You are on page 1of 57

‫مقياس المدارس التاريخية‬

‫األستاذة سالني نورة‬


‫خاص بطلبة السنة األولى ماستر تاريخ المقاومة و‬
‫الحركة الوطنية‬
‫ما الذي تعرفه عن المدارس‬
‫‪‬‬

‫التاريخية‬
‫‪‬‬ ‫بعض المراجع المهة للمقياس‬
‫يقول ابن خلدون‪" :‬فإن فَّن التاريخ من الفنون التي تتداوله األمم واألجيال‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫وتشُّد إليه الركائب والرحال‪ ،‬وَتْس ُم و إلى معرفته الُّسوَقة‬


‫واألغفال[وتتنافس فيه الملوك واألقيال[‪ ،‬وتتساوى في فهمه العلماء‬
‫والُجَّهال؛ إذ هو في ظاهره ال يزيد على أخباٍر عن األيام والدول‪،‬‬
‫والسوابق من القرون اُألَو ل‪ ،‬تنمو فيها األقوال‪ ،‬وُتْض َر ُب فيها األمثال‪،‬‬
‫وتطرف بها األندية إذا غَّصها االحتفال‪ ،‬وتؤِّد ي لنا شأن الخليقة كيف‬
‫تقَّلبت بها األحوال‪ ،‬واَّتسع للدول فيها النطاق والمجال‪ ،‬وعمروا األرض‬
‫حتى نادى بهم االرتحال‪ ،‬وحان منهم الزوال‪ .‬وفي باطنه (أي في باطن‬
‫للمتبِّحِّح ِر يَن ) نظٌر وتحقيق‪ ،‬وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق‪،‬‬
‫علم التاريخ للمتب‬
‫وِع ْلـٌم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق؛ فهو لذلك أصيل في الحكمة‬
‫عريق‪ ،‬وجدير بأن ُيَع َّد في علومها وخليق"‬
‫‪‬‬ ‫ا ريب أن علم التاريخ بدأ مع بداية وجود المجتمع اإلنساني‬
‫نفسه منذ بدأ اإلنسان يسِّج ل مظاهر حياته بشكل أو بآخر‪،‬‬
‫مبتكًر ا بذلك مجاًال جديًد ا لمعرفة اإلنسان بذاته‪ .‬وال َشَّك أن هذا‬
‫النمط المعرفي قد جاء تلبيًة لحاجات اجتماعية َفَر َض ْت نفسها‬
‫منذ البداية على الجماعات اإلنسانية‪ ،‬وِم ن َثَّم من الجائز أن‬
‫ُنَقِّر َر أن للتاريخ وظيفة اجتماعية؛ من حيث إنه ُيَلِّبي حاجة‬
‫[الجماعة البشرية إلى معرفة ذاتها‬
‫يقول ابن خلدون‪" :‬فإن فَّن التاريخ من الفنون التي تتداوله‬ ‫‪‬‬

