Professional Documents
Culture Documents
السياســية والعمــق التاريخــي اخلــاص بهــا .وال يشــذ املغــرب عــن هــذه القاعــدة ،بحيــث كان دائمــا ملتقــى
للتيــارات الفكريــة واحلضاريــة ،ممــا يجعــل مــن تاريخــه الدســتوري منوذجــا غنيــا ومتفــردا ،جديــرا بالبحــث والدراســة.
فالفكــر اإلصالحــي يف املغــرب ،وفضــا عــن اســتحضاره املســتمر لفكــرة الدســتور كإطــار مرجعــي للعمــل
السياســي واملؤسســاتي ،كان منفتحــا علــى التجــارب الدســتورية والفكــر الدســتوري املقــارن منــذ أمــد طويــل .وقــد
أدى كل ذلــك إلــى بلــورة وضــع مشــروع دســتور ســنة ،1908الــذي لــم يكتــب لــه أن يــرى النــور بفعــل خضــوع املغــرب
لالســتعمار.
ســقوط املغــرب يف القبضــة االســتعمارية لــم يلــغ تشــبث احلركــة الوطنيــة بالفكــر الدســتوري ووضــع إطــار
قانونــي للحيــاة السياســية يف البلــد .وهــذا مــا جعــل وضــع دســتور للمغــرب املســتقل أولويــة سياســية وإســتراتيجية
لبنــاء الدولــة العصريــة القائمــة علــى فــرض احتــرام القانــون وفصــل الســلط وحمايــة احلقــوق واحلريــات .تــوج بوضــع
أول دســتور ســنة 1962تــاه دســتورا 1970و 1972ومراجعتــن دســتوريتني ســنتي 1992و.1996
إن حضــور فكــرة الدســتور كإطــار مواكــب لإلصالحــات وموجهــا لهــا ،كانــت وراء وضــع دســتور ســنة ،2011بعــد
حــراك الشــارع واســتجابة الســلطة السياســية.
إن الواقــع الدســتوري املغربــي احلالــي هــو نتــاج لــكل التراكمــات الســالفة الذكــر املمتــدة مــن 1908إلــى .2011
فدســتور 1962جســد منعطفــا تاريخيــا ،وأســس للبنــاء الدســتوري الالحــق .فهــذه الوثيقــة الدســتورية أقامــت الفصــل
والتــوازن بــن الســلط ،ووضعــت إطــارا دســتوريا للحقــوق واحلريــات.
ميكــن اعتبــار الدســتور يف املغــرب مبثابــة «إطــار» يتســع ويتمــدد حســب التقلبــات السياســية ،وموازيــن القــوى.
فاألحــداث السياســية التــي تلــت دســتور 1962عجلــت بوضــع دســتور ،1970الــذي أنتــج ،بــدوره ،هندســة دســتورية غيــر
متوازنــة علــى مســتوى الســلط عجلــت بوضــع دســتور جديــد ســنة . 1972
أعطــى دســتور 1972إلــى حــد مــا ،توازنــا مقبــوال بــن الســلط ،وســجل تقدمــا ملموســا علــى مســتوى حمايــة
احلقــوق واحلريــات ،الشــيء الــذي مكنــه مــن الصمــود لفتــرة ليســت بالقصيرة ،ســاعده يف ذلك املراجعتني الدســتوريتني
لســنتي 1992و.1996
بعــد «الربيــع العربــي» وحــراك الشــارع املغربــي كان علــى الدســتور أن يتســع الحتــواء التطــورات والتوازنــات
السياســية اجلديــدة ،نتجــت عنــه هندســة دســتورية جديــدة أفــرزت دســتور 2011الــذي أســس ملمارســة سياســية
ودســتورية جديــدة مــن خــال إعــادة رســم الســلطة السياســية ،وتوســيع مجــال احلقــوق واحلريــات مــع التأســيس
ملؤسســات دســتورية أكثــر عصرنــة تتماشــى وتطــورات الفكــر الدســتوري املعاصــر .إال أن هــذه الوثيقــة لــم تســلم مــن
القــراءات املتباينــة التــي تؤكــد أو تنفــي مســاهمتها يف بنــاء أســس دولــة دميقراطيــة ،تســود فيهــا أحــكام القانــون وتعكــس
تطــور املجتمــع وهمومــه.
وعليــه ،فــإن مختلــف الدســاتير املغربيــة ال تــزال تشــكل مــادة دســمة للبحــث والتحليــل وإعــادة القــراءة واملقارنــة
وانتــاج اخلالصــات العلميــة والعمليــة.
لذلــك جــاء تنظيــم شــعبة القانــون العــام والعلــوم السياســية لنــدوة وطنيــة حــول «التاريــخ الدســتوري للمغــرب»،
مــن خــال احملــاور اآلتيــة:
التاريخ الدستورى للمغرب املرجعيات؛
تطور الثقافة الدستورية باملغرب؛
مأسسة احلياة السياسية املغربية من خالل الدساتير؛
الدستور وإنتاج القواعد املعيارية.
2
الجلسة االفتتاحية:
استقبـــــــــال الضيوف 9:00 - 8:30
كلمة السيد عميد كلية العلوم القانونية واالقتصادية والجتماعية -أكدال الرباط 9:10 - 9:00
كلمة السيد رئيس شعبة القانون العام والعلوم السياسية 9:20 - 9:10
استراحة شاي 10:00 - 9:20
10:15 - 10:00
دور الممارسة كمصدر من مصادر التاريخ الدستوري في المغرب
أمينة المسعودي ،أستاذة باحثة ،جامعة محمد اخلامس الرباط.
هوية القانون الدستوري المغربي بعد ست تجارب دستورية 10:30 - 10:15
عبد الرحيم المنار السليمي ،أستاذ باحث ،جامعة محمد اخلامس الرباط
المرجعية اإلسالمية في الدساتير المغربية 10:45 - 10:30
فاطمة الزهراء علوي ،أستاذة باحثة ،جامعة موالي اسماعيل مكناس.
في البحث عن الجذور التاريخية للهوية الدستورية المغربية 11:00 - 10:45
حسن حلوي ،أستاذ باحث ،جامعة موالي اسماعيل مكناس
موقع المرجعية في تطور فكرة الدستور بالمغرب 11:15 - 11:00
عبد الرفيع الزعنون ،دكتور يف القانون العام ،جامعة عبد املالك السعدي -تطوان
الدستور المغربي من فترة الحماية إلى الربع األول من األلفية الثالثة ومواكبته للواقع الوطني والدولي 14:30 - 14:15
العلوي باسيدي ،أستاذ باحث ،بجامعة موالي اسماعيل مكناس.
أهميــة المرجعيــة فــي مشــاريع حــزب اإلصــاح الوطنــي لوضــع الدســتور المغربــي األول: 14:45 - 14:30
الوثائــق اخلاصــة للحركــة الوطنيــة بالشــمال بخزانــة أســرة الصفــار بتطــوان
منية الصفار ،باحثة بسلك الدكتوراه ،جامعة عبد املالك السعدي -تطوان
3
المحور الثالث :مأسسة الحياة السياسية المغربية من خالل الدساتير
رئيس الجلسة :األستاذة أمينة المسعودي
16 :00 - 16 :15 Le mouvement constitutionnel marocain : Les Précurseurs et les entraves
Mohammed MADANI Enseignant chercheur, Université Mohammed V RABAT.
16:15-16:30 Le parlement marocain: législateur d’exception
Abdelhamid BENKHATTAB, Enseignant chercheur, Université Mohammed V RABAT.
16:45 -17:00 L’évolution du pouvoir exécutif au Maroc : constats et variations
Ghassan El MRANI, Enseignant chercheur, Université Mohammed V RABAT.
17:00-17:15 L’institution gouvernementale à travers les constitutions marocaines
Mohammed Amine BENABDELLAH, Enseignant chercheur, Université Mohammed V RABAT.
17:15-17:30 Les institutions de gouvernance à travers les constitutions marocaines
Hassan TARIK, Enseignant chercheur, Université Mohammed V RABAT.
17:30-18:00 Débat.
