You are on page 1of 6

‫تلخيص كتاب الوسائل املفيدة للحياة السعيدة‬

‫لفضيلة الشيخ عبد الرمحن بن نارص السعدى‬


‫فصل أعظم األسباب وأصلها وأسها هو اإليامن والعمل الصالح‬
‫اِلا ِم ْن َذك ٍَر َأ ْو‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفصل ‪ - 1‬أعظم األسباب للحياة الطيبة هو اإليامن والعمل الصالح‪ ،‬كام جاء يف القرآن‪َ { :‬م ْن عَم َل َص ً‬
‫ون[ }النحل‪ ]٩٧ :‬هذا اآلية يعد من مجع‬ ‫ُأ ْن َثى َو ُه َو ُمؤْ ِم ٌن َف َلنُ ْحيِ َينَّ ُه َح َيا ًة َط ِّي َب ًة َو َلن َْج ِز َين َُّه ْم َأ ْج َر ُه ْم بِ َأ ْح َس ِن َما كَا ُنوا َي ْع َم ُل َ‬
‫بني اإليامن والعمل الصالح باِلياة الطيبة يف هذه الدار‪ ،‬وباجلزاء اِلسن يف هذه الدار‪ ،‬ويف دار القرار‪ .‬وسبب ذلك‬
‫واضح‪ :‬فإن املؤمنني باهلل اإليامن الصحيح‪ ،‬املثمر للعمل الصالح املصلح للقلوب واألخالق والدنيا واآلخرة‪ ،‬معهم‬
‫‪.‬‬ ‫أصول وأسس يتلقون فيها مجيع ما يرد عليهم من أسباب الرسور واالبتهاج‬
‫يتلقون املحاب والمسار بقبول هلا‪ ،‬وشكر عليها‪ ،‬واستعامل هلا فيام ينفع‪ ،‬فيحدث هلم من االبتهاج هبا‪ ،‬والطمع يف‬
‫‪.‬‬‫بقائها وبركتها‪ ،‬ورجاء ثواب الشاكرين‪ ،‬أمورا عظيمة تفوق بخرياهتا وبركاهتا هذه املرسات التي هي ثمراهتا‬
‫ويتلقون املكاره واملضار واهلم والغم باملقاومة ملا يمكنهم مقاومته وختفيف ما يمكنهم ختفيفه‪ ،‬والصرب اجلميل ملا ليس‬
‫هلم عنه بد‪ ،‬وبذلك حيصل هلم من آثار املكاره من املقاومات النافعة‪ ،‬والتجارب والقوة‪ ،‬ومن الصرب واحتساب األجر‬
‫والثواب أمورا عظيمة تضمحل‪ .‬معها املكاره‪ ،‬وحتل حملها املسار واآلمال الطيبة كام عرب النبي صىل اهلل عليه وسلم عن‬
‫هذا يف اِلديث الصحيح أنه قال‪« :‬عجبا ألمر املؤمن إن أمره كله خري‪ ،‬إن أصابته رساء شكر فكان خريا له‪ ،‬وإن‬
‫أصابته رضاء صرب فكان خريا له‪ ،‬وليس ذلك ألحد إال للمؤمن» [رواه مسلم]‪ُ .‬يظهر هذا اِلديث كيف يتضاعف‬
‫‪.‬‬‫خري املؤمن وثامر أعامله سواء يف الرساء أو الرضاء‬
‫املؤمنون خيتلفون يف تلقي اخلري والرش بنا ًء عىل قوة إيامهنم وعملهم الصالح‪ .‬من لديه هذين الوصفني يستقبل اخلري‬
‫بشكر والرش بصرب‪ ،‬مما يسهم يف حتقيق الرسور وزوال اهلم والغم‪ .‬يف املقابل‪ ،‬من يستقبل اخلري بأرش وطغيان تضطرب‬
‫حياته وتنعدم راحته النفسية‪ .‬ويتلقى املكاره بقلق وخوف وضجر‪ ،‬فال يرجو ثوابا وال صرب عنده يسليه وهيون عليه‪.‬‬
‫املؤمن العامل بمقتىض إيامنه إذا ابتيل بمرض أو فقر‪ ،‬جتده قرير العني‪ ،‬ال يتطلب بقلبه أمرا مل يقدر له‪ ،‬ينظر إىل من هو‬
‫‪.‬‬ ‫دونه‪ ،‬وربام زادت هبجته عىل من هو متحصل عىل املطالب الدنيوية إذا مل يؤت القناعة‬
‫وإذا حدثت أسباب اخلوف وأملت باإلنسان املزعجات جتد صحيح اإليامن ثابت القلب‪ ،‬مطمئن النفس‪ ،‬متمكنا من‬
‫تدبريه هلذا األمر بام هو يف وسعه من فكر وقول وعمل‪ ،‬قد وطن نفسه هلذا املزعج امللم‪ .‬فاقد اإليامن إذا وقعت‬
‫املخاوف انزعج ضمريه‪ ،‬وتوترت أعصابه‪ ،‬وتشتتت أفكاره‪ ،‬وداخله اخلوف والرعب والقلق الباطني الشديد‪،‬‬
‫واجتمع عليه اخلوف اخلارجي والداخيل‪ .‬وإن مل حيصل له بعض األسباب الطبيعية للشجاعة‪ ،‬اهنارت قواه وتوترت‬
‫‪.‬‬‫أعصابه لفقده لإليامن الذي حيمل عىل الصرب يف املحن‬
‫أما املؤمن فيتميز بقوة إيامنه وصربه وتوكله عىل اهلل واحتسابه للثواب‪ ،‬أمور تزيد شجاعته وختفف عنه وطأة اخلوف‬
‫ون ِم َن اهللَِّ َما َال َي ْر ُج َ‬
‫ون} [النساء‪:‬‬ ‫ون َفإِ َّهنُ ْم َي ْأملَُ َ‬
‫ون ك ََام َت ْأملَُ َ‬
‫ون َوت َْر ُج َ‬ ‫وهتون عليه املصاعب‪ .‬قال تعاىل‪{ :‬إِ ْن َت ُكو ُنوا َت ْأملَُ َ‬
‫‪1‬‬
‫ربوا إِ َّن اهللََّ َم َع َّ‬
‫الصابِ ِري َن} [األنفال‪]46 :‬‬ ‫اص ِ ُ‬
‫‪ ]104‬وحيصل للمؤمنني من معونة اهلل ما يبعثر املخاوف‪ .‬وقال تعاىل‪َ { :‬و ْ‬
‫‪ .‬فالرب والفاجر يشرتكان يف الشجاعة الغريزية‪ ،‬ولكن املؤمن يتميز بام يمنحه اإليامن من صرب وقوة‬
‫‪.‬‬