‫األمم واألجيال‪ ،‬وتشُّد إليه الركائب والرحال‬


‫‪‬‬ ‫منذ منتصف القرن التاسع عشر حدثت طفرة في الدراسات‬
‫التاريخية في العصر الحديث‪ ،‬نتيجة لحالة الوعي األوروبي‪،‬‬
‫وكرد فعل طبيعي لسيادة النظرة المسيحية في تفسير التاريخ‬
‫ووقائعه‪ ،‬حيث اُع تبر أن التاريخ هو تحقق المشيئة اإللهية‪،‬‬
‫وكما الحال في اإلسالم ولكن في عصوره الوسيطة‪ ،‬شهد‬
‫المعرفة والفكر اإلسالمي بزوغ مدارس متعددة عبرت عن‬
‫أوجه التفسير المختلفة كالمعتزلة والمدرسة الخلدونية‬
‫‪.‬وغيرهم‬
‫‪‬‬ ‫ك انت دوافع تطور هذه المدارس التاريخية هي عملية العودة‬
‫للماضي اإلغريقي والروماني والشك فيه‪ ،‬والتطاحن الحربي بين‬
‫الكاثوليك والبروتستانت‪ ،‬ورحالت االستطالع واالستكشاف للعالم‬
‫الجديد‪ ،‬والصراع السياسي واالجتماعي بين بلدان أوروبا‪ ،‬ثم‬
‫األفكار التنويرية بداية من جوفينو فيكو‪ ،‬مروًر ا بمونتسيكيو‬
‫وروّس و وفولتير‪ ،‬كما أدى اكتشاف قوانين طبيعية يسير وفقها‬
‫الكون إلى التفكير في إيجاد تفسيرات ونظريات يستطيع من‬
‫خاللها تفسير الماضي واستشراف المستقبل‪ .‬وبناًء على تباين‬
‫‪.‬التفسيرات للتاريخ ظهرت لنا عدة مدارس حديثة لتفسير التاريخ‬
‫‪‬‬ ‫)‪ (Humanism‬المدرسة اإلنسانوية ‪1.‬‬
‫‪‬‬ ‫ُتعبر فكرة اإلنسانونية عن اإلنسان حيث جعلته محور‬
‫فلسفتها‪ ،‬ونتجت عن تطور الوعي األوربي خالل عصر‬
‫النهضة وتحول اإلنسان من سلطان الكنيسة لسلطان العقل‪،‬‬
‫ومن النظم السياسية االمبراطورية إلى الدويالت القومية‬
‫الوطنية‪ ،‬وأصبح اإلنسان محور أفكار نخبة عصر النهضة‪،‬‬
‫‪».‬بعد أن كانت الميتافزيقيا «ما وراء الطبيعية‬
‫‪‬‬‫والدولة عند المؤرخ اإلنسانوي ال عالقة لها بالدين؛ ألنها‬
‫تستمُّد سلطانها من البشر‪ ،‬والسياسة مجردة من أي قداسة‬
‫دينية؛ ألنها فعل إنساني خالص‪ ،‬وترَّتب على هذه النظرة‬
‫المتمحورة حول اإلنسان في الجانب الديني ثورة ظهور‬
‫‪.‬االقتصاد النظام الرأسمالي‬
‫‪‬‬ ‫ومن توجهات المؤرخ اإلنسانوي محاولة دراسة الماضي‬
‫دراسة مستفيضة‪ ،‬خاصة النصوص الدينية ومحاولة‬
‫تأويلها‪ ،‬وتعلقه بالماضي جعله يستنبط علوم جديدة منها علم‬
‫اآلثار والنميات «المسكوكات » والبرديات‪ ،‬والنقوش‪ ،‬كما‬
‫أن المؤرخ اإلنسانوي تخلى عن فكرة «العصر الذهبي»‪،‬‬
‫وهدم الفكرة القائلة بأن الماضي أحسن من الحاضر‪،‬‬
‫والحاضر أحسن من المستقبل‪ ،‬وهي الفكرة السائدة في كل‬
‫‪،‬مجتمعات ما قبل الحداثة‬
‫‪‬‬ ‫)‪ (Rationalism‬المدرسة العقالنية ‪2.‬‬
‫‪‬‬ ‫أدى ظهور االختراعات الحديثة وتملك اإلنسان لآلله‪ ،‬واإليمان بالعقل ومقاومة‬
‫الخرافات‪ ،‬والتصدى لرجال الدين واستبداد الحكام‪ ،‬والوقوف ضد الحروب مهما‬
‫كانت دوافعها‪ ،‬إلى تقدم وتغير في رؤية التاريخ؛ ولم يعد يوجد خط فاصل بين‬
‫التاريخ والفلسفة‪ ،‬وأصبح في تفسيرهم للتاريخ يعتمُد على الرؤية الشاملة‪ ،‬خالًفا‬
‫لإلنسانوي الذي اعتمد على العامل السياسي في تفسير رؤيته‪ ،‬كما استحدث نظاًم ا‬
‫جديًد ا لتحقيب التاريخ فجعله قديًم ا ووسيًطا وحديًثا عكس رجال الدين الذين‬
‫قّس موه لتاريخ وثني وتاريخ مسيحي‪ ،‬ومن مواطن قصور العقالنية العداء الشديد‬
‫لرجال الدين والبابوية‪ ،‬وغلبت بالغة العقالنيين على مضمونهم التاريخي‪ ،‬ومن‬
‫‪.‬أهم المؤرخين المعبرين عن العقالنية فولتير‪ ،‬وسان سيمون‬
