Professional Documents
Culture Documents
الحوكمة
الحوكمة
المحاضرة األولى
مقدمة:
مع نهاية القرن 19م وبداية القرن 20عرف العالم مظاهر شتى من االنهيار االقتصادي وانتشار الفساد
بكامل أنواعه ،وقلة االستقرار السياسي في غالبية البلدان النتسار مظاهر التسلط وشمولية الحكم واإلفالس
المالي لمؤسسات الدولة،وما انجر عن ذلك من انهيار اجتماعي وانتشار البطالة والفقر لدى غالبية أفراد
المجتمع ،وبالتالي كان أمام هذه الظروف الصعبة لزاما على دول العالم اللجوء لتطبيق ما أصبح يعرف
بالحكم الراشد أو الحوكمة.
الحوكمة ليست بالضرورة مرتبطة بالدول المتخلفة أو بالمؤسسات العمومية التابعة للدولة بقدر ما أصبحت
ضرورية لكل الدول ولكل القطاعات لضمان التسيير الناجع والفعال ،فهو يضمن الصرامة في التسيير
والكفاءة ورؤية استراتيجية كما يضمن حقوق اإلنسان وبالتالي االستقرار االجتماعي والتنمية المستدامة.
مفهوم الحوكمة:
يعتري تعريف الحوكمة عدة إشكاالت فالترجمة الحرفية باللغة العربية لما ورد عن المصطلح باللغة
الفرنسية أو اللغة االنجليزية ال تعكس المعنى الحقيقي للكلمة ،حيث هناك عدة دالالت للمفهوم منها :الحكم
الراشد -أسلوب الحكم – الحاكمية – إدارة شؤون الدولة والمجتمع...كما ال يوجد تعريف موحد للمصطلح
يعبر عن معناه الدقيق ،وكن المتفق عليه أنه أصبح شرطا ضروريا للتنمية.
الحكم :ورد في قواميس اللغة العربية على النحو التالي :الحكم ( بضم الحاء وتسكين الكاف) هو العلم
والتفقه
الراشد :السن التي إذا بلغها المرء استقل بتصرفاته وأصبح مسؤوال عن تصرفاته سواء من وجهة نظر
القانون أو من وجهة نظر المجتمع.
الرشيد :من أسماء هللا الحسنى ،وتعني حسن التقدير ،ومن هنا فالحكم الراشد من خالل المعنى اللغوي
يؤكد على معاني االستقامة وحسن التقدير.
ثانيا -التعريف االصطالحي:
مصطلح غير محدد االستخدام وهو منذ شيوعه أكثر بدءا من سنة 1989م وهو يشير إلى معاني عديدة،
فالبنك الدولي مثال يعتبر أن جودة الحكم ال ترتبط بالدولة وحدها والتي ليست –حسبه -الفاعل الرئيسي
في صنع وتنفيذ السياسات العامة ،بل أصبح هناك فاعلون آخرون مثل المنظمات -المؤسسات الدولية-
القطاع الخاص -ومؤسسات المجتمع المدني.
أما الحكم الرشيد من منظور التنمية اإلنسانية فيُقصد به الحكم الذي يعزز ويدعم ،ويصون رفاه
اإلنسان ،ويقوم على ت وسيع قدرات البشر وخياراتهم وفرصهم وحرياتهم االقتصادية واالجتماعية
والسياسية ،السيما بالنسبة ألكثر أفراد المجتمع فقرا.
وتعرف منظمة الشفافية الدولية الحكم الرشيد بأنه" :هو الغاية الحاصلة من تكاتف جهود كل من
الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني ومختلف ا لمواطنين في مكافحة ظاهرة الفساد ،بداية من جمع
المعلومات وتحليلها ونشرها لزيادة الوعي العام حول الظاهرة ،وخلق آليات تمكن هذه األطراف من
القضاء على الظاهرة أو على األقل التقليص منها.
كما وضع برنامج األمم المتحدة اإلنمائي ( )1997مفهوما أكثر شموال للحكم الراشد كما يلي" :هو
ممارسة السلطة االقتصادية والسياسية واإلدارية إلدارة شؤون الدولة على كافة المستويات ،ويشمل
اآلليات والعمليات والمؤسسات التي من خاللها يعبّر المواطنون والمجموعات عن مصالحهم ويمارسون
حقوقهم القانونية ويوفون بالتزاماتهم ويقبلون الوساطة لحل خالفاتهم.
