Professional Documents
Culture Documents
معالي الشيخ/صالح بن عبد ال بن حميد رئيس مجلس الشورى وخطيب الحرم المكي
6/11/1423
09/01/2003
مقدمـة :
تقول الدراسات المعاصرة :إن مما تقاس به درجة التقدم القتصادي
لي دولة يعتمد في المقام الول على درجة تقدم صناعتي المصارف
مت ارتباط وثيق وعلقة قوية بين الصناعتين، والتأمين وتطورهما ،فث ّ
وازدهارهما ينعكس على توازن ميزان المدفوعات الخاص بكل دولة ،
باعتبارهما من الخدمات غير المنظورة التي لها أثر إيجابي ملموس على
اقتصاد الدولة ومركزها المالي.
ً ً
ولقد أصبحت خدمات التأمين في الوقت الحاضر تشغل حيزا كبيرا من
اهتمام رجال العمال في النشطة التجارية والصناعية والخدمية
وغيرها ،نظرا ً لعتمادهم الكبير عليها في تهيئة حالة الطمأنينة والمان
لمشروعاتهم بمختلف أنواعها ،وللعاملين لديهم ولسرهم ،ولنفسهم
من المخاطر التي يتعرضون لها مثل :الحريق ،والسرقة ،والسطو ،
وخيانة المانة ،والختلس ،والتلف ،والغرق ،والنهيار).(1
ومن ذلك يتبين أن التأمين هو أحد الوسائل الحديثة الكبرى المهمة
الداخلة في منظومة التنظيم القتصادي والمالي ،فله دوره المتعاظم
في التطور الصناعي ،والزراعي ،والتجاري ،وسائر النشطة القتصادية
،بل لقد أصبحت صناعة التأمين تضاهي إن لم تفق العمل المصرفي .
وفي نظرة تاريخية فإن التأمين قام على اكتشاف مبدأ اجتماعي علمي
نافع ،يتمثل في أن الفراد بكلفة قليلة يمكنهم أن يتخلصوا من عبء
الخسارة الناجمة عن الكوارث التي يمكن قياس احتمال حدوثها على
وجه الدقة أو التقريب إذا كانت المجموعة البشرية كثيرة العدد ،وهذا
ليس مرغوبا ً النتفاع به فحسب ،بل إنه أمر متعين من أجل تحقيق
التقدم والصدارة).(2
وفيما يتعلق بالمسلمين في الوقت الحاضر وتوجههم نحو استعادة قوتهم
وموقعهم باعتبارهم خير أمة أخرجت للناس ،فإن النظر في طريق
المعاش وعمارة الرض التي استعمرهم ربهم فيها واحد من هذه
الميادين الذي يتعين أن يحظى بحقه من الحياء والتنظيم والعناية بعد
عنايتهم بأصل دينهم وعقيدتهم .
ومن البدهي أن النظر في حكم التأمين هو نظر جزء من كل ،ذلك أن
التطبيق الكامل للشريعة السلمية يحقق التعاون والتكافل على أساس
محكم لم يسبق له نظير ،وإن توسع الدول السلمية في التأمينات
الجتماعية حتى تشمل جميع فئات الرعية التي تعجز مواردها عن
مواجهة الخطار أمر ل بد منه ،فإن الدولة السلمية في حكم السلم
تلتزم بتأمين فرصة العمل لكل قادر عليه ،وبتأمين العاجز عن العمل
بإعطائه ما يكفيه في أكله ،وشربه ،وملبسه ،وسكنه ،حتى مركبه
وعلجه ،كما يرى بعض الفقهاء ،ولها في مورد الزكاة ما يقوم بذلك ،
ف الزكاة بذلك فلها أن تضع من المعالجات المشروعة ما يسد وإن لم ت ِ
حاجة الفقراء ،و إعانة العجزة).(3
المبحث الول :في التعريف :
المسألة الولى :تعريف عقد التأمين بصفة عامة.
يعرف عقد التأمين بصفة عامة باعتبارين:
وبعد إيراد تعريف التأمين التعاوني يحسن إيراد تعريف خاص بالتأمين
السلمي.