‫فصل ‪ - 2‬ومن األسباب التي تزيل اهلم والغم والقلق‪ :‬اإلحسان إىل اخللق بالقول والفعل‪ ،‬وأنواع املعروف‪ .‬وكلها‬
‫خري وإحسان‪ ،‬وهبا يدفع اهلل عن الرب والفاجر اهلموم والغموم بحسبها‪ ،‬ولكن للمؤمن منها أكمل اِلظ والنصيب‪،‬‬
‫ويتميز بأن إحسانه صادر عن إخالص واحتساب لثوابه فيهون اهلل عليه بذل املعروف ملا يرجوه من اخلري‪ ،‬ويدفع عنه‬
‫ري ِمن نَجو ُاهم إِ َّال من َأمر بِصدَ َق ٍة َأو معر ٍ‬ ‫ِ‬
‫وف َأ ْو إِ ْص َالحٍ َب ْ َ‬
‫ني‬ ‫ْ َ ُْ‬ ‫َ ْ ََ َ‬ ‫املكاره بإخالصه واحتسابه‪ ،‬قال تعاىل‪َ ( :‬ال َخ ْ َري ِيف كَث ٍ ْ ْ َ ْ‬
‫ف ُنؤْ تِ ِيه َأ ْج ًرا عَظِ ًيام) [النساء‪]114 :‬‬ ‫َّاس ومن ي ْفع ْل َذلِ َك ابتِغَاء مر َض ِ‬
‫ات اهللَِّ َف َس ْو َ‬ ‫ْ َ َْ‬ ‫الن ِ َ َ ْ َ َ‬
‫فأخرب تعاىل أن هذه األمور كلها خري ممن صدرت منه‪ ،‬واخلري جيلب اخلري‪ ،‬ويدفع الرش‪ ،‬وأن املؤمن املحتسب يؤتيه اهلل‬
‫أجرا عظيام‪ ،‬ومن مجلة األجر العظيم‪ :‬زوال اهلم والغم واألقدار ونحوها‬
‫‪.‬‬

