You are on page 1of 129

‫‪ 360‬كانون الثاني ‪2019‬‬

‫نحو ثقافة مدن ّية‬

‫رئيس التحرير‬
‫د‪ .‬سمير قطامي‬
‫مديرة التحرير‬
‫الرب‬
‫مجدولين أبو ُّ‬
‫سكرتيرة التحرير‬
‫منال حمدي‬

‫هيئة التحرير‬
‫د‪ .‬غسان عبد الخالق‬
‫د‪ .‬خالد الحمزة‬
‫د‪ .‬خلدون امنيعم‬
‫نضال برقان‬
‫يل‪:‬‬
‫» تأمل هيئة تحرير المجلة من الكُ ّتاب مراعاة ما ي‬ ‫للن� ف ي� «‬
‫ش‬
‫لغ�‬
‫السفر ي‬ ‫ت‬
‫اإلخراج الف ّني‬ ‫الشخصية‪ ،‬أو صورة لجواز ّ‬ ‫ّ‬ ‫ونيا مشفوعة بصورة عن الهويّة‬ ‫‪ -‬ترسل المادة المطبوعة إلك� ً‬
‫ال�يد إ ت ف‬ ‫ال ي ف‬ ‫أ‬
‫محمد خضير‬ ‫و� للمجلة‪.‬‬
‫اللك� ي‬ ‫ردني� عل عنوان ب‬
‫‪ّ -‬أل تكون المادة قد شن�ت سابقاً‪.‬‬
‫القىص‪.‬‬‫‪ّ -‬أل يتجاوز عدد كلمات المادة ‪ 1500‬كلمة ف� حدها أ‬
‫ي ّ‬
‫يمكن تصفح المجلة عل موقع الوزارة‪:‬‬ ‫‪ -‬الصور المرسلة للمادة يجب أن تكون عالية الدقة والوضوح عل أن ل تقل عن ‪.MB 00 .1‬‬
‫‪www. culture. gov. jo‬‬ ‫للن� أو العتذار عن عدم شن�ها‪.‬‬ ‫المخولة بقبول المادة ش‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬هيئة التحرير هي الجهة‬
‫ش‬
‫ال� تن�ها ويشمل هذا الحق الطباعة الورقية والن�‬ ‫ش‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫اليداع لدى دائرة المكتبة الوطنية‪:‬‬
‫رقم إ‬ ‫‪ -‬تحتفظ المجلة بحقها ي� الترصف بالمواد ي‬
‫و�‪ ،‬ول يجوز إعادة شن� مواد مجلة “أفكار” دون إذن خطي مسبق من هيئة تحرير المجلة‪.‬‬ ‫إ ت ف‬
‫(‪ / 2010 )1090‬د‬ ‫اللك� ي‬
‫ردني�)‪ ،‬ونبذة‬ ‫الوط� (للكتاب أ‬
‫ال ي ف‬ ‫ف‬ ‫الثال�‪ ،‬واسم الشهرة الذي يُعرف به‪ ،‬ورقمه‬ ‫‪ -‬يرسل الكاتب اسمه ش‬
‫المراسـالت‪ :‬باسم رئيـس التحرير‬ ‫ّ‬ ‫ّي‬ ‫ي‬
‫الوىل فقط)‪.‬‬ ‫من س�ته الذاتية (للمرة أ‬
‫ال�يدي‪:‬‬
‫العنوان ب‬ ‫ي‬
‫الردن – عمان ص‪ .‬ب‪6140 :‬‬ ‫أ‬ ‫ت‬
‫والشارة إىل المصدر الم� َجم عنه‪.‬‬ ‫ت‬
‫س�ة مؤلف النص الم� َجم‪ ،‬إ‬ ‫ت‬
‫‪ -‬يرفق مع المواد الم�جمة نبذة من ي‬
‫ال�يدي‪ - 11118 :‬عمان‬ ‫الرمز ب‬ ‫‪ -‬يخضع ترتيب المواد المنشورة لعتبارات فنية فقط‪.‬‬

‫تع� ض‬
‫بال�ورة عن رأي المجلة‬ ‫ض‬
‫‪E-mail: afkar@culture. gov. jo‬‬ ‫تع� عن آراء ك ّتابها‪ ،‬وال ب ّ‬
‫المواد المنشورة ي� هذا العدد ب ّ‬
‫‪360‬‬ ‫د‪ .‬صالح ج ّرار‬ ‫‪4‬‬
‫املحتويات | ‪360‬‬
‫والتخصصات العلم ّية ‪......................................................................‬‬
‫ّ‬ ‫مفتتح‪ّ :‬‬
‫الشعر‬
‫‪-‬‬

‫ثقــافة مدن ّيــة‪:‬‬


‫د‪ .‬سعيد سهمي‬ ‫‪ -‬املجتمع الرقمي‪ :‬من الشفافية إلى الديمقراطية ‪6 .................................................‬‬
‫ملف العدد‪ :‬الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫د‪ .‬خالد الحمزة‬ ‫‪ -‬مقدمة امللف‪ :‬مقدمة امللف‪ :‬الكتابة العرب ّية عن الفن ‪11 ......................................‬‬
‫الح ْيسن‬
‫إبراهيم َ‬ ‫‪ -‬الكتابة حول الفن التشكيلي‪ :‬تجارب من املغرب ‪13 ..................................................‬‬
‫د‪ .‬ياسر منجي‬ ‫‪ -‬الكتابة العربية عن الفن وسيولة االصطالح ‪20 ...........................................................‬‬
‫إياد كنعان‬ ‫“النقدية” عن الفن التشكيلي يف الوطن العربي ‪27 ...................................‬‬
‫َّ‬ ‫‪ -‬الكتابة‬
‫د‪ .‬محمد بن حمودة‬ ‫‪ -‬ارتباك الكتابة النقد ّية التشكيل ّية العرب ّية ‪34 .............................................................‬‬
‫بنيونس عميروش‬ ‫‪ -‬معضالت تاريخ َّ‬
‫التشكيل العربي املعاصر ‪41 ...............................................................‬‬
‫ياسر جاد‬ ‫‪ -‬إشكال ّية املؤلّفات العرب ّية عن الفنون البصر ّية ‪48 ......................................................‬‬
‫دراسات‪:‬‬
‫د‪ .‬بن الطالب دحماني‬ ‫‪“ -‬الكائن االتِّصالي” ويوتيبيا االتِّصال‪ -‬أسطورة القرية الكون ّية ‪53 ...............................‬‬
‫د‪.‬محمود الجبارات‬ ‫‪ -‬قامات أردنية‪ -‬سماحة الشيخ عبداهلل شحادة غوشة ‪56 ..........................................‬‬
‫أحمد رمضان الديباوي‬ ‫‪ -‬محمد عياد الطنطاوي‪ ..‬األزهري الليبرالي ‪62 ................................................................‬‬
‫د‪ .‬زياد أبولبن‬ ‫مترجما ‪66 .....................................................................................................‬‬
‫ً‬ ‫‪ -‬فخري صالح‬
‫هدى أبو غنيمة‬ ‫أنموذجا ‪73 .......................‬‬
‫ً‬ ‫الرؤية املستقبل ّية‪ -‬رواية “حرب الكلب الثانية”‬
‫‪ -‬فانتازيا ُّ‬
‫د‪ .‬محمد عبداهلل القواسمة‬ ‫‪ -‬حركة السرد يف مجموعة “يدفنون النهر” لنهلة الجمزاوي ‪77 ................................‬‬
‫الغربي عمران‬ ‫التطرف يف “زهور تأكلها النار” ‪81 ..............................................‬‬
‫ُّ‬ ‫وتغول‬
‫ُّ‬ ‫‪ -‬رواية البوكر‬
‫سمير أحمد الشريف‬ ‫‪ -‬رواية “زرايب العبيد” صفحة يف تاريخ األلم ‪85 ...........................................................‬‬
‫عمار الجنيدي‬ ‫ناقدا” ‪88 ...................................................‬‬
‫ً‬ ‫‪ -‬قراءة يف كتاب نقد النقد ‪“ -‬يوسف ّ‬
‫بكار‬
‫غادة حاليقة‬ ‫‪ -‬اْل َك ْبت ‪92 ............................................................................................................................‬‬
‫فنـون‪:‬‬
‫حاتم السيد‬ ‫‪ -‬املشاركة األردن ّية يف مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي ‪96 ....................‬‬
‫إبـداع‪:‬‬
‫أحمد الخطيب‬ ‫ُ‬
‫سأرجئ رسم مالمحها‪ -‬شعر ‪104 .....................................................................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫عمر أبو الهيجاء‬ ‫‪ -‬عند املعبر‪ -‬شعر ‪106 ........................................................................................................‬‬
‫محمد خضير‬ ‫‪ -‬خمسون‪ -‬شعر ‪109 ............................................................................................................‬‬
‫عارف عواد الهالل‬ ‫‪ -‬فتوى‪ -‬شعر ‪110 ..................................................................................................................‬‬
‫إبراهيم درغوثي‬ ‫‪ -‬أجراس العودة ّ‬
‫تدق داخل القلب‪ -‬قصة ‪112 ..................................................................‬‬
‫ترجمة‪ :‬موفق ملكاوي‬ ‫ترجمات‪ :‬مفكرون سيئون” لـِ”قاسم ّ‬
‫كسام” ‪116 ..........................................................‬‬
‫محمد سالم جميعان‬ ‫نوافذ ثقافية‪124 ........................................................................................................... :‬‬

‫لوحة الغالف األمامي‪ :‬يوهان جورج ماير‪ /‬أملانيا‬


‫لوحة الغالف الخلفي‪ :‬ليونيد افريموف‪ /‬بيالروسيا‬
‫مفتتح‬
‫‪4‬‬

‫ِّ‬
‫الشـعر‬
‫العلمية‬
‫ّ‬ ‫والتخصصات‬
‫ّ‬

‫د‪ .‬صالح ج ّرار ‪ /‬األردن‬

‫يتوهم بعض ال ّناس أنّه ل‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬


‫دبية ّ‬
‫أهم الجناس ال ّ‬ ‫واحد من ّ‬
‫ل َّن الشعر ٌ‬
‫أ‬ ‫يصدر ّإل عن المتخص ف ف‬
‫وأن يغ�هم من أصحاب‬ ‫ص� ي� ال ّلغة والدب‪ّ ،‬‬ ‫ّ ي‬
‫أ‬
‫جنس من الجناس‬ ‫أ‬
‫بأي ٍ‬ ‫التخصصات الخرى ل يربطهم بالشعر ول ّ‬ ‫ّ‬
‫أي رابط‪ ،‬وهذا وهم يخالف الحقيقة والمنطق‪،‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫دبية الخرى ّ‬ ‫ال ّ‬
‫والدب قد يعرف وجوه نقد الشعر ومناهجه‬ ‫فالمتخصص ف� ال ّلغة أ‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫التقص� فيه‪ ،‬ولك ّنه‬‫ي‬ ‫وقد يحسن الوقوف عل مواطن الجودة ومواطن‬
‫قادرا عل نظم بيت واحد من الشعر‪ ،‬فكم‬ ‫ف‬
‫ليس بالرصورة أن يكون ً‬
‫لغوي أو عالم ف ي�‬‫ّ‬ ‫من ناقد مرموق ل يحسن نظم الشعر‪ ،‬وكم من‬
‫ولكن ذلك ل‬ ‫يق�ب من الشعر ّإل قراء ًة وا ّطال ًعا واستشها ًدا‪ّ .‬‬ ‫النحو لم ت‬
‫أ‬
‫كالمعري‬‫ّ‬ ‫صيت ذائع‬ ‫ينفي أن ينبغ من أهل ال ّلغة والدب شعراء لهم ٌ‬
‫المتخص ي ف‬
‫ص�‬ ‫ّ‬ ‫أن ما يحول دون كتابة بعض‬ ‫والحريري وسواهما‪ّ .‬إل َّ‬
‫آ‬
‫الدب وال ّلغة والنقد للشعر وما يجعل بعضهم الخر من الشعراء‬ ‫ف� أ‬
‫ي‬
‫مهندس�ف‬ ‫أ‬
‫التخصصات الخرى من‬ ‫المرموق� هو ما يجعل أصحاب‬ ‫ف‬
‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ي‬
‫ف‬
‫وأطباء ورجال قانون ومال ينبغون ي� كتابة الشعر أو ينرصفون عنه‪،‬‬
‫ب�‬‫التخصصات أمام موهبة الشعر سواء ل فرق ي ف‬ ‫ّ‬ ‫أل ّن جميع أصحاب‬
‫تخصص آخر‪.‬‬ ‫تخصص وأصحاب ّ‬ ‫أصحاب ّ‬
‫مفتتح‬
‫‪5‬‬
‫النباء ف� طبقات أ‬ ‫“عيون أ‬ ‫ص� ف ي�‬ ‫المتخص ي ف‬ ‫اق�اب‬‫أن ت‬
‫الطباء” لبن ب يأ� أصيبعة‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫وقد يرى بعضهم ّ‬
‫ال� استمرت ي ف‬
‫ب�‬ ‫ت‬ ‫و�وطه وعنارصه‬ ‫والدب والنقد من الشعر ش‬ ‫ال ّلغة أ‬
‫فإنه يكتشف عمق العالقة ي‬
‫الطب والشعر‪ ،‬يشهد عل ذلك ابن زهر وابن‬ ‫أك� قابلية لنظم الشعر‬ ‫ومعرفتهم بها يجعلهم ش‬
‫ّ‬
‫خصوصية‬ ‫أن‬ ‫ف‬ ‫التخصصات‬ ‫والقدرة عليه من يغ�هم من أصحاب‬
‫ّ‬ ‫و� ر ي يأ� ّ‬ ‫وغ�هم‪ ،‬ي‬ ‫رشد وابن سينا ي‬ ‫ّ‬
‫الطب والشعر تعود إىل ما ت‬ ‫العالقة ي ف‬ ‫أ‬
‫أن ذلك ليس ش� ًطا لسباب‬ ‫أ‬
‫يش�ك‬ ‫ّ‬ ‫ب�‬ ‫الخرى‪ .‬والذي أراه ّ‬
‫نسا�‬‫فيه الشاعر والطبيب من ش�ط الحس إ ف‬ ‫والدب وال ّطالع‬ ‫كث�ة أهمها أن قراءة ال ّلغة أ‬
‫ال ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬
‫لنجاحهما‪.‬‬ ‫ص� فيهما‪،‬‬ ‫المتخص ي ف‬ ‫ّ‬ ‫عليها ليست مقصورة عل‬
‫ب� الهندسة والشعر‪،‬‬ ‫وكذا يُقال عن العالقة ي ف‬ ‫أ‬
‫فكم من مثقّف مغرم بقراءة كتب الدب من‬
‫التخيل‬ ‫فالهندسة تعتمد عل القدرة الفائقة عل ّ‬ ‫قص�ة ونصوص م�حية وأشعار‬ ‫وقصة ي‬ ‫رواية ّ‬
‫أن الشعر‬ ‫وإبداع الصورة كما هو الشعر‪ ،‬كما ّ‬ ‫شخص ربّما ل‬ ‫ٍ‬ ‫وغ� ذلك! وكم من‬ ‫ومقالت ي‬
‫الهندس لبناء مادتّه‬ ‫ي‬ ‫هو شكل من أشكال العمل‬ ‫البتدائية أو الثانويّة‬ ‫ّ‬ ‫يتجاوز تعليمه الصفوف‬
‫يتب� حقًّا يدافع عنه فإنه‬ ‫ح� ف ّ‬ ‫ال ّلغة‪ .‬والمحامي ي ف‬ ‫أشد التع ّلق بدواوين الشعراء القدماء‬ ‫متع ّلق ّ‬
‫ل يختلف عن الشاعر الذي لول تب ّنيه ف ي� قصيدته‬ ‫المتخصصون ي� ال ّلغة‬ ‫ف‬ ‫ول� كان‬ ‫أ‬
‫والمحدث� ‪ .‬ف‬ ‫يف‬
‫ّ‬
‫تخص يغ�ه‪ ،‬لجاءت‬ ‫والدب قد اكتسبوا المعرفة فيهما من خالل‬ ‫أ‬
‫تخصه أو ّ‬ ‫إنسانية ّ‬ ‫ّ‬ ‫لقضية‬
‫ّ‬
‫قصيدته غ ّثة باردة‪.‬‬ ‫تعليمية‬
‫ّ‬ ‫والل�ام بب�امج‬ ‫تف‬ ‫المدرسة والجامعة‬
‫يف‬
‫المرموق�‬ ‫ولو نظرنا ف ي� أسماء الشعراء العرب‬ ‫محددة مرسومة وملزمة للمتع ّلم‪ّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫ومناهج ّ‬
‫أ‬
‫ممن كانوا أطباء أو‬ ‫كب� منهم ّ‬ ‫لوقفنا عل عدد ي‬ ‫دبية‬ ‫يغ�هم قد اكتسبوا المعرفة ال ّلغويّة وال ّ‬
‫يف‬ ‫يف‬ ‫مما قد يجعل‬ ‫الحرة والممتعة ّ‬
‫مهندس� أو رجال سياسة‪،‬‬ ‫محام� أو قضاة أو‬ ‫من خالل القراءة ّ‬
‫قبا�‬ ‫ف‬ ‫ومحبة‬ ‫والدب عالقة عشق‬ ‫عالقتهم بال ّلغة أ‬
‫من أمثال إبراهيم ناجي وأحمد رامي ونزار ي‬ ‫ّ‬
‫وه� التل (عرار)‬ ‫زك أبوشادي ومصطفى ب ي‬ ‫وأحمد ي‬ ‫وحفظ وإتقان‪.‬‬
‫العربية‬ ‫أ‬
‫فإن موروث ال ّمة‬
‫الصلي� وضيف‬ ‫بي‬ ‫العجيل ورفعت‬ ‫ي‬ ‫وعبد السالم‬ ‫ّ‬ ‫ومن جهة أخرى‪ّ ،‬‬
‫الله الحمود وصبحي القطب وعبدالمنعم‬ ‫بكل وضوح عن حقيقة‬ ‫الشعري يكشف لنا ّ‬ ‫ّ‬
‫كث�‪.‬‬ ‫وغ�هم ي‬ ‫الرفاعي‪ ،‬ي‬ ‫ب�‬‫التمي� ي ف‬ ‫يف‬ ‫أن الشعر لم يعرف‬ ‫ثابتة‪ ،‬وهي ّ‬
‫إنسانية تتجاوز الحدود‬ ‫إن الشعر حالة‬ ‫ّ‬ ‫بتخصص دون آخر‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ت‬
‫التخصصات ولم يق�ن‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫والتعليمية وتنبت حيث‬ ‫ّ‬ ‫والطبقية‬
‫ّ‬ ‫الجتماعية‬
‫ّ‬ ‫ومن هم‬ ‫فنجد من الشعراء َمن هم لغويون َ‬
‫والحس‬ ‫ّ‬ ‫توجد الموهبة والملكة والرؤية العميقة‬ ‫ومن هم‬ ‫ومن هم رجال سياسة واقتصاد َ‬ ‫فقهاء َ‬
‫الخ�ات‬ ‫ف‬ ‫مهندسون أو أطباء أو قضاة ومحامون أو علماء‬
‫بالبداع ي� استلهام ب‬ ‫المرهف‪ ،‬وتحتفي إ‬
‫الخاصة‪.‬‬‫ّ‬ ‫الذهنية‬ ‫ّ‬ ‫والمعارف والقدرات‬ ‫ومن يقرأ كتاب‬ ‫ف�ياء أو رياضيات‪َ ،‬‬ ‫فلك أو ي ف‬
‫ثقافة مدن ّية‬
‫‪6‬‬

‫المجتمع الرقمي‪:‬‬
‫من الشفافية إلى الديمقراطية‬
‫د‪ .‬سعيد سهمي‪ /‬المغرب‬

‫والجتماعية والذي يمكن‬ ‫نسانية‬ ‫ف‬ ‫الرقمية (‪paradigme du‬‬ ‫حل إبدال‬ ‫َلقَد َّ‬
‫ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫ي� العالقات إ‬ ‫ّ‬
‫علمية‬
‫كث�ٍة‪ّ :‬‬ ‫ميادين ي‬
‫َ‬ ‫جل ف ي�‬
‫أن يتمظهر بشكل ي‬ ‫‪ )numérique‬كبديل عالمي جديد‪ ،‬بما تحمله‬
‫نظرا لما يطرحه من‬ ‫ف‬
‫وإعالمية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وثقافية وفكريّة‬
‫ّ‬ ‫وسياسية‬
‫ّ‬ ‫وتجاريّة‬ ‫الجدة من مع�‪ً ،‬‬ ‫ّ‬ ‫كلمة‬
‫النسان‪،‬‬ ‫ف‬
‫وهو ما يجعل المعلومة متاحة للجميع ويجعل‬ ‫متغ�ات جديدة لم تكن ي� حسبان إ‬ ‫ي‬
‫والتفوق من حق الجميع وليست‬ ‫ُّ‬ ‫التقدم‬
‫إمكانية ُّ‬
‫ّ‬ ‫ومن شأن ذلك أن يخلق نو ًعا من الشفافية‬
‫تع�‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫حكرا عل بعضهم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ال� ي‬ ‫العالمية (‪ )apparence mondiale‬ي‬
‫النتقال من مرحلة الغموض وا ِّدخار المعلومة‬
‫اإلعالمية‬
‫ّ‬ ‫والشفافية‬
‫ّ‬ ‫الرقمية‬
‫ّ‬ ‫وانتشار النفاق الجتماعي والكذب والخديعة‬
‫لقد أصبح بإمكان الجميع الوصول إىل المعلومة‬ ‫وغ�ها من القيم السلبية‪ ،‬إىل قيمة الوضوح‬ ‫ي‬
‫ال�‬ ‫ت‬
‫قياس من مختلف مواقع التواصل ي‬ ‫ي‬ ‫ف ي� وقت‬ ‫التكنولوجية‬
‫ّ‬ ‫ع� ما تتيحه الوسائل‬ ‫والشفافية ب ْ‬
‫ال تن�نت‪ ،‬كما أصبح بإمكان الجميع إذاعة‬ ‫تتيحها إ‬ ‫الحديثة من إمكانيات لخلق مجتمع شفاف‬
‫ون�ها بمختلف الطرق وبالصوت‬ ‫المعلومات ش‬ ‫ف‬
‫معا� العولمة (‪la‬‬ ‫واضح‪َّ ،‬‬
‫ولعل ذلك من أهم ي‬
‫والصورة‪ ،‬ولم ُتعد المعلومة محتكرة من طرف‬ ‫ال� سعت إىل جعل العالم‬ ‫ت‬
‫‪ )mondialisation‬ي‬
‫ال� كانت وحدها تحتكر المعلومة‬‫ت‬ ‫أ‬
‫وكالت النباء ي‬ ‫صغ�ة‪.‬‬
‫الواسع يبدو كقرية ي‬
‫تجرد‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫قليمية بعد أن ِّ‬
‫ال ّ‬ ‫لبا� الوكالت إ‬‫وتبيعها ي‬ ‫تع� الوضوح‬‫فإن الشفافية ي‬ ‫من هذا المنطلق‪َّ ،‬‬
‫ثقافة مدن ّية‬
‫‪7‬‬

‫القانونية متداولة ومتاحة‬


‫ّ‬ ‫أصبحت المعلومات‬ ‫تترصف بها بما يخدم‬ ‫المعلومة من جوهرها‪ ،‬أو ّ‬
‫يف‬
‫يستع�‬ ‫للجميع‪ ،‬كما أصبح بإمكان الفرد أن‬ ‫السياسية‪ .‬فقد صار بإمكان الجميع‬ ‫الجندات‬ ‫أ‬
‫ّ‬
‫ككام�ات المراقبة لتوثيق‬ ‫ي‬ ‫بالوسائط الحديثة‬ ‫أن يلتقط المعلومة ف ي� حينها ويرسلها إىل أبعد‬
‫ف‬
‫ما حدث‪ ،‬والستعانة به ي� الدفاع عن نفسه‬ ‫المر الذي يمكن معه أن ننتقل‬ ‫الحدود‪ ،‬وهو أ‬
‫تستع� المؤسسات‬ ‫يف‬ ‫بالصوت والصورة‪ ،‬بحيث‬ ‫من مجتمع تقليدي معلوماتيا إىل مجتمع ش‬
‫حدا�‬
‫ي‬ ‫ًّ‬
‫والقضائية المختصة بالتسجيالت‬ ‫ّ‬ ‫القانونية‬
‫ّ‬ ‫دوىل ديمقراطي عل‬ ‫وشفاف‪ ،‬ومنه إىل مجتمع ي‬
‫الحكام والبت �ف‬ ‫الصوتية والمصورة ف� إصدار أ‬ ‫مستوى تداول المعلومات‪.‬‬
‫ّ ي‬ ‫َّ ي‬
‫القضايا المطروحة؛ فكث�ا ما أصبحنا نشاهد �ف‬ ‫التواصلية‬ ‫ونية‬ ‫ت‬
‫ي‬ ‫يً‬ ‫ّ‬ ‫اللك� ّ‬ ‫عو َضت المواقع إ‬ ‫لقد َّ‬
‫يجرد من‬ ‫قبل يغ ّ‬ ‫ت‬
‫مواقع التواصل الجتماعية‪ ،‬موظفًا َّ‬ ‫طي‬ ‫ال� كان بعضها من ْ‬ ‫العالمية ي‬
‫ّ‬ ‫القنوات‬
‫وظيفته بسبب رشوة أو تحرش أو خرق قانو�ف‬ ‫عل الحقيقة أو يد ّلسها‪ ،‬كما كانت أخرى تلفِّقها‬
‫ي‬
‫ونية‬ ‫تداوله نشطاء عل موقع من المواقع إ ت‬ ‫أو تحتكرها لتبيعها بأثمان باهظة‪ ،‬أما آ‬
‫اللك� ّ‬ ‫الن‬ ‫ّ‬
‫وهو ما ل يستطيع معه المتهم إنكاره عندما يقف‬ ‫و� وقت‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫فالخ� أصبح ينتقل من يع� المكان ي‬ ‫ب‬
‫وج ًها لوجه أمام جريمته بالصوت والصورة‪.‬‬ ‫قياس إىل أبعد الحدود ليصل الجميع بطرق‬ ‫ي‬
‫والفعالية‪ ،‬هذه‬ ‫ّ‬ ‫مختلفة وحديثة قوامها ال�عة‬
‫والفكرية‬
‫ّ‬ ‫الثقافية‬
‫ّ‬ ‫والشفافية‬
‫ّ‬ ‫الرقمية‬
‫ّ‬ ‫المنافسة للقنوات التقليديّة قد تؤدي إىل نتائج‬
‫منت�ة ف ي� أزمنة سابقة‬
‫كم كانت العبقريات ش‬ ‫وحسن نقله للمتلقّي‪.‬‬ ‫الخ� ُ‬
‫ف‬
‫إيجابية ي� البحث عن ب‬
‫ّ‬
‫بسبب ال�قة والقتباس واختالس ت‬
‫ال�جمات‬
‫من مواقع بعيدة أو تقليد كاتب خارج الحدود‪،‬‬ ‫والقانونية‬
‫ّ‬ ‫اإلدارية‬
‫ّ‬ ‫الرقمية والشفافية‬
‫ّ‬
‫الرقمية اليوم أن تكتشف مصدر‬ ‫ّ‬ ‫وقد أتاحت‬ ‫القانونية‬
‫ّ‬ ‫الرقمية مجال المؤسسات‬
‫ّ‬ ‫لقد دخلت‬
‫زر محرك البحث‬ ‫بمجرد ال َّنقر عل ّ‬
‫َّ‬ ‫المعلومة‬ ‫وشاهدا‪ ،‬فقد‬
‫ً‬ ‫من بابها الواسع باعتبارها ً‬
‫دليال‬
‫ثقافة مدن ّية‬
‫‪8‬‬

‫وإن كان الواقع يتط ّلب رقابة وحكامة رشيدة ف ي�‬ ‫أن المعلومة لم ُتعد‬ ‫غوغل (‪ ،)google‬كما َّ‬
‫ع� الوسائط‬ ‫العمومية ب ْ‬
‫ّ‬ ‫مجال مراقبة المؤسسات‬ ‫مقصورة عل أحد‪ ،‬كما أصبح بإمكان الجميع‬
‫ال ت‬ ‫ومعرفيا‪ ،‬وهو ما ينذر بنهاية زمن‬ ‫علميا‬
‫لك�ونية الحديثة من خالل خلق تواصل‬ ‫إ‬ ‫ًّ‬ ‫الرتقاء ًّ‬
‫يف‬
‫المسؤول�‬ ‫ب� المؤسسة العمومية ي ف‬
‫وب�‬ ‫دائم ي ف‬ ‫العبقريّة‪.‬‬
‫وكام�ات المراقبة‬ ‫ي‬ ‫ال تن�نت‬ ‫والمر ي ف‬
‫اقب� بع� إ‬ ‫أن الشفافية عل المستوى‬ ‫من جهة أخرى يبدو َّ‬
‫وفق ش�وط دقيقة من أهمها مراعاة أخالقيات‬ ‫حضورا بفعل‬ ‫ش‬
‫والكاديمي أصبحت أك�‬ ‫العلمي أ‬
‫ً‬
‫المجتمع ومراعاة ال� ف‬
‫المه� ‪.‬‬ ‫لالطروحات الجامعية والبحوث‬ ‫التداول الرقمي أ‬
‫ي‬
‫العملية تحقيق إيجابيات عدة؛‬ ‫ّ‬ ‫ع� هذه‬ ‫يمكن ب ْ‬ ‫غ� عن السفر آللف‬ ‫ال� تجعل الطالب ف� ف‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ت‬
‫ف‬
‫من أهمها منع الغش ي� المؤسسات التعليمية‪،‬‬ ‫جد ف ي� الجامعات‬‫الكيلوم�ات لال ِّطالع عل ما َّ‬ ‫ت‬
‫كما يمكن أن تؤسس لتخليق المدرسة من خالل‬ ‫وأن عناوين‬ ‫ومعاهد البحث العلمي‪ ،‬خاصة َّ‬
‫جعل الرقابة هادفة إىل الشفافية ف ي� التعامل مع‬ ‫تن�‬‫والطروحات الجامعية أصبحت ش‬ ‫البحوث أ‬
‫الكام�ات‪ ،‬كما يمكن للجميع‬ ‫ي‬ ‫ما يجري بفضل‬ ‫ال تن�نت لتفادي إعادة وتكرار ما َّتم الوصول‬ ‫عل إ‬
‫ال�بوية وإيصاله �ف‬ ‫شن� ما يجري ف� الساحة ت‬ ‫ف‬
‫إليه من جهة‪ ،‬فال داعي إلعادة الشتغال ي� بحث‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫الجراءات‬ ‫حينه إىل الجهات المسؤولة لتِّخاذ إ‬ ‫علمي سبق أن َّتم الشتغال عليه‪ ،‬ومن جهة ثانية‬
‫تس� عل هذه الشاكلة جميع‬ ‫الالزمة‪ .‬ويمكن أن ي‬ ‫فإن العملية تساعد ف ي� تطوير البحث العلمي‬ ‫َّ‬
‫المؤسسات العمومية بحيث يمكن أن تستثمر‬ ‫من خالل تطوير البحوث الجاهزة مسبقًا‪ ،‬وهو‬
‫المراقبة عن بُعد لمنع السلوكات المنحرفة‬ ‫والكاديميات والمؤسسات‬ ‫ما يدعو الجامعات أ‬
‫تاما‬
‫ن�ا ًّ‬ ‫ّ ش‬ ‫العلمية إىل شن� كل البحوث‬
‫مثل الرشوة والمحسوبية والزبونية‪ ،‬ويمكن أن‬ ‫العلمية ً‬ ‫ّ‬
‫تصل هذه إىل الرقابة القانونية من خالل مراقبة‬ ‫أو عل القل شن� عناوينها وملخصاتها من أجل‬ ‫أ‬
‫ما يجري ف� الشوارع أ‬ ‫علمي ر ٍاق‪.‬‬
‫والزقة للرجوع إليه عند‬ ‫ي‬ ‫تواصل ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫الرصورة‪ ،‬لمحاربة الجريمة‪.‬‬ ‫ف‬
‫المؤسساتية‬
‫ّ‬ ‫والشفافية‬
‫ّ‬ ‫الرقمية‬
‫ّ‬
‫والديمقراطية‬
‫ّ‬ ‫الرقمية‬
‫ّ‬ ‫أصبح بإمكان الجميع ال ِّطالع عل المؤسسات‬
‫ح� تتحقَّق الشفافية ف ي� المجتمع ستكون‬‫يف‬ ‫الرغم من‬ ‫كيفية اشتغالها‪ ،‬عل ّ‬
‫المختلفة وعل ّ‬
‫حاصال؛ أل َّن العالقات‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تحصيال‬ ‫الديمقراطية‬ ‫أ‬
‫الخالق والعراف الجتماعية ما تزال‬ ‫أن مسألة أ‬
‫َّ‬
‫وضوحا‪،‬‬ ‫ش‬
‫النسانية ستكون أك�‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫ً‬ ‫والمعامالت إ‬ ‫اللك�ونية‬ ‫الفعل ي� الرقابة إ‬
‫ي‬ ‫مانعة لالنخراط‬
‫ف‬
‫ولن ينخرط الفرد ي� الغش والخداع‪ ،‬كما يمكن‬ ‫خاصة ف ي� الدول والمجتمعات المحافظة‪ ،‬وهو‬
‫بفضل هذه الشفافية القضاء عل أشكال الغش‬ ‫ت�يل هذه الشفافية محدو ًدا‪،‬‬ ‫ما يجعل إمكان ف ف‬
‫ثقافة مدن ّية‬
‫‪9‬‬

‫ً‬
‫مستقبال النتخابات‬ ‫ال� يمكن أن تطال‬ ‫ت‬
‫إن نتائج الشفافية يمكنها أن تنقلب إىل عكس‬ ‫َّ‬ ‫والتدليس ي‬
‫كث�ا ما شاهدنا كيف‬ ‫ما نسعى إليه‪ ،‬بحيث إنَّنا ي ً‬ ‫الرغم من ما يتطلبه ذلك من حكامة‬ ‫وغ�ها‪ ،‬عل ّ‬ ‫ي‬
‫الرقمية‬‫ّ‬ ‫أيضا‪ ،‬يستغ ّلون‬ ‫يف‬
‫والبالغ� ً‬ ‫يف‬
‫اليافع�‪،‬‬ ‫أن‬‫َّ‬ ‫جيدة‪ ،‬من طرف الدولة ثم من طرف هيئات‬
‫و� تداول‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫الدوىل ‪.‬‬ ‫المجتمع‬
‫للغش ي� المتحانات والمباريات ي‬ ‫ي‬
‫ف‬ ‫أن الجميع قادرون عل‬ ‫ف‬
‫تع� َّ‬
‫المعلومات المضللة‪ ،‬وهو ما قد يؤدي إىل رصب‬ ‫إن الديمقراطية هنا ي‬ ‫َّ‬
‫ب�‬ ‫مبدأ الشفافية نفسه ومبدأ تكافؤ الفرص ي ف‬ ‫وأن زمن الحتكار قد انتهى‪،‬‬ ‫التطور والرتقاء‪َّ ،‬‬
‫غالبا ما‬ ‫يف‬ ‫يف‬ ‫المر باحتكار المعرفة أو احتكار العلم‬ ‫سواء تعلق أ‬
‫والباحث� الذين ً‬ ‫الممتحن� والمتبارين‬
‫سلبيا‪.‬‬
‫استثمارا ًّ‬
‫ً‬ ‫يستثمرون موارد البحث الرقمي‬ ‫ع�‬
‫أو احتكار المعلومات‪ ،‬بحيث يمكن للجميع ب ْ‬
‫يجابية‪،‬‬ ‫ال ّ‬ ‫الرقمية لصالح القيم إ‬ ‫ّ‬ ‫وجه‬
‫يجب أن تُ َّ‬ ‫يروج‬‫ين� وأن يكتب وأن يتعلم وأن ِّ‬ ‫الرقمية أن ش‬
‫ّ‬
‫ع� تضافر جهود‬ ‫ول يمكن أن يتم ذلك إل ب ْ‬ ‫الرقمية الحديثة‬
‫ّ‬ ‫المعلومة وأن يستثمر الوسائط‬
‫عالمية والتثقيف‬ ‫ال ّ‬ ‫ع� التوعية إ‬ ‫يف‬
‫الفاعل�‪ ،‬ب ْ‬ ‫جميع‬ ‫للمطالبة بحقوقه والدفاع عن قضاياه‪.‬‬
‫المعلوميات؛ فلالسف ما تزال الدول‬ ‫أ‬ ‫ف‬
‫والتكوين ي�‬
‫ّ‬
‫وإن‬
‫أمرا ثانويًّا‪ْ ،‬‬ ‫المعلوميات ً‬ ‫ّ‬ ‫النامية تجعل تع ُّلم‬ ‫الشفافية والحاجة إلى تخليق المجتمع‬
‫كان المجتمع الحديث‪ ،‬كما أوضحنا سابقًا يدعو‬ ‫كيفية توجيه وترشيد هذه‬ ‫ّ‬ ‫يُقصد بالتخليق‬
‫والمعلوميات أهم ما‬ ‫ّ‬ ‫الرقمية‬
‫ّ‬ ‫إىل فرصورة اعتبار‬ ‫الرقمية من خالل رقابة شديدة وحكامة‬ ‫ّ‬ ‫الشفافية‬
‫يجب أن يفتح عليه المتعلم عينيه‪ ،‬باعتبار ذلك‬ ‫رشيدة؛ ل َّن عملية الفضح وإذاعة المعلومات‬ ‫أ‬
‫ت‬
‫با� المواد التعليمية‪ ،‬ما دام‬ ‫منطلقًا لتع ُّلم ي‬ ‫وغ� هادف بإمكانها أن تؤ ّدي‬ ‫بشكل يغ� ممنهج ي‬
‫وبوابتها‪.‬‬ ‫التعليم هو مدخل التنمية ّ‬ ‫إىل ما ل تُحمد عقباه من رصاعات اجتماعية‬
‫الرقمية‪ ،‬بناء عل ما سبق‪ ،‬تسمح لجميع‬ ‫ّ‬ ‫إن‬ ‫َّ‬ ‫فإن المؤسسات جميعها مطالبة‬ ‫وغ�ها‪ ،‬ومن ثم َّ‬ ‫ي‬
‫الدول بالتقدم والرتقاء بما تتيحه من إمكانات‬ ‫ال�اهة‬ ‫ف‬
‫بتخصيص لجان مراقبة ت َّتسم بصفات ف‬
‫هائلة‪ ،‬لهذا يبقى عل الدول النامية الراغبة‬ ‫للقيام بهذه العملية‪.‬‬
‫ف ي� التقدم أن تستثمرها لصالحها ف ي� القتصاد‬ ‫فإن شن� المعلومة يتط َّلب ش�و ًطا‬ ‫من جهة ثانية‪َّ ،‬‬
‫ولعل‬ ‫وغ�ها من القطاعات‪َّ ،‬‬ ‫والدارة والتعليم ي‬ ‫إ‬ ‫للن�‪ ،‬وال�ت‬ ‫ال�عية القانونية ش‬ ‫دقيقة‪ ،‬منها ش‬
‫ي‬
‫تأخر ي� النتقال إىل المجتمع الرقمي سيشكل‬ ‫ف‬ ‫ظل تدفُّق‬ ‫يتم تجاوزها ف� كث� من أ‬
‫الحيان ف ي� ِّ‬
‫أي ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ي ي‬
‫نظرا لل�عة‬ ‫اجعا لسنوات طويلة إىل الوراء ً‬ ‫تر ً‬ ‫المعلومات بشكل �يع يمنع الحصول عل‬
‫فإن‬
‫تتغ� بها المجتمعات‪ ،‬ولهذا َّ‬ ‫ي ت‬ ‫ال�وط‬ ‫للن�‪ ،‬ومن هذه ش‬ ‫الحقيقية ش‬ ‫المصادر‬
‫ال� ي ّ‬ ‫الكب�ة ي‬ ‫ّ‬
‫ال بك� لالنتقال‬ ‫التجاه إىل الرقمية هو التحدي أ‬ ‫اح�ام الخصوصيات الثقافية والدينية والعرقية‬ ‫ت‬
‫ّ‬
‫إىل الحداثة بمفهومها المعارص‪.‬‬ ‫وغ�ها بما يضمن تكوين مجتمع رقمي متخلق‪.‬‬ ‫ي‬
‫‪10‬‬

