You are on page 1of 24

‫يشــكل التاريــخ الدســتوري لــكل دولــة واقعــا حضاريــا‪ ،‬يتفــاوت زخمــه بحســب التجربــة‬

‫السياســية والعمــق التاريخــي اخلــاص بهــا‪ .‬وال يشــذ املغــرب عــن هــذه القاعــدة‪ ،‬بحيــث كان دائمــا ملتقــى‬
‫للتيــارات الفكريــة واحلضاريــة‪ ،‬ممــا يجعــل مــن تاريخــه الدســتوري منوذجــا غنيــا ومتفــردا‪ ،‬جديــرا بالبحــث والدراســة‪.‬‬
‫فالفكــر اإلصالحــي يف املغــرب‪ ،‬وفضــا عــن اســتحضاره املســتمر لفكــرة الدســتور كإطــار مرجعــي للعمــل‬
‫السياســي واملؤسســاتي‪ ،‬كان منفتحــا علــى التجــارب الدســتورية والفكــر الدســتوري املقــارن منــذ أمــد طويــل‪ .‬وقــد‬
‫أدى كل ذلــك إلــى بلــورة وضــع مشــروع دســتور ســنة ‪ ،1908‬الــذي لــم يكتــب لــه أن يــرى النــور بفعــل خضــوع املغــرب‬
‫لالســتعمار‪.‬‬
‫ســقوط املغــرب يف القبضــة االســتعمارية لــم يلــغ تشــبث احلركــة الوطنيــة بالفكــر الدســتوري ووضــع إطــار‬
‫قانونــي للحيــاة السياســية يف البلــد‪ .‬وهــذا مــا جعــل وضــع دســتور للمغــرب املســتقل أولويــة سياســية وإســتراتيجية‬
‫لبنــاء الدولــة العصريــة القائمــة علــى فــرض احتــرام القانــون وفصــل الســلط وحمايــة احلقــوق واحلريــات‪ .‬تــوج بوضــع‬
‫أول دســتور ســنة ‪ 1962‬تــاه دســتورا ‪ 1970‬و‪ 1972‬ومراجعتــن دســتوريتني ســنتي‪ 1992‬و‪.1996‬‬
‫إن حضــور فكــرة الدســتور كإطــار مواكــب لإلصالحــات وموجهــا لهــا‪ ،‬كانــت وراء وضــع دســتور ســنة ‪ ،2011‬بعــد‬
‫حــراك الشــارع واســتجابة الســلطة السياســية‪.‬‬
‫إن الواقــع الدســتوري املغربــي احلالــي هــو نتــاج لــكل التراكمــات الســالفة الذكــر املمتــدة مــن ‪ 1908‬إلــى ‪.2011‬‬
‫فدســتور ‪ 1962‬جســد منعطفــا تاريخيــا‪ ،‬وأســس للبنــاء الدســتوري الالحــق‪ .‬فهــذه الوثيقــة الدســتورية أقامــت الفصــل‬
‫والتــوازن بــن الســلط‪ ،‬ووضعــت إطــارا دســتوريا للحقــوق واحلريــات‪.‬‬
‫ميكــن اعتبــار الدســتور يف املغــرب مبثابــة «إطــار» يتســع ويتمــدد حســب التقلبــات السياســية‪ ،‬وموازيــن القــوى‪.‬‬
‫فاألحــداث السياســية التــي تلــت دســتور ‪ 1962‬عجلــت بوضــع دســتور ‪ ،1970‬الــذي أنتــج‪ ،‬بــدوره‪ ،‬هندســة دســتورية غيــر‬
‫متوازنــة علــى مســتوى الســلط عجلــت بوضــع دســتور جديــد ســنة ‪. 1972‬‬
‫أعطــى دســتور ‪ 1972‬إلــى حــد مــا‪ ،‬توازنــا مقبــوال بــن الســلط‪ ،‬وســجل تقدمــا ملموســا علــى مســتوى حمايــة‬
‫احلقــوق واحلريــات‪ ،‬الشــيء الــذي مكنــه مــن الصمــود لفتــرة ليســت بالقصيرة‪ ،‬ســاعده يف ذلك املراجعتني الدســتوريتني‬
‫لســنتي ‪ 1992‬و‪.1996‬‬
‫بعــد «الربيــع العربــي» وحــراك الشــارع املغربــي كان علــى الدســتور أن يتســع الحتــواء التطــورات والتوازنــات‬
‫السياســية اجلديــدة‪ ،‬نتجــت عنــه هندســة دســتورية جديــدة أفــرزت دســتور ‪ 2011‬الــذي أســس ملمارســة سياســية‬
‫ودســتورية جديــدة مــن خــال إعــادة رســم الســلطة السياســية‪ ،‬وتوســيع مجــال احلقــوق واحلريــات مــع التأســيس‬
‫ملؤسســات دســتورية أكثــر عصرنــة تتماشــى وتطــورات الفكــر الدســتوري املعاصــر‪ .‬إال أن هــذه الوثيقــة لــم تســلم مــن‬
‫القــراءات املتباينــة التــي تؤكــد أو تنفــي مســاهمتها يف بنــاء أســس دولــة دميقراطيــة‪ ،‬تســود فيهــا أحــكام القانــون وتعكــس‬
‫تطــور املجتمــع وهمومــه‪.‬‬
‫وعليــه‪ ،‬فــإن مختلــف الدســاتير املغربيــة ال تــزال تشــكل مــادة دســمة للبحــث والتحليــل وإعــادة القــراءة واملقارنــة‬
‫وانتــاج اخلالصــات العلميــة والعمليــة‪.‬‬
‫لذلــك جــاء تنظيــم شــعبة القانــون العــام والعلــوم السياســية لنــدوة وطنيــة حــول «التاريــخ الدســتوري للمغــرب»‪،‬‬
‫مــن خــال احملــاور اآلتيــة‪:‬‬
‫التاريخ الدستورى للمغرب املرجعيات؛‬ ‫ ‬
‫تطور الثقافة الدستورية باملغرب؛‬ ‫ ‬
‫مأسسة احلياة السياسية املغربية من خالل الدساتير؛‬ ‫ ‬
‫الدستور وإنتاج القواعد املعيارية‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪2‬‬
‫الجلسة االفتتاحية‪:‬‬
‫استقبـــــــــال الضيوف‬ ‫‪ 9:00 - 8:30‬‬
‫كلمة السيد عميد كلية العلوم القانونية واالقتصادية والجتماعية ‪ -‬أكدال الرباط‬ ‫‪ 9:10 - 9:00‬‬
‫كلمة السيد رئيس شعبة القانون العام والعلوم السياسية‬ ‫‪ 9:20 - 9:10‬‬
‫استراحة شاي‬ ‫‪ 10:00 - 9:20‬‬

‫المحور األول‪ :‬التاريخ الدستوري للمغرب‪ :‬المرجعيات‬


‫رئيس الجلسة‪ :‬األستاذ حميد الدليمي‬ ‫ ‬

‫‪ 10:15 - 10:00‬‬
‫دور الممارسة كمصدر من مصادر التاريخ الدستوري في المغرب‬
‫أمينة المسعودي‪ ،‬أستاذة باحثة‪ ،‬جامعة محمد اخلامس الرباط‪.‬‬ ‫ ‬
‫هوية القانون الدستوري المغربي بعد ست تجارب دستورية‬ ‫‪ 10:30 - 10:15‬‬
‫عبد الرحيم المنار السليمي‪ ،‬أستاذ باحث‪ ،‬جامعة محمد اخلامس الرباط‬ ‫ ‬
‫المرجعية اإلسالمية في الدساتير المغربية‬ ‫‪ 10:45 - 10:30‬‬
‫فاطمة الزهراء علوي‪ ،‬أستاذة باحثة‪ ،‬جامعة موالي اسماعيل مكناس‪.‬‬ ‫ ‬
‫في البحث عن الجذور التاريخية للهوية الدستورية المغربية‬ ‫‪ 11:00 - 10:45‬‬
‫حسن حلوي‪ ،‬أستاذ باحث‪ ،‬جامعة موالي اسماعيل مكناس‬ ‫ ‬
‫موقع المرجعية في تطور فكرة الدستور بالمغرب‬ ‫‪ 11:15 - 11:00‬‬
‫عبد الرفيع الزعنون‪ ،‬دكتور يف القانون العام‪ ،‬جامعة عبد املالك السعدي ‪ -‬تطوان‬ ‫ ‬

‫منـــــــــــاقشة‬ ‫‪ 11:45 - 11:15‬‬


‫ ‬

‫المحور الثاني‪ :‬تطور الثقافة الدستورية بالمغرب‬


‫رئيس الجلسة‪ :‬األستاذ محمد مدني‬ ‫ ‬
‫لحظات في تصور اليسار المغربي لإلصالح الدستوري‬ ‫‪14:15 - 14:00‬‬
‫ ‬
‫أحمد البوز‪ ،‬أستاذ باحث‪ ،‬جامعة محمد اخلامس الرباط‪.‬‬ ‫ ‬

‫الدستور المغربي من فترة الحماية إلى الربع األول من األلفية الثالثة ومواكبته للواقع الوطني والدولي‬ ‫‪ 14:30 - 14:15‬‬
‫العلوي باسيدي‪ ،‬أستاذ باحث‪ ،‬بجامعة موالي اسماعيل مكناس‪.‬‬ ‫ ‬

‫أهميــة المرجعيــة فــي مشــاريع حــزب اإلصــاح الوطنــي لوضــع الدســتور المغربــي األول‪:‬‬ ‫‪ 14:45 - 14:30‬‬
‫الوثائــق اخلاصــة للحركــة الوطنيــة بالشــمال بخزانــة أســرة الصفــار بتطــوان‬
‫منية الصفار‪ ،‬باحثة بسلك الدكتوراه‪ ،‬جامعة عبد املالك السعدي ‪ -‬تطوان‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫منــــــــــــاقشة‬ ‫‪ 15:30 - 14:45‬‬

‫‪3‬‬
‫المحور الثالث‪ :‬مأسسة الحياة السياسية المغربية من خالل الدساتير‬
‫رئيس الجلسة‪ :‬األستاذة أمينة المسعودي‬ ‫ ‬