‫فصل يف أسباب دفع القلق الناشئ عن توتر األعصاب واشتغال القلب ببعض ]املكدرات‬
‫فصل ‪ - 3‬ومن أسباب دفع القلق الناشئ عن توتر األعصاب‪ ،‬واشتغال القلب ببعض املكدرات‪ :‬االشتغال بعمل من‬
‫األعامل أو علم من العلوم النافعة‪ ،‬فإهنا تلهي القلب عن اشتغاله بذلك األمر الذي أقلقه‪ ،‬وربام نيس بسبب ذلك‬
‫األسباب التي أوجبت له اهلم والغم‪ ،‬ففرحت نفسه‪ ،‬وازداد نشاطه‪ ،‬وهذا السبب أيضا مشرتك بني املؤمن وغريه‪،‬‬
‫ولكن املؤمن يمتاز بإيامنه وإخالصه واحتسابه يف اشتغاله بذلك العلم الذي يتعلمه أو يعلمه‪ ،‬ويعمل اخلري الذي‬
‫يعلمه‪ ،‬إن كان عبادة فهو عبادة‪ ،‬وإن كان شغال دنيويا أو عادة دنيوية أصحبها النية الصاِلة‪ ،‬وقصد االستعانة بذلك‬
‫عىل طاعة اهلل‪ ،‬فلذلك أثره الفعال يف دفع اهلم والغموم واألحزان‪ ،‬فكم من إنسان ابتيل بالقلق ومالزمة األقدار‪،‬‬
‫فحلت به األمراض املتنوعة فصار دواؤه الناجع‪( :‬نسيانه السبب الذي كدره وأقلقه‪ ،‬واشتغاله بعمل من مهامته)‬
‫وين بغي أن يكون الشغل الذي يشتغل فيه مما تأنس به النفس وتشتاقه؛ فإن هذا أدعى ِلصول هذا املقصود النافع‪ ،‬واهلل‬
‫‪.‬‬‫أعلم‬
‫فصل ‪ -4‬ومما يدفع اهلم والقلق‪ :‬االهتامم بعمل اليوم اِلارض فقط‪ ،‬وقطعه عن القلق باملستقبل واِلزن عىل املايض‪،‬‬
‫فاستعاذ النبي صىل اهلل عليه وسلم من اهلم واِلزن‪ .‬فاِلزن عىل املايض ال يمكن رده‪ ،‬واهلم بسبب اخلوف من‬
‫املستقبل‪ ،‬فيكون العبد ابن يومه‪ ،‬جيمع جهده يف إصالح وقته اِلارض‪ ،‬فإن مجع القلب عىل ذلك يوجب تكميل‬
‫األعامل ويسيل عن اهلم‪ .‬والنبي صىل اهلل عليه وسلم إذا دعا أو أرشد فهو حيث عىل االستعانة باهلل والعمل لتحقيق ما‬
‫‪.‬‬ ‫ُيدعى به‪ ،‬كقوله‪« :‬احرص عىل ما ينفعك واستعن باهلل وال تعجز‪[ »...‬رواه مسلم]‬
‫فجمع بني األمر باِلرص واالستعانة باهلل‪ ،‬وبني االستسالم لألمور النافذة ومشاهدة قضاء اهلل وقدره‪ .‬وجعل األمور‬
‫قسمني‪ :‬قسم يمكن السعي لتحصيله أو دفعه فهذا يبذل العبد جمهوده ويستعني بربه‪ ،‬وقسم ال يمكن فيه ذلك‬
‫‪.‬‬‫فيستسلم لقضاء اهلل‬

