Professional Documents
Culture Documents
0536 - البيئة والمحافظة عليها-أحمد المبلغي كتاب صيغة ورد وورد word
0536 - البيئة والمحافظة عليها-أحمد المبلغي كتاب صيغة ورد وورد word
إمارة الشارقة
دولة اإلمارات العربية المتحدة
إعداد
الشيخ أحمد المبلغي
الجمهورية اإلسالمية اإليرانية
بسم هللا الرحمن الرحيم
الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على سيدنا محمد وآله الطاهرين
وصحبه الميامين
تمهيد:
إنّ الهدف الذي يسعى هذا المقال إلى تحقيقه هو إثبات أنّ دائرة قابلية
الفقه لتناول قضايا البيئة وعرض أحكامها واسعة لدرجة ،يتمكّن من أن يخطو
في مسار اإلبداع وإعادة البناء ،وأحياناً إعادة تأسيس مفاهيم في مجال معالجة
قضايا البيئة من منظور إسالمي ،وأنّه يفسح المجال بأحكامه الراقية لتعاطي
المسلمين مع الدول غير اإلسالمية بشكل فعال في المجال البيئي.
وقبل الخوض في البحث نقول :عندما نتحدّث عن تناول الفقه للقضايا
البيئية ،ينبغي أن نلتفت إلى ما يلي:
-1المقصود من الفقه هنا هو ما برز کحصيلة لالجتهاد
انّ المقصود من الفقه هو ما برز كحصيلةٍ لجهد المجتهدين وعملياتهم
االجتهادية ،ال ما هو کمصدر له كالكتاب والسنة ،وعليه فانّه حتى لو لم يثبت
تناول الفقه بهذا المعني ألحكام البيئة ،فليس هذا يعني أنّ الكتاب والسنة غير
متضمّنين لمبانٍ وقواعد يمكن أن تستنبط منها أحكام القضايا البيئية.
وانطالقاً من ذلك ،فانّ الفقه حتى لو افترضنا كونه خالياً عن أحكام
البيئة ،فانّه يتمكن مع وجود هذين المصدرين له من أن يدخل في المجال البيئي
ويعرض أحكام مسائل البيئة .
-2ليس المقصود من تناول الفقه ،التناول عبر األدبيات الرائجة للبيئة
ليس المقصود من التناول هنا تناول الفقه ألحكام البيئة عبر األدبيات التي
هي معروفة حالياً في علم البيئة ،كمصطلح حفظ البيئة ،أو مصطلح التوازن
البيئي أواالحتباس الحراري ،وغير ذلك من المصطلحات التي طرحت وبرزت
مؤخيراً على المستوی البيئي ،بل المقصود تناول الفقه ألحكام هي في واقعها
ناظرة إلى البيئة ،وحاملة على عاتقها دور الحفاظ عليها وإن كان هذا التناول
حاصالً عبر استخدام أدبيات خاصة تختلف عن األدبيات الدارجة في علم البيئة.
1
صصي@
-3إثبات التناول اليعني إثبات الوجود الفعلي لفقه البيئة@ کفرع تخ ّ
إنّنا لو أثبتنا أنّ الفقه قد تناول أحكام البيئة ،فانّه ال يعني أنّ فقه البيئة
كفرع مستقل وتخصصي موجود اآلن إلى جانب الفروع الأخرى ،بل المقصود
من تناول الفقه ألحكام البيئة أنّه يتضمّن في أبوابه المختلفة أحكاماً تحمل
على عاتقها النظر إلى البيئة ،وعليه البدّ من التأكيد على لزوم تأسيس فرع
الفقه البيئي في الوضع الراهن.
وكما هو معلوم انّ طرح تأسيس mهذا الفرع يستبطن االعتراف بوجود حاالت
النقص في الوضع الحالي لفقه البيئة ،ممّا يستدعي أن يقوم فقهاء اإلسالم
برفعها ومحاولة تعميق وتكميل فقه البيئة ،وهذه خطوة أساسية يرغب المجتمع
اإلسالمي إليها بشدّة .وحاالت النقص كما يلي:
وجود كثير من القضايا البيئية المستجدة لم تطرح أحكامها بعد في أوّالً:
الفقه ،وببيان mآخر :انّه وإن يتضمّن القرآن والسنة المباني والقواعد
الفقهية التي هي قابلة لالستناد إليها للكشف عن أحكام القضايا
المستجدة البيئية ،غير أنّ هذه القواعد لم تطبّق على هذه القضايا
بعد ،حيث إنّ عملية التطبيق ال تحصل ما دام لم تطرح القضايا في
الفقه.
أنّ األحكام ذات الصلة بالبيئة مبعثرة ومنتشرة هنا وهناك ،لم تجمع ثانياً:
في باب واحد ،فعند ما ننتقل إلى كتاب الطهارة مثالً نجده يتضمن
بعض األحكام البيئية ،أو ننظر إلى كتاب الجهاد نراه ال يخلو عن
أحكام بيئية ،أو نرجع إلى كتاب الصيد والذبائح نجده متضمناً
للطائفة من هذه األحكام ،وهكذا األبواب والكتب األخرى من الفقه.
وعليه ال تتمّ دراسة األحكام البيئية عن وعي بيئي وضمن سياق علمي
معين.
أنّ الفقه البيئي الموجود اآلن – ونظراٌ إلى كون أحكامه منتشرة ثالثاً:
كما قلنا -يعاني من فقدان هيكلية علمية خاصة تقولب أحكامها، m
وينسق بين بعضها مع البعض ،ويعطي إلى كل حكم مكانته الالئقة
له ،ويجعله يلعب دوره المتوقع منه داخل اإلطار المنظومي الفقهي
للبيئة.
-4للبيئة@ قواعد فقهية لم يكشف عنها بعد
2
البدّ أن نعترف أنّ هناك قواعد عظيمة موجودة في مصادر الفقه اإلسالمي،
لكنّها لم تحظ بأرضية مؤاتية الصطيادها وإبرازها في ساحة الفقه ،وهذه
األرضية قد تتمثّل في تكوّن المجاالت المستجدّة وحدوثها وبروزها على
ساحة الواقع ،فيما إذا كانت لهذه المجاالت قواعد تخصها ،بمعنی أنّه ال يتشكل
لها معن ًی وال کياناً اال بوقوعها ناظرة إلى هذه المجاالت .وبتعبير آخر :ال
يفسح المجال ـ نوعاً ما ـ لفهم هذه القواعد والكشف عنها ،وطرحها على
طاولة البحث والمناقشة الفقهية إال بوقوع المجاالت التي كانت القواعد
ترتبط بها .نعم ،قد توجد لها جذور في الفقه و على لسان الفقهاء في غير
واحد من المطالب.
ويمكن القول :أن المجال البيئي يعدّ من هذه المجاالت التي لها قواعد خاصة
بها ،وسنذکر بعض هذه القواعد خالل البحث.
-5القواعد الفقهية تحمل قابليات عظيمة لمعالجة البيئة
ويتّضح من خالل األبحاث القادمة.
-6محاور البحث ومنهجه
يتضمن البحث المحاور التالية:
-حكم تخريب البيئة وتلويثها
-حكم عمران األرض
-حكم كسب المعلومات عن البيئة
-حكم عقد االتفاقيات مع سائر الدول حول قضايا البيئة
ومنهجنا في البحث هو الترکيز على القواعد الفقهية والتحرك داخل
إطارها لمعالجة قضايا البيئة ،وقد نطرح بعض القواعد التي لم تذکر سابقاً
كقواعد ،غير أنّنا نظن أنّها تشكل في جوهرها قواعد فقهية أمكن عرضها من
منطلق المجال البيئي ومقتضياته‘ أما غيرها من القواعد -والتي قد تم االستناد
اليها كرارا ومرارا كقاعدة ال ضرر مثال– فال نذكرها هنا‘ رغم ما كان لها
من أهمية.
3
المبحث األول
حكم تخريب البيئة وتلويثها
حكم ذلك يتضح من خالل االستناد الى القواعد التالية:
األولى :قاعدة الملكية الشاملة للناس
توسّع العالمة المفكّر السيد محمد باقر الصدر في الدائرة المفهومية
للملكية بما جعلها تندرج تحته أقسام عدة كما يلي:
( )1الملكية الخاصة؛ وهي تعني اختصاص شخص – سواء كان حقيقياً أو
حقوقياً -بمال معين ،ممّا يجعله يمتلك حقاً في أن يحرم غيره من
جميع أشكال االنتفاع به.
( )2ملكية الدولة؛ وهي تعني تملّك الدولة اإلسالمية للمال ،على نحو يخوّل
لها التصرف في رقبة المال نفسه في إطار رعاية المصالح mالتي هي
مسؤولة عنها؛ كتملكها للمعادن.
( )3ملكية األمة؛ وهي تعني تملك األمة اإلسالمية لمال من األموال؛
كملكيتها لألرض العامرة المفتوحة بالجهاد.
( )4ملكية الناس ؛ وهي تعني ملكية عموم الناس لمال من األموال؛ كملکيتهم
للبحار مثالً 1.وقد أدرج القسمين األخيرين في عنوان ملكية العامة،
وطبعاً ال يعني هذا اإلدراج إلغاء ما بينهما من اختالف وتفاوت.
كما اعتبر المفكر الكبير الصدر أنّ ملكية الناس تعني ثبوت أثرين :أحدهما
سلبي وهو عدم السماح للفرد أو الجهة الخاصة بتملك المال ،واآلخر إيجابي
وهو السماح للجميع باالنتفاع به.