‫‪16 :00 - 16 :15 Le mouvement constitutionnel marocain : Les Précurseurs et les entraves‬‬
‫‪ Mohammed MADANI Enseignant chercheur, Université Mohammed V RABAT.‬‬
‫‪16:15-16:30 Le parlement marocain: législateur d’exception‬‬
‫‪ Abdelhamid BENKHATTAB, Enseignant chercheur, Université Mohammed V RABAT.‬‬
‫‪16:45 -17:00 L’évolution du pouvoir exécutif au Maroc : constats et variations‬‬
‫‪ Ghassan El MRANI, Enseignant chercheur, Université Mohammed V RABAT.‬‬
‫‪17:00-17:15 L’institution gouvernementale à travers les constitutions marocaines‬‬
‫‪ Mohammed Amine BENABDELLAH, Enseignant chercheur, Université Mohammed V RABAT.‬‬
‫‪17:15-17:30 Les institutions de gouvernance à travers les constitutions marocaines‬‬
‫ ‬ ‫‪Hassan TARIK, Enseignant chercheur, Université Mohammed V RABAT.‬‬
‫‪17:30-18:00 Débat.‬‬

‫المحور الرابع‪ :‬العدالة الدستورية والتطور الدستوري‬


‫رئيس الجلسة‪ :‬األستاذ بوجمعة بوعزاوي‬ ‫ ‬

‫‪09:00-09:15 L’histoire de la justice constitutionnelle au Maroc : Propos sur l’évolution du contrôle de constitutionnalité des lois‬‬
‫‪ Mohammed El FADILI, Enseignant chercheur, Université Moulay Ismail- Meknès‬‬
‫‪09:15-09:30 L’évolution de la jurisprudence constitutionnelle des finances Publiques au Maroc‬‬
‫‪ Hassan ARAFI, Enseignant chercheur, Université Mohammed V RABAT‬‬
‫مساهمة العدالة الدستورية في تطور القانون الدستوري المغربي‬ ‫‪ 09:45 - 09:30‬‬
‫يوسف اليحياوي‪ ،‬أستاذ باحث‪ ،‬جامعة محمد األول بوجدة‬ ‫ ‬
‫‪ 10:00 - 09:45‬القضاء الدستوري المغربي وتأصيل بعض الحقوق والحريات الواردة في دستور ‪2011‬‬
‫يحيى حلوي‪ ،‬أستاذ باحث‪ ،‬جامعة محمد األول بوجدة‬ ‫ ‬
‫‪ 10:15 - 10:00‬تطور العدالة الدستورية من خالل آلية الدفع بعدم الدستورية في النموذج المغربي‬
‫عبد الحق بلفقيه‪ ،‬دكتور يف القانون العام‪ ،‬جامعة عبد املالك السعدي‬ ‫ ‬
‫منـــــــــــاقشة‬ ‫‪ 10:45 - 10:15‬‬

‫المحور الخامس‪ :‬الدستور وإنتاج القواعد المعيارية‬


‫رئيس الجلسة‪ :‬األستاذ عبد الرزاق موالي رشيد‬ ‫ ‬

‫حقوق اإلنسان في ضوء الدساتير المغربية‪ :‬نحو التأسيس لوعي سياسي‪ ،‬دستوري وحقوقي‬ ‫‪ 11:00 - 10:45‬‬
‫عبد العزيز لعروسي‪ ،‬أستاذ باحث‪ ،‬جامعة محمد اخلامس الرباط‪.‬‬ ‫ ‬
‫الدستور المالي في المغرب‪ :‬منطلقات النقاش قبل دستور ‪.1962‬‬ ‫‪ 11:30 - 11:15‬‬
‫جواد النوحي‪ ،‬أستاذ باحث‪ ،‬جامعة محمد اخلامس الرباط‪.‬‬ ‫ ‬
‫الدولة الترابية في الدساتير المغربية‪.‬‬ ‫‪ 11:45 - 11:30‬‬
‫بوجمعة بوعزاوي‪ ،‬أستاذ باحث‪ ،‬جامعة محمد اخلامس الرباط‪.‬‬ ‫ ‬
‫تطور فكرة الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة في الدساتير المغربية‪ :‬نحو تكريس مبدأي الشمولية‬ ‫‪ 12:00 - 11:45‬‬
‫والتخصص‪.‬‬
‫رضوان اعميمي‪ ،‬أستاذ باحث‪ ،‬جامعة محمد اخلامس الرباط‪.‬‬ ‫ ‬
‫منــــــــــــــاقسة‬ ‫‪ 12:30 - 12:00‬‬
‫اختتام األشغال‬ ‫‪ 13:00-12:30‬‬

‫‪4‬‬
5
‫ملخص المداخلة‬

‫كيــف ميكــن للممارســة يف املجــال الدســتوري أن ترقــى إلــى صــف مصــادر التاريــخ الدســتوري‬
‫املغربــي ؟‬
‫شــهد املغرب منذ اســتقالله إقبال مؤسســاته على ممارســات قبل الدســترة وبعدها‪ ،‬ممارســات‬
‫متكــن مــن وصفهــا باملصــادر خصوصا بعد تســجيل التراكم بشــأنها‪.‬‬
‫ما هي هذه املمارسات وما هي قيمتها ؟‬

‫أمينة المسعودي‬
‫أستاذة باحثة‪ ،‬جامعة محمد الخامس الرباط‬

‫ملخص المداخلة‬

‫تشــكل املرجعيــة اإلســامية املرجعيــة العليــا للدولــة املغربيــة بــدءا مــن دســتور ‪ 1962‬إلــى دســتور ‪ 2011‬الــذي‬
‫ينــص علــى أن ديــن الدولــة هــو اإلســام‪ ،‬وأن األمــة تســتند يف حياتهــا العامــة علــى ثوابــت جامعــة مــن ضمنهــا الديــن‬
‫اإلســامي الســمح ‪ ،‬بــل إن التنظيــم الدســتوري ملغــرب مــا قبــل احلمايــة كان يعتبــر الديــن اإلســامي املصــدر األســاس‪،‬‬
‫و يقــوم علــى أســس الشــريعة اإلســامية املبنيــة علــى البيعــة والشــورى امتثــاال لقولــه تعالــى يف ســورة آل عمــران ‪:‬‬
‫«وشــاورهم يف األمــر فــإذا عزمــت فتــوكل علــى اهلل» ‪ ،‬اآليــة ‪.159‬‬
‫ففــي هــذا اإلطــار تأتــي هــذه املداخلــة يف املوضــوع املوســوم ب ‪« :‬املرجعيــة اإلســامية يف الدســاتير املغربيــة»‬
‫‪ ،‬للوقــوف علــى حاكميــة املرجعيــة اإلســامية علــى بقيــة الثوابــت اجلامعــة األخــرى (الوحــدة الوطنيــة املتعــددة الروافــد‪،‬‬
‫وامللكيــة الدســتورية‪ ،‬واالختيــار الدميقراطــي )‪ ،‬وإبــراز اخلصوصيــة املغربيــة يف الشــأن الدينــي‪ ،‬مــن خــال أربعــة‬
‫ضوابــط منهجيــة همــت العقيــدة األشــعرية‪ ،‬واملذهــب املالكــي باعتبــاره ثقافــة اجتماعيــة ونفســية‪ ،‬والتصــوف الســني‬
‫علــى طريقــة اجلنيــد الــذي حــدد لــه مقصــد التربيــة علــى احملبــة‪ ،‬ثــم إمــارة املؤمنــن دعامــة لألمــن الروحي‪.‬وهــذا مــا‬
‫يشــكل مضمــون احملــاور األربعــة التــي ســأتناولها يف هــذه املداخلــة التــي ســتختم بأهــم النتائــج املتوصــل إليهــا ‪.‬‬

‫علوي فاطمة الزهراء‬


‫أستاذة باحثة‪ ،‬جامعة موالي اسماعيل ‪ -‬مكناس‬

‫‪6‬‬
‫ملخص المداخلة‬

‫يف مقدمــة املداخلــة‪ ،‬ســنحاول أن نؤصــل مفهــوم الهويــة الدســتورية‪ ،‬حيــث ســنحدد مفهــوم الهويــة‪،‬‬
‫ثــم ســنحاول أن نحيــط بالهويــة الدســتورية مــن خــال التمييــز بينهــا وبــن بعــض املفاهيــم املشــابهة‪ ،‬مــن قبيــل الهويــة‬
‫الوطنيــة والهويــة السياســية والهويــة املؤسســاتية ‪ ....‬وذلــك مــن خــال الفقــه واالجتهــاد القضائــي خصوصــا االجتهــاد‬
‫القضائــي الدســتوري‪ .‬ثــم ســنحاول أن نبحــث عــن اخليــط الرابــط بــن التاريــخ والهويــة الدســتورية معتمديــن دور‬
‫التاريــخ يف حتديــد الهويــة بصفــة عامــة والهويــة الدســتورية بصفــة خاصــة‪ ،‬لنطــرح إشــكالية العالقــة بينهمــا‪.‬‬

‫أمــا يف العــرض‪ ،‬فســنحاول‪ ،‬يف مبحــث أول‪ ،‬أن خلــص إلــى أن التاريــخ مصــدر مــن مصــادر إنتــاج املبــادئ‬
‫املؤسســة للهويــة بطريقــة صريحــة أو بطريقــة ضمنيــة‪.‬‬

‫ويف املبحــث الثانــي‪ ،‬ســنبحث يف نقطــة مهمــة تتمثــل يف‪ :‬إلــى أي حــد ميكــن للتاريــخ أن يكــون آليــة مــن آليــات‬
‫حتقيــق الهويــة الدســتورية مــن خــال املشــرع الدســتوري والقاضــي الدســتوري‪ ،‬ومــدى تأثيــر الهويــة الدســتورية يف‬
‫صناعــة القانــون واملصادقــة علــى االتفاقيــات الدوليــة‪.‬‬