09:00-09:15 L’histoire de la justice constitutionnelle au Maroc : Propos sur l’évolution du contrôle de constitutionnalité des lois
Mohammed El FADILI, Enseignant chercheur, Université Moulay Ismail- Meknès
09:15-09:30 L’évolution de la jurisprudence constitutionnelle des finances Publiques au Maroc
Hassan ARAFI, Enseignant chercheur, Université Mohammed V RABAT
مساهمة العدالة الدستورية في تطور القانون الدستوري المغربي 09:45 - 09:30
يوسف اليحياوي ،أستاذ باحث ،جامعة محمد األول بوجدة
10:00 - 09:45القضاء الدستوري المغربي وتأصيل بعض الحقوق والحريات الواردة في دستور 2011
يحيى حلوي ،أستاذ باحث ،جامعة محمد األول بوجدة
10:15 - 10:00تطور العدالة الدستورية من خالل آلية الدفع بعدم الدستورية في النموذج المغربي
عبد الحق بلفقيه ،دكتور يف القانون العام ،جامعة عبد املالك السعدي
منـــــــــــاقشة 10:45 - 10:15
حقوق اإلنسان في ضوء الدساتير المغربية :نحو التأسيس لوعي سياسي ،دستوري وحقوقي 11:00 - 10:45
عبد العزيز لعروسي ،أستاذ باحث ،جامعة محمد اخلامس الرباط.
الدستور المالي في المغرب :منطلقات النقاش قبل دستور .1962 11:30 - 11:15
جواد النوحي ،أستاذ باحث ،جامعة محمد اخلامس الرباط.
الدولة الترابية في الدساتير المغربية. 11:45 - 11:30
بوجمعة بوعزاوي ،أستاذ باحث ،جامعة محمد اخلامس الرباط.
تطور فكرة الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة في الدساتير المغربية :نحو تكريس مبدأي الشمولية 12:00 - 11:45
والتخصص.
رضوان اعميمي ،أستاذ باحث ،جامعة محمد اخلامس الرباط.
منــــــــــــــاقسة 12:30 - 12:00
اختتام األشغال 13:00-12:30
4
5
ملخص المداخلة
كيــف ميكــن للممارســة يف املجــال الدســتوري أن ترقــى إلــى صــف مصــادر التاريــخ الدســتوري
املغربــي ؟
شــهد املغرب منذ اســتقالله إقبال مؤسســاته على ممارســات قبل الدســترة وبعدها ،ممارســات
متكــن مــن وصفهــا باملصــادر خصوصا بعد تســجيل التراكم بشــأنها.
ما هي هذه املمارسات وما هي قيمتها ؟
أمينة المسعودي
أستاذة باحثة ،جامعة محمد الخامس الرباط
ملخص المداخلة
تشــكل املرجعيــة اإلســامية املرجعيــة العليــا للدولــة املغربيــة بــدءا مــن دســتور 1962إلــى دســتور 2011الــذي
ينــص علــى أن ديــن الدولــة هــو اإلســام ،وأن األمــة تســتند يف حياتهــا العامــة علــى ثوابــت جامعــة مــن ضمنهــا الديــن
اإلســامي الســمح ،بــل إن التنظيــم الدســتوري ملغــرب مــا قبــل احلمايــة كان يعتبــر الديــن اإلســامي املصــدر األســاس،
و يقــوم علــى أســس الشــريعة اإلســامية املبنيــة علــى البيعــة والشــورى امتثــاال لقولــه تعالــى يف ســورة آل عمــران :
«وشــاورهم يف األمــر فــإذا عزمــت فتــوكل علــى اهلل» ،اآليــة .159
ففــي هــذا اإلطــار تأتــي هــذه املداخلــة يف املوضــوع املوســوم ب « :املرجعيــة اإلســامية يف الدســاتير املغربيــة»
،للوقــوف علــى حاكميــة املرجعيــة اإلســامية علــى بقيــة الثوابــت اجلامعــة األخــرى (الوحــدة الوطنيــة املتعــددة الروافــد،
وامللكيــة الدســتورية ،واالختيــار الدميقراطــي ) ،وإبــراز اخلصوصيــة املغربيــة يف الشــأن الدينــي ،مــن خــال أربعــة
ضوابــط منهجيــة همــت العقيــدة األشــعرية ،واملذهــب املالكــي باعتبــاره ثقافــة اجتماعيــة ونفســية ،والتصــوف الســني
علــى طريقــة اجلنيــد الــذي حــدد لــه مقصــد التربيــة علــى احملبــة ،ثــم إمــارة املؤمنــن دعامــة لألمــن الروحي.وهــذا مــا
يشــكل مضمــون احملــاور األربعــة التــي ســأتناولها يف هــذه املداخلــة التــي ســتختم بأهــم النتائــج املتوصــل إليهــا .
6
ملخص المداخلة
يف مقدمــة املداخلــة ،ســنحاول أن نؤصــل مفهــوم الهويــة الدســتورية ،حيــث ســنحدد مفهــوم الهويــة،
ثــم ســنحاول أن نحيــط بالهويــة الدســتورية مــن خــال التمييــز بينهــا وبــن بعــض املفاهيــم املشــابهة ،مــن قبيــل الهويــة
الوطنيــة والهويــة السياســية والهويــة املؤسســاتية ....وذلــك مــن خــال الفقــه واالجتهــاد القضائــي خصوصــا االجتهــاد
القضائــي الدســتوري .ثــم ســنحاول أن نبحــث عــن اخليــط الرابــط بــن التاريــخ والهويــة الدســتورية معتمديــن دور
التاريــخ يف حتديــد الهويــة بصفــة عامــة والهويــة الدســتورية بصفــة خاصــة ،لنطــرح إشــكالية العالقــة بينهمــا.
أمــا يف العــرض ،فســنحاول ،يف مبحــث أول ،أن خلــص إلــى أن التاريــخ مصــدر مــن مصــادر إنتــاج املبــادئ
املؤسســة للهويــة بطريقــة صريحــة أو بطريقــة ضمنيــة.
ويف املبحــث الثانــي ،ســنبحث يف نقطــة مهمــة تتمثــل يف :إلــى أي حــد ميكــن للتاريــخ أن يكــون آليــة مــن آليــات
حتقيــق الهويــة الدســتورية مــن خــال املشــرع الدســتوري والقاضــي الدســتوري ،ومــدى تأثيــر الهويــة الدســتورية يف
صناعــة القانــون واملصادقــة علــى االتفاقيــات الدوليــة.
وأشير على أن املداخلة ستركز على احلاالت العملية والتطبيقية يف املغرب وفرنسا.
حسن حلوي
أستاذ بالكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية
7
ملخص المداخلة
احتلــت إشــكالية املرجعيــة مكانــة أساســية يف مختلــف محــاوالت الدســترة ،التــي وزانــت بــن اســتلهام األصــول
القانونيــة احلديثــة وبــن اســتحضار التــراث الســلطاني املخزنــي لضمــان قبــول فكــرة الدســتور شــكال ومضمونــا،
ونشــير بدايــة حملاولــة املســتعرب اإلســباني علــي بــاي الــذي اســتوطن طنجــة يف عهــد املولــى ســليمان ،فقــد وضــع ســنة
1817دســتورا دعــا فيــه إلقــرار احلقــوق وإقامــة مجلــس للنــواب يضــم ممثلــي القبائــل مــع تقييــد ســلطات امللــك يف إطــار
مــا أســماه الســلطان الدســتوري.
ومــع مطلــع القــرن 19توالــت محــاوالت دســترة الفكــر اإلصالحــي بدايــة مبذكــرة عبــد اهلل بــن ســعيد ،1901ورغــم
املرجعيــة املخزنيــة التــي ميتــح منهــا هــذا النمــوذج فقــد تضمــن بعــض معالــم التحديــث بالتنصيــص علــى مبــادئ املراقبــة
واحملاســبة واالنتخــاب ،وكــرد فعــل علــى معاهــدة اجلزيــرة اخلضــراء انبــرت النخبــة املغربيــة للــرد ،فكانــت مذكــرة علــي
زنيبــر 1906بنفــس إصالحــي حديــث دعــى النتخــاب هيئــة تأسيســية ترعــى حقــوق املواطنــن وتربــط بنــاء الســلطة
بالتحديــث اإلداري والقضائــي ،ويف نفــس الســنة صــدرت مذكــرة عبــد الكــرمي مــراد اســتلهم فيهــا بعــض مقتضيــات
الدســتور اليابانــي والعثمانــي بالدعــوة لتجســيد مبــدأ التمثيليــة ،عبــر انتخــاب مجلــس نيابــي يســهر علــى محاســبة
احلكومــة وحتقيــق العــدل واملســاوة.