هذه هي التي ذكرها من أقسام ،ونريد أن نضيف قسماً آخر إلى هذه األقسام،
وهو ما يمكن أن نسمّيه بملكية الناس الشاملة ،ويبرز معنی مثل هذه الملكية في
إطار النظر إلى أفق البيئة ،فهي ملكية تشمل حتى مثل الغابات أو األراضي أو
المياه التي تمتلکها جهات خاصة أو دول خاصة.
وهذا الوصف (أي :الشاملة) يعكس فرق هذا القسم مع ملكية الناس التي
ذكرها العالمة الكبير الصدر ،حيث إن الملكية التي ذكرها يعني ملكيتهم على
أشياء خاصة كالبحار مثالً ،مما يجعلها ال يسمح لألفراد أن يتملّكها ،وعليه
4
فهي ملكية غير شاملة ،وطبعاً في عرض الملكية الخاصة ،أو ملكية األمّة ،بينما
الملكية التي طرحناها هي على ما يلي من الخصوصيات:
أوّالً :هي شاملة بمعنى أنّ األشياء التي تعلّقت بها الملكية الخاصة ،أو ملكية
األمة ،واقعة تحت هذه الملكية الشاملة.
ثانياً :هي – وبالنظر إلى كونها شاملة -ليست في عرض األقسام األخرى
من الملكية ،بل هي في طولها.
ثالثاً :وهذه الملكية -ونظراً إلى كونها في طول األقسام األخرى -ليس
أثرها حرمان األشخاص عن تملّك ما كان واقعاً تحتها ،بخالف ما طرحه
كملكية للناس ،حيث كان أثرها عدم السماح للفرد أو الجهة الخاصة بتملّك
المال ،كما قلنا ،وإنما كان أثر هذه الملكية عدم السماح لألشخاص أو الجهات
أو الدول بالتصرفات التي تؤدي إلى تخريب أجزاء من البيئة وإن كان ما
يُتصرّف فيه ملكاً لهؤالء األشخاص أو تلك الجهات أو الدول.
رابعاً :انّ الذي ذكره من «ملكية الناس» يراد من «الناس» فيه -الذين
كان االنتفاع من البحار واألنهار و...مسموحاً لهم حسب الفرض – هم هؤالء
الموجودون من البشر حالياً ،بخالف ما طرحناه في إطار النظر إلى البيئة ،فإنّ
المقصود من الناس فيه :كل من الجيل الحاضر واألجيال القادمة ،ومن هنا ال
يسمح حسب هذه الملكية للجيل الحاضر أن تكون استفادته من البيئة على نحوٍ
ال يبقى مجال االستفادة من مواهبها ومعادنها لألجيال القادمة.
وقضية کون الطبيعة ملكاً لألجيال مما احتلّ مكانة بارزة في األدبيات البيئية،
وتمثّل بصورة واضحة مفهوماً تشكل اإلطار الفكري البيئي على أساسه ،ممّا
جعل علماء البيئة يلغون في رؤيتهم العلمية حيثية تملّك األفراد أو الجهات أو
الدول.
ومثل هذه الملكية تشير إليها اآلية الشريفة " واألرض وضعها لالنام".
كما تفيـــــد mبها بعض األحاديث ،مثل الحديث النبوي الشــــريف الذي
2
رواه ابن عباس " :الناس شركاء في ثالث :الماء ،والنار ،والكالء "
وعدم أخذنا لهذا المفهوم من الملكية من هذه النصوص ناجم عن تعوّد
أذهاننا على المفهوم الرائج من الملكية ،فكانت النتيجة أنّنا عند ما نواجه مثل
تلخيص الحبير ،65 :3ودرر mالآللي البن جمهور األحسائي 96 :2 mكما في 2
5
لفظة «الشركاء» مثالً في الرواية النبوية المشار إليها ،نمرّ عليها مرور
الكرام ،أو نحملها على معنى غير جدّي من الشركة ،مع أنّ المشكلة تكمن في
وجود حالة النقص في ذهنياتنا mمن جهة عدم االلتفات إلى خطورة القضايا
البيئية ،وإلى نظرة اإلسالم إلى البيئة.
6
تطبيقات بيئية
-1الحفاظ على المحميات الطبيعية
المحميات الطبيعية ( )Natural Parkكثيرة ،فمنها :الغابات المحتوية على
أنواع نادرة من النباتات أو الحيوانات ،ومنها :المناطق الساحلية المشتملة على
أنواع نادرة من األحياء المائية والشعاب المرجانية ،ومنها :األراضي الرطبة
المتضمنة على الكثير من األنواع النباتية والحيوانية .والحفاظ على
المحميات الطبيعية يعني اتخاذ اجرائات الزمة للحد من االنشطة التي لها تأثير
سلبي عليها.
-2الحد من الرعي الجائر
الرعي الجائر ( )Over Grazingيحصل فيما إذا مُكّنت مجموعة كبيرة من
الحيوانات بأن تتغذى على بقعة محدودة من المراعي بهدف االزدياد في إنتاج
اللحوم .وبما أنّ الرعي الجائر قد يجعل التربة متدهورة إلى حد قد يؤدي إلى
التصحر ،يمكن االستناد إلى مثل هذه القاعدة إلثبات لزوم الحد من الرعي
الجائر.
-3إزالة الغابات ()Deforestation
وموارد كثيرة أخری علي هذا الصعيد.
الثانية :قاعدة اختالل النظام
والستنطاق قابليات هذه القاعدة للتطبيق على قضايا البيئة ،والوقوف على
سعة دائرة االستفادة منها لحل هذه القضايا من منظور إسالمي ،يتعين في البدء
التنبيه إلى أمرين:
عرض لمفهوم كل من مصطلحي «التوازن البيئي» و«اختالل التوازن» -
رؤية القرآن الوصفية حول قضية اختالل التوازن البيئي: -
األمر األول :عرض لمفهوم كل من مصطلحي التوازن البيئي واختالل
التوازن
(أ) مصطلح التوازن البيئي@
إنّ مصطلح التوازن البيئي يعدّ من المصطلحات المفاتيح في مجال علم
البيئة ،وهويعني ما يتمتع نظام الطبيعة به من روابط ديناميكية متداخلة
ألجزائها ،تنتج عن هذه الروابط دورات طبيعية ومتناسقة تمكّن الطبيعة على
7
إعالة الحياة على سطح األرض وإدامتها .ومن خالل تحليل هذا التعريف ،نصل
إلى كونه متضمّناً للعناصر التالية:
امتالك أجزاء الطبيعة لعالقات فيما بينها بعضها مع البعض )1
هذه العالقات موجودة بين مجموعة الكائنات الحية من جهة ،وبين مجموعتي
الكائنات الحيّة والكائنات غير الحيّة من جهة أخری.
)2ديناميكية هذه العالقات في ذاتها.
)3إنتاج هذه العالقات الديناميكية لحصول دورات طبيعية mوبيولوجية.
)4استقرار نظامٍ للطبيعة يتضمّن تنظيماً ذاتياً إثر وجود تلك
العالقات(النظام اإليكولوجي (.)Ecosystem
)5سببيّة mهذا التنظيم الذاتي المتبادل بين الطبيعة والحياة لبقاء الحياة
)6تسمية الحالة الحاصلة من توفّر مجموع هذه العناصر بالتوازن البيئي
)7كون امتالك نظام الطبيعة للتوازن يعني أنه لايفقده حينما حدث
إخالل بهذا التوازن ،بل هو بحيث يعمل بشكل اتوماتيكي على إعادته.
وللتوازن المتواجد في الطبيعة مصاديق وتجليات عديدة m،أذكر على سبيل
المثال التوازن الموجود بين األكسجين وغاز الكربون ،وللوقوف على عمق
وأبعاد هذا التوازن ،ننبّه إلى أن هذا التوازن في الحقيقة ينحلّ إلى توازنات
ثالثة :
أوّال :التوازن الحاصل بين نسبة تواجد األكسجين والكربون على وجه
األرض وبين نسبة االحتياج إليهما.
إنّ الحياة على وجه األرض بين خطرين من ناحية غاز ثاني أكسيد
الكربون(والذي جمع بين أن يكون غازاً ساماً لإلنسان من جهة ،وغذاء للنباتات
من جهة أخری) :خطر زيادة نسبة هذا الغاز في الجو (والتي هي أقل من واحد
بالمئة) وخطر نقصانه فيه؛ فإنّ زيادته ولو بمقدار قليل تنتهي إلى زوال
الحياة وموت اإلنسان ،كما إنّ نقصانه ينتهي إلى زوال حياة النباتات ،وبالتالي
إلى االختالل في حياة اإلنسان؛ إذ األكسجين -والذي هو مهم لتنفس االنسان،
بل تنفّس جميع الكائنات الحية التى تعتمد على الهواء في تنفسها -يتكوّن من
النباتات خالل عمليات البناء الضوئي.
8
كما أن حياة اإلنسان بين خطرين من ناحية األكسجين :خطر زيادته وخطر
نقصانه ،فزيادة نسبته (والتي هي 21بالمئة) في الغالف الجوي ،تنتهي إلى
احتراق األرض ،ونقصان هذه النسبة تنتهي إلى موت اإلنسان والحيوان اختناقاً!
ثانياً :التوازن الحاصل بين أخذ اإلنسان والنبات لألكسجين والكربن وبين
إطالقهما لهما
التوازن القائم من جهة :بين عمليتي إطالق النبات وأخذ اإلنسان لألكسجين،
ومن جهة أخرى :بين عمليتي إطالق اإلنسان وأخذ النبات لغاز الكربن ،وببيانm
آخر :أنّ األكسجين تتوازن فيه عملية أخذه من قبل اإلنسان مع عملية إطالقه
من قبل النبات ،كما أنّ غاز الكربون تتوازن فيه عملية أخذه من قبل النبات مع
عملية إطالقه من قبل اإلنسان.