ً
أول ً :تعريف التأمين السلمي باعتباره نظاما :
"تعاون مجموعة من الناس يسمون ) :هيئة مشتركة يتعرضون لخطر أو
أخطار معينة من أجل تلفي آثار الخطار التي يتعرض لها أحدهم أو
بعضهم بتعويضه عن الضرر الناتج من وقوع هذه الخطار ،وذلك بالتزام
كل منهم على سبيل التبرع ) (8وبغير قصد الربح بدفع مبلغ معين
) يسمى القسط( أو )الشتراك( تحدده وثيقة التأمين أو عقد الشتراك ،
أو تتولى شركات التأمين السلمية إدارة عمليات التأمين واستثمار
أمواله نيابة عن هيئة المشتركين في مقابل حصة معلومة من عائد
استثمار هذه الموال باعتبارها مضاِربا ً ،أو مبلغا ً معلوما ً باعتبارها وكيل ً،
أو هما معا ً بما يتفق مع أحكام الشريعة السلمية").(9
ثانيا ً :تعريف التأمين السلمي باعتباره عقدا ً :
" اتفاق بين شركة التأمين السلمي باعتبارها ممثلة لهيئة المشتركين
وشخص " ) طبيعي أو اعتباري( على قبوله عضوا ً في هيئة المشتركين ،
والتزامه بدفع مبلغ معلوم يسمى " القسط" على سبيل التبرع منه ومن
عوائد استثماره لعضاء الهيئة بغير قصد الربح ،على أن تدفع الشركة
نيابة عن هذه الهيئة من أموال التأمين التي تجمع منه ومن غيره من
المشتركين ،التعويض عن الضرر الفعلي الذي أصابه من وقوع الخطر
المعين ،وذلك في التأمين على الشياء والتأمين من المسؤولية
المدنية ،أو مبلغ التأمين ،وذلك في التأمين على الشخاص على النحو
الذي تحدده وثيقة التأمين ويبينه أسس النظام الساسي للشركة حسب
ما تقضى به أحكام الشريعة).(10
-1قيام تعاون بين هؤلء الفراد المهددين بالخطر تحت إشراف شركة
التأمين
-3غرر متردد بين الكثير واليسير :وهذا محل خلف واجتهاد ،فمن ألحقه
بالكثير أعطاه حكمه ،ومن ألحقه باليسير أعطاه حكمه.والغرر في
التأمين ليس باليسير جزما ً ،بل هو متردد بين الكثير والمتوسط ،وهو
إلى الكثير أقرب).(23
وبه يتبين أن عقد التأمين من عقود المعاوضات التي يؤثر فيها الغرر
وشيخ السلم ابن تيمية رحمه الله تعالى يقول :والغرر ثلثة أنواع:
إما المعدوم كحبل الحبلة .
وإما المعجوز عن تسليمه كالعبد البق.
) (24
وإما المجهول المطلق ،أو المعين المجهول جنسه أو قدره .
الفرق بين الغرر والجهالة:
الغرر هو الذي ل يدري أيحصل أو ل يحصل .
أما الجهالة فتكون فيما علم حصوله وجهل صفته.
فالغرر والجهالة بينهما عموم وخصوص مطلق فيوجد كل واحد منهما مع
الخر وبدونه .فوجود الغرر بدون الجهالة كشراء العبد البق المعلوم قبل
الباق ،فل جهالة فيه لكن فيه غرر .
والجهالة بدون غرر كشراء مادة يراها ول يدري حقيقتها أزجاج أو
ياقوت ،فالحصول متحقق ولكن معرفة الحقيقة مجهولة ،واجتماع
الغرر مع الجهالة كالعبد البق مجهول الصفة.
والغرر والجهالة يقعان في تسعة أشياء :في الوجود والحصول ،ولجنس
والنوع ،والمقدار ،والتعيين والبقاء ،والجل ،والصفة).(25
قاعدة من كلم شيخ السلم:
"إذا كانت مفسدة بيع الغرر هي كونه مظنة العداوة والبغضاء ،وأكل
أموال الناس بالباطل فمعلوم أن هذه المفسدة إذا عارضتها المصلحة
الراجحة قدمت عليها ،كما أن السباق بالخيل والسهام والبل لما كان
فيه مصلحة شرعية جاز بالعوض،وإن لم يجز غيره بعوض .