ووفقا لتقرير التنمية اإلنسانية العربية) تقرير سنة ، (2002فان الحكم الراشد أو الصالح" :هو الحكم الذي
وحرياتهم
ّ يعزز ويدعم ويصون رفاه اإلنسان ،ويقوم على توسيع قدرات البشر وخياراتهم وفرصهم
االقتصادية واالجتماعية والسياسية ،ويسعى إلى تمثيل كافة فئات الشعب تمثيال كامال ،السيما األكثر فقرا
وتهميشا ،وتكون مسؤولة أمامه لضمان مصالح جميع أفراد الشعب".
إذا ظهر االختالف والجدل في هذه التعاريف حول مفهوم الحكم الراشد ،بين الباحثين األكاديميين وخبراء
المنظمات العالمية للتنمية والمالية واإلدارة واالقتصاد وغيرهم ،سواء من خالل التسميات المتعددة أو
الترجمات المختلفة للمفهوم؛ حيث اعتمدوا الكثير من المصطلحات مثل :الحكم الجديد ،الحكم الصالح،
التطبيق السليم لممارسة السلطة ،ادارة شؤون الدولة والمجتمع ،الحوكمة ،اإلدارة المجتمعية ،أسلوب
الحكم الموسع ،الحكمانية ،الحاكمية ،النظام السليم للحكم واإلدارة ،الحكم الراشد أو الحكم الرشيد.
ومرد هذا االختالف إيديولوجي أساسا ،ينطلق من دور الدولة في التسيير ،أو المدى الذي يمكنها فيه أن
تتخلى عن التأثير على مجريات القرار السياسي واالقتصادي واالجتماعي...
للمزيد ينظر:
-راوية توفيق ،الحكم الرشيد والتنمية في افريقيا ،معهد البحوث والدراسات اإلفريقية ،جامعة القاهرة ،ط . 2005 ،1
-ابراهيم العيسوي ،التنمية في عالم متغير ،دار الشروق ،القاهرة ،ط2000 ،1
المحاضرة الثانية:
أبعاد الحكم الراشد:
تتفاعل ثالثة أبعاد أساسية فيما بينها وترتبط ارتباطا وثيقا ،لتحقيق وتجسيد نموذج فعال للحكم الراشد
وهي:
-1البعد السياسي:
ويتعلق بطبيعة السلطة السياسية أو النظام السياسي وشرعيته؛ من حيث اختيار ممثلي الشعب والمسؤولين
عبر االنتخابات الحرة والنزيهة والديمقراطية.
-2البعد االقتصادي واالجتماعي:
ويتعلق من جهة بطبيعة السياسات العامة في المجال االقتصادى واالجتماعى ،وبخصائص المجتمع المدني
وحيويته وارتباطه أو استقالله عن الدولة ،وتأثير ذلك على الموطنين ،من حيث مستوى المعيشة مثل
العدالة االجتماعية في التنمية أو الفقر والتهميش...الخ.
-3البعد التقني أو الفني:
ويتعلق بأداء االدا ا رت المختلفة وكفاءتها وفاعليتها وطرق تسييرها ،ومدى اعتمادها على
معايير الن ا زهة واالستحقاق والشفافية والمحاسبة وتطبيق مبادئ حوكمة المؤسسات ...الخ.
أطراف الحكم الراشد:
للحكم الراشد ثالث أطراف منظمة ومهيكلة في شكل تنظيمات وهيئات ،تتكفل بتجسيد وتفعيل تلك القواعد
واألسس التي بني عليها الحكم الراشد ،كشركاء في عقد اجتماعي ثالثي ،وهذه الفواعل هي:
-الحكومة:
أو المؤسسات السياسية والقانونية وأجهزة الدولة االدارية المختلفة المستويات ،كالوزارات وما يتبعها
والبرلمان وجهاز العدالة والوالية والبلدية ومجالسهما ...لكن مع ضمان الحد المطلوب من االستقاللية
والفصل بين السلطات ،وتوفير المناخ الديمقراطي والعدالة والمساواة أمام القانون
والشفافية ...وبالتالي فهذا الفاعل األول يمثل البعد السياسي في الحكم الراشد.
