You are on page 1of 39

‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬

‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫الموسيقى الداخليَّة في شعر الهداية‬


‫في عصر صدر اإلسالم وآثارها‬
‫الفنِّيُّة والدالليُّة‬

‫الدكتور‬
‫عماد خليفة سليمان داود الدايني البعقوبي‬

‫‪ 2017‬مـ‬ ‫‪ 1438‬هـ <<ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ>>‬

‫‪1‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫اإلهداء‬

‫‪2‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫إلى من ربَّي‪44‬اني ص‪44‬غيرا ‪ ..‬وس‪44‬هرا اللي‪44‬الي لراح‪44‬تي وب‪44‬ذال الغ‪44‬الي‬


‫والنفيس في تعليمي وتربي‪44‬تي " وال‪44‬دَيَّ الحبي‪44‬بين " أق‪44‬دِّم لهم‪44‬ا‬
‫وحب وشكر‪..‬‬
‫بر ِّ‬
‫هذا البحث هديَّة ّ‬

‫‪3‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫المحتوى‬
‫رقم الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫‪2‬‬ ‫البسملة‬
‫‪3‬‬ ‫اإلهداء‬
‫‪4‬‬ ‫المحتوى‬
‫‪5‬‬ ‫عربي )‬ ‫َّ‬
‫ملخص البحث (‬
‫ّ‬
‫‪6‬‬ ‫المقدمة‬
‫‪8‬‬ ‫التمهيد‬
‫‪9‬‬ ‫األول‪ :‬التكرار‬
‫المبحث َّ‬

‫‪10‬‬ ‫األول‪ :‬تكرار الصوت المفرد‪.‬‬


‫المطلب َّ‬

‫‪12‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬تكرار التركيب‪.‬‬

‫‪15‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬البديعيَّات‪.‬‬

‫‪15‬‬ ‫األول‪ :‬الجناس‪.‬‬


‫المطلب َّ‬

‫‪19‬‬ ‫ـاد – الطباق ‪.-‬‬


‫المطلب الثاني‪ :‬التضـ ّ‬
‫‪22‬‬ ‫ـرد والمشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاكلة بين‬
‫المبحث الثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالث‪ :‬الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ‬
‫المصراعين‪:‬‬
‫‪22‬‬ ‫األول‪ :‬رد العجز على الصدر‪.‬‬
‫المطلب َّ‬

‫‪25‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬المشاكلة بين المصراعين‪.‬‬

‫‪32‬‬ ‫الخاتمة‬
‫‪34‬‬ ‫المصادر‬
‫‪37‬‬ ‫الملخص ( إنجليزي )‬
‫‪38‬‬ ‫العنوان ( إنجليزي )‬
‫ملخص البحث‬

‫‪4‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫في ه ــذا البحث الموس ــوم " الموس يقى الداخليَّة في ش عر الهداي ة في عص ر‬
‫صدر اإلسالم وآثارها ِّ‬
‫الفنيَّة والدالليَّة " تناولت ما يأتي‪:‬‬
‫أهمَّية الموس ــيقى الداخليِّة في الش ــعر‪ ،‬وارتباطه ــا الوثي ــق‬
‫التمهي ــد ال ــذي تن ــاولت في ــه ِّ‬ ‫‪‬‬
‫عما يجول في نفسه ويدور في خياله‪.‬‬
‫بالشعر‪ ،‬وبالشاعر نفسه‪ ،‬لتكشف َّ‬
‫التكــرار بأنواعــه‪ :‬تكــرار الحــروف‪ ،‬وتكــرار الكلمــات‪ ،‬وتكــرار العبــارات‪َّ :‬‬
‫وبينت مــا‬ ‫‪‬‬
‫ِّ‬
‫يؤديــه هــذا التكــرار من تقويــة النغم‪ ،‬وربــط أجــزاء الكلمــات داخــل الــبيت الواحــد‪ ،‬أو‬
‫ـاص إلشـ ـ ــاعة داللـ ـ ــة َّ‬
‫معينـ ـ ــة ولتأكيـ ـ ــد المعـ ـ ــاني‬ ‫ـيقي خـ ـ ـ ٍّ‬
‫القصـ ـ ــيدة‪ ،‬وخلـ ـ ــق جـ ـ ـ ٍّـو موسـ ـ ـ ٍّ‬
‫بترخم موسيقي‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫ومصاحبتها‬
‫ـوتي‪،‬‬
‫ـتقاقي ومـ ــا نتج من تالؤم ص ـ ّ‬ ‫الجنـــاس بنوعيـ ــه‪ :‬الجنـ ــاس التـــام‪ ،‬والجنـ ــاس االشـ ـ ّ‬ ‫‪‬‬
‫وإ يق ـ ــاع متك ـ ـ ِّـرر‪ ،‬وتش ـ ــكيل ص ـ ــورة في ذهن المتلقِّي من خالل إظه ـ ــار تأكي ـ ــد مع ـ ــنى‬
‫ـوتي‪،‬ـ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫معين‪ ،‬وإ بــرازهـ بصــورة واضــحة جلية‪ ،‬فضــال عن زيــادة جمــال الجــرس الصـ ّ‬
‫وحسن وقعه في السمع‪.‬‬
‫ـاد ‪ -‬الطبـاق – ومـا نتج عنــه من صـور ِّفنَّية جميلــة معـبرة عن هدايـة الشــعراء‬ ‫التض ّ‬ ‫‪‬‬
‫لإلســالم‪ ،‬وإ يمــانهم باهلل وخــاتم رســله صـلَى اهلل عليــه وعلى آلــه وســلَّم‪ ،‬فصـ َّـوروا لنــا‬
‫هذه الهداية التي عاشوا َّ‬
‫لذتها‪ ،‬وعرفوا جميلها‪.‬‬
‫عما يضــفيه من‬ ‫َّ‬
‫الداخلية‪ ،‬فضــال َّ‬ ‫أهمَّيته في الموسيقى‬ ‫رد العجز على الصدر َّ‬
‫وبينت ِّ‬ ‫ّ‬ ‫‪‬‬
‫إضافي على البيت‪ ،‬ويزيد من تقوية معناه‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫موسيقي‬
‫ٍّ‬ ‫جمال‬
‫ـاحي يعلم من َّأول وهلــة َّ‬
‫أن‬ ‫ـيقي افتتـ ٍّ‬ ‫التقفيــة والتصــريع َّ‬
‫وبينت مــا لهمــا من أثــر موسـ ٍّ‬ ‫‪‬‬
‫الشاعر أخذ في شعره‪ ،‬وترك الشعراء لذلك أحيانا‪.‬‬

‫َّ‬
‫الداخلية في ش ــعر الهداي ــة في عص ــر ص ــدر‬ ‫أهم مظ ــاهر الموس ــيقى‬‫ه ــذه هي ّ‬
‫أهم نت ــائج‬
‫ثم ختمتـــه بخاتم ــة أوج ــزت فيه ــا َّ‬
‫اإلســـالم الـ ــتي تناولتهـ ــا في هـ ــذا البحث‪َّ ،‬‬
‫البحث وتوصياته‪.‬‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫‪5‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫المقدِّمة‬
‫الحمــد هلل يهــدي من يشــاء من عبــاده إلى الصــراطـ المســتقيم‪ ،‬والــدين القــويم‪ ،‬دين اإلســالم‬
‫العظيم‪ ،‬فمن يهــد اهلل فال مضـ َّـل لــه‪ ،‬ومن يضــلل فال هــادي لــه‪ ،‬والصــالة والســالمـ على الهــادي‬
‫البش ــير‪ ،‬وال ــداعي إلى الف ــوز والنج ــاة من ع ــذاب الس ــعير‪ ،‬ال ــذي ختم اهلل ب ــه الن ــبيِّين‪ ،‬وأكم ــل ب ــه‬
‫وأتم بــه ال ــدين‪ ،‬فصــلَّىـ اهلل وســلَّمـ وبــاركـ عليــه وعلى آلــه الطيِّبين الط ــاهرين وأص ــحابه‬
‫النعمــة‪َّ ،‬‬
‫الغر الميامين أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬
‫ِّ‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فإن مبعث النبي محمد صلَّى اهلل عليه وسلَّم رسوال من اهلل إلى جميــع العــالمين يع ُّـد حـ ًّـدا‬
‫َّ‬
‫فاصال في تاريخ البشر أجمعين وهو بداية عهد اإلسالم ونهاية عهود الظالم‪ ،‬فكان لهذا الحــدث‬
‫العظيم أثـ ـ ــر كبـ ـ ــير في جميـ ـ ــع منـ ـ ــاحي الحيـ ـ ــاة الدينيَّة واالجتماعيَّة والسياسـ ـ ــيَّة واألدبيَّة واللغويَّة‬
‫والنفســيَّة وغيرهــا‪ ،‬ومــا يعنينــا هنــا هــو األدب‪ ،‬إذ اســتوجب هــذا العصــر الجديــد أغراضــا شــعريَّة‬
‫عما تعارف عليه العرب في جاهليَّتهم‪ ،‬ومن هذه األغــراض‬ ‫إن لم نقل أغراضا مستحدثة َّ‬ ‫جديدة ْ‬
‫شــعر الهدايــة‪ ،‬وهــو الشــعر الــذي يعبِّر فيــه شــعراؤه عن هــدايتهم لإلســالم‪ ،‬وعن حــالتهم النفســيَّة‬
‫صـص هــذا البحث‬‫َأن أخ ِّ‬
‫وشــعورهم بهــذه النعمــة العظيمــة نعمــة الهدايــة إلى اإلســالم‪ ،‬وقــد آثــرت ْ‬
‫ـعري الجديــد ليــأتي عنــوان دراســتي" الموس يقى‬
‫لمتابعــة الموســيقى الداخليَّة في هــذا الغــرض الشـ ّ‬
‫الداخليَّة في ش عر الهداي ة في عص ر ص در اإلس الم وآثاره ا ِّ‬
‫الفنيُّة والدالليُّة "‪ ،‬وق ــد اعتم ــدت‬
‫ـاري رحمــه اهلل " في كثــير من شــواهد هــذا البحث‪ ،‬لمــا‬
‫كتــاب " الســيرة النبويَّة البن هشــام األنصـ ّ‬
‫أهميَّة علميَّة كبــيرة فقــد ســجَّل األحــداث التاريخيَّة ومــا صــاحبهاـ من شــعر‪ ،‬فكــان‬
‫لهــذا الكتــاب من ِّ‬
‫المهمة "‪ ،‬فمن جمــع شــعره من الشــعراء في ديــوان‪ ،‬أو‬
‫َّ‬ ‫من مصادر شعر " عصر صدر اإلسالم‬
‫مجم ــوع رجعت إلى ش ــعره‪ ،‬ومن لم يجم ــع ش ــعره اكتفيت ب ــالرجوعـ إلى كت ــاب " الس ــيرة النبويَّة‬
‫األنصاري رحمه اهلل "‪.‬‬
‫ّ‬ ‫البن هشام‬
‫ثم خاتمـة‪ ،‬وهي مو َّ‬
‫ضـحة فيمـا‬ ‫وقد اقتضت َّ‬
‫مادته أن أق ِّسـمه على تمهيـد وثالثـة مبـاحث‪َّ ،‬‬
‫يأتي‪:‬‬
‫أهميَّة الموسيقى الداخليِّة في الشعر‪.‬‬
‫التمهيد‪ :‬تناولت فيه ِّ‬ ‫‪‬‬
‫األول‪ :‬التكرار‪:‬‬
‫المبحث َّ‬ ‫‪‬‬
‫األول‪ :‬تكرار الصوت المفرد‪:‬‬
‫المطلب َّ‬
‫المطلب الثاني‪ :‬تكرار التركيب‪:‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬البديعيَّات‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫األول‪ :‬الجناس‪:‬‬
‫المطلب َّ‬

‫‪6‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫ـاد – الطباق ‪:-‬‬


‫المطلب الثاني‪ :‬التضـ ّ‬
‫الرد والمشاكلة بين المصراعين‪:‬‬
‫المبحث الثالث‪ّ :‬‬ ‫‪‬‬
‫األول‪ :‬رد العجز على الصدر‪:‬‬
‫المطلب َّ‬
‫المطلب الثاني‪ :‬المشاكلة بين المصراعين‪:‬‬
‫ثم التوصــياتـ الــتي ظهــرت لي‬
‫ص ـل إليهــا البحث‪َّ ،‬‬
‫أهم النتــائج الــتي تو َّ‬
‫الخاتمــة‪ :‬ذكــرت فيهــا َّ‬ ‫‪‬‬
‫من خالل البحث‪.‬‬
‫وأنهيت البحث بذكر المصادرـ والمراجع التي استقيت منها َّ‬
‫مادة البحث‪.‬‬
‫سائال اهلل سبحانه وتعالى أن يوفِّقــني في عملي هــذا وفي جميــع شــأني‪ ،‬وأن يعينــني على‬
‫اتمامه بوجــه يليـق بمـ َّ‬
‫ـادة البحث وبالعصــر الـذي ينتمي إليـه الــذي هـو خــير العصـور‪َّ ،‬إنه ســبحانه‬
‫وتعالى خير مسؤول وهو حسبنا ونعمـ الوكيل‪.‬‬
‫الباحث‬

‫التمهيد‬

‫‪7‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫لم تقتصرـ الموسيقى الشعريَّة على الـوزن والقافيــة‪ ،‬وإ َّنمـا امتـ َّـدت إلى الموسـيقى الداخليَّة‬
‫النص‪ ،‬ولهــذا حـ َّـدد البالغيــون‬
‫ّ‬ ‫أهميَّة كبــيرة في تحديــد وجهــة الموســيقى‪ ،‬وأثره ـاـ في‬
‫لمــا لهــا من ِّ‬
‫أن اسـتعمال‬ ‫النص األدبي‪ ،‬وهي‪ :‬اإلفــادة واإلمتـاعـ واإلثــارة‪ ،‬فال شـ َّ‬
‫ـك َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ثالثـة وظـائفـ لإلبــداع في‬
‫ّ‬
‫أن المتكلم ال يقتصــر في كالمــه على مجـ َّـرد اإلفهــام الجيِّد‪ ،‬بــل‬‫اللغــة يقــترن بالبالغــة الــتي تفيــد َّ‬
‫مقومـات البيـان مـا يجعـل كالمـه ي ِّ‬
‫ـؤدي أغراضـا زائـدة‬ ‫يزيد على ذلـك بـأن يسـبغ على كالمـه من ِّ‬
‫على الغرض األساس المتمثِّل في التوصيل‪ ،‬فالموسيقىـ الداخليَّة تتمتَّع بفضاء أرحب من فضــاء‬
‫الـ ــوزن والقافيـ ــة‪ ،‬لمـ ــا تتمتَّع بـ ــه من « تنـ ــاغم الحـ ــروفـ وائتالفهـ ــا‪ ،‬وتقـ ــديم بعض الكلمـ ــات على‬
‫يهيء جرســا نفســيًّا‬
‫مما ِّ‬ ‫بعض‪ ،‬واســتعمالـ أدوات اللغــة الثانويَّة بوســيلة ِّفنيَّة خا َّ‬
‫ص ـة‪ ،‬وغــير ذلــك َّ‬
‫خاصًّا يكاد يعلـو على الـوزن العروضـي ويفوقه » (‪ ،)1‬ومن هذا المنطلـق كـان لإليقاع الموسـيقي‬
‫األدبي‪ ،‬ومن ارتباط بنفس الشاعر‪ ،‬وما يجــول في خــاطره ويسـرح في‬
‫ِّ‬ ‫النص‬
‫ِّ‬ ‫وأهميَّته في‬
‫ِّ‬ ‫أثره‪،‬‬
‫خياله‪ ،‬وما لذلك من أثر في ِّفنيَّة الشعر وداللته‪ ،‬فمن ذلــك يظهــر الشــاعر براعتــه‪ ،‬وقدرتــه على‬
‫اإلب ــداع‪ ،‬إذ ِّ‬
‫يمكن ــه ذل ــك من ص ــنع انس ــجام بين الص ــور واإليق ــاع والمع ــانيـ ال ــتي يري ــد نقله ــا إلى‬
‫المتلقين‪ ،‬ولهــذا لم تكن الموســيقى الشــعريَّة مظهــرا من مظــاهر الجمــال فقــط‪ ،‬وإ َّنمــا أصــبحت من‬ ‫ِ‬
‫مما ال يسـ ــتطيع أن يعبِّر عنـ ــه‬ ‫أقـ ــوىـ وسـ ــائل اإليحـ ــاء والتعبـ ــير عن كـ ـ ِّـل ٍّ‬
‫خفي في نفس الشـ ــاعر َّ‬
‫صراحة‪ ،‬لذا فهي من أقوىـ وسائلـ اإليحاء في النفس وأعمقها تـأثيرا (‪ ،)2‬فهي تمثِّل في حقيقتها‬
‫ـرق‪،‬‬
‫ـيقي يتك ـ َّـون من إيح ــاءات نفس ــيَّة تعل ــو أو تهب ــط‪ ،‬تقس ــو‪ ،‬أو ت ـ ّ‬
‫ق ــدرة الش ــاعر على بن ــاء موس ـ ّ‬
‫لتكون في مجموعها لحنا متَّسقا أقرب إلى المعزوفة النغميَّة (‪.)3‬‬ ‫تنفصل أو تتَّحد؛ ِّ‬
‫النص تكمن في انســجام األلفــاظ وتآلفهــا فـ «‬
‫ِّ‬ ‫أهميَّة نابعــة من داخــل‬
‫وللموســيقى الداخليَّة َّ‬
‫بقـ َّـوة التهـ ِّـدي إلى العبــارات الحســنة يجتمــع في العبــارات أن تكــون مســتعذبة جزلــة ذات طالوة‪،‬‬
‫فاالســتعذاب فيهــا يحســن المــواد والصــيغ واالئتالفـ واالســتعمال المتو ِّسـطـ » (‪ ،)4‬وســوفـ أتنــاول‬
‫ب ــإذن اهلل س ــبحانه وتع ــالى أب ــرز ظ ــواهر الموس ــيقى الداخليَّة في ش ــعر الهداي ــة في عص ــر ص ــدر‬
‫اإلسالم‪:‬‬

‫األول‪ :‬التكرار‬
‫المبحث َّ‬

‫) الشعر والنغم‪ ،‬د‪ .‬رجاء عيد‪ ،‬منشورات دار الثقافة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬عام‪ 1975 :‬مـ‪. 21 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ينظر‪ :‬عن بناء القصيدة العربيَّة الحديثة‪ ،‬علي عشري زايد‪ ،‬كلِّيَّة دار العلوم للطباعة والنشر‪. 161 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ينظر‪ :‬الشعر والنغم‪. 15 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() منهاج البلغاء وسراج األدباء‪ ،‬أبو الحسن حازم بن محمد بن حسن‪ ،‬ابن حازم القرطاجني‪( ،‬المتوفَّى‪:‬‬ ‫‪4‬‬

‫محمد الحبيب بن الخوجة‪ ،‬تونس‪ ،‬عام‪ 1996 :‬مـ‪. 225 :‬‬


‫‪684‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪َّ :‬‬

‫‪8‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫األهميَّة إذا‬
‫ِّ‬ ‫المقومـ ــات األساسـ ــيَّة للموسـ ــيقى الداخليَّة التكـ ــرار‪ ،‬إذ تـ ــزداد هـ ــذه‬‫أهم ِّ‬ ‫إن من ِّ‬ ‫َّ‬
‫عفويـ ــا غ ـ ــير متكلَّف‪ ،‬ل ـ ــذلك لفت انتب ـ ــاه البالغ ـ ــيين الع ـ ــرب الق ـ ــدماء‬
‫ً‬ ‫ك ـ ــان ه ـ ــذا التك ـ ــرار تك ـ ــراراًـ‬
‫والمح ــدثين‪ ،‬ويقص ــد ب ــه اإلتي ــان باأللف ــاظ المتماثل ــة أو المتش ــابهة في العم ــل األدبي‪ ،‬فه ــو يض ــفي‬
‫خاصة تفيد توكيد المعنى الـذي يريـده الشـاعر‪ ،‬ف َّ‬
‫ـإن « تكـرار الكلمـات الـتي‬ ‫َّ‬ ‫النص موسيقىـ‬
‫ِّ‬ ‫على‬
‫موسيقياـ خاصًّا يشيع داللة معيَّنة » (‪.)5‬‬
‫ًّ‬ ‫جوا‬
‫تنبني من أصوات يستطيع الشاعر بها أن يخلق ًّ‬
‫(‪)6‬‬
‫فضال عن َّأنه‬ ‫ومن سُنن العرب التكرار واإلعادة إرادةَ اإلبالغ بحسب العناية باألمر‬
‫ليقوي به جرس األلفاظ وأثرها » (‪.)7‬‬ ‫« ضرب من ضروب النغم َّ‬
‫يترنم به الشاعر ِّ‬
‫وق ـ ـدـ ربـ ــط ابن ِّ‬
‫جن ٍّي (ت ‪392‬ه ـ ــ) بين تعـ ــاقب الحـ ــروف في الشـ ــعر‪ ،‬والحالـ ــة الوجدانيـ ــة‬
‫للشــاعر وذلــك ألن مــا يعــبر عنــه الشــاعر من معـ ٍ‬
‫ـان لهــا ارتبــاط بحالتــه النفســية‪ ،‬لــذا بيَّن في بــاب‬
‫تعاقب األلفاظ لتعاقب المعاني؛ إذ َّإنهم غالبا ما يجعلون األحــداث مناســبة للحــروفـ المعــبر عنهــا‬
‫(‪.)8‬‬
‫إن اللغة التكرارية هي لغة العاطفة؛ لذلك َّ‬
‫عد التكـرار القاعــدة في اللغـة الشـعرية؛ إذ إننـا‬
‫من خاللها ندرك فكرة النص الشعري(‪.)9‬‬
‫والش ــاعر عن ــدما يلج ــأ إلى تك ــرار الصوت المفرد أو ال ــتركيب بلفظ ــه ومعن ــاه يك ــون ذل ــك‬
‫لتأكيد المعنى الذي يريد إيصاله من الوصف أو المدح أو غيره من المعاني الشعريَّة (‪.)10‬‬
‫وقدـ وجدنا عند شعراء الهداية هذه الظاهرة الموسيقيَّة بأنواعها‪-:‬‬
‫تكرار الصوت المفرد‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫السعدني‪ ،‬منشأة المعارف – اإلسكندريَّة‪،‬‬


‫ّ‬ ‫العربي الحديث‪ ،‬مصطفى‬
‫ّ‬ ‫() البنيات األسلوبيَّة في لغة الشعر‬ ‫‪5‬‬

‫عام‪ 1987 :‬مـ‪. 38 :‬‬


‫() الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كالمها‪ ،‬أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني‬ ‫‪6‬‬

‫الرازي‪ ،‬أبو الحسين (المتــوفى‪395 :‬ه ــ)‪ ،‬منشــورات‪ :‬محمــد علي بيضــون‪ ،‬الطبعــة األولى‪ ،‬عــام‪ 1418 :‬هـ‬
‫‪ 1997 -‬مـ‪. 158 :‬‬
‫والنقدي عند العرب‪ ،‬د‪ .‬ماهر مهدي هالل‪ ،‬دار الرشيد‬
‫ّ‬ ‫البالغي‬
‫ّ‬ ‫() جرس األلفاظ وداللتها في البحث‬ ‫‪7‬‬

