن‬
‫اعتقد في الوسطى بالدليل الذي اعتقد به الجمهور أنها سنة‪ ،‬فإذا السبب في اختلفهببم‬
‫هو في الحقيقة آيل إلى معارضة الستدلل لظاهر القببول أو ظبباهر الفعببل‪ ،‬فببإن مببن‬
‫الناس أيضا من اعتقد أن الجلستين كليهما فببرض مببن جهببة أن أفعبباله عليببه الصببلة‬
‫عنده الصل فيها أن تكون في الصلة محمولة على الوجوب حتى يببدل الببدليل علببى‬
‫غير ذلك علببى مببا تقببدم‪ ،‬فبإذًا الصببلن جميعببا يقتضببيان ههنببا أن الجلببوس الخيببر‬
‫فرض‪ ،‬ولذلك عليه أكثر الجمهور من غير أن يكون له معارض إل القياس‪ ،‬وأعنببي‬
‫بالصلين القول والعمل‪ ،‬ولذلك أضببعف القاويببل مببن رأى أن الجلسببتين سببنة والب‬
‫أعلم‪ .‬وثبت عنه عليه الصلة والسلم "أنه كان يضع كفه اليمنى على ركبتببه اليمنببى‬
‫وكفه اليسرى على ركبته اليسرى ويشير بإصبعه" واتفق العلماء على أن هببذه الهيئة‬
‫من هيئة الجلوس المستحسنة فبي الصبلة‪ ،‬واختلفبوا فبي تحريبك الصبابع لختلف‬
‫الثر في ذلك‪ ،‬والثابت أنه كان يشير فقط‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الخامسة( اختلف العلماء في وضع اليببدين إحببداهما علببى الخببرى فببي‬
‫الصلة‪ ،‬فكره ذلك مالك في الفرض‪ ،‬وأجازه في النفل‪ .‬ورأى قوم أن هذا الفعل مببن‬
‫سنن الصلة وهم الجمهور‪ .‬والسبب في اختلفهم أنه قد جاءت آثار ثابتة نقلببت فيهببا‬
‫صفة صلته عليه الصلة والسلم‪ ،‬ولم ينقببل فيهببا أنببه كبان يضببع يببده اليمنببى علببى‬
‫اليسرى‪ ،‬وثبت أيضببا أن النبباس كببانوا يببؤمرون بببذلك‪ .‬وورد ذلببك أيضببا مببن صببفة‬
‫صلته عليه الصلة والسلم في حديث أبي حميبد فبرأى قبوم أن الثبار البتي أثبتبت‬
‫ذلك اقتضت زيادة على الثار التي لم تنقببل فيهببا هببذه الزيببادة وأن الزيببادة يجببب أن‬
‫يصار إليها‪ .‬ورأى قوم أن الوجب المصير إلى الثار التي ليببس فيهببا هببذه الزيببادة‪،‬‬
‫لنها أكثر‪ ،‬ولكون هذه ليست مناسبة لفعال الصلة‪ ،‬وإنما هي مببن ببباب السببتعانة‪،‬‬
‫ولذلك أجازها مالك في النفل ولم يجزها في الفرض‪ ،‬وقد يظهر من أمرها أنهببا هيئة‬
‫تقتضي الخضوع‪ ،‬وهو الولى بها‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪)-‬المسألة السادسة( اختار قوم إذا كان الرجل في وتببر مببن صببلته أن ل ينهببض‬
‫حببتى يسببتوي قاعببدا‪ ،‬واختببار آخببرون أن ينهببض مببن سببجوده نفسببه‪ ،‬وبببالول قببال‬
‫الشافعي وجماعة‪ ،‬وبالثاني قال مالك وجماعة‪ .‬وسبببب الخلف أن فببي ذلببك حببديثين‬
‫مختلفين‪ :‬أحدهما حديث مالك بن الحويرث الثببابت "أنببه رأى رسببول الب صببلى الب‬
‫عليه وسلم يصلي" فإذا كان في وتر من صلته لم ينهض حببتى يسببتوي قاعببدا وفببي‬
‫حديث أبي حميد فببي صببفة صببلته عليببه الصببلة والسببلم أنببه لمببا رفببع رأسببه مببن‬
‫السجدة الثانية من الركعة الولببى قببام ولببم يتببورك" فأخببذ بالحببديث الول الشببافعي‪،‬‬
‫وأخذ بالثاني مالك‪ ،‬وكذلك اختلفوا إذا سجد‪ ،‬هل يضع يببديه قبببل ركبببتيه‪ ،‬أو ركبببتيه‬
‫قبل يديه؟ ومذهب مالك وضع الركبتين قبل اليدين‪ .‬وسبببب اختلفهببم أن فببي حببديث‬
‫ابن حجر قال "رأيت رسول ال صلى الب عليببه وسببلم إذا سببجد وضببع ركبببتيه قبببل‬
‫يديه‪ ،‬وإذا نهض رفع يببديه قبببل ركبببتيه" وعببن أبببي هريببرة أن النبببي عليببه الصببلة‬
‫والسلم قال "إذا سجد أحدكم فل يبرك كما يبرك البعيببر وليضببع يببديه قبببل ركبببتيه"‬
‫وكان عبد ال بن عمر يضع يديه قبل ركبتيه‪ .‬وقال بعض أهل الحديث‪ :‬حببديث وائل‬
‫بن حجر أثبت من حديث أبي هريرة‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة السابعة( اتفق العلماء على أن السجود يكون على سبعة أعضاء‪ :‬الوجه‬
‫واليدين والركبتين وأطراف القدمين‪ ،‬لقوله عليه الصببلة والسببلم "أمببرت أن أسببجد‬
‫على سبعة أعضاء" واختلفوا فيمن سجد على وجهه ونقصه السجود على عضو مببن‬
‫تلك العضاء هل تبطل صلته أم ل؟ فقال قببوم‪ :‬ل تبطببل صببلته لن اسببم السببجود‬
‫إنما يتناول الوجه فقط‪ .‬وقال قوم‪ :‬تبطل إن لم يسجد على السبببعة العضبباء للحببديث‬
‫الثابت‪ ،‬ولم يختلفوا أن من سجد على جبهته وأنفه فقببد سببجد علببى وجهببه‪ ،‬واختلفببوا‬
‫فيمن سجد على أحدهما‪ ،‬فقال مالك‪ :‬إن سجد على جبهته دون أنفببه جبباز‪ ،‬وإن سببجد‬
‫على أنفه دون جبهته لم يجز‪ .‬وقبال أبببو حنيفببة‪ :‬ببل يجبوز ذلبك‪ .‬وقبال الشببافعي‪ :‬ل‬
‫يجوز إل أن يسجد عليهما جميعا‪ .‬وسبب اختلفهم‪ :‬هل الواجب هو امتثال بعض مببا‬
‫ينطلق عليه السم أم كله‪ ،‬وذلك أن في حديث النبي عليه الصلة والسلم الثابت عن‬
‫ابن عباس "أمرت أن أسجد علببى سبببعة أعضبباء" فببذكر منهببا الببوجه‪ ،‬فمببن رأى أن‬
‫الواجب هو بعض ما ينطلق عليه السم‪ ،‬قال‪ :‬إن سجد على الجبهة أو النف أجببزأه‪.‬‬
‫ومن رأى أن اسم السجود يتناول من سجد علببى الجبهببة ول يتنبباول مببن سببجد علببى‬
‫النف أجاز السجود على الجبهبة دون النبف‪ ،‬وهببذا كببأنه تحديببد للبعببض الببذي هببو‬
‫امتثاله‪ ،‬هو الواجب مما ينطلق عليه السم‪ ،‬وكببان هببذا علببى مبذهب مببن يفببرق بيببن‬
‫أبعاض الشيء‪ ،‬فرأى أن بعضها يقببوم فببي امتثبباله مقببام الوجببوب وبعضببها ل يقببوم‬
‫مقامه فتأمل هذا فإنه أصل في هذا الباب‪ ،‬وإل جاز لقائل أن يقول‪ :‬إنببه إن مببس مببن‬
‫أنفه الرض مثقال خردلة تم سجوده‪ ،‬وأما مبن رأى أن البواجب هببو امتثببال كببل مببا‬
‫ينطلق عليه السم‪ ،‬فالواجب عنده أن يسجد على الجبهة والنف‪ .‬والشافعي يقول‪ :‬إن‬
‫هذا الحتمال الذي من قبل اللفظ قد أزاله فعله عليه الصلة والسلم وبينه‪ ،‬فإنه كببان‬
‫يسجد على النف والجبهة لما جاء من أنه انصرف من صلة مببن الصببلوات وعلببى‬
‫جبهته وأنفه أثر الطين والماء‪ ،‬فوجب أن يكون فعله مفسرا للحديث المجمل‪ .‬قال أبو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫عمر بن عبد البر‪ :‬وقد ذكر جماعة من الحفاظ حديث ابن عباس فببذكروا فيببه النببف‬
‫والجبهة‪ .‬قال القاضي أبببو الوليببد‪ :‬وذكببر بعضببهم الجبهببة فقببط‪ ،‬وكل الروايببتين فببي‬
‫كتاب مسلم‪ ،‬وذلك حجة لمالك‪ .‬واختلفوا أيضا هببل مببن شببرط السببجود أن تكببون يببد‬
‫الساجد بارزة وموضوعة على الذي يوضع عليها الوجه أم ليس ذلببك مببن شببروطه؟‬
‫فقال مالك‪ :‬ذلك من شرط السجود أحسبه شرط تمامه‪ .‬وقالت جماعة‪ :‬ليس ذلببك مببن‬
‫شرط السجود‪ .‬ومن هذا الباب اختلفهم في السببجود علببى طاقببات العمامببة‪ ،‬وللنبباس‬
‫فيه ثلثة مذاهب‪ :‬قببول بببالمنع‪ ،‬وقببول بببالجواز‪ ،‬وقببول بببالفرق بيببن أن يسبجد علببى‬
‫طاقات يسيرة من العمامة أو كثيرة‪ ،‬وقول بالفرق بيببن أن يمببس مببن جبهتببه الرض‬
‫شيء أو ل يمس منها شيء‪ ،‬وهذا الختلف كلببه موجببود فببي المببذهب وعنببد فقهبباء‬
‫المصار‪ ،‬وفي البخاري وكانوا يسجدون على القلنس والعمائم‪ .‬واحتببج مببن لببم يببر‬
‫إبراز اليدين في السجود بقول ابن عباس "أمر النبي صلى ال عليببه وسببلم أن نسببجد‬
‫على سبعة أعضاء ول نكفت ثوبا ول شعرا" وقياسببا علببى الركبببتين وعلببى الصببلة‬
‫في الخفين يمكن أن يحتج بهذا العموم في السجود على العمامة‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثامنة( اتفبق العلمباء علبى كراهيبة القعباء فبي الصبلة لمبا جباء فبي‬
‫الحديث من النهي أن يقعي الرجل في صلته كما يقعي الكلب إل أنهببم اختلفببوا فيمببا‬
‫يدل عليه السم‪ ،‬فبعضهم رأى أن القعاء المنهي عنه هو جلوس الرجل علببى أليببتيه‬
‫في الصلة ناصبا فخببذيه مثببل إقعبباء الكلببب والسبببع ول خلف بينهببم أن هببذه الهيئة‬
‫ليست من هيئات الصلة‪ .‬وقوم رأوا أن معنى القعاء الذي نهببي عنببه هببو أن يجعببل‬
‫أليته على عقيبه بين السجدتين وأن يجلس على صدور قدميه‪ ،‬وهو مذهب مالببك لمببا‬
‫روي عن ابن عمر أنه ذكر أنه إنما كان يفعل ذلك لنه كان يشتكي قدميه‪ .‬وأمبا اببن‬
‫عباس فكان يقول‪ :‬القعاء على القدمين في السجود على هذه الصفة هبو سبنة نببيكم‪،‬‬
‫خرجه مسلم‪ .‬وسبب اختلفهم هو تردد اسم القعاء المنهي عنه فببي الصببلة بيببن أن‬
‫يدل على المعنى اللغوي أو يدل على معنى شرعي‪ :‬أعني على هيئة خصببها الشببرع‬
‫بهذا السم‪ ،‬فمن رأى أنه يدل على المعنى اللغوي قال‪ :‬هو إقعبباء الكلببب‪ .‬ومببن رأى‬
‫أنه يدل على معنى شرعي قال‪ :‬إنما أريد بذلك إحبدى هيئات الصببلة المنهبي عنهبا‪،‬‬
‫ولما ثبت عن ابن عمر أن قعود الرجل على صدور قببدميه ليببس مببن سببنة الصببلة‪،‬‬
‫سبق إلى اعتقاده أن هذه الهيئة هي التي أريد بالقعاء المنهببي عنببه‪ ،‬وهببذا ضببعيف‪،‬‬
‫فإن السماء التي لم تثبت لها معان شرعية يجب أن تحمل على المعنى اللغوي حببتى‬
‫يثبت لها معنى شرعي‪ ،‬بخلف المر في السماء التي ثبت لها معان شرعية‪ :‬أعني‬
‫أنه يجب أن يحمل على المعاني الشرعية حتى يدل الدليل على المعنببى اللغببوي‪ ،‬مببع‬
‫أنه قد عارض حديث ابن عمر في ذلك حديث ابن عباس‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني من الجملة الثالثة‪.‬‬
‫@‪-‬وهذا الباب الكلم المحيط بقواعده فيببه فصببول سبببعة‪ :‬أحببدها‪ :‬فببي معرفببة حكببم‬
‫صلة الجماعة‪ .‬والثاني في معرفة شروط المامة‪ ،‬ومن أولى بالتقديم وأحكام المببام‬
‫الخاصة بببه‪ .‬الثببالث‪ :‬فببي مقببام المببأموم مببن المببام والحكببام الخاصببة بالمببأمومين‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬في معرفة ما يتبع فيه المببأموم المببام ممببا ليببس يتبعببه‪ .‬الخببامس‪ :‬فببي صببفة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫التباع‪ .‬السادس‪ :‬فيمبا يحملبه المبام عبن المبأمومين‪ .‬السبابع‪ :‬فبي الشبياء البتي إذا‬
‫فسدت لها صلة المام يتعدى الفساد إلى المأمومين‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول في معرفة حكم صلة الجماعة‪.‬‬
‫@‪-‬في هذا الفصل مسئلتان‪ :‬إحببداهما‪ :‬هببل صببلة الجماعببة واجبببة علببى مببن سببمع‬
‫النداء أم ليست بواجبة‪ .‬المسألة الثانية إذا دخل الرجل المسجد وقد صلى‪ ،‬هببل يجببب‬
‫عليه أن يصلي مع الجماعة الصلة التي قد صلها أم ل؟‪.‬‬
‫@‪)-‬أما المسألة الولى( فإن العلماء اختلفوا فيها‪ ،‬فذهب الجمهور إلببى أنهببا سببنة أو‬
‫فرض على الكفاية‪ .‬وذهبت الظاهرية إلى أن صلة الجماعة فرض متعين علببى كببل‬
‫مكلف‪ .‬والسبب في اختلفهم تعارض مفهومات الثار في ذلك وذلك أن ظبباهر قببوله‬
‫عليه الصلة والسلم "صلة الجماعة تفضل صلة الفبذ بخمبس وعشبرين درجبة أو‬
‫بسبع وعشرين درجببة" يعنببي أن الصببلة فببي الجماعببات مببن جنببس المنببدوب إليببه‪،‬‬
‫وكأنها كمال زائد على الصببلة الواجبببة‪ ،‬فكببأنه قببال عليببه الصببلة والسببلم‪ :‬صببلة‬
‫الجماعة أكمل من صلة المنفرد‪ .‬والكمال إنما هو شيء زائد على الجزاء‪ ،‬وحديث‬
‫العمى المشهور حيببن اسببتأذنه فببي التخلببف عببن صببلة الجماعببة لنببه ل قببائد لببه‪،‬‬
‫فرخص له في ذلك‪ ،‬ثم قال له عليه الصلة والسلم‪ :‬أتسمع النداء؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬ل‬
‫أجد لك رخصة" هو كالنص في وجوبها مع عدم العذر‪ ،‬خرجببه مسببلم‪ .‬وممببا يقببوي‬
‫هذا حديث أبي هريرة المتفق على صحته‪ ،‬وهو "أن رسول ال صلى ال عليه وسببلم‬
‫قال‪ :‬والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب ثم آمر بالصلة فيببؤذن لهببا‬
‫ثم آمر رجل فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجبال فبأحرق عليهببم بيببوتهم‪ ،‬والببذي نفسببي‬
‫بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عظما سمينا أو مرماتين حسنتين لشببهد العشبباء" وحببديث‬
‫ابن مسعود‪ ،‬وقال فيه "إن رسول ال صلى ال عليه وسببلم علمنببا سببنن الهببدى‪ ،‬وإن‬
‫من سنن الهدى الصلة في المسجد الذي يؤذن فيه" وفي بعض رواياته "ولببو تركتببم‬
‫سنة نبيكم لضللتم" فسلك كل واحد من هببذين الفريقيببن مسببلك الجمببع بتأويببل حببديث‬
‫مخالفه‪ ،‬وصرفه إلى ظاهر الحديث الذي تمسك به‪ .‬فأما أهل الظاهر فإنهم قببالوا‪ :‬إن‬
‫المفاضلة ل يمتنع أن تقع في الواجبات أنفسها‪ :‬أي إن صببلة الجماعببة فببي حببق مببن‬
‫فرضه صلة الجماعة تفضل صلة المنفرد فبي حبق مببن سبقط عنبه وجبوب صبلة‬
‫الجماعة لمكان العذر بتلك الدرجات المببذكورة‪ .‬قببالوا‪ :‬وعلببى هببذا فل تعببارض بيببن‬
‫الحديثين واحتجوا لذلك بقوله عليه الصلة والسلم‪" :‬صلة القاعد على النصببف مببن‬
‫صلة القائم" وأما أولئك فزعموا أنه يمكن أن يحمل حببديث العمببى علببى نببداء يببوم‬
‫الجمعة‪ ،‬إذ ذلك هو النداء الذي يجب على من سمعه التيان إليه باتفاق وهذا فيه بعببد‬
‫وال أعلم‪ ،‬لن نص الحديث هو أن أبا هريرة قال "أتى النبي صلى ال ب عليببه وسببلم‬
‫رجل أعمى‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول ال إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد‪ ،‬فسببأل رسببول‬
‫ال أن يرخص له فيصلي في بيته‪ ،‬فرخص له‪ ،‬فلما ولى دعاه فقال‪ :‬هل تسمع النداء‬
‫بالصلة‪ .‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فأجب" وظاهر هذا يبعد أن يفهم منببه نببداء الجمعبة‪ ،‬مبع أن‬
‫التيان إلى صلة الجمعة واجب على كل من كان في المصر وإن لببم يسببمع النببداء‪،‬‬
‫ول أعرف فببي ذلببك خلفببا‪ .‬وعببارض هببذا الحببديث أيضببا حببديث عتبببان بببن مالببك‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المذكور في الموطأ‪ ،‬وفيه أن عتبان بن مالك كان يؤم وهو أعمى‪ ،‬وأنه قبال لرسبول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم "إنه تكون الظلمة المطر والسيل وأنا رجببل ضببرير البصببر‬
‫فصل يا رسول ال في بيتي مكانا أتخذه مصلى‪ ،‬فجباءه رسبول الب صبلى الب عليبه‬
‫وسلم فقال‪ :‬أين تحب أن أصلي فأشار له إلى مكان من البيت فصلى فيببه رسببول الب‬
‫صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثانية( فإن الذي دخل المسجد وقد صلى ل يخلو من أحد وجهين‪:‬‬
‫إما أن يكون صلى منفردا‪ ،‬وإما أن يكون صلى في جماعة‪ .‬فبإن كبان صببلى منفببردا‬
‫فقال قوم‪ :‬يعيد معهم كل الصببلوات إل المغببرب فقببط‪ ،‬وممببن قببال بهببذا القببول مالببك‬
‫وأصببحابه‪ .‬وقببال أبببو حنيفببة‪ :‬يعيببد الصببلوات كلهببا إل المغببرب والعصببر‪ .‬وقببال‬
‫الوزاعي‪ :‬إل المغرب والصبح‪ .‬وقال أبو ثور‪ :‬إل العصر والفجر‪ .‬وقببال الشببافعي‪:‬‬
‫يعيد الصلوات كلها‪ ،‬وإنما اتفقوا على إيجاب إعادة الصلة عليه بالجملة لحديث بشر‬
‫بن محمد عن أبيه "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال له حين دخل المسجد ولببم‬
‫يصل معه‪ :‬مالك لم تصل مع الناس‪ :‬ألست برجببل مسببلم؟ فقببال بلببى يببا رسببول البب‪،‬‬
‫ولكني صليت في أهلي‪ ،‬فقال عليه الصلة والسببلم‪ :‬إذا جئت فصببل مببع النبباس وإن‬
‫كنت قد صليت" فاختلف الناس لحتمال تخصببيص هبذا العمبوم بالقيبباس أو بالببدليل‪،‬‬
‫فمن حمله على عمومه أوجب عليه إعادة الصلوات كلها وهو مذهب الشببافعي‪ .‬وأمببا‬
‫من استثنى من ذلك صلة المغرب فقط فإنه خصص العموم بقياس الشبه وهو مالببك‬
‫رحمه ال‪ ،‬وذلك أنه زعم أن صلة المغرب هي وتببر‪ ،‬فلببو أعيببدت لشبببهت صببلة‬
‫الشفع التي ليست بوتر‪ ،‬لنها كانت تكون بمجموع ذلك سببت ركعببات‪ ،‬فكأنهببا كببانت‬
‫تنتقل من جنسها إلى جنس صلة أخرى وذلك مبطل لها‪ ،‬وهذا القيبباس فيببه ضببعف‪،‬‬
‫لن السلم قد فصل بين الوتار والتمسك بالعموم أقوى من الستثناء بهذا النوع مببن‬
‫القياس‪ ،‬وأقوى من هذا ما قاله الكوفيون من أنه إذا أعادهببا يكببون قببد أوتببر مرتيببن‪،‬‬
‫وقد جاء في الثر " ل وتران في ليلة" وأما أبو حنيفببة فببإنه قببال‪ :‬إن الصببلة الثانيببة‬
‫تكون له نفل‪ ،‬فإن أعاد العصر يكون قد تنفل بعد العصر‪ ،‬وقد جاء النهي عببن ذلببك‪،‬‬
‫فخصص العصر بهذا القياس والمغرب بأنها وتر‪ ،‬والوتر ل يعاد‪ ،‬وهذا قياس جديببد‬
‫إن سلم لهم الشافعي أن الصلة الخيرة لهم نفل‪ .‬وأما من فرق بين العصر والصبببح‬
‫في ذلك فلنه لبم تختلبف الثبار فبي النهبي عبن الصبلة بعبد الصببح‪ ،‬واختلبف فبي‬
‫الصلة بعد العصر كما تقدم‪ ،‬وهو قول الوزاعي‪ .‬وأمبا إذا صبلى فبي جماعبة فهبل‬
‫يعيد في جماعة أخرى؟ فأكثر الفقهاء على أنه ل يعيد‪ ،‬منهم مالك وأبو حنيفة‪ ،‬وقببال‬
‫بعضهم‪ :‬بل يعيد‪ ،‬وممن قببال بهببذا القببول أحمببد وداود وأهببل الظبباهر‪ .‬والسبببب فببي‬
‫اختلفهم تعارض مفهوم الثار في ذلك‪ ،‬وذلك أنه ورد عنه عليه الصلة والسلم أنه‬
‫قال "ل تصلي صلة في يوم مرتين" وروي عنه "أنه أمر الببذين صببلوا فببي جماعببة‬
‫أن يعيدوا مع الجماعة الثانية" وأيضا فإن ظاهر حديث بشر يوجب العادة على كببل‬
‫مصل إذا جاء المسجد‪ ،‬فإن قوته قوة العموم‪ ،‬والكببثر علببى أنببه إذا ورد العببام علببى‬
‫سبب خاص ل يقتصر به على سببه‪ ،‬وصلة معاذ مع النبي عليببه الصببلة والسببلم‪،‬‬
‫ثم كان يؤم قومه في تلك الصلة فيه دليل علببى جبواز إعبادة الصبلة فبي الجماعبة‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فذهب الناس في هذه الثار مذهب الجمببع ومببذهب الترجيببح‪ .‬أمببا مببن ذهببب مببذهب‬
‫الترجيح فإنه أخذ بعموم قوله عليه الصلة والسلم "ل تصلى صلة واحببدة فببي يببوم‬
‫مرتين" ولم يستثن من ذلك إل صلة المنفببرد فقببط لوقببوع التفبباق عليهببا‪ .‬وأمببا مببن‬
‫ذهب مذهب الجمع فقالوا إن معنببى قببوله عليببه الصببلة والسببلم‪" :‬ل تصببلى صببلة‬
‫واحدة في يوم مرتين" إنما ذلك أن ل يصلي الرجل الصلة الواحببدة بعينهببا مرتيببن‪،‬‬
‫يعتقد في كل واحدة منهما أنها فرض‪ ،‬بل يعتقد فببي الثانيببة أنهببا زائدة علببى الفببرض‬
‫ولكنه مأمور بها‪ .‬وقال قوم‪ :‬بببل معنببى هببذا الحببديث إنمببا هببو للمنفببرد‪ :‬أعنببي أن ل‬
‫يصلي الرجل المنفرد صلة واحدة بعينها مرتين‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني‪ .‬في معرفة شببروط المامبة‪ ،‬ومبن أولببى بالتقببديم‪ ،‬وأحكبام المبام‬
‫الخاصة به‪ .‬وفي هذا الفصل مسائل أربع‪:‬‬
‫@‪)-‬المسألة الولى( اختلفوا فيمن أولى بالمامة‪ ،‬فقببال مالببك‪ :‬يببؤم القببوم أفقههببم ل‬
‫أقرؤهم‪ ،‬وبه قال الشبافعي‪ ،‬وقبال أببو حنيفبة والثبوري وأحمبد‪ :‬يبؤم القبوم أقرؤهبم‪.‬‬
‫والسبب في هذا الختلف اختلفهم في مفهوم قوله عليه الصلة والسلم "يؤم القببوم‬
‫أقرؤهم لكتاب ال فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسبنة‪ ،‬فبإن كببانوا فببي السببنة‬
‫سواء فأقدمهم هجرة‪ ،‬فإن كانوا في الهجرة سواء‪ ،‬فأقببدمهم إسببلما‪ ،‬ول يببؤم الرجببل‬
‫الرجل في سلطانه ول يقعد في بيته على تكرمته إل بإذنه" وهببو حببديث متفببق علببى‬
‫صحته لكن اختلف العلماء في مفهومه‪ ،‬فمنهم من حمله على ظاهره وهو أبو حنيفببة‪.‬‬
‫ومنهم من فهم من القرأ ههنا الفقه‪ .‬لنه زعم أن الحاجة إلى الفقه في المامة أمس‬
‫من الحاجة إلى القراءة‪ ،‬وأيضا فإن القرأ مببن الصببحابة كببان هببو الفقببه ضببرورة‪،‬‬
‫وذلك بخلف ما عليه الناس اليوم‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية( اختلف النبباس فببي إمامببة الصبببي الببذي لببم يبلببغ الحلببم إذا كببان‬
‫قارئا‪ ،‬فأجاز ذلك لعموم )هذا الثر( }ما بين القوسين زائدة في النسخة المصرية مببع‬
‫أنه لم يذكر أثرا‪ ،‬فلهذا نبهنا على زيادته{ ولحديث عمرو بن سلمة أنه كان يؤم قومه‬
‫وهو صبي‪ .‬ومنع ذلك قوم مطلقا‪ ،‬وأجازه قوم في النفل‪ ،‬ولم يجيزوه فببي الفريضببة‪،‬‬
‫وهو مروي عن مالك‪ .‬وسبب الخلف في ذلك هل يؤم أحببد فببي صببلة غيببر واجبببة‬
‫عليه من وجبت عليه؟‪ ،‬وذلك لختلف نية المام والمأموم؟‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثالثة( اختلفوا في إمامة الفاسببق‪ ،‬فردهببا قببوم بببإطلق‪ ،‬وأجازهببا قببوم‬
‫بإطلق‪ ،‬وفرق قوم بين أن يكون فسقه مقطوعا بببه أو غيببر مقطببوع بببه‪ ،‬فقببالوا‪ :‬إن‬
‫كان فسقه مقطوعا به أعاد الصلة المصلي وراءه أبدا‪ ،‬وإن كان مظنونا استحبت له‬
‫العادة في الوقت‪ ،‬وهذا الذي اختاره البهري تأول على المذهب‪ ،‬ومنهببم مببن فببرق‬
‫بين أن يكون فسقه بتأويل أو يكون بغير تأويل مثل الذي يشرب النبيذ ويتبأول أقبوال‬
‫أهل العراق‪ ،‬فأجازوا الصلة وراء المتأول ولم يجيزوها وراء غير المتأول‪ .‬وسبببب‬
‫اختلفهم في هذا أنه شيء مسكوت عنبه فبي الشبرع‪ ،‬والقيبباس فيبه متعبارض‪ .‬فمبن‬
‫رأى أن الفسق لما كان ل يبطل صحة الصلة ولم يكن من يحتاج المببأموم إمببامه إل‬
‫صحة صلته فقط علببى قببول مببن يببرى أن المببام يحمببل عببن المببأموم أجبباز إمامببة‬
‫الفاسق‪ ،‬ومن قاس المامة على الشهادة واتهم الفاسق أن يكون يصببلي صببلة فاسببدة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫كما يتهم في الشهادة أن يكذب لم يجز إمامته‪ ،‬ولذلك فببرق قببوم بيببن أن يكببون فسببقه‬
‫بتأويل أو بغير تأويببل‪ ،‬وإلببى قريببب مببن هببذا يرجببع مببن فببرق بيببن أن يكببون فسببقه‬
‫مقطوعا به أو غير مقطببوع بببه‪ ،‬لنببه إذا كببان مقطوعببا بببه فكببأنه غيببر معببذور فببي‬
‫تأويله‪ ،‬وقبد رام أهبل الظباهر أن يجيبزوا إمامببة الفاسببق بعمببوم قبوله عليبه الصبلة‬
‫والسببلم "يببؤم القببوم أقرؤهببم" قببالوا‪ :‬فلببم يسببتثن مببن ذلببك فاسببقا مببن غيببر فاسببق‪،‬‬
‫والحتجاج بالعموم في غير المقصود ضعيف‪ ،‬ومنهم من فببرق بيببن أن يكببون فسببقه‬
‫في شروط صحة الصلة‪ ،‬أو في أمور خارجة عن الصلة بناء علبى أن المبام إنمبا‬
‫يشترط فيه وقوع صلته صحيحة‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الرابعة( اختلفوا في إمامة المرأة‪ ،‬فالجمهور على أنه ل يجببوز أن تببؤم‬
‫الرجال واختلفوا في إمامتها النساء‪ ،‬فأجاز ذلك الشافعي‪ ،‬ومنع ذلببك مالببك وشببذ أبببو‬
‫ثور والطبري‪ ،‬فأجازا إمامتها علبى الطلق‪ ،‬وإنمبا اتفبق الجمهبور علبى منعهبا أن‬
‫تؤم الرجال‪ ،‬لنه لو كان جائزا لنقل ذلك عن الصدر الول‪ ،‬ولنببه أيضببا لمببا كببانت‬
‫سنتهن في الصلة التأخير عن الرجال علم أنه ليس يجوز لهببن التقببدم عليهببم‪ ،‬لقببوله‬
‫عليه الصلة والسببلم "أخروهببن حيببث أخرهببن البب" ولببذلك أجبباز بعضببهم إمامتهببا‬
‫النساء إذ كن متساويات في المرتبة في الصلة‪ ،‬مع أنببه أيضبا نقبل ذلبك عببن بعببض‬
‫الصدر الول‪ ،‬ومن أجاز إمامتهببا فإنمبا ذهبب إلبى مببا رواه أبببو داود مببن حببديث أم‬
‫ورقة "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يزورهببا فببي بيتهببا وجعببل لهببا مؤذنببا‬
‫يؤذن لهببا‪ ،‬وأمرهببا أن تببؤم أهببل دارهببا" وفببي هببذا الببباب مسبائل كببثيرة أعنبي مببن‬
‫اختلفهم في الصفات المشترطة في المببام تركنببا ذكرهببا لكونهببا مسببكوتا عنهببا فببي‬
‫الشرع‪ .‬قال القاضي‪ :‬وقصدنا في هذا الكتبباب إنمببا هببو ذكببر المسببائل المسببموعة أو‬
‫ماله تعلق قريب بالمسموع‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما أحكام المام الخاصة به( فإن في ذلك أربعة مسائل متعلقة بالسمع‪ :‬إحداها‬
‫هل يببؤمن المببام إذا فببرغ مببن قببراءة أم القببرآن؟ أم المببأموم هببو الببذي يببؤمن فقببط‪.‬‬
‫والثانية مببتى يكبببر تكبببيرة الحببرام؟ والثالثببة إذا أرتببج عليببه هببل يفتببح عليببه أم ل؟‬
‫والرابعة هل يجوز أن يكون موضعه أرفع من موضببع المببأمومين‪ .‬فأمببا هببل يببؤمن‬
‫المام إذا فرغ مببن قببراءة أم الكتبباب‪ ،‬فببإن مالكببا ذهببب فببي روايببة ابببن القاسببم عنببه‬
‫والمصريين أنه ل يؤمن‪ ،‬وذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يؤمن كالمأموم سواء‪ ،‬وهي‬
‫رواية المدنيين عن مالك‪ ،‬وسبب اختلفهم أن في ذلببك حببديثين متعارضببي الظبباهر‪:‬‬
‫أحدهما حديث أبي هريرة المتفق عليه في الصحيح أنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم "إذا أمن المام فأمنوا" والحديث الثاني ما خرجه مالببك عببن أبببي هريببرة‬
‫أيضببا أنببه قببال عليببه الصببلة والسببلم "إذا قببال المببام غيببر المغضببوب عليهببم ول‬
‫الضالين فقولوا أمين" فأما الحديث الول فهو نص فببي تببأمين المببام‪ .‬وأمببا الحببديث‬
‫الثاني فيستدل منه على أن المام ل يؤمن‪ ،‬وذلك أنه لو كان يؤمن لمببا أمببر المببأموم‬
‫بالتأمين عند الفراغ من أم الكتبباب قبببل أن يببؤمن المببام‪ ،‬لن المببام كمببا قببال عليببه‬
‫الصلة والسلم "إنما جعل المام ليؤتم به" إل أن يخص هذا من أقوال المام‪ :‬أعني‬
‫أن يكون للمأموم أن يؤمن معببه أو قبلببه‪ ،‬فل يكببون فيببه دليببل علببى حكببم المببام فببي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫التأمين‪ ،‬ويكون إنما تضمن حكم المأموم فقط‪ ،‬لكن الذي يظهر أن مالكا ذهب مذهب‬
‫الترجيح للحديث الذي رواه لكون السبامع هبو المببؤمن ل الببداعي‪ ،‬وذهبب الجمهببور‬
‫لترجيح الحديث الول لكببونه نصببا‪ ،‬ولنببه ليببس فيببه شببيء مببن حكببم المببام‪ ،‬وإنمببا‬
‫الخلف بينه وبين الحديث الخر في موضببع تببأمين المببأموم فقببط ل فببي هببل يببؤمن‬
‫المام أو ل يؤمن فتأمل هببذا‪ .‬ويمكببن أيضببا أن يتببأول الحببديث الول بببأن يقببال‪ :‬إن‬
‫معنى قوله "فإذا أمن فببأمنوا" أي إذا بلببغ موضببع التببأمين‪ ،‬وقببد قيببل إن التببأمين هببو‬
‫الدعاء وهذا عدول عن الظاهر لشيء غير مفهوم مببن الحببديث إل بقيبباس‪ :‬أعنببي أن‬
‫يفهم من قوله "فإذا قببال غيببر المغضببوب عليهببم ول الضببالين فببأمنوا" أنببه ل يببؤمن‬
‫المام‪ .‬وأما متى يكبر المام فإن قوما قالوا‪ :‬ل يكبببر إل بعببد تمببام القامببة واسببتواء‬
‫الصفوف‪ ،‬وهو مذهب مالك والشافعي وجماعة‪ .‬وقوم قالوا‪ :‬إن موضببع التكبببير هببو‬
‫قبل أن يتم القامة‪ ،‬واستحسببنوا تكبببيره عنببد قببول المببؤذن قببد قببامت الصببلة‪ ،‬وهببو‬
‫مذهب أبي حنيفة والثوري وزفر‪ .‬وسبببب الخلف فببي ذلببك تعببارض ظبباهر حببديث‬
‫أنس وحديث بلل‪ .‬أما حديث أنس فقال‪" :‬أقبل علينا رسول ال صلى ال عليه وسببلم‬
‫قبببل أن يكبببر فببي الصببلة فقببال‪ :‬أقيمببوا صببفوفكم وتراصببوا فببإني أراكببم مببن وراء‬
‫ظهري" وظاهر هذا أن الكلم منه كان بعد الفببراغ مببن القامبة‪ ،‬مثبل مبا روي عبن‬
‫عمر أنه كان إذا تمت القامة واستوت الصفوف حينئذ يكبر‪ .‬وأمببا حببديث بلل فببإنه‬
‫روى "أنه كان يقيم للنبي صببلى الب عليببه وسببلم‪ ،‬فكبان يقببول لببه‪ :‬يبا رسببول الب ل‬
‫تسبقني بآمين" خرجه الطحاوي‪ .‬قالوا‪ :‬فهذا يدل على أن رسول ال صببلى الب عليببه‬
‫وسلم كان يكبر والقامة لم تتم‪ .‬وأما اختلفهم في الفتح علببى المببام إذا أرتببج عليببه‪،‬‬
‫فإن مالكا والشافعي وأكثر العلماء أجازوا الفتح عليه‪ ،‬ومنببع ذلببك الكوفيببون‪ .‬وسبببب‬
‫الخلف في ذلك اختلف الثار‪ ،‬وذلك "أنه روي أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫تردد في آية‪ ،‬فلما انصرف قال‪ :‬أين أبي ألم يكبن فبي القبوم؟" أي يريبد الفتبح عليبه‪.‬‬
‫وروي عنه عليه الصلة والسلم أنه قال "ل يفتح على المام" والخلف في ذلك في‬
‫الصدر الول‪ ،‬والمنببع مشببهور عببن علببي‪ ،‬والجببواز عببن ابببن عمببر مشببهور‪ .‬وأمببا‬
‫موضع المام فإن قوما أجازوا أن يكون أرفع مببن موضببع المببأمومين‪ ،‬وقببوم منعببوا‬
‫ذلك‪ ،‬وقوم استحبوا من ذلببك اليسببير‪ ،‬وهببو مببذهب مالببك‪ .‬وسبببب الخلف فببي ذلببك‬
‫حديثان متعارضان‪ :‬أحدهما الحديث الثابت‪" :‬أنه عليه الصلة والسلم أم الناس على‬
‫المنبر ليعلمهم الصلة‪ ،‬وأنه كان إذا أراد أن يسجد نزل من على المنبببر"والثبباني مببا‬
‫رواه أبو داود أن حذيفة أم الناس على دكان‪ ،‬فأخذ ابن مسعود بقميصبه فجبذبه‪ ،‬فلمبا‬
‫فرغ من صلته قال‪ :‬ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عبن ذلببك‪ ،‬أو ينهببى عبن ذلبك؟‪ .‬وقببد‬
‫اختلفوا هل يجب على المام أن ينوي المامة أم ل؟ فبذهب قببوم إلببى أنببه ليببس ذلببك‬
‫بواجب عليه لحديث ابن عباس أنه أقام إلى جنب رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد‬
‫دخوله في الصلة‪ ،‬ورأى قببوم أن هببذا محتمببل‪ ،‬وأنببه لبببد مببن ذلببك إذا كببان يحمببل‬
‫بعض أفعال الصلة عن المبأمومين‪ ،‬وهبذا علبى مببذهب مببن يبرى أن المبام يحمببل‬
‫فرضا أو نفل عن المأمومين‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫*‪*4‬الفصل الثالث‪ .‬في مقام المأموم من المام‪ ،‬والحكام الخاصة بالمببأمومين‪ .‬وفببي‬
‫هذا الباب خمس مسائل‪:‬‬
‫@‪)-‬المسألة الولى( اتفق جمهور العلماء على أن سنة الواحد المنفرد أن يقببوم عببن‬
‫يمين المام لثبوت ذلك من حديث اببن عبباس وغيببره‪ ،‬وأنهبم إن كبانوا ثلثببة سببوى‬
‫المام قاموا وراءه‪ ،‬واختلفوا إذا كانا اثنين سوى المام‪ ،‬فذهب مالببك والشببافعي إلببى‬
‫أنهما يقومان خلف المام‪ .‬وقببال أبببو حنيفببة وأصببحابه والكوفيببون‪ :‬بببل يقببوم المببام‬
‫بينهما‪ .‬والسبب في اختلفهم أن في ذلك حديثين متعارضين‪ :‬أحدهما حديث جابر بن‬
‫عبد ال قال‪" :‬قمت عن يسار رسول ال صلى ال عليه وسببلم‪ ،‬فأخببذ بيببدي فببأدارني‬
‫حتى أقامني عن يمينه‪ ،‬ثم جاء جابر بن صخر فتوضأ‪ ،‬ثم جاء فقام عن يسار رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فأخذ بأيدينا جميعا‪ ،‬فدفعنا حتى قمنا خلفه" والحببديث الثبباني‬
‫حديث ابن مسعود أنه صلى بعلقمة والسود فقام وسطهما‪ ،‬وأسنده إلببى النبببي صببلى‬
‫ال عليه وسلم قال أبو عمر‪ :‬واختلببف رواة هببذا الحببديث‪ ،‬فبعضببهم أوقفببه وبعضببهم‬
‫أسنده‪ ،‬والصحيح أنه موقوف‪ ،‬وأما أن سنة المرأة أن تقف خلببف الرجببل أو الرجببال‬
‫إن كان هنالك رجل سوى المام‪ ،‬أو خلف المام إن كانت وحدها‪ ،‬فل أعلم في ذلببك‬
‫خلفا لثبوت ذلك من حديث أنس البذي خرجبه البخباري "أن النببي صبلى الب عليبه‬
‫وسلم صلى به وبأمه أو خالته‪ ،‬قال‪ :‬فأقامني عببن يمينببه وأقببام المببرأة خلفنببا" والببذي‬
‫خرجه عنه أيضا مالك أنه قببال "فصببففت أنببا واليببتيم وراءه عليببه الصببلة والسببلم‪،‬‬
‫والعجوز من ورائنا" وسنة الواحد عند الجمهور أن يقف عن يمين المام لحديث ابن‬
‫عباس حين بات عند ميمونة‪ .‬وقال قببوم‪ :‬بببل عببن يسبباره‪ ،‬ول خلف فببي أن المببرأة‬
‫الواحدة تصلي خلف المام‪ ،‬وأنها إن كانت مع الرجل صلى الرجل إلى جانب المام‬
‫والمرأة خلفه‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية( أجمع العلماء على أن الصف الول مرغب فيه‪ ،‬وكذلك تببراص‬
‫الصفوف وتسويتها لثبوت المر بذلك عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬واختلفببوا‬
‫إذا صلى إنسان خلف الصف وحده‪ ،‬فالجمهور على أن صببلته تجببزئ‪ .‬وقببال أحمببد‬
‫وأبو ثبور وجماعبة صبلته فاسبدة‪ .‬وسببب اختلفهبم اختلفهبم فبي تصبحيح حبديث‬
‫وابصة ومخالفة العمل له‪ ،‬وحببديث وابصببة هببو أنببه قببال عليبه الصببلة والسببلم "ل‬
‫صلة لقائم خلف الصف" وكان الشافعي يرى أن هذا يعارضه قيببام العجببوز وحببدها‬
‫خلف الصف في حديث أنس‪ .‬وكان أحمد يقول‪ :‬ليس في ذلك حجة‪ ،‬لن سنة النسبباء‬
‫هي القيام خلف الرجال‪ .‬وكان أحمد كما قلنا يصحح حديث وابصة‪ .‬وقال غيره‪ :‬هببو‬
‫مضطرب السناد ل تقوم به حجة‪ .‬واحتج الجمهور بحديث أبي بكرة أنببه ركببع دون‬
‫الصف فلم يأمره رسول ال صلى ال عليه وسلم بالعادة وقال له "زادك ال حرصا‬
‫ول تعد" ولو حمل هذا على الندب لم يكن تعارض‪ :‬أعني بين حديث وابصة وحديث‬
‫أبي بكرة‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثالثة( اختلف الصدر الول في الرجل يريد الصلة فيسمع القامة هل‬
‫يسرع المشي إلى المسجد أم ل مخافة أن يفوته جزء من الصلة؟ فروي عن عمببرو‬
‫وابن مسعود أنهم كانوا يسرعون المشي إذا سمعوا القامة‪ .‬وروي عن زيد بن ثابت‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأبي ذر وغيرهم من الصببحابة أنهببم كببانوا ل يببرون السببعي‪ ،‬بببل أن تببؤتى الصببلة‬
‫بوقار وسكينة‪ ،‬وبهذا القول قال فقهاء المصار لحديث أبي هريرة الثببابت "إذا ثببوب‬
‫بالصلة فل تأتوها وأنتم تسببعون‪ ،‬وأتوهببا وعليكببم السببكينة" ويشبببه أن يكببون سبببب‬
‫الخلف في ذلك أنه لم يبلغهم هذا الحديث أو رأوا أن الكتبباب يعارضببه لقببوله تعببالى‬
‫}فاستبقوا الخيرات{ وقوله }السبابقون السبابقون أولئك المقرببون{ وقبوله }وسبارعوا‬
‫إلى مغفرة من ربكم{ ‪.‬‬
‫وبالجملة فأصول الشرع تشهد بالمبادرة إلى الخير‪ ،‬لكن إذا صببح الحببديث وجببب أن‬
‫تستثنى الصلة من بين سائر أعمال القرب‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الرابعة( متى يستحب أن يقام إلى الصلة‪ ،‬فبعببض استحسببن البببدء فببي‬
‫أول القامة على الصل في الترغيب في المسببارعة‪ ،‬وبعببض عنببد قببوله‪ :‬قببد قببامت‬
‫الصلة‪ ،‬وبعضهم عند حي على الفلح‪ ،‬وبعضهم قال‪ :‬حتى يببروا المببام‪ ،‬وبعضببهم‬
‫لم يحد في ذلك حدا كمالك رضي ال عنببه‪ ،‬فببإنه وكببل ذلببك إلببى قببدر طاقببة النبباس‪،‬‬
‫وليس في هذا شرع مسموع إل حديث أبي قتادة أنه قال عليببه الصببلة والسببلم‪" :‬إذا‬
‫أقيمت الصلة فل تقوموا حتى تروني" فإن صح هذا وجب العمل بببه‪ ،‬وإل فالمسببألة‬
‫باقية على أصلها المعفو عنه‪ :‬أعني أنه ليس فيها شرع‪ ،‬وأنه متى قام كل فحسن‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الخامسة( ذهب مالك وكثير من العلماء إلى أن الببداخل وراء المببام إذا‬
‫خاف فوات الركعة بأن يرفع المام رأسببه منهببا إن تمببادى حببتى يصببل إلببى الصببف‬
‫الول أن له أن يركع دون الصف الول ثم يدب راكعا‪ ،‬وكره ذلك الشببافعي‪ ،‬وفببرق‬
‫أبو حنيفة بين الجماعة والواحد‪ ،‬فكرهبه للواحبد‪ ،‬وأجبازه للجماعببة‪ .‬ومبا ذهببب إليبه‬
‫مالك مروي عن زيد بن ثابت وابن مسعود‪ .‬وسبب اختلفهم اختلفهببم فببي تصببحيح‬
‫حديث أبي بكرة‪ ،‬وهو "أنه دخل المسجد ورسول الب صبلى الب عليبه وسبلم يصبلي‬
‫بالناس وهم ركوع‪ ،‬فركع ثم سعى إلى الصف‪ ،‬فلما انصرف رسببول ال ب صببلى ال ب‬
‫عليه وسلم قال‪ :‬من الساعي؟ قال أبو بكرة أنا‪ ،‬قال‪ :‬زادك ال حرصا ول تعد"‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الرابع‪ .‬في معرفة ما يجب على المأموم أن يتبع فيه المام‪.‬‬
‫@‪-‬وأجمع العلماء علببى أنببه يجببب علببى المببأموم أن يتبببع المببام فببي جميببع أقببواله‬
‫وأفعاله إل في قوله‪ :‬سمع ال لمن حمده‪ ،‬وفي جلوسه إذا صلى جالسببا لمببرض عنببد‬
‫من أجاز إمامة الجالس‪ .‬وأما اختلفهببم فببي قببوله سببمع الب لمببن حمببده‪ ،‬فببإن طائفببة‬
‫ذهبت إلى أن المام يقببول إذا رفببع رأسبه مببن الركببوع‪ :‬سببمع الب لمبن حمببده فقببط‪،‬‬
‫ويقببول المبأموم‪ :‬ربنببا ولببك الحمبد فقبط‪ ،‬وممبن قبال بهبذا القبول مالببك وأبببو حنيفبة‬
‫وغيرهما‪ .‬وذهبت طائفة أخرى إلى أن المام والمأموم يقولن جميعا سبمع الب لمببن‬
‫حمده ربنا ولك الحمد‪ ،‬وإن المأموم يتبع فيهما معا المام كسائر التكبببير سببواء‪ .‬وقببد‬
‫روي عن أبي حنيفة أن المنفبرد والمببام يقولنهمبا جميعبا‪ ،‬ول خلف فببي المنفببرد‪:‬‬
‫أعني أنه يقولهمببا جميعببا‪ .‬وسبببب الختلف فببي ذلببك حببديثان متعارضببان‪ :‬أحببدهما‬
‫حديث أنس أن النبي صلى ال عليه وسلم قال "إنما جعل المام ليؤتم بببه‪ ،‬فببإذا ركببع‬
‫فاركعوا‪ ،‬وإذا رفع فارفعوا‪ ،‬وإذا قال سمع ال لمن حمده فقولببوا‪ :‬ربنببا ولببك الحمببد"‬
‫والحديث الثاني حديث ابن عمر "أنه صلى ال عليه وسلم كان إذا افتتح الصلة رفببع‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يديه حذو منكبيه‪ ،‬وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهمببا أيضببا كببذلك وقببال‪ :‬سببمع الب‬
‫لمن حمده ربنا ولك الحمد" فمن رجح مفهوم حديث أنس قال‪ :‬ل يقول المببأموم سبمع‬
‫ال لمن حمده ول المام ربنا ولك الحمد‪ ،‬وهو مببن ببباب دليببل الخطبباب‪ ،‬لنببه جعببل‬
‫حكم المسكوت عنه بخلف حكم المنطوق به‪ .‬ومن رجح حديث ابن عمر قال‪ :‬يقببول‬
‫المام ربنا ولك الحمد‪ ،‬ويجب على المأموم أن يتبع المببام فببي قببوله سببمع الب لمببن‬
‫حمده لعموم قوله "إنما جعل المام ليؤتم به" ومن جمع بين الحبديثين فبرق فبي ذلبك‬
‫بين المام والمأموم‪ .‬والحق في ذلك أن حديث أنس يقتضي بدليل الخطاب أن المببام‬
‫ل يقول ربنا ولك الحمد‪ ،‬وأن المأموم ل يقول سمع ال لمن حمده‪ .‬وحديث ابن عمببر‬
‫يقتضببي نصببا أن المببام يقببول ربنببا ولببك الحمببد‪ ،‬فل يجببب أن يببترك النببص بببدليل‬
‫الخطبباب فببإن النببص أقببوى مببن دليببل الخطبباب‪ .‬وحببديث أنببس يقتضببي بعمببومه أن‬
‫المأموم يقول‪ :‬سمع ال لمن حمده بعموم قببوله "إنمببا جعبل المبام ليبؤتم بببه" وبببدليل‬
‫خطابه أن ل يقولها‪ ،‬فببوجب أن يرجببح بيببن العمببوم ودليببل الخطبباب‪ ،‬ول خلف أن‬
‫العموم أقوى من دليل الخطاب‪ ،‬لكن العموم يختلف أيضا في القوة والضعف‪ ،‬ولببذلك‬
‫ليس يبعد أن يكون بعض أدلة الخطاب أقوى من بعض أدلة العموم فالمسألة لعمببري‬
‫اجتهادية‪ :‬أعني في المأموم‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثانية( وهي صلة القائم خلف القاعد‪ ،‬فإن حاصل القببول فيهببا أن‬
‫العلماء اتفقوا على أنه ليس للصحيح أن يصلي فرضا قاعدا إذا كان منفببردا أو إمامببا‬
‫لقوله تعالى }وقوموا ل قانتين{ واختلفوا إذا كان المأموم صحيحا فصببلى خلببف إمببام‬
‫مريض يصلي قاعدا على ثلثة أقوال‪ :‬أحدها أن المأموم يصلي خلفببه قاعببدا‪ ،‬وممببن‬
‫قال بهذا القول أحمد وإسحق‪ ،‬والقول الثاني أنهم يصلون خلفه قيامببا‪ .‬قببال أبببو عمببر‬
‫بن عبد البببر‪ :‬وعلببى هببذا جماعببة فقهبباء المصببار الشببافعي وأصببحابه وأبببو حنيفببة‬
‫وأصحابه وأهل الظاهر وأبو ثور وغيرهم‪ ،‬وزاد هببؤلء فقببال يصببلون وراءه قيامببا‬
‫وإن كان ل يقوى على الركوع والسجود بل يببؤمئ إيمبباء‪ .‬وروى ابببن القاسببم أنببه ل‬
‫تجوز إمامة القاعد وأنه إن صلوا خلفه قياما أو قعودا بطلت صلتهم‪ ،‬وقد روي عن‬
‫مالك أنهم يعيدون الصلة في الوقت‪ ،‬وهببذا إنمببا بنببي علببى الكراهببة ل علببى المنببع‪،‬‬
‫والول هببو المشببهور عنببه‪ .‬وسبببب الختلف تعببارض الثببار فببي ذلببك ومعارضببة‬
‫العمببل للثببار‪ :‬أعنببي عمببل أهببل المدينببة عنببد مالببك‪ ،‬وذلببك أن فببي ذلببك حببديثين‬
‫متعارضين‪ :‬أحدهما حديث أنس‪ ،‬وهو قوله عليه الصلة والسلم "وإذا صببلى قاعببدا‬
‫فصلوا قعودا" وحديث عائشة في معناه‪ ،‬وهو "أنه صلى صلى ال عليببه وسببلم وهببو‬
‫شاك جالسا وصلى وراءه قوم قياما فأشار إليهم أن اجلسوا فلمببا انصببرف قببال "إنمببا‬
‫جعل المام ليؤتم به‪ ،‬فإذا ركع فاركعوا‪ ،‬وإذا رفع فارفعوا‪ ،‬وإذا صلى جالسا فصلوا‬
‫جلوسا" والحديث الثاني حديث عائشة "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم خرج فببي‬
‫مرضببه الببذي تببوفي منببه‪ ،‬فببأتى المسببجد فوجببد أبببا بكببر وهببو قببائم يصببلي بالنبباس‪،‬‬
‫فاستأخر أبو بكر فأشار إليه رسول ال صببلى الب عليببه وسببلم أن كمببا أنببت‪ ،‬فجلببس‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى جنبب أببي بكببر‪ ،‬فكببان أبببو بكبر يصبلي بصبلة‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وكان الناس يصلون بصلة أبي بكر" فذهب النبباس‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫في هذين الحديثين مذهبين‪ :‬مذهب النسخ‪ ،‬ومذهب الترجيبح‪ .‬فأمببا مببن ذهببب مببذهب‬
‫النسخ فإنهم قالوا‪ :‬إن ظاهر حديث عائشة وهو "أن النبي عليه الصلة والسببلم كببان‬
‫يؤم النبباس‪ ،‬وأن أبببا بكببر كبان مسبمعا" لنببه ل يجببوز أن يكببون إمامبان فبي صبلة‬
‫واحدة‪ ،‬وإن الناس كانوا قياما‪ ،‬وإن النبي عليه الصلة والسبلم كببان جالسبا‪ ،‬فببوجب‬
‫أن يكون هذا من فعله عليه الصلة والسلم‪ ،‬إذ كان آخر ما فعله ناسخا لقببوله وفعلببه‬
‫المتقدم‪ .‬وأما من ذهب مذهب الترجيح فإنهم رجحوا حببديث أنببس بببأن قببالوا إن هببذا‬
‫الحديث قد اضطربت الرواية عن عائشة فيه فيمن كان المام‪ ،‬هل رسول الب صبلى‬
‫ال عليه وسلم أو أبو بكر؟‪ .‬وأما مالك فليس له مستند من السماع‪ ،‬لن كل الحببديثين‬
‫اتفقا على جواز إمامة القاعد‪ ،‬وإنما اختلفا في قيام المببأموم أو قعببوده‪ ،‬حببتى إنببه لقببد‬
‫قال أبو محمد بن حزم إنه ليس في حديث عائشة أن الناس صلوا ل قياما ول قعودا‪،‬‬
‫وليس يجب أن يترك المنصوص عليه لشيء لم ينص عليه‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬وقببد ذكببر‬
‫أبو المصعب في مختصره عن مالك أنه قببال‪ :‬ل يببؤم النبباس أحببد قاعببدا‪ ،‬فببإن أمهببم‬
‫قاعدا فسدت صلتهم وصلته لن النبي صببلى الب عليببه وسببلم قببال "ل يببؤمن أحببد‬
‫بعدي قاعدا" قال أبو عمر وهذا حديث ل يصح عند أهل العلم بالحديث‪ ،‬لنببه يرويببه‬
‫جابر الجعفي مرسل‪ ،‬وليس بحجة فيما أسند فكيف فيما أرسل؟ وقد روى ابن القاسببم‬
‫عن مالك أنه كان يحتج بما رواه ربيعة بن أبي عبد الرحمببن "أن رسببول ال ب صببلى‬
‫ال عليه وسلم خرج وهو مريض‪ ،‬فكان أبو بكر هو المام‪ ،‬وكان رسول ال ب صببلى‬
‫ال عليه وسلم يصلي بصلة أبي بكر وقال‪ :‬ما مات نبي حتى يؤمه رجل مببن أمتببه"‬
‫وهذا ليس فيه حجة إل أن يتوهم أنه ائتم بأبي بكر لنه ل تجوز صلة المام القاعد‪،‬‬
‫وهذا ظن ل يجب أن يترك له النص مع ضعف هذا الحديث‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الخامس في صفة التباع‪.‬‬
‫@‪-‬وفيه مسئلتان‪ :‬إحداهما في وقت تكبيرة الحرام للمأموم‪ ،‬والثانيببة فببي حكببم مببن‬
‫رفع رأسه قبل المام‪ .‬أما اختلفهم في وقت تكبير المببأموم‪ ،‬فببإن مالكببا استحسببن أن‬
‫يكبر بعد فراغ المام من تكبيرة الحرام‪ ،‬قال‪ :‬وإن كبر معه أجزأه‪ ،‬وقد قيببل إنببه ل‬
‫يجزئه‪ ،‬وأما إن كبر قبله فل يجزئه‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬وغيره يكبر مع تكبيرة المببام‪،‬‬
‫فإن فرغ قبله لم يجزه‪ .‬وأما الشافعي فعنه في ذلك روايتان‪ :‬إحداهما مثل قببول مالببك‬
‫وهو الشهر‪ .‬والثانية أن المأموم إن كبر قببل المبام أجبزأه‪ .‬وسببب الخلف أن فبي‬
‫ذلك حبديثين متعارضببين‪ :‬أحببدهما قبوله عليببه الصببلة والسببلم "فببإذا كبببر فكبببروا"‬
‫والثاني ما روي "أنه عليه الصلة والسلم كبر في صببلة مببن الصببلوات‪ ،‬ثببم أشببار‬
‫إليهم أن امكثوا فذهب ثم رجع وعلى رأسه أثر الماء" فظاهر هذا أن تكبيره وقع بعد‬
‫تكبيرهم لنه لم يكن له تكبير أول لمكان عدم الطهارة‪ ،‬وهو أيضا مبني علببى أصببله‬
‫أن صلة المأموم غير مرتبطة بصلة المام‪ ،‬والحديث ليس فيببه ذكببر هببل اسببتأنفوا‬
‫التكبير أو لم يستأنفوه‪ ،‬فليس ينبغي أن يحمل على أحدهما إل بتوقيف‪ ،‬والصببل هببو‬
‫التباع وذلك ل يكون إل بعد أن يتقدم المام إما بالتكبير وإما بافتتاحه‪ .‬وأما من رفع‬
‫رأسه قبل المام فإن الجمهور يرون أنه أساء ولكن صلته جائزة‪ ،‬وأنبه يجبب عليبه‬
‫أن يرجع فيتبع المام‪ .‬وذهب قوم إلى أن صلته تبطل للوعيد الببذي جبباء فببي ذلببك‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وهو قوله عليه الصلة والسلم "أما يخاف الذي يرفع رأسه قبل المام أن يحول الب‬
‫رأسه رأس حمار"؟‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل السادس فيما حمله المام عن المأمومين‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أنه ل يحمل المام عن المأموم شببيئا مببن فببرائض الصببلة مببا عببدا‬
‫القراءة‪ ،‬فإنهم اختلفوا في ذلك على ثلثة أقببوال‪ :‬أحببدها أن المببأموم يقبرأ مببع المببام‬
‫فيما أسر فيه ول يقرأ معه فيما جهر به‪ .‬والثاني أنه ل يقرأ معه أصل‪ .‬والثببالث أنببه‬
‫يقرأ فيما أسر أم الكتاب وغيرهببا‪ ،‬وفيمببا جهببر أم الكتبباب فقببط‪ ،‬وبعضببهم فببرق فببي‬
‫الجهر بين أن يسمع قراءة المببام أو ل يسببمع‪ ،‬فببأوجب عليببه القببراءة إذا لببم يسببمع‪،‬‬
‫ونهاه عنها إذا سمع‪ ،‬وبالول قال مالك‪ ،‬إل أنه يستحسببن لببه القببراءة فيمببا أسببر فيببه‬
‫المام‪ .‬وبالثاني قال أبو حنيفة‪ ،‬وبالثالث قال الشافعي‪ ،‬والتفرقببة بيببن أن يسببمع أو ل‬
‫يسمع هو قول أحمد بن حنبل‪ .‬والسبب في اختلفهم اختلف الحاديث في هذا الباب‬
‫وبناء بعضها على بعض‪ ،‬وذلك أن في ذلك أربعة أحاديث‪ :‬أحدها قوله عليه الصلة‬
‫والسلم "ل صلة إل بفاتحة الكتاب" ومبا ورد مبن الحباديث فبي هبذا المعنبى ممببا‬
‫ذكرناه في باب وجوب القراءة‪ .‬والثاني ما روى مالك عببن أبببي هريببرة؟ أن رسببول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم انصرف من صلة جهر فيها بالقراءة فقببال‪ :‬هببل قببرأ معببي‬
‫منكم أحد آنفا‪ ،‬فقال رجل‪ :‬نعم أنا يا رسول البب‪ ،‬فقببال رسببول البب‪ :‬إنببي أقببول مببالي‬
‫أنازع القرآن" فانتهى الناس عن القراءة فيما جهببر فيببه رسببول الب صببلى الب عليببه‬
‫وسلم‪ .‬والثالث حديث عبادة بببن الصببامت قببال "صببلى بنببا رسببول الب صببلة الغببداة‬
‫فثقلت عليه القراءة‪ .‬فلما انصرف قال‪ :‬إني لراكم تقرءون وراء المببام‪ ،‬قلنببا‪ :‬نعببم‪،‬‬
‫قال‪ :‬فل تفعلوا إل بأم القرآن" قال أببو عمبر‪ ،‬وحبديث عببادة ببن الصبامت هنبا مبن‬
‫رواية مكحول وغيره متصل السند صحيح‪ .‬والحديث الرابع حديث جببابر عببن النبببي‬
‫عليه الصلة والسلم قال "من كان له إمام فقراءته له قراءة" وفي هذا أيضببا حببديث‬
‫خامس صححه أحمد بن حنبل‪ ،‬وهو ما روي أنه قال عليه الصلة والسببلم "إذا قببرأ‬
‫المام فأنصتوا" فاختلف الناس في وجه جمع هذه الحاديث‪ .‬فمن الناس مببن اسببتثنى‬
‫من النهي عن القراءة فيما جهر فيه المام قراءة أم القرآن فقط على حديث عبادة بببن‬
‫الصامت‪ .‬ومنهم مبن اسبتثنى مبن عمبوم قبوله عليبه الصبلة والسبلم "ل صبلة إل‬
‫بفاتحة الكتاب" المأموم فقط في صلة الجهر لمكان النهببي الببوارد عببن القببراءة فيمببا‬
‫جهر فيه المام في حببديث أبببي هريببرة‪ ،‬وأكببد ذلببك بظبباهر قببوله تعببالى }وإذا قببرئ‬
‫القرآن فاستمعوا لببه وأنصببتوا لعلكببم ترحمببون{ قببالوا‪ :‬وهببذا إنمببا ورد فببي الصببلة‪.‬‬
‫ومنهم من استثنى القراءة الواجبة على المصلي المأموم فقببط سببرا كببانت الصببلة أو‬
‫جهرا‪ ،‬وجعل الوجوب الوارد في القراءة في حق المام والمنفببرد فقببط مصببيرا إلببى‬
‫حديث جابر‪ ،‬وهو مذهب أبي حنيفة‪ ،‬فصار عنده حديث جابر مخصصا لقببوله عليببه‬
‫الصلة والسلم "واقرأ ما تيسر معك فقط" لنه ل يرى وجوب قراءة أم القببرآن فببي‬
‫الصلة‪ ،‬وإنما يرى وجببوب القببراءة مطلقببا علببى مببا تقببدم‪ ،‬وحببديث جببابر لببم يببروه‬
‫مرفوعا إل جابر الجعفي‪ ،‬ول حجة في شببيء ممببا ينفببرد بببه‪ .‬قببال أبببو عمببر‪ :‬وهببو‬
‫حديث ل يصح إل مرفوعا عن جابر‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫*‪*4‬الفصل السابع‪ .‬في الشياء التي إذا فسدت لهببا صببلة المببام يتعببدى الفسبباد إلببى‬
‫المأمومين‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أنه إذا طرأ عليببه الحببدث فببي الصببلة فقطببع أن صببلة المببأمومين‬
‫ليست تفسد‪ .‬واختلفوا إذا صلى بهم وهو جنب وعلموا بذلك بعد الصببلة‪ ،‬فقببال قببوم‪:‬‬
‫صلتهم صحيحة‪ ،‬وقال قوم‪ :‬صلتهم فاسدة‪ ،‬وفرق قوم بين أن يكببون المببام عالمببا‬
‫بجنابته أو ناسيا لها‪ ،‬فقالوا إن كان عالما فسببدت صببلتهم‪ ،‬وإن كببان ناسببيا لببم تفسببد‬
‫صلتهم‪ ،‬وبالول قال الشافعي‪ ،‬وبالثاني قال أبو حنيفة‪ ،‬وبالثالث قال مالببك‪ .‬وسبببب‬
‫اختلفهم هل صببحة انعقبباد صببلة المببأموم مرتبطببة بصببحة صببلة المببام أم ليسببت‬
‫مرتبطببة؟ فمببن لببم يرهببا مرتبطببة قببال‪ :‬صببلتهم جببائزة‪ ،‬ومببن رآهببا مرتبطببة قببال‪:‬‬
‫صلتهم فاسدة‪ ،‬ومن فرق بين السهو والعمد قصد إلى ظاهر الثر المتقدم وهو "أنببه‬
‫عليه الصلة والسلم كبر في صلة من الصلوات‪ ،‬ثم أشار إليهببم أن امكثبوا‪ ،‬فببذهب‬
‫ثم رجع وعلى جسمه أثر الماء" فإن ظاهر هببذا أنهببم بنببوا علببى صببلتهم والشببافعي‬
‫يرى أنه لو كانت الصلة مرتبطة للزم أن يبدءوا بالصلة مرة ثانية‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثالث من الجملة الثالثة‪.‬‬
‫@‪-‬والكلم المحيط بقواعد هذا الباب منحصر في أربعة فصول‪ :‬الفصل الول‪ :‬فببي‬
‫وجوب الجمعة وعلببى مببن تجببب‪ .‬الثبباني‪ :‬فببي شببروط الجمعببة‪ .‬الثببالث‪ :‬فببي أركببان‬
‫الجمعة‪ .‬الرابع‪ :‬في أحكام الجمعة‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول في وجوب الجمعة ومن تجب عليه‪.‬‬
‫@‪-‬أما وجوب صلة الجمعة على العيان فهو الذي عليه الجمهور لكونها بببدل مببن‬
‫واجب وهو الظهر‪ ،‬ولظاهر قوله تعالى }يا أيهببا الببذين آمنبوا إذا نببودي للصبلة مببن‬
‫يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر ال وذروا البببيع{ والمببر علببى الوجببوب‪ ،‬ولقببوله عليببه‬
‫الصلة والسلم "لينتهين أقوام عببن ودعهببم الجمعببات أو ليختمببن الب علببى قلببوبهم"‬
‫وذهب قوم إلى أنها من فروض الكفايات‪ .‬وعن مالك رواية شاذة أنها سببنة‪ .‬والسبببب‬
‫في هذا الختلف تشبيهها بصلة العيد لقوله عليه الصلة والسلم "إن هذا يوم جعله‬
‫ال عيدا" وأما على من تجب فعلى من وجدت فيه شببروط وجببوب الصببلة المتقدمببة‬
‫ووجد فيها زائدا عليها أربعة شروط اثنان باتفاق واثنببان مختلببف فيهمببا‪ .‬أمببا المتفببق‬
‫عليهما فالذكورة والصحة‪ ،‬فل تجب على امرأة ول علببى مريببض باتفبباق‪ ،‬ولكببن إن‬
‫حضروا كانوا من أهل الجمعة‪ .‬وأما المختلف فيهما فهما المسافر والعبد‪ ،‬فببالجمهور‬
‫على أنه ل تجب عليهما الجمعة‪ ،‬وداود وأصببحابه علببى أنببه تجببب عليهمببا الجمعببة‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم اختلفهم في صحة الثر الوارد في ذلببك‪ ،‬وهببو قببوله عليببه الصببلة‬
‫والسلم "الجمعة حق واجب على كل مسلم فببي جماعببة إل أربعببة‪ :‬عبببد مملببوك‪ .‬أو‬
‫امرأة‪ .‬أو صبي أو مريض" وفي أخرى "إل خمسة"وفيببه "أو مسببافر" والحببديث لببم‬
‫يصح عند أكثر العلماء‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني في شروط الجمعة‪.‬‬
‫@‪-‬وأما شروط الجمعة فاتفقوا على أنها شببروط الصببلة المفروضببة بعينهببا‪ :‬أعنببي‬
‫الثمانية المتقدمة مبا عبدا الببوقت والذان‪ ،‬فبإنهم اختلفببوا فيهمبا‪ ،‬وكبذلك اختلفبوا فببي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫شروطها المختصة بها‪ .‬أما الوقت فإن الجمهور على أن وقتهببا وقببت الظهببر بعينببه‪:‬‬
‫أعني وقت الزوال‪ ،‬وأنها ل تجوز قبل الزوال‪ ،‬وذهب قوم إلى أنه يجببوز أن تصببلى‬
‫قبل الزوال وهو قول أحمد بن حنبل‪ .‬والسبب فببي هببذا الختلف فببي مفهببوم الثببار‬
‫الواردة في تعجيل الجمعة مثل ما خرجه البخاري عن سهل بن سعد أنه قببال مببا كنببا‬
‫نتغدى على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم ول نقيل إل بعد الجمعببة‪ .‬ومثببل مببا‬
‫روي أنهم كانوا يصلون وينصرفون وما للجدران أظلل‪ ،‬فمن فهببم مببن هببذه الثببار‬
‫الصلة قبل الزوال أجاز ذلك‪ ،‬ومن لم يفهم منهببا إل التكبببير فقببط لببم يجببز ذلببك لئل‬
‫تتعارض الصول في هذا الباب‪ ،‬وذلك أنه قببد ثبببت مببن حببديث أنببس بببن مالببك "أن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم كان يصلي الجمعة حين تميل الشببمس" وأيضببا فإنهببا لمببا‬
‫كانت بدل من الظهر وجب أن يكون وقتها وقت الظهببر‪ ،‬فببوجب مببن طريببق الجمببع‬
‫بين هذه الثار أن تحمل تلك على التبكير‪ ،‬إذ ليست نصببا فببي الصببلة قبببل الببزوال‪،‬‬
‫وهو الذي عليه الجمهور‪.‬‬
‫وأما الذان فإن جمهور الفقهاء اتفقوا على أن وقته هو إذا جلس المببام علببى المنبببر‬
‫واختلفوا هل يؤذن بين يدي المام مؤذن واحد فقط أو أكثر من واحد؟ فذهب بعضهم‬
‫إلى أنه إنمببا يببؤذن بيببن يببدي المببام مببؤذن واحببد فقببط‪ ،‬وهببو الببذي يحببرم بببه البببيع‬
‫والشراء‪ .‬وقال آخرون‪ :‬بل يؤذن اثنان فقط‪ .‬وقال قوم‪ :‬بل إنما يؤذن ثلثة‪ .‬والسبببب‬
‫في اختلفهم اختلف الثار في ذلك‪ ،‬وذلك أنه روى البخاري عن السائب ابببن يزيببد‬
‫أنه قال "كان النداء يوم الجمعة إذا جلس المببام علببى المنبببر علببى عهببد رسببول الب‬
‫صلى ال عليه وسلم وأبي بكر وعمر‪ ،‬فلما كان زمان عثمان وكثر الناس زاد النببداء‬
‫الثالث على الزوراء" وروي أيضا عن السائب بن يزيد أنه قال "لم يكن يوم الجمعببة‬
‫لرسول ال صلى ال عليه وسلم إل مؤذن واحد" وروي أيضا عن سعيد بن المسببيب‬
‫أنه قال "كان الذان يوم الجمعة على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبي بكببر‬
‫وعمر أذانا واحدا حين يخرج المام فلما كان زمان عثمان وكثر النبباس فببزاد الذان‬
‫الول ليتهيأ الناس للجمعة" ورى ابن حبببيب "أن المببؤذنين كببانوا يببوم الجمعببة علببى‬
‫عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم ثلثة" فذهب قوم إلى ظاهر مببا رواه البخبباري‪،‬‬
‫وقالوا‪ :‬يؤذن يوم الجمعة مؤذنان‪ .‬وذهببب آخببرون إلببى أن المببؤذن واحببد فقببالوا‪ :‬إن‬
‫معنى قوله‪ :‬فلما كان زمان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث أن النداء الثاني هببو‬
‫القامة‪.‬‬
‫وأخذ آخرون بما رواه ابن حبيب‪ ،‬وأحاديث ابن حبيب عند أهل الحديث ضببعيفة ول‬
‫سيما بما انفرد به‪ .‬وأما شروط الوجوب والصحة المختصة ليوم الجمعة فبباتفق الكببل‬
‫على أن من شرطها الجماعة‪ ،‬واختلفوا في مقدار الجماعة‪ ،‬فمنهم من قال‪ :‬واحد مببع‬
‫المام وهو الطبري‪ .‬ومنهم من قال اثنان سوى المببام‪ .‬ومنهببم مببن قببال‪ :‬ثلثببة دون‬
‫المام‪ ،‬وهو قول أبي حنيفة‪ .‬ومنهم من اشترط أربعين‪ ،‬وهو قببول الشببافعي وأحمببد‪.‬‬
‫وقال قوم ثلثين‪ .‬ومنهم من لم يشترط عددا‪ ،‬ولكن رأى أنه يجوز بما دون الربعين‬
‫ول يجوز بالثلثة والربعة‪ ،‬وهو مذهب مالك‪ ،‬وحدهم بأنهم الذين يمكببن أن تتقببرى‬
‫بهم قرية‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وسبب اختلفهم في هذا اختلفهم في أقل ما ينطلق عليه اسم الجمع هل ذلك ثلثة أو‬
‫أربعة أو اثنان‪ ،‬وهل المام داخل فيهم أم ليس بداخل فيهم؟ وهل الجمع المشترط في‬
‫هذه الصلة هو أقل ما ينطلق عليه اسم الجمع في غالب الحوال‪ ،‬وذلك هو أكثر من‬
‫الثلثة والربعة‪ ،‬فمن ذهب إلى أن الشببرط فببي ذلببك هببو أقببل مببا ينطلببق عليببه اسببم‬
‫الجمع وكان عنده أن أقل ما ينطلق عليه اسم الجمع اثنان‪ ،‬فإن كان ممببن يعببد المببام‬
‫في الجمع المشترط في ذلك قال تقوم الجمعة باثنين المام وواحد ثان‪ ،‬وإن كان ممن‬
‫ل يرى أن يعد المام في الجمع قال تقوم باثنين سوى المام‪ ،‬ومن كببان أيضببا عنببده‬
‫أن أقل الجمع ثلثة‪ ،‬فإن كان ل يعد المام في جملتهم قال بثلثبة سبوى المبام‪ ،‬وإن‬
‫كان ممن يعد المام في جملتهم وافق قول من قال أقل الجمع اثنان ولم يعد المام في‬
‫جملتهم‪ .‬وأما من راعى ما ينطلق عليه في الكثر والعرف المستعمل اسم الجمع قال‬
‫ل تنعقد بالثنين ول بالربعة ولم يحد فببي ذلببك حببدا‪ ،‬ولمببا كببان مببن شببرط الجمعببة‬
‫الستيطان عنده حد هذا الجمع بالقدر من الناس الذين يمكنهببم أن يسببكنوا علببى حببدة‬
‫من الناس وهو مالك رحمه ال‪ .‬وأما من اشترط الربعين فمصيرا إلببى مببا روي أن‬
‫هذا العدد كان في أول جمعة صليت بالناس‪ ،‬فهببذا هببو أحببد شببروط صببلة الجمعببة‪:‬‬
‫أعني شروط الوجوب وشروط الصحة فإن من الشروط ما هي شروط وجوب فقببط‪،‬‬
‫ومنها ما يجمع المريببن جميعببا‪ :‬أعنببي أنهببا شببروط وجببوب وشببروط صببحة‪ .‬وأمببا‬
‫الشرط الثاني وهو السببتيطان‪ ،‬فببإن فقهبباء المصببار اتفقببوا عليببه لتفبباقهم علببى أن‬
‫الجمعة ل تجب على مسافر‪ ،‬وخالف فبي ذلبك أهبل الظباهر ليجبابهم الجمعبة علبى‬
‫المسافر‪.‬‬
‫واشترط أبو حنيفة المصر والسلطان مع هذا‪ ،‬ولم يشترط العدد‪ .‬وسبب اختلفهم في‬
‫هذا الباب هو الحتمال المتطرق إلى الحوال الراتبة التي اقترنت بهذه الصببلة عنببد‬
‫فعله إياها صبلى الب عليبه وسبلم هبل هبي شبرط فبي صبحتها أو وجوبهبا أم ليسبت‬
‫بشرط؟ وذلك أنه لم يصببلها صبلى الب عليبه وسببلم إل فببي جماعبة ومصبر ومسببجد‬
‫جامع‪ ،‬فمن رأى أن اقتران هذه الشياء بصلته مما يوجب كونها شبرطا فبي صبلة‬
‫الجمعة اشببترطها‪ ،‬ومببن رأى بعضببها دون بعببض اشببترط ذلببك البعببض دون غيببره‬
‫كاشتراط مالك المسجد وتركه اشتراط المصر والسلطان‪ ،‬ومن هببذا الوضببع اختلفببوا‬
‫في مسائل كثيرة من هذا الباب مثل اختلفهم هل تقام جمعتان في مصببر واحببد أو ل‬
‫تقام؟ والسبب في اختلفهم في اشتراط الحوال والفعال المقترنة بها هو كون بعض‬
‫تلك الحبوال أشبد مناسببة لفعبال الصبلة مبن بعبض‪ ،‬ولبذلك اتفقبوا علبى اشبتراط‬
‫الجماعة‪ ،‬إذ كان معلوما من الشرع أنها حال من الحوال الموجودة في الصلة‪ ،‬ولم‬
‫ير مالك المصر ول السلطان شرطا فببي ذلببك لكببونه غيببر مناسببب لحببوال الصببلة‬
‫ورأى أن المسببجد شببرطا لكببونه أقببرب مناسبببة‪ ،‬حببتى لقببد اختلببف المتببأخرون مببن‬
‫أصحابه هل من شرط المسجد السقف أم ل؟ وهل من شرطه أن تكون الجمعة راتبببة‬
‫فيه أم ل؟ وهذا كله لعله تعمق في هذا الباب ودين ال يسر‪ .‬ولقائل أن يقول‪ :‬إن هذه‬
‫لو كانت شروطا في صحة الصلة لما جاز أن يسكت عنهببا عليببه الصببلة والسببلم‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ول أن يترك بيانها لقوله تعالى }لتبين للناس ما نزل إليهم{ ولقوله تعببالى }لتبببين لهببم‬
‫الذي اختلفوا فيه{ وال المرشد للصواب‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصببل الثببالث فببي الركببان‪ .‬اتفببق المسببلمون علببى أنهببا خطبببة وركعتببان بعببد‬
‫الخطبة‪ ،‬واختلفوا في ذلك في خمس مسائل هي قواعد هذا الباب‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الولبى( فبي الخطببة‪ ،‬هبل هبي شبرط فبي صبحة الصبلة وركبن مببن‬
‫أركانها أم ل؟ فذهب الجمهور إلى أنها شرط وركن‪ .‬وقال قوم‪ :‬إنها ليسببت بفببرض‪،‬‬
‫وجمهور أصحاب مالك على أنها فرض إل ابن الماجشون‪ .‬وسبب اختلفهم هو هببل‬
‫الصل المتقدم من احتمال كل ما اقترن بهببذه الصببلة أن يكببون مببن شببروطها أو ل‬
‫يكون‪ .‬فمن رأى أن الخطبة حال من الحوال المختصة بهببذه الصببلة‪ ،‬وبخاصببة إذا‬
‫توهم أنها عوض من الركعتين اللتين نقصببتا مببن هببذه الصببلة قببال‪ :‬إنهببا ركببن مببن‬
‫أركان هذه الصلة وشرط في صحتها‪ ،‬ومببن رأى أن المقصببود منهببا هببو الموعظببة‬
‫المقصودة من سائر الخطب رأى أنها ليست شرطا من شببروط الصببلة‪ ،‬وإنمببا وقببع‬
‫خلف في هذه الخطبة هل هي فرض أم ل؟ لكونهببا راتبببة مببن سببائر الخطببب‪ ،‬وقببد‬
‫احتج قوم لوجوبها بقوله تعالى }فاسعوا إلى ذكر ال{ وقالوا هو الخطبة‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية( واختلف الذين قالوا بوجوبها في القدر المجببزئ منهببا فقببال ابببن‬
‫القاسم‪ :‬هو أقل ما ينطلق اسم خطبة في كلم العرب من الكلم المؤلف المبتدأ بحمببد‬
‫ال‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬أقل ما يجزئ من ذلك خطبتان اثنتان يكون في كل واحدة منهمببا‬
‫قائما يفصل إحداهما من الخرى بجلسة خفيفة يحمببد الب فببي كببل واحببدة منهمببا فببي‬
‫أولها ويصلي على النبي ويوصي بتقوى ال ويقرأ شيئا من القرآن في الولى ويدعو‬
‫في الخرة والسبب في اختلفهم هو هل يجزئ من ذلك أقببل مببا ينطلببق عليببه السببم‬
‫اللغوي أو السم الشرعي‪ ،‬فمن رأى أن المجزئ أقل ما ينطلق عليه السم اللغوي لم‬
‫يشترط فيها شيئا من القوال التي نقلت عنه صلى ال عليه وسلم فيها‪ .‬ومببن رأى أن‬
‫المجزئ من ذلك أقل ما ينطلق عليه السم الشرعي اشترط فيها أصول القوال الببتي‬
‫نقلت من خطبه صلى ال عليه وسلم‪ :‬أعني القوال الراتبة الغير مبتذلة‪ .‬والسبب في‬
‫هذا الختلف أن الخطبة التي نقلت عنه فيها أقوال راتبة وغيببر راتبببة‪ ،‬فمببن اعتبببر‬
‫القوال الغير راتبة وغلب حكمها قببال‪ :‬يكفببي مببن ذلببك أقببل مببا ينطلببق عليببه السببم‬
‫اللغوي‪ :‬أعني اسم خطبة عند العرب‪ .‬ومن اعتبر القوال الراتبة وغلب حكمها قال‪:‬‬
‫ل يجزئ من ذلك إل أقل ما ينطلق عليه اسم الخطبة في عببرف الشببرع واسببتعماله‪،‬‬
‫وليس من شرط الخطبة عند مالك الجلوس‪ ،‬وهو شرط كما قلنا عند الشافعي‪ ،‬وذلببك‬
‫أنه من اعتبر المعنى المعقول منه من كونه استراحة للخطيب لم يجعله شرطا‪ ،‬ومبن‬
‫جعل ذلك عبادة جعله شرطا‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثالثة( اختلفوا في النصبات يبوم الجمعبة والمبام يخطبب علبى ثلثبة‬
‫أقوال‪ :‬فمنهم من رأى أن النصات واجب على كل حال وأنببه حكببم لزم مببن أحكببام‬
‫الخطبة‪ ،‬وهم الجمهور ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمببد بببن حنبببل وجميببع فقهبباء‬
‫المصار‪ ،‬وهؤلء انقسموا ثلثة أقسام‪ ،‬فبعضهم أجاز التشميت ورد السلم في وقت‬
‫الخطبببة‪ ،‬وبببه قبال الثببوري والوزاعبي وغيرهبم وبعضبهم لببم يجببز رد السببلم ول‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫التشميت‪ ،‬وبعض فرق بين السلم والتشميت فقالوا يببرد السببلم ول يشببمت‪ ،‬والقببول‬
‫الثاني مقابل القول الول‪ ،‬وهو أن الكلم في حال الخطبة جببائز إل فببي حيببن قببراءة‬
‫القرآن فيها‪ ،‬وهو مروي عببن الشبعبي وسببعيد بببن جبببير وإبراهيببم النخعببي‪ ،‬والقبول‬
‫الثالث الفرق بين أن يسمع الخطبة أو ل يسمعها‪ ،‬فإن سببمعها أنصببت وإن لببم يسببمع‬
‫جاز له أن يسبح أو يتكلببم فببي مسببألة مببن العلببم‪ ،‬وبببه قببال أحمببد وعطبباء وجماعببة‪،‬‬
‫والجمهور على أنه إن تكلم لم تفسد صلته‪ .‬وروي عن ابن وهب أنببه قببال‪ :‬مببن لغببا‬
‫فصلته ظهر أربع وإنما صار الجمهور لوجببوب النصببات لحببديث أبببي هريببرة أن‬
‫النبي عليه الصلة والسلم قال "إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والمام يخطب‬
‫فقد لغوت" وأما من لم يوجبه فل أعلم لهم شبهة إل أن يكونببوا يببرون أن هببذا المببر‬
‫قد عارضه دليل الخطاب في قوله تعببالى }وإذا قببرئ القببرآن فاسببتمعوا لببه وأنصببتوا‬
‫لعلكم ترحمون{ أي أن ما عدا القرآن فليس يجب له النصات‪ ،‬وهذا فيه ضعف وال‬
‫أعلم‪ .‬والشبه أن يكون هذا الحديث لم يصلهم‪ .‬وأما اختلفهم في رد السلم وتشميث‬
‫العاطس‪ ،‬فالسبب فيه تعارض عموم المر بذلك لعمببوم المببر بالنصببات‪ ،‬واحتمببال‬
‫أن يكون كل واحد منهما مستثنى من صاحبه‪ ،‬فمن استثنى من عموم المر بالصمت‬
‫يوم الجمعة المر بالسلم وتشميت العاطس أجازهما‪ ،‬ومن استثنى من عمببوم المببر‬
‫برد السلم والتشميت المر بالصمت في حين الخطبة لم يجز ذلك‪ ،‬ومببن فببرق فببإنه‬
‫اسببتثنى رد السببلم مببن النهببي عببن التكلببم فببي الخطبببة‪ ،‬واسببتثنى مببن عمببوم المببر‬
‫التشميت وقبت الخطببة‪ ،‬وإنمبا ذهبب واحبد واحبد مبن هبؤلء إلبى واحبد واحبد مبن‬
‫المستثنيات لما غلب على ظنه من قوة العموم في أحدها وضببعفه فببي الخببر‪ ،‬وذلببك‬
‫أن المببر بالصببمت هببو عببام فببي الكلم خبباص فببي الببوقت‪ ،‬والمببر بببرد السببلم‬
‫والتشميت هو عام في الببوقت خباص فببي الكلم‪ ،‬فمببن اسببتثنى الزمببان الخبباص مببن‬
‫الكلم العام لم يجز رد السلم ول التشببميت فببي وقببت الخطبببة‪ ،‬ومببن اسببتثنى الكلم‬
‫الخاص من النهي عن الكلم العام أجاز ذلك‪ .‬والصواب أن ل يصببار لسببتثناء أحببد‬
‫العمومين بأحد الخصوصين إل بدليل‪ ،‬فإن عسر ذلك فبالنظر في ترجيببح العمومببات‬
‫والخصوصات‪ ،‬وترجيح تأكيد الوامر بهببا والقببول فببي تفصببيل ذلببك يطببول‪ ،‬ولكببن‬
‫معرفة ذلك بإيجاز أنببه إن كببانت الوامببر قوتهببا واحببدة والعمومببات والخصوصببات‬
‫قوتها واحدة ولم يكن هنالك دليل على أي يستثنى من أي وقع التمانع ضرورة‪ ،‬وهذا‬
‫يقل وجوده‪ ،‬وإن لم يكن فوجه الترجيببح فببي العمومببات والخصوصببات الواقعببة فببي‬
‫أمثال هذه المواضع هو النظببر إلببى جميببع أقسببام النسببب الواقعببة بيببن الخصوصببين‬
‫والعمومين‪ ،‬وهي أربع‪ :‬عمومان في مرتبة واحدة من القوة‪ ،‬وخصوصان في مرتبببة‬
‫واحدة من القوة‪ ،‬فهذا ل يصار لستثناء أحدهما إل بدليل‪ ،‬والثاني مقابببل هببذا‪ ،‬وهببو‬
‫خصوص في نهاية القوة وعموم في نهاية الضعف‪ ،‬فهذا يجب أن يصار إليه ول بببد‬
‫أعني أن يستثنى من العموم الخصوص‪ ،‬الثالث خصوصان في مرتبة واحببدة‪ ،‬وأحببد‬
‫العمومين أضعف من الثاني‪ ،‬فهذا ينبغي أن يخصص فيببه العمببوم الضببعيف‪ ،‬الرابببع‬
‫عمومان في مرتبة واحدة وأحد الخصوصين أقوى من الثبباني‪ ،‬فهببذا يجببب أن يكببون‬
‫الحكم فيه للخصوص القوي‪ ،‬وهذا كله إذا تساوت الوامببر فيهببا فببي مفهببوم التأكيببد‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فإن اختلفت حدثت من ذلك تراكيب مختلفة ووجبت المقايسة أيضببا بيببن قببوة اللفبباظ‬
‫وقوة الوامر‪ ،‬ولعسر انضباط هذه الشياء قيل إن كببل مجتهببد مصببيب أو أقببل ذلببك‬
‫غير مأثوم‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الرابعة( اختلفوا فيمن جاء يوم الجمعة والمام على المنبببر‪ :‬هببل يركببع‬
‫أم ل؟ فذهب بعض إلى أنه ل يركع وهو مذهب مالك‪ ،‬وذهب بعضهم إلى أنه يركع‪.‬‬
‫والسبب فببي اختلفهببم معارضببة القيبباس لعمببوم الثببر‪ ،‬وذلببك أن عمببوم قببوله عليببه‬
‫الصلة والسلم "إذا جاء أحدكم المسجد فليركع ركعتين" يوجب أن يركع الداخل في‬
‫المسجد يوم الجمعة وإن كان المام يخطب‪ ،‬والمر بالنصات إلببى الخطيبب يبوجب‬
‫دليله أن ل يشتغل بشيء مما يشغل عن النصات وإن كان عبادة‪ ،‬ويؤيد عمببوم هببذا‬
‫الثر ما ثبت من قوله عليه الصلة والسلم "إذا جاء أحدكم المسجد والمببام يخطببب‬
‫فليركع ركعتين خفيفتين" خرجه مسلم في بعض رواياته‪ ،‬وأكببثر روايبباته "أن النبببي‬
‫عليه الصلة والسلم أمر الرجل الداخل أن يركع‪ ،‬ولم يقل إذا جاء أحدكم" الحببديث‪.‬‬
‫فيتطرق إلى هذا الخلف في هل تقبل زيادة الراوي الواحببد إذا خببالفه أصببحابه عببن‬
‫الشيخ الول الذي اجتمعوا في الرواية عنه أم ل؟ فبإن صبحت الزيبادة وجبب العمبل‬
‫بها‪ ،‬فإنها نص في موضع الخلف والنص ل يجب أن يعارض بالقيبباس‪ ،‬لكببن يشبببه‬
‫أن يكون الذي راعاه مالك في هذا هو العمل‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الخامسة( أكثر الفقهاء على أن من سنة القراءة في صلة الجمعة قراءة‬
‫سورة الجمعة في الركعة الولى لما تكرر ذلك من فعله عليه الصلة والسلم‪ ،‬وذلك‬
‫أنه خرج مسلم عن أبي هريرة "أن رسول ال صبلى الب عليبه وسبلم كبان يقبرأ فبي‬
‫الركعة الولى بالجمعة‪ ،‬وفي الثانية بإذا جاءك المنافقون" وروى مالببك أن الضببحاك‬
‫بن قيس سأل النعمان بن بشير ماذا كان يقرأ به رسول ال صلى ال عليه وسلم يببوم‬
‫الجمعة على أثر سورة الجمعة قال "كان يقبرأ بهبل أتباك حبديث الغاشبية" واسبتحب‬
‫مالك العمل على هذا الحديث وإن قرأ عنده بسبح اسم ربك العلى كببان حسببنا‪ ،‬لنببه‬
‫مروي عن عمر بن عبد العزيز وأمببا أبببو حنيفببة فلببم يقببف فيهببا شببيئا‪ .‬والسبببب فببي‬
‫اختلفهم معارضة حال الفعل للقياس‪ ،‬وذلك أن القياس يوجب أن ل يكون لها سببورة‬
‫راتبة كالحال في سائر الصلوات‪ ،‬ودليل الفعبل يقتضبي أن يكببون لهبا سبورة راتببة‪.‬‬
‫وقال القاضي‪ :‬خرج مسلم عن النعمان ابن بشير "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫كان يقرأ في العيدين وفي الجمعة بسبح اسم ربك العلى‪ ،‬وهل أتاك حديث الغاشية"‬
‫قال فإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد قرأ بهما في الصلتين‪ ،‬وهببذا يببدل علببى‬
‫أنه ليس هناك سورة راتبة وأن الجمعة ليس كان يقرأ بها دائما‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الرابع في أحكام الجمعة‪.‬‬
‫@‪-‬وفي هذا الباب أربع مسائل‪ .‬الولى‪ :‬في حكببم طهببر الجمعببة‪ .‬الثانيببة‪ :‬علببى مببن‬
‫تجب ممن خارج المصر‪ .‬الثالثة‪ :‬في وقت الرواح المرغب فيه إلى الجمعة‪ .‬الرابعة‪:‬‬
‫في جواز البيع يوم الجمعة بعد النداء‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الولى( اختلفوا في طهر الجمعة؛ فذهب الجمهور إلى أنه سنة‪ ،‬وذهببب‬
‫أهل الظاهر إلى أنه فرض ول خلف فيما أعلم أنه ليس شرطا فببي صببحة الصببلة‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والسبببب فبي اختلفهبم تعبارض الثببار وذلبك أن فبي هبذا البباب حبديث أببي سببعيد‬
‫الخدري‪ ،‬وهو قوله عليه الصلة والسلم "طهر يوم الجمعة واجب علببى كببل محتلببم‬
‫كطهر الجنابة" وفيه حديث عائشة قالت‪" :‬كان النبباس عمببال أنفسببهم فيروحببون إلببى‬
‫الجمعة بهيئتهم‪ ،‬فقيل لو اغتسلتم؟ والول صببحيح باتفبباق‪ ،‬والثبباني خرجببه أبببو داود‬
‫ومسلم‪ .‬وظاهر حديث أبي سعيد يقتضببي وجببوب الغسببل‪ ،‬وظبباهر حببديث عاشببة أن‬
‫ذلك كان لموضع النظافة وأنه ليس عبادة‪ ،‬وقبد روي "مببن توضببأ يبوم الجمعببة فبهبا‬
‫ونعمت‪ ،‬ومن اغتسل فالغسل أفضل" وهو نبص فبي سبقوط فرضبيته إل أنبه حبديث‬
‫ضعيف‪ .‬وأما وجوب الجمعة على من هو خارج المصر‪ ،‬فببإن قومببا قببالوا‪ :‬ل تجببب‬
‫على من خارج المصر‪ ،‬وقوم قالوا‪ :‬بل تجب‪ ،‬وهؤلء اختلفوا اختلفا كببثيرا‪ ،‬فمنهببم‬
‫من قال‪ :‬من كان بينه وبين الجمعة مسيرة يوم وجب عليببه التيببان إليهببا وهببو شبباذ‪،‬‬
‫ومنهم من قال يجب عليه التيان إليها على ثلثة أميال‪ ،‬ومنهم من قببال‪ :‬يجببب عليببه‬
‫التيان من حيث يسمع النداء في الغلب‪ ،‬وذلك من ثلثة أميال مببن موضببع النببداء‪،‬‬
‫وهذان القولن عن مالك‪ ،‬وهذه المسألة ثبتت في شروط الوجببوب‪ .‬وسبببب اختلفهببم‬
‫في هببذا الببباب اختلف الثببار‪ ،‬وذلببك أنببه ورد أن النبباس كببانوا يببأتون الجمعببة مببن‬
‫العوالي في زمان النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وذلك ثلثة أميببال مببن المدينببة‪ .‬وروى‬
‫أبو داود أن النبي عليه الصلة والسلم قال "الجمعببة علببى مببن سببمع النببداء" وروي‬
‫"الجمعة على من آواه الليل إلى أهله" وهو أثر ضعيف وأما اختلفهببم فببي السبباعات‬
‫التي وردت في فضل الرواح‪ ،‬وهو قوله عليه الصلة والسلم "من راح في السبباعة‬
‫الولى فكأنما قرب بدنة‪ ،‬ومن راح في الساعة الثانية فكأنمببا قببرب بقببرة‪ ،‬ومببن راح‬
‫في الساعة الثالثببة فكأنمببا قببرب كبشببا‪ ،‬ومببن راح فببي السبباعة الرابعببة فكأنمبا قببرب‬
‫دجاجة‪ ،‬ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة" فإن الشافعي وجماعة من‬
‫العلماء اعتقدوا أن هببذه السبباعات هببي سبباعات النهببار فنببدبوا إلببى الببرواح مببن أول‬
‫النهار‪ ،‬وذهب مالك إلى أنها أجزاء ساعة واحدة قبل الزوال وبعده‪ ،‬وقببال قببوم‪ :‬هببي‬
‫أجزاء ساعة قبل الزوال وهو الظهر لوجوب السعي بعد الزوال إل على مذهب من‬
‫يرى أن الواجب يدخله الفضيلة‪ .‬وأما اختلفهم فببي البببيع والشببراء وقببت النببداء فببإن‬
‫قوما قالوا‪ :‬يفسخ البيع إذا وقببع النببداء‪ ،‬وقومببا قبالوا ل يفسببخ‪ .‬وسبببب اختلفهببم هببل‬
‫النهي عن الشيء الذي أصله مباح إذا تقيد النهي بصفة يعببود بفسبباد المنهببي عنببه أم‬
‫ل؟‪ .‬وآداب الجمعة ثلث الطيبب والسبواك واللبباس الحسبن‪ ،‬ول خلف فيبه لبورود‬
‫الثار بذلك‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الرابع في صلة السفر‪.‬‬
‫@‪-‬وهذا الباب فيه فصلن‪ :‬الفصل الول في القصر‪ .‬الفصل الثاني في الجمع‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول في القصر‪.‬‬
‫@‪-‬والسفر له تأثير في القصر باتفاق‪ ،‬وفي الجمع باختلف‪ .‬أمببا القصببر فببإنه اتفببق‬
‫العلماء على جواز قصر الصلة للمسافر إل قببول شبباذ‪ ،‬وهببو قببول عائشببة وهببو أن‬
‫القصر ل يجوز إل للخائف لقوله تعالى }إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا{ وقببالوا‪ :‬إن‬
‫النبي عليه الصلة والسلم إنما قصر لنه كان خائفا‪ ،‬واختلفوا مببن ذلببك فببي خمسببة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مواضع‪ :‬أحدها في حكم القصر‪ ،‬والثاني في المسافة التي يجب فيها القصر‪ ،‬والثالث‬
‫في السببفر الببذي يجببب فيببه القصببر‪ ،‬والرابببع فببي الموضببع الببذي يبببدأ منببه المسببافر‬
‫بالتقصير‪ ،‬والخامس في مقدار الزمان الذي يجوز للمسافر فيه إذا أقام في موضع أن‬
‫يقصر الصلة‪ .‬فأما حكم القصر فإنهم اختلفوا فيه على أربعة أقوال‪ :‬فمنهبم مبن رأى‬
‫أن القصر هو فببرض المسببافر المتعيببن عليببه‪ .‬ومنهببم مببن رأى أن القصببر والتمببام‬
‫كلهما فرض مخير له كالخيار في واجب الكفارة‪ .‬ومنهم من رأى أن القصببر سببنة‪.‬‬
‫ومنهببم مببن رأى أنببه رخصببة وأن التمببام أفضببل‪ ،‬وبببالقول الول قببال أبببو حنيفببة‬
‫وأصحابه والكوفيون بأسرهم‪ :‬أعني أنه فرض متعين‪ ،‬وبالثاني قال بعببض أصببحاب‬
‫الشافعي وبالثالث "أعنببي أنببه سببنة" قببال مالببك فببي أشببهر الروايببات عنببه‪ .‬وبببالرابع‬
‫"أعني أنه رخصببة" قببال الشببافعي فببي أشببهر الروايببات عنببه‪ ،‬وهببو المنصببور عنببد‬
‫أصحابه‪ .‬والسبببب فببي اختلفهببم معارضببة المعنببى المعقببول لصببيغة اللفببظ المنقببول‬
‫ومعارضببة دليببل الفعببل أيضببا للمعنببى المعقببول ولصببيغة اللفببظ المنقببول‪ ،‬وذلببك أن‬
‫المفهوم من قصر الصلة للمسافر إنما هو الرخصة لموضع المشقة كمببا رخببص لببه‬
‫في الفطر وفي أشياء كثيرة‬
‫ويؤيد هذا حديث يعلى بن أمية قببال "قلببت لعمببر‪ :‬إنمببا قببال الب }إن خفتببم أن يفتنكببم‬
‫الذين كفروا{ يريد في قصر الصلة في السفر‪ ،‬فقال عمر "عجبت مما عجبببت منببه‪،‬‬
‫فسألت رسول ال صلى ال عليه وسلم عما سألتني عنه فقال‪ :‬صدقة تصدق ال ب بهببا‬
‫عليكم‪ ،‬فاقبلوا صدقته" فمفهوم هذا الرخصة‪ .‬وحديث أبي قلبة عببن رجببل مببن بنببي‬
‫عامر أنه أتى النبي صلى ال عليه وسلم فقال له النبي صلى ال عليه وسببلم "إن ال ب‬
‫وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلة" وهما في الصحيح‪ ،‬وهببذا كلببه يببدل علببى‬
‫التخفيف والرخصة ورفع الحرج‪ ،‬ل أن القصر هو الواجب ول أنه سنة‪ .‬وأما الثببر‬
‫الذي يعارض بصيغته المعنبى المعقبول ومفهبوم هبذه الثبار فحبديث عائشبة الثبابت‬
‫باتفاق قالت "فرضت الصلة ركعتين ركعتين‪ ،‬فأقرت صلة السفر‪ ،‬وزيد في صلة‬
‫الحضر" وأما دليل الفعل الذي يعارض المعنى المعقول ومفهوم الثببر المنقببول فببإنه‬
‫ما نقل عنه عليه الصلة والسلم من قصر الصلة فببي كببل أسببفاره‪ ،‬وأنببه لببم يصببح‬
‫عنه عليه الصلة والسلم أنه أتم الصلة قط فمن ذهب إلى أنه سنة أو واجب مخيببر‬
‫فإنما حمله على ذلك أنه لم يصح عنده "أن النبي عليه الصببلة والسببلم أتببم الصببلة‬
‫وما هذا شأنه"‬
‫فقد يجب أن يكون أحد الوجهين‪ :‬أعني إما واجبا مخيرا‪ ،‬وإمببا أن يكببون سببنة‪ ،‬وإمببا‬
‫أن يكون فرضا معينا‪ ،‬لكببن كببونه فرضببا معينببا يعارضببه المعنببى المعقببول‪ ،‬وكببونه‬
‫رخصة يعارضه اللفظ المنقول‪ ،‬فوجب أن يكببون واجبببا مخيببرا أو سببنة‪ ،‬وكببان هببذا‬
‫نوعا من طريق الجمع‪ ،‬وقد اعتلوا لحديث عائشة بالمشهور عنها من أنها كانت تتم‪،‬‬
‫وروى عطاء "أن النبي صلى ال عليببه وسببلم كببان يتببم الصببلة فببي السببفر ويقصببر‬
‫ويصوم ويفطر ويؤخر الظهر ويعجل العصر ويؤخر المغرب ويعجل العشاء" ومما‬
‫يعارضه أيضا حديث أنس وأبي نجيح المكي قال‪ :‬اصطحبت أصببحاب محمببد صببلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬فكان بعضهم يتم وبعضهم يقصر وبعضببهم يصببوم وبعضببهم يفطببر‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فل يعيب هؤلء على هؤلء‪ ،‬ول هؤلء على هؤلء‪ ،‬ولم يختلببف فببي إتمببام الصببلة‬
‫عببن عثمببان وعائشببة‪ ،‬فهببذا هببو اختلفهببم فببي الموضببع الول‪ .‬وأمببا اختلفهببم فببي‬
‫الموضع الثاني وهي المسافة التي يجوز فيها القصر‪ ،‬فببإن العلمبباء اختلفببوا فببي ذلببك‬
‫أيضا اختلفا كثيرا‪ ،‬فذهب مالك والشببافعي وأحمببد وجماعببة كببثيرة إلببى أن الصببلة‬
‫تقصر في أربعة برد‪ ،‬وذلك مسيرة يوم بالسير الوسط‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة وأصببحابه والكوفيببون‪ :‬أقببل مبا تقصببر فيببه الصببلة ثلثببة أيببام‪ ،‬وإن‬
‫القصر إنما هو لمن سار من أفق إلى أفق‪ .‬وقال أهل الظباهر‪ :‬القصبر فبي كبل سبفر‬
‫قريبا كان أو بعيدا‪ .‬والسبب في اختلفهم معارضة المعنى المعقببول مببن ذلببك اللفببظ‪،‬‬
‫وذلك أن المعقول من تأثير السفر في القصر أنببه لمكببان المشببقة الموجببودة فيببه مثببل‬
‫تأثيره في الصوم‪ ،‬وإذا كان المر على ذلك فيجب القصر حيث المشقة‪ .‬وأمببا مببن ل‬
‫يراعي في ذلك إل اللفظ فقط‪ ،‬فقبالوا‪ :‬قبد قبال النببي عليبه الصبلة والسبلم "إن الب‬
‫وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلة" فكل من انطلق عليه اسم مسافر جبباز لببه‬
‫القصر والفطر‪ ،‬وأيدوا ذلك بما رواه مسبلم عبن عمبر ببن الخطباب "أن النببي عليبه‬
‫الصلة والسلم كان يقصر في نحو السبعة عشر ميل" وذهب قوم إلببى خببامس كمببا‬
‫قلنببا وهببو أن القصببر ل يجببوز إل للخببائف لقببوله تعببالى }إن خفتببم أن يفتنكببم الببذين‬
‫كفروا{ وقد قيل إنه مذهب عائشة وقالوا‪ :‬إن النبي صلى ال عليببه وسببلم إنمببا قصببر‬
‫لنه كان خائفا‪.‬‬
‫وأما اختلف أولئك الذين اعتبروا المشقة فسببه اختلف الصحابة في ذلك‪ ،‬وذلك أن‬
‫مذهب الربعة برد مروي عن ابن عمر وابن عباس‪ ،‬ورواه مالببك‪ ،‬ومببذهب الثلثببة‬
‫أيام مروي أيضا عببن ابببن مسببعود وعثمببان وغيرهمببا‪ .‬وأمببا الموضببع الثببالث وهببو‬
‫اختلفهم في نوع السفر الذي تقتصر فيببه الصببلة‪ ،‬فببرأى بعضببهم أن ذلببك مقصببور‬
‫على السفر المتقرب به كالحج والعمرة والجهاد‪ ،‬وممن قال بهذا القول أحمبد‪ .‬ومنهبم‬
‫من أجازه في السفر المباح دون سفر المعصية‪ ،‬وبهببذا القببول قببال مالببك والشببافعي‪.‬‬
‫ومنهم من أجازه في كل سببفر قربببة كببان أو مباحببا أو معصببية وبببه قببال أبببو حنيفببة‬
‫وأصحابه والثوري وأبو ثور‪ .‬والسبببب فببي اختلفهببم معارضببة المعنببى المعقببول أو‬
‫ظاهر اللفظ لدليل الفعل‪ ،‬وذلك أن من اعتبر المشببقة أو ظبباهر لفببظ السببفر لببم يفببرق‬
‫بين سفر وسفر‪ .‬وأما من اعتبر دليل الفعل قال‪ :‬إنه ل يجوز إل في السببفر المتقببرب‬
‫به لن النبي عليه الصلة والسلم لم يقصر قببط إل فببي سببفر متقببرب بببه‪ .‬وأمببا مببن‬
‫فرق بين المباح والمعصية فعلى جهة التغليظ‪،‬‬
‫والصل فيه‪ :‬هببل تجببوز الرخببص للعصبباة أم ل؟ وهببذه مسببألة عببارض فيهببا اللفببظ‬
‫المعنى‪ ،‬فاختلف الناس فيها لذلك‪ .‬وأما الموضع الرابع وهببو اختلفهببم فببي الموضببع‬
‫الذي منه يبدأ المسافر بقصر الصلة‪ ،‬فإن مالكا قببال فببي الموطببأ‪ :‬ل يقصببر الصببلة‬
‫الذي يريد السفر حتى يخرج من بيوت القرية ول يتببم حببتى يببدخل أول بيوتهببا‪ .‬وقببد‬
‫روي عنه أنه ل يقصر إذا كانت قرية جامعببة حببتى يكببون منهبا بنحببو ثلثبة أميبال‪،‬‬
‫وذلك عنده أقصى مببا تجببب فيببه الجمعببة علببى مببن كببان خببارج المصببر فببي إحببدى‬
‫الروايتين عنه‪ ،‬وبالقول الول قال الجمهببور‪ .‬والسبببب فببي هببذا الختلف معارضببة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مفهوم السم لدليل الفعل‪ ،‬وذلك أنه إذا شرع في السفر فقد انطلببق عليببه اسببم مسببافر‬
‫فمن راعى مفهوم السم قال‪ :‬إذل خرج من بيببوت القريببة قصببر‪ .‬ومببن راعببى دليببل‬
‫الفعل‪ :‬أعني فعله عليه الصلة والسلم قال‪ :‬ل يقصر إل إذا خرج من بيببوت القريببة‬
‫بثلثة أميال لما صح من حديث أنس قال "كان النبي صلى ال عليبه وسبلم إذا خبرج‬
‫مسيرة ثلثة أميال أو ثلثة فراسخ }شعبة الشاك{ صلى ركعتين" وأما اختلفهببم فببي‬
‫الزمان الذي يجوز للمسافر إذا قام فيه في بلد أن يقصر فاختلف كثير حكى فيه أبببو‬
‫عمر نحوا من أحد عشر قول‪ ،‬إل أن الشهر منها هو ما عليه فقهاء المصببار ولهببم‬
‫في ذلك ثلثة أقوال‪ :‬أحدها مذهب مالك والشافعي إنه إذا أزمع المسببافر علببى إقامببة‬
‫أربعة أيام أتم‪ .‬والثاني مذهب أبي حنيفبة وسبفيان الثبوري أنبه إذا أزمبع علبى إقامبة‬
‫خمسة عشر يوما أتم‪ .‬والثالث مذهب أحمد وداود أنه إذا أزمع على أكثر مببن أربعببة‬
‫أيام أتم‪ .‬وسببب الخلف أنبه أمبر مسبكوت عنبه فبي الشبرع والقيباس علبى التحديبد‬
‫ضعيف عند الجميع‪ ،‬ولذلك رام هؤلء كلهم أن يستدلوا لمببذهبهم مببن الحببوال الببتي‬
‫نقلت عنه عليه الصلة والسلم أنه أقام فيها مقصرا‪ ،‬أو أنه جعل لها حكببم المسببافر‪.‬‬
‫فالفريق الول احتجوا لمذهبهم بما روى "أنه عليه الصلة والسببلم أقببام بمكببة ثلثببا‬
‫يقصر في عمرته" وهذا ليس فيه حجة على أنه النهاية للتقصير‪،‬‬
‫وإنما فيه حجة على أنه يقصر في الثلثة فما دونها‪ .‬والفريق الثاني احتجوا لمببذهبهم‬
‫بما روي أنه أقام بمكة مقصرا وذلك نحوا من خمسة عشر يوما في بعض الروايببات‬
‫وقد روي سبعة عشر يوما وثمانية عشر يوما وتسعة عشر يوما‪ ،‬رواه البخاري عن‬
‫ابن عباس‪ ،‬وبكل قال فريق‪ .‬والفريق الثالث احتجوا بمقامه فببي حجببة بمكببة مقصببرا‬
‫أربعة أيام‪ ،‬وقد احتجت المالكية لمذهبها "أن رسول ال صلى الب عليببه وسببلم جعببل‬
‫للمهاجر ثلثة أيام بمكة مقام بعد قضاء نسكه" فدل هذا عنببدهم علببى أن إقامببة ثلثببة‬
‫أيام ليست تسلب عن المقيم فيها اسم السبفر‪ ،‬وهببي النكتببة البتي ذهببب الجميببع إليهبا‪،‬‬
‫وراموا استنباطها مببن فعلببه عليببه الصببلة والسببلم‪ :‬أعنببي مببتى يرتفببع عنببه بقصببد‬
‫القامة اسم السفر‪ ،‬ولذلك اتفقوا على أنه إن كانت القامة مدة ل يرتفع فيها عنه اسم‬
‫السفر بحسب رأي واحد منهم في تلك المدة وعاقه عائق عن السفر أنببه يقصببر أبببدا‪،‬‬
‫وإن أقام ما شاء ال‪ .‬ومن راعى الزمبان القبل مبن مقبامه تبأول مقبامه فبي الزمبان‬
‫الكثر مما ادعاه خصمه على هذه الجهة؛ فقالت المالكية مثل إن الخمسة عشر يومببا‬
‫التي أقامها عليه الصلة والسلم عام الفتح إنمببا أقامهببا وهببو أبببدا ينببوي أنببه ل يقيببم‬
‫أربعة أيام‪ ،‬وهذا بعينه يلزمهم في الزمان الذي حدوه‪ ،‬والشبه في المجتهببد فببي هببذا‬
‫أن يسلك أحد أمرين‪ :‬إما أن يجعل الحكم لكثر الزمان الذي روي عنه عليه الصببلة‬
‫والسلم أنه أقام فيه مقصرا‪ ،‬ويجعل ذلك حدا من جهة الصل هو التمام فببوجب أل‬
‫يزاد على هذا الزمان إل بدليل‪ ،‬أو يقول إن الصل في هذا هو أقل الزمان الذي وقع‬
‫عليه الجماع‪ ،‬وما ورد من أنه عليببه الصببلة والسببلم أقببام مقصببرا أكببثر مببن ذلببك‬
‫الزمان‪ ،‬فيحتمل أن يكون أقببامه لنببه جبائز للمسببافر‪ ،‬ويحتمببل أن يكببون أقببامه بنيببة‬
‫الزمان الذي تجوز إقامته فيه مقصرا باتفاق‪ ،‬فعرض له أن قام أكببثر مببن ذلببك‪ ،‬وإذا‬
‫كان الحتمال وجب التمسك بالصل‪ ،‬وأقل ما قيببل فببي ذلببك يببوم وليلببة‪ ،‬وهببو قببول‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ربيعة بن أبي عبد الرحمن‪ .‬وروي عن الحسن البصري أن المسببافر يقصببر أبببدا إل‬
‫أن يقدم مصرا من المصار‪ ،‬وهذا بناء علببى أن اسببم السببفر واقببع عليببه حببتى يقببدم‬
‫مصرا من المصار‪ ،‬فهذه أمهات المسائل التي تتعلق بالقصر‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني في الجمع‪.‬‬
‫@‪-‬وأما الجمع فإنه يتعلق به ثلث مسائل‪ :‬إحداها جوازه‪ .‬والثانية في صفة الجمببع‪.‬‬
‫والثالثة في مبيحات الجمببع‪ .‬أمببا جببوازه فببإنهم أجمعببوا علببى أن الجمببع بيببن الظهببر‬
‫والعصر في وقت الظهر بعرفة سببنة‪ ،‬وبيببن المغببرب والعشبباء بالمزدلفببة أيضببا فببي‬
‫وقببت العشبباء سببنة أيضببا‪ .‬واختلفببوا فببي الجمببع فببي غيببر هببذين المكببانين‪ ،‬فأجببازه‬
‫الجمهور على اختلف بينهم في المواضع التي يجوز فيها من التي ل يجوز‪ ،‬ومنعببه‬
‫أبو حنيفة وأصحابه بإطلق‪ .‬وسبب اختلفهبم أول اختلفهبم فبي تأويبل الثبار البتي‬
‫رويت في الجمع والستدلل منها على جواز الجمع لنها كلها أفعال وليست أقببوال‪،‬‬
‫والفعال يتطرق إليها الحتمال كثيرا أكببثر مببن تطرقببه إلببى اللفببظ‪ .‬وثانيببا اختلفهببم‬
‫أيضا في تصحيح بعضها‪ ،‬وثالثببا اختلفهببم فببي إجببازة القيبباس فببي ذلببك فهببي ثلثببة‬
‫أسباب كما ترى‪ .‬أما الثار التي اختلفوا في تأويلها‪ ،‬فمنها حديث أنس الثببابت باتفبباق‬
‫أخرجه البخاري ومسلم قال "كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا ارتحل قبببل أن‬
‫تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر‪ ،‬ثم نزل فجمع بينهما‪ ،‬فإن زاغت الشمس‬
‫قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب" ومنها حديث ابن عمر أخرجه الشببيخان أيضببا‬
‫قال "رأيت رسول ال صبلى الب عليبه وسبلم إذا عجبل ببه السبير فبي السبفر يبؤخر‬
‫المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء" والحببديث الثببالث حببديث ابببن عببباس خرجببه‬
‫مالك ومسلم قال "صلى رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم الظهببر والعصببر جميعببا‬
‫والمغرب والعشاء جميعا في غير خوف ول سفر" فذهب القائلون بجواز الجمببع فببي‬
‫تأويل هذه الحاديث إلببى أنببه أخببر الظهببر إلببى وقببت العصببر المختببص بهببا وجمببع‬
‫بينهما‪ .‬وذهب الكوفيبون إلبى أنبه إنمبا أوقبع صبلة الظهبر فبي آخبر وقتهبا وصبلة‬
‫العصر في أول وقتها على ما جاء في حديث إمامة جبريل قببالوا‪ :‬وعلببى هببذا يصببح‬
‫حمل حديث ابن عباس لنه قد انعقببد الجمبباع أنببه ل يجببوز هببذا فببي الحضببر لغيببر‬
‫عذر‪ :‬أعني أن تصبلى الصبلتان معبا فبي وقبت إحبداهما‪ ،‬واحتجبوا لتبأويلهم أيضبا‬
‫بحديث ابن مسعود قال "والذي ل إله غيره ما صلى رسول ال صلى ال عليه وسببلم‬
‫صلة قط إل في وقتها إل صلتين جمع بين الظهر والعصر بعرفة‪ ،‬وبيببن المغببرب‬
‫والعشاء بجمع" قالوا‪ :‬وأيضا فهذه الثار محتملة أن تكون على ما تأولناه نحن أو مببا‬
‫تأولتموه أنتم‪ .‬وقد صح توقيت الصلة وتبيانها في الوقات‪ ،‬فل يجوز أن تنتقببل عببن‬
‫أصل ثابت بأمر محتمل‪ .‬وأما الثر الذي اختلفوا في تصبحيحه‪ ،‬فمبا رواه مالبك مبن‬
‫حديث معاذ بن جبل "أنهم أخرجوا مع رسول ال صلى ال عليببه وسببلم عببام تبببوك‪،‬‬
‫فكان رسول ال صلى ال عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر والمغببرب والعشبباء‪،‬‬
‫قال‪ :‬فأخر الصلة يوما‪ ،‬ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا‪ ،‬ثببم دخببل ثببم خببرج‬
‫فصلى المغرب والعشاء جميعا" وهذا الحديث لو صح لكان أظهر من تلك الحبباديث‬
‫في إجازة الجمع‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫لن ظاهره أنه قببدم العشبباء إلببى وقببت المغببرب‪ ،‬وإن كببان لهببم أن يقولببوا إنببه أخببر‬
‫المغرب إلى آخر وقتها وصببلى العشبباء فببي أول وقتهبا لنبه ليبس فببي الحببديث أمببر‬
‫مقطوع به على ذلك‪ ،‬بل لفظ الراوي محتمل‪ .‬وأما اختلفهببم فببي إجببازة القيبباس فببي‬
‫ذلك فهو أن يلحق سائر الصلوات في السفر بصلة عرفة والمزدلفة‪ ،‬أعني أن يجبباز‬
‫الجمع قياسا على تلك‪ ،‬فيقال مثل‪ :‬صلة وجبت في سفر‪ ،‬فجاز أن تجمع أصله جمع‬
‫الناس بعرفة والمزدلفة‪ ،‬وهو مذهب سالم بن عبد ال‪ :‬أعني جواز هذا القيبباس‪ ،‬لكببن‬
‫القياس في العبادات يضعف‪ ،‬فهذه هي أسباب الخلف الواقع في جواز الجمع‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثانية( وهي صببورة الجمببع فبباختلف فيببه أيضببا القببائلون بببالجمع‬
‫أعني في السفر‪ .‬فمنهم من رأى الختيار أن تؤخر الصلة الولى وتصلى مع الثانية‬
‫وإن جمعتا معا في أول وقت الولى جاز‪ ،‬وهي إحدى الروايتين عببن مالببك‪ ،‬ومنهببم‬
‫من سوى بين المرين‪ :‬أعني أن يقدم الخرة إلى وقت الولى أو يعكس المببر وهببو‬
‫مذهب الشافعي وهي رواية أهل المدينة عن مالك‪ ،‬والولى رواية ابببن القاسببم عنببه‪،‬‬
‫وإنما كان الختيار عند مالك هذا النوع من الجمع لنه الثابت من حديث أنس‪ ،‬ومببن‬
‫سوى بينهما فمصيرا إلى أنه ل يرجح بالعدالة‪ :‬أعني أنه ل تفضل عدالببة عدالببة فببي‬
‫وجوب العمل بها‪ ،‬ومعنى هذا أنه إذا صح حديث معاذ وجببب العمببل بببه كمببا وجببب‬
‫بحديث أنس إذا كان رواة الحديثين عدول‪ ،‬وإن كان رواة أحد الحديثين أعدل‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثالثة( وهي السباب المبيحة للجمع‪ ،‬فاتفق القائلون بجواز الجمع‬
‫على أن السفر منها‪ ،‬واختلفوا في الجمع في الحضر وفي شببروط السببفر المبيببح لببه‪،‬‬
‫وذلك أن السفر منهم من جعله سببببا مبيحببا للجمببع أي سببفر كببان وبببأي صببفة كببان‪،‬‬
‫ومنهم من اشترط فيه ضربا من السير‪ ،‬ونوعا من أنواع السببفر‪ ،‬فأمببا الببذي اشببترط‬
‫فيه ضربا من السير فهو مالك في رواية ابن القاسببم عنببه‪ ،‬وذلببك أنببه قببال‪ :‬ل يجمببع‬
‫المسافر إل أن يجد به السير‪ ،‬ومنهم من لم يشترط ذلك وهو الشببافعي‪ ،‬وهببي إحببدى‬
‫الروايتين عن مالك‪ ،‬ومن ذهب هذا المذهب فإنما راعى قول ابن عمر "كان رسببول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم إذا عجل به السببير" الحببديث‪ .‬ومببن لببم يببذهب هببذا المببذهب‬
‫فإنما راعى ظاهر حديث أنس وغيره‪ ،‬وكذلك اختلفوا كما قلنا فبي نبوع السبفر الببذي‬
‫يجوز فيه الجمع‪ .‬فمنهم من قال‪ :‬هو سفر القربة كالحج والغزو‪ ،‬وهببو ظبباهر روايببة‬
‫ابن القاسم‪ .‬ومنهم من قال‪ :‬هو السفر المباح دون سفر المعصية‪ ،‬وهو قول الشببافعي‬
‫وظاهر رواية المدنيين عببن مالببك‪ .‬والسبببب فببي اختلفهببم فببي هببذا هببو السبببب فببي‬
‫اختلفهم في السفر الذي تقصر فيه الصلة‪ ،‬وإن كان هنالك التعميم‪ ،‬لن القصر نقل‬
‫قول وفعل‪ ،‬والجمع إنما نقل فعل فقط‪ ،‬فمن اقتصر به على نببوع السببفر الببذي جمببع‬
‫فيه رسول ال صلى ال عليببه وسببلم لببم يجببزه فببي غيببره‪ ،‬ومببن فهببم منببه الرخصببة‬
‫للمسافر عداه إلى غيره من السفار‪ .‬وأما الجمع في الحضر لغيببر عببذر‪ ،‬فببإن مالكببا‬
‫وأكثر الفقهاء ل يجيزونه‪ .‬وأجاز ذلك جماعة من أهل الظاهر وأشهب مببن أصببحاب‬
‫مالك‪ .‬وسبب اختلفهم اختلفهم في مفهوم حديث ابن عباس‪ ،‬فمنهببم مببن تبأوله علبى‬
‫أنه كان في مطر كما قال مالك‪ .‬ومنهم من أخذ بعمومه مطلقا‪ .‬وقد خرج مسلم زيادة‬
‫في حديثه‪ ،‬وهو قوله عليببه الصببلة والسببلم "فببي غيببر خببوف ول سببفر ول مطببر"‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وبهذا تمسك أهل الظاهر‪ .‬وأما الجمع في الحضر لعذر المطببر فأجبازه الشببافعي ليل‬
‫كان أو نهارا ومنعه مالك في النهار وأجازه في الليل‪ ،‬وأجازه أيضا فببي الطيببن دون‬
‫المطر في الليل‪ ،‬وقد عدل الشافعي مالكا في تفريقه من صلة النهار في ذلك وصلة‬
‫الليل‪ ،‬لنه روى الحديث وتأوله‪ :‬أعني خصص عمومه من جهة القيبباس‪ ،‬وذلببك أنببه‬
‫قال في قول ابن عباس "جمع رسول ال صلى ال عليه وسببلم بيببن الظهببر والعصببر‬
‫والمغرب والعشاء في غير خوف ول سفر" أرى ذلك كان في مطببر قببال‪ :‬فلببم يأخببذ‬
‫بعموم الحديث ول بتأويله‪ :‬أعنببي تخصيصببه‪ ،‬بببل رد بعضببه وتببأول بعضببه‪ ،‬وذلببك‬
‫شيء ل يجوز بإجماع‪ ،‬وذلك أنه لم يأخذ بقوله فيه "جمع بين الظهر والعصر" وأخذ‬
‫بقوله "والمغرب والعشاء" وتأوله وأحسب أن مالكببا رحمببه الب إنمببا رد بعببض هببذا‬
‫الحديث لنه عارضه العمل‪ ،‬فأخذ منه بالبعض الذي لم يعارضه العمل‪ ،‬وهو الجمببع‬
‫في الحضر بين المغرب والعشاء على ما روى أن ابن عمببر كببان إذا جمببع المببراء‬
‫بين المغرب والعشاء جمع معهم لكن النظر في هببذا الصببل الببذي هببو العمببل كيببف‬
‫يكون دليل شرعيا فيه نظر‪ ،‬فإن متقدمي شيوخ المالكية كانوا يقولببون إنببه مببن ببباب‬
‫الجماع‪ ،‬وذلك ل وجه له‪ ،‬فإن إجماع البعض ل يحتج به‪ ،‬وكان متأخروهم يقولببون‬
‫إنه من باب نقل التواتر‪ ،‬ويحتجون في ذلك بالصاع وغيره مما نقله أهل المدينة خلفا‬
‫عن سلف‪ ،‬والعمبل إنمبا هبو فعبل والفعبل ل يفيبد التبواتر إل أن يقبترن ببالقول فبإن‬
‫التببواتر طريقببة الخبببر ل العمببل‪ ،‬وببأن جعببل الفعببال تفيببد التببواتر عسببير بببل لعلببه‬
‫ممنوع‪ ،‬والشبه عندي أن يكون من باب عموم البلوي الذي يببذهب إليبه أببو حنيفببة‪،‬‬
‫وذلك أنه ل يجوز أن يكون أمثال هذه السنن مع تكررها وتكرر وقوع أسبببابها غيببر‬
‫منسوخة‪ ،‬ويذهب العمل بها على أهببل المدينببة الببذين تلقببوا العمببل بالسببنن خلفبا عببن‬
‫سلف‪ ،‬وهو أقوى من عموم البلببوي الببذي يببذهب إليببه أبببو حنيفببة‪ ،‬لن أهببل المدينببة‬
‫أحرى أن ل يذهب عليهم ذلك من غيرهم من النبباس الببذين يعتبببرهم أبببو حنيفببة فببي‬
‫طريق النقل‪ ،‬وبالجملة العمل ل يشك أنه قرينة إذا اقترنت بالشيء المنقول إن وافقته‬
‫أفادت به غلبة ظن وإن خالفته أفادت به ضعف ظن‪ ،‬فأما هل تبلغ هذه القرينة مبلغببا‬
‫ترد بها أخبار الحاد الثابتة ففيه نظر‪ ،‬وعسى أنها تبلغ في بعض ول تبلغ في بعض‬
‫لتفاضل الشياء في شدة عموم البلوى بها‪ ،‬وذلك أنه كلما كببانت السببنة الحاجببة إليهببا‬
‫أمس وهي كثيرة التكرار على المكلفيببن كببان نقلهببا مببن طريببق الحبباد مببن غيببر أن‬
‫ينتشر قول أو عمل فيه ضعف‪ ،‬وذلك أنه يوجب ذلك أحد أمرين‪ :‬إما أنها منسببوخة‪،‬‬
‫وإما أن النقل فيه اختلل‪ ،‬وقد بين ذلك المتكلمون كأبي المعالي وغيره‪ .‬وأمببا الجمببع‬
‫في الحضر للمريض فإن مالكا أباحه لببه إذا خبباف أن يغمببى عليببه أو كببان بببه بطببن‬
‫ومنع ذلك الشافعي‪ .‬والسبب في اختلفهببم هببو اختلفهببم فببي تعببدي علببة الجمببع فببي‬
‫السفر‪ :‬أعني المشقة‪ ،‬فمن طرد العلة رأى أن هذا من باب الولببى والحببرى‪ ،‬وذلببك‬
‫أن المشقة على المريض في إفراد الصلوات أشد منهببا علببى المسببافر‪ ،‬ومببن لببم يعببد‬
‫هذه العلة وجعلها كما يقولون قاصببرة‪ :‬أي خاصببة بببذلك الحكببم دون غيببره لببم يجببز‬
‫ذلك‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الخامس من الجملة الثالثة‪ ،‬وهو القول في صلة الخوف‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬اختلف العلماء في جواز صلة الخببوف بعببد النبببي عليببه الصببلة والسببلم وفببي‬
‫صفتها‪ ،‬فأكثر العلماء على أن صلة الخوف جائزة لعموم قوله تعببالى }وإذا ضببربتم‬
‫في الرض فليس عليكم جنبباح أن تقصببروا{ اليببة‪ .‬ولمببا ثبببت ذلببك مببن فعلببه عليببه‬
‫الصلة والسلم وعمل الئمة والخلفاء بعده بذلك‪ ،‬وشذ أبو يوسف من أصببحاب أبببي‬
‫حنيفة فقال‪ :‬ل تصلى صلة الخوف بعببد النبببي صببلى الب عليببه وسببلم بإمببام واحببد‪،‬‬
‫وإنما تصلى بعده بإمامين يصلي واحد منهما بطائفة ركعتين ثم يصلي الخر بطائفببة‬
‫أخرى وهي الحارسة ركعتين أيضا وتحرس التي قد صببلت‪ .‬والسبببب فببي اختلفهببم‬
‫هل صلة النبي بأصحابه صلة الخوف هي عبادة أو هي لمكان فضببل النبببي صببلى‬
‫ال عليه وسلم فمن رأى أنها عبادة لم ير أنها خاصة بببالنبي عليببه الصببلة والسببلم‪،‬‬
‫ومن رآها لمكان فضل النبي عليه الصلة والسلم رآها خاصة بالنبي عليببه الصببلة‬
‫والسلم‪ ،‬وإل فقببد كببان يمكننببا أن ينقسببم النبباس علببى إمببامين‪ ،‬وإنمببا كببان ضببرورة‬
‫اجتماعهم على إمام واحد خاصة من خواص النبي عليه الصلة والسلم وتأيبد عنبده‬
‫هببذا التأويببل ببدليل الخطباب المفهبوم مبن قبوله تعبالى }وإذا كنببت فيهبم فبأقمت لهببم‬
‫الصلة{ الية‪ .‬ومفهوم الخطاب أنه إذا لم يكن فيهم فالحكم غير هذا الحكم‪،‬‬
‫وقد ذهبت طائفة من فقهاء الشام إلى أن صلة الخوف تؤخر عن وقبت الخبوف إلببى‬
‫وقت المن كما فعل رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم الخندق‪ .‬والجمهور على أن‬
‫ذلك الفعل يوم الخندق كان قبل نزول صبلة الخبوف وأنبه منسبوخ بهبا‪ .‬وأمبا صبفة‬
‫صلة الخوف فإن العلماء اختلفوا فيها اختلفا كثيرا لختلف الثار فبي هبذا البباب‪:‬‬
‫أعني المنقولة من فعله صلى ال عليه وسلم في صلة الخوف‪ ،‬والمشببهور مببن ذلببك‬
‫سبع صفات‪ .‬فمن ذلك ما أخرجه مالببك ومسببلم مببن حبديث صببالح بببن خببوات عمببن‬
‫صلى مع رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم ذات الرقبباع صببلة الخببوف أن طائفببة‬
‫صفت معه وصفت طائفة وجاه العدو‪ ،‬فصلى بالتي معه ركعة‪ ،‬ثم ثبت قائمبا وأتمبوا‬
‫لنفسهم ثم انصرفوا وجاه العدو‪ ،‬وجاءت الطائفة الخرى فصببلى بهببم الركعببة الببتي‬
‫بقيت من صلتهم‪ ،‬ثم ثبت جالسا وأتمبوا لنفسبهم ثبم سبلم بهبم‪ ،‬وبهبذا الحبديث قبال‬
‫الشافعي‪ ،‬وروى مالك هذا الحديث بعينه عن القاسم بن محمد عن صببالح بببن خببوات‬
‫موقوفا كمثل حديث يزيد بن رومان أنه لما قضى الركعببة بالطائفببة الثانيببة سببلم ولببم‬
‫ينتظرهم حتى يفرغوا من الصلة‪ ،‬واختار مالك هذه الصببفة‪ ،‬فالشببافعي آثببر المسببند‬
‫على الموقوف‪ ،‬ومالك آثر الموقوف لنه أشبه بالصول‪ :‬أعني أنببه ل يجلببس )قببوله‬
‫يجلس لعله يسلم كما يظهر من سابقه اهب مصححه( المام حتى تفرغ الطائفة الثانيببة‬
‫من صلتها لن المام متبوع ل متبع وغير مختلف عليه‪ .‬والصفة الثالثة ما ورد في‬
‫حديث أبي عبيدة بن عبد ال بن مسعود عن أبيه‪ ،‬رواه الثوري وجماعة وخرجه أبببو‬
‫داود قال‪ :‬صببلى رسببول الب صبلى الب عليببه وسبلم صبلة الخببوف بطائفبة وطائفبة‬
‫مستقبلوا العدو‪ ،‬فصلى بالذين معه ركعببة وسببجدتين وانصببرفوا ولببم يسببلموا فوقفببوا‬
‫بإزاء العدو‪ ،‬ثم جاء الخرون فقاموا معه فصلى بهم ركعة ثم سلم فقام هؤلء فصلوا‬
‫لنفسهم ركعة ثم سلموا وذهبوا‪ ،‬فقاموا مقام أولئك مستقبلي العدو‪ ،‬ورجع أولئك إلبى‬
‫مراتبهم فصلوا لنفسهم ركعة ثم سلموا "وبهذه الصفة قبال أببو حنيفببة وأصببحابه مببا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫خل أبا يوسف على ما تقدم"‪ .‬والصفة الرابعة الواردة في حديث أبي عياش الزرقببي‬
‫قال "كنا مع رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم بعسببفان وعلببى المشببركين خالببد بببن‬
‫الوليد‪ ،‬فصلينا الظهر‪ ،‬فقال المشركون‪ :‬لقد أصبنا غفلة لو كنا حملنا عليهم وهببم فببي‬
‫الصلة‪ ،‬فأنزل ال آية القصر بين الظهر والعصر‪ ،‬فلما حضرت العصر قام رسببول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم مستقبل القبلة والمشببركون أمببامه فصببلى خلببف رسببول الب‬
‫صلى ال عليه وسلم صف واحد وصف بعد ذلك صف آخر‪ ،‬فركع رسول ال صببلى‬
‫ال ب عليببه وسببلم وركعببوا جميعببا ثببم سببجد وسببجد الصببف الببذي يليببه وقببام الخببر‬
‫يحرسونهم فلما صلى هؤلء سجدتين وقبباموا سببجد الخببرون الببذين كببانوا خلفببه ثببم‬
‫تأخر الصف الذي يليه إلى مقببام الخريببن‪ ،‬وتقببدم الصببف الخببر إلببى مقببام الصببف‬
‫الول ثم ركع رسول ال صلى ال عليه وسلم وركعوا جميعا‪ ،‬ثم سجد وسجد الصف‬
‫الذي يليه‪ ،‬وقام الخرون يحرسونهم‪ ،‬فلما جلببس رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم‬
‫والصف الذي يليه سجد الخرون ثم جلسوا جميعا فسببلم بهببم جميعببا" وهببذه الصببلة‬
‫صلها بعسفان وصلها يوم بني سليم‪.‬‬
‫قال أبو داود‪ :‬وروي هذا عن جابر وعن ابن عباس وعن مجاهد‪ ،‬وعن أبببي موسببى‬
‫وعن هشام ابن عروة عن أبيببه عببن النبببي صببلى الب عليببه وسببلم‪ ،‬قببال‪ :‬وهببو قببول‬
‫الثوري وهو أحوطها يريد أنه ليس في هذه الصفة كبير عمل مخالف لفعال الصلة‬
‫المعروفة‪ ،‬وقال بهذه الصفة جملة من أصحاب مالك وأصببحاب الشببافعي‪ ،‬وخرجهببا‬
‫مسلم عن جابر‪ ،‬وقال جابر‪ :‬كما يصنع حرسكم هؤلء بببأمرائكم‪ .‬والصببفة الخامسببة‬
‫الببواردة فببي حببديث حذيفببة قببال ثعلبببة بببن زهببدم قببال كنببا مببع سببعيد بببن العاصببي‬
‫بطبرستان‪ ،‬فقام فقال‪ :‬أيكم صلى مع رسول ال صلى ال عليه وسلم صلة الخببوف؟‬
‫قال حذيفة‪ :‬أنا‪ ،‬فصلى بهؤلء ركعة وبهؤلء ركعة ولم يقضوا شيئا"‬
‫وهذا مخالف للصل مخالفة كثيرة‪ .‬وخرج أيضا عن ابن عببباس فببي معنبباه أنببه قبال‬
‫"الصلة على لسان نبيكم في الحضر أربع وفي السفر ركعتببان وفببي الخببوف ركعببة‬
‫واحدة" وأجاز هذه الصفة الثوري‪ .‬والصفة السادسببة الببواردة فببي حببديث أبببي بكببرة‬
‫وحديث جابر عن النبي صلى ال عليببه وسببلم أنببه صببلى بكببل طائفببة مببن الطببائفتين‬
‫ركعتين ركعتين‪ ،‬وبه كان يفتي الحسن‪ ،‬وفيه دليل على اختلف نية المام والمببأموم‬
‫لكونه متما‪ ،‬وهم مقصرون‪ ،‬خرجه مسلم عن جابر‪.‬‬
‫والصفة السابعة الواردة في حديث ابن عمر عن النبي عليه الصلة والسلم أنه كببان‬
‫إذا سئل عن صلة الخوف قال‪ :‬يتقدم المام وطائفة مببن النبباس فيصببلي بهببم ركعببة‪.‬‬
‫وتكون طائفة منهم بينه وبين العدو لم يصلوا‪ ،‬فإذا صلى الذين معه ركعببة اسببتأخروا‬
‫مكان الذين لم يصلوا معه ول يسلمون‪ ،‬ويتقدم الذين لم يصلوا فيصلون معببه ركعببة‪،‬‬
‫ثم ينصرف المام وقد صلى ركعتين تتقدم كل واحدة من الطائفتين فيصلون لنفسهم‬
‫ركعببة ركعببة بعببد أن ينصببرف المببام فتكببون كببل واحببدة مببن الطببائفتين قببد صببلت‬
‫ركعتين‪ ،‬فإن كان خوف أشد من ذلببك صببلوا رجببال قيامببا علببى أقببدامهم‪ ،‬أو ركبانببا‬
‫مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها‪ ،‬وممن قال بهذه الصفة أشهب عببن مالببك وجماعببة‪.‬‬
‫وقال أبو عمر‪ :‬الحجة لمن قال بحديث ابن عمر هذا أنه ورد بنقل الئمة أهل المدينة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وهم الحجة في النقبل علبى مبن خبالفهم‪ ،‬وهبي أيضبا مبع هبذا أشببه بالصبول‪ ،‬لن‬
‫الطائفة الولى والثانية لم يقضوا الركعة إل بعد خروج رسببول الب صببلى الب عليببه‬
‫وسلم من الصلة وهو المعروف من سنة القضاء المجتمع عليها في سائر الصلوات‪،‬‬
‫وأكثر العلماء على ما جاء في هذا الحديث من أنه إذا اشببتد الخببوف جبباز أن يصببلوا‬
‫مستقبلي القبلة وغير مستقبليها‪ ،‬وإيماء من غير ركوع ول سجود‪ .‬وخببالف فببي ذلببك‬
‫أبو حنيفة فقال‪ :‬ل يصلي الخائف إل إلى القبلة‪ ،‬ول يصلي أحببد فببي حببال المسببايفة‪.‬‬
‫وسبب الخلف في ذلك مخالفة هذا الفعل للصول‪ ،‬وقببد رأى قببوم أن هببذه الصببفات‬
‫كلها جائزة‪ ،‬وأن للمكلف أن يصلي أيتها أحب‪ ،‬وقد قيل‪ :‬إن هذا الختلف إنمببا كببان‬
‫بحسب اختلف المواطن‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب السادس من الجملة الثالثة في صلة المريض‪.‬‬
‫@‪-‬أجمع العلماء على أن المريض مخاطب بأداء الصلة‪ ،‬وأنببه يسببقط عنببه فببرض‬
‫القيام إذا لم يستطعه ويصلي جالسا‪ ،‬وكذلك يسقط عنه فببرض الركببوع والسببجود إذا‬
‫لم يستطعهما أو أحدهما ويومئ مكانهمبا‪ .‬واختلفبوا فيمبن لبه أن يصبلي جالسبا وفبي‬
‫هيئة الجلوس وفي هيئة الذي ل يقدر على الجلوس ول على القيببام‪ ،‬فأمببا مببن لببه أن‬
‫يصلي جالسا فإن قوما قالوا‪ :‬هذا الذي ل يستطيع القيام أصل‪ ،‬وقوم قببالوا هببو الببذي‬
‫يشق عليه القيام من المرض‪ ،‬وهو مببذهب مالببك‪ .‬وسبببب اختلفهببم هببو‪ :‬هببل يسببقط‬
‫فرض القيام مع المشقة أو مع عدم القدرة؟ وليس في ذلك نص‪ .‬وأما صببفة الجلببوس‬
‫فإن قوما قالوا‪ :‬يجلس متربعا‪ :‬أعني الجلبوس البذي هبو ببدل مبن القيبام‪ ،‬وكبره اببن‬
‫مسعود الجلوس متربعا‪ ،‬فمن ذهب إلى التربيع فل فببرق بينببه وبيبن جلبوس التشببهد‪،‬‬
‫ومن كره فلنه ليس من جلوس الصلة‪ .‬وأما صفة صلة الببذي ل يقببدر علببى القيببام‬
‫ول على الجلوس‪ ،‬فإن قوما قالوا يصلي مضطجعا‪ ،‬وقوم قالوا‪ :‬يصببلي كيفمببا تيسببر‬
‫له‪ ،‬وقوم قالوا‪ :‬يصلي مستقبل رجله إلى الكعبة‪ ،‬وقوم قالوا‪ :‬إن لم يستطع الجلببوس‬
‫صلى على جنبه‪ ،‬فإن لم يستطع على جنبه صلى مستلقيا ورجله إلى القبلة على قدر‬
‫طاقته‪ ،‬وهو الذي اختاره ابن المنذر‪.‬‬
‫*‪)*3‬الجملة الرابعة( وهذه الجملة تشمل مببن أفعببال الصببلة علببى الببتي ليسببت أداء‪،‬‬
‫وهذه هي إما إعادة وإما قضاء وإما جبر لما زاد أو نقص بالسجود ففي هببذه الجملببة‬
‫إذا ثلثة أبواب‪ .‬الباب الول‪ :‬في العادة‪ .‬الباب الثاني‪ :‬فببي القضبباء‪ .‬الببباب الثببالث‪:‬‬
‫في الجبران الذي يكون بالسجود‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول في العادة‪.‬‬
‫@‪-‬وهذا الباب الكلم فيه في السباب التي تقتضي العادة‪ ،‬وهي مفسدات الصببلة‪.‬‬
‫واتفقوا على أن من صلى بغير طهارة أنه يجب عليه العادة عمدا أو نسيانا‪ ،‬وكذلك‬
‫من صلى لغير القبلة عمدا كان ذلك أو نسيانا‪.‬‬
‫وبالجملة فكل من أخل بشرط من شروط صحة الصببلة وجبببت عليببه العببادة وإنمببا‬
‫يختلفون من أجل اختلفهم في الشروط المصححة‪.‬‬
‫)وها هنا مسائل تتعلق بهذا الباب خارجة عما ذكر من فروض الصلة اختلفوا فيها(‬
‫فمنها أنهم اتفقوا على أن الحدث يقطببع الصببلة‪ ،‬واختلفببوا هببل يقتضببي العببادة مببن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أولها إذا كان قد ذهب منها ركعة أو ركعتان قبل طببرو الحببدث أم يبنببي علبى مبا قبد‬
‫مضى من الصلة‪ ،‬فذهب الجمهور إلى أنه ل يبني ل فببي حببدث ول فببي غيببره ممببا‬
‫يقطع الصلة إل في الرعاف فقط‪ .‬ومنهم من رأى أنه ل يبني ل في الحبدث ول فبي‬
‫الرعاف‪ ،‬وهو الشافعي‪ ،‬وذهب الكوفيون إلبى أنبه يبنبي فبي الحبداث كلهبا‪ .‬وسببب‬
‫اختلفهم أنه لم يرد في جواز ذلك أثر عن النبي عليه الصببلة والسببلم‪ ،‬وإنمببا صببح‬
‫عن ابن عمر أنه رعف في الصلة فبنى ولببم يتوضببأ‪ ،‬فمببن رأى أن هببذا الفعببل مببن‬
‫الصحابي يجري مجرى التوقيف إذ ليس يمكن أن يفعبل مثبل هبذا بقيباس أجباز هبذا‬
‫الفعل‪ ،‬ومن كان عنده من هؤلء أن الرعاف ليس بحببدث أجبباز البنبباء فببي الرعبباف‬
‫فقط ولم يعده لغيره‪ ،‬وهو مذهب مالك‪ ،‬ومبن كبان عنبده أنبه حبدث أجباز البنباء فبي‬
‫سائر الحداث قياسا على الرعاف‪ ،‬ومن رأى أن مثل هذا ل يجب أن يصار إليببه إل‬
‫بتوقيف من النبي عليه الصببلة والسببلم إذ قببد انعقببد الجمبباع علببى أن المصببلي إذا‬
‫انصرف إلى غير القبلة أنه قد خرج من الصلة‪ ،‬وكذلك إذا فعل فيهببا فعل كببثيرا لببم‬
‫يجز البناء ل في الحدث ول في في الرعاف‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية( اختلف العلماء هل يقطع الصلة مرور شيء بين يدي المصببلي‬
‫إذا صلى لغير سبترة أو مبر بينبه وبيبن السبترة؟ فبذهب الجمهبور إلبى أنبه ل يقطبع‬
‫الصلة شيء‪ ،‬وأنه ليس عليه العادة‪ ،‬وذهبت طائفة إلى أنببه يقطببع الصببلة‪ :‬المببرأة‬
‫والحمار والكلب السود‪ .‬وسبب هذا الخلف معارضة القول للفعل‪ ،‬وذلك أنببه خببرج‬
‫مسلم عبن أببي ذر أنبه عليبه الصبلة والسبلم قبال "يقطبع الصبلة المبرأة والحمبار‬
‫والكلب السود" وخرج مسلم والبخاري عن عائشة أنها قالت "لقد رأيتنببي بيببن يببدي‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم معترضببة كبباعتراض الجنببازة وهببو يصببلي" وروي‬
‫مثل قول الجمهور عن علي وعن أبي‪ ،‬ول خلف بينهم في كراهية المرور بين يدي‬
‫المنفرد والمام إذا صلى لغير سترة أو مر بينه وبين السترة‪ ،‬ولم يروا بأسببا أن يمببر‬
‫خلف السترة وكذلك لم يروا بأسا أن يمر بين يدي المأموم لثبوت حببديث ابببن عببباس‬
‫وغيره قال "لقد أقبلت راكبا على أتان وأنببا يببومئذ قببد نبباهزت الحتلم ورسببول الب‬
‫صلى ال عليبه وسبلم يصبلي بالنباس‪ ،‬فمبررت بيبن يبدي بعبض الصبفوف‪ ،‬فنزلبت‬
‫وأرسلت التان ترتع ودخلت فببي الصببف‪ ،‬فلببم ينكببر علببي ذلببك أحببد" وهببذا عنببدهم‬
‫يجري مجرى المسند‪ ،‬وفيه نظر‪ ،‬وإنما اتفق الجمهور على كراهية المرور بين يدي‬
‫المصلي‪ ،‬لما جاء فيه من الوعيد في ذلك‪ ،‬ولقوله عليه الصلة والسلم فيببه "فليقبباتله‬
‫فإنما هو شيطان"‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثالثة( اختلفوا في النفخ في الصلة على ثلثة أقوال‪ :‬فقوم كرهوه ولببم‬
‫يروا العادة على من فعله‪ ،‬وقوم أوجبوا العادة على من نفخ‪ ،‬وقببوم فرقببوا بيببن أن‬
‫يسمع أو ل يسمع‪ .‬وسبب اختلفهم تردد النفخ بين أن يكون كلما أو ل يكون كلما‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الرابعة( اتفقببوا علبى أن الضببحك يقطبع الصبلة‪ ،‬واختلفبوا فببي التبسببم‬
‫وسبب اختلفهم تردد التبسم بين أن يلحق بالضحك أو ل يلحق به‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الخامسة( اختلفوا في صلة الحاقن‪ ،‬فأكثر العلمبباء يكرهببون أن يصببلي‬
‫الرجل وهو حاقن‪ ،‬لما روي من حديث زيد بن أرقم قال‪ :‬سببمعت رسببول الب صببلى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ال عليه وسلم يقول "إذا أراد أحدكم الغائط فليبببدأ بببه قبببل الصببلة" ولمببا روي عببن‬
‫عائشة عن النبي عليه الصلة والسلم أنه قال "ل يصلي أحدكم بحضرة الطعببام ول‬
‫وهو يدافع الخبثان" يعني الغائط والبول‪ .‬ولما ورد مببن النهببي عببن ذلببك عبن عمبر‬
‫أيضا‪ ،‬وذهب قوم إلى أن صلته فاسدة‪ ،‬وأنه يعيد‪ .‬وروى ابن القاسببم عببن مالببك مببا‬
‫يدل على أن صلة الحاقن فاسدة‪ ،‬وذلك أنه روي عنه أنه أمببره بالعببادة فببي الببوقت‬
‫وبعد الوقت‪ .‬والسبب في اختلفهم اختلفهم في النهي‪ ،‬هببل يببدل علببى فسبباد المنهببى‬
‫عنه أم ليس يدل على فساده؟ وإنما يدل على تأثيم من فعله فقط إذا كان أصببل الفعببل‬
‫الذي تعلق النهي به واجبا أو جائزا‪ ،‬وقد تمسك القائلون بفسبباد صببلته بحببديث رواه‬
‫الشاميون‪ ،‬منهم من يجعله عن ثوبان‪ ،‬ومنهم من يجعله عببن أبببي هريببرة عببن النبببي‬
‫صلى ال عليه وسلم قال "ل يحل لمؤمن أن يصلي وهو حاقن جدا" قال أبو عمر بن‬
‫عبد البر‪ :‬هو حديث ضعيف السند ل حجة فيه‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة السادسة( اختلفوا في رد سلم المصلي على من سببلم عليببه‪ ،‬فرخصببت‬
‫فيه طائفة منهم سعيد بن المسيب والحسن بن أبي الحسن البصري وقتادة‪ .‬ومنع ذلبك‬
‫قوم بالقول وأجازوا الرد بالشارة‪ ،‬وهو مذهب مالك والشببافعي‪ ،‬ومنببع آخببرون رده‬
‫بالقول والشارة‪ ،‬وهو مذهب النعمان‪ ،‬وأجاز قوم الرد في نفسه‪ ،‬وقوم قالوا يببرد إذا‬
‫فرغ من الصلة‪ .‬والسبب في اختلفهم‪ :‬هل رد السبلم نبوع مبن التكلبم فبي الصبلة‬
‫المنهى عنه أم ل؟ فمن رأى أنه من نوع الكلم المنهببى عنببه‪ ،‬وخصببص المببر بببرد‬
‫السلم في قوله تعالى }وإذا حييتم بتحية فحيببوا بأحسببن منهببا{ اليببة بأحبباديث النهببي‬
‫عن الكلم في الصلة قال‪ :‬ل يجوز الرد في الصلة‪ ،‬ومن رأى أنه ليببس داخل فببي‬
‫الكلم المنهى عنه‪ ،‬أو خصص أحاديث النهي بالمر برد السلم أجازه فببي الصببلة‪.‬‬
‫قال أبو بكر بن المنذر‪ ،‬ومن قال ل يرد ول يصير فقد خبالف السببنة‪ ،‬فبإنه قبد أخبببر‬
‫حبيب أن النبي عليه الصلة والسلم رد علببى البذين سببلموا عليبه وهببو فببي الصببلة‬
‫بإشارة‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني في القضاء‪.‬‬
‫@‪-‬والكلم في هذا الباب على من يجببب القضبباء‪ ،‬وفببي صببفة أنببواع القضبباء وفببي‬
‫شروطه‪ ،‬فأما على من يجب القضاء؟ فاتفق المسلمون علببى أنببه يجببب علببى الناسببي‬
‫والنببائم‪ ،‬واختلفببوا فببي العامببد والمغمببى عليببه‪ ،‬وإنمببا اتفببق المسببلمون علببى وجببوب‬
‫القضاء على الناسي والنائم لثبوت قوله عليه الصببلة والسببلم وفعلببه‪ :‬وأعنببي بقببوله‬
‫عليه الصلة والسلم "رفع القلم عن ثلث" فببذكر النببائم وقببوله "إذا نببام أحببدكم عببن‬
‫الصلة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" وما روي أنه نام عن الصلة حتى خرج وقتهببا‬
‫فقضاها‪ .‬وأما تاركها عمببدا حبتى يخببرج الببوقت‪ ،‬فببإن الجمهببور علببى أنببه آثببم‪ ،‬وأن‬
‫القضاء عليه واجب وذهب بعض أهل الظاهر إلى أنه ل يقضي وأنه آثم‪ ،‬وأحببد مببن‬
‫ذهب إلى ذلك أبو محمد بن حزم‪ .‬وسبب اختلفهم اختلفهم في شببيئين‪ :‬أحببدهما فببي‬
‫جواز القياس في الشرع‪ .‬والثاني في قياس العامد على الناسي إذا سلم جواز القياس‪.‬‬
‫فمن رأى أنه إذا وجب القضاء على الناسي الذي قد عذره الشرع فببي أشببياء كببثيرة‪،‬‬
‫فالمتعمد أحرى أن يجب عليه لنه غير معذور أوجبب القضباء عليبه‪ ،‬ومبن رأى أن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الناسي والعامد ضدان‪ :‬والضداد ل يقاس بعضبها علببى بعبض إذ أحكامهبا مختلفببة‪،‬‬
‫وإنما تقاس الشباه‪ ،‬لم يجز قياس العامد على الناسي‪ ،‬والحبق فبي هبذا أنبه إذا جعبل‬
‫الوجوب من باب التغليظ كان القياس سائغا‪ .‬وأما إن جعبل مبن بباب الرفبق بالناسبي‬
‫والعذر له وأن ل يفوته ذلك الخير‪ ،‬فالعامد في هذا ضد الناسي‪ ،‬والقياس غيببر سببائغ‬
‫لن الناسي معذور والعامد غيببر معبذور‪ ،‬الصببل أن القضبباء ل يجبب ببأمر الداء‪،‬‬
‫وإنما يجب بأمر مجدد علبى مبا قبال المتكلمبون‪ ،‬لن القاضبي قبد فباته أحبد شبروط‬
‫التمكن من وقوع الفعل على صحته‪ ،‬وهو الوقت إذ كان شرطا مببن شببروط الصببحة‬
‫والتأخير عن الوقت في قياس التقديم عليه‪ ،‬لكن قد ورد الثر بالناسي والنببائم وتببردد‬
‫العامد بين أن يكون شبيها أو غير شبيه‪ ،‬وال الموفق للحق‪ .‬وأما المغمى عليه‪ ،‬فببإن‬
‫قوما أسقطوا عنه القضاء فيما ذهب وقته‪ ،‬وقوم أوجبوا عليببه القضبباء‪ .‬ومببن هببؤلء‬
‫من اشترط القضاء في عدد معلوم‪ ،‬وقالوا‪ :‬يقضي في الخمس فما دونها‪ .‬والسبب في‬
‫اختلفهم تردده بين النائم والمجنون‪ ،‬فمن شبببهه بالنببائم أوجببب عليببه القضبباء‪ ،‬ومببن‬
‫شبهه بالمجنون أسقط عنه الوجوب‪ .‬وأما صفة القضاء‪ ،‬فإن القضاء نوعببان‪ :‬قضبباء‬
‫لجملة الصلة‪ ،‬وقضاء لبعضببها‪ .‬أمببا قضبباء الجملببة فببالنظر فيببه فببي صببفة القضبباء‬
‫وشروطه ووقته‪ .‬فأما صفة القضاء فهي بعينها صفة الداء إذا كببانت الصببلتان فببي‬
‫صفة واحدة مبن الفرضبية وأمبا إذا كبانت فبي أحبوال مختلفبة مثبل أن يبذكر صبلة‬
‫حضرية في سفر أو صلة سفرية في حضر‪ ،‬فبباختلفوا فببي ذلببك علببى ثلثببة أقببوال‪:‬‬
‫فقوم قالوا‪ :‬إنما يقضي مثل الذي عليه ولم يراعوا الوقت الحاضر‪ ،‬وهو مذهب مالك‬
‫وأصحابه‪ ،‬وقوم قالوا‪ :‬إنما يقضي أبدا أربعا سفرية كانت منسية أو حضببرية‪ ،‬فعلببى‬
‫رأي هؤلء إن ذكببر فببي السببفر حضببرية صببلها حضببرية‪ ،‬وإن ذكببر فببي الحضببر‬
‫سفرية صلها حضرية وهبو مبذهب الشبافعي‪ .‬وقبال قبوم‪ :‬إنمبا يقضبي أببدا فبرض‬
‫الحال التي هببو فيهببا فيقضببي الحضببرية فببي السببفر سببفرية‪ ،‬والسببفرية فببي الحضببر‬
‫حضرية‪ ،‬فمن شبه القضاء بالداء راعببى الحبال الحاضبرة وجعببل الحكببم لهببا قياسبا‬
‫على المريض يتذكر صلة نسيها في الصببحة أو الصببحيح يتببذكر صببلة نسببيها فببي‬
‫المرض‪ :‬أعني أن فرضه هو فرض الصلة في الحال الحاضرة‪ ،‬ومن شبببه القضبباء‬
‫بالديون أوجب للمقضية صببفة المنسببية‪ .‬وأمببا مببن أوجببب أن يقضببي أبببدا حضببرية‪،‬‬
‫فراعى الصفة في إحداهما والحال فببي الخببرى‪ ،‬أعنببي أنببه إذا ذكببر الحضببرية فببي‬
‫السفر راعى صفة المقضببية‪ ،‬وإذا ذكببر السببفرية فببي الحضببر راعببى الحببال؛ وذلببك‬
‫اضطراب جار على غير قياس إل أن يذهب مذهب الحتيبباط‪ ،‬وذلببك بتصببور فيمببن‬
‫يرى القصر رخصة‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما شروط القضاء ووقته( فإن من شروطه الذي اختلفببوا فيببه الببترتيب وذلببك‬
‫أنهم اختلفوا في وجوب الترتيب في قضاء المنسيات‪ :‬أعني بوجوب ترتيب المنسيات‬
‫مع الصلة الحاضرة الوقت‪ ،‬وترتيب المنسيات بعضها مع بعض إذا كانت أكثر مببن‬
‫صلة واحدة‪ ،‬فببذهب مالببك إلببى أن الببترتيب واجببب فيهببا فببي الخمببس صببلوات فمببا‬
‫دونها‪ ،‬وأنه يبدأ بالمنسية وإن فات وقت الحاضببرة حببتى أنببه قببال‪ :‬إن ذكببر المنسببية‬
‫وهو في الحاضرة فسدت الحاضرة عليه‪ ،‬وبمثببل ذلببك قببال أبببو حنيفببة والثببوري إل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أنهم رأوا الترتيب واجبا مع اتساع وقت الحاضرة‪ ،‬واتفق هؤلء على سقوط وجوب‬
‫الترتيب مع النسببيان‪ .‬وقبال الشببافعي ل يجبب البترتيب‪ ،‬وإن فعببل ذلببك إذا كببان فببي‬
‫الوقت متسع فحسن يعني في وقت الحاضرة‪ .‬والسبببب فببي اختلفهببم اختلف الثببار‬
‫في هذا الباب واختلفهم في تشبببيه القضبباء بببالداء‪ .‬فأمببا الثببار فببإنه ورد فببي ذلببك‬
‫حديثان متعارضان‪ :‬أحدهما ما روي عنه عليه الصلة والسببلم أنببه قببال "مببن نسببي‬
‫صلة وهو مع المبام فبي أخبرى فليصبل مبع المبام‪ ،‬فبإذا فبرغ مبن صبلته فليعبد‬
‫الصلة التي نسي ثم ليعد الصلة التي صلى مع المام" وأصحاب الشافعي يضعفون‬
‫هذا الحديث ويصححون حديث ابن عباس أن النبببي عليببه الصببلة والسببلم قببال "إذا‬
‫نسي أحدكم صلة فذكرها وهو في صلة مكتوبة فليتم التي هو فيها‪ ،‬فإذا فببرغ منهببا‬
‫قضى التي نسي" والحديث الصحيح في هذا الباب هو ما تقدم من قوله عليه الصببلة‬
‫والسلم‪ ،‬إذا نام أحدكم عن الصلة أو نسيها" الحديث‪ .‬وأما اختلفهم في جهة تشبببيه‬
‫القضاء بالداء فببإن مببن رأى أن الببترتيب فببي الداء إنمببا لببزم مببن أجببل أن أوقاتهببا‬
‫المختصة بصلة منها هي مرتبة في نفسها إذ كان الزمان ل يعقل إل مرتبا لم يلحببق‬
‫بها القضاء‪ ،‬لنه ليس للقضاء وقت مخصوص ومن رأى أن الترتيب فببي الصببلوات‬
‫المؤداة هو في الفعل وإن كان الزمببان واحببدا مثببل الجمببع بيببن الصببلتين فببي وقببت‬
‫إحداهما‪ ،‬شبه القضاء بببالداء‪ :‬وقببد رأت المالكيببة أن تببوجب الببترتيب للمقضببية مببن‬
‫جهة الوقت ل من جهببة الفعببل لقببوله عليببه الصببلة والسببلم‪" :‬فليصببلها إذا ذكرهببا"‬
‫قالوا‪ :‬فوقت المنسية وهو وقت الذكر‪ ،‬ولذلك وجب أن تفسد عليببه الصببلة الببتي هببو‬
‫فيها في ذلك الوقت‪ ،‬وهذا ل معنى لببه لنببه إن كببان وقببت الببذكر وقتببا للمنسببية فهببو‬
‫بعينه أيضا وقت للحاضرة أو وقت للمنسيات إذا كانت أكثر مببن صببلة واحببدة‪ ،‬وإذا‬
‫كان الوقت واحدا فلبم يببق أن يكبون الفسباد الواقبع فيهبا إل مبن قببل البترتيب بينهبا‬
‫كالترتيب الذي يوجد فبي أجبزاء الصبلة الواحبدة فبإنه ليبس إحبدى الصبلتين أحبق‬
‫بالوقت من صبباحبتها إذ كببان وقتببا لكليهمببا إل أن يقببوم دليببل الببترتيب‪ ،‬وليببس ههنببا‬
‫عندي شيء يمكن أن يجعل أصل في هذا الباب لترتيب المنسيات إل الجمع عند مببن‬
‫سلمه‪ ،‬فإن الصلوات المؤداة أوقاتها مختلفة والترتيب فببي القضبباء إنمببا يتصببور فببي‬
‫الوقت الواحد بعينه للصلتين معا‪ ،‬فافهم هذا فإن فيه غموضببا‪ ،‬وأظببن مالكببا رحمببه‬
‫الب إنمببا قبباس ذلببك علببى الجمببع وإنمببا صببار الجميببع إلببى استحسببان الببترتيب فببي‬
‫المنسببيات إذا لببم يخببف فببوات الحاضببرة لصببلته عليببه الصببلة والسببلم الصببلوات‬
‫الخمس يوم الخندق مرتبة‪ ،‬وقد احتج بهذا من أوجب القضاء على العامد‪ ،‬ول معنببى‬
‫لهذا‪ ،‬فإن هذا منسوخ‪ ،‬وأيضا فإنه كان تركا لعذر وأما التحديد في الخمس فما دونها‬
‫فليس له وجه إل أن يقال‪ :‬إنه إجماع‪ ،‬فهذا حكم القضاء الذي يكون فببي فببوات جملببة‬
‫الصلة‪ ،‬وأما القضاء الذي يكون في فببوات بعببض الصببلوات‪ ،‬فمنببه مبا يكببون سببببه‬
‫النسيان‪ ،‬ومنه ما يكون سببه سبببق المببام للمببأموم‪ :‬أعنببي أن يفببوت المببأموم بعببض‬
‫صلة المام‪ ،‬فأمببا إذا فببات المببأموم بعببض الصببلة‪ ،‬فببإن فيببه مسببائل ثلثببا قواعببد‪:‬‬
‫إحداها مبتى تفبوت الركعبة‪ .‬والثانيبة هبل إتيبانه بمبا فباته بعبد صبلة المبام أداء أو‬
‫قضاء‪ .‬والثالثة متى يلزمه حكم صلة المببام ومببتى ل يلزمببه ذلببك‪ .‬أمببا مببتى تفببوته‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الركعة‪ ،‬فإن في ذلببك مسببألتين‪ :‬إحببداهما إذا دخببل والمببام قببد أهببوى إلببى الركببوع‪،‬‬
‫والثانية إذا كان مع المام في الصلة فسها أن يتبعه في الركوع أو منعه ذلك ما وقع‬
‫من زحام أو غيره‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الولى( فإن فيها ثلثة أقوال‪ :‬أحدها وهو الذي عليه الجمهور أنببه‬
‫إذا أدرك المام قبل أن يرفع رأسه من الركوع وركع معه فهو مدرك للركعة وليببس‬
‫عليه قضاؤها‪ ،‬وهؤلء اختلفوا‪ :‬هل من شرط هذا الداخل أن يكبببر تكبببيرتين تكبببيرة‬
‫للحرام وتكبببيرة للركبوع أو يجزيببه تكبببيرة الركبوع؟‪ .‬وإن كبانت تجزيبه فهبل مبن‬
‫شرطها أن ينوي بها تكبيرة الحببرام أم ليببس ذلببك مببن شببرطها؟ فقببال بعضببهم‪ :‬بببل‬
‫تكبيرة واحبدة تجزيبه إذا نبوى بهبا تكببيرة الفتتباح‪ ،‬وهبو مبذهب مالبك والشبافعي‪،‬‬
‫والختيار عندهم تكبيرتان‪ ،‬وقال قوم‪ :‬ل بد من تكبيرتين‪ ،‬وقال قببوم‪ :‬تجببزى واحببدة‬
‫وإن لم ينو بها تكبيرة الفتتاح‪ .‬والقول الثاني أنه إذا ركببع المببام فقببد فبباتته الركعببة‪،‬‬
‫وأنه ل يدركها ما لم يدركه قائما وهو منسوب إلى أبي هريرة‪ .‬والقول الثالث أنه إذا‬
‫انتهى إلى الصف الخر وقد رفع المام رأسه ولببم يرفببع بعضببهم‪ ،‬فببأدرك ذلببك أنببه‬
‫يجزيه لن بعضهم أئمة لبعض‪ ،‬وبه قال الشببعبي‪ .‬وسبببب هببذا الختلف تببردد اسببم‬
‫الركعببة بيببن أن يببدل علببى الفعببل نفسببه الببذي هببو النحنبباء فقببط‪ ،‬أو علببى النحنبباء‬
‫والوقوف معا‪ ،‬وذلك أنه قال عليه الصلة والسلم‪" :‬من أدرك من الصلة ركعة فقببد‬
‫أدرك الصلة" قال ابن المنذر‪ :‬ثبت ذلك عن رسول ال صلى ال عليببه وسببلم‪ ،‬فمببن‬
‫كان اسم الركعة ينطلق عنده على القيام والنحناء معا قبال‪ :‬إذا فباته قيبام المبام فقبد‬
‫فاتته الركعة‪ ،‬ومن كان اسم الركعببة ينطلببق عنببده علببى النحنبباء نفسببه جعببل إدراك‬
‫النحناء إدراكا للركعة‪ ،‬والشتراك الذي عرض لهذا السم إنما هببو مببن قبببل تببردده‬
‫بيببن المعنببى اللغببوي والمعنببى الشببرعي‪ ،‬وذلببك أن اسببم الركعببة ينطلببق لغببة علببى‬
‫النحناء‪ ،‬وينطلق شرعا علببى القيببام والركببوع والسببجود فمببن رأى أن اسببم الركعببة‬
‫ينطلق في قوله عليه الصلة والسلم "من أدرك ركعة" علببى الركعببة الشببرعية ولببم‬
‫يذهب مذهب الخذ ببعض ما تدل عليه السماء قال‪ :‬لبد أن يدرك مع المام الثلثة‬
‫الحوال أعني‪ :‬القيام‪ ،‬والنحناء‪ ،‬والسجود‪ ،‬ويحتمل أن يكون من ذهبب إلبى اعتببار‬
‫النحناء فقط أن يكون اعتبر أكثر ما يدل عليببه السببم ههنببا لن مببن أدرك النحنبباء‬
‫فقد أدرك منها جزأين‪ ،‬ومن فاته النحناء إنما هو أدرك منها جزءا واحدا فقط‪ ،‬فعلى‬
‫هببذا يكببون الخلف آيل إلببى اختلفهببم فببي الخببذ ببعببض دللببة السببماء أو بكلهببا‪،‬‬
‫فالخلف يتصور فيها من الوجهين جميعا‪ .‬وأما من اعتبببر الركببوع مببن فببي الصببف‬
‫من المأمومين فلن الركعة من الصلة قد تضاف إلى المام فقببط‪ ،‬وقببد تضبباف إلببى‬
‫المام والمأمومين‪ .‬فسبب الختلف هو الحتمال في هذه الضافة‪ :‬أعني قوله عليببه‬
‫الصلة والسببلم "مببن أدرك ركعببة مببن الصببلة" ومببا عليببه الجمهببور أظهببر‪ .‬وأمببا‬
‫اختلفهم في‪ :‬هببل تجزيببه تكبببيرة واحببدة أو تكبيرتببان؟ أعنببي المببأموم إذا دخببل فببي‬
‫الصلة والمام راكع‪ .‬فسببه هل من شرط تكبيرة الحببرام أن يببأتي بهببا واقفببا أم ل؟‬
‫فمن رأى أن مببن شببرطها الموضببع الببذي تفعببل فيببه تعلقببا بالفعببل أعنببي فعلببه عليببه‬
‫الصلة والسلم‪ ،‬وكان يرى أن التكبير كله فرض قال‪ :‬لبد من تكبيرتين‪ .‬ومن رأى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أنه ليس من شرطها الموضع تعلقببا بعمببوم قببوله عليببه الصببلة والسببلم "وتحريمهببا‬
‫التكبير" وكان عنده أن تكبيرة الحرام هببي فقببط الفببرض قببال‪ :‬يجزيببه أن يببأتي بهببا‬
‫وحدها‪ .‬وأما من أجاز أن يأتي بتكبيرة واحدة ولم ينوبها تكبيرة الحرام‪ ،‬فقيببل يبنببي‬
‫على مذهب من يرى أن تكبيرة الحرام ليست بفرض‪ ،‬وقيل إنما يبنببي علببى مببذهب‬
‫من يجوز تأخير نية الصلة عن تكبيرة الحرام‪ ،‬لنببه ليببس معنببى أن ينببوي تكبببيرة‬
‫الحرام إل مقارنة النية للدخول في الصلة‪ ،‬لن تكبيرة الحرام لهببا وصببفان‪ :‬النيببة‬
‫المقارنة‪ ،‬والولية‪ :‬أعني وقوعها في أول الصلة‪ ،‬فمن اشترط الوصببفين قببال‪ :‬لبببد‬
‫من النية المقارنة‪ ،‬ومن اكتفى بالصفة الواحدة اكتفى بتكبيرة واحدة‪ ،‬وإن لببم تقارنهببا‬
‫النية‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثانية( وهببي إذا سببها عببن اتببباع المببام فببي الركببوع حببتى سببجد‬
‫المام‪ ،‬فإن قوما قالوا‪ :‬إذا فاته إدراك الركوع معه‪ ،‬فقببد فبباتته الركعببة ووجببب عليببه‬
‫قضاؤها‪ ،‬وقوم قالوا‪ :‬يعتد بالركعة إذا أمكنه أن يتم من الركوع قبببل أن يقببوم المببام‬
‫إلى الركعة الثانية‪ ،‬وقوم قالوا‪ :‬يتبعه ويعتببد بالركعببة مببا لببم يرفببع المببام رأسببه مببن‬
‫النحناء في الركعة الثانية‪ ،‬وهبذا الختلف موجبود لصبحاب مالبك‪ ،‬وفيبه تفصبيل‬
‫واختلف بينهم بين أن يكون عن نسيان أو أن يكون عن زحام‪ ،‬وبيببن أن يكببون فببي‬
‫جمعة أو في غير جمعة‪ ،‬وبين اعتبار أن يكون المأموم عببرض لببه فببي هببذا الركعببة‬
‫الولى أو فببي الركعببة الثانيببة‪ ،‬وليببس قصببدنا تفصببيل المببذهب ول تخريجببه‪ ،‬وإنمببا‬
‫الغرض الشارة إلى قواعد المسائل وأصولها‪ ،‬فنقببول‪ :‬إن سبببب الختلف فببي هببذه‬
‫المسألة هو‪ :‬هل من شرط فعل المأموم أن يقببارن فعببل المببام‪ ،‬أو ليببس مببن شببرطه‬
‫ذلك؟ وهل هذا الشرط هو في جميع أجببزاء الركعببة الثلثببة؟ أعنببي القيببام والنحنبباء‬
‫والسجود أم إنما هو شرط في بعضها؟ ومببتى يكببون إذا لببم يقببارن فعلببه فعببل المببام‬
‫اختلفا عليه‪ :‬أعني أن يفعل هو فعل والمام فعل ثانيا‪ ،‬فمن رأى أنه شرط فببي كببل‬
‫جزء من أجزاء الركعة الواحدة‪ :‬أعني أن يقارن فعل المأموم فعببل المببام‪ ،‬وإل كببان‬
‫اختلفا عليه‪ ،‬وقد قال عليه الصلة والسلم "فل تختلفوا عليه" قببال‪ :‬مببتى لببم يببدرك‬
‫معه من الركوع ولو جزأ يسيرا لم يعتد بالركعة‪ ،‬ومن اعتبره في بعضببها قببال‪ :‬هببو‬
‫مدرك للركعة إذا أدرك فعل الركعببة قبببل أن يقببوم إلببى الركعببة الثانيببة‪ ،‬وليببس ذلببك‬
‫اختلفا عليه‪ ،‬فإذا قام إلى الركعة الثانية فإن اتبعه فقد اختلف عليه في الركعه الولى‬
‫وأما من قال إنه يتبعه ما لم ينحن في الركعه الثانية فإنه رأى أنه ليس من شرط فعل‬
‫المأموم أن يقارن بعضه بعض فعل المام ول كله‪ ،‬وإنما من شببرطه أن يكببون بعببده‬
‫فقط‪ ،‬وإنما اتفقوا على أنه إذا قام من النحنبباء فببي الركعببة الثانيببة أنببه ل يعتببد بتلببك‬
‫الركعة إن اتبعه فيها‪ ،‬لنه يكون في حكم الولى والمام في حكم الثانية‪ ،‬وذلك غايبة‬
‫الختلف عليه‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسببألة الثانيببة( مببن المسببائل الثلث الول الببتي هببي أصببول هببذا الببباب‬
‫وهي‪ :‬هل إتيان المأموم بما فاته من الصلة مع المام أداء أو قضبباء؟ فببإن فببي ذلببك‬
‫ثلثة مذاهب‪ ،‬قوم قالوا‪ :‬إن ما يأتي به بعد سلم المام هو قضاء وإن ما أدرك ليس‬
‫هو أول صلته‪ .‬وقوم قالوا‪ :‬إن الذي يأتي به بعد سلم المام هو أداء‪ ،‬وإن ما أدرك‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫هو أول صلته‪ .‬وقوم فرقوا بين القوال والفعال فقالوا‪ :‬يقضي فببي القببوال يعنببون‬
‫في القراءة‪ ،‬ويبني في الفعال يعنون الداء‪ ،‬فمببن أدرك ركعببة مببن صببلة المغببرب‬
‫على المذهب الول‪ :‬أعني مذهب القضاء قام إذا سلم المام إلى ركعببتين يقببرأ فيهمببا‬
‫بأم القرآن وسورة من غير أن يجلس بينهما‪ ،‬وعلى المذهب الثاني‪ :‬أعني على البناء‬
‫قام إلى ركعة واحدة يقرأ فيها بأم القرآن وسورة ويجلببس‪ ،‬ثببم يقببوم إلببى ركعببة يقببرأ‬
‫فيها بأم القرآن فقط‪ ،‬وعلى المببذهب الثببالث يقببوم إلببى ركعببة فيقببرأ فيهببا بببأم القببرآن‬
‫وسورة‪ ،‬ثم يجلس ثم يقوم إلى ركعة ثانية يقرأ فيهبا أيضبا ببأم القبرآن وسبورة‪ ،‬وقبد‬
‫نسبت القاويل الثلثة إلببى المببذهب‪ ،‬والصببحيح عببن مالببك أنببه يقضببي فببي القببوال‬
‫ويبني في الفعال لنه لم يختلف قوله في المغرب إنه إذا أدرك منها ركعة أنببه يقببوم‬
‫إلى الركعة الثانية ثم يجلببس‪ ،‬ول اختلف فببي قببوله إنببه يقضببي ببأم القبرآن وسبورة‬
‫وسبب اختلفهم أنه ورد في بعض روايببات الحببديث المشببهور "فمببا أدركتببم فصببلوا‬
‫وما فاتكم فأتموا" والتمام يقتضي أن يكببون مببا أدرك هببو أول صببلته وفببي بعببض‬
‫رواياته "فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا" والقضاء يوجب أن ما أدرك هو آخر‬
‫صلته؛ فمن ذهب مذهب التمام قال‪ :‬ما أدرك هو أول صلته؛ ومببن ذهببب مببذهب‬
‫القضاء قال‪ :‬ما أدرك هو آخر صلته‪ ،‬ومن ذهب مببذهب الجمببع جعببل القضبباء فببي‬
‫القببوال والداء فببي الفعببال‪ ،‬وهببو ضببعيف‪ :‬أعنببي أن يكببون بعببض الصببلة أداء‬
‫وبعضها قضاء‪ ،‬واتفاقهم على وجوب الترتيب في أجزاء الصلة‪ ،‬وعلى أن موضببع‬
‫تكبيرة الحببرام هببو افتتبباح الصببلة‪ ،‬ففيببه دليببل واضببح علببى أن مببا أدرك هببو أول‬
‫صلته لكن تختلف نية المأموم والمام في الترتيب فتأمل هذا‪ ،‬ويشبه أن يكببون هببذا‬
‫هو أحد ما راعاه من قال‪ :‬ما أدرك فهو آخر صلته‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثالثة( من المسائل الول‪ ،‬وهببي مببتى يلببزم المببأموم حكببم صببلة‬
‫المببام فببي التببباع؟ فببإن فيهببا مسببائل‪ :‬إحببداها مببتى يكببون مببدركا لصببلة الجمعببة‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬متى يكون مدركا معه لحكم سجود السهو‪ :‬أعني سهو المام‪ .‬والثالثبة‪ :‬مبتى‬
‫يلزم المسافر الداخل وراء إمام يتم التمام إذا أدرك من صلة المام بعضها‪.‬‬
‫@‪)-‬فأما المسألة الولببى( فببإن قومببا قببالوا‪ :‬إذا أدرك ركعببة مببن الجمعببة فقببد أدرك‬
‫الجمعة‪ ،‬ويقضي ركعة ثانيبة‪ ،‬وهبو مببذهب مالببك والشببافعي‪ ،‬فبإن أدرك أقببل صببلى‬
‫ظهرا أربعا‪ .‬وقوم قالوا‪ :‬بل يقضي ركعتين أدرك منهبا مبا أدرك‪ ،‬وهبو مبذهب أببي‬
‫حنيفة‪ ،‬وسبب الخلف فبي هبذا هبو مبا يظبن مبن التعبارض بيبن عمبوم قبوله عليبه‬
‫الصلة والسلم‪" :‬ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" وبين مفهوم قوله عليه الصببلة‬
‫والسلم‪" :‬من أدرك ركعة من الصلة فقد أدرك الصلة" فإنه مبن صبار إلبى عمبوم‬
‫قوله عليه الصلة والسلم "وما فاتكم فببأتموا" أوجببب أن يقضببي ركعببتين وإن أدرك‬
‫منها أقل من ركعتين ومن كان المحذوف عنده في قوله عليببه الصببلة والسببلم "فقببد‬
‫أدرك الصلة" أي فقد أدرك حكم الصلة وقال‪ :‬دليل الخطاب يقتضببي أن مببن أدرك‬
‫أقل من ركعة فلم يدرك حكم الصلة والمحذوف في هذا القول محتمل‪ ،‬فإنه يمكن أن‬
‫يراد به فضل الصلة‪ ،‬ويمكن أن يببراد بببه وقببت الصببلة‪ ،‬ويمكببن أن يببراد بببه حكببم‬
‫الصلة ولعله ليس هذا المجاز في أحدهما أظهر منه في الثاني‪ ،‬فإن كان المر كذلك‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫كان من باب المجمل الذي ل يقتضي حكما‪ ،‬وكان الخر بببالعموم أولببى‪ ،‬وإن سببلمنا‬
‫أنه أظهر في أحد هذه المحذوفات وهو مثل الحكم على قول مببن يببرى ذلببك لببم يكببن‬
‫هذا الظاهر معارضا للعموم‪ ،‬إل من بباب دليبل الخطباب‪ ،‬والعمبوم أقبوى مبن دليبل‬
‫الخطاب عند الجميع‪ ،‬ولسيما الدليل المبني على المحتمل أو الظاهر‪ .‬وأما من يببرى‬
‫أن قوله عليه الصلة والسلم "فقد أدرك الصلة" أنه يتضمن جميع هذه المحببذوفات‬
‫فضعيف وغير معلوم من لغة العبرب‪ ،‬إل أن يتقبرر أن هنالبك اصبطلحا عرفيببا أو‬
‫شرعيا‪.‬‬
‫وأما مسألة اتببباع المببأموم للمببام فببي السببجود‪ :‬أعنببي فببي سببجود السببهو فببإن قومببا‬
‫اعتبروا في ذلك الركعة‪ :‬أعني أن يدرك من الصلة معببه ركعببة‪ ،‬وقببوم لببم يعتبببروا‬
‫ذلك‪ ،‬فمن لم يعتبر ذلك فمصيرا إلى عموم قببوله عليببه الصببلة والسببلم "إنمببا جعببل‬
‫المام ليؤتم به" ومن اعتبر ذلك فمصيرا إلى مفهوم قوله عليه الصلة والسلم "فقببد‬
‫أدرك الصلة" ولذلك اختلفوا في المسألة الثالثة فقال قببوم‪ :‬إن المسببافر إذا أدرك مببن‬
‫صلة المام الحاضرة أقل من ركعبة لبم يتبم‪ ،‬وإذا أدرك ركعبة لزمبه التمبام‪ ،‬فهبذا‬
‫حكم القضاء الذي يكون لبعض الصلة من قبل سبببق المببام لببه‪ .‬وأمببا حكببم القضبباء‬
‫لبعض الصلة الذي يكون للمام والمنفرد من قبل النسيان‪ ،‬فإنهم اتفقببوا علببى أن مببا‬
‫كان منها ركنا فهو يقضي‪ :‬أعني فريضة‪ ،‬وأنه ليس يجزي منه إل التيان بببه‪ ،‬وفيببه‬
‫مسائل اختلفوا فيها‪ ،‬بعضهم أوجب فيها القضاء وبعضهم أوجب فيهببا العببادة‪ ،‬مثببل‬
‫من نسي أربع سجدات من أربع ركعات سجدة من كل ركعة‪ ،‬فإن قوما قالوا‪ :‬يصببلح‬
‫الرابعة بأن يسجد لها‪ ،‬ويبطل ما قبلها من الركعات ثببم يببأتي بهببا‪ ،‬وهببو قببول مالببك‪.‬‬
‫وقوم قالوا‪ :‬تبطل الصلة بأسرها ويلزمه العادة‪ ،‬وهي إحبدى الروايبتين عبن أحمبد‬
‫بن حنبل‪ .‬وقوم قالوا‪ :‬يأتي بأربع سجدات متوالية وتكمل بهببا صببلته‪ ،‬وبببه قببال أبببو‬
‫حنيفة والثوري والوزاعي‪ .‬وقوم قالوا‪ :‬يصلح الرابعة ويعتد بسجدتين‪ ،‬وهو مببذهب‬
‫الشببافعي‪ .‬وسبببب الخلف فببي هببذا مراعبباة الببترتيب‪ ،‬فمببن راعبباه فببي الركعببات‬
‫والسجدات أبطل الصلة‪ ،‬ومن راعاه في السجدات أبطل الركعببات مببا عببدا الخيببرة‬
‫قياسا على قضاء ما فات المبأموم مبن صبلة المبام‪ ،‬ومبن لبم يبراع البترتيب أجباز‬
‫سجودها معا في ركعة واحدة‪ ،‬ول سببيما إذا اعتقبد أن البترتيب ليببس هببو واجبببا فبي‬
‫الفعل المكرر في كل ركعة‪ :‬أعني السببجود‪ ،‬وذلببك أن كببل ركعببة تشببتمل علببى قيببام‬
‫وانحناء وسجود‪ ،‬والسجود مكرر‪ ،‬فزعبم أصبحاب أببي حنيفبة أن السبجود لمبا كبان‬
‫مكببررا لببم يجببب أن يراعببي فيببه التكريببر فببي الببترتيب‪ ،‬ومببن هببذا الجنببس اختلف‬
‫أصحاب مالك فيمن نسي قراءة أم القرآن من الركعببة الولببى فقيببل ل يعتببد بالركعببة‬
‫ويقضيها‪ ،‬وقيل يعيد الصلة‪ ،‬وقيل يسجد للسهو وصببلته تامببة‪ ،‬وفببروع هببذا الببباب‬
‫كثيرة‪ ،‬وكلها غير منطوق به‪ ،‬وليس قصدنا ههنا إل ما يجري مجرى الصول‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثالث من الجملة الرابعة في سجود السهو‪.‬‬
‫@‪-‬والسجود المنقول في الشريعة فبي أحبد موضبعين إمبا عنبد الزيبادة أو النقصبان‬
‫اللذين يقعان في أفعال الصلة وأقوالها من قبل النسيان ل من قبببل العمببد‪ .‬وأمببا عنببد‬
‫الشك في أفعال الصلة‪ ،‬فأما السجود الذي يكون من قبببل النسببيان ل مببن قبببل الشببك‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فالكلم فيه ينحصر في ستة فصول‪ :‬الفصل الول‪ :‬في معرفة حكم السببجود‪ .‬الثبباني‪:‬‬
‫في معرفة مواضعه من الصلة‪ .‬الثالث‪ :‬في معرفة الجنس من الفعال والفعال التي‬
‫يسجد لها‪ .‬الرابع‪ :‬في صفة سجود السهو‪ .‬الخامس‪ :‬في معرفة من يجب عليه سببجود‬
‫السهو‪ .‬السادس‪ :‬بماذا ينبه المأموم المام الساهي على سهوه‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول‪.‬‬
‫@‪-‬اختلفوا في سجود السهو هل هو فرض أو سنة‪ ،‬فببذهب الشببافعي إلببى أنببه سببنة‪،‬‬
‫وذهب أبو حنيفة إلى أنه فرض لكببن مببن شببروط صببحة الصببلة‪ .‬وفببرق مالببك بيببن‬
‫السجود للسهو في الفعال وبين السجود للسهو في القببوال وبيببن الزيببادة والنقصببان‬
‫فقال‪ :‬سجود السهو الذي يكون للفعال الناقصة واجب‪ ،‬وهو عنده من شروط صببحة‬
‫الصلة‪ ،‬هذا في المشهور‪ ،‬وعنه أن سجود السبهو للنقصبان واجبب وسبجود الزيبادة‬
‫مندوب والسبب في اختلفهم اختلفهم في حمل أفعاله عليه الصلة والسلم في ذلببك‬
‫على الوجوب أو على الندب فأما أبو حنيفة فحمل أفعبباله عليببه الصببلة والسببلم فببي‬
‫السجود على الوجوب إذ كان هو الصل عندهم إذ جاء بيانبا لبواجب كمبا قبال عليبه‬
‫الصلة والسلم‪" :‬صلوا كما رأيتموني أصلي" وأما الشافعي فحمببل أفعبباله فببي ذلببك‬
‫على الندب وأخرجها عن الصل بالقياس‪ ،‬وذلك أنه لما كان السببجود عنببد الجمهببور‬
‫ليس ينوب عن فرض وإنما ينوب عن ندب رأى أن البدل عما ليس بواجب ليس هببو‬
‫بواجب‪ .‬وأما مالك فتأكدت عنده الفعال أكثر من القوال‪ ،‬لكونها من صلب الصببلة‬
‫أكثر من القوال‪ ،‬أعني أن الفروض التي هي أفعال هي أكثر مببن فببروض القببوال‪،‬‬
‫فكأنه رأى أن الفعال آكد من القوال‪ ،‬وإن كببان ليببس ينببوب سبجود السببهو إل عمببا‬
‫كان منها ليس بفرض‪ ،‬وتفريقبه أيضبا بيببن سبجود النقصببان والزيبادة علبى الروايبة‬
‫الثانية ليكون سجود النقصان شرع بدل مما سقط من أجزاء الصلة وسببجود الزيببادة‬
‫كأنه استغفار ل بدل‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني‪.‬‬
‫@‪-‬اختلفوا في مواضع سجود السهو علببى خمسببة أقببوال‪ :‬فببذهبت الشببافعية إلببى أن‬
‫سجود السهو موضعه أبببدا قبببل السببلم‪ ،‬وذهبببت الحنفيببة إلببى أن موضببعه أبببدا بعببد‬
‫السلم‪ .‬وفرقت المالكية فقالت‪ :‬إن كان السبجود لنقصببان كبان قبببل السببلم وإن كبان‬
‫لزيادة كان بعد السلم‪ .‬وقال أحمد بن حنبل‪ :‬يسببجد قبببل السببلم فببي المواضببع الببتي‬
‫سجد فيهبا رسبول الب صبلى الب عليبه وسبلم قببل السبلم‪ ،‬ويسبجد بعبد السبلم فبي‬
‫المواضع التي سجد فيها رسول ال صلى ال عليه وسببلم بعببد السببلم‪ ،‬فمببا كببان مببن‬
‫سجود في غير تلك المواضع يسجد له أبدا قبل السلم‪ .‬وقال أهببل الظبباهر‪ :‬ل يسببجد‬
‫للسهو إل في المواضع الخمسة التي سجد فيها رسول ال صلى ال عليه وسلم فقببط‪،‬‬
‫وغير ذلببك إن كببان فرضببا أتببى بببه‪ ،‬وإن كببان نببدبا فليببس عليببه شببيء والسبببب فببي‬
‫اختلفهم أنه عليه الصلة والسلم ثبت عنه أنه سجد قبل السلم وسببجد بعببد السببلم‪،‬‬
‫وذلك أنه ثبت من حديث ابن بحينة عنه أنه قال "صلى لنا رسول ال صلى ال عليببه‬
‫وسلم ركعتين ثم قام فلم يجلس فقام النبباس معببه‪ ،‬فلمببا قضببى صببلته سببجد سببجدتين‬
‫وهو جالس" وثبت أيضا أنه سجد بعد السلم في حديث ذي اليدين المتقدم إذ سلم من‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫اثنتين‪ ،‬فذهب الذين جوزوا القياس في سجود السهو‪ :‬أعني الببذين رأوا تعديببة الحكببم‬
‫في المواضبع البتي سبجد فيهبا عليبه الصبلة والسبلم إلبى أشبباهها فبي هبذه الثبار‬
‫الصحيحة ثلثببة مببذاهب‪ :‬أحببدها مببذهب الترجيببح‪ .‬والثبباني مببذهب الجمببع‪ .‬والثببالث‬
‫الجمع بين الجمع والترجيح‪ .‬فمن رجح حديث ابن بحينة قال‪" :‬السجود قبببل السببلم"‬
‫واحتج لذلك بحديث أبي سعيد الخدري الثابت أنه عليه الصلة والسلم قال "إذا شببك‬
‫أحدكم في صلته فلم يدر كم صلى أثلثببا أم أربعببا فليصببل ركعببة وليسببجد سببجدتين‬
‫وهببو جببالس قبببل التسببليم‪ ،‬فببإن كببانت الركعببة الببتي صببلها خامسببة شببفعها بهبباتين‬
‫السجدتين‪ ،‬وإن كانت رابعة فالسجدتان ترغيم للشيطان" قالوا‪ :‬ففيببه السببجود للزيببادة‬
‫قبل السلم لنهببا ممكنببة الوقبوع خامسببة‪ ،‬واحتجببوا لبذلك أيضبا بمببا روي عبن ابببن‬
‫شهاب أنه قال‪" :‬كان آخر المرين من رسول ال صلى ال عليه وسببلم السببجود قبببل‬
‫السلم" وأما من رجح حديث ذي اليدين فقال‪ :‬السجود بعد السلم‪ ،‬واحتجوا لترجيببح‬
‫هذا الحديث بأن حديث ابن بحينة قد عارضببه حببديث المغيببرة ابببن شببعبة "أنببه عليببه‬
‫الصلة والسلم قام من اثنتين ولم يجلس ثم سجد بعببد السببلم" قببال أبببو عمببر‪ :‬ليببس‬
‫مثله في النقل فيعببارض بببه‪ ،‬واحتجببوا أيضببا لببذلك بحببديث ابببن مسببعود الثببابت "أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم صلى خمسا ساهيا وسجد لسهوه بعببد السببلم"‪ .‬وأمببا‬
‫من ذهب مذهب الجمع فإنهم قالوا‪ :‬إن هذه الحاديث ل تتنبباقض‪ ،‬وذلببك أن السببجود‬
‫فيها بعد السلم إنما هو في الزيببادة والسببجود قبببل السببلم فببي النقصببان‪ ،‬فببوجب أن‬
‫يكون حكم السجود في سائر المواضع كما هو في هببذا الموضببع‪ ،‬قببالوا‪ :‬وهببو أولببى‬
‫من حمل الحاديث على التعارض‪ .‬وأمببا مببن ذهبب مبذهب الجمبع والترجيبح فقببال‪:‬‬
‫يسجد في المواضع التي سجد فيها رسول ال صلى ال عليه وسلم على النحببو الببذي‬
‫سجد فيها رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فبإن ذلبك هبو حكبم تلبك المواضبع‪ .‬وأمبا‬
‫المواضع التي لم يسجد فيها رسول ال صلى الب عليبه وسبلم‪ ،‬فبالحكم فيهبا السببجود‬
‫قبل السلم فكأنه قبباس علببى المواضببع الببتي سببجد فيهببا عليببه الصببلة والسببلم قبببل‬
‫السلم‪ ،‬ولم يقس على المواضع التي سجد فيها بعد السلم‪ ،‬وأبقببى سببجود المواضببع‬
‫التي سجد فيها على ما سجد فيها‪ ،‬فمن جهة أنببه أبقببى حكببم هببذه المواضببع علببى مببا‬
‫وردت عليه وجعلها متغايرة الحكببام هببو ضببرب مببن الجمببع ورفببع للتعببارض بيببن‬
‫مفهومها ومن جهة أنه عدى مفهوم بعضها دون البعض‪ ،‬وألحببق ببه المسبكوت عنببه‬
‫فذلك ضرب من الترجيح‪ :‬أعني أنه قال على السجود الذي قبل السلم ولم يقس على‬
‫الذي بعده‪ .‬وأما من لم يفهم من هذه الفعال حكما خارجا عنها وقصببر حكمهببا علببى‬
‫أنفسها وهم أهل الظاهر فاقتصروا بالسجود على هذه المواضع فقط‪ .‬وأمببا أحمببد بببن‬
‫حنبل‪ ،‬فجاء نظره مختلطا من نظر أهل الظاهر ونظر أهل القياس‪ ،‬وذلك أنه اقتصر‬
‫بالسجود كما قلنا بعد السلم على المواضع الببتي ورد فيهببا الثببر ولببم يعببده‪ ،‬وعببدى‬
‫السجود الذي ورد في المواضع التي قبل السلم‪ ،‬ولكل واحد من هببؤلء أدلببة يرجببح‬
‫بها مذهبه من جهة القياس‪ :‬أعني لصحاب القياس وليس قصدنا في هذا الكتبباب فببي‬
‫الكثر ذكر الخلف الذي يوجبه القيبباس كمببا ليببس قصببدنا ذكببر المسببائل المسببكوت‬
‫عنها في الشرع إل في القل‪ ،‬وذلك إما من حيث هي مشهورة‪ ،‬وأصل لغيرها‪ ،‬وإما‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫من حيث هي كثيرة الوقوع‪ .‬والمواضع الخمسة التي سها فيها رسول الب صببلى الب‬
‫عليه وسلم‪ :‬أحدها أنه قام من اثنتين على ما جاء في حديث ابببن بحينببة‪ .‬والثبباني أنببه‬
‫سلم من اثنتين على ما جاء في حديث ذي اليدين‪ .‬والثالث أنه صببلى خمسببا علببى مببا‬
‫في حديث ابن عمر‪ ،‬خرجه مسلم والبخاري‪ .‬والرابع أنه سلم من ثلث على مببا فببي‬
‫حديث عمران بن الحصين‪ .‬والخامس السجود عن الشك على ما جاء في حديث أبببي‬
‫سعيد الخدري‪ ،‬وسيأتي بعد‪ .‬واختلفوا لماذا يجب سبجود السبهو؟ فقيبل يجبب للزيبادة‬
‫والنقصان‪ ،‬وهو الشهر؛ وقيل للسهو نفسه‪ ،‬وبه قال أهل الظاهر والشافعي‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثالث‪.‬‬
‫@‪-‬وأما القوال والفعال التي يسجد لها فإن القائلين بسجود السببهو لكببل نقصببان أو‬
‫زيادة وقعت في الصلة على طريق السهو اتفقوا علببى أن السببجود يكببون عببن سببنن‬
‫الصلة دون الفرائض ودون الرغائب‪ .‬فالرغائب ل شيء عندهم فيها‪ :‬أعني إذا سها‬
‫عنها في الصلة ما لم يكن أكثر من رغيبة واحدة‪ ،‬مثل مببا يببرى مالببك أنببه ل يجببب‬
‫سجود من نسبيان تكببيرة واحبدة‪ ،‬ويجبب مبن أكبثر مبن واحبدة‪ .‬وأمبا الفبرائض فل‬
‫يجزئ عنها التيان بها وجبرها إذا كببان السببهو عنهببا ممببا ل يببوجب إعببادة الصببلة‬
‫بأسرها على ما تقدم فيما يوجب العادة وما يبوجب القضبباء‪ ،‬أعنببي علبى مببن تبرك‬
‫بعض أركان الصلة )هكذا هذه بالعبارة بالصول‪ ،‬وفيها من الغمببوض مببا ل يخفببى‬
‫تأمل ا هب(‪ ،‬وأما سجود السهو للزيبادة فبإنه يقبع عنبد الزيبادة فببي الفببرائض والسبنن‬
‫جميعا‪ ،‬فهذه الجملة ل اختلف بينهم فيها‪ ،‬وإنما يختلفون من قبل اختلفهببم فيمببا هببو‬
‫منها فرض أو ليس بفرض‪ ،‬وفيما هو منها سنة أو ليس بسنة‪ ،‬وفيما هو منها سنة أو‬
‫رغيبة؛ مثال ذلك أن عند مالك ليس يسجد لترك القنوت لنه عنده مسببتحب‪ ،‬ويسببجد‬
‫له عند الشافعي لنه عنببده سببنة‪ ،‬وليببس يخفببى عليببك هببذا ممببا تقببدم القببول فيببه مببن‬
‫اختلفهم بين ما هو سنة أو فريضة أو رغيبة‪ ،‬وعند مالببك وأصببحابه سببجود السببهو‬
‫للزيادة اليسيرة في الصلة وإن كانت مببن غيببر جنببس الصببلة‪ ،‬وينبغببي أن تعلببم أن‬
‫السنة والرغيبة هي عندهم من ببباب النببدب‪ ،‬وإنمببا تختلفببان عنببدهم بالقببل والكببثر‪:‬‬
‫أعني في تأكيد المر بها‪ ،‬وذلك راجع إلى قببرائن أحببوال تلببك العبببادة‪ ،‬ولببذلك يكببثر‬
‫اختلفهم في هذا الجنس كثيرا‪ ،‬حببتى إن بعضببهم يببرى أن فببي بعببض السببنن مببا إذا‬
‫تركت عمدا إن كانت فعل‪ ،‬أو فعلت عمدا إن كانت تركببا أن حكمهببا حكببم الببواجب‪:‬‬
‫أعني في تعلق الثم بها‪ ،‬وهذا موجود كثيرا لصحاب مالك‪ ،‬وكذلك تجدهم قد اتفقوا‬
‫ما خل أهل الظاهر على أن تبارك السبنن المتكببررة بالجملببة آثببم‪ ،‬مثببل مبا لببو تبرك‬
‫إنسان الوتر أو ركعتي الفجر دائما لكان مفسقا آثما‪ ،‬فكأن العبادات بحسب هذا النظر‬
‫مثلها ما هي فرض بعينها وجنسها مثل الصلوات الخمس‪ .‬ومنها ما هي سببنة بعينهببا‬
‫فرض بجنسها مثل الوتر وركعتي الفجر وما أشبه ذلك من السنن‪ .‬وكببذلك قببد تكببون‬
‫عند بعضهم الرغائب رغببائب بعينهببا سببنن بجنسببها مثببل مببا حكينبباه عببن مالببك مببن‬
‫إيجاب السجود لكثر من تكبيرة واحدة‪ :‬أعني للسببهو عنهببا‪ ،‬ول تكببون فيمببا أحسببب‬
‫عند هؤلء سنة بعينها وجنسها‪ .‬وأما أهببل الظبباهر فالسببنن عنببدهم هببي سببنن بعينهببا‬
‫لقوله عليببه الصببلة والسببلم للعرابببي الببذي سبأله عببن فببروض السببلم "أفلببح إن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫صدق‪ ،‬دخل الجنة إن صدق" وذلك بعد أن قال له‪ :‬وال ل أزيد على هذا ول أنقببص‬
‫منه‪ :‬يعني الفرائض‪ ،‬وقد تقدم هذا الحديث‪ .‬واتفقوا من هذا الباب على سجود السببهو‬
‫لترك الجلسة الوسطى واختلفوا فيهببا هببل هببي فببرض أو سببنة‪ ،‬وكببذلك اختلفببوا هببل‬
‫يرجع المام إذا سبح به إليها أو ليس يرجع؟ وإن رجع فمتى يرجع؟ قببال الجمهببور‪:‬‬
‫يرجع ما لم يستو قائما‪ .‬وقال قوم‪ :‬يرجع مببا لببم يعقببد الركعببة الثالثببة‪ .‬وقببال قببوم‪ :‬ل‬
‫يرجع إن فارق الرض قيد شبر‪ ،‬وإذا رجع عند الذين ل يرون رجببوعه‪ ،‬فببالجمهور‬
‫على أن صلته جائزة‪ .‬وقال قوم‪ :‬تبطل صلته‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الرابع‪.‬‬
‫@‪-‬وأما صفة سجود السهو فببإنهم اختلفببوا فببي ذلببك؛ فببرأى مالببك أن حكببم سببجدتي‬
‫السبهو إذا كبانت بعبد السبلم أن يتشبهد فيهبا ويسبلم منهبا‪ ،‬وببه قبال أببو حنيفبة لن‬
‫السجود كله عنده بعد السلم‪ ،‬وإذا كانت قبل السلم أن يتشهد لهببا فقببط‪ ،‬وأن السببلم‬
‫من الصلة هو سلم منها‪ ،‬وبه قال الشافعي إذا كان السجود كلببه عنببده قبببل السببلم‪،‬‬
‫وقد روي عن مالك أنه ل يتشهد للتي قبل السلم‪ ،‬وبه قال جماعة‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬أما‬
‫السلم من التي بعد السلم فثابت عن النبي صببلى الب عليبه وسببلم‪ .‬وأمبا التشبهد فل‬
‫أحفظه من وجه ثابت‪ .‬وسبب هذا الختلف هو اختلفهببم فببي تصببحيح مببا ورد مببن‬
‫ذلك في حديث ابن مسعود أعني من أنه عليه الصلة والسلم "تشهد ثم سلم" وتشبيه‬
‫سجدتي السهو بالسببجدتين الخيرتيببن مببن الصببلة‪ ،‬فمببن شبببهها بهببا لببم يببوجب لهببا‬
‫التشهد‪ ،‬وبخاصة إذا كانت في نفس الصلة‪ .‬وقال أبو بكر بن المنذر‪ :‬اختلف العلماء‬
‫في هذه المسألة على ستة أقوال‪ :‬فقالت طائفة‪ :‬ل تشهد فيها ول تسليم‪ ،‬وبه قال أنببس‬
‫بن مالك والحسن وعطاء‪ .‬وقال قوم‪ :‬مقابل هذا وهو أن فيهببا تشببهدا وتسببليما‪ .‬وقببال‬
‫قوم‪ :‬فيها تشهد فقط دون تسليم‪ ،‬وبه قال الحكم وحمبباد والنخعببي‪ ،‬وقببال قببوم‪ :‬مقابببل‬
‫هذا وهو أنه فيها تسليما وليس فيها تشهد وهو قول ابن سبيرين‪ .‬والقبول الخبامس إن‬
‫شاء تشهد وسلم‪ ،‬وإن شاء لم يفعل‪ ،‬وروي ذلك عن عطاء‪ .‬والسادس قول أحمببد بببن‬
‫حنبل إنه إن سجد بعد السلم تشهد وإن سجد قبل السلم لم يتشهد‪ ،‬وهو الذي حكينبباه‬
‫نحن عن مالك‪ .‬قببال أببو بكببر قبد ثبببت "أنبه صبلى الب عليبه وسببلم كبببر فيهبا أربببع‬
‫تكبيرات وأنه سلم" وفي ثبوت تشهده فيها نظر‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الخامس‪.‬‬
‫@‪-‬اتفقوا على أن سجود السهو من سنة المنفرد والمام‪ .‬واختلفوا في المأموم يسهو‬
‫وراء المام هل عليه سجود أم ل؟ فذهب الجمهور إلى أن المام يحمل عنببه السببهو‪،‬‬
‫وشذ مكحول فألزمه السجود في خاصة نفسه‪ .‬وسبب اختلفهم اختلفهببم فيمببا يحمببل‬
‫المام من الركان عبن المبأموم ومبا ل يحملبه‪ ،‬واتفقبوا علبى أن المبام إذا سبها أن‬
‫المأموم يتبعه في سجود السهو وإن لم يتبعه في سهوه‪ .‬واختلفوا متى يسببجد المببأموم‬
‫إذا فاته مع المام بعض الصلة وعلى المام سجود سهو‪ ،‬فقال قوم‪ :‬يسجد مع المام‬
‫ثم يقوم لقضاء ما عليه‪ ،‬وسواء كببان سببجوده قبببل السببلم أو بعببده‪ ،‬وبببه قببال عطبباء‬
‫والحسن والنخعي والشعبي وأحمد وأبو ثور وأصحاب الرأي‪ .‬وقال قبوم‪ :‬يقضبي ثبم‬
‫يسجد‪ ،‬وبه قال ابن سيرين وإسحاق‪ .‬وقال قوم‪ :‬إذا سجد قبل التسببليم سببجدهما معببه‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وإن سجد بعد التسليم سجدهما بعبد أن يقضبي‪ ،‬وببه قبال مالبك والليبث والوزاعبي‪.‬‬
‫وقال قوم‪ :‬يسجدهما مع المام ثببم يسببجدهما ثانيببة بعببد القضبباء‪ ،‬وبببه قببال الشببافعي‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم اختلفهم أي أولى وأخلق أن يتبعه فببي السببجود مصبباحبا لببه أو فببي‬
‫آخر صلته‪ ،‬فكأنهم اتفقوا على أن التباع واجب لقوله عليببه الصببلة والسببلم "إنمببا‬
‫جعل المام ليؤتم به" واختلفوا هل موضعها للمأموم هو موضببع السببجود أعنببي فببي‬
‫آخر الصلة؟ أو موضعها هو وقت سجود المام؟ فمن آثر مقارنة فعلببه لفعببل المببام‬
‫على موضع السجود ورأى ذلك شرطا في التباع‪ ،‬أعني أن يكون فعلهما واحدا حقبا‬
‫قال‪ :‬يسجد مع المام وإن لم يأت بها في موضع السجود‪ ،‬ومن آثبر موضبع السبجود‬
‫قال‪ :‬يؤخرها إلبى آخبر الصبلة‪ ،‬ومبن أوجبب عليبه المريبن أوجبب عليبه السبجود‬
‫مرتين وهو ضعيف‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل السادس‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أن السنة لمن سها في صلته أن يسبح لببه‪ ،‬وذلببك للرجببل لمببا ثبببت‬
‫عنه عليه الصلة والسلم أنه قال "مالي أراكم أكثرتم من التصفيق من نابه شيء في‬
‫صلته فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه‪ ،‬وإنما التصفيق للنسبباء" واختلفببوا فببي النسبباء‬
‫فقال مالك وجماعة‪ :‬إن التسبيح للرجببال والنسبباء‪ .‬وقببال الشببافعي وجماعببة‪ :‬للرجببال‬
‫التسبيح وللنسبباء التصببفيق‪ .‬والسبببب فببي اختلفهببم اختلفهببم فببي مفهببوم قببوله عليببه‬
‫الصلة والسلم "وإنما التصفيق للنساء" فمن ذهب إلببى أن معنببى ذلببك أن التصببفيق‬
‫هو حكم النساء في السهو وهو الظاهر قال‪ :‬النساء يصفقن ول يسبحن‪ ،‬ومن فهم من‬
‫ذلك الذم للتصفيق قال‪ :‬الرجال والنساء في التسبيح سواء‪ ،‬وفيه ضعف لنببه خببروج‬
‫عن الظاهر بغير دليل‪ ،‬إل أن تقاس المرأة في ذلك علبى الرجبل‪ ،‬والمبرأة كبثيرا مبا‬
‫يخالف حكمها في الصلة حكم الرجل‪ ،‬ولذلك يضعف القياس‪.‬‬
‫وأما سجود السهو الذي هو لموضع الشك فإن الفقهاء اختلفوا فيمن شببك فببي صببلته‬
‫فلم يدر كم صلى أواحدة أو اثنتين أو ثلثا أو أربعببا علببى ثلثببة مببذاهب‪ .‬فقببال قببوم‪:‬‬
‫يبني على اليقين وهو القل ول يجزيه التحببري ويسببجد سببجدتي السببهو‪ ،‬وهببو قببول‬
‫مالك والشافعي وداود‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬إن كان أول أمره فسدت صلته‪ ،‬وإن تكببرر‬
‫ذلك منه تحرى وعمل على غلبة الظن ثم يسجد سجدتين بعد السببلم‪ .‬وقبالت طائفببة‪:‬‬
‫إنه ليس عليه إذا شك ل رجوع إلى اليقين ول تحر‪ ،‬وإنما عليه السجود فقط إذا شك‪.‬‬
‫والسبب في اختلفهم تعارض ظواهر الثار الواردة في هذا الباب‪ ،‬وذلك أن في هذا‬
‫الباب ثلثة آثار‪ :‬أحدها حديث البناء علببى اليقيببن‪ ،‬وهببو حببديث أبببي سببعيد الخببدري‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسببلم "إذا شببك أحببدكم فببي صببلته فلببم يببدر كببم‬
‫صلى أثلثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثببم يسببجد سببجدتين قبببل أن‬
‫يسلم‪ ،‬فإن صلى خمسا شفعن له صلته‪ ،‬وإن كان صلى إتمامبا لرببع كانتبا ترغيمبا‬
‫للشيطان" خرجه مسلم‪ .‬والثاني حديث ابببن مسبعود أن النببي عليببه الصبلة والسبلم‬
‫قال "إذا سها أحدكم في صلته فليتحببر وليسببجد سببجدتين" وفببي روايببة أخببرى عنببه‬
‫"فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب ثم ليسلم ثم ليسجد سجدتي السببهو ويتشببهد ويسببلم"‬
‫والثالث حديث أبي هريرة خرجه مالك والبخاري أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫قال "إن أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان فلبس عليه حتى ل يدري كم صلى‪ ،‬فإذا‬
‫وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس" وفي هذا المعنى أيضا حديث عبببد ال ب‬
‫بن جعفر‪ ،‬خرجه أبو داود أن رسول ال صببلى الب عليببه وسببلم قببال "مببن شببك فببي‬
‫صلته فليسجد سجدتين بعدها ويسلم" فذهب الناس في هذه الحبباديث مببذهب الجمببع‬
‫ومذهب الترجيح‪ ،‬والذين ذهبوا مذهب الترجيح منهم من لببم يلتفببت إلببى المعببارض‪،‬‬
‫ومنهم من رام تأويل المعارض وصرفه إلى الذي رجح‪ ،‬ومنهم مببن جمببع المريببن‪،‬‬
‫أعني جمع بعضها ورجح بعضها‪ ،‬وأول غير المرجببح إلببى معنببى المرجببح‪ ،‬ومنهببم‬
‫من جمع بين بعضها وأسقط حكم البعض‪ .‬فأما مببن ذهببب مببذهب الجمببع فببي بعببض‬
‫والترجيح في بعض مع تأويل غير المرجح وصرفه إلببى المرجببح‪ ،‬فمالببك بببن أنببس‬
‫فإنه حمل حديث أبي سعيد الخدري على الذي لم يستنكحه الشك‪ ،‬وحمل حببديث أبببي‬
‫هريرة على الذي يغلب عليه الشك ويستنكحه‪ ،‬وذلك من باب الجمببع‪ ،‬وتببأول حببديث‬
‫ابن مسعود على أن المببراد بببالتحري هنالببك هببو الرجببوع إلببى اليقيببن‪ ،‬فببأثبت علببى‬
‫مذهبه الحاديث كلها‪ .‬وأما من ذهب مذهب الجمع بين بعضها وإسقاط البعض وهببو‬
‫الترجيح من غير تأويل المرجح عليه فأبو حنيفة‪ ،‬فإنه قال‪ :‬إن حديث أبي سعيد إنمببا‬
‫هو حكم من لم يكن عنده ظن غالب يعمل عليه‪ ،‬وحديث ابن مسعود على الذي عنبده‬
‫ظن غالب‪ ،‬وأسقط حكم حديث أبي هريرة وذلك أنه قببال‪ :‬مببا فببي حببديث أبببي سببعيد‬
‫وابن مسعود زيادة‪ ،‬والزيادة يجب قبولها والخذ بها‪ ،‬وهببذا أيضببا كببأنه ضببرب مببن‬
‫الجمع‪ .‬وأما الذي رجح بعضها وأسقط حكم البعض فالذين قببالوا إنمببا عليببه السببجود‬
‫فقط‪ ،‬وذلك أن هؤلء رجحوا حديث أبببي هريببرة وأسببقطوا حببديث أبببي سببعيد وابببن‬
‫مسعود‪ ،‬ولذلك كان أضعف القوال‪ ،‬فهذا ما رأينا أن نثبته في هذا القسم مببن قسببمي‬
‫كتاب الصلة وهو القول في الصلة المفروضة‪ ،‬فلنصببر بعببد إلببى القببول فببي القسببم‬
‫الثاني من الصلة الشرعية‪ ،‬وهي الصلوات التي ليست فروض عين‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الصلة الثاني‪.‬‬
‫@‪-‬ولن الصلة التي ليست بمفروضة على العيان منها ما هي سنة‪ ،‬ومنها ما هي‬
‫نفل‪ ،‬ومنها ما هي فرض على الكفاية‪ ،‬وكانت هذه الحكام منها ما هببو متفببق عليببه‪،‬‬
‫ومنها ما هو مختلف فيه‪ ،‬رأينا أن نفرد القول في واحدة واحبدة مبن هببذه الصببلوات‪،‬‬
‫وهي بالجملة عشر‪ :‬ركعتا الفجر والوتر والنفل وركعتببا دخببول المسببجد والقيببام فببي‬
‫رمضان والكسوف والستسقاء والعيدان وسجود القرآن‪ ،‬فإنه صببلة مببا يشببتمل هببذا‬
‫الكتاب على عشرة أبواب‪ ،‬والصلة على الميت نببذكرها علببى حببدة فببي ببباب أحكببام‬
‫الميت على ما جرت به عادة الفقهاء‪ ،‬وهو الذي يترجمونه بكتاب الجنائز‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول القول في الوتر‪.‬‬
‫@‪-‬واختلفوا في الوتر في خمسة مواضع‪ :‬منها في حكمه‪ ،‬ومنها في صببفته‪ ،‬ومنهببا‬
‫في وقته‪ ،‬ومنها في القنوت فيه‪ ،‬ومنها في صلته على الراحلة‪ .‬أما حكمببه فقببد تقببدم‬
‫القول فيه عند بيببان عببدد الصببلوات المفروضببة‪ .‬وأمببا صببفته فببإن مالكببا رحمببه الب‬
‫استحب أن يوتر بثلث يفصل بينها بسلم‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬الوتر ثلث ركعببات مببن‬
‫غير أن يفصل بينها بسلم‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬الوتر ركعة واحدة‪ .‬ولكببل قببول مببن هببذه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫القاويل سلف من الصحابة والتابعين‪ .‬والسبب في اختلفهم اختلف الثببار فببي هببذا‬
‫الباب‪ ،‬وذلك أنه ثبت عنه عليه الصلة والسلم من حديث عائشببة "أنببه كببان يصببلي‬
‫من الليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة" وثبت عن ابببن عمببر أن رسببول الب‬
‫صلى ال عليه وسلم قال "صلة الليل مثنى مثنى فإذا رأيت أن الصبح يدركك فأوتر‬
‫بواحدة" وخرج مسلم عن عائشة "أنه عليه الصلة والسلم كان يصلي ثلث عشببرة‬
‫ركعة ويوتر من ذلك بخمس ل يجلس في شيء إل في آخرها" وخرج أبو داود عببن‬
‫أبي أيوب النصاري أنه عليه الصلة والسلم قال "الوتر حق علببى كببل مسببلم فمببن‬
‫أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوتر بثلث فليفعل‪ ،‬ومببن أحببب أن يببوتر‬
‫بواحدة فليفعل" وخرج أبو داود "أنه كان يوتر بسبع وتسع وخمس" وخرج عن عبببد‬
‫ال بن قيس قال "قلت لعائشة بكم كان رسول ال صلى ال عليه وسببلم يببوتر؟ قببالت‪:‬‬
‫كان يوتر بببأربع وثلث وسببت وثلث وثمببان وثلث عشببر وثلث‪ ،‬ولببم يكببن يببوتر‬
‫بأنقص من سبع ول بأكثر من ثلث عشرة"‬
‫وحديث ابن عمر عببن النبببي عليببه الصببلة والسببلم أنببه قببال "المغببرب وتببر صببلة‬
‫النهار" فذهب العلماء في هذه الحاديث مببذهب الترجيببح‪ .‬فمببن ذهببب إلببى أن الببوتر‬
‫ركعة واحدة فمصيرا إلى قببوله عليببه الصببلة والسببلم "فببإذا خشببيت الصبببح فببأوتر‬
‫بواحدة" وإلى حديث عائشة "أنه كان يوتر بواحدة" ومببن ذهببب إلببى أن الببوتر ثلث‬
‫من غير أن يفصل بينها وقصر حكم الوتر على الثلث فقط‪ ،‬فليس يصح له أن يحتج‬
‫بشيء مما في هذا الباب‪ ،‬لنها كلها تقتضي التخيير ما عدا حديث ابن عمر أنببه قببال‬
‫عليه الصلة والسلم "المغرب وتر صلة النهار" فإن لبي حنيفببة أن يقببول‪ :‬إنببه إذا‬
‫شبه شيء بشيء وجعل حكمهما واحدا كان المشبه به أحرى أن يكون بتلببك الصببفة‪،‬‬
‫ولما شبهت المغرب بوتر صلة النهار وكانت ثلثا وجب أن يكون وتر صلة الليببل‬
‫ثلثا‪ .‬وأما مالك فإنه تمسك في هذا الباب بأنه عليه الصلة والسلم لببم يببوتر قببط إل‬
‫في أثر شفع‪ ،‬فرأى أن ذلك من سنة الوتر‪ ،‬وأن أقل ذلك ركعتان‪ ،‬فالوتر عنببده علببى‬
‫الحقيقة إما أن يكون ركعة واحدة‪ ،‬ولكن من شرطها أن يتقدمها شفع‪ ،‬وإمببا أن يببرى‬
‫أن الوتر المأمور به هو يشتمل على شفع ووتر‪ ،‬فإنه إذا زيد على الشفع وتببر صببار‬
‫الكل وترا‪،‬‬
‫ويشهد لهذا المذهب حديث عبببد الب بببن قيببس المتقببدم‪ ،‬فببإنه سببمي الببوتر فيببه العببدد‬
‫المركب من شفع ووتر ويشهد لعتقاده أن الوتر هو الركعة الواحدة أنببه كببان يقببول‪:‬‬
‫كيف يوتر بواحدة ليس قبلها شيء‪ ،‬وأي شيء يوتر له؟ وقد قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم "توتر له مببا قبد صبلى" فبإن ظباهر هبذا القبول أنببه كببان يببرى أن الببوتر‬
‫الشرعي هو العدد الوتر بنفسه‪ :‬أعني الغير مركب من الشببفع والببوتر وذلببك أن هببذا‬
‫هو وتر لغيره‪ ،‬وهذا التأويل عليه أولببى‪ .‬والحببق فببي هببذا أن ظبباهر هببذه الحبباديث‬
‫يقتضي التخيير في صفة الوتر من الواحدة إلى التسببع علببى مببا روي ذلببك مببن فعببل‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬والنظر إنما هو في هل من شببرط الببوتر أن يتقببدمه‬
‫شفع منفصل أم ليس ذلك من شرطه‪ ،‬فيشبه أن يقال ذلك من شرطه‪ ،‬لنه هكبذا كبان‬
‫وتر رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ويشبه أن يقال ليس ذلك من شرطه لن مسببلما‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫قد خرج "أنه عليه الصلة والسلم كان إذا انتهى إلببى الببوتر أيقببظ عائشببة فببأوترت"‬
‫وظاهره أنها كانت توتر دون أن تقدم على وترها شفعا‪،‬‬
‫وأيضا فإنه قد خرج من طريق عائشة "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يوتر‬
‫بتسع ركعات يجلس في الثامنة والتاسعة ول يسلم إل في التاسعة ثبم يصبلي ركعبتين‬
‫وهو جالس فتلك إحدى عشرة ركعة‪ ،‬فلما أس وأخبذ اللحبم أوتبر بسببع ركعبات ولبم‬
‫يجلس إل في السادسة والسابعة ولم يسلم إل فببي السببابعة‪ ،‬ثببم يصببلي ركعببتين وهببو‬
‫جالس فتلك تسع ركعات" وهذا الحديث فيه الوتر متقدم على الشفع‪ ،‬ففيه حجببة علببى‬
‫أنه ليس من شرط الوتر أن يتقدمه شفع‪ ،‬وأن الوتر ينطلق على الثلث ومببن الحجببة‬
‫في ذلك ما روى أبو داود عن أبي بن كعبب قبال "كبان رسبول الب صبلى الب عليبه‬
‫وسلم يوتر بسبح اسم ربك العلى‪ ،‬وقل يا أيها الكافرون‪ ،‬وقببل هببو الب أحببد" وعببن‬
‫عائشة مثله "وقالت في الثالثة بقل هو ال أحد والمعوذتين"‪ .‬وأمببا وقتببه فببإن العلمبباء‬
‫اتفقوا على أن وقته من بعد صلة العشاء إلى طلببوع الفجببر لببورود ذلببك مببن طببرق‬
‫شتى عنه عليه الصلة والسلم‪ ،‬ومن أثبببت مبا فببي ذلببك مببا خرجببه مسببلم عببن أبببي‬
‫نضرة العوفي أن أبا سعيد أخبرهم أنهم سألوا النبي صلى ال عليه وسببلم عببن الببوتر‬
‫فقال "الوتر قبل الصبح" واختلفوا في جواز صلته بعد الفجر‪ ،‬فقوم منعوا ذلك وقوم‬
‫أجازوه ما لم يصل الصبح‪ ،‬وبالقول الول قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن صبباحبا‬
‫أبي حنيفة وسفيان الثوري‪ ،‬وبالثاني قال الشافعي ومالك وأحمد‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم معارضة عمل الصببحابة فببي ذلببك بالثببار‪ ،‬وذلببك أن ظبباهر الثببار‬
‫الببواردة فببي ذلببك أن ل يجببوز أن يصببلي بعببد الصبببح كحببديث أبببي نضببرة المتقببدم‬
‫وحديث أبي حذيفة العدوي نص في هذا خرجه أبو داود وفيبه "وجعلهبا لكبم مبا بيبن‬
‫صلة العشبباء إلببى أن يطلببع الفجببر" ول خلف بيببن أهببل الصببول أن مببا بعببد إلببى‬
‫بخلف ما قبلها إذا كانت غاية‪ ،‬وإن هذا وإن كان مبن بباب دليبل الخطبباب فهببو مببن‬
‫أنواعه المتفق عليها‪ ،‬مثل قوله }وأتموا الصيام إلى الليبل{ وقبوله }إلبى المرفقيبن{ ل‬
‫خلف بين العلماء أن ما بعد الغاية بخلف الغاية وأما العمل المخالف في ذلك للثر‬
‫فإنه روي عن ابن مسعود وابن عباس وعبببادة بببن الصببامت وحذيفببة وأبببي الببدرداء‬
‫وعائشة أنهم كانوا يوترون بعد الفجر وقبل صلة الصبح‪ ،‬ولم يرو عن غيرهببم مببن‬
‫الصحابة خلف هذا؛ وقد رأى قوم أن مثل هذا هو داخل في باب الجماع ول معنى‬
‫لهذا فإنه ليس ينسب إلى ساكت قول قائل‪ :‬أعني أنه ليس ينسب إلى الجماع مببن لببم‬
‫يعرف له قول في المسألة‪.‬‬
‫وأما هذه المسألة فكيف يصح أن يقال إنه لم يرو في ذلك خلف عن الصببحابة‪ ،‬وأي‬
‫خلف أعظم من خلف الصحابة الذين رووا هذه الحبباديث‪ ،‬أعنببي خلفهببم لهببؤلء‬
‫الذين أجازوا صلة الوتر بعد الفجر‪ ،‬والذي عندي في هببذا أن هببذا مببن فعلهببم ليببس‬
‫مخالفا للثار الواردة في ذلك أعني في إجازتهم الوتر بعد الفجر‪ ،‬بببل إجببازتهم ذلببك‬
‫هو من باب القضاء ل من بباب الداء‪ ،‬وإنمبا يكبون قبولهم خلف الثبار لبو جعلبوا‬
‫صلته بعد الفجر من باب الداء فتأمل هذا‪ ،‬وإنما يتطرق الخلف لهذه المسببألة مببن‬
‫باب اختلفهم في هل القضاء في العبادة المؤقتة يحتبباج إلببى أمببر جديببد أم ل؟ أعنببي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫غير أمر الداء وهذا التأويل بهم أليق‪ ،‬فإن أكثر ما نقل عنهم هذا المببذهب مببن أنهببم‬
‫أبصروا يقضون الوتر قبل الصلة وبعد الفجر وإن كان الذي نقببل عببن ابببن مسببعود‬
‫في ذلك قول‪ ،‬أعني أنه كان يقول‪ :‬إن وقت الوتر من بعد العشاء الخرة إلببى صببلة‬
‫الصبح‪ ،‬فليس يجب لمكان هذا أن يظن بجميع مبن ذكرنباه مبن الصبحابة أنبه يبذهب‬
‫هذا المذهب من قبل أنه أبصر يصلي الوتر بعد الفجر‪ ،‬فينبغي أن تتأمل صببفة النقببل‬
‫في ذلك عنهم‪ .‬وقد حكى ابن المنذر في وقت الببوتر عببن النبباس خمسببة أقببوال‪ :‬منهببا‬
‫القببولن المشببهوران اللببذان ذكرتهمببا‪ .‬والقببول الثببالث أنببه يصببلي الببوتر وإن صببلى‬
‫الصبح‪ ،‬وهو قول طاوس‪ .‬والرابع أنه يصليها وإن طلعت الشمس‪ ،‬وبه قال أبو ثببور‬
‫والوزاعي‪ .‬والخامس أنه يوتر من الليلببة القابلببة وهببو قببول سببعيد بببن جبببير‪ .‬وهببذا‬
‫الختلف إنما سببه اختلفهم في تأكيده وقربه مببن درجببة الفببرض‪ ،‬فمببن رآه أقببرب‬
‫أوجب القضاء في زمان أبعد من الزمان المختص به‪ ،‬ومن رآه أبعد أوجببب القضبباء‬
‫في زمان أقرب‪ ،‬ومن رآه سنة كسائر السببنن ضببعف عنببده القضبباء إذ القضبباء إنمببا‬
‫يجب في الواجبات‪ ،‬وعلى هذا يجيء اختلفهببم فببي قضبباء صببلة العيببد لمببن فبباتته‪،‬‬
‫وينبغي أن ل يفرق في هذا بين الندب والببواجب أعنببي أن مببن رأى أن القضبباء فببي‬
‫الواجب يكون بأمر متجدد أن يعتقد مثل ذلك في الندب‪ ،‬ومن رأى أنببه يجببب بببالمر‬
‫الول أن يعتقد مثل ذلك في الندب‬
‫وأما اختلفهم في القنوت فيه فذهب أبو حنيفببة وأصببحابه إلببى أنببه يقنببت فيببه ومنعببه‬
‫مالك وأجازه الشافعي في أحد قوليه في النصف الخر من رمضان‪ ،‬وأجازه قوم في‬
‫النصف الول من رمضان‪ ،‬وقوم في رمضان كله‪.‬‬
‫والسبب في اختلفهم في ذلك اختلف الثار‪ ،‬وذلبك أنبه روي عنبه صبلى الب عليبه‬
‫وسلم القنوت مطلقا‪ ،‬وروي عنه القنوت شهرا‪ ،‬وروي عنببه أنببه آخببر أمببره لببم يكببن‬
‫يقنت في شيء من الصلة‪ ،‬وأنه نهى عن ذلك‪ ،‬وقد تقدمت هذه المسألة‪ .‬وأما صببلة‬
‫الوتر على الراحلة حيث توجهت به فإن الجمهور على جببواز ذلببك لثبببوت ذلببك مببن‬
‫فعله عليه الصلة والسلم‪ ،‬أعني أنه كان يوتر على الراحلة‪ :‬وهو مما يعتمدونه فببي‬
‫الحجة على أنها ليست بفرض إذا كان قد صح عنه عليه الصببلة والسببلم "أنببه كببان‬
‫يتنفل على الراحلبة" ولبم يصبح عنبه أنبه صبلى قبط مفروضبة علبى الراحلبة‪ .‬وأمبا‬
‫الحنفية فلمكببان اتفبباقهم معهببم علببى هببذه المقدمببة‪ ،‬وهببو أن كببل صببلة مفروضببة ل‬
‫تصلى على الراحلة‪ ،‬واعتقادهم أن الوتر فرض وجب عندهم من ذلببك أن ل تصببلى‬
‫على الراحلة‪ ،‬وردوا الخبر بالقياس وذلك ضعيف‪.‬‬
‫وذهب أكثر العلماء إلى أن المرء إذا أوتر ثم نام فقام يتنفل أنه ل يببوتر ثانيببة‪ ،‬لقببوله‬
‫عليه الصلة والسلم "ل وتران في ليلة" خرج ذلببك أبببو داود‪ ،‬وذهببب بعضببهم إلببى‬
‫أنه يشفع الوتر الول بأن يضيف إليه ركعببة ثانيببة ويببوتر أخببرى بعببد التنفببل شببفعا‪،‬‬
‫وهي المسألة التي يعرفونها بنقض الوتر وفيه ضعف من وجهين‪ :‬أحببدهما أن الببوتر‬
‫ليس ينقلب إلى النفل بتشفيعه‪ ،‬والثاني أن التنفل بواحببدة غيببر معببروف مببن الشببرع‪.‬‬
‫وتجويز هذا ول تجويزه هو سبب الخلف في ذلك‪ ،‬فمن راعببى مببن الببوتر المعقببول‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وهو ضد الشفع قال ينقلب شفعا إذا أضيف إليه ركعة ثانيا‪ ،‬ومن راعى منببه المعنببى‬
‫الشرعي قال‪ :‬ليس ينقلب شفعا لن الشفع نفل والوتر سنة مؤكدة أو واجبة‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني في ركعتي الفجر‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أن ركعتي الفجر سنة لمعاهدته عليببه الصببلة والسببلم علببى فعلهببا‬
‫أكثر منه على سائر النوافل والترغيبة فيها‪ ،‬ولنه قضاها بعد طلوع الشمس حين نام‬
‫عن الصلة‪ .‬واختلفوا من ذلك في مسائل إحببداها فببي المسببتحب مببن القببراءة فيهمببا؛‬
‫فعند مالك المستحب أن يقرأ فيهما بأم القرآن فقبط‪ ،‬وقبال الشبافعي‪ :‬ل ببأس أن يقبرأ‬
‫فيهما بأم القرآن مع سورة قصببيرة‪ ،‬وقببال أبببو حنيفببة‪ :‬ل توقيببف فيهمببا فببي القببراءة‬
‫يستحب‪ ،‬وأنه يجوز أن يقببرأ فيهمببا المببرء حزبببه مببن الليببل‪ .‬والسبببب فببي اختلفهببم‬
‫اختلف قراءته عليه الصلة والسلم في هذه الصببلة واختلفهببم فببي تعييببن القببراءة‬
‫في الصلة‪ ،‬وذلببك أنبه روي عنبه عليبه الصببلة والسبلم "أنببه كببان يخفببف ركعببتي‬
‫الفجر" على ما روته عائشة قببالت "حببتى أنببي أقببول أقببرأ فيهمببا بببأم القببرآن أم ل؟"‬
‫فظاهر هذا أنه كان يقرأ فيهما بأم القرآن فقببط‪ .‬وروي عنببه مببن طريببق أبببي هريببرة‬
‫خرجه أبو داود "أنه كان يقرأ فيهما بقل هببو الب أحببد وقببل يببا أيهببا الكببافرون" فمببن‬
‫ذهب مذهب حديث عائشة اختار قراءة أم القببرآن فقببط‪ ،‬ومببن ذهببب مببذهب الحببديث‬
‫الثاني اختار أم القرآن وسورة قصيرة‪ ،‬ومن كان على أصله في أنه ل تتعين للقراءة‬
‫في الصلة لقوله تعالى }فاقرءوا ما تيسر منه{ قال يقرأ فيهما ما أحب‪.‬‬
‫والثانية في صفة القراءة المستحبة فيهما‪ ،‬فذهب مالك والشبافعي وأكبثر العلمبباء إلبى‬
‫أن المستحب فيهما هو السببرار‪ ،‬وذهببب قببوم إلببى أن المسببتحب فيهمببا هببو الجهببر‪،‬‬
‫وخير قوم في ذلك بين السرار والجهر‪ .‬والسبب فببي ذلببك تعببارض مفهببوم الثببار‪،‬‬
‫وذلك أن حديث عائشة المتقدم المفهوم من ظباهره "أنبه عليبه الصبلة والسبلم كببان‬
‫يقرأ فيهما سرا" ولول ذلك لم تشك عائشة هل قرأ فيهما بأم القرآن أم ل؟ وظاهر ما‬
‫روى أبو هريرة أنه كان يقرأ فيهما بب }قل يا أيها الكافرون{ و }قل هو ال ب أحببد{ أن‬
‫قراءته عليه الصلة والسلم فيهما جهرا" ولول ذلك ما علم أبو هريرة ما كببان يقببرأ‬
‫فيهما‪ ،‬فمن ذهب مذهب الترجيح بين هذين الثرين قال‪ :‬إما باختيار الجهر إن رحببج‬
‫حديث أبي هريرة‪ ،‬وإما باختيار السرار إن رجح حديث عائشة‪ ،‬ومن ذهببب مببذهب‬
‫الجمع قببال بببالتخيير والثالثببة فببي الببذي لببم يصببل ركعببتي الفجببر وأدرك المببام فببي‬
‫الصبلة أو دخبل المسبجد ليصبلهما‪ ،‬فبأقيمت الصبلة فقبال مالبك‪ :‬إذا كبان قبد دخبل‬
‫المسجد فببأقيمت الصببلة فليببدخل مببع المببام فببي الصببلة ول يركعهمببا فببي المسببجد‬
‫والمام يصلي الفرض‪ ،‬وإن كببان لببم يببدخل المسببجد فبإن لببم يخببف أن يفببوته المببام‬
‫بركعببة فليركعهببا خببارج المسببجد‪ ،‬وإن خبباف فببوات الركعببة فليببدخل مببع المببام ثببم‬
‫يصليهما إذا طلعت الشمس؛‬
‫ووافق أبو حنيفة مالكا في الفرق بين أن يدخل المسجد أو ل يدخله‪ ،‬وخالفه في الحببد‬
‫في ذلك فقال‪ :‬يركعهما خارج المسجد ما ظن أنه يدرك ركعة من الصبح مع المببام‪.‬‬
‫وقال الشافعي إذا أقيمت الصلة المكتوبببة فل يركعهمببا أصببل ل داخببل المسببجد ول‬
‫خارجه‪ ،‬وحكى ابن المنذر أن قومببا جببوزوا ركوعهمببا فببي المسببجد والمببام يصببلي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وهو شاذ‪ .‬والسبب في اختلفهم اختلفهم في مفهوم قوله عليببه الصببلة والسببلم "إذا‬
‫أقيمت الصلة فل صلة إل المكتوبة" فمن حمببل هببذا علببى عمببومه لببم يجببز صببلة‬
‫ركعتي الفجر إذا أقيمت الصلة المكتوبة ل خارج المسبجد ول داخلببه‪ ،‬ومببن قصبره‬
‫على المسجد فقد أجاز ذلك خارج المسجد ما لم تفته الفريضة أو لم يفته منهببا جببزء‪.‬‬
‫ومببن ذهببب مببذهب العمببوم فالعلببة عنببده فببي النهببي إنمببا هببو الشببتغال بالنفببل عببن‬
‫الفريضة‪ ،‬ومن قصر ذلك على المسجد فالعلة عنده إنما هببو أن تكببون صببلتان معببا‬
‫في موضع واحبد لمكبان الختلف علبى المببام كمبا روي عبن أببي سببلمة بببن عببد‬
‫الرحمن أنه قال "سمع قوم القامة فقاموا يصلون‪ ،‬فخرج عليهم رسول ال صلى ال‬
‫عليببه وسببلم فقببال‪ :‬أصببلتان معببا؟ أصببلتان معببا؟" قببال‪ :‬وذلببك فببي صببلة الصبببح‬
‫والركعتين اللتين قبل الصبح‪.‬‬
‫وإنما اختلف مالك وأبو حنيفة في القدر الذي يراعى من فبوات صبلة الفريضبة مبن‬
‫قبل اختلفهم في القدر الذي به يفوت فضل صلة الجماعة للمشببتغل بركعببتي الفجببر‬
‫إذا كان فضل صلة الجماعة عندهم أفضل من ركعتي الفجر‪ ،‬فمببن رأى أنببه بفببوات‬
‫ركعة منها يفوته فضل صلة الجماعة قال‪ :‬يتشاغل بها ما لم تفته ركعة من الصببلة‬
‫المفروضة‪ ،‬ومببن رأى أنببه يببدرك الفضببل إذا أدرك ركعببة مببن الصببلة لقببوله عليببه‬
‫الصلة والسلم "من أدرك ركعة من الصلة فقد أدرك الصلة" أي قد أدرك فضببلها‬
‫وحمل ذلك على عمومه في تارك ذلك قصدا أو بغيببر اختيببار قببال‪ :‬يتشبباغل بهببا مببا‬
‫ظن أنه يدرك ركعة منها‪ .‬ومالك إنما يحمل هذا الحببديث والب أعلببم علببى مببن فباتته‬
‫الصلة دون قصد منه لفواتها‪ ،‬ولذلك رأى أنه إذا فاتته منها ركعة فقببد فبباته فضببلها‪.‬‬
‫وأما من أجاز ركعتي الفجر في المسجد والصلة تقام‪ ،‬فالسبب في ذلك أحببد أمريببن‪:‬‬
‫إما أنه لم يصح عنده هذا الثر أو لم يبلغه‪ .‬قال أبو بكر بببن المنببذر‪ :‬هببو أثببر ثببابت‪:‬‬
‫أعني قوله عليه الصلة والسلم "إذا أقيمت الصلة فل صلة إل المكتوبة"‬
‫وكذلك صححه أبو عمر بن عبد البر‪ ،‬وإجازة ذلك تروى عن ابن مسعود‪ ،‬والرابعببة‬
‫في وقت قضائها إذا فاتت حتى صلى الصبح‪ ،‬فبإن طائفبة قبالت يقضبيها بعبد صبلة‬
‫الصبح‪ ،‬وبه قال عطاء وابببن جريببج وقببال قببوم يقضببيها بعببد طلببوع الشببمس‪ ،‬ومببن‬
‫هؤلء من جعل لها غير هذا الوقت غير المتسع‪ ،‬ومنهم من جعلببه لهببا متسببعا فقببال‪:‬‬
‫يقضيها من لدن طلوع الشمس إلى وقت الزوال ول يقضيها بعد الزوال‪ ،‬ومن هؤلء‬
‫الذين قالوا بالقضاء‪ ،‬ومنهم مببن اسببتحب ذلببك‪ ،‬ومنهببم مببن خيببر فيببه‪ .‬والصببل فببي‬
‫قضائها صلته لها عليه الصلة والسلم بعد طلوع الشمس حين نام عن الصلة‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثالث في النوافل‪.‬‬
‫@‪-‬واختلفوا في النوافل هل تثنببى أو تربببع أو تثلببث؟ فقببال مالببك والشببافعي‪ :‬صببلة‬
‫التطوع بالليل والنهار مثنى مثنى يسلم في كل ركعتين‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬إن شاء ثنى‬
‫أو ثلث أو ربع أو سدس أو ثمن دون أن يفصل بينهما بسلم؛ وفرق قوم بيببن صببلة‬
‫الليل وصلة النهار فقالوا‪ :‬صلة الليل مثنى مثنى‪ ،‬وصلة النهار أربع‪ .‬والسبب فببي‬
‫اختلفهم اختلف الثار الواردة في هببذا الببباب‪ ،‬وذلببك أنببه ورد فببي هببذا الببباب مببن‬
‫حديث ابن عمر أن رجل سأل النبببي عليببه الصببلة والسببلم عببن صببلة الليببل فقببال‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫"صلة الليل مثنى مثنى‪ ،‬فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له مببا قببد‬
‫صلى" وثبت عنه عليه الصلة والسلم "أنه كان يصلي قبل الظهر ركعببتين وبعببدها‬
‫ركعتين وبعد المغرب ركعتين وبعد الجمعة ركعتين وقبل العصر ركعتين" فمن أخذ‬
‫بهذين الحديثين قال‪ :‬صلة الليل والنهار مثنى مثنى‪ .‬وثبت أيضا مببن حببديث عائشببة‬
‫أنها قالت‪ ،‬وقد وصفت صلة رسول ال صلى ال عليه وسلم "كان يصلي أربعببا فل‬
‫تسأل عن حسنهن وطولهن‪ ،‬ثببم يصببلي أربعببا فل تسببأل عببن حسببنهن وطببولهن‪ ،‬ثببم‬
‫يصلي ثلثا‪ ،‬قالت‪ :‬فقلت يا رسول ال أتنام قبل أن تببوتر؟ قببال‪ :‬يببا عائشببة إن عينببي‬
‫تنامان ول ينام قلبي" وثبت عنه أيضا من طريق أبي هريببرة أنببه قبال عليببه الصببلة‬
‫والسلم "من كان يصلي بعد الجمعة فليصلي أربعا" وروى السود عببن عائشببة "أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يصلي من الليل تسببع ركعببات فلمببا أسببن صببلى‬
‫سبع ركعات" فمن أخذ أيضا بظاهر هذه الحاديث جوز التنفل بالربع والثلث دون‬
‫أن يفصل بينهما بسلم‪ ،‬والجمهور على أنه ل يتنفل بواحدة‪ ،‬وأحسببب أن فيببه خلفببا‬
‫شاذا‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الرابع في ركعتي دخول المسجد‪.‬‬
‫@‪-‬والجمهور على أن ركعتي دخول المسجد مندوب إليها من غير إيجبباب‪ ،‬وذهببب‬
‫أهل الظاهر إلى وجوبها‪ .‬وسبب الخلف في ذلك هل المر فببي قببوله عليببه الصببلة‬
‫والسببلم "إذا جبباء أحببدكم المسببجد فليركببع ركعببتين" محمببول علببى النببدب أو علببى‬
‫الوجببوب‪ ،‬فببإن الحببديث متفببق علببى صببحته‪ ،‬فمببن تمسببك فببي ذلببك بمببا اتفببق عليببه‬
‫الجمهور من أن الصل هو حمل الوامر المطلقببة علببى الوجببوب حببتى يببدل الببدليل‬
‫على الندب‪ ،‬ولم ينقدح عنده دليل ينقل الحكم من الوجوب إلى النبدب قبال‪ :‬الركعتبان‬
‫واجبتان‪ ،‬ومن انقدح عنده دليل على حمل الوامر ههنا على النببدب أو كببان الصببل‬
‫عنده في الوامر أن تحمل على الندب حتى يدل الدليل على الوجوب فإن هذا قد قال‬
‫به قوم قال الركعتان غير واجبتين‪ ،‬لكن الجمهور إنما ذهبببوا إلببى حمببل المببر ههنببا‬
‫على الندب لمكان التعببارض الببذي بينببه وبيببن الحبباديث الببتي تقتضببي بظاهرهببا أو‬