‫‪‬‬ ‫)‪ (Positivism‬لمدرسة الوضعية‬
‫‪‬‬ ‫خضَع علُم التاريخ لهيمنة الوضعيين‪ ،‬والذي تمّثل في إسقاط‬
‫القوانين الخاّص ة بعلوم الطبيعية على اإلنسان‪ ،‬وتعد ألمانيا‬
‫الموطن األصلي لتلك المدرسة‪ ،‬فقد تميزت تلك الفترة بسيطرة‬
‫العلوم التجريبية على حل القضايا‪ ،‬وآمنت هذه المدرسة بأن‬
‫العلم الوحيد هو علم الطبيعة القائم على الرياضيات والتجربة‪،‬‬
‫وال يهتّم بتاريخ الجزئيات‪ ،‬وإنما بالتاريخ ككل‪ ،‬واألهم أن‬
‫الحدَث التاريخَّي بالنسبة للوضعي التجربة يمارسها فيحاول أن‬
‫‪.‬يستوثق من الحدث ويثبته تاريخًيا‬
‫‪‬‬ ‫يتمّيز المؤرُخ الوضعُّي في كتابته للتاريخ بأربع مراحل‪:‬‬
‫مرحلة تجميع الوثائق‪ ،‬ونقدها‪ ،‬وضبط األحداث‪ ،‬وأخيًر ا سرد‬
‫هذا الحادث‪ ،‬مع االهتمام بكتابة الهوامش والحواشي أسفل‬
‫الصفحات أو في نهاية ورقتة التاريخية‪ ،‬ويستخدم الرسم‬
‫البياني واإلحصائي في إثبات وجهات نظره‪ ،‬وهو يرى أن‬
‫يتحّر ر المؤرخ من انتماءاته السياسية والثقافية والدينية‬
‫والقومية وما شابه‪ .،‬ومن أشهر المؤرخين الوضعيين‬
‫‪.‬أرنست الفيس‪ ،،‬أوغست كونت‬
‫‪‬‬ ‫)‪ (New Historicism‬المدرسة التاريخانية‬
‫‪‬‬ ‫ُع رفت التاريخانية بأنها دراسة األحداث التاريخية كما هي دون إخضاعها‬
‫للمثالية األخالقية والسياسية‪ ،‬بل ُتدرس كظواهر تاريخية مختلفة في‬
‫السياق‪ ،‬وترى هذه المدرسة أن الحقيقة التاريخية تظل دائًم ا حقيقة‬
‫نسبية‪ ،‬وأن علوم الطبيعة ُتفسر‪ ،‬لكن علوم االجتماع ُتفهم‪ ،‬وال تنظر‬
‫س لتفسير وتأويل الحدث‬ ‫التاريخانية إلى الوثائق باعتبارها شئ مقّد‬
‫مقّدس‬
‫التاريخي‪ ،‬ويستطيُع أن يصَل المؤرخ التاريخاني إلى حقائق جزئية‪،‬‬
‫ولكنه لن يدرُك الصورة الكلية للحدث التاريخي‪ ،‬وقد ظهرت أفكار‬
‫المدرسة في أدبياتهم عن ِس ير المشاهير‪ ،‬ودراسة الذهنيات وتأثيرها‬
‫‪.‬على الفرد والمجتمع من خالل سياقها التاريخي وتأثيرها لألحداث‬
‫‪‬‬ ‫لكن مما ُأخذ على التاريخانية أنهم أرخوا للحدث في جزئيته‪،‬‬
‫ورفضوا التعميم في دراساتهم للظواهر‪ ،‬كما أنهم رفضوا‬
‫وجود أية حقيقة موضوعية‪ ،‬والسقوط في النسبية في الحكم‬
‫على األحداث التاريخية‪،‬أي رفض إطالق أي حكم على الفاعل‬
‫التاريخي‪ ،‬وهو ما يؤدى للعدمية أو التسامح المطلق مع‬
‫الفاعل التاريخي‪ ،‬ومن أشهر روادها ولهام‪ ،‬هنري ريكارت‪،‬‬
‫ماكس فيبر‪ ،‬بينيديو كروتشي‪ ،‬روبين جورج كولينفورد‪،‬‬
‫‪ .‬هنري مارو وغيرهم‬
‫‪‬‬ ‫)‪ (Historical materialism‬المدرسة الماركسية المادية‬
‫‪‬‬ ‫تأسست هذه المدرسة على يد كل من كارل ماركس(‪)1883-1818‬‬
‫وفريدريك إنجلز (‪ .)1895-1820‬شملت الماركسية فيما بعد عطاءات‬
‫مفكرين ماركسيين كثيرين من أمثال لينين‪ ،‬وتروتسكي وستالين‬
‫وماوتسي تونغ وغيرهم‪ .‬وليست الماركسية نظرية مادية فحسب‪ ،‬بل‬
‫هي نظرية جدلية تعتبر أن كل ظاهرة تحمل في أحشائها الشيء‬
‫ونقيضه‪ ،‬واعتمدت هذه المدرسة على دراسة التاريخ الشامل‪ ،‬وجعلت‬
‫من العامل االقتصادي دور مهم في صنع األحداث التاريخية‪،‬والتركيز‬
‫‪.‬على الطبقات الكادحة في الدراسة‪ ،‬وتراتبية المجتمع تراتًبا اقتصادًيا‬
‫‪‬‬ ‫)‪ (Structuralism‬لمدرسة البنيوية‬
‫اشُتق لفظ البنيوية من البنية إذ ترى أن كل ظاهرة‪ ،‬إنسانية ‪‬‬