‫للنشر‪ ،‬بغداد‪ ،‬عام ‪ 1980‬مـ‪. 259 :‬‬


‫() ينظر‪ :‬الخصائص‪ ،‬أبو الفتح عثمان بن جني (ت ‪392‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد علي النجار‪ ،‬دار الكتب‬ ‫‪8‬‬

‫المصرية‪ ،‬القاهرة‪ 1952 ،‬مـ‪.2/157 :‬‬


‫() ينظر ‪ :‬اللغة العربية معناها ومبناها‪ :‬د‪ .‬تمام حسن‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة‪،‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪1979‬مـ‪.332-331 :‬‬
‫() ينظر‪ :‬شرح الكافية البديعية‪ ،‬صفي الدين الحلي (‪752‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬رشيد عبد الرحمن العبيدي‪،‬ـ‬ ‫‪10‬‬

‫مركز البحوث والدراسات‪ ،‬سلسلة إحياء التراث‪ ،‬بغداد‪ 2004 ،‬مـ‪.134 :‬‬

‫‪9‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫تكرار التركيب‪.‬‬ ‫‪-2‬‬


‫األول‪ :‬تكرار الصوت المفرد‪:‬‬
‫المطلب َّ‬
‫إن تكــرار الصــوت المفــرد – الحــروفـ ‪ -‬يـ ِّ‬
‫ـؤدي إلى تقويــة النغم وربــط أجــزاء الكلمــات‬ ‫َّ‬
‫إن تكرارهــا يــوفِّرـ االنســجام بين المعــنى المــراد التعبــير عنــه وبين‬
‫داخــل الــبيت أو القصــيدة‪ ،‬إذ َّ‬
‫مما أضــفى على نصوصــه‬
‫الصــوت المتكـ ِّـرر‪ ،‬وقــد احتفى شــعر الهدايــة بتكــرار بعض الحــروف َّ‬
‫الشــعريَّة جرســا موسـ ًّ‬
‫ـيقياـ يســهم في إيصــال الفكــرة إلى نفــوس المتلقين‪ ،‬كمــا في قــول ح َّس ـان بن‬
‫البسيط‬ ‫ثابت رضي اهلل عنه (‪:)11‬‬
‫وازنوا َأه َل َم ْج ٍد ِبال َندى َمتَ ُعوا‬
‫َْأو َ‬ ‫سبقُ ُه ُم‬ ‫فاز َ‬‫الناس َيوماً َ‬
‫َ‬ ‫ِإن َ‬
‫سابقوا‬
‫(‪)12‬‬ ‫ق َأِلدنى ِ‬ ‫ِإ ْن َ‬
‫س ْبق ِهم تََبعُ‬
‫َ‬ ‫فَ ُك ُّل َ‬
‫س ْب ٍ‬ ‫اقون َب ْع َد ُه ُم‬
‫س ّب َ‬ ‫ِ‬
‫الناس َ‬ ‫كان في‬
‫(‪)13‬‬
‫ضل ِهِم‬‫ون ع ْن مولى ِبفَ ِ‬ ‫ِ‬
‫ط َبعُ‬
‫صيب ُه ُم في َم ْط َم ٍع َ‬
‫َوال ُي ُ‬ ‫َوال َيض ّن َ َ َ ً‬
‫جــاء تكــرار حــرف " الســين " ســبع مــرات مقترن ـاً بتكــرار حــرف " الــزاي " الــذي تكـ َّـرر‬
‫األول وقــد جــاء متناســباً مــع حــرف الســين لمــا بينهمــا من تقــارب في المخــرج‪،‬‬
‫مـ َّـرتين في الــبيت َّ‬
‫ثم جــاء الــبيت الثــالث الــذي تكـ َّـررت فيــه بعض أصــوات االســتعالء‬
‫واشــتراك في صــفة الصــفير‪َّ ،‬‬
‫مرة معهما وهو أيضا‬
‫مرتين‪ ،‬ومثله حرف " الطاء " ووردـ حرف الصاد َّ‬
‫تكرر َّ‬
‫وهي " الضاد " َّ‬
‫حرف اســتعالء‪ ،‬ويشــتركـ مـع حــرف " الطـاء " بصـفة أخــرى هي " اإلطبـاق فهـوـ قـريب ج ًّـدا من‬
‫ـوتي جمي ــل اســتطاعـ‬
‫الطــاء في النط ــق وفيـ الســمع‪ ،‬فج ــاءت ه ــذه الح ــروف الثالث ــة في تالؤم ص ـ ٍّ‬
‫الشاعر من خالله أن يوصل الفكرة المراد التعبـير عنهـا وهي بيـان منزلـة المؤمـنين األوائـل من‬
‫المهاجرين واألنصارـ رضيـ اهلل عنهم وفضلهم على من سواهم من الناس‪.‬‬
‫الطويل‬ ‫ومن ذلك ما جاء به حسان بن ثابت رضيـ اهلل عنه بتكرارـ حرف " الميم " في قوله (‪:)14‬‬
‫شك ُل‬ ‫ضت ما لَها َ‬ ‫ِإلَ ٌه ِب َّأي ٍام َم َ‬ ‫يس َغ َيرهُ‬ ‫َأكر َمنا اهللُ الَّذي َل َ‬ ‫َو َ‬
‫سم َمضى ما لَ ُه ِمث ُل‬ ‫وَأكرمنا ِبِا ٍ‬ ‫دين ِه‬
‫صر اِإل لَ ِه وال َن ِب ِّي و ِ‬
‫ِب َن ِ‬
‫َ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يس َعلى َمعرو ِف ِهم ََأبداً قُف ُل‬ ‫َأسر ِهم‬
‫وم ِب ِ‬ ‫ير قَ ٍ‬ ‫ِئ‬
‫َولَ َ‬ ‫أولَ َك قَومي َخ ُ‬
‫فَما ُع َّد ِمن َخ ٍ‬
‫ير فَقَومي لَ ُه َأه ُل‬ ‫عروف َمن َمضى‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫عروف َم‬ ‫ون ِب َ‬
‫الم‬ ‫َي ُر ّب َ‬

‫() ديوان حسَّان بن ثابت األنصاري رضي اهلل عنه‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد اهلل سنده‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت –‬ ‫‪11‬‬

‫لبنان ‪ ،‬ط‪ ، 2 :‬عام‪ 1429 :‬هـ ‪ 2008 -‬مـ‪. 156 :‬‬


‫() يريد َّأنهم سبَّاقون في الخير فال يدانيهم أحد‪ .‬فهم َّ‬
‫أئمة والناس تابعون لهم‪ .‬ينظر‪ :‬ديوانه‪. 156 :‬‬ ‫‪12‬‬

‫ِّ‬
‫الضن وهو البخل‪ .‬وليست في طباعهم خصلة الطمع‪ .‬ينظر‪ :‬ديوانه‪. 156 :‬‬ ‫() ال ُّ‬
‫يضنون‪ :‬ال يبخلون من‬ ‫‪13‬‬

‫() ديوان حسَّان بن ثابت‪. 206 – 205 :‬‬ ‫‪14‬‬

‫‪10‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫وأما حــرف "‬


‫مرات َّ‬
‫مرة وتكرر حرف " السين " أربع َّ‬
‫كرر حرف " الميم " عشرين َّ‬
‫فقد َّ‬
‫تكرر سبعة عشـر م َّـرة متناسـب مـع القافيـة‪ ،‬فكـان لتكـرارـ هـذه الحـروفـ أثـر جلي في‬
‫الالم " فقد َّ‬
‫الموسيقى الداخلية للبيت‪ ،‬وكان هذا التكرار مناسباً لقافية القصيدة وهو حرف " الالم " فالشاعر‬
‫كأنه معزوفة موسيقيَّة خاصَّة‪ ،‬تستهويـ السـمع ويس ُّ‬
‫ـتلذ بهـا فاالنسـجامـ‬ ‫بهذا التكرار قد جاء بشعر َّ‬
‫بين أصــواتها أعطاهــا مـدى موســيقيٍّا كبـيرا ينفث للنفس‪ ،‬ويح ِّـركـ جــوانب الـروح‪ ،‬وقــد َّ‬
‫أكد معــنى‬
‫األبيات التي تدور حول فضـل األنصـار رضـي اهلل عنهم‪ ،‬ومـا أنعم اهلل تبـارك وتعـالى بـه عليهم‬
‫من اإلكرام والفضل والخير‪.‬‬
‫الزَب ْع َرىـ رضيـ اهلل عنه (‪:)15‬‬ ‫وكذلك ما قَالَه عب ُد ِ‬
‫اهلل ْب ُن ِّ‬
‫الكامل‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫(‪)16‬‬
‫وم‬ ‫ِ‬
‫َو َد َع ْت ََأواص ُر َب ْي َن َنا َو ُحلُ ُ‬ ‫َأس َب ُاب َها‬
‫ض ْت ْ‬ ‫ض ْت ا ْل َع َد َاوةُ َوا ْنقَ َ‬
‫َم َ‬
‫وم‬ ‫وعلَ ْي َك ِم ْن ِع ْلِم ا ْلمِل ِ‬
‫ور َأ َغُّر َو َخاتَ ٌم َم ْختُ ُ‬ ‫ُن ٌ‬ ‫يك َعاَل َم ٌة‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫األول حرفيـ " الضاد والتاء " مــرتين في كلمــتي " مضــت وانقضــت "‬ ‫فقد َّكرر في البيت َّ‬
‫ـوتي جميــل‬
‫مقترن ـاً بــورودـ حــرف " الصــاد " الــذي يشــاركه في صــفة االســتعالء‪ ،‬وهــو تالؤم صـ ٌّ‬
‫فكأنه يـ ِّ‬
‫ـردد مــع الــبيت بصــوت آخــر ليقــول‬ ‫يضــفي على موســيقىـ الــبيت جمــاال‪ ،‬وعلى معنــاه قـ َّـوة َّ‬
‫ثم ك َّـرر في الـبيت الثـاني حـرف "‬
‫من خاللها انقضـى عهـد الكفـر والغوايـة‪ ،‬وحـان وقت الهدايـة‪َّ ،‬‬
‫ست مرات في هذا الـبيت متناسـباً مـع القافيـة‪ ،‬فـالتكرار قـد‬ ‫مرات‪ ،‬وحرف " الميم " َّ‬ ‫الالم " أربع َّ‬
‫أوصل الفكرة المراد التعبـير عنهــا وهي اعتــذاره للرسـول صـلَّى اهلل عليـه وســلَّم‪ ،‬وندمــه على مـا‬
‫كان منه من الكفر ومحاربة اإلسـالم ونبيَّه الكـريم عليـه الصـالة والسـالم‪ ،‬وكيـف َّأنه لم يهت ِـد في‬
‫َّ‬
‫المدة السابقة‪.‬‬

‫() سيرة ابن هشام= السيرة النبوية‪ ،‬عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري‪ ،‬أبو محمد‪ ،‬جمال‬ ‫‪15‬‬

‫الدين (المتوفى‪213 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬مصطفى السقا وإ براهيم األبياري وعبد الحفيظ الشلبي‪ ،‬شركة مكتبةـ‬
‫ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأوالده بمصر‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪ ،‬عام‪1375 :‬هـ ‪ 1955 -‬مـ‪– 419 / 2 :‬‬
‫‪. 420‬‬
‫الر ِحم َبين َّ‬
‫الناس‪ .‬ينظر‪ :‬سيرة ابن هشام‪.419 / 2 :‬‬ ‫() األواصر‪ :‬جمع آصرة‪َ ،‬و ِهي َ‬
‫قر َابة َّ‬ ‫‪16‬‬

‫‪11‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تكرار التركيب‪:‬‬


‫َّأوال‪ :‬تكرار الكلمة ‪:‬‬
‫ـاص إلش ــاعة داللــة َّ‬
‫معينــة ولتأكي ـدـ‬ ‫ـيقي خ ـ ٍّ‬ ‫إن لتكــرار الكلمــة أهــدافاً منه ــا خل ــق جـ ٍّـو موس ـ ٍّ‬ ‫َّ‬
‫معينـة في الشـعر لهـذا الغـرض‪ ،‬ومن‬ ‫ـترخم موسـيقي‪ ،‬وقـد تتك َّـررـ عبـارات َّ‬ ‫المعاني ومصاحبتها ب ُّ‬
‫‪ :‬الوافر‬
‫(‪)17‬‬
‫أمثلته في شعر الهداية ما قاله سيِّدنا َح ْم َزة بن عبد المطَّلب رضيـ اهلل عنه‬
‫ف‬ ‫ِإلَى اِإْل ساَل ِم والد ِّْي ِن ا ْلح ِن ْي ِ‬ ‫ى فَُؤ ِادي‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ت اهللَ ح ْي َن َه َد ْ‬ ‫َح َم ْد ُ‬
‫ف‬‫َخ ِب ْي ٍر ِبا ْل ِعب ِاد ِب ِهم لَ ِط ْي ِ‬ ‫اء ِم ْن َر ٍّب َع ِز ْي ٍز‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫الد ِّْي ُن َج َ‬
‫أن نفســه وكيانــه وكـ َّـل شــيء فيــه قــد خالطتــه بشاشــة‬ ‫أثبت لنــا من تكــرار كلمــة " الــدين " َّ‬
‫ـبررا للعيش في ه ــذه الحي ــاة إال به ــذا‬ ‫ـك عن ــه بح ــال‪ ،‬وال ي ــرى م ـ ِّ‬ ‫اإليم ــان‪ ،‬وتعلَّق ب ــه‪ ،‬فه ــو ال ينف ـ ُّ‬
‫ال ــدين ال ــذي ه ــداه اهلل س ــبحانه وتع ــالىـ إلي ــه‪ ،‬فب ــدى لن ــا م ــدى عنايت ــه رض ــي اهلل عن ــه به ــذا األم ــر‬
‫صـة وذبــذبات موســيقية متقاربــة تنــبئ‬ ‫العظيم من تكــراره لــه‪ ،‬والــذي شـ َّـكل بهــذا التكــرارـ نغمــة خا َّ‬
‫عما في نفسه من شعور وفرح يغمر النفس بهذه الهداية‪ (( :‬فَ َم ْن ي ُِر ِد هللاُ َأ ْن يَ ْه ِديَهُ يَ ْش َرحْ َ‬
‫ص ْد َرهُ‬ ‫َّ‬
‫ْالم )) (‪.)18‬‬
‫لِِإْل س ِ‬
‫وهــذا مــا نجــده في قــول ح َّس ـان بن ثــابت في مــدح المهــاجرين واألنصــارـ رض ـيـ اهلل عنــه وعنهم‬
‫البسيط‬ ‫جميعا إذ قال (‪:)19‬‬
‫َأهل م ٍ‬
‫جد ِبال َندى َمتَعوا‬ ‫وازنوا َ َ‬‫َأو َ‬ ‫سبقُ ُه ُم‬
‫فاز َ‬
‫الناس َيوماً َ‬
‫َ‬ ‫ِإن َ‬
‫سابقوا‬
‫(‪)20‬‬ ‫ق َأِلدنى ِ‬ ‫ِإن َ‬
‫سبق ِهم تََبعُ‬‫َ‬ ‫فَ ُك ُّل َ‬
‫سب ٍ‬ ‫عد ُه ُم‬
‫اقون َب َ‬
‫س ّب َ‬ ‫ِ‬
‫الناس َ‬ ‫كان في‬
‫كرر كلمة " سبق " ومشتقاتها في البيـتين خمس م َّـرات‪ ،‬وذلـك لتأكيـد فضـلهمـ وسـبقهمـ‬ ‫فقد َّ‬
‫إن كان أصالة وإ ْن كان تبعا‪.‬‬ ‫كل سبق لهم ْ‬ ‫كل خير‪ ،‬حتَّى نسب َّ‬ ‫كل مكرمة‪ ،‬وفي ِّ‬‫في ِّ‬

‫النب ِويَّة اِل ْب ِن ِه َشام‪َ ،‬أبو اْلقَ ِ‬ ‫ِ‬


‫َأحمد‬
‫الر ْح َمن بن عبد اهلل بن ْ‬ ‫اسم عبد َّ‬ ‫ِّيرة َّ َ‬
‫() الروض اآلنف في شرح الس َ‬
‫‪17‬‬
‫ُ‬
‫هيلي (اْل ُمتَ ــوفَّى‪581 :‬هـ ــ)‪ ،‬تحقي ــق‪ :‬عم ــر عب ــد ال َّسـ ـاَل م السـ ـاَل ِمي‪َ ،‬دار ْ‬
‫إحَي ــاء ال ــتراث اْل َعـ َـربِ ّي‪ ،‬ب ــيروت‪،‬‬ ‫ال ُّسـ ـ ْ‬
‫الطبعة‪ :‬الطبعة األولى‪ ،‬عام‪1421 :‬هـ ‪ 2000 -‬مـ‪. 60 / 3 :‬‬
‫() سورة األنعام‪. 125 :‬‬ ‫‪18‬‬

‫() ديوان حسَّان بن ثابت‪. 156 :‬‬ ‫‪19‬‬

‫() يريد َّأنهم سبَّاقون في الخير فال يدانيهم أحد‪ .‬فهم َّ‬
‫أئمة والناس تابعون لهم‪ .‬ينظر‪ :‬ديوانه‪. 156 :‬‬ ‫‪20‬‬

‫‪12‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫البسيط‬ ‫وقال أيضا رضي اهلل عنه (‪:)21‬‬


‫َأحالم ِهم َعن َ‬ ‫ِ‬ ‫في فَ ِ‬
‫ذاك ُمتَّ َ‬
‫سعُ‬ ‫ضل‬
‫لت َجهلَ ُه ُم‬
‫حاو َ‬
‫لون َوِإن َ‬
‫جه َ‬ ‫ال َي َ‬
‫حي ِعفَّتُ ُهم‬
‫عون َوال ُيردي ِه ُم ال َ‬
‫ط َمعُ‬ ‫طم َ‬‫ال َي َ‬ ‫الو ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫َأعف ٌة ُذك َرت في َ‬
‫كـ َّـرر مشــتقات في البيــتين وهي"ـ ال يجهلــون وجهــل‪ ،‬وأعفَّة وعفَّة‪ ،‬وال يطمعــون وطمــع "‬
‫وهـــذا التكـــرار للكلمـــات المشـــتقَّة من مصـــدر واحـــد يعطي للس ــامع ح ــروفـ الج ــذر اللغــ ّ‬
‫ـوي مـــع‬
‫مما يجع ــل نوع ــا من التغي ــير الطفي ــف في الموس ــيقى‬
‫تكراره ــا بزي ــادة في الح ــروف والحرك ــات َّ‬
‫قوة لما للتكرار من تأثير مباشر في المعنى‪.‬‬ ‫فيزيدها تالؤما وتناسبا‪ ،‬وكذلك يزيد المعنى َّ‬
‫ص ال ُّس ـ ـلَ ِم ُّي‪ ،‬حِلي ـ ُ ِ‬
‫اَأْلوقَ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُأمَّيةَ رضـ ـيـ اهلل عنـــه مـــا‬ ‫ـف َبني َ‬ ‫َ‬ ‫ُأمَّيةَ ْب ِن َح ِارثَ ــةَ ْب ِن ْ‬ ‫يم ْب ُن َ‬‫وفعـــل َحك ُ‬
‫(‪)22‬‬
‫‪ :‬الطويل‬ ‫سطره حسَّان بن ثابت رضيـ اهلل عنه لذا نهج األسلوب نفسه بقوله‬
‫ش ِد ِ‬ ‫ضب ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ق قَ ِ‬ ‫َو َه ْل قَاِئ ٌل قَ ْواًل ُه َو ا ْل َح ُّ‬
‫سامعُ‬ ‫ان ل ُّلر ْ َ‬ ‫َعلَ ْيه َو َه ْل َغ ْ َ‬ ‫اع ٌد‬
‫ِ‬ ‫ْصى ا ْل َم َو ِالي َواَأْلقَ ِ‬ ‫ِ‬
‫ار ِب َجامعُ‬ ‫َأِلق َ‬ ‫يرةُ َن ْف َع ُه‬‫س ِّي ٌد تَْر ُجو ا ْل َعش َ‬‫َو َه ْل َ‬
‫ام ُم ْد ٍل َو َن ِ‬ ‫ْأت إاَّل َو ْج َه َم ْن َي ْمِل ُك ِّ‬
‫(‪)23‬‬
‫ازعُ‬ ‫َأه ُج ُر ُك ْم َما َد َ‬
‫َو ْ‬ ‫الص َبا‬ ‫تََبَّر ُ‬
‫الص ِدي ِ ِئ‬ ‫اع ِني ِم ْن َّ‬ ‫ُأسِل ُم َو ْج ِهي ِلِإْللَ ِه َو َم ْن ِط ِقي‬
‫ق َر َوا عُ‬ ‫َولَ ْو َر َ‬ ‫َو ْ‬
‫فق ــد ك ـ َّـرر في البي ــتين كلم ــة " ه ــل " مقترن ــة بح ــرف العط ــف ال ــواو فق ــال‪ " :‬وه ــل " ثالث‬
‫األول وهي" قائــل وقــوال "‪ ،‬وحــرف الهــاء مــع رقَّتــه وخفــوت‬
‫ثم كـ َّـرر مشــتقات في الــبيت َّ‬ ‫مـ َّـرات‪َّ ،‬‬
‫ص ــوته مقترن ــا بح ــرف " الالم " المرقَّق المهم ــوس‪ ،‬وح ــرف " ال ــواو " المهم ــوس أيض ــا ف ــأعطى‬
‫لتدل على ما في نفس الشاعر من معنى‪،‬‬ ‫خاصا للبيتين وهو جرس هادئ وموسيقى خفيفة َّ‬ ‫ًّ‬ ‫نغما‬
‫وهــو يريــد أن يســأل بتعجُّب وحســرة هــل بقي شــيء يمكن أن يتعلَّق بــه النــاس ويلجــأون إليــه من‬
‫ثم ينتقــل إلى إعالن هدايتــه لإلســالم وإ يمانــه باهلل ســبحانه وتعــالىـ غــير‬
‫دون اهلل ســبحانه وتعــالى‪َّ ،‬‬
‫مبال بمـا قـد يجـده من أصـحابه‪ ،‬وك ِّـل صـديق‪ ،‬فال ينفعـه إال إيمانـه‪ ،‬وإ سـالمـ وجهـه وقلبـه ولسـانه‬
‫وكل هذا اجتمع للشاعر من تكرار الكلمة التي استطاع أن يوظِّفهــا توظيفــا صــوتيًّا‬
‫لربِّه وخالقه‪ُّ ،‬‬
‫ودالليًّا في شعره‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تكرار العبارة‪:‬‬
‫اتخذ الشعراء من تكرار العبارة وسيلة لتنويع موسيقاهم ولتأكيد المعنى من خالل صورهم‪ ،‬من‬
‫مشطور الرجز‬ ‫ذلك ما جاء في قول عبد اهلل بن رواحة رضي اهلل عنه (‪:)24‬‬
‫سِم الَّذي ال ِد ْي َن إال ِد ْي ُن ُه‬
‫ِب ْ‬

