You are on page 1of 37

‫الدورة التاسعة عشرة‬

‫إمارة الشارقة‬
‫دولة اإلمارات العربية المتحدة‬

‫البيئة والمحافظة عليها‬


‫من منظور إسالمي‬

‫إعداد‬
‫الشيخ أحمد المبلغي‬
‫الجمهورية اإلسالمية اإليرانية‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على سيدنا محمد وآله الطاهرين‬
‫وصحبه الميامين‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫إنّ الهدف الذي يسعى هذا المقال إلى تحقيقه هو إثبات أنّ دائرة قابلية‬
‫الفقه لتناول قضايا البيئة وعرض أحكامها واسعة لدرجة‪ ،‬يتمكّن من أن يخطو‬
‫في مسار اإلبداع وإعادة البناء‪ ،‬وأحياناً إعادة تأسيس مفاهيم في مجال معالجة‬
‫قضايا البيئة من منظور إسالمي‪ ،‬وأنّه يفسح المجال بأحكامه الراقية لتعاطي‬
‫المسلمين مع الدول غير اإلسالمية بشكل فعال في المجال البيئي‪.‬‬
‫وقبل الخوض في البحث نقول‪ :‬عندما نتحدّث عن تناول الفقه للقضايا‬
‫البيئية‪ ،‬ينبغي أن نلتفت إلى ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬المقصود من الفقه هنا هو ما برز کحصيلة لالجتهاد‬
‫انّ المقصود من الفقه هو ما برز كحصيلةٍ لجهد المجتهدين وعملياتهم‬
‫االجتهادية‪ ،‬ال ما هو کمصدر له كالكتاب والسنة‪ ،‬وعليه فانّه حتى لو لم يثبت‬
‫تناول الفقه بهذا المعني ألحكام البيئة‪ ،‬فليس هذا يعني أنّ الكتاب والسنة غير‬
‫متضمّنين لمبانٍ وقواعد يمكن أن تستنبط منها أحكام القضايا البيئية‪.‬‬
‫وانطالقاً من ذلك‪ ،‬فانّ الفقه حتى لو افترضنا كونه خالياً عن أحكام‬
‫البيئة‪ ،‬فانّه يتمكن مع وجود هذين المصدرين له من أن يدخل في المجال البيئي‬
‫ويعرض أحكام مسائل البيئة ‪.‬‬
‫‪ -2‬ليس المقصود من تناول الفقه‪ ،‬التناول عبر األدبيات الرائجة للبيئة‬
‫ليس المقصود من التناول هنا تناول الفقه ألحكام البيئة عبر األدبيات التي‬
‫هي معروفة حالياً في علم البيئة‪ ،‬كمصطلح حفظ البيئة‪ ،‬أو مصطلح التوازن‬
‫البيئي أواالحتباس الحراري‪ ،‬وغير ذلك من المصطلحات التي طرحت وبرزت‬
‫مؤخيراً على المستوی البيئي‪ ،‬بل المقصود تناول الفقه ألحكام هي في واقعها‬
‫ناظرة إلى البيئة‪ ،‬وحاملة على عاتقها دور الحفاظ عليها وإن كان هذا التناول‬
‫حاصالً عبر استخدام أدبيات خاصة تختلف عن األدبيات الدارجة في علم البيئة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫صصي@‬
‫‪ -3‬إثبات التناول اليعني إثبات الوجود الفعلي لفقه البيئة@ کفرع تخ ّ‬
‫إنّنا لو أثبتنا أنّ الفقه قد تناول أحكام البيئة‪ ،‬فانّه ال يعني أنّ فقه البيئة‬
‫كفرع مستقل وتخصصي موجود اآلن إلى جانب الفروع الأخرى ‪ ،‬بل المقصود‬
‫من تناول الفقه ألحكام البيئة أنّه يتضمّن في أبوابه المختلفة أحكاماً تحمل‬
‫على عاتقها النظر إلى البيئة‪ ،‬وعليه البدّ من التأكيد على لزوم تأسيس فرع‬
‫الفقه البيئي في الوضع الراهن‪.‬‬
‫وكما هو معلوم انّ طرح تأسيس‪ m‬هذا الفرع يستبطن االعتراف بوجود حاالت‬
‫النقص في الوضع الحالي لفقه البيئة‪ ،‬ممّا يستدعي أن يقوم فقهاء اإلسالم‬
‫برفعها ومحاولة تعميق وتكميل فقه البيئة‪ ،‬وهذه خطوة أساسية يرغب المجتمع‬
‫اإلسالمي إليها بشدّة‪ .‬وحاالت النقص كما يلي‪:‬‬
‫وجود كثير من القضايا البيئية المستجدة لم تطرح أحكامها بعد في‬ ‫أوّالً‪:‬‬
‫الفقه‪ ،‬وببيان‪ m‬آخر‪ :‬انّه وإن يتضمّن القرآن والسنة المباني والقواعد‬
‫الفقهية التي هي قابلة لالستناد إليها للكشف عن أحكام القضايا‬
‫المستجدة البيئية‪ ،‬غير أنّ هذه القواعد لم تطبّق على هذه القضايا‬
‫بعد‪ ،‬حيث إنّ عملية التطبيق ال تحصل ما دام لم تطرح القضايا في‬
‫الفقه‪.‬‬
‫أنّ األحكام ذات الصلة بالبيئة مبعثرة ومنتشرة هنا وهناك‪ ،‬لم تجمع‬ ‫ثانياً‪:‬‬
‫في باب واحد‪ ،‬فعند ما ننتقل إلى كتاب الطهارة مثالً نجده يتضمن‬
‫بعض األحكام البيئية‪ ،‬أو ننظر إلى كتاب الجهاد نراه ال يخلو عن‬
‫أحكام بيئية‪ ،‬أو نرجع إلى كتاب الصيد والذبائح نجده متضمناً‬
‫للطائفة من هذه األحكام ‪ ،‬وهكذا األبواب والكتب األخرى من الفقه‪.‬‬
‫وعليه ال تتمّ دراسة األحكام البيئية عن وعي بيئي وضمن سياق علمي‬
‫معين‪.‬‬
‫أنّ الفقه البيئي الموجود اآلن – ونظراٌ إلى كون أحكامه منتشرة‬ ‫ثالثاً‪:‬‬
‫كما قلنا‪ -‬يعاني من فقدان هيكلية علمية خاصة تقولب أحكامها‪، m‬‬
‫وينسق بين بعضها مع البعض‪ ،‬ويعطي إلى كل حكم مكانته الالئقة‬
‫له‪ ،‬ويجعله يلعب دوره المتوقع منه داخل اإلطار المنظومي الفقهي‬
‫للبيئة‪.‬‬
‫‪ -4‬للبيئة@ قواعد فقهية لم يكشف عنها بعد‬

‫‪2‬‬
‫البدّ أن نعترف أنّ هناك قواعد عظيمة موجودة في مصادر الفقه اإلسالمي‪،‬‬
‫لكنّها لم تحظ بأرضية مؤاتية الصطيادها وإبرازها في ساحة الفقه‪ ،‬وهذه‬
‫األرضية قد تتمثّل في تكوّن المجاالت المستجدّة وحدوثها وبروزها على‬
‫ساحة الواقع‪ ،‬فيما إذا كانت لهذه المجاالت قواعد تخصها‪ ،‬بمعنی أنّه ال يتشكل‬
‫لها معن ًی وال کياناً اال بوقوعها ناظرة إلى هذه المجاالت‪ .‬وبتعبير آخر‪ :‬ال‬
‫يفسح المجال ـ نوعاً ما ـ‌ لفهم هذه القواعد والكشف عنها‪ ،‬وطرحها على‬
‫طاولة البحث والمناقشة الفقهية إال بوقوع المجاالت التي كانت القواعد‬
‫ترتبط بها‪ .‬نعم‪ ،‬قد توجد لها جذور في الفقه و على لسان الفقهاء في غير‬
‫واحد من المطالب‪.‬‬
‫ويمكن القول‪ :‬أن المجال البيئي يعدّ من هذه المجاالت التي لها قواعد خاصة‬
‫بها‪ ،‬وسنذکر بعض هذه القواعد خالل البحث‪.‬‬
‫‪ -5‬القواعد الفقهية تحمل قابليات عظيمة لمعالجة البيئة‬
‫ويتّضح من خالل األبحاث القادمة‪.‬‬
‫‪ -6‬محاور البحث ومنهجه‬
‫يتضمن البحث المحاور التالية‪:‬‬
‫‪ -‬حكم تخريب البيئة وتلويثها‬
‫‪ -‬حكم عمران األرض‬
‫‪ -‬حكم كسب المعلومات عن البيئة‬
‫‪ -‬حكم عقد االتفاقيات مع سائر الدول حول قضايا البيئة‬
‫ومنهجنا في البحث هو الترکيز على القواعد الفقهية والتحرك داخل‬
‫إطارها لمعالجة قضايا البيئة‪ ،‬وقد نطرح بعض القواعد التي لم تذکر سابقاً‬
‫كقواعد‪ ،‬غير أنّنا نظن أنّها تشكل في جوهرها قواعد فقهية أمكن عرضها من‬
‫منطلق المجال البيئي ومقتضياته‘ أما غيرها من القواعد ‪ -‬والتي قد تم االستناد‬
‫اليها كرارا ومرارا كقاعدة ال ضرر مثال– فال نذكرها هنا‘ رغم ما كان لها‬
‫من أهمية‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫المبحث األول‬
‫حكم تخريب البيئة وتلويثها‬
‫حكم ذلك يتضح من خالل االستناد الى القواعد التالية‪:‬‬
‫األولى‪ :‬قاعدة الملكية الشاملة للناس‬
‫توسّع العالمة المفكّر السيد محمد باقر الصدر في الدائرة المفهومية‬
‫للملكية بما جعلها تندرج تحته أقسام عدة كما يلي‪:‬‬
‫(‪ )1‬الملكية الخاصة؛ وهي تعني اختصاص شخص – سواء كان حقيقياً أو‬
‫حقوقياً ‪ -‬بمال معين‪ ،‬ممّا يجعله يمتلك حقاً في أن يحرم غيره من‬
‫جميع أشكال االنتفاع به‪.‬‬
‫(‪ )2‬ملكية الدولة؛ وهي تعني تملّك الدولة اإلسالمية للمال‪ ،‬على نحو يخوّل‬
‫لها التصرف في رقبة المال نفسه في إطار رعاية المصالح‪ m‬التي هي‬
‫مسؤولة عنها؛ كتملكها للمعادن‪.‬‬
‫(‪ )3‬ملكية األمة؛ وهي تعني تملك األمة اإلسالمية لمال من األموال؛‬
‫كملكيتها لألرض العامرة المفتوحة بالجهاد‪.‬‬
‫(‪ )4‬ملكية الناس ؛ وهي تعني ملكية عموم الناس لمال من األموال؛ كملکيتهم‬
‫للبحار مثالً‪ 1.‬وقد أدرج القسمين األخيرين في عنوان ملكية العامة‪،‬‬
‫وطبعاً ال يعني هذا اإلدراج إلغاء ما بينهما من اختالف وتفاوت‪.‬‬
‫كما اعتبر المفكر الكبير الصدر أنّ ملكية الناس تعني ثبوت أثرين‪ :‬أحدهما‬
‫سلبي وهو عدم السماح للفرد أو الجهة الخاصة بتملك المال‪ ،‬واآلخر إيجابي‬
‫وهو السماح للجميع باالنتفاع به‪.‬‬
‫هذه هي التي ذكرها من أقسام‪ ،‬ونريد أن نضيف قسماً آخر إلى هذه األقسام‪،‬‬
‫وهو ما يمكن أن نسمّيه بملكية الناس الشاملة‪ ،‬ويبرز معنی مثل هذه الملكية في‬
‫إطار النظر إلى أفق البيئة‪ ،‬فهي ملكية تشمل حتى مثل الغابات أو األراضي أو‬
‫المياه التي تمتلکها جهات خاصة أو دول خاصة‪.‬‬
‫وهذا الوصف (أي‪ :‬الشاملة) يعكس فرق هذا القسم مع ملكية الناس التي‬
‫ذكرها العالمة الكبير الصدر‪ ،‬حيث إن الملكية التي ذكرها يعني ملكيتهم على‬
‫أشياء خاصة كالبحار مثالً‪ ،‬مما يجعلها ال يسمح لألفراد أن يتملّكها‪ ،‬وعليه‬