‫ملف العدد‪:‬‬
‫العربية عن الفن‬
‫ّ‬ ‫الكتابة‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪11‬‬

‫العربية‬
‫ّ‬ ‫الكتابة‬
‫عن الفن‬

‫كث�ة‬ ‫أ‬ ‫أ‬


‫وقد وصل المر إىل هذه الحال لسباب ي‬ ‫وتداخ َلت‪ ،‬وأث ََّرت عل‬ ‫َ‬ ‫وتحددت‬ ‫َّ‬ ‫تَ َخ َّص َصت‬
‫ال� بي�ز‬ ‫ت‬
‫والفنية ي‬
‫ّ‬ ‫الثقافية‬
‫ّ‬ ‫بالتحولت‬
‫ُّ‬ ‫م َّتصلة‬ ‫بعضا‪ ،‬أنواع أو أجناس أو مجالت الكتابة‬ ‫بعضها ً‬
‫من بينها التجديد الذي فرضه ما يُعرف بعالم‬ ‫القص� نو ًعا ما‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ع� تاريخها‬ ‫عن الفن أو علومه ب ْ‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫عمليات كصناعة النجم‬ ‫الفن‪ ،‬وما يتع َّلق به من ّ‬ ‫د�‬‫مقارنةً بالعلوم الخرى كالفلسفة والنقد ال ب ي‬
‫والتسويق والتنظيم‪ ،‬وما يصاحبها من تأكيد دور‬ ‫نسبيا‪،‬‬ ‫كب� ًّ‬ ‫حد ي ٍ‬‫وغ�هما‪ .‬فقد ُر ِّسخت علوم‪ ،‬إىل ٍّ‬ ‫ي‬
‫الجال�ي ووسائل التصال‪ .‬ونتج عن ذلك الوضع‬ ‫الف� ونظرية الفن وعلم‬ ‫ف‬
‫ي‬ ‫مثل تاريخ الفن والنقد ي‬
‫الفنية‬
‫ّ‬ ‫قيم المعارض‬ ‫ظم أو ِّ‬ ‫تعا ُظم َد ْور من ِّ‬ ‫وغ�ها من العلوم ذات الصلة مثل‬ ‫الجمال‪ ،‬ي‬
‫والدولية‪ ،‬طغى هذا‬ ‫المحلية‬ ‫والجمعية‬ ‫الفرديّة‬ ‫ف‬
‫وغ�ه‪ّ ،‬إل أنّها ي� الغرب‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تاريخ الحضارات القديمة ي‬
‫ف‬
‫المشتغل� ي� مجالت علوم‬ ‫يف‬ ‫الد ْور عل أدوار‬ ‫بالتحول إىل‬ ‫قد أخذت منذ نهاية القرن الفائت‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫تأث� العوامل السياسية‬ ‫أ‬
‫الفن الخرى‪ .‬ول يخفى ي‬ ‫الفنية‪ ،‬أي عدم تحديد‬ ‫ما بات يعرف بالكتابة ّ‬
‫المستجدة عل ال َّنظر‬
‫ّ‬ ‫والجتماعية والقتصادية‬ ‫وعوضا‬
‫ً‬ ‫مع� من العلوم التقليديّة‪،‬‬ ‫الكتابة بنوع ي َّ ف‬
‫ون�ه‪ ،‬وقبل ذلك عل مسارات‬ ‫ف ي� الفن وتقديمه ش‬ ‫ال�‬ ‫ت‬
‫عن ذلك أصبح لها هذه الصفة العامة ي‬
‫الفن المعارص ذاته‪.‬‬ ‫ب� تلك العلوم أو معظمها أو بعضها‬ ‫تجمع ي ف‬
‫نقول هذا بخصوص وجهة الكتابة عن الفن �ف‬ ‫نصوصا ل يمكن وفقًا لطبيعة كل نوع‬ ‫لتقدم‬
‫ي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫الغرب الذي نظرنا إليه ف ي� التأسيس للممارسة‬ ‫بواحد منها‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫تسمى‬‫منها وتاريخه أن ّ‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪12‬‬

‫العربية من‬ ‫الفنية‬ ‫ف‬ ‫الفنية الحديثة والكتابة عنها‪ ،‬وما زلنا ننظر إليه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وآخر نظر ي� موقف الكتابة ّ‬ ‫ّ‬
‫أهمية المصطلح‬ ‫أ‬ ‫ف‬
‫العر� كذلك‪ ،‬ي� حالة‬ ‫ف‬
‫ويبدو أنَّنا ي� العالم‬
‫اليدولوجيا‪ .‬وهناك َمن عالج ّ‬ ‫بي‬
‫أهمية ف ي�‬ ‫ف‬ ‫ف ف‬ ‫الفنية وبالتأكيد لسباب مختلفة‪ .‬إذ لم‬ ‫أ‬
‫و� ابتكاره ِلما له من ّ‬ ‫الف� ي� تعريبه ي‬ ‫ي‬ ‫الكتابة ّ‬
‫ف‬ ‫أي من أنواع علوم الفن‬ ‫ف‬
‫ينب� عليها من مسائل‬ ‫الفنية‪ ،‬وما ي‬ ‫فاعلية الكتابة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ترسخ لدينا الكتابة ي� ٍّ‬
‫الجمعية وخالفه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ت َّتصل بال َّتحكيم والعروض‬ ‫التقليدية؛ وذلك لحداثة عهدنا بها‪ ،‬ولختالف‬
‫عتيد‪ ،‬أو بالحرى يضع الكتابة‬ ‫أ‬ ‫مدى التأثُّر بما يصل منها إلينا أحيانًا‪ ،‬ولق ّلة‬
‫باحث ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ويضعنا‬
‫دائية‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫معرفتنا بتاريخ كل منها ومناهجه أحيانًا أخرى‪.‬‬
‫المستجدات ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫كب� أمام‬ ‫تحد ي ٍ‬ ‫العربية‪ ،‬ي� ٍّ‬ ‫ّ‬
‫التشكيلية‪ ،‬وبحث‬ ‫والنواع المعارصة من الفنون‬ ‫أ‬ ‫والحال كذلك‪ ،‬فيمكن أن يكون معظم ما كُتب‬
‫ّ‬
‫وتحولته‬ ‫مشكلة علم تاريخ الفن ي� البالد العربية ُّ‬
‫ف‬ ‫العربية منذ بشائره إىل يومنا هذا‬ ‫ّ‬ ‫عن الفن ف ي�‬
‫ف‬ ‫المعارصة ف ي� الغرب‪،‬‬ ‫الفنية‪.‬‬
‫مهم‬‫وكيفية ال َّنظر ي� قطاع ّ‬ ‫ّ‬ ‫يدخل ضمن الكتابة ّ‬
‫الفنية العربية ف ي� المهجر‪ ،‬ونرى‬ ‫ّ‬ ‫ف ي� الممارسة‬ ‫الفنية‬
‫لن� هذا الملف عن الكتابة ّ‬ ‫نحرص ش‬ ‫ونحن ف ِّ‬ ‫ُ‬
‫العر�‬
‫بي‬ ‫الفنية ف ي� العالم‬ ‫ّ‬ ‫عرضا ألزمة الكتابة‬ ‫ً‬ ‫العربية ي� “أفكار” طرحنا عد ًدا من الموضوعات‬ ‫ف‬
‫ّ‬
‫وكيفية‬ ‫ك� عل نقد حالها الراهن ومشكالته‬ ‫بال� ي ف‬ ‫ت‬ ‫الفرعية عل من استكتبناهم للمشاركة برؤاهم �ف‬
‫ّ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫التغلب عليها‪.‬‬ ‫تطور الكتابة‬ ‫هذا الملف‪ .‬وشملت الموضوعات ُّ‬
‫القضية‬ ‫ّ‬ ‫أن هذه المقالت قد عالجت‬ ‫وي َّتضح َّ‬ ‫العر�‪ ،‬وخصائص وقيمة‬ ‫بي‬ ‫عن الفن ف ي� العالم‬
‫شموليا ي� أحيان‬ ‫ف‬
‫ًّ‬ ‫المطروحة جز ًّئيا أحيانًا‪ ،‬أو‬ ‫الن� المختلفة‪ ،‬ومدى‬ ‫ما ق ُِّدم منه ف ي� وسائل ش‬
‫يب� أنَّنا ما زلنا ي� حاجة ماسة‬ ‫ف‬ ‫مما ي ِّ ف‬ ‫أخرى‪ّ ،‬‬ ‫العربية ف ي� توصيل الفن ف ي�‬ ‫ّ‬ ‫الفنية‬
‫فعالية الكتابة ّ‬ ‫ّ‬
‫ت‬ ‫المتلق�‪ ،‬ومناهج الكتابة عن‬ ‫يف‬ ‫العر� إىل‬
‫ولنع�ف ونحن نتعامل‬ ‫لمعالجات أخرى لها‪.‬‬ ‫العالم ب ي‬
‫الفنية‬ ‫ف‬
‫مع نقد النقد أو نقد تاريخ الفن أو نقد النظرية‬ ‫تأث�ها عل الكتابة ّ‬ ‫الفن ي� العالم‪ ،‬ومدى ي‬
‫العر�‪ ،‬أنه ل يمكن‬ ‫ف‬ ‫وبالضافة إىل تلك العناوين‪ ،‬طرحنا‬ ‫العربية‪ .‬إ‬
‫الفنية ي� العالم ب ي‬ ‫والفلسفة ّ‬ ‫ّ‬
‫طي الموضوع‪ .‬والحال‬ ‫لملف‪ ،‬بل ملفات‪ ،‬أن تغ ّ‬ ‫ُمكنة الكتابة ي� رؤيتنا لمستقبل الكتابة عن الفن‬ ‫ف‬
‫أ‬
‫كذلك‪ ،‬يكفينا إثارته هنا‪ ،‬وقد َّبي َنت البحاث‬ ‫الفنية العربية ف ي�‬ ‫ف ي� العربية‪ ،‬وطبيعة الكتابة‬
‫ّ‬
‫يف‬
‫الباحث�‬ ‫أهميته ودعوة‬ ‫الخر القديم والمعارص‪.‬‬ ‫تناول فن آ‬
‫المنشورة ذلك‪ ،‬وتأكيد ّ‬
‫لالهتمام به ف ي� إطار مراجعة المنجز وال َّنظر إىل‬ ‫يف‬
‫المتم�ين‬ ‫يف‬
‫الباحث�‬ ‫واستجابت هذه الثلة من‬
‫المستقبل‪.‬‬ ‫القضية المطروحة‬ ‫ّ‬ ‫وتناو َل كل منهم‬ ‫للمشاركة‪َ ،‬‬
‫ومهما وله رؤية فيه‪.‬‬ ‫ًّ‬ ‫واضحا‬
‫ً‬ ‫من جانب يراه‬
‫د‪ .‬خالد الحمزة‬ ‫وسيجد القارئ من تناول الكتابة الفنية �ف‬
‫ّ ي‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫عضو هيئة التحرير‬ ‫ف‬
‫وح� اللحظة الحارصة‪،‬‬ ‫المغرب منذ البدايات ت‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪13‬‬

‫الكتابة حول الفن التشكيلي‪:‬‬


‫تجارب من المغرب‬
‫الح ْيسن‪ /‬المغرب‬
‫إبراهيم َ‬

‫الفلسفة وعلم الجتماع‪ .‬من ذلك‪ ،‬نذكر تجربة‬ ‫ل تنفصل الكتابة باللغة العربية حول الفنون‬
‫المسماة “جماعة ‪”65‬‬ ‫ومساهمة الحركة الفنية‬ ‫التشكيلية ف� المغرب عن نظ�تها ف� أ‬
‫القطار‬
‫َّ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫وانضمت‬ ‫ال� نشطت‬ ‫ت‬ ‫ص�ف‬
‫المتخص ي‬ ‫العربية‪ ،‬لسيما من حيث ندرة النقاد‬
‫َّ‬ ‫(أو جماعة الدار البيضاء) ي‬ ‫ِّ‬
‫ال� كان يُديرها‬‫ت‬ ‫ممارس الكتابة النقدية إىل تكوين‬ ‫وحاجة أغلب‬
‫لجماعة مجلة “أنفاس” اليساريّة ي‬ ‫ي‬
‫اللع�(‪ )1‬إىل جانب ُك ّتابها‬ ‫بي‬ ‫الشاعر عبداللطيف‬ ‫ىص ‪ .‬ومر ُّد ذلك يعود إىل أسباب‬ ‫تخص ي‬
‫أكاديمي ُّ‬
‫الطاهر بن جلون‪ ،‬مصطفى النيسابوري‪،‬‬ ‫وتخصصات‬ ‫ُّ‬ ‫كث�ة‪ ،‬من بينها عدم وجود مسالك‬ ‫ي‬
‫خ�الدين‪ ،‬محمد‬ ‫الخطي�‪ ،‬محمد ي‬ ‫بي‬ ‫عبدالكب�‬
‫ي‬ ‫بجل الكليات العربية‪ ،‬وكذا ضعف الدرس‬ ‫ِّ‬
‫البوعنا� ‪ ...‬وكلهم يكتبون‬ ‫ف‬ ‫الواك�ة‪ ،‬أحمد‬
‫ي‬ ‫الجماىل وهشاشته‪ ،‬إىل جانب الحاجة إىل منابر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫باللغة الفرنسية‪ ،‬مع ما رافق ذلك من تساؤلت‬ ‫فضال عن قلة‬ ‫الصدار‪ً ،‬‬ ‫إعالمية وثقافية منتظمة إ‬
‫ف‬
‫نكفو�” وتداعياته منذ‬ ‫يف‬
‫التحف� وضعف ش‬
‫التوجه “الفر ي‬ ‫وتأويالت لهذا ُّ‬ ‫الن� والتداول‪.‬‬
‫الما� ومطلع سبعيناته‪،‬‬ ‫أواخر ستينات القرن ف‬
‫ي‬
‫وعالقته برهانات هذا التأسيس وآفاقه‪ ،‬وكذا‬ ‫إرهاصات نقدية محلية‬
‫الرغم من‬ ‫أ‬ ‫تف‬ ‫التشكيل‬ ‫تتصل الرهاصات أ‬
‫الوىل للكتابة والنقد‬
‫ال�اماته الدبية والثقافية والفنية عل ّ‬ ‫ي‬ ‫إ‬ ‫َّ‬
‫محلية تكتب باللغة العربية‪،‬‬ ‫ف‬
‫إنشاء النسخة العربية للمجلة ابتداء من أيار‪/‬‬ ‫ي� المغرب بأقالم ّ‬
‫ون� أعداد لحقة مزدوجة اللغة‪.‬‬ ‫ماي ‪ 1971‬ش‬ ‫وذلك ف ي� ضوء تكتالت جمعويّة ثقافية ساهم‬
‫تعرضت هذه التجربة للمنع‪ ،‬وانسحب بعض‬ ‫َّ‬ ‫ف ي� إنشائها وتفعيلها أدباء وفنانون وباحثون ف ي�‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪14‬‬

‫ينشط بها كل من محمد المليحي ومصطفى‬


‫ال�‬‫ت‬
‫“الشارة” (‪ ،)1976‬ي‬ ‫النيسابوري‪ ،‬وكذا مجلة إ‬
‫ب� اتحاد كتاب‬ ‫ظهرت نتيجة توطيد العالقة ي ف‬
‫المغرب والجمعية المغربية للفنون التشكيلية‬
‫ال�‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫تأسست ي� سنة ‪ 1972‬ومجلة “فنون” ي‬ ‫ال� َّ‬ ‫ي‬
‫كانت تصدرها وزارة الشؤون الثقافية خالل بداية‬
‫المتم� الذي‬‫ي ِّ ف‬ ‫فضال عن الملف‬ ‫ً‬ ‫السبعينات‪،‬‬
‫أنجزته مجلة “الثقافة الجديدة” سنة ‪ 1977‬عن‬
‫الفنون التشكيلية بالمغرب‪.‬‬
‫ال� يرأس تحريرها‬ ‫ت‬
‫أن مجلة “عالمات” ي‬ ‫كما َّ‬
‫السيميا� سعيد بن َكراد كانت قد‬ ‫أ‬ ‫الباحث‬
‫ي‬
‫خصصت عددها التاسع لـملف “الخطاب‬ ‫َّ‬
‫المغر�”‪ ،‬وقد صدر العدد سنة‬ ‫بي‬ ‫التشكيل‬
‫ي‬ ‫محمد القاسمي‬
‫والمهتم�ف‬
‫ي‬ ‫ف‬
‫الباحث�‬‫ي‬ ‫‪ 1998‬وشاركت فيه نخبة من‬
‫الف� ف ي� المغرب‪َّ ،‬ثم “مجلة الثقافة‬ ‫ف‬
‫بالمجال ي‬ ‫تحولت إىل مجال للرصاع‬ ‫أعضائها لحقًا بعد أن َّ‬
‫ت‬ ‫واليديولوجي‪.‬‬‫السياس أ‬
‫خصصت‬ ‫ال� َّ‬ ‫المغربية” (تصدرها وزارة الثقافة) ي‬ ‫ي‬
‫التشكيل ف ي� المغرب (العدد‬ ‫ي‬ ‫أحد أعدادها للفن‬ ‫أيضا داخل جماعة‬ ‫وامتد نشاط “جماعة ‪ً ”65‬‬ ‫َّ‬
‫‪ 20/21‬شباط‪ /‬بف�اير ‪ ،)2003‬وقد شارك فيه نقاد‬ ‫“الثقافة الجديدة”‪ ،‬ولسيما بعد ظهور بيان‬
‫الخطي�‪ ،‬حسن‬ ‫بي‬ ‫عبدالكب�‬
‫ي‬ ‫وباحثون‪ ،‬من بينهم‪:‬‬ ‫الكتابة الذي وقَّعه كل من الشاعر محمد بنيس‬
‫بحراوي‪ ،‬أحمد جاريد‪ ،‬حسان بورقية‪ ،‬بنعيىس‬ ‫والرسام الراحل محمد القاسمي حول التفاعل‬
‫بوحمالة‪ ،‬شفيق الزكَاري‪ ،‬نورالدين فاتحي‪،‬‬ ‫ب� الشعر والتشكيل‪ ،‬إذ َّتم إنتاج العديد من‬ ‫يف‬
‫ال� تجمع‬ ‫ت‬ ‫ت‬
‫عم�وش‪ ،‬عبد الرحيم العالم‪ ،‬زهرة‬ ‫بنيونس ي‬ ‫الكُ ِّتيبات المش�كة و‪ Porte-Folio‬ي‬
‫والعمال التصويرية المصاغة‬ ‫النصوص الشعرية أ‬
‫زيراوي‪...‬إلخ‪.‬‬
‫ال� قام بها اتحاد‬ ‫ت‬ ‫والس�يغرافيا‪،‬‬ ‫متنوعة‪ ،‬كالحفر‬
‫طباعية ِّ‬ ‫بتقنيات‬
‫نضيف إىل ذلك المبادرة ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬
‫ت�‪ ،‬المرة أ‬ ‫كتاب المغرب مر ي ف‬ ‫ال� اتَّسمت بها بعض‬ ‫ت‬ ‫ً‬
‫الوىل من خالل‬ ‫فضال عن الحيوية الفكرية ي‬
‫المتضمنة لملف حول “التشكيل‬ ‫مجلة “آفاق”‬ ‫ت‬
‫بصحيف�‬ ‫خصوصا‬
‫ً‬ ‫المالحق الثقافية آنذاك‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ي‬
‫والمدينة” (العدد ‪ ،)1992 2-‬وقد اشتمل عل‬ ‫“المحرر” و”أنوال”‪.‬‬
‫ِّ‬
‫يف‬ ‫يف‬ ‫ال� كان‬ ‫ت‬
‫ومبدع�‪ ،‬منهم‬ ‫لباحث�‬ ‫نصوص ومقالت‬ ‫يُضاف إىل ذلك‪ ،‬مجلة “أنتغرال” ي‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪15‬‬

‫ما ظهر منها ضمن مجلة “الثقافة الجديدة”‪،‬‬ ‫العروس‪ ،‬حسن نجمي‪ ،‬محمد القاسمي‪،‬‬ ‫ي‬ ‫موليم‬
‫والروا� محمد برادة صاحب رواية‬ ‫أ‬ ‫والناقد‬ ‫ف‬
‫والمرة الثانية متمثلة ي� تخصيص العدد ‪88/99‬‬
‫ي‬
‫أيضا‬ ‫الف�‪ ،‬وله ً‬ ‫ي‬
‫ف‬ ‫“الضوء الهارب” بمضمونها‬ ‫من مجلة “آفاق” للفنون التشكيلية ف ي� المغرب‬
‫جياكومي�)‬ ‫ت‬ ‫ال�ي” (مرسم‬ ‫التشكيل الراحل فريد بلكاهية‬ ‫وفا ًء للمبدع‬
‫ي‬ ‫ترجمة لكتاب “الجرح ِّ‬ ‫ي‬
‫نىس “جان جينيه” كان صدر قبل‬ ‫للكاتب الفر ي‬ ‫وزع‬‫(حزيران‪ /‬يونيو ‪ ،)2015‬مع كتاب مرفق ِّ‬
‫ت‬
‫الم�وع القومي لل�جمة عن‬ ‫سنوات ف ي� سلسلة ش‬ ‫بالمجان يحمل عنوان “قراءات ف ي� التصوير‬
‫العل للثقافة بمرص‪ ،‬والشاعر محمد‬ ‫المجلس أ‬ ‫الول”‪ ،‬وهو للفنان‬ ‫المغر� المعارص‪ -‬الجزء أ‬
‫بي‬
‫باللغت� العربية‬ ‫يف‬ ‫ال�غي� الذي زاوج ي ف‬
‫ب� الكتابة‬ ‫ف‬ ‫والناقد التشكيل بنيونس عم�وش‪ ،‬ساهم �ف‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫والفرنسية‪ ،‬والناقد الم�حي حسن المنيعي من‬ ‫كتابة مواد العدد نقاد وباحثون‪ ،‬من ضمنهم‪:‬‬
‫خالل كتابه “آفاق مغربية” (مجموعة مقالت‬ ‫محمد الشيكَر‪ ،‬محمد أديب السالوي‪ ،‬بوعبيد‬
‫عن أ‬ ‫عم�وش‪ ،‬محمد سعود‪ ،‬أحمد‬
‫الدب والفن) الصادر بمكناس سنة‪،1981‬‬ ‫بوزيد‪ ،‬بنيونس ي‬
‫والقاص إدريس الخوري الذي واكب العديد‬ ‫فاس‪ ،‬أحمد لطف الله‪ ،‬نورالدين فاتحي‪ ،‬أحمد‬ ‫ي‬
‫وخصها بنصوص‬ ‫من المعارض الفنية بالمغرب َّ‬ ‫جاريد‪...‬إلخ‪.‬‬
‫ومتابعات إعالمية جمعها ف ي� مؤلفه “كأس‬
‫حيا�‪ /‬كتابات ف ي� التشكيل”‪ ،‬الصادر سنة ‪2000‬‬ ‫ي‬
‫ت‬ ‫خرائط النقد التشكيلي في المغرب‬
‫ضمن منشورات اتحاد كتاب المغرب‪ ،‬والشاعر‬ ‫التشكيل ف ي� المغرب‪،‬‬
‫ي‬ ‫بال َّنظر إىل المنجز النقدي‬
‫خص مجموعة من‬ ‫أ‬ ‫يتنوع إىل نماذج نقديّة ومقاربات‬ ‫نجده‬
‫والروا� حسن نجمي الذي َّ‬ ‫ي‬ ‫َّ‬
‫الكاتالوغات الفنية بنصوص تقديمية مضيئة‪،‬‬ ‫وانطباعات ومتابعات متصلة بروافد ومرجعيات‬
‫وله كتاب موسوم بـ”الشاعر والتجربة” (نصوص‬ ‫أدبية وفلسفية وفنية متباينة‪ ،‬ندرج منها ً‬
‫مثال ل‬
‫ويتضمن‬ ‫َّ‬ ‫نقدية) صادر بالدار البيضاء سنة ‪1999‬‬ ‫حرصا النماذج التالية‪:‬‬
‫ً‬
‫لمبدع� عرب ومغاربة‪ ،‬إىل جانب‬ ‫يف‬ ‫بورتريهات‬
‫اش�اكًا‬ ‫ديوان “الرياح البنية” ‪ Les vents ocres‬ت‬ ‫أ‪ -‬نقد بأبعاد أدبية‬
‫مع الشاعر الرسام الراحل محمد القاسمي‬ ‫نشط ضمن هذا الصنف من النقد أدباء وشعراء‬
‫الذي صدر ف ي� طبعة ثانية أنيقة سنة ‪2006‬‬ ‫ساهموا بقسط وافر من النصوص التقديمية‬
‫التذك�‬
‫ي‬ ‫ضمن منشورات مرسم بالرباط‪ ،‬مع‬ ‫‪ Textes de présentation‬والحوارات الفنية‬
‫بمساهمة الشاعر والناقد بوجمعة أشفري‪ ،‬الذي‬ ‫يف‬
‫رسام�‬ ‫عل ضوء مصاحبات وصداقات مع‬
‫ب�‬‫له مؤلفات ف� الجماليات‪ ،‬من ضمنها “الفن ي ف‬ ‫يف‬
‫ونحات� مغاربة‪ ،‬نذكر من بينهم الشاعر محمد‬
‫ي‬
‫الكلمة والشكل” ‪.2005‬‬ ‫خصوصا‬ ‫بنيس بنصوصه أ‬
‫الدبية حول الفن‬
‫ً‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪16‬‬
‫المغر� ي ف‬
‫ب�‬ ‫الثقافة ‪ 2013‬و”مصداقية التشكيل‬ ‫ب‪ -‬نقد بأقالم تشكيل ّية‬
‫بي‬
‫التشكيل‬
‫ي‬ ‫الثقافة والتسويق” عن جمعية الفكر‬ ‫برز ف ي� الساحة النقدية التشكيلية المغربية فنانون‬
‫بدعم من وزارة الثقافة خالل سنة ‪ ،2013‬الفنان‬ ‫والتنظ�‬
‫ي‬ ‫ب� الممارسة‬ ‫تشكيليون مرموقون زاوجوا ي ف‬
‫التشكيل نورالدين فاتحي صاحب‬ ‫والناقد‬ ‫المعززة بمعرفة فنية وافية‬ ‫َّ‬ ‫الح�افية‬ ‫بكث� من ت‬ ‫ي‬
‫ي‬
‫الحدا�‪ /‬مفاهيم وأجناس”‪،‬‬ ‫ش‬ ‫ف‬
‫“� التشكيل‬ ‫أ‬
‫ي‬ ‫كتاب ي‬ ‫ممتدة لشغال وتطبيقات المرسم‪،‬‬ ‫وبخ�ة تقنية ّ‬ ‫ب‬
‫التشكيل‬
‫ي‬ ‫(المحمدية ‪ ،)2002‬الفنان والناقد‬ ‫أبرزهم الفنان محمد شبعة من خالل مداخالته‬
‫الكث� من المقالت‬ ‫ي‬ ‫عم�وش‪ ،‬له‬
‫بنيونس ي‬ ‫العميقة وحواراته الفنية الشيقة وكذا مقالته‬
‫ف‬
‫وال�جمات وصاحب كتاب “قراءات ي� التصوير‬ ‫ت‬ ‫الكث� منها ف ي�‬ ‫ت‬
‫ال� جمع ي‬ ‫المتخصصة ي‬ ‫ِّ‬ ‫التوثيقية‬
‫الول) الذي أصدره‬ ‫المغر� المعارص (الجزء أ‬ ‫كتابة الموسوم بـ”الوعي البرصي بالمغرب”‬
‫بي‬
‫اتحاد كتاب المغرب سنة ‪ ،2015‬الفنان بوزيد‬ ‫الصادر بالرباط سنة ‪ 2001‬ضمن منشورات‬
‫بوعبيد‪ ،‬أستاذ تاريخ الفن والحضارات بالمعهد‬ ‫اتحاد كتاب المغرب‪ ،‬والفنان محمد القاسمي‬
‫الوط� للفنون الجميلة وله كتاب بعنوان “قراءة‬ ‫ف‬ ‫أدل‬ ‫شاعرا‪ ،‬ول ّ‬ ‫الذي ي َّ ف‬
‫ي‬ ‫شاعرا مبد ًعا‪ ...‬ومبد ًعا ً‬ ‫تم� ً‬
‫ف ي� المخطوطات المزخرفة لرائد التشكيل بتطوان‪-‬‬ ‫البيض‪ /‬باريس‬ ‫عل ذلك من مؤلفاته‪ :‬الصيف أ‬
‫‪ / Les Creux du corps ،1990‬البيضاء‪،1997‬‬
‫صورا‬
‫تضمن ً‬ ‫مكناس مدينة تاريخية‪ 1997 /‬وقد َّ‬
‫فوتوغرافية رائعة للفنانة “كريستيان راماد”‪،‬‬
‫“الظل المحمول” بالتعاون مع آلن غوريس‪/‬‬
‫رحال” أو “كلمة راحلة”‪ ،‬الصاد‪،‬‬ ‫‪ ،1998‬و”كالم َّ‬
‫ف‬
‫سنة ‪ 1999‬عن دار المنار ي� الدار البيضاء‪،‬‬
‫إضافة إىل الفنان الراحل عبدالسالم جسوس‬
‫نصوصا ومقاربات عديدة لسيما‬ ‫ً‬ ‫الذي كتب‬
‫يف‬
‫التشكيلي� المغاربة”‬ ‫موازاة مع أنشطة “جمعية‬
‫ال� كان يرأسها ‪.‬‬ ‫ت‬
‫(ج‪ .‬ت‪ .‬م) ي‬
‫(‪)2‬‬

‫التشكيل‬ ‫الثا� برز الفنان والناقد‬ ‫ف‬


‫ي‬ ‫ومن الجيل ي‬
‫شفيق الزكَاري الذي صدرت له المؤلفات التالية‪:‬‬
‫المغر� الحديث” عن دار‬ ‫بي‬ ‫“قراءة ف ي� التشكيل‬
‫المغر�‬
‫بي‬ ‫الحرف بالقنيطرة سنة ‪“ ،2005‬التشكيل‬
‫ب� الهوية والحداثة” ضمن منشورات وزارة‬ ‫يف‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪17‬‬

‫كل”‪ ،‬إىل جانب‬ ‫الصباغية مع تجربة الفنان “بول ي‬ ‫ّ‬ ‫سيدي المفضل أفيالل” (منشورات جمعية‬
‫ف‬
‫موقفه من ظاهرة الرسم الفطري ي� المغرب‬ ‫أسم�‪ ،‬تطوان ‪ ،)2007‬الفنان والشاعر‬ ‫تطاوين ي‬
‫وتحق� ّبر ف يا� ووصاية‬ ‫ي‬ ‫وما صاحبها من تبخيس‬ ‫عزيز أزغاي صاحب كتاب “التشكيل وخطاباته‪-‬‬
‫المغر� ‪ .‬هذا إىل‬
‫بي‬ ‫الجماىل‬
‫ي‬ ‫أجنبية عل الوجدان‬ ‫التشكيل‬
‫ي‬ ‫تطور الخطاب النقدي حول الفن‬ ‫ُّ‬
‫التشكيلية‬
‫ّ‬ ‫جانب كتاباته حول بعض التجارب‬ ‫ف ي� المغرب” صادر عن دار ب يأ� رقراق للطباعة‬
‫العربية المعارصة وقد جمعها ف ي� مؤلف بعنوان‬ ‫الشارة‬‫والن� (الرباط‪ ،)2015 ،‬دون نسيان إ‬ ‫ش‬
‫العر� المعارص” صدر سنة‬ ‫ف‬ ‫يف‬ ‫يف‬
‫“مقدمات ي� الفن ب ي‬ ‫التشكيلي� أحمد جاريد‪،‬‬ ‫الفنان�‬ ‫إىل تجربة‬
‫‪ 2003‬ضمن منشورات عكاظ‪.‬‬ ‫وحسان بورقية‪ ،‬ومحمد خصيف‪ ،‬ومحمد سعود‬
‫العروس‬
‫ي‬ ‫الجماىل موليم‬ ‫ي‬ ‫يُضاف إىل ذلك الباحث‬ ‫المن�ة ف ي� حقل الكتابة‬‫من خالل مساهماتهم ي‬
‫البح� بكتابات غزيرة‬ ‫ش‬ ‫الذي بصم مساره‬ ‫حول الفن‪ ،‬وكذلك تجربة الفنانة التشكيلية‬
‫ي‬
‫مرجعية عديدة‪ ،‬من بينها‬ ‫محكمة ومؤلفات‬ ‫ال� سبق لها أن‬ ‫ت‬
‫ّ‬ ‫والقاصة الراحلة زهرة زيراوي ي‬
‫المغر�‬
‫بي‬ ‫كتابه المعنون بـ”اتجاهات التصوير‬ ‫التشكيل جمعتها‬
‫ي‬ ‫أعدت سلسلة حوارات ف ي� الفن‬ ‫َّ‬
‫المعارص” الصادر ‪-‬باللغة الفرنسية‪ -‬سنة ‪،2002‬‬ ‫ف‬
‫قبل سنوات من رحيلها ي� كتاب بعنوان “الفن‬
‫ومن آخر إصداراته باللغة العربية كتاب “الفن‬ ‫التشكيل‪ -‬مقامات أوىل” (‪.)2005‬‬
‫ي‬
‫التشكيل بالمملكة المغربية”‪ ،‬صادر بتونس سنة‬ ‫ي‬
‫ت‬
‫‪ 2015‬ضمن منشورات المنظمة العربية لل�بية‬ ‫ج‪ -‬نقد برؤى فلسف ّية جمال ّية‬
‫والثقافة والعلوم‪.‬‬ ‫اغت� البحث النقدي والكتابة حول الفن �ف‬ ‫ف‬
‫ي‬
‫نزيد عل ذلك مساهمة الباحث وأستاذ الفلسفة‬ ‫المغرب بكتابات ومقاربات تمتح أسسها من‬
‫المعارصة والجماليات نورالدين أفاية من خالل‬ ‫النسانية‪ ،‬أبرزها‬ ‫مجال الجماليات والعلوم إ‬
‫والمر� والخطاب‬ ‫أ‬ ‫اشتغاله المحكم عل الصورة‬ ‫الخطي�‬ ‫عبدالكب�‬
‫ي‬ ‫للكاتب والمفكر الراحل‬
‫ي‬ ‫بي‬
‫الجماىل محمد‬ ‫أيضا الباحث‬ ‫أ‬
‫السينما� ‪ .‬ونذكر ً‬ ‫أغ� مكتباتنا الفنية بأبحاث ودراسات‬ ‫الذي ف‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫الشيكَر صاحب كتاب “الفن ف ي� أفق ما بعد‬ ‫عمقت الفهم للعالمات والرموز‬ ‫سوسيولوجية ّ‬
‫نموذجا” (منشورات‬ ‫ً‬ ‫المغر�‬
‫بي‬ ‫الحداثة‪ -‬التشكيل‬ ‫المستوحاة من ذاكرتنا وثقافتنا الشعبية‪ً .‬‬
‫فضال‬
‫التشكيل‪َّ ،)2014 ،‬ثم الباحث‬ ‫جمعية الفكر‬ ‫الخطي� بمقارباته الفكرية‬ ‫تم�‬‫عن ذلك‪ ،‬ي ّ ف‬
‫ي‬ ‫بي‬
‫كث� الذي أصدر كتابًا‬ ‫والم�جم إدريس ي‬ ‫ت‬ ‫المتم�ة ف ي� مجال الصورة والفنون‬ ‫ي ِّ ف‬ ‫والجمالية‬
‫بعنوان “هشاشة الفن المفرطة” (دراسات ف ي�‬ ‫تدل‬ ‫التشكيلية ولسيما الرسم والتصوير؛ كما ّ‬
‫للن�‬ ‫الفن التشكيل)‪ ،‬وذلك عن دار مقاربات ش‬
‫ي‬ ‫العالما� ألعمال الفنان‬
‫ي‬
‫ت‬ ‫عل ذلك قراءاته وتحليله‬
‫أيضا‬ ‫والصناعات الثقافية سنة ‪ .2011‬ونجد ً‬ ‫ال�قاوي(‪ ،)3‬وإنجاز مشابَ َهة لتجربته‬ ‫أحمد ش‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪18‬‬

‫الخرى للباحث‬ ‫إصداراته الفنية‪ ،‬والتجربة أ‬


‫الف� وأستاذ تاريخ الفن بالمدرسة العليا‬ ‫ف‬
‫والناقد ي‬
‫للفنون الجميلة بالدار البيضاء عبدالله الشيخ‬
‫الذي صدرت له مؤلفات عديدة‪ ،‬من بينها‪:‬‬
‫يف‬
‫الحس� طالل‬ ‫س�تها عل لسان ابنها‬ ‫“الشعيبية‪ ،‬ي‬
‫أ‬
‫(مونوغرافيا)‪ -‬الطبعة الوىل‪ ،‬الرباط ‪،2015‬‬
‫لخرص‬‫وأيضا مونوغرافيا حول الفنان بوجمعة ف‬ ‫ً‬
‫سحر العالمة‪ ،2016 -‬هذا إىل جانب أقالم‬
‫حارصة ف ي� مجال الكتابة‬ ‫أخرى جديدة أضحت ف‬
‫حول الفن ف ي� المغرب ستكون الفرصة مواتية‬
‫لحقًا للحديث عنها وعن مساهمة أصحابها‪...‬‬
‫أخ�ة تتعلق بميالد الجمعية المغربية‬ ‫مع إشارة ي‬
‫كث� من‬ ‫ال� يعلق عليها ي‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫الف� (‪ )AMCA‬ي‬ ‫للنقد ي‬
‫البداعية‬‫كب�ة إلنعاش الساحة إ‬ ‫آمال ي‬ ‫يف‬
‫المهتم� ً‬
‫ش‬
‫والن�‪.‬‬ ‫العربية والمحلية عل مستوى الكتابة‬
‫المكانية المادية‬ ‫أن انعدام الدعم وقلة إ‬ ‫يغ� َّ‬ ‫عبدالعاىل معزوز من خالل إصداراته‬ ‫ي‬ ‫الباحث‬
‫يشل من دينامية هذه الجمعية‬ ‫واللوجيستية قد ّ‬ ‫والجماىل‪،‬‬ ‫تع� بالحقل البرصي‬ ‫الم�جمة وهي ف‬ ‫ت‬
‫ي‬
‫ويعقِّد طموح أعضائها!!‬ ‫ب� الفن‬ ‫من بينها كتابه “فلسفة الصورة‪ /‬الصورة ي ف‬
‫ال�ق‬ ‫الن� أفريقيا ش‬ ‫والتواصل” الصادر عن دار ش‬
‫واقع وإكراهات‬ ‫(الدار البيضاء‪.)2014 ،‬‬
‫ف‬
‫الف�‬ ‫ت‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫يف‬ ‫يف‬
‫ال� تَ ِس ُم المشهد ي‬
‫الحركية ي‬
‫ّ‬ ‫الرغم من‬ ‫عل ّ‬ ‫متباينت� ي� المرجع والسلوب‪،‬‬ ‫بتجربت�‬ ‫نختم‬
‫ف ي� المغرب عل مستوى ما تراكم من مقاربات‬ ‫والعالمي محمد أديب السالوي‬ ‫إحداهما للكاتب إ‬
‫أن ساحة‬ ‫ونصوص نقدية باللغة العربية‪ ،‬إل َّ‬ ‫بكث� من‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫الذي ف‬
‫الف� ي� المغرب ي‬ ‫العالم ي‬ ‫أغ� إ‬
‫الجماىل ف ي� المغرب ما‬
‫ي‬ ‫التشكيل والبحث‬
‫ي‬ ‫النقد‬ ‫الكتابات‪ ،‬وله العديد من المؤلفات كان قد‬
‫الكراهات‪ ،‬من بينها‪:‬‬
‫تزال تع�ضه مجموعة من إ‬‫ت‬ ‫العر�‬ ‫بدأها بكتابه أ‬
‫التشكيل ب ي‬ ‫ي‬ ‫الول “أعالم الفن‬
‫الصدارات الفنية وضعف إنتاج الكتاب‬ ‫‪ -‬قلة إ‬ ‫بالمغرب” الصادر سنة ‪ 1982‬عن منشورات‬
‫التشكيل بسبب غياب المبادرة وقلة الدعم‪ ،‬مع‬
‫ي‬ ‫للن� ف ي�‬‫والعالم‪ ،‬دار الرشيد ش‬ ‫وزارة الثقافة إ‬
‫غالبا ما تقترص عل‬
‫جدا ً‬ ‫وجود استثناءات قليلة ًّ‬ ‫بغداد ‪ ،1982‬لتتواىل عقب ذلك مجموعة من‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪19‬‬