‫كانت أم أدبية‪ ،‬تشكل بنية‪ ،‬ولدراسة هذه البنية يجب علينا أن‬
‫نحللها (أو نفككها) إلى عناصرها المؤلفة منها‪ ،‬بدون أن‬
‫ننظر إلى أية عوامل خارجية عنها‪ ،‬ويعتقُد مؤّس سوها أن‬
‫‪.‬تاريخ البشر ِم ن صنع أفكارهم بمحض إراداتهم‬
‫‪‬‬ ‫وقد استطاع البنيويون أن يزيلوا الحدود بين العلوم اإلنسانية‪ ،‬ويرى‬
‫أن جميع الشعوب لها تاريخ وإن كانت بدائية وليست هناك فوارق بين‬
‫الشعوب من ناحية التاريخ‪ ،‬وقد أّثرت هذه المدرسة في مدرسة‬
‫الحوليات الفرنسية‪ ،‬لكنها رّك زت على الثوابت في دراسة التاريخ‪،‬‬
‫وتقسيمه لبني مستقلة عن بعضها‪ ،‬فلم يكن ِم ن أهدافها إنشاء تاريخ‬
‫عالمّي بقدر من تركيزها على بنية األشياء الثابتة في التاريخ‪،‬‬
‫وأصبحت البني الخفية هي المحّر ك لإلنسان والتاريخ‪ ،‬وتحّو لت‬
‫البنيوية إلى شبه الميتافزيقيا مما عّج ل بانحسارها بين األوساط‬
‫التاريخية‪ ،‬ومن أشهر رواد المدرسة ميشيل فوكو‪،‬روالن بارت‪ ،‬جاك‬
‫‪.‬الكان وغيرهم‬
‫‪‬‬ ‫عوامل ظهور المدرسة البنيوية لقد ظهرت البنيوية في عام ‪1725‬‬
‫ميالدًّيا عندما أَّلف القاضي جامبا نستافيكو كتابه "العلم الجديد"‬
‫الذي يرى فيه أّن المجتمعات هي التي تخلق نفسها أو ذاتها‪ ،‬أي‬
‫أن الشي الواحد ليس له مكان إال بوجوده مع الجماعة‪ ،‬ومجموعة‬
‫الجماعات مًع ا تؤلف المجتمع‪ ،‬ثم أخذ دي سوسير الفكرة فقد كان‬
‫يرفض المنظور التتابعي ألنه يرى بأن تتبع تاريخ الكلمة ال يفيد‬
‫بشيء‪ ،‬وتكاملت البنيوية الحًقا على يد براغ وبلومفيلد‪ ،‬ومن‬
‫العوامل التي أدت إلى ظهور المدرسة البنيوية‪ :‬رد فعل على‬
‫‪،‬النظام الذي كان يسود بريطانيا بشكٍل خاص وأوروبا بشكٍل عام‬
‫‪‬‬ ‫هذا النظام إلى األشياء بأنها تراكمات وتكتالت لعناصر مستقلة‪،‬‬
‫فمثاًل اللغة هي والدة تراكم وتجمع لعناصرها أو مستوياتها‪ ،‬ويرى‬
‫المذهب البنيوي أن الكلمة وحَد ها ليس لها معنى إذا لم توضع في‬
‫جملة‪ .‬تطُّو ر التفكير واإلدراك في العلوم الطبيعية والعلوم اإلنسانية‪،‬‬
‫حيث إّن الفكر البنيوّي اقترن بأسلوب البحث في مختلف المعارف‬
‫فلكل علٍم مادة‪ ،‬ولكل مادٍة بنية‪ ،‬ويكتفي أن يحّد د أي باحث‬
‫خصائص هدفه في استكشاف خصائص بنية المادة التي يبحث عنها‬
‫لكي يحصل على صفة الباحث البنيوي‪ .‬توفر الوسائل العملية عند‬
‫استنطاق الظاهرة‪ ،‬حيث كان يجمع بين البساطة الظاهرة والدقة‬
‫‪.‬المخفية‬
‫‪‬‬ ‫‪ :‬البنيوية في العالم العربي‬
‫لم تظهر البنيوية في الساحة الثقافية العربية إال في أواخر الستينيات وبداية ‪‬‬