‫‪ 1‬أنظر‪ :‬اقتصادنا ‪668 – 411‬‬

‫‪4‬‬
‫فهي ملكية غير شاملة‪ ،‬وطبعاً في عرض الملكية الخاصة‪ ،‬أو ملكية األمّة‪ ،‬بينما‬
‫الملكية التي طرحناها هي على ما يلي من الخصوصيات‪:‬‬
‫أوّالً‪ :‬هي شاملة بمعنى أنّ األشياء التي تعلّقت بها الملكية الخاصة‪ ،‬أو ملكية‬
‫األمة‪ ،‬واقعة تحت هذه الملكية الشاملة‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬هي – وبالنظر إلى كونها شاملة ‪ -‬ليست في عرض األقسام األخرى‬
‫من الملكية‪ ،‬بل هي في طولها‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬وهذه الملكية ‪ -‬ونظراً إلى كونها في طول األقسام األخرى ‪ -‬ليس‬
‫أثرها حرمان األشخاص عن تملّك ما كان واقعاً تحتها‪ ،‬بخالف ما طرحه‬
‫كملكية للناس‪ ،‬حيث كان أثرها عدم السماح للفرد أو الجهة الخاصة بتملّك‬
‫المال‪ ،‬كما قلنا‪ ،‬وإنما كان أثر هذه الملكية عدم السماح لألشخاص أو الجهات‬
‫أو الدول بالتصرفات التي تؤدي إلى تخريب أجزاء من البيئة وإن كان ما‬
‫يُتصرّف فيه ملكاً لهؤالء األشخاص أو تلك الجهات أو الدول‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬انّ الذي ذكره من «ملكية الناس» يراد من «الناس» فيه ‪ -‬الذين‬
‫كان االنتفاع من البحار واألنهار و‪...‬مسموحاً لهم حسب الفرض – هم هؤالء‬
‫الموجودون من البشر حالياً‪ ،‬بخالف ما طرحناه في إطار النظر إلى البيئة‪ ،‬فإنّ‬
‫المقصود من الناس فيه‪ :‬كل من الجيل الحاضر واألجيال القادمة‪ ،‬ومن هنا ال‬
‫يسمح حسب هذه الملكية للجيل الحاضر أن تكون استفادته من البيئة على نحوٍ‬
‫ال يبقى مجال االستفادة من مواهبها ومعادنها لألجيال القادمة‪.‬‬
‫وقضية کون الطبيعة ملكاً لألجيال مما احتلّ مكانة بارزة في األدبيات البيئية‪،‬‬
‫وتمثّل بصورة واضحة مفهوماً تشكل اإلطار الفكري البيئي على أساسه‪ ،‬ممّا‬
‫جعل علماء البيئة يلغون في رؤيتهم العلمية حيثية تملّك األفراد أو الجهات أو‬
‫الدول‪.‬‬
‫ومثل هذه الملكية تشير إليها اآلية الشريفة " واألرض وضعها لالنام"‪.‬‬
‫كما تفيـــــد‪ m‬بها بعض األحاديث‪ ،‬مثل الحديث النبوي الشــــريف الذي‬
‫‪2‬‬
‫رواه ابن عباس ‪ " :‬الناس شركاء في ثالث‪ :‬الماء‪ ،‬والنار‪ ،‬والكالء "‬
‫وعدم أخذنا لهذا المفهوم من الملكية من هذه النصوص ناجم عن تعوّد‬
‫أذهاننا على المفهوم الرائج من الملكية ‪ ،‬فكانت النتيجة أنّنا عند ما نواجه مثل‬
‫تلخيص الحبير ‪ ،65 :3‬ودرر‪ m‬الآللي البن جمهور األحسائي‪ 96 :2 m‬كما في‬ ‫‪2‬‬

‫المستدرك للنووي ‪114 :17‬والدراية في تخريج أحاديث الهداية ‪ 246 :2‬حديث‬


‫‪ 987‬وفيه أخرجه الطبراني عن ابن عمر‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫لفظة «الشركاء» مثالً في الرواية النبوية المشار إليها‪ ،‬نمرّ عليها مرور‬
‫الكرام‪ ،‬أو نحملها على معنى غير جدّي من الشركة‪ ،‬مع أنّ المشكلة تكمن في‬
‫وجود حالة النقص في ذهنياتنا‪ m‬من جهة عدم االلتفات إلى خطورة القضايا‬
‫البيئية‪ ،‬وإلى نظرة اإلسالم إلى البيئة‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫تطبيقات بيئية‬
‫‪ -1‬الحفاظ على المحميات الطبيعية‬
‫المحميات الطبيعية (‪ )Natural Park‬كثيرة‪ ،‬فمنها‪ :‬الغابات المحتوية على‬
‫أنواع نادرة من النباتات أو الحيوانات‪ ،‬ومنها‪ :‬المناطق الساحلية المشتملة على‬
‫أنواع نادرة من األحياء المائية والشعاب المرجانية‪ ،‬ومنها‪ :‬األراضي الرطبة‬
‫المتضمنة على الكثير من األنواع النباتية والحيوانية‪ .‬والحفاظ على‬
‫المحميات الطبيعية يعني اتخاذ اجرائات الزمة للحد من االنشطة التي لها تأثير‬
‫سلبي عليها‪.‬‬
‫‪ -2‬الحد من الرعي الجائر‬
‫الرعي الجائر (‪ )Over Grazing‬يحصل فيما إذا مُكّنت مجموعة كبيرة من‬
‫الحيوانات بأن تتغذى على بقعة محدودة من المراعي بهدف االزدياد في إنتاج‬
‫اللحوم‪ .‬وبما أنّ الرعي الجائر قد يجعل التربة متدهورة إلى حد قد يؤدي إلى‬
‫التصحر‪ ،‬يمكن االستناد إلى مثل هذه القاعدة إلثبات لزوم الحد من الرعي‬
‫الجائر‪.‬‬
‫‪ -3‬إزالة الغابات (‪)Deforestation‬‬
‫وموارد كثيرة أخری علي هذا الصعيد‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬قاعدة اختالل النظام‬
‫والستنطاق قابليات هذه القاعدة للتطبيق على قضايا البيئة‪ ،‬والوقوف على‬
‫سعة دائرة االستفادة منها لحل هذه القضايا من منظور إسالمي‪ ،‬يتعين في البدء‬
‫التنبيه إلى أمرين‪:‬‬
‫عرض لمفهوم كل من مصطلحي «التوازن البيئي» و«اختالل التوازن»‬ ‫‪-‬‬
‫رؤية القرآن الوصفية حول قضية اختالل التوازن البيئي‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫األمر األول‪ :‬عرض لمفهوم كل من مصطلحي التوازن البيئي واختالل‬
‫التوازن‬
‫(أ) مصطلح التوازن البيئي@‬
‫إنّ مصطلح التوازن البيئي يعدّ من المصطلحات المفاتيح في مجال علم‬
‫البيئة‪ ،‬وهويعني ما يتمتع نظام الطبيعة به من روابط ديناميكية متداخلة‬
‫ألجزائها‪ ،‬تنتج عن هذه الروابط دورات طبيعية ومتناسقة تمكّن الطبيعة على‬

‫‪7‬‬
‫إعالة الحياة على سطح األرض وإدامتها‪ .‬ومن خالل تحليل هذا التعريف‪ ،‬نصل‬
‫إلى كونه متضمّناً للعناصر التالية‪:‬‬
‫امتالك أجزاء الطبيعة لعالقات فيما بينها بعضها مع البعض‬ ‫‪)1‬‬
‫هذه العالقات موجودة بين مجموعة الكائنات الحية من جهة‪ ،‬وبين مجموعتي‬
‫الكائنات الحيّة والكائنات غير الحيّة من جهة أخری‪.‬‬
‫‪ )2‬ديناميكية هذه العالقات في ذاتها‪.‬‬
‫‪ )3‬إنتاج هذه العالقات الديناميكية لحصول دورات طبيعية‪ m‬وبيولوجية‪.‬‬
‫‪ )4‬استقرار نظامٍ للطبيعة يتضمّن تنظيماً ذاتياً إثر وجود تلك‬
‫العالقات(النظام اإليكولوجي (‪.)Ecosystem‬‬
‫‪ )5‬سببيّة‪ m‬هذا التنظيم الذاتي المتبادل بين الطبيعة والحياة لبقاء الحياة‬
‫‪ )6‬تسمية الحالة الحاصلة من توفّر مجموع هذه العناصر بالتوازن البيئي‬
‫‪ )7‬كون امتالك نظام الطبيعة للتوازن يعني أنه لايفقده حينما حدث‬
‫إخالل بهذا التوازن‪ ،‬بل هو بحيث يعمل بشكل اتوماتيكي على إعادته‪.‬‬
‫وللتوازن المتواجد في الطبيعة مصاديق وتجليات عديدة‪ m،‬أذكر على سبيل‬
‫المثال التوازن الموجود بين األكسجين وغاز الكربون‪ ،‬وللوقوف على عمق‬
‫وأبعاد هذا التوازن‪ ،‬ننبّه إلى أن هذا التوازن في الحقيقة ينحلّ إلى توازنات‬
‫ثالثة ‪:‬‬
‫أوّال‪ :‬التوازن الحاصل بين نسبة تواجد األكسجين والكربون على وجه‬
‫األرض وبين نسبة االحتياج إليهما‪.‬‬
‫إنّ الحياة على وجه األرض بين خطرين من ناحية غاز ثاني أكسيد‬
‫الكربون(والذي جمع بين أن يكون غازاً ساماً لإلنسان من جهة‪ ،‬وغذاء للنباتات‬
‫من جهة أخری)‪ :‬خطر زيادة نسبة هذا الغاز في الجو (والتي هي أقل من واحد‬
‫بالمئة) وخطر نقصانه فيه؛ فإنّ زيادته ولو بمقدار قليل تنتهي إلى زوال‬
‫الحياة وموت اإلنسان‪ ،‬كما إنّ نقصانه ينتهي إلى زوال حياة النباتات‪ ،‬وبالتالي‬
‫إلى االختالل في حياة اإلنسان؛ إذ األكسجين ‪ -‬والذي هو مهم لتنفس االنسان‪،‬‬
‫بل تنفّس جميع الكائنات الحية التى تعتمد على الهواء في تنفسها ‪ -‬يتكوّن من‬
‫النباتات خالل عمليات البناء الضوئي‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫كما أن حياة اإلنسان بين خطرين من ناحية األكسجين‪ :‬خطر زيادته وخطر‬
‫نقصانه‪ ،‬فزيادة نسبته (والتي هي ‪ 21‬بالمئة) في الغالف الجوي‪ ،‬تنتهي إلى‬
‫احتراق األرض‪ ،‬ونقصان هذه النسبة تنتهي إلى موت اإلنسان والحيوان اختناقاً!‬
‫ثانياً‪ :‬التوازن الحاصل بين أخذ اإلنسان والنبات لألكسجين والكربن وبين‬
‫إطالقهما لهما‬
‫التوازن القائم من جهة‪ :‬بين عمليتي إطالق النبات وأخذ اإلنسان لألكسجين‪،‬‬
‫ومن جهة أخرى ‪ :‬بين عمليتي إطالق اإلنسان وأخذ النبات لغاز الكربن‪ ،‬وببيان‪m‬‬
‫آخر‪ :‬أنّ األكسجين تتوازن فيه عملية أخذه من قبل اإلنسان مع عملية إطالقه‬
‫من قبل النبات‪ ،‬كما أنّ غاز الكربون تتوازن فيه عملية أخذه من قبل النبات مع‬
‫عملية إطالقه من قبل اإلنسان‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬التوازن بين کمّية النباتات وحجم الغالف الجوي‬
‫إنّ النباتات تتواجد على وجه األرض بالكمية‪ m‬المحتاج إليها الستهالك‬
‫الكربون وإيجاد األكسجين‪.‬‬
‫والحقيقة أنّه لوال هذا الثالث (أي‪ :‬التوازن القائم بين كمّية النباتات وحجم‬
‫الغالف الجوي) لما حصل التوازن الثاني(أي‪ :‬التوازن القائم بين أخذ وإطالق‬
‫األكسجين والكربون) كما أنّه لوال هذا الثاني لما حصل التوازن األوّل الذي‬
‫هو التوازن القائم بين نسبة تواجد األكسجين والكربون على وجه األرض‬
‫ونسبة احتياج الحياة إليهما‪.‬‬
‫(ب) مصطلح إختالل التوازن البيئي‬
‫إنّ الختالل التوازن في الطبيعة نوعين‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫النوع األوّل‪ :‬االختالل الناجم عن الكوارث الطبيعية‪ ،‬مثل االختالالت الناشئة‬
‫عن العواصف واألعاصير والزالزل والمد البحري و الفياضانات والجفاف‪.‬‬
‫النوع الثّاني‪ :‬االختالل الناتج عن التدخل المباشر لإلنسان في البيئة وسوء‬
‫تصرفاته فيها‪ ،‬سواء ما يتمّ منه بالخطأ مثل حدوث تسرّب غازات سامة من‬
‫مصنع كيماويات أو تسرب النفط من ناقلة نفط أو ما يتمّ منه ال عن خطأ مثل‬
‫استخدامه ألسلحة الدمار الشامل‪.‬‬
‫ولتمييز هذا الثاني عن النوع األوّل‪ ،‬ال بدّ من التركيز على ما يتوفّر له‬
‫من عناصر وخصائص‪ ،‬وهي ما يلي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬كونه هو ما يسمّى باختالل التوازن البيئي‬