‫‪2‬‬
‫[فصل يف أكرب األسباب النرشاح الصدر وطمأنينته]‬
‫فصل ‪ - ٥‬ومن أكرب األسباب النرشاح الصدر وطمأنينته( ‪:‬اإلكثار من ذكر اهلل )فإن لذلك تأثريا عجيبا يف انرشاح الصدر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وب[ }الرعد‪] 2٨ :‬فلذكر اهلل أثر عظيم يف حصول هذا‬ ‫وطمأنينته‪ ،‬وزوال مهه وغمه‪ ،‬قال تعاىل{ ‪َ :‬أ َال بِذك ِْر اهللَِّ َت ْط َمئ ُّن ا ْل ُق ُل ُ‬
‫املطلوب خلاصيته‪ ،‬وملا يرجوه العبد من ثوابه وأجره‬
‫فصل ‪ - 6‬وكذلك التحدث بنعم اهلل الظاهرة والباطنة‪ ،‬فإن معرفتها والتحدث هبا يدفع اهلل به اهلم والغم‪ ،‬وحيث‬
‫العبد عىل الشكر الذي هو أرفع املراتب وأعالها حتى ولو كان العبد يف حالة فقر أو مرض أو غريمها من أنواع الباليا‪.‬‬
‫فإنه إذا قابل بني نعم اهلل عليه التي ال حيىص هلا عد وال حساب‪ ،‬وبني ما أصابه من مكروه‪ ،‬مل يكن للمكروه إىل النعم‬
‫نسبة‪.‬‬
‫بل املكروه واملصائب إذا ابتىل اهلل هبا العبد‪ ،‬وأدى فيها وظيفة الصرب والرىض والتسليم‪ ،‬هانت وطأهتا‪ ،‬وخفت مؤنتها‪،‬‬
‫وكان تأمل العبد ألجرها وثواهبا والتعبد هلل بالقيام بوظيفة الصرب والرىض‪ ،‬يدع األشياء املرة حلوة فتنسيه حالوة‬
‫أجرها مرارة صربها‪.‬‬
‫فصل ‪ - ٧‬ومن أنفع األشياء يف هذا املوضع‪ :‬استعامل ما أرشد إليه النبي صىل اهلل عليه وسلم يف اِلديث الصحيح‬
‫حيث قال‪« :‬انظروا إىل من هو أسفل منكم وال تنظروا إىل من هو فوقكم فإنه أجدر أن ال تزدروا نعمة اهلل عليكم»‬
‫[رواه البخاري ومسلم]‪ .‬فإن العبد إذا نصب بني عينيه هذا امللحظ اجلليل‪ ،‬رآه يفوق مجعا كثريا من اخللق يف العافية‬
‫وتوابعها‪ ،‬ويف الرزق وتوابعه مهام بلغت به اِلال‪ ،‬فيزول قلقه ومهه وغمه‪ ،‬ويزداد رسوره واغتباطه بنعم اهلل التي فاق‬
‫فيها غريه ممن هو دونه فيها‪.‬‬
‫وكلام طال تأمل العبد بنعم اهلل الظاهرة والباطنة‪ ،‬الدينية والدنيوية‪ ،‬رأى ربه قد أعطاه خريا كثريا ودفع عنه رشورا‬
‫متعددة‪ ،‬وال شك أن هذا يدفع اهلموم والغموم‪ ،‬ويوجب الفرح والرسور‪.‬‬