-القطاع الخاص :
يتمثل في مجمل المؤسسات والشركات االقتصادية والتجارية والخدماتية ،التي تضمن عملية
إنتاج السلع وتوفير الخدمات المختلفة التي يحتاجها المجتمع .والقطاع الخاص مكمل هام
للقطاع العام ،يقوم على حرية الفرد وروح المبادرة في إنشاء المشاريع ،وبالتالي فهذا الفاعل
يمثل البعدين االقتصادي والتقني) االداري) في الحكم الراشد.
-المجتمع المدني:
وهو مجموعة التنظيمات واالتحادات والجمعيات التي تمثل المواطنين ،وتجمعهم في إطار
منظم واحد له اهتمامات وأهداف مشتركة ،من خاللها تعمل على الدفاع على حقوقهم
وتفاوض من أجلها ،وهي اللسان الناطق باسمهم ،كما تمثل أداة المشاركة واالقتراح سواء
أمام السلطات العمومية أو قوى السوق .وهذا الفاعل هو الذي يجسد البعد االجتماعي في
الحكم الراشد.
للمزيد ينظر:
زهرة السيد )،الفساد والحكم الصالح في البالد العربية( ،مجلة المستقبل العربي ،بيروت ،العدد ، 316
يونيو .2006
-الحرية:
الحريات العامة جزء من حقوق اإلنسان الطبيعية التي خلق بها ،ونظمتها الكثير من القوانين ،وكذلك الشرائع
السماوية وعلى رأسها اإلسالم ،والحرية هي أساس التنمية السياسية والضامن للحفاظ على الدولة والمجتمع
من االنهيار وهي ضرورية للفرد واألسرة والمجتمع والت نظيمات والنقابات بكل أشكالها ،وهي تشمل حرية
االعتقاد والرأي والسكن والعمل ،وحرية التجمع ،وحرية تشكيل األحزاب والنقابات ،وحرية الصحافة
واإلعالم ..على أال تتعدى حريات اآلخرين وال تخل باألمن العام للمجتمع وقيمه األساسية األخالقية المتعارف
عليها ،وبالتالي فهناك عالقة وطيدة بين الحرية والحكم الراشد.
-الفصل بين السلطات:
إن احتكار السلطة ومركزتها في يد الملك أو الحاكم أهم العوامل المؤدية للدكتاتورية ،فجاء
مبدأ الفصل بين السلطات بعدما كانت مجمعة في يد واحدة كرد فعل على إساءة استخدام السلطة واحتكار
القرار ،بسبب تركيز السلطة في يد الملك أو الحاكم وتنعدم في هذه الحالة فكرة الرقابة
والمحاسبة.ويرى الخبراء أن تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات هو أساس بناء نظام
ديمقراطي ،وأن هذا الفصل هو " :عدم الجمع بين السلطات وعدم تركيزها لدى هيئة
واحدة" .إن الدولة الحديثة ذات النظام الديمقراطي تتضمن سلطات ثالث ال قطيعة بينها،
وإنما هناك تعاون وتكامل ورقابة متبادلة ،تؤدي إلى المحاسبة والمساءلة على أداء الوظائف
الدستورية وفق منظور الحكم الراشد ولكل سلطة دور ووظيفة محددة كما يلي:
السلطة التنفيذية :تتكون من جميع الموظفين ،من الرئيس إلى أصغر موظف في
الهيئات المحلية والمؤسسات ،وتتكفل بتنفيذ القرارات والقوانين.
السلطة التشريعية :وتتمثل في أعضاء المجلس التشريعي او البرلمان ،الذين يختارون
من طرف الشعب بواسطة االنتخابات الحرة والنزيهة ،ودورها هو صياغة القوانين التي
تكون عامة ومجردة في المجاالت المختلفة السياسية واالقتصادية واالجتماعية.
السلطة القضائية :وتتمثل في القضاة وأعضاء النيابة ومعاونيهم وتقوم بتفسير القوانين
والسهر على مراقبة مدى تطبيقها كما تفصل بين المتنازعين وبعض خصوماتهم وخالفاتهم .
-الشفافية:
الشفافية تتمثل في سهولة تدفق المعلومات وتداولها وتبادلها بكل حرية بين المؤسسات العامة
أو الخاصة ومختلف األطراف والمتعاملين معها ،في كل األمور التي تهمهم ،مثل المعامالت
والموازنة واألهداف والمصاريف وغيرها ،أو بشكل آخر أن تعلم جمهورها والمواطنين
عموما بكل الحقائق والمعلومات.