‫‪9‬‬
‫إنّ الذي يسمّى في األدبيّات البيئيّة باختالل التوازن البيئي‪ ،‬ويعدّ خطراً‬
‫عظيماً على الغالف الغازي‪ ،‬وينتهي إلى االحتباس الحراري‪ ،‬ويجعل الطبيعة‬
‫عرضة للتلوث الشديد‪ ،‬هو هذا االختالل الذي تكمن جذوره في اإلنسان‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬مسؤولية اإلنسان عن هذا االختالل‬
‫هناك معنيان للتوازن‪ :‬أحدهما‪ :‬التوازن الموجود في الطبيعة‪ ،‬وهو ما مرّ‬
‫من كونه ما يتمتّع به نظام الطبيعة من روابط ديناميكية‪ m‬متداخلة ألجزائها‬
‫تنتج عنها دورات طبيعية‪ m‬ومتناسقة بين هذه األجزاء‪ ،‬تقدرالطبيعة بسببها على‬
‫إعالة الحياة على سطح األرض وإدامتها‪ .‬وهذا المعنى هو المعنى األساسي‬
‫واألصلي للتوازن‪ ،‬غير أنّه يوجد في قبال هذا المعنى‪ ،‬معنى آخر قد يذكر له‬
‫وهو عبارة عن التوازن بين االستفادة من الطبيعة ومواردها وبين مقتضيات‬
‫حفظها السيما للمستقبل‪.‬‬
‫والفرق بين المعنيين يتمثّل في كون األوّل عبارة عن توازن هو موجود‪،‬‬
‫والثاني عبارة عن توازن البدّ من إيجاده‪ ،‬ذاك األوّل توازن طبيعي وأصلي وهذا‬
‫الثاني انساني وسلوكي‪ .‬هذا الثاني يجب أن يراعيه البشر في استفاداته من‬
‫األرض ومواهبها حتّى يبقى ذلك التوازن األصل المتواجد في الطبيعة‪.‬‬
‫ومن هنا يعلم أنّ السبب الرئيسي لاختالل التوازن البيئي‪ :‬فقدان التوازن‬
‫السلوكي االنساني‪ ،‬أي‪ :‬بمجرد بروز اختالل في التصرفات االنسانية إزاء‬
‫الطبيعة‪ ،‬يقع التوازن البيئي عرضة لالختالل‪،‬‬
‫وعليه‪ :‬فانّ اإلنسان هو العامل الذي يقف وراء اختالل التوازن البيئي‪ .‬وقد‬
‫شغل اعتبار االنسان کمسئوول عن اختالل التوازن البيئي حيزاً هاماً في األدبيات‬
‫البيئية‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬انتهائه إلى نتائج سلبية فوق منطقية‬
‫إنّ اآلثار السلبية التي تتركَها الكَوارث الطبيعية تقتصر على المناطق التي‬
‫تقع هذه األحداث فيها‪ ،‬بينما التدميرات التي يقوم بها البشر ضد البيئة ال يبقى‬
‫تأثيرها على مناطق وقوعها‪ ،‬بل ستأخذ تأثيرات هذه التدميرات بشكل تدريجي‪-‬‬
‫بل وحتّى بشكل دفعيّ أحياناً وفي بعض الموارد‪ -‬بعداً عالمياً كَبيراً هو‬
‫اعمق من تأثيراتها المحلية بكثير‪ ،‬حتى أمكن إرجاع وقوع بعض الكَوارث‬
‫الطبيعية إلى ظروف حصلت كنتيجة للتصرفات السيئة التي قام بها اإلنسان‬

‫‪10‬‬
‫ضدّ البيئة‪ .‬وبتعبير آخر‪ :‬أنّ االختالل الذي يسببه اإلنسان سينتهي إلى المزيد‬
‫من األسباب المدمّرة الطبيعية للطبيعة‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬انتهائه إلى نتائج خطيرة فوق زمنية‬
‫إنّ االختالل البيئي ال يكسر حواجز المكان فحسب‪ ،‬أي‪ :‬ال يأخذ فقط أبعاداً‬
‫فوق منطقية‪ ،‬بل يكسر حواجز الزمن أيضا ويأخذ أبعاداً فوق زمنية‪.‬‬
‫األمر الثاني‪ :‬رؤية القرآن الوصفية حول قضية التوازن البيئي أو اختالله‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬حول قضية التوازن البيئي‬
‫إنّ مبدأ التوازن من المبادئ المحورية والمكرّرة في القرآن‪ ،‬وقد استفاد‬
‫القرآن في إبداء هذا المبدأ من أدبيات خاصّة تتناسب مع األسلوب القرآني في‬
‫طرح القضايا الكونية من التركيز على ارتباط كل ظاهرة كونية باهلل‬
‫سبحانه ونسبة خلقها وتدبيرها إليه‪ .‬والذي يبرز في األدبيات القرآنية‬
‫المتعلّقة بهذا المجال ثالثة مصطلحات‪ ،‬هي‪:‬‬
‫قَدَر‪ ،‬يقول سبحانه‪ " :‬إنا كل شيء خلقناه بقدر"‬ ‫‪-‬‬
‫مقدار‪،‬يقول سبحانه‪":‬وكل شيء عنده بمقدار"‬ ‫‪-‬‬
‫مَوزون‪ ،‬يقول سبحانه‪":‬واألرض مددناها وألقينا فيها رواسي‬ ‫‪-‬‬
‫وأنبتنا فيها من كل شيء موزون"‬

‫‪11‬‬
‫ثانيا ً‪ :‬حول قضية اختالل التوازن البيئي‬
‫كيف واجه القرآن قضية اختالل التوازن البيئي؟ وكيف وصفه ؟ نشير فيما‬
‫يلي إلى آيتين تفيدان الرؤية الوصفية القرآنية حول هذه القضية‪.‬‬
‫يقول سبحانه‪" :‬ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا‬ ‫‪-‬‬
‫كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا‬
‫لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"‬
‫ويقول سبحانه‪":‬واذا تولّي سعى في االرض ليفسد فيها و يهل‬ ‫‪-‬‬
‫كالحرث والنسل"‬
‫إنّ فكرة التركيز على دور ومسؤولية اإلنسان إزاء البيئة‪ ،‬تجلّت بشكل‬
‫أقوی في الكتاب المنزل حيث ركّزت هاتان اآليتان في تبيين السبب الذي يكمن‬
‫وراء فساد األرض وهالك الحرث والنسل على عنصري "السعي اإلنساني" و‬
‫"الكسب اإلنساني "‪.‬‬
‫وفي تركيز اآلية األولى على لفظة األيدي ما ال يخفى من لفتها النظر إلى‬
‫اآللة التي تتمّ التدخالت والتصرفات البشرية بها‪.‬‬
‫واآلن ننتقل إلى قاعدة اختالل النظام لكي نشرحها ونبيّن مدی أهميتها‬
‫ودورها في معالجة مشاكل البيئة‪ ،‬فنقول‪ :‬إنّ‌ قاعدة اختالل النظام من القواعد‬
‫الهامّة التي قد استند الفقهاء على االستناد إليها في إثبات الكثير من األحكام‬
‫الفقهية‪ ،‬فمثالً أثبتوا جواز أخذ األجرة على الصناعات الواجبة باالعتماد على‬
‫هذه القاعدة‪ m،‬قائلين‪ :‬إنّ حرمة أخذها توجب اختالل النظام‪ ،‬لوقوع أكثر الناس‬
‫في المعصية بتركها أو ترك الشاق منها وااللتزام باألسهل‪ ،‬فإنهم ال يرغبون في‬
‫الصناعات الشاقة أو الدقيقة إال طمعاً في األجرة وزيادتها على ما يبذل لغيرها‬
‫من الصناعات‪ ،‬فتسويغ أخذ األجرة عليها لطف في التكليف بإقامة النظام‪ 3.‬أو‬
‫نفوا وجوب االحتياط مستدلّين بأنه إذا أمر الشارع عامة المكلفين باالحتياط‬
‫يلزم من بنائهم على العمل به اختالل أمورهم‪ ،‬لكونه شاغال لهم عن أكثر ما‬
‫يتوقف عليه نظام أمورهم من التجارات والصنائع إن لم نقل بكونه شاغال عن‬
‫جميعها‪ 4.‬أو شرطوا لزوم الفحص في قبول دعوى المديون لإلعسار باالستناد‬
‫إلى هذه القاعدة‪ ،‬قائلين أنّه لو بنى على عدم الفحص في دعوى االعسار ألدّى‬

‫كتاب المكاسب للشيخ األنصاري ‪139 – 2:138‬‬ ‫‪3‬‬

‫تقريرات المجدد الشيرازي ‪117 – 116 :4‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪12‬‬
‫إلى إبطال الحقوق كثيرا‪ ،‬بل إلى اختالل النظام ألنه ينجر إلى ادعاء كثير من‬
‫المديونين االعسار‪ 5.‬وما إلى ذلك من الموارد‪.‬‬
‫وباالستناد إلى هذه القاعدة أمكن إثبات حرمة التصرفات المخلّة بنظام‬
‫البيئة‪ ،‬بل إعمالها هنا يتمّ بطريق أولی فيما لو قلنا بإعمالها في تلك الموارد‪،‬‬
‫حيث إنّه إذا كان الفقه ال يسمح لبعض األفعال بحجة أنّها مما ينعكس بالسلب‬
‫على جانب من معاش اإلنسان ونظمه االجتماعي أو الفردي‪ -‬كما شاهدنا في‬
‫األمثلة التي ذكرناها‪ -‬فكيف يسمح للتصرفات التي لها مساس عظيم بالنظام‬
‫البيئي الذي يرتبط بمسار حيـاة اإلنسان‪ ،‬و يمثّل اختالله مأساة‪ m‬عظيمة‬
‫للبشرتقضي على كيانه في الحاضر والمستقبل‪.‬‬
‫ولتوضيح أكثر نقول‪ :‬إن قاعدة اختالل النظام تتصور لها مجاالت ثالثة‪:‬‬
‫‪ イ‬المجال الفردي‬
‫‪ ロ‬المجال االجتماعي‬
‫‪ ハ‬المجال الحيوي‬
‫فالذي راج في الفقه هو التمسك بهذه القاعدة في المجالين األولين‘ فقد‬
‫تمسك الفقهاء في موارد كثيرة لنفي وجوب أو حتى مشروعية العمل الذي‬
‫يستلزم فعله اختالال لنظام المعيشة لفرد ما أو لمجتمع ما‪ ،‬أما المجال الحيوي‬
‫فالحقيقة عدم صحة قياس االختالل الحاصل فيه باالختالل الحاصل في‬
‫المجالين األولين من حيث عظم وخطورة نتائجها السلبية التي تتركها على‬
‫البشرية والتي تمتلك أبعادا هي فوق التصور‪ ،‬فهذا االختالل في الواقع يمثل‬
‫اختالال في كيان البشر وحياته بجميع ما لها من جوانب‪ .‬والنظام الذي يختل‬
‫هنا هو النظام األيكولوجي المتكون من النباتات والحيوانات والكائنات المجهرية‬
‫والجمادات من الكيماويات والظروف الطبيعية والجيولوجية ‘ وواقع هذا‬
‫االختالل – كما هو معلوم ‪ -‬هو توقف العمليات المعقدة و المتشابكة‬
‫والمترابطة الجارية بين هذا الموجودات والكائنات التي تمتلك العديد من‬
‫المسارات المؤدية إلى تغير معدالت نمو الجماعات الحية والموصلة لها إلى حاله‬
‫مستقرة من التوازن‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬قاعدة حرمة الحيوان‬
‫بالرجوع إلى النصوص واألحكام الواردة حول الحيوانات ‪ ،‬أمکننا أن نطرح‬
‫" حرمة الحيوانات" کقاعدة‪ m،‬ذهب بعض الفقهاء إلى أنّ للبهائم والدوابّ حرمة‬