‫هوامش‪:‬‬ ‫الجهود الفردية‪.‬‬


‫متخصصة‪ ،‬ونقصد بصورة أساسية‬ ‫ِّ‬ ‫‪ -‬غياب منابر‬
‫المجالت الفنية‪ .‬مع مالحظة تتعلق بتجارب‬
‫‪)1( Moulim El Aroussi: Identité et‬‬ ‫العداد‬ ‫مغربية سابقة توقفت ف� حدود إصدار أ‬
‫ي‬
‫‪Modernité dans la peinture marocaine.‬‬ ‫والتحف� (فنون‪،‬‬ ‫ف‬ ‫الوىل بسبب غياب الدعم‬ ‫أ‬
‫ي‬
‫‪Zoom sur la peinture des années 60. Loft‬‬ ‫مغر�‪.)...‬‬ ‫زونار‪ ،‬ماتريس دي زار‪ ،‬تشكيل ب ي‬
‫‪Art Gallery، Crédit du Maroc; 2012 )pp.‬‬ ‫متخصص (مكتوب‪،‬‬ ‫ف�‬ ‫ف‬
‫ِّ‬ ‫‪ -‬الحاجة إىل إعالم ي‬
‫‪9- 11(.‬‬ ‫وينشطه ُك ّتاب‬ ‫ِّ‬ ‫مر�‪ ،‬مسموع) شي�ف عليه‬ ‫أ‬
‫ي‬
‫تضم‬ ‫يف‬
‫التشكيلي� المغاربة” ُّ‬ ‫(‪ )2‬كانت “جمعية‬ ‫ف‬
‫الف� ‪.‬‬
‫وباحثون متفرغون لهم دراية بالمجال ي‬
‫الفنان� يوجد من بينهم‪ :‬عبدالحي‬‫يف‬ ‫مجموعة من‬ ‫‪ -‬عدم طبع أشغال الندوات والموائد المستديرة‬
‫المالخ‪ ،‬عمر بوركَبة‪ ،‬متصدق‪ ،‬محمد عجنكان‪،‬‬ ‫ال� تنظم ف ي� مجال الفنون التشكيلية‪ ،‬بما ف ي� ذلك‬ ‫ي‬
‫ت‬
‫ف‬
‫وعبدالغ� أوبلحاج‪ .‬وقد‬ ‫غا�‪ ،‬محمد بن عالل‬ ‫ف‬ ‫ال� تنظمها مؤسسات قائمة الذات‪.‬‬ ‫ت‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫الندوات ي‬
‫النشطة الفنية‪،‬‬ ‫سبق لها تنظيم الكث� من أ‬ ‫وينبغي التنويه عل هذا المستوى بالمجهود‬
‫ي‬
‫ف‬
‫أبرزها المعرض الجماعي الذي أقيم ي� أبهاء‬ ‫التشكيل‪ ،‬والمتمثل‬ ‫الذي تقوم به جمعية الفكر‬
‫ي‬
‫أر� ‪-‬تحت القبة‪ -‬بعنوان‪“ :‬ملتقى‬ ‫ف‬ ‫ف� طبع عدة ف‬
‫الممر التحت ي‬ ‫محارصات وسلسلة منتديات فكرية‬ ‫ي‬
‫ف ي� الممر”‪ ،‬وذلك ف ي� مدينة الدار البيضاء خالل‬ ‫وال� أقامتها الجمعية عل‬ ‫ت‬
‫حول الفن ومجالته ي‬
‫ب� ‪ 28‬أيار‪ /‬ماي و‪ 10‬حزيران‪/‬‬ ‫الف�ة الممتدة ي ف‬‫ت‬ ‫امتداد سنوات برواق باب الرواح بالرباط بدعم‬
‫يونيو ‪.1976‬‬ ‫من وزارة الثقافة‪.‬‬
‫الخطي� كتاب حول تصوير‬ ‫لعبدالكب�‬
‫ي‬ ‫(‪)3‬‬ ‫ب� أرباب قاعات العرض‬ ‫‪ -‬العالقة المفقودة ي ف‬
‫بي‬
‫طو� ماراي�ف‬ ‫اش�اكًا من ف‬
‫ال�قاوي ت‬ ‫الفنان أحمد ش‬ ‫(الغال�هات) ونقاد الفن‪ ،‬بحيث نسجل‬ ‫ي‬ ‫الف�‬ ‫ف‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫وإدموند عمران المالح‪ ،‬صادر ضمن منشورات‬ ‫المف�ض‬‫ت‬ ‫المه�‬ ‫ف‬ ‫غياب التواصل والشتغال‬
‫ي‬
‫شوف بالدار البيضاء‪ ،‬طبع ف ي� إسبانيا لدى‬ ‫مهمة كتابة وإعداد النصوص‬ ‫ّ‬ ‫بخصوص‬
‫صل‬ ‫أ‬ ‫التقديمية ل ِـ”كاتالوغات” وأد ّلة المعارض الفنية‪.‬‬
‫إيموغراف‪ -‬برشلونة‪ .1976 ،‬العنوان ال ي‬ ‫ّ‬
‫للكتاب‪:‬‬ ‫والمر نفسه ينسحب عل متحف محمد السادس‬ ‫أ‬
‫‪- La peinture d’Ahmed Cherkaoui،‬‬ ‫للفن الحديث والمعارص ف ي� الرباط الذي ل يتوفر‬
‫‪textes d’Abdelkebir Khatibi، Toni Maraini‬‬ ‫وباحث� مغاربة تعهد‬ ‫يف‬ ‫مكونة من نقاد‬ ‫عل لجنة َّ‬
‫‪et Edmond Amran El Maleh. Shoof‬‬ ‫وال�ام‬ ‫ف‬
‫إليها المهمة المذكورة � إطار تعاقد ت ف‬
‫ي‬
‫‪Publications- Casablanca، 1976.‬‬ ‫م َّتفق بشأنه‪.‬‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪20‬‬

‫الكتابة العربية عن الفن وسيولة االصطالح‬


‫أنموذجا‬
‫ً‬ ‫سؤال (ال َّرسم)‬
‫د‪ .‬ياسر منجي‪ /‬مصر‬

‫العل‬ ‫والعلوم الجتماعية” ف� مرص ‪”-‬المجلس أ‬ ‫تَ ْحف َُل الكتابات العربية ف ي� مجالت الفنون‬
‫ي‬
‫الرسم والحفر)‬ ‫حاليا‪ -‬أن تكون (فنون َّ‬ ‫للثقافة” ًّ‬ ‫البرصية ‪-‬عل اختالف تصنيفاتها وتفريعاتها‪-‬‬
‫ال� يتقدم بها من يرون �ف‬ ‫ت‬ ‫ً أ‬ ‫مستويات‬ ‫تشهد بحضور‬ ‫متعددة‪،‬‬ ‫بشواهد‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫مجال لالعمال ي‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫بقطعية التحديد‬ ‫ف‬
‫التأزم‪ ،‬ي� ما يختص‬
‫التشجيعية”‪.‬‬
‫ّ‬ ‫لنيل “جائزة الدولة‬ ‫هلية ْ‬ ‫أنف ُِسهم ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫متعددة من ُّ‬‫ٍ‬
‫أسفرت إجراءات الفرز والتحكيم عن‬ ‫َ‬ ‫آنذاك‪،‬‬ ‫لكث�‬
‫اللغوي‪ ،‬والتوافق عل الدللت الواضحة‪ ،‬ي ٍ‬
‫أ‬
‫همية والثر‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫يف‬ ‫المتداولة‬ ‫الصطالحية‬ ‫واللفاظ‬ ‫من المفاهيم أ‬
‫نتيجت�‪ ،‬كادتا تتساويان ي� ال ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫الوىل كانت فوز رائد الجرافيك المرصي‬ ‫النتيجة أ‬ ‫ف ي� تلك المجالت‪ ،‬سوا ٌء عل المستوى التأريخي‬
‫“الحس� فوزي” (‪ )1999 - 1905‬بالجائزة‪،‬‬ ‫يف‬ ‫العتيد‬ ‫التأط�‬‫ي‬ ‫التق� أو النقدي‪ ،‬وكذا عل مستوى‬ ‫أو ف‬
‫ي‬
‫السمع والبرص‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫يف‬ ‫الجماىل والفلسفي‪ .‬ف ي� هذا السياق‪ ،‬نجد أنفسنا‬
‫جده‪ ،‬يمال َّ‬ ‫ح� كان ي� ذروة َم ِ‬ ‫ي‬
‫ش� الوسائط؛ وهو ما أثار وقتها‬ ‫بإبداعا ِته ف� ت‬ ‫التأمل‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫تاريخية دا ّلة تستوجب‬ ‫إزاء نماذج‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫(التشجيعية) مع‬
‫ّ‬ ‫تناسب الجائزة‬ ‫َج َد ًل حول مدى ُ‬ ‫وأن أصدا َءها‬ ‫لسيما َّ‬ ‫ّ‬ ‫وتستدعيها المناسبة؛‬
‫قامة “فوزي”‪ ،‬وكذا مع ِس ِّنه؛ إ ْذ كان يبلغ آنذاك‬ ‫حارص ًة بقوة �ف‬ ‫وإشكالياتها الضبابية ما تزال ف‬
‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مر‪.‬‬ ‫يف‬ ‫ثمانيةً‬ ‫الوقت الراهن‪.‬‬
‫الع ِ‬
‫عاما من ُ‬ ‫وخمس� ً‬
‫ف‬
‫ّأما النتيجة الثانية‪ ،‬فقد تَ َم َّث َلت ي�‬ ‫عاما‪ ،‬أي ي� العام ‪،1963‬‬ ‫ف‬ ‫يف‬
‫نقاشات ِع ّدة‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫وخمس� ً‬ ‫خمسة‬
‫ٍ‬ ‫منذ‬
‫معروف�‪ ،‬و ُطرحت �ف‬ ‫يف‬ ‫ونقاد‬ ‫ب� ي ف‬
‫فنان�‬ ‫َجرت ي ف‬ ‫آ‬
‫قرر “المجلس العل لرعاية الفنون والداب‬ ‫أ‬
‫َِ ي‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪21‬‬

‫رائد الجرافيك المصري “الحسين فوزي”‬

‫(الرسم) و(الحفر)‪،‬‬ ‫ف‬


‫البهام وتحديد المفاهيم وتوضيح‬ ‫فرديّة إلزالة إ‬ ‫تساؤلت حول مع� َّ‬ ‫ٍ‬ ‫أثنائها‬
‫الرسم ‪Drawing‬‬ ‫ف‬
‫الصطالحية‪ .‬وكان ِمن أبرز هؤلء‬ ‫ّ‬ ‫الدللت‬ ‫وحول الحدود الفارقة يب� َّ‬
‫الشعبية‪“ ،‬سعد‬‫ّ‬ ‫الم َع ّلم‪ ،‬رائد الدراسات‬ ‫الفنان ُ‬ ‫الصطالحية‬
‫ّ‬ ‫والتصوير ‪ ،Painting‬وحول الدللة‬
‫اق�ح تعريفًا لفن‬ ‫الخادم” (‪ ،)1987 1913-‬الذي ت‬ ‫إن بعض النقاشات المشار‬ ‫للفظة (حفر)‪ .‬بل َّ‬
‫بالغة ودقة –عل الرغم من‬ ‫الرسم ل يخلو من ٍ‬ ‫يف‬
‫المتسابق�‪ ،‬الذين‬ ‫أن عد ًدا من‬ ‫إليها بَ َّي َنت كيف َّ‬
‫َّ‬
‫ذاهبا إىل أنه‪“ :‬ق ُِص َد به ذلك النوع‬ ‫النس�‪ً -‬‬ ‫طو ِله ب ي ّ‬ ‫تقدموا بأعمالهم للجنة الجائزة آنذاك‪،‬‬ ‫كانوا قد َّ‬
‫بدورهم؛ فكان أن تَق َّدم‬ ‫أ‬
‫يعتمد عل َح ّد القلم؛ لتسجيل‬ ‫ُ‬ ‫من الفنون الذي‬ ‫قد ال َت َبس عليهم المر ِ‬
‫جانب من جوانب الطبيعة‬ ‫تع� عن ٍ‬ ‫خطية‪ ،‬ب ِّ‬ ‫اسة ّ‬
‫در ٍ‬ ‫وتقدم‬ ‫َّ‬ ‫صناعية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫برسوم لتصميمات‬ ‫ٍ‬ ‫بعضهم‬
‫النسان‪ ،‬أو يغ� ذلك من موضوعات‪،‬‬ ‫تحض�يّة لعمال من الزجاج‬ ‫أ‬ ‫يغ�هم برسوم‬
‫أو مالمح إ‬ ‫ي‬
‫الحاذق مران َته وتحكُّمه‪ ،‬ف ي� أن‬
‫ُ‬ ‫ظه ُر من خاللها‬‫يُ ِ‬ ‫(الرسم)‪ ،‬كما‬ ‫فن َّ‬ ‫صفها من أعمال ّ‬ ‫المعشق‪ِ ،‬ب َو ِ‬
‫ّ‬
‫أشكال مضبوطة‪ ،‬توحي إىل‬ ‫ً‬ ‫يجعل من خطوطه‬ ‫معدنية مزخرفة بالنقوش‬ ‫ّ‬ ‫تقدم آخرون بأشغال‬ ‫َّ‬
‫أ‬
‫بتكام ِلها‪ ،‬لنها تُضفي عل فضاء ورقة‬ ‫المحفورة‪ ،‬عل اعتبار أنَّها من أعمال فن (الحفر)‪.‬‬
‫الناظر إليها ُ‬
‫البعد أو القُرب؛ إذ تظهر الخطو ُط‬ ‫الرسم صفة ُ‬ ‫َّ‬ ‫وقد َدفَع هذا السياق التصنيفي والصطالحي‬
‫بخلفية تُ ِله ُم‬
‫ّ‬ ‫ف ي� تشكيلها وتَ َع ُّر ِجها كأنها محاطةٌ‬ ‫التنظ�يّة ف ي�‬
‫ي‬ ‫المل َتبس ببعض ذوي الكفاءة‬ ‫ُ‬
‫المر َء بسعتها وبراحها”(‪.)1‬‬ ‫محاولت‬ ‫ف‬
‫للتد ُّخل‪ ،‬ي�‬
‫ٍ‬ ‫التشكيلية المرصيّة َ‬ ‫ّ‬ ‫الحركة‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪22‬‬

‫و(البعد‬‫الرسم)‪ُ ،‬‬ ‫حديثه عن (فضاء ورقة َّ‬ ‫خالل ِ‬ ‫أن “الخادم” يتوقَّف‬ ‫ي َّتضح من التعريف السابق َّ‬
‫والق َيم البرصيّة‪،‬‬ ‫أ‬
‫مؤكدا بذلك‬ ‫ً‬ ‫وال�اح)‪،‬‬
‫والقُرب)‪ ،‬و(السعة ب‬ ‫دائية ِ‬‫الم َح ِّددات ال ّ‬
‫عند بعض ُ‬
‫صفه‬ ‫ف‬
‫الملمسية‬
‫ّ‬ ‫الق َيم‬
‫قدرة الرسام عل توليد أغلب ِ‬ ‫(الرسم) ِ‪-‬ب َو ِ‬ ‫ُم َّت ِك ًئا عليها ي� تحديده لنطاق َّ‬
‫اغية‪ ،‬اعتما ًدا عل الخط ‪Line‬‬ ‫‪ Textural‬والفر ّ‬ ‫فنيا مك َت ِم ًال بذا ِته‪ -‬وهو ما نالحظه ف ي�‬ ‫ً‬
‫مجال ًّ‬
‫”ح ّد‬ ‫ف‬
‫غ�ه من عنارص التأليف البرصي‬ ‫فقط دون ي ِ‬ ‫(الخطية)؛ ي� استدعائه ل ِـ َ‬ ‫ّ‬ ‫إشارته للقيمة‬
‫ت‬ ‫تأكيده عل ِق َيم (الحذق والمرانة‬ ‫ف‬
‫المصور‬
‫ِّ‬ ‫ال� قد نراها لدى‬ ‫والخلق الفراغي‪ ،‬ي‬ ‫و� ِ‬ ‫القلم”‪ ،‬ي‬
‫أن “سعد الخادم” كان‬ ‫يتب ي َّ ف� َّ‬
‫‪ .Painter‬من هنا َ‬ ‫سمات أساسية ألداء الفنان‬ ‫ٍ‬ ‫صفها‬
‫والتحكُّم)‪ِ ،‬ب َو ِ‬
‫(الرسم)‪،‬‬ ‫ب� أعمال‬ ‫(الرسام)‪ ،‬يمكن من خاللها التفريق ي ف‬
‫وعي بخصوصية َّ‬ ‫يؤسس تعريفَه عل ٍ‬ ‫ّ‬
‫ف‬ ‫ت‬
‫ال� قد تش�ك‬ ‫ت‬
‫غ�ه‬
‫محدد المعالم‪ ،‬قد يشارك ي َ‬ ‫ف� َّ‬ ‫ٍّ‬ ‫كمجال ي‬
‫ٍ‬ ‫وغ�ها من التطبيقات ي‬ ‫الرسم ‪ ،‬ي‬ ‫َّ‬
‫الق َيم‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫معه ظاهريًا‪ ،‬يغ� أنَّها تقوم عل الداء النمطي‬
‫دائية أو ِ‬
‫من المجالت ي� بعض مالمح ال ّ‬
‫البرصيّة‪ ،‬يغ� أنه يختلف عنها من حيث الهوية‬ ‫ال يىل‪ ،‬كالرسوم والتخطيطات التصميمية‬ ‫أو آ‬
‫والغاية وطرائق التنفيذ والمعالجة‪ .‬بطبيعة‬ ‫الصناعية ً‬
‫مثال‪.‬‬
‫الحال لم يكن “الخادم” َّأول َمن ال َتفَت إىل‬ ‫اليهام‬ ‫لمهار� إ‬
‫يَ‬ ‫ت‬ ‫ي َّتضح كذلك استدعاء “الخادم”‬
‫قائما بذا ِته؛‬
‫(الرسم)‪ ،‬باعتباره ف ًّنا ً‬ ‫خصوصية َّ‬ ‫الرسام؛ من‬ ‫واليهام المنظوري لدى ّ‬ ‫بالفراغ‪ ،‬إ‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪23‬‬

‫‪Jean Auguste Dominique Ingre )1780-‬‬ ‫أمرا َش ِه َدت‬ ‫إن إدراك هذه الخصوصية كان ً‬ ‫إذ َّ‬
‫بالرسم إىل أقىص حدود‬ ‫يف‬
‫أساط�‬ ‫مشاه� من‬ ‫ات ِع ّدة‪ ،‬أُ ِث َرت عن‬ ‫به إشار ٌ‬
‫‪1867‬م)‪ ،‬ليصل َّ‬ ‫ي‬
‫أن (التصوير) يدين بكل ِق َي ِمه‬ ‫مرجعيات مهمة‪،‬‬ ‫ف‬
‫بعضها ي�‬ ‫الفن العالمي‪ ،‬و ُد ِّو َن ُ‬
‫مؤكدا َّ‬ ‫ً‬ ‫الحتفاء‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫(الرسم)؛‬ ‫ومكونا ِته البرصية ‪-‬فيما عدا اللون‪ -‬ل ِـ َّ‬ ‫قرون َخ َلت‪.‬‬ ‫تاريخ صدور بعضها ستة ٍ‬ ‫ُ‬ ‫يتجاوز‬
‫قرر فيها‬ ‫ت‬ ‫الشارات من القرن‬ ‫وتأتينا إحدى أقدم هذه إ‬
‫ال� َّ‬ ‫الشه�ة‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫لخ َصته عبارته‬ ‫وهو ما َّ‬
‫“الرسم هو ضمانةُ انضباط‬ ‫يطاىل‬ ‫الرابع ش‬
‫أن‪َّ :‬‬ ‫تامة َّ‬ ‫احة ّ‬ ‫برص ٍ‬ ‫ال ي‬ ‫ع� الميالدي؛ بقلم الفنان إ‬
‫ش‬ ‫ي�” ‪Cennino Cennini )1360-‬‬ ‫ف‬
‫سء باستثناء اللون‪.‬‬ ‫الفن؛ إنه يشتمل عل كل ي‬ ‫“ش ّنينوش ّن ي‬
‫مجرد استنساخ الخطوط‬ ‫َّ‬ ‫يع�‬
‫ي‬
‫الرسم ل ف‬
‫َّ‬ ‫الشه� “كتابان ف ي�‬ ‫ي‬ ‫ح� ذهب ف ي� مؤ َّل ِفه‬ ‫‪ ،)1427‬ي ف‬
‫الم َح ِّوطة‪ ،‬وهو ل يقوم عل محض خطوط؛ إنه‬ ‫ُ‬ ‫الفن” ‪ ،Il libro dell’arte‬إىل وجوب الهتمام‬
‫التعب�‪ ،‬ومحتوى الشكل‪ ،‬والخطة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫دوما‬
‫يمثل ً‬ ‫غ� عنها‬ ‫بإتقان الرسم والمهارة فيه‪ ،‬كوسيلة ل ف‬
‫َّ‬
‫ت‬
‫مصور يَروم الح�اف‪.‬‬ ‫أ‬
‫الرسم‬ ‫إن َّ‬ ‫والنموذج‪ .‬انظر ماذا يتبقى بعد ذلك! َّ‬ ‫ل ّي ِّ‬
‫مما يمكن أن يُك َِّون‬ ‫أرباع ونصف الربع ّ‬ ‫المصور‬ ‫ع�‪ ،‬تأتينا وصايا‬ ‫ومن القرن الخامس ش‬
‫يمثل ثالثة ٍ‬ ‫ِّ‬
‫التاريخية‬ ‫جس َدت مقولة “آنج”‬ ‫اللوحة” ‪ .‬وقد َّ‬ ‫“أل�شت ديورر” ‪Albrecht Durer )1471-‬‬ ‫الحفّار ب‬
‫(‪)2‬‬
‫ّ‬
‫ت‬ ‫ف‬
‫الج َدل‬ ‫ال� تُ َل ِّخص طبيعة َ‬ ‫تلك ُعقدة الذروة‪ ،‬ي‬ ‫كتابات ِع ّد ٍة‪،‬‬‫ٍ‬ ‫الشمالية‪ ،‬ي�‬
‫ّ‬ ‫‪ ،)1528‬رائد النهضة‬
‫أ‬ ‫ف‬
‫خ�ة من القرن‬ ‫الواسع‪ ،‬الذي ثار خالل العقود ال ي‬ ‫و� القرن‬ ‫الرسم و ُط ُرق تدريسه‪ .‬ي‬ ‫أهمية َّ‬‫مؤك ًِّدا ّ‬
‫نىس‪،‬‬‫الجماىل الفر ي‬ ‫ي‬ ‫ع�‪ ،‬ف ي� دوائر الفكر‬ ‫الثامن ش‬ ‫النحات‬ ‫ع�‪ ،‬يطالعنا المصور المعمار ّ‬ ‫السادس ش‬
‫الساس ف ي� بنائها‪ :‬أهو‬ ‫حول عماد اللوحة أو أ‬ ‫تغاىل “فرانسيسكو دي هولندا” ‪Francisco‬‬ ‫ال� ي‬ ‫ب‬
‫الرسم؟ أو ما يحدثه أ َل ُق اللون فيها؟‬ ‫الرسم‬ ‫‪ ،)de Holanda )1517- 1585‬وهو يصف َّ‬
‫البحث ف ي� خصوصية‬ ‫ُ‬ ‫نفسه‪ ،‬أ ّدى‬ ‫وعل النحو ِ‬ ‫لش� فنون التصوير والنحت‬ ‫بأنه‪“ :‬عما ٌد وأساس ت‬
‫ٌ‬
‫فنية‬
‫لمجالت ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أصيل‬
‫ٍ‬ ‫وعماد‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬كأساس‬
‫ٍ‬ ‫الرسم‬ ‫َّ‬ ‫والعمارة‪ ،‬بل لكافة العلوم كذلك”‪ّ .‬أما القرن‬
‫خ� من القرن التاسع‬ ‫أ‬ ‫فتطالعنا فيه قامةٌ فارهة‪ُ ،‬م َم َّثلةً ف ي�‬ ‫السابع ش‬
‫أخرى‪ -‬خالل الثلث ال ي‬ ‫ُ‬ ‫ع�‪،‬‬
‫اعتبارا بالغ‬ ‫مفهوم دقيق‪ ،‬يطرح‬ ‫ع�‪ ،‬إىل بزوغ‬ ‫ش‬ ‫نىس “نيقول بوسان” ‪Nicolas‬‬
‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫المصور الرسام الفر ي‬
‫الرسم داخل صميم المجال‬ ‫أ‬
‫الهمية ِلفعل َّ‬ ‫‪ ،)Poussin )1594- 1665‬الذي كان يؤمن ‪-‬شأن‬
‫افيك؛ وهو المفهوم الذي تطرحه لفظة‬ ‫الجر ي‬ ‫الغربي� ف ي� أواسط القرن‬ ‫يف‬ ‫كث� من المصورين‬ ‫يٍ‬
‫ال� َر َسخت كاصطالح‬ ‫ت‬ ‫“جر ي ف‬ ‫ش‬ ‫السابع ش‬
‫اف�م” ‪ ،Graphisme‬ي‬ ‫أهمية من اللون‪.‬‬ ‫الرسم أك� ّ‬ ‫بأن َّ‬
‫ع�‪َ -‬‬
‫و� الفرنسية‬ ‫ف‬ ‫أ‬ ‫ومن القرن الثامن ش‬
‫محدد داخل الثقافة الوروبية عامة ي‬ ‫َّ‬ ‫ع�‪ ،‬يرتفع صوت َع ّراب‬
‫اعتبارا من عام ‪ .1875‬ويمكن مقاربة‬ ‫ً‬ ‫خاصة‬ ‫“الكالسيكية الجديدة” ‪ ،Neoclassicism‬المصور‬
‫فَحوى هذا الصطالح بفكرة (العالمة الخطية‬ ‫آنج”‬‫نىس “جان أوجست دومينيك ْ‬ ‫الرسام الفر ي‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪24‬‬

‫العر� ما يزال‬ ‫بي‬ ‫أن سياق الفن‬ ‫وتساؤلت‪ -‬نرى َّ‬ ‫الجرافيكية)‪ .‬وتؤدي هذه اللفظة المتخصصة‪،‬‬
‫ت‬ ‫الثر ت‬ ‫مع� أ‬ ‫عدد من اللغات الغربية‪ ،‬ف‬ ‫ف‬
‫فصح‬ ‫ال� تُ ِ‬ ‫الضبابية‪ ،‬ي‬ ‫ّ‬ ‫بعدد من المفاهيم‬ ‫ُم َح َّم ًال ٍ‬ ‫الم�وك‬ ‫ي� ٍ‬
‫آ‬ ‫وخدشا‪ -‬بواسطة الريشة‬ ‫وحزا‬ ‫‪-‬خ ًّ‬
‫سياقات عدة‪ ،‬منها‬ ‫ٍ‬ ‫عن نفسها من ٍآن لخر ِضمن‬ ‫ً‬ ‫ورسما ًّ‬ ‫ونقشا ً‬ ‫طا ً‬
‫ما يتصل بنطاق البحث الكاديمي‪ ،‬ومنها ما‬ ‫أ‬ ‫أو القلم أو الفرشاة أو المسمار الحديدي‪،‬‬
‫ب� النقاد والكُ تاب ف ي� شؤون الفن‪ ،‬ومنها‬ ‫تداو ُل ي ف‬
‫يُ َ‬ ‫الرسم‬ ‫وبالتاىل فهي تُ َج ّسد مفهوم “تحويل ِفعل َّ‬ ‫ي‬
‫يف‬ ‫يف‬ ‫ف‬ ‫وبالضافة لذلك فهي‬ ‫ح� الماديّة”‪ .‬إ‬ ‫ف‬
‫الممارس�‪.‬‬ ‫الفنان�‬ ‫ما يتواتر ي� أحاديث‬ ‫أو الكتابة إىل ي ِّ‬
‫الضبابية هي السبب‬ ‫ّ‬ ‫أن هذه المفاهيم‬ ‫ونرى َّ‬ ‫تشكيل‪ ،‬قد يُمزج بعنارص‬ ‫ي‬ ‫تطرح نفسها كعنرص‬
‫ال� ما تزال‬ ‫ت‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫اللونية‪ ،‬فيؤ ِّطرها‬ ‫تشكيلية أخرى‪ ،‬كالمسطحات‬
‫أنماط بعينها من السئلة‪ ،‬ي‬ ‫ي� ظهور ٍ‬ ‫ّ‬
‫تثار ف ي� نطاق الكتابة العربية حول الفن‪ ،‬ك َّلما‬ ‫ُ‬ ‫رسم به أشكال مستقلة‪،‬‬ ‫ويرسم حدودها‪ ،‬أو تُ َ‬
‫جرى الحديث عن الرسم؛ ِمن قبيل‪ :‬ما الفرق‬ ‫خلفية لها‪ .‬ومن اسمها‬ ‫اللونية ّ‬ ‫ّ‬ ‫تكون المساحات‬
‫ب� التصوير والرسم؟ هل أ‬ ‫يف‬ ‫اسمه‪ ،‬لغَ َلبة‬
‫المائية خامة‬ ‫ّ‬ ‫اللوان‬ ‫اشتق فن الجرافيك ‪َ Graphic‬‬ ‫َّ‬
‫للرسم أم خامة للتصوير؟ هل يمكن اعتبار‬ ‫سمات الخط والنقش والكشط عل وسائطه‬
‫مكتمال يستحق‬ ‫ً‬ ‫فنيا‬ ‫الرسم بالقلم الرصاص ً‬ ‫اش�اك‬ ‫وتقنياته؛ وهو اشتقاق يؤسس أصله عل ت‬
‫عمال ً‬ ‫َّ‬
‫لتي� واحد‪ ،‬هو ‪،Graphicus‬‬ ‫ف‬ ‫ف ف‬
‫العرض؟ ما أثر إضافة اللون للعمل المرسوم؟‬ ‫لفظت� ي� أصل ي‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫أعمال‬ ‫ملونة‬ ‫أ‬ ‫ومعناه‪ :‬يَخدش يل�سم‪.‬‬
‫هل تُ َع ُّد العمال المنفَّذة بأقالم َّ‬
‫مرسومة أم تصويريّة؟‬ ‫تبعا لما يُمليه المنطق‪،‬‬ ‫المف�ض‪ً ،‬‬ ‫وقد كان من ت‬
‫ََ‬
‫أ‬ ‫ف‬ ‫من هنا ي ّ ف‬ ‫تبلو َرت‬ ‫أن يؤدي هذا ت‬
‫أهمية إعادة النظر ي� السباب‬ ‫ّ‬ ‫تتب�‬ ‫ال�اكُم التاريخي‪ ،‬الذي َ‬
‫المسؤولة عن استمرار ظهور أ‬ ‫‪-‬باعتباره ف ًّنا‬ ‫الم َح ِّددة للرسم‬
‫السئلة‪ ،‬المشار‬ ‫ِ‬ ‫خالله المفاهيم ُ‬
‫إليها َس َلفًا‪ ،‬داخل تيار الكتابة العربية عن الفن‪،‬‬ ‫وفيا معا ِل َمه وحدو َده‪ -‬إىل استقرار المفهوم‬ ‫ُمس َت ً‬
‫ال� توحي بوجود حالة ِمن تذبذُ ب‬ ‫ت‬ ‫أ‬ ‫ووضوح الدللة ودقة الستعمال الصطالحي‬
‫تلك السئلة ي‬
‫اليق�‪ ،‬ف ي� ما يتعلق بالحدود التصنيفية والدللت‬ ‫يف‬ ‫ح� يُضاف إىل ما‬ ‫وبخاصة ي ف‬ ‫العر�؛‬ ‫ف‬
‫ٍ‬ ‫ي� السياق ب ي‬
‫مجالت‬
‫ٍ‬ ‫وغ�ه من‬ ‫الرسم ي ِ‬
‫ف‬
‫التعريفية‪ ،‬الفارقة يب� َّ‬ ‫والمستجدات‪ ،‬ف ي� المفاهيم‬ ‫ّ‬ ‫التحولت‬ ‫ُّ‬ ‫سبق آثار‬
‫موازية أو متقاطعة‪ .‬ولع ّله من المفيد‪ ،‬ف ي� هذا‬ ‫تتالحق‪ ،‬وما تزال‪ ،‬طيلة‬ ‫ال� ظلت َ‬ ‫ت‬
‫والممارسات‪ ،‬ي‬ ‫َ‬
‫مصداقية بعض‬ ‫ّ‬ ‫التأمل ف ي� مدى‬ ‫السياق‪ ،‬أن نُعيد ُّ‬ ‫نرصم وخالل مطلع القرن الراهن‪.‬‬ ‫الم َ ِ‬
‫القرن ُ‬
‫أ‬ ‫ت‬ ‫آ‬ ‫بغ� ذلك؛ إذ‬
‫يكمن‬ ‫أن أساس الزمة إنما ُ‬ ‫تذهب إىل َّ‬ ‫ُ‬ ‫ال�‬‫الراء‪ ،‬ي‬ ‫أن الشواهد تؤدي إىل العتقاد ي‬ ‫يغ� َّ‬
‫ف ي� عدم قدرة اللغة العربية ‪-‬كما يزعمون‪ -‬عل‬ ‫ِبرصف النظر عن المثال الواضح الدللة‪ ،‬والذي‬
‫ف‬ ‫–� ما يتعلق‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫والتعب� عنها‬ ‫ي‬ ‫الثقا�‪،‬‬
‫ي‬ ‫استيعاب نتاجات الوافد‬ ‫استنا هذه ي‬ ‫استدعيناه ي� فاتحة در ِ‬
‫اصطالحيا‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫سم الفوارق بينها‬ ‫بما يؤدي إىل َح ِ‬ ‫“الحس� فوزي” وما أثارته من نقاشات‬ ‫يف‬ ‫بجائزة‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪25‬‬
‫ف‬ ‫أ‬
‫أساسها‪،‬‬‫بقي من هذه الطالل‪ُ ،‬م َم َّث ًال ي� تخطيط ِ‬ ‫ومجافا ِته‬ ‫ولبيان مدى تهافُت هذا الرأي‪ُ ،‬‬
‫يبق‬
‫ح� لم َ‬ ‫تدم�ها‪ ،‬ت‬ ‫ف‬
‫كنايةً عن إمعان الزمن ي� ي‬ ‫التفك�‪ ،‬يكفي‬ ‫ي‬ ‫للحقيقة‪ ،‬بل وللروح العلمية ف ي�‬
‫ال� ل‬ ‫ت‬ ‫أ‬
‫(الرسم)‪ .‬كذلك يمكن أن نفهم‬ ‫منها إل شكل َّ‬ ‫�يعا لبعض اللفاظ العربية‪ ،‬ي‬ ‫أن نعرض ً‬
‫تعب� العرب عن ّ‬ ‫ت‬
‫(المرتَ َسم)؛‬ ‫الظل بلفظة ُ‬ ‫سبب ي‬ ‫وال� ي َّتضح منها‬ ‫تزال مستعملةً لحسن الحظ‪ ،‬ي‬
‫ب� الخط‬ ‫التفاتًا إىل عمق الصلة العضوية ي ف‬ ‫مدى إدراك السليقة العربية للفوارق الدقيقة‪،‬‬
‫ّ‬
‫والظل‪.‬‬ ‫والشكال‬ ‫ب� العالمات أ‬ ‫بل البالغة الرهافة‪ ،‬ل ي ف‬
‫كث�ا أمام‬ ‫وعل الشاكلة نفسها‪ ،‬يمكن أن نتوقَّف ي ً‬ ‫البرصية القائمة عل أثر اللون والمساحة‪،‬‬
‫ح� يستعملها‬ ‫(ال� ُّسم)‪ ،‬ي ف‬ ‫ت‬ ‫والشكال الناتجة عن أثر‬ ‫وغ�ها من العالمات أ‬
‫ُعمق دللة لفظة َ َ‬ ‫ي‬
‫يف‬
‫بالعين� إىل‬ ‫للتعب� عن ِفعل النظر‬ ‫العرب‬ ‫أ‬
‫وب� أنواع العالمات والشكال‬ ‫الخط َح ْسب‪ ،‬بل ي ف‬
‫ي‬
‫تأمل الوجوه وال َتف َُّرس‬ ‫أ‬ ‫ح� يتفاوت‬ ‫الناجمة عن أثر الخط المرسوم‪ ،‬ي ف‬
‫الشياء نظر ًة فاحصة‪ ،‬أو ُّ‬
‫ف‬ ‫تتعدد‬ ‫والكيفية‪ ،‬ي ف‬ ‫أ ف‬
‫أساسا جوهريًا لنشاط‬ ‫فيها‪ .‬أليس هذا ي� حد ذا ِته ً‬ ‫وح� َّ‬ ‫ّ‬ ‫الشدة‬
‫ِفعل هذا الثر‪ ،‬ي� َّ‬
‫بالعين� هو‬ ‫يف‬ ‫ال� ُّسم‬ ‫ت‬ ‫الثر‪ .‬ونكتفي ف ي� هذا‬ ‫الوسائط المستقبلة لهذا أ‬
‫الرسام؟ بل‪ ،‬أليس هذا َ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ ِ‬
‫ح� نصح شباب‬ ‫ف‬ ‫تعب� عما ق ََصده “آنج”؛ ي‬ ‫أدق ي‬ ‫ّ‬ ‫المقام باستعراض بعض تَ َج ّليات أربع كلمات؛‬
‫قائال‪“ :‬ارسم بعينيك ي ف‬ ‫يف‬
‫الفنان� ً‬ ‫و”الو ْشم”‪.‬‬ ‫و”الر ْشم”‪َ ،‬‬
‫ح� ل يمكنك‬ ‫و”الو ْسم”‪َّ ،‬‬ ‫“الرسم”‪َ ،‬‬ ‫هي‪َّ :‬‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫يف‬
‫الرسم بالقلم”؟؟!! ‪Dessiner des yeux quand‬‬ ‫َّ‬ ‫مر بتمثيل الشياء بالخطوط‪ ،‬أو‬ ‫فح� يتع َّلق ال ُ‬
‫أ‬
‫ح�ف‬ ‫‪ّ .on ne peut dessiner avec le crayon‬أما ي‬ ‫يستحرص‬‫فِ‬ ‫ساسية وحدودها‪،‬‬ ‫بتخطيط مالمحها ال ّ‬
‫يتوقَّف حدوث أ‬ ‫كلفظة دالة‪ .‬من هنا ً‬
‫مثال‬ ‫“الرسم”‬
‫الثر الخطي عل فعل السخونة‬ ‫ٍ‬ ‫العر� َّ‬‫الذهن ب ي‬
‫الك ً‬ ‫ف‬ ‫الشارة لالطالل وبقايا المنازل‬ ‫أ‬
‫“الو ْسم”‬ ‫مثال‪ -‬فهنا يكون َ‬ ‫والحرارة ‪-‬كما ي� َ ي ّ‬ ‫يمكن فهم سبب إ‬
‫ك‬ ‫ف‬
‫المستعمل ي� َ ي ّ‬‫َ‬ ‫دال؛ لذا كان الخاتم‬ ‫ظا ًّ‬ ‫لف ً‬ ‫العر� القديمة؛‬ ‫بي‬ ‫بـ(الرسوم) ف ي� قصائد الغزل‬ ‫ُّ‬
‫طح المختلفة بالعالمات يُ َس ّمى َ“م ِيس ًما”‪،‬‬ ‫الس ُ‬ ‫أ‬ ‫التعب� عن شكل ما‬ ‫ف‬
‫ح� ننتبه إىل ُمراد الشاعر ي�‬ ‫يف‬
‫ي‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪26‬‬