‫[فصل يف األسباب املوجبة للرسور وزوال اهلم والغم]‬


‫فصل ‪ -٨‬ومن األسباب املوجبة للرسور وزوال اهلم والغم‪ :‬السعي يف إزالة األسباب اجلالبة للهموم‪ ،‬ويف حتصيل‬
‫األسباب اجلالبة للرسور‪ .‬وذلك بنسيان ما مىض عليه من املكاره التي ال يمكنه ردها‪ ،‬ومعرفته أن اشتغال فكره فيها‬
‫من باب العبث واملحال‪ ،‬وأن ذلك محق وجنون‪ .‬فيجاهد قلبه عن التفكر فيها وكذلك جياهد قلبه عن قلقه ملا يستقبله‪،‬‬
‫مما يتومهه من فقر أو خوف أو غريمها من املكاره التي يتخيلها يف مستقبل حياته‪.‬‬
‫العبد يعلم أن األمور املستقبلة جمهول ما يقع فيها من خري ورش وآمال وآالم‪ ،‬وأهنا بيد العزيز اِلكيم‪ ،‬ليس بيد العباد‬
‫منها يشء إال السعي يف حتصيل خرياهتا‪ ،‬ودفع مرضاهتا‪ .‬وإذا رصف فكره عن قلقه من أجل مستقبل أمره‪ ،‬واتكل عىل‬
‫ربه يف إصالحه‪ ،‬واطمأن إليه يف ذلك‪ ،‬فإن قلبه يطمئن وتصلح أحواله‪ ،‬وتزول عنه مهه وقلقه‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫فصل ‪ - ٩‬ومن أنفع ما يكون يف مالحظة مستقبل األمور‪ :‬استعامل هذا الدعاء الذي كان النبي صىل اهلل عليه وسلم‬
‫يدعو به‪« :‬اللهم أصلح يل ديني الذي هو عصمة أمري‪ ،‬وأصلح يل دنياي التي فيها معايش‪ ،‬وأصلح يل آخريت التي‬
‫إليها معادي‪ ،‬واجعل اِلياة زيادة يل يف كل خري‪ ،‬واملوت راحة يل من كل رش» [رواه مسلم]‪.‬‬
‫وكذلك قوله‪« :‬اللهم رمحتك أرجو فال تكلني إىل نفيس طرفة عني‪ ،‬وأصلح يل شأين كله‪ ،‬ال إله إال أنت» [رواه أبو‬
‫داود بإسناد صحيح]‪.‬‬
‫فإذا هلج العبد هبذا الدعاء الذي فيه صالح مستقبله الديني والدنيوي بقلب حارض‪ ،‬ونية صادقة‪ ،‬مع اجتهاده فيام حيقق‬
‫ذلك‪ ،‬فإن اهلل سيحقق له ما دعاه ورجاه وعمل له‪ ،‬وانقلب مهه فرحا ورسورا‪.‬‬

‫[فصل يف أنفع األسباب لزوال القلق واهلموم إذا حصل عىل العبد من النكبات]‬
‫فصل ‪ -10‬ومن أنفع األسباب لزوال القلق واهلموم إذا حصل عىل العبد من النكبات‪ :‬أن يسعى يف ختفيفها بأن يقدر‬
‫أسوأ االحتامالت التي ينتهي إليها األمر‪ ،‬ويوطن عىل ذلك نفسه‪ .‬فإذا فعل ذلك‪ ،‬فليسع إىل ختفيف ما يمكن ختفيفه‬
‫بحسب اإلمكان‪ .‬هبذا التوطني وهذا السعي النافع‪ ،‬تزول مهومه وغمومه‪ ،‬ويكون بدل ذلك‪ :‬السعي يف جلب املنافع‪،‬‬
‫ويف دفع املضار امليسورة للعبد‪.‬‬
‫فإذا حلت به أسباب اخلوف‪ ،‬واألسقام‪ ،‬والفقر والعدم ملا حيبه من املحبوبات‪ ،‬فليتلق ذلك بطمأنينة وتوطني للنفس‬
‫عليها‪ .‬توطني النفس عىل احتامل املكاره هيوهنا ويزيل شدهتا‪ ،‬وخصوصا إذا أشغل نفسه بمدافعها بحسب مقدوره‪.‬‬
‫جيتمع يف حقه توطني النفس مع السعي النافع الذي يشغل عن االهتامم باملصائب‪ ،‬وجياهد نفسه عىل جتديد قوته‬
‫املقاومة للمكاره‪ ،‬مع اعتامده عىل اهلل وحسن الثقة به‪ .‬هلذه األمور فائدهتا العظمى يف حصول الرسور وانرشاح‬
‫الصدور‪.‬‬