‫‪ .‬السبعينيات عبر المثاقفة والترجمة والتبادل الثقافي والتعلم في جامعات أوربا ‪‬‬

‫وكانت بداية تمظهر البنيوية في عالمنا العربي في شكل كتب مترجمة ومؤلفات ‪‬‬

‫تعريفية للبنيوية ) صالح فضل‪ ،‬وفؤاد زكريا‪ ،‬وفؤاد أبو منصور‪ ،‬و ريمون طحان ‪‬‬

‫ومحمد الحناش‪ ،‬وعبد السالم المسدي‪ ،‬وميشال زكريا‪ ،‬وتمام حسان‪ ،‬وحسين ‪ ،‬‬

‫الواد‪ ،‬وكمال أبوديب‪ ، (....‬لتصبح بعد ذلك منهجية تطبق في الدراسات النقدية ‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪.‬والرسائل واألطاريح الجامعية‬
‫‪‬‬ ‫ويمكن اعتبار الدول العربية الفرانكوفونية هي السباقة إلى تطبيق البنيوية‬
‫وخاصة دول المغرب العربي ولبنان وسوريا ‪ ،‬لتتبعها مصر ودول الخليج ‪‬‬

‫‪.‬العربي ‪‬‬

‫ومن أهم البنيويين العرب في مجال النقد بكل أنواعه‪ :‬حسين الواد‪ ،‬وعبد السالم ‪‬‬

‫‪ ،‬المسدي ‪ ،‬وجمال الدين بن الشيخ‪ ،‬وعبد الفتاح كليطو‪ ،‬وعبد الكبير الخطيبي ‪‬‬

‫ومحمد بنيس‪ ،‬ومحمد مفتاح‪ ،‬ومحمد الحناش‪ ،‬وموريس أبو ناضر‪ ،‬وجميل ‪‬‬

‫‪.‬شاكر‪ ،‬وسمير المرزو قي‪ ،‬وصالح فضل‪ ،‬وفؤاد زكريا‪ ،‬وعبد هلال الغذامي ‪ 2‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ :‬ختاما‬
‫فالبنيوية كاتجاه نقدي ‪ ،‬لم يكن إال بعد توطئة معرفية علمية ‪‬‬

‫‪ ،‬طويلة ‪ ،‬كما أسلفنا‬


‫و كان يطبق في عصور ممتدة ‪ ،‬حتى مضى عهده الزاهر ‪ ،‬و ‪‬‬

‫أتت بعده مذاهب و‬


‫‪‬‬ ‫اتجاهات أخرى ‪ ،‬كالتشريحية أو التفكيكية ‪ ،‬خاصة لما أرينا من‬
‫جمود البنيو ية في‬
‫طبيعتها الصارمة و طريقتها التعسفية التي أبت إال األخذ ‪‬‬

‫بالداخل في النص دونما‬


‫‪‬‬ ‫النظر إلى الخارج ‪ ،‬في تجاهل صريح للمعطيات التاريخية و‬
‫السياقية و المؤلف و‬
‫‪‬‬ ‫ظروفه المؤثرة ‪ ..‬كل هذا أدى إلى البحث عن سبيل آخر لنقد‬
‫‪ ، ..‬النصوص‬
‫‪‬‬ ‫)‪ (The Annals‬المدرسة الحولية‬
‫ترّتب على الهزة اإلقتصادية التي عانت منها فرنسا ‪1929‬م توّج ه المزيد من ‪‬‬

