Professional Documents
Culture Documents
كانت هذه العالقات متميزة ،إذا ما قورنت بالعالقات الجزائرية مع باقي الدول األوروبية1. ،
و هذا التميز يعود إلى المكانة و الحظوة التي كان يتمتع بها دبلوماسيي فرنسا و تجارها و
قناصلها في الجزائر ،بعد التوقيع على معاهدة االمتيازات بين الدولة العثمانية و فرنسا سنة
1534في عهدي الملك فرانسوا األول و السلطان سليمان القانوني ،حيث تضمنت هذه
المعاهدات امتيازات كثيرة لفرنسا في العديد من الواليات العثمانية ،و الجزائر كانت إحدى
هذه الواليات ،إذ أصبح لفرنسا مؤسسات تجارية كثيرة في العديد من المدن الساحلية
الجزائرية مثل مدينة الجزائر ،عنابة ،القالة و القل و يمارس فيها التجار الفرنسيون مختلف
األنشطة االقتصادية مثل التصدير و االستيراد .لكن كل هذا كان ظاهريا فقط ،الن الهدف
.الحقيقي كان الجوسسة على األوضاع في الجزائر
وصلت هذه العالقات إلى ذروتها خالل الثورة الفرنسية سنة ،1789حيث كانت الجزائر 2.
الدولة الوحيدة التي اعترفت بالنظام الجديد في فرنسا التي كانت تواجه حصارا أوروبيا
محكما من اجل إجهاض هذه الثورة إفشالها و قررت منح الكثير من المساعدات لفرنسا
أبرزها قروضا بدون فوائد لشراء الحبوب الجزائرية ،كما قامت أيضا بفتح الموانئ
.الجزائرية أمام التجار الفرنسيين بعد أن أغلقت في وجوههم األسواق األوروبية
لم تتوتر هذه العالقات إال خالل الحملة العسكرية الفرنسية على مصر سنة 1798بقيادة 3.
نابليون بونابرت ،حيث سارع الباب العالي باآلسيتانة (عاصمة اإلمبراطورية العثمانية) إلى
الضغط على الجزائر لقطع عالقاتها مع فرنسا و إعالن الحرب عليها األمر الذي رضخت له
الجزائر ،و لقد أرسل مصطفى باشا داي الجزائر آنذاك برسالة إلى نابليون يبرر له فيها
األسباب التي دفعته إلى القيام بذلك ،و هي أن السلطان طلب " منا إعالن الحرب ضد فرنسا
،و بما أننا تحت رعايته فال يمكن لنا أن نخرج عن طاعته فهي من واجبات العقيدة و
الخروج عنها يعني الخروج عن الدين " .و لقد عرفت خالل هذه الفترة المصالح الفرنسية
في الجزائر (خاصة امتياز صيد المرجان) أخطارا حقيقية وصلت إلى غاية تجميد هذه
.النشاطات
في الوقت الذي كانت فيه الجزائر تعامل فرنسا بحسن النية ،كانت فرنسا تخطط لكيفية 4.
احتالل الجزائر ،و هذا معناه أن العالقات الجزائرية الفرنسية لم تكن في حقيقة أمرها جيدة
إال ظاهريا خاصة من الجانب الفرنسي الذي كان يخطط سرا الحتالل الجزائر و القضاء
على قوتها التي كانت تهدد كامل الجزء الغربي من أوروبا .و يظهر ذلك من خالل تلك
المشاريع الكثيرة التي أعدتها فرنسا ألجل ذلك مع الربع األخير من القرن الثامن عشر ،حيث
بلغ عددها حوالي عشرة مشاريع في الفترة ما بين ،1830-1782و المالحظ ان كل هذه
المشاريع ركزت على األهمية االقتصادية و اإلستراتيجية التي كانت تتمتع بها الجزائر ،و
.بالتالي ضرورة احتاللها و ضمها إلى اإلمبراطورية الفرنسية
إن كل هذه المشاريع بنيت على كم هائل من المعلومات التي جمعت حول الجزائر و 5.
المتعلقة بجميع الجوانب السياسية و االقتصادية و االجتماعية و العسكرية و الطبوغرافية،
التي كان لها الدور األكبر في وضع المخطط األخير و الذي بفعله تم احتالل الجزائر سنة
1830.