‫ال�ميد” ‪ ،Grisaille‬و”رسم َّأوىل‪/‬‬ ‫وهي‪“ :‬طريقة ت‬ ‫“الوسامة” ِصفةً ِلحسان الوجوه‬ ‫ولهذا كانت َ‬
‫ت‬
‫وسماء”‪ -‬لما ت�كه‬ ‫‪-‬فيقال ٌ‬
‫بالبقعة”‬ ‫و”الرسم ُ‬ ‫تحض�ي (سكتش)” ‪َّ ،Sketch‬‬ ‫ي‬ ‫“رجل وسيم”‪ ،‬و”امرأ ٌة ْ‬
‫بالح�” ‪،Ink drawing‬‬ ‫و”الرسم ب‬ ‫‪َّ ،Blot drawing‬‬ ‫ف ي� القلوب الناظرة من حرارة النفعال والتأثُّر‪،‬‬
‫و”الرسم بالصبغات” ‪،Pigment drawing‬‬ ‫َّ‬ ‫الزمة لوجوه أصحابها؛‬ ‫الم َ‬ ‫ولما يُ َم ي ّ ف�ها من أصالة ُ‬
‫و”الرسم بالقلم الرصاص” ‪،Pencil drawing‬‬ ‫َّ‬ ‫ستعارا بالزينة والتجميل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫إذ إنها ليست َع َر ًضا ُم‬
‫الك ‪.‬‬ ‫أ‬
‫و”الرسم‬‫َّ‬ ‫و”الرسم التوضيحي” ‪،Illustration‬‬ ‫َّ‬ ‫بل صفة راسخة رسوخ الثر الناتج عن َ ي ّ‬
‫العابث” ‪.Doodle‬‬ ‫الخطية نافر ًة بارز ًة عن‬ ‫ّ‬ ‫وح� تكون العالمة‬ ‫يف‬
‫ف‬ ‫“الر ْشم”‬
‫أن النقاش العميق لهذه‬ ‫و� اعتقادي َّ‬ ‫ي‬ ‫استحضار لفظة َ‬ ‫ُ‬ ‫السطح ‪ ،Relief‬يكون‬
‫المق�حة‪ ،‬إضافةً إىل إعادة النظر‬ ‫الصطالحات ت‬ ‫لزما‪ ،‬للتعب� عن كل ما برز من الرسوم؛ كما �ف‬
‫ََ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬
‫بالرسم‪،‬‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫تلك الناشئة عن أثر الضغط بالقوالب والختام‬
‫ي� الجذور اللغوية العربية ذات الصلة َّ‬
‫غائرا‬ ‫و� المقابل‪ ،‬ي ف‬ ‫ف‬
‫ويتفرع عنهما‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫والخط ‪ ،Line‬وما يتعلق بهما‬ ‫يص� الخط ً‬ ‫ح� ي‬ ‫المحفورة‪ .‬ي‬
‫ف‬ ‫حوه من‬ ‫ف‬ ‫اسخا‪ ،‬ت‬
‫كث� من‬ ‫البهام عن ي ٍ‬ ‫فىص إىل نفي إ‬ ‫جدير بأن يُ ي‬
‫ٌ‬ ‫فردة ي‪ �-‬الجلد ونَ ِ‬ ‫بصبغة ُم َ‬
‫ٍ‬ ‫مق�نًا‬ ‫ر ً‬
‫ألمحنا إليها؛‬ ‫ال� سبق وأن َ‬ ‫ت‬ ‫بـ”الو ْشم” دللةً اصطالحية‬ ‫التعب�‬ ‫مواد‪ -‬يكون‬
‫الضبابية ي‬‫ّ‬ ‫المفاهيم‬ ‫َ‬ ‫ي‬
‫ش�يطة أن يرتبط ذلك النقاش الصطالحي‬ ‫الخطية الغائرة‬ ‫ّ‬ ‫ب� هذه العالمة‬ ‫فارقة‪ ،‬ي ف‬
‫اللغوي‪ ،‬ارتبا ًطا وثيقًا‪ ،‬بالخصائص أ‬
‫الدائية‬ ‫عالمات‬ ‫ٍ‬ ‫عرضه من‬ ‫وغ�ها مما َس َلف ُ‬ ‫المصبوغة‪ ،‬ي‬
‫الرسم وأساليبه‪ .‬عندها‪،‬‬ ‫ط ُرق َّ‬ ‫الم َح ِّددة ل ُ‬
‫والتقنية ُ‬ ‫خطي ٍة‪ ،‬قد تتشابه ظاهريًّا‪ ،‬يغ� أنها تختلف‬ ‫ّ‬
‫بسبيلنا‬ ‫جوهريًّا‪ ،‬ي� المغزى والشكل وطريقة التنفيذ‪.‬‬ ‫ف‬
‫بكث� من التفاؤل إنَّنا سنكون ِ‬ ‫يمكن القول ي ٍ‬
‫وتجاوز حالة‬ ‫الرسم‪،‬‬ ‫الن ‪-‬ما دمنا قد َع َّرجنا عل هذا‬ ‫نرى آ‬
‫ُ‬ ‫الجابة عن سؤال َّ‬ ‫إىل َحسم إ‬
‫فص ُح عن‬ ‫ال� ما زالت تُ ِ‬ ‫ت‬ ‫أن استدعا َء‬ ‫التأصيل اللغوي‪َّ -‬‬ ‫الشتباك‬
‫السيولة الصطالحية‪ ،‬ي‬ ‫ي‬
‫التق� ف ي�‬ ‫تج َّددت دواعي التصنيف ف‬ ‫الرسم‪،‬‬ ‫ف‬
‫ي‬ ‫نفسها كلما َ‬ ‫ِ‬ ‫بعض الصطالحات الدائرة ي� فلك َّ‬
‫حقل الكتابة العربية عن الفن‪.‬‬ ‫من شأنه توسيع سياق الطرح النظري ف ي� هذا‬
‫الذهان حول قضية‬ ‫الموضوع‪ ،‬وكذا إثارة أ‬
‫هوامش‪:‬‬ ‫ب�‬ ‫العالقة المتشابكة ‪-‬بل والملتبسة أحيانًا‪ -‬ي ف‬
‫يف‬
‫“الحس� فوزي وجائزة الدولة‬ ‫(‪ )1‬سعد الخادم‪:‬‬ ‫و� مقدمتها‬ ‫ف‬
‫ساوقة له‪ ،‬ي‬ ‫الم ِ‬ ‫الرسم والفنون ُ‬ ‫فن َّ‬
‫الرسم وتطبيقاته”‪ ،‬مجلة‬ ‫ف‬ ‫ف ف َّ يَ� التصوير والجرافيك (الحفر والطباعة‬
‫التشجيعية ي� فنون َّ‬
‫“المجلة”‪ ،‬ع‪ ،97‬ص‪.142‬‬ ‫نق� ُح إعادة‬ ‫الفنية) ‪ .Printmaking‬لذا فإننا ت‬
‫(‪André Lhote: De la palette à l’écritoire, )2‬‬ ‫كرها ِمن ِق َبل النقاد‬ ‫آت‬
‫تأمل المصطلحات ال ي� ِذ ُ‬ ‫ُّ‬
‫‪Corréa, Paris, 1946, p. 176-177‬‬ ‫المتخصص� ي� الفنون البرصية‪،‬‬ ‫ف‬ ‫يف‬ ‫والكُ ّتاب‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪27‬‬

‫الكتابة “النقد َّية” عن الفن التشكيلي في الوطن العربي‪:‬‬

‫النقد “األيديولوجي” في مواجهة “الميتافيزيقا”‬


‫إياد كنعان‪ /‬األردن‬

‫(السيميائية‬
‫َّ‬ ‫كب�‪َ ،‬ف َّن َدتْها مناهج النقد المعارص‬ ‫ي‬ ‫التشكيل ف ي�‬
‫ي‬ ‫تعكس الكتابة “النقديَّة” عن الفن‬
‫اتية)‪ ،‬لكنها ما زالت تجد‬ ‫والتفكيكية والظاهر َّ‬
‫َّ‬ ‫أساسية منها‪ ،‬جوانب‬ ‫َّ‬ ‫العر�‪ ،‬ف ي� مساحة‬‫الوطن ب ي‬
‫ف‬ ‫بتعب� آخر أزمة‬ ‫يف‬
‫عموما‪،‬‬ ‫العربية المعارصة ً‬ ‫َّ‬ ‫موطئ قدم ي� الثقافة‬ ‫“الميتاف�يقا”‪ ،‬أو ي‬ ‫مختلفة من أزمة‬
‫تتحاس “الزقة” المظلمة‪ ،‬والعتبات‬ ‫أ‬ ‫ش‬ ‫غالبا ما‬ ‫ت‬ ‫أ‬
‫“المثالية” والحياديَّة‪ ،‬والحكام النقديَّة‬ ‫المعاي�‬
‫ال� ً‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ي‬
‫الرجراجة و”القلقة”‪ .‬وهي تنأى بنفسها عن خوض‬ ‫جمالية منها أو‬ ‫َّ‬ ‫المستندة إىل مفاهيم “مطلقة”‪،‬‬
‫ف‬ ‫ال� تبحث عن “الحقيقة”‪.‬‬ ‫ت‬
‫والمعر�‪ ،‬والمناطق‬ ‫ي‬ ‫غمار “الشك” النقدي‬ ‫خاصة تلك ي‬ ‫تحليلية‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫التفك� النظري والنقدي‪ ،‬خاصة‬ ‫شكالية من‬ ‫أ‬
‫والنها�‪،‬‬ ‫وتلهث تلك الكتابة وراء الرأي “الصائب”‬
‫ي‬ ‫ال َّ‬ ‫إ‬ ‫ي‬
‫ف‬ ‫ف ي� “حقل” الفن‬ ‫ممن يكتبون‬
‫التشكيل ‪ .‬فهي تنأى ي� الوقت‬ ‫ي‬ ‫كث� َّ‬ ‫يتوهم ي‬ ‫أو “الموضوعي”‪ ،‬كما َّ‬
‫التشكيل‬
‫ي‬ ‫بأن الفن‬ ‫بالع�اف َّ‬ ‫ت‬ ‫الذي تت� َّدد فيه‬ ‫العر�‪،‬‬ ‫بي‬ ‫التشكيل ف ي� الوطن‬ ‫ي‬ ‫اليوم عن الفن‬
‫ثقافية وجوديَّة‬ ‫َّ‬ ‫عربية‬ ‫بات اليوم يشكل حالة َّ‬ ‫وأن بعضهم يحمل ف ي� رأسه اعتقا ًدا‬ ‫خاصة َّ‬ ‫َّ‬
‫والتأسيىس للكلمة‪ ،‬فترصب‬ ‫ي‬ ‫بالمع� العميق‬ ‫ف‬ ‫أساسية من‬ ‫َّ‬ ‫بأن ما يكتبه يكشف جوانب‬ ‫اسخا َّ‬ ‫ر ً‬
‫ف‬ ‫جذوره ف ي� أسس تكويننا‬ ‫بعضا‬‫الف�‪ ،‬أو ً‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫الجماىل‪،‬‬
‫ي‬ ‫العر�‬
‫الثقا� ب ي‬ ‫ي‬ ‫“الحقيقة” المست�ة وراء العمل ي‬
‫أ‬ ‫ت‬
‫يؤهله‬ ‫يستمد حضوره منها(‪ .)1‬المر الذي ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫ال�‬
‫ي‬ ‫منها عل أقل تقدير‪ .‬وهي رؤية متفائلة إىل حد‬
‫____________________________________________________________________________________________________________‬
‫بماد� الجرانيت والبازلت صعود الحضارة الفرعونية وسيادتها العالم‪ ،‬مرورا أ‬
‫بالثر الذي أحدثته‬ ‫(‪ )1‬منذ الدور الحاسم الذي شكَّله «النحت» الحجري ت‬
‫ً‬ ‫َّ‬ ‫آ‬ ‫ي‬ ‫الفنون التشكيلية ف� الحضارات البابلية أ‬
‫ف‬
‫ال� قامت ي� المنطقة‬ ‫ت‬
‫وغ�ها من الحضارات ي‬ ‫امية‪ ،‬ي‬
‫والفنيقية والر َّ‬
‫َّ‬ ‫الكنعانية‬
‫َّ‬ ‫والنبطية‪ ،‬والحضارات‬
‫َّ‬ ‫ف‬
‫والشوريَّة‬ ‫َّ‬ ‫َّ ي‬
‫ً‬
‫أشكال راقية من «الفنون‬ ‫ال� عرفت‬ ‫ت‬
‫والرومانية‪ ،‬ي‬
‫َّ‬ ‫كاليونانية‬
‫َّ‬ ‫ح� الحضارات الغازية منها‬ ‫العر� ‪ .‬ت‬
‫ي‬ ‫الثقا� ب‬
‫ي‬ ‫أساسية ف ي� التكوين‬
‫َّ‬ ‫مرجعية‬
‫َّ‬ ‫العربية وشكَّلت‬
‫َّ‬
‫العر�‪ ،‬حيث لعبت‬
‫الثقافية» لالإنسان ب ي‬
‫َّ‬ ‫«الشخصية‬
‫َّ‬ ‫التشكيلية» (وفق المفهوم الحديث والمعارص للمصطلح) كالرسم والنحت‪ ،‬كلها أسهمت ف ي� بناء‬ ‫َّ‬
‫أساسيا ف ي� بعثها وبنائها‪.‬‬
‫َّ‬ ‫جماليا‬
‫َّ‬ ‫مسوغا‬
‫التشكيلية المختلفة ّ‬
‫َّ‬ ‫الفنون‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪28‬‬
‫ت‬ ‫ف‬ ‫لتحمل أشكال متباينة‬
‫ال� أصبح اليوم‬ ‫العر�‪ ،‬ي‬ ‫المحتدم ي� العالم ب ي‬ ‫التشكيل) ُّ‬ ‫ي‬ ‫(وأقصد الفن‬
‫ولعل‬‫أساسيا منها‪ ،‬شاء َمن شاء بوأ� َمن بأ� ‪َّ .‬‬ ‫جز ًءا‬ ‫أيديولوجية‪،‬‬ ‫المب� عل منطلقات‬ ‫ف‬ ‫التنظ�‬
‫ي‬ ‫من‬
‫ًّ‬ ‫َّ‬ ‫ي‬
‫يؤهله‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫العر�”‪،‬‬ ‫تطور ما ُعرف باسم “الربيع ب ي‬ ‫مجريات ُّ‬ ‫أو عل القل الم َّتهمة ب ِـ”الدلجة”‪ .‬كما ِّ‬
‫ف‬ ‫شكالية‪ ،‬دون‬
‫يشهد عل استغالل أساليب ي� تأجيج الرصاع‬ ‫ال َّ‬ ‫لتحمل أقىس أشكال المقاربات إ‬ ‫ُّ‬
‫العر�‪ ،‬طالما ُع َّدت جز ًءا من‬ ‫ف‬ ‫الخوف من انفراط عقده‪ ،‬أو انكسار عوده‬
‫السياس ي� الشارع ب ي‬ ‫ي‬
‫ف‬
‫والبالغية المستخدمة ي� الفن‬ ‫َّ‬ ‫طابية‬
‫الخ َّ‬ ‫ال َّتقنيات ِ‬ ‫الصلب‪ ،‬بما يفرضه حضوره ف ي� هذه المنطقة‬
‫التشكيل المعارص‪.‬‬ ‫ي‬ ‫والسياس‬
‫ي‬ ‫من العالم‪ ،‬ف ي� تموضعه التاريخي‬
‫ثقا�‬‫ف‬ ‫ف‬ ‫أ‬ ‫ف‬
‫من ناحية ثانية‪ ،‬تعكس الكتابة “النقديَّة”‬ ‫والثقا� والجتماعي واليديولوجي ي� إطار ي‬ ‫ي‬
‫خاصة‬ ‫العر�‪َّ ،‬‬ ‫بي‬ ‫التشكيل ف ي� الوطن‬ ‫ي‬ ‫عن الفن‬ ‫وعربية تارة‪،‬‬‫َّ‬ ‫وطنية تارة‪،‬‬
‫معينة‪َّ ،‬‬ ‫يملك خصائص َّ‬
‫تلك المتأثرة بالرؤية “المحافظة” السائدة �ف‬ ‫وإسالمية تارة أخرى‪ .‬ويدفعه نحو “حياديَّة”‬
‫ي‬ ‫َّ‬
‫الكتابة العرب ّية‬ ‫المؤسسات أ‬ ‫ال� طالما‬ ‫ت‬ ‫التشكيلية المس َّ‬
‫العربية‪ ،‬مظاهر مختلفة‬ ‫َّ‬ ‫كاديمية‬
‫َّ‬ ‫ال‬ ‫طحة‪ ،‬ي‬ ‫َّ‬ ‫الرؤية النقديَّة‬
‫من أزمة الرؤية “البنيويَّة”‪ ،‬وجوانب مختلفة من‬ ‫أ‬
‫وضعته خارج مناطق الرصاع اليديولوجي‬
‫“الستبطانية” (‪،)Introspectional‬‬ ‫َّ‬ ‫التوجهات‬ ‫ُّ‬
‫ف‬
‫تحليلية” (‪ )Psychoanalysis‬ي� الفن‪.‬‬ ‫و”النفس‪-‬‬
‫َّ‬
‫عربيا عل مجريات الكتابة‬ ‫ت‬
‫ال� هيمنت َّ‬ ‫التوجهات ي‬ ‫ُّ‬
‫شكاىل” ي� طبيعته‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫“ال ي‬ ‫النقديَّة ي� هذا الحقل إ‬
‫الع�ين‬ ‫وتكوينه النظري‪ ،‬منذ ثمانينات القرن ش‬
‫المح�ف النقدي السوري)‪ ،‬بوصفها‬ ‫ت‬ ‫(خاصة ف ي�‬ ‫َّ‬
‫“الميتاف�يقي” نفسه‪ ،‬والرؤية‬ ‫يف‬ ‫انعكاسا للمنظور‬ ‫ً‬
‫ال� تعزل الفن عن السياقات‬ ‫ت‬
‫“الحياديَّة” ذاتها‪ ،‬ي‬
‫والسياسية‬
‫َّ‬ ‫والثقافية‬
‫َّ‬ ‫والجتماعية‬
‫َّ‬ ‫التاريخية‬
‫َّ‬
‫ال� ُولد فيها‪ .‬وهي حالة ما زال‬ ‫ت‬ ‫أ‬
‫يديولوجية ي‬ ‫َّ‬ ‫وال‬
‫يعيش مفاعيلها وتداعياتها معظم َمن أسهموا‬
‫خاصة‬ ‫أو يسهمون اليوم بكتاباتهم النقديَّة‪َّ ،‬‬
‫ال� ل يكاد ينجو منها‬ ‫ت‬ ‫ف ي� ش‬
‫العر� ‪ .‬الحال ي‬ ‫الم�ق ب ي‬
‫اليس� من الك َّتاب والدراسات النقديَّة‬ ‫ي‬ ‫ال�ر‬ ‫إل ف ف‬
‫والخرى‪،‬‬ ‫ب� الفينة أ‬ ‫ال� تظهر ي ف‬ ‫ت‬
‫الجا َّدة والرصينة ي‬
‫وال� حاولت‬ ‫ت‬ ‫ت‬
‫عد عل أصابع اليد‪ ،‬ي‬ ‫ال� بالكاد تُ ُّ‬ ‫ي‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪29‬‬

‫إشكاىل‬‫ي‬ ‫التوليفة المعقدة‪ .‬فكل ِخطاب نقدي‬ ‫إشكاىل علمي ومنهجي ونقدي‬ ‫ي‬ ‫ترسيخ منظور‬
‫والثقافية‬ ‫والجتماعية‬ ‫التاريخية‬ ‫الطر‬ ‫متف ّلت من أ‬ ‫التحليلية‪ .‬إنه يبحث‬ ‫دقيق ف ي� مصطلحاته وأدواته‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫تحدد عالقة‬ ‫ال� ِّ‬ ‫ت‬
‫يديولوجية ي‬ ‫َّ‬
‫والسياسية‪ ،‬وتاليا أ‬
‫ال‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫عن “المتاعب”‪ ،‬ول يركن إىل المهادنة‪ ،‬ألنه خارج‬
‫ف‬ ‫ال�‬ ‫ت‬
‫نسا�‪،‬‬ ‫ال ي‬ ‫والبداع إ‬ ‫النسان بالطبيعة والوجود إ‬ ‫إ‬ ‫والمؤسساتية‪ ،‬ي‬
‫َّ‬ ‫عن هيمنة النظرة التقليديَّة‬
‫ب�‬ ‫هو ِخطاب مرفوض اليوم‪ ،‬ول يجد مكانًا ي ف‬ ‫التشكيل إىل م�ح‬ ‫حولت حقل الفن‬ ‫غالبا ما َّ‬ ‫ً‬
‫ي‬
‫اصطراع المفاهيم النقديَّة المعارصة‪ .‬والسبب‬ ‫الغيبية‪ ،‬البعيدة عن الواقع‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫للمجامالت والرؤى‬
‫شكاليات المرتبطة بالحضور‬ ‫ال� ل تمت للمنطق المادي التاريخي والختباري‬ ‫ت‬
‫ال َّ‬ ‫أنه يجعل من إ‬ ‫ي‬
‫إشكاليات مطلقة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫الف� ف ي� المجتمعات المختلفة‬ ‫ي‬
‫ف‬ ‫المدونة النقديَّة‬ ‫ّ‬ ‫أن جولة بسيطة عل‬ ‫علما َّ‬ ‫بصلة‪ً .‬‬
‫معينة‪ً ،‬‬ ‫أ‬
‫العر� تكفي لستجالء هذا المر‪ .‬وهي‬ ‫ف‬
‫فضال عن تحاشيها‬ ‫ل تخص ثقافة أو بيئة َّ‬ ‫ي� العالم ب ي‬
‫ثقافية” بعينها‪.‬‬ ‫وتوجهات “جماعات َّ‬ ‫تب� مواقف ُّ‬ ‫ّي‬
‫ف‬ ‫طاها المبحث النقدي ف ي� معظم حقول‬ ‫حالة تخ َّ‬
‫فضال‬ ‫العر�‪ً ،‬‬ ‫د� ي� العالم‬ ‫ف‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ة عن الفن‬
‫الخطاب النقدي هو‬ ‫ومن المؤسف أن يكون هذا ِ‬ ‫بي‬ ‫الف� وال ب ي‬ ‫البداع ي‬ ‫إ‬
‫العربية‬ ‫التشكيلية‬ ‫الوساط النقديّة‬ ‫السائد ف� أ‬ ‫طيها عل المستوى النقدي التشكيل �ف‬ ‫عن تخ ّ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫ي ي‬
‫اليوم‪.‬‬ ‫أك� براغماتية (بالمع�ف‬ ‫الغرب‪ ،‬لصالح رؤى ش‬
‫َّ‬
‫التشكيل استثنا ًء نقديًّا‬ ‫ي‬ ‫هكذا بقي “حقل” الفن‬ ‫مب�يقي العام)‪ ،‬عل‬ ‫ال ي‬ ‫التداوىل والختباري إ‬ ‫ي‬
‫وثقافيا يعوزه بداية التحديد النظري الالزم‬ ‫ًّ‬ ‫الرغم من بقائها تراوح يب� الرؤية “البنيويَّة”‪،‬‬ ‫ف‬
‫ّ‬
‫معر�” ونقدي‪ ،‬يستند إىل‬ ‫ف‬ ‫لتأط�ه كـ”حقل‬ ‫والثقافية) تارةً‪،‬‬ ‫بصيغتها التحرريَّة (الجتماعية‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫َّ‬
‫وثقافية تؤطره كمنجز مادي‬ ‫َّ‬ ‫تحديدات نظريَّة‬ ‫طت‬ ‫“التفكيكية” تار ًة أخرى‪ .‬وقد تخ ّ‬ ‫َّ‬ ‫والرؤية‬
‫الكونية‪ ،‬لك َّنه‬ ‫الساس يتماهى مع خصائصه‬ ‫ف� أ‬ ‫كل الحدود والضوابط‪ ،‬بما فيها الضوابط‬
‫َّ‬ ‫ي‬
‫الف� وتأويله‪ .‬وعل‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫واجتماعية‬ ‫َّ‬ ‫وثقافية‬
‫َّ‬ ‫تاريخية‬
‫َّ‬ ‫خصوصية‬
‫َّ‬ ‫يحمل‬ ‫خالقية‪ ،‬ي� قراءة العمل ي‬ ‫ال َّ‬
‫العر�‪،‬‬ ‫بي‬ ‫معينة (الوطن‬ ‫وأيديولوجية َّ‬ ‫َّ‬ ‫وسياسية‬
‫َّ‬ ‫الرغم من وجود محاولت جادة عل المستوى‬ ‫ّ‬
‫ف‬ ‫التشكيل‬ ‫النقدي ي� الفن‬ ‫ف‬ ‫جر المبحث‬
‫السالمي‪ ،‬أو كالهما ي� حالتنا)‪،‬‬ ‫أو العالم إ‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫الغر� إىل ِّ‬ ‫بي‬
‫العربية‬ ‫مرتبطة بداهةً بتشكُّل المجتمعات‬ ‫إىل منطقة اليديولوجيا‪ ،‬والرصاع التاريخي‬ ‫أ‬
‫َّ‬
‫توجهات‬ ‫الحديثة نفسها؛ تمثل مجتمعات ذوات ُّ‬ ‫والسياس العميق‪ ،‬لكنه بقي خارج مجال‬ ‫ي‬
‫معينة‪ .‬فقد أخذ هذا المنجز ي ّ ف ً‬
‫ح�ا‬ ‫أيديولوجية َّ‬
‫َّ‬ ‫أن هذا التجاه هو الذي‬ ‫علما َّ‬ ‫تحليق نقَّادنا‪ً .‬‬
‫العالمية‪ ،‬ي� ظل غياب‬ ‫ف‬ ‫تاريخيا ف ي� ذاكرتها والذاكرة‬ ‫تطور النقد المعارص‬ ‫هيمن عل مجريات‬
‫َّ‬ ‫ًّ‬ ‫ُّ‬
‫الثا� من‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫إشكالية واضحة للتعامل معه‬ ‫َّ‬ ‫أطر نظريَّة ونقديَّة‬ ‫عل المستوى العالمي‪ ،‬ي� النصف ي‬
‫نقديا عل المستوى المنهجي التاريخي والثقا�ف‬ ‫وصول إىل هذه اللحظة‪ ،‬مع‬ ‫ً‬ ‫الع�ين‪،‬‬ ‫القرن ش‬
‫ي‬ ‫ًّ‬
‫الجماىل‬ ‫والجتماعي واليديولوجي‪ ،‬خارج التفاعل‬ ‫أ‬ ‫“السيميا�”‪ ،‬خارج هذه‬ ‫أ‬ ‫بقاء المبحث النقدي‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪30‬‬

‫العربية أل شك� من قرن‪،‬‬ ‫وبعيدا عن سطوة‬ ‫والتلقا� والبديهي‪،‬‬ ‫أ‬ ‫وىل‬ ‫أ‬
‫َّ‬ ‫الذي هيمن عل المنطقة‬ ‫ً‬ ‫ي‬ ‫ال ي‬
‫ومخيلة‬ ‫ّ‬ ‫بأيد وعقول‬ ‫أعمال َّتم إنجازها ٍ‬ ‫ً‬ ‫لتقدم‬ ‫الغر�‪،‬‬ ‫بي‬ ‫تعميمات الموروث الفلسفي والنقدي‬
‫ال� تحدد عل ضوئها أ‬
‫عربية‪ ،‬ح� وإن بدت ظاهريًّا‬ ‫ت‬
‫وحاجات وأحالم َّ‬ ‫الثقافية والنقديَّة‬ ‫َّ‬ ‫الطر‬ ‫ت ي ُ َّ‬
‫العربية‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫الغربية عل الثقافة‬ ‫َّ‬ ‫جز ًءا من الهجمة‬ ‫التفك� بها‬ ‫ي‬ ‫بداعية‪ ،‬وآليات‬ ‫ال َّ‬ ‫لهذه الممارسة إ‬
‫ال� َّنماها‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫عربيا‪ ،‬مع تجاهل تام لالختالف ي� الظروف‬
‫الثقافية ي‬ ‫َّ‬ ‫“التبعية”‬
‫َّ‬ ‫تكريسا لحالة‬ ‫ً‬ ‫أو‬ ‫َّ‬
‫ف‬ ‫ف‬ ‫الغر�‪ ،‬ي ف‬
‫وب�‬
‫الثقا�‪ ،‬كضمانة له لالستمرار‬ ‫ي‬ ‫الغرب ي� وجداننا‬ ‫التشكيل ب ي‬ ‫ي‬ ‫الثقافية الحاضنة للمنجز‬ ‫َّ‬
‫العربية بش� الوسائل ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬ ‫ت‬ ‫بالهيمنة عل المنطقة‬ ‫التشكيل‬ ‫الثقافية الحاضنة للمنجز‬ ‫الظروف‬
‫َّ‬ ‫ي‬ ‫َّ‬
‫ولعل تمثال “نهضة مرص” (‪ )1928‬الذي أنجزه‬ ‫َّ‬ ‫ببا� حقول البداع �ف‬ ‫العر� ‪ .‬نقول ذلك أسوة ت‬
‫ي‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫بي‬
‫النحات المرصي محمود مختار (‪)1934 1891-‬‬ ‫كب�ة من‬ ‫تحررت إىل درجة ي‬ ‫ت‬
‫ال� َّ‬ ‫العر�‪ ،‬ي‬ ‫الوطن ب ي‬
‫أك� مثال عل ذلك‪ ،‬هذا‬ ‫الع�ين ب‬ ‫مطلع القرن ش‬ ‫سطوة تلك التعميمات‪ ،‬وحفرت لنفسها مكانة‬
‫الشعب� المرصي‬ ‫يف‬ ‫التمثال الذي اكتتب إلنجازه‬ ‫عل خارطة النقد ف ي� العالم‪ ،‬مشفوعة بفهم‬
‫الملكية المرصيَّة الذي‬ ‫َّ‬ ‫والسودا�‪ ،‬ف ي� الحقبة‬ ‫ي‬
‫ف‬ ‫والسياسية‬ ‫َّ‬ ‫والجتماعية‬
‫َّ‬ ‫والثقافية‬ ‫َّ‬ ‫التاريخية‬
‫َّ‬ ‫للحالة‬
‫يديولوجية للمرصيّ ي ف�‬ ‫يحمل الرؤى والتطلعات أ‬
‫ال‬ ‫تطورت فيها العمال‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫أ‬
‫َّ‬ ‫ال� َّ‬ ‫العامة ي‬ ‫يديولوجية َّ‬ ‫َّ‬ ‫وال‬
‫خاصة‬ ‫كافة‪ ،‬ولم يقترص أ‬ ‫والسينمائية‪ ،‬ف ي� إطار من‬ ‫أ‬
‫جمالية َّ‬‫َّ‬ ‫المر عل ميول‬ ‫َّ‬ ‫والم�حية‬
‫َّ‬ ‫دبية‬ ‫ال َّ‬
‫الغر�‪ ،‬أو نزعات‬ ‫ف‬
‫بالفنان تلقّاها ي� معاهد الفن ب ي‬ ‫التفاعل المستمر مع العوامل الحاملة للثقافة‬
‫معينة أحاطت‬ ‫ف‬
‫الشخىص أو ذوق فئة َّ‬ ‫ي‬ ‫تر� ذوقه‬ ‫ي‬ ‫مرجعيات‬ ‫َّ‬ ‫العربية الحديثة والمعارصة‪ ،‬ضمن‬ ‫َّ‬
‫به‪ .‬إنه عمل نابع من صميم العقيدة المرصيَّة‪،‬‬ ‫كب�‬ ‫سياسية محددة‪ ،‬وبشكل منفصل إىل حد ي‬ ‫َّ‬
‫والتغي�‬ ‫التواقة للنهضة‬ ‫أ‬ ‫الغربية ‪ .‬ال ْوىل أن يتحقق ذلك‬ ‫أ‬ ‫مرجعياتها‬ ‫عن‬
‫ي‬ ‫الوطنية ّ‬ ‫َّ‬ ‫واليديولوجيا‬ ‫(‪)2‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ف‬ ‫العر� ال�ت‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫يطا�‪،‬‬ ‫ال� ي‬ ‫والستقالل‪ ،‬والنعتاق من الستعمار ب‬ ‫التشكيلية ي� الوطن ب ي ي‬ ‫َّ‬ ‫الفصل ي� الحالة‬
‫بال�امن وأعقاب ثورة سعد زغلول (‪)1927 1857-‬‬ ‫تف‬ ‫بالتطور‬ ‫ُّ‬ ‫أخذت منذ منتصف القرن التاسع ش‬
‫ع�‬
‫ال� آمن بها مختار‪ ،‬وأنجز مجموعة‬ ‫ت‬ ‫واجتماعية‬ ‫وثقافية‬ ‫تاريخية‬ ‫ذاتية‬ ‫بمفاعيل‬
‫عام ‪ ،1919‬ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫تخليدا لذكراها وذكرى قائدها‬ ‫ً‬ ‫أهم أعماله‬ ‫من ّ‬ ‫وأيديولوجية‪ ،‬مكَّ نتها من النفصال‬ ‫َّ‬ ‫وسياسية‬
‫َّ‬
‫الكب�‪.‬‬ ‫ي‬ ‫الغر�‪،‬‬ ‫الخطاب الستعماري ب ي‬ ‫كب� عن ِ‬ ‫إىل حد ي‬
‫____________________________________________________________________________________________________________‬
‫ومخرجا‬ ‫(‪ )2‬هذا ما منح‪ ،‬عل سبيل المثال ل الحرص‪ ،‬أديبا مثل نجيب محفوظ (‪ )2006 1911-‬فرصة الحصول عل جائزة نوبل آ‬
‫لالداب عام ‪،1988‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الحصول عل تكريم عالمي ف� عدد من المهرجانات العالمية‪ .‬وهي حالة ما كانت لتحصل لول التكامل �ف‬ ‫شاه� (‪ ،)2008 1926-‬فرصة‬ ‫مثل يوسف ي ف‬
‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫الرؤية النقدية العربية والغربية ف� العقدين أ‬
‫الف�‬ ‫وب� خصائص العمل ف‬ ‫ب� الظروف التاريخية ت‬
‫ال� أُنتجت فيها العمال‪ ،‬ي ف‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ين‪،‬‬ ‫ش‬
‫الع�‬ ‫القرن‬ ‫من‬ ‫ين‬ ‫خ�‬
‫ي‬ ‫ال‬
‫ي‬ ‫َّ ي‬ ‫َّ ي‬ ‫َّ‬
‫ومكامن فرادته وريادته‪.‬‬
‫العر�‪ ،‬لندن‪ ،‬الملحق السبوعي‪ ،‬العدد ‪ ،9377‬بتاريخ‬ ‫(‪ )3‬سعيد ي ف‬
‫يقط�‪ :‬مقالة بعنوان “يتحدثون عن “ما بعد الستعمار”؟”‪ ،‬صحيفة القدس ب ي‬
‫‪ ،25/11/2018‬ص‪.21‬‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪31‬‬
‫ف‬ ‫ب� “المتلقي”‪ ،‬ي ف‬ ‫يف‬ ‫تب� أطر نقديَّة‬ ‫ف‬
‫الف�‪ ،‬بالستناد إىل‬ ‫وب� العمل ي‬ ‫أهمية ّ ي‬ ‫من هذا المنطلق نؤكد َّ‬
‫عملية إنتاج‬ ‫“العراف َّ ت‬ ‫دراسة أ‬ ‫إشكالية ف ي� التعاطي النقدي‬ ‫أيديولوجية ش‬
‫أك�‬
‫ال� تضبط َّ‬ ‫العامة” ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫تفىص إىل أنماط من‬ ‫العمل وتلقيه‪ ،‬وهي غالبا ما ف‬ ‫العر�‪ ،‬تُب�ف‬ ‫التشكيل ي� الوطن‬ ‫ف‬ ‫مع الفن‬
‫ي‬ ‫ً‬ ‫بي‬ ‫ي‬
‫ال�اءة‬ ‫أ‬ ‫عل فض بكارة التوافقات النظريَّة والتهدئات‬
‫النقد “اليديولوجي”‪ ،‬الذي يرفض حالة ب‬
‫ال� روجت من قبل بعض أ‬
‫التشكيل ‪.‬‬
‫ي‬ ‫زج فيها المبحث‬ ‫ال� يُ ُّ‬ ‫ت‬
‫والال اك�اث‪ ،‬ي‬
‫ت‬ ‫يف‬
‫كاديمي�‬ ‫ال‬ ‫َِ‬ ‫الهشة ت ي ُ ّ‬ ‫ّ‬
‫فَـ”النظرية النقديَّة” الحديثة والمعارصة هي‬ ‫والنقاد‪ ،‬بدعوى الحياد والموضوعية‪ ،‬ال�ت‬
‫ي‬ ‫َّ‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫ثقافية‬ ‫أطرا َّ‬ ‫أيديولوجية ي� عمقها‪ ،‬تتطلب ً‬ ‫َّ‬ ‫نظرية‬ ‫بداعية المختلفة ي� الوطن‬ ‫ال َّ‬ ‫أ َّطرت الممارسات إ‬
‫وأيديولوجية محددة للتم ّثل فيها‪ ،‬خارج الرؤية‬ ‫فعالية من الناحية‬ ‫ش‬
‫العر�‪ ،‬لصالح رؤى أك�‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫بي‬
‫ال� تحاول ال�يُّن بها‪ ،‬بوصفها نظريَّة‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫خاصة لجهة محاولة موضعة النقد‬ ‫التفاعلية‪َّ ،‬‬
‫المثالية ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫تم�فعة عن اليديولوجيا‪ ،‬لكنها ي� العمق جز ًءا‬ ‫ف‬ ‫أ‬ ‫وسياسيا‬ ‫واجتماعيا‬ ‫وثقافيا‬ ‫تاريخيا‬ ‫التشكيل‬
‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ي‬
‫تعت�‬ ‫ويع� ذلك وضعه ف� إطار ثقا�ف‬ ‫وأيديولوجيا‪ .‬ف‬
‫أن ب‬ ‫ل يتجزأ منها‪ .‬ول يصلح والحالة هذه ْ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ًّ‬
‫التشكيل‬ ‫المعاي� النقديَّة السائدة ف ي� الفن‬ ‫بع� العتبار تلك‬ ‫مع�‪ ،‬أو عل القل الخذ ي ف‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ي َّ ف‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ف‬ ‫الفنية‪ ،‬وأكسبتها‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫أ‬
‫وتوجهاته‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫مرجعياته‬
‫َّ‬ ‫الغر�‪ ،‬ي� تنوعه وتعدد‬ ‫بي‬ ‫ال� ولدت فيها العمال َّ‬ ‫الطر ي‬
‫ال� تصلح‬ ‫ت‬ ‫وسياسية‬ ‫واجتماعية‬ ‫وثقافية‬ ‫خصوصية تاريخية‬
‫المعاي� النقديَّة والنظريَّة نفسها ي‬ ‫ي‬ ‫هي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ف‬ ‫ف‬ ‫معينة‪ .‬وينبغي أن يتم ذلك‬
‫التشكيل ي� الوطن‬ ‫ي‬ ‫لبناء “نظرية نقديَّة” ي� الحقل‬ ‫طابية َّ‬ ‫وأيديولوجية ِخ َّ‬ ‫َّ‬
‫العر� من حيث المبدأ‪ ،‬كما هو رائج ي� الكتابات‬‫ف‬ ‫والجتماعية‬ ‫التاريخية‬ ‫المرجعيات‬ ‫بالنفتاح عل‬
‫بي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫العر� اليوم‪،‬‬ ‫التشكيلية ي� الوطن‬ ‫ف‬ ‫النقديَّة‬ ‫العامة ال�ت‬ ‫يديولوجية‬ ‫أ‬
‫والسياسية وال‬ ‫والثقافية‬
‫بي‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫أو بوصفها معاي� مطلقة‪ ،‬تصلح للتطبيق �ف‬ ‫ثقا� حاضن‬ ‫ف‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫تحتضنها‪ ،‬وترتبط بالمجتمع كإطار ي‬
‫مرجعية وحيدة للفن‬ ‫َّ‬ ‫كل زمان ومكان‪ ،‬كحالة‬ ‫والسياسية‬ ‫َّ‬ ‫والجتماعية‬
‫َّ‬ ‫الثقافية‬
‫َّ‬ ‫يمل أعرافه‬ ‫لها‪ ،‬ي‬
‫تنبه بعض النقاد‬ ‫التشكيل ف� العالم‪ .‬ف� ي ف‬ ‫الخاصة ي� تفاعله معها‪ .‬كما‬ ‫ف‬ ‫يديولوجية‬ ‫أ‬
‫وال‬
‫ح� َّ‬ ‫ي‬ ‫ي ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫أ‬
‫أهمية “النقد اليديولوجي”‪ ،‬وباتوا‬ ‫الغربي ي ف� إىل َّ‬ ‫ّ‬ ‫وسياسية‬ ‫َّ‬ ‫ثقافية‬
‫مرجعية َّ‬ ‫َّ‬ ‫يكرس أنما ًطا‬ ‫ينبغي أن ّ‬
‫العربية‬ ‫َّ‬ ‫يستخدمونه كمعول لدكِّ أسس الثقافة‬ ‫خفية من ردود الفعل‬ ‫وأيديولوجية َّ‬ ‫َّ‬ ‫واجتماعية‬
‫َّ‬
‫“البديهيات”‪،‬‬ ‫تحولت إىل ما يشبه‬ ‫ال� َّ‬ ‫ت‬
‫الحديثة والمعارصة‪ ،‬كما هي الحال لدى بعض‬ ‫َّ‬ ‫تجاهها‪ ،‬ي‬
‫ت‬ ‫القراءات النقدية أ‬ ‫أساسيا ي� تحديد‬ ‫ف‬ ‫دورا‬
‫ال�‬ ‫السطحية ي‬ ‫َّ‬ ‫اليديولوجية‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫التعب�‪ ،‬لتلعب ً‬ ‫ي‬ ‫إذا جاز‬
‫خاصة تلك‬ ‫ق� الجدد”‪َّ ،‬‬ ‫“المست� ي ف‬ ‫ش‬ ‫قدمها بعض‬ ‫َّ‬ ‫الثقافية”‬ ‫َّ‬ ‫ب� الفرد و”الجماعة‬ ‫الخاصة ي ف‬ ‫َّ‬ ‫العالقة‬
‫والفنان� العرب‬ ‫يف‬ ‫طت بقلم بعض “النقاد”‬ ‫ال� ُخ َّ‬ ‫ت‬ ‫ال� ينتمي إليها الفنان‪ ،‬أو يتوجه إليها العمل‬ ‫ت‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫أيديولوجيا‬ ‫أكاديميا وتوجيها‬ ‫تعليما‬
‫ً‬ ‫الذين تلقُّوا‬ ‫البداعي من جهة‬ ‫وب� العمل إ‬ ‫الف� من جهة‪ ،‬ي ف‬ ‫ف‬
‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ي‬
‫التشكيل‬ ‫ي‬
‫ف‬
‫غربيا‪ ،‬سعت إىل التشكيك ي� المنجز‬ ‫ًّ‬ ‫أخرى‪ ،‬ف ي� صيغة رؤية نقديَّة تنجح ف ي� ردم ال ُه َّوة‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪32‬‬