-الرقابة:
الرقابة هي متابعة والتأكد من مدى سير وتنفيذ األعمال والبرامج طبقا لما خطط له،
ووفقا للقوانين والتعليمات والقرارات الموضوعة مسبقا ،والهدف من ذلك هو كشف األخطاء
واالنحرافات والتبليغ عنها للهيئات المعنية التخاذ التدابير الضرورية لتصحيحها ومحاسبة
مرتكبيها ،وبالتالي تفادي تكرار وقوعها مرة أخرى ،وتحسين األداء الوظيفي في المستقبل.
-سيادة القانون:
عندما يتعلق األمر بسيادة القانون ،فإن مبادرات الحكم الراشد التي تراعي حقوق اإلنسان تحقق
إصالح التشريعات وتساعد المؤسسات ،بهدف تحسين تنفيذ هذه التشريعات ،وقد تتضمن مبادرات الحكم
الراشد الدعوة إلى اإلصالح القانوني ورفع مستوى التوعية العامة بشأن اإلطار القانوني الوطني والدولي
وبناء القدرات وإصالح المؤسسات.
-المشاركة :
يرتبط الحكم الراشد بالمشاركة الشعبية إلى حد كبير ،فال حكم راشد مع األوتوقراطية أو الحكم الفردي
مهما كان أو مع الحكم الشمولي ،مهما كان النموذج مثاليا.
إن مسألة الشراكة بين مختلف أطراف المجتمع؛ الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني هي مسألة
أساسية ومهمة للغاية لتحقيق الحكم الراشد ،من خالل التعاون والتنسيق والعمل المتجانس على تعبئة
الموارد بشكل أفضل وتوزيعها بعدالة في الجانبين االقتصادي واالجتماعي عامة.
-المساواة:
تستند المساواة في المجتمع إلى أن المواطنة هي القاعدة المنظمة لحياة المجتمع على الصعيدين القطري
والوحدوي القومي ،وهي بذلك تؤسس لبيئة اجتماعية مستقرة ،وتؤسس فكرا اجتماعيا وسياسيا مستقرا يمكن
البناء عليه الكثير من فرص النجاح االقتصادي والسياسي والثقافي ،والمساواة تمنع النعرات الطائفية
وا لصراعات الداخلية ،وتجنب إعاقة حركة المجتمع في مجاالت التنمية والحضارة والتقدم ،مما يسمح
باستثمار أقصى االمكانات المتاحة ،وتلغي التهميش واالقصاء و المساواة بين الناس هي من قواعد الشريعة
اإلسالمية.
العـــدل :
الحكم غير العادل مصيره محفوف بالمخاطر ،وتعتبر قاعدة العدل من قواعد الدين والعقيدة اإلسالمية ،وهي
كذلك الجزء القيم من التاريخ الثقافي البشري ،والدول القادرة على تحقيق العدل في الحكم والقضاء هي الدول
التي بإمكانها تحقيق االستقرار والنمو ،والعدل يكون في إدارة المال وتوزيع الثروة ،كما في تقديم الخدمات
ا ألساسية ،كما في التعليم والصحة ،كما في العالقات الخارجية ،واتخاذ المواقف بين الدول واألمم االخرى،
والحكم الذي يبنى على العدل يعد حكما راشدا مع التكامل مع بقية الركائز.
المساءلة :تعد المساءلة بدورها من األسس الهامة لتحقيق مقاصد الحكم في رعاية شئون الناس والقيام عليها
وتحقيق حاجاتهم وتنميتهم وتقدمهم ،وتوفير كافة الفرص لهم جميعا للقيام بشئون حياتهم ،وبذلك يقف الحاكم
في الحكم الراشد أمام الشعب ليتحمل مسئولية الفشل كما يقف ليقطف ثمار النجاح.
للمزيد ينظر:
ابراهيم العيسوي ،التنمية في عالم متغير ،دار الشروق ،القاهرة ،ط 2003 ،3
األخضر عزي ،غانم جلطي )،قياس قوة الدولة من خالل الحكم ال ا رشد( ،مجلة علوم إنسانية،
http //www .uluminsania . net/a34 . htm
.