ض ِّمــن مفاهيــم
غيــر أن محاولــة الدســترة األكثــر جديــة متثلــت يف مشــروع دســتور لســان املغــرب أكتوبــر 1908الــذي ُ
حديثــة كســيادة األمــة واملواطنــة ،لكنــه كان محافظــا فيمــا يتعلــق بتوزيــع الســلطة ،ورغــم ذلــك فقــد رفضــه الســلطان
عبــد احلفيــظ الــذي اســتعان بخبــرة بعــض األتــراك يف كتابــة مذكــرة أكثــر محافظــة تنتصــر لســيادة الشــريعة وحكــم
أميــر املؤمنــن.
ويف مرحلــة احلمايــة خفتــت فكــرة الدســترة ،إذ ركــزت احلركــة الوطنيــة علــى إقــرار اإلصالحــات اإلداريــة دون
املطالبــة بشــكل صريــح بوضــع الدســتور ،إلــى أن كان مشــروع دســتور حــزب اإلصــاح 1954الــذي دعــى إلــى حكومــة
ملكيــة دســتورية وجعــل األمــة مصــدر جميــع الســلطات.
وبعــد احلصــول علــى االســتقالل شــكلت مرجعيــة وضــع الدســتور عنوانــا للصــراع السياســي ،ســواء مــن حيــث
منهجيــة الوضــع أو مــن حيــث األصــول القانونيــة احملــددة لتوزيــع الســلطة ،وهكــذا فقــد حســمت إرهاصــات الدســترة
عبــر العهــد امللكــي 1958والقانــون األساســي 1961يف التوزيــع القانونــي للســلطة عبــر ترســيم امللكيــة الدســتورية
التنفيذيــة ،وهــو مــا ســيدون يف دســتور 1962وماتبعتــه مــن تعديــات.
وســنحاول يف هــذا البحــث اســتقصاء ســياقات تبلــور فكــرة الدســتور وإبــراز أصولهــا الدينيــة واملخزنيــة والوضعيــة،
ومــا تخلفــه مــن تأثيــرات مســتمرة تتجلــى يف تكريــس أشــكال موازيــة مــن الدســتور يتوقــف مداهــا علــى آليــات التأويــل
والتحكيــم ورهانــات اللحظــة السياســية.
8
ملخص المداخلة
تســعى هــذه املداخلــة إلــى متابعــة النقــاش حــول اإلصــاح السياســي والدســتوري يف املغــرب كمــا طرحتــه
بعــض فصائــل اليســار املغربــي منــذ نهايــة اخلمســينيات مــن القــرن املاضــي إلــى حــن صــدور دســتور .2011
وهــي تفتــرض أن هنــاك خمســة حلظــات أساســية مــر بهــا تصــور اليســار املغربــي لهــذا املوضــوع ،ميكــن
حتديدهــا فيمــا يلي:
اللحظة األولى:
هــي التــي كان فيهــا اإلصــاح يف منظــور هــذه القــوى يتخــذ منظــورا شــموليا ،أي ينــدرج يف إطــار
مشــروع متكامــل ،يتداخــل فيــه السياســي واالقتصــادي واالجتماعــي...
اللحظة الثانية:
هــي التــي أضحــى فيهــا اليســار يربــط اإلصــاح بحــل اإلشــكالية السياســية ،املتمثلــة يف اختــال
التــوازن بــن الســلطات لصالــح امللــك.
اللحظة الثالثة:
هــي التــي انطلقــت مــع تصويــت جــزء هــام مــن املعارضــة اليســارية بـــ «نعــم» علــى دســتور .1996
وظهــرت بشــكل واضــح مــع مشــاركة هــذه القــوى فيمــا يعــرف بحكومــة التنــاوب .وهــي تتمثــل يف االنســياق وراء
جاذبيــة احللــول السياســية ،يف مقابــل إهمــال الرهــان علــى فعاليــة «النــص املكتــوب»...
اللحظة الرابعة:
هــي التــي عشــناها ،انطالقــا مــن ســنة ،2002وبصفــة خاصــة انطالقــا مــن االنتخابــات التشــريعية
لســنة ،2007وهــي الفتــرة التــي جتســد «املــوت البطــيء لتجربــة التنــاوب» ،حيــث عــاد اليســار إلــى مرحلــة
مــا قبــل هــذه التجربــة ،ليكتشــف احلاجــة إلــى السياســة ،أقصــد احلاجــة إلــى اإلصــاح الدســتوري ،بــل وإلــى
«امللكيــة البرملانيــة» حتــى.
اللحظة الخامسة:
هــي التــي عشــناها انطالقــا مــن ،2011والتــي ارتبطــت أساســا باجلــو السياســي العــام الــذي أشــاعته
حركــة 20فبرايــر .وهنــا لــم يعــد املطلــب الدســتوري شــعارا ألحــزاب اليســار فقــط ،بــل أصبــح ،خصوصــا بعــد
خطــاب امللــك بتاريــخ 9مــارس ،موضوعــا لــكل األحــزاب السياســية ،بغــض النظــر عــن توجهاتهــا واختياراتهــا،
بــل ميكــن القــول إن هــذا املطلــب قــد أخــذ يتجــاوز حــدود األحــزاب ليصبــح «قضيــة رأي عــام».
أحمد بـــوز
أستاذ باحث ،جامعة محمد الخامس الرباط
9
عودة لبعض السجاالت
ملخص المداخلة اإليديولوجية حول دستور 1992
شــكلت املســألة الدســتورية ،منــذ مطلــع التســعينات ،أحــد أهــم محــاور النقــاش العمومــي حــول ملــف اإلصــاح السياســي
باملغــرب .يشــكل اإلصــاح الدســتوري لســنة 1992محطــة مهمــة ملعاينــة إحــدى متظهــرات اختــراق املؤسســة الدينيــة
الرســمية للنقاشــات السياســية والقانونيــة التــي كانــت جتــري اســتعدادا ملراجعــة دســتور ،1972حيــث اجتهــدت يف طــرح
تصــورات سياســية مرجعيــة ومذهبيــة مناقضــة متامــا للرهانــات اإلســتراتيجية التــي كانــت تنطــوي عليها مطالب أحزاب
املعارضــة ســابقا .بينمــا كانــت مذكــرات قــوى املعارضــة تدفــع يف اجتــاه تكريــس نــوع مــن تــوازن الســلط مــن خــال احلــد
مــن صالحيــات امللــك وتقويــة ســلطات احلكومــة والبرملــان ،بلــورت املؤسســة الدينيــة تصــورا إيديولوجيــا مناقضــا يدافــع
بوضــوح عــن املكانــة الســامية للمؤسســة امللكيــة يف النظــام السياســي املغربــي ويشــدد علــى أولويــة املرجعيــة التقليديــة
الدينيــة التــي تســلهمها فــوق باقــي املؤسســات الدميقراطيــة والدســتورية احلديثــة كاألحــزاب والبرملــان ومبــدأ فصــل
الســلط وغيرهــا.
تســعى هــذه الورقــة إلــى العــودة إلــى جــزء مــن الســجاالت اإليديولوجيــة التــي أطــرت النقــاش السياســي حــول دســتور
،1992إنطالقــا مــن فرضيــة ذات شــقني :أوال ،إشــراك املؤسســة الدينيــة الرســمية عمومــا ،ووزارة األوقــاف والشــؤون
اإلســامية خصوصــا ،يف النقــاش حــول املســالة الدســتورية كان الغــرض منــه أوال وقبــل كل شــيء اإلســناد اإليديولوجــي
للمؤسســة امللكيــة يف مواجهــة أحــزاب املعارضــة ســابقا ،ورمبــا الســعي أيضــا لالســتيعاب القبلــي لطروحــات احلــركات
اإلســامية التــي كان يجــري إدمــاج بعضهــا يف تلــك الفتــرة .أمــا الشــق الثانــي ،وهــو األكثــر أهميــة يف نظرنــا ،فهــو تأكيــد
فكــرة أن احلركــة الوطنيــة بعــد صــراع طويــل علــى الســلطة مــع املؤسســة امللكيــة ،والــذي انتهــى عمليــا عنــد محطــة
«التنــاوب التوافقــي» ،لــم تســتطع أن تفــرض رؤيتهــا للمفاهيــم السياســية احلديثــة ملمارســة احلكــم بقــدر مــا وجــدت
نفســها مجبــرة علــى الدخــول التدريجــي يف احلداثــة السياســية ،ليــس انطالقــا مــن طروحاتهــا السياســية ومرجعياتهــا
اإليديولوجيــة ،وإمنــا يف إطــار املرجعيــات العميقــة واملمارســات التقليدانيــة املقننــة مــن طــرف النظــام القائــم.