‫وأشير على أن املداخلة ستركز على احلاالت العملية والتطبيقية يف املغرب وفرنسا‪.‬‬

‫حسن حلوي‬
‫أستاذ بالكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية‬

‫‪7‬‬
‫ملخص المداخلة‬

‫احتلــت إشــكالية املرجعيــة مكانــة أساســية يف مختلــف محــاوالت الدســترة‪ ،‬التــي وزانــت بــن اســتلهام األصــول‬
‫القانونيــة احلديثــة وبــن اســتحضار التــراث الســلطاني املخزنــي لضمــان قبــول فكــرة الدســتور شــكال ومضمونــا‪،‬‬
‫ونشــير بدايــة حملاولــة املســتعرب اإلســباني علــي بــاي الــذي اســتوطن طنجــة يف عهــد املولــى ســليمان‪ ،‬فقــد وضــع ســنة‬
‫‪1817‬دســتورا دعــا فيــه إلقــرار احلقــوق وإقامــة مجلــس للنــواب يضــم ممثلــي القبائــل مــع تقييــد ســلطات امللــك يف إطــار‬
‫مــا أســماه الســلطان الدســتوري‪.‬‬
‫ومــع مطلــع القــرن ‪ 19‬توالــت محــاوالت دســترة الفكــر اإلصالحــي بدايــة مبذكــرة عبــد اهلل بــن ســعيد ‪ ،1901‬ورغــم‬
‫املرجعيــة املخزنيــة التــي ميتــح منهــا هــذا النمــوذج فقــد تضمــن بعــض معالــم التحديــث بالتنصيــص علــى مبــادئ املراقبــة‬
‫واحملاســبة واالنتخــاب‪ ،‬وكــرد فعــل علــى معاهــدة اجلزيــرة اخلضــراء انبــرت النخبــة املغربيــة للــرد‪ ،‬فكانــت مذكــرة علــي‬
‫زنيبــر ‪ 1906‬بنفــس إصالحــي حديــث دعــى النتخــاب هيئــة تأسيســية ترعــى حقــوق املواطنــن وتربــط بنــاء الســلطة‬
‫بالتحديــث اإلداري والقضائــي‪ ،‬ويف نفــس الســنة صــدرت مذكــرة عبــد الكــرمي مــراد اســتلهم فيهــا بعــض مقتضيــات‬
‫الدســتور اليابانــي والعثمانــي بالدعــوة لتجســيد مبــدأ التمثيليــة‪ ،‬عبــر انتخــاب مجلــس نيابــي يســهر علــى محاســبة‬
‫احلكومــة وحتقيــق العــدل واملســاوة‪.‬‬
‫ض ِّمــن مفاهيــم‬
‫غيــر أن محاولــة الدســترة األكثــر جديــة متثلــت يف مشــروع دســتور لســان املغــرب أكتوبــر ‪ 1908‬الــذي ُ‬
‫حديثــة كســيادة األمــة واملواطنــة‪ ،‬لكنــه كان محافظــا فيمــا يتعلــق بتوزيــع الســلطة‪ ،‬ورغــم ذلــك فقــد رفضــه الســلطان‬
‫عبــد احلفيــظ الــذي اســتعان بخبــرة بعــض األتــراك يف كتابــة مذكــرة أكثــر محافظــة تنتصــر لســيادة الشــريعة وحكــم‬
‫أميــر املؤمنــن‪.‬‬
‫ويف مرحلــة احلمايــة خفتــت فكــرة الدســترة‪ ،‬إذ ركــزت احلركــة الوطنيــة علــى إقــرار اإلصالحــات اإلداريــة دون‬
‫املطالبــة بشــكل صريــح بوضــع الدســتور‪ ،‬إلــى أن كان مشــروع دســتور حــزب اإلصــاح ‪ 1954‬الــذي دعــى إلــى حكومــة‬
‫ملكيــة دســتورية وجعــل األمــة مصــدر جميــع الســلطات‪.‬‬
‫وبعــد احلصــول علــى االســتقالل شــكلت مرجعيــة وضــع الدســتور عنوانــا للصــراع السياســي‪ ،‬ســواء مــن حيــث‬
‫منهجيــة الوضــع أو مــن حيــث األصــول القانونيــة احملــددة لتوزيــع الســلطة‪ ،‬وهكــذا فقــد حســمت إرهاصــات الدســترة‬
‫عبــر العهــد امللكــي ‪ 1958‬والقانــون األساســي ‪ 1961‬يف التوزيــع القانونــي للســلطة عبــر ترســيم امللكيــة الدســتورية‬
‫التنفيذيــة‪ ،‬وهــو مــا ســيدون يف دســتور ‪ 1962‬وماتبعتــه مــن تعديــات‪.‬‬
‫وســنحاول يف هــذا البحــث اســتقصاء ســياقات تبلــور فكــرة الدســتور وإبــراز أصولهــا الدينيــة واملخزنيــة والوضعيــة‪،‬‬
‫ومــا تخلفــه مــن تأثيــرات مســتمرة تتجلــى يف تكريــس أشــكال موازيــة مــن الدســتور يتوقــف مداهــا علــى آليــات التأويــل‬
‫والتحكيــم ورهانــات اللحظــة السياســية‪.‬‬

‫عبد الرفيع زعنون‬


‫دكتور في القانون العام‪ ،‬جامعة عبد المالك السعدي ‪ -‬تطوان‬

‫‪8‬‬
‫ملخص المداخلة‬

‫تســعى هــذه املداخلــة إلــى متابعــة النقــاش حــول اإلصــاح السياســي والدســتوري يف املغــرب كمــا طرحتــه‬
‫بعــض فصائــل اليســار املغربــي منــذ نهايــة اخلمســينيات مــن القــرن املاضــي إلــى حــن صــدور دســتور ‪.2011‬‬
‫وهــي تفتــرض أن هنــاك خمســة حلظــات أساســية مــر بهــا تصــور اليســار املغربــي لهــذا املوضــوع‪ ،‬ميكــن‬
‫حتديدهــا فيمــا يلي‪:‬‬
‫اللحظة األولى‪:‬‬
‫هــي التــي كان فيهــا اإلصــاح يف منظــور هــذه القــوى يتخــذ منظــورا شــموليا‪ ،‬أي ينــدرج يف إطــار‬
‫مشــروع متكامــل‪ ،‬يتداخــل فيــه السياســي واالقتصــادي واالجتماعــي‪...‬‬
‫اللحظة الثانية‪:‬‬
‫هــي التــي أضحــى فيهــا اليســار يربــط اإلصــاح بحــل اإلشــكالية السياســية‪ ،‬املتمثلــة يف اختــال‬
‫التــوازن بــن الســلطات لصالــح امللــك‪.‬‬
‫اللحظة الثالثة‪:‬‬
‫هــي التــي انطلقــت مــع تصويــت جــزء هــام مــن املعارضــة اليســارية بـــ «نعــم» علــى دســتور ‪.1996‬‬
‫وظهــرت بشــكل واضــح مــع مشــاركة هــذه القــوى فيمــا يعــرف بحكومــة التنــاوب‪ .‬وهــي تتمثــل يف االنســياق وراء‬
‫جاذبيــة احللــول السياســية‪ ،‬يف مقابــل إهمــال الرهــان علــى فعاليــة «النــص املكتــوب»‪...‬‬
‫اللحظة الرابعة‪:‬‬
‫هــي التــي عشــناها‪ ،‬انطالقــا مــن ســنة ‪ ،2002‬وبصفــة خاصــة انطالقــا مــن االنتخابــات التشــريعية‬
‫لســنة ‪ ،2007‬وهــي الفتــرة التــي جتســد «املــوت البطــيء لتجربــة التنــاوب»‪ ،‬حيــث عــاد اليســار إلــى مرحلــة‬
‫مــا قبــل هــذه التجربــة‪ ،‬ليكتشــف احلاجــة إلــى السياســة‪ ،‬أقصــد احلاجــة إلــى اإلصــاح الدســتوري‪ ،‬بــل وإلــى‬
‫«امللكيــة البرملانيــة» حتــى‪.‬‬
‫اللحظة الخامسة‪:‬‬
‫هــي التــي عشــناها انطالقــا مــن ‪ ،2011‬والتــي ارتبطــت أساســا باجلــو السياســي العــام الــذي أشــاعته‬
‫حركــة ‪ 20‬فبرايــر‪ .‬وهنــا لــم يعــد املطلــب الدســتوري شــعارا ألحــزاب اليســار فقــط‪ ،‬بــل أصبــح‪ ،‬خصوصــا بعــد‬
‫خطــاب امللــك بتاريــخ ‪ 9‬مــارس‪ ،‬موضوعــا لــكل األحــزاب السياســية‪ ،‬بغــض النظــر عــن توجهاتهــا واختياراتهــا‪،‬‬
‫بــل ميكــن القــول إن هــذا املطلــب قــد أخــذ يتجــاوز حــدود األحــزاب ليصبــح «قضيــة رأي عــام»‪.‬‬

‫أحمد بـــوز‬
‫أستاذ باحث‪ ،‬جامعة محمد الخامس الرباط‬

‫‪9‬‬
‫عودة لبعض السجاالت‬
‫ملخص المداخلة‬ ‫اإليديولوجية حول دستور ‪1992‬‬

‫شــكلت املســألة الدســتورية‪ ،‬منــذ مطلــع التســعينات‪ ،‬أحــد أهــم محــاور النقــاش العمومــي حــول ملــف اإلصــاح السياســي‬
‫باملغــرب‪ .‬يشــكل اإلصــاح الدســتوري لســنة ‪ 1992‬محطــة مهمــة ملعاينــة إحــدى متظهــرات اختــراق املؤسســة الدينيــة‬
‫الرســمية للنقاشــات السياســية والقانونيــة التــي كانــت جتــري اســتعدادا ملراجعــة دســتور ‪ ،1972‬حيــث اجتهــدت يف طــرح‬
‫تصــورات سياســية مرجعيــة ومذهبيــة مناقضــة متامــا للرهانــات اإلســتراتيجية التــي كانــت تنطــوي عليها مطالب أحزاب‬
‫املعارضــة ســابقا‪ .‬بينمــا كانــت مذكــرات قــوى املعارضــة تدفــع يف اجتــاه تكريــس نــوع مــن تــوازن الســلط مــن خــال احلــد‬
‫مــن صالحيــات امللــك وتقويــة ســلطات احلكومــة والبرملــان‪ ،‬بلــورت املؤسســة الدينيــة تصــورا إيديولوجيــا مناقضــا يدافــع‬
‫بوضــوح عــن املكانــة الســامية للمؤسســة امللكيــة يف النظــام السياســي املغربــي ويشــدد علــى أولويــة املرجعيــة التقليديــة‬
‫الدينيــة التــي تســلهمها فــوق باقــي املؤسســات الدميقراطيــة والدســتورية احلديثــة كاألحــزاب والبرملــان ومبــدأ فصــل‬
‫الســلط وغيرهــا‪.‬‬
‫تســعى هــذه الورقــة إلــى العــودة إلــى جــزء مــن الســجاالت اإليديولوجيــة التــي أطــرت النقــاش السياســي حــول دســتور‬
‫‪ ،1992‬إنطالقــا مــن فرضيــة ذات شــقني‪ :‬أوال‪ ،‬إشــراك املؤسســة الدينيــة الرســمية عمومــا‪ ،‬ووزارة األوقــاف والشــؤون‬
‫اإلســامية خصوصــا‪ ،‬يف النقــاش حــول املســالة الدســتورية كان الغــرض منــه أوال وقبــل كل شــيء اإلســناد اإليديولوجــي‬
‫للمؤسســة امللكيــة يف مواجهــة أحــزاب املعارضــة ســابقا‪ ،‬ورمبــا الســعي أيضــا لالســتيعاب القبلــي لطروحــات احلــركات‬
‫اإلســامية التــي كان يجــري إدمــاج بعضهــا يف تلــك الفتــرة‪ .‬أمــا الشــق الثانــي‪ ،‬وهــو األكثــر أهميــة يف نظرنــا‪ ،‬فهــو تأكيــد‬
‫فكــرة أن احلركــة الوطنيــة بعــد صــراع طويــل علــى الســلطة مــع املؤسســة امللكيــة‪ ،‬والــذي انتهــى عمليــا عنــد محطــة‬
‫«التنــاوب التوافقــي»‪ ،‬لــم تســتطع أن تفــرض رؤيتهــا للمفاهيــم السياســية احلديثــة ملمارســة احلكــم بقــدر مــا وجــدت‬
‫نفســها مجبــرة علــى الدخــول التدريجــي يف احلداثــة السياســية‪ ،‬ليــس انطالقــا مــن طروحاتهــا السياســية ومرجعياتهــا‬
‫اإليديولوجيــة‪ ،‬وإمنــا يف إطــار املرجعيــات العميقــة واملمارســات التقليدانيــة املقننــة مــن طــرف النظــام القائــم‪.‬‬