‫() ديوان حسَّان بن ثابت رضي اهلل عنه‪. 157 – 155 :‬‬ ‫‪21‬‬

‫() سيرة ابن هشام‪. 289 / 1 :‬‬ ‫‪22‬‬

‫() المدلي‪ :‬اْل ُم ْرسل َّ‬


‫الدْلو‪ .‬والنازع‪ :‬الجاذب لَهَا‪ .‬ينظر‪ :‬سيرة ابن هشام‪. 289 / 1 :‬‬ ‫‪23‬‬

‫‪13‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫س ْــولُ ُه‬ ‫س ِــم الَّــذي ًم َح َّم ٌ‬


‫ــد َر ُ‬ ‫ِب ْ‬
‫ـه‬
‫س ْــولُ ُ‬‫الــشــ ِه ْــي ُـد ََّأن ُه َر ُ‬
‫َأَنــــا َّ‬
‫األول وفي الشـ ــطر الثـ ــاني‪ ،‬ولهـ ــذا‬ ‫فقـ ــد كـ ــرر الشـ ــاعر عبـ ــارة " بِ ْس ـ ـِم الَّذي " في الشـ ــطر َّ‬
‫أكد الشاعر على معنى الهداية والتعلُّق باهلل وحده ال شريك له واالســتعانة بــه‬ ‫التكرار غاياته؛ إذ َّ‬
‫محم ٍد ص ــلَّى اهلل علي ــه وعلى آل ــه وس ــلَّم وه ــذا ه ــو حقيق ــة‬ ‫في ك ـ ِّـل أم ــر‪ ،‬واإليم ــان ب ــه وبرس ــوله َّ‬
‫الهداية‪.‬‬
‫اس عند إسالمه رضي اهلل عنه (‪:)25‬‬
‫الكامل‬ ‫َّاس ْب ِن ِم ْر َد ٍ‬ ‫ومن تكرارـ العبارة قول َعب ِ‬
‫ِ (‪)26‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِئ ِ‬
‫س ِجد‬
‫َأه ُل ا ْل َم ْ‬
‫اش ْ‬ ‫يس َو َع َ‬ ‫َهلَ َك اَألن ُ‬ ‫سلَ ْيٍم ُكلِّ َها‬‫ُق ْل ل ْلقَ َبا ِل م ْن ُ‬
‫ش ُم ْهتَِدي‬ ‫َب ْع َد ْاب ِن َم ْر َي َم ِم ْن قَُر ْي ٍ‬ ‫الن ُب َّوةَ َوا ْل ُه َدى‬ ‫إن الَِّذي َو ِر َث ُّ‬ ‫َّ‬
‫الن ِب ِّي ُم َح َّم ِد‬
‫اب إلَى َّ‬ ‫قَ ْب َل ا ْل ِكتَ ِ‬ ‫ان ُي ْع َب ُد َم َّرةً‬ ‫ض َم ِ‬
‫ار َو َك َ‬ ‫َأو َدى ِ‬
‫ْ‬
‫ار " في الــبيت األول والثــالث‪ ،‬ولهــذا التكــرار غاياتــه؛ إذ َّ‬
‫أكد‬ ‫ض َم ِـ‬ ‫فقد كرر عبارة " َأو َدى ِ‬
‫ْ‬
‫محمد صــلَّى اهلل‬
‫الشاعر على تكسيره الصنم وتبرؤه منه ومن دين األصنام‪ ،‬وإ يمانه برسول اهلل َّ‬
‫نبي مرسل من عند اهلل ســبحانه‬ ‫عليه وسلَّمـ الداعي إلى عبادة اهلل تعالى وحده ال شريك له‪َّ ،‬‬
‫وأنه ٌّ‬
‫وتعالى حاله كحال عيسى بن مريم صلَّى اهلل عليهما وسلَّم‪.‬‬
‫وكذلك قال حسان بن ثابت رضي اهلل عنه (‪:)27‬‬
‫الطويل‬

‫ي َذ ِّكر لَو يلقى َخليالً م ِ‬ ‫شرةَ ِح َّج ًة‬ ‫ِ‬


‫ؤاتيا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ضع َع َ‬ ‫ثَوى في قَُر ْيش ِب َ‬
‫ؤوي ولَم ير ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫داعيا‬ ‫َفلَم َي َر َمن ُي ِ َ َ َ‬ ‫فس ُه‬
‫المواسم َن َ‬ ‫ض في َأهل َ‬ ‫عر ُ‬‫َو َي ِ‬
‫طيب َة ِ‬ ‫طم ََّأنت ِب ِه ال َنوى‬
‫راضيا‬ ‫َأصب َح َمسروراً ِب َ َ‬
‫فَ َ‬ ‫َفلَ ّما َأتانا َوِا َ‬
‫الناس ِ‬
‫باغيا‬ ‫ِ‬ ‫ريب َوال َيخشى ِم َن‬ ‫قَ ٍ‬ ‫وَأصبح ال يخشى عداوةَ ِ‬
‫ظالٍم‬ ‫َ َ‬ ‫َ ََ َ‬
‫فقــد كـ َّـرر عبــارة " لم يـ َـر "‪ ،‬و أصــبح‪ ،‬و ال يخشــى " ‪ ،‬فــأتت اآلثــار ِّ‬
‫الفنيَّة والدالليَّة من‬
‫موسيقى السياقـ الذي حمل شعراء صدر اإلسالم وهم شعراء الهداية على إثباته‪َّ ،‬‬
‫فإنه جعــل كــل‬
‫مما يجعــل أصــوات هــذه‬
‫ـوتي بعبــارات أخــرى َّ‬ ‫َّ‬
‫منهن تطــرق الســمع مـ َّـرتين بعــد فاصــل صـ ٍّ‬ ‫عبــارة‬

‫() ديوان عبد اهلل بن رواحة ودراسة في سيرته وشعره‪ ،‬د‪ .‬وليد قصاب‪ ،‬دار العلوم‪ ،‬ط‪ ،1 :‬عام‪1401 :‬‬ ‫‪24‬‬

‫هـ ‪ 1981 -‬مـ‪. 146 :‬‬


‫() ديوان عباس بن مرداس‪. 21 :‬‬ ‫‪25‬‬

‫() ضمار‪ :‬صنم كان يعبده قبل هدايته لإلسالم‪ .‬والمعنى‪ :‬هلك ضمار بعدـ أن كان يعبد قبل أن يبعث‬ ‫‪26‬‬

‫يستحق العبادة؛ إذ كيف يهلك لو كان معبودا حقًّا‪.‬‬


‫ُّ‬ ‫محمد صلَّى اهلل عليه وسلَّم‪ ،‬فعلم يقينا َّأنه ال‬
‫النبي َّ‬
‫ُّ‬
‫ينظر‪ :‬ديوانه‪. 21 :‬‬
‫() ديوان حسَّان بن ثابت‪. 286 – 285 :‬‬ ‫‪27‬‬

‫‪14‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫ويؤكد معــنى كـ َّـل عبــارة‬


‫ِّ‬ ‫العبــارات بــارزة أكــثر من غيرهــا وهــو مــا يعطي جمــاال صــوتيًّا للشــعر‪،‬‬
‫فكأنه يجعل لها حيِّزا مضاعفا من الكالم‪.‬‬ ‫مرة أخرى َّ‬ ‫برجوعها للسمع َّ‬
‫‪ :‬الطويل‬
‫(‪)28‬‬
‫ص ْر َمةُ بن أبي أنس رضي اهلل عنه‪:‬‬ ‫ال أبو قيس ِ‬ ‫وكذلك قَ َ‬
‫ْض ُل َه ِاد َيا‬
‫َأن اهللَ َأف َ‬
‫َو َن ْعلَ ُم َّ‬ ‫ش ْي َء َغ ْي ُرهُ‬
‫َأن اهللَ اَل َ‬
‫َو َن ْعلَ ُم َّ‬
‫لما كــان هــذا الــبيت هــو بيت القصــيد في شــعر الهدايــة أراد الشــاعر أن يــبيِّن طريقــة‬ ‫َّ‬
‫فإنه َّ‬
‫أهميَّة‬ ‫يكرر عبارة " ونعلم َّ‬
‫أن اهلل "‪ ،‬ليبيِّن ِّ‬ ‫مما جعله ِّ‬ ‫اإليماني الذي يمأل نفسه‪َّ ،‬‬
‫ِّ‬ ‫هدايته‪ ،‬وشعوره‬
‫عما في نفس‬ ‫مــا علمــوه ومــا هــداهم اهلل لــه من اإليمــان بــه جـ َّـل وعال‪ ،‬وهــذه داللــة ســياقيَّة تعبِّر َّ‬
‫إيماني‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫الشاعر من معنى‬

‫"التضاد "‪:‬‬
‫ّ‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬البديعيَّات‪ :‬الجناس والطباق‬

‫األول‪ :‬الجناس‪:‬‬
‫المطلب َّ‬
‫َّ‬
‫إن الجنـ ــاس من أب ـــرز عناص ـــر ص ـــور الموس ـــيقىـ الداخليَّة‪ ،‬وهـ ــو ضـ ــرب من ض ـــروبـ‬
‫ـيقي‪ ،‬وق ـدـ كــان لــه‬
‫األدبي لزيــادة الجــرس الموسـ ّ‬
‫ّ‬ ‫التكــرار الــذي اســتعان بــه المبــدعون في نتــاجهم‬
‫حض ــورـ في ش ــعراء الهداي ــة إال َّأنه قلي ــل موازن ــة بغ ــيره من أل ــوان الب ــديع وض ــروب الموس ــيقى‬
‫الداخليَّة األخ ـ ــرى‪ ،‬وه ـ ــو عب ارة عن تش ـ ــابه الكلم ـ ــتين في النط ـ ــق واختالفهمـ ـ ـاـ في المع ـ ــنى (‪.)29‬‬
‫االشتقاقي – الناقص ‪.-‬‬
‫ّ‬ ‫والجناس نوعان‪ :‬الجناس التام والجناس‬
‫(‪.)30‬‬ ‫فأما الجناس التام‪ :‬فهو اتِّفاق اللفظين في األحرف وأعدادها وهيأتها وترتيبهاـ‬
‫َّ‬
‫ـتقاقي – الن ـ ــاقص ‪ :-‬فه ـ ــو أن تتَّف ـ ــق الكلمتـ ــان في الج ـ ــذر االشـ ــتقاقيـ‬
‫وأمـ ــا الجن ـ ــاس االش ـ ـ ّ‬
‫ّ‬
‫(‪)31‬‬
‫وتختلفان في بعض من حروفهمـاـ أو حركاتهمـاـ اختالفــا يســيرا ؛ ولــذلك يسـ َّـمى هــذا النــوع من‬
‫االشتقاقي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الجناس بالجناس‬
‫ـام‬
‫أن الجنــاس التـ ّ‬ ‫ومن خالل اســتقرائي لشــعر الهدايــة في عصــر صــدر اإلســالم تــبيَّن لي َّ‬
‫نــادر جـ ًّـدا في شــعر الهدايــة‪ ،‬ولــوال ِّأني وجــدت لــه شــاهدا جيِّدا لقلت َّإنه غـير موجــودـ فيــه أصــال‪،‬‬
‫ولع ـ َّـل الس ــبب في ندرت ــه يع ــود إلى دقَّة ألفاظ ــه وحاجت ــه إلى العناي ــة الكب ــيرة في اختي ــار كلمات ــه‪،‬‬

‫() سيرة ابن هشام‪. 512 / 1 :‬‬ ‫‪28‬‬

‫() ينظــر‪ :‬مفتــاح العلــوم‪ ،‬يوســف بن أبي بكــر بن محمــد بن علي الســكاكي الخــوارزمي الحنفي أبــو يعقــوب‬ ‫‪29‬‬

‫(المتوفَّى‪626 :‬هـ)‪ ،‬ضبطه وكتب هوامشه وعلق عليه‪ :‬نعيم زرزور‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت – لبنان‪،‬‬
‫الطبعــة‪ :‬الثانيــة‪ ،‬عــام‪ 1407 :‬ه ـ ‪ 1987 -‬م ــ‪ ، 429 :‬وفنــون بالغيــة – البيــان‪ ،‬البــديع‪ ،‬د‪ .‬أحمــد مطلــوب‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،‬دار البحوث العلميَّة‪ ،‬عام‪ 1975 :‬مـ‪.224 :‬‬
‫() ينظر‪ :‬المصدر نفسه‪ ، 429 :‬وفنون بالغية‪:‬ـ ‪.224‬‬ ‫‪30‬‬

‫() ينظر‪ :‬المصدر نفسه‪ ، 429 :‬وفنون بالغية‪:‬ـ ‪. 224‬‬ ‫‪31‬‬

‫‪15‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫وهــذا مــا ال يتناســب مــع البســاطة وقــرب المأخــذ وعــدم التكلُّف الــذي هــو من أبــرز ســمات شــعر‬
‫صـلَّى اهللُ َعلَْيـ ِـه‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الهدايـة‪ ،‬وهــذا الشــاهد هو قــول رجــل من َه َـو ِاز َن‪َ ،‬يـ ْذ ُك ُر َمسـ َير ُه ْـم إلَى َر ُسـول اهلل َ‬
‫ِ ِ (‪)32‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِِ‬ ‫َّ‬
‫‪ :‬البسيط‬ ‫إساَل مه‬‫َو َسل َم َم َع َمالك ْب ِن َع ْوف َب ْع َد ْ‬
‫ات تَ ْختَ ِف ُ‬
‫ق‬ ‫َو َم ِال ٌك فَ ْوقَ ُه َّ‬
‫الر َاي ُ‬ ‫اس إ ْذ َج َم ُعوا‬‫َأ ْذ ُك ْر َم ِس َير ُه ْم ِل َّلن ِ‬

‫اج َيْأتَِل ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫(‪)33‬‬
‫ق‬ ‫َي ْو َم ُح َن ْي ٍن َعلَ ْيه التَّ ُ‬ ‫َأح ٌد‬
‫َو َمال ُك َمال ٌك َما فَ ْوقَ ُه َ‬
‫ـيقي في ُأذن المتلقي‪ ،‬فقــد اســتعمله‬ ‫تامــا‪ ،‬كــان لــه وقــع موسـ ٌّ‬ ‫نجــد في هــذين البيــتين جناســا ّ‬
‫األول وفي بدايـة الـبيت الثـاني ويريـد بـه " رجال َّ‬
‫معينـا وهـو "‬ ‫ك " في الـبيت َّ‬‫الشاعر بقوله‪ " :‬مالـ ٌ‬
‫وأمـا في موضــعها اآلخــر من الــبيت الثــاني فهي تعــني صــفة للملــك‪ ،‬أي‪َّ :‬إنه‬
‫مالــك بن عــوف "‪ّ ،‬ـ‬
‫صاحب ملك‪.‬‬
‫ـام‪،‬‬
‫لكنه أكــثر من الجنــاس التـ ّ‬ ‫ـتقاقي في شــعر الهدايــة فه ـوـ أيضــا قليــل َّ‬
‫وأمــا الجنــاس االشـ ّـ‬
‫ّ‬
‫ألنه ُيع ُّـد باعثـاً نفسـياً أصـله‬
‫لذلك آثر شعراء الهدايـة اسـتعمال الجنـاس االشـتقاقي – النـاقص ‪-‬؛ َّ‬
‫ّ‬
‫ـام فهــو أكــثر مطابقــة‬
‫وأما الجنــاس التـ ُّ‬
‫ارتيــاح النفس إليــه‪ ،‬ولهــذا الســبب نجــده على ألســنة العامــة‪َّ .‬‬
‫ـتقاقي ‪ -‬النــاقص ‪ -‬وبهــذا تتحقَّق غايــة الشــعراء من حيث التناسـقـ‬ ‫في الصــوت من الجنــاس االشـ ّ‬
‫ـتقاقي ش ــواهد متع ـ ِّـددة وهي م ــع ذل ــك قليل ــة إذا م ــا ق ــوبلت‬
‫والتواف ــق‪ ،‬ول ــذلك ك ــانت للجن ــاس االش ـ ّـ‬
‫أن كثــيرا من شــعر الهدايــة في عصـر‬ ‫بظواهر الموسـيقى الداخليَّة األخــرى‪ ،‬ولعـ َّـل هـذا يعـود إلى َّ‬
‫ـتع ّدا ل ــه من ــذ وقت س ــابق‪ ،‬والجنـــاس‬
‫صـــدر اإلســـالم كـــان وليـــد الموقـــف واللحظـــة‪ ،‬ولم يكن مس ـ َ‬
‫ـوي‪ ،‬وهــذا شــأن الشــعر‬ ‫َّ‬
‫مما يتطلب وقتاـ واستعداداـ وإ عماال للفكر‪ ،‬وبحثاـ في الرصــيد اللغـ ّ‬ ‫بنوعيه َّ‬
‫المحكك »(‪ ،)34‬وي ــروى عن زه ــير بن أبي‬ ‫َّ‬ ‫عموم ــا‪ ،‬فق ــد ق ــال الحطيئ ــة‪ « :‬خ ــير الش ــعر الح ــولي‬
‫ســلمى َّأنه عمــل ســبع قصــائدـ في ســبع ســنين وكــان يسـ ِّـميها الحوليــات‪ ،‬وق ـدـ فضــل الــرواة شــعر‬

‫() سيرة ابن هشام‪. 420 / 2 :‬‬ ‫‪32‬‬

‫() يأتلق‪ :‬يلمع‪ .‬ينظر‪ :‬سيرة ابن هشام‪. 420 / 2 :‬‬ ‫‪33‬‬

‫() البيـ ــان والتب ــيين‪،‬ـ عمـ ــرو بن بح ــر بن محب ــوب الكن ــاني بـ ــالوالء‪ ،‬اللي ــثي‪ ،‬أب ــو عثم ــان‪ ،‬الش ــهير بالجاحـــظ‬ ‫‪34‬‬

‫(المتوفى‪255 :‬هـ)‪ ،‬دار ومكتبة الهالل‪ ،‬بيروت‪ ،‬عام‪ 1423 :‬هـ‪ ، 10 / 2 :‬والشعر والشعراء‪ ،‬أبو محمد‬
‫عبد اهلل بن مسلم بن قتيبة الدينوري (المتوفى‪276 :‬هـ)‪ ،‬دار الحديث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬عام‪ 1423 :‬هـ‪/ 1 :‬ـ ‪، 78‬‬
‫والعم ــدة في محاس ــن الش ــعر وآدابه‪ ،‬أب ــو على الحس ــن بن رش ــيق الق ــيرواني األزدي (المت ــوفى‪ 463 :‬ه ـــ)‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬محمد محيي الدين عبد الحميد‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬الطبعة‪ :‬الخامسة‪ 1401 ،‬ه ـ ‪ 1981 -‬مـ‪، 201 / 1 :‬‬
‫وينظ ــر‪ :‬عي ــون األخب ــار‪ ،‬أب ــو محم ــد عب ــد اهلل بن مس ــلم بن قتيب ــة ال ــدينوري (المت ــوفَّى‪276 :‬هـ ــ)‪ ،‬دار الكتب‬
‫وسر الفصاحة‪ ،‬أبو محمــد عبــد اهلل بن محمــد بن ســعيد بن‬
‫العلمية – بيروت‪ ،‬عام‪ 1418 :‬هــ‪/ 2 :‬ـ ‪ُّ ، 198‬‬
‫سـنان الخفـاجي الحلــبي (المتــوفَّى‪466 :‬ه ــ)‪ ،‬دار الكتب العلميــة‪ ،‬الطبعــة‪ :‬األولى‪ ،‬عـام‪ 1402 :‬ه ـ ‪1982 -‬‬
‫مـ‪. 282 :‬‬

‫‪16‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫ألنه كــان يختــار األلفــاظ ويجتهـدـ في إحكــام الصــنعة (‪ ،)35‬فليس الشــعر المرتجــل كالشــعرـ‬ ‫زهــير؛ َّ‬
‫وُأعيــد فيـه النظـر‪ ،‬ومن أمثلتـه قـول أبي قيس ِ‬
‫صـ ْر َمةُ بن أبي أنس‬ ‫الذي و ِقـفـ فيــه على ك ِّـل بيت ِ‬
‫ُ‬
‫(‪)36‬‬
‫‪ :‬الطويل‬ ‫رضي اهلل عنه‪:‬‬
‫ِ (‪)37‬‬
‫َوِإ َّن َك اَل تُْب ِقي ل َنفسك َباقيا‬ ‫يرةٌ‬ ‫إن ا ْلحتُ َ ِ‬
‫وف َكث َ‬ ‫ضا َّ ُ‬ ‫طْأ ُم ْع ِر ً‬
‫فَ َ‬
‫اشتقاقي في هـذا الـبيت‪ ،‬تمثَّل في الكلمـتين‪ " :‬تبقي‪ ،‬وباقيــا "‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫نجد الشاعر قد جاء بجناس‬
‫ـام‪ ،‬كــان لــه وقــع موســيقيـ في ُأذن المتلقي؛ َّ‬
‫ألنه يتالءم بشــكل جميــل جــداً ممــا‬ ‫فهــو جنــاس غــير تـ ّ‬
‫يعطي جرساً موسـيقيًّا متتابعـاًـ يتناسـب مـع داللـة اإلقـدام‪ ،‬وعـدم الخـوف من المنيَّة وأسـبابها‪ ،‬ف َّ‬
‫ـإن‬

‫مفر لــه من هــذا األجــل (( َولِ ُكلِّ‬ ‫اإلنسان مهما حاول البقاء والخلودـ َّ‬
‫فإن له أجال هو مالقيه‪ ،‬وال َّ‬
‫ُأ َّم ٍة َأ َج ٌل فَِإذا جا َء َأ َجلُهُ ْم ال يَ ْستَْأ ِخرُونَ سا َعةً َوال يَ ْستَ ْق ِد ُمونَ )) (‪.)38‬‬
‫ـتقاقي مـ ــا قالـ ــه حمـ ــزة بن عبـ ــد المطَّلب رضـ ــي اهلل عنـ ــه في إسـ ــالمه‬
‫ومن الجنـ ــاس االشـ ـ ّ‬
‫(‪)39‬‬
‫‪ :‬الرجز‬ ‫وضربه أبا جهل‬
‫ق ِإذ ُد ِع َ‬
‫يت‬ ‫الح َّ‬
‫كت َ‬ ‫َوال تََر َ‬
‫يت‬
‫عد َما َه َو َ‬ ‫يت َب َ‬ ‫َواَل َه َو َ‬
‫ثم قال رضي اهلل عنه (‪ :)40‬الرجز‪:‬‬
‫َّ‬
‫فقد شفيت النفس وأشفيت‬
‫ـاعي‪ ،‬إذ َّ‬
‫إن هــذه الضــربات‬ ‫فقــد جــاء رضــي اهلل عنــه بهــذا الجنــاس لتعزيــز الجــانب اإليقـ ّ‬
‫اإليقاعية بتكرارـ بعض األصوات وتالؤمها تعطي صورة ذهنيَّة للمتلقي من إظهار مصرع هذا‬
‫ثم بعــد ذلــك غــدى صــريعا‪ ،‬ولم ينفعـه طغيانــه وال‬ ‫الطاغيــة الــذي كــان يتكبِّر ويمأل الغــرورـ أنفــه‪َّ ،‬‬
‫ـإن س ــيِّدنا حم ــزة بن عب ــد َّ‬
‫المطلب رضـ ـيـ اهلل عن ــه ق ــد ج ــاء به ــذا الجن ــاس‬ ‫غ ــروره وال تكبُّره‪ .‬ف ـ َّ‬