حميمنات سليم
أستاذ باحث ،جامعة محمد اخلامس الرباط
10
ومواكبته للواقع الوطني والدولي
تطور مسطرة وضع الدستور ملخص المداخلة
إذا كان الدســتور هــو أســمى وأعلــى قانــون يف الدولــة يحتكــم إليــه يف كل املجــاالت السياســية
واالقتصاديــة واالجتماعيــة والفكريــة ،ومنــه تتفــرع باقــي القوانــن األخــرى املؤسســاتية ،لتنظيــم العالقــة
بــن القيــادة العليــا وباقــي املواطنــن مــن جهــة ،وبــن املواطنــن فيمــا بينهــم يف كل القطاعــات مــن جهــة أخــرى،
وهــو يعبــر عــن املســتوى الرفيــع الــذي بلغــه العقــل املغربــي الــذي يراعــي الواقــع احمللــي والوطنــي والدولــي ،
فيســهم يف تطــور البــاد وتنميتهــا تنميــة حقيقيــة حتــى تكــون يف مســتوى الــدول املتقدمــة ،وإســهاما منــي يف
هــذا النشــاط العلمــي املتميــز ،الــذي يســتمد قيمتــه مــن موضوعــه الــذي هــو الدســتور فإنــي ســأجتهد يف
إبــراز قيمتــه ومواكبتــه للواقــع املغربــي منــذ أن كان حتــت ســلطة احلمايــة إلــى أن حصــل علــى اســتقالله ،حتــت
قيــادة امللــوك الثالثــة محمــد اخلامــس واحلســن الثانــي رحمهمــا اهلل ،ومحمــد الســادس أطــال اهلل عمــره .
لذلــك ارتأيــت أن أتنــاول احلديــث عــن الدســتور مــن حيــث مالبســات وظــروف ظهــوره وتطبيقــه وتنزيلــه علــى
أرض الواقــع ومــا عــرف أو يعرفــه مــن تغيــرات ،وذلــك مــن خــال ثالثــة محــاور كبــرى :
المحــور األول :ســأخصصه للــكالم عــن الدســتور املغربــي علــى عهــد احلمايــة وكيــف أســهم يف انســجام
املواطنــن وتوحيدهــم كاجلســد الواحــد ،وزرع فكــرة التحــرر إلجــاء املســتعمر.
المحــور الثانــي :ســأضمنه احلديــث عــن الدســتور املغربــي بعــد االســتقالل وكيــف أســهم يف خلــق
مؤسســات قويــة تســهر علــى تقــدم الوطــن وتطــوره .
المحــور الثالــث :ســأتكلم فيــه عــن دســتور « »2011ومــا عرفــه مــن تطــور ومواكبــة للواقــع للدفــع بالبلــد
العزيــز إلــى األمــام برقــي وازدهــار .
خاتمة :سأتناول فيها احلديث عن أهم النتائج التي توصلت إليها.
علوي اباسيدي
أستاذ باحث ،بجامعة موالي اسماعيل مكناس
11
ملخص المداخلة
تعــد الثقافــة الدســتورية يف مشــاريع احلركــة الوطنيــة والنخبــة املغربيــة التــي قــادت العمــل السياســي باملغــرب
أمــرا مفروغــا منــه ،فقــد اهتمــت األحــزاب والزعامــات مبســألة وضــع الدســتور واتفقــت علــى أهميتــه كمؤشــر علــى
وجــود دولــة للحــق والقانــون وضمانــة لفصــل الســلط.
وكان هــذا االهتمــام لــدى الهيئــات الوطنيــة بشــمال املغــرب حتــى قبــل ميــاد حــزب اإلصــاح الوطنــي نفســه
كحــزب قــوي وحــد جهــود احلركــة الوطنيــة بالشــمال.
ولــم يكــن الدســتور الــذي نــادى امللــك الراحــل محمــد اخلامــس بوضعــه ســواء قبــل ثــورة امللــك والشــعب أو
بعدهــا وتفاعلــت علــى إثــره القــوى احليــة لرســم معاملــه ،بــأول دســتور للمغــرب ،بــل أخــذ هــذه الصفــة دســتور 1908
الصــادر ضمــن أعــداد جريــدة لســان املغــرب األســبوعية بطنجــة.
إال أن نــداء امللــك الراحــل كان علــى إثــر الســياق الــذي طبعــه جتاوبــا مــع مطمــح وطنــي ملــح بصيغــة عصريــة،
أثمــر لــدى نخبــة الشــمال عــن مشــاريع عــدة صــدرت عبــر بحــوث ومقــاالت وعبــروا عنهــا يف اخلطــب الرســمية
واالجتماعــات.
ويالحــظ مــن خــال اســتقراء بنــود تلــك املشــاريع وســياق وضعهــا ،أنهــا مشــاريع عبــرت مــن ناحيــة عــن الوعــي
باملســألة الدســتورية ومــن ناحيــة أخــرى اهتمــت بشــكل كبيــر باملرجعيــة التــي ســينبني عليهــا الدســتور ،مجيبــة عن بعض
أســباب إشــكالية «استنســاخ دميقراطيــة الغــي» فقــد عملــت علــى ربــط املغــرب دائمــا بهويتــه وجــذوره الثقافيــة ومصادره
اإلســامية ،كمــا شــددت علــى مســألة احلقــوق واحلريــات وفصــل الســلط ،وعبــرت عــن مطالــب متقدمــة متثلــت يف
أن يســود امللــك وال يحكــم وأن يقــوم بــدور يســمو علــى املؤسســات ،مــع إســناد صالحيــات قويــة للبرملــان خاصــة يف
ميــدان املاليــة والضرائــب واملعاهــدات ...وأن يتزعــم احلكومــة رئيــس وزارة مبــا يف ذلــك مــن دالالت تنفيذيــة ،ممــا
جعلهــا مقارنــة مــع الدســاتير الالحقــة منهــا دســتور 2011ال تشــهد مــا أســماه البعــض ب «توتــر املرجعيــات يف الوثيقــة
الدســتورية» الــذي يقــود بــدوره لصعوبــة التنزيــل ميدانيــا.
هكــذا كانــت كل مشــاريع حــزب اإلصــاح الوطنــي وهيئتــه التحضيريــة املتمثلــة يف اجتماعاتهــا أو يف خطــب
زعيــم احلــزب الراحــل عبــد اخلالــق الطريــس ،ومشــروع عبــد الســام بنانــي وبحــوث الســيد محمــد الطنجــي أعضــاء
اللجنــة املركزيــة للحــزب ،وقبــل هــذا علــى عهــد هيــأة العمــل الوطنــي يف شــمال املغــرب ،جنــد كتابــات الســيد عبــد
الســام بــن جلــون الــذي ســيصبح فيمــا بعــد الكاتــب العــام للجنــة التنفيذيــة حلــزب اإلصــاح الوطنــي ،كلهــا عبــرت عــن
محوريــة الدســتور يف الفكــر السياســي املغربــي ،بخصائــص ،محليــة ،والكثيــر مــن هــذه املشــاريع «غيــر املنشــورة» تشــكل
أرضيــة خصبــة موقوفــة التنفيــذ الســتقراء بعــض املداخــل للمشــاكل العالقــة منــذ زمــن.
منية الصفار
باحثة بسلك الدكتوراه ،جامعة عبد المالك السعدي -تطوان
12
ملخص المداخلة
عرفــت التجربــة املغربيــة بعــد االســتقالل ثالثــة جتــارب يف مجــال مراقبــة دســتورية القوانــن ،األولــى أ ّمنهــا جهــاز
قضائــي أكثــر منــه سياســي عــرف باســم الغرفــة الدســتورية باملجلــس األعلــى( ،مثــا قــد نــص عليهــا الدســتور الثانــي
للمملكــة بتاريــخ 31يوليــوز ،1970حيــث بنفــس هــذا التاريــخ صــدر القانــون املنظــم لهــذه الغرفــة) ،أمــا اختصاصــات
الغرفــة يف مجــال مراقبــة القوانــن فقــد كانــت مختصــة فقــط بالنظــر يف مطابقــة القوانــن التنظيميــة والنظــام
الداخلــي ملجلــس النــواب والفصــل يف صحــة انتخــاب أعضــاء مجلــس النــواب وإعــان نتائــج االســتفتاءات .واســتمرت
نفــس التجربــة مــع لدســتور .1972/ 03 /10
إال أن جتربــة الغرفــة الدســتورية كانــت جــد محتشــمة يف مجــال املراقبــة ،ممــا اســتوجب إلغاؤهــا وتعويضهــا بجهــاز
آخــر لــه ســيبصم التجربــة الثانيــة يف مجــال مراقبــة دســتورية القوانــن ،وهــو املجلــس الدســتوري الــذي أتــى بــه التعديــل
الدســتوري بتاريــخ ،1992 /9/ 4واملعتبــر مــن التعديــات األساســية يف املراجعــة الدســتورية.
