Professional Documents
Culture Documents
دور النيابة العامة في المادة الأسرية
دور النيابة العامة في المادة الأسرية
رابط املقال
https://www.maroclaw.com/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%B1-
%D8%A5%D8%AF%D8%B1%D9%8A%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%AE%D9%88%D8%B1%D9%8A-
%D8%AF%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%8A%D8%A7%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84/
تعد مؤسسة النيابة العامة من بين المؤسسات التي تسهر على حماية المصالح العامة لألفراد والمجتمع ،بما في ذلك
األسرة التي تعد الخلية األولى للمجتمع ،صالحه من صالحها وفساده من فسادها ،وما دامت الرابطة بين األسرة والمجتمع
جدلية على هذا النحو ،وأن النيابة العامة هي الساهرة على حماية المجتمع و األسرة ،فقد تم تخويلها أدوار مهمة في جميع
القضايا المتعلقة باألسرة ،لتساهم بشكل فعال في الحفاظ على كيانها واستقرارها ،نظرا للخصوصية التي ينفرد بها قضاء
األسرة عن القضاء المدني رغم أنه فرع من فروعه.
ولهذا السبب كرس المشرع المغربي الدور االيجابي للنيابة العامة في ميدان النزاعات األسرية للسهر على التطبيق
الحسن لبنود المدونة وتحقيق مجموعة من األهداف بغية العدالة ومصلحة األسرة .إذ منحت المادة الثالثة من مدونة األسرة
للنيابة العامة صفة الطرف األصلي في جميع القضايا التي تطبق فيها المدونة ،هذه األخيرة التي تدخل ضمن القضايا التي
يختص قسم قضاء األسرة لدى المحكمة االبتدائية بالنظر فيها ،حيث جاء في الفصل الثاني من ظهير التنظيم القضائي للمملكة
ما يلي“ :تنظر أقسام قضاء األسرة في قضايا األحوال الشخصية والميراث والحالة المدنية وشؤون التوثيق والقاصرين والكفالة
وكل ما له عالقة برعاية وحماية األسرة” .باإلضافة الى التنصيص في حوالي 62مادة على تدخل النيابة العامة على امتداد
الحياة األسرية ،السيما مرحلتي الزواج وانحالله ،بما في ذلك حماية المحضون والمحجور بصفة عامة.
||1
بناء على ما سبق ،نتساءل عن دور النيابة العامة في المادة األسرية ،وهل فعال توفق المشرع في صياغة المواد التي
أسند فيها للنيابة العامة ،كجهاز يسعى إلى تحقيق المصلحة العامة وحماية المجتمع ،هذا الدور الحمائي والرقابي احيانا أخرى.
ولتبيان ذلك سأقسم الموضوع إلى مبحثين:
المبحث األول :دور النيابة العامة أثناء الزواج وعند انحالله
المبحث الثاني :دور النيابة العامة في قضايا الحضانة واألهلية والنيابة الشرعية
********************************************************************
املبحث األول :دور النيابة العامة أثناء الزواج وعند احنالله
تؤدي النيابة العامة دورا مهما في قضايا األسرة باعتبارها طرفا أصليا في جميع قضايا ودعاوى مدونة األسرة التي
يمكن أن تنتج عن الرابطة الزوجية والمرتبط كذلك بمجموعة اآلثار المترتبة عن هذه العالقة ،سواء قبل بدايتها أو خالل
سريانها أو عند انتهائها ،ولها الحق في اتخاذ من اإلجراءات ما تراه ضروريا لتحقيق الهدف األسمى المتمثل في التطبيق العادل
لمدونة األسرة ،إضافة إلى ما يدخل في صميم عملها اإلداري.
وعليه ،سنتناول هذا المبحث عبر مطلبين اثنين ندرس في المطلب األول دور النيابة العامة أثناء قيام الرابطة الزوجية،
ونناقش في المطلب الثاني دور النيابة العامة في تجهيز ملفات انحالل ميثاق الزوجية.
املطلب األول :دور النيابة العامة أثناء قيام الرابطة الزوجية
قبل الحديث عن تتدخل النيابة العامة أثناء قيام الرابطة الزوجية ،نرى أنه من المهم إبراز صفة هذا التدخل أي متى
تأخذ صفة الطرف األصلي وما هي الحاالت التي تتدخل بغير هذه الصفة مع ما يترتب على ذلك من أثار قانونية في غاية
األهمية (الفرع األول) وبعد ذلك نبين تدخلها أثناء قيام العالقة الزوجية من خالل عملها اإلداري المتمثل في تسجيل بيانات
الزواج وفي االجراءات المتعلقة بالتعدد (الفرع الثاني) ناهيك عن الدور الحمائي المتجسد في إرجاع الزوج المطرود إلى بيت
الزوجية ،وحماية حقوق األطفال (الفرع الثالث)
||2
وعليه يبدو أن النيابة العامة تتدخل كطرف أصلي ومنظم في آن واحد؛ وإن كان من غير المستساغ الجمع بين التدخلين
لوجود تباين يجعل الجمع بينهما مستحيال ،فما هي طبيعة تدخل النيابة العامة في قضايا األسرة؟ وما الدور الذي تقوم به في هذه
القضايا؟ وهذا ما سنتناوله في الفقرتين التاليتين:
الفقرة األوىل :طبيعة تدخل النيابة العامة يف مدونة األسرة
باستقراء المادة الثالثة من المدونة يتضح أن النيابة العامة طرف أصلي ،وبالرجوع إلى البند الثاني من الفصل 9من
قانون المسطرة المدنية نجده ينص على ضرورة تبليغ قضايا األسرة إلى النيابة العامة ،مما يجعلها طرفا منظما ،ويبدو أنها
تتدخل كطرف أصلي ومنظم في آن واحد ،وإن كان من غير المستساغ قانونا الجمع بين التدخلين لوجود تباين يجعل الجمع
بينهما آن واحد مستحيال الختالف اآلثار القانونية المترتبة عن كل منهما.
ومن هنا برز رأيين مختلفين في الموضوع ،حاوال فك إشكالية التوفيق بين المادتين.
الرأي األول حاول تحديد طبيعة تدخل النيابة العامة في قضايا األسرة بطرحه لحالتين :الحالة األولى هي التي تكون
فيها النيابة العامة طرفا رئيسيا في جميع القضايا التي خول لها القانون حق إقامة الدعوى أو عندما ترفع ضدها الدعوى (أي
مدعية أو مدعى عليها) وتكتسب هنا صفة الطرف األصلي حيث تصير خصما لها ما للخصوم من حقوق.
أما الحالة الثانية :هي التي تكون فيها النيابة العامة طرفا منضما وتظهر في القضايا األسرية التي ال تكتسب فيها صفة
المدعية أو المدعى عليها ويكون من حقها تقديم المستنتجات وإبداء آراءها دون أن يكون لها حق المواجهة.
وبالنسبة للرأي الثاني يرى -انسجاما مع أحكام المادة الثالثة من مدونة األسرة ،-أن النيابة العامة طرف أصلي ،حيث تتدخل
بناء على نص قانوني ويكون لها االختيار باعتبارها ليست الوحيدة التي تملك صفة االدعاء في الدعاوى التي تكون فيها مدعية،
فلكل ذي مصلحة مشروعة حق تقديم طلب أمام المحكمة ،ويتم تبليغ الملف إليها حتى تبدي مستنتجاتها في الموضوع وفقا لما
يمليه القانون .وتتدخل كطرف منظم في باقي القضايا المتعلقة باألسرة رعاية لها وحفاظا على وحدة كيانها وفقا للفلسفة التي
جاء بها المشرع من أجل رفع الحيف عن النساء وحماية حقوق األطفال وصيانة كرامة الرجل.