‫[فصل‪ :‬أعظم العالجات ألمراض القلب العصبية واألمراض البدنية]‬


‫فصل ‪ -11‬ومن أعظم العالجات ألمراض القلب العصبية‪ ،‬بل وأيضا لألمراض البدنية‪ :‬قوة القلب وعدم انزعاجه‬
‫وانفعاله لألوهام واخلياالت التي جتلبها األفكار السيئة‪ .‬فاإلنسان متى استسلم للخياالت وانفعل قلبه للمؤثرات‬
‫كاخلوف من األمراض وغريها‪ ،‬والغضب والتشوش من األسباب املؤملة‪ ،‬وتوقع حدوث املكاره وزوال املحاب‪ ،‬وقع‬
‫ذلك يف اهلموم والغموم واألمراض القلبية والبدنية‪ ،‬واالهنيار العصبي الذي له آثاره السيئة التي قد شاهد الناس‬
‫مضارها الكثرية‪.‬‬
‫بالتايل‪ ،‬قوة القلب وعدم انفعاله للخياالت واألوهام هي من أعظم العالجات هلذه األمراض‪ .‬فاإلنسان إذا استطاع‬
‫أن حيافظ عىل صربه وقوة قلبه‪ ،‬وال ينفعل للمؤثرات السلبية‪ ،‬فإنه ينجو من الوقوع يف اهلموم واألمراض‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫فصل ‪ - 12‬متى اعتمد القلب عىل اهلل‪ ،‬وتوكل عليه‪ ،‬ومل يستسلم لألوهام وال ملكته اخلياالت السيئة‪ ،‬ووثق باهلل‬
‫وطمع يف فضله ‪ -‬اندفعت عنه بذلك اهلموم والغموم‪ ،‬وزالت عنه كثري من األسقام البدنية والقلبية‪ ،‬وحصل للقلب‬
‫من القوة واالنرشاح والرسور ما ال يمكن التعبري عنه‪.‬‬
‫كثري من املرىض يف املستشفيات هم ضحايا األوهام واخلياالت الفاسدة‪ .‬وهذه األمور أثرت عىل قلوب الكثريين‪،‬‬
‫وأدت إىل اِلمق واجلنون‪ .‬أما املعاىف فهو من عافاه اهلل ووفقه جلهاد نفسه لتحصيل األسباب النافعة املقوية للقلب؛‬
‫الدافعة لقلقه‪.‬‬
‫كام قال تعاىل‪َ { :‬و َم ْن َيت ََوك َّْل ع ََىل اهللَِّ َف ُه َو َح ْس ُب ُه} [الطالق‪ ] 3 :‬أي كافية مجيع ما هيمه من أمر دينه ودنياه‪ .‬فاملتوكل عىل‬
‫اهلل قوي القلب ال تؤثر فيه األوهام‪ ،‬ويعلم أن اهلل قد تكفل ملن توكل عليه بالكفاية التامة‪ ،‬فيزول مهه وقلقه‪ ،‬ويتبدل‬
‫عرسه يرسا‪ ،‬وترحه فرحا‪ ،‬وخوفه أمنا‪.‬‬