‫كتاب القضاء للشيخ اآلشتياني‪99 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪13‬‬
‫الروح نظير ما يكون لإلنسان بحيث يوجب حرمة إتالفها ووجوب حفظها عن‬
‫‪6‬‬
‫التلف‪.‬‬
‫وإليك بعض ما ورد في ذلك من‪:‬‬
‫‪7‬‬
‫(أ‌) ال يجوز الحلب إذا كان يضر البهيمة لقلة العلف‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫(ب‌) وأن يقص الحالب أظفاره لئال يؤذيها‪.‬‬
‫(ت) يبقى للنحل شيئاً من العسل في الكوارة فإن كان أخذه العسل في الشتاء‬
‫وزمن تعذر خروج النحل كان المتبقي أكثر وإن أقام شيئاً مقام العسل‬
‫‪9‬‬
‫لغذائها لم يتعين إبقاء العسل‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫(ث‌) دود القز يعيش بورق التوت فعلى مالكه تخليته ألكله‪.‬‬
‫(ج‌) ال يجوز نزف لبن الدابة بحيث يضر ولدها وإنما يحلب ما فضل عن ري‬
‫‪11‬‬
‫ولدها قال الروياني ويعني بالري ما يقيمه حتى ال يموت‪.‬‬
‫جواز الغصب فيما إذا لم يجد المالك ما ينفقه على الحيوان وامتنع‬ ‫(د)‬
‫الواجد له من البيع بمثل جواز ذلك لحفظ نفسه‪ ،‬لحرمة الروحل‘ غير‬
‫‪12‬‬
‫أنه يلزمه المثل أو القيمة‪.‬‬
‫وعليه فان قاعدة حرمة الحيوانات تدل على‪ )1 :‬لزوم حفظ جميع‬
‫الحيوانات من التلف ‪ )2‬وجوب نفقة البهائم ‪ )3‬عدم ايذاء الحيوان‪.‬‬
‫إنّه قد وردت في باب الصالة قاعدة فقهية‪ ،‬هي ‪ :‬أنّ السفر إذا كان إلى‬ ‫(ذ)‬
‫معصية فالصالة فيه تامّة ‪ ،‬وقد طبّقت هذه القاعدة في فقه اإلمامية على‬
‫ما إذا كان السفر إلى صيد اللهو‪ ،‬ممّا يجعلنا ندرك االهتمام الفقهي‬
‫بقضية المحافظة على البيئة ‪ ،‬فقد ورد عن زرارة أنّه سأل الإمام‬
‫الباقرعمن يخرج بأهله بالصقور والبزاة والكالب يتنزه الليلة والليلتين‬
‫والثالثة هل يقصر من صالته أم ال يقصر؟ فأجابه‪ :‬إنما خرج في لهو ال‬

‫راجع‪ :‬مسالك األفهام‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪ 502‬ـ كشف اللثام‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪612‬‬ ‫‪6‬‬

‫روض الطالبين وعمدة المفتين‪310 / 3 /‬‬ ‫‪7‬‬

‫جواهر الكالم‪ ،‬ج‪ ،31‬ص‪،397‬روض الطالبین وعمدة المفتین‪310 / 3 /‬‬ ‫‪8‬‬

‫روض الطالبين وعمدة المفتین‪ ، 310 / 3 /‬مسالك األفهام‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪ 503‬و‪504‬‬ ‫‪9‬‬

‫كشف اللثام‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪612‬‬


‫روض الطالبين وعمدة المفتين‪310 / 3 /‬‬ ‫‪10‬‬

‫اللمعة الدمشقيّة‪ ،‬ص‪ ،191‬الروضة البهيّة‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪ ‘486‬مسالك األفهام‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‬ ‫‪11‬‬

‫‪ ، 503‬روض الطالبین وعمدة المفتین‪.310 / 3 /‬‬


‫راجع‪ :‬ما مر من مصادر كقواعد األحكام‪ ،‬تحرير األحكام‪ ،‬مسالك األفهام‬ ‫‪12‬‬

‫والحدائق الناضرة‬

‫‪14‬‬
‫يقصر‪ ،‬کما قد ورد عن اإلمام الصادق قوله‪ " :‬إن التصيد مسير باطل ال‬
‫يقصر الصالة فيه" ‪ ،‬وکذلك قوله‪ " :‬يتم ألنه ليس بمسير حق‪ ،‬وکذلك‬
‫قوله في اإلجابة على السؤال عن الرجل يخرج إلى الصيد مسيرة يوم أو‬
‫يومين أو ثالثة يقصر أو يتم؟ إن خرج لقوته وقوت عياله فليفطر‬
‫وليقصر ‪ ،‬وإن خرج لطلب الفضول فال وال كرامة‪.‬‬
‫(ر) قاعدة الحيوان الذي حرم أكله‪ ،‬حرم صيده‪ : m‬انّه من ال‘مكان‪ m‬بمكان أن‬
‫يقال‪ :‬إنّ فلسفة تحريم أكل الكثير من الحيوانات الحفاظ على التوازن‬
‫البيئي‪ ،‬وسيما تلک الحيوانات التي ثبت أن أكل ها ال يتضمن ضرراً‪.‬‬
‫وهذا يظهر جلياً فيما إذا نلتفت إلى نظر بعض الفقهاء الذاهبين إلى أن‬
‫الحيوان الذي حرم أكله‪ ،‬حرم صيده‪.‬‬
‫(ز) تطبيق " الباغي" على الصائد ‪ :‬قال اإلمام الصادق في قول اهلل تعالى‬
‫( فمن اضطر غير باغ وال عاد )‪ :‬الباغي باغي الصيد ‪ ،‬والعادي السارق‪،‬‬
‫وليس لهما أن يأكال الميتة إذا اضطرا إليها‪ ،‬هي حرام عليهما ليس هي‬
‫عليهما كما هي على المسلمين‪.‬‬
‫(س) ما ورد من النصوص حول الحيوانات‪:‬‬
‫عن ابن عمر أنّ النبي(ص) قال‪« :‬عذّبت امرأة في هرّة حبستها‬ ‫‪-‬‬
‫حتّى ماتت جوعاً فال هي أطعمتها وال أرسلتها تأكل من خشاش‬
‫األرض»‬
‫عن أبي هريرة عن رسول اهلل(ص) قال‪« :‬دخلت امرأة النار في هرّة‬ ‫‪-‬‬
‫ربطتها‪ ،‬فال هي أطعمتها وال هي أرسلتها تأكل من خشاش األرض‬
‫‪13‬‬
‫حتّى ماتت»‪.‬‬
‫عن االمام جعفر بن محمّد‪ m،‬عن آبائه‘ قال‪« :‬قال رسول اهلل(ص)‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫للدابّة على صاحبها خصال]ستّ[‪ ،‬يبدأ بعلفها إذا نزل‪ ،‬ويعرض عليها‬
‫الماء إذا مرّ به‪ ،‬وال يضرب وجهها فإنّها تسبّح‪ m‬بحمد ربّها‪ ،‬وال يقف‬
‫على ظهرها إال في سبيل اهلل‪ ،‬وال يحملها فوق طاقتها‪ ،‬وال يكلّفها من‬
‫‪14‬‬
‫المشي إال ما تطيق‪».‬‬

‫سنن ابن ماجة‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ ،1421‬الرقم ‪4256‬؛ وراجع‪ :‬السنن الكبرى‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‬ ‫‪13‬‬

‫‪214‬‬
‫وسائل الشيعة ‪478 :11‬‬ ‫‪14‬‬

‫‪15‬‬
‫ما رواه الصدوق مرسالً‪ ،‬قال‪ :‬وقال رسول اهلل(ص) في قول اهلل‬ ‫‪-‬‬
‫عزّوجلّ‪( :‬الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرّاً وعالنية فلهم‬
‫أجرهم عند ربّهم وال خوف عليهم وال هم يحزنون)(البقرة‪)274:‬‬
‫‪15‬‬
‫قال‪« :‬نزلت في النفقة على الخيل‪».‬‬
‫عن االمام جعفر بن محمّد‪ m،‬قال‪« :‬للدابّة على صاحبها ستّة حقوق‪ :‬ال‬
‫يحملها فوق طاقتها‪ ،‬وال يتّخذ ظهرها مجالس‪ m‬يتحدّث عليها‪ ،‬ويبدأ بعلفها إذا‬
‫نزل‪ ،‬وال يَسِمُها وال يضربها في وجهها فإنّها تسبّح‪ ،‬ويعرض عليها الماء إذا‬
‫‪16‬‬
‫مرّ به‪».‬‬
‫عن االمام جعفر بن محمّد‪ m،‬عن آبائه قال‪« :‬ونهى رسول اهلل(ص) عن‬
‫‪17‬‬
‫ضرب وجوه البهائم‪ ،‬ونهى عن قتل النحل‪ ،‬ونهى عن الوسم في وجوه البهائم‪».‬‬
‫قال االمام علي بن ابي طالب‪ :‬قال رسول اهلل(ص)‪ :‬ال يرتدف ثالثة على‬
‫‪18‬‬
‫دابّة فإنّ أحدهم ملعون‪».‬‬
‫السكونيّ بإسناده‪ m‬أنّ النبيّ(ص) أبصر ناقة معقولة وعليها جهازها‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫‪19‬‬
‫«أين صاحبها؟ مروه فليستعدّ غداً للخصومة‪».‬‬
‫عن االمام الصادق قال‪« :‬أقذر الذنوب ثالثة‪ :‬قتل البهيمة‪ ،‬وحبس مهر‬
‫‪20‬‬
‫المرأة‪ ،‬ومنع األجير أجره‪».‬‬
‫عن االمام جعفر بن محمد‘ قال‪« :‬إنّ امرأة عذّبت في هرّة ربطتها حتّى‬
‫‪21‬‬
‫ماتت عطشا‪»ً.‬‬
‫روي عن رسول اهلل(ص) أنّه قال‪« :‬من نقّى شعيراً لفرسه ثمّ قام به‬
‫‪22‬‬
‫حتّى يعلفه عليه كتب اهلل له بكلّ شعيرة حسنة‪».‬‬
‫ما روي عن النبيّ أنّه قال‪ « :‬لعن اهلل من مثّل بالحيوان » وفي رواية‪:‬‬
‫‪23‬‬
‫«لعن اهلل من اتّخذ شيئاً فيه الروح غرضاً‪».‬‬

‫وسائل الشيعة‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪470‬‬ ‫‪15‬‬

‫وسائل الشيعة ‪480 :11‬‬ ‫‪16‬‬

‫وسائل الشيعة ‪ :11‬ص‪)483‬‬ ‫‪17‬‬

‫وسائل الشيعة‪ 495 :11 :‬و ‪496‬‬ ‫‪18‬‬

‫وسائل الشيعة ‪540 :11‬‬ ‫‪19‬‬

‫وسائل الشيعة ‪540 : 11‬‬ ‫‪20‬‬

‫بحار األنوار‪ ،‬ج‪ ،62‬ص‪ ،65‬ح‪24‬‬ ‫‪21‬‬

‫بحار األنوار‪ ،‬ج‪ ،61‬ص‪177‬‬ ‫‪22‬‬

‫نفس المصدر‬ ‫‪23‬‬

‫‪16‬‬
‫وفي نهج البالغة‪« :‬واهلل لو أُعطيت األقاليم السبعة بما تحت أفالكها على‬
‫‪24‬‬
‫أن أعصى اهلل في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت‪».‬‬
‫فيما يكتبه لمن يستعمله على أخذ الصدقات‪ ...« :‬فإذا أخذها أمينك‬
‫فأوعز إليه أال يحول بين ناقة وبين فصيلها‪ ،‬وال يمصّر لبنها فيضرّ ذلك‬
‫بوليدها‪ m،‬وال يجهدنّها ركوباً‪ ،‬وليعدل بين صواحباتها في ذلك وبينها‪ ،‬وليرفّه‬
‫على الالغب‪ ،‬وليستأن بالنقب والظالع‪ ،‬وليوردها ما تمرّ به من الغُدُر‪ m،‬وال‬
‫يعدل بها عن نبت األرض إلى جوادّ الطّرق‪ ،‬وليروّحها في الساعات‪ ،‬وليُمهلها‬
‫عند النطاف واألعشاب حتّى تأتينا‪ m‬بإذن اهلل بُدَّناً مُنقيات غير مُتعبات وال‬
‫‪25‬‬
‫مجهودات‪»...‬‬
‫الرابعة‪ :‬قاعدة اإلسراف‪:‬‬
‫اإلسراف لغة ‪ :‬تجاوز القصد‪ ،‬وفي االصطالح ‪ :‬صرف أكثر مما ينبغي أو‬
‫مجاوزة الحد‪.‬‬
‫وبالرجوع إلى النصوص يُفهم أنّ اإلسراف يتحقّق بأيّ تجاوزعن أيّ حدّ‬
‫من حدود أيّ شيء‪ ،‬وقد ورد عن عبد اهلل بن عمر قال ‪ " :‬مرّ رسول اهلل صلّى‬
‫اهلل عليه وسلّم بسعْد وهو يتوضّأ‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذا السّرف يا سعد؟ فقال‪ :‬أوفي‬
‫الوضوء إسراف؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬وإن كنت على نهر جار‪(.‬سنن ابن ماجة ‪)147 :1‬‬
‫وأيضاً ورد عنه ( صلى اهلل عليه وآله ) ‪" :‬في الوضوء إسراف ‪ ،‬وفي كل‬
‫شئ إسراف" (الجامع الصغير ‪ ، 225 :2‬كنز العمال‪)325 :9‬‬
‫وقد سئل اإلمام الصادق ما أدنى ما يجئ من االسراف ؟ قال ‪ :‬ابتذالك ثوب‬
‫صونك ‪ ،‬وإهراق فضل إنائك ‪ ،‬وأكلك التمر ورميك بالنوى هاهنا وها هنا‬
‫(وسائل الشيعة ‪)51 : 5‬‬
‫وعليه فأنّ شمول قاعدة اإلسراف للتصرفات التي تهدر الثروات البيئية‪ ،‬مما‬
‫هو قطعي‪ ،‬بل شمولها لهذه التصرفات مما هو آکد وأولی من شمولها للمجاوزات‬
‫الساذجة التي قد يرتکبها اإلنسان عند تصرفه في مثل مائه أو غذائه؛ حيث إنّه‬
‫إذا كان مثل هذه المجاوزات العادية الساذجة ممنوعة باعتبارها اسرافاً‪ ،‬فانّ‬
‫کون مجاوزة الحدود األساسية على المستوی البيئي‪-‬والتي قد تسبب حدوث‬
‫االختالل في التوازن البيئي ‪ -‬ممنوعة بطريق أولی وآکد‪.‬‬
‫تطبيقات بيئية‪@:‬‬