‫علمائها ومفكريها نحو دراسة جدية وشاملة للتاريخ‪ ،‬وظهرت مجلة الحوليات‬
‫تحت اسم «حوليات التاريخ اإلقتصادي واالجتماعي»‪ .‬حاولت المجلة أن تنشئ‬
‫تاريًخ ا جديًد ا يجمُع بين موضوعات الذهنيات واالقتصاد والمجتمع‪ ،‬تجّلى ذلك في‬
‫عدد من مقاالت لوسيان فافر‪ ،‬مثل مقاله بعنوان «تاريخ أم سياسة»‪ ،‬وفي تلك‬
‫المجلة تم نقد نظرية أرنولد توينبى الممّثلة في «التحدي واالستجابة»‪ ،‬واستخدام‬
‫توينبي لكلمة الحضارة وحصره للمجتمعات الحضرية والبدائية‪ ،‬وتقييمه بناًء‬
‫على معايير خاّص ة به‪ ،‬حتى قيل عن تقسيمه‪ :‬إنه تقسيٌم اعتباطي‪ ،‬وتأثر التاريخ‬
‫بعلم االجتماع بشكل كبير لطغيانه على هذه المدرسة‪ ،‬بل إن المؤرخ الفرنسي‬
‫مارك بلوخ درس االنثروبولوجيا التاريخية والفلكلور والعادات ومظاهر السحر‬
‫‪.‬وجعلها موضوعات أساسية ضمن التاريخ‬
‫ولت المجلة اهتما ا ملحوًظا باالتجاه االقتصادي حتى هيمن عليها في حقبة الثالثينيات من القرن ‪‬‬
‫ًم‬ ‫أ‬
‫العشرين‪ ،‬وقد لّخ َص بعض علمائها شعار الحوليات قائًال‪« :‬ال للمسيح‪ ،‬ال لماوتسي‪ ،‬ال لتوينبي‪،‬‬
‫قليًال من ماركس وأكثر ما يمكن من العلم»‪ .‬ولكن مع مرور العالم باالزمات السياسية عاد التاريخ‬
‫السياسي بقوة إلى واجهة األحداث‪ ،‬ولقد حملت الحوليات المؤرخ حمًال شاّقًا؛ فجعلته متخصًص ا‬
‫في العديد من الميادين مثل األنثربولوجيا‪ ،‬واالجتماع‪ ،‬واالقتصاد‪ ،‬ولكن العالم لم يثق في فكرة‬
‫المؤرخ الشمولي‪ ،‬وللخروج من تلك األزمة‪ ،‬حدث تغيير في مضمون واسم المجلة؛ ليعبر عن‬
‫التاريخ كعلٍم ‪ ،‬ويعود لدراسة األفكار والثقافة‪ ،‬ومن أشهر رواد المدرسة مارك بلوخ‪ ،‬لوسيان‬
‫‪،.‬فافر‬