‫سر الفصاحة‪. 283 – 282 :‬‬


‫() ينظر‪ُّ :‬‬ ‫‪35‬‬

‫() سيرة ابن هشام‪. 512 / 1 :‬‬ ‫‪36‬‬

‫َأسباب اْل َم ْوت وأنواعه‪ .‬وينسب هذا البيت والذي قبله إلى ُأفنون‬
‫معرضا‪َ :‬أي متسعا‪ .‬والحتوف‪َ :‬‬ ‫ً‬ ‫() فطأ‬ ‫‪37‬‬

‫ات لَهُ‪ .‬ينظر‪ :‬سيرة ابن هشام‪. 512 / 1 :‬‬ ‫التغلبي و ُهو صر ْيم ْبن مع َش ٍر‪ِ ،‬في َْأبي ٍ‬
‫َ‬ ‫ّ َ َ َُ ُ ُ َ ْ‬
‫() سورة األعراف‪. 34 :‬‬ ‫‪38‬‬

‫() سيرة ابن اسحاق = كتاب السير والمغازي‪ ،‬محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي بالوالء‪ ،‬المدني‬ ‫‪39‬‬

‫(المتوفَّى‪151 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬سهيل زكار‪ ،‬دار الفكر – بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ ،‬عام‪1398 :‬هـ ‪-‬‬
‫‪1978‬مـ‪.172 :‬‬
‫() سيرة ابن اسحاق = كتاب السير والمغازي‪ ،‬محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي بالوالء‪ ،‬المدني‬ ‫‪40‬‬

‫(المتوفَّى‪151 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬سهيل زكار‪ ،‬دار الفكر – بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ ،‬عام‪1398 :‬هـ ‪-‬‬
‫‪1978‬مـ‪.172 :‬‬

‫‪17‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫ـتقاقي بألف ــاظ س ــهلة مستس ــاغة تجلب الس ــامع إلي ــه وتح ــدث في نفس ــه ميالً لإلص ــغاء والتل ـ ُّـذذ‬
‫االش ـ ّ‬
‫بنغمته العذبة‪.‬‬
‫الجعدي رضي اهلل عنه (‪:)41‬‬
‫البسيط‬ ‫ّ‬ ‫وكذلك قول النابغة‬
‫ِ‬
‫كان َذ ّياال‬
‫رت ذيالً َ‬
‫وشم ُ‬‫َ‬ ‫َع ّني‬ ‫ِإ ّما تَري ظُلَ َل اَأليام قَد َح َ‬
‫س َرت‬
‫فإنه قــد جــانس بين كلمــتين همــا‪ " :‬ذيال‪ ،‬وذيَّاال "‪ ،‬وكــان لهــذا الجنــاس أثــر في الموســيقى‬ ‫َّ‬
‫الداخليَّة للـ ــبيت تـ ــترك أثـ ــرا في ُأذن المتلقي‪ ،‬لمـ ــا في أصـ ــواته من تالؤمـ يعطي جرس ـ ـاًـ موسـ ــيقيًّا‬
‫متتابعـ ـاً يزي ــد من الجم ــال الص ــوتي لل ــبيت زي ــادة على جم ــال وزن ــه وقافيت ــه‪ ،‬كم ــا َّأنه يزي ــد ق ـ َّـوة‬
‫اللفظي‪ ،‬كمـا قــالوا ليــل أليــل‪ ،‬أي‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫المعنى في المبالغة في طول الذيل‪ ،‬فهو يحمــل وظيفـة التوكيـدـ‬
‫عما هـــو‬
‫طويـــل‪ ،‬أو مظلم‪ ،‬وكـــذلك جـــاء قولـــه‪ " :‬ذيال ذييَّاال "‪ ،‬أي‪ :‬ذي ــل طوي ــل‪ ،‬ق ــد زاد طول ــه َّ‬
‫معروف‪ ،‬وقد استطاع الشاعر أن ِّ‬
‫يوظف هذا الجناس‪ِّ ،‬فنيًّا ودالليًّا‪.‬‬

‫َأسلَ َم (‪:)42‬‬ ‫ِ‬ ‫ومنه قَول عب ُد ِ‬


‫اهلل ْب ُن ِّ‬
‫الكامل‬ ‫ين ْ‬‫ضا ح َ‬ ‫الزَب ْع َرىـ َْأي ً‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫وم‬ ‫ِ‬ ‫ِإ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َزلَلي‪ ،‬فَ ن َك َراح ٌم َم ْر ُح ُ‬ ‫اي كاَل ُه َما‬
‫فَا ْغف ْر ف ًدى لَ َك َوال َد َ‬
‫وم‬ ‫وعلَ ْي َك ِم ْن ِع ْلِم ا ْلمِل ِ‬
‫ور َأ َغُّر َو َخاتَ ٌم َم ْختُ ُ‬
‫ُن ٌ‬ ‫يك َعاَل َم ٌة‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫األول بين " راحم‪ ،‬ومرحــوم " وفيـ الــبيت الثــاني‬ ‫َّ‬
‫فإنه رضــي اهلل عنــه جــانس في الــبيت َّ‬
‫بين " خ ــاتم‪ ،‬ومخت ــومـ " وه ــو به ــذا ي ــأتي بموس ــيقىـ داخليَّة لك ـ ِّـل بيت خا َّ‬
‫صـ ـة ب ــه تزي ــد من جم ــال‬
‫أص ــواته وتلــ ُّـذذ األســـماع بـــه به ــذا التكـــرار القليـــل الـــذي يزي ــد من حالوة الكالم‪ ،‬ويق ـ ِّـوي ايقاع ــه‬
‫ـداخلي‪ ،‬وإ َّنمــا قيِّدتــه بــالتكرارـ القليــل احــترازا من التكــرار المفــرط الــذي يــذهب برونــق الكالم‪،‬‬
‫َّ‬ ‫الـ‬
‫مهمة في الـ ــبيت وهي تأكيـ ــد معـ ــنى‬ ‫ويطـ ــرد مـ ــاء الشـ ــعر‪ ،‬وهـ ــذا الجنـ ــاس قـ ــد َّ‬
‫أدى وظيفـ ــة دالليَّة َّ‬

‫النبي صلَّى اهلل عليه وسلَّم‪َ (( :‬وما َأرْ َس ْلناكَ ِإالَّ َرحْ َمةً لِ ْلع الَ ِمينَ )) (‪،)43‬‬
‫ُّ‬ ‫الرحمة التي يتَّصفـ بها‬

‫الجعدي رضي اهلل عنه‪ ،‬جمعه وحققه وشرحه‪ :‬د‪ .‬واضح الصمد‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫ّ‬ ‫() ديوان النابغة‬ ‫‪41‬‬

‫ط‪ ، 1 :‬عام ‪ 1998 :‬مـ‪. 122 :‬‬


‫() سيرة ابن هشام‪. 420 – 419 / 2 :‬‬ ‫‪42‬‬

‫() سورة األنبياء عليهم الصالة والسالم‪. 107 :‬‬ ‫‪43‬‬

‫‪18‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫وكــذلك التأكيــد على صــدق النبـ َّـوة والتركــيز على إظهــار أحــد دالئلهــا وهــو خــاتم النبـ َّـوة (‪ ،)44‬وفيـ‬
‫هذا المعنى جاء قول حسان ابن ثابت رضي اهلل عنه (‪:)45‬‬
‫الطويل‬

‫ويشه ُد‬ ‫يلوح‬ ‫مشهود‬ ‫من ِ‬


‫اهلل‬ ‫خاتم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َأغر عليه للنبوة ٌ‬ ‫ُّ‬
‫ـام‪ ،‬بجمــع كلمــتين من‬
‫ـتقاقي أو غــير تـ ّ‬
‫فقــد جــاء رضــي اهلل عنــه في هــذا الــبيت بجنــاس اشـ ّ‬
‫ـتقاقي واحــد مــع اختالف بنــاء كـ ِّـل كلمــة ومعناهـاـ وهمــا‪ " :‬مشــهود‪ ،‬ويشــهدـ " فــأتى بتنــاغم‬
‫جــذر اشـ ٍّ‬
‫ـوتي جميــل وجــرس عــذب فضــال عن تأكيــد المعــنى الــذي يريــده‪ ،‬وهــو مــدح رســولـ اهلل صــلَّى‬ ‫صـ ٍّ‬
‫اهلل عليه وعلى آله وسلَّم‪ ،‬وإ ظهارـ آية خاتم َّ‬
‫النبوة الذي سبقت اإلشارة إليه في الفقرة السابقة‪.‬‬
‫ـام‪ ،‬فقــد‬
‫ـتقاقي أو غــير التـ ّ‬ ‫َّ‬ ‫وبالجملــة فـ َّ‬
‫ـإن فيمــا تقــدم من األبيــات شــواهد على الجنــاس االشـ ّ‬
‫اشتقاقي واحد مع اختالف بنــاء ك ِّـل كلمـة ومعناهــا‪ ،‬وقــد‬
‫ٍّ‬ ‫استعمله الشعراء بجمع كلمتين من جذر‬
‫الصوتي‪ ،‬واإليقاعات المتكـ ِّـررة تشــكيل صــورـ في ذهن المتلقي‬
‫ّ‬ ‫استطاع الشعراء من هذا التالؤم‬
‫عند إظهار معنى معيَّن وتأكيده‪ ،‬وإ برازه بصورة واضحة جليَّة‪.‬‬

‫التضــاد – الطباق ‪:-‬‬


‫ّ‬ ‫المطلب الثاني‪:‬‬
‫التضاد – الطباق ‪ -‬ويعني الجمع بين الشيء وضـده‪ ،‬هـذا مــا جــاء على لسـان العسـكريـ‬
‫ّ‬
‫في حديثــه عن الطبــاق‪ « :‬قــد أجمــع النــاس على َّ‬
‫أن المطابقــة في الكالم‪ :‬هي الجمــع بين الشــيء‬
‫وضــ ِّـده في جـــزء من أجـــزاء الرســـالة أو الخطبـــة أو بيت من بي ــوت القص ــيدة‪ ،‬مث ــل الجمـــع بين‬
‫الســواد والبيــاض والليــل والنهــارـ ‪ ،)46( » ...‬وقــد اســتعمل شــعراء الهدايــة التضــاد في قصــائدهم‪،‬ـ‬
‫والهدف من هذا االستعمال التأكيد على معنى معين فيأتيـ بنقيضه‪ ،‬كما في قول حسَّان بن ثابت‬
‫البسيط‬ ‫رضي اهلل عنه (‪:)47‬‬
‫ِ‬
‫َأشياع ِهم َنفَعوا‬ ‫فع في‬
‫حاولوا ال َن َ‬
‫َأو َ‬ ‫ضروا َع ُد َّو ُه ُم‬ ‫وم ِإذا َ‬
‫حاربوا َ‬ ‫قَ ٌ‬

‫النبي صلَّى اهلل عليه وعلى آله وسلَّم وصــف بــه في الكتب المتقدمــة وكــان‬
‫النبوة‪ :‬هو أثر بين كتفي ّ‬
‫() خاتم َّ‬ ‫‪44‬‬

‫عالمة يعلم بها أنـه النـبي الموعـود‪ .‬مثـل بيض الحمامـة‪ .‬ينظـر‪ :‬صـحيح البخـاري= الجـامع المسـند الصـحيح‬
‫المختصر من أمور رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وسننه وأيامه‪ ،‬محمــد بن إســماعيل أبــو عبداهلل البخــاري‬
‫الجعفي‪ ،‬تحقيــق‪ :‬محمــد زهــير بن ناصــر الناصــر‪ ،‬دار طــوق النجــاة (مصــورة عن الســلطانية بإضــافة تــرقيم‬
‫محمد فؤاد عبد الباقي)‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1422 ،‬ه ـ‪ ، 49 / 1 :‬رقم الحديث‪. 190 :‬‬
‫األوالن‬
‫األول‪ .‬والبيتان َّ‬
‫() ديوان حسَّان بن ثابت‪ 101 ، 55 – 54 :‬ولم يذكر البيت األخير في الموضع َّ‬ ‫‪45‬‬

‫لم يذكرا في الموضع الثاني‪.‬‬


‫() كتاب الصناعتين‪.316 :‬‬ ‫‪46‬‬

‫() ديوان حسَّان بن ثابت‪. 156 – 155 :‬‬ ‫‪47‬‬

‫‪19‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫الخالِئ َ‬
‫ِإ َّن َ‬ ‫حدثَ ٍة‬ ‫س ِج َّي ٌة ِت َ ِ‬
‫(‪)48‬‬
‫شُّرها ال ِب َدعُ‬
‫اعلَ ْم َ‬
‫ق فَ ْ‬ ‫ير ُم َ‬
‫نهم َغ ُ‬
‫لك م ُ‬ ‫َ‬
‫(‪)49‬‬
‫يوهون ما َرقَعوا‬ ‫فاع َوال‬ ‫ند ِ‬
‫الد ِ‬ ‫ِع َ‬‫َأوهت َأ ُكفُّ ُه ُم‬
‫الناس ما َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ال َيرقَعُ‬
‫ـدوهم و أشــياعهم " و " ضـ ّـرواـ و نفعــوا " و " يرقــع و‬ ‫فقــد طــابق رضـيـ اهلل عنــه بين " عـ ّ‬
‫أوهت " و " يوهـون و رقَّعـوا " فاسـتطاع اإلتيـان بصـورة ِّفنيَّة جميلـة‪ ،‬معـبرة عن ق َّـوتهمـ وثبـاتهم‬
‫ـدوهم إن‬ ‫في األمر‪َّ ،‬‬
‫وأنهم في حـربهم يتص َّـرفون وحـدهم ال أثـر للخصـم في ذلـك فهم يض ُّـرون ع َّ‬
‫فإنهم ينفعونه‪ .‬حتَّى َّأنه أتى بلفظة " النــاس "‬
‫ممن حالفهم وشايعهم َّ‬
‫حاربوه‪ ،‬وإ ن أرادوا نفع أحد َّ‬
‫كل الناس يعجزون عن تغيير ما أرادوا‪ ،‬أو منازلتهمـ ليرسم لنا‬ ‫أن الناس َّ‬
‫بمقابلة المؤمنين ليبيِّن َّ‬
‫صــورة فريــدة في القـ َّـوة والثبــات‪ ،‬حتَّى ولــو كــان الخصــم كـ َّـل العــالم‪ .‬فيقــف النــاس كلُّهم عــاجزين‬
‫عن رقع وإ قامة ما هدمت أكفُّهم‪ ،‬وعـاجزون عن هـدم مـا أقـاموا ورفعــوا‪ ،‬هـذا مـع جمـال التالؤم‬
‫الصوتي وعذوبة الجرس في ترابط هـذه الكلمـات في الـبيت فك ُّـل واحـدة منهـا تطلب أختهـا َّ‬
‫كأنهـا‬ ‫ّ‬
‫جزء منها ال ُّ‬
‫تنفك عنها بحال‪.‬‬
‫الطويل‬ ‫ومنه ما جاء في قول عبد اهلل بن رواحة رضي اهلل عنه (‪:)50‬‬
‫َأن ما َ ِ‬ ‫ِب ِه مو ِق ٌ‬
‫قال واقعُ‬ ‫نات َّ‬ ‫لوبنا‬
‫العمى فَ ُق ُ‬ ‫عد َ‬‫الهدى َب َ‬
‫َأرانا ُ‬
‫رين الم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِإ ِ ِ‬ ‫راش ِه‬
‫بيت يجافي جنب ُه عن ِف ِ‬
‫ضاجعُ‬ ‫ذا استُثقلَت ِبالكاف َ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َي ُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِإلى ِ‬ ‫ِ‬
‫حشور ِإلَ ْيه َورا ِجعُ‬
‫ٌ‬ ‫اهلل َم‬ ‫ظ ِّن ََّأنني‬
‫يس ِبال َ‬
‫َوَأعلَ ُم علماً لَ َ‬
‫الظن "‪ ،‬فاســتطاع بهــذا أن‬
‫فقــد طــابق رضـيـ اهلل عنــه بين " الهــدى والعمى " و " العلم و ّ‬
‫يرســمـ ص ــورة ِّفنيَّة جميل ــة معبِّرة عن الهداي ــة ال ــتي جعله ــا ك ــالنورـ ال ــذي يبص ــر ب ــه اإلنس ــان‪َّ ،‬‬
‫ثم‬
‫يصـ ِّـورـ في الــبيت الثــالث صــورة إيمانيَّة تنبض باإليمــان بــالغيب والبعث والحســاب تحديــدا فــذكرـ‬
‫ثم طابقــه‬ ‫وأنه يعلم ذلك علما فجاء بــالمفعول المطلــق " علمــا ِّ‬
‫ليؤكد هــذا اإليمــان‪ ،‬وهــذا العلم َّ‬ ‫ذلك َّ‬

‫مرة أخرى‪ ،‬حتَّى تكون الصورة تشعُّ باإليمان الراســخ القـ ّ‬


‫ـوي الصــادق‪ ،‬مــع‬ ‫الظن " ِّ‬
‫ليؤكده َّ‬ ‫مع " ِّ‬
‫ـوتي رائ ــق فاله ــدى تش ــابه في بعض أص ــواتهاـ العمى فك ـ ّل واح ــدة منهم ــا تب ــدأ بص ــوت‬
‫جم ــال ص ـ ٍّ‬
‫ِّ‬
‫والظن فجمـ ـ ـ ــع إلى جمـ ـ ـ ــال‬ ‫حلقي وتنتهيـ بصـ ـ ـ ــوت األلـ ـ ـ ــف‪ ،‬وكـ ـ ـ ــذلكـ التالؤم حاصـ ـ ـ ــل بين العلم‬
‫ٍّ‬
‫الموسيقى جمال المعنى‪.‬‬
‫‪ :‬الطويل‬
‫(‪)51‬‬
‫اس رضي اهلل عنه‬ ‫َّاس ْب ِن ِم ْر َد ٍ‬
‫وقال َعب ِ‬

‫وكل محدثة‬ ‫() سجيَّة‪ :‬طبيعة ال تكلُّف فيها‪ .‬الخالئق‪ :‬األخالق‪ُّ ،‬‬
‫وشر األمورـ محدثاتها‪ُّ ،‬‬ ‫‪48‬‬

‫بدعة‪ .‬ينظر‪ :‬ديوانه‪. 156 :‬‬


‫قوتهم‪ .‬ينظر‪ :‬ديوانه‪. 156 :‬‬
‫() أوهت‪ :‬هدمت‪ ،‬وهو كناية عن َّ‬ ‫‪49‬‬

‫() ديوان عبد اهلل بن رواحة رضي اهلل عنه‪. 94 – 93 :‬‬ ‫‪50‬‬

‫() ديوان عبَّاس بن مرداس‪. 120 ، 22 :‬‬ ‫‪51‬‬

‫‪20‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫المالِئكا‬
‫جيب َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َوآخَر َمبعوث ُي ُ‬
‫رقان ََّأو َل ِ‬
‫شاف ٍع‬ ‫َأميناً َعلى الفُ ِ‬
‫نجده رضـيـ اهلل عنـه قـد طــابق بين " َّأول وآخــر "‪ ،‬فاسـتطاعـ بهــذا أن يجمـع بين وصـفين‬
‫ـبي صــلَّى اهلل عليــه وســلَّم‪ ،‬وهمــا َّأول شــافع‪ ،‬وآخــر مبعــوث‪ ،‬وهمــا من خصائصــه‬
‫من صــفات النـ ِّ‬
‫الــتي ليســت لغــيره عليــه الصــالة والســالم‪ ،‬فأضــفى جمــاال ورونقـاـ على صــورته‪ ،‬وزاد من إيقــاع‬
‫إضافي في داخله فضال عن موسيقاه األخرى‪.‬‬ ‫ٍّ‬ ‫ببث جرس‬ ‫البيت ِّ‬
‫(‪)52‬‬
‫‪ :‬البسيط‬ ‫وكذلك قال حسَّان بن ثابت في مدح المهاجرين واألنصارـ رضيـ اهلل عنهم‬
‫(‪)53‬‬
‫جاه ٍد َج َدعوا‬
‫ق لَهم نالوا َكرامتَ ُه و ِمن ع ُد ٍّو علَي ِهم ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫صدي ٍ ُ‬
‫ِ‬
‫َكم من َ‬
‫ـدو " فك ــانت موس ــيقى ال ــبيت ت ـ َّ‬
‫ـترددـ بين الص ــداقة والع ــداوة‬ ‫فق ــد ط ــابق بين " ص ــديقـ وع ـ ّ‬
‫ـاد " يضــفي‬
‫ـدوهم‪ ،‬فكــان الطبــاق " التضـ ّ‬
‫ليزيــد من قـ َّـوة المعــنى في وفــائهمـ لصــديقهم‪ ،‬وقطعهم لعـ ِّ‬
‫قوة ووضوحاـ من جانب آخر‪.‬‬ ‫جماال موسيقيًّا من جانب‪ ،‬ويزيدـ المعنى َّ‬
‫ـاد مــا قالــه حســان بن ثــابت رض ـيـ اهلل عنــه أيضــا يمــدح قومــه‬
‫ومن أروعـ شــواهدـ التضـ ّـ‬
‫(‪)54‬‬
‫‪ :‬الطويل‬ ‫األنصار رضي اهلل عنهم‬
‫فَحربهم َخ ٌ ِ‬
‫سه ُل‬
‫لم ُه ُم َ‬
‫وف َوس ُ‬ ‫َ ُ ُُ‬ ‫ش ِّبهوا‬
‫حاربوا َأو سالَموا لَم ُي َ‬‫ِإذا َ‬
‫فإنه رض ــي اهلل عنــه ط ــابق بين " ح ــاربوا وس ــالموا‪ ،‬وحــرب وســلم‪ ،‬وخ ــوف وســهل " "‪،‬‬ ‫َّ‬
‫فأبــدع وأجــادـ َّأيمــا إجــادة قلَّمــا تتَّفــق لشــاعر وهي أن يطــابق ثالثــة مطابقــات في بيت واحــد‪ ،‬وإ َّنه‬
‫رضــي اهلل عنــه في بيتــه هــذا يشــبه تشــبيه امــرئ القيس الــذي كــان النــاس يســتجيدونه؛ َّ‬
‫ألنه شــبَّه‬
‫شيئين بشيئين في بيت واحد‪ ،‬وتبعه ب َّشـار بن بـرد كـذلك فشـبَّه شـيئين بشـيئين في بيت واحـد‪ ،‬إال‬
‫لكنه أتى بثالث مطابقــات كمــا تقـ َّـدم‪َّ ،‬‬
‫فأما‬ ‫أن ح َّس ـان ابن ثــابت رضــي اهلل عنــه طــابق ولم يشــبِّه‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫الطويل‬ ‫تشبيه امرئ القيس فهو قوله (‪:)55‬‬
‫ف البالي‬
‫شُ‬‫الح َ‬
‫اب َو َ‬
‫الع ّن ُ‬ ‫لَدى َو ِ‬
‫كرها ُ‬ ‫ير َرطباً َويا ِبساً‬
‫طِ‬ ‫لوب ال َ‬
‫َأن ُق َ‬
‫َك َّ‬
‫فشـبَّه الـرطب من قلـوب الطـير بالعنـاب‪ ،‬وشـبه اليـابس والقـديم من قلـوب الطـير بالحشـف‬
‫وهو البالي من التمر ورديئه (‪.)56‬‬
‫الطويل‬
‫وأما تشبيه َّ‬
‫بشار بن برد فهو قوله (‪:)57‬‬ ‫َّ‬