‫حميمنات سليم‬
‫أستاذ باحث‪ ،‬جامعة محمد اخلامس الرباط‬

‫‪10‬‬
‫ومواكبته للواقع الوطني والدولي‬
‫تطور مسطرة وضع الدستور‬ ‫ملخص المداخلة‬

‫إذا كان الدســتور هــو أســمى وأعلــى قانــون يف الدولــة يحتكــم إليــه يف كل املجــاالت السياســية‬
‫واالقتصاديــة واالجتماعيــة والفكريــة ‪ ،‬ومنــه تتفــرع باقــي القوانــن األخــرى املؤسســاتية ‪ ،‬لتنظيــم العالقــة‬
‫بــن القيــادة العليــا وباقــي املواطنــن مــن جهــة ‪ ،‬وبــن املواطنــن فيمــا بينهــم يف كل القطاعــات مــن جهــة أخــرى‪،‬‬
‫وهــو يعبــر عــن املســتوى الرفيــع الــذي بلغــه العقــل املغربــي الــذي يراعــي الواقــع احمللــي والوطنــي والدولــي ‪،‬‬
‫فيســهم يف تطــور البــاد وتنميتهــا تنميــة حقيقيــة حتــى تكــون يف مســتوى الــدول املتقدمــة ‪ ،‬وإســهاما منــي يف‬
‫هــذا النشــاط العلمــي املتميــز ‪ ،‬الــذي يســتمد قيمتــه مــن موضوعــه الــذي هــو الدســتور فإنــي ســأجتهد يف‬
‫إبــراز قيمتــه ومواكبتــه للواقــع املغربــي منــذ أن كان حتــت ســلطة احلمايــة إلــى أن حصــل علــى اســتقالله ‪ ،‬حتــت‬
‫قيــادة امللــوك الثالثــة محمــد اخلامــس واحلســن الثانــي رحمهمــا اهلل ‪ ،‬ومحمــد الســادس أطــال اهلل عمــره ‪.‬‬
‫لذلــك ارتأيــت أن أتنــاول احلديــث عــن الدســتور مــن حيــث مالبســات وظــروف ظهــوره وتطبيقــه وتنزيلــه علــى‬
‫أرض الواقــع ومــا عــرف أو يعرفــه مــن تغيــرات ‪ ،‬وذلــك مــن خــال ثالثــة محــاور كبــرى ‪:‬‬

‫المحــور األول ‪ :‬ســأخصصه للــكالم عــن الدســتور املغربــي علــى عهــد احلمايــة وكيــف أســهم يف انســجام‬
‫املواطنــن وتوحيدهــم كاجلســد الواحــد ‪ ،‬وزرع فكــرة التحــرر إلجــاء املســتعمر‪.‬‬
‫المحــور الثانــي ‪:‬ســأضمنه احلديــث عــن الدســتور املغربــي بعــد االســتقالل وكيــف أســهم يف خلــق‬
‫مؤسســات قويــة تســهر علــى تقــدم الوطــن وتطــوره ‪.‬‬
‫المحــور الثالــث ‪ :‬ســأتكلم فيــه عــن دســتور «‪ »2011‬ومــا عرفــه مــن تطــور ومواكبــة للواقــع للدفــع بالبلــد‬
‫العزيــز إلــى األمــام برقــي وازدهــار ‪.‬‬
‫خاتمة ‪ :‬سأتناول فيها احلديث عن أهم النتائج التي توصلت إليها‪.‬‬

‫علوي اباسيدي‬
‫أستاذ باحث‪ ،‬بجامعة موالي اسماعيل مكناس‬

‫‪11‬‬
‫ملخص المداخلة‬

‫تعــد الثقافــة الدســتورية يف مشــاريع احلركــة الوطنيــة والنخبــة املغربيــة التــي قــادت العمــل السياســي باملغــرب‬
‫أمــرا مفروغــا منــه‪ ،‬فقــد اهتمــت األحــزاب والزعامــات مبســألة وضــع الدســتور واتفقــت علــى أهميتــه كمؤشــر علــى‬
‫وجــود دولــة للحــق والقانــون وضمانــة لفصــل الســلط‪.‬‬

‫وكان هــذا االهتمــام لــدى الهيئــات الوطنيــة بشــمال املغــرب حتــى قبــل ميــاد حــزب اإلصــاح الوطنــي نفســه‬
‫كحــزب قــوي وحــد جهــود احلركــة الوطنيــة بالشــمال‪.‬‬

‫ولــم يكــن الدســتور الــذي نــادى امللــك الراحــل محمــد اخلامــس بوضعــه ســواء قبــل ثــورة امللــك والشــعب أو‬
‫بعدهــا وتفاعلــت علــى إثــره القــوى احليــة لرســم معاملــه‪ ،‬بــأول دســتور للمغــرب‪ ،‬بــل أخــذ هــذه الصفــة دســتور ‪1908‬‬
‫الصــادر ضمــن أعــداد جريــدة لســان املغــرب األســبوعية بطنجــة‪.‬‬

‫إال أن نــداء امللــك الراحــل كان علــى إثــر الســياق الــذي طبعــه جتاوبــا مــع مطمــح وطنــي ملــح بصيغــة عصريــة‪،‬‬
‫أثمــر لــدى نخبــة الشــمال عــن مشــاريع عــدة صــدرت عبــر بحــوث ومقــاالت وعبــروا عنهــا يف اخلطــب الرســمية‬
‫واالجتماعــات‪.‬‬

‫ويالحــظ مــن خــال اســتقراء بنــود تلــك املشــاريع وســياق وضعهــا‪ ،‬أنهــا مشــاريع عبــرت مــن ناحيــة عــن الوعــي‬
‫باملســألة الدســتورية ومــن ناحيــة أخــرى اهتمــت بشــكل كبيــر باملرجعيــة التــي ســينبني عليهــا الدســتور‪ ،‬مجيبــة عن بعض‬
‫أســباب إشــكالية «استنســاخ دميقراطيــة الغــي» فقــد عملــت علــى ربــط املغــرب دائمــا بهويتــه وجــذوره الثقافيــة ومصادره‬
‫اإلســامية‪ ،‬كمــا شــددت علــى مســألة احلقــوق واحلريــات وفصــل الســلط‪ ،‬وعبــرت عــن مطالــب متقدمــة متثلــت يف‬
‫أن يســود امللــك وال يحكــم وأن يقــوم بــدور يســمو علــى املؤسســات‪ ،‬مــع إســناد صالحيــات قويــة للبرملــان خاصــة يف‬
‫ميــدان املاليــة والضرائــب واملعاهــدات ‪ ...‬وأن يتزعــم احلكومــة رئيــس وزارة مبــا يف ذلــك مــن دالالت تنفيذيــة‪ ،‬ممــا‬
‫جعلهــا مقارنــة مــع الدســاتير الالحقــة منهــا دســتور ‪ 2011‬ال تشــهد مــا أســماه البعــض ب «توتــر املرجعيــات يف الوثيقــة‬
‫الدســتورية» الــذي يقــود بــدوره لصعوبــة التنزيــل ميدانيــا‪.‬‬

‫هكــذا كانــت كل مشــاريع حــزب اإلصــاح الوطنــي وهيئتــه التحضيريــة املتمثلــة يف اجتماعاتهــا أو يف خطــب‬
‫زعيــم احلــزب الراحــل عبــد اخلالــق الطريــس‪ ،‬ومشــروع عبــد الســام بنانــي وبحــوث الســيد محمــد الطنجــي أعضــاء‬
‫اللجنــة املركزيــة للحــزب‪ ،‬وقبــل هــذا علــى عهــد هيــأة العمــل الوطنــي يف شــمال املغــرب‪ ،‬جنــد كتابــات الســيد عبــد‬
‫الســام بــن جلــون الــذي ســيصبح فيمــا بعــد الكاتــب العــام للجنــة التنفيذيــة حلــزب اإلصــاح الوطنــي‪ ،‬كلهــا عبــرت عــن‬
‫محوريــة الدســتور يف الفكــر السياســي املغربــي‪ ،‬بخصائــص‪ ،‬محليــة‪ ،‬والكثيــر مــن هــذه املشــاريع «غيــر املنشــورة» تشــكل‬
‫أرضيــة خصبــة موقوفــة التنفيــذ الســتقراء بعــض املداخــل للمشــاكل العالقــة منــذ زمــن‪.‬‬