ومعلوم أن الضرر على الناس بتحريم هذه المعاملت أشد عليهم مما قد
يتخوف فيها من تباغض أو أكل مال بالباطل لن الغرر فهيا يسير
والحاجة إليها ماسة والحاجة الشديدة فيدفع بها يسير الغرر ،والشريعة
مبنية على أن المفسدة المقتضية للتحريم إذا عارضها حاجة راجحة أبيح
المحرم "...الخ كلمه ...مع حذف يسير). (26
وبالنظر بين التأمينين التعاوني والتجاري ،يظهر أنه ليس هناك حاجة
إلى الخذ بهذه القاعدة في الغرر المعلوم في التأمين التجاري ،لن
السلمة منه متحققة في التأمين التعاوني ،فالتأمين التعاوني معاملة
أساسها التعاون والتبرع ،فهي خالية من معنى المعاوضة ،وإذا عدم
معنى المعاوضة ،فقد انتفى عنها مفسدة الجهالة والغرر والغبن وشبهة
الربا).(27
المسالة الثالثة:
أ-القصد التجاري في عقد التأمين:
تحرير هذه المسألة هو من الحدود الفاصلة بين التأمين التجاري والتأمين
التعاوني :
فالصل في نشأة عقد التأمين التجاري أن قصد التجارة فيه ظاهر
من له هو
وبخاصة من قبل شركات التأمين ،والقصد في حق المؤ ّ
التعويض عن الخطر ،أو تقليل آثاره ،أو تقليل أضراره.
منين عملية تجارية ولمزيد من اليضاح يقال :إن التأمين بالنسبة للمؤ ّ
من لهم فقد يكون محضة يهدف أصحابها إلى الربح ،أما في حق المؤ ّ
تصرفهم تجاريا ً كالتأمين على المستودعات التجارية والبضائع المنقولة
ونحو ذلك ،وقد يكون مدنيا ً كالتأمين على الحياة أو حوادث الحريق
والسرقة .
من له من التأمين ولكنه يحفظ بالتأمين ماله على والصل أل يربح المؤ ّ
نفسه ).(28
ولمزيد من التكييف الفقهي لمسألة القصد ،يحسن بيان أثر النية في
الحكام واختلف الحكم في الشيء ذي الصورة الواحدة باختلف النية
فيه مع اتحاد الصورة ،فإخراج المال يختلف فيه الحكم حسب نية
المخرج ما بين هبة ،أو صدقة تطوع ،أو زكاة ،والصورة واحدة ،والذبح
يكون بقصد القربة لله ،ويكون للضيافة ،كما أنه قد يكون شركا ً وكفرا ً
إذا كان ذبحا ً لغير الله والصورة واحدة ،ودخول المسجد يكون للعبادة
) (29
. وللراحة ،والغسل يكون لواجب ،أو سنة ،أو بقصد التبرد ...وهكذا
ومنه يتبين أن الصورة بين التأمين التجاري والتعاوني قد تتحد ويفرق
بينهما في قصد الربح والتجارة من عدمه.
ب-القصد التجاري في التأمين التعاوني:
الذي يذهب إليه كثير من الباحثين المعاصرين من رجالت القانون
والقتصاد القول بأن التأمين التعاوني ليس تأمينا ً تجاريا ً بل هو إجراء
تعاوني ل يهدف إلى الربح بل يهدف إلى تبديد الخطار وتوزيعها بين أكبر
عدد ممكن .
. )(30 ً
وذهب بعضهم إلى اعتباره تجاريا لنه يؤدي إلى تجنب الخسارة
والذي يقال هنا أن تحقيق ربح في التأمين التعاوني ل يؤثر في حكمه ما
دام انه لم يكن مقصودا ً في الصل ،بل جاء تبعا ً ،أو جاء أثرا ً للحفاظ
على الموال المجموعة ،ذلك أن الغرض الصلي هو التعاون على درء
آثار المخطر ،وتأمين مبالغ كافية لتغطية ما يحتمل وقوعه من أخطار ،
ولم يكن الربح مقصودا ً بالقصد الول .وحصول الربح تبعا ً من غير أن
يكون مقصودا ً بالقصد الول ل يؤثر في الحكم.
-2يقوم على مبدأ التعاون من أجل تلفي آثار الخطار التي تحددها
عقود التأمين .فيعوض المشترك عن الضرار الناجمة عن هذه
الخطار .
المبحث الرابع :في خصائص نوعي التأمين والفروق بينهما :وفيه ثلثة
مسائل :المسألة الولى :خصائص التأمين التجاري .
المسألة الثانية :خصائص التأمين السلمي
المسألة الثالثة :الفروق.
المسألة الولى :خصائص التأمين التجاري :
هذا إيراد لبعض الخصائص التي تبين فيها طبيعة التأمين التجاري ويتميز
بها مما يساعد على تجلية الحكم الشرعي في التأمين التعاوني.