ونعتقد ،انسجاما مع مقتضيات المادة الثالثة من مدونة األسرة والفصل 9من قانون المسطرة المدنية وكذا الفصل الثاني
من ظهير التنظيم القضائي أن اعتبار النيابة العامة طرفا أصليا له ما يبرره ،إذ هناك منازعات أسرية قد تمس مراكز قانونية ال
تقتصر آثارها على خصوم الدعوى فقط ،إذ قد تمس مصالح أخرى جديرة بالحماية من طرف المشرع وال نرى من سوف يقوم
بهذا الدور غير النيابة العامة
فالهدف من إعطاء هذه األخيرة هذا الدور في قضايا األسرة هو منحها ما قد يكون لألطراف من حقوق كحق الطعن،
فقد ترى خرقا سافرا للقانون ومضرا بحق من حقوق المجتمع كما قد يكون الطرف المحكوم عليه ضعيفا أو عديم األهلية،
فيكون حق الطعن هو السبيل الوحيد لحفظ مثل هذه الحقوق ومؤازرة الضعفاء في الدعوى.
||3
الفقرة الثانية :الدور الذي تؤديه النيابة العامة يف املادة األسرية
يتسع دور النيابة العامة ويضيق في قضايا األسرة حسب نوع القضايا التي تتدخل فيها ،رغم أن تدخلها في هذه القضايا
طبقا لمقتضيات المادة الثالثة من المدونة يأخذ صفة الطرف األصلي ووفقا للفصل 9من قانون المسطرة المدنية تتدخل كطرف
منظم.
ففي القضايا الرامية إلى تطبيق أحكام المدونة تتدخل كطرف أصلي مدعية أو مدعي عليها ونستنتج ذلك من خالل
مجموعة من المواد منها:
المادة :45حماية حقوق الطفل – المادة :524طلب اختيار األصلح للحضانة
المادتين 34و :32طلب استصدار قرار بإثبات حياة المفقود أو إثبات التاريخ الحقيقي للوفاة
المادة :533طلب استصدار قرار منع السفر بالمحضون خارج المغرب
وكذا المواد 665و 662و 633و …035
وتتدخل في باقي القضايا كطرف منضم ،وفقا للفصل 9من ق م م ،تبدي رأيها لفائدة القانون ويتضح ذلك جليا من
بعض المواد :كالمادة 88والمادة 654من مدونة األسرة.
أما فيما يخص قضايا الحالة المدنية فإن النيابة العام تتدخل كطرف أصلي لتعلقها بالنظام العام كما تأخذ نفس الصفة في
القضايا المتعلقة بكفالة األطفال المهملين إذا كانت مدعية أو مدعى عليها كتحريك دعوى التصريح باإلهمال أو المطالبة باتخاذ
إجراءات معينة في مصلحة الطفل وتأخذ صفة الطرف المنظم إذا لم تكن هي التي رفعت الدعوى أو أقيمت ضدها.
تؤدي النيابة العامة دورا مهما على مستوى اإلجراءات اإلدارية لعقد الزواج سواء أبرم داخل المغرب أو خارجه ،غير
أن دورها هذا ال يندرج في إطار تدخلها كطرف أصلي أو منضم ،وإنما يندرج في مهامها اإلدارية والمتمثلة في اإلشراف على
الحالة المدنية والتنسيق بين قسم قضاء األسرة ونظام الحالة المدنية بما يضمن ويحقق مصلحة األسرة.
ويتضح ذلك جليا من خالل الفقرة األخيرة من المادة 54من مدونة األسرة التي تنص على أنه ”:إذا لم يكن للزوجين أو
ألحدهما محل والدة بالمغرب ،فإن النسخة توجه إلى قسم قضاء األسرة بالرباط وإلى وكيل الملك بالمحكمة االبتدائية بالرباط”.
وكذلك من خالل الفقرة الثانية من المادة 28من مدونة األسرة التي تنص على ما يلي «:غير أنه إذا لم يكن للزوجين أو
ألحدهما محل والدة بالمغرب ،يوجه الملخص إلى وكيل الملك بالمحكمة االبتدائية بالرباط».
وتطبيق مقتضيات المادة 54من مدونة األسرة يتم عبر السلك الدبلوماسي ،إذ تتولى مصالح وزارة الخارجية إرسال
نسخ من عقود الزواج المبرمة بالخارج بين المغاربة وفقا لقانون بلد اإلقامة إلى السيد وكيل الملك لدى المحكمة االبتدائية
||4
بالرباط ،في حالة عدم توافر الزوجين أو أحدهما على محل والدة بالمغرب وذلك بغية اتخاذ اإلجراءات التي تخضع لها رسوم
الحالة المدنية المسجلة بسفارات وقنصليات المملكة المغربية بالخارج وإخضاعها للمراقبة .كما يقوم رئيس قسم قضاء األسرة
بتوجيه ملخص عقود الزواج المبرمة بالمغرب بين زوجين ال يتوفر أحدهما أو كالهما على محل والدة بالمغرب إلى وكيل
الملك بالرباط.
كما أن النيابة العامة تراقب مدى توافر الشروط القانونية في الزيجات التي يبرمها المغاربة بالخارج عن طريق ملتمس
رفض تذيل حكم أجنبي بالصيغة التنفيذية لعلة أن الزوجين عقد زواجهما وفق اإلجراءات اإلدارية المحلية لبلد االقامة ،وأن هذا
العقد لم يعرض على القضاء لمراقبة توافر الشروط القانونية ،الشكلية والموضوعية من عدمه وذلك لمخالفته لمقتضيات المادة
55من مدونة األسرة لحضور شاهد امرأة غير مسلمة.
وهذه المقتضيات اقتضتها مصلحة األسرة من حيث الحفاظ على كل ما يرتبط بتوثيق العقد المنشئ لها ،كما تجسد رغبة
المشرع في تضمين بيانات الزواج بهامش رسم والدة الزوجين،حيث أصبحت رسوم الحالة المدنية في ظل النظام القانوني
الحالي تتضمن بيانا هامشيا للزواج ،وعلى ضابط الحالة المدنية أن يحيل بيان الزواج المدرج بطرة رسم الوالدة للزوجين على
وكيل الملك المختص ليقوم هذا األخير بتضمينه في نظير السجل المحفوظ بالمحكمة طبقا لما تنص عليه المادة 66من القانون
رقم 99ـ 03المتعلق بالحالة المدنية.
الفقرة الثانية :السهر على تبليغ االستدعاء للزوجة املراد التزوج عليها
باستقراء مضمون المادة 50من مدونة األسرة يتبين أن دور النيابة العامة في دعاوى التعدد يدخل في أطار إشراكها
في تجهيز القضايا المتعلقة باألسرة ،ويتمثل باألساس في السهر على تبليغ االستدعاء للزوجة المراد التزوج عليها بناء على
تكليف من المحكمة ،إذ عندما يتقدم الزوج بطلب التعدد يتم استدعاء الزوجة المراد التزوج عليها ،وفي حالة غيبتها فإنه ال يمكن
منح اإلذن بالتعدد إال إذا أفادت النيابة العامة بعد قيامها ببحث بواسطة الشرطة القضائية أو السلطة المحلية تعذر الحصول على
موطن أو محل إقامة لها يمكن استدعاؤها فيه .وذلك عمال بمقتضيات الفقرة الثانية من المادة 50مدونة األسرة التي تنص على
مايلي »:كما يمكن البت في الطلب في غيبة الزوجة المراد التزوج عليها إذا أفادت النيابة العامة تعذر الحصول على موطن
أو محل إقامة يمكن استدعاؤها فيه«.