‫نهج البالغة‪ ،‬خطبة ‪224‬‬ ‫‪24‬‬

‫‪ 25‬نهج البالغة‪ :‬رسالة ‪25‬‬

‫‪17‬‬
‫وفيما يلي تطبيق للقاعدة على بعض القضايا البيئية‪:‬‬
‫‪ )1‬التعدي إلى األراضي الرطبة ‪ :‬األراضي الرطبة (( ‪ Wetlands‬هي‬
‫المساحات المشبعة بالمياه السطحية أو الجوفية لمدة من الزمن تجعلها‬
‫تدعم حياة النباتات والحيوانات والطيور واألحياء المائية‪ .‬والتعدّي على‬
‫األراضي الرطبة يحصل بما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬تلويثها‬
‫‪ -‬تجفيفها عن طريق نزح المياه‬
‫وبما أنّ التعدّي إليها إهدار لهذا المصدر العظيم الذي يضمّ ثروة سمكية‪m‬‬
‫وحيوانية‪ ،‬فهو من السرف قطعاً‪.‬‬
‫‪ )2‬تلويث البحار من طريق ضخ المواد الكيمائية‪ m‬التي تحتويها نفايات‬
‫التصريف السائلة إليها‬
‫‪ ) 3‬االستغالل المفرط لموارد الطبيعة‬
‫‪ )4‬قطع أشجار الغابات‬
‫الخامسة‪ @:‬قاعدة عدم اإللقاء في الهلکة‪:‬‬
‫يمكن أن يستدل بهذه االية الشريفة "والتلقوا بأيديكم إلى التهلكة"‬
‫إلثبات حرمة تخريب البيئة‪ ،‬بأن يقال ‪ :‬إنّ التهلكة ليس لها حقيقية شرعية‬
‫لكي يتوجّب الرجوع إلى الشرع في تعيين معناها و تحديد دائرة مدلولها سعة‬
‫وضيقاً وتشخيص مصاديقها ومواردها‪ ،‬بل يالحظ للتهلكة الواردة في االية‬
‫ذلك المعنى العرفي الثابت لها فالمتعين الرجوع إلى العرف واللغة‪ ،‬وعند ما‬
‫نرجع إليهما نجدهما يعتبرون لها المعنی الذي يراد من كل مات مثل الهَالك‬
‫وهَلَك والهُلْك وبما أنّ التصرفات المدمّرة للتوازن البيئي‪ -‬والتي يفعلها‬
‫أبناء البشر بأيديهم‪ m-‬تجعل الحياة عرضة للزوال القطعي‪ ،‬فهي تمثّل أبرز‬
‫مصاديق‪ m‬اإللقاء في الهلكة‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫تطبيقات بيئية‪@:‬‬
‫اإلكثار من استخدام األسمدة الكيماوية والمبيدات الحشرية مما يؤدي‬ ‫‪)1‬‬
‫إلى إلحاق الضرر بالخضراوات واألطعمة وإصابة اإلنسان بكثير من‬
‫االضطرابات وخاصة األمراض المعوية‪.‬‬
‫احتراق الوقود‪ :‬مما يزيد من مستوى تلوث الهواء في المناطق الحضرية‬ ‫‪)2‬‬
‫نفايات الصناعية‪ :.‬تنتج المصانع المواد الملوِّثة‪ ،‬ومثاله مصافي النفط‬ ‫‪)3‬‬
‫فهي تنفث كالً من األمونيا والهيدروكربونات واألحماض العضوية‬
‫وأكاسيد‪ m‬الكبريت في الجوف أو مصانع المنتجة لأللومنيوم تنفث غبار‬
‫الفلوريد‪ .‬وهذه النفايات تساهم مساهمة کبيرة في تلوث الهواء‪ ،‬والمواد‬
‫الملوثة لها تأثير في اإلصابة بالسرطان والتهاب الرئة وانتفاخ الرئة‪.‬‬
‫رش الكيميائيات‬ ‫‪)4‬‬
‫حرائق الغابات‬ ‫‪)5‬‬
‫حرائق المنشآت‬ ‫‪)6‬‬
‫إطالق وإيجاد غازات البيت الزجاجي ‪ :‬غازات البيت الزجاجي هي ثاني‬ ‫‪)7‬‬
‫أكسيد الكربون وبخار الماء والميثان واألوزون وأكسيد النيتروز‬
‫والغازات العضوية مثل الكلوروفلوروكربون (‪ ،)CFCs‬وهي غازات‬
‫تنبعث من مصادر التلوث المختلفة مثل المصانع ومحطات توليد الطاقة‬
‫وسائل النقل‪ .‬وهذه الغازات تؤدي إلى ظاهرة تأثير البيت الزجاجي (‬
‫‪ )Greenhouse Effect‬وهي تحدث تأثير غالف حول األرض يسمح‬
‫بدخول أشعة الشمس فتعمل على تسخين األرض فتنبعث من األرض‬
‫موجات حرارية (أشعة تحت حمراء) إلى الفضاء الخارحي‪ ،‬ولكن تمتص‬
‫غازات البيت الزجاجي هذه األشعة تحت الحمراء وتمنع خروج معظمها‬
‫من الغالف الجوي للفضاء الخارجي‪.‬‬
‫السادسة‪ :‬قاعدة النتظيف‪:‬‬
‫إنّ التنظيف وإن لم يسبق له ذکر في الفقه کقاعدة‪ ،‬غير أنّنا عند ما نقارن‬
‫بين ما ورد في الفقه ومصادره حول النظافة‪ ،‬وما برز کقضايا حساسة للبيئة‬
‫حول التجنب عن التلوّث‪ ،‬نتأ ّکد من أنّ اإلسالم طرح التنظيف کفکرة عامّة ذات‬
‫طابع القاعدة‪ ،‬وهذه دعوی تتبيّن صحتها من خالل االلتفات إلى ما يلي‪:‬‬

‫‪19‬‬
‫‪ )1‬األمر بالتنظّف ‪ :‬قال رسول اهلل (صلى اهلل عليه وآله)‪« :‬تنظفوا بكل ما‬
‫استطعتم»‪ ،‬کما ورد عنه (صلى اهلل عليه وآله) أيضاً‪« :‬إن اإلسالم نظيف‬
‫فتنظفوا‪ ،‬فإنه ال يدخل الجنة إال نظيف»‪.‬‬
‫‪ )2‬اعتبار النظافة أساساً بني اإلسالم عليه قال رسول اهلل (صلى اهلل عليه‬
‫وآله)‪« :‬إن اهلل تعالى بنى اإلسالم على النظافة‪ ،‬ولن يدخل الجنة إال كل‬
‫نظيف»‪.‬‬
‫‪ )3‬توسّع اإلسالم من دائرة النظافة عند ما نالحظ مفهوم النظافة في اإلسالم‬
‫نجده واسعاً إلى حدّ يستوعب موارد عدّة ومصاديق متعددة‪ ،‬تجمعها‬
‫النظافة الهوائية والنظافة الترابية والنظافة المائية والنظافة في الجسم‪،‬‬
‫وإليك النصوص التالية‪:‬‬
‫قال رسول اهلل (ص)‪" :‬ال تطيب السكنى إال بثالث‪ :‬الهواء الطيب والماء‬ ‫‪-‬‬
‫‪26‬‬
‫الغزير العذب واألرض الخوارة‪".‬‬
‫ملعون من فعلهن‪ :‬المتغوط في ظل النزال‪ ،‬والمانع الماء المنتاب‪ ،‬وسادّ‬ ‫‪-‬‬
‫‪27‬‬
‫الطريق المسلوك‪.‬‬
‫قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬إن اهلل طيب يحب الطيب‪ ،‬نظيف‬ ‫‪-‬‬
‫يحب النظافة‪ ،‬كريم يحب الكرم‪ ،‬جواد يحب الجود‪ ،‬فنظفوا أفنيتكم وال‬
‫‪28‬‬
‫تشبهوا باليهود تجمع األكباء في دورهم‪».‬‬
‫‪29‬‬
‫عن رسول اهلل (صلى اهلل عليه وآله)‪« :‬إن اهلل يحب الناسك النظيف»‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪30‬‬
‫عن رسول اهلل (صلى اهلل عليه وآله) «من اتخذ ثوبا فلينظفه»‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫عن رسول اهلل (صلى اهلل عليه وآله) «يا عائشة ! اغسلي هذين الثوبين‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪31‬‬
‫أما علمت أن الثوب يسبح‪ m،‬فإذا اتسخ انقطع تسبيحه»‪.‬‬
‫عن رسول اهلل (صلى اهلل عليه وآله) «بيت الشياطين من بيوتكم بيت‬ ‫‪-‬‬
‫‪32‬‬
‫العنكبوت»‪.‬‬

‫تحف العقول‪.320 :‬‬ ‫‪26‬‬

‫وسائل الشيعة‪325 :1‬‬ ‫‪27‬‬

‫سنن الترمذي ‪198 :4‬‬ ‫‪28‬‬

‫الجامع الصغير‪ ،288 :1‬کنزالعمال ‪277 :9‬‬ ‫‪29‬‬

‫وسائل الشيعة‪5:14‬‬ ‫‪30‬‬

‫كنز العمال‪278 :9‬‬ ‫‪31‬‬

‫وسائل الشيعة ‪322 :5‬‬ ‫‪32‬‬

‫‪20‬‬
‫عن رسول اهلل (صلى اهلل عليه وآله) «طهروا هذه األجساد طهركم اهلل‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫فإنه ليس عبد يبيت طاهرا إال بات معه ملك في شعاره‪ ،‬وال يتقلب ساعة‬
‫‪33‬‬
‫من الليل إال قال‪ :‬اللهم اغفر لعبدك فإنه بات طاهراً»‪.‬‬
‫‪34‬‬
‫عن رسول اهلل (صلى اهلل عليه وآله) «بئس العبد القاذورة»‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪35‬‬
‫عن رسول اهلل (صلى اهلل عليه وآله) «هلك المتقذّرون»‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫عن جابر بن عبد اهلل‪ :‬أتانا رسول اهلل (صلى اهلل عليه وآله) فرأى رجال‬ ‫‪-‬‬
‫شعثا قد تفرق شعره‪ ،‬فقال‪« :‬أما كان يجد هذا ما يسكن به شعره ؟ !»‬
‫ورأي رجال آخر عليه ثياب وسخة فقال‪« :‬أما كان هذا يجد ماء يغسل به‬
‫‪36‬‬
‫ثوبه» ؟‬
‫قال رسول اهلل (صلى اهلل عليه وآله) لرجل شعث شعر رأسه‪ ،‬وسخة ثيابه‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪37‬‬
‫سيئة حاله‪« :‬من الدين المتعة وإظهار النعمة»‪.‬‬
‫قال رسول اهلل (‪« :)‬ال تبيتوا القمامة في بيوتكم‪ m‬وأخرجوها نهارا‪ ،‬فإنها‬ ‫‪-‬‬
‫‪38‬‬
‫مقعد الشيطان»‪.‬‬
‫اإلمام علي‪« :‬تنظفوا بالماء من النتن الريح الذي يتأذى به‪ ،‬تعهدوا‬ ‫‪-‬‬
‫أنفسكم‪ ،‬فإن اهلل عز وجل يبغض من عباده‪ m‬القاذورة الذي يتأنف به من‬
‫‪39‬‬
‫جلس إليه»‪.‬‬
‫اإلمام علي‪« :‬النظيف من الثياب يذهب الهم والحزن‪ ،‬وهو طهور‬ ‫‪-‬‬
‫‪40‬‬
‫للصالة»‪.‬‬
‫‪41‬‬
‫اإلمام علي‪« :‬ال تؤوا التراب خلف الباب‪ ،‬فإنه مأوى الشيطان»‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫اإلمام علي‪« :‬نظفوا بيوتكم من حوك العنكبوت‪ ،‬فإن تركه في البيت‬ ‫‪-‬‬
‫‪42‬‬
‫يورث الفقر»‪.‬‬