-2يغلب على عمليات التأمين القصد التجاري ،وإن وجد فيه التعاون
فالغالب أنه جاء بطريق التبع ل بطريق القصد الول.
-6عقد معاوضة للتزام المؤمن بمبلغ التأمين مقابل القساط التي يدفعا
المؤمن له).(39
من (.
-9ليس له حق في الرباح التي تحققها الشركة ) المؤ ّ
-3تغير قيمة الشتراك :وهذه إحدى خصائص هذا التأمين ،نظرا ً لن
كل واحد منهم مؤمن ومؤمن عليه ،من أجل هذا كان الشتراك
المطلوب من كل واحد عرضة للزيادة أو النقص تبعا ً لما يتحقق من
المخاطر سنويًا ،وما يترتب على مواجهتها من تعويضات فإذا انقضت
التعويضات كان للعضاء حق استرداد الزيادة ،وإذا حصل العكس أمكن
مطالبة العضاء باشتراكات إضافية.
وهذا يبين بوضوح أن الربح ليس من مقصود النوع من التأمين ،ومع هذا
فإن إدارة هذه الشركات تحرص على حسن الدارة والتوجه إلى عدم
مطالبة أعضائها بمزيد من الشتراكات ،كما تحرص على إنشاء احتياطي
لمواجهة الطوارئ عن طريق استثمار رؤوس الموال المجتمعة لديها .
وقد تقوم بإدارة المال بنفسها ،أو تسنده إلى جهة متخصصة تديره
بمقابل).(42
ول يؤثر على التعاوني في غايته وحكمه أن يتبع الساليب الفنية الحديثة
التي تتبعها شركات التأمين التجاري ،بما في ذلك القساط الثابتة
المحسوبة ،والعقود الفردية ،ما دام أن المعاملت والنشاطات التي
يتعاطاها ل تخالف الشرع ،وما دام أنه لم يقصد إلى الربح أو التجار
بالتأمين ،ول الستغلل والشروط التعسفية ،بحيث تبقى غايته وهدفه
تعاونيا ً إنسانيا ً بحتا ً ).(43
ول مانع أن يحقق التأمين التعاوني أرباحا ً من خلل استثمار الرصدة
المجتمعة لديه استثمارا ً مشروعا ً ،والممنوع هو أن تكون الغاية
المعاوضة والسترباح ل مجرد تحقيق الرباح).(44
وتجدر الشارة إلى أن التأمين التعاوني تطور من حيث التعاقد فقد كان
منين ثم أصبح عقودا ً فردية في أول نشأته تعاقدا ً جماعيا ً بين جميع المؤ ّ
منين).(45تعقدها هيئة التأمين مع كل مؤمن باعتبارها ممثلة لجميع المؤ ّ
وهذه التطورات ل تؤثر في غايته وحكمه.
ولقد بلغ في تطوره ونجاحه أن أصبح ينافس التأمين التجاري حتى قال
الستاذ مصطفى الزرقا وهو من أنصار التأمين التجاري ومن القائلين
بحله ورافعي لواء التدليل على ذلك والمدافعين عنه يقول:
والتأمين التبادلي قد أقض مضاجع شركات التأمين وأزعجها ،لنه نافسها
لمقاومة استغللها منافسة قوية وفنية صالحة لن تحل محل شركات
التأمين التجارية في النطاق الواسع الذي تعمل فيه ولكن على أساس
) (46
تعاوني وتبادلي محض يقدم للمستأمنين حماية رخيصة بسعر الكلفة .
المسألة الثالثة :الفروق بين التأمين التعاوني والتجاري :
منون هم المستأمنون وأقساطهم ل تستغل -1في التأمين التعاوني المؤ ّ
لشركة التأمين إل بما يعود عليهم جميًعا بالفائدة ،أما في التأمين
التجاري فالمستأمن عنصر خارجي عن شركة التأمين وتقوم شركة
التأمين التجاري ،باستغلل أموال المستأمنين بما يعود بالنفع عليها
وحدها.
-1عدم النص على التبرع وهو أمر ل بد من النص عليه من أجل صحة
عقد التأمين التعاوني.
-8يكون لكل شركة تأمين هيئة رقابة شرعية ،وتكون قراراتها ملزمة ،
ويكون لها سلطة رقابية مطلقة ،فتطلع على كل ما ترى الطلع عليه
من دفاتير وسجلت وحسابات وعقود ومعاملت وتعاملت.