‫بنصها أن ل صببلة مفروضببة إل الصببلوات الخمببس الببتي ذكرناهببا فببي صببدر هببذا‬
‫الكتاب مثل حديث العرابي وغيره‪ ،‬وذلك أنه إن حمببل المببر ههنببا علببى الوجببوب‬
‫لزم أن تكون المفروضات أكثر من خمس‪ ،‬ولمن أوجبها أن الوجوب ههنببا إنمببا هببو‬
‫متعلق بدخول المسجد ل مطلقببا‪ ،‬كببالمر بالصببلوات المفروضببة‪ ،‬وللفقهبباء أن تقييببد‬
‫وجوبها بالمكان شبيه وجوبها بالزمان‪ ،‬ولهل الظاهر أن المكبان المخصبوص ليبس‬
‫من شرط صحة الصلة‪ ،‬والزمببان مببن شببرط صببحة الصببلة المفروضببة‪ .‬واختلببف‬
‫العلماء من هذا الباب فيمن جاء بالمسجد وقد ركع ركعتي الفجر في بيته‪ ،‬هببل يركببع‬
‫عند دخوله المسجد أم ل؟ فقال الشافعي‪ :‬يركع‪ ،‬وهي رواية أشهب عن مالببك؛ وقببال‬
‫أبو حنيفة‪ :‬ل يركع‪ ،‬وهي رواية ابن القاسببم عببن مالببك‪ .‬وسبببب اختلفهببم معارضببة‬
‫عموم قوله عليه الصلة والسلم "إذا جبباء أحببدكم المسببجد فليركببع ركعببتين" وقببوله‬
‫عليببه الصببلة والسببلم "ل صببلة بعببد الفجببر إل ركعببتي الصبببح" فههنببا عمومببان‬
‫وخصوصببان‪ :‬أحببدهما فببي الزمببان‪ ،‬والخببر فببي الصببلة‪ ،‬وذلببك أن حببديث المببر‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بالصلة عند دخول المسجد عام في الزمان خاص في الصلة‪ ،‬والنهببي عببن الصببلة‬
‫بعد الفجر إل ركعتا الصبح خاص في الزمان عام في الصببلة‪ ،‬فمببن اسببتثنى خباص‬
‫الصلة من عامها رأى الركوع بعد ركعتي الفجر‪ ،‬ومن اسبتثنى خباص الزمببان مبن‬
‫عامه لم يوجب ذلك‪ ،‬وقد قلنا‪ :‬إن مثل هذا التعارض إذا وقببع فليببس يجببب أن يصببار‬
‫إلى أحد التخصيصين إل بدليل‪ ،‬وحديث النهي ل يعببارض بببه حببديث المببر الثببابت‬
‫وال أعلم‪ ،‬فإن ثبت الحديث وجب طلب الدليل من موضع آخر‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الخامس في قيام رمضان‪.‬‬
‫@‪-‬وأجمعوا على أن قيام شهر رمضان مرغب فيبه أكبثر مبن سبائر الشبهر لقبوله‬
‫عليه الصلة والسلم "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" وأن‬
‫التراويح التي جمع عليها عمر بن الخطاب الناس مرغب فيها وإن كانوا اختلفببوا أي‬
‫أفضل أهي أو الصلة آخر الليل؟ أعني التي كانت صلة رسول ال صلى ال ب عليببه‬
‫وسلم‪ ،‬لكن الجمهور على أن الصلة آخر الليل أفضببل لقببوله عليببه الصببلة والسببلم‬
‫"أفضل الصلة صلتكم في بيوتكم إل المكتوبة" ولقول عمببر فيهببا‪" :‬والببتي تنببامون‬
‫عنها أفضببل" واختلفببوا فببي المختببار مببن عببدد الركعببات الببتي يقببوم بهببا النبباس فببي‬
‫رمضان‪ ،‬فاختار مالببك فببي أحببد قببوليه‪ ،‬وأبببو حنيفببة والشببافعي وأحمببد ودواد القيببام‬
‫بعشرين ركعببة سببوى الببوتر‪ ،‬وذكببر ابببن القاسببم عببن مالببك أنببه كببان يستحسببن سببتا‬
‫وثلثين ركعة والوتر ثلث‪ .‬وسبب اختلفهم اختلف النقل في ذلك‪ ،‬وذلببك أن مالكببا‬
‫روى عن يزيد بن رومان قببال‪ :‬كببان النبباس يقومببون فببي زمببان عمببر بببن الخطبباب‬
‫بثلث وعشرين ركعة‪ .‬وخرج ابن أبي شيبة عن داود بن قيببس قبال‪ :‬أدركببت النباس‬
‫بالمدينة في زمان عمر بن عبد العزيز وأبان بن عثمان يصلون سببتا وثلثيببن ركعببة‬
‫ويوترون بثلث‪ ،‬وذكر ابن القاسببم عببن مالببك أنببه المببر القببديم‪ :‬يعنببي القيببام بسببت‬
‫وثلثين ركعة‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب السادس في صلة الكسوف‪.‬‬
‫@‪-‬اتفقوا على أن صلة كسوف الشمس سنة وأنها في جماعة‪ ،‬واختلفوا في صببفتها‬
‫وفي صفة القراءة فيها وفي الوقات التي تجوز فيها‪ ،‬وهل مبن شبروطها الخطببة أم‬
‫ل؟ وهل كسوف القمر في ذلك ككسوف الشمس؟ ففي ذلك خمس مسائل أصببول فببي‬
‫هذا الباب‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الولى( ذهب مالك والشافعي وجمهور أهببل الحجبباز وأحمببد أن صببلة‬
‫الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان؛ وذهب أبو حنيفة والكوفيون إلى أن صببلة‬
‫الكسوف ركعتان علببى هيئة صببلة العيببد والجمعببة‪ .‬والسبببب فببي اختلفهببم اختلف‬
‫الثار الواردة في هذا الببباب ومخالفببة القيبباس لبعضبها‪ ،‬وذلببك أنبه ثببت مببن حببديث‬
‫عائشة أنها قالت‪" :‬خسفت الشمس في عهد رسول ال صلى ال ب عليببه وسببلم فصببلى‬
‫بالناس فقام فأطال القيام‪ ،‬ثم ركع فأطال الركوع‪ ،‬ثم قام فأطال القيام وهو دون القيببام‬
‫الول‪ ،‬ثم ركع فأطال الركوع‪ ،‬وهببو دون الركببوع الول‪ ،‬ثببم رفببع فسببجد‪ ،‬ثببم رفببع‬
‫فسجد‪ ،‬ثم فعل في الركعة الخرة مثل ذلك‪ ،‬ثببم انصببرف وقببد تجلببت الشببمس" ولمببا‬
‫ثبت أيضا من هذه الصفة في حديث ابن عباس‪ :‬أعني من ركوعين فببي ركعببة‪ .‬قببال‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أبو عمر‪ :‬هذان الحديثان من أصح ما روي في هذا الباب‪ ،‬فمن أخذ بهببذين الحببديثين‬
‫ورجحهما على غيرهما من قبل النقل قال‪ :‬صلة الكسوف ركعتان في ركعببة‪ .‬وورد‬
‫أيضا من حديث أبي بكرة وسمرة بن جندب وعبد ال بن عمر والنعمان بن بشير أنه‬
‫صلى في الكسوف ركعتين كصلة العيد‪ .‬قال أبو عمر بن عبد البر‪ :‬وهي كلهببا آثببار‬
‫مشهورة صحاح‪ ،‬ومن أحسنها حديث أبي قلبة عن النعمان بببن بشببير قببال‪" :‬صببلى‬
‫بنا رسول ال صلى ال عليه وسلم في الكسوف نحو صلتكم يركع ويسببجد ركعببتين‬
‫ركعتين‪ ،‬ويسأل ال حتى تجلت الشمس" فمببن رجببح هببذه الثببار لكثرتهببا وموافقتهببا‬
‫للقياس‪ :‬أعني موافقتها لسائر الصلوات قال‪ :‬صلة الكسوف ركعتببان‪ .‬قببال القاضببي‪:‬‬
‫خرج مسلم حديث سمرة‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬وبالجملة فإنما صار كل فريق منهم إلببى مببا‬
‫ورد عن سلفه‪ ،‬ولذلك رأى بعض أهل العلم أن هببذا كلببه علببى التخييببر‪ ،‬وممببن قببال‬
‫بذلك الطبري‪ ،‬قال القاضي‪ :‬وهو الولى‪ ،‬فببإن الجمببع أولببى مببن الترجيببح‪ .‬قببال أبببو‬
‫عمر‪ :‬وقد روي في صلة الكسوف عشر ركعات فبي ركعبتين‪ ،‬وثمببان ركعببات فبي‬
‫ركعتين وسببت ركعببات فببي ركعببتين‪ ،‬وأربببع ركعببات فببي ركعببتين لكببن مببن طببرق‬
‫ضعيفة‪ .‬قال أبو بكر ابن المنبذر‪ ،‬وقبال إسبحاق ببن راهبويه‪ :‬كبل مبا ورد مبن ذلبك‬
‫فمؤتلف غير مختلف لن العتبار في ذلك لتجلي الكسوف‪ ،‬فالزيادة في الركوع إنما‬
‫تقع بحسب اختلف التجلي فبي الكسبوفات البتي صببلى فيهبا‪ ،‬وروي عبن العلء ببن‬
‫زياد أنه كان يرى أن المصلي ينظر إلى الشببمس إذا رفببع رأسببه مببن الركببوع‪ ،‬فببإذا‬
‫كانت قد تجلت سجد وأضاف إليها ركعة ثانية وإن كانت لم تنجببل ركببع فببي الركعببة‬
‫الواحدة ركعة ثانية‪ ،‬ثم نظر إلى الشمس؛ فإن كببانت قببد تجلببت سببجد وأضبباف إليهببا‬
‫ثانية‪ ،‬وإن كانت لم تنجل ركع ثالثة فببي الركعببة الولبى وهكببذا حبتى تنجلبي‪ .‬وكببان‬
‫إسحاق بن راهويه يقول‪ :‬ل يتعدى بذلك أربع ركعات في كل ركعببة‪ ،‬لنببه لببم يثبببت‬
‫عن النبي عليه الصلة والسلم أكثر من ذلك‪ .‬وقال أبو بكر بن المنبذر وكبان بعبض‬
‫أصحابنا يقول‪ :‬الختيار في صلة الكسوف ثابت‪ ،‬والخيار في ذلك للمصلي إن شبباء‬
‫في كل ركعة ركوعين‪ ،‬وإن شاء ثلثة‪ ،‬وإن شاء أربعة‪ ،‬ولم يصح عنده ذلببك‪ .‬قببال‪:‬‬
‫وهببذا يببدل علببى أن النبببي عليببه الصببلة والسببلم صببلى فببي كسببوفات كببثيرة‪ .‬قببال‬
‫القاضي‪ :‬هذا الذي ذكره هو الذي خرجه مسلم‪ ،‬ول أدري كيببف قببال أبببو عمببر فيهببا‬
‫إنها وردت من طرق ضعيفة‪ .‬وأما عشر ركعات في ركعتين فإنما أخرجببه أبببو داود‬
‫فقط‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية( واختلفوا في القراءة فيها‪ ،‬فذهب مالك والشافعي إلى أن القببراءة‬
‫فيها سر‪ .‬وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسببن وإسببحاق بببن راهببويه‪ :‬يجهببر بببالقراءة‬
‫فيها‪ .‬والسبب في اختلفهببم اختلف الثببار فببي ذلببك بمفهومهببا وبصبيغها‪ ،‬وذلببك أن‬
‫مفهوم حديث ابن عباس الثابت أنه قببرأ سببرا لقببوله فيببه عنببه عليببه الصببلة والسببلم‬
‫"فقام قياما نحوا من سورة البقرة" وقد روي هذا المعنى نصا عنه أنه قال "قمت إلى‬
‫جنب رسول ال صلى ال عليه وسلم فمببا سببمعت منببه حرفببا" وقببد روي أيضببا مببن‬
‫طريق ابن إسحاق عن عائشة في صلة الكسوف أنها قالت "تحريت قراءته فحزرت‬
‫أنه قرأ سورة البقرة‪ ،‬فمن رجح هذه الحاديث قال‪ :‬القراءة فيها سر‪ ،‬ولمكان ما جاء‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫في هذه الثار استحب مالبك والشبافعي أن يقبرأ فبي الولبى البقبرة‪ ،‬وفبي الثانيبة آل‬
‫عمران‪ ،‬وفي الثالثة بقدر مائة وخمسين آية من البقرة‪ ،‬وفي الرابعة بقدر خمسين آية‬
‫من البقرة‪ ،‬وفي كل واحدة أم القرآن؛ ورجحوا أيضا مذهبهم هذا بما روي عنه عليه‬
‫الصلة والسلم أنه قال "صلة النهار عجماء" ووردت ههنا أيضببا أحبباديث مخالفببة‬
‫لهذه‪ ،‬فمنها أنه روى "أنه عليه الصلة والسلم قرأ فببي إحببدى الركعببتين فببي صببلة‬
‫الكسوف بالنجم" ومفهوم هذا أنه جهر‪ ،‬وكان أحمببد وإسببحاق يحتجببان لهببذا المببذهب‬
‫بحديث سفيان بن الحسن عن الزهري عن عروة عن عائشة "أن النبي عليه الصببلة‬
‫والسلم جهر بالقراءة في كسوف الشمس" قببال أبببو عمببر‪ :‬سببفيان بببن الحسببن ليببس‬
‫بالقوي‪ .‬وقال‪ :‬وقد تابعه على ذلك عن الزهببري عببن عبببد الرحمببن بببن سببليمان بببن‬
‫كثير‪ ،‬وكلهم ليس في حديث الزهري‪ ،‬مع أن حديث ابن إسحاق المتقببدم عببن عائشببة‬
‫يعارضه‪ ،‬واحتج هؤلء أيضا لمذهبهم بالقياس الشبهي‪ ،‬فقالوا‪ :‬صلة سنة تفعببل فببي‬
‫جماعة نهارا‪ ،‬فوجب أن يجهر فيها أصله العيدان والستسببقاء‪ ،‬وخيببر فببي ذلببك كلببه‬
‫الطبري وهي طريقة الجمع‪ ،‬وقد قلنا إنها أولى من طريقببة الترجيبح إذا أمكنبت‪ ،‬ول‬
‫خلف في هذا أعلمه بين الصوليين‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثالثة( واختلفوا في الوقت الذي تصلى فيه‪ ،‬فقال الشبافعي‪ :‬تصبلى فبي‬
‫جميع الوقات المنهى عن الصلة فيها وغير المنهى‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ل تصببلى فببي‬
‫الوقات المنهى عن الصلة فيها‪ .‬وأما مالك فروى عنه ابن وهب أنه قال‪ :‬ل يصببلى‬
‫لكسوف الشمس إل في الوقت الذي تجوز فيه النافلة‪ .‬وروى ابن القاسم أن سببنتها أن‬
‫تصلى ضحى إلببى البزوال‪ .‬وسببب اختلفهببم فببي هببذه المسببألة اختلفهببم فببي جنببس‬
‫الصلة التي ل تصلى في الوقات المنهى عنها‪ ،‬فمن رأى أن تلببك الوقببات تختببص‬
‫بجميع أجناس الصلة لببم يجببز فيهببا صببلة كسببوف ول غيرهببا‪ ،‬ومببن رأى أن تلببك‬
‫الحاديث تختص بالنوافل وكانت الصلة عنده فبي الكسبوف سبنة أجباز ذلبك‪ ،‬ومبن‬
‫رأى أيضا أنها من النفل لم يجزها في أوقات النهي‪ .‬وأما رواية ابن القاسم عن مالك‬
‫فليس لها وجه إل تشبيهها بصلة العيد‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الرابعة( واختلفوا أيضا هل مببن شببرطها الخطبببة بعببد الصببلة؟ فببذهب‬
‫الشافعي إلى أن ذلك من شرطها‪ .‬وذهب مالك وأبو حنيفة إلى أنه ل خطبة في صلة‬
‫الكسوف‪ .‬والسبب في اختلفهم اختلفهم في العلة التي من أجلهببا خطببب رسببول الب‬
‫صلى ال عليه وسلم النباس لمبا انصبرف مبن صبلة الكسبوف علبى مبا فبي حبديث‬
‫عائشة وذلك أنها روت "أنه لما انصرف مببن الصببلة وقببد تجلببت الشببمس حمببد الب‬
‫وأثنى عليه ثم قال‪" :‬إن الشمس والقمر آيتان من آيات ال ل يخسفان لموت أحببد ول‬
‫لحياته" الحديث‪ ،‬فزعم الشافعي أنه إنمببا خطببب لن مببن سببنة هببذه الصببلة الخطبببة‬
‫كالحال في صلة العيدين والستسقاء‪ .‬وزعم بعببض مببن قبال بقببول أؤلئك أن خطبببة‬
‫النبي عليه الصلة والسلم إنما كانت يومئذ لن الناس زعموا أن الشمس إنما كسفت‬
‫لموت إبراهيم ابنه عليه السلم‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الخامسة( واختلفوا في كسوف القمر‪ ،‬فذهب الشافعي إلى أنه يصلى لببه‬
‫في جماعة‪ ،‬وعلى نحو ما يصلى في كسوف الشمس‪ ،‬وبه قال أحمد وداود وجماعة؛‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وذهب مالك وأبو حنيفة إلى أنه ل يصلى له في جماعة‪ ،‬واسببتحب أن يصببلي النبباس‬
‫له أفذاذا ركعتين كسائر الصلوات النافلة‪ .‬وسبب اختلفهم اختلفهم فببي مفهببوم قببوله‬
‫عليه الصلة والسلم "إن الشمس والقمر آيتان من آيات ال ب ل يخسببفان لمببوت أحببد‬
‫ول لحياته فإذا رأيتموهما فادعوا ال وصلوا حتى يكشف ما بكببم وتصببدقوا" خرجببه‬
‫البخاري ومسلم‪ .‬فمن فهم ههنا من المر بالصلة فيهمببا معنببى واحببدا وهببي الصببفة‬
‫التي فعلها في كسوف الشمس رأى الصلة فيها في جماعة‪ .‬ومن فهم من ذلك معنببى‬
‫مختلفا لنه لم يرو عنه عليه الصلة والسلم أنه صلى فببي كسببوف القمببر مببع كببثرة‬
‫دورانه‪ .‬قال‪ :‬المفهوم من ذلك أقل ما ل ينطلق عليببه اسببم صببلة فببي الشببرع‪ ،‬وهببي‬
‫النافلة فذا‪ ،‬وكأن قائل هذا يقول يرى أن الصل هو أن يحمل اسم الصلة في الشرع‬
‫إذا ورد المر بها على أقل ما ينطلق عليه هذا السببم فببي الشببرع إل أن يببدل الببدليل‬
‫على غير ذلك‪ ،‬فلما دل فعله عليه الصلة والسلم في كسوف الشمس على غير ذلك‬
‫بقي المفهوم في كسوف القمر على أصله‪ ،‬والشافعي يحمل فعله في كسببوف الشببمس‬
‫بيانا لمجمل ما أمر به من الصلة فيهما‪ ،‬فوجب الوقوف عند ذلك‪ .‬وزعببم أبببو عمببر‬
‫ابن عبد البر أنه روي عن ابببن عببباس وعثمببان أنهمببا صببليا فببي القمببر فببي جماعببة‬
‫ركعتين في كل ركعة ركوعان مثل قول الشافعي‪ .‬وقد استحب قببوم الصببلة للزلزلببة‬
‫والريح والظلمة وغير ذلك من اليات قياسا على كسوف القمر والشمس لنصه عليببه‬
‫الصلة والسلم على العلة في ذلك‪ ،‬وهو كونها آية‪ ،‬وهو مببن أقببوى أجنبباس القيبباس‬
‫عندهم‪ ،‬لنه قياس العلة الببتي نببص عليهببا‪ ،‬لكببن لببم يببر هببذا مالببك ول الشببافعي ول‬
‫جماعة من أهل العلم‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬إن صلى للزلزلببة فقببد أحسببن وإل فل حببرج‪،‬‬
‫وروي عن ابن عباس أنه صلى لها مثل صلة الكسوف‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب السابع في صلة الستسقاء‪.‬‬
‫@‪-‬أجمع العلماء على أن الخروج إلى الستسقاء والبروز عن المصر والبدعاء إلبى‬
‫ال تعالى والتضرع إليه في نزول المطر سنة سنها رسول ال صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫واختلفوا في الصلة في الستسقاء‪ ،‬فالجمهور علببى أن ذلببك مببن سببنة الخببروج إلببى‬
‫الستسقاء إل أبا حنيفة فإنه قال‪ :‬ليس من سنته الصلة‪ .‬وسبب الخلف أنبه ورد فبي‬
‫بعض الثار أنه استسقى وصلى‪ ،‬وفي بعضها لم يذكر فيهببا صببلة‪ ،‬ومببن أشببهر مببا‬
‫ورد في أنه صلى وبه أخذ الجمهور حديث عباد بن تميبم عببن عمببه "أن رسببول الب‬
‫صلى ال عليه وسلم خرج بالناس يستسقي فصلى بهم ركعببتين جهببر فيهببا بببالقراءة‪،‬‬
‫ورفع يببديه حببذو منكبببيه وحببول رداءه واسببتقبل القبلببة واستسببقى" خرجببه البخبباري‬
‫ومسلم‪ .‬وأما الحاديث الببتي ذكببر فيهببا الستسببقاء وليببس فيهببا ذكببر للصببلة‪ ،‬فمنهببا‬
‫حديث أنس بن مالك خرجه مسلم أنه قال "جاء رجل إلى رسول ال صلى ال ب عليببه‬
‫وسلم فقال‪ :‬يا رسول ال هلكت المواشي وتقطعت السبل فادع ال‪ ،‬فببدعا رسببول الب‬
‫صلى ال عليه وسلم فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة" ومنها حديث عبد ال ب بببن زيببد‬
‫المازني‪ ،‬وفيه أنه قال "خبرج رسبول الب صبلى الب عليبه وسبلم فاستسبقى‪ ،‬وحبول‬
‫رداءه حين استقبل القبلة" ولم يذكر فيه صلة‪ ،‬وزعم القائلون بظبباهر هببذا الثببر أن‬
‫ذلك مروي عن عمر بن الخطاب‪ ،‬أعني أنه خرج إلى المصلى فاستسقى ولم يصببل؛‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والحجة للجمهور أنه لم يذكر شيئا‪ ،‬فليس هو بحجة على من ذكره‪ ،‬والذي يدل عليببه‬
‫اختلف الثار في ذلك ليس عندي فيه شيء أكثر مببن أن الصببلة ليسببت مببن شببرط‬
‫صحة الستسقاء‪ ،‬إذ قد ثبت أنه عليه الصلة والسلم قد استسقى على المنبر‪ ،‬ل أنها‬
‫ليست من سنته كما ذهب إليه أبو حنيفة‪ .‬وأجمع القائلون بأن الصلة من سببنته علببى‬
‫أن الخطبة أيضا من سنته لورود ذلك في الثر‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬ثبت أن رسببول ال ب‬
‫صلى ال عليه وسلم صلى صلة الستسقاء وخطب واختلفوا هل هي قبل الصلة أو‬
‫بعدها؟ لختلف الثار في ذلك‪ ،‬فرأى قوم أنها بعد الصلة قياسا على العيدين‪ ،‬وبببه‬
‫قال الشافعي ومالك‪ .‬وقال الليث بن سعد‪ :‬الخطبة قبل الصلة‪ .‬قال ابببن المنببذر‪" :‬قببد‬
‫روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه استسببقى فخطببب قبببل الصببلة" وروي عببن‬
‫عمر بن الخطاب مثل ذلك وبببه نأخببذ‪ .‬قببال القاضببي‪ :‬وقببد خببرج ذلببك أبببو داود مببن‬
‫طرق‪ ،‬ومن ذكر الخطبة فإنما ذكرها في علمي قبل الصلة‪ ،‬واتفقوا على أن القراءة‬
‫فيها جهرا‪ ،‬واختلفوا هل يكبر فيها كما يكبر في العيدين؟ فذهب مالبك إلبى أنببه يكبببر‬
‫فيها كما يكبر في سائر الصلوات‪ ،‬وذهب الشافعي إلى أنه يكبببر فيهببا كمببا يكبببر فببي‬
‫العيدين‪ .‬وسبب الخلف اختلفهم في قياسها على صلة العيدين‪ .‬وقد احتبج الشبافعي‬
‫لمذهبه في ذلك بما روي عن ابن عباس "أن رسول ال صلى ال عليببه وسببلم صببلى‬
‫فيها ركعتين كما يصلي في العيببدين" واتفقببوا علببى أن مببن سببنتها أن يسببتقبل المببام‬
‫القبلة واقفا ويدعو ويحول رداءه رافعا يببديه علببى مببا جبباء فببي الثببار واختلفببوا فببي‬
‫كيفية ذلك‪ ،‬ومتى يفعل ذلك‪ .‬فأما كيفية ذلك؟ فالجمهور على أنه يجعل ما على يمينببه‬
‫على شماله وما على شماله على يمينه‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬بببل يجعببل أعله أسببفله‪ ،‬ومببا‬
‫على يمينه منه على يساره‪ ،‬وما على يسبباره علببى يمينببه‪ .‬وسبببب الختلف اختلف‬
‫الثار في ذلك‪ ،‬وذلك أنه جاء في حديث عبد ال ابن زيد "أنه صلى ال ب عليببه وسببلم‬
‫خرج إلى المصلى يستسقي‪ ،‬فاستقبل القبلة وقلب رداءه وصلى ركعتين" وفي بعببض‬
‫رواياته قلت‪ :‬أجعل الشمال على اليمين‪ ،‬واليمين على الشمال‪ ،‬أم أجعل أعله أسفله؟‬
‫قال‪ :‬بل اجعل الشمال على اليمين واليمين على الشمال‪ .‬وجاء أيضا في حببديث عبببد‬
‫ال هذا أنه قال "استسقى رسول ال صلى ال عليه وسلم وعليه خميصة لببه سببوداء‪،‬‬
‫فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلها‪ ،‬فلما ثقلت عليبه قلبهبا علبى عبباتقه" وأمبا مبتى‬
‫يفعل المام ذلك‪ ،‬فإن مالكا والشافعي قال‪ :‬يفعل ذلك عند الفراغ مببن الخطبببة‪ .‬وقببال‬
‫أبو يوسف‪ :‬يحول رداءه إذا مضى صدر من الخطبة‪ ،‬وروي ذلك أيضببا عببن مالببك‪،‬‬
‫وكلهم يقول‪ :‬إنه إذا حول المام رداءه قائما حول الناس أرديتهم جلوسا‪ ،‬لقببوله عليببه‬
‫الصلة والسلم "إنما جعل المام ليؤتم ببه" إل محمبد ببن الحسبن والليبث اببن سبعد‬
‫وبعض أصحاب مالك‪ ،‬فإن الناس عندهم ل يحولون أرديتهم بتحويل المام‪ ،‬لنببه لببم‬
‫ينقببل ذلببك فببي صببلته عليببه الصببلة والسببلم بهببم‪ ،‬وجماعببة مببن العلمبباء علببى أن‬
‫الخروج لها وقت الخروج إلى صلة العيدين إل أبببا بكببر بببن محمببد ابببن عمببرو بببن‬
‫حزم فإنه قال‪ :‬إن الخروج إليها عند الزوال‪ .‬وروى أبو داود عن عائشة "أن رسببول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم خرج إلى الستسقاء حين بدا حاجب الشمس"‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثامن في صلة العيدين‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬أجمع العلماء على استحسببان الغسببل لصببلة العيببدين وأنهمببا بل أذان ول إقامببة‬
‫لثبوت ذلك عن رسول ال صلى ال عليه وسببلم إل مببا أحببدث مببن ذلببك معاويببة فببي‬
‫أصح القاويل قاله أبو عمر‪ .‬وكذلك أجمعوا على أن السنة فيهببا تقببديم الصببلة علببى‬
‫الخطبة لثبوت ذلك أيضا عببن رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم‪ ،‬إل مببا روي عببن‬
‫عثمببان بببن عفببان أنببه أخببر الصببلة وقببدم الخطبببة لئل يفببترق النبباس قبببل الخطبببة‪،‬‬
‫وأجمعوا أيضا على أنه ل توقيت في القراءة في العيدين‪ ،‬وأكببثرهم اسببتحب أن يقببرأ‬
‫في الولى بسبح‪ ،‬وفي الثانية بالغاشية لتواتر ذلببك عببن رسببول الب صببلى الب عليببه‬
‫ق والقببرآن المجيببد" و "اقببتربت السبباعة"‬ ‫وسلم واستحب الشافعي القراءة فيهمببا ببب " ّ‬
‫لثبوت ذلك عنه عليه الصلة والسلم‪ .‬واختلفوا من ذلك في مسائل أشهرها اختلفهم‬
‫في التكبير‪ ،‬وذلك أنه حكى في ذلك أبو بكر بن المنذر نحوا من اثني عشببر قببول إل‬
‫أنا نذكر من ذلك المشهور الذي يستند إلى صحابي أو سماع فنقول‪ :‬ذهب مالببك إلببى‬
‫أن التكبير في الولى من ركعتي العيدين سبع مع تكبيرة الحرام قبل القببراءة‪ ،‬وفببي‬
‫الثانية ست مع تكبيرة القيام من السجود‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬في الولى ثمانية )أي ومنها‬
‫تكبيرة الحرام ا هب مصححه(‪ ،‬وفي الثانية ست مع تكبيرة القيام من السببجود‪ .‬وقببال‬
‫أبو حنيفة‪ :‬يكبر في الولببى ثلثبا بعبد تكببيرة الحببرام يرفبع يبديه فيهبا‪ ،‬ثببم يقببرأ أم‬
‫القرآن وسورة‪ ،‬ثم يكبر راكعا ول يرفع يديه‪ ،‬فبإذا قبام إلبى الثانيبة وكببر ولبم يرفبع‬
‫يديه وقرأ فاتحة الكتاب وسورة‪ ،‬ثببم كبببر ثلث تكبببيرات يرفببع فيهببا يببديه‪ ،‬ثببم يكبببر‬
‫للركوع ول يرفع فيها يديه‪ .‬وقال قوم‪ :‬فيها تسع في كل ركعة‪ ،‬وهو مروي عن ابببن‬
‫عباس والمغيرة بن شعبة وأنس بن مالك وسعيد بن المسيب‪ ،‬وبه قال النخعي وسبب‬
‫اختلفهم اختلف الثار المنقولة في ذلك عن الصحابة؛ فذهب مالك رحمببه ال ب إلببى‬
‫ما رواه عن ابن عمر أنه قال شببهدت الضببحى والفطببر مببع أبببي هريببرة فكبببر فببي‬
‫الولى سبع تكبيرات قبل القراءة في الخرة خمسببا قبببل القببراءة‪ ،‬ولن العمببل عنببده‬
‫بالمدينة كان على هذا‪ ،‬وبهذا الثر بعينه أخذ الشببافعي‪ ،‬إل أنببه تببأول فببي السبببع أنببه‬
‫ليس فيها تكبيرة الحرام كما ليس في الخمس تكبببيرة القيببام‪ ،‬ويشبببه أن يكببون مالببك‬
‫إنما أصاره أن يعد تكبيرة الحرام في السبع‪ ،‬ويعد تكبيرة القيببام زائدا علببى الخمببس‬
‫المروية أن العمل ألفاه على ذلك‪ ،‬فكأنه عنده وجه من الجمع بين الثر والعمل‪ ،‬وقببد‬
‫خرج أبو داود معنى حديث أبي هريرة مرفوعا عن عائشة وعن عمرو بن العبباص‪.‬‬
‫وروى أنه سئل أبو موسى الشعري وحذيفة بن اليمان‪ :‬كيف كان رسول ال ب صببلى‬
‫ال عليه وسلم يكبر في الضحى والفطر؟ فقال أبببو موسببى كببان "يكبببر أربعببا علببى‬
‫الجنائز" فقال حذيفة‪ :‬صدق‪ ،‬فقال أبو موسى‪ :‬كذلك كنت أكبر في البصرة حين كنت‬
‫عليهم‪ ،‬وقال قوم بهذا‪.‬‬
‫وأما أبو حنيفة وسائر الكوفيين فإنهم اعتمدوا في ذلك علببى ابببن مسببعود‪ ،‬وذلببك أنببه‬
‫ثبت عنه أنه كان يعلمهم صلة العيدين على الصفة المتقدمة‪ ،‬وإنما صار الجميع إلى‬
‫الخذ بأقاويل الصحابة في هذه المسألة‪ ،‬لنه لم يثبت فيهببا عببن النبببي عليببه الصببلة‬
‫والسلم شيء‪ ،‬ومعلوم أن فعل الصحابة في ذلك هو توقيف‪ ،‬إذ ل مدخل للقياس فببي‬
‫ذلك‪ .‬وكذلك اختلفوا في رفع اليدين عند كل تكبيرة‪ ،‬فمنهم من رأى ذلك وهو مببذهب‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الشافعي؛ ومنهم من لم ير الرفع إل في السببتفتاح فقببط؛ ومنهببم مببن خيببر‪ .‬واختلفببوا‬


‫فيمن تجب عليه صلة العيد‪ :‬أعني وجببوب السببنة‪ ،‬فقببالت طائفببة‪ :‬يصببليها الحاضببر‬
‫والمسافر‪ ،‬وبه قال الشافعي والحسن البصري‪ ،‬وكذلك قال الشافعي إنه يصليها أهببل‬
‫البوادي‪ ،‬ومن ل يجمع حتى المرأة في بيتها وقال أبببو حنيفببة وأصببحابه‪ :‬إنمببا تجببب‬
‫صلة الجمعة والعيدين على أهل المصار والمببدائن‪ .‬وروي عببن علببي أنببه قببال‪ :‬ل‬
‫جمعة ول تشريق إل في مصر جامع‪ .‬وروي عن الزهري أنببه قببال‪ :‬ل صببلة فطببر‬
‫ول أضببحى علببى مسببافر‪ .‬والسبببب فببي هببذا الختلف اختلفهببم فببي قياسببها علببى‬
‫الجمعة‪ ،‬فمن قاسها على الجمعة كان مذهبه فيها مذهبه في الجمعببة‪ ،‬ومببن لببم يقسببها‬
‫رأى أن الصل وهو أن كل مكلف مخاطب بها حتى يثبت استثناؤه من الخطاب‪.‬‬
‫قال القاضي‪ :‬قد فرقت السنة بين الحكم للنساء في العيدين والجمعة‪ ،‬وذلببك أنببه ثبببت‬
‫أنه عليه الصلة والسلم أمر النساء بببالخروج للعيببدين ولببم يببأمر بببذلك فببي الجمعببة‬
‫"وكذلك اختلفوا في الموضببع الببذي يجببب منببه المجيببء إليهببا كبباختلفهم فببي صببلة‬
‫الجمعة من الثلثة الميال إلى مسيرة اليوم التام‪ .‬واتفقوا على أن وقتهببا مببن شببروق‬
‫الشمس إلى الزوال‪ .‬واختلفوا فيمن لم يببأتهم علببم بببأنه العيببد إل بعببد الببزوال‪ ،‬فقببالت‬
‫طائفة‪ :‬ليس عليهم أن يصلوا يومهم ول من الغد وبه قال مالك والشافعي وأبببو ثببور‪،‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬يخرجون إلى الصلة في غداة ثاني العيد‪ ،‬وبه قببال الوزاعببي وأحمببد‬
‫وإسحاق‪ .‬قال أبو بكر بن المنذر‪ :‬وبه نقول لحديث روينبباه عببن النبببي عليببه الصببلة‬
‫والسلم "أنه أمرهم أن يفطروا‪ ،‬فإذا أصبحوا أن يعودوا إلى مصلهم" قال القاضي‪:‬‬
‫خرجه أبو داود‪ ،‬إل أنه عن صحابي مجهول‪ ،‬ولكن الصببل فيهببم رضببي الب عنهببم‬
‫حملهم على العدالة‪،‬‬
‫واختلفوا إذا اجتمع في يوم واحد عيد وجمعة‪ ،‬هببل يجببزئ العيببد عببن الجمعببة؟ فقبال‬
‫قوم‪ :‬يجزئ العيد عن الجمعة وليس عليه في ذلببك اليببوم إل العصببر فقببط‪ ،‬وبببه قببال‬
‫عطاء‪ ،‬وروي ذلك عن ابن الزبير وعلببي‪ .‬وقببال قببوم‪ :‬هببذه رخصببة لهببل البببوادي‬
‫الذين يردون المصار للعيد والجمعة خاصة كما روي عن عثمان أنه خطب في يوم‬
‫عيد وجمعة فقال‪ :‬من أحب من أهل العالية أن ينتظر الجمعة فلينتظر‪ ،‬ومن أحب أن‬
‫يرجع فليرجع‪ ،‬رواه مالك في الموطأ‪ ،‬وروى نحوه عن عمببر بببن عبببد العزيببز وبببه‬
‫قال الشافعي وقال مالك وأبو حنيفة‪ :‬إذا اجتمع عيببد وجمعببة فبالمكلف مخبباطب بهمببا‬
‫جميعا‪ ،‬العيد على أنه سنة‪ ،‬والجمعة على أنها فرض‪ ،‬ول ينوب أحدهما عن الخببر‪،‬‬
‫وهذا هو الصل إل أن يثبت في ذلك شرع يجببب المصببير إليببه‪ ،‬ومببن تمسببك بقببول‬
‫عثمان‪ ،‬فلنه رأى أن مثل ذلك ليس هو بالرأي وإنما هو توقيف‪ ،‬وليس هببو بخببارج‬
‫عن الصول كل الخروج‪ .‬وأما إسقاط فرض الظهر والجمعة الببتي هببي بببدله لمكببان‬
‫صلة العيد فخارج عن الصول جدا‪ ،‬إل أن يثبت في ذلك شرع يجب المصير إليبه‪.‬‬
‫واختلفوا فيمن تفوته صلة العيد مع المام‪ ،‬فقال قوم‪ :‬يصلي أربعببا‪ ،‬وبببه قببال أحمببد‬
‫والثوري‪ ،‬وهو مروي عن ابن مسببعود‪ .‬وقببال قببوم‪ :‬بببل يقضببيها علببى صببفة صببلة‬
‫المام ركعتين يكبر فيهما نحو تكبيره ويجهر كجهره‪ ،‬وبه قببال الشببافعي وأبببو ثببور‪.‬‬
‫وقال قوم‪ :‬بل ركعتين فقط ل يجهر فيهما ول يكبر تكبيرة العيد‪ .‬وقال قوم‪ :‬إن صلى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المام في المصلى صلى ركعتين‪ ،‬وإن صلى في غير المصلى صلى أربببع ركعببات‪.‬‬
‫وقال قوم‪ :‬ل قضاء عليه أصل‪ ،‬وهو قول مالك وأصحابه‪ .‬وحكببى ابببن المنببذر عنببه‬
‫مثل قول الشافعي‪ ،‬فمن قال أربعا شبهها بصلة الجمعة وهببو تشبببيه ضببعيف‪ ،‬ومببن‬
‫قال ركعتين كما صلهما المببام فمصببيرا إلببى أن الصببل هببو أن القضبباء يجببب أن‬
‫يكون على صفة الداء‪ ،‬ومن منع القضاء فلنه رأى أنها صلة من شرطها الجماعة‬
‫والمام كالجمعة‪ ،‬فلم يجب قضاؤها ركعتين ول أربعا إذ ليست هي بدل مببن شببيء‪،‬‬
‫وهذان القولن هما اللذان يتردد فيهما النظر‪ :‬أعني قول الشافعي وقببول مالببك‪ .‬وأمببا‬
‫سائر القاويل في ذلك فضببعيف ل معنببى لببه‪ ،‬لن صببلة الجمعببة بببدل مببن الظهببر‪،‬‬
‫وهذه ليست بدل من شيء‪ ،‬فكيف يجب أن تقاس إحداهما على الخرى في القضبباء‪،‬‬
‫وعلى الحقيقة فليس من فاتته الجمعة فصلته للظهر قضاء بل هي أداء‪ ،‬لنه إذا فاته‬
‫البدل وجبت هي وال الموفق للصواب‪.‬‬
‫واختلفوا في التنفل قبل صلة العيد وبعدها‪ ،‬فالجمهور على أنه ل يتنفببل ل قبلهببا ول‬
‫بعدها‪ ،‬وهو مروي عن علي بن أبي طالب وابن مسببعود وحذيفببة وجببابر‪ ،‬وبببه قببال‬
‫أحمد‪ .‬وقيل يتنفل قبلها وبعدها‪ ،‬وهو مذهب أنس وعببروة‪ ،‬وبببه قببال الشببافعي‪ .‬وفيببه‬
‫قول ثالث وهو أن ل يتنفل بعدها ول يتنفل قبلها‪ ،‬وقال به الثوري والوزاعببي وأبببو‬
‫حنيفة‪ ،‬وهو مروي أيضا عببن ابببن مسببعود‪ ،‬وفببرق قببوم بيببن أن تكببون الصببلة فببي‬
‫المصلى أو في المسجد‪ ،‬وهببو مشببهور مببذهب مالببك‪ .‬وسبببب اختلفهببم أنببه ثبببت أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم خرج يبوم فطبر أو يبوم أضبحى فصبلى ركعبتين لبم‬
‫يصل قبلهما ول بعدهما" وقال عليه الصلة والسلم "إذا جاء أحدكم المسجد فليركببع‬
‫ركعتين" وترددها أيضا من حيث هي مشروعة بين أن يكببون حكمهببا فببي اسببتحباب‬
‫التنفببل قبلهببا وبعببدها حكببم المكتوبببة أو ل يكببون ذلببك حكمهببا؟ فمببن رأى أنببه تركببه‬
‫الصلة قبلها وبعدها هو من باب ترك الصببلة قبببل السببنن وبعببدها ولببم ينطلببق اسببم‬
‫المسجد عنده على المصلى لم يستحب تنفل قبلها ول بعدها‪ ،‬ولذلك تردد المذهب في‬
‫الصلة قبلها إذا صليت في المسجد لكون دليل الفعل معارضا في ذلك القببول‪ ،‬أعنببي‬
‫أنه من حيث هو داخل في مسجد يستحب له الركوع‪ ،‬ومببن حيببث هببو مصببل صببلة‬
‫العيد يستحب له أن ل يركع تشبها بفعله عليببه الصببلة والسببلم‪ .‬ومببن رأى أن ذلببك‬
‫من باب الرخصة ورآى أن اسم المسجد ينطلق على المصلى ندب إلى التنفببل قبلهببا‪.‬‬
‫ومن شبهها بالصلة المفروضة استحب التنفل قبلها وبعدها كمببا قلنببا‪ .‬ورأى قببوم أن‬
‫التنفل قبلها وبعدها من باب المباح الجائز ل من باب المندوب ول من باب المكروه‪،‬‬
‫وهو أقل اشتباها إن لم يتناول اسم المسجد المصلى‪ .‬واختلفبوا فبي وقبت التكببير فبي‬
‫عيببد الفطببر بعببد أن أجمببع علببى اسببتحبابه الجمهببور لقببوله تعببالى }ولتكملببوا العببدة‬
‫ولتكبروا ال على ما هداكم{ فقال جمهور العلماء‪ :‬يكبر عند الغدو إلى الصلة‪ ،‬وهو‬
‫مذهب ابن عمر وجماعة من الصحابة والتابعين‪ ،‬وبه قال مالك وأحمد وإسحاق وأبو‬
‫ثور‪.‬‬
‫وقال قوم يكبر من ليلة الفطر إذا رأوا الهلل حتى يغدو إلى المصببلى وحببتى يخببرج‬
‫المام‪ ،‬وكذلك في ليلة الضببحى عنببدهم إن لببم يكببن حاجببا‪ .‬وروي عببن ابببن عببباس‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫إنكار التكبير جملة إل إذا كبر المام‪ ،‬واتفقوا أيضا على التكبير في أدبببار الصببلوات‬
‫أيام الحج‪ .‬واختلفوا في توقيت ذلك اختلفا كثيرا‪ ،‬فقال قوم‪ :‬يكبر من صببلة الصبببح‬
‫يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق‪ ،‬وبه قال سفيان وأحمد وأبو ثور‪ .‬وقيببل‬
‫يكبر من صلة الظهر من يوم النحر إلى صلة الصبح من آخر أيام التشببريق‪ ،‬وهببو‬
‫قول مالك والشافعي‪ .‬وقال الزهري مضت السنة أن يكبر المببام فببي المصببار دبببر‬
‫صلة الظهر من يوم النحر إلى العصر من آخر أيام التشريق‪.‬‬
‫وبالجملة فالخلف في ذلك كثير حكى ابن المنذر فيها عشرة أقوال‪ .‬وسبب اختلفهببم‬
‫في ذلك هو أنه نقلت بالعمل ولم ينقل في ذلك قول محدود‪ ،‬فلما اختلفت الصحابة في‬
‫ذلك اختلف من بعدهم‪ .‬والصل في هببذا الببباب قببوله تعببالى }واذكببروا الب فببي أيببام‬
‫معدودات{ فهذا الخطاب وإن كان المقصود به أول أهببل الحببج‪ ،‬فببإن الجمهببور رأوا‬
‫أنه يعم أهل الحج وغيرهم وتلقى ذلك بالعمل وإن كانوا اختلفوا في التوقيت في ذلك‪،‬‬
‫ولعل التوقيت في ذلك على التخيير لنهم كلهم أجمعوا علببى التببوقيت واختلفببوا فيببه‪.‬‬
‫وقال قوم‪ :‬التكبير دبر الصلة في هذه اليام إنما هو لمن صلى فببي جماعببة‪ ،‬وكببذلك‬
‫اختلفوا في صفة التكبير في هذه اليام‪ ،‬فقال مالك والشافعي‪ :‬يكبر ثلثا ال أكبر ال ب‬
‫أكبر ال أكبر‪ .‬وقيل يزيد بعد هذا ل إلببه إل الب وحببده ل شببريك لببه‪ ،‬لببه الملببك ولببه‬
‫الحمد وهو على كل شيء قدير‪ .‬وروي عن ابببن عببباس أنببه يقببول‪ :‬الب أكبببر كبببيرا‬
‫ثلث مرات‪ ،‬ثم يقول الرابعة ولب الحمببد‪ .‬وقببالت جماعببة‪ :‬ليببس فيببه شببيء مببؤقت‪.‬‬
‫والسبب في هذا الختلف عدم التحديد في ذلك في الشرع مع فهمهم من الشببرع فببي‬
‫ذلك التوقيت‪ :‬أعني فهببم الكببثر‪ .‬وهببذا هبو السببب فببي اختلفهبم فبي تبوقيت زمببان‬
‫التكبير‪ ،‬أعني فهم التوقيت مع عدم النص فبي ذلبك‪ ،‬وأجمعبوا علبى أنبه يسبتحب أن‬
‫يفطر في عيد الفطر قببل الغبدو إلبى المصبلى‪ ،‬وأن ل يفطبر يبوم الضبحى إل بعبد‬
‫النصراف من الصلة‪ ،‬وأنه يستحب أن يرجع من غيببر الطريببق الببتي مشببى عليهببا‬
‫لثبوت ذلك من فعله عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب التاسع في سجود القرآن‪.‬‬
‫@‪-‬والكلم في هذا الباب ينحصر في خمسة فصول‪ :‬فببي حكببم السببجود‪ .‬وفببي عببدد‬
‫السجدات التي لها عزائم‪ ،‬أعني التي يسجد لها‪ .‬وفي الوقات التي يسجد لهبا‪ .‬وعلبى‬
‫مببن يجببب السببجود‪ .‬وفببي صببفة السببجود‪ .‬فأمببا حكببم سببجود التلوة فببإن أبببا حنيفببة‬
‫وأصحابه قالوا‪ :‬هو واجب‪ ،‬وقال مالك والشافعي‪ :‬هو مسنون وليس بواجب‪ .‬وسبببب‬
‫الخلف اختلفهم في مفهوم الوامر بالسجود والخببار البتي معناهبا معنبى الوامبر‬
‫بالسجود مثل قوله تعالى }إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيببا{ هببل هببي‬
‫محمولة على الوجوب أو على الندب فأبو حنيفة حملها على ظاهرهببا مببن الوجببوب‪،‬‬
‫ومالك والشافعي اتبعا في مفهومها الصحابة إذ كانوا هم أقعد بفهم الوامر الشرعية‪،‬‬
‫وذلك أنه لما ثبت أن عمر بن الخطاب قرأ السجدة يوم الجمعببة فنببزل وسببجد وسببجد‬
‫الناس فلما كان في الجمعة الثانية وقرأها تهيأ الناس للسببجود فقببال‪ :‬علببى رسببلكم إن‬
‫ال لم يكتبها علينا إل أن نشاء قالوا وهذا بمحضر الصحابة‪ ،‬فلم ينقل عن أحببد منهببم‬
‫خلف وهم أفهم بمغزى الشرع‪ ،‬وهذا إنما يحتج به من يببرى قببول الصببحابي إذا لببم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يكن له مخالف حجة‪ ،‬وقد احتج أصحاب الشافعي في ذلك بحديث زيد بببن ثببابت أنببه‬
‫قال "كنت أقرأ القرآن على رسول ال صلى ال عليه وسلم فقببرأت سببورة الحببج فلببم‬
‫يسجد ولم نسجد" وكذلك أيضا يحتج لهؤلء بما روي عنه عليه الصلة والسلم "أنه‬
‫لم يسجد في المفصل" وبما روي أنه سجد فيها لن وجه الجمع بين ذلببك يقتضببي أن‬
‫ل يكون السجود واجبا‪ ،‬وذلك بأن يكون كل واحد منهم حدث بما رأى‪ ،‬ومن قال إنبه‬
‫سجد‪ ،‬ومن قال إنه لم يسجد‪ .‬وأما أبو حنيفة فتمسك في ذلببك بببأن الصببل هببو حمببل‬
‫الوامر على الوجوب والخبار التي تتنزل منزلة الوامر وقد قببال أبببو المعببالي‪ :‬إن‬
‫احتجاج أبببي حنيفببة بببالوامر الببواردة بالسببجود فببي ذلببك ل معنببى لببه‪ ،‬فببإن إيجبباب‬
‫السجود مطلقا ليس يقتضي وجوبه مقيدا وهو عند القراءة‪ :‬أعني قببراءة آيببة السببجود‬
‫قال‪ :‬ولو كان المر كما زعم أبو حنيفة لكانت الصلة تجببب عنببد قببراءة اليببة الببتي‬
‫فيها المر بالصلة‪ ،‬وإذا لم يجب ذلك فليس يجب السجود عند قراءة الية البتي فيهبا‬
‫المر بالسجود من المر بالسجود‪.‬‬
‫ولبي حنيفة أن يقول‪ ،‬قد أجمع المسلمون على أن الخبار الواردة فببي السببجود عنببد‬
‫تلوة القرآن هي بمعنى المر وذلك في أكثر المواضع‪ ،‬وإذا كان ذلك كذلك فقد ورد‬
‫المر بالسجود مقيدا بالتلوة أعني عند التلوة‪ ،‬وورد المر ببه مطلقبا فبوجب حمبل‬
‫المطلق على المقيد‪ ،‬وليس المر في ذلك بالسجود كالمر بالصلة‪ ،‬فإن الصببلة قيببد‬
‫وجوبها بقيود أخر‪ ،‬وأيضا فإن النبي عليه الصببلة والسببلم قببد سببجد فيهببا فبببين لنببا‬
‫بذلك معنى المببر بالسببجود الببوارد فيهببا‪ :‬أعنببي أنببه عنببد التلوة‪ ،‬فببوجب أن يحمببل‬
‫مقتضى المر في الوجوب عليه‪ .‬وأما عدد عزائم سجود القرآن‪ ،‬فإن مالكببا قببال فببي‬
‫الموطأ‪ :‬المر عندنا أن عزائم سجود القرآن إحدى عشبرة سبجدة ليبس فبي المفصبل‬
‫منها شيء وقال أصحابه‪ :‬أولها خاتمة العراف‪ ،‬وثانيها في الرعد عنببد قببوله تعببالى‬
‫}بالغدو والصال{ وثالثها في النحل عند قوله تعالى }ويفعلون ما يؤمرون{ ورابعهببا‬
‫في بني إسرائيل عند قوله تعالى }ويزيدهم خشببوعا{ وخامسببها فببي مريببم عنببد قببوله‬
‫تعالى }خروا سجدا وبكيا{ وسادسها الولى من الحج عند قوله تعببالى }إن ال ب يفعببل‬
‫ما يشاء{ وسابعها في الفرقان عند قوله تعالى }وزادهم نفورا{ وثامنها في النمل عند‬
‫قوله تعالى }رب العرش العظيم{ وتاسعها في }الّم تنزيل{ عنبد قبوله تعبالى }وهبم ل‬
‫ص{ عنببد قببوله تعببالى }وخببر راكعببا وأنبباب{ والحاديببة‬
‫يستكبرون{ وعاشببرها فببي } ّ‬
‫عشرة في }حّم تنزيل{ عند قوله تعالى }إن كنتم إياه تعبدون{ وقيل عند قوله }وهم ل‬
‫يسأمون{ وقال الشافعي‪ :‬أربع عشرة سجدة‪ :‬ثلث منهببا فببي المفصببل‪ :‬فببي النشببقاق‬
‫ص{ سجدة لنها عنده من باب الشكر‪.‬‬ ‫وفي النجم وفي }اقرأ باسم ربك{ ولم ير في } ّ‬
‫ص{ وقببال‬ ‫وقال أحمد‪ :‬هي خمسة عشرة سجدة أثبت فيها الثانية من الحببج وسببجدة } ّ‬
‫أبو حنيفة‪ :‬هي اثنتا عشرة سجدة‪ .‬قال الطحاوي‪ :‬وهي كل سجدة جاءت بلفظ الخبببر‪.‬‬
‫والسبب في اختلفهم اختلفهم في المذاهب التي اعتمدوها في تصحيح عددها وذلببك‬
‫أن منهم من اعتمد عمل أهل المدينة‪ ،‬ومنهببم مببن اعتمببد القيبباس‪ ،‬ومنهببم مببن اعتمببد‬
‫السماع‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أما الذين اعتمدوا العمل فمالببك وأصببحابه‪ .‬وأمببا الببذين اعتمببدوا القيبباس فببأبو حنيفببة‬
‫وأصحابه‪ ،‬وذلك أنهم قالوا‪ :‬وجدنا السجدات التي أجمع عليها جاءت بصبيغة الخببر‪،‬‬
‫وهي سجدة العراف والنحل والرعد والسراء ومريم وأول الحج والفرقببان والنمببل‬
‫والّم تنزيل‪ ،‬فوجب أن تلحق بها سائر السببجدات الببتي جبباءت بصببيغة الخبببر‪ ،‬وهببي‬
‫ص وفي النشقاق‪ ،‬ويسقط ثلثة جاءت بلفظ المببر وهببي الببتي فببي والنجببم‬ ‫التي في ّ‬
‫وفي الثانية من الحج وفي اقرأ باسم ربك وأما الذين اعتمببدوا السببماع فبإنهم صبباروا‬
‫إلى ما ثبت عنه عليه الصببلة والسببلم مببن سبجوده فببي النشببقاق وفببي }اقببرأ باسببم‬
‫ربك{ وفي }والنجم{ خرج ذلك مسببلم‪ .‬وقببال الثببرم‪ :‬سببئل أحمببد كببم فببي الحببج مببن‬
‫سجدة؟ قال سجدتان‪ .‬وصحح حديث عقبة بن عامر عن النبي صلى ال ب عليببه وسببلم‬
‫أنه قال "في الحج سجدتان" وهو قول عمر وعلي‪.‬‬
‫ص لما‬‫قال القاضي‪ :‬خرجه أبو داود‪ .‬وأما الشافعي فإنه إنما صار إلى إسقاط سجدة ّ‬
‫رواه أبو داود عن أبي سعيد الخدري "أن النبي عليه الصلة والسلم قرأ وهببو علببى‬
‫ص{ فنزل وسجد فلما كان يوم آخر قرأها فتهيأ النبباس‬ ‫المنبر آية السجود من سورة } ّ‬
‫للسجود فقال‪ :‬إنما هي توبة نبببي‪ ،‬ولكببن رأيتكبم تشببيرون للسبجود فنزلبت فسبجدت"‬
‫وفي هذا ضرب من الحجة لبي حنيفة في قببوله بوجببوب السببجود‪ ،‬لنببه علببل تببرك‬
‫السجود في هذه السجدة بعلة انتفت في غيرها من السببجدات‪ ،‬فببوجب أن يكببون حكببم‬
‫التي انتفت عنها العلة بخلف التي ثبتت لهببا العلببة‪ ،‬وهببو نببوع مببن السببتدلل وفيببه‬
‫اختلف‪ ،‬لنه من باب تجويز دليل الخطاب‪ .‬وقد احتج بعض من لم ير السببجود فببي‬
‫المفصل بحديث عكرمة عن ابن عباس خرجببه أبببو داود "أن رسببول الب صببلى الب‬
‫عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ هاجر إلى المدينة" قال أبو عمر‪ :‬وهو‬
‫منكر لن أبا هريرة الذي روى سجوده في المفصل لم يصحبه عليه الصلة والسلم‬
‫إل بالمدينة‪ .‬وقد روى الثقات عنه "أنه سجد عليه الصلة والسلم في والنجم"‪ .‬وأمببا‬
‫وقت السجود فإنهم اختلفوا فيه؛ فمنع قوم السجود فببي الوقببات المنهببى عببن الصببلة‬
‫فيها‪ ،‬وهو مببذهب أبببي حنيفببة علببى أصببله فببي منببع الصببلوات المفروضببة فببي هببذه‬
‫الوقات‪ ،‬ومنع مالك أيضا ذلك في الموطأ لنها عنده مببن النفببل والنفببل ممنببوع فببي‬
‫هذه الوقات عنده‪ .‬وروى ابن القاسم عنه أنببه يسببجد فيهببا بعببد العصببر مببالم تصببفر‬
‫الشمس أو تتغير‪ ،‬وكذلك بعد الصبح وبه قال الشافعي وهذا بناء على أنهببا سببنة وأن‬
‫السنن تصلى في هذه الوقات ما لم تدن الشمس من الغروب أو الطلببوع‪ .‬وأمببا علببى‬
‫من يتوجه حكمها؟ فأجمعوا على أنه يتوجه على القارئ في صلة كببان أو فببي غيببر‬
‫صلة‪ .‬واختلفوا في السامع هل عليه سجود أم ل؟ فقال أبو حنيفة‪ :‬عليه السجود‪ ،‬ولم‬
‫يفرق بين الرجل والمرأة‪ .‬وقال مالك‪ :‬يسجد السامع بشببرطين‪ :‬أحبدهما إذا كببان قعببد‬
‫ليسمع القرآن‪ ،‬والخر أن يكون القارئ يسجد‪ ،‬وهببو مببع هببذا ممببن يصببح أن يكببون‬
‫إماما للسامع‪ .‬وروى ابن القاسم عن مالك أنه يسجد السامع‪ ،‬وإن كان القارئ ممن ل‬
‫يصلح المامة إذا جلس إليه‪ .‬وأما صفة السجود فإن جمهور الفقهبباء قببالوا‪ :‬إذا سببجد‬
‫القارئ كبر إذا خفض وإذا رفع‪ ،‬واختلف قول مالك في ذلك إذا كان في غير صبلة‪.‬‬
‫وأما إذا كان في الصلة فإنه يكبر قول واحدا‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم وصلى ال على سيدنا محمد وآله‬


‫*‪*2‬كتاب أحكام الميت‬
‫@‪-‬والكلم في هذا الكتاب وهي حقوق الموات على الحياء‪ .‬ينقسم إلى ست جمل‪:‬‬
‫الجملة الولى‪ :‬فيما يستحب أن يفعل به عند الحتضار‪ ،‬وبعببده‪ .‬الثانيببة‪ :‬فببي غسببله‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬في تكفينه‪ .‬الرابعة‪ :‬في حمله واتباعه‪ .‬الخامسة‪ :‬في الصبلة عليبه‪ .‬السادسبة‪:‬‬
‫في دفنه‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول‪ .‬فيما يستحب أن يفعل به عند الحتضار وبعده‪.‬‬
‫@‪-‬ويستحب أن يلقن الميت عند الموت شهادة أن ل إله إل ال‪ ،‬لقوله عليببه الصببلة‬
‫والسلم "لقنوا موتاكم شهادة أن ل إله إل ال" وقوله "من كببان آخببر قببوله ل إلببه إل‬
‫ال دخل الجنة"‪ .‬واختلفوا في استحباب توجيهه إلى القبلة‪ ،‬فبرأى ذلبك قببوم ولببم يبره‬
‫آخرون‪ .‬وروي عن مالك أنه قال في التوجيه‪ :‬ما هو مببن المببر القببديم‪ .‬وروي عببن‬
‫سعيد بن المسيب أنه أنكر ذلك ولم يرو ذلك عن أحد من الصحابة ول مببن التببابعين‪:‬‬
‫أعني المر بالتوجيه‪ ،‬فإذا قضى الميت غمض عينيه‪ ،‬ويستحب تعجيببل دفنببه لببورود‬
‫الثار بذلك‪ ،‬إل الغريق‪ ،‬فإنه يستحب في المذهب تأخير دفنه مخافببة أن يكببون المبباء‬
‫قد غمره فلم تتبين حياته‪ .‬قال القاضي‪ :‬وإذا قيل هذا في الغريق فهو أولببى فببي كببثير‬
‫من المرضى مثل الذين يصيبهم انطباق العروق وغيبر ذلبك ممبا هبو معبروف عنبد‬
‫الطباء حتى قال الطباء إن المسكوتين ل ينبغي أن يدفنوا إل بعد ثلث‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني في غسل الميت‪.‬‬
‫@‪-‬ويتعلق بهذا الباب فصول أربعة‪ :‬منها في حكم الغسل‪ .‬ومنها فيمن يجببب غسببله‬
‫من الموتى‪ .‬ومن يجوز أن يغسل‪ ،‬وما حكم الغاسل‪ ،‬ومنها في صفة الغسل‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول في حكم الغسل‪.‬‬
‫@‪-‬فأما حكم الغسل فإنه قيل فيه إنه فرض علببى الكفايببة‪ .‬وقيببل سببنة علببى الكفايببة‪.‬‬
‫والقولن كلهما في المذهب‪ .‬والسبب فبي ذلبك أنبه نقبل بالعمبل ل ببالقول‪ ،‬والعمبل‬
‫ليس له صيغة تفهم الوجوب أو ل تفهمه‪ .‬وقد احتج عبد الوهاب لوجوبه بقببوله عليببه‬
‫الصلة والسلم في ابنته "اغسلنها ثلثا أو خمسا" وبقوله في المحرم "اغسلوه" فمببن‬
‫رأى أن هبذا القبول خببرج مخببرج تعليببم لصبفة الغسببل ل مخبرج المبر بببه لببم يقببل‬
‫بوجوبه‪ ،‬ومن رأى أنه يتضمن المر والصفة قال‪ :‬بوجوبه‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني فيمن يجب غسله من الموتى‪.‬‬
‫@‪-‬وأما الموات الذين يجب غسلهم فإنهم اتفقوا من ذلك على غسببل الميببت المسببلم‬
‫الذي لم يقتل في معترك حرب الكفار‪ .‬واختلفوا في غسل الشهيد وفببي الصببلة عليببه‬
‫وفي غسل المشرك‪ .‬فأمببا الشببهيد‪ :‬أعنببي الببذي قتلببه فببي المعببترك المشببركون‪ ،‬فببإن‬
‫الجمهور على ترك غسله لما روي "أن رسول ال صلى ال عليببه وسببلم أمببر بقتلببى‬
‫أحد فدفنوا بثيابهم ولم يصل عليهم" وكان الحسن وسعيد ابن المسيب يقببولن‪ :‬يغسببل‬
‫كل مسلم فإن كل ميت يجنب‪ ،‬ولعلهم كانوا يرون إن ما فعل بقتلى أحد كان لموضببع‬
‫الضرورة‪ :‬أعني المشقة في غسلهم‪ ،‬وقال بقولهم من فقهبباء المصببار عبيببد ال ب بببن‬
‫الحسن العنبري‪ .‬وسئل أبو عمر فيما حكى اببن المنبذر عبن غسبل الشبهيد فقبال‪ :‬قبد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫غسل عمر وكفن وحنط وصلى عليه‪ ،‬وكان شهيدا يرحمه ال‪ .‬واختلف الببذين اتفقببوا‬
‫على أن الشهيد في حرب المشركين ل يغسل في الشهداء من قتل اللصوص أو غيببر‬
‫أهل الشرك‪ .‬فقال الوزاعي وأحمد وجماعة حكمهم حكم من قتله أهل الشرك‪ .‬وقببال‬
‫مالك والشافعي‪ :‬يغسل‪ .‬وسبببب اختلفهببم هببو هببل المببوجب لرفببع حكببم الغسببل هببي‬
‫الشهادة مطلقا أو الشهادة علبى أيببدي الكفبار‪ ،‬فمبن رأى أن سبببب ذلببك هبي الشبهادة‬
‫مطلقا قال‪ :‬ل يغسل كل من نص عليه النبي عليببه الصببلة والسببلم أنببه شببهيد ممببن‬
‫قتل‪ .‬ومن رأى أن سبب ذلك هي الشهادة من الكفار قصببر ذلببك عليهببم‪ .‬وأمببا غسببل‬
‫المسلم الكافر فكان مالك يقول‪ :‬ل يغسل المسلم والده الكافر ول يقبره‪ ،‬إل أن يخبباف‬
‫ضياعه فيواريه‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬لبأس بغسل المسلم قرابته مببن المشببركين ودفنهببم‪،‬‬
‫وبه قال أبو ثور وأبو حنيفة وأصحابه قال أبو بكر بن المنذر‪ :‬ليس في غسببل الميببت‬
‫المشرك سنة تتبع‪ ،‬وقد روى "أن النبي عليه الصلة والسببلم‪ .‬أمببر بغسببل عمببه لمببا‬
‫مات"‪ .‬وسبب الخلف هل الغسل من باب العبادة‪ ،‬أو مببن ببباب النظافببة؟ فببإن كببانت‬
‫عبادة لم يجز غسل الكافر‪ ،‬وإن كانت نظافة جاز غسله‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثالث فيمن يجوز أن يغسل الميت‪.‬‬
‫@‪-‬وأما من يجوز أن يغسل الميت‪ ،‬فإنهم اتفقببوا علببى أن الرجببال يغسببلون الرجببال‬
‫والنساء يغسلون النساء‪ .‬واختلفوا في المرأة تموت مع الرجال‪ ،‬أو الرجل يمببوت مببع‬
‫النساء ما لم يكونا زوجين على ثلثة أقوال‪ :‬فقال قوم‪ :‬يغسل كل واحد منهما صاحبه‬
‫من فوق الثياب‪ .‬وقال قوم‪ :‬ييمم كل واحببد منهمببا صبباحبه‪ ،‬وبببه قببال الشببافعي وأبببو‬
‫حنيفة وجمهور العلماء‪ .‬وقال قوم‪ :‬ل يغسل واحد منهما صاحبه ول ييممه‪ ،‬وبه قببال‬
‫الليث بن سعد‪ ،‬بل يدفن من غير غسببل‪ .‬وسبببب اختلفهببم هببو الترجيببح بيببن تغليببب‬
‫النهي على المر‪ ،‬أو المر على النهي‪ ،‬وذلك أن الغسببل مببأمور بببه‪ ،‬ونظببر الرجببل‬
‫إلى بدن المرأة والمرأة إلى بدن الرجل منهي عنببه‪ .‬فمببن غلببب النهببي تغليبببا مطلقببا‪،‬‬
‫أعني لم يقس الميت على الحي في كون الطهارة الببتراب لببه بببدل مببن طهببارة المبباء‬
‫عند تعذرها قال‪ :‬ل يغسل واحد منهمببا صبباحبه ول ييممببه‪ .‬ومببن غلببب المببر علببى‬
‫النهي قال يغسل كل واحد منهما صاحبه‪ :‬أعني غلب المر على النهي تغليبا مطلقببا‪.‬‬
‫ومن ذهب إلى التيمم فلنه رأى أنه ل يلحق المر والنهي في ذلببك تعببارض‪ ،‬وذلببك‬
‫أن النظر إلى مواضع التيمم يجوز لكل الصنفين‪ ،‬ولذلك رأى مالببك أن ييمببم الرجببل‬
‫المرأة في يديها ووجهها فقط لكون ذلك منهببا ليسببا بعببورة‪ ،‬وأن تيمببم المببرأة الرجببل‬
‫إلى المرفقين لنه ليس من الرجل عورة إل من السرة إلى الركبة على مذهبه‪ ،‬فكببأن‬
‫الضرورة التي نقلت الميت من الغسل إلى التيمم عند من قال به هي تعببارض المببر‬
‫والنهي‪ ،‬فكأنه شبه هذه الضرورة بالضبرورة البتي يجبوز معهبا للحبي البتيمم‪ ،‬وهبو‬
‫تشبيه فيه بعد ولكن عليه الجمهور‪ .‬فأما مالك فبباختلف فببي قببوله هببذه المسببألة فمببرة‬
‫قال‪ :‬ييمم كل واحد منهما صاحبه قول مطلقا‪ ،‬ومرة فرق في ذلك بين ذوي المحببارم‬
‫وغيرهم‪ ،‬ومرة فرق في ذوي المحارم بين الرجال والنساء‪ ،‬فيتحصل عنه أن له فببي‬
‫ذوي المحارم ثلثة أقوال‪ :‬أشهرها أنه يغسل كل واحد منهمببا علببى الثيبباب‪ .‬والثبباني‬
‫أنه ل يغسل أحدهما صاحبه لكن ييممه مثل قول الجمهببور فببي غيببر ذوي المحببارم‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والثالث الفرق بين الرجال والنسبباء‪ :‬أعنببي تغسببل المببرأة الرجببل ول يغسببل الرجببل‬
‫المرأة‪ .‬فسبب المنع أن كل واحد منهما ل يحل له أن ينظببر إلببى موضببع الغسببل مببن‬
‫صاحبه كالجانب سواء‪ .‬وسبب الباحة أنه موضع ضرورة وهم أعذر في ذلبك مبن‬
‫الجنبببي‪ .‬وسبببب الفببرق أن نظببر الرجببال إلببى النسبباء أغلببظ مببن نظببر النسبباء إلببى‬
‫الرجال‪ ،‬بدليل أن النساء حجببن عبن نظبر الرجبال إليهبن ولبم يحجبب الرجبال عبن‬
‫النساء‪ .‬وأجمعوا من هذا الباب على جواز غسل المرأة زوجها‪ .‬واختلفببوا فببي جببواز‬
‫غسله إياها‪ ،‬فالجمهور علببى جببواز ذلببك؛ وقببال أبببو حنيفببة‪ :‬ل يجببوز غسببل الرجببل‬
‫لزوجته‪ .‬وسبب اختلفهم هو تشبيه الموت بالطلق‪ ،‬فمن شبهه بالطلق قال‪ :‬ل يحل‬
‫أن ينظر إليها بعد الموت‪ ،‬ومن لم يشبهه بالطلق وهم الجمهور قال‪ :‬إن ما يحببل لببه‬
‫من النظر إليها قبل الموت يحل له بعد الموت‪ ،‬وإنما دعا أبا حنيفببة أن يشبببه المببوت‬
‫بالطلق لنه رأى أنه إذا ماتت إحدى الختين حل له نكاح الخرى‪ ،‬كالحال فيها إذا‬
‫طلقت‪ ،‬وهذا فيه بعد‪ ،‬فإن علة منع الجمع مرتفعة بين الحي والميت‪ ،‬ولذلك حلت إل‬
‫أن يقال إن علة منع الجمع غير معقوله‪ ،‬وإن منع الجمع بين الختين عبببادة محضببة‬
‫غير معقولة المعنى‪ ،‬فيقوى حينئذ مذهب أبي حنيفة‪ ،‬وكذلك أجمعوا على أن المطلقة‬
‫المبتوتة ل تغسل زوجها‪ ،‬واختلفوا في الرجعية‪ ،‬فروي عن مالببك أنهببا تغسببله‪ ،‬وبببه‬
‫قال أبو حنيفة وأصحابه‪ .‬وقال ابن القاسببم‪ :‬ل تغسببله وإن كببان الطلق رجعيببا وهببو‬
‫قياس قول مالك‪ ،‬لنه ليس يجوز عنده أن يراها‪ ،‬وبه قال الشافعي‪ .‬وسبب اختلفهببم‬
‫هو هل يحل للزوج أن ينظر إلى الرجعية أو ل ينظر إليها؟ وأما حكم الغاسببل فببإنهم‬
‫اختلفوا فيما يجب عليه‪ ،‬فقال قوم‪ :‬من غسل ميتا وجببب عليببه الغسببل‪ .‬وقبال قبوم‪ :‬ل‬
‫غسل عليه‪ .‬وسبب اختلفهم معارضة حديث أبي هريرة لحديث أسماء‪ ،‬وذلك أن أبببا‬
‫هريرة روى عن النبي عليه الصلة والسلم أنه قال "من غسل ميتبا فليغتسبل‪ ،‬ومبن‬
‫حمله فليتوضأ" خرجه أبو داود‪ .‬وأما حديث أسماء فإنها لما غسببلت أببا بكببر رضبي‬
‫ال عنه خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين والنصبار وقبالت إنبي صبائمة‪،‬‬
‫وإن هذا يوم شديد البببرد فهببل علببي مببن غسببل؟ قببالوا‪ :‬ل‪ ،‬وحببديث أسببماء فببي هببذا‬
‫صحيح‪ .‬وأما حديث أبي هريرة فهو عند أكثر أهل العلببم فيمببا حكببى أبببو عمببر غيببر‬
‫صحيح‪ ،‬لكن حديث أسماء ليس فيه في الحقيقة معارضة لببه‪ ،‬فببإن مببن أنكببر الشببيء‬
‫يحتمل أن يكون ذلك لنه لم تبلغه السنة في ذلبك الشبيء‪ ،‬وسبؤال أسبماء والب أعلبم‬
‫يدل على الخلف في ذلك في الصدر الول‪ ،‬ولهذا كله قال الشافعي رضي ال ب عنببه‬
‫على عادته في الحتياط واللتفات إلى الثر ل غسببل علببى مببن غسببل الميببت إل أن‬
‫يثبت حديث أبي هريرة‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الرابع في صفة الغسل‪ .‬وفي هذا الفصل مسائل‪:‬‬
‫@‪)-‬إحداها( هل ينزع عن الميت قميصه إذا غسل؟ أم يغسببل فببي قميصببه؟ اختلفببوا‬
‫في ذلك‪ ،‬فقال مالك‪ :‬إذا غسل الميت تنزع ثيابه وتستر عورته‪ ،‬وبه قال أبببو حنيفببة‪،‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬يغسل في قميصه‪ .‬وسبب اختلفهم تردد غسله عليه الصببلة والسببلم‬
‫في قميصه بين أن يكون خاصا به وبين أن يكون سنة فمن رأى أنه خاص به أنببه ل‬
‫يحرم من النظر إلى الميت إل ما يحرم منه وهو حي قال‪ :‬يغسل عريانببا إل عببورته‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فقط التي يحرم النظر إليها في حال الحياة‪ .‬ومن رأى أن ذلببك سببنة يسببتند إلببى ببباب‬
‫الجماع أو إلى المر اللهي‪ ،‬لنه روي في الحديث أنهم سمعوا صوتا يقول لهم‪ :‬ل‬
‫تنزعوا القميص‪ ،‬وقد ألقي عليهم النوم قال‪ :‬الفضل أن يغسل الميت في قميصه‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية( قال أبو حنيفة‪ :‬ل يوضأ الميببت‪ .‬وقببال الشببافعي‪ :‬يوضببأ‪ .‬وقببال‬
‫مالك‪ :‬إن وضئ فحسن‪ .‬وسبب الخلف في ذلببك معارضببة القيبباس للثببر‪ .‬وذلببك أن‬
‫القياس يقتضي أن ل وضوء على الميببت‪ ،‬لن الوضببوء طهببارة مفروضببة لموضببع‬
‫العبادة‪ ،‬وإذا أسقطت العبادة عن الميبت سبقط شبرطها البذي هبو الوضبوء ولبول أن‬
‫الغسل ورد في الثار لما وجب غسله‪ .‬وظاهر حببديث أم عطيببة الثببابت أن الوضببوء‬
‫شرط في غسل الميت لن فيه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال في غسل ابنته‬
‫"ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها" وهذه الزيادة ثابتة خرجها البخاري ومسببلم‪،‬‬
‫ولذلك يجب أن تعارض بالروايات التي فيها الغسل مطلقببا‪ ،‬لن المقيببد يقضببي علببى‬
‫المطلق‪ ،‬إذ فيه زيادة على ما يراه كثير من الناس‪ ،‬ويشبه أيضا أن يكون من أسببباب‬
‫الخلف في ذلك معارضة المطلق للمقيد‪ ،‬وذلببك أنببه وردت آثببار كببثيرة فيهببا المببر‬
‫بالغسببل مطلقببا مببن غيببر ذكبر وضبوء فيهببا‪ ،‬فهببؤلء رجحبوا الطلق علبى التقييببد‬
‫لمعارضة القيبباس لببه فببي هببذا الموضببع‪ .‬والشببافعي جببرى علببى الصببل مببن حمببل‬
‫المطلق على المقيد‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثالثة( اختلفوا في التوقيت في الغسببل‪ ،‬فمنهببم مببن أوجبببه‪ ،‬ومنهببم مببن‬
‫استحسنه واستحبه‪ .‬والذين أوجبوا التوقيت منهم من أوجب الوتر‪ ،‬أي وتر كان‪ ،‬وبه‬
‫قال ابن سيرين‪ .‬ومنهم من أوجب الثلثة فقط‪ ،‬وهو أبو حنيفببة‪ .‬ومنهببم مببن حببد أقببل‬
‫الوتر في ذلك فقال‪ :‬ل ينقص عن الثلثه ولم يحد الكثر وهببو الشببافعي‪ .‬ومنهببم مببن‬
‫حد الكثر في ذلك فقبال‪ :‬ل يتجباوز ببه السببعة‪ ،‬وهبو أحمبد ببن حنببل‪ .‬وممبن قبال‬
‫باستحباب الوتر ولم يحد فيه حدا مالك بن أنس وأصببحابه‪ .‬وسبببب الخلف بيببن مببن‬
‫شرط التوقيت ومن لم يشترطه بل استحبه معارضة القيبباس للثبر‪ ،‬وذلبك أن ظباهر‬
‫حديث أم عطية يقتضي التوقيت‪ ،‬لن فيه "اغسلنها ثلثا أو خمسا أو أكببثر مببن ذلببك‬
‫إن رأيتن" وفي بعض رواياته "أو سبعا"‪ .‬وأما قياس الميت على الحي فببي الطهببارة‬
‫فيقتضي أن ل توقيت فيها كما ليس في طهارة الحي توقيت‪ ،‬فمببن رجببح الثببر علببى‬
‫النظببر قببال بببالتوقيت‪ .‬ومببن رأى الجمببع بيببن الثببر والنظببر حمببل التببوقيت علببى‬
‫الستحباب‪ .‬وأما الذين اختلفوا في التوقيت‪ ،‬فسبب اختلفهم ألفاظ الروايات فببي ذلببك‬
‫عن أم عطية‪ .‬فأما الشافعي فإنه رأى أن ل ينقص عن ثلثة لنه أقببل وتببر نطببق بببه‬
‫في حديث أم عطية‪ ،‬ورأى أن ما فببوق ذلببك مببباح لقببوله عليببه الصببلة والسببلم "أو‬
‫أكثر من ذلك إن رأيتن"‪ .‬وأما أحمد فأخببذ بببأكثر وتببر نطببق بببه فببي بعببض روايببات‬
‫الحديث‪ ،‬وهو قببوله عليببه الصببلة والسببلم "أو سبببعا"‪ .‬وأمببا أبببو حنيفببة فصببار فببي‬
‫قصره الوتر على الثلث لمببا روي أن محمببد بببن سببيرين كببان يأخببذ الغسببل عببن أم‬
‫عطيببة "ثلثببا يغسببل بالسببدر مرتيببن والثالثببة بالمبباء والكببافور" وأيضببا فببإن الببوتر‬
‫الشرعي عنده إنما ينطلق على الثلث فقط‪ .‬وكان مالك يستحب أن يغسل في الولببى‬
‫بالماء القراح‪ ،‬وفي الثانية بالسدر‪ ،‬وفي الثالثة بالمبباء والكببافور‪ .‬واختلفببوا إذا خببرج‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫من بطنه حدث هل يعاد غسله أم ل؟ فقيل ل يعاد‪ ،‬وبه قال مالك‪ ،‬وقيل يعاد‪ .‬والببذين‬
‫رأوا أنه يعاد اختلفوا في العدد الذي تجب به العادة إن تكرر خببروج الحببدث‪ ،‬فقيببل‬
‫يعبباد الغسببل عليببه واحببدة‪ ،‬وبببه قبال الشببافعي‪ .‬وقيببل يعبباد ثلثببا‪ .‬وقيببل يعبباد سبببعا‪.‬‬
‫وأجمعوا على أنه ل يزاد على السبع شيء‪ .‬واختلفوا في تقليم أظفببار الميببت والخببذ‬
‫من شعره‪ ،‬فقال قوم‪ :‬تقلم أظفاره ويؤخذ منه‪ .‬وقال قوم‪ :‬ل تقلم أظفاره ول يؤخذ من‬
‫شعره وليس فيه أثببر‪ .‬وأمببا سبببب الخلف فببي ذلببك‪ ،‬فببالخلف الواقببع فببي ذلببك فببي‬
‫الصدر الول‪ ،‬ويشبه أن يكون سبب الخلف في ذلك قياس الميت على الحببي‪ ،‬فمببن‬
‫قاسه أوجب تقليم الظفار وحلق العانة لنها من سببنة الحببي باتفبباق‪ ،‬وكببذلك اختلفببوا‬
‫في عصر بطنه قبل أن يغسل‪ .‬فمنهم من رأى ذلك‪ ،‬ومنهم من لم يره‪ .‬فمببن رآه رأى‬
‫أن فيه ضربا من الستنقاء من الحدث عند ابتداء الطهارة‪ ،‬وهو مطلوب مببن الميببت‬
‫كما هو مطلوب من الحي‪ .‬ومن لم ير ذلك رأى أنه مببن ببباب تكليببف مببا لببم يشببرع‪،‬‬
‫وأن الحي في ذلك بخلف الميت‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثالث في الكفان‪.‬‬
‫@‪-‬والصل في هذا الباب أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كفن في ثلثببة أثببواب‬
‫بيض سحولية ليس فيها قميص ول عمامببة "وخببرج أبببو داود عببن ليلببى بنببت قببائف‬
‫الثقفية قالت "كنت فيمت غسل أم كلثوم بنت رسول ال صلى ال عليببه وسببلم‪ ،‬فكببان‬
‫أول ما أعطاني رسول ال صلى ال عليه وسلم الحقو ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة‬
‫ثم أدرجت بعد في الثوب الخر‪ ،‬قالت‪ :‬ورسول ال صلى ال عليه وسلم جالس عنببد‬
‫الباب معه أكفانها يناولناها ثوبا ثوببا" فمببن العلمباء مبن أخبذ بظباهر هبذين الثريببن‬
‫فقال‪ :‬يكفن الرجل فبي ثلثبة أثبواب والمبرأة فبي خمسبة أثبواب‪ ،‬وببه قبال الشبافعي‬
‫وأحمد وجماعة‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬أقل ما تكفن فيه المرأة ثلثة أثواب‪ ،‬والسنة خمسببة‬
‫أثواب‪ ،‬وأقل ما يكفن فيه الرجل ثوبان‪ ،‬والسنة فيه ثلثة أثببواب‪ .‬ورأى مالببك أنببه ل‬
‫حد في ذلك‪ ،‬وأنه يجزئ ثوب واحد فيهما إل أنه يستحب الوتر‪ .‬وسبب اختلفهم فببي‬
‫التوقيت اختلفهم في مفهوم هذين الثرين‪ ،‬فمن فهم منهما الباحة لببم يقببل بببالتوقيت‬
‫إل أنه استحب الوتر لتفاقهما في الوتر‪ ،‬ولببم يفببرق فببي ذلببك بيببن المببرأة والرجببل‪،‬‬
‫وكأنه فهم منهما الباحة إل في التوقيت‪ ،‬فإنه فهم منه شرعا لمناسببته للشبرع‪ ،‬ومبن‬
‫فهم من العدد أنه شرع الباحة قال بالتوقيت‪ ،‬إما على جهة الوجوب‪ ،‬وإما على جهة‬
‫الستحباب‪ ،‬وكله واسع إن شاء ال وليس فيه شرع محدود‪ ،‬ولعله تكلف شببرع فيمببا‬
‫ليس فيه شرع‪ ،‬وقد كفن مصعب بن عمير يوم أحد بنمرة فكانوا إذا غطوا بها رأسببه‬
‫خرجت رجله‪ ،‬وإذا غطوا بها رجليه خرج رأسه فقال رسببول الب صببلى الب عليببه‬
‫وسلم "غطوا بها رأسه واجعلببوا علببى رجليببه مببن الذخببر" واتفقببوا علببى أن الميببت‬
‫يغطى رأسه ويطيب إل المحرم إذا مات في إحرامه فببإنهم اختلفببوا فيببه‪ ،‬فقببال مالببك‬
‫وأبو حنيفة‪ :‬المحرم بمنزلة غير المحرم‪ .‬وقال الشببافعي‪ :‬ل يغطبى رأس المحببرم إذا‬
‫مات ول يمس طيبا‪ .‬وسبب اختلفهم معارضة العموم للخصوص‪ .‬فأمببا الخصببوص‬
‫فهو حديث ابن عباس قال "أتى النبي صلى ال ب عليببه وسببلم برجببل وقصببته راحلتببه‬
‫فمات وهو محرم فقال‪ :‬كفنوه في ثوبين واغسلوه بماء وسدر ول تخمببروا رأسببه ول‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫تقربوه طيبا فإنه يبعث يوم القيامة يلبي" وأما العموم فهو ما ورد مببن المببر بالغسببل‬
‫مطلقا فمن خص من الموات المحرم بهذا الحببديث كتخصببيص الشببهداء بقتلببى أحببد‬
‫جعل الحكم منه عليببه الصببلة والسببلم علببى الواحببد حكمببا علببى الجميببع‪ ،‬وقببال‪ :‬ل‬
‫يغطى رأس المحرم ول يمس طيبببا‪ .‬ومببن ذهببب مببذهب الجمببع ل مببذهب السببتثناء‬
‫والتخصيص قال‪ :‬حديث العرابي خاص به ل يعدى إلى غيره‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الرابع في صفة المشي مع الجنازة‪.‬‬
‫@‪-‬واختلفوا في سنة المشي مع الجنازة‪ .‬فذهب أهل المدينة إلى أن من سنتها المشي‬
‫أمامهببا‪ .‬وقببال الكوفيببون وأبببو حنيفببة وسببائرهم‪ :‬إن المشببي خلفهببا أفضببل‪ .‬وسبببب‬
‫اختلفهم اختلف الثار التي روى كل واحد من الفريقين عن سلفه وعمل به‪ ،‬فروى‬
‫مالك عن النبي عليه الصلة والسلم مرسل‪ ،‬المشبي أمبام الجنبازة‪ ،‬وعبن أببي بكبر‬
‫وعمر وبه قال الشافعي‪ .‬وأخذ أهل الكوفبة بمبا رووا عبن علبي ببن أببي طبالب مبن‬
‫طريق عبد الرحمن بن أبزي قال‪ :‬كنت أمشي مع علببي فببي جنببازة وهببو آخببذ بيببدي‬
‫وهو يمشي خلفها وأبو بكر وعمر يمشيان أمامها‪ ،‬فقلت له في ذلببك فقببال‪ :‬إن فضببل‬
‫الماشي خلفها على الماشي أمامها كفضل صلة المكتوبة على صلة النافلببة‪ ،‬وإنهمببا‬
‫ليعلمان ذلك‪ ،‬ولكنهما سهلن يسهلن على الناس‪ .‬وروي عنببه رضببي الب عنببه أنببه‬
‫قال‪ :‬قدمها بين يديك واجعلها نصب عينيك فإنما هي موعظة وتببذكرة وعبببرة‪ ،‬وبمببا‬
‫روي أيضا عن ابن مسعود أنه كان يقول‪ :‬سألنا رسول ال صلى ال عليه وسلم عببن‬
‫السير مع الجنازة فقال "الجنببازة متبوعببة وليسببت بتابعببة‪ ،‬وليببس معهببا مببن يقببدمها"‬
‫وحديث المغيرة بن شعبة عن النبي صلى ال عليه وسببلم قببال "الراكببب يمشببي أمببام‬
‫الجنازة والماشي خلفهببا وأمامهببا وعببن يمينهببا‪ ،‬ويسببارها قريبببا منهببا" وحببديث أبببي‬
‫هريرة أيضا في هذا المعنى قال "امشوا خلف الجنازة"‪ ،‬وهذه الحاديث صببار إليهببا‬
‫الكوفيون وهي أحاديث يصححونها ويضعفها غيرهم‪ .‬وأكثر العلمبباء علببى أن القيببام‬
‫إلى الجنازة منسوخ بما روى مالك من حديث علببي بببن أبببي طببالب "أن رسببول الب‬
‫صلى ال عليه وسلم كان يقوم في الجنائز ثم جلس" وذهب قببوم إلببى وجببوب القيببام‪،‬‬
‫وتمسكوا في ذلك بما روي من أمره صلى ال عليه وسلم بالقيببام لهببا كحببديث عببامر‬
‫بن ربيعة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسببلم "إذا رأيتببم الجنببائز فقومببوا إليهببا‬
‫حتى تخلفكم أو توضع" واختلف الذين رأوا أن القيام منسوخ في القيام على القبر في‬
‫وقت الدفن‪ ،‬فبعضهم رأى أنه لم يدخل تحت النهي‪ ،‬وبعضببهم رأى أنببه داخببل تحببت‬
‫النهي على ظاهر اللفظ‪ ،‬ومن أخرجه من ذلك احتج بفعل علببي فبي ذلبك‪ ،‬وذلبك أنببه‬
‫روى النسخ‪ ،‬وقام على قبر ابن المكفف فقيل له أل تجلس يببا أميببر المببؤمنين؟ فقببال‪:‬‬
‫قليل لخينا قيامنا على قبره‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الخامس في الصلة على الجنازة‪.‬‬
‫@‪-‬وهذه الجملبة يتعلبق بهبا بعبد معرفبة وجوبهبا فصبول‪ :‬أحبدها فبي صبفة صبلة‬
‫الجنازة‪ .‬والثاني‪ :‬علببى مببن يصببلي‪ ،‬ومببن أولببى بالصببلة‪ .‬والثببالث‪ :‬فببي وقببت هببذه‬
‫الصلة‪ .‬والرابع‪ :‬في موضع هذه الصلة‪ .‬والخامس‪ :‬في شروط هذه الصلة‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول في صفة صلة الجنازة‪ .‬فأما صفة الصلة فإنها يتعلق بها مسائل‪:‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪)-‬المسألة الولى( اختلفوا في عدد التكبببير فببي الصببدر الول اختلفببا كببثيرا مببن‬
‫ثلث إلى سبع‪ :‬أعنبي الصببحابة رضبي الب عنهبم‪ ،‬ولكببن فقهباء المصببار علبى أن‬
‫التكبير في الجنازة أربع‪ ،‬إل ابن أبي ليلى وجابر بن زيببد فإنهمببا كانببا يقولببون إنهمببا‬
‫خمس‪ .‬وسبب الختلف اختلف الثار فببي ذلببك‪ ،‬وذلببك أنببه روي مببن حببديث أبببي‬
‫هريرة "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم نعى النجاشي في اليببوم الببذي مببات فيببه‪،‬‬
‫وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبببر أربببع تكبببيرات" وهببو حببديث متفببق علببى‬
‫صحته‪ ،‬ولذلك أخذ به جمهور فقهاء المصار‪ ،‬وجاء في هذا المعنى أيضا مببن "أنببه‬
‫عليه الصلة والسلم صلى على قبر مسكينة فكبر عليها أربعببا" وروى مسببلم أيضببا‬
‫عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال "كان زيد بن أرقم يكبر على الجنائز أربعببا‪ ،‬وأنببه‬
‫كبر على جنازة خمسا‪ ،‬فسألناه فقال‪ :‬كان رسول ال صلى الب عليببه وسببلم يكبرهببا"‬
‫وروي عن أبي خيثمة عن أبيه قببال "كببان النبببي صببلى الب عليببه وسببلم يكبببر علببى‬
‫الجنائز أربعا وخمسا وستا وسبعا وثمانيا حتى مات النجاشببي‪ ،‬فصببف النبباس وراءه‬
‫وكبر أربعا‪ ،‬ثم ثبت صلى ال عليه وسلم على أربع حتى توفاه ال" وهببذا فيببه حجببة‬
‫لئحة للجمهور‪ .‬وأجمببع العلمبباء علببى رفببع اليببدين فببي أول التكبببير علببى الجنببازة‪،‬‬
‫واختلفوا في سائر التكبير‪ ،‬فقال قوم‪ :‬يرفع؛ وقال قوم‪ :‬ل يرفع‪ .‬وروى الترمذي عن‬
‫أبي هريرة "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كبر فببي جنببازة فرفببع يببديه فببي أول‬
‫التكبير ووضع يده اليمنى على اليسرى" فمن ذهب إلى ظاهر هذا الثر وكان مذهبه‬
‫في الصلة أنه ل يرفع إل في أول التكبببير قببال‪ :‬الرفببع فببي أول التكبببير‪ .‬ومببن قببال‬
‫يرفببع فببي كببل تكبببير شبببه التكبببير الثبباني بببالول‪ ،‬لنببه كلببه يفعببل فببي حببال القيببام‬
‫والستواء‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية( اختلف الناس في القراءة فببي صببلة الجنبازة‪ ،‬فقبال مالببك وأببو‬
‫حنيفة‪ :‬ليس فيها قراءة إنما هو الدعاء‪ .‬وقال مالببك‪ :‬قببراءة فاتحببة الكتبباب فيهببا ليببس‬
‫بعمول به في بلدنا بحال قال‪ :‬وإنما يحمد ال ويثني عليه بعد التكبيرة الولى ثم يكبر‬
‫الثانية فيصلي على النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ثم يكبر الثالثة فيشفع للميت ثببم يكبببر‬
‫الرابعة ويسلم‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬يقرأ بعد التكبيرة الولى بفاتحة الكتاب‪ ،‬ثببم يفعببل فببي‬
‫سائر التكبيرات مثل ذلك‪ ،‬وبه قببال أحمببد وداود‪ .‬وسبببب اختلفهببم معارضببة العمببل‬
‫للثر وهل يتناول أيضا اسم الصلة صلة الجنائز أم ل؟ أما العمل فهببو الببذي حكبباه‬
‫مالك عن بلده‪ ،‬وأما الثر فما رواه البخاري عن طلحة بن عبببد الب بببن عببوف قببال‪:‬‬
‫صليت خلف ابن عباس على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب فقال‪ :‬تعلموا أنها السنة‪ ،‬فمببن‬
‫ذهب إلى ترجيح هذا الثر على العمل وكان اسم الصلة يتناول عنده صلة الجنببازة‬
‫وقد قال صلى ال عليه وسلم "ل صلة إل بفاتحة الكتاب" رأى قراءة فاتحببة الكتبباب‬
‫فيها‪ .‬ويمكن أن يحتج لمذهب مالك بظواهر الثار التي نقل فيها دعاؤه عليه الصببلة‬
‫والسلم على الجنائز‪ ،‬ولم ينقل فيهبا أنبه قببرأ‪ ،‬وعلببى هبذا فتكبون تلببك الثببار كأنهببا‬
‫معارضة لحديث ابن عباس ومخصصة لقببوله "ل صببلة إل بفاتحببة الكتبباب" وذكببر‬
‫الطحاوي عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سببهل بببن حنيببف قببال وكببان مببن كبببراء‬
‫الصببحابة وعلمبائهم وأبنبباء الببذين شبهدوا ببدرا‪ :‬أن رجل مبن أصببحاب النبببي عليبه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الصلة والسلم أخبره أن السنة فببي الصببلة علببى الجنببائز أن يكبببر المببام ثببم يقببرأ‬
‫فاتحة الكتاب سرا في نفسه‪ ،‬ثم يخلص الدعاء في التكبيرات الثلث‪ .‬قال ابن شهاب‪:‬‬
‫فذكرت الذي أخبر به أبو أمامة من ذلك لمحمد بن سويد الفهري فقببال‪ :‬وأنببا سببمعت‬
‫الضحاك بن قيس يحدث عن حببيب ببن مسبلمة فبي الصبلة علبى الجنبائز بمثبل مبا‬
‫حدثك به أبو أمامة‪.‬‬
‫@‪)-‬المسببألة الثالثببة( واختلفببوا فببي التسببليم مببن الجنببازة هببل هببو واحببد أو اثنببان؟‬
‫فالجمهور على أنه واحد؛ وقالت طائفة وأبو حنيفة‪ :‬يسلم تسليمتين‪ ،‬واختاره المزنببي‬
‫من أصحاب الشافعي‪ ،‬وهو أحد قولي الشافعي‪ .‬وسبب اختلفهم اختلفهم في التسليم‬
‫من الصلة‪ ،‬وقياس صلة الجنائز على الصلة المفروضة‪ ،‬فمن كانت عنده التسليمة‬
‫واحدة في الصلة المكتوبة وقاس صلة الجنازة عليها قال بواحدة‪ .‬ومن كببانت عنببده‬
‫تسليمتين في الصلة المفروضة قال‪ :‬هنببا بتسببليمتين إن كببانت عنببده تلببك سببنة فهببذه‬
‫سنة‪ ،‬وإن كانت فرضا فهذه فرض وكذلك اختلف المذهب هل يجهر فيها أو ل يجهر‬
‫بالسلم؟‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الرابعة( واختلفوا أين يقوم المام من الجنازة‪ ،‬فقال جملببة مببن العلمبباء‪:‬‬
‫يقوم في وسطها ذكرا كان أو أنثى؛ وقال قوم آخرون‪ :‬يقوم من النثى وسببطها ومببن‬
‫الذكر عند رأسه؛ ومنهم من قال‪ :‬يقوم من الذكر والنثى عنببد صببدرهما‪ ،‬وهببو قببول‬
‫ابن القاسم وقول أبي حنيفة‪ ،‬وليس عند مالك والشافعي في ذلك حد؛ وقال قوم‪ :‬يقببوم‬
‫منهما أين شاء‪ .‬والسبب في اختلفهم اختلف الثار في هذا الباب‪ ،‬وذلببك أنببه خببرج‬
‫البخاري ومسلم من حديث سمرة بن جندب قال "صليت خلف رسول ال ب صببلى الب‬
‫عليه وسلم على أم كعب ماتت وهي نفساء‪ ،‬فقببام رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم‬
‫للصلة على وسطها" وخرج أبو داود من حديث همام بببن غبالب قبال‪" :‬صبليت مببع‬
‫أنس بن مالك على جنازة رجل فقام حيال رأسه‪ ،‬ثم جاءوا بجنازة امرأة فقالوا يبا أببا‬
‫حمزة صل عليها‪ ،‬فقام حيال وسط السرير‪ ،‬فقال العلء بن زياد‪ ،‬هكذا رأيت رسببول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم يصببلي علببى الجنببائز كبببر أربعببا وقببام علببى جنببازة المببرأة‬
‫مقامك منها ومن الرجل مقامك منه‪ ،‬قال نعم‪ ،‬فبباختلف النبباس فببي المفهببوم مببن هببذه‬
‫الفعال‪ ،‬فمنهم من رأى أن قيامه عليه الصلة والسببلم فببي هببذه المواضببع المختلفببة‬
‫يببدل علببى الباحببة وعلببى عببدم التحديببد‪ .‬ومنهببم مببن رأى أن قيببامه علببى أحببد هببذه‬
‫الوضاع أنه شرع وأنه يدل على التحديد‪ ،‬وهؤلء انقسموا قسببمين‪ :‬فمنهببم مببن أخببذ‬
‫بحديث سمرة بن جندب للتفاق على صحته فقال‪ :‬المببرأة فببي ذلببك والرجببل سببواء‪،‬‬
‫لن الصل أن حكمهما واحد إل أن يثبت في ذلك فارق شرعي؛ ومنهببم مببن صببحح‬
‫حديث ابن غالب وقال فيه زيادة على حديث سمرة بن جندب فيجببب المصببير إليهببا‪،‬‬
‫وليس بينهما تعارض أصل‪ .‬وأما مذهب ابن القاسم وأبي حنيفة فل أعلم له من جهببة‬
‫السمع في ذلك مسندا إل ما روي عن ابن مسعود من ذلك‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الخامسة( واختلفوا في ترتيب جنائز الرجال والنسبباء إذا اجتمعببوا عنببد‬
‫الصلة‪ ،‬فقال الكثر‪ :‬يجعل الرجال مما يلي المبام‪ ،‬والنسباء ممببا يلبي القبلببة‪ .‬وقبال‬
‫قوم بخلف هذا‪ :‬أي النساء مما يلي المام‪ ،‬والرجال مما يلي القبلة؛ وفيه قببول ثببالث‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أنه يصلي كل على حدة الرجال مفردون والنساء مفردات‪ .‬وسبب الخلف مببا يغلببب‬
‫على الظن باعتبار أحوال الشرع من أنه يجب أن يكون في ذلبك شبرع محبدود‪ ،‬مبع‬
‫أنه لم يرد في ذلك شرع يجب الوقوف عنده‪ ،‬ولذلك رأى كبثير مبن النباس أنبه ليبس‬
‫في أمثال هذه المواضع شرع أصل‪ .‬وأنه لو كان فيها شرع لبين للناس‪ ،‬وإنما ذهببب‬
‫الكثر لما قلناه من تقديم الرجال على النساء لما رواه مالك في الموطأ من أن عثمان‬
‫بن عفان وعبد ال بن عمر وأبا هريرة كانوا يصلون على الجنببائز بالمدينببة الرجببال‬
‫والنساء معا‪ ،‬فيجعلون الرجال مما يلي المام‪ ،‬ويجعلون النساء مما يلي القبلة‪ .‬وذكر‬
‫عبد الرزاق عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر أنه صلى كذلك علببى جنببازة فيهببا‬
‫ابن عببباس وأبببو هريببرة وأبببو سببعيد الخببدري وأبببو قتببادة والمببام يببومئذ سببعيد بببن‬
‫العاص‪ ،‬فسألهم عن ذلك‪ ،‬أو أمر من سألهم فقالوا‪ :‬هي السنة‪ ،‬وهذا يدخل في المسند‬
‫عندهم‪ ،‬ويشبه أن يكون من قال بتقديم الرجال شبههم أمام المام بحالهم خلف المببام‬
‫في الصلة‪ ،‬ولقوله عليه الصلة والسلم "أخروهن من حيث أخرهن ال"‪ .‬وأما مببن‬
‫قال بتقديم النساء على الرجال فيشبه أن يكون اعتقد أن الول هو المقببدم ولببم يجعببل‬
‫التقديم بالقرب من المام‪ .‬وأما من فرق فاحتياطا من أن ل يجببوز ممنوعببا‪ ،‬لنببه لببم‬
‫ترد سنة بجبواز الجمبع‪ ،‬فيحتمبل أن يكبون علبى أصبل الباحبة‪ ،‬ويحتمبل أن يكبون‬
‫ممنوعا بالشرع‪ ،‬وإذا وجد الحتمال وجب التوقف إذا وجد إليه سبيل‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة السادسببة( واختلفببوا فببي الببذي يفببوته بعبض التكبببير علببى الجنببازة فببي‬
‫مواضع‪ :‬منها هل يدخل بتكبير أم ل؟ ومنهببا هببل يقضببي مببا فبباته أم ل؟ وإن قضببى‬
‫فهل يدعو بين التكبير أم ل؟ فروى أشهب عن مالك أنه يكبر أول دخوله‪ ،‬وهببو أحببد‬
‫قولي الشافعي‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ينتظر حتى يكبر المببام وحينئذ يكبببر‪ ،‬وهببي روايببة‬
‫ابن القاسم عن مالك‪ ،‬والقياس التكبير قياسا علببى مببن دخببل فببي المفروضببة‪ .‬واتفببق‬
‫مالك وأبو حنيفة والشافعي على أنه يقضي ما فاته من التكبير إل أن أبا حنيفببة يببرى‬
‫أن يدعو بين التكبير المقضي ومالك والشافعي يريان أن يقضببيه نسببقا‪ ،‬وإنمببا اتفقببوا‬
‫على القضاء لعموم قوله عليه الصلة والسلم "ما أدركتم فصلوا ومببا فبباتكم فببأتموا"‬
‫فمن رأى أن هذا العموم يتناول التكبير والدعاء قبال‪ :‬يقتضبي التكببير ومبا فباته مبن‬
‫الدعاء‪ ،‬ومن أخرج الدعاء من ذلك إذ كان غير مبؤقت قبال‪ :‬يقضبي التكببير فقبط إذ‬
‫كان هو المؤقت‪ ،‬فكان تخصيص الدعاء من ذلك العموم هو من باب تخصيص العام‬
‫بالقياس‪ ،‬فأبو حنيفة أخذ بالعموم وهؤلء بالخصوص‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة السابعة( واختلفوا في الصلة على القبر لمن فاتته الصلة على الجنازة‬
‫فقال مالك‪ :‬ل يصلى على القبر؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬ل يصلي على القبر إل البولي فقبط‬
‫إذا فاتته الصلة على الجنازة‪ ،‬وكان الذي صببلى عليهببا غيببر وليهببا؛ وقببال الشببافعي‬
‫وأحمد وداود وجماعة‪ :‬يصبلي علببى القببر مببن فباتته الصببلة علبى الجنببازة؛ واتفبق‬
‫القائلون بإجازة الصلة على القبر أن من شرط ذلك حدوث الببدفن‪ ،‬وهببؤلء اختلفببوا‬
‫في هذه المدة وأكثرها شببهر‪ .‬وسبببب اختلفهببم معارضببة العمببل للثببر‪ .‬أمببا مخالفببة‬
‫العمل فإن ابن القاسم قال‪ :‬قلت لمالك فالحديث الذي جاء عن النبببي صببلى ال ب عليببه‬
‫وسلم أنه صلى على قبر إمرأة قال‪ :‬قد جاء هذا الحديث وليس عليه العمل‪ ،‬والصببلة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫على القبر ثابتة باتفاق من أصحاب الحديث‪ ،‬قال أحمد بن حنبل‪ :‬رويت الصلة على‬
‫القبببر عببن النبببي عليببه الصببلة والسببلم مببن طببرق سببتة كلهببا حسببان‪ .‬وزاد بعببض‬
‫المحدثين ثلثة طرق فذلك تسع‪ .‬وأما البخبباري ومسببلم فرويببا ذلببك مببن طريببق أبببي‬
‫هريرة‪ .‬وأما مالك فخرجه مرسل عن أبي أمامة بن سهل‪ .‬وقد روى ابن وهببب عببن‬
‫مالك مثل قول الشافعي‪ ،‬وأما أبو حنيفة فإنه جرى في ذلك على عادته فيمببا أحسببب‪،‬‬
‫أعني من رد أخبار الحاد التي تعم بها البلبوى إذا لببم تنتشبر ول انتشببر العمبل بهببا‪،‬‬
‫وذلك أن عدم النتشار إذا كان خبرا شأنه شأن النتشار قرينة توهن الخبر وتخرجببه‬
‫عن غلبة الظن بصدقه إلى الشك فيه أو إلى غلبة الظن بكذبه أو نسخه‪ :‬قال القاضي‪:‬‬
‫وقد تكلمنا فيما سلف من كتابنا هذا في وجه الستدلل بالعمل‪ ،‬وفببي هببذا النببوع مببن‬
‫الستدلل الذي يسميه الحنفية عموم البلوى‪ ،‬وقلنا‪ :‬إنها من جنس واحد‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني فيمن يصلي عليه ومن أولى بالتقديم‪.‬‬
‫@‪-‬وأجمع أكثر أهل العلم على إجازة الصلة على كل من قال ل إلببه إل البب‪ ،‬وفببي‬
‫ذلك أثر أنه قال عليه الصلة والسلم "صلوا على من قال ل إله إل ال" وسواء كان‬
‫من أهل الكبائر أو من أهل البدع‪ ،‬إل أن مالكا كره لهل الفضببل الصبلة علبى أهببل‬
‫البدع‪ ،‬ولم ير أن يصلي المام على من قتله حدا‪ .‬واختلفببوا فيمببن قتببل نفسببه‪ ،‬فببرأى‬
‫قوم أنه ل يصببلى عليببه‪ ،‬وأجبباز آخببرون الصببلة عليببه‪ ،‬ومببن العلمبباء مببن لببم يجببز‬
‫الصلة على أهل الكبببائر ول علببى أهببل البغببي والبببدع‪ .‬والسبببب فببي اختلفهببم فببي‬
‫الصلة‪ ،‬أما في أهل الببدع فلختلفهبم فبي تكفيرهبم بببدعهم‪ ،‬فمبن كفرهبم بالتأويبل‬
‫البعيد لم يجز الصلة عليهم‪ ،‬ومن لببم يكفرهببم إذ كببان الكفببر عنببده إنمببا هببو تكببذيب‬
‫الرسول ل تأويل أقواله عليه الصلة والسلم قال‪ :‬الصلة عليهم جائزة‪ ،‬وإنما أجمببع‬
‫العلماء على ترك الصلة على المنافقين مع تلفظهم بالشهادة لقوله تعببالى }ول تصببل‬
‫على أحد منهم مات أبدا ول تقم علبى قبببره{ اليبة‪ .‬وأمببا اختلفهببم فببي أهببل الكبببائر‬
‫فليس يمكن أن يكون له سبب إل من جهة اختلفهم فببي القببول فببي التكفيببر بالببذنوب‬
‫لكن ليس هذا مذهب أهل السنة‪ ،‬فلذلك ليس ينبغي أن يمنع الفقهاء الصلة علببى أهببل‬
‫الكبائر‪.‬‬
‫وأما كراهية مالك الصلة على أهل البدع فذلك لمكان الزجر والعقوبة لهم‪ ،‬وإنما لببم‬
‫ير مالك صلة المام على من قتله حبدا "لن رسببول الب صببلى الب عليبه وسبلم لببم‬
‫يصل على ما عز ولم ينبه عبن الصبلة عليبه" خرجبه أببو داود‪ ،‬وإنمبا اختلفبوا فبي‬
‫الصلة على من قتل نفسه لحديث جابر بببن سببمرة "أن رسببول الب صببلى الب عليببه‬
‫وسلم أبى أن يصلي على رجل قتل نفسه" فمن صحح هذا الثر قال‪ :‬ل يصلى علببى‬
‫قاتل نفسه‪ ،‬ومن لم يصححه رأى أن حكمه حكم المسببلمين وإن كببان مببن أهببل النببار‬
‫كما ورد به الثر‪ ،‬لكن ليس هو من المخلدين لكونه من أهل اليمان‪ ،‬وقببد قببال عليببه‬
‫الصلة والسلم حكاية عبن ربببه "أخرجبوا مببن النببار مبن فبي قلببه مثقبال حبببة مببن‬
‫اليمان" واختلفوا أيضا في الصلة على الشهداء المقتولين في المعركببة‪ ،‬فقببال مالببك‬
‫والشافعي ل يصلى على الشهيد المقتول فببي المعركببة ول يغسببل‪ ،‬وقببال أبببو حنيفببة‪:‬‬
‫يصلى عليه ول يغسل‪ .‬وسبب اختلفهم اختلف الثار الواردة فببي ذلببك‪ ،‬وذلببك أنببه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫خرج أبو داود من طريق جابر "أنه صلى ال عليببه وسببلم أمببر بشببهداء أحببد فببدفنوا‬
‫بثيابهم ولم يصل عليهم ولم يغسلوا" وروى من طريق ابن عببباس مسببندا "أنببه عليببه‬
‫الصلة والسلم صلى على قتلى أحد وعلى حمزة ولم يغسل ولم يببتيمم" وروى ذلببك‬
‫أيضا مرسل من حديث أبي مالك الغفاري‪ ،‬وكذلك روى أيضا أن أعرابيا جاءه سهم‬
‫فوقع في حلقه فمات‪ ،‬فصلى النبي صلى ال عليببه وسببلم وقبال‪" :‬إن هببذا عبببد خببرج‬
‫مجاهدا في سبيلك فقتل شهيدا وأنا شهيد عليه" وكل الفريقين يرجببح الحبباديث الببتي‬
‫أخذ بها‪،‬‬
‫وكانت الشافعية تعتل بحديث ابن عباس هذا وتقول‪ :‬يرويه ابن أبي الزنبباد وكببان قببد‬
‫اختل آخر عمره‪ ،‬وقد كان شعبة يطعببن فيببه؛ وأمببا المراسببيل فليسببت عنببدهم بحجببة‬
‫واختلفوا متى يصببلى علببى الطفببل فقببال مالببك‪ :‬ل يصببلى علببى الطفببل حبتى يسببتهل‬
‫صارخا‪ ،‬وبه قال الشافعي؛ وقال أبو حنيفة يصلي عليه إذا نفخ فيه الروح‪ ،‬وذلك أنه‬
‫إذا كان له في بطن أمه أربعة أشهر فأكثر‪ ،‬وبه قال ابن أبي ليلببى‪ .‬وسبببب اختلفهببم‬
‫في ذلك معارضة المطلق للمقيد‪ ،‬وذلك أنه روى الترمذي عن جابر بن عبد ال عببن‬
‫النبي عليه الصلة والسلم أنه قال "الطفل ل يصلى عليه ول يرث ول يورث حببتى‬
‫يستهل صارخا" وروي عن النبي عليه الصلة والسلم من حديث المغيرة بن شببعبة‬
‫أنه قال "الطفل يصلى عليه" فمببن ذهببب مببذهب حببديث جببابر قببال‪ :‬ذلببك عببام وهببذا‬
‫مفسر‪ ،‬فالواجب أن يحمل ذلك العموم على هذا التفسير‪ ،‬فيكون معنى حديث المغيرة‬
‫أن الطفل يصلى عليه إذا استهل صببارخا‪ ،‬ومببن ذهببب مببذهب حببديث المغيببرة قببال‪:‬‬
‫معلوم أن المعتبر في الصلة وهو حكم السلم والحياة والطفل إذا تحببرك فهببو حببي‬
‫وحكمه حكم المسلمين‪ ،‬وكل مسلم حبي إذا مبات صبلى عليبه‪ ،‬فرجحبوا هبذا العمبوم‬
‫على ذلك الخصوص لموضع موافقة القياس له ومن الناس من شببذ وقببال‪ :‬ل يصببلى‬
‫على الطفال أصل‪ .‬وروى أبو داود "أن النبي عليه الصلة والسلم لببم يصببل علببى‬
‫ابنه إبراهيم وهو ابن ثمانية أشهر" وروي فيه "أنه صلى عليه وهو ابن سبعين ليلة"‬
‫واختلفوا في الصلة على الطفال المسبيين‪ ،‬فذهب مالك في رواية البصرين عنه أن‬
‫الطفل من أولد الحربيين ل يصلى عليه حتى يعقل السلم سواء سبى مببع أبببويه أو‬
‫لببم يسببب معهمببا‪ ،‬وأن حكمببه حكببم أبببويه إل أن يسببلم الب فهببو تببابع لببه دون الم‪،‬‬
‫ووافقه الشافعي على هذا إل أنه إن أسلم أحد أبويه فهو عنده تابع لمن أسلم منهمببا ل‬
‫للب وحده على ما ذهب إليه مالك‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬يصلى على الطفال المسبببيين‪،‬‬
‫وحكمهم حكم من سباهم‪ .‬وقال الوزاعي‪ :‬إذا ملكهم المسببلمون صببلى عليهببم‪ :‬يعنببي‬
‫إذا بيعوا في السبي‪ .‬قال‪ :‬وبهذا جرى العمل في الثغر وبه الفتيا فيببه‪ .‬وأجمعببوا علببى‬
‫أنه إذا كانوا مع آبائهم ولم يملكهم مسلم ول أسلم أحد أبويهم أن حكمهم حكببم آبببائهم‪.‬‬
‫والسبب في اختلفهم اختلفهم في أطفال المشركين هببل هببم مببن أهببل الجنببة أو مببن‬
‫أهل النار؟ وذلك أنه جاء في بعض الثار أنهم من آبائهم‪ :‬أي أن حكمهم حكببم آبببائهم‬
‫ودليل قوله عليه الصلة والسببلم "كببل مولببود يولببد علببى الفطببرة" أن حكمهببم حكببم‬
‫المؤمنين‪ .‬وأما من أولى بالتقديم للصلة على الجنازة فقيل الولي وقيل الببوالي‪ ،‬فمببن‬
‫قال الوالي شبهه بصلة الجمعة من حيث هي صلة جماعة‪ ،‬ومن قال الببولي شبببهها‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بسائر الحقوق التي الولي أحق بها‪ ،‬مثل مواراته ودفنببه‪ ،‬وأكببثر أهببل العلببم علببى أن‬
‫الوالي بها أحق‪.‬‬
‫قال أبو بكر بن المنذر‪ :‬وقدم الحسين بن علي سبعيد ببن العباص وهبو والبي المدينبة‬
‫ليصلي على الحسن بن علي وقال‪ :‬لول أنها سنة ما تقدمت‪ ،‬قال أبو بكر‪ :‬وبببه أقببول‬
‫وأكثر العلماء على أنه ل يصلى إل على الحاضر‪ .‬وقال بعضهم يصلى على الغببائب‬
‫لحديث النجاشببي‪ ،‬والجمهببور علببى أن ذلببك خبباص بالنجاشببي وحببده‪ .‬واختلفببوا هببل‬
‫يصلى على بعض الجسد والجمهور على أنه يصلى علببى أكببثره لتنبباول إسببم الميببت‬
‫له‪ ،‬ومن قال أنه يصلى على أقله قال‪ :‬لن حرمة البعببض كحرمببة الكببل‪ ،‬لسببيما إن‬
‫كان ذلك البعض محل الحياة‪ ،‬وكان ممن يجيز الصلة على الغائب‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الثالث في وقت الصلة على الجنازة‪:‬‬
‫@‪-‬واختلفوا في الوقت الذي تجوز فيه الصلة علببى الجنببازة‪ ،‬فقببال قببوم‪ :‬ل يصببلى‬
‫عليها في الوقات الثلثة الببتي ورد النهببي عببن الصببلة فيهببا‪ ،‬وهببي وقببت الغببروب‬
‫والطلوع وزوال الشببمس علببى ظبباهر حببديث عقبببة بببن عببامر "ثلث سبباعات كببان‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيها وأن نقبر موتانا" الحديث‪ .‬وقال‬
‫قوم‪ :‬ل يصلى في الغروب والطلوع فقط‪ ،‬ويصلى بعد العصر ما لم تصفر الشببمس‪،‬‬
‫وبعد الصبح ما لبم يكبن السبفار‪ .‬وقبال قبوم‪ :‬ل يصبلى علبى الجنبازة فبي الوقبات‬
‫الخمسة التي ورد النهي عن الصلة فيها‪ ،‬وبه قبال عطبباء والنخعببي وغيرهببم‪ ،‬وهببو‬
‫قياس قول أبي حنيفة‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬يصلى على الجنببازة فببي كببل وقببت لن النهببي‬
‫عنده إنما هو خارج على النوافل ل على السنن على ما تقدم‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الرابع في مواضع الصلة‪.‬‬
‫@‪-‬واختلفوا في الصلة على الجنازة في المسجد فأجازها العلمبباء وكرههببا بعضببهم‬
‫منهم أبو حنيفة وبعض أصحاب مالك‪ ،‬وقد روي كراهية ذلك عن مالك‪ ،‬وتحقيقه إذا‬
‫كانت الجنازة خارج المسجد والنبباس فببي المسببجد‪ .‬وسبببب الخلف فببي ذلببك حببديث‬
‫عائشة وحديث أبي هريرة‪ .‬أما حديث عائشة فما رواه مالك من أنهببا أمببرت أن يمببر‬
‫عليها بسعد بن أبي وقاص في المسجد حين مات لتدعو له‪ ،‬فأنكر الناس عليها ذلببك‪،‬‬
‫فقالت عائشة‪ :‬ما أسرع ما نسي الناس‪ ،‬ما صلى رسببول ال ب صببلى الب عليببه وسببلم‬
‫على سهل بن بيضاء إل في المسجد‪ .‬وأمبا حبديث أببي هريببرة‪ ،‬فهبو أن رسبول الب‬
‫صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬من صلى على جنازة في المسجد فل شببيء لببه" وحببديث‬
‫عائشة ثابت وحديث أبي هريرة غيببر ثببابت أو غيببر متفببق علببى ثبببوته‪ ،‬لكببن إنكببار‬
‫الصحابة على عائشببة يببدل علببى اشببتهار العمببل بخلف ذلببك عنببدهم‪ ،‬ويشببهد لببذلك‬
‫بروزه صلى ال عليه وسلم للمصلى لصلته علببى النجاشببي‪ ،‬وقببد زعببم بعضببهم أن‬
‫سبب المنع في ذلك هو أن ميت بني آدم ميتة‪ ،‬وفيه ضعف‪ ،‬لن حكم الميتة شرعي‪،‬‬
‫ول يثبت لبن آدم حكبم الميتبة إل ببدليل‪ ،‬وكببره بعضبهم الصببلة علببى الجنبائز فبي‬
‫المقابر للنهي الوارد عن الصببلة فيهبا‪ ،‬وأجازهببا الكببثر لعمببوم قببوله عليببه الصببلة‬
‫والسلم "جعلت لي الرض مسجدا وطهورا"‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الخامس في شروط الصلة على الجنازة‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬واتفببق الكببثر علببى أن مببن شببرطها الطهببارة كمببا اتفببق جميعهببم علببى أن مببن‬
‫شرطها القبلة‪ .‬واختلفوا في جواز التيمم لها إذا خيف فواتها‪ ،‬فقال قوم‪ :‬يتيمم ويصلى‬
‫لها إذا خاف الفوات‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة وسببفيان والوزاعببي وجماعببة؛ وقببال مالببك‬
‫والشافعي وأحمد‪ :‬ل يصلى عليها بتيمم‪ .‬وسبببب اختلفهببم قياسببها فببي ذلببك علببى أن‬
‫الصلة المفروضة فمن شبهها بها أجاز التيمم‪ ،‬أعني من شبببه ذهبباب الببوقت بفببوات‬
‫الصلة على الجنازة‪ ،‬ومن لببم يشبببهها بهببا لببم يجببز الببتيمم لنهبا عنبده مبن فببروض‬
‫الكغاية أو من سنن الكفاية على اختلفهم في ذلك‪ ،‬وشذ قوم فقالوا‪ :‬يجببوز أن يصببلى‬
‫على الجنازة بغير طهارة‪ ،‬وهو قول الشعبي‪ ،‬وهؤلء ظنوا أن اسم الصلة ل يتناول‬
‫صلة الجنازة‪ ،‬وإنما يتناولها اسم الدعاء إذ كان ليس فيها ركوع ول سجود‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب السادس في الدفن‪.‬‬
‫@‪-‬وأجمعوا على وجوب الدفن‪ ،‬والصل فيه قوله تعبالى }ألبم نجعبل الرض كفاتبا‬
‫أحياء وأمواتا{ وقوله }فبعث الب غراببا يبحبث فبي الرض{ وكبره مالبك والشبافعي‬
‫تجصيص القبور‪ ،‬وأجاز ذلك أبو حنيفة‪ ،‬وكذلك كره قوم القعود عليها‪ ،‬وقوم أجازوا‬
‫ذلك وتأولوا النهي عن ذلبك أنبه القعبود عليهبا لحاجبة النسبان والثبار البواردة فبي‬
‫النهي عن ذلك‪ ،‬منها حديث جابر بن عبد ال قال "نهى رسببول الب صببلى الب عليببه‬
‫وسلم عن تجصيص القبببور والكتابببة عليهببا والجلببوس عليهببا والبنبباء عليهببا" ومنهببا‬
‫حديث عمرو بن حزم قال "رآني رسول ال صلى ال ب عليببه وسببلم علببى قبببر فقببال‪:‬‬
‫انزل عن القبر ول تؤذي صاحب القبر ول يؤذيببك" واحتببج مببن أجبباز القعببود علببى‬
‫القبر بما روي عن زيد بن ثابت أنه قال "إنما نهى رسول ال صلى ال ب عليببه وسببلم‬
‫عن الجلوس على القبور لحدث أو غائط أو بول" قالوا‪ :‬ويؤيد ذلك ما روي عن أبببي‬
‫هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "من جلس على قبر يبول أو يتغببوط‬
‫فكأنما جلس على جمرة نار" وإلى هذا ذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي‪.‬‬
‫)بسم ال الرحمن الرحيم وصلى الب علبى سبيدنا محمبد وآلبه وسبلم تسبليما( )تنببيه‪:‬‬
‫حيث أننا التزمنا في التصحيح النسخة المغربية وفيها تقديم كتاب الزكاة على الصيام‬
‫فقدمناه تبعا لها‪ ،‬وإن كانت النسخة المصرية قدمت الصيام(‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الزكاة‬
‫@‪-‬والكلم المحيط بهذه العبادة بعد معرفة وجوبها ينحصر في خمس جمل‪ :‬الجملببة‬
‫الولى‪ :‬في معرفة من تجب عليببه‪ .‬الثانيببة‪ :‬فببي معرفببة مببا تجببب فيببه مببن المببوال‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬في معرفة كم تجب ومن كم تجب‪ .‬الرابعة‪ :‬فببي معرفببة مببتى تجببب ومببتى ل‬
‫تجب‪ .‬الخامسة‪ :‬معرفة لمن تجب وكم يجب له‪.‬‬
‫@‪)-‬فأما معرفة وجوبها( فمعلوم من الكتاب والسنة والجماع ول خلف في ذلك‪.‬‬
‫*‪)*3‬الجملة الولى(‬
‫@‪-‬وأما على من تجب فإنهم اتفقوا أنها على كل مسلم حر بالغ عاقل مالك النصبباب‬
‫ملكا تاما‪ .‬واختلفوا في وجوبها على اليتيم والمجنون والعبيببد وأهببل الذمببة والنبباقص‬
‫الملك مثل الذي عليه دين أو له الدين‪ ،‬ومثال المبال المحببس الصبل‪ .‬فأمبا الصبغار‬
‫فإن قوما قالوا‪ :‬تجب الزكاة في أموالهم‪ ،‬وبه قال علي وابن عمر وجابر وعائشة من‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الصحابة ومالك والشافعي والثوري وأحمد وإسببحاق وأبببو ثببور وغيرهببم مببن فقهبباء‬
‫المصار‪ .‬وقال قوم‪ :‬ليس في مببال اليببتيم صبدقة أصبل‪ ،‬وبببه قبال النخعببي والحسببن‬
‫وسعيد بن جبير من التابعين‪ .‬وفرق قوم بين ما تخببرج الرض وبيببن مببا ل تخرجببه‬
‫فقالوا‪ :‬عليه الزكاة فيما تخرجه الرض‪ ،‬وليس عليه زكاة فيما عدا ذلك مببن الماشببية‬
‫والناض والعروض وغير ذلك‪ ،‬وهو أبو حنيفة وأصحابه‪ .‬وفرق آخرون بين الناض‬
‫فقالوا‪ :‬عليه الزكاة إل فببي النبباض‪ .‬وسبببب اختلفهببم فببي إيجبباب الزكبباة عليببه أو ل‬
‫إيجابها هو اختلفهم في مفهوم الزكاة الشرعية هل هي عبادة كالصببلة والصببيام؟ أم‬
‫هي حق واجب للفقراء على الغنياء؟ فمن قال أنها عبادة اشترط فيها البلببوغ‪ ،‬ومببن‬
‫قال أنها حق واجب للفقراء والمساكين في أموال الغنياء لم يعتبر في ذلك بلوغا من‬
‫غيره‪ .‬وأما من فرق بين ما تخرجه الرض أو ل تخرجه وبين الخفببي والظبباهر فل‬
‫أعلم له مستندا في هذا الوقت‪ .‬وأمببا أهببل الذمببة فببإن الكببثر علببى أن ل زكبباة علببى‬
‫جميعهم إل ما روت طائفة من تضعيف الزكاة علببى نصببارى بنببي تغلببب‪ ،‬أعنببي أن‬
‫يؤخذ منهم مثل ما يؤخذ من المسلمين في كل شيء‪ ،‬وممن قال بهذا القببول الشببافعي‬
‫وأبو حنيفة وأحمد والثوري‪ ،‬وليس عن مالك في ذلك قول‪ ،‬وإنما صببار هببؤلء لهببذا‬
‫لنه أثبت أنه فعل عمر بن الخطاب بهم‪ ،‬وكأنهم رأوا أن مثل هذا هبو توقيبف ولكبن‬
‫الصول تعارضه‪ .‬وأما العبيد فإن الناس فيهم على ثلثة مذاهب‪ :‬فقوم قالوا‪ :‬ل زكاة‬
‫في أموالهم أصل‪ ،‬وهو قول ابن عمر وجابر من الصحابة ومالك وأحمد وأبي عبيببد‬
‫من الفقهاء‪ .‬وقال آخرون‪ :‬بل زكاة مال العبد على سيده‪ ،‬وبه قال الشافعي فيما حكبباه‬
‫ابن المنذر والثوري وأبو حنيفة وأصحابه‪ ،‬وأوجبت طائفة أخرى على العبد في ماله‬
‫الزكاة‪ ،‬وهو مروي عن ابن عمر من الصحابة‪ ،‬وبببه قببال عطبباء مببن التببابعين وأبببو‬
‫ثور من الفقهاء وأهل الظاهر وبعضهم‪ ،‬وجمهور من قال ل زكاة في مال العبببد هببم‬
‫على أن ل زكاة في مال المكاتب حتى يعتق‪ .‬وقال أبو ثور‪ :‬في مال المكاتب زكاة‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم في زكاة مال العبد اختلفهم في هببل يملببك العبببد ملكببا تامببا أو غيببر‬
‫تام؟ فمن رأى أنه ل يملك ملكا تاما وأن السيد هببو المالببك إذ كببان ل يخلببو مببال مببن‬
‫مالك قال‪ :‬الزكاة على السيد‪ ،‬ومن رأى أنه لواحد منهما يملكه ملكببا تامببا ل السببيد إذ‬
‫كانت يد العبد هي التي عليه ل يد السيد ول العبد أيضا‪ ،‬لن للسيد انتزاعه منه قببال‪:‬‬
‫ل زكباة فبي مباله أصبل‪ .‬ومبن رأى أن اليبد علبى المبال تبوجب الزكباة فيبه لمكبان‬
‫تصرفها فيه تشبيها بتصرف يد الحر قببال‪ :‬الزكبباة عليببه ل سببيما مببن كببان عنببده أن‬
‫الخطاب العام يتناول الحرار والعبيببد‪ ،‬وأن الزكبباة عبببادة تتعلببق بببالمكلف لتصببرف‬
‫اليد في المال‪ .‬وأما المالكون الذين عليهم الديون التي تستغرق أمببوالهم‪ ،‬أو تسببتغرق‬
‫ما تجب فيه الزكاة من أموالهم وبأيديهم أموال تجب فيهببا الزكبباة‪ ،‬فببإنهم اختلفببوا فبي‬
‫ذلك‪ ،‬فقال قوم‪ :‬ل زكاة في مال حيا كان أو غيره حتى تخرج منه الديون‪ ،‬فببإن بقببي‬
‫ما تجب فيه الزكاة زكى وإل فل‪ ،‬وبه قال الثوري وأبو ثور وابن مبببارك وجماعببة‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة وأصحابه‪ :‬الدين ل يمنع زكاة الحبوب ويمنع ما سواها‪ .‬وقببال مالببك‪:‬‬
‫الدين يمنع الزكاة الناض فقط إل أن يكون لببه عببروض فيهببا وفبباء مببن دينببه فببإنه ل‬
‫يمنع‪ .‬وقال قوم‪ :‬بمقابل القول الول‪ ،‬وهو أن الدين ل يمنع زكاة أصل‪ .‬والسبب فببي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫اختلفهم اختلفهم هل الزكاة عبادة أو حق مرتب في المال للمساكين؟ فمن رأى أنها‬
‫حق لهم قال‪ :‬ل زكاة في مال من عليه الدين‪ ،‬لن حق صاحب الدين متقببدم بالزمببان‬
‫على حق المساكين‪ ،‬وهو في الحقيقة مال صاحب الدين ل الذي المال بيده‪ .‬ومن قال‬
‫هي عبببادة قببال‪ :‬تجببب علببى مببن بيببده مبال لن ذلببك هببو شببرط التكليببف‪ ،‬وعلمتببه‬
‫المقتضية الوجوب على المكلف سواء كان عليه دين أو لم يكن؛ وأيضا فإنه تعارض‬
‫هنالك حقان‪ :‬حق ل‪ ،‬وحببق للدمببي‪ ،‬وحببق الب أحببق أن يقضببى‪ ،‬والشبببه بغببرض‬
‫الشرع إسقاط الزكاة عن المديان لقوله عليه الصلة والسلم فيها "صببدقة تؤخببذ مببن‬
‫أغنيائهم وترد على فقرائهم" والمدين ليس بغني‪ .‬وأما من فببرق بيببن الحبببوب وغيببر‬
‫الحبوب وبين الناض وغير الناض فل أعلم له شبهة بينة‪ ،‬وقد كان أبببو عبيببد يقببول‪:‬‬
‫إنه إن كان ل يعلم أن عليه دينا إل بقوله لم يصدق‪ ،‬وإن علم أن عليه دينببا لببم يؤخببذ‬
‫منه‪ ،‬وهذا ليس خلفا لمن يقول بإسقاط الدين الزكبباة‪ ،‬وإنمببا هببو خلف لمببن يقببول‪:‬‬
‫يصدق في الدين كما يصدق في المال‪.‬‬
‫وأما المال الذي هو في الذمة‪ ،‬أعني في ذمة الغير وليس هو بيبد المالببك وهببو البدين‬
‫فإنهم اختلفوا فيه أيضا‪ ،‬فقوم قالوا‪ :‬ل زكاة فيه وإن قبض حتى يستكمل شرط الزكاة‬
‫عند القابض له‪ ،‬وهو الحول‪ ،‬وهو أحد قولي الشافعي‪ ،‬وبه قال الليببث‪ ،‬أو هبو قيباس‬
‫قوله؛ وقوم قالوا‪ :‬إذا قبضه زكاة لما مضى مببن السببنين‪ .‬وقببال مالببك‪ :‬يزكيببه لحببول‬
‫واحد وإن أقام عند المديان سنين إذا كان أصله عن عوض‪ .‬وأمببا إذا كببان عببن غيببر‬
‫عوض مثل الميراث فإنه يستقبل به الحول‪ ،‬وفي المذهب تفصيل في ذلببك ومببن هببذا‬
‫الباب اختلفهم في زكاة الثمار المحبوسببة الصببول‪ ،‬وفببي زكبباة الرض المسببتأجرة‬
‫على من تجب زكاة ما يخرج منها؟ هل علببى صبباحب الرض أو صبباحب الببزرع؟‬
‫ومن ذلك اختلفهم في أرض الخراج إذا انتقلت من أهل الخراج إلى المسببلمين وهببم‬
‫أهببل العشببر‪ ،‬وفببي الرض العشببر وهببي أرض المسببلمين إذا انتقلببت إلببى الخببراج‪،‬‬
‫وأعني أهل الذمة‪ ،‬وذلك أنه يشبه أن يكببون سبببب الخلف فببي هببذا كلببه أنهببا أملك‬
‫ناقصة‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الولى( وهي زكاة الثمار المحبسة الصول فببإن مالكببا والشببافعي‬
‫كانا يوجبان فيها الزكاة‪ ،‬وكان مكحول وطاوس يقولن ل زكاة فيها‪ ،‬وفرق قوم بيببن‬
‫أن تكببون محبسببة علببى المسبباكين وبيببن أن تكببون علببى قببوم أعيببانهم فبأوجبوا فيهببا‬
‫الصببدقة إذا كببانت علببى قببوم بأعيببانهم‪ ،‬ولببم يوجبببوا فيهببا الصببدقة إذا كببانت علببى‬
‫المساكين‪ ،‬ول معنى لمن أوجبها على المساكين لنه يجتمببع فببي ذلببك شببيئان اثنببان‪:‬‬
‫أحدهما أنها ملببك نبباقص‪ ،‬والثانيببة أنهببا علببى قببوم غيببر معينيببن مببن الصببنف الببذين‬
‫تصرف إليهم الصدقة ل من الذين تجب عليهم‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثانية( وهي الرض المستأجرة على من تجببب زكبباة مببا تخرجببه‬
‫فإن قوما قالوا‪ :‬الزكاة على صاحب الزرع‪ ،‬وبه قال مالك والشافعي والثببوري وابببن‬
‫مبارك وأببو ثببور وجماعبة‪ .‬وقبال أببو حنيفبة وأصبحابه‪ :‬الزكباة علبى رب الرض‬
‫وليس على المستأجر منه شيء‪ .‬والسبببب فببي اختلفهببم هببل العشببر حببق الرض أو‬
‫حق الزرع أو حق مجموعهما؟ إل أنه لببم يقببل أحببد إنببه حببق لمجموعهمببا وهببو فببي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الحقيقة حق مجموعهما‪ ،‬فلما كان عندهم أنه حق لحد المرين اختلفوا في أيهما هببو‬
‫أولى أن ينسب إلى الموضع الببذي فيببه التفبباق‪ ،‬وهببو كببون الببزرع والرض لمالببك‬
‫واحد‪ ،‬فذهب الجمهور إلى أنه للشيء الذي تجب فيه الزكاة وهو الحببب‪ .‬وذهببب أبببو‬
‫حنيفة إلى أنه للشيء الذي هو أصل الوجوب وهو الرض‪ .‬وأما اختلفهم في أرض‬
‫الخراج إذا انتقلت إلى المسلمين هل فيها عشر مع الخراج أم ليببس فيهببا عشببر؟ فببإن‬
‫الجمهور على أن فيها العشببر‪ :‬أعنببي الزكبباة‪ .‬قبال أبببو حنيفببة وأصببحابه‪ :‬ليببس فيهببا‬
‫عشر‪ .‬وسبب اختلفهم كما قلنا هل الزكاة حق الرض‪ ،‬أو حق الحب؟ فببإن قلنببا إنببه‬
‫حق الرض لم يجتمع فيها حقان‪ :‬وهما العشر والخراج‪ ،‬وإن قلنا‪ :‬الزكاة حق الحببب‬
‫كان الخراج حق الرض‪ ،‬والزكاة حق الحب‪ ،‬وإنما يجيببء هببذا الخلف فيهببا لنهببا‬
‫ملك ناقص كما قلنا ولببذلك اختلببف العلمبباء فببي جببواز بيببع أرض الخببراج‪ .‬وأمببا إذا‬
‫انتقلت أرض العشر إلى الذمي يزرعهبا‪ ،‬فبإن الجمهبور علبى أنبه ليبس فيهبا شبيء‪.‬‬
‫وقال النعمان‪ :‬إذا اشترى الببذمي أرض عشببر تحببولت أرض خببراج‪ ،‬فكببأنه رأى أن‬
‫العشر هو حق أرض المسلمين‪ ،‬والخراج هببو حببق أرض الببذميين‪ ،‬لكببن كببان يجببب‬
‫على هذا الصل إذا انتقلت أرض الخراج إلى المسلمين أن تعود أرض عشر كما أن‬
‫عنده إذا انتقلت أرض العشر إلى الذمي عادت أرض خراج‪ ،‬ويتعلق بالمالبك مسبائل‬
‫أليببق المواضببع بببذكرها هببو هببذا الببباب‪ :‬أحببدها إذا أخببرج المببرء الزكبباة فضبباعت‪.‬‬
‫والثانية إذا أمكن إخراجها فهلك بعض المال قبل الخببراج‪ .‬والثالثببة إذا مببات وعليببه‬
‫زكاة‪ .‬والرابعة إذا ببباع الببزرع أو الثمببر وقببد وجبببت فيببه الزكبباة علببى مببن الزكبباة‪،‬‬
‫وكذلك إذا وهبه‪.‬‬
‫@‪)-‬فأما المسألة الولى( وهي إذا أخرج الزكاة فضباعت‪ ،‬فبإن قومبا قبالوا‪ :‬تجبزى‬
‫عنه؛ وقوم قالوا‪ :‬هو لها ضامن حتى يضعها موضعها؛ وقوم فرقوا بين أن يخرجهببا‬
‫بعببد أن أمكنببه إخراجهببا‪ ،‬وبيببن أن يخرجهببا أول زمببان الوجببوب والمكببان‪ ،‬فقببال‬
‫بعضهم‪ :‬إن أخرجها بعد أيببام مببن المكببان والوجببوب ضببمن وإن أخرجهببا فببي أول‬
‫الوجوب ولم يقع منه تفريط لم يضبمن وهببو مشبهور مبذهب مالبك؛ وقببوم قبالوا‪ :‬إن‬
‫فرط ضمن وإن لم يفرط زكى ما بقي‪ ،‬وبه قال أبو ثببور والشببافعي‪ ،‬وقببال قببوم‪ :‬بببل‬
‫يعد الذاهب من الجميع ويبقى المساكين ورب المال شريكين في الباقي بقدر حظهمببا‬
‫من حببظ رب المببال‪ ،‬مثببل الشببريكين يببذهب بعببض المببال المشببترك بينهمببا ويبقيببان‬
‫شريكين على تلك النسبة في الباقي‪ ،‬فيتحصل في المسألة خمسببة أقببوال‪ :‬قببول إنببه ل‬
‫يضمن بإطلق‪ ،‬وقول إنه يضمن بإطلق‪ ،‬وقببول إن فببرط ضببمن وإن لببم يفببرط لببم‬
‫يضمن‪ ،‬وقول إن فرط ضمن وإن لم يفرط زكى مببا بقببي‪ ،‬والقببول الخببامس يكونببان‬
‫شريكين في الباقي‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثانية( إذا ذهببب بعببض المببال بعببد الوجببوب وقببل تمكبن إخبراج‬
‫الزكاة؛ فقوم قالوا‪ :‬يزكى ما بقي؛ وقوم قالوا‪ :‬حال المساكين وحببال رب المببال حببال‬
‫الشريكين يضيع بعض مالهما‪ .‬والسبب في اختلفهم تشبيه الزكاة بالديون‪ ،‬أعنببي أن‬
‫يتعلق الحق فيها بالذمة ل بعين المال‪ ،‬أو تشبيهها بالحقوق التي تتعلق بعين المببال ل‬
‫بذمة الذي يده على المال كالمناء وغيرهم‪ .‬فمن شبه مالكي الزكاة بالمناء قببال‪ :‬إذا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫اخرج فهلك المخرج فل شيء عليه؛ ومن شبههم بالغرماء قال‪ :‬يضمنون؛ ومن فرق‬
‫بين التفريط ول تفريط ألحقهم بالمناء من جميع الوجببوه إذا كببان الميببن يضببمن إذا‬
‫فرط‪ .‬وأما من قال‪ :‬إذا لم يفرط زكى مببا بقببي فببإنه شبببه مببن هلببك بعببض مبباله بعببد‬
‫الخراج بمن ذهب بعض ماله قبل وجوب الزكاة فيه‪ ،‬كما أنه إذا وجبت الزكاة عليه‬
‫فإنما يزكى الموجود فقط‪ ،‬وكذلك هببذا إنمببا يزكببى الموجببود مببن مبباله فقببط‪ .‬وسبببب‬
‫الختلف هو تردد شبه المالك بين الغريم والمين والشريك ومببن هلببك بعببض مبباله‬
‫قبل الوجوب‪ .‬وأما إذا وجبت الزكاة وتمكن من الخراج فلم يخرج حتى ذهب بعض‬
‫المال فإنهم متفقون فيما أحسب أنه ضامن إل في الماشبية عنبد مبن رأى أن وجوبهبا‬
‫إنما يتم بشرط خروج الساعي مع الحول وهو مذهب مالك‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثالثة( وهي إذا مات بعد وجببوب الزكبباة عليببه‪ .‬فببإن قومببا قببالوا‪:‬‬
‫يخرج من رأس ماله‪ ،‬وبه قال الشافعي وأحمد وإسبحاق وأببو ثبور‪ ،‬وقبوم قبالوا‪ :‬إن‬
‫أوصى بها أخرجت عنه من الثلث وإل فل شيء عليه‪ ،‬ومن هؤلء من قال‪ :‬يبدأ بها‬
‫إن ضبباق الثلببث‪ ،‬ومنهبم مببن قببال‪ :‬ل يببدأ بهبا‪ ،‬وعبن مالببك القببولن جميعبا‪ ،‬ولكبن‬
‫المشهور أنها بمنزلة الوصية‪ .‬وأما اختلفهم في المال يباع بعد وجوب الصدقة فيببه‪،‬‬
‫فإن قوما قالوا‪ :‬يأخذ المصدق الزكاة من المال نفسببه ويرجببع المشببتري بقيمتببه علببى‬
‫البائع‪ ،‬وبه قال أبو ثور‪ .‬وقال قوم‪ :‬البيع مفسوخ‪ ،‬وبه قال الشافعي‪ .‬وقال أبو حنيفة‪:‬‬
‫المشتري بالخيار بين إنقاذ البيع ورده‪ ،‬والعشر مأخوذ من الثمرة أو من الحببب الببذي‬
‫وجبت فيه الزكاة‪ ،‬وقال مالك‪ :‬الزكاة على البببائع‪ .‬وسبببب اختلفهببم تشبببيه بيببع مببال‬
‫الزكاة بتفويته وإتلف عينه‪ ،‬فمن شبهه بببذلك قببال‪ :‬الزكبباة مترتبببة فببي ذمببة المتلببف‬
‫والمفوت؛ ومن قال البيع ليس بإتلف لعين المال ول تفويت له وإنما هو بمنزلة مببن‬
‫باع ما ليس له قال‪ :‬الزكاة في عين المال‪ ،‬ثم هل البيع مفسوخ أو غير مفسببوخ نظببر‬
‫آخر يذكر في باب البيوع إن شاء ال تعالى‪ .‬ومن هذا النوع اختلفهم في زكاة المال‬
‫الموهوب‪ ،‬وفي بعض هذه المسائل التي ذكرنا تفصيل في المذهب لم نر أن نتعرض‬
‫له إذ كان غير موافق لغرضنا مع أنه يعسر فيهبا إعطباء أسبباب تلبك الفبروق لنهبا‬
‫أكثرها استحسانية مثببل تفصببيلهم الببديون الببتي تزكببى مببن الببتي ل تزكببى‪ ،‬والببديون‬
‫المسقطة للزكاة من التي ل تسقطها‪ ،‬فهذا ما رأينببا أن نببذكره فببي هببذه الجملببة وهببي‬
‫معرفة من تجب عليه الزكاة وشروط الملك التي تجبب ببه وأحكبام مبن تجبب عليبه‪.‬‬
‫وقد بقي من أحكامه حكم مشهور‪ ،‬وهو ماذا حكم من منع الزكاة ولم يجحد وجوبهببا؟‬
‫فذهب أبو بكر رضي ال عنه إلى أن حكمه حكم المرتد‪ ،‬وبذلك حكم في مانع الزكاة‬
‫من العرب وذلك أنه قاتلهم وسبى ذريتهم‪ ،‬وخببالفه فببي ذلببك عمببر رضببي الب عنببه‪،‬‬
‫وأطلق من كان استرق منهم‪ ،‬وبقول عمر قال الجمهببور‪ .‬وذهبببت طائفببة إلببى تكفيببر‬
‫من منبع فريضببة مببن الفبرائض وإن لبم يجحبد وجوبهببا‪ .‬وسببب اختلفهببم هببل اسببم‬
‫اليمان الذي هو ضببد الكفببر ينطلببق علببى العتقبباد دون العمببل فقببط أو مببن شببرطه‬
‫وجود العمل معه؟ فمنهم من رأى أن من شرطه وجببود العمببل معببه‪ ،‬ومنهببم مببن لببم‬
‫يشترط ذلك حتى لو لم يلفظ بالشهادة إذا صببدق بهببا فحكمببه حكببم المببؤمن عنببد البب‪،‬‬
‫والجمهور وهم أهل السنة على أنه ليس يشترط فيه‪ ،‬أعني فبي اعتقباد اليمبان البذي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ضده الكفر من العمال إل التلفظ بالشهادة فقط‪ ،‬لقوله صلى ال عليببه وسببلم "أمببرت‬
‫أن أقاتل الناس حتى يقولوا ل إله إل ال ويؤمنوا بي" فاشترط مع العلم القببول‪ ،‬وهببو‬
‫عمل مببن العمببال‪ ،‬فمببن شبببه سببائر الفعببال الواجبببة بببالقول قببال‪ :‬جميببع العمببال‬
‫المفروضة شرط في العلم الذي هو اليمان‪ ،‬ومببن شبببه القببول بسببائر العمببال الببتي‬
‫اتفق الجمهور على أنها ليست شرطا في العلم الذي هو اليمان قببال‪ :‬التصببديق فقببط‬
‫هو شرط اليمان‪ ،‬وبه يكون حكمه عند الب تعبالى حكبم المبؤمن‪ ،‬والقبولن شباذان‪،‬‬
‫واستثناء التلفظ بالشهادتين من سائر العمال هو الذي عليه الجمهور‪.‬‬
‫*‪) *3‬الجملة الثانية( وأما ما تجب فيه الزكاة مببن المببوال‪ ،‬فببإنهم اتفقببوا منهببا علببى‬
‫أشياء واختلفوا في أشياء‪ .‬وأما ما اتفقوا عليبه فصبنفان مبن المعبدن البذهب والفضبة‬
‫اللتين ليستا بحلي‪ ،‬وثلثة أصناف مببن الحيببوان البببل والبقببر والغنببم‪ ،‬وصببنفان مببن‬
‫الحبوب الحنطة والشعير‪ ،‬وصنفان مببن الثمببر التمببر والزبيببب‪ ،‬وفببي الزيببت خلف‬
‫شاذ‪ .‬واختلفوا أما من الذهب ففي الحلي فقط‪ ،‬وذلببك أنببه ذهببب فقهبباء الحجبباز مالببك‬
‫والليث والشببافعي إلببى أنببه ل زكبباة فيببه إذا أريببد للزينببة واللببباس؛ وقببال أبببو حنيفببة‬
‫وأصحابه‪ :‬فيه الزكاة‪ .‬والسبب في اختلفهم تببردد شبببهه بيببن العببروض وبيببن التبببر‬
‫والفضة اللتين المقصود منهما المعاملة في جميع الشياء‪ ،‬فمن شبهه بالعروض التي‬
‫المقصود منها المنببافع أول قببال‪ :‬ليببس فيببه زكبباة‪ ،‬ومببن شبببهه بببالتبر والفضببة الببتي‬
‫المقصود منها المعاملة بها أول قال‪ :‬فيه الزكاة‪ .‬ولختلفهببم أيضببا سببب آخبر وهبو‬
‫اختلف الثار في ذلك‪ ،‬وذلك أنه روى جابر عن النبي عليه الصلة والسلم أنه قال‬
‫"ليس في الحلي زكاة" وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن امرأة أتت إلى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ومعها ابنة لها‪ ،‬وفي يد ابنتها مسك مببن ذهببب‪ ،‬فقببال‬
‫لهببا‪ :‬أتبؤدين زكبباة هببذا؟ قبالت‪ :‬ل‪ ،‬قبال‪ :‬أيسبرك أن يسببورك الب بهمببا يببوم القيامببة‬
‫سوارين من نار؟ فخلعتهما وألقتهما إلى النبي صلى ال عليه وسببلم وقببالت‪ :‬همببا ل ب‬
‫ورسوله" والثران ضعيفان‪ ،‬وبخاصة حديث جابر‪ ،‬ولكون السبب الملك لختلفهم‬
‫تردد الحلي المتخذ للباس بين التبر والفضة اللببذين المقصببود منهمببا أول المعاملببة ل‬
‫النتفاع‪ ،‬وبين العببروض المقصببود منهببا الببتي بالوضببع الول خلف المقصببود مببن‬
‫التبر والفضة‪ ،‬أعني النتفاع بها ل المعاملة‪ ،‬وأعني بالمعاملة كونهببا ثمنببا‪ .‬واختلببف‬
‫قول مالك في الحلي المتخذ للكراء فمرة شبهه بالحلي المتخذ من اللباس‪ ،‬ومرة شبهه‬
‫بالتبر المتخذ للمعاملة‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما ما اختلفوا فيه من الحيوان( فمنه ما اختلفوا في نوعه‪ ،‬ومنه ما اختلفوا في‬
‫صنفه‪ .‬وأما ما اختلفوا في نببوعه فالخيببل‪ ،‬وذلببك أن الجمهببور علببى أن ل زكبباة فببي‬
‫الخيل‪ ،‬فذهب أبو حنيفة إلى أنها إذا كانت سائمة وقصببد بهببا النسببل أن فيهببا الزكبباة‪،‬‬
‫أعني إذا كانت ذكرانا وإناثا‪ .‬والسبب في اختلفهم معارضة القياس لّلفظ‪ ،‬ومببا يظببن‬
‫من معارضة اللفظ لّلفظ فيها‪ .‬أمببا اللفببظ الببذي يقتضببي أن ل زكبباة فيهببا فقببوله عليببه‬
‫الصلة والسلم "ليس على المسلم فببي عبببده ول فرسببه صببدقة" وأمببا القيبباس الببذي‬
‫عارض هذا العموم‪ ،‬فهو أن الخيل السائمة حيوان مقصود به النمبباء والنسببل‪ ،‬فأشبببه‬
‫البل والبقر‪ .‬وأما اللفظ الذي يظن أنه معارض لذلك العموم فهو قبوله عليبه الصبلة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والسلم "وقد ذكر الخيل ولم ينس حق ال في رقابها ول ظهورها" فذهب أبو حنيفببة‬
‫إلى أن حق ال هو الزكاة‪ ،‬وذلك السائمة منها‪ .‬قببال القاضببي‪ :‬وأن يكببون هببذا اللفببظ‬
‫مجمل أحرى منه أن يكون عاما‪ ،‬فيحتج به في الزكبباة؛ وخببالف أبببا حنيفببة فببي هببذه‬
‫المسألة صاحباه أبو يوسف ومحمد‪ ،‬وصح عن عمر رضي الب عنببه أنببه كببان يأخببذ‬
‫منها الصدقة‪ ،‬فقيل إنه كان باختيار منهم‪ .‬وأما ما اختلفوا في صنفه فهي السائمة مبن‬
‫البل والبقر والغنم من غير السائمة منها‪ ،‬فإن قوما أوجبوا الزكاة في هذه الصببناف‬
‫الثلثببة سببائمة كببانت أو غيببر سببائمة‪ ،‬وبببه قببال الليببث ومالببك؛ وقببال سببائر فقهبباء‬
‫المصببار‪ :‬ل زكبباة فببي غيببر السببائمة مببن هببذه الثلثببة النببواع‪ .‬وسبببب اختلفهببم‬
‫معارضة المطلق للمقيد‪ ،‬ومعارضببة القيبباس لعمببوم اللفببظ‪ .‬أمببا المطلببق فقببوله عليببه‬
‫الصلة والسلم "في أربعين شاة شاة"‪ .‬أما المقيد فقببوله عليببه الصببلة والسببلم "فببي‬
‫سائمة الغنم الزكاة" فمن غلب المطلبق علببى المقيبد قبال‪ :‬الزكبباة فبي السببائمة وغيبر‬
‫السائمة؛ ومن غلب المقيد قال‪ :‬الزكاة في السائمة منها فقبط‪ ،‬ويشببه أن يقبال إن مبن‬
‫سبب الخلف في ذلك أيضا معارضة دليل الخطاب للعموم‪ ،‬وذلك أن دليبل الخطباب‬
‫في قوله عليه الصلة والسلم "في سائمة الغنم الزكاة" يقتضي أن ل زكاة فببي غيببر‬
‫السائمة‪ ،‬وعموم قوله عليه الصلة والسلم "في أربعين شاة شاة" يقتضي أن السائمة‬
‫في هذا بمنزلة غير السببائمة لكببن العمبوم أقببوى مببن دليبل الخطباب‪ ،‬كمبا أن تغليببب‬
‫المقيد على المطلق أشهر من تغليب المطلق على المقيد‪ .‬وذهب أبو محمببد بببن حببزم‬
‫إلى أن المطلق يقتضي على المقيد‪ ،‬وإن في الغنم سائمة وغير سائمة الزكاة‪ ،‬وكذلك‬
‫في البل لقوله عليه الصلة والسلم "ليس فيمببا دون خمببس ذود مببن البببل صببدقه"‬
‫وأن البقر لما لم يثبت فيها أثر وجب أن يتمسك فيها بالجمبباع‪ ،‬وهببو أن الزكبباة فببي‬
‫السائمة منها فقط‪ ،‬فتكون التفرقة بين البقر وغيرها قول ثالث‪.‬‬
‫وأما القياس المعارض لعموم قوله عليه الصلة والسلم فيها "في أربعين شبباة شبباة"‬
‫فهو أن السائمة هي التي المقصود منها النماء والربح‪ ،‬وهو الموجود فيها أكثر ذلك‪،‬‬
‫والزكاة إنما هي فضببلت المببوال‪ ،‬والفضببلت إنمببا توجببد أكببثر ذلببك فببي المببوال‬
‫السائمة‪ ،‬ولذلك اشترط فيها الحول‪ ،‬فمن خصص بهذا القياس ذلك العموم لببم يببوجب‬
‫الزكاة في غير السائمة‪ ،‬ومن لم يخصص ذلببك ورأى أن العمببوم أقببوى أوجببب ذلببك‬
‫في الصنفين جميعا‪ ،‬فهذا هببو مببا اختلفببوا فيببه مببن الحيببوان الببتي تجببب فيببه الزكبباة‪،‬‬
‫وأجمعوا على أنه ليس فيما يخرج من الحيوان زكاة إل العسببل‪ ،‬فببإنهم اختلفببوا فيببه‪،‬‬
‫فالجمهور على أنه ل زكاة فيه‪ ،‬وقال قوم‪ :‬فيه الزكاة‪ .‬وسبب اختلفهم اختلفهببم فببي‬
‫تصحيح الثر الوارد في ذلك‪ ،‬وهو قوله عليه الصلة والسلم "فببي كببل عشببرة أزق‬
‫زق" خرجببه الترمببذي وغيببره‪ .‬وأمببا مببا اختلفببوا فيببه مببن النبببات بعببد اتفبباقهم علببى‬
‫الصناف الربعة التي ذكرناها فهو جنس النبات الذي تجب فيه الزكاة‪ ،‬فمنهم من لم‬
‫ير الزكاة إل في تلبك الربببع فقببط‪ ،‬وبببه قبال ابببن أبببي ليلبى وسببفيان الثببوري واببن‬
‫المبارك؛ ومنهم من قال‪ :‬الزكاة في جميببع المببدخر المقتببات مببن النبببات‪ ،‬وهببو قببول‬
‫مالك والشافعي؛ ومنهم من قال‪ :‬الزكاة في كل ما تخرجه الرض مببا عببدا الحشببيش‬
‫والحطب والقصب‪ .‬وهو أبو حنيفة‪ .‬وسبب الخلف إما بيببن مببن قصببر الزكبباة علببى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الصناف المجمع عليها‪ ،‬وبين من عببداها إلببى المببدخر المقتببات‪ ،‬فهببو اختلفهببم فببي‬
‫تعلق الزكاة بهذه الصناف الربعة هل هو لعينها أو لعلة فيها‪ ،‬وهببي القتيببات فمببن‬
‫قال لعينهبا قصبر الوجبوب عليهبا‪ ،‬ومبن قبال لعلبة القتيبات عبدى الوجبوب لجميبع‬
‫المقتات‪ .‬وسبب الخلف بين من قصر الوجببوب علبى المقتببات وبيبن مبن عببداه إلبى‬
‫جميع ما تخرجه الرض إل ما وقع عليه الجماع من الحشببيش والحطببب والقصببب‬
‫هو معارضة القياس لعموم اللفببظ‪ ،‬أمببا اللفببظ الببذي يقتضببي العمببوم فهببو قببوله عليببه‬
‫الصلة والسلم "فيما سقت السماء العشر‪ ،‬وفيما سقى بالنضببج نصببف العشببر" ومببا‬
‫بمعنببى الببذي‪ ،‬والببذي مببن ألفبباظ العمببوم وقببوله تعببالى }وهببو الببذي أنشببأ جنببات‬
‫معروشات{ الية‪ .‬إلى قوله }وآتوا حقه يوم حصاده{ ‪.‬‬
‫وأما القياس‪ ،‬فهو أن الزكاة إنما المقصود منها سببد الخلببة‪ ،‬وذلببك ل يكببون غالبببا إل‬
‫فيما هو قوت‪ ،‬فمن خصص العموم بهذا القياس أسقط الزكاة مما عدا المقتات‪ ،‬ومببن‬
‫غلب العمببوم أوجبهبا فيمبا عببدا ذلبك‪ ،‬إل مبا أخرجببه الجمباع‪ ،‬والبذين اتفقببوا علبى‬
‫المقتات اختلفوا في أشياء من قبل اختلفهم فيها‪ ،‬هل هي مقتاتة أم ليست بمقتاتة؟‬
‫وهل يقباس علببى مببا اتفببق عليببه أو ليبس يقباس؟ مثببل اختلف مالبك والشببافعي فببي‬
‫الزيتون‪ ،‬فإن مالكا ذهب إلى وجوب الزكاة فيه‪ ،‬ومنع ذلك الشافعي في قوله الخيببر‬
‫بمصر‪ .‬وسبببب اختلفهببم هببل هببو قببوت أم ليببس بقببوت؟‪ ،‬ومببن هببذا الببباب اختلف‬
‫أصحاب مالبك فبي إيجباب الزكباة فبي البتين أو ل إيجابهبا‪ .‬وذهبب بعضبهم إلبى أن‬
‫الزكاة تجب في الثمار دون الخضببر‪ ،‬وهببو قببول ابببن حبببيب لقببوله سبببحانه وتعببالى‬
‫}وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات{ الية‪ ،‬ومن فرق فببي اليببة بيببن‬
‫الثمببار والزيتببون فل وجببه لقببوله إل وجببه ضببعيف‪ .‬واتفقببوا علببى أن ل زكبباة فببي‬
‫العروض التي لببم يقصببد بهببا التجببارة‪ ،‬واختلفببوا فببي أتجببب الزكبباة فيمبا اتخببذ منهببا‬
‫للتجارة؟ فذهب فقهاء المصار إلى وجوب ذلك‪ ،‬ومنببع ذلببك أهببل الظبباهر‪ .‬والسبببب‬
‫في اختلفهم اختلفهم فببي وجببوب الزكبباة بالقيبباس‪ ،‬واختلفهببم فببي تصببحيح حببديث‬
‫سمرة بن جندب أنه قال "كببان رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم يأمرنببا أن نخببرج‬
‫الزكاة مما نعده للبيع" وفيما روي عنه عليه الصلة والسلم أنه قال "أد زكاة البببر"‪.‬‬
‫وأما القياس الذي اعتمده الجمهور فهو أن العروض المتخذة للتجارة مال مقصود بببه‬
‫التنمية‪ ،‬فأشبببه الجنبباس الثلثببة الببتي فيهببا الزكبباة باتفبباق‪ ،‬أعنببي الحببرث والماشببية‬
‫والذهب والفضة‪ .‬وزعم الطحاوي أن زكاة العروض ثابتة عن عمر وابببن عمببر ول‬
‫مخالف لهما من الصحابة‪ ،‬وبعضببهم يببرى أن مثببل هببذا هببو إجمبباع مببن الصببحابة‪،‬‬
‫أعني إذا نقل عن واحد منهم قول ولم ينقل عن غيره خلفه‪ ،‬وفيه ضعف‪.‬‬
‫*‪)*3‬الجملة الثالثة( وأما معرفة النصاب في واحد واحد مببن هببذه المببوال المزكبباة‪،‬‬
‫وهو المقدار الذي فيه تجب الزكاة فيما له منها نصاب‪ ،‬ومعرفببة الببواجب مببن ذلببك‪،‬‬
‫أعني في عينه وقدره‪ ،‬فإنا نذكر من ذلك ما اتفقوا عليه واختلفوا فيه في جنس جنببس‬
‫من هذه الجناس المتفق عليها والمختلف فيها عند الذين اتفقوا عليببه‪ ،‬ولنجعببل الكلم‬
‫في ذلك في فصول‪ :‬الفصل الول‪ :‬في الذهب والفضة‪ .‬الثاني‪ :‬في البل‪ .‬الثالث‪ :‬في‬
‫الغنم‪ .‬الرابع‪ :‬في البقر‪ .‬الخامس‪ :‬في النبات‪ .‬السادس‪ :‬في العروض‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫*‪*4‬الفصل الول في الذهب والفضة‪.‬‬


‫@‪-‬أما المقدار الذي تجب فيه الزكاة من الفضة‪ ،‬فإنهم اتفقببوا علببى أنببه خمببس أواق‬
‫لقوله عليه الصلة والسلم الثابت "ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة" مببا‬
‫عدا المعدن من الفضة‪ ،‬فإنهم اختلفوا في اشتراط النصاب منه وفي المقببدار الببواجب‬
‫فيه‪ ،‬والوقية عندهم أربعون درهما كيل‪ .‬وأما القدر الواجب فيه‪ ،‬فبإنهم اتفقبوا علببى‬
‫أن الواجب في ذلك هو ربع العشر‪ :‬أعني في الفضة والذهب معا ما لم يكونا خرجببا‬
‫من معدن‪ .‬واختلفوا من هذا الباب في مواضببع خمسببة‪ :‬أحببدها‪ :‬فببي نصبباب الببذهب‪.‬‬
‫والثبباني‪ :‬هببل فيهمببا أوقبباص أم ل؟ أعنببي هببل فببوق النصبباب قببدر ل تزيببد الزكبباة‬
‫بزيادته؟‪ .‬والثالث‪ :‬هل يضم بعضها إلببى بعببض فببي الزكبباة فيعببدان كصببنف واحببد؟‬
‫أعني عند إقامة النصاب أم هما صنفان مختلفان؟‪ .‬والرابع‪ :‬هبل مبن شبرط النصباب‬
‫أن يكون المالك واحدا ل اثنين؟‪ .‬الخامس‪ :‬في اعتبار نصبباب المعببدن وحببوله وقببدر‬
‫الواجب فيه‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الولى( وهي اختلفهم في نصاب الذهب‪ ،‬فإن أكثر العلمبباء علببى‬
‫أن الزكاة تجب في عشرين دينارا وزنا كما تجب في مائتي درهم‪ ،‬هذا مذهب مالببك‬
‫والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم وأحمد وجماعة فقهاء المصار وقالت طائفة منهببم‬
‫الحسن بن أبي الحسن البصري وأكثر أصحاب داود بن علي‪ :‬ليس في الذهب شببيء‬
‫حتى يبلغ أربعين دينارا‪ ،‬ففيها ربع عشرها دينار واحد‪ .‬وقالت طائفة ثالثة‪ :‬ليس فببي‬
‫الذهب زكاة حتى يبلغ صرفها مائتي درهم أو قيمتها فببإذا بلغببت ففيهببا ربببع عشببرها‬
‫كان وزن ذلك من الذهب عشرين دينارا أو أقببل أو أكببثر‪ ،‬هببذا فيمببا كببان منهببا دون‬
‫الربعين دينارا‪ .‬فإذا بلغببت أربعيببن دينببارا كببان العتبببار بهببا لنفسببه ل بالببدراهم ل‬
‫صرفا ول قيمة‪ .‬وسبب اختلفهم في نصاب الذهب أنه لم يثبت فببي ذلببك شببيء عببن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم كما ثبت ذلك في نصاب الفضة‪ .‬وما روي عن الحسن بن‬
‫عمارة من حديث علي أنه عليه الصبلة والسبلم قبال "هباتوا زكباة البذهب مبن كبل‬
‫عشرين دينارا نصف دينار" فليس عند الكثر مما يجب العمل به لنفراد الحسن بببن‬
‫عمارة به‪ ،‬فمن لم يصح عنده هذا الحديث اعتمد في ذلك على الجماع‪ ،‬وهو اتفاقهم‬
‫على وجوبها في الربعين‪ .‬وأما مالك فاعتمد في ذلببك علببى العمببل‪ ،‬ولببذلك قببال فببي‬
‫الموطأ‪ :‬السنة التي ل اختلف فيها عنببدنا أن الزكبباة تجببب فببي عشببرين دينببارا كمببا‬
‫تجب في مائتي درهم‪ .‬وأما الذين جعلوا الزكاة فيما دون الربعين تبعا للدراهم‪ ،‬فإنه‬
‫لما كانا عندهم من جنس واحد جعلوا الفضة هي الصل‪ ،‬إذ كان النص قد ثبت فيها‪،‬‬
‫وجعلوا الذهب تابعا لها في القيمة ل في الوزن‪ ،‬وذلببك فيمببا دون موضببع الجمبباع‪،‬‬
‫ولما قيل أيضا إن الرقة اسم يتناول الذهب والفضة وجاء في بعض الثار "ليس فيها‬
‫دون خمس أواق من الرقة صدقة"‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية( وأما اختلفهم فيما زاد على النصاب فيها‪ ،‬فإن الجمهببور قببالوا‪:‬‬
‫إن ما زاد على مائتي درهم من الوزن ففيه بحساب ذلك‪ ،‬أعني ربببع العشببر‪ ،‬وممببن‬
‫قال بهذا القول مالك والشافعي وأبببو يوسبف ومحمبد صباحبا أببي حنيفبة وأحمبد ببن‬
‫حنبل وجماعة‪ .‬وقالت طائفة من أهل العلم أكثرهم العببراق‪ :‬ل شببيء فيمببا زاد علببى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المائتي درهم حتى تبلغ الزيادة أربعين درهمببا‪ ،‬فببإذا بلغتهببا كببان فيهببا ربببع عشببرها‬
‫وذلببك درهببم‪ ،‬وبهببذا القببول قببال أبببو حنيفببة وزفببر وطائفببة مببن أصببحابهما‪ .‬وسبببب‬
‫اختلفهم اختلفهم في تصحيح حديث الحسن ابن عمارة‪ ،‬ومعارضببة دليببل الخطبباب‬
‫لبه‪ ،‬وترددهمبا بيبن أصبلين فبي هبذا البباب مختلفيبن فبي هبذا الحكبم وهبي الماشبية‬
‫والحبوب‪ .‬أما حديث الحسن بن عمارة فبإنه رواه عببن أبببي إسببحاق عببن عاصببم بببن‬
‫ضمرة عن علي عن النبي صلى ال عليه وسلم قببال "قببد عفببوت عببن صببدقة الخيببل‬
‫والرقيق فهاتوا من الرقة ربع العشر من كل مببائتي درهببم خمسببة دراهببم‪ ،‬ومببن كببل‬
‫عشرين دينارا نصف دينار‪ ،‬وليس في مائتي درهم شيء حبتى يحبول عليهبا الحبول‬
‫ففيها خمسة دراهم‪ ،‬فما زاد ففي كل أربعين درهمببا درهببم‪ ،‬وفببي كببل أربعببة دنببانير‬
‫تزيد على العشرين دينارا درهم حتى تبلغ أربعيببن دينببارا‪ ،‬ففببي كببل أربعيببن دينببار‪،‬‬
‫وفي كل أربعة وعشرين نصف دينار ودرهم"‪ .‬وأمببا دليببل الخطبباب المعببارض لببه‪،‬‬
‫فقوله عليه الصلة والسلم "ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة" ومفهببومه‬
‫أن فيما زاد على ذلك الصدقة قل أو كببثر‪ .‬وأمببا ترددهمببا بيببن الصببلين اللببذين همببا‬
‫الماشية والحبوب‪ ،‬فإن النص على الوقاص ورد في الماشية‪ .‬وأجمعوا علببى أنببه ل‬
‫أوقاص في الحبوب‪ ،‬فمن شبه الفضة والذهب بالماشببية قببال فيهمببا الوقبباص‪ ،‬ومببن‬
‫شبههما بالحبوب قال ل وقص‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثالثة( وهي ضم الذهب إلبى الفضبة فبي الزكباة‪ ،‬فبإن عنبد مالبك‬
‫وأبي حنيفة وجماعة أنها تضم الدراهم إلى الدنانير‪ ،‬فإذا كمل من مجموعهما نصاب‬
‫وجبت فيه الزكاة؛ وقال الشافعي وأبو ثور وداود‪ :‬ل يضم ذهب إلى فضة ول فضببة‬
‫إلى ذهب‪ .‬وسبب اختلفهببم هببل كببل واحببد منهمببا يجببب فيببه الزكبباة لعينببه أم لسبببب‬
‫يعمهما‪ ،‬وهو كونهما كما يقول الفقهاء رءوس الموال وقيم المتلفببات؟ فمببن رأى أن‬
‫المعتبر في كل واحد منهما هو عينه ولذلك اختلف النصاب فيهما قببال‪ :‬همببا جنسببان‬
‫ل يضم أحدهما إلى الثاني كالحال في البقر والغنم؛ ومن رأى أن المعتبببر فيهمببا هببو‬
‫ذلك المببر الجببامع الببذي قلنبباه أوجببب ضببم بعضببهما إلببى بعببض‪ ،‬ويشبببه أن يكببون‬
‫الظهر اختلف الحكام حيث تختلف السماء وتختلف الموجودات أنفسها‪ ،‬وإن كان‬
‫قد يوهم اتحادهما اتفاق المنافع‪ ،‬وهو الذي اعتمد مالك رحمه ال في هذا الباب وفببي‬
‫باب الربا‪ ،‬والببذين أجبازوا ضببمهما اختلفببوا فبي صبفة الضببم‪ .‬فببرأى مالببك ضبمهما‬
‫بصرف محدود‪ ،‬وذلك بأن ينزل الدينار بعشبرة دراهبم علبى مبا كبانت عليبه قبديما‪،‬‬
‫فمن كانت عنده عشرة دنانير ومائة درهم وجبت عليه فيهما الزكاة عنببده‪ ،‬وجبباز أن‬
‫يخرج من الواحد عن الخر‪ .‬وقال من هؤلء آخرون‪ :‬تضم بالقيمة في وقت الزكاة‪،‬‬
‫فمن كانت عنده مثل مائة درهم وتسعة مثاقيل قيمتها مائة درهم وجبببت عليببه فيهمببا‬
‫الزكاة‪ ،‬ومن كانت عنده مائة درهم تساوي أحد عشببر مثقببال وتسببعة مثاقيببل وجبببت‬
‫عليه أيضا فيهما الزكاة‪ ،‬وممن قببال بهببذا القببول أبببو حنيفببة‪ ،‬وبمثببل هببذا القببول قببال‬
‫الثببوري إل أنببه يراعببي الحببوط للمسبباكين فببي الضببم‪ :‬أعنببي القيمببة أو الصببرف‬
‫المحدود‪ :‬ومنهم من قال‪ :‬يضم القل منها إلببى الكببثر ول يضببم الكببثر إلببى القببل؛‬
‫وقال آخرون‪ :‬تضم الدنانير بقيمتها أبدا كانت الدنانير أقل من الببدراهم أو أكببثر‪ ،‬ول‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫تضم الدراهم إلى الدنانير لن الببدراهم أصببل والببدنانير فببرع‪ ،‬إذ كببان لببم يثبببت فببي‬
‫الدنانير حديث ول إجماع حتى تبلغ أربعين‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬إذا كان عنده نصاب مببن‬
‫أحدهما ضم إليه قليل الخر وكثيره‪ ،‬ولم ير الضم في تكميل النصاب إذا لم يكن فببي‬
‫واحد منهما نصاب بل في مجموعهما‪ .‬وسبب هذا الرتباك ما راموه من أن يجعلببوا‬
‫من شيئين نصابهما مختلف في الوزن نصابا واحدا‪ ،‬وهذا كله ل معنى له‪ ،‬ولعل من‬
‫رام ضم أحدهما إلى الخر فقد أحدث حكما في الشرع حيببث ل حكببم‪ ،‬لنببه قببد قببال‬
‫بنصاب ليس هو بنصاب ذهب ول فضة‪ ،‬ويستحيل في عادة التكليف والمر بالبيببان‬
‫أن يكون في أمثال هذه الشياء المحتملة حكم مخصوص‪ ،‬فيسكت عنه الشارع حببتى‬
‫يكون سكوته سببا لن يعرض فيه من الختلف مببا مقببداره هببذا المقببدار‪ ،‬والشببارع‬
‫إنما بعث صلى ال عليه وسلم لرفع الختلف‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الرابعة( فإن عند مالك وأبي حنيفة أن الشريكين ليببس يجببب علببى‬
‫أحدهما زكاة حتى يكون لكل واحد منهما نصاب؛ وعند الشافعي أن المببال المشببترك‬
‫حكمه حكم مال رجل واحد‪ .‬وسبب اختلفهم الجمباع البذي فبي قبوله عليبه الصبلة‬
‫والسلم "ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة" فإن هذا القدر يمكببن أن يفهببم‬
‫منه إنما يخصه هذا الحكم إذا كان لمالك واحد فقط‪ ،‬ويمكن منه أنه يخصه هذا الحكم‬
‫كان لمالك واحد أو أكثر من مالك واحد‪ ،‬إل أنه لما كان مفهوم اشتراط النصاب إنما‬
‫هو الرفق فواجب أن يكون النصاب من شرطه أن يكون لمالك واحد‪ ،‬وهببو الظهببر‬
‫وال أعلم‪ .‬والشافعي كأنه شبه الشركة بالخلطة‪ ،‬ولكن تأثير الخلطة فبي الزكباة غيبر‬
‫متفق عليه على ما سيأتي بعد‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الخامسة( وهي اختلفهببم فببي اعتبببار النصبباب فببي المعببدن وقببدر‬
‫الواجب فيه‪ ،‬فإن مالكا والشافعي راعيا النصاب في المعدن‪ ،‬وإنما الخلف بينهما أن‬
‫مالكا لم يشترط الحول واشترطه الشافعي على مبا سبنقول بعبد فبي الجملبة الرابعبة‪،‬‬
‫وكذلك لم يختلف قولهما إن الواجب فيما يخرج منه هو ربع العشر؛ وأما أبببو حنيفببة‬
‫فلم ير فيه نصابا ول حول‪ ،‬وقال‪ :‬الواجب هو الخمس‪ .‬وسبب الخلف في ذلببك هببل‬
‫اسم الركاز يتناول المعدن أم ل يتناوله؟ لنه قال عليه الصلة والسلم "وفي الركبباز‬
‫الخمس" وروى أشهب عن مالك أن المعدن الذي يوجد بغيببر عمببل أنببه ركبباز وفيببه‬
‫الخمس‪ .‬فسبب اختلفهم فبي هبذا هبو اختلفهبم فبي دللبة اللفبظ‪ ،‬وهببو أحببد أسببباب‬
‫الختلفات العامة التي ذكرناها‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني في نصاب البل والواجب فيه‪.‬‬
‫@‪-‬وأجمع المسلمون على أن في كل خمس من البل شاة إلى أربع وعشببرين‪ ،‬فببإذا‬
‫كانت خمسا وعشرين ففيها ابنة مخاض إلى خمس وثلثين‪ ،‬فإن لم تكن ابنة مخاض‬
‫فابن لبون ذكر‪ ،‬فإذا كانت ستا وثلثين ففيهببا بنببت لبببون إلببى خمببس وأربعيببن‪ ،‬فببإذا‬
‫كانت ستا وأربعين ففيها حقة إلى ستين‪ ،‬فإذا كببانت واحببدا وسببتين ففيهببا جذعببة إلببى‬
‫خمس وسبعين‪ ،‬فإذا كانت ستا وسبعين ففيها ابنتا لبون إلى تسعين‪ ،‬فإذا كانت واحببدا‬
‫وتسعين ففيها حقتان إلى عشرين ومائة لثبوت هذا كله في كتاب الصببدقة الببذي أمببر‬
‫به رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وعمل به بعده أبو بكر وعمر‪ .‬واختلفوا منها فببي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مواضع‪ :‬منها فيما زاد على العشببرين والمببائة‪ ،‬ومنهببا إذا عببدم السببن الواجبببة عليببه‬
‫وعنده السن الذي فوقه أو الذي تحته ما حكمه؟ ومنها هببل تجببب الزكبباة فببي صببغار‬
‫البل وإن وجبت فما الواجب؟‪.‬‬
‫@‪)-‬فأما المسألة الولى( وهي اختلفهم فيما زاد على المببائة وعشببرين‪ ،‬فببإن مالكببا‬
‫قال‪ :‬إذا زادت على عشرين ومائة واحدة‪ ،‬فالمصدق بالخيار إن شاء أخذ ثلث بنات‬
‫لبون‪ ،‬وإن شاء أخذ حقتين إلى أن تبلغ ثلثين ومبائة فيكبون فيهبا حقبه وابنتبا لببون‪.‬‬
‫وقال ابن القاسم من أصحابه‪ :‬بل يأخذ ثلث بنات لبون من غيببر خيببار إلببى أن تبلببغ‬
‫ثمانين ومائة فتكون فيها حقة وابنتا لبون‪ ،‬وبهذا القول قال الشافعي‪ .‬قبال عببد الملبك‬
‫بن الماجشون من أصحاب مالك‪ :‬بل يأخذ الساعي حقتين فقط مببن غيببر خيببارإلى أن‬
‫تبلغ مائة وثلثين‪ .‬وقال الكوفيببون‪ :‬أبببو حنيفببة وأصببحابه والثببوري‪ :‬إذا زادت علببى‬
‫عشرين ومائة عادت الفريضة على أولها‪ ،‬ومعنى عودتها أن يكببون عنببدهم فببي كببل‬
‫خمس ذود شاة‪ ،‬فببإذا كببانت البببل مببائة وخمسببة وعشببرين كببان فيهببا حقتببان وشبباة‪،‬‬
‫الحقتبان للمبائة والعشبرين‪ ،‬والشباة للخمبس‪ ،‬فبإذا بلغبت ثلثيبن ومبائة ففيهبا حقتبان‬
‫وشاتان‪ ،‬فإذا كببانت خمسببا وثلثيببن ففيهببا حقتببان وثلث شببياه إلببى خمببس وأربعيببن‬
‫ومائة‪ ،‬ففيها حقتان وأربع شياه إلى خمس وأربعين ومببائة‪ ،‬فببإذا بلغتهببا ففيهببا حقتببان‬
‫وابنة مخاض‪ ،‬الحقتان للمائة والعشرين‪ ،‬وابنة المخاض للخمس وعشرين كما كببانت‬
‫في الفرض الول إلى خمسين ومائة‪ ،‬فإذا بلغتها ففيها ثلث حقاق‪ ،‬فببإذا زادت علببى‬
‫الخمسين ومائة استقبل بها الفريضة الولى إلببى أن تبلببغ مببائتين‪ ،‬فيكببون فيهببا أربببع‬
‫حقاق ثم يستقبل بها الفريضة‪ .‬وأما ما عدا الكوفيين من الفقهاء‪ ،‬فإنهم اتفقوا علببى أن‬
‫ما زاد على المائة والثلثيبن‪ ،‬ففبي كبل أربعيبن بنبت لببون وفبي كبل خمسبين حقبه‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم في عودة الفرض أو ل عودته اختلف الثار في هذا الببباب‪ ،‬وذلببك‬
‫أنه ثبت في كتاب الصدقة أنببه قببال عليببه الصببلة والسببلم "فمببا زاد علببى العشببرين‬
‫ومائة ففي كل أربعين بنت لبون‪ ،‬وفي كل خمسين حقة" وروي من طريق أبببي بكببر‬
‫بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده عن النبي عليه الصلة والسلم أنه كتببب كتبباب‬
‫الصببدقة وفيببه "إذا زادت البببل علببى مببائة وعشببرين اسببتؤنفت الفريضببة" فببذهب‬
‫الجمهور إلى ترجيح الحديث الول إذ هو أثبت‪ ،‬وذهب الكوفيون إلى ترجيح حببديث‬
‫عمرو بن حزم لنه ثبت عندهم هذا من قول علي وابن مسعود‪ ،‬قالوا‪ :‬ول يصببح أن‬
‫يكون مثل هذا إل توقيفا إذ كان مثل هذا ل يقال بالقيبباس‪ .‬وأمببا سبببب اختلف مالببك‬
‫وأصحابه والشافعي فيما زاد على المائة وعشرين إلى الثلثيببن فلنببه لببم يسببتقم لهببم‬
‫حساب الربعينببات ول الخمسببينات‪ ،‬فمببن رأى أن مبا بيبن المببائة وعشببرين إلبى أن‬
‫يستقيم الحساب وقص قال‪ :‬ليس فيما زاد علببى ظبباهر الحببديث الثببابت شببيء ظبباهر‬
‫حتى يبلغ مائة وثلثين وهو ظاهر الحديث‪ .‬وأما الشافعي وابن القاسم فإنما ذهبا إلببى‬
‫أن فيها ثلث بنات لبون‪ ،‬لنه قد روي عببن ابببن شبهاب فببي كتبباب الصببدقة أنهبا إذا‬
‫بلغت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلث بنات لبون‪ ،‬فإذا بلغت ثلثين ومائة ففيها بنتا‬
‫لبون وحقة‪ .‬فسبب اختلف ابن الماجشون وابببن القاسببم هببو معارضببة ظبباهر الثببر‬
‫الثابت للتفسير الذي في هذا الحديث فإن ابن الماجشببون رجببح ظبباهر الثببر للتفبباق‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫على ثبوته‪ ،‬وابن القاسم والشافعي حمل المجمل على المفصل المفسببر‪ .‬وأمببا تخييببر‬
‫مالك الساعي‪ ،‬فكأنه جمع بين الثرين وال أعلم‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثانية( وهو إذا عدم السن الواجب من البل الواجبة وعنببده السببن‬
‫الذي فوق هذا السن أو تحته‪ ،‬فإن مالكا قال‪ :‬يكلف شراء ذلببك السببن‪ .‬وقببال قببوم بببل‬
‫يعطي السن الذي عنببده وزيببادة عشببرين درهمببا إن كببان السببن الببذي عنببده أحببط أو‬
‫شاتين‪ ،‬وإن كان أعلى دفع إليه المصدق عشرين درهمببا أو شبباتين‪ ،‬وهببذا ثببابت فببي‬
‫كتاب الصدقة فل معنببى للمنازعببة فيببه‪ ،‬ولعببل مالكببا لببم يبلغببه هببذا الحببديث‪ ،‬وبهببذا‬
‫الحديث قال الشافعي وأبو ثور‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬الواجب عليه القيمة على أصببله فببي‬
‫إخراج القيم في الزكاة‪ .‬وقال قوم‪ :‬بل يعطي السن الذي عنده‪ ،‬وما بينهما من القيمة‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثالثة( وهي هل تجب في صغار البل‪ ،‬وإن وجبت فمبباذا يكلببف؟‬
‫فإن قوما قالوا‪ :‬تجب فيها الزكاة‪ ،‬وقوم قالوا‪ :‬ل تجب‪ .‬وسبببب اختلفهببم هببل يتنبباول‬
‫اسم الجنس الصغار أو ل يتناوله‪ .‬والذين قببالوا‪ :‬ل تجببب فيهببا زكبباة هببو أبببو حنيفببة‬
‫وجماعة من أهل الكوفة‪ ،‬وقد احتجوا بحديث سويد ابن غفلة أنببه قببال‪ :‬أتانببا مصببدق‬
‫النبي عليه الصلة والسلم‪ ،‬فأتيته فجلست إليببه فسببمعته يقببول‪ :‬إن فببي عهببدي أن ل‬
‫آخذ من راضع لبن‪ ،‬ول أجمع بين مفترق ول نفرق بيببن مجتمببع‪ ،‬قببال‪ :‬وأتبباه رجببل‬
‫بناقة كوماء فأبى أن يأخذها‪ .‬والذين أوجبوا الزكاة فيها منهم مببن قببال‪ :‬يكلببف شببراء‬
‫السن الواجبة عليه‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬يأخذ منهببا وهببو القيببس‪ ،‬وبنحببو هببذا الختلف‬
‫اختلفوا في صغار البقر وسخال الغنم‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثالث في نصاب البقر وقدر الواجب في ذلك‪.‬‬
‫@‪-‬جمهور العلماء على أن في ثلثين من البقببر تبيعببا وفببي أربعيببن مسببنة‪ ،‬وقببالت‬
‫طائفة‪ :‬في كل عشر مببن البقببر شبباة إلببى ثلثيببن ففيهببا تبببيع‪ ،‬وقيببل إذا بلغببت خمسببا‬
‫وعشرين ففيها بقرة إلى خمس وسببعين ففيهببا بقرتببان إذا جباوزت ذلبك‪ ،‬فبإذا بلغبت‬
‫مائة وعشرين ففي كل أربعين بقرة‪ ،‬وهببذا عببن سببعيد بببن المسببيب‪ .‬واختلببف فقهبباء‬
‫المصببار فيمببا بيببن الربعيببن والسببتين؛ فببذهب مالببك والشببافعي وأحمببد والثببوري‬
‫وجماعة أن ل شيء فيما زاد على الربعين حتى تبلغ الستين‪ ،‬فإذا بلغت ستين ففيهببا‬
‫تبيعان إلى سبعين‪ ،‬ففيها مسنة وتبيع إلببى ثمببانين‪ ،‬ففيهبا مسببنتان إلببى تسببعين‪ ،‬ففيهببا‬
‫ثلثة أتبعة إلى مائة‪ ،‬ففيها تبيعان ومسنة‪ ،‬ثم هكذا ما زاد‪ ،‬ففي كل ثلثين تبيع‪ ،‬وفي‬
‫كل أربعين مسنة‪ .‬وسبببب اختلفهببم فببي النصبباب أن حببديث معبباذ غيببر متفببق علببى‬
‫صحته‪ ،‬ولذلك لم يخرجه الشيخان‪ .‬وسبب اختلف فقهاء المصببار فبي البوقص فبي‬
‫البقر أنه جاء في حديث معاذ هذا أنببه توقببف فببي الوقبباص وقببال‪ :‬حببتى أسببأل فيهببا‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فلما قدم عليه وجده قد توفي صلى ال عليببه وسببلم‪ ،‬فلمببا‬
‫لم يرد في ذلك نص طلب حكمه من طريق القياس‪ ،‬فمن قاسها على البل والغنببم لببم‬
‫ير في الوقاص شيئا‪ ،‬ومن قال إن الصل في الوقاص الزكاة إل ما اسببتثناه الببدليل‬
‫من ذلك وجب أن ل يكون عنده في البقر وقببص‪ ،‬إذ ل دليببل هنالببك مببن إجمبباع ول‬
‫غيره‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الرابع في نصاب الغنم وقدر الواجب من ذلك‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬وأجمعوا من هذا الباب على أن في سائمة الغنم إذا بلغت أربعيببن شبباة شبباة إلببى‬
‫عشرين ومائة‪ ،‬فإذا زادت على العشرين ومائة ففيها شاتان إلببى مببائتين‪ ،‬فببإذا زادت‬
‫على المائتين فثلث شياه إلى ثلثمائة‪ ،‬فإذا زادت على الثلثمائة ففي كل مببائة شبباة‪،‬‬
‫وذلك عند الجمهور إل الحسن بن صالح فإنه قال‪ :‬إذا كانت الغنم ثلثمائة شبباة وشبباة‬
‫واحدة أن فيها أربع شياه‪ ،‬وإذا كانت أربعمائة شبباة وشبباة ففيهببا خمببس شببياه‪ ،‬وروى‬
‫قوله هذا عن منصور عن إبراهيم‪ ،‬والثار الثابتة المرفوعة في كتاب الصببدقة علببى‬
‫ما قال الجمهور‪ .‬واتفقوا على أن المعز تضم مع الغنم‪ ،‬واختلفوا من أي صنف منهببا‬
‫يأخذ المصدق‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يأخذ من الكثر عددا‪ ،‬فببإن اسببتوت خيببر السبباعي‪ .‬وقببال‬
‫أبو حنيفة‪ :‬بل الساعي يخير إذا اختلفت الصناف‪ .‬وقال الشبافعي‪ :‬يأخبذ الوسبط مببن‬
‫الصناف المختلفة لقول عمر رضي ال عنه‪ :‬نعد عليهم السخلة يحملها الراعببي ول‬
‫نأخذها ول نأخببذ الكولببة ول الربببى ول المبباخض ول فحببل الغنببم‪ ،‬ونأخببذ الجذعببة‬
‫والثنية‪ ،‬وذلك عدل بين خيار المال ووسببطه‪ .‬وكببذلك اتفببق جماعببة فقهبباء المصببار‬
‫على أنه ل يؤخذ في الصدقة تيس ول هرمببة ول ذات عببور لثبببوت ذلببك فببي كتبباب‬
‫الصدقة‪ ،‬إل أنه يرى المصدق أن ذلك خيببر للمسبباكين‪ .‬واختلفببوا فببي العميبباء وذات‬
‫العلة هل تعد على صاحب المال أم ل؟ فببرأى مالببك والشببافعي أن تعببد‪ ،‬وروي عببن‬
‫أبي حنيفة أنها ل تعد‪ .‬وسبب اختلفهم هل مطلق السم يتناول الصحاء والمرضببى‬
‫أم ل يتناولهما؟‪ .‬واختلفوا مبن هبذا البباب فبي نسبل المهبات هبل تعبد مبع المهبات‬
‫فيكمل النصاب بها إذا لم تبلغ نصابا؟ فقال مالك يعتد بها‪ ،‬وقال الشافعي وأببو حنيفبة‬
‫وأبو ثور‪ :‬ل يعتد بالسخال إل أن تكببون المهببات نصببابا‪ .‬وسبببب اختلفهببم احتمببال‬
‫قول عمر رضي ال عنه إذ أمر أن تعتد عليهم بالسخال ول يؤخببذ منهببا شببيء‪ ،‬فببإن‬
‫قوما فهموا من هذا إذا كانت المهات نصابا‪ ،‬وقببوم فهمببوا هببذا مطلقببا‪ ،‬وأحسببب أن‬
‫أهل الظاهر ل يوجبون في السخال شيئا‪ ،‬ول يعدون بهببا لببو كببانت المهببات نصببابا‬
‫ولو لم تكن لن اسم الجنس ل ينطلق عليها عندهم‪ ،‬وأكببثر الفقهبباء علببى أن للخلطببة‬
‫تأثير في قدر الببواجب مببن الزكبباة‪ .‬واختلببف القببائلون بببذلك هببل لهببا تببأثير فببي قببدر‬
‫النصاب أم ل؟‬
‫وأما أبو حنيفة وأصحابه فلم يروا للخلطة تببأثيرا‪ ،‬ل فببي قببدر الببواجب ول فببي قببدر‬
‫النصاب‪ ،‬وتفسببير ذلببك أن مالكببا والشببافعي وأكببثر فقهبباء المصببار اتفقببوا علببى أن‬
‫الخلطاء يزكون زكاة المالك الواحد‪ .‬واختلفوا مببن ذلببك فببي موضببعين‪ :‬أحببدهما فببي‬
‫نصاب الخلطاء هل يعد نصاب مالك واحد سواء كان لكل واحد منهببم نصبباب أو لببم‬
‫يكن؟ أم إنما يزكون زكاة الرجل الواحد إذا كان لكل واحد منهم نصاب؟‪ .‬والثاني في‬
‫صفة الخلطة التي لها تأثير في ذلك‪ .‬وأما اختلفهببم أول فببي هببل للخلطببة تببأثير فببي‬
‫النصاب وفي الواجب أو ليس لها تأثير؟‪ .‬فسبب اختلفهم اختلفهم في مفهوم ما ثبت‬
‫في كتاب الصدقة من قوله عليه الصلة والسلم "ل يجمع بين مفترق ول يفرق بيببن‬
‫مجتمع خشية الصدقة" وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية‪ ،‬فإن كل واحببد‬
‫من الفريقين أنزل مفهوم هذا الحديث على اعتقاده‪ ،‬وذلك أن الذين رأوا للخلطة تأثير‬
‫ما في النصاب والقدر الواجب أو في القدر الواجب فقط قالوا‪ :‬إن قوله عليه الصببلة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والسلم "وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية" وقوله "ل يجمع بين مفترق‬
‫ول يفرق بين مجتمع" يدل دللة واضحة على أن ملك الخليطين كملك رجببل واحببد‪،‬‬
‫فإن هذا الثر مخصص لقوله عليه الصلة والسلم "ليببس فيمبا دون خمببس ذود مبن‬
‫البل صدقة" إما في الزكاة عند مالك وأصحابه‪ :‬أعني فببي قببدر الببواجب‪ ،‬وإمببا فببي‬
‫الزكاة والنصاب معا عند الشافعي وأصحابه‪ .‬وأما الذين لم يقولوا بالخلطة فقالوا‪ :‬إن‬
‫الشريكين قد يقال لهما خليطان‪ ،‬ويحتمببل أن يكببون قببوله عليببه الصببلة والسببلم "ل‬
‫يجمع بين مفترق ول يفرق بين مجتمع" إنما هبو نهبي للسبعاة أن يقسبم ملبك الرجبل‬
‫الواحد قسمة توجب عليه كثرة الصببدقة‪ ،‬مثببل رجببل يكببون لببه مببائة وعشببرون شبباة‬
‫فيقسم عليه إلى أربعين ثلث مرات‪ ،‬أو يجمع ملك رجل واحد إلببى ملببك رجبل آخبر‬
‫حيث يوجب الجمع كثرة الصدقة قالوا‪ :‬وإذا كان هذا الحتمال في هذا الحديث وجب‬
‫أن ل تخصص به الصول الثابتة المجمع عليها أعنببي أن النصبباب والحببق الببواجب‬
‫في الزكاة يعتبر بملك الرجل الواحد‪.‬‬
‫وأما الذين قالوا بالخلطة‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن لفظ الخلطة هو أظهر في الخلطة نفسها منبه فبي‬
‫الشركة‪ ،‬وإذا كان ذلك كببذلك فقببوله عليببه الصببلة والسببلم فيهمببا "إنهمببا يتراجعببان‬
‫بالسوية" مما يدل على أن الحق الواجب عليهما حكمه حكببم رجببل واحببد‪ ،‬وأن قببوله‬
‫عليببه الصببلة والسببلم "إنهمببا يتراجعببان بالسببوية" يببدل علببى أن الخليطيببن ليسببا‬
‫بشريكين‪ ،‬لن الشريكين ليس يتصور بينهما تراجع إذ المأخوذ هو من مال الشركة‪،‬‬
‫فمن اقتصر على هذا المفهوم ولم يقببس عليببه النصبباب قببال‪ :‬الخليطببان إنمببا يزكيببان‬
‫زكاة الرجل الواحد إذا كان لكل واحد منهما نصاب‪ ،‬ومن جعل حكببم النصبباب تابعببا‬
‫لحكم الحق الببواجب قببال‪ :‬نصببابهما نصبباب الرجببل الواحببد‪ ،‬كمببا أن زكاتهمببا زكبباة‬
‫الرجل الواحد‪ ،‬وكل واحد من هؤلء أنزل قوله عليه الصلة والسلم "ل يجمببع بيببن‬
‫مفترق ول يفرق بين مجتمع" على ما ذهب إليه‪.‬‬
‫فأما مالك رحمه ال تعالى فإنه قال‪ :‬معنى قوله "ل يفرق بين مجتمببع" أن الخليطيببن‬
‫يكون لكل واحد منهما مائة شاة وشاة‪ ،‬فتكون عليهما فيهمببا ثلثببة شببياه‪ ،‬فببإذا افترقببا‬
‫كان على واحد منهما شاة‪ ،‬ومعنى قوله "ل يجمع بين مفترق" أن يكون النفر الثلث‬
‫لكل واحد منهم أربعون شاة‪ ،‬فإذا جمعوها كان عليهم شاة واحدة‪ ،‬فعلى مذهبه النهببي‬
‫إنما هو متجه نحو الخلطاء الذين لكل واحد منهم نصاب‪ .‬وأمببا الشببافعي فقببال معنببى‬
‫قوله "ول يفرق بين مجتمع" أن يكون رجلن لهما أربعون شاة‪ ،‬فإذا فرقا غنمهما لم‬
‫يجب عليهما فيها زكاة‪ ،‬إذ كان نصاب الخلطاء عنده نصاب ملببك واحببد فببي الحكببم‪.‬‬
‫وأما القائلون بالخلطة فإنهم اختلفوا فيما هي الخلطة المببؤثرة بالزكبباة‪ .‬فأمببا الشببافعي‬
‫فقال‪ :‬إن من شرط الخلطة أن تختلط ماشيتهما وتراحا لواحد وتحلبا لواحببد وتسببرحا‬
‫لواحد وتسقيا معا‪ ،‬وتكون فحولهما مختلطة ول فرق عنده بالجملببة والشببركة ولببذلك‬
‫يعتبر كمال النصاب لكل واحد من الشريكين كما تقدم‪ .‬وأما مالك فالخليطان عنده ما‬
‫اشتركا في الدلو والحوض والمراح والراعي والفحل‪ ،‬واختلف أصحابه فببي مراعبباة‬
‫بعض هذه الوصاف أو جميعها‪ .‬وسبب اختلفهم اشتراك اسم الخلطة‪ ،‬ولذلك لم يببر‬
‫قوم تأثير الخلطة في الزكاة‪ ،‬وهو مذهب أبي محمد بن حزم الندلسي‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫*‪*4‬الفصل الخامس‪ .‬في نصاب الحبوب والثمار والقدر الواجب في ذلك‪.‬‬


‫@‪-‬وأجمعوا على أن الواجب في الحبوب‪ ،‬أما مببا سببقي بالسببماء فالعشببر‪ ،‬وأمببا مببا‬
‫سقي بالنضح فنصف العشر لثبوت ذلك عنببه صببلى الب عليببه وسببلم‪ .‬وأمببا النصبباب‬
‫فإنهم اختلفوا في وجوبه في هذا الجنس من مال الزكاة‪ ،‬فصار الجمهور إلببى إيجبباب‬
‫النصاب فيه وهو خمسة أوسق‪ ،‬والوسق ستون صاعا بإجماع‪ ،‬والصاع أربعة أمببداد‬
‫بمد النبي عليه الصلة والسلم‪ ،‬والجمهور على أن مده رطببل وثلببث وزيببادة يسببيرة‬
‫بالبغدادي‪ ،‬وإليه رجع أبو يوسف حين ناظره مالك على مذهب أهببل العببراق لشببهادة‬
‫أهل المدينة بذلك‪ ،‬وكان أبو حنيفة يقول في المد إنه رطلن‪ ،‬وفي الصاع إنه ثمانيببة‬
‫أرطال‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ليس في الحبوب والثمار نصاب‪ .‬وسبب اختلفهم معارضة‬
‫العموم للخصوص‪ .‬أما العموم فقوله عليه الصلة والسلم "فيما سقت السماء العشر‪،‬‬
‫وفيما سقي بالنضح نصف العشر" وأما الخصوص فقوله عليه الصلة والسلم "ليس‬
‫فيما دون خمسة أوسق صدقة" والحديثان ثابتببان‪ ،‬فمببن رأى الخصببوص يبنببى علببى‬
‫العموم قال ل بببد مببن النصبباب وهببو المشببهور‪ ،‬ومببن رأى أن العمببوم والخصببوص‬
‫متعارضان إذا جهل المتقببدم فيهمببا والمتببأخر إذ كببان قببد ينسببخ الخصببوص بببالعموم‬
‫عنده‪ ،‬وينسخ العموم بالخصوص‪ ،‬إذ كل ما وجب العمل به جاز نسببخه‪ ،‬والنسببخ قببد‬
‫يكببون للبعببض وقببد يكببون للكببل‪ ،‬ومببن رجببح العمببوم قببال ل نصبباب‪ ،‬ولكببن حمببل‬
‫الجمهور عندي الخصوص على العموم هو من باب ترجيح الخصوص على العمببوم‬
‫في الجزء الذي تعارضا فيه فإن العموم فيه ظاهر والخصوص فيه نص‪ ،‬فتأمل هببذا‬
‫فإنه السبب الذي صير الجمهور إلى أن يقولوا بنى العام على الخاص وعلى الحقيقببة‬
‫ليس بنيانا‪ ،‬فإن التعارض بينهمببا موجببود إل أن يمكببن الخصببوص متصببل بببالعموم‬
‫فيكون اسببتثناء‪ ،‬واحتجبباج أبببي حنيفببة فببي النصبباب بهببذا العمببوم فيببه ضببعف‪ ،‬فببإن‬
‫الحديث إنمبا خبرج مخبرج تببين القبدر البواجب منبه‪ .‬واختلفبوا مبن هبذا البباب فبي‬
‫النصاب في ثلث مسائل‪ :‬المسألة الولى‪ :‬في ضم الحبوب بعضهما إلببى بعببض فببي‬
‫النصاب‪ .‬الثانية‪ :‬في جواز تقدير النصاب في العنب والتمببر بببالخرص‪ .‬الثالثببة‪ :‬هببل‬
‫يحسب على الرجل ما يأكله من ثمره وزرعه قبل الحصبباد والجببذاذ فببي النصبباب أم‬
‫ل؟‪.‬‬
‫@‪)-‬أما المسألة الولى( فإنهم أجمعوا على أن الصنف الواحد مببن الحبببوب والثمببر‬
‫يجمع جيده إلى رديئه وتؤخذ الزكاة عن جميعه بحسب قدر كببل واحببد منهمببا‪ :‬أعنبي‬
‫من الجيد والردئ‪ ،‬فإن كان الثمر أصنافا أخذ من وسطه‪ .‬واختلفوا في ضببم القطبباني‬
‫بعضها إلى بعض‪ ،‬وفببي ضببم الحنطببة والشببعير والسببلت فقببال مالببك‪ :‬القطينببة كلهببا‬
‫صببنف واحبد الحنطبة والشببعير والسبلت أيضببا‪ .‬وقبال الشبافعي وأببو حنيفببة وأحمببد‬
‫وجماعة‪ :‬القطاني كلها أصناف كثيرة بحسب أسمائها‪ ،‬ول يضم منها شيء إلى غيره‬
‫في حساب النصاب‪ ،‬وكذلك الشعير والسلت والحنطة عندهم أصببناف ثلثببة ل يضببم‬
‫واحد منها إلى الخببر لتكميببل النصبباب‪ .‬وسبببب الخلف هببل المراعبباة فببي الصببنف‬
‫الواحد هو اتفاق المنافع أو اتفاق السماء؟ فمن قال اتفاق السماء قال‪ :‬كلمببا اختلفببت‬
‫أسماؤها فهي أصناف كثيرة‪ ،‬ومن قال اتفاق المنافع قببال‪ :‬كلمببا اتفقببت منافعهببا فهببي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫صنف واحد وإن اختلفت أسماؤها‪ ،‬فكل واحد منهما يروم أن يقرر قاعببدته باسببتقراء‬
‫الشرع‪ ،‬أعني أن أحدهما يحتج لمبذهبه بالشبياء البتي اعتببر فيهبا الشبرع السبماء‪،‬‬
‫والخر بالشياء الببتي اعتبببر الشببرع فيهببا المنببافع‪ ،‬ويشبببه أن يكببون شببهادة الشببرع‬
‫للسماء في الزكاة أكثر مبن شبهادته للمنبافع وإن كبان كل العتببارين موجبودا فبي‬
‫الشرع‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثانية( وهي تقدير النصاب بالخرص واعتباره به دون الكيل فببإن‬
‫جمهببور العلمبباء علببى إجببازة الخببرص فببي النخيببل والعنبباب حيببن يبببدو صببلحها‬
‫لضرورة أن يخلى بينها وبيبن أهلهببا يأكلونهببا رطبببا‪ ،‬وقببال داود‪ :‬ل خبرص إل فبي‬
‫النخيل فقط‪ .‬وقال أبو حنيفة وصبباحباه‪ :‬الخببرص باطببل وعلببى رب المببال أن يببؤدي‬
‫عشر ما تحصل بيبده زاد علبى الخببرص أو نقبص منبه‪ .‬والسبببب فبي اختلفهببم فبي‬
‫جواز الخرص معارضة الصول للثر الوارد في ذلببك‪ .‬أمببا الثببر الببوارد فببي ذلببك‬
‫وهو الذي تمسك به الجمهور فهو ما روي "أن رسول ال صلى ال عليه وسببلم كببان‬
‫يرسل عبد ال بن رواحببة إلبى خيببر فيخبرص عليهببم النخبل"‪ .‬وأمببا الصببول البتي‬
‫تعارضه فلنه من باب المزابنببة المنهببي عنهببا‪ ،‬وهببو بيببع الثمببر فببي رءوس النخببل‬
‫بالثمر كيل‪ ،‬ولنه أيضا من باب بيع الرطب بالتمر نسيئة فيدخله المنع من التفاضببل‬
‫ومن النسيئة وكلهما من أصول الربا‪ ،‬فلما رأى الكوفيون هذا مع أن الخرص الذي‬
‫كان يخرص على أهل خيبر لم يكن للزكاة إذ كانوا ليسوا بأهببل زكبباة قببالوا‪ :‬يحتمببل‬
‫أن يكون تخمينا ليعلم ما بأيدي كل قوم مببن الثمببار‪ .‬قبال القاضببي‪ :‬أمببا بحسببب خبببر‬
‫مالك‪ ،‬فالظاهر أنه كان في القسمة لما روي أن عبد ال بن رواحة كان إذا فببرغ مببن‬
‫الخرص قال‪ :‬إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي‪ ،‬أعني في قسمة الثمار ل في قسمة الحب‪.‬‬
‫وأمببا بحسببب حببديث عائشببة الببذي رواه أبببو داود فإنمببا الخببرص لموضببع النصببيب‬
‫الواجب عليهم في ذلك‪ ،‬والحديث هو أنها قالت وهبي تبذكر شبأن خيببر "كبان النببي‬
‫صلى ال عليه وسلم يبعث عبد ال بن رواحة إلى يهود خيبر فيخرص عليهببم النخببل‬
‫حين يطيب قبل أن يؤكبل منبه" وخبرص الثمببار لبم يخرجبه الشبيخان‪ ،‬وكيفمبا كبان‬
‫فالخرص مستثنى من تلك الصول‪ ،‬هذا إن ثبت أنه كان منه عليببه الصببلة والسببلم‬
‫حكما منه على المسلمين‪ ،‬فإن الحكم لو ثبببت علببى أهببل الذمببة ليببس يجببب أن يكببون‬
‫حكما على المسلمين إل بدليل وال أعلم‪ .‬ولو صح حديث عتاب بن أسيد لكان جببواز‬
‫الخرص بينا وال أعلم‪ ،‬وحديث عتاب بن أسيد هو أنه قال "أمرني رسول ال صببلى‬
‫ال عليه وسلم أن أخرص العنب وآخببذ زكبباته زبيبببا كمببا تؤخببذ زكبباة النخببل تمببرا"‬
‫وحديث عتاب بن أسيد طعن فيه‪ ،‬لن راويه عنه هو سعيد بن المسيب وهو لم يسمع‬
‫منه‪ ،‬ولذلك لم يجز داود خرص العنب‪ .‬واختلف من أوجب الزكبباة فببي الزيتببون فببي‬
‫جواز خرصه‪ .‬والسبب في اختلفهم اختلفهم في قياسه في ذلك على النخل والعنب؛‬
‫والمخرج عند الجميع من النخل في الزكاة هو التمر ل الرطب‪ ،‬وكبذلك الزبيبب مبن‬
‫العنب ل العنب نفسه‪ ،‬وكذلك عند القائلين بوجوب الزكاة في الزيتببون هببو الزيببت ل‬
‫الحب قياسا على التمر والزبيب‪ .‬وقببال مالببك فببي العنببب الببذي ل يببتزبب والزيتببون‬
‫الذي ل ينعصر أرى أن يؤخذ منه حبا‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪)-‬وأما المسألة الثالثة( فإن مالكا وأبو حنيفة قال‪ :‬يحسب على الرجل ما أكببل مببن‬
‫ثمره وزرعببه قببل الحصباد فبي النصباب‪ ،‬وقببال الشببافعي‪ :‬ل يحسبب عليبه ويببترك‬
‫الخارص لرب المال ما يأكل هو وأهله‪ .‬والسبب في اختلفهم ما يعارض الثار فببي‬
‫ذلك من الكتاب والقياس‪ .‬أما السنة في ذلك فما رواه سهل بببن أبببي حثمببة "أن النبببي‬
‫صلى ال عليه وسلم بعث أبا حثمة خارصا‪ ،‬فجاء رجل فقببال‪ :‬يببا رسببول الب إن أبببا‬
‫حثمة قد زاد علي‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليببه وسببلم‪ :‬إن ابببن عمببك يزعببم أنببك‬
‫زدت عليه‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول ال لقد تركت له قدر عريببة أهلببه ومببا يطعمببه المسبباكين‬
‫وما تسقطه الريح‪ ،‬فقال‪ :‬قد زادك ابن عمك وأنصببفك" وروي أن رسببول الب صببلى‬
‫ال عليه وسلم قال "إذا خرصتم فببدعوا الثلببث‪ ،‬فببإن لببم تببدعوا الثلببث فببدعوا الربببع"‬
‫وروي عن جابر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال "خففوا في الخرص فإن في‬
‫المال العرية والكلة والوصية والعامل والنوائب وما وجب في الثمر من الحق" وأما‬
‫الكتاب المعارض لهذه الثار والقياس فقوله تعالى }كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه‬
‫يوم حصاده{ ‪ .‬وأما القياس فلنه مال فوجبت فيه الزكاة أصله سببائر المببوال‪ .‬فهببذه‬
‫هي المسائل المشهورة التي تتعلق بقدر البواجب فبي الزكباة والبواجب منبه فبي هبذه‬
‫الجناس الثلثة التي الزكاة مخرجببة مببن أعيانهببا‪ ،‬لببم يختلفببوا أنهببا إذا خرجببت مببن‬
‫العيان أنفسها أنها مجزئة‪ ،‬واختلفوا هل يجوز فيها أن يخرج بدل العين القيمة أو ل‬
‫يجوز؟ فقال مالك والشافعي‪ :‬ل يجببوز إخببراج القيببم فببي الزكببوات بببدل المنصببوص‬
‫عليه في الزكوات‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬يجوز سببواء قبدر علببى المنصبوص عليبه أو لبم‬
‫يقدر‪ .‬وسبب اختلفهببم هببل الزكبباة عبببادة أو حببق واجببب للمسبباكين‪ ،‬فمببن قببال إنهببا‬
‫عبادة‪ :‬قال إن أخرج من غير تلك العيان لم يجببز لنببه إذا أتببى بالعبببادة علببى غيببر‬
‫الجهة المأمور بها فهي فاسببدة‪ ،‬ومببن قببال هببي حببق للمسبباكين فل فببرق بيببن القيمببة‬
‫والعين عنببده‪ ،‬وقببد قبالت الشببافعية‪ :‬لنببا أن نقببول وإن سببلمنا أنهببا حبق للمسبباكين أن‬
‫الشارع إنما علق الحق بالعين قصببدا منببه لتشببريك الفقببراء مببع الغنيبباء فببي أعيببان‬
‫الموال‪ :‬والحنفيبة تقبول‪ :‬إنمبا خصبت بالبذكر أعيبان المبوال تسبهيل علبى أربباب‬
‫الموال‪ ،‬لن كل ذي مال إنما يسهل عليه الخراج من نببوع المببال الببذي بيببن يببديه‪،‬‬
‫ولذلك جاء في بعض الثر أنه جعل في الدية على أهل الحلببل حلل علببى مببا سببيأتي‬
‫في كتاب الحدود‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل السادس في نصاب العروض‪.‬‬
‫@‪-‬والنصاب في العروض على مذهب القائلين بذلك إنما هو فيمببا اتخببذ منهببا للبببيع‬
‫خاصة على ما يقدر قبل‪ ،‬والنصاب فيها على مذهبهم هو النصاب في العين إذ كانت‬
‫هذه هبي قيبم المتلفبات ورءوس المبوال‪ ،‬وكببذلك الحبول فبي العبروض عنببد الببذين‬
‫أوجبوا الزكاة في العروض‪ ،‬فببإن مالكببا قببال‪ ،‬إذا ببباع العببروض زكبباة لسببنة واحببدة‬
‫كالحال في الدين‪ ،‬وذلك عنده في التاجر الذي تضبط له أوقات شراء عروضه‪ .‬وأمببا‬
‫الذين ل ينضبط لهم وقت ما يبيعونه ول يشترونه وهم الذين يخصون باسببم المببدير‪،‬‬
‫فحكم هؤلء عند مالك إذا حال عليهم الحول من يوم ابتداء تجارتهم إلى أن يقببوم مببا‬
‫بيده من العروض‪ ،‬ثم يضم إلى ذلك ما بيده من العين وماله من الببدين الببذي يرتجببى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫قبضه إن لم يكن عليه دين مثله‪ :‬وذلك بخلف قوله في دين غير المدير‪ ،‬فإذا بلغ مببا‬
‫اجتمع عنده من ذلك نصابا أدى زكاته‪ ،‬وسواء نض له في عامه شيء مببن العيببن أو‬
‫لم ينض بلغ نصابا أو لم يبلغ نصابا‪ ،‬وهذه رواية ابن الماجشببون عببن مالببك‪ .‬وروى‬
‫ابن القاسم عنه‪ :‬إذا لم يكن له ناض وكان يتجر بالعروض لم يكن عليه في العروض‬
‫شيء‪ .‬فمنهم من لم يشترط وجود الناض عنده‪ ،‬ومنهببم مببن شببرطه‪ .‬والببذي شببرطه‪،‬‬
‫منهم من اعتبر فيه النصاب‪ ،‬ومنهم من لم يعتبر ذلك‪ .‬وقال المازني‪ :‬زكاة العروض‬
‫تكببون مببن أعيانهببا ل مببن أثمانهببا‪ .‬وقببال الجمهببور‪ ،‬الشببافعي وأبببو حنيفببة وأحمببد‬
‫والثوري والوزاعي وغيرهم‪ :‬المدير وغير المدير حكمببه واحببد‪ ،‬وأنببه مببن اشببترى‬
‫عرضا للتجارة فحال عليه الحول قومه وزكاه‪ .‬وقال قوم‪ :‬بل يزكي ثمنه الذي ابتاعه‬
‫به ل قيمته‪ ،‬وإنما لم يوجب الجمهور على المدير شيئا لن الحببول إنمببا يشببترط فببي‬
‫عين المال ل في نوعه‪ .‬وأما مالك فشبه النوع ههنببا بببالعين لئل تسببقط الزكبباة رأسببا‬
‫على المدير‪ ،‬وهذا هو بأن يكون شرعا زائدا أشبه منه بأن يكون شرعا مستنبطا مببن‬
‫شرع ثابت‪ ،‬ومثل هذا هو الذي يعرفونه بالقياس المرسل‪ ،‬وهببو الببذي ل يسببتند إلببى‬
‫أصل منصوص عليه في الشببرع إل مببا يعقببل مببن المصببلحة الشببرعية فيببه‪ ،‬ومالببك‬
‫رحمه ال يعتبر المصالح وإن لم يستند إلى أصول منصوص عليها‪.‬‬
‫*‪)*3‬الجملة الرابعة في وقت الزكاة( وأما وقت الزكاة فإن جمهور الفقهاء يشترطون‬
‫في وجوب الزكبباة فبي البذهب والفضببة والماشبية الحببول‪ ،‬لثبببوت ذلبك عببن الخلفبباء‬
‫الربعة‪ ،‬ولنتشاره في الصحابة رضي ال عنهم‪ ،‬ولنتشار العمببل بببه‪ ،‬ولعتقببادهم‬
‫أن مثل هذا النتشار من غير خلف ل يجببوز أن يكببون إل عببن توقيببف‪ .‬وقببد روي‬
‫مرفوعا من حديث ابن عمر عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال "ل زكاة في مال‬
‫حتى يحول عليه الحببول" وهببذا مجمببع عليببه عنببد فقهبباء المصببار‪ ،‬وليببس فيببه فببي‬
‫الصدر الول خلف إل ما روي عن ابن عباس ومعاويببة‪ .‬وسبببب الختلف أنببه لببم‬
‫يرد في ذلك حديث ثابت‪ .‬واختلفوا من هذا الباب في مسائل ثمانية مشهورة‪ :‬إحداها‪:‬‬
‫هل يشترط الحول في المعدن إذا قلنا إن الواجب فيه ربع العشر؟‪ .‬الثانية‪ :‬في اعتبار‬
‫حولي ربح المال‪ .‬الثالثة‪ :‬حول الفوائد الواردة على مال تجببب فيببه الزكبباة‪ .‬الرابعببة‪:‬‬
‫في اعتبار حول الدين إذا قلنا إن فيه الزكاة‪ .‬الخامسة‪ :‬في اعتبار حول العببروض إذا‬
‫قلنا إن فيها الزكاة‪ .‬السادسة‪ :‬في حول فائدة الماشية‪ .‬السابعة‪ :‬في حول نسل الغنم إذا‬
‫قلنا إنها تضم إلى المهات‪ ،‬إما على رأي من يشترط أن تكون المهات نصابا وهببو‬
‫الشبافعي وأببو حنيفبة‪ ،‬وإمبا علبى مبذهب مبن ل يشبترط ذلبك‪ ،‬وهبو مبذهب مالبك‪.‬‬
‫والثامنة‪ :‬في جواز إخراج الزكاة قبل الحول‪.‬‬
‫@‪)-‬أما المسألة الولى( وهي المعدن‪ ،‬فإن الشافعي راعى فيه الحببول مببع النصبباب‬
‫وأما مالك فراعى فيببه النصبباب دون الحببول‪ .‬وسبببب اختلفهببم تببردد شبببهة بيببن مببا‬
‫تخرجه الرض مما تجب فيه الزكاة وبين التببر والفضببة المقتنييببن‪ ،‬فمبن شبببهه بمبا‬
‫تخرجه الرض لم يعتبر الحببول فيببه‪ ،‬ومببن شبببهه بببالتبر والفضببة المقتنييببن أوجببب‬
‫الحول‪ ،‬وتشبيهه بالتبر والفضة أبين وال أعلم‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪)-‬المسألة الثانية( وأما اعتبار حول ربح المال فإنهم اختلفوا فيه على ثلثة أقوال‪:‬‬
‫فرأى الشافعي أن حوله يعتبر من يوم استفيد سواء كببان الصببل نصببابا أو لببم يكببن‪،‬‬
‫وهو مروي عن عمر بن عبد العزيز أنه كتببب أن ل يعببرض لرببباح التجببارة حببتى‬
‫يحول عليها الحول‪ .‬وقال مالك‪ :‬حول الربح هو حول الصل‪ :‬أي إذا كمل للصببول‬
‫حول زكى الربح معه‪ ،‬سواء كان الصل نصابا أو أقل مببن نصبباب إذا بلببغ الصببل‬
‫مع ربحه نصابا‪ ،‬قال أبو عبيد‪ :‬ولم يتابعه عليه أحد من الفقهبباء إل أصببحابه‪ .‬وفببرق‬
‫قوم بين أن يكون رأس المال الحائل عليه الحول نصبابا أو ل يكبون فقبالوا‪ :‬إن كبان‬
‫نصابا زكى الربح مع رأس ماله‪ ،‬وإن لم يك نصابا لم يببزك وممببن قببال بهببذا القببول‬
‫الوزاعي وأبو ثور وأبو حنيفة‪ .‬وسبب اختلفهببم تببردد الربببح بيببن أن يكببون حكمببه‬
‫حكم المال المستفاد أو حكم الصل‪ ،‬فمن شبهه بالمال المستفاد ابتداء قال‪ :‬يستقبل بببه‬
‫الحول‪ ،‬ومن شبهه بالصل وهو رأس المال قال‪ :‬حكمه حكم رأس المال‪ ،‬إل أن من‬
‫شروط هذا التشبيه أن يكون رأس المال قد وجبت فيه الزكاة‪ ،‬وذلببك ل يكببون إل إذا‬
‫كان نصابا‪ ،‬ولذلك يضعف قياس الربببح علببى الصببل فببي مببذهب مالببك‪ ،‬ويشبببه أن‬
‫يكون الذي اعتمده مالك رضي ال عنه في ذلك هو تشبببيه ربببح المببال بنسببل الغنببم‪،‬‬
‫لكن نسل الغنم مختلف أيضا فيه‪ ،‬وقد روي عن مالك مثل قول الجمهور‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثالثة( وهي حول الفوائد‪ ،‬فببإنهم أجمعببوا علببى أن المببال إذا كببان‬
‫أقل من نصاب واستفيد إليه مال من غيببر ربحببه يكمببل مببن مجموعهمببا نصبباب أنببه‬
‫يستقل به الحول من يوم كمل‪ .‬واختلفوا إذا استفاد مال وعنببده نصبباب مببال آخببر قببد‬
‫حال عليه الحول‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يزكببى المسببتفاد إن كببان نصببابا لحببوله ول يضببم إلببى‬
‫المال الذي وجبت فيه الزكاة‪ ،‬وبهذا القول في الفوائد قال الشافعي‪ ،‬وقببال أبببو حنيفببة‬
‫وأصحابه والثوري‪ :‬الفوائد كلها تزكى بحول الصل إذا كان الصل نصابا‪ ،‬وكببذلك‬
‫الربح عندهم‪ .‬وسبب اختلفهم هل حكمه حكم المال الوارد عليه أم حكمببه حكببم مببال‬
‫لم يرد على مال آخر؟ فمن قال حكمه حكم مال لم يرد على مال آخر‪ :‬أعني مال فيه‬
‫زكاة‪ .‬قال‪ :‬ل زكاة في الفائدة‪ ،‬ومن جعل حكمه حكببم الببوارد عليببه وأنببه مببال واحببد‬
‫قال‪ :‬إذا كان في الوارد عليه الزكاة بكونه نصببابا اعتبببر حببوله بحببول المببال الببوارد‬
‫عليه‪ ،‬وعموم قوله عليه الصلة والسلم "ل زكاة في مال حتى يحول عليببه الحببول"‬
‫يقتضي أن ل يضاف مال إلى مال إل بدليل وكببأن أبببا حنيفببة اعتمببد فببي هببذا قيبباس‬
‫الناض على الماشية‪ ،‬ومن أصله الذي يعتمده في هذا الباب أنه ليس من شرط الحول‬
‫أن يوجد المال نصابا في جميع أجزائه بل أن يوجد نصبابا فبي طرفيبه فقبط وبعضبا‬
‫منه في كله؛ فعنده أنه إذا كان مال في أول الحول نصابا ثم هلك بعضببه فصببار أقببل‬
‫من نصاب ثم استفاد مال في آخر الحول صار به نصابا أنه تجب فيه الزكبباة‪ ،‬وهببذا‬
‫عنده موجود في هذا المال لنه لم يستكمل الحول‪ ،‬وهو في جميع أجزائه مببال واحببد‬
‫بعينه‪ ،‬بل زاد ولكن ألفى في طرفي الحول نصابا‪ ،‬والظاهر أن الحول الببذي اشببترط‬
‫في المال إنما هو في مال معين ل يزيد ول ينقص ل بربح ول بفائدة ول بغير ذلببك‪،‬‬
‫إذ كان المقصود بالحول هو كون المال فضلة مستغنى عنه وذلببك أن مببا بقببي حببول‬
‫عند المالك لم يتغير عنده فليس به حاجة إليه فجعل فيه الزكبباة فببإن الزكبباة إنمببا هببي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫في فضول الموال‪ .‬وأمبا مببن رأى أن اشبتراط الحببول فببي المببال إنمببا سببببه النمبباء‬
‫فواجب عليه أن يقببول‪ :‬تضببم الفببوائد فضببل عببن الرببباح إلببى الصببول وأن يعتبببر‬
‫النصاب في طرفي الحول فتأمل هذا فإنه بين والب أعلببم‪ .‬ولببذلك رأى مالببك أن مببن‬
‫كان عنده في أول الحول ماشية تجب فيها الزكاة ثم باعهببا وأبببدلها فببي آخببر الحببول‬
‫بماشية من نوعها أنهببا تجببب فيهببا الزكبباة‪ ،‬فكببأنه اعتبببر أيضببا طرفببي الحببول علببى‬
‫مذهب أبي حنيفة‪ ،‬وأخذ أيضا ما اعتمد أبو حنيفة في فائدة الناض القياس على فببائدة‬
‫الماشية على ما قلناه‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الرابعة( وهي اعتبار حول الدين إذا قلنا إن فيببه الزكبباة فببإن قومببا‬
‫قالوا‪ :‬يعتبر ذلك فيه من أول ما كان دينا يزكيه لعدة ذلك إن كبان حبول فحبول‪ ،‬وإن‬
‫كان أحوال فأحوال‪ ،‬أعنببي أنببه إن كببان حببول تجببب فيببه زكبباة واحببدة‪ ،‬وإن أحببوال‬
‫وجبت فيه الزكاة لعدة تلك الحوال‪ .‬وقوم قالوا‪ :‬يزكيببه لعببام واحببد‪ ،‬وإن أقببام الببدين‬
‫أحوال عند الذي عنده الدين‪ .‬وقوم قالوا‪ :‬يسببتقبل بببه الحببول‪ .‬وأمببا مببن قببال يسببتقبل‬
‫بالدين الحول من يوم قبض فلم يقل بإيجاب الزكاة في البدين‪ .‬ومبن قبال فيبه‪ :‬الزكباة‬
‫بعدد الحوال التي أقام فمصببيرا إلببى تشبببيه الببدين بالمببال الحاضببر‪ .‬وأمببا مببن قببال‪:‬‬
‫الزكاة فيه لحول واحد وإن أقام أحوال‪ ،‬فل أعرف له مستندا في وقببتي هببذا‪ ،‬لنببه ل‬
‫يخلو ما دام دينا أن يقول إن فيه زكاة أو ل يقول ذلك‪ ،‬فإن لم يكن فيه زكاة فل كلم‬
‫بل يستأنف به‪ ،‬وإن كان فيه زكاة فل يخلو أن يشترط فيها الحول أو ل يشترط ذلك‪،‬‬
‫فإن اشترطنا وجب أن يعتبر عدد الحوال إل أن يقول كلما انقضى حول فلببم يتمكببن‬
‫من أدائه سقط عنه ذلك الحق اللزم في ذلك الحببول‪ ،‬فببإن الزكبباة وجبببت بشببرطين‪:‬‬
‫حضور عين المال‪ ،‬وحلول الحول‪ ،‬فلم يبق إل حق العام الخير‪ ،‬وهذا يشبببهه مالببك‬
‫بالعروض التي للتجارة‪ ،‬فإنها ل تجب عنده فيها زكاة إل إذا باعها وإن أقامت عنببده‬
‫أحوال كثيرة‪ ،‬وفيه ما شبه بالماشية التي ل يأتي الساعي أعواما إليها ثم يأتي فيجدها‬
‫قد انقضت فإنه يزكي على مذهب مالك الذي وجد فقط لنه لما أن حال عليها الحول‬
‫فيما تقببدم ولبم يتمكبن مببن إخببراج الزكباة إذ كبان مجيببء السباعي شبرطا عنبده فبي‬
‫إخراجها مع حلببول الحببول سببقط عنببه حببق ذلببك الحببول الحاضببر وحوسببب بببه فببي‬
‫العوام السالفة كان الواجب فيها أقل أو أكثر إذا كانت ممببا تجببب فيببه الزكبباة‪ ،‬وهببو‬
‫شيء يجري على غير قيبباس‪ ،‬وإنمببا اعتبببر مالببك فيببه العمببل‪ .‬وأمببا الشببافعي فيببراه‬
‫ضامنا لنه ليس مجيء الساعي شرطا عنده في الوجوب‪ ،‬وعلببى هببذا كببل مببن رأى‬
‫أنه ل يجوز أن يخرج زكاة ماله إل بأن يدفعها إلى المام فعدم المام‪ ،‬أو عدم المام‬
‫العادل إن كان ممن شرط العدالة في ذلببك أنببه إذا هلكببت بعببد انقضبباء الحببول وقبببل‬
‫التمكن من دفعها إلى المام فل شيء عليببه‪ .‬ومالببك تنقسببم عنببده زكبباة الببديون لهببذه‬
‫الحوال الثلثة‪ ،‬أعنببي أن مببن الببديون عنببده مببا يزكببى لعببام واحببد فقببط مثببل ديببون‬
‫التجارة‪ ،‬ومنها مببا يسببتقبل بهببا الحببول مثببل ديببون المببواريث‪ .‬والثببالث ديببن المببدبر‬
‫وتحصيل قوله في الديون ليس بغرضنا‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الخامسة( وهي حول العروض‪ ،‬وقببد تقببدم القببول فيهببا عنببد القببول فببي‬
‫نصاب العروض‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪)-‬وأما المسألة السادسة( وهي فوائد الماشية‪ ،‬فإن مذهب مالك فيها بخلف مذهبه‬
‫في فوائد الناض‪ ،‬وذلك أنه يبني الفائدة على الصل إذا كان الصل نصابا كما يفعببل‬
‫أبو حنيفة في فائدة الدارهم وفي فائدة الماشببية‪ ،‬فببأبو حنيفببة مببذهبه فببي الفببوائد حكببم‬
‫واحد‪ ،‬أعني أنها تبنى على الصل إذا كانت نصابا كانت فائدة غنببم أو فببائدة نبباض‪،‬‬
‫والرباح عنده والنسببل كببالفوائد‪ .‬وأمببا مالببك فالربببح والنسببل عنببده حكمهمببا واحببد‪،‬‬
‫ويفببرق بيبن فبوائد النبباض وفبوائد الماشببية‪ .‬وأمبا الشبافعي فالرببباح والفببوائد عنببده‬
‫حكمهما واحد باعتبار حولهما بأنفسهما‪ ،‬وفوائد الماشية ونسلها واحد باعتبار حولهما‬
‫بالصل إذا كان نصابا‪ ،‬فهذا هو تحصيل مذاهب هؤلء الفقهبباء الثلثببة‪ ،‬وكببأنه إنمببا‬
‫فرق مالك بين الماشية والنبباض اتباعببا لعمببر‪ ،‬وإل فالقيبباس فيهمببا واحببد‪ ،‬أعنببي أن‬
‫الربح شبيه بالنسل والفائدة بالفبائدة‪ ،‬وحبديث عمبر هبذا هبو أنبه أمبر أن يعبد عليهبم‬
‫بالسخال ول يأخذ منها شيئا‪ ،‬وقد تقدم الحديث في باب النصاب‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة السابعة( وهي اعتبار حول نسل الغنم‪ ،‬فإن مالكا قال‪ :‬حول النسببل هببو‬
‫حول المهات كببانت المهببات نصببابا أو لببم تكببن كمببا قببال فببي ربببح النبباض‪ .‬وقببال‬
‫الشافعي وأبو حنيفة وأبببو ثببور‪ :‬ل يكببون حببول النسببل حببول المهببات إل أن تكببون‬
‫المهات نصابا‪ .‬وسبب اختلفهم هو بعينه سبب اختلفهم في ربح المال‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثامنة( وهي جواز إخراج الزكاة قبل الحول‪ ،‬فإن مالكا منببع ذلببك‬
‫وجوزه أبو حنيفة والشافعي‪ .‬وسبب الخلف هل هي عبادة أو حق واجب للمسبباكين‪،‬‬
‫فمن قال عبادة وشبهها بالصلة لم يجز إخراجهببا قبببل الببوقت ومببن شبببهها بببالحقوق‬
‫الواجبة المؤجلة أجاز إخراجها قببل الجببل علببى جهبة التطببوع وقببد احتبج الشببافعي‬
‫لرأيه بحببديث علببي "أن النبببي عليببه الصببلة والسببلم استسببلف صببدقة العببباس قبببل‬
‫محلها"‪.‬‬
‫*‪)*3‬الجملة الخامسة فيمن تجب له الصدقة(‬
‫*‪*4‬الفصل الول في عدد الصناف الذين تجب لهم الزكاة‪:‬‬
‫@‪-‬فأما عددهم فهم الثمانية الذين نص الب عليهببم فببي قببوله تعببالى }إنمببا الصببدقات‬
‫للفقراء والمساكين{ الية‪ .‬واختلفوا مببن العببدد فببي مسببألتين‪ :‬إحببداهما هببل يجببوز أن‬
‫تصرف جميع الصببدقة إلببى صببنف واحببد مببن هببؤلء الصببناف أم هببم شببركاء فببي‬
‫الصدقة ل يجوز أن يخص منهم صنف دون صنف؟ فذهب مالك وأبو حنيفة إلى أنه‬
‫يجوز للمام أن يصرفها في صببنف واحببد أو أكببثر مببن صببنف واحببد إذا رأى ذلببك‬
‫بحسب الحاجة‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬ل يجوز ذلك ببل يقسبم علبى الصبناف الثمانيبة كمبا‬
‫سمى ال تعالى‪ ،‬وسبب اختلفهم معارضة اللفظ للمعنى‪ ،‬فببإن اللفببظ يقتضببي القسببمة‬
‫بين جميعهم‪ ،‬والمعنى يقتضببي أن يببؤثر بهببا أهببل الحاجببة إذ كببان المقصببود بببه سببد‬
‫الخلببة‪ ،‬فكببان تعديببدهم فببي اليببة عنببد هببؤلء إنمببا ورد لتمييببز الجنببس أعنببي أهببل‬
‫الصدقات ل تشريكهم في الصدقة‪ ،‬فالول أظهببر مببن جهببة اللفببظ‪ ،‬وهببذا أظهببر مببن‬
‫صببدائي أن رجل سببأل‬ ‫جهة المعنى‪ .‬ومن الحجببة للشببافعي مببا رواه أبببو داود عببن ال ّ‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم أن يعطيه من الصدقة‪ ،‬فقال له رسول ال صلى الب عليببه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وسلم‪" :‬إن ال لم يرض بحكم نبي ول غيره فببي الصببدقات حببتى حكببم فيهببا فجزأهببا‬
‫ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الجزاء أعطيتك حقك"‪.‬‬
‫وأما )المسألة الثانية(‪ :‬فهل المؤلفة قلوبهم حقهم باق إلببى اليبوم أم ل؟ فقبال مالبك‪ :‬ل‬
‫مؤلفة اليوم‪ .‬وقال الشافعي وأبو حنيفة‪ :‬بل حق المؤلفة باق إلى اليوم إذا رأى المببام‬
‫ذلك‪ ،‬وهم الذين يتألفهم المام على السلم‪ :‬وسبب اختلفهم هل ذلببك خبباص بببالنبي‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أو عام له ولسائر المة؟ والظهر أنه عببام‪ ،‬وهببل يجببوز ذلببك‬
‫للمام في كل أحواله أو في حببال دون حببال؟ أعنببي فببي حببال الضببعف ل فببي حببال‬
‫القوة‪ ،‬ولذلك قال مالك‪ :‬ل حاجة إلى المؤلفة الن لقوة السلم‪ ،‬وهذا كما قلنا التفببات‬
‫منه إلى المصالح‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني في الصفة التي تقتضي صرفها إليهم‪:‬‬
‫@‪-‬وأما صفاتهم التي يستوجبون بها الصدقة ويمنعون منها بأضدادها‪ :‬فأحدها الفقر‬
‫الذي هو ضد الغنى لقوله تعالى‪} :‬إنما الصببدقات للفقببراء والمسبباكين{ واختلفببوا فببي‬
‫الغني الذي تجوز له الصدقة من الذي ل تجوز‪ ،‬وما مقببدار الغنببى المحببرم للصببدقة‪.‬‬
‫فأما الغني الذي ل تجوز له الصدقة فإن الجمهور على أنه ل تجوز الصدقة للغنياء‬
‫بأجمعهم إل للخمس الذين نص عليهم النبي عليه الصلة والسلم فببي قببوله "ل تحببل‬
‫الصدقة لغني إل لخمسة‪ :‬لغاز في سبيل ال‪ ،‬أو لعامل عليها‪ ،‬أو لغارم‪ ،‬أو لرجل لببه‬
‫جار مسكين فتصدق على المسكين فأهدى المسكين للغنى" وروي عن ابن القاسم أنه‬
‫ل يجوز أخذ الصدقة لغني أصل مجاهدا كان أو عامل‪ ،‬والذين أجازوها للعامل وإن‬
‫كان غنيا أجازوها للقضاة ومن في معناهم ممن المنفعة بهم عامة للمسلمين‪ ،‬ومن لببم‬
‫يجز ذلك فقياس ذلك عنده هو أن ل تجوز لغني أصل‪ .‬وسبب اختلفهم هو هل العلة‬
‫في إيجاب الصدقة للصناف المذكورين هو الحاجة فقط أو الحاجة والمنفعة العامببة؟‬
‫فمن اعتبر ذلك بأهل الحاجة المنصوص عليهم في الية قال‪ :‬الحاجة فقط‪ ،‬ومن قببال‬
‫الحاجة والمنفعة العامة توجب أخببذ الصببدقة اعتبببر المنفعببة للعامببل والحاجببة بسببائر‬
‫الصناف المنصوص عليهم‪ .‬وأما حد الغنى الذي يمنع من الصببدقة فببذهب الشببافعي‬
‫إلى أن المانع من الصدقة هو أقل ما ينطلق عليببه السببم‪ .‬وذهببب أبببو حنيفببة إلببى أن‬
‫الغني هو مالك النصاب لنهم الذين سماهم النبي عليه الصلة والسلم أغنيبباء لقببوله‬
‫في حديث معاذ له فأخبرهم أن ال فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد علببى‬
‫فقرائهم وإذا كان الغنياء هم الذين هم أهل النصاب وجب أن يكون الفقراء ضببدهم‪.‬‬
‫وقال مالك‪ :‬ليس في ذلك حد إنما هو راجع إلى الجتهاد‪ .‬وسبب اختلفهم هل الغنببى‬
‫المانع هو معنى شرعي أم معنى لغوي؟ فمن قال معنى شرعي قال‪ :‬وجود النصبباب‬
‫هو الغنى‪ ،‬ومن قال معنى لغوي اعتبر في ذلك أقل ما ينطلق عليه السم‪ ،‬فمببن رأى‬
‫أن أقل ما ينطلق عليه السم هو محدود في كل وقت وفي كل شخص جعل حده هذا‪،‬‬
‫ومن رأى أنه غير محدود وأن ذلك يختلف باختلف الحالت والحاجات والشخاص‬
‫والمكنة والزمنة وغير ذلك قال‪ :‬هو غير محدود‪ ،‬وأن ذلببك راجببع إلببى الجتهبباد‪.‬‬
‫وقد روى أبو داود في هذا حديث الغنى الذي يمنع الصدقة عن النبي صلى ال عليببه‬
‫وسلم أنه ملك خمسين درهما‪ ،‬وفي أثر آخر أنببه ملببك أوقيببة وهببي أربعببون درهمببا‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأحسب أن قوما قالوا بهذه الثار في حد الغنى‪ .‬واختلفبوا مببن هبذا البباب فبي صبفة‬
‫الفقير والمسكين والفصل الذي بينهما‪ ،‬فقال قببوم‪ :‬الفقيببر أحسببن حبال مببن المسببكين‪،‬‬
‫وبه قال البغبداديون مبن أصببحاب مالببك‪ ،‬وقببال آخبرون‪ :‬المسبكين أحسببن حبال مبن‬
‫الفقير‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي في أحد قوليه وفي قببوله الثبباني أنهمببا‬
‫إسمان دالن على معنى واحد‪ ،‬وإلى هذا ذهب ابن القاسم‪ ،‬وهذا النظر هو لغببوي إن‬
‫لم تكن له دللة شرعية‪ .‬والشبه عند استقراء اللغة أن يكونا اسمين دالين على معنى‬
‫واحد يختلف بالقل والكثر في كل واحد منهما ل أن هببذا راتببب مببن أحببدهما علببى‬
‫قدر غير القدر الذي الخر راتب عليه‪ ،‬واختلفوا في قوله تعالى }وفي الرقاب{ فقببال‬
‫مالك‪ :‬هم العبيد يعتقهم المام ويكون ولؤهم للمسلمين وقال الشافعي وأبو حنيفة‪ :‬هم‬
‫المكاتبون وابن السبيل هو عنببدهم المسببافر فببي طاعببة ينفببذ زاده فل يجببد مببا ينفقببه‪.‬‬
‫وبعضهم يشترط فيه أن يكون ابببن السبببيل جببار الصببدقة‪ .‬وأمببا فببي سبببيل الب فقببال‬
‫مالك‪ :‬سبيل ال مواضع الجهاد والرباط وبببه قببال أبببو حنيفببة‪ .‬وقببال غيببره‪ :‬الحجبباج‬
‫والعمار‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬هو الغازي جار الصببدقة‪ ،‬وإنمببا اشببترط جببار الصببدقة لن‬
‫عند أكثرهم أنه ل يجوز تنقيل الصدقة من بلد إلى بلد إل من ضرورة‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثالث كم يجب لهم؟‬
‫@‪-‬وأما قدر ما يعطى من ذلك‪ ،‬أما الغارم فبقدر مببا عليببه إذا كببان دينببه فببي طاعببة‬
‫وفي غير سرف بل في أمر ضروري‪ ،‬وكذلك ابن السبيل يعطى ما يحمله إلى بلببده‪،‬‬
‫ويشبه أن يكون ما يحمله إلى مغزاه عند من جعل ابن السبيل الغازي‪ .‬واختلفببوا فببي‬
‫مقدار ما يعطى المسكين الواحد من الصدقة‪ ،‬فلم يحد مالك في ذلك حدا وصرفه إلى‬
‫الجتهاد‪ ،‬وبه قال الشافعي قال‪ :‬وسواء كان مببا يعطببى مببن ذلببك نصببابا أو أقببل مببن‬
‫نصاب‪ .‬وكره أبو حنيفة أن يعطى أحد من المساكين مقدار نصاب من الصدقة‪ .‬وقال‬
‫الثوري‪ :‬ل يعطى أحد أكثر مببن خمسببين درهمببا‪ .‬وقببال الليببث‪ :‬يعطببى مببا يبتبباع بببه‬
‫خادما إذا كان ذا عيال وكانت الزكاة كثيرة‪ ،‬وكان أكثرهم مجمعون على أنه ل يجب‬
‫أن يعطى عطية يصير بها من الغنبى فبي مرتببة مبن ل تجبوز لبه الصبدقة‪ ،‬لن مبا‬
‫حصل له من ذلك المال فببوق القببدر الببذي هببو بببه مببن أهببل الصببدقة صببار فببي أول‬
‫مراتب الغنى فهو حرام عليه‪ .‬وإنما اختلفوا في ذلك لختلفهم فببي هببذا القببدر‪ ،‬فهببذه‬
‫المسألة كأنها تبنى على معرفة أول مراتب الغنى‪ .‬وأما العامل عليها فل خلف عنببد‬
‫الفقهاء أنه إنما يأخذ بقدر عمله‪ ،‬فهذا ما رأينا أن نثبته في هببذا الكتبباب‪ ،‬وإن تببذكرنا‬
‫شيئا مما يشاكل غرضنا ألحقناه به إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب زكاة الفطر‪:‬‬
‫@‪-‬والكلم في هذا الكتاب يتعلق بفصبول‪ :‬أحبدها فببي معرفببة حكمهببا‪ ،‬والثبباني فبي‬
‫معرفة من تجب عليه‪ ،‬والثالث كم تجب عليه‪ ،‬ومن مباذا تجببب عليببه‪ ،‬والرابببع مببتى‬
‫تجب عليه؟ ‪ ،‬والخامس من تجوز له؟ ‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الول في معرفة حكمها‪:‬‬
‫@‪-‬فأما زكاة الفطر‪ ،‬فإن الجمهور على أنها فببرض‪ ،‬وذهببب بعببض المتببأخرين مببن‬
‫أصحاب مالك إلى أنها سنة‪ ،‬وبه قال أهل العراق‪ .‬وقال قوم‪ :‬هي منسببوخة بالزكبباة‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وسبب اختلفهم تعارض الثار في ذلك‪ ،‬وذلك بأنه ثبت من حديث عبد ال بن عمببر‬
‫أنه قال‪ :‬فرض رسول ال صلى ال عليه وسلم زكاة الفطر على الناس مبن رمضبان‬
‫صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين‪.‬‬
‫وظاهر هذا يقتضي الوجوب علببى مببذهب مببن يقلببد الصبباحب فببي فهببم الوجببوب أو‬
‫الندب من أمره عليه الصلة والسلم إذا لم يحد لنا لفظه‪ ،‬وثبت أن رسول ال صببلى‬
‫ال عليه وسلم قال في حديث العرابي المشهور وذكببر رسبول الب صبلى الب عليبه‬
‫وسلم الزكاة قال‪ :‬هل علي غيرهببا؟ قببال‪ :‬ل إل أن تطببوع‪ .‬فببذهب الجمهببور إلببى أن‬
‫هببذه الزكبباة داخلببة تحببت الزكبباة المفروضببة‪ ،‬وذهببب الغيببر إلببى أنهببا غيببر داخلببة‪،‬‬
‫واحتجوا في ذلك بما روي عن قيس بن سعد بن عبادة أنه قال‪ :‬كان رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم يأمرنا بها قبل نزول الزكاة‪ ،‬فلما نزلت آية الزكاة لم نؤمر بها ولم ننه‬
‫عنها ونحن نفعله‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الثاني في من تجب عليه وعن من تجب؟‬
‫@‪-‬وأجمعببوا علببى أن المسببلمين مخبباطبون بهببا ذكرانببا كببانوا أو إناثببا‪ ،‬صببغارا أو‬
‫كبارا‪ ،‬عبيدا أو أحرارا لحديث عمر المتقدم إل ما شذ فيه الليث فقال ليس علبى أهبل‬
‫العمود زكاة الفطر‪ ،‬وإنما هي على أهل القرى ول حجة له‪ ،‬وما شذ أيضبا مبن قببول‬
‫من لم يوجبها على اليتيم‪ .‬وأما عن من تجب؟ فإنهم اتفقوا على أنها تجب على المرء‬
‫في نفسه‪ ،‬وأنها زكاة بدن ل زكاة مال‪ ،‬وأنها تجب في ولده الصغار عليه إذا لم يكببن‬
‫لهم مال‪ ،‬وكذلك في عبيده إذا لم يكن لهم مال واختلفوا فيما سوى ذلك‪.‬‬
‫وتلخيص مذهب مالك في ذلك‪ :‬أنها تلببزم الرجببل عمببن ألزمببه الشببرع النفقببة عليببه‪،‬‬
‫ووافقه في ذلك الشافعي‪ .‬وإنما يختلفان من قبل اختلفهم فيمبن تلبزم المبرء نفقتبه إذا‬
‫كان معسرا ومن ليس تلزمه‪ ،‬وخالفه أبو حنيفة في الزوجة وقال تببؤدي عببن نفسببها‪،‬‬
‫وخالفهم أبو ثور في العبد إذا كان له مال‪ ،‬فقال‪ :‬إذا كان له مال زكى عن نفسببه ولببم‬
‫يزك عنه سيده‪ ،‬وبه قال أهل الظاهر والجمهور علببى أنببه ل تجببب علببى المببرء فببي‬
‫أولده الصغار إذا كان لهم مال زكاة فطببر‪ ،‬وبببه قببال الشببافعي وأبببو حنيفببة ومالببك‪،‬‬
‫وقال الحسن هي على الب وإن أعطاها من مال البن فهو ضامن‪ ،‬وليس من شبرط‬
‫هذه الزكاة الغنى عند أكثرهم ول نصاب بل أن تكون فضل عن قوته وقببوت عيبباله‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة وأصحابه‪ :‬ل تجب علببى مببن تجببوز لببه الصببدقة‪ ،‬لنببه ل يجتمببع أن‬