ثالثاً :التوازن بين کمّية النباتات وحجم الغالف الجوي
إنّ النباتات تتواجد على وجه األرض بالكمية mالمحتاج إليها الستهالك
الكربون وإيجاد األكسجين.
والحقيقة أنّه لوال هذا الثالث (أي :التوازن القائم بين كمّية النباتات وحجم
الغالف الجوي) لما حصل التوازن الثاني(أي :التوازن القائم بين أخذ وإطالق
األكسجين والكربون) كما أنّه لوال هذا الثاني لما حصل التوازن األوّل الذي
هو التوازن القائم بين نسبة تواجد األكسجين والكربون على وجه األرض
ونسبة احتياج الحياة إليهما.
(ب) مصطلح إختالل التوازن البيئي
إنّ الختالل التوازن في الطبيعة نوعين ،وهما:
النوع األوّل :االختالل الناجم عن الكوارث الطبيعية ،مثل االختالالت الناشئة
عن العواصف واألعاصير والزالزل والمد البحري و الفياضانات والجفاف.
النوع الثّاني :االختالل الناتج عن التدخل المباشر لإلنسان في البيئة وسوء
تصرفاته فيها ،سواء ما يتمّ منه بالخطأ مثل حدوث تسرّب غازات سامة من
مصنع كيماويات أو تسرب النفط من ناقلة نفط أو ما يتمّ منه ال عن خطأ مثل
استخدامه ألسلحة الدمار الشامل.
ولتمييز هذا الثاني عن النوع األوّل ،ال بدّ من التركيز على ما يتوفّر له
من عناصر وخصائص ،وهي ما يلي:
أوالً :كونه هو ما يسمّى باختالل التوازن البيئي
9
إنّ الذي يسمّى في األدبيّات البيئيّة باختالل التوازن البيئي ،ويعدّ خطراً
عظيماً على الغالف الغازي ،وينتهي إلى االحتباس الحراري ،ويجعل الطبيعة
عرضة للتلوث الشديد ،هو هذا االختالل الذي تكمن جذوره في اإلنسان.
ثانياً :مسؤولية اإلنسان عن هذا االختالل
هناك معنيان للتوازن :أحدهما :التوازن الموجود في الطبيعة ،وهو ما مرّ
من كونه ما يتمتّع به نظام الطبيعة من روابط ديناميكية mمتداخلة ألجزائها
تنتج عنها دورات طبيعية mومتناسقة بين هذه األجزاء ،تقدرالطبيعة بسببها على
إعالة الحياة على سطح األرض وإدامتها .وهذا المعنى هو المعنى األساسي
واألصلي للتوازن ،غير أنّه يوجد في قبال هذا المعنى ،معنى آخر قد يذكر له
وهو عبارة عن التوازن بين االستفادة من الطبيعة ومواردها وبين مقتضيات
حفظها السيما للمستقبل.
والفرق بين المعنيين يتمثّل في كون األوّل عبارة عن توازن هو موجود،
والثاني عبارة عن توازن البدّ من إيجاده ،ذاك األوّل توازن طبيعي وأصلي وهذا
الثاني انساني وسلوكي .هذا الثاني يجب أن يراعيه البشر في استفاداته من
األرض ومواهبها حتّى يبقى ذلك التوازن األصل المتواجد في الطبيعة.
ومن هنا يعلم أنّ السبب الرئيسي لاختالل التوازن البيئي :فقدان التوازن
السلوكي االنساني ،أي :بمجرد بروز اختالل في التصرفات االنسانية إزاء
الطبيعة ،يقع التوازن البيئي عرضة لالختالل،
وعليه :فانّ اإلنسان هو العامل الذي يقف وراء اختالل التوازن البيئي .وقد
شغل اعتبار االنسان کمسئوول عن اختالل التوازن البيئي حيزاً هاماً في األدبيات
البيئية.
ثالثاً :انتهائه إلى نتائج سلبية فوق منطقية
إنّ اآلثار السلبية التي تتركَها الكَوارث الطبيعية تقتصر على المناطق التي
تقع هذه األحداث فيها ،بينما التدميرات التي يقوم بها البشر ضد البيئة ال يبقى
تأثيرها على مناطق وقوعها ،بل ستأخذ تأثيرات هذه التدميرات بشكل تدريجي-
بل وحتّى بشكل دفعيّ أحياناً وفي بعض الموارد -بعداً عالمياً كَبيراً هو
اعمق من تأثيراتها المحلية بكثير ،حتى أمكن إرجاع وقوع بعض الكَوارث
الطبيعية إلى ظروف حصلت كنتيجة للتصرفات السيئة التي قام بها اإلنسان
10
ضدّ البيئة .وبتعبير آخر :أنّ االختالل الذي يسببه اإلنسان سينتهي إلى المزيد
من األسباب المدمّرة الطبيعية للطبيعة.
رابعاً :انتهائه إلى نتائج خطيرة فوق زمنية
إنّ االختالل البيئي ال يكسر حواجز المكان فحسب ،أي :ال يأخذ فقط أبعاداً
فوق منطقية ،بل يكسر حواجز الزمن أيضا ويأخذ أبعاداً فوق زمنية.
األمر الثاني :رؤية القرآن الوصفية حول قضية التوازن البيئي أو اختالله:
أوالً :حول قضية التوازن البيئي
إنّ مبدأ التوازن من المبادئ المحورية والمكرّرة في القرآن ،وقد استفاد
القرآن في إبداء هذا المبدأ من أدبيات خاصّة تتناسب مع األسلوب القرآني في
طرح القضايا الكونية من التركيز على ارتباط كل ظاهرة كونية باهلل
سبحانه ونسبة خلقها وتدبيرها إليه .والذي يبرز في األدبيات القرآنية
المتعلّقة بهذا المجال ثالثة مصطلحات ،هي:
قَدَر ،يقول سبحانه " :إنا كل شيء خلقناه بقدر" -
مقدار،يقول سبحانه":وكل شيء عنده بمقدار" -
مَوزون ،يقول سبحانه":واألرض مددناها وألقينا فيها رواسي -
وأنبتنا فيها من كل شيء موزون"
11
ثانيا ً :حول قضية اختالل التوازن البيئي
كيف واجه القرآن قضية اختالل التوازن البيئي؟ وكيف وصفه ؟ نشير فيما
يلي إلى آيتين تفيدان الرؤية الوصفية القرآنية حول هذه القضية.
يقول سبحانه" :ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا -
كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"
ويقول سبحانه":واذا تولّي سعى في االرض ليفسد فيها و يهل -
كالحرث والنسل"
إنّ فكرة التركيز على دور ومسؤولية اإلنسان إزاء البيئة ،تجلّت بشكل
أقوی في الكتاب المنزل حيث ركّزت هاتان اآليتان في تبيين السبب الذي يكمن
وراء فساد األرض وهالك الحرث والنسل على عنصري "السعي اإلنساني" و
"الكسب اإلنساني ".
وفي تركيز اآلية األولى على لفظة األيدي ما ال يخفى من لفتها النظر إلى
اآللة التي تتمّ التدخالت والتصرفات البشرية بها.
واآلن ننتقل إلى قاعدة اختالل النظام لكي نشرحها ونبيّن مدی أهميتها
ودورها في معالجة مشاكل البيئة ،فنقول :إنّ قاعدة اختالل النظام من القواعد
الهامّة التي قد استند الفقهاء على االستناد إليها في إثبات الكثير من األحكام
الفقهية ،فمثالً أثبتوا جواز أخذ األجرة على الصناعات الواجبة باالعتماد على
هذه القاعدة m،قائلين :إنّ حرمة أخذها توجب اختالل النظام ،لوقوع أكثر الناس
في المعصية بتركها أو ترك الشاق منها وااللتزام باألسهل ،فإنهم ال يرغبون في
الصناعات الشاقة أو الدقيقة إال طمعاً في األجرة وزيادتها على ما يبذل لغيرها
من الصناعات ،فتسويغ أخذ األجرة عليها لطف في التكليف بإقامة النظام 3.أو
نفوا وجوب االحتياط مستدلّين بأنه إذا أمر الشارع عامة المكلفين باالحتياط
يلزم من بنائهم على العمل به اختالل أمورهم ،لكونه شاغال لهم عن أكثر ما
يتوقف عليه نظام أمورهم من التجارات والصنائع إن لم نقل بكونه شاغال عن
جميعها 4.أو شرطوا لزوم الفحص في قبول دعوى المديون لإلعسار باالستناد
إلى هذه القاعدة ،قائلين أنّه لو بنى على عدم الفحص في دعوى االعسار ألدّى
12
إلى إبطال الحقوق كثيرا ،بل إلى اختالل النظام ألنه ينجر إلى ادعاء كثير من
المديونين االعسار 5.وما إلى ذلك من الموارد.
وباالستناد إلى هذه القاعدة أمكن إثبات حرمة التصرفات المخلّة بنظام
البيئة ،بل إعمالها هنا يتمّ بطريق أولی فيما لو قلنا بإعمالها في تلك الموارد،
حيث إنّه إذا كان الفقه ال يسمح لبعض األفعال بحجة أنّها مما ينعكس بالسلب
على جانب من معاش اإلنسان ونظمه االجتماعي أو الفردي -كما شاهدنا في
األمثلة التي ذكرناها -فكيف يسمح للتصرفات التي لها مساس عظيم بالنظام
البيئي الذي يرتبط بمسار حيـاة اإلنسان ،و يمثّل اختالله مأساة mعظيمة
للبشرتقضي على كيانه في الحاضر والمستقبل.
