Professional Documents
Culture Documents
وثارت مختلف أوساط المجتمع بما فيها العلماء المتخصصين في الفقه والشريعة ،لتشجب وتستنكر تلك الفتوى ،ووجهت له
اتهامات بأنه يدعوا لتناول الخمر ،ويحلل ما حرم هللا ،وما نسوقه في تحقيقنا التالي ليس دفاعا عن الفتوى أو تحليال لشرب
الخمر ،ولكن نسعى الستيضاح الحقائق ومعرفة األحكام الشرعية من أهل االختصاص.
وعثرت« صوت األمة »على كتاب له طبعة واحدة صحيحة كاملة ،وهو «كتاب :المجموع -في شرح المهذب للشيرازي»
لإلمام النووي وهو من كبار علماء السنة والفقه اإلسالمي ،حيث وجدنا في ذلك الكتاب مايؤكد صحة فتوى الدكتور الهاللي في
شرب الخمر ،وهو ماساقه الكتاب في رأي لإلمام أبي حنيفة النعمان ،صاحب المذهب اإلسالمي السني األكثر انتشارا بين
المسلمين.
ويوضح الكتاب المطبوع بالمملكة العربية السعودية ماذكره اإلمام أبي حنيفة في رأيه حول تناول النبيذ والبيرة ،فيقول« :وأما
النبيذ فقسمان :مسكر وغير مسكر ،فالمسكر نجس عند جمهور الفقهاء ويأخذ حكم الخمر في التحريم ،أما عند أبي حنيفة وطائفة
قليلة ،هو طاهر ويحل ربه وفي رواية عنه يجوز الوضوء به في السفر في عدم وجود الماء».
ذلك الرأي الذي ساقه الكتاب ،لإلمام أبي حنيفة جعلنا نتساءل عن شرعية تلك الفتوى ،وعرضها على أهل العلم واالختصاص
من علماء األزهر لبيان األحكام الشرعية والفقهية حول تلك المسألة.
يوضح الدكتور أحمد عمر هاشم عو هيئة كبار العلماء ،بأن الخمر حرام بإجماع الفقهاء عمال بقول النبي صلى هللا عليه وسلم
«كل مسكر خمر ،وكل مسكر حرام ،وما أسكر كثيره فقليله حرام» ،مشيرا إلى أن كل ماء اسكر وأذهب العقل حرام حرام،
حتى وإن كان قليلة غير مسكر فحرام أيضا.
وأوضاف عضو هيئة كبار العلماء بأن ما ذهب إليه اإلمام أبي حنيفة النعمان في رأيه حول الخمر ،فهو يطلق على األحكام التي
ساقها للمضطرين الذين اشرفوا على الهالك ولم يجدوا شيئا سوى الخمر أو مشتقاتها ،فأجاز لهم مايسد رمقهم منها ،ألن اإلسالم
رفع الحرج للمضطرين ،وهو الرأي الذي أفتى به جمهور الفقهاء ،فليس على المضطر حرج.
ويشير الدكتور حامد أبو طالب عضو مجمع البحوث اإلسالمية ،واستاذ الفقه بجامعة األزهر ،بأن ماذهب إليه جمهور أهل العلم
والفقهاء هو التحريم للخمر ومشتقاتها إال في حاالت الضرورة ،التي اوضحها اإلسالم كالتداوي ،وفاقد وجود الماء ،وغير ذلك
من الحاالت الضرورية.
وأوضح عضو مجمع البحوث ،بأن ماذهب إليه اإلمام أبي حنيفة في رأيه جاء لما عرف به الخمر عنده ،فيرى أبي حنيفة بأن
الخمر هي التي تتخذ من عصير العنب إذا اشتد أي تخمر ،ويتحقق السكر عنده بغياب العقل وإتيان أمور توضح على السكر
التام ،ولهذا استخدم األحناف لفظ الخمر ليطلق على سائر العصائر المتخذه من العنب مجازا وليس حقيقيا.
ونوه أستاذ الفقه بأن الخمر الذي يسكر هو حرام كثيره وقليله ،وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة ،وأما مااليسكر فقد اختلف
الفقهاء في قليله ،لكن التحريم يقع على الكثير منه ،وعلة التحريم هي السكر ومخالفة أوامر هللا تعالى ،وهذا ماذهب إليه
األحناف.
البيرة والنبيذ
ونعرض هنا بعض اآلراء والفتاوى لكبار العلماء الذين آباحوا الخمر على غرار اإلمام أبي حنيفة ،حيث يرى ابن حزم
طبخ ،وشرب نقيع التمر إذا طبخ ،وشرب عصير العنب إذا طبخ حتى يذهب ثلثاه ،وإن أسكر األندلسي أن شرب نقيع الزبيب إذا ُ
كل ذلك ،فهو حالل ،وال حد فيه ما لم يشرب منه القدر الذي يسكر.
بينما يرى الحافظ األندلسي ،في التمهيد في شرح الموطأ ،أن فقهاء أهل العراق قالوا إنما الحرام منها المسكر ،وهو فعل
الشارب ،وأما النبيذ في نفسه فليس حراما ،وال نجسا ،ألن الخمر من العنب.
فيما يشير الفقيه أبو جعفر الطحاوي في شرح معاني اآلثار ،قائال« :ونحن نشهد على هللا عز وجل أنه حرم عصير العنب إذا
حدث فيه صفات الخمر ،وال نشهد عليه أنه حرم ما سوى ذلك إذا حدث فيه مثل هذه الصفة ،فما كان من خمر فقليله وكثيره
حرام ،وما كان سوى ذلك من األشربة ،فالسكر منها حرام ،وما سوى ذلك مباح ،هذا هو النظر عندنا ،وهو قول أبي حنيفة،
وأبي يوسف ،ومحمد رحمهم هللا ،غير نقيع الزبيب والتمر خاصة ،فإنهم كرهوا».
فيما يروي اإلمام النووي حديثا مرفوعا عن اإلمام مسلم في صحيحه عن ابن عباس رضي هللا عنه قال :كان رسول هللا صلى
هللا عليه وسلم ينتبذ له في أول الليل فيشربه إذا أصبح يومه ذلك والليلة التي تجيء والغد والليلة األخرى ،والغد إلى العصر ،فإن
بقي شيء سقاه الخادم ،أو أمر به فصب.