‫تجوز له وأن تجب عليه‪ ،‬وذلك بين وال أعلببم‪ ،‬وإنمببا اتفببق الجمهببور علببى أن هببذه‬
‫الزكاة ليست بلزمة لمكلف‪ ،‬مكلف في ذاته فقط كالحال في سائر العبادات‪ ،‬بل ومن‬
‫قبل غيره ليجابها على الصغير والعبيد‪ ،‬فمن فهم من هذا أن علة الحكم الولية قال‪:‬‬
‫الولي يلزمه إخراج الصدقة على كل من يليه‪ ،‬ومن فهم من هببذه النفقببة قببال‪ :‬المنفببق‬
‫يجب أن يخرج الزكاة عن كل من ينفق عليه بالشببرع‪ .‬وإنمببا عببرض هببذا الختلف‬
‫لنه اتفق في الصغير والعبد‪ ،‬وهما اللذان نبها على أن هذه الزكاة ليست معلقة بذات‬
‫المكلف فقط بل ومن قبل غيره إن وجدت الولية فيها ووجببوب النفقببة‪ ،‬فببذهب مالببك‬
‫إلى أن العلة في ذلك وجوب النفقة‪ ،‬وذهب أبو حنيفة إلى أن العلة فببي ذلببك الوليببة‪،‬‬
‫ولببذلك اختلفببوا فببي الزوجببة‪ .‬وقببد روي مرفوعببا "أدوا زكبباة الفطببر عببن كببل مببن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫تمونون" ولكنه غير مشهور‪ .‬واختلفوا من العبيد في مسائل‪ :‬إحداها كما قلنبا وجبوب‬
‫زكاته على السيد إذا كان له مال‪ ،‬وذلك مبني على أنه يملك أو ل يملك‪ .‬والثانية فببي‬
‫العبد الكافر هل يؤدي عنه زكاته أم ل؟ فقال مالك والشافعي وأحمد‪ :‬ليس على السيد‬
‫فببي العبببد الكببافر زكبباة‪ .‬وقببال الكوفيببون‪ :‬عليببه الزكبباة فيببه‪ .‬والسبببب فببي اختلفهببم‬
‫اختلفهم في الزيادة الواردة في ذلك في حديث ابن عمر‪ ،‬وهو قببوله مببن المسببلمين‪،‬‬
‫فإنه قد خولف فيها نافع بكون ابن عمببر أيضببا الببذي هببو راوي الحببديث مببن مببذهبه‬
‫إخراج الزكاة عن العبيد الكفار‪ .‬وللخلف أيضا سبب آخر‪ ،‬وهو كون الزكاة الواجبة‬
‫على السيد في العبد هل هي لمكان أن العبد يكلف أو أنه مببال؟ فمببن قببال لمكببان أنببه‬
‫مكلف اشترط السلم‪ ،‬ومن قال لمكان أنه مال لم يشترطه‪ ،‬قببالوا‪ :‬ويببدل علببى ذلببك‬
‫إجماع العلماء على أن العبد إذا أعتق ولم يخرج عنه موله زكاة الفطر أنه ل يلزمببه‬
‫إخراجها عن نفسه بخلف الكفارات‪ .‬والثالثة في المكاتب‪ ،‬فإن مالكا وأبببا ثبور قبال‪:‬‬
‫يؤدي عنه سيده زكاة الفطر‪ .‬وقال الشافعي وأببو حنيفببة وأحمببد‪ :‬ل زكبباة عليببه فيبه‪.‬‬
‫والسبب في اختلفهم تردد المكاتب بيببن الحببر والعبببد‪ .‬والرابعببة فببي عبيببد التجببارة‪،‬‬
‫ذهب مالك والشافعي وأحمد إلى أن على السيد فيهببم زكبباة الفطببر‪ ،‬وقببال أبببو حنيفببة‬
‫وغيره‪ :‬ليس في عبيد التجارة صدقة‪ .‬وسبب الخلف معارضة القياس للعموم وذلببك‬
‫أن عموم اسم العبد يقتضبي وجبوب الزكباة فبي عبيبد التجبارة وغيرهبم‪ ،‬وعنبد أببي‬
‫حنيفة أن هذا العموم مخصص بالقياس‪ ،‬وذلك هببو اجتمبباع زكبباتين فببي مببال واحببد‪،‬‬
‫وكذلك اختلفوا في العبيد وفروع هذا الباب كثيرة‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الثالث مماذا تجب؟‬
‫@‪-‬وأما مماذا تجب؟ فإن قوما ذهبوا ظغلى أنها تجب إما من البببر أو مببن التمببر أو‬
‫من الشعير أو من القط‪ ،‬وأن ذلك على التخيير للذي تجب عليه‪ ،‬وقوم ذهبوا إلى أن‬
‫الواجب عليه هو غالب قوت البلد أو قوت المكلف إذا لم يقدر على قوت البلببد‪ ،‬وهببو‬
‫الذي حكاه عبد الوهبباب عببن المببذهب‪ .‬والسبببب فببي اختلفهببم اختلفهببم فببي مفهببوم‬
‫حديث أبي سعيد الخدري أنه قال "كنا نخرج زكاة الفطر في عهد رسببول ال ب صببلى‬
‫ال عليه وسلم صاعا من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من أقببط أو صبباعا مببن‬
‫تمر" فمن فهم من هذا الحديث التخيير قال أّيا أخرج من هببذا أجببزأ عنببه‪ ،‬ومببن فهببم‬
‫منه أن اختلف المخرج ليس سببه الباحة وإنما سببه اعتبار قوت المخرج أو قببوت‬
‫غالب البلد قال بالقول الثاني‪ .‬وأما كم يجب؟ فإن العلماء اتفقوا على أنه ل يؤدي فببي‬
‫زكاة الفطر من التمببر والشببعير أقببل مببن صبباع لثبببوت ذلببك فببي حبديث ابببن عمببر‪،‬‬
‫واختلفوا في قدر ما يؤدى من القمح‪ ،‬فقال مالببك والشببافعي‪ :‬ل يجببزئ منببه أقببل مببن‬
‫صاع‪ ،‬وقال أبو حنيفة وأصحابه‪ :‬يجزئ من البر نصف صاع‪ .‬والسبب في اختلفهم‬
‫تعارض الثار‪ ،‬وذلك أنه جاء في حديث أبببي سببعيد الخببدري أنببه قببال‪" :‬كنببا نخببرج‬
‫زكاة الفطر في عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم صاعا من طعببام أو صبباعا مببن‬
‫شعير أو صاعا من أقط أو صاعا من تمر أو صبباعا مببن زبيببب" وظبباهره أنببه أراد‬
‫بالطعام القمح‪ .‬وروى الزهري أيضا عن أبي سعيد عن أبيه أن رسول ال صلى ال ب‬
‫عليه وسلم قال‪" :‬في صدقة الفطر صاعا من بر بيببن اثنيببن أو صبباعا مببن شببعير أو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫تمر عن كل واحد" خرجه أبو داود‪ .‬وروي عن ابن المسيب أنه قال‪" :‬كببانت صببدقة‬
‫الفطر على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم نصف صبباع مببن حنطببة أو صبباعا‬
‫من شعير أو صاعا من تمر"‪ .‬فمن أخذ بهذه الحاديث قال‪ :‬نصبف صبباع مبن الببر‪،‬‬
‫ومن أخذ بظاهر حديث أبي سعيد وقال البر في ذلك علببى الشببعير سبّوى بينهمببا فببي‬
‫الوجوب‬
‫*‪*3‬الفصل الرابع متى تجب زكاة الفطر؟‬
‫@‪-‬وأمبا مببتى يجببب إخببراج زكبباة الفطبر؟ فبإنهم اتفقبوا علببى أنهبا تجبب فبي آخببر‬
‫رمضان لحديث ابن عمر "فرض رسول ال صلى ال عليببه وسببلم زكبباة الفطببر مببن‬
‫رمضان" واختلفوا في تحديد الوقت‪ ،‬فقال مالببك فببي روايببة ابببن القاسببم عنببه‪ :‬تجببب‬
‫بطلوع الفجر من يوم الفطر‪ .‬وروى عنه أشهب أنها تجب بغروب الشمس مببن آخببر‬
‫يوم رمضان‪ ،‬وبالول قال أبو حنيفة‪ ،‬وبالثباني قبال الشبافعي‪ .‬وسببب اختلفهبم هبل‬
‫هي عبادة متعلقة بيوم العيد‪ :‬أو بخببروج شببهر رمضببان؟ لن ليلببة العيببد ليسببت مببن‬
‫شهر رمضان‪ ،‬وفائدة هذا الختلف في المولود يولد قبل الفجر من يببوم العيببد وبعببد‬
‫مغيب الشمس هل تجب عليه أم ل تجب؟‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الخامس في معرفتها‪:‬‬
‫@‪-‬وأما لمن تصرف فأجمعوا على أنه تصرف لفقراء المسلمين لقوله عليه الصببلة‬
‫والسلم "أغنببوهم عببن السببؤال فببي هببذا اليببوم" واختلفببوا هببل تجببوز لفقببراء الذمببة‪،‬‬
‫والجمهور على أنها ل تجوز لهم‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬تجوز لهم‪ .‬وسبببب اختلفهببم هببل‬
‫سبب جوازها هو الفقر فقبط‪ ،‬أو الفقبر والسبلم معبا؟ فمبن قبال الفقبر والسبلم لبم‬
‫يجزها للذميين‪ ،‬ومن قال الفقر فقط أجازها لهم‪ ،‬واشترط قببوم فببي أهببل الذمببة البذين‬
‫تجوز لهم أن يكونوا رهبانا‪ ،‬وأجمع المسلمون على أن زكاة المببوال لتجببوز لهببل‬
‫الذمة لقوله عليه الصلة والسلم‪" :‬صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم"‪.‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم وصلى ال على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما‬
‫*‪*2‬كتاب الصيام‬
‫@‪-‬وهببذا الكتبباب ينقسببم أول قسببمين‪ :‬أحببدهما فببي الصببوم الببواجب‪ ،‬والخببر فببي‬
‫المندوب إليه‪ .‬والنظر في الصببوم الببواجب ينقسببم إلببى قسببمين‪ :‬أحببدهما فببي الصببوم‬
‫والخر في الفطر‪ .‬أما القسم الول وهو الصيام فإنه ينقسم أول إلى جملتين‪ :‬إحداهما‬
‫معرفة أنواع الصيام الواجب‪ ،‬والخببرى معرفببة أركببانه‪ .‬وأمببا القسببم الببذي يتضببمن‬
‫النظر في الفطر فإنه ينقسم إلى معرفة المفطرات وإلى معرفة المفطرين وأحكامهم‪.‬‬
‫*‪]*3‬كتاب الصيام الول[‬
‫*‪)*3‬الجملة الولى( وهي معرفة أنواع الصيام‬
‫@‪-‬فلنبدأ بالقسم الول من هذا الكتاب‪ ،‬وبالجملببة الولببى منببه‪ ،‬وهببي معرفببة أنببواع‬
‫الصيام‬
‫فنقول‪ :‬إن الصوم الشرعي منه واجب‪ ،‬ومنه مندوب إليه‪ .‬والواجب ثلثة أقسام‪ :‬منه‬
‫ما يجب للزمان نفسه‪ ،‬وهو صوم شهر رمضبان بعينببه‪ .‬ومنبه مبا يجبب لعلبة‪ ،‬وهببو‬
‫صيام الكفارات‪ .‬ومنه ما يجب بإيجاب النسان ذلك على نفسببه‪ ،‬وهببو صببيام النببذر‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والببذي يتضبمن هبذا الكتباب القبول فيببه مببن أنببواع هبذه الواجببات هببو صببوم شبهر‬
‫رمضببان فقببط‪ .‬وأمببا صببوم الكفببارات فيببذكر عنببد ذكببر المواضببع الببتي تجببب منهببا‬
‫الكفارة‪ ،‬وكذلك صوم النذر ويذكر في كتاب النذر‪.‬‬
‫فأما صوم شهر رمضان فهو واجب بالكتاب والسببنة والجمبباع‪ .‬فأمببا الكتبباب فقببوله‬
‫تعالى }كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكببم لعلكببم تتقببون{ وأمببا السببنة‬
‫ففي قوله عليه الصلة والسلم "بني السلم على خمس‪ ،‬وذكر فيها الصببوم" وقببوله‬
‫للعرابي "وصيام شهر رمضان" قال‪ :‬هل علي غيرها؟ قال‪ :‬ل إل أن تطوع‪ .‬وأمببا‬
‫الجماع فإنه لم ينقل إلينا خلف عن أحد من الئمة فببي ذلببك‪ .‬وأمببا علببى مببن يجببب‬
‫وجوبا غير مخير فهو البالغ العاقل الحاضر الصحيح إذا لم تكن فيببه الصببفة المانعببة‬
‫من الصوم وهي الحيض للنسبباء‪ ،‬هببذا ل خلف فيببه لقببوله تعببالى }فمببن شببهد منكببم‬
‫الشهر فليصمه{ ‪.‬‬
‫*‪*3‬الجملة الثانية‪ :‬في الركان‬
‫@‪-‬والركان ثلثة‪ :‬إثنان متفق عليهمببا‪ ،‬وهمببا الزمببان والمسبباك عببن المفطببرات‪.‬‬
‫والثالث مختلف فيه وهو النية‪ .‬فأما الركن الول الذي هببو الزمببان‪ ،‬فببإنه ينقسببم إلببى‬
‫قسمين‪ :‬أحدهما زمان الوجوب‪ ،‬وهو شببهر رمضببان‪ .‬والخببر زمببان المسبباك عببن‬
‫المفطرات‪ ،‬وهو أيام هذا الشهر دون الليالي‪ ،‬ويتعلق بكل واحد مببن هببذين الزمببانين‬
‫مسائل قواعد اختلفوا فيها‪ ،‬فلنبدأ بما يتعلق من ذلك بزمان الوجببوب‪ ،‬وأول ذلببك فببي‬
‫تحديد طرفي هذا الزمان‪ .‬وثانيا فبي معرفبة الطريبق البتي بهبا يتوصبل إلبى معرفبة‬
‫العلمة المحدودة في حق شخص شخص وأفببق أفببق‪ .‬فأمببا طرفببا هببذا الزمببان‪ ،‬فببإن‬
‫العلماء أجمعوا على أن الشهر العربي يكون تسعا وعشرين ويكون ثلثين وعلببى أن‬
‫العتبار فببي تحديببد شببهر رمضببان إنمببا هببو الرؤيببة‪ ،‬لقببوله عليببه الصببلة والسببلم‬
‫"صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته" وعني بالرؤية أول ظهور القمر بعد السؤال‪.‬‬
‫واختلفوا في الحكم إذا غم الشهر ولم تمكن الرؤية وفببي وقببت الرؤيببة المعتبببر‪ ،‬فأمببا‬
‫اختلفهببم إذا غببم الهلل‪ ،‬فببإن الجمهببور يببرون أن الحكببم فببي ذلببك أن تكمببل العببدة‬
‫ثلثين‪ ،‬فإن كان الذي غم هلل أول الشهر عد الشهر الذي قبله ثلثيببن يومببا‪ ،‬وكببان‬
‫أول رمضان الحادي والثلثين‪ ،‬وإن كببان الببذي غببم هلل آخببر الشببهر صببام النبباس‬
‫ثلثين يوما‪ .‬وذهب ابن عمر إلى أنه إن كببان المغمّببى عليببه هلل أول الشببهر صببيم‬
‫اليوم الثاني وهو الذي يعرف بيوم الشك‪ .‬وروى بعض السلف أنببه إذا أغمببى الهلل‬
‫رجع إلى الحساب بمسير القمر والشمس‪ ،‬وهو مذهب مطرف بن الشببخير وهببو مببن‬
‫كبار التابعين‪ .‬وحكى ابن سريج عن الشببافعي أنببه قببال‪ :‬مببن كببان مببذهبه السببتدلل‬
‫بالنجوم ومنازل القمر ثم تبين له من جهة الستدلل أن الهلل مبرئي وقبد غبم‪ ،‬فبإن‬
‫له أن يعقد الصوم ويجزيه‪ .‬وسبب اختلفهم الجمال الذي في قببوله صببلى الب عليببه‬
‫وسلم "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقببدروا لببه" فببذهب الجمهببور‬
‫إلى أن تأويله أكملببوا العببدة ثلثيببن‪ .‬ومنهببم مببن رأى أن معنببى التقببدير لببه هببو عببده‬
‫بالحساب‪ .‬ومنهم من رأى أن معنى ذلك أن يصبح المببرء صببائما‪ ،‬وهببو مببذهب ابببن‬
‫عمر كما ذكرنا وفيه بعد في اللفظ‪ .‬وإنما صار الجمهور إلى هذا التأويل لحديث ابببن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫عباس الثابت أنه قال عليه الصلة والسببلم "فببإن غببم عليكببم فببأكملوا العببدة ثلثيببن"‬
‫وذلك مجمل وهذا مفسر‪ ،‬فببوجب أن يحمببل المجمببل علببى المفسببر‪ ،‬وهببي طريقببة ل‬
‫خلف فيها بين الصوليين‪ ،‬فإنهم ليس عندهم بين المجمل والمفسر تعبارض أصبل‪،‬‬
‫فمذهب الجمهور في هذا لئح وال أعلم‪ .‬وأما اختلفهم في إعتبار وقت الرؤية فإنهم‬
‫اتفقوا على أنه إذا رؤي من العشي أن الشهر من اليوم الثاني‪ ،‬واختلفوا إذا رؤي فببي‬
‫سائر أوقات النهار أعنببي أول مببا رؤي‪ ،‬فمببذهب الجمهببور أن القمببر فببي أول وقببت‬
‫رؤي من النهار أنه لليببوم المسبتقبل كحكببم رؤيتببه بالعشببي‪ ،‬وبهبذا القببول قبال مالبك‬
‫والشافعي وأبو حنيفة وجمهور أصحابهم‪ .‬وقال أبو يوسف مببن أصببحاب أبببي حنيفببة‬
‫والثوري وابببن حبببيب مببن أصببحاب مالببك‪ :‬إذا رؤي الهلل قبببل الببزوال فهببو لليلببة‬
‫الماضية وإن رؤي بعد الزوال فهو للتية‪ .‬وسبب اختلفهم ترك اعتبار التجربة فيما‬
‫سبيله التجربة والرجوع إلى الخبار في ذلك‪ ،‬وليببس فببي ذلببك أثببر عببن النبببي عليببه‬
‫الصلة والسلم يرجع إليه‪ ،‬لكن روي عن عمر رضي ال عنه أثران‪ :‬أحببدهما عببام‬
‫والخر مفسر‪ ،‬فذهب قوم إلى العببام وذهببب قببوم إلببى المفسببر‪ .‬فأمببا العببام فمببا رواه‬
‫العمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال‪ :‬أتانا كتاب عمر ونحن بخانقين أن الهلببة‬
‫بعضها أكبر من بعض‪ ،‬فإذا رأيتم الهلل نهارا فل تفطروا حتى يشهد رجلن أنهمببا‬
‫رأياه بالمس‪.‬‬
‫وأما الخاص فما روى الثوري عنه أنه بلبغ عمبر ببن الخطباب أن قومبا رأوا الهلل‬
‫بعد الزوال فأفطروا‪ ،‬فكتب إليهم يلبومهم وقبال‪ :‬إذا رأيتبم الهلل نهبارا قببل البزوال‬
‫فأفطروا‪ ،‬وإذا رأيتموه بعد الزوال فل تفطروا‪ .‬قبال القاضببي‪ :‬الببذي يقتضببي القيبباس‬
‫والتجربة أن القمر ل يرى والشمس بعد لم تغب إل وهو بعيد منها‪ ،‬لنه حينئذ يكون‬
‫أكبر من قوس الرؤية‪ ،‬وإن كان يختلف في الكبر والصغر فبعيد وال ب أعلببم أن يبلببغ‬
‫من الكبر أن يرى والشمس بعد لم تغب‪ ،‬ولكن المعتمد في ذلك التجربة كمببا قلنببا ول‬
‫فرق فبي ذلبك قببل البزوال ول بعببده‪ ،‬وإنمببا المعتببر فببي ذلببك مغيببب الشبمس أو ل‬
‫مغيبها‪ .‬وأما اختلفهم فببي حصببول العلببم بالرؤيببة فببإن لببه طريقيببن‪ :‬أحببدهما الحببس‬
‫والخر الخببر‪ ،‬فأمبا طريبق الحبس فبإن العلمباء أجمعبوا علبى أن مبن أبصبر هلل‬
‫الصوم وحده أن عليه أن يصببوم‪ ،‬إل عطبباء بببن أبببي رببباح فببإنه قببال‪ :‬ل يصببوم إل‬
‫برؤية غيره معه‪ ،‬واختلفوا هل يفطر برؤيته وحده؟ فذهب مالك وأبببو حنيفببة وأحمببد‬
‫إلى أنه ل يفطر‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬يفطر‪ ،‬وبه قببال أبببو ثببور‪ ،‬وهببذا ل معنببى لببه‪ ،‬فببإن‬
‫النبي عليه الصلة والسلم قد أوجببب الصببوم والفطببر للرؤيببة‪ .‬والرؤيببة إنمببا تكببون‬
‫بالحس‪ ،‬ولول الجماع على الصيام بالخبر عن الرؤية لبعبد وجبوب الصبيام ببالخبر‬
‫لظاهر هذا الحديث‪ ،‬وإنما فرق من فرق بين هلل الصوم والفطر لمكان سد الذريعة‬
‫أن ل يببدعى الفسبباق أنهببم رأوا الهلل فيفطببرون وهببم بعببد لببم يببروه‪ ،‬ولببذلك قببال‬
‫الشافعي‪ :‬إن خاف التهمة أمسك عن الكل والشرب واعتقد الفطر‪ ،‬وشذ مالببك فقببال‪:‬‬
‫من أفطببر وقببد رأى الهلل وحببده فعليببه القضبباء والكفببارة‪ .‬وقببال أبببو حنيفببة‪ :‬عليببه‬
‫القضاء فقط‪ .‬وأما طريق الخبر فإنهم اختلفوا فببي عببدد المخبببرين الببذين يجببب قبببول‬
‫خبرهم عن الرؤية وفي صفتهم‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فأما مالك فقال‪ :‬إنه ل يجوز أن يصام ول يفطر بأقل من شهادة رجلين عدلين‪ .‬وقال‬
‫الشافعي في رواية المزني‪ :‬إنه يصببام بشببهادة رجببل واحببد علببى الرؤيببة‪ ،‬ول يفطببر‬
‫بأقل من شهادة رجلين‪ .‬وقببال أبببو حنيفببة‪ :‬إن كببانت السببماء مغيمببة قبببل واحببد‪ ،‬وإن‬
‫كانت صاحية بمصر كبير لم تقبل إل شهادة الجم الغفير‪ .‬وروي عنه أنه تقبل شببهادة‬
‫عدلين إذا كانت السماء مصحية وقد روي عن مالك أنه ل تقبل شببهادة الشبباهدين إل‬
‫إذا كانت السماء مغيمة‪ ،‬وأجمعوا على أنه ل يقبل فببي الفطببر إل إثنببان‪ ،‬إل أبببا ثببور‬
‫فإنه لم يفرق في ذلك بين الصوم والفطر كما فرق الشافعي‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم اختلف الثار في هذا الباب‪ ،‬وتردد الخبببر فببي ذلببك بيببن أن يكببون‬
‫من باب الشهادة أو من باب العمل بالحاديث التي ل يشترط فيها العدد‪.‬‬
‫وتردد الخبر في ذلك بين أن يكون من ببباب الشببهادة أو مببن ببباب العمببل بالحبباديث‬
‫التي ل يشترط فيها العدد‪ .‬أما الثار فمن ذلك ما خرجه أبببو داود عببن عبببد الرحمببن‬
‫بن زيد بن الخطاب أنه خطب النباس فببي اليببوم البذي يشببك فيببه فقبال‪ :‬إنببي جالسبت‬
‫أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم وسألتهم وكلهم حدثوني أن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم قال‪" :‬صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته‪ ،‬فإن غم عليكم فببأتموا ثلثيببن‪،‬‬
‫فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا"‬
‫ومنها حديث ابن عباس أنه قال "جاء أعرابي إلى النبي صبلى الب عليبه وسبلم فقبال‬
‫أبصرت الهلل الليلة‪ ،‬فقال أتشهد أن ل إله إل ال وأن محمد رسول ال؟ قببال‪ :‬نعببم‪،‬‬
‫قال‪ :‬يا بلل أذن في الناس فليصوموا غدا" خرجه الترمذي قال‪ :‬وفي إسببناده خلف‬
‫لنه رواه جماعة مرسل‪.‬‬
‫ومنها حديث ربعي بن خراش خرجه أبو داود عن ربعي بن خراش عببن رجببل مببن‬
‫أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم قال " كان الناس في آخر يوم مببن رمضببان‬
‫فقام أعرابيان فشهدا عند النبي صلى ال عليه وسلم لهل الهلل أمببس عشببية‪ ،‬فببأمر‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم الناس أن يفطروا وأن يعودوا إلببى المصببلى" فببذهب‬
‫الناس في هذه الثار مذهب الترجيح ومذهب الجمع‪ ،‬فالشافعي جمع بين حببديث ابببن‬
‫عببباس وحببديث ربعببي بببن خببراش علببى ظاهرهمببا‪ ،‬فببأوجب الصببوم بشببهادة واحببد‬
‫والفطر بإثنين‪ ،‬ومالك رجح حديث عبد الرحمن ابن زيد لمكان القياس‪ :‬أعنببي تشبببيه‬
‫ذلك بالشهادة في الحقوق‪ ،‬ويشبه أن يكون أبو ثور لببم يببر تعارضببا بيببن حببديث ابببن‬
‫عباس وحديث ربعي بن خراش‪ ،‬وذلببك أن الببذي فبي حبديث ربعبي ببن خببراش أنبه‬
‫قضى بشهادة إثنين‪ ،‬وفي حديث ابن عباس أنه قضى بشهادة واحببد‪ ،‬وذلببك ممببا يببدل‬
‫علببى جببواز المريببن جميعببا‪ ،‬ل أن ذلببك تعببارض‪ ،‬ول أن القضبباء الول مختببص‬
‫بالصوم والثاني بالفطر‪ ،‬فإن القول بهذا إنما ينبني على توهم التعارض‪ ،‬وكذلك يشبه‬
‫أن ل يكون تعارض بين حديث عبببد الرحمببن بببن زيببد وبيببن حببديث ابببن عببباس إل‬
‫بدليل الخطاب‪ ،‬وهو ضعيف إذا عارضه النص‪ ،‬فقببد نببرى أن قببول أبببي ثببور علببى‬
‫شذوذه هو أبين‪ ،‬مع أن تشبيه الببرائي بببالراوي هببو أمثببل مببن تشبببيهه بالشبباهد‪ ،‬لن‬
‫الشهادة إما أن يقببول إن اشببتراط العببدد فيهببا عبببادة غيببر معللببة فل يجببوز أن يقيببس‬
‫عليها‪ ،‬وإما أن يقول إن اشتراط العدد فيها هو لموضببع التنببازع الببذي فببي الحقببوق‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والشبة التي تعرض من قبل قول أحد الخصببمين فاشبترط فيهبا العبدد وليكبون الظبن‬
‫أغلب والميل إلى حجة أحد الخصمين أقوى‪ ،‬ولم يتعد بببذلك الثنيببن لئل يعسببر قيببام‬
‫الشهادة فتبطل الحقوق‪ ،‬وليس في رؤية القمر شبهة مببن مخببالف تببوجب السببتظهار‬
‫بالعدد‪،‬‬
‫ويشبببه أن يكببون الشببافعي إنمببا فببرق بيببن هلل الفطببر وهلل الصببوم للتهمببة الببتي‬
‫تعرض للناس في هلل الفطر ول تعرض في هلل الصوم‪ ،‬ومببذهب أبببي بكببر بببن‬
‫المنذر هو مذهب أبي ثور أحسبه هبو مبذهب أهبل الظباهر وقببد احتببج أبببو بكبر ببن‬
‫المنذر لهذا الحديث بانعقاد الجماع على وجوب الفطر والمسبباك عببن الكببل بقببول‬
‫واحد‪ ،‬فوجب أن يكون المر كذلك فبي دخبول الشبهر وخروجبه‪ ،‬إذ كلهمبا علمبة‬
‫تفصل زمان الفطر من زمان الصوم‪ ،‬وإذا قلنا إن الرؤية تثبت بالخبر فببي حببق مببن‬
‫لم يره فهل يتعدى ذلك من بلد إلى بلد؟ أعني هل يجب على أهل بلد مببا إذا لببم يببروه‬
‫أن يأخذوا في ذلك برؤية بلد آخر أم لكل بلد رؤية؟ فيه خلف‪ ،‬فأمببا مالببك فببإن ابببن‬
‫القاسم والمصريين رووا عنه أنه إذا ثبت عند أهل بلد أن أهببل بلببد آخببر رأوا الهلل‬
‫أن عليهم قضاء ذلك اليوم الذي أفطروه وصامه غيرهم‪ ،‬وبه قال الشافعي وأحمد‪.‬‬
‫وروى المدنيون عن مالك أن الرؤية ل تلزم بالخبر عند أهل البلببد الببذي وقعببت فيببه‬
‫الرؤية‪ ،‬إل أن يكون المام يحمل الناس على ذلك‪ ،‬وبه قال ابن الماجشون والمغيببرة‬
‫من أصحاب مالك‪ ،‬وأجمعوا أنه ل يراعى ذلك في البلدان النائية كالندلس والحجاز‪.‬‬
‫والسبببب فببي هببذا الخلف تعببارض الثببر والنظببر‪ .‬أمببا النظببر فهببو أن البلد إذا لببم‬
‫تختلف مطالعها كل الختلف فيجب أن يحمل بعضها علببى بعببض لنهببا فببي قيبباس‬
‫الفق الواحبد‪ .‬وأمبا إذا اختلفببت إختلفبا كببثيرا فليبس يجبب أن يحمبل بعضبها علبى‬
‫بعض‪ .‬وأما الثر فما رواه مسلم عببن كريببب أن أم الفضببل بنبت الحببرث بعثتبه إلبى‬
‫معاوية بالشام فقال‪ :‬قدمت الشام فقضيت حاجتها‪ ،‬واستهل على رمضان وأنا بالشام‪،‬‬
‫فرأيت الهلل ليلة الجمعة‪ ،‬ثبم قبدمت المدينبة فبي آخبر الشبهر فسبألني عببد الب ببن‬
‫عباس‪ ،‬ثم ذكر الهلل فقال‪ :‬متى رأيتم الهلل؟ فقلت‪ :‬رأيته ليلة الجمعة‪ ،‬فقببال‪ :‬أنببت‬
‫رأيته؟ فقلت نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية قال‪ :‬لكنا رأيناه ليلببة السبببت فل‬
‫نزال نصوم حتى نكمل ثلثين يوما أو نراه‪ ،‬فقلببت‪ :‬أل تكتفببي برؤيببة معاويببة؟ فقببال‬
‫ل‪ ،‬هكذا أمرنا النبي عليه الصلة والسببلم‪ ،‬فظبباهر هببذا الثببر يقتضببي أن لكببل بلببد‬
‫رؤيته قرب أو بعد‪ ،‬والنظر يعطي الفببرق بيببن البلد النائيببة والقريبببة‪ ،‬وبخاصببة مببا‬
‫كان نأيه في الطول والعرض كثيرا‪ ،‬وإذا بلغ الخبر مبلبغ التبواتر لبم يحتبج فيبه إلبى‬
‫شبهادة‪ ،‬فهبذه هبي المسبائل البتي تتعلبق بزمبان الوجبوب‪ .‬وأمبا البتي تتعلبق بزمبان‬
‫المساك فإنهم اتفقوا على أن آخره غيبوبة الشمس لقوله تعالى ‪-‬ثم أتموا الصيام إلببى‬
‫الليل‪ -‬واختلفوا في أوله‪ ،‬فقال الجمهور هو طلبوع الفجبر الثبباني المسببتطير البيببض‬
‫لثبوت ذلك عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أعني حده بالمستطير ولظاهر قببوله‬
‫تعالى ‪-‬حتى يتبين لكم الخيط البيض‪ -‬الية‪ .‬وشذت فرقة فقالوا‪ :‬هببو الفجببر الحمببر‬
‫الذي يكون بعد البيض وهو نظيببر الشببفق الحمببر‪ ،‬وهببو مببروي عببن حذيفببة وابببن‬
‫مسعود‪ .‬وسبب هذا الخلف هو إختلف الثار في ذلك واشتراك اسببم الفجببر‪ ،‬أعنببي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أنه يقال على البيض والحمر‪ .‬وأما الثار البتي احتجببوا بهببا فمنهببا حبديث ذر عببن‬
‫حذيفة قال "تسحرت مع النبي صلى ال عليه وسلم ولو أشاء أن أقول هببو النهببار إل‬
‫أن الشمس لم تطلع" وخرج أبو داود عن قيس بن مطلق عن أبيببه أنببه عليببه الصببلة‬
‫والسلم قال‪" :‬كلوا واشربوا ول ُيِهيَدّنكم )‪ (1‬الساطع المصعد فكلببوا واشببربوا حببتى‬
‫يعترض لكم الحمر" قال أبو داود‪ :‬هذا ما تفبرد ببه أهبل اليمامببة وهببذا شبذوذ‪ ،‬فبإن‬
‫قوله تعالى ‪-‬حتى يتبين لكم الخيط البيض‪ -‬نبص فبي ذلبك أو كبالنص‪ ،‬والببذين رأوا‬
‫أنه الفجر البيض المستطير وهم الجمهور والمعتمد اختلفوا في الحد المحببرم للكببل‬
‫فقال قوم‪ :‬هو طلوع الفجر نفسه‪ .‬وقال قوم هو تبينه عند الناظر إليه ومن لببم يتبببينه‪،‬‬
‫فالكل مباح له حتى يتبينه وإن كان قد طلع‪ ،‬وفائدة الفرق أنببه إذا انكشببف أن مبباظن‬
‫من أنه لم يطلع‪ ،‬كان قد طلع‪ .‬فمن كببان الحببد عنببده هببو الطلببوع نفسببه أوجببب عليببه‬
‫القضاء‪ ،‬ومن قال‪ :‬هو العلم الحاصل به لم يوجب عليه قضاء‪ .‬وسبب الختلف فببي‬
‫ذلك الحتمال الذي في قوله تعالى ‪-‬وكلوا واشربوا حببتى يتبببين لكببم الخيببط البيببض‬
‫من الخيط السود من الفجببر‪ -‬هببل المسبباك بببالتبيين نفسببه أو بالشببيء المتبببين؟ لن‬
‫العرب تتجوز فتستعمل لحق الشيء بببدل الشببيء علببى وجببه السببتعارة فكببأنه قببال‬
‫تعالى ‪-‬وكلوا واشربوا حتى يتبين لكببم الخيببط البيببض مببن الخيببط السببود‪ -‬لنببه إذا‬
‫تبين في نفسه تبين لنا‪ ،‬فإذا إضافة التبيين لنا هي التي أوقعت الخلف‪ ،‬لنه قد يتبببين‬
‫في نفسه ويتميز ول يتبين لنا‪ ،‬وظاهر اللفببظ يببوجب تعلببق المسبباك بببالعلم والقيبباس‬
‫يوجب تعلقه بالطلوع نفسه‪ ،‬أعني قياسا على الغببروب وعلببى سببائر حببدود الوقببات‬
‫الشرعية كالزوال وغيره فإن العتبار فببي جميعهببا فببي الشببرع هببو بببالمر نفسببه ل‬
‫بالعلم المتعلق به‪ .‬والمشهور عن مالك وعليببه الجمهببور أن الكببل يجببوز أن يتصببل‬
‫بالطلوع‪ ،‬وقيل بل يجب المساك قبببل الطلببوع‪ .‬والحجببة للقببول الول مببا فببي كتبباب‬
‫البخاري أظنه في بعض رواياته قال النبي صلى ال ب عليببه وسببلم‪" :‬وكلببوا واشببربوا‬
‫حتى ينادي ابن أم مكتوم فإنه ل ينببادي حببتى يطلببع الفجببر" وهببو نببص فببي موضببع‬
‫الخلف أو كالنص والموافق لظاهر قوله تعالى ‪-‬كلببوا واشببربوا‪ -‬اليببة‪ .‬ومببن ذهببب‬
‫إلى أنه يجب المساك قببل الفجبر فجريببا علببى الحتيباط وسبدا للذريعبة وهببو أورع‬
‫القولين والول أقيس‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫)‪ (1‬هكذا بالنسخة المصرية‪ ،‬وبالنسخة المغربية‪" :‬ول يهمزنكم"‪ ،‬فتأمل‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫@‪-‬الركن الثاني وهو المساك‪:‬‬
‫وأجمعوا على أنه يجب على الصائم المساك زمان الصوم عن المطعوم والمشروب‬
‫والجماع لقوله تعالى }فالن باشروهن وابتغوا ما كتب ال لكم وكلببوا واشببربوا حببتى‬
‫يتبين لكم الخيط البيض من الخيط السود من الفجر{ واختلفوا من ذلببك فببي مسببائل‬
‫منها مسكوت عنها ومنها منطوق بها أما المسكوت عنها‪ :‬إحببداها فيمببا يببرد الجببوف‬
‫مما ليس بمغذ وفيما يرد الجوف من غير منفذ الطعام والشببراب مثببل الحقنببة‪ ،‬وفيمببا‬
‫يرد باطن سائر العضاء ول يرد الجوف مثل أن يرد الدماغ ول يرد المعدة‪ .‬وسبب‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫اختلفهم في هذه هو قياس المغذي على غير المغذي‪ ،‬وذلك أن المنطوق به إنما هببو‬
‫المغذي‪ ،‬فمن رأى أن المقصود بالصوم معنى معقول لم يلحق المغذي بغير المغذي‪،‬‬
‫ومن رأى أنها عبادة غير معقولة‪ ،‬وأن المقصود منها إنما هو المساك فقط عما يرد‬
‫الجوف سوى بين المغذي وغير المغذي‪ ،‬وتحصيل مذهب مالك أنببه يجببب المسبباك‬
‫عن ما يصل إلى الحلق من أي المنافذ وصل مغذيا كان أو غيببر مغبذ‪ .‬وأمببا مببا عبدا‬
‫المأكول والمشروب من المفطرات فكلهم يقولون إن مببن قبببل فببأمنى فقببد أفطببر وإن‬
‫أمذى فلم يفطر إل مالك‪ .‬واختلفوا في القبلة للصائم‪ ،‬فمنهم مببن أجازهببا‪ ،‬ومنهببم مببن‬
‫كرهها للشاب وأجازها للشيخ ومنهم من كرهها على الطلق‪ ،‬فمن رخص فيها فلما‬
‫روى من حديث عائشة وأم سلمة "أن النبببي عليببه الصببلة والسببلم كببان يقبببل وهببو‬
‫صبائم" ومبن كرههبا فلمبا يبدعوا إليبه مبن الوقباع‪ .‬وشبذ قبوم فقبالوا‪ :‬القبلبة تفطبر‪،‬‬
‫واحتجوا لذلك بما روي عن ميمونة بنت سعد قالت "سأل رسول ال صلى الب عليببه‬
‫وسلم عن القبلة للصائم فقال‪" :‬أفطرا جميعا" خرج هذا الثر الطحاوي ولكن ضعفه‪.‬‬
‫وأما ما يقع من هذه مببن قبببل الغلبببة ومببن قبببل النسببيان فببالكلم فيببه عنببد الكلم فببي‬
‫المفطرات وأحكامها‪ .‬وأما ما اختلفوا فيه مما هو منطوق بببه فالحجامببة والقيببء‪ .‬أمببا‬
‫الحجامة فإن فيها ثلثة مذاهب‪ :‬قوم قالوا‪ :‬إنها تفطر وأن المساك عنها واجب‪ ،‬وبببه‬
‫قال أحمد وداود والوزاعي وإسحق بن راهويه وقببوم قببالوا‪ :‬إنهببا مكروهببة للصببائم‬
‫وليست تفطر‪ ،‬وبه قال مالك والشافعي والثوري‪ .‬وقوم قالوا‪ :‬إنها غير مكروهببة ول‬
‫مفطرة‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة وأصحابه‪ .‬وسبب اختلفهببم تعببارض الثببار الببواردة فببي‬
‫ذلك‪ ،‬وذلك أنه ورد في ذلك حديثان‪ :‬أحدهما ما روي من طريق ثوبان ومببن طريببق‬
‫رافع بن خديج أنه عليه الصببلة والسببلم قببال‪" :‬أفطببر الحبباجم والمحجببوم" وحببديث‬
‫ثوبان هذا كان يصححه أحمد‪ .‬والحديث الثاني حببديث عكرمببة عببن ابببن عببباس "أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم احتجم وهو صائم" وحديث ابن عباس هببذا صببحيح؛‬
‫فذهب العلماء فببي هببذين الحببديثين ثلثببة مببذاهب‪ :‬أحببدها مببذهب الترجيببح‪ .‬والثبباني‬
‫مذهب الجمعة‪ .‬والثالث مذهب السقاط عند التعارض والرجوع إلى البراءة الصلية‬
‫إذا لم يعلم الناسخ من المنسوخ‪ ،‬فمن ذهب مذهب الترجيح قال بحديث ثوبببان‪ ،‬وذلببك‬
‫أن هذا موجب حكما‪ ،‬وحديث ابن عببباس رافعببه‪ ،‬والمببوجب مرجببح عنببد كببثير مببن‬
‫العلماء على الرافع لن الحكم إذا ثبببت بطريببق يببوجب العمببل لببم يرتفببع إل بطريببق‬
‫يوجب العمل برفعه‪ ،‬وحديث ثوبان قد وجب العمل به‪ ،‬وحديث ابن عباس يحتمل أن‬
‫يكون ناسخا ويحتمل أن يكون منسوخا‪ ،‬وذلك شك والشك ل يببوجب عمل ول يرفببع‬
‫العلم الموجب للعمل‪ ،‬وهذا على طريقة من ل يرى الشك مؤثرا في العلببم‪ ،‬ومببن رام‬
‫الجمع بينهما حمل حديث النهي على الكراهية وحديث الحتجام علببى الحظببر‪ ،‬ومببن‬
‫أسقطهما للتعارض قال بإباحة الحتجام للصائم‪ .‬وأما القيء فإن جمهور الفقهاء على‬
‫أن من ذرعه القيء فليس بمفطر‪ ،‬إل ربيعة فإنه قال‪ :‬إنه مفطببر‪ ،‬وجمهببورهم أيضببا‬
‫على أنببه مببن اسبتقاء فقباء فبإنه مفطببر إل طبباوس‪ .‬وسبببب اختلفهببم مببا يتببوهم مببن‬
‫التعارض بين الحاديث الواردة في هذه المسألة اختلفهم أيضا في تصحيحها‪ ،‬وذلك‬
‫أنه ورد في هذا الباب حديثان أحدهما حديث أبي الدرداء "أن رسببول الب صببلى الب‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫عليه وسلم قاء فأفطر" قال معدان‪ :‬فلقيبت ثوببان فبي مسبجد دمشبق فقلبت لبه أن أببا‬
‫الدرداء حدثني "أن رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم قبباء فببأفطر‪ ،‬قببال‪ :‬صببدق أنببا‬
‫صببت له وضوءه" وحديث ثوبان هذا صححه الترمذي‪ .‬والخر حديث أبببي هريببرة‬
‫خرجه الترمذي وأبو داود أيضببا أن النبببي عليببه الصببلة والسببلم قببال‪" :‬مببن ذرعببه‬
‫القيء وهو صائم فليس عليه قضاء وإن اسببتقاء فعليببه القضبباء" وروى موقوفببا عببن‬
‫ابن عمر؛ فمن لم يصح عنده الثران كلهما قال‪ :‬ليس فيببه فطببر أصببل‪ ،‬ومببن أخببذ‬
‫بظبباهر حببديث ثوبببان ورجحببه علببى حببديث أبببي هريببرة أوجببب الفطببر مببن القيببء‬
‫بإطلق‪ ،‬ولم يفرق بيببن أن يسببتقيء أو ل يسببتقيء؛ ومببن جمببع بيببن الحببديثين وقببال‬
‫حديث ثوبان مجمل وحديث أبي هريرة مفسر والواجب حمبل المجمبل علبى المفسببر‬
‫فرق بين القئ والستقاءة‪ ،‬وهو الذي عليه الجمهور‬
‫@‪-‬الركن الثالث وهو النية‪:‬‬
‫والنظر في النية في مواضع منهبا هببل هببي شببرط فبي صببحة هبذه العببادة أم ليسبت‬
‫بشرط؟ وإن كانت شرطا فما الذي يجزئ من تعيينها؟ وهببل يجببب تجديببدها فببي كببل‬
‫يوم من أيام رمضان أم يكفببي فببي ذلببك النيببة الواقعببة فببي اليببوم الول؟ وإذا أوقعهببا‬
‫المكلف فأي وقت إذا وقعت فيه صح الصوم؟ وإذا لببم تقببع فيببه بطببل الصببوم؟ وهببل‬
‫رفض النية يوجب الفطر وإن لم يفطر؟ وكل هذه المطالب قببد اختلببف العلمبباء فيهببا‪.‬‬
‫أما كون النية شرطا في صحة الصيام فإنه قول الجمهور؛ وشذ زفر فقال‪ :‬ل يحتبباج‬
‫رمضان إلى النية إل أن يكون الذي يدركه صيام شهر رمضببان مريضببا أو مسببافرا‬
‫فيريد الصوم‪ .‬والسبب في اختلفهم الحتمال المتطببرق إلببى الصببوم هببل هببو عبببادة‬
‫معقولة المعنى أو غير معقولة المعنى؟ فمببن رأى أنهببا غيببر معقولببة المعنببى أوجببب‬
‫النية‪ ،‬ومن رأى أنها معقولة المعنى قال‪ :‬قد حصل المعنى إذا صام وإن لم ينو‪ ،‬لكببن‬
‫تخصيص زفر رمضان بذلك من بين أنواع الصوم فيببه ضببعف‪ ،‬وكببأنه لمببا رآى أن‬
‫أيام رمضان ل يجوز فيها الفطر‪ ،‬أي أن كل صوم يقع فيهببا ينقلببب صببوما شببرعيا‪،‬‬
‫وأن هذا شيء يخص هذه اليام‪ .‬وأما اختلفهم في تعيين النية المجزية في ذلببك فببإن‬
‫مالكا قال‪ :‬ل بد في ذلك من تعيين صوم رمضببان‪ ،‬ول يكفيببه اعتقبباد الصببوم مطلقببا‬
‫ول اعتقاد صوم معين غير صوم رمضان‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬إن اعتقد مطلق الصببوم‬
‫أجزأه‪ ،‬وكذلك إن نوى فيه صيام غير رمضان أجزأه وانقلب إلى صيام رمضببان إل‬
‫أن يكون مسافرا‪ ،‬فإنه إذا نوى المسافر عنده في رمضان صيام غيببر رمضببان كببان‬
‫ما نوى‪ ،‬لنه لم يجب عليه صببوم رمضببان وجوبببا معينببا‪ ،‬ولببم يفببرق صبباحباه بيببن‬
‫المسافر والحضر وقال‪ :‬كل صوم نوى فببي رمضببان انقلببب إلببى رمضببان‪ .‬وبسبببب‬
‫اختلفهم هل الكافي في تعيين النية في هذه العبادة هو تعيين جنببس العبببادة أو تعييببن‬
‫شخصها‪ ،‬وذلك أن كل المرين موجود في الشرع‪ ،‬مثال ذلك أن النية فببي الوضببوء‬
‫يكفي منها اعتقاد رفع الحدث لي شبيء كبان مبن العببادة البتي الوضبوء شبرط فبي‬
‫صحتها‪ ،‬وليس يختص عبادة عبادة بوضوء وضوء‪.‬‬
‫وأما الصلة فل بببد فيهببا مببن تعييببن شببخص العبببادة‪ ،‬فل بببد مببن تعييببن الصببلة إن‬
‫عصرا فعصرا‪ ،‬وإن ظهرا فظهببرا‪ ،‬وهبذا كلببه علببى المشبهور عنببد العلمبباء‪ ،‬فبتردد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الصوم عند هؤلء بين هذين الجنسين‪ ،‬فمن ألحقه بالجنس الواحد قال‪ :‬يكفي في ذلببك‬
‫اعتقاد الصوم فقط‪ ،‬ومن ألحقه بالجنس الثاني اشترط تعيين الصوم‪ .‬واختلفهم أيضا‬
‫في إذا نوى في أيام رمضلن صوما آخر هل ينقلب أو ل ينقلب؟ سببببه أيضببا أن مببن‬
‫العبادة عندهم من ينقلب من قبل أن الوقت الذي توقع فيه مختص بالعبادة التي تنقلب‬
‫إليه‪ ،‬ومنها ما ليس ينقلب‪ ،‬أما التي ل تنقلب فأكثرها‪ ،‬وأما التي تنقلب باتفاق فالحج‪.‬‬
‫وذلك أنهم قالوا إذا ابتدأ الحج تطوعا من وجب عليه الحج انقلب التطوع إلى فرض‪،‬‬
‫ولم يقولوا ذلك في الصلة ول في غيرها‪ ،‬فمن شبه الصوم بالحببج قببال ينقلببب ومببن‬
‫شبهه بغيره من العبادات قال ل ينقلب‪ .‬وأما اختلفهم في وقت النية‪ ،‬فإن مالكببا رأى‬
‫أنببه ل يجببزئ الصببيام إل بنيببة قبببل الفجببر‪ ،‬وذلببك فببي جميببع أنببواع الصببوم؛ وقببال‬
‫الشافعي‪ :‬تجزئ النية بعد الفجر في النافلة ول تجزئ في الفروض‪ .‬وقال أبو حنيفببة‪:‬‬
‫تجزئ النية بعد الفجر في الصيام المتعلق وجبوبه ببوقت معيبن مثبل رمضبان ونبذر‬
‫أيام محدودة‪ ،‬وكببذلك فببي النافلببة‪ ،‬ول يجببزئ فببي الببواجب فببي الذمببة‪ .‬والسبببب فببي‬
‫اختلفهم تعارض الثار في ذلك؛ أما الثار المتعارضة في ذلك‪ ،‬فأحببدها مببا خرجببه‬
‫البخاري عن حفصة أنه قال عليه الصلة والسلم "من لم يبيت الصيام من الليببل فل‬
‫صيام له" ورواه مالك موقوفا قال أبو عمببر‪ :‬حببديث حفصببة فببي إسببناده اضببطراب‪.‬‬
‫والثاني ما رواه مسلم عن عائشة قالت "قال لي رسول ال صلى ال عليه وسببلم ذات‬
‫يوم‪ :‬يا عائشة هل عندكم شيء؟ قالت‪ :‬قلت يارسول ال مببا عنببدنا شببيء‪ ،‬قببال فببإني‬
‫صائم" ولحديث معاوية أنه قال علبى المنبببر‪ :‬يببا أهببل المدينببة أيبن علمبباؤكم سببمعت‬
‫رسول ال صلى ال عليببه وسببلم يقببول "اليببوم هببذا يببوم عاشببوراء ولببم يكتببب علينببا‬
‫صيامه وأنببا صببائم فمببن شبباء منكببم فليصببم ومببن شبباء فليفطببر" فمببن ذهببب مببذهب‬
‫الترجيح أخذ بحديث حفصة‪ ،‬ومن ذهببب مببذهب الجمببع فببرق بيببن النفببل والفببرض‪،‬‬
‫أعني حمل حديث حفصة على الفرض‪ ،‬وحديث عائشة ومعاويببة علببى النفببل‪ ،‬وإنمببا‬
‫فرق أبو حنيفة بين الواجب المعين والواجب في الذمة‪ ،‬لن الواجب المعين لببه وقببت‬
‫مخصوص يقوم مقام النية في التعيين‪ ،‬الببذي فببي الذمببة ليببس لببه وقببت مخصببوص‪،‬‬
‫فأوجب أن التعيين بالنية؛ وجمهور الفقهاء على أنه ليست الطهارة من الجنابة شرطا‬
‫في صحة الصوم لما ثبت من حديث عائشة وأم سلمة زوجي النبببي صببلى الب عليببه‬
‫وسلم أنهما قالتا "كان رسول ال صلى ال عليه وسببلم يصبببح جنبببا مببن جمبباع غيببر‬
‫احتلم في رمضان ثم يصوم" ومن الحجة لهما الجماع على أن الحتلم بالنهببار ل‬
‫يفسد الصوم‪ .‬وروي عن إبراهيم النخعي وعببروة بببن الزبيببر وطبباوس أنببه إن تعمببد‬
‫ذلك أفسد صومه‪ .‬وسببب اختلفهببم مبا روي عبن أببي هريببرة أنبه كبان يقبول "مبن‬
‫أصبح جنبا في رمضان أفطر" وروي عنه أنه قال‪ :‬ما أنا قلته‪ ،‬محمد صلى ال عليه‬
‫وسلم قاله ورب الكعبة‪.‬‬
‫وذهب ابن الماجشون من أصحاب مالك أن الحائض إذا طهرت قبببل الفجببر فببأخرت‬
‫الغسل إلى يومها يوم فطر وأقاويل هؤلء شاذة ومردودة بالسنن المشهورة الثابتة‪.‬‬
‫@‪-‬القسم الثاني من الصوم المفروض‪:‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وهو الكلم في الفطر وأحكامه‪ :‬والمفطببرون فببي الشببرع علببى ثلثببة أقسببام‪ :‬صببنف‬
‫يجوز له الفطر والصوم بإجماع‪ .‬وصنف يجب عليببه الفطببر علببى اختلف فببي ذلببك‬
‫بين المسلمين‪ .‬وصنف ل يجوز له الفطر‪ ،‬وكل واحد من هؤلء تتعلق به أحكام‪ .‬أما‬
‫الذين يجوز لهم المران‪ :‬فالمريض بإتفاق‪ ،‬والمسافر باختلف‪ ،‬والحامل والمرضببع‬
‫والشيخ الكبير‪ .‬وهذا التقسيم كله مجمع عليه‪ .‬فأما المسبافر فبالنظر فيبه فبي مواضبع‬
‫منها‪ :‬هل إن صام أجزأه صومه أم ليس يجزيه؟ وهل إن كان يجزئ المسافر صومه‬
‫الفضل له الصوم أو الفطر أو هو مخير بينهما؟ وهل الفطر الجائز له هو فببي سببفر‬
‫محدود أم في كل ما ينطلق عليه اسم السفر في وضع اللغببة؟ ومببتى يفطببر المسببافر؟‬
‫ومتى يمسك؟ وهل إذا مر بعض الشببهر لببه أن ينشببئ السببفر أم ل؟ ثببم إذا أفطببر مببا‬
‫حكمه؟ وأما المريض فالنظر فيه أيضا في تحديد المرض الذي يجوز لببه فيببه الفطببر‬
‫وفي حكم الفطر‪.‬‬
‫)أما المسألة الولى( وهي إن صام المريض والمسافر هل يجزيه صومه عن فرضه‬
‫أم ل؟ فإنهم اختلفوا في ذلك‪ ،‬فذهب الجمهور إلى أنه إن صام وقببع صببيامه وأجببزأه‪،‬‬
‫وذهب أهل الظاهر إلى أنه ل يجزيه وأن فرضه هو أيام أخر‪ .‬والسبب في اختلفهببم‬
‫تردد قوله تعالى }فمن كان منكم مريضا أو على سببفر فعببدة مببن أيببام أخببر{ بيببن أن‬
‫يحمل على الحقيقة فل يكون هنالك محببذوف أصببل‪ ،‬أو يحمببل علببى المجبباز فيكببون‬
‫التقدير فأفطر فعببدة مببن أيببام أخببر‪ ،‬وهببذا الحببذف فببي الكلم هببو الببذي يعرفببه أهببل‬
‫صناعة الكلم بلحن الخطاب‪ ،‬فمن حمل الية على الحقيقة ولم يحملها علببى المجبباز‬
‫قال‪ :‬إن فرض المسافر عدة من أيام أخر لقوله تعالى }فعدة من أيام أخر{ ومببن قببدر‬
‫فأفطر قال‪ :‬إنما فرضببه عبدة مبن أيببام أخبر إذا أفطبر‪ .‬وكل الفريقيببن يرجبح تبأويله‬
‫بالثار الشاهدة لكل المفهومين‪ .‬وإن كان الصل هو أن يحمل الشببيء علببى الحقيقببة‬
‫حتى يدل الدليل على حمله على المجاز‪ .‬أما الجمهور فيحتجون لمذهبهم بما ثبت من‬
‫حديث أنس قال "سافرنا مع رسول ال صلى ال عليه وسببلم فببي رمضببان فلببم يعببب‬
‫الصائم على المفطر ول المفطر على الصائم" وبمببا ثبببت عنببه أيضببا أنببه قببال‪ :‬كببان‬
‫أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم يسافرون فيصوم بعضببهم ويفطببر بعضببهم‪.‬‬
‫فأهل الظاهر يحتجون لمذهبهم بما ثبت عببن ابببن عببباس "أن رسببول الب صببلى الب‬
‫عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح في رمضبان‪ ،‬فصبام حبتى بلبغ الكديبد ثبم أفطبر‬
‫فأفطر الناس" وكانوا يأخذون بالحدث فالحدث من أمر رسول ال صببلى الب عليببه‬
‫وسلم‪ .‬قالوا‪ :‬وهذا يدل على نسخ الصوم‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬والحجببة علببى أهببل الظبباهر‬
‫إجماعهم على أن المريض إذا صام أجزأه صومه‪.‬‬
‫)وأما المسألة الثانية( وهي هل الصوم أفضل أو الفطر؟ إذا قلنا أنببه مببن أهببل الفطببر‬
‫على مذهب الجمهور؛ فإنهم اختلفوا في ذلببك علببى ثلثببة مببذاهب‪ :‬فبعضببهم رأى أن‬
‫الصوم أفضل‪ ،‬وممن قببال بهببذا القببول مالببك وأبببو حنيفببة‪ .‬وبعضببهم رأى أن الفطببر‬
‫أفضل‪ ،‬وممن قال بهذا القول أحمد وجماعة‪ .‬وبعضببهم رأى أن ذلببك علببى التخييببر‪،‬‬
‫وأنه ليس أحدهما أفضل‪ .‬والسبب في اختلفهببم معارضببة المفهببوم مببن ذلببك لظبباهر‬
‫بعض المنقببول‪ ،‬ومعارضببة المنقببول بعضببه لبعببض وذلببك أن المعنببى المعقببول مببن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫إجازة الفطر للصائم إنما هو الرخصة له لمكان رفع المشقة عنه‪ ،‬ومببا كببان رخصببة‬
‫فالفضل ترك الرخصة‪ ،‬ويشهد لهذا حديث حمزة بن عمببرو السببلمي خرجببه مسببلم‬
‫ي من جنبباح؟ فقببال‬ ‫ي قوة على الصيام في السفر فهل عل ّ‬ ‫أنه قال "يا رسول ال أجد ف ّ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬هي رخصة من ال فمن أخذ بها فحسن‪ ،‬ومن أحببب‬
‫أن يصوم فل جناح عليه" وأما ما ورد من قوله عليه الصلة والسلم "ليس من البر‬
‫ن آخر فعله عليه الصلة والسلم كان الفطببر‪ ،‬فيببوهم أن‬ ‫أن تصوم في السفر" ومن أ ّ‬
‫الفطر أفضل‪ ،‬لكبن الفطبر لمبا كبان ليبس حكمبا وإنمبا هبو فعبل المبباح عسبر علبى‬
‫الجمهور أن يضعوا المباح أفضل من الحكم‪ .‬وأما من خّير فببي ذلببك فلمكببان حببديث‬
‫عائشة قالت "سأل حمزة بن عمرو السلمي رسبول الب صبلى الب عليبه وسبلم عبن‬
‫الصيام في السفر فقال‪ :‬إن شئت فصم وإن شئت فأفطر" خرجه مسلم‪.‬‬
‫)وأما المسألة الثالثة(‬
‫وهي هل الفطر الجائز للمسافر هو في سفر محبدود أو فبي سبفر غيبر محبدود‪ .‬فبإن‬
‫العلماء اختلفوا فيها؛ فذهب الجمهور إلى أنه إنما يفطر فببي السببفر الببذي تقصببر فيببه‬
‫الصلة‪ ،‬وذلك على حسب اختلفهم في هذه المسألة‪ .‬وذهب قبوم إلبى أنبه يفطبر فبي‬
‫كل ما ينطلق عليه اسم سفر وهم أهل الظاهر‪ .‬والسبب في اختلفهم معارضة ظاهر‬
‫اللفظ للمعنى‪ ،‬وذلك أن ظاهر اللفظ أن كل من ينطلق عليه اسم مسافر فلببه أن يفطببر‬
‫لقوله تعالى }فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعببدة مببن أيببام أخببر{ وأمببا المعنببى‬
‫المعقول من إجازة الفطر في السفر فهو المشقة‪ ،‬ولمببا كببانت ل توجببد فببي كببل سببفر‬
‫وجب أن يجوز الفطر في السفر الذي فيه المشقة ولما كان الصحابة كأنهم مجمعببون‬
‫على الحد في ذلك وجب يقاس ذلك على الحد في تقصير الصلة‪ .‬وأما المرض الذي‬
‫يجوز فيه الفطر‪ ،‬فإنهم اختلفوا فيه أيضا‪ ،‬فذهب قوم إلى أنه المرض الذي يلحق مببن‬
‫الصوم فيه مشقة وضرورة‪ ،‬وبه قال مالك‪ .‬وذهب قوم إلى أنه المرض الغالب‪ ،‬وبببه‬
‫قال أحمد‪ .‬وقال قوم إذا انطلق عليه اسم المريض أفطر‪ .‬وسبب اختلفهببم هببو بعينببه‬
‫سبب اختلفهم في حد السفر‪.‬‬
‫)وأما المسألة الخامسة( ]ل يوجد رابعة؟؟[‬
‫وهي متى يفطر المسافر ومتى يمسك‪ ،‬فإن قوما قالوا‪ :‬يفطببر يببومه الببذي خببرج فيببه‬
‫مسافرا‪ ،‬وبه قال الشعبي والحسن وأحمد‪ .‬وقالت طائفة‪ :‬ل يفطر يومه ذلك‪ ،‬وبه قال‬
‫فقهاء المصار‪ .‬واستحب جماعة العلماء لمن علم أنه يببدخل المدينببة أول يببومه ذلببك‬
‫أن يدخل صائما‪ ،‬وبعضهم في ذلك أكثر تشديدا من بعض وكلهم لم يوجبوا على مببن‬
‫دخل مفطرا كفارة‪ .‬واختلفببوا فببي مببن دخببل وقببد ذهببب بعببض النهببار‪ ،‬فببذهب مالببك‬
‫والشافعي على أنه يتمادى على فطره‪ .‬وقال أبو حنيفة وأصحابه‪ :‬يكببف عببن الكببل‪،‬‬
‫وكذلك الحائض عنده تطهر تكف عن الكل‪ .‬والسبب في اختلفهم فببي الببوقت الببذي‬
‫يفطر فيه المسافر هو معارضببة الثبر للنظببر‪ .‬أمببا الثببر فببإنه ثبببت مببن حببديث ابببن‬
‫عباس "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم صببام حببتى بلببغ الكديببد ثببم أفطببر وأفطببر‬
‫الناس معه" وظاهر هذا أنه أفطبر بعبد أن بيبت الصبوم‪ .‬وأمبا النباس فل يشبك أنهبم‬
‫أفطروا بعد تبييتهم الصوم‪ ،‬وفببي هببذا المعنببى أيضببا حببديث جبابر بببن عبببد الب "أن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫رسول ال صلى ال عليه وسلم خببرج عببام الفتببح إلببى مكببة‪ ،‬فسببار حببتى بلببغ كببراع‬
‫الغميم وصام الناس‪ ،‬ثم دعا بقدح من ماء فرفعببه حببتى نظببر النبباس إليببه ثببم شببرب‪،‬‬
‫فقيل لببه بعببد ذلببك إن بعببض النبباس قببد صببام فقببال‪" :‬أولئك العصبباة أولئك العصبباة"‬
‫وخرج أبو داود عن أبي نضرة الغفاري أنبه لمبا تجباوز الببيوت دعبا بالسبفرة‪ ،‬قبال‬
‫جعفر راوي الحديث‪ :‬فقلت‪ :‬ألست تؤم البيوت؟ فقال‪ :‬أترغببب عببن سببنة رسببول الب‬
‫صلى ال عليه وسلم؟ قال جعفر‪ :‬فأكل‪ .‬وأما النظر فلما كان المسافر ل يجوز لببه إل‬
‫أن يبيت الصوم ليلة سفره لم يجز لببه أن يبطببل صببومه وقببد بيتببه لقببوله تعببالى }ول‬
‫تبطلوا أعمالكم{ وأما اختلفهم في إمساك الببداخل فببي أثنبباء النهببار عببن الكببل أو ل‬
‫إمساكه‪ .‬فالسبب في اختلفهم في تشبيه من يطرأ عليه في يوم شك أفطر فيه الثبببوت‬
‫أنه من رمضان‪ ،‬فمن شبهه به قال يمسك عن الكل‪ ،‬ومن لم يشبهه به قال ل يمسك‬
‫عن الكل‪ ،‬لن الول أكل لموضع الجهل‪ ،‬وهذا أكل لسبب مبيبح أو مبوجب للكبل‪.‬‬
‫والحنفية تقول‪ :‬كلهما سببان موجبان للمساك عن الكل بعد إباحة الكل‪.‬‬
‫)وأما المسألة السادسة(‬
‫وهي هل يجوز للصائم في رمضان أن ينشيء سفرا ثم ل يصوم فيه‪ ،‬فبإن الجمهبور‬
‫على أنه يجوز ذلك له‪ .‬وروي عن بعضببهم وهببو عبيببدة السببلماني وسببويد بببن غفلببة‬
‫وابن مجلز أنببه إن سببافر فيببه صببام ولببم يجيببزوا لببه الفطببر‪ .‬والسبببب فببي اختلفهببم‬
‫اختلفهم في مفهوم قوله تعالى }فمن شهد منكم الشهر فليصمه{ وذلك أنببه يحتمببل أن‬
‫يفهم منه أن من شهد أن الواجب أن يصوم ذلك البعض الببذي شببهده‪ ،‬وذلببك أنببه لمببا‬
‫كان المفهوم باتفاق أن من شبهده كلبه فهبو يصبومه كلبه كبأن مبن شبهد بعضبه فهبو‬
‫يصوم بعضه‪ ،‬ويؤيد تأويل الجمهور إنشاء رسول ال صلى ال عليه وسلم السفر في‬
‫رمضان‪ .‬وأما حكم المسببافر إذا أفطببر فهببو القضبباء باتفبباق وكببذلك المريببض لقببوله‬
‫تعالى }فعدة من أيبام أخبر{ مبا عبدا المريبض بإغمباء أو جنبون‪ ،‬فبإنهم اختلفبوا فبي‬
‫وجوب القضاء عليه‪ ،‬وفقهاء المصار على وجوبه على المغمى عليببه واختلفببوا فببي‬
‫المجنون‪ ،‬ومذهب مالك وجوب القضاء عليه وفيه ضعف لقوله عليه الصلة والسلم‬
‫"وعن المجنون حتى يفيق" والذين أوجبوا عليهم القضاء اختلفببوا فببي كببون الغمبباء‬
‫والجنون مفسدًا للصوم‪ ،‬فقوم قالوا إنه مفسد‪ ،‬وقوم قببالوا‪ :‬ليببس بمفسببد‪ ،‬وقببوم فرقببوا‬
‫بين أن يكون أغمي عليه بعد الفجر أو قبل الفجر‪ ،‬وقببوم قببالوا‪ :‬إن أغمببي عليببه بعببد‬
‫مضي أكثر النهار أجزأه‪ ،‬وإن أغمي عليه في أول النهار قضى‪ ،‬وهو مذهب مالببك‪،‬‬
‫وهذا كلببه فيببه ضببعف‪ ،‬فببإن الغمبباء والجنببون صببفة يرتفببع بهبا التكليببف وبخاصببة‬
‫الجنون‪ ،‬إذا ارتفع التكليف لم يوصف لمفطر ول صائم فكيف يقال فببي الصببفة الببتي‬
‫ترفع التكليف إنها مبطلة للصببوم إل كمببا يقببال فببي الميببت أو فببي مببن ل يصببح منببه‬
‫العمل إنه قد بطل صومه وعمله‪ .‬ويتعلق بقضبباء المسببافر والمريببض مسببائل‪ :‬منهببا‬
‫هل يقضيان ما عليهما متتابعا أم ل؟ ومنها ماذا عليهما إذا أخرا القضبباء بغيببر عببذر‬
‫إلى أن يدخل رمضان آخر؟ ومنها إذا ماتا ولم يقضيا هل يصوم عنهما وليهمببا أو ل‬
‫يصوم؟‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫)أما المسألة الولى( فإن بعضهم أوجب أن يكون القضاء متتابعا علببى صببفة الداء‪،‬‬
‫وبعضهم لم يوجب ذلك‪ ،‬وهؤلء منهم من خير ومنهم من استحب التتابع‪ ،‬والجماعببة‬
‫على ترك إيجاب التتابع‪ .‬وسبب اختلفهم تعارض ظواهر اللفظ والقيبباس‪ ،‬وذلببك أن‬
‫القياس يقتضي أن يكون الداء على صببفة القضبباء أصببل ذلببك الصببلة والحببج‪ .‬أمببا‬
‫ظاهر قوله تعالى }فعدة مببن أيببام أخببر{ فإنمببا يقتضببي إيجبباب العببدد فقببط ل إيجبباب‬
‫التتابع‪ .‬وروي عببن عائشببة أنهببا قببالت‪ :‬نزلببت فعببدة مببن أيببام أخببر متتابعببات فسببقط‬
‫}متتابعات{ ‪ .‬وأما إذا أخر القضاء حتى دخل رمضان آخببر؛ فقببال قببوم‪ :‬يجببب عليببه‬
‫بعد صيام رمضان الداخل القضاء والكفارة‪ ،‬وبه قال مالبك والشببافعي وأحمببد‪ .‬وقبال‬
‫قوم‪ :‬ل كفارة عليه وبه قال الحسن البصري وإبراهيم النخعي‪ .‬وسبب اختلفهببم هببل‬
‫تقاس الكفارات بعضها على بعض أم ل؟ فمن لم يجز القياس في الكفارات قال‪ :‬إنمببا‬
‫عليه القضاء فقط‪ .‬ومن أجاز القياس في الكفارات قال‪ :‬عليبه كفبارة قياسبا علببى مبن‬
‫أفطبر متعمبدا لن كليهمبا مسبتهين بحرمبة الصبوم‪ .‬أمبا هبذا فببترك القضباء زمبان‬
‫القضاء‪ ،‬وأما ذلك فبالكبل فبي يبوم ل يجبوز فيبه الكبل‪ ،‬وإنمبا كبان يكبون القيباس‬
‫مستندا لو ثبت أن للقضاء زمنببا محببدودا بنببص مببن الشببارع‪ ،‬لن أزمنببة الداء هببي‬
‫المحدودة في الشرع‪ ،‬وقد شببذ قببوم فقببالوا‪ :‬إذا اتصببل مببرض المريببض حببتى يببدخل‬
‫رمضان آخر أنه ل قضاء عليه وهذا مخالف للنص‪ .‬وأما إذا مات وعليه صببوم فببإن‬
‫قوما قالوا‪ :‬ل يصوم أحد عن أحد‪ .‬وقوم قالوا يصبوم عنبه وليبه‪ ،‬والبذين لبم يوجببوا‬
‫الصوم قالوا‪ :‬يطعم عنه وليه‪ ،‬وبه قال الشافعي‪ .‬وقال بعضببهم‪ :‬ل صببيام ول إطعببام‬
‫إل أن يوصي به‪ ،‬وهو قول مالببك‪ .‬وقببال أبببو حنيفببة يصببوم‪ ،‬فببإن لببم يسببتطع أطعببم‬
‫وفرق قوم بين النذر والصيام المفروض فقالوا يصوم عنه وليه في النذر ول يصببوم‬
‫في الصيام المفروض والسبب في اختلفهم معارضبة القيبباس للثبر وذلبك أنببه ثببت‬
‫عنه من حديث عائشة أنه قال عليه الصلة والسلم "من مببات وعليببه صببيام صببامه‬
‫عنه وليه" خرجه مسلم‪ ،‬وثبت عنه أيضا من حديث ابن عباس أنببه قببال "جبباء رجببل‬
‫إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال‪ :‬يارسول ال إن أمي مبباتت وعليهببا صببوم شببهر‬
‫أفأقضيه عنها؟ فقال‪ :‬لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها؟ قال نعببم‪ ،‬قببال‪ :‬فببدين‬
‫ال أحق بالقضاء" فمن رأى أن الصول تعارضه‪ ،‬وذلك أنه كما أنببه ل يصببلي أحببد‬
‫عن أحد ول يتوضأ أحد عن أحد وكذلك ل يصوم أحد عن أحبد قبال‪ :‬ل صبيام علبى‬
‫الولي‪ ،‬ومن أخذ بالنص في ذلك قال‪ :‬بإيجاب الصيام عليه‪ ،‬ومن لم يأخذ بالنص فببي‬
‫ذلك قصببر الوجببوب علببى النببذر‪ ،‬ومببن قباس رمضببان عليببه قبال‪ :‬يصببوم عنببه فببي‬
‫رمضان‪ .‬وأما من أوجب الطعام فمصيرا إلى قراءة من قرأ }وعلى الببذين يطيقببونه‬
‫فدية{ الية‪.‬‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫@)تابع‪- :(1 ...‬القسم الثاني من الصوم المفروض‪... ...:‬‬
‫ومن خير في ذلك فجمعا بين الية والثر‪ ،‬فهذه هي أحكببام المسببافر والمريببض مببن‬
‫الصنف البذي يجبوز لهببم الفطببر والصبوم‪ .‬وأمببا ببباقي هببذا الصببنف وهببو المرضببع‬
‫والحامل والشيخ الكبير‪ ،‬فإن فيه مسألتين مشهورتين‪ :‬إحداهما الحامل والمرضببع إذا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أفطرتا ماذا عليهما؟ وهذه المسألة للعلماء فيها أربعة مببذاهب‪ :‬أحبدها أنهمبا يطعمبان‬
‫ول قضاء عليهما‪ ،‬وهببو مببروي عببن ابببن عمببر وابببن عببباس‪ .‬والقببول الثبباني أنهمببا‬
‫يقضيان فقط ول إطعام عليهما وهو مقابل الول وبه قال أبو حنيفببة وأصببحابه وأبببو‬
‫عبيد وأبو ثور‪ .‬والثالث أنهما يقضيان ويطعمان وبه قال الشافعي والقببول الرابببع أن‬
‫الحامل تقضي ول تطعم والمرضع تقضبي وتطعبم‪ ،‬وسببب اختلفهبم تبردد شببههما‬
‫بين الذي يجهده الصوم وبين المريض‪ ،‬فمن شبههما بالمريض قال‪ :‬عليهمببا القضبباء‬
‫فقط‪ ،‬ومن شبههما بالذي يجهده الصوم قال عليهما الطعام فقط بدليل قراءة مبن قبرأ‬
‫}وعلى الذين يطيقونه فديبة طعبام مسباكين{ اليبة‪ .‬وأمبا مبن جمبع عليهمبا المريبن‬
‫فيشبه أن يكون رأى فيهما من كل واحد شبها فقال‪ :‬عليهما القضاء من جهة ما فيهما‬
‫من شبه المريض وعليهما الفدية من جهة ما فيهما من شبببه الببذين يجهببدهم الصببيام‪،‬‬
‫ويشبه أن يكون شبههما بالمفطر الصحيح لكن يضعف هذا‪ ،‬فإن الصحيح ل يباح لببه‬
‫الفطببر‪ .‬ومببن فببرق بيببن الحامببل والمرضببع ألحببق الحامببل بببالمريض وأبقببى حكببم‬
‫المرضع مجموعا من حكم المريض وحكم الذي يجهده الصببوم أو شبببهها بالصببحيح‬
‫ومن أفرد لهما أحد الحكمين أولى وال أعلم ممن جمع‪ ،‬كما أن من أفردهما بالقضاء‬
‫أولى ممن أفردهما بالطعام فقط لكون القراءة غيببر متببواترة‪ ،‬فتأمببل هببذا فببإنه بيببن‪.‬‬
‫وأما الشيخ الكبير والعجوز اللذان ل يقدران على الصيام فإنهم أجمعوا على أن لهمببا‬
‫أن يفطرا‪ ،‬واختلفوا في ما عليهما إذا أفطرا‪ ،‬فقال قببوم‪ :‬عليهمببا الطعببام‪ .‬وقبال قببوم‬
‫ليس عليهما إطعام‪ ،‬وبالول قببال الشببافعي وأبببو حنيفببة‪ ،‬وبالثبباني قببال مالببك إل أنببه‬
‫استحبه‪ .‬وأكثر من رأى الطعام عليهما يقول مد عن كل يوم‪ ،‬وقيل إن حفن حفنببات‬
‫كما كان أنس يصنع أجببزأه‪ .‬وسبببب اختلفهببم اختلفهببم فببي القببراءة الببتي ذكرناهببا‪،‬‬
‫أعني قراءة من قرأ }وعلى الذين يطوقونه{ فمن أوجب العمل بالقراءة التي لم تثبببت‬
‫في المصحف إذا وردت من طريق الحاد العدول قال‪ :‬الشيخ منهم‪ ،‬ومن لببم يببوجب‬
‫بها عمل جعل حكمه حكم المريض الذي يتمادى به المرض حتى الموت‪ ،‬فهببذه هببي‬
‫أحكام الصنف من الناس الببذين يجببوز لهببم الفطببر‪ ،‬أعنببي أحكببامهم المشببهورة الببتي‬
‫أكثرها منطوق به أو لها تعلق بالمنطوق به في الصنف الذي يجوز لببه الفطببر‪ .‬وأمببا‬
‫النظر في أحكام الصنف الذي يجوز له الفطر إذا أفطر‪ ،‬فإن النظببر فببي ذلببك يتببوجه‬
‫إلى من يفطر بجماع وإلى من يفطر بغير جمبباع وإلببى مببن يفطببر ببأمر متفببق عليببه‬
‫وإلى من يفطر بأمر مختلف عليه‪ ،‬أعني بشبهة أو بغير شبهة‪ ،‬وكل واحد من هببذين‬
‫إمببا أن يكببون علببى طريببق السببهو أو طريببق العمببد أو طريببق الختيببار أو طريببق‬
‫الكراه‪ .‬أما من أفطر بجماع متعمدا فببي رمضببان‪ ،‬فببإن الجمهببور علببى أن الببواجب‬
‫عليه القضاء والكفارة‪ ،‬لما ثبت من حديث أبي هريرة أنه قال "جاء رجل إلى رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فقال‪ :‬هلكت يا رسول ال‪ ،‬قال‪ :‬وما أهلكك؟ قال وقعت على‬
‫إمرأتي في رمضان‪ ،‬قال‪ :‬هل تجد ما تعتق به رقبة؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فهببل تسببتطيع أن‬
‫تصوم شهرين متتابعين؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فهل تجد ما تطعم به ستين مسببكينا؟ قببال‪ :‬ل‪،‬‬
‫ثم جلس فأتى النبي صلى ال عليه وسلم بفببرق فيببه تمببر فقببال‪ :‬تصببدق بهببذا‪ ،‬فقببال‪:‬‬
‫أعلى أفقر مني؟ فما بين لبتيها أهل بيت أحوج إليه منا‪ ،‬قببال‪ :‬فضببحك النبببي صببلى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ال عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال‪ :‬إذهب فأطعمه أهلببك" واختلفببوا مببن ذلببك فببي‬
‫مواضع‪ :‬منها هل الفطار متعمدا بالكل والشرب حكمببه كلفطببار فببي الجمبباع فببي‬
‫القضاء والكفارة أم ل؟ ومنها إذا جامع ساهيا ماذا عليه؟ ومنها مباذا علبى المبرأة إذا‬
‫لم تكن مكرهة؟ ومنها هبل الكفبارة واجببة فيبه مترتببة أو علبى التخييبر؟ ومنهبا كبم‬
‫المقببدار الببذي يجببب أن يعطببى كببل مسببكين إذا كفببر بالطعببام؟ ومنهببا هببل الكفببارة‬
‫متكببررة بتكببرر الجمبباع أم ل؟ ومنهببا إذا لزمببه الطعببام وكببان معسببرا هببل يلزمببه‬
‫الطعام إذا أثرى أم ل؟ وشذ قوم فلم يوجبوا على المفطر عمدا بالجمبباع إل القضبباء‬
‫فقط‪ ،‬إما لنه لم يبلغهم هذا الحديث‪ ،‬وأما أنه لم يكن المر عزمة فببي هببذا الحببديث‪،‬‬
‫لنه لو كان عزمة لوجب إذا لببم يسببتطع العتبباق أو الطعببام أن يصببوم‪ ،‬ول بببد إذا‬
‫كان صحيحا على ظاهر الحديث‪ ،‬وأيضا لو كان عزمة لعلمه عليه الصلة والسلم‬
‫أنه إذا صح أنه يجب عليه الصيام أن لو كان مريضا وكببذلك شببذ قببوم أيضببا فقببالوا‪:‬‬
‫ليس عليه إل الكفارة فقط إذ ليس في الحديث ذكر القضاء‪ ،‬والقضاء الواجب بالكتاب‬
‫إنما هو لمن أفطر ممن يجوز له الفطر‪ ،‬أو ممن ل يجوز له الصببوم علببى الختلف‬
‫الذي قررناه قبل في ذلك‪ ،‬فأما من أفطر متعمدا فليس في إيجاب القضاء عليببه نببص‬
‫فيلحق في قضاء المتعمد الخلف الببذي لحببق فببي قضبباء تببارك الصببلة عمببدا حببتى‬
‫خرج وقتها‪ ،‬إل أن الخلف في هاتين المسألتين شاذ‪ .‬وأما الخلف المشهور فهو في‬
‫المسائل التي عددناها قبل‪.‬‬
‫)أما المسألة الولى( وهي هل تجب الكفارة بالفطار بالكببل والشببرب متعمببدا‪ ،‬فببإن‬
‫مالك وأصحابه وأبببا حنيفببة وأصببحابه والثببوري وجماعببة ذهبببوا إلببى أن مببن أفطببر‬
‫متعمدا بأكل أو شرب أن عليه القضاء والكفارة المببذكورة فببي هببذا الحببديث‪ .‬وذهببب‬
‫الشافعي وأحمد وأهل الظاهر إلى أن الكفارة إنما تلزم في الفطار من الجمبباع فقببط‪.‬‬
‫والسبب في اختلفهم اختلفهم في جواز قياس المفطر بالكل والشرب على المفطببر‬
‫بالجماع‪ ،‬فمن رأى أن شبههما فيه واحد وهبو انتهباك حرمببة الصببوم جعبل حكمهمبا‬
‫واحد‪ .‬ومببن رأى أنببه وإن كببانت الكفببارة عقاببا لنتهباك الحرمبة فإنهببا أشببد مناسبببة‬
‫للجماع منها لغيره‪ ،‬وذلك أن العقاب المقصود به الردع والعقبباب الكبببر قببد يوضببع‬
‫لما إليه النفس أميل وهو لها أغلب من الجنايببات وإن كببانت الجنايببة متقاربببة إذ كببان‬
‫المقصود من ذلك إلتزام الناس بالشرائع‪ ،‬وأن يكونوا أخيارا عببدول كمببا قببال تعببالى‬
‫}كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين مببن قبلكببم لعلكببم تتقببون{ قببال هببذه الكفببارة‬
‫المغلظة خاصة بالجماع‪ ،‬وهذا إذا كان ممن يرى القياس‪ .‬وأمببا مببن ل يببرى القيبباس‬
‫فأمره بين أنه ليس يعدى حكم الجماع إلى الكل والشببرب‪ .‬وأمببا مببا روى مالبك فبي‬
‫الموطببأ أن رجل أفطببر فببي رمضببان فببأمره النبببي صببلى الب عليببه وسببلم بالكفببارة‬
‫المذكورة فليس بحجة لن قول الراوي فأفطر هو مجمببل‪ ،‬والمجمببل ليببس لببه عمببوم‬
‫فيؤخذ به‪ ،‬لكن هذا قببول علببى إن الببراوي كببان يببرى أن الكفببارة لموضببع الفطببار‪،‬‬
‫ولول ذلك لما عبر بهذا اللفظ ولذكر النوع من الفطر الذي أفطر به‪.‬‬
‫)وأما المسألة الثانية( وهو إذا جامع ناسيا لصومه‪ ،‬فإن الشافعي وأبا حنيفببة يقببولن‪:‬‬
‫ل قضاء عليه ول كفارة‪ .‬قال مالك‪ :‬عليببه القضبباء دون الكفببارة‪ .‬وقببال أحمببد وأهببل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الظاهر عليه القضاء والكفارة وسبب اختلفهببم فببي قضبباء الناسببي معارضببة ظبباهر‬
‫الثر في ذلك للقياس وأما القياس فهو تشبيه ناسي الصوم بناسي الصلة‪ ،‬فمن شبببهه‬
‫بناسي الصلة أوجب عليه القضاء كوجوبه بالنص على ناسببي الصببلة‪ .‬وأمببا الثببر‬
‫المعارض بظاهره لهذا القياس فهو ما خرجه البخاري ومسلم عن أبببي هريببرة قببال‪:‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليببه وسببلم‪" :‬مببن نسببي وهببو صببائم فأكببل أو شببرب فليتببم‬
‫صومه فإنما أطعمه ال وسقاه" وهذا الثر يشهد له عموم قوله عليه الصلة والسببلم‬
‫"رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" ومن هذا الباب اختلفهببم فيمببن‬
‫ظن أن الشمس قد غربت فأفطر ثم ظهرت الشمس بعد ذلك هببل عليببه قضبباء أم ل؟‬
‫وذلك أن هذا مخطئ‪ ،‬والمخطئ والناسي حكمهما واحد‪ ،‬فكيفمببا قلنببا فتببأثير النسببيان‬
‫في إسقاط القضاء بين وال أعلم‪ .‬وذلك أّنا إن قلنا أن الصل هبو أن ل يلبزم الناسببي‬
‫قضاء حبتى يبدل البدليل علبى ذلبك وجبب أن يكبون النسبيان ل يبوجب القضباء فبي‬
‫الصوم إذ ل دليل ههنا على ذلك بخلف المر في الصلة‪ ،‬وإن قلنببا أن الصببل هببو‬
‫إيجاب القضاء حتى يدل الدليل على رفعه عن الناسي فقد دل الدليل فببي حببديث أبببي‬
‫هريرة على رفعه عن الناسي‪ ،‬اللهم إل أن يقول قائل‪ :‬إن الدليل الذي اسببتثنى ناسببي‬
‫الصوم من ناسي سبائر العببادات الببتي رفبع عببن تاركهبا الحبرج ببالنص هببو قيبباس‬
‫الصوم على الصلة‪ ،‬ولكن إيجاب القضبباء فيببه ضببعف‪ ،‬وإنمببا القضبباء عنببد الكببثر‬
‫واجب بأمر متجدد‪ .‬وأما من أوجب القضاء والكفارة على المجببامع ناسببيا فضببعيف‪،‬‬
‫فإن تأثير النسيان في إسقاط العقوبات بّين في الشرع والكفببارة مببن أنببواع العقوبببات‬
‫وإنما أصارهم إلى ذلك أخذهم بمجمل الصفة المنقولة في الحديث أعنببي مببن أنببه لببم‬
‫يذكر فيه أنه فعل ذلك عمدا ول نسبيانا‪ ،‬لكببن مببن أوجبب الكفبارة علببى قاتببل الصببيد‬
‫نسيانا لم يحفظ أصله في هذا مع أن النص إنما جاء في المتعمد‪ ،‬وقد كان يجب علببى‬
‫أهل الظاهر أن يأخذوا بالمتفق عليه وهببو إيجبباب الكفببارة علببى العامببد إلببى أن يببدل‬
‫الدليل على إيجابها على الناسي‪ ،‬أو يأخذوا بعموم قوله عليه الصببلة والسببلم "رفببع‬
‫عن أمتي الخطأ والنسيان" حتى يدل الدليل على التخصيص‪ ،‬ولكببن كل الفريقيببن لببم‬
‫يلزم أصله وليس في مجمل ما نقل من حديث العرابببي حجببة‪ .‬ومببن قببال مببن أهببل‬
‫الصببول إن تببرك التفصببيل فببي اختلف الحببوال مببن الشببارع بمنزلببة العمببوم فببي‬
‫القوال فضعيف‪ ،‬فإن الشارع لم يحكم قط إل على مفصل وإنما الجمال في حقنا‪.‬‬
‫)وأما المسألة الثالثة( وهو اختلفهم في وجوب الكفارة على المرأة إذا طاوعته علببى‬
‫الجمباع‪ ،‬فبإن أببا حنيفبة وأصبحابه ومالكبا وأصبحابه أوجببوا عليهبا الكفبارة‪ ،‬وقبال‬
‫الشافعي وداود‪ :‬ل كفارة عليها‪ .‬وسبب اختلفهم معارضة ظاهر الثر للقياس‪ ،‬وذلك‬
‫أنه عليه الصلة والسلم لببم يببأمر المببرأة فببي الحببديث بالكفببارة‪ ،‬والقيبباس أنهببا مثببل‬
‫الرجل إذ كان كلهما مكلف‪.‬‬
‫)وأما المسألة الرابعه( وهي هل هذه الكفارة مرتبة ككفارة الظهار أو علببى التخييببر‪،‬‬
‫وأعني بالترتيب أن ل ينتقل المكلف إلى واحد من الواجبات المخيببرة إل بعببد العجببز‬
‫عن الذي قبله‪ ،‬وبالتخيير أن يفعل منها ما شاء ابتداء من غير عجز عن الخر فإنهم‬
‫أيضا اختلفوا في ذلك‪ ،‬فقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وسائر الكوفيين‪ :‬هي غيببر‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مرتبة‪ ،‬فالعتق أول‪ ،‬فإن لم يجد فالصيام‪ ،‬فإن لم يستطع فالطعبام‪ .‬وقبال مالبك‪ :‬هبي‬
‫على التخيير‪ .‬وروى عنه ابن القاسم مع ذلك أنببه بسببتحب الطعببام أكببثر مببن العتببق‬
‫ومن الصيام‪ .‬وسبب اختلفهم في وجوب الترتيب تعببارض ظبواهر الثببار فبي ذلببك‬
‫والقيسة‪ ،‬وذلك أن ظاهر حديث العرابي المتقدم يوجب أنها على الببترتيب إذ سببأله‬
‫النبي عليه الصلة والسلم عن الستطاعة عليها مرتبا‪ ،‬وظبباهر مببا رواه مالببك مببن‬
‫"أن رجل أفطر في رمضان فأمره رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يعتق رقبببه أو‬
‫يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا" أنها على التخيير‪ ،‬إذ أو إنما تقتضببي‬
‫في لسان العرب التخيير‪ ،‬وإن كان ذلك من لفظ الراوي الصاحب‪ ،‬إذ كانوا هببم أقعببد‬
‫بمفهوم الحوال ودللت القوال‪ .‬وأما القيسببة المعارضببة فببي ذلببك فتشبببيهها تببارة‬
‫بكفارة الظهار وتارة بكفارة اليمين‪ ،‬لكنها أشبه بكفارة الظهببار منهببا بكفببارة اليميببن‪،‬‬
‫وأخذ الترتيب من حكاية لفظ الراوي‪ .‬وأما استحباب مالك البتداء بالطعام فمخببالف‬
‫لظواهر الثار‪ ،‬وإنما ذهب إلى هذا من طريق القياس‪ ،‬لنه رأى الصيام قد وقع بدله‬
‫الطعام في مواضع شتى من الشرع‪ ،‬وإنه مناسب له أكثر من غيره بدليل قراءة من‬
‫قرأ }وعلى الذين يطوقببونه فديببة طعببام مسبباكين{ ولببذلك اسببتحب هببو وجماعببة مببن‬
‫العلماء لمن مات وعليه صوم أن يكفر بالطعبام عنبه‪ ،‬وهبذا كبأنه مبن بباب ترجيببح‬
‫القياس الذي تشهد له الصول على الثر الذي ل تشهد له الصول‪.‬‬
‫)وأما المسببألة الخامسببة( وهببو اختلفهببم فببي مقببدار الطعببام‪ ،‬فببإن مالكببا والشببافعي‬
‫وأصحابهما قالوا‪ :‬يطعم لكل مسكين مدا بمد النبي صببلى الب عليببه وسببلم وقببال أبببو‬
‫حنيفة وأصحابه‪ :‬ل يجزئ أقل من مدين بمد النبي صلى ال عليه وسلم وذلك نصف‬
‫صاع لكل مسكين‪ .‬وسبب اختلفهم معارضة القياس للثر‪ .‬وأما القياس فتشبببيه هببذه‬
‫الفدية بفدية الذى المنصوص عليها‪ .‬وأما الثر فمببا روي فببي بعببض طببرق حببديث‬
‫الكفارة أن الفرق كان فيه خمسة عشر صاعا‪ ،‬لكن ليس يدل كونه فيببه خمسببة عشببر‬
‫صاعا على الواجب من ذلك لكل مسكين إل دللة ضعيفة‪ ،‬وإنمببا يببدل علببى أن بببدل‬
‫الصيام في هذه الكفارة هو هذا القدر‪.‬‬
‫)وأما المسألة السادسة( وهي تكرر الكفارة بتكرر الفطار فإنهم أجمعوا على أن من‬
‫وطئ في يوم رمضان ثم كفر ثم وطئ في يوم آخر أن عليه كفارة أخرى‪ ،‬وأجمعببوا‬
‫على أنه من وطئ مرارا في يوم واحد أنه ليس عليه إل كفارة واحدة‪ .‬واختلفوا فيمن‬
‫وطئ في يوم من رمضان ولم يكفر حتى وطئ في يببوم ثببان‪ ،‬فقببال مالببك والشببافعي‬
‫وجماعة‪ :‬عليه لكل يوم كفارة‪ ،‬وقال أبو حنيفة وأصحابه‪ :‬عليببه كفبارة واحبدة مبا لبم‬
‫يكفر عن الجماع الول‪ .‬والسبب في اختلفهم تشبيه الكفارات بالحببدود‪ ،‬فمببن شبببهها‬
‫بالحدود قال‪ :‬كفارة واحدة تجزئ في ذلببك عببن أفعببال كببثيرة كمببا يلببزم الزانببي جلببد‬
‫واحد‪ ،‬وإن زنى ألف مرة إذا لم يحد لواحدة منها‪ .‬ومن لم يشبهها بالحدود جعل لكببل‬
‫واحد من اليام حكما منفردا بنفسه في هتك الصوم فيببه أوجببب فببي كببل يببوم كفبارة‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬والفرق بينهما أن الكفارة فيها نوع من القربة‪ .‬والحدود زجر محض‪.‬‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫@)تابع‪- :(2 ...‬القسم الثاني من الصوم المفروض‪... ...:‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫)وأما المسألة السابعة( وهي هل يجب عليه الطعام إذا أيسر وكان معسرا فببي وقببت‬
‫الوجوب فإن الوزاعي قال‪ :‬ل شيء عليه إن كان معسرا‪ .‬وأما الشببافعي فببتردد فببي‬
‫ذلك‪ .‬والسبب في اختلفهم في ذلك أنه حكم مسكوت عنببه فيحتمببل أن يشبببه بالببديون‬
‫فيعود الوجوب عليه في وقت الثراء‪ ،‬ويحتمببل أن يقببال‪ :‬لببو كببان ذلببك واجبببا عليببه‬
‫لبينه له عليه الصلة والسلم‪ ،‬فهذه أحكام من أفطر متعمدا فببي رمضببان ممببا أجمببع‬
‫على أنه مفطر‪ .‬وأما من أفطر مما هو مختلف فيه‪ ،‬فإن بعض من أوجب فيببه الفطببر‬
‫أوجب فيه القضاء والكفارة وبعضهم أوجب فيه القضاء فقببط‪ ،‬مثببل مببن رأى الفطببر‬
‫في الحجامة ومن الستقاء‪ ،‬ومن بلع الحصاة‪ ،‬ومثل المسببافر يفطببر أول يببوم يخببرج‬
‫عند من يرى أنه ليس لببه أن يفطببر فببي ذلببك اليببوم‪ ،‬فببإن مالكببا أوجببب فيببه القضبباء‬
‫والكفارة‪ ،‬وخالفه في ذلك سائر فقهاء المصار وجمهور أصحابه‪ .‬وأمببا مببن أوجببب‬
‫القضاء والكفارة من السببتقاء فببأبو ثببور والوزاعببي وسببائر مببن يببرى أن السببتقاء‬
‫مفطر ل يوجبون إل القضاء فقط‪ .‬والذي أوجب القضاء والكفببارة فببي الحتجببام مببن‬
‫القائلين بأن الحجامة تفطر هو عطاء وحببده‪ .‬وسببب هببذا الخلف أن المفطبر بشببيء‬
‫فيه اختلف فيه شبه من غير المفطر ومن المفطر‪ .‬فمن غلب أحد الشبهين أوجب له‬
‫ذلك الحكم وهذان الشبهان الموجودان فيه هما اللذان أوجبببا فيببه الخلف‪ ،‬أعنببي هببل‬
‫هو مفطر أو غير مفطر‪ ،‬ولكون الفطار شبهة ل يوجب الكفارة عند الجمهور وإنما‬
‫يوجب القضاء فقط‪ ،‬نزع أبو حنيفة إلى أنه من أفطر متعمدا للفطر ثم طرأ عليه فببي‬
‫ذلك اليوم سبب مبيح للفطر أنه ل كفارة عليه كالمرأة تفطببر عمببدا ثببم تحيببض ببباقي‬
‫النهار‪ ،‬وكالصحيح يفطر عمدا ثم يمببرض والحاضببر يفطبر ثبم يسبافر‪ ،‬فمبن اعتببر‬
‫المر في نفسه أعني أنه مفطر في يوم جاز له الفطار فيه لم يوجب عليهم الكفببارة‪،‬‬
‫وذلك أن كل واحد من هؤلء قد كشف له الغيب أنه أفطر في يببوم جبباز لببه الفطببار‬
‫فيه‪ ،‬ومن اعتبر الستهانه بالشرع أوجب عليه الكفارة‪ ،‬لنه حين أفطر لم يكن عنببده‬
‫علم بالباحة‪ ،‬وهو مذهب مالك والشافعي‪ .‬ومن هذا الباب إيجاب مالك القضبباء فقببط‬
‫ك في الفجر‪ ،‬وإيجابه القضاء والكفارة على من أكل وهو شبباك‬ ‫على من أكل وهو شا ّ‬
‫في الغروب على ما تقدم من الفرق بينهما‪ .‬واتفق الجمهور على أنه ليس فببي الفطببر‬
‫عمدا في قضاء رمضان كفارة‪ ،‬لنه ليس له حرمة زمان الداء‪ :‬أعني رمضببان‪ ،‬إل‬
‫قتادة فإنه أوجب عليه القضاء والكفارة‪ .‬وروي عن ابن القاسم وابببن وهببب أن عليببه‬
‫يومين قياسا على الحج الفاسد‪ .‬وأجمعوا علببى أن مببن سببنن الصببوم تببأخير السببحور‬
‫وتعجيل الفطر لقوله عليه الصلة والسلم " ل يزال النبباس بخيببر مببا عجلببوا الفطببر‬
‫وأخروا السحور" وقال "تسحروا فإن في السحور بركة" وقال عليه الصلة والسببلم‬
‫"فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السببحر" وكببذلك جمهببورهم علببى أن‬
‫من سنن الصوم ومرغباته كف اللسان عن الرفث والخنا لقوله عليه الصلة والسببلم‬
‫"إنما الصوم جنة‪ ،‬فإذا أصبح أحدكم صائما فل يرفث ول يجهببل‪ ،‬فببإن امببرؤ شبباتمه‬
‫فليقل إني صائم" وذهب أهل الظاهر إلى أن الرفث يفطر وهو شاذ فهببذه مشببهورات‬
‫ما يتعلق بالصوم المفروض من المسائل وبقي القول في الصوم المندوب إليببه‪ ،‬وهببو‬
‫القسم الثاني من هذا الكتاب‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‪.‬‬


‫*‪*3‬كتاب الصيام الثاني وهو المندوب إليه‪.‬‬
‫@‪-‬والنظر في الصيام المندوب إليه هو في تلك الركان الثلثة وفببي حكببم الفطببار‬
‫فيه‪ .‬فأما اليام التي يقع فيهببا الصببوم المنببدوب إليببه وهببو الركببن الول‪ ،‬فإنهببا علببى‬
‫ثلثة أقسام‪ :‬أيام مرغب فيها‪ ،‬وأيام منهى عنها‪ ،‬وأيام مسكوت عنهببا‪ .‬ومببن هببذه مببا‬
‫هو مختلف فيه‪ ،‬ومنها ما هو متفق عليه‪ .‬أما المرغب فيبه المتفبق عليببه فصبيام يبوم‬
‫عاشوراء‪ .‬وأما المختلف فيه فصبيام يبوم عرفبة وسبت مبن شبوال والغبرر مبن كبل‬
‫شهر‪ ،‬وهي الثالث عشر والرابع عشر والخببامس عشبر‪ .‬أمببا صببيام يببوم عاشببوراء‪،‬‬
‫فلنه ثبت أن رسول ال صلى ال عليه وسلم صبامه وأمبر بصبيامه وقبال فيبه "مبن‬
‫كان أصبح صائما فليتم صومه‪ ،‬ومن كان أصبح مفطرا فليتببم بقيببة يببومه" واختلفببوا‬
‫فيه هل هو التاسع أو العاشر‪ .‬والسبب في ذلك اختلف الثار‪ ،‬خرج مسببلم عببن ابببن‬
‫عباس قال‪ :‬إذا رأيت الهلل المحرم فاعدد وأصبح يببوم التاسببع صببائما‪ ،‬قلببت‪ :‬هكببذا‬
‫كان محمد رسول ال صلى ال عليه وسلم يصومه؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬وروي "أنه حين صام‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا‪ :‬يا رسول ال ب إنببه‬
‫يوم يعظمه اليهود والنصارى‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬فببإذا كببان العببام‬
‫المقبل إن شاء ال صمنا اليوم التاسع" قال‪ :‬فلم يأتي العام المقبل حببتى تببوفي رسببول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬وأمببا اختلفهببم فببي يببوم عرفببة‪ ،‬فلن النبببي عليببه الصببلة‬
‫والسلم أفطر يوم عرفة‪ ،‬وقال فيه "صيام يوم عرفة يكفببر السببنة الماضببية والتيببة"‬
‫ولذلك اختلف الناس في ذلك‪ ،‬واختار الشافعي الفطر فيه للحاج وصيامه لغير الحبباج‬
‫جمعا بين الثرين‪ .‬وخرج أبو داود "أن رسول ال صببلى الب عليببه وسببلم نهببى عببن‬
‫صيام يوم عرفة بعرفة" وأما الست من شوال فإنه ثبت أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قال "من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر" إل أن مالكببا‬
‫كره ذلك‪ ،‬إما مخافة أن يلحق الناس برمضان ما ليس في رمضان‪ ،‬وإما لنه لعله لم‬
‫يبلغه الحديث أو لم يصح عنده وهو الظهر‪ ،‬وكذلك كره مالك تحببري صببيام الغببرر‬
‫مع ما جاء فيها من الثر مخافة أن يظن الجهال بها أنهببا واجبببة‪ ،‬وثبببت "أن رسببول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم كان يصوم من كل شهر ثلثببة أيببام غيببر معينببة‪ ،‬وأنببه قببال‬
‫لعبد ال بن عمرو بن العاص لما أكثر الصيام‪" :‬أما يكفيك من كل شببهر ثلثببة أيببام؟‬
‫قال‪ :‬فقلت يا رسول ال إني أطيق أكثر من ذلك‪ ،‬قال‪ :‬خمسا‪ ،‬قلت‪ :‬يا رسول ال إني‬
‫أطيق أكثر من ذلك‪ ،‬قال‪ :‬سبعا‪ ،‬قلت‪ :‬يا رسول ال إني أطيببق أكببثر مببن ذلببك‪ ،‬قببال‪:‬‬
‫تسعا‪ ،‬قلت‪ :‬يا رسول ال إني أطيق أكثر من ذلك‪ ،‬قال‪ :‬أحد عشببر‪ ،‬قلببت‪ :‬يببا رسببول‬
‫ال إني أطيق أكثر من ذلك‪ ،‬فقال عليه الصلة والسلم‪ :‬ل صببوم فببوق صببيام داود‪،‬‬
‫شطر الدهر صيام يوم‪ ،‬وإفطار يوم"‬
‫وخرج أبو داود "أنه كان يصوم يوم الثنين ويوم الخميس" وثبت أنببه لببم يسببتتم قببط‬
‫شهرا بالصيام غير رمضان‪ ،‬وإن أكثر صيامه كان في شببعبان‪ .‬وأمببا اليببام المنهببى‬
‫عنها‪ ،‬فمنها أيضا متفق عليها‪ ،‬ومنها مختلف فيها‪ .‬أما المتفق عليها فيوم الفطر ويوم‬
‫الضحى لثبوت النهي عن صيامهما‪ .‬وأما المختلف فيها فأيبام التشببريق ويببوم الشببك‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ويببوم الجمعببة ويببوم السبببت والنصببف الخببر مببن شببعبان وصببيام الببدهر‪ .‬أمببا أيببام‬
‫التشريق فإن أهل الظاهر لببم يجيببزوا الصببوم فيهببا‪ .‬وقببوم أجببازوا ذلببك فيهببا‪ .‬وقببوم‬
‫كرهوه‪ ،‬وبه قال مالك‪ ،‬إل أنه أجاز صيامها لمن وجب عليه الصوم فببي الحببج وهببو‬
‫المتمتع‪ ،‬وهذه اليام هي الثلثة اليبام البتي بعبد يبوم النحبر‪ .‬والسببب فبي اختلفهبم‬
‫تردد قوله عليه الصببلة والسببلم فببي "إنهببا أيببام أكببل وشببرب" بيببن أن يحمببل علببى‬
‫الوجوب أو على الندب‪ ،‬فمن حمله علبى الوجببوب قبال‪ :‬الصبوم يحببرم‪ ،‬ومبن حملبه‬
‫على الندب قال‪ :‬الصوم مكروه‪ ،‬ويشبه أن يكون من حمله على الندب إنما صار إلى‬
‫ذلك وغلبه على الصل الذي هو حمله على الوجببوب لنببه رأى أنببه إن حملببه علببى‬
‫الوجوب عارضه حديث أبي سعيد الخببدري الثببابت بببدليل الخطبباب‪ ،‬وهببو أنببه قببال‪:‬‬
‫سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول "ل يصح الصيام في يومين يببوم الفطببر‬
‫من رمضان ويوم النحر" فبدليل الخطباب يقتضبي أن مبا عبدا هبذين اليبومين يصبح‬
‫الصيام فيه‪ ،‬وإل كان تخصيصهما عبثا ل فائدة فيه‪ .‬وأما يببوم الجمعببة فببإن قومببا لببم‬
‫يكرهوا صيامه‪ ،‬ومن هؤلء مالك وأصحابه وجماعببة‪ ،‬وقببوم كرهببوا صببيامه إل أن‬
‫يصام قبله أو بعده‪ .‬والسبب في اختلفهم اختلف الثار في ذلببك‪ ،‬فمنهببا حببديث ابببن‬
‫مسعود "أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يصوم ثلثة أيام من كل شببهر قببال‪ :‬ومببا‬
‫رأيته يفطر يوم الجمعة" وهو حديث صحيح‪.‬‬
‫ومنها حديث جابر "أن سائل سأل جابرا أسمعت رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم‬
‫نهى أن يفرد يوم الجمعة بصوم؟ قببال‪ :‬نعببم ورب هببذا البببيت" خرجببه مسببلم‪ .‬ومنهببا‬
‫حديث أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى الب عليببه وسببلم "ل يصببوم أحببدكم يببوم‬
‫الجمعة إل أن يصوم قبله أو يصوم بعده" خرجه أيضا مسلم‪ ،‬فمن أخذ بظاهر حديث‬
‫ابن مسعود‪ ،‬أجاز صيام يوم الجمعة مطلقببا‪ ،‬ومببن أخببذ بظبباهر حببديث جببابر كرهببه‬
‫مطلقا‪ ،‬ومن أخذ بحديث أبي هريرة جمع بين الحديثين‪ ،‬أعني حببديث جببابر وحببديث‬
‫ابن مسعود‪.‬‬
‫وأما يوم الشك فإن جمهور العلماء على النهي عببن صببيام يببوم الشببك علببى أنببه مببن‬
‫رمضان لظواهر الحاديث الببتي يببوجب مفهومهببا تعلببق الصببوم بالرؤيببة أو بإكمببال‬
‫العدد إل ما حكيناه عن ابن عمر‪ ،‬واختلفببوا فببي تحببري صببيامه تطوعببا‪ ،‬فمنهببم مببن‬
‫كرهه على ظاهر حديث عمار "مبن صبام يبوم الشبك فقبد عصبى أببا القاسبم" ومبن‬
‫أجازه فلنه قد روي أنه عليه الصلة والسلم صام شبعبان كلبه‪ ،‬ولمبا قبد روي مبن‬
‫أنه عليه الصلة والسلم قال "ل تتقدموا رمضان بيوم ول بيومين إل أن يوافق ذلببك‬
‫صوما كان يصومه أحدكم فليصمه" وكان الليث بن سعد يقببول‪ :‬إنببه إن صببامه علببى‬
‫أنه من رمضان ثم جاء الثبت أنه من رمضان أجزأه‪ ،‬وهذا دليببل علببى أن النيببة تقببع‬
‫بعد الفجر في التحول من نية التطوع إلى نية الفرض‪ .‬وأما يوم السبت‪ ،‬فالسبببت فببي‬
‫اختلفهم فيه اختلفهم في تصحيح ما روي مببن أنببه عليببه الصببلة والسببلم قببال "ل‬
‫تصببوموا يببوم السبببت إل فيمببا افببترض عليكببم" خرجببه أبببو داود‪ ،‬قببالوا‪ :‬والحببديث‬
‫منسوخ‪ ،‬نسخة حديث جويرية بنت الحبارث "أن النببي عليببه الصبلة والسبلم دخبل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫عليها يوم الجمعبة وهبي صبائمة فقبال‪ :‬صبمت أمبس؟ فقبالت‪ :‬ل‪ ،‬فقبال‪ :‬تريبدين أن‬
‫تصومي غدا؟ قالت‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فأفطري"‪.‬‬
‫وأما صيام الدهر فإنه قد ثبت النهي عن ذلك‪ ،‬لكن مالبك لبم يبر ببذلك بأسبا‪ ،‬وعسبى‬
‫رأى النهي في ذلك إنما هو من باب خوف الضعف والمرض‪ .‬وأمببا صببيام النصببف‬
‫الخر من شعبان‪ ،‬فإن قوما كرهوه‪ ،‬وقوما أجازوه‪ ،‬فمن كرهوه فلمببا روي مببن أنببه‬
‫عليه الصلة والسلم قال "ل صوم بعببد النصببف مببن شببعبان حببتى رمضببان" ومببن‬
‫أجازه فلما روي عن أم سلمة قالت "ما رأيت رسول ال صلى ال عليببه وسببلم صببام‬
‫شهرين متتابعين إل شعبان ورمضان" ولما روي عن ابن عمر قال "كان رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم يقرن شعبان برمضببان" وهببذه الثببار خرجهببا الطحبباوي‪ .‬وأمببا‬
‫الركن الثاني وهو النية فل أعلم أن أحدا لم يشببترط النيببة فببي صببوم التطببوع‪ ،‬وإنمببا‬
‫اختلفوا في وقت النية على ما تقدم‪ .‬وأما الركن الثالث وهو المساك عببن المفطببرات‬
‫فهو بعينه المساك الواجب فببي الصببوم المفببروض‪ ،‬والختلف الببذي هنالببك لحببق‬
‫ههنا‪ .‬وأما حكم الفطار في التطوع فإنهم أجمعوا على أنه ليس علببى مببن دخببل فببي‬
‫صيام تطوع فقطعه لعذر قضاء‪ .‬واختلفوا إذا قطعه لغير عذر عامبدا‪ ،‬فبأوجب مالبك‬
‫وأبو حنيفة عليه القضاء‪ ،‬وقال الشافعي وجماعة‪ :‬ليس عليه قضاء‪.‬‬
‫والسبببب فببي اختلفهببم اختلف الثببار فببي ذلببك‪ ،‬وذلببك أن مالكببا روى أن حفصببة‬
‫وعائشة زوجي النبي عليه الصببلة والسببلم أصبببحتا صببائمتين متطوعببتين‪ ،‬فأهببدى‬
‫لهما الطعام فأفطرتا عليه‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬اقضيا يومببا مكببانه"‬
‫وعارض هذا حديث أم هببانئ قببالت "لمببا كببان يببوم الفتببح فتببح مكببة‪ ،‬جبباءت فاطمببة‬
‫فجلست عن يسببار رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم وأم هببانئ عببن يمينببه‪ ،‬قببالت‪:‬‬
‫فجاءت الوليدة بإناء فيه شراب‪ ،‬فناولته فشرب منه‪ ،‬ثم ناوله أم هببانئ فشببربت منببه‪،‬‬
‫قالت‪ :‬يا رسول ال لقد أفطرت وكنت صائمة‪ ،‬فقال لها عليه الصلة والسلم‪ :‬أكنببت‬
‫تقضين شيئا؟ قالت‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فل يضرك إن كبان تطوعبا" واحتبج الشبافعي فبي هبذا‬
‫المعنى بحديث عائشة أنها قالت "دخل علي رسول ال صلى ال ب عليببه وسببلم فقلببت‪:‬‬
‫أنا خبأت لك خبئا‪ ،‬فقال‪ :‬أما إنببي كنببت أريببد الصببيام ولكببن قربيببه" وحببديث عائشببة‬
‫وحفصة غير مسند‪.‬‬
‫ولختلفهم أيضا في هذه المسألة سبب آخر‪ ،‬هببو تببردد الصببوم التطببوع بيببن قياسببه‬
‫على صلة التطوع أو على حج التطوع‪ ،‬وذلك أنهم أجمعببوا علببى أن مببن دخببل فببي‬
‫الحج والعمرة متطوعا يخرج منهما أن عليه القضبباء‪ .‬وأجمعببوا علببى أن مببن خببرج‬
‫من صلة التطوع فليس عليه قضاء فيما علمت‪ ،‬وزعم من قاس الصوم على الصلة‬
‫أنه أشبه بالصلة منه بالحج‪ ،‬لن الحج له حكم خاص في هذا المعنى‪ ،‬وهو أنه يلببزم‬
‫المفسد له المسير فيه إلى آخره‪ ،‬وإذا أفطر في التطببوع ناسببيا فببالجمهور علببى أن ل‬
‫قضاء عليه‪ ،‬وقال ابن علية عليه القضاء قياسا على الحج‪ ،‬ولعل مالكببا حمببل حببديث‬
‫أم هانئ على النسيان‪ ،‬وحديث أم هانئ خرجه أبو داود‪ ،‬وكذلك خرج حبديث عائشبة‬
‫بقريب من اللفظ الذي ذكرناه‪ ،‬وخرج حديث عائشة وحفصة بعينه‪.‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫*‪*2‬كتاب العتكاف‪.‬‬
‫@‪-‬والعتكاف مندوب إليه بالشرع واجب بالنذر‪ ،‬ول خلف فببي ذلببك إل مببا روي‬
‫عن مالك أنه كره الدخول فيه مخافة أن ل يوفى شرطه وهو في رمضبان أكبثر منبه‬
‫في غيره‪ ،‬وبخاصة في العشر الواخر منه‪ ،‬إذ كان ذلك هو آخر اعتكافه صببلى ال ب‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وهو بالجملة يشتمل على عمل مخصوص في موضببع مخصببوص وفببي‬
‫زمان مخصوص بشروط مخصوصة وتروك مخصوصة‪ .‬فأما العمببل الببذي يخصببه‬
‫ففيه قولن‪ :‬قيل إنه الصلة وذكر ال وقببراءة القببرآن ل غيببر ذلببك مببن أعمببال البببر‬
‫والقرب‪ ،‬وهو مذهب ابن القاسم‪ .‬وقيل جميع أعمال القرب والبر المختصة بالخرة‪،‬‬
‫وهو مذهب ابن وهب‪ ،‬فعلى هبذا المببذهب يشبهد الجنبائز ويعبود المرضببى ويببدرس‬
‫العلم‪ ،‬وعلى المذهب الول ل‪ ،‬وهذا هو مذهب الثوري‪ ،‬والول هو مذهب الشببافعي‬
‫وأبي حنيفة‪ .‬وسبب اختلفهم أن ذلك شبيء مسبكوت عنببه‪ ،‬أعنببي أنبه ليبس فيببه حببد‬
‫مشببروع بببالقول‪ ،‬فمببن فهببم مببن العتكبباف حبببس النفببس علببى الفعببال المختصببة‬
‫بالمساجد قال‪ :‬ل يجوز للمعتكف إل الصلة والقببراءة‪ .‬ومببن فهببم منببه حبببس النفببس‬
‫على القرب الخروية كلها أجاز له غير ذلك ممببا ذكرنبباه‪ .‬وروي عببن علببي رضببي‬
‫ال عنه أنه قال‪ :‬من اعتكف ل يرفث ول يساب‪ ،‬وليشهد الجمعة والجنازة‪ ،‬ويوصي‬
‫أهله إذا كانت له حاجة وهو قائم ول يجلس‪ .‬ذكره عبد الببرزاق‪ .‬وروي عببن عائشببة‬
‫خلف هذا‪ ،‬وهو أن السنة للمعتكف أن ل يشهد جنازة ول يعود مريضا‪ ،‬وهذا أيضا‬
‫أحد ما أوجب الختلف في هذا المعنى‪ .‬وأما المواضع التي يكببون فيهببا العتكبباف‪،‬‬
‫فإنهم اختلفوا فيها فقال قوم‪ :‬ل اعتكاف إل في المساجد الثلثة بيت ال الحرام وبيببت‬
‫المقدس ومسجد النبي عليه الصلة والسلم وبه قال حذيفة وسعيد بن المسيب‪ .‬وقببال‬
‫آخرون‪ :‬العتكاف عام في كل مسجد‪ ،‬وبه قال الشافعي وأبو حنيفة والثببوري‪ ،‬وهببو‬
‫مشهور مذهب مالك‪ .‬وقال آخرون‪ :‬ل اعتكاف إل في مسجد فيه جمعة‪ ،‬وهي رواية‬
‫ابن عبد الحكم عن مالك‪ .‬وأجمع الكل على أن من شرط العتكبباف المسببجد‪ ،‬إل مببا‬
‫ذهب إليه ابن لبابة من أنه يصح في غيببر مسببجد‪ ،‬وأن مباشببرة النسبباء إنمببا حرمببت‬
‫على المعتكف إذا اعتكف في المسجد‪ ،‬وإل ما ذهب إليه أبو حنيفة من أن المرأة إنما‬
‫تعتكف في مسجد بيتها‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم في اشتراط المسجد أو ترك اشتراطه هببو الحتمببال الببذي فببي قببوله‬
‫تعالى }ول تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد{ بين أن يكون له دليل خطاب أو ل‬
‫يكون له؟ فمنن قال له دليل خطاب قبال‪ :‬ل اعتكبباف إل فببي مسبجد‪ ،‬وإن مبن شبرط‬
‫العتكبباف تببرك المباشببرة‪ .‬ومببن قببال ليببس لببه دليببل خطبباب قببال‪ :‬المفهببوم منببه أن‬
‫العتكاف جائز في غير المسجد وأنببه ل يمنببع المباشببرة لن قببائل لببو قببال‪ :‬ل تعببط‬
‫فلنا شيئا إذا كان داخل في الدار لكببان مفهببوم دليببل الخطبباب يببوجب أن تعطيببه إذا‬
‫كان خارج الدار‪ ،‬ولكن هو قول شاذ‪ .‬والجمهور على أن العكببوف إنمببا أضببيف إلببى‬
‫المساجد لنها مببن شببرطه‪ .‬وأمببا سبببب اختلفهببم فببي تخصببيص بعببض المسبباجد أو‬
‫تعميمها فمعارضة العموم للقياس المخصببص لببه‪ ،‬فمببن رجببح العمببوم قببال‪ :‬فببي كببل‬
‫مسجد على ظاهر الية‪ .‬ومن انقدح له تخصببيص بعببض المسبباجد مببن ذلببك العمببوم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بقياس اشترط أن يكون مسجدا فيه جمعببة لئل ينقطبع عمبل المعتكببف ببالخروج إلبى‬
‫الجمعة‪ ،‬أو مسجدا تشد إليه المطي مثل مسجد النبي صلى ال عليه وسلم الببذي وقببع‬
‫فيه اعتكافه‪ ،‬ولم يقس سائر المساجد عليه إذ كانت غير مساوية له في الحرمة‪ .‬وأمببا‬
‫سبب اختلفهم في اعتكاف المرأة فمعارضة القياس أيضا للثر‪ ،‬وذلك "أنببه ثبببت أن‬
‫حفصة وعائشة وزينب أزواج النبي صلى ال عليه وسلم اسببتأذن رسببول الب صببلى‬
‫ال عليه وسلم في العتكاف في المسجد‪ ،‬فأذن لهم حين ضربن أخبببيتهن فيببه" فكببان‬
‫هذا الثر دليل على جواز اعتكاف المرأة في المسجد‪ .‬وأمببا القيبباس المعببارض لهببذا‬
‫فهو قياس العتكاف على الصلة‪ ،‬وذلك أنه لما كانت صلة المرأة في بيتهببا أفضببل‬
‫منها في المسجد على ما جاء الخبر وجب أن يكون العتكاف في بيتهبا أفضبل قبالوا‬
‫وإنما يجوز للمرأة أن تعتكف في المسجد مع زوجها فقط على نحو ما جاء في الثببر‬
‫من اعتكاف أزواجه عليه الصلة والسلم معببه كمببا تسببافر معببه ول تسببافر مفببردة‪،‬‬
‫وكأنه نحو من الجمع بين القياس والثر‪.‬‬
‫وأما زمان العتكاف فليس لكثره عندهم حد واجببب‪ ،‬وإن كببان كلهببم يختببار العشببر‬
‫الواخر من رمضان بل يجوز الدهر كله‪ ،‬إما مطلقببا عنببد مببن ل يببرى الصببوم مببن‬
‫شببروطه‪ ،‬وإمببا مببا عببدا اليببام الببتي ل يجببوز صببومها عنببد مببن يببرى الصببوم مببن‬
‫شروطه‪ .‬وأما أقله فببإنهم اختلفببوا فيببه‪ ،‬وكببذلك اختلفببوا فببي الببوقت الببذي يببدخل فيببه‬
‫المعتكف لعتكافه وفي الوقت الذي يخرج فيه منه‪ .‬أما أقببل زمببان العتكبباف‪ ،‬فعنببد‬
‫الشافعي وأبي حنيفة وأكثر الفقهاء أنه ل حد لببه‪ .‬واختلببف عببن مالببك فببي ذلببك فقيببل‬
‫ثلثة أيام‪ ،‬وقيل يوم وليلة‪ .‬وقال ابن القاسم عنه أقله عشرة أيام‪ ،‬وعند البغداديين من‬
‫أصحابه أن العشرة استحباب وأن أقلبه يبوم وليلبة‪ .‬والسببب فبي اختلفهبم معارضبة‬
‫القياس للثر؛ أما القياس فإنه من اعتقد أن من شرطه الصوم قال‪ :‬ل يجوز اعتكبباف‬
‫ليلة‪ ،‬وإذا لم يجز اعتكافه ليلة فل أقل من يوم وليلة‪ ،‬إذ انعقاد صوم النهار إنما يكون‬
‫بالليل‪.‬‬
‫وأما الثر المعبارض فمبا خرجبه البخباري مبن "أن عمبر رضببي الب عنببه نبذر أن‬
‫يعتكف ليلة فأمره رسول ال صلى ال عليه وسببلم أن يفببي بنببذره" ول معنببى للنظببر‬
‫مع الثابت من مذهب الثر‪ .‬وأما اختلفهم في الوقت الذي يببدخل فيببه المعتكببف إلببى‬
‫اعتكافه إذا نذر أياما معدودة أو يوما واحدا‪ ،‬فإن مالكببا والشببافعي وأبببا حنيفببة اتفقببوا‬
‫على أنه من نذر اعتكاف شهر أنه يدخل المسجد قبل غروب الشمس‪ .‬وأما مببن نببذر‬
‫أن يعتكف يوما فإن الشافعي قال‪ :‬من أراد أن يعتكف يومببا واحببدا دخببل قبببل طلببوع‬
‫الفجر‪ ،‬وخرج بعد غروبها‪ .‬وأما مالك فقببوله فبي اليبوم والشببهر واحبد بعينبه‪ ،‬وقبال‬
‫زفر والليث‪ :‬يدخل قبل طلوع الفجر‪ ،‬واليوم والشهر عندهما سواء‪ .‬وفببرق أبببو ثببور‬
‫بين نذر الليالي واليام فقال‪ :‬إذا نذر أن يعتكف عشرة أيام دخببل قبببل طلببوع الفجببر‪،‬‬
‫وإذا نذر عشر ليالي دخببل قبببل غروبهببا‪ .‬وقببال الوزاعببي‪ :‬يببدخل فببي اعتكببافه بعببد‬
‫صلة الصبح‪ .‬والسبب فبي اختلفهبم معارضبة القيسبة بعضبها بعضبا‪ ،‬ومعارضبة‬
‫الثر لجميعها؛ وذلك أنه من رأى أن أول الشهر ليلة واعتبر الليالي قال‪ :‬يببدخل قبببل‬
‫مغيب الشمس‪ ،‬ومن لم يعتبر الليالي قال‪ :‬يدخل قبل الفجر‪ ،‬ومن رأى أن اسببم اليببوم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يقع على الليل والنهار معا أوجب إن نذر يوما أن يدخل قببل غببروب الشببمس‪ ،‬ومبن‬
‫رأى أنه إنما ينطلق على النهار أوجب الدخول قبل طلوع الفجر‪ ،‬ومببن رأى أن اسببم‬
‫اليوم خاص بالنهار واسم الليل بالليل فرق بين أن ينذر أياما أو ليالي‪.‬‬
‫والحق أن اسم اليوم في كلم العرب قد يقال على النهار مفردا‪ ،‬وقد يقال علببى الليببل‬
‫والنهار معا‪ ،‬لكن يشبه أن يكون دللته الولى إنمببا هببي علببى النهببار‪ ،‬ودللتببه علببى‬
‫الليل بطريق اللزوم‪ .‬وأما الثر المخالف لهذه القيسة كلها فهبو مبا خرجببه البخبباري‬
‫وغيره من أهل الصحيح عن عائشة قببالت "كببان رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم‬
‫يعتكف في رمضان وإذا صلى الغداة دخل مكانه الذي كان يعتكف فيببه"‪ .‬وأمببا وقببت‬
‫خروجه‪ ،‬فإن مالكا رأى أن يخرج المعتكف العشر الواخر من رمضان من المسجد‬
‫إلى صلة العيد على جهة السبتحباب‪ ،‬وأنبه إن خبرج بعبد غبروب الشبمس أجبزأه‪.‬‬
‫وقببال الشبافعي وأببو حنيفببة‪ :‬ببل يخبرج بعبد غبروب الشببمس‪ .‬وقببال سبحنون وابببن‬
‫الماجشون‪ :‬إن رجع إلى بيته قبل صببلة العيببد فببس اعتكببافه‪ .‬وسبببب الختلف هببل‬
‫الليلة الباقية هي من حكم العشببر أم ل؟ وأمببا شببروطه فثلث‪ :‬النيببة والصببيام وتببرك‬
‫مباشرة النساء‪ .‬أما النية فل أعلم فيها اختلفا‪ .‬وأما الصيام فإنهم اختلفوا فيببه؛ فببذهب‬
‫مالك وأبو حنيفة وجماعة إلى أنه ل اعتكاف إل بالصوم‪ .‬وقال الشببافعي‪ :‬العتكبباف‬
‫جائز بغير صوم‪ ،‬وبقول مالك قال من الصحابة ابن عمر وابببن عببباس علببى خلف‬
‫عنه في ذلببك‪ ،‬وبقببول الشببافعي قببال علببي وابببن مسببعود‪ .‬والسبببب فببي اختلفهببم أن‬
‫اعتكاف رسول ال صلى ال عليه وسلم إنما وقع في رمضببان فمببن رأى أن الصببوم‬
‫المقترن باعتكافه هو شرط في العتكاف وإن لم يكن الصببوم للعتكبباف نفسببه قببال‪:‬‬
‫لبد من الصوم مع العتكاف‪ ،‬ومن رأى أنه إنمببا اتفببق ذلببك اتفاقببا ل علببى أن ذلببك‬
‫كان مقصودا له عليه الصلة والسلم في العتكاف قال‪ :‬ليس الصوم من شرطه‪.‬‬
‫ولذلك أيضا سبب آخر وهو اقترانه في آية واحدة‪ .‬وقد احتج الشببافعي بحببديث عمببر‬
‫المتقدم وهو أنه أمره عليه الصلة والسلم أن يعتكف ليلة والليل ليس بمحل للصيام‪.‬‬
‫واحتجت المالكية بما روى عبد الرحمن بن إسحاق عن عروة عن عائشة أنها قالت‪:‬‬
‫السنة للمعتكف أن ل يعود مريضا ول يشهد جنازة ول يمس امرأة ول يباشببرها ول‬
‫يخرج إل إلى ما لبد لببه منببه‪ ،‬ول اعتكباف إل بصبوم‪ ،‬ول اعتكباف إل فبي مسبجد‬
‫جامع‪ .‬قال أبو عمر بن عبد البر‪ :‬لم يقل أحد في حبديث عائشبة‪ :‬هبذه السبنة إل عببد‬
‫الرحمن بن إسببحق‪ ،‬ول يصببح هببذا الكلم عنببدهم إل مببن قببول الزهببري‪ ،‬وإن كببان‬
‫المر هكذا بطل أن يجري مجرى المسند‪ .‬وأما الشرط الثالث وهببي المباشببرة فببإنهم‬
‫أجمعوا على أن المعتكف إذا جامع عامدا بطل اعتكافه إل ما روي عن ابن لبابة في‬
‫غير المسجد‪ ،‬واختلفوا فيه إذا جامع ناسببيا‪ ،‬واختلفببوا فببي فسبباد العتكبباف بمببا دون‬
‫الجماع من القبلبة واللمبس‪ ،‬فبرأى مالبك أن جميبع ذلبك يفسبد العتكباف‪ .‬وقبال أببو‬
‫حنيفة‪ :‬ليس فببي المباشببرة فسبباد إل أن ينببزل‪ ،‬وللشببافعي قببولن‪ :‬أحببدهما مثببل قببول‬
‫مالك‪ .‬والثاني مثل قول أبي حنيفة‪ .‬وسبب اختلفهم هبل السبم المبتردد بيبن الحقيقبة‬
‫والمجاز له عمببوم أم ل؟ وهببو أحببد أنببواع السببم المشببترك‪ ،‬فمببن ذهببب إلببى أن لببه‬
‫عموما قال‪ :‬إن المباشرة في قوله تعالى }ول تباشروهن وأنتم عاكفون في المسبباجد{‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ينطلق على الجماع وعلى ما دونه‪ ،‬ومن لم ير عموما وهو الشهر الكثر قال‪ :‬يببدل‬
‫إما على الجماع وإما على ما دون الجماع‪ ،‬فإذا قلنببا إنببه يببدل علببى الجمبباع بإجمبباع‬
‫بطل أن يدل على غير الجماع‪ ،‬لن السم الواحد ل يدل على الحقيقة والمجبباز معببا‪،‬‬
‫ومن أجرى النزال بمنزلة الوقاع فلنه في معناه‪ ،‬ومن خالف فلنه ل ينطلببق عليببه‬
‫السم حقيقة‪ ،‬واختلفوا فيما يجب على المجامع فقال الجمهور‪ :‬ل شببيء عليببه‪ ،‬وقببال‬
‫قوم‪ :‬عليه كفارة‪ ،‬فبعضهم قال‪ :‬كفارة المجامع في رمضان‪ ،‬وبه قببال الحسببن‪ ،‬وقببال‬
‫قوم‪ :‬يتصدق بدينارين‪ ،‬وبه قال مجاهد‪ ،‬وقال قوم‪ :‬يعتببق رقبببة‪ ،‬فببإن لببم يجببد أهببدى‬
‫بدنة‪ ،‬فإن لم يجد تصدق بعشرين صاعا من تمر‪.‬‬
‫وأصل الخلف هل يجوز القياس في الكفارة أم ل؟ والظهر أنه ل يجببوز‪ ،‬واختلفببوا‬
‫في مطلق النذر بالعتكاف هل من شرطه التتابع أم ل؟ فقال مالك وأبو حنيفببة‪ :‬ذلببك‬
‫من شرطه‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬ليس من شرطه ذلك‪ .‬والسبب فببي اختلفهببم قياسببه علببى‬
‫نذر الصوم المطلق‪ .‬وأما موانع العتكاف‪ ،‬فاتفقوا على أنها ما عدا الفعال التي هي‬
‫أعمال المعتكف وأنه ل يجوز للمعتكف الخروج مببن المسببجد إل لحاجببة النسببان أو‬
‫ما هو في معناها مما تدعو إليه الضرورة لما ثبت من حديث عائشة أنها قالت "كببان‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا اعتكف يدني إلي رأسه وهو في المسجد فببأرجله‪،‬‬
‫وكان ل يدخل البيت إل لحاجة النسان" واختلفوا إذا خرج لغيببر حاجببة مببتى ينقطببع‬
‫اعتكبافه‪ ،‬فقبال الشبافعي‪ :‬ينتقبض اعتكبافه عنبد أول خروجبه وبعضبهم رخبص فبي‬
‫الساعة‪ ،‬وبعضهم في اليوم‪ ،‬واختلفوا هل له أن يدخل بيتا غير بيت مسجده؟ فرخص‬
‫فيه بعضهم وهم الكثر مالبك والشبافعي وأببو حنيفبة‪ .‬ورأى بعضبهم أن ذلبك يبطبل‬
‫اعتكافه‪ ،‬وأجاز مالك له البيع والشراء وأن يلي عقد النكاح وخببالفه غيببره فببي ذلببك‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم أنه ليس في ذلك حد منصوص عليه إل الجتهاد وتشبيه ما لم يتفقوا‬
‫عليه بما اتفقوا عليه‪ .‬واختلفوا أيضا هل للمعتكف أن يشببترط فعببل شببيء ممببا يمنعبه‬
‫العتكاف فينفعه شرطه في الباحة أم ليس ينفعه مثل ذلك أن يشببترط شببهود جنببازة‬
‫أو غير ذلك؟ فأكثر الفقهاء علببى أن شببرطه ل ينفعببه‪ ،‬وأنببه إن فعببل بطببل اعتكببافه‪،‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬ينفعه شرطه‪ .‬والسبب في اختلفهم تشبيههم العتكاف بالحببج فببي أن‬
‫كليهما عبادة مانعة لكثير من المباحات والشتراط في الحج إنمببا صببار إليببه مبن رآه‬
‫لحديث ضباعة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال لهببا‪ :‬أهلببي بالحببج واشببترطي‬
‫أن تحلي حيث حبستني" لكن هذا الصل مختلف فيه في الحج‪ ،‬فالقياس فيببه ضببعيف‬
‫عند الخصم المخالف له‪ .‬واختلفوا إذا اشترط التتابع في النذر‪ ،‬أو كان التتابع لزمببا‪،‬‬
‫فمطلق النذر عند من يرى ذلك ما هببي الشببياء الببتي إذا قطعببت العتكبباف أوجبببت‬
‫الستئناف أو البناء مثل المرض‪ ،‬فإن منهم من قال‪ :‬إذا قطع المرض العتكاف بنببى‬
‫المعتكف وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬يسببتأنف العتكبباف‪،‬‬
‫وهو قول الثوري‪.‬‬
‫ول خلف فيما أحسب عندهم أن الحائض تبنى‪ ،‬واختلفوا هل يخرج مببن المسببجد أم‬
‫ليس يخرج‪ ،‬وكذلك اختلفوا إذا جن المعتكف أو أغمي عليه هببل يبنببى أو ليببس يبنببى‬
‫بل يستقل‪ .‬والسبب في اختلفهم في هذا الباب أنه ليس في هذه الشياء شيء محببدود‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫من قبل السمع‪ ،‬فيقع التنازع من قبل تشبيههم ما اتفقوا عليه فيما اختلفببوا فيببه‪ ،‬أعنببي‬
‫بما اتفقوا عليه في هذه العبادة‪ ،‬أو في العبادات التي مببن شببرطها التتببابع مثببل صببوم‬
‫النهار وغيره‪ .‬والجمهور على أن العتكاف المتطوع إذا قطع لغيببر عببذر أنببه يجببب‬
‫فيه القضباء لمبا ثببت أن رسبول الب صبلى الب عليبه وسبلم أراد أن يعتكبف العشبر‬
‫الواخر من رمضان فلم يعتكف فاعتكف عشرا من شببوال وأمببا الببواجب بالنببذر فل‬
‫خلف في قضائه فيما أحسب‪ ،‬والجمهور علببى أن مببن أتببى كبببيرة انقطببع اعتكببافه‪،‬‬
‫فهذه جملة ما رأينا أن نثبته في أصول هذا الببباب وقواعببده‪ ،‬والب الموفببق والمعيببن‪،‬‬
‫وصلى ال على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما‪.‬‬
‫*‪*3‬كتاب الحج‪.‬‬
‫@‪-‬بسم ال الرحمن الرحيم وصلى ال على محمد وآله وسلم تسليما‪.‬‬
‫والنظر في هذا الكتاب في ثلثة أجنبباس‪ :‬الجنببس الول‪ .‬يشببتمل علببى الشببياء الببتي‬
‫تجري من هذه العبادة مجرى المقدمات التي تجب معرفتها لعمل هذه العبادة‪ .‬الجنس‬
‫الثاني‪ :‬في الشياء التي تجري منها مجرى الركان‪ ،‬وهي المببور المعمولببة أنفسببها‬
‫والشياء المتروكة‪ .‬الجنبس الثببالث‪ :‬فبي الشبياء البتي تجبري منهببا مجبرى المببور‬
‫اللحقة‪ ،‬وهي أحكام الفعال‪ ،‬وذلك أن كل عبادة فإنها توجد مشتملة على هذه الثلثة‬
‫الجناس‪.‬‬
‫*‪*4‬الجنس الول‪.‬‬
‫@‪-‬وهذا الجنس يشتمل على شيئين‪ :‬علبى معرفبة الوجبوب وشبروطها‪ ،‬وعلبى مبن‬
‫يجب ومتى يجب؟ فأما وجوبه فل خلف فيه لقببوله سبببحانه }ول ب علببى النبباس حببج‬
‫البيت من استطاع إليه سبيل{ وأمببا شببروط الوجببوب فبإن الشببروط قسببمان‪ :‬شببروط‬
‫صببحة‪ ،‬وشببروط وجببوب‪ .‬فأمببا شببروط الصببحة فل خلف بينهببم أن مببن شببروطه‬
‫السلم‪ ،‬إذ ل يصح حج من ليس بمسلم‪ .‬واختلفببوا فببي صببحة وقببوعه مببن الصبببي‪،‬‬
‫فذهب مالك والشافعي إلى جواز ذلك‪ ،‬ومنع منه أبو حنيفة‪ .‬وسبب الخلف معارضة‬
‫الثر في ذلك للصول‪ ،‬وذلك أن من أجاز ذلك أخذ فيه بحديث ابن عباس المشهور‪،‬‬
‫وخرجه البخاري ومسلم‪ .‬وفيه "أن المرأة رفعببت إليببه عليببه الصببلة والسببلم صبببيا‬
‫فقالت‪ :‬ألهذ حج يا رسول ال؟ قال‪ :‬نعم ولك أجر" ومن منع ذلك تمسك بببأن الصببل‬
‫هو أن العبادة ل تصببح مببن غيببر عاقببل‪ ،‬وكببذلك اختلببف أصببحاب مالببك فببي صببحة‬
‫وقوعها من الطفبل الرضبيع‪ ،‬وينبغبي أن ل يختلببف فبي صبحة وقبوعه ممبن يصببح‬
‫وقوع الصلة منه‪ ،‬وهو كما قال عليه الصلة والسلم "من السبع إلببى العشببر" وأمببا‬
‫شروط الوجبوب فيشبترط فيهبا السبلم علبى القبول ببأن الكفبار مخباطبون بشبرائع‬
‫السلم‪ ،‬ول خلف في اشتراط الستطاعة في ذلك لقببوله تعبالى }مبن اسببتطاع إليببه‬
‫سبيل{ وإن كان في تفصيل ذلك اختلف وهي بالجملة تتصور على نوعين‪ :‬مباشببرة‬
‫ونيابة‪ .‬فأما المباشر فل خلف عندهم أن من شببرطها السببتطاع بالبببدن والمببال مببع‬
‫المن‪ .‬واختلفوا في تفصببيل السببتطاعة بالبببدن والمببال‪ ،‬فقببال الشببافعي وأبببو حنيفببة‬
‫وأحمد‪ :‬وهو قول ابن عباس وعمر بن الخطاب إن من شببرط ذلببك الببزاد والراحلببة‪.‬‬
‫وقال مالك‪ :‬من استطاع المشي فليس وجود الراحلة من شرط الوجوب فببي حقببه بببل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يجب عليه الحج‪ ،‬وكذلك ليس الزاد عنده من شرط السببتطاعة إذا كببان ممببن يمكنببه‬
‫الكتساب في طريقه ولو بالسؤال‪ .‬والسبب في هببذا الخلف معارضببة الثببر الببوارد‬
‫في تفسير الستطاعة لعموم لفظها‪ ،‬وذلك أنببه ورد أثببر عنببه عليببه الصببلة والسببلم‬
‫"أنه سئل ما الستطاعة فقال‪ :‬الزاد والراحلة" فحمل أبو حنيفة والشببافعي ذلببك علببى‬
‫كل مكلف‪ ،‬وحمله مالك على من ل يستطيع المشي ول لببه قببوة علببى الكتسبباب فببي‬
‫طريقببه‪ ،‬وإنمببا اعتقببد الشببافعي هببذا الببرأي لن مببن مببذهبه إذا ورد الكتبباب مجمل‪،‬‬
‫فوردت السنة بتفسير ذلك المجمل أنه ليببس ينبغببي العببدول عببن ذلببك التفسببير‪ .‬وأمببا‬
‫وجوبه باستطاعة النيابة مع العجز عن المباشرة‪ ،‬فعند مالك وأبي حنيفة أنببه ل تلببزم‬
‫النيابة إذا استطلعت مع العجز عن المباشبرة‪ ،‬وعببن الشبافعي أنهبا تلبزم فيلببزم علببى‬
‫مذهبه الذي عنده مال بقدر أن يحج به عنه غيببره إذا لببم يقببدر هببو ببببدنه عنببه غيببره‬
‫بماله وإن وجد من يحج عنببه بمبباله وبببدنه مببن أخ أو قريببب سببقط ذلببك عنببه‪ ،‬وهببي‬
‫المسألة التي يعرفونها بالمعضوب‪ ،‬وهو الذي ل يثبببت علببى الراحلببة‪ ،‬وكببذلك عنببده‬
‫الذي يأتيه الموت ولم يحج يلزم ورثته عنده أن يخرجوا من ماله بمببا يحببج بببه عنببه‪.‬‬
‫وسبب الخلف في هذا معارضة القياس للثر‪ ،‬وذلك أن القياس يقتضي أن العبببادات‬
‫ل ينوب فيها أحد عن أحد‪ ،‬فإنه ل يصلي أحد عببن أحببد باتفبباق ول يزكببي أحببد عببن‬
‫أحد‪.‬‬
‫وأما الثر المعارض لهذا فحديث ابن عباس المشببهور‪ ،‬خرجببه الشببيخان‪ ،‬وفيببه "أن‬
‫امرأة من خثعم قالت لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬يا رسول ال فريضبة الب فبي‬
‫الحج على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا ل يستطيع أن يثبببت علببى الراحلببة‪ ،‬أفأحببج‬
‫عنه؟ قال‪ :‬نعم" وذلك في حجة الوداع‪ ،‬فهذا في الحي‪ .‬وأما فببي الميببت فحببديث ابببن‬
‫عباس أيضا خرجه البخاري قال "جاءت امرأة من جهينة إلى النبي صببلى الب عليببه‬
‫وسلم فقالت‪ :‬يا رسول ال إن أمي نذرت الحج فماتت أفأحج عنها؟ قال‪ :‬حجي عنها‪،‬‬
‫أرأيت لو كان عليهببا ديببن أكنببت قاضببيته؟ ديببن الب أحببق بالقضبباء" ول خلف بيببن‬
‫المسلمين أنه يقع عن الغير تطوعا‪ ،‬وإنما الخلف في وقببوعه فرضببا‪ .‬واختلفببوا مببن‬
‫هذا الباب في الذي يحج عن غيره سواء كان حيا أو ميتا هل من شرطه أن يكون قببد‬
‫حج عن نفسه أم ل؟ فذهب بعضهم إلى أن ذلك ليببس مببن شببرطه‪ ،‬وإن كببان قببد أدى‬
‫الفرض عن نفسه فذلك أفضل‪ ،‬وبه قال مالك فيمن يحج عن الميت‪ ،‬لن الحببج عنببده‬
‫عن الحي ل يقع‪ .‬وذهب آخرون إلى أن من شرطه أن يكون قد قضى فريضة نفسه‪،‬‬
‫وبه قال الشافعي وغيره أنه إن حج عن غيره من لم يقببض فببرض نفسببه انقلببب إلببى‬
‫فرض نفسه‪ ،‬وعمدة هؤلء حديث ابن عباس "أن النبي صبلى الب عليبه وسبلم سبمع‬
‫رجل يقول لبيك عن شبرمة‪ ،‬قال‪ :‬ومن شبرمة؟ قال‪ :‬أخ لي‪ ،‬أو قال قريب لي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أفحججت عن نفسك؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فحج عبن نفسببك ثببم حببج عببن شبببرمة" والطائفببة‬
‫الولى عللت هذا الحديث بأنه قد روي موقوفا علببى ابببن عببباس‪ .‬واختلفببوا مببن هببذا‬
‫الباب في الرجل يؤاجر نفسه في الحج فكره ذلك مالك والشافعي وقال‪ :‬إن وقع ذلببك‬
‫جاز ولم يجز ذلك أبو حنيفة‪ ،‬وعمدته أنه قربة إلى ال عز وجببل فل تجببوز الجبارة‬
‫عليه‪ ،‬وعمدة الطائفة الولى إجماعهم على جواز الجارة في كتب المصاحف وبنبباء‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المساجد‪ ،‬وهي قربة‪ .‬والجبارة فبي الحبج عنبد مالبك نوعبان‪ :‬أحبدهما البذي يسبميه‬
‫أصحابه على البلغ‪ ،‬وهو الذي يؤاجر نفسه على ما يبلغه من الببزاد والراحلببة‪ ،‬فببإن‬
‫نقص ما أخذه عن البلغ وفاه ما يبلغه‪ ،‬وإن فضل عن ذلك شيء رده‪.‬‬
‫والثاني على سببنة الجببارة وإن نقببص شببيء وفبباه مببن عنببده وإن فضببل شببيء فلببه‪.‬‬
‫والجمهببور علببى أن العبببد ل يلزمببه الحببج حببتى يعتببق‪ ،‬وأوجبببه عليببه بعببض أهببل‬
‫الظاهر‪ ،‬فهذه معرفة على من تجب هذه الفريضة وممن تقع‪ .‬وأما مببتى تجببب فببإنهم‬
‫اختلفببوا هببل هببي علببى الفببور أو علببى الببتراخي؟ والقببولن متببأولن علببى مالببك‬
‫وأصحابه‪ ،‬والظاهر عند المتأخرين من أصحابه أنها على التراخي وبالقول إنها على‬
‫الفور قال البغداديون مببن أصببحابه‪ .‬واختلببف فببي ذلببك قببول أبببي حنيفببة وأصببحابه‪،‬‬
‫والمختار عندهم أنه على الفور‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬هو على التوسببعة‪ ،‬وعمببدة مببن قببال‬
‫هو على التوسعة أن الحج فرض قبل حج النبي صلى ال عليه وسلم بسنين‪ ،‬فلو كان‬
‫على الفور لما أخببره النبببي عليببه الصببلة والسببلم‪ ،‬ولببو أخببره لعببذر لبببينه‪ ،‬وحجببة‬
‫الفريق الثاني أنه لما كان مختصا بوقت كان الصل تأثيم تاركه حتى يذهب الببوقت‪،‬‬
‫أصله وقت الصلة‪ ،‬والفرق عند الفريق الثاني بينه وبين المر بالصلة أنه ل يتكرر‬
‫وجوبه بتكرار الوقت‪ ،‬والصلة يتكرر وجوبها بتكرار الوقت‪.‬‬
‫وبالجملة فمن شبه أول وقت من أوقات الحج الطارئة على المكلببف المسببتطيع بببأول‬
‫الوقت من الصلة قال‪ :‬هو على التراخي‪ ،‬ومن شبهه بآخر الوقت من الصببلة قببال‪:‬‬
‫هو على الفور‪ ،‬ووجه شبهه بآخر الوقت أنه ينقضي بدخول وقت ل يجوز فيببه فعلببه‬
‫كما ينقضي وقت الصلة بدخول وقت ليس يكون فيه المصلي مؤديا‪ ،‬ويحتببج هببؤلء‬
‫بالغرر الذي يلحق المكلف بتأخيره إلى عببام آخببر بمببا يغلببب علببى الظببن مببن مكببان‬
‫وقوع الموت في مدة من عام‪ ،‬ويرون أنه بخلف تأخير الصلة من أول الوقت إلببى‬
‫آخره‪ ،‬لن الغالب أنه ل يموت أحد في مقدار ذلك الزمان إل نادرا‪ ،‬وربما قببالوا‪ :‬إن‬
‫التأخير في الصلة يكون مع مصاحبة الوقت الذي يؤدي فيه الصلة‪ ،‬والتأخير ههنببا‬
‫يكون مع دخول وقت ل تصح فيه العبادة‪ ،‬فهو ليس يشبهه فببي هببذا المببر المطلببق‪،‬‬
‫وذلك أن المر عند من يقول إنه على التراخي ليس يؤدي الببتراخي فيببه إلببى دخببول‬
‫وقت ل يصح فيه وقوع المأمور فيببه كمببا يببؤدي الببتراخي فببي الحببج إذا دخببل وقتببه‬
‫فأخره المكلف إلى قابببل‪ ،‬فليببس الختلف فببي هببذه المسببألة مببن ببباب اختلفهببم فببي‬
‫مطلق المر هل هو على الفور أو علببى الببتراخي كمببا قببد يظببن‪ .‬واختلفببوا مببن هببذا‬
‫الباب هل من شرط وجوب الحج على المرأة أن يكون معها زوج أو ذو محرم منهببا‬
‫يطاوعها على الخروج معها إلى السفر للحج؟ فقال مالك والشافعي‪ :‬ليببس مببن شببرط‬
‫الوجوب ذلك‪ ،‬وتخرج المرأة إلى الحج إذا وجدت رفقة مأمونة‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفببة وجماعببة‪ :‬وجببود ذي المحببرم ومطبباوعته لهببا شببرط فببي الوجببوب‪.‬‬
‫وسبب الخلف معارضة المر بالحج والسفر إليه للنهي عن سفر المرأة ثلثا إل مع‬
‫ذي محرم‪ .‬وذلك أنه ثبت عنه عليه الصلة والسلم مببن حببديث أبببي سببعيد الخببدري‬
‫وأبي هريرة وابن عباس وابن عمر أنه قال عليببه الصببلة والسببلم "ل يحببل لمببرأة‬
‫تؤمن بال واليوم الخر أن تسافر إل مع ذي محببرم" فمببن غلببب عمببوم المببر قببال‪:‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫تسافر للحج وإن لم يكن معها ذو محرم‪ ،‬ومن خصص العموم بهببذا الحببديث أو رأى‬
‫أنه من باب تفسير الستطاعة قال‪ :‬ل تسبافر للحبج إل مبع ذي محبرم‪ ،‬فقبد قلنبا فبي‬
‫وجوب هذا النسك الذي هو الحج وبأي شيء يجب وعلى من يجب ومتى يجب؟ وقد‬
‫بقي من هذا الباب القول في حكم النسك الذي هو العمرة‪ ،‬فإن قوما قالوا‪ :‬إنه واجب‪،‬‬
‫وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور وأبو عبيد والثببوري والوزاعببي‪ ،‬وهببو قببول ابببن‬
‫عباس من الصحابة وابن عمر وجماعة من التابعين‪ .‬وقال مالك وجماعة‪ :‬هي سببنة‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة‪ :‬هي تطوع‪ ،‬وبه قال أبو ثور وداود‪ ،‬فمن أوجبها احتج بقببوله تعببالى‬
‫}وأتموا الحج والعمرة ل{ وبآثار مروية‪ ،‬منها ما روي عن ابن عمببر عببن أبيببه قببال‬
‫"دخل أعرابي حسن الوجه أبيض الثياب على رسول ال صلى ال عليه وسلم فقببال‪:‬‬
‫ما السلم يا رسول ال؟ فقال‪ :‬أن تشهد أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال وتقيم‬
‫الصة وتؤتي الزكاة وتصوم شهر رمضان وتحج وتعتمر وتغتسل من الجنابة" وذكر‬
‫عبد الرزاق قال‪ :‬أخبرنا معمر عن قتادة أنه كان يحببدث أنببه "لمببا نزلببت }ولب علببى‬
‫الناس حج البيت من استطاع إليه سبيل{ قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬ببباثنين‬
‫حجة وعمرة فمن قضاها فقد قضى الفريضة" وروي عن زيببد بببن ثببابت عنببه عليببه‬
‫الصلة والسلم أنه قال "الحج والعمببرة فريضببتان ل يضببرك بأيهمببا بببدأت" وروي‬
‫عن ابن عباس "العمرة واجبة" وبعضهم يرفعه إلى النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وأما حجة الفريق الثاني‪ ،‬وهم الذين يرون أنها ليسبت واجببة‪ ،‬فالحباديث المشبهورة‬
‫الثابتة الواردة في تعديد فرائض السلم من غير أن يذكر منهببا العمببرة مثببل حببديث‬
‫ابن عمر "بني السلم على خمببس" فببذكر الحببج مفببردا" ومثببل حببديث السببائل عببن‬
‫السلم‪ ،‬فإن في بعض طرقه "وأن يحج البيت" وربما قالوا إن المببر بالتمببام ليببس‬
‫يقتضي الوجوب‪ ،‬لن هذا يخص السنن والفرائض أعنببي إذا شببرع فيهببا أن تتببم ول‬
‫تقطع‪ ،‬واحتج هؤلء أيضا أعني من قال إنهببا سببنة بآثببار‪ ،‬منهببا حببديث الحجبباج بببن‬
‫أرطاة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد ال قال "سأل رجببل النبببي صببلى الب‬
‫عليه وسلم عن العمرة أواجبة هي؟ قال‪ :‬ل ولن تعتمر خير لك" قببال أبببو عمببر بببن‬
‫عبد البر‪ :‬وليس هو حجة فيما انفرد به‪ ،‬وربما احتج مببن قببال إنهببا تطببوع بمببا روي‬
‫عن أبي صالح الحنفبي قبال‪ :‬قبال رسببول الب صببلى الب عليبه وسبلم "الحببج واجببب‬
‫والعمرة تطوع" وهو حديث منقطع‪ .‬فسبب الخلف في هذا هببو تعببارض الثببار فببي‬
‫هذا الباب‪ ،‬وتردد المر بالتمام بين أن يقتضي الوجوب أم ل يقتضيه‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في الجنس الثاني‪.‬‬
‫@‪-‬وهو تعريف أفعال هذه العبادة في نوع نوع منها والتروك المشترطة فيها‪ .‬وهذه‬
‫العبادة كما قلنا صنفان‪ :‬حج وعمرة‪ ،‬والحج على ثلثة أصناف‪ :‬إفراد وتمتع وقران‪،‬‬
‫وهي كلها تشتمل على أفعبال محبدودة فبي أمكنبة محبدودة وأوقبات محبدودة‪ ،‬ومنهبا‬
‫فرض‪ ،‬ومنها غير فرض‪ ،‬وعلى تروك تشترط في تلك الفعال وكل من هذه أحكببام‬
‫محدودة إما عند الخلل بها‪ ،‬وإما عند الطوارئ المانعببة منهببا‪ ،‬فهببذا الجنببس ينقسببم‬
‫أول إلى القول في الفعال وإلى القول فببي الببتروك‪ .‬وأمببا الجنببس الثببالث فهببو الببذي‬
‫يتضمن القول في الحكام فلنبدأ بالفعبال‪ ،‬وهببذه منهببا مببا تشببترك فيببه هببذه الربعببة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫النواع من النسك‪ ،‬أعني أصناف الحج الثلث‪ ،‬والعمببرة‪ ،‬ومنهببا مببا يختببص بواحببد‬
‫واحد منها‪ ،‬فلنبدأ من القول فيها بالمشببترك ثببم نصببير إلببى مببا يخببص واحببدا واحببدا‬
‫منها‪ ،‬فنقول‪ :‬إن الحج والعمرة أول أفعالهما الفعل الذي يسمى الحرام‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في شروط الحرام‪.‬‬
‫@‪-‬والحرام شروطه الول المكان والزمان‪ ،‬أما المكان فهببو الببذي يسببمى مببواقيت‬
‫الحج‪ ،‬فلنبدأ بهذا فنقول‪ :‬إن العلماء بالجملبة مجمعبون علببى أن المببواقيت الببتي منهبا‬
‫يكون الحرام‪ ،‬أما لهل المدينة فذو الحليفة‪ ،‬وأما لهل الشام فالجحفبة‪ ،‬ولهبل نجبد‬
‫قرن‪ ،‬ولهل اليمن يلملم‪ ،‬لثبوت ذلك عن رسول ال صلى ال عليه وسلم من حببديث‬
‫ابن عمر وغيره‪ .‬واختلفببوا فببي ميقببات أهببل العببراق فقببال جمهببور فقهبباء المصببار‬
‫ميقاتهم من ذات عرق‪ .‬وقببال الشببافعي والثببوري‪ :‬إن أهلببوا مببن العقيببق كببان أحببب‪.‬‬
‫واختلفوا فيمن أقته لهم فقالت طائفة‪ :‬عمر ابن الخطاب‪ .‬وقالت طائفة‪ :‬بل رسول الب‬
‫صلى ال عليه وسلم هو الذي أقت لهل العراق ذات عرق والعقيق‪ .‬وروي ذلك من‬
‫حديث جابر وابن عباس وعائشة‪ .‬وجمهور العلماء على أن من يخطئ هببذه وقصببده‬
‫الحببرام فلبم يحببرم إل بعببدها أن عليبه دمبا‪ ،‬وهبؤلء منهببم مببن قببال‪ :‬إن رجببع إلبى‬
‫الميقات فأحرم منه سقط عنه الدم ومنهم الشافعي‪ .‬ومنهم من قال‪ :‬ل يسقط عنببه الببدم‬
‫وإن رجع‪ ،‬وبه قال مالك‪ .‬وقال قوم‪ :‬ليس عليه دم‪ .‬وقال آخببرون‪ :‬إن لببم يرجببع إلببى‬
‫الميقات فسد حجه وأنه يرجع إلى الميقات فيهل منه بعمرة وهذا يببذكر فببي الحكببام‪.‬‬
‫وجمهور العلماء على أن من كان منزله دونهن فميقات إحرامه من منزله‪ .‬واختلفببوا‬
‫هل الفضل إحرام الحاج منهن أو من منزله إذا كان منزله خارجا منهن؟ فقال قببوم‪:‬‬
‫الفضل له من منزله‪ ،‬والحرام منها رخصة وبه قال الشافعي وأبو حنيفة والثببوري‬
‫وجماعة‪ .‬وقال مالك وإسحاق وأحمد‪ :‬إحرامه مببن المببواقيت أفضببل‪ ،‬وعمببدة هببؤلء‬
‫الحاديث المتقدمة‪ ،‬وأنها السنة الببتي سببنها رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم فهببي‬
‫أفضل‪ .‬وعمدة الطائفة الخرى أن الصحابة قد أحرمت من قبل الميقببات ابببن عببباس‬
‫وابن عمر وابن مسعود وغيرهم قالوا‪ :‬وهببم أعببرف بالسببنة‪ ،‬وأصببول أهببل الظبباهر‬
‫تقتضببي أن ل يجببوز الحببرام إل مببن الميقببات إل أن يصببح إجمبباع علببى خلفببه‪.‬‬
‫واختلفوا فيمن ترك الحرام من ميقاته وأحرم من ميقات آخببر غيببر ميقبباته‪ ،‬مثببل أن‬
‫يترك أهل المدينة الحرام من ذي الحليفة ويحرموا من الجحفة‪ ،‬فقال قوم‪ :‬عليببه دم‪،‬‬
‫وممن قال بببه مالببك وبعببض أصببحابه‪ .‬وقبال أبببو حنيفبة‪ :‬ليبس عليبه شبيء‪ .‬وسبببب‬
‫الخلف هل هو من النسك الذي يجببب فببي تركببه الببدم أم ل؟ ول خلف أنببه ل يلببزم‬
‫الحرام من مر بهذه المواقيت ممن أراد الحج أوالعمرة‪ .‬وأمببا مببن لببم يردهمببا ومببر‬
‫بهما فقال قوم‪ :‬كل من مر بهما يلزمه الحببرام إل مببن يكببثر تببرداده مثببل الحطببابين‬
‫وشبههم‪ ،‬وبه قال مالك‪ .‬وقال قوم‪ :‬ل يلزم الحببرام بهببا إل لمريببد الحببج أو العمببرة‪،‬‬
‫وهذا كله لمن ليس مبن أهبل مكبة‪ .‬وأمببا أهببل مكبة فبإنهم يحرمببون بالحببج منهبا‪ ،‬أو‬
‫بالعمرة يخرجون إلى الحل ول بد‪ .‬وأما مببتى يحببرم بالحببج أهببل مكببة فقيببل إذا رأوا‬
‫الهلل‪ ،‬وقيل إذا خرج الناس إلى منى فهذا هو ميقات المكان المشببترط لنببواع هببذه‬
‫العبادة‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫*‪*4‬القول في ميقات الزمان‪.‬‬


‫@‪-‬وأما ميقات الزمان فهو محدود أيضببا فببي أنببواع الحببج الثلث وهببو شببوال وذو‬
‫القعدة وتسع من ذي الحجة باتفاق‪ .‬وقال مالك‪ :‬الثلثة الشهر كلها محل للحج‪ .‬وقال‬
‫الشافعي‪ :‬الشهران وتسع من ذي الحجة‪ .‬وقببال أبببو حنيفببة‪ :‬عشببر فقببط‪ ،‬ودليببل قببول‬
‫مالك عموم قوله سبحانه وتعالى }الحج أشهر معلومات{ فوجب أن يطلق على جميببع‬
‫أيام ذي الحجة أصله انطلقه على جميع أيام شوال وذي القعدة‪ .‬ودليل الفريق الثاني‬
‫انقضاء الحرام قبل تمام الشهر الثالث بانقضاء أفعاله الواجبة‪ .‬وفائدة الخلف تببأخر‬
‫طواف الفاضة إلى آخر الشهر‪ ،‬إن أحرم بالحج قبل أشهر الحج كرهببه مالببك ولكببن‬
‫صح إحرامه عنببده‪ .‬وقببال غيببره‪ :‬ل يصببح إحرامببه‪ .‬وقببال الشببافعي‪ :‬ينعقببد إحرامببه‬
‫إحرام عمرة‪ ،‬فمن شبهه بوقت الصلة قال‪ :‬يقع قبل الوقت‪ ،‬ومن اعتمد عمببوم قببوله‬
‫تعالى }وأتموا الحج والعمرة ل{ قال متى أحرم انعقد إحرامه لنببه مببأمور بالتمببام‪،‬‬
‫وربما شبهوا الحج في هذا المعنى بالعمرة‪ ،‬وشبهوا ميقببات الزمببان بميقببات العمببرة‪.‬‬
‫فأما مذهب الشافعي فهو مبني على أن من التزم عبادة في وقت نظيرتها انقلبت إلببى‬
‫النظير‪ ،‬مثل أن يصوم نذرا في أيام رمضان‪ ،‬وهذا الصل فيه اختلف في المذهب‪.‬‬
‫وأما العمرة فإن العلماء اتفقوا على جوازهببا فببي كببل أوقببات السببنة لنهببا كببانت فببي‬
‫الجاهلية ل تصنع في أيببام الحببج‪ ،‬وهببو معنببى قببوله عليببه الصببلة والسببلم "دخلببت‬
‫العمرة في الحج إلى يوم القيامة" وقال أبو حنيفة‪ :‬تجوز في كل السنة إل يببوم عرفببة‬
‫ويوم النحر وأيببام التشببريق فإنهببا تكببره‪ .‬واختلفببوا فببي تكريرهببا فببي السببنة الواحببدة‬
‫مرارا‪ ،‬فكان مالك يستحب عمرة في كل سنة‪ ،‬ويكره وقوع عمرتين عنده وثلثا فببي‬
‫السنة الواحدة‪ .‬وقال الشافعي وأبببو حنيفببة‪ :‬ل كراهيببة فببي ذلببك فهببذا هببو القببول فببي‬
‫شببروط الحببرام الزمانيببة والمكانيببة‪ .‬وينبغببي بعببد ذلببك أن نصببير إلببى القببول فببي‬
‫الحرام‪ ،‬وقبل ذلك ينبغي أن نقول في تروكه‪ ،‬ثم نقول بعد ذلك في الفعال الخاصببة‬
‫بالمحرم إلى حين إحلله وهي أفعال الحج كلها وتروكه‪ ،‬ثم نقول في أحكببام الخلل‬
‫بالتروك والفعال ولنبدأ بالتروك‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في التروك‪.‬‬
‫@‪-‬وهو ما يمنع الحرام من المور المباحة للحلل‪.‬‬
‫والصل من هذا الباب ما ثبت من حديث مالك عن نافع عن عبببد ال ب بببن عمببر "أن‬
‫رجل سأل رسول ال صلى ال عليه وسلم ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقبال رسبول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬ل تلبسوا القمص ول العمائم ول السراويلت ول البببرانس‬
‫ول الخفاف إل أحببد ل يجببد نعليببن فيلبببس خفيببن وليقطعهمببا أسببفل مببن الكعبببين ول‬
‫تلبسوا من الثياب شيئا مسه الزعفران ول الورس" فاتفق العلماء على بعض الحكام‬
‫الواردة في هذا الحديث واختلفوا في بعضها‪ ،‬فمما اتفقوا عليببه أنببه ل يلبببس المحببرم‬
‫قميصا ول شيئا مما ذكر في هذا الحديث ول ما كان في معناه من مخيط الثياب وأن‬
‫هبذا مخصبوص بالرجبال‪ ،‬أعنبي تحريبم لببس المخيبط‪ ،‬وأنبه ل ببأس للمبرأة بلببس‬
‫القميص والدرع والسراويل والخفاف والخمر‪ .‬واختلفوا فيمن لم يجد غير السببراويل‬
‫هل له لباسها؟ فقال مالك وأبو حنيفة‪ :‬ل يجوز له لباس السراويل وإن لبسببها افتببدى‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وقال الشافعي والثبوري وأحمبد وأببو ثببور وداود‪ :‬ل شبيء عليبه إذا لبم يجبد إزارا‪،‬‬
‫وعمدة مذهب مالك ظاهر حديث ابن عمر المتقدم قببال‪ :‬ولببو كببان فببي ذلببك رخصببة‬
‫لستثناها رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم كمببا اسببتثنى فببي لبببس الخفيببن‪ .‬وعمببدة‬
‫الطائفة الثانية حديث عمرو بن دينار عن جابر وابن عباس قال‪ :‬سببمعت رسبول الب‬
‫صلى ال عليه وسلم يقول "السراويل لمن لم يجد الزار والخف لمن لم يجد النعلين"‬
‫وجمهور العلماء على إجازة لباس الخفين مقطوعين لمن لم يجد النعلين‪ .‬وقال أحمد‪:‬‬
‫جائز لمن لم يجد النعلين أن يلبس الخفيببن غيببر مقطببوعين أخببذا بمطلببق حبديث ابببن‬
‫عباس‪ .‬وقال عطاء‪ :‬في قطعهما فساد والب ل يحببب الفسبباد‪ .‬واختلفببوا فيمببن لبسببهما‬
‫مقطوعين مع وجود النعلين‪ ،‬فقال مالك‪ :‬عليه الفديبة‪ ،‬وببه قبال أببو ثبور‪ .‬وقبال أبببو‬
‫حنيفببة‪ :‬ل فديبة عليبه‪ ،‬والقببولن عبن الشببافعي‪ ،‬وسببنذكر هببذا فبي الحكببام‪ .‬وأجمبع‬
‫العلماء على أن المحرم ل يلبس الثببوب المصبببوغ بببالورس والزعفببران لقببوله عليببه‬
‫الصلة والسلم في حديث ابن عمر "ل تلبسوا من الثيبباب شببيئا مسببه الزعفببران ول‬
‫الورس"‬
‫واختلفوا في المعصفر فقال مالك‪ :‬ليس به بببأس فببإنه ليببس بطيببب‪ .‬وقببال أبببو حنيفببة‬
‫والثوري‪ :‬هو طيب وفيه الفدية‪ ،‬وحجببة أبببي حنيفببة مببا خرجببه مالببك عببن علببي "أن‬
‫النبي عليه الصلة والسلم نهى عن لبس القسي وعن لبس المعصفر" وأجمعوا على‬
‫أن إحرام المرأة في وجههببا وأن لهببا أن تغطبي رأسببها وتسببتر شبعرها‪ ،‬وأن لهببا أن‬
‫تسدل ثوبها على وجهها من فوق رأسها سدل خفيفا تستتر به عن نظر الرجببال إليهببا‬
‫كنحو ما روي عن عائشة أنها قالت "كنا مع رسول ال صلى ال عليببه وسببلم ونحببن‬
‫محرمون فإذا مر بنا ركب سدلنا على وجوهنا الثوب مببن قبببل رءوسببنا‪ ،‬وإذا جبباوز‬
‫الركب رفعناه" ولم يأت تغطية وجوههن إل ما رواه مالببك عببن فاطمببة بنببت المنببذر‬
‫أنها قالت "كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مببع أسببماء بنببت أبببي بكببر الصببديق"‪.‬‬
‫واختلفوا في تخمير المحرم وجهه بعد إجماعهم على أنه ل يخمر رأسه‪ ،‬فروى مالك‬
‫عن ابن عمر أن ما فببوق الببذقن مببن الببرأس ل يخمببره المحببرم‪ ،‬وإليببه ذهببب مالببك‪.‬‬
‫وروي عنه أنه إن فعل ذلك ولم ينزعه مكانه افتدى‪ .‬وقال الشافعي والثببوري وأحمببد‬
‫وأبو داود وأبو ثور يخمر المحرم وجهببه إلببى الحبباجبين‪ .‬وروي مببن الصببحابة عببن‬
‫عثمان وزيد بن ثابت وجابر وابن عباس وسعد بن أبببي وقبباص‪ .‬واختلفببوا فببي لبببس‬
‫القفازين للمرأة فقال مالك‪ :‬إن لبست المرأة القفازين افتببدت‪ ،‬ورخببص فيببه الثببوري‪،‬‬
‫وهو مروي عن عائشة‪ .‬والحجة لمالك ما خرجه أبببو داود عببن النبببي عليببه الصببلة‬
‫والسلم أنه نهى عن النقاب والقفازين وبعض الرواة يرويه موقوفببا عببن ابببن عمببر‪،‬‬
‫وصححه بعض رواة الحديث‪ ،‬أعني رفعه إلى النبي عليه الصلة والسلم‪ ،‬فهذا هببو‬
‫مشهور اختلفهم واتفاقهم في اللباس‪ ،‬وأصل الخلف في هذا كله اختلفهم في قياس‬
‫بعض المسكوت عنه علببى المنطببوق بببه واحتمببال اللفببظ المنطببوق بببه وثبببوته أو ل‬
‫ثبوته‪ ،‬وأما الشيء الثاني من المتروكات فهو الطيب‪ ،‬وذلك أن العلماء أجمعوا علببى‬
‫أن الطيب كله يحرم على المحرم بالحج والعمرة في حال إحرامه‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫واختلفوا في جوازه للمحرم عند الحرام قبل أن يحرم لما يبقببى مببن أثببره عليببه بعببد‬
‫الحببرام‪ ،‬فكرهببه قبوم وأجبازه آخبرون‪ ،‬وممبن كرهببه مالببك‪ ،‬ورواه عبن عمببر بببن‬
‫الخطاب‪ ،‬وهو قول عثمان وابن عمر وجماعة من التابعين‪ .‬وممن أجازه أبببو حنيفببة‬
‫والشافعي والثوري وأحمد وداود‪ ،‬والحجة لمالك رحمببه الب مببن جهببة الثببر حببديث‬
‫صفوان ابن يعلى ثبت في الصحيحين‪ ،‬وفيه "أن رجل جاء إلى النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم بجبة مضمخة بطيب‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول ال كيف ترى في رجل أحرم بعمرة فببي‬
‫جبة بعد ما تضمخ بطيب؟ فأنزل الوحي على رسول ال صلى ال ب عليببه وسببلم فلمببا‬
‫أفاق قال‪ :‬أين السائل عن العمرة أنفا؟ فالتمس الرجببل فببأتى بببه‪ ،‬فقببال عليببه الصببلة‬
‫والسلم‪ :‬أما الطيب الذي بك فاغسله عنك ثلث مرات‪ ،‬وأما الجبة فانزعها ثم اصنع‬
‫ما شئت في عمرتك كمبا تصببنع فبي حجتببك" اختصببرت الحببديث‪ ،‬وفقهببه هببو الببذي‬
‫ذكرت‪.‬‬
‫وعمدة الفريق الثاني ما رواه مالك عن عائشة أنها قالت "كنببت أطيببب رأس رسببول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم لحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت" واعتببل‬
‫الفريق الول بما روي عببن عائشببة أنهببا قببالت }وقببد بلغهببا إنكببار ابببن عمببر تطيببب‬
‫المحرم قبل إحرامه{ "يرحم ال أبا عبد الرحمن طيبببت رسببول الب صببلى الب عليببه‬
‫وسلم فطاف على نسائه ثم أصبح محرما" قالوا‪ :‬وإذا طاف على نسائه اغتسل‪ ،‬فإنما‬
‫يبقى عليه أثر ريح الطيب ل جرمة نفسه‪ ،‬قالوا‪ :‬ولما كان الجماع قد انعقد علببى أن‬
‫كل ما ل يجوز للمحرم ابتداؤه وهو محرم‪ ،‬مثل لبس الثياب وقتل الصيد ل يجوز له‬
‫استصحابه وهو محرم‪ ،‬فوجب أن يكون الطيب كذلك‪ .‬فسبب الخلف تعارض الثار‬
‫في هذا الحكم‪ .‬وأما المتروك الثالث فهو مجامعة النساء‪ ،‬وذلك أنببه أجمببع المسببلمون‬
‫على أن وطء النساء على الحاج حببرام مببن حيببن يحببرم لقببوله تعببالى }فل رفببث ول‬
‫فسوق ول جدال في الحج{ ‪ .‬وأما الممنببوع الرابببع وهببو إلقبباء التفببث وإزالببة الشببعر‬
‫وقتل القمل‪ ،‬ولكن اتفقوا على أنه يجوز لببه غسببل رأسببه مببن الجنابببة‪ ،‬واختلفببوا فببي‬
‫كراهية غسله من غير الجنابة‪ ،‬فقال الجمهور‪ :‬لبأس بغسله رأسه‪.‬‬
‫وقال مالك‪ :‬بكراهية ذلك‪ ،‬وعمدته أن عبد الب بببن عمببر كببان ل يغسببل رأسببه وهببو‬
‫محرم إل من الحتلم‪ .‬وعمدة الجمهور ما رواه مالك عن عبد ال بن جبير "أن ابببن‬
‫عباس والمسور بن مخرمة اختلفا بالبواء‪ ،‬فقال عبد ال‪ :‬يغسل المحرم رأسه‪ ،‬وقال‬
‫المسور بن مخرمة‪ :‬ل يغسل المحرم رأسه‪ ،‬قال‪ :‬فأرسلني عبببد ال ب بببن عببباس إلببى‬
‫أبي أيوب النصاري قال‪ :‬فوجدته يغتسل بين القرنيببن وهببو مسببتتر بثببوب‪ ،‬فسببلمت‬
‫عليه فقال‪ :‬من هذا؟ فقلت عبد ال بن جبير أرسلني إليك عبببد الب بببن عببباس أسببألك‬
‫كيف كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم‪ ،‬فوضع أبو أيببوب‬
‫يده على الثوب فتطأطأ حتى بدا لي رأسه ثم قال لنسان يصب عليه اصبببب‪ ،‬فصببب‬
‫على رأسه‪ ،‬ثم حرك رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر‪ ،‬ثم قببال‪ :‬هكببذا رأيببت رسببول الب‬
‫صلى ال عليه وسلم يفعل" وكان عمر يغسل رأسه وهببو محببرم ويقببول‪" :‬مببا يزيببده‬
‫الماء إل شعثا" رواه مالك في الموطبأ‪ ،‬وحمبل مالبك حبديث أببي أيببوب علبى غسببل‬
‫الجنابة والحجة له إجماعهم علببى أن المحببرم ممنببوع مببن قتببل القمببل ونتببف الشببعر‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وإلقاء التفث وهببو الوسببخ‪ ،‬والغاسببل رأسببه هببو إمببا أن يفعببل هببذه كلهببا أو بعضببها‪.‬‬
‫واتفقوا على منع غسله رأسه بالخطمى‪ .‬وقال مالك وأبو حنيفة‪ :‬إن فعل ذلببك افتببدى‪.‬‬
‫وقال أبو ثور وغيره‪ :‬ل شببيء عليببه‪ .‬واختلفبوا فببي الحمببام فكبان مالبك يكببره ذلبك‪،‬‬
‫ويرى أن على من دخله الفدية‪ .‬وقال أبببو حنيفببة والشببافعي والثببوري وداود‪ :‬لبببأس‬
‫بذلك‪ .‬وروي عن ابن عباس دخول الحمبام وهبو محبرم مبن طريقيبن‪ ،‬والحسبن أن‬
‫يكببره دخببوله لن المحببرم منهببي عببن إلقبباء التفببث‪ .‬وأمببا المحظببور الخببامس فهببو‬
‫الصطياد‪ ،‬وذلك أيضا مجمع عليه لقوله سبحانه وتعالى }وحرم عليكم صيد البر مببا‬
‫دمتم حرما{ وقوله تعالى }ول تقتلوا الصيد وأنتم حرم{ وأجمعوا علببى أنببه ل يجببوز‬
‫له صيده ول أكل ما صاد هو منه‪ ،‬واختلفوا إذا صاده حلل هل يجوز للمحرم أكله؟‬
‫على ثلثة أقوال‪ :‬قول إنه يجوز له أكله على الطلق‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة‪ ،‬وهو قول‬
‫عمر ابن الخطاب والزبير‪.‬‬
‫وقال قوم‪ :‬هو محرم عليه على كل حال وهو قول ابن عباس وعلي وابن عمر‪ ،‬وبببه‬
‫قال الثوري‪ .‬وقال مالك‪ :‬ما لم يصد من أجل المحرم أو من أجل قببوم محرميببن فهببو‬
‫حلل‪ ،‬وما صيد من أجل محرم فهو حرام على المحببرم‪ .‬وسبببب اختلفهببم تعببارض‬
‫الثار في ذلك‪ ،‬فأحدها ما خرجه مالك من حديث أبي قتادة ‪ :‬أنه كان مع رسببول الب‬
‫صلى ال عليه وسلم حتى إذا كانوا ببعض طرق مكة تخلف مع أصحاب له محرمين‬
‫وهو غير محرم‪ ،‬فرأى حمارا وحشيا فاستوى على فرسه فسأل أصببحابه أن ينبباولوه‬
‫سوطه فأبوا عليه فسألهم رمحه فأبوا عليه‪ ،‬فأخذه ثم شد على الحمار فقتله‪ ،‬فأكل منه‬
‫بعض أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبى بعضهم‪ ،‬فلما أدركوا رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم سألوه عن ذلك فقبال‪ :‬إنمببا هببي طعمببة أطعمكموهببا الب" وجبباء‬
‫أيضا في معناه حديث طلحة بن عبيد ال ذكره النسائي أن عبد الرحمن التميمي قال‪:‬‬
‫كنا مع طلحة ابن عبيد ال ونحن محرمون‪ ،‬فأهدى له ظبي وهو راقد‪ ،‬فأكل بعضنا‪،‬‬
‫فاستيقظ طلحة فوافق على أكله وقال‪ :‬أكلناه مببع رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم‪.‬‬
‫والحديث الثاني حديث ابن عباس خرجه أيضا مالك "أنه أهدى لرسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم حمارا وحشيا وهو بالبواء أو بودان فرده عليه وقال‪ :‬إنا لببم نببرده عليببك‬
‫إل أنا حرم" وللختلف سبب آخر‪ ،‬وهو هل يتعلق النهي عببن الكببل بشببرط القتببل‪،‬‬
‫أو يتعلق بكل واحد منهما النهي عن النفراد؟ فمببن أخببذ بحببديث أبببي قتببادة قببال‪ :‬إن‬
‫النهي إنما يتعلق بالكل مع القتل‪ ،‬ومن أخذ بحديث ابن عباس قال‪ :‬النهي يتعلق بكل‬
‫واحد منهما على انفراده‪ ،‬فمببن ذهببب فببي هببذه الحبباديث مببذهب الترجيببح قببال‪ :‬إمببا‬
‫بحديث أبي قتادة‪ ،‬وإما بحببديث ابببن عببباس‪ ،‬ومببن جمببع بيببن الحبباديث قببال بببالقول‬
‫الثالث قالوا‪ :‬والجمع أولى‪ ،‬وأكدوا ذلك بما روي عن جابر عن النبببي عليببه الصببلة‬
‫والسلم أنه قال "صيد البر حلل لكم وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصد لكم"‬
‫واختلفوا في المضطر هل يأكل الميتة أو يصيد فببي الحببرم؟ فقببال مالببك وأبببو حنيفببة‬
‫والثوري وزفر وجماعة‪ :‬إذا اضطر أكل الميتة ولحم الخنزير دون الصيد‪ .‬وقال أبببو‬
‫يوسف‪ :‬يصيد ويأكل وعليه الجزاء‪ ،‬والول أحسن للذريعة‪ .‬وقال أبو يوسبف‪ :‬أقيبس‬
‫لن تلك محرمة لعينها والصيد محرم لغرض من الغراض‪ ،‬ومببا حببرم لعلببة أخببف‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مما حرم لعينه‪ ،‬وما هو محرم لعينه أغلظ‪ ،‬فهذه الخمسببة اتفببق المسببلمون علببى أنهببا‬
‫من محظورات الحرام‪،‬‬
‫واختلفوا في نكاح المحرم فقال مالك والشافعي والليث والوزاعي‪ :‬ل ينكببح المحببرم‬
‫ول ينكح‪ ،‬فإن نكح فالنكاح باطل‪ ،‬وهو قول عمر وعلي بببن أبببي طببالب وابببن عمببر‬
‫وزيد ابن ثابت‪ .‬وقال أبو حنيفببة والثببوري‪ :‬ل بببأس بببأن ينكببح المحببرم أو أن ينكببح‪.‬‬
‫والسبب في اختلفهم اختلف الثار في ذلك فأحدها ما رواه مالك من حديث عثمببان‬
‫ابن عفان أنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليببه وسببلم "ل ينكببح المحببرم ول ينكببح‬
‫ول يخطب" والحديث المعارض لهذا حديث ابببن عببباس "أن رسببول ال ب صببلى الب‬
‫عليه وسلم نكح ميمونة وهو محرم" خرجه أهل الصحاح إل أنه عارضته آثار كثيرة‬
‫عن ميمونة "أن رسول ال صلى ال عليه وسببلم تزوجهببا وهببو حلل" رويببت عنهببا‬
‫من طرق شتى عن أبي رافع وعن سليمان ابببن يسببار وهببو مولهببا‪ ،‬وعببن زيببد بببن‬
‫الصم‪ ،‬ويمكن الجمع بين الحديثين بأن يحمببل الواحببد علببى الكراهيببة والثبباني علببى‬
‫الجواز‪ ،‬فهذه هي مشهورات ما يحرم على المحببرم‪ ،‬وأمببا مببتى يحببل فسببنذكره عنببد‬
‫ذكرنا أفعال الحببج‪ ،‬وذلببك أن المعتمببر يحبل إذا طباف وسبعى وحلبق‪ .‬واختلفببوا فبي‬
‫الحاج على ما سيأتي بعد‪ ،‬وإذ قد قلنا في تروك المحرم فلنقل في أفعاله‪:‬‬
‫*‪*4‬القول في أنواع هذا النسك‪.‬‬
‫@‪-‬والمحرمون إما محرم بعمببرة مفبردة أو محبرم بحبج فبرد‪ ،‬أو جبامع بيبن الحببج‬
‫والعمرة‪ ،‬وهذان ضربان‪ :‬إما متمتع‪ ،‬وإما قارن‪ ،‬فينبغي أول أن نجرد أصببناف هببذه‬
‫المناسك الثلث ثم نقول ما يفعل المحرم في كلها‪ ،‬وما يخص واحببدا واحببدا منهببا إن‬
‫كان هنالك ما يخص‪ ،‬وكذلك نفعل فيمببا يعببد الحببرام مببن أفعببال الحببج إن شبباء الب‬
‫تعالى‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في شرح أنواع هذه المناسك‪.‬‬
‫@‪-‬فنقول‪ :‬إن الفراد هو ما يتعرى عن صفات التمتع والقران‪ ،‬فلذلك يجب أن نبببدأ‬
‫أول بصفة التمتع‪ ،‬ثم نردف ذلك بصفة القران‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في التمتع‪.‬‬
‫@‪-‬فنقول‪ :‬إن العلماء اتفقوا على أن هذا النوع مببن النسببك الببذي هببو المعنببى بقببوله‬
‫سبحانه }فمن تمتع بببالعمرة إلببى حببج فمببا استيسببر مببن الهببدى{ هببو أن يهببل الرجببل‬
‫بالعمرة في أشهر الحج من الميقات‪ ،‬وذلببك إذا كببان مسببكنه خارجببا عببن الحببرم‪ ،‬ثببم‬
‫يأتي حتى يصل البيت فيطوف لعمرته ويسعى ويحلببق فببي تلببك الشببهر بعينهببا‪ ،‬ثببم‬
‫يحل بمكة‪ ،‬ثم ينشئ الحج في ذلك العام بعينه وفي تلببك الشببهر بعينهببا مببن غيببر أن‬
‫ينصرف إلى بلده إل ما روي عن الحسن أنه كان يقول هو متمتع وإن عاد إلببى بلببده‬
‫ولم يحج‪ :‬أي عليه هدى المتمتع المنصوص عليه في قوله تعالى }فمن تمتع بببالعمرة‬
‫إلى الحج فما استيسر من الهدي{ لنه كان يقول عمرة في أشببهر الحببج متعببة‪ .‬وقببال‬
‫طاوس‪ :‬من اعتمر في غير أشهر الحج ثم أقام حتى الحج وحج من عامه أنه متمتببع‪.‬‬
‫واتفق العلماء على أن من لم يكن من حاضري المسجد الحرام فهو متمتبع‪ .‬واختلفبوا‬
‫في المكي هل يقع منه التمتع أم ل يقع؟ والذين قالوا إنه يقع منه اتفقوا على أنه ليببس‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫عليه دم لقوله تعالى }ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام{ واختلفوا فيمببن‬
‫هو حاضر المسجد الحرام ممن ليس هو‪ ،‬فقال مالببك‪ :‬حاضببرو المسببجد الحببرام هببم‬
‫أهل مكة وذي طوى‪ ،‬وما كان مثل ذلك من مكة‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬هم أهل المببواقيت‬
‫فمن دونهم إلى مكة‪ .‬وقال الشافعي بمصر‪ :‬من كان بينه وبين مكة ليلتان وهو أكمببل‬
‫المواقيت‪ .‬وقال أهل الظاهر‪ :‬من كان ساكن الحرم‪ .‬وقال الثوري‪ :‬هم أهل مكة فقط‪.‬‬
‫وأبو حنيفة يقول‪ :‬إن حاضري المسجد الحرام ل يقع منهم التمتع‪ ،‬وكره ذلببك مالببك‪.‬‬
‫وسبب الختلف اختلف ما يدل عليه اسم حاضري المسجد الحرام بالقل والكببثر‪،‬‬
‫ولذلك ل يشك أن أهل مكة هم حاضري المسجد الحرام كمببا ل يشببك أن مببن خببارج‬
‫المواقيت ليس منهم فهذا هو نوع التمتع المشهور‪ ،‬ومعنى التمتع أنه تمتع بتحلله بيببن‬
‫النسكين وسقوط السفر عنه مرة ثانية إلى النسك الثاني الذي هو الحج‪ ،‬وهنببا نوعببان‬
‫من التمتع اختلف العلماء فيهما‪ :‬أحدهما فسخ الحج في عمرة‪ ،‬وهو تحويل النيببة مببن‬
‫الحرام بالحج إلى العمرة‪ ،‬فجمهور العلماء يكرهون ذلك مبن الصبدر الول وفقهباء‬
‫المصار‪.‬‬
‫وذهب ابن عباس إلى جواز ذلك‪ ،‬وبه قال أحمد وداود وكلهم متفقون أن رسببول ال ب‬
‫صلى ال عليه وسلم أمر أصحابه عام حج بفسخ الحج في العمببرة‪ ،‬وهببو قببوله عليببه‬
‫الصلة والسلم "لببو اسببتقبلت مببن أمببري مببا اسببتدبرت لمببا سببقت الهببدي ولجعلتهببا‬
‫عمرة" وأمره لمن لم يسق الهدي من أصببحابه أن يفسببخ إهللببه فببي العمببرة‪ ،‬وبهببذا‬
‫تمسك أهل الظاهر‪ ،‬والجمهور رأوا ذلك من باب الخصببوص لصبحاب رسبول الب‬
‫صلى الب عليببه وسببلم‪ ،‬واحتجببوا بمببا روي عببن ربيعببة بببن أبببي عبببد الرحمببن عببن‬
‫الحارث بن بلل ابن الحارث المبدني عببن أبيببه قبال "قلبت يبا رسبول الب أفسبخ لنبا‬
‫خاصة أم لمن بعدنا؟ قال‪ :‬لنا خاصة" وهذا لم يصح عند أهل الظاهر صحة يعارض‬
‫بها العمل المتقدم‪ .‬وروي عن عمر أنه قال "متعتان كانتا على عهد رسول ال صبلى‬
‫ال عليه وسلم أنا أنهي عنهما وأعاقب عليهمببا‪ :‬متعببة النسبباء‪ ،‬ومتعببة الحببج" وروي‬
‫عن عثمان أنه قال‪ :‬متعة الحج كانت لنا وليسببت لكببم‪ .‬وقببال أبببو ذر‪ :‬مببا كببان لحببد‬
‫بعدنا أن يحرم بالحج ثم يفسخه في عمببرة هببذا كلببه مببع ظبباهر قببوله تعببالى }وأتمببوا‬
‫الحج والعمرة ل{ ‪ .‬والظاهرية على أن الصل اتباع فعل الصحابة حتى يببدل الببدليل‬
‫من كتاب الب أو سببنة ثابتببة علببى أنببه خبباص‪ .‬فسبببب الختلف هببل فعببل الصببحابة‬
‫محمول على العموم أو على الخصوص‪ .‬وأما النوع الثاني مببن التمتببع فهببو مببا كببان‬
‫يذهب إليه ابن الزبير من أن التمتع الببذي ذكببره الب هببو تمتببع المحصببر بمببرض أو‬
‫عدو‪ ،‬وذلك إذا خرج الرجل حاجا فحبسببه عببدو أو أمببر تعببذر بببه عليببه الحببج حببتى‬
‫تذهب أيام الحج‪ ،‬فيأتي البيت فيطوف ويسعى بين الصفا والمببروة‪ ،‬ويحببل ثببم يتمتببع‬
‫بحله إلى العام المقبل‪ ،‬ثم يحج ويهدي‪ ،‬وعلى هذا القول ليس يكون التمتببع المشببهور‬
‫إجماعا‪ .‬وشذ طاوس أيضا فقببال‪ :‬إن المكببي إذا تمتببع مببن بلببد غيببر مكببة كببان عليببه‬
‫الهدي‪ .‬واختلف العلماء فيمن أنشأ عمرة في غيبر أشببهر الحببج ثببم عملهبا فبي أشبهر‬
‫الحج ثم حج من عامه ذلك‪ ،‬فقال مالك‪ :‬عمرته في الشببهر الببذي حببل فيببه‪ ،‬فببإن كببان‬
‫حل في أشهر الحج فهو متمتع‪ ،‬وإن كان في غير أشهر الحج فليس بمتمتع‪ ،‬وبقريببب‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫منه قال أبو حنيفة والشافعي والثوري‪ ،‬إل أن الثوري اشترط أن يوقع طوافه كله في‬
‫شوال‪ ،‬وبه قال الشافعي‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة‪ :‬إن طاف ثلثة أشواط في رمضان وأربعة فببي شببوال كببان متمتعببا‪،‬‬
‫وإن كان عكس ذلك لم يكن متمتعا أعني أن يكون طاف أربعة أشببواط فببي رمضببان‬
‫وثلثة في شوال‪ .‬وقال أبو ثور‪ :‬إذا دخل العمرة في غير أشببهر الحبج فسببواء طباف‬
‫لها في غير أشهر الحج أو في أشهر الحج ل يكون متمتعا‪.‬‬
‫وسبب الختلف هل يكون متمتعا بإيقاع إحرام العمرة في أشهر الحج فقط أم بإيقاع‬
‫الطواف معه؟ ثم إن كان بإيقاع الطواف معببه فهببل بإيقبباعه كلببه أم أكببثره فببأبو ثببور‬
‫يقول‪ :‬ل يكون متمتعا إل بإيقاع الحرام في أشهر الحج‪ ،‬لن بالحرام تنعقد العمرة‪.‬‬
‫والشافعي يقول‪ :‬الطواف هو أعظم أركانها‪ ،‬فوجب أن يكون بببه متمتعببا؛ فببالجمهور‬
‫على أن من أوقع بعضها في أشهر الحج كمن أوقعها كلها‪ ،‬وشروط التمتع عند مالك‬
‫ستة‪ :‬أحدها أن يجمع بين الحج والعمرة في شهر واحببد‪ .‬والثبباني أن يكببون ذلببك فببي‬
‫عام واحد‪ .‬والثالث أن يفعل شيئا من العمرة في أشهر الحج‪ .‬والرابع أن يقدم العمببرة‬
‫على الحج‪ .‬والخامس أن ينشئ الحج بعد الفراغ من العمرة وإحلله منهببا‪ .‬والسببادس‬
‫أن يكون وطنه غير مكة‪ ،‬فهذه هي صورة التمتع والختلف المشهور فيه والتفاق‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في القارن‪.‬‬
‫@‪-‬وأما القران فهو أن يهل بالنسكين معا أو يهل بالعمرة في أشهر الحج‪ ،‬ثم يببردف‬
‫ذلك بالحج قبل أن يهل من العمرة‪ .‬واختلف أصحاب مالك في الوقت الذي يكببون لببه‬
‫فيه‪ ،‬فقيل ذلك له ما لم يشببرع فببي الطببواف ولببو شببوطا واحببدا‪ ،‬وقيببل مببا لببم يطببف‬
‫ويركع ويكره بعد الطواف وقبل الركوع‪ ،‬فإن فعل لزمه‪ ،‬وقيل له ذلك ما بقببي عليببه‬
‫شيء من عمل العمرة مببن طببواف أو سببعي‪ ،‬مببا خل أنهببم اتفقببوا علببى أنببه إذا أهببل‬
‫بالحج ولم يبق عليه من أفعببال العمببرة إل الحلق فببإنه ليببس بقببارن‪ ،‬والقببارن الببذي‬
‫يلزمه هدي المتمتع هو عند الجمهببور مببن غيببر حاضببري المسببجد الحببرام‪ ،‬إل ابببن‬
‫الماجشون من أصحاب مالببك‪ ،‬فبإن القبارن مببن أهببل مكبة عنبده عليبه الهببدي‪ .‬وأمببا‬
‫الفراد فهو ما تعرى من هذه الصفات‪ ،‬وهو أن ل يكون متمتعا ول قارنا بل أن يهل‬
‫بالحج فقط‪ .‬وقد اختلف العلماء أي أفضل هل الفراد أو القران أو التمتببع؟‪ .‬والسبببب‬
‫في اختلفهم اختلفهم فيما فعل رسول ال صلى ال عليه وسلم مبن ذلببك‪ ،‬وذلببك أنبه‬
‫روي عنه عليه الصلة والسلم أنه كان مفردا وروي أنه تمتع وروي عنبه أنبه كبان‬
‫قارنا فاختار مالك الفراد‪ ،‬واعتمببد فببي ذلببك علببى مببا روي عببن عائشببة أنهببا قببالت‬
‫"خرجنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم عام حجة الوداع‪ ،‬فمنا من أهببل بعمببرة‪،‬‬
‫ومنا من أهل بحج وعمرة‪ ،‬وأهل رسول ال صلى ال عليه وسلم بالحج" ورواه عببن‬
‫عائشة من طرق كثيرة قال أبو عمر بن عبد البر‪ :‬وروى الفراد عن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم عن جابر بن عبد ال من طرق شتى متواترة صحاح‪ ،‬وهو قول أبي بكببر‬
‫وعمر وعثمان وعائشببة وجبابر‪ .‬والببذين رأوا أن النببي صببلى الب عليبه وسببلم كببان‬
‫متمتعا احتجوا بما رواه الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمببر قببال‬
‫"تمتع رسول ال صلى ال عليه وسلم في عام حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وساق الهدي معه من ذي الحليفة" وهو مذهب عبد ال بببن عمببر وابببن عببباس وابببن‬
‫الزبير‪ .‬واختلف عن عائشة في التمتع والفراد‪ .‬واعتمد مببن رأى أنببه عليببه الصببلة‬
‫والسلم كان قارنا أحاديث كثيرة‪ ،‬منها حديث ابن عباس عن عمر بن الخطاب قببال‪:‬‬
‫سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول وهو بوادي العقيق "أتاني الليلة آت مببن‬
‫ربي فقال‪ :‬أهل في هببذا الببوادي المبببارك وقببل عمببرة فببي حجببة" خرجببه البخبباري‪،‬‬
‫وحديث مروان ابن الحكم قال "شهدت عثمان وعليا وعثمببان ينهببى عببن المتعببة وأن‬
‫يجمع بينهما‪ ،‬فلما رأى ذلك علي أهل بهما‪ :‬لبيك بعمرة وحجة‪ ،‬وقال‪ :‬ما كنببت لدع‬
‫سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم لقول أحد" خرجه البخاري‪ ،‬وحديث أنس خرجه‬
‫البخاري أيضا قبال‪ :‬سببمعت رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم يقببول "لبيببك عمببرة‬
‫وحجة" وحديث مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت "خرجنا مع رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم عام حجة الوداع فأهللنا بعمرة‪ ،‬ثم قال رسول ال‪ :‬مببن كببان‬
‫معه هدي فليهل بالحج مع العمببرة‪ ،‬ثببم ل يحببل حببتى يحببل منهمببا جميعببا" واحتجببوا‬
‫فقالوا‪ :‬ومعلوم أنه كان معه صلى ال عليه وسلم هدي‪ ،‬ويبعببد أن يببأمر بببالقران مببن‬
‫معه هدي ويكون معه هدي ول يكون قارنا‪ .‬وحديث مالك أيضا عن نببافع عبن عمببر‬
‫عن حفصة عن النبي عليه الصلة والسلم أنه قال "إني قلدت هببديي ولبببدت رأسببي‬
‫فل أحل حتى أنحر هديي" وقال أحمد‪ :‬ل أشك أن رسول ال صببلى ال ب عليببه وسببلم‬
‫كان قارنا‪ ،‬والتمتع أحب إلي‪ ،‬واحتج في اختياره التمتع بقوله عليببه الصببلة والسببلم‬
‫"لو استقبلت من أمري ما اسببتدبرت مببا سببقت الهببدي ولجعلتهببا عمببرة" واحتببج مببن‬
‫طريق المعنى من رأى أن الفراد الفضل أن التمتع والقران رخصببة ولببذلك وجببب‬
‫فيهما الدم‪ .‬وإذ قلنا في وجوب هذا النسك وعلى من يجب وما شروط وجببوبه ومببتى‬
‫يجب وفي أي وقت يجب ومن أي مكان يجب وقلنا بعد ذلك فيما يجتنبه المحببرم بمببا‬
‫هو محرم‪ ،‬ثم قلنا أيضا في أنواع هذا النسك يجب أن نقول في أول أفعببال الحبباج أو‬
‫المعتمر وهو الحرام‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في الحرام‪.‬‬
‫@‪-‬واتفق جمهور العلماء على أن الغسل للهلل سنة‪ ،‬وأنه من أفعال المحرم حبتى‬
‫قال ابن نوار‪ :‬إن هذا الغسل للهلل عند مالك أوكد مببن غسببل الجمعببة‪ .‬وقببال أهببل‬
‫الظاهر‪ :‬هو واجب‪ .‬وقببال أبببو حنيفببة والثببوري‪ :‬يجببزئ منببه الوضببوء وحجببة أهببل‬
‫الظاهر مرسل مالك من حديث أسماء بيببت عميببس أنهببا ولببدت محمببد بببن أبببي بكببر‬
‫بالبيداء‪ ،‬فذكر ذلك أبو بكر لرسول ال صلى ال عليه وسلم فقال‪ :‬مرها فلتغتسببل ثببم‬
‫لتهل" والمر عندهم على الوجوب وعمدة الجمهور أن الصل هو براءة الذمة حببتى‬
‫يثبت الوجوب بأمر ل مدفع فيه‪ ،‬وكان عبببد ال ب بببن عمببر يغتسببل لحرامببه قبببل أن‬
‫يحرم ولدخوله مكة ولوقوفه عشية يوم عرفة‪ ،‬ومالك يببرى هببذه الغتسببالت الثلث‬
‫من أفعال المحرم‪ ،‬واتفقوا على أن الحرام ل يكببون إل بنيببة‪ ،‬واختلفببوا هببل تجببزئ‬
‫النية فيه من غير التلبية؟ فقال مالك والشافعي‪ :‬تجزئ النية من غير التلبية‪ .‬وقال أبو‬
‫حنيفة‪ :‬التلبية في الحج كالتكبيرة في الحرام بالصلة إل أنببه يجببزئ عنببده كببل لفببظ‬
‫يقوم مقام التلبية كما يجزئ عنده في افتتاح الصلة كل لفظ يقببوم مقببام التكبببير وهببو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫كل ما يدل على التعظيم‪ .‬واتفق العلماء على أن لفظ تلبية رسول ال صلى ال ب عليببه‬
‫وسلم "لبيك اللهم لبيك‪ ،‬لبيببك ل شببريك لببك لبيببك‪ ،‬إن الحمببد والنعمببة لببك والملببك ل‬
‫شريك لك" وهي من رواية مالك عن نافع عن ابن عمر عببن النبببي صببلى الب عليببه‬
‫وسلم وهو أصببح سببندا‪ .‬واختلفببوا فببي هببل هببي واجبببة بهببذا اللفببظ أم ل؟ فقببال أهببل‬
‫الظاهر‪ :‬هي واجبة بهذا اللفظ‪ ،‬ول خلف عنببد الجمهببور فببي اسببتحباب هببذا اللفببظ‪،‬‬
‫وإنما اختلفوا فبي الزيبادة عليببه أو فببي تبببديله‪ ،‬وأوجبب أهبل الظباهر رفببع الصببوت‬
‫بالتلبية‪ ،‬وهو مستحب عند الجمهور لما رواه مالك "أن رسببول الب صببلى الب عليببه‬
‫وسلم قال‪ :‬أتاني جبريل فبأمرني أن آمبر أصبحابي ومبن معبي أن يرفعبوا أصبواتهم‬
‫بالتلبية وبالهلل" وأجمع أهل العلم على أن تلبية المرأة فيما حكاه أبو عمببر هببو أن‬
‫تسمع نفسها بالقول‪ .‬وقال مالك‪ :‬ل يرفع المحرم صوته في مساجد الجماعة بل يكفيه‬
‫أن يسمع من يليببه‪ ،‬إل فببي المسببجد الحببرام ومسببجد منببى فببإنه يرفببع صببوته فيهمببا‪.‬‬
‫واستحب الجمهور رفع الصوت عند التقبباء الرفبباق وعنببد الطلل علببى شببرف مببن‬
‫الرض‪ .‬وقال أبو حازم‪ :‬كان أصحاب رسول ال صببلى ال ب عليببه وسببلم ل يبلغببون‬
‫الروحاء حتى تبح حلوقهم‪ .‬وكان مالك ل يرى التلبية من أركببان الحببج ويببرى علببى‬
‫تاركها دما‪ ،‬وكان غيره يراها من أركانه‪ .‬وحجة من رآها واجبة أن أفعاله صلى ال‬
‫عليه وسلم إذا أتت بيانا لواجب أنها محمولة على الوجوب حتى يدل الدليل على غير‬
‫ذلك لقوله عليه الصلة والسلم "خذوا عني مناسككم" وبهذا يحتج مببن أوجببب لفظببه‬
‫فيها فقط‪ .‬ومن لم ير وجوب لفظه فاعتمد في ذلك على ما روي من حديث جابر قال‬
‫"أهل رسول ال صلى ال عليه وسلم" فذكر التلبية التي في حببديث ابببن عمبر‪ .‬وقببال‬
‫في حديثه "والناس يزيدون على ذلبك "لبيبك ذا المعبارج" ونحبوه مبن الكلم والنببي‬
‫يسمع ول يقول شيئا وما روي عن ابن عمر أنه كان يزيد في التلبية وعببن عمبر بببن‬
‫الخطاب وعن أنس وغيره‪ .‬واستحب العلمبباء أن يكببون ابتببداء المحببرم بالتلبيببة بببأثر‬
‫صلة يصليها‪ ،‬فكان مالك يستحب ذلك بأثر نافلة لما روي من مرسله عن هشام ابن‬
‫عروة‪ ،‬عن أبيه "أن رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم كببان يصببلي فببي مسببجد ذي‬
‫الحليفة ركعتين فإذا استوت به راحلته أهل"‪ .‬واختلفت الثار في الموضع الذي أحرم‬
‫منه رسول ال صلى ال عليه وسلم بحجتببه مببن أقطببار ذي الحليفببة‪ ،‬فقببال قببوم‪ :‬مببن‬
‫مسجد ذي الحليفة بعد أن صلى فيه‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬إنما أحرم حين أطل على البيداء‪،‬‬
‫وقال قوم‪ :‬إنما أهل حين استوت به راحلته‪ .‬وسئل ابن عباس عن اختلفهم فببي ذلببك‬
‫فقال‪ :‬كل حدث ل عن أول إهلله عليه الصلة والسببلم بببل عببن أول إهلل سببمعه‪،‬‬
‫وذلك أن الناس يأتون متسابقين فعلى هذا ل يكون في هببذا اختلف‪ ،‬ويكببون الهلل‬
‫إثر الصلة‪ .‬وأجمع الفقهاء على أن المكي ل يلزمه الهلل حتى إذا خرج إلى منببى‬
‫ليتصل له عمل الحج‪ ،‬وعمدتهم ما رواه مالك عن ابن جريببج أنببه قببال لعبببد الب بببن‬
‫عمر‪ :‬رأيتك تفعل هنا أربعا لم أر أحد يفعلها‪ ،‬فذكر منها ورأيتك إذا كنت بمكبة أهبل‬
‫الناس إذا رأوا الهلل ولم تهل أنت إلى يوم التروية‪ ،‬فأجبابه ابببن عمببر‪ :‬أمببا الهلل‬
‫"فإني لم أر رسول ال صلى ال عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلتببه" يريببد حببتى‬
‫يتصل له عمل الحج‪ .‬وروى مالك أن عمر ابن الخطاب كان يأمر أهل مكة أن يهلوا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫إذا رأوا الهلل‪ .‬ول خلف عنببدهم أن المكببي ل يهببل إل مببن جببوف مكببة إذا كببان‬
‫حاجا‪ ،‬وإما إذا كان معتمرا فإنهم أجمعببوا علببى أنببه يلزمببه أن يخببرج إلببى الحببل ثببم‬
‫يحرم منه ليجمع بين الحل والحرم كما يجمع الحبباج‪ ،‬أعنببي لنببه يخببرج إلببى عرفببة‬
‫وهو حل‪ .‬وبالجملة فاتفقوا على أنها سنة المعتمر‪ ،‬واختلفببوا إن لببم يفعببل فقببال قببوم‪:‬‬
‫يجزيه وعليه دم‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة وابن القاسم‪ .‬وقال آخرون‪ :‬ل يجزيه وهببو قببول‬
‫الثوري وأشهب‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما متى يقطع المحرم التلبية( فإنهم اختلفوا في ذلك‪ ،‬فروى مالك أن علببي بببن‬
‫أبي طالب رضي ال عنه كان يقطع التلبية إذا زاغت الشمس مبن يبوم عرفبة‪ .‬وقبال‬
‫مالك‪ :‬وذلك المر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا‪ .‬وقال ابن شهاب‪ :‬كبانت الئمبة‬
‫أبو بكر وعمر وعثمان وعلي يقطعون التلبية عند زوال الشمس من يوم عرفببة‪ .‬قببال‬
‫أبو عمر بن عبد البر‪ :‬واختلف في ذلببك عببن عثمببان وعائشببة‪ .‬وقببال جمهببور فقهبباء‬
‫المصار وأهل الحديث أبو حنيفة والشافعي والثوري وأحمد وأبببو ثببور وداود وابببن‬
‫أبي ليلى وأبو عبيد والطببري والحسبن ببن حيبى‪ :‬إن المحببرم ل يقطبع التلبيببة حبتى‬
‫يرمي جمرة العقبة لما ثبت "أن رسول ال صلى ال عليه وسبلم لبم يبزل يلببي حبتى‬
‫رمى جمرة العقبة" إل أنهم اختلفوا متى يقطعهببا‪ ،‬فقببال قببوم‪ :‬إذا رماهببا بأسببرها لمببا‬
‫روي عن ابن عباس "أن الفضل بن عباس كان رديببف رسببول الب صببلى الب عليببه‬
‫وسلم وأنه لبى حين رمى جمرة العقبة وقطع التلبية في آخر حصاة" وقببال قببوم‪ :‬بببل‬
‫يقطعها في أول جمرة يلقيها روي ذلك عن ابن مسعود‪ .‬وروى في وقت قطع التلبيببة‬
‫بأقاويل غير هذه إل أن هذين القولين هما المشهوران‪ .‬واختلفوا في وقت قطع التلبية‬
‫بالعمرة‪ ،‬وقال مالك‪ :‬يقطع التلبية إذا انتهى إلببى الحببرم‪ ،‬وبببه قببال أبببو حنيفببة‪ .‬وقببال‬
‫الشافعي‪ :‬إذا افتتح الطواف‪ ،‬وسلف مالك في ذلك ابن عمر وعروة‪ ،‬وعمدة الشببافعي‬
‫أن التلبية معناها إجابة إلى الطواف بالبيت فل تنقطع حتى يشرع في العمببل‪ .‬وسبببب‬
‫الخلف معارضة القياس لفعل بعببض الصببحابة وجمهببور العلمبباء كمببا قلنببا متفقببون‬
‫على إدخال المحرم الحج على العمرة ويختلفون في إدخال العمرة على الحببج‪ .‬وقببال‬
‫أبو ثور‪ :‬ل يدخل حج علببى عمببرة ول عمببرة علببى حببج كمببا ل تببدخل صببلة علببى‬
‫صلة‪ ،‬فهذه هي أفعال المحرم بما هو محرم وهو أول أفعال الحج‪ .‬وأما الفعل الببذي‬
‫بعد هذا فهو الطواف عند دخول مكة فلنقل في الطواف‪:‬‬
‫*‪*4‬القول في الطواف بالبيت والكلم في الطواف‪ :‬في صفته وشببروطه وحكمببه فببي‬
‫الوجوب أو الندب وفي إعداده‪.‬‬
‫@‪-‬القول في الصفة‪.‬‬
‫والجمهور مجمعون على أن صفة كل طواف واجبببا كببان أو غيببر واجببب أن يبتببدئ‬
‫من الحجر السود‪ ،‬فإن استطاع أن يقبلببه قبلببه أو يلمسببه بيببده ويقبلهببا إن أمكنببه‪ ،‬ثببم‬
‫يجعل البيت على يساره ويمضي على يمينه‪ ،‬فيطوف سبعة أشواط يرمل في الثلثببة‬
‫الشواط الول ثم يمشي في الربعة‪ ،‬وذلك في طواف القدوم على مكة وذلك للحبباج‬
‫والمعتمر دون المتمتع‪ ،‬وأنه ل رمل على النساء‪ ،‬ويستلم الركن اليمبباني وهببو الببذي‬
‫على قطر الركن السود لثبوت هذه الصفة من فعله صلى ال عليببه وسببلم‪ .‬واختلفببوا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫في حكم الرمل في الثلثة الشواط الول للقببادم هببل هببو سببنة أو فضبيلة؟ فقبال اببن‬
‫عباس‪ :‬هو سنة‪ ،‬وبه قال الشافعي وأبو حنيفببة وإسببحق وأحمببد وأبببو ثببور‪ .‬واختلببف‬
‫قول مالك في ذلك وأصحابه‪ .‬والفرق بين القولين أن من جعله سنة أوجب فببي تركببه‬
‫الدم‪ ،‬ومن لم يجعله سنة لم يببوجب فببي تركببه شببيئا‪ .‬واحتببج مببن لببم يببر الرمببل سببنة‬
‫بحديث ابن الطفيل عن ابن عباس قال‪ :‬قلت لبن عباس زعببم قومببك أن رسببول ال ب‬
‫صلى ال عليه وسلم حين طاف بالبيت رمل وأن ذلببك سببنة‪ ،‬فقببال‪ :‬صببدقوا وكببذبوا‪،‬‬
‫قال‪ :‬قلت ما صدقوا وما كذبوا؟ قال‪ :‬صدقوا "رمل رسول ال صلى الب عليببه وسبلم‬
‫حيببن طبباف بببالبيت‪ ،‬وكببذبوا ليببس بسببنة‪ ،‬إن قريشببا زمببن الحديبيببة قببالوا‪ :‬إن بببه‬
‫وبأصحابه هزال وقعدوا علببى قعيقعببان ينظببرون إلببى النبببي صببلى الب عليببه وسببلم‬
‫وأصحابه‪ ،‬فبلغ ذلك النبي صلى ال عليه وسلم فقال لصحابه‪ :‬ارملوا أروهم أن بكم‬
‫قوة‪ ،‬فكان رسول ال صلى ال عليه وسلم يرمل من الحجر السود إلى اليمبباني فببإذا‬
‫توارى عنهم مشى" وحجة الجمهببور حبديث جببابر "أن رسببول الب صببلى الب عليببه‬
‫وسلم رمل في الثلثة الشواط في حجة الوداع ومشى أربعا" وهو حببديث ثببابت مببن‬
‫رواية مالك وغيره قالوا‪ :‬وقد اختلف على أبي الطفيببل عببن ابببن عببباس فببروي عنببه‬
‫"أن رسول ال صلى ال عليه وسلم رمبل مبن الحجبر السبود إلبى الحجبر السبود"‬
‫وذلك بخلف الرواية الولى‪ ،‬وعلى أصول الظاهرية يجب الرمل لقوله "خذوا عني‬
‫مناسككم" وهو قولهم أو قول بعضهم الن فيما أظن‪ .‬وأجمعوا على أنه ل رمل على‬
‫من أحرم بالحج من مكة من غير أهلهببا وهببم المتمتعببون لنهببم قببد رملببوا فببي حيببن‬
‫دخولهم حين طافوا للقدوم‪ .‬واختلفوا في أهل مكببة هببل عليهببم إذا حجببوا رمببل أم ل؟‬
‫فقال الشافعي‪ :‬كل طواف قبل عرفة مما يوصل بينببه وبيببن السببعي فببإنه يرمببل فيببه‪،‬‬
‫وكان مالك يستحب ذلك وكان ابن عمر ل يرى عليهببم رمل إذا طببافوا بببالبيت علببى‬
‫ما روى عنه مالك‪ .‬وسبببب الخلف هببل الرمببل كببان لعلببة أو لغيببر علببة؟ وهببل هببو‬
‫مختص بالمسافر أم ل؟ وذلك أنه كان عليه الصلة والسببلم حيببن رمببل واردا علببى‬
‫مكة‪ .‬واتفقوا على أن من سنة الطواف استلم الركنين السود واليماني للرجببال دون‬
‫النساء‪ .‬واختلفوا هل تستلم الركان كلها أم ل؟ فبذهب الجمهبور إلبى أنبه إنمبا يسبتلم‬
‫الركنان فقط لحديث ابن عمر "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لببم يكببن يسببتلم إل‬
‫الركنين فقط" واحتج من رأى استلم جميعها بما روي عن جابر قببال‪ :‬كنببا نببرى إذا‬
‫طفنا أن نستلم الركان كلها‪ ،‬وكان بعض السلف ل يحببب أن يسببتلم الركنيببن إل فببي‬
‫الوتر من الشواط‪ .‬وكذلك أجمعوا على أن تقبيببل الحجببر السببود خاصببة مببن سببنن‬
‫الطواف إن قدر‪ ،‬وإن لم يقدر علببى الببدخول إليبه قببل يبده‪ ،‬وذلبك لحببديث عمببر ببن‬
‫الخطاب الذي رواه مالك أنه قال وهو يطوف بالبيت حين بلببغ الحجببر السببود "إنمببا‬
‫أنت حجر ولول أني رأيت رسول ال قبلك ما قبلتك‪ ،‬ثم قبله" وأجمعوا علببى أن مببن‬
‫سنة الطواف ركعتين بعد انقضاء الطواف‪ ،‬وجمهورهم علببى أنببه يببأتي بهببا الطببائف‬
‫عند انقضاء كل أسبوع إن طاف أكثر من أسبوع واحد‪ .‬وأجبباز بعببض السببلف أن ل‬
‫يفرق بين السابيع وأن ل يفصل بينهما ركوع ثم يركع لكببل أسبببوع ركعببتين‪ ،‬وهببو‬
‫مروي عن عائشة أنها كانت ل تفببرق بيببن ثلثببة السببابيع ثببم تركببع سببت ركعببات‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وحجة الجمهور "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم طاف بالبيت سبعا وصلى خلف‬
‫المقام ركعتين‪ ،‬وقال‪ :‬خذوا عني مناسككم" وحجة من أجاز الجمع أنه قال‪ :‬المقصود‬
‫إنما هو ركعتان لكل أسبوع‪ ،‬والطواف ليس له وقت معلوم ول الركعتان المسنونتان‬
‫بعده‪ ،‬فجاز الجمع بين أكثر من ركعتين لكثر من أسبوعين‪ ،‬وإنما استحب من يببرى‬
‫أن يفرق بيببن ثلثببة السببابيع لن رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم انصببرف إلببى‬
‫الركعتين بعد وتر من طوافه‪ ،‬ومن طاف أسابيع غير وتر ثم عاد إليهببا لببم ينصببرف‬
‫عن وتر من طوافه‪.‬‬
‫@‪-‬القول في شروطه‪.‬‬
‫وأما شروطه فإن منها حد موضعه‪ ،‬وجمهببور العلمبباء علببى أن الحجببر مببن البببيت‪،‬‬
‫وأن من طاف بالبيت لزمه إدخال الحجر فيه‪ ،‬وأنه شرط في صحة طواف الفاضة‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة وأصحابه‪ :‬هو سنة‪ .‬وحجبة الجمهبور مبا رواه مالبك عبن عائشبة أن‬
‫رسبول الب صبلى الب عليبه وسبلم قبال "لبول حبدثان قومبك ببالكفر لهبدمت الكعببة‬
‫ولصيرتها على قواعد إبراهيم" فإنهم تركوا منها سبعة أذرع من الحجر ضاقت بهببم‬
‫النفقة والخشب‪ ،‬وهو قول ابن عباس‪ ،‬وكببان يحتببج بقببوله تعببالى }وليطوفببوا بببالبيت‬
‫العتيق{ ثم يقول طاف رسول ال صلى ال عليه وسلم من وراء الحجر‪ ،‬وحجببة أبببي‬
‫حنيفة ظاهر الية‪ .‬وأما وقت جوازه فإنهم اختلفوا في ذلك على ثلثببة أقببوال‪ :‬أحببدها‬
‫إجازة الطواف بعد الصبح والعصر‪ ،‬ومنعببه وقببت الطلببوع والغببروب‪ ،‬وهببو مببذهب‬
‫عمر بن الخطاب وأبي سعيد الخدري‪ ،‬وبببه قببال مالببك وأصببحابه وجماعببة‪ .‬والقببول‬
‫الثاني كراهيته بعد الصبح والعصر‪ ،‬ومنعه عند الطلوع والغببروب‪ ،‬وبببه قببال سببعيد‬
‫بن جبير ومجاهد وجماعة‪ .‬والقول الثالث إباحة ذلك في هذه الوقات كلها‪ ،‬وبببه قببال‬
‫الشببافعي وجماعببة‪ ،‬وأصببول أدلتهبم راجعببة إلبى منبع الصببلة فبي هبذه الوقبات أو‬
‫إباحتها‪ .‬أما وقت الطلوع والغروب فالثار متفقة علببى منببع الصببلة فيهببا والطببواف‬
‫هل هو ملحق بالصلة؟ في ذلك الخلف‪ .‬ومما احتجت به الشافعية حديث جبببير بببن‬
‫مطعم أن النبي عليه الصلة والسلم قال "يا بني عبد مناف أو يا بنببي عبببد المطلببب‬
‫إن وليتم من هذا المر شيئا فل تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت أن يصلي فيه أي ساعة‬
‫شاء من ليل أو نهار" رواه الشافعي وغيره عن ابن عيينة بسنده إلى جبير بن مطعم‪.‬‬
‫واختلفوا في جواز الطواف بغير طهارة مببع إجمبباعهم علببى أن مببن سبنته الطهبارة‪،‬‬
‫فقال مالك والشافعي‪ :‬ل يجزئ طببواف بغيببر طهببارة ل عمببدا ول سببهوا‪ .‬وقببال أبببو‬
‫حنيفة‪ :‬يجزئ ويستحب له العبادة وعليبه دم‪ .‬وقببال أببو ثببور‪ :‬إذا طباف علبى غيببر‬
‫وضوء أجزأه طوافه إن كببان ل يعلببم‪ ،‬ول يجببزئه إن كببان يعلببم‪ ،‬والشببافعي يشببترط‬
‫طهارة ثوب الطائف كاشتراط ذلك للمصلي‪ .‬وعمدة من شرط الطهارة فببي الطببواف‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم للحائض وهي أسماء بنت عميس "اصنعي ما يصنع الحاج‬
‫غير أن ل تطوفي بالبيت" وهو حببديث صببحيح‪ ،‬وقببد يحتجببون أيضببا بمببا روي أنببه‬
‫صلى ال عليه وسلم قال "الطواف بالبيت صلة إل أن ال أحل فيه النطق فل ينطببق‬
‫إل بخير" وعمدة من أجاز الطواف بغير طهارة إجماع العلمبباء علببى جببواز السببعي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بين الصفا والمروة من غير طهارة‪ ،‬وأنه ليببس كببل عبببادة يشببترط فيهببا الطهببر مببن‬
‫الحيض من شرطها الطهر من الحدث أصله الصوم‪.‬‬
‫@‪-‬القول في أعداده وأحكامه‪.‬‬
‫وأما أعداده‪ ،‬فإن العلماء أجمعوا على أن الطواف ثلثة أنببواع‪ :‬طببواف القببدوم علببى‬
‫مكة‪ ،‬وطواف الفاضة بعد رمي جمرة العقبة يوم النحر‪ ،‬وطواف الوداع‪ ،‬وأجمعببوا‬
‫على أن الواجب منها الذي يفببوت الحببج بفببواته هببو طببواف الفاضببة‪ ،‬وأنببه المعنببى‬
‫بقوله تعالى }ثبم ليقضببوا تفثهببم وليوفببوا نببذورهم وليطوفبوا بببالبيت العبتيق{ وأنبه ل‬
‫يجزئ عنه دم‪ ،‬وجمهورهم على أنه ل يجزئ طواف القدوم علببى مكببة عببن طببواف‬
‫الفاضة إذا نسي طواف الفاضة لكونه قبل يوم النحر‪ .‬وقببالت طائفببة مببن أصببحاب‬
‫مالك‪ :‬إن طواف القدوم يجزئ عن طواف الفاضة كأنهم رأوا أن الببواجب إنمببا هببو‬
‫طواف واحد‪ .‬وجمهور العلماء على أن طواف الوداع يجببزئ عببن طببواف الفاضببة‬
‫إن لببم يكببن طبباف طببواف الفاضببة لنببه طببواف بببالبيت معمببول فببي وقببت طببواف‬
‫الوجوب الذي هو طواف الفاضة بخلف طواف القدوم الذي هو قبببل وقببت طببواف‬
‫الفاضة وأجمعوا فيما حكاه أبو عمر بن عبد البر أن طواف القدوم والوداع من سنة‬
‫الحاج ل لخائف فوات الحج فإنه يجزئ عنه طواف الفاضة‪ ،‬واسببتحب جماعببة مببن‬
‫العلماء لمن عرض له هذا أن يرمل في الشواط الثلثة مبن طبواف الفاضبة‪ ،‬علبى‬
‫سنة طواف القدوم من الرمل‪ ،‬وأجمعوا على أن المكي ليس عليه إل طواف الفاضة‬
‫كما أجمعوا على أنه ليببس علبى المعتمببر إل طببواف القبدوم‪ .‬وأجمعبوا أن مببن تمتببع‬
‫بالعمرة إلى الحج أن عليه طوافين طوافا للعمرة لحله منها وطوافا للحببج يببوم النحببر‬
‫على ما في حديث عائشة المشهور‪ .‬وأما المفرد للحببج فليببس عليببه إل طببواف واحببد‬
‫كما قلنا يوم النحببر‪ .‬واختلفببوا فببي القببارن فقببال مالببك والشببافعي وأحمببد وأبببو ثببور‪:‬‬
‫يجزئ القارن طواف واحد وسببعي واحببد‪ ،‬وهببو مببذهب عبببد الب بببن عمببر وجببابر‪،‬‬
‫وعمدتهم حديث عائشة المتقدم‪ .‬وقال الثوري والوزاعي وأبو حنيفة وابن أبببي ليلببى‬
‫على القارن طوافان وسعيان‪ ،‬ورووا هذا عن علي وابن مسببعود لنهمببا نسببكان مببن‬
‫شرط كل واحببد منهمببا إذا انفببرد طببوافه وسببعيه‪ ،‬فببوجب أن يكببون المببر كببذلك إذا‬
‫اجتمعببا‪ ،‬فهببذا هببو القببول فببي وجببوب هببذا الفعببل وصببفته وشببروطه وعببدده ووقتببه‬
‫وصفته‪ ،‬والذي يتلو هذا الفعل من أفعال الحج أعني طببواف القببدوم هببو السببعي بيببن‬
‫الصفا والمروة وهو الفعل الثالث للحرام فلنقل فيه‪:‬‬
‫*‪*4‬القول في السعي بين الصفا والمروة‪.‬‬
‫@‪-‬والقول في السعي في حكمه وفي صفته وفي شروطه وفي ترتيبه‪.‬‬
‫@‪-‬القول في حكمه‪.‬‬
‫أما حكمه؛ فقال مالك والشافعي‪ :‬هو واجب‪ ،‬وإن لم يسع كببان عليببه حببج قابببل‪ ،‬وبببه‬
‫قال أحمد وإسحق‪ .‬وقال الكوفيون‪ :‬هو سنة‪ ،‬وإذا رجع إلى بلده ولم يسع كببان عليببه‬
‫دم‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬هو تطوع ول شيء على تاركه؛ فعمببدة مببن أوجبببه مببا روي "أن‬
‫رسول ال صبلى الب عليبه وسبلم كبان يسبعى ويقبول‪ :‬اسبعوا فبإن الب كتبب عليكبم‬
‫السعي" روى هذا الحديث الشافعي عن عبد ال بن المؤمل‪ ،‬وأيضببا فببإن الصببل أن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أفعاله عليه الصلة والسلم في هذه العبببادة محمولببة علببى الوجببوب‪ ،‬إل مببا أخرجببه‬
‫الدليل من سماع أو إجماع أو قياس عند أصحاب القياس‪ .‬وعمدة من لم يببوجبه قببوله‬
‫تعالى }إن الصفا والمروة من شعائر ال فمن حج البيت أو اعتمر فل جناح عليببه أن‬
‫يطوف بهما{ قالوا‪ :‬إن معناه أن ل يطوف وهي قراءة ابن مسعود‪ ،‬وكما قال سبحانه‬
‫}‪ .‬يبين الب لكببم أن تضببلوا{ معنبباه‪ :‬أي لئل تضببلوا‪ ،‬وضببعفوا حببديث ابببن المؤمببل‪.‬‬
‫وقالت عائشة‪ :‬الية على ظاهرها وإنما نزلت في النصببار تحرجببوا أن يسببعوا بيببن‬
‫الصفا والمروة على مببا كببانوا يسببعون عليببه فببي الجاهليببة لنببه كببان موضببع ذبببائح‬
‫المشببركين‪ ،‬وقببد قيببل إنهببم كببانوا ل يسببعون بيببن الصببفا والمببروة تعظيمببا لبعببض‬
‫الصنام‪ ،‬فسألوا عن ذلك فنزلت هذه الية مبيحة لهم‪ ،‬وإنما صار الجمهور إلى أنهببا‬
‫من أفعال الحج لنها صفة فعله صلى الب عليببه وسببلم تببواترت بببذلك الثببار‪ ،‬أعنببي‬
‫وصل السعي بالطواف‪.‬‬
‫@‪-‬القول في صفته‪.‬‬
‫وأما صفته فإن جمهببور العلمبباء علببى أن مببن سببنة السببعي بيببن الصببفا والمببروة أن‬
‫ينحدر الراقي على الصفا بعد الفراغ من الدعاء‪ ،‬فيمشي على جبلته حتى يبلببغ بطببن‬
‫المسيل فيرمل فيه حتى يقطعه إلى ما يلي المببروة‪ ،‬فببإذا انقطببع ذلببك وجبباوزه مشببى‬
‫على سجيته حتى يأتي المروة فيرقي عليها حتى يبدو له البيت ثم يقببول عليهببا نحببوا‬
‫ممببا قبباله مببن الببدعاء والتكبببير علببى الصببفا‪ ،‬وإن وقببف أسببفل المببروة أجببزأه عنببد‬
‫جميعهم‪ ،‬ثم ينزل عن المروة فيمشي على سجيته حتى ينتهي إلى بطببن المسببيل فببإذا‬
‫انتهى إليه رمل حتى يقطعه إلى الجانب الذي يلي الصفا‪ ،‬يفعل ذلك سبع مببرات يبببدأ‬
‫في كل ذلك بالصفا ويختم بالمروة‪ ،‬فبإن ببدأ ببالمروة قبببل الصببفا ألغبي ذلببك الشببوط‬
‫لقول رسول ال صلى ال عليه وسلم "نبدأ بما بببدأ الب بببه‪ :‬نبببدأ بالصببفا" يريببد قببوله‬
‫تعالى }إن الصفا والمروة من شعائر ال{ وقببال عطبباء إن جهببل فبببدأ بببالمروة أجببزأ‬
‫عنه‪ .‬وأجمعوا على أنه ليس في وقت السعي قول محدود فإنه موضببع دعبباء‪ .‬وثبببت‬
‫من حديث جابر "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان إذا وقف على الصببفا يكبببر‬
‫ثلثا ويقول‪ :‬ل إله إل ال وحده ل شريك له‪ ،‬له الملك وله الحمد وهو على كل شيء‬
‫قدير‪ ،‬يصنع ذلك ثلث مرات‪ ،‬ويدعو ويصنع على المروة مثل ذلك"‪.‬‬
‫@‪-‬القول في شروطه‪.‬‬
‫وأما شروطه فإنهم اتفقوا على أن من شرطه الطهارة مببن الحيببض كببالطواف سببواء‬
‫لقوله صلى ال عليه وسلم في حديث عائشة "افعلي كببل مببا يفعببل الحبباج غيببر أن ل‬
‫تطوفي بالبيت ول تسعي بين الصفا والمروة" انفببرد بهببذه الزيببادة يحيببى عببن مالببك‬
‫دون من روى عنه هذا الحديث‪ ،‬ول خلف بينهم أن الطهارة ليست من شببروطه إل‬
‫الحسن فإنه شبهه بالطواف‪.‬‬
‫@‪-‬القول في ترتيبه‪.‬‬
‫وأما ترتيبه فإن جمهور العلماء اتفقوا على أن السعي إنما يكببون بعببد الطببواف‪ ،‬وأن‬
‫من سعى قبل أن يطوف بالبيت يرجع فيطوف وإن خرج عبن مكببة‪ ،‬فبإن جهبل ذلبك‬
‫حتى أصاب النساء في العمرة أو فببي الحببج كببان عليببه حببج قابببل والهببدي أو عمببرة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أخرى‪ .‬وقال الثوري‪ :‬إن فعل ذلك فل شيء عليببه‪ .‬وقببال أبببو حنيفببة‪ :‬إذا خببرج مببن‬
‫مكة فليس عليه أن يعود وعليه دم‪ .‬فهذا هو القول في حكم السعي وصفته وشببروطه‬
‫المشهورة وترتيبه‪.‬‬
‫*‪*4‬الخروج إلى عرفة‪.‬‬
‫@‪-‬وأما الفعل الببذي يلببي هببذا الفعببل للحبباج‪ ،‬فهببو الخببروج يببوم الترويببة إلببى منببى‬
‫والمبيت بها ليلة عرفببة‪ .‬واتفقببوا علببى أن المببام يصببلي بالنبباس بمنببى يببوم الترويببة‬
‫الظهر والعصر والمغرب والعشاء بها مقصورة‪ ،‬إل أنهم أجمعوا على أن هذا الفعببل‬
‫ليس شرطا في صحة الحج لمببن ضبباق عليببه الببوقت‪ ،‬ثببم إذا كببان يببوم عرفببة مشببى‬
‫المام مع الناس من منى إلى عرفة ووقفوا بها‪.‬‬
‫@‪-‬الوقوف بعرفة‪.‬‬
‫والقول في هذا الفعل ينحصر في معرفة حكمه وفي صفته وفببي شببروطه‪ .‬أمببا حكببم‬
‫الوقوف بعرفة فإنهم أجمعوا على أنه ركن من أركان الحج‪ ،‬وأن من فاته فعليببه حببج‬
‫قابل والهدي في قول أكثرهم لقوله عليه الصلة والسلم‪" :‬الحج عرفة" وأمببا صببفته‬
‫فهو أن يصل المام إلى عرفة يببوم عرفببة قبببل الببزوال‪ ،‬فببإذا زالببت الشببمس خطببب‬
‫الناس ثم جمع بين الظهر والعصر في أول وقت الظهر ثم وقف حتى تغيب الشمس‪.‬‬
‫وإنما اتفقوا على هذا لن هذه الصفة هي مجمع عليها من فعله صلى ال عليبه وسبلم‬
‫ول خلف بينهم أن إقامة الحج هي للسلطان العظم أو لمن يقيمه السببلطان العظببم‬
‫لذلك وأنه يصلي وراءه برا كان السلطان أو فاجرا أو مبتدعا‪ ،‬وأن السنة في ذلك أن‬
‫يأتي المسجد بعرفة يوم عرفة مع الناس‪ ،‬فإذا زالت الشببمس خطببب النبباس كمببا قلنببا‬
‫وجمع بين الظهر والعصر‪ .‬واختلفوا في وقت أذان المؤذن بعرفبة للظهبر والعصببر‪،‬‬
‫فقال مالك‪ :‬يخطب المام حتى يمضي صدرا من خطبته أو بعضها‪ ،‬ثم يؤذن المؤذن‬
‫وهو يخطب‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬يؤذن إذا أخذ المام في الخطبة الثانية‪ .‬وقال أبو حنيفة‪:‬‬
‫إذا صعد المام المنبر أمر المؤذن بالذان فأذن كالحال في الجمعة‪ ،‬فإذا فرغ المؤذن‬
‫قام المام يخطب ثم ينزل ويقيم المؤذن الصلة‪ ،‬وبه قال أبببو ثببور تشبببيها بالجمعببة‪.‬‬
‫وقد حكى ابن نافع عن مالك أنه قال‪ :‬الذان بعرفة بعبد جلبوس المببام للخطبببة وفبي‬
‫حديث جابر "أن النبي صلى ال عليه وسلم لما زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت‬
‫له وأتى بطن الوادي فخطب الناس ثم أذن بلل ثم أقام فصلى الظهر ثم أقببام فصببلى‬
‫العصر ولم يصل بينهما شيئا ثم راح إلى الموقببف" واختلفببوا هببل يجمببع بيببن هبباتين‬
‫الصلتين بأذانين وإقامتين أو بأذان واحد وإقامتين فقال مالبك‪ :‬يجمبع بينهمبا ببأذانين‬
‫وإقامتين‪ .‬وقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأبو ثور وجماعة‪ :‬يجمع بينهمببا بببأذان‬
‫واحد وإقامتين‪ .‬وروي عببن مالببك مثببل قببولهم‪ .‬وروي عببن أحمببد أنببه يجمببع بينهمببا‬
‫بإقامتين‪ ،‬والحجة للشافعي حديث جابر الطويل في صفة حجه عليه الصبلة والسبلم‬
‫وفيه "أنه صلى الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين كمببا قلنببا" وقببول مالببك مببروي‬
‫عن ابن مسعود‪ ،‬وحجته أن الصل هو أن تفرد كل صلة بببأذان وإقامببة‪ ،‬ول خلف‬
‫بين العلماء أن المام لو لم يخطب يوم عرفة قبببل الظهببر أن صببلته جببائزة بخلف‬
‫الجمعة‪ ،‬وكذلك أجمعوا أن القراءة فببي هببذه الصببلة سببرا‪ ،‬وأنهببا مقصببورة إذا كببان‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المام مسافرا‪ .‬واختلفوا إذا كان المام مكيببا هببل يقصببر بمنببى الصببلة يببوم الترويببة‬
‫وبعرفة يوم عرفة وبالمزدلفة ليلة النحر إن كان من أحد هببذه المواضببع؟ فقبال مالبك‬
‫والوزاعي وجماعة‪ :‬سنة هذه المواضع التقصير سواء كببان مببن أهلهببا أو لببم يكببن‪.‬‬
‫وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأبو ثور وداود‪ :‬ل يجوز أن يقصر من كان مببن‬
‫أهل تلك المواضع‪ ،‬وحجة مالك أنه لم يرو أن أحدا أتم الصلة معه صببلى ال ب عليببه‬
‫وسلم أعني بعد سلمه منها‪ .‬وحجة الفريق الثاني البقبباء علببى الصببل المعببروف أن‬
‫القصر ل يجوز إل للمسافر حتى يدل الدليل على التخصبيص‪ .‬واختلببف العلمباء فبي‬
‫وجوب الجمعة بعرفة ومنى‪ ،‬فقال مالببك‪ :‬ل تجببب الجمعببة بعرفببة ول بمنببى إل أيببام‬
‫الحج ل لهل مكة ول لغيرهم إل أن يكون المام من أهل عرفة‪ .‬وقال الشافعي مثل‬
‫ذلك‪ ،‬إل أنه يشترط في وجوب الجمعة أن يكون هنالك من أهل عرفة أربعون رجل‬
‫على مذهبه في اشتراط هذا العدد في الجمعة‪ .‬وقال أبببو حنيفببة‪ :‬إذا كببان أميببر الحببج‬
‫ممن ل يقصر الصلة بمنبى ول بعرفبة صبلى بهبم فيهبا الجمعبة إذا صبادفها‪ .‬وقبال‬
‫أحمد‪ :‬إذا كان والي مكة يجمع بهم‪ .‬وبه قال أبو ثور‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما شروطه( فهو الوقوف بعرفة بعد الصلة‪ ،‬وذلك أنه لم يختلف العلماء "أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد ما صببلى الظهببر والعصببر بعرفببة ارتفببع فوقببف‬
‫بجبالها داعيا إلى ال تعالى ووقف معه كل من حضر إلى غروب الشمس‪ ،‬وأنببه لمببا‬
‫استيقن غروبها وبان له ذلك دفع منها إلى المزدلفة" ول خلف بينهم أن هذا هو سنة‬
‫الوقوف بعرفة‪ ،‬وأجمعوا على أن مببن وقببف بعرفببة قبببل الببزوال وأفبباض منهببا قبببل‬
‫الزوال أنه ل يعتد بوقوفه ذلك‪ ،‬وأنه إن لم يرجع فيقف بعد الزوال أو يقف مبن ليلتببه‬
‫تلك قبل طلوع الفجر فقد فاته الحج‪ .‬وروي عن عبد ال بن معمر الديلي قال‪ :‬سمعت‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول "الحج عرفات‪ ،‬فمن أدرك عرفة قبببل أن يطلببع‬
‫الفجر فقد أدرك" وهو حديث انفرد به هذا الرجل من الصحابة إل أنببه مجمببع عليببه‪.‬‬
‫واختلفوا فيمن وقف بعرفة بعد الزوال ثم دفع منها قبل غروب الشمس‪ ،‬فقببال مالببك‪:‬‬
‫عليه حج قابببل إل أن يرجببع قبببل الفجببر‪ ،‬وإن دفببع منهببا قبببل المببام وبعببد الغيبوبببة‬
‫أجزأه‪ .‬وبالجملة فشرط صحة الوقوف عنده هو أن يقف ليل‪ .‬وقال جمهببور العلمباء‪:‬‬
‫من وقف بعرفة بعد الزوال فحجه تبام وإن دفببع قبببل الغببروب‪ ،‬إل أنهببم اختلفبوا فببي‬
‫وجوب الدم عليه‪ ،‬وعمدة الجمهور حديث عببروة بببن مضببرس‪ ،‬وهببو حببديث مجمببع‬
‫على صحته قال "أتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم بجمع فقلت لببه‪ :‬هببل لببي مببن‬
‫حج؟ فقال‪ :‬من صلى هذه الصلة معنا ووقف هذا الموقف حتى نفيض أو أفاض قبل‬
‫ذلك من عرفات ليل أو نهارا فقد تببم حجببه وقضببى تفثببه" وأجمعببوا علببى أن المببراد‬
‫بقوله في هذا الحديث نهارا أنه بعد الزوال‪ ،‬ومن اشترط الليببل احتببج بوقببوفه بعرفببة‬
‫صلى ال عليه وسلم حين غربت الشمس‪ ،‬لكن للجمهور أن يقولببوا إن وقببوفه بعرفببة‬
‫إلى المغيب قد نبأ حديث عروة بن مضرس أنه على جهة الفضل إذ كان مخيرا بين‬
‫ذلك‪ .‬وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم من طبرق أنببه قبال "عرفبة كلهبا موقبف‬
‫وارتفعوا عن بطن عرنة‪ ،‬والمزدلفة كلها موقف إل بطن محسر‪ ،‬ومنى كلها منحببر‪،‬‬
‫وفجاج مكة منحر ومبيت" واختلف العلماء فيمن وقف من عرفببة بعرنببة فقيببل حجببه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫تام وعليه دم‪ ،‬وبه قال مالك‪ ،‬وقال الشافعي‪ :‬ل حج له‪ .‬وعمدة من أبطل الحج النهببي‬
‫الوارد عن ذلك في الحديث‪ .‬وعمدة من لم يبطله أن الصل أن الوقببوف بكببل عرفببة‬
‫جائز إل ما قام عليه الدليل‪ ،‬وقالوا‪ :‬ولم يأت هذا الحبديث مبن وجبه تلبزم ببه الحجبة‬
‫والخروج عن الصل‪ ،‬فهذا هو القول في السنن التي في يوم عرفة‪ .‬وأما الفعل الذي‬
‫يلي الوقوف بعرفة من أفعال الحج فهو النهوض إلى المزدلفة بعد غيبة الشببمس ومببا‬
‫يفعل بها فلنقل فيه‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في أفعال المزدلفة‪.‬‬
‫@‪-‬والقول الجملي أيضا في هذا الموضع ينحصر في معرفة حكمه وفي صفته وفي‬
‫وقته‪ .‬فأما كون هذا الفعل من أركان الحج فالصبل فيبه قبوله سببحانه }فباذكروا الب‬
‫عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم{ وأجمعببوا علببى أن مببن بببات المزدلفببة ليلببة‬
‫النحر وجمع فيها بين المغببرب والعشبباء مببع المببام ووقببف بعببد صببلة الصبببح إلببى‬
‫السفار بعد الوقوف بعرفة أن حجه تام‪ ،‬وأن ذلك الصفة التي فعل رسول ال صببلى‬
‫ال عليه وسلم‪ .‬واختلفوا هل الوقوف بها بعد صلة الصبببح‪ ،‬والمبببيت بهببا مببن سببنن‬
‫الحج أو من فروضه‪ ،‬فقال الوزاعي وجماعة من التابعين‪ :‬هو فببرض مببن فببروض‬
‫الحج‪ ،‬ومن فاته كان عليه حج قابل والهدي‪ ،‬وفقهبباء المصببار يببرون أنببه ليببس مببن‬
‫فروض الحج‪ ،‬وأن من فاته الوقوف بالمزدلفة والمبيت بها فعليه دم‪ .‬وقال الشببافعي‪:‬‬
‫إن دفع منها إلى بعد نصف الليل الول ولم يصل بها فعليه دم‪ ،‬وعمببدة الجمهببور مببا‬
‫صح عنه أنه صلى الب عليببه وسببلم قبدم ضببعفة أهلببه ليل فلببم يشبباهدوا معببه صببلة‬
‫الصبح بها‪ ،‬وعمدة الفريق الول قوله صببلى الب عليبه وسببلم فببي حببديث عببروة ببن‬
‫مضرس وهو حديث متفق على صحته "مببن أدرك معنببا هببذه الصببلة‪ :‬يعنببي صبلة‬
‫الصبح بجمع‪ ،‬وكان قد أتى قبل ذلك عرفات ليل أو نهارا فقد تم حجه وقضببى تفثببه"‬
‫وقوله تعالى }فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا ال عند المشعر الحببرام واذكببروه كمببا‬
‫هداكم{ ‪ .‬ومن حجة الفريق الول أن المسلمين قد أجمعوا على ترك الخذ بجميع مببا‬
‫في هذا الحديث‪ ،‬وذلك أن أكثرهم على أن من وقببف بالمزدلفببة ليل ودفببع منهببا إلببى‬
‫قبل الصبح أن حجه تام‪ ،‬وكذلك من بات فيها ونام عن الصلة وكذلك أجمعببوا علببى‬
‫أنببه لببو وقبف بالمزدلفبة ولببم يببذكر الب أن حجبه تبام‪ ،‬وفببي ذلببك أيضبا مبا يضبعف‬
‫احتجاجهم بظاهر الية‪ ،‬والمزدلفة وجمع هما اسمان لهذا الموضع وسببنة الحببج فيهببا‬
‫كما قلنا أن يبيت الناس بها ويجمعون بيببن المغببرب والعشبباء فببي أول وقببت العشبباء‬
‫ويغلسوا بالصبح فيها‪.‬‬
‫*‪*4‬القول في رمي الجمار‪.‬‬
‫@‪-‬وأما الفعل بعدها فهو رمي الجمببار‪ ،‬وذلببك أن المسببلمين اتفقببوا علببى "أن النبببي‬
‫صلى ال عليه وسلم وقف بالمشعر الحرام وهي المزدلفة بعد ما صلى الفجر ثم دفببع‬
‫منها قبل طلوع الشمس إلى منى‪ ،‬وأنه في هببذا اليببوم وهببو يببوم النحببر رمببى جمببرة‬
‫العقبة من بعد طلوع الشمس" وأجمع المسلمون أن من رماها في هذا اليوم فببي ذلببك‬
‫الوقت‪ :‬أعني بعد طلوع الشمس إلى زوالها فقد رماها في وقتها‪ ،‬وأجمعوا أن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم لم يرم يوم النحر من الجمرات غيرها‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫واختلفوا فيمن رمى جمرة العقبة قبل طلوع الفجر‪ ،‬فقال مالببك‪ :‬لببم يبلغنببا أن رسببول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم رخص لحد أن يرمي قبل طلببوع الفجببر‪ ،‬ول يجببوز ذلببك‪،‬‬
‫فإن رماها قبل الفجر أعادها‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة وسفيان وأحمد‪.‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬ل بأس به وإن كان المستحب هو بعد طلوع الشمس‪ ،‬فحجة منع ذلببك‬
‫فعله صلى ال عليه وسلم مع قوله "خذوا عني مناسككم" وما روي عببن ابببن عببباس‬
‫"أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قّدم ضببعفة أهلببه وقببال‪ :‬ل ترمببوا الجمببرة حببتى‬
‫تطلع الشمس"‪.‬‬
‫وعمدة من جوز رميها قبل الفجر حديث أم سلمة خرجببه أبببو داود وغيببره وهببو "أن‬
‫عائشة قالت‪ :‬أرسل رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم لم سببلمة يببوم النحببر فرمببت‬
‫الجمرة قبل الفجر ومضت فأفاضت‪ ،‬وكان ذلك اليوم الذي يكببون رسببول ال ب صببلى‬
‫ال عليه وسلم عندها‪.‬‬
‫وحديث أسماء أنه رمت الجمرة بليل وقالت‪ :‬إنا كنببا نصببنعه علببى عهببد رسببول الب‬
‫صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وأجمع العلماء أن الوقت المستحب لرمي جمرة العقبة هو من لدن طلوع الشمس إلى‬
‫وقت الزوال‪ ،‬وأنه إن رماها قبل غروب الشمس من يوم النحر أجزأ عنببه ول شببيء‬
‫عليه‪ ،‬إل مالكا فإنه قال‪ :‬أستحب له أن يريق دما‪.‬‬
‫واختلفوا فيمن لم يرمها حتى غابت الشمس فرماها من الليل أو من الغد‪ ،‬فقال مالببك‪:‬‬
‫عليه دم‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة‪ :‬إن رمى من الليل فل شيء عليه‪ ،‬وإن أخرها إلى الغد فعليه دم‪.‬‬
‫وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي ل شيء عليببه إن أخرهببا إلبى الليببل أو إلبى الغببد‪،‬‬