‫العر�‪ ،‬بوصفها حالة تابعة بالمطلق‬ ‫ف‬


‫العر�‪ ،‬مثلما حملت‬ ‫بي‬ ‫النسان‬ ‫طموح وأوجاع إ‬ ‫ي� الوطن ب ي‬
‫البداعي الذي‬ ‫ف‬ ‫مالمح ش‬ ‫للغرب‪ .‬وهي كذلك أخذت عل عاتقها مهمة‬
‫وخطابه إ‬ ‫الثقا� ِ‬ ‫ي‬ ‫م�وعه‬
‫عموما‪.‬‬ ‫الفنية‬ ‫”الشخصية‬ ‫تحق�‬ ‫ال�ويج لكل ما من شأنه‬ ‫ت‬
‫ً‬ ‫أودعه لوحاته ومنحوتاته وأعماله َّ‬ ‫َّ‬ ‫ي‬
‫توجه نقدي‬ ‫بتب� ُّ‬ ‫ف‬ ‫البداعي‪،‬‬ ‫العربية‪ ،‬وتسخيف منجزها إ‬ ‫الثقافية”‬
‫وهي حالة ل يمكن عالجها إل ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫طابية‬
‫الخ َّ‬ ‫المضام� ِ‬ ‫يف‬ ‫أيديولوجي مضاد‪ ،‬يركز عل‬ ‫العامة‬ ‫َّ‬ ‫المعاي� والرؤى‬ ‫ي‬ ‫بالستناد إىل طائفة من‬
‫أك� من ي ف‬ ‫للفن التشكيل ف� عليائه الحضاري‪ ،‬ش‬ ‫عشوائيا عل‬ ‫ال� ُط ّبقت‬ ‫ت‬
‫ترك�ه‬ ‫ي ي‬ ‫ًّ‬ ‫العابرة للثقافات‪ ،‬ي‬
‫ت‬ ‫أ‬ ‫أن ما‬ ‫ف‬
‫يقدمها‪ ،‬دون أن َّيدعي‬ ‫ال� ّ‬ ‫عل “حياديَّة” الفكار ي‬ ‫العر� ‪ .‬دون أن تتنبه إىل َّ‬ ‫الثقا� ب ي‬ ‫ي‬ ‫المجال‬
‫موضوعية‪،‬‬ ‫أحد المقدرة عل تقديم قراءات‬ ‫ف‬
‫يصلح لن يُقال عن فنان عاش ونما ي� إيطاليا‪،‬‬ ‫أ‬
‫َّ‬
‫ال�‬ ‫ت‬ ‫تحاس المطبات أ‬ ‫قادرة عل ش‬ ‫بالرصورة أن‬ ‫أو اليونان أو روسيا‪ ،‬ل يصلح ف‬
‫يديولوجية‪ ،‬ي‬ ‫َّ‬ ‫ال‬ ‫َّ‬ ‫ي‬
‫تشكل مادة خصبة لكل من يريد الطعن ف ي� أصالة‬ ‫عر� عاش ف ي� مرص أو المغرب‬ ‫يُقال عن فنان ب ي‬
‫العر� ‪.‬‬ ‫ف‬ ‫الثقافية‬ ‫أ‬
‫الردن‪ ،‬وذلك لختالف العراف‬ ‫أو أ‬
‫التشكيل ي� الوطن ب ي‬ ‫ي‬ ‫المنجز‬ ‫َّ‬
‫ل يمكن ي� المقابل تجاهل الحديث عن إخفاق‬ ‫ف‬ ‫يديولوجية السائدة‬ ‫والجتماعية والسياسية أ‬
‫وال‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫نقدي ونظري آخر ُمنيت به الكتابة النقديَّة عن‬ ‫فضال عن اختالف‬ ‫ً‬ ‫يف‬
‫الثقافي�‪،‬‬ ‫يف‬
‫النطاق�‬ ‫ف ي� كال‬
‫العر�‪ ،‬يتصل بمدى‬ ‫ف‬ ‫والسياسية‬ ‫والجتماعية‬ ‫والثقافية‬ ‫التاريخية‬ ‫الطر‬‫أ‬
‫التشكيل ي� الوطن ب ي‬ ‫ي‬ ‫الفن‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ال� تحتضنهما‪ .‬وهذا ما يتطلب‬ ‫ت‬ ‫أ‬
‫تشكيلية جادة مطروحة اليوم‬ ‫َّ‬ ‫جرأة أيَّة رؤية نقديَّة‬ ‫يديولوجية ي‬ ‫َّ‬ ‫وال‬
‫عل خوض المغامرة النقديَّة بعمق‪ ،‬وال َّ‬ ‫ال� من الواجب‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫طرق‬ ‫الشكالت ي‬ ‫اختالفًا ي� طبيعة إ‬
‫العربية‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫بشدة عل العصب الموجع ف ي� الثقافة‬ ‫َّ‬ ‫التشكيل ف ي�‬ ‫ي‬ ‫أي قراءة نقديّة للمنجز‬ ‫طرحها‪ ،‬ي� ّ‬
‫ف‬
‫كلية أو جز َّئية‪.‬‬ ‫ف‬
‫خارج ثقافة التجريح والستهانة‪ ،‬بع� خوض‬ ‫العر�‪ ،‬ي� صورة َّ‬ ‫الوطن ب ي‬
‫ترص القراءات‬ ‫ف‬
‫التاريخية‬‫َّ‬ ‫التشكيلية‬
‫َّ‬ ‫مغامرة معارضة “ال�ديَّات”‬ ‫ي� ضوء هذا اللتباس النقدي ُّ‬
‫والمؤسساتية الشائعة اليوم‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫“الرسمية”‬ ‫َّ‬ ‫والنقديَّة‬ ‫اقية سالفة الذكر عل حرص المنجز‬ ‫الست� َّ‬ ‫ش‬
‫الثقافية‬
‫َّ‬ ‫ال� تتماهى مع ِخطابات المؤسسات‬ ‫ي‬
‫ت‬ ‫المرجعيات‬ ‫َّ‬ ‫العر� ف ي�‬ ‫بي‬ ‫التشكيل ف ي� الوطن‬ ‫ي‬
‫العر�‪،‬‬ ‫ف‬ ‫الغربية‪ .‬وهو ما‬ ‫والتاريخية‬ ‫الفلسفية والنظريَّة‬
‫التشكيل ي� العالم ب ي‬ ‫ي‬ ‫السائدة الراعية للفن‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ح� بشقها‬ ‫سواء بشقيها الرسمي‪ ،‬أو الخاص‪ ،‬أو ت‬ ‫“ميتاف�يقا” نظريَّة‬ ‫يف‬ ‫يشكل بم� ًرا للحديث عن أزمة‬
‫ال� طالما تنافست ف ي� تقديم “�ديَّات”‬ ‫ت‬ ‫أ‬ ‫ونقديَّة وإبستومولوجية جديَّة مضاعفة‪ ،‬بالمع�ف‬
‫جن�‪ ،‬ي‬ ‫ال ب ي‬ ‫َّ‬
‫وتاريخية متعارضة ومتضاربة‪ ،‬لم تنجح‬ ‫َّ‬ ‫نقديَّة‬ ‫تطوق كل محاولة‪،‬‬ ‫شكاىل المعارص للكلمة‪ّ ،‬‬ ‫ال ي‬ ‫إ‬
‫“موضوعية” أو “متوازنة” عن‬ ‫ف ي� تقديم رؤية‬ ‫مهما كانت بسيطة‪ ،‬لتناول المنجز التشكيل �ف‬
‫َّ‬ ‫ي ي‬
‫ف‬ ‫العر� نقديًّا أو نظريًّا بالدراسة والبحث‪،‬‬
‫العر�‪ ،‬خارج‬ ‫التشكيل ي� الوطن ب ي‬ ‫ي‬ ‫تطور المشهد‬ ‫الوطن ب ي‬
‫يديولوجية سالفة الذكر‪.‬‬ ‫ال‬‫النحيازات أ‬ ‫إبداعية أصيلة وليست تابعة‪ ،‬حملت‬ ‫كحالة‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪33‬‬

‫المتتبع لمجريات ما‬ ‫ِّ‬ ‫كما ل يغيب عن ذهن‬


‫يتم تقديمه نقديا عل المستوى التشكيل �ف‬
‫ي ي‬ ‫َّ‬
‫قدم‪،‬‬ ‫الم َّ‬
‫العر�‪ ،‬رتابة النمط النقدي ُ‬ ‫الوطن ب ي‬
‫م�وع نقدي‬ ‫الذي لم يجرؤ عل خوض ش‬
‫والشموىل للكلمة‪.‬‬ ‫بالمع� الشامل‬ ‫ف‬ ‫ثقا�‬ ‫ف‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫التشكيل ف ي� الوطن‬ ‫ي‬ ‫فعل يمكن أن يضع الفن‬ ‫ٌ‬
‫ال� يستحقها‪ ،‬بوصفه الفن‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫العر� ي� الخانة ي‬ ‫بي‬
‫الوحيد الذي حمل عل أكتافه مهمة إنشاء‬
‫الطر‬ ‫مم�ة‪ ،‬ف� أ‬ ‫ثقافية” ي ف‬ ‫و”شخصية‬ ‫هويَّة‬
‫ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫و”الثقافية”‬
‫َّ‬ ‫العربية‪،‬‬
‫َّ‬ ‫و”القومية”‬
‫َّ‬ ‫“الوطنية”‪،‬‬ ‫َّ‬
‫طابية‬ ‫وخ َّ‬ ‫سالمية‪ .‬وهي مستويات نقديَّة ِ‬ ‫ال َّ‬ ‫إ‬
‫ثالثة تموضعت فيها الكتابات النقديَّة عن‬
‫العر�‪ ،‬سواء من‬ ‫بي‬ ‫التشكيل ف ي� الوطن‬ ‫ي‬ ‫الفن‬
‫باحث� عرب أو أجانب ‪ ،‬مع ميل مفرط‬ ‫(‪)4‬‬ ‫يف‬
‫كرستها النظرة الظالمة‬ ‫ف‬
‫لالغراق ي� التفاصيل‪َّ ،‬‬ ‫إ‬
‫للشمولية‬
‫َّ‬ ‫الشمولية‪ ،‬بوصفها تكريس‬ ‫ّ‬ ‫للرؤية‬
‫الحاديَّة ال�ت‬ ‫الفكرية‪ ،‬أو “دكتاتورية” النظرة أ‬
‫ي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ت‬
‫يتم العمل عل تفكيكها بش� الوسائل‪،‬‬
‫ف ي� حقبة بات فيها كل ثابت موضع تساؤل‬
‫وتشكيك‪ ،‬وهدفًا لمعاول وأدوات تفكيك‬
‫ومرجعياتها‬ ‫َّ‬ ‫العربية‪،‬‬‫َّ‬ ‫الثقافية‬
‫َّ‬ ‫المنظومة‬
‫التاريخية‪ ،‬دون تقديم بديل‪ ،‬أي الهدم‬ ‫َّ‬
‫والستمرار بالهدم إىل ما ل نهاية‪ ،‬خارج‬
‫المنظور النقدي الذي يقيم وزنًا للتاريخ‬
‫والب ف� الفكريَّة المؤسسة للمجتمعات‪ ،‬بحجة‬ ‫ُ‬
‫مكافحة “النقد اليديولوجي”‪.‬‬‫أ‬
‫____________________________________________________________________________________________________________‬
‫الثقافية”‪،‬‬ ‫العر�”‪ ،‬مجلة “الج�ة‬ ‫ف‬ ‫التشكيلية وأبعاد “الحداثة” ف ي� الفن‬
‫َّ‬ ‫التشكيل ي� الوطن ب ي‬
‫ي‬ ‫َّ‬ ‫تحديات “الهويَّة”‬
‫(‪ )4‬إياد كنعان‪ :‬دراسة بعنوان “الكشف عن ّ‬
‫ف‬
‫نوفم� ‪ ،2013‬ص‪.155-162‬‬
‫ب‬ ‫قطر‪ ،‬العدد ‪ ،31‬شت�ين ي‬
‫الثا�‪/‬‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪34‬‬

‫العربية‬
‫ّ‬ ‫التشكيلية‬
‫ّ‬ ‫ارتباك الكتابة النقد ّية‬
‫التصوير إلى َّ‬
‫التحريك‬ ‫بفعل المرور اإلبداعي من َّ‬
‫د‪ .‬محمد بن حمودة‪ /‬تونس‬

‫أنَّنا ك ّنا نقرأ ت‬ ‫“تغ� المدينة َّأول ما‬


‫العر�‪ ،‬من أجل المعرفة‬ ‫بي‬ ‫ال�اث‬ ‫نَ ِج ُد نجيب محفوظ يقول‪ :‬ي ُّ‬
‫ح� نجلس‬ ‫تماما أننا ي ف‬
‫والتذوق‪ .‬ولكننا ك ّنا نعرف ً‬ ‫وأول ما يبحث‬ ‫المدي�‪َّ ،‬‬ ‫ف‬ ‫يفرض نفسه عل الوعي‬
‫ي‬
‫لن نكتب قصة مثل ’ألف ليلة وليلة’ أو مثل‬ ‫لنفسه عن وسيط نوعي‪ ،‬أو معادل إبداعي هو‬
‫وفعال‪ ،‬كان أ‬
‫ً‬ ‫“عن�ة”(‪.)2‬‬ ‫ت‬ ‫التغ�”(‪.)1‬‬ ‫ال� ّ‬ ‫ت‬
‫الكالسيك يصدر‬‫ي‬ ‫الدب‬ ‫دوامات هذا ي ُّ‬ ‫تتوىل تجسيد ّ‬ ‫الرواية ي‬
‫الرسام”‪،‬‬
‫تحاك ما يمكن تسميته “منوال ّ‬ ‫عن كتابة ي‬ ‫تغ� المدينة من خالل رصد‬ ‫أن مقاربة ي ُّ‬ ‫والحال َّ‬
‫ف‬
‫الرسم نفسه هو‪ ،‬ي� آخر التحليل كتابة‪.‬‬ ‫ال� ش‬ ‫ت‬
‫أن َّ‬ ‫بما َّ‬ ‫المحلية‪ ،‬وليس‬ ‫ّ‬ ‫تغىس المجتمعات‬ ‫التغ�ات ي‬ ‫ي ُّ‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫بينما تنجح السينما ي� وضع الصورة ي� رحم‬ ‫ستب� عدم كفاية‬ ‫من خالل المجتمع العام‪ ،‬ي ِّ ف‬
‫الدراك عل عالم الممكن‬ ‫الكتابة وهو ما يفتح إ‬ ‫الكتا� مقابل مساعدة الوسائط‬ ‫الرواية ومنوالها ب ي‬
‫حج ُبه‪ ،‬بما‬ ‫ش‬ ‫أ‬
‫دور الكتابة ْ‬ ‫المبا� الذي كان من ْ‬ ‫السمعية البرصيّة عل ر ّد العتبار لالسلوب‬ ‫ّ‬
‫التبئ�‪ ،‬بينما غرض الراكور‬ ‫ف‬
‫ال� ش يا� الذي كان نجيب محفوظ يعتقد ي� فوات‬ ‫ت‬
‫أن هدف الكتابة هو ي‬ ‫َّ‬
‫المكانية العائمة والسائحة‪.‬‬ ‫‪ raccord‬هو اقتناص إ‬ ‫صالحيته‪ .‬لنذكر ف ي� هذا الخصوص ترصيحه‬ ‫ّ‬ ‫َأجل‬
‫يف‬
‫مشارك�‬ ‫يف‬
‫المشتغل� بالسينما لم يكونوا‬ ‫إن‬
‫ثم َّ‬ ‫التاىل خالل حوار مع إبراهيم منصور‪“ :‬صحيح‬ ‫ي‬
‫____________________________________________________________________________________________________________‬
‫ف‬
‫الثقا�‬ ‫العربية‪‹ ...‬ممكنات ال�د›‪ ،‬أعمال الندوة الرئيسة لمهرجان القرين‬ ‫(‪ )1‬د‪.‬جابر عصفور‪ ،‬ابتداء زمن الرواية‪ :‬مالحظات منهجية‪ ،‬ضمن الرواية‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫والفنون آ‬ ‫ع�‪ 11-13 ،‬كانون أ‬
‫والداب‪ ،‬دولة الكويت‪ ،2008 ،‬ص‪.146‬‬ ‫ف‬
‫الوط� للثقافة‬ ‫ديسم� ‪ ،2004‬المجلس‬
‫ب‬ ‫الول‪/‬‬ ‫الحادي ش‬
‫أ‬ ‫ي‬ ‫ف‬
‫ديسم� ‪ ،1981‬ص‪.84‬‬
‫ب‬ ‫ول‪/‬‬‫ال‬ ‫كانون‬ ‫وت‪،‬‬‫ب�‬
‫ي‬ ‫الطليعة‪،‬‬ ‫دار‬ ‫ات)‪،‬‬‫ر‬‫(محاو‬ ‫المرصية‬ ‫المعارضة‬ ‫وأزمة‬ ‫الثقا�‬
‫ي‬ ‫الزدواج‬ ‫منصور‪،‬‬ ‫اهيم‬
‫(‪ )2‬إبر‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪35‬‬

‫أن اختفت ’الكينوتوسكوب ‪ ،Kinétoscope‬أي‬ ‫فنان� أو يغ�هم‬ ‫للنخب الرسمية ‪-‬سواء أكانوا ي ف‬
‫اخ�عها أديسون عام ‪،1891‬‬ ‫ال� ت‬ ‫ت‬ ‫الرمزي�‪ -‬حرصهم عل استيعاب‬ ‫يف‬ ‫من الفعلة‬
‫صناديق الفرجة ي‬
‫متعطشا‬ ‫بك� معها هوس الجمهور الذي كان‬ ‫ف‬
‫شفافية الجتماعي ي� تضاعيف شفافية معرفية‬
‫ً‬
‫بمجرد تثبيته‬ ‫سء‬ ‫لمشاهدة كيف سيبدو ّ ش‬ ‫أن تفرض‬ ‫أن رهان الكتابة هو ْ‬ ‫أو إبداعية‪ .‬ذلك َّ‬
‫ّ‬ ‫أي ي‬
‫الكام�ا‪ .‬ويذكر كذلك أنه “جاء عل لسان‬ ‫ي‬ ‫أمام‬ ‫قادرا عل‬
‫رسميا عل العالم يكون ً‬ ‫ًّ‬ ‫صوتًا مفر ًدا‬
‫أ‬
‫المسئول� عن العروض السينمائية الوىل‪،‬‬ ‫يف‬ ‫أحد‬ ‫وبالتاىل‬ ‫الشخصية المتعددة؛‬ ‫أ‬
‫استيعاب الصوات‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫مث� وقوي‬ ‫أن الذوق المعارص اتَّجه إىل كل ما هو ي‬ ‫َّ‬ ‫قادرا عل تحوير الطاقة اللغوية من خالل‬ ‫يكون ً‬
‫النسان بالتفاصيل‬ ‫أ‬
‫تدج� طبيعتها التناصية الساسية‪.‬‬ ‫يف‬
‫ويمكن رؤية كل ما يقوم به إ‬
‫الدموية المؤلمة‪ ،‬مثل عمليات الهجوم عل‬ ‫ب� الطاقة‬ ‫إجمال‪ ،‬تهدف الكتابة إىل فكّ الرتباط ي ف‬ ‫ً‬
‫كالث�ان والثعالب‪ ،‬أو اجتماع أسدين‬ ‫الحيوانات ي‬ ‫اللغوية ‪ langue‬والعبارة ‪ parole‬لتهمش عملية‬
‫عل قتل فيل عل سبيل المثال!” ‪ ،‬ويستنتج‬
‫(‪)3‬‬
‫النطق الفردي بالقياس للنطق الحواري‪ ،‬وبحيث‬
‫أن حدود الممنوع كانت‬ ‫التقرير المشار إليه َّ‬ ‫يتم تحييد اللغة ‪ langage‬عل نحو يسمح‬
‫ال� أصبحت اليوم‬ ‫ت‬
‫المشاهد ي‬ ‫تتوقف عند هذه َ‬ ‫للبعد الحواري باستيعاب البعد يغ� الرسمي‬
‫ال� نتم َّتع اليوم‬ ‫ت‬
‫المشاهد ي‬ ‫ل تمثل شي ًئا أمام َ‬ ‫غ�ت المنوال‬ ‫أن السينما ي ّ‬ ‫للنطق‪ .‬ومعلوم كذلك ّ‬
‫بمشاهدتها مع أطفالنا‪.‬‬ ‫المتمدية‬
‫ّ‬ ‫الف� من جراء استبدالها لعيار النظرة‬ ‫ف‬
‫ّي‬
‫أ‬ ‫ف‬
‫عبدال يم� قوله‪“ :‬والطريف ي� المر‬ ‫أ‬ ‫ويضيف ليث‬ ‫ال� طالما‬ ‫ت‬
‫‪ le regard éloigné‬بالنظرة القريبة ي‬
‫التغي� ي� الذوق العام والنظرة إىل‬ ‫ف‬ ‫أن راديكالية‬ ‫الكالسيك العالمة عل جموح‬ ‫اعت�ها ال َّتصوير‬
‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫ب‬
‫شعبية‬ ‫ش‬ ‫أ‬
‫المحظورات قد شملت الرياضة الك�‬ ‫وخيم العواقب‪ .‬لنأخذ هذا المثال البسيط‪ .‬هل‬
‫ّ‬
‫ف ي� العالم اليوم وهي كرة القدم؛ فقد كان‬ ‫رقابية ف ي� العالم‬ ‫أي سلطة ّ‬ ‫نتخيل إمكان وجود ّ‬ ‫َّ‬
‫إنجل�ا‪ ،‬وهي البلد الذي بدأت‬ ‫ت‬ ‫لعبو الكرة ف ي�‬ ‫يمكن أن تمنع الجملة القائلة‪“ :‬اجتمع أسدان‬
‫خارج� عن‬ ‫يف‬ ‫عت�ون‬ ‫المدورة‪ ،‬يُ ب‬ ‫ّ‬ ‫ف ي� ساحاته الكرة‬ ‫عل قتل فيل” ف ي� المقابل‪ ،‬كانت الرقابة ف ي� كل‬
‫القانون بحسب لجنة الرقابة آنفة الذكر”‪ .‬وبناء‬ ‫البلدان الغربية تمنع هذا المشهد خالل بدايات‬
‫أ‬
‫عبدال يم�‬ ‫عل جملة هذه المعطيات انتهى ليث‬ ‫أ‬
‫عبدال يم�”‬ ‫السينما‪ .‬وبهذا الخصوص ذكر “ليث‬
‫الب�‬ ‫مس�ة ش‬ ‫ي‬ ‫تطور‬ ‫ُّ‬ ‫إىل الستنتاج أنه مع‬ ‫أنه عند تصفُّحه كتاب “تحت مقص الرقيب”‬
‫م�ت مراحل مهمة‬ ‫ت‬
‫وتط ُّلعاتهم إىل الحرية وال� ي َّ ف‬ ‫من تأليف “توم ديوي ماثيوز” شع� عل معلومة‬
‫ي‬
‫تتحول “الحدود” مع التجربة‬ ‫من الحداثة الغربية َّ‬ ‫تش� إىل أنه مع اتِّساع حجم الشاشة منذ‬ ‫طريفة ي‬
‫____________________________________________________________________________________________________________‬
‫السينما�‪ :‬أفالم الحالت القصوى‪ ،‬ضمن صحيفة “أخبار أ‬
‫الدب”‪ 13 ،‬آذار‪ /‬مارس ‪ ،2016‬ص‪.36‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫عبدال يم�‪ ،‬الواقع يتجاوز الخيال‬ ‫(‪ )3‬ليث‬
‫ي‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪36‬‬

‫النسانية من “الخارق” إىل “العام”‪ .‬وهذا يدفعه‬ ‫إ‬


‫إىل طرح السئلة التالية‪“ :‬لماذا يك� تقادم‬ ‫أ‬
‫حدة الحدث ويخفِّف من وطأته؟ هل‬ ‫الزمن َّ‬
‫السبب ف ي� ذلك يعود إىل عوامل سوسيولوجية‬
‫أن له عالقة بالتطور التاريخي للمجتمعات؟‬ ‫أم ّ‬
‫التحول من‬
‫ُّ‬ ‫وهل أننا يجب أن نتعامل مع هذا‬
‫“الخارق” إىل “العام” كموضوع فلسفي يخص‬
‫الكتابة العرب ّية‬
‫النخب المهتمة أم أنه قضية ثقافية عامة‪ ،‬أم‬
‫ومبا�ة بعد كالمه يضيف قوله‪:‬‬ ‫ش‬ ‫معا؟”‪،‬‬ ‫الثنان ً‬
‫أيضا طرح السئلة من جوانب أخرى‪:‬‬ ‫أ‬
‫“لنحاول ً‬
‫تحول الحدود من “الخارق” إىل “العام”‬ ‫أن ُّ‬ ‫هل َّ‬
‫مجرد ظاهرة سينمائية أم حياتية؟ وإذا كانت‬ ‫هو َّ‬
‫ال ي ف‬
‫وربي�‬ ‫قائال‪“ :‬وليس المحدثون من أ‬ ‫إيزو” ً‬ ‫مجرد ظاهرة حياتية كيف يجب التعامل معها؟‬
‫أقل اختالفًا ي� ذلك من القدماء‪ .‬فمنهم من‬‫ف‬ ‫اعت�ناها ظاهرة سينمائية هل يمكن رسم‬ ‫وإذا ب‬
‫والمع� عل أن يكون هذا‬ ‫ف‬ ‫يؤثر جمال اللفظ‬ ‫ً‬
‫مستقبال؟”‪.‬‬ ‫مسارها‬
‫أ‬
‫دا� القطوف‪ ،‬تجد العقول والذواق‪ ...‬ل‬ ‫ف‬ ‫ح� نجحت‬ ‫ف‬
‫من المؤسف أن نالحظ أنه � ي ف‬
‫قريبا ِ ي َ‬
‫ً‬ ‫ي‬
‫ف‬
‫وتذوقه والستمتاع به‪ ،‬ومنهم‬ ‫مشقّة ي� فهمه‬‫ف‬ ‫الطاحة بالكالسيكية –عل الرغم‬ ‫النطباعية ي� إ‬
‫ُّ‬
‫من ينأون عن هذا كله وينهون عنه ويضيقون‬ ‫أساط� الكالسيكية‬ ‫يف‬ ‫فإن‬
‫غربيا‪َّ -‬‬
‫من عظمة صيتها ًّ‬
‫الشياء‬‫بالحياة كما يحياها الناس‪ ،‬وبكل هذه أ‬ ‫ف‬
‫العربية نجحوا ف ي� المقابل‪ ،‬ي� أن يكبحوا جماح‬ ‫ّ‬
‫يف‬ ‫يف‬ ‫ت‬ ‫عربيا‪ .‬ويكفي ي� هذا الخصوص أن نذكّر‬ ‫ف‬
‫وممس� ويلتمسون‬ ‫مصبح�‬ ‫ال� ألفها الناس‪،‬‬ ‫ي‬ ‫التيار ًّ‬
‫ويخ�عونها‬‫ال بد� ف� حياة يبتكرونها هم‪ ،‬ت‬ ‫أ‬ ‫حس� والعقاد‪.‬‬ ‫يف‬ ‫بتدخالت كل من طه‬ ‫�يعا‬
‫الجمال ي ي‬ ‫ُّ‬ ‫ً‬
‫ال�‬‫ت‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫حس� الذي تمثل‬ ‫تدخل طه ي ف‬ ‫ويمكن أن نقف عند ُّ‬
‫اخ�ا ًعا‪ ،‬وهم يأتون ي� ذلك بالعاجيب ي‬ ‫أ‬
‫كث� يغ�ي‪ ،‬فال نفهم منها‬ ‫أقرأها أنا ويقرأها ي‬ ‫أساسا ف ي� كتابته لمقال وسمه “صورة الدب”‪،‬‬ ‫ً‬
‫كث�ا ما دفعتنا إىل‬
‫شي ًئا ول نذوق منها شي ًئا وربَّما ي ً‬ ‫وسع ضمنه المنظور يل�صد الحراك الفكري‬ ‫وقد ّ‬
‫الغراق ف ي� الضحك المتصل”(‪.)4‬‬ ‫إ‬ ‫وطنيا‪ .‬وقد كتب‬ ‫عالميا قبل أن يرصده ًّ‬ ‫والبداعي ًّ‬ ‫إ‬
‫آ‬
‫محمود عباس العقاد هو الخر‪ ،‬تفاجأ بشكل‬ ‫الروما� “إيزيدور‬‫ف‬ ‫ف‬
‫الحرو�‬ ‫ف ي� هذا السياق عن‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫____________________________________________________________________________________________________________‬
‫الدب‪ ،‬مقال أعادت شن�ه صحيفة أخبار أ‬
‫الدب‪ ،‬بتاريخ ‪ ،18-1-2008‬ص‪.32‬‬ ‫حس�‪ ،‬صورة أ‬
‫(‪ )4‬طه ي ف‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪37‬‬

‫ال� ينفردون بها‪،‬‬‫ت‬ ‫تعب�ات تنترص‬ ‫س� عندما وجد نفسه قبالة ي‬ ‫ي ِّ أ‬
‫الشخصية ي‬
‫ّ‬ ‫إليها مأخذ العالمة‬
‫حساسية ف ي� هذه الحالة هي مجرد المخالفة‬ ‫ّ‬ ‫وال‬
‫إ‬ ‫لـ”الال فن” كما بلورته المدرسة النطباعية‬
‫لالخرين عل نمط يسطع به كل َمن يبغي الخالف‬ ‫آ‬ ‫“حاكمية الفن”‪ .‬فقد كتب‬ ‫وتعمل عل تقويض‬
‫ّ‬
‫والشذوذ”(‪.)5‬‬ ‫العقاد مش ّه ًرا بالفن المعارص بعد مشاهدته‬
‫الكب�ين (طه ي ف‬
‫حس�‬ ‫لمعرض له ف� القاهرة سنة ‪ ً 1928‬ف‬
‫لم يخطر ببال الناقدين ي‬ ‫“�‬
‫قائال‪ :‬ي‬ ‫ي‬
‫أن تحريك الصورة يسمح بر ّد العتبار‬ ‫ف‬ ‫آ‬
‫والعقاد) َّ‬ ‫نىس الذي يُقام الن ي� القاهرة‬ ‫المعرض الفر ي‬
‫اعت�ه‬
‫قديما‪ .‬وما ب‬
‫لل َّتعجيب كما تعاطاه العرب ً‬ ‫تقدم العلم‪،‬‬ ‫تقدم الفن يغ� ُّ‬ ‫إن ُّ‬ ‫يف‬
‫للقائل� َّ‬ ‫حجة‬ ‫ّ‬ ‫ة عن الفن‬
‫تحرر من‬
‫كاريكاتورا إنَّما هو البورتريه وقد َّ‬
‫ً‬ ‫العقاد‬ ‫وإن س ّنة الرتقاء ل ت�ي عل ال َّتصوير خاصة‬ ‫َّ‬
‫سطوة ديوان الهيئات الذي كان يمنع من إيالء‬ ‫ت‬
‫�يانها عل الصناعة والخ�اع‪ ،‬ففي الصور‬
‫ال� رسمها عباقرة ال َّتصوير قبل مائة سنة ما هو‬ ‫ت‬
‫ي‬
‫والستاذيّة من‬ ‫وأدل عل القدرة أ‬ ‫أجمل وأفخم ّ‬
‫ال� ابتدعتها قرائح المعارصين‪.‬‬ ‫ت‬
‫أحدث الصور ي‬
‫أحدا من الناقدين‬ ‫ولو جاز لنا أن نوافق أو نخالف ً‬
‫ش�م’ الذي لهج به المصورون �ف‬ ‫’ال بم� ت‬‫لقلنا إن أ‬
‫ي‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬
‫هذا العرص يهبط بالفن كلما تمادى إىل حيث‬
‫يك� فيه ال ِّدعاء ويضعف المرجع المصطلح‬ ‫ش‬
‫عليه ويصبح الشذوذ هو القاعدة”‪ .‬ثم يضيف‬
‫فيقول‪“ :‬فالمصور الحديث الذي يجري عل‬
‫حساسي� المزعوم يريد أن ي َّتخذ له‬ ‫يف‬ ‫ال‬
‫أسلوب إ‬
‫ال�وز‪،‬‬ ‫ف‬
‫لونًا وسحنة بارزة ي� جميع مصنوعاته كل ب‬
‫فتوشك أن تقارب حدود الكاريكاتور وتلح عل‬
‫الذواق إىل ما يخالطها بالضجر والنفور‪ ،‬وق ّلما‬ ‫أ‬
‫واللوان ليكون‬ ‫الشكال أ‬ ‫نرى فيهم من يحرف أ‬
‫ّ‬
‫أدل عل المع� وأبعث عل توجيه‬ ‫ف‬ ‫ال َّتحريف ّ‬
‫يحرفون‬‫الفكر إىل ناحيته المقصودة‪ ،‬وإنَّما هم ِّ‬
‫لتدل عليهم وتؤخذ عند النظر‬ ‫واللوان ّ‬ ‫الشكال أ‬ ‫أ‬

‫____________________________________________________________________________________________________________‬
‫والعالم بحكومة الشارقة ومركز الشارقة لالإبداع الفكري‪ ،‬ص‪.104‬‬
‫التشكيل‪ ،‬دائرة الثقافة إ‬
‫ي‬ ‫(‪ )5‬ذكره بدرالدين غازي‪ ،‬رواد الفن‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪38‬‬