‫‪‬‬ ‫تلك بعض تطورات المدارس التاريخية الحديثة‪ ،‬وهي جلها في أوروبا‪ ،‬فهي إن اجتمعت مَّثلت كتلة‬
‫كاملة لدراسة التاريخ‪ ،‬وال يمكن معرفة التاريخ إال من قرأته‪ ،‬من جميع المدارس ُك ال بالرؤية التي‬
‫‪ .‬يعتقد صوابها‬
‫اسهامات العلماء المسلمين في تطوير علم‬
‫التاريخ‬
‫‪‬‬ ‫درك المســلمون العــرب أهميــة وخطــورة التاريــخ فــي‬
‫بنــاء حضارتهــم وهــم مدفوعــون بحاجاتهـم الدينيـة‬
‫والدنيويـة لـه‪ ،‬لذلـك عملـوا علـى إحاطتـه بـكل عنايـة‬
‫واهتمـام‪ .‬فاإلسـام نفسـه يســتند علــى تاريخيــة مكملــة‬
‫أللديــان الســماوية الســابقة‪ .‬هــذا المبــدأ الــذي يــرى أن‬
‫الديانــات )))‪ .‬وأن الثـاث اليهوديـة والمسـيحية واالسالم ذات‬
‫جـذر تاريخـي واحـد‪ ،‬هـو الجـذر اإلبراهيمـي لذلـك كان ال بـد‬
‫لهـم مـن معرفـة تواريـخ الحضـارات األخـرى فضـً ا عـن‬
‫‪.‬تاريخهــم الخــاص‬
‫‪‬‬ ‫وقــد تأثــرت الكتابــة التاريخيــة المنظمــة عنــد المســلمين‬
‫بدراســات الحديــث النبـوي الشـريف‪ ...‬وهـي كانـت علـى‬
‫عالقـة وثيقـة بالتاريـخ ألن دراسـة المتـن واإلسـناد هـي مـن‬
‫صميـم الدراسـات التاريخيـة وألنهـا تبحـث فـي الماضـي‪،‬‬
‫لذلـك كان أكثـر المحدثيـن مؤرخين )))‪ .‬وهكـذا فـإن بدايـات‬
‫علـم فـي الوقـت نفسـه‪ ،‬فاسـتفادوا مـن هـذه الطريقـة فـي‬
‫دراسـة التاريـخ التاريـخ عنـد العـرب المسـلمين‬
‫‪‬‬ ‫العصـر الذهبـي للحضـارة اإالسـالمية العربيـة‪ ،‬إزدهـرت‬
‫العلـوم والمعــارف كافــة وفــي مقدمهــا التاريــخ‪ ،‬ويمكننــا‬
‫أن نالحــظ أن التاريــخ فــي القرنيــن الثالــثً الرابـع‬
‫الهجـري قـد تنوعـت أغراضـه ومواضيعـه‪ ،‬ولـم يعـد قاصـرا‬
‫على األخبـار والطبقـات‪ ،‬واألنساب وتحـرر مـن اإلسناد‬
‫‪‬‬ ‫بعـد أن كان يعتمـد الجمـل الجافـة القصيرة فأصبـحًً سـهالً ‬
‫إزداد علـم التاريـخ رسـوخا المواضيــع ومــن حيــث الوفــرة‬
‫والغــزارة‪ .‬واتســم التأريــخ العربــي بمميــزات وســمات‬
‫خاصــة باإلعتمـاد علـى مناهـج متعـددة للتدويـن التاريخـي‬
‫وأهمهـا‪1 :‬‬
‫‪‬‬ ‫المنهــج الحولــي‪ ،‬وهــي طريقــة فــي تســجيل الحــوادث‪1 .‬‬
‫التاريخيــة تــؤرخ ألحــداث ســنة كاملــة ابتــداءا تنتقــل إلــى‬
‫‪.‬الســنة التــي تليهــا‪ .‬أســره حاكمــه‬
‫‪‬‬ ‫التاريــخ بعهــود الخلفــاء والحــكام‪ :‬ويقــوم هــذا المنهــج‬
‫علــى تدويــن تاريــخ خليفــة أو حاكـم أو سـلطان‪،‬وإبراز‬
‫خصائصـه وصفاتـه وأخالقـه وطريقـة حكمـه وإدارتـه‪ .‬وهـو ‪.‬‬
‫((( إســلوب فارســي‪. 4 58‬الجمـع بيـن تاريـخ الـدول‬
‫والعهـود‪ :‬وتجمـع هـذه الطريقـة فـي التدويـن التاريخـي بيـن‬
‫تأريـخ الـدول وعهـود الحـكام‬
‫‪‬‬ ‫الطبقـات‪ :‬إرتبـط هـذا المنهـج فـي تدويـن التاريـخ بعلـم‪5 .‬‬
‫الحديـث‪ ،‬ذلـك أن إثبـات صحـة األحاديـث تقتضـي التثبـت‬
‫مـن عدالـة الـرواة مـن خـال اإلطـاع علـى سـير حياتهـم‪.‬‬
‫‪. 6‬األنسـاب‪ :‬إختـص بعـض المؤرخيـن بالكتابـة فـي األنسـاب‬
‫ولذلـك ظـروف وعوامـل مختلفــة منهــا توزيــع العطــاء‬
‫بحســب النســب والســابقة إللســام وظهــور طبقــات ‪.‬‬
‫((( إجتماعيــة أرســتقراطية‬
‫‪‬‬ ‫التدوين التاريخي‪ :‬نالحظ سقوط اإلسناد واعتماد الوثائق والتأثر‬
‫بالعلوم األخرى‪ .‬التنظيـم التاريخـي‪ :‬اإلنتقـال مـن التاريـخ العـام‬
‫إلـى التاريـخ العـام العالمـي‪ ،‬عجمـي‬