‫وحجتهم "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم رخص لرعاة البل في مثل ذلك‪ :‬أعني‬
‫أن يرموا ليل" وفي حديث ابن عباس "أن رسول ال صلى ال ب عليببه وسببلم قببال لببه‬
‫السائل‪ :‬يا رسول ال رميت بعد ما أمسيت‪ ،‬قال له‪ :‬ل حببرج" وعمببدة مالببك أن ذلببك‬
‫الوقت المتفق عليه الذي رمى فيه رسول ال صلى ال عليه وسببلم هببو السببنة‪ ،‬ومببن‬
‫خالف سنة من سنن الحج فعليه دم‪ ،‬على ما روي عن ابن عباس وأخذ به الجمهور‪.‬‬
‫وقال مالك‪ :‬ومعنى الرخصة للرعباة إنمببا ذلببك إذا مضببى يبوم النحبر ورمببوا جمبرة‬
‫العقبة ثم كان اليوم الثالث وهو أول أيام النفببر‪ ،‬فرخببص لهببم رسببول الب صببلى الب‬
‫عليه وسلم أن يرموا في ذلك اليوم له ولليوم الذي بعده‪ ،‬فإن نفببروا فقببد فرغببوا‪ ،‬وإن‬
‫أقاموا إلى الغد رموا مع الناس يوم النفر الخيببر ونفببروا‪ ،‬ومعنببى الرخصببة للرعبباة‬
‫عند جماعة العلماء هو جمع يومين في يوم واحد‪ ،‬إل أن مالكببا إنمببا يجمببع عنببده مببا‬
‫وجب مثل أن يجمع في الثالث فيرمي عن الثاني والثالث‪ ،‬لنه ل يقضي عنده إل مببا‬
‫وجب‪ ،‬ورخص كثير من العلماء في جمع يومين في يوم‪ ،‬سواء تقدم ذلك اليوم الذي‬
‫أضيف إلى غيره أو تأخر ولم يشبهوه بالقضاء‪ ،‬وثبت "أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم رمى في حجته الجمرة يبوم النحبر‪ ،‬ثبم نحبر بدنبة‪ ،‬ثبم حلبق رأسبه‪ ،‬ثبم طباف‬
‫طواف الفاضة" وأجمع العلماء على أن هذا سنة الحج‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫واختلفوا فيمن قدم من هذه ما أخببره النبببي صببلى الب عليببه وسببلم أو بببالعكس‪ ،‬فقببال‬
‫مالك‪ :‬من حلق قبل أن يرمي جمرة العقبة فعليه الفدية‪.‬‬
‫وقال الشافعي وأحمد وداود وأبو ثور‪ :‬ل شيء عليه‪.‬‬
‫وعمدتهم ما رواه مالك من حديث عبد ال بن عمر أنه قال "وقف رسببول الب صببلى‬
‫ال عليه وسلم للناس بمنى والناس يسألونه‪ ،‬فجاءه رجل فقال‪ :‬يا رسول ال لم أشببعر‬
‫فحلقت قبل أن أنحر‪.‬‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬إنحر ول حرج‪ ،‬ثم جاءه آخر فقال‪ :‬يببا رسببول‬
‫ال لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي‪ ،‬فقال عليه الصلة والسلم‪ :‬إرم ول حببرج‪ ،‬قببال‪:‬‬
‫خ بَر إل قببال‪ :‬إفعببل‬‫فما سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم يومئذ عن شيء ُقِدَم أو ُأ ِ‬
‫ول حرج"‪.‬‬
‫وروى هذا من طريق ابن عباس عن النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وعمدة مالك أن رسول ال صلى ال عليه وسلم حكم علببى مببن حلببق قبببل محلببه مببن‬
‫ضرورة بالفدية فكيف من غير ضرورة‪ ،‬مع أن الحديث لببم يببذكر فيببه حلببق الببرأس‬
‫قبل رمي الجمار‪ ،‬وعند مالك أن من حلق قبل أن يذبببح فل شببيء عليببه وكببذلك مببن‬
‫ذبح قبل أن يرمي‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة‪ :‬إن حلق قبل أن ينحر أو يرمي فعليه دم‪ ،‬وإن كان قارنا فعليه دمان‪،‬‬
‫وقال زفر‪ :‬عليه ثلث دماء دم للقران ودمان للحلق قبل النحر وقبل الرمي‪.‬‬
‫وأجمعوا على أن من نحر قبل أن يرمي فل شيء عليه لنه منصوص عليببه‪ ،‬إل مببا‬
‫روي عن ابن عباس أنه كان يقول ‪ :‬من قدم من حجه شيئا أو أخر فليهرق دما‪.‬‬
‫وأنه من قدم الفاضة قبل الرمي والحلق أنه يلزمه إعادة الطواف‪.‬‬
‫وقال الشافعي ومن تابعه‪ :‬ل إعادة عليه‪.‬‬
‫وقال الوزاعي‪ :‬إذا طاف للفاضة قبل أن يرمبي جمبرة العقببة ثبم واقبع أهلبه أراق‬
‫دما‪.‬‬
‫واتفقوا على أن جملة ما يرميه الحاج سبعون حصاة منها في يوم النحر جمرة العقبة‬
‫بسبع‪ ،‬وأن رمي هذه الجمرة من حيث تيسر من العقبة من أسببفلها أو مببن أعلهببا أو‬
‫من وسطها كل ذلك واسع‪ ،‬والموضع المختار منها بطن الوادي لما جبباء فببي حببديث‬
‫ابن مسعود أنه استبطن الوادي ثببم قببال‪ :‬مببن ههنببا والببذي ل إلببه غيببره رأيببت الببذي‬
‫أنزلت عليه سورة البقرة يرمي‪ .‬وأجمعوا على أنه يعيد الرمي إذا لم تقع الحصاة في‬
‫العقبة‪ ،‬وأنه يرمي في كل يوم من أيام التشريق ثلث جمار بواحد وعشببرين حصبباة‬
‫كل جمرة منها بسبع‪ ،‬وأنه يجوز أن يرمي منها يومين وينفر في الثالث لقببوله تعببالى‬
‫‪-‬فمن تعجل في يومين فل إثم عليه‪ -‬وقدرها عندهم أن يكون في مثل حصى الخببذف‬
‫لما روي من حديث جابر وإبن عباس وغيرهم "أن النبي عليه الصلة والسلم رمى‬
‫الجمار بمثل حصى الخذف" والسببنة عنببدهم فببي رمببي الجمببرات كببل يببوم مببن أيببام‬
‫التشريق أن يرمي الجمرة الولى فيقف عندها ويدعو‪ ،‬وكذلك الثانية ويطيببل المقببام‪،‬‬
‫ثم يرمي الثالثة ول يقف لما روي في ذلك عن رسول ال صلى ال عليه وسببلم "أنببه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫كان يفعل ذلك في رميه" والتكبير عندهم عند رمي كل جمرة حسن لنه يبروى عنبه‬
‫عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫وأجمعوا على أن من سنة رمي الجمار الثلث في أيام التشببريق أن يكببون ذلببك بعببد‬
‫الزوال‪.‬‬
‫واختلفوا إذا رماها قبل الزوال في أيام التشبريق‪ ،‬فقبال جمهبور العلمباء‪ :‬مبن رماهبا‬
‫قبل الزوال أعاد رميها بعد الزوال‪.‬وروي عن أبي جعفببر محمببد بببن علببي أنببه قببال‪:‬‬
‫رمي الجمار من طلوع الشمس إلى غروبها‪ .‬وأجمعوا علببى أن مببن لببم يببرم الجمببار‬
‫أيام التشريق حتى تغيب الشمس من آخرها أنه ل يرميها بعد‪ .‬واختلفوا فببي الببواجب‬
‫من الكفارة فقال مالك‪ :‬إن من ترك الجمار كلها أو بعضها أو واحببدة منهبا فعليببه دم‪،‬‬
‫وقال أبو حنيفة‪ :‬إن ترك كلها كبان عليببه دم‪ ،‬وإن تبرك جمبرة واحببدة فصبباعدا كبان‬
‫عليه لكل جمرة إطعام مسكين نصف صاع حنطة إلى أن يبلغ دمببا بببترك الجميببع إل‬
‫جمرة العقبة فمن تركها فعليه دم‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬عليببه فببي الحصبباة مببد مببن طعببام‪،‬‬
‫وفي حصاتين مدان‪ ،‬وفي ثلث دم‪ .‬وقال الثوري مثله‪ ،‬إل أنه قال في الرابعببة الببدم‪.‬‬
‫ورخصت طائفة من التابعين في الحصاة الواحدة ولم يببروا فيهببا شببيئا‪ ،‬والحجببة لهببم‬
‫حديث سعد بن أبي وقاص قال "خرجنببا مببع رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم فببي‬
‫حجته‪ ،‬فبعضنا يقول‪ :‬رميت بسبع‪ ،‬وبعضنا يقببول‪ :‬رميببت بسببت‪ ،‬فلببم يعببب بعضببنا‬
‫على بعض" وقال أهل الظاهر‪ :‬ل شيء فببي ذلببك والجمهببور علببى أن جمببرة العقبببة‬
‫ليست من أركان الحج‪ .‬وقال عبد الملك من أصببحاب مالببك‪ :‬هبي مبن أركببان الحببج‪.‬‬
‫فهذه هي جملة أفعال الحج من حيببن الحببرام إلببى أن يحببل‪ ،‬والتحلببل تحللن‪ :‬تحلببل‬
‫أكبر‪ ،‬وهو طواف الفاضة‪ ،‬وتحلل أصغر وهو رمي جمرة العقبة‪ ،‬وسنذكر مببا فببي‬
‫هذا الختلف‪.‬‬
‫القول في الجنس الثالث‪:‬‬
‫وهو الذي يتضمن القول في الحكام‪ ،‬وقد نفى القول فببي حكببم الختللت الببتي تقببع‬
‫في الحج‪ ،‬وأعظمها في حكم من شرع في الحج فمنعه بمرض أو بعدو أو فاته وقببت‬
‫الفعل الببذي هببو شببرط فببي صببحة الحببج أو أفسببد حجببه بإتيببانه بعببض المحظببورات‬
‫المفسدة للحج أو للفعال التي هي تروك أو أفعال‪ ،‬فلنبتدئ من هذه بما هو نببص فببي‬
‫الشريعة وهو حكم المحصر وحكم قاتل الصيد وحكم الحالق رأسه قبببل محببل الحلببق‬
‫وإلقائه التفث قبل أن يحل‪ ،‬وقد يدخل في هذا الباب حكم المتمتع وحكببم القببارن علببى‬
‫القول بأن وجوب الهدي في هذه هو لمكان الرخصة‪.‬‬
‫القول في الحصار‬
‫وأما الحصار‪ ،‬فالصل فيه قوله سبحانه‪- :‬فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي‪ -‬إلى‬
‫قوله ‪-‬فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر مببن الهببدي‪ -‬فنقببول‪ :‬اختلببف‬
‫العلماء في هذه الية اختلفا كببثيرا‪ ،‬وهببو السبببب فببي اختلفهببم فببي حكببم المحصببر‬
‫بمرض أو بعدو‪ ،‬فببأول اختلفهببم فببي هببذه اليببة هببل المحصببر ههنببا هببو المحصببر‬
‫بالمرض‪ .‬فأما من قال‪ :‬إن المحصر ههنا هو المحصر بالعدو فاحتجوا بقببوله تعببالى‬
‫‪-‬فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه‪ -‬قالوا‪ :‬فلو كان المحصبر هبو المحصبر‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بمرض لما كان لذكر المرض بعد ذلببك فببائدة‪ ،‬واحتجببوا أيضببا بقببوله سبببحانه ‪-‬فببإذا‬
‫أمنتم فمن تمتع بببالعمرة إلببى الحببج‪ -‬وهببذه حجببة ظبباهرة‪ ،‬ومببن قببال‪ :‬إن اليببة إنمببا‬
‫وردت فببي المحصببر بببالمرض فببإنه زعببم أن المحصببر هببو مببن أحصببر‪ ،‬ول يقببال‬
‫أحصر في العدو‪ ،‬وإنما يقببال حصببره العببدو وأحصببره المببرض‪ ،‬قببالوا‪ :‬وإنمببا ذكببر‬
‫المرض بعد ذلك لن المرض صنفان‪ :‬صنف محصر‪ ،‬وصنف غير محصر‪ ،‬وقالوا‬
‫معنى قوله ‪-‬فإذا أمنتم‪ -‬معناه من المرض‪ .‬وأما الفريق الول فقالوا عكس هذا‪ ،‬وهببو‬
‫أن أفعل أبدا وفعل في الشيء الواحد إنما يأتي لمعنيين‪ :‬أما فعل فإذا أوقع بغيره فعل‬
‫من الفعال‪ ،‬وأما أفعل فإذا عرضه لوقوع ذلك الفعل به يقال‪ :‬أقتله إذا فعببل بببه فعببل‬
‫القتل‪ ،‬واقتله إذا عرضه للقتل‪ ،‬وإذا كان هذا هكذا فأحصر أحق بالعدو وحصر أحببق‬
‫بالمرض‪ ،‬لن العدو إنما عرض للحصار‪ ،‬والمرض فهو فاعببل الحصببار‪ .‬وقببالوا‬
‫ل يطلق المن إل في ارتفاع الخوف من العدو وإن قيل فببي المببرض فباسببتعارة ول‬
‫يصببار إلببى السببتعارة إل لمببر يببوجب الخببروج عببن الحقيقببة‪ ،‬وكببذلك ذكببر حكببم‬
‫المريض بعد الحصببر الظبباهر منببه أن المحصببر غيببر المريببض‪ ،‬وهببذا هببو مببذهب‬
‫الشافعي‪ .‬والمذهب الثاني مذهب مالك وأبببي حنيفببة‪ .‬وقببال قببوم‪ :‬بببل المحصببر ههنببا‬
‫الممنوع من الحج بأي نوع امتنع إما بمببرض أو بعببدو أو بخطببأ فببي العببدد أو بغيببر‬
‫ذلك‪ .‬وجمهور العلماء على أن المحصر عبن الحببج ضببربان‪ :‬إمببا محصببر بمبرض‪،‬‬
‫وإما محصر بعدو‪ .‬فأما المحصر بالعدو فاتفق الجمهور على أنه يحل من عمرتببه أو‬
‫حجه حيث أحصر‪ .‬وقال الثوري والحسببن بببن صببالح ل يتحلببل إل فببي يببوم النحببر‪،‬‬
‫والذين قالوا‪ :‬يتحلل حيث أحصر اختلفوا في إيجاب الهدي عليه وفببي موضببع نحببره‬
‫إذا قيل بوجوبه وفي إعادة ما حصر عنه من حج أو عمرة‪ ،‬فذهب مالببك إلببى أنببه ل‬
‫يجب عليه العادة‪ .‬وذهب أبو حنيفة إلى أنه إن كان أحرم بالحج عليه حجة وعمرة‪،‬‬
‫وإن كان قارنا فعليه حج وعمرتان‪ ،‬وإن كان معتمرا قضى عمرته‪ ،‬وليس عليه عنببد‬
‫أبي حنيفة ومحمد بن الحسن تقصير‪ ،‬واختار أبو يوسف تقصيره‪ ،‬وعمببدة مالببك فببي‬
‫أن ل إعادة عليه "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم حببل هببو وأصببحابه بالحديبيببة‪،‬‬
‫فنحروا الهدي وحلقوا رؤوسهم وحلوا من كل شيء قبل أن يطوف بالبيت‪ ،‬وقبببل أن‬
‫يصل إلى الهببدي‪ ،‬ثببم لببم يعلببم أن رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم أمببر أحببد مببن‬
‫الصحابة ول ممن كان معه أن يقضي شيئا ول أن يعود لشببيء" وعمببدة مببن أوجببب‬
‫عليه العادة "أن رسول ال صلى ال عليه وسببلم اعتمبر فببي العببام المقبببل مبن عبام‬
‫الحديبية قضاء لتلك العمرة" ولذلك قيل لها عمرة القضاء‪ .‬وإجمبباعهم أيضببا علببة أن‬
‫المحصر بمرض أو ما أشبهه عليه القضاء‪ .‬فسبب الخلف هو هل قضى رسول الب‬
‫صلى ال عليه وسلم أو لم يقض؟ وهل يثبت القضاء بالقياس أم ل؟ وذلك أن جمهور‬
‫العلماء على أن القضاء يجب بأمر ثان غير أمر الداء‪ .‬وأما من أوجب عليبه الهبدي‬
‫فبناء على أن الية وردت في المحصر بالعدو‪ ،‬أو على أنهببا عامببة لن الهببدي فيهببا‬
‫نص‪ ،‬وقببد احتببج هببؤلء بنحببر النببي صببلى الب عليببه وسبلم وأصببحابه الهببدي عبام‬
‫الحديبية حين أحصروا‪ .‬وأجاب الفريق الخبر أن ذلببك الهبدي لببم يكببن هببدي تحلببل‪،‬‬
‫وإنما كان هديا سيق ابتداء‪ ،‬وحجة هؤلء أن الصل هو أن ل هدي عليه إل أن يقوم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الدليل‪ .‬وأما اختلفهم فبي مكبان الهبدي عنبد مبن أوجببه فالصبل فيبه اختلفهبم فبي‬
‫موضع نحر رسول ال صلى ال عليه وسلم هديه عبام الحديبيبة‪ ،‬فقبال اببن إسبحاق‪:‬‬
‫نحره في الحرم‪ ،‬وقال غيره‪ :‬إنما نحره في الحببل‪ ،‬واحتببج بقببوله تعببالى ‪ -‬هببم الببذين‬
‫كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ‪ -‬وإنما ذهببب أبببو‬
‫حنيفة إلى أن من أحصر عن الحج أن عليه حجا وعمرة لن المحصر قد فسخ الحببج‬
‫في عمرة ولم يتم واحببدا منهمببا‪ ،‬فهببذا هببو حكببم المحصببر بعببدو عنببد الفقهبباء‪ .‬وأمببا‬
‫المحصر بمرض‪ ،‬فإن مذهب الشافعي وأهل الحجاز أنه ل يحله إل الطببواف بببالبيت‬
‫والسعي ما بين الصفا والمروة‪ ،‬وأنه بالجملة يتحلل بعمرة‪ ،‬لنه إذا فاته الحج بطببول‬
‫مرضه انقلب عمرة‪ ،‬وهو مذهب ابن عمر وعائشة وابببن عببباس‪ ،‬وخببالف فببي ذلببك‬
‫أهل العراق فقالوا‪ :‬يحل مكانه وحكمه حكببم المحصببر بعببدو‪ ،‬أعنببي أن يرسببل هببديه‬
‫ويقدر يوم نحره ويحل في اليوم الثالث وبه قال ابن مسعود‪.‬‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫@)تابع‪- :(1 ...‬وأما الفعل بعدها فهو رمي الجمار‪ ،‬وذلك أن المسلمين اتفقوا علببى‬
‫"أن‪... ...‬‬
‫واحتجوا بحديث الحجاج بن عمرو النصبباري قببال‪ :‬سببمعت رسببول الب صببلى الب‬
‫عليه وسلم يقول "من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى" وبإجماعهم على أن‬
‫المحصر بعدو ليس من شرط إحلله الطواف بالبيت‪ .‬والجمهببور علببى أن المحصببر‬
‫بمرض عليه الهدي‪ .‬وقال أبو ثور وداود‪ :‬ل هدي عليه اعتمادا على ظاهر حكم هذا‬
‫المحصر‪ ،‬وعلى أن الية الببواردة فببي المحصببر هببو حصببر العببدو‪ ،‬وأجمعببوا علببى‬
‫إيجاب القضاء عليه‪ ،‬وكل من فاته الحج بخطأ من العبدد فبي اليبام أو بخفباء الهلل‬
‫عليه أو غير ذلك من العذار فحكمه حكبم المحصبر بمبرض عنبد مالبك‪ .‬وقبال أببو‬
‫حنيفة‪ :‬من فاته الحج بعببذر غيببر مببرض يحببل بعمببرة ول هببدي عليببه وعليببه إعببادة‬
‫الحج‪ ،‬والمكي المحصر بمرض عند مالببك كغيبر المكبي يحببل بعمببرة وعليبه الهببدي‬
‫وإعادة الحج‪ .‬وقال الزهري‪ :‬لبد )قوله لبد الخ‪ :‬هكذا هذه العبارة في غببالب النسببخ‬
‫ولينظر معناها‪ ،‬وفي بعض‪ :‬ولبد أن يعيد )وجعل بياضا لباقي العبارة فليتأمببل ا هب ب‬
‫مصححه(‪ .‬أن يقف بعمرة وإن نعش نعشا‪ .‬وأصل مذهب مالك أن المحصر بمببرض‬
‫إن بقي على إحرامه إلى العام المقبل حتى يحببج حجبة القضباء فل هببدي عليببه‪ ،‬فبإن‬
‫تحلل بعمرة فعليه هدي المحصر‪ ،‬لنه حلق رأسه قببل أن ينحبر فبي حجبة القضباء‪،‬‬
‫وكل من تأول قوله سبحانه ‪ -‬فإذا أمنتم فمن تمتببع بببالعمرة إلببى الحببج ‪ -‬أنببه خطبباب‬
‫للمحصر وجب عليه أن يعتقبد علبى ظباهر اليبة أن عليبه هبديين‪ :‬هبديا لحلقبه عنبد‬
‫التحلل قبل نحره في حجة القضاء‪ ،‬وهبديا لتمتعبه ببالعمرة إلبى الحبج‪ ،‬وإن حبل فبي‬
‫أشهر الحج من العمرة وجب عليه هدي ثالث‪ ،‬وهو هدي التمتع الذي هو أحببد أنببواع‬
‫نسك الحج‪.‬‬
‫وأما مالك رحمه ال‪ ،‬فكان يتببأول لمكببان هببذا أن المحصببر إنمببا عليببه هببدي واحببد‪،‬‬
‫وكان يقول‪ :‬إن الهدي الذي في قوله سبحانه ‪ -‬فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ‪-‬‬
‫هو بعينه الهدي الذي في قوله ‪ -‬فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلببى الحببج فمببا استيسببر‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫من الهدي ‪ -‬وفيه بعد في التأويل‪ ،‬والظهر أن قوله سبببحانه ‪ -‬فببإذا أمنتببم فمببن تمتببع‬
‫بالعمرة إلى الحج ‪ -‬أنه في غير المحصر بل هو في التمتع الحقيقي‪ ،‬فكأنه قببال‪ :‬فببإذا‬
‫لم تكونوا خائفين لكن تمتعتم بالعمرة إلى الحج فما استيسببر مببن الهببدي‪ ،‬ويببدل علببى‬
‫هببذا التأويببل قببوله سبببحانه ‪ -‬ذلببك لمببن لببم يكببن أهلببه حاضببري المسببجد الحببرام ‪-‬‬
‫والمحصر يستوي فيه حاضر المسجد الحببرام وغيببره بإجمبباع‪ .‬وقببد قلنببا فببي أحكببام‬
‫المحصر الذي نص ال عليه‪ ،‬فلنقل في أحكام القاتل للصيد‪:‬‬
‫القول في أحكام جزاء الصيد‬
‫فنقول‪ :‬إن المسلمين أجمعوا على أن قوله تعالى ‪-‬يا أيها الذين آمنوا ل تقتلببوا الصببيد‬
‫وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم‬
‫هديا ببالغ الكعببة أو كفبارة طعبام مسباكين أو عبدل ذلبك صبياما‪ -‬هبي آيبة محكمبة‪،‬‬
‫واختلفوا في تفاصيل أحكامها وفيما يقاس علبى مفهومهببا ممببا ل يقبباس عليبه‪ ،‬فمنهبا‬
‫أنهم اختلفوا هببل الببواجب فببي قتببل الصببيد قيمتببه أو مثلببه؟ فببذهب الجمهببور إلببى أن‬
‫الواجب المثل‪ ،‬وذهب أبو حنيفة إلى أنه مخير بين القيمة‪ ،‬أعني قيمة الصيد وبيببن أ‪،‬‬
‫يشتري بها المثل‪ .‬ومنها أنهم اختلفوا في استئناف الحكم على قاتل الصببيد فيمببا حكببم‬
‫فيه السلف من الصحابة‪ ،‬مثل حكمهم أن من قتل نعامة فعليه بدنة تشبببيها بهببا‪ ،‬ومببن‬
‫قتل غزال فعليه شاة‪ ،‬ومن قتل بقرة وحشية فعليه إنسية‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يستأنف في كببل‬
‫ما وقبع مبن ذلبك الحكبم ببه‪ ،‬وببه قبال أببو حنيفبة‪ .‬وقبال الشبافعي‪ :‬إن اجبتزأ بحكبم‬
‫الصحابة مما حكموا فيه جاز‪ ،‬ومنها هل الية على التخييبر أو علبى البترتيب؟ فقبال‬
‫مالك‪ :‬هي على التخيير‪ ،‬وبه قال أبو حنيفببة‪ ،‬يريببد أن الحكميببن يخيببران الببذي عليببه‬
‫الجزاء‪ .‬وقال زفر‪ :‬هي على الترتيب‪ ،‬واختلفوا هل يقوم الصببيد أو المثببل إذا اختببار‬
‫الطعام إن وجب علبى القبول ببالوجوب فيشبتري بقيمتبه طعامبا؟ فقبال مالبك‪ :‬يقبوم‬
‫الصيد‪ ،‬وقال الشافعي‪ :‬يقوم المثل‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يصوم لكل مد يوما وهببو الببذي يطعببم‬
‫عندهم كل مسكين‪ ،‬وبه قال الشافعي وأهل الحجاز‪ .‬وقببال أهببل الكوفببة‪ :‬يصببوم لكببل‬
‫مدين يوما‪ ،‬وهو القدر الذي يطعم كل مسكين عندهم‪ .‬واختلفوا في قتببل الصببيد خطببأ‬
‫هل فيه جزاء أم ل؟ فبالجمهور علببى أن فيببه الجببزاء‪ .‬وقببال أهببل الظبباهر‪ :‬ل جببزاء‬
‫عليه‪ .‬واختلفوا في الجماعة يشتركون فبي قتبل الصبيد‪ ،‬فقبال مالبك‪ :‬إذا قتبل جماعبة‬
‫محرمون صيدا فعلى كل واحد منهم جزاء كامل‪ ،‬وببه قبال الثبوري وجماعبة‪ .‬وقبال‬
‫الشافعي‪ :‬عليهم جزاء واحد‪ .‬وفرق أبببو حنيفببة بيببن المحرميببن يقتلببون الصببيد وبيببن‬
‫المحلين يقتلونه في الحرم فقال‪ :‬على كل واحد من المحرمين جببزاء وعلببى المحليببن‬
‫جزاء واحد‪ .‬واختلفوا هل يكون أحد الحكمين قاتببل الصببيد‪ ،‬فببذهي مالببك إلببى أنببه ل‬
‫يجوز‪ .‬وقببال الشببافعي‪ :‬يجببوز‪ .‬واختلببف أصببحاب أبببي حنيفببة علببى القببولين جميعببا‬
‫واختلفوا في موضع الطعام‪ ،‬فقال مالك‪ :‬فببي الموضببع الببذي أصبباب فيببه الصببيد إن‬
‫كان ثّم طعام‪ ،‬وإل ففي أقرب المواضع إلى ذلك الموضع‪.‬‬
‫وقال أبببو حنيفببة‪ :‬حيثمببا أطعببم‪ .‬وقببال الشببافعي‪ :‬ل يطعببم إل مسبباكين مكببة‪ .‬وأجمببع‬
‫العلماء على أن المحرم إذا قتل الصيد أن عليه الجزاء للنص في ذلببك‪ .‬واختلفبوا فبي‬
‫الحلل يقتل الصيد في الحرم‪ ،‬فقال جمهور فقهاء المصار‪ :‬عليه الجزاء‪ .‬وقال داود‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأصحابه‪ :‬ل جزاء عليه‪ .‬ولم يختلف المسلمون فببي تحريببم قتببل الصببيد فببي الحبرم‪،‬‬
‫وإنما اختلفوا في الكفارة وذلك لقوله سبحانه ‪-‬اولم يروا أنا جعلنا حرمببا آمنببا‪ -‬وقببول‬
‫رسول ال صلى ال عليبه وسبلم "إن الب حبّرم مكبة يبوم خلبق السبموات والرض"‬
‫وجمهور فقهاء المصار علببى أن المحببرم إذا قتببل الصببيد وأكلببه أنببه ليببس عليببه إل‬
‫كفببارة واحببدة‪ .‬وروى عببن عطبباء وطائفببة أن فيببه كفببارتين‪ ،‬فهببذه هببي مشببهورات‬
‫المسائل المتعلقة بهذه الية‪.‬‬
‫)وأما السباب التي دعتهم إلى هذا الختلف( فنحن نشبير إلبى طبرف منهبا فنقبول‪.‬‬
‫أما من اشترط في وجوب الجزاء أن يكون القتل عمدا فحجته أن اشتراط ذلببك نببص‬
‫في الية‪ ،‬وأيضا فإن العمد هو الموجب للعقاب والكفارات عقابا ما‪ .‬وأما من أوجببب‬
‫الجببزاء مببع النسببيان فل حجببة لببه‪ ،‬إل أن يشبببه الجببزاء عنببد إتلف الصببيد بببإتلف‬
‫الموال‪ ،‬فإن الموال عند الجمهور تضمن خطأ ونسيانا‪ ،‬لكبن يعبارض هبذا القيباس‬
‫اشتراط العمد في وجوب الجزاء‪ ،‬فقد أجاب بعضهم عن هذا‪ :‬أي العمد إنمببا اشببترط‬
‫لمكان تعلق العقاب المنصوص عليه في قوله ‪-‬ليذوق وبال أمره‪ -‬وذلببك ل معنببى لببه‬
‫لن الوبال المذوق هو في الغرامة فسواء قتله مخطئا أو متعمدا قببد ذاق الوبببال‪ ،‬ول‬
‫خوف أن الناسي غير معاقب‪ ،‬وأكثر مببا تلببزم هببذه الحجببة لمببن كببان مببن أصببله أن‬
‫الكفارات ل تثبت بالقياس‪ ،‬فببإنه ل دليببل لمببن أثبتهببا علببى الناسببي إل القيبباس‪ .‬وأمببا‬
‫اختلفهم في المثل هل هو الشبيه أو المثل في القيمة‪ ،‬فببإن سبببب الختلف أن المثببل‬
‫يقال على الذي هو مثل وعلى الذي هو مثل في القيمة؛ لكن حجة من رأى أن الشبيه‬
‫أقوى من جهة دللة اللفظ أن انطلق لفظ المثل على الشبيه في لسان العرب أظهببر‪،‬‬
‫وأظهر منه علبى المثبل فبي القيمبة‪ ،‬لكبن لمبن حمبل ههنبا المثبل علبى القيمبة دلئل‬
‫حركته إلى اعتقاد ذلك‪ :‬أحببدها أن المثببل الببذي هببو العببدل هببو منصببوص عليببه فببي‬
‫الطعام والصيام‪ ،‬وأيضا فإن المثل إذا حمل ههنا على التعديل كان عامببا فببي جميببع‬
‫الصيد‪ ،‬فإن من الصيد ما ل يلقي له شبيه‪ ،‬وأيضا فإن المثببل فيمبا ل يوجبد لبه شببيه‬
‫هو التعديل‪ ،‬وليس يوجد للحيوان المصيد في الحقيقة شبيه إل من جنسببه‪ ،‬وقببد نببص‬
‫أن المثل الواجب فيه هو من غير جنسه‪ ،‬فوجب أن يكون مثل في التعببديل والقيمببة‪،‬‬
‫وأيضا فإن الحكم في الشبيه قببد فببرغ منببه‪ ،‬فأمببا الحكببم بالتعببديل فهببو شببيء يختلببف‬
‫باختلف الوقات‪ ،‬ولذلك هببو كببل وقببت يحتبباج إلببى الحكميببن المنصببوص عليهمببا‪،‬‬
‫وعلى هذا يأتي التقدير في الية بمشابه‪ ،‬فكأنه قال‪ :‬ومن قتله منكم متعمدا فعليه قيمة‬
‫ما قتل من النعم أو عدل القيمة طعاما أو عدل ذلك صياما‪ .‬وأما اختلفهم هل المقببدر‬
‫هو الصيد أو مثله من النعم إذا قدر بالطعام‪ ،‬فمن قبال المقبدر هبو الصبيد قبال‪ :‬لنبه‬
‫الذي لما لم يوجد مثله رجع إلى تقديره بالطعام‪ ،‬ومن قال إن المقدر هو الواجب مببن‬
‫النعم قال‪ :‬لن الشيء إنما تقدر قيمته إذا عدم بتقدير مثله أعني شبيهه‪ .‬وأما من قببال‬
‫إن الية على التخيير فإنه التفت إلى حرف "أو" إذ كان مقتضبباها فببي لسببان العببرب‬
‫التخيير وأما من نظر إلى ترتيب الكفارات في ذلك فشبهها فببي الكفببارات الببتي فيهببا‬
‫الترتيب باتفاق‪ ،‬وهي كفارة الظهار والقتل‪ .‬وأما اختلفهم في هل يستأنف الحكم فببي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الصيد الواحد الذي وقع الحكم فيه من الصحابة‪ ،‬فالسبب في اختلفهم هو هببل الحكببم‬
‫شرعي غير معقول المعنى أم هذا معقول المعنى؟‬
‫فمن قال هو معقول المعنى قال‪ :‬ما قد حكم فيه فليس يوجد شيء أشبه بببه منببه‪ ،‬مثببل‬
‫النعامة فإنه ل يوجد أشبه بها من البدنة فل معنى إعادة الحكم‪ ،‬ومبن قبال هبو عببادة‬
‫قال‪ :‬يعاد ولبد منه‪ ،‬وبه قال مالك‪ .‬وأما اختلفهببم فببي الجماعببة يشببتركون فببي قتببل‬
‫الصيد الواحببد‪ ،‬فسببببه هببل الجببزاء مببوجبه هببو التعببدي فقببط أو التعببدي علببى جملببة‬
‫الصيد؟ فمن قال التعدي فقط أوجب على كل واحد من الجماعة القاتلة للصيد جببزاء‪،‬‬
‫ومن قال التعدي على جملة الصببيد قبال‪ :‬عليهببم جببزاء واحببد‪ .‬وهببذه المسببئلة شبببيهة‬
‫بالقصبباص فببي النصبباب فببي السببرقة وفببي القصبباص فببي العضبباء وفببي النفببس‪،‬‬
‫وستأتي في مواضعها من هذا الكتاب إن شاء ال‪ .‬وتفريق أبي حنيفة بيببن المحرميببن‬
‫وبين غير المحرمين القاتلين فببي الحببرم علببى جهببة التغليببظ علببى المحرميببن‪ ،‬ومببن‬
‫أوجب على كل واحد من الجماعة جزاء فإنما نظر إلببى سببد الببذرائع‪ ،‬فبإنه لببو سببقط‬
‫عنهم الجزاء جملة لكان من أراد أن يصيد في الحرم صاد فببي جماعببة‪ ،‬وإذا قلنببا إن‬
‫الجزاء هو كفارة للثم فيشبه أنه ل يتبعض إثم قتل الصيد بالشتراك فيه‪ ،‬فيجببب أن‬
‫ل يتبعض الجزاء فيجب على كل واحببد كفببارة‪ .‬وأمببا اختلفهببم فببي هببل يكببون أحببد‬
‫الحكمين قاتل للصيد‪ ،‬فالسبب فيه معارضة مفهوم الظبباهر لمفهببوم المعنببى الصببلي‬
‫في الشرع‪ ،‬وذلك أنه لم يشترطوا في الحكمين إل العدالة‪ ،‬فيجب على ظاهر هببذا أن‬
‫يجوز الحكم ممن يوجد فيه هذا الشرط‪ ،‬سواء كان قاتببل الصببيد أو غيببر قاتببل‪ .‬وأمببا‬
‫مفهوم المعنى الصلي في الشرع فهو أن المحكوم عليه ل يكون حاكمببا علببى نفسببه‪.‬‬
‫وأما اختلفهم في الموضع‪ ،‬فسببه الطلق أعني أنببه لببم يشببترط فيببه موضببع‪ ،‬فمببن‬
‫شبهه بالزكاة في أنببه حببق للمسبباكين فقببال ل ينقببل مببن موضببعه‪ .‬وأمببا مببن رأى أن‬
‫المقصود بذلك إنما هو الرفق بمسبباكين مكببة قببال‪ :‬ل يطعببم إل مسبباكين مكببة‪ ،‬ومببن‬
‫اعتمد ظاهر الطلق قال‪ :‬يطعم حيث شاء‪ .‬وأما اختلفهببم فببي الحلل يقتببل الصببيد‬
‫فببي الحببرم هببل عليببه كفببارة أم ل؟ فسببببه هببل يقبباس فببي الكفببارات عنببد مببن يقببول‬
‫بالقياس؟ وهل القياس أصل من أصول الشرع عند الذين يختلفون فيه؟ فأهل الظبباهر‬
‫ينفون قياس قتل الصيد في الحرم علببى المحببرم لمنعهببم القيبباس فببي الشببرع‪ ،‬ويحببق‬
‫على أصل أبي حنيفبة أن يمنعبه لمنعبه القيبباس فبي الكفبارات‪ ،‬ول خلف بينهببم فبي‬
‫تعلق السم به لقوله سبحانه وتعببالى ‪ -‬أو لببم يببروا أنببا جعلنببا حرامببا آمنببا ويتخطببف‬
‫الناس من حولهم ‪ -‬وقول رسول ال صلى ال عليه وسلم "إن ال حرم مكة يوم خلق‬
‫السببموات والرض" وأمببا اختلفهببم فيمببن قتلببه ثببم أكلببه هببل عليببه جببزاء واحببد أم‬
‫جزاءان؟ فسببه هل أكله تعد ثان عليه سوى القتل أم ل؟ وإن كان تعديا عليه فهل هو‬
‫مساو للتعدي الول أم ل؟ وذلك أنهم اتفقوا على أنه إن أكل أثم‪ ،‬ولما كان النظر فببي‬
‫كفارة الجزاء يشتمل على أربعة أركان‪ :‬معرفة الواجب في ذلك‪ ،‬ومعرفة مببن تجببب‬
‫عليه‪ ،‬ومعرفة الفعل الذي لجله يجب‪ ،‬ومعرفة محل الوجوب‪ .‬وكان قببد تقببدم الكلم‬
‫في أكثر هذه الجناس‪ ،‬وبقي من ذلك أمران‪ :‬أحببدهما اختلف فببي بعببض الواجبببات‬
‫من المثال في بعض المصيدات‪ .‬والثاني ما هو صيد مما ليس بصيد يجب أن ينظر‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فيما بقي علينا من ذلك‪ ،‬فمن أصول هذا الباب مبا روي عبن عمبر ببن الخطباب أنبه‬
‫قضى في الضبع بكبش‪ ،‬وفببي الغببزال بعنببز‪ ،‬وفببي الرنببب‪ ،‬وفببي اليربببوع بجفببرة‪،‬‬
‫واليربوع‪ :‬دويبة لهببا أربببع قببوائم وذنببب‪ ،‬تجببتر كمببا تجببتر الشبباة‪ ،‬وهببي مببن ذوات‬
‫الكروش‪ ،‬والعنز عند أهل العلم من المعز ما قد ولد أو ولببد مثلببه‪ ،‬والجفببرة والعنبباق‬
‫من المعز‪ ،‬فالجفرة ما أكل واستغنى عن الرضاع‪ ،‬والعنبباق قيببل فببوق الجفببرة وقيببل‬
‫دونها‪ ،‬وخالف مالك هذه الحديث فقال‪ :‬في الرنب واليربوع ل يقومان إل بما يجوز‬
‫هديا وأضحية‪ ،‬وذلك الجذع فما فوقه من الضأن‪ ،‬والثني فما فوقه من البببل والبقببر‪،‬‬
‫وحجة مالك قوله تعالى ‪-‬هديا بالغ الكعبة‪ -‬ولم يختلفوا أن من جعل علببى نفسببه هببديا‬
‫أنه ل يجيزه أقل من الجزع فمبا فببوقه مببن الضببأن والثنبى ممبا سببواه‪ ،‬وفبي صبغار‬
‫الصيد عند مالك مثل ما في كباره‪ .‬وقال الشبافعي‪ :‬يفبدى صبغار الصبيد بالمثبل مبن‬
‫صغار النعم وكبار الصيد بالكبار منها‪ ،‬وهو مروي عن عمر وعثمببان وعلببي وابببن‬
‫مسعود‪ ،‬وحجته أنها حقيقة المثببل‪ ،‬فعنببده فببي النعامببة الكبببيرة بدنببة‪ ،‬وفببي الصببغيرة‬
‫فصيل‪ ،‬وأبو حنيفة على أصله فبي القيمبة‪ .‬واختلفبوا مبن هبذا البباب فبي حمبام مكبة‬
‫وغيرها‪ ،‬فقال مالك في حمام مكة‪ :‬شاة‪ ،‬وفي حمام الحل حكومة‪ .‬واختلف قببول ابببن‬
‫القاسم في حمام الحرم غير مكة‪،‬فقال مرة شاة كحمام مكة‪ ،‬ومرة قال حكومة كحمببام‬
‫الحل‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬في كل حمام شاة‪ ،‬وفي حمببام سببوى الحببرم قيمتببه‪ .‬وقببال داود‬
‫كل شيء ل مثل له من الصيد فل جزاء فيها إل الحمام فإن فيه شاة‪ ،‬ولعله ظن ذلببك‬
‫إجماعا‪ ،‬فإنه روي عن عمر بن الخطاب ول مخالف لببه مببن الصببحابة‪ .‬وروي عببن‬
‫عطاء أنه قال‪ :‬في كببل شببيء مببن الطيببر شبباة‪ .‬واختلفببوا مببن هببذا الببباب فببي بيببض‬
‫النعامة‪ ،‬فقال مالك‪ :‬أرى في بيض النعامة عشر ثمن البدنة‪ ،‬وأبو حنيفة علببى أصببله‬
‫في القيمة‪ .‬ووافقه الشافعي في هذه المسألة‪ .‬وبه قال أبببو ثببور‪ .‬وقببال أبببو حنيفببة‪ :‬إن‬
‫كان فيها فرخ ميت فعليه الجزاء‪ :‬أعني جزاء النعامة‪ .‬واشترط أبو ثور فببي ذلببك أن‬
‫يخرج حيا ثم يموت‪.‬‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫@)تابع‪- :(2 ...‬وأما الفعل بعدها فهو رمي الجمار‪ ،‬وذلك أن المسلمين اتفقوا علببى‬
‫"أن‪... ...‬‬
‫وروي عن علي أنه قضى في بيض النعامة بأن يرسل الفحببل علببى البببل فببإذا تبببين‬
‫لقاحها سميت ما أصبت من البيض‪ ،‬فقلت‪ :‬هذا هدي‪ ،‬ثم ليس عليك ضببمان مببا فسببد‬
‫من الحمل‪ .‬وقال عطاء‪ :‬من كبانت لبه إببل فبالقول قبول علبي‪ ،‬وإل ففبي كبل بيضبة‬
‫درهمان‪ ،‬قال أبو عمر‪ :‬وقد روي عن ابن عببباس عببن كعببب بببن عجببرة عببن النبببي‬
‫عليه الصلة والسلم "في بيض النعامة يصيبه المحرم ثمنه" من وجه ليس بببالقوي‪.‬‬
‫وروي عن ابن مسعود أن فيه القيمة‪ ،‬قال‪ :‬وفيه أثر ضعيف‪ .‬وأكثر العلماء علببى أن‬
‫الجراد من صيد البر يجب على المحرم فيه الجزاء‪ .‬واختلفوا في البواجب مبن ذلبك‪،‬‬
‫فقببال عمببر رضببي الب عنببه‪ :‬قبضببة مببن طعببام‪ ،‬وبببه قببال مالببك‪ .‬وقببال أبببو حنيفببة‬
‫وأصحابه‪ :‬تمرة خير من جرادة‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬في الجراد قيمته‪ ،‬وبه قال أبببو ثببور‬
‫إل أنه قال‪ :‬كل ما تصدق به من حفنة طعام أو تمرة فهبو لبه قيمبة‪ .‬وروي عبن اببن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫عباس أن فيها تمرة مثل قول أبي حنيفبة‪ .‬وقبال ربيعبة‪ :‬فيهبا صباع مبن طعبام وهبو‬
‫شاذ‪ .‬وقد روي عن ابن عمر أن فيها شويهة وهو أيضا شاذ‪ ،‬فهذه هي مشهورات ما‬
‫اتفقوا على الجزاء فيه‪ ،‬واختلفوا فيما هو الجزاء فيه‪ .‬وأمببا إختلفهببم فيمببا هببو صببيد‬
‫مما ليس بصيد‪ ،‬وفيما هو من صيد البحر مما ليس منه‪ ،‬فبإنهم اتفقبوا علببى أن صببيد‬
‫البر محّرم على المحرم إل الخمس الفواسق المنصوص عليها‪ ،‬واختلفوا فيمببا يلحببق‬
‫به مما ليس يلحق‪ ،‬وكذلك اتفقوا على أن صببيد البحببر حلل كلببه للمحببرم‪ ،‬واختلفببوا‬
‫فيما هو من صيد البحر مما ليس منه‪ ،‬وهذا كله لقوله تعالى‪- :‬أحل لكببم صببيد البحببر‬
‫وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكببم صببيد البببر مببا دمتببم حرمببا‪ -‬ونحببن نببذكر‬
‫مشهور ما اتفقوا عليه من هذين الجنسين وما اختلفوا فيه‪ ،‬فنقول‪:‬‬
‫ثبت من حديث ابن عمر وغيره أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قبال "خمبس مبن‬
‫الدواب ليس على المحرم جناح في قتلهن‪ :‬الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلببب‬
‫والعقور" واتفق العلماء على القول بهذا الحديث‪ ،‬وجمهورهم على القول بإباحة قتببل‬
‫ما تضمنه لكونه ليس بصيد وإن كان بعضهم اشترط في ذلك أوصببافا مببا‪ .‬واختلفببوا‬
‫هل هذا باب من الخاص أريد به الخاص‪ ،‬أو باب من الخاص أريد به العام‪ ،‬والببذين‬
‫قالوا هو من باب الخاص أريد به العام اختلفوا في أي عببام أريببد بببذلك‪ ،‬فقببال مالببك‪:‬‬
‫الكلب العقور الوارد في الحديث إشبارة إلببى كبل سببع عبباد‪ ،‬وأن مببا ليبس بعباد مببن‬
‫السباع فليس للمحرم قتله ولم ير قتل صغارها التي ل تعدو ول ما كان منها أيضا ل‬
‫يعدو ول خلف بينهم في قتل الحية والفعى والسود‪ ،‬وهو مروي عببن النبببي عليببه‬
‫الصلة والسلم من حديث أبي سعيد الخدري قال‪ :‬قببال رسببول الب صببلى الب عليببه‬
‫وسببلم "تقتببل الفعببى والسببود" وقببال مالببك‪ :‬ل أرى قتببل الببوزغ‪ ،‬والخبببار بقتلهببا‬
‫متواترة‪ ،‬لكن مطلقا ل فببي الحببرم‪ ،‬ولببذلك توقببف فيهببا مالببك فببي الحببرم‪ .‬وقبال أبببو‬
‫حنيفة‪ :‬ل يقتل من الكلب العقورة إل الكلب النسي والذئب‪ ،‬وشذت طائفة فقالت‪ :‬ل‬
‫يقتل إل الغراب البقع‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬كل محرم الكل فهو معنى في الخمس‪.‬‬
‫وعمدة الشافعي أنه إنما حرم علببى المحببرم مببا أحببل للحلل‪ ،‬وأن المباحببة الكببل ل‬
‫يجوز قتلها بإجماع لنهي رسول ال صلى ال عليه وسلم عن صيد البهائم‪ .‬وأمببا أبببو‬
‫حنيفة فلم يفهم من اسم الكلب النسي فقط بل مببن معنبباه كببل ذئب وحشببي‪ .‬واختلفببوا‬
‫في الزنبور فبعضهم شبهه بالعقرب‪ ،‬وبعضهم رأى أنه أضببعف نكايبة مبن العقببرب‪.‬‬
‫وبالجملببة فالمنصببوص عليهببا تتضببمن أنواعببا مببن الفسبباد‪ ،‬فمببن رأى أنببه مببن ببباب‬
‫الخاص أريد به العام ألحق بواحد واحد منها ما يشبه إن كببان لببه شبببه‪ ،‬ومببن لببم يببر‬
‫ذلك قصر النهي على المنطوق به‪.‬‬
‫وشذت طائفة فقالت‪ :‬ل يقتل إل الغراب البقع‪ ،‬فخصصت عمببوم السببم الببوارد فببي‬
‫الحديث الثابت بما روي عن عائشة أنه عليه الصلة والسلم قال "خمببس يقتلببن فببي‬
‫الحرم‪ ،‬فذكر فيهن الغراب البقع" وشذ النخعي فمنع المحرم قتببل الصببيد إل الفببأرة‪.‬‬
‫وأما اختلفهم فيما هو من صيد البحر مما ليس هو منه‪ ،‬فإنهم اتفقوا على أن السببمك‬
‫من صيد البحر‪ ،‬واختلفوا فيما عدا السمك‪ ،‬وذلك بناء منهم على ما كببان منببه يحتبباج‬
‫إلى زكاة فليس من صيد البحر‪ ،‬وأكثر ذلك ما كان محرما‪ ،‬ول خلف بين من يحببل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫جميع ما في البحر في أن صيده حلل‪ ،‬وإنما اختلف هببؤلء فيمببا كببان مببن الحيببوان‬
‫يعيش في البر وفي الماء بأي الحكمين يلحق؟ وقيبباس قببول أكببثر العلمبباء أنببه يلحببق‬
‫بالذي عيشه فيه غالبا‪ ،‬وهو حيث يولببد‪ .‬والجمهببور علببى أن طيببر المبباء محكببوم لببه‬
‫بحكم حيوان البر‪ .‬وروي عن عطاء أنه قال في طير الماء حيث يكون أغلببب عيشببه‬
‫يحكم له بحكمه‪.‬‬
‫واختلفوا في نبات الحرم هل فيه جزاء أم ل؟‬
‫فقال مالك‪ :‬ل جزا فيه‪ ،‬وإنما فيه الثم فقط للنهي الوارد في ذلك‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬فيه‬
‫الجزاء في الدوخة بقرة‪ ،‬وفيما دونها شاة‪ .‬وقال أبو حنيفببة‪ :‬كبل مبا كبان مببن غبرس‬
‫النسان فل شيء فيه‪ ،‬وكل ما كان نابتا بطبعه ففيه قيمة‪ .‬وسبب الخلف هببل يقبباس‬
‫النبات في هذا على الحيوان لجتماعهما في النهي عن ذلببك فببي قببوله عليببه الصببلة‬
‫والسلم "ل ينفر صيدها ول يعضد شجرها" فهذا هو القول في مشببهور مسببائل هببذا‬
‫الجنس‪ ،‬فلنقل في حكم الحالق رأسه قبل محل الحلق‪.‬‬
‫*‪ *4‬القول في فدية الذى وحكم الحالق رأسه قبل محل الحلق‬
‫@‪ -‬وأما فدية الذى فمجمع أيضا عليها لورود الكتاب بذلك والسنة‪.‬‬
‫أما الكتاب فقوله تعالى ‪ -‬فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام‬
‫أو صدقة أو نسك ‪. -‬‬
‫وأما السنة فحديث كعب ابن عجرة الثابت "أنه كان مع رسببول ال ب صببلى ال ب عليببه‬
‫وسلم محرما‪ ،‬فآذاه القمل في رأسه‪ ،‬فأمره رسول ال صلى ال عليه وسببلم أن يحلببق‬
‫رأسه وقال‪ :‬صم ثلثة أيام أو أطعم ستة مساكين مدين لكببل إنسببان‪ ،‬أو انسببك بشبباة‪،‬‬
‫أي ذلك فعلت أجزأ عنك"‬
‫والكلم في هذه الية على من تجب الفدية‪ ،‬وعلى من ل تجب‪ ،‬وإذا وجبت فمببا هببي‬
‫الفدية الواجبة؟ وفي أي شيء تجب الفدية‪ ،‬ولمن تجب ومتى تجب وأين تجببب؟ فأمببا‬
‫على من تجب الفدية‪ ،‬فإن العلماء أجمعوا على أنها واجبة على كببل مببن أمبباط الذى‬
‫من ضرورة لورود النص بذلك‪ ،‬واختلفوا فيمن أمبباطه بغيببر ضببرورة‪ ،‬فقببال مالببك‪:‬‬
‫عليه الفدية المنصوص عليها‪ .‬وقال الشافعي وأبو حنيفة‪ :‬إن حلق دون‬
‫ضرورة فإنما عليه دم فقط‪ ،‬واختلفوا هل من شرط مببن وجبببت عليببه الفديببة بإماطببة‬
‫الذى أن يكون متعمدا أو الناسي في ذلك والمتعمد سواء‪ ،‬فقال مالك‪ :‬العامد في ذلك‬
‫والناسي واحد‪ ،‬وهو قول أبي حنيفة والثوري والليث‪ .‬وقال الشافعي في أحببد قببوليه‪:‬‬
‫وأهل الظاهر ل فدية على الناسي‪ ،‬فمن اشترط في وجوب الفديببة الضببرورة فببدليله‬
‫النص‪ ،‬ومن أوجب ذلك على غير المضببطر فحجتببه أنببه إذا وجبببت علببى المضببطر‬
‫فهي على غير المضطر أوجب‪ ،‬ومن فرق بين العامد والناسي فلتفريببق الشببرع فببي‬
‫ذلك بينهما في مواضع كثيرة‪ ،‬ولعموم قوله تعالى‪- :‬وليس عليكم جناح فيمببا أخطببأتم‬
‫به ولكن ما تعمدت قلوبكم‪ -‬ولعموم قوله عليه الصلة والسلم "رفع عن أمتي الخطأ‬
‫والنسيان" ومن لم يفرق بينهما فقياسا على كثير من العبادات الببتي لببم يفببرق الشببرع‬
‫فيها بين الخطأ والنسيان‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأما ما يجببب فيببه فديببة الذى‪ ،‬فببإن العلمبباء أجمعببوا علببى أنهببا ثلث خصببال علببى‬
‫التخيير‪ :‬الصيام والطعام والنسك لقوله تعالى‪- :‬ففدية من صيام أو صببدقة أو نسببك‪-‬‬
‫والجمهور على أن الطعام هو لستة مساكين‪ ،‬وأن النسك أقله شاة‪ .‬وروي عن أنببس‬
‫وعكرمة ونببافع أنهببم قببالوا‪ :‬الطعببام لعشببرة مسبباكين والصببيام عشببرة أيببام‪ .‬ودليببل‬
‫الجمهور حديث كعب بن عجرة الثابت‪ .‬وأما من قال الصيام عشرة أيام فقياسببا علببى‬
‫صيام التمتع وتسوية الصيام مع الطعام‪ ،‬ولما ورد أيضا في جزاء الصببيد فبي قبوله‬
‫تعالى‪- :‬أو عدل ذلك صياما‪ -‬وأما كم يطعم لكببل مسببكين مببن المسبباكين السببتة الببتي‬
‫ورد فيهببا النببص‪ ،‬فببإن الفقهبباء اختلفببوا فببي ذلببك لختلف الثببار فببي الطعببام فببي‬
‫الكفارات‪ ،‬فقال مالك والشافعي وابو حنيفة وأصحابهم‪ :‬الطعببام فببي ذلببك مببدان بمببد‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم لكل مسكين‪ .‬وروي عن الثوري أنه قال‪ :‬من البببر نصببف‬
‫صاع ومن التمر والزبيب والشعير صاع‪.‬‬
‫وروي أيضا عن أبي حنيفة مثله وهو أصله في الكفارات‪.‬‬
‫وأما ما تجب فيه الفدية‪ ،‬فاتفقوا على أنها تجب على من حلق رأسه لضرورة مرض‬
‫أو حيوان يؤذيه في رأسه‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬المرض أن يكون برأسه قببروح‪ ،‬والذى‪:‬‬
‫القمل وغيره‪ .‬وقال عطاء‪ :‬المرض الصداع‪ ،‬والذى‪ :‬القمل وغيره‪ .‬والجمهور على‬
‫أن كل ما منعه المحرم من لباس الثياب المخيطة وحلق الرأس وقص الظفار أنه إذا‬
‫استباحه فعليه الفدية‪ :‬أي دم على اختلف بينهم في ذلك أو إطعببام‪ ،‬ولببم يفرقببوا بيببن‬
‫الضرر وغيره في هذه الشياء‪ ،‬وكذلك استعمال الطيب‪ .‬وقبال قبوم‪ :‬ليبس فبي قبص‬
‫الظفار شيء‪ .‬وقال قوم فيه دم‪ .‬وحكبى اببن المنبذر أن منبع المحبرم قبص الظفبار‬
‫إجماع‪.‬‬
‫واختلفوا فيمن أخذ بعض أظفاره‪ ،‬فقال الشافعي وأبو ثور‪ :‬إن أخذ ظفرا واحدا أطعم‬
‫مسكينا واحدا‪ ،.‬وإن أخذ ظفرين أطعم مسببكينين‪ ،‬وإن أخببذ ثلثببا فعليببه دم فببي مقببام‬
‫واحد‪ .‬وقال أبو حنيفة في أحد أقببواله‪ :‬ل شببيء عليببه حببتى يقصببها كلهببا‪ .‬وقببال أبببو‬
‫محمد بن حزم‪ :‬يقص المحرم أظفاره وشاربه وهو شذوذ‪ ،‬وعنبده أن ل فديبة إل مبن‬
‫حلق الرأس فقط للعذر الذي ورد فيه النص‪ .‬وأجمعوا على منع حلببق شببعر الببرأس‪،‬‬
‫واختلفوا في حلق الشعر من سائر الجسد‪ ،‬فالجمهور على أن فيه الفديببة‪ .‬وقببال داود‪:‬‬
‫ل فدية فيه‪ .‬واختلفوا فيمن نتف مببن رأسببه الشببعرة والشببعرتين أو مببن لحمببه‪ ،‬فقببال‬
‫مالك‪ :‬ليس على من نتف الشعر اليسير شيء إل أن يكون أماط به أذى فعليه الفديببة‪.‬‬
‫وقال الحسن‪ :‬في الشعرة مد وفي الشعرتين مدين‪ ،‬وفي الثلثة دم‪ ،‬وبه قال الشببافعي‬
‫وأبو ثور‪ .‬وقال عبد الملك صاحب مالك‪ :‬فيما قل من الشعر إطعام وفيما كببثر فديببة‪.‬‬
‫فمن فهم من منع المحرم حلق الشعر أنه عبادة سوى بين القليبل والكبثير‪ ،‬لن القليبل‬
‫ليس في إزالته زوال أذى‪.‬‬
‫أما موضع الفدية فاختلفوا فيه‪ ،‬فقبال مالبك‪ :‬يفعبل مبن ذلبك مبا شباء أيبن شباء بمكبة‬
‫وبغيرها وإن شاء ببلده‪ ،‬وسواء عنده في ذلك ذبح النسببك والطعببام والصببيام‪ ،‬وهببو‬
‫قول مجاهد والذي عند مالك ههنبا هبو نسبك وليبس بهبدي‪ .‬فبإن الهبدي ل يكبون إل‬
‫بمكة أو بمنى‪ .‬وقال أبو حنيفة والشافعي‪ :‬الدم والطعام ل يجزيان إل بمكة والصوم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫حيث شاء‪ .‬وقال ابن العباس‪ :‬مببا كببان مببن دم فبمكببة‪ ،‬ومببا كببان مببن إطعببام وصببيام‬
‫فحيث شاء‪ ،‬وعن أبي حنيفة مثله‪ .‬ولم يختلف قول الشافعي أن دم الطعام ل يجببزئ‬
‫إل لمساكين الحرم‪.‬‬
‫وسبب الخلف استعمال قياس دم النسك على الهدي‪ ،‬فمن قاسبه علبى الهبدي أوجبب‬
‫فيه شروط الهدي من الذبح في المكان المخصوص به وفي مساكين الحرم‪ ،‬وإن كان‬
‫مالك يرى أن الهدي يجوز إطعامه لغير مساكين الحرم‪ ،‬والذي يجمع النسك والهببدي‬
‫هو أن المقصود بهمبا منفعبة المسباكين المجباورين لببيت الب‪ ،‬والمخبالف يقبول‪ :‬إن‬
‫الشرع لما فرق بين اسمهما فسمى أحدهما نسكا وسمى الخر هببديا وجببب أن يكببون‬
‫حكمهما مختلفا‪ .‬وأما الوقت فالجمهور على أن هذه الكفببارة ل تكببون إل بعببد إماطببة‬
‫الذى‪ ،‬ول يبعد أن يدخله الخلف قياسببا علببى كفببارة اليمببان‪ ،‬فهببذا هببو القببول فببي‬
‫كفارة إماطة الذى‪ .‬واختلفوا في حلق الرأس هل هو مببن مناسببك الحببج أو هببو ممببا‬
‫يتحلل به منه؟ ول خلف بين الجمهور في أنه من أعمال الحببج‪ ،‬وأن الحلببق أفضببل‬
‫من التقصير لما ثبت من حديث ابن عمر أن رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم قببال‬
‫"اللهم ارحم المحلقين‪ ،‬قالوا‪ :‬والمقصرين يا رسول ال‪ ،‬قبال‪ :‬اللهبم ارحبم المحلقيبن‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬والمقصرين يا رسول ال‪ ،‬قال‪ :‬اللهببم ارحببم المحلقيببن‪ ،‬قببالوا‪ :‬والمقصببرين يببا‬
‫رسول ال‪ ،‬قال‪ :‬والمقصرين" وأجمع العلماء علببى أن النسبباء ل يحلقببن وأن سببنتهن‬
‫التقصير‪ .‬واختلفوا هل هو نسك يجب على الحاج والمعتمر أول؟ فقال مالك‪ :‬الحلق‬
‫نسك للحاج وللمعتمر وهببو أفضببل مببن التقصببير‪ ،‬ويجببب علببى كببل مببن فبباته الحببج‬
‫وأحصر بعدو أو بمرض أو بعذر وهو قول جماعة الفقهبباء إل فببي المحصببر بعببدو‪،‬‬
‫فإن أبببا حنيفببة قببال‪ :‬ليببس عليببه حلق ول تقصببير‪ .‬وبالجملببة فمببن جعببل الحلق أو‬
‫التقصير نسكا أوجب في تركه الدم‪ ،‬ومن لم يجعله من النسك لم يوجب فيه شيئا‪.‬‬
‫*‪ *4‬القول في كفارة المتمتع‬
‫@‪ -‬وأما كفارة المتمتع التي نص ال عليها فبي قبوله سببحانه ‪ -‬فمبن تمتبع ببالعمرة‬
‫إلى الحج فما استيسر من الهدي ‪ -‬الية‪ ،‬فببإنه ل خلف فببي وجوبهببا‪ ،‬وإنمببا الخلف‬
‫في المتمتع من هو؟ وقد تقدم ما في ذلك من الخلف والقول فببي هببذه الكفببارة أيضببا‬
‫يرجع إلى تلك الجناس بعينها على من تجب؟ وما الواجب فيها؟ ومتى تجببب ولمببن‬
‫تجب وفببي أي مكببان تجببب؟ فأمببا علببى مببن تجببب فعلببى المتمتببع باتفبباق‪ ،‬وقببد تقببدم‬
‫الخلف في المتمتع من هو‪ .‬وأما اختلفهم فبي البواجب‪ ،‬فبإن الجمهبور مبن العلمباء‬
‫على أن ما استيسر من الهدي هو شاة‪ ،‬واحتج مالك في أن اسم الهدي قد ينطلق على‬
‫الشاة بقوله تعالى في جزاء الصبيد ‪ -‬هبدايا ببالغ الكعببة ‪ -‬ومعلبوم بالجمباع أنبه قبد‬
‫يجب في جزاء الصيد‬
‫شاة‪ ،‬وذهب ابن عمر إلى أن اسم الهدي ل ينطلق إل على البل والبقببر‪ ،‬وأن معنببى‬
‫قوله تعالى ‪ -‬فما استيسر من الهدي ‪ -‬أي بقرة أدون من بقرة‪ ،‬وبدنة أدون من بدنببة‪.‬‬
‫وأجمعببوا أن هببذه الكفببارة علببى الببترتيب‪ ،‬وأن مببن لببم يجببد الهببدي فعليببه الصببيام‪.‬‬
‫واختلفوا من حد الزمان الذي ينتقل بانقضائه فرضببه مببن الهببدي إلببى الصببيام‪ ،‬فقببال‬
‫مالك‪ :‬إذا شرع في الصوم فقد انتقل واجبببه إلببى الصببوم وإن وجببد الهببدي فببي أثنبباء‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الصوم‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬إن وجد الهدي في صوم الثلثة اليام لزمه‪ ،‬وإن وجده فببي‬
‫صوم السبعة لم يلزمه‪ ،‬وهذه المسئلة نظير مسئلة مببن طلببع عليببه المباء فبي الصبلة‬
‫وهو متيمم‪ .‬وسبب الخلف هو هل مبا هبو شبرط فبي ابتبداء العبببادة هببو شببرط فبي‬
‫استمرارها‪ .‬وإنما فرق أبو حنيفة بين الثلثة والسبببعة‪ ،‬لن الثلثببة اليببام هببي عنببده‬
‫بدل من الهدي والسبعة ليست ببدل‪ ،‬وأجمعببوا علببى أنببه إذا صببام الثلثببة اليببام فببي‬
‫العشر الول من ذي الحجة أنه قد أتى بها في محلهببا لقببوله سبببحانه ‪ -‬فصببيام ثلثببة‬
‫أيام في الحج ‪ -‬ول خلف أن العشر الول من أيام الحج‪ .‬واختلفوا فيمن صامها فببي‬
‫أيام عمل العمرة قبل أن يهل بالحج أو صامها في أيام منى‪ ،‬فأجاز مالك صيامها فببي‬
‫أيام منى ومنعه أبو حنيفة وقال‪ :‬إذا فاتته اليام الولى وجب الهدي في ذمتببه ومنعببه‬
‫مالك قبل الشروع في عمل الحج وأجازه أبو حنيفة‪ .‬وسبب الخلف هل ينطلببق اسببم‬
‫الحج على هذه اليام المختلف فيها أم ل؟ وإن انطلببق فهببل مببن شببرط الكفببارة أن ل‬
‫تجزئ إل بعد وقوع موجبها‪ ،‬فمن‬
‫قال‪ :‬ل تجزئ كفارة إل بعد وقوع موجبها قال‪ :‬ل يجزي الصوم إل بعد الشروع في‬
‫الحج‪ ،‬ومن قاسها على كفارة اليمان قال‪ :‬يجزي‪.‬‬
‫واتفقوا أنه إذا صام السبعة اليام في أهله أجببزأه‪ ،‬واختلفببوا إذا صببامها فببي الطريببق‬
‫فقال مالك‪ :‬يجزي الصوم‪ ،‬وقال الشافعي‪ :‬ل يجزي‪ .‬وسبب الخلف الحتمببال الببذي‬
‫في قوله سبحانه ‪ -‬إذا رجعتم ‪ -‬فإن اسم الراجع ينطلق على مببن فبرغ مببن الرجبوع‪،‬‬
‫وعلى من هو في الرجوع نفسه‪ ،‬فهذه هي الكفارة التي ثبتت بالسمع وهي من المتفق‬
‫عليها‪ ،‬ول خلف أن من فاته الحج بعد أن شببرع فيببه إمببا بفببوت ركببن مببن أركببانه‪،‬‬
‫وإما من قبل غلطه في الزمان‪ ،‬أو من قبل جهله أو نسببيانه أو إتيببانه فببي الحببج فعل‬
‫مفسدا له‪ ،‬فإن عليه القضاء إذا كان حجا واجبا وهل عليه هدي مع القضاء؟ واختلفوا‬
‫فيه‪ ،‬وإن كان تطوعا فهل عليه قضبباء أم ل؟ الخلف فببي ذلببك كلببه‪ ،‬لكببن الجمهببور‬
‫على أن عليه الهدي لكون النقصان الداخل عليه مشببعرا بوجببوب الهببدي‪ .‬وشببذ قببوم‬
‫فقالوا‪ :‬ل هدي أصل ول قضبباء إل أن يكببون فببي حببج واجببب‪ ،‬وممببا يخببص الحببج‬
‫الفاسد عند الجمهور دون سائر العبادات أنه يمضي فيه المفسد له ول يقطعببه وعليببه‬
‫دم‪ .‬وشذ قببوم فقببالوا‪ :‬هببو كسببائر العبببادات‪ ،‬وعمببدة الجمهببور ظبباهر قببوله تعببالى ‪-‬‬
‫وأتموا الحج والعمرة ل ‪ -‬فالجمهور عمموا والمخالفون خصصوا قياسا على غيرهبا‬
‫مببن العبببادات إذا وردت عليهببا المفسببدات‪ ،‬واتفقببوا علببى أن المفسببد للحببج إمببا مببن‬
‫الفعال المأمور بها فترك الركان التي هي شرط في صحته على اختلفهم فيما هببو‬
‫ركن مما ليس بركن‪ .‬وأما من التروك المنهي عنها فالجماع‪ ،‬وإن كانوا اختلفببوا فببي‬
‫الوقت الذي إذا وقع فيه الجماع كان مفسدا للحج‪ .‬فأما إجمبباعهم علببى إفسبباد الجمبباع‬
‫للحج فلقوله تعالى ‪ -‬فمن فرض فيهن الحج فل رفث ول فسوق ول جدال في الحج ‪-‬‬
‫واتفقوا على أن من وطئ قبل الوقوف بعرفة فقد أفسد حجه‪ ،‬وكببذلك مببن وطببئ مببن‬
‫المعتمرين قبل أن يطبوف ويسببعى‪ .‬واختلفببوا فبي فسبباد الحبج ببالوطء بعببد الوقببوف‬
‫بعرفة وقبل رمي جمرة العقبة وبعد رمي الجمببرة وقبببل طببواف الفاضببة الببذي هببو‬
‫الواجب‪ ،‬فقال مالك‪ :‬من وطئ قبل رمي جمرة العقبببة فقببد فسببد حجببه وعليببه الهببدي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والقضاء‪ ،‬وبه قال الشافعي‪ .‬وقال أبو حنيفة والثوري‪ :‬عليه الهدي بدنببة وحجببه تببام‪.‬‬
‫وقد روي مثل هذا عن مالك‪ .‬وقال مالك‪ :‬مببن وطببئ بعببد رمببي جمببرة العقبببة وقبببل‬
‫طواف الفاضة فحجه تام‪ ،‬وبقول مالك في أن الوطء قبببل طببواف الفاضببة ل يفسببد‬
‫الحج قال الجمهور‪ :‬ويلزمه عندهم الهدي‪.‬‬
‫وقالت طائفة‪ :‬من وطئ قبل طواف الفاضة فسد حجه‪ ،‬وهو قول ابن عمببر‪ .‬وسبببب‬
‫الخلف أن للحج تحلل يشبه السلم في الصببلة وهببو التحلببل الكبببر وهببو الفاضببة‬
‫وتحلل أصغر‪ ،‬وهل يشترط في إباحة الجماع تحللن أو أحدهما؟‬
‫ول خلف بينهم أن التحلل الصغر الذي هو رمي الجمببرة يببوم النحببر أنببه يحببل بببه‬
‫الحاج من كل شيء حرم عليه بالحج إل النساء والطيب والصيد‪ ،‬فإنهم اختلفببوا فيببه‪،‬‬
‫والمشهور عن مالك أنه يحل له كل شيء إل النساء والطيببب‪ ،‬وقيببل عنببه إل النسبباء‬
‫والطيب والصيد‪ ،‬لن الظاهر من قوله ‪ -‬وإذا حللتم فاصطادوا ‪ -‬أنه التحلببل الكبببر‪.‬‬
‫واتفقوا على أن المعتمر يحل من عمرته إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمببروة‬
‫وإن لم يكن حلق ول قصر لثبوت الثبار فبي ذلبك إل خلفبا شباذا‪ .‬وروي عبن ابببن‬
‫عباس أنه يحل بالطواف‪ .‬وقال أبو حنيفببة‪ :‬ل يحبل إل بعببد الحلق‪ ،‬وإن جبامع قبلبه‬
‫فسدت عمرته‪ .‬واختلفوا في صفة الجماع الذي يفسد الحج وفببي مقببدماته‪ ،‬فببالجمهور‬
‫على أن التقاء الختانين يفسد الحج‪ ،‬ويحتمل من يشترط فببي وجببوب الطهببر النببزال‬
‫مع التقاء الختانين أن يشترطه في الحج‪ .‬واختلفوا في إنزال المبباء فيمببا دون الفببرج‪،‬‬
‫فقال أبو حنيفة‪ :‬ل يفسد الحج إل النزال في الفرج‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬مببا يببوجب الحببد‬
‫يفسد الحج‪ .‬وقببال مالببك‪ :‬النببزال نفسببه يفسببد الحببج‪ ،‬وكببذلك مقببدماته مببن المباشببرة‬
‫والقبلة‪ .‬واستحب الشافعي فيمن جببامع دون الفببرج أن يهببدي‪ .‬واختلفببوا فيمببن وطببئ‬
‫مرارا‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ليس عليه إل هدي واحد‪ .‬وقببال أبببو حنيفببة‪ :‬إن كببرر الببوطء فببي‬
‫مجلس واحد كان عليه هدي واحد‪ ،‬وإن كرره في مجالس كان عليه لكل وطء هببدي‪.‬‬
‫وقال محمد بن الحسن‪ :‬يجزيه هدي واحد‪ ،‬وإن كرر الوطء ما لم يهببد لببوطئه الول‪.‬‬
‫وعن الشافعي الثلثة القوال‪ ،‬إل أن الشببهر عنببه مثببل قببول مالببك‪ .‬واختلفببوا فيمببن‬
‫وطئ ناسيا‪ ،‬فسوى مالك في ذلك بين العمد والنسببيان‪ .‬وقببال الشببافعي فببي الجديببد ل‬
‫كفارة عليه‪ .‬واختلفوا هل على المرأة هببدي؟ فقببال مالببك‪ :‬إن طبباوعته فعليهببا هببدي‪،‬‬
‫وإن أكرهها فعليه هديان‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬ليس عليه إل هدي واحد كقوله في المجامع‬
‫فببي رمضببان وجمهببور العلمبباء علببى أنهمببا إذا حجببا مببن قابببل تفرقببا أعنببي الرجببل‬
‫والمببرأة‪ ،‬وقيببل ل يفترقببان‪ ،‬والقببول بببأن ل يفترقببا مببروي عببن بعببض الصببحابة‬
‫والتابعين‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة‪ .‬واختلف قول مالك والشافعي مببن أيببن يفترقببان؟ فقببال‬
‫الشافعي‪ :‬يفترقان من حيث أفسدا الحج‪ ،‬وقال مالك‪ :‬يفترقان من حيث أحرما‪ ،‬إل أن‬
‫يكونا حرما قبل الميقببات‪ ،‬فمبن أخبذهما بببالفتراق فسببدا للذريعببة وعقوببة‪ ،‬ومببن لبم‬
‫يؤاخذهما به فجريا على الصل‪ ،‬وأنه ل يثبت حكم في هذا الباب إل بسماع‪.‬‬
‫واختلفوا في الهدي الواجب في الجماع ما هببو؟ فقببال مالببك وأبببو حنيفببة‪ :‬هببو شبباة‪،‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬ليجزئه إل بدنة‪ ،‬وإن لم يجبد قبومت البدنبة دراهبم وقبومت البدراهم‬
‫طعاما‪ ،‬فإن لم يجد صام عن كل مد يوما‪ ،‬قال‪ :‬والطعام والهدي ل يجبزى إل بمكبة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أو بمنى والصوم حيث شاء‪ .‬وقال مالك‪ :‬كل نقص دخل الحببرام مببن وطببء أو حلببق‬
‫شعر أو إحصار فإن صاحبه إن لم يجد الهدي صام ثلثببة أيببام فببي الحببج وسبببعة إذا‬
‫رجع‪ ،‬ول يدخل الطعام فيه‪ ،‬فمالك شبببه الببدم اللزم ههنببا بببدم المتمتببع‪ ،‬والشببافعي‬
‫شبهه بالدم الواجب بالفدية‪ ،‬والطعام عند مالك ل يكون إل في كفارة الصيد وكفببارة‬
‫إزالة الذى‪ ،‬والشافعي يرى أن الصيام والطعام قد وقعا بدل لدم في موضعين‪ ،‬ولم‬
‫يقع بدلهما إل في موضع واحد‪ ،‬فقياس المسكوت عنه على المنطوق به فببي الطعببام‬
‫أولى‪ ،‬فهذا ما يخص الفساد بالجماع‪.‬‬
‫وأما الفساد بفوات الوقت‪ ،‬وهببو أن يفببوته الوقببوف بعرفببة يببوم عرفببة‪ ،‬فببإن العلمبباء‬
‫أجمعوا أن من هذه صفته ل يخببرج مببن إحرامببه إل بببالطواف بببالبيت والسببعي بيببن‬
‫الصفا والمروة‪ ،‬أعني أنه يحل ولبد بعمرة‪ ،‬وأن عليه حج قابل‪ .‬واختلفوا هببل عليببه‬
‫هدي أم ل؟ فقال مالك والشافعي وأحمد والثوري وأبو ثور‪ :‬عليببه الهببدي‪ ،‬وعمببدتهم‬
‫إجماعهم على أن من حبسه مرض حتى فاته الحج أن عليه الهدي‪ .‬وقال أبببو حنيفببة‪:‬‬
‫يتحلل بعمرة ويحج من قابل ول هدي عليه‪ .‬وحجة الكببوفيين أن الصببل فببي الهببدي‬
‫إنما هو بدل من القضاء‪ ،‬فإذا كان القضاء فل هدي إل ما خصصه الجماع‪.‬‬
‫واختلف مالك والشافعي وأبو حنيفة فيمببن فبباته الحببج وكببان قارنببا هببل يقضببي حجبا‬
‫مفردا أو مقرونا بعمرة؟ فذهب مالك والشافعي إلى أنه يقضي قارنا لنه إنما يقضببي‬
‫مثل الذي عليه‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ليس عليه إل الفراد لنببه قببد طبباف لعمرتببه فليببس‬
‫يقضي إل ما فاته‪ .‬وجمهور العلماء على أن من فاته الحج أنه ل يقيببم علببى إحرامببه‬
‫ذلك إلى عام آخر وهذا هو الختيار عند مالك‪ ،‬إل أنه أجاز ذلك ليسببقط عنببه الهببدي‬
‫ول يحتاج أن يتحلل بعمرة‪.‬‬
‫وأصل اختلفهم في هذه المسئلة اختلفهم فيمن أحرم بالحببج فببي غيببر أشببهر الحببج‪،‬‬
‫فمن لم يجعله محرما لم يجز للذي فاته الحج أن يبقببى محرمببا إلببى عببام آخببر‪ ،‬ومببن‬
‫أجاز الحرام في غير أيام الحج أجاز له البقباء محرمبا‪ ،‬قبال القاضبي‪ :‬فقبد قلنبا فبي‬
‫الكفارات الواجبة بالنص في الحج وفي صفة القضاء في الحج الفببائت والفاسببد وفببي‬
‫صفة إحلل من فاته الحج‪ ،‬وقلنا قبل ذلك في الكفارات المنصوص عليها‪ ،‬وما ألحق‬
‫الفقهاء بذلك من كفارة المفسد حجه‪ ،‬وبقي أن نقول في الكفببارات الببتي اختلفببوا فيهببا‬
‫ترك نسك منها من مناسك الحج مما لم ينص عليه‪.‬‬
‫*‪ *4‬القول في الكفارات المسكوت عنها‬
‫@‪ -‬فنقول‪ :‬إن الجمهور اتفقوا على أن النسك ضربان‪ :‬نسك هو سنة موكببدة ونسببك‬
‫هو مرغب فيه‪ .‬فالذي هو سنة يجب على تاركه الدم لنه حج نبباقص أصببله المتمتببع‬
‫والقارن‪ .‬وروي عن ابن عباس أنه قال‪ :‬من فاته من نسكه شيء فعليه دم‪ ،‬وأما الذي‬
‫هو نفل فلم يروا فيه دما‪ ،‬ولكنهم اختلفوا اختلفا كثيرا في ترك نسك نسك هل فيه دم‬
‫أم ل؟ وذلك لختلفهم فيه هل هو سنة أو نفل؟ وأما ما كان فرضا فل خلف عندهم‬
‫أنه ل يجبر بالدم‪ ،‬وإنما يختلفون في الفعل الواحد نفسببه مببن قبببل اختلفهببم هببل هببو‬
‫فببرض أم ل؟ وأمببا أهببل الظبباهر فببإنهم ل يببرون دمببا إل حيببث ورد النببص لببتركهم‬
‫القياس وبخاصة في العبادات‪ ،‬وكذلك اتفقوا علببى أن مببا كببان مببن المببتروك مسببنونا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ففعل ففيه فدية الذى‪ ،‬وما كان مرغبا فيه فليس فيه شببيء‪ .‬واختلفببوا فببي تببرك فعببل‬
‫لختلفهم هل هو سببنة أم ل؟ وأهببل الظبباهر ل يوجبببون الفديببة إل فببي المنصببوص‬
‫عليه ونحن نذكر المشهور من اختلف الفقهاء في ترك نسك نسك‪ ،‬أعني في وجوب‬
‫الدم أو ل وجوبه من أول المناسك إلى آخرها‪ ،‬وكببذلك فببي فعببل محظببور محظببور‪،‬‬
‫فأول ما اختلفوا فيه من المناسك من جاوز الميقات فلم يحرم هل عليه دم؟ فقال قببوم‪:‬‬
‫ل دم عليه‪ .‬وقال قوم‪ :‬عليه الدم وإن رجع‪ ،‬وهببو قببول مالببك وابببن المبببارك‪ .‬وروي‬
‫عن الثوري‪ .‬وقال قوم‪ :‬إن رجع إليه فليس عليببه دم‪ ،‬وإن لببم يرجببع فعليببه دم‪ ،‬وهببو‬
‫قول الشافعي وأبي يوسف ومحمد ومشهور قول الثوري‪ .‬وقال أبو حنيفببة‪ :‬إن رجببع‬
‫ملبيا فل دم عليه‪ ،‬وإن رجع غير ملببب كببان عليببه الببدم‪ .‬وقببال قببوم‪ :‬هببو فببرض ول‬
‫يجبره بالدم‪ .‬واختلفوا فيمن غسل رأسه بببالخطمى‪ .‬فقببال مالببك وأبببو حنيفببة‪ :‬يفتببدى‪.‬‬
‫وقال الثوري وغيره‪ :‬ل شيء عليه‪.‬‬
‫ورأى مالك أن في الحمام الفدية‪ ،‬وأباحه الكثرون وروي عن ابن عباس من طريق‬
‫ثابت دخوله‪ ،‬والجمهور على أنه يفتدى من لبس من المحرمين مببا نهببي عببن لباسببه‪.‬‬
‫واختلفوا إذا لبس السببراويل لعبدم الزار هببل يفتببدى أم ل؟ فقببال مالبك وأبببو حنيفببة‪:‬‬
‫يفتدى‪ ،‬وقال الثوري وأحمد وأبو ثور وداود‪ :‬ل شيء عليه إذا لم يجد إزارا‪ .‬وعمببدة‬
‫من منع النهي المطلق وعمدة من لم ير فيه فدية حديث عمببرو بببن دينببار عببن جببابر‬
‫وابن عباس قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول "السراويل لمن لم يجد‬
‫الزار والخف لمن لم يجد النعلين" واختلفوا فيمن لبس الخفين مقطوعين مببع وجببود‬
‫النعليببن‪ ،‬فقببال مالببك‪ :‬عليببه الفديببة‪ ،‬وقببال أبببو حنيفببة‪ :‬ل فديببة عليببه‪ ،‬والقببولن عببن‬
‫الشافعي‪.‬‬
‫واختلفوا في لبببس المببرأة القفببازين هببل فيببه فديببة أم ل؟ وقببد ذكرنببا كببثيرا مببن هببذه‬
‫الحكام في باب الحرام‪ ،‬وكذلك اختلفوا فيمن تببرك التلبيببة هببل عليببه دم أم ل؟ وقببد‬
‫تقدم‪ .‬واتفقوا على أن من نكس الطواف أو نسي شوطا من أشواطه أنه يعيببده مببا دام‬
‫بمكة‪ .‬واختلفوا إذا بلغ إلى أهله‪ ،‬فقال قوم منهم أبو حنيفة‪ :‬يجزيه الدم‪ ،‬وقال قوم‪ :‬بل‬
‫يعيد ويجبر ما نقصه ول يجزيه الدم‪ .‬وكذلك اختلفوا في وجوب الدم علببى مببن تببرك‬
‫الرمل في الثلثة الشواط‪ ،‬وبالوجوب قال ابن عباس والشافعي وأبببو حنيفببة وأحمببد‬
‫وأبو ثور‪ .‬واختلف في ذلك قببول مالببك وأصببحابه‪ .‬والخلف فببي هببذه الشببياء كلهببا‬
‫مبناه على أنه هل هو سنة أم ل؟ وقد تقدم القول في ذلك‪ .‬وتقبيل الحجر أو تقبيل يببده‬
‫بعد وضعها عليه إذا لم يصل الحجر عند كل من لم يوجب الببدم قياسببا علببى المتمتببع‬
‫إذا تركه فيه دم‪ .‬وكذلك اختلفوا فيمن نسي ركعتي الطواف حتى رجع إلببى بلببده هببل‬
‫عليه دم أم ل؟ فقال مالك‪ :‬عليه دم‪ .‬وقال الثوري‪ :‬يركعهما ما دام فببي الحببرم‪ .‬وقببال‬
‫الشافعي وأبو حنيفة‪ :‬يركعهما حيث شاء‪ ،‬والذين قالوا فببي طببواف الببوداع إنببه ليببس‬
‫بفرض اختلفوا فيمن تركه ولم تتمكن له العودة إليه هببل عليببه دم أم ل؟ فقببال مالببك‪:‬‬
‫ليس عليه شيء إل أن يكون قريبا فيعود‪ .‬وقال أبو حنيفببة والثببوري‪ :‬عليببه دم إن لببم‬
‫يعد‪ ،‬وإنما يرجع عندهم ما لم يبلغ المواقيت‪ ،‬وحجة من لم يبره سبنة مؤكبدة سبقوطه‬
‫عن المكي والحائض‪ .‬وعند أبي حنيفة أنه إذا لم يدخل الحجر في الطواف أعاد ما لم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يخرج من مكة‪ ،‬فإن خرج فعليه دم‪ .‬واختلفوا هل من شببرط صببحة الطببواف المشببي‬
‫فيه مع القدرة عليه؟ فقال مالك‪ :‬هو من شرطه كالقيام فببي الصببلة‪ ،‬فببإن عجببز كببان‬
‫كصلة القاعد ويعيد عنده أبدا‪ .‬إل إذا رجع إلى بلده فببإن عليببه دمببا‪ .‬وقبال الشببافعي‪:‬‬
‫الركوب في الطواف جائز "لن النبي صلى ال عليه وسلم طبباف بببالبيت راكبببا مببن‬
‫غير مرض" ولكنه أحب أن يستشرف الناس إليه‪ ،‬ومن لم ير السعي واجبا فعليه فيه‬
‫دم إذا انصرف إلى بلده‪ .‬ومن رآه تطوعبا لبم يبوجب فيبه شبيئا‪ ،‬وقبد تقبدم اختلفهبم‬
‫أيضا فيمن قدم السعي على الطواف هل فيه دم إذا لببم يعببد حببتى يخببرج مببن مكببة أم‬
‫ليس فيه دم؟‬
‫واختلفوا في وجوب الدم على من دفع من عرفة قبل الغروب فقال الشببافعي وأحمببد‪:‬‬
‫إن عاد فدفع بعد غروب الشمس فل دم عليه‪ ،‬وإن لم يرجع حتى طلببع الفجببر وجببب‬
‫عليه الدم‪ .‬وقال أبو حنيفة والثوري‪ :‬عليببه الببدم رجببع أو لببم يرجببع‪ ،‬وقببد تقببدم هببذا‪.‬‬
‫واختلفوا فيمن وقف من عرفة بعرنة‪ ،‬فقال الشافعي‪ :‬ل حج له‪ ،‬وقال مالك‪ :‬عليه دم‪.‬‬
‫وسبب الختلف هل النهي عن الوقوف بها من باب الحظببر أو مببن ببباب الكراهيببة‪،‬‬
‫وقد ذكرنا في باب أفعال الحج إلى انقضائها كثيرا مببن اختلفهببم فيمببا تركببه دم ومببا‬
‫ليس فيه دم‪ ،‬وإن كان الترتيب يقتضي ذكره في هذا الموضع‪ ،‬والسهل ذكره هنالك‪.‬‬
‫قال القاضي‪ :‬فقد قلنا في وجوب هذه العبادة وعلى من تجب؟ وشروط وجوبها ومتى‬
‫تجب؟ وهي التي تجري مجرى المقدمات لمعرفببة هببذه العبببادة‪ ،‬وقلنببا بعببد ذلببك فببي‬
‫زمان هذه العبادة ومكانها ومحظوراتها وما اشتملت عليه أيضا من الفعال في مكان‬
‫مكان من أماكنها وزمان زمان من أزمنتها الجزئية إلى انقضاء زمانها‪ ،‬ثببم قلنببا فببي‬
‫أحكام التحلل الواقع في هذه العبادة‪ ،‬وما يقبل مببن ذلببك الصببلح بالكفببارات ومببا ل‬
‫يقبل الصلح بل يوجب العادة‪ ،‬وقلنا أيضا في حكم العادة بحسب موجباتها‪ .‬وفي‬
‫هذا الباب يدخل من شرع فيها فأحصر بمرض أو عدو أو غير ذلك‪.‬‬
‫والذي بقي من أفعبال هببذه العبببادة هبو القبول فببي الهببدي‪ ،‬وذلبك أن هبذا النبوع مببن‬
‫العبادات هو جزء من هذه العبادة‪ ،‬وهو مما ينبغي أن يفرد بالنظر فلنقل فيه‪:‬‬
‫*‪ *4‬القول في الهدي‬
‫@‪ -‬فنقول‪ :‬إن النظر في الهبدي يشبتمل علبى معرفبة وجبوبه وعلبى معرفبة جنسبه‬
‫وعلى معرفة سنه وكيفية سوقه ومن أين يساق وإلى أين ينتهي بسوقه‪ ،‬وهو موضببع‬
‫نحره وحكم لحمه بعد النحر‪ ،‬فنقول‪ :‬إنهم قد أجمعوا على أن الهدي المسوق في هببذه‬
‫العبادة منه واجب ومنه تطوع؛ فببالواجب منببه مببا هببو واجببب بالنببذر‪ ،‬ومنببه مببا هببو‬
‫واجب في بعض أنواع هذه العبببادة‪ ،‬ومنبه مبا هبو واجبب لنبه كفبارة‪ .‬فأمبا مبا هببو‬
‫واجب في بعض أنواع هذه العبادة فهو هدي المتمتع باتفاق وهدي القارن ببباختلف‪.‬‬
‫وأما الذي هو كفارة فهدي القضاء على مذهب من يشترط فيه الهبدي‪ ،‬وهبدي كفبارة‬
‫الصيد‪ ،‬وهدي إلقاء الذى والتفث وما أشبه ذلك مببن الهببدي الببذي قاسببه الفقهبباء فببي‬
‫الخلل بنسبك نسبك منهبا علبى المنصبوص عليبه‪ .‬فأمبا جنبس الهبدي فبإن العلمباء‬
‫متفقون على أنه ل يكون الهدي إل من الزواج الثمانيببة الببتي نببص الب عليهببا‪ ،‬وأن‬
‫الفضل في الهدايا هي البل ثم البقر ثم الغنم ثم المعز‪ ،‬وإنما اختلفببوا فببي الضببحايا‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأما السنان فإنهم أجمعوا أن الثني فما فوقه يجزي منها‪ ،‬وأنه ل يجزي الجببذع مببن‬
‫المعز في الضحايا والهدايا لقوله عليه الصلة والسلم لبي بببردة "تجببزي عنببك ول‬
‫تجزي عن أحد بعدك" واختلفببوا فببي الجببذع مببن الضببأن‪ ،‬فببأكثر أهببل العلببم يقولببون‬
‫بجوازه في الهدايا والضحايا‪ .‬وكان ابن عمر يقول‪ :‬ل يجزي في الهدايا إل الثني من‬
‫كل جنس‪ ،‬ول خلف في أن الغلى ثمنا من الهدايا أفضل‪ .‬وكان الزبير يقول لبنيببه‪:‬‬
‫يا بني ل يهدين أحدكم ل من الهدي شيئا يسببتحي أن يهببديه لكريمببه‪ ،‬فببإن الب أكببرم‬
‫الكرماء وأحق من اختير له‪ ،‬وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم "في الرقبباب وقببد‬
‫قيل له أيها أفضل فقال‪ :‬أغلها ثمنا وأنفسها عند أهلها" وليببس فببي عببدد الهببدي حببد‬
‫معلوم‪ ،‬وكان هدي رسول ال صلى ال عليه وسلم مائة‪ .‬وأما كيفية سوق الهدي فهو‬
‫التقليد والشعار بأنه هدي "لن رسول ال صلى ال عليه وسلم خرج عام الحديبيببة‪،‬‬
‫فلما كان بذي الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم" وإذا كان الهدي من البل والبقر فل‬
‫خلف أنه يقلد نعل أو نعلين أو ما أشبه ذلك لمن لم يجد النعال‪.‬‬
‫واختلفوا في تقليد الغنم‪ ،‬فقال مالك وأبو حنيفة‪ :‬ل تقلد الغنببم‪ .‬وقببال الشببافعي وأحمببد‬
‫وأبو ثور وداود‪ :‬تقلد لحديث العمش عن إبراهيم عن السود عن عائشة "أن النبببي‬
‫صلى ال عليه وسلم أهدى إلى البيت مرة غنما فقلده" واسببتحبوا تببوجيهه إلببى القبلببة‬
‫في حين تقليده‪ ،‬واستحب مالك الشعار من الجانب اليسببر لمببا رواه عببن نببافع عببن‬
‫ابن عمر أنه كان إذا أهدى هديا من المدينة قلببده وأشببعره بببذي الحليفببة قلببده قبببل أن‬
‫يشعره‪ ،‬وذلك فببي مكبان واحبد وهبو مببوجه للقبلببة يقلبده بنعليبن ويشبعره مببن الشببق‬
‫اليسر‪ ،‬ثم يساق معه حتى يوقف به مع الناس بعرفة‪ ،‬ثبم يبدفع ببه معهبم إذا دفعبوا‪،‬‬
‫وإذا قدم منى غداة النحر نحره قبل أن يحلق أو يقصبر‪ ،‬وكببان هبو ينحبر هبديه بيبده‬
‫يصفهن قياما ويوجههن للقبلة ثم يأكل ويطعم‪ .‬واسببتحب الشببافعي وأحمببد وأبببو ثببور‬
‫الشعار من الجانب اليمن لحديث ابن عباس "أن رسول ال صببلى ال ب عليببه وسببلم‬
‫صلى الظهر بذي الحليفة‪ ،‬ثم دعا ببدنه فأشعرها من صفحة سنامها اليمببن ثببم سببلت‬
‫الدم عنها وقلدها بنعلين ثم ركب راحلته‪ ،‬فلما استوت على البيداء أهل بالحببج" وأمببا‬
‫من أين يساق الهدي؟ فإن مالكا يرى أن من سنته أن يساق مببن الحببل‪ ،‬ولببذلك ذهببب‬
‫إلى أن من اشترى الهدي بمكة ولم يدخله من الحل أن عليه أن يقفببه بعرفببة‪ ،‬وإن لببم‬
‫يفعل فعليه البدل‪ .‬وأما إن كان أدخله من الحل فيستحب له أن يقفه بعرفة‪ ،‬وهو قببول‬
‫ابن عمر‪ ،‬وبه قال الليث‪ .‬وقال الشافعي والثبوري وأببو ثببور‪ :‬وقببوف الهببدي بعرفبة‬
‫سنة‪ ،‬ول حرج على من لم يقفه كان داخل من الحل أو لم يكن‪ .‬وقال أبو حنيفة ليبس‬
‫توقيف الهدي بعرفة من السنة‪ ،‬وحجة مالك في إدخال الهببدي مببن الحببل إلببى الحببرم‬
‫"أن النبببي عليببه الصببلة والسببلم كببذلك فعببل وقببال‪ :‬خببذوا عنببي مناسببككم" وقببال‬
‫الشافعي‪ :‬التعريف سنة مثل التقليد‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ليس التعريف بسنة‪ ،‬وإنمببا فعببل‬
‫ذلك رسول ال صببلى الب عليببه وسببلم لن مسببكنه كببان خببارج الحببرم‪ .‬وروي عببن‬
‫عائشة التخيير في تعريف الهدي أو ل تعريفه‪.‬‬
‫وأما محله فهو البيت العتيق كما قال تعالى }ثم محلها إلى البيت العتيق{ وقببال }هببديا‬
‫بالغ الكعبة{‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأجمع العلماء على أن الكعبة ل يجوز لحد فيها ذبح‪ ،‬وكذلك المسببجد الحببرام‪ ،‬وأن‬
‫المعنى في قوله }هديا بالغ الكعبة{ أنه إنما أراد به النحر بمكة إحسانا منه لمساكينهم‬
‫وفقرائهم‪ .‬وكان مالك يقول‪ :‬إنما المعنى في قوله }هديا بببالغ الكعبببة{ مكببة‪ ،‬وكببان ل‬
‫يجيز لمن نحر هديه في الحرم إل أن ينحببره بمكببة‪ .‬وقببال الشببافعي وأبببو حنيفببة‪ :‬إن‬
‫نحره في غير مكة من الحرم أجزأه‪ .‬وقال الطبببري‪ :‬يجببوز نحببر الهببدي حيببث شبباء‬
‫المهدي إل هدي القران وجزاء الصيد فإنهما ل ينحران إل بالحرم‪.‬‬
‫وبالجملة فالنحر بمنى إجماع من العلماء وفي العمرة بمكببة‪ ،‬إل مببا اختلفببوا فيببه مببن‬
‫نحر المحصر‪ .‬وعند مالك إن نحر للحج بمكة والعمرة بمنى أجزأه‪ ،‬وحجة مالك فببي‬
‫أنه ل يجوز النحر ببالحرم إل بمكبة قبوله صبلى الب عليبه وسبلم "وكبل فجباج مكبة‬
‫وطرقها منحر" واستثنى مالك من ذلك هدي الفدية‪ ،‬فأجاز ذبحه بغير مكة‪ .‬وأما متى‬
‫ينحر فإن مالكا قال‪ :‬إن ذبح هدي التمتع أو التطوع قبل يوم النحر لم يجزه‪ ،‬وجببوزه‬
‫أبو حنيفة في التطوع وقال الشافعي‪ :‬يجبوز فببي كليهمببا قبببل يببوم النحببر‪ ،‬ول خلف‬
‫عند الجمهور أن ما عدل من الهدي بالصيام أنه يجوز حيث شاء‪ ،‬لنه ل منفعببة فببي‬
‫ذلك ل لهل الحرم ول لهل مكة‪ ،‬وإنما اختلفوا في الصببدقة المعدولببة عببن الهببدي‪،‬‬
‫فجمهور العلماء على أنها لمساكين مكة والحرم‪ ،‬لنها بدل من جزاء الصيد الذي هو‬
‫لهم‪،‬‬
‫وقال مالك‪ :‬الطعام كالصيام يجوز بغير مكة‪ .‬وأما صفة النحر فببالجمهور مجمعببون‬
‫على أن التسمية مستحبة فيها لنها زكبباة‪ ،‬ومنهببا مببن اسببتحب مببع التسببمية التكبببير‪.‬‬
‫ويستحب للمهدي أن يلي نحر هديه بيده وإن استخلف جاز‪ ،‬وكذلك فعببل رسببول ال ب‬
‫صلى ال عليه وسببلم فبي هبديه‪ ،‬ومبن سبنتها أن تنحببر قيامببا لقبوله سبببحانه وتعبالى‬
‫}فاذكروا اسم ال عليها صواف{ وقد تكلم في صفة النحر في كتاب الذبائح‪ .‬وأمببا مببا‬
‫يجوز لصاحب الهدي من النتفاع به وبلحمه فإن فببي ذلببك مسببائل مشببهورة‪ :‬أحببدها‬
‫هل يجوز له ركوب الهدي الواجب أو التطوع؟ فذهب أهببل الظبباهر إلببى أن ركببوبه‬
‫جائز من ضرورة ومن غير ضرورة‪ ،‬وبعضهم أوجببب ذلببك‪ ،‬وكببره جمهببور فقهبباء‬
‫المصار ركوبها من غير ضرورة‪ ،‬والحجة للجمهور ما خرجه أبو داود عببن جببابر‬
‫وقد سئل عن ركوب الهدي فقببال‪ :‬سببمعت رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم يقببول‬
‫"اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرا" ومن طريق المعنى أن النتفبباع‬
‫بما قصد به القربة إلى ال تعالى منعه مفهوم من الشببريعة‪ ،‬وحجببة أهببل الظبباهر مببا‬
‫رواه مالك عن أبي الزناد عن العرج عن أبي هريرة "أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم رأى رجل يسوق بدنة فقببال‪ :‬اركبهببا‪ ،‬فقبال‪ :‬يببا رسببول الب إنهببا هببدي‪ ،‬فقببال‪:‬‬
‫اركبها‪ ،‬ويلك في الثانية أو في الثالثة"‪.‬‬
‫وأجمعوا أن هدي التطوع إذا بلغ محله أنه يأكل منه صاحبه كسائر النبباس‪ ،‬وأنببه إذا‬
‫عطب قبل أن يبلغ محله خلى بينه وبين الناس ولم يأكببل منببه‪ ،‬وزاد داود‪ :‬ول يطعببم‬
‫منه شيئا أهل رفقته "لما ثبت أن رسول ال صلى الب عليبه وسبلم بعبث بالهبدي مبع‬
‫ناجية السلمي وقال له‪ :‬إن عطب منها شيء فانحره ثم اصبببغ نعليببه فببي دمببه وخببل‬
‫بينه وبين الناس" وروي عن ابن عباس هذا الحديث فزاد فيه "ول تأكل منه أنت ول‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أهل رفقتك" وقال بهذه الزيادة داود وأبو ثور‪ .‬واختلفوا فيم يجب على من أكل منببه‪،‬‬
‫فقال مالك‪ :‬إن أكل منه وجب عليه بدله‪ .‬وقال الشافعي وأبو حنيفببة والثببوري وأحمببد‬
‫وابن حبيب من أصحاب مالك‪ :‬عليه قيمة ما أكبل أو أمبر ببأكله طعامبا يتصبدق ببه‪.‬‬
‫وروي ذلك عن علي وابن مسعود وابن عباس وجماعة من التابعين‪ .‬وما عطب فببي‬
‫الحرم قبل أن يصل مكة فهل بلغ محله أم ل؟ فيه الخلف مبني على الخلف المتقدم‬
‫هل المحل هو مكة أو الحرم؟ وأما الهدي الواجب إذا عطب قبل محله فببإن لصبباحبه‬
‫أن يأكل منه لن عليه بدله‪ ،‬ومنهم من أجاز له بيع لحمه وأن يستعين بببه فببي البببدل‪،‬‬
‫وكره ذلك مالك‪ .‬واختلفوا في الكل من الهدي الواجب إذا بلغ محله‪ ،‬فقبال الشبافعي‪:‬‬
‫ل يؤكل من الهدي الواجب كلببه ولحمببه كلببه للمسبباكين‪ ،‬وكببذلك جلببه إن كببان مجلل‬
‫والنعل الذي قلد به‪ .‬وقال مالك‪ :‬يؤكل من كل الهدي الواجب إل جبزاء الصبيد ونبذر‬
‫المساكين وفدية الذى‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ل يؤكل من الهدي الواجب إل هببدي المتعببة‬
‫وهدي القران‪ .‬وعمدة الشافعي تشبيه جميع أصناف الهدي الواجب بالكفارة‪.‬‬
‫وأما من فرق فلنه يظهر في الهدي معنيان‪ :‬أحدهما أنببه عبببادة مبتببدأة‪ .‬والثبباني أنببه‬
‫كفارة‪ ،‬وأحد المعنيين في بعضها أظهر‪ ،‬فمن غلب شبهه بالعبادة على شبهه بالكفارة‬
‫في نوع نوع من أنواع الهدي كهدي القران وهدي التمتع وبخاصة عند من يقببول إن‬
‫التمتع والقران أفضل لم يشترط أن ل يأكل‪ ،‬لن هذا الهدي عنده هو فضيلة ل كفارة‬
‫تدفع العقوببة‪ ،‬ومبن غلبب شببهه بالكفبارة قبال‪ :‬ل يبأكله لتفباقهم علبى أنبه ل يأكبل‬
‫صاحب الكفارة من الكفارة‪ ،‬ولما كببان هببدي جببزاء الصببيد وفديببة الذى ظبباهر مببن‬
‫أمرهما أنهما كفارة لم يختلف هؤلء الفقهاء في أنه ل يأكل منها‪ .‬قببال القاضببي‪ :‬فقببد‬
‫قلنا في حكم الهدي وفي جنسه وفي سنه وكيفية سوقه‪ ،‬وشروط صببحته مببن الزمببان‬
‫والمكان‪ ،‬وصفة نحره وحكم النتفاع به‪ ،‬وذلك مببا قصببدناه وال ب الموفببق للصببواب‪.‬‬
‫وبتمام القول في هذا بحسب ترتيبنا تم القببول فببي هببذا الكتبباب بحسببب غرضببنا ولب‬
‫الشكر والحمد كثيرا على ما وفق وهدى ومن به من التمام والكمال‪.‬‬
‫وكان الفراغ منه يوم الربعاء التاسع من جمادى الولى الذي هو عام أربعة وثمانين‬
‫وخمسمائة‪ ،‬وهو جزء من كتاب المجتهد الذي وضعته منذ أزيد من عشرين عاما أو‬
‫نحوها‪ ،‬والحمد ل رب العالمين‪ .‬كان رضي ال عنه عببزم حيببن تببأليف الكتبباب أول‬
‫أل يثبت كتاب الحج‪ ،‬ثم بدا له بعد فأثبته‪.‬‬
‫بسم ال الرحمببن الرحيببم وصببلى الب علببى سببيدنا محمببد وعلببى آلببه وصببحبه وسببلم‬
‫تسليما‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الجهاد‬
‫@‪-‬والقول المحيببط بأصببول هبذا البباب ينحصبر فببي جملببتين‪ :‬الجملبة الولببى‪ :‬فببي‬
‫معرفة أركان الحرب‪ .‬الثانية‪ :‬في أحكام أموال المحاربين إذا تملكها المسلمون‪.‬‬
‫*‪)*3‬الجملة الولى( وفي هذه الجملة فصول سبعة‪:‬‬
‫@‪-‬أحدها‪ :‬معرفة حكم هذه الوظيفة ولمببن تلببزم‪ .‬والثبباني‪ :‬معرفببة الببذين يحبباربون‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬معرفة ما يجوز من النكاية في صنف صنف من أصناف أهل الحببرب ممببا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ل يجوز‪ .‬والرابع‪ :‬معرفة جواز شبروط الحبرب‪ .‬والخبامس‪ :‬معرفبة العبدد البذين ل‬
‫يجوز الفرار عنهم‪ .‬والسادس‪ :‬هل تجوز المهادنة؟‪ .‬والسابع‪ :‬لماذا يحاربون؟‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول في معرفة حكم هذه الوظيفة‪.‬‬
‫@‪-‬فأما حكم هذه الوظيفة فبأجمع العلمبباء علببى أنهبا فبرض علببى الكفايبة ل فببرض‬
‫عين‪ ،‬إل عبد ال بن الحسن‪ ،‬فإنه قال إنها تطوع‪ ،‬وإنما صار الجمهور لكونه فرضا‬
‫لقوله تعالى }كتب عليكم القتال وهو كره لكم{ الية‪ .‬وأما كونه فرضببا علببى الكفايببة‪،‬‬
‫أعني إذا قام به البعض سقط عن البعض فلقوله تعالى }ومببا كببان المؤمنببون لينفببروا‬
‫كافة{ الية‪ ،‬وقوله }وكل وعد ال الحسنى{ ولم يخرج قط رسول ال صلى ال عليببه‬
‫وسلم للغزو إل وترك بعض الناس‪ ،‬فإذا اجتمعت هذه اقتضى ذلك كون هذه الوظيفة‬
‫فرضا على الكفاية‪ .‬وأما على من يجب فهم الرجال الحرار البالغون الببذين يجببدون‬
‫بما يغببزون الصببحاء إل المرضببى وإل الزمنببى‪ ،‬وذلببك ل خلف فيببه لقببوله تعببالى‬
‫}ليس على العمى حرج ول على المريض حببرج ول علببى العببرج حببرج{ وقببوله‬
‫}ليس على الضعفاء ول على المرضى ول على الذين ل يجببدون مببا ينفقببون حببرج{‬
‫الية‪ .‬وأما كون هذه الفريضة تختص بالحرار فل أعلم فيها خلفببا‪ ،‬وعامببة الفقهبباء‬
‫متفقون على أن من شرط هذه الفريضة إذن البوين فيها‪ ،‬إل أن تكببون عليببه فببرض‬
‫عين مثل أن ل يكون هنالك من يقوم بالفرض إل بقيام الجميع به‪ ،‬والصل فببي هببذا‬
‫ما ثبت "أن رجل قال لرسول ال صلى ال عليه وسلم "إني أريد الجهاد‪ ،‬قببال‪ :‬أحببي‬
‫والداك؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬ففيهما فجاهد" واختلفوا فبي إذن الببوين المشببركين‪ .‬وكببذلك‬
‫اختلفوا في إذن الغريم إذا كان عليه دين لقوله عليه الصلة والسلم وقد سأله الرجل‬
‫"أيكفر ال عني خطاياي إن مت صابرا محتسبا فببي سبببيل البب؟ قببال‪ :‬نعببم إل الببدين‬
‫كذلك قال لي جبريل آنفا" والجمهور على جواز ذلك‪ ،‬وبخاصة إذا تخلببف وفبباء مببن‬
‫دينه‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني في معرفة الذين يحاربون‪.‬‬
‫@‪-‬فأما الذين يحاربون فاتفقوا على أنهببم جميببع المشببركين لقببوله تعببالى }وقبباتلوهم‬
‫حتى ل تكون فتنة ويكون الدين كله لبب{ إل مببا روي عببن مالببك أنببه قببال‪ :‬ل يجببوز‬
‫ابتداء الحبشة بالحرب ول الببترك‪ ،‬لمببا روي أنببه عليببه الصببلة والسببلم قببال "ذروا‬
‫الحبشة ما وذرتكم" وقد سئل مالك عن صحة هذا الثر فلم يعترف بذلك لكن قال‪ :‬لم‬
‫يزل الناس يتحامون غزوهم‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثالث في معرفة ما يجوز من النكاية بالعدو‪.‬‬
‫@‪-‬وأما ما يجوز من النكاية بالعدو‪ ،‬فإن النكاية ل تخلو أن تكون في الموال أو في‬
‫النفوس أو في الرقاب‪ ،‬أعني الستعباد والتملك‪ .‬فأما النكاية التي هي الستعباد فهببي‬
‫جائزة بطريق الجماع في جميع أنواع المشركين‪ ،‬أعني ذكرانهم وإنبباثهم وشببيوخهم‬
‫وصبيانهم صغارهم وكبارهم إل الرهبان‪ ،‬فإن قوما رأوا أن يتركوا ول يؤسبروا ببل‬
‫يتركوا دون أن يعرض إليهم ل بقتل ول باستعباد لقول رسببول الب صببلى الب عليببه‬
‫وسلم "فذروهم وما حبسوا أنفسهم إليه" واتباعا لفعل أبي بكببر‪ ،‬وأكببثر العلمبباء علببى‬
‫أن المام مخير في السارى في خصال‪ :‬منها أن يمن عليهببم‪ ،‬ومنهببا أن يسببتعبدهم‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ومنها أن يقتلهم‪ ،‬ومنها أن يأخذ منهم الفداء‪ ،‬ومنها أن يضرب عليهبم الجزيبة‪ .‬وقبال‬
‫قوم‪ :‬ل يجوز قتل السير‪ .‬وحكى الحسبن ببن محمبد التميمبي أنبه إجمباع الصبحابة‪.‬‬
‫والسبب في اختلفهم تعارض اليببة فببي هببذا المعنببى وتعببارض الفعبال ومعارضببة‬
‫ظاهر الكتاب لفعله عليه الصلة والسببلم‪ ،‬وذلببك أن ظبباهر قببوله تعببالى }فببإذا لقيتببم‬
‫الذين كفروا فضرب الرقاب{ الية‪ ،‬أنببه ليببس للمببام بعببد السببر إل المببن أو الفببداء‬
‫وقوله تعالى }ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الرض{ الية‪ .‬والسبب‬
‫الذي نزلت فيه من أسارى بدر يدل علببى أن القتببل أفضببل مببن السببتعباد‪ ،‬وأمببا هببو‬
‫عليه الصلة والسلم فقد قتل السارى في غير ما موطن وقببد مببن واسببتعبد النسبباء‪.‬‬
‫وحكى أبو عبيد أنه لم يستعبد أحببرار ذكببور العببرب وأجمعببت الصببحابة بعببده علببى‬
‫استعباد أهل الكتبباب ذكرانهبم وإنبباثهم‪ ،‬فمبن رأى أن اليببة الخاصببة بفعبل السبارى‬
‫ناسخة لفعله قال‪ :‬ل يقتل السير‪ ،‬ومن رأى أن الية ليس فيها ذكر لقتل السببير ول‬
‫المقصود منها حصر ما يفعل بالسارى بببل فعلببه عليببه الصببلة والسببلم وهببو حكببم‬
‫زائد على ما في الية‪ ،‬ويحط العتب الذي وقع في ترك قتل أسارى بدر قال‪ :‬بجببواز‬
‫قتل السير‪ ،‬والقتل إنما يجوز إذا لم يكن يوجد بعد تأمين‪ ،‬وهذا ما ل خلف فيه بين‬
‫المسلمين‪ ،‬وإنما اختلفوا فيمن يجوز تأمينه ممن ل يجوز‪ ،‬واتفقوا على جببواز تببأمين‬
‫المام‪ ،‬وجمهور العلماء على جواز أمان الرجببل الحببر المسببلم إل مببا كببان مببن ابببن‬
‫الماجشون يرى أنه موقوف على إذن المام‪.‬‬
‫واختلفوا في أمان العبد وأمان المرأة‪ ،‬فالجمهور على جوازه‪ ،‬وكببان ابببن الماجشببون‬
‫وسحنون يقولن‪ :‬أمان المرأة موقوف علببى إذن المببام‪ .‬وقببال أبببو حنيفببة‪ :‬ل يجببوز‬
‫أمان العبد إل أن يقاتل‪ .‬والسبب في اختلفهم معارضببة العمببوم للقيبباس‪ .‬أمببا العمببوم‬
‫فقوله عليه الصلة والسلم "المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدنبباهم وهببم يببد‬
‫على من سواهم" فهذا يوجب أمان العبد بعمومه‪ .‬وأما القياس المعببارض لببه فهببو أن‬
‫المان من شرطه الكمال‪ ،‬والعبد ناقص بالعبودية‪ ،‬فببوجب أن يكببون للعبوديببة تببأثير‬
‫في إسقاطه قياسا على تأثيرها في إسقاط كثير مببن الحكببام الشببرعية وأن يخصببص‬
‫ذلك العموم بهذا القياس‪ .‬وأما اختلفهم في أمان المرأة‪ ،‬فسببببه اختلفهببم فببي مفهببوم‬
‫قوله عليه الصلة والسلم "قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ" وقياس المببرأة فببي ذلببك‬
‫على الرجل‪ ،‬وذلك أن من فهم من قوله عليه الصلة والسلم "قد أجرنببا مببن أجببرت‬
‫يا أم هانئ" إجازة أمانها ل صحته في نفسه‪ ،‬وأنه لول إجازته لذلك لم يبؤثر قبال‪ :‬ل‬
‫أمان للمرأة إل أن يجيزه المام‪ ،‬ومن فهم من ذلك أن إمضاءه أمانها كببان مببن جهببة‬
‫أنه قد انعقد وأثر ل من جهة أن إجازته هي التي صببححت عقببده قببال‪ :‬أمببان المببرأة‬
‫جائز‪ ،‬وكذلك من قاسها على الرجل ولم ير بينهما فرقا في ذلببك أجبباز أمانهببا‪ ،‬ومببن‬
‫رأى أنها ناقصة عن الرجببل لببم يجببز أمانهببا‪ ،‬وكيفمببا كببان فالمببان غيببر مببؤثر فببي‬
‫الستعباد وإنمببا يببؤثر فببي القتببل‪ ،‬وقببد يمكببن أن نببدخل الختلف فببي هببذا مببن قبببل‬
‫اختلفهم في ألفبباظ جمببوع المببذكر هببل تتنبباول النسبباء أم ل؟ أعنببي بحسببب العببرف‬
‫الشرعي‪ .‬وأما النكاية التي تكون في النفوس فهي القتل ول خلف بين المسلمين أنببه‬
‫يجوز في الحرب قتل المشركين الذكران البببالغين المقبباتلين‪ .‬وأمببا القتببل بعببد السببر‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ففيه الخلف الذي ذكرنا‪ ،‬وكذلك ل خلف بينهم في أنبه ل يجبوز قتبل صببيانهم ول‬
‫قتل نسائهم ما لم تقاتل المرأة والصبي‪ ،‬فإذا قاتلت المرأة استبيح دمها‪ ،‬وذلك لما ثبت‬
‫"أنه عليه الصلة والسلم نهى عن قتل النساء والولدان‪ ،‬وقال في امببرأة مقتولببة‪ :‬مببا‬
‫كانت هذه لتقاتل"‬
‫واختلفوا في أهل الصوامع المنتزعين عن الناس والعميان والزمنببى والشببيوخ الببذين‬
‫ل يقاتلون والمعتوه والحراث والعسيف‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ل يقتل العمى ول المعتببوه ول‬
‫أصحاب الصوامع‪ ،‬ويترك لهببم مببن أمببوالهم بقببدر مببا يعيشببون بببه‪ ،‬وكببذلك ل يقتببل‬
‫الشيخ الفاني عنده‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة وأصحابه‪ .‬وقال الثوري والوزاعببي‪ :‬ل تقتببل‬
‫الشيوخ فقط‪ .‬وقال الوزاعي‪ :‬ل تقتل الحراث‪ .‬وقال الشافعي في الصببح عنببه تقتببل‬
‫جميع هذه الصناف‪.‬‬
‫والسبب في اختلفهم معارضة بعض الثار بخصوصها لعموم الكتاب‪ ،‬ولعموم قوله‬
‫عليه الصلة والسلم الثابت "أمرت أن أقاتل الناس حببتى يقولببوا ل إلببه الب إل البب"‬
‫الحديث‪ ،‬وذلك في قوله تعالى }فببإذا انسببلخ الشببهر الحببرم فبباقتلوا المشببركين حيببث‬
‫وجدتموهم{ يقتضي قتل كل مشرك راهبا كان أو غيره‪ ،‬وكببذلك قببوله عليببه الصببلة‬
‫والسلم "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ل إله إل ال"‪ .‬وأمببا الثببار الببتي وردت‬
‫باستبقاء هذه الصناف؛ فمنها ما رواه داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عببباس‬
‫"أن النبببي صببلى ال ب عليببه وسببلم كببان إذا بعببث جيوشببه قببال‪ :‬ل تقتلببوا أصببحاب‬
‫الصوامع" ومنها أيضا ما روي عن أنس بن مالك عن النبببي عليببه الصببلة والسببلم‬
‫قال "ل تقتلوا شيخا فانيببا ول طفل صببغيرا ول امببرأة ول تغلببوا" خرجببه أبببو داود‪،‬‬
‫ومن ذلك أيضا ما رواه مالبك عببن أبببي بكبر أنبه قبال‪ :‬سببتجدون قومبا زعمبوا أنهببم‬
‫حبسوا أنفسهم ل فدعهم وما حبسوا أنفسهم له‪ ،‬وفيه‪ :‬ول تقتلببن امببرأة ول صبببيا ول‬
‫كبيرا هرما"‪.‬‬
‫ويشبه أن يكون السبب الملك في الختلف في هببذه المسببألة معارضببة قببوله تعببالى‬
‫}وقاتلوا في سببيل الب البذين يقباتلونكم ول تعتبدوا إن الب ل يحبب المعتبدين{ لقبوله‬
‫تعالى }فإذا انسلخ الشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم{ الية‪ .‬فمببن رأى‬
‫أن هذه ناسخة لقوله تعالى }وقاتلوا في سبيل ال الذين يقاتلونكم{ لن القتال أول إنمبا‬
‫أبيح لمن يقاتل قال‪ :‬الية على عمومها‪ ،‬ومن رأى أن قوله تعالى }وقاتلوا فببي سبببيل‬
‫ال الذين يقاتلونكم{ وهي محكمة وأنها تتناول )قوله تتنبباول الببخ‪ :‬هكببذا هببذه العبببارة‬
‫ولينظر التناول بعد قوله يقاتلونكم تأمل ا هب ب مصببححه(‪ .‬هببؤلء الصببناف الببذين ل‬
‫يقاتلون استثناها من عمبوم تلبك‪ ،‬وقبد احتبج الشبافعي بحبديث سبمرة أن رسبول الب‬
‫صلى ال عليه وسلم قال "اقتلبوا شبيوخ المشبركين واسبتحيوا شبرخهم" وكبأن العلبة‬
‫الموجبة للقتل عنده إنما هي الكفر‪ ،‬فوجب أن تطرد هذه العلة في جميع الكفار‪.‬‬
‫وأما من ذهب إلى أنه ل يقتل الحراث‪ ،‬فإنه احتببج فببي ذلببك بمببا روي عببن زيببد بببن‬
‫وهب قال‪ :‬أتانا كتاب عمر رضي ال عنه وفيه‪ :‬ل تغلوا ول تغدروا ول تقتلوا وليدا‬
‫واتقوا ال في الفلحين‪ .‬وجاء في حديث رببباح بببن ربيعببة النهببي عببن قتببل العسببيف‬
‫المشرك وذلك "أنه خرج مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في غزوة غزاها‪ ،‬فمببر‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫رباح وأصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم على امرأة مقتولة‪ ،‬فوقف رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم عليها ثم قال‪ :‬ما كانت هذه لتقاتل‪ ،‬ثم نظر في وجوه القوم فقببال‬
‫لحببدهم‪ :‬الحببق بخالببد بببن الوليببد فل يقتلببن ذريببة ول عسببيفا ول امببرأة"‪ .‬والسبببب‬
‫الموجب بالجملة لختلفهم اختلفهبم فبي العلبة الموجبببة للقتبل‪ ،‬فمبن زعببم أن العلببة‬
‫الموجبة لذلك هي الكفر لم يستثن أحدا من المشركين‪ ،‬ومببن زعبم أن العلبة فببي ذلببك‬
‫إطاقة القتال للنهي عن قتل النساء مع أنهن كفار استثنى من لم يطببق القتببال ومببن لببم‬
‫ينصب نفسه إليه كالفلح والعسيف‪ .‬وصح النهي عن المثلة‪،‬‬
‫واتفق المسلمون على جواز قتلهم بالسلح‪ ،‬واختلفوا في تحريقهبم بالنبار‪ ،‬فكبره قبوم‬
‫تحريقهم بالنار ورميهم بها وهو قول عمر‪ .‬ويبروى عبن مالبك‪ ،‬وأجباز ذلبك سبفيان‬
‫الثوري‪ ،‬وقبال بعضبهم‪ :‬إن ابتبدأ العبدو ببذلك جباز وإل فل‪ .‬والسببب فبي اختلفهبم‬
‫معارضة العموم للخصوص‪ .‬أما قوله تعببالى }فبباقتلوا المشببركين حيببث وجببدتموهم{‬
‫ولم يستثن قتل من قتل‪ .‬وأما الخصوص فما ثبت أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫قال في رجل "إن قدرتم عليه فاقتلوه ول تحرقوه بالنار فإنه ل يعببذب بالنببار إل رب‬
‫النار" واتفق عوام الفقهاء على جواز رمي الحصون بالمجانيق سواء كان فيها نسبباء‬
‫وذرية أو لم يكن لما جاء "أن النبي عليه الصلة والسلم نصب المنجنيق علببى أهببل‬
‫الطائف"؛ وأما إذا كان الحصببن فيببه أسببارى مببن المسببلمين وأطفببال مببن المسببلمين‪،‬‬
‫فقالت طائفة‪ :‬يكف عن رميهم بالمنجنيق وبه قال الوزاعي‪ .‬وقال الليث‪ :‬ذلببك جببائز‬
‫ومعتمد من لم يجزه قوله تعبالى }لبو تزيلبوا لعببذبنا الببذين كفبروا منهببم عبذابا أليمبا{‬
‫الية‪ .‬وأما من أجاز ذلك فكأنه نظر إلى المصلحة‪ ،‬فهذا هو مقدار النكاية التي يجوز‬
‫أن تبلغ بهم في نفوسببهم ورقببابهم‪ .‬وأمببا النكايببة الببتي تجببوز فببي أمببوالهم وذلببك فببي‬
‫المباني والحيوان والنبات فإنهم اختلفوا في ذلك‪ ،‬فأجبباز مالببك قطببع الشببجر والثمببار‬
‫وتخريب العامر‪ ،‬ولم يجز قتل المواشي ول تحريببق النخببل‪ ،‬وكببره الوزاعببي قطببع‬
‫الشجر المثمببر وتخريببب العببامر كنيسببة كببان أو غيببر ذلببك‪ ،‬وقببال الشببافعي‪ :‬تحببرق‬
‫البيوت والشجر إذا كانت لهم معاقل‪ ،‬وكره تخريب البيوت وقطع الشجر إذا لببم يكببن‬
‫لهم معاقل‪.‬‬
‫والسبب في اختلفهم مخالفة فعل أبي بكر في ذلك لفعله عليه الصلة والسلم‪ ،‬وذلك‬
‫أنه ثبت "أنه عليه الصلة والسلم حرق نخل بني النضير" وثبت عن أبببي بكببر أنببه‬
‫قال‪ :‬ل تقطعن شجرا ول تخربن عامرا‪ ،‬فمن ظبن أن فعبل أببي بكبر هبذا إنمبا كبان‬
‫لمكان علمه بنسخ ذلك الفعل منه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬إذ ل يجوز على أبي بكببر أن‬
‫يخالفه مع علمه بفعله‪ ،‬أو رأى أن ذلك كان خاصا ببني النضببير لغزوهببم قببال بقببول‬
‫أبي بكر‪ ،‬ومن اعتمد فعله عليه الصلة والسلم ولم ير قول أحد ول فعله حجة عليه‬
‫قال‪ :‬بتحريق الشجر‪ .‬وإنما فرق مالك بين الحيببوان والشببجر لن قتببل الحيببوان مثلببة‬
‫وقد نهى عن المثلة‪ ،‬ولم يأت عنه عليه الصببلة والسببلم أنببه قتببل حيوانببا‪ ،‬فهببذا هببو‬
‫معرفة النكاية التي يجوز أن تبلغ من الكفار في نفوسهم وأموالهم‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الرابع في شرط الحرب‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬فأما شرط الحرب فهو بلوغ الدعوة باتفبباق‪ ،‬أعنببي أنببه ل يجببوز حرابتهببم حببتى‬
‫يكونوا قد بلغتهم الدعوة‪ ،‬وذلك شيء مجمع عليه من المسلمين لقوله تعالى }وما كنببا‬
‫معذبين حتى نبعث رسول{ وأما هل يجب تكرار الببدعوة عنببد تكببرار الحببرب فببإنهم‬
‫اختلفوا في ذلك‪ ،‬فمنهم من أوجبها‪ ،‬ومنهببم مببن اسببتحبها ومنهببم مببن لببم يوجبهببا ول‬
‫استحبها‪ .‬والسبب في اختلفهم معارضببة القببول للفعببل‪ ،‬وذلببك "أنببه ثبببت عنببه عليببه‬
‫الصلة والسلم كان إذا بعبث سبرية قبال لميرهبا‪ :‬إذا لقيبت عبدوك مبن المشبركين‬
‫فادعهم إلى ثلث خصال أو خلل فأيتهن ما أجابوك إليها فاقبببل منهببم وكببف عنهببم‪،‬‬
‫ادعهم إلى السلم فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهببم‪ ،‬ثببم ادعهببم إلببى التحببول مببن‬
‫دراهم إلى دار المهاجرين وأعلمهببم أنهببم إن فعلببوا ذلببك أن لهببم مببا للمهبباجرين وأن‬
‫عليهم ما على المهاجرين‪ ،‬فإن أبوا واختاروا دارهم فأعلمهم أنهبم يكونبون كبأعراب‬
‫المسلمين يجري عليهم حكم ال الذي يجري على المؤمنين‪ ،‬ول يكون لهم في الفيببء‬
‫والغنيمببة نصببيب إل أن يجاهبدوا مبع المسبلمين‪ ،‬فبإن هببم أبببوا فبادعهم إلبى إعطبباء‬
‫الجزية‪ ،‬فإن أجابوا فاقبل منهم وكف عنهم‪ ،‬فإن أبو فاستعن بال وقاتلهم" وثبببت مببن‬
‫فعله عليه الصلة والسلم أنه كان يبيت للعدو ويغير عليهم مع الغدوات‪ ،‬فمن النبباس‬
‫وهم الجمهور من ذهب إلى أن فعله ناسخ لقوله وأن ذلك إنما كببان فببي أول السببلم‬
‫قبل أن تنتشر الدعوة بدليل دعوتهم فيه إلببى الهجببرة‪ ،‬ومببن النبباس مببن رجببح القببول‬
‫على الفعل‪ ،‬وذلك بأن حمل الفعل على الخصوص‪ ،‬ومن استحسن الدعاء فهببو وجببه‬
‫من الجمع‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الخامس في معرفة العدد الذين ل يجوز الفرار عنهم‪.‬‬
‫@‪-‬وأما معرفة العدد الذين ل يجوز الفرار عنهم فهم الضببعف‪ ،‬وذلببك مجمببع عليببه‬
‫لقوله تعالى }الن خفف ال عنكم وعلم أن فيكم ضعفا{ الية‪ .‬وذهب ابببن الماجشببون‬
‫ورواه عن مالك أن الضعف إنما يعتبر فبي القبوة ل فبي العبدد‪ ،‬وأنبه يجبوز أن يفبر‬
‫الواحد عن الواحد إذا كان أعتق جوادا منه وأجود سلحا وأشد قوة‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل السادس في جواز المهادنة‪.‬‬
‫@‪-‬فأما هل تجوز المهادنة؟ فإن قوما أجازوها ابتداء مببن غيببر سبببب إذا رأى ذلببك‬
‫المببام مصببلحة للمسببلمين‪ ،‬وقببوم لببم يجيزوهببا إل لمكببان الضببرورة الداعيببة لهببل‬
‫السلم من فتنة أو غير ذلك إما بشيء يأخذونه منهم ل على حكببم الجزيببة إذ كببانت‬
‫الجزية إنما شرطها أن تؤخذ منهم وهم بحيث تنفذ عليهم أحكببام المسببلمين‪ ،‬وإمببا بل‬
‫شيء يأخذونه منهم‪ ،‬وكان الوزاعي يجيز أن يصالح المام الكفار على شيء يدفعه‬
‫المسلمون إلى الكفار إذا دعت إلى ذلك ضرورة فتنة أو غير ذلببك مببن الضببرورات‪.‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬ل يعطببي المسببلمون الكفببار شببيئا إل أن يخببافوا أن يصببطلموا لكببثرة‬
‫العدو وقلتهم أو لمحنة نزلببت بهببم‪ ،‬وممببن قببال بإجببازة الصببلح إذا رأى المببام ذلببك‬
‫مصلحة مالك والشافعي وأبو حنيفة‪ ،‬إل أن الشافعي ل يجوز عنده الصلح لكثر مببن‬
‫المدة التي صالح عليها رسول ال صلى ال عليه وسلم الكفار عببام الحديبيببة‪ .‬وسبببب‬
‫اختلفهم في جواز الصلح من غير ضرورة معارضة ظاهر قوله تعالى }فإذا انسببلخ‬
‫الشهر الحببرم فبباقتلوا المشببركين حيببث وجببدتموهم{ وقببوله تعببالى }قبباتلوا الببذين ل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يؤمنون بال ول باليوم الخر{ لقوله تعالى }وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على‬
‫ال{ فمن رأى أن آية المر بالقتال حتى يسلموا أو يعطوا الجزية ناسخة لية الصببلح‬
‫قال‪ :‬ل يجوز الصلح إل من ضرورة‪ ،‬ومن رأى أن آية الصلح مخصصة لتلك قببال‪:‬‬
‫الصلح جائز إذا رأى ذلك المام وعضببد تببأويله بفعلببه ذلببك صببلى الب عليببه وسببلم‪،‬‬
‫وذلك أن صلحه صلى ال عليه وسلم عام الحديبية لم يكن لموضببع الضببرورة‪ .‬وأمببا‬
‫الشافعي فلما كان الصل عنده المر بالقتال حببتى يسببلموا أو يعطببوا الجزيببة‪ ،‬وكببان‬
‫هذا مخصصا عنده بفعله عليه الصلة والسلم عام الحديبية لم ير أن يزاد على المدة‬
‫التي صالح عليها رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقد اختلف فببي هببذه المببدة‪ ،‬فقيببل‬
‫كانت أربع سنين وقيل ثلثا‪ ،‬وقيل عشر سنين‪ ،‬وبذلك قال الشافعي‪ .‬وأمببا مببن أجبباز‬
‫أن يصالح المسلمون المشركين بأن يعطببوا لهببم المسببلمون شببيئا إذا دعببت إلببى ذلببك‬
‫ضرورة فتنة أو غيرها فمصيرا إلى ما روي "أنه كان عليه الصلة والسببلم قببد هببم‬
‫أن يعطي بعض ثمر المدينة لبعض الكفار الذين كانوا في جملبة الحبزاب لتخبببيبهم‪،‬‬
‫فلم يوافقه على القدر الذي كان سمح له به من ثمر المدينببة حبتى أفبباء الب بنصببره"‪.‬‬
‫وأما من لم يجز ذلك إل أن يخاف المسلمون أن يصطلموا فقياسا على إجماعهم على‬
‫جواز فداء أسارى المسببلمين‪ ،‬لن المسببلمين إذا صبباروا فببي هببذا الحببد فهببم بمنزلببة‬
‫السارى‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل السابع لماذا يحاربون؟‬
‫@‪-‬فأما لماذا يحاربون؟ فاتفق المسلمون على أن المقصود بالمحاربة لهببل الكتبباب‬
‫ما عدا أهل الكتاب من قريبش ونصبارى العبرب هبو أحبد أمريبن‪ :‬إمبا البدخول فبي‬
‫السلم‪ ،‬وإما إعطاء الجزية لقببوله تعببالى }قبباتلوا الببذين ل يؤمنببون بببال ول ببباليوم‬
‫الخر ول يحرمون مببا حبرم الب ورسبوله ول يبدينون ديببن الحببق مببن البذين أوتببوا‬
‫الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون{ وكذلك اتفببق عامببة الفقهبباء علببى‬
‫أخذها من المجوس لقوله صلى ال عليه وسلم "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" واختلفببوا‬
‫فيما سوى أهل الكتاب من المشركين هل تقبل منهببم الجزيبة أم ل؟ فقبال قببوم‪ :‬تؤخبذ‬
‫الجزية من كل مشرك‪ ،‬وبه قال مالك‪ .‬وقوم استثنوا من ذلك مشركي العببرب‪ .‬وقببال‬
‫الشافعي وأبو ثور وجماعة‪ :‬ل تؤخببذ إل مببن أهببل الكتبباب والمجببوس‪ .‬والسبببب فببي‬
‫اختلفهم معارضة العموم للخصبوص‪ .‬أمبا العمبوم فقبوله تعبالى }وقباتلوهم حبتى ل‬
‫تكون فتنة ويكون الدين كله ل{ وقوله عليه الصلة والسلم "أمرت أن أقاتببل النبباس‬
‫حببتى يقولببوا ل إلببه إل ال ب فببإذا قالوهببا عصببموا منببي دمبباءهم وأمببوالهم إل بحقهببا‬
‫وحسابهم على ال" وأمبا الخصبوص فقبوله لمبراء السبرايا البذين كبان يبعثهبم إلبى‬
‫مشركي العرب‪ ،‬ومعلوم أنهم كانوا من غير أهببل كتباب "فبإذا لقيببت عببدوك فبادعهم‬
‫إلى ثلث خصال‪ ،‬فذكر الجزيببة فيهببا" وقببد تقببدم الحببديث‪ .‬فمببن رأى أن العمببوم إذا‬
‫تأخر عن الخصوص فهو ناسبخ لبه قبال‪ :‬ل تقببل الجزيبة مبن مشبرك مبا عبدا أهبل‬
‫الكتاب لن الية المرة بقتالهم على العموم هي متأخرة عن ذلببك الحببديث وذلببك أن‬
‫المر بقتال المشركين عامة هو في سورة براءة‪ ،‬ذلك عام الفتح‪ ،‬وذلك الحديث إنمببا‬
‫هو قبل الفتح بدليل دعائهم فيه للهجرة‪ ،‬ومن رأى أن العموم يبنببي علببى الخصببوص‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫تقدم أو تأخر أو جهل التقدم والتأخر بينهما قال‪ :‬تقبببل الجزيببة مببن جميببع المشببركين‬
‫وأما تخصببيص أهببل الكتبباب مببن سببائر المشببركين فخببرج مببن ذلببك العمببوم باتفبباق‬
‫بخصوص قوله تعالى }مببن البذين أوتببوا الكتباب حبتى يعطببوا الجزيبة عبن يببد وهببم‬
‫صاغرون{ وسيأتي القول في الجزية وأحكامها في الجملببة الثانيببة مببن هببذا الكتبباب‪،‬‬
‫فهذه هي أركان الحرب‪ .‬ومما يتعلق بهذه الجملة من المسائل المشهورة‪ :‬النهببي عببن‬
‫السفر بالقرآن إلى أرض العدو‪ ،‬وعامة الفقهاء على أن ذلك غيببر جببائز لثبببوت ذلببك‬
‫عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬يجوز ذلك إذا كان في العساكر‬
‫المأمونة‪ .‬والسبب في اختلفهم هل النهي عام أريد به العام أو عام أريد به الخاص‪.‬‬
‫*‪)*3‬الجملة الثانية( والقول المحيببط بأصببول هببذه الجملببة ينحصببر أيضببا فببي سبببعة‬
‫فصول‪ :‬الول‪ :‬في حكم الخمس‪ .‬الثاني‪ :‬في حكم الربعة الخماس‪ .‬الثالث‪ :‬في حكم‬
‫النفال‪ .‬الرابع‪ :‬في حكم ما وجد من أموال المسلمين عند الكفار‪ .‬الخامس‪ :‬فببي حكببم‬
‫الرضين‪ .‬السادس‪ :‬في حكم الفيء‪ .‬السابع‪ :‬في أحكام الجزية والمال الي يؤخذ منهم‬
‫على طريق الصلح‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول في حكم خمس الغنيمة‪.‬‬
‫@‪-‬واتفبق المسببلمون علببى أن الغنيمببة البتي تؤخببذ قسببرا مببن أيبدي البروم مببا عببدا‬
‫الرضين أن خمسها للمام وأربعة أخماسها للذين غنموها لقوله تعالى }واعلموا أنما‬
‫غنمتم من شيء فأن ل خمسه وللرسببول{ اليببة‪ .‬واختلفببوا فببي الخمببس علببى أربعببة‬
‫مذاهب مشهورة‪ :‬أحدها أن الخمس يقسم على خمسة أقسام على نص الية‪ ،‬وبه قببال‬
‫الشافعي‪ .‬والقببول الثباني أنببه يقسببم علببى أربعبة أخمباس‪ ،‬وأن قببوله تعببالى }فببأن لب‬
‫خمسه{ هو افتتاح كلم وليس هو قسما خامسا‪ .‬والقول الثبالث أنبه يقسببم اليببوم ثلثبة‬
‫أقسام‪ ،‬وأن سهم النبي وذي القربى سقطا بموت النبي صلى ال عليه وسببلم‪ .‬والقببول‬
‫الرابع أن الخمس بمنزلة الفيء يعطى منببه الغنببي والفقيببر‪ ،‬وهببو قببول مالببك وعامببة‬
‫الفقهاء‪ .‬والذين قالوا يقسم أربعة أخماس أو خمسة اختلفوا فيما يفعل بسهم رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم وسهم القرابة بعد موته‪ .‬فقببال قببوم‪ :‬يببرد علببى سببائر الصببناف‬
‫الذين لهم الخمس‪ .‬وقال قوم‪ :‬بل يرد على باقي الجيش‪ .‬وقال قببوم‪ :‬بببل سببهم رسببول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم للمببام‪ ،‬وسببهم ذوي القربببى لقرابببة المببام‪ .‬وقببال قببوم‪ :‬بببل‬
‫يجعلن في السلح والعدة‪ .‬واختلفوا في القرابة من هم؟ فقبال قبوم‪ :‬بنبو هاشبم فقبط‪،‬‬
‫وقال قوم‪ :‬بنو عبد المطلب وبنو هاشم‪ .‬وسبب اختلفهم في هل الخمس يقصببر علببى‬
‫الصناف المذكورين أم يعدي لغيرهم هو هل ذكر تلك الصناف في الية المقصببود‬
‫منها تعيين الخمس لهم أم قصد التنبيه بهم على غيرهم فيكون ذلك من ببباب الخبباص‬
‫أريد به العام؟ فمن رأى أنه من باب الخاص أريد به الخاص قال‪ :‬ل يتعدى بالخمس‬
‫تلك الصناف المنصوص عليها وهو الذي عليه الجمهبور‪ ،‬ومبن رأى أنبه مبن بباب‬
‫الخاص أريد به العام قببال يجببوز للمببام أن يصببرفها فيمببا يببراه صببلحا للمسببلمين‪،‬‬
‫واحتج من رأى أن سهم النبي صلى ال عليه وسلم للمام بعبده بمبا روي عنبه عليبه‬
‫الصلة والسلم أنه قال "إذا أطعم ال نبيا طعمة فهو للخليفة بعده" وأمببا مببن صببرفه‬
‫على الصناف الباقين أو على الغانمين فتشبيها بالصببنف المحبببس عليهببم‪ .‬وأمببا مببن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫قال القرابة هم بنو هاشم وبنو عبد المطلب فإنه احتببج بحببديث جبببير بببن مطعببم قببال‬
‫"قسم رسول ال صلى ال عليه وسلم سهم ذوي القربى لبني هاشم وبني المطلب مببن‬
‫الخمس" قال‪ :‬وإنما بنو هاشم وبنو المطلب صنف واحد‪ ،‬ومن قال بنو هاشببم صببنف‬
‫فلنهم الذين ل يحل لهم الصدقة‪ .‬واختلف العلماء في سهم النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫من الخمس؛ فقال قوم‪ :‬الخمس فقط‪ ،‬ول خلف عندهم في وجوب الخمببس لببه غبباب‬
‫عن القسمة أو حضرها‪ .‬وقال قوم‪ :‬بل الخمس والصفي وهو سهم مشهور لببه صببلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬وهو شببيء كببان يصببطفيه مببن رأس الغنيمببة فببرس أو أمببة أو عبببد‪.‬‬
‫وروي أن صفية كانت من الصبفي‪ .‬وأجمعبوا علبى أن الصبفي ليبس لحبد مبن بعبد‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم إل أبا ثور فإنه قال‪ :‬يجري مجرى سهم النبي صببلى‬
‫ال عليه وسلم‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني في حكم الربعة الخماس‪.‬‬
‫@‪-‬وأجمع جمهور العلماء على أن أربعة أخماس الغنيمة للغانمين إذا خرجببوا بببإذن‬
‫المام‪ .‬واختلفوا في الخارجين بغير إذن المببام وفيمببن يجببب لببه سببهمه مببن الغنيمببة‬
‫ومتى يجب وكم يجب وفيما يجببوز لببه مببن الغنيمببة قبببل القسببم؟ فببالجمهور علببى أن‬
‫أربعة أخماس الغنيمة للذين غنموها خرجوا بببإذن المببام أو بغيببر ذلببك لعمببوم قببوله‬
‫تعالى }واعلموا أنما غنمتم من شيء{ الية‪ .‬وقال قوم‪ :‬إذا خرجت السرية أو الرجببل‬
‫الواحد بغير إذن المام فكل مبا سباق نفبل يأخبذه المبام‪ ،‬وقبال قبوم‪ :‬ببل يأخبذه كلبه‬
‫الغانم‪ .‬فالجمهور تمسكوا بظاهر الية‪ ،‬وهؤلء كأنهم اعتمبدوا صبورة الفعبل الواقبع‬
‫في ذلك في عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وذلك أن جميع السرايا إنمببا كببانت‬
‫تخرج عن إذنه عليه الصلة والسلم‪ ،‬فكأنهم رأوا أن إذن المام شرط في ذلك وهببو‬
‫ضعيف‪ .‬وأما من له السهم من الغنيمة؟ فإنهم اتفقوا على الذكران الحببرار البببالغين‪،‬‬
‫واختلفوا في أضدادهم‪ :‬أعني في النساء والعبيد ومن لم يبلغ من الرجال ممببن قببارب‬
‫البلوغ فقال قوم ليس للعبيد ول للنساء حظ من الغنيمة ولكببن يرضببخ لهببم‪ ،‬وبببه قببال‬
‫مالك‪ ،‬وقال قوم‪ :‬ل يرضخ لهم ول لهم حظ الغانمين‪ ،‬وقال قوم‪ :‬بببل لهببم حببظ واحببد‬
‫من الغانمين‪ ،‬وهو قول الوزاعي‪ .‬وكذلك اختلفوا في الصبببي المراهببق‪ ،‬فمنهببم مببن‬
‫قال‪ :‬يقسم له وهو مذهب الشافعي‪ ،‬ومنهم من اشترط في ذلك أن يطيق القتبال‪ ،‬وهبو‬
‫مذهب مالك‪ ،‬ومنه من قال‪ :‬يرضخ له‪ .‬وسبببب اختلفهببم فببي العبيببد هببو هببل عمببوم‬
‫الخطاب يتنبباول الحببرار والعبيببد معببا أم الحببرار فقببط دون العبيببد؟ وأيضببا فعمببل‬
‫الصحابة معارض لعموم الية‪ ،‬وذلك أنه انتشر فيهم رضي ال عنهببم أن الغلمببان ل‬
‫سهم لهم‪ ،‬وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عببباس‪ ،‬ذكببره ابببن أبببي شبببية مببن‬
‫طرق عنهما‪ ،‬قال أبو عمر بن عبد البر‪ :‬أصح ما روي من ذلبك عبن عمبر مبا رواه‬
‫سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن شهاب عن مالك بببن أوس بببن الحببدثان‬
‫قال‪ :‬قال عمر‪ :‬ليس أحد إل وله في هذا المال حق إل ما ملكت أيمانكم‪ ،‬وإنما صببار‬
‫الجمهور إلى أن المرأة ل يقسببم لهببا ويرضببخ بحببديث أم عطيببة الثببابت قببالت‪" :‬كنببا‬
‫نغزو مع رسول ال صلى ال عليه وسلم فنداوي الجرحى ونمرض المرضببى وكببان‬
‫يرضخ لنا من الغنيمة"‪ .‬وسبب اختلفهم هو اختلفهم في تشبببيه المببرأة بالرجببل فببي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫كونها إذا غزت لها تأثير في الحرب أم ل؟ فببإنهم اتفقببوا علببى أن النسبباء مببباح لهببن‬
‫الغزو‪ ،‬فمن شبههن بالرجال أوجب لهن نصيبا في الغنيمة‪ ،‬ومن رآهن ناقصات عن‬
‫الرجال في هذا المعنى إما لم يوجب لهن شيئا وإمببا أوجببب لهببن دون حببظ الغببانمين‬
‫وهو الرضاخ‪ ،‬والولى اتباع الثببر‪ ،‬وزعببم الوزاعببي "أن رسببول الب صببلى الب‬
‫عليه وسلم أسهم للنساء بخيبر" وكذلك اختلفوا في التجار والجراء هل يسببهم لهببم أم‬
‫ل؟ فقال مالك‪ :‬ل يسهم لهم إل أن يقاتلوا‪ ،‬وقال قوم‪ :‬بل يسهم إذا شهدوا القتال‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم هو تخصيص عموم قوله تعالى }واعلموا أنما غنمتم من شببيء فببأن‬
‫ل خمسه{ بالقياس الذي يوجب الفرق بين هؤلء وسائر الغانمين‪ ،‬وذلك أن من رأى‬
‫أن التجار والجراء حكمهم حكببم خلف سببائر المجاهببدين لنهببم لببم يقصببدوا القتببال‬
‫وإنما قصببدوا إمببا التجببارة وإمببا الجببارة اسببتثناهم مببن ذلببك العمببوم‪ .‬ومببن رأى أن‬
‫العموم أقوى من هذا القياس أجرى العموم على ظاهره‪ ،‬ومن حجة من اسببتثناهم مببا‬
‫خرجه عبد الرزاق أن عبد الرحمن بن عوف قببال لرجببل مببن فقببراء المهبباجرين أن‬
‫يخرج معهم‪ ،‬فقال نعم فوعده‪ ،‬فلما حضر الخروج دعاه فأبى أن يخرج معه واعتببذر‬
‫له بأمر عياله وأهله‪ ،‬فأعطاه عبد الرحمببن ثلثببة دنببانير علببى أن يخببرج معببه‪ ،‬فلمببا‬
‫هزموا العدو سأل الرجل عبد الرحمن نصيبه من المغنم فقال عبببد الرحمببن‪ :‬سببأذكر‬
‫أمرك لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فذكره له‪ ،‬فقال رسببول ال ب صببلى الب عليببه‬
‫وسلم "تلك الثلثة دنانير حظه ونصيبه من غزوه في أمر دنياه وآخرته" وخرج مثله‬
‫أبو داود عن يعلى بن منبه ومن أجاز له القسم شبهه بالجعببائل أيضببا وهببو أن يعيببن‬
‫أهل الديوان بعضهم بعضا‪ ،‬أعني أن يعين القاعد منهم الغازي‪ .‬وقببد اختلببف العلمبباء‬
‫في الجعائل‪ ،‬فأجازها مالك ومنعها غيره‪ ،‬ومنهم من أجاز ذلك من السببلطان فقببط أو‬
‫إذا كانت ضرورة‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة والشافعي‪ .‬وأما الشرط الذي يجب به للمجاهببد‬
‫السهم من الغنيمة‪ ،‬فإن الكثر على أنه إذا شهد القتال وجب له السببهم وإن لبم يقاتبل‪،‬‬
‫وأنه إذا جاء بعد القتال فليس له سهم في الغنيمة‪ ،‬وبهذا قال الجمهور‪ .‬وقال قببوم‪ :‬إذا‬
‫لحقهم قبل أن يخرجوا إلى دار السببلم وجببب لببه حظببه مببن الغنيمببة إن اشبتغل فبي‬
‫شيء من أسبابها‪ ،‬وهو قول أبي حنيفة‪ .‬والسبب في اختلفهم سببان‪ :‬القياس والثببر‪.‬‬
‫أما القياس فهو هل يلحق تأثير الغازي في الحفظ بتأثيره فببي الخببذ؟ وذلببك أن الببذي‬
‫شهد القتال له تأثير في الخذ‪ :‬أعني في أخببذ الغنيمببة وبببذلك اسببتحق السببهم‪ ،‬والببذي‬
‫جاء قبل أن يصلوا إلى بلد المسلمين له تأثير في الحفظ‪ ،‬فمن شبه التأثير في الحفظ‬
‫بالتأثير في الخذ قال‪ :‬يجب له السببهم وإن لببم يحضببر القتببال‪ ،‬ومببن رأى أن الحفببظ‬
‫أضعف لم يوجب له‪.‬‬
‫وأما الثر فإن في ذلببك أثريببن متعارضببين‪ :‬أحببدهما مببا روي عببن أبببي هريببرة "أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم بعث أبان بن سعيد على سرية من المدينة قبببل نجببد‪،‬‬
‫فقدم أبان وأصحابه على النبي صلى ال عليه وسلم بخيبر بعد ما فتحوها فقال أبببان‪:‬‬
‫اقسم لنا يا رسول ال‪ ،‬فلم يقسم له رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم منهببا" والثببر‬
‫الثاني ما روي أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قببال يببوم بببدر "إن عثمببان انطلببق‬
‫في حاجة ال وحاجة رسوله‪ ،‬فضرب له رسول ال صلى ال عليه وسببلم بسببهم ولببم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يضرب لحد غاب عنها" قالوا‪ :‬فوجب له السهم لن اشتغاله كان بسبب المببام‪ .‬قببال‬
‫أبو بكر بن المنذر‪ :‬وثبت أن عمر بن الخطاب رضي ال عنه قال‪ :‬الغنيمة لمن شبهد‬
‫الوقيعة‪ .‬وأما السرايا التي تخرج من العساكر فتغنم‪ ،‬فالجمهور على أن أهل العسكر‬
‫يشاركونهم فيما غنموا وإن لم يشهدوا الغنيمة ول القتال‪ ،‬وذلببك لقببوله عليببه الصببلة‬
‫والسلم "وترد سراياهم على قعدتهم" خرجه أبو داود‪ ،‬ولن لهم تأثير أيضا في أخببذ‬
‫الغنيمة‪ .‬وقال الحسن البصري‪ :‬إذا خرجت السرية بإذن المببام مببن عسببكره خمسببها‬
‫وما بقي فلهل السببرية‪ ،‬وإن خرجببوا بغيببر إذنببه خمسببها‪ ،‬وكببان مببا بقببي بيببن أهببل‬
‫الجيش كله‪ .‬وقال النخعي‪ :‬المام بالخيار إن شاء خمس ما ترد السرية وإن شاء نفلبه‬
‫كله‪ .‬والسبب أيضا فبي هبذا الختلف هبو تشببيه تبأثير العسبكر فبي غنيمبة السبرية‬
‫بتأثير من حضر القتال بها وهم أهل السرية‪ ،‬فإذن الغنيمة إنمبا تجبب عنبد الجمهبور‬
‫للمجاهد بأحد شرطين‪ :‬إما أن يكببون ممببن حضببر القتببال‪ ،‬وإمببا أن يكببون ردءا لمببن‬
‫حضر القتببال‪ ،‬وأمببا كببم يجببب للمقاتببل فببإنهم اختلفببوا فببي الفببارس‪ ،‬فقببال الجمهببور‪:‬‬
‫للفارس ثلثة أسهم‪ :‬سهم له‪ ،‬وسهمان لفرسه‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬للفارس سهمان‪ :‬سببهم‬
‫لفرسه‪ ،‬وسهم له‪.‬‬
‫والسبب فببي اختلفهببم اختلف الثببار ومعارضببة القيبباس للثببر‪ ،‬وذلببك أن أبببا داود‬
‫خرج عن ابن عمر "أن النبي صلى ال عليه وسلم أسهم لرجل وفرسبه ثلثبة أسببهم‪:‬‬
‫سهمان للفرس‪ ،‬وسهم لراكبه" وخرج أيضا عن مجمببع بببن حارثببة النصبباري مثببل‬
‫قول أبي حنيفة‪ .‬وأما القياس المعارض لظاهر حديث ابببن عمبر فهبو أن يكبون سببهم‬
‫الفرس أكببر مبن سبهم النسبان‪ ،‬هبذا البذي اعتمبده أببو حنيفبة فبي ترجيبح الحبديث‬
‫الموافق لهذا القياس على الحديث المخالف له‪ ،‬وهببذا القيبباس ليببس بشببيء‪ ،‬لن سببهم‬
‫الفرس إنما استحقه النسان البذي هببو الفببارس ببالفرس وغيببر بعيبد أن يكبون تببأثير‬
‫الفارس بالفرس في الحرب ثلثة أضعاف تأثير الراجل بل لعله واجب مع أن حديث‬
‫ابن عمر أثبت‪ .‬وأما ما يجوز للمجاهد أن يأخذ من الغنيمة قبل القسم فببإن المسببلمون‬
‫اتفقوا على تحريم الغول لما ثبت في ذلك عن رسول ال صلى الب عليببه وسببلم مثببل‬
‫قوله عليه الصلة والسلم "أد الخائط والمخيط‪ ،‬فإن الغلول عببار وشببنار علببى أهلببه‬
‫يوم القيامة" إلى غير ذلببك مببن الثببار الببواردة فببي هببذا الببباب‪ .‬واختلفببوا فببي إباحببة‬
‫الطعام للغزاة ما داموا في أرض الغزو فأباح ذلك الجمهور‪ ،‬ومنع من ذلك قوم وهو‬
‫مذهب ابن شهاب‪ .‬والسبب فببي اختلفهببم معارضببة الثببار الببتي جبباءت فببي تحريببم‬
‫الغلول للثار الواردة في إباحة أكل الطعام من حديث ابن عمر وابن المغفل وحديث‬
‫ابن أبي أوفى‪ ،‬فمن خصص أحاديث تحريم الغلول بهببذه أجبباز أكببل الطعببام للغببزاة‪،‬‬
‫ومن رجح أحاديث تحريم الغلول على هذا لم يجز ذلك‪ ،‬وحديث ابن مغفل هببو قببال‪:‬‬
‫"أصبت جراب شحم يوم خيبر‪ ،‬فقلت ل أعطببي منببه شببيئا‪ ،‬فببالتفت فببإذا رسببول الب‬
‫صلى ال عليه وسلم يبتسم" خرجه البخاري ومسلم‪ .‬وحديث ابن أبي أوفى قبال "كنبا‬
‫نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ول ندفعه" خرجه أيضا البخاري‪ .‬واختلفببوا‬
‫في عقوبة الغال‪ ،‬فقال قوم‪ :‬يحرق رحله‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬ليس لبه عقباب إل التعزيبر‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وسبب اختلفهم اختلفهم في تصحيح حديث صالح بن محمد بن زائدة عن سالم عببن‬
‫ابن عمر أنه قال‪ :‬قال عليه الصلة والسلم "من غل فأحرقوا متاعه"‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثالث في حكم النفال‪.‬‬
‫@‪-‬وأما تنفيل المام من الغنيمة لمن شاء‪ ،‬أعني أن يزيده على نصيبه‪ ،‬فإن العلمبباء‬
‫اتفقوا على جواز ذلك‪ ،‬واختلفوا من أي شيء يكون النفببل وفببي مقببداره وهببل يجببوز‬
‫الوعد به قبل الحرب؟ وهل يجب السلب للقاتل أم ليس يجب إل أن ينفلببه لببه المببام؟‬
‫فهذه أربع مسائل هي قواعد هذا الفصل‪.‬‬
‫@‪)-‬أما المسألة الولى( فإن قوما قالوا‪ :‬النفل يكون من الخمس الببواجب لبببيت مببال‬
‫المسلمين‪ ،‬وبه قال مالك‪ :‬وقال قوم‪ :‬بل النفل إنما يكون من خمس الخمس وهببو حبظ‬
‫المام فقط‪ ،‬وهو الذي اختاره الشافعي‪ .‬وقال قوم‪ :‬بل النفل مببن جملببة الغنيمببة‪ ،‬وبببه‬
‫قال أحمببد وأبببو عبيببدة‪ ،‬ومببن هببؤلء مببن أجبباز تنفيببل جميببع الغنيمببة‪ .‬والسبببب فببي‬
‫اختلفهم هو هل بين اليتين الببواردتين فببي المغببانم تعببارض أم همببا علببى التخييببر؟‬
‫أعني قوله تعالى }واعلموا أنما غنمتم من شيء{ الية‪ ،‬وقوله تعببالى }يسببألونك عببن‬
‫النفال{ الية‪ .‬فمن رأى أن قوله تعالى }واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن ل خمسه{‬
‫ناسخا لقوله تعالى }يسألونك عن النفال{ قال‪ :‬ل نفل إل مببن الخمببس أو مببن خمببس‬
‫الخمس‪ .‬ومببن رأى أن اليببتين ل معارضببة بينهمببا وأنهمببا علببى التخييببر‪ ،‬أعنببي أن‬
‫للمام أن ينفل مببن رأس الغنيمببة مببن شبباء‪ ،‬ولببه أل ينفببل بببأن يعطببى جميببع أرببباع‬
‫الغنيمة للغانمين قال بجواز النفل من رأس الغنيمة‪ .‬ولختلفهم أيضا سبب آخر وهو‬
‫اختلف الثار في هذا الباب‪ ،‬وفي ذلك أثران‪ :‬أحدهما ما روى مالك عبن اببن عمبر‬
‫"أن رسول ال صلى ال عليه وسلم بعببث سببرية فيهببا عبببد الب ابببن عمببر قبببل نجببد‬
‫فغنموا إبل كثيرة‪ ،‬فكان سهمانهم اثني عشببر بعيببرا ونفلببوا بعيببرا بعيببرا" وهببذا يببدل‬
‫على أن النفل كان بعببد القسببمة مببن الخمببس‪ .‬والثبباني حبديث حبببيب بببن مسببلمة "أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم كان ينفل الربع من السبرايا بعبد الخمبس فبي الببداءة‬
‫وينفلهم الثلث بعد الخمس في الرجعة" يعني في بداءة غببزوه عليببه الصببلة والسببلم‬
‫وفي انصرافه‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثانية( وهي مببا مقببدار مببا للمببام أن ينفببل مببن ذلببك؟ عنببد الببذين‬
‫أجازوا النفل من رأس الغنيمة فإن قوما قالوا‪ :‬ل يجببوز أن ينفببل أكببثر مببن الثلببث أو‬
‫الربع على حديث حبيب بن مسلمة‪ .‬وقال قوم‪ :‬إن نفل المام السرية جميع ما غنمببت‬
‫جاز مصيرا إلى أن آية النفال غير منسوخة بل محكمة‪ ،‬وأنهببا علببى عمومهببا غيببر‬
‫مخصصة‪ .‬ومن رأى أنها مخصصة بهذا الثر قال‪ :‬ل يجوز أن ينفل أكثر من الربع‬
‫أو الثلث‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثالثة( وهي هل يجوز الوعد بالتنفيل قبل الحببرب أم ليببس يجببوز‬
‫ذلك؟ فإنهم اختلفوا فيه‪ ،‬فكره ذلك مالك وأجازه وجماعة‪ .‬وسبب اختلفهببم معارضببة‬
‫مفهوم مقصد الغزو لظاهر الثر‪ ،‬وذلك أن الغزو إنمببا يقصببد بببه وجببه الب العظيببم‪،‬‬
‫ولتكون كلمة ال هببي العليببا‪ ،‬فببإذا وعببد المببام بالنفببل قبببل الحببرب خيببف أن يسببفك‬
‫دماءهم الغزاة في حق غير ال‪ .‬وأما الثر الذي يقتضي ظاهره جببواز الوعببد بالنفببل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فهو حديث حبيب بن مسلمة "أن النبي عليببه الصببلة والسببلم كببان ينفببل فببي الغببزو‬
‫السرايا الخارجة من العسكر الربع وفي القفول الثلث" ومعلوم أن المقصود مببن هببذا‬
‫إنما هو التنشيط على الحرب‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الرابعة( وهي هل يجب سلب المقتول للقاتببل أو ليببس يجبب إل إن‬
‫نفله له المام؟ فإنهم اختلفوا في ذلك‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ل يستحق القاتببل سببلب المقتببول إل‬
‫أن ينفله له المام على جهة الجتهاد وذلك بعد الحرب‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة والثوري‪.‬‬
‫وقال الشافعي وأحمد وأبو ثببور وإسببحاق وجماعببة السببلف‪ :‬واجببب للقاتببل قببال ذلببك‬
‫المام أو لم يقله‪ .‬ومن هؤلء من جعل السلب له على كل حال ولم يشببترط فببي ذلببك‬
‫شرطا‪ .‬ومنهم مببن قببال ل يكببون لببه السببلب إل إذا قتلببه مقبل غيببر مببدبر‪ ،‬وبببه قببال‬
‫الشافعي‪ .‬ومنهم من قال‪ :‬إنما يكون السلب للقاتل إذا كان القتل قبل معمعة الحرب أو‬
‫بعدها‪ .‬وأما إن قتله في حين المعمعة فليس له سلب‪ ،‬وبه قال الوزاعي‪ .‬وقببال قببوم‪:‬‬
‫إن استكثر المام السلب جبباز أن يخمسببه‪ .‬وسبببب اختلفهببم هببو احتمببال قببوله عليببه‬
‫الصلة والسلم يوم حنين بعد ما برد القتال "من قتل قتيل فله سببلبه" أن يكببون ذلببك‬
‫منه عليه الصلة والسلم على جهببة النفببل أو علببى جهببة السببتحقاق للقاتببل‪ ،‬ومالببك‬
‫رحمه ال قوي عنده أنه على جهة النفل من قبل أنه لم يثبت عنده أنه قال ذلببك عليببه‬
‫الصلة والسلم ول قضى به إل أيام حنين‪ ،‬ولمعارضة آية الغنيمة له إن حمببل ذلببك‬
‫على الستحقاق‪ :‬أعني قوله تعالى }واعلموا أنما غنمتببم مببن شببيء{ اليببة‪ .‬فببإنه لمببا‬
‫نص في الية على أن الخمس ل علم أن الربعة الخماس واجبة للغببانمين كمببا أنببه‬
‫لما نص على الثلث للم في المببواريث علببم أن الثلببثين للب‪ .‬قببال أبببو عمببر‪ :‬وهببذا‬
‫القول محفوظ عنه صلى ال عليه وسلم فببي حنيببن وفببي بببدر‪ .‬وروي عببن عمببر بببن‬
‫الخطاب أنه قال‪" :‬كنا ل نخمس السبلب علبى عهبد رسبول صبلى الب عليبه وسبلم"‪.‬‬
‫وخرج أبو داود عن عوف بن مالك الشجعي وخالد بن الوليد "أن رسول ال صببلى‬
‫ال عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل" وخببرج ابببن أبببي شببيبة عببن أنببس بببن مالببك أن‬
‫البراء بن مالك حمل على مرزبان يوم الدارة فطعنه طعنة على قربوس سرجه فقتله‬
‫فبلغ سلبه ثلثين ألفا‪ ،‬فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فقال لبي طلحة‪ :‬إنا كنببا ل نخمببس‬
‫السلب وإن سلب البراء قد بلغ مال كثيرا ول أراني إل خمسته قال‪ :‬قال ابن سيرين‪:‬‬
‫فحدثني أنس بن مالك أنه أول سلب خمس في السلم‪ ،‬وبهببذا تمسببك مببن فببرق بيببن‬
‫السلب القليل والكثير‪ .‬واختلفوا في السلب الواجب مببا هببو؟ فقببال قببوم‪ :‬لببه جميببع مببا‬
‫وجد على المقتول‪ ،‬واستثنى قوم من ذلك الذهب والفضة‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الرابع في حكم ما وجد من أموال المسلمين عند الكفار‪.‬‬
‫@‪-‬وأما أموال المسلمين التي تسترد من أيدي الكفببار فببإنهم اختلفببوا فببي ذلببك علببى‬
‫أربعة أقوال مشهورة‪ :‬أحبدها أن مبا اسبترد المسبلمون مبن أيبدي الكفبار مبن أمبوال‬
‫المسلمين فهو لربابها من المسلمين وليس للغزاة المستردين لذلك منها شيء‪ ،‬وممبن‬
‫قال بهذا القول الشافعي وأصحابه وأبو ثور‪ ،‬والقول الثبباني أن مببا اسببترد المسببلمون‬
‫من ذلبك فهبو غنيمبة الجيبش ليبس لصباحبه منبه شبيء‪ ،‬وهبذا القبول قباله الزهبري‬
‫وعمرو بن دينار‪ ،‬وهو مروي عن علي بن أبي طببالب‪ .‬والقببول الثببالث أن مببا وجببد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫من أموال المسلمين قبل القسم فصاحبه أحق به بل ثمن‪ ،‬وما وجد من ذلك بعد القسم‬
‫فصاحبه أحق به بالقيمة‪ ،‬وهؤلء انقسموا قسمين‪ :‬فبعضهم رأى هذا الببرأي فببي كببل‬
‫ما استرده المسلمون من أيدي الكفار بأي وجه صار ذلك إلى أيدي الكفببار‪ ،‬وفببي أي‬
‫موضع صار‪ ،‬وممن قال بهذا القول مالك والثوري وجماعة‪ ،‬وهو مروي عببن عمببر‬
‫بن الخطاب‪ .‬وبعضهم فرق بين ما صار مببن ذلببك إلببى أيببدي الكفببار غلبببة وحببازوه‬
‫حتى أوصلوه إلى دار المشركين‪ ،‬وبين ما اخذ منهم قبل أن يحوزوه ويبلغببوا بببه دار‬
‫الشرك‪ ،‬فقالوا‪ :‬ما حازوه فحكمه إن ألفاه صاحبه قببل القسبم فهبو لبه‪ ،‬وإن ألفباه بعبد‬
‫القسم فهو أحق به بالثمن‪ .‬قالوا‪ :‬وأما ما لم يحزه العدو بأن يبلغوا دارهم به فصبباحبه‬
‫أحق به قبل القسم وبعده‪ ،‬وهذا هو القول الرابع‪.‬‬
‫واختلفهم راجع إلى اختلفهم في هل يملك الكفار على المسلمين أموالهم إذا غلبوهم‬
‫عليها أم ليس يملكونها؟ وسبب اختلفهببم فببي هببذه المسببألة تعبارض الثببار فببي هببذا‬
‫الباب والقياس‪ ،‬وذلك أن حبديث عمبران بببن حصبين يبدل علبى أن المشببركين ليبس‬
‫يملكون على المسلمين شيئا‪ ،‬وهو قال‪ :‬أغار المشركون على سببرح المدينببة وأخببذوا‬
‫العضباء ناقة رسول ال صلى ال عليه وسلم وامرأة من المسببلمين‪ ،‬فلمببا كببانت ذات‬
‫ليلة قامت المرأة وقد ناموا‪ ،‬فجعلت ل تضببع يببدها علببى بعيببر إل أرغببى حببتى أتببت‬
‫العضباء‪ ،‬فأتت ناقة ذلول فركبتهببا ثببم تببوجهت قبببل المدينببة ونببذرت لئن نجاهببا الب‬
‫لتنحرها‪ ،‬فلما قدمت إلى المدينة عرفت الناقة‪ ،‬فأتوا بها رسببول الب صببلى الب عليببه‬
‫وسلم‪ ،‬فأخبرته المرأة بنذرها‪ ،‬فقال‪" :‬بئس ما جزيتها‪ ،‬ل نذر فيما ل يملببك ابببن آدم‪،‬‬
‫ول نذر في معصية" وكذلك يدل ظاهر حديث ابببن عمببر علببى مثببل هببذا‪ ،‬وهببو أنببه‬
‫أغار له فرس فأخذها العدو فظهر عليه المسلمون‪ ،‬فردت عليه في زمان رسول البب‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهما حديثان ثابتان‪ .‬وأمببا الثببر الببذي يببدل علببى ملببك الكفببار‬
‫على المسلمين فقوله عليه الصلة والسلم "وهل ترك لنا عقيل من منزل" يعنببي أنببه‬
‫باع دوره التي كانت له بمكة بعد هجرتببه منهببا عليببه الصببلة والسببلم إلببى المدينببة‪.‬‬
‫وأما القياس فإن من شبه الموال بالرقاب قال الكفار كما ل يملكببون رقببابهم‪ ،‬فكببذلك‬
‫ل يملكون أموالهم كحال الباغي مع العادل‪ ،‬أعني أنه ل يملك عليهم المرين جميعا‪،‬‬
‫ومن قال يملكون قال‪ :‬من ليس يملك فهو ضامن للشيء إن فاتت عينه‪ ،‬وقببد أجمعببوا‬
‫على أن الكفار غير ضامنين لموال المسلمين‪ ،‬فلزم عن ذلك أن الكفبار ليسبوا بغيببر‬
‫مالكين للموال فهم مالكون‪ ،‬إذ لو كانوا غير مالكين لضمنوا‪.‬‬
‫وأما من فرق بين الحكم قبل الغنم وبعده‪ ،‬وبيببن مببا أخببذه المشببركون بغلبببة أو بغيببر‬
‫غلبة بأن صار إليهم من تلقائه مثببل العبببد البببق والفببرس العببائد فليببس لببه حببظ مببن‬
‫النظر‪ ،‬وذلك أنه ليس يجد وسطا بين أن يقول إما أن يملك المشرك على المسلم شيئا‬
‫أو ل يملكه إل أن يثبت في ذلك دليل سمعي‪ ،‬لكن أصحاب هذا المذهب إنما صبباروا‬
‫إليه لحديث الحسن بن عمارة عن عبد الملك بن ميسرة عن طباوس عببن ابببن عببباس‬
‫أن رجل وجد بعيرا له كان المشركون قد أصابوه‪ ،‬فقال رسول الب صببلى الب عليببه‬
‫وسلم "إن أصبته قبل أن يقسم فهو لبك‪ ،‬وإن أصبببته بعبد القسبم أخبذته بالقيمبة" لكبن‬
‫الحسن بن عمارة مجتمع على ضعفه وترك الحتجاج به عنبد أهبل الحبديث‪ ،‬والبذي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫عول عليه مالك فيما أحسب من ذلك هو قضاء عمر بذلك‪ ،‬ولكن ليس يجعل له أخذه‬
‫بالثمن بعد القسم على ظاهر حديثه واستثناء أبببي حنيفببة أم الولببد والمببدبر مببن سبائر‬
‫الموال ل معنى له‪ ،‬وذلك أنه يرى أن الكفار يملكون على المسببلمين سببائر المببوال‬
‫ما عدا هذين‪ ،‬وكذلك قول مالك في أم الولد إنه إذا أصابها مولها بعد القسم أن على‬
‫المام أن يفديها فإن لم يفعل أجبر سيدها على فدائها‪ ،‬فإن لم يكن له مال أعطيت له‪،‬‬
‫واتبعه الذي أخرجت في نصيبه بقيمتها دينا متى أيسر هو قببول أيضببا ليببس لببه حببظ‬
‫من النظر لنه إن لم يملكها الكفار فقد يجب أن يأخببذها بغيببر ثمببن‪ ،‬وإن ملكوهببا فل‬
‫سبيل له عليها‪ ،‬وأيضا فإنه ل فرق بينها وبيببن سببائر المببوال إل أن يثبببت فببي ذلببك‬
‫سماع‪ ،‬ومن هذا الصل‪ ،‬أعني اختلفهم هل يملك المشرك مال المسببلم أو ل يملببك؟‬
‫اختلف الفقهاء في الكافر يسلم وبيده مال مسلم هل يصببح لببه أم ل؟ فقببال مالببك وأبببو‬
‫حنيفة‪ :‬يصح له‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬على أصله ل يصح له‪ .‬واختلببف مالببك وأبببو حنيفببة‬
‫إذا دخل مسلم إلى الكفار على جهة التلصص وأخذ مما في أيببديهم مببال مسببلم‪ ،‬فقببال‬
‫أبو حنيفة‪ :‬هو أولى به وإن أراده صاحبه أخذه بالثمن‪ ،‬وقال مالك‪ :‬هو لصاحبه‪ ،‬فلببم‬
‫يجر على أصله‪.‬‬
‫ومن هذا الباب اختلفهببم فببي الحربببي يسببلم ويهبباجر ويببترك فببي دار ولببده وزوجببه‬
‫ومبباله هببل يكببون لمببا تببرك حرمببة مببال المسببلم وزوجببه وذريتببه فل يجببوز تملكهببم‬
‫للمسلمين إن غلبوا على ذلك أم ليس لما ترك حرمة؟ فمنهم مببن قببال‪ :‬لكببل مببا تببرك‬
‫حرمة السلم؛ ومنهم من قال‪ :‬ليس له حرمة؛ ومنهم من فرق بيببن المببال والزوجببة‬
‫والولد فقال‪ :‬ليس للمال حرمة‪ ،‬وللولد والزوجة حرمة‪ ،‬وهذا جببار علببى غيببر قيبباس‬
‫وهو قول مالك‪ ،‬والصل أن المبيح للمال هببو الكفببر‪ ،‬وأن العاصببم لببه هببو السببلم‪،‬‬
‫كما قال عليه الصلة والسلم "فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم" فمن زعببم‬
‫أن ههنا مبيحا للمال غير الكفر من تملك عدو أو غيره فعليه الدليل‪ ،‬وليس ههنا دليل‬
‫تعارض به هذه القاعدة‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الخامس في حكم ما افتتح المسلمون من الرض عنوة‪.‬‬
‫@‪-‬واختلفوا فيما افتتح المسبلمون مبن الرض عنبوة‪ .‬فقبال مالبك‪ :‬ل تقسبم الرض‬
‫وتكون وقفا يصرف خراجها في مصالح المسلمين من أرزاق المقاتلة وبناء القنبباطر‬
‫والمساجد وغير ذلك من سبل الخيببر إل أن يببرى المببام فببي وقببت مببن الوقببات أن‬
‫المصببلحة تقتضببي القسببمة‪ ،‬فببإن لببه أن يقسببم الرض‪ .‬وقببال الشببافعي‪ :‬الرضببون‬
‫المفتتحة تقسم كما تقسم الغنائم‪ :‬يعني خمسة أقسام‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬المام مخير بين‬
‫أن يقسمها على المسلمين أو يضرب على أهلها الكفارة فيها الخراج ويقرها بأيببديهم‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم ما يظن من التعارض بيببن آيببة سببورة النفببال وآيببة سببورة الحشببر‪،‬‬
‫وذلك أن آيببة النفببال تقتضببي بظاهرهببا أن كببل مببا غنببم يخمببس‪ ،‬وهببو قببوله تعببالى‬
‫}واعلموا أنما غنمتم{ وقوله تعالى في آية الحشر }والذين جبباءوا مببن بعببدهم{ عطفببا‬
‫على ذكر الذين أوجبب لهببم الفيببء يمكبن أن يفهبم منبه أن جميبع النباس الحاضبرين‬
‫والتين شركاء في الفيء كما روي عن عمر رضي ال عنه أنه قال في قببوله تعببالى‬
‫}والذين جاءوا من بعدهم{ ما أرى هذه الية إل قد عمت الخلق حببتى الراعببي بكببداء‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أو كلما هذا معناه‪ ،‬ولذلك لم تقسم الرض التي افتتحت فببي أيببامه عنببوة مببن أرض‬
‫العراق ومصر؛ فمن رأى أن اليتين متواردتببان علببى معنببى واحببد وأن آيببة الحشببر‬
‫مخصصببة ليببة النفببال اسببتثنى مببن ذلببك الرض؛ ومببن رأى أن اليببتين ليسببتا‬
‫متواردتين على معنى واحد‪ ،‬بببل رأى أن آيببة النفببال فببي الغنيمببة وآيببة الحشببر فببي‬
‫الفيء على ما هو ظاهر من ذلك قال‪ :‬تخمس الرض ول بد‪ ،‬ول سيما "أنه قد ثبببت‬
‫أنه عليه الصلة والسلم قسم خيببر بيبن الغبزاة"‪ .‬قبالوا‪ :‬فبالواجب أن تقسبم الرض‬
‫لعموم الكتاب وفعله عليه الصلة والسلم الذي يجري مجرى البيببان للمجمببل فضببل‬
‫عن العام‪ .‬وأما أبو حنيفة فإنما ذهب إلى التخيير بين القسمة وبين أن يقر الكفار فيها‬
‫على خراج يؤدونه‪ ،‬لنه زعبم أنبه قبد روي "أن رسبول الب صبلى الب عليبه وسبلم‬
‫أعطى خيبر بالشطر ثم أرسل ابن رواحة فقاسمهم" قالوا‪ :‬فظهر من هببذا أن رسببول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم لم يكن قسم جميعهببا ولكنببه قسببم طائفببة مببن الرض وتببرك‬
‫طائفة لم يقسمها‪ ،‬قالوا‪ :‬فبان بهذا أن المببام بالخيببار بيببن القسببمة والقببرار بأيببديهم‪،‬‬
‫وهو الذي فعل عمر رضي ال عنه‪ .‬وإن أسلموا بعد الغلبببة عليهببم كببان مخيببرا بيببن‬
‫المن عليهم أو قسمتها على ما فعل رسول ال صلى ال عليه وسلم بمكببة‪ :‬أعنببي مببن‬
‫المن‪ ،‬وهذا إنما يصح على رأي من رأى أنه افتتحها عنوة‪ ،‬فببإن النبباس اختلفببوا فببي‬
‫ذلك وإن كان الصح أنه افتتحها عنوة لنه البذي خرجبه مسبلم‪ .‬وينبغبي أن تعلبم أن‬
‫قول من قال‪ :‬إن آية الفيء وآية الغنيمة محمولتان على الخيار‪ ،‬وأن آية الفيء ناسخة‬
‫لية الغنيمة أو مخصصة لها أنه قول ضعيف جدا إل أن يكون اسببم الفيببء والغنيمببة‬
‫يدلن على معنى واحد‪ ،‬فإن كان ذلك فاليتان متعارضببتان‪ ،‬لن آيببة النفببال تببوجب‬
‫التخميس‪ ،‬وآية الحشر توجب القسمة دون التخميس فوجب أن تكون إحداهما ناسببخة‬
‫للخرى أو يكببون المببام مخيببرا بيببن التخميببس وتببرك التخميببس‪ ،‬وذلببك فببي جميببع‬
‫الموال المغنومة‪ .‬وذكر بعض أهل العلم أنه مذهب لبعض الناس وأظنببه حكبباه عببن‬
‫المذهب‪ ،‬ويجببب علببى مببذهب مببن يريببد أن يسببتنبط مببن الجمببع بينهمببا تببرك قسببمة‬
‫الرض وقسمة ما عدا الرض أن تكون كل واحدة من اليتين مخصصببة بعببض مببا‬
‫في الخرى أو ناسخة له حتى تكون آية النفال خصصت من عمببوم آيببة الحشببر مببا‬
‫عدا الرضين فأوجبت فيها الخمس‪ ،‬وآية الحشر خصصت مببن آيببة النفببال الرض‬
‫فلم توجب فيها خمسا‪ ،‬وهذه الدعوى ل تصح إل بدليل مع أن الظاهر من آية الحشر‬
‫أنها تضمنت القول فببي نببوع مببن المببوال مخببالف الحكببم للنببوع الببذي تضببمنته آيببة‬
‫النفال وذلك أن قوله تعالى }فما أوجفتم عليه مببن خيببل ول ركبباب{ هببو تنبببيه علببى‬
‫العلة التي من أجلها لم يوجب حق للجيش خاصة دون الناس والقسمة بخلف ذلك إذ‬
‫كانت تؤخذ باليجاف‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل السادس في قسمة الفيء‪.‬‬
‫@‪-‬وأما الفيء عند الجمهور فهو كل ما صار للمسلمين من الكفار من قبببل الرعببب‬
‫والخوف من غير أن يوجف عليه بخيببل أو رجببل‪ .‬واختلببف النبباس فببي الجهببة الببتي‬
‫يصرف إليها؛ فقال قوم‪ :‬إن الفيء لجميع المسلمين الفقير والغني‪ ،‬وإن المام يعطببي‬
‫منه للمقاتلة وللحكام وللببولة‪ ،‬وينفببق منببه فببي النببوائب الببتي تنببوب المسببلمين كبنبباء‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫القناطر وإصلح المساجد وغير ذلك ول خمس فببي شببيء منببه وبببه قببال الجمهببور‪،‬‬
‫وهو الثابت عن أبي بكر وعمر؛ وقببال الشببافعي‪ :‬بببل يكببون فيببه الخمببس‪ ،‬والخمببس‬
‫مقسوم على الصناف الذين ذكروا في آية الغنبائم وهبم الصبناف البذين ذكبروا فبي‬
‫الخمس بعينه من الغنيمة‪ ،‬وإن الباقي هو مصروف إلى اجتهاد المام ينفق منه علببى‬
‫نفسه وعلى عياله ومن رأى‪ ،‬وأحسب أن قوما قالوا‪ :‬إن الفيء غيببر مخمببس‪ ،‬ولكببن‬
‫يقسم على الصناف الخمسة الذين يقسم عليهم الخمس‪ ،‬وهو أحد أقوال الشافعي فيما‬
‫أحسب‪ .‬وسبب اختلف مببن رأى أنببه يقسببم جميعببه علببى الصببناف الخمسببة أو هببو‬
‫مصروف إلى اجتهاد المام هو سبب اختلفهبم فبي قسبمة الخمبس مبن الغنيمبة وقبد‬
‫تقدم ذلك‪ ،‬أعني أن من جعل ذكر الصناف في الية تنبيها على المستحقين لببه قببال‪:‬‬
‫هو لهذه الصناف المذكورين ومن فوقهم‪ .‬ومن جعببل ذكببر الصببناف تعديببدا للببذين‬
‫يستوجبون هذا المال قال‪ :‬ل يتعدى به هؤلء الصببناف‪ ،‬أعنببي أنببه جعلببه مببن ببباب‬
‫الخصوص ل من باب التبيه‪ .‬وأما تخميس الفيء فلم يقل به أحد قبل الشافعي‪ ،‬وإنمببا‬
‫حمله على هذا القول أنه رأى الفيء قد قسم في الية على عدد الصناف الببذين قسببم‬
‫عليهببم الخمببس‪ ،‬فاعتقببد لببذلك أن فيببه الخمببس‪ ،‬لنببه ظببن أن هببذه القسببمة مختصببة‬
‫بالخمس وليس ذلك بظاهر‪ ،‬بل الظاهر أن هذه القسمة تخص جميببع الفيببء ل جببزءا‬
‫منه‪ ،‬وهو الذي ذهب إليه فيما أحسب قوم‪ .‬وخرج مسلم عن عمر قال‪ :‬كببانت أمببوال‬
‫بني النضير ممببا أفبباء الب علببى رسببوله ممببا لببم يوجببف عليببه المسببلمون بخيببل ول‬
‫ركاب‪ ،‬فكانت للنبي صلى ال عليه وسلم خالصة‪ ،‬فكببان ينفببق منهببا علببى أهلببه نفقببة‬
‫سنة‪ ،‬وما بقي يجعله في الكراع والسلح عدة في سبيل ال‪ ،‬وهببذا يببدل علببى مببذهب‬
‫مالك‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل السابع في الجزية‪.‬‬
‫@‪-‬والكلم المحيط بأصول هذا الفصل ينحصر فببي سببت مسببائل‪ :‬المسببألة الولببى‪:‬‬
‫ممن يجوز أخذ الجزية؟ الثانية‪ :‬على أي الصناف منهببم تجببب الجزيببة؟ الثالثببة‪ :‬كببم‬
‫تجب؟ الرابعة‪ :‬متى تجبب ومببتى تسببقط؟ الخامسببة‪ :‬كبم أصبناف الجزيببة؟ السادسببة‪:‬‬
‫فيماذا يصرف مال الجزية؟‬
‫@‪)-‬المسألة الولى( فأما من يجوز أخذ الجزية منه؟ فإن العلماء مجمعون على أنببه‬
‫يجوز أخذها من أهل الكتاب العجم ومن المجوس كما تقدم‪ ،‬واختلفوا في أخذها ممببن‬
‫ل كتاب له وفيمن هو من أهل الكتاب من العرب بعد اتفاقهم فيما حكى بعضببهم أنهببا‬
‫ل تؤخذ من قرشي كتابي‪ ،‬وقد تقدمت هذه المسألة‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية( وهي أي الصناف من الناس تجببب عليهببم؟ فببإنهم اتفقببوا علببى‬
‫أنها إنما تجب بثلثة أوصاف الذكورية والبلوغ والحرية‪ ،‬وأنها ل تجب على النسبباء‬
‫ول على الصبيان إذا كانت إنما هي عوض من القتل والقتل إنما هببو متببوجه بببالمر‬
‫نحو الرجال البالغين إذ قد نهى عن قتببل النسبباء والصبببيان‪ ،‬وكببذلك أجمعببوا أنهببا ل‬
‫تجب على العبيد‪ .‬واختلفوا في أصناف من هؤلء‪ :‬منهببا فببي المجنببون وفببي المقعببد‪،‬‬
‫ومنها في الشيخ‪ ،‬ومنها في أهل الصوامع‪ ،‬ومنها في الفقير هببل يتبببع بهببا دينببا مببتى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أيسر أم ل؟ وكل هذه المسائل اجتهادية ليس فيهببا تببوقيت شببرعي‪ .‬وسبببب اختلفهببم‬
‫مبني على هل يقتلون أم ل؟ أعني هؤلء الصناف‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثالثة( وهي كم الواجب فببإنهم اختلفببوا فببي ذلببك‪ ،‬فببرأى مالببك أن‬
‫القدر الواجب في ذلك هو ما فرضه عمر رضببي الب عنببه وذلببك علببى أهببل الببذهب‬
‫أربعة دنانير‪ ،‬وعلى أهل الورق أربعون درهما‪ ،‬ومع ذلك أرزاق المسلمين وضببيافة‬
‫ثلثة أيام ل يزاد على ذلك ول ينقص منه؛ وقال الشبافعي‪ :‬أقلببه محببدود وهببو دينبار‬
‫وأكثره غير محدود وذلك بحسب ما يصالحون عليه‪ .‬وقال قوم‪ :‬ل تبوقيت فبي ذلبك‪،‬‬
‫وذلك مصروف إلى اجتهبباد المببام وبببه قببال الثببوري؛ وقببال أبببو حنيفببة وأصببحابه‪:‬‬
‫الجزية اثنا عشر درهما وأربعة وعشرون درهما وثمانية وأربعون ل ينقببص الفقيببر‬
‫من اثني عشر درهما ول يزاد الغني على ثمانيببة وأربعيببن درهمببا‪ ،‬والوسببط أربعببة‬
‫وعشرون درهما؛ وقال أحمد‪ :‬دينار أو عببدله معببافر ل يببزاد عليببه ول ينقببص منببه‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم اختلف الثار في هذا الباب‪ ،‬وذلك أنه روي "أن رسول ال ب صببلى‬
‫ال عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمببن وأمببره أن يأخببذ مببن كببل حببالم دينببارا أو عببدله‬
‫معافر" وهي ثياب باليمن‪ .‬وثبت عن عمر أنه ضرب الجزية على أهل الذهب أربعة‬
‫دنانير وعلى أهل الورق أربعين درهما مع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلثة أيام‪.‬‬
‫وروي عنه أيضا أنه بعث عثمان بن حنيف فوضع الجزية على أهببل السببواد ثمانيببة‬
‫وأربعين وأربعة وعشرين واثني عشر‪ .‬فمن حمل هذه الحاديث كلهببا علببى التخييببر‬
‫وتمسك في ذلك بعموم ما ينطلق عليه اسم جزية إذ ليس في توقيت ذلببك حببديث عببن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم متفق على صحته‪ ،‬وإنما ورد الكتاب في ذلك عاما‪ ،‬قببال‪:‬‬
‫ل حد في ذلك وهو الظهر وال أعلم‪ .‬ومن جمع بين حديث معاذ والثابت عن عمببر‬
‫قال‪ :‬أقله محدود ول حببد لكبثره‪ .‬ومبن رجببح أحببد حبديثي عمبر قبال‪ :‬إمببا ببأربعين‬
‫درهما وأربعة دنانير‪ ،‬وإما بثمانية وأربعين درهمببا وأربعببة وعشببرين واثنببي عشببر‬
‫على ما تقدم‪ .‬ومن رجح حديث معاذ لنه مرفوع قال‪ :‬دينار فقط أو عببدله معببافرا ل‬
‫يزاد على ذلك ول ينقص منه‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الرابعة( وهي متى تجب الجزية؟ فإنهم اتفقببوا علببى أنهببا ل تجببب‬
‫إل بعد الحول‪ ،‬وأنه تسقط عنه إذا أسلم قبل انقضاء الحول‪ .‬واختلفوا إذا أسلم بعد مببا‬
‫يحول عليه الحول هل تؤخذ منه جزيبة للحبول الماضبي بأسبره أو لمبا مضبى منبه؟‬
‫فقببال قببوم‪ :‬إذا أسببلم فل جزيببة عليببه بعببد انقضبباء الحببول كببان بعببد إسببلمه أو قبببل‬
‫انقضائه‪ ،‬وبهذا القول قال الجمهور؛ وقالت طائفة‪ :‬إن أسلم بعد الحببول وجبببت عليببه‬
‫الجزية‪ ،‬وإن أسلم قبل حلول الحول لم تجببب عليببه‪ ،‬وإنهببم اتفقببوا علببى أنببه ل تجببب‬
‫عليه قبل انقضاء الحول‪ .‬لن الحول شرط في وجوبهببا‪ ،‬فببإذا وجببد الرافببع لهببا وهببو‬
‫السلم قبل تقرر الوجوب‪ ،‬أعني قبل وجود شرط الوجوب لم تجببب؛ وإنمببا اختلفببوا‬
‫بعد انقضاء الحول لنها قد وجبت؛ فمن رأى أن السلم يهدم هذا الواجب في الكفببر‬
‫كما يهدم كثيرا من الواجبات قال‪ :‬تسقط عنه وإن كان إسلمه بعد الحول؛ ومن رأى‬
‫أنه ل يهدم السلم هذا الواجب كما ل يهدم كثيرا من الحقوق المترتبببة مثببل الببديون‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وغير ذلك قال‪ :‬ل تسقط بعد انقضاء الحول‪ .‬فسبب اختلفهم هببو هببل السببلم يهببدم‬
‫الجزية الواجبة أو ل يهدمها‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الخامسببة( وهببي كببم أصببناف الجزيببة؟ فببإن الجزيببة عنببدهم ثلثببة‬
‫أصناف‪ :‬جزية عنوية‪ ،‬وهي هذه التي تكلمنا فيها‪ ،‬أعني التي تفرض على الحربييببن‬
‫بعد غلبتهم‪ .‬وجزية صلحية‪ ،‬وهي التي يتبرعون بها ليكببف عنهببم‪ ،‬وهببذه ليببس فيهببا‬
‫توقيت ل في الواجب‪ ،‬ول فيمببن يجببب عليببه ول مببتى يجببب عليبه‪ ،‬وإنمبا ذلببك كلببه‬
‫راجع إلى التفاق الواقع في ذلك بين المسلمين وأهل الصببلح إل أن يقببول قببائل‪ :‬إنببه‬
‫إن كان قبول الجزية الصلحية واجبا على المسلمين فقد يجب أن يكون ههنببا قببدر مببا‬
‫إذا أعطبباه مببن أنفسببهم الكفبار وجبب علبى المسببلمين قبببول ذلببك منهببم فيكبون أقلهبا‬
‫محدودا وأكثرها غير محدود‪ .‬وأما الجزية الثالثبة فهبي العشببرية‪ ،‬وذلبك أن جمهبور‬
‫العلماء على أنه ليس على أهل الذمة عشر ول زكاة أصل فببي أمببوالهم إل مببا روي‬
‫عن طائفة منهم أنهم ضاعفوا الصدقة على نصارى بنبي تغلببب‪ ،‬أعنبي أنهببم أوجبببوا‬
‫إعطاء ضعف ما على المسلمين من الصدقة في شيء شيء مببن الشببياء الببتي تلببزم‬
‫فيها المسلمين الصدقة‪ ،‬وممن قال بهذا القول الشافعي وأبو حنيفببة وأحمببد والثببوري‪،‬‬
‫وهو فعل عمر بن الخطاب رضي ال عنه بهم‪ ،‬وليس يحفظ عن مالك في ذلك نببص‬
‫فيما حكوا‪ ،‬وقد تقدم ذلبك فبي كتباب الزكباة‪ .‬واختلفبوا هبل يجبب العشبر عليهبم فبي‬
‫الموال التي يتجرون بها إلى بلد المسلمين بنفس التجارة أو الذن إن كانوا حربيين‬
‫أم ل تجب إل بالشرط؟ فبرأى مالبك وكبثير مبن العلمباء أن تجبار أهبل الذمبة البذين‬
‫لذمتهم بالقرار في بلدهم الجزية يجب أن يؤخذ منهم ممبا يجلببونه مببن بلببد إلببى بلبد‬
‫العشر‪ ،‬إل ما يسوقون إلى المدينة خاصة فيؤخذ منه فيه نصف العشببر‪ ،‬ووافقببه أبببو‬
‫حنيفبة فبي وجبوبه ببالذن فبي التجبارة أو بالتجبارة نفسبها وخبالفه فبي القبدر فقبال‪:‬‬
‫الواجب عليهم نصف العشر؛ ومالك لم يشترط عليهم في العشر الواجب عنده نصببابا‬
‫ول حول؛ وأما أبو حنيفة فاشترط في وجوب نصف العشر عليهم الحببول والنصبباب‬
‫وهو نصاب المسلمين نفسه المذكور فببي كتبباب الزكبباة؛ وقبال الشببافعي‪ :‬ليببس يجببب‬
‫عليهم عشر أصل ول نصف عشر في نفس التجارة ول في ذلك شيء محدود إل ما‬
‫اصطلح عليه أو اشترط‪ ،‬فعلى هذا تكون الجزية العشرية من نوع الجزية الصببلحية؛‬
‫وعلى مذهب مالك وأبي حنيفة تكون جنسببا ثالثببا مببن الجزيببة غيببر الصببلحية والببتي‬
‫على الرقاب‪ .‬وسبب اختلفهم أنه لم يأت في ذلببك عببن رسببول ال ب صببلى الب عليببه‬
‫وسلم سنة يرجع إليها‪ ،‬وإنما ثبت أن عمر بن الخطاب فعببل ذلببك بهببم؛ فمببن رأى أن‬
‫فعل عمر هذا إنما فعله بأمر كان عنده في ذلك من رسول ال صلى الب عليببه وسببلم‬
‫أوجب أن يكون ذلك سنتهم؛ ومن رأى أن فعله هببذا كببان علببى وجببه الشببرط‪ ،‬إذ لببو‬
‫كان على غير ذلك لذكره قال‪ :‬ليس ذلببك بسببنة لزمببة لهببم إل بالشببرط‪ .‬وحكببى أبببو‬
‫عبيد في كتاب الموال عن رجل من أصحاب النبي عليببه الصببلة والسببلم ل أذكببر‬
‫اسمه الن أنه قيل له‪ :‬لم كنتم تأخذون العشر من مشركي العرب؟ فقال‪ :‬لنهببم كببانوا‬
‫يأخذون منا العشر إذا دخلنا إليهم‪ .‬قال الشافعي‪ :‬وأقل ما يجب أن يشارطوا عليه هو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ما فرضه عمر رضي ال عنه‪ ،‬وإن شورطوا على أكثر فحسن‪ .‬قال‪ :‬وحكم الحربببي‬
‫إذا دخل بأمان حكم الذمي‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة السادسة( وهي في ماذا تصببرف الجزيببة؟ فببإنهم اتفقببوا علببى أنهببا‬
‫مشتركة لمصببالح المسببلمين مببن غيببر تحديببد كالحببال فببي الفيببء عنببد مببن رأى أنببه‬
‫مصروف إلى اجتهاد المام‪ ،‬حتى لقد رأى كثير من الناس أن اسم الفيء إنما ينطلببق‬
‫على الجزية في آية الفيء‪ ،‬وإذا كان المر هكذا‪ ،‬فالموال السلمية ثلثة أصببناف‪:‬‬
‫صدقة‪ ،‬وفيء‪ ،‬وغنيمة‪ ،‬وهذا القدر كاف في تحصيل قواعد هذا الكتاب وال الموفببق‬
‫للصواب‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب اليمان‬
‫@‪-‬وهذا الكتاب ينقسم أول إلى جملتين‪ :‬الجملة الولى‪ :‬في معرفة ضروب اليمببان‬
‫وأحكامها‪ .‬والجملة الثانية‪ :‬في معرفة الشياء الرافعة لليمان اللزمة وأحكامها‪.‬‬
‫*‪)*3‬الجملببة الولببى( وهببذه الجملببة فيهببا ثلثببة فصببول‪ :‬الفصببل الول‪ :‬فببي معرفببة‬
‫اليمببان المباحببة وتمييزهببا مببن غيببر المباحببة‪ .‬الثبباني‪ :‬فببي معرفببة اليمببان اللغويببة‬
‫والمنعقدة‪ .‬الثالث‪ :‬في معرفة اليمان التي ترفعها الكفارة والتي ل ترفعها‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول في معرفة اليمان المباحة وتمييزها من غيرها‪.‬‬
‫@‪-‬واتفق الجمهور على أن الشياء منها ما يجوز في الشرع أن يقسم به‪ ،‬ومنها مببا‬
‫ل يجوز أن يقسببم بببه‪ .‬واختلفببوا أي الشببياء الببتي هببي بهببذه الصببفة؛ فقببال قببوم‪ :‬إن‬
‫الحلف المباح في الشرع هو الحلف بال‪ ،‬وأن الحالف بغير ال عاص؛ وقال قوم‪ :‬بل‬
‫يجوز الحلف بكل معظم بالشرع؛ والذين قالوا إن اليمان المباحببة هببي اليمببان بببال‬
‫اتفقوا على إباحة اليمان التي بأسمائه‪ ،‬واختلفوا فببي اليمببان الببتي بصبفاته وأفعبباله‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم في الحلف بغير ال من الشبياء المعظمبة بالشبرع معارضبة ظباهر‬
‫الكتاب في ذلك للثببر‪ ،‬وذلبك أن الب قبد أقسببم فببي الكتبباب بأشببياء كبثيرة مثببل قبوله‬
‫}والسماء والطارق{ وقوله }والنجم إذا هوى{ إلى غير ذلك من القسببام الببواردة فببي‬
‫القرآن‪ .‬وثبت أن النبي عليه الصلة والسلم قببال "إن ال ب ينهبباكم أن تحلفببوا بآبببائكم‬
‫من كان حالفا فليحلف بال أو ليصمت" فمببن جمببع بيببن الثببر والكتبباب بببأن قببال إن‬
‫الشياء الواردة في الكتاب المقسوم بها فيها محبذوف وهبو الب تببارك وتعبالى‪ ،‬وأن‬
‫التقدير‪ :‬ورب النجم‪ ،‬ورب السماء قال‪ :‬اليمان المباحة هي الحلف بببال فقببط؛ ومببن‬
‫جمع بينهما بأن المقصود بالحديث إنما هو أن ل يعظببم مببن لببم يعظببم الشببرع بببدليل‬
‫قوله فيه "إن ال ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم" وأن هذا من ببباب الخبباص أريببد بببه العببام‬
‫أجاز الحلف بكل معظم في الشرع‪ .‬فإذا سبب اختلفهبم هبو اختلفهبم فبي بنباء الي‬
‫والحديث‪ .‬وأما من منع الحلف بصفات ال وأفعاله فضعيف‪ .‬وسبب اختلفهم هو هل‬
‫يقتصر بالحديث على ما جاء من تعليق الحكم فيه بالسم فقط‪ ،‬أو يعدى إلى الصفات‬
‫والفعال‪ ،‬لكن تعليق الحكم في الحديث بالسم فقط جمود كببثير‪ ،‬وهببو أشبببه بمببذهب‬
‫أهل الظاهر وإن كان مرويا في المذهب حكاه اللخمي عن محمد بن المببواز‪ .‬وشببذت‬
‫فرقة فمنعت اليمين بال عز وجل‪ ،‬والحديث نص في مخالفة هذا المذهب‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني في معرفة اليمان اللغوية والمنقعدة‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬واتفقوا أيضا على أن اليمان منها لغو ومنهببا منعقببدة لقببوله تعببالى }ل يؤاخببذكم‬
‫ال باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بمببا عقببدتم اليمببان{ واختلفببوا فيمببا هببي اللغببو؟‬
‫فذهب مالك وأبو حنيفة إلى أنها اليمين على الشيء يظن الرجل أنببه علببى يقيببن منببه‬
‫فيخرج الشيء على خلف ما حلف عليه‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬لغو اليمين ما لم تنعقد عليه‬
‫النية مثل ما جرت به العادة من قول الرجل في أثناء المخاطبببة ل وال ب ل بببال ممببا‬
‫يجري على اللسنة بالعادة مببن غيببر أن يعتقببد لزومببه‪ ،‬وهببذا القببول رواه مالببك فببي‬
‫الموطأ عن عائشة‪ ،‬والقول الول مروي عن الحسن بن أبي الحسن وقتببادة ومجاهببد‬
‫وإبراهيم النخعي‪ .‬وفيه قول ثالث‪ ،‬وهببو أن يحلببف الرجببل وهببو غضبببان‪ ،‬وبببه قبال‬
‫إسماعيل القاضي من أصحاب مالك‪ .‬وفيه قببول رابببع‪ ،‬وهببو الحلببف علببى المعصببية‬
‫وروي عن ابن عباس‪ .‬وفيه قول خببامس‪ ،‬وهببو أن يحلببف الرجببل علببى أن ل يأكببل‬
‫شيئا مباحا له بالشرع‪ .‬والسبب في اختلفهم فببي ذلببك هببو الشببتراك الببذي فببي اسببم‬
‫اللغو‪ ،‬وذلك أن اللغببو قببد يكببون الكلم الباطببل مثببل قببوله تعببالى }والغببوا فيببه لعلكببم‬
‫تغلبون{ وقد يكون الكلم الذي ل تنعقد عليه نية المتكلم به‪ ،‬ويدل على أن اللغببو فببي‬
‫الية هو هذا أن هذه اليمين هي ضد اليمين المنعقدة وهي المؤكدة‪ ،‬فببوجب أن يكببون‬
‫الحكم المضاد للشيء المضاد‪ .‬والذين قالوا إن اللغو هو الحلف في إغلق أو الحلببف‬
‫على ما ل يوجب الشرع فيه شيئا بحسب ما يعتقد في ذلك قوم‪ ،‬فإنمببا ذهبببوا إلببى أن‬
‫اللغو ههنا يدل على معنى عرفببي فببي الشببرع وهبي اليمبان البتي يبببين الشبرع فببي‬
‫مواضع أخر سقوط حكمها مثل ما روي أنه‪" :‬ل طلق في إغلق" ومببا أشبببه ذلببك‪،‬‬
‫لكن الظهر هما القولن الولن‪ :‬أعني قول مالك والشافعي‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثالث في معرفة اليمببان الببتي ترفعهببا الكفببارة والببتي ل ترفعهببا‪ .‬وهببذا‬
‫الفصل أربع مسائل‪:‬‬
‫@‪)-‬المسألة الولى( اختلفبوا فبي اليمبان ببال المنعقبدة هبل يرفبع جميعهبا الكفبارة‬
‫سواء كان حلفا على شيء ماض أنه كان فلم يكن وهي التي تعرف باليمين الغموس‪،‬‬
‫وذلك إذا تعمد الكذب‪ ،‬أو على شيء مستقبل أنه يكون مببن قبببل الحببالف أو مببن قبببل‬
‫من هو بسببه فلم يكن‪ ،‬فقال الجمهور‪ :‬ليس في اليمين الغموس كفارة‪ ،‬وإنمببا الكفببارة‬
‫في اليمان التي تكون في المستقبل إذا خالف اليمين الحالف‪ ،‬وممن قببال بهببذا القببول‬
‫مالك وأبو حنيفة وأحمد بن حنبببل‪ .‬وقببال الشببافعي وجماعببة‪ :‬يجببب فيهببا الكفببارة أي‬
‫تسقط الكفارة الثم فيها كمبا تسبقطه فبي غيبر الغمبوس‪ .‬وسببب اختلفهبم معارضبة‬
‫عموم الكتاب للثر‪ ،‬وذلك أن قوله تعالى }ولكن يؤاخذكم بما عقدتم اليمببان فكفببارته‬
‫إطعام عشرة مساكين{ الية توجب أن يكون في اليميببن الغمببوس كفببارة لكونهببا مببن‬
‫اليمان المنعقدة‪ ،‬وقوله عليه الصلة والسببلم "مببن اقتطببع حببق امببرئ مسببلم بيمينببه‬
‫حرم ال عليه الجنة وأوجب له النار" يببوجب أن اليميببن الغمببوس ليببس فيهببا كفببارة‪،‬‬
‫ولكن للشافعي أن يستثني من اليمان الغموس ما ل يقتطع بها حق الغير‪ ،‬وهو الببذي‬
‫ورد فيه النص‪ ،‬أو يقول‪ :‬إن اليمبان البتي يقتطبع بهبا حبق الغيبر قبد جمعبت الظلبم‬
‫والحنث‪ ،‬فوجب أل تكون الكفارة تهدم المرين جميعا‪ ،‬أو ليبس يمكببن فيهببا أن تهبدم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الحنث دون الظلم‪ ،‬لن رفع الحنث بالكفارة إنما هو من باب التوبببة‪ ،‬وليببس تتبعببض‬
‫التوبة في الذنب الواحد بعينه‪ ،‬فإن تاب ورد المظلمة وكفر سقط عنه جميع الثم‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية( واختلببف العلمبباء فيمببن قببال‪ :‬أنببا كببافر بببال أو مشببرك بببال أو‬
‫يهودي أو نصراني إن فعلت كببذا ثببم يفعببل ذلببك هببل عليببه كفببارة أم ل؟ فقببال مالببك‬
‫والشافعي‪ :‬ليس عليه كفارة ول هذه يمين؛ وقببال أبببو حنيفببة‪ :‬هببي يميببن وعليببه فيهببا‬
‫الكفببارة إذا خببالف اليميببن وهببو قببول أحمببد بببن حنبببل أيضببا‪ .‬وسبببب اختلفهببم هببو‬
‫اختلفهم في هل يجوز اليمين بكل مبباله حرمببة أم ليببس يجببوز إل بببال فقببط؟ ثببم إن‬
‫وقعت فهل تنعقد أم ل؟ فمن رأى أن اليمان المنعقدة‪ :‬أعني الببتي هببي بصببيغ القسببم‬
‫إنما هي اليمان الواقعة بال عز وجل وبأسمائه قال‪ :‬ل كفارة فيهبا إذ ليسبت بيميببن؛‬
‫ومن رأى أن اليمببان تنعقببد بكببل مببا عظببم الشببرع حرمتببه قببال‪ :‬فيهببا الكفببارة‪ ،‬لن‬
‫الحلف بالتعظيم كالحلف بببترك التعظيببم‪ ،‬وذلببك أنببه كمببا يجببب التعظيببم يجببب أن ل‬
‫يترك التعظيم‪ ،‬فكما أن من حلف بوجوب حق ال عليه لزمه كذلك مببن حلببف بببترك‬
‫وجوبه لزمه‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثالثة( واتفق الجمهببور فببي اليمببان الببتي ليسببت أقسبباما بشببيء وإنمببا‬
‫تخرج مخرج اللزام الواقع بشرط من الشروط‪ ،‬مثل أن يقول القائل‪ :‬فإن فعلببت كببذا‬
‫فعلي مشي إلى بيت ال‪ ،‬أو إن فعلت كببذا وكببذا فغلمببي حببر أو امرأتببي طببالق أنهببا‬
‫تلببزم فببي القببرب‪ ،‬وفيمببا إذا الببتزمه النسببان لزمببه بالشببرع مثببل الطلق والعتببق‪.‬‬
‫واختلفوا هل فيها كفارة أم ل؟ فذهب مالك إلى أن ل كفارة فيها‪ ،‬وأنه إن لم يفعل مببا‬
‫حلف عليه أثم ول بد؛ وذهب الشافعي وأحمد وأبو عبيد وغيرهم إلى أن هذا الجنببس‬
‫من اليمان فيها الكفارة إل الطلق والعتق؛ وقال أبو ثور‪ :‬يكفببر مببن حلببف بببالعتق‪،‬‬
‫وقول الشافعي مروي عن عائشة‪ .‬وسبب اختلفهم هل هي يميببن أو نببذر‪ ،‬فمببن قببال‬
‫إنها يمين أوجب فيها الكفارة لدخولها تحت عموم قوله تعالى }فكفارته إطعبام عشبرة‬
‫مساكين{ الية‪ .‬ومن قال إنها من جنس النذر‪ :‬أي من جنس الشياء التي نص عليهببا‬
‫الشرع على أنه إذا ألتزمها النسان لزمته قال‪ :‬ل كفببارة فيهببا لكببن يعسببر هببذا علببى‬
‫المالكية لتسميتهم إياهببا إيمانببا‪ ،‬لكببن لعلهببم إنمببا سببموها أيمانببا علببى طريببق التجببوز‬
‫والتوسع‪ .‬والحق أنه ليس يجب أن تسمى بحسب الدللة اللغوية أيمانببا‪ ،‬فببإن اليمببان‬
‫في لغة العرب لها صيغ مخصوصة‪ ،‬وإنما يقع اليمين بالشببياء الببتي تعظببم وليسببت‬
‫صيغة الشرط هي صيغة اليمين‪ ،‬فأما هل تسمى أيمانا بالعرف الشرعي وهل حكمها‬
‫حكم اليمان؟ ففيه نظر‪ ،‬وذلك أنه قد ثبت أنه عليه الصلة والسلم قال "كفارة النذر‬
‫كفارة يمين" وقال تعالى }لم تحرم ما أحل ال لك{ إلى قوله }قد فرض ال لكببم تحلببة‬
‫أيمانكم{ فظاهر هبذا أنبه قبد سبمي بالشبرع القبول البذي مخرجبه مخبرج الشبرط أو‬
‫مخرج اللزام دون شرط ول يمين‪ ،‬فيجب أن تحمل على ذلببك جميببع القاويببل الببتي‬
‫تجري هذا المجرى إل ما خصصه الجماع من ذلببك مثببل الطلق‪ ،‬فظبباهر الحببديث‬
‫يعطي أن النذر ليس بيمين وأن حكمه حكم اليمين؛ وذهب داود وأهل الظاهر إلى أنه‬
‫ليس يلزم من مثل هذه القاويل‪ ،‬أعني الخارجة مخرج الشرط إل ما ألزمه الجمبباع‬
‫من ذلك وذلك أنها ليست بنذور فيلزم فيهببا النببذر‪ ،‬ول بأيمببان فترفعهببا الكفببارة‪ ،‬فلببم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يوجبوا على من قال‪ :‬إن فعلت كذا وكذا فعلي المشي إلى بيت ال ب مشببيا ول كفببارة‪،‬‬
‫بخلف ما لو قال‪ :‬علي المشببي إلببى بيببت الب لن هببذا نببذر باتفبباق‪ ،‬وقببد قببال عليببه‬
‫الصلة والسلم "من نذر أن يطيببع الب فليطعببه‪ ،‬ومببن نببذر أن يعصببيه فل يعصببيه"‬
‫فسبب هذا الخلف في هذه القاويل التي تخرج مخرج الشرط هو هل هببي أيمببان أو‬
‫نذور؟ أو ليست أيمانا ول نذورا؟ فتأمل هذا فإنه بين إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الرابعة( اختلفوا في قول القائل‪ :‬أقسم أو أشهد إن كان كذا وكذا هل هبو‬
‫يمين أم ل؟ على ثلثة أقوال‪ :‬فقيل إنه ليس بيمين‪ ،‬وهببو أحببد قببولي الشببافعي؛ وقيببل‬
‫إنها أيمان ضد القول الول‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة؛ وقيل إن أراد ال بها فهو يمين‪ ،‬وإن‬
‫لم يرد ال بها فليست بيمين‪ ،‬وهو مذهب مالك‪ .‬وسبببب اختلفهببم هببو هببل المراعببى‬
‫اعتبار صيغة اللفظ أو اعتبار مفهببومه بالعببادة أو اعتبببار النيببة؟ فمببن اعتبببر صببيغة‬
‫اللفظ قال‪ :‬ليست بيمين إذ لم يكن هنالك نطق بمقسوم بببه؛ ومببن اعتببر صببيغة اللفبظ‬
‫بالعادة قال‪ :‬هي يمين وفي اللفظ محذوف ول بد وهو ال تعالى؛ ومن لم يعتبر هذين‬
‫المرين واعتبر النية إذ كان اللفظ صالحا للمرين فرق في ذلك كما تقدم‪.‬‬
‫*‪)*3‬الجملببة الثانيببة( وهببذه الجملببة تنقسببم أول قسببمين‪ :‬القسببم الول‪ :‬النظببر فببي‬
‫الستثناء‪ .‬والثاني‪ :‬النظر في الكفارات‪.‬‬
‫*‪*4‬القسم الول‪ .‬وفي هذا القسم فصلن‪ :‬الفصل الول‪ :‬في شروط الستثناء المؤثر‬
‫في اليمين‪ .‬الفصل الثاني‪ :‬في تعريف اليمان التي يبؤثر فيهبا السبتثناء مبن البتي ل‬
‫يؤثر‪.‬‬
‫*‪*5‬الفصل الول في شروط الستثناء المؤثر في اليمين‪.‬‬
‫@‪-‬وأجمعوا على أن الستثناء بالجملة له تأثير في حل اليمان واختلفوا في شببروط‬
‫الستثناء الذي يجب له هذا الحكم بعد أن أجمعوا علببى أنببه إذا اجتمببع فببي السببتثناء‬
‫ثلثة شروط أن يكون متناسقا مع اليمين وملفوظا به ومقصودا من أول اليمين أنه ل‬
‫ينعقد معه اليمين؛ واختلفوا في هببذه الثلثببة مواضببع‪ ،‬أعنببي إذا فببرق السببتثناء مببن‬
‫اليمين أو نواه ولم ينطق به أو حدثت له نية الستثناء بعد اليمين وإن أتى به متناسببقا‬
‫مع اليمين‪.‬‬
‫@‪)-‬فأما المسألة الولى( وهي اشتراط اتصاله بالقسم فإن قوما اشترطوا ذلببك فيببه‪،‬‬
‫وهو مذهب مالببك؛ وقببال الشببافعي‪ :‬ل بببأس بينهمببا بالسببكتة الخفيفببة كسببكتة الرجببل‬
‫للتذكر أو للتنفس أو لنقطاع الصوت‪ .‬وقال قوم من التابعين يجوز للحالف الستثناء‬
‫ما لم يقم من مجلسه؛ وكان ابن عباس يرى أن له السببتثناء أبببدا علببى مببا ذكببر منببه‬
‫متى ما ذكر‪ ،‬وإنما اتفق الجميع على أن استثناء مشيئة ال في المر المحلببوف علببى‬
‫فعله إن كان فعل أو على تركه إن كان تركببا رافببع لليميببن‪ ،‬لن السببتثناء هببو رفببع‬
‫للزوم اليمين‪ .‬قال أبو بكر بن المنذر‪ :‬ثبت أنه رسول ال صلى الب عليببه وسببلم قببال‬
‫"من حلف فقال إن شاء ال لم يحنث" وإنما اختلفوا هل يؤثر في اليمين إذا لم توصل‬
‫بها أو ل يؤثر؟ لختلفهم هل الستثناء حال للنعقاد أم هببو مببانع لببه؟ فببإذا قلنببا إنببه‬
‫مانع للنعقاد ل حال له اشترط أن يكون متصل باليمين‪ ،‬وإذا قلنا إنببه حببال لببم يلببزم‬
‫فيه ذلك‪ .‬والذين اتفقوا على أنه حال اختلفوا هل هو حال بببالقرب أو بالبعببد علببى مببا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫حكينا‪ ،‬وقد احتج من رأى أنه حال بالقرب بما رواه سعد عن سماك ابببن حببرب عببن‬
‫عكرمة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "وال لغببزون قريشببا‪ ،‬قالهببا ثلث‬
‫مرات ثم سكت‪ ،‬ثم قال‪ :‬إن شاء ال" فدل هذا على أن الستثناء حال لليميببن ل مببانع‬
‫لها من النعقاد‪ .‬قالوا‪ :‬ومن الدليل على أنه حال بالقرب أنه لو كان حال بالبعد علببى‬
‫ما رواه ابن عباس لكان الستثناء يغني عن الكفارة والذي قبالوه بيبن‪ .‬وأمبا اشبتراط‬
‫النطق باللسان فإنه اختلف فيه‪ ،‬فقيل لبد فيه من اشتراط اللفظ أي لفظ كان من ألفاظ‬
‫الستثناء وسواء كان بألفاظ الستثناء أو بتخصيص العموم أو بتقييد المطلق هذا هببو‬
‫المشهور‪ .‬وقيل إنما ينفع الستثناء بالنية بغير لفظ فببي حببرف إل فقببط‪ :‬أي بمببا يببدل‬
‫عليه لفظ إل‪ ،‬وليس ينفع ذلك فيما سواه من الحروف‪ ،‬وهذه التفرقة ضعيفة‪ .‬والسبب‬
‫في هذا الختلف هو هل تلزم العقود اللزمة بالنية فقط دون اللفظ أو ببباللفظ والنيببة‬
‫معا مثل الطلق والعتق واليمين وغير ذلك‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثانية( وهببي هببل تنفببع النيببة الحادثببة فببي السببتثناء بعببد انقضبباء‬
‫اليمين؟ فقيل أيضا فبي المبذهب إنهببا تنفببع إذا حبدثت متصبلة ببباليمين؛ وقيبل ببل إذا‬
‫حدثت قبل أن يتم النطق باليمين؛ وقيل بل الستثناء على ضربين‪ :‬استثناء من عببدد‪،‬‬
‫واستثناء من عموم بتخصيص أو من مطلق بتقييد‪ ،‬فالستثناء من العببدد ل ينفببع فيببه‬
‫إل حدوث النية قبل النطق باليمين؛ والستثناء من العموم ينفع فيه حببدوث النيببة بعببد‬
‫اليمين إذا وصل الستثناء نطقا باليمين‪ .‬وسبب اختلفهم هل الستثناء مببانع للعقببد أو‬
‫حال له؟ فإن قلنا إنه مانع فل بد من اشتراط حدوث النيببة فببي أول اليميببن؛ وإن قلنببا‬
‫إنه حال لم يلزم ذلك؛ وقد أنكر عبد الوهاب أن يشترط حدوث النيببة فببي أول اليميببن‬
‫للتفاق وزعم على أن الستثناء حال لليمين كالكفارة سواء‪.‬‬
‫*‪*5‬الفصل الثاني مببن القسببم الول فببي تعريببف اليمببان الببتي يببؤثر فيهببا السببتثناء‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫@‪-‬وقد اختلفوا في اليمان التي يؤثر فيها استثناء مشيئة ال من التي ل يببؤثر فيهببا‪.‬‬
‫فقال مالك وأصحابه‪ :‬ل تؤثر المشيئة إل فببي اليمببان الببتي تكفببر وهببي اليميببن بببال‬
‫عندهم أو النبذر المطلببق علبى مببا سببيأتي‪ .‬وأمببا الطلق والعتباق فل يخلببو أن يعلببق‬
‫الستثناء في ذلك بمجرد الطلق أو العتق فقط مثل أن يقول‪ :‬هي طالق إن شبباء ال ب‬
‫أو عتيق إن شاء ال‪ ،‬وهبذه ليسببت عنببدهم يمينبا‪ .‬وإمببا أن يعلبق الطلق بشببرط مببن‬
‫الشروط‪ ،‬مثل أن يقول‪ :‬إن كبان كبذا فهبي طبالق إن شباء الب‪ ،‬أو إن كبان كبذا فهبو‬
‫عتيق إن شاء ال‪ .‬فأما القسم الول فل خلف فببي المببذهب أن المشببيئة غيببر مببؤثرة‬
‫فيه‪ .‬وأما القسم الثاني وهو اليمين بالطلق ففي المذهب فيه قببولن أصببحهما أنببه إذا‬
‫صرف الستثناء إلى الشرط الذي علق به الطلق صح وإن صرفه إلى نفس الطلق‬
‫لم يصح‪ .‬وقال أبو حنيفة والشافعي‪ :‬الستثناء يؤثر في ذلك كلببه سببواء قرنببه بببالقول‬
‫الذي مخرجه مخرج الشرط‪ ،‬أو بالقول الذي مخرجه مخرج الخبببر‪ .‬وسبببب الخلف‬
‫ما قلناه من أن الستثناء هببل هببو حبال أو مبانع؟ فبإذا قلنببا مببانع وقببرن بلفببظ مجببرد‬
‫الطلق فل تأثير له فيه إذ قد وقع الطلق‪ ،‬أعني إذا قال الرجل لزوجته‪ :‬هببي طببالق‬
‫إن شاء ال‪ ،‬لن المانع إنما يقوم لما لم يقع وهو المستقبل؛ وإن قلنا إنببه حببال للعقببود‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وجب أن يكون له تأثير في الطلق وإن كان قد وقع‪ ،‬فتأمل هذا فإنه بين؛ ول معنببى‬
‫لقول المالكية إن الستثناء في هبذا مسبتحيل لن الطلق قبد وقبع‪ ،‬إل أن يعتقببدوا أن‬
‫الستثناء هو مانع ل حال‪ ،‬فتأمل هذا فإنه ظاهر إن شاء ال‪.‬‬
‫*‪*4‬القسم الثاني من الجملة الثانية‪.‬‬
‫@‪-‬وهذا القسم فيه فصول ثلثة قواعد‪ .‬الفصل الول‪ :‬في موجب الحنببث وشببروطه‬
‫وأحكامه‪ .‬الفصل الثاني‪ :‬في رافع الحنث وهي الكفارات‪ .‬الفصل الثالث‪ :‬مببتى ترفببع‬
‫وكم ترفع‪.‬‬
‫*‪*5‬الفصل الول في موجب الحنث وشروطه وأحكامه‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أن موجب الحنث هو المخالفة لما انعقدت عليببه اليميببن‪ ،‬وذلببك إمببا‬
‫فعل ما حلف على أل يفعله وإما ترك ما حلف على فعله إذا علم أنه قببد تراخببى عببن‬
‫فعل ما حلف على فعلببه إلببى وقببت ليببس يمكنببه فيببه فعلببه وذلببك فببي اليميببن بببالترك‬
‫المطلق‪ ،‬مثل أن يحلف لتأكلن هذا الرغيف فيأكله غيره؛ أو إلى وقت هو غير الوقت‬
‫الذي اشترط في وجود الفعل عنه‪ ،‬وذلك في الفعل المشترط فعله في زمببان محببدود‪،‬‬
‫مثل أن يقول‪ :‬وال لفعلن اليوم كذا وكببذا‪ ،‬فببإنه إذا انقضببى النهببار ولببم يفعببل حنببث‬
‫ضرورة‪ .‬واختلفوا من ذلك فببي أربعببة مواضببع‪ :‬أحببدها إذا أتببى بالمخببالف ناسببيا أو‬
‫مكرها‪ .‬والثاني هل يتعلببق مببوجب اليميببن بأقببل مببا ينطلببق عليببه السببم أو بجميعببه‪.‬‬
‫والموضببع الثببالث هببل يتعلببق اليميببن بببالمعنى المسبباوي لصببيغة اللفببظ أو بمفهببومه‬
‫المخصص للصيغة والمعمم لها‪ .‬والموضع الرابببع هببل اليميببن علببى نيببة الحببالف أو‬
‫المستحلف‪.‬‬
‫@‪)-‬فأما المسألة الولى( فإن مالكا يرى الساهي والمكره بمنزلة العامببد؛ والشببافعي‬
‫يرى أن ل حنث على الساهي ول على المكببره‪ .‬وسبببب اختلفهببم معارضببة العمببوم‬
‫قوله تعالى }ولكن يؤاخذكم بما عقدتم اليمان{ ولم يفرق بين عامد وناس لعموم قوله‬
‫عليه الصلة والسلم "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" فإن هذين‬
‫العمومين يمكن أن يخصص كل واحد منهما بصاحبه‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما الموضع الثاني( فمثل أن يحلف أن ل يفعل شيئا ففعل بعضه أو أنببه يفعببل‬
‫شيئا فلم يفعل بعضه؛ فعند مالك إذا حلف ليأكلن هذا الرغيف فأكل بعضه ل يبرأ إل‬
‫بأكله كله‪ ،‬وإذا قال‪ :‬ل آكل هذا الرغيف إنه يحنببث إن أكببل بعضببه؛ وعنببد الشببافعي‬
‫وأبي حنيفة أنه ل يحنث في الوجهين جميعببا حمل علببى الخببذ بببأكثر مببا يببدل عليببه‬
‫السم‪ .‬وأما تفريق مالك بين الفعل والترك فلم يجر فبي ذلبك علبى أصبل واحبد لنبه‬
‫أخذ في الترك بأقل ما يدل عليه السم وأخذ في الفعببل بجميببع مببا يببدل عليببه السببم‪،‬‬
‫وكأنه ذهب إلى الحتياط‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثالثة( فمثل أن يحلف على شيء بعينه يفهم منه القصد إلى معنى‬
‫أعم من ذلك الشيء الذي لفظ به أو أخص‪ ،‬أو يحلف على شيء وينوي به معنى أعم‬
‫أو أخص‪ ،‬أو يكون للشيء الذي حلببف عليببه اسببمان أحببدهما لغببوي والخببر عرفببي‬
‫وأحببدهما أخبص مببن الخببر‪ .‬وأمببا إذا حلببف علببى شببيء بعينببه فببإنه ل يحنببث عنببد‬
‫الشافعي وأبي حنيفببة إل بالمخالفببة الواقعببة فببي ذلببك الشببيء بعينببه الببذي وقببع عليببه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الحلف وإن كان المفهوم منه معنى أعم أو أخببص مببن قبببل الدللببة العرفيببة‪ .‬وكببذلك‬
‫أيضا فيما أحسب ل يعتبرون النية المخالفة للفظ‪ ،‬وإنما يعتبرون مجرد اللفاظ فقببط‪.‬‬
‫وأما مالك فإن المشهور من مذهبه أن المعتبر أول عنده في اليمببان الببتي ل يقضببي‬
‫على حالفها بموجبها هو النية‪ ،‬فإن عدمت فقرينة الحببال فببإن عببدمت فعببرف اللفببظ‪،‬‬
‫فإن عدم فدللة اللغة؛ وقيل ل يراعببي إل النيببة أو ظبباهر اللفببظ اللغببوي فقببط؛ وقيببل‬
‫يراعي النية وبساط الحال ول يراعبي العببرف وأمبا اليمببان الببتي يقضبي بهببا علببى‬
‫صاحبها فإنه إن جاء الحالف مستفتيا كان حكمه حكم اليمين التي ل يقضي بها علببى‬
‫صاحبها من مراعاة هذه الشياء فيها على هذا الترتيب وإن كان مما يقضي بها عليه‬
‫لم يراع فيها إل اللفظ إل أن يشهد لما يدعي مبن النيبة المخالفبة لظباهر اللفبظ قرينبة‬
‫الحال أو العرف‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسببألة الرابعببة( فببإنهم اتفقببوا علببى أن اليميببن علببى نيببة المسببتحلف فببي‬
‫الدعاوي واختلفوا في غير ذلببك مثببل اليمببان علببى المواعيببد‪ ،‬فقببال قببوم‪ :‬علببى نيببة‬
‫الحالف‪ .‬وقال قوم‪ :‬على نية المستحلف‪ .‬وثبت أن رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم‬
‫قال "اليمين على نية المستحلف" وقال عليه الصلة والسلم "يمينك على ما يصببدقك‬
‫عليه صاحبك" خرج هذين الحديثين مسلم‪ .‬ومن قال‪ :‬اليمين على نية الحببالف‪ .‬فإنمببا‬
‫اعتبر المعنى القائم بالنفس من اليمين ل ظاهر اللفظ‪ .‬وفي هذا الببباب فببروع كببثيرة‪.‬‬
‫لكن هذه المسائل الرببع هبي أصبول هبذا البباب إذ يكباد أن يكبون جميبع الختلف‬
‫الواقع في هذا الباب راجعا إلى الختلف في هذه‪ .‬وذلببك فببي الكببثر مثببل اختلفهببم‬
‫فيمن حلبف أن ل يأكبل رءوسبا فأكببل رءوس حيتببان هببل يحنببث أم ل؟ فمببن راعببى‬
‫العرف قال‪ :‬ل يحنث؛ ومن راعببى دللببة اللغببة قببال‪ :‬يحنببث‪ .‬ومثببل اختلفهببم فيمببن‬
‫حلف أن ل يأكل لحما فأكل شحما؛ فمن اعتبر دللببة اللفببظ الحقيقببي قببال‪ :‬ل يحنببث؛‬
‫ومن رأى أن اسم الشيء قد ينطلق على ما يتولد منه قال‪ :‬يحنث‪.‬‬
‫وبالجملببة فبباختلفهم فببي المسببائل الفروعيببة الببتي فببي هببذا الببباب هببي راجعببة إلببى‬
‫اختلفهم في هذه المسائل التي ذكرنا‪ ،‬وراجعة إلى اختلفهم في دللت اللفاظ الببتي‬
‫يحلف بها‪ ،‬وذلببك أن منهببا مببا هببي مجملببة‪ ،‬ومنهببا مببا هببي ظبباهرة‪ ،‬ومنهببا مببا هببي‬
‫نصوص‪.‬‬
‫*‪*5‬الفصل الثاني في رافع الحنث‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أن الكفارة في اليمان هي الربعة النواع التي ذكر ال ب فببي كتببابه‬
‫في قوله تعالى }فكفبارته{ اليبة‪ .‬وجمهبورهم علبى أن الحبالف إذا حنبث مخيبر بيبن‬
‫الثلثة منها‪ :‬أعني الطعام أو الكسوة أو العتق‪ ،‬وأنه ل يجوز له الصيام إل إذا عجز‬
‫عن هذه الثلثة لقوله تعالى }فمن لم يجد فصيام ثلثة أيام{ إل ما روي عن ابن عمر‬
‫أنه كان إذا غلظ اليمين أعتق أو كسا‪ ،‬وإذا لم يغلظها أطعببم‪ .‬واختلفببوا مببن ذلببك فببي‬
‫سبع مسائل مشبهورة‪ :‬المسبألة الولبى‪ :‬فبي مقبدار الطعبام لكبل واحبد مبن العشبرة‬
‫مساكين‪ .‬الثانية‪ :‬في جنس الكسببوة إذا اختببار الكسببوة وعببددها‪ .‬الثالثببة‪ :‬فببي اشببتراط‬
‫التتببابع فببي صببيام الثلثببة اليببام أو ل إشببتراطه‪ .‬الرابعببة‪ :‬فببي اشببتراط العببدد فببي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المسبباكين‪ .‬الخامسبة‪ :‬فببي اشببتراط السبلم فيهبم والحريبة‪ .‬والسادسبة‪ :‬فببي اشبتراط‬
‫السلمة في الرقبة المعتقة من العيوب‪ .‬السابعة‪ :‬في اشتراط اليمان فيها‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الولى( أما مقدار الطعام؟ فقال مالك والشافعي وأهل المدينببة‪ :‬يعطببى‬
‫لكل مسكين مد من حنطة بمد النبببي صببلى الب عليببه وسببلم‪ ،‬إل أن مالكببا قببال‪ :‬المببد‬
‫خاص بأهل المدينة فقببط لضببيق معايشببهم‪ .‬وأمببا سببائر المببدن فيعطببون الوسببط مببن‬
‫نفقتهم‪ .‬وقال ابن القاسم‪ :‬يجبري المبد فبي كبل مدينبة مثبل قبول الشبافعي‪ .‬وقبال أببو‬
‫حنيفة‪ :‬يعطيهم نصف صاع من حنطة‪ ،‬أو صاعا من شعير أو تمر‪ ،‬قال‪ :‬فإن غداهم‬
‫وعشاهم أجزأه‪ .‬والسبب في اختلفهم في ذلك اختلفهم فبي تأويببل قبوله تعبالى }مبن‬
‫أوسط ما تطعمون أهليكم{ هل المببراد بببذلك أكلببة واحببدة أو قببوت اليببوم وهببو غببذاء‬
‫وعشاء؟ فمن قال أكلة واحدة قال‪ :‬المد وسط في الشبع؛ ومن قال غداء وعشاء قببال‪:‬‬
‫نصف صاع‪ .‬ولختلفهم أيضا سبب آخر‪ ،‬وهو تردد هذه الكفارة بيببن كفببارة الفطببر‬
‫متعمدا في رمضان وبين كفارة الذى؛ فمن شبهها بكفارة الفطر قال‪ :‬مد واحد‪ ،‬ومن‬
‫شبهها بكفارة الذى قال‪ :‬نصف صاع‪ .‬واختلفوا هل يكون مع الخبز في ذلببك إدام أم‬
‫ل؟ وإن كان فمبا هبو الوسبط فيبه؟ فقيبل يجبزي الخببز قفبارا؛ وقبال اببن حببيب‪ :‬ل‬
‫يجزي؛ وقيل الوسط من الدام الزيت؛ وقيل اللبن والسمن والتمر‪ .‬واختلف أصببحاب‬
‫مالك من الهل الذين أضاف إليهم الوسط من الطعام في قوله تعالى }مببن أوسببط مببا‬
‫تطعمون أهليكم{ فقيل أهل المكفر وعلى هذا إنما يخرج الوسط من الشيء الذي منببه‬
‫يعيش إن قطنية فقطنية وإن حنطة فحنطبة‪ ،‬وقيببل بببل هببم أهببل البلببد البذي هبو فيبه‪،‬‬
‫وعلى هذا فالمعتبر في اللزم له هو الوسط من عيش أهل البلد ل من عيشببه‪ :‬أعنببي‬
‫الغالب‪ ،‬وعلى هذين القولين يحمل قدر الوسط من الطعام‪ ،‬أعني الوسط من قدر مببا‬
‫يطعم أهله‪ ،‬أو الوسط من قدر ما يطعم أهل البلد أهليهم إل في المدينة خاصة‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثانية( وهي المجزئ من الكسوة‪ .‬فإن مالكا رأى أن الببواجب فببي‬
‫ذلك هو أن يكسي ما يجزئ فيه الصلة‪ ،‬فإن كسا الرجل كسبا ثوببا وإن كسبا النسباء‬
‫كسا ثوبين درعا وخمارا‪ .‬وقال الشافعي وأبو حنيفة‪ :‬يجزئ في ذلببك أقببل مببا ينطلببق‬
‫عليببه السببم إزار أو قميببص أو سببراويل أو عمامببة‪ ،‬وقببال أبببو يوسببف‪ :‬ل تجببزئ‬
‫العمامة ول السراويل‪ .‬وسبب اختلفهم هل الواجب الخذ بأقبل دللبة السبم اللغبوي‬
‫أو المعنى الشرعي‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثالثة( وهي اختلفهم في اشتراط تتابع اليام الثلثببة فببي الصببيام‬
‫فإن مالكا والشافعي لم يشترطا في ذلك وجوب التتابع وإن كانا استحباه واشترط ذلك‬
‫أبو حنيفة‪ .‬وسبب اختلفهم في ذلك شيئان‪ :‬أحدهما هببل يجببوز العمببل بببالقراءة الببتي‬
‫ليست في المصحف‪ ،‬وذلببك أن فببي قببراءة عبببد الب بببن مسببعود }فصببيام ثلثببة أيببام‬
‫متتابعات{ ‪ .‬والسبب الثاني اختلفهم هل يحمل المر بمطلق الصببوم علببى التتببابع أم‬
‫ليس يحمل إذا كان الصل الواجب بالشرع إنما هو التتابع‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الرابعة( وهي اشتراط العدد فببي المسبباكين‪ ،‬فببإن مالكببا والشببافعي‬
‫قال‪ :‬ل يجزيه إل أن يطعم عشرة مساكين؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬إن أطعم مسببكينا واحببدا‬
‫عشرة أيام أجزأه‪ .‬والسبب في اختلفهم هل الكفارة حق واجب للعدد المذكور أو حق‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫واجب على المكفر فقدر بالعدد المذكور‪ ،‬فإن قلنبا إنبه حبق واجبب للعبدد كالوصبية‪،‬‬
‫فلبد من اشتراط العدد‪ ،‬وإن قلنا حق واجب على المكفر لكنه قبدر بالعبدد أجبزأ مبن‬
‫ذلك إطعام مسكين واحد على عدد المذكورين والمسألة محتملة‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الخامسة( وهي اشتراط السلم والحرية في المساكين‪ ،‬فببإن مالكببا‬
‫والشافعي اشترطاهما ولم يشببترط ذلببك أبببو حنيفببة‪ .‬وسبببب اختلفهببم هببل اسببتيجاب‬
‫الصدقة هو بالفقر فقط؟ أو بالسلم؟ إذ كان السمع قد أنبببأ أنببه يثبباب بالصببدقة علببى‬
‫الفقير الغير المسلم‪ ،‬فمن شبه الكفارة بالزكاة الواجبة للمسببلمين اشببترط السببلم فببي‬
‫المساكين الذين تجب لهم هذه الكفارة؛ ومن شبهها بالصدقات التي تكون عببن تطببوع‬
‫أجاز أن يكونوا غير مسلمين‪ .‬وأما سبب اختلفهم في العبيد فهببو هببل يتصببور فيهببم‬
‫وجود الفقر أم ل إذا كانوا مكفيين من ساداتهم في غالب الحوال‪ ،‬أو ممببن يجببب أن‬
‫يكفوا؟ فمن راعى وجود الفقر فقط قال العبيد والحرار سواء‪ ،‬إذ قد يوجد من العبيببد‬
‫من يجوعه سيده؛ ومن راعى وجوب الحق له علببى الغيببر بببالحكم قببال‪ :‬يجببب علببى‬
‫السيد القيام بهببم‪ ،‬ويقتضببي بببذلك عليببه وإن كببان معسببرا قضببى عليببه ببببيعه‪ ،‬فليببس‬
‫يحتاجون إلى المعونة بالكفارات وما جرى مجراها من الصدقات‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة السادسة( وهي هل من شرط الرقبة أن تكون سليمة مببن العيببوب؟‬
‫فإن فقهاء المصار شببرطوا ذلببك‪ ،‬أعنببي العيببوب المببؤثرة فببي الثمببان‪ ،‬وقببال أهببل‬
‫الظاهر‪ :‬ليس ذلك من شرطها‪ .‬وسبب اختلفهم هل الواجب الخذ بأقل ما يدل عليببه‬
‫السم أو بأتم ما يدل عليه‪.‬‬
‫@‪)-‬وأمببا المسببألة السببابعة( وهببي اشببتراط اليمببان فببي الرقبببة أيضببا‪ ،‬فببإن مالكببا‬
‫والشببافعي اشببترطا ذلببك؛ وأجبباز أبببو حنيفببة أن تكببون الرقبببة غيببر مؤمنببة‪ .‬وسبببب‬
‫اختلفهم هببو هببل يحمببل المطلببق علببى المقيببد فببي الشببياء الببتي تتفببق فببي الحكببام‬
‫وتختلف في السباب كحكم حال هذه الكفارات مببع كفببارة الظهببار؛ فمببن قببال يحمببل‬
‫المطلق على المقيد في ذلك قال باشتراط اليمان في ذلك حمل على اشتراط ذلك في‬
‫كفارة الظهار في قوله تعالى }فتحرير رقبة مؤمنة{ ومن قببال ل يحمببل وجببب عنببده‬
‫أن يبقى موجب اللفظ على إطلقه‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثالث متى ترفع الكفارة الحنث‪ ،‬وكم ترفع؟‬
‫@‪-‬وأما متى ترفع الكفارة الحنث وتمحوه‪ ،‬فإنهم اختلفوا في ذلك‪ ،‬فقال الشافعي‪ :‬إذا‬
‫كفر بعد الحنث أو قبله فقد ارتفع الثم؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬ل يرتفع الحنث إل بببالتفكير‬
‫الذي يكون بعد الحنبث ل قبلبه؛ وروي عبن مالبك فبي ذلبك القبولن جميعبا‪ .‬وسببب‬
‫اختلفهم شيئان‪ :‬أحدهما اختلف الرواية في قوله عليه الصبلة والسبلم "مبن حلبف‬
‫على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه" فببإن قومببا‬
‫رووه هكببذا‪ ،‬وقببوم رووه "فليكفببر عببن يمينببه وليببأت الببذي هببو خيببر" وظبباهر هببذه‬
‫الرواية أن الكفارة تجوز قبل الحنث‪ ،‬وظاهر الثانية أنها بعد الحنث‪ .‬والسبببب الثبباني‬
‫اختلفهم في هل يجزئ تقديم الحق الواجب قبل وقبت وجبوبه‪ ،‬لنبه مبن الظبباهر أن‬
‫الكفارة إنما تجب بعد الحنث كالزكاة بعد الحول ولقائل أن يقول إن الكفارة إنما تجب‬
‫بإرادة الحنث والعبزم عليبه كالحبال فببي كفببارة الظهببار فل يبدخله الخلف مبن هبذه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الجهة‪ ،‬وكان سبب الخلف من طريق المعنى هو هل الكفارة رافعة للحنببث إذا وقببع‬
‫أو مانعة له؟ فمن قال مانعة أجاز تقديمها على الحنث؛ ومن قال رافعة لم يجزهببا إل‬
‫بعد وقوعه‪ .‬وأما تعدد الكفارات بتعدد اليمان فإنهم اتفقوا فيما علمببت أن مببن حلببف‬
‫على أمور شتى بيمين واحدة أن كفارته كفارة يميببن واحببدة‪ ،‬وكببذلك فيمببا أحسببب ل‬
‫خلف بينهم أنه إذا حلف بأيمان شتى على شيء واحد أن الكفارات الواجبة في ذلببك‬
‫بعدد اليمان كالحالف إذا حلف بأيمان شتى على أشياء شتى‪ .‬اختلفوا إذا حلببف علببى‬
‫شيء واحد بعينه مرار كثيرة‪ ،‬فقال قوم‪ :‬في ذلك كفارة يمين واحدة‪ ،‬وقال قببوم‪ :‬فببي‬
‫كل يمين كفارة إل أن يريد التأكيد‪ ،‬وهو قول مالك؛ وقال قوم‪ :‬فيها كفارة واحدة‪ ،‬إل‬
‫أن يريد التغليظ‪ .‬وسبب اختلفهم هل المببوجب للتعببدد هببو تعببدد اليمببان بببالجنس أو‬
‫بالعدد‪ ،‬فمن قال‪ :‬اختلفها بالعدد قال لكبل يميبن كفبارة إذا كبرر ومبن قبال اختلفهبا‬
‫بالجنس قال‪ :‬في هذه المسألة يمين واحدة‪ .‬واختلفوا إذا حلف في يميببن واحببدة بببأكثر‬
‫من صفتين من صفات ال تعالى هل تعببدد الكفببارات بتعببدد الصببفات الببتي تضببمنت‬
‫اليمين أم في ذلك كفارة واحدة؟ فقببال مالببك‪ :‬الكفببارة فببي هببذه اليميببن متعببددة بتعببدد‬
‫الصفات‪.‬‬
‫فمن حلف بالسميع العليم الحكيم كان عليه ثلث كفببارات عنببده‪ ،‬وقببال قببوم‪ :‬إن أراد‬
‫الكلم الول وجاء بذلك على أنه قببول واحببد فكفببارة واحببدة إذا كببانت يمينببا واحببدة‪.‬‬
‫والسبب في اختلفهم‪ :‬هل مراعاة الواحدة أو الكثرة في اليمين هو راجع إلببى صببيغة‬
‫القول أو إلى تعدد الشياء التي يشتمل عليها القول الذي مخرجه مخبرج يميبن‪ ،‬فمبن‬
‫اعتبر الصيغة قال كفببارة واحببدة؛ ومببن اعتبببر عببدد مببا تضببمنته صببيغة القببول مببن‬
‫الشياء التي يمكن أن يقسم بكل واحد منها على انفراده قال‪ :‬الكفارة متعددة بتعددها‪،‬‬
‫وهذا القبدر كباف فبي قواعبد هبذا الكتباب وسببب الختلف فبي ذلبك‪ ،‬والب المعيبن‬
‫برحمته‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب النذور‬
‫@‪-‬وهذا الكتاب فيه ثلثة فصول‪ :‬الفصل الول‪ :‬في أصناف النذور‪ .‬الفصل الثاني‪:‬‬
‫فيما يلزم من النذور وما ل يلزم وجملة أحكامهببا‪ .‬الثببالث‪ :‬فببي معرفببة الشببيء الببذي‬
‫يلزم عنها وأحكامها‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الول في أصناف النذور‪.‬‬
‫@‪-‬والنذور تنقسم أول قسمين‪ :‬قسبم مبن جهبة اللفبظ وقسبم مبن جهبة الشبياء البتي‬
‫تنذر‪ .‬فأما من جهة اللفظ فإنه ضربان‪ :‬مطلببق وهببو المخببرج مخببرج الخبببر‪ .‬ومقيببد‬
‫وهو المخرج مخرج الشرط‪ .‬والمطلق على ضربين‪ :‬مصببرح فيببه بالشببيء المنببذور‬
‫به‪ ،‬وغير مصرح‪ ،‬فالول مثل قول القائل‪ :‬ل علي نذر أن أحج‪ ،‬والثاني مثل قببوله‪:‬‬
‫ل علي نذر‪ ،‬دون أن يصرح بمخرج النذر‪ ،‬والول ربمبا صبرح فيبه بلفبظ النبذور‪،‬‬
‫وربما لم يصرح فيه به‪ ،‬مثل أن يقول‪ :‬ل علي أن أحج‪ .‬وأما المقيد المخرج مخببرج‬
‫الشرط فكقول القائل‪ :‬إن كان كذا فعلي ل نذر كببذا وأن أفعببل كببذا وهببذا ربمببا علقببه‬
‫بفعل من أفعال ال تعالى مثل أن يقول‪ :‬إن شفى ال مريضببي فعلببي نببذر كببذا وكببذا‪،‬‬
‫وربما علقه بفعل نفسه‪ ،‬مثل أن يقول‪ :‬إن فعلت كذا فعلي نببذر كببذا‪ ،‬وهببذا هببو الببذي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يسميه الفقهاء أيمانا‪ ،‬وقد تقدم من قولنا أنها ليست بأيمببان‪ ،‬فهببذه هببي أصببناف النببذر‬
‫من جهة الصيغ‪ .‬وأما أصنافه من جهة الشياء التي من جنس المعاني المنببذور بهببا‪،‬‬
‫فإنها تنقسم إلى أربعة أقسام نذر بأشياء مببن جنببس القببرب‪ ،‬ونببذر بأشببياء مببن جنببس‬
‫المعاصي‪ ،‬ونذر بأشياء من جنس المكروهبات‪ ،‬ونببذر بأشببياء مببن جنببس المباحبات‪،‬‬
‫وهذه الربعة تنقسم قسمين‪ :‬نذر بتركها‪ ،‬ونذر بفعلها‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الثاني فيما يلزم من النذور وما ل يلزم‪.‬‬
‫@‪-‬وأما ما يلزم من هذه النذور وما ل يلزم‪ ،‬فإنهم اتفقوا علببى لببزوم النببذر المطلببق‬
‫في القرب إل ما حكى عن بعض أصحاب الشافعي أن النذر المطلق ل يجوز‪ ،‬وإنمببا‬
‫اتفقببوا علببى لببزوم النببذر المطلببق إذا كببان علببى وجببه الرضببا ل علببى وجببه اللجبباج‬
‫وصرح فيه بلفظ النذر ل إذا لببم يصببرح‪ ،‬وسببواء كببان النببذر مصببرحا فيببه بالشببيء‬