‫() ديوان حسَّان بن ثابت‪. 157 – 155 :‬‬ ‫‪52‬‬

‫() جدعوا‪ :‬قطعوا‪ .‬ينظر‪ :‬ديوانه‪. 156 :‬‬ ‫‪53‬‬

‫() ديوان حسَّان بن ثابت‪. 206 – 205 :‬‬ ‫‪54‬‬

‫محمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬ط‪ ، 5 :‬دار المعارف ‪ -‬القاهرة‪. 38 :‬‬


‫() ديوان امرئ القيس‪ ،‬تحقيق َّ‬ ‫‪55‬‬

‫() ينظر ديوان امرئ القيس‪. 38 :‬‬ ‫‪56‬‬

‫محمد الطاهر بن‬ ‫() ديوان َّ‬


‫بشر بن برد‪ ،‬جمع وتحقيق وشرح فضيلة العالمة سماحة األستاذ اإلمام الشيخ َّ‬ ‫‪57‬‬

‫عاشور‪ ،‬صدر عن وزارة الثقافة بمناسبة الجزائر عاصمة الثقافة العربيَّة‪ ،‬عام‪ 2007 :‬مـ‪. 335 / 1 :‬‬

‫‪21‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫وَأسيافَنا َلي ٌل تَهاوى َك ِ‬


‫واك ُبه‬ ‫وق ُرُؤ ِس ِهم‬
‫قع فَ َ‬
‫ثار ال َن ِ‬
‫َ‬ ‫َأن ُم َ‬‫َك َّ‬
‫ـركب‪.‬‬‫فشبَّه مثار النقع وهو التراب بالليل والسيوفـ بــالكواكب المتهاويــة‪ ،‬فجـاء بتشــبيه م َّ‬
‫تمكن هـــؤالء الشـــعراء‪ ،‬وعل ـ ِّـو كعبهم‪ ،‬ورس ــوخـ ش ــعرهم‪ ،‬وســـعة‬‫ـدل على ُّ‬ ‫وهـــذه المقـــدرة َّإنمـــا تــ ُّ‬
‫مقدرتهم اللغويَّة ِّ‬
‫والفنيَّة‪.‬‬
‫ـاري رضـيـ اهلل عنــه أن يجمــع بين ثالث متضـ َّ‬
‫ـادات‬ ‫وقـدـ اســتطاع ح َّسـان بن ثــابت األنصـ ّـ‬
‫في بيت واحد‪ ،‬فأضفى منها جماال ورونقـا على الصــورة الــتي أراد أن يعبِّر عنهـا وهي شــجاعة‬
‫مما‬
‫ـافي في داخلــه َّ‬ ‫األنصــار‪ ،‬وبهــذا الطبــاق " التضــاد " قــد زاد من إيقــاع الــبيت ِّ‬
‫ببث جــرس إضـ ٍّ‬
‫خاصا في اآلذان‪.‬‬‫ّ‬ ‫جعل لموسيقاه وقعاـ‬
‫ـاد؛ إلظهــار مشــاعرهم وعــواطفهم‪،‬‬ ‫ويمكن القــول َّ‬
‫أن شــعراء الهدايــة قــد أكــثروا من التضـ ّ‬
‫ـيقي زيــادة في جمــال‬
‫وللتــأثير في النفس‪ ،‬ولزيــادة رســوخـ المعــنى وتأكيــده‪ ،‬وإلضــفاء جمــال موسـ ٍّ‬
‫الصوتي لشعرهم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الجرس‬

‫الرد والمشاكلة بين المصراعين‪:‬‬


‫المبحث الثالث‪ّ :‬‬
‫األول‪ :‬رد العجز على الصدر‪:‬‬
‫المطلب َّ‬
‫مقوماتهــا‪ ،‬فهــو‬
‫ومقوم ـاـ من أهم ِّ‬
‫ـديعي لونــا من ألــوان الموســيقى الداخليَّة ِّ‬ ‫يعـ ُّـد هــذا ُّ‬
‫الفن البـ ُّ‬
‫يزيد الموسيقى اللفظية من خالل التكرار النغمي الذي يــراد بــه تقويــة الجــرس‪ ،‬وهــو ضــرب من‬
‫النغمي‬
‫ّ‬ ‫ـوتي والتالؤم‬
‫التجــنيس الصــوتي ونــوعـ من أنــواع التكــرار‪ ،‬يــؤتى بــه لزيــادة الجمــال الصـ ّ‬
‫للموســيقىـ الداخليَّة للــبيت‪ ،‬وتأكيــد المعــنى وقـ َّـوة داللــة الــبيت‪ ،‬وق ـدـ اتَّفــق على تســميته التــبريزي‬
‫(‪)58‬‬
‫الرد في موضعين‪:‬‬ ‫والبغدادي بـ « ِّ‬
‫رد الكالم على صدره » ‪ ،‬ويكون هذا ّ‬
‫أحدهما يقع في آخر البيت‪.‬‬

‫() ينظر‪ :‬المصدر نفسه‪.2/3 :‬‬ ‫‪58‬‬

‫‪22‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫األول‪ ،‬أو في حش ـ ـ ــوه أو في آخ ـ ـ ــره أو في ص ـ ـ ــدر‬


‫إما في ص ـ ـ ــدر المص ـ ـ ــراع َّ‬
‫واآلخ ـ ـ ــر‪َّ :‬‬
‫المصراع الثاني(‪.)59‬‬
‫ضم شعر الهداية أمثلة من هذه األنواع‪ ،‬من ذلك ما قاله ح َّسـان بن ثـابت رضـيـ اهلل‬
‫وقدـ َّ‬
‫البسيط‬ ‫عنه (‪:)60‬‬
‫(‪)61‬‬
‫يوهون ما َرقَعوا‬ ‫فاع َوال‬ ‫ند ِ‬
‫الد ِ‬ ‫ِع َ‬ ‫َأوهت َأ ُكفُّ ُه ُم‬
‫الناس ما َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ال َيرقَعُ‬
‫فمن كلمــة " يرقــع " الــتي افتتح بهــا الــبيت واختتمــه بكلمــة " رقعــوا " أضــفى نغمـاً منتظمـاً‬
‫ـاص‪،‬‬‫ـأدى هــذا التكــرار إلى إحــداث الجــرس النغمي خـ ّ‬ ‫بتكــرار الكلمــة في صــدر الــبيت وعجــزه فـ َّ‬
‫َّ‬
‫أدى إلى تقوية المعــنى بإظهـارـ شــجاعة الممـدوحين وثبـاتهم‪،‬ـ زاد من ق َّـوة المعــنى وتوكيــد داللتـه‬
‫قوتهمـ في الحالتين‪ :‬الرقع والهدم‪ ،‬فرفعهمـ راسخ ثابت ال يستطيع أحــد أن يهدمــه أو يزيلــه‪،‬‬
‫على َّ‬
‫أن هدمهم شديد ليس ألحد أن يصلحه‪.‬‬ ‫كما َّ‬
‫‪ :‬الطويل‬
‫(‪)62‬‬
‫ص ْر َمةُ بن أبي أنس رضي اهلل عنه‬ ‫وكذلك قال قيس ِ‬
‫(‪)63‬‬ ‫ت اِل س ِم َك َد ِ‬
‫اع َيا‬ ‫وك ِفي ُك ِّل َب ْي َع ٍة‬
‫تََب َار ْك َت قَ ْد َأ ْكثَْر ُ ْ‬ ‫َأقُو ُل إ َذا َْأد ُع َ‬
‫ـرد قافيــة الــبيت وهي " داعيــا " على حشــو صــدر الــبيت " أدعــوك " فــزاد جــرس الــبيت‬ ‫فـ َّ‬
‫أكد المعــنى الــذي أراد وهــو االلتجــاء إلى اهلل ســبحانه وتعــالى في‬ ‫قـ َّـوة موســيقاه الداخليَّة‪ ،‬كمــا َّأنه َّ‬
‫صـ ـ ـ ْر َمةُ بن أبي أنس رض ـ ــي اهلل عن ـ ــه في القص ـ ــيدة‬ ‫ثم ق ـ ــال أب ـ ــو قيس ِ‬ ‫ك ـ ـ ِّـل وقت وفي ك ـ ـ ِّـل أمر‪َّ ،‬‬
‫(‪)64‬‬
‫‪ :‬الطويل‬ ‫نفسها‪:‬‬
‫ِ (‪)65‬‬
‫إ َذا ُه َو لَ ْم َي ْج َع ْل لَ ُه اهللُ َواق َيا‬ ‫ف َيتَّ ِقي‬
‫فواهلل َما َي ْد ِري ا ْلفَتَى َك ْي َ‬
‫هن ــا تعلقت قافي ــة ال ــبيت وهي " واقي ــا " بض ــرب ال ــبيت " يتَّقي " فضـ ـالً عن تك ــرار لف ــظ‬
‫الجالل " اهلل " ب ــالبيت‪ ،‬وإ ن ه ــذا التعل ــق ق ــد َكـ َّـون أنغامــاً موس ــيقية موزع ــة بالتس ــاويـ بين ص ــدر‬
‫مما زاد في موســـيقاه الداخليَّة‪ ،‬وزاد معن ــاه توكي ــدا‪ ،‬ورس ــوخا‪ ،‬فاهلل وحـــده هـــو‬ ‫الـــبيت وعجـــزه‪َّ ،‬‬

‫() ينظر‪ :‬منهاج البلغاء وسراج األدباء‪ .280 :‬وينظر‪ :‬اإليضاح في علوم البالغة‪ ،‬محمد بن عبد الرحمن‬ ‫‪59‬‬

‫ابن عمر‪ ،‬أبو المعالي‪ ،‬جالل الدين القزويني الشافعي‪ ،‬المعروف بخطيب دمشق (المتوفَّى‪739 :‬هـ)‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬محمد عبد المنعم خفاجي‪ ،‬دار الجيل – بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة‪. 300 :‬‬
‫() ديوان حسَّان بن ثابت‪. 157 – 155 :‬‬ ‫‪60‬‬

‫قوتهم‪ .‬ينظر‪ :‬ديوانه‪. 156 :‬‬


‫() أوهت‪ :‬هدمت‪ ،‬وهو كناية عن َّ‬ ‫‪61‬‬

‫() سيرة ابن هشام‪. 512 / 1 :‬‬ ‫‪62‬‬

‫ص َارى‪ .‬ينظر‪ :‬سيرة ابن هشام‪. 512 / 1 :‬‬ ‫الن َ‬‫اَألصل‪ :‬متعبد َّ‬
‫ْ‬ ‫() ُي ِريد بالبيعة‪:‬ـ اْل َم ْس ِجد‪َ .‬و ِهي ِفي‬ ‫‪63‬‬

‫() سيرة ابن هشام‪. 512 / 1 :‬‬ ‫‪64‬‬

‫() ينسب هذا البيت إلى ُأفنون التغلبي صر ْيم ْبن مع َش ٍر‪ِ ،‬في َْأبي ٍ‬
‫ات لَهُ‪ .‬ينظر‪ :‬سيرة ابن هشام‪/ 1 :‬‬ ‫‪65‬‬
‫َ‬ ‫ّ َُ ُ ُ َ ْ‬
‫‪. 513‬‬

‫‪23‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫الحاف ـظـ وهــو العاصــم‪ ،‬وإ ذا لم يلتجئ العبــد إليــه فقــد غــوى وضـ َّـل‪ (( :‬قُلْ ِإنِّي لَ ْن ي ُِجي َرنِي ِمنَ هللاِ‬
‫َأ َح ٌد َولَ ْن َأ ِج َد ِم ْن دُونِ ِه ُم ْلتَ َحداً )) (‪.)66‬‬
‫البسيط‬ ‫وكذلك قول كعب بن زهير رضي اهلل عنه فقال (‪:)67‬‬
‫از ْي ًعا ِإ َذا ِن ْيلُوا‬
‫سوا َم َج ِ‬
‫قَ ْو ًما َولَ ْي ُ‬ ‫ون ِإ َذا َنالَ ْت ِر َم ُ‬
‫اح ُه ْم‬ ‫اَل َي ْف َر ُح َ‬
‫تعلَّقت قافيـ ــة الـ ــبيت وهي " نيلـ ــوا " بحشـ ــو صـ ــدره " نـ ــالت " فأضـ ــفىـ نغمـ ــة زائـ ــدة على‬
‫مما جعــل الموســيقى‬
‫موســيقى الــبيت‪ ،‬وظهــر مترابــط األجــزاء يطلب َّأولــه آخــره‪ ،‬وآخــره َّأولــه‪َّ ،‬‬
‫ـرد‪ ،‬كم ــا َّ‬
‫أن أثره ــا‬ ‫خلوه ــا من ه ــذا ال ـ ّ‬
‫الداخليَّة لل ــبيت ت ــزداد جم ــاال وعذوب ــة أك ــثر منه ــا في ح ــال ِّ‬
‫واضح في داللة البيت‪ ،‬فتكرار مشتقات " النيل " يعطي تأكيدا لهذا المعـنى في حالـة نيلهم‪ ،‬وفي‬
‫ان قت ــالهم يختل ــف عن غ ــيره فهم اتَّخ ــذوا من ــه وس ــيلة ال‬
‫مما ي ــبيِّن َّ‬
‫حال ــة ص ــبرهم إن ني ــل منهم‪َّ ،‬‬
‫ـدوهم ال‬
‫ألن مقصــدهمـ هــو هدايتــه ال قتلــه‪ ،‬وإ ن أصــابهم عـ َّ‬ ‫عدوهم ال يفرحون؛ َّ‬ ‫غاية‪ ،‬إن أصابواـ َّ‬
‫ألن مقصـدهم ليس االنتقــام وال الثــأر وال التشـفِّي‪ ،‬بــل طلب األجـر من‬ ‫يجزعـون‪ ،‬بـل يصـبرون؛ َّ‬
‫الموسيقي توظيفا ِّفنيًّا ودالليًّا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬وبهذا وظَّفـ الشاعر هذا اللون‬
‫(‪)68‬‬
‫‪ :‬البسيط‬ ‫وكذلك قول حسَّان بن ثابت رضي اهلل عنه‬
‫ِ‬ ‫ِإذا تَفََّرقَ ِت‬ ‫وم رسو ُل ِ‬
‫اَألهواء َوالش َيعُ‬
‫ُ‬ ‫ش ْي َعتُ ُه ْم‬
‫اهلل ْ‬ ‫َأكرم ِبقَ ٍ َ‬
‫ِ‬
‫تعلَّق ضرب البيت وهـو " الشــيع " بعروضـه وهـو " شــيعتهم " فــزاد من موســيقى الــبيت‪،‬‬
‫مما جعل الموسيقىـ الداخليَّة‬
‫وظهر مترابطـ األجزاء يطلب عروضه ضربه‪ ،‬وضربه عروضه‪َّ ،‬‬
‫كأنه مقفًّى من غ ــير تقفي ــة‪ ،‬وذل ــك بتك ــرارـ م ـ َّ‬
‫ـادة " ش ــيع " في‬ ‫لل ــبيت ت ــزداد جم ــاال وعذوب ــة‪ ،‬فب ــدا َّ‬
‫ـامين من الــبيت همــا العــروض والضــرب‪ ،‬فــزادـ من جمــال أصــواته‪ ،‬وأوضــح عذوبــة‬ ‫مــوقعين هـ َّ‬
‫جرســه‪ ،‬وزاد من قـ َّـوة داللتــه ووضــوحهاـ في تعلُّق المؤمــنين برســول اهلل صــلَّى اهلل عليــه وعلى‬
‫آلــه وس ــلَّم ووالئهمـ لــه وتم ُّس ـكهم بــه‪ ،‬وإ ن تف ـ َّـرقت بالنــاس األه ــواء والــوالءات‪ ،‬ولن ــا أن نتصـ َّـور‬
‫َّ‬
‫ولكن الشــاعر أجــاد‬ ‫الرد فنجده حينهــا أضــعف معــنى‪ ،‬وأقـ ُّـل وقعـاـ في النفس‪،‬‬
‫البيت خاليا من هذا ِّ‬
‫في توظيفه هذا الضرب من الموسيقى الداخليَّة‪.‬‬
‫‪ :‬الوافر‬
‫(‪)69‬‬
‫ومثله قول سيِّدنا َح ْم َزة بن عبد المطَّلب رضيـ اهلل عنه‬
‫ِب ِه َفج َزى ا ْلقَباِئ َل ِم ْن ثَ ِق ِ‬
‫يف‬ ‫ص َن َع ْت ثَ ِق ٌ‬
‫يف‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َوقَ ْد ُخ ّب ْر َت َما َ‬

‫الجن‪. 22 :‬‬
‫() سورة ّ‬
‫‪66‬‬

‫ري‪ ،‬شرح ودراسة د‪ .‬مفيد قميحة‪،‬‬ ‫َّ‬


‫() ديوان كعب بن زهير رضي اهلل عنه‪ ،‬صنعة اإلمام أبي سعيد السك ّ‬
‫‪67‬‬

‫دار الشواف‪ ،‬الرياض – المملكة العربيَّة السعوديَّة‪ ،‬دار المطبوعات الحديثة‪َّ ،‬‬
‫جدة ‪ -‬المملكة العربيَّة‬
‫السعوديَّة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬عام‪ 1410 :‬هـ ‪ 1989 -‬مـ‪. 116 :‬‬
‫() ديوان حسَّان بن ثابت رضي اهلل عنه‪. 157 :‬‬ ‫‪68‬‬

‫‪24‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫اهم صوب ا ْل َخ ِر ِ‬
‫يف‬ ‫شر ج َز ِ‬
‫اء قَ ْوٍم‬ ‫إلَ ُه ال ّن ِ‬
‫َأسقَ ُ ْ َ ْ َ‬
‫َواَل ْ‬ ‫اس َ ّ َ‬
‫فقــد تعلَّق ضــرب الــبيت وهــو " ثقيــف " بعروضــه وهــو " ثقيــف " فجعــل موســيقى الــبيت‬
‫أن أجزاء البيت ازدادت ترابطــا يطلب عروضــه ضــربه‪ ،‬وضــربه عروضــه‪،‬‬ ‫أقوى وأجمل‪ ،‬كما َّ‬
‫وهــذا من دواعي قـ َّـوة الموســيقى الداخليَّة‪ ،‬كمــا َّأنه يــؤثِّرـ في داللــة الــبيت فتكــرار كلمــة " ثقيــف "‬
‫يؤكد على عظم جــرم ثقيــف في‬ ‫في العــروض والضــربـ يعطي داللــة إضــافيَّة لمعــنى الــبيت فهـوـ ِّ‬
‫إخــراج رســول اهلل صــلَّى اهلل عليــه وعلى آلــه وســلَّم من الطــائف‪َّ ،‬‬
‫وأن فعلهم هــذا يســتحقُّون عليــه‬
‫شر جزاء من اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫َّ‬
‫رد العجـ ـ ــز على الصـ ـ ــدر في صـ ـ ــدر المصـ ـ ــراعـ الثـ ـ ــاني قـ ـ ــول َعب ِ‬
‫َّاس ْب ِن‬ ‫ومما جـ ـ ــاء من ّ‬
‫َّ‬
‫‪ :‬الطويل‬
‫(‪)70‬‬
‫اس رضي اهلل عنه‬ ‫ِم ْر َد ٍ‬
‫َأنصار لَ ُه ما ُأولَِئكا‬
‫ٌ‬ ‫ُأولَِئ َك‬ ‫اَألوس َحولَ ُه‬
‫ُ‬
‫وتَركي رسو َل ِ‬
‫اهلل َو‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مما أعطى الموســيقى الداخليَّة‬ ‫بأول العجز " أولئك "‪َّ ،‬‬ ‫تعلَّقت قافية البيت وهي " أولئكا " َّ‬
‫ـرد‪ ،‬كمـا َّأنه زاد من داللـة الـبيت‪،‬‬ ‫خلوهـا من هـذا ال ّ‬ ‫للـبيت زيـادة في جرسـها أكـثر منهـا في حـال ِّ‬
‫وهي الداللــة على فضــل األنصــار رضــي اهلل عنهم وعلـ ِّـو مــنزلتهم وفضــلهم وســبقهم في نصــرة‬
‫الفن ّي والتوكيــد اللفظي من التكـرار‬ ‫رسول اهلل صلَّى اهلل عليه وعلى آله وسلَّم فجمـع بين الجمـال ِّ‬
‫رد العجز على الصدر‪.‬‬ ‫موسيقي واحد وهو ِّ‬‫ٍّ‬ ‫بلون‬
‫(‪)71‬‬
‫‪ :‬البسيط‬ ‫ومثله قول حسَّان بن ثابت رضيـ اهلل عنه‬
‫عون َوال ُيردي ِه ُم ال َ‬
‫ط َمعُ‬ ‫طم َ‬
‫ال َي َ‬ ‫حي ِعفَّتُ ُهم‬
‫الو ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫َأعف ٌة ُذك َرت في َ‬
‫مما زاد في جمــال‬ ‫ـأول العجــز " ال يطمعــون "‪َّ ،‬‬ ‫فقــد تعلَّقت قافيــة الــبيت وهي " الطمــع " بـ َّ‬
‫ـرد‪ ،‬ف ــأجزاء ال ــبيت مترابط ــة‪،‬‬
‫خلوه ــا من ه ــذا ال ـ ّ‬
‫الموس ــيقىـ الداخليَّة لل ــبيت أك ــثر منه ــا في ح ــال ِّ‬
‫مما جعــل الــبيت يفيض عذوبــة وجمــاال صــوتيًّا‪،‬ـ كمــا َّأنه زاد من داللــة الــبيت‪،‬‬ ‫وجرســها متالئم‪َّ ،‬‬
‫وهي الداللـــة على عفَّة المهـــاجرين واألنصـــار رضـــي اهلل عنهم وك ــرمهم‪َّ ،‬‬
‫وأن الطم ــع ليس من‬
‫ـرد العجــز على الصــدر‪ ،‬فــأظهر ســالمتهم من الطمــع‪،‬‬ ‫صــفاتهم‪ ،‬فاســتطاعـ أن ِّ‬
‫يؤكد هــذا المعــنى بـ ّ‬
‫وأوصدـ الباب في وجه الطمع من أن يجد لنفوسهمـ رضي اهلل عنهم طريقا‪ ،‬فاسـتطاع أن يوظِّف‬
‫رد العجز على الصدر دالليًّا كما وظَّفه ِّفنيًّا‪.‬‬
‫الموسيقي وهو ِّ‬
‫ٍّ‬ ‫هذا اللون‬