‫جامع أحاديث الشيعة‪233 :2‬‬ ‫‪33‬‬

‫وسائل الشيعة‪6 :5‬‬ ‫‪34‬‬

‫الجامع الصغير ‪،712 :2‬کنز العمال ‪455 :3‬‬ ‫‪35‬‬

‫المجموع ‪467 :4‬‬ ‫‪36‬‬

‫الكافي ‪439 :6‬‬ ‫‪37‬‬

‫وسائل الشيعة ‪318 :5‬‬ ‫‪38‬‬

‫الخصال‪620 :‬‬ ‫‪39‬‬

‫وسائل الشيعة‪3:346‬‬ ‫‪40‬‬

‫وسائل الشيعة‪318 :5‬‬ ‫‪41‬‬

‫وسائل الشيعة‪322 :5‬‬ ‫‪42‬‬

‫‪21‬‬
‫‪43‬‬
‫اإلمام الباقر‪« :‬كنس البيوت ينفي الفقر»‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪44‬‬
‫اإلمام الصادق‪« :‬غسل اإلناء وكسح الفناء مجلبة للرزق»‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫عن اإلمام الصادق «قال‪ :‬إن اهلل يحب الجمال والتجمل‪ ،‬ويبغض البؤس‬ ‫‪-‬‬
‫والتباؤس‪ ،‬فإن اهلل إذا أنعم على عبده نعمة أحب أن يرى عليه أثرها‪ ،‬قيل‪:‬‬
‫قيل‪ :‬كيف ذلك ؟ قال‪ :‬ينظف ثوبه‪ ،‬ويطيب ريحه‪ ،‬ويجصص داره‪،‬‬
‫‪45‬‬
‫ويكنس أفنيته»‪.‬‬
‫‪46‬‬
‫اإلمام الرضا‪« :‬من أخالق األنبياء التنظف»‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫والحقيقة أنّ المجتمع في صدر اإلسالم حيث كان ساذجاً‪ ،‬لم تستقرّ فيه‬
‫فكرة التنظيف التي كان اإلسالم يصرّ عليها ويعتبرها أساساً بني اإلسالم عليه‪،‬‬
‫بل كان الناس يفهمها كأمر عادي ويطبّقها على مصاديق تتناسب مع الظروف‬
‫االجتماعية آنذاك‪ ،‬أمّا اآلن فباإلمكان أن تحتلّ هذه الفكرة داخل إطار ما استقرّ‬
‫من التوجة الحساس والمهم إلى البيئة‪ ،‬مكانتها وأن تبرز جوهرها‪ ،‬فتلعب دورها‬
‫الذي أراده اإلسالم لها‪.‬‬
‫تطبيقات بيئية‪@:‬‬
‫أمكن تطبيق قاعدة التنظيف علي الكثير من قضايا البيئة‪ ،‬وإليك البعض‬
‫منها‪:‬‬
‫‪ )1‬اإلنتاج األنظف (‪ )Cleaner Production‬هو االعتماد في اإلنتاج‬
‫الصناعي على طرق تتميّز بأنّها‪:‬‬
‫أ) ينتج عنها الحد األدنى الممكن من التلوث‪.‬‬
‫ب) تحقق كفاءة أكبر للعملية اإلنتاجية‪.‬‬
‫ج) تشمل اإلنتاج الحاصل بها استرجاع بعض المخلفات المفيدة في‬
‫العمليةاإلنتاجية بدالً من التخلص منها‪.‬‬
‫د) تحقق فوائد اقتصادية كثيرة‪.‬‬
‫‪ )2‬التحكم في تلوث الهواء (‪)Air pollution control‬‬
‫‪ )3‬عملية التكريك (‪ : )Dredging‬والتي تتمّ باستخدام كراكة في‬
‫الحفر اليصال عمق ميناء إلى مستوى معين‪.‬‬

‫وسائل الشيعة‪317 :5‬‬ ‫‪43‬‬

‫الدعوات للراوندي‪143:‬‬ ‫‪44‬‬

‫وسائل الشيعة‪7 :5‬‬ ‫‪45‬‬

‫وسائل الشيعة‪243 :20‬‬ ‫‪46‬‬

‫‪22‬‬
‫الحدّ من حرق الوقود ‪ :‬وحرق الوقود يلحق البيئة أضراراً فادحة‬ ‫‪)4‬‬
‫کتلويث الهواء وكثرة الضجة وتحويل المناطق الواسعة إلى مناطق‬
‫صناعية‪ ،‬وتلويث األرض وتلويث المياه الجوفية ومياه البحر‪.‬‬
‫الدفن الصحي للمخلفات (‪ : )Sanitary Landfilling‬هو عبارة عن‬ ‫‪)5‬‬
‫عملية ملء حيز معين من األرض بالمخلفات وتخزينها في هذا الحيز إلى‬
‫أن يتم تحللها إلى المواد األولية فيرتفع خطرها‪.‬‬
‫للدفن الصحي أنواع کما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬الدفن الصحي للقمامة‬
‫‪ -‬الدفن الصحي للمخلفات الخطرة‬
‫‪ -‬الدفن الصحي للمخلفات الصناعية‬
‫الدفن الصحي للمخلفات ذات طابع خاص‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪23‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫حكم عمران األرض‬
‫حكم العمران هو الوجوب ‪ ،‬وذلك لما يلي من القواعد‪:‬‬
‫األولى‪ :‬قاعدة إخراج العاطل من حيز العطلة‬
‫وقد ذكر هذه القاعدة صاحب المسالك مستدالَ بها على إثبات کون‬
‫إخراج األرض من حيز العطلة– والتي هي حالة مواتها‪ -‬إلى حيز العمارة أمراً‬
‫‪47‬‬
‫راجحاً شرعاً‪.‬‬
‫تطبيقات بيئية‪@:‬‬
‫وهذه القاعدة لها قابلية عظيمة لالستناد إليها عند مواجهة بعض القضايا‬
‫البيئية وفي تعيين أحكامها الشرعية‪ ،‬ويمكن أن نمثل لذلك بموردين‪:‬‬
‫‪ )1‬إعادة التصنيع (‪)recycling‬‬
‫وهي عملية استرجاع بعض المواد من المخلفات من خالل فصلها أوّالً‪،‬‬
‫وإعادة تصنيعها ثانياً‪ .‬وهذه ممّا تشملها قاعدة إخراج العاطل من حيز العطلة‪،‬‬
‫وكما هو معلوم تلعب هي (أي‪ :‬إعادة تصنيع الفضالت والنفايات) دوراً مؤثّراً‬
‫في عملية التجنب عن التلوث البيئي‪ ،‬وذلك من جهة‪:‬‬
‫أنّها تبعد البيئة من المواد السامة‬ ‫أ)‬
‫أنّها تقلّل انسياب المواد واستهالك الطاقة‬ ‫ب)‬
‫أنّها تحمي أماكن رمي المخلفات والنفايات‪.‬‬ ‫ج)‬
‫أنّها استرجاع كميات من المخلفات‬ ‫د)‬
‫والجدير بالذكر أنّ مثل البالستيك واأللومنيوم والورق والحديد‪ ،‬من‬
‫أكثر المواد التي يتم إعادة تصنيعها ‪.‬‬
‫‪ )2‬مكافحة التصحّر ومحاولة إعادة األرض على ما كانت عليه من صالحية‬
‫للزراعة‬
‫الثانية‪ :‬قاعدة االعمار‬
‫إنّ هذه القاعدة‪ ،‬تستفاد من اآلية الشريفة ﴿هو أنشأكم من األرض‬
‫واستعمركم فيها﴾ وهي تمثّل أهمّ وأوسع القواعد القابلة للتطبيق على‬
‫القضايا البيئية‪.‬‬

‫مسالك األفهام ج ‪391 – 12:389‬‬ ‫‪47‬‬

‫‪24‬‬
‫وللوصول إلى الواقع المضموني لهذه القاعدة والقابلية الكامنة فيها من‬
‫حيث القدرة على إجابة متطلّبات البيئة‪ ،‬وحل مشاكل ها‪،‬ينبغي الرجوع إلى‬
‫اآلية وتحليل مدلولها‪ m،‬فنقول ‪ :‬إنّ هذه اآلية‪:‬‬
‫أوّالً ‪ :‬تدلّ على وجوب اإلعمار؛ حيث إنّ الظاهر من الطلب المتوجه‬
‫‪48‬‬
‫من اهلل سبحانه إلى اإلنسان كون الطلب حاصالً على وجه اإليجاب‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬تدل علي أنّ الذي أمر اهلل سبحانه هو العمران الشامل ‪ ،‬وهذا‬
‫الشمول من جهات ثالث‪:‬‬
‫الجهة األولى ‪ :‬الشمولية المكانية ‪ ،‬بمعنی شمول واستيعاب دائرة ما أُمِر‬
‫بإعماره‪ m‬لجميع سطح الكرة األرضية ‘ وهذا ما يستفاد من اطالق العمران ‘ وهذا‬
‫اإلطالق يقتضي أن ال يقتصر اإلنسان في إعمار األرض على جزء خاص منها‬
‫دون آخر‪.‬‬
‫الجهة الثانية‪ :‬الشمولية المتمثلة في مراتب اإلعمار‘ بمعنى شمولية األمر‬
‫باإلعمار لجميع المراتب والمستويات من اإلعمار‪.‬‬
‫وهذه الشمولية أمكن إثباتها بالتمسّك بعدّة وجوه‪ ،‬وهي ‪:‬‬
‫ال يوجد نصّ يدلّ على االقتصار في اإلعمار على مرتبة خاصة من غير‬ ‫‪)1‬‬
‫زيادة عليها‪ ،‬بل يوجد العكس ‪ ،‬وهو ما سيأتي توضيحه كوجه ثان‪.‬‬
‫إطالق اآلية الشريفة ‘ ونقول في توضيح ذلك‪ :‬إنّه كما يدلّ إطالق‬ ‫‪)2‬‬
‫اآلية على اتّساع دائرة ما أمر بإعماره‪ m‬إلى ما يستوعب جميع األرض‪،‬‬
‫فكذلك يدلّ إطالقها على أنّ كل مرتبة من مراتب إعمار األرض داخلة‬
‫تحت هذا الشمول ‪ ،‬فتعميق عملية اإلعمار والتوسّع فيها ليشمل ما أمكن‬
‫من جميع المستويات أمر داخل في هذا اإلطالق‪.‬‬
‫ما قيل بأنّ الشارع أمَر باالقتصار على المراتب البدائية لإلعمار(‬ ‫‪)3‬‬
‫كاالكتفاء بغرس الأشجار وأمثاله )‪ ،‬ولم يسمح للناس بالتوسّع في‬
‫إعمار اآلرض‪ ،‬واالرتقاء بمستوی االستغالل المطلوب‪ ،‬واالستفادة من‬
‫جميع الفرص المتاحة واإلمكانيات الكامنة فيها ‪ ،‬مرفوض ومردود ‪ ،‬إذ‬
‫يعني أن المطلوب للشارع لزوم محاولة إبقاء المجتمع االنساني على‬
‫سذاجته ‪ ،‬وأنّه اليجوِّز للناس من دفع عجلة تطور قابليات وإمکانيات‬
‫الحياة إلى األمام‪.‬‬