‫المنذور أو كان غير مصرح‪ .‬وكذلك أجمعوا على لزوم النذر الذي مخرجببه مخببرج‬
‫الشرط إذا كان نذرا بقربة‪ ،‬وإنما صاروا لوجوب النذر لعمببوم قببوله تعببالى }يببا أيهببا‬
‫الذين آمنوا أوفوا بالعقود{ ولن ال تعالى قد مببدح بببه فقببال }يوفببون بالنببذر{ وأخبببر‬
‫بوقوع العقاب بنقضه فقال }ومنهم من عاهد ال لئن آتانا من فضله{ الية‪ ،‬إلبى قبوله‬
‫}بما كانوا يكذبون{ ‪ .‬والسبب في اختلفهم في التصريح بلفظ النذر في النذر المطلق‬
‫هو اختلفهم في هل يجب النذر بالنية واللفظ معا أو بالنية فقط؟ فمببن قببال بهمببا معببا‬
‫إذا قال ل علي كذا وكذا ولم يقل نذرا لم يلزمه شيء لنببه إخبببار بوجببوب شببيء لببم‬
‫يوجبه ال عليه إل أن يصرح بجهة الوجوب؛ ومن قال ليس من شببرطه اللفببظ قببال‪:‬‬
‫ينعقد النذر وإن لم يصرح بلفظه‪ ،‬وهو مذهب مالك‪ ،‬أعنببي أنببه إذا لببم يصببرح بلفببظ‬
‫النذر أنه يلزم‪ ،‬وإن كان من مذهبه أن النببذر ل يلببزم إل بالنيببة واللفببظ لكببن رأى أن‬
‫حذف لفظ النذر مببن القببول غيببر معتبببر إذ كببان المقصببود بالقاويببل الببتي مخرجهببا‬
‫مخرج النذر النذر وإن لم يصرح فيها بلفببظ النببذر‪ ،‬وهببذا مببذهب الجمهببور‪ ،‬والول‬
‫مذهب سعيد بن المسيب‪ ،‬ويشبه أن يكون من لم ير لزوم النذر المطلق إنما فعل ذلك‬
‫من قبل أنه حمل المر بالوفاء على النببدب؛ وكببذلك مببن اشببترط فيببه الرضببا‪ ،‬فإنمببا‬
‫اشترطه لن القربة إنما تكون على جهة الرضا ل علببى جهببة اللجبباج‪ ،‬وهببو مببذهب‬
‫الشافعي‪ .‬وأما مالك فالنذر عنده لزم على أي جهة وقع‪ ،‬فهذا ما اختلفوا فببي لزومببه‬
‫من جهة اللفظ‪ .‬وأما ما اختلفوا في لزومه من جهة الشياء المنذور بها فببإن فيببه مببن‬
‫المسائل الصول اثنتين‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الولببى( اختلفببوا فيمببن نببذر معصببية‪ ،‬فقببال مالببك والشببافعي وجمهببور‬
‫العلماء‪ :‬ليس يلزمه في ذلك شيء‪ .‬وقال أبو حنيفة وسفيان والكوفيون‪ :‬بل هببو لزم‪،‬‬
‫واللزم عنببدهم فيببه هببو كفببارة يميببن ل فعببل المعصببية‪ .‬وسبببب اختلفهببم تعببارض‬
‫ظواهر الثار في هذا الباب‪ ،‬وذلك أنه روي في هببذا الببباب حببديثان أحببدهما حببديث‬
‫عائشة عن النبي عليه الصلة والسلم أنه قال "من نببذر أن يطيببع الب فليطعببه ومببن‬
‫نذر أن يعصي ال فل يعصيه" فظاهر هببذا أنببه ل يلببزم النببذر بالعصببيان‪ :‬والحببديث‬
‫الثاني حديث عمران بن حصين وحديث أبي هريرة الثابت عببن النبببي عليببه الصببلة‬
‫والسلم أنه قال "ل نذر في معصية ال وكفارته كفارة يمين" وهببذا نببص فببي معنببى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫اللزوم؛ فمن جمع بينهما في هذا قال‪ :‬الحديث الول تضمن العلم بأن المعصببية ل‬
‫تلزم وهذا الثاني تضمن لزوم الكفارة؛ فمن رجح ظبباهر حببديث عائشببة إذ لببم يصببح‬
‫عنده حديث عمران وأبي هريرة قببال‪ :‬ليببس يلببزم فببي المعصببية شببيء؛ ومببن ذهببب‬
‫مذهب الجمع بين الحديثين أوجب في ذلك كفارة يمين‪ .‬قال أبو عمببر بببن عبببد البببر‪:‬‬
‫ضعف أهل الحديث حديث عمران وأبي هريرة قالوا‪ :‬لن حديث أبببي هريببرة يببدور‬
‫على سليمان بن أرقم وهو متروك الحديث‪ .‬وحديث عمران بن الحصين يببدور علببى‬
‫زهير بن محمد عن أبيه وأبوه مجهول لم يبرو عنببه غيببر ابنبه‪ ،‬وزهيببر أيضبا عنبده‬
‫مناكير‪ ،‬ولكنه خرجه مسلم من طريق عقبة بن عامر‪ ،‬وقببد جببرت عببادة المالكيببة أن‬
‫يحتجوا لمالك في هذا المسألة بما روي "أن رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم رأى‬
‫رجل قائما في الشمس‪ ،‬فقال‪ :‬مببا بببال هببذا؟ قببالوا‪ :‬نببذر أن ل يتكلببم ول يسببتظل ول‬
‫يجلس ويصوم‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسببلم‪ :‬مببروه فليتكلببم وليجلببس وليتببم‬
‫صيامه" قالوا‪ :‬فأمره أن يتم ما كان طاعة ل ويترك ما كان معصية‪ ،‬وليس بالظاهر‬
‫أن ترك الكلم معصية‪ ،‬وقد أخبر ال أنه نذر مريم‪ ،‬وكذلك يشبه أن يكون القيام فببي‬
‫الشمس ليس بمعصية‪ ،‬إل ما يتعلق بذلك من جهة إتعاب النفس‪ .‬فإن قيل فيه معصية‬
‫فبالقياس ل بالنص‪ ،‬فالصل فيه أنه من المباحات‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية( واختلفوا فيمن حرم على نفسه شيئا من المباحات فقال مالببك‪ :‬ل‬
‫يلزم ما عدا الزوجة؛ وقال أهل الظاهر‪ :‬ليس في ذلببك شبيء؛ وقبال أبببو حنيفبة‪ :‬فبي‬
‫ذلك كفارة يمين‪ .‬وسبب اختلفهم معارضة مفهوم النظر لظاهر قوله تعالى }يببا أيهببا‬
‫النبي لم تحرم ما أحل ال لببك تبتغببي مرضببات أزواجببك{ وذلببك أن النببذر ليببس هببو‬
‫اعتقاد خلف الحكببم الشببرعي أعنببي مببن تحريببم محلببل أو تحليببل محببرم‪ ،‬وذلببك أن‬
‫التصرف في هذا إنما هو للشارع فوجب أن يكون لمكان هببذا المفهببوم أن مببن حببرم‬
‫على نفسه شيئا أباحه ال له بالشرع أنه ل يلزمببه كمببا ل يلببزم إن نببذر تحليببل شببيء‬
‫حرمه الشرع‪ ،‬وظاهر قوله تعالى }قد فرض ال لكم تحلة أيمانكم{ أثببر العتببب علببى‬
‫التحريم يوجب أن تكون الكفارة تحل هذا العقد‪ ،‬وإن كان ذلك كذلك فهببو غيببر لزم‪،‬‬
‫والفرقة الولى تأولت التحريم المذكور في الية أنه كان العقد بيمين‪ .‬وقد اختلف في‬
‫الشيء الذي نزلت فيه هذه الية‪ .‬وفي كتاب مسلم أن ذلك كان في شربة عسل‪ ،‬وفيه‬
‫عن ابن عباس أنه قال‪ :‬إذا حرم الرجل عليه امرأتببه فهببو يميببن يكفرهببا‪ ،‬وقببال }لقببد‬
‫كان لكم في رسول ال أسوة حسنة{‬
‫*‪*3‬الفصل الثالث في معرفة الشيء الذي يلزم عنها وأحكامها‪.‬‬
‫@‪-‬وأما اختلفهم في ماذا يلزم في نذر نذر من النذور وأحكام ذلك‪ ،‬فإن فيه اختلفا‬
‫كثيرا‪ ،‬لكن نشير نحن من ذلك إلى مشهورات المسبائل فبي ذلبك‪ ،‬وهبي البتي تتعلبق‬
‫بأكثر ذلك بالنطق الشرعي على عادتنا في هذا الكتاب‪ ،‬وفي ذلك مسائل خمس‪:‬‬
‫@‪)-‬المسألة الولى( اختلفوا في الواجب في النذر المطلق الذي ليس يعين فيه الناذر‬
‫شيئا سوى أن يقول‪ :‬ل علي نذر‪ ،‬فقبال كبثير مبن العلمباء‪ :‬فبي ذلبك كفبارة يميبن ل‬
‫غير؛ وقال قوم‪ :‬بل فيه كفارة الظهبار؛ وقبال قبوم‪ :‬أقببل مبا ينطلبق عليببه السببم مبن‬
‫القرب صيام يوم أو صلة ركعتين‪ ،‬وإنما صار الجمهور لوجوب كفببارة اليميببن فيببه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫للثابت من حديث عقبة بن عامر أنه عليه الصلة والسببلم قببال "كفببارة النببذر كفببارة‬
‫يمين" خرجه مسلم‪ .‬وأما من قال صيام يوم أو صلة ركعتين فإنما ذهب مببذهب مببن‬
‫يرى أن المجزئ أقل ما ينطلق عليه السم‪ ،‬وصببلة ركعببتين أو صببيام يببوم أقببل مببا‬
‫ينطلق عليه اسم النذر‪ .‬وأما من قال فيه كفارة الظهار فخارج عن القياس والسماع‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية( اتفقوا علبى لببزوم النبذر بالمشببي إلببى بيبت الب‪ ،‬أعنبي إذا نبذر‬
‫المشي راجل‪ .‬واختلفوا إذا عجز في بعض الطريق فقال قبوم‪ :‬ل شبيء عليبه؛ وقبال‬
‫قوم‪ :‬عليه‪ .‬واختلفوا في ماذا عليه على ثلثة أقوال‪ :‬فذهب أهل المدينة إلببى أن عليببه‬
‫أن يمشي مرة أخرى من حيث عجز‪ ،‬وإن شاء ركب وأجزأه وعليه دم‪ ،‬وهذا مروي‬
‫عن علي‪ .‬وقال أهل مكة‪ :‬عليه هدي دون إعببادة مشببي‪ .‬وقببال مالببك‪ :‬عليببه المببران‬
‫جميعا‪ ،‬يعني أنه يرجع فيمشي من حيث وجب وعليببه هببدي‪ ،‬والهببدي عنببده بدنببة أو‬
‫بقرة أو شاة إن لم يجد بقرة أو بدنة‪ .‬وسبب اختلفهم منازعة الصببول لهببذه المسببألة‬
‫ومخالفة الثر لها‪ ،‬وذلك أن من شبه العاجز إذا مشى مرة ثانية بالمتمتع والقارن من‬
‫أجل أن القارن فعل ما كان عليه في سفرين في سفر واحد‪ ،‬وهذا فعل مببا كببان عليببه‬
‫في سفر واحد في سفرين قال‪ :‬يجب عليه هدي القارن أو المتمتع؛ ومن شبهه بسببائر‬
‫الفعال التي تنوب عنها في الحج إراقة الدم قال‪ :‬فيه دم؛ ومببن أخببذ بالثببار الببواردة‬
‫في هذا الباب قال‪ :‬إذا عجز فل شيء عليه‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬والسنن الواردة الثابتة فببي‬
‫هذا الباب دليل على طرح المشببقة وهببو كمببا قببال‪ ،‬واحببدها حببديث عقبببة بببن عببامر‬
‫الجهني قال‪ :‬نذرت أختي أن تمشي إلى بيت ال عببز وجببل فببأمرتني أن أسببتفتي لهببا‬
‫رسول ال صلى الب عليبه وسبلم‪ ،‬فاسبتفتيت لهبا النببي صبلى الب عليبه وسبلم فقبال‬
‫"لتمش ولتركب" خرجه مسلم‪ .‬وحديث أنس بن مالك "أن رسول ال صلى ال عليببه‬
‫وسلم رأى رجل يهبادي بيبن ابنبتيه‪ ،‬فسبأل عنبه فقبالوا‪ :‬نبذر أن يمشبي‪ ،‬فقبال عليبه‬
‫الصلة والسلم‪ :‬إن ال لغني عن تعذيب هذا نفسببه‪ ،‬وأمببره أن يركببب" وهببذا أيضببا‬
‫ثابت‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثالثة( اختلفوا بعد اتفاقهم على لببزوم المشببي فببي حببج أو عمببرة فيمببن‬
‫نذر أن يمشي إلى مسجد النبي صلى ال عليه وسلم أو إلى بيببت المقببدس يريببد بببذلك‬
‫الصلة فيهما‪ ،‬فقال مالك والشافعي‪ :‬يلزمه المشي؛ وقال أبو حنيفببة‪ :‬ل يلزمببه شببيء‬
‫وحيث صلى أجزأه‪ ،‬وكذلك عنده إن نذر الصلة فببي المسببجد الحببرام‪ ،‬وإنمببا وجببب‬
‫عنده المشببي بالنببذر إلببى المسببجد الحببرام لمكببان الحببج والعمببرة‪ .‬وقببال أبببو يوسببف‬
‫صاحبه‪ :‬من نذر أن يصلي في بيت المقدس أو في مسجد النبي عليه الصلة والسلم‬
‫لزمه‪ ،‬وإن صلى في البيت الحرام أجزأه عن ذلك‪ ،‬وأكثر النبباس علببى أن النببذر لمببا‬
‫سوى هذه المساجد الثلثة ل يلزم لقوله عليه الصلة والسببلم "ل تسببرج المطببي إل‬
‫لثلث‪ ،‬فذكر المسجد الحرام ومسجده وبيببت المقببدس" وذهببب بعببض النبباس إلببى أن‬
‫النذر إلى المساجد التي يرجى فيها فضل زائد واجببب‪ ،‬واحتببج فببي ذلببك بفتببوى ابببن‬
‫عباس لولد المبرأة البتي نبذرت أن تمشبي إلبى مسبجد قبباء فمباتت أن يمشبي عنهبا‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم في النذر إلى ما عدا المسجد الحرام اختلفهم في المعنببى الببذي إليببه‬
‫تسرج المطي إلى هذه الثلث مسبباجد‪ ،‬هببل ذلببك لموضببع صببلة الفببرض فيمببا عببدا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫البيت الحرام أو لموضع صلة النفل؟ فمن قال لموضع صلة الفرض وكان الفرض‬
‫عنده ل ينذر إذ كان واجبا بالشببرع قببال‪ :‬النببذر بالمشببي إلببى هببذين المسببجدين غيببر‬
‫لزم؛ ومن كان عنده أن النذر قد يكببون فببي الببواجب أو أنببه أيضببا قببد يقصببد هببذان‬
‫المسجدان لموضع صلة النفل لقوله عليه الصلة والسلم "صلة فببي مسببجدي هببذا‬
‫أفضل من ألف صلة فيما سبواه إل المسبجد الحبرام" واسببم الصببلة يشببمل الفببرض‬
‫والنفل‪ ،‬قال‪ :‬هو واجب؛ لكن أبو حنيفة حمل هذا الحديث على الفببرض مصببيرا إلببى‬
‫الجمع بينه وبين قوله عليه الصلة والسلم "صلة أحدكم في بيته أفضل من صببلته‬
‫في مسجدي هذا إل المكتوبة" وإل وقع التضباد بيبن هبذين الحبديثين‪ ،‬وهبذه المسبألة‬
‫هي أن تكون من الباب الثاني أحق من أن تكون من هذا الباب‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الرابعة( واختلفوا في الواجب على أن من نذر أن ينحببر ابنببه فببي مقببام‬
‫إبراهيم‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ينحر جزورا فداء له؛ وقال أبو حنيفببة‪ :‬ينحببر شبباة‪ ،‬وهببو أيضببا‬
‫مروي عن ابن عباس؛ وقال بعضهم‪ :‬بل ينحر مائة من البل‪ ،‬وقال بعضببهم‪ :‬يهببدي‬
‫ديته‪ ،‬وروي ذلك عن علي؛ وقال بعضهم‪ :‬بل يحببج بببه؛ وبببه قببال الليببث؛ وقببال أبببو‬
‫يوسف والشببافعي‪ :‬ل شببيء عليببه لنببه نببذر معصببية ول نببذر فببي معصببية‪ .‬وسبببب‬
‫اختلفهم قصة إبراهيم عليه الصلة والسلم‪ ،‬أعني هل ما تقرب به إبراهيم هو لزم‬
‫للمسلمين أم ليببس بلزم؟ فمببن رأى أن ذلببك شببرع خببص بببه إبراهيببم قببال‪ :‬ل يلببزم‬
‫النذر؛ ومن رأى أنه لزم لنا قال‪ :‬النببذر لزم‪ .‬والخلف فببي هببل يلزمنببا شببرع مببن‬
‫قبلنا مشهور‪ ،‬لكن يتطرق إلى هذا خلف آخر‪ ،‬وهو أن الظبباهر مببن هبذا الفعبل أنبه‬
‫كان خاصا بإبراهيم ولم يكن شرعا لهل زمانه‪ ،‬وعلى هذا فليببس ينبغببي أن يختلببف‬
‫هل هو شرع لنا أم ليس بشرع؟ والذين قالوا إنه شرع إنما اختلفببوا فببي الببواجب فببي‬
‫ذلك من قبل اختلفهم أيضا في هل يحمل الواجب في ذلك على الببواجب إبراهيببم‪ ،‬أم‬
‫يحمل على غير ذلك من القرب السلمية‪ ،‬وذلك إما صدقة بديته‪ ،‬وإما حج به‪ ،‬وإما‬
‫هدي بدنة‪ .‬وأما الذين قالوا مائة من البل‪ ،‬فذهبوا إلى حديث عبد المطلب‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الخامسة( واتفقوا على أن من نذر أن يجعل ماله كلببه فببي سبببيل الب أو‬
‫في سبيل من سبل البر أنه يلزمه وأنه ليس ترفعه الكفببارة وذلببك إذا كببان نببذرا علببى‬
‫جهة الخبر ل على جهة الشرط وهو البذي يسبمونه يمينبا‪ .‬واختلفبوا فيمبن نبذر ذلبك‬
‫على جهة الشرط مثل أن يقول‪ :‬مالي للمساكين إن فعلت كذا ففعلببه؛ فقببال قببوم‪ :‬ذلببك‬
‫لزم كالنذر على جهة الخبر ول كفارة فيه وهو مذهب مالك في النذور التي صبيغها‬
‫هذه الصيغة‪ ،‬أعني أنه ل كفارة فيه؛ وقال قوم‪ :‬الواجب فببي ذلببك كفببارة يميبن فقبط‪،‬‬
‫وهو مذهب الشببافعي فببي النببذور الببتي مخرجهببا مخببرج الشببرط لنببه ألحقهببا بحكببم‬
‫اليمان؛ وأما مالك فألحقها بحكم النذور على ما تقببدم مببن قولنببا فببي كتبباب اليمببان‪،‬‬
‫والذين اعتقدوا وجوب إخراج ماله في الموضع الببذي اعتقببدوه اختلفببوا فببي الببواجب‬
‫عليه‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يخرج ثلث ماله فقط؛ وقال قوم‪ :‬بل يجب عليه إخراج جميع مبباله‪،‬‬
‫وبه قال إبراهيم النخعي وزفر؛ وقال أبببو حنيفببة‪ :‬يخببرج جميببع المببوال الببتي تجببب‬
‫الزكبباة فيهبا‪ ،‬وقببال بعضببهم‪ :‬إن أخبرج مثبل زكبباة مباله أجبزأه‪ .‬وفبي المسبألة قببول‬
‫خامس‪ .‬وهو إن كان المال كثيرا أخرج خمسه وإن كان وسطا أخرج سبعه وإن كان‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يسيرا أخرج عشره‪ ،‬وحد هؤلء الكثير ببألفين‪ ،‬والوسببط بببألف‪ ،‬والقليببل بخمسببمائة‪،‬‬
‫وذلك مروي عن قتادة‪ .‬والسبب في اختلفهم في هذه المسألة‪ ،‬أعنببي مببن قببال المببال‬
‫كله أو ثلثه معارضة الصل في هذا الباب للثر‪ ،‬وذلك أن مببا جبباء فببي حببديث أبببي‬
‫لبابة بن عبد المنذر حين تاب ال عليه وأراد أن يتصدق بجيع ماله‪ ،‬فقال رسول البب‬
‫صلى ال عليه وسلم "يجزيك من ذلك الثلث" هو نص في مذهب مالك‪ .‬وأما الصببل‬
‫فيوجب أن اللزم له إنما هببو جميببع مباله حمل علببى سببائر النببذر‪ ،‬أعنببي أنببه يجببب‬
‫الوفاء به على الوجه الببذي قصببده لكببن الببواجب هببو اسببتثناء هببذه المسببألة مببن هببذه‬
‫القاعدة‪ ،‬إذ قد استثناها النص‪ ،‬إل أن مالكا لم يلزم في هذه المسألة أصله‪ ،‬وذلببك أنببه‬
‫قال‪ :‬إن حلف أو نذر شيئا معينا لزمه وإن كان كل ماله‪ ،‬وكذلك يلببزم عنبده إن عيبن‬
‫جزءا من ماله وهو أكثر من الثلث‪ ،‬وهذا مخالف لنص ما رواه في حديث أبي لبابببة‬
‫وفي قول رسول ال صلى ال عليه وسببلم للببذي جبباء بمثببل بيضببة مببن ذهببب فقببال‪:‬‬
‫أصبت هذا من معدن فخذها فهي صدقة ما أملك غيرهبا‪ ،‬فبأعرض عنببه رسببول الب‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ثم جاءه عن يمينه ثم عن يساره ثم مببن خلفببه‪ ،‬فأخببذها رسببول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فحببذفه بهببا‪ ،‬فلببو أصببابه بهببا لوجعببه‪ ،‬وقببال عليببه الصببلة‬
‫والسلم "يأتي أحدكم بما يملك فيقول هذه صدقة ثم يقعد يتكفف الناس‪ ،‬خير الصببدقة‬
‫ما كان عن ظهر غنى" وهذا نص في أنه ل يلزم المال المعين إذا تصببدق بببه وكببان‬
‫جميع ماله؛ ولعل مالكا لم تصح عنده هذه الثار‪ .‬وأما سائر القاويل التي قيلببت فببي‬
‫هذه المسألة فضعاف‪ ،‬وبخاصة من حد في ذلببك غيببر الثلبث‪ ،‬وهببذا القبدر كباف فبي‬
‫أصول هذا الكتاب‪ ،‬وال الموفق للصواب‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الضحايا‬
‫@‪-‬وهذا الكتاب فبي أصبوله أربعبة أببواب‪ :‬البباب الول‪ :‬فبي حكبم الضبحايا ومبن‬
‫المخاطب بها‪ .‬الباب الثاني‪ :‬في أنبواع الضبحايا وصبفاتها وأسبنانها وعبددها‪ .‬البباب‬
‫الثالث‪ :‬في أحكام الذبح‪ .‬الباب الرابع‪ :‬في أحكام لحوم الضحايا‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول في حكم الضحايا‪ ،‬ومن المخاطب بها‬
‫@‪-‬اختلف العلماء في الضحية هل هي واجبة أم هي سنة؟ فببذهب مالببك والشببافعي‬
‫إلى أنهببا مببن السببنن المؤكببدة؛ ورخببص مالببك للحبباج فببي تركهببا بمنببى؛ ولببم يفببرق‬
‫الشافعي في ذلك بين الحاج وغيره؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬الضببحية واجبببة علببى المقيميببن‬
‫في المصار الموسببرين‪ ،‬ول تجببب علببى المسببافرين؛ وخببالفه صبباحباه أبببو يوسببف‬
‫ومحمد فقال‪ :‬إنهببا ليسببت بواجبببة؛ وروي عبن مالبك مثبل قببول أببي حنيفببة‪ .‬وسببب‬
‫اختلفهببم شببيئان‪ :‬أحبدهما هببل فعلببه عليببه الصبلة والسببلم فبي ذلبك محمبول علببى‬
‫الوجوب أو على الندب‪ ،‬وذلك أنه لم يترك صلى الب عليببه وسببلم الضببحية قببط فيمببا‬
‫روي عنه حتى في السفر على ما جاء في حديث ثوبان قال‪" :‬ذبح رسول ال ب صببلى‬
‫ال عليه وسلم أضحيته ثم قببال‪ :‬يببا ثوبببان أصببلح لحببم هببذه الضببحية‪ ،‬قببال‪ :‬فلببم أزل‬
‫أطعمه منها حتى قدم المدينة"‪ .‬والسبب الثاني اختلفهم في مفهوم الحبباديث الببواردة‬
‫في أحكام الضحايا‪ ،‬وذلك أنه ثبت عنه عليه الصلة والسلم من حديث أم سببلمة أنببه‬
‫قببال "إذا دخببل العشببر فببأراد أحببدكم أن يضببحي فل يأخببذ مببن شببعره شببيئا ول مببن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أظفاره" قالوا‪ :‬فقوله‪" :‬إذا أراد أحدكم أن يضحي" فيه دليل علببى أن الضببحية ليسببت‬
‫بواجبة‪ .‬ولما أمر عليه الصلة والسلم لبي بردة بإعادة أضحيته إذ ذبح قبل الصلة‬
‫فهم قوم من ذلك الوجوب‪ ،‬ومذهب ابن عباس أن ل وجوب‪ .‬قال عكرمة‪ :‬بعثني ابن‬
‫عباس بدرهمين أشتري بهما لحما وقال‪ :‬من لقيببت فقببل لببه هببذه ضببحية ابببن عببباس‬
‫وروي عن بلل أنه ضحى بديك‪ ،‬وكل حديث ليس بببوارد فببي الغببرض الببذي يحتببج‬
‫فيه به فالحتجاج به ضعيف‪ .‬واختلفوا هل يلزم الذي يريد التضحية أن ل يأخببذ مببن‬
‫العشر الول من شعره وأظفاره‪ ،‬والحديث بذلك ثابت‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني في أنواع الضحايا وصفاتها وأسنانها وعددها‪.‬‬
‫@‪-‬وفي هذا الباب أربع مسائل مشببهورة‪ :‬إحببداها فببي تمييببز الجنببس‪ .‬والثانيببة‪ :‬فببي‬
‫تمييز الصفات‪ .‬والثالثة‪ :‬في معرفة السن‪ .‬والرابعة‪ :‬في العدد‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الولى( أجمع العلماء علبى جبواز الضبحايا مبن جميبع بهيمبة النعبام‪،‬‬
‫واختلفوا في الفضل من ذلك‪ ،‬فذهب مالك إلى أن الفضل في الضحايا‪ :‬الكببباش ثببم‬
‫البقر ثم البل‪ ،‬بعكس المر عنده في الهدايا؛ وقد قيل عنه البل ثم البقر ثم الكببباش؛‬
‫وذهب الشافعي إلى عكس ما ذهب إليه مالك في الضحايا‪ :‬البل ثم البقر ثم الكببباش‪،‬‬
‫وبه قال أشهب وابن شعبان‪ .‬وسبب اختلفهم معارضة القياس لدليل الفعل‪ ،‬وذلك أنه‬
‫لم يرو عنه عليه الصببلة والسببلم أنببه ضببحى إل بكبببش‪ ،‬فكببان ذلببك دليل علببى أن‬
‫الكباش في الضحايا أفضل‪ ،‬وذلك فيما ذكر بعض الناس وفي البخاري عن ابن عمر‬
‫ما يدل ما يدل على خلف ذلك وهو أنه قال "كان رسول ال صببلى الب عليببه وسببلم‬
‫يذبح وينحر بالمصلى" وأمببا القيبباس فلن الضببحايا قربببة بحيببوان فببوجب أن يكببون‬
‫الفضل فيها الفضل في الهدايا‪ ،‬وقد احتج الشافعي لمذهبه بعموم قوله عليه الصلة‬
‫والسلم "من راح في الساعة الولى فكأنما قرب بدنة ومببن راح فببي السبباعة الثانيببة‬
‫فكأنما قرب بقرة ومبن راح فبي السباعة الثالثبة فكأنمبا قبرب كبشبا" الحببديث‪ ،‬فكبان‬
‫الواجب حمل هذا على جميع القرب بالحيوان‪ .‬وأما مالك فحمله على الهدايا فقط لئل‬
‫يعارض الفعل القول وهو الولى‪ .‬وقد يمكن أن يكببون لختلفهببم سبببب آخببر‪ ،‬وهببو‬
‫هل الذبح العظيم الذي فدى به إبراهيم سنة باقية إلى اليوم وإنها الضحية‪ ،‬وإن ذلببك‬
‫معنى قوله }وتركنا عليه في الخرين{ فمن ذهب إلى هذا قال‪ :‬الكباش أفضببل؛ ومبن‬
‫رأى أن ذلك ليست سنة باقية لم يكن عنده دليل على أن الكببباش أفضببل‪ ،‬مببع أنببه قببد‬
‫ثبت أن رسول ال صلى ال عليه وسلم ضحى بالمرين جميعا وإذا كان ذلببك كببذلك‬
‫فالواجب المصير إلى قول الشافعي‪ ،‬وكلهم مجمعون على أنه ل تجوز الضحية بغير‬
‫بهيمة النعام إل ما حكببى عببن الحسببن بببن صببالح أنببه قببال‪ :‬تجببوز التضببحية ببقببرة‬
‫الوحش عن سبعة‪ ،‬والظبي عن واحد‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية( أجمع العلماء على اجتناب العرجاء البين عرجهببا فببي الضببحايا‬
‫والمريضة البين مرضها والعجفاء التي ل تنقى )العجفبباء الببتي ل تنقببى‪ :‬أي الببتي ل‬
‫مخ في عظامها( مصيرا لحديث البراء بن عازب أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫سئل ماذا ينقببى مببن الضببحايا؟ فأشببار بيببده وقببال‪" :‬أربببع" وكببان البببراء يشببير بيببده‬
‫ويقول‪ :‬يدي أقصر من يد رسول ال صلى ال عليه وسببلم‪ :‬العرجبباء البببين عرجهببا‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والعوراء البين عورها‪ ،‬والمريضة البين مرضها‪ ،‬والعجفاء الببتي ل تنقببى"‪ .‬وكببذلك‬
‫أجمعوا على أن ما كان من هذه الربع خفيفا فل تأثير له في منع الجزاء‪ .‬واختلفببوا‬
‫في موضعين‪ :‬أحدهما فيما كبان مبن العيبوب أشبد مبن هبذه المنصبوص عليهبا مثبل‬
‫العمى وكسر الساق‪ .‬والثاني فيما كان مساويا لها في إفادة النقص وشينها‪ ،‬أعنببي مببا‬
‫كان من العيوب في الذن والعين والذنب والضرس وغيببر ذلببك مببن العضبباء ولببم‬
‫يكن يسيرا‪ .‬فأما الموضع الول‪ ،‬فإن الجمهور على أن ما كان أشد من هببذه العيببوب‬
‫المنصوص عليها فهي أحرى أن تمنع الجزاء‪ .‬وذهب أهل الظاهر إلى أنببه ل تمنببع‬
‫الجزاء ول يتجنب بالجملة أكثر من هببذه العيببوب الببتي وقببع النببص عليهببا‪ .‬وسبببب‬
‫اختلفهم هل هذا اللفظ الوارد هببو خبباص أريببد بببه الخصببوص‪ ،‬أو خبباص أريببد بببه‬
‫العموم؟ فمن قال أريد به الخصوص ولببذلك أخبببر بالعببدد قببال‪ :‬ل يمنببع الجببزاء إل‬
‫هذه الربعة فقط؛ ومن قال هو خاص أريد به العموم وذلك من النوع الببذي يقببع فيببه‬
‫التنبيه بالدنى على العلى قال‪ :‬ما هو أشد من المنصوص عليهببا فهببو أحببرى أن ل‬
‫يجزى‪ .‬وأما الموضع الثاني‪ ،‬أعني ما كببان مببن العيببوب فببي سببائر العضبباء مفيببدا‬
‫للنقص على نحو إفادة هذه العيوب المنصوص عليها له فإنهم اختلفوا فببي ذلببك علببى‬
‫ثلثة أقوال‪ :‬أحدها أنها تمنع الجزاء كمنع المنصوص عليهببا‪ ،‬وهببو المعببروف مببن‬
‫مذهب مالك فببي الكتببب المشببهورة‪ .‬والقببول الثبباني أنهببا ل تمنببع الجببزاء وإن كببان‬
‫يستحب اجتنابها‪ ،‬وبه قببال ابببن القصببار وابببن الجلب وجماعببة مببن البغببداديين مببن‬
‫أصحاب مالك‪ .‬والقول الثالث أنها ل تمنع الجببزاء ول يسببتحب تجنبهببا‪ ،‬وهببو قببول‬
‫أهل الظاهر‪ .‬وسبب اختلفهم شيئان أحببدهما اختلفهببم فببي مفهببوم الحببديث المتقببدم‪.‬‬
‫والثاني تعارض الثار في هذا الباب‪ .‬أما الحديث المتقدم‪ ،‬فمن رآه من باب الخبباص‬
‫أريد به الخاص قال‪ :‬ل يمنع ما سوى الربع مما هو مساو لهببا أو أكببثر منهببا‪ .‬وأمببا‬
‫من رآه من باب الخاص أريد به العام وهم الفقهاء‪ ،‬فمن كان عنده أنه من باب التبببيه‬
‫بالدنى على العلى فقط‪ ،‬ل من ببباب التنبببيه بالمسباوى علبى المسبباوى قبال‪ :‬يلحببق‬
‫بهذه الربع ما كان أشد منها‪ ،‬ول يلحق بها ما كان مساويا لها فببي منببع الجببزاء إل‬
‫على وجه الستحباب؛ ومن كان عنده أنه من باب التنبيه على المرين جميعببا أعنببي‬
‫علببى مببا هببو أشببد مببن المنطببوق بببه أو مسبباويا لببه قببال‪ :‬تمنببع العيببوب الشبببيهة‬
‫بالمنصوص عليها الجزاء كما يمنعه العيببوب الببتي هببي أكبببر منهببا‪ ،‬فهببذا هببو أحببد‬
‫أسباب الخلف في هذه المسألة‪ ،‬وهو من قبل تبردد اللفبظ بيبن أن يفهبم منبه المعنبى‬
‫الخاص أو المعنى العام‪ ،‬ثم إن من فهم منه العام‪ ،‬فأي عام هو؟ هببل الببذي هببو أكببثر‬
‫من ذلك؟ أو الذي هو أكثر والمسبباوي معببا علببى المشببهور مببن مببذهب مالببك؟ وأمببا‬
‫السبب الثاني فإنه ورد فببي هببذا الببباب مببن الحبباديث الحسبان حببديثان متعارضببان‪،‬‬
‫فذكر النسائي عن أبي بردة أنه قال‪" :‬يا رسببول الب أكببره النقببص يكببون فببي القببرن‬
‫والذن‪ ،‬فقال له النبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬ما كرهته فدعه ول تحرمه على غيرك"‬
‫وذكر علي بن أبي طالب قال "أمرنا رسول ال صلى ال ب عليببه وسببلم أن نستشببرف‬
‫العيببن والذن ول يضببحى بشببرقاء ول خرقبباء ول مببدابرة ول بببتراء" والشببرقاء‪:‬‬
‫المشقوقة الذن‪ .‬والخرقاء‪ :‬المثقوبة الذن‪ .‬والمدابرة‪ :‬التي قطع من جنبتي أذنها مببن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫خلف‪ .‬فمن رجح حديث أبي بببردة قببال‪ :‬ل يتقببي إل العيببوب الربببع أو مببا هببو أشببد‬
‫منها؛ ومن جمع بين الحديثين بأن حمل حديث أبي بردة على اليسير الببذي هببو غيببر‬
‫بين وحديث علي على الكثير الذي هببو بيببن ألحببق بحكببم المنصببوص عليهببا مببا هببو‬
‫مساو لها‪ ،‬ولذلك جرى أصحاب هذا المببذهب إلببى التحديببد فيمببا يمنببع الجببزاء ممببا‬
‫يذهب من هذه العضاء‪ ،‬فاعتبر بعضهم ذهاب الثلببث مببن الذن والببذنب‪ ،‬وبعضببهم‬
‫اعتبر الكثر؛ وكذلك المر في ذهاب السنان وأطباء الثدي‪ ،‬وأما القببرن فببإن مالكببا‬
‫قال‪ :‬ليس ذهاب جزء منه عيبا إل أن يكون يدمى فإنه عنببده مببن ببباب المببرض‪ ،‬ول‬
‫خلف في أن المرض البين يمنع الجزاء‪ .‬وخرج أبو داود "أن النبببي عليببه الصببلة‬
‫والسلم نهى عن أعصب الذن والقرن" واختلفوا في الصكاء وهببي الببتي خلقببت بل‬
‫أذنين‪ ،‬فذهب مالك والشافعي إلى أنها ل تجوز؛ وذهببب أبببو حنيفببة إلببى أنببه إذا كبان‬
‫خلقة جاز كالجم ولم يختلف الجمهور أن قطع الذن كله أو أكثره عيببب‪ ،‬وكببل هببذا‬
‫الختلف راجع إلببى مببا قببدمناه‪ .‬واختلفببوا فببي البببتر؛ فقببوم أجببازوه لحببديث جببابر‬
‫الجعفي عن محمد بن قرظة عن أبي سعيد الخدري أنه قال "اشتريت كبشببا لضببحي‬
‫به‪ ،‬فأكل الذئب ذنبه‪ ،‬فسألت رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬ضح به" وجببابر‬
‫عند أكثر المحدثين ل يحتج به وقوم أيضا منعوه لحديث علي المتقدم‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثالثة( وهي معرفة السن المشببترطة فببي الضببحايا فببإنهم أجمعببوا‬
‫على أنه ل يجوز الجذع من المعز بل الثنبي فمبا فبوقه لقبوله عليبه الصببلة والسببلم‬
‫لبي بردة لما أمره بالعادة "يجزيك‪ ،‬ول يجذي جذع عن أحد غيرك" واختلفوا فببي‬
‫الجذع من الضأن‪ ،‬فالجمهور على جوازه‪ ،‬وقال قوم‪ :‬بل الثنببي مببن الضببأن‪ .‬وسبببب‬
‫اختلفهم معارضة العموم للخصوص‪ ،‬فالخصوص هو حديث جابر قال‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم "ل تذبحوا إل مسنة إل أن يعسر عليكم فتببذبحوا جذعببة مببن‬
‫الضأن" خرجه مسلم‪ .‬والعموم هو ما جاء في حديث أبي بببردة بببن نيبار خرجببه مببن‬
‫قوله عليه الصلة والسلم "ول تجزي جذعة عن أحد بعدك" فمن رجح هببذا العمببوم‬
‫على الخصوص‪ ،‬وهو مذهب أبي محمد بن حزم في هببذه المسببألة لنببه زعببم أن أبببا‬
‫الزبير مبدلس عنبد المحبدثين‪ ،‬والمبدلس عنبدهم مبن ليبس يجبري العنعنبة مبن قبوله‬
‫مجرى المسند لتسامحه في ذلك‪ ،‬وحديث أبي بردة ل مطعن فيه‪ .‬وأما من ذهب إلببى‬
‫بناء الخاص على العام على ما هو مشهور عند جمهور الصوليين فإنه اسببتثنى مببن‬
‫ذلك العموم جذع الضأن المنصوص عليها وهو الولى‪ ،‬وقد صحح هذا الحديث أبببو‬
‫بكر بن صفور )هكذا بالصل وليحرر(‪ ،‬وخطأ أبا محمد بن حزم فيما نسب إلى أبي‬
‫الزبير في غالب ظني في قول له رد فيه على ابن حزم‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الرابعة( وهي عدد ما يجببزي مبن الضبحايا عبن المضبحين فبإنهم‬
‫اختلفوا في ذلك‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يجوز أن يذبح الرجل الكبش أو البقرة أو البدنة مضببحيا‬
‫عن نفسه وعن أهل بيته الذين تلزمبه نفقتهببم بالشببرع‪ ،‬وكببذلك عنبده الهببدايا؛ وأجبباز‬
‫الشافعي وأبو حنيفة وجماعة أن ينحر الرجل البدنة عن سبع‪ ،‬وكذلك البقببرة مضببحيا‬
‫أو مهديا‪ ،‬وأجمعوا على أن الكبش ل يجزي إل عن واحد‪ ،‬إل ما رواه مالك من أنببه‬
‫يجزي أن يذبحه الرجل عن نفسه وعن أهل بيته ل على جهة الشركة بببل إذا اشببتراه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مفردا‪ ،‬وذلك لما روي عن عائشة أنها قالت "كنا بمنى فدخل علينا بلحم بقر‪ ،‬فقلنا ما‬
‫هو؟ فقالوا‪ :‬ضحى رسول ال صلى ال عليه وسلم عن أزواجه" وخالفه في ذلك أبببو‬
‫حنيفة والثوري علببى وجببه الكراهببة ل علببى وجببه عببدم الجببزاء‪ .‬وسبببب اختلفهببم‬
‫معارضة الصل في ذلببك للقيبباس المبنببي علببى الثببر الببوارد فببي الهببدايا‪ ،‬وذلببك أن‬
‫الصل هو أن ل يجزي إل واحد عن واحد‪ ،‬ولببذلك اتفقببوا علببى منببع الشببتراك فببي‬
‫الضببأن‪ ،‬وإنمببا قلنببا‪ :‬إن الصببل هببو أن ل يجببزي إل واحببد عببن واحببد‪ ،‬لن المببر‬
‫بالتضحية ل يتبعض إذ كان من كببان لببه شببرك فببي ضببحية ليببس ينطلببق عليببه اسببم‬
‫مضح إل إن قام الببدليل الشببرعي علببى ذلببك‪ .‬وأمببا الثببر الببذي انبنببى عليببه القيبباس‬
‫المعارض لهذا الصل فما روي عن جابر أنه قال "نحرنا مع رسول ال ب صببلى ال ب‬
‫عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبع" وفي بعببض روايببات الحببديث "سببن رسببول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم البدنة عن سبببعة والبقببرة عببن سبببعة" فقبباس الشببافعي وأبببو‬
‫حنيفة الضحايا في ذلك على الهدايا؛ وأما مالك فرجببح الصببل علببى القيبباس المبنببي‬
‫على هذا الثر لنه اعتل لحديث جابر بأن ذلك كان حين صد المشركون رسول البب‬
‫صلى ال عليه وسلم عن البيت‪ ،‬وهدي المحصر بعد ليس هو عنده واجبببا وإنمببا هببو‬
‫تطوع‪ ،‬وهدي التطوع يجوز عنبده فيبه الشبتراك‪ ،‬ول يجبوز الشبتراك فبي الهبدي‬
‫الواجب‪ ،‬لكن على القول بأن الضحايا غير واجبة فقد يمكن قياسها على هذا الهببدي؛‬
‫وروي عنببه ابببن القاسببم أنببه ل يجببوز الشببتراك ل فببي هببدي تطببوع ول فببي هببدي‬
‫وجوب‪ ،‬وهذا كأنه رد للحديث لمكان مخالفته للصل في ذلك‪ ،‬وأجمعوا علبى أنبه ل‬
‫يجوز أن يشترك في النسك أكثر من سبعة‪ .‬وإن كان قببد روي مببن حببديث رافببع بببن‬
‫خديج ومن طريق ابن عباس وغيره "البدنة عن عشرة"‪ .‬وقال الطحاوي‪ :‬وإجماعهم‬
‫على أنه ل يجوز أن يشترك في النسك أكثر من سبعة دليل على أن الثببار فببي ذلببك‬
‫غير صحيحة‪ ،‬وإنما صار مالك لجواز تشريك الرجل أهل بيته في أضحيته أو هديبة‬
‫لما رواه عن ابن شهاب أنه قال "ما نحر رسول ال صلى ال عليببه وسببلم عببن أهببل‬
‫بيته إل بدنة واحدة أو بقرة واحدة" وإنما خولف مالك في الضحايا فببي هببذا المعنببى‪،‬‬
‫أعني في التشريك لن الجماع انعقد على منع التشريك فيه في الجانب‪ ،‬فببوجب أن‬
‫يكون القارب في ذلك في قياس الجانب‪ ،‬وإنما فببرق مالببك فببي ذلببك بيببن الجببانب‬
‫والقارب لقياسه الضحايا على الهدايا في الحديث الببذي احتببج بببه‪ :‬أعنببي حببديث ان‬
‫شهاب‪ ،‬فاختلفهم في هذه المسألة إذا رجع إلى تعارض القيسة في هذا الباب‪ :‬أعني‬
‫إما إلحاق القارب بالجانب‪ ،‬وإما قياس الضحايا على الهدايا‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثالث في أحكام الذبح‪.‬‬
‫@‪-‬ويتعلق بالذبح المختص بالضببحايا النظببر فببي الببوقت والذبببح‪ .‬أمببا الببوقت فبإنهم‬
‫اختلفوا فيه في ثلثة مواضع‪ :‬في ابتدائه وفي انتهائه وفي الليببالي المتخللببة لببه‪ .‬فأمببا‬
‫في ابتدائه‪ ،‬فإنهم اتفقوا على أن الذبح قبل الصلة ل يجوز لثبوت قوله عليه الصببلة‬
‫والسلم "من ذبح قبل الصببلة فإنمببا هببي شبباة لحببم" وأمببره بالعببادة لمببن ذبببح قبببل‬
‫الصلة وقوله "أول ما نبدأ به في يومنا هذا هو أن نصلي ثببم ننحببر" إلببى غيببر ذلببك‬
‫من الثار الثابتة التي فببي هببذا المعنببى‪ .‬واختلفببوا فيمببن ذبببح قبببل ذبببح المببام وبعببد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الصلة‪ ،‬فذهب مالك إلى أنه ل يجوز لحد ذبح أضحيته قبل ذبببح المببام؛ وقببال أبببو‬
‫حنيفة والثوري‪ :‬يجوز الذبح بعد الصلة وقبل ذبح المام‪ .‬وسبببب اختلفهببم اختلف‬
‫الثار في هذا الباب‪ ،‬وذلك أنه جاء في بعضها "أن النبي عليه الصلة والسببلم أمببر‬
‫لمن ذبح قبل الصلة أن يعيد الذبح"‪ ،‬وفي بعضها "أنه أمببر لمببن ذبببح قبببل ذبحببه أن‬
‫يعيد" وخرج هذا الحديث الذي فيه هذا المعنى مسلم؛ فمن جعل ذلك موطنين اشترط‬
‫ذبح المام في جواز الذبح؛ ومن جعل لذلك موطنا واحدا قال‪ :‬إنما يعتبر فببي إجببزاء‬
‫الذبح الصلة فقط‪ .‬وقد اختلفت الرواية في حديث أبي بردة ابببن نيببار‪ ،‬وذلببك أن فببي‬
‫بعض رواياته "أنه ذبح قبل الصلة فأمره رسول ال صلى ال ب عليببه وسببلم أن يعيببد‬
‫الذببح" وفبي بعضبها "أنبه ذببح قببل ذببح رسبول الب صبلى الب عليبه وسبلم فبأمره‬
‫بالعادة" وإذا كان ذلك كذلك فحمل قول الراوي أنه ذبح قبل رسببول ال ب صببلى ال ب‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وقول الخر ذبح قبل الصلة على موطن واحد أولى‪ ،‬وذلك أن من ذبببح‬
‫قبل الصلة فقد ذبح قبل رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فيجب أن يكون المؤثر فببي‬
‫عدم الجزاء إنما هو الذبح قبل الصلة كما جاء في الثار الثابتة في ذلك من حببديث‬
‫أنس وغيره "أن من ذبح قبل الصلة فليعد" وذلك أن تأصيل هببذا الحكببم منببه صببلى‬
‫ال عليه وسلم يدل بمفهوم الخطاب دللة قوية أن الذبح بعد الصلة يجزئ‪ ،‬لنببه لببو‬
‫كان هنالك شرط آخر مما يتعلق به إجزاء الذبح لم يسكت عنه رسول ال صببلى ال ب‬
‫عليه وسلم مع أن فرضه التبيين‪ ،‬ونص حديث أنس هذا قال‪ :‬قبال رسبول الب صببلى‬
‫ال عليه وسلم يوم النحر "من كان ذبح قبل الصلة فليعد" واختلفوا من هذا الباب في‬
‫فرع مسكوت عنه‪ ،‬وهو متى يذبح من ليببس لببه إمببام مببن أهببل القببرى؟ فقببال مالببك‪:‬‬
‫يتحرون ذبح أقببرب الئمببة إليهببم؛ وقببال الشببافعي‪ :‬يتحببرون قببدر الصببلة والخطبببة‬
‫ويذبحون؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬من ذبح مببن هببؤلء بعببد الفجببر أجببزأه؛ وقببال قببوم‪ :‬بعببد‬
‫طلوع الشمس؛ وكذلك اختلف أصحاب مالك في فرع آخر‪ ،‬وهو إذا لببم يذبببح المببام‬
‫في المصلى‪ ،‬فقال قوم‪ :‬يتحرى ذبحه بعد انصرافه؛ وقال قوم‪ :‬ليس يجب ذلك‪ .‬وأمببا‬
‫آخر زمان الذبببح فبإن مالكببا قبال‪ :‬آخببره اليببوم الثبالث مببن أيبام النحبر وذلبك مغيببب‬
‫الشمس‪ .‬فالذبح عنده هو في اليام المعلومات يوم النحر ويومان بعده‪ ،‬وبببه قببال أبببو‬
‫حنيفة وأحمد وجماعة؛ وقال الشافعي والوزاعي‪ :‬الضحى أربعة يوم النحر وثلثببة‬
‫أيام بعده‪ .‬وروي عن جماعة أنهم قالوا‪ :‬الضحى يوم واحد وهو يوم النحر خاصببة؛‬
‫وقد قيل الذبح إلى آخر يوم من ذي الحجة وهو شاذ ل دليل عليه‪ ،‬وكل هذه القاويل‬
‫مروية عن السلف‪ .‬وسبب اختلفهم شيئان‪ :‬أحدهما اختلفهم في اليام المعلومات ما‬
‫هي في قوله تعالى }ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم ال في أيببام معلومببات علببى مببا‬
‫رزقهم من بهيمة النعام{ فقيل يوم النحر ويومان بعده وهو المشببهور؛ وقيببل العشببر‬
‫الول من ذي الحجة‪ .‬والسبب الثاني معارضة دليل الخطباب فبي هبذه اليبة لحبديث‬
‫جبير بن مطعم‪ ،‬وذلك أنه ورد فيه عنه عليه الصلة والسلم أنه قال "كل فجاج مكة‬
‫منحر وكل أيام التشريق ذبح" فمن قال في اليام المعلومات إنها يوم النحببر ويومببان‬
‫بعده في هذه الية ورجح دليل الخطاب فيها على الحديث المببذكور قببال "ل نحببر إل‬
‫في هذه اليببام" ومببن رأى الجمببع بيببن الحببديث واليببة وقببال ل معارضببة بينهمببا إذ‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الحديث اقتضى حكما زائدا على ما في الية‪ ،‬مع أن الية ليس المقصود منها تحديببد‬
‫أيام الذبح‪ ،‬والحديث المقصود منه ذلبك قبال‪ :‬يجبوز الذببح فببي اليببوم الراببع إذ كببان‬
‫باتفاق من أيام التشببريق‪ ،‬ول خلف بينهببم أن اليببام المعببدودات هببي أيببام التشببريق‬
‫وأنها ثلثة بعد يوم النحر‪ ،‬إل ما روي عن سعيد بن جبير أنببه قببال‪ :‬يببوم النحببر مببن‬
‫أيام التشريق‪ .‬وإنما اختلفوا في اليام المعلومات علببى القببولين المتقببدمين‪ .‬وأمببا مببن‬
‫قال يوم النحر فقط فبناء على أن المعلومات هي العشر الول قال‪ :‬وإذا كان الجماع‬
‫قد انعقد أنه ل يجوز الذبح منها إل في اليوم العاشببر وهببي محببل الذبببح المنصببوص‬
‫عليها فواجب أن يكون الذبح إنما هو يوم النحر فقط‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثالثة( وهي اختلفهم في الليالي الببتي تتخلببل أيببام النحببر‪ ،‬فببذهب‬
‫مالك في المشهور عنه إلى أنه ل يجببوز الذبببح فببي ليببالي أيببام التشببريق ول النحببر‪.‬‬
‫وذهب الشافعي وجماعة إلى جواز ذلك‪ .‬وسبببب اختلفهببم الشببتراك الببذي فببي اسببم‬
‫اليوم‪ ،‬وذلك أنه مرة يطلقه العرب على النهار والليلة مثل قببوله تعببالى }فتمتعببوا فببي‬
‫داركم ثلثة أيام{ ومرة يطلقه على اليام دون الليالي مثل قوله تعالى }سخرها عليهم‬
‫سبع ليال وثمانية أيام حسوما{ فمن جعل اسم اليوم يتناول الليل مببع النهببار فببي قببوله‬
‫تعالى }ليذكروا اسم ال في أيام معلومات{ قال‪ :‬يجوز الذبح بالليببل والنهببار فببي هببذه‬
‫اليام؛ ومن قال ليس يتناول اسم اليوم الليل في هببذه اليببة قببال‪ :‬ل يجببوز الذبببح ول‬
‫النحر بالليل‪ .‬والنظر هل اسم اليوم أظهر في أحدهما من الثاني‪ ،‬ويشبه أن يقببال إنببه‬
‫أظهر في النهار منه في الليل‪ ،‬لكن إن سلمنا أن دللته في الية هي على النهار فقببط‬
‫لم يمنع الذبح بالليل إل بنحو ضببعيف مببن إيجبباب دليببل الخطبباب‪ ،‬وهببو تعليببق ضببد‬
‫الحكم بضد مفهوم السم‪ ،‬وهذا النوع من أنواع الخطاب هو من أضببعفها حببتى إنهببم‬
‫قالوا ما قال به أحد المتكلمين إل الدقاق فقط إل أن يقول قائل إن الصل هببو الحظببر‬
‫في الذبح‪ ،‬وقد ثبت جوازه بالنهار‪ ،‬فعلى من جببوزه بالليببل الببدليل‪ .‬وأمببا الذابببح فببإن‬
‫العلماء استحبوا أن يكون المضحي هو الذي يلي ذبح أضحيته بيده‪ ،‬واتفقوا على أنببه‬
‫يجوز أن يوكل غيره على الذبح‪ .‬واختلفوا هل تجوز الضحية إن ذبحهببا غيببره بغيببر‬
‫إذنه‪ ،‬فقيل ل يجوز‪ ،‬وقيل بالفرق بين أن يكون صديقا أو ولببدا أو أجنبيببا‪ ،‬أعنببي أنببه‬
‫يجوز أن كان صديقا أو ولدا‪ ،‬ولم يختلف المذهب فيما أحسب أنه إن كان أجنبيا أنهببا‬
‫ل تجوز‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الرابع في أحكام لحوم الضحايا‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أن المضحي مأمور أن يأكل من لحم أضحيته ويتصدق لقوله تعالى‬
‫}فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير{ وقوله تعالى }وأطعمببوا القببانع والمعببتر{ ولقببوله‬
‫صلى ال عليه وسلم في الضحايا "كلوا وتصدقوا وادخببروا"‪ .‬واختلببف مببذهب مالببك‬
‫هل يؤمر بالكل والصدقة معا‪ ،‬أم هو مخيبر بيبن أن يفعبل أحبد المريبن؟ أعنبي أن‬
‫يأكل الكل أو يتصدق بالكل؟ وقال ابن المببواز لببه أن يفعببل أحببد المريببن؛ واسببتحب‬
‫كثير من العلماء أن يقسمها أثلثا‪ :‬ثلثببا للدخببار‪ ،‬وثلثببا للصببدقة‪ ،‬وثلثببا للكببل لقببوله‬
‫عليه الصلة والسلم "فكلوا وتصدقوا وادخروا" وقببال عبببد الوهبباب فببي الكببل إنببه‬
‫ليس بواجب في المذاهب خلفا لقوم أوجبوا ذلك‪ ،‬وأظن أهل الظاهر يوجبون تجزئة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫لحوم الضحايا إلى القسام الثلثة التي يتضمنها الحديث والعلماء متفقون فيما علمببت‬
‫أنه ل يجوز مع لحمها‪ ،‬واختلفوا في جلدها وشعرها وما عدا ذلك مما ينتفع به منهببا‪،‬‬
‫فقال الجمهور‪ :‬ل يجوز يبعه؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬يجوز بيعببه بغيببر الببدراهم والببدنانير‪:‬‬
‫أي بالعروض‪ .‬وقال عطاء‪ :‬يجوز بكل شيء دراهم ودنانير وغير ذلك‪ ،‬وإنمببا فببرق‬
‫أبو حنيفة بين الدراهم وغيرهببا‪ ،‬لنببه رأى أن المعاوضببة بببالعروض هببي مببن ببباب‬
‫النتفاع لجماعهم على أنببه يجببوز أن ينتفببع بببه‪ ،‬وهببذا القببدر كبباف فببي قواعببد هببذا‬
‫الكتاب والحمد ل‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الذبائح‬
‫@‪-‬والقول المحيط بقواعد هذا الكتاب ينحصر في خمسة أبببواب‪ :‬الببباب الول‪ :‬فببي‬
‫معرفة محل الذبح والنحر‪ ،‬وهو المذبوح أو المنحور‪ .‬الباب الثاني‪ :‬في معرفة الذبببح‬
‫والنحر‪ .‬الباب الثالث‪ :‬في معرفة اللة التي بها يكببون الذبببح والنحببر‪ .‬الببباب الرابببع‪:‬‬
‫في معرفة شروط الذكاة‪ .‬الباب الخامس‪ :‬في معرفبة الذاببح والنباحر والصبول هبي‬
‫الربعة‪ ،‬والشروط يمكن أن تدخل في الربعة البواب والسهل في التعليم أن يجعل‬
‫بابا على حدته‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول في معرفة محل الذبح والنحر‪.‬‬
‫@‪-‬والحيوان في اشتراط الببذكاة فببي أكلببه علببى قسببمين‪ :‬حيببوان ل يحببل إل بببذكاة‪،‬‬
‫وحيوان يحل بغير ذكاة‪ .‬ومن هذه ما اتفقوا عليه ومنها ما اختلفوا فيه‪ .‬واتفقببوا علببى‬
‫أن الحيوان الذي يعمل فيه الذبح هو الحيوان البببري ذو الببدم الببذي ليببس بمحببرم ول‬
‫منفوذ المقاتل ول ميئوس منه بوقذ أو نطح أو ترد أو افببتراس سبببع أو مببرض‪ ،‬وأن‬
‫الحيوان البحري ليس يحتاج إلى ذكاة‪ .‬واختلفوا فببي الحيببوان الببذي ليببس يببدمي ممببا‬
‫يجوز أكله مثل الجراد وغيره هل له ذكاة أم ل؟ وفببي الحيببوان المببدمي الببذي يكببون‬
‫تارة في البحر وتارة في البر مثببل السببلحفاة وغيببره‪ .‬واختلفببوا فبي تبأثير البذكاة فببي‬
‫الصناف التي نص عليها في آية التحريم وفي تأثير الذكاة فيما ل يحببل أكلببه‪ ،‬أعنببي‬
‫في تحليل النتفاع بجلودها وسببلب النجاسببة عنهببا‪ ،‬ففببي هببذا الببباب إذا سببت مسببائل‬
‫أصول‪ :‬المسألة الولى‪ :‬في تأثير الذكاة في الصناف الخمسة الببتي نببص عليهببا فببي‬
‫الية إذا أدركت حية‪ .‬المسألة الثانية‪ :‬فببي تبأثير الببذكاة فببي الحيببوان المحبرم الكببل‪.‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬في تأثير الذكاة في المريضة‪ .‬المسألة الرابعبة‪ :‬فببي هببل ذكباة الجنيبن‬
‫ذكبباة أمببه أم ل؟ المسببألة الخامسببة‪ :‬هببل للجببراد ذكبباة أم ل؟ المسببألة السادسببة‪ :‬هببل‬
‫للحيوان الذي يأوي في البر تارة وفي البحر تارة ذكاة أم ل؟‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الولى( أما المنخنقبة والموقبوذة والمترديبة والنطيحبة ومبا أكبل السبببع‬
‫فإنهم اتفقوا فيما أعلم أنه إذا لم يبلغ الخنق منها أو الوقذ منها إلى حالة ل يرجى فيها‬
‫أن الذكاة عاملة فيها‪ ،‬أعني أنه إذا غلب على الظن أنها تعيش‪ ،‬وذلك بببأن ل يصبباب‬
‫لها مقتل‪ .‬واختلفوا إذا غلب على الظن أنها تهلببك مببن ذلببك بإصببابة مقتببل أو غيببره‪،‬‬
‫فقال قوم‪ :‬تعمل الذكاة فيها‪ ،‬وهو مببذهب أبببي حنيفببة والمشببهور مببن قببول الشببافعي‪،‬‬
‫وهو قول الزهري وابن عباس؛ وقال قوم‪ :‬ل تعمل الذكاة فيها؛ وعن مالببك فببي ذلببك‬
‫الوجهان‪ ،‬ولكن الشهر أنها ل تعمل في الميئوس منها‪ :‬وبعضهم تببأول فببي المببذهب‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أن الميئوس منها على ضربين ميئوسة مشكوك فيها‪ ،‬وميئوسة مقطوع بموتها وهببي‬
‫المنفوذة المقاتل على اختلف بينهم أيضا في المقاتببل قببال‪ :‬فأمببا الميئوسببة المشببكوك‬
‫فيها ففببي المببذهب فيهببا روايتببان مشببهورتان؛ وأمببا المنفببوذة المقاتببل فل خلف فببي‬
‫المذهب المنقول أن الببذكاة ل تعمببل فيهببا وإن كببان يتخببرج فيهببا الجببواز علببى وجببه‬
‫ضعيف‪ .‬وسبب اختلفهم اختلفهببم فببي مفهببوم قببوله تعببالى }إل مببا ذكيتببم{ هببل هببو‬
‫استثناء متصل فيخرج من الجنس بعض ما يتنبباوله اللفببظ وهببو المنخنقببة والموقببوذة‬
‫والمتردية والنطيحة وما أكببل السبببع علببى عببادة السببتثناء المتصببل‪ ،‬أم هببو اسببتثناء‬
‫منقطع ل تأثير له في الجملة المتقدمة‪ ،‬إذ كان هذا أيضا شأن السببتثناء المنقطببع فببي‬
‫كلم العرب‪ ،‬فمن قال إنه متصل قال‪ :‬الذكاة تعمل في هذه الصناف الخمسببة؛ وأمببا‬
‫من قبال السببتثناء منقطببع فبإنه قبال‪ :‬ل تعمبل البذكاة فيهبا‪ .‬وقببد احتبج مببن قبال‪ :‬إن‬
‫الستثناء متصل بإجماعهم على أن الذكاة تعمل في المرجو منها قال‪ :‬فهذا يدل علببى‬
‫أن الستثناء له تأثير فيهبا فهبو متصبل‪ .‬وقبد احتبج أيضبا مبن رأى أنبه منقطبع ببأن‬
‫التحريم لم يتعلبق بأعيببان هببذه الصببناف الخمسبة وهبي حيبة وإنمبا يتعلبق بهببا بعببد‬
‫الموت‪ ،‬وإذا كان ذلك كذلك فالستثناء منقطع‪ ،‬وذلك أن معنى قببوله تعببالى }حرمببت‬
‫عليكببم الميتببة{ إنمببا هببو لحببم الميتببة‪ ،‬وكببذلك لحببم الموقببوذة والمترديببة والنطيحببة‬
‫وسائرها‪ :‬أي لحم الميتة بهذه السباب سوى التي تموت من تلقاء نفسها‪ ،‬وهببي الببتي‬
‫تسمى ميتة أكثر ذلك في كلم العرب أو بالحقيقة قالوا‪ ،‬فلما علم أن المقصود لم يكن‬
‫تعليق التحريم بأعيان هذه وهي حية‪ ،‬وإنما علق بها بعببد المببوت‪ ،‬لن لحببم الحيببوان‬
‫محرم في حال الحياة بدليل اشتراط الذكاة فيها‪ ،‬وبببدليل قببوله عليببه الصببلة والسببلم‬
‫"ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة" وجب أن يكون قوله }إل ما ذكيتم{ استثناء‬
‫منقطعا‪ ،‬لكن الحق في ذلك أن كيفما كان المر في الستثناء فواجب أن تكون الببذكاة‬
‫تعمل فيها‪ ،‬وذلك أنه إن علقنا التحريم بهذه الصناف في الية بعد المببوت وجببب أن‬
‫تدخل في التذكية من جهة ما هي حية الصببناف الخمسببة وغيرهببا‪ ،‬لنهببا مببا دامببت‬
‫حية مساوية لغيرها في ذلك من الحيوان‪ ،‬أعني أنها تقبل الحلية من قبل التذكية الببتي‬
‫الموت منها هو سبب الحلية‪ ،‬وإن قلنا إن السبتثناء متصبل فل خفبباء بوجبوب ذلببك‪،‬‬
‫ويحتمل أن يقال‪ :‬إن عموم التحريم يمكن أن يفهم منه تناول أعيان هذه الخمسببة بعببد‬
‫الموت وقبله كالحال في الخنزير الذي ل تعمل فيه الذكاة‪ ،‬فيكون الستثناء على هببذا‬
‫رافعا لتحريم أعيانها بالتنصيص على عمل الذكاة فيها‪ ،‬وإذا كان ذلك كذلك لببم يلببزم‬
‫ما اعترض به ذلك المعترض من الستدلل على كون السببتثناء منقطعببا‪ .‬وأمببا مببن‬
‫فرق بين المنفوذة المقاتل والمشببكوك فيهببا فيحتمببل أن يقببال إن مببذهبه أن السببتثناء‬
‫منقطع وأنه إنما جاز تببأثير الببذكاة فببي المرجببوة بالجمبباع‪ ،‬وقبباس المشببكوكة علببى‬
‫المرجببوة‪ .‬ويحتمببل أن يقببال إن السببتثناء متصببل‪ ،‬ولكببن اسببتثناء هببذا الصببنف مببن‬
‫الموقوذة بالقياس‪ ،‬وذلببك أن الببذكاة إنمببا يجببب أن تعمببل فببي حيببن يقطببع أنهببا سبببب‬
‫الموت‪ ،‬فأما إذا شك هل كان موجب الموت الذكاة أو الوقذ أو النطببح أو سببائرها فل‬
‫يجب أن تعمل في ذلك وهذه هببي حبال المنفبوذة المقاتببل‪ ،‬ولببه أن يقببول إن المنفببوذة‬
‫المقاتل في حكم الميتة والذكاة من شرطها أن ترفع الحياة الثابتة ل الحياة الذاهبة‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪)-‬المسألة الثانية( وأما هببل تعمببل الببذكاة فببي الحيوانببات المحرمببات الكببل حببتى‬
‫تطهر بذلك جلودهم‪ ،‬فإنهم أيضا اختلفوا في ذلك؛ فقال مالك‪ :‬الذكاة تعمل في السببباع‬
‫وغيرها ما عدا الخنزير‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة‪ ،‬إل أنه اختلف المذهب في كون السببباع‬
‫فيه محرمة أو مكروهة على ما سيأتي في كتاب الطعمة والشربة‪ .‬وقببال الشببافعي‪:‬‬
‫الذكاة تعمل في كل حيوان محرم الكل )ليس هذا مشهور مذهب الشافعي فليراجببع ا‬
‫هب مصححه( فيجوز بيع جميع أجزائه والنتفاع بها ماعدا اللحم‪ .‬وسبب الخلف هل‬
‫جميع أجزاء الحيوان تابعة للحم في الحلية والحرمة‪ ،‬أم ليست بتابعة للحم؟ فمن قببال‬
‫إنها تابعة للحم قال‪ :‬إذا لم تعمل الذكاة في اللحم لم تعمل فيما سببواه؛ ومببن رأى أنهببا‬
‫ليست بتابعة قال‪ :‬وإن لم تعمل في اللحم فإنها تعمل فببي سببائر أجببزاء الحيببوان‪ ،‬لن‬
‫الصل أنها تعمل في جميع الجزاء‪ ،‬فإذا ارتفع بالدليل المحرم للحم عملها في اللحببم‬
‫بقي عملها في سائر الجزاء إل أن يدل الدليل على ارتفاعه‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثالثة( واختلفوا في تأثير الذكاة في البهيمة الببتي أشببرفت علببى المببوت‬
‫مببن شببدة المببرض بعببد اتفبباقهم علببى عمببل الببذكاة فببي الببتي تشببرف علببى المببوت‪،‬‬
‫فالجمهور على أن الذكاة تعمل فيها وهو المشهور عن مالببك‪ ،‬وروي عنببه أن الببذكاة‬
‫ل تعمل فيها‪ .‬وسبب الخلف معارضة القياس للثببر‪ .‬فأمببا الثببر فهببو مببا روي "أن‬
‫أمة لكعب بن مالك كانت ترعى غنما بسلع فأصيب شاة منها فأدركتها فذكتها بحجر‪،‬‬
‫فسئل رسول ال صلى ال عليه وسبلم فقبال‪ :‬كلوهبا" خرجبه البخباري ومسبلم‪ .‬وأمبا‬
‫القياس فلن المعلوم من الذكاة أنها إنما تفعل في الحي وهذه في حكم الميت وكل من‬
‫أجاز ذبحها فإنهم اتفقبوا علبى أنبه ل تعمبل البذكاة فيهبا إل إذا كبان فيهبا دليبل علبى‬
‫الحياة‪ .‬واختلفوا فيما هو الدليل المعتبر في ذلك‪ ،‬فبعضهم اعتبر الحركة وبعضهم لببم‬
‫يعتبرها‪ ،‬والول مذهب أبي هريرة والثاني مببذهب زيببد بببن ثببابت؛ وبعضببهم اعتبببر‬
‫فيها ثلث حركات‪ :‬طرف العيببن وتحريببك الببذنب والركببض بالرجببل‪ ،‬وهببو مببذهب‬
‫سعيد بن المسيب وزيد بن أسلم‪ ،‬وهو الذي اختاره محمد بن المواز وبعضببهم شببرط‬
‫مع هذه التنفس‪ ،‬وهو مذهب ابن حبيب‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الرابعة( واختلفوا هل تعمببل ذكبباة الم فببي جنينهببا أم ليببس تعمببل فيببه؟‬
‫وإنما هو ميتة‪ ،‬أعني إذا خرج منها بعد ذبح الم؛ فذهب جمهور العلماء إلى أن ذكاة‬
‫الم ذكاة لجنينها‪ ،‬وبه قال مالك والشافعي؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬إن خرج حيا ذبح وأكل‪،‬‬
‫وإن خرج ميتا فهو ميتة‪ .‬والذين قالوا‪ :‬إن ذكاة الم ذكاة له بعضهم اشترط فببي ذلببك‬
‫تمام خلقته ونبات شعره‪ ،‬وبه قال مالك؛ وبعضهم لم يشترط ذلك‪ ،‬وبه قال الشببافعي‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم اختلفهم في صحة الثببر المببروي فببي ذلببك مببن حببديث أبببي سببعيد‬
‫الخدري مع مخالفته للصول‪ ،‬وحديث أبي سعيد هو قال "سألنا رسول ال صلى الب‬
‫عليه وسلم عن البقرة أو الناقة أو الشاة ينحرها أحدنا فنجد في بطنها جنينببا أنببأكله أو‬
‫نلقه؟ فقال‪ :‬كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه" وخببرج مثلببه الترمببذي وأبببو داود عببن‬
‫جابر‪ .‬واختلفوا في تصحيح هذا الثر فلم يصححه بعضببهم وصببححه بعضببهم وأحببد‬
‫من صححه الترمذي‪ .‬وأما مخالفة الصل في هببذا الببباب للثببر‪ ،‬فهببو أن الجنيببن إذا‬
‫كان حيا ثم مات بمبوت أمبه فإنمبا يمبوت خنقبا فهبو مبن المنخنقبة البتي ورد النبص‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بتحريمها‪ ،‬وإلى تحريمه ذهب أبببو محمببد بببن حببزم ولببم يببرض سببند الحببديث‪ .‬وأمببا‬
‫اختلف القائلين بحليته في اشتراطهم نبببات الشببعر فيببه أو ل اشببتراطه فالسبببب فيببه‬
‫معارضة العموم للقياس‪ ،‬وذلك أن عموم قبوله عليببه الصببلة والسببلم "ذكباة الجنيبن‬
‫ذكاة أمه" يقتضي أن ل يقع هنالك تفصيل وكونه محل للذكاة يقتضي أن يشترط فيببه‬
‫الحياة قياسا على الشياء التي تعمل فيهببا التذكيببة‪ ،‬والحيبباة ل توجببد إل فيببه إذا نبببت‬
‫شعره وتم خلقه‪ ،‬يعضد هذا القياس أن هذا الشرط مروي عن ابن كعب وعن جماعة‬
‫من الصحابة‪ .‬وروى معمر عن الزهري عن عبد ال بن كعببب بببن مالببك قببال‪ :‬كببان‬
‫أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم يقولون‪ :‬إذا أشعر الجنين فببذكاته ذكبباة أمببه‪.‬‬
‫وروى ابن المبارك عن ابن أبي ليلى قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "ذكاة‬
‫الجنين ذكاة أمه أشعر أو لم يشعر" إل أن ابن أبي ليلى سيء الحفظ عندهم‪ ،‬والقياس‬
‫يقتضي أن تكون ذكاته في ذكاة أمه من قبل أنه جزء منها‪ ،‬وإذا كان ذلك كببذلك‪ ،‬فل‬
‫معنى لشتراط الحياة فيه‪ ،‬فيضعف أن يخصص العموم الوارد في ذلك بالقياس الذي‬
‫تقدم ذكره عن أصحاب مالك‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الخامسبة( واختلفبوا فبي الجبراد؛ فقبال مالبك‪ :‬ل يؤكبل مبن غيبر ذكباة‬
‫وذكاته عنده هو أن يقتل إما بقطع رأسه أو بغير ذلك‪ .‬وقال عامة الفقهاء‪ :‬يجوز أكل‬
‫ميتته‪ ،‬وبه قال مطبرف؛ وذكباة مبا ليبس ببذي دم عنبد مالبك كبذكاة الجبراد‪ .‬وسببب‬
‫اختلفهم في ميتة الجراد هو هل يتنباوله اسبم الميتببة أم ل فبي قبوله تعبالى }حرمبت‬
‫عليكم الميتة{ وللخلف سبب آخر وهو هل هو نثرة حوت أو حيوان بري‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة السادسة( واختلفوا في الذي يتصرف في الببر والبحببر هببل يحتبباج إلببى‬
‫ذكاة أم ل؟ فغلب قوم فيه حكم البر وغلب آخرون حكم البحر‪ ،‬واعتبر آخرون حيببث‬
‫يكون عيشه ومتصرفه منهما غالبا‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني في الذكاة‪.‬‬
‫@‪-‬وفي قواعببد هببذا الببباب مسببئلتان‪ :‬المسببألة الولببى‪ :‬فببي أنببواع الببذكاة المختصببة‬
‫بصنف صنف من بهيمة النعام‪ .‬الثانية‪ :‬في صفة الذكاة‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الولى( واتفقوا على أن الذكاة في بهيمببة النعببام نحببر وذبببح‪ ،‬وأن مبن‬
‫سنة الغنم والطيببر الذبببح‪ ،‬وأن مببن سببنة البببل النحببر‪ ،‬وأن البقببر يجببوز فيهببا الذبببح‬
‫والنحر‪ .‬واختلفوا هل يجوز النحر في الغنم والطير والذبببح فببي البببل؟ فببذهب مالببك‬
‫إلى أنه ل يجوز النحر في الغنم والطير ول الذبح في البل‪ ،‬وذلك فببي غيببر موضببع‬
‫الضرورة‪ :‬وقال قوم‪ :‬يجوز جميع ذلك من غير كراهة‪ ،‬وبه قال الشافعي وأبو حنيفة‬
‫والثوري وجماعة من العلماء‪ .‬وقال أشهب‪ :‬إن نحر ما يذبببح أو ذبببح مببا ينحببر أكببل‬
‫ولكنه يكره‪ .‬وفرق ابن بكير بين الغنم والبببل فقببال‪ :‬يؤكببل البعيببر بالذبببح ول تؤكببل‬
‫الشاة بالنحر‪ ،‬ولم يختلفوا فببي جببواز ذلببك فببي موضببع الضببرورة‪ .‬وسبببب اختلفهببم‬
‫معارضة الفعل للعموم‪ .‬فأما العموم فقوله عليه الصلة والسلم "ما أنهر الببدم وذكببر‬
‫اسم ال عليه فكلوا" وأما الفعل‪ ،‬فإنه ثبت أن رسول ال صببلى الب عليببه وسببلم نحببر‬
‫البل والبقر وذبح الغنبم‪ ،‬وإنمببا اتفقبوا علببى جبواز ذببح البقبر لقببوله تعبالى }إن الب‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يأمركم أن تذبحوا بقرة{ وعلى ذبح الغنم لقوله تعالى في الكبش }وفديناه بذبح عظيم{‬
‫‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية( وأما صفة الببذكاة فببإنهم اتفقببوا علببى أن الذبببح الببذي يقطببع فيببه‬
‫الودجان والمرئ والحلقوم مبيح للكل‪ .‬واختلفوا مببن ذلببك فببي مواضببع‪ :‬أحببدها هببل‬
‫الواجب قطع الربعة كلها أو بعضها؟ وهل الواجب في المقطوع منها قطببع الكببل أو‬
‫الكثر؟ وهل من شرط القطع أن ل تقع الجوزة إلى جهة البدن بل إلى جهببة الببرأس‪،‬‬
‫وهل إن قطعها من جهة العنق جاز أكلها أم ل؟ وهل إن تمادى فببي قطببع هببذه حببتى‬
‫قطع النخاع جاز ذلك أم ل؟ وهل من شرط الذكاة أن ل يرفع يده حتى يتببم الببذكاة أم‬
‫ل؟ فهذه ست مسائل في عدد المقطوع وفي مقداره وفي موضببعه وفببي نهايببة القطببع‬
‫وفي جهته أعني من قدام أو خلف وفي صفته‪.‬‬
‫@‪)-‬أما المسألة الولى( فإن المشهور عن مالك في ذلك هو قطع الودجين والحلقوم‬
‫وأنه ل يجزئ أقل من ذلك‪ :‬وقيببل عنببه بببل الربعببة؛ وقيببل بببل الببودجين فقببط‪ ،‬ولببم‬
‫يختلف المذهب في أن الشرط في قطع الودجين هببو اسببتيفاؤهما‪ .‬واختلببف فببي قطببع‬
‫الحلقوم على القول بوجوبه فقيل كله‪ ،‬وقيل أكثره‪ .‬وأما أبو حنيفة فقال‪ :‬الببواجب فببي‬
‫التذكية هو قطع ثلثة غير معينة من الربعة‪ ،‬إمببا الحلقببوم والودجببان‪ ،‬وإمببا المببرئ‬
‫والحلقوم وأحد الودجين‪ ،‬أو المرئ والودجان‪ .‬وقال الشبافعي‪ :‬البواجب قطبع المبرئ‬
‫والحلقوم فقط‪ .‬وقال محمد بن الحسببن‪ :‬البواجب قطببع أكببثر كبل واحبد مبن الربعبة‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم أنه لم يأت في ذلك شرط منقول‪ ،‬وإنما جاء في ذلك أثببران‪ :‬أحببدهما‬
‫يقتضي إنهار الدم فقط‪ ،‬والخر يقتضببي قطببع الوداج مببع إنهببار الببدم؛ ففببي حببديث‬
‫رافع بن خديج أنه قال عليه الصلة والسلم "ما أنهر الدم وذكر اسم ال عليببه فكببل"‬
‫وهو حديث متفق على صحته‪ .‬وروي عن أبي أمامة عن النبي صلى ال عليه وسببلم‬
‫أنه قال "ما فرى الوداج فكلوا ما لم يكن رض ناب أو نحبر ظفبر" فظباهر الحبديث‬
‫الول يقتضي قطع بعض الوداج فقط لن إنهار الدم يكون بذلك‪ ،‬وفببي الثبباني قطببع‬
‫جميببع الوداج‪ ،‬فالحببديثان والب أعلببم متفقببان علببى قطببع الببودجين‪ ،‬إمببا أحببدهما أو‬
‫البعض من كليهما أو من واحد منهما‪ ،‬ولذلك وجه الجمع بين الحببديثين أن يفهببم مببن‬
‫لم التعريف في قوله عليه الصلة والسببلم "مبا فببرى الوداج" البعببض ل الكبل‪ ،‬إذ‬
‫كانت لم التعريببف فببي كلم العببرب قببد تببدل علببى البعببض وأمببا مببن اشببترط قطببع‬
‫الحلقببوم والمبرئ فليببس لبه حجببة مببن السبماع وأكبثر مببن ذلببك مبن اشبترط المببرئ‬
‫والحلقوم دون الودجين‪ ،‬ولهذا ذهب قوم إلى أن الواجب هببو قطببع مببا وقببع الجمبباع‬
‫على جوازه‪ ،‬لن الذكاة لما كانت شببرطا فببي التحليببل ولببم يكبن فبي ذلبك نبص فيمبا‬
‫يجري وجب أن يكون الواجب في ذلك مببا وقببع الجمبباع علببى جببوازه‪ ،‬إل أن يقببوم‬
‫الدليل على جواز الستثناء من ذلك وهو ضعيف‪ ،‬لن ما وقع الجماع على إجببزائه‬
‫ليس يلزم أن يكون شرطا في الصحة‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثالثة( في موضع القطببع وهببي إن لببم يقطببع الجببوزة فببي نصببفها‬
‫وخرجت إلى جهة البدن فاختلف فيه في المذهب؛ فقال مالك وابن القاسببم‪ :‬ل تؤكببل؛‬
‫وقال أشهب وابن عبد الحكم وابببن وهببب تؤكببل‪ .‬وسبببب الخلف هببل قطببع الحلقببوم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫شرط في الذكاة أو ليس بشرط؟ فمن قال إنه شرط قال‪ :‬ل بد أن تقطع الجوزة‪ ،‬لنببه‬
‫إذا قطع فوق الجوزة فقد خرج الحلقوم سليما؛ ومن قال إنه ليس بشرط قال‪ :‬إن قطع‬
‫فوق الجوزة جاز‪.‬‬
‫@‪)-‬وأمببا المسببألة الرابعببة( وهببي إن قطببع أعضبباء الببذكاة مببن ناحيببة العنببق‪ ،‬فببإن‬
‫المذهب ل يختلف أنه ل يجوز وهو مذهب سعيد بن المسببيب وابببن شببهاب وغيرهببم‬
‫وأجاز ذلك الشافعي وأبو حنيفة وإسحاق وأبو ثور‪ ،‬وروي ذلك عن ابن عمر وعلببي‬
‫وعمران بن الحصين‪ .‬وسبب اختلفهم هببل تعمببل الببذكاة فببي المنفببوذة المقاتببل أم ل‬
‫تعمل‪ ،‬وذلك أن القاطع لعضاء الذكاة من القفا ل يصببل إليهببا بببالقطع إل بعببد قطببع‬
‫النخاع وهو مقتل من المقاتل‪ ،‬فترد الذكاة علبى حيبوان قببد أصبيب مقتلبه‪ ،‬وقبد تقبدم‬
‫سبب الخلف في هذه المسألة‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الخامسة( وهي أن يتمادى الذابح بالذبح حببتى يقطببع النخبباع‪ ،‬فببإن‬
‫مالكا كره ذلك إذا تمادى في القطع ولم ينو قطع النخاع من أول المر‪ ،‬لنه إن نوى‬
‫ذلك فكأنه نوى التذكية على غير الصفة الجائزة‪ .‬وقال مطببرف وابببن الماجشببون‪ :‬ل‬
‫تؤكل إن قطعها متعمدا دون جهل‪ ،‬وتؤكل إن قطعها ساهيا أو جاهل‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة السادسة( وهي هل من شرط الذكاة أن تكون فببي فببور واحببد فببإن‬
‫المذهب ل يختلف أن ذلك مببن شببرط الببذكاة‪ ،‬وأنببه إذا رفببع يببده قبببل تمببام الذبببح ثببم‬
‫أعادها‪ ،‬وقد تباعد ذلببك أن تلببك الببذكاة ل تجببوز‪ .‬واختلفببوا إذا أعبباد يببده بفببور ذلببك‬
‫وبالقرب‪ ،‬فقال ابن حبيب‪ :‬إن أعاد يده بالفور أكلت؛ وقال سببحنون‪ :‬ل تؤكببل؛ وقيببل‬
‫إن رفعها لمكان الختبار هل تمت الذكاة أم ل فأعادها على الفور إن تبين له أنها لببم‬
‫تتم أكلت وهو أحد ما تؤول على سببحنون وقببد تببؤول قببوله علببى الكراهببة‪ .‬قببال أبببو‬
‫الحسن اللخمي‪ :‬ولو قيل عكس هذا لكان أجود‪ ،‬أعني أنه إذا رفع يده وهببو يظببن أنببه‬
‫قد أتم الذكاة فتبين له غير ذلك فأعادها أنها تؤكل‪ ،‬لن الول وقع عن شك وهذا عن‬
‫اعتقاد ظنه يقينا وهذا مبني على أن من شرط الببذكاة قطبع كببل أعضبباء البذكاة‪ ،‬فبإذا‬
‫رفع يده قبل أن تستتم كانت منفوذة المقاتل غير مذكاة‪ ،‬فل تبؤثر فيهببا العبودة‪ ،‬لنهبا‬
‫بمنزلة ذكاة طرأت على المنفوذة المقاتل‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثالث فيما تكون به الذكاة‪.‬‬
‫@‪-‬أجمع العلماء على أن كل مبا أنهبر البدم وفبرى الوداج مبن حديبد أو صبخر أو‬
‫عود أو قضيب أن التذكية به جائزة‪ .‬واختلفوا في ثلثة‪ :‬في السببن والظفببر والعظببم‪،‬‬
‫فمن الناس من أجاز التذكية ببالعظم ومنعهبا بالسبن والظفبر‪ ،‬والبذين منعوهبا بالسبن‬
‫والظفر منهم من فرق بين أن يكونا منزوعين أو ل يكونا منزوعيببن‪ ،‬فأجبباز التذكيببة‬
‫بهما إذا كانا منزوعين ولم يجزها إذا كانا متصلين؛ ومنهم من قال‪ :‬إن البذكاة بالسبن‬
‫والعظم مكروهة غير ممنوعة‪ ،‬ول خلف في المببذهب أن الببذكاة بببالعظم جببائزة إذا‬
‫أنهر الدم‪ ،‬واختلف في السن والظفر فيه على القاويل الثلثة‪ ،‬أعنببي بببالمنع مطلقببا‪،‬‬
‫والفببرق فيهمببا بيببن النفصببال والتصببال وبالكراهيببة ل بببالمنع‪ .‬وسبببب اختلفهببم‬
‫اختلفهم في مفهوم النهي الوارد في قوله عليه الصلة والسلم في حببديث رافببع بببن‬
‫خديج‪ ،‬وفيه قال "يا رسول ال إنا لقو العدو غدا وليس معنا مببدى فنذبببح بالقصببب؟‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فقال عليه الصلة والسلم‪ :‬ما أنهر الدم وذكر اسم ال عليه فكل ليببس السببن والظفببر‬
‫وسأحدثكم عنه‪ ،‬أما السن فعظم‪ ،‬وأما الظفر فمدى الحبشة" فمن الناس مببن فهببم منببه‬
‫أن ذلك لمكان أن هذه الشياء ليس في طبعها أن تنهر الدم غالبا؛ ومنهم من فهم مببن‬
‫ذلك أنه شرع غير معلل‪ ،‬والذين فهموا منه أنه شرع غير معلل‪ :‬منهم مببن اعتقببد أن‬
‫النهي في ذلك يدل على فساد المنهي عنه؛ ومنهم مببن اعتقببد أنببه ل يببدل علببى فسبباد‬
‫المنهى عنه؛ ومنهم من اعتقد أن النهببي فببي ذلببك علببى وجببه الكراهببة ل علببى وجببه‬
‫الحظر‪ ،‬فمن فهم أن المعنى في ذلك أنه ل ينهر الببدم غالبببا قببال‪ :‬إذا وجببد منهمببا مببا‬
‫ينهر الدم جاز‪ ،‬ولذلك رأى بعضهم أن يكونا منفصلين إذ كببان إنهببار الببدم منهمببا إذا‬
‫كانا بهبذه الصبفة أمكبن‪ ،‬وهبو مبذهب أببي حنيفبة؛ ومبن رأى أن النهبي عنهمبا هبو‬
‫مشروع غير معلل وأنه يدل على فساد المنهى عنه قال‪ :‬إن ذبح بهما لم تقع التذكيببة‪،‬‬
‫وإن أنهر الدم؛ ومن رأى أنه ل يدل على فساد المنهى عنه قال‪ :‬إن فعل وأنهببر الببدم‬
‫أثم وحلت الذبيحة؛ ومن رأى أن النهي على وجه الكراهية كره ذلك ولم يحرمه‪ ،‬ول‬
‫معنى لقول من فرق بين العظم والسن‪ ،‬فإنه عليه الصلة والسلم قد علببل المنببع فببي‬
‫السن بأنه عظم‪ ،‬ول يختلف المذهب أنه يكره غير الحديد من المحدودات مببع وجببود‬
‫الحديد لقوله عليه الصلة والسلم "إن ال كتب الحسببان علببى كبل شبيء فبإذا قتلتببم‬
‫فأحسنوا القتلببة‪ ،‬وإذا ذبحتببم فأحسببنوا الذبحببة وليحببد أحببدكم شببفرته وليببرح ذبيحتببه"‬
‫خرجه مسلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الرابع في شروط الذكاة‪.‬‬
‫@‪-‬وفي هذا الباب ثلث مسائل‪ :‬المسألة الولى‪ :‬فبي اشبتراط التسبمية‪ .‬الثانيبة‪ :‬فبي‬
‫اشتراط البسملة‪ .‬الثالثة‪ :‬في اشتراط النية‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الولى( واختلفوا في حكم التسمية على الذبيحة على ثلثة أقببوال‪ :‬فقيببل‬
‫هي فرض على الطلق وقيل بل هي فرض مع الذكر ساقطة مع النسيان؛ وقيل بببل‬
‫هي سنة مؤكدة‪ ،‬وبالقول الول قال أهل الظاهر وابن عمر والشببعبي وابببن سببيرين‪،‬‬
‫وبببالقول الثبباني قببال مالببك وأبببو حنيفببة والثببوري‪ ،‬وبببالقول الثببالث قببال الشببافعي‬
‫وأصحابه‪ ،‬وهو مروي عن ابن عباس وأبي هريرة وسبب اختلفهم معارضة ظاهر‬
‫الكتاب في ذلك للثر‪ .‬فأما الكتاب فقوله تعالى }ول تأكلوا مما لم يذكر اسم ال عليببه‬
‫وإنه لفسق{ ‪ .‬وأما السنة المعارضة لهذه الية فما رواه مالك عن هشام عن أبيببه أنببه‬
‫قال "سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم فقيببل‪ :‬يببا رسببول الب إن ناسبا مببن الباديببة‬
‫يأتوننا بلحمان ول ندري أسبموا الب عليهبا أم ل؟ فقبال رسبول الب صبلى الب عليبه‬
‫وسلم‪ :‬سموا ال عليها ثم كلوها" فذهب مالك إلى أن الية ناسخة لهذا الحديث وتأول‬
‫أن هذا الحديث كان في أول السلم ولم ير ذلك الشافعي‪ ،‬لن هببذا الحببديث ظبباهره‬
‫أنه كان بالمدينة وآية التسمية مكية‪ ،‬فببذهب الشببافعي لمكببان هببذا مببذهب الجمببع بببأن‬
‫حمل المر بالتسمية على الندب‪ .‬وأما من اشترط الببذكر فببي الوجببوب فمصببيرا إلببى‬
‫قوله عليه الصلة والسلم "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية( وأما استقبال القبلببة بالذبيحببة‪ ،‬فببإن قومببا اسببتحبوا ذلببك‪ ،‬وقومببا‬
‫أجازوا ذلك‪ ،‬وقوما أوجبوه‪ ،‬وقوما كرهوا أن ل يستقبل بها القبلة‪ ،‬والكراهية والمنع‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫موجودان في المذهب‪ ،‬وهي مسألة مسكوت عنها‪ ،‬والصل فيها الباحببة إل أن يببدل‬
‫الدليل على اشتراط ذلك‪ ،‬وليس في الشرع شيء يصلح أن يكون أصببل تقبباس عليببه‬
‫هذه المسألة إل أن يستعمل فيها قياس مرسل وهو القيباس الببذي ل يسبتند إلبى أصببل‬
‫مخصوص عند من أجازه أو قياس شبه بعيد وذلك أن القبلة هي جهببة معظمببة وهببذه‬
‫عبادة‪ ،‬فوجب أن يشترط فيها الجهة لكن هذا ضببعيف لنببه ليببس كببل عبببادة تشببترط‬
‫فيها الجهة ما عببدا الصببلة‪ ،‬وقيبباس الذبببح علببى الصببلة بعيببد‪ ،‬وكببذلك قياسببه علببى‬
‫استقبال القبلة بالميت‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثالثة( وأما اشتراط النية فيها فقيل في المذهب بوجوب ذلك‪ ،‬ول أذكر‬
‫فيها خارج المذهب في هذا الوقت خلفا في ذلك‪ ،‬ويشبه أن يكببون فببي ذلببك قببولن‪:‬‬
‫قول بالوجوب‪ ،‬وقول بترك الوجوب‪ ،‬فمن أوجب قال‪ :‬عبببادة لشببتراط الصببفة فيهببا‬
‫والعدد‪ ،‬فوجب أن يكون من شرطها النية؛ ومن لم يوجبها قال‪ :‬فعل معقببول يحصببل‬
‫عنه فوات النفس الذي هو المقصود منه‪ ،‬فوجب أن ل تشترط فيها النية كما يحصببل‬
‫من غسل النجاسة إزالة عينها‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الخامس فيمن تجوز تذكيته ومن ل تجوز‪.‬‬
‫@‪-‬والمذكور في الشرع ثلثة أصناف‪ :‬صببنف اتفببق علببى جببواز تببذكيته‪ ،‬وصببنف‬
‫اتفق على منع ذكاته‪ ،‬وصنف اختلف فيه‪ .‬فأما الصنف الببذي اتفببق علببى ذكبباته فمببن‬
‫جمع خمسة شروط‪ :‬السلم والذكورية والبلوغ والعقل وترك تضببيع الصببلة‪ .‬وأمببا‬
‫الذي اتفق على منع تذكيته فالمشركون عببدة الصبنام لقبوله تعبالى }ومبا ذببح علبى‬
‫النصب{ ولقوله }وما أهل به لغير ال{ وأما الذين اختلف فيهم فأصناف كببثيرة‪ ،‬لكببن‬
‫المشهور منها عشرة‪ :‬أهل الكتاب والمجوس والصابئون والمرأة والصبي والمجنون‬
‫والسببكران والببذي يضبيع الصببلة والسببارق والغاصببب‪ .‬فأمببا أهببل الكتبباب فالعلمبباء‬
‫مجمعون علببى جببواز ذبببائحهم لقببوله تعببالى }وطعببام الببذين أوتببوا الكتبباب حببل لكببم‬
‫وطعامكم حل لهببم{ ومختلفببون فببي التفصببيل‪ ،‬فبباتفقوا علببى أنهببم إذا لببم يكونببوا مببن‬
‫نصارى بني تغلب ول مرتدين وذبحببوا لنفسببهم وعلببم أنهببم سببموا الب تعببالى علببى‬
‫ذبيحتهم وكانت الذبيحة مما لم تحرم عليهم في التوراة ول حرموها هم علببى أنفسببهم‬
‫أنه يجوز منها ما عدا الشحم‪ .‬واختلفوا في مقببابلت هببذه الشبروط‪ ،‬أعنببي إذا ذبحببوا‬
‫لمسلم باستنابته أو كانوا من نصارى بني تغلب أو مرتدين‪ ،‬وإذا لم يعلببم أنهببم سببموا‬
‫الب أو جهببل مقصببود ذبحهببم أو علببم أنهببم سببموا غيببر الب ممببا يببذبحونه لكنائسببهم‬
‫وأعيادهم أو كانت الذبيحة مما حرمت عليهم بالتوراة كقوله تعالى }كل ذي ظفر{ أو‬
‫كانت مما حرموها على أنفسهم مثل الذبائح التي تكببون عنببد اليهببود فاسببدة مببن قبببل‬
‫خلقبة إلهيبة‪ ،‬وكبذلك اختلفبوا فبي الشبحوم‪ .‬فأمبا إذا ذبحبوا باسبتنابة مسبلم فقيبل فبي‬
‫المذهب عن مالك يجوز وقيل ل يجوز‪ .‬وسبب الختلف هل من شرط ذبببح المسببلم‬
‫اعتقاد تحليل الذبيحة على الشروط السلمية في ذلك أم ل؟ فمن رأى أن النية شرط‬
‫في الذبيحة قال‪ :‬ل تحل ذبيحة الكتابي لمسلم‪ ،‬لنببه ل يصببح منببه وجببود هببذه النيببة‪.‬‬
‫ومن رأى أن ذلك ليس بشرط وغلب عموم الكتاب‪ :‬أعني قوله تعالى }وطعببام الببذين‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أوتوا الكتاب حل لكم{ قال يجوز‪ ،‬وكذلك مببن اعتقببد أن نيببة المسببتنيب تجببزئ وهببو‬
‫قول ابن وهب‪.‬‬
‫)وأما المسألة الثانية( وهي ذبائح نصارى بني تغلب والمرتدين‪ ،‬فإن الجمهببور علببى‬
‫أن ذبائح النصارى من العرب حكمها حكم ذبائح أهل الكتاب‪ ،‬وهو قول ابن عببباس؛‬
‫ومنهم من لم يجز ذبائحهم‪ ،‬وهو أحد قولي الشافعي‪ ،‬وهو مببروى عببن علببي رضببي‬
‫ال عنه‪ .‬وسبب الخلف هل يتناول العرب المتنصرين والمتهودين اسم الببذين أوتببوا‬
‫الكتاب كما يتنباول ذلبك المبم المختصبة بالكتباب وهبم بنبو اسبرائيل والبروم‪ .‬وأمبا‬
‫المرتد فإن الجمهور على أن ذبيحته ل تؤكببل‪ .‬وقببال اسببحاق‪ :‬ذبيحتببه جببائزة؛ وقببال‬
‫الثوري‪ :‬مكروهة‪ .‬وسبب الخلف هل المرتد ل يتناوله اسم أهل الكتاب إذ كان ليببس‬
‫له حرمة أهل الكتاب أو يتناوله؟‬
‫)وأما المسألة الثالثة( وهي إذا لم يعلم أن أهل الكتبباب سببموا الب علببى الذبيحببة فقببال‬
‫الجمهور‪ :‬تؤكل‪ ،‬وهو مروى عببن علببي‪ ،‬ولسببت أذكببر فيببه فببي هببذا الببوقت خلفببا‪،‬‬
‫ويتطرق إليه الحتمال بأن يقال إن الصل هو أن ل يؤكببل مببن تببذكيتهم إل مبا كببان‬
‫على شروط السلم؛ فإذا قيل على هببذا أن التسببمية مببن شببرط التذكيببة وجببب أن ل‬
‫تؤكل ذبائحهم بالشك في ذلك‪ .‬وأما إذا علم أنهم ذبحوا ذلك لعيببادهم وكنائسببهم فببإن‬
‫من العلماء من كرهه‪ ،‬وهو قول مالك؛ ومنهم من أبباحه‪ ،‬وهبو قبول أشبهب؛ ومنهبم‬
‫من حرمه‪ ،‬وهو الشافعي‪ .‬وسبب اختلفهم تعارض عمومي الكتاب فببي هببذا الببباب‪،‬‬
‫وذلك أن قوله تعالى }وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم{ يحتمل أن يكون مخصصببا‬
‫لقوله تعالى }وما أهل به لغير ال{ ويحتمل أن يكون قوله تعالى }ومبا أهببل بببه لغيببر‬
‫ال{ مخصصا لقوله تعالى }وطعام الذين أوتوا الكتبباب حببل لكببم{ إذ كببان كببل واحببد‬
‫منهما يصح أن يستثنى مببن الخببر‪ ،‬فمببن جعببل قببوله تعببالى ومببا أهببل بببه لغيببر الب‬
‫مخصصا لقوله تعالى }وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم{ قال‪ :‬ل يجوز ما أهببل بببه‬
‫للكنائس والعياد؛ ومن عكس المر قال‪ :‬يجوز‪ .‬وأما إذا كانت الذبيحة ممببا حرمببت‬
‫عليهببم‪ ،‬فقيببل يجببوز؛ وقيببل ل يجببوز‪ ،‬وقيببل بببالفرق بيببن أن تكببون محرمببة عليهببم‬
‫بالتوراة أو من قبل أنفسهم‪ ،‬أعني بإباحة ما ذبحوا مما حرموا على أنفسهم ومنببع مببا‬
‫حرم ال عليهم؛ وقيل يكره ول يمنع‪ .‬والقاويل الربعة موجودة في المببذهب‪ :‬المنببع‬
‫عن ابن القاسم‪ ،‬والباحببة عببن ابببن وهببب وابببن عبببد الحكببم‪ ،‬والتفرقببة عببن أشببهب‪.‬‬
‫وأصل الختلف معارضببة عمببوم اليببة لشببتراط نيببة الببذكاة‪ :‬أعنببي اعتقبباد تحليببل‬
‫الذبيحة بالتذكية؛ فمن قال ذلك شرط في التذكية قببال ل تجببوز هببذه الببذبائح لنهببم ل‬
‫يعتقدون تحليلها بالتذكية؛ ومن قال ليس بشرط فيها وتمسك بعموم الية المحللة قال‪:‬‬
‫تجوز هذه الذبائح‪ .‬وهذا بعينه هو سبب اختلفهم في أكل الشحوم مببن ذبببائحهم‪ ،‬ولببم‬
‫يخالف في ذلك أحد غير مالك وأصحابه؛ فمنهم مببن قببال‪ :‬إن الشببحوم محرمببة وهببو‬
‫قول أشهب؛ ومنهم من قال مكروهة‪ ،‬والقولن عن مالك؛ ومنهم من قال مباحة‪.‬‬
‫ويدخل في الشحوم سبب آخر من أسباب الخلف سببوى معارضببة العمببوم لشببتراط‬
‫اعتقاد تحليببل الذبيحببة بالببذكاة‪ ،‬وهببو هببل تتبعببض التذكيببة أو ل تتبعببض؟ فمببن قببال‬
‫تتبعض قال‪ :‬ل تؤكل الشحوم؛ ومن قال ل تتبعبض قبال‪ :‬يؤكبل الشبحم‪ .‬ويبدل علبى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫تحليل شحوم ذبائحهم حديث عبد ال بن مغفبل إذ أصباب جبراب الشبحم يبوم خيببر‪،‬‬
‫وقد تقدم في كتاب الجهاد‪ .‬ومن فرق بين ما حرم عليهم من ذلك فببي أصببل شببرعهم‬
‫وبين ما حرموا على أنفسهم قال‪ :‬ما حرم عليهم هو أمبر حبق فل تعمبل فيبه البذكاة‪،‬‬
‫وما حرموا على أنفسهم هو أمر باطل فتعمل فيه التذكية‪ .‬قال القاضي‪ :‬والحق أن مبا‬
‫حرم عليهم أو حرموا على أنفسهم هو في وقت شريعة السبلم أمبر باطبل إذ كبانت‬
‫ناسخة لجميع الشرائع‪ ،‬فيجب أن ل يراعي اعتقادهم في ذلببك‪ ،‬ول يشببترط أيضبا أن‬
‫يكون اعتقادهم في تحليل الذبائح اعتقاد المسلمين ول اعتقاد شريعتهم لنه لو اشترط‬
‫ذلك لما جاز أكل ذبائحهم بوجه من الوجوه‪ ،‬لكون اعتقاد شريعتهم في ذلك منسوخا‪،‬‬
‫ولعتقاد شريعتنا ل يصح منهم‪ ،‬وإنما هذا حكم خصهم ال تعالى به‪ ،‬فذبائحهم والبب‬
‫أعلم جائزة لنا على الطلق وإل ارتفع حكم آية التحليل جملة‪ ،‬فتأمبل هبذا فبإنه بيبن‬
‫وال أعلم‪ .‬وأما المجوس فإن الجمهور على أنه ل تجببوز ذبببائحهم لنهببم مشببركون‪،‬‬
‫وتمسك قوم في إجازتهببا بعمببوم قببوله عليببه الصببلة والسببلم "سببنوا بهببم سببنة أهببل‬
‫الكتاب"‪ .‬وأما الصائبون فببالختلف فيهببم مببن قبببل اختلفهببم فببي هببل هببم مببن أهببل‬
‫الكتاب أم ليسوا من أهل الكتاب‪ .‬وأما المرأة والصبي فإن الجمهور على أن ذبائحهم‬
‫جائزة غير مكروهببة‪ ،‬وهببو مببذهب مالببك‪ ،‬وكببره ذلببك أبببو المصببعب‪ .‬والسبببب فببي‬
‫اختلفهم‪ .‬نقصان المرأة والصبي‪ ،‬وإنما لم يختلف الجمهور في المرأة لحببديث معبباذ‬
‫بن سببعيد "أن جاريببة لكعببب بببن مالببك كببانت ترعببى بسببلع فأصببيبت شبباة فأدركتهببا‬
‫فذبحتها بحجر‪ ،‬فسئل رسول ال صلى ال عليببه وسببلم عببن ذلببك فقببال‪ :‬ل بببأس بهببا‬
‫فكلوها" وهو حديث صحيح‪.‬‬
‫وأما المجنون والسكران فإن مالكا لم يجز ذبيحتهمببا‪ ،‬وأجبباز ذلببك الشببافعي‪ .‬وسبببب‬
‫الخلف اشتراط النية في الذكاة‪ ،‬فمن اشترط النية منع ذلبك إذ ل يصببح مبن الجنبون‬
‫ول مببن السببكران وبخاصببة الملتببخ )الملتببخ‪ :‬الملطببخ‪ ،‬قبباموس(‪ .‬وأمببا جببواز تذكيببة‬
‫السارق والغاصب‪ ،‬فإن الجمهور على جواز ذلك؛ ومنهببم مببن منببع ذلببك ورأى أنهببا‬
‫ميتة‪ ،‬وبه قال داود وإسحاق بن راهويه‪ .‬وسبب اختلفهم هل النهي يببدل علببى فسبباد‬
‫المنهى عنه أو ل يببدل؟ فمببن قببال يببدل قببال‪ :‬السببارق والغاصببب منهببى عببن ذكاتهببا‬
‫وتناولها وتملكها‪ ،‬فإذا كان ذكاها فسدت التذكية؛ ومن قال ل يدل إل إذا كان المنهببى‬
‫عنه شرطا من شروط ذلك الفعل قال‪ :‬تذكيتهم جائزة لنه ليس صببحة الملببك شببرطا‬
‫من شروط التذكية‪.‬‬
‫وفي موطأ ابن وهب "أنه سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم عنها فلم ير بها بأسا"‬
‫وقد جاء إباحة ذلك مع الكراهية فيما روي عن النبي عليه الصلة والسلم في الشبباة‬
‫الببتي ذبحببت بغيببر إذن ربهببا‪ ،‬فقببال رسببول ال ب صببلى ال ب عليببه وسببلم "أطعموهببا‬
‫السارى" وهذا القدر كاف في أصول هذا الكتاب وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الصيد‪.‬‬
‫@‪-‬وهذا الكتاب في أصوله أيضا أربعة أبواب‪ :‬الباب الول‪ :‬في حكببم الصببيد وفببي‬
‫محل الصيد‪ .‬الثاني‪ :‬فيما به يكون الصيد‪ .‬الثالث‪ :‬فببي صببفة ذكبباة الصببيد والشببرائط‬
‫المشترطة في عمل الذكاة في الصيد‪ .‬الرابع‪ :‬فيمن يجوز صيده‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫*‪*3‬الباب الول في حكم الصيد ومحله‪.‬‬


‫@‪-‬فأما حكم الصيد فالجمهور على أنببه مببباح لقببوله تعببالى }أحببل لكببم صببيد البحببر‬
‫وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكبم صبيد الببر مبا دمتبم حرمبا{ ثبم قبال }وإذا‬
‫حللتم فاصطادوا{ واتفق العلماء على أن المر بالصيد في هذه الية بعببد النهببي يببدل‬
‫على الباحة كما اتفقوا على ذلك في قوله تعالى }فإذا قضببيت الصببلة فانتشببروا فببي‬
‫الرض وابتغوا من فضل ال{ أعني أن المقصود بببه الباحببة لوقببوع المببر بببه بعببد‬
‫النهي وإن كان اختلفبوا هبل المبر بعبد النهبي يقتضبي الباحبة أو ل يقتضبيه وإنمبا‬
‫يقتضي على أصله الوجوب؛ وكره مالك الصيد الذي يقصد به السرف‪ ،‬وللمتببأخرين‬
‫من أصحابه فيه تفصيل محصول قولهم فيببه إن منببه مببا هببو فببي حببق بعببض النبباس‬
‫واجب وفي حق بعضهم حرام‪ ،‬وفي حق بعضهم مندوب‪ ،‬وفي حق بعضهم مكببروه؛‬
‫وهذا النظر في الشرع تغلغل في القياس وبعد عن الصول المنطوق بها في الشرع‪،‬‬
‫فليس يليق بكتابنا هذا إذ كان قصدنا فيه إنما هو ذكر المنطوق به مببن الشببرع أو مببا‬
‫كان قريبببا مببن المنطببوق بببه‪ .‬وأمببا محببل الصببيد فببإنهم أجمعببوا علببى أن محلببه مببن‬
‫الحيوان البحري وهو السببمك وأصببنافه‪ ،‬ومببن الحيببوان البببري الحلل الكببل الغيببر‬
‫مستأنس‪ .‬واختلفوا فيما استوحش من الحيوان المستأنس فلم يقدر على أخذه ول ذبحه‬
‫أو نحره‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ل يؤكل إل أن ينحر‪ ،‬من ذلك ما ذكاته النحر‪ ،‬ويذبح ما ذكبباته‬
‫الذبح‪ ،‬أو يفعل به أحدهما إن كان مما يجببوز فيببه المببران جميعببا‪ .‬وقببال أبببو حنيفببة‬
‫والشافعي‪ :‬إذا لم يقدر على ذكاة البعير الشارد فببإنه يقتببل كالصببيد‪ .‬وسبببب اختلفهببم‬
‫معارضة الصل في ذلك للخبببر‪ ،‬وذلبك أن الصبل فببي هببذا الببباب هبو أن الحيببوان‬
‫النسببي ل يؤكببل إل بالذبببح أو النحببر‪ ،‬وأن الوحشببي يؤكببل بببالعقر‪ .‬وأمببا الخبببر‬
‫المعارض لهذه الصول‪ ،‬فحديث رافع بن خديج وفيه قال "فند منها بعيببر وكببان فببي‬
‫القوم خيل يسيرة فطلبوه فأعياهم‪ ،‬فأهوى إليه رجل بسهم فحبسه ال تعالى بببه‪ ،‬فقببال‬
‫النبي عليه الصببلة والسببلم‪" :‬إن لهببذه البهببائم أوابببد كأوابببد الببوحش فمببا نببد عليكببم‬
‫فاصنعوا به هكذا" والقول بهذا الحديث أولى لصببحته‪ ،‬لنببه ل ينبغببي أن يكببون هببذا‬
‫مستثنى من ذلك الصل مع أن لقائل أن يقول إنه جار مجرى الصل في هذا الباب‪،‬‬
‫وذلك أن العلة في كون العقر ذكاة في بعض الحيوان ليس شيئا أكثر من عدم القببدرة‬
‫عليه‪ ،‬ل لنه وحشي فقط‪ ،‬فإذا وجد هذا المعنى من النسي جاز أن تكون ذكاته ذكاة‬
‫الوحشي‪ ،‬فيتفق القياس والسماع‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني فيما يكون به الصيد‪.‬‬
‫@‪-‬والصل في هذا الباب آيتان وحديثان‪ :‬الية الولببى قببوله تعببالى }يببا أيهببا الببذين‬
‫آمنوا ليبلونكم ال بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم{ ‪ .‬والثانية قوله تعببالى }قببل‬
‫أحل لكم الطيبات وما علمتم مبن الجبوارح مكلبببين{ اليببة‪ .‬وأمببا الحببديثان‪ :‬فأحبدهما‬
‫حديث عدي بن حاتم‪ ،‬وفيه أن رسول ال صلى ال عليبه وسبلم قبال لبه "إذا أرسبلت‬
‫كلبك المعلمة وذكرت اسم ال عليهبا فكبل ممبا أمسبكن عليبك‪ ،‬وإن أكبل الكلبب فل‬
‫تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه‪ ،‬وإن خالطها كلب غيرها فل تأكل‬
‫فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره" وسأله عبن المعبراض فقبال "إذا أصباب‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بعرضه فل تأكل فإنه وقيذ" وهذا الحديث هببو أصببل فبي أكبثر مبا فبي هبذا الكتباب‪.‬‬
‫والحديث الثاني حديث أبي ثعلبة الخشني‪ ،‬وفيه من قوله عليببه الصببلة والسببلم "مببا‬
‫أصبت بقوسك فسم ال ثم كل‪ ،‬وما صدت بكلبك المعلم فاذكر اسببم الب ثببم كببل‪ ،‬ومببا‬
‫صدت بكلبببك الببذي ليببس بمعلببم وأدركببت ذكبباته فكببل" وهببذان الحببديثان اتفببق أهببل‬
‫الصحيح على إخراجهما‪ .‬واللت التي يصاد بها منها ما اتفقوا عليها بالجملة‪ .‬ومنها‬
‫ما اختلفوا فيها وفي صفاتها‪ ،‬وهي ثلث‪ :‬حيوان جارح ومحدد ومثقبل‪ .‬فأمبا المحبدد‬
‫فاتفقوا عليه كالرماح والسيوف والسهام للنص عليها في الكتاب والسببنة‪ .‬وكببذلك بمبا‬
‫جرى مجراها مما يعقر ما عدا الشببياء الببتي اختلفببوا فببي عملهببا فببي ذكبباة الحيببوان‬
‫النسي وهي السن والظفر والعظم وقد تقببدم اختلفهببم فببي ذلببك فل معنببى لعببادته‪.‬‬
‫وأما المثقل فاختلفوا في الصيد به مثل الصيد بالمعراض والحجر؛ فمببن العلمبباء مببن‬
‫لم يجز من ذلك إل ما أدركت ذكاته؛ ومنهببم مببن أجببازه علببى الطلق؛ ومنهببم مببن‬
‫فرق بين ما قتله المعراض أو الحجر بثقله أو بحده إذا خرق جسد الصيد فأجببازه إذا‬
‫خرق ولم يجزه إذا لم يخرق‪ ،‬وبهذا القببول قببال مشبباهير الفقهبباء المصببار الشببافعي‬
‫ومالك وأبو حنيفة وأحمد والثوري وغيرهم‪ .‬وهو راجع إلى أنه ل ذكاة إل بمحدد‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم معارضة الصول في هذا الببباب بعضببها بعضببا‪ ،‬ومعارضببة الثببر‬
‫لها‪ ،‬وذلك أن من الصول في هذا الباب أن الوقيذ محببرم بالكتبباب والجمبباع‪ ،‬ومببن‬
‫أصببوله أن العقببر ذكبباة الصببيد؛ فمببن رأى أن مببا قتببل المعببراض وقيببذ منعببه علببى‬
‫الطلق؛ ومن رآه عقرا مختصببا بالصببيد وأن الوقيببذ غيببر معتبببر فيببه أجببازه علببى‬
‫الطلق؛ ومن فرق بين ما خرق من ذلك أو لم يخرق فمصيرا إلى حديث عدي ابن‬
‫حاتم المتقدم وهو الصواب‪ .‬وأما الحيوان الجارح فالتفاق والختلف فيه منه متعلق‬
‫بالنوع والشرط‪ ،‬ومنه ما يتعلق بالشرط‪ .‬فأما النوع الذي اتفقوا عليه فهببو الكلب مبا‬
‫عدا الكلب السود‪ ،‬فإنه كرهه قوم منهم الحسن البصببري وإبراهيببم النخعببي وقتببادة؛‬
‫وقال أحمببد‪ :‬مببا أعببرف أحببدا يرخببص فيببه إذا كببان بهيمببا‪ ،‬وبببه قببال إسببحاق‪ .‬وأمببا‬
‫الجمهور فعلى إجازة صيده إذا كان معلما‪ .‬وسبب اختلفهم معارضة القياس للعموم‪،‬‬
‫وذلك أن عموم قوله تعالى }وما علمتم من الجبوارح مكلبببين{ يقتضببي تسبوية جميبع‬
‫الكلب في ذلك "وأمره عليه الصلة والسلم بقتل الكلب السود البهيم" يقتضببي فببي‬
‫ذلببك القيبباس أن ل يجببوز اصببطياده علببى رأي مببن رأى أن النهببي يببدل علببى فسبباد‬
‫المنهى عنه‪ ،‬وأما الذي اختلفوا فيه من أنواع الجوارح فيما عدا الكلب ومببن جببوارح‬
‫الطيور وحيواناتها الساعية؛ فمنهم من أجاز جميعها إذا علمت حتى السنور كما قببال‬
‫ابن شعبان‪ ،‬وهو مذهب مالك وأصحابه‪ ،‬وبه قال فقهاء المصببار وهببو مببروي عببن‬
‫ابن عباس‪ ،‬أعني أن ما قبل التعليم من جميع الجوارح فهببو آلببة لببذكاة الصببيد‪ .‬وقببال‬
‫قوم‪ :‬ل اصطياد بجارح ما عدا الكلب ول باز ول صقر ول غير ذلك إل ما أدركببت‬
‫ذكاته‪ ،‬وهو قول مجاهد؛ واستثنى بعضهم من الطيببور الجارحببة البببازي فقببط فقببال‪:‬‬
‫يجوز صيده وحده‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم في هذا الباب شببيئان‪ :‬أحببدهما قيبباس سبائر الجببوارح علببى الكلب‪،‬‬
‫وذلك أنه قد يظن أن النص إنما ورد في الكلب‪ ،‬أعني قوله تعالى }ومببا علمتببم مببن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الجوارح مكلبين{ إل أن يتأول أن لفظه مكلبين مشتقة من كلببب الجببارح ل مببن لفببظ‬
‫الكلب‪ ،‬ويدل على هذا عموم اسم الجوارح الببذي فببي اليببة‪ ،‬فعلببى هببذا يكببون سبببب‬
‫الختلف الشتراك الذي في لفظه مكلبين‪ .‬والسبب الثبباني هببل مببن شببرط المسبباك‬
‫المساك على صاحبه أم ل؟ وإن كان من شببرطه فهببل يوجببد فببي غيببر الكلببب أو ل‬
‫يوجد؟ فمن قال ل يقاس سائر الجوارح علببى الكلب وأن لفظببه مكلبببين هببي مشببتقة‬
‫من اسم الكلب ل من اسم غير الكلب أو أنه ل يوجد المسبباك إل فببي الكلببب‪ :‬أعنببي‬
‫على صاحبه وأن ذلك شرط قبال‪ :‬ل يصبباد بجببارح سببوى الكلببب؛ ومببن قبباس علببى‬
‫الكلب سائر الجوارح ولم يشترط فببي المسبباك المسبباك علببى صبباحبه قببال‪ :‬يجببوز‬
‫صيد سائر الجوارح إذا قبلت التعليم‪.‬‬
‫وأما من استثنى من ذلك البازي فقط فمصيرا إلى ما روي عببن عببدي بببن حبباتم أنببه‬
‫قال "سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم عن صيد البازي فقببال‪ :‬مببا أمسببك عليببك‬
‫فكل" خرجه الترمذي فهذه هي أسباب اتفاقهم واختلفهببم فببي أنببواع الجببوارح‪ .‬وأمببا‬
‫الشروط المشترطة في الجوارح فإن منها ما اتفقوا عليه وهببو التعليببم بالجملببة لقببوله‬
‫تعالى }وما علمتم من الجبوارح مكلببين{ وقبوله عليبه الصبلة والسبلم "إذا أرسبلت‬
‫كلبك المعلم"‬
‫واختلفوا في صفة التعليم وشروطه‪ ،‬فقال قوم‪ :‬التعليم ثلثة أصناف‪ :‬أحدها أن تببدعو‬
‫الجارح فيجيب‪ .‬والثاني أن تشيله فينشببلى‪ .‬والثببالث أن تزجببره فيزدجببر‪ .‬ول خلف‬
‫بينهم في اشتراط هذه الثلثة في الكلب‪ ،‬وإنما اختلفوا في اشتراط النزجار في سائر‬
‫الجوارح‪ ،‬فاختلفوا أيضا في هل من شرطه أن ل يأكل الجارح؟ فمنهم مببن اشببترطه‬
‫على الطلق؛ ومنهم من اشببترطه فببي الكلببب فقببط؛ وقببول مالببك‪ :‬إن هببذه الشببروط‬
‫الثلثببة شببرط فببي الكلب وغيرهببا؛ وقببال ابببن حبببيب مببن أصببحابه‪ :‬ليببس يشببترط‬
‫النزجار فيما ليس يقبل ذلك من الجوارح مثل البزاة والصقور‪ ،‬وهو مببذهب مالببك‪،‬‬
‫أعني أنه ليس من شرط الجارح ل كلب ول غيره أن ل يأكل‪ ،‬واشترطه بعضهم في‬
‫الكلب ولم يشترطه فيما عداه من جوارح الطيور؛ ومنهم مببن اشببترطه كمببا قلنببا فببي‬
‫الكل؛ والجمهور على جواز أكل صيد البازي والصقر وإن أكببل‪ ،‬لن تضببريته إنمببا‬
‫تكون بالكل‪ .‬فالخلف في هذا الباب راجع إلببى موضببعين‪ :‬أحببدهما هببل مببن شببرط‬
‫التعليم أن ينزجر إذا زجر؟ والثاني هببل مببن شببرطه أل يأكببل؟‪ .‬وسبببب الخلف فببي‬
‫اشتراط الكل أو عدمه شيئان‪ :‬أحدهما اختلف الثار في ذلك‪ .‬والثبباني هبل إذا أكببل‬
‫فهو ممسك أم ل؟ فأما الثار فمنها حديث عدي بن حاتم المتقببدم وفيببه "فببإن أكببل فل‬
‫تأكل فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسببه" والحببديث المعببارض لهببذا حببديث أبببي‬
‫ثعلبة الخشني قال‪ :‬قال رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم "إذا أرسببلت كلبببك المعلببم‬
‫وذكرت اسم ال فكل‪ ،‬قلت‪ :‬وإن أكل منه يا رسول ال؟ قال‪ :‬وإن أكل"‬
‫فمن جمع بين الحديثين بأن حمل حديث عدي بن حاتم على الندب وهذا على الجببواز‬
‫قال‪ :‬ليس من شرطه أل يأكل؛ ومن رجح حديث عدي بن حباتم إذ هبو حبديث متفبق‬
‫عليه وحديث أبي ثعلبة مختلف فيه‪ ،‬ولذلك لم يخرجه الشيخان البخاري ومسلم وقببال‬
‫من شرط المساك أن ل يأكل بدليل الحديث المذكور قال‪ :‬إن أكل الصببيد لببم يؤكببل‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وبببه قببال الشببافعي وأبببو حنيفببة وأحمببد وإسببحق والثببوري‪ ،‬وهببو قببول ابببن عببباس‪،‬‬
‫ورخص في أكل مما أكل الكلب كما قلنا مالك وسعيد بن مالك وابن عمببر وسببليمان‪.‬‬
‫وقالت المالكية المتأخرة إنه ليس الكل بدليل على أنه لم يمسببك لسببيده ول المسبباك‬
‫لسيده بشرط في الذكاة‪ ،‬لن نية الكلب غير معلومببة‪ ،‬وقببد يمسببك لسببيده ثببم يبببدو لببه‬
‫فيمسك لنفسه‪ ،‬وهذا الببذي قببالوه خلف النببص فببي الحببديث وخلف ظبباهر الكتبباب‪،‬‬
‫وهو قوله تعالى }فكلوا مما أمسكن عليكم{ وللمساك على سيد الكلب طريببق تعببرف‬
‫به‪ ،‬وهو العادة‪ ،‬ولذلك قال عليه الصلة والسلم "فإن أكل فل تأكببل فببإني أخبباف أن‬
‫يكون إنما أمسك على نفسه"‪.‬‬
‫وأما اختلفهم في الزدجار فليس له سبب إل اختلفهم في قياس سائر الجببوارح فببي‬
‫ذلببك علببى الكلببب‪ ،‬لن الكلببب الببذي ل يزدجببر ل يسببمى معلمببا باتفبباق‪ ،‬فأمببا سببائر‬
‫الجوارح إذا لم تنزجر هل تسمى معلمة أم ل؟ ففيه التردد وهو سبب الخلف‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثالث في معرفة الذكاة المختصة بالصيد وشروطها‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقببوا علببى أن الببذكاة المختصببة بالصببيد هببي العقببر‪ .‬واختلفببوا فببي شببروطها‬
‫اختلفببا كببثيرا‪ ،‬وإذا اعتبببرت أصببولها الببتي هببي أسببباب الختلف سببوى الشببروط‬
‫المشترطة في اللة وفي الصائد وجدتها ثمانية شروط‪ :‬اثنان يشببتركان فببي الببذكاتين‬
‫أعني ذكاة المصيد وغير المصيد وهي النيببة والتسببمية‪ .‬وسببتة تختببص بهببذه الببذكاة‪:‬‬
‫أحدها أنها لم تكن اللة أو الجارح الذي أصاب الصيد قببد أنفببذ مقبباتله فببإنه يجببب أن‬
‫يذكى بذكاة الحيوان النسي إذا قدر عليه قبل أن يمببوت ممببا أصببابه مببن الجببارح أو‬
‫من الضرب‪ .‬وأما إن كببان قببد أنفببذ مقبباتله فليببس يجببب ذلببك وإن كببان قببد يسببتحب‪.‬‬
‫والثاني أن يكون الفعل الذي أصيب به الصيد مبدؤه من الصائد ل من غيببره‪ :‬أعنببي‬
‫ل من اللة كالحال في الحبالببة‪ ،‬ول مببن الجببارح كالحببال فيمببا يصببيب الكلببب الببذي‬
‫ينشلى من ذاته‪ .‬والثالث أن ل يشاركه في العقر من ليس عقبره ذكباة‪ .‬والرابببع أن ل‬
‫يشك في عين الصيد الذي أصابه وذلك عند غيبته عن عينببه‪ .‬والخببامس أن ل يكببون‬
‫الصيد مقدورا عليه في وقت الرسال عليه‪ .‬والسادس أن ل يكببون مببوته مببن رعببب‬
‫من الجارح أو بصدمه منه‪ .‬فهذه هي أصول الشروط التي مببن قبببل اشببتراطها أو ل‬
‫اشببتراطها عببرض الخلف بيببن الفقهبباء‪ ،‬وربمببا اتفقببوا علببى وجببوب بعببض هببذه‬
‫الشروط‪ ،‬ويختلفون في وجودها في نازلة نازلة‪ ،‬كاتفاق المالكية علببى أن مببن شببرط‬
‫الفعل أن يكون مبببدؤه مببن الصببائد‪ ،‬واختلفهببم إذا أفلببت الجببارح مببن يببده أو خببرج‬
‫بنفسه‪ ،‬ثم أغراه هل يجوز ذلك الصيد أم ل لتردد هذه الحبال بيبن أن يوجبد لهبا هبذا‬
‫الشرط أو ل يوجد كاتفاق أبي حنيفة ومالك على أن من شرطه إذا أدرك غير منفببوذ‬
‫المقاتل أن يذكى إذا قدر عليه قبل أن يموت‪ .‬واختلفهم بين أن يخلصببه حيببا فيمببوت‬
‫في يده قبل أن يتمكن مببن ذكباته‪ ،‬فبإن أبببا حنيفبة منبع هبذا وأجبازه مالبك ورآه مثببل‬
‫الول‪ ،‬أعني إذا لم يقدر على تخليصه من الجارح حتى مات لببتردد هببذه الحببال بيببن‬
‫أن يقال أدركه غير منفوذ المقاتل وفي غير يد الجارح فأشبه المفرط أو لم يشبهه فلم‬
‫يقع منه تفريط‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وإذا كانت هذه الشروط هي أصول الشروط المشترطة في الصيد مع سائر الشببروط‬
‫المذكورة في اللة والصائد نفسه على ما سيأتي يجب أن يببذكر منهببا مببا اتفقببوا منببه‬
‫عليببه ومببا اختلفببوا فيببه‪ ،‬وأسببباب الخلف فببي ذلببك ومببا يتفببرع عنهببا مببن مشببهور‬
‫مسائلهم‪ .‬فنقول‪ :‬أما التسمية والنية فقد تقدم الخلف فيهما وسببه فببي كتبباب الببذبائح‪،‬‬
‫ومن قبل اشتراط النية في الذكاة لم يجز عند مببن اشببترطها إذا أرسببل الجببارح علببى‬
‫صيد وأخذ آخر ذكاة ذلك الصيد لم يرسل عليه‪ ،‬وبه قال مالك؛ وقببال الشببافعي وأبببو‬
‫حنيفة وأحمد وأبو ثور‪ :‬ذلك جائز ويؤكل؛ ومن قبل هذا أيضا اختلف أصحاب مالببك‬
‫في الرسال على صيد غير مرئي‪ ،‬كالذي يرسل علببى مببا فببي غيضببة أو مببن وراء‬
‫أكمة ول يدري هل هنالك شيء أم ل؟ لن القصد في هذا يشببوبه شببيء مببن الجهببل‪.‬‬
‫وأما الشرط الول الخاص بذكاة الصبيد مبن الشبروط السبتة البتي ذكرناهبا وهبو أن‬
‫عقر الجارح له إذا لم ينفذ مقاتله‪ ،‬إنما يكون إذا لم يببدركه المرسببل حيببا‪ ،‬فباشببتراطه‬
‫قال جمهور العلماء لما جاء في حديث عدي بن حاتم في بعض رواياته أنه قال عليه‬
‫الصلة والسلم "وإن أدركته حيا فاذبحه" وكان النخعي يقببول‪ :‬إذا أدركتببه حيببا ولببم‬
‫يكن معك حديدة فأرسل عليه الكلب حتى تقتله‪ ،‬وبه قببال الحسببن البصببري مصببيرا‬
‫لعموم قوله تعالى }فكلوا ممببا أمسببكن عليكببم{ ومببن قبببل هببذا الشببرط قببال مالببك‪ :‬ل‬
‫يتوانى المرسل في طلب الصيد‪ ،‬فبإن تبوانى فبأدركه ميتبا‪ ،‬فبإن كبان منفبوذ المقاتبل‬
‫بسهم حل أكله وإل لم يحل من أجل أنه لو لم يتوان لكان يمكببن أن يببدركه حيببا غيببر‬
‫منفود المقاتل‪ .‬وأما الشرط الثاني وهببو أن يكببون الفعببل مبببدؤه مببن القببانص ويكببون‬
‫متصل حببتى يصببيب الصببيد‪ ،‬فمببن قبببل اختلفهببم فيببه اختلفببوا فيمببا تصببيبه الحبالببة‬
‫والشبببكة إذا أنقببذت المقاتببل بمحببدد فيهببا‪ ،‬فمنببع ذلببك مالببك والشببافعي والجمهببور‪،‬‬
‫ورخص فيه الحسن البصري؛ ومن هذا الصببل لببم يجببز مالببك الصببيد الببذي أرسببل‬
‫عليه الجارح فتشاغل بشيء آخر ثم عاد إليه من قبل نفسه‪ .‬وأما الشرط الثببالث وهببو‬
‫أن ل يشاركه في العقر من ليس عقره ذكاة له‪ ،‬فهبو شبرط مجمبع عليبه فيمبا أذكبر‪،‬‬
‫لنه ل يدري من قتله‪ .‬وأما الشرط الرابع وهو أن ل يشك فببي عيببن الصببيد ول فببي‬
‫قتل جارحة له‪ ،‬فمن قبل ذلك اختلفوا في أكل الصيد إذا غبباب مصببرعه‪ ،‬فقببال مالببك‬
‫مرة‪ :‬ل بأس بأكل الصيد إذا غاب عنك مصرعه إذا وجدت به أثرا من كلبك أو كان‬
‫به سهمك ما لم يبت‪ ،‬فببإذا بببات فببإني أكرهببه‪ .‬وبالكراهيببة قببال الثببوري؛ وقببال عبببد‬
‫الوهبباب‪ :‬إذا بببات الصببيد مببن الجببارح لببم يؤكببل‪ ،‬وفببي السببهم خلف؛ وقببال ابببن‬
‫الماجشون‪ :‬يؤكل فيهما جميعا إذا وجببد منفببوذ المقاتببل؛ وقببال مالببك فببي المدونببة‪ :‬ل‬
‫يؤكل فيهما جميعا إذا بببات وإن وجببد منفببوذ المقاتببل؛ وقببال الشببافعي‪ :‬القيبباس أن ل‬
‫تأكله إذا غاب عنك مصرعه؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬إذا تببوارى الصببيد والكلببب فببي طلبببه‬
‫فوجده المرسل مقتول جاز أكله ما لم يترك الكلب الطلب‪ ،‬فإن تركه كرهنا أكله‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم شيئان اثنان‪ :‬الشك العارض في عين الصيد أو في زكبباته‪ .‬والسبببب‬
‫الثاني اختلف الثار في هذا الباب‪ ،‬فروى مسلم والنسائي والترمذي وأبببو داود عببن‬
‫أبي ثعلبة عن النبي عليه الصلة والسلم في الذي يدرك صيده بعد ثلث فقببال "كببل‬
‫ما لم ينتن" وروى مسلم عن أبي ثعلبة أيضا عببن النبببي عليببه الصببلة والسببلم قببال‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫"إذا رميت سهمك فغاب عنك مصرعه فكل ما لم يبت" وفي حببديث عببدي بببن حبباتم‬
‫أنه قال عليه الصلة والسلم "إذا وجدت سهمك فيه ولم تجد فيه أثر سبع وعلمت أن‬
‫سهمك قتلببه فكببل"‪ .‬ومببن هببذا الببباب اختلفهببم فببي الصببيد يصبباد بالسببهم أو يصببيبه‬
‫الجارح فيسقط في ماء أو يتردى من مكان عال‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ل يؤكببل لنببه ل يببدري‬
‫من أي المرين مات‪ ،‬إل أن يكون السهم قد أنقذ مقاتله ول يشك أن منببه مببات‪ ،‬وبببه‬
‫قال الجمهور؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬ل يؤكل إن وقع فببي مبباء منفببوذ المقاتببل‪ ،‬ويؤكببل إن‬
‫تردى‪ .‬وقال عطاء‪ :‬ل يؤكل أصل إذا أصببيبت المقاتببل وقببع فببي مبباء أو تبردى مببن‬
‫موضع عال لمكان أن يكون زهوق نفسه من قبل التردي أو من الماء قبببل زهوقهببا‬
‫من قبل إنقاذ المقاتل‪ .‬وأما موته من صدم الجببارح لببه‪ ،‬فببإن ابببن القاسببم منعببه قياسببا‬
‫على المثقل‪ ،‬وأجازه أشهب لعموم قوله تعالى }فكلوا مما أمسكن عليكم{ ولببم يختلببف‬
‫المذهب أن ما مات من خوف الجارح أنه غير مذكي‪ .‬وأما كونه فببي حيببن الرسببال‬
‫غير مقدور عليه‪ ،‬فإنه اشترط فيما علمت متفببق عليببه‪ .‬وذلببك يوجببد إذا كببان الصببيد‬
‫مقدورا على أخذه باليد دون خوف أو غرر‪ .‬إما من قببل أنببه قبد نشببب فببي شببيء أو‬
‫تعلق بشيء أو رماه أحد فكسر جناحه أو ساقه‪ ،‬وفي هذا الباب فروع كثيرة من قبببل‬
‫تردد بعض الحوال بين أن يرصف فيهبا الصببيد بببأنه مقببدور عليببه أو غيببر مقببدور‬
‫عليه‪ ،‬مثل أن تضببطره الكلب فيقببع فببي حفببرة‪ ،‬فقيببل فببي المببذهب يؤكببل‪ ،‬وقيببل ل‬
‫يؤكل‪.‬‬
‫واختلفوا في صفة العقر إذا ضرب الصيد فأبين منه عضو‪ ،‬فقال قبوم‪ :‬يؤكببل الصبيد‬
‫ما بان منه؛ وقال قوم‪ :‬يؤكلن جميعا؛ وفرق قوم بين أن يكون ذلك العضببو مقتل أو‬
‫غير مقتل‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن كان مقتل أكل جميعببا‪ ،‬وإن كببان غيببر مقتببل أكببل الصببيد ولببم‬
‫يؤكل العضو‪ ،‬وهو معنى قول مالك‪ :‬وإلى هببذا يرجببع خلفهببم فببي أن يكببون القطببع‬
‫بنصفين أو يكون أحببدهما أكبببر مببن الثبباني‪ .‬وسبببب اختلفهببم معارضببة قببوله عليببه‬
‫الصلة والسلم "ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة" لعموم قببوله تعببالى }فكلببوا‬
‫مما أمسكن عليكم{ ولعموم قوله تعالى }تناله أيديكم ورماحكم{ فمن غلب حكم الصيد‬
‫وهو العقر مطلقا قال‪ :‬يؤكل الصيد والعضببو المقطببوع مببن الصببيد‪ ،‬وحمببل الحببديث‬
‫على النسببي؛ ومببن حملببه علببى الوحشببي والنسببي معببا واسببتثنى مببن ذلببك العمببوم‬
‫بالحديث العضو المقطوع فقال‪ :‬يؤكل الصيد دون العضو البائن‪ ،‬ومن اعتبر في ذلك‬
‫الحياة المستقرة‪ ،‬أعني في قوله وهي حية فرق بيببن أن يكببون العضببو مقتل أو غيببر‬
‫مقتل‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الرابع في شروط القانص‪.‬‬
‫@‪-‬وشروط القانص هي شروط الذابح نفسه‪ ،‬وقد تقدم ذلك في كتاب الذبائح المتفببق‬
‫عليهببا والمختلببف فيهببا‪ ،‬ويخببص الصببطياد فببي البببر شببرط زائد وهببو أن ل يكببون‬
‫محرما‪ ،‬ول خلف في ذلك لقوله تعالى }وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما{ فببإن‬
‫اصطاد محرم فهل يحل ذلك الصيد للحلل أم هو ميتة ل يحل لحببد أصببل؟ اختلببف‬
‫فيه الفقهاء‪ ،‬فذهب مالك إلى أنه ميتة‪ ،‬وذهب الشافعي وأبو حنيفة وأبو ثببور إلببى أنببه‬
‫يجوز لغير المحرم أكله‪ .‬وسبب اختلفهم هو الصل المشهور‪ .‬وهو هل النهي يعببود‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بفساد المنهي أم ل؟ وذلك بمنزلة ذبح السارق والغاصب‪ .‬واختلفوا من هذا الباب في‬
‫كلب المجوس المعلم‪ ،‬فقال مالك‪ :‬الصطياد به جائز‪ ،‬فإن المعتبببر الصببائد ل اللببة‪،‬‬
‫وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وغيرهم؛ وكرهه جببابر بببن عبببد ال ب والحسببن وعطبباء‬
‫ومجاهد والثوري‪ ،‬لن الخطاب في قوله تعالى }ومببا علمتببم مببن الجببوارح مكلبببين{‬
‫متوجه نحو المؤمنين‪ ،‬وهذا كاف بحسببب المقصببود مببن هببذا الكتبباب‪ ،‬والب الموفببق‬
‫للصواب‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب العقيقة‬
‫@‪-‬والقول المحيط بأصول هذا الكتاب ينحصر في سببتة أبببواب‪ :‬الول‪ :‬فببي معرفببة‬
‫حكمها‪ .‬الثاني‪ :‬في معرفة محلها‪ .‬الثالث‪ :‬في معرفة من يعق عنه وكم يعببق‪ .‬الرابببع‪:‬‬
‫في معرفة وقت هذا النسك‪ .‬الخبامس‪ :‬فببي سببن هببذا النسببك وصبفته‪ .‬السبادس‪ :‬حكببم‬
‫لحمها وسائر آجزائها‪.‬‬
‫@‪-‬فأما حكمها؛ فذهبت طائفة منهم الظاهرية إلى أنها واجبة‪ ،‬وذهب الجمهببور إلببى‬
‫أنها سنة‪ ،‬وذهب أبو حنيفة إلببى أنهببا ليسببت فرضببا ول سببنة؛ وقببد قيببل إن تحصببيل‬
‫مذهبه أنها عنده تطوع‪ .‬وسبب اختلفهم تعارض مفهوم الثار في هذا الببباب‪ ،‬وذلببك‬
‫أن ظاهر حديث سببمرة وهببو قببول النبببي عليببه الصببلة والسببلم "كببل غلم مرتهببن‬
‫بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويماط عنه الذى" يقتضي الوجوب‪ ،‬وظاهر قوله عليببه‬
‫الصلة والسلم وقد سئل عن العقيقة فقال "ل أحب العقوق ومن ولببد لببه ولببد فببأحب‬
‫أن ينسك عن ولده فليفعل" يقتضي الندب أو الباحة‪ ،‬فمن فهم منه الندب قال‪ :‬العقيقة‬
‫سنة؛ ومن فهم الباحة قال‪ :‬ليست بسنة ول فرض وخرج الحببديثين أبببو داود؛ ومببن‬
‫أخذ بحديث سمرة أوجبها‪.‬‬
‫وأما محلهببا فببإن جمهببور العلمبباء علببى أنببه ل يجببوز فببي العقيقببة إل مببا يجببوز فببي‬
‫الضببحايا مببن الزواج الثمانيببة‪ .‬وأمببا مالببك فاختببار فيهببا الضببأن علببى مببذهبه فببي‬
‫الضحايا‪ ،‬واختلف قوله هل يجزي فيهببا البببل والبقببر أو ل يجببزي؟ وسببائر الفقهبباء‬
‫على أصلهم أن البببل أفضببل مببن البقببر والبقببر أفضببل مببن الغنببم‪ .‬وسبببب اختلفهببم‬
‫تعارض الثار في هذا الباب والقياس‪ .‬أما الثر فحديث ابببن عببباس "أن رسببول ال ب‬
‫صلى ال عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا" وقببوله عببن الجاريببة شبباة‬
‫وعن الغلم شاتان" خرجهما أبو داود‪ .‬وأما القياس فلنهمببا نسببك‪ ،‬فببوجب أن يكببون‬
‫العظم فيها أفضل قياسا على الهدايا‪.‬‬
‫وأما من يعق عنه‪ ،‬فإن جمهورهم على أنه يعق عن الذكر والنثى الصببغيرين فقببط؛‬
‫وشذ الحسن فقال‪ :‬ل يعق عن الجارية؛ وأجاز بعضببهم أن يعببق عببن الكبببير‪ .‬ودليببل‬
‫الجمهور على تعلقها بالصغير قوله عليه الصلة والسلم "يببوم سببابعه"‪ .‬ودليببل مببن‬
‫خالف ما روي عن أنس "أن النبي عليه الصلة والسلم عق عن نفسه بعد مببا بعببث‬
‫بالنبوة" ودليلهم أيضا على تعلقها بالنثى قوله عليبه الصبلة والسبلم "عبن الجاريبة‬
‫شاة وعن الغلم شاتان"‪ .‬ودليل من اقتصر بها على الذكر قوله عليه الصلة والسلم‬
‫"كل غلم مرتهن بعقيقته"‪ .‬وأما العدد فإن الفقهاء اختلفوا أيضا في ذلك‪ ،‬فقال مالببك‪:‬‬
‫يعق عن الذكر والنثى بشاة شاة؛ وقال الشافعي وأبببو ثببور وأبببو داود وأحمببد‪ :‬يعببق‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫عن الجارية شاة وعن الغلم شاتان‪ .‬وسبب اختلفهم اختلف الثار فببي هببذا الببباب‪.‬‬
‫فمنها حديث أم كرز الكعبية خرجه أبو داود قال‪ :‬سمعت رسول ال صببلى الب عليببه‬
‫وسلم يقول في العقيقة "عن الغلم شاتان مكافأتان‪ ،‬وعن الجارية شبباة" والمكافأتببان‪:‬‬
‫المتماثلتان‪ .‬وهذا يقتضي الفرق في ذلك بين الذكر والنثى‪ ،‬وما روي "أنه عق عببن‬
‫الحسن والحسين كبشا كبشا" يقتضي الستواء بينهما‪.‬‬
‫وأما وقت هذا النسك فإن جمهور العلماء على أنه يببوم سببابع المولببود ومالببك ل يعببد‬
‫في السبوع اليوم الذي ولد فيه إن ولد نهارا‪ ،‬وعبد الملك بن الماجشون يحتسب بببه‪.‬‬
‫وقال ابن القاسم في العقيقة‪ :‬إن عق ليل لم يجزه‪ .‬واختلببف أصببحاب مالببك فببي مبببدأ‬
‫وقت الجزاء‪ ،‬فقيل وقت الضحايا‪ :‬أعني ضحى؛ وقيل بعبد الفجبر قياسبا علبى قبول‬
‫مالك في الهدايا‪ ،‬ولشك أن من أجاز الضحايا ليل أجاز هذه ليل؛ وقد قيل يجوز في‬
‫السابع الثاني والثالث‪.‬‬
‫وأما سن هذا النسك وصفته فسن الضحايا وصفتها الجائزة‪ ،‬أعني أنه يتقي فيهببا مببن‬
‫العيوب ما يتقي في الضحايا‪ ،‬ول أعلم في هذا خلفا في المذهب ول خارجا منه‪.‬‬
‫وأما حكم لحمها وجلدها وسائر أجزائها فحكم لحم الضحايا في الكل والصدقة ومنع‬
‫البيع‪ ،‬وجميع العلماء على أنه كان يدمي رأس الطفل في الجاهليببة بببدمها وأنببه نسببخ‬
‫في السلم‪ ،‬وذلك لحديث بريدة السلمي قال "كنا في الجاهليببة إذا ولببد لحببدنا غلم‬
‫ذبح له شاة ولطخ رأسه بدمها‪ ،‬فلمبا جباء السبلم كنبا نذببح ونحلبق رأسبه ونلطخبه‬
‫بزعفران" وشذ الحسن وقتادة فقال‪ :‬يمس رأس الصبببي بقطنببة قببد غمسببت فببي الببدم‬
‫واستحب كسر عظامها لما كانوا في الجاهلية يقطعونها مببن المفاصببل‪ .‬واختلببف فببي‬
‫حلق رأس المولود يوم السابع‪ ،‬والصببدقة بببوزن شببعره فضببة‪ ،‬فقيببل هببو مسببتحب‪،‬‬
‫وقيل هو غير مستحب‪ ،‬والقولن عن مالك‪ ،‬والستحباب أجود‪ ،‬وهو قول ابن حبيب‬
‫لما رواه مالك في الموطأ "أن فاطمة بنت رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم حلقببت‬
‫شعر الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم‪ ،‬وتصدقت بزنة ذلك فضة"‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الطعمة والشربة‬
‫@‪-‬والكلم فببي أصببول هببذا الكتبباب يتعلببق بجملببتين‪ :‬الجملببة الولببى‪ :‬نببذكر فيهببا‬
‫المحرمات في حال الختيار‪ .‬الجملة الثانية‪ :‬نذكر فيها أحوالها في حال الضطرار‪.‬‬
‫*‪)*3‬الجملة الولى(‬
‫@‪-‬والغذية النسانية نبات وحيوان‪ .‬فأما الحيوان الذي يغتذى بببه‪ ،‬فمنببه حلل فببي‬
‫الشرع‪ ،‬ومنه حرام‪ ،‬وهذا منه بري ومنه بحري‪ .‬والمحرمة منهببا مببا تكببون محرمببة‬
‫لعينها‪ ،‬ومنها ما تكون لسبب وارد عليها‪ .‬وكل هذه منها مببا اتفقببوا عليببه‪ ،‬ومنهببا مببا‬
‫اختلفوا فيه‪ .‬فأما المحرمة لسبب وارد عليها فهي بالجملة تسببعة‪ :‬الميتببة‪ ،‬والمنخنقببة‪،‬‬
‫والموقوذة‪ ،‬والمتردية‪ ،‬والنطيحة‪ ،‬وما أكل السبع‪ ،‬وكل ما نقصبه شببرط مببن شببروط‬
‫التذكية من الحيوان الذي التذكية شرط في أكله‪ ،‬والجللببة‪ ،‬والطعببام الحلل يخببالطه‬
‫نجس‪ .‬فأما الميتة فاتفق العلماء على تحريم ميتة البر‪ ،‬واختلفوا في ميتة البحببر علببى‬
‫ثلثة أقوال‪ :‬فقال قوم‪ :‬هي حلل بإطلق؛ وقال قوم‪ :‬هي حرام بإطلق؛ وقببال قببوم‪:‬‬
‫ما طفا من السمك حرام‪ ،‬وما جزر عنه البحر فهو حلل‪ .‬وسبب اختلفهببم تعببارض‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الثار في هذا الباب‪ ،‬ومعارضببة عمببوم الكتبباب لبعضببها معارضببة كليببة‪ ،‬ومببوافقته‬
‫لبعضها موافقة جزئية‪ ،‬ومعارضة بعضها لبعض معارضة جزئية‪ .‬فأما العمببوم فهببو‬
‫قوله تعالى }حرمت عليكم الميتة{ ‪ .‬وأما الثار المعارضة لهذا العموم معارضة كلية‬
‫فحديثان‪ :‬الواحد متفق عليه‪ ،‬والخر مختلف فيه‪ .‬أما المتفق عليه فحديث جابر‪ ،‬وفيه‬
‫"إن أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم وجدوا حوتا يسمى العنبببر‪ ،‬أو دابببة قببد‬
‫جزر عنه البحر فأكلوا منه بضعة وعشرين يوما أو شهرا‪ ،‬ثم قدموا على رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فأخبروه فقببال‪ :‬هببل معكببم مبن لحمبه شبيء‪ :‬فأرسبلوا منببه إلببى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسببلم فببأكله" وهببذا إنمببا يعببارض الكتبباب معارضببة كليببة‬
‫بمفهومه ل بلفظه‪ .‬وأما الحديث الثاني المختلف فيه‪ ،‬فما رواه مالك عن أبببي هريببرة‬
‫"أنه سئل عن ماء البحر فقال‪ :‬هوالطهور ماؤه الحل ميتتببه"‪ .‬وأمببا الحببديث الموافببق‬
‫للعموم موافقة جزئية فما روى إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير عن جابر عن النبي‬
‫عليه الصلة والسلم قال "ما ألقى البحر أو جزر عنه فكلببوه‪ ،‬ومببا طفببا فل تببأكلوه"‬
‫وهو حديث أضعف عندهم من حديث مالك‪ .‬وسبب ضعف حديث مالك أن في رواته‬
‫من ل يعرف‪ ،‬وأنه ورد من طريق واحد؛ قببال أبببو عمببر بببن عبببد البببر‪ :‬بببل رواتببه‬
‫معروفون وقد ورد من طرق‪ .‬وسبببب ضبعف حبديث جبابر أن الثقبات أوقفبوه علببى‬
‫جابر؛ فمن رجح حديث جابر هذا على حديث أبي هريرة لشهادة عموم الكتاب له لببم‬
‫يستثن من ذلك إل ما جزر عنه البحر إذ لم يرد في ذلك تعارض؛ ومن رجح حببديث‬
‫أبي هريرة قال بالباحة مطلقا‪ .‬وأما من قال بالمنع مطلقا فمصيرا إلى ترجيح عموم‬
‫الكتاب‪ ،‬وبالباحة مطلقا قال مالك والشافعي‪ ،‬وبالمنع مطلقا قال أبو حنيفة وقال قببوم‬
‫غير هؤلء بالفرق‪ .‬وأما الخمسة التي ذكر ال مع الميتة فل خلف أن حكمها عندهم‬
‫للة وهي التي تأكل النجاسة فاختلفوا في أكلها‪ .‬وسبب اختلفهم‬ ‫حكم الميتة‪ .‬وأما الج ّ‬
‫معارضة القياس للثر‪ .‬أما الثر فما روي‪ :‬أنه عليه الصلة والسلم نهى عن لحببوم‬
‫للة وألبانها" خرجه أبو داود عن ابن عمر‪ .‬وأما القياس المعارض لهذا‪ ،‬فهببو أن‬ ‫الج ّ‬
‫ما يرد جوف الحيوان ينقلب إلى لحم ذلك الحيوان وسائر أجببزائه‪ ،‬فببإذا قلنببا أن لحببم‬
‫الحيوان حلل‪ ،‬وجب أن يكون لما ينقلب من ذلك حكم ما ينقلب إليه‪ ،‬وهو اللحم كما‬
‫للة‪ ،‬ومالك يكرهها‪ .‬وأمببا‬ ‫لو انقلب ترابا‪ ،‬أو كانقلب الدم لحما‪ ،‬والشافعي يحرم الج ّ‬
‫النجاسة تخالط الحلل فالصل فيه الحديث المشهور من حديث أبي هريرة وميمونببة‬
‫"أنه سبئل عليبه الصببلة والسبلم عببن الفبأرة تقببع فببي السبمن فقبال‪ :‬إن كبان جامببدا‬
‫فاطرحوها وما حولها وكلوا الباقي‪ ،‬وإن كان ذائبا فأريقوه أو ل تقربوه"‬
‫وللعلمبباء فبي النجاسبة تخببالط المطعومببات الحلل مببذهبان‪ :‬أحبدهما مبن يعتببر فببي‬
‫التحريم المخالطة فقط وإن لم يتغير للطعام لون ول رائحة ول طعم من قبل النجاسة‬
‫التي خالطته وهو المشهور والذي عليه الجمهور‪ .‬والثاني مذهب من يعتبر فببي ذلببك‬
‫التغير‪ ،‬وهو قبول أهبل الظباهر وروايبة عبن مالبك‪ .‬وسببب اختلفهبم اختلفهبم فبي‬
‫مفهوم الحديث‪ ،‬وذلك أن منهم من جعله من باب الخاص أريد به الخبباص وهببم أهببل‬
‫الظاهر فقالوا‪ :‬هذا الحببديث يمببر علببى ظبباهره‪ ،‬وسبائر الشببياء يعتبببر فيهببا تغيرهببا‬
‫بالنجاسة أو ل تغيرها بها؛ ومنهم مببن جعلببه مببن ببباب الخبباص أريببد بببه العببام وهببم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الجمهور فقبالوا‪ :‬المفهبوم منبه أن بنفبس مخالطبة النجبس ينجبس الحلل‪ ،‬إل أنبه لبم‬
‫يتعلل لهم الفرق بين أن يكون جامدا أو ذائبا لوجود المخالطة في هاتين الحالتين وإن‬
‫كانت في إحدى الحالتين أكثر‪ :‬أعني في حالة الذوبان؛ ويجب على هذا أن يفرق بين‬
‫المخالطة القليلة والكثيرة‪ ،‬فلما لم يفرقوا بينهما فكأنهم اقتصببروا مببن بعببض الحببديث‬
‫على ظاهره‪ ،‬ومن بعضه على القياس عليه‪ ،‬ولذلك أقرته الظاهرية كله على ظاهره‪.‬‬
‫وأما المحرمات لعينها‪ ،‬فمنها ما اتفقوا أيضا عليه‪ ،‬ومنها ما اختلفوا فيه‪ .‬فأما المتفببق‬
‫منها عليه فاتفق المسلمون منها على اثنين‪ :‬لحم الخنزير‪ ،‬والدم‪ .‬فأما الخنزير فاتفقوا‬
‫على تحريم شحمه ولحمه وجلده‪ ،‬واختلفببوا فببي النتفبباع بشببعره وفببي طهببارة جلببده‬
‫مدبوغا وغير مدبوغ‪ ،‬وقد تقدم ذلك في كتاب الطهارة‪ .‬وأما الدم فاتفقوا على تحريببم‬
‫المسفوح منه من الحيوان المذكى‪ ،‬واختلفوا في غير المسفوح منه‪.‬‬
‫وكببذلك اختلفببوا فببي دم الحببوت؛ فمنهببم مببن رآه نجسببا؛ ومنهببم مببن لببم يببره نجسببا‪،‬‬
‫والختلف في هذا كله موجود في مذهب مالك وخارجا عنببه‪ .‬وسبببب اختلفهببم فببي‬
‫غير المسفوح معارضة الطلق للتقييد‪ ،‬وذلك أن قوله تعالى }حرمببت عليكببم الميتببة‬
‫والدم{ يقتضي تحريم مسفوح الدم وغيبره‪ ،‬وقبوله تعبالى }أو دمبا مسبفوحا{ يقتضبي‬
‫بحسب دليل الخطاب تحريم المسفوح فقط؛ فمن رد المطلببق إلببى المقيببد اشببترط فببي‬
‫التحريببم السببفح؛ ومببن رأى أن الطلق يقتضببي حكمببا زائدا علببى التقييببد‪ ،‬وأن‬
‫معارضة المقيد للمطلق إنما هو من باب دليل الخطاب‪ ،‬والمطلق عام‪ ،‬والعببام أقببوى‬
‫من دليل الخطاب قضى بالمطلق على المقيد‪ ،‬وقال‪ :‬يحرم قليل الدم وكثيره‪ .‬والسببفح‬
‫المشترط في حرمية الدم إنمبا هبو دم الحيبوان المبذكى‪ ،‬أعنبي أنبه البذي يسبيل عنبد‬
‫التذكية من الحيوان الحلل الكل‪ .‬وأما أكل دم يسيل من الحيوان الحي فقليله وكثيره‬
‫حرام؛ وكذلك الدم من الحيوان المحببرم الكببل‪ ،‬وإن ذكببى فقليلببه وكببثيره حببرام‪ ،‬ول‬
‫خلف في هذا‪ .‬وأما سبب اختلفهببم فببي دم الحببوت فمعارضببة العمببوم للقيبباس‪ .‬أمببا‬
‫العموم فقوله تعالى }والدم{ ‪ .‬وأما القياس فما يمكن أن يتوهم من كون الدم تابعببا فببي‬
‫التحريم لميتة الحيوان‪ ،‬أعني أن ما حرم ميتته حرم دمه‪ ،‬ومببا حبل ميتتبه حبل دمبه‪،‬‬
‫ولذلك رأى مالك أن ما ل دم له فليس بميتة‪ .‬قال القاضي‪ :‬وقد تكلمنا في هذه المسألة‬
‫في كتاب الطهارة‪ ،‬ويذكر الفقهاء فببي هببذا حببديثا مخصصببا لعمببوم الببدم قببوله عليببه‬
‫الصلة والسلم "أحلت لنا ميتتان ودمان" وهذا الحديث في غالب ظني ليس هو فببي‬
‫الكتب المشهورة من كتب الحببديث‪ .‬وأمببا المحرمببات لعينهببا المختلببف فيهببا فأربعببة‪:‬‬
‫أحدها لحوم السباع مببن الطيببر ومببن ذوات الربببع‪ .‬والثبباني ذوات الحببافر النسببية‪.‬‬
‫والثالث لحوم الحيوان المأمور بقتله في الحرم‪ .‬والرابع لحوم الحيوانات الببتي تعافهببا‬
‫النفوس وتستخبثها بالطبع‪ .‬وحكى أبببو حامببد عببن الشببافعي أنببه يحببرم لحببم الحيببوان‬
‫المنهي عن أكله قال‪ :‬كالخطاف والنحل فيكون هذا جنسا خامسا من المختلف فيه‪.‬‬
‫@‪)-‬فأما المسألة الولى( وهي السباع ذوات الربع‪ ،‬فببروى ابببن القاسببم عببن مالببك‬
‫أنها مكروهة‪ ،‬وعلى هذا القول عول جمهور أصحابه وهو المنصور عنببدهم؛ وذكببر‬
‫مالك في الموطأ ما دليله أنها عنده محرمة‪ ،‬وذلك أنه قال بعقببب حببديث أبببي هريببرة‬
‫عن النبي عليه الصلة والسلم أنه قال "أكل كل ذي ناب من السببباع حببرام" وعلببى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ذلك المر عندنا‪ ،‬وإلى تحريمها ذهب الشافعي وأشهب وأصحاب مالك وأبو حنيفببة‪،‬‬
‫إل أنهم اختلفوا في جنس السباع المحرمة فقال أبو حنيفة‪ :‬كل ما أكل اللحم فهو سبببع‬
‫حتى الفيل والضبع واليربوع عنده من السباع‪ ،‬وكذلك السنور؛ وقال الشافعي‪ :‬يؤكببل‬
‫الضبببع والثعلببب‪ ،‬وإنمببا السببباع المحرمببة الببتي تعببدو علببى النبباس كالسببد والنمببر‬
‫والذئب‪ ،‬وكل القولين في المذهب‪ ،‬وجمهورهم على أن القرد ل يؤكل ول ينتفع بببه؛‬
‫وعند الشافعي أيضا أن الكلببب حبرام ل ينتفببع ببه‪ ،‬لنبه فهببم مببن النهبي عببن سببؤره‬
‫نجاسة عينه‪ .‬وسبب اختلفهم في تحريببم لحببوم السببباع مببن ذوات الربببع معارضببة‬
‫الكتاب للثار‪ ،‬وذلك أن ظبباهر قببوله }قببل ل أجبد فيمبا أوحبي إلبى إل محرمبا علببى‬
‫طاعم يطعمه{ الية‪ ،‬أن ما عدا المببذكور فببي هببذه اليببة حلل‪ ،‬وظباهر حبديث أببي‬
‫ثعلبة الخشني أنه قال "نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من‬
‫السباع إن السباع محرمة" هكذا رواه البخاري ومسلم‪ .‬وأما مالك فمببا رواه فببي هببذا‬
‫المعنى من طريق أبي هريرة هو أبين في المعارضة وهو أن رسبول الب صبلى الب‬
‫عليه وسلم قال "أكل كل ذي ناب من السباع حرام" وذلك أن الحديث الول قد يمكن‬
‫الجمع بينه وبين الية بأن يحمل النهي المذكور فيه على الكراهية‪ .‬وأمببا حببديث أبببي‬
‫هريرة فليس يمكن الجمع بينه وبين الية إل أن يعتقد أنه ناسببخ لليببة عنببد مببن رأى‬
‫أن الزيادة نسخ وأن القرآن ينسخ بالسنة المتواترة‪ .‬فمن جمع بيببن حببديث أبببي ثعلبببة‬
‫والية حمل حديث لحبوم السبباع علبى الكراهيببة‪ .‬ومببن رأى أن حببديث أبببي هريبرة‬
‫يتضمن زيادة على ما في الية حرم لحوم السببباع‪ ،‬ومببن اعتقببد أن الضبببع والثعلببب‬
‫محرمان فاستدل بعموم لفظ السباع؛ ومن خصص من ذلك العادية فمصيرا لما روى‬
‫عبد الرحمن ابن عمار قال‪ :‬سألت جابر بن عببد الب عبن الضببع آكلهبا؟ قبال‪ :‬نعبم‪،‬‬
‫قلت‪ :‬أصيد هي؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قلت‪ :‬فأنت سمعت ذلك من رسول صلى ال عليه وسببلم؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ .‬وهذا الحديث وإن كان انفرد به عبببد الرحمببن فهببو ثقببة عنببد جماعببة أئمببة‬
‫الحديث‪ ،‬ولما ثبت من إقراره عليه الصلة والسلم على أكل الضب بين يببديه‪ .‬وأمببا‬
‫سباع الطير‪ ،‬فالجمهور على أنها حلل لمكان الية المتكررة وحرمها قببوم لمببا جبباء‬
‫في حديث ابن عباس أنه قال "نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم عن أكببل كببل ذي‬
‫ناب من السباع وكل مخلب من الطير" إل أن هذا الحديث لم يخرجه الشيخان‪ ،‬وإنما‬
‫ذكره أبو داود‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثانيببة( وهببي اختلفهببم فببي ذوات الحببافر النسببي‪ :‬أعنببي الخيببل‬
‫والبغال والحمير‪ ،‬فإن جمهور العلماء على تحريم لحوم الحمر النسية‪ ،‬إل مببا روي‬
‫عن ابن عباس وعائشة أنهما كانا يبيحانها‪ ،‬وعن مالك أنه كان يكرهها‪ ،‬روايبة ثانيبة‬
‫مثببل قببول الجمهببور؛ وكببذلك الجمهببور علببى تحريببم البغببال‪ ،‬وقببوم كرهوهببا ولببم‬
‫يحرموها‪ ،‬وهو مروي عن مالك‪ .‬وأما الخيل فذهب مالك وأبببو حنيفببة وجماعببة إلببى‬
‫أنها محرمة؛ وذهب الشافعي وأبو يوسف ومحمد وجماعة إلى إباحتها‪ .‬والسبببب فببي‬
‫اختلفهم في الحمر النسية معارضة الية المذكورة للحبباديث الثابتببة فببي ذلببك مببن‬
‫حديث جابر وغيره قال "نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم يببوم خيبببر عببن لحببوم‬
‫الحمر الهلية وأذن في لحوم الخيل" فمن جمع بين الية وهببذا الحببديث حملهببا علببى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الكراهية؛ ومن رأى النسخ قال بتحريم الحمر أو قببال بالزيببادة دون أن يببوجب عنببده‬
‫نسخا‪ ،‬وقد احتج من لم ير تحريمها بما روي عن أبي إسحق الشيباني عببن ابببن أبببي‬
‫أوفى قال "أصبنا حمرا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم بخيبر وطبخناهبا‪ ،‬فنبادى‬
‫منادي رسول ال صلى ال عليه وسلم أن أكفئوا القدور بما فيهببا"‪ .‬قببال ابببن إسببحق‪:‬‬
‫فذكرت ذلك لسعيد بببن جببير فقببال‪ :‬إنمببا نهببي عنهبا لنهبا كبانت تأكببل الجلببة‪ .‬وأمبا‬
‫اختلفهم في البغال‪ ،‬فسببه معارضة دليل الخطاب في قوله تعببالى }والخيببل والبغببال‬
‫والحمير لتركبوها وزينة{ وقوله مع أن ذلك من النعام }لتركبوا منها ومنها تأكلون{‬
‫للية الحاصرة للمحرمات‪ ،‬لنه يدل مفهوم الخطاب فيها أن المببباح فببي البغببال إنمببا‬
‫هو الركوب مع قيبباس البغببل أيضببا علببى الحمببار‪ .‬وأمببا سبببب اختلفهببم فببي الخيببل‬
‫فمعارضة دليل الخطاب في هذه الية لحديث جابر‪ ،‬ومعارضببة قيبباس الفببرس علببى‬
‫البغل والحمار له‪ ،‬لكن إباحة لحم الخيل نص في حديث جابر فل ينبغي أن يعببارض‬
‫بقياس ول بدليل خطاب‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثالثة( وهي اختلفهم في الحيوان المأمور بقتله فببي الحببرم وهببي‬
‫الخمس المنصوص عليها‪ :‬الغراب والحبدأة والعقببرب والفببأرة والكلبب العقبور‪ ،‬فبإن‬
‫قوما فهموا من المر بالقتل لها مع النهي عن قتل البهائم المباحة الكل أن العلببة فببي‬
‫ذلك هو كونها محرمة‪ ،‬وهو مذهب الشافعي؛ وقوما فهموا من ذلك معنببى التعببدي ل‬
‫معنى التحريم‪ ،‬وهببو مببذهب مالببك وأبببي حنيفببة وجمهببور أصببحابهما‪ .‬وأمببا الجنببس‬
‫الرابع‪ ،‬وهو الذي تستخبثه النفوس كالحشرات والضببفادع والسببرطانات والسببلحفات‬
‫وما في معناها‪ ،‬فإن الشافعي حرمها وأباحها الغير؛ ومنهم مببن كرههبا فقببط‪ .‬وسببب‬
‫اختلفهم اختلفهم في مفهوم ما ينطلق عليه اسببم الخبببائث فببي قببوله تعببالى }ويحببرم‬
‫عليهم الخبائث{ فمن رأى أنها المحرمات بنص الشرع لم يحرم من ذلك ما تسببتخبثه‬
‫النفوس مما لم يرد فيه نص؛ ومن رأى أن الخبائث هي ما تستخبثه النفوس قال‪ :‬هي‬
‫محرمة‪ .‬وأما ما حكاه أبو حامد عن الشافعي في تحريمبه الحيبوان المنهبي عبن قتلبه‬
‫كالخطاف والنحل زعم فإني لست أدري أين وقعت الثار الببواردة فببي ذلببك‪ ،‬ولعلهببا‬
‫في غير الكتب المشهورة عندنا‪ .‬وأما الحيببوان البحببري‪ ،‬فببإن العلمبباء أجمعببوا علببى‬
‫تحليل ما لم يكن منه موافقا بالسم لحيوان في البر محرم‪ ،‬فقال مالبك‪ :‬ل ببأس بأكبل‬
‫جميع حيوان البحر‪ ،‬إل أنه كره خنزير الماء وقال‪ :‬أنتببم تسببمونه خنزيببرا‪ ،‬وببه قبال‬
‫ابن أبي ليلى والوزاعي ومجاهد وجمهور العلماء‪ ،‬إل أن منهم من يشترط في غيببر‬
‫السمك التذكية‪ ،‬وقد تقدم ذلك‪ .‬وقال الليث بن سعد‪ :‬أما إنسان الماء وخنزير الماء فل‬
‫يؤكلن على شيء من الحالت‪ .‬وسبب اختلفهم هو هل يتنبباول لغببة أو شببرعا اسببم‬
‫الخنزير والنسان خنزير الماء وإنسانه‪ ،‬وعلى هذا يجب أن يتطببرق الكلم إلببى كببل‬
‫حيوان في البحر مشارك بالسم في اللغة أو في العرف لحيوان محرم في البببر مثببل‬
‫الكلب عند من يرى تحريمه‪ ،‬والنظر في هذه المسألة يرجع إلى أمرين‪ :‬أحببدهما هببل‬
‫هذه السماء لغوية؟ والثاني هل للسم المشترك عموم أم ليس لبه؟ فبإن إنسبان المباء‬
‫وخنزيره يقالن مع خنزير البر وإنسانه باشتراك السم‪ ،‬فمببن سببلم أن هببذه السببماء‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫لغوية ورأى أن للسم المشترك عموما لزمه أن يقول بتحريمها‪ ،‬ولذلك توقببف مالببك‬
‫في ذلك وقال‪ :‬أنتم تسمونه خنزيرا‪.‬‬
‫فهذه حال الحيوان المحرم الكل في الشرع والحيوان المباح الكل‪ .‬وأما النبات الذي‬
‫هو غذاء فكله حلل إل الخمر وسبائر النببذة المتخبذة مبن العصبارات البتي تتخمبر‬
‫ومن العسل نفسه‪ .‬أما الخمر فإنهم اتفقوا على تحريم قليلها وكثيرها‪ :‬أعني التي هببي‬
‫من عصير العنب‪ .‬وأما النبذة فإنهم اختلفوا في القليل منها الذي ل يسكر‪ ،‬وأجمعببوا‬
‫على أن المسكر منها حرام‪ ،‬فقال جمهببور فقهبباء الحجبباز وجمهببور المحببدثين‪ :‬قليببل‬
‫النبذة وكثيرها المسكرة حرام‪ .‬وقال العراقيون إبراهيم النخعي من التابعين وسببفيان‬
‫الثوري وابن أبي ليلى وشريك وابن شبرمة وأبو حنيفة وسائر فقهاء الكوفيين وأكببثر‬
‫علماء البصرين‪ :‬إن المحرم من سببائر النبببذة المسببكرة هببو السببكر نفسببه ل العيببن‪.‬‬
‫وسبب اختلفهبم تعبارض الثبار والقيسبة فبي هبذا البباب‪ ،‬فللحجبازيين فبي تثببيت‬
‫مذهبهم طريقتان‪ :‬الطريقة الولى الثار الببواردة فببي ذلببك‪ .‬والطريقببة الثانيببة تسببمية‬
‫النبذة بأجمعها خمرا‪ .‬فمن أشهر الثار التي تمسك بها أهببل الحجبباز مببا رواه مالببك‬
‫عن ابن شهاب عن أبي سلمة عبد الرحمن عن عائشبة أنهبا قبالت "سبئل رسبول الب‬
‫صلى ال عليه وسلم عن البتع وعن نبيذ العسل؟ فقال‪ :‬كل شراب أسكر فهببو حببرام"‬
‫خرجه البخبباري‪ .‬وقببال يحيببى بببن معيببن‪ :‬هببذا أصببح حببديث روي عببن النبببي عليببه‬
‫الصلة والسلم في تحريم المسكر؛ ومنها أيضا ما خرجببه مسببلم عببن ابببن عمببر أن‬
‫النبي عليه الصلة والسلم قال "كل مسكر خمر‪ ،‬وكل خمببر حببرام" فهببذان حببديثان‬
‫صحيحان‪ .‬أما الول فاتفق الكل عليه‪ .‬وأما الثبباني فببانفرد بتصببحيحه مسببلم‪ .‬وخببرج‬
‫الترمذي وأبو داود والنسائي عن جابر بن عببد الب صبلى الب عليبه وسببلم قببال "مبا‬
‫أسكر كثيره فقليله حرام" وهو نص في موضع الخلف‪ .‬وأما السببتدلل الثبباني مببن‬
‫أن النبذة كلها تسمى خمرا‪ ،‬فلهم في ذلك طريقتان‪ :‬إحداهما من جهة إثبات السببماء‬
‫بطريق الشتقاق‪ ،‬والثاني من جهة السماع‪ .‬فأما التي من جهة الشببتقاق فببإنهم قببالوا‬
‫إنه معلوم عند أهل اللغة أن الخمر إنما سميت خمرا لمخامرتها العقببل‪ ،‬فببوجب لببذلك‬
‫أن ينطلق اسم الخمر لغة على كل ما خامر العقل‪.‬‬
‫وهبذه هبي الطريقبة مبن إثببات السبماء فيهبا اختلف بيبن الصبوليين‪ ،‬وهبي غيبر‬
‫مرضية عند الخراسانيين‪ .‬وأما الطريقة الثانية التي من جهة السماع‪ ،‬فإنهم قالوا إنببه‬
‫وإن لم يسلم لنا أن النبذة تسمى في اللغة خمرا شرعا‪ ،‬واحتجوا في ذلك بحديث ابن‬
‫عمر المتقدم‪ ،‬وبما روي أيضا عن أبي هريرة أن رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم‬
‫قال "الخمر من هاتين الشجرتين‪ :‬النخلة والعنبة" وما روي أيضا عببن ابببن عمببر أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قال "إن مببن العنببب خمببرا‪ ،‬وإن مببن العسببل خمببرا‪،‬‬
‫ومن الزبيب خمرا‪ ،‬ومن الحنطة خمرا وأنا أنهاكم عن كل مسببكر" فهببذه هببي عمببدة‬
‫الحجازيين في تحريم النبببذة‪ .‬وأمببا الكوفيببون فببإنهم تمسببكوا لمببذهبهم بظبباهر قببوله‬
‫تعالى }ومن ثمر النخيل والعناب تتخذون منه سكرا ورزقببا حسببنا{ وبآثببار رووهببا‬
‫في هذا الباب‪ ،‬وبالقياس المعنوي‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أما احتجاجهم بالية فإنهم قالوا‪ :‬السكر هو المسكر ولو كان محببرم العيببن لمببا سببماه‬
‫ال رزقا حسنا‪.‬‬
‫وأما الثار التي اعتمدوها في هذا الباب‪ ،‬فمن أشهرها عندهم حديث أبي عون الثقفي‬
‫عن عبد ال بن شداد عن ابن عباس عن النبي عليببه الصببلة والسببلم قببال "حرمببت‬
‫عليكم الخمر لعينها" والسكر من غيرها وقالوا‪ :‬هذا نص ل يحتمل التأويل‪ ،‬وضببعفه‬
‫أهل الحجاز لن بعض رواته روى "والمسكر من غيرها" ومنها حديث شببريك عببن‬
‫سماك بن حرب بإسناده عن أبي بردة بن نيار قال‪ :‬قال رسببول الب صببلى الب عليببه‬
‫وسلم "إني كنت نهيتكم عن الشراب في الوعية فاشربوا فيما بببدا لكببم ول تسببكروا"‬
‫خرجها الطحاوي‪ .‬ورووا عن ابن مسعود أنه قال‪ :‬شهدت تحريم النبيببذ كمببا شببهدتم‪،‬‬
‫ثم شهدت تحليله فحفظت ونسببيتم‪ .‬ورووا عببن أبببي موسببى قببال "بعثنببي رسببول الب‬
‫صلى ال عليببه وسببلم أنببا ومعبباذا إلببى اليمببن‪ ،‬فقلنببا‪ :‬يببا رسببول الب إن بهببا شببرابين‬
‫يصنعان من البر والشعير‪ :‬أحدهما يقال له المزر‪ ،‬والخر يقال له البتع‪ ،‬فما نشرب؟‬
‫فقال عليه الصلة والسلم‪ :‬اشربا ول تسكرا" خرجه الطحاوي أيضا إلببى غيببر ذلببك‬
‫من الثار التي ذكروها في هذا الباب‪.‬‬
‫وأما احتجاجهم من جهة النظر فإنهم قالوا‪ :‬قد نص القرآن أن علة التحريم في الخمر‬
‫إنما هي الصد عن ذكر الب ووقببوع العببداوة والبغضبباء كمببا قببال تعببالى }إنمببا يريببد‬
‫الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكببر ال ب‬
‫وعن الصلة{ وهذه العلة توجد في القدر المسكر ل فيما دون ذلك‪ ،‬فوجب أن يكببون‬
‫ذلك القدر هو الحرام إل ما انعقد عليببه الجمبباع مببن تحريببم قليببل الخمببر وكثيرهببا‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬وهذا النوع من القياس يلحق بالنص‪ ،‬وهو القياس الذي ينبه الشرع على العلببة‬
‫فيه‪.‬‬
‫وقال المتأخرون من أهل النظر‪ :‬حجة الحجازيين مببن طريببق السببمع أقببوى‪ ،‬وحجببة‬
‫العراقيين مبن طريبق القيباس أظهبر‪ .‬وإذا كبان هبذا كمبا قبالوا فيرجبع الخلف إلبى‬
‫اختلفهم في تغليب الثر علببى القيبباس‪ ،‬أو تغليببب القيبباس علببى الثببر إذا تعارضببا‪،‬‬
‫وهي مسألة مختلف فيها‪ ،‬لكن الحق أن الثر إذا كان نصا ثابتببا‪ ،‬فببالواجب أن يغلببب‬
‫على القياس‪ .‬وأما إذا كان ظاهر اللفظ محتمل للتأويل فهنببا يببتردد النظببر هببل يجمببع‬
‫بينهما بأن يتأول اللفظ أو يغلب ظبباهر اللفببظ علببى مقتضببى القيبباس؟ وذلببك مختلببف‬
‫بحسب قوة لفظ من اللفاظ الظاهرة‪ ،‬وقوة قياس من القياسات التي تقابلها ول يببدرك‬
‫الفرق بينهما إل بالذوق العقلي كما يبدرك المبوزون مبن الكلم مبن غيبر المبوزون‪،‬‬
‫وربما كان الذوقان على التساوي؛ ولذلك كثر الختلف في هذا النوع حتى قال كثير‬
‫من الناس‪ :‬كل مجتهد مصيب‪.‬‬
‫قال القاضي‪ :‬والذي يظهر لي وال أعلم أن قوله عليه الصببلة والسببلم "كببل مسببكر‬
‫حرام" وإن كان يحتمل أن يراد به القدر المسكر ل الجنس المسكر‪ ،‬فإن ظهوره فببي‬
‫تعليق التحريم بببالجنس أغلببب علببى الظببن مببن تعليقببه بالقببدر لمكببان معارضببة ذلببك‬
‫القياس له على ما تأوله الكوفيون‪ ،‬فإنه ل يبعد أن يحرم الشارع قليل المسكر وكثيره‬
‫سدا للذريعة وتغليظا‪ ،‬مع أن الضرر إنما يوجد في الكثير‪ ،‬وقد ثبت من حال الشببرع‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بالجماع أنه اعتبر في الخمر الجنس دون القدر الواجب‪ ،‬فوجب كل مبا وجبدت فيبه‬
‫علة الخمر أن يلحق بالخمر‪ ،‬وأن يكون على من زعم وجود الفرق إقامة الدليل على‬
‫ذلك‪ ،‬هذا إن لم يسلموا لنا صحة قوله عليه الصلة والسلم "مببا أسببكر كببثيره فقليلببه‬
‫حرام" فإنهم إن سلموه لم يجدوا انفكاكا فإنه نص في موضبع الخلف‪ ،‬ول يصبح أن‬
‫تعارض النصوص بالمقاييس‪ ،‬وأيضببا فببإن الشببرع قببد أخبببر أن فببي الخمببر مضببرة‬
‫ومنفعة‪ ،‬فقال تعالى }قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس{ وكان القياس إذا قصببد الجمببع‬
‫بين انتقاء المضرة ووجود المنفعة أن يحرم كثيرها ويحلل قليلها؛ فلمببا غلببب الشببرع‬
‫حكم المضرة على المنفعببة فبي الخمبر ومنبع القليببل منهبا والكببثير‪ ،‬وجببب أن يكببون‬
‫المر كذلك في كل ما يوجببد فيببه علببى تحريببم الخمببر‪ ،‬إل أن يثبببت فببي ذلببك فببارق‬
‫شرعي‪.‬‬
‫واتفقوا على أن النتباذ حلل ما لم تحدث فيببه الشببدة المطربببة الخمريببة لقببوله عليببه‬
‫الصلة والسلم "فانتبذوا وكل مسكر حرام"‪ ،‬ولما ثبببت عنببه عليببه الصببلة والسببلم‬
‫"أنه كان ينتبذ‪ ،‬وأنه كان يريقببه فببي اليببوم الثباني أو الثببالث" واختلفببوا فبي ذلبك فببي‬
‫مسئلتين‪ :‬إحداهما‪ :‬في الواني التي ينتبذ فيها‪ .‬والثانية‪ :‬في انتبباذ شبيئين مثبل البسبر‬
‫والرطب‪ ،‬والتمر والزبيب‪.‬‬
‫@‪)-‬فأما المسألة الولى( فإنهم أجمعوا علببى جببواز النتببباذ فببي السببقية‪ ،‬واختلفببوا‬
‫فيما سواها؛ فروى ابن القاسم عن مالك أنه كره النتباذ في الدباء والمزفت ولم يكره‬
‫غير ذلك؛ وكره الثوري النتباذ في الدباء والحنتم والنقير والمزفت؛ وقال أبو حنيفببة‬
‫وأصحابه‪ :‬ل بأس بالنتباذ في جميع الظببروف والوانببي‪ .‬وسبببب اختلفهببم اختلف‬
‫الثار في هذا الباب‪ ،‬وذلك أنه ورد مببن طريببق ابببن عببباس النهببي عببن النتببباذ فببي‬
‫الربع التي كرهها الثوري وهو حديث ثابت‪ .‬وروى مالك عن ابن عمر في الموطببأ‬
‫"أن النبي عليه الصلة والسبلم نهبى عبن النتبباذ فبي البدباء والمزفبت" وجباء فبي‬
‫حديث جابر عن النبي عليه الصلة والسلم من طريببق شببريك عببن سببماك أنببه قببال‬
‫"كنت نهيتكم أن تنبذوا في الدباء والحنتم والنقير والمزفت فانتبذوا ول أحل مسببكرا"‬
‫وحديث أببي سببعيد الخببدري الببذي رواه مالبك فبي الموطبأ‪ ،‬وهببو أنببه عليبه الصبلة‬
‫والسلم قال "كنت نهيتكم عببن النتببباذ فانتبببذوا‪ ،‬وكببل مسببكر حببرام"‪ .‬فمببن رأى أن‬
‫النهي المتقدم الذي نسخ إنما كان نهيا عن النتباذ فببي هببذه الوانببي إذ لببم يعلببم ههنببا‬
‫نهي متقدم غير ذلك قال‪ :‬يجوز النتباذ فببي كببل شببيء؛ ومببن قببال إن النهببي المتقببدم‬
‫الذي نسخ إنما كان نهيا عببن النتببباذ مطلقببا قببال‪ :‬بقببي النهببي عببن النتببباذ فببي هببذه‬
‫الواني؛ فمن اعتمد في ذلك حبديث اببن عمبر قبال بباليتين المبذكورتين فيبه؛ ومبن‬
‫اعتمد في ذلك حديث ابن عباس قال بالربعة‪ ،‬لنه يتضمن مزيدا‪ ،‬والمعارضة بينببه‬
‫وبين حديث ابن عمر إنما هي من باب دليل الخطاب‪ .‬وفببي كتبباب مسببلم النهببي عببن‬
‫النتباذ في الحنتم‪ ،‬وفيه أنه رخص لهم فيه إذا كان غير مزفت‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثانية( وهي انتباذ الخليطين‪ ،‬فإن الجمهور قالوا بتحريم الخليطين‬
‫من الشياء التي من شأنها أن تقبل النتباذ؛ وقال قوم‪ :‬بل النتباذ مكروه؛ وقال قببوم‪:‬‬
‫هو مباح؛ وقال قوم‪ :‬كل خليطين فهما حبرام وإن لبم يكونبا ممبا يقبلن النتبباذ فيمبا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أحسب الن‪ .‬والسبب في اختلفهم ترددهم في هل النهببي الببوارد فببي ذلببك هببو علببى‬
‫الكراهة أو على الحظر؟ وإذا قلنا إنه على الحظر‪ ،‬فهل يدل على فسبباد المنهببى عنببه‬
‫أم ل؟ وذلببك أنببه ثبببت عنببه عليببه الصببلة والسببلم "أنببه نهببى عببن أن يخلببط التمببر‬
‫والزبيب‪ ،‬والزهو والرطب‪ ،‬والبسر والزبيب" وفببي بعضببها أنببه قببال عليببه الصببلة‬
‫والسلم "ل تنتبذوا الزهو والزبيب جميعا‪ ،‬ول التمر والزبيببب جميعببا‪ ،‬وانتبببذوا كببل‬
‫واحببد منهمببا علببى حببدة" فيخببرج فببي ذلببك بحسببب التأويببل القاويببل الثلثببة‪ :‬قببول‬
‫بتحريمه‪ ،‬وقول بتحليله مع الثم في النتباذ‪ ،‬وقول بكراهية ذلك‪ .‬وأمببا مببن قببال إنببه‬
‫مباح‪ ،‬فلعله اعتمد في ذلك عموم الثر بالنتباذ في حديث أبي سببعيد الخببدري‪ .‬وأمببا‬
‫من منع كل خليطين‪ ،‬فإما أن يكون ذهب إلى أن علة المنع هو الختلط ل ما يحدث‬
‫عن الختلط من الشدة في النبيذ‪ ،‬وإما أن يكون قد تمسببك بعمببوم مببا ورد أنببه نهببى‬
‫عن الخليطين؛ وأجمعوا على أن الخمر إذا تخللت من ذاتها جاز أكلهببا‪ .‬واختلفببوا إذا‬
‫قصد تخليلهببا علببى ثلثببة أقببوال‪ :‬التحريببم‪ ،‬والكراهيببة‪ ،‬والباحببة‪ .‬وسبببب اختلفهببم‬
‫معارضة القيباس للثبر واختلفهبم فبي مفهبوم الثبر‪ ،‬وذلبك أن أببا داود خبرج مبن‬
‫حديث أنس بن مالك أن أبا طلحة "سأل النبي عليه الصلة والسلم عن أيتببام ورثببوا‬
‫خمرا‪ ،‬فقال‪ :‬أهرقها‪ ،‬قال‪ :‬أفل أجعلها خل؟ قال‪ :‬ل" فمن فهم مببن المنببع سببد ذريعببة‬
‫حمل ذلك على الكراهية؛ ومن فهم النهي لغير علة قال بالتحريم؛ ويخببرج علببى هببذا‬
‫أن ل تحريم أيضا على مذهب من يببرى أن النهببي ل يعببود بفسبباد المنهببي‪ .‬والقيبباس‬
‫المعارض لحمل الخل علببى التحريببم أنببه قببد علببم مببن ضببرورة الشببرع أن الحكببام‬
‫المختلفببة إنمببا هببي للببذوات المختلفببة‪ ،‬وأن الخمببر غيببر ذات الخببل‪ ،‬والخببل بإجمبباع‬
‫حلل‪ ،‬فإذا انتقلت ذات الخمر إلى ذات الخل وجب أن يكون حلل كيفما انتقل‪.‬‬
‫*‪)*3‬الجملة الثانية‪ :‬في استعمال المحرمات في حال الضطرار(‬
‫@‪-‬والصببل فببي هببذا الببباب قببوله تعببالى }وقببد فصببل لكببم مببا حببرم عليكببم إل مببا‬
‫اضطررتم إليه{ والنظر في هذا الباب في السبب المحلل وفي جنببس الشببيء المحلببل‬
‫وفي مقداره‪ .‬فأما السبب‪ ،‬فهو ضرورة التغذي‪ :‬أعني إذا لم يجببد شببيئا حلل يتغببذى‬
‫به‪ ،‬وهو ل خلف فيه‪ .‬وأما السبببب الثبباني طلببب البببرء‪ ،‬وهببذا المختلببف فيببه؛ فمببن‬
‫أجازه احتج بإباحة النبي عليه الصلة والسلم الحرير لعبد الرحمن بن عوف لمكببان‬
‫حكة به؛ ومن منعه فلقوله عليه الصلة والسلم "إن الب لببم يجعببل شببفاء أمببتي فيمببا‬
‫حرم عليها"‪ .‬وأما جنس الشيء المستباح فهو كل شيء محبرم مثبل الميتبة وغيرهبا؛‬
‫والختلف في الخمبر عنبدهم هبو مبن قببل التبداوي بهبا ل مبن قببل اسبتعمالها فبي‬
‫التغذي‪ ،‬ولذلك أجببازوا للعطشببان أن يشببربها إن كببان منهببا ري‪ ،‬وللشببرق أن يزيببل‬
‫شرقه بها‪ .‬وأما مقدار ما يؤكل من الميتببة وغيرهببا فببإن مالكببا قببال‪ :‬حببد ذلببك الشبببع‬
‫والتزود منها حتى يجد غيرها؛ وقال الشافعي وأبو حنيفة‪ :‬ل يأكل منها إل ما يمسببك‬
‫الرمببق‪ ،‬وبببه قببال بعببض أصببحاب مالببك‪ .‬وسبببب الختلف هببل المببباح لببه فببي‬
‫الضطرار هو جميعها أم ما يمسك الرمق فقط؟ والظبباهر أنببه جميعهببا لقببوله تعببالى‬
‫}فمن اضطر غير باغ ول عاد{ واتفق مالببك والشببافعي علببى أنببه ل يحببل للمضببطر‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أكل الميتة إذا كان عاصيا بسفره لقوله تعالى }غير باغ ول عبباد{ وذهببب غيببره إلببى‬
‫جواز ذلك‪.‬‬
‫)انتهى كتاب الطعمة والشربة(‬
‫تم الجزء الول من كتبباب )بدايببة المجتهببد ونهايببة المقتصببد( ويليببه‪ :‬الجببزء الثبباني‪،‬‬
‫وأوله‪ :‬كتاب النكاح‪.‬‬
‫*‪*1‬الجزء الثاني‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب النكاح‬
‫@‪-‬بسم ال الرحمن الرحيم‪.‬‬
‫وأصول هذا الكتاب تنحصر فبي خمسبة أببواب‪ :‬البباب الول‪ :‬فببي مقبدمات النكباح‪.‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬فببي موجبببات صببحة النكبباح‪ .‬الببباب الثببالث‪ :‬فببي موجبببات الخيببار فببي‬
‫النكاح‪ .‬الباب الرابع‪ :‬في حقوق الزوجية‪ .‬الباب الخامس‪ :‬في النحكببة المنهببي عنهببا‬
‫والفاسدة‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول في مقدمات النكاح‪.‬‬
‫@‪-‬وفي هذا الببباب أربببع مسببائل فببي حكببم النكبباح وفببي حكببم خطبببة النكبباح‪ ،‬وفببي‬
‫الخطبة على الخطبة‪ ،‬وفي النظر إلى المخطوبة قبل التزويج‪ .‬فأما حكم النكبباح فقببال‬
‫قوم‪ :‬هو مندوب إليه‪ ،‬وهم الجمهور؛ وقال أهل الظاهر‪ :‬هو واجب‪ ،‬وقالت المتأخرة‬
‫من المالكية‪ :‬هو في حق بعض الناس واجب‪ ،‬وفي حق بعضببهم منببدوب إليببه‪ ،‬وفببي‬
‫حق بعضهم مباح‪ ،‬وذلك بحسب ما يخاف على نفسه من العنت‪ .‬وسبب اختلفهم هل‬
‫تحمل صيغة المر به في قوله تعالى }فانكحوا ما طاب لكببم مببن النسبباء{ وفببي قببوله‬
‫عليه الصلة والسلم "تناكحوا فإني مكاثر بكببم المببم" ومببا أشبببه ذلببك مببن الخبببار‬
‫الواردة في ذلك على الوجوب أم على الندب أم على الباحة‪ .‬فأمببا مببن قببال إنببه فببي‬
‫حق بعض الناس واجب‪ ،‬وفي حق بعضهم مندوب إليه‪ ،‬وفي حق بعضهم مباح‪ ،‬فهو‬
‫التفات إلى المصلحة‪ ،‬وهذا النوع من القياس هببو الببذي يسببمى المرسببل‪ ،‬وهببو الببذي‬
‫ليس له أصل معين يستند إليه‪ ،‬وقببد أنكببره كبثير مببن العلمبباء‪ ،‬والظباهر مبن مببذهب‬
‫مالك القول به‪.‬‬
‫وأما خطبة النكاح المروية عن النبي صلى ال عليه وسلم فقال الجمهور إنهببا ليسببت‬
‫واجبة‪ ،‬وقال داود هي واجبة‪ .‬وسبب الخلف هل يحمل فعله في ذلببك عليببه الصببلة‬
‫والسلم على الوجوب أو على الندب‪ :‬فأما الخطبة على الخطبة‪ ،‬فإن النهي فببي ذلببك‬
‫ثابت عن النبي عليه الصلة والسلم‪ .‬واختلفوا هل يدل ذلك على فسبباد المنهببي عنببه‬
‫أو ل يدل‪ .‬وإن كان يدل ففي أي حالبة يبدل؟ فقبال داود يفسبخ؛ وقبال الشبافعي وأببو‬
‫حنيفة ل يفسخ؛ وعن مالك القولن جميعببا‪ ،‬وثببالث وهببو أن يفسببخ قبببل الببدخول ول‬
‫يفسخ بعده؛ وقال ابن القاسم‪ :‬إنما معنى النهببي إذا خطببب رجببل صببالح علببى خطبببة‬
‫رجل صالح‪ ،‬وأما إن كان الول غير صالح والثاني صببالح جبباز‪ .‬وأمببا الببوقت عنببد‬
‫الكثر فهو إذا ركن بعضهم إلى بعض ل في أول الخطبة بببدليل حببديث فاطمببة بنببت‬
‫قيس "حيث جاءت إلى النبي صلى ال عليه وسلم فذكرت له أن أبببا جهببم بببن حذيفببة‬
‫ومعاوية بن أبببي سببفيان خطباهببا‪ ،‬فقببال‪ :‬أمببا أبببو جهببم فرجببل ل يرفببع عصبباه عببن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫النساء‪ ،‬وأما معاوية فصببعلوك ل مبال لببه‪ ،‬ولكببن انكحببي أسببامة"‪ .‬وأمببا النظببر إلببى‬
‫المرأة عند الخطبة‪ ،‬فأجاز ذلك مالك إلى الوجه والكفين فقط؛ وأجاز ذلبك غيبره إلببى‬
‫جميع البدن عدا السوأتين؛ ومنع ذلك قوم على الطلق؛ وأجاز أبو حنيفة النظر إلى‬
‫القدمين مع الوجه والكفين‪ .‬والسبب في اختلفهم أنه ورد المر بالنظر إليهن مطلقببا‪،‬‬
‫وورد بالمنع مطلقا‪ ،‬وورد مقيدا‪ :‬أعني بالوجه والكفين على ما قاله كثير من العلمبباء‬
‫في قوله تعالى }ول يبدين زينتهن إل ما ظهر منها{ إنه الوجه والكفان‪ ،‬وقياسا علببى‬
‫جواز كشفهما في الحج عند الكثر‪ ،‬ومن منع تمسك بالصل وهو تحريم النظر إلببى‬
‫النساء‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني في موجبات صحة النكاح‪.‬‬
‫@‪-‬وهذا الباب ينقسم إلى ثلثة أركان‪ :‬الركبن الول‪ :‬فبي معرفبة كيفيبة هبذا العقبد‪.‬‬
‫الركن الثاني‪ :‬في معرفة محل هذا العقد‪ .‬الثالث‪ :‬في معرفة شروط هذا العقد‪.‬‬
‫@‪)-‬الركن الول( في الكيفية‪ .‬والنظر في هذا الركن في مواضببع‪ :‬فببي كيفيببة الذن‬
‫المنعقد به‪ ،‬ومن المعتبر رضاه في لزوم هذا العقد‪ ،‬وهل يجوز عقده على الخيببار أم‬
‫ل يجوز؟ وهل إن تراخى القبول من أحد المتعاقببدين لببزم ذلببك العقببد‪ ،‬أم مببن شببرط‬
‫ذلك الفور؟‬
‫@‪)-‬الموضع الول( الذن في النكبباح علببى ضببربين‪ :‬فهببو واقببع فببي حببق الرجببال‬
‫والثيب من النساء باللفاظ‪ ،‬وهو في حق البكار المستأذنات واقببع بالسببكوت‪ :‬أعنببي‬
‫الرضببا‪ .‬وأمببا الببرد فببباللفظ ول خلف فببي هببذه الجملببة إل مببا حكببي عببن أصببحاب‬
‫الشافعي أن أذن البكر إذا كان المنكح غير أب ول جد بالنطق‪ ،‬وإنما صار الجمهببور‬
‫إلى أن إذنها بالصمت للثابت من قوله عليه الصلة والسلم " اليم أحق بنفسببها مببن‬
‫وليها‪ ،‬والبكر تستأمر في نفسها وإذنها صماتها" واتفقوا على أن انعقبباد النكبباح بلفببظ‬
‫النكاح ممن إذنه اللفظ‪ ،‬وكذلك بلفظ التزويج‪ .‬واختلفوا في انعقاده بلفظ الهبة أو بلفببظ‬
‫البيع أو بلفظ الصدقة‪ ،‬فأجازه قبوم‪ ،‬وببه قبال مالبك وأببو حنيفبة؛ وقبال الشبافعي‪ :‬ل‬
‫ينعقد إل بلفظ النكاح أو التزويج‪ .‬وسبب اختلفهم هل هببو عقببد يعتبببر فيببه مببع النيببة‬
‫اللفظ الخاص به؟ ام ليس من صحته اعتبار اللفببظ؟ فمببن ألحقببه بببالعقود الببتي يعتبببر‬
‫فيها المران قال‪ :‬ل نكاح منعقد إل بلفظ النكاح أو التزويج؛ ومن قال‪ :‬إن اللفظ ليس‬
‫من شرطه اعتبارا بما ليس مببن شببرطه اللفببظ أجبباز النكبباح بببأي لفببظ اتفببق إذا فهببم‬
‫المعنى الشرعي من ذلك‪ ،‬أعني أنه إذا كان بينه وبين المعنى الشرعي مشاركة‪.‬‬
‫@‪)-‬الموضع الثاني( وأما من المعتبر قبوله فببي صببحة هببذا العقببد‪ ،‬فببإنه يوجببد فببي‬
‫الشرع على ضربين‪ :‬أحببدهما يعتبببر فيببه رضببا المتنبباكحين أنفسببهما‪ :‬أعنببي الببزوج‬
‫والزوجة‪ ،‬إما مع الولي‪ ،‬وإما دونه على مذهب من ل يشترط الولي في رضا المرأة‬
‫المالكة أمر نفسها‪ .‬والثاني يعتبر فيه رضا الولياء فقط‪ ،‬وفببي كببل واحببد مببن هببذين‬
‫الضربين مسببائل اتفقببوا عليهببا‪ ،‬ومسببائل اختلفببوا فيهببا‪ ،‬ونحببن نببذكر منهببا قواعببدها‬
‫وأصولها فنقول‪ :‬أما الرجال البالغون الحببرار المببالكون لمببر أنفسببهم فببإنهم اتفقببوا‬
‫على اشتراط رضاهم وقبولهم في صحة النكاح‪ .‬واختلفوا هل يجبر العبد على النكاح‬
‫سيده والوصي محجوره البالغ أم ليس يجبببره؟ فقببال مالببك‪ :‬يجبببر السببيد عبببده علببى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫النكاح‪ ،‬وبه قبال أبببو حنيفببة‪ .‬وقبال الشببافعي‪ :‬ل يجبببره‪ .‬والسببب فببي اختلفهببم هببل‬
‫النكبباح مببن حقببوق السببيد أم ليببس مببن حقببوقه؟ وكببذلك اختلفببوا فببي جبببر الوصببي‬
‫محجببوره‪ ،‬والخلف فببي ذلببك موجببود فببي المببذهب‪ .‬وسبببب اختلفهببم هببل النكبباح‬
‫مصلحة من مصالح المنظور له أم ليس بمصلحة وإنما طريقببه الملذ؟ وعلببى القببول‬
‫بأن النكاح واجب ينبغي أن ل يتوقف في ذلك‪ .‬وأما النساء اللتي يعتبر رضاهن في‬
‫النكاح‪ ،‬فاتفقوا على اعتبار رضا الثيب البالغ لقببوله عليببه الصببلة والسببلم "والببثيب‬
‫تعرب عن نفسها" إل ما حكى عن الحسن البصري‪ .‬واختلفوا فبي البكبر الببالغ وفبي‬
‫الثيب الغير البالغ ما لم يكن ظهر منها الفساد‪ .‬فأما البكر البالغ فقال مالببك والشببافعي‬
‫وابببن أبببي ليلببى‪ :‬للب فقببط أن يجبرهببا علببى النكبباح؛ وقببال أبببو حنيفببة والثببوري‬
‫والوزاعي وأبو ثور وجماعة‪ :‬ل بد من اعتببار رضباها؛ ووافقهبم مالبك فبي البكبر‬
‫المعنسة على أحد القولين عنببه‪ .‬وسبببب اختلفهببم معارضببة دليببل الخطبباب فببي هببذا‬
‫للعموم‪ ،‬وذلك أن ما روي عنه عليه الصلة والسلم مببن قببوله‪" :‬ل تنكببح اليتيمببة إل‬
‫بإذنها" وقوله "تسببتأمر اليتيمببة فببي نفسببها" أخرجببه أبببو داود‪ ،‬والمفهببوم منببه بببدليل‬
‫الخطاب أن ذات الب بخلف اليتيمة‪ ،‬وقوله عليه الصببلة والسببلم فببي حببديث ابببن‬
‫عباس المشهور "والبكر تستأمر" يوجب بعمومه اسببتئمار كببل بكببر‪ .‬والعمببوم أقببوى‬
‫من دليل الخطاب‪ ،‬مع أنه خرج مسلم في حديث ابن عباس زيادة‪ ،‬وهو أنه قال عليه‬
‫الصلة والسلم‪" :‬والبكر يستأذنها أبوها" وهو نص في موضع الخلف‪ .‬وأما الببثيب‬
‫الغير البالغ‪ ،‬فإن مالكا وأبا حنيفة قال‪ :‬يجبرها الب على النكاح؛ وقببال الشببافعي‪ :‬ل‬
‫يجبرها‪ ،‬وقال المتأخرون‪ :‬إن في المذهب فيها ثلثة أقوال‪ :‬قول إن الب يجبرها مببا‬
‫لم تبلبغ بعبد الطلق‪ ،‬وهبو قبول أشبهب؛ وقبول إنبه يجبرهبا وإن بلغبت‪ ،‬وهبو قبول‬
‫سحنون؛ وقوله إنه ل يجبرها وإن لم تبلغ‪ ،‬وهو قول أبببي تمببام؛ والببذي حكينبباه عببن‬
‫مالك هو الذي حكاه أهل مسائل الخلف كابن القصار وغيره عنه‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم معارضة دليل الخطاب للعموم‪ ،‬وذلك أن قوله عليه الصلة والسببلم‬
‫"تستأمر اليتيمببة فببي نفسببها ول تنكببح اليتيمببة إل بإذنهببا" يفهببم منببه أن ذات الب ل‬
‫تستأمر إل ما أجمع عليببه الجمهببور مببن اسببتئمار الببثيب البببالغ‪ ،‬وعمببوم قببوله عليببه‬
‫الصلة والسلم "الثيب أحق بنفسها مببن وليهببا" يتنبباول البببالغ وغيببر البببالغ‪ ،‬وكببذلك‬
‫قوله "ل تنكح اليم حتى تستأمر ول تنكح حتى تستأذن" يببدل بعمببومه علببى مببا قبباله‬
‫الشافعي‪ .‬ولختلفهببم فببي هبباتين المسببئلتين سبببب آخببر‪ ،‬وهببو اسببتنباط القيبباس مببن‬
‫موضع الجماع‪ ،‬وذلك أنهم لما أجمعوا على أن الب يجبر البكر غيببر البببالغ‪ ،‬وأنببه‬
‫ل يجبر الثيب البالغ إل خلفا شاذا فيهما جميعا كما قلنا اختلفوا فبي مبوجب الجببار‬
‫هل هو البكارة أو الصغر؟ فمن قال الصببغر قببال‪ :‬ل تجبببر البكببر البببالغ؛ ومببن قببال‬
‫البكارة قال‪ :‬تجبر البكر البالغ ول تجبر الثيب الصغيرة؛ ومن قببال كببل واحببد منهمببا‬
‫يوجب الجبار إذا انفرد قال‪ :‬تجبر البكر البالغ والببثيب غيببر البببالغ‪ ،‬والتعليببل الول‬
‫تعليل أبي حنيفة‪ ،‬والثاني تعليل الشافعي‪ ،‬والثالث تعليل مالك‪ ،‬والصول أكثر شهادة‬
‫لتعليل أبي حنيفة‪ .‬واختلفوا في الثيوبة التي ترفع الجبار وتوجب النطببق بالرضببا أو‬
‫الرد‪ ،‬فذهب مالك وأبو حنيفة إلى أنها الثيوبة التي تكون بنكاح صحيح أو شبهة نكاح‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أو ملك‪ ،‬وأنها ل تكون بزنى ول بغصب؛ وقال الشافعي‪ :‬كببل ثيوبببة ترفببع الجبببار‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم هل يتعلق الحكم بقوله عليه الصلة والسلم "الثيب أحق بنفسها مببن‬
‫وليها" بالثيوبة الشرعية أم بالثيوبة اللغوية؟‪.‬‬
‫واتفقوا على أن الب يجبر ابنه الصغير على النكاح‪ ،‬وكذلك ابنتببه الصببغيرة البكببر‪،‬‬
‫ول يستأمرها لما ثبت "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم تزوج عائشببة رضببي الب‬
‫عنها بنت ست أو سبع وبنى بها بنت تسع بإنكاح أبي بكر أبيها رضي البب عنببه" إل‬
‫ما روي من الخلف عن ابن شبرمة‪ .‬واختلفوا من ذلببك فببي مسببئلتين‪ :‬إحببداهما هببل‬
‫يزوج الصغيرة غير الب؟ والثانية هل يزوج الصغير غيببر الب؟ فأمببا هببل يببزوج‬
‫الصغيرة غير الب أم ل؟ فقال الشافعي‪ :‬يزوجها الجبد أببو الب والب فقبط؛ وقبال‬
‫مالك‪ :‬ل يزوجهبا إل الب فقبط‪ ،‬أو مبن جعبل الب لببه ذلببك إذا عيببن البزوج إل أن‬
‫يخاف عليها الضيعة والفساد؛ وقال أبببو حنيفببة‪ :‬يببزوج الصببغيرة كببل مببن لببه عليهببا‬
‫ولية من أب وقريب وغير ذلك‪ ،‬ولها الخيار إذا بلغت‪،‬‬
‫وسبببب اختلفهببم معارضببة العمببوم للقيبباس‪ ،‬وذلببك أن قببوله عليببه الصببلة والسببلم‬
‫"والبكر تسبتأمر وإذنهبا صبماتها" يقتضبي العمبوم فبي كبل بكبر إل ذات الب البتي‬
‫خصصها الجمبباع‪ ،‬إل الخلف الببذي ذكرنبباه‪ ،‬وكببون سببائر الوليبباء معلومببا منهببم‬
‫النظر والمصلحة لوليتهم يوجب أن يلحقوا بالب في هذا المعنى‪ ،‬فمنهم من ألحق به‬
‫جميع الولياء ومنهم من ألحق به الجد فقط‪ ،‬لنه في معنببى الب إذ كببان أبببا أعلببى‪،‬‬
‫وهو الشافعي؛ ومن قصر ذلببك علببى الب رأى أن مببا للب فببي ذلببك غيببر موجببود‬
‫لغيره‪ ،‬إما من قبل أن الشرع خصبه ببذلك‪ ،‬وإمبا مبن قببل أن يوجبد فيبه مبن الرأفبة‬
‫والرحمة ل يوجد في غيره‪ ،‬وهو الذي ذهب إليه مالك رضببي ال ب عنببه‪ ،‬ومببا ذهببب‬
‫إليه أظهر }وال أعلم{ إل أن يكون هنالك ضرورة‪ .‬وقد احتج الحنفيببة بجببواز إنكبباح‬
‫الصغار غير الباء بقوله تعبالى }فببإن خفتببم أن ل تقسببطوا فببي اليتببامى فببانكحوا مببا‬
‫طاب لكم من النساء{ قال‪ :‬واليببتيم ل ينطلببق إل علببى غيببر البالغببة‪ .‬والفريببق الثبباني‬
‫قالوا‪ :‬إن اسم اليتيم قد ينطلق على بالغة بدليل قببوله عليببه الصببلة والسببلم "تسببتأمر‬
‫اليتيمة" والمستأمرة هي من أهل الذن وهي البالغة‪ ،‬فيكببون لختلفهببم سبببب آخببر‪،‬‬
‫وهو اشتراك اسم اليتيم؛ وقد احتج أيضا من لم يجز نكاح غير الب لهببا بقببوله عليببه‬
‫الصببلة والسببلم "تسببتأمر اليتيمببة فببي نفسببها" قببالوا‪ :‬والصببغيرة ليسببت مببن أهببل‬
‫الستئمار باتفاق‪ ،‬فوجب المنع‪ ،‬ولولئك أن يقولوا‪ :‬إن هذا حكم اليتيمة التي هي مببن‬
‫أهل الستئمار‪ ،‬وأما الصغيرة فمسببكوت عنهببا‪ .‬وأمببا‪ :‬هببل يببزوج الببولي غيببر الب‬
‫الصغير؟ فإن كان مالكا أجازه للوصي؛ وأبا حنيفة أجازه للوليبباء‪ ،‬إل أن أبببا حنيفببة‬
‫أوجب الخيار له إذا بلببغ‪ ،‬ولببم يببوجب ذلببك مالببك؛ وقببال الشببافعي‪ :‬ليببس لغيببر الب‬
‫إنكاحه‪ .‬وسبب اختلفهم قياس غير الب في ذلك على الب‪ .‬فمببن رأى أن الجتهبباد‬
‫الموجود فيه الذي جاز للب به أن يزوج الصغير من ولده ل يوجد في غير الب لم‬
‫يجز ذلك؛ ومن رأى أنببه يوجببد فيببه أجبباز ذلببك؛ ومببن فببرق بيببن الصببغير فببي ذلببك‬
‫والصغيرة فلن الرجل يملك الطلق إذا بلغ ول تملكه المرأة‪ ،‬ولذلك جعل أبو حنيفة‬
‫لهما الخيار إذا بلغا‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪)-‬وأما الموضع الثالث( وهو هل يجوز عقد النكبباح علببى الخيببار‪ ،‬فببإن الجمهببور‬
‫على أنه ل يجوز؛ وقال أبو ثور يجوز‪ .‬السبب في اختلفهم تردد النكاح بيبن البببيوع‬
‫التي ل يجوز فيها الخيار‪ ،‬والبيوع التي يجوز فيها الخيبار‪ ،‬أو نقبول إن الصبل فبي‬
‫العقود أن ل خيار إل ما وقع عليه النص وعلى المثبببت الخيببار الببدليل‪ ،‬أو نقببول إن‬
‫أصل منع الخيار )هكذا هذه العبارة بالصول‪ ،‬وليس لها معنببى واضببح( فببي البببيوع‬
‫هو الغرر والنكحببة ل غبرر فيهبا‪ ،‬لن المقصببود بهببا المكارمببة ل المكايسبة‪ ،‬ولن‬
‫الحاجة إلى الخيار والرؤية في النكاح أشد منه في البببيوع‪ .‬وأمببا تراخببي القبببول مببن‬
‫أحد الطرفين عن العقد‪ ،‬فأجاز مالك من ذلك التراخي اليسببير‪ ،‬ومنعببه قببوم‪ ،‬وأجببازه‬
‫قوم‪ ،‬وذلك مثل أن ينكح الولي امرأة بغير إذنها‪ ،‬فيبلغها النكاح فتجيزه‪ ،‬وممببن منعببه‬
‫مطلقا الشافعي‪ ،‬وممن أجازه مطلقا أبو حنيفة وأصحابه‪ ،‬والتفرقة بين المر الطويببل‬
‫والقصير لمالك‪ .‬وسبب الخلف هل من شرط النعقاد وجود القبببول مببن المتعاقببدين‬
‫في وقت واحد معا‪ ،‬أم ليس ذلك شرطه؟ ومثل هذا الخلف عرض في البيع‪.‬‬
‫@‪)-‬الركن الثاني‪ :‬في شروط العقد( وفيه ثلثة فصول‪ :‬الفصل الول‪ :‬في الوليبباء‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬في الشهود‪ .‬الثالث‪ :‬في الصداق‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول في الولياء‬
‫@‪-‬والنظر في الولياء في مواضع أربعببة‪ :‬الول‪ :‬فببي اشببتراط الوليببة فببي صببحة‬
‫النكاح‪ .‬الموضع الثاني‪ :‬في صفة الولي‪ .‬الثالث‪ :‬في أصببناف الوليبباء وترتيبهببم فببي‬
‫الولية‪ ،‬وما يتعلق بذلك‪ .‬الرابع‪ :‬فببي عضببل الوليبباء مببن يلببونهم‪ ،‬وحكببم الختلف‬
‫الواقع بين الولي والمولى عليه‪.‬‬
‫@‪)-‬الموضع الول( اختلف العلماء هل الولية شرط مببن شببروط صببحة النكبباح أم‬
‫ليست بشرط؟ فذهب مالك إلى أنه ل يكون نكاح إل بولي‪ ،‬وأنهببا شببرط فببي الصببحة‬
‫في رواية أشهب عنه‪ ،‬وبه قال الشافعي؛ وقال أبو حنيفة وزفر والشببعبي والزهببري‪:‬‬
‫إذا عقدت المرأة نكاحها بغير ولي وكان كفؤا جبباز؛ وفببرق داود بيببن البكببر والببثيب‬
‫فقال باشتراط الولي في البكر وعدم اشتراطه في الببثيب‪ .‬ويتخببرج علببى روايببة ابببن‬
‫القاسم عن مالك في الولية قول رابع أن اشتراطها سببنة ل فببرض‪ ،‬وذلببك أنببه روى‬
‫عنه أنه كان يرى الميراث بين الزوجين بغير ولي‪ ،‬وأنه يجوز للمرأة غيببر الشببريفة‬
‫أن تستخلف رجل من الناس على إنكاحها‪ ،‬وكان يستحب أن تقدم البثيب وليهبا ليعقبد‬
‫عليها‪ ،‬فكأنه عنده من شروط التمام ل من شروط الصحة‪ ،‬بخلف عبارة البغببداديين‬
‫من أصحاب مالك‪ ،‬أعني أنهم يقولون إنها من شروط الصحة ل مببن شببروط التمببام‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم أنه لم تأت آية ول سنة هي ظاهرة فببي اشببتراط الوليببة فببي النكبباح‬
‫فضل عن أن يكون في ذلك نص‪ ،‬بل اليات والسنن الببتي جببرت العببادة بالحتجبباج‬
‫بها عند من يشترطها هي كلها محتملة‪ ،‬وكذلك اليببات والسببنن الببتي يحتببج بهببا مببن‬
‫يشترط إسقاطها هي أيضا محتملة في ذلك‪ ،‬والحاديث مع كونها محتملة في ألفاظها‬
‫مختلف في صحتها إل حديث ابن عباس وإن كان المسقط لها ليببس عليببه دليببل‪ ،‬لن‬
‫الصل براءة الذمة‪ ،‬ونحن نورد مشهور ما احتج به الفريقان ونبببين وجببه الحتمببال‬
‫في ذلك‪ ،‬فمن أظهر ما يحتج به من الكتاب من اشترط الولية قوله تعالى }فإذا بلغببن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أجلهن فل تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن{ قالوا‪ :‬وهذا خطاب للولياء‪ ،‬ولم لببم يكببن‬
‫لهم حق في الولية لما نهوا عن العضل‪ ،‬وقوله تعالى }ول تنكحببوا المشببركين حببتى‬
‫يؤمنوا{ قبالوا‪ :‬وهببذا خطبباب للوليبباء أيضببا؛ ومببن أشببهر مببا احتببج بببه هببؤلء مببن‬
‫الحاديث ما رواه الزهري عن عروة عن عائشة قببالت‪ :‬قببال رسببول الب صببلى الب‬
‫عليه وسلم "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلث مببرات‪ ،‬وإن دخببل‬
‫بها فالمهر لها بما أصاب منها‪ ،‬فإن اشتجروا فالسلطان ولي من ل ولببي لببه" خرجببه‬
‫الترمذي وقال فيه‪ :‬حديث حسن وأما من احتج به من لم الولية من الكتبباب والسببنة‪،‬‬
‫فقوله تعالى }فل جناح عليكم فيما فعلببن فببي أنفسببهن بببالمعروف{ قببالوا‪ :‬وهببذا دليببل‬
‫على جواز تصرفها في العقد على نفسها‪ .‬وقالوا‪ :‬وقد أضاف إليهن في غيببر مببا آيببة‬
‫من الكتاب الفعل فقال }أن ينكحن أزواجهن{ وقال }حتى تنكح زوجا غيره{ ‪.‬‬
‫وأما من السنة فباحتجوا بحبديث اببن عبباس المتفبق علبى صبحته‪ ،‬وهبو قبوله عليبه‬
‫الصلة والسبلم "اليببم أحببق بنفسببها مببن وليهببا‪ ،‬والبكببر تسببتأمر فببي نفسببها وإذنهبا‬
‫صماتها" وبهذا الحديث احتج داود في الفرق عنده بين الثيب والبكر في هذا المعنى‪،‬‬
‫فهذا مشهور ما احتج به الفريقان من السماع‪ .‬فأما قوله تعالى }فإذا بلغببن أجلهببن فل‬
‫تعضلوهن{ فليس فيه أكثر من نهى قرابة المرأة وعصبتها مببن أن يمنعوهببا النكبباح‪،‬‬
‫وليس نهيهم عن العضل مما يفهم منه اشببتراط إذنهببم فببي صببحة العقببد ل حقيقببة ول‬
‫مجازا‪ ،‬أعني بوجه من وجوه أدلة الخطاب الظاهرة أو النص ببل قبد يمكبن أن يفهبم‬
‫منه ضد هذا‪ ،‬وهو أن الولياء ليس لهم سبيل على مببن يلببونهم‪ ،‬وكببذلك قببوله تعببالى‬
‫}ول تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا{ هو أن يكون خطابا لولي المر مببن المسببلمين‬
‫أو لجميع المسلمين أحرى منه أن يكون خطابا للولياء‪ ،‬وبالجملة فهو متردد بيببن أن‬
‫يكون خطابا للولياء‪ .‬أو لولي المر‪ ،‬فمن احتج بهذه الية فعليببه البيببان أنببه أظهببر‬
‫في خطاب الولياء منه فبي أولبي المبر‪ ،‬فبإن قيبل إن هبذا عبام والعبام يشبمل ذوي‬
‫المر والولياء قيل إن هذا الخطاب إنما هو خطاب بالمنع والمنع بالشببرع‪ ،‬فيسببتوي‬
‫فيه الولياء وغيرهم‪ ،‬وكون الولي مأمورا بالمنع بالشرع ل يوجب له وليببة خاصببة‬
‫في الذن أصله الجنبي‪ ،‬ولو قلنا أنه خطاب للولياء يوجب اشتراط إذنهم في صحة‬
‫النكبباح لكببان مجمل ل يصببح بببه عمببل‪ ،‬لنببه ليببس فيببه ذكببر أصببناف الوليبباء ول‬
‫صفاتهم ومراتبهم‪ ،‬والبيان ل يجوز تأخيره عن وقت الحاجة‪ ،‬ولو كان فببي هببذا كلببه‬
‫شرع معروف لنقل تواترا أو قريبا من التواتر‪ ،‬لن هذا مما تعم به البلببوى‪ ،‬ومعلببوم‬
‫أنه كان في المدينة من ل ولي له‪ ،‬ولم ينقل عنه صلى ال عليه وسببلم أنببه كببان يعقببد‬
‫أنكحتهم ول ينصب لذلك من يعقدها‪ ،‬وأيضا فإن المقصود مببن اليببة ليببس هببو حكببم‬
‫الولية وإنما المقصود منها تحريم نكاح المشببركين والمشببركات وهببذا ظبباهر‪ ،‬والب‬
‫أعلم‪ .‬وأما حديث عائشة فهو حديث مختلف في وجوب العمل به‪ ،‬والظهر أن مببا ل‬
‫يتفق على صحته أنه ليس يجب العمل به‪ .‬وأيضا فإن سلمنا صحة الحديث فليس فيببه‬
‫إل اشتراط إذن الولي لمن لها ولي‪ :‬أعني المولى عليها‪ ،‬وإن سلمنا أنه عببام فببي كببل‬
‫امرأة فليس فيه أن المرأة ل تعقد على نفسها‪ ،‬أعني أن ل تكون هي الببتي تلببى العقببد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بل الظهر منه إنه إذا أذن الولي لها جاز أن تعقببد علببى نفسببها دون أن تشببترط فببي‬
‫صحة النكاح إشهاد الولي معها‪.‬‬
‫وأما ما احتج به الفريق الخر من قوله تعالى }فل جناح عليكببم فيمببا فعلببن بأنفسببهن‬
‫من معروف{ فإن المفهوم منه النهي عببن التببثريب عليهببن فيمببا اسببتبددن بفعلببه دون‬
‫أوليائهن‪ ،‬وليس ههنا شببيء يمكببن أن تسببتبد بببه المببرأة دون الببولي إل عقببد النكبباح‪،‬‬
‫فظاهر هذه اليبة }والب أعلبم{ أن لهبا أن تعقبد النكباح وللوليباء الفسبخ إذا لبم يكبن‬
‫بالمعروف وهو الظاهر من الشببرع إل أن هببذا لببم يقببل بببه أحببد‪ ،‬وأن يحتببج ببعببض‬
‫ظاهر الية على رأيهم ول يحتج ببعضها فيه ضعف‪ .‬وأما إضافة النكاح إليهن فليس‬
‫فيه دليل على اختصاصهن بالعقد‪ ،‬لكن الصل هببو الختصبباص إل أن يقببوم الببدليل‬
‫على اختلف ذلك‪ .‬وأما حديث ابن عباس فهو لعمري ظبباهر فببي الفببرق بيببن الببثيب‬
‫والبكر‪ ،‬لنه إذا كان كل واحد منهما يستأذن ويتولى العقد عليهما الببولي فبمبباذا ليببت‬
‫شعري تكون اليم أحق بنفسها من وليها؟‬
‫وحديث الزهري هو أن يكون موافقا هذا الحديث أحرى من أن يكببون معارضببا لببه‪،‬‬
‫ويحتمل أن تكون التفرقة بينهما في السكوت والنطق فقط‪ ،‬ويكون السكوت كافيا فببي‬
‫العقد والحتجاج بقوله تعالى }فل جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف{ هببو‬
‫أظهر فببي أن المبرأة تلبي العقببد مببن الحتجبباج بقببوله }ول تنحكببوا المشبركين حببتى‬
‫يؤمنوا{ على أن الولي هو الذي يلي العقد‪ .‬وقد ضعفت الحنفية حديث عائشة‪ ،‬وذلببك‬
‫أنه حديث رواه جماعة عن ابن جريج عن الزهري‪ ،‬وحكى ابن علية عن ابن جريج‬
‫أنه سأل الزهري عنه فلم يعرفه‪ ،‬قببالوا‪ :‬والببدليل علببى ذلببك أن الزهببري لببم يشببترط‬
‫الولية ول الولية من مذهب عائشة‪ .‬وقد احتجوا أيضا بحديث ابببن عببباس أنببه قببال‬
‫"ل نكاح إل بولي وشاهدي عدل" ولكنه مختلف في رفعه‪ .‬وكذلك اختلفوا أيضببا فببي‬
‫صحة الحديث الوارد "في نكاح النبي عليه الصلة والسلم أم سلمة وأمره لبنهببا أن‬
‫ينكحها إياه"‪.‬‬
‫وأما احتجاج الفريقين من جهة المعاني فمحتمل‪ ،‬وذلك أنه يمكببن أن يقببال إن الرشببد‬
‫إذا وجد في المرأة اكتفى به في عقد النكاح كما يكتفي بببه فببي التصببرف فببي المببال‪،‬‬
‫ويشبه أن يقال إن المرأة مائلة بالطبع إلى الرجال أكثر من ميلها إلى تبذير المببوال‪،‬‬
‫فاحتاط الشرع بأن جعلها محجورة في هذا المعنى على التأبيد‪ ،‬مع أن ما يلحقها مببن‬
‫العار في إلقاء نفسها في غير موضع كفاءة إلى أوليائها‪ ،‬لكن يكفي في ذلك أن يكون‬
‫للولياء الفسخ أو الحسبة‪ ،‬والمسألة محتملة كما ترى‪ ،‬لكن الذي يغلب على الظن أنه‬
‫لو قصد الشارع اشتراط الولية لبين جنس الولياء وأصنافهم ومراتبهببم‪ ،‬فببإن تببأخر‬
‫البيان عن وقت الحاجة ل يجبوز‪ ،‬فبإذا كبان ل يجبوز عليبه‪ ،‬عليبه الصبلة والسبلم‬
‫تأخير البيان عن وقت الحاجة وكان عموم البلوى في هببذه المسببألة يقتضببي أن تنقببل‬
‫اشتراط الولية عنه صلى ال عليه وسلم تواترا أو قريبا من التواتر ثم لم ينقببل‪ ،‬فقببد‬
‫يجب أن يعتقد أحبد أمريبن‪ :‬إمبا أنبه ليسبت الوليبة شبرطا فبي صبحة النكباح وإنمبا‬
‫للولياء الحسبة في ذلك‪ ،‬وأما إن كان شرطا فليس من صحتها تمييز صببفات الببولي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأصنافهم ومراتبهم‪ ،‬ولذلك يضعف قبول مبن يبطبل عقبد البولي البعبد مبع وجبوب‬
‫القرب‪.‬‬
‫@‪)-‬الموضع الثاني( وأما النظر في الصفات الموجبببة للوليببة والسببالبة لهببا‪ ،‬فببإنهم‬
‫اتفقوا على أن من شرط الولية السلم والبلوغ والذكورة‪ ،‬وأن سوالبها أضداد هذه‪:‬‬
‫أعني الكفر والصغر والنوثة؛ واختلفوا في ثلثة‪ :‬في العبببد والفاسببق والسببفيه‪ .‬فأمببا‬
‫العبببد فببالكثر علببى منببع وليتببه‪ ،‬وجوزهببا أبببو حنيفببة‪ :‬وأمببا الرشببد فالمشببهور فببي‬
‫المذهب‪ :‬أعني عند أكثر أصحاب مالك أن ذلك ليس من شرطها‪ :‬أعني الولية‪ ،‬وبببه‬
‫قال أبو حنيفبة؛ وقبال الشبافعي‪ :‬ذلببك مببن شببرطها؛ وقببد روى عببن مالببك مثببل قبول‬
‫الشافعي‪ ،‬وبقول الشافعي قال أشهب وأبو مصعب‪ .‬وسبب الخلف تشبيه هذه الولية‬
‫بولية المال؛ فمن رأى أنه قد يوجب الرشد في هذه الولية مع عدمه في المال قببال‪:‬‬
‫ليس من شرطه أن يكون رشيدا في المببال؛ ومببن رأى أن ذلببك ممتنببع الوجببود قببال‪:‬‬
‫لبد من الرشد في المال‪ ،‬وهما قسمان كمببا تببرى‪ ،‬أعنببي أن الرشببد فببي المببال غيببر‬
‫الرشد في اختيار الكفباءة لهبا‪ .‬وأمبا العدالبة فإنمبا اختلفبوا فيهبا مبن جهبة أنهبا نظبر‬
‫للمعنى‪ :‬أعني هذه الولية‪ ،‬فل يؤمن مع عدم العدالببة أن ل يختببار لهببا الكفبباءة‪ .‬وقببد‬
‫يمكن أن يقال إن الحالة التي بها يختار الولياء لمولياتهم الكفببء غيببر حالببة العدالببة‬
‫وهي خببوف لحببوق العببار بهببم‪ ،‬وهببذه هببي موجببودة بببالطبع وتلببك العدالببة الخببرى‬
‫مكتسبة‪ ،‬ولنقص العبد يدخل الخلف في وليته كما يدخل في عدالته‪.‬‬
‫@‪)-‬الموضع الثالث( وأمبا أصبناف الوليبة عنبد القبائلين بهبا فهبي نسبب وسبلطان‬
‫ومولى أعلى وأسفل‪ ،‬ومجرد السلم عند مالبك صببفة تقتضبي الوليببة علبى الدنينببة‬
‫]هكذا في نسختنا‪ ،‬فليصحح؟؟[‪ .‬واختلفببوا فببي الوصببي؛ فقببال مالببك‪ :‬يكببون الوصببي‬
‫وليا‪ ،‬ومنع ذلك الشافعي‪ .‬وسبب اختلفهم هببل صببفة الوليببة ممببا يمكببن أن يسببتناب‬
‫فيها‪ ،‬أم ليس يمكن ذلك؟‪ .‬ولهذا السبب بعينببه اختلفببوا فببي الوكالببة فببي النكبباح‪ ،‬لكببن‬
‫الجمهور على جوازها إل أبا ثببور‪ ،‬ول فببرق بيببن الوكالببة واليصبباء‪ ،‬لن الوصببي‬
‫وكيل بعد الموت‪ ،‬والوكالة تنقطع بالموت‪ .‬واختلفوا في ترتيببب الوليبة مببن النسببب‪،‬‬
‫فعند مالك أن الولية معتبرة بالتعصيب إل البن‪ ،‬فمن كان أقرب عصبببة كببان أحببق‬
‫بالولية‪ ،‬والبناء عنده أولى وإن سفلوا ثم الباء ثببم الخببوة للب والم ثببم للب ثببم‬
‫بنو الخوة للب والم ثم للب فقط ثم الجداد للب وإن علوا‪ .‬وقال المغيببرة‪ :‬الجببد‬
‫وأبوه أولى من الخ وابنه ليس من أصل )هكذا بالصببل‪ ،‬ولعبل صبوابه‪ :‬لنببه ليببس‬
‫بأصبل‪ ،‬فليتأمبل‪ ،‬ا هبب مصبححه(‪ .‬ثبم العمومبة علبى ترتيبب الخبوة وإن سبفلوا ثبم‬
‫المولى ثم السلطان والمولى العلى عنده أحق من السفل‪ ،‬والوصي عنده أولببى مببن‬
‫ولي النسب‪ :‬أعني وصي الب واختلف أصحابه فيمن هو أولى وصي الب أو ولببي‬
‫النسب؟ فقال ابن القاسم الوصي أولى‪ ،‬مثل قببول مالببك؛ وقببال ابببن الماجشببون وابببن‬
‫عبد الحكم‪ :‬الولي أولى؛ وخالف الشافعي مالكا فببي وليببة البنببوة فلببم يجزهببا أصببل‪،‬‬
‫وفي تقديم الخوة على الجد فقال‪ :‬ل وليببة للبببن؛ وروى عببن مالببك أن الب أولببى‬
‫من البن وهو أحسن؛ وقال أيضا‪ :‬الجد أولى من الخ‪ ،‬وبه قال المغيببرة؛ والشببافعي‬
‫اعتبر التعصيب‪ ،‬أعني أن الولد ليس من عصبتها لحديث عمببر "ل تنكببح المببرأة إل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان" ولم يعتبره مالك في البببن لحببديث أم‬
‫سلمة "أن النبي صلى ال عليه وسلم أمر ابنها أن ينكحها إياه" ولنهببم اتفقببوا‪ :‬أعنببي‬
‫مالكا والشافعي على أن البن يببرث الببولء الببواجب للم‪ ،‬والببولء عنببدهم للعصبببة‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم في الجد هو اختلفهببم فيمببن هببو أقببرب هببل الجببد أو الخ؟ ويتعلببق‬
‫بببالترتيب ثلث مسببائل مشببهورة‪ :‬أحببدها‪ :‬إذا زوج البعببد مببع حضببور القببرب‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬إذا غاب القرب هل تنتقل الولية إلى البعد أو إلى السلطان؟‪ .‬والثالثببة‪ :‬إذا‬
‫غاب البن عن ابنته البكر هل تنتقل الولية أو ل تنتقل؟‪.‬‬
‫@‪)-‬فأما المسألة الولى( فاختلف فيهببا قببول مالببك‪ ،‬فمببرة قببال‪ :‬إن زوج البعببد مببع‬
‫حضور القرب فالنكاح مفسوخ‪ ،‬ومرة قببال‪ :‬النكبباح جببائز‪ ،‬ومببرة قببال‪ :‬للقببرب أن‬
‫يجيز أو يفسخ‪ ،‬وهذا الخلف كله عنده فيما عدا الب في ابنتببه البكببر والوصببي فببي‬
‫محجورته‪ ،‬فإنه ل يختلف قوله إن النكاح في هذين مفسوخ‪ ،‬أعني تزويج غيببر الب‬
‫البنت البكر مع حضور الب أو غير الوصي المحجورة مع حضور الوصببي؛ وقببال‬
‫الشببافعي‪ :‬ل يعقببد أحببد مببع حضببور الب ل فببي بكببر ول فببي ثيببب‪ .‬وسبببب هببذا‬
‫الختلف هو هل الترتيب حكم شرعي‪ :‬أعني ثابتا بالشرع في الولية‪ ،‬أم ليس بحكم‬
‫شرعي؟ وإن كان حكما فهل ذلك حبق مبن حقبوق البولي القبرب‪ ،‬أم ذلبك حبق مبن‬
‫حقوق ال؟ فمن لم ير الترتيب حكمببا شببرعيا قبال‪ :‬يجببوز نكبباح البعببد مببع حضببور‬
‫القرب؛ ومن رأى أنه حكم شرعي ورأى أنبه حبق للبولي قبال‪ :‬النكباح منعقبد‪ ،‬فبإن‬
‫أجازه الولي جاز‪ ،‬وإن لببم يجببزه انفسببخ؛ ومببن رأى أنببه حببق لب قبال‪ :‬النكبباح غيببر‬
‫منعقد‪ ،‬وقد أنكر قوم هذا المعنى فببي المببذهب أعنببى أن يكببون النكبباح منفسببخا غيببر‬
‫منعقد‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثانية( فإن مالكا يقول‪ :‬إذا غاب الولي القرب انتقلت الولية إلببى‬
‫البعد؛ وقال الشافعي‪ :‬تنتقل إلى السلطان‪ .‬وسبب اختلفهم هل الغيبة في ذلك بمنزلة‬
‫الموت أم ل؟ وذلك أنه ل خلف عندهم في انتقالها في الموت‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثالثة( وهي غيبة الب عببن ابنتببه البكببر‪ ،‬فببإن فببي المببذهب فيهببا‬
‫تفصيل واختلفا‪ ،‬وذلك راجع إلى بعد المكان وطول الغيبة أو قربه والجهببل بمكببانه‬
‫أو العلم به‪ .‬وحاجة البنت إلى النكاح إما لعدم النفقة‪ ،‬وإما لما يخاف عليهببا مببن عببدم‬
‫الصون‪ ،‬وإما للمرين جميعا؛ فاتفق المذهب على أنه إذا كانت الغيببة بعيببدة أو كببان‬
‫الب مجهول الموضع أو أسيرا وكانت في صون وتحبت نفقبة أنهبا إن لبم تبدع إلبى‬
‫التزويج ل تزوج وإن دعت فتزوج عند السببر وعنببد الجهببل بمكببانه‪ ،‬واختلفببوا هببل‬
‫تزوج مع العلم بمكببانه أم ل إذا كببان بعيببدا‪ ،‬فقيببل تببزوج وهببو قببول مالببك؛ وقيببل ل‬
‫تزوج‪ ،‬وهو قول عبد الملك وابن وهببب‪ .‬وأمببا إن عببدمت النفقببة أو كببانت فببي غيببر‬
‫صون فإنها تزوج أيضبا فبي هبذه الحبوال الثلثبة‪ :‬أعنبي فبي الغيببة البعيبدة‪ ،‬وفبي‬
‫السر‪ ،‬والجهل بمكانه؛ وكذلك إن اجتمع المران فإذا كانت فببي غيببر صببون تببزوج‬
‫وإن لم تببدع إلببى ذلببك؛ ولببم يختلفببوا فيمببا أحسببب أنهببا ل تببزوج فببي الغيبببة القريبببة‬
‫المعلومة لمكان إمكان مخاطبته‪ ،‬وليببس يبعببد بحسببب النظببر المصببلحي الببذي انبنببى‬
‫عليه هذا النظر أن يقال إن ضاق الوقت وخشي السلطان عليهببا الفسبباد زوجببت وإن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫كان الموضع قريبا؛ وإذا قلنا إنه يجوز ولية البعد مع حضور القرب؛ فإن جعلببت‬
‫امرأة أمرها إلى وليين فزوجها كل واحد منهما‪ ،‬فإنه ل يخلو أن تكون تقببدم أحببدهما‬
‫في العقد على الخر أو يكونا عقدا معا‪ ،‬ثم ل يخلو ذلببك مببن أن يعلمببم المتقببدم أو ل‬
‫يعلم‪ ،‬فأما إذا علبم المتقبدم منهمبا فبإجمعوا علبى أنهبا للول إذا لبم يبدخل بهبا واحبد‬
‫منهما‪ .‬واختلفوا إذا دخل الثاني؛ فقال قبوم هبي للول؛ وقبال قبوم هبي للثباني‪ ،‬وهبو‬
‫قول مالك وابن القاسم‪ ،‬وبالول قال الشافعي وابن عبد الحكم؛ وأما إن أنكحاهببا معببا‬
‫فل خلف في فسبخ النكباح فيمبا أعبرف‪ .‬وسببب الخلف فبي اعتببار البدخول أو ل‬
‫اعتباره معارضة العموم للقياس‪ ،‬وذلك أنه قد روى أنببه عليببه الصببلة والسببلم قببال‬
‫"أيما امرأة أنكحها وليان فهي للول منهما" فعموم هببذا الحببديث يقتضببي أنهببا للول‬
‫دخل بها الثاني أو لم يدخل؛ ومببن اعتبببر الببدخول فتشبببيها بفببوات السببلعة فببي البببيع‬
‫المكروه وهو ضعيف‪ .‬وأما إن لم يعلم الول فإن الجمهور على الفسخ؛ وقببال مالببك‪:‬‬
‫يفسخ ما لم يدخل أحدهما؛ وقال شريح‪ :‬تخير فأيهما اختارت كان هببو الببزوج‪ ،‬وهببو‬
‫شاذ‪ ،‬وقد روى عن عمر بن عبد العزيز‪.‬‬
‫@‪)-‬الموضع الرابع‪ :‬في عضل الولياء( واتفقببوا علببى أنببه ليببس للببولي أن يعضببل‬
‫وليته إذا دعت إلى كفء وبصداق مثلها وأنها ترفع أمرها إلى السلطان فيزوجها مببا‬
‫عدا الب‪ ،‬فببإنه اختلببف فيببه المببذهب‪ .‬واختلفببوا بعببد هببذا التفبباق فيمببا هببي الكفبباءة‬
‫المعتبرة في ذلك وهل صداق المثل منها أم ل؟ وكذلك اتفقوا على أن للمرأة أن تمنع‬
‫نفسها من إنكاح من له من الولياء جبرها إذا لم تكن فيها الكفاءة موجودة كالب في‬
‫ابنته البكر‪ .‬أما غير البالغ باتفاق‪ ،‬والبالغ والثيب الصغيرة ببباختلف علببى مببا تقببدم‪،‬‬
‫وكذلك الوصي في محجوره على القول بببالجبر‪ ،‬فأمببا الكفبباءة فببإنهم اتفقببوا علببى أن‬
‫الدين معتبر في ذلك إل ما روى عن محمد بن الحسن من إسقاط اعتبار الببدين‪ ،‬ولببم‬
‫يختلف المذهب أن البكر إذا زوجها الب من شارب الخمببر وبالجملببة مببن فاسببق أن‬
‫لها أن تمنع نفسها من النكاح وينظر الحاكم في ذلك فيفرق بينهما‪ ،‬وكذلك إن زوجها‬
‫ممن ماله حرام‪ ،‬أو ممن هو كثير الحلف بالطلق‪ .‬واختلفوا في النسب هببل هببو مببن‬
‫الكفاءة أم ل؟ وفي الحرية وفي اليسار وفي الصحة من العيوب‪ ،‬فالمشهور عن مالك‬
‫أنه يجوز نكاح الموالي من العرب وأنه احتج لذلك بقوله تعالى }إن أكرمكم عنببد الب‬
‫أتقاكم{ وقال سفيان الثوري وأحمببد‪ :‬ل تببزوج العربيببة مببن مببولى؛ وقببال أبببو حنفيببة‬
‫وأصحابه‪ :‬ل تزوج قرشية إى من قرشي‪ ،‬ول عربيببة إل مببن عربببي‪ .‬والسبببب فببي‬
‫اختلفهم في مفهوم قوله عليه الصلة والسلم "تنكبح المبرأة لبدينها وجمالهبا ومالهبا‬
‫وحسبها فاظفر بذات الدين تربت يمينك" فمنهم مبن رأى أن البدين هبو المعتببر فقبط‬
‫لقوله عليه الصلة والسبلم "فعليبك ببذات البدين ترببت يمينبك" ومنهبم مبن رأى أن‬
‫الحسب في ذلك هو بمعنى الدين وكذلك المال‪ ،‬وأنه ل يخرج من ذلك إل ما أخرجببه‬
‫الجماع‪ ،‬وهو كون الحسن ليس من الكفاءة‪ ،‬وكل من يقول يرد النكبباح مببن العيببوب‬
‫يجعل الصحة منها من الكفاءة‪ ،‬وعلى هذا فيكون الحسن يعتبر لجهة ما‪ ،‬ولم يختلببف‬
‫المذهب أيضا أن الفقر مما يوجب فسخ إنكاح الب ابنته البكر‪ ،‬أعني إذا كببان فقيببرا‬
‫غير قادر على النفقة عليها فالمال عنببده مببن الكفبباءة‪ ،‬ولببم يببر ذلببك أبببو حنيفببة‪ .‬أمببا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الحرية فلم يختلف المذهب أنها من الكفاءة لكون السنة الثابتة لتخيير المة إذا عتقت‪.‬‬
‫وأما مهر المثل فإن مالكا والشافعي يريان أنه ليس مببن الكفبباءة‪ ،‬وأن للب أن ينكببح‬
‫ابنته بأقل من صداق المثل‪ :‬أعني البكر وأن الثيب الرشببيدة إذا رضببيت بببه لببم يكببن‬
‫للولياء مقال؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬مهر المثل من الكفاءة‪ .‬وسبب اختلفهم أما فببي الب‬
‫فلختلفهببم هببل لببه أن يضببع مببن صببداق ابنتببه البكببر شببيئا أم ل؟ وأمببا فببي الببثيب‬
‫فلختلفهم هل ترتفع عنها الولية في مقدار الصداق إذا كانت رشيدة كما ترتفع فببي‬
‫سائر تصرفاتها المالية أم ليس ترتفع الولية عبن مقبدار الصبداق إذ كبانت ل ترتفبع‬
‫عنها في التصرف في النكاح‪ ،‬والصداق من أسبابه‪ ،‬وقد كان هببذا القببول أخلببق بمببن‬
‫يشترط الولية ممن لم يشترطها‪ ،‬لكبن أتبى المبر ببالعكس‪ .‬ويتعلبق بأحكبام الوليبة‬
‫مسألة مشهورة‪ ،‬وهي هل يجوز للبولي أن ينكبح وليتبه مبن نفسبه أم ل يجبوز ذلبك؟‬
‫فمنع ذلك الشافعي قياسا على الحاكم والشبباهد‪ ،‬أعنببي أنببه ل يحكببم لنفسببه ول يشببهد‬
‫لنفسه‪ ،‬وأجاز ذلك مالك ول أعلم له حجة في ذلك إل ما روى من "أنه عليه الصببلة‬
‫والسلم تزوج أم سلمة بغير ولي" لن ابنها كان صغيرا‪ ،‬وما ثبت "أنه عليه الصلة‬
‫والسلم أعتق صفية فجعل صداقها عتقها"‪ .‬والصل عند الشببافعي فببي أنكحببة النبببي‬
‫عليه الصبلة والسبلم أنهبا علبى الخصبوص حبتى يبدل البدليل علبى العمبوم لكبثرة‬
‫خصوصببيته فببي هببذا المعنببى صبلى الب عليببه وسببلم‪ ،‬ولكبن تببردد قببوله فببي المببام‬
‫العظم‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني في الشهادة‬
‫@‪-‬واتفق أبو حنيفة والشافعي ومالك على أن الشببهادة مببن شببرط النكبباح‪ ،‬واختلفببوا‬
‫هل هي شرط تمام يؤمر به عند الدخول أو شرط صحة يؤمر به عند العقببد‪ ،‬واتفقببوا‬
‫على أنه ل يجوز نكاح السر‪ .‬واختلفوا إذا أشببهد شبباهدين ووصببيا بالكتمبان هبل هبو‬
‫سر أو ليس سر؟ فقال مالك‪ :‬هو سر ويفسخ؛ وقال أبو حنيفة والشببافعي‪ :‬ليببس بسببر‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم هل الشهادة في ذلك حكم شرعي أم إنما المقصببود منهببا سببد ذريعببة‬
‫الختلف أو النكار؟ فمن قال حكم شرعي قال‪ :‬هي شرط من شروط الصحة؛ ومن‬
‫قال توثق قال‪ :‬من شروط التمام‪ .‬والصل في هذا ما روى عن ابن عباس "ل نكبباح‬
‫إل بشاهدي عدل وولي مرشد" ول مخالف له من الصحابة‪ ،‬وكببثير مببن النبباس رأى‬
‫هذا داخل في بباب الجمباع وهببو ضبعيف‪ ،‬وهببذا الحببديث قبد روى مرفوعببا ذكببره‬
‫الببدارقطني‪ ،‬وذكببر أن فببي سببنده مجاهيببل؛ وأبببو حنيفببة ينعقببد النكبباح عنببده بشببهادة‬
‫فاسقين‪ ،‬لن المقصود عنده بالشهادة هبو العلن فقبط؛ والشبافعي يبرى أن الشبهادة‬
‫تتضمن المعنيين‪ :‬أعنببي العلن والقببول‪ ،‬ولببذلك اشببترط فيهببا العدالببة؛ وأمبا مالبك‬
‫فليس تتضمن عنده العلن إذا وصى الشاهدان بالكتمببان‪ .‬وسبببب اختلفهببم هببل مببا‬
‫تقع فيه الشهادة ينطلق عليه اسم السر أم ل؟ والصل في اشتراط العلن قول النبي‬
‫عليه الصلة والسلم "أعلنوا هذا النكاح واضربوا عليه بالدفوف" خرجببه أبببو داود‪،‬‬
‫وقال عمر فيه‪ :‬هذا نكاح السر ولو تقدمت فيه لرجمت‪ .‬وقال أبو ثور وجماعة‪ :‬ليس‬
‫الشهود من شرط النكاح‪ ،‬ل شرط صحة ول شرط تمام‪ ،‬وفعل ذلك الحسن بن علي‪،‬‬
‫وروى عنه أنه تزوج بغير شهادة ثم أعلن بالنكاح‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫*‪*4‬الفصل الثالث في الصداق‬


‫@‪-‬والنظر في الصداق في ستة مواضع‪ :‬الول‪ :‬في حكمه وأركانه‪ .‬الموضع الثاني‬
‫فببي تقببرر جميعببه للزوجببة‪ .‬الموضببع الثببالث‪ :‬فببي تشببطيره‪ .‬الموضببع الرابببع‪ :‬فببي‬
‫التفويض وحكمه‪ .‬الموضع الخامس‪ :‬الصدقة الفاسببدة وحكمهببا‪ .‬الموضببع السببادس‪:‬‬
‫في اختلف الزوجين في الصداق‪.‬‬
‫@‪)-‬الموضع الول( وهذا فيه أربع مسائل‪ :‬الولى‪ :‬فببي حكمببه‪ ،‬الثانيببة‪ :‬فببي قببدره‪،‬‬
‫الثالثة‪ :‬في جنسه ووصفه‪ .‬الرابعة‪ :‬في تأجيله‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الولى( أما حكمه فإنهم اتفقوا على أنه شرط من شببروط الصببحة وأنببه‬
‫ل يجوز التواطؤ على تركه لقوله تعالى }وآتوا النساء صدقاتهن نحلة{ وقببوله تعببالى‬
‫}فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن{‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية( وأما قدره فإنهم اتفقوا على أنه ليببس لكببثره حببد‪ .‬واختلفببوا فببي‬
‫أقله؛ فقال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وفقهاء المدينة من التابعين‪ :‬ليببس لقلببه‬
‫حد‪ ،‬وكل ما جاز أن يكون ثمنا وقيمبة لشبيء جباز أن يكببون صبداقا‪ ،‬وببه قبال ابببن‬
‫وهببب مببن أصببحاب مالببك؛ وقببال طائفببة بوجببوب تحديببد أقلببه‪ ،‬وهببؤلء اختلفببوا‪،‬‬
‫فالمشهور في ذلك مذهبان‪ :‬أولهما مذهب مالك وأصحابه‪ ،‬والثاني مذهب أبي حنيفببة‬
‫وأصحابه؛ فأما مالك فقال‪ :‬أقله ربع دينار من الذهب أو ثلثة دراهم كيل من فضببة‪،‬‬
‫أو ما ساوى الببدراهم الثلثببة‪ ،‬أعنببي دراهببم الكيببل فقببط فببي المشببهور؛ وقيببل أو مببا‬
‫يساوي أحدهما؛ وقببال أبببو حنيفببة‪ :‬عشببرة دراهببم أقلببه؛ وقيببل خمسببة دراهببم؛ وقيببل‬