‫[فصل يف قول النبي صىل اهلل عليه وسلم ال يفرك مؤمن مؤمنة]‬
‫فصل ‪ -13‬يف حديث النبي صىل اهلل عليه وسلم "ال يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا ريض منها خلقا آخر" فيه‬
‫فائدتان عظيمتان‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬اإلرشاد إىل معاملة الزوجة والقريب والصاحب‪ ،‬فينبغي أن توطن نفسك عىل أنه ال بد أن يكون فيهم عيب أو‬
‫نقص‪ ،‬فإذا وجدت ذلك‪ ،‬فقارن بني هذا وبني ما جيب عليك من قوة االتصال واإلبقاء عىل املحبة‪ ،‬بتذكر ما فيهم من‬
‫املحاسن واملقاصد اخلاصة والعامة‪ .‬هبذا اإلغضاء عن املساوئ ومالحظة املحاسن‪ ،‬تدوم الصحبة واالتصال وتتم‬
‫الراحة‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬زوال اهلم والقلق‪ ،‬وبقاء الصفاء‪ ،‬واملداومة عىل القيام باِلقوق‪ .‬من مل يسرتشد هبذا اِلديث‪ ،‬بل عكس القضية‬
‫ومالحظ املساوئ فقط‪ ،‬فال بد أن يقلق ويتكدر ما بينه وبني من يتصل به من املحبة‪.‬‬
‫كثري من الناس يوطنون أنفسهم عند الكوارث‪ ،‬لكن عند األمور التافهة يقلقون‪ ،‬والسبب أهنم وطنوا نفوسهم عند‬
‫األمور الكبار فقط‪ .‬اِلازم يوطن نفسه عىل األمور القليلة والكبرية‪ ،‬فعند ذلك يسهل عليه الصغري كام سهل عليه‬
‫الكبري‪.‬‬