إال أن اجلديــد واملهــم الــذي جــاء مــع هــذا التعديــل الدســتوري ،وســيرا علــى منــوال النمــوذج الفرنســي ،هــو توســيع
اختصاصــات املجلــس يف املراقبــة الدســتورية بــأن شــملت ،باإلضافــة إلــى املراقبــة اإلجباريــة للقوانــن التنظيميــة
والنظــام الداخلــي ملجلــس النــواب ،مراقبــة دســتورية القوانــن العاديــة بعــد إحالتهــا االختياريــة عليــه مــن طــرف اجلهــات
املوكــول لهــا ذلــك .ومــع املراجعــة الدســتورية بتاريــخ 1996/ 09/ 13ســوف يتغيــر هــذا املجلــس فقــط يف بنيتــه دون
اختصاصاتــه وذلــك جتانســا مــع التعديــات الدســتورية اجلديــدة.
أمــا التجربــة الثالثــة ،فقــد جــاءت مــع دســتور فــاحت يوليــوز ،2011الــذي ألغــى نظــام املجلــس الدســتوري وعوضــه
باحملكمــة الدســتورية .هــذه األخيــرة لهــا نفــس بنيــة املجلــس الدســتوري ،مــع اختــاف يف طريقــة التعيــن .واجلديــد
يف مســألة تعيــن أعضــاء احملكمــة الدســتورية هــو إقــرار الفصــل 130مــن الدســتور لبعــض الشــروط الواجــب توفرهــا
يف األعضــاء املقترحــن.
ولقــد أبقــى الدســتور اجلديــد علــى كامــل االختصاصــات التــي كانــت للمجلــس الدســتوري ســابقا ،مــع تعديــات
وإضافــات جديــدة( .فحــص دســتورية املعاهــدات الدوليــة -الدفــع بعــدم دســتورية قانــون)
ويف إطــار هــذا التأريــخ للقضــاء الدســتوري باملغــرب الــذي اســتقر حاليــا علــى منــوذج احملكمــة الدســتورية ،نتســاءل عــن
املســاهمة التــي قدمهــا القاضــي الدســتوري املغربــي يف خلــق ووضــع قواعــد دســتورية متوائمــة مــع طبيعــة وخصوصيــات
املجتمــع املغربــي مــن جهــة ،ومــع قواعــد اللعبــة السياســية مــن جهــة أخــرى .وميكــن أن نتســاءل أيضــا عــن طبيعــة هــذه
املســاهمة ،هــل جتســد فقهــا دســتوريا بقواعــد ومبــادئ جديــدة أم فقــط تنزيــل وتطبيــق لقواعــد مقتبســة ومســتقاة
مــن جتــارب دســتورية مقارنــة وباخلصــوص التجربــة الفرنســية؟ وهــل االجتــاه نحــو جتربــة احملكمــة الدســتورية ينبــئ
عــن فشــل جتربــة املجلــس الدســتوري ،أم هــي محاولــة اخلــروج مــن العوائــق التنظيميــة والدســتورية التــي كانــت تواجــه
املجلــس الدســتوري وتضيــق مــن مجــال مبادرتــه يف وضــع قواعــد اجتهاديــة كبــرى؟
في خضــم هــذه األســئلة وغيرهــا ذات االرتبــاط باملوضــوع ،ســنحاول حتليلهــا وتبيانهــا وفــق عناصــر محــددة ،وهــي
كاآلتــي:
-دور وتطــور البنيــة تاريخيــا يف التأثيــر ايجابــا علــى جــودة وفعاليــة االجتهاد الدســتوري( .التطــور التدريجي
للمســاهمة يف وضــع القواعد الدســتورية)
-القضــاء الدســتوري ضابــط لســير املؤسســات الدســتورية (مــدى املوضوعيــة واملصداقيــة وعــدم االنحيــاز
يف حمايــة ســلطة ضــد بقيــة الســلطات :جتربــة املجلــس الدســتوري)
-املساهمة يف تطوير املبادئ والقواعد ذات االرتباط بحقوق وحريات األفراد.
-حصيلة ومدى مساهمة العدالة الدستورية يف تطور القانون الدستوري املغربي.
يوسف اليحياوي
أستاذ باحث بجامعة محمد األول -وجدة
13
ملخص المداخلة
دســتور اململكــة لفــاحت يوليــوز 2011تضمــن باإلضافــة إلــى التصديــر 180فصــا موزعــا علــى أربعــة عشــر ( )14بابــا.
بهــذا املعطــى يكــون قــد جتــاوز -مــن حيــث عــدد الفصــول -دســاتير اململكــة لــكل مــن 7دجنبــر 1962و 24يوليــوز
1970وفــاحت مــارس ،1972وكــذا املراجعتــن لـــ 4شــتنبر 1992ثــم لـــ 13شــتنبر .1996
ومــن بــن أهــم أبــواب دســتور 2011البــاب الثامــن املعنــون بـــ «احملكمــة الدســتورية» واملتضمــن للفصــول مــن 129إلــى
،134بعدمــا كان الدســتور املراجــع يف كل مــن 1992و 1996يخــص بابــا لـــ «املجلــس الدســتوري» ،وقبلــه كانــت الدســاتير
الســابقة لــكل مــن 1972و 1970و 1962تفــرد بابــا لـــ «الغرفــة الدســتورية باملجلــس األعلــى».
وإذا كانــت احملكمــة الدســتورية قــد بــدأت اشــتغالها منــذ تنصيبهــا بتاريــخ 4أبريــل ،2017فــإن اشــتغال املجلــس
الدســتوري قــد غطــى الفتــرة املمتــدة مــن 21مــارس 1994إلــى 4أبريــل ،2017يف حــن اشــتغلت الغرفــة الدســتورية
لفتــرات متقطعــة امتــدت مــن 1963إلــى غايــة 21مــارس .1994
طــوال الفتــرة الســابقة علــى تنصيــب احملكمــة الدســتورية أصــدر كل مــن املجلــس الدســتوري والغرفــة الدســتورية
باملجلــس األعلــى مــا مجموعــه 1864قــرارا ( 1043قــرارا للمجلــس الدســتوري و 821قــرار للغرفــة الدســتورية باملجلــس
األعلــى).
قــد يبــدو منــذ الوهلــة أن هــذا العــدد قليــل خصوصــا إذا مــا قــورن مــع نظيريــه الفرنســي املجلــس الدســتوري احملــدث
مبقتضــى دســتور رابــع ( )4أكتوبــر ،1958إذ أصــدر هــذا األخيــر يف الفتــرة املمتــدة مــن 05مــارس 1959إلــى غايــة 04
مــارس 2017مــا مجموعــه 5000قــرارا.