‫أربعون درهما‪ .‬وسبب اختلفهببم فببي التقببدير سببببان‪ :‬أحببدهما تببردده بيببن أن يكببون‬
‫عوضببا مببن العببواض يعتبببر فيببه التراضببي بالقليببل كببان أو بببالكثير كالحببال فببي‬
‫البيوعات‪ ،‬وبين أن يكون عبادة فيكون مؤقتا‪ ،‬وذلك أنه من جهة أنببه يملببك بببه علببى‬
‫المرأة منافعها على الدوام يشبببه العببوض‪ ،‬ومببن جهببة أنببه ل يجببوز التراضببي علببى‬
‫إسقاطه يشبه العبادة‪ .‬والسبب الثاني معارضة هذا القياس فالمقتضى التحديببد لمفهببوم‬
‫الثر الذي ل يقتضي التحديد‪ .‬أما القياس الذي يقتضي التحديد فهو كما قلنا إنه عبادة‬
‫والعبادات مؤقتة‪ .‬وأما الثر الذي يقتضي مفهومه عدم التحديد فحديث سهل بن سببعد‬
‫الساعدي المتفق على صحته‪ ،‬وفيه" أن رسول ال صلى ال عليه وسلم جاءته امببرأة‬
‫فقالت‪ :‬يا رسول ال إني قد وهبت نفسي لك‪ ،‬فقامت قياما طويل‪ ،‬فقام رجل فقال‪ :‬يببا‬
‫رسول ال زوجنيها إن لم يكن لك حاجة بها‪ ،‬فقال رسول ال صلى الب عليببه وسببلم‪:‬‬
‫هل معك من شيء تصدقها إياه؟ فقال‪ :‬ما عندي إل إزاري‪ ،‬فقببال رسببول الب صببلى‬
‫ال عليه وسلم‪ :‬إن أعطيتها إياه جلست ل إزار لك فالتمس شيئا‪ ،‬فقال‪ :‬ل أجببد شببيئا‪،‬‬
‫فقال عليه الصلة والسلم‪ :‬التمس ولو خاتما من حديد‪ ،‬فالتمس فلم يجببد شببيئا‪ ،‬فقببال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬هل معك شيء مببن القببرآن؟ قببال‪ :‬نعببم‪ ،‬سببورة كببذا‬
‫وسورة كذا ‪ -‬لسور سماها ‪ -‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬قببد أنكحتكهببا بمببا‬
‫معك من القرآن" قالوا‪ :‬فقوله عليه الصلة والسببلم "التمببس ولببو خاتمببا مببن حديببد"‬
‫دليل على أنه ل قدر لقله لنه لو كان لببه قببدر لبببينه إذ ل يجببوز تببأخير البيببان عببن‬
‫وقت الحاجة‪ ،‬وهذا الستدلل بيببن كمببا تببرى مببع أن القيبباس الببذي اعتمببده القببائلون‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بالتحديد ليس تسببلم مقببدماته‪ ،‬وذلببك أنببه انبنببى علببى مقببدمتين‪ :‬إحببداهما أن الصببداق‬
‫عبادة‪ ،‬والثانية أن العبادة مؤقتة‪ ،‬وفي كليهما نزاع للخصببم‪ ،‬وذلببك أنببه قببد يلفببى فببي‬
‫الشرع من العبادات ما ليست مؤقتة‪ ،‬بل الواجب فيها هو أقل ما ينطلق عليببه السببم‪.‬‬
‫وأيضا فإنه ليس فيه شبه العبادات خالصا‪ ،‬وإنما صار المرجحون لهذا القيبباس علببى‬
‫مفهوم الثر لحتمال أن يكون ذلك الثر خاصا بذاك الرجل لقوله فيه "قببد أنكحتكهببا‬
‫بما معك من القرآن" وهذا خلف للصول‪ ،‬وإن كان قد جاء في بعببض روايبباته أنببه‬
‫قال "قم فعلمها" لما ذكر أنه معه من القرآن‪ ،‬فقام فعلمها‪ ،‬فجبباء نكاحببا بإجبارة‪ ،‬لكببن‬
‫لما التمسوا أصل يقيسون عليه قدر الصداق لم يجدوا شيئا أقرب شبها به من نصاب‬
‫القطع على بعد ما بينهما‪.‬‬
‫وذلك أن القياس الذي استعملوه في ذلك هو أنهم قالوا‪ :‬عضو مسببتباح بمببال‪ ،‬فببوجب‬
‫أن يكون مقدرا أصله القطع‪ ،‬وضعف هذا القياس هو من قبببل السببتباحة فيهمببا هببي‬
‫مقولة باشتراك السم‪ ،‬وذلك أن القطع غير الوطء‪ ،‬وأيضا فإن القطببع اسببتباحة علببى‬
‫جهة العقوبة والذى ونقص خلقه‪ ،‬وهذا استباحة على جهة اللذة والمودة‪ ،‬ومن شببأنه‬
‫قياس الشبه على ضعفه أن يكون الذي به تشابه الفرع والصل شيئا واحدا ل ببباللفظ‬
‫بل بالمعنى‪ ،‬وأن يكون الحكم إنما وجد للصل من جهة الشبه‪ ،‬وهذا كله معببدوم فببي‬
‫هذا القياس‪ ،‬ومع هذا فإنه من الشبه الذي لم ينبه عليه اللفظ‪ ،‬وهذا النوع مببن القيبباس‬
‫مردود عند المحققين‪ ،‬لكن لم يستعملوا هذا القياس في إثبات التحديد المقابببل لمفهببوم‬
‫الحديث إذ هو في غاية الضعف‪ ،‬وإنما استعملوه في تعيين قدر التحديد‪ .‬وأما القيبباس‬
‫الذي استعملوه في معارضة مفهوم الحديث فهو أقوى من هذا‪ ،‬ويشببهد لعببدم التحديببد‬
‫ما خرجه الترمذي "أن امرأة تزوجت على نعليببن‪ ،‬فقببال لهببا رسببول الب صببلى الب‬
‫عليه وسلم‪ :‬أرضيت من نفسك ومالك بنعلين؟ فقالت‪ :‬نعم‪ ،‬فجوز نكاحهببا" وقببال هببو‬
‫حديث حسن صحيح‪ .‬ولما اتفق القائلون بالتحديببد علببى قياسببه علببى نصبباب السببرقة‬
‫اختلفوا في ذلك بحسب اختلفهم في نصاب السرقة‪ ،‬فقببال مالببك‪ :‬هببو ربببع دينببار أو‬
‫ثلثة دراهم‪ ،‬لنه النصاب في السرقة عنده‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬هو عشرة دراهم‪ ،‬لنببه‬
‫النصاب في السرقة عنده؛ وقال ابن شبرمة‪ :‬هو خمسة دراهببم‪ ،‬لنببه النصبباب عنببده‬
‫أيضا في السرقة‪.‬‬
‫وقد احتجت الحنفية لكون الصداق محددا بهذا القدر بحديث يروونببه عببن جببابر عببن‬
‫النبي عليه الصلة والسلم أنه قال"ل مهر بأقل من عشرة دراهم" ولو كان هذا ثابتا‬
‫لكان رافعا لموضع الخلف لنه كان يجببب لموضببع هببذا الحببديث أن يحمببل حببديث‬
‫سهل بن سعد على الخصوص‪ ،‬لكن حديث جابر هذا ضعيف عند أهل الحببديث فببإنه‬
‫يرويه‪ ،‬قالوا مبشر بن عبيد عن الحجاج ببن أرطبأة عببن عطبباء عببن جبابر‪ ،‬ومبشببر‬
‫والحجاج ضعيفان‪ ،‬وعطبباء أيضببا لببم يلببق جببابرا‪ ،‬ولببذلك ل يمكببن أن يقببال إن هببذا‬
‫الحديث معارض لحديث سهل بن سعد‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثالثة( أما جنسه فكل ما جبباز أن يتملببك وأن يكببون عوضببا‪ .‬واختلفببوا‬
‫من ذلك في مكانين‪ :‬في النكاح بالجارة‪ ،‬وفي جعل عتق أمتببه صببداقها‪ .‬أمببا النكبباح‬
‫على الجارة ففببي المببذهب فيببه ثلثببة أقببوال‪ :‬قببول بالجببازة‪ ،‬وقببول بببالمنع‪ ،‬وقببول‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بالكراهة‪ :‬والمشهور عن مالك الكراهة‪ ،‬ولذلك رأى فسخه قبل الدخول‪ ،‬وأجازه مببن‬
‫أصحابه أصبغ وسحنون‪ ،‬وهو قول الشافعي‪ ،‬ومنعه ابن القاسببم وأبببو حنيفببة إل فببي‬
‫العبد فإن أبا حنيفة أجازه‪ .‬وسبب اختلفهم سببان‪ :‬أحدهما هببل شببرع مببن قبلنببا لزم‬
‫لنا حتى يدل الدليل على ارتفاعه أم المر بالعكس؟ فمببن قببال هببو لزم أجببازه لقببوله‬
‫تعالى }إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثمبباني حجببج{ اليببة؛‬
‫ومن قال ليس بلزم قال‪ :‬ل يجوز النكبباح بالجببارة‪ .‬والسبببب الثبباني هببل يجببوز أن‬
‫يقاس النكاح في ذلك على الجارة؟ وذلك أن الجارة هي مسببتثناة مببن بيببوع الغببرر‬
‫المجهول‪ ،‬ولذلك خالف فيها الصم وابن علية‪ ،‬وذلك أن أصل التعامل إنما هو علببى‬
‫عين معروفة ثابتة في عيببن معروفببة ثابتببة‪ ،‬والجببارة هببي عيببن ثابتببة فببي مقابلتهببا‬
‫حركات وأفعال غير ثابتة ول مقدرة بنفسها‪ .‬ولذلك اختلف الفقهاء متى تجب الجبرة‬
‫على المستأجر؛ وأمببا كببون العتببق صببداقا فببإنه منعببه فقهبباء المصببار مببا عببدا داود‬
‫وأحمد‪ .‬وسبب اختلفهم معارضة الثر الوارد في ذلك للصول‪ ،‬أعني مبا ثببت مبن‬
‫"أنه عليه الصلة والسلم أعتق صفية وجعل عتقها صببداقها" مببع احتمببال أن يكببون‬
‫هذا خاصا به عليه الصلة والسلم لكثرة اختصاصه في هذا الببباب‪ ،‬ووجببه مفببارقته‬
‫للصول أن العتق إزالة ملك‪ ،‬والزالة ل تتضمن استباحة الشببيء بببوجه آخببر لنهببا‬
‫إذا أعتقت ملكت نفسها فكيف يلزمها النكبباح؟ ولببذلك قببال الشببافعي‪ :‬إنهببا إن كرهببت‬
‫زواجه غرمت له قيمتها‪ ،‬لنببه رأى أنهببا قببد أتلفببت عليببه قيمتهببا إذ كببان إنمببا أتلفهببا‬
‫بشرط الستمتاع بها‪ ،‬وهذا كله ل يعارض به فعله عليه الصلة والسببلم‪ ،‬ولببو كببان‬
‫غير جائز لغيره لبينه عليه الصلة والسلم‪ .‬والصل أن أفعاله لزمة لنا‪ ،‬إل ما قببام‬
‫الدليل على خصوصيته‪ .‬وأما صبفة الصبداق فبإنهم اتفقبوا علببى انعقبباد النكبباح علبى‬
‫العوض المعين الموصوف‪ ،‬أعني المنضبببط جنسببه وقببدره بالوصببف‪ .‬واختلفببوا فببي‬
‫العوض الغير موصوف ول معين‪ ،‬مثل أن يقول أنكحتكها علببى عبببد أو خببادم‪ ،‬مببن‬
‫غير أن يصف ذلك وصفا يضبط قيمته‪ ،‬فقال مالك وأبو حنيفة يجوز؛ وقال الشببافعي‬
‫ل يجوز؛ وإذا وقع النكاح على هذا الوصف عند مالك كببان لهببا الوسببط ممببا سببمى؛‬
‫وقال أبو حنيفة‪ :‬يجبر على القيمة‪ .‬وسبب اختلفهم هل يجري النكاح في ذلك مجرى‬
‫البيع مببن القصببد فببي التشباح‪ ،‬أو ليبس يبلببغ ذلبك المبلبغ بببل القصببد منببه أكببثر ذلبك‬
‫المكارمة؟ فمن قال يجري في التشبباح مجببرى البببيع قببال‪ :‬كمببا ل يجببوز البببيع علببى‬
‫شيء غير موصوف كذلك ل يجوز النكاح؛ ومن قال ليس يجري مجراه إذ المقصود‬
‫منه إنما هو المكارمة قال‪ :‬يجوز‪ .‬وأما التأجيل فببإن قومببا لببم يجيببزوه أصببل‪ ،‬وقببوم‬
‫أجببازوه واسببتحبوا أن يقببدم شببيئا منببه إذا أراد الببدخول وهببو مببذهب مالببك؛ والببذين‬
‫أجازوا التأجيل منهم من لبم يجبزه إل لزمبن محبدود وقبدر هبذا البعبد‪ ،‬وهبو مبذهب‬
‫مالك؛ ومنهم من أجازه لموت أو فراق‪ ،‬وهو مذهب الوزاعي‪ .‬وسبب اختلفهم هببل‬
‫يشبه النكاح البيع في التأجيل أو ل يشبهه؟ فمن قال يشبهه لم يجز التأجيببل لمببوت أو‬
‫فراق؛ ومن قال ل يشبهه أجاز ذلك؛ ومن منع التأجيل فلكونه عبادة‪.‬‬
‫@‪)-‬الموضع الثاني‪ :‬في النظر في التقرر( واتفق العلماء على أن الصداق يجب كله‬
‫بالدخول أو الموت‪ .‬أما وجوبه كله بالدخول فلقوله تعببالى }وإن أردتببم اسببتبدال زوج‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فل تأخذوا منه شيئا{ اليببة‪ .‬وأمببا وجببوبه بببالموت‬
‫فل أعلم الن فيه دليل مسموعا إل انعقاد الجماع على ذلك‪ .‬واختلفوا هل من شببرط‬
‫وجوبه مع الدخول المسيس أم ليس ذلك من شرطه‪ ،‬بل يجب بالدخول والخلوة‪ ،‬وهو‬
‫الذي يعنون بإرخاء الستور؟ فقال مالك والشافعي وداود‪ :‬ل يجب بإرخاء الستور إل‬
‫نصف المهر ما لم يكن المسيس؛ وقال أبو حنيفة؛ يجب المهببر بببالخلوة نفسببها إل أن‬
‫يكون محرما أو مريضا أو صائما في رمضان أو كببانت المببرأة حائضببا؛ وقببال ابببن‬
‫أبي ليلى‪ :‬يجب المهر كله بالدخول ولم يشترط في ذلببك شببيئا‪ .‬وسبببب اختلفهببم فببي‬
‫ذلك معارضة حكم الصحابة في ذلك لظاهر الكتاب‪ ،‬وذلك أنببه نببص تبببارك وتعببالى‬
‫في المدخول بها المنكوحة أنه ليس يجوز أن يؤخذ من صداقها شيء في قوله تعببالى‬
‫}وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض{ ونص في المطلقببة قبببل المسببيس أن‬
‫لها نصف الصداق‪ ،‬فقال تعالى }وإن طلقتموهن مببن قبببل أن تمسببوهن وقببد فرضببتم‬
‫لهن فريضة فنصف ما فرضتم{ وهذا نص كما ترى في حكم كببل واحببدة مببن هبباتين‬
‫الحالتين‪ :‬أعني قبببل المسببيس وبعببد المسببيس ول وسببط بينهمببا‪ ،‬فببوجب بهببذا إيجابببا‬
‫ظبباهرا أن الصببداق ل يجببب إل بالمسببيس‪ ،‬والمسببيس ههنببا الظبباهر مببن أمببره أنببه‬
‫الجماع‪ ،‬وقد يحتمل أن يحمل على أصله في اللغة وهو المس‪ ،‬ولعببل هببذا هببو الببذي‬
‫تأولت الصحابة‪ ،‬ولذلك قال مالك في العنين المؤجل إنه قد وجب لهببا الصببداق عليببه‬
‫إذا وقع الطلق لطول مقامه معها‪ ،‬فجعل له دون الجماع تأثيرا في إيجاب الصببداق‪.‬‬
‫وأما الحكام الواردة في ذلك عن الصحابة فهو أن من أغلق بابا أو أرخى سبترا فقبد‬
‫وجب عليه الصداق لم يختلف عليهم في ذلك فيما حكموا‪ .‬واختلفوا من هذا الباب في‬
‫فرع‪ ،‬وهو إذا اختلفا في المسببيس أعنببي القببائلين باشببتراط المسببيس‪ ،‬وذلببك مثببل أن‬
‫تدعي هي المسيس وينكر هو‪ ،‬فالمشهور عبن مالبك أن القبول قولهبا؛ وقيبل إن كبان‬
‫دخول بناء صّدقت‪ ،‬وإن كان دخول زيارة لم تصدق؛ وقيل إن كانت بكرا نظر إليهببا‬
‫النساء‪ ،‬فيتحصل فيها في المذهب ثلثة أقوال؛ وقال الشببافعي وأهببل الظبباهر‪ :‬القببول‬
‫قوله‪ ،‬وذلك لنه مدعى عليه؛ ومالك ليس يعتبر في وجوب اليمين على المدعى عليه‬
‫من جهة ما هو مدعى عليه‪ ،‬بل من جهة ما هو أقوى شبهة في الكثر‪ ،‬ولذلك يجعل‬
‫القول في مواضع كثيرة قول المدعي إذا كان أقوى شبهة‪ .‬وهببذا الخلف يرجببع إلببى‬
‫هل إيجاب اليمين على المدعى عليه معلل أو غير معلل‪ ،‬وكببذلك القببول فببي وجببوب‬
‫البينة على المدعي‪ ،‬وسيأتي هذا في مكانه‪.‬‬
‫@‪)-‬الموضع الثالث‪ :‬في التشطير( واتفقببوا اتفاقببا مجمل أنببه إذا طلببق قبببل الببدخول‬
‫وقد فرض صداقا أنه يرجع عليها بنصف الصداق لقوله تعالى }فنصف مبا فرضببتم{‬
‫الية‪ .‬والنظر في التشطير في أصول ثلثة‪ :‬في محله من النكحة‪ ،‬وفي مببوجبه مببن‬
‫أنواع الطلق‪ :‬أعني الواقع قبل الدخول‪ ،‬وفي حكم ما يعرض له من التغييببرات قبببل‬
‫الطلق‪ .‬أما محله من النكاح عند مالببك فهببو النكبباح الصببحيح‪ ،‬أعنببي أن يكببون يقببع‬
‫الطلق الذي قبل الدخول في النكاح الصحيح‪ .‬وأما النكاح الفاسد‪ ،‬فإن لم تكن الفرقببة‬
‫فيه فسخا وطلق قبل الفسخ ففي ذلك قولن‪ .‬وأما موجب التشطير فهببو الطلق الببذي‬
‫يكون باختيار من الزوج ل باختيببار منهببا مثببل الطلق الببذي يكببون مبن قببل قيامهبا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بعيب يوجد فيه‪ .‬واختلفوا من هذا الباب في الذي يكون سببه قيامها عليه بالصداق أو‬
‫النفقة مع عسره‪ ،‬ول فرق بينه وبين القيام بالعيب‪ .‬وأمبا الفسبوخ البتي ليسبت طلقبا‬
‫فل خلف أنها ليست توجب التشطير إذا كان فيها الفسخ مببن قبببل العقببد أو مببن قبببل‬
‫الصداق‪ ،‬وبالجملة من قبل عدم موجبات الصحة‪ ،‬وليس لها في ذلببك اختيببار أصببل‪.‬‬
‫وأما الفسوخ الطارئة على العقد الصحيح مثل الردة والرضاع فإن لببم يكببن لحببدهما‬
‫فيه اختيار أو كان لها دونه لم يوجب التشببطير وإن كببان لببه فيببه اختيببار مثببل الببردة‬
‫أوجب التشطير‪.‬‬
‫والذي يقتضيه مذهب أهببل الظبباهر أن كببل طلق قبببل البنبباء فببواجب أن يكببون فيببه‬
‫التنصيف سببواء كببان مببن سببببها أو سببببه‪ ،‬وأن مببا كببان فسببخا ولببم يكببن طلقببا فل‬
‫تنصيف فيه‪ .‬وسبب الخلف هل هذه السنة معقولببة المعنببى أم ليسببت بمعقولببة؛ فمببن‬
‫قال إنها معقولة المعنى وأنه إنما وجب لها نصف الصداق عوض ما كان لها لمكببان‬
‫الجبر على رد سلعتها وأخذ الثمن كالحال في المشببترى فلمببا فببارق النكبباح فببي هببذا‬
‫المعنى البيع جعل لها هذا عوضا من ذلك الحق قبال‪ :‬إذا كببان الطلق مببن سببببها لببم‬
‫يكن لها شيء لنها أسقطت ما كان لها مببن جبببره علببى دفببع الثمببن وقبببض السببلعة‪،‬‬
‫ومن قال إنها سنة غير معقولة واتبع ظاهر اللفظ قال‪ :‬يلزم التشببطير فببي كببل طلق‬
‫كان من سببه أو سببها‪ .‬فأما حكم ما يعرض للصداق من التغيرات قبببل الطلق فببإن‬
‫ذلك ل يخلو أن يكون من قبلها أو من ال‪ ،‬فما كان من قبل الب فل يخلبو مبن أربعببة‬
‫أوجه‪ :‬إما أن يكون تلفا للكل‪ ،‬وإما أن يكبون نقصبا‪ ،‬وإمبا أن يكبون زيبادة‪ ،‬وأمبا أن‬
‫يكون زيادة ونقصا معا‪ .‬وما كان من قبلها فل يخلو أن يكببون تصببرفها فيببه بتفببويت‬
‫مثل البيع والعتق والهبببة‪ ،‬أو يكببون تصببرفها فيببه فببي منافعهببا الخاصببة بهببا أو فيمببا‬
‫تتجهببز بببه إلببى زوجهببا؛ فعنببد مالببك أنهمببا فببي التلببف وفببي الزيببادة وفببي النقصببان‬
‫شريكان؛ وعند الشافعي أنه يرجع فببي النقصببان والتلببف عليهببا بالنصببف ول يرجببع‬
‫بنصف الزيادة وسبب اختلفهم هل تملك المرأة الصداق قبل الدخول أو الموت ملكببا‬
‫مستقرا أو ل تملكه؟ فمن قال إنها ل تملكه ملكا مستقرا قال‪ :‬هما فيه شبريكان مبا لبم‬
‫تتعد فتدخله في منافعها؛ ومن قال تملكبه ملكبا مسبتقرا والتشبطير حبق واجبب تعيبن‬
‫عليها عند الطلق وبعد استقرار الملك أوجب الرجوع عليها بجميع ما ذهب عنببدها؛‬
‫ولم يختلفوا أنها إذا صرفته في منافعها ضامنة للنصف‪ .‬واختلفوا إذا اشببترت بببه مببا‬
‫يصلحها للجهاز مما جرت به العادة هل يرجع عليهبا بنصبف مبا اشبترته أم بنصبف‬
‫الصداق الذي هو الثمن؟ فقال مالك‪ :‬يرجع عليها بنصف ما اشترته؛ وقال أبو حنيفببة‬
‫والشافعي‪ :‬يرجع عليها بنصف الثمن الذي هو الصداق‪ .‬واختلفوا من هببذا الببباب فببي‬
‫فرع مشهور متعلق بالسماع وهو هل للب أن يعفببو عبن نصبف الصببداق فببي ابنتببه‬
‫البكر؟ أعني إذا طلقت قبل الدخول وللسيد في أمته؟ فقال مالببك‪ :‬ذلببك لببه؛ وقببال أبببو‬
‫حنيفة والشافعي‪ :‬ليس ذلك له‪ .‬وسبب اختلفهم هببو الحتمببال الببذي فببي قببوله تعببالى‬
‫}إل أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح{ وذلك في لفظة "يعفو" فإنهببا تقببال فببي‬
‫كلم العرب مرة بمعنى يسقط ومرة بمعنى يهب‪ ،‬وفي قوله "الذي بيده عقدة النكاح"‬
‫على من يعود هذا الضمير هل على الببولي أو علببى الببزوج؛ فمببن قببال علببى الببزوج‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫جعل "يعفو" بمعنى يهب ومن قال على الولي جعل "يعفو" بمعنى يسببقط‪ .‬وشببذ قببوم‬
‫فقالوا‪ :‬لكل ولي أن يعفو عن نصف الصداق الواجب للمرأة‪ ،‬ويشبببه أن يكببون هببذان‬
‫الحتمالن اللذان في الية على السواء‪ ،‬لكن من جعله الزوج فلم يوجب حكمببا زائدا‬
‫في الية‪ :‬أي شرعا زائدا‪ ،‬لن جواز ذلك معلوم مببن ضببرورة الشببرع‪ .‬ومببن جعلببه‬
‫الولي‪ ،‬إما الب وإما غيره فقد زاد شرعا‪ ،‬فلذلك يجب عليه أن يأتي بببدليل يبببين بببه‬
‫أن الية أظهر في الولي منهببا فببي الببزوج وذلببك شببيء يعسببر؛ والجمهببور علببى أن‬
‫المرأة الصغيرة والمحجورة ليس لها أن تهب من صداقها النصف الواجب لها؛ وشببذ‬
‫قوم فقالوا‪ :‬يجوز أن تهب مصيرا لعموم قوله تعالى }إل أن يعفون{‬
‫واختلفوا من هذا الباب في المرأة إذا وهبت صداقها لزوجها ثم طلقت قبببل الببدخول؛‬
‫فقال مالك‪ :‬ليس يرجع إليها بشيء؛ وقببال الشببافعي‪ :‬يرجببع عليهببا بنصببف الصببداق‪.‬‬
‫وسبب الخلف هل النصف الواجب للزوج بالطلق هو في عين الصداق أو في ذمة‬
‫المرأة؟ فمن قال في عين الصداق قال‪ :‬ل يرجببع عليهببا بشببيء لنببه قبببض الصببداق‬
‫كله؛ ومن قال هو في ذمة المرأة قال‪ :‬يرجع وإن وهبته لببه كمببا لببو وهبببت لببه غيببر‬
‫ذلك من مالها‪ :‬وفرق أبو حنيفبة فبي هبذه المسبألة بيبن القببض ول قببض‪ ،‬فقبال‪ :‬إن‬
‫قبضت فله النصف وإن لم تقبض حتى وهبت فليس له شيء كأنه رأى أن الحببق فببي‬
‫العين مالم تقبض‪ ،‬فإذا قبضت صار في الذمة‪.‬‬
‫@‪)-‬الموضع الرابع‪ :‬في التفويض( وأجمعوا على أن نكاح التفويض جائز‪ ،‬وهو أن‬
‫يعقد النكاح دون صداق لقوله تعالى }ل جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لببم تمسببوهن‬
‫أو تفرضببوا لهببن فريضببة{ ‪ .‬واختلفببوا مببن ذلببك فببي موضببعين‪ :‬أحببدهما إذا طلبببت‬
‫الزوجة فببرض الصببداق واختلفببا فببي القببدر‪ .‬الموضببع الثبباني‪ :‬إذا مببات الببزوج ولببم‬
‫يفرض هل لها صداق أم ل؟‪.‬‬
‫@‪)-‬فأما المسألة الولى( وهي إذا قامت المرأة تطلب أن يفببرض لهببا مهببرا‪ ،‬فقببالت‬
‫طائفة‪ :‬يفرض لها مهر مثلها‪ ،‬وليس للزوج في ذلك خيار‪ ،‬فإن طلق بعد الحكم‪ ،‬فمن‬
‫هؤلء من قبال‪ :‬لهبا نصبف الصبداق؛ ومنهبم مبن قبال‪ :‬ليبس لهبا شبيء‪ ،‬لن أصبل‬
‫الفببرض لببم يكببن فببي عقببد النكبباح‪ ،‬وهببو قببول أبببي حنيفببة وأصببحابه؛ وقببال مالببك‬
‫وأصحابه‪ :‬الزوج بين خيارات ثلث‪ :‬إما أن يطلق ول يفرض‪ ،‬وإمببا أن يفببرض مببا‬
‫تطلبه المرأة به‪ ،‬وإما أن يفرض صداق المثل ويلزمها‪ .‬وسبب اختلفهم‪ ،‬أعنببي بيببن‬
‫من يوجب مهر المثل من غير خيببار للببزوج إذا طلببق بعببد طلبهببا الفببرض‪ ،‬ومببن ل‬
‫يببوجب اختلفهببم فببي مفهببوم قببوله تعببالى }ل جنبباح عليكببم إن طلقتببم النسبباء مببا لببم‬
‫تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة{ هل هذا محمول على العموم فببي سببقوط الصببداق‬
‫سواء كان سبب الطلق اختلفهم في فرض الصداق أو لم يكن الطلق سببه الخلف‬
‫في ذلك‪ ،‬وأيضا فهل يفهم من رفع الجناح عن ذلك سقوط المهر في كببل حببال‪ ،‬أو ل‬
‫يفهم ذلك؟ فيه احتمال وإن كان الظهر سقوطه في كل حال لقوله تعببالى }ومتعببوهن‬
‫على الموسع قدره وعلى المقتر قدره{ ول خلف أعلمه في أنببه إذا طلببق ابتببداء أنببه‬
‫ليس عليه شيء‪ ،‬وقد كان يجب على مببن أوجببب لهببا المتعببة مببع شببطر الصببداق إذا‬
‫طلق قبل الدخول في نكاح غير التفويض وأوجب لها مهر المثل في نكبباح التفببويض‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أن يوجب لهببا مببع المتعببة فيببه شببطر مهببر المثببل‪ ،‬لن اليببة لببم تتعببرض بمفهومهببا‬
‫لسقاط الصداق في نكاح التفويض‪ ،‬وإنما تعرضت لباحة الطلق قبل الفببرض فببإن‬
‫كان يوجب نكاح التفويض مهر المثل إذا طلببب فببواجب أن يتشببطر إذا وقببع الطلق‬
‫كما يتشطر في المسمى‪ ،‬ولهذا قال مالببك إنببه ليببس يلببزم فيببه مهببر المثببل مببع خيببار‬
‫الزوج‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثانية( وهي إذا مات الببزوج قبببل تسببمية الصببداق وقبببل الببدخول‬
‫بها‪ ،‬فإن مالكا وأصحابه والوزاعي قالوا‪ :‬ليس لها صببداق ولهببا المتعببة والميببراث‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة‪ :‬لها صداق المثل والميراث وبببه وقببال أحمببد وداود‪ ،‬وعببن الشببافعي‬
‫القولن جميعا‪ ،‬إل أن المنصور عند أصحابه وهو مثل قول مالك‪ .‬وسبببب اختلفهببم‬
‫معارضة القياس للثر‪ .‬أما الثر فهو ما روي عببن ابببن مسببعود أنببه سببئل عببن هببذه‬
‫المسألة فقال‪ :‬أقول فيها برأيي فإن كان صوابا فمن ال وإن كان خطأ فمني‪ :‬أرى لها‬
‫صداق امرأة من نسائها ول وكس ول شطط وعليها العدة ولها الميراث‪ ،‬فقببام معقببل‬
‫بن يسار الشجعي فقال‪ :‬أشهد لقضيت فيها بقضاء رسول ال صلى ال ب عليببه وسببلم‬
‫في بروع بنت واشق‪ ،‬خرجه أبو داود والنسببائي والترمببذي وصببححه‪ .‬وأمببا القيبباس‬
‫المعارض لهذا فهو أن الصداق عوض‪ ،‬فلما لبم يقببض المعبوض لببم يجببب العببوض‬
‫قياسا على البيع‪ .‬وقال المزني عن الشافعي في هذه المسببألة‪ :‬إن ثبببت حببديث بببروع‬
‫فل حجة في قول أحد مع السنة‪ ،‬والذي قاله هو الصواب وال أعلم‪.‬‬
‫@‪)-‬الموضع الخامس‪ :‬في الصدقة الفاسدة( والصداق يفسد إمببا لعينببه وإمببا لصببفة‬
‫فيه من جهل أو عببذر‪ ،‬فالببذي يفسببد لعينببه فمثببل الخمببر والخنزيبر ومببا ل يجبوز أن‬
‫يتملك‪ ،‬والذي يفسد من قبل العذر والجهببل فالصببل فيببه بببالبيوع‪ ،‬وفببي ذلببك خمببس‬
‫مسائل مشهورة‪:‬‬
‫@‪)-‬المسألة الولى( إذا كان الصداق خمرا أو خنزيرا أو ثمرة لببم يبببد صببلحها أو‬
‫بعيرا شاردا‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬العقد صحيح إذا وقع فيه مهر المثببل؛ وعببن مالببك فببي‬
‫ذلك روايتان‪ :‬إحداهما فساد العقد وفسخه قببل البدخول وبعبده وهبو قبول أببي عبيبد‪.‬‬
‫والثانية أنه إن دخل ثبت ولها صداق المثل‪ .‬وسبب اختلفهم هل حكم النكاح في ذلك‬
‫حكم البيع أم ليس كذلك؟ فمن قال حكمه حكم البيع قال‪ :‬يفسد النكبباح بفسبباد الصببداق‬
‫كما يفسد الببيع بفسباد الثمبن‪ ،‬ومبن قبال ليبس مبن شبرط صبحة عقبد النكباح صبحة‬
‫الصداق بدليل أن ذكر الصببداق ليببس شببرطا فببي صببحة العقببد قببال‪ :‬يمضببي النكبباح‬
‫ويصحح بصداق المثل‪ ،‬والفرق بين الدخول وعدمه ضعيف‪ ،‬والذي تقتضيه أصببول‬
‫مالك أن يفرق بين الصداق المحرم العين وبين المحرم لصفة فيه قياسببا علببى البببيع‪،‬‬
‫ولست أذكر الن فيه نصا‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية( واختلفوا إذا اقترن بالمهر بيع مثل أن تدفع إليه عبدا ويدفع ألف‬
‫درهم عن الصداق وعن ثمن العبد ول يسمى الثمن من الصداق‪ ،‬فمنعببه مالببك وابببن‬
‫القاسم‪ ،‬وبه قال أبو ثور‪ ،‬وأجازه أشهب‪ ،‬وهو قول أبي حنيفة؛ وفرق عبد الب فقببال‪:‬‬
‫إن كان الباقي بعد البيع ربع دينار فصاعدا بأمر ل يشك فيه جاز‪ .‬واختلف فيببه قببول‬
‫الشافعي‪ ،‬فمرة قال‪ :‬ذلك جبائز‪ ،‬ومبرة قبال‪ :‬فيبه مهبر المثبل‪ .‬وسببب اختلفهبم هبل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫النكاح في ذلك شبيه بالبيع أم ليس بشبيه؟ فمن شبهه في ذلك بالبيع منعه‪ ،‬ومن جببوز‬
‫في النكاح من الجهل ما ل يجوز في البيع قال يجوز‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثالثة( واختلف العلمباء فيمببن نكببح امبرأة واشببترط عليبه فببي صبداقها‬
‫حبباء يحبابي ببه الب علبى ثلثبة أقبوال‪ :‬فقبال أببو حنيفبة وأصبحابه‪ :‬الشبرط لزم‬
‫والصداق صحيح؛ وقال الشافعي‪ :‬المهر فاسببد ولهببا صببداق المثببل؛ وقببال مالببك‪ :‬إذا‬
‫كان الشرط عند النكاح فهو لبنته‪ ،‬وإن كببان بعببد النكبباح فهببو لببه‪ .‬وسبببب اختلفهببم‬
‫تشبيه النكاح في ذلك بالبيع‪ ،‬فمن شبببهه بالوكيببل يبببيع السببلعة ويشببترط لنفسببه حببباء‬
‫قال‪ :‬ل يجوز النكاح كما ل يجوز البيع؛ ومن جعل النكاح في ذلك مخالفا للبيع قببال‪:‬‬
‫يجوز‪ .‬وأما تفريق مالك فلنه اتهمه إذا كان الشبرط فببي عقببد النكبباح أن يكببون ذلبك‬
‫الذي اشترطه لنفسه نقصانا من صداق مثلها‪ ،‬ولم يتهمببه إذا كببان بعببد انعقبباد النكبباح‬
‫والتفاق على الصداق‪ ،‬وقول مالك هو قول عمببر ابببن عبببد العزيببز والثببوري وأبببي‬
‫عبيد‪ .‬وخرج أبو داود والنسائي وعبد الرزاق عن عمببرو بببن شببعيب عببن أبيببه عببن‬
‫جده قال‪ :‬قال رسول ال صلى الب عليبه وسبلم "أيمبا امبرأة نكحبت علبى حبباء قببل‬
‫عصمة النكاح فهو لها‪ ،‬وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه‪ ،‬وأحق ما ُأكببِرم‬
‫الرجل عليه ابنته وأخته" وحديث عمرو بن شعيب مختلف فيه من قبببل أنببه صببحفه‪،‬‬
‫ولكنه نص في قول مالك‪ .‬وقال أبو عمر بن عبد البر‪ :‬إذا روته الثقات وجببب العمببل‬
‫به‪.‬‬
‫@‪)-‬المسببألة الرابعببة( واختلفببوا فببي الصببداق يسببتحق أو يوجببد بببه عيببب‪ ،‬فقببال‬
‫الجمهور‪ :‬النكاح ثابت‪ .‬واختلفوا هل ترجع بالقيمة أو بالمثل أو بمهر المثل؟ واختلف‬
‫في ذلك قول الشافعي‪ ،‬فقال مرة بالقيمة‪ ،‬وقال مرة بمهر المثل؛ وكببذلك قببال اختلببف‬
‫المذهب في ذلك‪ ،‬فقيل ترجع بالقيمة‪ ،‬وقيل ترجع بالمثببل‪ .‬قببال أبببو الحسببن اللخمببي‪:‬‬
‫ولو قيل ترجع بالقل من القيمة أو صداق المثل لكان ذلك وجها‪ .‬وشذ سحنون فقببال‪:‬‬
‫النكاح فاسد‪ .‬ومبنى الخلف هل يشبه النكاح في ذلك البيع أو ل يشبببهه؟ فمببن شبببهه‬
‫قال‪ :‬ينفسخ؛ ومن لم يشبهه قال‪ :‬ل ينفسخ‪.‬‬
‫)المسألة الخامسة( واختلفوا في الرجل ينكح المرأة على أن الصداق ألف إن لببم يكببن‬
‫له زوجة‪ ،‬وإن كانت له زوجة فالصداق ألفان‪ ،‬فقال الجمهور بجوازه‪ .‬واختلفببوا فببي‬
‫الواجب في ذلك‪ ،‬فقال قببوم‪ :‬الشببرط جببائز‪ ،‬ولهببا مببن الصببداق بحسببب مببا اشببترط؛‬
‫وقالت طائفة‪ :‬لها مهر المثل‪ ،‬وهو قول الشافعي وبه قال أبببو ثببور‪ ،‬إل أنببه قببال‪ :‬إن‬
‫طلقها قبل الدخول لم يكن لها إل المتعة؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬إن كانت له امرأة فلها ألف‬
‫درهم‪ ،‬وإن لم تكن له امرأة فلها مهر مثلها ما لم يكببن أكببثر مببن اللفيببن أو أقببل مببن‬
‫اللف؛ ويتخرج في هذا قول أن النكاح مفسوخ لمكان الغرر‪ ،‬ولست أذكر الن نصا‬
‫فيها في المذهب فهذه مشهور مسائلهم في هذا الباب وفروعه كبثيرة‪ ..‬واختلفبوا فيمبا‬
‫يعتبر به مهر المثل إذا قضى به في هذه المواضع وما أشبهها‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يعتبر في‬
‫جمالها ونصابها )قوله ونصابها‪ :‬هكذا في النسخ ولعله منصبها فتأمل ا هب مصححه(‬
‫ومالها؛ وقال الشافعي‪ :‬يعتبر بنساء عصبتها فقط؛ وقال أبببو حنيفببة‪ :‬يعتبببر فببي ذلببك‬
‫نساء قرابتها من العصبة وغيرهم‪ ،‬ومبنى الخلف هل المماثلة في المنصببب فقببط أو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فببي المنصببب والمببال والجمببال‪ ،‬لقببوله عليببه الصببلة والسببلم "تنكببح المببرأة لببدينها‬
‫وجمالها وحسبها" الحديث‪.‬‬
‫@‪)-‬الموضع السادس‪ :‬في اختلف الزوجيببن فببي الصببداق( واختلفهببم ل يخلببو أن‬
‫يكون في القبض أو في القدر أو في الجنس أو في الوقت‪ :‬أعني وقت الوجببوب فإمببا‬
‫إذا اختلفا في القدر فقالت المرأة مثل بمائتين وقال الزوج بمائة‪ ،‬فإن الفقهبباء اختلفببوا‬
‫في ذلك اختلفا كثيرا‪ ،‬فقال مالك‪ :‬إنه إن كان الختلف قبل الدخول وأتى الزوج بما‬
‫يشبه والمرأة بما يشبه أنهما يتحالفببان ويتفاسببخان‪ ،‬وإن حلببف أحببدهما ونكببل الخببر‬
‫كان القول قول الحالف‪ ،‬وإن نكل جميعا كان بمنزلة ما إذا حلفا جميعا‪ ،‬ومن أتى بما‬
‫يشبه منهما كان القول قبوله‪ ،‬وإن كبان الختلف بعبد البدخول فبالقول قبول البزوج؛‬
‫وقالت طائفة‪ :‬القول قول الزوج مع يمينه‪ ،‬وببه قبال أببو ثبور واببن أببي ليلبى واببن‬
‫شبرمة وجماعة؛ وقالت طائفة‪ :‬القول قول الزوجة إلى مهر مثلها‪ ،‬وقول الزوج فيما‬
‫زاد على مهر مثلها؛ وقالت طائفة‪ :‬إذا اختلفا تحالفا ورجبع إلبى مهبر المثبل ولبم تبر‬
‫الفسخ كمالك‪ ،‬وهو مذهب الشافعي والثوري وجماعة‪ ،‬وقد قيل إنها ترد إلببى صببداق‬
‫المثل دون يمين ما لم يكن صداق المثل أكثر مما ادعت وأقل مما ادعى هو‪.‬‬
‫واختلفهم مبني على اختلفهم في مفهوم قوله عليه الصلة والسلم "البينة على مببن‬
‫ادعى واليمين على من أنكر" هبل ذلبك معلببل أو غيببر معلببل؟ فمبن قبال معلببل قبال‪:‬‬
‫يحلف أبدا أقواهما شبهة‪ ،‬فببإن اسببتويا تحالفببا وتفاسببخا‪ ،‬ومببن قببال غيببر معلببل قببال‪:‬‬
‫يحلف الزوج لنهبا تقبر لبه بالنكباح وجنبس الصبداق وتبدعي عليبه قبدرا زائدا فهبو‬
‫مدعى عليه؛ وقيل أيضا يتحالفان أبدا‪ ،‬لن كل واحد منهما مدعى عليببه‪ ،‬وذلببك عنببد‬
‫من لم يراع الشباه‪ ،‬والخلف في ذلك في المذهب ومن قبال القبول قولهببا إلببى مهبر‬
‫المثل‪ ،‬والقول قوله فيما زاد على مهر المثل رأى أنهما ل يستويان أبدا في الببدعوى‪،‬‬
‫بل يكون أحدهما ولبد أقوى شبببهة‪ ،‬وذلببك أنبه ل يخلببو دعواهببا مببن أن يكببون فيمبا‬
‫يعادل صداق مثلها فما دونه فيكون القول قولها‪ ،‬أو يكون فيما فوق ذلك فيكون القول‬
‫قوله‪ .‬وسبب اختلف مالك والشافعي في التفاسخ بعد التحالف والرجوع إلببى صببداق‬
‫المثل‪ ،‬هو هل يشبه النكبباح بببالبيع فببي ذلببك أم ليببس يشبببه؟ فمببن قببال يشبببه بببه قببال‬
‫بالتفاسخ؛ ومن قال ل يشبه‪ ،‬لن الصداق ليس من شبرط صبحة العقبد قبال‪ :‬بصبداق‬
‫المثل بعد التحالف وكذلك من زعم من أصحاب مالك أنه ل يجوز لهما بعد التحببالف‬
‫أن يتراضيا على شيء ول أن يرجع أحدهما إلى قببول الخببر ويرضببى بببه فهببو فببي‬
‫غاية الضعف؛ ومن ذهب إلى هذا فإنما يشبببه باللعببان‪ ،‬وهببو تشبببيه ضببعيف مببع أن‬
‫وجود هذا الحكم للعان مختلببف فيببه‪ .‬وأمببا إذا اختلفببا فببي القبببض فقببالت الزوجببة لببم‬
‫أقبض‪ ،‬وقال الزوج قد قبضت فقال الجمهور‪ :‬القول قببول المببرأة الشببافعي والثببوري‬
‫وأحمد وأبو ثور؛ وقال مالك‪ :‬القول قولها قبل الببدخول‪ ،‬والقببول قببوله بعببد الببدخول؛‬
‫وقال بعض أصحابه‪ :‬إنما قال ذلك مالك لن العرف بالمدينة كان عندهم أن ل يدخل‬
‫الزوج حتى يدفع الصداق‪ ،‬فإن كان بلد ليس فيه هذا العرف كببان القببول قولهببا أبببدا؛‬
‫والقول بأن القول قولها أبدا أحسن لنها مدعى عليها‪ ،‬ولكن مالك راعى قببوة الشبببهة‬
‫التي له إذا دخل بها الزوج؛ واختلف أصحاب مالك إذا طال الدخول هل يكون القول‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫قوله بيمين أو بغير يمين أحسن‪ .‬وأما إذا اختلببف فببي جنببس الصببداق فقببال هببو مثل‬
‫زوجتك على هذا العبد‪ ،‬وقالت هي زوجتك على هذا الثوب‪ ،‬فالمشهور فببي المببذهب‬
‫أنهما يتحالفان ويتفاسخان إن كان الختلف قبل البناء وإن كان بعد البناء ثبت وكان‬
‫لها صداق مثل ما لم يكن أكثر مما ادعت أو أقل مما اعترف به؛ وقال ابن القصببار‪:‬‬
‫يتحالفان قبل الدخول‪ ،‬والقببول قببول الببزوج بعببد الببدخول؛ وقببال أصبببغ‪ :‬القببول قببول‬
‫الزوج إن كان يشبه سواء أشبه قولهما أو لم يشبه‪ ،‬فإن لم يشبه قول الزوج فإن كببان‬
‫قولها مشبها كان القببول قولهبا‪ ،‬وإن لبم يكبن قولهببا مشبببها تحالفببا وكببان لهببا صببداق‬
‫المثل؛ وقول الشببافعي فببي هببذه المسببألة مثببل قببوله عنببد اختلفهببا فببي القببدر‪ :‬أعنببي‬
‫يتحالفان ويتراجعان إلى مهر المثل‪ .‬وسبب قول الفقهاء بالتفاسخ فببي البببيع سببتعرف‬
‫أصله في كتاب البيوع إن شاء ال‪ .‬وأما اختلفهم في الوقت فإنه يتصور في الكببالئ‪.‬‬
‫والذي يجيء على أصل قول مالك فيه في المشهور عنببه أن القببول فببي الجببل قببول‬
‫الغارم قياسا على البيع وفيه خلف ويتصور أيضببا مببتى يجببب هببل قبببل الببدخول أو‬
‫بعده؟ فمن شبه النكاح بالبيوع قال‪ :‬ل يجببب إل بعببد الببدخول قياسببا علببى البببيع إذ ل‬
‫يجب الثمن على المشتري إل بعد قبض السلعة ومن رأى أن الصداق عبببادة يشببترط‬
‫في الحلية قال‪ :‬يجب قبل الدخول لذلك استحب مالك أن يقدم الزوج قبل الدخول شيئا‬
‫من الصداق‪.‬‬
‫*‪)*4‬الركن الثالث‪ :‬في معرفة محل العقد(‬
‫@‪-‬وكل امرأة فإنها تحل في الشرع بوجهين‪ :‬إمببا بنكبباح‪ ،‬أو بملببك يميببن‪ .‬والموانببع‬
‫الشرعية بالجملة تنقسم أول إلى قسمين‪ :‬موانع مؤبدة‪ ،‬وموانع غير مؤبدة‪ .‬والموانببع‬
‫المؤبدة تنقسم إلى متفق عليها‪ ،‬ومختلف فيها‪ .‬فبالمتفق عليهببا ثلث‪ :‬نسببب‪ ،‬وصببهر‪،‬‬
‫ورضاع‪ .‬والمختلف فيها الزنى‪ ،‬واللعان والغير مؤبدة تنقسم إلى تسعة‪ :‬أحببدها مببانع‬
‫العدد‪ .‬والثاني‪ :‬مانع الجمع‪ .‬والثالث‪ :‬مانع الرق والرابع‪ :‬مانع الكفر والخامس‪ :‬مانع‬
‫الحرام‪ .‬والسادس‪ :‬مانع المرض‪ .‬والسابع‪ :‬مانع العدة على اختلف في عدم تأييببده‪.‬‬
‫والثامن‪ :‬مبانع التطليبق ثلثببا للمطلببق‪ .‬والتاسببع‪ :‬مبانع الزوجيبة‪ .‬فبالموانع الشبرعية‬
‫بالجملة أربعة عشر مانعا‪ ،‬ففي هذا الباب أربعة عشر فصل‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الول في مانع النسب‬
‫@‪-‬واتفقوا علبى أن النسباء اللئي يحرمبن مبن قببل النسبب السببع المبذكورات فبي‬
‫القرآن‪ :‬المهات والبنات والخوات والعمات والخالت وبنببات الخ وبنببات الخببت‪.‬‬
‫واتفقوا على أن الم ههنا‪ :‬اسم لكل أنثى لها عليببك ولدة مببن جهببة الم أو مببن جهببة‬
‫الب؛ والبنت‪ :‬اسم لكل أنببثى لببك عليهببا ولدة مببن قبببل البببن أو مببن قبببل البنببت أو‬
‫مباشرة؛ أما الخت‪ :‬فهي اسم لكببل أنببثى شبباركتك فببي أحببد أصببليك أو مجموعيهمببا‬
‫أعني الب أو الم أو كليهما؛ والعمة‪ :‬اسم لكل أنثى هي أخت لبيك أو لكل ذكببر لببه‬
‫عليك ولدة؛ وأما الخالة‪ :‬فهي اسم لخت أمببك أو أخببت كببل أنببثى لهببا عليببك ولدة؛‬
‫وبنات الخ‪ :‬اسم لكل أنببثى لخيببك عليهببا ولدة مببن قبببل أمهببا أو مببن قبببل أبيهببا أو‬
‫مباشرة؛ وبنات الخت‪ :‬اسم لكل أنثى لختك عليها ولدة مباشرة أو من قبل أمهببا أو‬
‫من قبل أبيها‪ .‬فهؤلء العيان السبببع محرمببات‪ ،‬ول خلف أعلمببه فببي هببذه الجملببة‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والصل فيها قوله تعالى )حرمت عليكم( إلى آخببر اليببة‪ .‬وأجمعببوا علببى أن النسببب‬
‫الذي يحرم الوطء بنكاح يحرم الوطء بملك اليمين‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني في المصاهرة‬
‫@‪-‬وأما المحرمببات بالمصبباهرة فببإنهن أربببع‪ :‬زوجببات الببباء‪ ،‬والصببل فيببه قببوله‬
‫تعالى }ول تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء{ الية‪ ،‬وزوجات البنبباء‪ .‬والصببل فببي‬
‫ذلك أيضا قوله تعالى }وحلئل أبنائكم الببذين مببن أصببلبكم{ وأمهببات النسبباء أيضببا‪،‬‬
‫والصل في ذلك قوله تعالى }وأمهات نسائكم{ ‪ .‬وبنات الزوجات‪ ،‬والصل فيه قوله‬
‫تعالى }وربائبكم اللتي في جحوركم من نسائكم اللتي دخلتببم بهببن{ فهببؤلء الربببع‬
‫اتفق المسلمون على تحريببم اثنيببن منهببن بنفببس العقببد‪ ،‬وهببو تحريببم زوجببات الببباء‬
‫والبناء‪ ،‬وواحدة بالدخول وهي ابنة الزوجة‪ .‬واختلفوا منهببا فببي موضببعين‪ :‬أحببدهما‬
‫هل من شرطها أن تكون فببي حجببر الببزوج والثانيببة هببل تحببرم بالمباشببرة للم للببذة‬
‫أوبالوطء؟‪ .‬وأما أم الزوجة فبإنهم اختلفببوا هببل تحببرم بببالوطء أو بالعقببد علببى البنببت‬
‫فقط؟ واختلفوا أيضا من هذا الباب في مسألة رابعة‪ ،‬وهي هل يوجب الزنببا مببن هببذا‬
‫التحريم ما يوجبه النكاح الصحيح أو النكاح بشبهة؛ فهنا أربعة مسائل‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الولى( وهي هل من شببرط تحريببم بنببت الزوجببة أن تكببون فببي حجببر‬
‫الزوج أم ليس ذلك من شرطه؟ فإن الجمهور على أن ذلك ليس مببن شببرط التحريببم؛‬
‫وقال داود ذلك من شرطه؛ ومبني الخلف هببل قببوله تعببالى }اللتببي فببي حجببوركم{‬
‫وصف له تأثير في الحرمة أو ليس له تأثير‪ ،‬وإنما خرج مخرج الموجود أكثر؟ فمن‬
‫قال خرج مخرج الموجود الكثر وليس هو شرطا في الربائب‪ ،‬إذ ل فببرق فببي ذلببك‬
‫بين التي في حجره أو التي ليست في حجره قال‪ :‬تحرم الربيبة بإطلق؛ ومببن جعلببه‬
‫شرطا غير معقول المعنى قال‪ :‬ل تحرم إل إذا كانت في حجره‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية( وأما هل تحرم البنت بمباشرة الم فقط أو بالوطء؟ فببإنهم اتفقببوا‬
‫على أن حرمتها بالوطء‪ .‬واختلفوا فيمبا دون البوطء مبن اللمبس والنظبر إلبى الفبرج‬
‫لشببهوة أو لغيببر شببهوة هببل ذلببك يحببرم أم ل؟ فقببال مالببك والثببوري وأبببو حنيفببة‬
‫والوزاعي والليث بن سعد‪ :‬إن اللمس لشهوة يحرم الم‪ ،‬وهو أحببد قببولي الشببافعي؛‬
‫وقال داود والمزني‪ :‬ل يحرمها إل الوطء وهببو أحببد قببولي الشببافعي المختببار عنببده‪،‬‬
‫والنظر عند مالك كاللمس إذا كان نظر تلذذ إلى أي عضببو كببان‪ ،‬وفيببه عنببه خلف؛‬
‫ووافقه أبو حنيفة في النظر إلى الفرج فقط؛ وحمل الثوري النظر محمبل اللمبس ولببم‬
‫يشترط اللذة؛ وخالفهم في ذلك ابن أبي ليلى والشافعي في أحد قببوليه فلببم يببوجب فببي‬
‫النظر شيئا‪ ،‬وأوجب في اللمس‪ .‬ومبنى الخلف هل المفهوم من اشتراط الدخول فببي‬
‫قوله تعالى }اللتي دخلتم بهن{ الوطء أو التلذذ بما دون الوطء؟ فإن كان التلببذذ فهببل‬
‫يدخل فيه النظر أم ل؟‬
‫@‪)-‬المسألة الثالثة( وأما الم فببذهب الجمهببور مببن كافببة فقهبباء المصببار إلببى أنهببا‬
‫تحرم بالعقد على البنت دخل بها أو لبم يبدخل‪ ،‬وذهبب قبوم إلبى أن الم ل تحبرم إل‬
‫بالدخول على البنت كالحال في البنببت‪ :‬أعنببي أنهببا ل تحببرم إل بالببدخول علببى الم‪،‬‬
‫وهو مروي عببن علببي وابببن عببباس رضببي الب عنهمببا مببن طببرق ضببعيفة‪ .‬ومبنببى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الخلف هل الشرط في قوله تعالى }اللتي دخلتم بهن{ يعود إلى أقرب مببذكور وهببم‬
‫الربائب فقط أو إلببى الربببائب والمهببات المببذكورات قبببل الربببائب فببي قببوله تعببالى‬
‫}وأمهات نسائكم وربائبكم اللتي في حجوركم من نسببائكم اللتببي دخلتببم بهببن{ فببإنه‬
‫يحتمل أن يكون قوله }اللتي دخلتم بهن{ يعود علببى المهببات والبنببات‪ ،‬ويحتمببل أن‬
‫يعود إلببى أقببرب مببذكور وهببم البنببات‪ .‬ومببن الحجببة للجمهببور مببا روى المثنببى بببن‬
‫الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي عليببه الصببلة والسببلم قببال‬
‫"أيما رجل نكح امرأة فدخل بها أو لم يدخل فل تحل له أمها"‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الرابعة( فاختلفوا في الزنا هل يوجب مببن التحريببم فببي هببؤلء مببا‬
‫يوجب الوطء في نكاح صحيح أو بشبهة؟ أعني الذي يدرأ فيه الحببد‪ ،‬فقببال الشببافعي‪:‬‬
‫الزنا بالمرأة ل يحرم نكاح أمها ول ابنتها ول نكاح أبي الزانببي لهببا ول ابنببه؛ وقببال‬
‫أبي حنيفة‪ :‬والثوري والوزاعي‪ :‬يحرم الزنا ما يحرم النكاح وأما مالك ففي المؤطببأ‬
‫عنه قول الشافعي أنه ل يحرم‪ ،‬وروى عنه ابن القاسم مثل قول أبي حنيفة أنه يحرم؛‬
‫وقال سحنون‪ :‬أصحاب مالك يخالفون ابن القاسم فيها‪ ،‬ويذهبون إلى ما فببي المؤطببأ؛‬
‫وقد روى عن الليث أن الوطء بشبهة ل يحرم وهبو شباذ‪ .‬وسببب الخلف الشبتراك‬
‫في اسم النكاح‪ :‬أعني في دللته على المعنى الشرعي واللغوي‪ ،‬فمببن راعببى الدللببة‬
‫اللغوية في قوله تعالى }ول تنكحوا ما نكح آببباؤكم{ قببال‪ :‬يحببرم الزنببا‪ ،‬ومببن راعببى‬
‫الدللة الشرعية قال‪ :‬ل يحرم الزنبا‪ ،‬ومبن علببل هببذا الحكبم بالحرمببة البتي بيببن الم‬
‫والبنت وبين الب والبن قال‪ :‬يحرم الزنا أيضا‪ ،‬ومن شببهه بالنسبب قبال‪ :‬ل يحبرم‬
‫لجماع الكثر على أن النسب ل يلحق بالزنا‪ .‬واتفقوا فيما حكى ابن المنذر علببى أن‬
‫الوطء بملك اليمين يحرم منه ما يحرم الوطء بالنكاح‪ .‬واختلفببوا فببي تببأثير المباشببرة‬
‫في ملك اليمين كما اختلفوا في النكاح‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثالث في مانع الرضاع‬
‫@‪-‬واتفقوا علببى أن الرضبباع بالجملببة يحببرم منببه مببا يحببرم مببن النسببب‪ :‬أعنببي أن‬
‫المرضعة تنزل منزلة الم‪ ،‬فتحرم على المرضع هي وكل من يحرم على البن مببن‬
‫قبل أم النسب‪ .‬واختلفوا من ذلك في مسائل كثيرة‪ ،‬والقواعد منها تسببع‪ :‬إحببداها‪ :‬فببي‬
‫مقدار المحرم من اللبن‪ .‬والثانية‪ :‬في سن الرضاع‪ .‬والثالثة‪ :‬فببي حببال المرضببع فببي‬
‫ذلك الوقت عند من يشترط للرضاع المحرم وقتبا خاصببا‪ .‬والرابعبة‪ :‬هببل يعتببر فيببه‬
‫وصوله برضاع والتقام الثدي أو ل يعتبر‪ .‬والخامسة‪ :‬هل يعتبر فيببه المخالطببة أم ل‬
‫يعتبر‪ .‬والسادسة‪ :‬هل يعتبر فيه الوصول من الحلق أو ل يعتبر والسابعة‪ :‬هببل ينببزل‬
‫صاحب اللبن‪ :‬أعني الزوج من المرضع منزلة الب‪ ،‬وهو الذي يسمونه لبببن الفحببل‬
‫أم ليببس ينببزل منببه بمنزلببة أب‪ .‬والثامنببة‪ :‬الشببهادة علببى الرضبباع‪ .‬والتاسببعة‪ :‬صببفة‬
‫المرضعة‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الولى( أما مقدار المحرم من اللببن فبإن قومببا قبالوا فيبه بعبدم التحديببد‬
‫وهو مذهب مالك وأصحابه؛ وروى عن علي وابن مسعود وهو قول ابن عمر وابببن‬
‫عباس‪ ،‬وهؤلء يحرم عندهم أي قدر كان‪ ،‬وبه قببال أبببو حنيفببة وأصببحابه والثببوري‬
‫والوزاعي؛ وقالت طائفة‪ :‬بتحديد القدر المحرم‪ ،‬وهببؤلء انقسببموا إلببى ثلث فببرق‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فقالت طائفة‪ :‬ل تحرم المصة ول المصتان وتحرم الثلث رضعات فمبا فوقهبا‪ ،‬وبببه‬
‫قال أبو عبيد وأبو ثور؛ وقالت طائفة‪ :‬المحرم خمببس رضببعات‪ ،‬وبببه قببال الشببافعي؛‬
‫وقالت طائفة‪ :‬عشر رضعات‪ .‬والسبب في اختلفهم في هذه المسألة معارضة عمببوم‬
‫الكتاب للحاديث الواردة في التحديد ومعارضة الحبباديث فببي ذلببك بعضببها بعضببا‪.‬‬
‫فأما عموم الكتاب فقوله تعالى }وأمهاتكم اللتي أرضعنكم{ اليببة‪ ،‬وهببذا يقتضببي مببا‬
‫ينطلق عليه اسم الرضاع‪ ،‬والحاديث المتعارضة في ذلك راجعبة إلبى حبديثين فبي‬
‫المعنى‪ :‬أحدهما حديث عائشة وما في معناه أنه قال عليه الصلة والسببلم "ل تحببرم‬
‫المصة ول المصتان أو الرضعة والرضعتان" خرجه مسلم من طريببق عائشببة ومببن‬
‫طريق أم الفضل ومن طريق ثالث‪ ،‬وفيه قال‪ :‬قال رسول ال صببلى الب عليببه وسببلم‬
‫"ل تحرم الملجة ول الملجتان" والحديث الثاني حديث سهلة في سالم أنه قال لها‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم "أرضعيه خمس رضعات" وحديث عائشة في هذا المعنى‬
‫أيضا قالت "كان فيما نزل من القببرآن عشببر رضببعات معلومببات ثببم نسببخن بخمببس‬
‫معلومات‪ ،‬فتوفي رسول ال صلى ال عليه وسلم وهببن ممببا يقببرأ مببن القببرآن" فمببن‬
‫رجح ظاهر القرآن على هذه الحاديث قببال‪ :‬تحببرم المصببة والمصببتان؛ ومببن جعببل‬
‫الحاديث مفسرة للية وجمع بينها وبين الية ورجح مفهوم دليل الخطبباب فببي قببوله‬
‫عليه الصلة والسلم "ل تحرم المصة ول المصتان" على مفهوم دليل الخطبباب فببي‬
‫حديث سالم قال‪ :‬الثلثة فما فوقها هي التي تحرم‪ ،‬وذلك أن دليببل الخطبباب فببي قببوله‬
‫"ل تحرم المصة ول المصتان" يقتضي أن ما فوقها يحرم‪ ،‬ودليل الخطاب فببي قببوله‬
‫"أرضعيه خمس رضعات" يقتضي أن مببا دونهببا ل يحببرم والنظببر فببي ترجيببح أحببد‬
‫دليلي الخطاب‪.‬‬
‫@‪)-‬المسببألة الثانيببة( واتفقببوا علببى أن الرضبباع يحببرم فببي الحببولين‪ .‬واختلفببوا فببي‬
‫رضباع الكببير فقبال مالبك وأببو حنيفبة والشبافعي وكافبة الفقهباء‪ :‬ل يحبرم رضباع‬
‫الكببير؛ وذهبب داود وأهبل الظباهر إلبى أنبه يحبرم‪ ،‬وهبو مبذهب عائشبة‪ ،‬ومبذهب‬
‫الجمهور هو مذهب ابن مسعود وابن عمر وأبي هريبرة واببن عبباس وسبائر أزواج‬
‫النبي عليه الصلة والسلم‪ .‬وسبب اختلفهم تعارض الثار في ذلك‪ .‬وذلببك أنببه ورد‬
‫فببي ذلببك حببديثان‪ :‬أحببدهما حببديث سبالم‪ ،‬وقببد تقببدم‪ ،‬والثبباني حببديث عائشببة خرجببه‬
‫البخاري ومسلم قالت "دخل رسول ال صلى الب عليببه وسببلم وعنببدي رجببل‪ ،‬فاشببتد‬
‫ذلك عليه ورأيت الغضب في وجهه‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول ال ب إنببه أخببي مببن الرضبباعة‪،‬‬
‫فقال عليه الصلة والسلم‪ :‬انظرن من إخببوانكن مببن الرضبباعة فببإن الرضبباعة مببن‬
‫المجاعببة" فمببن ذهببب إلببى ترجيبح هبذا الحبديث قبال‪ :‬ل يحببرم اللبببن الببذي ل يقبوم‬
‫للمرضع مقام الغذاء‪ ،‬إل أن حديث سالم نازلببة فببي عيببن‪ ،‬وكببان سببائر أزواج النبببي‬
‫صلى ال عليه وسلم يرون ذلك رخصة لسالم؛ ومن رجح حديث سالم وعلببل حببديث‬
‫عائشة بأنها لم تعمل به قال‪ :‬يحرم رضاع الكبير‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثالثببة( واختلفببوا إذا اسببتغنى المولببود بالغببذاء قبببل الحببولين وفطببم ثببم‬
‫أرضعته امرأة فقال مالك‪ :‬ل يحرم ذلك الرضاع؛ وقال أببو حنيفبة والشبافعي‪ :‬تثببت‬
‫الحرمة به‪ .‬وسبب اختلفهم اختلفهم في مفهوم قببوله عليببه الصببلة والسببلم "فإنمببا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الرضاعة من المجاعببة" فبإنه يحتمببل أن يريببد ببذلك الرضباع الببذي يكبون فببي سببن‬
‫المجاعة كيفما كان الطفل وهو سن الرضاع‪ ،‬ويحتمل أن يريببد إذا كببان الطفببل غيببر‬
‫مفطوم‪ ،‬فإن فطم في بعض الحولين لم يكبن رضباعا مبن المجاعبة‪ ،‬فبالختلف آيبل‬
‫إلى أن الرضبباع الببذي سببببه المجاعببة والفتقببار إلببى اللبببن هببل يعتبببر فيببه الفتقببار‬
‫الطبيعي للطفال وهو الفتقار الذي سببه سن الرضاع أو افتقار المرضع نفسه وهو‬
‫الذي يرتفع بالفطم ولكنه موجود بالطبع‪ ،‬والقائلون بتأثير الرضاع في مدة الرضباع‬
‫سواء من اشترط منهم الفطام )قوله الفطام‪ :‬هكذا بالنسخ‪ ،‬ولعله عبدم الفطبام لنبه لبم‬
‫يشترط أحد الفطام في التحريم‪ ،‬بل مالك اشترط عدم الفطام تأمل ا هب مصببححه(‪ .‬أو‬
‫لم يشترطه اختلفوا فببي هببذه المببدة‪ ،‬فقببال هببذه بالمببدة حببولن فقببط‪ ،‬وبببه قببال زفببر؛‬
‫واستحسن مالك التحريم في الزيادة اليسببيرة علببى العببامين‪ ،‬وفببي قببول الشببهر عنببه‪،‬‬
‫وفي قببول عنببه إلببى ثلثببة أشببهر؛ وقببال أبببو حنيفببة‪ :‬حببولن وسببتة شببهور‪ .‬وسبببب‬
‫اختلفهم ما يظن من معارضة آية الرضاع لحببديث عائشببة المتقببدم‪ ،‬وذلببك أن قببوله‬
‫تعالى }والوالببدات يرضببعن أولدهببن حببولين كبباملين{ يببوهم أن مببا زاد علببى هببذين‬
‫الحببولين ليببس هببو رضبباع مجاعببة مببن اللبببن‪ ،‬وقببوله عليببه الصببلة والسببلم "إنمببا‬
‫الرضبباعة مببن المجاعببة" يقتضببي عمببومه أن مببا دام الطفببل غببذاؤه اللبببن أن ذلببك‬
‫الرضاع يحرم‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الرابعة( وأما هل يحرم الوجور واللدود‪ ،‬وبالجملة ما يصل إلببى الحلببق‬
‫من غيببر رضبباع‪ ،‬فبإن مالكببا قببال‪ :‬يحببرم الوجببور واللببدود؛ وقببال عطبباء وداود‪ :‬ل‬
‫يحببرم‪ .‬وسبببب اختلفهببم هببل المعتبببر وصببول اللبببن كيفمببا وصببل إلببى الجببوف‪ ،‬أو‬
‫وصوله على الجهة المعتادة؟ فمن راعببى وصببوله علببى الجهببة المعتببادة وهببو الببذي‬
‫ينطلق عليه اسم الرضاع قال‪ :‬ل يحرم الوجور ول اللدود؛ ومن راعى وصول اللبن‬
‫إلى الجوف كيفما وصل قال‪ :‬يحرم‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الخامسة( وأما هبل مبن شببرط اللبببن المحبرم إذا وصبل إلببى الحلبق أن‬
‫يكون غير مخالط لغيره‪ ،‬فإنهم اختلفوا في ذلك أيضا‪ ،‬فقببال ابببن القاسببم‪ :‬إذا اسببتهلك‬
‫اللبن في ماء أو غيره ثم سقيه الطفل لم تقع الحرمة‪ ،‬وبه قال أبببو حنيفببة وأصببحابه؛‬
‫وقال الشافعي وابن حبببيب ومطببرف وابببن الماجشببون مببن أصببحاب مالببك‪ :‬تقببع بببه‬
‫الحرمة بمنزلة ما لو انفرد اللبن أو كان مختلطا لم تذهب عينه‪ .‬وسبب اختلفهم هببل‬
‫يبقى للبن حكم الحرمة إذا اختلط بغيره‪ ،‬أم ل يبقى به حكمها كالحال في النجاسببة إذا‬
‫خالطت الحلل الطاهر‪ .‬والصل المعتبر في ذلك انطلق اسم اللبن عليه كالماء هببل‬
‫يطهر إذا خالطه شيء طاهر؟‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة السادسة( وأما هل يعتبر فيه الوصول إلى الحلق أو ل يعتبر فإنه يشبببه‬
‫أن يكون هذا هو سبببب اختلفهببم فببي السببعوط بباللبن والحقنبة بببه‪ .‬ويشببه أن يكبون‬
‫اختلفهم في ذلك لموضع الشك هل يصل اللبن من هذه العضاء أو ل يصل؟‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة السابعة( وأما هل يصير الرجل الذي لببه اللبببن‪ :‬أعنببي زوج المببرأة أبببا‬
‫للمرضع حتى يحرم بينهما ومن قبلهما ما يحرم من الباء والبناء الذين مببن النسببب‬
‫وهببي الببتي يسببمونها لبببن الفحببل‪ ،‬فببإنهم اختلفببوا فببي ذلببك‪ ،‬فقببال مالببك وأبببو حنيفببة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والشافعي وأحمد والوزاعي والثوري‪ :‬لبن الفحل يحرم؛ وقالت طائفة‪ :‬ل يحرم لبببن‬
‫الفحل‪ ،‬وبالول قال علي وابن عباس‪ ،‬وبالقول الثاني قالت عائشة وابن الزبير وابببن‬
‫عمر‪ .‬وسبب اختلفهم معارضة ظاهر الكتباب لحبديث عائشبة المشبهور‪ :‬أعنبي آيبة‬
‫الرضاع‪ ،‬وحديث عائشة هو "قالت جاء أفلح أخو أبي القعيس يسببتأذن علببي بعببد أن‬
‫أنزل الحجاب فأبيت أن آذن له‪ ،‬وسألت رسول ال صلى ال ب عليببه وسببلم فقببال‪ :‬إنببه‬
‫عمك فأذني له‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول الب إنمببا أرضببعتني المببرأة ولببم يرضببعني الرجببل‪،‬‬
‫فقال‪ :‬إنه عمك فليلج عليببك" خرجببه البخبباري ومسببلم ومالببك؛ فمببن رأى أن مببا فببي‬
‫الحديث شرع زائد على ما في الكتاب‪ ،‬وهو قوله تعالى }وأمهاتكم اللتببي أرضببعنكم‬
‫وأخواتكم من الرضاعة{ وعلى قوله صلى ال عليه وسلم "يحببرم مببن الرضبباعة مببا‬
‫يحرم من الولدة" قال‪ :‬لبن الفحل محرم؛ ومن رأى أن آيببة الرضبباع وقببوله "يحببرم‬
‫من الرضاع ما يحرم من الولدة" إنما ورد على جهة التأصيل لحكم الرضبباع‪ ،‬إذ ل‬
‫يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة قال‪ :‬ذلك الحديث إن عمببل بمقتضبباه أوجببب أن‬
‫يكون ناسخا لهذه الصول‪ ،‬لن الزيادة المغيرة للحكم ناسخة‪ ،‬مع أن عائشة لببم يكببن‬
‫مذهبها التحريم بلبن الفحل‪ ،‬وهي الراوية للحبديث‪ ،‬ويصبعب رد الصبول المنتشبرة‬
‫التي يقصد بها التأصيل والبيان عند وقت الحاجة بالحبباديث النببادرة وبخاصببة الببتي‬
‫تكون في عين‪ ،‬ولذلك قال عمر رضي ال عنه في حديث فاطمة بنت قيس‪ :‬ل نترك‬
‫كتاب ال لحديث امرأة‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثامنة( وأما الشببهادة علببى الرضبباع فببإن قومببا قببالوا‪ :‬ل تقبببل فيببه إل‬
‫شهادة امرأتين‪ ،‬وقوما قالوا‪ :‬ل تقبل فيه إل شهادة أربع‪ ،‬وبه قببال الشببافعي وعطبباء؛‬
‫وقوما قالوا تقبل فيه شهادة امرأة واحدة؛ والذين قالوا تقبل فيه شببهادة امرأتيببن منهببم‬
‫من اشترط في ذلك فشو قولهما بذلك قبل الشهادة‪ .‬وهببو مببذهب مالببك وابببن القاسببم؛‬
‫ومنهم من لم يشترطه‪ ،‬وهببو قببول مطببرف وابببن الماجشببون‪ .‬والببذين أجببازوا أيضببا‬
‫شهادة امرأة واحدة منهم من لم يشببترط فشببو قولهببا قبببل الشببهادة‪ ،‬وهببو مببذهب أبببي‬
‫حنيفة؛ ومنهم من اشترط ذلك‪ ،‬وهي رواية عن مالك‪ ،‬وقببد روى عنببه أنببه ل تجببوز‬
‫فيه شهادة أقل من اثنتين‪ .‬والسبب في اختلفهم‪ ،‬أما بين الربببع والثنببتين فباختلفهم‬
‫في شهادة النساء هل عديل كل رجل هو امرأتان فيما ليس يمكببن فيببه شببهادة الرجببل‬
‫أو يكفي في ذلببك امرأتببان‪ ،‬وسبتأتي هببذه المسببألة فببي كتبباب الشببهادات إن شباء الب‬
‫تعالى‪ .‬وأما اختلفهم في قبول شهادة المرأة الواحدة فمخالفببة الثببر الببوارد فببي ذلببك‬
‫للصل المجمع عليه‪ ،‬أعني أنه ل يقبل من الرجال أقل من اثنيببن‪ ،‬وأن حببال النسبباء‬
‫في ذلك إما أن يكبون أضبعف مبن حبال الرجبال‪ ،‬وإمبا أن تكبون أحبوالهم فبي ذلبك‬
‫مساوية للرجال‪ ،‬والجماع منعقد على أنه ل يقضي بشببهادة واحببدة‪ ،‬والمببر الببوارد‬
‫في ذلك هو حديث عقبة بن الحارث قببال "يببا رسببول الب إنببي تزوجببت امببرأة فببأتت‬
‫امرأة فقالت‪ :‬قد أرضعتكما‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليببه وسببلم‪ :‬كيببف وقببد قيببل؟‬
‫دعها عنك" وحمل بعضهم هذا الحديث على الندب جمعببا بينببه وبيببن الصببول وهببو‬
‫أشبه‪ ،‬وهي رواية عن مالك‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪)-‬المسألة التاسعة( وأما صفة المرضعة فإنهم اتفقوا على أنه يحرم لبن كل امببرأة‬
‫بالغ وغير بالغ‪ ،‬واليائسة من المحيض كان لها زوج أم لم يكن‪ ،‬حامل كانت أم غيببر‬
‫حامل؛ وشذ بعضهم فأوجب حرمة للبن الرجببل‪ ،‬وهببذا غيببر موجببود فضببل عببن أن‬
‫يكون له حكم شرعي‪ ،‬وإن وجد فليس لبنا إل باشتراك السم‪ .‬واختلفوا من هذا الباب‬
‫في لبن الميتة‪ .‬وسبب الخلف هل يتناولها العموم أو ل يتناولهببا‪ ،‬ول لبببن للميتببة إن‬
‫وجد لها إل باشتراك السم‪ ،‬ويكاد أن تكون مسألة غير واقعة فل يكون لها وجود إل‬
‫في القول‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الرابع في مانع الزنا‪.‬‬
‫@‪-‬واختلفوا في زواج الزانية‪ .‬فأجاز هذا الجمهور‪ ،‬ومنعهببا قببوم‪ .‬وسبببب اختلفهببم‬
‫اختلفهم في مفهوم قوله تعبالى }والزانيبة ل ينكحهبا إل زان أو مشبرك وحبرم ذلبك‬
‫على المؤمنين{ هل خرج مخبرج البذم أو مخبرج التحريبم؟ وهببل الشببارة فبي قببوله‬
‫}وحرم ذلك على المؤمنين{ إلى الزنبا أو إلبى النكباح؟ وإنمبا صبار الجمهبور لحمبل‬
‫الية على الذم ل على التحريم لما جاء في الحببديث "أن رجل قببال للنبببي صببلى الب‬
‫عليه وسلم في زوجته إنها ل ترد يد لمببس‪ ،‬فقبال لببه النبببي عليببه الصببلة والسببلم‪:‬‬
‫طلقها‪ ،‬فقال له‪ :‬إني أحبها‪ .‬فقال له‪ :‬فأمسكها" وقال قوم أيضا‪ :‬إن الزنا يفسخ النكبباح‬
‫بناء على هذا الصل‪ .‬وبه قببال الحسببن‪ .‬وأمببا زواج الملعنببة مببن زوجهببا الملعببن‬
‫فسنذكرها في كتاب اللعان‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الخامس في مانع العدد‪.‬‬
‫@‪-‬واتفق المسلمون على جواز نكباح أربعبة مببن النسبباء معببا‪ ،‬وذلببك للحبرار مبن‬
‫الرجال‪ .‬واختلفوا في موضعين‪ :‬في العبيد‪ ،‬وفيما فوق الربع‪ .‬وأما العبيد فقال مالببك‬
‫في المشهور عنه‪ :‬يجوز أن ينكببح أربعببا‪ ،‬وبببه قببال أهببل الظبباهر‪ .‬وقببال أبببو حنيفببة‬
‫والشافعي‪ :‬ل يجوز له الجمع إل بين اثنتين فقط‪ .‬وسبب اختلفهببم هببل العبوديببة لهببا‬
‫تأثير في إسقاط هذا العدد كما لها تأثير في إسقاط نصف الحد الواجب على الحر في‬
‫الزنا‪ ،‬وكذلك في الطلق عند من رأى ذلك‪ .‬وذلك أن المسلمين اتفقوا علببى تنصببيف‬
‫حده في الزنا‪ :‬أعني أن حده نصف حد الحر‪ ،‬واختلفوا في غير ذلببك‪ .‬وأمببا مببا فببوق‬
‫الربع فإن الجمهور على أنه ل تجوز الخامسة لقوله تعالى }فببانكحوا مببا طبباب لكببم‬
‫من النساء مثنى وثلث ورباع{ ولما روي عنه عليه الصلة والسلم أنه قببال لغيلن‬
‫لما أسلم وتحته عشر نسوة "أمسك أربعا وفارق سائرهن" وقالت فرقة‪ :‬يجوز تسببع‪،‬‬
‫ويشبه أن يكون من أجاز التسع ذهب مذهب الجمع في الية المببذكورة‪ ،‬أعنببي جمببع‬
‫العداد في قوله تعالى }مثنى وثلث ورباع{ ‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل السادس في مانع الجمع‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أنه ل يجمع بين الختين بعقد نكاح لقوله تعببالى }وأن تجمعببوا بيببن‬
‫الختين{ واختلفوا في الجمع بينهما بملك اليمين‪ ،‬والفقهاء على منعه‪ ،‬وذهبببت طائفببة‬
‫إلببى إباحببة ذلببك‪ .‬وسبببب اختلفهببم معارضببة عمبوم قببوله تعببالى }وأن تجمعبوا بيبن‬
‫الختين{ لعموم الستثناء في آخببر اليببة‪ ،‬وهببو قببوله تعببالى }إل مببا ملكببت أيمببانكم{‬
‫وذلك أن هذا الستثناء يحتمل أن يعود لقرب مذكور‪ ،‬ويحتمببل أن يعببود لجميببع مببا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫تضمنته الية من التحريم إل ما وقع الجماع على أنه ل تأثير لببه فيببه‪ ،‬فيخببرج مببن‬
‫عموم قوله تعالى }وأن تجمعوا بين الخببتين{ ملببك اليميببن‪ ،‬ويحتمببل أن ل يعببود إل‬
‫إلى أقرب مذكور‪ ،‬فيبقى قوله تعالى }وأن تجمعوا بيببن الخببتين{ علببى عمببومه‪ ،‬ول‬
‫سيما إن عللنا ذلك بعلة الخوة أو بسبب موجود فيهمببا‪ .‬واختلببف الببذين قببالوا بببالمنع‬
‫في ملك اليمين إذا كانت إحداهما بنكاح والخرى بملك يمين‪ ،‬فمنعه مالك وأبو حنيفة‬
‫وأجازه الشافعي‪ ،‬وكذلك اتفقوا فيما أعلم على تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبيببن‬
‫المرأة وخالتها لثبوت ذلك عنه عليه الصلة والسلم من حديث أبي هريببرة وتببواتره‬
‫عنه عليه الصلة والسلم من أنه قبال عليببه الصببلة والسببلم "ل يجمببع بيببن المببرأة‬
‫وعمتها ول بين المرأة وخالتها" واتفقوا على أن العمة ههنا هي كل أنببثى هببي أخببت‬
‫لذكر له عليك ولدة إما بنفسه وإما بواسطة ذكر آخر‪ ،‬وأن الخالة‪ :‬هي كل أنثى هببي‬
‫أخت لكل أنثى لها عليك ولدة إما بنفسها وإما بتوسط أنثى غيرها وهن الحرات مببن‬
‫قبل الم؛ واختلفوا هل هذا من باب الخاص أريد به الخاص‪ ،‬أم هو من باب الخبباص‬
‫أريد به العام؟ والذين قالوا هو من باب الخاص أريببد بببه العببام اختلفببوا أي عببام هببو‬
‫المقصود به؟ فقال قوم وهم الكثر وعليه الجمهور من فقهبباء المصببار‪ :‬هببو خبباص‬
‫أريد به الخصوص فقط‪ ،‬وأن التحريم ل يتعدى إلى غير من نص عليببه؛ وقببال قببوم‪:‬‬
‫هو خاص والمراد به العموم‪ ،‬وهو الجمع بين كببل امرأتيببن بينهمببا رحببم محرمببة أو‬
‫غير محرمة‪ ،‬فل يجوز الجمع عند هؤلء بين ابنتي عم أو عمة‪ ،‬ول بين ابنتي خببال‬
‫أو خالة‪ ،‬ول بين المرأة وبنت عمها أو بنت عمتها‪ ،‬أو بينها وبين بنت خالتها؛ وقببال‬
‫قوم‪ :‬إنما يحرم الجمع بين كل امرأتين بينهما قرابة محرمة‪ ،‬أعنببي لببو كببان أحببدهما‬
‫ذكرا والخر أنثى لم يجز لهما أن يتناكحا؛ ومن هؤلء من اشببترط فببي هببذا المعنببى‬
‫أن يعتبر هذا من الطرفين جميعا‪ ،‬أعني إذا جعل كل واحد منهما ذكرا والخببر أنببثى‬
‫فلببم يجببز لهمببا أن يتناكحببا‪ ،‬فهببؤلء ل يحببل الجمببع بينهمببا‪ .‬وأمببا إن جعببل فببي أحببد‬
‫الطرفين ذكر يحرم التزويج ولم يحرم من الطرف الخر فإن الجمببع يجببوز كالحببال‬
‫في الجمع بين امرأة الرجل وابنته من غيرها‪ ،‬فإنه إن وضببعنا البنببت ذكببرا لببم يحببل‬
‫نكاح المرأة منه لنها زوج أبيه‪ ،‬وإن جعلنا المرأة ذكببرا حببل لهببا نكبباح ابنببة الببزوج‬
‫لنها تكببون ابنببة لجنبببي‪ ،‬وهببذا القببانون هببو الببذي اختبباره أصببحاب مالببك‪ ،‬وأولئك‬
‫يمنعون الجمع بين زوج الرجل وابنته من غيرها‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل السابع في موانع الرق‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أنه يجوز للعبد أن ينكح المة‪ ،‬وللحببرة أن تنكببح العبببد إذا رضببيت‬
‫بذلك هي وأولياؤها‪ .‬واختلفوا في نكاح الحر المة‪ ،‬فقال قوم‪ :‬يجببوز بببإطلق‪ ،‬وهببو‬
‫المشهور من مببذهب ابببن القاسببم؛ وقببال قببوم‪ :‬ل يجببوز إل بشببرطين‪ :‬عببدم الطببول‪،‬‬
‫وخوف العنت‪ ،‬وهو المشهور من مذهب مالك‪ ،‬وهبو مببذهب أبببي حنيفببة والشببافعي‪.‬‬
‫والسبب في اختلفهم معارضة دليل الخطاب في قوله تعالى }ومببن لببم يسببتطع منكببم‬
‫طول أن ينكح{ الية‪ ،‬لعموم قوله }وأنكحوا اليامى منكم والصببالحين{ اليببة‪ ،‬وذلببك‬
‫أن مفهوم دليل الخطاب في قوله تعالى }ومن لم يستطع منكم طببول{ اليببة‪ ،‬يقتضببي‬
‫أنه ل يحل نكاح المة إل بشرطين‪ :‬أحدهما عدم الطول إلببى الحببرة‪ ،‬والثبباني خببوف‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫العنت‪ ،‬وقوله تعالى }وأنكحوا اليامى منكم{ يقتضببي بعمببومه إنكبباحهن مببن حببر أو‬
‫عبد‪ ،‬واحدا كان الحر أو غير واحد‪ ،‬خائفا للعنت أو غير خائف‪ ،‬لكن دليببل الخطبباب‬
‫أقوى ههنا }وال أعلبم{ مبن العمبوم‪ ،‬لن هبذا العمبوم لبم يتعبرض فيبه إلبى صبفات‬
‫الزوج المشترطة في نكاح الماء‪ ،‬وإنما المقصببود بببه المببر بإنكبباحهن وأل يجبببرن‬
‫على النكاح‪ ،‬وهو أيضا محمول على الندب عند الجمهور مع ما في ذلك مببن إرقبباق‬
‫الرجل ولده‪ .‬واختلفوا من هذا الباب في فرعين مشببهورين‪ ،‬أعنببي الببذين لببم يجيببزوا‬
‫النكاح إل بالشرطين المنصوص عليهما‪ :‬أحدهما إذا كانت تحته حرة هل هببي طببول‬
‫أو ليست بطول؟ فقال أبو حنيفة‪ :‬هي طول؛ وقال غيره‪ :‬ليسببت بطببول؛ وعببن مالببك‬
‫في ذلك القولن‪ .‬والمسألة الثانية هل يجوز لمن وجد فيه هذان الشرطان نكبباح أكببثر‬
‫من أمه واحدة ثلث أو أربع أو ثنتان؟ فمبن قبال إذا كببانت تحتببه حبرة فليببس يخبباف‬
‫العنت لنه غير عزب قال‪ :‬إذا كانت تحته حرة لببم يجببز لببه نكبباح المببة؛ ومببن قببال‬
‫خوف العنت إنما يعتبر بإطلق سواء كان عزبا أو متأهل‪ ،‬لنه قد ل تكون الزوجببة‬
‫الولى مانعة من العنت‪ ،‬وهو ل يقدر على حرة تمنعه من العنت فلببه أن ينكببح أمببة‪،‬‬
‫لن حاله مع هذه الحرة في خوف العنت كحاله قبلها‪ ،‬وبخاصة إذا خشي العنببت مببن‬
‫المة التي يريد نكاحها‪ ،‬وهذا بعينه هو السبب في اختلفهم هل ينكح أمة ثانيببة علببى‬
‫المة الولى أو ل ينكحها؟ وذلك أن من اعتبر خوف العنت مع كببونه عزبببا إذ كببان‬
‫الخوف على العزب أكثر قال‪ :‬ل ينكح أكثر من أمة واحدة‪ ،‬ومن اعتبره مطلقا قببال‪:‬‬
‫ينكح أكثر من أمة واحدة‪ ،‬وكذلك يقول إنه ينكببح علببى الحببرة‪ ،‬واعتببباره مطلقببا فيببه‬
‫نظر؛ وإذا قلنا أن له أن يتزوج على الحرة أمة فتزوجها بغير إذنها فهببل لهببا الخيببار‬
‫في البقاء معه أو في فسخ النكاح؟ اختلف في ذلك قول مالك‪ ،‬واختلفوا إذا وجد طول‬
‫بحرة هل يفببارق المببة أم ل؟ ولببم يختلفببوا أنببه إذا ارتفببع عنببه خببوف العنببت أنببه ل‬
‫يفارقها‪ ،‬أعني أصحاب مالببك؛ واتفقببوا مببن هببذا الببباب علببى أنببه ل يجببوز أن تنكببح‬
‫المرأة من ملكته وإنها إذا ملكت زوجها انفسخ النكاح‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثامن في مانع الكفر‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أنه ل يجوز للمسلم أن ينكح الوثنية لقوله تعالى }ول تمسكوا بعصم‬
‫الكوافر{ واختلفوا في نكاحها بالملك‪ ،‬واتفقوا على أنه يجوز أن ينكح الكتابية الحببرة‪،‬‬
‫إل ما روى في ذلك عن ابن عمر‪ .‬واختلفوا في إحلل الكتابية المة بالنكاح؛ واتفقوا‬
‫على إحللها بملك اليميببن‪ .‬والسبببب فببي اختلفهببم فببي نكبباح الوثنيببات بملببك اليميببن‬
‫معارضة عموم قوله تعالى }ول تمسببكوا بعصببم الكببوافر{ وعمببوم قببوله تعببالى }ول‬
‫تنكحوا المشركات حتى يؤمن{ لعموم قببوله }والمحصببنات مببن النسبباء إل مببا ملكببت‬
‫أيمانكم{ وهن المسبيات‪ ،‬وظاهر هذا يقتضي العموم‪ ،‬سواء كانت مشركة أو كتابيببة‪،‬‬
‫والجمهور على منعها‪ ،‬وبالجواز قال طاوس ومجاهد‪ ،‬ومن الحجة لهم مببا روى مببن‬
‫نكاح المسبيات فببي غببزوة أوطبباس إذ اسببتأذنوه فببي العببزل فببأذن لهببم؛ وإنمببا صببار‬
‫الجمهور لجواز نكاح الكتابيات الحرار بالعقببد‪ ،‬لن الصببل بنبباء الخصببوص علببى‬
‫العموم‪ :‬أعني أن قوله تعالى }والمحصنات من الذين أوتببوا الكتبباب{ هببو خصببوص‪،‬‬
‫وقوله }ول تنكحوا المشركات حتى يؤمن{ هو عموم‪ ،‬فاستثنى الجمهببور الخصببوص‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫من العموم؛ ومن ذهب إلى تحريم ذلك جعل العام ناسخا للخاص‪ ،‬وهو مذهب بعض‬
‫الفقهاء؛ وإنما اختلفوا في إحلل المببة الكتابيببة بالنكبباح لمعارضببة العمببوم فببي ذلببك‬
‫القيبباس‪ ،‬وذلببك أن قياسببها علببى الحببرة يقتضببي إباحببة تزويجهببا‪ ،‬وببباقي العمببوم إذا‬
‫استثنى منه الحرة يعارض ذلك‪ ،‬لنه يوجب تحريمها على قول من يببرى أن العمببوم‬
‫إذا خصص بقي الباقي على عمومه؛ فمن خصص العموم الباقي بالقيبباس‪ ،‬أو لببم يببر‬
‫الباقي من العموم المخصوص عموما قال‪ :‬يجببوز نكبباح المببة الكتابيببة؛ ومببن رجببح‬
‫باقي العموم بعدم التخصيص على القياس قال‪ :‬ل يجبوز نكباح المبة الكتابيبة؛ وهنبا‬
‫أيضا سبب آخر لختلفهببم‪ ،‬وهببو معارضببة دليببل الخطبباب للقيبباس‪ ،‬وذلببك أن قببوله‬
‫تعالى }من فتياتكم المؤمنببات{ يببوجب أن ل يجببوز نكبباح المببة الغيببر مؤمنببة بببدليل‬
‫الخطاب وقياسها على الحرة يوجب ذلك‪ ،‬والقياس )قوله والقيبباس‪ ،‬إلببى قببوله‪ :‬وإنمببا‬
‫اتفقوا هو زائد ببعض النسخ الخطية والمصرية وفيه خفبباء‪ ،‬فليتأمببل فببي معنبباه ا هبب‬
‫مصححه(‪ .‬من كل جنس يجوز فيه النكاح بالتزويج‪ ،‬ويجوز فيه النكاح بملببك اليميببن‬
‫أصله المسلمات؛ والطائفة الثانية أنه ثببم لببم يجببز نكبباح المببة المسببلمة بالتزويببج إل‬
‫بشرط فأحرى أن ل يجوز نكاح المة الكتابية بالتزويج‪ ،‬وإنمببا اتفقببوا علببى إحللهببا‬
‫بملك اليمين لعموم قوله تعالى }إل ما ملكت أيمانكم{ ولجماعهم على أن السبي يحل‬
‫المسبية الغير المتزوجة‪ .‬وإنما اختلفوا في المتزوجببة هببل يهببدم السبببي نكاحهببا‪ ،‬وإن‬
‫هدم فمتى يهدم؟ فقال قوم‪ :‬إن سبيا معا أعني الزوج والزوجة لم يفسخ نكاحهما‪ ،‬وإن‬
‫سبى أحدهما قبل الخر انفسخ النكاح‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة؛ وقال قوم‪ :‬بل السبي يهببدم‬
‫سبيا معا أو سبى أحدهما قبل الخر وبه قال الشافعي؛ وعن مالك قولن‪ :‬أحببدهما أن‬
‫السبي ل يهدم النكاح أصل‪ .‬والثاني أنه يهدم بإطلق مثل قول الشافعي‪ .‬والسبب في‬
‫اختلفهم هل يهدم أو ل يهدم هو تردد المسترقين الذين أمنببوا مببن القتببل بيببن النسبباء‬
‫الذميين أهل العهد وبين الكافرة التي ل زوج لها أو المستأجرة من كافر‪ .‬وأما تفريق‬
‫أبي حنيفة بين أن يسبيا معا وبين أن يسبي أحدهما فلن المؤثر عنده في الحلل هو‬
‫اختلف الدار بهما ل الرق‪ ،‬والمؤثر في الحلل عند غيره هو الببرق‪ ،‬وإنمببا النظببر‬
‫هل هو الرق مع الزوجية أو مع عدم الزوجية؟ والشبببه أن ل يكببون للزوجيببة ههنببا‬
‫حرمة لن محل البرق وهببو الكفببر سببب الحلل‪ .‬وأمبا تشببيهها بالذميبة فبعيبد لن‬
‫الذمي إنما أعطى الجزية بشرط أن يقر على دينه فضل عن نكاحه‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل التاسع في مانع الحرام‪.‬‬
‫@‪-‬واختلفوا في نكاح المحِرم فقببال مالببك والشببافعي والليببث والوزاعببي وأحمببد ل‬
‫ينكح المحرم ول ُينكح‪ ،‬فإن فعل ذلك فالنكبباح باطببل‪ ،‬وهببو قببول عمببر بببن الخطبباب‬
‫وعلي وابن عمر وزيد بن ثابت‪ .‬وقببال أبببو حنيفببة‪ :‬ل بببأس بببذلك‪ .‬وسبببب اختلفهببم‬
‫تعارض النقل في هذا الباب‪ ،‬فمنها حديث ابن عباس "أن رسول ال صلى ال ب عليببه‬
‫وسببلم نكببح ميمونببة وهببو محببرم" وهببو حببديث ثببابت النقببل خرجببه أهببل الصببحيح‬
‫وعارضه أحاديث كثيرة عن ميمونة "أن رسول ال صببلى الب عليببه وسببلم تزوجهببا‬
‫وهو حلل" قال أبو عمر‪ :‬رويت عنها من طرق شتى‪ ،‬من طريق أبببي رافببع‪ ،‬ومببن‬
‫طريق سليمان بن يسار وهو مولها‪ ،‬وعن يزيد بن الصم‪ .‬وروى مالببك أيضببا مببن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫حديث عثمان بن عفان مع هذا أنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "ل ينكح‬
‫المحرم ول ُينكح ول يخطب" فمن رجح هذه الحاديث على حديث ابن عببباس قببال‪:‬‬
‫ل ينكح المحرم ول ُينكح؛ ومن رجح حديث ابببن عببباس أو جمببع بينببه وبيببن حببديث‬
‫عثمان بن عفان بأن حمل النهى الوارد في ذلببك علببى الكراهيببة قببال‪ :‬ينكببح وُينكببح‪،‬‬
‫وهذا راجع إلى تعارض الفعل والقول والوجه الجمع أو تغليب القول‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل العاشر في مانع المرض‪.‬‬
‫@‪-‬واختلفوا في نكاح المريض‪ ،‬فقال أبو حنيفة والشببافعي‪ :‬يجببوز؛ وقببال مالببك فببي‬
‫المشهور عنه‪ :‬إنه ل يجببوز‪ ،‬ويتخببرج ذلببك مببن قببوله إنببه يفببرق بينهمببا وإن صببح‪،‬‬
‫ويتخببرج مببن قببوله إنببه ل يفببرق بينهمببا أن التفريببق مسببتحب غيببر واجببب‪ .‬وسبببب‬
‫اختلفهم تردد النكاح بين البيع وبين الهبة‪ ،‬وذلك أنه ل تجوز هبببة المريببض إل مببن‬
‫الثلث ويجوز بيعه ولختلفهم أيضا سبب آخر‪ ،‬وهو هل يتهم علببى إضببرار الورثببة‬
‫بإدخال وارث زائد أو ل يتهم؟ وقياس النكاح على الهبة غيببر صببحيح‪ ،‬لنهببم اتفقببوا‬
‫على أن الهبة تجوز إذا حملها الثلث‪ ،‬ولببم يعتبببروا بالنكبباح هنببا بببالثلث‪ ،‬ورد جببواز‬
‫النكبباح بإدخببال وارث قيبباس مصببلحي ل يجببوز عنببد أكببثر الفقهبباء‪ ،‬وكببونه يببوجب‬
‫مصالح لم يعتبرها الشرع إل في جنس بعيد من الجنس الذي يبرام فيبه إثببات الحكبم‬
‫بالمصلحة‪ ،‬حتى إن قوما رأوا أن القول بهذا القول شببرع زائد وإعمببال هببذا القيبباس‬
‫يوهن ما في الشرع من التوقيف‪ ،‬وأنه ل يجوز الزيببادة فيببه كمببا ل يجببوز النقصببان‬
‫والتوقف أيضا عن اعتبار المصالح تطرق للناس أن يتسرعوا لعدم السببنن الببتي فببي‬
‫ذلك الجنس إلى الظلم‪ ،‬فلنفببوض أمثببال هببذه المصببالح إلببى العلمبباء بحكمببة الشببرائع‬
‫الفضلء الذين ل يتهمون بالحكم بها؛ وبخاصة إذا فهم من أهل ذلببك الزمببان أن فببي‬
‫الشتغال بظواهر الشرائع تطرقا إلى الظلم؛ ووجه عمل الفاضل العببالم فببي ذلببك أن‬
‫ينظر إلى شواهد الحال‪ ،‬فإن دلت الدلئل على أنه قصد بالنكاح خيرا ل يمنع النكبباح‬
‫وإن دلت على أنه قصد الضرار بببورثته منببع مببن ذلببك كمببا فببي أشببياء كببثيرة مببن‬
‫الصنائع يعرض فيها للصناع الشيء وضده مما اكتسبوا من قوة مهنتهببم إذ ل يمكببن‬
‫أن يحد في ذلببك حببد مببؤقت صببناعي‪ ،‬وهببذا كببثيرا مببا يعببرض فببي صببناعة الطببب‬
‫وغيرها من الصنائع المختلفة‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الحادي عشر في مانع العدة‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أن النكاح ل يجوز في العدة كانت عدة حيض أو عدة حمل أو عببدة‬
‫أشهر‪ .‬واختلفوا فيمن تببزوج امببرأة فببي عببدتها ودخببل بهببا‪ ،‬فقببال مالببك والوزاعببي‬
‫والليث‪ :‬يفرق بينهما ول تحل له أبببدا؛ وقببال أبببو حنيفببة والشببافعي والثببوري‪ :‬يفببرق‬
‫بينهمببا‪ ،‬وإذا انقضببت العببدة بينهمببا فل بببأس فببي تزويجببه إياهببا مببرة ثانيببة‪ .‬وسبببب‬
‫اختلفهم هل قول الصاحب حجة أم ليس بحجة؟ وذلك أن مالكا روى عن ابن شهاب‬
‫عن سعيد بن المسيب وسببليمان بببن يسببار أن عمببر ابببن الخطبباب فببرق بيببن طليحببة‬
‫السدية وبين زوجها راشدا الثقفي لما تزوجها فببي العببدة مببن زوج ثببان وقببال‪ :‬أيمببا‬
‫امرأة نكحت في عدتها فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يبدخل بهبا فبرق بينهمبا‪ ،‬ثبم‬
‫اعتدت بقية عدتها من الول‪ ،‬ثم كان الخر خاطبا من الخطاب؛ وإن كببان دخببل بهببا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فرق بينهما‪ ،‬ثم اعتدت بقية عدتها من الول‪ ،‬ثم اعتدت مببن الخببر‪ ،‬ثببم ل يجتمعببان‬
‫أبدا‪ .‬قال سعيد‪ :‬ولها مهرها بما استحل منها‪ .‬وربما عضدوا هذا القياس بقيبباس شبببه‬
‫ضعيف مختلف في أصله‪ ،‬وهو أنه أدخل في النسببب شبببهة فأشبببه الملعببن‪ .‬وروي‬
‫عن علي وابن مسعود مخالفة عمر في هذا‪ .‬والصل أنها ل تحرم إل أن يقببوم علببى‬
‫ذلك دليل من كتاب أو سنة أو إجماع من المة‪ .‬وفي بعض الروايببات أن عمببر كببان‬
‫قضى بتحريمها‪ ،‬وكون المهر في بيت المال‪ ،‬فلما بلببغ ذلببك عليببا أنكببره فرجببع عببن‬
‫ذلك عمر‪ ،‬وجعل الصداق على الزوج ولم يقض بتحريمها عليه‪ ،‬رواه الثببوري عببن‬
‫أشببعث عببن الشببعبي عببن مسببروق‪ .‬وأمببا مببن قببال بتحريمهببا بالعقببد فهببو ضببعيف‪.‬‬
‫وأجمعوا على أنه ل توطأ حامل مسبية حتى تضع‪ ،‬لتواتر الخبار بذلك عببن رسببول‬
‫ال صلى الب عليببه وسببلم‪ .‬واختلفببوا إن وطيببء هببل يعتببق عليببه الولببد أو ل يعتببق‪،‬‬
‫والجمهور على أنببه ل يعتبق‪ .‬وسببب اختلفهبم هبل مباؤه مبؤثر فببي خلقتببه أو غيبر‬
‫مؤثر؟ فإن قلنا أنه مؤثر كان له ابنا بجهة ما‪ ،‬وإن قلنا أنه ليس بمؤثر لببم يكببن ذلببك‪.‬‬
‫وروي عن النبي عليه الصلة والسلم أنه قال "كيف يسببتعبده وقببد غببذاه فببي سببمعه‬
‫وبصره"‪ .‬وأما النظر في مانع التطليق ثلثا‪ ،‬فسيأتي في كتاب الطلق‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني عشر في مانع الزوجية‪.‬‬
‫@‪-‬وأما مانع الزوجيببة فببإنهم اتفقببوا علببى أن الزوجيببة بيببن المسببلمين مانعببة وبيببن‬
‫الذميين‪ .‬واختلفوا في المسبية على ما تقدم؛ واختلفوا أيضببا فببي المببة إذا بيعببت هببل‬
‫يكون بيعها طلقا؟ فببالجمهور علببى أنببه ليببس بطلق؛ وقببال قببوم‪ :‬هببو طلق‪ ،‬وهببو‬
‫مروي عن ابن عباس وجابر وابن مسعود وأبي بن كعب‪ .‬وسبب اختلفهم معارضة‬
‫مفهوم حديث بريرة لعموم قوله تعالى }إل ما ملكببت أيمببانكم{ وذلببك أن قببوله تعببالى‬
‫}إل ما ملكت أيمانكم{ يقتضي المسبيات وغيرهن‪ ،‬وتخيير بريرة يوجب أن ل يكون‬
‫بيعها طلقا‪ ،‬لنه لو كان بيعها طلقا لما خيرها رسول ال صلى ال عليه وسلم بعببد‬
‫العتق‪ ،‬ولكان نفس شراء عائشة لها طلقا من زوجها؛ والحجة للجمهببور مببا خرجببه‬
‫ابن أبي شيبة عن أبي سعيد الخدري "أن رسول ال صلى ال عليه وسببلم بعببث يببوم‬
‫حنين سرية فأصابوا حيا من العرب يوم أوطاس فهزمببوهم وقتلببوهم وأصببابوا نسبباء‬
‫لهن أزواج‪ ،‬وكان ناس من أصببحاب رسببول الب صببلى الب عليبه وسبلم تبأثموا مببن‬
‫غشيانهن من أجل أزواجهن‪ ،‬فأنزل ال عببز وجببل }والمحصببنات مببن النسبباء إل مببا‬
‫ملكببت أيمببانكم{ وهببذه المسببألة هببي أليببق بكتبباب الطلق‪ .‬فهببذه هببي جملببة الشببياء‬
‫المصححة للنكحة في السلم‪ ،‬وهي كما قلنا راجعة إلى ثلثة أجناس‪ :‬صببفة العاقببد‬
‫والمعقود عليها‪ ،‬وصفة العقد‪ ،‬وصفة الشروط في العقد‪ .‬وأما النكحببة الببتي انعقببدت‬
‫قبل السلم ثم طرأ عليها السلم‪ ،‬فإنهم اتفقوا على أن السلم إذا كان منهمببا معببا‪:‬‬
‫أعني من الزوج والزوجة‪ ،‬وقد كان عقد النكاح على من يصح ابتداء العقد عليها في‬
‫السلم أن السلم يصحح ذلك؛ واختلفببوا فببي موضببعين‪ :‬أحببدهما إذا انعقببد النكبباح‬
‫على أكثر من أربع أو على من ل يجوز الجمع بينهما في السلم‪ .‬والموضع الثبباني‬
‫إذا أسلم أحدهما قبل الخر‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪)-‬فأما المسألة الولى( وهي إذا أسلم الكافر وعنده أكثر مببن أربببع نسببوة أو أسببلم‬
‫وعنده أختان‪ ،‬فإن مالكا قال‪ :‬يختار منهن أربعا ومن الختين واحدة أيتهما شاء‪ ،‬وبه‬
‫قال الشافعي وأحمد وداود؛ وقال أبو حنيفة والثوري وابن أبببي ليلببى‪ :‬يختببار الوائل‬
‫منهن في العقد‪ ،‬فإن تزوجهن في عقد واحد فرق بينه وبينهن؛ وقببال ابببن الماجشببون‬
‫من أصحاب مالك‪ :‬إذا أسلم وعنده أختان فارقهما جميعا ثم استأنف نكاح أيتهما شاء‪،‬‬
‫ولم يقل بذلك أحد من أصحاب مالك غيره‪ .‬وسبب اختلفهم معارضة القياس للثببر‪،‬‬
‫وذلك أنه ورد في ذلك أثران‪ :‬أحدهما مرسل مالك "أن غيلن بن سلمة الثقفي أسببلم‬
‫وعنده عشر نسوة أسلمن معه‪ ،‬فأمره رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يختار منهن‬
‫أربعا" والحديث الثاني حبديث قيببس ببن الحبارث أنبه أسببلم علببى الخبتين‪ ،‬فقبال لببه‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم "إختر أيتهما شئت"‪ .‬وأما القياس المخالف لهذا الثر‬
‫فتشبيه العقد على الواخر قبل السلم بالعقد عليهن بعد السببلم‪ :‬أعنببي أنببه كمببا أن‬
‫العقد عليهن فاسد في السلم كذلك قبل السلم وفيه ضعف‪ .‬وأمببا إذا أسببلم أحببدهما‬
‫قبل الخر‪ ،‬وهي المسألة الثانية ثم أسلم الخر‪ ،‬فببإنهم اختلفببوا فببي ذلببك‪ ،‬فقببال مالببك‬
‫وأبو حنيفة والشافعي‪ :‬إنه إذا أسلمت المرأة قبله فإنه إن أسلم في عدتها كان أحق بها‬
‫وإن أسلم هو وهي كتابية فنكاحها ثابت لما ورد في ذلك من حديث صفوان بن أمية‪،‬‬
‫وذلك "أن زوجه عاتكة ابنة الوليد بن المغيرة أسلمت قبله‪ ،‬ثم أسلم هو فأقره رسببول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم على نكاحه" قبالوا‪ :‬وكبان بيبن إسبلم صبفوان وبيبن إسبلم‬
‫امرأته نحو من شهر‪ .‬قال ابن شهاب‪ :‬ولم يبلغنا أن امببرأة هبباجرت إلببى رسببول الب‬
‫صلى ال عليه وسلم وزوجها كافر مقيم بببدار الكفببر إل فرقببت هجرتهببا بينهببا وبيببن‬
‫زوجها إل أن يقدم زوجها مهاجرا قبل أن تنقضي عدتها‪ .‬وأمببا إذا أسببلم البزوج قبببل‬
‫إسلم المرأة فإنهم اختلفوا في ذلك‪ ،‬فقببال مالبك‪ :‬إذا أسببلم البزوج قبببل المببرأة وقعبت‬
‫الفرقة إذا عرض عليها السلم فأبت؛ وقال الشافعي‪ :‬سواء أسلم الرجل قبببل المببرأة‬
‫أو المرأة قبل الرجل إذا وقع السلم المتأخر في العدة ثبت النكاح‪ .‬وسبببب اختلفهببم‬
‫معارضة العموم للثبر والقيباس‪ ،‬وذلبك أن عمبوم قبوله تعبالى }ول تمسبكوا بعصبم‬
‫الكوافر{ يقتضي المفارقة على الفور‪ .‬وأما الثر المعارض لمقتضى هذا العموم فمببا‬
‫روي من أن أبا سفيان بن حرب أسلم قبل هند بنت عتبة امرأته‪ ،‬وكبان إسبلمه بمبر‬
‫الظهران‪ ،‬ثم رجع إلى مكة وهنببد بهببا كببافرة‪ ،‬فأخببذت بلحيتببه وقببالت‪ :‬اقتلببوا الشببيخ‬
‫الضال‪ ،‬ثم أسلمت بعده بأيام فاستقرا علببى نكاحهمببا‪ .‬وأمببا القيبباس المعببارض للثببر‬
‫فلنه يظهر أنه ل فرق بين أن تسلم هي قبله أو هو قبلها‪ ،‬فإن كانت العدة معتبرة في‬
‫إسلمها قبل فقد يجب أن تعتبر في إسلمه أيضا قبل‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثالث في موجبات الخيار في النكاح‪.‬‬
‫@‪-‬وموجبببات الخيببار أربعببة‪ :‬العيببوب‪ ،‬والعسببار بالصببداق أو بالنفقببة والكسببوة‪،‬‬
‫والثالث‪ :‬الفقد‪ :‬أعني فقد الزوج‪ .‬والرابع‪ :‬العتق للمة المزوجة فينعقد في هذا الببباب‬
‫أربعة فصول‪:‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول في خيار العيوب‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬اختلف العلماء في موجب الخيار بالعيوب لكببل واحببد مببن الزوجيببن‪ ،‬وذلببك فببي‬
‫موضعين‪ :‬أحدهما هل يرد بالعيوب أو ل يببرد؟‪ .‬والمرضببع الثبباني إذا قلنببا إنببه يببرد‬
‫فمن أيها يرد‪ ،‬وما حكم ذلك؟‪ .‬فأما الموضع الول فإن مالكببا والشببافعي وأصببحابهما‬
‫قالوا‪ :‬العيوب توجب الخيار في الرد أو المساك‪ :‬وقال أهل الظاهر‪ :‬ل توجب خيار‬
‫الرد والمساك‪ ،‬وهو قول عمر بن عبد العزيز‪ :‬وسبب اختلفهم شيئان‪ :‬أحدهما هببل‬
‫قول الصاحب حجة‪ ،‬والخر قياس النكاح في ذلك علببى البببيع؟ فأمببا قببول الصبباحب‬
‫الوارد في ذلك فهو ما روي عن عمر بن الخطاب أنه قال‪ :‬أيمببا رجببل تببزوج امببرأة‬
‫وبها جنون أو جذام أو بببرص وفببي بعببض الروايببات‪ :‬أو قببرن فلهببا صببداقها كببامل‬
‫وذلك غرم لزوجها على وليها‪ .‬وأما القياس على البيع فببإن القببائلين بمببوجب الخيببار‬
‫للعيب في النكاح قالوا‪ :‬النكاح في ذلك شبيه بالبيع؛ وقال المخالفون لهم‪ :‬ليببس شبببيها‬
‫بالبيع لجتماع المسبلمين علبى أنبه ل يبرد النكباح بكبل عيبب ويبرد ببه الببيع‪ .‬وأمبا‬
‫الموضع الثاني في الرد بالعيوب فإنهم اختلفوا في أي العيوب يببرد بهببا وفببي أيهببا ل‬
‫يرد وفي حكم الرد‪ ،‬فاتفق مالك والشببافعي علببى أن الببرد يكببون مببن أربعببة عيببوب‪:‬‬
‫الجنون والجذام والبرص وداء الفرج الذي يمنع الوطء‪ ،‬إما قرن أو رتق فببي المببرأة‬
‫أو عنة في الرجل أو خصاء‪ .‬واختلف أصحاب مالك في أربببع‪ :‬فببي السببواد والقببرع‬
‫وبخر الفرج وبخر الفببم‪ ،‬فقيببل تببرد بهببا‪ ،‬وقيببل ل تببرد؛ وقببال أبببو حنيفببة وأصببحابه‬
‫والثوري‪ :‬ل ترد المرأة في النكاح إل بعيبين فقط‪ :‬القببرن والرتببق‪ .‬فأمببا أحكببام الببرد‬
‫فإن القائلين بالرد اتفقوا على أن الزوج إذا علم بالعيب قبببل الببدخول طلببق ول شببيء‬
‫عليه‪ .‬واختلفوا إن علم بعد الدخول والمسيس؛ فقال مالك‪ :‬إن كان وليها الذي زوجهبا‬
‫ممن يظن به لقربه منهببا أنببه عببالم بببالعيب مثببل الب والخ فهببو غببار يرجببع عليببه‬
‫الزوج بالصداق وليس يرجع على المرأة بشببيء وإن كببان بعيببدا رجببع الببزوج علببى‬
‫المرأة بالصداق كله إل ربع دينار فقط‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬إن دخببل لزمببه الصببداق كلببه‬
‫بالمسيس ول رجوع له عليها ول علببى ولببي‪ .‬وسبببب اختلفهببم تببردد تشبببيه النكبباح‬
‫بالبيع أو بالنكاح الفاسد الذي وقع فيه المسيس‪ ،‬أعني اتفاقهم على وجوب المهببر فببي‬
‫النكحة الفاسدة بنفس المسيس‪ ،‬لقوله عليه الصلة والسلم "أيما امببرأة نكحببت بغيببر‬
‫إذن سيدها فنكاحها باطل ولها المهر بما اسببتحل منهببا" فكببان موضببع الخلف تببردد‬
‫هذا الفسخ بين حكم الرد بالعيب في البيوع‪ ،‬وبين حكم النكحة المفسوخة‪ :‬أعني بعببد‬
‫الدخول؛ واتفق الذين قالوا بفسخ نكاح العنين أنه ل يفسخ حتى يؤجل سنة يخلى بينببه‬
‫وبينها بغير عائق‪ .‬واختلف أصحاب مالك في العلة التي من أجلها قصببر الببرد علببى‬
‫هذه العيوب الربعة‪ .‬فقيل لن ذلببك شببرع غيببر معلببل؛ وقيببل لن ذلببك ممببا يخفببى‪،‬‬
‫ومحمل سائر العيوب على أنها مما ل تخفى؛ وقيل لنها يخاف سرايتها إلى البنبباء‪،‬‬
‫وعلى هذا التعليل يرد بالسواد والقرع‪ ،‬وعلى الول يرد بكل عيب إذا علببم أنببه ممببا‬
‫خفي على الزوج‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني في خيار العسار بالصداق والنفقة‪.‬‬
‫@‪-‬واختلفوا في العسار بالصداق‪ ،‬فكان الشافعي يقول‪ :‬تخير إذا لم يدخل بها‪ ،‬وبه‬
‫قال مالك‪ .‬واختلف أصحابه في قدر التلوم له؛ فقيل ليس له في ذلك حد؛ وقيببل سببنة؛‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وقيل سنتين؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬هي غريم من الغرماء ل يفرق بينهمببا ويؤخببذ بالنفقببة‪،‬‬
‫ولها أن تمنع نفسها حتى يعطيها المهر‪ .‬وسبب اختلفهم تغليب شبه النكباح فبي ذلبك‬
‫بالبيع أو تغليبب الضبرر اللحبق للمبرأة فبي ذلبك مبن عبدم البوطء تشببيها بباليلء‬
‫والعنببة‪ .‬وأمببا العسببار بالنفقببة فقببال مالبك والشببافعي وأحمببد وأبببو ثبور وأبببو عبيبد‬
‫وجماعة‪ :‬يفرق بينهما‪ ،‬وهو مروي عن أبي هريبرة وسبعيد ببن المسبيب؛ وقبال أببو‬
‫حنيفببة والثببوري‪ :‬ل يفبرق بينهمببا‪ ،‬وبببه قبال أهبل الظباهر‪ .‬وسببب اختلفهبم تشببيه‬
‫الضرر الواقع من ذلك بالضرر الواقع من العنة‪ ،‬لن الجمهور على القول بببالتطليق‬
‫على العنيببن حببتى لقببد قببال ابببن المنببذر إنببه إجمبباع‪ ،‬وربمببا قببالوا النفقببة فببي مقابلببة‬
‫السببتمتاع‪ ،‬بببدليل أن الناشببز ل نفقببة لهببا عنببد الجمهببور‪ ،‬فببإذا لببم يجببد النفقببة سببقط‬
‫الستمتاع فوجب الخيببار‪ .‬وأمببا مببن ل يببرى القيبباس فببإنهم قببالوا قببد ثبتببت العصببمة‬
‫بالجماع فل تنحل إل بإجماع أو بدليل من كتبباب الب أو سببنة نبببيه فسبببب اختلفهببم‬
‫معارضة استصحاب الحال للقياس‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثالث في خيار الفقد‪.‬‬
‫@‪-‬واختلفوا في المفقود الذي تجهل حياته أو مببوته فببي أرض السببلم‪ ،‬فقببال مالببك‬
‫يضرب لمرأته أجل أربع سنين من يوم ترفع أمرها إلى الحاكم‪ ،‬فإذا انتهى الكشببف‬
‫عن حياته أو موته فجهل ذلك ضرب لها الحاكم الجل‪ ،‬فإذا انتهى اعتدت عدة الوفاة‬
‫أربعة أشهر وعشرا وحلت‪ ،‬قال‪ :‬وأما ماله فل يورث حتى يأتي عليه من الزمان مببا‬
‫يعلم أن المفقود ل يعيش إلى مثله غالبا‪ ،‬فقيل سبعون‪ ،‬وقيل ثمبانون‪ ،‬وقيببل تسببعون‪،‬‬
‫وقيببل مببائة فيمببن غبباب وهببو دون هببذه السببنان‪ ،‬وروي هببذا القببول عببن عمببر بببن‬
‫الخطاب‪ ،‬وهو مروي أيضا عن عثمان وبه قببال الليببث؛ وقبال الشببافعي وأبببو حنيفببة‬
‫والثوري‪ :‬ل تحل امرأة المفقود حتى يصببح مببوته‪ ،‬وقببولهم مببروي عببن علببي وابببن‬
‫مسببعود‪ .‬والسبببب فببي اختلفهببم معارضببة استصببحاب الحببال للقيبباس‪ ،‬وذلببك أن‬
‫استصحاب الحال يوجب أن ل تنحببل عصببمة إل بمببوت أو طلق حببتى يببدل الببدليل‬
‫على غير ذلك‪ .‬وأما القياس فهو تشبيه الضرر اللحق لها من غيبته باليلء والعنة‪،‬‬
‫فيكون لها الخيار كما يكون في هذين‪ .‬والمفقودون عند المحصلين من أصحاب مالك‬
‫أربعة مفقود في أرض السلم وقع الخلف فيه‪ ،‬ومفقود في أرض الحرب‪ ،‬ومفقببود‬
‫في حروب السلم‪ ،‬أعني فيما بينهم ومفقود في حروب الكفار‪ ،‬والخلف عن مالببك‬
‫وعن أصحابه في الثلثة الصناف من المفقودين كثير؛ فأما المفقود في بلد الحببرب‬
‫فحكمه عندهم حكم السير ل تتزوج امرأته ول يقسم ماله حتى يصح مببوته‪ ،‬مببا خل‬
‫أشهب‪ ،‬فإنه حكم لبه بحكبم المفقبود فبي أرض المسبلمين‪ .‬وأمبا المفقبود فبي حبروب‬
‫المسلمين فقال‪ :‬إن حكمه حكم المقتول دون تلوم‪ ،‬وقيل يتلوم له بحسب بعد الموضببع‬
‫الذي كانت فيه المعركة وقربه وأقصى الجل في ذلك سنة‪ .‬وأما المفقود في حببروب‬
‫الكفار ففيه في المببذهب أربعببة أقببوال‪ :‬قيببل حكمببه حكببم السببير؛ وقيببل حكمببه حكببم‬
‫المقتول بعد تلوم سنة‪ ،‬إل أن يكون بموضع ل يخفى أمره فيحكم له بحكم المفقود في‬
‫حروب المسلمين وفتنهم؛ والقول الثالث أن حكمببه حكببم المفقببود فببي بلد المسببلمين؛‬
‫والرابع حكمه حكم المقتول في زوجته‪ ،‬وحكم المفقود في أرض المسببلمين فببي مبباله‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أعني يعمر وحينئذ يورث‪ ،‬وهذه القاويببل كلهببا مبناهببا علببى تجببويز النظببر بحسببب‬
‫الصلح في الشرع‪ ،‬وهو الذي يعرف بالقياس المرسببل‪ ،‬وبيببن العلمبباء فيببه اختلف‪:‬‬
‫أعني بين القائلين بالقياس‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الرابع في خيار العتق‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أن المة إذا عتقببت تحببت عبببد أن لهببا الخيببار؛ واختلفببوا إذا عتقبت‬
‫تحت الحر هل لها خيار أم ل؟ فقال مالك والشافعي وأهل المدينة والوزاعي وأحمببد‬
‫والليث ل خيار لها؛ وقال أبو حنيفة والثوري لها الخيار حببرا كببان أو عبببدا‪ .‬وسبببب‬
‫اختلفهم تعارض النقل في حديث بريرة‪ ،‬واحتمببال العلببة الموجبببة للخيببار أن يكببون‬
‫الجبر الذي كان في إنكاحها بإطلق إذا كانت أمة‪ ،‬أو الجبر على تزويجها من عبببد؛‬
‫فمن قال‪ :‬العلة الجبر على النكاح بإطلق قال‪ :‬تخير تحببت الحببر والعبببد؛ ومببن قببال‬
‫الجبر على تزويج العبد فقط قبال‪ :‬تخيببر تحببت العبببد فقببط‪ .‬وأمبا اختلف النقبل فبإنه‬
‫روي عن ابن عباس أن زوج بريرة كان عبدا أسود‪ .‬وروي عببن عائشببة أن زوجهببا‬
‫كان حرا‪ ،‬وكل النقلين ثابت عند أصحاب الحديث؛ واختلفوا أيضببا فببي الببوقت الببذي‬
‫يكون لها الخيار فيه‪ ،‬فقال مالك والشافعي‪ :‬يكون لها الخيار ما لم يمسببها؛ وقببال أبببو‬
‫حنيفبة‪ :‬خيارهبا علبى المجلبس؛ وقبال الوزاعبي‪ :‬إنمبا يسبقط خيارهبا بالمسبيس إذا‬
‫علمت أن المسيس يسقط خيارها‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الرابع في حقوق الزوجية‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا علبى أن مبن حقبوق الزوجبة علبى البزوج النفقبة والكسبوة لقبوله تعبالى‬
‫}وعلى المولود له رزقهن وكسببوتهن ببالمعروف{ اليببة‪ .‬ولمببا ثبببت مببن قببوله عليببه‬
‫الصلة والسلم "ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" ولقببوله لهنببد "خببذي مببا‬
‫يكفيك وولدك بببالمعروف"‪ .‬فأمببا النفقببة فبباتفقوا علببى وجوبهببا‪ ،‬واختلفببوا فببي أربعببة‬
‫مواضع في وقت وجوبها‪ ،‬ومقدارها‪ ،‬ولمببن تجببب؟‪ ،‬وعلببى مببن تجببب؟‪ .‬فأمببا وقببت‬
‫وجوبها فإن مالكا قال‪ :‬ل تجببب النفقببة علببى الببزوج حببتى يببدخل بهببا أو يببدعى إلببى‬
‫الدخول بها وهي ممن توطأ وهو بالغ؛ وقال أبو حنيفة والشببافعي‪ :‬يلببزم غيببر البببالغ‬
‫النفقة إذا كببانت هببي بالغببا‪ ،‬وأمببا إذا هببو بالغببا والزوجببة صببغيرة فللشببافعي قببولن‪:‬‬
‫أحدهما مثل قول مالك‪ ،‬والقول الثبباني أن لهببا النفقببة بببإطلق‪ .‬وسبببب اختلفهببم هببل‬
‫النفقة لمكان الستمتاع أو لمكان أنها محبوسة على الزوج كالغائب والمريببض‪ .‬وأمببا‬
‫مقدار النفقة فذهب مالك إلى أنها غير مقدرة بالشرع وأن ذلك راجع إلى مببا يقتضببيه‬
‫حببال الببزوج وحببال الزوجببة‪ ،‬وأن ذلببك يختلببف بحسببب اختلف المكنببة والزمنببة‬
‫والحوال‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة؛ وذهب الشافعي إلى أنها مقدرة‪ ،‬فعلى الموسببر مببدان‪،‬‬
‫وعلى الوسط مد ونصف‪ ،‬وعلى المعسر مد‪ .‬وسبب اختلفهم تردد حمل النفقببة فببي‬
‫هذا الباب على الطعام في الكفارة أو على الكسوة‪ ،‬وذلك أنهم اتفقوا أن الكسوة غير‬
‫محدودة وأن الطعام محدود‪ .‬واختلفوا من هذا الباب في هل يجب على الببزوج نفقببة‬
‫خادم الزوجة؟ وإن وجبت فكم يجب؟ والجمهور علببى أن علببى الببزوج النفقببة لخببادم‬
‫الزوجة إذا كانت ممن ل تخدم نفسها؛ وقيل بل على الزوجة خدمببة البببيت؛ واختلببف‬
‫الذين أوجبوا النفقة على خادم الزوجة على كم تجب نفقته؟ فقالت طائفبة‪ :‬ينفبق علبى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫خادم واحدة‪ ،‬وقيل على خادمين إذا كانت المرأة ممن ل يخدمها إل خادمان وبه قببال‬
‫مالك وأبو ثور‪ .‬ولسببت أعببرف دليل شببرعيا ليجبباب النفقببة علببى الخببادم إل تشبببيه‬
‫الخدام بالسكان‪ ،‬فإنهم اتفقوا على أن السكان على الزوج للنص الوارد في وجوبه‬
‫للمطلقة الرجعية‪ .‬وأما لمن تجببب النفقببة فببإنهم اتفقببوا علببى أنهببا تجببب للحببرة الغيببر‬
‫ناشز‪ .‬واختلفوا في الناشز والمة‪ .‬فأما الناشز فالجمهور على أنها ل تجب لها نفقببة‪،‬‬
‫وشذ قوم فقالوا تجب لها النفقة‪ .‬وسبب الخلف معارضة العمببوم للمفهببوم‪ ،‬وذلببك أن‬
‫عمببوم قببوله عليببه الصببلة والسببلم "ولهببن عليكببم رزقهببن وكسببوتهن بببالمعروف"‬
‫يقتضي أن الناشز‪ ،‬وغير الناشببز فببي ذلببك سببواء‪ ،‬والمفهببوم مببن أن النفقببة هببي فببي‬
‫مقابلة الستمتاع يوجب أن ل نفقة للناشز‪ .‬وأمببا المببة فبباختلف فيهببا أصببحاب مالببك‬
‫اختلفا كثيرا‪ ،‬فقيل لها النفقة كالحرة‪ ،‬وهو المشهور؛ وقيل ل نفقببة لهببا وقيببل أيضببا‬
‫إن كانت تأتيه فلها النفقة‪ ،‬وإن كان يأتيها فل نفقة لها؛ وقيل لها النفقة في الوقت التي‬
‫تأتيه؛ وقيل إن كان الزوج حرا فعليه النفقببة‪ ،‬وإن كببان عبببدا فل نفقببة عليببه‪ .‬وسبببب‬
‫اختلفهببم معارضببة العمببوم للقيبباس‪ ،‬وذلببك أن العمببوم يقتضببي لهببا وجببوب النفقببة‪،‬‬
‫والقياس يقتضي أن ل نفقة لها إل على سيدها الذي يستخدمها‪ ،‬أو تكون النفقة بينهما‬
‫لن كل واحد منهما ينتفع بها ضربا من النتفاع‪ ،‬ولببذلك قببال قببوم‪ :‬عليببه النفقببة فببي‬
‫اليوم الذي تأتيه‪ .‬وقال ابن حبيب‪ :‬يحكم على مولى المة المزوجببة أن تببأتي زوجهببا‬
‫في كل أربعة أيام‪ .‬وأما على من تجب‪ ،‬فاتفقوا أيضببا أنهببا تجببب علببى الببزوج الحببر‬
‫الحاضر؛ واختلفوا في العبد والغائب‪ .‬فأما العبد فقال ابن المنذر‪ :‬أجمع كل من يحفظ‬
‫عنه من أهل العلم أن على العبد نفقة زوجته؛ وقال أبو المصعب من أصحاب مالببك‪:‬‬
‫ل نفقة عليه‪.‬‬
‫وسبب الخلف معارضة العموم لكون العببد محجبورا عليبه فبي مباله‪ .‬وأمبا الغبائب‬
‫فالجمهور على وجوب النفقة عليه؛ وقال أبو حنيفببة؛ ل تجببب إل بإيجبباب السببلطان‪.‬‬
‫وإنما اختلفوا فيمن القول قوله إذا اختلفوا في النفاق‪ ،‬وسيأتي ذلك في كتاب الحكببام‬
‫إن شاء ال‪ .‬وكذلك اتفقوا على أن من حقوق الزوجببات العببدل بينهببن فببي القسببم لمببا‬
‫ثبت من قسمه صلى ال عليه وسلم بيبن أزواجبه ولقبوله عليبه الصبلة والسبلم "إذا‬
‫كان للرجل امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شببقيه مببائل" ولمببا ثبببت‬
‫"أنه عليه الصلة والسلم كان إذا أراد السفر أقرع بينهن" واختلفوا في مقببام الببزوج‬
‫عند البكر والثيب وهل يحتسب به أو ل يحتسببب إذا كببانت لببه زوجببة أخببرى؟ فقببال‬
‫مالك والشافعي وأصحابهما‪ :‬يقيم عند البكر سبعا وعند الببثيب ثلثبا‪ ،‬ول يحتسببب إذا‬
‫كان له امرأة أخرى بأيام التي تزوج؛ وقال أبببو حنيفببة‪ :‬القامببة عنببدهن سببواء بكببرا‬
‫كانت أو ثيبا‪ ،‬ويحتسب بالقامة عندها إن كانت له زوجة أخرى‪.‬‬
‫وسبب اختلفهم معارضة حديث أنس لحديث أم سلمة‪ ،‬وحببديث أنببس هببو "أن النبببي‬
‫صلى ال عليه وسلم كان إذا تزوج البكبر أقبام عنبدها سببعا‪ ،‬وإذا تبزوج البثيب أقبام‬
‫عندها ثلثا" وحديث أم سلمة هو "أن النبي صلى ال عليه وسببلم تزوجهببا فأصبببحت‬
‫عنده فقال‪ :‬ليس بك على أهلببك هببوان إن شببئت سبببعت عنببدك وسبببعت عنببدهن وإن‬
‫شئت ثلثت عندك ودرت فقالت‪ :‬ثلث" وحديث أم سلمة هو مدني متفببق عليببه خرجببه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مالك والبخاري ومسلم‪ ،‬وحديث أنس حبديث بصببري خرجببه أبببو داود‪ ،‬فصببار أهببل‬
‫المدينة إلى ما خرجه أهل البصرة‪ ،‬وصار أهل الكوفة إلى ما خرجه أهل المدينة‪.‬‬
‫واختلف أصحاب مالك في هل مقامه عنبد البكبر سبببعا وعنببد الببثيب ثلثببا واجبب أو‬
‫مستحب؟ فقال ابن القاسم‪ :‬هو واجب؛ وقال ابن عبد الحكم‪ :‬يستحب‪ .‬وسببب الخلف‬
‫حمل فعله عليه الصلة والسلم على النببدب أو علببى الوجببوب‪ .‬وأمببا حقببوق الببزوج‬
‫على الزوجة بالرضاع وخدمة البببيت علبى اختلف بينهبم فببي ذلببك‪ ،‬وذلببك أن قومبا‬
‫أوجبوا عليها الرضبباع علببى الطلق؛ وقببوم لببم يوجبببوا ذلببك عليهببا بببإطلق وقببوم‬
‫أوجبوا ذلك على الدنيئة ولم يوجبوا ذلك على الشببريفة‪ ،‬إل أن يكببون الطفببل ل يقبببل‬
‫إل ثديها‪ ،‬وهو مشهور قول مالك‪ .‬وسبب اختلفهم هببل آيببة الرضبباع متضببمنة حكببم‬
‫الرضاع‪ :‬أعني إيجابه‪ ،‬أو متضمنة أمره فقط؟ فمببن قببال أمببره قببال‪ :‬ل يجببب عليهببا‬
‫الرضاع إذ ل دليل هنا على الوجوب؛ ومببن قببال تتضببمن المببر بالرضبباع وإيجببابه‬
‫وأنها من الخبار التي مفهومها مفهوم المر قال‪ :‬يجبب عليهبا الرضباع‪ .‬وأمبا مبن‬
‫فرق بين الدنيئة والشريفة فاعتبر في ذلك العرف والعادة‪ .‬وأمببا المطلقببة فل رضبباع‬
‫عليها إل أن ل يقبل ثدي غيرها فعليها الرضاع وعلى الببزوج أجببر الرضبباع‪ ،‬هببذا‬
‫إجماع لقوله سبحانه وتعالى }فإن أرضعن لكم فببآتوهن أجببورهن{ )والجمهببور علببى‬
‫أن الحضانة للم إذا طلقها الزوج وكان الولببد صببغيرا لقببوله عليببه الصببلة والسببلم‬
‫"من فبرق بيبن والببدة وولبدها فبرق الب بينببه وبيبن أحبتبه يببوم القيامببة" ولن المببة‬
‫والمسبية إذا لم يفرق بينها وبين ولدها فأخص بذلك الحرة‪ .‬واختلفوا إذا بلغ الولد حد‬
‫التمييز فقال قوم يخير‪ ،‬ومنهم الشافعي‪ ،‬واحتجوا بأثر ورد في ذلك؛ وبقي قوم علببى‬
‫الصل لنه لم يصح عندهم هبذا الحبديث؛ والجمهبور علبى أن تزويجهبا لغيبر الب‬
‫يقطع الحضانة لما روي أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال "أنت أحق به مببا لببم‬
‫تنكحي" ومن لم يصح عنده هذا الحديث طرد الصببل‪ .‬وأمببا نقببل الحضببانة مببن الم‬
‫إلى غير الب فليس فببي ذلببك شببيء يعتمببد عليببه(‪) .‬مببا بيببن القوسببين لببم يوجببد فببي‬
‫النسخة الفاسية ول المصرية‪ ،‬وهو موجود بالنسخة الخطية تعلق أحمببد بببك تيمببور ا‬
‫هب مصححه(‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الخامس في النكحة المنهى عنها بالشرع والنكحة الفاسدة وحكمها‪.‬‬
‫@‪-‬والنكحببة الببتي ورد النهببي عنهببا فيهببا مصببرحا أربعببة‪ :‬نكبباح الشببغار‪ ،‬ونكبباح‬
‫المتعة‪ ،‬والخطبة على خطبة أخيه‪ ،‬ونكبباح المحلببل‪ .‬فأمببا نكبباح الشببغار فببإنهم اتفقببوا‬
‫على أن صفته هو أن ينكح الرجل وليته رجل آخر على أن ينكحه الخببر وليتببه ول‬
‫صداق بينهما إل بضع هذه ببضع الخرى‪ ،‬واتفقوا على أنه نكاح غير جببائز لثبببوت‬
‫النهي عنه؛ واختلفوا إذا وقع هل يصبحح بمهبر المثبل أم ل؟ فقبال مالبك‪ :‬ل يصبحح‬
‫ويفسخ أبدا قبل الببدخول وبعببده‪ ،‬وبببه قببال الشببافعي إل أنببه قببال‪ :‬إن سببمى لحببدهما‬
‫صداقا أو لهما معا فالنكاح ثابت بمهر المثل‪ ،‬والمهببر الببذي سببمياه فاسببد؛ وقببال أبببو‬
‫حنيفة‪ :‬نكاح الشغار يصح بفرض صداق المثل‪ ،‬وبه قال الليث وأحمد وإسببحق وأبببو‬
‫ثور والطبري‪ .‬وسبب اختلفهم هل النهي المعلق بذلك معلبل بعبدم العببوض أو غيبر‬
‫معلل‪ ،‬فإن قلنا غير معلل لزم الفسخ على الطلق؛ وإن قلنا العلة عدم الصداق صح‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بفرض صداق المثل مثبل العقبد علببى خمببر أو علببى خنزيببر؛ وقبد أجمعبوا علبى أن‬
‫النكاح المنعقد على الخمبر والخنزيبر ل يفسبخ إذا فبات بالبدخول‪ ،‬ويكبون فيبه مهبر‬
‫المثل؛ وكأن مالكا رضي الب عنبه رأى أن الصبداق وإن لبم يكبن مبن شبرط صبحة‬
‫العقد ففساد العقد ههنا من قبل فساد الصداق مخصوص لتعلق النهي بببه‪ ،‬أو رأى أن‬
‫النهي إنما يتعلق بنفس تعيين العقد‪ ،‬والنهي يدل على فساد المنهي‪.‬‬
‫وأما نكاح المتعة‪ .‬فإنه وإن تواترت الخبار عببن رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم‬
‫بتحريمه إل أنها اختلفت في الوقت الذي وقع فيه التحريم‪ ،‬ففي بعببض الروايببات أنببه‬
‫حرمها يوم خيبر‪ ،‬وفي بعضها يوم الفتح‪ ،‬وفي بعضها في غزوة تبوك‪ ،‬وفي بعضها‬
‫في حجة الوداع‪ ،‬وفي بعضها فببي عمببرة القضبباء‪ ،‬وفببي بعضببها فببي عببام أوطبباس‪،‬‬
‫وأكثر الصببحابة وجميببع فقهبباء المصببار علببى تحريمهببا‪ ،‬واشببتهر عببن ابببن عببباس‬
‫تحليلها‪ ،‬وتبع ابن عباس على القول بها أصحابه من أهبل مكبة وأهبل اليمبن‪ ،‬ورووا‬
‫أن ابن عباس كان يحتج لذلك لقوله تعالى }فما استمتعتم ببه منهبن فبآتوهن أجبورهن‬
‫فريضة ول جناح عليكم{ وفي حرف عنه إلى أجل مسمى‪ ،‬وروى عنه أنببه قببال‪ :‬مببا‬
‫كانت المتعة إل رحمة من ال عز وجل رحم بها أمة محمببد صببلى الب عليببه وسببلم‪،‬‬
‫ولول نهى عمر عنها ما اضطر إلى الزنا إل شقي‪ .‬وهذا الذي روي عن ابن عببباس‬
‫رواه عنه ابن جريج وعمرو بن دينار‪ .‬وعن عطاء قال‪" :‬سمعت جابر بببن عبببد ال ب‬
‫يقول‪" :‬تمتعنا على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبي بكر ونصفا من خلفببة‬
‫عمر" ثم نهى عنها عمر الناس‪.‬‬
‫وأما اختلفهم في النكاح الذي تقع فيه الخطبببة علببى خطبببه غيببره‪ ،‬فقببد تقببدم أن فيببه‬
‫ثلثة أقوال‪ :‬قول بالفسخ‪ ،‬وقول بعدم الفسخ‪ ،‬وفرق بين أن ترد الخطبببة علببى خطبببة‬
‫الغير بعد الركون والقرب من التمام أو ل ترد وهو مذهب مالك‪ .‬وأما نكاح المحلببل‪:‬‬
‫أعني الذي يقصد بنكاحه تحليل المطلقة ثلثا‪ ،‬فإن مالكا قال‪ :‬هو نكاح مفسوخ؛ وقال‬
‫أبو حنيفة والشافعي‪ :‬هو نكاح صبحيح‪ .‬وسببب اختلفهبم اختلفهبم فبي مفهبوم قبوله‬
‫عليه الصلة والسلم "لعن ال المحلل" الحديث فمن فهم من اللعن التببأثيم فقببط قببال‪:‬‬
‫النكاح صحيح؛ ومن فهم من التأثيم فساد العقل تشبيها بببالنهي الببذي يببدل علببى فسبباد‬
‫المنهي عنه وقبال‪ :‬النكباح فاسبد‪ ،‬فهبذه هبي النكحبة الفاسبدة ببالنهي‪ .‬وأمبا النكحبة‬
‫الفاسدة بمفهوم الشرع فإنها تفسببد إمببا بإسببقاط شببرط مببن شببروط صببحة النكبباح‪ ،‬أو‬
‫لتغيير حكم واجب بالشرع من أحكامه مما هو عن ال عز وجل‪ ،‬وإمببا بزيببادة تعببود‬
‫إلى إبطال شرط من شروط الصحة‪ .‬وأمببا الزيببادات الببتي تعببرض مببن هببذا المعنببى‬
‫فإنها ل تفسد النكاح باتفاق‪ ،‬وإنما اختلف العلماء في لزوم الشروط التي بهذه الصببفة‬
‫أو ل لزومها مثل أن يشترط عليه أن ل يتزوج عليها أو ل يتسببرى أو ل ينقلهببا مببن‬
‫بلدها‪ ،‬فقال مالببك‪ :‬إن اشببترط ذلببك لببم يلزمببه إل أن يكببون فببي ذلببك يميببن بعتببق أو‬
‫طلق‪ ،‬فإن ذلك يلزمه إل أن يطلق أو يعتق من أقسببم عليببه‪ ،‬فل يلبزم الشببرط الول‬
‫أيضا‪ ،‬وكذلك قال الشافعي وأبو حنيفة‪ .‬وقال الوزاعببي وابببن شبببرمة‪ :‬لهببا شببرطها‬
‫وعليه الوفاء؛ وقال ابن شبهاب‪ :‬كبان مبن أدركببت مبن العلمباء يقضببون بهبا‪ ،‬وقبول‬
‫الجماعة مببروي عببن علببي‪ ،‬وقببول الوزاعببي مببروي عببن عمببر‪ .‬وسبببب اختلفهببم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫معارضة العموم للخصوص‪ .‬فأما العموم فحديث عائشة رضببي الب عنهببا‪ :‬أن النبببي‬
‫صلى ال عليه وسلم خطب الناس فقال في خطبته "كل شرط ليس في كتاب ال فهببو‬
‫باطل ولو كان مائة شرط" وأما الخصوص فحديث عقبة بن عامر عببن النبببي صببلى‬
‫ال عليه وسلم أنه قال "أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج" والحببديثان‬
‫صببحيحان خرجهمببا البخبباري ومسببلم‪ ،‬إل أن المشببهور عنببد الصببوليين القضبباء‬
‫بالخصوص على العموم وهو لزوم الشروط وهو ظاهر ما وقع في العتبية وإن كببان‬
‫المشهور خلف ذلك‪ .‬وأما الشروط المقيدة بوضع من الصداق فببإنه قببد اختلببف فيهببا‬
‫لمذهب اختلفا كثيرا‪ :‬أعني في لزومها أو عدم لزومها‪ ،‬وليس كتابنا هببذا موضببوعا‬
‫على الفروع‪.‬‬
‫)وأما حكم النكحة الفاسدة إذا وقعت( فمنها ما اتفقوا على فسخه قبل الدخول وبعده‪،‬‬
‫وهو ما كان منها فاسدا بإسقاط شرط متفق على وجوب صحة النكاح بوجببوده‪ ،‬مثببل‬
‫أن ينكح محرمة العين؛ ومنها ما اختلفوا فيه بحسب اختلفهم في ضعف علببة الفسبباد‬
‫وقوتهما ولماذا يرجع من الخلل بشروط الصحة ومالك في هذا الجنس }وذلببك فببي‬
‫الكثر{ يفسخه قبل الدخول ويثبته بعده والصل فيه عنده أن ل فسببخ‪ ،‬ولكنببه يحتبباط‬
‫بمنزلة ما يرى في كثير مببن البببيع الفاسببد أنببه يفببوت بحوالببة السببواق وغيببر ذلببك‪،‬‬
‫ويشبه أن تكون هذه عنده هي النكحة المكروهة‪ ،‬وإل فل وجه للفببرق بيببن الببدخول‬
‫وعدم الدخول والضطراب في المذهب في هذا الباب كثير‪ ،‬وكأن هببذا راجببع عنببده‬
‫إلى قوة دليل الفسخ وضعفه‪ ،‬فمتى كان الدليل عنده قويا فسخ قبله وبعده‪ ،‬ومتى كببان‬
‫ضعيفا فسخ قبل ولم يفسخ بعد‪ ،‬وسواء كان الدليل القوي متفقببا عليببه أو مختلفببا فيببه‪.‬‬
‫ومن قبل هذا أيضا اختلف المذهب في وقوع الميببراث فببي النكحببة الفاسببدة إذا وقببع‬
‫الموت قبل الفسخ‪ ،‬وكذلك وقوع الطلق فيببه‪ ،‬فمببرة اعتبببر فيببه الختلف والتفبباق‪،‬‬
‫ومرة اعتبر فيه الفسخ بعد الدخول أو عدمه‪ ،‬وقد نرى أن نقطع ههنا القول فببي هببذا‬
‫الكتاب‪ ،‬فإن ما ذكرنا منه كفاية بحسب غرضنا المقصود‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الطلق‬
‫@‪-‬والكلم في هذا الباب ينحصر في أربع جمل‪ :‬الجملة الولى‪ :‬في أنببواع الطلق‪.‬‬
‫الجملة الثانية‪ :‬في أركان الطلق‪ .‬الجملة الثالثببة‪ :‬فببي الرجعببة‪ .‬الجملببة الرابعببة‪ :‬فببي‬
‫أحكام المطلقات‪.‬‬
‫*‪)*3‬الجملة الولى( وفي هذه الجملة خمسة أبواب‬
‫@‪-‬الببباب الول‪ :‬فببي معرفببة الطلق البببائن والرجعببي‪ .‬الببباب الثبباني‪ :‬فببي معرفببة‬
‫الطلق السني من البدعي‪ .‬الباب الثالث‪ :‬في الخلع‪ .‬الباب الرابع‪ :‬فببي تمييببز الطلق‬
‫من الفسخ‪ .‬الباب الخامس‪ :‬في التخيير والتمليك‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الول في معرفة الطلق البائن والرجعي‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أن الطلق نوعان‪ :‬بائن ورجعي‪ .‬وأن الرجعي هو الذي يملببك فيببه‬
‫الزوج رجعتها من غير اختيارها وأن من شرطه أن يكببون فببي مببدخول بهببا‪ ،‬وإنمببا‬
‫اتفقوا على هذا لقوله تعالى }يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا‬
‫العدة{ إلى قوله تعالى }لعل ال يحببدث بعببد ذلببك أمببرا{ وللحببديث الثببابت أيضببا مببن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫حديث ابن عمر أنه صلى ال عليه وسلم أمره أن يراجع زوجتببه لمببا طلقهببا حائضببا‬
‫ول خلف في هذا‪.‬‬
‫وأما الطلق البائن‪ ،‬فإنهم اتفقوا علببى أن البينونببة إنمببا توجببد للطلق مببن قبببل عببدم‬
‫الدخول ومن قبل عدم التطليقات ومن قبل العوض في الخلع على اختلف بينهم هببل‬
‫الخلع طلق أو فسخ على ما سيأتي بعد؛ واتفقوا على أن العدد الذي يببوجب البينونببة‬
‫فببي طلق الحببر ثلث تطليقببات إذا وقعببت مفترقببات لقببوله تعببالى }الطلق مرتببان{‬
‫الية‪ .‬واختلفوا إذا وقعت ثلثا في اللفظ دون الفعل‪ ،‬وكذلك اتفببق الجمهببور علببى أن‬
‫الرق مؤثر في إسببقاط أعببداد الطلق‪ ،‬وأن الببذي يببوجب البينونببة فببي الببرق اثنتببان‪.‬‬
‫واختلفوا هل هذا معتبر برق الزوج أو برق الزوجة أم برق من رق منهما‪ ،‬ففي هبذا‬
‫الباب إذن ثلث مسائل‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الولى( جمهور الفقهاء المصببار علببى أن الطلق بلفببظ الثلث حكمببه‬
‫حكم الطلقة الثالثة؛ وقال أهل الظاهر وجماعة‪ :‬حكمببه حكببم الواحببدة ول تببأثير للفببظ‬
‫في ذلك‪ ،‬وحجة هؤلء ظاهر قوله تعالى }الطلق مرتان{ إلى قوله فببي الثالثببة }فببإن‬
‫طلقها فل تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره{ والمطلق بلفظ الثلث مطلق واحدة‬
‫ل مطلق ثلث‪ ،‬واحتجوا أيضا بما خرجه البخاري ومسلم عن ابن عباس قببال‪ :‬كببان‬
‫الطلق على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلفة عمببر‬
‫طلق الثلث واحدة فأمضاه عليهم عمر؛ واحتجوا أيضببا بمببا رواه ابببن إسببحق عببن‬
‫عكرمة عن ابن عباس قال "طلق ركانة زوجه ثلثا في مجلس واحببد‪ ،‬فحببزن عليهببا‬
‫حزنا شديدا‪ ،‬فسأله رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬كيف طلقتها؟ قببال‪ :‬طلقتهببا ثلثببا‬
‫في مجلس واحد‪ ،‬قال‪ :‬إنما تلك طلقة واحدة فارتجعها" وقبد احتبج مبن انتصببر لقبول‬
‫الجمهور بأن حديث ابن عباس الواقع فببي الصببحيحين إنمببا رواه عنببه مببن أصببحابه‬
‫طاوس‪ ،‬وأن جلبة أصبحابه رووا عنبه لبزوم الثلث منهبم سبعيد ببن جببير ومجاهبد‬
‫وعطاء وعمرو بن دينار وجماعة غيرهم‪ ،‬وأن حديث ابن إسحق وهببم‪ ،‬وإنمببا روى‬
‫الثقات أنه طلق ركانة زوجه البتببة ل ثلثببا‪ .‬وسبببب الخلف هببل الحكببم الببذي جعلببه‬
‫الشرع من البينونة للطلقة الثالثة يقع بإلزام المكلف نفسه هذا الحكم فببي طلقببة واحببدة‬
‫أم ليس يقع؟ ول يلزم من ذلك إل ما ألزم الشببرع؟ فمببن شبببه الطلق بالفعببال الببتي‬
‫يشترط في صحة وقوعها كون الشروط الشرعية فيها كالنكاح والبيوع قال‪ :‬ل يلزم؛‬
‫ومن شبهه بالنذور واليمان التي ما التزم العبد منها لزمه علببى أي صببفة كببان ألببزم‬
‫الطلق كيفما ألزمه المطلق نفسه‪ ،‬وكأن الجمهور غلبوا حكم التغليظ في الطلق سدا‬
‫للذريعة ولكن تبطل بذلك الرخصة الشرعية والرفق المقصود في ذلك أعني في قوله‬
‫تعالى }لعل ال يحدث بعد ذلك أمرا{ ‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية( وأما اختلفهم في اعتبار نقص عدد الطلق البائن بالرق فمنهببم‬
‫من قال المعتبر فيه الرجال‪ ،‬فإذا كان الزوج عبدا كان طلقببه البببائن الطلقببة الثانيببة‪،‬‬
‫سواء كانت الزوجة حرة أو أمة‪ ،‬وبهذا قال مالك والشافعي ومن الصحابة عثمان بن‬
‫عفان وزيد بن ثابت وابن عباس‪ ،‬وإن كان اختلف عنده في ذلبك‪ ،‬لكبن الشبهر عنبه‬
‫هو هذا القول‪ .‬ومنهم من قال إن العتبار في ذلك هببو بالنسبباء‪ ،‬فببإذا كببانت الزوجببة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أمة كان طلقها البائن الطلقة الثانية سواء كان الزوج عبدا أو حرا‪ ،‬وممن قببال بهببذا‬
‫القول من الصحابة علي وابن مسعود‪ ،‬ومن فقهاء المصار أبو حنيفة وغيببره؛ وفببي‬
‫المسألة قول أشذ من هذين‪ ،‬وهببو أن الطلق يعتبببر بببرق مببن رق منهمببا‪ ،‬قببال ذلببك‬
‫عثمان البتي وغيره وروي عن ابن عمر‪ .‬وسبب هذا الختلف هل المببؤثر فببي هببذا‬
‫هو رق المرأة أو رق الرجل‪ ،‬فمن قال التأثير في هذا لمببن بيببده الطلق قببال‪ :‬يعتبببر‬
‫بالرجال ومن قال التأثير في هذا للذي يقببع عليببه الطلق قببال‪ :‬هببو حكببم مببن أحكببام‬
‫المطلقة فشبهوها بالعدة‪ .‬وقد أجمعوا على أن العببدة بالنسبباء‪ :‬أي نقصببانها تببابع لببرق‬
‫النسبباء؛ واحتببج الفريببق الول بمببا روي عببن ابببن عببباس مرفوعببا إلببى النبببي عليببه‬
‫الصلة والسلم أنه قال "الطلق بالرجال‪ ،‬والعدة بالنساء" إل أنه حديث لم يثبت في‬
‫الصحاح‪ .‬وأما من اعتبر من رق منهما فإنه جعبل سبببب ذلبك هبو البرق مطلقببا ولببم‬
‫يجعل سبب ذلك ل الذكورية ول النوثية مع الرق‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثالثة( وأما كون الرق مؤثرا في نقصان عببدد الطلق فببإنه حكببى قببوم‬
‫أنه إجماع؛ وأبو محمد بن حزم وجماعة من أهل الظاهر مخببالفون فيببه‪ ،‬ويببرون أن‬
‫الحر والعبد في هذا سواء‪ .‬وسبب الخلف معارضة الظاهر في هببذا للقيبباس‪ ،‬وذلببك‬
‫أن الجمهور صاروا إلى هذا المكان قياس طلق العبد والمببة علببى حببدودهما؛ وقببد‬
‫أجمعوا على كون الرق مؤثرا في نقصان الحد‪ .‬أما أهببل الظبباهر فلمببا كببان الصببل‬
‫عندهم أن حكم العبد في التكاليف حكم الحر إل ما أخرجه الدليل‪ ،‬والدليل عندهم هببو‬
‫نص أو ظاهر من الكتاب أو السنة‪ ،‬ولم يكن هنبباك دليببل مسببموع صببحيح وجببب أن‬
‫يبقى العبد على أصببله‪ ،‬ويشبببه أن يكببون قيبباس الطلق علببى الحببد غيببر سببديد‪ ،‬لن‬
‫المقصود بنقصان الحد رخصبة للعببد لمكبان نقصبه‪ ،‬وأن الفاحشبة ليسبت تقببح منبه‬
‫قبحها من الحر‪ .‬وأما نقصان الطلق فهو من باب التغليظ‪ ،‬لن وقوع التحريببم علببى‬
‫النسببان بتطليقببتين أغلببظ مببن وقببوعه بثلث لمببا عسببى أن يقببع فببي ذلببك مببن النببدم‬
‫والشرع إنما سلك فببي ذلببك سببيل الوسبط‪ ،‬وذلببك أنببه لبو كبانت الرجعبة دائمببة بيببن‬
‫الزوجة لعنتت المرأة وشقيت‪ ،‬ولو كببانت البينونببة واقعببة فببي الطلقببة الواحببدة لعنببت‬
‫الببزوج مببن قبببل النببدم‪ ،‬وكببان ذلببك عسببيرا عليببه‪ ،‬فجمببع ال ب بهببذه الشببريعة بيببن‬
‫المصلحتين‪ ،‬ولذلك ما نرى وال أعلببم أن مببن ألببزم الطلق الثلث فببي واحببدة‪ ،‬فقببد‬
‫رفع الحكمة الموجودة في هذه السنة المشروعة‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الثاني في معرفة الطلق السني من البدعي‪.‬‬
‫@‪-‬أجمع العلماء على أن المطلق للسنة في المدخول بها هو الذي يطلق امرأتببه فببي‬
‫طهر لم يمسها فيه طلقة واحدة‪ ،‬وأن المطلق في الحيض أو الطهببر الببذي مسببها فيببه‬
‫غير مطلق للسنة‪ ،‬وإنما أجمعوا على هذا لما ثببت مبن حبديث اببن عمبر "أنبه طلبق‬
‫امرأته وهي حائض على عهد رسول ال صلى ال عليببه وسببلم‪ ،‬فقببال عليببه الصببلة‬
‫والسلم‪ :‬مره فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر‪ ،‬ثم إن شاء أمسك وإن شبباء‬
‫طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر ال أن تطلق لهببا النسبباء"‪ .‬واختلفببوا مببن هببذا‬
‫الباب في ثلثببة مواضبع‪ :‬الموضبع الول‪ :‬هبل مبن شبرطه أن ل يتبعهببا طلقببا فبي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫العدة؟‪ .‬والثاني‪ :‬هل المطلق ثلثا‪ :‬أعني بلفببظ الثلث مطلببق للسببنة أم ل؟‪ .‬والثببالث‪:‬‬
‫في حكم من طلق في وقت الحيض‪.‬‬
‫@‪)-‬أما الموضع الول( فإنه اختلف فيه مالك وأبو حنيفة ومن تبعهمبا‪ ،‬فقبال مالبك‪:‬‬
‫من شرطها أن ل يتبعها في العدة طلقا آخبر‪ .‬وقبال أببو حنيفبة‪ :‬إن طلقهببا عنببد كببل‬
‫طهر طلقة واحدة كان مطلقا للسنة‪ .‬وسبب هذا الختلف هل من شببرط هببذا الطلق‬
‫أن يكون في حال الزوجية بعد رجعة أم ليس من شرطه؟ فمببن قبال هبو مبن شبرطه‬
‫قال‪ :‬ل يتبعها فيه طلقا‪ ،‬ومن قال ليس مبن شبرطه أتبعهبا الطلق ول خلف بينهبم‬
‫في وقوع الطلق المتبع‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما الموضع الثاني( فإن مالكا ذهب إلببى أن المطلببق ثلثببا بلفببظ واحببد مطلببق‬
‫لغير سنة‪ ،‬وذهب الشافعي إلى أنببه مطلببق للسببنة‪ .‬وسبببب الخلف معارضببة إقببراره‬
‫عليه الصلة والسلم للمطلق بين يديه ثلثا في لفظة واحدة لمفهوم الكتاب فببي حكببم‬
‫الطلقة الثالثة‪ .‬والحديث الذي احتج به الشافعي هببو مببا ثبببت مببن أن العجلنببي طلببق‬
‫زوجته ثلثا بحضرة رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد الفراغ مببن الملعنببة قببال‪:‬‬
‫فلو كان بدعة لما أقره رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم‪ .‬وأمببا مالببك فلمببا رأى أن‬
‫المطلق بلفظ الثلث رافع للرخصة التي جعلها ال في العدد قال فيه إنه ليببس للسببنة‪،‬‬
‫واعتذر أصحابه عن الحديث بأن المتلعنين عنده قد وقعببت الفرقببة بينهمببا مببن قبببل‬
‫التلعن نفسه‪ ،‬فوقع الطلق على غير محله‪ ،‬فلم يتصف ل بسببنة ول ببدعببة‪ ،‬وقببول‬
‫مالك ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬أظهر ههنا من قول الشافعي‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما الموضع الثالث‪ :‬في حكم من طلق في وقت الحيببض( فببإن النبباس اختلفببوا‬
‫في ذلك في مواضع‪ :‬منها أن الجمهور قالوا يمضي طلقه؛ وقالت فرقة‪ :‬ل ينفببذ ول‬
‫يقع؛ والذين قالوا ينفذ قالوا‪ :‬يؤمر بالرجعة وهؤلء افترقوا فرقتين فقوم رأوا أن ذلك‬
‫واجب وأنه يجبر على ذلك‪ ،‬وبه قال مالك وأصحابه‪ .‬وقالت فرقة بل يندب إلى ذلببك‬
‫ول يجبر‪ ،‬وبه قال الشببافعي وأبببو حنيفببة والثببوري وأحمببد والببذين أوجبببوا الجبببار‬
‫اختلفوا في الزمان الببذي يقببع فيببه الجبببار‪ ،‬فقببال مالببك وأكببثر أصببحابه ابببن القاسببم‬
‫وغيره يجبر ما لببم تنقببض عببدتها؛ وقبال أشببهب‪ :‬ل يجبببر إل فببي الحيضببة الولببى‪.‬‬
‫والذين قالوا بالمر بالرجعة اختلفوا مببتى يوقببع الطلق بعببد الرجعببة إن شبباء‪ ،‬فقببوم‬
‫اشترطوا في الرجعة أن يمسكها حتى تطهر من تلك الحيضة ثم تحيض ثم تطهر‪ ،‬ثم‬
‫إن شاء طلقها وإن شاء أمسكها‪ ،‬وبه قال مالك والشافعي وجماعببة؛ وقببوم قببالوا‪ :‬بببل‬
‫يراجعها‪ ،‬فإذا طهرت من تلك الحيضة الببتي طلقهببا فيهببا فببإن شبباء أمسببك وإن شبباء‬
‫طلق‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة والكوفيون‪ ،‬وكل من اشترط في طلق السنة أن يطلقها فببي‬
‫طهر لم يمسها فيه لم ير المر بالرجعة إذا طلقها في طهر مسها فيببه‪ ،‬فهنببا إذا أربببع‬
‫مسائل‪ :‬أحدها‪ :‬هل يقع الطلق أم ل؟‪ .‬والثانية‪ :‬إن وقع فهببل يجبببر علببى الرجعببة أم‬
‫يؤمر فقط؟‪ .‬والثالثة‪ :‬متى يوقببع الطلق بعببد الجببار أو النبدب‪ ،‬والرابعببة مببتى يقببع‬
‫الجبار‪.‬‬
‫@‪)-‬أما المسببألة الولببى( فببإن الجمهببور إنمببا صبباروا إلببى أن الطلق إن وقببع فببي‬
‫الحيض اعتد به‪ ،‬وكان طلقا لقوله صلى ال عليه وسلم في حببديث ابببن عمببر "مببره‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فليراجعها" قالوا‪ :‬والرجعة ل تكببون إل بعببد طلق‪ ،‬وروى الشببافعي عببن مسببلم بببن‬
‫خالد عن ابن جريج أنهم أرسلوا إلى نافع يسألونه هل حسبت تطليقة اببن عمببر علببى‬
‫عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم؟ قال نعبم‪ ،‬وروي أنبه الببذي كببان يفببتي ببه اببن‬
‫عمر‪ .‬وأما من لم ير هذا الطلق واقعا فإنه اعتمد عموم قوله صلى ال ب عليببه وسببلم‬
‫"كل فعل أو عمل ليس عليه أمرنا فهو رد" وقالوا‪ :‬أمر رسببول الب صببلى الب عليببه‬
‫وسلم برده يشعر بعدم نفوذه ووقوعه‪ .‬وبالجملة فسببب الختلف هبل الشبروط البتي‬
‫اشترطها الشببرع فببي الطلق السببني هببي شببروط صببحة وإجببزاء‪ ،‬أم شببروط كمببال‬
‫وتمام؟ فمن قال شروط إجزاء قال‪ :‬ل يقع الطلق الذي عدم هذه الصفة‪ ،‬ومببن قببال‪:‬‬
‫شروط كمال وتمام قال‪ :‬يقع ويندب إلى أن يقع كامل‪ ،‬ولذلك من قال بوقببوع الطلق‬
‫وجبره على الرجعة فقد تناقض‪ ،‬فتدبر ذلك‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثانية( وهي هل يجبر على الرجعة أو ل يجبر؟ فمن اعتمد ظاهر‬
‫المر وهو الوجوب على مببا هببو عليببه عنببد الجمهببور قببال‪ :‬يجبببر؛ ومببن لحببظ هببذا‬
‫المعنى الذي قلناه من كون الطلق واقعا قال‪ :‬هذا المر هو على الندب‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثالثة( وهي متى يوقع الطلق بعد الجبببار فببإن مببن اشببترط فببي‬
‫ذلك أن يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهببر فإنمببا صببار لببذلك لنببه المنصببوص‬
‫عليه في حديث ابن عمر المتقدم قالوا‪ :‬والمعنى في ذلك لتصببح الرجعببة بببالوطء فببي‬
‫الطهر الذي بعد الحيض لنه لو طلقها في الطهر الذي بعد الحيضة لم يكن عليها من‬
‫الطلق الخر عدة لنه كان يكببون كببالمطلق قبببل الببدخول‪ .‬وبالجملببة فقببالوا إن مببن‬
‫شرط الرجعة وجود زمان يصح فيه الببوطء‪ ،‬وعلبى هببذا التعليببل يكبون مببن شبروط‬
‫طلق السنة أن يطلقها في طهر لم يطلق في الحيضة التي قبلببه‪ ،‬وهببو أحببد الشببروط‬
‫المشترطة عند مالك في طلق السنة فيما ذكره عند الوهاب‪ .‬وأما الذين لم يشببترطوا‬
‫ذلك‪ ،‬فإنهم صاروا إلى ما روى يونس ابن جبير وسعيد ابن جبير وابن سيرين ومببن‬
‫تابعهم عن ابن عمر في هذا الحديث أنه قال‪ :‬يراجعها فببإذا طهببرت طلقهببا إن شبباء‪،‬‬
‫وقالوا‪ :‬المعنى في ذلك أنه إنما أمر بالرجوع عقوبة له لنه طلق فبي زمبان كبره لبه‬
‫فيه الطلق‪ ،‬فإذا ذهب ذلك الزمان وقع منه الطلق على وجببه غيببر مكببروه‪ .‬فسبببب‬
‫اختلفهم تعارض الثار في هذه المسألة وتعارض مفهوم العلة‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الرابعة( وهي مبتى يجببر فإنمبا ذهببب مالببك إلبى أنبه يجببر علببى‬
‫رجعتها لطول زمان العدة لنه الزمان الذي له فيه ارتجاعها‪ .‬وأما أشببهب فببإنه إنمببا‬
‫صار في هذا إلى ظاهر الحديث‪ ،‬لن فيببه "مببره فليراجعهببا حببتى تطهببر" فببدل ذلببك‬
‫على أن المراجعة كبانت فبي الحيضبة‪ ،‬وأيضببا فبإنه قببال‪ :‬إنمببا أمببر بمراجعتهبا لئل‬
‫تطول عليها العدة‪ ،‬فإنه إذا وقع عليها الطلق في الحيضة لببم تعتببد بهببا بإجمبباع فبإن‬
‫قلنا إنه يراجعها في غير الحيضة كان ذلك عليها أطول‪ ،‬وعلببى هببذا التعليببل فينبغببي‬
‫أن يجوز إيقاع الطلق فببي الطهببر الببذي بعببد الحيضببة‪ .‬فسبببب الختلف هببو سبببب‬
‫اختلفهم في علة المر بالرد‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الثالث في الخلع‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬واسم الخلع والفدية والصببلح والمبببارأة كلهببا تئول إلببى معنببى واحببد‪ ،‬وهببو بببذل‬
‫المرأة العوض على طلقها‪ ،‬إل أن اسم الخلببع يختببص ببببذلها لببه جميببع مببا أعطاهببا‬
‫والصلح ببعضه والفدية بأكثره والمبارأة بإسقاطها عنه حقا لهببا عليببه علببى مببا زعببم‬
‫الفقهاء‪ ،‬والكلم ينحصر في أصول هبذا النبوع مببن الفببراق فبي أربعبة فصببول‪ :‬فببي‬
‫جواز وقوعه أول‪ ،‬ثم ثانيا فببي شببروط وقببوعه‪ :‬أعنببي جببواز وقببوعه‪ ،‬ثببم ثالثببا فببي‬
‫نوعه‪ :‬أعني هل هو طلق أو فسخ؟‪ .‬ثم رابعا فيما يلحقه من الحكام‪.‬‬
‫*‪*5‬الفصل الول في جواز وقوعه‪.‬‬
‫@‪-‬فأما جواز وقوعه فعليببه أكببثر العلمباء‪ .‬والصببل فببي ذلببك الكتبباب والسبنة‪ ،‬أمببا‬
‫الكتاب فقوله تعالى }فل جناح عليهما فيما افتدت به{ ‪ .‬وأما السنة فحديث ابن عببباس‬
‫"أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى ال عليه وسلم فقالت‪ :‬يببا رسببول الب ثببابت‬
‫بن قيس ل أعيب عليه في خلق ول دين‪ ،‬ولكن أكره الكفر بعد الدخول فببي السببلم‪،‬‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬أتردين عليه حديقته؟ قببالت‪ :‬نعببم‪ ،‬قببال رسببول‬
‫ال صببلى الب عليببه وسببلم‪ :‬اقبببل الحديقببة وطلقهببا طلقببة واحببدة" خرجببه بهببذا اللفببظ‬
‫البخاري وأبو داود والنسائي‪ ،‬وهو حديث متفق على صحته‪ ،‬وشذ أبو بكر ابببن عبببد‬
‫ال المزيني عن الجمهور فقال‪ :‬ل يحل للببزوج أن يأخببذ مببن زوجتببه شببيئا‪ ،‬واسببتدل‬
‫على ذلك بأنه زعم أن قوله تعالى }فل جناح عليهما فيمببا افتببدت بببه{ منسببوخ بقببوله‬
‫تعالى }وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتببم إحببداهن قنطببارا فل تأخببذوا منببه‬
‫شيئا{ الية‪ .‬والجمهور على أن معنى ذلك بغير رضاها‪ ،‬وأما برضاها فجائز‪ .‬فسبب‬
‫الخلف حمل هذا اللفظ على عمومه أو على خصوصه‪.‬‬
‫*‪*5‬الفصل الثاني في شروط وقوعه‪.‬‬
‫@‪-‬فإما شروط جوازه فمنها ما يرجع إلى القدر الذي يجببوز فيببه؛ ومنهببا مببا يرجببع‬
‫إلى صفة الشيء الذي يجوز به؛ ومنها ما يرجع إلى الحال التي يجببوز فيهببا؛ ومنهببا‬
‫ما يرجع إلى صفة مبن يجبوز لبه الخلبع مبن النسباء أو مبن أوليبائهن ممبن ل تملبك‬
‫أمرها‪ ،‬ففي هذا الفصل أربع مسائل‪:‬‬
‫@‪)-‬المسألة الولى( أمببا مقببدار مببا يجببوز لهببا أن تختلببع بببه‪ ،‬فببإن مالكببا والشببافعي‬
‫وجماعة قالوا‪ :‬جائز أن تختلع المرأة بأكثر مما يصير لها من الزوج في صببداقها إذا‬
‫كان النشوز من قبلها وبمثله وبأقل منببه؛ وقببال قببائلون‪ :‬ليببس لببه أن يأخببذ أكببثر ممببا‬
‫أعطاها على ظاهر حديث ثابت‪ ،‬فمن شبهه بسائر العواض في المعاملت رأى أن‬
‫القدر فيه راجع إلى الرضا؛ ومن أخذ بظاهر الحديث لم يجز أكبثر مبن ذلببك‪ ،‬وكببأنه‬
‫رآه من باب أخذ المال بغير حق‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية( وأما صفة العوض‪ ،‬فإن الشافعي وأبببا حنيفببة يشببترطان فيببه أن‬
‫يكون معلوم الصبفة ومعلبوم الوجبوب‪ ،‬ومالبك يجيبز فيبه المجهبول الوجبود والقبدر‬
‫والمعدوم‪ ،‬مثل البق والشارد والثمرة التي لم يبد صلحها والعبد غيببر الموصببوف‪.‬‬
‫وحكي عن أبي حنيفة جواز الغرر ومنع المعدوم‪ .‬وسبب الخلف تردد العوض ههنا‬
‫بين العوض في البببيوع أو الشببياء الموهوبببة والموصببي بهببا؛ فمببن شبببهها بببالبيوع‬
‫اشترط ما يشترط في البيوع وفي أعواض البببيوع؛ ومببن شبببهه بالهبببات لببم يشببترط‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ذلك‪ .‬واختلفوا إذا وقع الخلع بما لم يحل كالخمر والخنزير هل يجب لها عوض أم ل‬
‫بعد اتفاقهم على أن الطلق يقع؟ فقال مالك‪ :‬ل تستحق عوضا‪ ،‬وبه قببال أبببو حنيفببة؛‬
‫وقال الشافعي‪ :‬يجب لها مهر المثل )هكذا جميع النسخ‪ .‬ولعل الصواب يجببب عليهببا‪،‬‬
‫فإن العوض راجع للزوج‪ ،‬فليتأمل ا هب مصححه(‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثالثة( وأما ما يرجع إلببى الحببال الببتي يجببوز فيهببا الخلببع مببن الببتي ل‬
‫يجوز فإن الجمهور على أن الخلع جائز مع التراضي إذا لم يكببن سبببب رضبباها بمببا‬
‫تعطيه إضراره بها‪ ،‬والصل في ذلك قوله تعالى }ول تعضلوهن لتذهبوا ببعببض مببا‬
‫آتيتموهن إل أن يأتين بفاحشة مبينة{ وقوله تعالى }فببإن خفتببم أن ل يقيمببا حببدود الب‬
‫فل جناح عليهما فيما افتببدت بببه{ وشببذ أبببو قلبببة والحسببن البصببري فقببال‪ :‬ل يحببل‬
‫للرجل الخلع عليها حتى يشاهدها تزني‪ ،‬وحملوا الفاحشة في الية على الزنببا؛ وقببال‬
‫داود‪ :‬ل يجببوز إل بشببرط الخببوف أن ل يقيمببا حببدود الب علببى ظبباهر اليببة؛ وشببذ‬
‫النعمان فقال‪ :‬يجوز الخلع مع الضرار؛ والفقه أن الفداء إنما جعل للمرأة في مقابلببة‬
‫ما بيد الرجل من الطلق‪ ،‬فإنه لمببا جعببل الطلق بيببد الرجببل إذا فببرك المببرأة جعببل‬
‫الخلع بيد المرأة إذا فركبت الرجبل‪ ،‬فيتحصبل فبي الخلبع خمسبة أقبوال‪ :‬قبول إنبه ل‬
‫يجوز أصل‪ .‬وقوله إنه يجوز على كل حال‪ :‬أي مع الضرر‪ .‬وقول إنببه ل يجببوز إل‬
‫مع مشاهدة الزنا‪ .‬وقول مع خوف أن ل يقيما حببدود البب‪ .‬وقببول إنببه يجببوز فببي كببل‬
‫حال إل مع الضرر‪ ،‬وهو المشهور‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الرابعة( وأما مببن يجببوز لببه الخلببع ممببن ل يجببوز فببإنه ل خلف عنببد‬
‫الجمهور أن الرشيدة تخببالع عببن نفسببها‪ ،‬وأن المببة ل تخببالع عببن نفسببها إل برضببا‬
‫سيدها‪ ،‬وكذلك السفيه مع وليها عند من يرى الحجر؛ وقال مالببك‪ :‬يخببالع الب علببى‬
‫ابنته الصغيرة كما ينكحها وكذلك على ابنه الصغير لنه عنده يطلق عليببه‪ ،‬والخلف‬
‫في البن الصغير قال الشافعي وأبو حنيفة‪ :‬ل يجوز لنه ل يطلق عليه عنببدهم وال ب‬
‫أعلم وخلع المريضة يجوز عند مالك إذا كان بقدر ميراثه منها؛ وروى ابن نافع عن‬
‫مالك أنه يجوز خلعها بالثلث كله؛ وقال الشافعي‪ :‬لو اختلعت بقدر مهببر مثلهببا جبباز‪،‬‬
‫وكان من رأس المال‪ ،‬وإن زاد على ذلك كانت الزيادة من الثلث‪ .‬وأما المهملببة الببتي‬
‫ل وصي لها ول أب فقال ابن القاسم‪ :‬يجوز خلعهببا إذا كببان خلببع مثلهببا‪ ،‬والجمهببور‬
‫على أنه يجوز خلع المالكة لنفسها؛ وشذ الحسن وابن سببيرين فقببال‪ :‬ل يجببوز الخلببع‬
‫إل بإذن السلطان‪.‬‬
‫*‪*5‬الفصل الثالث في نوعه‪.‬‬
‫@‪-‬وأما نوع الخلع فجمهور العلماء علببى أنببه طلق‪ ،‬وبببه قببال مالببك‪ ،‬وأبببو حنيفببة‬
‫سوى بين الطلق والفسببخ؛ وقببال الشببافعي‪ :‬هببو فسببخ‪ ،‬وبببه قببال أحمببد وداود ومببن‬
‫الصحابة ابن عباس‪ .‬وقببد روي عببن الشببافعي أنببه كنايببة‪ ،‬فبإن أراد بببه الطلق كببان‬
‫طلقا وإل كان فسخا‪ ،‬وقد قيل عنه في قوله الجديد إنه طلق وفائدة الفرق هل يعتببد‬
‫به في التطليقات أم ل؟ وجمهور من رأى أنه طلق يجعله بائنا‪ ،‬لنه لو كان للببزوج‬
‫في العدة منه الرجعة عليها لم يكن لفتدائها معنى وقببال أبببو ثببور‪ :‬إن لببم يكببن بلفببظ‬
‫الطلق لم يكن له عليها رجعة‪ ،‬وإن كان بلفظ الطلق كببان لببه عليهببا الرجعبة احتبج‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫من جعله طلقا بأن الفسوخ إنما هي التي تقتضي الفرقببة الغالبببة للببزوج فببي الفببراق‬
‫مما ليس يرجع إلى اختياره‪ ،‬وهذا راجع إلى الختيار فليس بفسخ‪ ،‬واحتج من لم يره‬
‫طلقا بأن ال تبارك وتعالى ذكر فببي كتببابه الطلق فقببال }الطلق مرتببان{ ثببم ذكببر‬
‫الفتداء ثم قال }فإن طلقها فل تحل لببه مببن بعببد حببتى تنكببح زوجببا غيببره{ فلببو كببان‬
‫الفتداء طلقا لكان الطلق الببذي ل تحببل لببه فيببه إل بعببد زوج هببو الطلق الرابببع‪،‬‬
‫وعند هؤلء أن الفسوخ تقع بالتراضي قياسا على فسوخ البيع‪ :‬أعنببي القالببة‪ ،‬وعنببد‬
‫المخالف أن الية إنما تضمنت حكم القتداء على أنه شيء يلحق جميع أنواع الطلق‬
‫ل أنه شيء غير الطلق‪ .‬فسبب الخلف هل اقببتران العببوض بهببذه الفرقببة يخرجهببا‬
‫من نوع فرقة الطلق إلى نوع الفسخ أم ليس يخرجها؟‪.‬‬
‫*‪*5‬الفصل الرابع فيما يلحقه من الحكام‪.‬‬
‫@‪-‬وأما لواحقه ففروع كثيرة‪ ،‬لكببن نببذكر منهببا مببا شببهر‪ :‬فمنهببا هببل يرتببدف علببى‬
‫المختلعببة طلق أم ل؟ فقببال مالببك‪ :‬ل يرتببدف إل إن كببان الكلم متصببل؛ وقببال‬
‫الشافعي‪ :‬ل يرتدف وإن كان الكلم متصل؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬يرتدف ولم يفببرق بيببن‬
‫الفببور والببتراخي‪ .‬وسبببب الخلف أن العببدة عنببد الفريببق الول مببن أحكببام الطلق‪،‬‬
‫وعند أبي حنيفة من أحكام النكاح‪ ،‬ولذلك ل يجوز عنده أن ينكح مع المبتوتة أختهببا‪،‬‬
‫فمن رآها من أحكام النكاح ارتدف الطلق عنده‪ ،‬ومن لم ير ذلك لببم يرتببدف؛ ومنهببا‬
‫أن جمهور العلماء أجمعوا على أنه ل رجعة للزوج على المختلعة فببي العببدة‪ ،‬إل مببا‬
‫روي عن سعيد بن المسيب وابن شهاب أنهما قال‪ :‬إن رد لها ما أخذ منهبا فبي العبدة‬
‫أشهد على رجعتها‪ ،‬والفرق الذي ذكرناه عن أبي ثور بين أن يكبون بلفبظ الطلق أو‬
‫ل يكون؛ ومنها أن الجمهور أجمعوا علببى أن لببه أن يتزوجهببا برضبباها فببي عببدتها؛‬
‫وقالت فرقة من المتأخرين‪ :‬ل يتزوجها هو ول غيره في العدة‪ .‬وسبب اختلفهم هببل‬
‫المنع من النكاح في العدة عبادة أو ليس بعبادة بل معلل؟‪ .‬واختلفوا في عدة المختلعببة‬
‫وسيأتي بعد‪ .‬واختلفوا إذا اختلف الزوج والزوجة في مقدار العدد الذي وقع به الخلببع‬
‫فقال مالك‪ :‬القول قوله إن لم يكن هنالك بينة؛ وقال الشافعي‪ :‬يتحالفبان ويكبون عليهبا‬
‫مهر المثل‪ ،‬شبه الشبافعي اختلفهمبا بباختلف المتببايعين؛ وقبال مالبك‪ :‬هبي مبدعى‬
‫عليها وهو مدع‪ .‬ومسائل هذا الباب كثيرة وليس مما يليق بقصدنا‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الرابع في تمييز الطلق من الفسخ‪.‬‬
‫@‪-‬واختلف قول مالك رحمه ال في الفرق بين الفسخ الذي ل يعتد به في التطليقات‬
‫الثلث وبين الطلق الذي يعتد به في الثلث إلى قبولين‪ :‬أحببدهما أن النكباح إن كبان‬
‫فيه خلف خارج عن مذهبه‪ :‬أعني في جوازه‪ ،‬وكان الخلف مشهورا فالفرقة عنببده‬
‫فيه طلق مثل الحكم بتزويج المببرأة نفسببها والمحببرم‪ ،‬فهببذه علببى هببذه الروايببة هببي‬
‫طلق ل فسخ‪ .‬والقول الثاني أن العتبار في ذلك هو بالسبب الموجب للتفببرق‪ ،‬فببإن‬
‫كان غير راجع إلى الزوجين مما لو أراد القامة على الزوجيببة معببه لببم يصببح كببان‬
‫فسخا مثل نكاح المحرمة بالرضاع أو النكبباح أو العببدة وإن كببان ممببا لهمببا أن يقيمببا‬
‫عليه مثل الرد بالعيب كان طلقا‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الخامس في التخيير والتمليك‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬ومما يعد من أنواع الطلق مما يرى أن لببه أحكامببا خاصببة‪ :‬التمليببك والتخييببر‪،‬‬
‫والتمليك عن مالك فببي المشببهور غيببر التخييببر‪ ،‬وذلببك أن التمليببك هببو عنببده تمليببك‬
‫المرأة إيقاع الطلق‪ ،‬فهو يحتمل الواحدة فما فوقها‪ ،‬ولذلك له أن يناكرهببا عنببده فيمببا‬
‫فوق الواحدة‪ ،‬والخيار بخلف ذلك لنه يقتضي إيقاع طلق تنقطع معببه العصببمة إل‬
‫أن يكببون تخييببرا مقيببدا مثببل أن يقببول لهببا اختبباري نفسببك أو اختبباري تطليقببة أو‬
‫تطليقتين‪ ،‬ففي الخيار المطلق عند مالك ليس لهببا إل أن تختببار زوجهببا أو تبببين منببه‬
‫بالثلث‪ ،‬وإن اختارت واحدة لم يكن لها ذلك‪ ،‬والمملكة ل يبطل تمليكهببا عنببده إن لببم‬
‫توقع الطلق حتى يطول المر بهببا علببى إحببدى الروايببتين أو يتفرقببا مببن المجلببس؛‬
‫والرواية الثانية أنه يبقى لها التمليببك إلببى أن تببرد أو تطلببق والفببرق عنببد مالببك بيببن‬
‫التمليك وتوكيله إياها على تطليق نفسها أن في التوكيل له أن يعزلهببا قبببل أن تطلببق‪،‬‬
‫وليس له ذلك في التمليك؛ وقال الشببافعي‪ :‬اختبباري وأمببرك بيببدك سببواء‪ ،‬ول يكببون‬
‫ذلك طلقا إل أن ينويه‪ ،‬وإن نواه فهببو مببا أراد إن واحببدة فواحببدة وإن ثلثببا فثلث‪،‬‬
‫فله عنده أن يناكرها في الطلق نفسه‪ ،‬وفي العدد في الخيار أو التمليك‪ ،‬وهببي عنببده‬
‫إن طلقببت نفسببها رجعيببة‪ ،‬وكببذلك هببي عنببد مالببك فببي التمليببك؛ وقببال أبببو حنيفببة‬
‫وأصحابه‪ :‬الخيار ليس بطلق‪ ،‬فإن طلقت نفسها في التمليك واحدة فهي بائنببة؛ وقببال‬
‫الثوري‪ :‬الخيار والتمليك واحد ل فرق بينهما‪ ،‬وقد قيل القول قولها في أعداد الطلق‬
‫في التمليك‪ ،‬وليس للزوج مناكرتها‪ ،‬وهذا القول مروي عن علي وابن المسيب‪ ،‬وبببه‬
‫قال الزهري وعطاء‪ ،‬وقد قيل إنه ليس للمرأة في التمليك إل أن تطلق نفسببها تطليقببة‬
‫واحدة‪ ،‬وذلك مروي عن ابن عباس وعمببر رضببي الب عنهمببا‪ ،‬روى أنببه جبباء ابببن‬
‫مسعود رجل فقال‪ :‬كان بيني وبين امرأتي بعض ما يكون بين الناس‪ ،‬فقببالت‪ :‬لببو أن‬
‫الذي بيدك من أمري بيدي لعلمت كيف أصنع‪ ،‬قال‪ :‬فإن الذي بيدي من أمرك بيببدك‪،‬‬
‫قالت‪ :‬فأنت طالق ثلثببا‪ ،‬قببال‪ :‬أراهببا واحببدة وأنببت أحببق بهببا مببا دامببت فببي عببدتها‪،‬‬
‫وسألقى أمير المؤمنين عمر‪ ،‬ثم لقيببه فقببص عليببه القصببة فقببال‪ :‬صببنع الب بالرجببال‬
‫وفعل‪ :‬يعمدون إلى ما جعل ال في أيديهم فيجعلونه بأيدي النساء بفيها الببتراب‪ ،‬مبباذا‬
‫قلت فيها؟ قال‪ :‬قلت أراها واحدة وهو أحق بها قال‪ :‬وأنا أرى ذلك‪ ،‬ولو رأيببت غيببر‬
‫ذلك علمت أنك لم تصب‪ ،‬وقد قيل ليس التمليك بشيء لن ما جعل الشرع بيد الرجل‬
‫ليس يجوز أن يرجع إلى يد المرأة بجعل جاعل‪ .‬وكذلك التخيير وهو قول أبي محمد‬
‫بن حزم وقول مالك في المملكة إن لها الخيار في الطلق أو البقاء على العصببمة مببا‬
‫دامببت فببي المجلببس وهببو قببول الشببافعي وأبببي حنيفببة والوزاعببي وجماعببة فقهبباء‬
‫المصار؛ وعند الشافعي أن التمليك إذا أراد به الطلق كالوكالة‪ ،‬ولبه أن يرجبع فبي‬
‫ذلك متى أحب ذلك ما لم يوقببع الطلق‪ ،‬وإنمببا صببار الجمهببور للقضبباء بالتمليببك أو‬
‫بالتخيير‪ ،‬وجعل ذلك للنساء لما ثبببت مببن تخييببر رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم‬
‫نساءه‪ ،‬قالت عائشة خيرنا رسول ال صلى ال عليه وسلم فاخترناه فلببم يكببن طلقببا‪،‬‬
‫لكن أهل الظاهر يرون أن معنى ذلببك أنهببن لببو اخببترن أنفسببهن طلقهببن رسببول الب‬
‫صلى ال عليه وسلم ل أنهن كن يطلقن بنفببس اختيببار الطلق‪ .‬وإنمببا صببار جمهببور‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الفقهاء إلى أن التخيير والتمليك واحد في الحكم‪ ،‬لن من عببرف دللببة اللغببة أن مببن‬
‫ملك إنسانا أمرا من المور إن شاء أن يفعله أو ل يفعله فإنه قد خيره‪.‬‬
‫وأما مالك فيرى أن قوله لها اختاريني أو اختاري نفسك أنه ظاهر بعرف الشرع في‬
‫معنى البينونة بتخيير رسول ال صلى ال عليببه وسببلم نسبباءه لن المفهببوم منببه إنمببا‬
‫كان البينونة وإنما رأى مالك أنه ل يقبل قول الزوج في التمليك أنه لم يرد بببه طلقببا‬
‫إذا زعم ذلك لنه لفظ ظاهر في معنى جعل الطلق بيدها‪ ،‬وأما الشافعي فلما لم يكن‬
‫اللفظ عنده نصا اعتبر فيه النيببة‪ .‬فسبببب الخلف هببل يغلببب ظبباهر اللفببظ أو دعببوى‬
‫النية‪ ،‬وكذلك فعل في التخيير‪ ،‬وإنما اتفقوا على أن له مناكرتها في العدد‪ :‬أعنببي فببي‬
‫لفظ التمليك‪ ،‬لنه ل يدل عليببه دللببة محتملببة فضببل عببن ظبباهره‪ ،‬وإنمببا رأى مالببك‬
‫والشافعي أنه إذا طلقببت نفسببها بتمليكببه إياهببا طلقببة واحببدة أنهببا تكببون رجعيببة‪ ،‬لن‬
‫الطلق إنما يحمل على العرف الشرعي وهو طلق السنة‪ ،‬وإنما رأى أبو حنيفة أنها‬
‫بائنة‪ ،‬لنه إذا كان له عليها رجعة لم يكن لما طلبت من التمليك فائدة ولما قصببد هببو‬
‫من ذلك‪ .‬وأما من رأى أن لها أن تطلق نفسببها فببي التمليببك ثلثببا وأنببه ليببس للببزوج‬
‫مناكرتها في ذلك‪ ،‬فلن معنى التمليك عنده إنما هو تصيير جميع ما كان بيببد الرجببل‬
‫من الطلق بيد المرأة فهي مخيرة فيما توقعه من أعداد الطلق‪.‬‬
‫وأما من جعل التمليك طلقة واحدة فقط أو التخيير‪ ،‬فإنما ذهب إلى أنه أقل مببا ينطلببق‬
‫عليه السم واحتياطا للرجال لن العلة في جعببل الطلق بأيببدي الرجببال دون النسبباء‬
‫هو لنقصان عقلهن وغلبة الشهوة عليهن مع سوء المعاشرة‪ ،‬وجمهببور العلمبباء علببى‬
‫أن المببرأة إذا اختببارت زوجهببا أنببه ليببس بطلق لقببول عائشببة المتقببدم‪ .‬وروي عببن‬
‫الحسببن البصببري أنهببا إذا اختببارت زوجهببا فواحببدة‪ ،‬وإذا اختببارت نفسببها فثلث‪،‬‬
‫فيتحصل في هذه المسألة الخلف في ثلث مواضع‪ :‬أحدها أنه ل يقببع بواحببد منهمببا‬
‫طلق‪ .‬والثاني أنه تقع بينهما فرقة‪ .‬والثالث الفرق بين التخيير والتمليك فيما تملك به‬
‫المببرأة‪ ،‬أعنببي أن تملببك بببالتخيير البينونببة‪ ،‬وبالتمليببك مببا دون البينونببة‪ ،‬وإذا قلنببا‬
‫بالبينونببة فقيببل تملببك واحببدة‪ ،‬وقيببل تملببك الثلث؛ وإذا قلنببا إنهببا تملببك واحببدة فقيببل‬
‫رجعية‪ ،‬وقيل بائنة‪ .‬وأما حكم اللفاظ البتي تجيبب بهبا المبرأة فبي التخييبر والتمليبك‬
‫فهي ترجع إلى حكم اللفاظ التي يقع بها الطلق فببي كونهببا صببريحة فببي الطلق أو‬
‫كناية أو محتملة‪ ،‬وسيأتي تفصيل ذلك عند التكلم في ألفاظ الطلق‪.‬‬
‫*‪)*3‬الجملة الثانية( وفي هذه الجملة ثلثة أبواب‬
‫@‪-‬الباب الول‪ :‬في ألفاظ الطلق وشروطه‪ .‬الباب الثبباني‪ :‬فببي تفصببيل مببن يجببوز‬
‫طلقه ممن ل يجوز‪ .‬الباب الثالث في تفصيل من يقع عليها الطلق من النساء ممببن‬
‫ل يقع‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الول في ألفاظ الطلق وشروطه‪.‬‬
‫@‪-‬وهذا الباب فيه فصلن‪ :‬الفصل الول‪ :‬في أنواع ألفاظ الطلق المطلقببة‪ .‬الفصببل‬
‫الثاني‪ :‬في أنواع ألفاظ الطلق المقيدة‪.‬‬
‫*‪*5‬الفصل الول في أنواع ألفاظ الطلق المطلقة‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬أجمع المسلمون على أن الطلق يقع إذا كان بنية وبلفببظ صببريح‪ .‬واختلفببوا هببل‬
‫يقع بالنية مع اللفظ الذي ليببس بصببريح‪ ،‬أو بالنيببة دون اللفببظ‪ ،‬أو ببباللفظ دون النيببة؛‬
‫فمن اشترط فيه النية واللفظ الصريح فاتباعا لظاهر الشرع‪ ،‬وكذلك من أقببام الظبباهر‬
‫مقام الصريح‪ ،‬ومن شبهه بالعقد في النذر وفي اليمين أوقعه بالنية فقبط‪ ،‬ومبن أعمبل‬
‫التهمة أوقعه باللفظ فقببط‪ .‬واتفببق الجمهببور علببى أن ألفبباظ الطلق المطلقببة صببنفان‪:‬‬
‫صريح‪ ،‬وكناية‪ .‬واختلفوا في تفصيل الصبريح مبن الكنايبة وفبي أحكامهبا ومبا يلبزم‬
‫فيها‪ ،‬ونحن إنما قصدنا من ذلك ذكر المشببهور ومببا يجببري مجببرى الصببول‪ ،‬فقببال‬
‫مالك وأصحابه‪ :‬الصريح هو لفظ الطلق فقط‪ ،‬وما عدا ذلك كناية‪ ،‬وهي عنببده علببى‬
‫ضربين ظاهرة ومحتملة‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة؛ وقال الشافعي‪ :‬ألفاظ الطلق الصريحة‬
‫ثلث‪ :‬الطلق‪ ،‬والفببراق‪ ،‬والسببراح‪ ،‬وهببي مببذكورة فببي القببرآن؛ وقببال بعببض أهببل‬
‫الظاهر‪ :‬ل يقع طلق إل بهذه الثلث‪ .‬فهذا هو اختلفهم في صريح الطلق من غير‬
‫صببريحه‪ .‬وإنمببا اتفقببوا علببى أن لفببظ الطلق صببريح لن دللتببه علببى هببذا المعنببى‬
‫الشرعي دللة وضوعية بالشبرع فصبار أصبل فبي هبذا البباب‪ .‬وأمبا ألفباظ الفبراق‬
‫والسراح فهببي مببترددة بيببن أن يكببون للشببرع فيهببا تصببرف‪ :‬أعنببي أن تببدل بعببرف‬
‫الشرع على المعنى الذي يدل عليه الطلق‪ ،‬أو هببي باقيبة علبى دللتهببا اللغويببة فبإذا‬
‫استعملت في هذا المعنى‪ :‬أعنببي فببي معنببى الطلق كببانت مجببازا إذ هببذا هببو معنببى‬
‫الكناية‪ :‬أعني اللفظ الذي يكون مجازا في دللته‪ ،‬وإنما ذهب من ذهب إلى أنه ل يقع‬
‫الطلق إل بهببذه اللفبباظ الثلثببة‪ ،‬لن الشببرع إنمببا ورد بهببذه اللفبباظ الثلثببة وهببي‬
‫عبادة‪ ،‬ومن شرطها اللفظ‪ ،‬فوجب أن يقتصر بها علببى اللفببظ الشببرعي الببوارد فيهببا‪.‬‬
‫فأما اختلفهم في أحكام صريح ألفاظ الطلق ففيه مسئلتان مشهورتان‪ :‬إحداهما اتفق‬
‫مالك والشافعي وأبو حنيفة عليها‪ .‬والثانية اختلفوا فيها‪ .‬فأمببا الببتي اتفقببوا عليهببا فببإن‬
‫مالكا والشافعي وأبا حنيفة قالوا‪ :‬ل يقبل قول المطلق إذا نطق بألفبباظ الطلق أنببه لببم‬
‫يرد به طلقا إذا قال لزوجتببه أنببت طببالق‪ ،‬وكببذلك السببراح والفببراق عنببد الشببافعي؛‬
‫واستثنت المالكية بأن قالت‪ :‬إل أن تقترن بالحالة أو بالمرأة قرينببة تببدل علببى صببدق‬
‫دعواه‪ ،‬مثل أن تسأله أن يطلقها من وثاق هي فيه وشبهه فيقول لها أنت طالق‪ .‬وفقببه‬
‫المسألة عند الشافعي وأبي حنيفببة أن الطلق ل يحتبباج عنببدهم إلببى نيببة؛ وأمببا مالببك‬
‫فالمشهور عنه أن الطلق عنده يحتاج إلى نية‪ ،‬لكن لم ينوه ههنا لموضع التهم‪ ،‬ومن‬
‫رأيه الحكم بالتهم سدا للذرائع‪ ،‬وذلك مما خالفه فيه الشافعي وأبو حنيفة‪ ،‬فيجب علببى‬
‫رأي من يشترط النية في ألفاظ الطلق ول يحكم بالتهم أن يصدقه فيما ادعى‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثانية( فهي اختلفهم فيمن قال لزوجتببه أنببت طببالق‪ ،‬وادعببى أنببه‬
‫أراد بذلك أكثر من واحدة إما ثنتين وإما ثلثا‪ ،‬فقال مالببك‪ :‬هببو مببا نبوى وقببد لزمببه‪،‬‬
‫وبببه قببال الشببافعي إل أن يقيببد فيقببول طلقببة واحببدة‪ ،‬وهببذا القببول هببو المختببار عنببد‬
‫أصحابه؛ وأما أبو حنيفة فقال‪ :‬ل يقع ثلثببا بلفببظ الطلق لن العببدد ل يتضببمنه لفببظ‬
‫الفراد ل كناية ول تصريحا‪ .‬وسبب اختلفهم هببل يقببع الطلق بالنيببة دون اللفببظ أو‬
‫بالنية مع اللفظ المحتمل؟ فمن قال بالنية أوجب الثلث‪ ،‬وكذلك من قال بالنية واللفببظ‬
‫المحتمل ورأى أن لفظ الطلق يحتمل العدد؛ ومن رأى أنه ل يحتمل العدد وأنه لبببد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫من اشتراط اللفظ في الطلق مع النية قال‪ :‬ل يجببب العببدد وإن نببواه؛ وهببذه المسببألة‬
‫اختلفوا فيها‪ ،‬وهي من مسائل شروط ألفاظ الطلق‪ :‬أعني اشتراط النية مع اللفظ‪ ،‬أو‬
‫بانفراد أحدهما‪ ،‬فالمشهور عن مالك أن الطلق ل يقع إل باللفظ والنية‪ ،‬وبه قال أبببو‬
‫حنيفببة‪ ،‬وقببد روي عنببه أنببه يقببع ببباللفظ دون النيببة؛ وعنببد الشببافعي أن لفببظ الطلق‬
‫الصريح ل يحتاج إلى نية‪ ،‬فمن اكتفى بالنية احتج بقوله صلى ال عليببه وسببلم "إنمببا‬
‫العمال بالنيات" ومن لم يعتبر النية دون اللفببظ احتببج بقببوله عليببه الصببلة والسببلم‬
‫"رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما حدثت به أنفسها" والنيبة دون قبول حبديث نفبس‬
‫قال‪ :‬وليس يلزم من اشترط النية في العمل في الحديث المتقدم أن تكببون النيببة كافيببة‬
‫بنفسها‪ .‬واختلف المذهب هل يقع بلفظ الطلق في المدخول بها طلق بببائن إذا قصببد‬
‫ذلك المطلق ولم يكن هنالك عوض؟ فقيل يقع‪ ،‬وقيل ل يقع‪ ،‬وهببذه المسببألة هببي مببن‬
‫مسائل أحكام صريح ألفاظ الطلق‪ .‬وأما ألفاظ الطلق التي ليست بصريح‪ ،‬فمنها مببا‬
‫هي كناية ظاهرة عند مالك‪ ،‬ومنها ما هي كناية محتملة؛ ومذهب مالك أنه إذا ادعببى‬
‫في الكناية الظاهرة أنه لم يرد طلقا لم يقبل قوله إل أن تكون هنالك قرينة تدل علببى‬
‫ذلك كرأيه في الصريح‪ ،‬وكذلك ل يقبل عنده ما يدعيه من دون الثلث فببي الكنايببات‬
‫الظاهرة وذلك في المدخول بها إل أن يكون قال ذلك في الخلع‪ .‬وأما غيببر المببدخول‬
‫بها فيصدقه في الكناية الظاهرة فيما دون الثلث‪ ،‬لن طلق غير المدخول بها بائن‪،‬‬
‫وهذه هي مثل قولهم‪ :‬حبلك على غاربك‪ ،‬ومثل البتة‪ ،‬ومثل قولهم‪ :‬أنت خلية وبرية‪.‬‬
‫وأما مذهب الشافعي في الكنايات الظاهرة فإنه يرجع في ذلك إلى ما نواه‪ ،‬فببإن كببان‬
‫نوى طلقا كان طلقا وإن كان نوى ثلثا كان ثلثا أو واحببدة كببان واحببدة ويصببدق‬
‫في ذلك وقول أبي حنيفة في ذلببك مثببل قببول الشببافعي‪ ،‬إل أنببه إذا نببوى علببى أصببله‬
‫واحدة أو اثنتين وقع عنده طلقة واحدة بائنة‪ ،‬وإن اقترنت به قرينة تدل علببى الطلق‬
‫وزعم أنه لم ينوه لم يصدق‪ ،‬وذلببك إذا كببان عنببده فببي ذاكرتببه الطلق؛ وأبببو حنيفببة‬
‫يطلببق بالكنايببات كلهببا إذا اقببترنت بهببا هببذه القرينببة إل أربببع‪ :‬حبلببك علببى غاربببك‪،‬‬
‫واعتدي‪ ،‬واستبرئي‪ ،‬وتقنعببي‪ ،‬لنهببا عنببده مببن المحتملببة غيببر الظبباهرة وأمببا ألفبباظ‬
‫الطلق المحتملة غير الظاهرة فعند مالك أنه يعتبر فيها نيته كالحال عند الشافعي في‬
‫الكناية الظاهرة‪ ،‬وخالفه في ذلك جمهور العلماء فقالوا‪ :‬ليببس فيهببا شببيء‪ ،‬وإن نببوى‬
‫طلقا فيتحصل في الكنايات الظاهرة ثلثة أقوال‪ :‬قول أن يصدق بإطلق‪ ،‬وهو قول‬
‫الشافعي؛ وقول إنه ل يصدق بإطلق إل أن يكببون هنالببك قرينببة‪ ،‬وهببو قببول مالببك؛‬
‫وقببول إنببه يصببدق إل أن يكببون فببي مببذاكرة الطلق‪ ،‬وهببو قببول أبببي حنيفببة‪ .‬وفببي‬
‫المذهب خلف في مسائل يتردد حملها بين الظاهر والمحتمل‪ ،‬وبين قوتهببا وضببعفها‬
‫في الدللة على صفة البينونة فوقع فيها الختلف وهي راجعببة إلببى هببذه الصببول؛‬
‫وإنما صار مالك إلى أنه ل يقبل قوله في الكنايات الظاهرة إنه لم يرد به طلقا‪ ،‬لن‬
‫العرف اللغوي والشرعي شباهد عليبه‪ ،‬وذلبك أن هببذه اللفبباظ إنمببا تلفببظ بهبا النبباس‬
‫غالبا‪ ،‬والمراد بها الطلق‪ ،‬إل أن يكون هنالك قرينببة تببدل علببى خلف ذلببك‪ ،‬وإنمببا‬
‫صار إلى أنه ل يقبل قوله فيما يدعيه دون الثلث‪ ،‬لن الظاهر من هببذه اللفبباظ هببو‬
‫البينونة‪ ،‬والبينونة ل تقع إل خلعا عنده في المشهور أو ثلثا‪ ،‬وإذا لم تقببع خلعببا لنببه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ليس هناك عوض فبقي أن يكون ثلثا‪ ،‬وذلك في المدخول بها‪ ،‬ويتخرج علببى القببول‬
‫في المذهب بأن البائن تقع من دون عببوض ودون عببدد أن يصببدق فببي ذلببك وتكببون‬
‫واحدة بائنة‪ ،‬وحجة الشافعي أنه إذا وقع الجماع على أنه يقبل قوله فيما دون الثلث‬
‫في صريح ألفاظ الطلق كببان أحببرى أن يقبببل قببوله فببي كنببايته لن دللببة الصببريح‬
‫أقوى من دللة الكناية‪ ،‬ويشبه أن تقول المالكية إن لفظ الطلق وإن كان صريحا في‬
‫الطلق فليس بصريح في العبدد ومببن الحجببة للشببافعي حببديث ركانببة المتقببدم‪ ،‬وهبو‬
‫مذهب عمر في حبلك على غاربك‪ ،‬وإنما صار الشافعي إلى أن الطلق في الكنايات‬
‫الظاهرة إذا نوى مببا دون الثلث يكببون رجعيببا لحببديث ركانببة المتقببدم‪ ،‬وصببار أبببو‬
‫حنيفة إلى أنه يكون بائنا لنه المقصود به قطع العصمة‪ ،‬ولم يجعله ثلثا لن الثلث‬
‫معنى زائد على البينونة عنده‪ .‬فسبب اختلفهم هببل يقببدم عببرف اللفببظ علببى النيببة أو‬
‫النية على عرف اللفظ؟‬
‫وإذا غلبنا عرف اللفظ فهل يقتضي البينونة فقبط أو العبدد؟ فمبن قبدم النيبة لبم يقبض‬
‫عليه بعرف اللفظ‪ ،‬ومن قدم العرف الظباهر لبم يلتفبت إلبى النيبة‪ .‬وممبا اختلبف فيبه‬
‫الصدر الول وفقهاء المصار من هذا الباب‪ :‬أعني من جنببس المسببائل الداخلببة فببي‬
‫هذا الباب لفظ التحريم‪ :‬أعني من قال لزوجته أنت على حرام‪ ،‬وذلببك أن مالكببا قببال‪:‬‬
‫يحمل في المدخول بها على البت‪ :‬أي الثلث وينوي فببي غيببر المببدخول بهبا‪ ،‬وذلبك‬
‫على قياس قوله المتقدم في الكنايات الظاهرة وهو قول ابن أبي ليلى وزيببد بببن ثببابت‬
‫وعلي من الصحابة‪ ،‬وبه قال أصحابه إل ابن الماجشون فإنه قال‪ :‬ل ينوي فببي غيببر‬
‫المدخول بها وتكون ثلثا‪،‬‬
‫فهذا هو أحد القوال في هذه المسألة‪،‬‬
‫والقول الثاني أنه إن نوى بذلك ثلثا فهي ثلث وإن نوى واحببدة فهببي واحببدة بائنببة‪،‬‬
‫وإن نوى يمينا فهو يمين يكفرها‪ ،‬وإن لم ينو به طلقببا ول يمينببا فليببس بشببيء‪ ،‬هببي‬
‫كذبة‪ ،‬وقال بهذا القول الثوري‪،‬‬
‫والقول الثالث أنه يكون أيضا ما نوى بها وإن نببوى واحببدة فواحببدة أو ثلثببا فثلث‪،‬‬
‫وإن لم ينو شيئا فهو يمين يكفرها‪ ،‬وهذا القول قاله الوزاعي‪.‬‬
‫والقول الرابع أن ينوي فيها في الموضعين فببي إرادة الطلق وفببي عببدده‪ ،‬فمببا نببوى‬
‫كان ما نبوى‪ ،‬فبإن نبوى واحببدة كببان رجعيببا‪ ،‬وإن أراد تحريمهبا بغيبر طلق فعليبه‬
‫كفارة يمين وهو قول الشافعي‪.‬‬
‫والقول الخامس أنه ينوي أيضا في الطلق وفي العدد‪ ،‬فإن نوى واحدة كببانت بائنببة‪،‬‬
‫فإن لم ينو طلقا كان يمينا وهو مول‪ ،‬فإن نوى الكذب فليس بشيء‪ ،‬وهذا القول قاله‬
‫أبو حنيفة وأصحابه‪.‬‬
‫والقول السادس إنها يمين يكفرهببا مببا يكفببر اليميببن‪ ،‬إل أن بعببض هببؤلء قببال يميببن‬
‫مغلظة‪ ،‬وهو قول عمر وابن مسعود وابن عبباس وجماعبة مبن التببابعين؛ وقبال ابببن‬
‫عباس وقد سئل عنها‪ :‬لقبد كبان لكبم فبي رسبول الب أسبوة حسبنة‪ ،‬خرجبه البخباري‬
‫ومسلم ذهب إلى الحتجاج بقوله تعالى }يا أيها النبي لم تحرم ما أحل ال لك{ الية‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والقول السبابع أن تحريبم المبرأة كتحريبم المباء‪ ،‬وليبس فيبه كفبارة ول طلق لقبوله‬
‫تعالى }ل تحرموا طيبات ما أحل ال لكم{ وهو قول مسببروق والجببدع وأبببي سببلمة‬
‫بن عبد الرحمن والشعبي وغيرهم‪ .‬ومن قال فيها إنهببا غيببر مغلظببة بعضببهم أوجببب‬
‫فيها الواجب في الظهار‪ ،‬وبعضهم أوجب فيها عتق رقبة‪ .‬وسبب الختلف هببل هببو‬
‫يمين أو كناية؟ أو ليس بيمين ول كناية؟ فهذه أصول ما يقع من الختلف فببي ألفبباظ‬
‫الطلق‪.‬‬
‫*‪*5‬الفصل الثاني في ألفاظ الطلق المقيدة‪.‬‬
‫@‪-‬والطلق المقيد ل يخلو من قسمين‪ :‬إما تقييد اشتراط‪ ،‬أو تقييد اسببتثناء‪ ،‬والتقييببد‬
‫المشترط ل يخلو أن يعلق بمشيئة من له اختيار أو بوقوع فعل من الفعال المسببتقبلة‬
‫أو بخروج شيء مجهول العلم إلى الوجود على ما يببدعيه المعلببق للطلق بببه ممببا ل‬
‫يتوصل إلى علمه إل بعد خروجه إلبى الحببس‪ ،‬أو إلببى الوجبود أو بمبا ل سببيل إلبى‬
‫الوقوف عليه مما هو ممكن أن يكون أو ل يكون‪ .‬فأما تعليق الطلق بالمشيئة فإنه ل‬
‫يخلو أن يعلقه بمشيئة ال أو بمشيئة مخلوق‪ ،‬فإذا علقه بمشيئة ال وسواء علقببه علببى‬
‫جهة الشرط مثل أن يقول أنت طببالق إن شبباء البب‪ ،‬أو علببى جهببة السببتثناء مثببل أن‬
‫يقول أنت طالق إل أن يشاء ال‪ ،‬فإن مالكا قال‪ :‬ل يببؤثر السببتثناء فببي الطلق شببيئا‬
‫وهو واقع لبد‪ .‬وقال أبببو حنيفببة والشببافعي‪ :‬إذا اسببتثنى المطلببق مشببيئة الب لببم يقببع‬
‫الطلق‪ .‬وسبببب الخلف هببل يتعلببق السببتثناء بالفعببال الحاضببرة الواقعببة كتعلقببه‬
‫بالفعال المستقبلة أو ل يتعلق؟ وذلك أن الطلق هو فعل حاضر؛ فمن قال ل يتعلببق‬
‫به قال‪ :‬ل يؤثر الستثناء ول اشتراط المشيئة في الطلق؛ ومن قبال يتعلببق ببه قبال‪:‬‬
‫يؤثر فيه‪ .‬وأما إن علق الطلق بمشيئة مببن تصببح مشببيئته ويتوصببل إلببى علمهببا فل‬
‫خلف في مذهب مالك أن الطلق يقف على اختيار الذي علق الطلق بمشيئته‪ .‬وأما‬
‫تعليق الطلق بمشيئة من ل مشيئة له‪ ،‬ففيه خلف في المذهب‪ ،‬قيببل يلزمببه الطلق‪،‬‬
‫وقيل ل يلزمه‪ ،‬والصبي والمجنون داخلن في هذا المعنى؛ فمن شبهه بطلق الهزل‬
‫وكان الطلق بالهزل عنده يقع قال‪ :‬يقع هذا الطلق؛ ومن اعتبر وجود الشرط قببال‪:‬‬
‫ل يقع لن الشرط قد عدم ههنا‪ .‬وأما تعليق الطلق بالفعال المسببتقبلة‪ ،‬فببإن الفعببال‬
‫التي يعلق بها توجد على ثلثة أضرب‪ :‬أحدها ما يمكن أن يقع أو ل يقع على السواء‬
‫كدخول الدار وقدوم زيد‪ ،‬فهذا يقف وقوع الطلق فيه على وجود الشرط بل خلف‪.‬‬
‫وأما ما لبد من وقببوعه كطلببوع الشببمس غببدا‪ ،‬فهببذا يقببع نبباجزا عنببد مالببك‪ ،‬ويقببف‬
‫وقوعه عند الشافعي وأبي حنيفببة علببى وجببود الشببرط؛ فمبن شببهه بالشبرط الممكبن‬
‫الوقوع قال‪ :‬ل يقع إل بوقوع الشرط؛ ومن شبببهه بببالوطء الواقببع فببي الجببل بنكبباح‬
‫المتعة لكونه وطئا مسببتباحا إلببى أجببل قببال‪ :‬يقببع الطلق؛ والثببالث هببو الغلببب منببه‬
‫بحسببب العببادة وقببوع الشببرط‪ ،‬وقببد ل يقببع كتعليببق الطلق بوضببع الحمببل ومجيببء‬
‫الحيض والطهر‪ ،‬ففي ذلك روايتان عن مالك‪ :‬إحداهما وقوع الطلق ناجزا؛ والثانية‬
‫وقوعه على وجود شرطه‪ ،‬وهو الذي يأتي على مذهب أبي حنيفة والشافعي‪ ،‬والقول‬
‫بإنجاز الطلق في هذا يضعف لنه مشبه عنده بما يقببع ولبببد‪ ،‬والخلف فيببه قببوي‪،‬‬
‫وأما تعليق الطلق بالشرط المجهول الوجببود فببإن كببان ل سبببيل إلببى علمببه مثببل أن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يقول‪ :‬إن كان خلق ال اليوم في بحر القلزم حوتا بصفة كذا فببأنت طببالق‪ ،‬فل خلف‬
‫أعلمببه فببي المببذهب أن الطلق يقببع فببي هببذا‪ ،‬وأمببا إن علقببه بشببيء يمكببن أن يعلببم‬
‫بخروجه إلى الوجود مثل أن يقول‪ :‬إن ولدت أنببثى فبأنت طبالق فبإن الطلق يتوقببف‬
‫على خروج ذلك الشيء إلببى الوجببود‪ .‬وأمببا إن حلببف بببالطلق أنهببا تلببد أنببثى‪ ،‬فببأن‬
‫الطلق في الحين يقع عنده وإن ولدت إنثى‪ ،‬وكببان هببذا مببن ببباب التغليببظ‪ ،‬والقيبباس‬
‫يوجب أن يوقف الطلق على خروج ذلك الشببيء أو ضببده ومببن قببول مالببك إنببه إذا‬
‫أوجب الطلق على نفسه بشرط أن يفعل فعل من الفعببال أنببه ل يحنببث حببتى يفعببل‬
‫ذلك الفعل‪ ،‬وإذا أوجب الطلق على نفسه بشبرط تبرك فعببل مببن الفعببال فبإنه علبى‬
‫الحنث حتى يفعل ويوقف عنده عن وطء زوجته‪ ،‬فإن امتنع عن ذلك الفعل أكثر مببن‬
‫مدة أجل اليلء ضرب له أجل اليلء ولكن ل يقع عنده حتى يفببوت الفعببل إن كببان‬
‫مما يقع فوته‪ ،‬ومن العلماء من يرى أنه على بر حتى يفوت الفعل‪ ،‬وإن كببان ممببا ل‬
‫يفوت كان على البر حتى يموت‪ .‬ومن هذا الباب اختلفهببم فببي تبعيببض المطلقببة‪ ،‬أو‬
‫تبعيببض الطلق وإرداف الطلق علببى الطلق‪ .‬فأمببا مسببألة تبعيببض المطلقببة‪ ،‬فببإن‬
‫مالكا قال‪ :‬إذا قال يدك أو رجلك أو شعرك طالق طلقببت عليببه؛ وقببال أبببو حنيفببة‪ :‬ل‬
‫تطلق إل بذكر عضو يعبر به عن جملة البدن كالرأس والقلب والفرج‪ ،‬وكذلك تطلق‬
‫عنده إذا طلق الجزء منها‪ ،‬مثل الثلث أو الربع؛ وقال داود‪ :‬ل تطلق؛ وكذلك إذا قببال‬
‫عند مالك‪ :‬طلقتك نصف تطليقة طلقت‪ ،‬لن هذا كله عنده ل يتبعض؛ وعند المخالف‬
‫إذا تبعض لم يقع‪ ،‬وأما إذا قال لغير المدخول بها‪ :‬أنت طالق أنبت طبالق أنبت طبالق‬
‫نسقا‪ ،‬فإنه يكون ثلثا عند مالك؛ وقال أبو حنيفببة والشببافعي‪ :‬يقببع واحببدة؛ فمببن شبببه‬
‫تكرار اللفظ بلفظه بالعدد‪ ،‬أعني بقوله طلقتك ثلثا قال‪ :‬يقع الطلق ثلثا؛ ومببن رأى‬
‫أنه باللفظة الواحدة قد بانت منه قببال‪ :‬ل يقببع عليهببا الثبباني والثببالث‪ ،‬ول خلف بيببن‬
‫المسلمين في ارتدافه في الطلق الرجعي‪.‬‬
‫وأما الطلق المقيد بالستثناء فإنمببا يتصببور فببي العببدد فقببط‪ ،‬فببإذا طلببق أعببدادا مببن‬
‫الطلق‪ ،‬فل يخلو من ثلثة أحوال‪ :‬إما أن يستثني ذلبك العبدد بعينبه‪ ،‬مثبل أن يقبول‪:‬‬
‫أنت طالق ثلثا إل ثلثا‪ ،‬أو اثنتين إل اثنتين؛ وإما أن يستثني ما هو أقل‪.‬‬
‫وإذا استثنى ما هو أقل‪ ،‬فإما أن يستثني ما هو أقل مما هو أكثر‪ ،‬وإما أن يسببتثني مببا‬
‫هو أكثر مما هو أقل‪ ،‬فإذا اسببتثنى القببل مببن الكببثر فل خلف أعلمببه أن السببتثناء‬
‫يصح ويسقط المستثنى‪ :‬مثل أن يقول‪ :‬أنت طببالق ثلثببا إل واحببدة‪ .‬وأمببا إن اسببتثنى‬
‫الكثر من القل فيتوجه فيه قولن‪ :‬أحدهما أن الستثناء ل يصببح‪ ،‬وهببو مبنببي علببى‬
‫منع أن يستثنى الكثر من القل‪ .‬والخر أن الستثناء يصح‪ ،‬وهو قببول مالببك‪ .‬وأمببا‬
‫إذا استثنى ذلك العدد بعينه مثل أن يقول‪ :‬أنت طالق ثلثا إل ثلثببا‪ ،‬فببإن مالكببا قببال‪:‬‬
‫يقع الطلق لنه اتهمه على أنه رجوع منه‪ .‬وأما إذا لم يقل بالتهمة وكان قصده بذلك‬
‫استحالة وقوع الطلق فل طلق عليه‪ ،‬كمبا لبو قبال أنبت طبالق ل طبالق معبا‪ ،‬فبإن‬
‫وقوع الشيء مع ضده مستحيل‪ .‬وشذ أبو محمد بن حزم فقال‪ :‬ل يقببع الطلق بصببفة‬
‫لم تقع بعد ول بفعل لم يقع‪ ،‬لن الطلق ل يقع في وقت وقوعه إل بإيقاع مببن يطلببق‬
‫في ذلك الوقت ول دليل من كتاب ول سنة ول إجماع على وقوع طلق في وقت لببم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يوقعه فيه المطلق‪ ،‬وإنما ألزم نفسه إيقاعه فيه‪ ،‬فإن قلنبا بباللزوم لبزم أن يوقبف عنبد‬
‫ذلك الوقت حتى يوقع‪ ،‬هذا قياس قوله عندي وحجته‪ ،‬وإن كنت لست أذكببر فببي هببذا‬
‫الوقت احتجاجه في ذلك‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الثاني في المطلق الجائز الطلق‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أنببه الببزوج العاقببل البببالغ الحببر غيببر المكببره‪ ،‬واختلفببوا فببي طلق‬
‫المكره والسكران وطلق المريض وطلق المقببارب للبلببوغ‪ .‬واتفقببوا علببى أنببه يقببع‬
‫طلق المريض إن صح‪ ،‬واختلفوا هل ترثه إن مببات أم ل؟ فأمببا طلق المكببره فببإنه‬
‫غير واقع عند مالك والشافعي وأحمد وداود وجماعة‪ ،‬وبه قال عبد ال بن عمر وابن‬
‫الزبيببر وعمببر بببن الخطبباب وعلببي ابببن أبببي طببالب وابببن عببباس‪ .‬وفببرق أصببحاب‬
‫الشببافعي بيببن أن ينببوي الطلق أو ل ينببوي شببيئا‪ ،‬فببإن نببوى الطلق فعنهببم قببولن‬
‫أصحهما لزومه‪ :‬وإن لم ينو فقولن أصحهما أنه ل يلزم؛ وقال أبو حنيفة وأصببحابه‪:‬‬
‫هو واقع‪ ،‬وكذلك عتقه دون بيعه‪ ،‬ففرقوا بين البيع والطلق والعتق‪ .‬وسبببب الخلف‬
‫هل المطلق من قبل الكراه مختار أم ليس بمختار؟ لنه ليس يكره على اللفظ إذ كان‬
‫اللفظ إنما يقع باختياره‪ .‬والمكره على الحقيقة هو الذي لم يكببن لببه اختيببار فببي إيقبباع‬
‫الشيء أصل‪ ،‬وكل واحد من الفريقين يحتج بقوله عليه الصلة والسببلم " رفببع عببن‬
‫أمتي الخطأ والنسيان وما اسببتكرهوا عليببه" ولكببن الظهببر أن المكببره علببى الطلق‬
‫وإن كان موقعا للفظ باختياره أنه ينطلق عليه في الشرع اسم المكره لقوله تعالى }إل‬
‫مببن أكببره وقلبببه مطمئن باليمببان{ وإنمببا فببرق أبببو حنيفببة بيببن البببيع والطلق‪ ،‬لن‬
‫الطلق مغلظ فيه‪ ،‬ولذلك استوى جده وهزله‪ .‬وأما طلق الصبي‪ ،‬فإن المشهور عببن‬
‫مالك أنه ل يلزمه حتى يبلغ؛ وقال في مختصر ما ليس في المختصر‪ :‬أنبه يلزمببه إذا‬
‫ناهز الحتلم‪ ،‬وبه قال أحمد بن حنبل إذا هو أطاق صيام رمضان؛ وقال عطاء‪ :‬إذا‬
‫بلغ اثنتي عشرة سنة جاز طلقه‪ ،‬وروي عن عمر بن الخطاب رضي ال عنه‪ .‬وأما‬
‫طلق السكران‪ ،‬فالجمهور من الفقهاء على وقوعه؛ وقال قوم‪ :‬ل يقببع منهببم المزنببي‬
‫وبعض أصحاب أبي حنيفة‪ .‬والسبب في اختلفهم هل حكمه حكم المجنببون أم بينهمببا‬
‫فرق؟ فمن قال هو والمجنون سواء إذ كان كلهما فاقدا للعقل‪ ،‬ومببن شببرط التكليببف‬
‫العقل قال‪ :‬ل يقع؛ ومن قال الفرق بينهما أن السكران أدخل الفساد على عقله بإرادته‬
‫والمجنون بخلف ذلك ألزم السكران الطلق‪ ،‬وذلك من باب التغليظ عليببه‪ .‬واختلببف‬
‫الفقهاء فيما يلزم السببكران بالجملببة مببن الحكببام ومببا ل يلزمببه‪ ،‬فقببال مالببك‪ :‬يلزمببه‬
‫الطلق والعتق والقود من الجراح والقتل‪ ،‬ولم يلزمه النكبباح ول البببيع‪ ،‬وألزمببه أبببو‬
‫حنيفة كل شيء؛ وقال الليث‪ :‬كل ما جبباء مببن منطببق السببكران فموضببوع عنببه‪ ،‬ول‬
‫يلزمه طلق ول عتق ول نكاح ول بيع ول حد فببي قببذف‪ ،‬وكببل مببا جنتببه جببوارحه‬
‫فلزم له‪ ،‬فيحد في الشبرب والقتببل والزنبى والسبرقة‪ .‬وثببت عبن عثمببان بببن عفبان‬
‫رضي الب عنبه أنبه كبان ل يبرى طلق السبكران‪ .‬وزعبم بعبض أهبل العلبم أنبه ل‬
‫مخالف لعثمان في ذلك من الصحابة‪ .‬وقول مبن قبال‪ :‬إن كبل طلق جبائز إل طلق‬
‫المعتوه ليس نصا في إلزام السكران الطلق لن السكران معتببوه مببا‪ ،‬وبببه قببال داود‬
‫وأبو ثور وإسحاق وجماعة من التابعين‪ :‬أعني أن طلقه ليس يلببزم؛ وعببن الشببافعي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫القولن في ذلك‪ ،‬واختار أكثر أصحابه قوله الموافق للجمهور‪ ،‬واختببار المزنببي مببن‬
‫أصحابه أن طلقه غير واقع‪ .‬وأمببا المريببض الببذي يطلببق طلقببا بائنببا ويمببوت مببن‬
‫مرضببه‪ ،‬فببإن مالكببا وجماعببة يقببول‪ :‬ترثببه زوجتببه‪ ،‬والشببافعي وجماعببة ل يورثهببا‪.‬‬
‫والذين قالوا بتوريثها انقسموا ثلث فببرق‪ :‬ففرقببة قببالت لهببا الميببراث مببا دامببت فببي‬
‫العدة‪ ،‬وممن قال بذلك أبو حنيفة وأصحابه والثوري؛ وقال قوم‪ :‬لهببا الميببراث مببا لببم‬
‫تتزوج‪ ،‬وممن قال بهذا أحمد وابن أبي ليلى؛ وقال قوم‪ :‬بل ترث كبانت فبي العبدة أو‬
‫لم تكن‪ ،‬تزوجت أم لم تتزوج‪ ،‬وهو مذهب مالك والليث‪.‬‬
‫وسبب الخلف اختلفهم في وجوب العمل بسد الذرائع؛ وذلك أنه لما كببان المريببض‬
‫يتهم في أن يكون إنما طلق في مرضه زوجته ليقطع حظها من الميببراث؛ فمببن قببال‬
‫بسد الذرائع أوجب ميراثها؛ ومن لم يقل بسد الذرائع ولحظ وجوب الطلق لم يوجب‬
‫لها ميراثا‪ ،‬وذلك أن هذه الطائفة تقول‪ :‬إن كان الطلق قد وقع فيجب أن يقببع بجميببع‬
‫أحكامه‪ ،‬لنهم قالوا‪ :‬إنه ل يرثها إن ماتت وإن كببان لببم يقببع فالزوجيببة باقيببة بجميببع‬
‫أحكامها‪ ،‬ولبد لخصومهم من أحد الجوابين‪ ،‬لنه يعسر أن يقال إن في الشرع نوعببا‬
‫من الطلق توجد له بعض أحكام الطلق وبعض أحكام الزوجيببة؛ وأعسببر مببن ذلببك‬
‫القول بالفرق بين أن يصح أو ل يصح‪ ،‬لن هذا يكون طلقا موقوف الحكببم إلببى أن‬
‫يصح أو ل يصح‪ ،‬وهذا كله مما يعسر القول به في الشرع‪ ،‬ولكن إنما أنس القببائلون‬
‫به أنه فتوى عثمان وعمببر حببتى زعمببت المالكيببة أنببه إجمبباع الصببحابة‪ ،‬ول معنببى‬
‫لقولهم فإن الخلف فيه عن ابن الزبير مشهور‪ .‬وأما من رأى أنهببا تببرث فببي العببدة‪،‬‬
‫فلن العدة عنده من بعض أحكام الزوجية‪ ،‬وكأنه شبببهها بالمطلقببة الرجعيببة‪ ،‬وروي‬
‫هذا القول عن عمر وعائشة‪ .‬وأما من اشترط في توريثها ما لم تتزوج فإنه لحظ فببي‬
‫ذلك إجماع المسلمين على أن المرأة الواحببدة ل تببرث زوجيببن‪ ،‬ولكببون التهمببة هببي‬
‫العلة عند الذين أوجبوا الميراث‪.‬‬
‫واختلفوا إذا طلبت هي الطلق أو ملكها أمرها الزوج فطلقت نفسها‪ ،‬فقال أبو حنيفة‪:‬‬
‫ل ترث أصل؛ وفرق الوزاعي بيببن التمليببك والطلق فقببال‪ :‬ليببس لهببا ميببراث فببي‬
‫التمليك ولها في الطلق وسوى مالك في ذلك كله حبتى لقبد قبال‪ :‬إن مباتت ل يرثهبا‬
‫وترثه هي إن مات‪ ،‬وهذا مخالف للصول جدا‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الثالث فيمن يتعلق به الطلق من النساء ومن ل يتعلق‪.‬‬
‫@‪-‬وأما من يقع طلقه من النسبباء‪ ،‬فببإنهم اتفقببوا علببى أن الطلق يقببع علببى النسبباء‬
‫اللتي في عصمة أزواجهن‪ ،‬أو قبل أن تنقضي عددهن في الطلق الرجعي‪ ،‬وأنه ل‬
‫يقع على الجنبيات‪ :‬أعني الطلق المعلق‪ .‬وأما تعليق الطلق على الجنبيات بشرط‬
‫التزويببج مثببل أن يقببول‪ :‬إن نكحببت فلنببة فهببي طببالق‪ ،‬فبإن للعلمبباء فببي ذلببك ثلثببة‬
‫مذاهب‪ :‬قول إن الطلق ل يتعلببق بأجنبيببة أصببل عببم المطلببق أو خبص‪ ،‬وهببو قببول‬
‫الشافعي وأحمد وداود وجماعة؛ وقول إنه يتعلق بشرط التزويج عمبم المطلببق جميبع‬
‫النساء أو خصص‪ ،‬وهو قول أبي حنيفة وجماعة وقول إنبه إن عبم جميبع النسباء لبم‬
‫يلزمه‪ ،‬وإن خصص لزمه‪ ،‬وهو قول مالك وأصحابه‪ ،‬أعني مثل أن يقول‪ :‬كل امرأة‬
‫أتزوجها من بني فلن أو من بلد كذا فهي طالق‪ ،‬وكذلك فبي وقببت كبذا‪ ،‬فبإن هببؤلء‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يطلقن عند مالك إذا زوجن‪ .‬وسبب الخلف هل من شرط وقوع الطلق وجود الملك‬
‫متقدما بالزمان على الطلق أم ليس ذلك من شرطه؟ فمن قال هو من شرطه قال‪ :‬ل‬
‫يتعلق الطلق بالجنبية؛ ومن قال ليس مببن شببرطه إل وجببود الملببك فقببط قببال‪ :‬يقببع‬
‫بالجنبية‪ .‬وأما الفبرق بيببن التعميببم والتخصبيص فاستحسبان مبنببي علبى المصببلحة‪،‬‬
‫وذلك أنه إذا عمم فأوجبنا عليه التعميم لم يجد سببيل إلبى النكباح الحلل‪ ،‬فكبان ذلبك‬
‫عنتا به وحرجا‪ ،‬وكأنه من باب نذر المعصية؛ وأما إذا خصببص فليببس المببر كببذلك‬
‫إذا ألزمناه الطلق؛ واحتج الشافعي بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جببده قببال‪:‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "ل طلق إل من بعد نكاح" وفببي روايببة أخببرى‬
‫"ل طلق فيما ل يملك ول عتق فيما ل يملك" وثبت ذلك عن علي ومعاذ وجابر ابن‬
‫عبد ال وابن عباس وعائشة؛ وروي مثل قول أبي حنيفببة عببن عمببر وابببن مسببعود‪،‬‬
‫وضعف قوم الرواية بذلك عن عمر رضي ال عنهم‪.‬‬
‫*‪)*3‬الجملة الثالثة‪ :‬في الرجعة بعد الطلق(‬
‫@‪-‬ولمبا كبان الطلق علبى ضبربين‪ :‬ببائن‪ ،‬ورجعبي‪ ،‬وكبانت أحكبام الرجعبة بعبد‬
‫الطلق البببائن غيببر أحكببام الرجعببة بعببد الطلق الرجعببي وجببب أن يكببون فببي هببذا‬
‫الجنس بابان‪ :‬الباب الول‪ :‬في أحكام الرجعة في الطلق الرجعي‪ .‬الباب الثاني‪ :‬فببي‬
‫أحكام الرتجاع في الطلق البائن‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الول في أحكام الرجعة في الطلق الرجعي‪.‬‬
‫@‪-‬وأجمع المسلمون على أن الزوج يملك رجعببة الزوجببة فببي الطلق الرجعببي مببا‬
‫دامت في العدة من غير اعتبببار رضبباها لقببوله تعببالى }وبعببولتهن أحببق بردهببن فببي‬
‫ذلك{ وأن من شرط هذا الطلق تقدم المسببيس لببه‪ ،‬واتفقببوا علببى أنهببا تكببون بببالقول‬
‫والشهاد‪ .‬واختلفوا هل الشهاد شرط في صحتها أم ليس بشرط؟ وكذلك اختلفوا هبل‬
‫تصح الرجعة بالوطء؟ فأما الشهاد فذهب مالك إلببى أنببه مسببتحب‪ ،‬وذهببب الشببافعي‬
‫إلى أنه واجب‪ .‬وسبب الخلف معارضة القياس للظاهر‪ ،‬وذلك أن ظاهر قوله تعالى‬
‫}وأشهدوا ذوي عدل منكم{ يقتضي الوجوب‪ ،‬وتشبيه هذا الحق بسببائر الحقببوق الببتي‬
‫يقبضها النسان يقتضي أن ل يجب الشهاد‪ ،‬فكان الجمببع بيببن القيبباس واليببة حمببل‬
‫الية على الندب‪ .‬وأما اختلفهم فيمببا تكببون بببه الرجعببة‪ ،‬فببإن قومببا قببالوا‪ :‬ل تكببون‬
‫الرجعببة إل بببالقول فقببط‪ ،‬وبببه قببال الشببافعي؛ وقببوم قببالوا‪ :‬تكببون رجعتهببا بببالوطء‪،‬‬
‫وهؤلء انقسموا إلى قسمين‪ :‬فقال قببوم‪ :‬ل تصببح الرجعببة بببالوطء إل إذا نببوى بببذلك‬
‫الرجعة‪ ،‬لن الفعل عنده يتنزل منزلبة القبول مبع النيبة‪ ،‬وهبو قبول مالبك؛ وأمبا أببو‬
‫حنيفة فأجاز الرجعة بالوطء إذا نوى بذلك الرجعة ودون النية؛ فأمببا الشببافعي فقبباس‬
‫الرجعة على النكاح وقال‪ :‬قد أمر ال بالشببهاد‪ ،‬ول يكببون الشببهاد إل علببى القببول‪.‬‬
‫وأما سبب الختلف بين مالك وأبي حنيفببة فبإن أببا حنيفبة يبرى أن الرجعيبة محللبة‬
‫للوطء عنده قياسا على المولى منها وعلى المظبباهرة ولن الملببك لببم ينفصببل عنببده‪،‬‬
‫ولذلك كان التوارث بينهما؛ وعند مالك أن وطء الرجعية حرام حتى يرتجعها‪ ،‬فلبببد‬
‫عنده من النية‪ ،‬فهذا هو اختلفهم في شروط صحة الرجعة‪ .‬واختلفببوا فببي مقببدار مببا‬
‫يجوز للزوج أن يطلع عليه من المطلقة الرجعية ما دامت فببي العببدة‪ ،‬فقببال مالببك‪ :‬ل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يخلو معها ول يدخل عليها إل بإذنها ول ينظر إلى شعرها‪ ،‬ول بأس أن يأكببل معهببا‬
‫إذا كان معهما غيرهما‪ .‬وحكى ابن القاسم أنه رجع عن إباحة الكل معها؛ وقبال أببو‬
‫حنيفببة‪ :‬ل بببأس أن تببتزين الرجعيببة لزوجهببا وتتطيببب لببه وتتشببوف وتبببدي البنببان‬
‫والكحل‪ ،‬وبه قال الثوري وأبو يوسف والوزاعي‪ ،‬وكلهم قببالوا‪ :‬ل يببدخل عليهببا إل‬
‫أن تعلم بدخوله بقول أو حركة من تنحنح أو خفق نعل‪ .‬واختلفوا فببي هببذا الببباب فببي‬
‫الرجل يطلق زوجته طلقة رجعية وهو غائب ثم يراجعها فيبلغهببا الطلق ول تبلغهببا‬
‫الرجعة فتتزوج إذا انقضت عدتها‪ ،‬فذهب مالك إلى أنها للذي عقد عليها النكاح دخببل‬
‫بها أو لم يدخل‪ ،‬هذا قوله في الموطأ‪ ،‬وبه قببال الوزاعببي والليببث‪ .‬وروى عنببه ابببن‬
‫القاسم أنه رجع عن القببول الول‪ ،‬وأنببه قببال‪ :‬الول أولببى بهببا إل أن يببدخل الثبباني‪،‬‬
‫وبالقول الول قال المدنيون من أصحابه قالوا‪ :‬ولم يرجع عنه لنه أثبته فببي مببوطئه‬
‫إلى يوم مات وهو يقبرأ عليبه‪ ،‬وهبو قبول عمبر ببن الخطباب ورواه عنبه مالبك فبي‬
‫الموطأ؛ وأما الشافعي والكوفيببون وأبببو حنيفببة وغيرهببم فقببالوا‪ :‬زوجهببا الول الببذي‬
‫ارتجعها أحق بها دخل بها الثاني أو لم يدخل‪ ،‬وبه قال داود وأبو ثور‪ ،‬وهببو مببروي‬
‫عن علي وهو البين‪ ،‬وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الب عنببه أنببه قببال فببي‬
‫هذه المسألة‪ :‬إن الزوج الذي ارتجعها مخير بين أن تكون امرأته أو أن يرجببع عليهببا‬
‫بما كان أصدقها‪ ،‬وحجة مالك في الرواية الولى ما رواه ابن وهب عببن يببونس عببن‬
‫ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال‪ :‬مضببت السببنة فببي الببذي يطلببق امرأتببه ثببم‬
‫يراجعها فيكتمها رجعتها حتى تحل فتنكح زوجا غيره أنه ليس لببه مببن أمرهببا شببيء‬
‫ولكنها لمن تزوجها‪ ،‬وقد قيل إن هذا الحديث إنما يروى عن ابن شهاب فقط؛ وحجببة‬
‫الفريق الول أن العلماء قد أجمعوا على أن الرجعة صحيحة وإن لم تعلم بها المرأة‪،‬‬
‫بدليل أنهم قد أجمعوا علببى أن الول أحببق بهببا قبببل أن تببتزوج‪ ،‬وإذا كببانت الرجعببة‬
‫صحيحة كان زواج الثاني فاسدا‪ ،‬فإن نكاح الغير ل تببأثير لببه فببي إبطببال الرجعببة ل‬
‫قبل الببدخول ول بعببد الببدخول‪ ،‬وهببو الظهببر إن شبباء البب‪ ،‬ويشببهد لهببذا مببا خرجببه‬
‫الترمذي عن سمرة بن جندب أن النبي صلى ال عليه وسلم قال "أيما امرأة تزوجهببا‬
‫اثنان فهي للول منهما‪ ،‬ومن باع بيعا من رجلين فهو للول منهما"‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الثاني في أحكام الرتجاع في الطلق البائن‪.‬‬
‫@‪-‬والطلق البائن‪ ،‬إما بما دون الثلث فذلك يقع في غير المدخول بهببا بل خلف‪،‬‬
‫وفي المختلعة باختلف‪ ،‬وهل يقع أيضا دون عوض؟ فيه خلف‪ ،‬وحكم الرجعة بعببد‬
‫هذا الطلق حكم ابتداء النكاح‪ :‬أعني في اشتراط الصداق والولي والرضا‪ ،‬إل أنه ل‬
‫يعتبر فيه انقضاء العدة عند الجمهور؛ وشذ قوم فقالوا‪ :‬المختلعة ل يتزوجهببا زوجهببا‬
‫في العدة ول غيره‪ ،‬وهببؤلء كبأنهم رأوا منبع النكباح فبي العبدة عبببادة‪ .‬وأمبا البائنبة‬
‫بالثلث‪ ،‬فإن العلماء كلهم على أن المطلقة ثلثا ل تحل لزوجها الول إل بعد الوطء‬
‫لحديث رفاعة بن سموءل "أنه طلق امرأته تميمببة بنببت وهببب فببي عهببد رسببول الب‬
‫صلى ال عليه وسلم ثلثا فنكحت عبد الرحمن بن الزبير‪ ،‬فاعترض عنها فلم يستطع‬
‫أن يمسها ففارقها‪ ،‬فببأراد رفاعببة زوجهببا الول أن ينكحهببا‪ ،‬فببذكر ذلببك لرسببول الب‬
‫صلى ال عليه وسلم فنهاه عن تزويجها وقال‪ :‬ل تحل لك حتى تذوق العسيلة"‪ .‬وشببذ‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫سعيد بن المسيب فقال‪ :‬إنه جائز أن ترجع إلى زوجها الول بنفس العقد لعموم قببوله‬
‫تعالى }حتى تنكح زوجا غيره{ والنكاح ينطلق على العقد‪ ،‬وكلهم قال‪ :‬التقاء الختانين‬
‫يحلها‪ ،‬إل الحسن البصري فقال‪ :‬ل تحل إل بوطء بإنزال‪ .‬وجمهور العلماء علببى أن‬
‫الوطء الذي يوجب الحببد ويفسببد الصببوم والحببج ويحببل المطلقببة ويحصببن الزوجيببن‬
‫ويوجب الصداق هو التقاء الختببانين‪ .‬وقببال مالببك وابببن القاسببم‪ :‬ل يحببل المطلقببة إل‬
‫الوطء المباح الذي يكببون فببي العقببد الصببحيح فببي غيببر صببوم أو حببج أو حيببض أو‬
‫اعتكاف‪ ،‬ول يحل الذمية عندهما وطء زوج ذمي لمسلم‪ ،‬ول وطء من لم يكن بالغببا‪،‬‬
‫وخالفهما في ذلك كله الشافعي وأبو حنيفة والثوري والوزاعي فقببالوا‪ :‬يحببل الببوطء‬
‫وإن وقع في عقد فاسد أو وقت غير مباح‪ .‬وكذلك وطء المراهق عندهم يحل‪ ،‬ويحببل‬
‫وطء الذمي الذمية للمسلم‪ ،‬وكذلك المجنون عندهم‪ ،‬والخصي الذي يبقى له مببا يغيبببه‬
‫في فرج‪ ،‬والخلف فببي هببذا كلببه آيببل إلببى هببل يتنبباول اسببم النكبباح أصببناف الببوطء‬
‫الناقص أم ل يتناوله؟ واختلفوا من هذا الببباب فببي نكبباح المحلببل‪ :‬أعنببي إذا تزوجهببا‬
‫على شرط أن يحللهبا لزوجهبا الول؛ فقبال مالبك‪ :‬النكباح فاسبد يفسبخ قببل البدخول‬
‫وبعده‪ ،‬والشرط فاسد ل تحل به‪ ،‬ول يعتبر في ذلك عنده إرادة المرأة التحليل‪ ،‬وإنمببا‬
‫يعتبر عنده إرادة الرجل؛ وقال الشافعي وأبو حنيفة النكاح جائز‪ ،‬ول تؤثر النيببة فببي‬
‫ذلك‪ ،‬وبه قال داود وجماعة وقالوا‪ :‬هو محلل للببزوج المطلببق ثلثببا؛ وقببال بعضببهم‪:‬‬
‫النكاح جائز والشرط باطل‪ :‬أي ليببس يحللهببا‪ ،‬هببو قببول ابببن أبببي ليلببى‪ ،‬وروي عببن‬
‫الثوري؛ واستدل مالك وأصحابه بما روي عن النبي صلى ال عليه وسلم من حببديث‬
‫علي بن أبي طالب وابن مسعود وأبي هريرة وعقبة بن عامر أنه قال صلى ال عليه‬
‫وسلم "لعن ال المحلل والمحلل له" فلعنه إياه كلعنه آكل الربا وشارب الخمر‪ ،‬وذلببك‬
‫يدل على النهي‪ ،‬والنهي يدل على فساد المنهى عنه‪ ،‬واسم النكاح الشرعي ل ينطلببق‬
‫على النكاح المنهي عنه‪ .‬وأما الفريق الخر فتعلببق بعمببوم قببوله تعببالى }حببتى تنكببح‬
‫زوجا غيره{ وهذا ناكح‪ ،‬وقالوا‪ :‬وليببس فببي تحريببم قصببد التحليببل مببا يببدل علببى أن‬
‫عدمه شرط في صحة النكاح‪ ،‬كما أنه ليس النهي عن الصلة فببي الببدار المغصببوبة‪،‬‬
‫مما يدل على أن من شرط صحة الصلة صحة ملك البقعة أو الذن مببن مالكهببا فببي‬
‫ذلك‪ ،‬قالوا‪ :‬وإذا لم يدل النهي على فساد عقد النكاح فببأحرى أن ل يببدل علببى بطلن‬
‫التحليل‪ ،‬وإنما لم يعتبر مالك قصد المرأة لنببه إذا لببم يوافقهببا علببى قصببدها لببم يكببن‬
‫لقصدها معنببى مببع أن الطلق ليببس بيبدها‪ .‬واختلفبوا فبي هببل يهببدم البزوج مببا دون‬
‫الثلث؟ فقال أبو حنيفة يهدم‪ ،‬وقال مالك والشافعي ل يهببدم‪ :‬أعنببي إذا تزوجببت قبببل‬
‫الطلقة الثالثة غير الزوج الول ثم راجعها هل يعتد بببالطلق الول أم ل؟ فمببن رأى‬
‫أن هذا شيء يخص الثالثة بالشرع قال‪ :‬ل يهدم ما دون الثالثة عنببده؛ ومببن رأى أنببه‬
‫إذا هدم الثالثة فهو أحرى أن يهدم ما دونها قال‪ :‬يهدم ما دون الثلث‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪)*3‬الجملة الرابعة( وهذه الجملة فيها بابان‪ ،‬الول‪ :‬في العدة‪ .‬والثاني‪ :‬في المتعة‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الول في العدة‪.‬‬
‫@‪-‬والنظر في هذا الباب فببي فصببلين‪ :‬الفصببل الول‪ :‬فببي عببدة الزوجببات‪ :‬الفصببل‬
‫الثاني‪ :‬في عدة ملك اليمين‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫*‪*5‬الفصل الول في عدة الزوجات‪ .‬والنظر في عدة الزوجببات ينقسببم إلببى نببوعين‪:‬‬
‫أحدهما في معرفة العدة‪ .‬والثاني في معرفة أحكام العدة‪.‬‬
‫@‪)-‬النوع الول( وكل زوجة فهي إما حرة وإمببا أمببة‪ ،‬وكببل واحببدة مببن هبباتين إذا‬
‫طلقت فل يخلو أن تكون مدخول بها أو غير مدخول بها‪ ،‬فأما غير المدخول بهببا فل‬
‫عدة عليها بإجماع لقوله تعالى }فما لكم عليهن من عدة تعتدونها{ وأما المببدخول بهببا‬
‫فل يخلببو أن تكببون مببن ذوات الحيببض أو مببن غيببر ذوات الحيببض‪ .‬وغيببر ذوات‬
‫الحيض إما صغار وإمببا يائسببات‪ ،‬وذوات الحيبض إمببا حوامببل وإمببا جاريببات علببى‬
‫عبباداتهن فببي الحيببض‪ ،‬وإمببا مرتفعببات الحيببض‪ ،‬وإمببا مستحاضببات‪ .‬والمرتفعببات‬
‫الحيض فببي سببن الحيببض إمببا مرتابببات بالحمببل‪ :‬أي بحببس فببي البطببن‪ ،‬وإمببا غيببر‬
‫مرتابات‪ .‬وغير مرتابات إما معروفات سبب انقطاع الحيض من رضاع أو مببرض‪،‬‬
‫وإما غير معروفات‪ .‬فأما ذوات الحيض الحرار الجاريات في حيضهن على المعتاد‬
‫فعدتهن ثلثة قروء‪ ،‬والحوامل منهن عدتهن وضع حملهن‪ ،‬واليائسات منهن عببدتهن‬
‫ثلثة أشهر‪ ،‬ول خلف في هذا لنببه منصببوص عليببه فببي قببوله تعببالى }والمطلقببات‬
‫يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء{ الية‪ ،‬وفي قوله تعالى }واللئى يئسببن مببن المحيببض‬
‫من نسائكم إن ارتبتم{ الية‪ .‬واختلفوا من هذه الية في القببراء مببا هببي؟ فقببال قببوم‪:‬‬
‫هي الطهار‪ :‬أعني الزمنة التي بين الدمين‪ :‬وقال قوم‪ :‬هي الببدم نفسببه‪ ،‬وممببن قببال‬
‫إن القراء هي الطهبار‪ .‬أمبا مبن فقهباء المصبار فمالبك والشبافعي وجمهبور أهبل‬
‫المدينة وأبو ثور وجماعة‪ ،‬وأما من الصبحابة فبابن عمبر وزيببد بببن ثبابت وعائشبة؛‬
‫وممن قال إن القببراء هببي الحيببض أمببا مببن فقهبباء المصببار فببأبو حنيفببة والثببوري‬
‫والوزاعي وابن أبي ليلى وجماعة‪ ،‬وأمببا مببن الصببحابة فعلببي وعمببر بببن الخطبباب‬
‫وابن مسعود وأبو موسى الشعري‪ .‬وحكى الثرم عببن أحمببد أنببه قببال‪ :‬الكببابر مببن‬
‫أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم يقولون‪ :‬القراء هي الحيض‪ .‬وحكى أيضببا‬
‫عن الشعبي أنه قول أحد عشر أو اثني عشر من أصحاب رسول ال صلى ال عليببه‬
‫وسلم‪ .‬وأما أحمد بن حنبل فاختلفت الروايببة عنببه‪ ،‬فببروي عنببه أنببه كبان يقببول‪ :‬إنهببا‬
‫الطهار على قول زيد بن ثابت وابن عمر وعائشة‪ ،‬ثببم تببوقفت الن مببن أجببل قببول‬
‫ابن مسعود وعلببي هببو أنهببا الحيببض‪ ،‬والفببرق بيببن المببذهبين هببو أن مببن رأى أنهببا‬
‫الطهار رأى أنها إذا دخلت الرجعية عنده في الحيضة الثالثة لببم يكببن للببزوج عليهببا‬
‫رجعة وحلت للزواج‪ ،‬ومن رأى أنها الحيض لم تحل عنببده حببتى تنقضببي الحيضببة‬
‫الثالثة‪ .‬وسبب الخلف اشتراك اسم القرء‪ ،‬فإنه يقال في كلم العرب على حببد سببواء‬
‫على الدم وعلى الطهار‪ ،‬وقد رام كل الفريقين أن يدل على أن اسم القرء فببي اليببة‬
‫ظاهر في المعنى الذي يراه‪ ،‬فالذين قالوا إنها الطهببار قببالوا‪ :‬إن هببذا الجمببع خبباص‬
‫بالقرء الذي هو الطهر‪ ،‬وذلك أن القرء الذي هو الحيض يجمببع علببى أقببراء ل علببى‬
‫قروء‪ ،‬وحكوا ذلك عن ابن النباري‪ ،‬وأيضا فإنهم قالوا‪ :‬إن الحيضة مؤنثبة والطهبر‬
‫مذكر‪ ،‬فلو كان القرء الذي يراد به الحيض لما ثبببت فببي جمعببه الهبباء‪ ،‬لن الهبباء ل‬