‫() الروض اآلنف‪ ، 60 - 59 / 3 :‬واألبيات األربعة األول في سيرة ابن إسحاق =‬ ‫‪69‬‬

‫األوالن في الوافي بالوفيات‪. 104 / 13 :‬‬


‫السير والمغازي‪ ، 93 :‬والبيتان َّ‬
‫() ديوانه‪. 120 ، 22 :‬‬ ‫‪70‬‬

‫() ديوان حسَّان بن ثابت رضي اهلل عنه‪. 156 :‬‬ ‫‪71‬‬

‫‪25‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫رد العجــز على الصــدرـ في حشــو المصــراع الثــاني قــول ح َّسـان بن ثــابت‬ ‫ومما جــاء من ّ‬ ‫َّ‬
‫(‪)72‬‬
‫‪ :‬البسيط‬ ‫رضي اهلل عنه‬
‫ِ‬
‫َأشياع ِهم َنفَعوا‬ ‫فع في‬
‫حاولوا ال َن َ‬
‫َأو َ‬ ‫ضروا َع ُد َّو ُه ُم‬ ‫وم ِإذا َ‬
‫حاربوا َ‬ ‫قَ ٌ‬
‫رد قافية البيت " نفعوا " على حشو المصـراعـ الثـاني " النفــع " فـزادـ في موســيقى الــبيت‪،‬‬ ‫َّ‬
‫بــأن ربــط بين القافيــة والــبيت‪ ،‬فكـ َّ‬
‫ـأن الــبيت يطلب قافيتــه‪ ،‬والقافيــة تطلب الــبيت‪ ،‬لمــا بينهمــا من‬
‫الفن ّي بمعـزل عن التوظيـف الـداللي‪،‬‬ ‫ـوتي‪ ،‬وجمـال في جرسـها‪ ،‬ولم يكن هـذا التوظيـفـ ِّ‬ ‫تالؤم ص ٍّ‬
‫ب ــل نج ــد له ــذا الل ــون من الموس ــيقىـ الداخليَّة وظيف ــة دالليَّة وهي زي ــادة ق ـ َّـوة المع ــنى ال ــذي يري ــده‬
‫األولين من المهاجرين واألنصــار رضـيـ اهلل عنهم أقويــاءـ اشــداَّء‬ ‫فإن المؤمنين َّ‬‫الشاعر وتوكيده‪َّ ،‬‬
‫ـدوهم‪ ،‬وإ ْن أرادوا النفـ ــع لمن حـ ــالفهم وشـ ــايعهمـ فـ ـ َّ‬
‫ـإنهمـ ينفعونـ ــه‪ ،‬فجعـ ــل األمـ ــر‬ ‫حـ ــربهم تضـ ـ ُّـر بعـ ـ ِّ‬
‫ـدوهم‪،‬‬ ‫إن أرادوا هم فعلــوا‪ ،‬ال يثــنيهم عن ذلــك عـ ُّ‬ ‫ـدوهم‪ ،‬بــل ْ‬
‫مقتصــرا عليهم من غــير ذكــر أثــر لعـ ِّ‬
‫ـيقي زاد الشــاعر من جمــال بيتــه ِّ‬
‫الفن ّي‪ ،‬وتوكي ــد المعــنى الــذي‬ ‫وال يعجــزهم‪ ،‬وبهــذا اللــون الموسـ ِّ‬
‫وقوة داللته‪.‬‬
‫أراده َّ‬
‫المطلب الثاني‪ :‬المشاكلة بين المصراعين‪:‬‬
‫‪ -‬التقفية والتصريع والتخميع ‪:-‬‬
‫من جماليَّات الموســيقى الداخليَّة المشــاكلة بين المصــراعين وأكــثر مــا يكونــان في الــبيت‬
‫األول " العــروض " مثــل قافيتــه " الضــرب "‪ ،‬وقــد‬
‫األول من القصــيدة فيكــون آخــر شــطر الــبيت َّ‬
‫َّ‬
‫كــان الفحــول المجيــدين من الشــعراء القــدماء والمحــدثين يتوخــون ذلــك ويكــادون ال يعــدلون عنــه‪،‬‬
‫وربمــا صــرعوا أبياتـاً أخــرى من القصــيدة بعــد الــبيت األول‪ ،‬وال يكــون عيبــا‪ ،‬بــل هــو دليــل على‬
‫صـة‬
‫البالغة والصنعة واقتدارـ الشـاعر وسـعة بحـره‪ .‬ويسـتحب أن يكـون ذلـك عنـد الخـروج من ق َّ‬
‫صـ ـة‪ ،‬أو من وصـ ـفـ ش ــيء إلى وص ــف ش ــيء آخ ــر في ــأتي حينئ ــذ بالتص ــريعـ إخب ــاراً ب ــذلك‬
‫إلى ق َّ‬
‫وتنبيهاً عليـه‪ ،‬وقـد كـثر اسـتعمالهم هـذا حـتى صـرعوا في غـير موضـع تصـريع‪ ،‬وهـو دليـل على‬
‫قـ َّـوة الطبــع‪ ،‬وكــثرة المــادة‪ ،‬إال َّأنه إذا كــثر في القصــيدة دل على التكلــف إال من المتقــدمين (‪،)73‬‬
‫وآثرت تسمية هذه الظاهرة الموسيقيَّة بالمشــاكلة بين المصــراعين؛ لتجمــع بين نــوعين من أنــواع‬

‫() ديوان حسَّان بن ثابت رضي اهلل عنه‪. 155 :‬‬ ‫‪72‬‬

‫() ينظــر‪ :‬نقــد الشــعر‪ ،‬قدامــة بن جعفــر بن قدامــة بن زيــاد البغــدادي‪،‬ـ أبــو الفــرج (المتــوفى‪337 :‬ه ــ)‪ ،‬مطبعــة‬ ‫‪73‬‬

‫الج ــوائب – قس ــطنطينية‪،‬ـ الطبع ــة‪ :‬األولى‪ ،‬ع ــام‪ 1302 :‬م ـ ـ‪ ، 14 :‬والق ــوافي‪ ،‬أب ــو يعلى عب ــد اهلل التنـــوخي‬
‫( ت‪ 487 :‬ه ـ ) تحقيــق د‪ .‬عــوني عبــد الــرؤوف‪ ،‬مكتبــة الخــانجي بمصــر‪ ،‬ط‪ ، 2 :‬عــام‪ 1978 :‬م ــ‪، 78 :‬‬
‫والعمدة في محاسن الشعر وآدابه‪. 174 / 1 :‬‬

‫‪26‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫المشــاكلة يتَّفقــان ظــاهرا ويختلفــان باطنــا همــا‪ :‬التقفيــة والتصــريع‪ ،‬وســأتناولـ ذينــك النــوعين بــإذن‬
‫اهلل تباركـ وتعالى‪:‬‬
‫َّأوال‪ :‬التقفية‪:‬‬
‫التقفية‪ :‬هي أن يأتي الشــاعر في عـروض الــبيت بمــا يلزمـه في ضـربه من غـير أن ي َّ‬
‫ـرد‬
‫العروض إلى صيغة الضرب‪ ،‬فال يتبع العروض الضرب في شيء إال في السجع خاصة‪ُّ ،‬‬
‫فكل‬
‫مــا لم يختلــف عــروض بيتــه األول مــع ســائر عــروض أبيــات القصــيدة إال في الســجع فقــط فهــو‬
‫أن الع ــروض مقفًّى مث ــل الض ــرب‪ ،‬كم ــا في ق ــول كعب بن مال ــك رض ــي اهلل عن ــه‬
‫مقفى (‪ ،)74‬إال َّ‬
‫الطويل‬ ‫(‪:)75‬‬
‫اهر‬ ‫ِ‬ ‫اهلل واهللُ قَ ِاد ُر‬
‫ألمر ِ‬
‫عجبت ِ‬
‫س هلل قَ ُ‬
‫أراد لَ ْي َ‬
‫على ما َ‬ ‫ُ‬
‫مفتتح قصــيدته بــأن قفَّى عروضــه وضــربه‪ ،‬فــالبيت‬ ‫َّ‬
‫فإنه شــاكل بين مصــراعي بيتــه في‬
‫مقفًّى؛ َّ‬
‫ألنه سلم من غير تغيير في صيغة العـروض‪َّ ،‬‬
‫ألن العـروض " مفـاعلن " والضـرب مثلهـا‬
‫" مفـ ــاعلن "‪ .‬وهـ ــو من الـ ــبيت الثـ ــاني للبحـ ــر الطويـ ــل فكـ ــان العـ ــروض مقفًّى مثـ ــل الضـ ــرب‪ ،‬ولم‬
‫يختلــف عــروض الــبيت األول مــع ســائر عــروض أبيــات القصــيدة إال في الســجع فقــط فهــو مقفًّى؛‬
‫َّ‬
‫ألنه ســلم بغــير تغيــير صــيغة العــروض‪َّ ،‬‬
‫ألن العــروض والضــرب كالهمــا مفــاعلن‪ ،‬وهــذه التقفيــة‬
‫مهمة في إضــفاء موسـيقى جديـدة على الــبيت تزيــد من جمــال موسـيقاه‪ ،‬وتش ُّـد الســامع إلى متابعــة‬
‫َّ‬
‫السمع في القصـيدة كلِّهـا‪ ،‬فهـو أعطى موسـيقىـ إضـافية في افتتـاح القصـيدة زيـادة على الموسـيقى‬
‫األص ــليَّة؛ ليش ـ َّـد انتب ــاه المتلقِّي إلى التمعُّن في قص ــيدته؛ ليجع ــل من ه ــذه المش ــاكلة نغم ــة خا َّ‬
‫صـ ـة‬
‫كأن المتلقِّي ينتظره‪ ،‬كما يزيد من داللــة الــبيت على‬ ‫تشبه َّ‬
‫رنة جرس التنبيه الذي يشيرـ إلى أمر َّ‬
‫المعنى الذي يريده الشاعر فهو عجب من أمر اهلل مع َّ‬
‫أن اهلل قـادر على مــا يريــد وليس لـه قـاهر‬
‫قوة في إيضاح ما يريده الشـاعر من بيـان عظمـة قـدرة اهلل ونفـاذ أمـره‪،‬‬
‫في انفاذ أمره‪ ،‬وفي هذا َّ‬
‫أن قـ َّـوة داللــة الــبيت ســتق ّل لــو لم يشــاكل بين المصــراعين‪َّ ،‬‬
‫فكأنه جــاء بشــيء من التوكيـدـ‬ ‫وظــاهر َّ‬
‫اللفظي في مطلع القصيدة ليوظِّفه دالليًّا ِّ‬
‫وفنٍّياـ في الوقت نفسه‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬التصريع‪:‬‬
‫التصـ ــريع‪ :‬هـ ــو مـ ــا كـ ــانت عـ ــروض الـ ــبيت فيـ ــه تابعـ ــة لضـ ــربه‪ :‬تنقص بنقصـ ــه‪ ،‬وتزي ـ ـدـ‬
‫بزيادتــه‪ ،‬فــالفرق بينــه وبين القافيــة هــو أنــه في آخــر النصــف األول من الــبيت والقافيــة في آخــر‬

‫() ينظر‪ :‬القوافي للتنوخي‪ ، 76 – 75 :‬والعمدة في محاسن الشعر وآدابه‪. 173 / 1 :‬‬ ‫‪74‬‬

‫() ديوان كعب بن مالك األنصاري رضي اهلل عنه‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬سامي مكي العاني‪ ،‬ساعدت‬ ‫‪75‬‬

‫جامعة بغدادـ على نشره ‪ ،‬منشورات مكتبة النهضة – بغداد‪،‬ـ ط‪ ، 1 :‬مطبعة المعارف‪ ،‬عام‪ 1386 :‬ه ـ ‪-‬‬
‫‪ 1966‬مــ‪. 200 :‬‬

‫‪27‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫النصف الثاني منه (‪ ،)76‬واشتقاقه من مصــراعي البــاب‪ ،‬ولــذلك قيـل لنصــف الــبيت مصــراع كأنـه‬
‫ب ــاب القص ــيدة وم ــدخلها‪ ،‬وقي ــل‪ :‬ب ــل ه ــو من الص ــرعين‪ ،‬وهم ــا طرف ــا النه ــار‪ ،‬وس ــبب التص ــريع‬
‫مبادرة الشاعر القافية ليعلم في أول وهلة َّأنه أخذ في كالم موزون غير منثــور‪ ،‬ولــذلك وقــع في‬
‫(‪)77‬‬
‫ـاجي‪ « :‬والــذي أراه‬ ‫أول الشعر‪ ،‬وربما صرعـ الشاعر في غير االبتداء ‪ ،‬قال ابن ســنان الخفـ ّ‬
‫أن التص ــريع يحس ــن في أول القص ــيدة ليم ــيز بين االبت ــداء وغ ــيره ويفهم قب ــل تم ــام ال ــبيت روى‬ ‫َّ‬
‫‪ :‬الكامل‬
‫(‪)79‬‬
‫َأسلَ َم‬ ‫ِ‬ ‫القصيدة وقافيتهاـ » (‪ ،)78‬ومثاله ما قَالَه عب ُد ِ‬
‫اهلل ْب ُن ِّ‬
‫ين ْ‬ ‫ضا ح َ‬ ‫الزَب ْع َرى َْأي ً‬ ‫َْ‬
‫واللَ ْي ُل ُم ْعتَِل ُج ِّ‬
‫(‪)80‬‬
‫ق َب ِه ُ‬
‫يم‬ ‫الر َوا ِ‬ ‫اد َباَل ِب ٌل َو ُه ُم ُ‬
‫وم‬ ‫الرقَ َ‬
‫َم َن َع ُّ‬
‫وم‬ ‫يه فَ ِب ُّ َّ ِ‬ ‫ِف ِ‬ ‫َأح َم َد اَل َم ِني‬ ‫ِم َّما َأتَ ِاني َّ‬
‫ت َكَأنني َم ْح ُم ُ‬ ‫َأن ْ‬
‫ـام " متفــاعلن " وضــربهاـ‬‫ألن عــروض القصــيدة من البيتــال َّأول للكامــل تـ ّ‬‫وهــو مصـ َّـرع َّ‬
‫فغيرـ عروضــه ألجــل التصــريع فكــانت " متفاعــل " ناتجــة‬ ‫الثــاني مقطــوع " فعالتن أو متفاعــل " َّ‬
‫عن " فعالتن " مث ــل ض ــربه‪ ،‬وك ــانت في س ــائرـ األبي ــات ص ــحيحة " متف ــاعلن "‪ ،‬وه ــذا الل ــون من‬
‫عما تحملــه‬ ‫ألوان الموسيقىـ الداخليَّة في مطلع القصيدة أعطاهــا جمــاال صـ ًّ‬
‫ـوتياـ وبعــدا دالليًّا زائــدا َّ‬
‫من موس ـ ــيقى ودالل ـ ــة‪ ،‬فتص ـ ــريعـ مطل ـ ــع القص ـ ــيدة يزي ـ ــد من وق ـ ــع موس ـ ــيقاها‪ ،‬وينبِّه المتلقِّين إلى‬
‫ويدل على الحالة النفسيَّة التي يشعر بها الشاعر عند نظمــه لهــذه القصــيدة‪ ،‬فهــو يــبيِّن‬ ‫ُّ‬ ‫مضمونها‪،‬‬
‫شدة ما يعانيه‪ ،‬وكثرة الهموم المحدقــة بــه‪ ،‬فليلــه مضــطرب مليء بالوســاوسـ واألحــزان ليس فيــه‬ ‫َّ‬
‫ـق الرســول صــلَّى اهلل‬
‫ضــياء‪ ،‬وهــذا يصـ ِّـور شـ َّـدة وحدتــه وشــعوره بمــا كــان منــه من تقصــير في حـ ِّ‬
‫عليه وعلى آله وسلَّم‪ ،‬وقدـ استطاع أن يوصل هذا الشعور من خالل التصريع‪.‬‬
‫البسيط‬ ‫وكذلك فعل كعب بن زهير رضيـ اهلل عنه فقال (‪:)81‬‬
‫َّم ِإثَْر َها لَ ْم ُي َ‬
‫(‪)82‬‬
‫جز َم ْك ُب ْو ُل‬ ‫ُمتَي ٌ‬ ‫اد فَ َق ْل ِب َي ا ْل َي ْو َم َمتْ ُبو ُل‬
‫س َع ُ‬
‫َبا َن ْت ُ‬

‫وسر الفصاحة‪. 188 :‬‬


‫() ينظر‪ :‬القوافي للتنوخي‪ ، 76 :‬والعمدة في محاسن الشعر وآدابه‪ُّ ، 173 / 1 :‬‬ ‫‪76‬‬

‫() ينظر‪ :‬القوافي للتنوخي‪ ، 78 :‬والعمدة في محاسن الشعر وآدابه‪. 174 / 1 :‬‬ ‫‪77‬‬

‫سر الفصاحة‪. 189 :‬‬


‫() ُّ‬ ‫‪78‬‬

‫() سيرة ابن هشام‪. 420 – 419 / 2 :‬‬ ‫‪79‬‬

‫طرب يركب بعضه بعضا‪ .‬والبهيم‪ :‬الّذي اَل ِ‬


‫ضَياء‬ ‫ضَ‬‫اَأْلح َزان‪ .‬معتلج‪ُ :‬م ْ‬
‫() البالبل‪ :‬الوساوس المختلطة َو ْ‬
‫‪80‬‬
‫َْ ً‬
‫يه‪ .‬ينظر‪ :‬سيرة ابن هشام‪.419 / 2 :‬‬ ‫ِف ِ‬
‫() ديوان كعب بن زهير رضي اهلل عنه‪. 109 :‬‬ ‫‪81‬‬

‫الحب وكــاد يــذهب بعقلــه‪ ،‬والمــتيَّم‪ :‬الــذي ذلَّلــه الحب‪ ،‬والمكبــول‪ :‬المقيَّد‬
‫ّ‬ ‫() بــانت‪ :‬فــارقت‪ ،‬ومتبــول‪ :‬أســقمه‬ ‫‪82‬‬

‫أن سعاد فارقته فـتركت قلبـه سـقيما ذليال مقيَّدا ال يجـد لمـا هـو فيـه من الخالص‪ .‬ينظـر‪:‬‬ ‫واألسير‪ ،‬والمعنى‪َّ :‬‬
‫ديوان كعب بن زهير رضي اهلل عنه‪. 109 :‬‬

‫‪28‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫فعلن " – بتســكين العين ‪ -‬كالضــرب‬‫الــبيت مصـ َّـرعـ فــالعروضـ تبعت الضــرب فكــانت " ْ‬
‫ألجــل التصــريع‪ ،‬وفي ســائر القصــيدة نجــد العــروض " ِ‬
‫فعلن " بتحري ـكـ العين؛ َّ‬
‫ألن القصــيدة من‬
‫ـام مقط ــوع (‪ ،)83‬وهـــذا‬
‫تامة مخبون ــة وض ــربه ت ـ ّ‬
‫ثـــاني أبيـــات البســـيط‪ ،‬وهـــو مـــا كـــانت عروضـــه َّ‬
‫خص الشــعراء ب ــه القصــائد‬‫التصــريعـ يزيــد من ق ـ َّـوة الموس ــيقى وجمــال جرس ــها وتالؤمــه؛ ل ــذلك َّ‬
‫فلما كــانت هــذه‬
‫أهم قصــيدة قالهــا كعب بن زهــير بن أبي ســلمى رضــي اهلل عنــه َّ‬
‫المهمات‪ ،‬وهــذه ُّ‬
‫َّ‬
‫صـها بهــذا اللــون من الموســيقى ليضــفي عليهــا نغمــا‬
‫القصــيدة من القصــائد العظــام الجليلــة القــدر خ َّ‬
‫ـان‪ ،‬ويبقى يجلجــل هــذا النغم في أذن المتلقِّي ليهيِّئ‬
‫ص ـا يتناســب مــع مــا تحملــه من معـ ٍ‬
‫صــوتيًّا خا ًّ‬
‫نفسه لتلقِّي القصيدة كاملة‪ ،‬كما َّأنه يزيد في داللة البيت وضوحاـ وتأكيداـ فمتبول هــو صــفة لقلب‬
‫الشاعر‪ ،‬ومكبولـ صفة لقلبه أيضا‪ ،‬وهذا يبيِّن مدى ما يعانيه الشاعر في قلبه من عزلة وخــوف‬
‫ووحدة‪َّ ،‬‬
‫فكأن قلبـه صـار بأسـوأ حـال‪ ،‬وبهـذا االفتتـاح اسـتطاع أن يمهِّد للشـاعر في تقــديم رســالته‬
‫ـبي صــلَّى اهلل عليــه وســلَّم وللمؤمــنين‪ ،‬فجعــل من للتصــريع وظيفــة ّ‬
‫دالليــة فضــال‬ ‫في االعتــذار للنـ ِّ‬
‫عن جماله ِّ‬
‫الفن ّي‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬المشاكلة في وسط القصيدة‪:‬‬
‫لم يص ـ ِّـرع بعض الش ــعراء في َّأول ش ــعره؛ لقلَّة اك ــتراث بالش ــعر‪َّ ،‬‬
‫ثم يص ـ ِّـرعـ بع ــد ذل ــك‪،‬‬
‫وكـــان الفـــرزدقـ قليالً مـــا يصـــرع أو يلقي بـــاالً بالشـــعر‪ ،‬وأك ــثر ش ــعر ذي الرم ــة غ ــير مصـــرعـ‬
‫األوائل‪ ،‬وهو مــذهب الكثــير من الفحـول وإ ن لم يعـد فيهم لقلَّة تصــرفه‪ ،‬إال َّأنهم جعلـوا التصـريع‬
‫في مهمات القصائد فيما يتأهبون لـه من الشــعر‪ ،‬فـدل ذلــك على فضــل التصـريعـ (‪ ،)84‬ومن أمثلـة‬
‫هذا النوع من المشاكلة قول حسَّان بن ثابت رضي اهلل عنه (‪:)85‬‬
‫البسيط‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َك ََّأن ُهم في َ‬
‫(‪)86‬‬
‫َأرساغها فَ َدعُ‬ ‫ُأسد ِببي َ‬
‫ش َة في‬ ‫ٌ‬ ‫وت ُمكتَنعٌ‬
‫الم ُ‬
‫الوغى َو َ‬
‫َّ‬
‫فإنه شــاكل بين المصــراعين فــأتى بالتقفيــة في وســط القصــيدة وتركهـاـ في َّأول بيت؛ َّ‬
‫ألن‬
‫مطلع القصيدة هو (‪:)87‬‬
‫(‪)88‬‬
‫س َّن ًة ِل ِ‬
‫لناس تُتََّبعُ‬ ‫قَد َبيَّنوا ُ‬ ‫خو ِت ِهم‬ ‫ِإ َّن ال َذواِئ َب ِمن ِف ٍ‬
‫هر َوِإ َ‬