‫العر�‬
‫بي‬ ‫الجهاز‪ .‬ولكن ماذا عن وضع ال َّتصوير‬ ‫ولمعاي�ها‪ .‬مع‬ ‫ي‬ ‫للخ�ة الباطنية‬ ‫قيمة مركزيّة ب‬
‫المعارص ف� آ‬ ‫الكالسيك‬ ‫إن ال َّتصوير‬
‫جاهزا للعبور‬‫ً‬ ‫الن وال ُهنا؟ هل أصبح‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أن يقول َّ‬ ‫لقائل ْ‬
‫فإن ٍ‬ ‫ذلك‪َّ ،‬‬
‫لمعارصة تعيد ترتيب عالقات الفن والال فن عل‬ ‫يتطور عندنا لدرجة أن يصبح سلطة مسيطرة‪،‬‬ ‫لم َّ‬
‫نحو يعطي للحقبة الوجدان الذي يليق بها؟‬ ‫فإن الثورة عل يغ� سلطة هي أمر يغ�‬ ‫ولذلك َّ‬
‫نقرأ ‪-‬ضمن كتابه الموسوم “فن البيداغوجيا‬ ‫مفهوم‪ .‬ومثل هذا التأويل ل يُعدم المؤيدات‬
‫التاىل‪:‬‬ ‫ف‬ ‫ح� عام‬ ‫ضمن كتاب “ال َّتصوير الحديث ف� مرص ت‬
‫الريحا� ي‬
‫ي‬ ‫وبيداغوجيا الفن”‪ -‬قول يوسف‬ ‫ي‬
‫ف‬ ‫خ� أنه‬ ‫أ‬
‫“مطروح أمامنا اليوم إعادة النظر ي� تعليمنا‬ ‫‪ ”1961‬لصاحبه “إيميه آزار”‪ .‬إذ يذكّر ال ي‬
‫أ‬ ‫أن هذه‬ ‫“فيما يتع ّلق‬
‫ساس عل وجه الخصوص‪ .‬إذ‬ ‫وتعليمنا ال ي‬ ‫بالنطباعية‪ ،‬فإنه يبدو يىل َّ‬ ‫ّ‬
‫تلق� أبنائنا فن تفكيك وتركيب‬ ‫مج�ون نحن عل ي ف‬ ‫ب‬ ‫المدرسة ل تُفهم إل بمقابلتها بتقاليد تصوير‬
‫والتمرس عل أ�ار صناعتها‪ ،‬مع مواكبة‬ ‫ُّ‬ ‫الصور‬ ‫التقان البارد للرسم‬ ‫بعينه‪ ،‬كرد فعل ضد إ‬ ‫غر� ْ‬
‫بي‬
‫التق� المذهل الذي تعرفه‬ ‫ف‬ ‫والكالسيكية النابوليونية لاللوان‪ ،‬والموضوعات‬‫أ‬
‫�عة وتراكم التقدم ي‬
‫والتفاعلية اليوم‪ .‬علينا أن ننتبه‬ ‫ّ‬ ‫الرقمية‬
‫ّ‬ ‫الفنون‬ ‫وإما التاريخية‪ ،‬البورجوازية‬ ‫ّإما الدرامية‪ّ ،‬‬
‫أن الفنون بشكلها المتعارف عليه قد‬ ‫جيدا إىل َّ‬
‫ً‬ ‫ل ِـ”دافيد” و”آنج” و”كورو”‪ ،‬أو قد ل تُفهم هذه‬
‫أعلنت موتها منذ نهاية القرن المنرصم‪ .‬أجل‪،‬‬ ‫كاشم�از من الرومانتيكية‪،‬‬ ‫أف‬ ‫أيضا إل‬
‫النطباعية ً‬
‫الن لم نعد نتحدث عن الم�ح‪ ،‬وإنَّما‬ ‫فنحن آ‬ ‫بجاذبيتها‪ ،‬وتفحشها وغرائبيتها‪ ،‬وطموحاتها‬
‫عن ما بعد الم�ح أو ما يسمى “فنون أ‬ ‫أسميه ثرثرتها‬ ‫أ‬
‫الداء‬ ‫ال بك� من الطبيعة‪ ،‬وأحيانًا بما قد ّ‬
‫ب� جسد المؤدي‬ ‫المعارصة” حيث المزج المذهل ي ف‬ ‫اللونية العالية‪ .‬وقد كانت النطباعية ف ي� فرنسا‬
‫اضية‪ .‬كما لم‬ ‫ت‬
‫الواقعي وإمكانات الفيديو الف� ّ‬ ‫تماما ما كانت عليه الرمزية ف ي� الشعر‪ ،‬وكما‬ ‫تناظر ً‬
‫نعد نتكلم عن السينما التقليدية أ‬ ‫أن أدبًا بال شعر سوف يبدأ‬
‫النالوجية‪ ،‬بل‬ ‫تصور َّ‬
‫أنه ل يمكن ُّ‬
‫الح� واللحظة دونما‬ ‫عن سينما رقمية تنجز ف� ي ف‬ ‫نموذجا له‪ ،‬ل‬ ‫ً‬ ‫بمحاولة الشعر متخذً ا “مالرميه”‬
‫ي‬
‫حاجة إىل تقنيات التحميض القديمة‪ ،‬ونتحدث‬ ‫أعتقد أن بالمكان تصور أن فن التصوير يبدأ �ف‬
‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ُّ َّ‬ ‫َّ إ‬
‫أك� عن أفالم ال َّتحريك ‪ Animation‬والفيديو‬ ‫ش‬ ‫ومعلما” ‪.‬‬
‫(‪)6‬‬
‫ً‬ ‫بلد بال تصوير متخذً ا له “مانيه” أستاذًا‬
‫المجسمة ثالثية‬ ‫آرت وأفالم الموبايل أ‬
‫والفالم‬ ‫بكالم آخر‪ ،‬لقد جابه الفنان النطباعي ما لمسه‬
‫َّ‬
‫البعاد‪ .‬لم نعد نتذكر اليوم ف ي� خضم هذا‬ ‫أ‬ ‫يف‬
‫الكالسيكي�‪،‬‬ ‫من موت إرادة الفن لدى نظرائه‬
‫الرقمية‪ ،‬تقنية‬ ‫ّ‬ ‫الهجوم الكاسح آللت ال َّتصوير‬ ‫فهرع إىل تلك الوسيلة الكالسيكية ليقلب الفن‬
‫ف‬ ‫ف ت‬ ‫ال� ح ّنطها‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫خ�‬‫ال� صارت ي� ب‬ ‫تحميض الفيلم الفوتوغر يا� ي‬ ‫عل نفسه ويبعث الحياة ي� القوة ي‬
‫____________________________________________________________________________________________________________‬
‫لل�جمة‪ ،‬المجلس أ‬
‫العل للثقافة‪،‬‬ ‫الم�وع القومي ت‬ ‫(‪ )6‬إيميه آزار‪’ ،‬ال َّتصوير العارص ف� مرص ت‬
‫ح� عام ‪ ،1961‬ترجمة إدوار الخراط ونعيم عطية‪ ،‬ش‬ ‫ي‬
‫‪ ،2005‬ص‪.22‬‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪39‬‬

‫تخصصات موغلة‬ ‫وغ� ذي فائدة البتة‪ُّ ...‬‬ ‫تقليديّة ي‬


‫اضمحل” ‪ .‬ومن فرط إيمان‬ ‫(‪)7‬‬
‫ّ‬ ‫ف ي� وهم الواقع الذي‬
‫ال� ينبغي أن تصاحب‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫الريحا� بجذريّة النقلة ي‬ ‫ي‬
‫التشه�‬
‫ي‬ ‫العرص الرقمي الوليد‪ ،‬نجده ل تي�دد ف ي�‬
‫“أن‬
‫اعت� َّ‬ ‫بالمتأخرين باللحاق به‪ ،‬ولهذا فقد ب‬
‫وال�ق‬ ‫الجامعي� بشمال أفريقيا ش‬ ‫يف‬ ‫يف‬
‫الفاعل�‬ ‫ّ‬
‫جل‬
‫المعاي� الدولية‬ ‫أمية وفق‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫ي‬ ‫الوسط يحيون ي� شبه ّ‬
‫تعت� الجاهل باستخدام المعدات‬ ‫ال� ب‬ ‫ت‬
‫الحالية ي‬
‫أميا”‪ .‬وعل رأيه فإنه “ل‬ ‫الرقمية ولغة الحاسوب ًّ‬ ‫ّ‬
‫منتجا اقتصاديًّا‬ ‫العاىل ً‬ ‫ي‬ ‫يكفي أن يكون تعليمنا‬
‫‪-‬ولنع�ف بأننا لم نحقق هذا بعد‪ -‬بل عليه أن‬ ‫ت‬
‫ومعرفيا مع عرص الصورة”‪.‬‬ ‫ًّ‬ ‫تقنيا‬
‫يتكيف ًّ‬ ‫َّ‬
‫نشدد فيه عل‬ ‫ف‬
‫هنا‪ ،‬ل َّبد ي� الوقت نفسه الذي ِّ‬
‫المكان‬ ‫توف� ش�وط إ‬ ‫الرقمية عل ي‬ ‫ّ‬ ‫قدرة الوسائط‬
‫تأث�ا‪ ،‬فإنه‬ ‫لفعاليات ش‬
‫ولشعاع أشد ي ً‬ ‫أك� صالحية إ‬
‫مع ذلك ل بد من التنبيه إىل عدم كفايتها ف ي� ظل‬
‫غياب دعم مالئم من مواقف تصدر عن تقويمات‬ ‫النالوجي المتطابق والواقع‪،‬‬ ‫مىص عهد الفن أ‬ ‫كان‪ .‬ف‬
‫ذات جدارة وقادرة عل رفع الرهانات‪ .‬ولهذا فنحن‬ ‫ودخلنا اليوم عالم ما بعد الفن‪ ،‬حيث التواطؤ‬
‫الكب�ة‬ ‫بالتحولت ي‬ ‫الريحا� إشادته‬ ‫ف‬ ‫نشارك يوسف‬ ‫مع الخواء وحيث عالقة المجتمع المعارص‬
‫ُّ‬ ‫ي‬
‫ف‬
‫عل مستوى فاعلية الوسائط ي� الوقت نفسه‬ ‫تواضعية تسمح بتعديل‬ ‫ّ‬ ‫الرقمية عالقة‬
‫ّ‬ ‫بالفنون‬
‫است�ادها‬ ‫الذي نؤكد فيه ل جدواها عندما يتم ي‬ ‫أ‬
‫وإعادة تشكيل النا والهوية باستمرار‪ .‬عل إنسان‬
‫وبالتاىل‬
‫ي‬ ‫كوسائط يغ� موسومة معياريًّا وفكريًّا‪،‬‬ ‫العرص أن يمتلك الجرأة لفقء عينيه التناظريّ ي ف‬
‫ت�‬
‫لم يتم تملكها واستيعابها ضمن خيارات ل تنبع‬ ‫رقميت�‪ ،‬وهو ما لن‬‫يف‬ ‫بدل عنهما ي ف‬
‫عين�‬ ‫يل�كِّب ً‬
‫منها هي بوصفها وسائط وإنَّما تصدر عن الجهة‬ ‫عاىل مالئم وممنهج‪،‬‬ ‫يستقيم إل من خالل تعليم ي‬
‫الرمزيّة الموظفة لها‪ .‬إذ من الواضح أنه غائب‬ ‫يتخذ من فنون الصورة تخصصات قائمة بذاتها‬
‫أن التقنية هي ليست‬ ‫الريحا� َّ‬ ‫ف‬ ‫عن ذهن يوسف‬ ‫سندا لتخصصات أخرى‪ ،‬غدت‬
‫ي‬ ‫ولذاتها‪ ،‬وليس ً‬
‫____________________________________________________________________________________________________________‬
‫الريحا�‪ ،‬فن البيداغوجيا وبيداغوجيا الفن؛ من الخطاب إىل التطبيق‪ ،‬البحث الفائز بالجائزة أ‬
‫الوىل خالل الدورة السابعة لجائزة الشارقة‬ ‫ف‬ ‫(‪ )7‬يوسف‬
‫أ‬ ‫ي‬
‫ديسم� ‪ ،2016‬ص‪.51-52‬‬
‫ب‬ ‫التشكيل‪ ،‬كانون الول‪/‬‬
‫ي‬ ‫للبحث النقدي‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪40‬‬
‫ت‬ ‫طا بعينه من‬ ‫تتلبس نم ً‬
‫ال�‬ ‫والمتيازات المتولدة عن ملكية المعلومة ي‬ ‫مجردة‪ ،‬ولكنها تقنية ّ‬
‫تقنية َّ‬
‫مهنية ما عل ذمة‬ ‫كانت تختص بها طوائف ّ‬ ‫تطور التقنية‬
‫فإن ُّ‬‫وبالتاىل َّ‬
‫ي‬ ‫العالقات الجتماعية‪،‬‬
‫الجميع‪ ،‬وهو ما يسمح بانبجاس أصوات كانت‬ ‫يعرض العالقة الجتماعية ‪-‬وما يصاحبها من‬ ‫ّ‬
‫مهمشة ف ي� قاع المجتمع وتموقعها ضمن السطح‬ ‫ّ‬ ‫نظام مراتب‪ -‬إىل التفكك وذلك مقابل مساعدتها‬
‫فإن‬ ‫أ‬ ‫عل قيام عالقات اجتماعية ورمزية جديدة؛ كما‬
‫المامي للمشهد الجتماعي العام؛ ومع ذلك َّ‬
‫يظل ف ي� شكله التجريدي‬ ‫هذا التحول التقديري ُّ‬ ‫ذاتيا وأنه‬
‫أن كل ذلك ل يتم ًّ‬ ‫يبدو أنه قد فاته ّ‬
‫الفضل‪ ،‬كما يبقى مفتوحا‬ ‫البحت مفتوحا عل أ‬ ‫ل بد لحسم اتِّجاهه نحو خيار دون آخر من‬
‫ً‬
‫السوأ؛ وحدها القوى المتصارعة تنجح �ف‬ ‫عل أ‬ ‫خالل تدخل القوى الجتماعية المتنافسة‪ ،‬ومن‬
‫ي‬
‫جليا‬ ‫مق�حاتها الرمزية وأنماط انتظامها‬‫خالل تعدديّة ت‬
‫المكانية أو تلك‪ .‬هكذا ي َّتضح ًّ‬ ‫ترجيح هذه إ‬
‫لتطور الوسائط التقنية‪ ،‬فات‬ ‫ف‬ ‫النالوجي للرقمي من شأنه‬ ‫الثقا� ‪ .‬فالمرور من أ‬
‫ف‬
‫أنه ي� غمرة حماسته ُّ‬ ‫ي‬
‫الريحا� التشديد عل خصوصية‬ ‫ي‬
‫ف‬ ‫كذلك يوسف‬ ‫أن يربك النخبويّة ألنه يجعل عد ًدا من الكفاءات‬
‫التعي� والمتعددة‬ ‫يف‬ ‫بالغة تلك النقلة المتضافرة‬
‫الرسم إىل ال َّتحريك‪ ،‬وما استتبعه‬ ‫الدللة من َّ‬
‫من قدرة عل استيعاب المسموع ضمن مقاييس‬
‫بالتحرر من مرجعية‬ ‫ُّ‬ ‫الكتا� ‪ .‬فهي لم تسمح فقط‬ ‫بي‬
‫النماذج ليتم استبدالها بمرجعية “الموجود ل‬
‫التعي�” (‪ ،)le quelconque‬بل سمحت‬ ‫يف‬ ‫عل‬
‫كذلك بالنفتاح عل الرهافة وعل اللزاجة‪،‬‬
‫تاليا بالنفاذ للحميمي عل نحو‬ ‫وهو ما يسمح ً‬
‫التصورات‪.‬‬ ‫أ‬
‫مقصورا عل الفكار وعل‬ ‫ك ّنا نخاله‬
‫ُّ‬ ‫ً‬
‫هكذا سمحت الوسائط الجديدة بتقليص الفارق‬
‫وب�‬‫ب� تداول المعلومة (‪ )communication‬ي ف‬ ‫يف‬
‫والعيا� (‪،)transmission‬‬ ‫ف‬ ‫التصال الحضوري‬
‫ي‬
‫وهو الفارق الذي يحجبه فرط تصدير المهارة‬
‫الريحا� ‪.‬‬ ‫ف‬ ‫عل الرهافة كما هو الشأن مع يوسف‬
‫ي‬
‫دائما ضمن منظور‬ ‫التق� يتم ً‬ ‫التطور ف‬ ‫ُّ‬ ‫أن‬
‫ذلك َّ‬
‫ي‬
‫التق� لتجويد‬ ‫ت‬
‫سابق عليه‪ ،‬ولذلك يأ� التطوير ف‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫أداء خيار سابق عليه‪.‬‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪41‬‬

‫معضالت تاريخ َّ‬


‫التشكيل العربي المعاصر‬
‫فن المهجر في ضوء العولمة‬
‫بنيونس عميروش‪ /‬المغرب‬

‫طبيعة كل من هذه الكتابات‪ ،‬وبخاصة‪ ،‬تلك‬ ‫أساسا‬


‫ً‬ ‫مطلبا‬
‫ً‬ ‫العر�‬
‫بي‬ ‫َظ َّلت الكتابة حول الفن‬
‫والتأط� والتأريخ‪ ،‬طبقًا لما‬
‫ي‬ ‫المؤثرة ف ي� التحليل‬ ‫العربية‬
‫ّ‬ ‫التشكيلية‬
‫ّ‬ ‫عل امتداد مسارات التجارب‬
‫يتناوله نقد الفن ونظرية الفن وفلسفة الفن‪/‬‬ ‫بأهمية الخطابات المواكبة للممارسة‬ ‫ّ‬ ‫منذ وعيها‬
‫الجماليات وتاريخ الفن‪ ،‬وهي الحقول المعرفية‬ ‫التطبيقية‪ ،‬عل اختالف أنواعها‪ ،‬من الكتابات‬
‫ال� تتجاور‪ ،‬بقدر ما تتقاطع فيما بينها‪،‬‬ ‫ت‬ ‫الصح ِف َّية والنصوص التقديمية والنقدية إىل‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫بحيث يصعب تحديد طبيعة الكتابة ف� ي ف‬
‫أحاي�‬ ‫وغ�ها‪.‬‬ ‫الدراسات والمقاربات والبحوث النظرية ي‬
‫ي‬
‫الف� الذي يتضمن‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫القالم‬ ‫المر الذي يدعونا إىل التنويه بكافة أ‬ ‫أ‬
‫كث�ة‪ ،‬وبخاصة يب� النقد ي‬ ‫ي‬
‫التشكيل ومنعطفاته‬‫ي‬ ‫التعب�‬
‫ي‬ ‫وس ي ْ�‬
‫خصوصية َ‬ ‫جهدا ف ي� المتابعة والتعريف‬ ‫ال� لم تدخر ً‬ ‫ت‬
‫العربية ي‬
‫ّ‬
‫ف‬ ‫الم َحفِّزة وخلق الجدل‬ ‫أ‬
‫جانبا من التأريخ)‪ ،‬وتاريخ‬‫يع� ً‬ ‫ومراحله (ما ي‬ ‫والتوجيه وإثارة السئلة ُ‬
‫الفن الذي يعتمد معلومات واستنتاجات النقد‬ ‫التشكيلية والبرصيّة‪ ،‬بحسب‬ ‫ّ‬ ‫ون� المعارف‬ ‫الب ّناء ش‬
‫يث� بعض اللتباس‪ .‬ففي مقابل‬ ‫الف�‪ ،‬وهذا ما ي‬ ‫ف‬ ‫مختلف التخصصات والخلفيات المعرفية‪ ،‬من‬
‫ي‬
‫ندرة الدراسات المص ّنفة ف ي� تخصص تاريخ الفن‬ ‫يف‬
‫وباحث�‬ ‫يف‬
‫وجمالي�‬ ‫يف‬
‫وفنان� ونقاد وأدباء‬ ‫يف‬
‫صحفي�‬
‫العر� الحديث والمعارص‪ ،‬يمكن أن نحصل‬ ‫بالمكان الجمع ي ف‬
‫ب�‬ ‫إجمال‪ .‬وإذا كان إ‬ ‫ً‬ ‫يف‬
‫ومهتم�‬
‫بي‬
‫أك�‪.‬‬ ‫ف‬
‫عل معطيات تاريخية � الدراسات النقدية ش‬
‫ي‬ ‫هذه الكتابات ف ي� دائرة الثقافة الفنية وأَ َد ِبياتها‬
‫العر�‬ ‫َّ‬ ‫بشكل عام‪ ،‬فإن أ‬
‫دائما‬ ‫ولعل ذلك ما يجعل تاريخ الفن ب ي‬ ‫المر يدفعنا لتبيان وتصنيف‬
‫(‪)1‬‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪42‬‬

‫الجناس‬ ‫ال شن�وبولوجيا (علم أ‬ ‫المختلفة مع أ‬ ‫والتقىص‬ ‫ال�تيب والدقة‬‫ف� حاجة إىل المزيد من ت‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫الب�ية)‪ ،‬بينما تمتد دراسة الفنون الشعبية إىل‬ ‫ش‬ ‫ضمن ما تقتضيه المؤهالت العلمية لمؤرخ الفن‬
‫يتع� استحضار مبادئ‬ ‫علم الجتماع(‪ ،)2‬كما ي َّ ف‬ ‫بالمع� الحقيقي‪ ،‬خاصة وقد تضاعفت رقعة‬ ‫ف‬
‫الحىس ‪.‬‬ ‫الدراك‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ي‬ ‫علم النفس ي� دراسة عمليات إ‬ ‫ال� لحقت طبيعة‬ ‫الغموض مع المستجدات ي‬
‫ناهيك عن مسائل التحليل الراديوغر فا� أ‬
‫لاللوان‬ ‫إن كان عل مستوى‬ ‫ف‬
‫ي‬ ‫التعب� ي� ضوء العولمة‪ْ ،‬‬
‫ي‬
‫والمواد وما يتطلبه من معدات تكنولوجية‬ ‫ف‬
‫طبيعة “الفن” الراهن ي� حد ذاته‪ ،‬أو عل صعيد‬
‫“علما من‬‫ً‬ ‫يعت� تاريخ الفن‬ ‫خاصة‪ .‬من ثم ب‬ ‫“الخطاب” (‪ )Discours‬المرافق له‪.‬‬
‫البي َنة وليس مسألة‬‫العلوم‪ ،‬له قواعده وطرائقه ِّ‬
‫تخم�” كما يعرفُه مارك روكسل(‪� .)3‬ف‬ ‫حدس أو ي ف‬ ‫مداخل تاريخ الفن‬
‫ي‬ ‫ُ َ ِّ‬
‫الرصف‪ ،‬يقوم‬ ‫ال�وع ت‬ ‫وبعيدا عن ف ف‬ ‫يف‬ ‫ف‬
‫الذا� َّ‬
‫ي‬ ‫ً‬ ‫ح�‪،‬‬ ‫الف� من حيث‬ ‫ويحدد العمل ي‬ ‫ِّ‬ ‫يدرس تاريخ الفن‬
‫تاريخ الفن عل منطق ترابط آراء وأحكام مختلف‬ ‫ت‬
‫الحقبة والتصنيف وال�تيب والتبويب والمصدر‬
‫الف� (محافظو المتاحف‪،‬‬ ‫ف‬ ‫ف ف‬
‫المتدخل� ي� الشأن ي‬ ‫ي‬ ‫والتفس�‬
‫ي‬ ‫والتحول‬
‫ُّ‬ ‫والسياق والنتماء والتقنية‬
‫مدراء الروقة‪ُ ،‬ج ّماع ‪ ،Collectionneurs‬ق َِّيمون‬ ‫أ‬ ‫يف‬
‫والتمي� والمحتوى‬ ‫والمقارنة والتحقيق والفصل‬
‫‪ ،Curateurs‬صحفيو الفن‪ ،)...‬ومن بينهم‪،‬‬ ‫والحكم‪ ،‬ما يح ِّتم عل مؤرخ‬ ‫النجاز ُ‬ ‫وطريقة إ‬
‫بالساس‪ ،‬نقاد الفن الذين يقوم عملهم بدوره‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫حد ما‪ ،‬لنه مطالب‪،‬‬ ‫ناقدا إىل ٍّ‬ ‫الفن أن يكون ً‬
‫الدوات والمجالت المعرفية الموصولة‬ ‫عل تلك أ‬ ‫كث�ة‪ ،‬بتوضيح كيفيات تطور أعمال‬ ‫ف� ي ف‬
‫أحاي� ي‬ ‫ي‬
‫بخ�ة مؤرخ الفن‪ ،‬بما فيها النظريات الجمالية‬ ‫ب‬ ‫الفنان من مرحلة إىل أخرى ومن زوايا مختلفة‬
‫ال� ترتبط بالفلسفة عامة‪ ،‬فيما يتوغل جوهرها‬ ‫ت‬ ‫والسناد‬ ‫ب� الموضوع والتقنية والمواد إ‬ ‫تتوزع ي ف‬
‫ي‬
‫المتخصص ف ي� أصول النقد‪.‬‬ ‫وغ�ها من الجوانب‪ ،‬فيما يمكن أن‬ ‫أ‬
‫والسلوب ي‬
‫يتناول بالنقد مجموع نتاج الفنان الواحد ف ي�‬
‫الفن المعاصر ومشكلة المعيار‬ ‫اتجاه تقديم تحليله الذي يصيغ من خالله حكمه‬
‫بناء عل ما سبق‪ ،‬نالمس جسامة المعرفة‬ ‫مج�ا‬
‫الخاص‪ .‬ويجد ُم ْمتهن تاريخ الفن نفسه ب ً‬
‫ال� يقوم عليها تاريخ الفن الذي‬‫ت‬ ‫الح� الذي ي َّ ف‬ ‫عل اعتماد علم الجمال‪ ،‬ف� ي ف‬
‫وطرق التقدير ي‬ ‫يتع�‬ ‫ي‬
‫التبدل‬
‫ومعقدا أمام مجال شديد ُّ‬
‫ً‬ ‫يبدو بطي ًئا‬ ‫التعب�‬‫ي‬ ‫عليه دراسة منظومة الذوق وقواعد‬
‫أ‬
‫الكث� من العمال الفنية ظلت‬ ‫ت‬ ‫معي َن ي ْ ف� ‪ .‬من جهة‬
‫إن ي‬ ‫والتطور‪ ،‬ح� َّ‬
‫ُّ‬ ‫المخصوصة ببيئة وعرص َّ‬
‫باستمرار موضوع مراجعة للمزيد من المعاينة‬ ‫فإن دراسة الفنون القديمة تستوجب‬ ‫أخرى‪َّ ،‬‬
‫ت‬
‫ال�‬ ‫آ‬
‫والكتشاف عل الرغم من الستنتاجات ي‬ ‫التوسل بقواعد علم الثار‪ ،‬فيما تتداخل دراسة‬
‫تم التوصل إليها من لدن مؤرخي الفن‪ ،‬بحيث‬ ‫الفنون البدائية ودراسة مقارنة فنون الثقافات‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪43‬‬

‫لتب ُّرص جديد باستمرار‪.‬‬ ‫الف� ً‬ ‫ف‬


‫فإن صحافة‬ ‫مقابل ضيق الطالع من جانبنا‪َّ ،‬‬ ‫قابال َ‬ ‫يبقى العمل ي‬
‫الفنان� العرب بالخارج (بما فيها‬ ‫يف‬ ‫بلدان إقامة‬ ‫وإذا كان عرص الرقمنة ‪ Digitalisation‬قد‬
‫غالبا ما تُكتب عن أعمالهم‬ ‫المقاربات النقدية)‪ً ،‬‬ ‫اليكونوغر ف يا�‬ ‫وفَّر لمؤرخ اليوم سيولة التوثيق إ‬
‫ف‬ ‫أ‬
‫وأنشطتهم الفنية‪ .‬ولكن الهم ي� هذا المقام‪،‬‬ ‫بإمكانياته الهائلة ف ي� المعالجة والجودة بخالف‬
‫هو كيف تقَيم وترى الصحافة أ‬ ‫فإن‬
‫الوروبية أعمال‬ ‫ُ ِّ‬ ‫أسالفه القدامى (ما قبل الفوتوغرافيا)‪َّ ،‬‬
‫أن ما يُ ْن َعت‬ ‫يف‬
‫الفنان� المهاجرين؟ ِع ْلما َّ‬ ‫هؤلء‬ ‫الفن الراهن الموسوم ِبـ”المعارص” والموازي‬
‫يش�‬ ‫ف‬ ‫ي�ع‬ ‫“الالفن”‪ ،‬ف ف‬‫ِلـ”ما بعد الحداثة”‪َ ،‬بم ْي ِله نحو ّ‬
‫غالبا ما ي‬‫بالـ”فن” ي� مفهوم تاريخ الفنون‪ً ،‬‬
‫الغر�‪ ،‬كما‬ ‫ف‬ ‫إىل النفالت من المعيار الواضح كما هو الشأن‬
‫إىل تاريخ الفنون المعتمد ي� العالم ب ي‬
‫“كي� زايلمانس” ‪( Kitty Zijlmans‬أستاذة‬ ‫ت‬
‫توضح ي‬ ‫الكالسيك والحديث‪ ،‬باعتبار الفن‬ ‫ي‬ ‫ف ي� الف َّن ي ْ ف�‬
‫تاريخ ونظرية فن العرص الحديث ف ي� جامعة‬ ‫يق�حه الفنان‬ ‫المعارص يتجاوز الموضوع الذي ت‬
‫عربيا ف ي�‬
‫ع� فنانًا ًّ‬ ‫لث� ش‬ ‫ف‬
‫ليدن) بصدد معرض ي‬ ‫يعت� ف ًّنا وفق التمثل‬ ‫ويتحدد كـلعب عل ما ب‬ ‫َّ‬
‫“ناتاىل إينيك”‪ ،‬ما‬ ‫ي‬ ‫السائد والمألوف كما ترى‬
‫اتبية القيم‬ ‫يجعل مسألة الحكم والتقويم وتر ّ‬
‫ف ي� دائرة التباس قصوى‪ ،‬وعليه يتساءل “مارك‬
‫نق�ح‬ ‫جيمينيس”‪ ،Marc Jimenes‬ماذا يمكن أن ت‬
‫ليق�ح‬ ‫المعاي� الجمالية؟ ت‬
‫ي‬ ‫من حلول أمام انهيار‬
‫المعاي� القديمة‪ ،‬أو إحالل التم ُّتع‬ ‫ي‬ ‫ّإما ترميم‬
‫والتلقا� محل الحكم والتقويم‬ ‫أ‬ ‫ش‬
‫المبا�‬ ‫الجماىل‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫معاي� جديدة ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫الال ِز َم ي ْ�‪ ،‬أو البحث عن ي‬ ‫ف‬ ‫ّ‬

‫موقف تاريخ الفن من فن المهجر‬


‫ف ي� محاولة توثيق ومتابعة ودراسة مسار الفنون‬
‫س� آليات‬ ‫عموما ضمن تَ ْي ي‬
‫ً‬ ‫العربية‬
‫ّ‬ ‫التشكيلية‬
‫ّ‬
‫غالبا ما‬
‫العر�‪ً ،‬‬
‫تسلس ّلية لتاريخ الفن ب ي‬
‫ُ‬ ‫وحلقات‬
‫يف‬
‫التشكيلي�‬ ‫ف‬
‫ل نأخذ ي� الحسبان تجارب أولئك‬
‫المقيم� ف ي� مختلف بقاع العالم‪ ،‬وهم‬
‫يف‬ ‫العرب‬
‫يقدمون فن المهجر بع� معارض فردية أو جماعية‬ ‫ِّ‬
‫أ‬
‫ف ي� القطار الوروبية عل وجه الخصوص‪ .‬ففي‬ ‫أ‬
‫كيتي زايلمانس‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪44‬‬

‫الثقا�‪ ،‬وذلك إىل أن اشتد النتقاد‬ ‫ي‬


‫ف‬ ‫والستعمار‬ ‫روتردام سنة ‪ ،2001‬حيث ثار جدل ف ي� الصحافة‬
‫مع بروز اتجاهات مثل ‪Cultural Studies‬‬ ‫الهولندية حول قيمة هذا الفن وموقعه ف ي�‬
‫الما�‪ ،‬ليضعف‬ ‫ي‬
‫ف‬ ‫ف ي� مطلع تسعينات القرن‬ ‫الك�ى‪ّ .‬أما ف ي� الحالت‬ ‫إطار رواية تاريخ الفنون ب‬
‫الهتمام بمفاهيم تاريخ الفنون ف ي� اتجاه‬ ‫الغر�” تقرن بتاريخ‬ ‫“غ�‬ ‫أ‬
‫بي‬ ‫فإن صفة ي‬ ‫الخرى َّ‬
‫الوصول إىل التشكيالت الماتحتية للمجموعات‬ ‫الفنون‪ .‬وتضيف ف ي� السياق ذاته‪ ،‬أننا “لم نجد‬
‫ال�‬ ‫ت‬ ‫الخرى‬ ‫حال لذلك‪ ،‬فمرة تلو أ‬ ‫الن ًّ‬‫ح� آ‬ ‫ف� هولندا ت‬
‫الكيفية ي‬ ‫ّ‬ ‫تحديدا إىل‬ ‫ً‬ ‫ويتوجه البحث‬ ‫َّ‬ ‫الثقافية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫الثقافية والجتماعية‪ ،‬فيما امتد‬ ‫تُ فب� بها الهويات‬ ‫أ‬
‫تنظم ندوات ومناظرات يكون فيها فن الجانب‬
‫ّ‬
‫خ� بع� ‪Studies Multicultural‬‬ ‫أ‬ ‫أو فن المهاجرين موضو ًعا للنقاش‪ ،‬فتوضع‬
‫هذا التجاه ال ي‬
‫ال� ي ف‬ ‫ال� تنطلق من التعددية الثقافية‪ ،‬ليتم ت‬ ‫ت‬ ‫جن� أو‬ ‫أ‬ ‫ف‬
‫ك�‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫الهجرة والعولمة ي� كومة واحدة‪ .‬ففن ال ب ي‬
‫معا عل أسلوب المعالجة‬ ‫التجاه ي ْ ف� ً‬ ‫َ‬ ‫من ِقبل‬ ‫المهاجر غريب غرابة الفن التقليدي‪ ،‬من أفريقيا‬
‫الثقافية‪ .‬وعليه أصبح‬ ‫الجتماعية والن�وبولوجيا‬ ‫ت‬ ‫أ‬ ‫الجيال يجب‬ ‫وآسيا وأم�كا الالتينية‪ .‬ترى كم من أ‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫أجن�؟ من الواضح‬ ‫ت‬
‫تطور نظريات نقد جديدة‪ ،‬لكن‬ ‫بالمكان مالمسة ُّ‬ ‫إ‬ ‫أن تمر ح� يصبح المرء يغ� ب ي‬
‫دورا‬ ‫إذن أن أ‬
‫المعاي� القديمة‪ ،‬ولم‬ ‫ي‬ ‫مع إخضاعها للمالءمة مع‬ ‫والخلفية سيظالن يلعبان ً‬ ‫ّ‬ ‫الصل‬ ‫َّ‬
‫دور العرق والطبقة والجذر‬ ‫ُيعد يتم التوجه إىل ْ‬ ‫حاسما” ‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫ً‬
‫ف ي� الممارسات الجتماعية مع ‪،Visual Studies‬‬ ‫أوروبيا عل‬ ‫ًّ‬ ‫ظل علم تاريخ الفنون شأنًا‬ ‫َّ‬
‫وإنَّما إىل مقاربة برصية متكاملة‪ ،‬أي إىل النتاج‬ ‫أم�كا الشمالية‬ ‫العموم‪ ،‬إىل أن َّتمت إضافة ي‬
‫الع�ين باعتبارها‬ ‫خ� من القرن ش‬ ‫أ‬ ‫ف‬
‫البرصي بأوسع معاينة بموازاة الدراسة النقدية‬ ‫ي� العقد ال ي‬
‫العالم ونظرياتها كالفوتوغرافيا‬ ‫لتاريخ وسائل إ‬ ‫جديرة بمباحث تاريخ الفنون بع� اعتماد الفكر‬
‫وغ�ها ‪.‬‬
‫(‪)6‬‬
‫والفيديو ووسائط التصال ي‬ ‫حدا� ف ي� الوليات المتحدة‪،‬‬ ‫ي‬
‫ش‬ ‫نىس ما بعد‬ ‫الفر ي‬
‫من َّثم‪ ،‬يرى “راشيد أرين” ‪Rasheed Araeen‬‬ ‫التغي� من خالل انتقاد‬ ‫ما ساهم ي� إبراز أوجه‬ ‫ف‬
‫ي‬
‫ف� ومؤسس المجلة النقدية‬ ‫ف‬
‫(فنان وناقد ي‬ ‫المقاربات الثابتة‪ ،‬وتوجيه دراسات تاريخ الفنون‬
‫أن المشكلة تتمثل ف ي�‬ ‫إنجل�ا َّ‬‫ت‬ ‫“‪ )”ThirdText‬ف ي�‬ ‫الىسء الذي دفع‬ ‫ش‬
‫مضام� الفن الجتماعية‪ ،‬ي‬
‫يف‬ ‫نحو‬
‫كون مفهوم الفن وتاريخه ما زال ُسكو ِن َّي ي ْ ف�‪،‬‬ ‫حركة ‪ New Art History‬نحو نقل مركز الثقل إىل‬
‫يع�ون فن المناطق‬ ‫المضمون الجتماعي وإىل البحث أ‬
‫مما جعل مؤرخي الفن ل ي‬ ‫ّ‬ ‫اليديولوجي‪،‬‬
‫اهتماما فقط‪ ،‬وإنَّما‬ ‫ً‬ ‫الثقافية‬
‫ّ‬ ‫والمجموعات‬ ‫أي إىل أشكال القوة الجتماعية ومن هناك إىل‬
‫يسعون إىل تذويت تاريخ الفن الحديث كله‪،‬‬ ‫النفىس والهوية‬ ‫والنثوية والتحليل‬ ‫السياسة أ‬
‫ي‬
‫الف� المعارص‬ ‫ف‬
‫لذلك يحمل مجال التخصص ي‬ ‫والتنظ�‪ ،‬فيما تم انتقاد موقف الغرب‬ ‫ي‬ ‫الثقافية‬
‫ّ‬
‫غر�‪ ،‬ويعتقد‬ ‫مسؤولية تحديد هذا الفن عل أنه ب ي‬ ‫الست�اق‬‫ش‬ ‫الغر� الذي انتهى إىل‬ ‫بي‬ ‫من يغ�‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪45‬‬

‫فنحن نعرف أنه تغذّ ى بعنارص من حضارات‬ ‫الفنان� من أنحاء العالم كافة‬ ‫يف‬ ‫بأن عدم تواجد‬ ‫َّ‬
‫ً‬ ‫و� مؤسساتنا التعليمية عائد إىل عدم‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫أشكال‬ ‫حقبا وثقافات محددة خلقت‬ ‫وأن ً‬ ‫أخرى‪َّ ،‬‬ ‫ي� ثقافتنا ي‬
‫ف‬
‫ال� ظهرت ي� القرن‬ ‫ت‬ ‫أ‬ ‫اعتبارهم جز ًءا من التيار الرئيس لتاريخ الفن‪،‬‬
‫فنية سبقت الشكال الفنية ي‬
‫الفنان� الثْني ف� آ‬
‫أن الحركة الحديثة منذ ولدتها‬ ‫الع�ين‪ ،‬يغ� َّ‬ ‫ش‬ ‫(الخرين)‬ ‫ي ف إ ِ ّي‬ ‫فتاريخ الفن ل يهمل‬
‫دولية‪ ،‬وباستثناء بعض‬ ‫آ‬
‫حسب‪ ،‬بل ينكر كذلك الدور الذي لعبه الخرون‬
‫أظهرت نفسها عل أنها ّ‬
‫يف‬ ‫أ‬ ‫إن هذا الفن ما كان‬ ‫ف‬
‫الغر� الحديث لم‬ ‫فإن الفن ب ي‬ ‫المعزول�‪َّ ،‬‬ ‫الفراد‬ ‫ي� مأسسة الفن الحديث‪َّ .‬‬
‫ف‬ ‫ت ف‬ ‫أن‬ ‫آ‬
‫الف� (المعارض‬ ‫متحمسا ليع�ف ي� نظامه ي‬ ‫ً‬ ‫يكن‬ ‫ليكون ما هو عليه لول دور الخرين‪ ،‬يغ� َّ‬
‫والمجالت والمتاحف والمجموعات) بمجموعات‬ ‫هذا الدور تم إنكاره بفضاضة(‪ .)7‬ونجد ف ي� رأي‬
‫اي�“‬‫ف‬ ‫ف‬
‫معارصة وحركات من ثقافات أخرى‪ ،‬و”تضيف‬ ‫“طو� مار ي‬
‫ي‬ ‫اليطالية‬
‫مشابه‪ ،‬مؤرخة الفن إ‬
‫نع� به‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫‪ )Toni Maraini )1989‬ي� سياق حديثها عن‬
‫الغر� ي‬‫اي�”‪ ،‬عندما نذكر يغ� ب ي‬ ‫طو� مار ي‬ ‫ي‬
‫لفنا� الغرب المعارصين من أمثال‬ ‫ف‬ ‫أن الفن الحديث‬ ‫المغر� تؤكد َّ‬ ‫التشكيل‬ ‫الفن‬
‫مصدر إلهام ي‬ ‫بي‬ ‫ي‬
‫تش� ت‬ ‫ف‬
‫“كي� زايلمانس”‪،‬‬ ‫ي‬ ‫“بيكاسو” و”كالي”(‪ .)8‬ي‬ ‫ولد ي� الغرب‪ ،‬يغ� أنه ليس غ َْر ًّبيا بشكل خاص‪،‬‬
‫ف ي� المقابل‪ ،‬إىل أطلس “جون أونيانس” ‪John‬‬
‫‪ Onians‬الموسوم ِبـ‪Atlas of World Art‬‬
‫الصادر ف ي� ‪ ،2004‬ضمن القيام بمحاولت‬
‫لمقاربة تاريخ الفن من منطلق إطار عولمي‪،‬‬
‫الف� العالمي منذ‬ ‫ف‬
‫لالنتاج ي‬ ‫بتقديم نظرة شاملة إ‬
‫أيضا إىل كتاب‬ ‫ما قبل التاريخ ت آ‬
‫تش� ً‬ ‫ح� الن‪ .‬كما ي‬
‫“دافيد سامرس” ‪ David Summers‬بعنوان‪:‬‬
‫‪World Art History and the Rise of Western‬‬
‫‪ Modernism‬الصادر ف ي� ‪ ،2003‬كر ّد فعل عل‬
‫التاريخية‬ ‫ال� واجهها “سامرس” من فئات‬ ‫ت‬
‫ّ‬ ‫القيود ي‬
‫أن الصناعة الفنية ف ي�‬ ‫الغربية‪ ،‬لتخلص إىل َّ‬ ‫ّ‬ ‫الفنية‬
‫ّ‬
‫الع�ين‪ ،‬لم تقترص عل الغرب فقط‪،‬‬ ‫القرن ش‬
‫الن فعلينا أخذ الصناعة العالمية كنقطة‬ ‫أما آ‬
‫ّ‬
‫انطالق لكتابة تاريخ الفنون والوصول إىل تواريخ‬
‫منطقية ومتعددة الثقافات(‪.)9‬‬ ‫ّ‬ ‫للفنون‪ ،‬تواريخ‬
‫“كي� زايلمانس”‪ :‬هل يمكننا‬ ‫ت‬
‫ومن َّثم‪ ،‬تتساءل ي‬
‫طوني مارايني‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪46‬‬