‫تثبت في جمع المؤنث فيما دون العشرة‪ ،‬وقالوا أيضا‪ :‬إن الشتقاق يببدل علببى ذلببك‪،‬‬
‫لن القرء مشتق من قرأت الماء في الحوض‪ :‬أي جمعتببه‪ ،‬فزمببان اجتمبباع الببدم هببو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫زمان الطهر‪ ،‬فهذا هو أقوى ما تمسبك بببه الفريببق الول مببن ظباهر اليبة‪ .‬وأمببا مببا‬
‫تمسك به الفريق الثاني من ظباهر اليبة فبإنهم قبالوا‪ :‬إن قببوله تعببالى }ثلثببة قبروء{‬
‫ظاهر في تمام كل قرء منها‪ ،‬لنه ليس ينطلق اسم القرء على بعضه إل تجوزا‪ ،‬وإذا‬
‫وصفت القراء بأنها هي الطهار أمكن أن تكون العدة عندهم بقرءين وبعض قببرء‪،‬‬
‫لنها عندهم تعتد بالطهر الذي تطلق فيه وإن مضى أكببثره وإذا كببان ذلببك كببذلك فل‬
‫ينطلق عليها اسم الثلثة إل تجوزا‪ ،‬واسببم الثلثببة ظبباهر فببي كمببال كببل قببرء منهببا‪،‬‬
‫وذلك ل يتفق إل بأن تكون القببراء هببي الحيببض لن الجمبباع منعقببد علببى أنهببا إن‬
‫طلقت في حيضة أنها ل تعتد بها‪ ،‬ولكل واحد من الفريقين احتجاجببات متسبباوية مببن‬
‫جهة لفظ القرء‪ ،‬والذي رضيه الحذاق أن الية مجملة في ذلك‪ ،‬وأن الدليل ينبغببي أن‬
‫يطلب من جهة أخرى؛ فمن أقوى مببا تمسببك بببه مببن رأى أن القببراء هببي الطهببار‬
‫حديث ابن عمر المتقدم‪ ،‬وقوله صلى ال عليه وسلم "مره فليراجعها حتى تحيض ثببم‬
‫تطهر ثم تحيض ثم تطهر‪ ،‬ثم يطلقها إن شاء قبل أن يمسها‪ ،‬فتلك العدة التي أمر البب‬
‫أن يطلق لها النساء" قالوا‪ :‬وإجماعهم على أن طلق السنة ل يكون إل في طهببر لببم‬
‫تمس فيه‪ ،‬وقوله عليه الصلة والسلم "فتلك العدة التي أمر ال أن يطلق لها النسبباء"‬
‫دليل واضح على أن العدة هي الطهار لكي يكون الطلق متصل بالعدة‪ .‬ويمكببن أن‬
‫يتأول قوله }فتلك العدة{ أي فتلك مدة استقبال العدة لئل يتبعببض القببرء بببالطلق فببي‬
‫الحيض‪.‬‬
‫وأقوى ما تمسك به الفريق الثاني أن العدة إنما شرعت لبراءة الرحم‪ ،‬وبراءتهببا إنمببا‬
‫تكببون بببالحيض ل بالطهببار‪ ،‬ولببذلك كببان عببدة مببن ارتفببع الحيببض عنهببا باليببام‪،‬‬
‫والحيض هو سبب العدة بالقراء‪ ،‬فوجب أن تكون القراء هي الحيببض واحتببج مببن‬
‫قال القراء هي الطهار بببأن المعتبببر فبي ببراءة الرحببم هبو النقلبة مببن الطهببر إلبى‬
‫الحيببض ل انقضبباء الحيببض‪ ،‬فل معنببى لعتبببار الحيضببة الخيببرة‪ ،‬وإذا كببان ذلببك‬
‫فالثلث المعتبر فيهن التمام‪ :‬أعني المشترط هي الطهار التي بين الحيضتين‪ ،‬ولكل‬
‫الفريقين احتجاجات طويلة‪ .‬ومذهب الحنفية أظهببر مببن جهببة المعنببى‪ ،‬وحجتهببم مببن‬
‫جهة المسموع متساوية أو قريب مببن متسبباوية‪ ،‬ولببم يختلببف القببائلون أن العببدة هببي‬
‫الطهار أنها تنقضي بدخولها في الحيضة الثالثة‪ .‬واختلف الذين قالوا إنهببا الحيببض‪،‬‬
‫فقيل تنقضي بانقطاع الدم من الحيضة الثالثة‪ ،‬وبه قال الوزاعي؛ وقيل حين تغتسببل‬
‫من الحيضة الثالثة‪ ،‬وبه قال من الصحابة عمببر بببن الخطبباب وعلببي وابببن مسببعود‪،‬‬
‫ومن الفقهاء الثوري وإسحاق ابن عبيد؛ وقيل حتى يمضي وقت الصلة التي طهرت‬
‫في وقتها؛ وقيل إن للزوج عليها الرجعة وإن فرطت في الغسل عشرين سببنة‪ ،‬حكببى‬
‫هذا عن شريك وقد قيل تنقضي بدخولها في الحيضة الثالثة‪ ،‬وهببو أيضببا شبباذ‪ ،‬فهببذه‬
‫هي حال الحائض التي تحيض‪ .‬وأما التي تطلق فل تحيببض وهببي فببي سببن الحيببض‬
‫وليس هناك ريبة حمل ول سبب من رضاع ول مرض‪ ،‬فإنها تنتظر عند مالك تسعة‬
‫أشهر فإن لم تحض فيهن اعتدت بثلثة أشهر‪ ،‬فإن حاضببت قبببل أن تسببتكمل الثلثببة‬
‫أشهر اعتبرت الحيض واستقبلت انتظاره‪ ،‬فإن مر بهببا تسببعة أشببهر قبببل أن تحيبض‬
‫الثانية اعتدت ثلثة أشهر‪ ،‬فإن حاضت قبل أن تستكمل الثلثة أشهر من العام الثبباني‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫انتظرت الحيضة الثالثة‪ ،‬فإن مر بها تسعة أشهر قبل أن تحيض اعتدت ثلثة أشهر‪،‬‬
‫فإن حاضت الثالثة في الثلثة الشهر كانت قد استكملت عدة الحيض وتمببت عببدتها‪،‬‬
‫ولزوجها عليها الرجعة ما لم تحل‪ .‬واختلف عن مالك متى تعتد بالتسعة أشهر؟ فقيببل‬
‫من يببوم طلقببت‪ ،‬وهببو قببوله فببي الموطببأ؛ وروى ابببن القاسببم عنببه‪ :‬مببن يببوم رفعهببا‬
‫حيضتها؛ وقال أبو حنيفة والشافعي والجمهور في التي ترتفع حيضتها وهي ل تيأس‬
‫منها في المستأنف إنها تبقى أبدا تنتظر حببتى تببدخل فببي السببن الببذي تيببأس فيببه مببن‬
‫المحيض‪ ،‬وحينئذ تعتد بالشهر وتحيض قبل ذلك؛ وقول مالك مروي عببن عمببر بببن‬
‫الخطاب وابن عببباس‪ ،‬وقببول الجمهببور قببول ابببن مسببعود وزيببد؛ وعمببدة مالببك مببن‬
‫طريق المعنى هو أن المقصود بالعدة إنما هو ما يقع به براءة الرحم ظنا غالبا بببدليل‬
‫أنه قد تحيض الحامل‪ ،‬وإذا كان ذلك كذلك فعدة الحمل كافية في العلم ببببراءة الرحببم‬
‫بل هي قاطعة على ذلك‪ ،‬ثم تعتد بثلثة أشبهر عبدة اليائسبة‪ ،‬فبإن حاضبت قببل تمبام‬
‫السنة حكم لها بحكم ذوات الحيض‪ ،‬واحتسبت بذلك القرء‪ ،‬ثم تنتظر القرء الثبباني أو‬
‫السنة إلى أن تمضي لها ثلثة قروء؛ وأما الجمهور فصاروا إلى ظبباهر قببوله تعببالى‬
‫}واللئي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعببدتهن ثلثببة أشببهر{ والببتي هببي‬
‫من أهل الحيض ليست بيائسة‪ ،‬وهذا الببرأي فيببه عسببر وحببرج؛ ولببو قيببل إنهببا تعتببد‬
‫بثلثة أشهر لكان جيدا إذا فهم من اليائسة التي ل يقطع بانقطاع حيضتها‪ ،‬وكان قوله‬
‫}إن ارتبتم{ راجعا إلى الحكم ل إلى الحيض على ما تأوله مالك عليه‪ ،‬فكأن مالكا لببم‬
‫يطابق مذهبه تأويله الية‪ ،‬فإنه فهم من اليائسة هنا من تقطع على أنها ليست من أهل‬
‫الحيض‪ ،‬وهذا ل يكون إل من قبل السن‪ ،‬ولذلك جعل قببوله }إن ارتبتببم{ راجعببا إلببى‬
‫الحكم ل إلى الحيض‪ :‬أي إن شككتم في حكمهن‪ ،‬ثم قال في التي تبقى تسعة أشهر ل‬
‫تحيض وهي في سن من تحيض إنها تعتببد بالشببهر؛ وأمببا إسببمعيل وابببن بكيببر مببن‬
‫أصحابه‪ ،‬فذهبوا إلى أن الريبة ههنا في الحيببض‪ ،‬وأن اليببائس فببي كلم العببرب هببو‬
‫مالم يحكم عليه بما يئس منه بالقطع‪ ،‬فطابقوا تأويبل اليبة مبذهبهم البذي هبو مبذهب‬
‫مالك‪ ،‬ونعم ما فعلوا لنه إن فهم ههنببا مببن اليببائس القطببع فقببد يجببب أن تنتظببر الببدم‬
‫وتعتد به حتى تكون في هذا السن‪ :‬أعني سن اليائس وإن من فهببم مببن اليببائس مببا ل‬
‫يقطع بذلك فقد يجب أن تعتد التي انقطع دمها عن العادة وهببي فببي سببن مببن تحيبض‬
‫بالشهر‪ ،‬وهو قياس قول أهل الظاهر‪ ،‬لن اليائسة في الطرفين ليس هي عندهم مببن‬
‫أهل العدة ل بالقراء ول بالشهور‪ .‬وأما الفرق في ذلك بين ما قبل التسعة وما بعدها‬
‫فاستحسان‪ .‬وأما التي ارتفعت حيضببتها لسبببب معلببوم مثببل رضبباع أو مببرض‪ ،‬فببإن‬
‫المشهور عند مالك أنها تنتظر الحيض قصر الزمان أم طال؛ وقد قيببل إن المريضببة‬
‫مثل التي ترتفع حيضتها لغير سبب‪.‬‬
‫وأما المستحاضة فعدتها عنببد مالببك سببنة إذا لببم تميببز بيببن الببدمين‪ ،‬فببإن ميببزت بيببن‬
‫الدمين فعنه روايتان‪ :‬إحداهما أن عببدتها السببنة‪ .‬والخببرى أنهببا تعمببل علببى التمييببز‬
‫فتعتد بالقراء؛ وقال أبو حنيفة عدتها القراء إن تميزت لها وإن لم تتميز لهببا فثلثببة‬
‫أشهر؛ وقال الشافعي‪ :‬عدتها بالتمييز إذا انفصل عنها الدم‪ ،‬فيكون الحمر القاني مبن‬
‫الحيضة‪ ،‬ويكون الصفر من أيببام الطهببر‪ ،‬فبإن طبببق عليهبا البدم اعتببدت بعبدد أيبام‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫حيضتها في صحتها وإنما ذهب مالك إلى بقاء السنة لنه جعلها مثل التي ل تحيببض‬
‫وهي من أهببل الحيببض؛ والشببافعي إنمببا ذهببب فببي العارفببة أيامهببا أنهببا تعمببل علببى‬
‫معرفتها قياسا على الصلة لقوله صلى ال عليه وسلم للمستحاضببة "اتركببي الصببلة‬
‫أيام أقرائك فإذا ذهب عنك قدرها فاغسلي الدم" وإنما اعتبر التمييز من اعتبره لقوله‬
‫صلى ال عليه وسلم لفاطمة بنت حبيش "إذا كان دم الحيببض فببإنه دم أسببود يعببرف‪،‬‬
‫فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلة‪ ،‬فإذا كان الخر فتوضي وصلي فإنما هببو عببرق"‬
‫خرجه أبو داود‪ ،‬وإنما ذهب من ذهب إلى عدتها بالشهور إذا اختلط عليها الدم‪ ،‬لنببه‬
‫معلوم في الغلب أنها في كل شهر تحيض‪ ،‬وقد جعل ال العدة بالشهور عند ارتفبباع‬
‫الحيض وخفاؤه كارتفاعه‪.‬‬
‫وأما المسترابة‪ :‬أعني التي تجد حسا في بطنها تظن به أنببه حمببل فإنهببا تمكببث أكببثر‬
‫مدة حمل‪ ،‬وقد اختلف فيه فقيل في المذهب أربع سنين‪ ،‬وقيل خمس سنين؛ وقال أهل‬
‫الظاهر‪ :‬تسببعة أشببهر‪ ،‬ول خلف أن انقضبباء عبدة الحوامببل لوضببع حملهبن‪ :‬أعنبي‬
‫المطلقات لقوله تعالى }وأولت الحمال أجلهببن أن يضببعن حملهببن{ وأمببا الزوجببات‬
‫غيببر الحببرائر فببإنهن ينقسببمن أيضببا بتلببك القسببام بعينهببا‪ ،‬أعنببي حيضببا ويائسببات‬
‫ومستحاضات ومرتفعات الحيض من غير يائسات‪.‬‬
‫فأما الحيض اللتي يأتيهن حيضببهن‪ ،‬فببالجمهور علببى أن عببدتهن حيضببتان؛ وذهببب‬
‫داود وأهل الظاهر إلى أن عدتهن ثلث حيض كالحرة‪ ،‬وبه قبال اببن سبيرين‪ .‬فأهبل‬
‫الظاهر اعتمدوا عموم قوله تعالى }والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلثة قببروء{ وهببي‬
‫ممن ينطلق عليها اسم المطلقة‪ .‬واعتمد الجمهور تخصيص هذا العموم بقياس الشبه‪،‬‬
‫وذلك أنهم شبببهوا الحيببض بببالطلق والحببد‪ ،‬أعنببي كببونه متنصببفا مببع الببرق‪ ،‬وإنمببا‬
‫جعلوها حيضتين لن الحيضة الواحدة ل تتبعببض‪ .‬وأمببا المببة المطلقببة اليائسببة مببن‬
‫المحيض أو الصغيرة فإن مالكا وأكثر أهل المدينة قالوا‪ :‬عببدتها ثلثببة أشببهر؛ وقببال‬
‫الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأبو ثور وجماعة عببدتها شببهر ونصببف شببهر نصببف‬
‫عدة الحرة‪ ،‬وهو القياس إذا قلنا بتخصيص العموم‪ ،‬فكأن مالكا اضطرب قوله‪ ،‬فمببرة‬
‫أخببذ بببالعموم وذلببك فببي اليائسببات‪ ،‬ومببرة أخببذ بالقيبباس وذلببك فببي ذوات الحيببض‪،‬‬
‫والقياس في ذلك واحد‪ .‬وأما البتي ترتفبع حيضبتها مبن غيبر سببب فبالقول فيهبا هبو‬
‫القول في الحرة والخلف في ذلك‪ ،‬وكذلك المستحاضة واتفقوا على أن المطلقببة قبببل‬
‫الدخول ل عدة عليها‪.‬‬
‫واختلفوا فيمن راجع امرأته في العدة من الطلق الرجعي ثببم فارقهببا قبببل أن يمسببها‬
‫هل تستأنف عدة أم ل؟ فقال جمهور فقهاء المصار‪ :‬تستأنف؛ وقالت فرقة‪ :‬تبقى في‬
‫عدتها من طلقها الول وهببو أحببد قببولي الشببافعي؛ وقببال داود‪ :‬ليببس عليهببا أن تتببم‬
‫عدتها ول عدة مستأنفة‪ .‬وبالجملة فعند مالك أن كببل رجعببة تهببدم العببدة وإن لببم يكببن‬
‫مسيس‪ ،‬ما خل رجعة المولى‪ :‬وقال الشببافعي؛ إذا طلقهببا بعببد الرجعببة وقبببل الببوطء‬
‫ثبتت على عدتها الولى‪ ،‬وقول الشببافعي أظهببر؛ وكببذلك عنببد مالببك رجعببة المعسببر‬
‫بالنفقة تقف صحتها عنده على النفاق فببإن أنفببق صببحت الرجعببة وهببدمت العببدة إن‬
‫كان طلقا‪ ،‬وإن لم ينفق بقيت على عدتها الولى‪ ،‬وإذا تزوجت ثانيا فببي العببدة فعببن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مالك في ذلك روايتان‪ :‬إحداهما تداخل العدتين‪ .‬والخرى نفيه‪ ،‬فوجه الولى اعتبببار‬
‫براءة الرحم‪ ،‬لن ذلك حاصل مع التداخل‪ .‬ووجه الثانية كون العدة عبادة‪ ،‬فوجب أن‬
‫تتعدد بتعدد الوطء الذي له حرمة‪ ،‬وإذا عتقببت المببة فببي عببدة الطلق مضببت علببى‬
‫عدة المة عند مالك‪ ،‬ولم تنتقل إلى عدة الحرة؛ وقببال أبببو حنيفببة‪ :‬تنتقببل فببي الطلق‬
‫الرجعي دون البائن؛ وقبال الشبافعي‪ :‬تنتقبل فبي البوجهين معبا‪ .‬وسببب الخلف هبل‬
‫العدة من أحكام الزوجية أم من أحكام انفصالها؟ فمن قال من أحكام الزوجية قببال‪ :‬ل‬
‫تنتقل عدتها؛ ومن قال من أحكام انفصال الزوجية قال‪ :‬تنتقببل كمببا لببو أعتقببت وهببي‬
‫زوجة ثم طلقت؛ وأما من فرق بين البائن والرجعي فبين‪ ،‬وذلك أن الرجعي فيه شبه‬
‫من أحكام العصمة‪ ،‬ولذلك وقع فيه الميراث باتفاق إذا مات وهي في عدة مببن طلق‬
‫رجعي‪ ،‬وأنها تنتقل إلى عببدة المببوت‪ ،‬فهببذا هببو القسببم الول مببن قسببمي النظببر فببي‬
‫العدة‪.‬‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫@)تابع‪)- :(1 ...‬النوع الول( وكل زوجة فهي إما حرة وإما أمة‪ ،‬وكل واحدة مببن‬
‫هاتين إذا‪... ...‬‬
‫)القسم الثاني( وأما النظر فببي أحكبام العبدد‪ ،‬فبإنهم اتفقبوا علببى أن للمعتببدة الرجعيببة‬
‫النفقة والسكنى‪ ،‬وكذلك الحامل لقوله تعالى في الرجعيات }أسكنوهن من حيث سكنتم‬
‫من وجدكم{ الية‪ ،‬ولقوله تعالى }وإن كن أولت حمببل فببأنفقوا عليهببن حببتى يضببعن‬
‫حملهن{ ‪ .‬واختلفوا في سكنى المبتوتة ونفقتها إذا لم تكببن حببامل علببى ثلثببة أقببوال‪:‬‬
‫أحدها أن لها السكنى والنفقة‪ ،‬وهو قول الكوفيين‪ .‬والقول الثاني أنه ل سكنى لهببا ول‬
‫نفقة‪ ،‬وهو قول أحمد وداود وأبي ثور وإسحاق وجماعة‪ .‬والثالث أن لها السببكنى ول‬
‫نفقة لها‪ ،‬وهو قول مالك والشافعي وجماعببة‪ .‬وسبببب اختلفهببم اختلف الروايببة فببي‬
‫حديث فاطمة بنت قيس ومعارضة ظاهر الكتاب له‪ ،‬فاستدل من لببم يببوجب لهببا نفقببة‬
‫ول سكنى بما روي في حديث فاطمة بنت قيس أنها قالت "طلقنببي زوجببي ثلثببا فببي‬
‫عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فأتيت النبي صلى ال عليه وسلم فلم يجعل لببي‬
‫سكنى ول نفقة" خرجه مسلم‪ ،‬وفي بعض الروايببات أن رسببول الب صببلى الب عليببه‬
‫وسلم قال "إنما السكنى والنفقة لمن لزوجها عليها الرجعة" وهببذا القببول مببروي عببن‬
‫علي وابن عباس وجابر ابن عبد ال‪ .‬وأما الذين أوجبوا لها السكنى دون النفقة فببإنهم‬
‫احتجوا بما رواه مالك في موطئه من حديث فاطمة المذكورة‪ ،‬وفيه "فقال رسول الب‬
‫صلى ال عليه وسلم "ليس لك عليه نفقة" وأمرها أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم ولببم‬
‫يذكر فيها إسقاط السكنى‪ ،‬فبقي على عمببومه فببي قببوله تعببالى }أسببكنوهن مببن حيببث‬
‫سكنتم من وجدكم{ وعللوا أمره عليه الصلة والسلم بأن تعتد في بيت ابن أم مكتببوم‬
‫بأنه كان في لسانها بذاء‪ .‬وأما الذين أوجبوا لها السكنى والنفقة فصاروا إلببى وجببوب‬
‫السكنى لها بعموم قوله تعالى }أسكنوهن من حيث سكنتم من وجببدكم{ وصبباروا إلببى‬
‫وجوب النفقة لها لكون النفقة تابعة لوجوب السكان في الرجعية وفببي الحامببل وفببي‬
‫نفس الزوجية‪ .‬وبالجملة فحيثما وجبت السكنى في الشرع وجبت النفقببة‪ .‬وروي عببن‬
‫عمر أنه قال في حديث فاطمة هذا‪ :‬ل ندع كتاب نبينا وسنته لقول امرأة‪ ،‬يريببد قببوله‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫تعالى }أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم{ الية‪ .‬ولن المعروف مببن سببنته عليببه‬
‫الصلة والسلم أنه أوجب النفقة حيث تجب السكنى‪ ،‬فلذلك الولى فببي هببذه المسببألة‬
‫إما أن يقال إن لها المرين جميعا مصيرا إلى ظاهر الكتاب والمعببروف مببن السببنة‪،‬‬
‫وإما أن يخصص هذا العموم بحديث فاطمة المذكور‪ .‬وأما التفريق بين إيجاب النفقببة‬
‫والسكنى فعسير‪ ،‬ووجه عسره ضعف دليله‪ .‬وينبغي أن تعلم أن المسلمين اتفقوا على‬
‫أن العببدة تكببون فببي ثلثببة أشببياء‪ :‬فببي طلق‪ ،‬أو مببوت‪ ،‬أو اختيببار المببة نفسببها إذا‬
‫اعتقت‪ .‬واختلفوا فيها فبي الفسبوخ‪ ،‬والجمهبور علبى وجوبهبا‪ .‬ولمبا كبان الكلم فبي‬
‫العدة يتعلق فيه أحكام عدة الموت رأينا أن نذكرها ههنببا فنقببول‪ :‬إن المسببلمين اتفقببوا‬
‫على أن عدة الحرة من زوجهببا الحببر أربعببة أشبهر وعشبرا لقببوله تعبالى }يتربصبن‬
‫بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا{ ‪ .‬واختلفوا في عدة الحامل وفي عدة المة إذا لم تأتهببا‬
‫حيضتها في الربعة الشهر وعشر فماذا حكمها؟ فذهب مالك إلى أن من شرط تمبام‬
‫هذه العدة أن تحيض حيضة واحدة في هذه المدة‪ ،‬فإن لم تحض فهببي عنببده مسببترابة‬
‫فتمكث مدة الحمل؛ وقيل عنه إنهببا قببد ل تحيببض وقببد ل تكببون مسببترابة‪ ،‬وذلببك إذا‬
‫كانت عادتها في الحيض أكثر من مدة العدة‪ ،‬وهذا إما غير موجود‪ ،‬أعني من تكببون‬
‫عادتها أن تحيض أكثر مببن أربعببة أشببهر إلببى أكببثر مببن أربعببة أشببهر‪ ،‬وإمببا نببادر‪.‬‬
‫واختلف عنه فيمببن هببذه حالهببا مببن النسبباء إذا وجببدت‪ ،‬فقيببل تنتظببر حببتى تحيببض؛‬
‫وروى عنه ابن القاسم تتزوج إذا انقضت عدة الوفاة ولم يظهر بها حمل‪ ،‬وعلى هببذا‬
‫جمهور فقهاء المصار أبي حنيفة والشافعي والثوري‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثانية( وهببي الحامببل الببتي يتببوفى عنهببا زوجهببا‪ ،‬فقببال الجمهببور‬
‫وجميببع فقهبباء المصببار‪ :‬عببدتها أن تضببع حملهببا مصببيرا إلببى عمببوم قببوله تعببالى‬
‫}وأولت الحمال أجلهن أن يضعن حملهن{ وإن كانت الية في الطلق وأخذا أيضا‬
‫بحببديث أم سببلمة أن سبببيعة السببلمية ولببدت بعببد وفبباة زوجهببا بنصببف شببهر وفيببه‬
‫"فجاءت رسول ال صلى الب عليبه وسبلم فقبال لهبا‪ :‬قبد حللبت فبانكحي مبن شبئت"‬
‫وروى مالك عن ابن عباس أن عدتها آخر الجلين‪ ،‬يريد أنها تعتد بأبعد الجلين‪ ،‬إما‬
‫الحمل‪ ،‬وإما انقضاء العدة عدة المبوت‪ ،‬وروى مثبل ذلبك عبن علبي ببن أببي طبالب‬
‫رضي ال عنه‪ ،‬والحجة لهم أن ذلك هو الذي يقتضيه الجمع بين عموم آيببة الحوامببل‬
‫وآية الوفاة‪ .‬وأما المة المتوفي عنها من تحل له‪ ،‬فإنهببا ل تخلببو أن تكببون زوجببة أو‬
‫ملك يمين أو أم ولد أو غير أم ولد‪ ،‬فأمببا الزوجببة فقببال الجمهببور‪ :‬إن عببدتها نصببف‬
‫عدة الحرة قاسوا ذلك على العدة؛ وقال أهل الظاهر‪ :‬بل عببدتها عببدة الحببرة‪ ،‬وكببذلك‬
‫عندهم عدة الطلق مصيرا إلى التعميم‪ .‬وأمبا أم الولببد فقبال مالببك والشبافعي وأحمبد‬
‫والليث وأبو ثور وجماعة‪ :‬عدتها حيضة‪ ،‬وبه قال ابن عمر‪ .‬وقال مالببك‪ :‬وإن كببانت‬
‫ممببن ل تحيببض اعتببدت ثلثببة أشببهر‪ ،‬ولهببا السببكنى؛ وقببال أبببو حنيفببة وأصببحابه‬
‫والثوري‪ :‬عدتها ثلث حيض‪ ،‬وهو قول علي وابن مسعود؛ وقال قوم‪ :‬عدتها نصف‬
‫عدة الحرة المتوفي عنها زوجها؛ وقال قوم‪ :‬عدتها عدة الحرة أربعببة أشببهر وعشببر؛‬
‫وحجة مالك أنها ليست زوجة فتعتد عببدة الوفبباة ول مطلقببة فتعتببد ثلث حيببض‪ ،‬فلببم‬
‫يبق إل استبراء رحمها‪ ،‬وذلك يكون بحيضة تشبيها بالمة يموت عنها سيدها‪ ،‬وذلك‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ما ل خلف فيه؛ وحجة أبي حنيفة أن العببدة إنمببا وجبببت عليهببا وهببي حببرة وليسببت‬
‫بزوجة فتعتد عدة الوفاة؛ ول بأمة فتعتد عدة المة‪ ،‬فوجب أن تسببتبرئ رحمهببا بعببدة‬
‫الحرار‪ .‬وأما الذين أوجبوا لهببا عببدة الوفبباة فباحتجوا بحببديث روي عببن عمببرو بببن‬
‫العاص قال‪ :‬ل تلبسوا علينا سببنة نبينببا‪ ،‬عببدة أم الولببد إذا تببوفي عنهببا سببيدها أربعببة‬
‫أشهر وعشر‪ ،‬وضعف أحمد هذا الحديث ولم يأخذ به‪ .‬وأما من أوجب عليهببا نصببف‬
‫عدة الحرة تشبيها بالزوجة المة‪ .‬فسبب الخلف أنها مسببكوت عنهببا‪ ،‬وهببي مببترددة‬
‫الشبه بين المة والحرة‪ .‬وأما من شبهها بالزوجة المة فضعيف‪ ،‬وأضبعف منبه مبن‬
‫شبهها بعدة الحرة المطلقة‪ ،‬وهو مذهب أبي حنيفة‪.‬‬
‫*‪*4‬الباب الثاني في المتعة‪.‬‬
‫@‪-‬والجمهور علببى أن المتعببة ليسببت واجبببة فببي كببل مطلقببة؛ وقببال قببوم مببن أهببل‬
‫الظاهر‪ :‬هي واجبة في كل مطلقة؛ وقال قوم‪ :‬هي مندوب إليهببا وليسببت واجبببة وبببه‬
‫قال مالك‪ .‬والذين قببالوا بوجوبهببا فببي بعببض المطلقببات اختلفببوا فببي ذلببك؛ فقببال أبببو‬
‫حنيفة‪ :‬هي واجبة على من طلق قبل الدخول‪ ،‬ولم يفرض لهببا صببداقا مسببمى؛ وقببال‬
‫الشافعي‪ :‬هي واجبة لكل مطلقة إذا كان الفراق من قبلببه إل الببتي سببمى لهببا وطلقببت‬
‫قبل الدخول‪ ،‬وعلى هذا جمهور العلماء‪ .‬واحتج أبو حنيفة بقوله تعالى }يا أيها الببذين‬
‫آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن مببن عببدة‬
‫تعتدونها‪ ،‬فمتعوهن وسببرحوهن سببراحا جميل{ فاشببترط المتعببة مببع عببدم المسببيس‪،‬‬
‫وقال تعالى }وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما‬
‫فرضتم{ فعلم أنه ل متعة لها مع التسمية والطلق قبل المسيس‪ ،‬لنه إذا لم يجب لهببا‬
‫الصداق فأحرى أن ل تجب لها المتعة‪ ،‬وهذا لعمري مخيل‪ ،‬لنه حيث لببم يجببب لهببا‬
‫صداق أقيمت المتعة مقامه‪ ،‬وحيث ردت من يدها نصف الصداق لم يجب لها شيء‪.‬‬
‫وأما الشافعي فيحمل الوامر الواردة بالمتعة في قوله تعالى }ومتعوهن على الموسع‬
‫قدره وعلى المقتر قدره{ على العموم في كل مطلقة إل التي سببمي لهببا وطلقببت قبببل‬
‫الدخول‪ .‬وأما أهل الظاهر فحملوا المر على العموم‪ ،‬والجمهور على أن المختلعة ل‬
‫متعة لها لكونها معطية من يدها كالحال فببي الببتي طلقببت قبببل الببدخول وبعببد فببرض‬
‫الصداق‪ ،‬وأهل الظاهر يقولون‪ :‬هو شرع فتأخذ وتعطي‪ .‬وأما مالك فإنه حمل المببر‬
‫بالمتعببة علببى النببدب لقببوله تعببالى فببي آخببر اليببة }حقببا علببى المحسببنين{ أي علببى‬
‫المتفضلين المتجملين‪ ،‬وما كان من باب الجمال والحسان فليس بببواجب‪ .‬واختلفببوا‬
‫في المطلقة المعتدة هل عليها إحداد؟ فقال مالك‪ :‬ليس عليها إحداد‪.‬‬
‫*‪*4‬باب في بعث الحكمين‪.‬‬
‫@‪-‬اتفق العلماء على جواز بعث الحكمين إذا وقببع التشبباجر بيببن الزوجيببن وجهلببت‬
‫أحوالهما في التشاجر‪ :‬أعني المحق من المبطل لقوله تعالى }وإن خفتم شببقاق بينهمببا‬
‫فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها{ الية‪ ،‬وأجمعوا على أن الحكميببن ل يكونببان‬
‫إل من أهل الزوجين‪ :‬أحببدهما مببن قبببل الببزوج‪ ،‬والخببر مببن قبببل المببرأة‪ ،‬إل أن ل‬
‫يوجد في أهلهما من يصلح لذلك فيرسل من غيرهما؛ وأجمعوا علببى أن الحكميببن إذا‬
‫اختلفا لم ينفذ قولهما؛ وأجمعوا على أن قولهما في الجمع بينهما نافذ بغير توكيل مببن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الزوجين‪ .‬واختلفوا في تفريق الحكمين بينهما إذا اتفقا على ذلك هببل يحتبباج إلببى إذن‬
‫من الزوج أو ل يحتاج إلببى ذلبك؟ فقبال مالببك وأصبحابه‪ :‬يجببوز قولهمببا فببي الفرقببة‬
‫والجتماع بغير توكيل الزوجين ول إذن منهما في ذلك؛ وقال الشببافعي وأبببو حنيفببة‬
‫وأصحابهما‪ :‬ليس لهما أن يفرقا‪ ،‬إل أن يجعل الزوج إليهما التفريق‪ .‬وحجة مالك مببا‬
‫رواه من ذلك عن علببي بببن أبببي طببالب أنببه قببال فببي الحكميببن‪ :‬إليهمببا التفرقببة بيببن‬
‫الزوجين‪ .‬والجمع‪ .‬وحجة الشافعي وأبي حنيفة أن الصببل أن الطلق ليببس بيببد أحببد‬
‫سوى الزوج أو من يوكله الزوج‪ .‬واختلف أصحاب مالك في الحكمين يطلقان ثلثببا‪،‬‬
‫فقال ابن القاسم‪ :‬تكون واحدة‪ ،‬وقبال أشببهب والمغيبرة تكبون ثلثبا إن طلقاهبا ثلثببا‪.‬‬
‫والصل أن الطلق بيد الرجل إل أن يقوم دليل على غير ذلبك‪ .‬وقبد احتبج الشبافعي‬
‫وأبو حنيفة بما روي في حديث علي هذا أنه قال للحكمين‪ :‬هل تدريان ما عليكما؟ إن‬
‫رأيتما أن تجمعا جمعتما‪ ،‬وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما‪ ،‬فقالت المببرأة رضببيت بكتبباب‬
‫ال وبما فيه لي وعلي‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬أما الفرقة فل‪ ،‬فقال علي‪ :‬ل وال ل تنقلب حتى‬
‫تقر بمثل ما أقببرت بببه المببرأة‪ ،‬قببال‪ :‬فبباعتبر فببي ذلببك إذنببه‪ .‬ومالببك يشبببه الحكميببن‬
‫بالسلطان‪ ،‬والسلطان يطلق بالضرر عند مالك إذا تبين‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب اليلء‪.‬‬
‫@‪)-‬بسم الب الرحمبن الرحيبم وصبلى الب علبى سبيدنا محمبد وآلبه وصبحبه وسبلم‬
‫تسليما(‪.‬‬
‫والصل في هذا الباب قوله تعالى }للذين يؤلببون مببن نسببائهم تربببص أربعببة أشببهر{‬
‫واليلء‪ :‬هو أن يحلف الرجل أن ل يطأ زوجته إما مدة هي أكببثر مببن أربعببة أشببهر‬
‫أو أربعة أشهر أو بإطلق على الختلف المذكور في ذلك فيما بعد‪ .‬واختلببف فقهبباء‬
‫المصار في اليلء في مواضع‪ :‬فمنها هل تطلببق المببرأة بانقضبباء الربعببة الشببهر‬
‫المضروبة بالنص للمولى‪ ،‬أم إنما تطلق بأن يوقببف بعببد الربعببة الشببهر؟ فإمببا فبباء‬
‫وإما طلق‪ .‬ومنها هل اليلء يكون بكل يمين أم باليمان المباحببة فببي الشببرع فقببط؟‪.‬‬
‫ومنها إن أمسك عن الوطء بغير يمين هل يكون موليا أم ل؟‪ .‬ومنها هل المببولي هببو‬
‫الذي قيد يمينه بمده من أربعة أشهر فقط أو أكثر مببن ذلببك؟ أو المببولي هببو الببذي لبم‬
‫يقيد يمينه بمببده أصببل؟‪ .‬ومنهببا هببل طلق اليلء بببائن أو رجعببي؟‪ .‬ومنهببا إن أبببى‬
‫الطلق والفيء هل يطلق القاضي عليه أم ل؟‪ .‬ومنها هل يتكرر اليلء إذا طلقها ثببم‬
‫راجعها من غيببر إيلء حببادث فببي الببزواج الثبباني؟‪ .‬ومنهببا هببل مببن شببروط رجعببة‬
‫المولي أن يطأها في العدة أم ل؟‪ .‬ومنها هببل إيلء العبببد حكمببه أن يكببون مثببل إيلء‬
‫الحر أم ل؟‪ .‬ومنها هل إذا طلقها بعبد إنقضباء مبدة اليلء تلزمهبا عبدة أم ل؟‪ .‬فهبذه‬
‫هي مسائل الخلف المشهورة في اليلء بين فقهبباء المصببار الببتي تتنببزل مببن هببذا‬
‫الباب منزلة الصول‪ ،‬ونحن نذكر خلفهببم فببي مسببألة مسببألة منهببا‪ ،‬وعيببون أدلتهببم‬
‫وأسباب خلفهم على ما قصدنا‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الولى( أما اختلفهم هل تطلببق بانقضبباء الربعببة الشببهر نفسببها أم ل‬
‫تطلق وإنما الحكم أن يوقف فإما فاء وإما طلق؟ فإن مالكا والشافعي وأحمد وأبا ثببور‬
‫وداود والليث ذهبوا إلى أنه يوقف بعد انقضاء الربعة الشهر‪ ،‬فإما فاء وإمببا طلببق‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وهو قول علي وابن عمر‪ ،‬وإن كان قببد روي عنهمببا غيببر ذلببك‪ ،‬لكببن الصببحيح هببو‬
‫هذا؛ وذهب أبو حنيفة وأصببحابه والثببوري وبالجملببة الكوفيببون إلببى أن الطلق يقببع‬
‫بانقضباء الربعبة الشبهر إل أن يفيبء فيهبا‪ ،‬وهبو قبول اببن مسبعود وجماعبة مبن‬
‫التابعين‪ .‬وسبب الخلف هل قوله تعالى }فإن فبباءوا فببإن الب غفببور رحيببم{ أي فببإن‬
‫فاءوا قبل انقضاء الربعة الشهر أو بعدها؟ فمن فهببم منببه قبببل انقضببائها قببال‪ :‬يقببع‬
‫الطلق‪ ،‬ومعنى العزم عنده في قوله تعالى }وإن عزموا الطلق فإن ال سميع عليم{‬
‫أن ل يفيء حتى تنقضي المدة فمببن فهببم مببن اشببتراط الفيئة اشببتراطها بعببد انقضبباء‬
‫المببدة قببال‪ :‬معنببى قببوله }وإن عزمببوا الطلق{ أي ببباللفظ }فببإن ال ب سببميع عليببم{ ‪.‬‬
‫وللمالكية في الية أربعة أدلة‪ :‬أحدها أنه جعل مدة التربص حقا للزوج دون الزوجة‪،‬‬
‫فأشبهت مدة الجل في الديون المؤجلة‪ .‬الببدليل الثبباني أن الب تعببالى أضبباف الطلق‬
‫إلى فعله‪ .‬وعندهم ليس يقع من فعله إل تجوزا‪ :‬أعني ليببس ينسببب إليببه علببى مببذهب‬
‫الحنفية إل تجوزا‪ ،‬وليس يصار إلى المجاز عن الظاهر إل بدليل‪ .‬الدليل الثالث قوله‬
‫تعالى }وإن عزموا الطلق فإن ال سبميع عليبم{ قبالوا‪ :‬فهبذا يقتضبي وقبوع الطلق‬
‫على وجه يسمع‪ ،‬وهو وقوعه باللفظ ل بانقضاء المدة‪ .‬الرابع أن الفاء في قوله تعالى‬
‫}فإن فاءوا فإن ال غفور رحيم{ ظاهرة في معنى التعقيب‪ ،‬فببدل ذلببك علببى أن الفيئة‬
‫بعد المدة‪ ،‬وربما شبهوا هذه المدة بمدة العتق‪ .‬وأمبا أببو حنيفبة فبإنه اعتمبد فبي ذلبك‬
‫تشبيه هذه المدة بالعدة الرجعية إذ كانت العدة إنما شرعت لئل يقع منه ندم‪ ،‬وبالجملة‬
‫فشبهوا اليلء بالطلق الرجعي‪ ،‬وشبهوا المدة بالعدة وهو شبه قوي‪ ،‬وقد روي ذلك‬
‫عن ابن عباس‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية( وأما اختلفهم في اليمين التي يكون بها اليلء‪ ،‬فإن مالكا قببال‪:‬‬
‫يقع اليلء بكل يمين‪ ،‬وقال الشافعي‪ :‬ل يقع إل باليمببان المباحببة فببي الشببرع وهببي‬
‫اليمين بال أو بصفة من صفاته‪ .‬فمالك اعتمد العموم‪ :‬أعني عموم قوله تعالى }للذين‬
‫يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر{ والشافعي يشبه اليلء بيمين الكفببارة‪ ،‬وذلببك‬
‫أن كل اليمينين يترتب عليهما حكم شرعي‪ ،‬فوجب أن تكون اليمين التي ترتب عليها‬
‫حكم اليلء هي اليمين التي يترتب عليها الحكم الذي هو الكفارة‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثالثة( وأما لحوق حكم اليلء للزوج إذا ترك الوطء بغير يميببن‪ ،‬فببإن‬
‫الجمهور على أنه ل يلزمه حكببم اليلء بغيببر يميببن‪ ،‬ومالببك يلزمببه وذلببك إذا قصببد‬
‫الضرار بترك الوطء‪ ،‬وإن لم يحلف على ذلك؛ فالجمهور اعتمدوا الظبباهر‪ ،‬ومالببك‬
‫اعتمد المعنى‪ ،‬لن الحكم إنما لزمه باعتقاده ترك البوطء‪ ،‬وسبواء شبد ذلبك العتقباد‬
‫بيمين أو بغير يمين‪ ،‬لن الضرر يوجد في الحالتين جميعا‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الرابعة( وأما اختلفهم في مدة اليلء‪ ،‬فإن مالكا ومن قال بقببوله يببرى‬
‫أن مدة اليلء يجب أن تكون أكثر من أربعة أشهر إذ كان الفيء عندهم إنما هو بعد‬
‫الربعة الشهر؛ وأما أبو حنيفة فإن مبدة اليلء عنبده هببي الربعببة الشبهر فقبط إذ‬
‫كان الفيء عنده إنما هو فيها؛ وذهب الحسن وابن أبي ليلى إلى أنه إذا حلف وقتا مببا‬
‫وإن كان أقل من أربعة أشببهر كببان موليببا يضببرب لببه الجببل إلببى انقضبباء الربعببة‬
‫الشهر مببن وقببت اليميببن‪ .‬وروي عببن ابببن عببباس أن المببولي هببو مببن حلببف أن ل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يصيب امرأته على التأبيد‪ .‬والسبب في اختلفهبم فبي المبدة إطلق اليبة‪ ،‬فباختلفهم‬
‫في وقت الفيء‪ ،‬وفي صفة اليمين ومدته هبو كبون اليبة عامبة فبي هبذه المعباني أو‬
‫مجملة‪ ،‬وكذلك اختلفهم في صفة المولي والمولي منها ونوع الطلق على ما سيأتي‬
‫بعد‪ .‬وأما ما سوى ذلببك فسبببب اختلفهببم فيببه هببو سبببب السببكوت عنهببا‪ ،‬وهببذه هببي‬
‫أركان اليلء‪ :‬أعني معرفة نوع اليمين ووقت الفيء والمدة وصفة المببولي والمببولي‬
‫منها ونوع الطلق الواقع فيه‪.‬‬
‫@‪)-‬المسببألة الخامسببة( فأمببا الطلق الببتي يقببع ببباليلء فعنببد مالببك والشببافعي أنببه‬
‫رجعي‪ ،‬لن الصل أن كل طلق وقع بالشرع أنه يحمل على أنه رجعي إلى أن يدل‬
‫الدليل على أنه بائن؛ وقال أبو حنيفة وأبو ثور‪ :‬هو بائن‪ ،‬وذلك أنه إن كان رجعيا لم‬
‫يببزل الضببرر عنهببا بببذلك لنببه يجبرهببا علببى الرجعببة‪ .‬فسبببب الختلف معارضببة‬
‫المصلحة المقصودة باليلء للصل المعروف في الطلق‪ ،‬فمن غلببب الصببل قببال‪:‬‬
‫رجعي‪ ،‬ومن غلب المصلحة قال‪ :‬بائن‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة السادسة( وأما هل يطلببق القاضببي إذا أبببى الفيببء أو الطلق أو يحبببس‬
‫حتى يطلق‪ ،‬فإن مالكا قال‪ :‬يطلببق القاضبي عليببه؛ وقبال أهببل الظبباهر‪ :‬يحببس حببتى‬
‫يطلقها بنفسه‪ .‬وسبب الخلف معارضة الصل المعروف في الطلق للمصلحة؛ فمن‬
‫راعى الصل المعروف في الطلق قال‪ :‬ل يقع الطلق إل من الزوج؛ ومببن راعببى‬
‫الضرر الداخل من ذلك على النساء قال‪ :‬يطلببق السببلطان وهببو نظببر إلببى المصببلحة‬
‫العامة‪ ،‬وهذا هو الذي يعرف بالقياس المرسل والمنقول عن مالك العمببل بببه‪ ،‬وكببثير‬
‫من الفقهاء يأبى ذلك‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة السابعة( وأما هل يتكرر اليلء إذا طلقها ثم راجعها؟ فإن مالكا يقببول‪:‬‬
‫إذا راجعها فلم يطأها تكرر اليلء عليه‪ ،‬وهببذا عنببده فببي الطلق الرجعببي والبببائن‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة‪ :‬الطلق البائن يسقط اليلء وهو أحد قولي الشافعي‪ ،‬وهذا القول هو‬
‫الببذي اختبباره المزنببي وجماعببة العلمبباء علببى أن اليلء ل يتكببرر؛ بعببد الطلق إل‬
‫بإعادة اليمين‪ .‬والسبب في اختلفهم معارضة المصلحة لظاهر شببرط اليلء‪ ،‬وذلببك‬
‫أنه ل إيلء في الشرع إل حيث يكون يمين في ذلك النكاح بنفسه ل فببي نكبباح آخببر‪،‬‬
‫ولكن إذا راعينا هذا وجد الضرر المقصبود إزالتبه بحكبم اليلء‪ ،‬ولبذلك رأى مالبك‬
‫أنه ل يحكم بحكم اليلء بغير يمين إذا وجد معنى اليلء‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثامنة( وأما هل تلزم الزوجة المولي منهببا عببدة أو ليببس تلزمهببا؟ فببإن‬
‫الجمهور على أن العدة تلزمهببا؛ وقببال جببابر بببن زيببد‪ :‬ل تلزمهببا عببدة إذا كببانت قببد‬
‫حاضت في مدة الربعة الشهر ثلث حيض‪ ،‬وقال بقوله طائفببة‪ :‬وهببو مببروي عببن‬
‫ابن عباس‪ .‬وحجته أن العدة إنما وضعت لبراءة الرحم‪ ،‬وهذه قد حصلت لها البراءة‪.‬‬
‫وحجة الجمهور أنهببا مطلقببة فببوجب أن تعتببد كسببائر المطلقببات‪ .‬وسبببب الخلف أن‬
‫العدة جمعت عبادة ومصلحة؛ فمن لحظ جانب المصلحة لم ير عليها عدة‪ ،‬ومن لحظ‬
‫جانب العبادة أوجب عليها العدة‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة التاسببعة( وأمببا إيلء العبببد‪ ،‬فببإن مالكببا قببال‪ :‬إيلء العبببد شببهران علببى‬
‫النصف من إيلء الحر‪ ،‬قياسا على حبدوده وطلقبه؛ وقبال الشبافعي وأهبل الظباهر‪:‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫إيلؤه مثل إيلء الحر أربعة أشهر تمسكا بالعموم‪ ،‬والظاهر أن تعلق اليمببان بببالحر‬
‫والعبد سواء‪ ،‬واليلء يمين‪ ،‬وقياسا أيضا على مدة العنين؛ وقال أبو حنيفببة‪ :‬النقببص‬
‫الداخل على اليلء معتبر بالنساء ل بالرجبال كالعبدة‪ ،‬فبإن كبانت المبرأة حبرة كبان‬
‫اليلء إيلء الحببر وإن كببان الببزوج عبببدا‪ ،‬وإن كببانت أمببة فعلببى النصببف؛ وقيبباس‬
‫اليلء على الحد غير جيد‪ ،‬وذلك أن العبببد إنمببا كببان حببده أقببل مببن حببد الحببر‪ ،‬لن‬
‫الفاحشة منه أقل قبحا‪ ،‬ومن الحر أعظم قبحا‪ ،‬ومدة اليلء إنمببا ضببربت جمعببا بيببن‬
‫التوسعة على الزوج وبين إزالة الضرر عن الزوجة‪ ،‬فإذا فرضنا مدة أقصر من هذه‬
‫كان أضيق على الزوج وأنفببى للضببرر عببن الزوجببة‪ ،‬والحببر أحببق بالتوسببعة ونفببي‬
‫الضرر عنه‪ ،‬فلذلك كان يجب على هذا القيباس أن ل ينقبص مبن اليلء إل إذا كبان‬
‫الزوج عبدا والزوجة حرة فقط‪ ،‬وهذا لم يقل به أحد‪ ،‬فالواجب التسوية‪ .‬والذين قببالوا‬
‫بتأثير الرق في مدة اليلء اختلفوا في زوال الرق بعد اليلء‪ ،‬هببل ينتقببل إلببى إيلء‬
‫الحرار أم ل؟ فقال مالك‪ :‬ل ينتقببل مببن إيلء العبيببد إلببى إيلء الحببرار؛ وقببال أبببو‬
‫حنيفببة‪ :‬ينتقببل؛ فعنببده أن المببة إذا عتقببت وقببد آلببى زوجهببا منهببا انتقلببت إلببى إيلء‬
‫الحرار؛ وقال ابن القاسم‪ :‬الصغيرة التي ل يجببامع مثلهببا ل إيلء عليهببا‪ ،‬فببإن وقببع‬
‫وتمادى حسبت الربعة الشهر من يوم بلغت‪ ،‬وإنما قبال ذلبك لنبه ل ضبرر عليهبا‬
‫فببي تببرك الجمبباع؛ وقببال أيضببا‪ :‬ل إيلء علببى خصببي ول علببى مببن ل يقببدر علببى‬
‫الجماع‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة العاشرة( وأما هل من شرط رجعة المولي أن يطأ في العببدة أم ل؟ فببإن‬
‫الجمهور ذهبوا إلى أن ذلك ليس من شرطها؛ وأما مالك فإنه قال‪ :‬إذا لم يطأ فيها من‬
‫غير عذر مرض أو ما أشبه ذلك فل رجعة عنده لببه عليهببا وتبقببى علببى عببدتها‪ ،‬ول‬
‫سبيل له إليها إذا انقضت العدة‪ .‬وحجة الجمهور أنببه ل يخلببو أن يكببون اليلء يعببود‬
‫برجعته إياها في العدة أو ل يعببود‪ ،‬فببإن عبباد لببم يعتبببر واسببتؤنف اليلء مببن وقببت‬
‫الرجعة؛ أعني تحسب مدة اليلء من وقت الرجعة‪ ،‬وإن لم يعد إيلء لم يعتبر أصل‬
‫إل على مذهب من يرى أن اليلء يكون بغير يمين‪ ،‬وكيفما كان فل بببد مببن اعتبببار‬
‫الربعة الشهر من وقت الرجعة؛ وأما مالبك فبإنه قبال‪ :‬كبل رجعبة مبن طلق كبان‬
‫لرفع ضرر‪ ،‬فإن صحة الرجعة معتبببرة فيببه بببزوال ذلببك الضببرر‪ ،‬وأصببله المعسببر‬
‫بالنفقة إذا طلق عليه ثم ارتجع‪ ،‬فإن رجعتببه تعتبببر صببحتها بيسبباره‪ .‬فسبببب الخلف‬
‫قياس الشبه‪ ،‬وذلك أن من شبه الرجعة بابتداء النكاح أوجب فيها تجدد اليلء‪ ،‬ومببن‬
‫شبه هذه الرجعة برجعة المطلق لضرر لم يرتفع منه ذلببك الضببرر قببال‪ :‬يبقببى علببى‬
‫الصل‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الظهار‪.‬‬
‫@‪-‬والصل في الظهار الكتاب والسنة‪ .‬فأما الكتاب فقوله تعالى }والببذين يظبباهرون‬
‫من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة{ الية‪ .‬وأمبا السبنة فحبديث خولبة بنبت‬
‫مالك بن ثعلبة قالت "ظاهر مني زوجي أويس ابن الصامت‪ ،‬فجئت إلببى رسببول ال ب‬
‫صلى ال عليه وسلم أشكو إليه‪ ،‬ورسول ال يجادلني فيه ويقول‪ :‬اتقببي ال ب فببإنه ابببن‬
‫عمك‪ ،‬فما خرجت حتى أنزل ال }قد سمع ال قول التي تجادلك في زوجها وتشببتكي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫إلى ال وال يسمع تحاوركما{ اليات‪ ،‬فقال‪ :‬ليعتق رقبة‪ ،‬قالت‪ :‬ل يجد‪ ،‬قال‪ :‬فيصوم‬
‫شهرين متتابعين‪ ،‬قالت‪ :‬يا رسول ال إنه شيخ كبير ما بببه مببن صببيام‪ ،‬قببال‪ :‬فليطعببم‬
‫ستين مسكينا‪ ،‬قالت‪ :‬ما عنده من شببيء يتصببدق بببه‪ ،‬قببال‪ :‬فببإني سبأعينه بعببرق مببن‬
‫تمر‪ ،‬قالت‪ :‬وأنا أعينببه بعببرق آخببر‪ ،‬قببال‪ :‬لقببد أحسببنت اذهبببي فببأطعمي عنببه سببتين‬
‫مسكينا" خرجه أبو داود‪ .‬وحديث سلمة بن صخر البياضي عن النبي صلى ال عليببه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫والكلم في أصول الظهار ينحصر في سبعة فصول‪ :‬منها في ألفبباظ الظهببار‪ .‬ومنهببا‬
‫في شروط وجوب الكفارة فيه‪ .‬ومنها فيمن يصح فيه الظهار‪ .‬ومنها فيما يحرم علببى‬
‫المظاهر‪ .‬ومنها هل يتكرر الظهار بتكرر النكاح؟‪ .‬ومنهبا هبل يبدخل اليلء عليببه؟‪.‬‬
‫ومنها القول في أحكام كفارة الظهار‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الول في ألفاظ الظهار‪.‬‬
‫@‪-‬واتفق العلماء على أن الرجل إذا قال لزوجته‪ :‬أنت علي كظهر أمي أنببه ظهببار‪،‬‬
‫واختلفوا إذا ذكر عضوا غير الظهر‪ ،‬أو ذكر ظهر مببن تحببرم عليببه مببن المحرمببات‬
‫النكاح على التأبيد غير الم‪ ،‬فقال مالببك‪ :‬هببو ظهببار؛ وقببال جماعببة مببن العلمبباء‪ :‬ل‬
‫يكون ظهارا إل بلفظ الظهر والم‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬يكون بكببل عضببو يحببرم النظببر‬
‫إليه‪ .‬وسبب اختلفهم معارضة المعنى للظاهر‪ ،‬وذلك أن معنى التحريببم تسببتوي فيببه‬
‫الم وغيرها من المحرمات والظهر وغيره من العضاء‪ ،‬وأما الظاهر مببن الشبرع‪،‬‬
‫فإنه يقتضي أن ل يسمى ظهارا إل ما ذكر فيه لفظ الظهر والم‪ .‬وأمببا إذا قببال‪ :‬هببي‬
‫علي كأمي ولم يذكر الظهر‪ ،‬فقال أبو حنيفة والشافعي‪ :‬ينوي في ذلببك لنببه قببد يريببد‬
‫بذلك الجلل لها وعظم منزلتها عنده؛ وقال مالك‪ :‬هو ظهار‪ .‬وأما من شبببه زوجتببه‬
‫بأجنبية ل تحرم عليه على التأبيد‪ ،‬فإنه ظهار عند مالك‪ ،‬وعنببد ابببن الماجشببون ليببس‬
‫بظهار‪ ،‬وسبب الخلف هل تشبببيه الزوجببة بمحرمببة غيببر مؤبببدة التحريببم كتشبببيهها‬
‫بمؤبدة التحريم؟‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الثاني في شروط وجوب الكفارة فيه‪.‬‬
‫@‪-‬وأما شروط وجوب الكفارة‪ ،‬فإن الجمهور على أنهببا ل تجببب دون العببود‪ ،‬وشببذ‬
‫مجاهد وطبباوس فقببال‪ :‬ل تجببب دون العببود‪ ،‬ودليببل الجمهببور قببوله تعببالى }والببذين‬
‫يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة{ وهو نص في معنى وجوب‬
‫تعلق الكفارة بالعود‪ ،‬وأيضا فمن طريق القياس‪ ،‬فإن الظهار يشبه الكفارة في اليمين‪،‬‬
‫فكما أن الكفارة إنمببا تلببزم بالمخالفببة أو بببإرادة المخالفببة‪ ،‬كببذلك المببر فببي الظهببار‪.‬‬
‫وحجة مجاهد وطاوس أنه معنى يببوجب الكفببارة العليببا فببوجب أن يوجبهببا بنفسببه ل‬
‫بمعنى زائد تشبيها بكفارة القتل والفطر؛ وأيضا قالوا‪ :‬إنه كان طلق الجاهليببة فنسببخ‬
‫تحريمه بالكفارة‪ ،‬وهو معنى قوله تعالى }ثم يعودون لمببا قببالوا{ والعببود عنببدهم هببو‬
‫العود في السلم‪ .‬فأما القائلون باشتراط العود في إيجاب الكفارة‪ ،‬فإنهم اختلفببوا فيببه‬
‫ما هببو؟ فعببن مالببك فببي ذلببك ثلث روايببات‪ :‬إحببداهن أن العببود هببو أن يعببزم علببى‬
‫إمساكها والوطء معا‪ .‬والثانية أن يعزم علببى وطئهببا فقببط‪ ،‬وهببي الروايببة الصببحيحة‬
‫المشهورة عن أصحابه‪ ،‬وبه قال أبببو حنيفببة وأحمببد‪ .‬والروايببة الثالثببة أن العببود هببو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫نفس الوطء‪ ،‬وهي أضعف الروايات عند أصحابه‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬العود هو المساك‬
‫نفسه‪ ،‬قال‪ :‬ومن مضى له زمان يمكنه أن يطلق فيه ولم يطلق ثبت أنه عائد ولزمتببه‬
‫الكفارة‪ ،‬لن إقامته زمانببا يمكببن أن يطلببق فيببه مببن غيببر أن يطلببق يقببوم مقببام إرادة‬
‫المساك منه‪ ،‬أو هو دليل ذلك‪ .‬وقال داود وأهببل الظبباهر‪ :‬العببود هببو أن يكببرر لفببظ‬
‫الظهببار ثانيببة‪ ،‬ومببتى لببم يفعببل ذلببك فليببس بعببائد ول كفببارة عليببه‪ ،‬فببدليل الروايببة‬
‫المشهورة لمالك ينبني على أصلين‪ :‬أحدهما أن المفهوم من الظهار هببو أن الوجببوب‬
‫الكفارة فيه إنما يكون بإرادته العود إلى مبا حبرم علبى نفسبه بالظهبار وهبو البوطء‪،‬‬
‫وإذا كان ذلك كذلك وجب أن تكون العودة هببي إمببا الببوطء نفسببه‪ ،‬وإمببا العببزم عليببه‬
‫وإرادته‪ .‬والصل الثاني ليس يمكن أن يكون العود نفسه هبو وطبء لقببوله تعبالى فبي‬
‫الية }فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا{ ولذلك كان الوطء محرما حببتى ُيَكَفببر‪ .‬قببالوا‪:‬‬
‫ولو كان العود نفسه هو المساك لكببان الظهببار نفسببه يحببرم المسبباك فكببان الظهببار‬
‫يكون طلقا‪ .‬وبالجملة فالمعول عليه عندهم في هذه المسألة هو الطريق الذي يعرفببه‬
‫الفقهاء بطريق السبر والتقسيم‪ ،‬وذلك أن معنى العود ل يخلو أن يكببون تكببرار اللفببظ‬
‫على ما يراه داود أو الوطء نفسه أو المساك نفسه أو إرادة الوطء‪ ،‬ول يكون تكرار‬
‫اللفظ‪ ،‬لن ذلك تأكيد والتأكيد ل يوجب الكفارة ول يكون إرادة المساك للوطء‪ ،‬فببإن‬
‫المساك موجود بعد‪ ،‬فقد بقي أن يكون إرادة الوطء‪ ،‬وإن كان إرادة المساك للببوطء‬
‫فقببد أراد الببوطء‪ ،‬فثبببت أن العببود هببو الببوطء‪ .‬ومعتمببد الشببافعية فببي إجرائهببم إرادة‬
‫المساك‪ ،‬أو المساك مجرى إرادة الوطء أن المساك يلزم عنه الوطء فجعلببوا لزم‬
‫الشيء مشبها بالشيء‪ ،‬وجعلوا حكمهما واحدا‪ ،‬وهو قريب من الرواية الثانية؛ وربما‬
‫استدلت الشافعية على أن إرادة المساك هو السبببب فببي وجببوب الكفببارة أن الكفببارة‬
‫ترتفع بارتفاع المساك‪ ،‬وذلك إذا طلق أثر الظهار‪ ،‬ولهذا احتبباط مالببك فببي الروايببة‬
‫الثانية‪ ،‬فجعل العود هو إرادة المرين جميعا‪ :‬أعني الوطء والمساك؛ وإما أن يكون‬
‫العود الوطء فضعيف مخالف للنص‪ ،‬والمعتمد فيها تشبببيه الظهببار ببباليمين‪ :‬أي كمببا‬
‫أن كفارة اليمين إنما تجب بالحنث كذلك المر ههنا‪ ،‬وهو قياس شبه عارضه النص‪.‬‬
‫وأما داود فإنه تعلق بظاهر اللفظ في قوله تعالى }ثم يعودون لما قالوا{ وذلك يقتضي‬
‫الرجوع إلى القول نفسه‪ .‬وعند أبي حنيفببة أنببه العببود فبي السبلم إلببى مببا تقببدم مببن‬
‫ظهارهم في الجاهلية‪ :‬وعند مالك والشافعي أن المعنببى فببي اليببة‪ :‬ثببم يعببودون فيمببا‬
‫قالوا‪ .‬وسبب الخلف بالجملة إنما هو مخالفة الظباهر للمفهبوم؛ فمبن اعتمبد المفهبوم‬
‫جعل العودة إرادة الوطء أو المساك‪ ،‬وتأول معنى اللم في قوله تعالى }ثم يعببودون‬
‫لما قالوا{ بمعنى الفاء؛ وأما من اعتمد الظاهر فبإنه جعببل العببودة تكريبر اللفببظ‪ ،‬وأن‬
‫العودة الثانية إنما هي ثانية للولى التي كببانت منهببم فببي الجاهليببة‪ .‬ومببن تببأول أحببد‬
‫هذين‪ ،‬فالشبه له أن يعتقد أن بنفس الظهار تجب الكفارة كما اعتقد ذلببك مجاهببد‪ ،‬إل‬
‫أن يقدر في الية محذوفا وهو إرادة المساك‪ ،‬فهنا إذا ثلثببة مببذاهب‪ :‬إمببا أن تكببون‬
‫العودة هي تكرار اللفظ‪ ،‬وإما أن تكون إرادة المسبباك‪ ،‬وإمببا أن تكببون العببودة الببتي‬
‫هي في السلم‪ ،‬وهذان ينقسمان قسمين‪ :‬أعني الول والثالث‪ .‬أحببدهما أن يقببدر فببي‬
‫الية محذوفا‪ ،‬وهو إرادة المساك فيشترط هذه الرادة في وجوب الكفببارة‪ ،‬وإمببا أل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يقدر فيها محذوفا فتجب الكفارة بنفس الظهببار‪ .‬واختلفببوا مببن هببذا الببباب فببي فببروع‬
‫وهو‪ :‬هل إذا طلق قبل إرادة المساك أو ماتت عنه زوجته هل تكون عليببه كفببارة أم‬
‫ل؟ فجمهور العلمباء علبى أن ل كفبارة عليبه إل أن يطلبق بعبد إرادة العبودة أو بعبد‬
‫المساك بزمان طويببل علبى مبا يبراه الشببافعي‪ .‬وحكبي عبن عثمببان البببتي أن عليبه‬
‫الكفارة بعد الطلق‪ ،‬وأنها إذا ماتت قبل إرادة العودة لم يكن له سبيل إلى ميراثهببا إل‬
‫بعد الكفارة‪ ،‬وهذا شذوذ مخالف للنص‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الثالث فيمن يصح فيه الظهار‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على لزوم الظهار من الزوجة التي فببي العصببمة‪ ،‬واختلفببوا فببي الظهببار‬
‫من المة ومن التي في غير العصمة‪ ،‬وكذلك اختلفوا في ظهببار المببرأة مببن الرجببل‪،‬‬
‫فأما الظهار من المة فقال مالك والثوري وجماعة‪ :‬الظهار منهببا لزم كالظهببار مببن‬
‫الزوجة الحرة‪ ،‬وكذلك المدبرة وأم الولد؛ وقال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وأبو ثور‪:‬‬
‫ل ظهار من أمة؛ وقال الوزاعي‪ :‬إن كان يطأ أمته فهو منها مظاهر‪ ،‬وإن لم يطأهبا‬
‫فهي يمين وفيها كفارة يمين؛ وقال عطاء‪ :‬هو مظاهر لكن عليه نصف كفارة‪ .‬فببدليل‬
‫من أوقع ظهار المة عموم قوله تعالى }والذين يظاهرون مببن نسببائهم{ والمبباء مببن‬
‫النساء‪ .‬وحجة من لم يجعله ظهارا أنهم قد أجمعوا أن النساء في قببوله تعببالى }للببذين‬
‫يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر{ هن ذوات الزواج‪ ،‬فكذلك اسم النساء في آية‬
‫الظهار‪ ،‬فسبب الخلف معارضة قياس الشبه للعموم‪ :‬أعنببي تشبببيه الظهببار ببباليلء‬
‫وعموم لفظ النساء‪ ،‬أعني أن عموم اللفظ يقتضي دخول الماء فببي الظهببار وتشبببيهه‬
‫باليلء يقتضي خروجهن من الظهار‪ .‬وأمببا هببل مببن شببرط الظهبار كبون المظبباهر‬
‫منها في العصمة أم ل؟ فمذهب مالك أن ذلك ليس من شببرطه‪ ،‬وأن مببن عيببن امببرأة‬
‫ما بعينها وظاهر منها بشرط التزويج كان مظاهرا منهببا‪ ،‬وكببذلك إن لببم يعيببن وقببال‬
‫كل امرأة أتزوجها فهببي منبي كظهبر أمببي‪ ،‬وذلببك بخلف الطلق وبقببول مالبك فبي‬
‫الظهار قال أبو حنيفة والثوري والوزاعي؛ وقببال قببائلون‪ :‬ل يلببزم الظهببار إل فيمببا‬
‫يملك الرجل‪ ،‬وممن قال بهذا القول الشافعي وأبو ثور وداود؛ وفببرق قببوم فقببالوا‪ :‬إن‬
‫أطلق لم يلزمه ظهار وهو أن يقول‪ :‬كل امرأة أتزوجها فهي منببي كظهببر أمببي‪ ،‬فببإن‬
‫قيد لزمه وهو أن يقول‪ :‬إن تزوجت فلنة أو سمى قرية أو قبيلببة‪ ،‬وقببائل هببذا القببول‬
‫هو ابن أبي ليلى والحسن بن حيي‪ .‬ودليل الفريق الول قوله تعببالى }أوفببوا بببالعقود{‬
‫ولنه عقد على شرط الملببك فأشبببه إذا ملببك‪ ،‬والمؤمنببون عنببد شببروطهم وهببو قببول‬
‫عمر‪ .‬وأما حجة الشافعي فحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبببي صببلى‬
‫ال عليه وسلم قال "ل طلق إل فيما يملك ول عتق إل فيما يملببك‪ ،‬ول بيببع إل فيمببا‬
‫يملببك‪ ،‬ول وفبباء بنببذر إل فيمببا يملببك" خرجببه أبببو داود والترمببذي والظهببار شبببيه‬
‫بالطلق‪ ،‬وهو قول ابن عباس‪ .‬وأما الذين فرقوا بين التعميم والتعيين‪ ،‬فإنهم رأوا أن‬
‫التعميم في الظهار من باب الحرج‪ ،‬وقد قال ال تعالى }وما جعل عليكم في الدين من‬
‫حرج{ ‪ .‬واختلفوا أيضا من هذا الباب في هل تظاهر المرأة من الرجل؟ فعن العلمبباء‬
‫في ثلثة أقوال‪ :‬أشهرها أنه ل يكون منها ظهار‪ ،‬وهو قول مالك والشافعي‪ .‬والثبباني‬
‫أن عليهببا كفببارة يميببن‪ .‬والثببالث أن عليهببا كفبارة الظهبار‪ .‬ومعتمببد الجمهبور تشبببيه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الظهار بالطلق‪ ،‬ومن ألزم المرأة الظهار فتشبيهها للظهار باليمين؛ ومن فرق فلنببه‬
‫رأى أن أقل اللزم لها في ذلك المعنى هو كفارة يمين وهو ضعيف‪ .‬وسبببب الخلف‬
‫تعارض الشباه في هذا المعنى‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الرابع فيما يحرم على المظاهر‪.‬‬
‫@‪-‬واتفقوا على أن المظاهر يحرم عليببه الببوطء‪ ،‬واختلفببوا فيمببا دونببه مببن ملمسببة‬
‫ووطء في غير الفرج ونظر اللذة‪ ،‬فذهب مالك إلى أنه يحببرم الجمبباع وجميببع أنببواع‬
‫الستمتاع مما دون الجماع من الوطء فيما دون الفرج واللمس والتقبيل والنظببر للببذة‬
‫ما عدا وجهها وكفيها ويديها من سائر بدنها ومحاسنها‪ ،‬وبببه قببال أبببو حنيفببة إل أنببه‬
‫إنما كره النظر للفرج فقط؛ وقال الشافعي‪ :‬إنما يحرم الظهار الوطء فببي الفببرج فقببط‬
‫المجمع عليه ل ما عدا ذلك‪ ،‬وبببه قببال الثببوري وأحمببد وجماعببة‪ .‬ودليببل مالببك قببوله‬
‫تعالى }من قبل أن يتماسا{ وظاهر لفظ التماس يقتضي المباشببرة فيمببا فوقهببا‪ ،‬ولنببه‬
‫أيضا لفظ حرمت به عليه فأشبه لفظ الطلق‪ ،‬ودليل قول الشافعي أن المباشرة كنايببة‬
‫عن الجماع بدليل إجماعهم على أن الوطء محببرم عليببه‪ ،‬وإذا دلببت علببى الجمبباع لببم‬
‫تدل على ما فوق الجماع‪ ،‬لنها إما أن تدل على ما فوق الجماع‪ ،‬وإمببا أن تببدل علببى‬
‫الجماع‪ ،‬وهي الدللة المجازية‪ ،‬لكن قد اتفقببوا علببى أنهببا دالببة علببى الجمبباع فببانتفت‬
‫الدللة المجازية‪ ،‬إذ ل يدل لفظ واحد دللتين حقيقة ومجببازا‪ .‬قلببت‪ :‬الببذين يببرون أن‬
‫اللفظ المشببترك لبه عمببوم ل يبعبد أن يكبون اللفببظ الواحبد عنببدهم يتضببمن المعنييببن‬
‫جميعا‪ :‬أعني الحقيقة والمجاز‪ ،‬وإن كان لم تجر به عادة للعرب‪ ،‬ولذلك القول به فببي‬
‫غاية من الضعف‪ ،‬ولو علم أن للشرع فيه تصرفا لجبباز‪ ،‬وأيضببا فببإن الظهببار مشبببه‬
‫عندهم باليلء‪ ،‬فوجب أن يختص عندهم بالفرج‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الخامس هل يتكرر الظهار بتكرر النكاح‪.‬‬
‫@‪-‬وأما تكرر الظهار بعببد الطلق‪ :‬أعنببي إذا طلقهببا بعببد الظهببار قبببل أن ُيَكفببر ثببم‬
‫راجعها هل يتكرر عليها الظهار فل يحببل لببه المسببيس حببتى يكفببر فيببه خلف‪ .‬قببال‬
‫مالببك‪ :‬إن طلقهببا دون الثلث ثببم راجعهببا فببي العببدة أو بعببدها فعليببه الكفببارة‪ ،‬وقببال‬
‫الشافعي‪ :‬إن راجعها في العدة فعليه الكفارة‪ ،‬وإن راجعها فببي غيببر العببدة فل كفببارة‬
‫عليه؛ وعنه قول آخر مثل قول مالك‪ .‬وقال محمد بببن الحسببن‪ :‬الظهببار راجببع عليهببا‬
‫نكحها بعد الثلث أو بعد واحدة‪ ،‬وهذه المسألة شبيهة بمن يحلف بالطلق ثم يطلق ثم‬
‫يراجع هل تبقببى تلببك اليميببن عليببه أم ل؟‪ .‬وسبببب الخلف هببل الطلق يرفببع جميببع‬
‫أحكام الزوجية ويهدمها‪ ،‬أو ل يهببدمها؟ فمنهببم مببن رأى أن البببائن الببذي هببو الثلث‬
‫يهببدم‪ ،‬وأن مببا دون الثلث ل يهببدم؛ ومنهببم مببن رأى أن الطلق كلببه غيببر هببادم‪،‬‬
‫وأحسب أن من الظاهرية من يرى أنه كله هادم‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل السادس في دخول اليلء عليه‪.‬‬
‫@‪-‬وأما هل يببدخل اليلء علببى الظهببار إذا كببان مضببارا‪ ،‬وذلببك بببأن ل ُيَكِفببر مببع‬
‫قدرته على الكفارة؟ فإن فيه أيضا اختلفا‪ ،‬فأبو حنيفة والشببافعي يقببولن‪ :‬ل يتببداخل‬
‫الحكمان لن حكم الظهار خلف حكم اليلء‪ ،‬وسواء كان عندهم مضارا أو لم يكن‪،‬‬
‫وبه قال الوزاعي وأحمد وجماعة‪ .‬وقال مالك‪ :‬يدخل اليلء على الظهار بشرط أن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يكون مضارا‪ .‬وقال الثوري‪ :‬يدخل اليلء على الظهار‪ ،‬وتبين منه بانقضاء الربعة‬
‫الشهر من غير اعتبار المضارة‪ ،‬ففيه ثلثة أقوال‪ :‬قول إنببه يببدخل بببإطلق‪ ،‬وقببول‬
‫إنه ل يدخل بإطلق‪ ،‬وقول إنببه يببدخل مببع المضببارة ول يببدخل مببع عببدمها‪ .‬وسبببب‬
‫الخلف مراعاة المعنى واعتبار الظاهر؛ فمن اعتبر الظاهر قال‪ :‬ل يتداخلن؛ ومببن‬
‫اعتبر المعنى قال‪ :‬يتداخلن إذا كان القصد الضرر‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل السابع في أحكام كفارة الظهار‪.‬‬
‫@‪-‬والنظر فببي كفببارة الظهببار فببي أشببياء منهببا فببي عببدد أنببواع الكفببارة وترتيبهببا‪،‬‬
‫وشروط نوع منها‪ :‬أعني الشروط المصححة‪ ،‬ومتى تجب كفارة واحدة؟ ومتى تجب‬
‫أكثر من واحدة‪ .‬فأما أنواعها فإنهم أجمعوا على أنهببا ثلثببة أنببواع‪ :‬إعتبباق رقبببة‪ ،‬أو‬
‫صيام شهرين‪ ،‬أو إطعام ستين مسكينا‪ ،‬وأنها على الببترتيب‪ .‬فالعتبباق أول‪ ،‬فببإن لببم‬
‫يكن فالصيام‪ ،‬فإن لم يكن فالطعام‪ ،‬هذا في الحر‪ .‬واختلفوا في العبد يكفر بببالعتق أو‬
‫بالطعام بعد اتفاقهم أن الذي يبدأ به الصيام أعني إذا عجز عن الصيام‪ ،‬فأجاز للعبببد‬
‫العتق إن أذن له سيده أبو ثور وداود وأبى ذلك سائر العلمباء‪ .‬وأمبا الطعبام فأجبازه‬
‫له مالك إن أطعم بإذن سيده‪ ،‬ولم يجز ذلك أبو حنيفة والشافعي‪ ،‬ومبنببى الخلف فببي‬
‫هذه المسألة هل يملك العبد أو ل يملك؟‪ .‬وأما اختلفهم في الشروط المصححة‪ :‬فمنها‬
‫اختلفهم إذا وطئ في صيام الشهرين هببل عليببه اسببتئناف الصببيام أم ل؟ فقبال مالببك‬
‫وأبو حنيفة‪ :‬يستأنف الصيام‪ ،‬إل أن أبا حنيفة شرط في ذلك العمببد‪ ،‬ولببم يفببرق مالببك‬
‫بين العمد في ذلك والنسيان؛ وقال الشافعي‪ :‬ل يسببتأنف علببى حببال‪ ،‬وسبببب الخلف‬
‫تشبيه كفارة الظهار بكفارة اليمين والشرط الببذي ورد فببي كفببارة الظهببار‪ :‬أعنببي أن‬
‫تكون قبل المسيس؛ فمن اعتبر هذا الشرط قال‪ :‬يستأنف الصوم؛ ومببن شبببهه بكفببارة‬
‫اليمين قال‪ :‬ل يستأنف‪ ،‬لن الكفارة في اليمين ترفع الحنث بعد وقوعه باتفاق‪ .‬ومنها‬
‫هل من شرط الرقبة أن تكون مؤمنة أم ل؟ فذهب مالك والشافعي إلى أن ذلك شببرط‬
‫في الجزاء؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬يجزي في ذلك رقبة الكافر‪ ،‬ول يجزي عنببدهم إعتبباق‬
‫الوثنية والمرتدة‪ .‬دليل الفريق الول أنببه إعتبباق علببى وجببه القربببة فببوجب أن تكببون‬
‫مسلمة أصله العتاق في كفارة القتبل؛ وربمببا قبالوا إن هببذا ليببس مبن بباب القيباس‪،‬‬
‫وإنما هو من باب حمل المطلق على المقيد‪ ،‬وذلك أنه قيد الرقبة باليمببان فببي كفببارة‬
‫القتل وأطلقها في كفارة الظهار فيجب صرف المطلبق إلبى المقيبد‪ ،‬وهبذا النبوع مبن‬
‫حمل المطلق على المقيد فيببه خلف‪ ،‬والحنفيببة ل يجيزونببه‪ ،‬وذلببك أن السببباب فببي‬
‫القضيتين مختلفة‪.‬‬
‫وأما حجة أبي حنيفة فهو ظاهر العمببوم‪ ،‬ول معارضببة عنببده بيببن المطلببق والمقيببد‪،‬‬
‫فوجب عنده أن يحمل كل على لفظه‪ .‬ومنها اختلفهم هل من شرط الرقبببة أن تكببون‬
‫سالمة من العيوب أم ل؟ ثم إن كانت سليمة فمن أي العيوب تشترط سلمتها؟ فالببذي‬
‫عليه الجمهور أن للعيوب تأثيرا في منع إجزاء العتق؛ وذهب قوم إلبى أنبه ليبس لهبا‬
‫تأثير في ذلك‪ .‬وحجة الجمهور تشبببيهها بالضبباحي والهببدايا لكببون القربببة تجمعهببا‪.‬‬
‫وحجة الفريق الثاني إطلق اللفظ في الية‪ .‬فسبب الخلف معارضبة الظبباهر لقيبباس‬
‫الشبه‪ .‬والذين قالوا إن للعيوب تأثيرا في منع الجببزاء اختلفببوا فببي عيببب عيببب ممببا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يعتبر في الجزاء أو عدمه‪ .‬أما العمببى وقطببع اليببدين أو الرجليببن فل خلف عنببدهم‬
‫في أنه مانع للجزاء‪ ،‬واختلفوا فيما دون ذلك؛ فمنها هببل يجببوز قطببع اليببد الواحببدة؟‬
‫أجازه أبو حنيفة‪ ،‬ومنعه مالك والشافعي‪ .‬وأما العور فقببال مالببك‪ :‬ل يجببزي‪ ،‬وقببال‬
‫عبد الملك‪ :‬يجزي‪ .‬وأما قطع الذنين فقال مالك‪ :‬ل يجزي‪ ،‬وقال أصحاب الشببافعي‪:‬‬
‫يجزي‪ .‬وأما الصم فاختلف فيه في مذهب مالك‪ ،‬فقيل يجزي‪ ،‬وقيل ل يجزي‪ .‬وأمببا‬
‫الخرس فل يجببزي عنببد مالببك‪ ،‬وعببن الشببافعي فببي ذلببك قببولن‪ .‬أمببا المجنببون فل‬
‫يجزي‪ ،‬أما الخصي فقال ابن القاسببم‪ :‬ل يعجبنببي الخصببي‪ ،‬وقببال غيببره‪ :‬ل يجببزي‪،‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬يجزي‪ .‬وإعتاق الصغير جائز في قول عامة فقهاء المصار‪ ،‬وحكببى‬
‫عن بعض المتقدمين منعه‪ ،‬والعرج الخفيف في المذهب يجزي‪ ،‬أما العرج البين فل‪.‬‬
‫والسبب في اختلفهم‪ :‬اختلفهم في قدر النقص المؤثر في القربة‪ ،‬وليس له أصل في‬
‫الشرع إل الضحايا‪ .‬وكذلك ل يجببزي فببي المببذهب مببا فيببه شببركة أو طببرف حريببة‬
‫كالكتابة والتدبير لقوله تعالى }فتحرير رقبة{ والتحرير هو إبداء العتبباق‪ ،‬وإذا كببان‬
‫فيه عقد من عقود الحرية كالكتابة كان تنجيزا ل إعتاق‪ ،‬وكببذلك الشببركة لن بعببض‬
‫الرقبة ليس برقبة‪ .‬وقال أبو حنيفبة‪ :‬إن كبان المكباتب أدى شبيئا مبن مبال الكتاببة لبم‬
‫يجز‪ ،‬وإن كان لم يؤد جاز‪ .‬واختلفوا هل يجزيه عتق مببدبره؟ فقببال مالببك‪ :‬ل يجزيببه‬
‫تشبيها بالكتابة لنه عقد ليس له حله؛ وقال الشافعي‪ :‬يجزيببه؛ ول يجببزي عنببد مالببك‬
‫إعتاق أم ولده ول المعتق إلى أجل مسمى‪ .‬أما عتق أم الولد فلن عقدها آكد من عقد‬
‫الكتابة والتدبير‪ ،‬بدليل أنهما قد يطرأ عليهما الفسخ‪ .‬أما في الكتابببة فمببن العجببز عببن‬
‫أداء النجوم‪ .‬وأما في التدبير فإذا ضاق عنه الثلبث‪ .‬وأمببا العتببق إلبى أجبل فبإنه عقببد‬
‫عتق ل سبيل إلى حله‪.‬‬
‫واختلف مالك والشافعي مع أبي حنيفة في إجزاء عتق من يعتق عليه بالنسببب‪ ،‬فقببال‬
‫مالك والشافعي‪ :‬ل يجزي عنه وقال أبو حنيفة‪ :‬إذا نوى بببه عتقببه عببن ظهببار أجببزأ‪.‬‬
‫فأبو حنيفة شبهه بالرقبة التي ل يجب عتقها‪ ،‬وذلك أن كل واحدة مببن الرقبببتين غيببر‬
‫واجب عليه شراؤها وبذل القيمة فيها على وجه العتق‪ ،‬فإذا نوى بذلك التكفيببر جبباز؛‬
‫والمالكية والشافعية رأت أنه إذا اشترى من يعتق عليه عتق عليه من غير قصد إلببى‬
‫إعتاقه فل يجزيه‪ ،‬فأبو حنيفة أقام القصد للشراء مقام العتق‪ ،‬وهببؤلء قببالوا‪ :‬لبببد أن‬
‫يكببون قاصببدا للعتببق نفسببه‪ ،‬فكلهمببا يسببمى معتقببا باختيبباره‪ ،‬ولكببن أحببدهما معتببق‬
‫بالختيببار الول‪ ،‬والخببر معتببق بلزم الختيببار‪ ،‬فكببأنه معتببق علببى القصببد الثبباني‬
‫ومشتر على القصد الول‪ ،‬والخر بببالعكس‪ .‬واختلببف مالببك والشببافعي فيمببن أعتببق‬
‫نصفي عبببدين‪ ،‬فقبال مالببك‪ :‬ل يجببوز ذلببك‪ ،‬وقبال الشببافعي‪ :‬يجببوز لنبه فبي معنبى‬
‫الواحد‪ ،‬ومالك تمسك بظاهر دللببة اللفببظ‪ ،‬فهببذا مببا اختلفببوا فيببه مببن شببروط الرقبببة‬
‫المعتقة‪.‬‬
‫وأما شروط الطعام فإنهم اختلفوا من ذلك في القدر الذي يجزي لمسكين مسكين من‬
‫الستين مسكينا الذين وقع عليهم النص‪ ،‬فعن مالك في ذلك روايتان أشهرهما أن ذلببك‬
‫مد بمد هشام لكل واحد‪ ،‬وذلك مدان بمد النبي صببلى الب عليببه وسببلم‪ ،‬وقببد قيببل هببو‬
‫أقل‪ ،‬وقد قيل هو مد وثلث‪ .‬وأما الرواية الثانية فمد مد لكل مسكين بمببد النبببي صببلى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ال عليه وسلم‪ ،‬وبه قال الشافعي‪ .‬فوجه الروايبة الولبى اعتبببار الشببع غالببا‪ :‬أعنببي‬
‫الغذاء والعشاء‪ ،‬ووجه هذه الرواية الثانية اعتبار هذه الكفارة بكفارة اليمين‪ ،‬فهذا هو‬
‫اختلفهم في شروط الصحة في الواجبات في هذه الكفارة‪.‬‬
‫وأما اختلفهم في مواضع تعددها ومواضع اتحادهببا‪ ،‬فمنهببا إذا ظبباهر بكلمببة واحببدة‬
‫من نسوة أكثر من واحدة هل يجزي ذلك في كفارة واحببدة‪ ،‬أم يكببون عببدد الكفببارات‬
‫على عدد النسوة؟ فعند مالك أنه يجزي في ذلك كفارة واحببدة‪ ،‬وعنببد الشببافعي وأبببي‬
‫حنيفة أن فيها من الكفارات بعدد المظاهر منهن إن إثنتين فاثنتين‪ ،‬وإن ثلثببا فثلثببا‪،‬‬
‫وإن أكثر فأكثر‪ ،‬فمن شبهه بالطلق أوجب في كل واحدة كفارة؛ ومن شبهه باليلء‬
‫أوجب فيه كفارة واحدة‪ ،‬وهو باليلء أشبه‪ .‬ومنها إذا ظاهر من امرأته فببي مجببالس‬
‫شتى هل عليه كفارة واحدة‪ ،‬أو على عببدد المواضببع الببتي ظبباهر فيهببا؟ فقببال مالببك‪:‬‬
‫ليس عليه إل كفارة واحدة‪ ،‬إل أن يظاهر ثم يكفر ثم يظاهر فعليه كفببارة ثانيببة‪ ،‬وبببه‬
‫قال الوزاعي وأحمد وإسحاق؛ وقال أبو حنيفة والشافعي‪ :‬لكل ظهار كفارة‪ .‬وأما إذا‬
‫كان ذلك في مجلس واحد فل خلف عند مالك أن في ذلببك كفببارة واحببدة وعنببد أبببي‬
‫حنيفة أن ذلببك راجببع إلببى نيتببه‪ ،‬فببإن قصببد التأكيببد كببانت الكفببارة واحببدة‪ ،‬وإن أراد‬
‫استئناف الظهار كان ما أراد ولزمه من الكفارات على عدد الظهار‪ .‬وقال يحيببى بببن‬
‫سعيد‪ :‬تلزم الكفارة على عدد الظهببار سببواء كببان فببي مجلببس واحببد أو فببي مجببالس‬
‫شتى‪.‬‬
‫والسبب في هذا الختلف أن الظهار الواحد بالحقيقة هو الذي يكون بلفظ واحببد مببن‬
‫امرأة واحدة في وقت واحد‪ ،‬والمتعدد بل خلف هو الذي يكون بلفظتين من امرأتين‬
‫في وقتين‪ ،‬فإن كرر اللفظ من امرأة واحدة‪ ،‬فهل يوجب تعدد اللفظ تعببدد الظهببار‪ ،‬أم‬
‫ل يوجب ذلك فيه تعددا؟ وكذلك إن كان اللفظ واحد والمظاهر منها أكثر من واحببدة؟‬
‫وذلك أن هذه بمنزلة المتوسطات بين ذينك الطرفين؛ فمببن غلببب عليبه شببه الطبرف‬
‫الواحد أوجب له حكمه؛ ومن غلب عليه شبه الطرف الثاني أوجب له حكمببه‪ .‬ومنهببا‬
‫إذا ظاهر من امرأته ثم مسها قبل أن يكفر هل عليه كفارة واحدة أم ل؟ فببأكثر فقهبباء‬
‫المصار ومالك والشافعي وأبو حنيفبة والثبوري والوزاعبي وأحمبد وإسبحاق وأببو‬
‫ثور وداود والطبري وأبو عبيد أن في ذلك كفارة واحدة‪ ،‬والحجببة لهببم حببديث سببلمة‬
‫بن صخر البياضي "أنه ظاهر من امرأته في زمان رسول ال صلى ال عليببه وسببلم‬
‫ثم وقع بامرأته قبل أن يكفر‪ ،‬فأتى رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم فببذكر لببه ذلببك‬
‫فأمره أن يكفر تكفيرا واحدا" وقال قوم‪ :‬عليببه كفارتببان‪ :‬كفببارة العببزم علببى الببوطء‪،‬‬
‫وكفارة الوطء‪ ،‬لنه وطئ وطأ محرما‪ ،‬وهو مروي عن عمرو ابن العاص وقبيصببة‬
‫بن ذؤيب وسعيد بن جبير وابن شهاب؛ وقد قيل‪ :‬إنه ل يلزمه شيء ل عن العود ول‬
‫عن الوطء‪ ،‬لن ال تعالى اشترط صحة الكفارة قببل المسبيس‪ ،‬فبإذا مبس فقبد خبرج‬
‫وقتها فل تجب إل بأمر مجدد‪ ،‬وذلك معلوم في مسئلتنا وفيه شذوذ‪ .‬وقال أبببو محمببد‬
‫بن حزم‪ :‬من كان فرضه الطعببام فليببس يحببرم عليببه المسببيس قبببل الطعببام‪ ،‬وإنمببا‬
‫يحرم المسيس على من كان فرضه العتق أو الصيام‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب اللعان‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬والقول فيه يشتمل على خمسببة فصببول بعببد القببول بوجببوبه‪ :‬الفصببل الول‪ :‬فببي‬
‫أنواع الدعاوي الموجبة له وشروطها‪ .‬الفصل الثاني‪ :‬في صفات المتلعنين‪ .‬الثالث‪:‬‬
‫في صفة اللعان‪ .‬الرابع‪ :‬في حكم نكببول أحببدهما أو رجببوعه‪ .‬الخببامس‪ :‬فببي الحكببام‬
‫اللزمة لتمام اللعان‪.‬‬
‫@‪-‬فأما الصل في وجببوب اللعببان‪ ،‬أمببا مببن الكتبباب فقببوله تعببالى }والببذين يرمببون‬
‫أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إل أنفسهم{ الية‪ .‬وأما من السنة فما رواه مالك وغيببره‬
‫من مخرجي الصحيح من حببديث عببويمر العجلنببي "إذ جباء إلببى عاصببم بببن عببدي‬
‫العجلني رجل من قومه فقال له‪ :‬يا عاصم أرايت رجل وجد مع امرأته رجل أيقتله‬
‫فتقتلوه؟ أم كيف يفعل؟ سل يا عاصم عن ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فسأل‬
‫عاصم عن ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فلما رجببع عاصببم؟ إلببى أهلببه جبباء‬
‫عويمر فقال‪ :‬يا عاصم ماذا قال لك رسول ال صلى ال عليه وسببلم؟ فقببال لببم تببأتني‬
‫بخير‪ ،‬قد كره رسول ال صلى ال عليه وسلم المسألة التي سألت عنهببا‪ ،‬فقببال‪ :‬وال ب‬
‫ل أنتهي حتى أسأله عنها‪ ،‬فأقبل عويمر حتى أتى رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم‬
‫وسط الناس فقال‪ :‬يا رسول ال أرأيت رجل وجد مبع امرأتبه رجل أيقتلبه فتقتلبوه أم‬
‫كيف يفعل؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬قد نزل فيك وفببي صبباحبتك قببرآن‬
‫فاذهب فأت بها‪ ،‬وقال مهل‪ :‬فتلعنا وأنا مع الناس عند رسببول ال ب صببلى الب عليببه‬
‫وسلم‪ ،‬فلما فرغا من تلعنهما قال عويمر‪ :‬كذبت عليها يببا رسببول ال ب إن أمسببكتها‪،‬‬
‫فطلقها ثلثا قبل أن يأمره بذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم "قال مالك‪ :‬قببال ابببن‬
‫شهاب‪ :‬فلم تزل تلك سنة المتلعنين‪ .‬وأيضا من جهة المعنى لما كان الفراش موجبببا‬
‫للحوق النسب كان بالنبباس ضببرورة إلببى طريببق ينفببونه بببه إذا تحققببوا فسبباده وتلببك‬
‫الطريق هي اللعببان‪ ،‬فاللعببان حكببم ثببابت بالكتبباب والسببنة والقيبباس والجمبباع‪ ،‬إذ ل‬
‫خلف في ذلك أعلمه‪ ،‬فهذا هو القول في إثبات حكمه‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الول في أنواع الدعاوي الموجبة له وشروطها‪.‬‬
‫@‪-‬وأما صور الدعاوي التي يجب بها اللعان فهي أول صببورتان‪ :‬إحببداهما دعببوى‬
‫الزنى‪ ،‬والثانيببة نفببي الحمببل‪ .‬ودعببوى الزنببى ل يخلببو أن تكببون مشبباهدة‪ :‬أعنببي أن‬
‫يدعي أنه شاهدها تزني كما يشهد الشاهد على الزنى‪ ،‬وأن تكون دعوى مطلقة‪ .‬وإذا‬
‫نفي الحمل فل يخلو أن ينفيه أيضا نفيا مطلقا‪ ،‬أو يزعم أنه لم يقربها بعد اسببتبرائها‪،‬‬
‫فهذه أربعة أحوال بسائط‪ ،‬وسائر الدعاوي تتركب عن هذه‪ ،‬مثببل أن يرميهببا بببالزنى‬
‫وينفي الحمل‪ ،‬أو يثبت الحمل ويرميها بالزنى‪ .‬فأما وجوب اللعان بالقببذف بالزنببا إذا‬
‫ادعى الرؤية فل خلف فيه‪ ،‬قالت المالكية‪ :‬إذا زعم أنه لم يطأها بعببد؛ وأمببا وجببوب‬
‫اللعان بمجرد القذف‪ ،‬فالجمهور على جوازه الشببافعي وأبببو حنيفببة والثببوري وأحمببد‬
‫وداود وغيرهم‪ .‬وأما المشهور عن مالك‪ ،‬فإنه ل يجوز اللعان عنببده بمجببرد القببذف‪،‬‬
‫وقد قال ابن القاسم أيضا إنه يجوز‪ ،‬وهي أيضا روايببة عببن مالببك‪ .‬وحجببة الجمهببور‬
‫عموم قوله تعالى }والذين يرمون أزواجهم{ الية‪ .‬ولم يخص فببي الزنببى صببفة دون‬
‫صفة‪ ،‬كما قال في إيجاب حد القذف‪ .‬وحجة مالك ظواهر الحاديث الواردة في ذلك‪.‬‬
‫منها قوله في حديث سعد "أرأيت لو أن رجل وجببد مببع امرأتببه رجل" وحببديث ابببن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫عباس‪ ،‬وفيه "فجاء رسول ال صلى ال عليببه وسببلم فقببال‪ :‬والب يببا رسببول الب لقببد‬
‫رأيت بعيني وسمعت بأذني‪ ،‬فكره رسول ال صلى ال عليه وسلم ما جاء بببه واشببتد‬
‫عليه‪ ،‬فنزلت }والذين يرمون أزواجهم{ الية" وأيضببا فببإن الببدعوى يجببب أن تكببون‬
‫ببينة كالشهادة‪ .‬وفي هذا الباب فرع اختلف فيه قول مالك‪ ،‬وهببو إذا ظهببر بهببا حمببل‬
‫بعد اللعان‪ ،‬فعن مالك في ذلك روايتان‪ :‬إحداهما سقوط الحمل عنه‪ ،‬والخرى لحوقه‬
‫به‪ .‬واتفقوا فيما أحسب أن من شرط الدعوى الموجبة اللعان برؤيببة الزنببى أن تكببون‬
‫في العصمة‪ .‬واختلفوا فيمن قذف زوجته بببدعوى الزنببى ثببم طلقهببا ثلثببا هببل يكببون‬
‫بينهما لعان أم ل؟ فقال مالك والشافعي والوزاعي وجماعة‪ :‬بينهما لعان؛ وقببال أبببو‬
‫حنيفة‪ :‬ل لعان بينهما إل أن ينفي ولدا ول حد؛ وقال مكحول والحكم وقتادة يحببد ول‬
‫يلعن‪ .‬وأما إن نفي الحمل فإنه كما قلنا على وجهين‪ :‬أحدهما أن يدعي أنه استبرأها‬
‫ولم يطأها بعد الستبراء‪ ،‬وهذا ما ل خلف فيه‪ .‬واختلف قول مالببك فببي السببتبراء‪،‬‬
‫فقال مرة‪ :‬ثلث حيض‪ ،‬وقال مرة‪ :‬حيضة‪ .‬وأما نفيه مطلقا‪ ،‬فالمشهور عن مالك أنه‬
‫ل يجب بذلك لعان‪.‬‬
‫وخالفه في هذا الشافعي وأحمد وداود‪ ،‬وقالوا‪ :‬ل معنى لهذا لن المرأة قد تحمببل مببع‬
‫رؤية الدم؛ وحكى عبد الوهاب عن أصحاب الشافعي أنه ل يجوز نفي الحمببل مطلقببا‬
‫مببن غيببر قببذف‪ .‬واختلفببوا مببن هببذا الببباب فببي فببرع‪ ،‬وهببو وقببت نفببي الحمببل فقببال‬
‫الجمهور‪ :‬ينفيه وهي حامل‪ ،‬وشرط مالك أنه متى لم ينفه وهو حمببل لببم يجببز لببه أن‬
‫ينفيه بعد الولدة بلعان؛ وقال الشببافعي‪ :‬إذا علببم الببزوج بالحمببل فببأمكنه الحبباكم مببن‬
‫اللعان فلم يلعن لم يكن له أن ينفيه بعد الولدة؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬ل ينفي الولببد حببتى‬
‫تضع وحجة مالك ومن قال بقوله الثار المتواترة من حديث ابن عباس وابن مسعود‬
‫وأنببس وسببهل بببن سببعد "أن النبببي عليببه الصببلة والسببلم حيببن حكببم باللعببان بيببن‬
‫المتلعنين قال‪ :‬إن جاءت به على صفة كذا فما أراه إل قد صدق عليها" قالوا‪ :‬وهذا‬
‫يدل على أنها كانت حامل في وقت اللعببان‪ .‬وحجببة أبببي حنيفببة أن الحمببل قببد ينفببش‬
‫ويضمحل‪ ،‬فل وجه للعان إل على يقيببن‪ .‬ومببن حجببة الجمهببور أن الشببرع قببد علببق‬
‫بظهور الحمل أحكاما كثيرة‪ :‬كالنفقببة والعببدة ومنببع الببوطء‪ ،‬فببوجب أن يكببون قيبباس‬
‫اللعان كذلك‪ ،‬وعند أبي حنيفة أنه يلعن وإن لم ينف الحمل إل وقت الولدة‪ ،‬وكذلك‬
‫ما قرب من الولدة ولم يوقت في ذلك وقتا‪ ،‬ووقتا صاحباه أبو يوسف ومحمد فقببال‪:‬‬
‫له أن ينفيه ما بين أربعين ليلببة مبن وقبت الببولدة؛ والبذين أوجبببوا اللعبان فببي وقببت‬
‫الحمل اتفقوا على أنه لببه نفيببه فببي وقببت العصببمة‪ ،‬واختلفببوا فببي نفيببه بعببد الطلق‪،‬‬
‫فذهب مالك إلى أنه له ذلك في جميع المدة التي يلحق الولد فيها بالفراش‪ ،‬وذلببك هببو‬
‫أقصى زمان الحمل عنده وذلك نحو من أربببع سببنين عنببده أو خمببس سببنين‪ ،‬وكببذلك‬
‫عنده حكم نفي الولد بعد الطلق إذا لم يزل منكرا له‪ ،‬وبقريب مببن هببذا المعنببى قببال‬
‫الشافعي وقال قوم‪ :‬ليس له أن ينفي الحمل إل في العدة فقط‪ ،‬وإن نفاه في غير العببدة‬
‫حده وألحق به الولد‪ ،‬فالحكم يجب به عند الجمهببور إلببى انقضبباء أطببول مببدة الحمببل‬
‫على اختلفهم في ذلك‪ ،‬فببإن الظاهريببة تببرى أن أقصببر مببدة الحمببل الببتي يجببب بهببا‬
‫الحكم هو المعتاد من ذلك‪ ،‬وهي التسعة أشهر وما قاربها‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ول اختلف بينهم أنه يجب الحكببم بببه فببي مببدة العصببمة‪ ،‬فمببا زاد علببى أقصببر مببدة‬
‫الحمل وهي الستة أشهر‪ :‬أعنبي أن يولبد المولبود لسبتة أشبهر مبن وقبت البدخول أو‬
‫بإمكانه‪ ،‬لمن وقت العقد‪ ،‬وشذ أبو حنيفة فقال من وقببت العقببد وإن علببم أن الببدخول‬
‫غير ممكن حتى أنه إن تزوج عنده رجل بالمغرب القصى امرأة بالمشرق القصببى‬
‫فجاءت بولد لرأس ستة أشهر من وقت العقد أنه يلحببق بببه إل أن ينفيببه بلعببان‪ ،‬وهببو‬
‫في هذه المسألة ظاهري محض‪ ،‬لنه إنما اعتمد في ذلببك عمببوم قببوله عليببه الصببلة‬
‫والسلم "الولد للفراش" وهذه المرأة قد صارت فراشا له بالعقد‪ ،‬فكببأنه رأى أن هببذه‬
‫عبادة غير معللة‪ ،‬وهذا شيء ضعيف‪ .‬واختلف قول مالك من هببذا الببباب فببي فببرع‪،‬‬
‫وهو أنه إذا ادعى أنها زنت واعترف بالحمل فعنببه فببي ذلببك ثلث روايببات‪ :‬إحببداها‬
‫أنه يحد ويلحق به الولد ول يلعن‪ .‬والثانية أنه يلعن وينفي الولد‪ .‬والثالثة أنه يلحق‬
‫به الولد ويلعن ليببدرأ الحببد عببن نفسببه‪ .‬وسبببب الخلف هببل يلتفببت إلببى إثببباته مببع‬
‫موجب نفيه وهو دعواه الزنى؟ واختلفوا أيضا من هذا الباب في فرع‪ ،‬وهببو إذا أقببام‬
‫الشهود على الزنى هل له يلعن أم ل؟ فقال أبو حنيفة وداود‪ :‬ل يلعن‪ ،‬لن اللعببان‬
‫إنما جعل عوض الشهود لقوله تعالى }والذين يرمون أزواجهم ولببم يكببن لهببم شببهداء‬
‫إل أنفسهم{ الية‪ .‬وقال مالك والشافعي‪ :‬يلعببن‪ ،‬لن الشببهود ل تببأثير لهببم فببي دفببع‬
‫الفراش‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الثاني في صفات المتلعنين‪.‬‬
‫@‪-‬وأما صفة المتلعنين‪ ،‬فإن قوما قالوا‪ :‬يجوز اللعان بين كل زوجين حريببن كانببا‬
‫أو عبدين‪ ،‬أو أحدهما حر والخر عبد محدودين كانا أو عدلين أو أحببدهما‪ ،‬مسببلمين‬
‫كانا أو كان الزوج مسلما والزوجة كتابية‪ ،‬ول لعان بين كافرين إل أن يترافعا إلينببا‪،‬‬
‫وممن قال بهذا القول مالك والشافعي؛ وقببال أبببو حنيفببة وأصببحابه‪ :‬ل لعببان إل بيببن‬
‫مسلمين حرين عدلين‪ .‬وبالجملة فاللعان عندهم إنما يجوز لمن كان من أهل الشببهادة‪.‬‬
‫وحجة أصحاب القول الول عموم قوله تعالى }والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهببم‬
‫شهداء إل أنفسهم{ ولم يشترط فببي ذلببك شببرطا‪ .‬ومعتمببد الحنفيببة أن اللعببان شببهادة‪،‬‬
‫فيشترط فيها ما يشترط في الشهادة‪ ،‬إذ قد سبماهم الب شببهداء لقببوله }فشبهادة أحبدهم‬
‫أربع شهادات بال{ ويقولون إنه ل يكون لعان إل بين من يجب عليه الحد في القببذف‬
‫الواقع بينهما‪ .‬وقد اتفقوا على أن العبد ل يحد بقذفه‪ ،‬وكذلك الكافر‪ ،‬فشبهوا من يجب‬
‫عليه اللعان بمن يجب في قذفه الحد‪ ،‬إذ كان اللعان إنمببا وضببع لببدرء الحببد مببع نفببي‬
‫النسب‪ ،‬وربما احتجوا بما روى عمرو بن شعيب عن أبيببه عببن جببده أن رسببول الب‬
‫صلى ال عليه وسلم قال "ل لعان بين أربعة‪ :‬العبدين‪ ،‬والكافرين" والجمهببور يببرون‬
‫أنه يمين وإن كان يسمى شهادة‪ ،‬فإن أحدا ل يشهد لنفسه‪ ،‬وأمببا أن الشببهادة قببد يعبببر‬
‫عنها باليمين فذلك بين فببي قببوله تعببالى }إذا جبباءك المنببافقون قببالوا{ اليببة‪ ،‬ثببم قببال‬
‫}اتخذوا أيمانهم جنة{ وأجمعوا على جواز لعان العمى‪ ،‬واختلفوا في الخرس‪ ،‬فقال‬
‫مالك والشافعي يلعن الخرس إذا فهم عنه‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ل يلعن لنه ليس من‬
‫أهل الشهادة‪ ،‬وأجمعوا على أن من شرطه العقل والبلوغ‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الثالث في صفة اللعان‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬فأما صببفة اللعببان فمتقاربببة عنببد جمهببور العلمبباء‪ ،‬وليببس بينهببم فببي ذلببك كبببير‬
‫خلف‪ ،‬وذلك على ظاهر ما تقتضيه ألفاظ الية‪ ،‬فيحلف الببزوج أربببع شببهادات بببال‬
‫لقد رأيتها تزني وأن ذلك الحمل ليس مني‪ ،‬ويقببول فببي الخامسببة‪ :‬لعنببة الب عليببه إن‬
‫كان من الكاذبين‪ ،‬ثم تشبهد هبي أرببع شببهادات بنقيببض مبا شبهد هبو ببه ثبم تخمبس‬
‫بالغضببب‪ ،‬هببذا كلببه متفببق عليببه‪ .‬واختلببف النبباس هببل يجببوز أن يبببدل مكببان اللعنببة‬
‫الغضب‪ ،‬ومكان الغضب اللعنببة‪ ،‬ومكببان أشببهد أقسببم‪ ،‬ومكببان قببوله بببال غيببره مببن‬
‫أسمائه؟ والجمهور على أنه ل يجوز من ذلك إل ما نص عليه من هذه اللفاظ أصله‬
‫عدد الشهادات‪ ،‬وأجمعوا على أن من شرط صحته أن يكون بحكم حاكم‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الرابع في حكم نكول أحدهما أو رجوعه‪.‬‬
‫@‪-‬فأما إذا نكل الزوج فقال الجمهور‪ :‬إنه يحد‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬إنه ل يحد ويحبس‪.‬‬
‫وحجة الجمهور عموم قوله تعالى }والذين يرمون المحصنات{ الية‪ ،‬وهذا عببام فببي‬
‫الجنبي والزوج‪ ،‬وقد جعل اللتعان للزوج مقببام الشببهود‪ ،‬فببوجب إذا نكببل أن يكببون‬
‫بمنزلة من قذف ولم يكن له شهود‪ :‬أعني أنه يحببد‪ ،‬ومببا جبباء أيضببا مببن حببديث ابببن‬
‫عمرو وغيره في قصة العجلني من قببوله عليببه الصببلة والسببلم "إن قتلببت قتلببت‪،‬‬
‫وإن نطقت جلدت‪ ،‬وإن سكت سكت على غيظ"‪ .‬واحتج الفريق الثاني بأن آية اللعببان‬
‫لم تتضببمن إيجبباب الحببد عليببه عنببد النكببول والتعريببض ليجببابه زيببادة فببي النببص‪،‬‬
‫والزيادة عندهم نسخ‪ ،‬والنسخ ل يجوز بالقياس ول بأخبار الحاد‪ ،‬قببالوا‪ :‬وأيضببا لببو‬
‫وجب الحد لم ينفعه اللتعان ول كان لببه تببأثير فببي إسببقاطه‪ ،‬لن اللتعببان يميببن فلببم‬
‫يسقط به الحد عن الجنبي‪ ،‬فكببذلك الببزوج‪ ،‬والحببق أن اللتعببان يميببن مخصوصببة‪،‬‬
‫فوجب أن يكون لها حكم مخصوص‪ ،‬وقببد نببص علببى المببرأة أن اليميببن يببدرأ عنهببا‬
‫العذاب‪ ،‬فالكلم فيما هو العذاب الذي يندرئ عنها باليمين‪ ،‬وللشتراك الذي في اسببم‬
‫العببذاب اختلفببوا أيضببا فببي الببواجب عليهببا إذا نكلببت‪ ،‬فقببال الشببافعي ومالببك وأحمببد‬
‫والجمهور‪ :‬إنها تحد وحدها الرجم إن كان دخل بها ووجدت فيها شروط الحصببان‪،‬‬
‫وإن لم يكن دخل بها فالجلببد‪ .‬وقببال أبببو حنيفببة إذا نكلببت وجببب عليهببا الحبببس حببتى‬
‫تلعن‪ ،‬وحجته قوله عليه الصلة والسلم "ل يحل دم امرئ مسلم إل بإحببدى ثلث‪:‬‬
‫زنى بعد إحصان‪ ،‬أو كفر بعد إيمان‪ ،‬أو قتل نفس بغير نفس" وأيضا فببإن سببفك الببدم‬
‫بالنكول حكم ترده الصول‪ ،‬فإنه إذا كببان كببثير مببن الفقهباء ل يوجبببون غببرم المبال‬
‫بالنكول فكان بالحري أن ل يجب بذلك سفك الدماء‪ .‬وبالجملببة فقاعببدة الببدماء مبناهببا‬
‫في الشببرع علببى أنهببا ل تببراق إل بالبينببة العادلببة أو بببالعتراف‪ ،‬ومببن الببواجب أل‬
‫تخصص هذه القاعدة بالسم المشترك فأبو حنيفة في هذه المسألة أولى بالصببواب إن‬
‫شاء ال‪ .‬وقد اعترف أبو المعالي في كتابه البرهان بقوة أبي حنيفة فببي هببذه المسببألة‬
‫وهو شافعي‪ .‬واتفقوا على أنه إذا أكذب نفسه حد وألحق به الولببد إن كببان نفببى ولببدا‪.‬‬
‫واختلفوا هل له أن يراجعها بعد اتفاق جمهورهم على أن الفرقببة تجببب باللعببان‪ ،‬إمببا‬
‫بنفسه وإما بحكم حبباكم علببى مببا نقببوله بعببد؛ فقببال مالببك والشببافعي والثببوري وداود‬
‫وأحمد وجمهور فقهاء المصار إنهما ل يجتمعببان أبببدا وإن أكببذب نفسببه؛ وقببال أبببو‬
‫حنيفة وجماعة‪ :‬إذا أكذب نفسه جلد الحد وكان خاطبببا مببن الخطبباب؛ وقببد قببال قببوم‪:‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ترد إليه امرأته‪ .‬وحجة الفريق الول قول رسول ال صلى ال عليه وسببلم "ل سبببيل‬
‫لك عليها" ولم يستثن فأطلق التحريم‪ .‬وحجة الفريببق الثبباني أنببه إذا أكببذب نفسببه فقببد‬
‫بطل حكبم اللعبان‪ ،‬فكمبا يلحبق ببه الولبد كببذلك تبرد المبرأة عليبه‪ ،‬وذلببك أن السبببب‬
‫الموجب للتحريم إنما هو الجهل بتعيين صدق أحدهما مع القطع بأن أحببدهما كبباذب‪،‬‬
‫فإذا انكشف ارتفع التحريم‪.‬‬
‫*‪*3‬الفصل الخامس في الحكام اللزمة لتمام اللعان‪.‬‬
‫@‪-‬فأما موجبات اللعان‪ ،‬فإن العلماء اختلفوا مببن ذلببك فببي مسببائل‪ :‬منهببا هببل تجببب‬
‫الفرقة أم ل؟ وإن وجبت فمتى تجب؟ وهل تجببب بنفببس اللعببان أم بحكببم حبباكم؟ وإذا‬
‫وقعت فهل هي طلق أو فسخ؟ فذهب الجمهور إلى أن الفرقة تقع باللعان لما اشببتهر‬
‫من ذلك في أحاديث اللعان "من أن رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم فببرق بينهمببا"‬
‫وقال ابن شهاب فيما رواه مالك عنه‪ :‬فكانت تلك سنة المتلعنين‪ ،‬ولقببوله صببلى الب‬
‫عليه وسلم "ل سبيل لك عليها" وقال عثمان البتي وطائفة من أهل البصرة‪ :‬ل يعقببب‬
‫اللعان فرقة‪ ،‬واحتجوا بببأن ذلببك حكببم لببم تتضببمنه آيببة اللعببان‪ ،‬ول هببو صببريح فببي‬
‫الحاديث‪ ،‬لن في الحديث المشهور أنه طلقها بحضرة النبي صببلى ال ب عليببه وسببلم‬
‫فلم ينكر ذلك عليه‪ .‬وأيضا فإن اللعان إنما شرع لدرء حد القذف‪ ،‬فلم يبوجب تحريمبا‬
‫تشبيها بالبينة‪ .‬وحجة الجمهور أنه قد وقببع بينهمببا مببن التقبباطع والتببباغض والتهبباتر‬
‫وإبطال حدود ال ما أوجب أن ل يجتمعا بعدها أبدا‪ ،‬وذلك أن الزوجيببة مبناهببا علببى‬
‫المودة والرحمة وهؤلء قد عدموا ذلك كببل العببدم‪ ،‬ول أقببل مببن أن تكببون عقوبتهمببا‬
‫الفرقة‪ .‬وبالجملة فالقبح الذي بينهمببا غايببة القبببح‪ .‬وأمببا مببتى تقببع الفرقببة فقببال مالببك‬
‫والليث وجماعة‪ :‬إنها تقع إذا فرغا جميعا من اللعان‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬إذا أكمل الببزوج‬
‫لعانه وقعت الفرقة‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ل تقع إل بحكم حاكم‪ ،‬وبه قال الثببوري وأحمببد‪.‬‬
‫وحجة مالك على الشافعي حديث ابن عمر قال "فرق رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫بين المتلعنين وقال‪ :‬حسابكما على ال‪ ،‬أحدكما كاذب ل سبيل لك عليها" وما روي‬
‫أنه لم يفرق بينهما إل بعد تمام اللعان‪ .‬وحجة الشافعي أن لعانها إنمببا تببدرء بببه الحببد‬
‫عن نفسها فقط‪ ،‬ولعان الرجل هو المؤثر في نفي النسب‪ ،‬فوجب إن كان للعان تببأثير‬
‫في الفرقة أن يكون لعان الرجل تشبيها بالطلق‪ .‬وحجتهما جميعا على أبي حنيفة أن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم أخبرهما بوقوع الفرقة عند وقوع اللعان منهما‪ ،‬فببدل ذلببك‬
‫على أن اللعان هو سبب الفرقببة‪ .‬وأمببا أبببو حنيفببة فيببرى أن الفببراق إنمببا نفببذ بينهمببا‬
‫بحكمه وأمره صلى ال عليه وسببلم بببذلك حيببن قببال "ل سبببيل لببك عليهببا" فببرأى أن‬
‫حكمه شرط في وقوع الفرقة كما أن حكمه شرط فببي صببحة اللعببان‪ .‬فسبببب الخلف‬
‫بين من رأى أنه تقع به الفرقة‪ ،‬وبين من لم ير ذلك أن تفريق النبي صببلى ال ب عليببه‬
‫وسلم بينهما ليس هو بينا في الحديث المشهور‪ ،‬لنه بادر بنفسه فطلق قبل أن يخبببره‬
‫بوجوب الفرقة‪ ،‬والصل أن ل فرقة إل بطلق‪ ،‬وأنه ليس في الشببرع تحريببم يتأبببد‪:‬‬
‫أعني متفقا عليه‪ ،‬فمن غلب هذا الصل على المفهببوم لحتمبباله نفببي وجببوب الفرقببة‬
‫)هكذا الصول‪ ،‬ولعل فيه سقطا هكذا‪ :‬ومن قببال بببالمفهوم قببال بإيجابهببا‪ ،‬تأمببل ا هبب‬
‫مصححه(‪ .‬قال بإيجابها‪ .‬وأما سبب اختلف من اشترط حكم الحبباكم أو لببم يشببترطه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فتردد هذا الحكم بين أن يغلب عليه شبه الحكام التي يشترط في صحتها حكم الحاكم‬
‫أو التي ل يشترط ذلك فيها‪ .‬وأما المسألة الرابعة‪ ،‬وهي إذا قلنببا إن الفرقببة تقببع فهببل‬
‫ذلك فسخ أو طلق‪ ،‬فإن القائلين بالفرقة اختلفوا في ذلك‪ ،‬فقال مالببك والشببافعي‪ :‬هببو‬
‫فسخ‪ ،‬وقال أبو حنيفببة‪ :‬هبو طلق ببائن‪ .‬وحجبة مالببك تأبيبد التحريبم بببه فأشببه ذات‬
‫المحرم‪.‬‬
‫وأما أبو حنيفة فشبهها بالطلق قياسا على فرقة العنين إذ كانت عنده بحكم حاكم‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الحداد‪.‬‬
‫@‪-‬أجمع المسلمون على أن الحداد واجب على النساء الحرائر المسلمات فببي عببدة‬
‫الوفاة إل الحسن وحده‪ .‬واختلفببوا فيمببا سببوى ذلببك مببن الزوجببات وفيمببا سببوى عببدة‬
‫الوفباة‪ ،‬وفيمبا تمتنبع الحبادة منبه ممبا ل تمتنبع‪ ،‬فقبال مالبك‪ :‬الحبداد علبى المسبلمة‬
‫والكتابية والصغيرة والكبيرة‪ .‬وأما المة يموت عنها سيدها سواء كانت أم ولد أم لببم‬
‫تكن فل إحداد عليها عنده‪ ،‬وبه قال فقهاء المصار‪ ،‬وخالف قول مالك المشهور فببي‬
‫الكتابية ابن نافع وأشهب‪ ،‬وروياه عن مالك‪ ،‬وبه قببال الشببافعي‪ :‬أعنببي أنببه ل إحببداد‬
‫على الكتابية؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬ليببس علببى الصببغيرة ول علببى الكتابيببة إحببداد؛ وقببال‬
‫قوم‪ :‬ليس علبى المبة المزوجبة إحبداد‪ ،‬وقبد حكبي ذلبك عبن أببي حنيفبة‪ ،‬فهبذا هبو‬
‫اختلفهم المشهور فيمن عليه إحداد من أصببناف الزوجببات ممببن ليببس عليببه إحببداد‪.‬‬
‫وأما اختلفهم من قبل العدد فإن مالكا قببال‪ :‬ل إحببداد إل فببي عببدة الوفبباة‪ .‬وقببال أبببو‬
‫حنيفة والثوري‪ :‬الحداد في العدة من الطلق البائن واجب؛ وأما الشافعي فاستحسببنه‬
‫للمطلقة ولم يوجبه‪ .‬وأما الفصل الثالث وهو ما تمتنع الحادة منه ممببا ل تمتنببع عنببه‪،‬‬
‫فإنها تمتنع عند الفقهاء بالجملة من الزينة الداعية للرجال إلى النساء‪ ،‬وذلببك كببالحلي‬
‫والكحل إل ما لم تكن فيه زينة ولباس الثيبباب المصبببوغة إل السببواد‪ ،‬فببإنه لببم يكببره‬
‫مالك لها لبس السواد‪ ،‬ورخص كلهم في الكحل عند الضرورة‪ ،‬فبعضهم اشببترط فيببه‬
‫ما لم يكن فيه زينة‪ ،‬وبعضهم لم يشترطه‪ ،‬وبعضهم اشترط جعله بالليل دون النهببار‪.‬‬
‫وبالجملة فأقاويل الفقهاء فيما تجتنب الحادة متقاربة‪ ،‬وذلك ما يحرك الرجال بالجملببة‬
‫إليهن‪ .‬وإنما صار الجمهور ليجاب الحداد في الجملة لثبوت السنة بذلك عن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فمنها حديث أم سلمة زوج النبي عليه الصلة والسببلم "أن‬
‫امرأة جاءت إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالت‪ :‬يا رسول ال إن ابنتي تبوفي‬
‫عنها زوجها‪ ،‬وقد اشتكت عينيها أفتكتحلهما؟ فقال رسول ال صلى ال ب عليببه وسببلم‪:‬‬
‫ل‪ ،‬مرتين أو ثلثا‪ ،‬كل ذلك يقول لها ل‪ ،‬ثم قال‪ :‬إنما هي أربعببة أشببهر وعشببر وقببد‬
‫كانت إحداكن ترمي بالبعرة على رأس الحول" وقال أبو محمببد‪ :‬فعلببى هببذا الحببديث‬
‫يجب التعويل على القول بإيجاب الحداد‪ .‬وأما حديث أم حبيبببة حيببن دعببت بببالطيب‬
‫فمسحت به عارضيها‪ ،‬ثم قالت‪ :‬وال مالي به من حاجة غير أني سمعت رسببول الب‬
‫صلى ال عليه وسلم يقول "ل يحل لمرأة مؤمنة تببؤمن بببال واليببوم الخببر أن تحببد‬
‫على ميت فوق ثلث ليال‪ ،‬إل على زوج أربعة أشهر وعشرا" فليس فيه حجة‪ ،‬لنببه‬
‫استثناء مببن حظببر فهببو يقتضببي الباحببة دون اليجبباب‪ .‬وكببذلك حببديث زينببب بنببت‬
‫جحش‪ .‬قال القاضي‪ :‬وفي المر إذا ورد بعد الحظر خلف بين المتكلمين‪ :‬أعني هل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يقتضببي الوجببوب أو الباحببة‪ .‬وسبببب الخلف بيببن مببن أوجبببه علببى المسببلمة دون‬
‫الكافرة أن من رأى أن الحداد عبادة لم يلزمه الكافرة؛ ومن رأى أنه معنى معقببول‪،‬‬
‫وهو تشوف الرجبال إليهبا وهبي إلبى الرجبال‪ ،‬سبوى بيبن الكبافرة والمسبلمة؛ ومبن‬
‫راعى تشببوف الرجببال دون تشببوف النسبباء فببرق بيببن الصببغيرة والكبببيرة إذا كببانت‬
‫الصببغيرة ل يتشببوف الرجببال إليهببا‪ .‬ومببن حجببة مببن أوجبببه علببى المسببلمات دون‬
‫الكافرات قوله عليه الصلة والسلم "ل يحل لمرأة تؤمن بال واليوم الخببر أن تحببد‬
‫إل على زوج" قال‪ :‬وشرطه اليمان في الحداد يقتضي أنببه عبببادة‪ .‬وأمببا مببن فببرق‬
‫بين المة والحرة وكذلك الكتابية‪ ،‬فلنه زعم أن عببدة الوفبباة أوجبببت شببيئين باتفبباق‪:‬‬
‫أحدهما الحداد‪ ،‬والثاني ترك الخروج‪ ،‬فلما سببقط تببرك الخببروج عببن المببة بتبببذلها‬
‫والحاجة إلى استخدامها سقط عنها منع الزينة‪ .‬وأما اختلفهم فببي المكاتبببة فمببن قبببل‬
‫ترددها بين الحرة والمة‪ .‬وأما المة بملبك اليميبن وأم الولبد‪ ،‬فإنمبا صبار الجمهبور‬
‫إلى إسقاط الحداد عنها لقوله عليه الصلة والسلم "ل يحل لمرأة تؤمن بال واليوم‬
‫الخر أن تحد إل على زوج" فعلم بدليل الخطبباب أن مببن عببدا ذات الببزوج ل يجببب‬
‫عليها إحداد ومن أوجبببه علببى المتببوفي عنهببا زوجهببا دون المطلقببة فتعلببق بالظبباهر‬
‫المنطوق به‪ ،‬ومن ألحق المطلقات بهببن فمببن طريببق المعنببى‪ ،‬وذلببك أنببه يظهببر مببن‬
‫معنى الحداد أن المقصود به أن ل تتشوف إليها الرجال في العببدة ول تتشببوف هببي‬
‫إليهم‪ ،‬وذلك سدا للذريعة لمكان حفظ النساب‪ ،‬وال أعلم‪ .‬كمل كتاب الطلق والحمد‬
‫ل على آلئه‪ ،‬والشكر على نعمه؛ ويتلوه كتاب البيوع إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب البيوع‪.‬‬
‫@‪-‬الكلم في البيوع ينحصببر فبي خمبس جمبل‪ :‬فببي معرفببة أنواعهببا‪ .‬وفببي معرفببة‬
‫شروط الصحة في واحد واحد منها‪ .‬وفي معرفة شروط الفساد‪ .‬وفببي معرفببة أحكببام‬
‫البببيوع الصببحيحة‪ .‬وفببي معرفببة أحكببام البببيوع الفاسببدة‪ .‬فنحببن نببذكر أنببواع البببيوع‬
‫المطلقة‪ ،‬ثم نذكر شروط الفساد والصحة في واحد واحد منها‪ ،‬وأحكام بيوع الصحة‪،‬‬
‫وأحكام البيوع الفاسدة‪ .‬ولمبا كبانت أسبباب الفسباد والصبحة فببي البببيوع منهبا عامبة‬
‫لجميع أنببواع البببيوع أو لكثرهببا ومنهببا خاصببة‪ ،‬وكببذلك المببر فببي أحكببام الصببحة‬
‫والفساد اقتضى النظر الصناعي أن نذكر المشترك من هذه الصناف الربعة‪ :‬أعني‬
‫العام من أسباب الفساد وأسباب الصحة وأحكام الصحة وأحكام الفساد لجميع البيوع‪،‬‬
‫ثببم نببذكر الخبباص مببن هببذه الربعببة بواحببد واحببد مببن البببيوع‪ ،‬فينقسببم هببذا الكتبباب‬
‫باضطرار إلى ستة أجزاء‪ :‬الجزء الول‪ :‬تعرف فيه أنواع البيوع المطلقببة‪ .‬والثبباني‪:‬‬
‫تعرف فيه أسباب الفساد العامة في البيوع المطلقة أيضا‪ :‬أعني في كلها أو أكثرها إذ‬
‫كانت أعبرف مببن أسبباب الصبحة‪ .‬الثببالث‪ :‬تعببرف فيبه أسببباب الصببحة فبي الببيوع‬
‫المطلقة أيضا‪ .‬الرابع‪ :‬نذكر فيه أحكام البببيوع الصببحيحة‪ ،‬أعنببي الحكببام المشببتركة‬
‫لكببل البببيوع الصببحيحة أو لكثرهببا‪ .‬الخببامس‪ :‬نببذكر فيببه أحكببام البببيوع الفاسببدة‬
‫المشتركة‪ :‬أعني إذا وقعت‪ .‬السادس‪ :‬نذكر فيه نوعا نوعا من البيوع بما يخصبه مبن‬
‫الصحة والفساد وأحكامها‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪)-‬الجزء الول( إن كل معاملة وجدت بين اثنين‪ ،‬فل يخلو أن تكببون عينببا بعيببن‪،‬‬
‫أو عينا بشيء في الذمة‪ ،‬أو ذمة بذمة‪ ،‬وكببل واحببد مببن هبذه الثلث إمبا نسبيئة وإمبا‬
‫ناجز‪ ،‬وكل واحد من هذه أيضا إما ناجز من الطرفين وإما نسيئة من الطرفين‪ ،‬وإمبا‬
‫ناجز من الطرف الواحد نسيئة من الطرف الخر‪ ،‬فتكون كببل أنببواع البببيوع تسببعة‪.‬‬
‫فأما النسيئة من الطرفين فل يجوز بإجماع ل فببي العيببن ول فببي الذمببة‪ ،‬لنببه الببدين‬
‫بالدين المنهى عنه‪ .‬وأسماء هذه البببيوع منهببا مببا يكببون مببن قبببل صببفة العقببد وحبال‬
‫العقد؛ ومنها ما يكون من قبل صفة العين المبيعة‪ ،‬وذلك أنها إذا كانت عينا بعيببن فل‬
‫تخلو أن تكون ثمنا بمثمون أو ثمنا بثمببن‪ ،‬فببإن كببانت ثمنببا بثمببن سببمى صببرفا‪ ،‬وإن‬
‫كانت ثمنا بمثمون سمي بيعا مطلقا وكذلك مثمونا بمثمون علببى الشببروط الببتي تقببال‬
‫بعد‪ ،‬وإن كان عينا بذمة سمي سلما‪ ،‬وإن كان على الخيار سمي بيع خيار‪ ،‬وإن كببان‬
‫على المرابحة سمي بيع مرابحة‪ ،‬وإن كان على المزايدة سمي بيع مزايدة‪.‬‬
‫@‪)-‬الجزء الثاني( وإذا اعتبرت السباب الببتي مببن قبلهببا ورد النهببي الشببرعي فببي‬
‫البيوع‪ ،‬وهي أسباب الفساد العامة وجدت أربعة‪ :‬أحدها تحريم عيببن المبببيع‪ .‬والثبباني‬
‫الربا‪ .‬والثالث الغرر‪ .‬والرابببع الشببروط الببتي تئول إلببى أحببد هببذين أو لمجموعهمببا‪.‬‬
‫وهذه الربعة هي بالحقيقة أصول الفساد‪ ،‬وذلك أن النهي إنما تعلببق فيهببا بببالبيع مببن‬
‫جهة ما هو بيع ل لمر من خارج‪ .‬وأما التي ورد النهببي فيهببا لسببباب مببن خببارج؛‬
‫فمنها الغش؛ ومنها الضرر؛ ومنها لمكان الوقت المستحق بمببا هببو أهببم منببه؛ ومنهببا‬
‫لنها محرمة البيع‪ .‬ففي هذا الجزء أبواب‪:‬‬
‫*‪*3‬الباب الول في العيان المحرمة البيع‪.‬‬
‫@‪-‬وهذه على ضربين‪ :‬نجاسات‪ ،‬وغير نجاسات‪ .‬فأما بيببع النجاسببات فالصببل فببي‬
‫تحريمها حديث جابر‪ ،‬ثبت في الصحيحين قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسببلم‬
‫"إن ال ورسوله حرما بيع الخمر والميتة والخنزير والصنام‪ ،‬فقيببل‪ :‬يببا رسببول الب‬
‫أرأيت شحوم الميتبة فبإنه يطلبى بهببا السببفن ويستصبببح بهببا؟ فقبال‪ :‬لعببن الب اليهببود‬
‫حرمت الشحوم عليهم فباعوها وأكلوا أثمانها" وقال في الخمر "إن الذي حرم شربها‬
‫حرم بيعها" والنجاسات على ضربين‪ :‬ضرب اتفق المسلمون على تحريم بيعها وهي‬
‫الخمر وأنها نجسة‪ ،‬إل خلفا شاذا في الخمر‪ :‬أعني في كونها نجسة‪ ،‬والميتة بجميببع‬
‫أجزائها التي تقبل الحياة‪ ،‬وكذلك الخنزير بجميع أجزائه الببتي تقبببل الحيبباة‪ .‬واختلببف‬
‫في النتفاع بشعره‪ ،‬فأجازه ابن القاسم ومنه أصبغ‪ .‬وأما القسم الثاني وهي النجاسات‬
‫التي تدعو الضرورة إلى استعمالها كالرجيع والزبل الذي يتخذ في البساتين‪ ،‬فاختلف‬
‫في بيعها في المذهب فقيل بمنعها مطلقا‪ ،‬وقيببل بإجازتهببا مطلقببا‪ ،‬وقيببل بببالفرق بيببن‬
‫العذرة والزبل‪ :‬أعني إباحة الزبل ومنع العذرة‪ .‬واختلفوا فيما يتخذ مببن أنيبباب الفيببل‬
‫لختلفهم هل هو نجس أم ل؟ فمن رأى أنببه نبباب جعلببه ميتببة‪ ،‬ومببن رأى أنببه قببرن‬
‫معكوس جعل حكمه حكم القرن‪ ،‬والخلف فيه في المذهب‪ .‬وأما مببا حببرم بيعببه ممببا‬
‫ليس بنجس أو مختلف في نجاسته‪ ،‬فمنهببا الكلببب والسببنور‪ .‬أمببا الكلببب فباختلفوا فببي‬
‫بيعه‪ ،‬فقال الشافعي‪ :‬ل يجوز بيع الكلب أصل‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬يجببوز ذلببك‪ .‬وفببرق‬
‫أصحاب مالك بين كلب الماشية والزرع المأذون في اتخاذه وبين ما ل يجوز اتخاذه‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فاتفقوا على أن ما ل يجوز اتخاذه ل يجوز بيعه للنتفاع به وإمساكه‪ .‬فأما مببن أراده‬
‫للكل فاختلفوا فيه‪ ،‬فمن أجاز أكله أجاز بيعه‪ ،‬ومن لم يجزه على روايببة ابببن حبببيب‬
‫لم يجز بيعه‪ .‬واختلفوا أيضا في المأذون في اتخاذه‪ ،‬فقيل هببو حببرام‪ ،‬وقيببل مكببروه‪.‬‬
‫فأما الشافعي فعمدته شيئان‪ :‬أحدهما ثبوت النهي الوارد عببن ثمببن الكلببب عببن النبببي‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ .‬والثاني أن الكلب عنده نجس العين كالخنزير‪ ،‬وقد ذكرنا دليلببه‬
‫في ذلك في كتاب الطهارة‪ .‬وأما من أجاز فعمدته أنه طاهر العين غير محرم الكل‪،‬‬
‫فجاز بيعه كالشياء الطاهرة العين‪ ،‬وقد تقدم أيضا فبي كتباب الطهبارة اسببتدلل مببن‬
‫رأى أنه طاهر العين‪ ،‬وفي كتاب الطعمة اسببتدلل مببن رأى أنببه حلل‪ .‬ومببن فببرق‬
‫أيضا فعمدته أنه غير مباح للكل ول مباح النتفاع بببه‪ ،‬إل مببا اسببتثناه الحببديث مببن‬
‫كلب الماشية أو كلب الزرع وما في معنبباه‪ ،‬ورويببت أحبباديث غيببر مشببهورة اقببترن‬
‫فيها بالنهي من ثمن الكلب استثناء أثمببان الكلب المباحببة التخبباذ‪ .‬وأمببا النهببي عببن‬
‫ثمن السنور فثابت‪ ،‬ولكن الجمهور على إباحته لنه طاهر العين مباح المنافع‪ .‬فسبب‬
‫اختلفهم في الكلب تعارض الدلة‪ .‬ومن هذا الباب اختلفهم في بيع الزيببت النجببس‬
‫وما ضارعه بعد اتفاقهم على تحريم أكله‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ل يجببوز بيببع الزيببت النجببس‪،‬‬
‫وبه قال الشافعي؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬يجوز إذا بين‪ ،‬وبه قببال ابببن وهببب مببن أصببحاب‬
‫مالك‪ .‬وحجة من حرمه حديث جابر المتقدم "أنببه سببمع رسببول الب صببلى الب عليببه‬
‫وسلم عام الفتح يقول‪ :‬إن ال ورسوله حرما الخمر والميتببة والخنزيببر"‪ .‬وعمببدة مببن‬
‫أجازه‪ :‬أنه إذا كان في الشببيء أكببثر مببن منفعببة واحببدة وحببرم منببه واحببدة مببن تلببك‬
‫المنافع أنه ليس يلزمه أن يحرم منه سببائر المنببافع‪ ،‬ول سببيما إذا كببانت الحاجببة إلببى‬
‫المنفعة غير المحرمة كالحاجة إلى المحرمة‪ ،‬فإذا كان الصل هذا يخرج منه الخمببر‬
‫والميتة والخنزير وبقيت سائر محرمات الكل على الباحة‪ :‬أعني أنببه إن كببان فيهببا‬
‫منافع سوى الكل فبيعت لهذا جاز‪ ،‬ورووا عن علببي وابببن عببباس وابببن عمببر أنهببم‬
‫أجازوا بيع الزيت النجببس ليستصبببح بببه‪ ،‬وفببي مببذهب مالببك جببواز الستصببباح بببه‬
‫وعمل الصابون مع تحريم بيعه‪ ،‬وأجاز ذلك الشافعي أيضببا مببع تحريببم ثمنببه‪ ،‬وهببذا‬
‫كله ضعيف‪ ،‬وقد قيل إن في المذهب رواية أخببرى تمنببع الستصببباح بببه وهببو ألببزم‬
‫للصل‪ :‬أعني لتحريم البيع‪ .‬واختلف أيضا في المببذهب فببي غسببله وطبخببه هببل هببو‬
‫مؤثر في عين النجاسة ومزيل لها على قولين‪ :‬أحببدهما جببواز ذلببك‪ ،‬والخببر منعببه‪،‬‬
‫وهما مبنيان على أن الزيت إذا خالطته النجاسة هل نجاسببته نجاسببة عيببن أو نجاسببة‬
‫مجاورة؟ فمن رآه نجاسة مجاورة طهره عند الغسل والطبخ‪ ،‬ومببن رآه نجاسببة عيببن‬
‫لم يطهره عند الطبخ والغسل‪ .‬ومن مسائلهم المشهورة فببي هببذا الببباب اختلفهببم فببي‬
‫جواز بيع لبن الدمية إذا حلب‪ ،‬فمالببك والشببافعي يجببوزانه‪ ،‬وأببو حنيفببة ل يجببوزه‪.‬‬
‫وعمدة من أجاز بيعه أنه لبن أبيح شربه فأبيبح بيعبه قياسبا علبى لببن سبائر النعبام‪،‬‬
‫وأبو حنيفة يرى تحليله إنما هو لمكان ضرورة الطفل إليه‪ ،‬وأنه في الصببل محببرم‪،‬‬
‫إذ لحم ابن آدم محرم‪ ،‬والصل عندهم أن اللبان تابعة للحوم‪ ،‬فقالوا في قياسهم هكذا‬
‫النسان حيوان ل يؤكل لحمه‪ ،‬فلم يجز بيع لبنه أصببله لبببن الخنزيببر والتببان فسبببب‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫اختلفهم في هذا الباب تعارض أقيسة الشبه‪ ،‬وفروع هذا الببباب كببثيرة‪ ،‬وإنمببا نببذكر‬
‫من المسائل في كل باب مشهور ليجري ذلك مجرى الصول‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني في بيوع الربا‪.‬‬
‫@‪-‬واتفق العلماء على أن الربا يوجد في شيئين‪ :‬في البيع‪ ،‬وفيما تقرر في الذمة من‬
‫بيع أو سلف أو غير ذلك‪ .‬فأما الربا فيما تقرر في الذمة فهببو صببنفان‪ :‬صببنف متفببق‬
‫عليه‪ ،‬وهو ربا الجاهلية الذي نهي عنه‪ ،‬وذلك أنهم كانوا يسلفون بالزيادة وينظرون‪،‬‬
‫فكانوا يقولون‪ :‬أنظرني أزدك‪ ،‬وهذا هو الذي عناه عليه الصببلة والسببلم بقببوله فببي‬
‫حجة الوداع "أل وإن ربا الجاهلية موضوع وأول ربببا أضببعه ربببا العببباس بببن عبببد‬
‫المطلب‪ ،‬والثاني "ضع وتعجل" وهو مختلف فيه وسنذكره فيما بعد‪ :‬وأمببا الربببا فببي‬
‫البيع فإن العلماء أجمعوا علببى أنببه صببنفان‪ :‬نسببيئة وتفاضببل‪ ،‬إل مببا روي عببن ابببن‬
‫عباس من إنكاره الربا قي التفاضل لما رواه عن النبي صلى ال عليه وسلم أنببه قببال‬
‫"ل ربا إل في النسيئة وإنما صار جمهور الفقهبباء إلببى أن الربببا فببي هببذين النببوعين‬
‫لثبوت ذلك عنه صلى ال عليه وسلم‪ .‬والكلم في الربا ينحصببر فببي أربعببة فصببول‪:‬‬
‫الفصل الول‪ :‬في معرفة الشياء التي ل يجوز فيها التفاضل‪ ،‬ول يجوز فيها الّنساء‪،‬‬
‫وتبين علة ذلك‪ .‬الثبباني‪ :‬معرفببة الشببياء الببتي يجببوز فيهببا التفاضببل ول يجببوز فيهببا‬
‫الّنساء‪ .‬الثالث‪ :‬في معرفة ما يجوز فيه المران جميعببا‪ .‬الرابببع‪ :‬فببي معرفببة مببا يعببد‬
‫صنفا واحدا مما ل يعد صنفا واحدا‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول‪ .‬في معرفة الشياء الببتي ل يجببوز فيهببا التفاضببل ول يجببوز فيهببا‬
‫الّنساء وتبيين علة ذلك‪ .‬فنقول‪:‬‬
‫@‪-‬أجمع العلماء على أن التفاضل والّنساء ممبا ل يجبوز واحبد منهمبا فبي الصبنف‬
‫الواحد من الصناف التي نص عليها في حديث عبادة بن الصامت‪ ،‬إل ما حكي عببن‬
‫ابن عباس‪ ،‬وحديث عبادة هو قال "سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم ينهي عن‬
‫بيع الذهب بالببذهب والفضببة بالفضببة والبببر بببالبر والشببعير بالشببعير والتمببر بببالتمر‬
‫والملح بالملح إل سواء بسواء عينا بعين‪ ،‬فمن زاد أو ازداد فقد أربى" فهببذا الحببديث‬
‫نص في منع التفاضل في الصنف الواحد من هذه العيان‪.‬‬
‫وأما منع الّنسيئة فيها فثابت من غير ما حببديث‪ ،‬أشببهرها حببديث عمببر بببن الخطبباب‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "الذهب بالذهب ربا‪ ،‬إل هبباء وهبباء‪ ،‬والبببر‬
‫بالبر ربا إل هاء وهاء والتمر بالتمر ربببا إل هبباء وهبباء‪ ،‬والشببعير بالشببعير ربببا إل‬
‫هاء وهاء" فتضمن حديث عبادة منع التفاضبل فبي الصبنف الواحبد‪ ،‬وتضبمن أيضبا‬
‫حديث عبادة منع الّنساء في الصنفين مببن هببذه‪ ،‬وإباحببة التفاضببل‪ ،‬وذلببك فببي بعببض‬
‫الروايات الصحيحة‪ ،‬وذلك أن فيها بعد ذكره منببع التفاضببل فببي تلببك السببتة "وبيعببوا‬
‫الذهب بالورق كيف شئتم يدا بيد والبر بالشعير كيف شئتم يدا بيببد" وهببذا كلببه متفببق‬
‫عليه بين الفقهاء إل البر بالشعير‪.‬‬
‫واختلفوا فيما سوى هذه الستة المنصوص عليها‪ ،‬فقال قوم منهببم أهببل الظبباهر‪ :‬إنمببا‬
‫يمتنع التفاضل في صنف صببنف مببن هببذه الصببناف السببتة فقببط‪ ،‬وأن مببا عببداها ل‬
‫يمتنع الصنف الواحد منها التفاضل‪ ،‬وقبال هبؤلء أيضبا‪ :‬إن الّنسباء ممتنبع فبي هبذه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الستة أيضا فقط اتفقت الصببناف أو اختلفببت‪ ،‬وهبذا أمبر متفببق عليببه‪ :‬أعنببي امتنباع‬
‫الّنساء فيها مع اختلف الصناف‪ ،‬إل ما حكببي عببن ابببن عليببة أنببه قببال‪ :‬إذا اختلببف‬
‫الصنفان جاز التفاضل والنسيئة ما عدا الذهب والفضة‪.‬‬
‫فهؤلء جعلوا النهي المتعلق بأعيان هذه الستة من باب الخاص أريد به الخاص‪.‬‬
‫وأما الجمهور من فقهاء المصار‪ ،‬فإنهم اتفقوا على أنببه مببن ببباب الخبباص أريببد بببه‬
‫العام‪.‬‬
‫واختلفوا في المعنى العام الذي وقع التنبيه عليه بهذه الصناف‪ :‬أعني في مفهوم علة‬
‫التفاضل ومنع الّنساء فيها‪.‬‬
‫فالذي استقر عليه حذاق المالكية أن سبب منببع التفاضببل أمببا فببي الربعببة‪ ،‬فالصببنف‬
‫الواحد من المدخر المقتات‪ ،‬وقد قيل الصنف الواحد المدخر وإن لم يكن مقتاتببا ومببن‬
‫شرط الدخار عندهم أن يكون في الكثر‪ ،‬وقال بعض أصببحابه‪ :‬الربببا فببي الصببنف‬
‫المدخر وإن كان نادر الدخار‪.‬‬
‫وأما العلة عندهم في منع التفاضل في الذهب والفضة فهو الصنف الواحد أيضببا مببع‬
‫كونهما رءوسا للثمان وقيما للمتلفات‪ ،‬وهذه العلة هي التي تعرف عندهم بالقاصرة‪،‬‬
‫لنها غير موجودة عندهم في غير الذهب والفضة‪.‬‬
‫وأما علة منع الّنساء عند المالكية في الربعة المنصوص عليها فهو الطعم والدخببار‬
‫دون اتفاق الصنف‪ ،‬ولذلك إذا اختلفت أصبنافها جباز عنبدهم التفاضبل دون النسبيئة‪،‬‬
‫ولذلك يجوز التفاضل عندهم في المطعومات التي ليست مدخرة‪ :‬أعنببي فببي الصببنف‬
‫الواحد منها‪ ،‬ول يجوز الّنساء‪.‬‬
‫أما جواز التفاضل‪ ،‬فلكونها ليسبت مبدخرة‪ ،‬وقبد قيبل إن الدخبار شبرط فبي تحريبم‬
‫التفاضل في الصنف الواحد‪.‬‬
‫وأما منع الّنساء فيها فلكونها مطعومة مدخرة‪ ،‬وقد قلنا إن الطعبم ببإطلق علببة لمنببع‬
‫الّنساء في المطعومات‪.‬‬
‫وأما الشافعية فعلة منع التفاضل عندهم في هببذه الربعببة هببو الطعببم فقببط مببع اتفبباق‬
‫الصنف الواحد‪.‬‬
‫وأما علة الّنساء فالطعم دون اعتبار الصنف مثل قول مالك‪.‬‬
‫وأما الحنفية فعلة منع التفاضل عندهم في الستة واحدة وهو الكيل أو الوزن مع اتفاق‬
‫الصنف‪ ،‬وعلة الّنساء فيها اختلف الصنف ما عبدا النحباس والبذهب‪ ،‬فبإن الجمباع‬
‫انعقد على أنه يجوز فيها الّنساء‪ ،‬ووافق الشافعي مالكا في علة منع التفاضل والّنساء‬
‫في الذهب والفضة‪ ،‬أعني أن كونهما رءوسا للثمان وقيما للمتلفات هو عنببدهم علببة‬
‫منع النسيئة إذا اختلف الصنف‪ ،‬فإذا اتفقا منع التفاضبل‪ ،‬والحنفيببة تعتببر فببي المكيببل‬
‫قببدرا يتببأتى فيببه الكيببل‪ ،‬وسببيأتي أحكببام الببدنانير والببدراهم بمببا يخصببها فببي كتبباب‬
‫الصرف‪ ،‬وأما هاهنا فالمقصود هو تبيين مذاهب الفقهاء في علببل الربببا المطلببق فببي‬
‫هذه الشياء‪ ،‬وذكر عمدة دليل كل فريق منهم‪ ،‬فنقول‪ :‬إن الذين قصروا صنف الربببا‬
‫على هذه الصناف الستة فهم أحد صنفين‪ :‬إما قببوم نفببوا القيبباس فببي الشببرع‪ :‬أعنببي‬
‫استنباط العلل من اللفاظ وهم الظاهرية‪ ،‬وإما قوم نفوا قياس الشبببه وذلببك أن جميببع‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫من ألحق المسكوت ههنا بالمنطوق به‪ ،‬فإنما ألحقه بقياس الشبببه ل بقيبباس العلببة‪ ،‬إل‬
‫ما حكي عن ابن الماجشون أنه اعتبر في ذلك المالية وقال‪ :‬علة منع الربببا إنمببا هببي‬
‫حياطة الموال‪ ،‬يريد منع العين‪.‬‬
‫وأما القاضي أبو بكببر الببباقلني فلمببا كببان قيبباس الشبببه عنببده ضببعيفا‪ ،‬وكببان قيبباس‬
‫المعنى عنده أقوى منه اعتبر في هذا الموضع قيبباس المعنببى‪ ،‬إذ لببم يتببأت لببه قيبباس‬
‫علة‪ ،‬فألحق الزبيب فقط بهذه الصببناف الربعببة‪ ،‬لنببه زعببم أنببه فببي معنببى التمببر‪،‬‬
‫ولكل واحد من هؤلء‪ :‬أعني من القائسين دليل في اسببتنباط الشبببه الببذي اعتبببره فببي‬
‫إلحاق المسكوت عنه بالمنطوق به من هذه الربعة‪.‬‬
‫وأما الشافعية فإنهم قالوا في تثبيت علتهم الشبهية‪ :‬إن الحكم إذا علق باسم مشببتق دل‬
‫على أن ذلك المعنى الذي اشتق منه السم هو علة الحكم مثل قوله تعببالى )والسببارق‬
‫والسارقة فاقطعوا أيببديهما( فلمبا علببق الحكبم بالسبم المشبتق وهببو السببارق علببم أن‬
‫الحكم متعلق بنفس السرقة‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وإذا كان هذا هكذا‪ ،‬وكان قد جاء من حديث سعيد بن عبببد الب أنببه قببال‪ :‬كنببت‬
‫أسمع رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪" :‬الطعام بالطعام مثل بمثببل" فمببن البببين‬
‫أن الطعم هو الذي علق به الحكم‪.‬‬
‫وأما المالكية فإنها زادت علبى الطعببم إمبا صببفة واحبدة وهبو الدخبار علبى مببا فببي‬
‫الموطأ‪ ،‬وإما صفتين وهو الدخار والقتيات على ما اختبباره البغببداديون‪ ،‬وتمسببكت‬
‫في استنباط هذه العلة بأنه لو كان المقصود هو الطعم وحده لكتفى بالتنبيه على ذلك‬
‫بالنص على واحد من تلك الربعة أصناف المذكورة‪ ،‬فلما ذكر منهببا عببددا علببم أنببه‬
‫قصد بكل واحد منها التنبيه على مافي معناه‪ ،‬وهي كلها يجمعها القتيات والدخار‪.‬‬
‫أما البر والشعير فنبه بهما على أصناف الحبوب المدخرة‪ ،‬ونبببه بببالتمر علببى جميببع‬
‫أنواع الحلوات المدخرة كالسكر والعسل والزبيب‪ ،‬ونبه بالملح علببى جميببع التوابببل‬
‫المدخرة لصلح الطعام‪ ،‬وأيضا فإنهم قالوا‪ :‬لما كان معقول المعنببى فببي الربببا إنمببا‬
‫هو أن ل يغبن بعض الناس بعضببا وأن تحفببظ أمببوالهم‪ ،‬فببواجب أن يكببون ذلببك فببي‬
‫أصول المعايش وهي القوات‪.‬‬
‫وأما الحنفية فعمدتهم في اعتبار المكيل والموزون أنه صلى ال عليه وسلم لمببا علببق‬
‫التحليل باتفاق الصنف واتفاق القدر‪ ،‬وعلق التحريم باتفبباق الصببنف واختلف القببدر‬
‫في قوله صلى ال عليه وسلم لعامله بخيبببر مببن حببديث أبببي سببعيد وغيببره "إل كيل‬
‫بكيل يدا بيد" رأوا أن التقدير أعنببي الكيببل أو الببوزن هببو المببؤثر فببي الحكببم كتببأثير‬
‫الصنف‪ ،‬وربما احتجوا بأحاديث ليست مشهورة فيها تنبيه قوي على اعتبار الكيل أو‬
‫الوزن‪.‬‬
‫منها أنهببم رووا فببي بعببض الحبباديث المتضببمنه المسببميات المنصببوص عليهببا فببي‬
‫حديث عببادة زيبادة‪ ،‬وهبي كبذلك مبا يكبال ويبوزن‪ ،‬وفبي بعضبها‪ :‬وكبذلك المكيبال‬
‫والميزان‪ ،‬هذا نص لو صحت الحبباديث‪ ،‬ولكببن إذا تؤمببل المرمببن طريببق المعنببى‬
‫ظهر }وال أعلم{ أن علتهم أولى العلببل‪ ،‬وذلببك أنببه يظهببر مببن الشببرع أن المقصببود‬
‫بتحريم الربا إنما هو لمكان الغبن الكثير الذي فيه‪ ،‬وأن العدل في المعاملت إنما هو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫مقاربة التساوي‪ ،‬ولذلك لما عسر إدراك التساوي في الشياء المختلفبة البذوات جعبل‬
‫الدينار والدرهم لتقويمها‪ :‬أعني تقديرها‪ ،‬ولما كانت الشياء المختلفة الببذوات‪ :‬أعنببي‬
‫غير الموزونة والمكيلة العدل فيها إنما هو في وجببود النسبببة‪ ،‬أعنببي أن تكببون نسبببة‬
‫قيمة أحد الشيئين إلى جنسه نسبة قيمة الشيء لخر إلى جنسه‪ ،‬مثببال ذلببك أن العببدل‬
‫إذا باع إنسان فرسا بثياب هو أن تكون نسبة قيمة ذلك الفرس إلى الفراس هي نسبة‬
‫قيمة ذلك الثوب إلى الثياب‪ ،‬فإن كان ذلك الفرس قيمته خمسون فيجب أن تكون تلببك‬
‫الثياب قيمتها خمسون‪ ،‬فليكن مثل الذي يساوي هذا القدر عددها هببو عشببرة أثببواب‪،‬‬
‫فإذا اختلف هذه المبيعات بعصها ببعض في العدد واجبة في المعاملة العدالة‪ ،‬أعني‬
‫أن يكون عديل فرس عشرة أثواب في المثل‪.‬‬
‫وأما الشياء المكيلة والموزونببة‪ ،‬فلمببا كببانت ليسببت تختلببف كببل الختلف‪ ،‬وكببانت‬
‫منافعها متقاربة ولم تكن حاجة ضرورية لمن كان عنده منها صنف أن يستبدله بذلك‬
‫الصنف بعينه إل على جهة السرف كان العدل في هذا إنما هو بوجببود التسبباوي فببي‬
‫الكيل أو الوزن إذ كانت ل تتفاوت في المنببافع‪ ،‬وأيضببا فببإن منببع التفاضببل فببي هببذه‬
‫الشببياء يببوجب أن ل يقببع فيهببا تعامببل لكببون منافعهببا غيببر مختلفببة‪ ،‬والتعامببل إنمببا‬
‫يضطر إليه في المنافع المختلفة‪ ،‬فإذا منببع التفاضببل فببي هببذه الشببياء أعنببي المكيلببة‬
‫والموزونة علتان‪ :‬إحداهما وجود العدل فيها‪ ،‬والثاني منع المعاملة إذا كانت المعاملة‬
‫بها من باب السرف‪.‬‬
‫وأما الدينار والدرهم فعلة المنع فيها أظهر إذ كانت هذه ليس المقصببود منهببا الربببح‪،‬‬
‫وإنما المقصود بها تقدير الشياء التي لها منافع ضرورية‪.‬‬
‫روى مالك عن سعيد بن المسيب أنه كببان يعتبببر فببي علببة الربببا فببي هببذه الصببناف‬
‫الكيل والطعم‪ ،‬وهو معنى جيد لكون الطعم ضروريا في أقوات الناس‪ ،‬فإنه يشبببه أن‬
‫يكون حفظ العين وحفظ السرف فيما هو قوت أهم منه فيما ليس هو قوتا‪.‬‬
‫وقد روي عن بعض التابعين أنه اعتبر في الربببا الجنبباس الببتي تجببب فيهببا الزكبباة‪،‬‬
‫وعن بعضهم النتفاع مطلقا????????‬
‫‪ :‬أعني المالية‪ ،‬وهو مذهب ابن الماجشون‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثبباني‪ .‬فببي معرفببة الشببياء الببتي يجببوز فيهببا التفاضببل ول يجببوز فيهببا‬
‫الّنساء‪.‬‬
‫@‪-‬فيجب من هذا أن تكون علة امتناع النسيئة في الربويبات هبي الطعبم عنبد مالبك‬
‫والشافعي‪ .‬وأما في غير الربويات مما ليس بمطعوم‪ ،‬فإن علة منع النسببيئة فيببه عنببد‬
‫مالك هو الصنف الواحد المتفق المنافع مع التفاضل‪ ،‬وليس عند الشببافعي نسببيئة فببي‬
‫غير الربويات‪ .‬وأما أبو حنيفة فعلة منع الّنساء عنببده هببو الكيببل فببي الربويببات وفببي‬
‫غير الربويات الصنف الواحد متفاضل كان أو غيببر متفاضببل‪ ،‬وقببد يظهببر مببن ابببن‬
‫القاسم عن مالك أنه يمنع النسببيئة فبي هبذه‪ ،‬لنبه عنبده مببن ببباب السببلف البذي يجبر‬
‫منفعة‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثالث في معرفة ما يجوز فيه المران جميعا‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬وأما ما يجوز فيه المران جميعا‪ :‬أعني التفاضل والّنساء‪ ،‬فما لم يكن ربويا عند‬
‫الشافعي‪ .‬وأما عند مالك فما لم يكببن ربويببا ول كببان صببنفا واحببدا متمبباثل أو صببنفا‬
‫واحدا بإطلق على مذهب أبي حنيفة‪ ،‬ومالك يعتبر في الصنف المؤثر فببي التفاضببل‬
‫في الربويات‪ ،‬وفي الّنساء في غير الربويات اتفاق المنببافع واختلفهببا‪ ،‬فببإذا اختلفببت‬
‫جعلها صنفين‪ ،‬وإن كان السم واحدا‪ ،‬وأبو حنيفة يعتبر السم وكذلك الشببافعي‪ ،‬وإن‬
‫كان الشافعي ليس الصنف عنده مؤثرا إل في الربويات فقط‪ :‬أعني أنه يمنع التفاضل‬
‫فيه‪ ،‬وليس هو عنببده علببة للّنسبباء أصببل‪ ،‬فهببذا هببو تحصببيل مببذاهب هببؤلء الفقهبباء‬
‫الثلثة في هذه الفصول الثلث‪ .‬فأما الشياء التي ل تجوز فيها النسيئة فإنها قسببمان‪:‬‬
‫منها ما ل يجوز فيها التفاضل وقد تقدم ذكرها‪ ،‬ومنها ما يجوز فيهببا التفاضببل‪ .‬فأمببا‬
‫الشياء التي ل يجوز فيها التفاضل فعلة امتنبباع النسببيئة فيهببا هببو الطعببم عنببد مالببك‬
‫وعند الشافعي الطعم فقط‪ ،‬وعند أببي حنيفبة مطعومبات الكيبل والبوزن‪ ،‬فبإذا اقبترن‬
‫بالطعم اتفاق الصنف حبرم التفاضبل عنببد الشببافعي‪ ،‬وإذا اقببترن وصبف ثببالث وهببو‬
‫الدخببار حببرم التفاضببل عنببد مالببك‪ ،‬وإذا اختلببف الصببنف جبباز التفاضببل وحرمببت‬
‫النسيئة‪ .‬وأما الشياء التي ليببس يحببرم التفاضببل فيهببا عنببد مالببك فإنهببا صببنفان‪ :‬إمببا‬
‫مطعومة‪ ،‬وإما غير مطعومة‪ .‬فأما المطعومة فالّنساء عنده ل يجوز فيها‪ ،‬وعلة المنع‬
‫الطعم؛ وأما غير المطعومة فإنه ل يجوز فيهببا الّنسبباء عنببده فيمببا اتفقببت منبافعه مببع‬
‫التفاضل‪ ،‬فل يجوز عنده شاة واحدة بشباتين إلبى أجبل إل أن تكبون إحبداهما حلوببة‬
‫والخببرى أكولبة‪ ،‬هببذا هببو المشببهور عنبه؛ وقببد قيبل إنبه يعتببر اتفبباق المنببافع دون‬
‫التفاضل فعلى هذا ل يجوز عنده شاة حلوبة بشاة حلوبة إلببى أجببل‪ .‬فأمببا إذا اختلفببت‬
‫المنافع فالتفاضل والنسيئة عنده جائزان وإن كان الصنف واحدا؛ وقيببل يعتبببر اتفبباق‬
‫السماء مع اتفاق المنافع‪ ،‬والشببهر أن ل يعتبببر؛ وقببد قيببل يعتبببر‪ .‬وأمببا أبببو حنيفببة‬
‫فالمعتبر عنده في منع الّنساء ما عببدا الببتي ل يجببوز عنببده فيهببا التفاضببل هببو اتفبباق‬
‫الصنف اتفقت المنافع أو اختلفت‪ ،‬فل يجوز عنببده شبباة بشبباة ول بشبباتين نسببيئة وإن‬
‫اختلفت منافعها‪ .‬وأما الشافعي فكل ما ل يجببوز التفاضببل عنببده فببي الصببنف الواحببد‬
‫يجوز فيه الّنساء‪ ،‬فيجيز شاة بشاتين نسيئة ونقدا‪ ،‬وكذلك شباة بشباة‪ ،‬ودليبل الشببافعي‬
‫حديث عمرو بن العاص "أن رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم أمببره أن يأخببذ فببي‬
‫قلئص الصدقة البعير بالبعيرين إلى الصدقة" قالوا فهذا التفاضل في الجنس الواحببد‬
‫مع الّنساء‪ .‬وأما الحنفية فاحتجت بحديث الحسن عن سمرة "أن رسول ال صلى البب‬
‫عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان" قالوا‪ :‬وهذا يدل على تببأثير الجنببس علببى‬
‫النفراد في النسيئة‪ .‬وأما مالك فعمدته في مراعاة منع الّنسباء عنبد اتفباق الغبراض‬
‫سد الذريعة‪ ،‬وذلك أنه ل فائدة في ذلك إل أن يكون مببن ببباب سببلف يجببر نفعببا وهببو‬
‫يحرم‪ ،‬وقد قيل عنه إنه أصل بنفسه‪ ،‬وقد قيل عن الكوفيين إنه ل يجوز بيع الحيببوان‬
‫بالحيوان نسيئة اختلف الجنس أو اتفق على ظاهر حديث سمرة‪ ،‬فكأن الشافعي ذهب‬
‫مذهب الترجيح لحديث عمرو بن العاص‪ ،‬والحنفية لحديث سمرة مع التأويل له‪ ،‬لن‬
‫ظاهره يقتضي أن ل يجوز الحيوان بالحيوان نسيئة اتفببق الجنببس أو اختلببف‪ ،‬وكببأن‬
‫مالكا ذهب مذهب الجمع‪ ،‬فحمل حديث سمرة على اتفاق الغراض‪ ،‬وحديث عمببرو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بن العاص على اختلفهببا‪ ،‬وسببماع الحسببن مببن سببمرة مختلببف فيببه‪ ،‬ولكببن صببححه‬
‫الترمذي‪ ،‬ويشهد لمالك ما رواه الترمذي عن جابر قببال‪ :‬قببال رسببول الب صببلى الب‬
‫عليه وسلم "الحيوان اثنان بواحد‪ ،‬ل يصلح الّنسبباء ول بببأس بببه يببدا بيببد" وقببال ابببن‬
‫المنذر‪ :‬ثبت "أن رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم اشببترى عبببدا بعبببدين أسببودين‪،‬‬
‫واشترى جارية بسبعة أرؤس" وعلى هذا الحديث يكون بيع الحيوان بببالحيوان يشبببه‬
‫أن يكون أصل بنفسه ل من قبل سد ذريعة‪ .‬واختلفوا فيما ل يجبوز بيعبه ّنسباء‪ ،‬هبل‬
‫من شرطه التقابض في المجلس قبل الفتراق سائر الربويات بعد اتفاقهم في اشتراط‬
‫ذلك في المصارفة لقوله عليه الصببلة والسببلم "ل تبببيعوا منهببا غائبببا بنبباجز" فمببن‬
‫شرط فيها التقببابض فبي المجلبس شبببهها بالصببرف‪ ،‬ومبن لببم يشببترط ذلبك قبال‪ :‬إن‬
‫القبض قبل التفرق ليس شرطا في البيوع إل ما قام الدليل عليه‪ ،‬ولما قام الدليل على‬
‫الصرف فقط بقيت سائر الربويات على الصل‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الرابع في معرفة ما يعد صنفا واحدا‪ ،‬وما ل يعد صنفا واحدا‪.‬‬
‫@‪-‬واختلفوا من هذا الباب فيما يعد صنفا واحدا وهو المؤثر في التفاضل مما ل يعد‬
‫صنفا واحدا في مسائل كثيرة‪ ،‬لكن نذكر منها أشببهرها‪ ،‬وكببذلك اختلفببوا فببي صببفات‬
‫الصنف الواحد المؤثر في التفاضل‪ ،‬هل من شرطه أن ل يختلف بببالجودة والببرداءة‪،‬‬
‫ول باليبس والرطوبة؟ فأما اختلفهم فيما يعد صنفا واحدا مما ل يعببد صببنفا واحببدا‪،‬‬
‫فمن ذلك القمح والشعير‪ ،‬صار قوتا إلى أنهما صنف واحد‪ ،‬وصار آخرون إلى أنهما‬
‫صببنفان‪ ،‬فببالول قبال مالبك والوزاعبي‪ ،‬وحكباه مالبك فبي الموطبأ عببن سببعيد بببن‬
‫المسيب؛ وبالثاني قال الشافعي وأبو حنيفة‪ ،‬وعمدتهما السماع والقيبباس‪ .‬أمببا السببماع‬
‫فقوله صلى ال عليبه وسبلم "ل تببيعوا الببر ببالبر والشبعير بالشبعير إل مثل بمثبل"‬
‫فجعلهما صنفين‪ ،‬وأيضا فإن فبي بعبض طببرق حبديث عببادة ببن الصبامت "وبيعبوا‬
‫الذهب بالفضة كيف شئتم‪ ،‬والبر بالشعير كيف شئتم‪ ،‬والملببح بببالتمر كيببف شببئتم يببدا‬
‫بيد" ذكره عبد الببرزاق ووكيببع عببن الثببوري‪ ،‬وصببحح هببذه الزيببادة الترمببذي‪ .‬وأمببا‬
‫القياس فلنهما اختلفت أسماؤهما ومنافعهما‪ ،‬فوجب أن يكونببا يكونببا صببنفين‪ ،‬أصببله‬
‫الفضة والذهب وسائر الشياء المختلفة فببي السببم والمنفعببة‪ .‬وأمببا عمببدة مالببك فببإنه‬
‫عمل سلفه بالمدينة‪ .‬وأمببا أصببحابه فاعتمببدوا فببي ذلببك أيضببا السببماع والقيبباس‪ .‬أمببا‬
‫السماع فما روي أن النبي عليببه الصببلة والسببلم قبال "الطعببام بالطعببام مثل بمثببل"‬
‫فقالوا‪ :‬اسم الطعام يتناول البر والشعير وهذا ضعيف‪ ،‬فإن هذا عام يفسره الحبباديث‬
‫الصحيحة‪ .‬وأمببا مببن طريببق القيبباس فببإنهم عببددوا كببثيرا مببن اتفاقهمببا فببي المنببافع‪،‬‬
‫والمتفقة المنافع ل يجوز التفاضل فيها باتفبباق‪ ،‬والسببلت عنببد مالببك والشببعير صببنف‬
‫واحد‪ ،‬وأما القطية فإنها عنده صنف واحببد فببي الزكبباة‪ ،‬وعنببه فببي البببيوع روايتببان‪:‬‬
‫إحداهما أنها صنف واحد‪ ،‬والخببرى أنهببا أصببناف‪ .‬وسبببب الخلف تعببارض اتفبباق‬
‫المنافع فيها واختلفها‪ ،‬فمن غلب التفاق قببال‪ :‬صببنف واحببد‪ ،‬ومببن غلببب الختلف‬
‫قال‪ :‬صنفان أو أصناف‪ ،‬والرز والدخن والجاورس عنده صنف واحد‪.‬‬
‫@‪)-‬مسألة( واختلفوا من هذا الباب في الصنف الواحد من اللحم الذي ل يجببوز فيببه‬
‫التفاضل‪ ،‬فقال مالك‪ :‬اللحوم ثلثة أصناف‪ :‬فلحم ذوات الربببع صببنف‪ ،‬ولحببم ذوات‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الماء صنف‪ ،‬ولحم الطير كله صببنف واحببد أيضببا‪ ،‬وهببذه الثلثببة الصببناف مختلفببة‬
‫يجوز فيها التفاضل‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬كل واحد من هذه هو أنببواع كببثيرة‪ ،‬والتفاضببل‬
‫فيه جائز إل في النوع الواحد بعينه‪ .‬وللشافعي قولن‪ :‬أحدهما مثل قول أبببي حنيفببة‪،‬‬
‫والخر أن جميعها صنف واحد‪ .‬وأبو حنيفة يجيز لحم الغنم بالبقر متفاضببل‪ ،‬ومالببك‬
‫ل يجيزه‪ ،‬والشافعي ل يجيز بيببع لحببم الطيببر بلحببم الغنببم متفاضببل‪ ،‬ومالببك يجيببزه‪.‬‬
‫وعمدة الشافعي قوله عليه الصببلة والسببلم "الطعببام بالطعببام مثل بمثببل" ولنهببا إذا‬
‫فارقتها الحياة زالت الصببفات الببتي كببانت بهببا تختلببف‪ ،‬ويتناولهببا اسببم اللحببم تنبباول‬
‫واحدا‪ .‬وعمدة المالكيببة أن هببذه الجنبباس مختلفببة‪ ،‬فببوجب أن يكببون لحمهببا مختلفببا‪.‬‬
‫والحنفية تعتبر الختلف الذي في الجنس الواحد من هذه وتقول‪ :‬إن الختلف الببذي‬
‫بين النواع التي في الحيوان‪ ،‬أعني في الجنببس الواحببد منببه كأنببك قلببت الطببائر هببو‬
‫وزان الختلف الذي بين التمر والبر والشعير‪ .‬وبالجملة فكل طائفة تدعي أن وزان‬
‫الختلف الذي بين الشياء المنصوص عليها الذي تبراه فببي اللحبم‪ ،‬والحنفيببة أقبوى‬
‫من جهة المعنى‪ ،‬لن تحريم التفاضل إنما هو عند اتفاق المنفعة‪.‬‬
‫@‪)-‬مسألة( واختلفوا من هذا الباب في بيع الحيوان بالميت على ثلثببة أقببوال‪ :‬قببول‬
‫إنه ل يجوز بببإطلق‪ ،‬وهببو قببول الشببافعي والليببث؛ وقببول إنببه يجببوز فببي الجنباس‬
‫المختلفة التي يجوز فيها التفاضل‪ ،‬ول يجوز ذلك في المتفقببة‪ :‬أعنببي الربويببة لمكببان‬
‫الجهل الذي فيها من طريق التفاضل‪ ،‬وذلك في التي المقصود منها الكل‪ ،‬وهو قببول‬
‫مالك‪ ،‬فل يجوز شاة مذبوحة بشاة تببراد للكببل‪ ،‬وذلببك عنببده فببي الحيببوان المببأكول‪،‬‬
‫حتى أنه ل يجيز الحي بالحي إذا كان المقصود الكل من أحدهما‪ ،‬فهي عنده من هذا‬
‫الباب‪ ،‬أعني أن امتناع ذلك عنده من جهبة الرببا والمزابنبة؛ وقبول ثبالث إنبه يجبوز‬
‫مطلقا‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة‪ .‬وسبب الخلف معارضة الصول في هببذا الببباب لمرسببل‬
‫سعيد بن المسيب‪ ،‬وذلك أن مالكا روى عن زيد بن أسلم عن سببعيد بببن المسببيب "أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى عن بيببع الحيببوان ببباللحم" فمببن لببم تنقببدح عنببده‬
‫معارضة هذا الحديث لصل من أصول البيوع الببتي تببوجب التحريببم قببال بببه‪ .‬ومببن‬
‫رأى أن الصول معارضة له وجب عليه أحد أمرين‪ :‬إما أن يغلببب الحببديث فيجعلببه‬
‫أصل زائدا بنفسه أو يرده لمكان معارضة الصول له‪ .‬فالشافعي غلب الحديث وأبببو‬
‫حنيفة غلب الصول‪ ،‬ومالك رده إلى أصوله في الببيوع‪ ،‬فجعبل الببيع فيبه مبن بباب‬
‫الربا‪ ،‬أعني بيع الشيء الربوي بأصله‪ ،‬مثل بيع الزيت بالزيتون وسيأتي الكلم على‬
‫هذا الصل‪ ،‬فإنه الذي يعرفه الفقهاء بالمزابنببة‪ ،‬وهببي داخلببة فببي الربببا بجهببة‪ ،‬وفببي‬
‫الغرر بجهة‪ ،‬وذلك أنها ممنوعة فبي الربويبات مبن جهبة الرببا والغبرر‪ ،‬وفبي غيبر‬
‫الربويات من جهة الغرر فقط الذي سببه الجهل بالخارج عن الصل‪.‬‬
‫@‪)-‬مسألة( ومن هذا الباب اختلفهم في بيببع الببدقيق بالحنطببة مثل بمثببل‪ ،‬فالشببهر‬
‫عن مالك جوازه‪ ،‬وهو قول مالك في موطئه‪ ،‬وروي عنببه أنببه ل يجببوز‪ ،‬وهببو قببول‬
‫الشافعي وأبي حنيفة وابن الماجشون من أصحاب مالك؛ وقال بعض أصحاب مالببك‪:‬‬
‫ليس هو اختلفا مببن قببوله‪ ،‬وإنمببا روايببة المنبع إذا كبان اعتبببار المثليببة بالكيبل‪ ،‬لن‬
‫الطعام إذا صار دقيقا اختلف كيله‪ ،‬ورواية الجواز إذا كان العتبار بالوزن‪ .‬وأما أبو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫حنيفة فالمنع عنده في ذلك من قبل أن أحدهما مكيل والخببر مببوزون‪ .‬ومالببك يعتبببر‬
‫الكيل أو الوزن فيما جرت العادة أن يكال أو يوزن‪ ،‬والعدد فيما ل يكببال ول يببوزن‪.‬‬
‫واختلفوا من هذا الببباب فيمببا تببدخله الصببنعة ممببا أصببله منببع الربببا فيببه مثببل الخبببز‬
‫بالخبز‪ ،‬فقال أبو حنيفة‪ :‬ل بأس ببيع ذلك متفاضل ومتماثل‪ ،‬لنه قد خببرج بالصببنعة‬
‫عن الجنس الذي فيه الربا‪ ،‬وقال الشافعي‪ :‬ل يجوز متماثل فضل عن متفاضل‪ ،‬لنه‬
‫قد غيرته الصببنعة تغيببرا جهلببت بببه مقبباديره الببتي تعتبببر فيهببا المماثلببة‪ .‬وأمببا مالببك‬
‫فالشهر في الخبز عنده أنببه يجببوز متمبباثل‪ ،‬وقببد قيببل فيببه أنببه يجببوز فيببه التفاضببل‬
‫والتسبباوي‪ .‬وأمببا العجيببن بببالعجين فجببائز عنببده مببع المماثلببة‪ .‬وسبببب الخلف هببل‬
‫الصنعة تنقله من جنس الربويات أو ليس تنقله‪ ،‬وإن لم تنقله فهل تمكببن المماثلببة فيببه‬
‫أو ل تمكن؟ فقال أبببو حنيفببة‪ :‬تنقلببه‪ ،‬وقببال مالببك والشببافعي‪ :‬ل تنقلببه‪ .‬واختلفببوا فببي‬
‫إمكان المماثلة فيهما‪ ،‬فكان مالببك يجيببز اعتبببار المماثلببة فببي الخبببز واللحببم بالتقببدير‬
‫والحزر فضل عن الوزن‪ .‬وأما إذا كان أحد الربببويين لببم تببدخله صببنعة والخببر قببد‬
‫دخلته الصنعة‪ ،‬فإن مالكا يرى في كثير منها أن الصنعة تنقله من الجنس‪ :‬أعني مببن‬
‫أن يكون جنسا واحدا فيجيز فيها التفاضل‪ ،‬وفببي بعضببها ليببس يببرى ذلببك‪ ،‬وتفصبيل‬
‫مذهبه في ذلك عسير النفصال‪ ،‬فاللحم المشوي والمطبببوخ عنببده مببن جنببس واحببد‪،‬‬
‫والحنطة المقلوة عنده وغير المقلببوة جنسببان‪ ،‬وقببد رام أصببحابه التفصببيل فببي ذلببك‪،‬‬
‫والظاهر من مذهبه أنه ليس في ذلك قانون من قوله حتى ينحصببر فيببه أقببواله فيهببا‪،‬‬
‫وقد رام حصرها الباجي في المنتقي‪ ،‬وكذلك أيضا يعسر حصر المنافع الببتي تببوجب‬
‫عنده التفاق في شيء شيء من الجناس التي يقع بها التعامل‪ ،‬وتمييزها من التي ل‬
‫توجب ذلك‪ :‬أعني فبي الحيبوان والعبروض والنببات‪ .‬وسببب العسبر أن النسبان إذا‬
‫سئل عن أشياء متشبابهة فبي أوقبات مختلفبة ولبم يكبن عنبده قبانون يعمبل عليبه فبي‬
‫تمييزها إل ما يعطيه بادئ النظر في الحال جاوب فيها بجوابببات مختلفببة‪ ،‬فببإذا جبباء‬
‫من بعده أحد فرام أن يجري تلك الجوبة على قانون واحد وأصل واحببد عسببر ذلببك‬
‫عليه‪ ،‬وأنت تتبين ذلك من كتبهم‪ ،‬فهذه هي أمهات هذا الباب‪.‬‬
‫@‪)-‬فصل( وأما اختلفهم في بيببع الربببوي الرطببب بجنسببه مببن اليببابس مببع وجببود‬
‫التماثل في القدر والتناجز‪ ،‬فبإن السببب فببي ذلببك مببا روى مالبك عببن سببعد بببن أبببي‬
‫وقاص أنه قال "سمعت رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم يسببئل عببن شببراء التمببر‬
‫بالرطب‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ أينقص الرطب إذا جف؟ فقالوا‪ :‬نعم‪،‬‬
‫فنهى عن ذلك" فأخذ به أكثر العلماء وقال‪ :‬ل يجوز بيببع التمببر بببالرطب علببى حببال‬
‫مالك والشافعي وغيرهما‪ .‬وقال أبببو حنيفببة‪ :‬يجببوز ذلببك‪ ،‬وخببالفه فببي ذلببك صبباحباه‬
‫محمد بن الحسببن وأبببو يوسببف‪ .‬وقببال الطحبباوي بقببول أبببي حنيفببة‪ .‬وسبببب الخلف‬
‫معارضة ظاهر حديث عبادة وغيره له‪ ،‬واختلفهم فببي تصببحيحه‪ ،‬وذلببك أن حببديث‬
‫عبادة اشترط في الجواز فقط المماثلة والمساواة‪ ،‬وهذا يقتضي بظاهره حال العقببد ل‬
‫حال المآل؛ فمن غلب ظواهر أحبباديث الربويببات رد هببذا الحببديث؛ ومببن جعببل هببذا‬
‫الحديث أصل بنفسه قال‪ :‬هو أمر زائد ومفسر لحبباديث الربويببات‪ .‬والحببديث أيضببا‬
‫اختلف الناس في تصحيحه ولم يخرجه الشيخان‪ .‬قال الطحاوي‪ :‬خولف فيه عبد البب‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فرواه يحيى بن كثير عنه "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى عن بيببع الرطببب‬
‫بالتمر نسيئة" وقال‪ :‬إن الذي يروي عنه هذا الحديث عن سببعد بببن أبببي وقبباص هببو‬
‫مجهول‪ ،‬لكن جمهور الفقهاء صاروا إلى العمل به‪ .‬وقال مالك في مببوطئه قياسببا بببه‬
‫على تعليل الحكم في هذا الحديث‪ ،‬وكذلك كل رطب بيببابس مببن نببوعه حببرام‪ :‬يعنببي‬
‫منع المماثلة كالعجين بالدقيق واللحم اليابس بالرطب وهو أحببد قسببمي المزابنببة عنببد‬
‫مالببك المنهببى عنهببا عنببده‪ ،‬والعريببة عنببده مسببتثناة مببن هببذا الصببل‪ ،‬وكببذلك عنببد‬
‫الشافعي‪ ،‬والمزابنة المنهي عنها عند أبي حنيفة هو بيببع التمببر علببى الرض بببالتمر‬
‫في روءس النخيل لموضع الجهل بالمقدار الذي بينهما أعني بوجود التساوي‪ ،‬وطرد‬
‫الشافعي هذه العلة في الشيئين الرطبين‪ ،‬فلم يجز بيع الرطببب بببالرطب‪ ،‬ول العجيببن‬
‫بالعجين مع التماثل‪ ،‬لنه زعم أن التفاضل يوجد بينهما عند الجفاف‪ .‬وخالفه في ذلك‬
‫جل مببن قبال بهببذا الحببديث‪ .‬وأمببا اختلفهببم فببي بيببع الجيببد بببالرديء فببي الصببناف‬
‫الربوية‪ ،‬فذلك يتصور بأن يباع منها صنف واحد وسط في الجودة بصنفين‪ :‬أحببدهما‬
‫أجود من ذلك الصنف‪ ،‬والخر أردأ‪ ،‬مثل أن يبيع مببدين مببن تمببر وسببط بمببدين مببن‬
‫تمر أحدهما أعلى من الوسط‪ ،‬والخر أدون منه‪ ،‬فإن مالكببا يببرد هببذا لنببه يهمببه أن‬
‫يكون إنما قصد أن يدفع مدين من الوسط فببي مببد مببن الطيببب‪ ،‬فجعببل معببه الرديببء‬
‫ذريعة إلى تحليل ما ل يجب من ذلك‪ ،‬ووافقه الشافعي في هذا‪ ،‬ولكببن التحريببم عنببده‬
‫ليس هو فيما أحسب لهذه التهمة لنه ل يعمل التهم‪ ،‬ولكببن يشبببه أن يعتبببر التفاضببل‬
‫في الصفة‪ ،‬وذلك أنه متى لم تكن زيادة الطيب على الوسط مثل نقصان الرديء عببن‬
‫الوسط‪ ،‬وإل فليس هناك مساواة في الصفة‪ .‬ومن هذا الباب اختلفهم فببي جببواز بيببع‬
‫صنف من الربويات بصنف مثله وعرض أو دنانير أو دراهم إذا كان الصبنف البذي‬
‫يجعل معه العرض أقل من ذلك الصنف المفرد أو يكون مع كل واحد منهما عببرض‬
‫والصنفان مختلفان في القدر‪ ،‬فالول مثل أن يبيع كيليببن مببن التمببر بكيببل مببن التمببر‬
‫ودرهم‪ ،‬والثاني مثل أن يبيع كيلين من التمر وثوب بثلثة أكيال مببن التمببر ودرهببم‪،‬‬
‫فقال مالك والشافعي والليث‪ :‬إن ذلك ل يجوز‪ ،‬وقال أبو حنيفببة والكوفيببون‪ :‬إن ذلببك‬
‫جائز‪ .‬فسببب الخلف هبل مببا يقابببل العببرض مببن الجنببس الرببوي ينبغبي أن يكبون‬
‫مساويا له في القيمة أو يكفي في ذلك رضا البائع‪ ،‬فمببن قببال العتبببار بمسبباواته فببي‬
‫القيمة قال‪ :‬ل يجوز لمكان الجهل بذلك‪ ،‬لنه إذا لم يكن العرض مساويا لفضببل أحببد‬
‫الربويين على الثاني كان التفاضل ضرورة‪ ،‬مثال ذلببك أنببه إن ببباع كيليببن مببن تمببر‬
‫بكيببل وثببوب فقببد يجببب أن تكببون قيمببة الثببوب تسبباوي الكيببل‪ ،‬وإل وقببع التفاضببل‬
‫ضرورة‪ .‬وأما أبو حنيفة فيكتفي في ذلببك بببأن يرضببى بببه المتبايعببان‪ ،‬ومالببك يعتبببر‬
‫أيضا في هذا سد الذريعة‪ ،‬لنه إنما جعل جاعل ذلك ذريعة إلى بيببع الصببنف الواحببد‬
‫متفاضل فهذه مشهورات مسائلهم في هذا الجنس‪.‬‬
‫*‪*3‬باب في بيوع الذرائع الربوية‪.‬‬
‫@‪-‬وههنببا شببيء يعببرض للمتبببايعين إذا قببال أحببدهما للخببر بزيببادة أو نقصببان‪،‬‬
‫وللمتبايعين إذا اشترى أحدهما من صاحبه الشيء الذي باعه بزيادة أو نقصببان وهببو‬
‫أن يتصور بينهما من غير قصد إلى ذلك تبايع ربوي‪ ،‬مثل أن يبيع إنسان من إنسببان‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫سلعة بعشرة دنانير نقدا ثم يشتريها منه بعشرين إلى أجل‪ ،‬فإذا أضيفت البيعة الثانيببة‬
‫إلى الولى استقر المر على أن أحدهما دفع عشببرة دنببانير فببي عشببرين إلببى أجببل‪،‬‬
‫وهذا هو الذي يعرف ببيوع الجال‪ .‬فنذكر من ذلك مسببألة فببي القالببة‪ ،‬ومسببألة مببن‬
‫بيوع الجببال إذ كببان هببذا الكتبباب ليببس المقصببود بببه التفريببع‪ ،‬وإنمببا المقصببود فيببه‬
‫تحصيل الصول‪.‬‬
‫@‪)-‬مسألة( لم يختلفوا أن من باع شيئا ما كأنك قلت عبدا بمائة دينار مثل إلى أجل‪،‬‬
‫ثم ندم البائع فسأل المبتاع أن يصرف إليه مبيعه ويدفع إليببه عشببرة دنببانير مثل نقببدا‬
‫أو إلى أجل‪ ،‬أن ذلك يجوز وأنه ل بأس بذلك‪ ،‬وأن القالة عنبدهم إذا دخلتهبا الزيبادة‬
‫والنقصان هي بيع مستأنف‪ ،‬ول حرج في أن يبيع النسان الشببيء بثمببن ثببم يشببتريه‬
‫بأكثر منه‪ ،‬لنه في هذه المسألة اشترى منه البائع الول العبد الذي باعه بالمائة التي‬
‫وجبت له وبالعشرة مثاقيل التي زادها نقدا أو إلببى أجببل‪ ،‬وكببذلك ل خلف بينهببم لببو‬
‫كببان البببيع بمبائة دينبار إلبى أجبل والعشبرة مثاقيببل نقببدا أو إلببى أجبل‪ .‬وأمبا إن نبدم‬
‫المشتري في هذه المسألة وسأل القالة على أن يعطي البائع العشرة المثاقيببل نقببدا أو‬
‫إلى أجل أبعد من الجل الذي وجبت فيه المائة‪ ،‬فهنا اختلفوا‪ ،‬فقبال مالببك؛ ل يجببوز‪،‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬يجوز؛ ووجه مبباكره مببن ذلببك مالببك أن ذلببك ذريعببة إلببى قصببد بيببع‬
‫الذهب بالذهب إلى أجل وإلى بيع ذهب وعرض بببذهب‪ ،‬لن المشببتري دفببع العشببرة‬
‫مثاقيل والعبد في المائة دينار التي عليببه‪ ،‬وأيضببا يببدخله بيببع وسببلف كببأن المشببتري‬
‫باعه العبد بتسعين وأسلفه عشرة إلى الجل الذي يجب عليه قبضها من نفسه لنفسببه‪.‬‬
‫وأما الشافعي فهذا عنببده كلببه جببائز لنببه شببراء مسببتأنف‪ ،‬ول فببرق عنببده بيببن هببذه‬
‫المسألة وبين أن تكون لرجبل علبى رجبل مبائة دينبار مؤجلبة‪ ،‬فيشبتري منبه غلمبا‬
‫بالتسعين دينارا التي عليه ويتعجل له عشرة دنانير‪ ،‬وذلك جائز بإجماع‪ .‬قال‪ :‬وحمل‬
‫الناس على التهم ل يجوز‪ .‬وأما إن كان البيع الول نقببدا فل خلف فبي جبواز ذلببك‪،‬‬
‫لنه ليس يدخله بيع ذهببب بببذهب نسببيئة‪ ،‬إل أن مالكببا كببره ذلببك لمببن هببو مببن أهببل‬
‫العينة‪ :‬أعني الذي يداين الناس‪ ،‬لنه عنده ذريعة لسلف في أكثر منه يتوصببلن إليببه‬
‫بما أظهرا من البيع من غير أن تكون له حقيقببة‪ .‬وأمببا البببيوع الببتي يعرفوهببا ببببيوع‬
‫الجال‪ ،‬فهي أن يبيع الرجل سلعة بثمن إلى أجل ثم يشتريها بثمن آخر إلى أجل آخر‬
‫أو نقدا‪.‬‬
‫) وهنا تسع مسائل إذا لم تكن هناك زيادة عرض اختلف منها في مسئلتين واتفق فببي‬
‫الباقي( وذلك أنه من باع شيئا إلى أجل ثم اشتراه‪ ،‬فإمببا أن يشببتريه إلببى ذلببك الجببل‬
‫بعينه أو قبله أو بعده‪ ،‬وفي كل واحد من هذه الثلثة إما أن يشتريه بمثل الثمببن الببذي‬
‫باعه به منه‪ ،‬وإما بأقل‪ ،‬وإما بأكثر يختلف من ذلك في اثنتين؛ وهو أن يشتريها قبببل‬
‫الجل نقدا بأقل من الثمن أو إلى أبعد من ذلك الجل بأكثر من ذلك الثمن‪ .‬فعند مالك‬
‫وجمهور أهل المدينة أن ذلك ل يجوز‪ .‬وقال الشافعي وداود وأبو ثببور يجببوز‪ ،‬فمببن‬
‫منعه فوجه منعه اعتبار البيع الثباني ببالبيع الول‪ ،‬فباتهمه أن يكببون إنمبا قصبد دفبع‬
‫الدنانير في أكثر منها إلى أجل‪ ،‬وهببو الربببا المنهبي عنببه فبزور لبذلك هببذه الصببورة‬
‫ليتصل بها إلى الحرام مثل أن يقول قائل لخر‪ :‬أسلفني عشرة دنانير إلى شهر وأرد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫إليك عشرين دينارا‪ ،‬فيقول‪ :‬هذا ل يجوز‪ ،‬ولكن أبيع منك هذا الحمببار بعشببرين إلببى‬
‫شهر‪ ،‬ثم أشتريه منك بعشرة نقدا‪ .‬وأما في الوجببوه الباقيببة فليببس يتهببم فيهببا لنببه إن‬
‫أعطى أكثر من الثمن في أقل من ذلك الجل لم يتهببم‪ ،‬وكببذلك إن اشبتراها بأقبل مببن‬
‫ذلك الثمن إلى أبعد من ذلك الجببل‪ ،‬ومببن الحجببة لمببن رأى هببذا الببرأي حببديث أبببي‬
‫العالية عن عائشة أنها سمعتها وقد قالت لها امرأة كانت أم ولد لزيد بببن أرقببم‪ :‬يببا أم‬
‫المؤمنين إني بعت من زيد عبدا إلى العطاء بثمانمائة فاحتاج إلى ثمنه فاشتريته منببه‬
‫قبل محل الجل بستمائة‪ ،‬فقالت عائشة‪ :‬بئسما شريت‪ ،‬وبئسما اشتريت‪ ،‬أبلغببي زيببدا‬
‫أنه قد أبطل جهاده مع رسول ال صلى ال عليه وسلم إن لم يتببب‪ ،‬قببالت‪ :‬أرأيببت إن‬
‫تركت وأخذت الستمائة دينار؟ قالت‪ :‬نعم }فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فلببه مببا‬
‫سلف{ وقال الشافعي وأصحابه‪ :‬ل يثبت حديث عائشة‪ ،‬وأيضا فإن زيببدا قببد خالفهببا‪،‬‬
‫وإذا اختلفت الصحابة فمذهبنا القياس‪ ،‬وروي مثل قول الشافعي عن ابن عمببر‪ .‬وأمببا‬
‫إذا حدث بببالمبيع نقببص عنببد المشببتري الول‪ ،‬فببإن الثببوري وجماعببة مببن الكببوفيين‬
‫أجازوا لبببائعه بببالنظرة أن يشببتريه نقببدا بأقببل مببن ذلببك الثمببن وعببن مالببك فببي ذلببك‬
‫روايتان‪ ،‬والصور التي يعتبرها مالك في الذرائع في هذه البيوع هي أن يتذرع منهببا‬
‫إلى‪ :‬أنظرني أزدك‪ ،‬أو إلى بيع ما ل يجوز متفاضل‪ ،‬أو بيع مببا ل يجببوز َنسبباء‪ ،‬أو‬
‫إلى بيع أو سلف‪ ،‬أو إلى ذهب وعرض بذهب أو إلى‪ :‬ضع وتعجببل‪ ،‬أو بيببع الطعببام‬
‫قبل أن يسببتوفي‪ ،‬أو بيببع أو صببرف‪ ،‬فبإن هببذه هبي أصبول الربببا‪ .‬ومبن هببذا الببباب‬
‫اختلفهم فيمن باع طعاما بطعام قبل أن يقبضه‪ ،‬فمنعببه مالببك وأبببو حنيفبة وجماعبة‪،‬‬
‫وأجازه الشافعي والثوري والوزاعببي وجماعببة‪ .‬وحجببة مببن كرهببه أنببه شبببيه ببببيع‬
‫الطعام بالطعام َنساء‪ ،‬ومن أجازه لم ير ذلك فيه اعتبارا بترك القصد إلى ذلك‪ .‬ومببن‬
‫ذلك اختلفهم فيمن اشترى طعاما بثمن إلى أجل معلوم‪ ،‬فلما حل الجل لم يكببن عنببد‬
‫البائع طعام يدفعه إليه‪ ،‬فاشترى من المشتري طعاما بثمببن يببدفعه إليببه مكببان طعببامه‬
‫الذي وجب له فأجاز ذلك الشافعي وقبال‪ :‬ل فبرق بيبن أن يشبتري الطعبام مببن غيببر‬
‫المشتري الذي وجب له عليه أو من المشتري نفسه؛ ومنع مببن ذلببك مالببك ورآه مببن‬
‫الذريعة إلى بيع الطعام قبل أن يستوفي‪ ،‬لنببه رد إليبه الطعببام البذي كبان ترتبب فببي‬
‫ذمته‪ ،‬فيكون قد باعه منه قبل أن يستوفيه‪ .‬وصورة الذريعة في ذلك أن يشتري رجل‬
‫من آخر طعاما إلى أجل معلوم‪ ،‬فإذا حل الجل قال الذي عليببه الطعببام‪ :‬ليببس عنببدي‬
‫طعام‪ ،‬ولكن أشتري منك الطعام الذي وجب لك علببي‪ ،‬فقببال هببذا ل يصببح لنببه بيببع‬
‫الطعام قبل أن يستوفي فيقول له‪ :‬فبع طعاما مني وأرده عليك‪ ،‬فيعرض مبن ذلببك مببا‬
‫ذكرناه‪ ،‬أعني أن يرد عليه ذلك الطعام الذي أخذ منه ويبقى الثمن المببدفوع إنمببا هببو‬
‫ثمن الطعام الذي هو في ذمته‪.‬‬
‫وأما الشافعي فل يعتبر التهم كما قلنا وإنما يراعي فيما يحببل ويحببرم مببن البببيوع مببا‬
‫اشترطا وذكراه بألسنتهما وظهر من فعلهما لجماع العلماء علببى أنببه إذا قببال أبيعببك‬
‫هذه الدراهم بدراهم مثلها وأنظرك بهببا حببول أو شببهرا أنببه ل يجببوز‪ ،‬ولببو قبال لببه‪:‬‬
‫أسلفني دراهم وأمهلني بها حول أو شهرا جاز‪ ،‬فليببس بينهمببا إل اختلف لفببظ البببيع‬
‫وقصده ولفظ القصد وقرضببه‪ ،‬ولمببا كببانت أصببول الربببا كمببا قلنببا خمسببة‪ :‬أنظرنببي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أزدك‪ ،‬والتفاضل‪ ،‬والنساء‪ ،‬وضع وتعجل‪ ،‬وبيع الطعام قبل قبضه‪ ،‬فإنه يظن أنه من‬
‫هذا الباب إذ فاعل ذلك يدفع دنانير ويأخذ أكثر منها من غير تكلف فعببل ول ضببمان‬
‫يتلق بذمته‪ ،‬فينبغي أن نببذكر ههنببا هببذين الصببلين‪ .‬أمببا‪ :‬ضببع وتعجببل فأجببازه ابببن‬
‫عباس من الصحابة وزفر من فقهاء المصببار‪ ،‬ومنعبه جماعببة منهبم اببن عمببر مببن‬
‫الصحابة ومالك وأبو حنيفة والثوري وجماعببة مببن فقهبباء المصببار‪ ،‬واختلببف قببول‬
‫الشافعي في ذلك‪ ،‬فأجاز مالك وجمهور من ينكر‪ :‬ضع وتعجل‪ ،‬أن يتعجل الرجل في‬
‫دينه المؤجل عرضا يأخذه وإن كانت قيمته أقل من دينه‪ .‬وعمدة مببن لببم يجببز‪ :‬ضببع‬
‫وتعجل أنه شبيه بالزيادة مع النظرة المجتمببع علببى تحريمهببا‪ ،‬ووجببه شبببهه بهببا أنببه‬
‫جعل للزمان مقدارا من الثمن بدل منه في الموضعين جميعببا‪ ،‬وذلببك أنببه هنالببك لمببا‬
‫زاد له في الزمان زاد له عرضه ثمنا‪ ،‬وهنا لما حط عنه الزمان حط عنه في مقابلته‬
‫ثمنا‪ .‬وعمدة من أجازه ما روي عن ابن عباس "أن النبي صلى ال ب عليببه وسببلم لمببا‬
‫أمر بإخراج بني النضير جاءه ناس منهم فقالوا‪ :‬يا نبي ال إنك أمرت بإخراجنا ولنببا‬
‫على الناس ديون لم تحل‪ ،‬فقال رسول ال صببلى الب عليببه وسببلم‪ :‬ضببعوا وتعجلببوا"‬
‫فسبب الخلف معارضة قياس الشبه لهذا الحديث‪.‬‬
‫وأما بيع الطعام قبل قبضه‪ ،‬فإن العلماء مجمعون علببى منببع ذلببك إل مببا يحكببى عببن‬
‫عثمان البتي‪ .‬وإنما أجمع العلماء على ذلك لثبوت النهي عنه عببن رسببول ال ب صببلى‬
‫ال عليه وسلم من حديث مالك عن نافع عن عبد ال بببن عمببر أن رسببول الب صببلى‬
‫ال عليه وسلم قال "من ابتاع طعاما فل يبعه حتى يقبضه"‪ .‬واختلف من هذه المسألة‬
‫فببي ثلثببة مواضببع أحببدها‪ :‬فيمببا يشببترط فيببه القبببض مببن المبيعببات‪ .‬والثبباني‪ :‬فببي‬
‫الستفادات التي يشترط في بيعها القبض من التي ل يشترط‪ .‬والثالث‪ :‬في الفرق بين‬
‫ما يباع من الطعام مكيل وجزافا‪ ،‬ففيه ثلثة فصول‪:‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول فيما يشترط فيه القبض من المبيعات‪.‬‬
‫@‪-‬وأما بيع ما سوى الطعام قبل القبض فل خلف في مذهب مالك في إجازته وأما‬
‫الطعام الربوي فل خلف في مذهبه أن القبض شرط في بيعه‪ .‬وأما غير الربوي من‬
‫الطعام فعنه في ذلك روايتان‪ :‬إحداهما المنع وهي الشهر‪ ،‬وبها قال أحمد وأبو ثور‪،‬‬
‫إل أنهما اشترطا مع الطعم الكيل والوزن‪ .‬والرواية الخرى الجواز‪ .‬وأما أبو حنيفببة‬
‫فالقبض عنده شرط في كل مبيع ما عدا المبيعات التي ل تنتقل ول تحول مببن الببدور‬
‫والعقار‪ .‬وأما الشافعي فإن القبض عنده شرط في كل مبيع‪ ،‬وبه قببال الثببوري‪ ،‬وهببو‬
‫مروي عن جابر بن عبد ال وابن عباس‪ .‬وقال أبو عبيد وإسحاق‪ :‬كل شيء ل يكببال‬
‫ول يوزن فل بأس ببيعه قبل قبضه‪ ،‬فاشترط هؤلء القبض فببي المكيببل والمببوزون‪،‬‬
‫وبه قال اببن حببيب وعببد العزيبز اببن أببي سبلمة وربيعبة‪ ،‬وزاد هبؤلء مبع الكيبل‬
‫والببوزن المعببدود‪ ،‬فيتحصببل فببي اشببتراط القبببض سبببعة أقببوال‪ :‬الول‪ :‬فببي الطعببام‬
‫الربوي فقط‪ .‬والثاني‪ :‬في الطعببام بببإطلق‪ .‬الثببالث‪ :‬فببي الطعببام المكيببل والمببوزون‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬في كل شيء ينقل‪ .‬الخامس‪ :‬في كل شيء‪ .‬السادس‪ :‬فببي المكيببل والمببوزون‪.‬‬
‫السابع‪ :‬في المكيل والموزون والمعدود‪ .‬أما عمدة مالك في منعه ما عدا المنصببوص‬
‫عليه فدليل الخطاب في الحديث المتقدم‪ .‬وأما عمدة الشافعي في تعميببم ذلببك فببي كببل‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بيع فعموم قوله عليه الصلة والسلم "ل يحل بيع وسلف ول ربح ما لببم يضببمن ول‬
‫بيع ما ليس عندك" وهذا من باب بيع ما لم يضمن‪ ،‬وهذا مبنببي علببى مببذهبه مببن أن‬
‫القبض شرط في دخول المبيع في ضمان المشتري‪ ،‬واحتج أيضببا بحببديث حكيببم بببن‬
‫حزام قال‪ :‬قلت "يا رسول ال إني اشتري بيوعا فما يحل لي منها وما يحببرم؟ فقببال‪:‬‬
‫يا ابن أخي إذا اشتريت بيعا فل تبعه حتى تقبضه" قال أبببو عمببر‪ :‬حببديث حكيببم مببن‬
‫حزام رواه يحيى بن أبي كثير عن يوسف بن ماهك أن عبد ال بن عصببمة حببدثه أن‬
‫حكيم ابن حزام قال‪ :‬ويوسف بن ماهك وعبد ال بن عصببمة ل أعببرف لهمببا جرحببة‬
‫إل أنه لم يرو عنهما إل رجل واحد فقط‪ ،‬وذلك في الحقيقة ليببس بجرحببة وإن كرهببه‬
‫جماعة من المحدثين‪ .‬ومن طريق المعنى أن بيع ما لم يقبض يتطرق منه إلى الربببا‪،‬‬
‫وإنما استثنى أبو حنيفة ما يحول وينقل عنده مما ل ينقل‪ ،‬لن ما ينقببل القبببض عنببده‬
‫فيه هي التخلية‪ .‬وأما من اعتبببر الكيببل والببوزن‪ ،‬فلتفبباقهم أن المكيببل والمببوزون ل‬
‫يخرج من ضمان البائع إلى ضمان المشتري إل بالكيل أو الوزن وقد نهببي عببن بيببع‬
‫ما لم يضمن‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني‪ .‬في الستفادات التي يشترط في بيعها القبض من التي ل يشترط‪.‬‬
‫@‪-‬وأما ما يعتبر ذلك فيه مما ل يعتبببر‪ ،‬فببإن العقببود تنقسببم أول إلببى قسببمين‪ :‬قسببم‬
‫يكبون بمعاوضبة‪ ،‬وقسبم يكبون بغيبر معاوضبة كالهببات والصبدقات‪ .‬والبذي يكبون‬
‫بمعاوضة ينقسم ثلثة أقسام‪ :‬أحدها يختص بقصببد المعاينببة والمكايسببة وهببي البببيوع‬
‫والجارات والمهور والصلح والمببال المضببمون بالتعببدي وغيببره‪ .‬والقسببم الثبباني ل‬
‫يختص بقصد المغابنة‪ ،‬وإنما يكون على جهببة الرفببق وهببو القببرض‪ .‬والقسببم الثببالث‬
‫فهو ما يصح أن يقع على الوجهين جميعببا‪ :‬أعنببي علببى قصببد المغابنببة وعلببى قصببد‬
‫الرفق‪ ،‬كالشركة والقالة والتولية وتحصيل أقوال العلمبباء فببي هببذه القسببام‪ .‬أمببا مببا‬
‫كان بيعا وبعوض فل خلف في اشتراط القبض فيه‪ ،‬وذلك في الشيء الببذي يشببترط‬
‫فيه القبض واحد واحد من العلماء‪ .‬وأما ما كبان خالصببا للرفبق‪ :‬أعنببي القبرض‪ ،‬فل‬
‫خلف أيضا أن القبض ليس شرطا في بيعه أعني أنه يجوز للرجل أن يبببيع القببرض‬
‫قبل أن يقبضه‪ .‬واستثنى أبو حنيفة ممببا يكببون بعببوض المهببر والخلببع‪ ،‬فقببال‪ :‬يجببوز‬
‫بيعهما قبل القبض‪ .‬وأما العقود التي تتردد بين قصببد الرفببق والمغابنببة وهببي التوليببة‬
‫والشركة والقالة‪ ،‬فإذا وقعت على وجه الرفق من غيببر أن تكببون القالببة أو التوليببة‬
‫بزيادة أو نقصان‪ ،‬فل خلف أعلمه في المببذهب أن ذلببك جببائز قبببل القبببض وبعببده‪،‬‬
‫وقال أبو حنيفة والشافعي‪ :‬ل تجوز الشركة ول التولية قبببل القبببض‪ ،‬وتجببوز القالببة‬
‫عندهما لنهببا قبببل القبببض فسببخ بيببع ل بيببع‪ .‬فعمببدة مببن اشببترط القبببض فببي جميببع‬
‫المعاوضات أنها في معنى البيع المنهي عنببه‪ ،‬وإنمببا اسببتثنى مالببك مببن ذلببك التوليببة‬
‫والقالة والشركة للثر والمعنى‪ .‬أما الثر فما رواه من مرسل سعيد بن المسببيب أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قال "من ابتاع طعاما فل يبعه حتى يسببتوفيه" إل مببا‬
‫كان من شركة أو تولية أو إقالة‪ .‬وأما من طريق المعنى فإن هذه إنما يراد بها الرفق‬
‫ل المغابنة إذا لم تدخلها زيادة أو نقصان‪ ،‬وإنما استثنى من ذلك أبببو حنيفببة الصببداق‬
‫والخلع والجعل‪ ،‬لن العوض في ذلك ليس بينا إذا لم يكن عينا‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫*‪*4‬الفصل الثالث‪ .‬في الفرق بين ما يباع من الطعام مكيل وجزافا‪.‬‬


‫@‪-‬وأما اشتراط القبض فيما بيع من الطعام جزافا‪ ،‬فببإن مالكببا رخببص فيببه وأجببازه‬
‫وبه قال الوزاعي‪ ،‬ولم يجببز ذلببك أبببو حنيفببة والشببافعي‪ .‬وحجتهمببا عمببوم الحببديث‬
‫المتضمن للنهي عن بيع الطعام قبل قبضه‪ ،‬لن الذريعة موجودة في الجببزاف وغيببر‬
‫الجزاف‪ .‬ومن الحجة لهما ما روي عن ابن عمر أنه قال "كنا في زمببان رسببول الب‬
‫صلى ال عليه وسلم نبتاع الطعام جزافا‪ ،‬فبعث إلينا مببن يأمرنببا بانتقبباله مببن المكببان‬
‫الذي ابتعناه فيه إلى مكان سواء قبل أن نبيعه‪ ،‬قال أبو عمر‪ :‬وإن كان مالببك لببم يببرو‬
‫عن نافع في هذا الحديث ذكر الجزاف‪ ،‬فقد روته جماعة وجوده عبيببد ال ب بببن عمببر‬
‫وغيره‪ ،‬وهو متقدم في حفظ حديث نافع‪ .‬وعمدة المالكية أن الجببزاف ليببس فيببه حببق‬
‫توفية‪ ،‬فهو عندهم من ضمان المشتري بنفس العقد‪ ،‬وهذا من باب تخصيص العمببوم‬
‫بالقياس المظنون العلة‪ ،‬وقد يدخل في هذا الباب إجماع العلماء على منع بيببع الرجببل‬
‫شيئا ل يملكه‪ ،‬وهو المسمى عينة عند من يرى نقله من باب الذريعة إلى الربا‪ .‬وأمببا‬
‫من رأى منعه من جهة أنه قد ل يمكنه نقلببه فهببو داخببل فببي بيببوع الغببرر؛ وصببورة‬
‫التذرع منه إلى الربا المنهي عنه أن يقول رجل لرجل‪ :‬أعطنببي عشببرة دنببانير علببى‬
‫أن أدفع لك إلى مدة كذا ضعفها‪ ،‬فيقول له‪ :‬هذا ل يصلح‪ ،‬ولكن أبيع منببك سببلعة كببذا‬
‫لسلعة يسميها ليست عنده بهذا العدد‪ ،‬ثم يعمد هو فيشببتري تلببك السببلعة فيقبضببها لببه‬
‫بعد أن كمل البيع بينهما‪ ،‬وتلك السببلعة قيمتهببا قريببب ممببا كببان سببأله أن يعطيببه مببن‬
‫الدراهم قرضا فيرد عليه ضعفها‪ ،‬وفي المبذهب فببي هببذا تفصببيل ليبس هببذا موضببع‬
‫ذكره‪ ،‬ول خلف في هذه الصورة التي ذكرنا أنها غير جائزة في المذهب‪ :‬أعني إذا‬
‫تقببارا علببى الثمببن الببذي يأخببذ بببه السببلعة قبببل شببرائها‪ .‬وأمببا الببدين بالببدين‪ ،‬فببأجمع‬
‫المسلمون على منعه‪ .‬واختلفوا في مسائل هل هي منه أم ليست منه؟ مثل ما كان ابن‬
‫القاسم ل يجيز أن يأخذ الرجل من غريمه في دين له عليه تمرا قببد بببدا صببلحه ول‬
‫سكنى دار ول جارية تتواضع‪ ،‬ويراه من باب الدين بالدين‪ .‬وكان أشهب يجيببز ذلببك‬
‫ويقول‪ :‬ليس هذا من باب الدين بالدين‪ ،‬وإنما الدين بالدين ما لم يشرع في أخذ شببيء‬
‫منه‪ ،‬وهو قياس عند كثير من المالكيين‪ ،‬وهو قول الشافعي وأبي حنيفة‪ .‬ومما أجببازه‬
‫مالك من هذا الباب وخالفه فيه جمهببور العلمبباء مببا قبباله فببي المدونببة مببن أن النبباس‬
‫كانوا يبيعون اللحم بسعر معلوم والثمببن إلببى العطبباء‪ ،‬فيأخببذ المبتبباع كببل يببوم وزنببا‬
‫معلوما قال‪ :‬ولم ير الناس بذلك بأسا‪ ،‬وكذلك كل ما يبتببع )‪ (1‬فببي السببواق‪ ،‬وروى‬
‫ابن القاسم أن ذلك ل يجوز إل فيما خشي عليه من الفساد من الفواكه إذا أخذ جميعه‪.‬‬
‫وأما القمح وشبهه فل‪ ،‬فهذه هي أصول هذا الببباب‪ ،‬وهببذا الببباب كلببه إنمببا حببرم فببي‬
‫الشرع لمكان الغبن الذي يكون طوعا وعن علم‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫)‪"] (1‬يبتع"‪ :‬الصل غير واضح‪ ،‬فليتنبه‪ .‬دار الحديث[‬
‫‪----------‬‬
‫*‪*3‬الباب الثالث‪] .‬في البيوع المنهي عنها من قبل الغبن الذي سببه الغرر[‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪-‬وهي البيوع المنهي عنها من قبل الغبببن الببذي سببببه الغببرر‪ ،‬والغببرر يوجبد فبي‬
‫المبيعات من جهة الجهل على أوجه‪ :‬إما من جهببة الجهببل بتعييببن المعقببود عليببه‪ ،‬أو‬
‫تعيين العقد‪ ،‬أو من جهة الجهل بوصف الثمن والمثمببون المبببيع‪ ،‬أو بقببدره أو بببأجله‬
‫إن كان هنالك أجل‪ ،‬وإما من جهة الجهل بوجوده أو تعذر القدرة عليببه‪ ،‬وهببذا راجببع‬
‫إلى تعذر التسليم‪ ،‬وإما من جهة الجهل بسلمته‪ :‬أعني بقاءه‪ ،‬وههنا بيوع تجمع أكثر‬
‫هذه أو بعضها‪ ،‬ومن البيوع التي توجد فيها هذه الضروب من الغببرر بيببوع منطببوق‬
‫بها وبيوع مسكوت عنها‪ ،‬والمنطوق به أكثره متفبق عليبه‪ ،‬وإنمبا يختلبف فبي شبرح‬
‫أسمائها‪ ،‬والمسكوت عنه مختلف فيه‪ .‬ونحن نذكر أول المنطوق به في الشببرع‪ ،‬ومببا‬
‫يتعلق به من الفقه‪ ،‬ثم نذكر بعد ذلك مببن المسببكوت عنببه مببا شببهر الخلف فيببه بيببن‬
‫فقهاء المصار ليكون كالقانون في نفس الفقه‪ :‬أعنبي فبي رد الفبروع إلبى الصبول‪.‬‬
‫فأما المنطوق به في الشرع فمنه "نهيه صلى ال عليه وسببلم عببن بيببع حبببل الحبلببة"‬
‫ومنها "نهيه عن بيه ما لم يخلق‪ ،‬وعن بيع الثمار حتى تزهببى‪ ،‬وعببن بيببع الملمسببة‬
‫والمنابذة‪ ،‬وعن بيع الحصاة" ومنها "نهيه عن المعاومة‪ ،‬وعن بيعتين في بيعة‪ ،‬وعن‬
‫بيع وشرط‪ ،‬وعن بيع وسلف‪ ،‬وعن بيببع السببنبل حببتى يبببيض والعنببب حببتى يسببود"‬
‫"ونهيه عن المضامين والملقيح"‪ .‬أما بيع الملمسة فكانت صورته فببي الجاهليببة أن‬
‫يلمس الرجل الثوب ول ينشره أو يبتبباعه ليل‪ ،‬ول يعلببم مببا فيببه‪ ،‬وهببذا مجمببع علببى‬
‫تحريمه‪ ،‬وسبب تحريمه الجهل بالصفة‪ .‬وأما بيع المنابذة فكان أن ينبذ كل واحد مببن‬
‫المتبايعين إلى صاحبه الثوب من غير أن يعين أن هذا بهذا‪ ،‬بل كببانوا يجعلببون ذلببك‬
‫راجعا إلى التفاق‪ .‬وأما بيع الحصاة‪ ،‬فكانت صورته عندهم أن يقببول المشببتري‪ :‬أي‬
‫ثوب وقعت عليه الحصاة التي أرمي بها فهو لي‪ ،‬وقيل أيضا إنهم كانوا يقولببون‪ :‬إذا‬
‫وقعت الحصاة من يدي فقد وجب البيع وهذا قمار‪.‬‬
‫وأما بيع حبل الحبلة ففيه تأويلن‪ :‬أحدهما أنها كببانت بيوعببا يؤجلونهببا إلببى أن تنتببج‬
‫الناقة ما في بطنها ثم ينتج ما في بطنها‪ ،‬والغرر من جهة الجل في هذا بيببن؛ وقيببل‬
‫إنمببا هببو بيببع جنيببن الناقببة‪ ،‬وهببذا مببن ببباب النهببي عببن بيببع المضببامين والملقيببح‪.‬‬
‫والمضامين‪ :‬هي ما في بطون الحوامل‪ ،‬والملقيح‪ :‬ما في ظهور الفحول‪ ،‬فهذه كلهببا‬
‫بيوع جاهلية متفق على تحريمها‪ ،‬وهي محرمة من تلك الوجه التي ذكرناهببا‪ .‬وأمببا‬
‫بيع الثمار‪ ،‬فإنه ثبببت عنببه عليببه الصببلة والسببلم "أنببه نهببى عببن بيعهببا حببتى يبببدو‬
‫صلحها وحتى تزهى" ويتعلق بذلك مسائل مشهورة نذكر منها نحن عيونهببا‪ .‬وذلببك‬
‫أن بيع الثمار ل يخلو أن تكون قبل أن تخلق أو بعد أن تخلق‪ ،‬ثببم إذا خلقببت ل يخلببو‬
‫أن تكون بعد الصرام أو قبلببه‪ ،‬ثببم إذا كببان قبببل الصببرام فل يخلببو أن تكببون قبببل أن‬
‫تزهى أو بعد أن تزهى‪ ،‬وكل واحد من هذين ل يخلو أن يكون بيعا مطلقببا أو بشببرط‬
‫التبقية أو بشرط القطع‪ .‬أما القسم الول وهو بيع الثمار قبل أن تخلق فجميببع العلمبباء‬
‫مطبقون على منع ذلك‪ ،‬لنه من باب النهببي عببن بيببع مببا لببم يخلببق‪ ،‬ومببن ببباب بيببع‬
‫السنين والمعاومة‪ .‬وقد روي عنه عليه الصلة والسببلم "أنببه نهببى عببن بيببع السببنين‬
‫وعن بيع المعاومة‪ ،‬وهي بيع الشجر أعوامببا" إل مببا روي عببن عمببر ابببن الخطبباب‬
‫وابن الزبير أنهما كانا يجيزان بيع الثمار سنين‪ .‬وأمببا بيعهببا بعببد الصببرام فل خلف‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫في جوازه‪ .‬وأما بيعها بعد أن خلقت فأكثر العلمبباء علببى جببواز ذلببك علببى التفصببيل‬
‫الذي نذكره‪ ،‬إل ما روي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن‪ ،‬وعن عكرمة أنببه ل يجببوز‬
‫إل بعد الصرام‪ ،‬فإذا قلنا بقول الجمهور إنه يجوز قبببل الصببرام‪ ،‬فل يخلببو أن تكببون‬
‫بعد أن تزهى أو قبل أن تزهى‪ ،‬وقد قلنا إن ذلك ل يخلو أن يكون بيعا مطلقا أو بيعببا‬
‫بشرط القطع أو بشرط التبقية‪ .‬فأمببا بيعهببا قبببل الزهببو بشببرط القطببع فل خلف فببي‬
‫جوازه إل ما روي عن الثوري وابن أبي ليلى من منببع ذلببك‪ ،‬وهببي روايببة ضببعيفة‪.‬‬
‫وأما بيعها قبل الزهو بشرط التبقية فل خلف في أنه ل يجببوز إل مببا ذكببره اللخمببي‬
‫من جوازه تخريجا على المذهب‪ .‬وأمببا بيعهببا قبببل الزهببو مطلقببا‪ ،‬فبباختلف فببي ذلببك‬
‫فقهاء المصببار‪ ،‬فجمهببورهم علببى أنببه ل يجببوز‪ :‬مالببك والشببافعي وأحمببد وإسببحاق‬
‫والليث والثوري وغيرهم‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬يجوز ذلببك إل أنببه يلببزم المشببتري عنببده‬
‫فيه القطع ل من جهة ما هو بيع ما لم يره بل من جهة أن ذلببك شببرط عنببده فبي بيبع‬
‫الثمر على ما سيأتي بعد‪.‬‬
‫أما دليل الجمهور على منع بيعها مطلقا قبل الزهو‪ ،‬فالحبديث الثبابت عبن اببن عمبر‬
‫"أن رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى عن بيع الثمببار حببتى يبببدو صببلحها‪ ،‬نهببى‬
‫البائع والمشتري" فعلم أن ما بعد الغاية بخلف ما قبل الغاية‪ ،‬وأن هذا النهي يتنبباول‬
‫البيع المطلق بشرط التبقية‪ ،‬ولما ظهر للجمهور أن المعنى في هذا خوف مببا يصببيب‬
‫الثمار الجائحة غالبا قبل أن تزهى لقوله عليه الصببلة والسببلم فبي حبديث أنببس بببن‬
‫مالك بعد نهيه عن بيع الثمرة قبل الزهو "أرأيت إن منع ال الثمبرة فببم يأخبذ أحبدكم‬
‫مال أخيه؟" لم يحمل العلماء النهي في هذا على الطلق‪ :‬أعني النهي عن البيع قبببل‬
‫الزهاء بل رأى أن معنى النهي هو بيعه بشرط التبقية إلى الزهباء‪ ،‬فأجبازوا بيعهبا‬
‫قبل الزهاء بشرط القطع‪ .‬واختلفوا إذا ورد البيع مطلقببا فببي هببذه الحببال هببل يحمببل‬
‫على القطع وهو الجائز‪ ،‬أو على التبقية الممنوعة؟ فمن حمل الطلق علببى التبقيببة‪،‬‬
‫أو رأى أن النهي يتناوله بعمومه قال‪ :‬ل يجوز؛ ومن حمله على القطع قببال‪ :‬يجببوز‪،‬‬
‫والمشهور عن مالك أن الطلق محمول على التبقية‪ ،‬وقد قيل عنه إنه محمول علببى‬
‫القطع‪ .‬وأما الكوفيون فحجتهم في بيع الثمار مطلقا قبببل أن تزهببى حببديث ابببن عمببر‬
‫الثابت أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال "من باع نخل قد أبرت فثمرتها للبببائع‬
‫إل أن يشببترطها المبتبباع" قببالوا‪ :‬فلمببا جبباز أن يشببترطه المبتبباع جبباز بيعببه مفببردا‪،‬‬
‫وحملوا الحديث الوارد بالنهي عن بيع الثمار قبببل أن تزهببى علببى النببدب‪ ،‬واحتجببوا‬
‫لذلك بما روي عن زيد بن ثابت قال‪" :‬كان الناس في عهد رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم يتبايعون الثمار قبل أن يبدو صلحها‪ ،‬فببإذا جببد النبباس وحضببر تقاضببيهم قببال‬
‫المبتاع‪ :‬أصاب الثمر الزمان أصابه ما أضر به قشببام ومببراض لعاهببات يببذكرونها‪،‬‬
‫فلما كثرت خصومتهم عند النبي قال كالمشورة يشير بها عليهم‪ :‬ل تبيعوا الثمر حتى‬
‫يبدو صلحها" وربما قالوا‪ :‬إن المعنى الذي دل عليه الحديث فببي قببوله "حببتى يبببدو‬
‫صلحه" هو ظهور الثمرة بببدليل قببوله عليببه الصببلة والسببلم "أرأيببت إن منببع الب‬
‫الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه؟"‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وقد كان يجب على من قال من الكوفيين بهذا القول ولم يكن يرى رأي أبو حنيفة في‬
‫أن من ضرورة بيع الثمار القطع أن يجيز بيع الثمر قبببل بببدو صببلحها علببى شببرط‬
‫التبقية‪ ،‬فالجمهور يحملون جواز بيع الثمار بالشرط قبببل الزهبباء علببى الخصببوص‪:‬‬
‫أعني إذا بيع الثمر مع الصل‪ .‬وأما شراء الثمببر مطلقببا بعببد الزهببو فل خلف فيببه‪،‬‬
‫والطلق فيه عند جمهور فقهاء المصار يقتضي التبقية‪ ،‬بببدليل قببوله عليبه الصبلة‬
‫والسلم "أرأيت إن منع ال الثمرة" الحديث‪ .‬ووجه الدليل منه أن الجوائح إنما تطببرأ‬
‫في الكثر على الثمار قبل بدو الصلح‪ ،‬وأما بعد بببدو الصببلح فل تظهببر إل قليل‪،‬‬
‫ولو لم يجب في المبيع بشرط التبقية لم يكن هنالك جائحة تتوقبع‪ ،‬وكبان هبذا الشبرط‬
‫باطل‪ .‬وأما الحنفية فل يجوز عندهم بيع الثمر بشرط التبقية‪ ،‬والطلق عنببدهم كمببا‬
‫قلنا محمول على القطع‪ ،‬وهو خلف مفهوم الحبديث‪ ،‬وحجتهبم أن نفبس بيبع الشبيء‬
‫يقتضي تسليمه وإل لحقه الغرر‪ ،‬ولذلك لم يجز أن تباع العيان إلى أجل‪ .‬والجمهور‬
‫على أن بيع الثمار مستثنى من بيع العيان إلى أجل لكون الثمر ليس يمكن أن ييبس‬
‫كله دفعة‪ ،‬فالكوفيون خالفوا الجمهور في بيع الثمار في موضعين‪ :‬أحدهما في جببواز‬
‫بيعها قبل أن تزهى‪.‬‬
‫والثاني في منع تبقيتها بالشرط بعد الزهاء أو بمطلق العقد‪ ،‬وخلفهببم فببي الموضببع‬
‫الول أقوى من خلفهم في الموضع الثاني‪ :‬أعني في شرط القطع وإن أزهى‪ ،‬وإنمببا‬
‫كان خلفهم في الموضع الول أقرب‪ ،‬لنه مببن ببباب الجمببع بيببن حببديثي ابببن عمببر‬
‫المتقدمين‪ ،‬لن ذلك أيضببا مببروي عببن عمببر بببن الخطبباب وابببن الزبيببر‪ ،‬وأمببا بببدو‬
‫الصلح الذي جوز رسول ال صلى ال عليه وسلم البببيع بعببده‪ ،‬فهببو أن يصببفر فيببه‬
‫البسر ويسببود فيببه العنببب إن كبان ممبا يسببود‪ ،‬وبالجملببة أن تظهببر فبي الثمبر صببفة‬
‫الطيب‪ ،‬هذا هو قول جماعة فقهاء المصار لما رواه مالك عن حميد عببن أنببس "أنببه‬
‫صلى ال عليه وسلم سئل عن قوله حتى يزهى‪ ،‬فقال‪ :‬حتى يحمر" وروي عنه عليببه‬
‫الصلة والسلم "أنه نهى عن بيع العنب حتى يسود‪ ،‬والحب حتى يشببتد" وكببان زيببد‬
‫بن ثابت في رواية مالك عنه ل يبيع ثماره حبتى تطلبع الثريببا‪ ،‬وذلببك لثنبتي عشببرة‬
‫ليلة خلت من أيار وهو مايو‪ ،‬وهو قول ابن عمر أيضا "سببئل عببن قببول رسببول الب‬
‫صلى ال عليه وسلم إنه نهى عن بيع الثمار حتى تنجو من العاهببات‪ ،‬فقببال عبببد الب‬
‫بن عمر‪ :‬ذلك وقت طلوع الثريا" وروي عن أبي هريرة عن النبببي صببلى الب عليببه‬
‫وسلم قال "إذا طلع النجم صباحا رفعت العاهات عببن أهببل البلببد" وروى ابببن القاسببم‬
‫عن مالك أنه ل بأس أن يباع الحائط وإن لم يزه إذا أزهى ما حوله مببن الحيطببان إذا‬
‫كان الزمان قد أمنت فيه العاهة‪ ،‬يريد }وال أعلم{ طلوع الثريا‪ ،‬إل أن المشهور عنه‬
‫أنه ل يباع حائط حتى يبدو فيببه الزهببو‪ ،‬وقببد قيببل إنببه ل يعتبببر مببع الزهبباء طلببوع‬
‫الثريا‪ .‬فالمحصببل فببي بببدو الصبلح للعلمبباء ثلثبة أقبوال‪ :‬قبول إنببه الزهباء‪ ،‬وهبو‬
‫المشهور‪ ،‬وقول إنه طلوع الثريبا‪ ،‬وإن لبم يكبن فبي الحبائط فبي حيبن الببيع إزهباء؛‬
‫وقول‪ :‬المران جميعا‪ .‬وعلى المشهور من اعتبار الزهبباء يقببول مالببك إنببه إذا كببان‬
‫في الحائط الواحد بعينه أجناس من الثمر مختلفة الطيب لبم يببع كبل صبنف منهببا إل‬
‫بظهور الطيب فيه‪ ،‬وخالفه في ذلك الليث‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأما النواع المتقاربة الطيب فيجوز عنده بيع بعضها بطيب البعض‪ ،‬وبدو الصببلح‬
‫المعتبر عن مالك في الصنف الواحد من الثمر هو وجود الزهاء فببي بعضببه ل فببي‬
‫كله إذا لك يكن ذلك الزهاء مبكرا في بعضه تبكيرا يتراخى عنه البعض بل إذا كان‬
‫متتابعا‪ ،‬لن الوقت الذي تنجو الثمرة فيه في الغالب من العاهات هببو إذا بببدا الطيببب‬
‫في الثمرة ابتداء متناسقا غير منقطع‪ .‬وعند مالك أنه إذا بدا الطيببب فببي نخلببة بسببتان‬
‫جاز بيعه وبيع البساتين المجاورة له إذا كان نخببل البسبباتين مببن جنببس واحببد‪ .‬وقببال‬
‫الشافعي‪ :‬ل يجوز إل بيع نخل البستان الذي يظهببر فيببه الطيببب فقببط‪ .‬ومالببك اعتبببر‬
‫الوقت الذي تؤمن فيه العاهة إذا كان الوقت واحببدا للنببوع الواحببد‪ .‬والشببافعي اعتبببر‬
‫نقصان خلقة الثمر‪ ،‬وذلك أنه إذا لم يطب كان من بيع ما لم يخلق‪ ،‬وذلببك أمببن صببفة‬
‫الطيب فيه وهي مشتراة لم تخلق بعد‪ ،‬لكن هذا كما قال ل يشترط في كل الثمببرة بببل‬
‫في بعض ثمرة جنة واحدة‪ ،‬وهذا لم يقل به أحد‪ ،‬فهذا هو مشهور ما اختلفوا فيه مببن‬
‫بيع الثمار‪.‬‬
‫ومن المسموع الذي اختلفوا فيه من هذا الباب ما جاء عنه عليه الصلة والسببلم مببن‬
‫النهي عن بيع السنبل حتى يبيض والعنب حتى يسود‪ ،‬وذلببك أن العلمبباء اتفقببوا علببى‬
‫أنه ل يجوز بيع الحنطببة فببي سببنبلها دون السببنبل‪ ،‬لنببه بيببع مببا لببم تعلببم صببفته ول‬
‫كثرته‪ .‬واختلفوا في بيع السنبل نفسه مع الحبب‪ ،‬فجبوز ذلبك جمهبور العلمباء‪ :‬مالبك‬
‫وأبو حنيفة وأهل المدينة وأهل الكوفة؛ وقال الشافعي‪ :‬ل يجوز بيع السنبل نفسه وإن‬
‫اشتد‪ ،‬لنبه مبن بباب الغبرر وقياسبا علبى بيعبه مخلوطبا بتبنبه بعبد البدرس‪ .‬وحجبة‬
‫الجمهور شيئان‪ :‬الثر والقيبباس‪ :‬فأمببا الثببر فمببا روي عببن نببافع عببن ابببن عمببر أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى عن بيع النخيل حتى تزهى‪ ،‬وعن السببنبل حببتى‬
‫تيبض وتأمن العاهة‪ ،‬نهي البائع والمشتري" وهي زيادة على ما رواه مالك مببن هببذا‬
‫الحديث‪ ،‬والزيادة إذا كانت من الثقة مقبولة وروي عن الشافعي أنه لما وصببلته هببذه‬
‫الزيادة رجع عن قوله‪ ،‬وذلك أنه ل يصح عنده قياس مببع وجببود الحببديث‪ .‬وأمببا بيببع‬
‫السنبل إذا أفرك ولم يشتد فل يجوز عند مالك إل على القطع‪ .‬وأما بيببع السببنبل غيببر‬
‫محصود‪ ،‬فقيل عن مالك يجوز‪ ،‬وقيل ل يجوز‪ ،‬إل إذا كان في حزمه‪ .‬وأما بيعه في‬
‫تبنه بعد الدرس فل يجوز بل خلف فيما أحسب‪ ،‬هذا إذا كببان جزافببا‪ ،‬فأمببا إذا كببان‬
‫مكيل فجائز عند مالك‪ ،‬ول أعرف فيه قول لغيره واختلف الذين أجازوا بيببع السببنبل‬
‫إذا طاب على من يكون حصاده ودرسه؛ فقال الكوفيون‪ :‬على البائع حتى يعمله حبببا‬
‫للمشتري؛ وقال غيرهم‪ :‬هو على المشتري‪.‬‬
‫ومن هذا الباب ما ثبت "أن رسول ال صببلى الب عليببه وسببلم نهببى عببن بيعببتين فببي‬
‫بيعة" وذلك من حديث ابن عمر وحديث ابن مسببعود وأبببي هريببرة‪ ،‬قببال أبببو عمببر‪:‬‬
‫وكلهببا مببن نفببل العببدول‪ ،‬فبباتفق الفقهبباء علببى القببول بمببوجب هببذا الحببديث عمومببا؛‬
‫واختلفوا في التفصيل‪ ،‬أعني في الصورة التي ينطلق عليها السم من التي ل ينطلببق‬
‫عليها واتفقوا أيضا على بعضها‪ ،‬وذلبك يتصببور علبى ثلثببة وجببوه‪ :‬أحببدها إمبا فبي‬
‫مثمونين بثمنين‪ ،‬أو مثمون واحد بثمنين‪ ،‬أو مثمونين بثمن واحد على أن أحد البيعين‬
‫قد لزم‪ .‬أما في مثمونين بثمنين‪ ،‬فإن ذلك يتصور على وجهين‪ :‬أحدهما أن يقببول لببه‪:‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أبيعك هذه السلعة بثمن كذا على أن تبيعني هذه الدار بثمن كذا؛ والثاني أن يقول لببه‪:‬‬
‫أبيعك هذه السلعة بدينار أو هذه الخرى بببدينارين‪ .‬وأمببا بيببع مثمببون واحببد بثمنيببن‪،‬‬
‫فإن ذلك يتصبور أيضبا علبى وجهيبن‪ :‬أحبدهما أن يكبون أحبد الثمنيبن نقبدا والخبر‬
‫نسيئة‪ ،‬مثل أن يقول له‪ :‬أبيعك هذا الثوب نقدا بثمببن كببذا علببى أن أشببتريه منببك إلببى‬
‫أجل كذا بثمن كذا‪ ،‬وأما مثمونان بثمن واحببد‪ ،‬فمثبل أن يقبول لبه‪ :‬أبيعببك أحبد هبذين‬
‫بثمن كذا‪ ،‬فأما الوجه الول‪ ،‬وهو أن يقول له‪ :‬أبيعك هذه الدار بكذا علببى أن تبببيعني‬
‫هببذا الغلم بكببذا‪ ،‬فنببص الشببافعي علببى أنببه ل يجببوز‪ ،‬لن الثمببن فببي كليهمببا يكببون‬
‫مجهول‪ ،‬لنه لو أفرد المبيعين لم يتفقا في كل واحد منهما على الثمن الذي اتفقا عليه‬
‫في المبيعين في عقد واحد‪.‬‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫@)تابع‪- :(1 ...‬وهي البيوع المنهي عنها من قبل الغبن الذي سببه الغرر‪ ،‬والغببرر‬
‫يوجد في‪... ...‬‬
‫وأصل الشافعي في رد بيعتين في بيعة إنما هو جهل الثمن أو المثمببون‪ .‬وأمببا الببوجه‬
‫الثاني‪ ،‬وهو أن يقول‪ :‬أبيعك هذه السببلعة بببدينار أو هببذه الخببرى بببدينارين علببى أن‬
‫البيع قد لزم في أحدهما فل يجوز عند الجميع‪ ،‬وسببواء كببان النقببد واحببدا أو مختلفببا؛‬
‫وخالف عبد العزيز بن أبي سلمة في ذلببك‪ ،‬فأجببازه إذا كببان النقببد زاحببدا أو مختلفببا‪،‬‬
‫وعلة منعه عند الجميع الجهل؛ وعند مالك من باب سد الذرائع لنه ممكن أن يختببار‬
‫في نفسه أحد الثوبين‪ ،‬فيكون قد باع ثوبا ودينارا بثوب ودينار‪ ،‬وذلك ل يجبوز علبى‬
‫أصل مالك‪ .‬وأما الوجه الثالث‪ ،‬وهو أن يقول له‪ :‬أبيعك هذا الثوب نقدا بكذا أو نسيئة‬
‫بكذا‪ ،‬فهذا إذا كان البيع فيه واجبا فل خلف في أنه ل يجوز‪ ،‬وأما إذا لببم يكببن البببيع‬
‫لزما في إحدهما فأجازه مالك‪ ،‬ومنعه أبو حنيفة والشافعي‪ ،‬لنهما افترقبا علبى ثمبن‬
‫غير معلوم؛ وجعله مالك من باب الخيار‪ ،‬لنه إذا كان عنده على الخيار لببم يتصببور‬
‫فيه ندم يوجب تحويل أحد الثمنين في الخر‪ ،‬وهذا عند مالك هو المانع‪ ،‬فعلة امتنبباع‬
‫هذا الوجه الثالث عند الشافعي وأبي حنيفة من جهببة جهببل الثمببن‪ ،‬فهببو عنببدهما مببن‬
‫بيوع الغرر التي نهي عنهببا؛ وعلببة امتنبباعه عنببد مالببك سببد الذريعببة الموجبببة للربببا‬
‫لمكان أن يكون الذي له الخيار قد اختبار أول إنقبباذ العقببد بأحببد الثمنيبن المؤجبل أو‬
‫المعجل ثم بدا له ولم يظهر ذلك‪ ،‬فيكون قد ترك أحد الثمنين للثمن الثاني‪ ،‬فكأنه ببباع‬
‫أحد الثمنين بالثاني‪ ،‬فيدخله ثمن بثمن نسيئة‪ ،‬أو نسيئة ومتفاضل‪ ،‬وهذا كلببه إذا كببان‬
‫الثمن نقدا‪ ،‬وإن كان الثمن غير نقببد بببل طعامببا دخلببه وجببه آخببر‪ ،‬وهببو بيببع الطعببام‬
‫بالطعام متفاضل‪ .‬وأما إذا قال‪ :‬أشتري منك هذا الثوب نقدا بكذا على أن تبببيعه منببي‬
‫إلى أجل‪ ،‬فهو عندهم ل يجوز بإجماع‪ ،‬لنه من باب العينة وهو بيع الرجل مببا ليببس‬
‫عنده‪ ،‬ويدخله أيضا علة جهل الثمن‪ .‬وأما إذا قال له‪ :‬أبيعك أحدهذين الثببوبين بببدينار‬
‫وقد لزمه أحدهما أيهما اختار وافترقا قبل الخيار‪ ،‬فإن كان الثوبان من صنفين وهمببا‬
‫مما يجوز أن يسلم أحدهما في الثاني فإنه ل خلف بيببن مالببك والشببافعي فببي أنببه ل‬
‫يجوز؛ وقال عبد العزيز بن أبي سلمة‪ :‬إنه يجوز‪ ،‬وعلة المنع الجهببل والغببرر‪ .‬وأمببا‬
‫إن كانا من صنف واحد فيجوز عند مالك‪ ،‬ول يجوز عند أبي حنيفة والشافعي؛‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأما مالك فإنه أجازه لنه يجيز الخيار بعد عقببد البببيع فببي الصببناف المسببتوية لقلببة‬
‫الغرر عنده في ذلك؛ وأما من ل يجيزه فتعتبره بالغرر الذي ل يجوز‪ ،‬لنهما افترقببا‬
‫على بيع غير معلوم‪ .‬وبالجملة فالفقهاء متفقون على أن الغرر الكثير في المبيعات ل‬
‫يجوز‪ ،‬وأن القليل يجوز‪ .‬ويختلفببون فببي أشببياء مببن أنببواع الغببرر‪ ،‬فبعضببهم بلحقهببا‬
‫بالغرر الكثير‪ ،‬وبعضهم يلحقها بالغرر القليل المباح لترددها بين القليل والكثير؛ فإذا‬
‫قلنا بالجواز على مذهب مالك‪ ،‬فقبببض الثببوبين مببن المشببتري علببى أن يختببار فهلببك‬
‫أحدهما أو أصابه عيببب فمببن يصببيبه ذلببك؟ فقيببل تكببون المصببيبة بينهمببا‪ ،‬وقيببل بببل‬
‫يضمنه كله المشتري‪ ،‬إل أن تقوم البينة على هلكه؛ وقيل فرق في ذلك بيببن الثيبباب‬
‫وما يغاب عليه وبين ما ل يغاب عليه كالعبببد فيضببمن فيمببا يغبباب عليببه ول يضببمن‬
‫فيما ل يغاب عليه‪ .‬وأما هل يلزمه أخذ الباقي؟ قيل يلزم‪ ،‬وقيل ل يلببزم‪ ،‬وهببذا يببذكر‬
‫في أحكام البيوع‪ .‬وينبغي أن نعلم أن المسائل الداخلة في هذا المعنببى هببي‪ :‬أمببا عنببد‬
‫فقهاء المصار فمن باب الغرر؛ وأما عند مالك فمنها ما يكون عنده مببن ببباب ذرائع‬
‫الربا‪ ،‬ومنها ما يكون من باب الغرر‪ ،‬فهذه هي المسائل التي تتعلق بالمنطوق به فببي‬
‫هذا الباب‪ .‬وأما نهيه عببن بيببع الثنيببا وعببن بيببع وشببرط فهببو وإن كببان سببببه الغببرر‬
‫فالشبه أن نذكرها في المبيعات الفاسدة من قبل الشروط‪.‬‬
‫@‪)-‬فصل( وأما المسائل المسكوت عنهبا فبي هبذا البباب المختلبف فيهبا بيبن فقهباء‬
‫المصار فكثيرة‪ ،‬لكن نذكر منها أشهرها لتكون كالقانون للمجتهد النظار‪.‬‬
‫@‪)-‬مسألة( المبيعات على نوعين‪ :‬مبببيع حاضببر مببرئي‪ ،‬فهببذا ل خلف فببي بيعببه‪.‬‬
‫ومبيع غائب أو متعذر الرؤية‪ ،‬فهنا اختلف العلماء؛ فقال قببوم‪ :‬بيببع الغببائب ل يجببوز‬
‫بحال من الحوال ل ما وصف ول ما لم يوصف‪ ،‬وهذا أشببهر قببولي الشببافعي وهببو‬
‫المنصوص عند أصحابه‪ ،‬أعني أن بيبع الغبائب علبى الصبفة ل يجبوز؛ وقبال مالبك‬
‫وأكثر أهل المدينة‪ :‬يجوز بيع الغائب على الصفة إذا كانت غيبته مما يؤمن أن تتغير‬
‫فيه قبل القبض صفته؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬يجوز بيع العين الغائبة من غير صفة‪ ،‬ثم لببه‬
‫إذا رآها الخيار‪ ،‬فإن شاء أنفذ البببيع وإن شبباء رده‪ .‬وكببذلك المبببيع علببى الصببفة مببن‬
‫شرطه عندهم خيببار الرؤيببة وإن جباء علببى الصبفة؛ وعنببد مالبك أنبه إذا جباء علببى‬
‫الصفة فهو لزم؛ وعند الشافعي ل ينعقد البيع أصببل فببي الموضببعين؛ وقببد قيببل فببي‬
‫المذهب‪ :‬يجوز بيع الغائب من غير صفة على شرط الخيار خيار الرؤية‪ ،‬وقببع ذلببك‬
‫في المدونة‪ ،‬وأنكره عبد الوهاب وقببال‪ :‬هببو مخببالف لصببولنا‪ .‬وسبببب الخلف هببل‬
‫نقصان العلم المتعلق بالصفة عن العلم المتعلق بالحس هو جهل مؤثر في بيع الشيء‬
‫فيكون من الغرر الكثير‪ ،‬أم ليس بمؤثر وأنه من الغرر اليسير المعفو عنه؟ فالشافعي‬
‫رآه من الغرر الكثير؛ ومالك رآه من الغرر اليسير؛ وأما أبو حنيفة فإنه رأى أنببه إذا‬
‫كان له خيار الرؤية أنه ل غرر هناك وإن لببم تكببن لببه رؤيببة؛ وأمببا مالببك فببرأى أن‬
‫الجهل المقترن بعدم الصفة مؤثر في انعقبباد البببيع‪ ،‬ول خلف عنببد مالببك أن الصببفة‬
‫إنما تنوب عن المعاينة لمكببان غيبببة المبببيع أو لمكببان المشببقة الببتي فببي نشببره‪ ،‬ومببا‬
‫يخاف أن يلحقه من الفساد بتكرار النشر عليه‪ ،‬ولهذا أجاز البيع على البرنامببج علببى‬
‫الصفة‪ ،‬ولم يجز بيع السلح في جرابه‪ ،‬ول الثوب المطوي في طيببه حببتى ينشببر أو‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ينظر إلى ما في جرابها‪ .‬واحتج أبو حنيفة بما روي عببن ابببن المسببيب أنببه قببال قببال‬
‫أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬وددنا أن عثمببان بببن عفببان وعبببد الرحمببن ابببن‬
‫عوف تبايعا حتى نعلم أيهما أعظم جدا في التجارة‪ ،‬فاشترى عبد الرحمن من عثمبان‬
‫بن عفان فرسا بأرض له أخرى بأربعين ألفا أو أربعة ألف‪ ،‬فذكر تمام الخبر‪ ،‬وفيببه‬
‫بيع الغائب مطلقا‪ ،‬ول بد عند أبببي حنيفببة مببن اشببتراط الجنببس‪ ،‬ويببدخل البببيع علببى‬
‫الصفة أو على خيار الرؤية من جهة ما هو غائب غرر آخر‪ ،‬وهو هببل هببو موجببود‬
‫وقت العقد أو معدوم؟ ولذلك اشترطوا فيه أن يكون قريب الغيبة إل أن يكون مأمونببا‬
‫كالعقار‪ ،‬ومن ههنا أجاز مالك بيع الشيء برؤية متقدمة‪ ،‬أعنببي إذا كببان مببن القببرب‬
‫بحيث يؤمن أن تتغير فيه فاعلمه‪.‬‬
‫@‪)-‬مسألة( وأجمعوا على أنببه ل يجببوز بيببع العيببان إلببى أجببل‪ ،‬وأن مببن شببرطها‬
‫تسليم المبيع إلى المبتاع بببأثر عقببد الصببفقة‪ ،‬إل أن مالكببا وربيعببة وطائفببة مببن أهببل‬
‫المدينة أجازوا بيع الجارية الرفيعة على شرط المواضعة‪ ،‬ولم يجيزوا فيها النقد كمببا‬
‫لم يجزه مالك في بيع الغائب‪ ،‬وإنما منع ذلك الجمهور لما يببدخله مببن الببدين بالببدين‪،‬‬
‫ومن عدم التسليم‪ ،‬ويشبه أن يكون بيع الدين بالدين من هذا الببباب‪ ،‬أعنببي لمببا يتعلببق‬
‫بالغرر من عدم التسليم من الطرفيببن ل مببن ببباب الربببا‪ ،‬وقبد تكلمنببا فبي علبة البدين‬
‫بالدين‪ ،‬ومن هذا الباب ما كان يببرى ابببن القاسببم أنببه ل يجببوز أن يأخببذ الرجببل مببن‬
‫غريمه في دين له عليه تمبرا قبد ببدا صبلحه ويبراه مبن بباب البدين بالبدين‪ ،‬وكبان‬
‫أشهب يجيز ذلك ويقول‪ :‬إنما الدين بالدين ما لم يشرع في قبض شيء منه‪ ،‬أعني أنه‬
‫كان يرى أن قبض الوائل من الثمان يقوم مقام قببض الواخبر‪ ،‬وهبو القيباس عنبد‬
‫كثير من المالكيين‪ ،‬وهو قول الشافعي وأبي حنيفة‪.‬‬
‫@‪)-‬مسألة( أجمع فقهاء المصببار علببى بيببع التمببر الببذي يثمببر بطنببا واحببدا يطيببب‬
‫بعضه وإن لم تطب جملته معا؛ واختلفوا فيما يثمر بطونا مختلفبة؛ وتحصببيل مبذهب‬
‫مالك في ذلك أن البطون المختلفة ل تخلو أن تتصل أو ل تتصل‪ ،‬فببإن لببم تتصببل لببم‬
‫يكن بيع ما لم يخلق منها داخل فيما خلق كشجر التين يوجد فيببه الببباكور والعصببير‪،‬‬
‫ثم إن اتصلت فل يخلو أن تتميبز البطببون أو ل تتميببز‪ ،‬فمثببال المتميببز جبز القصبيل‬
‫الذي يجز مدة بعد مدة‪ .‬ومثال غير المتميببز المباطببخ والمقبباثئ والباذنجببان والقببرع‪،‬‬
‫ففي الذي يتميز عنه وينفصل روايتان‪ :‬إحداهما الجواز والخرى المنببع‪ .‬وفببي الببذي‬
‫يتصل ول يتميز قول واحد وهو الجواز‪ ،‬وخالفه الكوفيون وأحمد وإسحاق والشافعي‬
‫في هذا كله‪ ،‬فقالوا‪ :‬ل يجوز بيع بطن منها بشببرط بطببن آخببر‪ .‬وحجببة مالببك فيمبا ل‬
‫يتميز أنه ل يمكن حبس أوله على آخره‪ ،‬فجاز أن يباع ما لم يخلق منها مع مببا خلببق‬
‫وبدا صلحه‪ ،‬أصله جواز بيع ما لم يطب مبن الثمببر مبع مبا طبباب‪ ،‬لن الغبرر فبي‬
‫الصفة شبهه بالغرر في عين الشيء‪ ،‬وكأنه رأى أن الرخصببة ههنببا يجببب أن تقبباس‬
‫على الرخصة في بيع الثمار‪ ،‬أعني ما طبباب مببع مببا لببم يطببب لموضببع الضببرورة‪،‬‬
‫والصل عنده أن من الغرر ما يجوز لموضببع الضببرورة‪ ،‬ولببذلك منببع علببى إحببدى‬
‫الروايتين عنده بيببع القصببيل بطنببا أكببثر مببن واحببد لنببه ل ضببرورة هنبباك إذا كببان‬
‫متميزا‪ .‬وأما وجه الجواز في القصيل فتشبيها له بما ل يتميز وهو ضعيف‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأما الجمهور فإن هذا كله عندهم من بيبع مبا لبم يخلبق‪ ،‬ومبن بباب النهبي عبن بيبع‬
‫الثمار معاومة‪ .‬واللفت والجزر والكرنب جائز عند مالك بيعه إذا بببدا صببلحه وهببو‬
‫استحقاقه للكل‪ ،‬ولم يجزه الشافعي إل مقلوعا‪ ،‬لنه من باب بيع المغيب؛ ومببن هببذا‬
‫الباب بيع الجوز واللوز والباقل في قشره‪ ،‬أجازه مالك‪ ،‬ومنعه الشافعي‪ .‬والسبب في‬
‫اختلفهم هل هو من الغرر المؤثر في البيوع أم ليس من المؤثر؟ وذلببك أنهببم اتفقببوا‬
‫أن الغرر ينقسم بهببذين القسببمين‪ ،‬وأن غيببر المببؤثر هببو اليسببير أو الببذي تببدعو إليببه‬
‫الضرورة‪ ،‬أو ما جمع المرين‪ .‬ومن هببذا الببباب بيببع السببمك فببي الغببدير أو البركببة‬
‫اختلفوا فيه أيضا‪ ،‬فقال أبو حنيفة‪ :‬يجوز‪ ،‬ومنعه مالك والشافعي فيمببا أحسببب‪ ،‬وهببو‬
‫الذي تقتضي أصوله‪ .‬ومن ذلك بيع البق أجبازه قبوم ببإطلق‪ ،‬ومنعبه قبوم ببإطلق‬
‫ومنهببم الشببافعي؛ وقببال مالببك‪ :‬إذا كببان معلببوم الصببفة معلببوم الموضببع عنببد البببائع‬
‫والمشتري جاز‪ ،‬وأظنه اشترط أن يكون معلوم الباق ويتواضعان الثمن‪ ،‬أعنببي أنببه‬
‫ل يقبضه البائع حتى يقبضه المشتري‪ ،‬لنه يتردد عند العقد بيببن بيببع وسببلف‪ ،‬وهببذا‬
‫أصل من أصوله يمنع به النقد في بيببع المواضببعة وفببي بيببع الغببائب غيببر المببأمون‪،‬‬
‫وفيما كان من هذا الجنس‪ .‬وممن قال بجواز بيع البق والبعير الشارد عثمان البببتي‪.‬‬
‫والحجة للشافعي حديث شهر بببن حوشببب عببن أبببي سببعيد الخببدري "أن رسببول الب‬
‫صلى ال عليه وسلم نهى عن شراء العبد البق‪ ،‬وعن شببراء مببا فببي بطببون النعببام‬
‫حتى تضع‪ ،‬وعن شراء ما في ضببروعها‪ ،‬وعببن شببراء الغنببائم حببتى تقسببم" وأجبباز‬
‫مالك بيع لبن الغنم أياما معدودة إذا كان ما يحلب منها معروفا في العببادة‪ ،‬ولببم يجببز‬
‫ذلك في الشاة الواحدة؛ وقال سائر الفقهاء‪ :‬ل يجوز ذلك إل بكيل معلوم بعببد الحلببب‪.‬‬
‫ومن هذا الباب منع مالك بيع اللحم في جلده‪ .‬ومببن هببذا الببباب بيببع المريببض أجببازه‬
‫مالك إل أن يكون ميئوسا منه؛ ومنعه الشافعي وأبو حنيفة‪ ،‬وهي رواية أخرى عنببه‪،‬‬
‫ومن هذا الباب بيع تراب المعدن والصواغين‪ ،‬فأجاز مالببك بيببع تببراب المعببدن بنقببد‬
‫يخالفه أو بعرض‪ ،‬ولم يجز بيع تببراب الصبباغة؛ ومنببع الشببافعي البببيع فببي المريببن‬
‫جميعا؛ وأجازه قوم في المرين جميعا‪ ،‬وبه قال الحسن البصري‪،‬‬
‫فهذه هي البيوع التي يختلف فيها أكببثر ذلببك مببن قبببل الجهببل بالكيفيببة‪ .‬وأمببا اعتبببار‬
‫الكميببة فببإنهم اتفقببوا علببى أنببه ل يجببوز أن يببباع شببيء مببن المكيببل أو المببوزون أو‬
‫المعدود أو المسموح إل أن يكون معلوم القدر عند البائع والمشتري؛ واتفقوا على أن‬
‫العلم الذي يكون بهذه الشياء من قبل الكيل المعلوم أو الصنوج المعلومببة مببؤثر فببي‬
‫صحة البيع‪ ،‬وفي كل ما كان غير معلوم الكيببل والببوزن عنببد البببائع والمشببتري مببن‬
‫جميع الشببياء المكيلببة والموزونببة والمعببدودة والممسببوحة‪ ،‬وأن العلببم بمقببادير هببذه‬
‫الشياء التي تكون من قبل الحزر والتخمين وهو الببذي يسببمونه الجببزاف يجببوز فببي‬
‫أشياء ويمنع في أشياء‪ .‬وأصل مذهب مالك في ذلك أنه يجوز فببي كببل مببا المقصببود‬
‫منه الكثرة ل آحاد وهو عنده أصناف‪ :‬منهببا مببا أصببله الكيببل ويجببوز جزافببا‪ ،‬وهببي‬
‫المكيلت والموزونات؛ ومنها ما أصببله الجببزاف ويكببون مكيل‪ ،‬وهببي الممسببوحات‬
‫كالرضين والثياب؛ ومنها ما ل يجوز فيها التقدير أصببل بالكيببل والببوزن‪ ،‬بببل إنمببا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يجوز فيها العدد فقط ول يجوز بيعها جزافا‪ ،‬وهي كما قلنا التي المقصود منهببا آحبباد‬
‫أعيانها‪.‬‬
‫وعند مالك أن التبر والفضة الغير المسكوكين يجوز بيعهما جزافا ول يجوز ذلك في‬
‫الدراهم والدنانير؛ وقال أبو حنيفة والشببافعي‪ :‬يجببوز ويكببره‪ .‬ويجببوز عنببد مالببك أن‬
‫تباع الصبرة المجهولة على الكيل‪ :‬أي كل كيل منها بكذا‪ ،‬فما كان فيهببا مببن الكيببال‬