‫الهاشمي‪ ،‬المطبعة التجاريَّة الكبرى بمصر‪:‬‬


‫ّ‬ ‫() ينظر‪ :‬ميزان الذهب في صناعة شعر العرب‪ ،‬السيِّد أحمد‬ ‫‪83‬‬

‫‪ ، 41‬وموسيقى الشعر‪ ،‬الدكتور إبراهيم أنيس‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بيروت – لبنان‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪. 81 :‬‬
‫() ينظر‪ :‬العمدة في محاسن الشعر وآدابه‪. 176 – 175 / 1 :‬‬ ‫‪84‬‬

‫() ديوان حسَّان بن ثابت‪. 157 :‬‬ ‫‪85‬‬

‫() مكتنع‪:‬ـ قريب‪ .‬بيشة‪ :‬مأسدة أي مكان األسود‪ .‬فدع‪:‬ـ ميل‪ .‬ينظر‪ :‬ديوانه‪. 157 :‬‬ ‫‪86‬‬

‫() ديوان حسَّان بن ثابت‪. 155 :‬‬ ‫‪87‬‬

‫() الذوائب‪ :‬السادة األفاضل‪ .‬ينظر‪ :‬ديوانه‪:‬ـ ‪. 155‬‬ ‫‪88‬‬

‫‪29‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫ـاص في وس ـطـ‬‫ـفي خـ ّ‬ ‫فمطلــع القصــيدة يخلــو من المشــاكلة وعنــد انتقالــه إلى مقطــع وصـ ٍّ‬
‫القصــيدة أتى بالمشــاكلة‪ ،‬فكــان العــروض والضــرب على وزن " فَ ِعلُ ْن "؛ من َّأول أبيــات البســيط‬
‫ـام مقطــوع (‪ ،)89‬وقــد جـاء بـه في وســط القصــيدة؛‬ ‫تامة مخبونــة وضـربه ت ّ‬
‫وهو ما كانت عروضه َّ‬
‫ـوتي‬ ‫َّ‬
‫ألنه رضــي اهلل عنــه بــدأ بوصــف شــجاعتهم واستبســالهم في الحــرب‪ ،‬فاحتــاج إلى جــرس صـ ٍّ‬
‫خاص ينبِّه منه إلى ذلك بالمشاكلة في هذا المقطع وسطـ القصيدة‪ ،‬وهو ما يزيد أيضــا في توكيـدـ‬‫ّ‬
‫الداللة على شجاعتهم وثباتهم رضي اهلل عنهم وأرضاهم‪.‬‬
‫الوافر‬ ‫وكذلك فعل عبَّاس بن مرداس رضي اهلل عنه (‪:)90‬‬
‫(‪)91‬‬
‫ساُؤ ُه ْم َو َّ‬
‫الن ْقعُ َكا ِب ْي‬ ‫لَقَ ِ‬ ‫َولَو اَل قَ ْي َن َج ْم َع َب ِني ِك ِ‬
‫ام ن َ‬
‫َ‬ ‫الب‬ ‫ْ‬
‫َّ‬
‫شاكل بين المصــراعين في هـذا الـبيت‪ ،‬لكنه ليس في مطلـع القصـيدة‪ ،‬بـل في انتقالـه إلى‬
‫وصف حال بني كالب عند المعركة‪ ،‬وكان مطلع القصيدة هو (‪:)92‬‬
‫الوافر‬

‫ص ٍر َواق ِْتر ِ‬
‫اب‬ ‫ُه ُمو ِم ْي َغ ْي َر َن ْ‬ ‫الع َو ِال ْي َل ْم ُي َخ ِال ْج‬
‫س َ‬ ‫ِإ َذا فُ ِر َ‬
‫َ‬
‫فكأن بيت القصيد يبدأ من هنا وما قبله كان‬ ‫أهميَّة لما سيأتيـ بعد المشاكلة‪َّ ،‬‬ ‫وهذا يعطي ِّ‬
‫وكأنه ـاـ أداة تنبيــه للمتلقِّي بـ َّ‬
‫ـأن الشــاعر‬ ‫عبــارة عن ِّ‬
‫مقدمــة لــه‪ ،‬فتج ـدـ المشــاكلة في وســط القصــيدة َّ‬
‫صـة‪ ،‬ولــه موســيقى مميَّزة عن غــيره من أجــزاء القصــيدة‪،‬‬
‫مهم تكســوه نغمــة خا َّ‬
‫انتقــل إلى مقطــع ٍّ‬
‫يصور حالة بـني كالب سـاعة المعركـة‬ ‫وتقوي داللته على المعنى المراد فهو ِّ‬ ‫الفن ّي‪ِّ ،‬‬‫في الجمال ِّ‬
‫وكي ــف نس ــاؤهمـ قائم ــات وس ــط ال ــتراب والغب ــارـ العظيم المرتف ــع ال ــذي ِّ‬
‫يغطي م ــا حول ــه‪ ،‬فجمعت‬
‫الداللي‪.‬‬ ‫الفن ّي‪ ،‬واألثر‬ ‫المشاكلة بين المصراعين األثر ِّ‬
‫ّ‬
‫(‪)93‬‬
‫‪ :‬الكامل‬ ‫النصري رضي اهلل عنه‬ ‫ّـ‬ ‫وقال مالك بن عوف‬
‫الناس ُكلِّ ِه ُم َك ِمثْ ِل ُم َح َّم ِد‬ ‫ِفي َّ‬ ‫اح ٍد‬
‫ت ِبو ِ‬
‫سم ْع ُ َ‬
‫ت وال ِ‬
‫َما ِإ ْن َر َْأي ُ َ َ‬
‫شْأ ُي ْخ ِب ْر َك َع َّما ِف ْي َغ ِد‬ ‫َو َمتَى تَ َ‬ ‫ي‬ ‫ِ ِ‬ ‫َأع َ ِ‬
‫طى ل ْل َج ِز ْي ِل ل ُم ْجتَد ْ‬ ‫َْأوفَى َو ْ‬
‫جــاءت المشــاكلة بين المص ــراعين بتقفي ــة الــبيت الث ــاني من القصــيدة‪ ،‬وليســت في الــبيت‬
‫تعمد وال قصــد؛ َّ‬
‫ألن القصــيدة من َّأول الكامــل وهــو مــا‬ ‫األول‪ ،‬ولعـ َّـل هــذا وقــع للشــاعر من غــير ُّ‬
‫َّ‬
‫كان عروضه صحيح‪ " :‬متَفاعلن " وضربه صحيح مثلها (‪ ،)94‬ومع هذا فقد ازدان البيت بجمــال‬

‫() ينظر‪ :‬ميزان الذهب في صناعة شعر العرب‪ ، 41 :‬وموسيقى الشعر‪. 81 :‬‬ ‫‪89‬‬

‫() ديوان عبَّاس بن مرداس رضي اهلل عنه‪. 48 :‬‬ ‫‪90‬‬

‫() النقع‪ :‬الغبار‪ ،‬والكابي‪ :‬المرتفع الضخم‪ .‬ينظر‪ :‬ديوان عبَّاس بن مرداس رضي اهلل عنه‪. 48 :‬‬ ‫‪91‬‬

‫() ديوان عبَّاس بن مرداس رضي اهلل عنه‪. 47 :‬‬ ‫‪92‬‬

‫أدبيات فنون عربية معلمي‬


‫() حسن الصحابة في شرح أشعار الصحابة‪ ،‬هرسك مفتئ سابق وحاال دار ّ‬
‫‪93‬‬

‫ماسارلي حابي زاده علي فهمي‪ ،‬در سعادة ‪ ،‬روشن مطبعه سي‪ 1324 :‬هـ‪. 354 / 1 :‬‬
‫() ينظر‪ :‬ميزان الذهب في صناعة شعر العرب‪ ، 54 :‬وموسيقى الشعر‪. 74 :‬‬ ‫‪94‬‬

‫‪30‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫ـام‪ ،‬تــزداد موســيقى الــبيت‬


‫صــوتها‪ ،‬فهي موســيقى إضــافيَّة تعطي نغمــة للــبيت متآلفــة مــع نغمــه العـ ّ‬
‫ـبي صـلَّى اهلل‬ ‫ِّ‬
‫بهـا جمـاال‪ ،‬وداللتـه وضـوحا وتأكيـدا‪ ،‬فبـدت المشـاكلة تؤكد على عظيم أوصـاف الن ّ‬
‫عليــه وعلى آلــه وســلَّم‪ ،‬األمــر الــذي أعطى لكـ ِّـل شــطر قافيــة‪ ،‬كـ َّ‬
‫ـأن الــبيت بمفــرده ال يســتطيعـ أن‬
‫كل شطر‪.‬‬ ‫مما جعل الشاعر يقفِّي َّ‬ ‫كل المعنى‪َّ ،‬‬ ‫يؤدي َّ‬
‫ِّ‬
‫رابعا‪ :‬التخميع‪:‬‬
‫مما يتَّصــل بالمشــاكلة بين المصــراعين – التقفيــة والتصــريعـ – التخميــع‪ :‬وهــو أن يخلى‬
‫َّ‬
‫الشاعر عروض الـبيت من التصـريع والتقفيـة‪ ،‬ويـدرج الكالم فيكـون وقوفـه على القافيـة‪ ،‬وسـمي‬
‫تخميع ــا م ــأخوذاً من الخم ــاع ال ــذي ه ــو الع ــرج‪ ،‬ومن ذل ــك قي ــل للض ــياع الخوام ــع‪ ،‬وق ــد اس ــتعمل‬
‫التخميــع الشــعراء المجيــدون من القــدماء والمحــدثين‪ ،‬وهــو كثــير جــداً في الشــعر‪ ،‬وأكــثر من كــان‬
‫يس ـ ــتعمل ذل ـ ــك ام ـ ــرؤ القيس‪ ،‬لمحلِّه من الش ـ ــعر ‪َّ .‬‬
‫(‪)95‬‬
‫وأما في ش ـ ــعر الهداي ـ ــة في عص ـ ــر ص ـ ــدر‬
‫الطويل‬ ‫اس رضيـ اهلل عنه (‪:)96‬‬ ‫َّاس ْب ِن ِم ْر َد ٍ‬
‫اإلسالم فمن أمثلته قول َعب ِ‬
‫مين ُم ِ‬
‫شاركا‬ ‫ضماراً ِل َر ِّب العالَ َ‬ ‫ِ‬ ‫لَعمري ِإ ّني يوم َأجع ُل ِ‬
‫جاهداً‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫َأنصار لَ ُه ما ُأولَِئكا‬
‫ٌ‬ ‫ُأولَِئ َك‬ ‫اَألوس َحولَ ُه‬
‫ُ‬
‫وتَركي رسو َل ِ‬
‫اهلل َو‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اُألمور الم ِ‬ ‫ِل َيسلُ َك في َغ ِ‬ ‫ِ‬ ‫س ِ‬ ‫َك ِ ِ‬
‫سالكا‬ ‫ِ َ‬ ‫يب‬ ‫زن َيبتَغي‬ ‫الح َ‬‫اَألرض َو َ‬ ‫هل‬ ‫تارك َ‬
‫فإنه خالف األولى‪ ،‬وترك األحسن بتركه المشاكلة بين المصــراعين بالتقفيــة على الــرغم‬ ‫َّ‬
‫من َّأنه ــا اتَّفقت ل ــه في ال ــوزن‪ ،‬ومعل ــوم َّأنه في ه ــذا ال ــترك أض ــعف الموس ــيقىـ اإلض ــافيَّة لل ــبيت‪،‬‬
‫واكتفى بموســيقاه األصــليَّة‪ ،‬وهــذا مــا جعــل العروضــيِّين يقبلونــه وال ُّ‬
‫يعدونــه إســاءة وال مأخــذ فيــه‬
‫على الشاعر‪َّ ،‬‬
‫لكنه لو سلم من التخميع‪ ،‬وأتى بالتقفية لكان أجمــل جرســا‪ ،‬وأحســن وقعــا‪ ،‬كمــا َّ‬
‫أن‬
‫التخميـــع يضـ ــعف الداللـــة؛ لخلـ ـ ِّـوه من التكـ ــرار الـ ــذي هـــو جـ ــزء من التوكي ــد اللفظي‪ ،‬وعـ ــدم شـ ـ ِّـد‬
‫المتكررـ وما يحمل بين طيَّاته من دالالت إضافيَّة‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫المتلقِّي إلى التمعُّن في الصوت‬
‫‪ :‬الطويل‬
‫(‪)97‬‬
‫ص ْر َمةُ بن أبي أنس رضي اهلل عنه‬ ‫ومثله قَو َل أبي قيس ِ‬
‫ِ (‪)98‬‬
‫ص ِديقًا ُم َوات َيا‬
‫ُي َذ ِّك ُر لَ ْو َي ْلقَى َ‬ ‫ش َرةَ ِح َّج ًة‬
‫ض َع َع ْ‬ ‫ثََوى ِفي قَُر ْي ٍ‬
‫ش ِب ْ‬
‫فإنه كذلك أتى بالتخميع‪ ،‬وترك المشاكلة بين المصراعين مع َّأنهــا اتَّفقت لـه في الــوزن‪،‬‬ ‫َّ‬
‫فكالهم ـــا على وزن " مف ـــاعلن "‪ ،‬وهـ ــو بهـ ــذا ال ـــترك أورث بيتـ ــه فراغـ ــا محسوسـ ــا في موس ـــيقاه‬
‫الداخليَّة‪ ،‬وضــعفاـ في داللــة الــبيت؛ فتكــرارـ الصــوت‪ ،‬أو الكلمــة لــه أثــر في الداللــة ال يخفى‪ ،‬كمــا‬

‫() ينظر‪ :‬القوافي للتنوخي‪. 83 – 82 :‬‬ ‫‪95‬‬

‫() ديوانه‪. 120 ، 22 :‬‬ ‫‪96‬‬

‫() سيرة ابن هشام‪. 512 / 1 :‬‬ ‫‪97‬‬

‫ام‪ .‬و مواتيا‪ُ :‬م َوافقا‪ .‬ينظر‪ :‬سيرة ابن هشام‪. 512 / 1 :‬‬
‫() ثوى‪َ :‬أقَ َ‬
‫‪98‬‬

‫‪31‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫َّأنه ي ـ ــترك انطباع ـ ــا في نفس المتلقِّي عن المع ـ ــنى الم ـ ــراد‪ ،‬ف ـ ــأورث ال ـ ــبيت ض ـ ــعفا جماليًّا ودالليًّا‬
‫بسبب التخميع‪ ،‬مع َّأنه محسن في شعره‪.‬‬
‫الطويل‬ ‫وكذلك فعل كعب بن زهير رضيـ اهلل عنه فقال (‪:)99‬‬
‫ِ‬ ‫َألدع َو ُجلَّ ُه ْم‬
‫ِإلَى ْ‬
‫َأم ِر َح ْزٍم ْ‬
‫َأح َك َمتْ ُه ا ْل َج َوامعُ‬ ‫لت ِإلَى قَ ْو ِمي ُ‬
‫َر َح ُ‬
‫فقــد اســتقام لــه وزن العــروض والضــرب‪ ،‬وكــان باســتطاعته أن يشــاكل بين المصــراعين‬
‫ـي كمــا‬ ‫َّ‬ ‫ًّ‬
‫فيجعــل الــبيت مقفى‪ ،‬لكنه تــرك المشــاكلة‪ ،‬فأصــاب بيتــه التخميــع‪ ،‬وهــو ليس خلــل عروضـ ّ‬
‫لكنه تــرك األحســن فقلَّل من وقــع موســيقىـ الــبيت‪ ،‬وهــذا مــا‬
‫تقـ َّـدم‪ ،‬وال مأخــذ فيــه على الشــاعر‪َّ ،‬‬
‫جعـ ــل النقَّاد يطلقـ ــون على هـ ــذا الفعـ ــل تخميعـ ــا‪ ،‬أي‪ :‬عرجـ ــا؛ َّ‬
‫ألنه أضـ ــعف بيتـ ــه ِّفنيًّا ودالليًّا مـ ــع‬
‫مما لو شاكل بين مصراعيه‪.‬‬ ‫استقامة ذلك له في الوزن‪ ،‬فظهر البيت في صورة أق ّل جماال َّ‬
‫(‪)100‬‬
‫‪ :‬الطويل‬ ‫وكذلك فعل سواد بن قارب رضيـ اهلل عنه فقال‬
‫ت ِب َك ِاذ ِب‬‫َولَم َأ ُك ِف ْي َما قَ ْد َبِل ْي ُ‬ ‫يل َو َه ْج َع ٍة‬
‫عد لَ ٍ‬
‫ئيي َب َ‬ ‫َأتَ ِاني َر ِّ‬
‫بن ّغ ِال ِب‬ ‫ي ِ‬ ‫اك َن ِب ٌّي ِم ْن لَُؤ ِّ‬ ‫َأتَ َ‬ ‫كل لَ ٍ‬
‫يلة‬ ‫ال قَ ْولُ ُه ِفي ِّ‬
‫ثَاَل َث لَ َي ٍ‬
‫ك ـ ــان باس ـ ــتطاعته أيض ـ ــا أن يش ـ ــاكل بين مص ـ ــراعي بيت ـ ــه فيجع ـ ــل ال ـ ــبيت مقفًّى؛ التِّف ـ ــاق‬
‫العروض والضرب في الوزن فكالهما على وزن " مفاعلن " َّ‬
‫لكنه تـرك المشـاكلة‪ ،‬فأصــاب بيتـه‬
‫قوة داللته‪ ،‬فكــان األولى بالشــاعر أن ال يغيب عنــه ذلــك؛‬
‫بضعف جمال موسيقاه الداخليَّة‪ ،‬وعدم َّ‬
‫الداللي‪.‬‬ ‫ليزيد من جمال موسيقى البيت‪ ،‬وعذوبة وقعهاـ ِّ‬
‫الفن ّي‪ ،‬واستثمار أثرها‬
‫ّ‬
‫أن التخميــع ليس بعيب على الشــاعر وال فيــه مأخــذ عليــه‪َّ ،‬‬
‫لكنه‬ ‫ومــا ينبغي التنبُّه لــه هنــا َّ‬
‫مما لــو تركــه؛ َّ‬
‫ألنه يشــعر‬ ‫من باب مخالفة األولى واألحسن‪َّ ،‬‬
‫فإنه لو شاكل لكانت موسيقاه أقــوى َّ‬
‫بتراب ـ ـطـ وتالؤمـ بين المصـ ــراعين من َّأول وهلـ ــة يسـ ــمعها المتلقِّي‪ ،‬ولكـ ــان معنـ ــاه أشـ ـ ُّـد وضـ ــوحا‪،‬‬
‫يدل عليه مصطلح التخميع‪ ،‬الذي هو في األصل يعني‪ :‬العرج‪ ،‬فهــو وإ ن‬ ‫وأكثر تأكيدا‪ ،‬وهذا ما ُّ‬
‫تقدم خالف األولى واألحسن‪ ،‬بعدم كثرة االعتناء بجزء من‬ ‫لكنه كما َّ‬
‫سلم من الخطأ العروضي‪َّ ،‬‬
‫ّ‬
‫أجزاء الموسيقى الداخليَّة وهو المشاكلة وما لها من آثار ِّفنَية ودالليَّة‪.‬‬

‫الخاتمة‬
‫أن " شــعر الهدايـة في عصــر صـدر اإلسـالم‬ ‫مما َّ‬
‫تقدم من مباحث هذا البحث يظهر جليًّا َّ‬ ‫َّ‬
‫ـالمي كغـ ــيره من األغ ـــراض‬
‫" كـ ــان صـ ــفحة ناصـ ــعة مش ـــرقة‪ ،‬ومنجـ ــزا عظيمـ ــا في األدب اإلسـ ـ ّ‬