وباإلضافة إلى دور النيابة العامة في السهر على تبليغ االستدعاء للزوجة المراد التزوج عليها فإنها تتدخل كطرف
أصلي بناء على طلب من الزوجة المتضررة أي بناء على شكاية الزوجة في الحالة التي يكون عدم توصلها باالستدعاء ناتجا
عن تقديم الزوج بسوء نية لعنوان غير صحيح أو تحريف في اسم الزوجة قصد حرمانها من الحضور ،حتى يسهل عليه مبدئيا
الحصول على اإلذن بالتعدد ،وذلك منعا لتحايل الزوج على القانون ،إذ غالبا ما يعمد الزوج إلى الحصول على اإلذن بالتعدد
دون علم الزوجة األولى لكي يضعها فيما بعد أمام األمر الواقع ،وذلك عن طريق اإلدالء بعنوان وهمي للزوجة األولى أو اسم
محرف ،لكي يتعذر حضورها وعلمها باألمر ،وبالتالي حرمانها من حقوقها ،وهنا تتدخل النيابة العامة من أجل تحريك الدعوى
العمومية ضد الزوج طبقا لمقتضيات الفصل 025من القانون الجنائي.
||5
وإذا كان تدخل النيابة العامة هنا متوقف على شكاية الزوجة المتضررة ،فإن تنازل هذه األخيرة عن شكايتها يغل يد
النيابة العامة في تحريك المتابعة عمال بمقتضيات الفقرة الثالثة من المادة الرابعة من قانون المسطرة الجنائية التي تنص على
أنه «:تسقط الدعوى العمومية بتنازل المشتكي عن شكايته…» .بغية الحفاظ على استمرار الروابط األسرية والحد من اآلثار
السلبية التي يمكن أن تنجم عن إدانة الزوج خصوصا وأن العالقة الزوجية الزالت قائمة ومبررات الحفاظ عليها موجودة.
أسندت المادة 40من مدونة األسرة للنيابة العامة مهمة إرجاع الزوج المطرود حاال إلى بيت الزوجية مع اتخاذ
اإلجراءات الكفيلة بأمنه وحمايته ،إذ نصت على أنه «:إذا قام أحد الزوجين بإخراج اآلخر من بيت الزوجية دون مبرر ،تدخلت
النيابة العامة من أجل إرجاع المطرود إلى بيت الزوجية حاال ،مع اتخاذ اإلجراءات الكفيلة بأمنه وحمايته».
وتفعيل هذه المادة من شأنه المساهمة في ضمان االستقرار األسري ،ومعالجة بعض المشاكل والحاالت الواقعية الكثيرة
التي ما فتئت تعاني منها األسرة المغربية ،بالنظر إلى ما تتوفر عليه النيابة العامة من سلطات تمكنها من تسخير القوة واللجوء
إلى وسائل اإلجبار ،وكل ذلك طبعا من أجل تجاوز المشاكل والحاالت الواقعية التي كثيرا ما أظهرت معاناة الزوجة أو الزوج
من تداعيات الطرد من بيت الزوجية دون مبرر ،حيث أصبح من حق النيابة العامة التدخل بشكل فوري ومؤقت إلرجاع
المطرود إلى بيت الزوجية إلى حين أخذ اإلجراءات القانونية مجراها الطبيعي.
إن تقييد تدخل النيابة العامة بكون الطرد مبررا أو غير مبرر يوجب عليها بمقتضى ما تتوفر عليه من سلطة المالئمة
تحديد ما إذا كانت الحالة المعروضة أمامها تقوم على سبب مشروع يجيز لها التدخل لرد المطرود لبيت الزوجية وإرجاع
الحالة إلى ما كانت عليه أم ال.
فالنيابة العامة يجب أن تكون لها نظرة شمولية لمختلف الظروف الواقعية المرتبطة بالحالة المعروضة عليها وأن تتفهم
وبشكل واضح األسباب والدوافع التي أدت إلى الطرد ،حتى تقرر مدى توافر المبرر الشرعي من عدمه ،آخذة في االعتبار
دورها االجتماعي واإلنساني لحماية الزوج المطرود والحفاظ على سالمته.
لذلك فإن النيابة العامة ال تكون ملزمة دائما برد المطرود لبيت الزوجية كما لو كان الزوج يشكل خطرا على الزوجة،
ففي هذه الحالة يتعين عليها اتخاذ التدابير االحترازية الالزمة واالمتناع عن رد الزوج المطرود إلى بيت الزوجية رغم انعدام
مبرر الطرد كإسكان الزوج لدى أحد األقارب حفاظا على سالمته إلى حين إيجاد حل نهائي للنزاع ،وتبقى جميع هذه
اإلجراءات التي تقوم بها النيابة العامة مجرد إجراءات ذات طابع وقتي ورهينة بتحقيق عدالة زمنية في انتظار أن يفصل
القضاء في موضوع النزاع بين الزوجين.
||6
ومن الناحية العملية فإن تدخل النيابة العامة هذا قد تعوقه مجموعة من المعوقات لعل أهمها ندرة آليات التدخل ،بل
كيف ستتعامل مع هذه المسألة وهي تتوفر فقط على جهاز الشرطة القضائية الذي يكون تدخله في غالب األحيان في معالجة مثل
هذه الحاالت غير مجدي ومفضيا إلى نتائج عكسية خصوصا وأن هذا الجهاز لم يتلقى أي تكوين في قضايا األسرةإضافة إلى
غياب أي جزاء جنائي يجعل الزوج مجبرا على االنصياع لتنفيذ أمر النيابة العامة بإرجاع زوجته المطرودة.
تجسيدا التفاقية حقوق الطفل الصادرة سنة 5989والتي صادقت عليه المملكة المغربية و في إطار العناية التي أولتها
المدونة لألسرة عامة ولفئة األطفال بصفة خاصة ،ألقت مدونة األسرة من خالل مقتضيات المادة 45على النيابة العامة دورا
جسيما يتمثل في السهر على حماية الحقوق المختلفة لألطفال التي تم تعدادها في المادة المذكورة والمرتبطة بالطفل واللصيقة
بشخصه وحياته األسرية ومجتمعه والهادفة إلى حمايته.
وهذه الحقوق مرتبطة أساسا بالحق في الحياة والتوجيه الديني والتربية على السلوك القويم والسعي إلى التسجيل في
الحالة المدنية قصد تثبيت الهوية والنسب ،وضمان حق التعليم والسهر على سالمة األطفال جسديا ونفسيا والوقاية من كل
استغالل ،فالنيابة العامة تسهر على مراقبة حسن تطبيق هذه الحقوق والقيام بها ،وذلك بتحريك اآلليات الزجرية في حالة
اإلخالل بااللتزامات القانونية التي وضعتها مدونة األسرة في صلب المادة 45على عاتق األبويين والتي تعتبر في نفس الوقت
حقوقا لألطفال.
إن سهر النيابة العامة على مراقبة تنفيذ األحكام المنصوص عليها في المادة 45من مدونة األسرة يجد تبريره في
حرص المشرع على ضمان تطبيقها على الوجه السليم حماية لهذه الفئة من المجتمع ،مادام أن معظمها تتمتع بحماية جنائية
منصوص عليها في القانون الجنائي ،فمثال التزام العمل على تثبيت هوية األطفال والحفاظ عليها يستفيد من المقتضيات الزجرية
المنصوص عليها في المادتين 528و 533من القانون الجنائي ،والتزام التوجيه الديني والتربية على السلوك القويم وقيم النبل
المؤدية إلى الصدق في القول والعمل يجد سنده في الفصل 586من نفس القانون ،وحماية حق الطفل في الحياة الجسدية منذ
الحمل إلى حين بلوغ سن الرشد ،وكذا اجتناب العنف المفضي إلى اإلضرار الجسدي والمعنوي ،يستند الحماية الجنائية من
الفصلين 559و 545المتعلقين باإلجهاض وكذا الفصول 538و 555من القانون الجنائي.