ولتوضيح أكثر نقول :إن قاعدة اختالل النظام تتصور لها مجاالت ثالثة:
イالمجال الفردي
ロالمجال االجتماعي
ハالمجال الحيوي
فالذي راج في الفقه هو التمسك بهذه القاعدة في المجالين األولين‘ فقد
تمسك الفقهاء في موارد كثيرة لنفي وجوب أو حتى مشروعية العمل الذي
يستلزم فعله اختالال لنظام المعيشة لفرد ما أو لمجتمع ما ،أما المجال الحيوي
فالحقيقة عدم صحة قياس االختالل الحاصل فيه باالختالل الحاصل في
المجالين األولين من حيث عظم وخطورة نتائجها السلبية التي تتركها على
البشرية والتي تمتلك أبعادا هي فوق التصور ،فهذا االختالل في الواقع يمثل
اختالال في كيان البشر وحياته بجميع ما لها من جوانب .والنظام الذي يختل
هنا هو النظام األيكولوجي المتكون من النباتات والحيوانات والكائنات المجهرية
والجمادات من الكيماويات والظروف الطبيعية والجيولوجية ‘ وواقع هذا
االختالل – كما هو معلوم -هو توقف العمليات المعقدة و المتشابكة
والمترابطة الجارية بين هذا الموجودات والكائنات التي تمتلك العديد من
المسارات المؤدية إلى تغير معدالت نمو الجماعات الحية والموصلة لها إلى حاله
مستقرة من التوازن.
الثالثة :قاعدة حرمة الحيوان
بالرجوع إلى النصوص واألحكام الواردة حول الحيوانات ،أمکننا أن نطرح
" حرمة الحيوانات" کقاعدة m،ذهب بعض الفقهاء إلى أنّ للبهائم والدوابّ حرمة
13
الروح نظير ما يكون لإلنسان بحيث يوجب حرمة إتالفها ووجوب حفظها عن
6
التلف.
وإليك بعض ما ورد في ذلك من:
7
(أ) ال يجوز الحلب إذا كان يضر البهيمة لقلة العلف.
8
(ب) وأن يقص الحالب أظفاره لئال يؤذيها.
(ت) يبقى للنحل شيئاً من العسل في الكوارة فإن كان أخذه العسل في الشتاء
وزمن تعذر خروج النحل كان المتبقي أكثر وإن أقام شيئاً مقام العسل
9
لغذائها لم يتعين إبقاء العسل.
10
(ث) دود القز يعيش بورق التوت فعلى مالكه تخليته ألكله.
(ج) ال يجوز نزف لبن الدابة بحيث يضر ولدها وإنما يحلب ما فضل عن ري
11
ولدها قال الروياني ويعني بالري ما يقيمه حتى ال يموت.
جواز الغصب فيما إذا لم يجد المالك ما ينفقه على الحيوان وامتنع (د)
الواجد له من البيع بمثل جواز ذلك لحفظ نفسه ،لحرمة الروحل‘ غير
12
أنه يلزمه المثل أو القيمة.
وعليه فان قاعدة حرمة الحيوانات تدل على )1 :لزوم حفظ جميع
الحيوانات من التلف )2وجوب نفقة البهائم )3عدم ايذاء الحيوان.
إنّه قد وردت في باب الصالة قاعدة فقهية ،هي :أنّ السفر إذا كان إلى (ذ)
معصية فالصالة فيه تامّة ،وقد طبّقت هذه القاعدة في فقه اإلمامية على
ما إذا كان السفر إلى صيد اللهو ،ممّا يجعلنا ندرك االهتمام الفقهي
بقضية المحافظة على البيئة ،فقد ورد عن زرارة أنّه سأل الإمام
الباقرعمن يخرج بأهله بالصقور والبزاة والكالب يتنزه الليلة والليلتين
والثالثة هل يقصر من صالته أم ال يقصر؟ فأجابه :إنما خرج في لهو ال
راجع :مسالك األفهام ،ج ،8ص 502ـ كشف اللثام ،ج ،7ص612 6
روض الطالبين وعمدة المفتین ، 310 / 3 /مسالك األفهام ،ج ،8ص 503و504 9
اللمعة الدمشقيّة ،ص ،191الروضة البهيّة ،ج ،5ص ‘486مسالك األفهام ،ج ،8ص 11
والحدائق الناضرة
14
يقصر ،کما قد ورد عن اإلمام الصادق قوله " :إن التصيد مسير باطل ال
يقصر الصالة فيه" ،وکذلك قوله " :يتم ألنه ليس بمسير حق ،وکذلك
قوله في اإلجابة على السؤال عن الرجل يخرج إلى الصيد مسيرة يوم أو
يومين أو ثالثة يقصر أو يتم؟ إن خرج لقوته وقوت عياله فليفطر
وليقصر ،وإن خرج لطلب الفضول فال وال كرامة.
(ر) قاعدة الحيوان الذي حرم أكله ،حرم صيده : mانّه من ال‘مكان mبمكان أن
يقال :إنّ فلسفة تحريم أكل الكثير من الحيوانات الحفاظ على التوازن
البيئي ،وسيما تلک الحيوانات التي ثبت أن أكل ها ال يتضمن ضرراً.
وهذا يظهر جلياً فيما إذا نلتفت إلى نظر بعض الفقهاء الذاهبين إلى أن
الحيوان الذي حرم أكله ،حرم صيده.
(ز) تطبيق " الباغي" على الصائد :قال اإلمام الصادق في قول اهلل تعالى
( فمن اضطر غير باغ وال عاد ) :الباغي باغي الصيد ،والعادي السارق،
وليس لهما أن يأكال الميتة إذا اضطرا إليها ،هي حرام عليهما ليس هي
عليهما كما هي على المسلمين.
(س) ما ورد من النصوص حول الحيوانات:
عن ابن عمر أنّ النبي(ص) قال« :عذّبت امرأة في هرّة حبستها -
حتّى ماتت جوعاً فال هي أطعمتها وال أرسلتها تأكل من خشاش
األرض»
عن أبي هريرة عن رسول اهلل(ص) قال« :دخلت امرأة النار في هرّة -
ربطتها ،فال هي أطعمتها وال هي أرسلتها تأكل من خشاش األرض
13
حتّى ماتت».
عن االمام جعفر بن محمّد m،عن آبائه‘ قال« :قال رسول اهلل(ص): -
للدابّة على صاحبها خصال]ستّ[ ،يبدأ بعلفها إذا نزل ،ويعرض عليها
الماء إذا مرّ به ،وال يضرب وجهها فإنّها تسبّح mبحمد ربّها ،وال يقف
على ظهرها إال في سبيل اهلل ،وال يحملها فوق طاقتها ،وال يكلّفها من
14
المشي إال ما تطيق».
سنن ابن ماجة ،ج ،2ص ،1421الرقم 4256؛ وراجع :السنن الكبرى ،ج ،5ص 13
214
وسائل الشيعة 478 :11 14
15
ما رواه الصدوق مرسالً ،قال :وقال رسول اهلل(ص) في قول اهلل -
عزّوجلّ( :الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرّاً وعالنية فلهم
أجرهم عند ربّهم وال خوف عليهم وال هم يحزنون)(البقرة)274:
15
قال« :نزلت في النفقة على الخيل».
عن االمام جعفر بن محمّد m،قال« :للدابّة على صاحبها ستّة حقوق :ال
يحملها فوق طاقتها ،وال يتّخذ ظهرها مجالس mيتحدّث عليها ،ويبدأ بعلفها إذا
نزل ،وال يَسِمُها وال يضربها في وجهها فإنّها تسبّح ،ويعرض عليها الماء إذا
16
مرّ به».
عن االمام جعفر بن محمّد m،عن آبائه قال« :ونهى رسول اهلل(ص) عن
17
ضرب وجوه البهائم ،ونهى عن قتل النحل ،ونهى عن الوسم في وجوه البهائم».
قال االمام علي بن ابي طالب :قال رسول اهلل(ص) :ال يرتدف ثالثة على
18
دابّة فإنّ أحدهم ملعون».
السكونيّ بإسناده mأنّ النبيّ(ص) أبصر ناقة معقولة وعليها جهازها ،فقال:
19
«أين صاحبها؟ مروه فليستعدّ غداً للخصومة».
عن االمام الصادق قال« :أقذر الذنوب ثالثة :قتل البهيمة ،وحبس مهر
20
المرأة ،ومنع األجير أجره».
عن االمام جعفر بن محمد‘ قال« :إنّ امرأة عذّبت في هرّة ربطتها حتّى
21
ماتت عطشا»ً.
روي عن رسول اهلل(ص) أنّه قال« :من نقّى شعيراً لفرسه ثمّ قام به
22
حتّى يعلفه عليه كتب اهلل له بكلّ شعيرة حسنة».
ما روي عن النبيّ أنّه قال « :لعن اهلل من مثّل بالحيوان » وفي رواية:
23
«لعن اهلل من اتّخذ شيئاً فيه الروح غرضاً».
16
وفي نهج البالغة« :واهلل لو أُعطيت األقاليم السبعة بما تحت أفالكها على
24
أن أعصى اهلل في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت».
فيما يكتبه لمن يستعمله على أخذ الصدقات ...« :فإذا أخذها أمينك
فأوعز إليه أال يحول بين ناقة وبين فصيلها ،وال يمصّر لبنها فيضرّ ذلك
بوليدها m،وال يجهدنّها ركوباً ،وليعدل بين صواحباتها في ذلك وبينها ،وليرفّه
على الالغب ،وليستأن بالنقب والظالع ،وليوردها ما تمرّ به من الغُدُر m،وال
يعدل بها عن نبت األرض إلى جوادّ الطّرق ،وليروّحها في الساعات ،وليُمهلها
عند النطاف واألعشاب حتّى تأتينا mبإذن اهلل بُدَّناً مُنقيات غير مُتعبات وال
25
مجهودات»...