‫() ديوان كعب بن زهير رضي اهلل عنه‪. 84 :‬‬ ‫‪99‬‬

‫() حسن الصحابة في شرح أشعار الصحابة‪. 102 / 1 :‬‬ ‫‪100‬‬

‫‪32‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫لتطورـ األدب في عصر صدر اإلسالم ومواكبته لمجريــات‬ ‫الشعريَّة اإلسالميَّة‪ ،‬فهو مثال رائع‪ُّ ،‬‬
‫ورقيهــا‪ ،‬وإلتمــام م َّ‬
‫ـادة البحث ســأذكر بـإذن اهلل ســبحانه‬ ‫ِّ‬ ‫األحـداث‪ ،‬وتط ُّـور المجتمـع‪ ،‬وتق ُّـدم الحيـاة‬
‫أهم نتائج البحث وتوصياته‪:‬‬
‫وتعالى فيما يأتي َّ‬
‫النتائج‪:‬‬
‫احتفى شعر الهداية بتكرارـ بعض الحروف لما فيه من تقوية النغم وربط أجزاء الكلمات‬ ‫‪‬‬
‫داخل البيت الواحد‪ ،‬أو القصيدة‪ ،‬فتكرارـ بعض حروفهاـ يوفِّرـ االنسجامـ بين المعنى‬
‫المتكرر‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫المراد التعبير عنه والصوتـ‬
‫خاص إلشاعة داللة معيَّنة ولتأكيد المعاني‬
‫ٍّ‬ ‫موسيقي‬
‫ٍّ‬ ‫جو‬
‫أسهم تكرار الكلمات في خلق ٍّ‬ ‫‪‬‬
‫ُّ‬
‫بترخمـ موسيقي‪ ،‬كما هو الحال في تكرار بعض العبارات في الشعر‪ ،‬التي‬ ‫ومصاحبتهاـ‬
‫كان تكرارها لهذا الغرض أيضا‪.‬‬
‫التام في‬
‫واالشتقاقي حضورا في شعر الهداية‪ ،‬وإ ن كان الجناس ّ‬
‫ّ‬ ‫سجَّل الجناس بنوعيه التام‬ ‫‪‬‬
‫االشتقاقي حضوراـ في هذا الشعر إال َّأنه هو‬
‫ّـ‬ ‫شعر الهداية من القلَّة‪ ،‬بيد َّ‬
‫أن للجناس‬
‫اآلخر قليل موازنة بغيره من ألوان البديع وضروب الموسيقى الداخليَّة‪ ،‬وهذا يعود في‬
‫األساس‪ ،‬لسهولة شعر الهداية وعفويَّته‪ ،‬وارتجاله ارتجاال في أغلب األحيان‪.‬‬
‫اشتقاقي‬
‫ٍّ‬ ‫التام بجمع كلمتين من جذر‬
‫االشتقاقي أو غير ّ‬
‫ّـ‬ ‫استعمل شعراء الهداية الجناس‬ ‫‪‬‬
‫الصوتي‪ ،‬واإليقاع‬ ‫واحد مع اختالف في بناء ٍّ‬
‫كل ومعناه فاستطاع الشعراء بهذا التالؤم‬
‫ّ‬
‫المتكرر تشكيل صورة في ذهن المتلقِّي بإظهارـ تأكيد معنى معيَّن‪ ،‬وإ برازه بصورة‬
‫ِّ‬
‫الصوتي‪ ،‬وحسن وقعه في السمع‪.‬‬
‫ّ‬ ‫واضحة جليَّة‪ ،‬فضال عن زيادة جمال الجرس‬
‫التضاد ‪ -‬الطباق ‪-‬‬
‫ّ‬ ‫استطاع شعراء الهداية في عصر صدر اإلسالم من خالل استعمال‬ ‫‪‬‬
‫أن يرسموا صورا ِّفنيَّة جميلة معبرة عن هدايتهم لإلسالم‪ ،‬وإ يمانهم باهلل وخاتم رسله‬
‫فصورواـ لنا هذه الهداية التي عاشوا َّ‬
‫لذتها‪ ،‬وعرفواـ‬ ‫صلَى اهلل عليه وعلى آله وسلَّم‪َّ ،‬‬
‫جميلها‪.‬‬
‫أهميَّة في‬
‫رد العجز على الصدر لما له من ِّ‬
‫استعمل شعراء الهداية في بعض شعرهمـ ّ‬ ‫‪‬‬
‫الموسيقى الداخليَّة‪ ،‬فهو يزيد الموسيقى اللفظية من خالل التكرار النغمي الذي يراد به‬
‫تقوية الجرس‪ ،‬وهو ضرب من التجنيس الصوتي ونوع من أنواع التكرار التي تضفي‬
‫جماال موسيقيًّا إضافيًّا على البيت‪ ،‬وتزيدـ من تقوية معناه‪.‬‬
‫افتتاحي يعلم‬
‫ٍّ‬ ‫موسيقي‬
‫ٍّ‬ ‫استعمل شعراء الهداية في شعرهم التقفية والتصريعـ لما لهما من أثر‬ ‫‪‬‬
‫أن الشاعر أخذ في شعره‪ ،‬ولذلك وقع في أول الشعر‪ ،‬أو في االنتقال من‬ ‫من َّأو ِل و ْه ٍ‬
‫لة َّ‬ ‫َ‬
‫حدث إلى حدث‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫قد ترك الشعراء أحيانا المشاكلة بين المصراعين‪ ،‬وال مأخذ عليهم في ذلك‪َّ ،‬‬
‫لكنهم خالفوا‬ ‫‪‬‬
‫ألن المشاكلة تعطي موسيقىـ أقوى؛ وتشعر المتلقِّي بترابطـ وتالؤمـ بين‬
‫األولى واألحسن‪َّ ،‬‬
‫المصراعين من َّأول وهلة يسمعها‪.‬‬
‫أهم النتائج التي توصَّل إليها هذا البحث‪ ،‬وسأذكرـ فيما يأتي بإذن اهلل سبحانه‬
‫هذه هي ُّ‬
‫أهم التوصياتـ التي بدت لي في هذا البحث‪:‬‬
‫وتعالى َّ‬
‫التوصيات‪:‬‬
‫ـالمي عمومــا وشــعر الهدايــة على وجــه الخصــوص على‬ ‫َّ‬
‫إن شــعر المخضــرمين والشــعرـ اإلسـ ّ‬ ‫‪‬‬
‫الرغم من َّأنها َّ‬
‫مادة جيِّدة للدراسات األدبيَّة واللغويَّة واالجتماعيَّة فهي لم تعط نصــيبها الــذي‬
‫تستحقِّه من الدراســة والبحث؛ لـذلك أوصـيـ البــاحثين بالتوجُّه صـوب أدب هـذا العصــر الــذي‬
‫ال تزال أغلب منجزاته األدبيَّة َّ‬
‫مادة بكرا تخطب الدارسين‪.‬‬
‫َّ‬
‫إن ش ــعر الهداي ــة بحاج ــة إلى عناي ــة كب ــيرة من الب ــاحثين والدارس ــينـ لجمع ــه ك ــامال‪ ،‬وتحقيق ــه‬ ‫‪‬‬
‫ودراسته‪ ،‬فيكون ديوان شعر الهداية كما عمل ديوان َّ‬
‫الردة‪ ،‬وشعرـ الفتوح‪ ،‬وغيرهما‪.‬‬
‫رفض الفكــرة القائلــة بضــعف شــعر عصــر صــدر اإلســالم‪ ،‬فهــو عصــر متميِّز بأدبــه وشــعره‬ ‫‪‬‬
‫وخصائصــه‪ ،‬وق ـدـ كــان من شــعره مــا يضــاهي المعلَّقــات‪ ،‬بــل يفــوق بعضــها‪ ،‬ولشــعر الهدايــة‬
‫نصــيب من هــذه الــدرر‪ ،‬لكن االبتعــاد عنهــا أظهــر هــذه الفكــرة المرفوضــة‪ .‬فــالقول بضــعف‬
‫أئمة‬ ‫شعر عصر صدر اإلسالم جنايـة أدبيَّة كبـيرة‪ .‬على الـرغم من َّ‬
‫أن من قائليهـا من كـانوا َّ‬
‫في اللغــة واألدب والنقــد كــابن سـاّل م‪ ،‬ولعـ َّـل قــولهم هــذا كــان في غــرض معيَّن‪ ،‬أو في معــنى‬
‫فظن بعضــهم َّأنه حكم عـ ٌّ‬
‫ـام على أدب هــذا العصــر جميعــا‪ ،‬وهــذا‬ ‫معيَّن‪ ،‬أو في شــاعر معيَّن‪َّ ،‬‬
‫ما ينبغي رفضه جملة ال تفصيال‪.‬‬
‫وال يس ـ ــعني في نهاي ـ ــة البحث إال أن أختم بحم ـ ــد اهلل ال ـ ــذي ي َّسـ ـ ـر لي وأع ـ ــانني ووفَّق ـ ــنيـ‬
‫يمس ال ــروح والقلب والعاطف ــة والوج ــدان‪ ،‬فم ــا ك ــان في ــه من ص ــواب‬
‫إلنج ــاز ه ــذا البحث ال ــذي ُّ‬
‫َّ‬
‫والمنة والنعمــة والفضــل‪ ،‬ومــا كــان فيــه من خلــل أو ســهو أو خطــأ أو‬ ‫وإ حســان فللــه وحــده الحمــد‬
‫نقصان فمن نفسي ومن الشيطان‪ ،‬واهلل ورسوله منه بريئان‪.‬‬
‫اللهم وبحمدك أشهد أن ال إله إال أنت أستغفرك وأتوب إليك‪.‬‬
‫َّ‬ ‫وسبحانك‬
‫الحق وصراط مستقيم والسراج المنير المبعوث‬
‫ِّ‬ ‫وصلَّى اهلل وسلَّم وبارك على الهادي الهادي إلى‬
‫رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن سار على نهجه وشرعته َّ‬
‫وسنته إلى يوم الدين‪.‬‬
‫تم بحمد اهلل‬
‫َّ‬
‫المصادر والمراجع‬

‫القرآن الكريم‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫‪34‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫اإليضـــاح في علـــوم البالغة‪ ،‬محمـــد بن عبـــد الـــرحمن بن عم ــر‪ ،‬أب ــو المع ــالي‪ ،‬جالل الـــدين‬ ‫‪-2‬‬
‫القزويني الشافعي‪ ،‬المعروفـ بخطيب دمشقـ (المتوفَّى‪739 :‬هــ)‪ ،‬تحقيـق‪ :‬محمـد عبــد المنعم‬
‫خفاجي‪ ،‬دار الجيل – بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة‪.‬‬
‫ـعدني‪ ،‬منشــأة المعــارفـ –‬
‫ـربي الحــديث‪ ،‬مصــطفى السـ ّ‬
‫البنيــات األســلوبيَّة في لغــة الشــعر العـ ّ‬ ‫‪-3‬‬
‫اإلسكندريَّة‪ ،‬عام‪ 1987 :‬مـ‪.‬‬
‫البيــان والتبــيين‪ ،‬عمــرو بن بحــر بن محبــوب الكنــاني بــالوالء‪ ،‬الليــثي‪ ،‬أبــو عثمــان‪ ،‬الشــهير‬ ‫‪-4‬‬
‫بالجاحظ (المتوفى‪255 :‬هـ)‪ ،‬دار ومكتبة الهالل‪ ،‬بيروت‪ ،‬عام‪ 1423 :‬هـ‪.‬‬
‫والنقدي عند العـرب‪ ،‬د‪ .‬مــاهر مهـدي هالل‪ ،‬دار‬
‫ّ‬ ‫البالغي‬
‫ّ‬ ‫جرس األلفاظ وداللتها في البحث‬ ‫‪-5‬‬
‫الرشيد للنشر‪ ،‬بغداد‪ ،‬عام ‪ 1980‬مـ‪.‬‬
‫أدبيــات فن ــون‬
‫حس ــن الص ــحابة في ش ــرح أش ــعارـ الص ــحابة‪ ،‬هرس ــك مف ــتئ س ــابق وح ــاال دار ّ‬ ‫‪-6‬‬
‫عربي ــة معلمي ماس ــارليـ ح ــابي زاده علي فهمي‪ ،‬در س ــعادة ‪ ،‬روش ــن مطبع ــه س ــي‪1324 :‬‬
‫هـ‪.‬‬
‫الخصائص‪ ،‬أبو الفتح عثمان بن جني (ت ‪392‬هـ)‪ ،‬تحقيــق‪ :‬محمــد علي النجــار‪ ،‬دار الكتب‬ ‫‪-7‬‬
‫المصرية‪ ،‬القاهرة‪ 1952 ،‬مـ‪.‬‬
‫محمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬ط‪ ، 5 :‬دار المعارف ‪ -‬القاهرة‪.‬‬ ‫ديوان امرئ القيس‪ ،‬تحقيق َّ‬ ‫‪-8‬‬
‫ديــوان ب َّش ـار بن ب ــرد‪ ،‬جمــع وتحقي ــق وش ــرح فض ــيلة العالمــة ســماحة األســتاذ اإلمــام الشــيخ‬ ‫‪-9‬‬
‫محمد الط ـ ــاهر بن عاش ـ ــور‪ ،‬ص ـ ــدر عن وزارة الثقاف ـ ــة بمناس ـ ــبة الجزائ ـ ــر عاص ـ ــمة الثقاف ـ ــة‬
‫َّ‬
‫العربيَّة‪ ،‬عام‪ 2007 :‬مـ‪.‬‬
‫دي ــوان حس ــان بن ث ــابت األنص ــاري رض ــي اهلل عنه‪ ،‬تحقي ــق‪ :‬عب ــد اهلل س ــنده‪ ،‬دار المعرف ــة‪،‬‬ ‫‪-10‬‬
‫بيروت – لبنان ‪ ،‬ط‪ ، 2 :‬عام‪ 1429 :‬هـ ‪ 2008 -‬مـ‪.‬‬
‫ديوان عبد اهلل بن رواحـة ودراسـة في سـيرته وشـعره‪ ،‬د‪ .‬وليـد قصـاب‪ ،‬دار العلـوم‪ ،‬ط‪،1 :‬‬ ‫‪-11‬‬
‫عام‪ 1401 :‬هـ ‪ 1981 -‬مـ‪.‬‬
‫ري‪ ،‬شـرح ودراسـة د‪.‬‬ ‫ديوان كعب بن زهير رضـي اهلل عنـه‪ ،‬صـنعة اإلمـام أبي سـعيد الس َّـك ّ‬ ‫‪-12‬‬
‫مفيد قميحة‪ ،‬دار الشــواف‪ ،‬الريــاض – المملكـة العربيَّة السـعوديَّة‪ ،‬دار المطبوعــات الحديثــة‪،‬‬
‫َّ‬
‫جدة ‪ -‬المملكة العربيَّة السعوديَّة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬عام‪ 1410 :‬هـ ‪ 1989 -‬مـ‪.‬‬
‫ديوان كعب بن مالك األنصاري رضي اهلل عنه‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬سامي مكي العاني‪،‬‬ ‫‪-13‬‬
‫ســـاعدت جامعـــة بغـــداد على نشـ ــره ‪ ،‬منشـ ــورات مكتب ــة النهض ــة – بغ ــداد‪ ،‬ط‪ ، 1 :‬مطبعـــة‬
‫المعارف‪ ،‬عام‪ 1386 :‬ه ـ ‪ 1966 -‬م ـ‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫ديـــوان النابغـــة الجعـــدي رضـــي اهلل عنـــه‪ ،‬جمعـــه وحقق ــه وش ــرحه‪ :‬د‪ .‬واض ــح الصـــمد‪ ،‬دار‬ ‫‪-14‬‬
‫صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ، 1 :‬عام ‪ 1998 :‬مـ‪.‬‬
‫النب ِويَّة اِل ْب ِن ِه َشام‪َ ،‬أبو اْلقَ ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ْح َمن بن عبــد اهلل ابن‬
‫اسم عبد َّ‬ ‫ُ‬ ‫ِّيرة َّ َ‬
‫الر ْوض اآْل نف في شرح الس َ‬ ‫َّ‬ ‫‪-15‬‬
‫هيلي (اْل ُمتَــوفَّى‪581 :‬ه ــ)‪ ،‬تحقيــق‪ :‬عمــر عبــد ال َّسـاَل م الس ـاَل ِمي‪َ ،‬دار ْ‬
‫إحَيــاء الــتراث‬ ‫َأحمــد ال ُّس ـ ْ‬
‫ْ‬
‫اْل َع َربِ ّي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ ،‬عام‪1421 :‬هـ ‪ 2000 -‬مـ‪.‬‬
‫سـ ُّـر الفصــاحة‪ ،‬أبــو محمــد عبــد اهلل بن محمــد بن ســعيد بن ســنان الخفــاجي الحلــبي (المتــوفَّى‪:‬‬ ‫‪-16‬‬
‫‪466‬هـ)‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ ،‬عام‪ 1402 :‬هـ ‪ 1982 -‬مـ‪.‬‬
‫سيرة ابن إسحاق = كتاب السير والمغازي‪ ،‬محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي بالوالء‪،‬‬ ‫‪-17‬‬
‫المدني (المتوفَّى‪151 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬سهيل زكار‪ ،‬دار الفكر – بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪،‬‬
‫عام‪1398 :‬هـ ‪1978 -‬مـ‪.‬‬
‫ســيرة ابن هشــام = الســيرة النبويــة‪ ،‬عبــد الملــك بن هشــام بن أيــوب الحمــيري المعــافري‪ ،‬أبــو‬ ‫‪-18‬‬
‫محمــد‪ ،‬جمــال الــدين (المتــوفى‪213 :‬ه ــ)‪ ،‬تحقيــق‪ :‬مصــطفى الســقا وإ بــراهيم األبيــاري وعبــد‬
‫الحفي ــظ الش ــلبي‪ ،‬ش ــركة مكتب ــة ومطبع ــة مص ــطفىـ الب ــابي الحل ــبي وأوالده بمص ــر‪ ،‬الطبع ــة‪:‬‬
‫الثانية‪ ،‬عام‪1375 :‬هـ ‪ 1955 -‬مـ‪.‬‬
‫الشــعر والشــعراء‪ ،‬أبــو محمــد عبــد اهلل بن مســلم بن قتيبــة الــدينوري (المتــوفى‪276 :‬ه ــ)‪ ،‬دار‬ ‫‪-19‬‬
‫الحديث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬عام‪ 1423 :‬هـ‪.‬‬
‫الشعر والنغم‪ ،‬د‪ .‬رجاء عيد‪ ،‬منشورات دار الثقافة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬عام‪ 1975 :‬مـ‪.‬‬ ‫‪-20‬‬
‫الص ــاحبيـ في فق ــه اللغ ــة العربي ــة ومس ــائلها وس ــنن الع ــرب في كالمه ــا‪ ،‬أحم ــد بن ف ــارس بن‬ ‫‪-21‬‬
‫زكري ـ ــاء القزوي ـ ــنيـ ال ـ ــرازي‪ ،‬أب ـ ــو الحس ـ ــين (المت ـ ــوفى‪395 :‬هـ ـ ــ)‪ ،‬منش ـ ــورات‪ :‬محم ـ ــد علي‬
‫بيضون‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬عام‪ 1418 :‬هـ ‪ 1997 -‬مـ‪.‬‬
‫صحيح البخـاري = الجـامع المسـند الصـحيح المختصـرـ من أمـور رسـول اهلل صـلى اهلل عليـه‬ ‫‪-22‬‬
‫وسلم وسـننه وأيامـه‪ ،‬محمـد بن إسـماعيل أبـو عبداهلل البخـاري الجعفي‪ ،‬تحقيـق‪ :‬محمـد زهـير‬
‫بن ناصر الناصر‪ ،‬دار طوق النجاة (مصورة عن السـلطانية بإضـافة تـرقيم محمـد فـؤاد عبـد‬
‫الباقي)‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1422 ،‬هــ‪.‬‬
‫العمــدة في محاســن الشــعر وآدابه‪ ،‬أبــو على الحســن بن رشــيق القــيروانيـ األزديـ (المتــوفى‪:‬‬ ‫‪-23‬‬
‫‪ 463‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد محيي الدين عبد الحميـد‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬الطبعـة‪ :‬الخامسـة‪ 1401 ،‬ه ـ‬
‫‪ 1981 -‬مـ‪.‬‬
‫عن بناء القصيدة العربيَّة الحديثة‪ ،‬علي عشري زايد‪ ،‬كلِّيَّة دار العلوم للطباعة والنشر‪.‬‬ ‫‪-24‬‬

‫‪36‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫عي ــون األخب ــار‪ ،‬أب ــو محم ــد عب ــد اهلل بن مس ــلم بن قتيب ــة ال ــدينوريـ (المت ــوفَّى‪276 :‬هـ ــ)‪ ،‬دار‬ ‫‪-25‬‬
‫الكتب العلمية – بيروت‪ ،‬عام‪ 1418 :‬هــ‪.‬‬
‫فنون بالغية – البيان‪ ،‬البديع‪ ،‬د‪ .‬أحمد مطلوب‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار البحوث العلميَّة‪ ،‬عــام‪:‬‬ ‫‪-26‬‬
‫‪ 1975‬مـ‪.‬‬
‫والقـــوافي‪ ،‬أبـــو يعلى عبـــد اهلل التنـــوخي ( ت‪ 487 :‬ه ـ ـ ) تحقي ــق د‪ .‬ع ــوني عب ــد الـــرؤوف‪،‬ـ‬ ‫‪-27‬‬
‫مكتبة الخانجي بمصر‪ ،‬ط‪ ، 2 :‬عام‪ 1978 :‬مـ‪.‬‬
‫اللغــة العربيــة معناهــا ومبناهــا‪ ،‬د‪ .‬تمــام حســن‪ ،‬الهيئــة المصــرية العامــة للكتــاب – القــاهرة‪،‬‬ ‫‪-28‬‬
‫‪ 1979‬مـ‪.‬‬
‫مفتـ ــاح العلـ ــوم‪ ،‬يوسـ ــف بن أبي بكـ ــر بن محمـ ــد بن علي السـ ــكاكي الخـ ــوارزمي الحنفي أبـ ــو‬ ‫‪-29‬‬
‫يعقــوب (المتــوفَّى‪:‬ـ ‪626‬ه ــ)‪ ،‬ضــبطه وكتب هوامشــه وعلــق عليــه‪ :‬نعيم زرزور‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت – لبنان‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪ ،‬عام‪ 1407 :‬هـ ‪ 1987 -‬مـ‪.‬‬
‫موسيقى الشعر‪ ،‬الدكتورـ إبراهيم أنيس‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بيروت – لبنان‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬ ‫‪-30‬‬
‫منهاج البلغاء وسراج األدباء‪ ،‬أبو الحسن حازم بن محمد بن حســن‪ ،‬ابن حــازم القرطــاجني‪،‬‬ ‫‪-31‬‬
‫محمد الحبيب بن الخوجة‪ ،‬تونس‪ ،‬عام‪ 1996 :‬مـ‪.‬‬‫(المتوفَّى‪684 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪َّ :‬‬
‫ـمي‪ ،‬المطبعــة التجاريَّة الكــبرى‬
‫مــيزان الــذهب في صــناعة شــعر العــرب‪ ،‬الســيِّد أحمــد الهاشـ ّ‬ ‫‪-32‬‬
‫بمصر‪.‬‬
‫نقــد الشــعر‪ ،‬قدامــة بن جعفــر بن قدامــة بن زيــاد البغــدادي‪ ،‬أبــو الفــرج (المتــوفى‪:‬ـ ‪337‬ه ــ)‪،‬‬ ‫‪-33‬‬
‫مطبعة الجوائب – قسطنطينية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ ،‬عام‪ 1302 :‬مـ‪.‬‬

‫‪Abstract‬‬
‫‪In the name of Allah the Merciful‬‬

‫‪37‬‬
- ‫ – أيلول‬30 – ‫ هجرية‬1439 – ‫ – محرم‬10 : ‫ ) الجزء الثاني‬51 ( :‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‬
‫ مجلة علمية فصلية محكمة‬- .‫ ميالدية‬2017

In this research who noun him," Endozic music in poetry


of proselyting in Islam bosom era, and spoors her of artistical,
and semantic ", I dealt with the theme the next :
- Preface in which she addressed the importance of internal
music in poetry, its close association with poetry, and the
poet himself, to reveal what is going on in himself and in his
imagination.
The repetition of letters, repetition of words, repetition of
phrases, and the repetition of words, and the repetition of
words, and linking the parts of words within a single house or
poem, and create a special musical atmosphere to propagate a
certain significance and to confirm the meanings and
accompanied by musical amplification.
- The genotype of the two types: complete anaphylaxis,
aphrodisiac and the resulting vocal harmony, frequent
rhythm, and the formation of a picture in the mind of the
recipient by demonstrating the assertion of a certain meaning,
and clearly visible, as well as increase the beauty of the voice
bell, and good impact on hearing.
- opposition , and the result of the beautiful artistic images of
the guidance of the poets of Islam, and faith in God and the
Seal of His Messenger peace be upon him and his family, and
They are draw us this guidance that lived for her, and knew
beautiful.
- Restored the deficit on the chest and showed its importance in
the internal music, as well as adds to the beauty of additional
music on the house, and further strengthens the meaning.
- Curvature and legislation and showed them the impact of an
opening musical teaches at first glance that the poet took in
his poetry, and sometimes leave the poets.
These are the most important aspects of the Endozic
music in poetry of proselyting in Islam bosom era, which I
discussed in this research, and then concluded with a
conclusion summarized the main findings of the research and
recommendations.

38
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية – جامعة بغداد – العدد‪ ) 51 ( :‬الجزء الثاني ‪ – 10 :‬محرم – ‪ 1439‬هجرية – ‪ – 30‬أيلول ‪-‬‬
‫‪ 2017‬ميالدية‪ - .‬مجلة علمية فصلية محكمة‬

‫‪Endozic music in poetry of proselyting‬‬


‫‪in Islam bosom era, and spoors her of‬‬
‫‪artistical, and semantic‬‬

‫‪By‬‬
‫‪Dr. Imad Khaleefeh Suleiman Daoud‬‬

‫‪A.D 2017‬‬ ‫‪<<A.H 1438‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ>>‬

‫‪39‬‬

You might also like