‫منية الصفار‬
‫باحثة بسلك الدكتوراه‪ ،‬جامعة عبد المالك السعدي‪ -‬تطوان‬

‫‪12‬‬
‫ملخص المداخلة‬

‫عرفــت التجربــة املغربيــة بعــد االســتقالل ثالثــة جتــارب يف مجــال مراقبــة دســتورية القوانــن‪ ،‬األولــى أ ّمنهــا جهــاز‬
‫قضائــي أكثــر منــه سياســي عــرف باســم الغرفــة الدســتورية باملجلــس األعلــى‪( ،‬مثــا قــد نــص عليهــا الدســتور الثانــي‬
‫للمملكــة بتاريــخ ‪ 31‬يوليــوز ‪ ،1970‬حيــث بنفــس هــذا التاريــخ صــدر القانــون املنظــم لهــذه الغرفــة)‪ ،‬أمــا اختصاصــات‬
‫الغرفــة يف مجــال مراقبــة القوانــن فقــد كانــت مختصــة فقــط بالنظــر يف مطابقــة القوانــن التنظيميــة والنظــام‬
‫الداخلــي ملجلــس النــواب والفصــل يف صحــة انتخــاب أعضــاء مجلــس النــواب وإعــان نتائــج االســتفتاءات‪ .‬واســتمرت‬
‫نفــس التجربــة مــع لدســتور ‪.1972/ 03 /10‬‬
‫إال أن جتربــة الغرفــة الدســتورية كانــت جــد محتشــمة يف مجــال املراقبــة‪ ،‬ممــا اســتوجب إلغاؤهــا وتعويضهــا بجهــاز‬
‫آخــر لــه ســيبصم التجربــة الثانيــة يف مجــال مراقبــة دســتورية القوانــن‪ ،‬وهــو املجلــس الدســتوري الــذي أتــى بــه التعديــل‬
‫الدســتوري بتاريــخ ‪ ،1992 /9/ 4‬واملعتبــر مــن التعديــات األساســية يف املراجعــة الدســتورية‪.‬‬
‫إال أن اجلديــد واملهــم الــذي جــاء مــع هــذا التعديــل الدســتوري‪ ،‬وســيرا علــى منــوال النمــوذج الفرنســي‪ ،‬هــو توســيع‬
‫اختصاصــات املجلــس يف املراقبــة الدســتورية بــأن شــملت‪ ،‬باإلضافــة إلــى املراقبــة اإلجباريــة للقوانــن التنظيميــة‬
‫والنظــام الداخلــي ملجلــس النــواب‪ ،‬مراقبــة دســتورية القوانــن العاديــة بعــد إحالتهــا االختياريــة عليــه مــن طــرف اجلهــات‬
‫املوكــول لهــا ذلــك‪ .‬ومــع املراجعــة الدســتورية بتاريــخ ‪ 1996/ 09/ 13‬ســوف يتغيــر هــذا املجلــس فقــط يف بنيتــه دون‬
‫اختصاصاتــه وذلــك جتانســا مــع التعديــات الدســتورية اجلديــدة‪.‬‬
‫أمــا التجربــة الثالثــة‪ ،‬فقــد جــاءت مــع دســتور فــاحت يوليــوز ‪ ،2011‬الــذي ألغــى نظــام املجلــس الدســتوري وعوضــه‬
‫باحملكمــة الدســتورية‪ .‬هــذه األخيــرة لهــا نفــس بنيــة املجلــس الدســتوري‪ ،‬مــع اختــاف يف طريقــة التعيــن‪ .‬واجلديــد‬
‫يف مســألة تعيــن أعضــاء احملكمــة الدســتورية هــو إقــرار الفصــل ‪ 130‬مــن الدســتور لبعــض الشــروط الواجــب توفرهــا‬
‫يف األعضــاء املقترحــن‪.‬‬
‫ولقــد أبقــى الدســتور اجلديــد علــى كامــل االختصاصــات التــي كانــت للمجلــس الدســتوري ســابقا‪ ،‬مــع تعديــات‬
‫وإضافــات جديــدة‪( .‬فحــص دســتورية املعاهــدات الدوليــة ‪ -‬الدفــع بعــدم دســتورية قانــون)‬

‫ويف إطــار هــذا التأريــخ للقضــاء الدســتوري باملغــرب الــذي اســتقر حاليــا علــى منــوذج احملكمــة الدســتورية‪ ،‬نتســاءل عــن‬
‫املســاهمة التــي قدمهــا القاضــي الدســتوري املغربــي يف خلــق ووضــع قواعــد دســتورية متوائمــة مــع طبيعــة وخصوصيــات‬
‫املجتمــع املغربــي مــن جهــة‪ ،‬ومــع قواعــد اللعبــة السياســية مــن جهــة أخــرى‪ .‬وميكــن أن نتســاءل أيضــا عــن طبيعــة هــذه‬
‫املســاهمة‪ ،‬هــل جتســد فقهــا دســتوريا بقواعــد ومبــادئ جديــدة أم فقــط تنزيــل وتطبيــق لقواعــد مقتبســة ومســتقاة‬
‫مــن جتــارب دســتورية مقارنــة وباخلصــوص التجربــة الفرنســية؟ وهــل االجتــاه نحــو جتربــة احملكمــة الدســتورية ينبــئ‬
‫عــن فشــل جتربــة املجلــس الدســتوري‪ ،‬أم هــي محاولــة اخلــروج مــن العوائــق التنظيميــة والدســتورية التــي كانــت تواجــه‬
‫املجلــس الدســتوري وتضيــق مــن مجــال مبادرتــه يف وضــع قواعــد اجتهاديــة كبــرى؟‬
‫في خضــم هــذه األســئلة وغيرهــا ذات االرتبــاط باملوضــوع‪ ،‬ســنحاول حتليلهــا وتبيانهــا وفــق عناصــر محــددة‪ ،‬وهــي‬
‫كاآلتــي‪:‬‬
‫‪ -‬دور وتطــور البنيــة تاريخيــا يف التأثيــر ايجابــا علــى جــودة وفعاليــة االجتهاد الدســتوري‪( .‬التطــور التدريجي‬
‫للمســاهمة يف وضــع القواعد الدســتورية)‬
‫‪ -‬القضــاء الدســتوري ضابــط لســير املؤسســات الدســتورية (مــدى املوضوعيــة واملصداقيــة وعــدم االنحيــاز‬
‫يف حمايــة ســلطة ضــد بقيــة الســلطات‪ :‬جتربــة املجلــس الدســتوري)‬
‫‪ -‬املساهمة يف تطوير املبادئ والقواعد ذات االرتباط بحقوق وحريات األفراد‪.‬‬
‫‪ -‬حصيلة ومدى مساهمة العدالة الدستورية يف تطور القانون الدستوري املغربي‪.‬‬

‫يوسف اليحياوي‬
‫أستاذ باحث بجامعة محمد األول ‪ -‬وجدة‬

‫‪13‬‬
‫ملخص المداخلة‬

‫دســتور اململكــة لفــاحت يوليــوز ‪ 2011‬تضمــن باإلضافــة إلــى التصديــر ‪ 180‬فصــا موزعــا علــى أربعــة عشــر (‪ )14‬بابــا‪.‬‬
‫بهــذا املعطــى يكــون قــد جتــاوز ‪ -‬مــن حيــث عــدد الفصــول ‪ -‬دســاتير اململكــة لــكل مــن ‪ 7‬دجنبــر ‪ 1962‬و‪ 24‬يوليــوز‬
‫‪ 1970‬وفــاحت مــارس ‪ ،1972‬وكــذا املراجعتــن لـــ ‪ 4‬شــتنبر ‪1992‬ثــم لـــ ‪ 13‬شــتنبر ‪.1996‬‬
‫ومــن بــن أهــم أبــواب دســتور ‪ 2011‬البــاب الثامــن املعنــون بـــ «احملكمــة الدســتورية» واملتضمــن للفصــول مــن ‪ 129‬إلــى‬
‫‪ ،134‬بعدمــا كان الدســتور املراجــع يف كل مــن ‪ 1992‬و‪ 1996‬يخــص بابــا لـــ «املجلــس الدســتوري»‪ ،‬وقبلــه كانــت الدســاتير‬
‫الســابقة لــكل مــن ‪ 1972‬و‪ 1970‬و‪ 1962‬تفــرد بابــا لـــ «الغرفــة الدســتورية باملجلــس األعلــى»‪.‬‬
‫وإذا كانــت احملكمــة الدســتورية قــد بــدأت اشــتغالها منــذ تنصيبهــا بتاريــخ ‪ 4‬أبريــل ‪ ،2017‬فــإن اشــتغال املجلــس‬
‫الدســتوري قــد غطــى الفتــرة املمتــدة مــن ‪ 21‬مــارس ‪ 1994‬إلــى ‪ 4‬أبريــل ‪ ،2017‬يف حــن اشــتغلت الغرفــة الدســتورية‬
‫لفتــرات متقطعــة امتــدت مــن ‪ 1963‬إلــى غايــة ‪ 21‬مــارس ‪.1994‬‬
‫طــوال الفتــرة الســابقة علــى تنصيــب احملكمــة الدســتورية أصــدر كل مــن املجلــس الدســتوري والغرفــة الدســتورية‬
‫باملجلــس األعلــى مــا مجموعــه ‪ 1864‬قــرارا (‪ 1043‬قــرارا للمجلــس الدســتوري و‪ 821‬قــرار للغرفــة الدســتورية باملجلــس‬
‫األعلــى)‪.‬‬
‫قــد يبــدو منــذ الوهلــة أن هــذا العــدد قليــل خصوصــا إذا مــا قــورن مــع نظيريــه الفرنســي املجلــس الدســتوري احملــدث‬
‫مبقتضــى دســتور رابــع (‪ )4‬أكتوبــر ‪ ،1958‬إذ أصــدر هــذا األخيــر يف الفتــرة املمتــدة مــن ‪ 05‬مــارس ‪ 1959‬إلــى غايــة ‪04‬‬
‫مــارس ‪ 2017‬مــا مجموعــه ‪ 5000‬قــرارا‪.‬‬
‫علــى أن العبــرة ليســت بكثــرة أو قلــة الفصــول الدســتورية وبكثــرة أو قلــة القــرارات الصــادرة عــن أجهــزة «القضــاء‬
‫الدســتوري»‪ ،‬إمنــا بالقواعــد‪ /‬املضمــون القاعــدي التــي ســطرتها هــذه الفصــول أو هــذه القــرارات‪ ،‬فقــد تكــون الكثــرة‬
‫بــدون قيمــة مضافــة وقــد تكــون القلــة وفيهــا قيمــة مضافــة‪ .‬وموضــوع القضــاء الدســتوري املغربــي وتأصيــل بعــض‬
‫احلقــوق واملبــادئ الدســتورية يصــب يف هــذا املنحــى‪ ،‬فــإذا كان أغلــب الفقــه الدســتوري املغربــي قــد أكــد أن دســتور‬
‫اململكــة لـــ ‪ 2011‬قــد أتــى بضمانــات واســعة للحقــوق مكنتــه مــن اعتبــاره دســتور صــك احلقــوق‪ ،‬وإذا كان قــد ركــز يف‬
‫ذلــك علــى احلقــوق املســموح للمحكمــة الدســتورية بكفالتهــا‪ ،‬فــإن هــذه النظــرة الثاقبــة التــي تغنــى وال زال يتغنــى بهــا‬
‫حتمــت علينــا البحــث يف جــذور بعــض مــن هــذه احلقــوق‪ ،‬هــل هــي مســتقاة مــن مــا أفرزتــه فقــط اللجنــة الدســتورية‬
‫ملراجعــة الدســتور أم مــن قــرارات ومقــررات القضــاء الدســتوري‪ ،‬األمــر الــذي يحتــم البحــث يف بصمــات «القاضــي‬
‫الدســتوري» املغربــي علــى دســتور ‪ ،).I( 2011‬ثــم إن البحــث لــن يكتمــل إذا لــم يتــم التعريــج يف التنقيــب يف هــذه‬
‫القــرارات واملقــررات يف عالقتهــا بقــرارات املجلــس الدســتوري التــي تبــدو مــن حيــث العــدد تزيــد عــن الضعــف‪ ،‬وهــو‬
‫مــا يســتلزم البحــث يف بصمــات «القاضــي الدســتوري» املغربــي علــى نظيــره الفرنســي(‪.).II‬‬