وال تخفى على أحد الصعوبات العملية التي قد تعترض عمل النيابة العامة في السهر على تنفيذ وضمان هذه الحقوق،
وذلك إما لطبيعة بعضها كإرضاع األم ألوالدها ،أو النعدام الوسيلة التي سوف تعتمدها في مراقبة تنفيذها ،فكيف تتعامل النيابة
العامة مثال مع األب واألم حينما يقصران في تنفيذ حقوق طفلهما عن قصد أو عن غير قصد ألسباب اجتماعية واقتصادية؟
وكيف يمكن إرغام األب على تعليم ابنه وهو غير راغب أو غير قادر على شراء األدوات المدرسية؟
املطلب الثاني :دور النيابة العامة يف جتهيز ملفات احنالل ميثاق الزوجية
يبرز دور النيابة العامة بشكل جلي في مرحلة انحالل ميثاق الزواج سواء بالطالق أو بالتطليق من خالل السهر على
تجهيز الملفات الرائجة المتوقفة على التبليغ عندما تكلف من طرف المحكمة ،أو من خالل سهرها على حماية حقوق الزوجة
||7
واألطفال ووضعهما اإلجتماعي ،وكذا من خالل حماية حقوق المتغيب المفقود عبر تقديم طلب التصريح بحياته أو إلثبات
التاريخ الحقيقي لوفاته إذ وجددت اثباتات على ذلك.
غير أن دور النيابة العامة في هذه المرحلة تتباين أهميته وتختلف درجاته بحسب نوع القضية ،وهو ما سنبينه في الفروع الثالثة
التالية :نتطرق في الفرع األولى إلى دور النيابة العامة في التصريح بحياة المفقود وإثبات التاريخ الحقيقي لوفاته ،ونتناول في
الفرع الثاني تدخل النيابة العامة في مسطرة الطالق على أن ندرس في الفرع الثالث تدخل النيابة العامة في دعاوى التطليق.
الفرع األول :دور النيابة العامة يف التصريح حبياة املفقود و إثبات التاريخ احلقيقي لوفاته
تؤدي النيابة العامة دورا أصيال فيما يخص طلب التصريح بحياة المفقود (الفقرة األولى) وكذا بشأن إثبات التاريخ
الحقيقي لوفاته (الفقرة الثانية).
أسندت مدونة األسرة بمقتضى المادة 34منها للنيابة العامة مهمة تقديم طلب إلى المحكمة إلصدار قرار بكون المفقود
المحكوم بوفاته مازال حيا ،في حال ما إذا ظهر أن هذا األخير الزال حيا ،وتتدخل النيابة العامة في هذه الحالة بصفتها مدعية
أو طالبة أي كطرف أصلي ،تبسط الحجج المثبتة لحياة المفقود ،ويكون لها حق المبادرة في رفع الدعوى ومراقبتها وتتبع
إجراءاتها ،ويعد تدخلها في هذه الحالة تدخال إيجابيا وفعاال يروم الحفاظ على حقوق المفقود ،فاستصدار قرار إلثبات حياة
المفقود هو يبطل الحكم بالوفاة بجميع آثاره ،باستثناء زواج امرأة المفقود حكما حيث يبقى نافذا في حالة البناء بها.
تتدخل النيابة العامة بناء على مقتضيات المادة 32من مدونة األسرة بصفتها طالبة ومدعية إذا ثبت لها أن التاريخ الذي
صدر به الحكم المتعلق بالوفاة الخاص بالمفقود مخالفا للتاريخ الحقيقي للوفاة ،وذلك عن طريق تقديم طلب إلى المحكمة إلصدار
حكم قضائي يقضي بإثبات التاريخ الحقيقي للوفاة وبطالن ما عداه من اآلثار المترتبة عن التاريخ غير الصحيح للوفاة باستثناء
زواج امرأة المفقود سواء تم البناء بها أو لم يتم .وهذا الدور ليس بجديد على النيابة العامة وإنما هو من األدوار التي كانت
تمارسها بصريح قانون المسطرة المدنية وفقا للفصل 664الذي تم إلغاءه بالقانون 30.36المتعلق بالمسطرة المدنية
تتدخل النيابة العامة في هذه المرحلة على مستوى مسطرة الصلح بين الزوجين (الفقرة األولى) وبعد الخطاب على
وثيقة الطالق من طرف القاضي(الفقرة الثانية).
أنيطت بالنيابة العامة وفقا للمادة 85من مدونة األسرة مهمة المساعدة في تجهيز الملفات المتعلقة بالطالق عن طريق
تكليفها من المحكمة الناظرة في الملف بإبالغ الزوجة التي توصلت بصفة شخصية باالستدعاء ولم تحضر ولم تقدم مالحظات
مكتوبة ،أنها إذا لم تحضر سيتم البت في الطلب في غيبتها .وكذلك في الحالة التي يكون فيها عنوان الزوجة مجهول يمكن
||8
للمحكمة أن تلجأ للنيابة العامة من أجل الوصول إلى العنوان الحقيقي للزوجة عن طريق االستعانة بالضابطة القضائية أو
بتنسيق مع السلطات المحلية وبجميع الوسائل المتاحة ،ويبدو أن المشرع حاول تجسيد البعد الحمائي للمدونة من وراء هذه
اإلجراءات بتوفير الحماية الالزمة للزوجة تفاديا إلصدار حكم نهائي بانفصام العالقة الزوجية في غيابها ،غير أنه إذا ثبت
تحايل الزوج من أجل عدم التمكن من تبليغ الزوجة واستصدار حكم بانفصام الزوجية في غيبتها ،فإن النيابة العامة تتدخل
لتحريك الدعوى العمومية بطلب من الزوجة المتضررة ،ومتابعته جنائيا وفق الفصل 025من القانون الجنائي.
عندما تأذن المحكمة للزوج بتوثيق الطالق يخاطب عليه القاضي المكلف بالتوثيق بقسم قضاء األسرة المختص ويقوم
بتوجيه نسخة منه إلى المحكمة التي أذنت بتوثيق الطالق حيث تصدر هذه األخيرة قرار معلال يتضمن البيانات الواردة في
المادة 88من مدونة األسرة والذي يشمل وجوبا مستنتجات النيابة العامة ،ويتعين تبليغ ملخص وثيقة الطالق إلى ضابط الحالة
المدنية لمحل والدة الزوجين أو توجيهها إلى وكيل الملك لدى المحكمة االبتدائية بالرباط إذا لم يكن للزوجين أو ألحدهما محل
والدة بالمغرب طبقا للمادة 555من مدونة األسرة.
ويجوز للنيابة العامة الطعن باالستئناف في هذا القرار باعتبارها طرفا أصليا وفقا للمادة الثالثة من مدونة األسرة،
باستثناء الجزء القاضي بانفصام الزوجية الذي ال يقبل أي طعن وفقا لما نصت عليه الفقرة األولى من المادة 568من نفس
المدونة ،إذ ال طعن بدون مصلحة حسب القواعد العامة المؤطرة لمؤسسة الطعون ،وهكذا فال مصلحة للنيابة العامة للطعن في
هذا الجزء الخاص بإنهاء العالقة الزوجية وإنما مصلحتها تكمن في الطعن في الجزء المتعلق بالمستحقات التي يمكن أن تحكم
بها المحكمة للزوجة واألطفال.
للنيابة العامة دورا مهما في دعاوى التطليق سواء على مستوى تدخلها للبحث عن محل غيبة الزوج (الفقرة األولى) أو
من حيث تنفيذ التدابير المؤقتة التي يكمن أن تحكم بها المحكمة قبل الحكم في جوهر القضية (الفقرة الثانية).
يبرز دور النيابة العامة في مسطرة التطليق في الحالة التي تتقدم الزوجة بطلب التطليق للغيبة ،ويكون الزوج الغائب
مجهول العنوان ،وهنا تتأكد المحكمة عن طريق النيابة العامة من صحة دعوى الزوجة ،بإجراء األبحاث الضرورية عن الزوج
بواسطة السلطات المحلية أو مصالح الضابطة القضائية ،وفي حالة استرسال غيبته ،تعين له المحكمة قيما للبحث عنه بمساعدة
النيابة العامة التي تسهر على تنفيذ إجراءات القيم ،وذلك توخيا لسرعة البت في هذا النوع من القضايا ،عمال بمقتضيات المادة
534من مدونة األسرة.