‫أنظر‪ :‬تفسير النسفي ‪ ‘31 : 2‬تفسير النيسابوري ‪313 :4‬‬ ‫‪48‬‬

‫‪25‬‬
‫إنّ أوّل إعمار قام اإلنسان به على األرض ارتقى به – شاء أم لم يشأ ‪-‬‬ ‫‪)4‬‬
‫إلى مرتبة حدثت له حاجات جديدة‪ ،‬وتلك الحاجات بدورها تطلّبت‬
‫إعماراً جديداً ومتطوّراً‪ ،‬وبعد إنجازه ظهرت حاجات جديدة أخرى‬
‫متطوّرة ‘ وهي بدورها تطلّبت زيادة في مستوی اإلعمار وتطويره ‘‬
‫وهذا التطور الحاصل في اإلعمار أيضاً خلق مرتبة جديدة من الحاجات‬
‫‪ ...‬وهكذا ‪ .‬فتصوّر صدور األمر الشرعي بالتوقّف في مرتبة يعني عدم‬
‫مسايرة الشرع مع الزمن ‘ وكونه غافالَ عن الواقع للحياة‪.‬‬
‫الجهة الثالثة‪ :‬الشمولية األزمانية‪ :‬وذلك مستفاد من عموم الخطاب لكل‬
‫األجيال‪ ،‬فليس من خوطب بها جيل دون جيل ‪ ،‬وعليه ليس عمران األرض في‬
‫زمان دون زمان هو المطلوب للشارع ‪.‬‬
‫وإذا قبلنا ذلك ‘ نحصل على نتيجة‘وهي أن العمران الذي يقوم به كل‬
‫جيل‘ مقيد بأن ال ينتهي إلى حرمان األجيال القادمة من التمكن من العمران‪.‬‬
‫وبتعبير آخر ‪ :‬انّ الذي قد أمر اهلل سبحانه به في اآلية المشارإليها ‪ ،‬هو‬
‫العمران المستدام‪ ،‬ال كل ما يطلق عليه العمران‪ ،‬والمقصود من العمران‬
‫المستدام‪ ،‬ما لو حقّقه في زمن جيل من األجيال‪ ،‬فهو ال يعدم األرضية لألجيال‬
‫التي تأتي من بعده‪ m،‬بل األمر أکثر من ذلك؛ أي‪ :‬ليس فقط يفسح المجال‬
‫لألجيال القادمة في أن يقوموا بالعمران‪ ،‬بل يلعب دوراً إيجابياً للمستقبل‪،‬‬
‫ويمهّد األرضية للقادمين في القيام بعمرانها‪ .‬والعمران المستدام في واقعه هو‬
‫ما يسمّى اليوم بالتنمية المستدامة‪ ،‬وقد عرّفت التنمية المستدامة بأنها هى‬
‫التى تلبّى حاجات الحاضر دون التفريط فى تأمين حاجات أجيال المستقبل‪ .‬إنّ‬
‫التنمية المستدامة هي الطريق الوحيد للجمع بين متطلّبات واقتضائات عملية‬
‫رفع ومكافحة الفقر من جهة‪ ،‬وبين احتياجات ومتطلّبات حماية البيئة‬
‫ومحافظتها من التخريب من جهة أخری‪ .‬امّا التنمية غير المستدامة ‪ ،‬فهي‬
‫على العكس من ذلك ؛ إذ توقِع الضرر بالبيئة وتسبّب تلوث مواردها وتنتج‬
‫مشكالت عديدة فيها‪.‬‬
‫ويمكن باالستناد إلى هذه القاعدة إثبات ثالثة أحكام‪:‬‬
‫وجوب القيام بالممارسات االعمارية‪.‬‬ ‫‪)1‬‬
‫حرمة تخريب األرض‬ ‫‪)2‬‬

‫‪26‬‬
‫وجوب مكافحة الظواهر والممارسات المضرة بالبيئة والمهدرة للثروات‬ ‫‪)3‬‬
‫الطبيعية ‪ ،‬كاالستغالل المفرط لموارد الطبيعة وتلويث األجواء‬
‫واألنهار والبحار وحرق الوقود وقطع أشجار الغابات وقضايا أخرى على‬
‫هذا المستوى‪.‬‬
‫ويندرج تحت ذلك عملية الحفاظ على الطبيئة‘ ويمكن أن نوجز محاولة‬
‫الحفاظ عليها كما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬الحفاظ على األراضي عن طريق المحافظة على الغابات و محاربة التصحر و‬
‫الجفاف‬
‫‪ -‬الحفاظ على الحياة البرية والبحرية الحيوانية والنباتات‬
‫‪ -‬الحفاظ على المياه‬
‫‪ -‬الحفاظ على الهواء‬
‫أما صحة االستناد إلى القاعدة إلثبات األول( وجوب القيام بالممارسات‬
‫االعمارية ) فهي واضحة ‪ ،‬وأما صحة االستناد إليها إلثبات الثاني( حرمة‬
‫تخريب األرض ) والثالث( وجوب مكافحة الممارسات المضرة بالبيئة والمهدرة‬
‫للثروات ) فألجل أننا إذا قلنا بوجوب إعمار األرض‪ ،‬فال محيص لنا عن القول‬
‫بثبوت حكمين آخرين بطريق أولى ‪ ،‬وهما هذان الحكمان المشار إليهما‪.‬‬
‫وكما هو معلوم أن كال من هذه األحكام الثالثة ‪ ،‬تندرج تحته حكم الكثير‬
‫من القضايا البيئية جدا‘ غير أن الذي جدير بالعناية أكثر‘ أهمية الحكم‬
‫الثالث ‪ ،‬إذ يتوجب علينا على أساس هذا الحكم مكافحة كل ممارسة وظاهرة‬
‫توقع أضرارا على البيئة ولو على مستقبلها وعلى األجيال القادمة بشكل جدي ‪،‬‬
‫وقبول ذلك يجعلنا أن نذهب الى أكثر من مكافحة ممارسات مثل قطع‬
‫األشجار وتلويث االجواء و‪ ...‬وأن نكافح حتى تلك الظواهر التي تضر بالبيئة‬
‫كالفقر‘ وعليه تبرز عملية الحد من انتشار الفقر كوظيفة شرعية على األمة‬
‫الإلسالمية‘ ال فقط من جهة أن ازالة الفقر في حد نفسها مما قد أمر بها الشارع‬
‫‘ بل من جهة كون الفقر له مساس بالبيئة وذلك لما يلي ‪:‬‬
‫الفقر يساهم مساهمة فعّالة في تدمير البيئة ‪:‬‬ ‫(أ)‬
‫إنّ عدم امتالك المجموعات الفقيرة للوسائل التكنولوجية والعلمية يجعلها‬
‫أن تواصل حياتها من طريق اإلفراط في صيد األسماك والحيوانات البحرية و‬
‫التركيز على ممارسات مثل قطع أشجار الغابات و‪.....‬استعمال األخشاب في‬

‫‪27‬‬
‫التدفئة والوقود وفي مثل هذه األعمال إهدار للثروات الطبيعية والزيادة من‬
‫التلوث في األجواء واألنهار والبحار‪ ،‬وإهدار الثروات الطبيعية وزيادة التلوث‬
‫تدمير للبيئة‪ ،‬وهذا يعني‪.‬‬
‫(ب) التركيز على تحصيل الفوائد المضمونة على المدى القصير ‪:‬‬
‫إنّ الفقر يسبّب محاولة تركيز اإلنسان على سد احتياجاته الحالية‬
‫وترجيحها على حاجاته المستقبلية‪ ،‬وهذه المحاولة لو استقرّت فهي تخلق‬
‫أجواء يندفع فيها اإلنسان من جهة على التصرّف اإلفراطي وغير السليم في‬
‫الطبيعة واستخدام غير مستديم‪ m‬لمواردها‪ ،‬ومن جهة أخری على تقليل‬
‫اإلنتاجية‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬قاعدة صرف األرض في ما خلقت له‬
‫ذكر الشهيد الثاني هذه القاعدة واعتبر أنّ األرض خلقت لالنتفاع بها وبما‬
‫تشتمل عليه من المعادن وغيرها‪ ،‬فكان ترك عمارتها صرفاً لها في غير ما خلقت‬
‫له‪ 49.‬وهذه القاعدة كثير النفع في حل الكثير من قضايا البيئة‪ ،‬كما سيتضح‪.‬‬

‫مسالك األفهام ‪391 – 389 :12‬‬ ‫‪49‬‬

‫‪28‬‬
‫تطبيقات بيئية‪@:‬‬
‫‪ )1‬التصحّر ‪ :‬وقد عُرّف التصحّر بأنّه ظهور حالة النقص في قدرة اإلنتاج‬
‫البيولوجي لألرض‪ ،‬من خالل ما يحصل فيها من فقدان التربة الفوقية‬
‫ابتداء‪ ،‬وفقدان القدرة على اإلنتاج الزراعي نهايةً‪.‬‬
‫والتصحّر من المشكالت التي تترك نتائج خطرة على الحياة االقتصادية‬
‫للعالم‪ ،‬سيما البلدان التي تعاني منها؛ إذ هو في واقعه عبارة عن تداني الطاقة‬
‫الحيوية لألرض وانخفاض التنوع البيئي فيها‪ ،‬ومثل هذه المشكل ة تؤثّر تأثيراً‬
‫سلبياً كبيراً على الحياة الحيوانية‪ ،‬وإعالة الوجود البشري‪.‬‬
‫وبااللتفات إلى نكتتين تتضح أبعاد فداحة وعمق خطورة مشكل ة التصحر‪:‬‬
‫األولى ‪ :‬أنّ ثلث األراضي من کرة األرض عرضة للتصحر ‪ .‬فما من عام إال‬
‫وأن تتحول فيه مساحات واسعة هي حوالي ‪ 691‬كيلومتر مربع من األراضي‬
‫الخصبة إلى مساحات جافة‪ ،‬وتبلغ أبعاد هذا الخطر إلى حدّ أصبحت حوالي‬
‫الثلث من أراضي األرض عرضة للتصحر ‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬بطء عملية تكوّن التربة ‪ :‬إن عملية تكوّن التربة بطيئة جدآ إلى‬
‫حدّ قد يستغرق تكوّن طبقة من التربة ما يقرب من ‪1000‬سنة أو أکثر‪.‬‬
‫و على أي حال تقتضي قاعدة " صرف األرض فيما خلقت له" أن تتعاون‬
‫الدول اإلسالمية بعضها مع البعض في إعداد برامج مناسبة‪ m‬لمكافحة التصحر‬
‫سواء على مستوی أن تتخذ إجراءات الزمة للوقاية منه‪ ،‬أو أن تحاول التخفيف‬
‫من حدة آثار ما وقع منه‪.‬‬
‫والحقيقة أنّ الفقهاء الماضين بما أنّه لم تتجلّ في عصرهم المعلومات‬
‫البيئية ‪ -‬والتي ظهرت أخيراً وانكشفت بها حقائق علمية عظيمة‪ ،‬ومنها وجود‬
‫الخطر في تعطيل األرض‪ -‬لم يطرحوا على طاولة البحث موضوع تعطيل‬
‫األرض إال قليالًً‪ ،‬وكان أكثر ما يقولونه فيه إنّه مكروه‪ ،‬بل منهم مَن يعتقد‬
‫أنّ ترك الزراعة ليس تعطيالً لها‪ ،‬يقول أحد الفقهاء‪:‬‬
‫"واألَرض إذا تركت بغير زرعٍ لم تتعطَّل منفعتها‪ ،‬فإِنها قد تنبِت مِن‬
‫‪50‬‬
‫الحطبِ والحشِيش وسائر الكإلِ ما ينفع في الرّعي وغيره‪".‬‬

‫نيل االوطار ‪30 :9‬‬ ‫‪50‬‬

‫‪29‬‬
‫وهذا الكالم وإن كان موجّهاً بالنسبة‪ m‬إلى بعض الحاالت النادرة والجزئية‪،‬‬
‫غير أنّه ليس صحيحاً على المستوی النوعي وطبق المعلومات العلمية‬
‫الجديدة‪m.‬‬
‫‪ )2‬التشجير في المناطق الجافة (‪)Afforestation‬‬
‫‪ )3‬عملية تحسين وإعداد األرض(‪)improvement land‬‬
‫الرابعة‪ :‬التخضير‬
‫بالرجوع إلى الفقه ومصادره نواجه أحكاماً متعددة ومنتشرة يجمعها‬
‫عنوان التخضير‪ .‬وبما أنّ هذه األحكام كثيرة‪ ،‬أمكن القول أنّه قد يصل األنسان‬
‫من خالل النظر في تلك األحكام إلى أن التخضير ممّا يصدق عليه عنوان‬
‫الضابطة الفقهية‪.‬‬
‫وفيما يلي ذكر لما أمكن إدراجه تحت عنوان التخضير‪:‬‬
‫‪ -1‬غرس الشجر‬
‫وقد وردت في المجاميع الروائية نصوص تدل عليه‪ ،‬وفيما يلي ذكر‬
‫بعضها‪:‬‬
‫عن أبي أيوب األنصاري‪ :‬أن رسول اهلل (صلى اهلل عليه وآله)‪ ،‬قال‪ " :‬من‬ ‫‪-‬‬
‫‪51‬‬
‫غرس غرساً فأثمر‪ ،‬أعطاه اهلل من االجر قدر ما يخرج من الثمرة "‬
‫عن أنس بن مالك‪ :‬أن رسول اهلل (صلى اهلل عليه وآله)‪ ،‬قال‪ " :‬إن قامت‬ ‫‪-‬‬
‫الساعة وفي يد أحدكم‪ m‬الفسيلة‪ ،‬فإن استطاع أن ال تقوم الساعة حتى‬
‫‪52‬‬
‫يغرسها فليغرسها "‪.‬‬
‫قال رسول اهلل (صلى اهلل عليه وآله)‪ " :‬من‪...‬غرس غرساً بغير ظلم وال‬ ‫‪-‬‬
‫‪53‬‬
‫اعتداء‪ ،‬كان له أجرا جاريا ما انتفع به أحد من خلق الرحمن "‪.‬‬
‫عن أنس بن مالك قال قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬ان قامت الساعة‬ ‫‪-‬‬
‫‪54‬‬
‫بيد أحدكم‪ m‬فسيلة فان استطاع ان ال يقوم حتى يغرسها فليفعل»‪.‬‬