‫يحي حلوي‬
‫أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بوجدة‬

‫‪14‬‬
‫ملخص المداخلة‬

‫حتــاول هــذه الورقــة العلميــة املقدمــة علــى هامــش أشــغال النــدوة الوطنيــة حول «التاريخ الدســتوري‬
‫للمغــرب» رصــد مســألة تطــور حقــوق اإلنســان علــى امتــداد الدســاتير املغربيــة يف ضــوء تبــادل التأثيــر والتأثــر‬
‫بــن رســم السياســات الداخليــة واخلارجيــة واحلاجــة إلــى التأســيس لوعــي دســتوري وسياســي وحقوقــي‪ ،‬وذلــك وفــق‬
‫مجموعــة تســاؤالت منطلقيــة (‪.)Questions de départ‬‬
‫هــل اإلدمــاج الدســتوري حلقــوق اإلنســان كاف لتكريــس ســمو الثقافــة احلقوقيــة؟‪ .‬ومــا الغايــة وراء اســتثمار‬
‫نظــام دســتوري تقليدانــي يف ثقافــة سياســية وحقوقيــة حداثيــة؟‪ .‬مــا هــو الفكــر السياســي‪  ‬والدســتوري الــذي مهــد‬
‫للتكريــس القانونــي حلقــوق اإلنســان علــى امتــداد الدســاتير التــي عرفهــا املغــرب ؟‪ .‬مــا قــدرة الدســتورانية املغربيــة‬
‫علــى الدفــع مبسلســل حقــوق اإلنســان عبــر االنفتــاح علــى الفضــاء السياســي الداخلــي واخلارجــي؟‪ .‬وكيــف اســتطاع‬
‫احلقوقــي أن يصبــح يف قلــب الدســتوري‪ ،‬برصــده وهيكلتــه ملختلــف تفاعــات املشــهد السياســي املغربــي؟‪ .‬وهــل دســترة‬
‫املالءمــة وســمو االتفاقيــات الدوليــة املصــادق عليهــا‪ ،‬يعــدان مبثابــة موجــة ثالثــة لرهــان حقــوق االنســان باملغــرب؟‪ .‬وهــل‬
‫مــا لــم تقــرره الدســاتير مــن حقــوق وحريــات أساســية يعنــي عــدم جــواز متتــع األفــراد بهــا؟‪.‬‬

‫إن محاولــة اإلجابــة علــى هــذه التســاؤالت تقتضــي الوقــوف علــى مدخــات ومخرجــات تفاعــل القــوى املشــكلة‬
‫للمجتمــع املدنــي ‪ ،‬ومكونــات املجتمــع السياســي مــع احلركــة الدســتورية يف ضــوء تاريــخ املغــرب احلديــث‪ .‬حيــث ميكــن‬
‫الرجــوع بجــذور املطالبــة بحقــوق اإلنســان يف املغــرب مــن قبــل قــوى املجتمــع املدنــي إلــى بدايــة القــرن العشــرين‪ ،‬مــن‬
‫خــال مشــروع دســتور ‪ 1908‬الــذي جســد أول مطالبــة منظمــة بهــذه احلقــوق‪ ،‬مــرورا بالعهــد امللكــي لســنة ‪1958‬‬
‫وظهائــر احلريــات العامــة الصــادرة بنفــس الســنة‪ ،‬كمــا مت تعديلهــا وتتميمهــا‪ ،‬والقانــون األساســي للمملكــة لســنة‬
‫‪ 1961‬ودســاتير ‪ 1970-1972– 1962‬التــي لــم تــأت بــأي جديــد‪ ،‬حيــث ظــل معطــى حقــوق اإلنســان باملغــرب مرتبطــا‬
‫باحلضــارة العربيــة اإلســامية‪ .‬علــى خــاف دســتوري ‪ 1992‬و‪ 1996‬اللذيــن كرســا البعــد احلقوقــي كمــا هــو متعــارف‬
‫عليــه عامليــا‪ ،‬عبــر التصديــق واالنضمــام إلــى املعاهــدات الدوليــة املعنيــة بحقــوق اإلنســان وإدراجهــا يف خانــة السياســات‬
‫العموميــة الوطنيــة‪ .‬وقــد تــوج هــذا املســار بدســتور ‪ 30‬يوليــوز ‪ 2011‬الــذي جــاء مؤكــدا علــى العالقــة االمتداديــة‬
‫والتالزميــة بــن احلقــوق والواجبــات يف ســياق مجتمــع املواطنــة مــن جهــة أولــى‪ ،‬ويف إطــار التأســيس ملقومــات الدولــة‬
‫الدميقراطيــة مــن جهــة ثانيــة‪ .‬فضــا عــن تكريــس دولــة القانــون‪ ،‬حيــث ضمــان احلقــوق واحلريــات حتــت حمايــة ســلطة‬
‫قضائيــة مســتقلة‪.‬‬

‫عبد العزيز لعروسي‬


‫أستاذ باحث‪ ،‬جامعة محمد اخلامس الرباط‬

‫‪15‬‬
‫ملخص المداخلة‬

‫عانــت البشــرية يف تاريخهــا مــن ويــات عــدة‪ ،‬فممــا أثــر عليهــا تعســف الســلطة السياســية يف احلصــول علــى‬
‫األمــوال مــن األفــراد‪ ،‬حيــث كان احلــكام مهمــا اختلفــت ألقابهــم‪ ،‬وباختــاف الوســائل يســعون إلــى احلصــول علــى‬
‫األمــوال مــن األفــراد ســواء عــن طريــق اإلكــراه أو اإلقنــاع‪ ،‬واالضطــاع بإنفاقهــا وفقــا لرؤيــة احلاكــم واجلماعــات‬
‫املهيمنــة‪.‬‬

‫وكان هــذا التدبيــر يتــم خــارج أي تأطيــر قانونــي‪ ،‬فمــا يحــدده هــو قوة الســلطة ووضعية األفــراد واجلماعات‬
‫خــارج الســلطة السياســية‪ ،‬لتشــكل الديانــة اإلســامية وممارســات العديــد مــن اخللفــاء البدايــات األولــى لتقنــن‬
‫حقــوق الدولــة يف األمــوال املفروضــة علــى األفــراد وتنظيــم قواعــد تدبيــر بيــت مــال املســلمني‪ ،‬لكــن التأطيــر الفعلــي‬
‫لضوابــط الســلطة املاليــة وإقــرار ســيادة الشــعب علــى املاليــة العامــة انطلــق مــن أوروبــا يف مرحلــة حتديــث عالقــة‬
‫الدولــة باملواطــن‪ ،‬والتــي بزغــت يف عصــري النهضــة واألنــوار‪ ،‬ولتتقــوى إبــان الثــورات التــي شــهدتها خــال القــرن‬
‫الثامــن عشــر‪.‬‬

‫وشــكلت بريطانيــا مهــد تأســيس البرملانــات وتنظيــم العالقــة بــن احلاكمــن واحملكومــن‪ ،‬والتــي توجــت‬
‫بإصــدار وثائــق عــدة كان لضبــط وتأثيــر املاليــة العامــة حضــور بــارز فيهــا‪ ،‬والتــي ابتــدأت مــن التنصيــص عليهــا يف‬
‫وثيقــة العهــد األعظــم ســنة ‪ ،1215‬ثــم يف إعــان حقــوق واحلريــات الــذي صــدر ســنة ‪ ،1688‬ثــم يف كل الدســاتير التــي‬
‫مت وضعهــا‪ ،‬بحيــث خــال القــرن الثامــن عشــر ســتبزغ فكــرة الدســتور يف املجــال األوربــي واألمريكــي كتعبيــر لعقــد‬
‫اجتماعــي يحــدد ســلطات احلــكام‪ ،‬ويضمــن احلقــوق واحلريــات ويؤطــر املجتمــع‪ ،‬ويحــدد العالقــة بــن الســلطات‪،‬‬
‫ويضــم مجموعــة مــن املبــادئ‪ ،‬وكان حتديــد الســلطة املاليــة ملمثلــي األمــة ووضــع القواعــد املاليــة حضــور يف هــذه‬
‫الدســاتير‪.‬‬

‫وإذا كان هــذا األمــر حاضــر بقــوة يف املنظومــة األوروبيــة واألمريكيــة‪ ،‬فإنــه ســرعان مــا بــدأ ينتقــل بشــكل‬
‫تدريجــي إلــى باقــي بلــدان املعمــور‪ ،‬ليشــكل القــرن التاســع عشــر املنطلــق لبدايــة وضــع الدســاتير يف العديــد مــن‬
‫البلــدان‪ ،‬قبــل أن تعمــم خــال القــرن العشــرين‪ ،‬وقــد امتــد يف القــرن التاســع عشــر إلــى بعــض البلــدان العربيــة‬
‫واإلســامية‪ ،‬فقــد كانــت بعــض بلــدان املنطقــة ســباقة يف وضــع دســاتير كالدولــة العثمانيــة وتونــس ومصــر وفــارس‬
‫التــي أصبحــت منوذجــا يغــري العديــد مــن البلــدان‪ ،‬مــن بينهــا املغــرب‪.‬‬