‫وقع من تلك القيمة بعد كيلها والعلم بمبلغهببا؛ وقببال أبببو حنيفببة‪ :‬ل يلببزم إل فببي كيببل‬
‫واحد وهو الذي سمياه‪ .‬ويجوز هذا البيع عند مالك في العبيبد والثيباب وفبي الطعبام‪،‬‬
‫ومنعه أبو حنيفة في الثياب والعبيد‪ ،‬ومنع ذلببك غيببره فببي الكببل فيمببا أحسببب للجهببل‬
‫بمبلغ الثمن‪ .‬ويجوز عند مالك أن يصدق المشتري البائع في كيلهبا إذا لبم يكبن الببيع‬
‫نسيئة‪ ،‬لنه يتهمه أن يكون صدقه لينظببره بببالثمن؛ وعببد غيببره ل يجببوز ذلببك حببتى‬
‫يكتالهببا المشببتري لنهيببه صببلى الب عليببه وسببلم عببن بيببع الطعببام حببتى تجببري فيببه‬
‫الصيعان؛ وأجازه قوم على الطلق؛ وممن منعه أبو حنيفة والشافعي وأحمد؛ وممن‬
‫أجازه بإطلق عطاء بن أبي رباح وابببن أبببي مليكببة؛ ول يجببوز عنببد مالببك أن يعلببم‬
‫البائع الكيل ويبيع المكيل جزافا ممببن يجهببل الكيببل؛ ول يجببوز عنببد الشببافعي وأبببي‬
‫حنيفة‪.‬‬
‫والمزابنة المنهبي عنهبا هبي عنبد مالبك مبن هبذا البباب‪ ،‬وهبي بيبع مجهبول الكميبة‬
‫بمجهول الكمية‪ ،‬وذلك أما في الربويات فلموضع التفاضل‪ ،‬وأما فببي غيببر الربويببات‬
‫فلعدم تحقق القدر‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الرابع في بيوع الشروط والثنيا‪.‬‬
‫@‪-‬وهذه البيوع الفساد الذي يكون فيها هو راجبع إلبى الفسباد البذي يكبون مبن قببل‬
‫الغرر‪ ،‬ولكن لما تضمنها النص وجب أن تجعل قسما من أقسام البيوع الفاسببدة علببى‬
‫حدة‪ .‬والصل في اختلف الناس في هذا الباب ثلثببة أحبباديث‪ :‬أحببدها حببديث جببابر‬
‫قال "ابتاع مني رسول ال صلى ال عليبه وسبلم بعيبرا وشبرط ظهبره إلبى المدينبة"‬
‫وهذا الحديث في الصحيح‪ .‬والحديث الثاني حببديث بريببرة أن رسببول الب صببلى الب‬
‫عليه وسلم قبال "كببل شببرط ليببس فبي كتباب الب فهببو باطببل ولببو كبان مبائة شببرط"‬
‫والحديث متفق على صحته‪ .‬والثالث حديث جبابر قبال "نهببى رسبول الب صببلى الب‬
‫عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة والمعاومة والثنيا‪ ،‬ورخص في العرايا"‬
‫وهو أيضا في الصحيح خرجه مسلم‪ .‬ومن هذا الببباب مببا روي عببن أبببي حنيفببة أنببه‬
‫روى "أن رسول ال صلى ال عليبه وسبلم نهبى عبن بيبع وشبرط" فباختلف العلمباء‬
‫لتعارض هذه الحاديث في بيع وشرط‪ ،‬فقال قوم‪ :‬البيع فاسد والشببرط جبائز‪ ،‬وممببن‬
‫قال بهذا القول الشافعي وأبو حنيفة؛ وقال قوم‪ :‬البيع جائز والشرط جائز‪ ،‬وممن قببال‬
‫بهذا القول ابن أبي شبرمة؛ وقال قوم‪ :‬البيع جببائز والشببرط باطببل‪ ،‬وممببن قببال بهببذا‬
‫القول ابن أبي ليلى؛ وقال أحمد‪ :‬البيع جائز مع شرط واحببد‪ ،‬وأمببا مببع شببرطين فل‪،‬‬
‫فمن أبطل البيع والشرط أخذ بعموم نهيه عن بيع وشببرط‪ ،‬ولعمببوم نهيببه عببن الثنيببا؛‬
‫ومن أجازهما جميعا أخذ بحديث عمر الذي ذكر فيه البيع والشرط؛ ومن أجاز البببيع‬
‫وأبطل الشرط أخذ بعموم حديث بريرة؛ ومن لم يجز الشرطين وأجاز الواحببد احتببج‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫بحديث عمرو بن العاص خرجه أبو داود قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال ب عليببه وسببلم‬
‫"ل يحل سلف وبيع‪ ،‬ول يجوز شرطان في بيع‪ ،‬ول ربح ما لم تضببمن‪ ،‬ول بيببع مببا‬
‫ليس هو عندك"‪.‬‬
‫وأما مالك فالشروط عنده تنقسم ثلثة أقسام‪ :‬شروط تبطل هي والببيع معببا؛ وشببروط‬
‫تجوز هي والبيع معا؛ وشروط تبطل ويثبت البببيع؛ وقببد يظببن أن عنببده قسببما رابعببا‬
‫وهو أن من الشروط ما إن تمسك المشترط بشرطه بطل البيع‪ ،‬وإن تركه جاز البيع‪،‬‬
‫وإعطاء فروق بينة في مذهبه بين هذه الصناف الربعة عسير‪ ،‬وقد رام ذلببك كببثير‬
‫من الفقهاء‪ ،‬وإنما هي راجعة إلى كثرة ما يتضمن الشروط مبن صبنفي الفسباد البذي‬
‫يخل بصحة البيوع وهما الربا والغرر وإلى قلته وإلى التوسط بيببن ذلببك‪ ،‬أو إلببى مببا‬
‫يفيد نقصا في الملك فما كان دخول هببذه الشببياء فيببه كببثيرا مببن قبببل الشببرط أبطلببه‬
‫وأبطل الشرط‪ ،‬وما كان قليل أجازه وأجبباز الشببرط فيهببا‪ ،‬ومببا كببان متوسببطا أبطببل‬
‫الشرط وأجاز البيع‪ ،‬ويرى أصحابه أن مذهبه هو أولى المببذاهب‪ ،‬إذ بمببذهبه تجتمببع‬
‫الحاديث كلها‪ ،‬والجمع عندهم أحسن من الترجيح‪ ،‬وللمتببأخرين مببن أصببحاب مالببك‬
‫في ذلك تفصيلت متقاربة‪ ،‬وأحد من له ذلك جدي والمازري والباجي‪ ،‬وتفصيله في‬
‫ذلك أنه قال‪ :‬إن الشرط في المبيع يقع على ضربين أولين‪ :‬أحبدهما أن يشبترطه بعبد‬
‫انقضاء الملك مثل من يبيع المة أو العبد‪ ،‬ويشترط أنه متى عتق كان لببه ولؤه دون‬
‫المشتري‪ ،‬فمثل هذا قالوا‪ :‬يصح فيه العقد ويبطل الشرط لحديث بريرة‪.‬‬
‫والقسم الثاني أن يشترط عليه شرطا يقع في مدة الملك‪ ،‬وهذا قالوا‪ :‬ينقسم إلببى ثلثببة‬
‫أقسام‪ :‬إما أن يشترط في المبيع منفعة لنفسه؛ وإما أن يشترط على المشتري منعا من‬
‫تصرف عام أو خاص؛ وإما أن يشترط إيقاع معنى في المبيع‪ ،‬وهذا أيضا ينقسم إلى‬
‫قسمين‪ :‬أحدهما أن يكون معنى من معاني البر‪ .‬والثاني أن يكون معنى ليس فيه مببن‬
‫البر شيء‪ .‬فأما إذا اشبترط لنفسببه منفعببة يسببيرة ل تعببود بمنببع التصبرف فبي أصبل‬
‫المبيع‪ ،‬مثل أن يبيع الدار ويشترط سكناها مدة يسيرة مثل الشهر‪ ،‬وقيل السنة‪ ،‬فببذلك‬
‫جائز على حديث جابر‪ .‬وإما أن يشترط منعا مببن تصببرف خبباص أو عببام‪ ،‬فببذلك ل‬
‫يجوز لنه من الثنيا‪ ،‬ومثبل أن يببيع المبة علبى أن ل يطأهبا أو ل يبيعهبا‪ ،‬وإمبا أن‬
‫يشترط معنى من معاني البر مثل العتق‪ ،‬فبإن كببان اشببترط تعجيلببه جباز عنببده‪ ،‬وإن‬
‫تأخر لم يجز لعظم الغرر فيه‪ .‬وبقول مالك في إجازة البيع بشرط العتق المعجل قببال‬
‫الشافعي على أن من قوله منع بيع وشرط‪ ،‬وحديث جابر عنده مضطرب اللفببظ‪ ،‬لن‬
‫في بعض رواياته أنه باعه واشترط ظهره إلى المدينة‪ ،‬وفي بعضها أنه أعاره ظهره‬
‫إلى المدينة‪ .‬ومالك رأى هذا من باب الغرر اليسير فأجازه في المدة القليلة ولم يجببزه‬
‫في الكثيرة‪ .‬وأما أبو حنيفة فعلى أصله في منع ذلك‪ .‬وأما إن اشترط معنى في المبيع‬
‫ليس ببر مثل أن ل يبيعها‪ ،‬فذلك ل يجوز عند مالك‪ ،‬وقيل عنه البببيع مفسببوخ‪ ،‬وقيببل‬
‫بل يبطل الشرط فقط‪ .‬وأما من قال له البائع‪ :‬مببتى جئتببك بببالثمن رددت علببي المبببيع‬
‫فإنه ل يجوز عند مالك‪ ،‬لنه يكون مترددا بين البببيع والسببلف؛ إن جبباء بببالثمن كببان‬
‫سلفا‪ ،‬وإن لم يجيء كان بيعا‪ .‬واختلف في المذهب هل يجبوز لبه ذلبك فبي القالبة أم‬
‫ل؟ فمن رأى أن القالة بيع فسخها عنده ما يفسخ سائر البيوع؛ ومن رأى أنهببا فسببخ‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فرق بينهببا وبيببن البببيوع‪ .‬واختلببف أيضببا فيمببن ببباع شببيئا بشببرط أن ل يبببيعه حببتى‬
‫ينتصف من الثمن‪ ،‬فقيل عن مالك يجوز ذلك لن حكمه حكببم الرهببن‪ ،‬ول فببرق فببي‬
‫ذلك بين أن يكون الرهن هو المبيع أو غيره؛‬
‫وقيل عن ابن القاسم‪ :‬ل يجوز ذلك‪ ،‬لنببه شببرط يمنببع المبتبباع التصببرف فببي المبببيع‬
‫بالمدة البعيدة التي ل يجوز للبائع اشتراط المنفعة فيها‪ ،‬فوجب أن يمنع صببحة البببيع‪،‬‬
‫ولذلك قال ابن المواز إنه جائز في المد القصير‪ .‬ومن المسموع في هذا الباب نهيببه‬
‫صلى ال عليبه وسبلم عببن بيببع وسبلف اتفبق الفقهبباء علببى أنبه مبن الببيوع الفاسبدة‪.‬‬
‫واختلفوا إذا ترك الشرط قبل القبببض‪ ،‬فمنعببه أبببو حنيفببة والشببافعي وسببائر العلمبباء‪،‬‬
‫وأجازه مالك وأصببحابه إل محمببد بببن عبببد الحكببم‪ ،‬وقببد روي عببن مالببك مثببل قببول‬
‫الجمهور؛ وحجة الجمهور أن النهي يتضمن فساد المنهي عنه مع أن الثمن يكون في‬
‫المبيع مجهول لقتران السلف به‪ .‬وقد روي أن محمبد ببن أحمبد ببن سبهل الببرمكي‬
‫سأل عن هذه المسلئة إسماعيل بن إسحاق المببالكي فقببال لببه‪ :‬مببا الفببرق بيببن السببلف‬
‫والبيع‪ ،‬وبين رجل باع غلما بمبائة دينبار وزق خمبر فلمبا عقبد الببيع قبال‪ :‬أنبا أدع‬
‫الزق‪ ،‬قال‪ :‬وهذا البيع مفسوخ عند العلماء بإجماع‪ ،‬فأجاب إسماعيل عن هذا بجواب‬
‫ل تقوم به حجة‪ ،‬وهو أن قال له‪ :‬الفرق بينهما أن مشترط السلف هو مخير في تركه‬
‫أو عدم تركه‪ ،‬وليس كذلك مسألة زق الخمر‪ ،‬وهذا الجببواب هببو نفببس الشببيء الببذي‬
‫طولب فيه بالفرق‪ ،‬وذلك أنه يقال له‪ :‬لم كان هنا مخيرا ولم يكن هنالك مخيرا في أن‬
‫يترك الزق ويصح البيع‪ ،‬والشبببه أن يقببال إن التحريببم ههنببا لببم يكببن لشببيء محببرم‬
‫بعينه وهو السلف لن السلف مببباح‪ ،‬وإنمببا وقببع التحريببم مبن أجبل القبتران‪ :‬أعنبي‬
‫اقتران البيع به‪ ،‬وكذلك البيع في نفسه جائز‪ ،‬وإنما امتنع من قبل اقتران الشببرط بببه‪،‬‬
‫وهنالك إنما امتنع البيع من أجل اقتران شيء محرم لعينه به‪ ،‬ل أنه شيء محرم مببن‬
‫قبل الشرط‪ .‬ونكتة المسألة هل إذا لحق الفساد بالبيع من قبل الشرط يرتفع الفسبباد إذا‬
‫ارتفع الشرط أم ل يرتفع‪ ،‬كما ل يرتفع الفساد الللحق للبيع الحلل من أجببل اقببتران‬
‫المحرم العين به؟ وهذا أيضا ينبني على أصببل آخببر هببو هببل هببذا الفسبباد حكمببي أو‬
‫معقول؟ فإن قلنا حكمي لم يرتفببع بارتفبباع الشببرط‪ ،‬وإن قلنببا معقببول ارتفببع بارتفبباع‬
‫الشرط؛‬
‫فمالك رآه معقول‪ ،‬والجمهور رأوه غير معقول والفساد الذي يوجببد فببي بيببوع الربببا‬
‫والغرر هو أكثر ذلك حكمي‪ ،‬لذلك ليس ينعقد عندهم أصل‪ ،‬وإن ترك الربا بعد البيع‬
‫أو ارتفع الغرر‪ .‬واختلفوا في حكمه إذا وقع على ما سيأتي في أحكام البيوع الفاسدة‪.‬‬
‫ومن هذا الباب بيع العربان فجمهور علماء المصببار علببى أنببه غيببر جبائز؛ وحكببي‬
‫عن قوم من التابعين أنهم أجازوه‪ ،‬منهم مجاهد وابن سيرين ونافع بن الحارث وزيببد‬
‫بن أسلم‪ ،‬وصورته‪ :‬أن يشتري الرجل شيئا فيدفع إلى المبتبباع مببن ثمببن ذلببك المبببيع‬
‫شيئا على أنه إن نفذ البيع بينهما كان ذلك المدفوع من ثمن السلعة‪ ،‬وإن لم ينفذ تببرك‬
‫المشتري بذلك الجزء من الثمن عند البائع ولم يطالبه به؛ وإنما صببار الجمهببور إلببى‬
‫منعه لنه من باب الغرر والمخاطرة وأكببل المببال بغيببر عببوض‪ ،‬وكببان زيببد يقببول‪:‬‬
‫أجازه رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقال أهل الحببديث‪ :‬ذلببك غيببر معببروف عببن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬وفي الستثناء مسائل مشهورة من هذا الباب اختلف‬
‫الفقهاء فيها‪ ،‬أعني هل تدخل تحت النهي عبن الثنيبا‪ ،‬أو ليسبت تبدخل؟ فمبن ذلبك أن‬
‫يبيع الرجل حامل ويستثني ما في بطنها‪ ،‬فجمهور فقهاء المصار مالك وأبببو حنيفببة‬
‫والشافعي والثوري على أنه ل يجوز؛ وقال أحمد وأبو ثور وداود ذلببك جببائز‪ ،‬وهببو‬
‫مروي عن ابن عمر‪ .‬وسبب الخلف هل المستثنى مبيع مع ما استثنى منببه‪ ،‬أم ليببس‬
‫بمبيع وإنما هو باق على ملك البائع؟ فمبن قبال مببيع قبال‪ :‬ل يجبوز وهبو مبن الثنيبا‬
‫المنهي عنها لما قال فيها من الجهل بصفته وقلة الثقة بسلمة خروجه؛ ومن قال هببو‬
‫باق على ملك البائع أجاز ذلك؛ وتحصببيل مببذهب مالببك فيمببن ببباع حيوانببا واسببتثنى‬
‫بعضه أن ذلك البعض ل يخلو أن يكون شائعا أو معينا أو مقدرا‪ ،‬فإن كان شببائعا فل‬
‫خلف في جوازه مثل أن يبيع عبدا إل ربعه‪ .‬وأما إن كان معينببا فل يخلببو أن يكببون‬
‫مغيبا مثل الجنين‪ ،‬أو يكون غير مغيبب‪ ،‬فبإن كبان مغيببا فل يجبوز‪ ،‬وإن كبان غيبر‬
‫مغيب كالرأس واليد والرجل‪ ،‬فل يخلببو الحيببوان أن يكببون ممببا يسببتباح ذبحببه أو ل‬
‫يكون‪،‬‬
‫فببإن كببان ممببا ل يسببتباح ذبحببه فببإنه ل يجببوز‪ ،‬لنببه ل يجببوز أن يبببيع أحببد غلمببا‬
‫ويستثني رجله‪ ،‬لن حقه غير متميز ول متبغض وذلك مما ل خلف فيببه‪ ،‬وإن كبان‬
‫الحيوان مما يستباح ذبحه‪ ،‬فإن باعه واستثنى منه عضوا له قيمة بشرط الذبببح‪ ،‬ففببي‬
‫المذهب فيه قولن‪ :‬أحدهما أنه ل يجوز وهو المشببهور؛ والثبباني يجببوز‪ ،‬وهببو قببول‬
‫ابن حبيب جوز بيع الشاة مع استثناء القوائم والرأس‪ .‬وأما إذا لم يكن للمستثنى قيمببة‬
‫فل خلف في جوازه في المذهب‪ ،‬ووجه قول مالك إنه كان استثناؤه بجلده فما تحببت‬
‫الجلد مغيب وإن كان لم يستثنه بجلده فإنه ل يدري بببأي صببفة يخببرج لببه بعببد كشببط‬
‫الجلد عنه‪ .‬ووجه قول ابن حبيب أنه استثنى عضوا معينا معلوما‪ ،‬فلم يضره ما عليه‬
‫من الجلد أصله شراء الحب في سنبله والجوز في قشره‪ .‬وأما إن كان المسببتثنى مببن‬
‫الحيوان بشرط الذبح إما عرفا وإما ملفوطا به جزءا مقدرا مثل أرطببال مبن جبزور‪،‬‬
‫فعن مالك في ذلك روايتان‪ :‬إحداهما المنع‪ ،‬وهي رواية ابن وهب؛ والثانيببة الجببازة‬
‫في الرطال اليسيرة فقط‪ ،‬وهبي روايببة اببن القاسبم‪ .‬وأجمعببوا مبن هبذا الببباب علببى‬
‫جواز بيع الرجل ثمر حائطه واستثناء نخلت معينات منه قياسا على جواز شببرائها‪.‬‬
‫واتفقوا على أنه ل يجوز أن يستثنى من حائط له عدة نخلت غير معينات إل بتعيين‬
‫المشتري لها بعد البيع‪ ،‬لنببه بيببع مببا لببم يببره المتبايعببان‪ .‬واختلفببوا فببي الرجببل يبببيع‬
‫الحائط ويستثني منه عببدة نخلت بعببد البببيع‪ ،‬فمنعببه الجمهببور لمكببان اختلف صببفة‬
‫النخيل؛ وروي عن مالك إجازته؛ ومنببع ابببن القاسببم قببوله فببي النخلت وأجببازه فببي‬
‫استثناء الغنم‪ .‬وكذلك اختلف قول مالك وابببن القاسببم فببي شببراء نخلت معببدودة مببن‬
‫حائطه على أن يعينها بعد الشراء المشتري فأجازه مالك ومنعه ابببن القاسببم‪ .‬وكببذلك‬
‫اختلفوا إذا استثنى البائع مكيله من حائط؛ قال أبو عمر بن عبد البر‪ :‬فمنع ذلك فقهاء‬
‫المصار الذين تدور الفتوى عليهم‪ ،‬وألفت الكتاب على مذاهبهم لنهيه صلى ال عليه‬
‫وسلم عن الثنيا في البيع‪ ،‬لنه استثناء مكيل من جزاف؛‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأما مالك وسلفه من أهل المدينببة فببإنهم أجبازوا ذلببك فيمببا دون الثلببث ومنعببوه فيمببا‬
‫فوقه‪ ،‬وحملوا النهي على الثنيا على ما فوق الثلث‪ ،‬وشبهوا بيع ما عدا المستثنى ببيع‬
‫الصبرة التي ل يعلم مبلغ كيلها فتبباع جزافبا ويسبتثنى منهبا كيبل مبا‪ ،‬وهبذا الصبل‬
‫أيضا مختلف فيه‪ ،‬أعني إذا استثنى منها كيل معلوم‪ .‬واختلف العلماء مببن هببذا الببباب‬
‫في بيع وإجارة معا في عقد واحد‪ ،‬فأجازه مالك وأصحابه‪ ،‬ولببم يجببزه الكوفيببون ول‬
‫الشافعي‪ ،‬لن الثمن يرون أنه يكون حينئذ مجهول‪ ،‬ومالك يقببول‪ :‬إذا كببانت الجببارة‬
‫معلومة لم يكن الثمن مجهول‪ ،‬وربمببا رآه الببذين منعببوه مببن ببباب بيعببتين فببي بيعببة‪.‬‬
‫وأجمعوا على أنه ل يجوز السلف أو البيع كما قلنبا‪ .‬واختلببف قببول مالببك فببي إجببازة‬
‫السببلف والشببركة‪ ،‬فمببرة أجبباز ذلببك ومببرة منعببه‪ ،‬وهببذه كلهببا اختلببف العلمبباء فيهببا‬
‫لختلفها بالقل والكثر في وجود علل المنببع فيهببا المنصببوص عليهببا‪ ،‬فمببن قببويت‬
‫عنده علة المنع في مسألة منها منعها‪ ،‬ومن لم تقببو عنببده أجازهببا‪ ،‬وذلببك راجببع إلببى‬
‫ذوق المجتهد‪ ،‬لن هذه المبواد يتجباذب القبول فيهبا إلبى الضبدين علبى السبواء عنبد‬
‫النظر فيها‪ ،‬ولعل في أمثال هذه المببواد يكببون القببول بتصببويب كببل مجتهببد صببوابا‪،‬‬
‫ولهذا ذهب بعض العلماء في أمثال هذه المسائل إلى التخيير‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الخامس في البيوع المنهي عنها من أجل الضرر أوالغبن‪.‬‬
‫@‪-‬والمسموع من هذا الباب ما يثبت من نهيببه صببلى الب عليببه وسببلم عببن أن يبببيع‬
‫الرجل على بيع أخيه‪ ،‬وعن أن يسوم أحد على سوم أخيه‪ ،‬ونهيه عن تلقي الركبببان‪،‬‬
‫ونهيه عن أن يبيع حاضر لباد‪ ،‬ونهيه عن النجش‪ .‬وقببد اختلببف العلمبباء فببي تفصببيل‬
‫معاني هذه الثار اختلفا ليس بمتباعد‪ ،‬فقال مالك‪ :‬معنى قوله عليه الصلة والسببلم‬
‫"ل يبع بعضكم على بيع بعببض" ومعنببى نهيببه عببن أن يسببوم أحببد علببى سببوم أخيببه‬
‫واحد‪ ،‬وهي في الحالة التي إذا ركن البائع فيها إلى السائم ولببم يبببق بينهمببا إل شببيء‬
‫يسير مثل اختيار الذهب أو اشتراط العيوب أو البراءة منها‪ ،‬وبمثل تفسير مالك فسر‬
‫أبو حنيفة هذا الحديث‪ .‬وقال الثوري معنى "ل يببع بعضبكم علببى بيبع بعبض" أن ل‬
‫يطرأ رجل آخر على المتبايعين فيقول عنبدي خيبر مبن هبذه السببلعة ولببم يحبد وقبت‬
‫ركون ول غيره‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬معنى ذلك إذا تم البيع باللسان ولم يفترقا فببأتى أحببد‬
‫يعرض عليه سلعة له هي خير منها‪ ،‬وهذا بناء علببى مبذهبه فبي أن البببيع إنمبا يلبزم‬
‫بالفتراق فهبو ومالبك متفقببان علببى أن النهببي إنمبا يتنباول حالببة قبرب لبزوم البببيع‪،‬‬
‫ومختلفان في هذه الحالة ما هي لختلفهما فيما به يكببون اللببزوم فببي البببيع علببى مببا‬
‫سنذكره بعد‪ ،‬وفقهاء المصار على أن هذا البببيع يكببره‪ ،‬وإن وقببع مضببى لنببه سببوم‬
‫على بيع لم يتم؛ وقال داود وأصحابه‪ :‬إن وقع فسخ في أي حالة وقع تمسكا بالعموم؛‬
‫وروي عن مالك وعن بعض أصحابه فسخه ما لم يفت؛ وأنكببر ابببن الماجشببون ذلببك‬
‫في البيع فقال‪ :‬وإنما قال بذلك مالك في النكاح‪ ،‬وقد تقببدم ذلببك‪ .‬واختلفببوا فببي دخببول‬
‫الذمي في النهي عن سوم أحد على سوم غيره‪ ،‬فقال الجمهور‪ :‬ل فرق في ذلببك بيببن‬
‫الذمي وغيره؛ وقال الوزاعببي‪ :‬لبببأس بالسببوم علببى سببوم الببذمي لنببه ليببس بببأخي‬
‫المسلم‪ ،‬وقد قال صلى ال عليه وسلم "ل يسم أحد على سبوم أخيبه" ومبن ههنبا منبع‬
‫قوم بيع المزايدة وإن كان الجمهور على جوازه‪ .‬وسبب الخلف بينهم هل يحمل هذا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫النهي على الكراهة أو على الحظر‪ ،‬ثم إذا حمل على الحظر فهل يحمل علببى جميببع‬
‫الحوال‪ ،‬أو في حالة دون حالة؟‪.‬‬
‫@‪)-‬فصل( وأما نهيه عن تلقي الركبان للبببيع‪ ،‬فبباختلفوا فببي مفهببوم النهببي مببا هببو‪،‬‬
‫فرأى مالك أن المقصود بذلك أهل السواق لئل ينفرد المتلقي برخببص السببلعة‪ ،‬دون‬
‫أهل السواق‪ ،‬ورأى أنه ل يجوز أن يشتري أحد سلعة حتى تببدخل السببوق‪ ،‬هببذا إذا‬
‫كان التلقي قريبا‪ ،‬فإن كان بعيدا فل بأس به‪ ،‬وحد القرب في المذهب بنحو مببن سببتة‬
‫أميال‪ ،‬ورأى أنه إذا وقع جاز‪ ،‬ولكن يشرك المشتري أهل السواق فببي تلببك السببلعة‬
‫التي من شأنها أن يكون ذلك سوقها‪ .‬وأما الشافعي فقال إن المقصود بالنهي إنمبا هبو‬
‫لجل البائع لئل يغبنه المتلقببي‪ ،‬لن البببائع يجهببل سببعر البلببد‪ ،‬وكببان يقببول‪ :‬إذا وقببع‬
‫فرب السلعة بالخيار إن شاء أنفذ البيع أو رده‪ .‬ومذهب الشافعي هو نص فببي حببديث‬
‫أبي هريرة الثابت عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال عليه الصببلة والسببلم‬
‫"ل تتلقوا الجلببب‪ ،‬فمببن تلقببى منببه شببيئا فاشببتراه فصبباحبه بالخيببار إذا أتببى السببوق"‬
‫خرجه مسلم وغيره‪.‬‬
‫@‪)-‬فصل( وأما نهيه صلى ال عليه وسلم عن بيع الحاضر للببباد‪ ،‬فبباختلف العلمبباء‬
‫في معنى ذلك‪ ،‬فقال قوم‪ :‬ل يبع أهل الحضر لهل البادية قول واحدا‪ .‬واختلببف عنببه‬
‫في شراء الحضري للبدوي‪ ،‬فمرة أجازه‪ ،‬وبه قببال ابببن حبببيب؛ ومببرة منعببه‪ ،‬وأهببل‬
‫الحضر عنده هم المصار؛ وقببد قيببل عنببه إنببه ل يجببوز أن يبببيع أهببل القببرى لهببل‬
‫العمببود المنتقليببن‪ ،‬وبمثببل قببول مالببك قببال الشببافعي والوزاعببي؛ وقببال أبببو حنيفببة‬
‫وأصحابه‪ :‬ل بأس أن يبيع الحاضر للبادي ويخبره بالسعر‪ ،‬وكرهه مالببك‪ ،‬أعنببي أن‬
‫يخبر الحضري الببادي بالسبعر‪ ،‬وأجبازه الوزاعبي‪ .‬والبذين منعبوه اتفقبوا علبى أن‬
‫القصد بهذا النهي هو إرفاق أهل الحضر‪ ،‬لن الشياء عند أهل البادية أيسر من أهل‬
‫الحاضرة‪ ،‬وهي عندهم أرخص‪ ،‬بببل أكببثر مببا يكببون مجانببا عنببدهم‪ :‬أي بغيببر ثمببن‪،‬‬
‫فكأنهم رأوا أنه يكره أن ينصح الحضري للبدوي‪ ،‬وهذا مناقض لقببوله عليببه الصببلة‬
‫والسلم "الدين النصيحة" وبهذا تمسك في جوازه أبو حنيفة‪ .‬وحجة الجمهور حببديث‬
‫جابر خرجه مسلم وأببو داود قبال‪ :‬قبال رسبول الب صبلى الب عليبه وسبلم "ل يببيع‬
‫حاضر لباد ذروا الناس يرزق ال بعضهم من بعببض" وهببذه الزيببادة انفببرد بهببا أبببو‬
‫داود فيما أحسب‪ ،‬والشبه أن يكون من باب غبن البدوي لنه يببرد والسببعر مجهببول‬
‫عنده‪ ،‬إل أن تثبت هذه الزيادة‪ ،‬ويكون على هذا معنى الحديث معنى النهي عن تلقببي‬
‫الركبان على ما تببأوله الشببافعي وجبباء فببي الحببديث الثببابت‪ .‬واختلفببوا إذا وقببع فقببال‬
‫الشافعي‪ :‬إذا وقع فقد تم وجاز البيع لقوله عليه الصلة والسلم "دعوا النبباس يببرزق‬
‫ال بعضهم من بعض" واختلف في هذا المعنى أصحاب مالك؛ فقال بعضهم‪ :‬يفسببخ؛‬
‫وقال بعضهم‪ :‬ل يفسخ‪.‬‬
‫@‪)-‬فصل( وأما نهيه عليه الصلة والسببلم عببن النجببش‪ ،‬فبباتفق العلمبباء علببى منببع‬
‫ذلك‪ ،‬وأن النجش هو أن يزيد أحد في سلعة وليس في نفسه شببراؤها‪ ،‬يريببد بببذلك أن‬
‫ينفع البائع ويضر المشببتري؛ واختلفببوا إذا وقببع هببذا البببيع‪ ،‬فقببال أهببل الظبباهر‪ :‬هببو‬
‫فاسد؛ وقال مالك‪ :‬هو كالعيب والمشتري بالخيار‪ ،‬إن شاء أن يببرد رد‪ ،‬وإن شبباء أن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يمسك أمسك؛ وقال أبو حنيفة والشافعي‪ :‬إن وقع أثم وجاز البيع‪ .‬وسبب الخلف هببل‬
‫يتضمن النهي فساد المنهي وإن كان النهي ليس في نفس الشيء بل من خبارج؛ فمببن‬
‫قال يتضمن فسخ البيع لم يجزه؛ ومن قال ليس يتضببمن أجببازه‪ .‬والجمهببور علببى أن‬
‫النهببي إذا ورد لمعنببى فببي المنهببي عنببه أنببه يتضببمن الفسبباد مثببل النهببي عببن الربببا‬
‫والغرر‪ ،‬وإذا ورد المر من خارج لم يتضمن الفساد‪ ،‬ويشبه أن يدخل في هذا الباب‬
‫نهيه عليه الصلة والسلم عن بيع الماء لقوله عليه الصلة والسلم في بعض ألفاظه‬
‫"إنه نهى عن بيع فضل الماء ليمنببع بببه الكل" وقببال أبببو بكببر بببن المنببذر‪ :‬ثبببت "أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى عن بيع الماء‪ ،‬ونهى عن بيع فضل المبباء ليمنببع‬
‫به الكل" وقال‪ :‬ل يمنع وهو بئر ول بيع ماء‪ .‬واختلف العلماء في تأويل هذا النهببي‪،‬‬
‫فحمله جماعة من العلماء على عمومه‪ ،‬فقالوا‪ :‬ل يحل بيع المبباء بحبال كببان مببن بئر‬
‫أو غدير أو عين في أرض مملكة أو غير مملكة‪ ،‬غير أنه إن كان متملكببا كببان أحببق‬
‫بمقدار حاجته منه‪ ،‬وبه قببال يحيببى بببن يحيببى قبال‪ :‬أربببع ل أرى أن يمنعببن‪ :‬المبباء‪،‬‬
‫والنار‪ ،‬والحطب‪ ،‬والكل‪ .‬وبعضهم خصص هذه الحاديث معارضببة الصببول لهببا‪،‬‬
‫وهو أنه ل يحل مال أحد إل بطيب نفس منه كما قبال عليبه الصبلة والسبلم وانعقبد‬
‫عليه الجماع‪ ،‬والذين خصصوا هذا المعنى اختلفوا في جهة تخصيصببه‪ ،‬فقببال قببوم‪:‬‬
‫معنى ذلك أن البئر يكون بين الشريكين يسببقي هببذا يومببا وهببذا يومببا‪ ،‬فيببروي زرع‬
‫أحدهما في بعض يومه‪ ،‬ول يروي في اليوم الذي لشريكه زرعه‪ ،‬فيجب عليببه أن ل‬
‫يمنع شريكه من الماء بقية ذلك اليوم‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬إنما تأويل ذلك في الببذي يببزرع‬
‫على مائه فتنهار بئره ولجاره فضل ماء أنه ليس لجاره أن يمنعه فضل مببائه إلببى أن‬
‫يصببلح بئره‪ ،‬والتببأويلن قريبببان‪ ،‬ووجببه التببأويلين أنهببم حملببوا المطلببق فببي هببذين‬
‫الحديثين على المقيد وذلك أنه نهى عببن بيببع المبباء مطلقببا‪ ،‬ثببم نهببى عببن منببع فضببل‬
‫الماء‪ ،‬فحملوا المطلق في هذا الحديث على المقيببد وقببالوا‪ :‬الفضببل هببو الممنببوع فببي‬
‫الحديثين‪ ،‬وأما مالك فأصل مذهبه أن المبباء مببتى كببان متملكببة منبعببه فهببو لصبباحب‬
‫الرض له بيعه ومنعه‪ ،‬إل أن يرد عليببه قببوم ل ثمببن معهببم ويخبباف عليهببم الهلك‪،‬‬
‫وحمل الحديث على آبار الصحراء التي تتخذ في الرضين الغير متملكببة‪ ،‬فببرأى أن‬
‫صاحبها‪ :‬أعني الذي حفرها أولى بها‪ ،‬فإذا روت ماشيته ترك الفضل للنبباس‪ ،‬وكببأنه‬
‫رأى أن البئر ل تتملك بالحياء‪ .‬ومن هذا الباب التفرقبة بيببن الوالببدة وولببدها‪ ،‬وذلببك‬
‫أنهم اتفقوا على منع التفرقة في المبيع بيببن الم وولببدها‪ ،‬لثبببوت قببوله عليببه الصببلة‬
‫والسلم "من فرق بين والدة وولدها فرق ال بينه وبين أحبته يببوم القيامببة" واختلفببوا‬
‫من ذلك في موضعين في وقت جواز التفرقة وفي حكم البيع إذا وقع‪ .‬فأما حكم البببيع‬
‫فقال مالك‪ :‬يفسخ‪ ،‬وقال الشافعي وأبو حنيفة‪ :‬ل يفسخ وأثم البائع والمشتري‪ .‬وسبببب‬
‫الخلف هل النهي يقتضي فساد المنهي إذا كان لعلبة مبن خبارج‪ .‬وأمبا البوقت البذي‬
‫ينتقل فيه المنع إلى الجواز؛ فقال مالك‪ :‬حببد ذلببك الثغببار؛ وقبال الشببافعي‪ :‬حببد ذلببك‬
‫سبع سنين أو ثمان؛ وقال الوزاعي‪ :‬حده فوق عشر سنين‪ ،‬وذلببك أنببه إذا نفببع نفسببه‬
‫واستغنى في حياته عن أمه‪ .‬ويلحق بهذا الباب إذا وقع في البيع غبن ل يتغابن الناس‬
‫بمثله هل يفسخ البيع أم ل؟ فالمشهور في المذهب أن ل يفسببخ‪ .‬وقببال عبببد الوهبباب‪:‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫إذا كببان فببوق الثلببث رد‪ ،‬وحكباه عببن بعببض أصببحاب مالببك؛ وجعلببه عليببه الصببلة‬
‫والسلم الخيار لصاحب الجلببب إذا تلقببى خببارج المصببر دليببل علببى اعتبببار الغبببن‪،‬‬
‫وكذلك ما جعل لمنقذ بن حبان من الخيببار ثلثببا لمببا ذكببر لببه أنببه يغبببن فببي البببيوع‪،‬‬
‫ورأى قوم من السلف الول أن حكم الوالد في ذلك حكم الوالدة‪ ،‬وقوم رأوا ذلببك فببي‬
‫الخوة‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب السادس في النهي من قبل وقت العبادات‪.‬‬
‫@‪-‬وذلك إنما ورد في الشرع في وقت وجوب المشي إلى الجمعة فقط لقببوله تعببالى‬
‫}إذا نودي للصلة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر ال وذروا البيع{ وهذا أمر مجمع‬
‫عليه فيما أحسب‪ ،‬أعني منع البيع عند الذان الذي يكببون بعببد الببزوال والمببام علببى‬
‫المنبر‪ .‬واختلفوا في حكمه إذا وقع هل يفسخ أو ل يفسخ؟‪ ،‬فإن فسخ فعلى من يفسخ؟‬
‫وهل يلحق سائر العقود في هذا المعنى بالبيع أم ل يلحق؟ فالمشببهور عببن مالببك أنببه‬
‫يفسخ‪ ،‬وقد قيل ل يفسخ‪ ،‬وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة‪ .‬وسبب الخلف كمببا قلنببا‬
‫غير ما مرة هببل النهببي الببوارد لسبببب مببن خببارج يقتضببي فسبباد المنهببي عنببه أو ل‬
‫يقتضيه؟ وأما على من يفسخ؟ فعند مالك على من تجب عليه الجمعة ل علببى مببن ل‬
‫تجب عليه‪ .‬وأما أهل الظاهر فتقتضي أصولهم أن يفسخ علبى كبل ببائع‪ .‬وأمبا سبائر‬
‫العقود فيحتمل أن تلحق بالبيوع‪ ،‬لن فيها المعنى الذي في البيع مببن الشببغل بببه عببن‬
‫السعي إلى الجمعة‪ ،‬ويحتمل أن ل يلحق به لنها تقببع فببي هببذا الببوقت نببادرا بخلف‬
‫البيوع‪ .‬وأما سببائر الصببلوات فيمكببن أن تلحببق بالجمعببة علببى جهببة النببدب لمرتقببب‬
‫الوقت‪ ،‬فإذا فات فعلى جهة الحظر‪ ،‬وإن كان لم يقل به أحد في مبلببغ علمببي‪ ،‬ولببذلك‬
‫مدح ال تاركي البيوع لمكان الصلة‪ ،‬فقال تعببالى }رجببال ل تلهيهببم تجببارة ول بيببع‬
‫عن ذكر ال وإقام الصلة وإيتاء الزكاة{ ‪ .‬وإذ قد أثبتت أسباب الفساد العامببة للبببيوع‬
‫صْر إلى ذكر السباب والشروط المصححة له وهو القسم الثاني مببن النظببر العببام‬ ‫َفْلَن ِ‬
‫في البيوع‪.‬‬
‫@‪)-‬القسم الثاني( والسباب والشروط المصححة للبببيع هببي بالجملببة ضببد السببباب‬
‫المفسدة له‪ ،‬وهي منحصرة في ثلثة أجناس‪ :‬النظببر الول‪ :‬فببي العقببد‪ .‬والثبباني‪ :‬فببي‬
‫المعقود عليه‪ .‬والثالث‪ :‬في العاقدين‪ ،‬ففي هذا القسم ثلثة أبواب‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول في العقد‪.‬‬
‫@‪-‬والعقد ل يصببح إل بألفبباظ البببيع والشببراء الببتي صببيغتها ماضببية مثببل أن يقببول‬
‫البائع‪ :‬قد بعت منك‪ ،‬ويقول المشتري‪ :‬قد اشببتريت منببك‪ ،‬وإذا قببال لببه بعنببي سببلعتك‬
‫بكذا وكذا فقال قد بعتها‪ .‬فعند مالك أن البيع قد وقع وقد لزم المستفهم إل أن يأتي فببي‬
‫ذلك بعذر‪ ،‬وعند الشافعي أنه ل يتم حتى يقول المشتري قد اشتريت‪ ،‬وكذلك إذا قببال‬
‫المشتري للبائع‪ :‬بكم تبيع سلعتك؟ فيقول المشتري بكذا وكذا‪ ،‬فقال‪ :‬قد اشتريت منك‪.‬‬
‫اختلف هل يلزم البيع أم ل حتى يقول قد بعتهببا منببك‪ ،‬وعنببد الشببافعي أنببه يقببع البببيع‬
‫باللفاظ الصريحة وبالكناية‪ ،‬ول أذكر لمالك في ذلك قببول‪ ،‬ول يكفببي عنببد الشببافعي‬
‫المعاطاة دون قول‪ ،‬ول خلف فيما أحسب أن اليجاب والقبول المؤثرين في اللببزوم‬
‫ل يتراخى أحدهما عن الثاني حتى يفترق المجلس‪ ،‬أعني أنه متى قال للبائع قد بعببت‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫سلعتي بكذا وكذا فسكت المشتري ولم يقبل حتى افترقا ثم أتى بعد ذلك فقال‪ :‬قد قبلت‬
‫أنه ل يلزم ذلك البائع‪ .‬واختلفوا متى يكون اللزوم‪ .‬فقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما‬
‫وطائفة من أهببل المدينببة‪ :‬إن البببيع يلببزم فببي المجلببس بببالقول وإن لببم يفترقببا؛ وقببال‬
‫الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وابن عمر من الصحابة رضببي الب عنهببم‪:‬‬
‫البيع لزم بالفتراق من المجلس وأنهما مهما لم يفترقا‪ ،‬فليس يلببزم البببيع ول ينعقببد‪،‬‬
‫وهو قول ابن أبي ذئب في طائفبة مبن أهبل المدينبة واببن المببارك وسبوار القاضبي‬
‫وشريح القاضي وجماعة من التبابعين وغيرهبم‪ ،‬وهبو مبروي عبن اببن عمبر وأببي‬
‫برزة السلمي من الصحابة ول مخالف لهما من الصحابة وعمدة المشترطين لخيببار‬
‫المجلس حديث مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول ال صلى ال عليببه وسببلم قببال‬
‫"المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لببم يفترقببا إل بيببع الخيببار" وفببي‬
‫بعض روايات هذا الحديث "إل أن يقول أحدهما لصاحبه اختر" وهذا حببديث إسببناده‬
‫عند الجميع من أوثق السانيد وأصحها‪ ،‬حتى لقد زعم أبو محمد أن مثل هذا السببناد‬
‫يوقع العلم وإن كان من طريق الحاد‪ .‬وأما المخالفون فقد اضطرب بهم وجه الببدليل‬
‫لمذهبهم في رد العمل بهذا الحديث‪ .‬فالذي اعتمد عليه مالك رحمه ال فببي رد العمببل‬
‫به أنه لم يلف عمل أهل المدينة عليه مع أنه قببد عارضببه عنببده مببا رواه مببن منقطببع‬
‫حديث ابن مسعود أنه قال‪" :‬أيما بيعين تبايعا فببالقول قببول البببائع أو يببترادان" فكببأنه‬
‫حمل هذا على عمومه‪ ،‬وذلك يقتضي أن يكون في المجلس وبعد المجلس‪ ،‬ولببو كببان‬
‫المجلس شرطا فبي انعقباد الببيع لببم يكببن يحتبباج فيببه إلببى تبببيين حكبم الختلف فببي‬
‫المجلس لن البيع بعد لببم ينعقببد ول لببزم بببل الفببتراق مببن المجلببس‪ ،‬وهببذا الحببديث‬
‫منقطع ول يعارض به الول‪ ،‬وبخاصة أنببه ل يعارضببه إل مببن تببوهم العمببوم فيببه‪،‬‬
‫والولى أن ينبني هذا على ذلك‪ ،‬وهذا الحديث لبم يخرجبه أحبد مسبندا فيمبا أحسبب‪،‬‬
‫فهذا هو الذي اعتمده مالك رحمه ال فبي تبرك العمبل بهبذا الحبديث‪ .‬وأمبا أصبحاب‬
‫مالك فاعتمدوا في ذلك على ظواهر سمعية‪ ،‬وعلى القياس‪ ،‬فمببن أظهببر الظبباهر فببي‬
‫ذلك قوله عز وجل }يا أيها الذين آمنوا أوفوا بببالعقود{ والعقببد هببو اليجباب والقبببول‬
‫والمر على الوجوب‪ ،‬وخيار المجلس يوجب ترك الوفاء بالعقببد‪ ،‬لن لببه عنببدهم أن‬
‫يرجع في البيع بعد ما أنعم ما لم يفترقا‪ .‬وأما القياس فإنهم قالوا‪ :‬عقببد معاوضببة‪ ،‬فلببم‬
‫يكن لخيار المجلس فيه أثر أصله سائر العقود مثل النكاح والكتابة والخلببع والرهببون‬
‫والصلح علببى دم العمببد‪ ،‬فلمببا قيببل لهببم إن الظببواهر الببتي تحتجببون بهببا يخصصببها‬
‫الحديث المذكور‪ ،‬فلم يبق لكم في مقابلببة الحبديث إل القيبباس‪ ،‬فيلزمكبم علببى هبذا أن‬
‫تكونوا ممن يرى تغليب القياس على الثر‪ ،‬وذلك مذهب مهجور عنببد المالكيببة‪ ،‬وإن‬
‫كان قد روي عن مالك تغليب القياس على السماع مثل قول أبي حنيفة‪ ،‬فأجببابوا عببن‬
‫ذلك بأن هذا ليس من باب رد الحديث بالقياس ول تغليب‪ ،‬وإنما هو مببن ببباب تببأويله‬
‫وصرفه عن ظاهره‪ .‬قببالوا‪ :‬وتأويببل الظبباهر بالقيبباس متفببق عليببه عنببد الصببوليين‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ولنا فيه تأويلن‪ :‬أحدهما أن المتبايعين في الحببديث المببذكور همببا المتسبباومان‬
‫اللذان لم ينفذ بينهما البيع‪ ،‬فقيل لهبم إنبه يكببون الحببديث علبى هببذا ل فبائدة فيببه لنببه‬
‫معلوم من دين المة أنهما بالخيار إذ لم يقع بينهما عقد بببالقول‪ .‬وأمببا التأويببل الخببر‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فقالوا إن التفرق ههنا إنما هو كناية عن الفتراق بالقول ل التفرق بالبدان كمببا قببال‬
‫ال تعالى }وإن يتفرقا يغن ال كل من سعته{ والعتراض على هذا أن هذا مجبباز ل‬
‫حقيقة‪ ،‬والحقيقة هي التفرق بالبدان‪ ،‬ووجه الترجيح أن يقاس بين ظبباهر هببذا اللفببظ‬
‫والقياس فيغلب القوى‪ ،‬والحكمة في ذلك هي لموضع الندم‪ ،‬فهذه هي أصول الركببن‬
‫الول الذي هو العقد‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما الركن الثاني( الذي هو المعقود عليه‪ ،‬فإنه يشترط فيه سببلمته مببن الغببرر‬
‫والربا‪ ،‬وقد تقدم المختلف في هذه من المتفق عليببه وأسببباب الختلف فببي ذلببك‪ ،‬فل‬
‫معنى لتكراره‪ .‬والغرر ينتفي عببن الشببيء بببأن يكببون معلببوم الوجببود معلببوم الصببفة‬
‫معلوم القدر مقدورا على تسليمه‪ ،‬وذلك في الطرفين الثمببن والمثمببون معلببوم الجببل‬
‫أيضا إن كان بيعا مؤجل‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما الركن الثالث( وهما العاقدان‪ ،‬فببإنه يشببترط فيهمببا أن يكونببا مببالكين تببامي‬
‫الملك أو وكيلين تامي الوكالة بببالغين‪ ،‬وأن يكونببا مببع هببذا غيببر محجببور عليهمببا أو‬
‫على أحدهما‪ ،‬إما لحق أنفسهما كالسفيه عند من يببرى التحجيببر عليببه أو لحببق الغيببر‬
‫كالعبد إل أن يكون العبد مأذونا له في التجارة‪ .‬واختلفوا من هذا فببي بيببع الفضببولي‪،‬‬
‫هل ينعقد أم ل؟ وصورته أن يبيع الرجل مببال غيببره بشببرط إن رضببي بببه صبباحب‬
‫المال أمضي البيع‪ ،‬وإن لم يرضى فسخ‪ ،‬وكذلك في شراء الرجل للرجل بغير إذنببه‪،‬‬
‫على أنه إن رضي المشتري صح الشراء وإل لم يصح‪ ،‬فمنعه الشافعي في الببوجهين‬
‫جميعا‪ ،‬وأجازه مالك في الوجهين جميعا؛ وفرق أبو حنيفة بين البببيع والشببراء فقببال‪:‬‬
‫يجوز في البيع ول يجوز في الشراء‪ .‬وعمدة المالكية مبا روي "أن النبببي صبلى الب‬
‫عليه وسلم دفع إلى عروة البارقي دينار وقال‪ :‬اشتر لنببا مببن هببذا الجلببب شبباة‪ ،‬قببال‪:‬‬
‫فاشتريت شاتين بدينار وبعت إحدى الشاتين بدينار وجئت بالشاة والدينار‪ ،‬فقلببت‪ :‬يببا‬
‫رسببول الب هببذه شباتكم ودينبباركم‪ ،‬فقبال‪ :‬اللهببم ببارك لبه فببي صبفقة يمينببه" ووجببه‬
‫الستدلل منه أن النبي صلى ال عليه وسلم لم يأمره في الشاة الثانية ل بالشببراء ول‬
‫بالبيع‪ ،‬فصار ذلك حجة على أبي حنيفة في صحة الشراء للغير‪ ،‬وعلى الشببافعي فببي‬
‫المرين جميعا‪ .‬وعمدة الشافعي النهي الوارد عن بيع الرجل ما ليس عنببده‪ ،‬المالكيببة‬
‫تحمله على بيعه لنفسه ل لغيره‪ ،‬قالوا‪ :‬والدليل على ذلك أن النهي إنما ورد في حكيم‬
‫بن حزام وقضيته مشهورة‪ ،‬وذلك أنه كان يبيع لنفسه ما ليس عنببده‪ .‬وسبببب الخلف‬
‫المسألة المشهورة‪ ،‬هل إذا ورد النهي على سبب حمل على سببه أو يعببم؟ فهببذه هببي‬
‫أصول هذا القسم‪ ،‬وبالجملة فالنظر في هذا القسم هو منطو بالقوة فببي الجببزء الول‪،‬‬
‫ولكن النظر الصناعي الفقهبي يقتضبي أن يفبرد ببالتكلم فيبه‪ .‬وإذ قبد تكلمنبا فبي هبذا‬
‫الجزء بحسب غرضببنا فلنصببر إلببى القسببم الثببالث‪ ،‬وهببو القببول فببي الحكببام العامببة‬
‫للبيوع الصحيحة‪.‬‬
‫@‪)-‬القسم الثالث‪ :‬في الحكام العامة للبيوع الصحيحة( وهذا القسم تنحصبر أصبوله‬
‫التي لها تعلق قريب بالمسببموع فببي أربببع جمببل‪ :‬الجملببة الولببى‪ :‬فببي أحكببام وجببود‬
‫العيب في المبيعات‪ .‬والجملة الثانية‪ :‬في الضمان في المبيعببات مببتى ينتقببل مببن ملببك‬
‫البائع إلى ملك المشببتري‪ .‬والثالثببة‪ :‬فببي معرفببة الشببياء الببتي تتبببع المبببيع ممببا هببي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫موجودة فيه في حين البيع من التي ل تتبعه‪ .‬والرابعة‪ :‬فببي اختلف المتبببايعين‪ ،‬وإن‬
‫كان الليق به كتاب القضببية‪ .‬وكببذلك أيضببا مببن أبببواب أحكببام البببيوع السببتحقاق‪،‬‬
‫وكذلك الشفعة هي أيضا من الحكام الطارئة عليبه‪ ،‬لكبن جبرت العبادة أن يفبرد لهبا‬
‫كتاب‪.‬‬
‫*‪)*3‬الجملة الولى( وهذه الجملة فيها بابان‪ :‬الباب الول‪ :‬في أحكبام وجبود العيبوب‬
‫في البيع المطلق‪ .‬والباب الثاني‪ :‬في أحكامهما في البيع بشرط البراءة‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول في أحكام العيوب في البيع المطلق‪.‬‬
‫@‪-‬والصل في وجود البرد ببالعيب قبوله تعبالى }إل أن تكبون تجبارة عبن تبراض‬
‫منكم{ وحديث المصراة المشهور‪ ،‬ولما كان القائم بالعيب ل يخلببو أن يقببوم فببي عقببد‬
‫يوجب الرد‪ ،‬أو يقوم في عقد ل يوجب ذلك‪ ،‬ثم إذا قام في عقد يوجب الرد‪ ،‬فل يخلو‬
‫أيضا من أن يقوم بعيب يوجب حكما أو ل يوجبه‪ ،‬ثم إن قام بعيب يببوجب حكمببا فل‬
‫يخلو المبيع أيضا أن يكون قد حبدث فيببه تغيببر بعبد الببيع أو ل يكببون‪ ،‬فبإن كببان لببم‬
‫يحدث فما حكمه؟ وإن كبان حبدث فيبه فكبم أصبناف التغييبرات ومبا حكمهبا؟ كبانت‬
‫الفصول المحيطة بأصول هذا الباب خمسة‪ :‬الفصببل الول‪ :‬فببي معرفببة العقببود الببتي‬
‫يجب فيها بوجود العيب حكم‪ ،‬من التي ل يجب ذلك فيها‪ .‬الثاني‪ :‬في معرفة العيببوب‬
‫التي توجب الحكم‪ ،‬وما شرطها الموجب للحكم فيها‪ .‬الثالث‪ :‬في معرفببة حكببم العيببب‬
‫الموجب إذا كان المبيع لم يتغير‪ .‬الرابع‪ :‬في معرفة أصببناف التغيببرات الحادثببة عنببد‬
‫المشتري وحكمها‪ .‬الخامس‪ :‬في القضاء في هذا الحكم عنببد اختلف المتبببايعين‪ ،‬وإن‬
‫كان أليق بكتاب القضية‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول‪ .‬في معرفة العقود التي يجب فيها بوجود العيب حكببم مببن الببتي ل‬
‫يجب فيها‪.‬‬
‫@‪-‬أما العقود التي يجب فيها العيب حكم بل خلف‪ ،‬فهي العقود التي المقصود منها‬
‫المعاوضة‪ ،‬كما أن العقود التي ليس المقصود منها المعاوضة ل خلف أيضا في أنه‬
‫ل تأثير للعيب فيها‪ ،‬كالهبات لغير الثواب والصدقة؛ وأما ما بين هذين الصببنفين مببن‬
‫العقود‪ ،‬أعني ما جمع قصد المكارمببة والمعاوضببة مثببل هبببة الثببواب‪ ،‬فببالظهر فببي‬
‫المذهب أنه ل حكم فيها بوجود العيب‪ ،‬وقد قيل يحكم به إذا كان العيب مفسدا‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني‪ .‬فببي معرفببة العيببوب الببتي تببوجب الحكببم‪ ،‬ومببا شببرطها المببوجب‬
‫للحكم فيها‪.‬‬
‫@‪-‬وفي هذا الفصل نظران‪ :‬أحدهما‪ :‬في العيوب التي توجب الحكم‪ .‬والنظببر الثبباني‬
‫في الشرط الموجب له‪.‬‬
‫@‪)-‬النظر الول( فأما العيوب التي توجب الحكم‪ :‬فمنها عيببوب فببي النفببس؛ ومنهببا‬
‫عيوب في البدن‪ ،‬وهذه منها ما هي عيوب بأن تشترط أضدادها في المبيع وهي التي‬
‫تسمى عيوبا من قبل الشببرط؛ ومنهببا مببا هببي عيببوب تببوجب الحكببم وإن لببم يشببترط‬
‫وجود أضدادها في المبيع‪ ،‬وهذه هي التي فقدها نقص في أصل الخلقة؛ وأما العيوب‬
‫الخر فهي التي أضدادها كمالت‪ ،‬وليس فقدها نقصا مثل الصنائع‪ ،‬وأكثر مببا يوجببد‬
‫هذا الصنف في أحوال النفس‪ ،‬وقببد يوجببد فببي أحببوال الجسببم‪ .‬والعيببوب الجسببمانية‪،‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫منها ما هي في أجسام ذوات النفس‪ ،‬ومنها ما هي في غير ذوات النفس‪ .‬والعيببوب‬


‫التي لها تأثير في العقد هي عند الجميع ما نقص عن الخلقبة الطبيعيبة أو عبن الخلبق‬
‫الشرعي نقصانا له تببأثير فببي ثمببن المبببيع‪ ،‬وذلببك يختلببف بحسببب اختلف الزمببان‬
‫والعوائد والشخاص‪ ،‬فربما كان النقص في الخلقة فضيلة في الشرع‪ ،‬كالخفاض فبي‬
‫الماء‪ ،‬والختان في العبيد‪ ،‬ولتقارب هذه المعاني في شيء شيء ممببا يتعامببل النبباس‬
‫به وقع الخلف بين الفقهاء في ذلك‪ ،‬ونحن نذكر من هذه المسائل ما اشببتهر الخلف‬
‫فيه بين الفقهاء ليكون ما يحصل من ذلك فببي نفببس الفقيببه يعببود كالقببانون والدسببتور‬
‫الذي يعمل عليه فيما لم يجد فيه نصا عمبن تقببدمه‪ ،‬أو فيمبا لبم يقبف علبى نببص فيبه‬
‫لغيره‪ ،‬فمن ذلك وجود الزنى في العبيد‪ .‬اختلف العلمباء فيببه؛ فقبال مالببك والشبافعي‪:‬‬
‫هو عيب؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬ليس بعيب وهو نقص في الخلق الشرعي الذي هو العفة؛‬
‫والزواج عند مالك عيب‪ ،‬وهو من العيببوب العائقببة عببن السببتعمال‪ ،‬وكببذلك الببدين‪،‬‬
‫وذلك أن العيب بالجملة هو ما عاق فعل النفس أو فعل الجسم وهذا العببائق قببد يكببون‬
‫في الشيء وقد يكون من خارج؛ وقال الشافعي‪ :‬ليببس الببدين ول الببزواج بعيببب فيمببا‬
‫أحسب‪ .‬والحمل في الرائعة عيب عند مالك‪ .‬وفي كونه عيبا فببي الببوخش خلف فببي‬
‫المذهب‪ .‬والتصرية عند مالك والشافعي عيب وهو حقن اللبن فببي الثببدي أيامببا حببتى‬
‫يوهم ذلك أن الحيوان ذو لبن غزير‪ ،‬وحجتهم حديث المصراة المشهور‪ ،‬وهببو قببوله‬
‫صلى ال عليه وسلم "ل تصروا البل والبقر‪ ،‬فمن فعل ذلك فهببو بخيببر النظريببن إن‬
‫شاء أمسكها وإن شباء ردهببا وصبباعا مببن تمببر" قببالوا‪ :‬فببأثبت لببه الخيببار بببالرد مببع‬
‫التصرية‪ ،‬وذلك دال على كونه عيبا مؤثرا‪ .‬قالوا‪ :‬وأيضا فإنه مدلس‪ ،‬فأشبه التببدليس‬
‫بسائر العيوب‪ .‬وقال أبببو حنيفببة وأصببحابه‪ :‬ليسببت التصببرية عيبببا للتفبباق علببى أن‬
‫النسان إذا اشترى شاة فخرج لبنها قليل أن ذلك ليس بعيب‪ .‬قالوا‪ :‬وحديث المصراة‬
‫يجب أن ل يوجب عمل لمفارقته الصول‪ ،‬وذلبك أنببه مفببارق للصببول مببن وجببوه‪:‬‬
‫فمنها أنه معارض لقوله عليه الصلة والسلم "الخراج بالضمان" وهببو أصببل متفببق‬
‫عليه؛ ومنها أن فيه معارضة منع بيع طعببام بطعببام نسببيئة‪ ،‬وذلببك ل يجببوز باتفبباق؛‬
‫ومنها أن الصل في المتلفات إما القيم وإما المثل‪ ،‬وإعطاء صبباع مببن تمببر فببي لبببن‬
‫ليس قيمة ول مثل ومنها بيبع الطعبام المجهبول‪ :‬أي الجبزاف بالمكيبل المعلبوم‪ ،‬لن‬
‫اللبن الذي دلس به البائع غير معلوم القدر‪ ،‬وأيضا فإنه يقببل ويكببثر‪ ،‬والعبوض ههنببا‬
‫محدود‪ ،‬ولكن الواجب أن يستثني هذا من هذه الصول كلها لموضع صحة الحديث‪،‬‬
‫وهذا كأنه ليس من هذا الباب وإنما هو حكم خاص‪ .‬ولكن اطرد إليببه القببول فلنرجببع‬
‫إلى حيث كنا نقول‪ :‬إنه ل خلف عندهم في العور والعمى وقطع اليببد والرجببل أنهببا‬
‫عيوب مؤثرة‪ ،‬وكذلك المرض في أي عضو كان‪ ،‬أو كان في جملة البببدن‪ ،‬والشببيب‬
‫في المذهب عيب في الرائعة‪ ،‬وقيببل لبببأس باليسببير منببه فيهببا‪ ،‬وكببذلك الستحاضببة‬
‫عيب في الرقيق والوخش‪ ،‬وكذلك ارتفاع الحيض عيب فببي المشببهور مبن المببذهب‪،‬‬
‫والزعر عيب‪ ،‬وأمراض الحببواس والعضبباء كلهببا عيببب باتفبباق‪ .‬وبالجملببة فأصببل‬
‫المذهب أن كل ما أثر في القيمة‪ :‬أعني نقص منهببا فهببو عيببب‪ ،‬والبببول فببي الفببراش‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫عيب‪ ،‬وبه قال الشافعي؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬ترد الجارية به‪ ،‬ول يرد العبد به‪ ،‬والتأنيث‬
‫في الذكر والتذكير في النثى عيب هذا كله في المذهب إل ما ذكرنا فيه الختلف‪.‬‬
‫@‪)-‬النظر الثاني( وأما شرط العيب الموجب للحكم به فهو أن يكون حادثا قبببل أمببد‬
‫التبايع باتفاق أو في العهدة عند من يقول بها‪ ،‬فيجببب ههنببا أن نببذكر اختلف الفقهبباء‬
‫في العهدة فنقول‪ :‬انفرد مالك بالقول بالعهدة دون سائر فقهبباء المصببار‪ ،‬وسببلفه فببي‬
‫ذلك أهل المدينة الفقهاء السبعة وغيرهم‪ ،‬ومعنى العهدة أن كل عيب حدث فيهببا عنببد‬
‫المشتري فهو من البائع‪ ،‬وهي عند القائلين بها عهدتان‪ :‬عهببدة الثلثببة اليببام‪ ،‬وذلببك‬
‫من جمع العيوب الحادثة فيها عند المشتري‪ .‬وعهدة السنة‪ ،‬وهي من العيوب الثلثة‪:‬‬
‫الجذام والبرص والجنون‪ ،‬فما حدث في السنة من هذه الثلث بالمبيع فهو من البائع‪،‬‬
‫وما حدث من غيرها من العيوب كببان مببن ضببمان المشببتري علببى الصببل‪ .‬وعهببدة‬
‫الثلث عند المالكية بالجملة بمنزلة أيام الخيار وأيام الستبراء والنفقة فيها والضمان‬
‫من البببائع‪ .‬وأمببا عهببدة السببنة فالنفقببة فيهببا والضببمان مببن المشببتري إل مببن الدواء‬
‫الثلثة‪ ،‬وهذه العهدة عند مالك في الرقيق‪ ،‬وهي أيضا واقعة في أصناف البببيوع فببي‬
‫كل ما القصد منه المماكسة والمحاكرة وكان بيعا ل في الذمة‪ ،‬هذا مببا ل خلف فيببه‬
‫في المذهب‪ ،‬واختلف في غير ذلك‪ .‬وعهدة السنة تحسب عنده بعبد عهبدة الثلث فبي‬
‫الشببهر مبن المبذهب‪ ،‬وزمببان المواضببعة يتبداخل مبع عهبدة الثلث إن كبان زمبان‬
‫المواضعة أطول من عهدة الثلث‪ .‬وعهدة السنة ل تتداخل مع عهدة الستبراء‪ ،‬هببذا‬
‫هو الظاهر من المذهب‪ ،‬وفيه اختلف‪ .‬وقال الفقهاء السبببعة‪ :‬ل يتببداخل منهببا عهببدة‬
‫مع ثانية‪ ،‬فعهدة الستبراء أول‪ ،‬ثم عهدة الثلث‪ ،‬ثم عهدة السنة‪ .‬واختلف أيضبا عبن‬
‫مالك هل تلزم العهببدة فببي كببل البلد مببن غيببر أن يحمببل أهلهببا عليهببا؟ فببروي عنببه‬
‫الوجهان‪ ،‬فإذا قيل ل يلزم أهل هذه البلد إل أن يكونوا قد حملوا على ذلك فهبل يجبب‬
‫أن يحمل عليها أهل كل بلد أم ل؟ فيه قولن في المببذهب‪ ،‬ول يلببزم النقببد فببي عهببدة‬
‫الثلث وإن اشترط‪ ،‬ويلزم في عهدة السنة؛ والعلة في ذلك أنه لببم يكمببل تسببليم البببيع‬
‫فيها للبائع قياسا علببى بيببع الخيببار لببتردد النقببد فيهببا بيببن السببلف والبببيع‪ ،‬فهببذه كلهببا‬
‫مشهورات أحكام العهدة في مذهب مالك وهي كلها فروع مبنية على صببحة العهببدة‪،‬‬
‫فلنرجع إلى تقرير حجج المثبببتين لهببا والمبطليببن‪ .‬وأمببا عمببدة مالببك رحمببه الب فببي‬
‫العهدة وحجته التي عول عليها‪ ،‬فهي عمبل أهبل المدينبة‪ .‬وأمبا أصبحابه المتبأخرون‬
‫فإنهم احتجوا بما رواه الحسن عن عقبة ابن عامر عن النبببي صببلى ال ب عليببه وسببلم‬
‫قال "عهدة الرقيق ثلثة أيام" وروي أيضا "ل عهدة بعد أربببع" وروى هببذا الحببديث‬
‫أيضا الحسن عن سمرة بن جندب الفزاري رضي ال عنه‪ ،‬وكل الحديثين عنببد أهببل‬
‫العلم معلببول‪ ،‬فببإنهم اختلفببوا فببي سببماع الحسببن عببن سببمرة‪ ،‬وإن كببان الترمببذي قببد‬
‫صححه وأما سائر فقهاء المصار فلم يصح عنببدهم فببي العهببدة أثببر‪ ،‬ورأوا أنهببا لببو‬
‫صحت مخالفة للصبول‪ ،‬وذلبك أن المسبلمين مجمعبون علبى أن كبل مصبيبة تنبزل‬
‫بالمبيع قبل قبضه فهي من المشبتري‪ ،‬فالتخصبيص لمثبل هبذا الصبل المتقبرر إنمبا‬
‫يكون بسماع ثابت‪ ،‬ولهذا ضعف عند مالك في أحد الروايتين عنه أن يقضي بها فببي‬
‫كل بلد إل أن يكون ذلك عرفا في البلد أو يشترط وبخاصة عهدة السنة‪ ،‬فإنه لم يببأت‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫في ذلك أثر‪ .‬وروي عن الشافعي عن ابن جريح قال‪ :‬سببألت ابببن شببهاب عببن عهببدة‬
‫السنة والثلث فقال‪ :‬ما علمت فيها أمرا سالفا‪ .‬وإذ قد تقرر القول في تمييببز العيببوب‬
‫التي توجب حكما من التي ل توجبه وتقرر الشرط فببي ذلببك‪ ،‬وهببو أن يكببون العيببب‬
‫حادثا قبل البيع أو في العهدة عند من يرى العهدة‪ ،‬فلنصر إلى ما بقي‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثالث‪ .‬في معرفة حكم العيب الموجب إذا كان المبيع لم يتغير‪.‬‬
‫@‪-‬وإذا وجدت العيوب‪ ،‬فإن لم يتغير المبيع بشببيء مببن العيبوب عنببد المشبتري فل‬
‫يخلو أن يكون في عقار أو عروض أو في حيوان‪ ،‬فببإن كببان فببي حيببوان فل خلف‬
‫أن المشتري مخير بين أن يرد المبيع ويأخببذ ثمنببه أو يمسببك ول شببيء لببه‪ .‬وأمببا إن‬
‫كان عقار فمالك يفرق في ذلببك بيببن العيببب اليسببير والكببثير فيقببول‪ :‬إن كببان العيببب‬
‫يسيرا لم يجب الرد‪ ،‬ووجبت قيمة العيب وهو الرش‪ ،‬وإن كان كببثيرا وجببب الببرد‪،‬‬
‫هذا هو الموجود المشهور في كتب أصحابه‪ ،‬ولببم يفصببل البغببداديون هببذا التفصببيل‪.‬‬
‫وأما العروض فالمشهور في المذهب أنها ليست في هذا الحكم بمنزلة الصول‪ ،‬وقببد‬
‫قيل إنها بمنزلة الصول في المذهب‪ ،‬وهذا الذي كان يختاره الفقيه أبو بكر بن رزق‬
‫شيخ جدي رحمة ال عليهما‪ ،‬وكان يقول‪ :‬إنه ل فرق في هببذا المعنببى بيببن الصببول‬
‫والعروض‪ ،‬وهذا الذي قاله يلزم من يفرق بين العيببب الكببثير والقليببل فببي الصببول‪:‬‬
‫أعني أن يفرق في ذلك أيضا في العروض‪ ،‬والصل أن كل ما حط القيمة أنببه يجببب‬
‫به الرد‪ ،‬وهو الذي عليه فقهاء المصار‪ ،‬ولذلك لم يعول البغداديون فيما أحسب على‬
‫التفرقة التي قلت في الصول‪ ،‬ولم يختلف قولهم فببي الحيببوان إنببه ل فببرق فيببه بيببن‬
‫العيب القليل والكثير‪.‬‬
‫@‪)-‬فصل( وإذ قلنا إن المشتري يخير بين أن يرد المبيع ويأخذ ثمنببه أو يمسببك ول‬
‫شيء له‪ ،‬فإن اتفقا على أن يمسك المشتري سلعته ويعطيه البائع قيمة العيببب‪ ،‬فعامببة‬
‫فقهاء المصار يجيزون ذلك‪ ،‬إل ابن سريج مببن أصببحاب الشببافعي فببإنه قببال‪ :‬ليببس‬
‫لهما ذلك لنه خيار في مال‪ ،‬فلم يكن له إسقاطه بعوض كخيار الشفعة‪ .‬قال القاضببي‬
‫عبد الوهاب‪ :‬وهببذا غلببط‪ ،‬لن ذلببك حببق للمشببتري فلببه أن يسببتوفيه‪ :‬أعنببي أن يببرد‬
‫ويرجع بالثمن‪ ،‬وله أن يعاوض على تركه‪ ،‬وما ذكره مببن خيببار الشببفعة فببإنه شبباهد‬
‫لنا‪ ،‬فإن له عندنا تركه إلى عوض يأخذه‪ ،‬وهذا ل خلف فيه‪ .‬وفي هذا الباب فرعان‬
‫مشهوران من قبل التبعيض‪ :‬أحدهما هل إذا اشترى المشببتري أنواعببا مببن المبيعببات‬
‫في صفقة واحدة فوجد أحدها معيبا‪ ،‬فهل يرجع بالجميع‪ ،‬أو بالذي وجببد فيببه العيببب؟‬
‫فقال قوم‪ :‬ليس له إل أن يرد الجميع أو يمسك‪ ،‬وبه قال أبو ثببور والوزاعببي‪ ،‬إل أن‬
‫يكون قد سمى ما لكل واحد من تلك النواع من القيمببة‪ ،‬فببإن هببذا ممببا ل خلف فيببه‬
‫أنه يرد المبيع بعينه فقط‪ ،‬وإنما الخلف إذا لم يسم‪ .‬وقال قوم‪ :‬يببرد المعيببب بحصببته‬
‫من الثمن وذلك بالتقدير‪ ،‬وممن قال بهذا القببول سببفيان الثببوري وغيببره‪ .‬وروي عببن‬
‫الشافعي القولن معببا‪ .‬وفببرق مالببك فقببال‪ :‬ينظببر فببي المعيببب‪ ،‬فببإن كببان ذلببك وجببه‬
‫الصفقة والمقصود بالشراء رد الجميع‪ ،‬وإن لم يكن وجه الصفقة رده بقيمتببه‪ .‬وفببرق‬
‫أبو حنيفة تفريقا آخر وقال‪ :‬إن وجد العيب قبببل القبببض رد الجميببع‪ ،‬وإن وجببده بعببد‬
‫القبض رد المعيب بحصته من الثمن‪ .‬ففي هذه المسألة أربعة أقوال‪ .‬فحجببة مببن منببع‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫التبغيض في الببرد أن المبردود يرجببع فيببه بقيمببة لببم يتفببق عليهبا المشبتري والبببائع‪،‬‬
‫وكذلك الذي يبقى إنما يبقى بقيمة لم يتفقا عليهببا‪ .‬ويمكببن أنببه لببو بعضببت السببلعة لببم‬
‫يشتر البعض بالقيمة التي أقيم بها‪ .‬وأما حجة من رأى الرد في البعض المعيب ولبد‬
‫فلنه موضع ضرورة‪ ،‬فأقيم فيه التقويم والتقدير مقام الرضا قياسا علببى أن مببا فببات‬
‫في البيع فليس فيه إل القيمة‪ .‬وأمببا تفريببق مالببك بيببن مببا هببو وجببه الصببفقة أو غيببر‬
‫وجهها فاستحسان منه‪ ،‬لنه رأى أن ذلك المعيب إذا لم يكن مقصودا في المبيع فليس‬
‫كبير ضرر في أن ل يوافق الثمن الذي أقيم به أراده المشتري أو البائع‪ .‬وأما عند ما‬
‫يكون مقصودا أو جل المبيع فيعظم الضرر في ذلك‪ .‬واختلف عنببه هببل يعتبببر تببأثير‬
‫العيب في قيمة الجميع أو في قيمة المعيب خاصببة‪ .‬وأمببا تفريببق أبببي حنيفببة بيببن أن‬
‫يقبض أو ل يقبض‪ ،‬فإن القبض عنده شرط مببن شببروط تمببام البببيع‪ ،‬ومببا لببم يقبببض‬
‫المبيع فضمانه عنده من البائع‪ ،‬وحكم الستحقاق في هذه المسألة حكم الرد بالعيب‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الثانية( فإنهم اختلفببوا أيضببا فببي رجليببن يبتاعببان شببيئا واحببدا فببي‬
‫صفقة واحدة فيجدان به عيبا فيريد أحدهما الرجوع ويأبى الخر‪ ،‬فقال الشافعي‪ :‬لمن‬
‫أراد الرد أن يرد‪ ،‬وهي رواية ابن القاسببم عببن مالببك‪ ،‬وقيببل ليببس لببه أن يببرد؛ فمببن‬
‫أوجب الرد شبهه بالصفقتين المفترقتين‪ ،‬لنه قد اجتمع فيها عاقدان؛ ومبن لبم يبوجبه‬
‫شبهه بالصفقة الواحدة إذا أراد المشتري فيها تبغيض رد المبيع بالعيب‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الرابع‪ .‬في معرفة أصناف التغيرات الحادثة عند المشتري وحكمها‪.‬‬
‫@‪-‬وأما إن تغير المبيع عند المشتري ولببم يعلببم بببالعيب إل بعببد تغيببر المبببيع عنببده‬
‫فالحكم في ذلك يختلف عند فقهاء المصار بحسب التغييببر‪ .‬فأمببا إن تغيببر بمببوت أو‬
‫فساد أو عتق‪ ،‬ففقهاء المصار على أنه فبوت‪ ،‬ويرجبع المشبتري علبى الببائع بقيمبة‬
‫العيب‪ .‬وقال عطاء بن أبي رباح‪ :‬ل يرجع في الموت والعتق بشيء‪ .‬وكببذلك عنببدهم‬
‫حكم من اشترى جارية فأولدها‪ .‬وكذلك التدبير عندهم‪ ،‬وهو القياس في الكتابة‪ .‬وأمببا‬
‫تغيره في البيع فإنهم اختلفوا فيه‪ ،‬فقال أبو حنيفة والشافعي‪ :‬إذا باعه لم يرجع بشيء‪،‬‬
‫وكذلك قال الليث‪ .‬وأما مالك فله في البيع تفصبيل‪ ،‬وذلببك أنبه ل يخلببو أن يبببيعه مببن‬
‫بائعه منه أو من غير بائعه‪ ،‬ول يخلو أيضا أن يبيعه بمثل الثمن أو أقل أو أكثر‪ ،‬فإن‬
‫باعه من بائعه منه بمثل الثمن فل رجوع له بالعيب‪ .‬وإن باعه منببه بأقببل مببن الثمببن‬
‫رجع عليه بقيمببة العيببب‪ ،‬وإن ببباعه بببأكثر مببن الثمببن نظببر‪ ،‬فببإن كببان البببائع الول‬
‫مدلسا‪ :‬أي عالما بالعيب لم يرجع الول على الثاني بشيء‪ ،‬وإن لم يكن مدلسببا رجببع‬
‫الول على الثاني في الثمن والثاني على الول أيضا‪ ،‬وينفسخ البيعان ويعببود المبببيع‬
‫إلى ملك الول‪ ،‬فإن باعه من عند بائعه منه‪ ،‬فقببال ابببن القاسببم‪ :‬ل رجببوع لببه بقيمببة‬
‫العيب‪ ،‬مثل قبول أببي حنيفببة والشببافعي؛ وقبال اببن عبببد الحكببم‪ :‬لبه الرجببوع بقيمببة‬
‫العيب؛ وقال أشهب‪ :‬يرجع بالقل من قيمة العيب أو بقيمة الثمن‪ ،‬هذا إذا ببباعه بأقببل‬
‫مما اشتراه‪ ،‬وعلى هذا ل يرجع إذا باعه بمثل الثمن أو أكثر‪ ،‬وبه قال عثمان البببتي‪.‬‬
‫ووجه قول ابن القاسم والشافعي وأبي حنيفة أنه إذا فات ببالبيع فقببد أخبذ عوضبا مببن‬
‫غير أن يعتبر تأثير بالعيب في ذلك العوض الذي هبو الثمبن‪ ،‬ولببذلك مببتى قبام عليبه‬
‫المشتري منه بعيب رجع على البببائع الول بل خلف‪ .‬ووجببه القببول الثبباني تشبببيهه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫البيع بالعتق‪ .‬ووجببه قببول عثمببان وأشببهب أنببه لببو كببان عنببده المبببيع لببم يكببن لببه إل‬
‫المساك أو الرد للجميع‪ ،‬فإذا باعه فقد أخذ عوض ذلك الثمن‪ ،‬فليس له إل مببا نقببص‬
‫إل أن يكبون أكبثر مبن قيمبة العيبب‪ .‬وقبال مالبك‪ :‬إن وهبب أو تصبدق رجبع بقيمبة‬
‫العيب؛ وقال أبو حنيفببة ل يرجبع‪ ،‬لن هبتببه أو صبدقته تفببويت للملبك بغيببر عبوض‬
‫ورضي منه بذلك طلبا للجر‪ ،‬فيكون رضاه بإسقاط حق العيب أولى وأحرى بببذلك‪.‬‬
‫وأما مالك فقاس الهبة على العتق‪ ،‬وقد كان القياس أن ل يرجع في شيء من ذلك إذا‬
‫فات ولم يمكنه الرد‪ ،‬لن إجماعهم على أنه إذا كان في يده فليس يجب له إل الرد أو‬
‫المساك‪ ،‬دليل على أنه ليس للعيب تأثير في إسقاط شيء من الثمن‪ ،‬وإنمببا لببه تببأثير‬
‫في فسخ البيع فقط‪ .‬وأما العقود التي يتعاقبها السترجاع كببالرهن والجببازة فبباختلف‬
‫في ذلك أصحاب مالك‪ ،‬فقال ابن القاسم‪ :‬ل يمنع ذلك من الرد بببالعيب إذا رجببع إليببه‬
‫المبيع؛ وقال أشهب‪ :‬إذا لم يكبن زمبان خروجبه عبن يبده زمانبا بعيبدا كبان لبه البرد‬
‫بالعيب‪ ،‬وقول ابن القاسم أولى‪ ،‬والهبة للثواب عند مالك كالبيع في أنهببا فببوت‪ ،‬فهببذه‬
‫هي الحوال التي تطرأ على المبيع من العقود الحادثة فيها وأحكامها‪.‬‬
‫*‪*3‬باب في طرو النقصان‪.‬‬
‫@‪-‬وأما إن طرأ على المبيع نقص فل يخلو أن يكون النقص في قيمته أو فببي البببدن‬
‫أو في النفس‪ .‬فأما نقصان القيمببة لختلف السببواق‪ ،‬فغيببر مببؤثر فببي الببرد بببالعيب‬
‫بإجماع‪ .‬وأما النقصان الحادث في البدن‪ ،‬فإن كان يسببيرا غيببر مببؤثر فببي القيمببة فل‬
‫تأثير له في البرد ببالعيب‪ ،‬وحكمبه حكبم البذي لبم يحبدث‪ ،‬وهبذا نبص مبذهب مالبك‬
‫وغيره‪.‬‬
‫وأما النقص الحادث في البببدن المببؤثر فببي القيمببة‪ ،‬فبباختلف الفقهبباء فيببه علببى ثلثببة‬
‫أقوال‪:‬‬
‫أحدها أنه ليس له أن يرجع إل بقيمة العيب فقط وليس له غير ذلك إذا أبى البائع مببن‬
‫الرد‪ ،‬وبه قال الشافعي في قوله الجديد وأبو حنيفة‪.‬‬
‫وقال الثوري‪ :‬ليس له إل أن يرد‪ ،‬ويرد مقدار العيبب البذي حبدث عنبده‪ ،‬وهبو قبول‬
‫الشافعي الول‪.‬‬
‫والقول الثالث قول مالك‪ :‬إن المشتري بالخيار بين أن يمسك ويضع عنببه البببائع مببن‬
‫الثمن قدر العيب أو يرده على البائع ويعطيه ثمن العيب البذي حبدث عنبده‪ ،‬وأنببه إذا‬
‫اختلف البائع والمشتري‪ ،‬فقال البائع للمشتري‪ :‬أنا أقبببض المبببيع وتعطببي أنببت قيمببة‬
‫العيب الذي حدث عندك‪ ،‬وقال المشتري‪ :‬بببل أنببا أمسببك المبببيع‪ ،‬وتعطببي أنببت قيمببة‬
‫العيب الذي حدث عندك‪ ،‬فالقول قول المشببتري والخيببار لببه‪ ،‬وقببد قيببل فببي المببذهب‬
‫القول قول البائع‪ ،‬وهذا إنما يصح على قول من يرى أنه ليس للمشتري إل أن يمسك‬
‫أو يرد وما نقص عنده‪ .‬وشذ أبو محمد بن حزم فقال‪ :‬له أن يرد ول شيء عليه‪.‬‬
‫وأما حجة من قال‪ :‬إنه ليس للمشتري إل أن يرد ويرد قيمة العيب‪ ،‬أو يمسببك‪ ،‬فلنببه‬
‫قد أجمعوا على أنه إذا لم يحدث بالمبيع عيب عند المشببتري فليببس إل الببرد‪ ،‬فببوجب‬
‫استصحاب حال هذا الحكم‪ ،‬وإن حدث عند المشتري عيب مببع إعطببائه قيمببة العيببب‬
‫الذي حدث عنده‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وأما من رأى أنه ل يرد المبيع بشيء وإنما لببه قيمببة العيببب الببذي كببان عنببد البببائع‪،‬‬
‫فقياسا على العتق والموت لكون هذا الصل غير مجمع عليه‪ ،‬وقد خالف فيه عطاء‪.‬‬
‫وأما مالك فلما تعارض عنده حق البائع وحببق المشببتري غلببب المشببتري وجعببل لببه‬
‫الخيار‪ ،‬لن البائع ل يخلو من أحد أمرين‪ :‬إمببا أن يكببون مفرطببا فببي أنببه لببم يسببتعلم‬
‫العيب ويعلم به المشتري‪ ،‬أو يكون علمه فدلس به على المشتري‪ .‬وعند مالك أنه إذا‬
‫صح أنه دلس بالعيب وجب عليه الرد من غير أن يببدفع إليببه المشببتري قيمببة العيببب‬
‫الذي حدث عنده‪ ،‬فإن مات من ذلك العيب كان ضمانه علببى البببائع بخلف الببذي لببم‬
‫يثبت أنه دلس فيه‪.‬‬
‫وأما حجة أبي محمد‪ ،‬فلنه أمر حدث من عند ال كما لو حدث في ملك البببائع‪ ،‬فببإن‬
‫الرد بالعيب دال على أن البيع لم ينعقد في نفسه‪ ،‬وإنما انعقد في الظاهر‪ ،‬وأيضببا فل‬
‫كتاب ول سنة يوجب على مكلف غرم ما لم يكببن لببه تببأثير فببي نقصببه إل أن يكببون‬
‫على جهة التغليظ عند من ضمن الغاصب ما نقبص عنبده ببأمر مبن الب‪ ،‬فهبذا حكبم‬
‫العيوب الحادثة في البدن‪.‬‬
‫ت ]أي‬ ‫وأما العيوب التي في النفس كالباق والسرقة‪ ،‬فقبد قيببل فببي المببذهب إنهبا ُتِفيب ُ‬
‫يفببوت بهببا اسببتطاعة الببرد[ الببرد كعيببوب البببدان‪ ،‬وقيببل ل‪ ،‬ول خلف أن العيببب‬
‫الحادث عند المشتري إذا ارتفع بعد حدوثه أنه ل تبأثير لببه فببي الببرد إل أن ل تببؤمن‬
‫عاقبته‪ .‬واختلفوا من هذا الباب في المشتري يطأ الجارية‪ ،‬فقال قوم‪ :‬إذا وطببئ فليببس‬
‫له الرد وله الرجوع بقيمة العيب‪ ،‬وسواء كبانت بكبرا أو ثيببا؛ وببه قبال أببو حنيفبة؛‬
‫وقال الشافعي‪ :‬يرد قيمة الوطء في البكر ول يردها في الثيب؛ وقال قوم‪ :‬بببل يردهببا‬
‫ويرد مهر مثلها‪ ،‬وبه قال ابن أبي شبرمة وابن أبي ليلببى؛ وقببال سببفيان الثببوري‪ :‬إن‬
‫كانت ثيبا رد نصف العشر من ثمنها‪ ،‬وإن كببانت بكببرا رد العشببر مببن ثمنهببا؛ وقببال‬
‫مالك‪ :‬ليس عليه في وطء الثيب شيء لنه غلة وجبت له بالضمان‪ .‬وأمببا البكببر فهببو‬
‫عيب يثبت عنده للمشتري الخيار على ما سلف من رأيه‪ ،‬وقد روي مثببل هببذا القببول‬
‫عن الشافعي؛ وقال عثمان البتي‪ :‬الوطء معتبر في العرف في ذلك النوع من الرقيق‪،‬‬
‫فإن كان له أثر في القيمة رد البائع ما نقص‪ ،‬وإن لم يكن له أثر لم يلزمه شيء‪ ،‬فهذا‬
‫هو حكم النقصان الحادث في المبيعات‪.‬‬
‫وأما الزيادة الحادثة في المبيع‪ :‬أعني المتولدة المنفصلة منببه‪ ،‬فبباختلف العلمبباء فيهببا‪،‬‬
‫فذهب الشافعي إلى أنها غير مؤثرة في الرد وأنها للمشتري لعموم قوله عليه الصلة‬
‫والسلم "الخراج بالضمان"‪ .‬وأما مالببك فاسببتثنى مببن ذلببك الولببد فقببال‪ :‬يببرد للبببائع‪،‬‬
‫وليس للمشتري إل الرد الزائد مع الصل أو المساك‪ .‬قال أبو حنيفببة‪ :‬الببزوائد كلهببا‬
‫تمنع الرد وتوجب أرش العيببب إل الغلببة والكسببب‪ .‬وحجتببه أن مببا تولببد عببن المبببيع‬
‫داخل في العقد‪ ،‬فلما لم يكن رده ورد ما تولد عنه كان ذلك فوتا يقتضي أرش العيببب‬
‫إل ما نصصه الشرع من الخراج والغلة‪ .‬وأما الزيادة الحادثة في نفس المبببيع الغيببر‬
‫المنفصلة عنه فإنها إن كانت مثل الصبغ في الثوب والرقم فإنهببا تببوجب الخيببار فببي‬
‫المذهب‪ ،‬إما المساك والرجوع بقيمة العيب‪ ،‬وإما في الرد وكونه شببريكا مببع البببائع‬
‫بقيمة الزيادة‪ .‬وأما النماء في البدن مثل السمن فقد قيل في المببذهب يثبببت بببه الخيببار‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫للمشتري‪ ،‬وقيل ل يثبت‪ ،‬وكذلك النقص الذي هو الهزال‪ ،‬فهببذا هببو القببول فببي حكببم‬
‫التغيير‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الخامس‪ .‬في القضاء في اختلف الحكم عند اختلف المتبايعين‪.‬‬
‫@‪-‬وأما صفة الحكم في القضاء بهذه الحكام فببإنه إذا تقببار البببائع والمشببتري علببى‬
‫حالة من هذه الحوال المذكورة ههنا وجببب الحكببم الخبباص بتلببك الحببال‪ ،‬فببإن أنكببر‬
‫البائع دعوى القائم‪ ،‬فل يخلو أن ينكر وجود العيب أو ينكر حببدوثه عنببده‪ .‬فببإن أنكببر‬
‫وجود العيب بالمبيع فإن كان العيب يستوي في إدراكببه جميببع النبباس كفببى فببي ذلببك‬
‫شاهدان عدلن ممن اتفق من الناس‪ ،‬وإن كان مما يختببص بعلمببه أهببل صببناعة مببا‪،‬‬
‫شهد به أهل تلك الصناعة‪ ،‬فقيل في المذهب عدلن‪ .‬وقيل ل يشترط في ذلك العدالببة‬
‫ول العدد ول السلم‪ ،‬وكذلك الحبال إن اختلفبوا فبي كبونه مبؤثرا فبي القيمبة‪ ،‬وفبي‬
‫كونه أيضا قبل أمد التبايع أو بعده‪ ،‬فإن لببم يكببن للمشببتري بينببة حلببف البببائع أنببه مببا‬
‫حدث عنده‪ ،‬وإن لم تكن له بينة )لعله وإن كانت له بينة( على وجببود العيببب بببالمبيع‬
‫لم يجب له يمين على البائع‪ .‬وأمببا إذا وجببب الرش فببوجه الحكببم فببي ذلببك أن يقببوم‬
‫الشيء سليما ويقوم معيبا ويرد المشتري ما بين ذلبك‪ ،‬فبإن وجبب الخيبار قبوم ثلث‬
‫تقويمات‪ :‬تقويم وهو سليم‪ ،‬وتقويم بالعيب الحادث عند البائع‪ ،‬وتقويم بالعيب الحادث‬
‫عند المشتري‪ ،‬فيرد البائع من الثمن ويسقط عنه ما قدر منه قدر ما تنقص بببه القيمببة‬
‫المعيبة عن القيمة السليمة‪ ،‬وإن أببى المشبتري البرد وأحبب المسباك رد الببائع مبن‬
‫الثمن ما بين القيمة الصحيحة والمعيبة عنده‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني في بيع البراءة‪.‬‬
‫@‪-‬اختلف العلماء في جواز هذا البيع‪ .‬وصببورته أن يشببترط البببائع علببى المشببتري‬
‫التزام كل عيب يجده في المبيع على العموم‪ ،‬فقال أبو حنيفة‪ :‬يجوز البيع بالبراءة من‬
‫كل عيب سواء علمه البائع أو لم يعلمه‪ ،‬سماه أو لببم يسببميه‪ ،‬أبصببره أو لببم يبصببره‪،‬‬
‫وبه قال أبو ثور‪ .‬وقال الشافعي في أشهر قوليه وهو المنصور عند أصبحابه ل يبببرأ‬
‫البائع إل من عيب يريه للمشتري‪ ،‬وبببه قببال الثببوري‪ .‬وأمببا مالببك فالشببهر عنببه أن‬
‫البراءة جائزة مما يعلم البائع من العيوب‪ ،‬وذلك في الرقيببق خاصببة‪ ،‬إل البببراءة مببن‬
‫الحمل في الجواري الرائعببات‪ ،‬فببإنه ل يجببوز عنببده لعظببم الغببرر فيببه‪ ،‬ويجببوز فببي‬
‫الوخش‪ .‬وعنه في رواية ثانية‪ :‬أنه يجوز في الرقيق والحيوان‪ .‬وفي رواية ثالثة مثل‬
‫قول الشافعي‪ .‬وقد روي عنه أن بيع البراءة إنما يصح من السببلطان فقببط‪ ،‬وقيببل فببي‬
‫بيع السلطان وبيع المواريث‪ ،‬وذلك من غير أن يشببترطوا البببراءة‪ .‬وحجببة مببن رأى‬
‫القول بالبراءة على الطلق أن القيام بالعيب حق مببن حقببوق المشببتري قبببل البببائع‪،‬‬
‫فإذا أسقطه سقط أصله سائر الحقوق الواجبة‪ .‬وحجة من لببم يجببزه علببى الطلق أن‬
‫ذلك من باب الغرر فيما لم يعلمه البائع‪ ،‬ومن باب الغبن والغببش فيمببا علمببه‪ ،‬ولببذلك‬
‫اشترط جهل البائع مالك‪ .‬وبالجملة فعمدة مالك ما رواه فببي الموطببأ أن عبببد الب بببن‬
‫عمر باع غلما له بثمانمائة درهم وباعه على البراءة‪ ،‬فقال الذي ابتاعه لعبد ال بببن‬
‫عمر‪ :‬بالغلم داء لم تسمه‪ ،‬فاختصما إلى عثمان‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬ببباعني عبببدا وبببه داء‬
‫لم يسمه لي‪ ،‬وقال عبد ال‪ :‬بعته بالبراءة‪ ،‬فقضى عثمان على عبد ال أن يحلببف لقببد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫باع العبد وما به داء يعلمه‪ ،‬فأبى عبد ال أن يحلف وارتجببع العبببد‪ .‬وروي أيضببا أن‬
‫زيد بن ثابت كان يجيز بيع البراءة‪ .‬وإنما خص مالك بذلك الرقيق لكون عيوبهم فببي‬
‫الكثر خافية‪ .‬وبالجملة خيار الرد بالعيب حق ثابت للمشتري‪ ،‬ولما كان ذلك يختلببف‬
‫اختلفا كثيرا كاختلف المبيعات فببي صببفاتها وجببب إذا اتفقببا علببى الجهببل بببه أن ل‬
‫يجوز أصله إذا اتفقا على جهل صببفة المبببيع المببؤثرة فببي الثمببن‪ ،‬ولببذلك حكببى ابببن‬
‫القاسم في المدونة عن مالك أن آخر قبوله كبان إنكبار بيببع البببراءة إل مبا خفببف فيببه‬
‫السلطان‪ ،‬وفبي قضباء البديون خاصبة‪ .‬وذهبب المغيبرة مبن أصبحاب مالبك إلبى أن‬
‫البراءة إنما تجوز فيما كان من العيوب ل يتجاوز فيها ثلث المبيع‪ ،‬والبراءة بالجملببة‬
‫إنما تلزم عند القائلين بالشرط‪ :‬أعني إذا اشترطها إل بيببع السببلطان والمببواريث عنببد‬
‫مالك فقط‪ .‬فالكلم بالجملة في بيع البراءة هو في جبوازه وفببي شببرط جببوازه‪ ،‬وفيمبا‬
‫يجوز من العقود والمبيعات والعيوب‪ ،‬ولمن يجوز بالشرط أو مطلقا‪ ،‬وهببذه كلهببا قببد‬
‫تقدمت بالقوة في قولنا فاعلمه‪.‬‬
‫*‪)*3‬الجملة الثانية‪ :‬في وقت ضمان المبيعات( واختلفوا في الوقت الذي يتضمن فيببه‬
‫المشتري المبيع أنى تكون خسارته إن هلك منه‪ .‬فقال أبو حنيفة والشافعي‪ :‬ل يضمن‬
‫المشتري إل بعد القبض‪ .‬وأما مالك فله في ذلك تفصيل‪ ،‬وذلك أن المبيعات عنده في‬
‫هذا الباب ثلثة أقسام‪ :‬بيع يجب على البائع فيه حق توفيببة مببن وزن أو كيببل وعببدد‪.‬‬
‫وبيع ليس فيه حق توفية‪ ،‬وهو الجزاف أو مببا ل يببوزن ول يكببال ول يعببد‪ .‬فأمببا مببا‬
‫كان فيه حق توفية فل يضمن المشتري إل بعد القبض‪ .‬وأما ما ليس فيببه حببق توفيببة‬
‫وهو حاضر فل خلف في المذهب أن ضببمانه مببن المشببتري وإن لببم يقبضببه‪ .‬وأمببا‬
‫المبيع الغائب‪ ،‬فعن مالك في ذلك ثلث روايات‪ :‬أشهرها أن الضببمان مببن البببائع إل‬
‫أن يشترطه على المبتاع‪ .‬والثانية أنه من المبتاع إل أن يشترطه على البائع‪ .‬والثالثة‬
‫الفرق بين ما ليس بمأمون البقاء إلى وقت القتضاء كالحيوان والمأكولت‪ ،‬وبين مببا‬
‫هو مأمون البقاء‪ .‬والخلف في هذه المسألة مبني هل على القبض شرط مببن شببروط‬
‫العقد‪ ،‬أو حكم من أحكام العقد‪ ،‬والعقد لزم دون القبض؟ فمن قال القبض من شروط‬
‫صحة العقد أو لزومه أو كيفما شئت أن تعبر في هذا المعنى كان الضمان عنببده مببن‬
‫البائع حتى يقبضه المشتري؛ ومن قال هو حكم لزم من أحكام المبيع والبيع قد انعقد‬
‫ولزم قال‪ :‬العقد يدخل في ضمان المشببتري‪ .‬وتفريببق مالببك بيببن الغببائب والحاضببر‪،‬‬
‫والذي فيه حق توفية والذي ليس فيه حق توفيببة استحسببان‪ ،‬ومعنببى الستحسببان فببي‬
‫أكثر الحوال هو التفات إلى المصلحة والعببدل‪ .‬وذهببب أهببل الظبباهر إلببى أن بالعقببد‬
‫يدخل فببي ضببمان المشببتري وفيمببا أحسببب‪ ،‬وعمببدة مببن رأى ذلببك اتفبباقهم علببى أن‬
‫الخراج قبل القبض للمشتري‪ ،‬وقببد قبال عليبه الصبلة والسبلم "الخببراج بالضببمان"‬
‫وعمدة المخالف حديث عتاب بن أسيد أن رسول ال صلى ال عليببه وسببلم لمببا بعثببه‬
‫إلى مكة قال له "انههم عن بيع ما لم يقبضوا وربح مبا لبم يضبمنوا" وقبد تكلمنبا فبي‬
‫شرط القبض في المبيع فيما سلف‪ ،‬ول خلف بين المسلمين أنه من ضمان المشتري‬
‫بعد القبببض إل فببي العهببدة والجببوائح‪ .‬وإذ قببد ذكرنببا العهببدة فينبغببي أن نببذكر ههنببا‬
‫الجوائح‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫*‪*4‬القول في الجوائح‪.‬‬
‫@‪-‬اختلف العلماء في وضع الجوائح في الثمار‪ ،‬فقال بالقضاء بها مالببك وأصببحابه‪،‬‬
‫ومنعها أبو حنيفة والثوري والشافعي في قوله الجديد والليث‪ .‬فعمدة من قال بوضعها‬
‫حديث جابر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال "من ببباع ثمببرا فأصببابته جائحببة‬
‫فل يأخذ من أخيه شيئا‪ ،‬على ماذا يأخذ أحدكم مال أخيه؟" خرجببه مسببلم عببن جببابر‪.‬‬
‫وما روي عنه أنه قال "أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم بوضع الجوائح"‪ .‬فعمببدة‬
‫من أجاز الجوائح حديثا جابر هذان‪ ،‬وقياس الشبه أيضا‪ ،‬وذلك أنهم قببالوا‪ :‬إنببه مبببيع‬
‫بقي على البائع فيه حق توفية‪ ،‬بببدليل مببا عليببه مببن سببقيه إلببى أن يكمببل‪ ،‬فببوجب أن‬
‫يكون ضمانه منه أصله سائر المبيعات التي بقي فيها حق توفية‪ ،‬والفرق عندهم بيببن‬
‫هذا المبيع وبين سائر البيوع أن هذا بيع وقع في الشرع والمبيع لم يكمل بعببد‪ ،‬فكببأنه‬
‫مستثنى من النهي عن بيع ما لم يخلبق‪ ،‬فبوجب أن يكبون فبي ضبمانه مخالفبا لسبائر‬
‫المبيعات‪ .‬وأما عمدة من لم يقل بالقضاء بها فتشببيه هبذا الببيع بسببائر المبيعببات وأن‬
‫التخلية في هذا المبيع هو القبض‪ .‬وقد اتفقوا على أن ضمان المبيعات بعد القبض من‬
‫المشتري ومن طريق السماع أيضا حديث أبي سعيد الخدري قببال "أجيببح رجببل فببي‬
‫ثمار ابتاعها وكببثر دينببه‪ ،‬فقببال رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم‪ :‬تصببدقوا عليببه‪،‬‬
‫فتصدق عليه فلم يبلغ وفاء دينه‪ ،‬فقال رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم‪ :‬خببذوا مببا‬
‫وجدتم وليس لكم إل ذلك" قالوا‪ :‬فلم يحكم بالجائحة‪ .‬فسبب الخلف في هببذه المسببألة‬
‫هو تعارض الثار فيهما وتعارض مقاييس الشبه‪ ،‬وقببد رام كببل واحببد مببن الفريقيببن‬
‫صرف الحديث المعارض للحديث الذي هببو الصببل عنببده بالتأويببل‪ ،‬فقببال مببن منببع‬
‫الجائحة‪ :‬يشبه أن يكون المر بها إنما ورد من قبل النهي عن بيع الثمببار حببتى يبببدو‬
‫صلحها‪ ،‬قالوا‪ :‬ويشهد لذلك أنه لما كثر شكواهم بالجوائح أمروا أن ل يبببيعوا الثمببر‬
‫إل بعد أن يبدو صلحه‪ ،‬وذلك في حديث زيد بن ثابت المشهور‪ ،‬وقببال مببن أجازهببا‬
‫في حديث أبي سعيد‪ :‬يمكن أن يكون البائع عديما فلم يقض عليه بجائحة أو أن يكون‬
‫المقدار الذي أصيب من الثمر مقدارا ل يلببزم فيببه جائحببة‪ ،‬أو أن يكببون أصببيب فببي‬
‫غير الوقت الذي تجب فيه الجائحة‪ ،‬مثل أن يصاب بعد الجذاذ أو بعببد الطيببب‪ .‬وأمببا‬
‫الشافعي فروى حديث جابر عن سليمان بن عتيق عن جابر‪ ،‬وكببان يضببعفه ويقببول‪:‬‬
‫إنه اضطرب في ذكر وضع الجوائح فيه ولكنه قال‪ :‬إن ثبت الحديث وجببب وضببعها‬
‫في القليل والكثير‪ ،‬ول خلف بينهم في القضاء بالجائحة بالعطش‪ ،‬وقد جعل القائلون‬
‫بها اتفاقهم في هذا حجة على إثباتها‪.‬‬
‫والكلم في أصول الجوائح على مذهب مالك ينحصر في أربعة فصببول‪ :‬الول‪ :‬فببي‬
‫معرفة السباب الفاعلة للجوائح‪ .‬الثاني‪ :‬في محل الجوائح من المبيعات‪ .‬الثببالث‪ :‬فببي‬
‫مقدار ما يوضع منه فيه‪ .‬الرابع‪ :‬في الوقت الذي توضع فيه‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الول في معرفة السباب الفاعلة للجوائح‪.‬‬
‫@‪-‬وأما ما أصاب الثمرة من السماء مثل البرد والقحببط وضببده والعفببن‪ ،‬فل خلف‬
‫في المذهب أنه جائحة‪ .‬وأما العطش كما قلنا فل خلف بين الجميع أنه جائحة‪ .‬وأمببا‬
‫ما أصاب من صنع الدميين فبعض من أصبحاب مالبك رآه جائحببة وبعببض لببم يببره‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫جائحة‪ .‬والذين رأوه جائحة انقسموا إلى قسمين‪ :‬فبعضببهم رأى منببه جائحببة مببا كببان‬
‫غالبا كالجيش ولم ير ما كان منه بمغافصة )غافصة‪ :‬أخذه علببى غببرة( جائحببة مثببل‬
‫السرقة‪ ،‬وبعضهم جعل كل ما يصببيب الثمبرة مبن جهبة الدمييبن جائحببة بببأي وجببه‬
‫كان‪ ،‬فمن جعلها في المور السماوية فقط اعتمد ظاهر قببوله عليببه الصببلة والسببلم‬
‫"أرأيت إن منع ال الثمرة؟" ومن جعلها في أفعال الدميين شبهها بالمور السماوية‪،‬‬
‫ومن استثنى اللص قال‪ :‬يمكن أن يتحفظ منه‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثاني في محل الجوائح من المبيعات‪.‬‬
‫@‪-‬ومحل الجوائح هي الثمار والبقول‪ .‬فأما الثمار فل خلف فيها في المذهب‪ ،‬وأما‬
‫البقول ففيها خلف‪ ،‬والشهر فيها الجائحة‪ .‬وإنما اختلفوا فببي البقببول لختلفهببم فببي‬
‫تشبيهها بالصل الذي هو الثمر‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الثالث في مقدار ما يوضع منه فيه‪.‬‬
‫@‪-‬وأما المقدار الذي تجب فيه الجائحة‪ ،‬أما في الثمار فالثلث‪ ،‬وأما في البقول فقيببل‬
‫في القليل والكثير‪ ،‬وقيل في الثلببث‪ ،‬وابببن القاسببم يعتبببر ثلببث الثمببر بالكيببل وأشببهب‬
‫يعتبر الثلث في القيمة‪ ،‬فإذا ذهب من الثمببر عنببد أشببهب مببا قيمتببه الثلببث مببن الكيببل‬
‫وضع عنه الثلث من الثمن‪ ،‬وسواء كان ثلثا في الكيببل أو لببم يكببن‪ .‬وأمببا ابببن القاسببم‬
‫فإنه إذا ذهب من الثمر الثلث مببن الكيببل‪ ،‬فببإن كببان نوعببا واحببدا ليببس تختلببف قيمببة‬
‫بطونه حط عنه من الثمن الثلث‪ ،‬وإن كان الثمر أنواعا كثيرة مختلفببة القيببم‪ ،‬أو كببان‬
‫بطونا مختلفة القيم أيضا اعتبر قيمة ذلك الثلث الببذاهب مببن قيمببة الجميببع‪ ،‬فمببا كببان‬
‫قدره حط بذلك القدر من الثمن‪ ،‬ففي موضع يعتبر المكيلة فقط‪ ،‬حيث تسببتوي القيمببة‬
‫في أجزاء الثمرة وبطونها وفي موضببع يعتبببر أمريببن جميعببا حيببث تختلببف القيمببة‪،‬‬
‫والمالكية يحتجون في مصيرهم إلببى التقببدير فببي وضببع الجببوائح وإن كببان الحببديث‬
‫الوارد فيها مطلقا بأن القليل في هذا معلوم من حكم العادة أنه يخببالف الكببثير إذ كببان‬
‫معلوما أن القليل يذهب من كل ثمر‪ ،‬فكأن المشتري دخببل علببى هببذا الشببرط بالعببادة‬
‫وإن لم يدخل بالنطق‪ ،‬وأيضا فإن الجائحة التي علبق الحكبم بهبا تقتضبي الفبرق بيبن‬
‫القليل والكثير‪ .‬قببالوا‪ :‬وإذا وجببب الفببرق وجببب أن يعتبببر فيببه الثلببث‪ ،‬إذ قببد اعتبببره‬
‫الشرع في مواضع كثيرة‪ ،‬وإن كان المذهب يضطرب في هذا الصل‪ ،‬فمببرة يجعببل‬
‫الثلث من حيز الكثير كجعله إياه ههنا‪ ،‬ومرة يجعله في حيز القليل ولم يضطرب فبي‬
‫أنه الفرق بين القليل والكثير‪ ،‬والمقدارات يعسر إثباتها بالقياس عند جمهور الفقهبباء‪،‬‬
‫ولذلك قال الشافعي‪ :‬لو قلت بالجائحة لقلت فيها بالقليببل والكببثير‪ ،‬وكببون الثلببث فرقببا‬
‫بين القليل والكثير هببو نببص فببي الوصببية فببي قببوله عليببه الصببلة والسببلم "الثلببث‪،‬‬
‫والثلث كثير"‪.‬‬
‫*‪*4‬الفصل الرابع في الوقت الذي توضع فيه‪.‬‬
‫@‪-‬وأما زمبان القضباء بالجائحبة‪ ،‬فباتفق المبذهب علبى وجوبهبا فبي الزمبان البذي‬
‫يحتاج فيه إلى تبقية الثمر على رءوس الشجر حيث يستوفي طيبه‪ .‬واختلفوا إذا أبقبباه‬
‫المشتري فببي الثمببار ليبببيعه علببى النضببارة وشببيئا شببيئا‪ ،‬فقيببل فيببه الجائحببة تشبببيها‬
‫بالزمان المتفق عليه‪ ،‬وقيل ليس فيبه جائحبة تفريقبا بينبه وبيبن الزمبان المتفبق علبى‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وجوب القضاء بالجائحة فيه‪ ،‬وذلك أن هببذا الزمببان يشبببه الزمببان المتفببق عليببه مببن‬
‫جهة ويخالفه من جهة؛ فمن غلب التفاق أوجب فيه الجائحببة؛ ومببن غلببب الختلف‬
‫لببم يببوجب فيببه جائحببة‪ ،‬أعنببي مببن رأى أن النضببارة مطلوبببة بالشببراء كمببا الطيببب‬
‫مطلوب قال‪ :‬بوجوب الجائحة فيه؛ ومبن لببم يببر المبر فيهمبا واحبدا قبال‪ :‬ليبس فيببه‬
‫جائحة‪ ،‬ومن ههنا اختلفوا في وجوب الجوائح في البقول‪.‬‬
‫*‪)*3‬الجملة الثالثة من جمل النظر فببي الحكببام( وهببو فببي تابعببات المبيعببات‪ ،‬ومببن‬
‫مسائل هذا الباب المشهورة اثنتببان‪ :‬الولبى بيببع النخيبل وفيهبا الثمبر مببتى يتبببع بيبع‬
‫الصل ومتى ل يتبعه؟ فجمهور الفقهاء على أن من باع نخل فيها ثمر قبل أن يببؤبر‬
‫فإن الثمر للمشتري‪ ،‬وإذا كان البيع بعد البار فالثمر للببائع إل أن يشبترطه المبتباع‪،‬‬
‫والثمار كلها في هذا المعنى في معنى النخيل‪ ،‬وهذا كله لثببوت حبديث اببن عمبر أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قببال "مببن ببباع نخل قببد أبببرت فثمرهببا للبببائع إل أن‬
‫يشترطه المبتاع" قالوا‪ :‬فلما حكم صلى ال عليه وسلم بالثمن للبائع بعد البببار علمنببا‬
‫بدليل الخطاب أنها للمشتري قبل البار بل شرط‪ ،‬وقببال أبببو حنيفببة وأصببحابه‪ :‬هببي‬
‫للبائع قبل البار وبعده‪ ،‬ولم يجعل المفهوم ههنا من باب دليل الخطاب بببل مببن ببباب‬
‫مفهوم الحرى والولى ‪ ،‬قالوا‪ :‬وذلك أنه إذا وجبت للبائع بعد البار فهي أحببرى أن‬
‫تجب له قبل البار‪ .‬وشبهوا خروج الثمببر ببالولدة‪ ،‬وكمببا أن مبن بباع أمبة لهبا ولبد‬
‫فولدها للبائع إل أن يشترطه المبتاع كذلك المر في الثمن‪ ،‬وقال ابن أبي ليلى‪ :‬سواء‬
‫أبر أو لم يؤبر إذا بيع الصل فهو للمشتري اشترطها أو لم يشببترطها‪ ،‬فببرد الحببديث‬
‫بالقياس‪ ،‬لنه رأى أن الثمر جزء مببن المبببيع‪ ،‬ول معنببى لهببذا القببول إل أن كبان لببم‬
‫يثبت عنده الحديث‪ .‬وأما أبو حنيفة فلم يرد الحديث‪ ،‬وإنما خالف مفهببوم الببدليل فيببه‪.‬‬
‫فإذا سبب الخلف في هذه المسألة بين أبي حنيفة والشافعي ومالك ومببن قببال بقببولهم‬
‫معارضة دليل الخطباب لبدليل مفهببوم الحببرى والولبى‪ ،‬وهببو البذي يسبمى فحبوى‬
‫الخطاب لكنه ههنا ضعيف‪ ،‬وإن كان في الصل أقوى من دليل الخطاب‪ .‬وأما سبببب‬
‫مخالفة ابن أبي ليلى فمعارضة القياس للسماع‪ ،‬وهو كما قلنببا ضببعيف‪ .‬والبببار عنببد‬
‫العلماء أن يجعل طلع ذكور النحل في طلع إناثها‪ ،‬وفي سائر الشجر أن تنور وتعقد‪،‬‬
‫والتذكير في شجر التين التي تذكر في معنى البببار‪ ،‬وإبببار الببزرع مختلببف فيببه فببي‬
‫المذهب‪ ،‬فروى ابن القاسم عن مالك أن إباره أن يفرك قياسا على سائر الثمر‪ ،‬وهببل‬
‫الموجب لهذا الحكم هو البار أو وقت البار؟ قيل الوقت‪ ،‬وقيببل البببار‪ ،‬وعلببى هببذا‬
‫ينبني الختلف إذا أبر بعض النخيل ولم يؤبر البعض‪ ،‬هل يتبع ما لم يببؤبر مببا أبببر‬
‫أو ل يتبعه؟ واتفقوا فيما أحسبه على أنه إذا بيع ثمر وقد دخل وقت البببار فلببم يببؤبر‬
‫أن حكمه حكم المؤبر‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية( وهي اختلفهم في بيع مال العبد‪ ،‬وذلببك أنهببم اختلفببوا فببي مببال‬
‫العبد هل يتبعه في البيع والعتق؟ على ثلثة أقوال‪ :‬أحدها أن مبباله فببي البببيع والعتببق‬
‫لسيده‪ ،‬وكذلك في المكاتب‪ ،‬وبه قال الشافعي والكوفيون‪ .‬والثاني أن ماله تبع لببه فببي‬
‫البيع والعتق‪ ،‬وهو قول داود وأبي ثور‪ .‬والثالث أنه تبع له في العتق ل فببي البببيع إل‬
‫أن يشترطه المشتري‪ ،‬وبه قال مالك والليث‪ .‬فحجة من رأى أن ماله في البيع لسببيده‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫إل أن يشترطه المبتاع حديث ابن عمر المشهور عن النبي صلى ال عليه وسببلم أنببه‬
‫قال "من باع عبدا وله مببال فمبباله للببذي ببباعه إل أن يشببترطه المبتبباع" ومببن جعلببه‬
‫لسيده في العتق فقياسا على البيع‪ .‬وحجة من رأى أنه تبع للعبد فببي كببل حببال انبنببت‬
‫على كون العبد مالكا عندهم وهي مسألة اختلف العلماء فيها اختلفا كثيرا‪ :‬أعني هل‬
‫يملك العبد أو ل يملك؟ ويشبه أن يكون هؤلء إنما غلبوا القيبباس علببى السببماع‪ ،‬لن‬
‫حديث ابن عمر هو حديث خالف فيه نافع سالما‪ ،‬لن نافعا رواه عن ابن عمر وسالم‬
‫رواه عن ابن عمر عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬وأما مالك فغلب القياس في العتق‬
‫والسماع في البيع‪ .‬وقال مالك في الموطأ‪ :‬المر المجتمع عليببه عنببدنا أن المبتبباع إذا‬
‫اشترط مال العبد فهو له نقدا كان أو عرضا أو دينا‪ .‬وقد روي عن النبببي صببلى ال ب‬
‫عليه وسلم أنه قال "من أعتق غلما فماله له إل أن يستثنيه سيده" ويجوز عنببد مالببك‬
‫أن يشتري العبد وماله بدراهم‪ ،‬وإن كان مال العبد دراهم أو فيه دراهم‪ .‬وخببالفه أبببو‬
‫حنيفة والشافعي إذا كان مال العبد نقدا‪ ،‬وقالوا‪ :‬العبد وماله بمنزلة من ببباع شببيئين ل‬
‫يجوز فيهمببا إل مببا يجببوز فببي سببائر البببيوع‪ .‬واختلببف أصببحاب مالببك فببي اشببتراط‬
‫المشتري لبعض مال العبد في صفقة البيع‪ ،‬فقال ابن القاسم‪ :‬ل يجوز‪ ،‬وقببال أشببهب‪:‬‬
‫جائز أن يشترط بعضه‪ ،‬وفرق بعضهم فقال‪ :‬إن كان ما اشترى بببه العبببد عينببا وفببي‬
‫مال العبد عين لم يجز ذلك لنه يدخله دراهم بعرض ودراهم‪ ،‬وإن كببان مببا اشببترى‬
‫به عروضا أو لم يكن في مال العبد دراهم جاز‪ .‬ووجه قول ابن القاسم إنببه ل يجببوز‬
‫أن يشترط بعض تشبيهه بثمر النخبل بعبد الببار‪ .‬ووجببه قببول أشببهب تشبببيه الجببزء‬
‫بالكل‪ ،‬وفي هذا الباب مسائل مسكوت عنها كثيرة ليست مما قصببدناه‪ .‬ومبن مشببهور‬
‫مسائلهم في هذا الباب الزيادة والنقصان اللذان يقعان في الثمن الذي انعقد عليه البببيع‬
‫بعد البيع بما يرضى به المتبايعان‪ ،‬أعنببي أن يزيببد المشببتري البببائع بعببد البببيع علببى‬
‫الثمن الذي انعقد عليه البيع أو يحط منببه البببائع‪ ،‬هببل يتبببع حكببم الثمببن أم ل؟ وفببائدة‬
‫الفرق أن من قال هي من الثمن أوجب ردها في السببتحقاق وفببي الببرد بببالعيب ومببا‬
‫أشبه ذلك‪ ،‬وأيضا من جعلها فبي حكببم الثمببن الول إن كببانت فاسبدة الببيع‪ ،‬ومببن لبم‬
‫يجعلها من الثمن‪ :‬أعني الزيادة لم يوجب شيئا من هذا‪ ،‬فذهب أبو حنيفة إلى أنها من‬
‫الثمن إل أنه قال ل تثبت الزيادة في حببق الشببفيع ول فببي بيببع المرابحببة‪ ،‬بببل الحكببم‬
‫للثمن الول‪ ،‬وبه قال مالك؛ وقال الشافعي‪ :‬ل تلحق الزيادة والنقصان بببالثمن أصببل‬
‫وهو في حكم الهبة‪ ،‬واستدل مببن ألحببق الزيببادة بببالثمن بقببوله عببز وجببل }ول جنبباح‬
‫عليكم فيما تراضيتم بببه مببن بعببد الفريضببة{ قبالوا‪ :‬وإذا لحقببت الزيببادة فببي الصببداق‬
‫بالصداق لحقت في البيع بالثمن‪ .‬واحتج الفريق الثاني باتفاقهم على أنها ل تلحببق فببي‬
‫الشفعة وبالجملة من رأى أن العقد الول قد تقرر قال‪ :‬الزيببادة هبببة؛ ومببن رأى أنهببا‬
‫فسخ للعقد الول وعقد ثان عدها من الثمن‪.‬‬
‫*‪)*3‬الجملة الرابعة( وإذا اتفق المتبايعان على البيع واختلفا في مقدار الثمن ولم تكن‬
‫هناك بينة ففقهاء المصار متفقون على أنهما يتحالفان ويتفاسخان بالجملة ومختلفون‬
‫في التفصيل‪ ،‬أعني في الوقت الببذي يحكببم فيببه باليمببان والتفاسببخ‪ ،‬فقببال أبببو حنيفببة‬
‫وجماعة‪ :‬إنهما يتحالفان ويتفاسخان ما لم تفت عين السببلعة‪ ،‬فببإن فبباتت فببالقول قببول‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المشتري مع يمينه‪ .‬وقال الشافعي ومحمببد بببن الحسببن صبباحب أبببي حنيفببة وأشببهب‬
‫صباحب مالبك‪ :‬يتحالفبان فبي كبل وقبت‪ .‬وأمبا مالبك فعنبه روايتبان‪ :‬إحبداهما أنهمبا‬
‫يتحالفان ويتفاسخان قبل القبض وبعد القبض القول قببول المشببتري‪ .‬والروايببة الثانيببة‬
‫مثل قول أبي حنيفة‪ ،‬وهي رواية ابن القاسم‪ ،‬والثانيببة روايببة أشببهب‪ ،‬والفببوت عنببده‬
‫يكون بتغيير السواق وبزيببادة المبببيع ونقصبانه‪ .‬وقبال داود وأبببو ثبور‪ :‬القببول قبول‬
‫المشتري على كل حال‪ ،‬وكذلك قال زفر‪ ،‬إل أن يكونا اختلفا في جنس الثمن‪ ،‬فحينئذ‬
‫يكببون التفاسببخ عنببدهم والتحببالف‪ ،‬ول خلف أنهببم إذا اختلفببوا فببي جنببس الثمببن أو‬
‫المثمون أن الواجب هو التحالف والتفاسخ‪ ،‬وإنمبا صبار فقهباء المصبار إلبى القبول‬
‫على الجملة بالتحالف والتفاسخ عند الختلف في عدد الثمن لحديث ابببن مسببعود أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قال "أيما بيعين تبايعا فالقول قول البائع أو يببترادان"‬
‫فمن حمل هذا الحديث على وجببوب التفاسببخ وعمببومه قببال‪ :‬يتحالفببان فببي كببل حببال‬
‫ويتفاسخان‪ ،‬والعلة في ذلك عنده أن كل واحد منهمببا مببدع ومببدعى عليببه‪ .‬وأمببا مببن‬
‫رأى أن الحديث إنما يجب أن يحمل على الحالة التي يجببب أن يتسبباوى فيهبا دعببوى‬
‫البائع والمشتري قال‪ :‬إذا قبض السلعة أو فبباتت فقببد صببار القبببض شبباهدا للمشببتري‬
‫وشبهه لصدقه‪ ،‬واليمين إنما يجب على أقوى المتداعيين شبهة‪ ،‬وهذا هو أصل مالببك‬
‫في اليمان‪ ،‬ولذلك يببوجب فببي مواضببع اليميببن علببى المببدعي‪ ،‬وفببي مواضببع علببى‬
‫المدعى عليه‪ ،‬وذلك أنه لم يجببب اليميببن ببالنص علبى المببدعى عليبه مببن حيببث هببو‬
‫مدعى عليه‪ ،‬وإنما وجبببت عليببه مببن حيببث هببو فببي الكببثر أقببوى شبببهة‪ ،‬فببإذا كببان‬
‫المدعي في مواطن أقوى شبهة وجب أن يكون اليمين في حيزه‪ .‬وأما من رأى القول‬
‫قول المشتري‪ ،‬فإنه رأى أن البائع مقر للمشتري بالشراء ومببدع عليببه عببددا مببا فببي‬
‫الثمن‪ .‬وأما داود ومن قال بقببوله فببردوا حببديث ابببن مسببعود لنببه منقطببع ولببذلك لببم‬
‫يخرجه الشيخان البخاري ومسلم‪ ،‬وإنما خرجه مالك‪ .‬وعن مالك‪ :‬إذا نكل المتبايعببان‬
‫عن اليمان روايتان‪ :‬إحداهما الفسخ‪ ،‬والثانية أن القول قول البببائع‪ .‬وكبذلك مببن يببدأ‬
‫باليمين في المذهب فيه خلف‪ ،‬فالشهر البائع علببى مببا فببي الحببديث‪ ،‬وهببل إذا وقببع‬
‫التفاسخ يجوز لحدهما أن يختار قول صاحبه؟ فيه خلف في المذهب‪.‬‬
‫@‪)-‬القسم الرابع من النظر المشترك في البيوع( وهو النظر فببي حكببم البببيع الفاسببد‬
‫إذا وقع‪ ،‬فنقول‪ :‬اتفق العلماء على أن البيوع الفاسدة إذا وقعت ولم تفت بإحداث عقببد‬
‫فيها أو نماء أو نقصان أو حوالة سببوق أن حكمهببا الببرد أعنببي أن يببرد البببائع الثمببن‬
‫والمشتري المثمون‪ .‬واختلفوا إذا قبضت وتصرف فيها بعتق أو هبة أو بيع أو رهببن‬
‫أو غير ذلك من سائر التصرفات هل ذلبك فبوت يبوجب القيمبة‪ ،‬وكبذلك إذا نمبت أو‬
‫نقصت فقال الشافعي‪ :‬ليس ذلك كله فوتا ول شبهة ملك في البيع الفاسد وأن الببواجب‬
‫الرد‪ ،‬وقال مالك‪ :‬كل ذلك فوت يوجب القيمة إل ما روى عنه ابن وهب في الربا أنه‬
‫ليس بفوت‪ ،‬ومثل ذلك قال أبو حنيفة‪ .‬والبيوع الفاسدة عند مالبك تنقسبم إلبى محرمببة‬
‫وإلى مكروهة‪ .‬فأما المحرمة فإنها إذا فاتت مضت بالقيمة‪ .‬وأما المكروهببة فإنهببا إذا‬
‫فاتت صحت عنده‪ ،‬وربما صح عنده بعببض البببيوع الفاسببدة بببالقبض لخفببة الكراهببة‬
‫عنده في ذلك‪ ،‬فالشافعية تشبه المبيع الفاسد لمكان الربا والغرر بالفاسد لمكان تحريببم‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫عينه كبيع الخمر والخنزير فليس عندهم فيه فببوت‪ ،‬ومالببك يببرى أن النهببي فببي هببذه‬
‫المور إنما هو لمكان عدم العدل فيها‪ ،‬أعني بيوع الربا والغببرر‪ ،‬فببإذا فبباتت السببلعة‬
‫فالعدل فيها هو الرجوع بالقيمة‪ ،‬لنه قد تقبض السلعة وهي تساوي ألفببا وتببرد وهببي‬
‫تساوي خمسببمائة أو بببالعكس‪ ،‬ولببذلك يببرى مالببك حوالببة السببواق فوتببا فببي المبببيع‬
‫الفاسد‪ ،‬ومالببك يببرى فببي البببيع والسببلف أنببه إذا فببات وكببان البببائع هببو المسببلف رد‬
‫المشتري القيمة ما لم تكن أزيد من الثمن‪ ،‬لن المشتري قد رفع له في الثمببن لمكببان‬
‫السلف فليس من العدل أن يرد أكثر مبن ذلبك‪ ،‬وإن كبان المشبتري هبو البذي أسبلف‬
‫البائع فقد حط البائع عنه من الثمن لمكان السلف‪ ،‬فإذا وجبببت علببى المشببتري القيمببة‬
‫ردها ما لم تكن أقل من الثمن‪ ،‬لن هذه البيوع إنما وقع المنببع فيهببا لمكببان مببا جعببل‬
‫فيها من العوض مقابل السلف الذي هو موضوع لعون الناس بعضهم لبعض‪ ،‬ومالك‬
‫في هذه المسألة أفقه من الجميع‪ .‬واختلفوا إذا ترك الشرط قبل القبببض‪ :‬أعنببي شببرط‬
‫السببلف‪ ،‬هببل يصببح البببيع أم ل؟ فقببال أبببو حنيفببة والشببافعي وسببائر العلمبباء‪ :‬البببيع‬
‫مفسوخ؛ وقال مالببك وأصببحابه‪ :‬البببيع غيببر مفسببوخ إل ابببن عبببد الحكببم قببال‪ :‬البببيع‬
‫مفسوخ‪ .‬وقد روي عن مالك مثل قول الجمهور‪ .‬وحجة الجمهببور أن النهببي يتضببمن‬
‫فساد المنهي فإذا انعقد البيع فاسدا لم يصححه بعد رفببع الشببرط الببذي مببن قبلببه وقببع‬
‫الفساد‪ ،‬كما أن رفع السبب المفسد في المحسوسببات بعببد فسبباد الشببيء ليببس يقتضببي‬
‫عودة الشيء إلى ما كان عليه قبل الفساد مببن الوجببود فبباعلمه‪ .‬وروي أن محمببد بببن‬
‫أحمد بن سهل البرمكي سأل عن هذه المسألة إسماعيل بن إسحاق المببالكي فقببال لببه‪:‬‬
‫ما الفرق بين السلف والبيع وبين رجل باع غلما بمائة دينار وزق خمر‪ ،‬فلما انعقببد‬
‫البيع بينهما قال‪ :‬أنا أدع الزق‪ ،‬وهذا البيع مفسببوخ عنببد العلمبباء بإجمبباع‪ ،‬فببوجب أن‬
‫يكون بيع السلف كذلك‪ ،‬فجاوب عن ذلك بجواب ل تقوم به حجة‪ ،‬وقد تقدم القول في‬
‫ذلك‪ .‬وإذ قد انقضى القول في أصول البيوع الفاسدة وأصول البيوع الصحيحة‪ ،‬وفببي‬
‫أصول أحكام البيوع الصحيحة‪ ،‬وأصببول الحكببام الفاسببدة المشببتركة العامببة لجميببع‬
‫البيوع أو لكثير منها فلنصر إلى ما يخص واحدا واحدا مببن هببذه الربعببة الجنبباس‪،‬‬
‫وذلك بأن نذكر منها ما يجري مجرى الصول‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب الصرف‪.‬‬
‫@‪-‬ولما كان يخص هذا البيع شبرطان‪ :‬أحبدهما عبدم النسبيئة وهبو الفبور‪ ،‬والخبر‬
‫عدم التفاضل وهو اشبتراط المثليببة كبان النظبر فببي هببذا الببباب ينحصبر فببي خمسبة‬
‫أجناس‪ :‬الول‪ :‬في معرفة ما هو نسيئة مما ليس بنسيئة‪ .‬الثبباني‪ :‬فببي معرفببة مببا هببو‬
‫مماثل مما ليس بمماثل‪ ،‬إذ هببذان القسببمان ينقسبمان بفصبول كببثيرة فيعبرض هنالببك‬
‫الخلف‪ .‬الثالث‪ :‬فيما وقع أيضا من هذا البيع بصورة مختلف فيها هل هو ذريعة إلى‬
‫أحببد هببذين أعنببي الزيببادة والنسببيئة أو كليهمببا عنببد مببن قببال بالببذرائع وهببو مالببك‬
‫وأصحابه‪ ،‬وهذا ينقسم أيضببا إلببى نببوعين كانقسببام أصببله‪ .‬الخببامس‪ :‬فببي خصببائص‬
‫أحكام هذا البيع من جهة ما يعتبر فيه هذان الشرطان‪ :‬أعنببي عببدم الّنسبباء والتفاضببل‬
‫أو كليهما‪ ،‬وذلك أنه يخالف هذا البيع البيوع لمكببان هببذين الشببرطين فيببه فببي أحكببام‬
‫كثيرة‪ .‬وأنت إذا تأملت الكتب الموضوعة في فببروع الكتبباب الببذي يرسببمونه بكتبباب‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الصرف وجدتها كلها راجعة إلى هذه الجناس الخمسة‪ ،‬أو إلببى مببا تركببب منهببا مببا‬
‫عدا المسائل التي يدخلون في الكتاب الواحد بعينه مما ليس هو من ذلك الكتبباب مثببل‬
‫إدخال الملكية في الصرف مسائل كثيرة هي من باب القتضاء في السلف‪ ،‬لكببن لمببا‬
‫كان الفاسد منها يئول إلى أحد هذين الصلين‪ ،‬أعني إلى صببرف بنسببيئة أو بتفاضببل‬
‫أدخلوها فببي هببذا الكتبباب مثببل مسببائلهم فببي اقتضبباء القائمببة والمجموعببة والفببرادى‬
‫بعضها من بعض‪ ،‬لكن لما كان قصدنا إنما هو ذكر المسببائل الببتي هببي منطببوق بهببا‬
‫في الشرع أو قريب من المنطبوق بهبا رأينبا أن نبذكر فبي هبذا الكتباب سببع مسبائل‬
‫مشهورة تجري مجرى الصول لما يطرأ على المجتهد من مسببائل هببذا الببباب‪ ،‬فببإن‬
‫هذا الكتاب إنما وضعناه ليبلغ به المجتهد في هذه الصناعة رتبة الجتهبباد إذا حصببل‬
‫ما يجب له أن يحصل قبله من القدر الكافي له في علم النحو واللغة وصناعة أصببول‬
‫الفقه‪ ،‬ويكفي من ذلك ما هو مساو لجببرم هببذا الكتبباب أو أقببل‪ ،‬وبهببذه الرتبببة يسببمى‬
‫فقيها ل بحفظ مسائل الفقه ولو بلغت في العدد أقصى ما يمكن أن يحفظه إنسببان كمببا‬
‫نجد متفقهة زماننا يظنون أن الفقه هو الذي حفظ مسائل أكثر‪ ،‬وهؤلء عببرض لهببم‬
‫شبيه ما يعرض لمن ظن أن الخفاف هو الذي عنده خفاف كثيرة ل الببذي يقببدر علببى‬
‫عملها‪ ،‬وهو بين أن الذي عنده خفاف كثيرة سيأتيه إنسان بقدم ل يجبد فبي خفبافه مبا‬
‫يصلح لقدمه‪ ،‬فيلجأ إلى صببانع الخفبباف ضببرورة‪ ،‬وهببو الببذي يصببنع لكببل قببدم خفببا‬
‫يوافقه‪ ،‬فهذا هو مثال أكثر المتفقهة فبي هبذا البوقت وإذ قبد خرجنبا عمبا كنبا بسببيله‬
‫فلنرجع إلى حيث كنا من ذكر المسائل التي وعدنا بها‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الولى( أجمع العلماء على أن بيع الببذهب بالببذهب والفضببة بالفضببة ل‬
‫يجوز إل مثل بمثل يدا بيد‪ ،‬إل ما روي عن ابن عباس ومن تبعه من المكييببن فببإنهم‬
‫أجازوا بيعه متفاضل ومنعوه نسيئة فقط‪ ،‬وإنما صار ابن عباس لببذلك لمببا رواه عببن‬
‫أسامة بن زيد عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قبال "ل رببا إل فبي النسبيئة" وهبو‬
‫حديث صحيح‪ ،‬فأخذ ابن عباس بظاهر هذا الحديث فلم يجعببل الربببا إل فببي النسببيئة‪.‬‬
‫وأما الجمهور فصاروا إلى ما رواه مالك عن نافع عن أبي سعيد الخدري أن رسببول‬
‫ال صلى ال عليببه وسببلم قببال "ل تبببيعوا الببذهب بالببذهب إل مثل بمثببل‪ ،‬ول تشببفوا‬
‫بعضها على بعض ول تبيعوا الفضة بالفضة إل مثل بمثل‪ ،‬ول تشفوا بعضببها علببى‬
‫بعض‪ ،‬ول تبيعوا منها شيئا غائبا بناجز" وهببو مببن أصبح مببا روي فبي هبذا البباب‪.‬‬
‫وحديث عبادة بن الصامت حديث صحيح أيضا في هذا الباب‪ ،‬فصبار الجمهبور إلبى‬
‫هذه الحاديث إذ كانت نصا في ذلك‪ .‬وأما حديث ابن عباس فإنه ليس بنص في ذلببك‬
‫لنه روي فيه لفظان‪ :‬أحدهما أنه قال "إنما الربا فببي النسببيئة" وهببذا ليببس يفهببم منببه‬
‫إجازة التفاضل إل من باب دليل الخطاب وهو ضعيف ول سيما إذا عارضه النببص‪.‬‬
‫وأما اللفظ الخر وهو "ل ربا إل في النسيئة" فهو أقوى مببن هببذا اللفببظ لن ظبباهره‬
‫يقتضي أن ما عدا النسببيئة فليببس بربببا‪ ،‬لكببن يحتمببل أن يريببد بقببوله "ل ربببا إل فببي‬
‫النسيئة" من جهة أن الواقببع فببي الكببثر‪ ،‬وإذا كببان هببذا محتمل والول نببص وجببب‬
‫تأويله على الجهة التي يصح الجمع بينهما‪ .‬وأجمع الجمهور على أن مسكوكه وتبببره‬
‫ومصوغه سواء في منع بيع بعضه ببعض متفاضببل لعمببوم الحبباديث المتقدمببة فببي‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫ذلك‪ ،‬إل معاوية فإنه كان يجيز التفاضل بين التبر والمصوغ لمكان زيادة الصببياغة‪،‬‬
‫وإل ما روي عن مالك أنه سئل عن الرجل يأتي دار الضرب بورقه فيعطيهببم أجببرة‬
‫الضببرب ويأخببذ منهببم دنببانير ودراهببم وزن ورقببه أو دراهمببه‪ ،‬فقببال‪ :‬إذا كببان ذلببك‬
‫لضرورة خروج الرفقة ونحو ذلك فأرجو أن ل يكون به بأس‪ ،‬وبببه قبال ابببن القاسببم‬
‫من أصحابه‪ ،‬وأنكر ذلك ابن وهب من أصحابه وعيسى بن دينار وجمهببور العلمبباء‪.‬‬
‫وأجاز مالك بدل الدينار الناقص بالوازن أو بالدينارين على اختلف بين أصحابه في‬
‫العدد الذي يجوز فيه ذلك من الذي ل يجوز على جهة المعروف‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثانية( اختلف العلماء في السيف والمصحف المحلى يباع بالفضة وفيه‬
‫حلية فضة‪ ،‬أو بالذهب وفيه حلية ذهب‪ ،‬فقال الشافعي‪ :‬ل يجوز ذلك لجهببل المماثلببة‬
‫المشترطة في بيع الفضة بالفضة في ذلك والذهب بالذهب‪ ،‬وقال مالك‪ :‬إن كان قيمببة‬
‫ما فيه من الذهب أو الفضبة الثلبث فأقبل جباز بيعبه‪ ،‬أعنبي بالفضبة إن كبانت حليتبه‬
‫فضة‪ ،‬أو بالذهب إن كانت حليته ذهبا وإل لم يجز‪ ،‬وكأنه رأى أنه إذا كببانت الفضببة‬
‫قليلة لم تكن مقصودة في البيع وصارت كأنها هبة؛ وقال أبو حنيفة وأصحابه‪ :‬لبأس‬
‫ببيع السيف المحلى بالفضة إذا كانت الفضة أكثر من الفضة التي في السيف‪ ،‬وكذلك‬
‫المر في بيع السيف المحلى بالذهب‪ ،‬لنهم رأوا أن الفضة التي فيه أو الذهب يقابببل‬
‫مثله من الذهب أو الفضة المشتراة به‪ ،‬ويبقى الفضل قيمببة السببيف‪ .‬وحجببة الشببافعي‬
‫عموم الحاديث والنص الوارد في ذلك من حديث فضالة بن عبد ال النصاري أنببه‬
‫قال "أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو بخيبر بقلدة فيها ذهببب وخببرز وهببي‬
‫من المغانم تباع‪ ،‬فأمر رسول ال صلى ال عليه وسلم بالذهب الذي في القلدة ينببزع‬
‫وحده‪ ،‬ثم قال لهم رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم‪ :‬الببذهب بالببذهب وزنببا بببوزن"‬
‫خرجه مسلم‪ .‬وأما معاوية كما قلنا فأجاز ذلببك علببى الطلق‪ ،‬وقببد أنكببره عليببه أبببو‬
‫سعيد وقال‪ :‬ل أسكن في أرض أنت فيها لما رواه من الحديث‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الثالثة( اتفق العلماء على أن من شرط الصرف أن يقع ناجزا‪ .‬واختلفوا‬
‫في الزمان الذي يحد هذا المعنى‪ ،‬فقال أبو حنيفة والشافعي‪ :‬الصرف يقع ناجزا ما لم‬
‫يفترق المتصارفان تعجل أو تأخر القبض؛ وقال مالك‪ :‬إن تأخر القبض في المجلببس‬
‫بطل الصرف وإن لم يفترقببا حببتى كببره المواعببدة فيببه‪ .‬وسبببب الخلف ترددهببم فببي‬
‫مفهببوم قببوله عليببه الصببلة والسببلم "إل هبباء وهبباء" وذلببك أن هببذا يختلببف بالقببل‬
‫والكثر؛ فمن رأى أن هذا اللفظ صالح لمن لم يفترق من المجلس‪ ،‬أعنببي أنببه يطلببق‬
‫عليه أنه باع هاء وهاء قال‪ :‬يجوز التأخير في المجلس؛ ومن رأى أن اللفظ ل يصببح‬
‫إل إذا وقع القبض من المتصارفين على الفور قال‪ :‬إن تبأخر القبببض عببن العقبد فبي‬
‫المجلس بطل الصرف لتفاقهم على هذا المعنى لم يجز عنببدهم فببي الصببرف حوالببة‬
‫ول حمالة ول خيار‪ ،‬إل ما حكي عن أبي ثببور أنببه أجبباز فيببه الخيببار‪ .‬واختلببف فببي‬
‫المذهب في التأخير الذي يغلب عليه المتصارفان أو أحدهما‪ ،‬فمرة قيل فيببه إنببه مثببل‬
‫الذي يقع بالختيار‪ ،‬ومرة قيل إنه ليس كذلك في تفاصيل لهببم فببي ذلببك ليببس قصببدنا‬
‫ذكرها في هذا الكتاب‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫@‪)-‬المسألة الرابعة( اختلف العلماء فيمببن اصببطرف دراهببم بببدنانير ثببم وجببد فيهببا‬
‫درهمببا زائفببا‪ ،‬فببأراد رده‪ ،‬فقببال مالببك‪ :‬ينتقببض الصببرف‪ ،‬وإن كببانت دنببانير كببثيرة‬
‫انتقض منها دينار للدرهم فما فوقه إلى صببرف الببدينار‪ ،‬فبإن زاد درهببم علببى دينببار‬
‫انتقض منها دينار آخر‪ ،‬وهكذا ما بينه وبين أن ينتهي إلى صببرف دينببار‪ .‬قببال‪ :‬وإن‬
‫رضبي بالبدرهم البزائف لبم يبطبل مبن الصبرف شبيء‪ .‬وقبال أببو حنيفبة‪ :‬ل يبطبل‬
‫الصرف بالدرهم الببزائف‪ ،‬ويجببوز تبببديله إل أن تكببون الزيببوف نصببف الببدراهم أو‬
‫أكثر‪ ،‬فإن ردهببا بطببل الصببرف فببي المببردود‪ .‬وقببال الثببوري‪ :‬إذا رد الزيببوف كببان‬
‫مخيرا إن شباء أبببدلها أو يكببون شببريكا لببه بقببدر ذلببك فببي الببدنانير‪ :‬أعنببي لصبباحب‬
‫الدنانير‪ .‬وقال أحمد‪ :‬ل يبطل الصببرف بببالرد قليل كببان أو كببثيرا‪ .‬وابببن وهببب مببن‬
‫أصحاب مالك يجيز البدل في الصرف‪ ،‬وهو مبني على أن الغلبببة علببى النظببرة فببي‬
‫الصرف ليس لها تأثير ول سيما في البعض وهو أحسن‪ .‬وعببن الشببافعي فببي بطلن‬
‫الصرف بالزيوف قولن‪ ،‬فيتحصل لفقهاء المصار فببي هببذه المسببألة أربعببة أقببوال‪:‬‬
‫قول بإبطال الصرف مطلقا عند الرد؛ وقول بإثبات الصرف ووجببوب البببدل؛ وقببول‬
‫بالفرق بين القليببل والكببثير؛ وقببول ببالتخيير بيببن بببدل الببزائف أو يكببون شببريكا لببه‪.‬‬
‫وسبب الخلف في هذا كله‪ :‬هل الغلبة على التأخير في الصرف مبؤثرة فيبه أو غيبر‬
‫مؤثرة؟ وإن كببانت مببؤثرة فهببل هببي مببؤثرة فببي القليببل أو فببي الكببثير؟ وأمببا وجببود‬
‫النقصان فإن المذهب اضبطرب فيبه‪ ،‬فمبرة قبال فيبه إنبه إن رضبي بالنقصبان جباز‬
‫الصرف‪ ،‬وإن طلب البدل انتقض الصرف قياسببا علببى الزيببوف‪ ،‬ومببرة قببال‪ :‬يبطببل‬
‫الصرف وإن رضي بببه‪ ،‬وهببو ضببعيف‪ .‬واختلفببوا أيضببا إذا قبببض بعببض الصببرف‬
‫وتأخر بعضه‪ ،‬أعني الصرف المنعقد على التناجز‪ ،‬فقيببل يبطببل الصببرف كلببه‪ ،‬وبببه‬
‫قال الشافعي؛ وقيل يبطل منه المتأخر فقط‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة ومحمد وأبببو يوسببف‪،‬‬
‫والقولن في المذهب؛ ومبنببي الخلف الخلف فببي الصببفقة الواحببدة يخالطهببا حببرام‬
‫وحلل هل تبطل الصفقة كلها‪ ،‬أو الحرام منها فقط؟‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة الخامسة( أجمع العلمباء علبى أن المراطلبة جبائزة فبي البذهب بالبذهب‬
‫وفي الفضة بالفضة‪ ،‬وإن اختلف العدد لتفاق الوزن‪ ،‬وذلك إذا كببانت صببفة الببذهبين‬
‫واحببدة‪ .‬واختلفببوا فببي المراطلببة فببي موضببعين‪ :‬أحببدهما أن تختلببف صببفة الببذهبين‪.‬‬
‫والثاني أن ينقص أحد البذهبين عبن الخبر‪ ،‬فيريبد الخبر أن يزيبد ببذلك عرضبا أو‬
‫دراهم إن كانت المراطلة بذهب‪ ،‬أو ذهبا إن كانت المراطلببة بببدراهم‪ ،‬فببذهب مالببك‪،‬‬
‫أما في الموضع الول‪ ،‬وهو أن يختلف جنس المراطل بهما في الجودة والرداءة أنببه‬
‫متى راطل بأحدهما بصنف من الذهب الواحد وأخرج الخبر ذهببين‪ ،‬أحبدهما أجبود‬
‫من ذلك الصنف الواحد والخببر أردأ‪ ،‬فببإن ذلببك عنببده ل يجببوز‪ ،‬وإن كببان الصببنف‬
‫الواحد من الذهبين‪ ،‬أعني البذي أخرجبه وحبده أجبود مبن البذهبين المختلفيبن اللبذين‬
‫أخرجهمببا الخببر أو أردأ منهمببا معببا‪ ،‬أو مثببل أحببدهما وأجببود مببن الثبباني جببازت‬
‫المراطلة عنده‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬إذا اختلف البذهبان فل يجبوز ذلببك‪ .‬وقبال أببو حنيفبة‬
‫وجميع الكوفيين والبصريين يجوز جميع ذلك‪ .‬وعمببدة مببذهب مالببك فببي منعببه ذلببك‬
‫التهام‪ ،‬وهو مصير إلى القول بسد الذرائع‪ ،‬وذلك أنه يتهببم أن يكببون المراطببل إنمببا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫قصد بذلك بيع الببذهبين متفاضببل‪ ،‬فكببأنه أعطببى جببزءا مببن الوسببط بببأكثر منببه مببن‬
‫الردأ‪ ،‬أو بأقل منه من العلى‪ ،‬فيتذرع من ذلك إلى بيببع الببذهب بالببذهب متفاضببل‪،‬‬
‫مثال ذلك أن إنسانا قال لخر‪ :‬خذ مني خمسة وعشببرين مثقببال وسببطا بعشببرين مببن‬
‫العلى‪ ،‬فقال‪ :‬ل يجوز هذا لنا‪ ،‬ولكن أعطيك عشرين من العلى وعشرة أدنببى مببن‬
‫ذهبك‪ ،‬وتعطيني أنت ثلثين من الوسببط‪ ،‬فتكببون العشببرة الدنببى يقابلهببا خمسببة مببن‬
‫ذهبك‪ ،‬ويقابل العشرين من ذهب الوسط العشرين من ذهبك العلى‪ .‬وعمدة الشافعي‬
‫اعتبار التفاضل الموجود فببي القيمببة‪ .‬وعمببدة أبببي حنيفببة اعتبببار وجببود الببوزن مببن‬
‫الذهبين ورد القول بسد الذرائع‪ .‬وكمثل اختلفهم في المصارفة التي تكون بالمراطلة‬
‫اختلفوا في هذا الموضع في المصارفة الببتي تكببون بالعببدد‪ ،‬أعنببي إذا اختلفببت جببودة‬
‫الذهبين أو الذهاب‪ .‬وأما اختلفهم إذا نقصت المراطلة‪ ،‬فأراد أحدهما أن يزيد شببيئا‬
‫آخر مما فيه الربا‪ ،‬أو مما ل ربببا فيببه‪ ،‬فقريببب مببن هببذا الختلف‪ ،‬مثببل أن يراطببل‬
‫أحدهما صاحبه ذهب بذهب‪ ،‬فينقص أحد الذهبين عن الخر‪ ،‬فيريد الذي نقص ذهبه‬
‫أن يعطي عوض الناقص دراهم أو عرضا‪ ،‬فقال مالك والشافعي والليث‪ :‬إن ذلببك ل‬
‫يجوز والمراطلة فاسدة؛ وأجاز ذلك كله أبو حنيفة والكوفيون‪ .‬وعمدة الحنفيببة تقببدير‬
‫وجود المماثلة من الذهبين وبقاء الفضل مقابل العرض‪ .‬وعمدة مالببك التهمببة فببي أن‬
‫يقصد بذلك بيع الذهب بالببذهب متفاضببل‪ .‬وعمببدة الشببافعي عببدم المماثلببة بالكيببل أو‬
‫الوزن أو العدد الذي بالفضل‪ ،‬ومثل هذا يختلفون إذا كانت المصارفة بالعدد‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة السادسة( واختلفبوا فبي الرجليبن يكبون لحبدهما علبى صباحبه دنبانير‬
‫وللخر عليه دراهم‪ ،‬هل يجوز أن يتصارفاها وهي في الذمة؟ فقال مالك‪ :‬ذلك جائز‬
‫إذا كانا قد حل معا؛ وقال أبو حنيفة يجوز في الحال وفي غير الحال؛ وقال الشببافعي‬
‫والليث‪ :‬ل يجوز ذلك حل أو لم يحل‪ .‬وحجة من لم يجزه أنه غائب بغببائب‪ ،‬وإذا لببم‬
‫يجز غائب بنبباجز كبان أحببرى أن ل يجببوز غببائب بغببائب‪ .‬وأمببا مالببك فأقببام حلببول‬
‫الجلين في ذلك مقام الناجز بالناجز‪ ،‬وإنما اشترط أن يكونببا حببالين معببا‪ ،‬لئل يكببون‬
‫ذلك من بيع الدين بالدين‪ .‬وبقول الشافعي قببال ابببن وهببب وابببن كنانببة مببن أصببحاب‬
‫مالك؛ وقريب من هذا اختلفهم في جواز الصببرف علببى مببا ليببس عنببدهما إذا دفعببه‬
‫أحدهما إلببى صباحبه قببل الفبتراق مثببل أن يستقرضباه فببي المجلببس فتقابضباه قببل‬
‫الفتراق فأجاز ذلك الشافعي وأبو حنيفة وكرهه ابببن القاسببم مببن الطرفيببن واسببتخفه‬
‫من الطرف الواحد‪ ،‬أعني إذا كان أحدهما هو المستقرض فقط‪ .‬وقال زفر‪ :‬ل يجببوز‬
‫ذلك إل أن يكون من طرف واحد‪ .‬ومن هذا الباب اختلفهم في الرجل يكون له على‬
‫الرجل دراهم إلى أجل هل يأخذ فيها إذا حل الجل ذهبا أو بالعكس؟ فذهب مالك إلى‬
‫جواز ذلك إذا كان القبض قبل الفتراق‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة إل أنه أجاز ذلببك وإن لببم‬
‫يحل الجل ولم يجز ذلك جماعة من العلماء‪ ،‬سواء كان الجل حال أو لم يكن‪ ،‬وهو‬
‫قول ابن عباس وابن مسعود‪ .‬وحجة من أجاز ذلك حديث ابن عمبر قبال "كنبت أبيبع‬
‫البل بالبقيع‪ ،‬أبيع بالدنانير وآخذ الدراهم‪ ،‬وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير‪ ،‬فسبألت عبن‬
‫ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال‪" :‬ل بأس بذلك إذا كان بسعر يومه" خرجه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫أبو داود‪ .‬وحجة من لم يجزه ما جاء في حديث أبببي سببعيد وغيببره "ول تبببيعوا منهببا‬
‫غائبا بناجز"‪.‬‬
‫@‪)-‬المسألة السابعة( اختلف في البيع والصرف في مذهب مالك فقال‪ :‬إنه ل يجببوز‬
‫إل أن يكون أحدهما الكثر والخر تبببع لصبباحبه‪ ،‬وسببواء كببان الصببرف فببي دينببار‬
‫واحد أو في دنانير؛ وقيل إن كان الصرف في دينار واحد جاز كيفما وقع‪ ،‬وإن كببان‬
‫في أكثر اعتبر كون أحدهما تابعا للخببر فببي الجببواز‪ ،‬فببإن كانببا معببا مقصببودين لببم‬
‫يجز‪ ،‬وأجاز أشهب الصرف والبيع وهو أجود‪ ،‬لنه ليس في ذلك ما يؤدي إلببى ربببا‬
‫ول إلى غرر‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب السلم‬
‫@‪-‬وفي هذا الكتاب ثلثة أبواب‪ :‬الباب الول‪ :‬فببي محلببه وشببروطه‪ .‬الببباب الثبباني‪:‬‬
‫فيما يجوز أن يقتضي من المسلم إليه بدل ما انعقد عليه السلم‪ ،‬وما يعرض فببي ذلببك‬
‫من القالة والتعجيل والتأخير‪ .‬الباب الثالث‪ :‬في اختلفهم في السلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الول في محله وشروطه‪.‬‬
‫@‪-‬أما محله‪ ،‬فإنهم اجمعوا على جوازه في كل ما يكال أو يوزن لما ثبت من حديث‬
‫ابن عباس المشهور قال "قدم النبي صلى ال عليببه وسببلم المدينببة وهببم يسببلمون فببي‬
‫التمر السنتين والثلث‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬من أسلف فليسببلف فببي‬
‫ثمن معلوم ووزن معلوم إلى أجببل معلببوم" واتفقببوا علببى امتنبباعه فيمببا ل يثبببت فببي‬
‫الذمة‪ ،‬وهي الدور والعقار‪ .‬وأما سائر ذلك مببن العببروض والحيببوان فبباختلفوا فيهببا‪،‬‬
‫فمنع ذلك داود وطائفة من أهل الظاهر مصيرا إلى ظبباهر هببذا الحببديث‪ .‬والجمهببور‬
‫على أنه جائز في العروض الببتي تنضبببط بالصببفة والعببدد‪ .‬واختلفببوا مببن ذلببك فيمببا‬
‫ينضبط مما ل ينضبط بالصفة‪ ،‬فمن ذلك الحيبوان والرقيبق‪ ،‬فبذهب مالبك والشبافعي‬
‫والوزاعي والليث إلى أن السلم فيهما جائز‪ ،‬وهو قول ابن عمر من الصحابة‪ .‬وقال‬
‫أبو حنيفة والثوري وأهل العراق‪ :‬ل يجوز السلم في الحيوان‪ ،‬وهو قول ابن مسعود‪.‬‬
‫وعن عمر في ذلك قولن‪ .‬وعمدة أهل العراق في ذلك ما روي عن ابببن عببباس "أن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم نهى عن السلف في الحيوان" وهذا الحببديث ضببعيف عنببد‬
‫الفريق الول‪ .‬وربما احتجوا أيضببا بنهيببه عليببه الصببلة والسببلم عببن بيببع الحيببوان‬
‫بالحيوان نسيئة‪ .‬وعمدة مببن أجبباز السببلم فببي الحيببوان مببا روي عببن ابببن عمببر "أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم أمره أن يجهز جيشا‪ ،‬فنفببذت البببل‪ ،‬فببأمره أن يأخببذ‬
‫على قلص الصدقة‪ ،‬فأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة" وحديث أبي رافع أيضا‬
‫"أن النبي صلى ال عليه وسلم استسلف بكرا" قالوا‪ :‬وهذا كلببه يببدل علببى ثبببوته فببي‬
‫الذمة‪ .‬فسبب اختلفهم شيئان‪ :‬أحدهما تعارض الثار في هذا المعنببى‪ .‬والثبباني تببردد‬
‫الحيوان بين أن يضبط بالصفة أو ل يضبط‪ ،‬فمن نظر إلى تباين الحيوان فببي الخلببق‬
‫والصفات وبخاصة صببفات النفببس قببال‪ :‬ل تنضبببط؛ ومببن نظببر إلببى تشببابهها قببال‪:‬‬
‫تنضبط‪ .‬ومنها اختلفهم في البيض والدر وغير ذلك‪ ،‬فلم يجز أبببو حنيفببة السببلم فببي‬
‫البيض وأجازه مالك بالعدد‪ ،‬وكببذلك فببي اللحببم أجببازه مالببك والشببافعي‪ ،‬ومنعببه أبببو‬
‫حنيفة؛ وكذلك السلم في الرءوس والكارع‪ ،‬أجازه مالك‪ ،‬ومنعه أبو حنيفة‪ .‬واختلببف‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫في ذلك قول أبي حنيفة والشافعي؛ وكذلك السلم في الدر والفصببوص‪ ،‬أجببازه مالببك‪،‬‬
‫ومنعه الشافعي‪ ،‬وقصدنا من هبذه المسببائل إنمببا هببو الصببول الضبابطة للشببريعة ل‬
‫إحصاء الفروع‪ ،‬لن ذلك غير منحصر‪.‬‬
‫)وأما شروطه( فمنها مجمع عليها ومنها مختلف فيها‪ ،‬فأما المجمع عليها فهببي سببتة‪:‬‬
‫منها أن يكون الثمن والمثمون ممبا يجبوز فيبه الّنسباء‪ ،‬وامتنباعه فيمبا ل يجبوز فيبه‬
‫الّنساء‪ ،‬وذلك إما اتفاق المنافع على ما يراه مالك رحمه ال‪ ،‬وإما اتفاق الجنس علببى‬
‫ما يراه أبو حنيفة‪ ،‬وإما اعتبار الطعببم مببع الجنببس علببى مببا يببراه الشببافعي فببي علببة‬
‫الّنساء‪ .‬ومنها أن يكون مقدرا إما بالكيل أو بببالوزن أو بالعببدد إن كببان ممببا شببأنه أن‬
‫يلحقه التقدير‪ ،‬أو منضبطا بالصفة إن كان مما المقصود منه الصفة‪ .‬ومنها أن يكببون‬
‫موجودا عند حلول الجل‪ .‬ومنها أن يكون الثمن غير مؤجببل أجل بعيببدا‪ ،‬لئل يكببون‬
‫من باب الكالئ بالكالئ‪ ،‬هذا في الجملة‪ .‬واشترطوا في اشتراط اليومين والثلثببة فببي‬
‫تأخير نقد الثمن بعد اتفاقهم علببى أن ل يجببوز فببي المببدة الكببثيرة ول مطلقببا‪ ،‬فأجبباز‬
‫مالك اشتراط تأخير اليومين والثلثة‪ ،‬وأجاز تأخيره بل شرط‪ .‬وذهب أبو حنيفة إلبى‬
‫أن من شرطه التقابض في المجلس كالصرف‪ ،‬فهذه ستة متفبق عليهبا‪ .‬واختلفبوا فبي‬
‫أربعة‪ :‬أحدها الجل‪ ،‬هل هو شرط فيه أم ل؟ والثاني هل من شرطه أن يكون جنببس‬
‫المسلم فيه موجودا في حال عقد السلم أم ل؟‪ .‬والثالث اشتراط مكان دفع المسلم فيببه‪.‬‬
‫والرابع أن يكببون الثمبن مقببدرا إمبا مكيل وإمببا موزونببا وإمبا معبدودا وأن ل يكبون‬
‫جزافا‪ .‬فأما الجل فإن أبا حنيفة هو عنده شرط صحة بل خلف عنه في ذلك؛ وأمببا‬
‫مالك فالظاهر من مذهبه‪ ،‬والمشهور عنه أنه من شرط السببلم‪ ،‬وقببد قيببل إنببه يتخببرج‬
‫ل‪ .‬وأما اللخمي فإنه فصببل المببر فببي ذلببك‬ ‫من بعض الروايات عنه جواز السلم الحا ّ‬
‫ل‪ ،‬وهو الذي يكون من شببأنه‬ ‫فقال‪ :‬إن السلم في المذهب يكون على ضربين‪ :‬سلم حا ّ‬
‫بيع تلك السلعة وسلم مؤجل‪ ،‬وهو الذي يكون ممن ليس مببن شببأنه بيببع تلببك السببلعة‪.‬‬
‫وعمدة من اشترط الجل شيئان‪ :‬ظاهر حديث ابن عباس؛ والثاني أنه إذا لببم يشببترط‬
‫فيه الجل كان من باب بيع ما ليس عند البائع المنهي عنببه‪ .‬وعمببدة الشببافعي أنببه إذا‬
‫أجاز مع الجل فهو حال أجوز لنه أقل غببررا‪ ،‬وربمببا اسببتدلت الشببافعية بمببا روي‬
‫"أن النبي صلى ال عليه وسلم اشترى جمل من أعرابي بوسق تمر‪ ،‬فلما دخل البيت‬
‫لم يجد التمر‪ ،‬فاستقرض النبي صلى ال عليه وسلم تمببرا وأعطبباه إيبباه" قببالوا‪ :‬فهببذا‬
‫ل بتمببر فببي الذمببة‪ ،‬وللمالكيببة مببن طريببق المعنببى أن السببلم إنمببا جببوز‬
‫هو شراء حا ّ‬
‫لموضع الرتفاق‪ ،‬ولن المسلف يرغببب فببي تقببديم الثمببن لسببترخاص المسببلم فيببه‪،‬‬
‫والمسلم إليه يرغب فيه لموضببع النسببيئة‪ ،‬وإذا لببم يشببترط الجببل زال هببذا المعنببى‪.‬‬
‫واختلفوا في الجل في موضعين‪ :‬أحدهما هل يقدر بغير اليام والشهور مثببل الجببذاذ‬
‫والقطاف والحصاد والموسم؟‪ .‬والثاني في مقداره من اليام‪ .‬وتحصبيل مببذهب مالببك‬
‫في مقداره من اليام أن المسلم فيه على ضربين‪ :‬ضرب يقتضي بالبلببد المسببلم فيببه‪،‬‬
‫وضرب يقتضي بغير البلد الذي وقع فيه السلم؛ فإن اقتضاه في البلد المسلم فيه‪ ،‬فقال‬
‫ابن القاسم‪ :‬إن المعتبر في ذلك أجل تختلف فيه السواق‪ ،‬وذلك خمسة عشر يومببا أو‬
‫نحوها‪ .‬وروي عن ابن وهب عن مالك أنه يجوز اليببومين والثلثببة؛ وقببال ابببن عبببد‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الحكم‪ :‬ل بأس به إلى اليوم الواحد‪ .‬وأما ما يقتضي ببلد آخر‪ ،‬فإن الجل عنببدهم فيببه‬
‫هو قطع المسافة التي بين البلدين قلت أم كثرت‪ ،‬وقال أبو حنيفببة‪ :‬ل يكببون أقببل مببن‬
‫ثلثة أيام؛ فمن جعل الجل شرطا غير معلل اشترط منه أقل ما ينطلق عليببه السببم؛‬
‫ومن جعله شرطا معلل باختلف السواق اشترط من اليام ما تختلببف فيببه السببواق‬
‫غالبا‪ .‬وأما الجل إلى الجذاذ والحصاد وما أشبه ذلك فأجازه مالك ومنعه أبببو حنيفببة‬
‫والشافعي؛ فمن رأى أن الختلف الذي يكون في أمثال هذه الجال يسير أجاز ذلك‪،‬‬
‫إذ الغرر اليسير معفو عنه في الشرع‪ ،‬وشبهه بالختلف الذي يكون في الشهور من‬
‫قبل الزيادة والنقصان؛ ومن رأى أنه كثير‪ ،‬وأنه أكثر من الختلف الذي يكببون مببن‬
‫قبل نقصان الشهور وكمالها لم يجزه‪ .‬وأما اختلفهم في هل من شرط السلم أن يكون‬
‫جنس المسلم فيه موجودا في حين عقد السلم‪ ،‬فببإن مالكببا والشببافعي وأحمببد وإسببحاق‬
‫وأبا ثور لم يشترطوا ذلك وقالوا‪ :‬يجوز السلم في غير وقببت إبببانه‪ .‬وقبال أبببو حنيفببة‬
‫وأصحابه والثوري والوزاعي‪ :‬ل يجوز السلم إل في إبان الشيء المسلم فيه‪ .‬فحجة‬
‫من لم يشترط البان ما ورد في حديث ابن عباس أن الناس كانوا يسلمون فببي التمببر‬
‫السنتين والثلث فأقروا على ذلك ولم ينهوا عنه‪ .‬وعمدة الحنفية ما روي مببن حببديث‬
‫ابببن عمببر أن النبببي صببلى الب عليببه وسببلم قببال "ل تسببلموا فببي النخببل حببتى يبببدو‬
‫صلحها" وكأنهم رأوا أن الغرر يكون فيه أكثر إذا لم يكن موجودا فببي حببال العقببد‪،‬‬
‫وكأنه يشبه بيع ما لم يخلق أكثر‪ ،‬وإن كان ذلك معينا وهببذا فببي الذمببة‪ ،‬وبهببذا فببارق‬
‫السلم بيع ما لم يخلق‪.‬‬
‫)وأما الشرط الثالث( وهو مكان القبض‪ ،‬فإن أبا حنيفة اشترطه تشبببيها بالزمببان ولببم‬
‫يشترطه غيره وهم الكثر‪ .‬وقال القاضي أبو محمببد‪ :‬الفضببل اشببتراطه‪ .‬وقببال ابببن‬
‫المواز‪ :‬ليس يحتاج إلى ذلك‪.‬‬
‫)وأما الشببرط الرابببع( وهببو أن يكببون الثمببن مقببدرا مكيل أو موزونببا أو معببدودا أو‬
‫مذروعا ل جزافا‪ ،‬فاشترط ذلك أبو حنيفببة‪ ،‬ولببم يشببترطه الشببافعي ول صبباحبا أبببي‬
‫حنيفة أبو يوسف ومحمد‪ ،‬قالوا‪ :‬وليس يحفظ عن مالك في ذلك نببص‪ ،‬إل أنببه يجببوز‬
‫عنده بيع الجزاف‪ ،‬إل فيما يعظم الغرر فيه على ما تقدم من مذهبه‪ .‬وينبغي أن تعلببم‬
‫أن التقدير في السلم يكون بببالوزن فيمببا يمكببن فيببه الببوزن‪ ،‬وبالكيببل فيمببا يمكببن فيببه‬
‫الكيل‪ ،‬وبالذرع فيما يمكن فيه الذرع‪ ،‬وبالعدد فيما يمكن فيه العدد‪ .‬وإن لببم يكببن فيببه‬
‫أحد هذه التقديرات انضبط بالصفات المقصودة من الجنس مببع ذكببر الجنببس إن كببان‬
‫أنواعا مختلفة‪ ،‬أو مع تركه إن كان نوعا واحببدا‪ ،‬ولبم يختلفبوا أن السببلم ل يكبون إل‬
‫في الذمبة وأنببه ل يكبون فببي معيببن؛ وأجبباز مالببك السببلم فبي قريبة معينبة إذا كبانت‬
‫مأمونة‪ ،‬وكأنه رآها مثل الذمة‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني‪ .‬فيما يجوز أن يقتضي من المسلم إليه بدل ما انعقد عليه السلم‪ ،‬وما‬
‫يعرض في ذلك من القالة والتعجيل والتأخير‪.‬‬
‫@‪-‬وفي هذا الباب فروع كثيرة‪ ،‬لكن نذكر منها المشهور‪:‬‬
‫@‪)-‬مسألة( اختلف العلماء فيمن أسلم في شببيء مببن الثمببر‪ ،‬فلمببا حببل الجببل تعببذر‬
‫تسليمه حتى عدم ذلك المسلم فيه وخرج زمببانه‪ ،‬فقببال الجمهببور‪ :‬إذا وقببع ذلببك كببان‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫المسلم بالخيار بين أن يأخذ الثمن أو يصير إلى العام القابل‪ ،‬وبه قببال الشببافعي وأبببو‬
‫حنيفة وابن القاسم؛ وحجتهم أن العقد وقع على موصببوف فببي الذمببة فهببو ببباق علببى‬
‫أصله‪ ،‬وليس من شرط جوازه أن يكون من ثمار هذه السنة‪ ،‬وإنما هو شببيء شببرطه‬
‫المسلم فهو في ذلك بالخيار‪ .‬وقال أشهب من أصحاب مالببك‪ :‬ينفسببخ السببلم ضببرورة‬
‫ول يجوز التأخير‪ ،‬وكأنه رآه من باب الكالئ بالكببالئ‪ .‬وقببال سببحنون‪ :‬ليببس لببه أخببذ‬
‫الثمن‪ ،‬وإنما له أن يصبر إلى القابل‪ ،‬واضطرب قول مالببك فببي هببذا والمعتمببد عليببه‬
‫في هذه المسألة ما رآه أبو حنيفة والشافعي وابن القاسم‪ ،‬وهو الذي اختبباره أبببو بكببر‬
‫الطرطوشببي‪ ،‬والكببالئ بالكببالئ المنهببى عنببه إنمببا هببو المقصببود‪ ،‬ل الببذي يببدخل‬
‫اضطرارا‪.‬‬
‫@‪)-‬مسألة( اختلف العلماء في بيع المسلم فيه إذا حببان الجببل مببن المسببلم إليببه قبببل‬
‫قبضه؛ فمن العلماء من لم يجز ذلك أصل‪ ،‬وهم القائلون بأن كل شيء ل يجوز بيعه‬
‫قبل قبضه‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة وأحمد وإسحاق‪ .‬وتمسك أحمد وإسببحاق فببي منببع هببذا‬
‫بحديث عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قببال‪ :‬قببال رسببول الب صببلى الب عليببه‬
‫وسلم "من أسلم في شيء فل يصرفه في غيره"‪ .‬وأما مالببك فببإنه منببع شببراء المسببلم‬
‫فيه قبل قبضه في موضعين‪ :‬أحببدهما إذا كببان المسببلم فيببه طعامببا‪ ،‬وذلببك بنبباء علببى‬
‫مذهبه في أن الذي يشترطه في بيعه القبض هو الطعام على ما جاء عليه النببص فببي‬
‫الحديث‪ .‬والثاني إذا لم يكن المسلم فيه طعامببا فأخببذ عوضببه المسببلم مببا ل يجببوز أن‬
‫يسلم فيه رأس ماله مثل أن يكون المسلم فيه عرضا والثمن عرضا مخالفببا لببه فيأخببذ‬
‫المسلم من المسلم إليه إذا حان الجل شيئا من جنس ذلبك العبرض البذي هبو الثمبن‪،‬‬
‫وذلك أن هذا يدخله إما سلف وزيادة إن كان العببرض المببأخوذ أكببثر مببن رأس مببال‬
‫السلم‪ ،‬وإما ضببمان وسببلف إن كببان مثلببه أو أقببل‪ .‬وكببذلك إن كببان رأس مببال السببلم‬
‫طعاما لم يجز أن يأخذ فيه طعاما آخر أكثر‪ ،‬ل من جنسه ول مببن غيببر جنسببه‪ ،‬فببإن‬
‫كان مثل طعامه في الجنس والكيل والصفة فيما حكاه عبد الوهاب جاز‪ ،‬لنببه يحملببه‬
‫على العروض‪ ،‬وكذلك يجوز عنده أن يأخذ من الطعام المسلم فيه طعامبا مبن صبفته‬
‫وإن كان أقل جودة‪ ،‬لنه عنده من باب البدل في الدنانير‪ .‬والحسان مثل أن يكون له‬
‫عليه قمح فيأخذ بمكيلته شعيرا‪ ،‬وهذا كله من شرطه عند مالببك أن ل يتببأخر القبببض‬
‫لنه يدخله الدين بالدين‪ .‬وإن كان رأس مال السببلم عينببا وأخببذ المسببلم فيبه عينبا مبن‬
‫جنسه جاز ما لم يكن أكثر منه‪ ،‬ولم يتهمه على بيع العين بالعين نسيئة إذا كببان مثلببه‬
‫أو أقل‪ ،‬وإن أخذ دراهم في دنانير لم يتهمه على الصببرف المتببأخر‪ ،‬وكببذلك إن أخببذ‬
‫فيه دنانير من غير صنف الدنانير التي هي رأس مال السلم‪ .‬وأما بيع السلم من غيببر‬
‫المسلم إليه‪ ،‬فيجوز بكل شيء يجوز التبايع به ما لم يكن طعامببا‪ ،‬لنببه ل يببدخله بيببع‬
‫الطعببام قبببل قبضببه‪ .‬وأمببا القالببة فمببن شببرطها عنببد مالببك أن ل يببدخلها زيببادة ول‬
‫نقصان‪ ،‬فإن دخلها زيادة أو نقصان كان بيعا من البببيوع ودخلهببا مببا يببدخل البببيوع‪،‬‬
‫أعني أنها تفسد عنده بما يفسد بيوع الجال مثل أن يتذرع إلى بيببع وسببلف‪ ،‬أو إلببى‪:‬‬
‫ضع وتعجل‪ ،‬أو إلى بيع السلم بما ل يجوز بيعه‪ .‬مثال ذلك في دخول بيع وسلف بببه‬
‫إذا حل الجل‪ ،‬فأقاله على أن أخذ البعض وأقال من البعض فإنه ل يجوز عنببده فببإنه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يدخله التبذرع إلبى بيبع وسبلف‪ ،‬وذلبك جبائز عنبد الشبافعي وأببي حنيفبة‪ ،‬لنهمبا ل‬
‫يقولن بتحريم بيوع الذرائع‪.‬‬
‫@‪)-‬مسألة( اختلف العلماء في الشراء برأس مببال السببلم مببن المسببلم إليببه شببيئا بعببد‬
‫القالة بما ل يجوز قبل القالة؛ فمن العلمبباء مببن لببم يجببزه أصببل‪ ،‬ورأى أن القالببة‬
‫ذريعة إلى أن يجوز مببن ذلببك مببا ل يجببوز‪ ،‬وبببه قببال أبببو حنيفببة وأصببحابه ومالببك‬
‫وأصحابه‪ ،‬إل أن عند أبي حنيفة ل يجوز على الطلق‪ ،‬إذ كان ل يجببوز عنببده بيببع‬
‫المسلم فيه قبل القبض على الطلق؛ ومالك يمنع ذلك في المواضببع الببتي يمنببع بيببع‬
‫المسلم فيه قبل القبض على ما فصلناه قبل هذا من مذهبه؛ ومن العلمبباء مببن أجببازه‪،‬‬
‫وبه قال الشافعي والثوري‪ .‬وحجتهم أن بالقالة قد ملك رأس ماله‪ ،‬فإذا ملكه جاز لببه‬
‫أن يشتري به ما أحب‪ ،‬والظن الرديء بالمسلمين غير جائز‪ .‬قال‪ :‬وأمببا حببديث أبببي‬
‫سعيد فإنه إنما وقع النهي فيه قبل القالة‪.‬‬
‫@‪)-‬مسألة( اختلفوا إذا ندم المبتاع في السلم فقال للبائع‪ :‬أقلني وأنظرك بالثمن الببذي‬
‫دفعت إليك‪ ،‬فقال مالك وطائفة‪ :‬ذلك ل يجوز؛ وقببال قببوم‪ :‬يجببوز؛ واعتببل مالببك فببي‬
‫ذلك مخافة أن يكون المشتري لما حل له الطعام على البائع أخره عنه على أن يقبله‪،‬‬
‫فكان ذلك من باب بيع الطعام إلى أجل قبل أن يستوفي؛ وقوم اعتلوا لمنببع ذلببك بببأنه‬
‫مببن ببباب فسببخ الببدين بالببدين؛ والببذين رأوه جببائزا رأوه أنببه مببن ببباب المعببروف‬
‫والحسان الذي أمر ال تعالى به‪ .‬قال رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم "مببن أقببال‬
‫مسلما صفقته أقال ال عثرته يوم القيامة‪ ،‬ومن أنظر معسرا أظله ال في ظله يببوم ل‬
‫ظل إل ظله"‪.‬‬
‫@‪)-‬مسألة( أجمع العلماء على أنه كان لرجل على رجل دراهم أو دنانير إلببى أجببل‬
‫فدفعها إليه عند محل الجل وبعده أنه يلزمه أخذها‪ .‬واختلفوا في العببروض المؤجلببة‬
‫من السلم وغيره‪ ،‬فقال مالك والجمهور‪ :‬إن أتى بها قبل محل الجل لم يلزمه أخذها‪.‬‬
‫وقال الشببافعي‪ :‬إن كببان ممبا ل يتغيببر ول يقصببد بببه النظببارة لزمببه أخببذه كالنحبباس‬
‫والحديد‪ ،‬وإن كان مما يقصد به النظارة كالفواكه لم يلزمه‪ .‬وأما إذا أتى به بعد محل‬
‫الجل فاختلف في ذلك أصحاب مالك فروي عنه أنه يلزمه قبضه مثببل أن يسببلم فببي‬
‫قطائف الشتاء فيأتي بها في الصيف‪ ،‬فقال ابن وهب وجماعة‪ :‬ل يلزمه ذلك‪ .‬وحجببة‬
‫الجمهور في أنه ل يلزمه قبض العروض قبل محل الجل مبن قببل أنبه مبن ضبمانه‬
‫إلى الوقت المضروب الذي قصده‪ ،‬ولما كان عليه من المؤنة في ذلببك‪ ،‬وليببس كببذلك‬
‫الدنانير والدراهم‪ ،‬إذ ل مؤنة فيهببا‪ ،‬ومبن لببم يلزمببه بعبد الجبل فحجتببه أنببه رأى أن‬
‫المقصود من العروض إنمببا كببان وقببت الجببل ل غيببره‪ .‬وأمببر مببن أجبباز ذلببك فببي‬
‫الوجهين‪ ،‬أعني بعد الجل أو قبله فشبهه بالدنانير والدراهم‪.‬‬
‫@‪)-‬مسألة( اختلف العلماء فيمن أسلم إلى آخببر أو ببباع منببه طعامببا علببى مكيلببة مببا‬
‫فأخبر البائع أو المسلم إليه المشتري بكيل الطعام‪ ،‬هل للمشتري أن يقبضه منببه دون‬
‫أن يكيله وأن يعمل في ذلك على تصديقه؟ فقال مالك‪ :‬ذلك جائز في السلم وفي البببيع‬
‫بشرط النقد‪ ،‬وإل خيف أن يكون من باب الربا‪ ،‬كأنه إنما صدقه في الكيل لمكان أنببه‬
‫أنظره بالثمن‪ .‬وقال أبو حنيفة والشافعي والثوري والوزاعي والليث‪ :‬ل يجوز ذلببك‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫حتى يكيله البائع للمشتري مرة ثانية بعد أن كاله لنفسه بحضرة البببائع‪ .‬وحجتهببم أنببه‬
‫لما كان ليس للمشتري أن يببيعه إل بعبد أن يكيلبه لبم يكبن لبه أن يقبضبه إل بعبد أن‬
‫يكيله البائع له‪ ،‬لنه لما كان من شرط البيع الكيل فكببذلك القبببض واحتجببوا بمببا جبباء‬
‫في الحديث أنه عليه الصلة والسلم نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصبباعان‪:‬‬
‫صاع البائع‪ ،‬وصاع المشتري‪ .‬واختلفوا إذا هلك الطعام في يد المشتري قبببل الكيببل‪،‬‬
‫فاختلفا في الكيل‪ ،‬فقال الشافعي‪ :‬القول قول المشتري‪ ،‬وبه قال أبو ثور؛ وقال مالببك‪:‬‬
‫القول قول البائع لنه قد صدقه المشتري عند قبضه إياه‪ ،‬وهببذا مبنببي عنببده علببى أن‬
‫البيع يجوز بنفس تصديقه‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثالث في اختلف المتبايعين في السلم‪.‬‬
‫@‪-‬والمتبايعان في السلم إما أن يختلفا في قدر الثمن أو المثمون‪ ،‬وإما في جنسببهما‪،‬‬
‫وإما في الجل‪ ،‬وإما في مكان قبض السلم‪ .‬فأما اختلفهم في قدر المسلم فيه‪ ،‬فالقول‬
‫فيه قول المسلم إليه إن أتى بما يشبه‪ ،‬وإل فالقول أيضا قول المسلم إن أتى أيضا بمببا‬
‫يشبه‪ ،‬فإن أتيا بما ل يشببه فالقيباس أن يتحالفبا ويتفاسبخا‪ .‬وأمبا اختلفهبم فبي جنبس‬
‫المسلم فيه‪ ،‬فالحكم في ذلك التحببالف والتفاسببخ‪ ،‬مثببل أن يقببول أحببدهما‪ :‬أسببلمت فببي‬
‫تمر‪ ،‬ويقول الخر‪ :‬في قمح‪ .‬وأما اختلفهم فببي الجببل فبإن كبان فبي حلببوله فبالقول‬
‫قول المسلم إليه‪ ،‬وإن كان في قدره فالقول أيضا قول المسلم إليببه إل أن يببأتي بمببا ل‬
‫يشبه‪ ،‬مثل أن يدعي المسلم وقببت إبببان المسببلم فيببه‪ ،‬ويببدعي المسببلم إليببه غيببر ذلببك‬
‫الوقت‪ ،‬فالقول قول المسببلم‪ .‬وأمببا اختلفهببم فببي موضببع القبببض‪ ،‬فالمشببهور أن مببن‬
‫ادعى موضع عقد السلم فالقول قوله‪ ،‬وإن لم يدعه واحببد منهمببا فببالقول قببول المسببلم‬
‫إليه‪ .‬وخالف سحنون في الوجه الول فقال‪ :‬القول قول المسلم إليه وإن ادعى القبض‬
‫في موضع العقد وخالف أبو الفرج في الموضع الثاني فقال‪ :‬إذا لم يببدع واحببد منهمببا‬
‫موضع العقد تحالفا وتفاسخا‪ .‬وأما اختلفهم في الثمن فحكمه حكم اختلف المتبايعين‬
‫قبل القبض‪ ،‬وقد تقدم ذلك‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب بيع الخيار‪.‬‬
‫@‪-‬والنظر في أصول هببذا الببباب‪ ،‬أمببا أول فهببل يجببوز أم ل؟ وإن جبباز‪ ،‬فكببم مببدة‬
‫الخيار؟ وهل يشترط النقدية فيه أم ل؟ وممن ضببمان المبببيع فببي مببدة الخيببار؟ وهببل‬
‫يورث الخيار أم ل؟ ومن يصح خياره ممن ل يصح؟ وما يكبون مببن الفعببال خيبارا‬
‫كالقول؟‪ .‬أما جواز الخيار فعليه الجمهور‪ ،‬إل الثوري وابن أبي شبرمة وطائفببة مببن‬
‫أهل الظاهر‪ .‬وعمدة الجمهور حديث حبان ببن منقبذ وفيبه "ولبك الخيببار ثلثببا" ومبا‬
‫روي في حديث ابن عمر "البيعان بالخيار ما لم يفترقا إل بيبع الخيبار"‪ .‬وعمبدة مبن‬
‫منعه أنه غرر وأن الصل هو اللزوم في البببيع إل أن يقببوم دليببل علببى جببواز البببيع‬
‫على الخيار من كتاب ال أو سنة ثابتة أو إجماع‪ .‬قالوا‪ :‬وحديث حبببان إمببا أنببه ليببس‬
‫بصحيح‪ ،‬وإما أنه خاص لما شكي إليه صلى ال عليه وسببلم أنببه يخببدع فببي البببيوع‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وأما حديث ابن عمر وقوله فيه "إل بيع الخيار" فقد فسببر المعنببى المببراد بهبذا‬
‫اللفظ‪ ،‬وهو ما ورد فيه من لفظ آخر وهو "أن يقول أحدهما لصاحبه اختر" وأما مدة‬
‫الخيار عند الذين قالوا بجوازه فرأى مالك أن ذلك ليس له قدر محدود في نفسه وأنببه‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫إنما يتقدر بتقدير الحاجة إلى اختلف المبيعات‪ ،‬وذلك يتفاوت بتفاوت المبيعات فقال‪:‬‬
‫مثل اليوم واليومين في اختيار الثوب‪ ،‬والجمعة والخمسببة أيببام فببي اختيببار الجاريببة‪،‬‬
‫والشهر ونحوه في اختيار الدار‪ .‬وبالجملة فل يجوز عنببده الجببل الطويببل الببذي فيببه‬
‫فضل عن اختيار المبيع‪ .‬وقال الشافعي وأبو حنيفة‪ :‬أجل الخيار ثلثببة أيببام ل يجببوز‬
‫أكثر من ذلك‪ .‬وقال أحمد وأبببو يوسببف ومحمببد بببن الحسببن يجببوز الخيببار لي مببدة‬
‫اشترطت‪ ،‬وبه قال داود‪ .‬واختلفوا في الخيار المطلق دون المقيد بمدة معلومببة‪ ،‬فقببال‬
‫الثوري والحسن ابن جني وجماعة بجواز اشتراط الخيببار مطلقببا ويكببون لببه الخيببار‬
‫أبدا‪ ،‬وقال مالك‪ :‬يجوز الخيار المطلق ولكن السلطان يضرب فيببه أجببل مثلببه‪ .‬وقببال‬
‫أبو حنيفة والشافعي ل يجوز بحال الخيار المطلق ويفسد البببيع‪ .‬واختلببف أبببو حنيفببة‬
‫والشافعي إن وقع الخيار في الثلثة اليام زمن الخيار المطلق‪ ،‬فقببال أبببو حنيفببة‪ :‬إن‬
‫وقع في الثلثة اليام جاز‪ ،‬وإن مضت الثلثة فسد البيع؛ وقال الشافعي‪ :‬بل هو فاسد‬
‫على كل حال‪ ،‬فهذه هي أقاويل فقهبباء المصببار فببي مببدة الخيببار‪ ،‬وهببي هببل يجببوز‬
‫مطلقا أو مقيدا؟ وإن جاز مقيدا فكم مقداره؟ وإن لم يجز مطلقا فهببل مببن شببرط ذلببك‬
‫أن ل يقع الخيار في الثلث أم ل يجوز بحال؟ وإن وقع في الثلث‪.‬‬
‫فأما أدلتهم فإن عمدة من لم يجز الخيار هو ما قلناه‪ .‬وأما عمدة مببن لببم يجببز الخيببار‬
‫إل ثلثا فهو أن الصل هو أن ل يجوز الخيار فل يجوز منه إل مبا ورد فيبه النبص‬
‫في حديث منقذ بببن حبببان أو حبببان بببن منقببذ‪ ،‬وذلببك كسبائر الرخببص المسببتثناة مببن‬
‫الصول مثل استثناء العرايا من المزابنة وغير ذلك‪ .‬قالوا‪ :‬وقببد جبباء تحديببد الخيببار‬
‫بالثلث في حديث المصراة وهو قوله "من اشترى مصراة فهو بالخيببار ثلثببة أيببام"‬
‫وأما حديث منقذ‪ ،‬فأشبه طرقه المتصلة ما رواه محمد ابن إسحاق عن نافع عببن ابببن‬
‫عمر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال لمنقذ وكببان يخببدع فببي البببيع "إذا بعببت‬
‫فقل ل خلبة وأنت بالخيار ثلثا"‪ .‬وأما عمدة أصببحاب مالببك‪ ،‬فهببو أن المفهببوم مببن‬
‫الخيار هو اختيار المبيع‪ ،‬وإذا كان ذلك كبذلك وجببب أن يكبون ذلببك محببدودا بزمبان‬
‫إمكان اختيار المبيع‪ ،‬وذلك يختلف بحسب مبيع مبيع‪ ،‬فكببأن النببص إنمببا ورد عنببدهم‬
‫تنبيها على هذا المعنى‪ ،‬وهو عندهم من باب الخباص أريبد ببه العبام‪ ،‬وعنبد الطائفبة‬
‫الولى من باب الخاص أريد به الخاص‪.‬‬
‫وأما اشتراط النقد فإنه ل يجوز عند مالك وجميع أصحابه لتردده عندهم بيببن السببلف‬
‫والبيع‪ ،‬وفيه ضعف‪ .‬وأما ممن ضمان المبيع في مدة الخيار فإنهم اختلفببوا فبي ذلبك‪،‬‬
‫فقال مالك وأصحابه والليث والوزاعي‪ :‬مصيبته من البائع والمشتري أمين‪ ،‬وسواء‬
‫كان الخيار لهما أو لحدهما؛ وقد قيل فببي المببذهب إنببه إن كببان هلببك بيببد البببائع فل‬
‫خلف فببي ضببمانه إيبباه‪ ،‬وإن كببان هلببك بيببد المشببتري فببالحكم كببالحكم فببي الرهببن‬
‫والعارية إن كان مما يغاب عليه فضمانه منه‪ ،‬وإن كان مما ل يغبباب عليببه فضببمانه‬
‫من البائع‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬إن كان شرط الخيار لكليهما أو للبائع وحده فضببمانه مببن‬
‫البائع والمبيع على ملكه‪ ،‬وأما إن كان شرطه المشتري وحده فقببد خببرج المبببيع عببن‬
‫ملك البائع ولم يدخل في ملك المشتري‪ ،‬وبقي معلقا حبتى ينقضبي الخيبار‪ ،‬وقبد قيبل‬
‫عنه إن على المشتري الثمن‪ ،‬وهذا يدل على أنه دخل عنده في ملك المشتري‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫وللشافعي قولن‪ :‬أشهرهما أن الضمان من المشتري ليهما كان الخيببار‪ .‬فعمببدة مببن‬
‫رأى أن الضمان من البائع على كل حال أنه عقببد غيببر لزم‪ ،‬فلببم ينتقببل الملببك عببن‬
‫البائع كما لو قال بعتك ولم يقل المشتري قبلبت‪ .‬وعمبدة مبن رأى أنبه مبن المشبتري‬
‫تشبيهه بالبيع اللزم وهو ضعيف لقياسه موضع الخلف على موضع التفبباق‪ .‬وأمببا‬
‫من جعل الضمان لمشترط الخيار إذا شبرطه أحبدهما ولبم يشبترطه الثباني فلنبه إن‬
‫كان البائع هو المشترط فالخيار له إبقاء للمبببيع علببى ملكببه‪ ،‬وإن كبان المشببتري هببو‬
‫المشترط له فقط فقد صرفه البائع من ملكه وأبانه فوجب أن يدخل في ملك المشبتري‬
‫إذا كان المشتري هو الذي شرطه فقط قال‪ :‬قد خرج عن ملك البائع لنببه لببم يشببترط‬
‫خيارا ولم يلزم أن يدخل في ملك المشتري لنه شرط الخيار في رد الخر له‪ ،‬ولكن‬
‫هذا القول يمانع الحكم‪ ،‬فإنه لبد أن تكون مصببيبته مببن أحببدهما‪ ،‬والخلف آيببل إلببى‬
‫هل الخيار مشترط ليقاع الفسخ في البيع أو لتتميببم الببيع‪ ،‬فبإذا قلنبا لفسببخ الببيع فقبد‬
‫خرج من ضمان البائع‪ ،‬وإن قلنا لتتميمه فهو في ضمانه‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة الخامسة( وهي هل يورث خيار المبيع أم ل؟ فإن مالكا والشببافعي‬
‫وأصحابهما قالوا‪ :‬يورث‪ ،‬وإنه إذا مات صاحب الخيار فلورثته مببن الخيببار مثببل مببا‬
‫كان له؛ وقال أبو حنيفة وأصحابه‪ :‬يبطل الخيببار بمببوت مببن لببه الخيببار ويتببم البببيع‪،‬‬
‫وهكذا عنده خيار الشفعة وخيار قبول الوصية وخيبار القالبة‪ .‬وسبلم لهبم أببو حنيفبة‬
‫خيار الرد بالعيب‪ :‬أعني أنه قال يورث‪ ،‬وكببذلك خيببار اسببتحقاق الغنيمببة قبببل القسببم‬
‫وخيار القصاص وخيار الرهن‪ .‬وسلم لهم مالك خيار رد الب ما وهبه لبنه‪ ،‬أعنببي‬
‫أنه لم ير لورثة الميت من الخيار في رد ما وهبه لبنه ما جعل له الشبرع مبن ذلبك‪:‬‬
‫أعني للب‪ ،‬وكذلك خيار الكتابببة والطلق واللعببان‪ .‬ومعنببى خيببار الطلق أن يقببول‬
‫الرجل لرجل آخر طلق امرأتي متى شئت‪ ،‬فيموت الرجل المجعول لببه الخيببار‪ ،‬فببإن‬
‫ورثته ل يتنزلون منزلته عند مالك‪ .‬وسلم الشافعي ما سلمت المالكية للحنفية من هذه‬
‫الخيببارات‪ ،‬وسببلم زائدا خيببار القالببة والقبببول فقببال‪ :‬ل يورثببان‪ .‬وعمببدة المالكيببة‬
‫والشافعية أن الصل هو أن تورث الحقوق والمببوال إل مببا قببام دليببل علببى مفارقببة‬
‫الحق في هببذا المعنببى للمببال‪ .‬وعمبدة الحنفيببة أن الصبل هببو أن يببورث المبال دون‬
‫الحقوق إل ما قام دليله من إلحاق الحقوق بالموال‪ ،‬فموضع الخلف هل الصل هو‬
‫أن تورث الحقوق كالموال أم ل؟ وكل واحد من الفريقين يشبه من هذا ما لم يسببلمه‬
‫له خصمه منها بما يسلمه منها له ويحتببج علببى خصببمه؛ فالمالكيببة والشببافعية تحتببج‬
‫على أبي حنيفة بتسلميه وراثة خيار الرد بالعيب‪ ،‬ويشبه سائر الخيارات التي يورثها‬
‫به؛ والحنفية تحتج أيضا على المالكية والشافعية بما تمنع من ذلك‪ ،‬وكل واحببد منهببم‬
‫يروم أن يعطي فارقا فيما يختلف فيه قوله ومشابها فيما يتفق فيببه قببوله‪ ،‬ويببروم فببي‬
‫قوله خصمه بالضد‪ ،‬أعني أن يعطي فارقا فيما يضعه الخصببم متفقببا‪ ،‬ويعطببي اتفاقببا‬
‫فيما يضعه الخصم متباينا‪ ،‬ومثل ما تقول المالكيببة‪ :‬إنمببا قلنببا إن خيببار الب فببي رد‬
‫هبته ل يورث‪ ،‬لن ذلك خيار راجع إلببى صببفة فببي الب ل توجببد فببي غيببره وهببي‬
‫البوة‪ ،‬فوجب أن ل تورث ل إلى صفة في العقد‪ .‬وهذا هو سبب اختلفهم في خيببار‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫خيار‪ ،‬أعني أنه من انقدح له في شيء منها أنه صفة للعقد ورثه‪ ،‬ومن انقدح لببه أنببه‬
‫صفة خاصة بذي الخيار لم يورثه‪.‬‬
‫@‪)-‬وأما المسألة السادسة( وهي من يصببح خيبباره فببإنهم اتفقببوا علببى صببحة خيببار‬
‫المتبببايعين‪ ،‬واختلفببوا فببي اشببتراط خيببار الجنبببي‪ ،‬فقببال مالببك‪ :‬يجببوز ذلببك والبببيع‬
‫صحيح؛ وقال الشافعي في أحد قوليه‪ :‬ل يجوز إل أن يوكله الذي جعل له الخيار ول‬
‫يجوز الخيار عنده على هذا القول لغير العاقد‪ ،‬وهو قول أحمد؛ وللشافعي قببول آخببر‬
‫مثل قول مالك‪ ،‬وبقول مالك قال أبو حنيفة؛ واتفق المذهب علببى أن الخيببار للجنبببي‬
‫إذا جعله له المتبايعان‪ ،‬وأن قوله لهما‪ .‬واختلببف المببذهب إذا جعلببه أحببدهما فبباختلف‬
‫البائع ومن جعل له البائع الخيار أو المشتري ومن جعل لببه المشببتري الخيببار‪ ،‬فقيببل‬
‫القول في المضاء‪ ،‬والرد قببول الجنبببي سببواء اشببترط خيبباره البببائع أو المشببتري‪،‬‬
‫وقال عكس هببذا القببول مببن جعببل خيبباره هنببا كالمشببورة‪ ،‬وقيببل بببالفرق بيببن البببائع‬
‫والمشتري‪ :‬أي أن القول في المضاء والرد قول البائع دون الجنبي‪ ،‬وقول الجنبي‬
‫دون المشتري إن كان المشببتري هببو المشببترط الخيببار؛ وقيببل القببول قببول مببن أراد‬
‫منهما المضاء‪ ،‬وإن أراد البائع المضاء‪ ،‬وأراد الجنبي الببذي اشببترط خيبباره الببرد‬
‫ووافقببه المشببتري‪ ،‬فببالقول قببول البببائع فببي المضبباء‪ ،‬وإن أراد البببائع الببرد وأراد‬
‫الجنبي المضاء ووافقه المشتري فالقول قول المشتري؛ وكذلك إن اشببتراط الخيببار‬
‫للجنبي المشتري‪ ،‬فالقول فيهما قول من أراد المضاء‪ ،‬وكذلك الحال في المشتري؛‬
‫وقيل بالفرق في هذا بين البائع والمشببتري‪ :‬أي إن اشببترطه البببائع فببالقول قببول مببن‬
‫أراد المضاء منهما‪ ،‬وإن اشترطه المشتري فالقول قول الجنبي‪ ،‬وهو ظاهر ما في‬
‫المدونة‪ ،‬وهذا كله ضعيف‪ .‬واختلفوا فيمن اشترط من الخيببار مببا ل يجببوز‪ ،‬مثببل أن‬
‫يشترط أجل مجهول وخيارا فوق الثلث عند مببن ل يجببوز الخيببار فببوق الثلث‪ ،‬أو‬
‫خيار رجل بعيد الموضع بعينه‪ :‬أعني أجنبيا‪ ،‬فقببال مالببك والشببافعي‪ :‬ل يصببح البببيع‬
‫وإن أسقط الشرط الفاسد؛ وقال أبببو حنيفببة‪ :‬يصببح البببيع مببع إسببقاط الشببرط الفاسببد‪،‬‬
‫فأصل الخلف هل الفساد الواقبع فبي الببيع مبن قببل الشبرط يتعبدى إلبى العقبد أم ل‬
‫يتعدى‪ ،‬وإنما هو في الشرط فقط؟ فمن قال يتعدى أبطل البيع وإن أسقطه؛ ومببن قبال‬
‫ل يتعدى قال‪ :‬البيع يصح إذا أسقط الشرط الفاسد لنه يبقى العقد صحيحا‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب بيع المرابحة‪.‬‬
‫@‪-‬أجمع جمهور العلماء على أن البيع صببنفان‪ :‬مسبباومة ومرابحببة؛ وأن المرابحببة‬
‫هي أن يذكر البائع للمشتري الثمن الذي اشترى به السببلعة ويشببترط عليببه ربحببا مببا‬
‫للدينار أو الدرهم‪ .‬واختلفوا من ذلك بالجملببة فببي موضببعين‪ :‬أحببدهما فيمببا للبببائع أن‬
‫يعده من رأس مال السلعة مما أنفق على السلعة بعد الشراء مما ليس له أن يعده مببن‬
‫رأس المال‪ .‬والموضع الثاني إذا كذب البائع للمشتري فأخبره أنه اشببتراه بببأكثر ممببا‬
‫اشترى السلعة به‪ ،‬أو وهم فأخبر بأقل مما اشترى به السلعة ثم ظهر له أنببه اشببتراها‬
‫بأكثر‪ ،‬ففي هذا الكتاب بحسب اختلف فقهاء المصار بابان‪ :‬الباب الول‪ :‬فيمببا يعببد‬
‫من رأس مال مما ل يعد‪ ،‬وفي صفة رأس المال الببذي يجببوز أن يبنببي عليببه الربببح‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬في حكم ما وقع من الزيادة أو النقصان في خبر البائع بالثمن‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫*‪*3‬الباب الول‪ .‬فيما يعد من رأس المال مما ل يعد‪ ،‬وفببي صببفة رأس المببال الببذي‬
‫يجوز أن يبني عليه الربح‪.‬‬
‫@‪-‬فأما ما يعد في الثمن مما ل يعد‪ ،‬فإن تحصيل مذهب مالك في ذلك أن مببا ينببوب‬
‫البائع على السلعة زائدا علبى الثمبن ينقسبم ثلثبة أقسبام‪ :‬قسبم يعبد فبي أصبل الثمبن‬
‫ويكون له حظ من الربح‪ .‬وقسم ل يعد في أصل الثمن ول يكون له حببظ مببن الربببح‪.‬‬
‫وقسم ل يعد في أصل الثمن ول يكون له حظ من الربح‪ .‬فأما الذي يحسبببه فببي رأس‬
‫المال ويجعل له حظا من الربح فهو مبا كبان مبؤثرا فبي عيبن السبلعة مثبل الخياطبة‬
‫والصبغ‪ .‬وأما الذي يحسبه في رأس المال ول يجعل له حظا من الرببح فمبا ل يبؤثر‬
‫في عين السلعة مما ل يمكن البائع أن يتببوله بنفسببه كحمببل المتبباع مببن بلببد إلببى بلببد‬
‫وكراء البيوت التي توضع فيها‪ .‬وأما ما ل يحتسب فيه المرين جميعا‪ ،‬فما ليببس لببه‬
‫تأثير في عين السلعة مما يمكن أن يتوله صبباحب السببلعة بنفسببه كالسمسببرة والطببي‬
‫والشد‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬بل يحمل على ثمن السلعة كل ما نابه عليها‪ .‬وقال أبببو ثببور‪:‬‬
‫ل يجوز المرابحة إل بالثمن الذي اشترى به السلعة فقط إل أن يفصببل ويفسببخ عنببده‬
‫إن وقع قال لنه كذب‪ ،‬لنه يقول له‪ :‬ثمن سلعتي كذا وكذا وليس المر كببذلك‪ ،‬وهببو‬
‫عنده من باب الغش‪ .‬وأما صفة رأس الثمن الذي يجوز أن يخبر به فإن مالكا والليث‬
‫قال فيمببن اشببترى سببلعة بببدنانير والصببرف يببوم اشببتراها صببرف معلببوم ثببم باعهببا‬
‫بدراهم والصرف قد تغير إلى زيادة أنه ليببس لببه أن يعلببم يببوم باعهببا بالببدنانير الببتي‬
‫اشتراها لنه من باب الكذب والخيانة‪ ،‬وكذلك إن اشتراها بببدراهم ثببم باعهببا بببدنانير‬
‫وقد تغير الصرف‪ .‬واختلف أصحاب مالك من هذا الباب فيمن ابتاع سببلعة بعببروض‬
‫هل يجوز لببه أن يبيعهببا مرابحببة أم ل يجببوز؟ فببإذا قلنببا بببالجواز فهببل يجببوز بقيمببة‬
‫العرض أو بالعرض نفسه؟ فقال ابن القاسم‪ :‬يجوز له بيعها علببى مببا اشببتراه بببه مببن‬
‫العروض ول يجوز على القيمة‪ .‬وقال أشهب‪ :‬ل يجوز لمن اشترى سلعة بشيء مببن‬
‫العروض أن يبيعها مرابحة لنه يطالبه بعروض علبى صبفة عرضبه‪ ،‬وفبي الغبالب‬
‫ليس يكون عنده فهو من باب بيبع مبا ليبس عنبده‪ .‬واختلبف مالبك وأببو حنيفبة فيمبن‬
‫اشترى سلعة بدنانير فأخذ في الدنانير عروضا أو دراهم هل يجوز له بيعها مرابحببة‬
‫دون أن يعلم بما نقد أم ل يجوز؟ فقال مالك‪ :‬ل يجوز إل أن يعلم مببا نقببد؛ وقببال أبببو‬
‫حنيفببة‪ :‬يجببوز أن يبيعهببا منببه مرابحببة علببى الببدنانير الببتي ابتبباع بهببا السببلعة دون‬
‫العروض التي أعطى فيها أو الببدراهم؛ قببال مالببك أيضببا فيمببن اشببترى سببلعة بأجببل‬
‫فباعها مرابحة أنه ل يجوز حتى يعلم بالجل‪ .‬وقال الشافعي إن وقببع كببان للمشببتري‬
‫مثل أجله؛ وقال أبو ثور‪ :‬هو كالعيب وله الرد به‪ ،‬وفي هذا الباب في المذهب فروع‬
‫كثيرة ليست مما قصدناه‪.‬‬
‫*‪*3‬الباب الثاني‪ .‬في حكم ما وقع من الزيادة أو النقصان في خبر البائع بالثمن‪.‬‬
‫@‪-‬واختلفوا فيمن ابتاع سلعة مرابحة على ثمن ذكره‪ ،‬ثم ظهر بعد ذلك إما بببإقراره‬
‫وإما ببينة أن الثمن كان أقل والسلعة قائمة؛ فقال مالك وجماعببة‪ :‬المشببتري بالخيببار‪،‬‬
‫إما أن يأخذ بالثمن الذي صح أو يترك إذا لم يلزمه البببائع أخببذها بببالثمن الببذي صببح‬
‫وإن ألزمه لزمه؛ وقال أبو حنيفببة وزفببر‪ :‬بببل المشببتري بالخيببار علببى الطلق‪ ،‬ول‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يلزمه الخذ بالثمن الذي إن ألزمه البائع لزمه؛ وقال الثوري وابن أبببي ليلببى وأحمببد‬
‫وجماعة‪ :‬بل يبقى البيع لزما لهما بعد حط الزيببادة؛ وعببن الشببافعي القببولن‪ :‬القببول‬
‫بالخيار مطلقببا‪ ،‬والقببول ببباللزوم بعببد الحببط‪ .‬فحجببة مببن أوجببب البببيع بعببد الحببط أن‬
‫المشتري إنما أربحه على ما ابتاع به السلعة ل غير ذلك‪ ،‬فلمبا ظهبر خلف مبا قبال‬
‫وجب أن يرجع إلى الذي ظهر‪ ،‬كما لو أخذه بكيل معلوم فخرج بغير ذلك الكيببل أنببه‬
‫يلزمه توفية ذلببك الكيببل‪ .‬وحجببة مببن رأى أن الخيببار مطلقببا تشبببيه الكببذب فببي هببذه‬
‫المسألة بالعيب‪ ،‬أعني أنه كما يببوجب العيببب الخيببار كببذلك يببوجب الكببذب‪ .‬وأمببا إذا‬
‫فاتت السلعة فقال الشافعي‪ :‬يحط مقدار ما زاد من الثمببن ومببا وجببب لببه مببن الربببح؛‬
‫وقال مالك‪ :‬إن كانت قيمتها يوم القبض أو يوم البيع على خلف عنه في ذلك مثل ما‬
‫وزن المبتاع أو أقل فل يرجببع عليببه المشببتري بشببيء‪ ،‬وإن كببانت القيمببة أقببل خيببر‬
‫البائع بين رده للمشتري القيمة أو رده الثمن أو إمضببائه السببلعة بببالثمن الببذي صببح‪.‬‬
‫وأما إذا باع الرجل سلعته مرابحة ثم أقام البينة أن ثمنها أكببثر ممببا ذكببره وأنببه وهببم‬
‫في ذلك وهي قائمة‪ ،‬فقال الشافعي‪ :‬ل يسمع من تلك البينة لنببه كببذبها؛ وقببال مالببك‪:‬‬
‫يسمع منها ويجبر المبتاع على ذلك الثمن‪ ،‬وهذا بعيد لنه بيع آخبر‪ .‬وقبال مالبك فبي‬
‫هذه المسألة‪ :‬إذا فاتت السلعة أن المبتاع مخير بين أن يعطي قيمة السلعة يوم قبضببها‬
‫أو أن يأخذها بالثمن الذي صح‪ ،‬فهذه هي مشهورات مسائلهم في هذا الباب‪ .‬ومعرفة‬
‫أحكام هذا البيع تنبني في مذهب مالك على معرفببة أحكببام ثلثببة مسببائل ومببا تركببب‬
‫منها‪ ،‬حكم مسألة الكذب‪ ،‬وحكم مسألة الغش‪ ،‬وحكم مسألة وجببود العيببب‪ .‬فأمببا حكببم‬
‫الكذب فقد تقدم‪ .‬وأما حكم الرد بالعيب فهو حكمه في البيع المطلق‪ .‬وأما حكببم الغببش‬
‫عنده فهو تخيير البائع مطلقا‪ ،‬وليس للبائع أن يلزمه البيع وإن حط عنه مقببدار الغببش‬
‫كما له ذلك في مسألة الكذب‪ ،‬هذا عند ابن القاسم‪ .‬وأما عند أشهب‪ ،‬فإن الغببش عنببده‬
‫ينقسم قسمين‪ :‬قسم مؤثر في الثمن‪ ،‬وقسم غير مؤثر‪ .‬فأما غير المؤثر فل حكم عنببده‬
‫فيه‪ .‬وأما المؤثر فحكمه عنده حكم الكذب‪ .‬وأما التي تتركب فهي أربع مسائل‪ :‬كببذب‬
‫وغش‪ ،‬وكذب وتدليس‪ ،‬وغش وتدليس بعيب‪ ،‬وكذب وغش وتببدليس بعيببب؛ وأصببل‬
‫مذهب ابن القاسم فيها أنه يأخذ بالذي بقي حكمه إن كان فات بحكم أحدهما أو بالببذي‬
‫هو أرجح له إن لم يفت حكم أحدهما‪ ،‬إما على التخيير حيث يمكن التخيير‪ ،‬أو الجمع‬
‫حيث يمكن الجمع‪ ،‬وتفصيل هذا لئق بكتب الفروع‪ ،‬أعني مذهب ابن القاسم وغيره‪.‬‬
‫*‪*2‬كتاب بيع العرية‪.‬‬
‫@‪-‬اختلف الفقهاء في معنببى العريببة والرخصببة الببتي أتببت فيهببا فببي السببنة‪ ،‬فحكببى‬
‫القاضي أبو محمد عبببد الوهبباب المببالكي أن العريببة فببي مببذهب مالببك هببي أن يهببب‬
‫الرجل ثمرة نخلة أو نخلت من حائطه لرجل بعينببه‪ ،‬فيجببوز للمعببرى شببراؤها مببن‬
‫المعري له بخرصها تمرا على شروط أربعة‪ :‬أحببدها‪ :‬أن تزهببي‪ .‬والثبباني أن تكببون‬
‫خمسة أوسق فما دون‪ ،‬فإن زادت فل يجوز‪ .‬والثالث أن يعطيه التمر الببذي يشببتريها‬
‫به عند الجذاذ‪ ،‬فإن أعطبباه نقببدا لببم يجببز‪ .‬والرابببع أن يكببون التمببر مببن صببنف تمببر‬
‫العرية ونوعها‪ ،‬فعلى مذهب مالك الرخصة فببي العريببة إنمببا هببي فببي حببق المعببري‬
‫فقط‪ ،‬والرخصة فيها إنما هي استثناؤها من المزابنة‪ ،‬وهي بيع الرطب بالتمر الجاف‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الذي ورد النهي عنه‪ ،‬ومن صنفي الربا أيضا‪ :‬أعني التفاضل والّنساء‪ ،‬وذلك أن بيببع‬
‫ثمر معلوم الكيل بثمر معلبوم بببالتخمين وهببو الخبرص‪ ،‬فيببدخله بيببع الجنببس الواحبد‬
‫متفاضل‪ ،‬وهو أيضا ثمر بثمر إلى أجببل‪ ،‬فهببذا هببو مببذهب مالببك فيمببا هببي العريببة‪،‬‬
‫وماهي الرخصة فيها‪ ،‬ولمن الرخصة فيها؟‪ .‬وأما الشافعي فمعنى الرخصببة الببواردة‬
‫عنده فيها ليست للمعري خاصة‪ ،‬وإنما هي لكل أحد من النبباس أراد أن يشببتري هببذا‬
‫القدر من التمر‪ :‬أعني الخمسة أوسق أو ما دون ذلك بتمر مثلها؛ وروي أن الرخصة‬
‫فيها إنما هي معلقة بهذا القدر من التمر لضرورة الناس أن يببأكلوا رطبببا وذلببك لمببن‬
‫ليس عنده رطب ول تمر )هكذا بالنسخ‪ ،‬ولعله‪ :‬وعنببده تمببر يشببتري‪ ،‬إذ هببي فسببحة‬
‫لمن عنده تمر وليس عنده رطب أن يشتري الرطب بالتمر‪ ،‬ولذلك اشببتراط الشببافعي‬
‫دفع التمر نقدا‪ ،‬فتأمل ا هب مصححه( يشتري به الرطب‪.‬‬
‫والشافعي يشترط في إعطاء التمر الذي تباع فبي العريبة أن يكبون نقبدا‪ ،‬ويقبول‪ :‬إن‬
‫تفرقا قبل القبض فسد البيع‪ .‬والعرية جائزة عند مالك في كل ما ييبس ويدخر‪ ،‬وهببي‬
‫عند الشافعي في التمر والعنب فقط ول خلف في جوازها فيما دون الخمسة الوسق‬
‫عند مالك والشافعي‪ ،‬وعنهما الخلف إذا كانت خمسة أوسق‪ ،‬فببروي الجببواز عنهمببا‬
‫والمنع‪ ،‬والشهر عند مالك الجبواز‪ .‬فالشبافعي يخبالف مالكبا فبي العريبة فبي أربعبة‬
‫مواضع‪ :‬أحدها في سبب الرخصببة كمببا قلنببا‪ .‬والثبباني أن العريببة الببتي رخببص فيهببا‬
‫ليست هبة‪ ،‬وإنما سميت هبببة علببى التجببوز‪ .‬والثببالث فببي اشببتراط النقببد عنببد البببيع‪.‬‬
‫والرابع في محلها‪ .‬فهي عنده كما قلنا في التمر والعنب فقط‪ ،‬وعند مالك فببي كببل مببا‬
‫يدخر وييبس‪ .‬وأمببا أحمببد بببن حنبببل فيوافببق مالكببا فببي أن العريبة عنببده هبي الهببة‪،‬‬
‫ويخببالفه فببي أن الرخصببة إنمببا هببي عنببده فيهببا للموهببوب لببه أعنببي المعببرى لببه ل‬
‫المعري‪ ،‬وذلك أنه يرى أن له أن يبيعها ممن شاء بهذه الصفة ل من المعري خاصة‬
‫كما ذهب إليه مالك‪.‬‬
‫وأما أبو حنيفة فيوافق مالكا في أن العرية هي الهبببة‪ ،‬ويخببالفه فببي صببفة الرخصببة‪،‬‬
‫وذلك أن الرخصة عنده فيها ليست هي من باب استثنائها مببن المزابنببة ول هببي فببي‬
‫الجملة في البيع‪ ،‬وإنما الرخصة فيها عنده من باب رجوع الواهب فببي هبتببه إذ كببان‬
‫الموهوب له لم يقبضها وليست عنده ببيع‪ ،‬وإنمببا هببي رجببوع فببي الهبببة علببى صببفة‬
‫مخصوصة‪ ،‬وهو أن يعطي بدلها تمرا بخرصها‪ .‬وعمدة مذهب مالك في العرية أنها‬
‫بالصفة التي ذكر سنتها المشهورة عندهم بالمدينة‪ ،‬قالوا‪ :‬وأصل هذا أن الرجببل كببان‬
‫يهب النخلت من حائطه فيشق عليه دخول الموهوب له عليه‪ ،‬فأبيح لببه أن يشببتريها‬
‫بخرصها تمرا عند الجذاذ‪ .‬ومن الحجة له في أن الرخصة إنما هببي للمعببري حببديث‬
‫سهل بن أبي حثمة "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى عن بيع التمببر بببالرطب‬
‫إل أنه رخص في العرية أن تباع بخرصها يأكلها أهلهببا رطبببا" قببالوا‪ :‬فقببوله يأكلهببا‬
‫رطبا دليل على أن ذلك خاص بمعريها‪ ،‬لنهم في ظاهر هذا القول أهلها‪.‬‬
‫ويمكن أن يقال إن أهلها هم الذين اشتروها كائنا من كان‪ ،‬لكن قوله رطبا هببو تعليببل‬
‫ل يناسب المعري‪ ،‬وعلى مذهب الشافعي هو مناسب‪ ،‬وهم الذين ليس عندهم رطببب‬
‫ول تمر يشترونها به‪ ،‬ولذلك كانت الحجة للشافعي‪ .‬وأما أن العرية عنببده هببي الهبببة‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فالدليل على ذلك من اللغبة‪ ،‬فبإن أهبل اللغبة قبالوا‪ :‬العريبة هبي الهببة‪ ،‬واختلبف فبي‬
‫تسميتها بذلك‪ ،‬فقيل لنها عريت من الثمن‪ ،‬وقيببل إنهببا مببأخوذة مببن عببروت الرجببل‬
‫أعروه إذا سألته‪ ،‬ومنه قوله تعالى }وأطعموا القانع والمعتر{ وإنما اشترط مالببك نقببد‬
‫الثمن عند الجذاذ أعني تأخيره إلى ذلك الوقت‪ ،‬لنه تمر ورد الشرع بخرصه‪ ،‬فكبان‬
‫من سنته أن يتأجل إلى الجذاذ أصببله الزكبباة‪ ،‬وفيببه ضببعف‪ ،‬لنببه مصببادمة بالقيبباس‬
‫لصل السنة‪ .‬وعنده أنه إذا تطوع بعد تمام العقد بتعجيل التمر جباز‪ ،‬وأمببا اشببتراطه‬
‫جوازها في الخمسة الوسق أو فيما دونها‪ ،‬فلما رواه عن أبي هريرة "أن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم أرخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق‪ ،‬أو في‬
‫خمسة أوسق" وإنما كان عن مالك في الخمسة الوسق روايتان الشك الواقع في هببذا‬
‫الحديث من الراوي‪ .‬وأما اشتراطه أن يكون من ذلببك الصببنف بعينببه إذا يبببس‪ ،‬فلمببا‬
‫روي عن زيد بن ثابت أن رسول ال صلى ال عليه وسلم "رخص لصبباحب العريببة‬
‫أن يبيعها بخرصها تمرا" خرجه مسلم‪ .‬وأما الشافعي فعمدته حديث رافببع بببن خديببج‬
‫وسهل بن أبي حثمة عن النبي صلى ال عليببه وسببلم "أنببه نهببى عببن المزابنببة التمببر‬
‫بالتمر إل أصحاب العرايا‪ ،‬فإنه أذن لهم فيه وقوله "فيها يأكلها أهلها رطبا"‪ .‬والعرية‬
‫عندهم هي اسم لما دون الخمسة الوسق من التمر‪ ،‬وذلك أنه لما كان العرف عنببدهم‬
‫أن يهب الرجل في الغالب من نخلته هببذا القببدر فمببا دونببه‪ ،‬خببص هببذا القببدر الببذي‬
‫جاءت فيه الرخصة باسم الهبة لموافقته في القدر للهبة‪ ،‬وقد احتببج لمببذهبه بمببا رواه‬
‫بإسناد منقطع عن محمود بن لبيد أنه قال لرجل من أصببحاب رسببول الب صببلى الب‬
‫عليببه وسبلم إمبا زيبد ببن ثبابت وإمببا غيببره‪ :‬مبا عرايباكم هببذه؟ قبال‪ :‬فسببمى رجبال‬
‫محتاجين من النصار شكوا إلى رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم أن الرطببب أتببى‬
‫وليس بأيديهم نقد يبتاعون به الرطب فيأكلونه مع الناس‪ ،‬وعنببدهم فضببل مببن قببوتهم‬
‫من التمر‪ ،‬فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر الببذي بأيببديهم يأكلونهببا‬
‫رطبا‪ ،‬وإنما لم يجز تأخير نقد التمر لنه بيع الطعام بالطعام نسيئة‪.‬‬
‫وأما أحمد فحجته ظاهر الحاديث المتقدمة أنه رخص في العرايا ولم يخص المعري‬
‫من غيره‪ .‬وأما أبو حنيفة فلما لم يجز عنده المزابنة وكانت إن جعلت بيعا نوعببا مببن‬
‫المزابنة رأى أن انصرافها إلى المعري ليس هو من ببباب البببيع وإنمببا هببو مببن ببباب‬
‫رجوع الواهب فيما وهب باعطاء خرصها تمرا‪ ،‬أو تسميته إياها بيعا عنببده مجببازا‪،‬‬
‫وقد التفت إلى هذا المعنى مالك في بعض الروايات عنه‪ ،‬فلم يجز بيعها بالدراهم ول‬
‫بشيء من الشياء سوى الخرص‪ ،‬وإن كان المشهور عنببه جببواز ذلبك‪ .‬وقببد قيببل إن‬
‫قول أبي حنيفببة هببذا هببو مببن ببباب تغليببب القيبباس علببى الحببديث‪ ،‬وذلببك أنببه خببالف‬
‫الحاديث في مواضع منها أنه لم يسمها بيعا‪ ،‬وقد نص الشببارع علببى تسببميتها بيعببا‪.‬‬
‫ومنها أنه جاء في الحديث أنه نهى عن المزابنة ورخص في العرايا‪ ،‬وعلى مذهبه ل‬
‫تكون العرية استثناء من المزابنة‪ ،‬لن المزابنة هي في البيع‪ .‬والعجب منه أنه سببهل‬
‫عليه أن يستثنيها من النهي عن الرجوع في الهبة التي لببم يقببع فيهببا السببتثناء بنببص‬
‫الشرع‪ ،‬وعسر عليه أن يستثنيها مما استثنى منه الشارع‪ ،‬وهي المزابنة‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫)بسم ال الرحمن الرحيم وصلى ال على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما(‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫*‪*2‬كتاب الجارات‪.‬‬
‫@‪-‬والنظر في هذا الكتاب شبيه بالنظر في البيوع‪ :‬أعني أصوله تنحصر بالنظر في‬
‫أنواعها وفي شروط الصحة فيها والفساد وفي أحكامها‪ ،‬وذلببك فببي نببوع نببوع منهببا‪،‬‬
‫أعني فيما يخص نوعا نوعا منها‪ ،‬وفيما يعم أكثر من واحد منها فهببذا الكتبباب ينقسببم‬
‫أول إلى قسمين‪ :‬القسم الول‪ :‬فبي أنواعهبا وشبروط الصبحة والفسباد‪ .‬والثباني‪ :‬فبي‬
‫معرفة أحكام الجارات‪ ،‬وهذا كله بعد قيام الدليل على جوازها‪ .‬فلنببذكر أول مببا فببي‬
‫ذلك من الخلف ثم نصير إلى ذكر ما في ذينك القسمين مببن المسببائل المشببهورة‪ ،‬إذ‬
‫كان قصدنا إنما هو ذكر المسائل التي تجري من هذه الشياء مجرى المهات‪ ،‬وهي‬
‫التي اشتهر فيها الخلف بين فقهاء المصار‪ .‬فنقول‪ :‬إن الجببارة جببائزة عنببد جميببع‬
‫فقهاء المصار والصدر الول‪ .‬وحكي عن الصم وابن علية منعها‪ .‬ودليل الجمهور‬
‫قوله تعالى }إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين{ الية‪ ،‬وقوله }فإن أرضببعن لكببم‬
‫فآتوهن أجورهن{ ‪ .‬ومن السنة الثابتة ما خرجه البخاري عن عائشة قببالت "اسببتأجر‬
‫خّريتببا ]أي دليل‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبو بكر رجل من بني الديل هاديا ِ‬
‫حاذقا عالما بالطرق‪ .‬دار الحديث[ وهو على دين كفار قريش‪ ،‬فدفعا إليببه راحلتيهمببا‬
‫وواعداه غار ثور بعد ثلث ليال براحلتيهما" وحديث جابر "أنه باع من النبي صببلى‬
‫ال عليه وسلم بعيرا وشببرط ظهببره إلببى المدينببة" ومببا جبباز اسببتيفاؤه بالشببرط جبباز‬
‫استيفاؤه بالجر‪ ،‬وشبهة من منع ذلك أن المعاوضات إنما يسبتحق فيهبا تسبليم الثمبن‬
‫بتسليم العين كالحال في العيان المحسوسة والمنافع فببي الجببارات فببي وقببت العقببد‬
‫معدومة‪ ،‬فكان ذلك غررا ومن بيع ما لم يخلق‪ ،‬ونحن نقول‪ :‬إنها وإن كانت معدومة‬
‫في حال العقد فهي مستوفاة في الغالب‪ ،‬والشرع إنما لحظ من هذه المنافع ما يستوفي‬
‫في الغالب‪ ،‬أو يكون استيفاؤه وعدم استيفاؤه على السواء‪.‬‬
‫@‪)-‬القسم الول( وهذا القسم النظر فيه إلى جنس الثمن وجنس المنفعببة الببتي يكببون‬
‫الثمن مقابل له وصفتها‪ .‬فأما الثمن فينبغي أن يكون مما يجوز بيعه‪ ،‬وقببد تقببدم ذلببك‬
‫في باب البيوع‪ .‬وأما المنفعة فينبغي أن تكون من جنس ما لم ينه الشببرع عنببه‪ ،‬وفببي‬
‫كل هذه مسائل اتفقوا عليها واختلفببوا فيهببا؛ فممببا اجتمعببوا علببى إبطببال إجببارته كببل‬
‫منفعة كانت لشيء محرم العين‪ ،‬كذلك كل منفعة كببانت محرمببة بالشببرع‪ ،‬مثببل أجببر‬
‫النوائح وأجر المغنيات‪ ،‬وكذلك كل منفعة كانت فببرض عيببن علببى النسببان بالشببرع‬
‫مثبل الصبلة وغيرهبا‪ ،‬واتفقبوا علبى إجبارة البدور والبدواب والنباس علبى الفعبال‬
‫المباحة‪ ،‬وكذلك الثياب والبسط‪ .‬واختلفوا في إجارة الرضين وفي إجارة المياه وفببي‬
‫إجارة المؤذن‪ ،‬وفي الجارة على تعليم القرآن‪ ،‬وفي إجارة نزو الفحببول‪ .‬فأمببا كببراء‬
‫الرضين فاختلفوا فيها اختلفا كثيرا؛ فقوم لم يجيزوا ذلك بتة وهببم القببل‪ ،‬وبببه قببال‬
‫طاوس وأبو بكر ابن عبد الرحمن؛ وقال الجمهور بجواز ذلك‪ .‬واختلف هببؤلء فيمببا‬
‫يجوز بببه كراؤهببا؛ فقببال قببوم‪ :‬ل يجببوز كراؤهببا إل بالببدراهم والببدنانير فقببط‪ ،‬وهببو‬
‫مذهب ربيعة وسعيد بن المسيب؛ وقال قوم‪ :‬يجوز كراء الرض بكل شببيء مببا عببدا‬
‫الطعام‪ ،‬وسواء كان ذلك بالطعام الخارج منها أو لم يكن‪ ،‬وما عدا ما ينبت فيها كببان‬
‫طعاما أو غيره‪ ،‬وإلى هذا ذهب مالك وأكببثر أصببحابه‪ .‬وقببال آخببرون‪ :‬يجببوز كببراء‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫الرض بما عدا الطعببام فقببط؛ وقببال آخببرون‪ :‬يجببوز كببراء الرض بكببل العببروض‬
‫والطعام وغير ذلك ما لم يكن بجزء مما يخببرج منهببا مببن الطعببام‪ ،‬وممببن قببال بهببذا‬
‫القول سالم بن عبد ال وغيره من المتقدمين‪ ،‬وهو قول الشببافعي وظبباهر قببول مالببك‬
‫في الموطأ؛ وقال قوم‪ :‬يجوز كراؤها بكل شيء وبجزء ممببا يخببرج منهببا‪ ،‬وبببه قببال‬
‫أحمببد والثببوري والليببث وأبببو يوسببف ومحمببد صبباحبا أبببي حنيفببة وابببن أبببي ليلببى‬
‫والوزاعي وجماعة‪ .‬وعمدة من لم يجز كراءها بحال ما رواه مالك بسنده عن رافع‬
‫بن خديج "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى عن كراء المببزارع" قببالوا‪ :‬وهببذا‬
‫عام‪ ،‬وهؤلء لم يلتفتوا إلى ما روى مالك من تخصيص الراوي له حيبن روى عنبه‪،‬‬
‫قال حنظلة‪ :‬فسألت رافع بن خديج عببن كرائهببا بالببذهب والببورق فقببال‪ :‬ل بببأس بببه‪.‬‬
‫وروي هذا عن رافع ابن عمر وأخببذ بعمببومه‪ ،‬وكببان ابببن عمببر قبببل يكببري أرضببه‬
‫فترك ذلك‪ ،‬وهذا بناء علببى رأي مببن يببرى أنببه ل يخصببص العمببوم بقببول الببراوي‪.‬‬
‫وروي عن رافع ابن خديج عن أبيه قال "نهى رسول ال صلى الب عليببه وسببلم عببن‬
‫إجارة الرضين" قال أبو عمر بن عبد البر‪.‬‬
‫واحتجوا أيضا بحديث ضمرة عن ابن شوذب عن مطرف عن عطاء عن جابر قال‪:‬‬
‫خطبنا رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم فقببال "مببن كببانت لببه أرض فليزرعهببا أو‬
‫لُيزرعها ول يؤاجرها" فهذه هي جملة الحاديث التي تمسك بهببا مببن لببم يجببز كببراء‬
‫الرض‪ .‬وقالوا أيضا من جهة المعنى‪ :‬إنه لم يجز كراؤها لما فببي ذلببك مببن الغببرر‪،‬‬
‫لنه ممكن أن يصببيب الببزرع جائحببة مببن نببار أو قحببط أو غببرق‪ ،‬فيكببون قببد لزمببه‬
‫كراؤها من غير أن ينتفع من ذلك بشيء‪ .‬قال القاضببي‪ :‬ويشبببه أن يقببال فببي هببذا إن‬
‫المعنى في ذلك قصد الرفق بالناس لكثرة وجببود الرض كمببا نهببى عببن بيببع المبباء‪،‬‬
‫ووجه الشبه بينهما أنهما أصل الخلقة‪ .‬وأما عمدة مببن لببم يجببز كراءهببا إل بالببدراهم‬
‫والدنانير فحديث طارق بن عبد الرحمن عن سعيد بن المسيب عببن رافببع بببن خديببج‬
‫عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال "إنما يزرع ثلثة‪ ،‬رجل لببه أرض فيزرعهببا‪،‬‬
‫ورجل منح أرضا فهو يببزرع مببا منببح‪ ،‬ورجببل اكببترى بببذهب أو فضببة" قببالوا‪ :‬فل‬
‫يجوز أن يتعببدى مببا فببي هببذا الحببديث والحبباديث الخببر مطلقببة وهببذا مقيببد‪ ،‬ومببن‬
‫الواجب حمل المطلق على المقيد‪ .‬وعمدة من أجاز كراءها بكل شيء ما عدا الطعام‪،‬‬
‫وسواء كان الطعام مدخرا أو لم يكن حديث يعلى بن حكيم عن سليمان بن يسار عببن‬
‫رافع بن خديببج قببال‪ :‬قببال رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم "مببن كببانت لببه أرض‬
‫فليزرعها أو لُيزرعها أخاه بثلث ول ربع ول بطعام معيببن" قببالوا‪ :‬وهببذا هببو معنببى‬
‫المحاقلة التي نهى رسول ال صلى ال عليه وسبلم عنهبا‪ ،‬وذكبروا حبديث سبعيد ببن‬
‫المسيب مرفوعا‪ ،‬وفيه‪ :‬والمحاقلة استكراء الرض بالحنطة‪ .‬قالوا‪ :‬وأيضببا فببإنه مببن‬
‫باب بيع الطعام بالطعام نسيئة‪.‬‬
‫وعمدة من لم يجز كراءها بالطعام ول بشيء مما يخببرج منهبا‪ ،‬أمببا بالطعببام فحجتبه‬
‫حجة من لم يجز كراءها بالطعام‪ .‬وأما حجته على منع كرائها مما تنبت فهو ما ورد‬
‫من نهيه صلى ال عليه وسلم عن المخببابرة‪ ،‬قبالوا‪ :‬وهبي كببراء الرض بمبا يخبرج‬
‫منها وهذا هو قول مالك وكل أصحابه‪ .‬وعمدة مببن أجبباز كراءهببا بجميببع العببروض‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والطعام وغير ذلك مما يخرج منهببا أنببه كببراء منفعببة معلومببة بشببيء معلببوم‪ ،‬فجباز‬
‫قياسا على إجارة سائر المنافع‪ ،‬وكأن هؤلء ضعفوا أحاديث رافببع‪ .‬روي عببن سببالم‬
‫ابن عبد ال وغيره في حديث رافببع أنهببم قببالوا‪ :‬اكببترى رافببع‪ .‬قببالوا‪ :‬وقببد جباء فببي‬
‫بعض الروايات عنه ما يجب أن يحمببل عليهببا سببائرها قببال "كنببا أكببثر أهببل المدينببة‬
‫حقل‪ ،‬قال‪ :‬وكببان أحببدنا يكببري أرضببه ويقببول‪ :‬هببذه القطعببة لببي وهببذه لببك‪ ،‬وربمببا‬
‫أخرجت هذه ولم تخرج هذه‪ ،‬فنهاهم النبي صلى الب عليببه وسبلم "خرجببه البخبباري‪.‬‬
‫وأما من لم يجز كراءها بما يخرج منها‪ ،‬فعمدته النظر والثر‪ .‬وأمببا الثببر فمببا ورد‬
‫من النهي عن المخابرة‪ ،‬وما ورد مببن حببديث ابببن خديببج عببن ظهيببر بببن رافببع قبال‬
‫"نهانا رسول ال صلى ال عليه وسلم عن أمر كان رفقا بنا‪ ،‬فقلت ما قال رسول ال ب‬
‫صلى ال عليه وسلم فهو حق قال‪" :‬دعاني رسول ال صلى ال عليه وسلم فقببال‪ :‬مببا‬
‫تصنعون بمحاقلكم؟ قلنا‪ :‬نؤاجرها علببى الرببع وعلببى الوسبق مبن التمببر والشبعير‪،‬‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬ل تفعلوا‪ ،‬ازرعوها أو زارعوها أو أمسكوها"‬
‫وهذا الحديث اتفق على تصحيحه المامان البخاري ومسلم‪ .‬وأما مببن أجبباز كراءهببا‬
‫بما يخرج منها فعمدته حديث ابن عمر الثابت "أن رسول ال صببلى الب عليبه وسببلم‬
‫دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعملوها من أموالهم على نصف مببا‬
‫تخرجه الرض والثمرة" قالوا‪ :‬وهذا الحديث أولى من أحاديث رافع لنها مضطربة‬
‫المتون‪ ،‬وإن صحت أحاديث رافع حملناها على الكراهية ل على الحظببر‪ ،‬بببدليل مببا‬
‫خرجه البخاري ومسلم عن ابن عباس أنه قال "إن النبي صلى ال عليه وسلم لببم ينببه‬
‫عنها ولكن قال‪ :‬إن يمنح أحدكم أخاه يكن خيرا له من أن يأخذ منه شيئا" قببالوا‪ :‬وقببد‬
‫قدم معاذ بن جبل اليمن حين بعثه رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم وهببم يخببابرون‬
‫فأقرهم‪) .‬وأما إجارة المؤذن( فإن قوما لم يببروا فببي ذلببم بأسببا؛ وقومببا كرهببوا ذلببك‪.‬‬
‫والذين كرهوا ذلك وحرموه احتجوا بما روي عن عثمان بن أبببي العبباص قببال‪ :‬قببال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم "اتخذ مؤذنا ل يأخذ على أذانه أجرا" والذين أببباحوه‬
‫قاسوه على الفعال غير الواجبة‪ ،‬وهذا هو سبب الختلف‪ ،‬أعني هل هببو واجببب أم‬
‫ليس بواجب؟‪.‬‬
‫وأمببا السببتئجار علببى تعليببم القببرآن فقببد اختلفببوا فيببه أيضببا‪ ،‬وكرهببه قببوم‪ ،‬وأجببازه‬
‫آخرون‪ .‬والذين أباحوه قاسوه على سائر الفعال‪ ،‬واحتجوا بما روي عن خارجة بببن‬
‫الصامت عن عمه قال‪" :‬أقبلنا من عند رسول ال صلى ال عليببه وسببلم‪ ،‬فأتينببا علببى‬
‫حي من أحياء العرب فقببالوا‪ :‬إنكببم جئتببم مببن عنببد هببذا الرجببل فهببل عنببدكم دواء أو‬
‫رقية‪ ،‬فإن عندنا معتوها في القيببود‪ ،‬فقلنببا لهببم نعببم‪ ،‬فجباءوا بببه‪ ،‬فجعلببت أقببرأ عليببه‬
‫بفاتحة الكتاب ثلثة أيام غدوة وعشية أجمع بريقي ثم أتفببل عليببه‪ ،‬فكأنمببا أنشببط مببن‬
‫عقال‪ ،‬فأعطوني جعل‪ ،‬فقلت ل حتى أسأل رسول ال صلى ال عليببه وسببلم‪ ،‬فسببألته‬
‫فقال‪" :‬كل فلعمري لمن أكل برقية باطل فلقد أكلت برقية حقا" وبمببا روي عببن أبببي‬
‫سعيد الخدري "أن أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم كانوا فببي غببزاة‪ ،‬فمببروا‬
‫بحي من أحياء العرب‪ ،‬فقالوا‪ :‬هل عنببدكم مببن راق‪ ،‬فببإن سببيد الحببي قببد لببدغ أو قببد‬
‫عرض له‪ ،‬قال‪ :‬فرقي رجل بفاتحة الكتاب فبرئ‪ ،‬فأعطى قطيعا من الغنببم‪ ،‬فببأبى أن‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫يقبلها‪ ،‬فسأل عن ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم فقبال‪ :‬ببم رقيتببه؟ قبال‪ :‬بفاتحبة‬
‫الكتاب‪ ،‬قال‪ :‬وما يدريك أنها رقية؟ قال‪ :‬ثم قال رسببول ال ب صببلى ال ب عليببه وسببلم‪:‬‬
‫خذوها واضربوا لي معكم فيها بسهم"‪ .‬وأما الذين كرهوا الجعببل علببى تعليببم القببرآن‬
‫فقالوا‪ :‬هو من باب الجعل على تعليم الصببلة‪ .‬قببالوا‪ :‬ولببم يكببن الجعببل المببذكور فببي‬
‫الجارة على تعليم القرآن وإنما كان على الرقي‪ ،‬وسواء كان الرقي بالقرآن أو غيره‬
‫الستئجار عليه عندنا جائز كالعلجات‪ .‬قالوا‪ :‬وليس واجبا علببى النبباس‪ ،‬وأمببا تعليببم‬
‫القرآن فهو واجب على الناس‪ .‬وأما إجارة الفحول من البل والبقر والببدواب‪ ،‬فأجبباز‬
‫مالك أن يكري الرجل فحله على أن ينزو أكواما معلومة‪ ،‬ولبم يجبز ذلبك أبببو حنيفببة‬
‫ول الشافعي‪.‬‬
‫وحجة من لم يجز ذلك ما جاء من النهي عن عسيب الفحل؛ ومن أجازه شبهه بسببائر‬
‫المنافع‪ ،‬وهذا ضعيف لنه تغليب القياس على السببماع‪ .‬واسببتئجار الكلببب أيضببا هببو‬
‫من هذا الباب‪ ،‬وهو ل يجببوز عنببد الشببافعي ول عنببد مالببك‪ .‬والشببافعي يشببترط فببي‬
‫جواز استئجار المنفعة أن تكببون متقومببة علببى انفرادهببا‪ ،‬فل يجببوز اسببتئجار تفاحببة‬
‫للشم‪ ،‬ول طعام لتزين الحانوت‪ ،‬إذ هذه المنافع ليس لهببا قيببم علببى انفرادهببا‪ ،‬فهببو ل‬
‫يجببوز عنببد مالببك ول عنببد الشببافعي‪ .‬ومببن هببذا الببباب اختلف المببذهب فببي إجببارة‬
‫الدراهم والدنانير‪ ،‬بالجملة كل ما ل يعرف بعينه‪ ،‬فقال ابببن القاسببم‪ :‬ل يصببح إجببارة‬
‫هذا الجنس وهو قرض‪ ،‬وكان أبو بكر البهري وغيره أن ذلك يصح وتلببزم الجببرة‬
‫فيه‪ ،‬وإنما منع من منع إجارتها‪ ،‬لنه لم يتصور فيها منفعة إل بببإتلف عينهببا؛ ومببن‬
‫أجاز إجارتها تصور فيها منفعة‪ ،‬مثل أن يتحمل بها أو يتكثر أو غير ذلك مما يمكببن‬
‫أن يتصببور فببي هببذا الببباب‪ ،‬فهببذه هببي مشببهورات مسببائل الخلف المتعلقببة بجنببس‬
‫المنفعة‪ .‬وأما مسائل الخلف المتعلقة بجنس الثمن فهي مسببائل الخلف المتعلقببة بمببا‬
‫يجوز أن يكون ثمنا في المبيعات وما ل يجوز‪.‬‬
‫ومما ورد النهي فيه من هبذا البباب مبا روي "أنبه صبلى الب عليبه وسبلم نهبى عبن‬
‫عسيب الفحل وعن كسب الحجام وعن قفيبز الطحبان" قبال الطحباوي‪ :‬ومعنبى نهبي‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم عن قفيز الطحان هو مبا كبانوا يفعلبونه فبي الجاهليبة مبن‬
‫دفع القمح إلى الطحان بجزء من الدقيق الذي يطحنببه‪ ،‬قببالوا‪ :‬وهببذا ل يجببوز عنببدنا‪،‬‬
‫وهو استئجار من المستأجر بعين ليس عنده‪ ،‬ول هي من الشببياء الببتي تكببون ديونببا‬
‫على الذمم‪ ،‬ووافقه الشبافعي علبى هببذا‪ .‬وقبال أصببحابه‪ :‬لبو اسببتأجر السبلخ بالجلببد‬
‫والطحان بالنخالة أو بصاع من الدقيق فسببد لنهيببه صببلى الب عليببه وسببلم عببن قفيببز‬
‫الطحان‪ ،‬وهذا على مذهب مالك جائز‪ ،‬لنه استأجره على جزء من الطعببام؛ معلببوم‪،‬‬
‫وأجرة الطحان ذلك الجزء وهو معلوم أيضبا‪ .‬وأمبا كسبب الحجبام؛ فبذهب قبوم إلبى‬
‫تحريمه‪ ،‬وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا‪ :‬كسبه رديء يكببره للرجببل؛ وقببال آخببرون‪:‬‬
‫بل هو مباح‪ .‬والسبب في اختلفهم تعارض الثار في هذا الباب؛ فمن رأى أنه حرام‬
‫احتج بما روي عن أبببي هريببرة قببال‪ :‬قببال رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم "مببن‬
‫السحت كسب الحجام"‪ ،‬وبما روي عن أنس بن مالك قال "حرم رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم كسب الحجام" وروي عن عون بن أبي جحيفة قبال‪ :‬اشبترى أببي حجامبا‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫فكسر محاجمه‪ ،‬فقلت له يا أبت لم كسببرتها؟ فقببال‪" :‬إن رسببول الب صببلى الب عليببه‬
‫وسلم نهى عن ثمن الدم"‪ .‬وأما من رأى إباحة ذلك‪ ،‬فاحتج بما روي عن ابببن عببباس‬
‫قال "احتجم رسول ال صلى ال عليه وسلم وأعطى الحجام أجببره" قببالوا‪ :‬ولببو كببان‬
‫حراما لم يعطه‪ ،‬وحديث جابر "أن رسول ال صببلى الب عليببه وسببلم دعببا أبببا طيبببة‬
‫فحجمه‪ ،‬فسأله كم ضريبتك؟ فقال‪ :‬ثلثة آصع‪ ،‬فوضع عنه صاعا" وعنه أيضا "أنببه‬
‫أمر للحجام بصاع من طعام" وأمر موالية أن يخففوا عنه"‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫@)تببابع‪)- :(1 ...‬القسببم الول( وهببذا القسببم النظببر فيببه إلببى جنببس الثمببن وجنببس‬
‫المنفعة التي‪... ...‬‬
‫وأما الذين قالوا بكراهيته فاحتجوا بما روي أن رفاعة بن رافببع أو رافببع بببن رفاعببة‬
‫جاء إلى مجلس النصار فقال "نهببى رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم عببن كسببب‬
‫الحجام وأمرنا أن نطعمه ناضحنا" وبما روي "عببن رجببل مببن بنببي حارثببة كببان لببه‬
‫حجام‪ ،‬فسأل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن ذلك فنهاه‪ ،‬ثببم عبباد فنهبباه‪ ،‬ثببم عبباد‬
‫فنهاه‪ ،‬فلم يزل يراجعه حتى قال له رسول ال صببلى ال ب عليببه وسببلم‪ :‬اعلببف كسبببه‬
‫ناضحك وأطعمه رقيقك"‪ .‬ومن هذا الباب أيضا اختلفهم في إجببارة دار بسببكنى دار‬
‫أخرى‪ ،‬فأجار ذلك مالك ومنعه أبو حنيفة‪ ،‬ولعله رآها من ببباب الببدين بالببدين‪ ،‬وهببذا‬
‫ضعيف‪ ،‬فهذه مشهورات مسائلهم فيما يتعلق بجنس الثمن وبجنس المنفعببة‪ .‬وأمببا مببا‬
‫يتعلق بأوصافها فنذكر أيضا المشهور منهببا؛ فمببن ذلببك أن جمهببور فقهبباء المصببار‬
‫مالك وأببو حنيفببة والشببافعي اتفقببوا بالجملبة أن مبن شبرط الجبارة أن يكببون الثمبن‬
‫معلوما والمنفعة معلومة القدر‪ ،‬وذلك إما بغايتها مثببل خياطببة الثببوب وعمببل الببباب‪،‬‬
‫وإما بضرب الجل إذا لم تكن لها غاية مثل خدمة الجير‪ ،‬وذلك إما بالزمان إن كان‬
‫عمل واستيفاء منفعة متصلة الوجود مثل كراء الببدور والحببوانيت‪ ،‬وإمببا بالمكببان إن‬
‫كان مشيا مثل كراء الرواحل‪ .‬وذهبب أهبل الظباهر وطائفبة مبن السبلف إلبى جبواز‬
‫إجارات المجهولت مثل أن يعطي الرجل حماره لمن يسببقي عليببه أو يحتطببب عليببه‬
‫بنصف ما يعود عليه‪ .‬وعمدة الجمهور أن الجارة بيع فامتنع فيها من الجهل }لمكان‬
‫الغبن{ ما امتنع في المبيعات‪ .‬واحتببج الفريببق الثبباني بقيبباس الجببارة علببى القببراض‬
‫والمساقاة؛ والجمهور على أن القراض والمساقاة مستثنيان بالسببنة فل يقبباس عليهمببا‬
‫لخروجهما عن الصول؛ واتفق مالك والشافعي علببى أنهمببا إذا ضببربا للمنفعببة الببتي‬
‫لبس لها غاية أمدا من الزمان محببدودا‪ ،‬وحببددوا أيضببا أول ذلببك المببد‪ ،‬وكببان أولببه‬
‫عقب العقد أن ذلك جببائز‪ .‬واختلفببوا إذا لببم يحببددوا أول الزمببان أو حببددوه ولببم يكببن‬
‫عقب العقد‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يجببوز إذا حببدد الزمببان ولببم يحببدد أولببه‪ ،‬مثببل أن يقببول لببه‪:‬‬
‫استأجرت منك هذه الدار سنة بكذا أو شهرا بكذا‪ ،‬ول يذكر أول ذلك الشببهر ول أول‬
‫تلك السنة؛ وقال الشافعي ل يجوز‪ ،‬ويكون أول الوقت عند مالك وقت عقد الجببارة‪،‬‬
‫فمنعه الشافعي لنه غرر‪ ،‬وأجازه مالك لنه معلوم بالعادة‪ ،‬وكذلك لم يجببز الشببافعي‬
‫إذا كان أول العقببد متراخيببا عببن العقببد‪ ،‬وأجببازه مالببك‪ .‬واختلببف قببول أصببحابه فببي‬
‫استئجار الرض غير المأمونة‪ ،‬والتغيير فيما بعد من الزمان؛ وكببذلك اختلببف مالببك‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫والشافعي في مقدار الزمببان الببذي تقببدر بببه هببذه المنببافع؛ فمالببك يجيببز ذلببك السببنين‬
‫الكثيرة‪ ،‬مثل أن يكري الدار لعشبرة أعبوام أو أكبثر‪ ،‬ممبا ل تتغيبر البدار فبي مثلبه؛‬
‫وقال الشافعي‪ :‬ل يجوز ذلك لكثر من عببام واحببد‪ .‬واختلببف قببول ابببن القاسببم وابببن‬
‫الماجشون في أرض المطر وأرض السقي بالعيون وأرض السقي بالبببار والنهببار؛‬
‫فأجاز ابن القاسم فيها الكراء بالسنين الكثيرة؛‬
‫وفصل ابن الماجشون فقال‪ :‬ل يجوز الكراء في أرض المطببر إل لعببام واحببد‪ ،‬وأمببا‬
‫أرض السقي بالعيون فل يجوز كراؤها إل لثلثة أعوام وأربعبة؛ وأمببا أرض الببار‬
‫والنهار فل يجوز إل لعشرة أعوام فقبط‪ .‬فبالختلف ههنبا فبي ثلثبة مواضبع‪ :‬فبي‬
‫تحديد أول المدة‪ ،‬وفببي طولهببا‪ ،‬وفبي بعبدها عبن وقبت العقبد‪ .‬وكبذلك اختلببف مالببك‬
‫والشافعي إذا لم يحدد المدة وحدد القدر الذي يجب لقل المدة مثببل أن يقببول‪ :‬أكببتري‬
‫منك هذه الدار الشهر بكذا‪ ،‬ول يضربان لذلك أمدا معلوما‪ ،‬فقال الشافعي‪ :‬ل يجببوز؛‬
‫وقال مالك وأصببحابه‪ :‬يجببوز علببى قيبباس‪ :‬أبيعببك مببن هببذه الصبببرة بحسبباب القفيببز‬
‫بدرهم‪ ،‬وهذا ل يجوز غيره‪ .‬وسبب الخلف اعتبار الجهبل الواقبع فببي هبذه الشببياء‬
‫هل هو من الغرر المعفو عنه أو المنهي عنببه؟ ومببن هببذا الببباب اختلفهببم فببي البببيع‬
‫والجارة‪ ،‬أجازه مالك‪ ،‬ومنعه الشافعي وأبو حنيفة‪ ،‬ولم يجز مالببك أن يقببترن بببالبيع‬
‫إل الجارة فقط‪ .‬ومن هذا الباب اختلفهم في إجارة المشاع؛ فقببال مالببك والشببافعي‪:‬‬
‫هي جائزة؛ وقال أبو حنيفة‪ :‬ل تجوز‪ ،‬لن عنده أن النتفاع بها مع الشاعة متعببذر؛‬
‫وعند مالك والشببافعي أن النتفبباع بهببا ممكببن مببع شببريكه كانتفبباع المكببري بهببا مببع‬
‫شريكه‪ :‬أعنى رب المال‪ .‬ومن هذا الباب استئجار الجير بطعببامه وكسببوته‪ ،‬وكببذلك‬
‫الظئر‪ ،‬فمنع الشافعي ذلك على الطلق‪ ،‬وأجاز ذلك مالك على الطلق‪ :‬أعنببي فببي‬
‫كل أجير؛ وأجبباز ذلببك أبببو حنيفببة فببي الظئر فقببط‪ .‬وسبببب الخلف هببل هببي إجببارة‬
‫مجهولة‪ ،‬أم ليست مجهولة؟ فهذه هي شرائط الجارة الراجعة إلى الثمببن والمثمببون‪.‬‬
‫وأما أنواع الجارة فإن العلماء على أن الجارة على ضببربين‪ :‬إجببارة منببافع أعيببان‬
‫محسوسة‪ ،‬وإجارة منافع في الذمة قياسببا علببى البببيع‪ .‬والببذي فببي الذمببة مببن شببرطه‬
‫الوصف‪ .‬والذي في العين من شرطه الرؤية أو الصفة عنببده كالحببال فببي المبيعببات‪،‬‬
‫ومن شرط الصفة عنده ذكر الجنس والنوع‪ ،‬وذلك في الشيء الذي تسببتوفي منببافعه‪،‬‬
‫وفي الشيء الذي تستوفي به منافعه فلبد من وصف المركببوب مثل‪ ،‬والحمببل الببذي‬
‫تستوفي به منفعببة المركببوب‪ .‬وعنببد مالببك أن الراكببب ل يحتبباج أن يوصببف‪ ،‬وعنببد‬
‫الشافعي يحتاج إلى الوصف‪ ،‬وعنببد ابببن القاسببم أنببه إذا اسببتأجر الراعببي علببى غنببم‬
‫بأعيانها أن من شرط صحة العقببد اشببتراط الخلبف‪ ،‬وعنببد غيبره تلببزم الجملببة بغيبر‬
‫شرط‪ .‬ومن شرط إجارة الذمة أن يعجل النقد عند مالك ليخرج من الدين بالدين؛ كما‬
‫أن من شرط إجارة الرض غير المأمونة السقي عنده أن ل يشترط فيها النقد إل بعد‬
‫الري‪ .‬واختلفوا في الكراء هببل يببدخل فببي أنببواعه الخيببار أم ل؟ فقببال مالببك‪ :‬يجببوز‬
‫الخيار في الصنفين من الكراء المضمون والمعيببن؛ وقبال الشبافعي‪ :‬ل يجببوز‪ ،‬فهبذه‬
‫هي المشهورات من المسائل الواقعة في هذا القسم الول من هذا الكتاب‪ ،‬وهو الببذي‬
‫يشتمل على النظر في محال هذا العقد وأوصافه وأنواعه‪ ،‬وهي الشياء البتي تجبري‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫ابن رشد‬

‫من هذا العقد مجرى الركان‪ ،‬وبها يوصببف العقبد إذا كبان علبى الشببروط الشبرعية‬
‫بالصحة وبالفساد إذا لم يكن على ذلك‪ ،‬وبقي النظر فببي الجببزء الثبباني‪ ،‬وهببو أحكببام‬
‫هذا العقد‪.‬‬
‫انتهى الجزء الول‬

You might also like