كما أن النيابة العامة تساعد المحكمة في تجهيز الملفات في دعوى التطليق لعدم اإلنفاق ،إذ تتأكد المحكمة بواسطة
النيابة العامة من كون محل غيبة الزوج مجهوال فعال طبقا للمادة 530من مدونة األسرة ،إذ قد تعمد الزوجة إلى اإلدالء بعنوان
||9
غير صحيح للزوج لتضلل المحكمة وتدفعها إلى إصدار حكم بالتطليق لعدم اإلنفاق في غيبة الزوج ،وتحريم الزوج من حق
الدفاع عن نفسه والرد على ادعاءاتها بعدم اإلنفاق عليها.
وليس للنيابة العامة حق الطعن في الجزء القاضي بإنهاء الرابطة الزوجية طبقا لمقتضيات المادة 568من نفس
المدونة ،ولعل هدف المشرع من وراء سده باب الطعن في هذه المقررات هو إنهاء النزاع بالسرعة المطلوبة حتى ال تتولد عنه
قضايا متعددة ،ذلك أن فتح باب االستئناف والنقض يجعل المتقاضين في حالة خصوم قد يستمر زمنا طويال وتتسع دائرة
المتخاصمين ،ويسود بين األطراف روح الضغينة والكراهية والحقد.
وتجدر اإلشارة إلى أن للنيابة العامة دور الطرف األصيل في الدعاوي المتعلقة بتذييل األحكام األجنبية القاضية
بالطالق أو التطليق بالصيغة التنفيذية ،فهي تراقب مدى احترام الشروط الشكلية والموضوعية المنصوص عليها في المادة 568
من مدونة األسرة والمواد 503و 505و 506من قانون المسطرة المدنية ،ولها حق الطعن في الحكم األجنبي المذيل بالصيغة
التنفيذية كيف ما كان موضوعه.
عندما تتعذر المساكنة بين الزوجين أثناء سريان الدعوى فللمحكمة أن تتخذ التدابير المؤقتة التي تراها مناسبة بالنسبة
للزوجة واألطفال تلقائيا أو بناء على طلب ،وتنفذ هذه التدابير التي تروم حماية الزوجة واألطفال وضمان االستقرار األسري
في شقيه النفسي واالجتماعي على األصل عن طريق النيابة العامة ،وهذه األخيرة تتدخل هنا في إطار مهامها الوالئية
واإلدارية ،ال في إطار صفتها كطرف أصلي ،لكونها تأتي بعد إتخاذ التدبير ،إذ على المحكمة أن تحيل فورا األمر الصادر
باإلجراء المؤقت على النيابة العامة التي تتولى تنفيذه بجميع الوسائل المالئمة ،حيث أناطت المادة 565من مدونة األسرة مهمة
التنفيذ الفوري لهذه التدابير للنيابة العامة بما فيها اختيار الزوجة السكن مع أقارب الزوج أو أقاربها.
ويظهر أن إسناد مهمة تنفيذ مثل هذه التدابير على األصل للنيابة العامة أملتها ضرورة التدخل السريع وما يحتاجه من
حزم ودقة ونظرا لحالة االستعجال المرتبطة بها ،وذلك بتجنيد القوة العمومية الالزمة لمؤازرة مأموري التنفيذ إن اقتضى األمر
ذلك تجنبا للتماطل والتملص واالستخفاف الذي يصاحب عادة إجراءات التنفيذ المدني،حفاظا على حقوق الزوجة واألطفال
واستقرارهم النفسي واالجتماعي في انتظار صدور حكم في الموضوع .وأي تهاون في تنفيذ هذه اإلجراءات قد يؤدي إلى آثار
وخيمة يتعذر تداركها الحقا الرتباطها بمشاكل آنية ال تحتمل التأخير أو التسويف.
غير أن تكليف النيابة العامة بمهمة تنفيذ هذه التدابير وحدها دون النص على وسائل جبرية تمكنها من إجبار المنفذ عليه
(الزوج أو أقاربه) بتنفيذها يبقى دون تحقيق المبتغى المقصود ،فيكن لها فقط حق تحريك الدعوى العمومية من أجل تحقير
مقرر قضائي طبقا للفصل 622من القانون الجنائي ،باعتبار هذه التدابير مقررات قضائية صادرة عن المحكمة.
||10
املبحث الثاني :النيابة العامة يف قضايا احلضانة واألهلية والنيابة الشرعية
أوكل المشرع للنيابة العامة مهمة حماية األطراف الضعيفة في مؤسسة األسرة التي ال تستطيع القيام بشؤونها بنفسها
وتستعين باآلخر في أفعالها المادية ،إذ باستقراء بعض نصوص مدونة األسرة نجد المشرع استبدل الدور التقليدي للنيابة العامة
في قانون المسطرة المدنية ،وأضحت طرفا رئيسيا في قضايا األسرة حيث أصبح لها تارة دور وقائي وحمائي ،وتارة أخرى
دورا مساعدا للقضاء ،ويتجلى ذلك باألساس في قضايا الحضانة واألهلية والنيابة الشرعية.
وهكذا ،ارتأينا تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين على الشكل التالي:
المطلب األول :دور النيابة العامة في قضايا الحضانة
المطلب الثاني :دور النيابة العامة في قضايا األهلية والنيابة الشرعية
*************************************************************
املطلب األول :دور النيابة العامة يف قضايا احلضانة
تعد الحضانة من أهم المؤسسات القانونية التي خصها المشرع بقواعد تأخذ بعين االعتبار مصلحة الطفل المحضون
طبقا التفاقية حقوق الطفل لسنة 5989والتي صادق عليها المغرب ،ولذلك أسند للنيابة العامة مهمة السهر على حماية مصالحه
من كل األضرار التي قد يتعرض لها ،سواء كانت جسمانية أو معنوية ،وأعطى لها صالحية مراعاة مصلحة المحضون بالسهر
على اختيار األصلح للحضانة وحماية حقوقه (الفرع األول) وكذا الحرص على منع السفر بالمحضون إلى خارج المغرب دون
موافقة نائبه الشرعي ،باإلضافة الى دورها األصيل في تحريك المتابعة الجنائية في حال عدم تقديم المحضون لمن له الحق فيه
(الفرع الثاني).
تراعي النيابة العامة مصلحة المحضون من خالل اختيار من هو األصلح للحضانة (الفقرة األولى) وكذا بالسهر على
حماية حقوقه ورعاية مصالحه (الفقرة الثانية).
تنص المادة 524من مدونة األسرة على أنه «:إذا لم يوجد بين مستحقي الحضانة من يقبلها ،أو وجد ولم تتوفر فيه
الشروط ،رفع من يعنيه األمر أو النيابة العامة األمر إلى المحكمة ،لتقرر اختيار من تراه صالحا من أقارب المحضون أو
غيرهم ،وإال اختارت إحدى المؤسسات المؤهلة لذلك».
يالحظ أن هذه المادة أعطت للنيابة العامة صالحية رفع طلب إسناد الحضانة إلى من هو جدير برعاية الطفل والقيام
بشؤونه وتربيته تربية سليمة ،مع األخذ بعين االعتبار مصلحة المحضون التي تتمحور باألساس حول حاجة الطفل إلى وسائل
مادية لنموه البدني واستقراره النفسي ،وقيام الحاضن بواجبه في هذا الشأن ،وضرورة الحفاظ على عالقته مع الوالد غير
||11
الحاضن وأقاربه ،وكل هذا متوقف على قدرة الحاضن للقيام بهذا الدور الذي ينعكس على شخصية الطفل وعلى مصيره .وذلك
في الحالة التي لم يقبل من هو مستحق للحضانة أو لم تتوفر فيه أحد الشروط الواجب توافرها في الحاضن.
وقد ربط المشرع قيام النيابة العامة برفع طلب إسناد الحضانة لمن هو أصلح للمحضون بتوافر شرطين أساسين:
الشرط األول :رفض مستحقي الحضانة قبولها ،ويشمل مستحقي الحضانة األم واألب وأم األم أو أحد األقارب األكثر
أهلية تعينه المحكمة.