‫تع�ض تدوين‬ ‫ال� قد ت‬ ‫ت‬


‫هذه بعض المعضالت ي‬
‫العر� بالمفاتيح‬ ‫بي‬ ‫ورسم خريطة التشكيل‬
‫الرصورية والوضوح والدقة المطلوبَ ي ْ ف�‪ ،‬خاصة‬ ‫ف‬
‫العر� المعارص ف ي� المهجر أضحى داخل‬ ‫وأن الفن ب ي‬ ‫َّ‬
‫الكو�‪،‬‬ ‫ف‬ ‫بوتقة الندماج والتماهي مع السياق‬
‫ي‬
‫فبدوره يطالب بتفعيل مكانته داخل الخطاب‬
‫المعارص حول الفن‪ ،‬ما يستدعي النكباب عل‬
‫وفرضياته‬ ‫ّ‬ ‫تصور نقدي لمنجزه الموصول بقلقه‬ ‫ُّ‬
‫المعلنة والمضمرة‪ ،‬ي� عالم أصبح فيه الفن‬ ‫ف‬
‫ال� تغذي‬ ‫ت‬ ‫يف‬
‫بقوان� العولمة القتصادية ي‬ ‫موج ًها‬‫َّ‬
‫التأث� ِبـ”الفن الجديد” وطرق تقديمه‬ ‫ي‬ ‫تنامي‬
‫وترويجه‪ ،‬طبقا ِلـ”ولدة نسق اقتصادي قوي‬
‫منى حاطوم‬
‫الثقافية والفنية”(‪،)12‬‬ ‫ّ‬ ‫مك ّلف بإدارة الممارسات‬
‫يف‬
‫والالجئ�‬ ‫الفنان� العرب المهاجرين‬ ‫يف‬ ‫ما يجعل‬
‫قريب� من ش�وط التعب� البرصي الرائجة �ف‬ ‫يف‬ ‫الغر� حقًّا عندما ل نكون عل‬ ‫تقييم الفن يغ� ب ي‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫الم َت َم ْو ِقعة ف ي� العواصم‬ ‫العالم‪ ،‬ومن سوق الفن ُ‬ ‫الثقافية‪ ،‬وهل‬
‫ّ‬ ‫التشكيل‬
‫ي‬ ‫معرفة بخلفية الفنان‬
‫ت‬
‫(باريس‪ ،‬بروكسيل‪ ،‬مدريد‪ ،‬أمس�دام‪ ،‬لندن‪،‬‬ ‫ننصف هذا الفن عندما يتم فحصه بالمعيار‬
‫السماء‬ ‫روما‪ ،‬نيويورك‪ .)...‬لذلك نجد أبرز أ‬ ‫الحالت� نكون قد ابتعدنا عن‬ ‫يف‬ ‫الغر�؟ ف ي� ِك ْل ت َ ي�‬
‫بي‬
‫ش�‬ ‫أ‬ ‫الهدف‪ .‬وينطبق هذا اللتباس بوجه خاص عل‬
‫الم َم ِّثلة للفن المعارص مقيمة بالخارج‪ ،‬ل ي‬ ‫ُ‬
‫الفلسطينية‬
‫ّ‬ ‫‪-‬عل سبيل المثال ل الحرص‪ -‬إىل‬ ‫الثقافية المختلفة‬ ‫ّ‬ ‫الفنان المعارص ذي الخلفية‬
‫إنجل�ا (لندن)‪ ،‬والعرا�ت‬ ‫فم� حاطوم المقيمة ف� ت‬ ‫وأل يبدع‬ ‫الثقا� ّ‬ ‫ف‬ ‫الذي ّإما عليه أن بي�ز ارتباطه‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫أم�كا (نيويورك)‪،‬‬ ‫ف‬
‫السودا� المقيم ي� ي‬ ‫ي‬
‫ف‬ ‫أحمد‬ ‫غر� ألنه بذلك قد وضع نفسه خارج‬ ‫ف ًّنا يغ� ب ي‬
‫من� الفاطمي‬ ‫والمغْ ِر ِب َّي ي ْ ف� ي‬ ‫والجزائري قادر عطية َ‬ ‫حاليا‪ ،‬أو أن تلصق به صفة التابع‬ ‫الفن المقبول ًّ‬
‫المقيم� جميعهم بفرنسا‪ .‬ولنا‬ ‫يف‬ ‫ومحمد الباز‬ ‫للغر� وبذلك نصل إىل النتيجة نفسها(‪ ،)10‬ومن‬ ‫بي‬
‫الفنان� العرب (عراقيون‬ ‫يف‬ ‫نتصور مدى عدد‬ ‫َّ‬ ‫أن‬ ‫أن بإمكاننا وضع عالمات‬ ‫تش� إىل َّ‬‫جهة أخرى ي‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫استفهام حول مقاييس الجودة مثل الصالة‪،‬‬
‫وسوريون بالدرجة الوىل) الذين وجدوا أنفسهم‬
‫مضطرين إىل مغادرة وطنهم للبحث عن سبل‬ ‫التعب�يّة والتجديد‬ ‫ي‬ ‫والتقان والقوة‬ ‫بداعية إ‬ ‫وال ّ‬ ‫إ‬
‫إنشاء مراسيمهم ف ي� بلدان لجوئهم بأوروبا‬ ‫بتح�(‪.)11‬‬ ‫عندما صيغت هذه المقاييس ي ُّ ف‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪47‬‬

‫بابلو بيكاسو‬

‫ت‬
‫كي� زايلمانس‪“ ،‬تاريخ الفنون والخطاب حول العولمة”‪،‬‬ ‫التحول الذي طرأ‬ ‫نتصور مدى‬ ‫وأم�كا‪ ،‬كما لنا أن‬
‫(‪ )5‬ي‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ي‬
‫كاتالوغ معرض المغرب‪ :‬الفن المعارص والديزاين ‪،2005‬‬ ‫مثال من‬
‫(‪)13‬‬
‫عل الفن السوري الحديث والمعارص ً‬
‫متحف فنون العالم بروتردام‪ ،‬هولندا‪ ،‬تنظيم‪ :‬متحف‬ ‫وم ْن ِت َجة بالخارج‪ ،‬بعد سنة‬ ‫خالل تك ُّتالت فاعلة ُ‬
‫فنون العالم بروتردام ووزارة الثقافة المغربية‪ ،‬شباط‪/‬‬
‫العر�”‪.‬‬
‫‪ ،2011‬تاريخ اندلع حركات “الربيع ب ي‬
‫بف�اير ‪ 2005-‬أيار‪ /‬ماي ‪ ،2006‬ص‪.80‬‬
‫(‪ ،Ibid )6‬ص‪.79‬‬
‫(‪Ibid )7‬‬ ‫الهــوامش‬
‫العر� المعارص‬ ‫ف‬
‫(‪Ibid )8‬‬ ‫(‪ )1‬ي� هذا الصدد‪ ،‬انظر أسعد عر ب يا�‪“ ،‬الفن ب ي‬
‫(‪ ،Ibid )9‬ص‪.78‬‬ ‫العربية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫مع� الحداثة ف ي� اللوحة‬
‫تاريخ لم يكتب بعد!”‪ ،‬ف‬
‫(‪ ،Ibid )10‬ص‪.80‬‬ ‫نينوي للدراسات ش‬
‫والن� والتوزيع‪.2006 ،‬‬
‫مع� تاريخ الفن‪ ،‬ترجمة‪ :‬فخري خليل‪،‬‬ ‫(‪ )2‬مارك روسكل‪ ،‬ف‬
‫(‪ ،Ibid )11‬ص‪.78‬‬
‫يف‬
‫جيمين�‪ ،Op- Cit ،‬ص‪.424‬‬ ‫(‪ )12‬مارك‬ ‫والن�‪ ،‬يب�وت‪ ،‬ص‪.12-13‬‬ ‫العربية للدراسات ش‬
‫ّ‬ ‫المؤسسة‬
‫(‪ )13‬لالطالع‪ ،‬انظر مقالنا‪“ :‬بعض تجليات الهجرة واللجوء‬ ‫(‪ ،Ibid )3‬ص‪.7‬‬
‫ف� الفن التشكيل السوري الراهن”‪ ،‬مجلة ذوات ت‬ ‫جيمين�‪ ،‬ما الجمالية؟ ترجمة‪ :‬ش�بل داغر‪،‬‬ ‫يف‬ ‫(‪ )4‬مارك‬
‫(إلك�ونية)‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ت‬
‫العربية لل�جمة‪ ،‬يب�وت‪ ،‬ص‪.428‬‬ ‫المنظمة‬
‫ت‪/2‬نون� ‪.2016‬‬
‫ب‬ ‫ع‪،30‬‬ ‫ّ‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪48‬‬

‫العربية‬
‫ّ‬ ‫إشكالية المؤ ّلفات‬
‫ّ‬
‫عن الفنون البصر ّية‬
‫ياسر جاد‪ /‬مصر‬

‫ت‬ ‫غالبيتنا تلك الفجوة الناشئة ي ف‬


‫ال�‬
‫وغ�ها من العلوم ي‬ ‫بعلوم كالتاريخ والجمال ي‬ ‫ب� حجم‬ ‫نكر َّ‬ ‫َل ْن يُ َ‬
‫تعمل عل إلقاء الضوء عل الفنون باعتبارها‬ ‫الحالية‬
‫ّ‬ ‫العربية‬
‫ّ‬ ‫ما تشغله الفنون البرصيّة‬
‫الب�ي الذي يسهم بشكل‬ ‫عنرصا ف ي� المنجز ش‬ ‫ف‬
‫ح� ي� الواقع‬ ‫ومنجزها الحديث والمتواضع من ي ِّ ف‬
‫ً‬
‫ف‬ ‫العر� بالمقارنة مع تاريخها‬ ‫ف‬
‫أيضا‬
‫رئيس ي� تكامل تلك العلوم‪ .‬كما أنَّنا ل ننكر ً‬ ‫الثقا� والجتماعي ب ي‬ ‫ي‬
‫العربية إىل ذلك المؤ ّلف النوعي‬ ‫ّ‬ ‫افتقار المكتبة‬ ‫وحضارتها الضاربة ف ي� جذور الزمن‪ ،‬والذي أراه ما‬
‫المندرج تحت مصطلح الفنون بشكل عام‬ ‫وب� المؤلف‬ ‫كب�ة من جهة‪ ،‬ي ف‬ ‫زال محدو ًدا بدرجة ي‬
‫الرغم من استحواذ‬ ‫والتشكيل بشكل خاص‪ ،‬عل ّ‬ ‫التخصصية‬
‫ّ‬ ‫العر� النوعي صاحب الصفة‬ ‫بي‬
‫السد من جغرافيا‬ ‫الرقعة العربية عل نصيب أ‬ ‫ومعاي�‬ ‫والمنهجية‪ ،‬والذي يتناولها وفق أسس‬
‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ّ‬
‫د� القديم وما زخر به من حضارات‬ ‫ال ف‬ ‫ال�ق أ‬ ‫ش‬ ‫وبالتاىل فأجده يعكس حقيقة إدراك‬ ‫محددة‪،‬‬
‫ي‬ ‫َّ‬
‫الف� ف ي� الفنون‬‫ف‬
‫عجت بنفائس المنجز ي‬ ‫قديمة َّ‬ ‫وغرضية الفنون‬ ‫ّ‬ ‫لماهية‬
‫ّ‬ ‫العر� الحاىل‬ ‫بي‬ ‫واقعنا‬
‫دليال عل أحد محاور‬ ‫والعمارة؛ واللتان م َّثلتا ً‬ ‫ف‬
‫البرصيّة بشكل عام‪ ،‬ي� كونها أحد صنوف‬
‫الب� ّي الرئيسة‪.‬‬ ‫الر� ش‬ ‫ت‬ ‫والنسانية المهمة والمفصلية‬ ‫الب�ية إ‬ ‫النشاطات ش‬
‫يّ‬
‫الغر� ت‬ ‫ف‬
‫الم� َجم‬ ‫غالبيتنا يب� المؤ َّلف ب ي‬ ‫وقد يخلط ّ‬ ‫من جهة أخرى‪.‬‬
‫يف‬ ‫أن هناك من‬ ‫الرغم من َّ‬
‫لمثقف� ل‬ ‫بمقدمات‬
‫ّ‬ ‫العربية والمدعوم‬ ‫ّ‬ ‫إىل‬ ‫تبقى الفجوة قائمة عل ّ‬
‫ف‬ ‫العربية ذات العالقة والرتباط‬ ‫الفنية‬
‫العر�‪،‬‬
‫الثقافية ي� الواقع ب ي‬ ‫ّ‬ ‫نختلف عل قيمتهم‬ ‫ّ‬ ‫المؤلفات ّ‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪49‬‬

‫العربية‪ ،‬ول فلسفات طرح‬ ‫بإشكاليات الحياة‬ ‫المبا�ة‬ ‫ش‬ ‫الصيل ذي العالقة‬ ‫وب� المؤ َّلف العر� أ‬ ‫يف‬
‫ّ‬ ‫بي‬
‫ملحة‪ ،‬ول لغة برصيّة ناتجة عن اختالط‬ ‫عربية ّ‬ ‫ّ‬ ‫حقيقية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫بما ينجزه العرب من أطروحات برصيّة‬
‫فلسفية ووجهات نظر‬ ‫ّ‬ ‫عنارص برصيّة وأبجديّات‬ ‫التشكيل‬
‫ي‬ ‫كما وقع معظمنا ف ي� فخ التناول للمنجز‬
‫كث� من‬ ‫والمه�ئ عل ي‬ ‫ت‬ ‫مهمومة بواقعنا المعارص‬ ‫العر� بشكل عام عل خلفية مرجعيات‬ ‫بي‬
‫التشكيلية‬ ‫الصعدة‪ ،‬ول توجد إدارة للحركات‬ ‫أ‬ ‫وأيدلوجيات وفلسفات ذات عالقة بالمجتمع‬
‫ّ‬
‫وثقا� ينمو‬ ‫ف‬
‫العربية الحديثة والمعارصة قادرة عل وضع‬ ‫ّ‬ ‫الغر� بكل ما فيه من واقع اجتماعي ي‬ ‫بي‬
‫أ‬ ‫يضم عادات وتقاليد ومفاهيم‬ ‫ف ي� تسارع من َّ‬
‫قص�ة ومتوسطة وطويلة الجل‪،‬‬ ‫نوعية ي‬ ‫سياسات ّ‬ ‫ظم‪ّ ،‬‬
‫الف�‬ ‫وواعية بأهمية وغرض وفاعلية الفعل ف‬ ‫ونظريات لتلك المجتمعات المتقدمة‪ ،‬فبات‬
‫ي‬
‫والبرصي‪ ،‬ومدى أهميته باعتباره أحد حلول‬ ‫العر� ف ي� تقييمه ره ًنا بتلك‬ ‫بي‬ ‫التشكيل‬
‫ي‬ ‫المنجز‬
‫العر�‪ ،‬وقدرته عل نفض غبار‬ ‫إصالح مجتمعنا ب ي‬ ‫والسقاطات والفلسفات والمفاهيم‬ ‫القياسات إ‬
‫زمن غيبوبته الطويلة‪ ،‬وإنعاش جسده العجوز‬ ‫والمعاي�‪ ،‬وأصبحنا نؤصل لفنوننا‬ ‫والسس‬ ‫أ‬
‫ي‬
‫وال�‬ ‫ت‬
‫المشوه لرسمه وجسمه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ترهله‬ ‫وإزالة ُّ‬ ‫البرصيّة عل تلك الخلفيات المستوردة ي‬
‫عر� للفن الحديث‬ ‫كيف نبحث عن مؤلف ب ي‬ ‫تحجج بعضهم‬ ‫مبا�ة‪ ،‬وإن َّ‬ ‫ل تمت لنا بصلة ش‬
‫والمعارص ف ي� الوقت الذي لم يكن له مقومات‬ ‫إنسانيةً بحتة‪ ،‬وهو ما أجده عب ًثا‬ ‫َّ‬ ‫صالت‬ ‫ٍ‬ ‫بكونها‬
‫أ‬ ‫إن‬ ‫ً‬
‫الرغم من وجود الفنان‬ ‫الوجود من الصل؟ وعل ّ‬ ‫وجاهال تار ًة أخرى‪َّ .‬‬ ‫متبجحا تارةً‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وتفاخرا‬
‫ً‬ ‫وريا ًء‬
‫المح�م والمنجز البرصي‬ ‫ت‬ ‫العر� ذي الطرح‬ ‫التح� لالصول من صنف العنرصيّة المحمودة‬ ‫أ‬ ‫ي ُّ ف‬
‫بي‬
‫تشكيلية‬ ‫الرص� والصيل‪ّ ،‬إل أننا ل نملك حركة‬ ‫أ‬ ‫يف‬ ‫الصل‬ ‫وسيبقى ما بقيت الحياة‪ ،‬والنحياز إىل أ‬
‫ّ‬
‫حقيقية‪ ،‬ول مؤسسات رعاية ذات سياسات‬ ‫ّ‬ ‫عربية‬‫ّ‬ ‫واقع ل ريب فيه‪ ،‬ومغازلة الغرب ف ي� الفعل‬
‫العر�‪ ،‬فقد ننخدع ببنايات لمتاحف‬ ‫خادمة للفن ب ي‬ ‫أبدا لن تجعلنا عل قدم المساواة معه‪،‬‬ ‫البرصي ً‬
‫العربية‪ ،‬وقد تأخذ‬ ‫ّ‬ ‫حديثة مبهرة ف ي� بعض البلدان‬ ‫كطارح� ومنجزين‬ ‫يف‬ ‫بصورة ما‬
‫ٍ‬ ‫ح� وإن ِقب َل بنا‬ ‫ت‬
‫وف� ‪.‬‬ ‫ٍّ ف‬
‫أعيننا بعض الفعاليات الهيكلية المزيفة عقيمة‬ ‫ّ‬ ‫برصي ي‬ ‫لشكل‬ ‫ٍ‬
‫ت‬ ‫شكالية وهو‬ ‫ف‬
‫وال� تذيَّل بمفردة (الدولية)‪ .‬وقد ننجرف‬ ‫الطرح ي‬ ‫ال ّ‬ ‫ولكن يبقى السؤال الرئيس ي� تلك إ‬
‫تر�‬ ‫وال� ل ت‬ ‫ت‬ ‫كيف يكون هناك مؤلف فف� وتشكيل عر� �ف‬
‫الربحية ي‬
‫ّ‬ ‫مع بعض تلك المؤسسات‬ ‫ي بي ي‬ ‫ي‬
‫الفنية الواعية بالفعل‬ ‫غالبيتها لقيمة المؤسسة ّ‬ ‫تشكيلية‬‫ّ‬ ‫واقعنا المعارص؟ كيف ول توجد حياة‬
‫المؤسىس ذي الطبيعة التنمويّة والداعمــة للفن‬ ‫ف‬
‫حقيقية‪ ،‬ول مؤسسات ذات طموح ي� تهيئة‬
‫ي‬
‫ف‬
‫والفنان�‪ ،‬بل ظلت قابعة ي� منطقة السم�ة‬ ‫يف‬ ‫المناخات المناسبة لوجود مثل هذا الحراك‪،‬‬
‫العر�‬
‫التجارية والستخدام (الستغالل) للفنان ب ي‬ ‫وسياسات ثقافية تتناسب مع طبيعة مجتمعاتنا‬
‫جل ما يوجد هو عينات‬ ‫فإن َّ‬ ‫كسلعة مادية‪ .‬وبذا َّ‬ ‫فنية فاعلة ومهمومة‬ ‫وماهيتها‪ ،‬ول حركات ّ‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪50‬‬

‫نظرا ألولويات المجتمعات‬ ‫العر�‪ً ،‬‬ ‫ي� المجتمع ب ي‬


‫ف‬ ‫ف� معدودة‪ ،‬تخدم عد ًدا محدو ًدا‬ ‫ف‬
‫فعل وعمل ي‬
‫وال� كانت‬ ‫ت‬
‫السياس ي‬ ‫ي‬ ‫العربية ف ي� الستقرار والتحرر‬ ‫ّ‬ ‫قت� من ِق َبل‬ ‫فنا� العرب لتهيئتهم كسلعة تُ ف‬ ‫ف‬
‫من ي‬
‫ت‬ ‫ت‬ ‫أ‬ ‫أيضا‪ ،‬والذي يغلب عل‬
‫الهم ال بك� ح� ف�ة الخمسينات من القرن‬ ‫جامعي الفن وهم قلة ً‬
‫الع�ين‪ .‬ولقد تبع ذلك ترسيخ للعديد من‬ ‫ش‬ ‫أ‬
‫الكث� منهم تواضع الثقافة‪ ،‬ودافعهم الول‬ ‫ي‬
‫واست�اد‬‫ي‬ ‫المفاهيم وتبديل للعادات والموروثات‬ ‫الغ�ة والستحواذ‪.‬‬
‫لالقتناء هو ي‬
‫ت‬ ‫أ‬ ‫عربية‬
‫وال� أ َّدت بالتاىل‬ ‫لحزمة من الفكار المستغربة ي‬ ‫والوقوف عل سبب عدم وجود كتابة ّ‬
‫العربية)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إىل العبث ببطء ونظام ف ي� (الهوية‬ ‫حقيقية عن الفنون الحديثة والمعارصة بشكل‬ ‫ّ‬
‫عر�‬ ‫ف‬
‫فقدت هذه الهوية العديد من مظاهرها وسماتها‬ ‫ف� ب ي‬ ‫الرغم من وجود منجز ي‬ ‫عام‪ ،‬عل ّ‬
‫بحجج العولمة والمعارصة والحداثة‪.‬‬ ‫الرغم من وجود أطروحات‬ ‫وقيم‪ ،‬وعل ّ‬ ‫ملموس ّ‬
‫شكالية‬
‫ال ّ‬ ‫إنشائية الحديث حول تلك إ‬ ‫ّ‬ ‫وبعيدا عن‬ ‫ً‬ ‫برصيّة ذات قيمة وأبعاد فلسفية ومفاهيمية‪،‬‬
‫وال� بال شك هي‬ ‫ت‬ ‫فنان� ذوي تجارب حقيقية‪ ،‬تعود إىل‬ ‫ووجود ي ف‬
‫نسبيا‪ ،‬ي‬ ‫القص� ًّ‬‫ي‬ ‫وسببها وتاريخها‬
‫وال� ل‬ ‫ت‬ ‫الزمة ف ي� الفكر‬ ‫نتاج أ‬ ‫السباب عل أصعدة مختلفة؛ وهذه‬ ‫العديد من أ‬
‫العر�‪ ،‬ي‬ ‫التشكيل ب ي‬ ‫ي‬
‫العربية سواء‬ ‫الزمات‬‫تختلف كث�ا عن إشكاليات أ‬ ‫السباب سواء أكانت عامة سياسة أو اجتماعية‬ ‫أ‬
‫ّ‬ ‫يً‬
‫أكانت السياسية أو القتصادية‪ ،‬فلنذهب لهذا‬ ‫أو فكرية أو عقائدية‪ ،‬أو خاصة بإدارة الفنون‪،‬‬
‫إن الحالة‬ ‫ف‬
‫الحاىل الذي يسعى‪ ،‬سواء أكان عن جهل‬ ‫ي‬ ‫الواقع‬ ‫شكالية‪َّ .‬‬
‫ال ّ‬ ‫أجدها حجر زاوية ي� تلك إ‬
‫أو عن عمد‪ ،‬إىل تضليل سفينة الفنون البرصيّة‬ ‫والتأث� بالمجتمعات‬ ‫ي‬ ‫السياسية الدائمة العصف‬
‫العربية الحديثة والمعارصة ف ي� بحثها عن مرفأ‬ ‫وال� بال‬ ‫ت‬ ‫أ‬
‫ّ‬ ‫عد واحدة من السباب المهمة ي‬ ‫العربية تُ ُّ‬
‫ّ‬
‫ف‬
‫مما قد تبديه تلك الحال من‬ ‫تل�سو‪ .‬وعل الرغم ّ‬ ‫فنية‬ ‫كب� ي� تأخر وجود حركات ّ‬ ‫شك أثَّرت بشكل ي‬
‫محاولت ف ي� إبراز الواقع عل يغ� حقيقته‪ ،‬وإظهار‬ ‫حديثة ومعارصة ت َّتسم بالقوة والستقرار والتنامي‬
‫أجد� ف ي�‬ ‫ي‬
‫ف‬ ‫تطور يغ� حقيقي عل أرض الواقع‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫إشكاليتنا سوى أننا ل نملك‬ ‫ف‬
‫سببا ي�‬
‫ّ‬ ‫طرحي ل أجد ً‬
‫العربية‪ .‬وأننا‬ ‫ّ‬ ‫حقيقيا إلدارة الفنون البرصيّة‬ ‫ًّ‬ ‫فكرا‬ ‫ً‬
‫ل نملك م�وعات فكرية قومية إلدارة الفنون‬ ‫ش‬
‫الرغم‬ ‫ف‬
‫العر� المعارص‪ ،‬عل ّ‬ ‫البرصيّة ي� الواقع ب ي‬
‫المور من وجود أكاديميات دراسية‬ ‫مما آلت إليه أ‬
‫ّ‬
‫بعض منها إىل قرن‬ ‫فنية متخصصة يصل عمر ٍ‬ ‫ّ‬
‫التمي� يب�ف‬ ‫يف‬ ‫من الزمان‪ .‬كما أننا ل نستطيع‬
‫رسميا (الدولة) أو‬ ‫المؤسىس سواء أكان ًّ‬ ‫الم�وع‬ ‫ش‬
‫ي‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪51‬‬

‫وال�‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫أهليا (المؤسسات الخاصة) والمنفتح عل تهيئة‬


‫التنمية ي� الحجر‪ ،‬وستخلق تلك ال�اكمية ي‬ ‫ًّ‬
‫المعاي� الراقية‪ ،‬وتأخذ‬ ‫ي‬ ‫ستصبغ مجتمعاتنا بتلك‬ ‫الم�وع الذا�ت‬ ‫وب� ش‬ ‫المناخ لحراك حقيقي‪ ،‬ي ف‬
‫ي‬
‫عل كاهلها توثيق الحارص بتفاصيله كصفحة‬ ‫ف‬ ‫المنغلق عل خدمة شخوص بعينهم ف ي� إطار‬
‫من صفحات كتب تاريخ الفن‪ ،‬وستصل من‬ ‫كب� ي ف‬
‫ب�‬ ‫استهالك وتجاري وربحي بحت‪ .‬فالفارق ي‬ ‫ي‬
‫الصول‬ ‫خالل تربية النشء المقطوع من جسور أ‬ ‫وع� كليهما‪ ،‬وهو ما أجده حجر الزاوية �ف‬ ‫الم� ي ف‬ ‫ش‬
‫ي‬
‫دائما إىل تطويرها وليس بالكتفاء‬ ‫وال� نسعى ً‬ ‫ت‬ ‫عربية مهمومة‬ ‫إشكاليتنا عن أزمة وجود كتابات ّ‬
‫ي‬
‫الصل من‬ ‫بالجلوس أمامها وتقديسها‪ ،‬وستحمي أ‬ ‫العربية ف ي� عمومها‪ ،‬وما‬ ‫بقضية الفنون البرصيّة‬
‫ّ‬
‫التفس� والعبث بماهيته‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ال�ييف وسوء‬ ‫تف‬ ‫يتفرع منها من فلسفات ووجهات نظر‪ ،‬وأهداف‬ ‫َّ‬
‫ّأما المشاريع (الذاتية) وهي بيت القصيد ف ي�‬ ‫وأغراض وهموم وإشكاليات يجب أن تف ّند‬
‫التشكيل‬ ‫الف�‪/‬‬‫ف‬ ‫ف‬ ‫الخذ ف ي�‬ ‫وتبحث وفق الهوية العربية‪ .‬وينبغي أ‬
‫ي‬ ‫و� ما آل إليه المشهد ي‬ ‫إشكاليتنا ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العر�‪ ،‬فهي حالة من حالت الخواء والتفريغ‬ ‫بي‬ ‫العتبار بمعطيات العرص وأدواته وآلياته‪ ،‬ولكن‬
‫أيضا استماتة‬ ‫للمضام� الفكرية والفلسفية‪ .‬وهي ً‬ ‫يف‬ ‫تع� عن‬ ‫مم�ة ب ِّ‬ ‫عربية ي ف‬
‫مع الحفاظ عل صبغة ّ‬
‫ال�كة‬ ‫الغر� ت‬ ‫ف‬ ‫العربية المكتظة بعنارص نوعية مفتقدة‬ ‫ماهيتنا‬
‫لس�ضائه ليمنح ب‬ ‫ي� مغازلة الفكر ب ي‬ ‫ّ‬
‫الف� إذا ما َّتمت صياغته‬ ‫ف‬
‫وليج� الفعل ي‬
‫يف‬ ‫والمباركة‬ ‫ف ي� مجتمعات عديدة‪.‬‬
‫وفق مرجعياته وأيديولوجياته‪ .‬إنها البوابات‬ ‫(المؤسسية) للدول هي مشاريع‬ ‫ّ‬ ‫فالمشاريع‬
‫ف‬ ‫ف‬ ‫لتوجه‬ ‫أ‬
‫توجه عام طويل المد يخضع‬
‫والف�‬‫ي‬ ‫الثقا�‬
‫ي‬ ‫الخلفية لما أسميه “الستعمار‬ ‫ُّ‬ ‫ذات ُّ‬
‫أدل عل ذلك‬ ‫التعب�‪ .‬ول ّ‬ ‫ي‬ ‫والفكري” إن جاز‬ ‫عام يستهدف تثقيف المجتمع فكريًّا وبرصيًّا‪،‬‬
‫غربية‬ ‫فنية ّ‬ ‫الوضع من حالت التقديس لتيارات ّ‬ ‫ويحدث التوازن الفكري مع المستورد من فكر‬
‫الفجة من ِق َبل بعض‬ ‫البواب عل‬ ‫وصور سلعية مستهلكة‪ ،‬ويغلق أ‬
‫بعينها وحالت القتباس ّ‬ ‫ّ‬
‫أ‬
‫أوروبي�‪ .‬ولكن ال شك�‬ ‫يف‬ ‫يف‬
‫لمبدع�‬ ‫الفنان� العرب‬ ‫يف‬ ‫الخ�اق الفكرية والمفاهيمية وال�ت‬ ‫ت‬ ‫محاولت‬
‫ي‬
‫فنيا‪،‬‬ ‫الغربية‪.‬‬ ‫ف‬
‫الثقا�‬ ‫أمطرتنا بها مؤسسات التمويل‬
‫قي ًما ًّ‬ ‫تبج ًحا هو موقف هذا الذي نسميه ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬
‫أ‬ ‫أيضا آليات وإمكانات‬
‫وهو بعيد كل البعد عن الهلية لتلك الوظيفة‪،‬‬ ‫ويمتلك هذا التوجه ً‬
‫الف� ف ي� أوروبا هو ذلك الشخص الواعى‬ ‫ف‬
‫فالقيم ي‬ ‫ِّ‬ ‫مؤسسية‪ ،‬ول يهدف إىل تنمية (الحجر)‬ ‫ّ‬
‫برصيًّا وفنيا وفكريًّا ومفاهيميا بالعمل الف�ف‬ ‫والثقا� فيه ‪-‬وإن كان ل يغفله‪-‬‬ ‫ف‬ ‫الف�‬‫ف‬
‫ي‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ي‬ ‫والستثمار ي‬
‫بحرفية‪.‬‬ ‫التأث� ي� المبدع‬ ‫ف‬ ‫(الب�)‪ ،‬وهو ما يخلق‬ ‫جنبا إىل جنب مع تنمية ش‬
‫ّ‬ ‫وقيمته ويمتلك مهارات ي‬ ‫ً‬
‫القيم القدرة عل تحليل العمل‬ ‫كما يمتلك ِّ‬ ‫مجتمعا ذا وعي وثقافة فكريّة وبرصيّة قادرة عل‬ ‫ً‬
‫الفنية والتقنية والمفاهيمية‬ ‫الوجه‬ ‫الف� من أ‬ ‫ف‬ ‫تغي� الباطن المجتمعي قبل ظاهره‪ .‬فالتنمية‬
‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ال� ستحفظ‬ ‫ت‬ ‫ف ش‬
‫التنظ� عليه وإحداث‬ ‫ي‬ ‫كافة‪ ،‬بل ويمتلك مهارات‬ ‫ي� الب� هي مستدامة فاعلة وهي ي‬
‫الكتابة العرب ّية عن الفن‬
‫‪52‬‬

‫تأث� ف ي� مجتمعاتها ولها‬ ‫فاعلة ومتفاعلة وذات ي‬ ‫القيم إىل تلك‬ ‫وب� نظرائه‪ .‬ويضيف ِّ‬ ‫المقارنة بينه ي ف‬
‫الهمية ف ي� إشكالتها‪ ،‬ولكنها تزيد تلك الحالة‬ ‫أ‬ ‫المهارات الجانب التسويقي بكل عنارصه بد ًءا من‬
‫ف‬ ‫مرورا بتفاعالت‬ ‫ف‬
‫العر�‪ ،‬وتزيد من حالة‬ ‫من اللتباس ي� واقعنا ب ي‬ ‫الف� ومكانه‪ً ،‬‬ ‫تصميم العرض ي‬
‫استغراب الفن الحديث والمعارص لدى المتلقي‬ ‫التسع�‬‫ي‬ ‫وصول إىل عمليات‬ ‫ً‬ ‫المتلق� معه‪،‬‬‫يف‬
‫حارصا ف ي� المشهد‬ ‫ً‬
‫العر� ‪ .‬المتلقي الذي ربما يكون ف‬
‫بي‬ ‫المثل‪ .‬ويختتم ذلك الدور‬ ‫وقنوات القتناء ُ‬
‫الف� هو‬ ‫ف‬
‫الستهالك العالمي بقوة‪ ،‬ولكنه بالتأكيد غائب‬ ‫ي‬ ‫فالقيم ي‬ ‫التوثيقية‪ِّ .‬‬
‫ّ‬ ‫المهم بتلك الذاكرة‬
‫والتشكيل بشكل واضح‪ ،‬ول‬ ‫ف‬
‫الثقا�‬ ‫عن المشهد‬ ‫والخط�ة وال�ت‬ ‫َمن يدير تلك العملية الحساسة‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫الثم�‪ ،‬وهو ما‬ ‫يستطيع تمحيص الغث فيه من ي ف‬ ‫تسهم ف ي� تشكيل الذوق العام وتنمية الفكر‬
‫العر�” يرتع ف ي� هذا‬ ‫الف� ب ي‬
‫ف‬
‫“القيم ي‬ ‫جعل ما نسميه ِّ‬ ‫والمفهوم‪.‬‬
‫المشهد دون خجل‪ ،‬فهو يراهن بكونه يتحدث‬ ‫الحاىل‪ ،‬فيشهد هذا التآكل‬ ‫ي‬ ‫العر�‬
‫بي‬ ‫ّأما واقعنا‬
‫لغة ل يقف عل دللتها سوى نخبة‪.‬‬ ‫ممن يطلق عل نفسه‬ ‫وتلك الركاكة من العديد َّ‬
‫ف‬ ‫المدعون‬ ‫ف‬
‫وأخ�ا هناك ذلك التناول النقدي ي� الواقع‬ ‫يً‬ ‫ف�)‪ ،‬ويشكل معظم هؤلء َّ‬ ‫(قيم ي‬ ‫لقب ِّ‬
‫عربية‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫واحدا‬
‫ً‬ ‫العر� الحديث والمعارص‪ ،‬والذي يُ ُّ‬
‫عد‬ ‫بي‬ ‫أحد أهم السباب ي� عدم وجود كتابات ّ‬
‫شكالية البرصيّة بشكل عام‪ .‬وعل‬ ‫ال ّ‬ ‫من أسباب إ‬ ‫عن الفن‪ ،‬فجهلهم بجوهر مفردة (الفن) وقيمته‬
‫الرغم من وجود العديد من الكتاب والنقاد‬ ‫ال بك�‪ ،‬فالمنتج‬ ‫وغرضه وتنميته هو شبحهم أ‬
‫ّ‬
‫والمنظرين الجيدين والجديرين بمثل تلك‬ ‫الف� البرصي ومبدعه ل يمثالن لغالبيتهم سوى‬ ‫ف‬
‫ي‬
‫الشكالية ومدى ما تعانيه‬ ‫والمدرك� لتلك إ‬ ‫يف‬ ‫المهام‬ ‫سلعة‪ ،‬ووجود تلك السلعة هو المحرك الرئيس‬
‫ف‬ ‫أن‬
‫مر سنوات القرن‬ ‫المدون عل ّ‬ ‫َّ‬ ‫من فقر ي� منجزها‬ ‫ويالحظ َّ‬ ‫لمضخة المال والسم�ة والعمولت‪َ .‬‬ ‫ّ‬
‫المنرصم‪ ،‬إل أننا نجدهم يعانون من معضالت‬ ‫المهنة المدعاة قد نقلت العديد منهم نقالت‬
‫وت�ز من تلك المعوقات ندرة دعمه‬ ‫الن�‪ .‬ب‬ ‫ش‬ ‫اجتماعية نوعية سواء أكانت عل المستوى‬
‫والدعا�‪ ،‬وقلة قنوات طرحه سواء أكانت‬ ‫أ‬ ‫المادي‬ ‫المادي أو عل المستوى الوظيفي أو عل مستوى‬
‫ي‬
‫ال�ول‬ ‫أكاديميا بشكل تربوي يطمح إىل ف ف‬ ‫ًّ‬ ‫الموظفة‬ ‫التأث� ف ي� اتخاذ القرار‪،‬‬ ‫تشعب العالقات ذات ي‬ ‫ُّ‬
‫أ‬ ‫بعض‬
‫ساس‪،‬‬‫بمنهجية مدروسة إىل مراحل التعليم ال ي‬ ‫ّ‬ ‫الذي أصبح يفصل عل طموح وأحالم ٍ‬
‫ويأخذها متصاعدا نحو المراحل الالحقة أ‬
‫والك�ش‬ ‫الط� ب ّلة هو ذلك الوهم‬ ‫منهم‪ .‬ولكن ما زاد ي ف‬
‫ً‬
‫وعيا‪ ،‬أو تلك المصدرة والمستهدفة للعوام من‬ ‫ً‬ ‫ف ي� صناعة أشباه النجوم عل حساب العديد من‬
‫العر� والهادفة إىل إثراء الثقافة‬ ‫والطروحات البرصيّة الجيدة والهادفة‬ ‫التجارب أ‬
‫أفراد المجتمع ب ي‬
‫العر� عل‬ ‫بي‬ ‫والفنية لدى المجتمع‬ ‫ّ‬ ‫البرصيّة‬ ‫تحت مظلة فنون الحداثة وما بعدها‪ ،‬ليأتوا لنا‬
‫المكونة لقوامه‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫الجتماعية‬
‫ّ‬ ‫اختالف ش�ائحه‬ ‫بأعمال تنتمي أليديولوجيات أجنبية قد تكون‬
‫دراسات‬
‫‪53‬‬