الرابعة :قاعدة اإلسراف:
اإلسراف لغة :تجاوز القصد ،وفي االصطالح :صرف أكثر مما ينبغي أو
مجاوزة الحد.
وبالرجوع إلى النصوص يُفهم أنّ اإلسراف يتحقّق بأيّ تجاوزعن أيّ حدّ
من حدود أيّ شيء ،وقد ورد عن عبد اهلل بن عمر قال " :مرّ رسول اهلل صلّى
اهلل عليه وسلّم بسعْد وهو يتوضّأ ،فقال :ما هذا السّرف يا سعد؟ فقال :أوفي
الوضوء إسراف؟ قال :نعم ،وإن كنت على نهر جار(.سنن ابن ماجة )147 :1
وأيضاً ورد عنه ( صلى اهلل عليه وآله ) " :في الوضوء إسراف ،وفي كل
شئ إسراف" (الجامع الصغير ، 225 :2كنز العمال)325 :9
وقد سئل اإلمام الصادق ما أدنى ما يجئ من االسراف ؟ قال :ابتذالك ثوب
صونك ،وإهراق فضل إنائك ،وأكلك التمر ورميك بالنوى هاهنا وها هنا
(وسائل الشيعة )51 : 5
وعليه فأنّ شمول قاعدة اإلسراف للتصرفات التي تهدر الثروات البيئية ،مما
هو قطعي ،بل شمولها لهذه التصرفات مما هو آکد وأولی من شمولها للمجاوزات
الساذجة التي قد يرتکبها اإلنسان عند تصرفه في مثل مائه أو غذائه؛ حيث إنّه
إذا كان مثل هذه المجاوزات العادية الساذجة ممنوعة باعتبارها اسرافاً ،فانّ
کون مجاوزة الحدود األساسية على المستوی البيئي-والتي قد تسبب حدوث
االختالل في التوازن البيئي -ممنوعة بطريق أولی وآکد.
تطبيقات بيئية@:
17
وفيما يلي تطبيق للقاعدة على بعض القضايا البيئية:
)1التعدي إلى األراضي الرطبة :األراضي الرطبة (( Wetlandsهي
المساحات المشبعة بالمياه السطحية أو الجوفية لمدة من الزمن تجعلها
تدعم حياة النباتات والحيوانات والطيور واألحياء المائية .والتعدّي على
األراضي الرطبة يحصل بما يلي:
-تلويثها
-تجفيفها عن طريق نزح المياه
وبما أنّ التعدّي إليها إهدار لهذا المصدر العظيم الذي يضمّ ثروة سمكيةm
وحيوانية ،فهو من السرف قطعاً.
)2تلويث البحار من طريق ضخ المواد الكيمائية mالتي تحتويها نفايات
التصريف السائلة إليها
) 3االستغالل المفرط لموارد الطبيعة
)4قطع أشجار الغابات
الخامسة @:قاعدة عدم اإللقاء في الهلکة:
يمكن أن يستدل بهذه االية الشريفة "والتلقوا بأيديكم إلى التهلكة"
إلثبات حرمة تخريب البيئة ،بأن يقال :إنّ التهلكة ليس لها حقيقية شرعية
لكي يتوجّب الرجوع إلى الشرع في تعيين معناها و تحديد دائرة مدلولها سعة
وضيقاً وتشخيص مصاديقها ومواردها ،بل يالحظ للتهلكة الواردة في االية
ذلك المعنى العرفي الثابت لها فالمتعين الرجوع إلى العرف واللغة ،وعند ما
نرجع إليهما نجدهما يعتبرون لها المعنی الذي يراد من كل مات مثل الهَالك
وهَلَك والهُلْك وبما أنّ التصرفات المدمّرة للتوازن البيئي -والتي يفعلها
أبناء البشر بأيديهم m-تجعل الحياة عرضة للزوال القطعي ،فهي تمثّل أبرز
مصاديق mاإللقاء في الهلكة.
18
تطبيقات بيئية@:
اإلكثار من استخدام األسمدة الكيماوية والمبيدات الحشرية مما يؤدي )1
إلى إلحاق الضرر بالخضراوات واألطعمة وإصابة اإلنسان بكثير من
االضطرابات وخاصة األمراض المعوية.
احتراق الوقود :مما يزيد من مستوى تلوث الهواء في المناطق الحضرية )2
نفايات الصناعية :.تنتج المصانع المواد الملوِّثة ،ومثاله مصافي النفط )3
فهي تنفث كالً من األمونيا والهيدروكربونات واألحماض العضوية
وأكاسيد mالكبريت في الجوف أو مصانع المنتجة لأللومنيوم تنفث غبار
الفلوريد .وهذه النفايات تساهم مساهمة کبيرة في تلوث الهواء ،والمواد
الملوثة لها تأثير في اإلصابة بالسرطان والتهاب الرئة وانتفاخ الرئة.
رش الكيميائيات )4
حرائق الغابات )5
حرائق المنشآت )6
إطالق وإيجاد غازات البيت الزجاجي :غازات البيت الزجاجي هي ثاني )7
أكسيد الكربون وبخار الماء والميثان واألوزون وأكسيد النيتروز
والغازات العضوية مثل الكلوروفلوروكربون ( ،)CFCsوهي غازات
تنبعث من مصادر التلوث المختلفة مثل المصانع ومحطات توليد الطاقة
وسائل النقل .وهذه الغازات تؤدي إلى ظاهرة تأثير البيت الزجاجي (
)Greenhouse Effectوهي تحدث تأثير غالف حول األرض يسمح
بدخول أشعة الشمس فتعمل على تسخين األرض فتنبعث من األرض
موجات حرارية (أشعة تحت حمراء) إلى الفضاء الخارحي ،ولكن تمتص
غازات البيت الزجاجي هذه األشعة تحت الحمراء وتمنع خروج معظمها
من الغالف الجوي للفضاء الخارجي.
السادسة :قاعدة النتظيف:
إنّ التنظيف وإن لم يسبق له ذکر في الفقه کقاعدة ،غير أنّنا عند ما نقارن
بين ما ورد في الفقه ومصادره حول النظافة ،وما برز کقضايا حساسة للبيئة
حول التجنب عن التلوّث ،نتأ ّکد من أنّ اإلسالم طرح التنظيف کفکرة عامّة ذات
طابع القاعدة ،وهذه دعوی تتبيّن صحتها من خالل االلتفات إلى ما يلي:
19
)1األمر بالتنظّف :قال رسول اهلل (صلى اهلل عليه وآله)« :تنظفوا بكل ما
استطعتم» ،کما ورد عنه (صلى اهلل عليه وآله) أيضاً« :إن اإلسالم نظيف
فتنظفوا ،فإنه ال يدخل الجنة إال نظيف».
)2اعتبار النظافة أساساً بني اإلسالم عليه قال رسول اهلل (صلى اهلل عليه
وآله)« :إن اهلل تعالى بنى اإلسالم على النظافة ،ولن يدخل الجنة إال كل
نظيف».
)3توسّع اإلسالم من دائرة النظافة عند ما نالحظ مفهوم النظافة في اإلسالم
نجده واسعاً إلى حدّ يستوعب موارد عدّة ومصاديق متعددة ،تجمعها
النظافة الهوائية والنظافة الترابية والنظافة المائية والنظافة في الجسم،
وإليك النصوص التالية:
قال رسول اهلل (ص)" :ال تطيب السكنى إال بثالث :الهواء الطيب والماء -
26
الغزير العذب واألرض الخوارة".
ملعون من فعلهن :المتغوط في ظل النزال ،والمانع الماء المنتاب ،وسادّ -
27
الطريق المسلوك.
قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم« :إن اهلل طيب يحب الطيب ،نظيف -
يحب النظافة ،كريم يحب الكرم ،جواد يحب الجود ،فنظفوا أفنيتكم وال
28
تشبهوا باليهود تجمع األكباء في دورهم».
29
عن رسول اهلل (صلى اهلل عليه وآله)« :إن اهلل يحب الناسك النظيف». -
30
عن رسول اهلل (صلى اهلل عليه وآله) «من اتخذ ثوبا فلينظفه». -
عن رسول اهلل (صلى اهلل عليه وآله) «يا عائشة ! اغسلي هذين الثوبين، -
31
أما علمت أن الثوب يسبح m،فإذا اتسخ انقطع تسبيحه».
عن رسول اهلل (صلى اهلل عليه وآله) «بيت الشياطين من بيوتكم بيت -
32
العنكبوت».
20
عن رسول اهلل (صلى اهلل عليه وآله) «طهروا هذه األجساد طهركم اهلل، -
فإنه ليس عبد يبيت طاهرا إال بات معه ملك في شعاره ،وال يتقلب ساعة
33
من الليل إال قال :اللهم اغفر لعبدك فإنه بات طاهراً».
34
عن رسول اهلل (صلى اهلل عليه وآله) «بئس العبد القاذورة». -
35
عن رسول اهلل (صلى اهلل عليه وآله) «هلك المتقذّرون». -
عن جابر بن عبد اهلل :أتانا رسول اهلل (صلى اهلل عليه وآله) فرأى رجال -
شعثا قد تفرق شعره ،فقال« :أما كان يجد هذا ما يسكن به شعره ؟ !»
ورأي رجال آخر عليه ثياب وسخة فقال« :أما كان هذا يجد ماء يغسل به
36
ثوبه» ؟
قال رسول اهلل (صلى اهلل عليه وآله) لرجل شعث شعر رأسه ،وسخة ثيابه، -
37
سيئة حاله« :من الدين المتعة وإظهار النعمة».
قال رسول اهلل (« :)ال تبيتوا القمامة في بيوتكم mوأخرجوها نهارا ،فإنها -
38
مقعد الشيطان».