‫‪‬‬ ‫مـع بـروز نخبـة مـن علمـاء التاريـخ العـرب المسـلمون‬
‫تمكنـوا مـن تـرك بصماتهـم خصوصـا الواضحــة فــي‬
‫تطويــر علــم التاريــخ وجعلــه فــي مقدمــة العلــوم‬
‫والمعــارف البشــرية‪ ،‬وأتاحــوا بذلـك السـبل لمـن جـاء‬
‫بعدهـم مـن مفكـري وعلمـاء الحضـارات األخـرى إلـى فتـح‬
‫آفـاق جديـدة وإنجـازات رائعـة ارتقـت بهـذا العلـم وتوسـعت‬
‫بـه إلـى مـدارج رائـدة ومكانـة عليـا تربـع علـى أثرهـا علـى‬
‫قمـة العلـوم اإلنسـانية والمعـارف البشـرية علـى اإلطـاق‬
‫ليصبـح ) اإلنسـان خـارج‬
‫‪‬‬ ‫ن رواد علــم التاريــخ العربــي وفــي مقدمتهــم ابــن خلــدون‬
‫والكافيجــي والســخاوي إضافــة إلـى أسـاطين المؤرخيـن‬
‫العـرب كأمثـال الطبـري والواقـدي وابـن عسـاكر‬
‫والمسـعودي وابـن األثيــر‪ ...‬الــخ ممــن ال يتســع المجــال‬
‫لذكرهــم‪ ،‬هــؤالء العلمــاء والمؤرخــون هــم الذيــن أعطــوا‬
‫للتأريـخ العربـي االسالمي قيمتـه وللتاريـخ العالمـي مكانتـه‬
‫فـأدوا بذلـك رسـالة جليلـة للبشـرية جمعـاء وللعلـم دفـع‬
‫‪،‬بالتاريـخ إلـى مكانتـه المرموقـة بيـن العلـوم‬
‫مجاالت اإلبداع العربي في علم التاريخ‬
‫‪‬‬ ‫التقويــم‪ ،‬الــذي يعبــر عــن وعــي بحركــة التأريــخ فــي‬
‫ظــل األمــة الجديــدة‪ ،‬وهــو إسـتحداث تقويـم ثابـت لتوقيـت‬
‫الحـوادث يبـدأ بهجـرة النبـي )ص(مـن مكـة إلـى يثـرب‪،‬‬
‫ويصبـح )))‪ .‬ومنـذ ذلـك الوقـت أصبـح توقيـت األحـداث هـذا‬
‫التقويـم العمـود الفقـري للدراسـات التاريخيـة‬
‫‪‬‬ ‫تحـري الروايـات والبحـث فـي صدقيتهـا بمـا عـرف بالجـرح‬
‫والتعديـل“ باإلسـتناد إلى علـم الحديـث النبـوي الشـريف‪،‬‬
‫وذلـك مـن خـالل نقـد الـرواة مـا يتعلـق بذلـك مـن قـدح‬
‫وجـرح وتوثيـق وتعديـل“ تقبـل الروايـة ومـن‬
‫‪‬‬ ‫النظـرة الفلسـفية العميقـة للتاريـخ ومحاولـة التعـرف علـى‬
‫علـل األحـداث وأسـباب ثالثـا قيــام الــدول وعوامــل ســقوطها‬
‫ومظاهــر العمــران وأصــول اإلجتمــاع‪ .‬وتفســير الحــوادث‬
‫التاريخيـة والنفـاذ إلـى باطنهـا ليستشـف حقيقتهـا ويكشـف‬
‫عـن أسـبابها والقوانيـن التـي تحكمه‬
‫‪‬‬ ‫الهتمـام بعلـم التاريـخ كعلـم قائـم بذاتـه لـه قوانينـه‬
‫وخصائصـه وقواعـده ودراسـته بذاتــه لذاتــه‪ ،‬حيــث وضــع‬
‫العلمــاء المسـلمون مصنفـات فـي علـم التاريـخ كانـت سـابقة‬
‫علميـة أعطـت هـذا العلـم الكثيـر‬
‫‪‬‬ ‫الشـمولية بحيـث توسـع المؤرخـون العـرب المسـلمون‬
‫بدراسـة الحقبـات التاريخيـة كمـا شـملت دراسـاتهم جميـع‬
‫الحضـارات وبلـدان العالـم بمـا عـرف بالتاريـخ الشـامل منـذ‬
‫‪.‬بـدء الخليقـة حتـى تاريخـه ويعـرف بالتاريـخ العالمـي‬
‫‪‬‬ ‫وكان المــؤرخ العربــي ابــن خلــدون محــط تقديــر وإعجــاب علمــاء‬
‫الغــرب‪ ،‬فيقــول عنــه نيكلســون‪ :‬لــم يســبقه أحــد إلــى إكتشــاف‬
‫‪،‬األســباب الخلقيــة والروحيــة التــي تكمــن خلــف ســطح األحداث‬
‫‪‬‬ ‫اما دوزي يصـف روايـة ابـن خلـدون عـن تاريـخ النصـارى‬
‫فـي إسـبانيا بأنهـا منقطعـة النظيـر وال يوجــد فــي بحــوث‬
‫علمــاء الغــرب المســيحيين فــي العصــور الوســطى مــا‬
‫يســتحق أن يقــارن )))وشـهادة المـؤرخ البريطانـي توينبـي‬
‫فـي ابـن خلـدون بـارزة المعالـم‪ .‬إذ يقـول عـن فلسـفته“ بها“‬
‫إنه ال ريــب أعظــم فلســفة تاريــخ مــن نوعهــا أبدعهــا‬
‫عقــل بشــري فــي أي زمــان ومــكان‬

You might also like