الشرط الثاني :عدم توفر مستحقي الحضانة على الشروط الالزمة ما دام استحقاق الحضانة يرتبط وجوبا بتوفر
شروطها المحددة في المادة 530من المدونة مع مراعاة شروط أخرى أضافها الفقه المالكي ،تطبيقا لإلحالة المنصوص عليها
في المادة 533من مدونة األسرة.
وهنا يمكن للنيابة العامة أن تطلب من المحكمة إسقاط الحضانة إذا لم تتوفر في الحاضن الشروط المنصوص عليها في
المادة 530من مدونة األسرة ،كما يمكن لها التدخل لمنازعة مستحق الحضانة في صالحيته بالحضانة ،السيما إذا اقترف
األفعال المنصوص عليها الفصل 586من القانون الجنائي ،وصدر في حقه حكم قضى بإدانته من أجل ذلك.
وقد تتدخل كذلك إذا ثار خالف بين األم الحاضنة وولي المحضون حول تمدرس الطفل ،كما لو أن األم أرادت أن يلج
ابنها مدرسة خصوصية وأراد النائب الشرعي أن يلج مدرسة عمومية.
فمن خالل هذه المعايير ،ستعمل النيابة العامة على تقييم ثبوت مصلحة الطفل من عدمه ،وبالتالي استعمال تلك اإلمكانيات كلما
ثبت لها أن تلك المصلحة يتهددها خطر ما.
هذا في الحالة التي تكن النيابة العامة هي التي بادرت إلى رفع األمر إلى القضاء الختيار األصلح للحضانة ،أما إذا لم تكن هي
الطالبة فإنها تراقب وتتحقق من مدى استيفاء المختار للحضانة لجميع الشروط المنصوص عليها في المادة 530من المدونة
ومدى قدرة الحاضن على تحقيق المصلحة للمحضون ،وذلك على الرغم من سكوت المادة عن مثل هذا اإلجراء ،فعلى النيابة
العامة باعتبارها طرفا أصليا وتهدف إلى حماية المحضون القيام بإنجاز بحث عن الحاضن لتتمكن فيما بعد من تقديم ملتمساتها
التي قد تساعد المحكمة على معرفة األصلح للحضانة من أقارب المحضون أو غيرهم.
وهذا اإلجراء قد يغني النيابة العامة عن تطبيق مقتضيات المادة 533من المدونة التي منحت لها إمكانية اللجوء إلى المطالبة
بإسقاط الحضانة إذا ثبت لها تعرض المحضون للضرر ،حيث أوجبت على األم واألب واألقارب وغيرهم إخطار النيابة العامة
كلما تعرض المحضون للضرر ،فالنيابة العامة مسؤولة عن متابعة سير الحضانة عبر ما يمكن أن يرفع إليها من شكاوى
وأخبار تفيد العلم بسوء أحوال المحضون ،ذلك أن مصلحة المحضون هي المتحكم الرئيسي في جميع األحكام والمقتضيات
العملية واإلجرائية الخاصة بالحضانة.
||12
تتدخل النيابة العامة إذا بلغ إلى علمها أن حقوق المحضون مهددة بأخطار ،كما لو ثبت لها أو رأت عدم أهلية الحاضن
للقيام بهذه المهمة ،أو أن تصرفاته وسلوكه فيه خطر على مصلحة الطفل ،خصوصا وان الطفل قد يكون في وضعية خطيرة
تزداد تعقيدا إذا لم يتم اتخاذ التدابير الالزمة بالسرعة المطلوبة.
وعموما فالنيابة العامة تتدخل كلما تعرضت حقوق الطفل المحضون المنصوص عليها في المادة 45من المدونة
النتهاك من طرف الحاضن ،السيما وأن خرق تلك الحقوق يعد ضررا فادحا يجب إصالحه وتعويضه عبر طلب إسقاط
الحضانة عن المخل بها ،باعتبارها طرفا أصليا وتضطلع بدور إيجابي وتلقائي في إطار أحكام المدونة ،ولها أن تطبق في ذلك
مبدأ المالئمة واتخاذ ما تراه مناسبا لتجنب اإلضرار بالمحضون ،وعمال بنص المادة 533من المدونة التي جاء فيها مايلي«:
يجب على األب وأم المحضون واألقارب وغيرهم إخطار النيابة العامة بكل األضرار التي يتعرض لها المحضون لتقوم
بواجبها للحفاظ على حقوقه ،بما فيها المطالبة بإسقاط الحضانة»
وتبليغ النيابة العامة أو إخطارها يتم بجميع وسائل اإلشعار الكتابية منها والشفوية ،كما أن األضرار التي قد يتعرض
لها المحضون والتي تستوجب تدخل النيابة العامة كثيرة ،فقد تهدد الطفل في سالمته الجسدية ،كالضرب واالعتداء البدني من
طرف الحاضن أو أقاربه ،أو تهدده في صحته مثل عدم االهتمام بحالته الصحية التي قد تكون مهددة بمرض أو وباء يحتاج إلى
عالج سريع وعاجل ،أو قد يتعلق الخطر الذي يهدده بدراسته وتربيته لما في ذلك من تأثير على مستقبله ككل ،فمثل هذه
األخطار التي تهدد مصلحة المحضون تبرر تدخل النيابة العامة قصد وضع حد لها.
الفرع الثاني :دور النيابة العامة يف منع السفر باحملضون ومحايته جنائيا
منحت مدونة األسرة للنيابة العامة دورا بارزا في حماية المحضون في هويته الثقافية وأصوله اإلجتماعية والحفاظ
على تربيته وتنشئته التنشئة السليمة في حضن والديه ،لذلك من حقها استصدار حكم يمنع الحاضن من السفر بالمحضون دون
موافقة نائبه الشرعي (الفقرة األولى) وكذا في حمايته جنائيا في حال الحكم بسقوط الحضانة وامتناع من يوجد المحضون تحت
رعايته بتسليمه لمن له الحق فيه (الفقرة الثانية).
تعد المادة 539من بين أهم المستجدات التي جاءت بها مدونة األسرة بمنحها للنيابة العامة دور مهم في منع السفر
بالمحضون إلى خارج المغرب عن طريق تقديم طلب إلى المحكمة من أجل أن تضمن في قرار إسناد الحضانة ،أو في قرار
الحق ،منع السفر بالمحضون إلى خارج المغرب ،دون موافقة نائبه الشرعي ،ألن السفر بالمحضون خارج المغرب قد يقطع
الصلة بينه وبين أبيه أو نائبه الشرعي الذي تثبت له حق الزيارة ،إذ نصت على أنه ” :يمكن للمحكمة بناء على طلب من النيابة
العامة ،أو النائب الشرعي للمحضون ،أن تضمن في قرار إسناد الحضانة ،أو في قرار الحق ،منع السفر بالمحضون إلى خارج
المغرب ،دون موافقة نائبه الشرعي.
||13
تتولى النيابة العامة تبليغ الجهات المختصة مقرر المنع قصد اتخاذ اإلجراءات الالزمة لضمان تنفيذ ذلك ،ولعل الهدف
من هذه األحكام ،الحفاظ على الهوية الثقافية للمحضون وأصوله االجتماعية إذ أن أغلب حاالت النقل غير المشروع لألطفال
تكون بعد انحالل الزواج المختلط ،حيث يعمد الطرف الحاضن وغالبا ما تكون الزوجة األجنبية إلى نقل الطفل إلى بلدها
األصلي لتحرم بذلك الطرف اآلخر من رعاية ابنه وصلة الرحم به واإلطالع على أحواله.
ونشير إلى أنه يمكن اللجوء إلى قاضي المستعجالت في حالة رفض النائب الشرعي السفر بالمحضون صحبة الحاضنة
عندما تكون هناك ظروف خاصة تحتم ذلك السفر كأن يكون المحضون مريضا يستوجب إخضاعه للعالج هناك ،الستصدار
إذن يمكنها من السفر به خارج المغرب.