‫مستدرك الوسائل ‪ ،460 :13‬جامع أحاديث الشيعة ‪ ،431 :18‬كنز العمال ‪:3‬‬ ‫‪51‬‬

‫‪896‬‬
‫مسند االمام حنبل ‪ ،191 :3‬مستدرك الوسائل ‪ ،460 :13‬الجامع الصغير ‪:1‬‬ ‫‪52‬‬

‫‪409‬‬
‫مستدرك الوسائل ‪ ،460 :13‬جامع أحاديث الشيعة‪431 :18‬‬ ‫‪53‬‬

‫مسند اإلمام احمد بن حنبل ‪ ،191 :3‬مجمع الزائد ‪63 :4‬‬ ‫‪54‬‬

‫‪30‬‬
‫عنه (صلى اهلل عليه وآله)‪« :‬من نصب شجرة وصبر على حفظها والقيام‬ ‫‪-‬‬
‫‪55‬‬
‫عليها حتى تثمر‪ ،‬كان له في كل شئ يصاب من ثمرها صدقة عند اهلل»‪.‬‬
‫‪ -2‬سقي الشجر‬
‫عن أبي سعيد الخدري‪ ،‬عن النبي صلى اهلل عليه وآله ‪ -‬في حديث ‪ -‬قال‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪56‬‬
‫«من سقى طلحة أو سدرة فكأنما سقى مؤمنا من ظمأ»‪.‬‬
‫‪ – 3‬الزراعة‬
‫ســـئل رسول اهلل‪ ،‬أي المال خير ؟ قال زرع زرعه صاحبه وأصحله وأدى‬ ‫‪-‬‬
‫‪57‬‬
‫حقه يوم حصاده "‪.‬‬
‫عن الإمام جعفر بن محمد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ " ::‬ما في االعمال شئ أحب إلى‬ ‫‪-‬‬
‫اهلل تعالى من الزراعة‪ ،‬وما بعث اهلل نبيا إال زراعا‪ ،‬إال إدريس (عليه‬
‫‪58‬‬
‫الســـــالم) فإنه كان خياطا "‪.‬‬
‫عن يزيد بن هارون الواسطي قال‪ :‬سألت جعفر بن محمد عليهما الســـالم‬ ‫‪-‬‬
‫عن الفالحين ؟ فقال‪« :‬هم الزارعون كنوز اهلل في أرضه‪ ،‬وما في االعمال‬
‫شئ أحب إلى اهلل من الزراعة‪ ،‬وما بعث اهلل نبيا إال زراعا‪ ،‬إال إدريس عليه‬
‫‪59‬‬
‫السالم فإنه كان خياطا‪.»m‬‬
‫عن اإلمام الصادق‪ ،‬قال‪« :‬إن أمير المؤمنين كان يخرج ومعه أحمال‬ ‫‪-‬‬
‫النوى‪ ،‬فيقال له يا أبا الحسن ما هذا معك ؟ فيقول‪ :‬نخل إن شاء اهلل‪،‬‬
‫‪60‬‬
‫فيغرسه فلم يغادر منه واحدة»‪.‬‬
‫تطبيقات بيئية‪@:‬‬
‫ضابطة التشجير تعالج الکثير من قضايا البيئة‪ ،‬وفيما يلي إشارة إلى‬
‫بعضها‪:‬‬
‫‪ )1‬التجنب من إزالة الغابات‬
‫إنّ األعمال التي تنتهي إلى زوال الغابات(‪ )Deforestation‬من قطع‬
‫األشجار الستخدام األخشاب في األغراض الصناعية واإلنشاءات‪ ،‬أو حرقها‬

‫كنز العمال ‪897 :3‬‬ ‫‪55‬‬

‫وسائل الشيعة ‪42 :17‬‬ ‫‪56‬‬

‫وسائل الشيعة ‪537 :11‬‬ ‫‪57‬‬

‫مستدرك الوسائل ‪26 :13‬‬ ‫‪58‬‬

‫وسائل الشيعة ‪42 :17‬‬ ‫‪59‬‬

‫وسائل الشيعة ‪41 :17‬‬ ‫‪60‬‬

‫‪31‬‬
‫وإزالتها الستغالل أراضي الغابات بهدف البناء فيها‪ ،‬مما هو على خالف‬
‫التخضير الذي أ ّکد عليه اإلسالم‪.‬‬
‫‪ )2‬التشجير في المناطق الجافة (‪)afforestation‬‬
‫‪ )3‬اخراج المياه اإلضافية من األراضي(‪)land drainage‬‬
‫‪ )4‬تحسين األراضي (‪)land improvement‬‬

‫‪32‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫حكم كسب المعلومات عن البيئة‬
‫هنالك قاعدة أصولية‪ ،‬وهي أنّه كل ما كان تنجُّز الوظائف الشرعية‬
‫على المكلف متوقّفاً على العلم بها‪ ،‬فانّ تحصيل هذا العلم واجب‪ ،‬وقد سمّوا‬
‫مثل هذا الوجوب بالوجوب الطريقي‪ .‬وعليه فالوجوب الطريقي هو الذي لواله‬
‫لما تنجّز التكليف الشرعي على المكل ف لجهله به‪.‬‬
‫وقد يستند إلثبات هذا الوجوب بما روي من أنّه ‪" :‬يؤتى بالعبد يوم‬
‫‪61‬‬
‫القيامة فيقال له‪ :‬هال عملت؟ فيقول‪ :‬ما علمت‪ ،‬فيقال له ‪ :‬هال تعلمت؟ "‪.‬‬
‫وهناك سؤال ‪ ،‬هل يثبت الوجوب الطريقي بنحو مطلق في كل موارد‬
‫توقّف تنجز التكاليف على العلم ؟ أم يثبت ما إذا وُجد الدليل عليه ؟ ال ندخل‬
‫في اإلجابة على هذا السؤال ونتركها لمجالها‪ m‬المناسب لها‪.‬‬
‫والحقيقة أنّ هذا الوجوب الطريقي ثابت لتحصيل العلم والوعي بالبيئة‬
‫وقضاياها ومشاكل ها ‪ ،‬وال أقلّ على قدر الحاجة وبمقدار المكانة االجتماعية‬
‫لألشخاص ودورهم في أدارة المؤسسات‪ ،‬حيث إنّ الخطر الذي يهدد البيئة من‬
‫ناحية الجهل بها عظيم قد يسبّب وقوع أضرار فادحة على المجتمع‪ ،‬وليس‬
‫مقبوالً من األنسان عذره في إيقاع األضرار على نفسه أو مجتمعه بکونه‬
‫جاهالً بها‪.‬‬
‫والجدير ذكره أنّ موضوع هذا الوجوب هو كسب المعلومات عن البيئة ال‬
‫نشر مثل هذه المعلومات‪ ،‬وبتعبير آخر هذا الحكم متوجه إلى المكل ف نفسه‪،‬‬
‫وهو ثابت عليه‪ ،‬فيجب تحصيل هذ ه المعلومات‪ ،‬أمّا نشر الوعي والعلم على‬
‫الآخرين فانّ وجوبه – وال أقلّ في بعض الموارد – يثبت من طريق آخر‪ ،‬مثل‬
‫أدلّة وجوب إرشاد اآلخرين أو وجب المعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬
‫وفيما يلي محاور ما يتوجّب على اإلنسان تحصيل العلم والوعي به‪:‬‬
‫كسب المعلومات عن أضرار الملوِّثات وآثارها المهدّمة للبيئة‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫كسب المعلومات عن السبل الفنية المتاحة لمحافظة البيئة من‬ ‫‪-2‬‬
‫الملوثات أومحاربة ما يتركها من آثار‪.‬‬
‫محاولة تنمية المهارات والقدرات للمساهمة الفعالة في دفع ما قد‬ ‫‪-3‬‬
‫تتعرض له البيئة من مخاطر ومشاكل ‪.‬‬

‫أمالي الطوسي ‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪9‬‬ ‫‪61‬‬

‫‪33‬‬
‫محاولة تحسين الفهم لتقييم المحيط البيوفيزيائي‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫محاولة التزويد بالمعلومات االزمة للتفاعل مع عناصر الطبيعة‬ ‫‪-5‬‬
‫البيولوجية‪.‬‬
‫محاولة التزويد بالمعارف والقيم والكفاءات التي تمكّن الشخص من‬ ‫‪-6‬‬
‫حلّ المشكالت البيئية الحالية و المستقبلية‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫المبحث الرابع‬
‫حكم عقد االتفاقيات مع سائر الدول حول قضايا البيئة@‬
‫وهذا الحكم يتضح من خالل القاعدتين التاليتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬قاعدة التعاون على الب ّر‬
‫يمكن االستدالل باآلية الشريفة‪﴿ ،‬تعاونوا على البر والتقوی﴾ إلثبات‬
‫ضرورة القيام بالتعاون مع الدول والمنظمات والمؤسسات اإلقليمية والدولية‬
‫في المجاالت البيئية‪ .‬وهذا االستدالل يتمّ بذکر مقدمّتين‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫أوّالً‪ :‬أنّ التعاون مع الدول والمنظّمات الدولية في مجال البيئة من‬
‫مصاديق‪ m‬البرّ‬
‫ثانياً‪ :‬أنّ التعاون على البرّ الزم بدليل وقوعه متعلَّقاً ألمره سبحانه‬
‫والنتيجة أنّه يتوجّب على المسلمين متابعة ودعم التعاون مع العالم كل ه‬
‫في الحقول المتعلّقة بحماية البيئة‪ ،‬مثل العضوية في المنظمات الدولية‬
‫الناشطة في المجال البيئي‪ ،‬والتصديق على الوثائق الدولية والإقليمية المتعلقّة‬
‫بالقضايا البيئية‪ ،‬والمشاركة في إعداد وإبرام اتفاقيات دولية للحدّ من تلوّث‬
‫البيئة‪ ،‬وتبادل الخبرات والمعلومات‪ ،‬وتنسيق الخطط والمشروعات‪ ،‬وإجراء‬
‫البحوث و الدراسات في الجوانب ذات العالقة بالبيئة‪.‬‬
‫إنّ المقدّمة الثانية في غنى عن التوضيح واإلثبات كما هو معلوم‪ ،‬ولكنّ‬
‫المقدّمة األولی بحاجة إلى اإلثبات‪ .‬والسؤال الذي نواجهه في هذا المجال ما‬
‫هي عالقة التعاون مع بلدان تُعدّ أکثرها غير إسالمية بمقولة البرّ التي قورن‬
‫في اآلية بينها وبين التقوی؟‬
‫الحقيقة أنّ الحفاظ على البيئة من مصاديق البرّ‪ ،‬بل من أبرز وأهمّها ال‬
‫من جهة التركيز على التعاون مع الدول بما هو التعاون معها‪ ،‬بل من جهة أنّ‬
‫تخريب البيئة سينجرّ إلى التدهور البيئي للمسلمين‪ ،‬ووقوع األضرار الفادحة‬
‫بهم‪ ،‬وأي برّ أقوی وأعظم من النشاطات الساعية في مجال حفظ البيئة؟‬
‫الثانية‪ :‬قاعدة إقامة المعروف‬
‫بعد اإلذعان بأهمية المعروف ووجوب إقامته في اإلسالم‪ -‬المستفادين من‬
‫آية "وامر بالمعروف" واآليات واألدلّة األخرى ‪ -‬نقول‪ :‬إنّ المعروف ينقسم‬
‫إلى قسمين‪:‬‬
‫المعروف الذي يخص المسلمين‬ ‫‪-1‬‬

‫‪35‬‬
‫المعروف الذي يعمّ المسلمين وغيرهم‬ ‫‪-2‬‬
‫والقسم الثاني ينقسم نفسه إلى قسمين‪:‬‬
‫ما ال يتوقف تحقيقه في المجتمع اإلسالمي على التعامل مع غير‬ ‫‪-‬‬
‫المسلمين‬
‫ما يتوقف تحقيقه في المجتمع اإلسالمي على التعامل معهم‬ ‫‪-‬‬
‫وكما هو معلوم انّ الحفاظ الكامل على البيئة في العالم من القسم األخير‬
‫من المعروف‪ ،‬وعليه كانت إقامته – والتي هي واجبة على المسلمين ‪ -‬تعني‬
‫اإلقدام على كل عملية ومحاولة تنتهي إلى استقرار هذا المعروف عن طريق‬
‫توسيع مساحة االهتمام بكل ما يتعلق بالبيئة على المستوی العالمي‪،‬‬
‫كالدخول في اتفاقيات التعاون مع دول العالم في المجال البيئي أو قبول‬
‫البروتوكالت البيئية العالمية‪ ،‬أو المشاركة في الندوات ذات الطابع البيئي‪ ،‬أو‬
‫المساهمة في إنجاز المشاريع العالمية القادرة على إحداث المنافع البيئية للكل‬
‫‪ ،‬السيما للدول اإلسالمية‪.‬‬

‫‪36‬‬

You might also like