اإلمام علي« :تنظفوا بالماء من النتن الريح الذي يتأذى به ،تعهدوا -
أنفسكم ،فإن اهلل عز وجل يبغض من عباده mالقاذورة الذي يتأنف به من
39
جلس إليه».
اإلمام علي« :النظيف من الثياب يذهب الهم والحزن ،وهو طهور -
40
للصالة».
41
اإلمام علي« :ال تؤوا التراب خلف الباب ،فإنه مأوى الشيطان». -
اإلمام علي« :نظفوا بيوتكم من حوك العنكبوت ،فإن تركه في البيت -
42
يورث الفقر».
21
43
اإلمام الباقر« :كنس البيوت ينفي الفقر». -
44
اإلمام الصادق« :غسل اإلناء وكسح الفناء مجلبة للرزق». -
عن اإلمام الصادق «قال :إن اهلل يحب الجمال والتجمل ،ويبغض البؤس -
والتباؤس ،فإن اهلل إذا أنعم على عبده نعمة أحب أن يرى عليه أثرها ،قيل:
قيل :كيف ذلك ؟ قال :ينظف ثوبه ،ويطيب ريحه ،ويجصص داره،
45
ويكنس أفنيته».
46
اإلمام الرضا« :من أخالق األنبياء التنظف». -
والحقيقة أنّ المجتمع في صدر اإلسالم حيث كان ساذجاً ،لم تستقرّ فيه
فكرة التنظيف التي كان اإلسالم يصرّ عليها ويعتبرها أساساً بني اإلسالم عليه،
بل كان الناس يفهمها كأمر عادي ويطبّقها على مصاديق تتناسب مع الظروف
االجتماعية آنذاك ،أمّا اآلن فباإلمكان أن تحتلّ هذه الفكرة داخل إطار ما استقرّ
من التوجة الحساس والمهم إلى البيئة ،مكانتها وأن تبرز جوهرها ،فتلعب دورها
الذي أراده اإلسالم لها.
تطبيقات بيئية@:
أمكن تطبيق قاعدة التنظيف علي الكثير من قضايا البيئة ،وإليك البعض
منها:
)1اإلنتاج األنظف ( )Cleaner Productionهو االعتماد في اإلنتاج
الصناعي على طرق تتميّز بأنّها:
أ) ينتج عنها الحد األدنى الممكن من التلوث.
ب) تحقق كفاءة أكبر للعملية اإلنتاجية.
ج) تشمل اإلنتاج الحاصل بها استرجاع بعض المخلفات المفيدة في
العمليةاإلنتاجية بدالً من التخلص منها.
د) تحقق فوائد اقتصادية كثيرة.
)2التحكم في تلوث الهواء ()Air pollution control
)3عملية التكريك ( : )Dredgingوالتي تتمّ باستخدام كراكة في
الحفر اليصال عمق ميناء إلى مستوى معين.
22
الحدّ من حرق الوقود :وحرق الوقود يلحق البيئة أضراراً فادحة )4
کتلويث الهواء وكثرة الضجة وتحويل المناطق الواسعة إلى مناطق
صناعية ،وتلويث األرض وتلويث المياه الجوفية ومياه البحر.
الدفن الصحي للمخلفات ( : )Sanitary Landfillingهو عبارة عن )5
عملية ملء حيز معين من األرض بالمخلفات وتخزينها في هذا الحيز إلى
أن يتم تحللها إلى المواد األولية فيرتفع خطرها.
للدفن الصحي أنواع کما يلي:
-الدفن الصحي للقمامة
-الدفن الصحي للمخلفات الخطرة
-الدفن الصحي للمخلفات الصناعية
الدفن الصحي للمخلفات ذات طابع خاص. -
23
المبحث الثاني
حكم عمران األرض
حكم العمران هو الوجوب ،وذلك لما يلي من القواعد:
األولى :قاعدة إخراج العاطل من حيز العطلة
وقد ذكر هذه القاعدة صاحب المسالك مستدالَ بها على إثبات کون
إخراج األرض من حيز العطلة– والتي هي حالة مواتها -إلى حيز العمارة أمراً
47
راجحاً شرعاً.
تطبيقات بيئية@:
وهذه القاعدة لها قابلية عظيمة لالستناد إليها عند مواجهة بعض القضايا
البيئية وفي تعيين أحكامها الشرعية ،ويمكن أن نمثل لذلك بموردين:
)1إعادة التصنيع ()recycling
وهي عملية استرجاع بعض المواد من المخلفات من خالل فصلها أوّالً،
وإعادة تصنيعها ثانياً .وهذه ممّا تشملها قاعدة إخراج العاطل من حيز العطلة،
وكما هو معلوم تلعب هي (أي :إعادة تصنيع الفضالت والنفايات) دوراً مؤثّراً
في عملية التجنب عن التلوث البيئي ،وذلك من جهة:
أنّها تبعد البيئة من المواد السامة أ)
أنّها تقلّل انسياب المواد واستهالك الطاقة ب)
أنّها تحمي أماكن رمي المخلفات والنفايات. ج)
أنّها استرجاع كميات من المخلفات د)
والجدير بالذكر أنّ مثل البالستيك واأللومنيوم والورق والحديد ،من
أكثر المواد التي يتم إعادة تصنيعها .
)2مكافحة التصحّر ومحاولة إعادة األرض على ما كانت عليه من صالحية
للزراعة
الثانية :قاعدة االعمار
إنّ هذه القاعدة ،تستفاد من اآلية الشريفة ﴿هو أنشأكم من األرض
واستعمركم فيها﴾ وهي تمثّل أهمّ وأوسع القواعد القابلة للتطبيق على
القضايا البيئية.
24
وللوصول إلى الواقع المضموني لهذه القاعدة والقابلية الكامنة فيها من
حيث القدرة على إجابة متطلّبات البيئة ،وحل مشاكل ها،ينبغي الرجوع إلى
اآلية وتحليل مدلولها m،فنقول :إنّ هذه اآلية:
أوّالً :تدلّ على وجوب اإلعمار؛ حيث إنّ الظاهر من الطلب المتوجه
48
من اهلل سبحانه إلى اإلنسان كون الطلب حاصالً على وجه اإليجاب.
ثانياً :تدل علي أنّ الذي أمر اهلل سبحانه هو العمران الشامل ،وهذا
الشمول من جهات ثالث:
الجهة األولى :الشمولية المكانية ،بمعنی شمول واستيعاب دائرة ما أُمِر
بإعماره mلجميع سطح الكرة األرضية ‘ وهذا ما يستفاد من اطالق العمران ‘ وهذا
اإلطالق يقتضي أن ال يقتصر اإلنسان في إعمار األرض على جزء خاص منها
دون آخر.
الجهة الثانية :الشمولية المتمثلة في مراتب اإلعمار‘ بمعنى شمولية األمر
باإلعمار لجميع المراتب والمستويات من اإلعمار.
وهذه الشمولية أمكن إثباتها بالتمسّك بعدّة وجوه ،وهي :
ال يوجد نصّ يدلّ على االقتصار في اإلعمار على مرتبة خاصة من غير )1
زيادة عليها ،بل يوجد العكس ،وهو ما سيأتي توضيحه كوجه ثان.
إطالق اآلية الشريفة ‘ ونقول في توضيح ذلك :إنّه كما يدلّ إطالق )2
اآلية على اتّساع دائرة ما أمر بإعماره mإلى ما يستوعب جميع األرض،
فكذلك يدلّ إطالقها على أنّ كل مرتبة من مراتب إعمار األرض داخلة
تحت هذا الشمول ،فتعميق عملية اإلعمار والتوسّع فيها ليشمل ما أمكن
من جميع المستويات أمر داخل في هذا اإلطالق.
ما قيل بأنّ الشارع أمَر باالقتصار على المراتب البدائية لإلعمار( )3
كاالكتفاء بغرس الأشجار وأمثاله ) ،ولم يسمح للناس بالتوسّع في
إعمار اآلرض ،واالرتقاء بمستوی االستغالل المطلوب ،واالستفادة من
جميع الفرص المتاحة واإلمكانيات الكامنة فيها ،مرفوض ومردود ،إذ
يعني أن المطلوب للشارع لزوم محاولة إبقاء المجتمع االنساني على
سذاجته ،وأنّه اليجوِّز للناس من دفع عجلة تطور قابليات وإمکانيات
الحياة إلى األمام.
25
إنّ أوّل إعمار قام اإلنسان به على األرض ارتقى به – شاء أم لم يشأ - )4
إلى مرتبة حدثت له حاجات جديدة ،وتلك الحاجات بدورها تطلّبت
إعماراً جديداً ومتطوّراً ،وبعد إنجازه ظهرت حاجات جديدة أخرى
متطوّرة ‘ وهي بدورها تطلّبت زيادة في مستوی اإلعمار وتطويره ‘
وهذا التطور الحاصل في اإلعمار أيضاً خلق مرتبة جديدة من الحاجات
...وهكذا .فتصوّر صدور األمر الشرعي بالتوقّف في مرتبة يعني عدم
مسايرة الشرع مع الزمن ‘ وكونه غافالَ عن الواقع للحياة.
الجهة الثالثة :الشمولية األزمانية :وذلك مستفاد من عموم الخطاب لكل
األجيال ،فليس من خوطب بها جيل دون جيل ،وعليه ليس عمران األرض في
زمان دون زمان هو المطلوب للشارع .
وإذا قبلنا ذلك ‘ نحصل على نتيجة‘وهي أن العمران الذي يقوم به كل
جيل‘ مقيد بأن ال ينتهي إلى حرمان األجيال القادمة من التمكن من العمران.