وعندما تضمن المحكمة في قرار إسناد الحصانة أو في قرار الحق منع السفر بالمحضون ،فإن النيابة العامة تسهر
على تبليغ هذا المقرر إلى الجهات المختصة قصد اتخاذ اإلجراءات القانونية الالزمة لذلك .والمقصود بالجهات المختصة
كقاعدة شرطة الحدود المتواجدة بالمطارات والموانئ المغربية ،وكذا غيرها من األجهزة التي لها عالقة بمجموع اإلجراءات
والوثائق التي تهم سفر المحضون ،كالمقاطعات اإلدارية والعمالت والقنصليات ،المانحة لجوازات السفر أو التأشيرات التي
تمكن من مغادرة التراب الوطني ،وعمليا فإن القنصليات تشترط لمنح التأشير لألطفال القاصرين ضرورة موافقة النائب
الشرعي أو باألحرى موافقة الزوج األخر.
يبرز دور النيابة العامة في حماية المحضون جنائيا في حال ما إذا صدر حكم أو قرار قضائي نهائي أو نافذ بصفة
مؤقتة يقضي بإسناد الحضانة لواحد من األبوين أو لغيرهما ،وامتنع من بيده وتحت رعايته الطفل المحضون عن تسليمه لمن له
الحق في حضانته ،من خالل تحريك المتابعة في حق الممتنع عن تسليم المحضون طبقا للفصل 533من القانون الجنائي الذي
ينص على أنه «:إذا صدر حكم قضائي بالحضانة وكان نهائيا أو نافذا بصفة مؤقتة ،فإن األب أو األم أو أي شخص يمتنع عن
تقديم القاصر إلى من له الحق في المطالبة بذلك ،وكذلك إذا اختطفه أو غرر به ولو دون تدليس أو عنف أو حمل غيره على
التغرير به أو اختطافه ممن عهد إليه بحضانته أو من المكان الذي وضعه فيه ،فإنه يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة
وغرامة من مائتين إلى ألف درهم.
فإذا كان مرتكب الجريمة قد حرم من الوالية األبوية على القاصر ،فإن الحبس يمكن أن يصل إلى ثالث سنوات».
ويتبين أن النص يطبق على أي شخص يكون بيده الطفل كاألب واألم وأم األم وغيرهم من األقارب الذين أسندت إليهم
حضانة الطفل أو أي شخص أجنبي أمسك المحضون ولم يقدمه إلى من صار حاضنا له بصفة قانونية بعد صدور الحكم أو
المقرر ،كما أن المشرع الجنائي قد شدد العقوبة إذا كان مرتكب الجريمة قد حرم من الوالية األبوية على القاصر .ويقتضي
توافر جريمة اإلمتناع عن تقديم المحضون وجود مطالبة صريحة بالطفل ورفضا تاما لتقديمه.
وتجدر اإلشارة إلى أنه على الحاضن أن يقدم المحضون لمن له حق المطالبة به ،خاصة نائبه الشرعي للقيام بزيارته
التي تحدد بناء على اتفاق بينه وبين النائب الشرعي أو بمقتضى حكم قضائي ،حتى ال يقع تحت طائلة العقوبة المنصوص عليها
||14
في الفصل 532من القانون الجنائي والذي جاء فيه«:من كان مكلفا برعاية طفل وامتنع من تقديمه إلى شخص له الحق في
المطالبة به يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة».
والنائب الشرعي من بين األشخاص الذين لهم حق المطالبة به لحقه في الزيارة طبقا لمدونة األسرة.
املطلب الثاني :دور النيابة العامة يف قضايا األهلية والنيابة الشرعية
تتدخل النيابة العامة في قضايا األهلية والنيابة الشرعية لحماية المحجور ورعاية مصالحه ،عن طريق اقامة الدعوى
متى رأت في ذلك مصلحة المحجور وحماية ألمواله من الضياع والتلف ،أو بتقديم مستنتجات ومقترحات أثناء جريان المسطرة
لتطبيق القانون.
وعليه نتطرق لدور النيابة العامة في قضايا األهلية في الفرع األول ،على أن نتناول دورها في قضايا النيابة الشرعية
في الفرع الثاني.
خول المشرع للنيابة العامة دورا مهما في مجال األهلية لما يترتب على فقدانها أو انعدامها من آثار قانونية تمس الذمة
المالية للمحجور عليه ،قد تحرمه من التصرف في أمواله .إذ من حقها رفع طلب إلى المحكمة قصد استصدار حكم بالتحجير
على فاقد األهلية (الفقرة األولى) كما لها حق طلب إلغاء اإلذن بتسلم الصغير لجزء من أمواله قصد التجربة (الفقرة الثانية).
تنص المادة 665من مدونة األسرة على أنه «:يصدر حكم بالتحجير أو برفعه بناء على طلب من المعني باألمر أو من
النيابة العامة أو ممن له مصلحة في ذلك» ،كما جاء في المادة 663من مدونة األسرة ما يلي «:فاقد العقل والسفيه والمعتوه
تحجر عليهم المحكمة بحكم من وقت ثبوت حالتهم بذلك ،ويرفع عنهم الحجر ابتداء من تاريخ زوال هذه األسباب حسب
القواعد الواردة في هذه المدونة»
باستقراء هاتين المادتين يتبين أنه يمكن للنيابة العامة أن تتقدم بمقال إلى المحكمة تطلب فيه إصدار حكم بالحجر على
كل من ظهرت عليه عالمات الجنون أو السفه أو العته ،إذا توافرت لديها حججا وأدلة تثبت حالة المعني باألمر المراد الحجر
عليه ،كما يمكن لها طلب رفع الحجر إذا زال سببه ،مع تعزز طلبها بأدلة تثبت حالة الشخص المعني .
واألدلة المعززة للطلب سواء للحجر أو لرفعه غالبا ما تكون عبارة عن شهادة طبية مسلمة من طبيب مختص في
األمراض العقلية ،تثبت أن الشخص المراد التحجير عليه فاقدا للعقل أو معتوها ،أو تثبت أن الشخص أصبح متمتعا بكامل قواه
العقلية حسب الحالة .وبشهادة عدلية أو لفيفية مستفسرة إذا كان سفيها ،وإن كان يصعب عمليا على النيابة العامة الحصول على
هذه الوسائل.
||15
كما يبدو أن المشرع لم يوضح الكيفية التي تعلم بها النيابة العامة وقوع أحد عوارض األهلية للشخص ،حتى تتقدم
بطلب إلى المحكمة قصد الحجر عليه ،بخالف المشرع المصري الذي أوكل مهمة إبالغ النيابة العامة عن حاالت فقد األهلية
الناشئة عن عاهة عقلية بمجرد ثبوت ذلك لديه لألطباء والمعالجين ومديري المستشفيات والمصحات على حسب األحوال.
وعليه فالنيابة العامة سواء كانت طالبة للحجر أم أحيل عليها الملف لإلدالء بمستنتجاتها ،عليها أن تأخذ بعين االعتبار،
مصلحة المحجور وحمايته من نفسه ومن الغير ،وفقا لما تقتضيه قواعد العدالة ومبادئ الحفاظ على مصلحة المحجور الفضلى.
يمكن للنيابة العامة طبقا لمقتضيات المادة 662من مدونة األسرة أن تطلب من القاضي المكلف بشؤون القاصرين إلغاء
قرار اإلذن بتسليم الصغير المميز جزء من أمواله إلدارتها بقصد االختبار إذا ثبت سوء التدبير في اإلدارة المأذون بها ،بحيث
نصت الفقرة الثالثة منها على أنه «:يمكن للقاضي المكلف بشؤون القاصرين إلغاء قرار اإلذن بالتسليم بطلب من الوصي أو
المقدم أو النيابة العامة أو تلقائيا إذا ثبت سوء التدبير في اإلدارة المأذون بها «.