‫هــذا األخيــر إلــى حــدود هــذه املرحلــة بقــي تقليديــا‪ ،‬يعيــش حالــة مــن املــد واجلــزر يف الصــراع بــن الســلطة‬
‫السياســية والقبائــل‪ ،‬ومــن بــن جتلياتهــا الصــراع حــول اجلبايــة لدرجــة أن قــوة املخــزن تتحــدد بقدرتــه علــى فــرض‬
‫الضرائــب‪ ،‬كمــا أن محصولهــا يتقــوى يف مرحلــة قــوة املخــزن‪ .‬فمــا هــو ملحــوظ أنــه يف تاريــخ املغــرب بــرزت الضريبــة‬
‫عنصــرا يف الصــراع بــن الســلطة السياســية والقبائــل‪ ،‬فقــد ذهــب عبــد اهلل العــروي علــى أن جــزء كبيــر مــن وظيفــة‬
‫اجليــش والبيروقراطيــة هــي يف حتصيــل الضرائــب‪ ،‬كمــا أبــرز جــون واتربــوري أهميــة اجلبايــة وحتصيلهــا كأســلوب‬
‫للحكــم وآليــة لتوطيــد ســيادة الســلطان‪ ،‬بحيــث أن هاجــس الســلطان كان يقــوم علــى رفــع مــوارده مــن الضريبــة‪،‬‬
‫ووفقــا ملــا عبــر عنــه ابــن خلــدون بــأن « الســلطان ال يثمــر مالــه ويــدر موجــوده إال باجلبايــة»‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫تابع لملخص المداخلة‬

‫جســد هــذا الواقــع حتكــم الســلطة السياســية يف املغــرب القــدمي يف املاليــة العامــة‪ ،‬وكيــف أن هــذا األخيــر‬
‫يف ظــل تخلخــل األوضــاع يف القــرن التاســع عشــر وازديــاد التغلغــل األوربــي‪ ،‬ســتحاول قيــادة إصــاح املاليــة العامــة‬
‫كأحــد مداخــل ضمــان اســتقالل البــاد‪ .‬لكــن األمــور ســتتجاوز الدولــة‪ ،‬ليعيــش املغــرب مرحلــة ضعــف كبيــر‪ ،‬وتكالــب‬
‫القــوى الكبــرى علــى احتــال املغــرب وباخلصــوص بعــد انعقــاد مؤمتــر اجلزيــرة اخلضــراء‪ ،‬وكان للتدبيــر الســيئ‬
‫لالقتصــاد واملاليــة جــزء مــن معضلــة مغــرب مــا قبــل احلمايــة الفرنســية‪.‬‬

‫ويف محاولــة للتصــدي للتغلغــل األوربــي‪ ،‬وكــذا لبنــاء دولــة حديثــة يف مرحلــة االســتقالل السياســي‪ ،‬شــكل‬
‫مطلــب تبنــي الدســتور مدخــا رئيســيا يف هــذا البــاب‪ ،‬ويف جــزء مــن النقــاش الدســتوري املعبــر يف املرحلتــن‪ ،‬ســيبرز‬
‫اهتمــام بتحديــد الســلطة املاليــة‪ ،‬وتقييــد دور احلاكمــن يف هــذا املجــال‪ ،‬وكــذا املطالبــة بإقــرار بعــض القواعــد‬
‫املاليــة يف الدســتور‪ .‬ذلــك أن النقــاش الدســتوري ملرحلــة مــا قبــل دســتور ‪ ،1962‬وإن كان مؤطــرا بفكــرة تقييــد‬
‫الســلطة السياســية وحتديــد ســلطة احلــكام‪ ،‬وضمــان احلقــوق واحلريــات للمواطنــن‪ ،‬واعتمــاد مجموعــة مــن املبــادئ‬
‫الدســتورية‪ ،‬فــإن جوانــب مــن مطلــب دســترة الضوابــط املاليــة كان حاضــرا يف ثنايــا املشــاريع الدســتورية ويف بعــض‬
‫مضامــن الفكــر الدســتوري لتلــك املرحلــة‪ ،‬وإن لــم يكــن موضوعهــا الرئيســي‪.‬‬

‫ويف إطــار تقــدمي بدايــات النقــاش حــول التأطيــر الدســتوري للمــادة املاليــة‪ ،‬تنصــب املداخلــة علــى قــراءة‬
‫منطلقــات النقــاش الدســتوري للدســتور املالــي يف املغــرب قبــل دســتور ‪ ،1962‬مــن خــال التســاؤل علــى مــدى اهتمــام‬
‫املشــاريع الدســتورية وكــذا الفكــر الدســتوري لتلــك املرحلــة بتقنــن أســس املاليــة العامــة يف الدســتور املأمــول إقــراره‪،‬‬
‫وطبيعــة اجتاههــا ومــدى تبنيهــا للتوجهــات التــي أقرتهــا دســاتير البلــدان الغربيــة‪.‬‬

‫وستتأســس املداخلــة علــى فرضيــة محدوديــة اهتمــام النقــاش الدســتوري يف املغــرب بجوانــب إقــرار‬
‫القواعــد الدســتورية للضوابــط املاليــة‪ ،‬والتــي يصطلــح عليهــا يف الفقــه الدســتوري بالدســتور املالــي‪ ،‬مقابــل التركيــز‬
‫الرئيســي للنقــاش حــول جوهــر الســلطة السياســية‪ ،‬وشــكل وطبيعــة نظــام احلكــم‪.‬‬

‫ولتحليــل اإلشــكالية املطروحــة والتحقــق مــن الفرضيــة املؤسســة للمداخلــة‪ ،‬ســيتم التركيــز علــى ثــاث‬
‫عناصــر لقــراءة النقــاش الدســتوري يف املغــرب لتقنــن قواعــد املاليــة العامــة يف الدســتور‪ .‬يرتكــز العنصــر األول‬
‫علــى فحــص الوثائــق والنصــوص التــي عرفهــا املغــرب يف فتــرة مــا قبــل دســتور ‪ ،1962‬والتــي شــكلت وأثــرت علــى‬
‫التاريــخ الدســتوري املغربــي‪ .‬ويتصــدى العنصــر الثانــي لبعــض جوانــب الفكــر الدســتوري املغربــي ومــدى اهتمامهــا‬
‫بإشــكاليات املاليــة العامــة واملطالبــة بدســترتها‪ ،‬وســيتم التركيــز يف هــذا اإلطــار علــى أهــم الكتابــات املؤسســة‪ ،‬علــى‬
‫أن جتربــة املجلــس الوطنــي االستشــاري ســتكون كعنصــر ثالــث مفيــدة يف فهــم روافــد بنــاء أســس الســلطة املاليــة‬
‫يف املغــرب‪.‬‬

‫جواد النوحي‬
‫أستاذ باحث‪ ،‬جامعة محمد اخلامس الرباط‬

‫‪17‬‬
‫ملخص المداخلة‬

‫يقــوم التنظيــم الترابــي للمملكــة املغربيــة علــى ركنــن أساســيني همــا الالتركيــز اإلداري والالمركزيــة‬
‫اإلداريــة‪ ،‬غيــر أن مــا يســترعي االنتبــاه عنــد دراســة هذيــن الركنــن ذلــك التفــاوت احلاصــل بينهمــا‪ ،‬لصالــح‬
‫الالمركزيــة اإلداريــة‪.‬‬
‫تظهــر أســبقية الالمركزيــة أوال علــى مســتوى متكينهــا مــن أول نــص قانونــي يتعلــق بالتنظيــم اجلماعــي‬
‫ســنة ‪ ،1960‬والرقــي بالعمــاالت واألقاليــم إلــى مســتوى جماعــات محليــة (ترابيــة) وتعميــق فكــرة الالمركزيــة‬
‫ســنة ‪ ،1976‬وصــوال إلــى ســنوات ‪ 2002‬و‪ 2009‬حيــث خضعــت النصــوص القانونيــة املذكــورة إلــى مراجعــة‬
‫جذريــة‪.‬‬
‫تتجلــى أولويــة الالمركزيــة أيضــا علــى مســتوى تأطيرهــا دســتوريا‪ .‬فمنــذ دســتور ‪ 14‬دجنبــر ‪ 1962‬الــذي‬
‫نــص علــى أن «اجلماعــات احملليــة باململكــة هــي العمــاالت واألقاليــم واجلماعــات‪ .‬ويكــون إحداثهــا بالقانــون»‪،‬‬
‫دأبــت الدســاتير واملراجعــات املتعلقــة بهــا علــى تخصيــص مقتضيــات خاصــة بالالمركزيــة الترابيــة‪.‬‬

‫يف املقابــل لــم يحــظ الالتركيــز اإلداري إال بنصــوص قانونيــة مقتضبــة منهــا الظهيــر مبثابــة قانــون‬
‫ســنة ‪ 1977‬يتعلــق باختصاصــات العامــل‪ ،‬ومرســومي ‪1993‬و ‪ 2005‬بشــأن الالتركيــز اإلداري‪.‬‬
‫أولويــة الالمركزيــة اإلداريــة سيعكســها بشــكل ملحــوظ دســتور ‪ 2011‬حــن نــص يف الفقــرة األخيــرة مــن‬
‫الفصــل األول علــى أن «التنظيــم الترابــي للمملكــة تنظيــم المركــزي‪ ،‬يقــوم علــى اجلهويــة املتقدمــة»‪ .‬يضــاف‬
‫إلــى ذلــك أن نفــس الدســتور أفــرد البــاب التاســع بأكملــه للجماعــات الترابيــة‪ ،‬مقابــل فصــل وحيــد للــوالة‬
‫والعمــال ويف عالقتهــم باجلماعــات الترابيــة؟‬
‫لقــد انتبهــت الســلطات السياســية مؤخــرا لهــذا التفــاوت يف مكونــات اإلدارة الترابيــة يف املغــرب وعملــت‬
‫علــى احلــد منــه بإعــداد ميثــاق الالمتركــز اإلداري‪ ،‬وقبلــه كان التدبيــر الالمتمركــز لالســتثمار‪ .‬ممــا يؤشــر‬
‫علــى بنــاء دولــة ترابيــة قائمــة علــى التــوازن والتكامــل بــن مختلــف مكوناتهــا‪.‬‬