وبتعبير آخر :انّ الذي قد أمر اهلل سبحانه به في اآلية المشارإليها ،هو
العمران المستدام ،ال كل ما يطلق عليه العمران ،والمقصود من العمران
المستدام ،ما لو حقّقه في زمن جيل من األجيال ،فهو ال يعدم األرضية لألجيال
التي تأتي من بعده m،بل األمر أکثر من ذلك؛ أي :ليس فقط يفسح المجال
لألجيال القادمة في أن يقوموا بالعمران ،بل يلعب دوراً إيجابياً للمستقبل،
ويمهّد األرضية للقادمين في القيام بعمرانها .والعمران المستدام في واقعه هو
ما يسمّى اليوم بالتنمية المستدامة ،وقد عرّفت التنمية المستدامة بأنها هى
التى تلبّى حاجات الحاضر دون التفريط فى تأمين حاجات أجيال المستقبل .إنّ
التنمية المستدامة هي الطريق الوحيد للجمع بين متطلّبات واقتضائات عملية
رفع ومكافحة الفقر من جهة ،وبين احتياجات ومتطلّبات حماية البيئة
ومحافظتها من التخريب من جهة أخری .امّا التنمية غير المستدامة ،فهي
على العكس من ذلك ؛ إذ توقِع الضرر بالبيئة وتسبّب تلوث مواردها وتنتج
مشكالت عديدة فيها.
ويمكن باالستناد إلى هذه القاعدة إثبات ثالثة أحكام:
وجوب القيام بالممارسات االعمارية. )1
حرمة تخريب األرض )2
26
وجوب مكافحة الظواهر والممارسات المضرة بالبيئة والمهدرة للثروات )3
الطبيعية ،كاالستغالل المفرط لموارد الطبيعة وتلويث األجواء
واألنهار والبحار وحرق الوقود وقطع أشجار الغابات وقضايا أخرى على
هذا المستوى.
ويندرج تحت ذلك عملية الحفاظ على الطبيئة‘ ويمكن أن نوجز محاولة
الحفاظ عليها كما يلي:
-الحفاظ على األراضي عن طريق المحافظة على الغابات و محاربة التصحر و
الجفاف
-الحفاظ على الحياة البرية والبحرية الحيوانية والنباتات
-الحفاظ على المياه
-الحفاظ على الهواء
أما صحة االستناد إلى القاعدة إلثبات األول( وجوب القيام بالممارسات
االعمارية ) فهي واضحة ،وأما صحة االستناد إليها إلثبات الثاني( حرمة
تخريب األرض ) والثالث( وجوب مكافحة الممارسات المضرة بالبيئة والمهدرة
للثروات ) فألجل أننا إذا قلنا بوجوب إعمار األرض ،فال محيص لنا عن القول
بثبوت حكمين آخرين بطريق أولى ،وهما هذان الحكمان المشار إليهما.
وكما هو معلوم أن كال من هذه األحكام الثالثة ،تندرج تحته حكم الكثير
من القضايا البيئية جدا‘ غير أن الذي جدير بالعناية أكثر‘ أهمية الحكم
الثالث ،إذ يتوجب علينا على أساس هذا الحكم مكافحة كل ممارسة وظاهرة
توقع أضرارا على البيئة ولو على مستقبلها وعلى األجيال القادمة بشكل جدي ،
وقبول ذلك يجعلنا أن نذهب الى أكثر من مكافحة ممارسات مثل قطع
األشجار وتلويث االجواء و ...وأن نكافح حتى تلك الظواهر التي تضر بالبيئة
كالفقر‘ وعليه تبرز عملية الحد من انتشار الفقر كوظيفة شرعية على األمة
الإلسالمية‘ ال فقط من جهة أن ازالة الفقر في حد نفسها مما قد أمر بها الشارع
‘ بل من جهة كون الفقر له مساس بالبيئة وذلك لما يلي :
الفقر يساهم مساهمة فعّالة في تدمير البيئة : (أ)
إنّ عدم امتالك المجموعات الفقيرة للوسائل التكنولوجية والعلمية يجعلها
أن تواصل حياتها من طريق اإلفراط في صيد األسماك والحيوانات البحرية و
التركيز على ممارسات مثل قطع أشجار الغابات و.....استعمال األخشاب في
27
التدفئة والوقود وفي مثل هذه األعمال إهدار للثروات الطبيعية والزيادة من
التلوث في األجواء واألنهار والبحار ،وإهدار الثروات الطبيعية وزيادة التلوث
تدمير للبيئة ،وهذا يعني.
(ب) التركيز على تحصيل الفوائد المضمونة على المدى القصير :
إنّ الفقر يسبّب محاولة تركيز اإلنسان على سد احتياجاته الحالية
وترجيحها على حاجاته المستقبلية ،وهذه المحاولة لو استقرّت فهي تخلق
أجواء يندفع فيها اإلنسان من جهة على التصرّف اإلفراطي وغير السليم في
الطبيعة واستخدام غير مستديم mلمواردها ،ومن جهة أخری على تقليل
اإلنتاجية.
الثالثة :قاعدة صرف األرض في ما خلقت له
ذكر الشهيد الثاني هذه القاعدة واعتبر أنّ األرض خلقت لالنتفاع بها وبما
تشتمل عليه من المعادن وغيرها ،فكان ترك عمارتها صرفاً لها في غير ما خلقت
له 49.وهذه القاعدة كثير النفع في حل الكثير من قضايا البيئة ،كما سيتضح.
28
تطبيقات بيئية@:
)1التصحّر :وقد عُرّف التصحّر بأنّه ظهور حالة النقص في قدرة اإلنتاج
البيولوجي لألرض ،من خالل ما يحصل فيها من فقدان التربة الفوقية
ابتداء ،وفقدان القدرة على اإلنتاج الزراعي نهايةً.
والتصحّر من المشكالت التي تترك نتائج خطرة على الحياة االقتصادية
للعالم ،سيما البلدان التي تعاني منها؛ إذ هو في واقعه عبارة عن تداني الطاقة
الحيوية لألرض وانخفاض التنوع البيئي فيها ،ومثل هذه المشكل ة تؤثّر تأثيراً
سلبياً كبيراً على الحياة الحيوانية ،وإعالة الوجود البشري.
وبااللتفات إلى نكتتين تتضح أبعاد فداحة وعمق خطورة مشكل ة التصحر:
األولى :أنّ ثلث األراضي من کرة األرض عرضة للتصحر .فما من عام إال
وأن تتحول فيه مساحات واسعة هي حوالي 691كيلومتر مربع من األراضي
الخصبة إلى مساحات جافة ،وتبلغ أبعاد هذا الخطر إلى حدّ أصبحت حوالي
الثلث من أراضي األرض عرضة للتصحر .
الثانية :بطء عملية تكوّن التربة :إن عملية تكوّن التربة بطيئة جدآ إلى
حدّ قد يستغرق تكوّن طبقة من التربة ما يقرب من 1000سنة أو أکثر.
و على أي حال تقتضي قاعدة " صرف األرض فيما خلقت له" أن تتعاون
الدول اإلسالمية بعضها مع البعض في إعداد برامج مناسبة mلمكافحة التصحر
سواء على مستوی أن تتخذ إجراءات الزمة للوقاية منه ،أو أن تحاول التخفيف
من حدة آثار ما وقع منه.
والحقيقة أنّ الفقهاء الماضين بما أنّه لم تتجلّ في عصرهم المعلومات
البيئية -والتي ظهرت أخيراً وانكشفت بها حقائق علمية عظيمة ،ومنها وجود
الخطر في تعطيل األرض -لم يطرحوا على طاولة البحث موضوع تعطيل
األرض إال قليالًً ،وكان أكثر ما يقولونه فيه إنّه مكروه ،بل منهم مَن يعتقد
أنّ ترك الزراعة ليس تعطيالً لها ،يقول أحد الفقهاء:
"واألَرض إذا تركت بغير زرعٍ لم تتعطَّل منفعتها ،فإِنها قد تنبِت مِن
50
الحطبِ والحشِيش وسائر الكإلِ ما ينفع في الرّعي وغيره".
29
وهذا الكالم وإن كان موجّهاً بالنسبة mإلى بعض الحاالت النادرة والجزئية،
غير أنّه ليس صحيحاً على المستوی النوعي وطبق المعلومات العلمية
الجديدةm.
)2التشجير في المناطق الجافة ()Afforestation
)3عملية تحسين وإعداد األرض()improvement land
الرابعة :التخضير
بالرجوع إلى الفقه ومصادره نواجه أحكاماً متعددة ومنتشرة يجمعها
عنوان التخضير .وبما أنّ هذه األحكام كثيرة ،أمكن القول أنّه قد يصل األنسان
من خالل النظر في تلك األحكام إلى أن التخضير ممّا يصدق عليه عنوان
الضابطة الفقهية.
وفيما يلي ذكر لما أمكن إدراجه تحت عنوان التخضير:
-1غرس الشجر
وقد وردت في المجاميع الروائية نصوص تدل عليه ،وفيما يلي ذكر
بعضها:
عن أبي أيوب األنصاري :أن رسول اهلل (صلى اهلل عليه وآله) ،قال " :من -
51
غرس غرساً فأثمر ،أعطاه اهلل من االجر قدر ما يخرج من الثمرة "
عن أنس بن مالك :أن رسول اهلل (صلى اهلل عليه وآله) ،قال " :إن قامت -
الساعة وفي يد أحدكم mالفسيلة ،فإن استطاع أن ال تقوم الساعة حتى
52
يغرسها فليغرسها ".
قال رسول اهلل (صلى اهلل عليه وآله) " :من...غرس غرساً بغير ظلم وال -
53
اعتداء ،كان له أجرا جاريا ما انتفع به أحد من خلق الرحمن ".