علــى أن العبــرة ليســت بكثــرة أو قلــة الفصــول الدســتورية وبكثــرة أو قلــة القــرارات الصــادرة عــن أجهــزة «القضــاء
الدســتوري» ،إمنــا بالقواعــد /املضمــون القاعــدي التــي ســطرتها هــذه الفصــول أو هــذه القــرارات ،فقــد تكــون الكثــرة
بــدون قيمــة مضافــة وقــد تكــون القلــة وفيهــا قيمــة مضافــة .وموضــوع القضــاء الدســتوري املغربــي وتأصيــل بعــض
احلقــوق واملبــادئ الدســتورية يصــب يف هــذا املنحــى ،فــإذا كان أغلــب الفقــه الدســتوري املغربــي قــد أكــد أن دســتور
اململكــة لـــ 2011قــد أتــى بضمانــات واســعة للحقــوق مكنتــه مــن اعتبــاره دســتور صــك احلقــوق ،وإذا كان قــد ركــز يف
ذلــك علــى احلقــوق املســموح للمحكمــة الدســتورية بكفالتهــا ،فــإن هــذه النظــرة الثاقبــة التــي تغنــى وال زال يتغنــى بهــا
حتمــت علينــا البحــث يف جــذور بعــض مــن هــذه احلقــوق ،هــل هــي مســتقاة مــن مــا أفرزتــه فقــط اللجنــة الدســتورية
ملراجعــة الدســتور أم مــن قــرارات ومقــررات القضــاء الدســتوري ،األمــر الــذي يحتــم البحــث يف بصمــات «القاضــي
الدســتوري» املغربــي علــى دســتور ،).I( 2011ثــم إن البحــث لــن يكتمــل إذا لــم يتــم التعريــج يف التنقيــب يف هــذه
القــرارات واملقــررات يف عالقتهــا بقــرارات املجلــس الدســتوري التــي تبــدو مــن حيــث العــدد تزيــد عــن الضعــف ،وهــو
مــا يســتلزم البحــث يف بصمــات «القاضــي الدســتوري» املغربــي علــى نظيــره الفرنســي(.).II
يحي حلوي
أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بوجدة
14
ملخص المداخلة
حتــاول هــذه الورقــة العلميــة املقدمــة علــى هامــش أشــغال النــدوة الوطنيــة حول «التاريخ الدســتوري
للمغــرب» رصــد مســألة تطــور حقــوق اإلنســان علــى امتــداد الدســاتير املغربيــة يف ضــوء تبــادل التأثيــر والتأثــر
بــن رســم السياســات الداخليــة واخلارجيــة واحلاجــة إلــى التأســيس لوعــي دســتوري وسياســي وحقوقــي ،وذلــك وفــق
مجموعــة تســاؤالت منطلقيــة (.)Questions de départ
هــل اإلدمــاج الدســتوري حلقــوق اإلنســان كاف لتكريــس ســمو الثقافــة احلقوقيــة؟ .ومــا الغايــة وراء اســتثمار
نظــام دســتوري تقليدانــي يف ثقافــة سياســية وحقوقيــة حداثيــة؟ .مــا هــو الفكــر السياســي والدســتوري الــذي مهــد
للتكريــس القانونــي حلقــوق اإلنســان علــى امتــداد الدســاتير التــي عرفهــا املغــرب ؟ .مــا قــدرة الدســتورانية املغربيــة
علــى الدفــع مبسلســل حقــوق اإلنســان عبــر االنفتــاح علــى الفضــاء السياســي الداخلــي واخلارجــي؟ .وكيــف اســتطاع
احلقوقــي أن يصبــح يف قلــب الدســتوري ،برصــده وهيكلتــه ملختلــف تفاعــات املشــهد السياســي املغربــي؟ .وهــل دســترة
املالءمــة وســمو االتفاقيــات الدوليــة املصــادق عليهــا ،يعــدان مبثابــة موجــة ثالثــة لرهــان حقــوق االنســان باملغــرب؟ .وهــل
مــا لــم تقــرره الدســاتير مــن حقــوق وحريــات أساســية يعنــي عــدم جــواز متتــع األفــراد بهــا؟.
إن محاولــة اإلجابــة علــى هــذه التســاؤالت تقتضــي الوقــوف علــى مدخــات ومخرجــات تفاعــل القــوى املشــكلة
للمجتمــع املدنــي ،ومكونــات املجتمــع السياســي مــع احلركــة الدســتورية يف ضــوء تاريــخ املغــرب احلديــث .حيــث ميكــن
الرجــوع بجــذور املطالبــة بحقــوق اإلنســان يف املغــرب مــن قبــل قــوى املجتمــع املدنــي إلــى بدايــة القــرن العشــرين ،مــن
خــال مشــروع دســتور 1908الــذي جســد أول مطالبــة منظمــة بهــذه احلقــوق ،مــرورا بالعهــد امللكــي لســنة 1958
وظهائــر احلريــات العامــة الصــادرة بنفــس الســنة ،كمــا مت تعديلهــا وتتميمهــا ،والقانــون األساســي للمملكــة لســنة
1961ودســاتير 1970-1972– 1962التــي لــم تــأت بــأي جديــد ،حيــث ظــل معطــى حقــوق اإلنســان باملغــرب مرتبطــا
باحلضــارة العربيــة اإلســامية .علــى خــاف دســتوري 1992و 1996اللذيــن كرســا البعــد احلقوقــي كمــا هــو متعــارف
عليــه عامليــا ،عبــر التصديــق واالنضمــام إلــى املعاهــدات الدوليــة املعنيــة بحقــوق اإلنســان وإدراجهــا يف خانــة السياســات
العموميــة الوطنيــة .وقــد تــوج هــذا املســار بدســتور 30يوليــوز 2011الــذي جــاء مؤكــدا علــى العالقــة االمتداديــة
والتالزميــة بــن احلقــوق والواجبــات يف ســياق مجتمــع املواطنــة مــن جهــة أولــى ،ويف إطــار التأســيس ملقومــات الدولــة
الدميقراطيــة مــن جهــة ثانيــة .فضــا عــن تكريــس دولــة القانــون ،حيــث ضمــان احلقــوق واحلريــات حتــت حمايــة ســلطة
قضائيــة مســتقلة.
15
ملخص المداخلة
عانــت البشــرية يف تاريخهــا مــن ويــات عــدة ،فممــا أثــر عليهــا تعســف الســلطة السياســية يف احلصــول علــى
األمــوال مــن األفــراد ،حيــث كان احلــكام مهمــا اختلفــت ألقابهــم ،وباختــاف الوســائل يســعون إلــى احلصــول علــى
األمــوال مــن األفــراد ســواء عــن طريــق اإلكــراه أو اإلقنــاع ،واالضطــاع بإنفاقهــا وفقــا لرؤيــة احلاكــم واجلماعــات
املهيمنــة.
وكان هــذا التدبيــر يتــم خــارج أي تأطيــر قانونــي ،فمــا يحــدده هــو قوة الســلطة ووضعية األفــراد واجلماعات
خــارج الســلطة السياســية ،لتشــكل الديانــة اإلســامية وممارســات العديــد مــن اخللفــاء البدايــات األولــى لتقنــن
حقــوق الدولــة يف األمــوال املفروضــة علــى األفــراد وتنظيــم قواعــد تدبيــر بيــت مــال املســلمني ،لكــن التأطيــر الفعلــي
لضوابــط الســلطة املاليــة وإقــرار ســيادة الشــعب علــى املاليــة العامــة انطلــق مــن أوروبــا يف مرحلــة حتديــث عالقــة
الدولــة باملواطــن ،والتــي بزغــت يف عصــري النهضــة واألنــوار ،ولتتقــوى إبــان الثــورات التــي شــهدتها خــال القــرن
الثامــن عشــر.
وشــكلت بريطانيــا مهــد تأســيس البرملانــات وتنظيــم العالقــة بــن احلاكمــن واحملكومــن ،والتــي توجــت
بإصــدار وثائــق عــدة كان لضبــط وتأثيــر املاليــة العامــة حضــور بــارز فيهــا ،والتــي ابتــدأت مــن التنصيــص عليهــا يف
وثيقــة العهــد األعظــم ســنة ،1215ثــم يف إعــان حقــوق واحلريــات الــذي صــدر ســنة ،1688ثــم يف كل الدســاتير التــي
مت وضعهــا ،بحيــث خــال القــرن الثامــن عشــر ســتبزغ فكــرة الدســتور يف املجــال األوربــي واألمريكــي كتعبيــر لعقــد
اجتماعــي يحــدد ســلطات احلــكام ،ويضمــن احلقــوق واحلريــات ويؤطــر املجتمــع ،ويحــدد العالقــة بــن الســلطات،
ويضــم مجموعــة مــن املبــادئ ،وكان حتديــد الســلطة املاليــة ملمثلــي األمــة ووضــع القواعــد املاليــة حضــور يف هــذه
الدســاتير.
وإذا كان هــذا األمــر حاضــر بقــوة يف املنظومــة األوروبيــة واألمريكيــة ،فإنــه ســرعان مــا بــدأ ينتقــل بشــكل
تدريجــي إلــى باقــي بلــدان املعمــور ،ليشــكل القــرن التاســع عشــر املنطلــق لبدايــة وضــع الدســاتير يف العديــد مــن
البلــدان ،قبــل أن تعمــم خــال القــرن العشــرين ،وقــد امتــد يف القــرن التاســع عشــر إلــى بعــض البلــدان العربيــة
واإلســامية ،فقــد كانــت بعــض بلــدان املنطقــة ســباقة يف وضــع دســاتير كالدولــة العثمانيــة وتونــس ومصــر وفــارس
التــي أصبحــت منوذجــا يغــري العديــد مــن البلــدان ،مــن بينهــا املغــرب.