ويظهر أن سحب اإلذن مرهون بمدى توافر سبب مبرر لذلك ،كقيام المأذون له بتصرفات أضرت فعال بمصالحه
المالية ،مادام سحب اإلذن له مساس بحريته وحقوقه الشخصية ،ولذلك ال ينبغي أن يلجأ إليه إال في حالة المصلحة الراجحة،
وهي حماية القاصر من تبديد أمواله وضياعها.
لذلك على النيابة العامة أن تتحرى جميع المعلومات على القصر المأذون لهم بإدارة جزء من أموالهم ،قبل تقديم الطلب
في هذا الشأن حتى يتأكد لها سوء ادارة تلك األموال ومدى أهليتهم للقيام بذلك على أحسن وجه .ولعل مهمة النيابة العامة هذه
شاقة وصعبة ،ألن دورها سيصطدم بصعوبة إحاطتها بسوء تدبير األموال التي يديرها المؤذون لهم ،خصوصا أمام انعدام
الوسائل التي تمكنها من تتبع طبيعة تصرفاتهم ومدها.
النيابة الشرعية إما والية أو وصاية أو تقديم ،والهدف من تقرير هذه المؤسسة هو حماية أموال المحجور من تصرفاته
التي قد تكون طائشة ،ومن تصرفات غيره التي قد يشبها غبن واستغالل لقصره .ولحمايته وحماية أمواله خول المشرع للنيابة
العامة دورا بارزا (الفقرة األولى) كما من حقها طلب عزل الوصي أو المقدم أو بإبداء رأيها أثناء تعيين هذا األخير (الفقرة
الثانية).
تنص الفقرة األولى من المادة 645على أنه «:لكل من النيابة العامة والنائب الشرعي ومجلس العائلة وعضو أو أكثر
من األقارب عند االنتهاء من اإلحصاء تقديم مالحظاته إلى القاضي المكلف بشؤون القاصرين حول تقدير النفقة الالزمة
للمحجور ،واختيار السبل التي تحقق حسن تكوينه وتوجيهه التربوي وإدارة أمواله».
||16
يالحظ أن دور النيابة العامة في قضايا المحاجر مستمر على طول مرحلة التحجير ،فكلما جد أمر في ملف النيابة
الشرعية ،وجب على المحكمة إحالته على النيابة العامة إلبداء رأيها في إطار مهمتها األساسية ،المتمثلة في الحفاظ على أموال
المحجور ،والتدخل بالسرعة الالزمة للحيلولة دون ضياعها ،ولئن كان رأيها يندرج في زمرة االقتراحات التي تبديها بشأن
اختيار الطرق المثلى والفضلى في إدارة أمواله ،بما يساهم في تنميتها المحافظة عليها لتحقيق احتياجات المحجور وحاجاته .إال
أن لم يلزم القاضي المكلف بشؤون القاصرين بإخطارها بانتهاء اإلحصاء ،وأن هذا األخير ال يقتضي عقد جلسة حتى يبلغ
الملف للنيابة العامة للقيام بمهامها في هذا الصدد ،بخالف المشرع المصري الذي أسند للنيابة العامة مهمة اإلشراف بنفسها على
هذا اإلحصاء.
ومن واجب النيابة العامة كذلك ،في حالة وجود قاصرين للمتوفى أو وفاة الوصي أو المقدم ،إبالغ القاضي المكلف
بشؤون القاصرين بواقعة الوفاة خالل فترة ال تتعدى ثمانية أيام من تاريخ العلم بالوفاة ،وترفع هذه الفترة إلى شهر ،في حالة
فقدان القريب أو الوصي أو المقدم لألهلية.
كما يمكن للنيابة العامة حفاظا على أموال المحجور ،طلب إجراء حجز تحفظي على أموال الوصي أو المقدم أو
وضعها تحت الحراسة القضائية ،أو فرض غرامة تهديدية عليه ،إذا لم يقدم للقاضي المكلف بشؤون القاصرين إيضاحات عن
إدارة أموال المحجور ،أو لم يقدم حسابا حولها ،أو لم يدع ما بقي لديه من أموال المحجور بعد توجيه إنذار إليه يبقى دون
مفعول داخل األجل المحدد له.
ميز المشرع بين تعين الوصي والمقدم ،إذ لم ينص على ضرورة إحالة الملف على النيابة العامة بالنسبة للوصي
بخالف تعين المقدم ،ولعل السبب راجع إلى كون الوصي يعين من قبل األب واألم اللذان يكونان أعلم باألشخاص القادرين على
العناية بأوالدهم وأموالهم ،ودور المحكمة يقتصر على تثبيت هذه الوصية انتهاء وليس ابتداء كما هو الشأن بالنسبة للمقدم الذي
قد يعينه القاضي تلقائيا وإما بناء على ترشيح من األقارب أو حتى بطلب من النيابة العامة باعتبارها طرفا أصليا في جميع
القضايا التي تطبق فيها المدونة .إذ على المحكمة في حالة تعيين مقدم على المحجور لعدم وجود ولي أو وصي ،أن تحيل الملف
على النيابة العامة فورا ،حتى تتمكن من اإلدالء برأيها داخل أجل أقصاه 54يوما ،وتتأكد من توافر الشروط القانونية لقيامه
بهذه المهمة على أحسن وجه ،حسب نص المادة 654من مدونة األسرة التي جاء بها ما يلي «:تحيل المحكمة الملف حاال على
النيابة العامة إلبداء رأيها داخل مدة ال تتجاوز خمسة عشر يوما على أن تبت المحكمة في الموضوع داخل اجل ال يتعدى
خمسة عشر يوما من تاريخ التوصل برأي النيابة العامة».
ويبقى رأي النيابة العامة في المقدم المعين من قبل المحكمة ضروري ومهم لما تتوفر عليه من وسائل وإمكانات تسمح
لها بمعرفة مدى توفر الشخص المعين للقيام بمهمة المقدم على الشروط القانونية والسيما تلك المنصوص عليها في المادة 653
من مدونة األسرة ،التي اشترطت في المقدم أال يكون محكوما عليه في جريمة سرقة أو إساءة ائتمان أو تزوير أو في جريمة
||17
من الجرائم المخلة باألخالق أو أن يكون محكوما عليه باإلفالس أو في تصفية قضائية ،وأخيرا أن ال يكون بينه وبين المحجور
نزاع قضائي أو خالف عائلي يخشى منه على مصلحة المحجور.
كما يمكن للنيابة العامة في إطار دورها المستمر في تتبع أعمال الوصي أو المقدم للوقوف على أي إخالل قد يضر
بمصالح المحجور ،أن تقدم طلب إعفاء الوصي أو عزل المقدم من مهمته إذا عجز عن القيام بها أو حدث مانع من الموانع
المنصوص عليها في المادتين 652و 653من مدونة األسرة.
وعالوة على ما سبق ،وفي إطار دور النيابة العامة األصيل في تحريك الدعوى العمومية ،فإنها تتدخل لتحريكها في
حق الوصي أو المقدم عند وقوفها على خروقات معاقب عليها جنائيا تم ارتكابها عند إدارته لشؤون المحجور ،بحيث يسأل
الوصي أو المقدم عن اإلخالل بالتزاماته في إدارة شؤون المحجور ،وتطبق عليه أحكام مسؤولية الوكيل بأجر ولو مارس
مهمته بالمجان .ويمكن مساءلته جنائيا عند االقتضاء طبقا لمقتضيات المادة 643من مدونة األسرة.
وصفوة القول ،إن النيابة العامة تضطلع بأدوار مهمة ومتنوعة توازي اختصاصاتها في ممارسة الدعوى العمومية ،أن
على مستوى الكم أو األهمية .لما تحققه لألطراف األسرة من توازن بتدخلها أساسا لفائدة القانون والعدالة ومصلحة األسرة
والحفاظ على كيانها ،سواء عن طريق تحريك الدعوى متى رأت مصلحة األسرة واألطفال في ذلك ،أو بتقديم مستنتجات مبنية
على دراسة شاملة للوقائع المحيطة بالملفات المحالة عليها.
||18