‫[فصل يف العاقل يعلم أن حياته الصحيحة حياة السعادة والطمأنينة وأهنا]‬


‫فصل ‪ - 14‬العاقل يعلم أن حياته الصحيحة حياة السعادة والطمأنينة‪ ،‬وأهنا قصرية جدا‪ ،‬فال ينبغي له أن يقرصها‬
‫باهلم واالسرتسال مع األكدار فإن ذلك ضد اِلياة الصحيحة‪ ،‬فيشح بحياته أن يذهب كثري منها هنبا للهموم‬
‫واألكدار‪ ،‬وال فرق يف هذا بني الرب والفاجر‪ ،‬ولكن املؤمن له من التحقق هبذا الوصف اِلظ األوفر‪ ،‬والنصيب النافع‬
‫العاجل واآلجل‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫فصل‪ - 1٥‬عند إصابة مكروه أو اخلوف منه‪ ،‬ينبغي أن يقارن اإلنسان بني بقية النعم اِلاصلة له دينية أو دنيوية‪ ،‬وبني‬
‫ما أصابه من مكروه‪ .‬فعند املقارنة يتضح كثرة ما هو فيه من النعم‪ ،‬واضمحالل ما أصابه من املكاره‪.‬‬
‫كذلك يقارن بني ما خيافه من حدوث رضر عليه‪ ،‬وبني االحتامالت الكثرية يف السالمة منها‪ .‬فال يدع االحتامل‬
‫الضعيف يغلب االحتامالت الكثرية القوية‪ .‬بذلك يزول مهه وخوفه‪ ،‬ويقدر أعظم ما يكون من االحتامالت التي‬
‫يمكن أن تصيبه‪ ،‬فيوطن نفسه ِلدوثها إن حدثت‪ ،‬ويسعى يف دفع ما مل يقع منها ويف رفع ما وقع أو ختفيفه‪.‬‬
‫باملقارنة واملوازنة بني النعم واملكاره‪ ،‬واالحتامالت القوية والضعيفة‪ ،‬يزول اإلنسان من اهلم واخلوف‪ ،‬ويكون أكثر‬
‫قدرة عىل مواجهة ما قد يصيبه من أمور مكروهة‪.‬‬
‫فصل ‪ - 16‬ومن األمور النافعة ‪ :‬أن تعرف أن أذية الناس لك وخصوصا يف األقوال السيئة‪ ،‬ال ترضك‪ ،‬بل ترضهم‪ ،‬إال‬
‫إن أشغلت نفسك يف االهتامم هبا‪ ،‬وسوغت هلا أن متلك مشاعرك‪ ،‬فعند ذلك ترضك كام رضهتم‪ ،‬فإن أنت مل تضع هلا‬
‫باال مل ترضك شيئا‪.‬‬
‫فصل ‪ -1٧‬واعلم أن حياتك تبع ألفكارك‪ ،‬فإن كانت أفكارا فيام يعود عليك نفعه يف دين أو دنيا فحياتك طيبة‬
‫سعيدة‪ ،‬وإال فاألمر بالعكس‪.‬‬
‫فصل ‪ -1٨‬من أنفع األمور لطرد اهلم‪ :‬أن توطن نفسك عىل أن ال تطلب الشكر إال من اهلل‪ .‬فإذا أحسنت إىل من له‬
‫حق عليك أو من ليس له حق‪ ،‬فاعلم أن هذا معاملة منك مع اهلل‪ ،‬فال تبال بشكر من أنعمت عليه‪ .‬كام قال تعاىل‪{ :‬إِن ََّام‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُن ْطع ُم ُك ْم ل َو ْجه اهللَِّ َال ُن ِريدُ منْ ُك ْم َجزَ ا ًء َو َال ُش ُك ً‬
‫ورا}‪.‬‬
‫هذا األمر يتأكد يف معاملة األهل واألوالد ومن قوي اتصالك هبم‪ .‬فمتى وطنت نفسك عىل إلقاء الرش عنهم فقد‬
‫أرحت واسرتحت‪ .‬ومن دواعي الراحة أخذ الفضائل والعمل عليها بحسب الداعي النفيس دون التكلف الذي‬
‫يقلقك‪.‬‬
‫عليك أن تتخذ من األمور الكدرة أمورا صافية حلوة‪ .‬وبذلك يزيد صفاء اللذات‪ ،‬وتزول األكدار‪.‬‬
‫فصل ‪ - 1٩‬اجعل األمور النافعة نصب عينيك واعمل عىل حتقيقها‪ ،‬وال تلتفت إىل األمور الضارة لتلهو بذلك عن‬
‫األسباب اجلالبة للهم واِلزن واستعن بالراحة وإمجاع النفس عىل األعامل املهمة‪.‬‬
‫فصل‪ - 20‬ومن األمور النافعة ‪:‬حسم األعامل يف اِلال والتفرغ يف املستقبل؛ ألن األعامل إذا مل حتسم اجتمع عليك بقية‬
‫األعامل السابقة‪ ،‬وانضافت إليها األعامل الالحقة‪ ،‬فتشتد وطأهتا‪ ،‬فإذا حسمت كل يشء بوقته أتيت األمور املستقبلة‬
‫بقوة تفكري وقوة عمل‪.‬‬
‫فصل‪ - 21‬وينبغي أن تتخري من األعامل النافعة األهم‪ ،‬فاألهم وميز بني ما متيل نفسك إليه وتشتد رغبتك فيه‪ ،‬فإن‬
‫ضده حيدث السامة وامللل والكدر‪ ،‬واستعن عىل ذلك بالفكر الصحيح واملشاورة‪ ،‬فام ندم من استشار‪ ،‬وادرس ما‬
‫تريد فعله درسا دقيقا‪ ،‬فإذا حتققت املصلحة وعزمت فتوكل عىل اهلل إن اهلل حيب املتوكلني‪.‬‬

‫‪6‬‬

You might also like