هــذا األخيــر إلــى حــدود هــذه املرحلــة بقــي تقليديــا ،يعيــش حالــة مــن املــد واجلــزر يف الصــراع بــن الســلطة
السياســية والقبائــل ،ومــن بــن جتلياتهــا الصــراع حــول اجلبايــة لدرجــة أن قــوة املخــزن تتحــدد بقدرتــه علــى فــرض
الضرائــب ،كمــا أن محصولهــا يتقــوى يف مرحلــة قــوة املخــزن .فمــا هــو ملحــوظ أنــه يف تاريــخ املغــرب بــرزت الضريبــة
عنصــرا يف الصــراع بــن الســلطة السياســية والقبائــل ،فقــد ذهــب عبــد اهلل العــروي علــى أن جــزء كبيــر مــن وظيفــة
اجليــش والبيروقراطيــة هــي يف حتصيــل الضرائــب ،كمــا أبــرز جــون واتربــوري أهميــة اجلبايــة وحتصيلهــا كأســلوب
للحكــم وآليــة لتوطيــد ســيادة الســلطان ،بحيــث أن هاجــس الســلطان كان يقــوم علــى رفــع مــوارده مــن الضريبــة،
ووفقــا ملــا عبــر عنــه ابــن خلــدون بــأن « الســلطان ال يثمــر مالــه ويــدر موجــوده إال باجلبايــة».
16
تابع لملخص المداخلة
جســد هــذا الواقــع حتكــم الســلطة السياســية يف املغــرب القــدمي يف املاليــة العامــة ،وكيــف أن هــذا األخيــر
يف ظــل تخلخــل األوضــاع يف القــرن التاســع عشــر وازديــاد التغلغــل األوربــي ،ســتحاول قيــادة إصــاح املاليــة العامــة
كأحــد مداخــل ضمــان اســتقالل البــاد .لكــن األمــور ســتتجاوز الدولــة ،ليعيــش املغــرب مرحلــة ضعــف كبيــر ،وتكالــب
القــوى الكبــرى علــى احتــال املغــرب وباخلصــوص بعــد انعقــاد مؤمتــر اجلزيــرة اخلضــراء ،وكان للتدبيــر الســيئ
لالقتصــاد واملاليــة جــزء مــن معضلــة مغــرب مــا قبــل احلمايــة الفرنســية.
ويف محاولــة للتصــدي للتغلغــل األوربــي ،وكــذا لبنــاء دولــة حديثــة يف مرحلــة االســتقالل السياســي ،شــكل
مطلــب تبنــي الدســتور مدخــا رئيســيا يف هــذا البــاب ،ويف جــزء مــن النقــاش الدســتوري املعبــر يف املرحلتــن ،ســيبرز
اهتمــام بتحديــد الســلطة املاليــة ،وتقييــد دور احلاكمــن يف هــذا املجــال ،وكــذا املطالبــة بإقــرار بعــض القواعــد
املاليــة يف الدســتور .ذلــك أن النقــاش الدســتوري ملرحلــة مــا قبــل دســتور ،1962وإن كان مؤطــرا بفكــرة تقييــد
الســلطة السياســية وحتديــد ســلطة احلــكام ،وضمــان احلقــوق واحلريــات للمواطنــن ،واعتمــاد مجموعــة مــن املبــادئ
الدســتورية ،فــإن جوانــب مــن مطلــب دســترة الضوابــط املاليــة كان حاضــرا يف ثنايــا املشــاريع الدســتورية ويف بعــض
مضامــن الفكــر الدســتوري لتلــك املرحلــة ،وإن لــم يكــن موضوعهــا الرئيســي.
ويف إطــار تقــدمي بدايــات النقــاش حــول التأطيــر الدســتوري للمــادة املاليــة ،تنصــب املداخلــة علــى قــراءة
منطلقــات النقــاش الدســتوري للدســتور املالــي يف املغــرب قبــل دســتور ،1962مــن خــال التســاؤل علــى مــدى اهتمــام
املشــاريع الدســتورية وكــذا الفكــر الدســتوري لتلــك املرحلــة بتقنــن أســس املاليــة العامــة يف الدســتور املأمــول إقــراره،
وطبيعــة اجتاههــا ومــدى تبنيهــا للتوجهــات التــي أقرتهــا دســاتير البلــدان الغربيــة.
وستتأســس املداخلــة علــى فرضيــة محدوديــة اهتمــام النقــاش الدســتوري يف املغــرب بجوانــب إقــرار
القواعــد الدســتورية للضوابــط املاليــة ،والتــي يصطلــح عليهــا يف الفقــه الدســتوري بالدســتور املالــي ،مقابــل التركيــز
الرئيســي للنقــاش حــول جوهــر الســلطة السياســية ،وشــكل وطبيعــة نظــام احلكــم.
ولتحليــل اإلشــكالية املطروحــة والتحقــق مــن الفرضيــة املؤسســة للمداخلــة ،ســيتم التركيــز علــى ثــاث
عناصــر لقــراءة النقــاش الدســتوري يف املغــرب لتقنــن قواعــد املاليــة العامــة يف الدســتور .يرتكــز العنصــر األول
علــى فحــص الوثائــق والنصــوص التــي عرفهــا املغــرب يف فتــرة مــا قبــل دســتور ،1962والتــي شــكلت وأثــرت علــى
التاريــخ الدســتوري املغربــي .ويتصــدى العنصــر الثانــي لبعــض جوانــب الفكــر الدســتوري املغربــي ومــدى اهتمامهــا
بإشــكاليات املاليــة العامــة واملطالبــة بدســترتها ،وســيتم التركيــز يف هــذا اإلطــار علــى أهــم الكتابــات املؤسســة ،علــى
أن جتربــة املجلــس الوطنــي االستشــاري ســتكون كعنصــر ثالــث مفيــدة يف فهــم روافــد بنــاء أســس الســلطة املاليــة
يف املغــرب.
جواد النوحي
أستاذ باحث ،جامعة محمد اخلامس الرباط
17
ملخص المداخلة
يقــوم التنظيــم الترابــي للمملكــة املغربيــة علــى ركنــن أساســيني همــا الالتركيــز اإلداري والالمركزيــة
اإلداريــة ،غيــر أن مــا يســترعي االنتبــاه عنــد دراســة هذيــن الركنــن ذلــك التفــاوت احلاصــل بينهمــا ،لصالــح
الالمركزيــة اإلداريــة.
تظهــر أســبقية الالمركزيــة أوال علــى مســتوى متكينهــا مــن أول نــص قانونــي يتعلــق بالتنظيــم اجلماعــي
ســنة ،1960والرقــي بالعمــاالت واألقاليــم إلــى مســتوى جماعــات محليــة (ترابيــة) وتعميــق فكــرة الالمركزيــة
ســنة ،1976وصــوال إلــى ســنوات 2002و 2009حيــث خضعــت النصــوص القانونيــة املذكــورة إلــى مراجعــة
جذريــة.
تتجلــى أولويــة الالمركزيــة أيضــا علــى مســتوى تأطيرهــا دســتوريا .فمنــذ دســتور 14دجنبــر 1962الــذي
نــص علــى أن «اجلماعــات احملليــة باململكــة هــي العمــاالت واألقاليــم واجلماعــات .ويكــون إحداثهــا بالقانــون»،
دأبــت الدســاتير واملراجعــات املتعلقــة بهــا علــى تخصيــص مقتضيــات خاصــة بالالمركزيــة الترابيــة.
يف املقابــل لــم يحــظ الالتركيــز اإلداري إال بنصــوص قانونيــة مقتضبــة منهــا الظهيــر مبثابــة قانــون
ســنة 1977يتعلــق باختصاصــات العامــل ،ومرســومي 1993و 2005بشــأن الالتركيــز اإلداري.