عن أنس بن مالك قال قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :ان قامت الساعة -
54
بيد أحدكم mفسيلة فان استطاع ان ال يقوم حتى يغرسها فليفعل».
مستدرك الوسائل ،460 :13جامع أحاديث الشيعة ،431 :18كنز العمال :3 51
896
مسند االمام حنبل ،191 :3مستدرك الوسائل ،460 :13الجامع الصغير :1 52
409
مستدرك الوسائل ،460 :13جامع أحاديث الشيعة431 :18 53
مسند اإلمام احمد بن حنبل ،191 :3مجمع الزائد 63 :4 54
30
عنه (صلى اهلل عليه وآله)« :من نصب شجرة وصبر على حفظها والقيام -
55
عليها حتى تثمر ،كان له في كل شئ يصاب من ثمرها صدقة عند اهلل».
-2سقي الشجر
عن أبي سعيد الخدري ،عن النبي صلى اهلل عليه وآله -في حديث -قال: -
56
«من سقى طلحة أو سدرة فكأنما سقى مؤمنا من ظمأ».
– 3الزراعة
ســـئل رسول اهلل ،أي المال خير ؟ قال زرع زرعه صاحبه وأصحله وأدى -
57
حقه يوم حصاده ".
عن الإمام جعفر بن محمد ،عن أبيه ،قال " ::ما في االعمال شئ أحب إلى -
اهلل تعالى من الزراعة ،وما بعث اهلل نبيا إال زراعا ،إال إدريس (عليه
58
الســـــالم) فإنه كان خياطا ".
عن يزيد بن هارون الواسطي قال :سألت جعفر بن محمد عليهما الســـالم -
عن الفالحين ؟ فقال« :هم الزارعون كنوز اهلل في أرضه ،وما في االعمال
شئ أحب إلى اهلل من الزراعة ،وما بعث اهلل نبيا إال زراعا ،إال إدريس عليه
59
السالم فإنه كان خياطا.»m
عن اإلمام الصادق ،قال« :إن أمير المؤمنين كان يخرج ومعه أحمال -
النوى ،فيقال له يا أبا الحسن ما هذا معك ؟ فيقول :نخل إن شاء اهلل،
60
فيغرسه فلم يغادر منه واحدة».
تطبيقات بيئية@:
ضابطة التشجير تعالج الکثير من قضايا البيئة ،وفيما يلي إشارة إلى
بعضها:
)1التجنب من إزالة الغابات
إنّ األعمال التي تنتهي إلى زوال الغابات( )Deforestationمن قطع
األشجار الستخدام األخشاب في األغراض الصناعية واإلنشاءات ،أو حرقها
31
وإزالتها الستغالل أراضي الغابات بهدف البناء فيها ،مما هو على خالف
التخضير الذي أ ّکد عليه اإلسالم.
)2التشجير في المناطق الجافة ()afforestation
)3اخراج المياه اإلضافية من األراضي()land drainage
)4تحسين األراضي ()land improvement
32
المبحث الثالث
حكم كسب المعلومات عن البيئة
هنالك قاعدة أصولية ،وهي أنّه كل ما كان تنجُّز الوظائف الشرعية
على المكلف متوقّفاً على العلم بها ،فانّ تحصيل هذا العلم واجب ،وقد سمّوا
مثل هذا الوجوب بالوجوب الطريقي .وعليه فالوجوب الطريقي هو الذي لواله
لما تنجّز التكليف الشرعي على المكل ف لجهله به.
وقد يستند إلثبات هذا الوجوب بما روي من أنّه " :يؤتى بالعبد يوم
61
القيامة فيقال له :هال عملت؟ فيقول :ما علمت ،فيقال له :هال تعلمت؟ ".
وهناك سؤال ،هل يثبت الوجوب الطريقي بنحو مطلق في كل موارد
توقّف تنجز التكاليف على العلم ؟ أم يثبت ما إذا وُجد الدليل عليه ؟ ال ندخل
في اإلجابة على هذا السؤال ونتركها لمجالها mالمناسب لها.
والحقيقة أنّ هذا الوجوب الطريقي ثابت لتحصيل العلم والوعي بالبيئة
وقضاياها ومشاكل ها ،وال أقلّ على قدر الحاجة وبمقدار المكانة االجتماعية
لألشخاص ودورهم في أدارة المؤسسات ،حيث إنّ الخطر الذي يهدد البيئة من
ناحية الجهل بها عظيم قد يسبّب وقوع أضرار فادحة على المجتمع ،وليس
مقبوالً من األنسان عذره في إيقاع األضرار على نفسه أو مجتمعه بکونه
جاهالً بها.
والجدير ذكره أنّ موضوع هذا الوجوب هو كسب المعلومات عن البيئة ال
نشر مثل هذه المعلومات ،وبتعبير آخر هذا الحكم متوجه إلى المكل ف نفسه،
وهو ثابت عليه ،فيجب تحصيل هذ ه المعلومات ،أمّا نشر الوعي والعلم على
الآخرين فانّ وجوبه – وال أقلّ في بعض الموارد – يثبت من طريق آخر ،مثل
أدلّة وجوب إرشاد اآلخرين أو وجب المعروف والنهي عن المنكر.
وفيما يلي محاور ما يتوجّب على اإلنسان تحصيل العلم والوعي به:
كسب المعلومات عن أضرار الملوِّثات وآثارها المهدّمة للبيئة. -1
كسب المعلومات عن السبل الفنية المتاحة لمحافظة البيئة من -2
الملوثات أومحاربة ما يتركها من آثار.
محاولة تنمية المهارات والقدرات للمساهمة الفعالة في دفع ما قد -3
تتعرض له البيئة من مخاطر ومشاكل .
33
محاولة تحسين الفهم لتقييم المحيط البيوفيزيائي. -4
محاولة التزويد بالمعلومات االزمة للتفاعل مع عناصر الطبيعة -5
البيولوجية.
محاولة التزويد بالمعارف والقيم والكفاءات التي تمكّن الشخص من -6
حلّ المشكالت البيئية الحالية و المستقبلية.
34
المبحث الرابع
حكم عقد االتفاقيات مع سائر الدول حول قضايا البيئة@
وهذا الحكم يتضح من خالل القاعدتين التاليتين:
األولى :قاعدة التعاون على الب ّر
يمكن االستدالل باآلية الشريفة﴿ ،تعاونوا على البر والتقوی﴾ إلثبات
ضرورة القيام بالتعاون مع الدول والمنظمات والمؤسسات اإلقليمية والدولية
في المجاالت البيئية .وهذا االستدالل يتمّ بذکر مقدمّتين ،وهما:
أوّالً :أنّ التعاون مع الدول والمنظّمات الدولية في مجال البيئة من
مصاديق mالبرّ
ثانياً :أنّ التعاون على البرّ الزم بدليل وقوعه متعلَّقاً ألمره سبحانه
والنتيجة أنّه يتوجّب على المسلمين متابعة ودعم التعاون مع العالم كل ه
في الحقول المتعلّقة بحماية البيئة ،مثل العضوية في المنظمات الدولية
الناشطة في المجال البيئي ،والتصديق على الوثائق الدولية والإقليمية المتعلقّة
بالقضايا البيئية ،والمشاركة في إعداد وإبرام اتفاقيات دولية للحدّ من تلوّث
البيئة ،وتبادل الخبرات والمعلومات ،وتنسيق الخطط والمشروعات ،وإجراء
البحوث و الدراسات في الجوانب ذات العالقة بالبيئة.
إنّ المقدّمة الثانية في غنى عن التوضيح واإلثبات كما هو معلوم ،ولكنّ
المقدّمة األولی بحاجة إلى اإلثبات .والسؤال الذي نواجهه في هذا المجال ما
هي عالقة التعاون مع بلدان تُعدّ أکثرها غير إسالمية بمقولة البرّ التي قورن
في اآلية بينها وبين التقوی؟
الحقيقة أنّ الحفاظ على البيئة من مصاديق البرّ ،بل من أبرز وأهمّها ال
من جهة التركيز على التعاون مع الدول بما هو التعاون معها ،بل من جهة أنّ
تخريب البيئة سينجرّ إلى التدهور البيئي للمسلمين ،ووقوع األضرار الفادحة
بهم ،وأي برّ أقوی وأعظم من النشاطات الساعية في مجال حفظ البيئة؟
الثانية :قاعدة إقامة المعروف
بعد اإلذعان بأهمية المعروف ووجوب إقامته في اإلسالم -المستفادين من
آية "وامر بالمعروف" واآليات واألدلّة األخرى -نقول :إنّ المعروف ينقسم
إلى قسمين:
المعروف الذي يخص المسلمين -1
35
المعروف الذي يعمّ المسلمين وغيرهم -2
والقسم الثاني ينقسم نفسه إلى قسمين:
ما ال يتوقف تحقيقه في المجتمع اإلسالمي على التعامل مع غير -
المسلمين
ما يتوقف تحقيقه في المجتمع اإلسالمي على التعامل معهم -
وكما هو معلوم انّ الحفاظ الكامل على البيئة في العالم من القسم األخير
من المعروف ،وعليه كانت إقامته – والتي هي واجبة على المسلمين -تعني
اإلقدام على كل عملية ومحاولة تنتهي إلى استقرار هذا المعروف عن طريق
توسيع مساحة االهتمام بكل ما يتعلق بالبيئة على المستوی العالمي،
كالدخول في اتفاقيات التعاون مع دول العالم في المجال البيئي أو قبول
البروتوكالت البيئية العالمية ،أو المشاركة في الندوات ذات الطابع البيئي ،أو
المساهمة في إنجاز المشاريع العالمية القادرة على إحداث المنافع البيئية للكل
،السيما للدول اإلسالمية.
36