‫بوجمعة بوعزاوي‬
‫أستاذ التعليم العالي بكلية احلقوق الرباط‪-‬أكدال‬

‫‪18‬‬
‫نحو تكريس مبدأي‬
‫الشمولية والتخصص‬
‫ملخص المداخلة‬

‫إذا كان وضــع الدســتور باملغــرب قــد حتكمــت فيــه مجموعــة مــن العوامل التاريخية والسياســية‬
‫باألســاس‪ ،‬خاصــة علــى مســتوى الصــراع بــن الفاعلــن السياســيني علــى ممارســة الســلطة وشــكلها‪ ،‬وهــو مــا‬
‫انعكــس بشــكل مباشــر علــى التاريــخ الدســتوري املغربــي الــذي لــم يتمكــن طيلــة الفتــرة الفاصلــة بــن حصــول‬
‫اململكــة علــى اســتقاللها إلــى غايــة ســنة ‪ 2011‬مــن صياغــة منــوذج دســتوري لدولــة القانــون واملؤسســات‪ ،‬حيــث‬
‫ظلــت اإلصالحــات احلقوقيــة واملؤسســاتية التــي عرفتهــا اململكــة خاصــة مــع بدايــة التســعينات ومــع اعتــاء‬
‫امللــك محمــد الســادس لســدة احلكــم متأثــرة بالظرفيــة اإلقليميــة والدوليــة التــي ســادت مطلــع القــرن العشــرين‪،‬‬
‫خاصــة علــى مســتوى حتقيــق املصاحلــة الوطنيــة وتعزيــز حقــوق اإلنســان وآليــات حمايتهــا‪ ،‬مــع إعــادة النظــر يف‬
‫مفهــوم الســلطة دون أن تنعكــس هــذه الرؤيــا يف الوثيقــة الدســتورية‪.‬‬
‫وهكــذا‪ ،‬عمــل املغــرب علــى إحــداث احملاكــم اإلداريــة مبوجــب القانــون ‪ 90.41‬الصــادر ســنة ‪ ،1993‬ثــم‬
‫محاكــم االســتئناف اإلداريــة ســنة ‪ ،2006‬مــع إصــدار مجموعــة مــن النصــوص القانونيــة املواكبــة لهــا‪ ،‬وذلــك يف‬
‫اجتــاه تعزيــز الرقابــة علــى أعمــال اإلدارة التــي ظلــت إحــدى املطالــب األساســية لتعزيــز دولــة القانــون‪.‬‬
‫هــذا‪ ،‬وإذا كانــت الرقابــة علــى أعمــال اإلدارة قــد دشــنها املغــرب بعيــد االســتقالل مــن خــال واليــة‬
‫املجلــس األعلى(محكمــة النقــض حاليــا) احملــدث ســنة ‪ 1957‬يف التصــدي للقــرارات اإلداريــة والتعويــض علــى‬
‫أعمــال اإلدارة‪ ،‬إال أن الدســاتير املتعاقبــة علــى اململكــة منــذ دســتور ‪ 1962‬إلــى غايــة دســتور ‪ 1996‬لــم تــأت‬
‫بإشــارات قويــة يف دعــم هــذه الرقابــة وتوســيع مجالهــا‪ ،‬بحكــم طبيعــة الصــراع الــذي ســاد خــال تلــك الفتــرة‪.‬‬
‫وعلــى العكــس مــن الدســاتير الســابقة‪ ،‬أســس دســتور ‪ 2011‬ملفهــوم جديــد للرقابــة القضائية علــى أعمال‬
‫اإلدارة تنهــل بشــكل كبيــر مــن تطــور هــذه الفكــرة يف االجتهــاد القضائــي املغربــي واملقــارن‪ ،‬وتتجــه نحــو تكريــس‬
‫مبــدأي الشــمولية والتخصــص‪ ،‬وتعكــس بذلــك ظــروف وضــع الدســتور وطبيعــة القــوى اجلديــدة التــي أثــرت فيه‪،‬‬
‫باإلضافــة إلــى احلاجــة لتطويــر أداء املرافــق العموميــة وجعــل هــذه الرقابــة إحــدى آليــات تكريــس مبــدأ ربــط‬
‫املســؤولية باحملاســبة واحلكامــة اجليــدة‪.‬‬
‫وبنــاء عليــه‪ ،‬ســنحاول مــن خــال هــذه الورقــة‪ ،‬املخصصــة ألشــغال النــدوة العلميــة حــول التاريــخ‬
‫الدســتوري املغربــي‪ ،‬أن نبــن تأثيــر هــذا التاريــخ علــى فكــرة الرقابــة علــى أعمــال اإلدارة‪ ،‬وكيــف ســاهم دســتور‬
‫‪ 2011‬يف إعــادة صياغــة هــذه الفكــرة‪ ،‬وكيــف ميكــن لهــا أن تؤثــر علــى واقــع االجتهــاد القضائــي اإلداري‪ ،‬باعتباره‬
‫إحــدى مقومــات حمايــة منظومــة حقــوق اإلنســان وتكريــس اإلدارة املواطنــة‪ ،‬انطالقــا مــن الدســتور وامتــداداً إلى‬
‫املمارســة القضائيــة واإلداريــة‪.‬‬
‫رضوان اعميمي‬
‫أستاذ باحث‪ ،‬جامعة محمد اخلامس الرباط‬

‫‪19‬‬
Suite de l’abstract
Ainsi, si l’expérience de la Chambre constitutionnelle demeure marquée, notamment,
par l’absence de contrôle des lois ordinaires, raison d’être de la justice constitutionnelle ;
celle du Conseil constitutionnel a été marquée, quant à elle, par le nombre insignifiant de
décisions rendues, et par conséquent, l’inaction des autorités de saisine de transmettre des
textes de lois au contrôle de cette institution. Remédier à cette défaillance des autorités
de saisine, garantir les droits et libertés constitutionnels des individus et consacrer l’im-
portance de la justice constitutionnelle dans un État de droit, sont les principales raisons
qui vont initier à la naissance d’une Cour constitutionnelle avec une compétence incon-
tournable d’extrême importance, celle de pouvoir contrôler les lois promulguées, et par la
même occasion l’ouverture de son prétoire aux individus.

Ces changements qu’a connus le contrôle de constitutionnalité au Maroc, vont trans-


former profondément la nature ainsi que le rôle de la juridiction constitutionnelle. Le pas-
sage de la Chambre constitutionnelle à la Cour constitutionnelle et du contrôle de consti-
tutionnalité abstrait au contrôle de constitutionnalité concret marque indéniablement la
juridictionnalisation de cette institution ainsi qu’une meilleure consécration des droits des
individus. Or, cette mutation de la juridiction constitutionnelle et du contrôle de constitu-
tionnalité ne se réalise pas sans heurts, et soulèvent de véritables questions d’ordres consti-
tutionnelles quant aux principes de séparation des pouvoirs, de souveraineté du Parlement
et d’indépendance du pouvoir judiciaire.

Alors, cette proposition de communication, se fixe pour objectif de s’arrêter sur l’his-
toire de la justice constitutionnelle au Maroc à travers l’expérience de trois institutions
constitutionnelles, notamment, quant à leurs compositions, leurs modes de fonctionne-
ment, leurs attributions et l’orientation jurisprudentielle de leurs décisions.

Mohammed EL FADILI
Enseignant-chercheur à FSJES _ Moulay Ismail (Meknès)

20
Propos sur l’évolution du contrôle
de constitutionnalité des lois.
Abstract

La question de l’histoire de la justice constitutionnelle au Maroc est inti-


mement liée à celle de l’histoire constitutionnelle du Royaume, car cette justice consti-
tutionnelle était une orientation du constituant dès l’adoption de la première constitution
en 1962 à travers l’expérience de la chambre constitutionnelle de la Cour suprême. Cette
première expérience sera, progressivement, notamment en 1992 et 2011, affinée, adaptée,
transformée, afin de satisfaire aux exigences de l’État de droit.

En effet, la justice constitutionnelle constitue un élément déterminant de l’État de


droit. Elle ferait basculer les systèmes juridiques du constitutionnalisme au néo-constitu-
tionnalisme, des constitutions préoccupées par la séparation des pouvoirs aux constitu-
tions orientées vers la garantie des droits et libertés des individus, du règne des hommes à
celui des normes, de la souveraineté de la loi à celle, plus suprême, de la Constitution.

Toutefois, si la première tentative remonte à l’exemple autrichien par la Constitu-


tion de 1920 ; le développement de cette justice constitutionnelle ne connaîtra son essor
qu’après la seconde guerre mondiale, notamment à travers les constitutions allemande
et italienne. Des années plus tard, plusieurs constitutions dans le monde adopteront la
même démarche avec des spécificités inhérentes à chaque système politique, notamment
l’exemple français ou espagnol.

Le Maroc, quant à lui, a opté depuis la première constitution de 1962 pour une jus-
tice constitutionnelle progressive. En effet, le contrôle de constitutionnalité a été confié,
dans un premier temps, à une Chambre constitutionnelle souffrant d’un déficit d’indépen-
dance avec des compétences minimales se rattachant au contrôle de constitutionnalité
obligatoire sur les lois organiques et le règlement intérieur du Parlement ; puis dans un
deuxième temps, a été confié à un Conseil constitutionnel indépendant du pouvoir judi-
ciaire avec compétence de pouvoir exercer un contrôle de constitutionnalité des lois a prio-
ri ; et au final, a été confié à une Cour constitutionnelle avec une compétence nouvelle, celle
d’exercer un contrôle de constitutionnalité concret a posteriori sur les lois promulguées.

21
Abstract

En règle générale, les parlements sont considérés comme les lieux par excel-

lence où se confectionnent les lois, qui d’une manière ou une autre représentent la

volonté générale de la nation. Or, en réalité, il n’est rien de tout cela. Certes, le parle-

ment est considéré par la constitution et ses statuts intérieurs comme l’organe législa-

tif qui est supposé être l’unique dépositaire du pouvoir de faire la loi, néanmoins, il se

trouve que partout dans le monde, cette fonction législative souffre d’un éclatement

remarquable, en ce sens que d’autres institutions, comme le chef de l’Etat et le gouver-

nement, en sont chargés. Mieux encore, il se trouve aussi que le parlement intervient

dans le domaine législatif, non sans restrictions de la part, aussi bien, des organes dits

exécutifs, que des pouvoirs juridictionnels, en l’occurrence de la justice constitution-

nelle qui intervient dans la procédure de législation en amont et en aval sous couvert

du contrôle de constitutionnalité des lois. Au Maroc, le parlementarisme n’échappe pas

à l’emprise de la logique rationnalisante( art. 65, 72, 73, 79, 81, 82, 105,…) qui vise à

délimiter drastiquement le domine de la loi, au point de l’ériger en une fonction excep-

tionnelle du parlement (art.71).

Abdelhamid Benkhattab,
professeur à l’université Mohamed V, Agdal, Rabat

22
23

You might also like