أولويــة الالمركزيــة اإلداريــة سيعكســها بشــكل ملحــوظ دســتور 2011حــن نــص يف الفقــرة األخيــرة مــن
الفصــل األول علــى أن «التنظيــم الترابــي للمملكــة تنظيــم المركــزي ،يقــوم علــى اجلهويــة املتقدمــة» .يضــاف
إلــى ذلــك أن نفــس الدســتور أفــرد البــاب التاســع بأكملــه للجماعــات الترابيــة ،مقابــل فصــل وحيــد للــوالة
والعمــال ويف عالقتهــم باجلماعــات الترابيــة؟
لقــد انتبهــت الســلطات السياســية مؤخــرا لهــذا التفــاوت يف مكونــات اإلدارة الترابيــة يف املغــرب وعملــت
علــى احلــد منــه بإعــداد ميثــاق الالمتركــز اإلداري ،وقبلــه كان التدبيــر الالمتمركــز لالســتثمار .ممــا يؤشــر
علــى بنــاء دولــة ترابيــة قائمــة علــى التــوازن والتكامــل بــن مختلــف مكوناتهــا.
بوجمعة بوعزاوي
أستاذ التعليم العالي بكلية احلقوق الرباط-أكدال
18
نحو تكريس مبدأي
الشمولية والتخصص
ملخص المداخلة
إذا كان وضــع الدســتور باملغــرب قــد حتكمــت فيــه مجموعــة مــن العوامل التاريخية والسياســية
باألســاس ،خاصــة علــى مســتوى الصــراع بــن الفاعلــن السياســيني علــى ممارســة الســلطة وشــكلها ،وهــو مــا
انعكــس بشــكل مباشــر علــى التاريــخ الدســتوري املغربــي الــذي لــم يتمكــن طيلــة الفتــرة الفاصلــة بــن حصــول
اململكــة علــى اســتقاللها إلــى غايــة ســنة 2011مــن صياغــة منــوذج دســتوري لدولــة القانــون واملؤسســات ،حيــث
ظلــت اإلصالحــات احلقوقيــة واملؤسســاتية التــي عرفتهــا اململكــة خاصــة مــع بدايــة التســعينات ومــع اعتــاء
امللــك محمــد الســادس لســدة احلكــم متأثــرة بالظرفيــة اإلقليميــة والدوليــة التــي ســادت مطلــع القــرن العشــرين،
خاصــة علــى مســتوى حتقيــق املصاحلــة الوطنيــة وتعزيــز حقــوق اإلنســان وآليــات حمايتهــا ،مــع إعــادة النظــر يف
مفهــوم الســلطة دون أن تنعكــس هــذه الرؤيــا يف الوثيقــة الدســتورية.
وهكــذا ،عمــل املغــرب علــى إحــداث احملاكــم اإلداريــة مبوجــب القانــون 90.41الصــادر ســنة ،1993ثــم
محاكــم االســتئناف اإلداريــة ســنة ،2006مــع إصــدار مجموعــة مــن النصــوص القانونيــة املواكبــة لهــا ،وذلــك يف
اجتــاه تعزيــز الرقابــة علــى أعمــال اإلدارة التــي ظلــت إحــدى املطالــب األساســية لتعزيــز دولــة القانــون.
هــذا ،وإذا كانــت الرقابــة علــى أعمــال اإلدارة قــد دشــنها املغــرب بعيــد االســتقالل مــن خــال واليــة
املجلــس األعلى(محكمــة النقــض حاليــا) احملــدث ســنة 1957يف التصــدي للقــرارات اإلداريــة والتعويــض علــى
أعمــال اإلدارة ،إال أن الدســاتير املتعاقبــة علــى اململكــة منــذ دســتور 1962إلــى غايــة دســتور 1996لــم تــأت
بإشــارات قويــة يف دعــم هــذه الرقابــة وتوســيع مجالهــا ،بحكــم طبيعــة الصــراع الــذي ســاد خــال تلــك الفتــرة.
وعلــى العكــس مــن الدســاتير الســابقة ،أســس دســتور 2011ملفهــوم جديــد للرقابــة القضائية علــى أعمال
اإلدارة تنهــل بشــكل كبيــر مــن تطــور هــذه الفكــرة يف االجتهــاد القضائــي املغربــي واملقــارن ،وتتجــه نحــو تكريــس
مبــدأي الشــمولية والتخصــص ،وتعكــس بذلــك ظــروف وضــع الدســتور وطبيعــة القــوى اجلديــدة التــي أثــرت فيه،
باإلضافــة إلــى احلاجــة لتطويــر أداء املرافــق العموميــة وجعــل هــذه الرقابــة إحــدى آليــات تكريــس مبــدأ ربــط
املســؤولية باحملاســبة واحلكامــة اجليــدة.
وبنــاء عليــه ،ســنحاول مــن خــال هــذه الورقــة ،املخصصــة ألشــغال النــدوة العلميــة حــول التاريــخ
الدســتوري املغربــي ،أن نبــن تأثيــر هــذا التاريــخ علــى فكــرة الرقابــة علــى أعمــال اإلدارة ،وكيــف ســاهم دســتور
2011يف إعــادة صياغــة هــذه الفكــرة ،وكيــف ميكــن لهــا أن تؤثــر علــى واقــع االجتهــاد القضائــي اإلداري ،باعتباره
إحــدى مقومــات حمايــة منظومــة حقــوق اإلنســان وتكريــس اإلدارة املواطنــة ،انطالقــا مــن الدســتور وامتــداداً إلى
املمارســة القضائيــة واإلداريــة.
رضوان اعميمي
أستاذ باحث ،جامعة محمد اخلامس الرباط
19
Suite de l’abstract
Ainsi, si l’expérience de la Chambre constitutionnelle demeure marquée, notamment,
par l’absence de contrôle des lois ordinaires, raison d’être de la justice constitutionnelle ;
celle du Conseil constitutionnel a été marquée, quant à elle, par le nombre insignifiant de
décisions rendues, et par conséquent, l’inaction des autorités de saisine de transmettre des
textes de lois au contrôle de cette institution. Remédier à cette défaillance des autorités
de saisine, garantir les droits et libertés constitutionnels des individus et consacrer l’im-
portance de la justice constitutionnelle dans un État de droit, sont les principales raisons
qui vont initier à la naissance d’une Cour constitutionnelle avec une compétence incon-
tournable d’extrême importance, celle de pouvoir contrôler les lois promulguées, et par la
même occasion l’ouverture de son prétoire aux individus.
Alors, cette proposition de communication, se fixe pour objectif de s’arrêter sur l’his-
toire de la justice constitutionnelle au Maroc à travers l’expérience de trois institutions
constitutionnelles, notamment, quant à leurs compositions, leurs modes de fonctionne-
ment, leurs attributions et l’orientation jurisprudentielle de leurs décisions.
Mohammed EL FADILI
Enseignant-chercheur à FSJES _ Moulay Ismail (Meknès)
20
Propos sur l’évolution du contrôle
de constitutionnalité des lois.
Abstract
Le Maroc, quant à lui, a opté depuis la première constitution de 1962 pour une jus-
tice constitutionnelle progressive. En effet, le contrôle de constitutionnalité a été confié,
dans un premier temps, à une Chambre constitutionnelle souffrant d’un déficit d’indépen-
dance avec des compétences minimales se rattachant au contrôle de constitutionnalité
obligatoire sur les lois organiques et le règlement intérieur du Parlement ; puis dans un
deuxième temps, a été confié à un Conseil constitutionnel indépendant du pouvoir judi-
ciaire avec compétence de pouvoir exercer un contrôle de constitutionnalité des lois a prio-
ri ; et au final, a été confié à une Cour constitutionnelle avec une compétence nouvelle, celle
d’exercer un contrôle de constitutionnalité concret a posteriori sur les lois promulguées.
21
Abstract
En règle générale, les parlements sont considérés comme les lieux par excel-
lence où se confectionnent les lois, qui d’une manière ou une autre représentent la
volonté générale de la nation. Or, en réalité, il n’est rien de tout cela. Certes, le parle-
ment est considéré par la constitution et ses statuts intérieurs comme l’organe législa-
tif qui est supposé être l’unique dépositaire du pouvoir de faire la loi, néanmoins, il se
trouve que partout dans le monde, cette fonction législative souffre d’un éclatement
nement, en sont chargés. Mieux encore, il se trouve aussi que le parlement intervient
dans le domaine législatif, non sans restrictions de la part, aussi bien, des organes dits
nelle qui intervient dans la procédure de législation en amont et en aval sous couvert
à l’emprise de la logique rationnalisante( art. 65, 72, 73, 79, 81, 82, 105,…) qui vise à
Abdelhamid Benkhattab,
professeur à l’université Mohamed V, Agdal, Rabat
22
23