‫االتصالي” ويوتيبيا ِّ‬


‫االتصال‪..‬‬ ‫“الكائن ِّ‬
‫الكونية‬
‫ّ‬ ‫أسطورة القرية‬
‫د‪ .‬بن الطالب دحماني‪ /‬المغرب‬

‫الب�ي؛ يقول “فيليب بريتون”‪:‬‬ ‫مثيل ف ي� التاريخ ش‬ ‫ِم ْن تأليف “فيليب بريتون” وترجمة حسن إياس‬
‫مكرس بالكامل‬ ‫النسان عل أنه كائن َّ‬ ‫“إن تقديم إ‬ ‫َّ‬ ‫َص َد َر عن دار الينابيع كتاب “يوتيبيا التِّصال‪:‬‬
‫لالتِّصال وخاضع لطغيان الصورة‪ ،‬صورته هو‪،‬‬ ‫الكونية”؛ وهو كتاب يقع ف ي� ‪228‬‬
‫ّ‬ ‫أسطورة القرية‬
‫تقدمها له الميديا‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫صفحة من الحجم المتوسط‪ ،‬مقسم إىل ي ف‬
‫قسم�‬
‫ال� ِّ‬‫و� الوقت نفسه تلك ي‬ ‫ي‬
‫مسيطرا بشكل واسع‪ .‬يتم كل يوم شن�‬ ‫أصبح‬ ‫الول بعنوان “نشأة المفهوم الحديث‬ ‫كب�ين؛ أ‬
‫ً‬ ‫ي‬
‫سي� ف يا�‬
‫كوكبية عل شكل فضاء ب‬ ‫فانتازم قرية‬ ‫الق َيم وصعود‬‫والثا� بعنوان “أزمة ِ‬ ‫ف‬ ‫لالتِّصال”‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫تقدم الطرائق ال�يعة للمعطيات شديدة‬ ‫خلف ُّ‬ ‫اليوتيبيا”‪.‬‬
‫الميدياتية”‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يرى “فيليب بريتون” ضمن مقدمة كتابه هذا‬
‫أ‬
‫ف ي� القسم ال َّول من هذا الكتاب يتساءل المؤلف‬ ‫أن مجموعة من العلماء الذين كانوا وراء ثورة‬ ‫َّ‬
‫العالمية‬ ‫ال� حصلت بعيد الحرب‬ ‫ت‬
‫بالقول‪ :‬لماذا تضفي مجتمعاتنا منذ منتصف‬ ‫ّ‬ ‫التِّصالت ي‬
‫الع�ين هذا القدر من أ‬ ‫ش‬ ‫النسان؛‬
‫الهمية عل‬ ‫القرن‬ ‫الثانية عملوا عل تكريس نمط جديد من إ‬
‫التصال؟ ف� الوقت الذي نرى فيه أن من آ‬ ‫النسان‬
‫الثار‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫ِّ‬ ‫المس� من الخارج‪ ،‬أي إ‬ ‫ي َّ‬ ‫النسان‬‫هو إ‬
‫السيئة لتمجيد مجتمع التِّصال بالوسائل كافّة‬ ‫ِّ‬ ‫المنفعل الذي ي َّتصف بتعامله مع المعلومة‬
‫ال� سنستخلصها‬ ‫ت‬
‫الحقيقية ي‬
‫ّ‬ ‫جعلنا نخ� الفائدة‬ ‫ويك� فيها‬‫يقل فيها الحتكاك ش‬ ‫ف ي� أجواء مغلقة ّ‬
‫أن لهذه اليوتيبيا‬ ‫أيضا َّ‬ ‫من وسائل التِّصال‪ .‬ويرى ً‬ ‫بالتاىل يوتيبيا التِّصال‪ ،‬فنحن‬
‫التِّصال‪ ،‬فتتحقَّق ي‬
‫مالمح حداثة كاذبة‪ ،‬وهي تظهر بعض سمات‬ ‫اليوم نعيش ف ي� مجتمع تأكّدت فيه سلطة الميديا‬
‫وأن وجود التقنيات ف ي� حياتنا‬ ‫بشدة‪َّ .‬‬ ‫محافظة ّ‬ ‫واحتكارها شبه الكامل للمعلومة بشكل ليس له‬
‫دراسات‬
‫‪54‬‬

‫ه�وشيما وناكاز ياك‪ ،‬ف ي� هذه الظروف‬ ‫ف ُرصبت بهما ي‬ ‫وأن الحداثة‬ ‫بديهية للحداثة‪َّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫اليومية ليس عالمة‬ ‫ّ‬
‫أن هذه‬ ‫سياسية‪ ،‬وبعد ذلك‬ ‫ف‬
‫الحقيقية تكون ي� البدء‬
‫ظهرت يوتيبيا التِّصال الجديدة‪ ،‬ويرى َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ف‬ ‫تقنية‪.‬‬
‫مثاىل‪،‬‬
‫اليوتيبيا تظهر ي� ثالثة مستويات‪ :‬مجتمع ي‬ ‫تكون ّ‬
‫ف‬
‫وال�ويج‬‫لالنسان‪ ،‬ت َّ‬ ‫أن�بولوجي آخر إ‬ ‫وتعريف ش‬ ‫أن‬
‫أيضا يرى “فيليب بريتون” َّ‬ ‫و� هذا القسم ً‬ ‫ي‬
‫وست�كّز هذه المستويات‬ ‫لالتِّصال بوصفه قيمة‪ .‬ت‬ ‫الب�‪ ،‬لكن‬ ‫مجتمع التصال ليس له أعداء من ش‬
‫يع� أنه ل يتعارض من أجل بقائه مع‬ ‫ف‬
‫نىس‬
‫“ال ي ّ‬
‫حول ثيمة إنسان جديد يسميه المؤلف إ‬ ‫ذلك ل ي‬
‫صاىل”‪.‬‬
‫التِّ ي‬ ‫تظل يوتيبيا التِّصال عل‬ ‫تهدده‪ .‬إذن‪ّ ،‬‬ ‫عوامل ِّ‬
‫عدو هذه‬ ‫سء يوتيبيا رصاع؛ ّ‬ ‫ش‬
‫الجديد الذي يخرج من أنقاض‬ ‫َ‬ ‫نسان‬
‫ال َ‬ ‫إن إ‬ ‫َّ‬ ‫الرغم من كل ي‬ ‫ّ‬
‫مس� من‬‫إنسان ي َّ ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫الع�ين هو‬ ‫منتصف القرن ش‬ ‫الضجيج‬ ‫اليوتيبيا الجديدة هو ما أسماه الكاتب َّ‬
‫الخارج‪ ،‬يحصل عل طاقته وعل مادته الحية‬ ‫التأث�‪ ،‬بل يكاد‬ ‫“ال تن�وبيا” وهو عدو ليس عديم ي‬ ‫إ‬
‫ليس من خصاله الداخلية آ‬ ‫وإن النتقال الحر‬
‫التية من أعماقه‬ ‫ّ‬ ‫بالسيطرة عل العالم‪َّ ،‬‬ ‫يهدد َّ‬‫ِّ‬
‫هو‪ ،‬إنَّما من قدرته كفرد موصول مع “أنظمة‬ ‫للمعلومة وحده يسمح باحتوائه‪.‬‬
‫أن فكرة‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫اتِّصال واسعة” عل تجميع المعلومة ومعالجتها‬ ‫الثا�‪ ،‬يرى “فيليب بريتون” َّ‬ ‫ي� القسم ي‬
‫لك يعيش‪.‬‬ ‫ت‬ ‫مجتمع التِّصال انبثقت خالل اضطرابات‬
‫ال� يحتاجها ي‬‫وتحليلها‪ ،‬تلك المعلومة ي‬
‫مس�ا من الداخل‪ ،‬ولم ُيعد‬ ‫وكونه لم ُيعد ي َّ ً‬ ‫أدق ف ي�‬ ‫الع�ين‪ ،‬وبتحديد ّ‬ ‫ش‬ ‫منتصف القرن‬
‫وعية الفعل أو القرار من خالل‬ ‫م� ّ‬ ‫يبحث عن ش‬ ‫تحول‬ ‫العام ‪1942‬؛ وهو التاريخ الذي وسم ُّ‬
‫نها� ‪� .‬ف‬ ‫أ‬
‫فإن‬
‫داخل‪َّ ،‬‬ ‫ي‬ ‫داخل أو تناغم‬
‫ي‬ ‫توافقه مع حدس‬ ‫ال�بريّة بشكل ي ي‬ ‫الرصاع العالمي نحو ب‬
‫الب�يّة‬ ‫ال� غرقت فيها ش‬ ‫ت‬ ‫ِّ‬
‫الق َيم سي َّتجه نحو الخارج‪ ،‬نحو‬ ‫البحث عن ِ‬ ‫ظل هذه الظروف ي‬
‫ال� هي إىل‬ ‫ت‬ ‫ت�؛ ظاهرة معسكرات‬ ‫بالوحشية � أبرز ظاهر ي ف‬ ‫ف‬
‫أنماط من التِّصال ومن السلوك ي‬ ‫ّ ي‬
‫إن دور‬ ‫للتوجه ضمن العالم‪َّ .‬‬ ‫كب� بوصالت ُّ‬ ‫حد ي‬‫ّ‬ ‫ت�‬ ‫ت� ال ّل ي ف‬ ‫القنبلت� النوويَّ ي ف‬
‫يف‬ ‫العتقال‪ ،‬وظاهرة‬
‫دراسات‬
‫‪55‬‬

‫صاىل إذن‪ ،‬وخالفاً إلنسان القرن‬ ‫اللة‬ ‫الميديا مصمم هكذا بشكل أجوف‪ ،‬مثل آ‬
‫فالنسان التِّ ي‬ ‫إ‬ ‫َّ‬
‫ف‬ ‫ع� ت‬ ‫التاسع ش‬ ‫لالنسان بأن ينفعل بشكل‬ ‫ت‬ ‫أ‬
‫الثا� من القرن‬ ‫ي‬ ‫وح� النصف‬ ‫ال� تسمح إ‬ ‫ساسية ي‬ ‫ال ّ‬
‫انية”‪ ،‬دون‬ ‫“جو ّ‬ ‫الع�ين‪ ،‬ي َّتصف بأنه كائن دون ّ‬ ‫ش‬ ‫يتناسب مع ردود الفعل المحيطة به‪.‬‬
‫ي ِّ ف‬ ‫سء‪ ،‬من‬ ‫ف ش‬
‫لكن محتواه كائن‬ ‫محدد‪َّ ،‬‬ ‫ح� خاص‪ ،‬موقعه يغ� َّ‬ ‫النسان الجديد إذن ل يتوافق ي� ي‬ ‫هذا إ‬
‫نسانية‬
‫ال ّ‬ ‫ال�عة إ‬ ‫النسان ف� ف ف‬ ‫يحدد شخصيته؛ إ‬ ‫ِّ‬ ‫منظور الكاتب‪ّ ،‬إل مع محاولة تجميع القطع‬
‫ي‬
‫تأ� من‬ ‫ت‬ ‫أيضا‬ ‫بع�تها حضارة منهزمة‪ ،‬ويرى الكاتب ً‬ ‫ال� ش‬ ‫ت‬
‫مس� من ذاته‪ ،‬ي‬ ‫الكالسيكية هو إنسان ي َّ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬
‫تعاب� مثل ُعمق المشاعر أو غ�ف‬ ‫“جوانية”‬ ‫صاىل كائن دون‬
‫التصور ي‬ ‫ُّ‬ ‫هذا‬ ‫ّ‬ ‫النسان التِّ ي‬ ‫أن هذا إ‬ ‫َّ‬
‫الداخلية‪ ،‬وسيسهم “فرويد” من خالل‬ ‫الحياة‬ ‫ودون جسد‪ ،‬يعيش ي� مجتمع دون أ�ار‪ ،‬كائن‬ ‫ف‬
‫ّ‬
‫التصور عن‬ ‫اكتشافه الالشعور ي� تغذية هذا‬ ‫ف‬ ‫يتوجه بالكامل نحو الجتماعي‪ ،‬وهو ل يوجد ّإل‬
‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫نسا� كمتحرك من الداخل‪.‬‬ ‫الكائن إ ف‬ ‫ف‬
‫بع� المعلومة وال َّتبادل‪ ،‬ي� مجتمع أصبح شفّافًا‬
‫ال ي‬
‫لالنسان‬ ‫بديال إ‬ ‫قدم اليوتيبيا الجديدة ً‬ ‫لكن‪ ،‬تُ ِّ‬ ‫بفضل “آلت التِّصال” الجديدة‪ .‬هذه صفات‬
‫النسان الجديد‪ ،‬فهو‬ ‫المس� من ذاته‪ ،‬هو إ‬ ‫ي َّ‬ ‫إنسان التِّصال‪ ،‬وهو الذي يسهم ف ي� تغذية‬
‫وال� تبدو كبدائل لتقويض‬ ‫ت‬
‫صاىل”‬‫الكالسيك‪ ،‬هو “كائن اتِّ ي‬ ‫ي‬ ‫النسان‬ ‫عكس إ‬ ‫النسان الحديث‪ ،‬ي‬ ‫إ‬
‫ال�‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫النسان؛ ال َّتقويض ال ّناتج عن إعصار القرن‬
‫الرسائل ي‬ ‫جوانيته موجودة بكاملها ي� الخارج‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫إ‬
‫ذاتية أسطوريّة‪ ،‬إنَّما تأتيه من‬ ‫يتلقّاها ل تأتيه من ّ‬ ‫الع�ين‪.‬‬ ‫ش‬
‫محيطه‪ ،‬إنه ل يفعل بل ينفعل‪ ،‬ل ينفعل تجاه‬ ‫إنسانيا‬
‫َّ‬ ‫إنسان التِّصال الجديد لم ُيعد كائ ًنا‬
‫فعل‪ ،‬بل ينفعل تجاه ر ّد فعل‪.‬‬ ‫اجتماعيا‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫بحسب “فيليب بريتون”‪ ،‬بل صار كائ ًنا‬
‫و� ختام هذا الكتاب يتساءل الكاتب‪ :‬ما‬ ‫ف‬ ‫يُعرف بالكامل من خالل قدرته عل التصال‬
‫ي‬
‫السياسية لمثل هذا‬ ‫الدارة‬ ‫هو بالفعل نمط إ‬ ‫“فاي�”‪،‬‬ ‫السي�يانية ف‬ ‫اجتماعيا‪ .‬وبالعودة إىل ب يأ�‬
‫ّ‬ ‫ب ّ‬ ‫ًّ‬
‫بأن هناك ثالث خطوات‬ ‫المجتمع؟ ويجيب ّ‬ ‫يرى المؤلف أنه يقف وراء إعادة ال َّتمركز ال�ت‬
‫ي‬
‫ف‬
‫الرشيدة‪ :‬ي� البدء‬ ‫الدارة َّ‬ ‫فرصوريّة لتحقيق هذه إ‬ ‫النسان‪ ،‬ليس كذات فرديّة‪،‬‬ ‫تسمح بتوصيف إ‬
‫ف‬
‫بالنسان عل أنه‬ ‫ع�ف إ‬ ‫الرصورة المطلقة بأن يُ ت‬ ‫ف َّ‬ ‫إنَّما بد ًءا من نشاطه ي� ال َّتبادل الجتماعي‪ ،‬وهو‬
‫ف‬ ‫يؤسس لرؤية جديدة للمساواة من خالل‬
‫المع�‪،‬‬ ‫صاىل‪ ،‬وأن تستخدم ملكاته بهذا‬ ‫كائن اتِّ ي‬ ‫بهذا ِّ‬
‫ثم أن تمتلك اللت ي� المجتمع الكيان الذي‬ ‫ف‬ ‫آ‬ ‫معزول ومن‬ ‫ً‬ ‫استبعاد مسألة الذات بصفتها فر ًدا‬
‫عمليات‬ ‫ّ‬ ‫مسؤولية‬
‫ّ‬ ‫تستحقّه‪ ،‬وأن تُنقل إليها‬ ‫خالل نقلها صوب النشاط الجتماعي لل َّتبادل‪.‬‬
‫ذاتيا‬
‫وأخ�ا أن ينتظم المجتمع ًّ‬ ‫الب� كافّة‪ ،‬لكن يمكن‬ ‫تخص ش‬ ‫نسانية الجديدة ّ‬ ‫فال ّ‬
‫السيطرة والقرار‪ ،‬ي ً‬ ‫إ‬
‫بفضل التلقيم والنفتاح اللذين تتصف بهما‬ ‫المرشحة لكيان‬ ‫أيضا إىل الكائنات كافّة َّ‬ ‫تتوسع ً‬ ‫أن َّ‬
‫طرائق التِّصال‪.‬‬ ‫صاىل كامل الحقوق‪.‬‬ ‫ال�يك التِّ ي‬ ‫ش َّ‬
‫دراسات‬
‫‪56‬‬

‫قامات أردنية‬
‫سماحة الشيخ عبدالله شحادة غوشة‬
‫(تشرين األول ‪1977/5/24 -1907‬م)‬

‫د‪ .‬محمود الجبارات‪ /‬األردن‬

‫اس حصل عل‬ ‫الوقاف والمقدسات‬ ‫قا� القضاة ووزير أ‬ ‫ف‬


‫ولتفوقه الدر ي‬
‫ُّ‬ ‫بمدرسة المطران؛‬ ‫ي‬
‫مرة؛ ورئيس مجلس‬ ‫ف أ‬
‫اسية مجانية لاللتحاق بكلية روضة‬ ‫منحة در ّ‬ ‫سالمية ي� الردن يغ� َّ‬‫ال ّ‬ ‫إ‬
‫سالمية‪،‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫الداخل بالقدس‪،‬‬
‫ي‬ ‫سالمية وقسمها‬‫ال ّ‬ ‫المعارف إ‬ ‫ال ّ‬ ‫العلمية إ‬
‫ّ‬ ‫الوقاف العل‪ ،‬ورئيس الهيئة‬
‫وحصل منها عل شهادة الدراسة الثانويّة عام‬ ‫السالمي‪ ،‬وهو من‬ ‫عالم من أعالم الدين والفكر إ‬
‫‪1921‬م‪.‬‬ ‫القالئل الذين حافظواعل وقار العلم وتأ َّدبوا‬
‫أ‬
‫تنافس عل منحة للدراسة ف ي� الزهر‪ ،‬أُقيمت‬ ‫بأدبه‪.‬‬
‫الول‬ ‫امتحاناتها ف� القدس‪ ،‬فحصل عل المركز أ‬ ‫ينحدر من أُ�ة متوسطة الحال؛ محافظة‬
‫ي‬
‫ش‬ ‫أ‬
‫المتقد يم�؛ والتحق بالزهر ال�يف بالقاهرة‬ ‫ف‬ ‫ب�‬‫يف‬ ‫ومتديِّنة‪ ،‬كانت تُقيم ف ي� البلدة القديمة من‬
‫ِّ‬
‫ع�ة‪ ،‬حيث حصل‬ ‫ولم يتجاوزعمره الخامسة ش‬ ‫القدس بمحلة حوش المئذنة الحمراء بحارة‬
‫أ‬ ‫عاما‪،‬‬ ‫يف‬ ‫السعديّة منذ ش‬
‫هلية منه عام ‪1923‬م‪ ،‬وكان‬ ‫عل الشهادة ال ّ‬ ‫وخمس� ً‬ ‫أك� من أربعمائة‬
‫يف‬ ‫يف‬ ‫الول ي ف‬ ‫ترتيبه أ‬ ‫جز ًارا ف ي�‬
‫المرصي�؛‬ ‫الخريج� من يغ�‬ ‫ب�‬ ‫بحسب وثائق العائلة؛ وكان والده ّ‬
‫العالمية من‬
‫ّ‬ ‫فتابع دراسته وحصل عل الشهادة‬ ‫القدس ومن عائلة يَ ْم َت ِه ُن معظم رجالها الجزارة‪.‬‬
‫أ‬ ‫ف‬
‫الزهر عام ‪1924‬م‪.‬‬ ‫مكونة من تسعة أبناء‬ ‫ُو َلد عام ‪1907‬م ي� أُ�ة ّ‬
‫اغبا بدراسة القضاء؛ فقد التحق‬ ‫ولما كان ر ً‬ ‫ّ‬ ‫العا�ة‬ ‫ش‬ ‫وابنت�‪ ،‬وتوفيت والدته قبل بلوغه‬ ‫يف‬
‫ف‬ ‫ش‬
‫بمدرسة القضاء ال�عي ي� مرص‪ ،‬بعد وساطة‬ ‫العثمانية بالمدرسة‬ ‫من العمر؛ درس ف� ت‬
‫الف�ة‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫ف‬ ‫مف� القدس الحاج ي ف‬ ‫ت‬ ‫يطا�‪،‬‬ ‫ف‬
‫الحسي�‪،‬‬
‫ي‬ ‫أم�‬ ‫من ِق َبل ي‬ ‫ال� ي‬ ‫الصالحية‪ ،‬ثم التحق‪ ،‬زمن النتداب ب‬‫ّ‬
‫دراسات‬
‫‪57‬‬

‫عية خالل تف�ة النتداب‬ ‫ال� ّ‬ ‫محكمة الستئناف ش‬


‫يطا� (‪1948 / 5 / 15 - 1946 / 1 / 1‬م)‪.‬‬ ‫ف‬
‫ال� ي‬ ‫ب‬
‫يف‬
‫الحس�‬ ‫أ‬
‫بنا ًء عل رغبة الملك عبدالله الول بن‬
‫أ‬
‫تفس� ف ي� المسجد القىص‪،‬‬ ‫ف ي� ترتيب دروس‬
‫ي‬
‫تفس� أسبوعي‬ ‫ي‬ ‫فقد اختار غوشة إللقاء درس‬
‫القىص؛ فأُعجب الملك بقدراته‬ ‫ف� المسجد أ‬
‫ي‬
‫واستمر ي� ال َّتدريس‪ ،‬ثم اختاره لعضويّة‬ ‫ف‬ ‫العلمية‬
‫َّ‬ ‫ّ‬
‫القوان�‪ ،‬ثم لعضويّة لجنة تعديل‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫توحيد‬
‫الدستور ‪1950‬م‪ ،‬ثم ع ف� قاضيا للقضاة �ف‬
‫ي‬ ‫ً‬ ‫ُ ي ِّ‬
‫ال� شكَّلها سعيد المف�ت‬ ‫ت‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫ي‬ ‫ردنية الوىل ي‬ ‫الحكومة ال ّ‬
‫وقُبل مع ستة من زمالئه هم الدفعة أ‬
‫قاضيا للقضاة‬ ‫ً‬ ‫الضفت�‪ ،‬ثم ُع ي ِّ ف�‬ ‫يف‬ ‫بعد توحيد‬ ‫الوىل من‬ ‫ُّ‬
‫واستمر‬
‫َّ‬ ‫سم� الرفاعي‪،‬‬ ‫للعدلية ي� حكومة ي‬
‫ف‬
‫ّ‬ ‫ووزيرا‬
‫ً‬ ‫تخرجوا ف ي� مدرسة القضاء‬ ‫الفلسطيني� الذين ّ‬
‫يف‬
‫ف ي� هذه الحكومة إىل أن استقالت بُ َعيد اغتيال‬ ‫يف‬
‫المرصي�‬ ‫ال� لم تكن تقبل يغ�‬ ‫ت‬
‫ال�عي‪ ،‬ي‬
‫ش‬
‫الول (عام ‪1951‬م) الذي قال‬ ‫الملك عبدالله أ‬ ‫بم�لة‬ ‫وتخرج فيها عام ‪1927‬م‪ ،‬وكانت شهادتها ف ف‬
‫َّ‬
‫عن غوشة إنـه‪“ :‬العا ِلم النحرير‪ ...‬من أعالم‬ ‫الدكتوراه‪ .‬وبعد عودته للقدس التحق بمعهد‬
‫الدين وناطق صادق بلسانه”(برقية ‪/ 1 / 28‬‬ ‫الحقوق ف ي� القدس الذي كانت تديره سلطات‬
‫يطا�‪ ،‬ومعظم دروسه باللغة‬ ‫ف‬
‫‪1950‬م)‪.‬‬ ‫ال� ي‬ ‫النتداب ب‬
‫ال ي ف‬
‫العلمية‬ ‫ّ‬ ‫ئيسا للهيئة‬ ‫ُع ي ِّ ف� غوشة بعد ذلك ر ً‬ ‫نجل�يّة‪ ،‬والقبول فيه بموافقة مدير المعارف‬ ‫إ‬
‫السالمية ثالث مرات‪ :‬أ‬ ‫فلسط�‪ ،‬وحصل منه عل شهادة‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫يطا� ي�‬ ‫ف‬
‫الوىل ( ‪31 - 1950 / 8 /1‬‬ ‫ّ‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ال� ي‬ ‫ب‬
‫‪1961/ 9/‬م)‪ ،‬والثانية ( ‪28 - 1963/ 4 / 21‬‬ ‫القانونية عام ‪1935‬م‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الدراسات‬
‫‪1964 / 2 /‬م)‪ ،‬والثالثة (‪26 - 1967/ 10 / 7‬‬ ‫متعددة؛ ابتدأها‬ ‫ِّ‬ ‫الم� َجم له مناصب‬ ‫شغل ت‬
‫ئيسا‬ ‫قاضيا للقضاة ور ً‬ ‫ً‬ ‫‪1968 / 12 /‬م)‪ ،‬وكان‬ ‫مدر ًسا ف ي� مدرسة الخليل الثانوية (‪- 1927‬‬ ‫ِّ‬
‫الوقاف أ‬ ‫لمجلس أ‬ ‫ئيسا لكُ ّتاب محكمة الخليل‪ ،‬ثم‬
‫العل (‪10/ 7 - 1964/ 3/ 1‬‬ ‫‪1934‬م)‪ ،‬ثم ر ً‬
‫عاما‪،‬‬ ‫اث� ش‬ ‫ف‬ ‫ف ف‬
‫كب� العلماء‪ ،‬ورئيس‬ ‫‪1967/‬م)؛ وشغل منصب ي‬ ‫ع� ً‬ ‫قاضيا فيها‪ ،‬وقىص ي� الخليل ي‬ ‫ً‬
‫ال� كانت‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫و ُع ي ِّ ف�‬
‫والرشاد (‪3/ 27 - 1962/ 1 /1‬‬ ‫مجلس الوعظ إ‬ ‫عيا ي� محكمة يافا‪ ،‬ي‬ ‫قاضيا � ً‬ ‫ً‬
‫وزيرا لالوقاف‬ ‫أ‬
‫ً‬ ‫وقاضيا للقضاة‬ ‫ً‬ ‫‪1963/‬م)‪،‬‬ ‫فلسط�‪ ،‬وتنقَّل‬ ‫يف‬ ‫عية ف ي�‬
‫ال� ّ‬‫أك� المحاكم ش‬ ‫من ب‬
‫الف�ة‬ ‫السالمية أربع مرات خالل ت‬ ‫والمقدسات إ‬ ‫جن� والخليل‬ ‫قاضيا ف� محكمة ي ف‬ ‫بعدها للعمل‬
‫ّ‬ ‫ً ي‬
‫(‪1970 - 1969‬م) ي� حكومات عبدالمنعم‬ ‫ف‬ ‫عضوا ف ي�‬‫ً‬ ‫ثم نابلس (‪1946 - 1938‬م)‪ ،‬ثم ُع ي ِّ ف�‬
‫دراسات‬
‫‪58‬‬
‫م�له بنفسه‪ ،‬كما كان محبا أ‬
‫لالطفال وكان ير ِّدد‪:‬‬ ‫فف‬ ‫ف‬
‫التلهو�‬ ‫الوىل والثانية‪ ،‬وحكومة بهجت‬ ‫الرفاعي أ‬
‫ً‬ ‫ي‬
‫الخامسة والسادسة‪.‬‬
‫ئيسا لهيئة مكتب‬ ‫ف‬
‫أحبب الطفل وإن لم يكُ لكْ‬ ‫ْ‬ ‫و� المجال العام‪ ،‬فقد كان ر ً‬ ‫ي‬
‫أ‬ ‫السالمي لبيت المقدس‪ ،‬ورئيس لجنة‬
‫إنَّما الطفل عىل االرض َم َلـكْ‬ ‫المؤتمر إ‬
‫نُرصة باكستان‪ ،‬وشارك خالل خدمته العامة �ف‬
‫الج َّب ِة‬
‫مكونًا من ُ‬ ‫مم�ا ّ‬ ‫لباسا ي ّ ف ً‬ ‫وكان يرتدي باستمرار ً‬ ‫ي‬
‫حد من تواصله‬ ‫ولما ُسئل إن كان ذلك يَ ُّ‬ ‫والعمامة؛ ّ‬ ‫عضوا ف ي� مجلس‬ ‫الكث� من اللجان منها‪ً :‬‬ ‫عضويّة ي‬
‫والج َّبةُ لم‬ ‫مع آ‬ ‫ف‬
‫“العمامةُ ُ‬ ‫َ‬ ‫الخرالمختلف أجاب‪:‬‬ ‫المد�‪،‬‬ ‫ي‬ ‫وعضوا بلجنة القانون‬ ‫ً‬ ‫العاىل‪،‬‬
‫ي‬ ‫التعليم‬
‫ردنية‪.‬‬ ‫أ‬ ‫درس ي� كلية ش‬ ‫ف‬
‫قيدا ولن تكون”‪.‬‬ ‫يوما ً‬‫تكن ً‬ ‫ال�يعة بالجامعة ال ّ‬ ‫كما ّ‬
‫ابنت� وولدا واحدا هو عاصم الذي تو�ف‬ ‫أنجب ي ف‬ ‫أ‬ ‫ف‬
‫تق ّلد العديد من الوسمة الرفيعة ي� الردن‬ ‫أ‬
‫ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وعضوا ف ي�‬
‫ً‬ ‫مهندسا‬
‫ً‬ ‫عام ‪2012‬م‪ ،‬كان عاصم‬ ‫عاىل الشأن‪ ،‬وسام‬ ‫المرصع ي‬‫ّ‬ ‫منها‪ :‬وسام ال َّنهضة‬
‫رد�‪ّ ،‬أما البنتان فهما ليل‬ ‫أ ف‬ ‫أ‬ ‫ال َّنهضة من الدرجة الوىل‪ ،‬وسام الكوكب من‬ ‫أ‬
‫مجلس العيان ال ي‬
‫العر� بالجامعة‬ ‫ف أ‬ ‫الوىل‪ ،‬ووسام الستقالل من الدرجة‬ ‫الدرجة أ‬
‫وعصمت وهي أستاذة ي� الدب ب ي‬
‫ردنية‪.‬‬ ‫أ‬ ‫الوىل‪ ،‬كما تق ّلد أوسمة رفيعة من رؤساء الدول‬ ‫أ‬
‫ال ّ‬
‫قلبية خالل زيارته إىل طهران عام‬ ‫أصابته نوبة ّ‬ ‫الذه� للكفاءة الفكريّة‬ ‫بي‬ ‫سالمية منها‪ :‬الوسام‬ ‫ال ّ‬ ‫إ‬
‫أرد� شل�ح‬ ‫ف‬ ‫من الطبقة الممتازة من ملك المغرب‪ ،‬ووسام‬
‫عضوا بوفد رسمي ي‬ ‫ً‬ ‫‪1976‬م‪ ،‬وكان‬
‫أبعاد المؤامرة اليهوديّة عل القدس‪ ،‬أُرسل‬ ‫مال�يا‪ ،‬ووسام الجمهوريّة‬ ‫مال�يا من ملك ي ف‬ ‫يف‬
‫العربية‪ ،‬واعت َّلت صحته‬ ‫لملوك ورؤساء الدول‬ ‫الوىل من رئيس الجمهوريّة‬ ‫التونسية من الدرجة أ‬
‫ّ‬
‫عمان يوم ‪24/5/1977‬م‪،‬‬ ‫بعد ذلك‪ ،‬ف ف‬ ‫التونسية‪.‬‬
‫وتو� ي� ّ‬ ‫ي‬ ‫ّ‬
‫الملكية‪.‬‬
‫ّ‬
‫ف‬
‫الحس� بدفنه ي� المقابر‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫وأمر الملك‬ ‫العلمية‬‫ّ‬ ‫شارك ف ي� العديد من المؤتمرات والندوات‬
‫والشعبية ف ي� مختلف أنحاء العالم‪ ،‬وزار‬ ‫ّ‬ ‫الرسمية‬
‫ّ‬
‫َّ‬
‫مصنفاته وطروحاته‬ ‫تميزت به‬
‫أبرز ما َّ‬ ‫الكث� من‬ ‫العديد من الدول والبلدان‪ ،‬والتقى ي‬
‫والفقهية تتماهى‬ ‫أوال‪ :‬كانت طروحاته الفكريّة‬ ‫السالمي‬ ‫ف‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫بعامة والعالم إ‬ ‫رؤساء الدول ي� العالم ّ‬
‫المستجدات‪ ،‬وتستلهم روح العرص‪ ،‬وتجيب‬‫ّ‬ ‫مع‬ ‫وإذاعية ومتلفزة‬ ‫ّ‬ ‫صحفية‬
‫ّ‬ ‫بخاصة‪ ،‬وله أحاديث‬ ‫ّ‬
‫ف‬
‫والخاصة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عن أسئلة تُ ْش ِغ ُل ّ‬
‫العامة‬ ‫العالم المختلفة‪ ،‬ما تزال‬ ‫ومقالت ي� وسائل إ‬
‫الرغم من مرارة ظروف الحتالل‬ ‫يف‬
‫ثان ًيا‪ :‬عل ّ‬ ‫مناسب�‪.‬‬ ‫دون حرص وتوثيق‬
‫ائيل لبالده ومسقط رأسه القدس؛ إل أنه‬ ‫ال ي ف‬
‫ال� ي‬ ‫إ‬ ‫نجل�ية حدي ًثا وكتابة‪ ،‬وكان‬ ‫أجاد غوشة اللغة إ‬
‫علمي مستنبط من القرآن الكريم‬ ‫ٍّ‬ ‫لنص‬
‫ّأسس ٍّ‬ ‫وجز ُه‪،‬‬ ‫خطيبا بار ًعا؛ ومع ذلك كان قليل الكالم ُم َ‬ ‫ً‬
‫م�وعة‬‫والس ّنة النبويّة عن الجهاد بوصفه حربًا ش‬ ‫محبا للزراعة ويعمل عل زراعة حديقة‬ ‫وكان ًّ‬
‫دراسات‬
‫‪59‬‬

‫السالم‬ ‫ف‬ ‫والهداف تقوم بها الدولة‪ ،‬بعد‬ ‫ش�يفة البواعث أ‬


‫الوسع أي الطاقة ي� مدافعة أعداء إ‬
‫وقتالهم ش‬ ‫وفصل ف ي�‬ ‫أ‬
‫تكث�‬ ‫مبا�ة أو معاونة بمال أو رأي أو ي‬ ‫مشاورة وإعداد وتوحيد لكلمة الُمة‪ّ ،‬‬
‫إسالمية تستعمل‬ ‫ّ‬ ‫سواد أو يغ� ذلك‪ ،‬وهي كلمة‬ ‫ٍ‬ ‫الحج‪،‬‬ ‫أن جهاد النساء ّ‬ ‫أنواع الجهاد‪ ،‬وخلص إىل َّ‬
‫كب� بينهما؛‬ ‫ف‬ ‫وأن الجهاد أصبح بعد احتالل القدس فرض ي ْ ف‬
‫ع�‬
‫فرق ي ٌ‬ ‫بمع� الحرب‪ ...‬ولكن هناك ٌ‬ ‫َّ‬
‫أن الجهاد حرب ش�يفة البواعث نبيلة‬ ‫وهو ّ‬ ‫عل كل قادر بال َّنفس والمال‪.‬‬
‫ف‬
‫الهداف والمقاصد ول تكون ّإل ي� سبيل الله‪،‬‬ ‫أ‬ ‫السالمي‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫ثالثًا‪ :‬كان من الوائل ي� العالم إ‬
‫والذَّ ود عن حرمات الدين والوطن وما ي ّتصل بهما‬ ‫المعارص الذين أسهموا ف ي� بلورة مفهوم الدولة‬
‫فصل ف ي�‬ ‫من أموال وأرواح وأعراض”(ص‪ .)9‬ثم ّ‬ ‫إنسانية وأنها‬ ‫ّ‬ ‫سالمية الحديثة باعتبارها دولة‬ ‫ال ّ‬ ‫إ‬
‫م�وعية الجهاد‪ :‬فهو فرض كفاية ّإل �ف‬ ‫السالم‪ ،‬تقوم عل الشورى ال�ت‬
‫ي‬ ‫سبب ش ّ‬ ‫ي‬ ‫من لوازم إ‬
‫إن‬ ‫حالة العدوان فهو فرض ي ف‬ ‫الجتماعية‬ ‫أ‬
‫يختلف تطبيقها بإختالف أحوال الُمة‬
‫ورجح القول َّ‬ ‫ع�‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫بغ�هم عل‬ ‫المسلم� ي‬ ‫يف‬ ‫السالم َّأسس عالقة‬ ‫إ‬ ‫ف ي� المكان والزمان‪ ،‬وتقوم عل تنفيذ الحدود‬
‫المسالمة والمان ل عل الحرب والقتال(ص‪.)21‬‬ ‫أ‬ ‫ب� جميع‬ ‫والعقوبات‪ ،‬وتنفّذ التكافل الجتماعي ي ف‬
‫وعرض ألنواع الجهاد وهي‪ :‬جهاد ال َّنفس‬ ‫رعاياها عل اختالف أجناسهم وأديانهم‪ ،‬وكان‬
‫ومجاهدة الشيطان‪ ،‬ومجاهدة الكفّار باليد‬ ‫الحارصعن‬ ‫أن الجزية سقطت ف� العرص ف‬ ‫اجتهاده َّ‬
‫ي‬
‫المنافق� بتبليغهم‬ ‫يف‬ ‫والمال وال ّلسان‪ ،‬وجهاد‬ ‫ف‬
‫المسلم�؛ لنهم يشاركون ي� الدفاع عن‬ ‫أ‬ ‫يف‬ ‫يغ�‬
‫الح َّجة‪ ،‬وجهاد الفُساق‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أنفسهم وعن الدولة‪.‬‬
‫أن الجهاد ُم َكف ٌِّر لجميع الذنوب ّإل‬ ‫وخلص إىل َّ‬ ‫سالمية‬‫ال ّ‬ ‫رابعا‪ :‬أكّد فرصورة انفتاح الدعوة إ‬ ‫ً‬
‫وأن‬ ‫أفضلية الدعوة‬ ‫عل الخر المختلف‪ ،‬مع بيان‬ ‫آ‬
‫وأن جهاد النساء الحج‪ّ ،‬‬ ‫حقوق العباد‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫السالم دعا إىل أن تقر النساء ف� بيوتهن لنأ‬ ‫تعصب‬
‫ّ َّ‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫إ‬ ‫تزمت أو ُّ‬ ‫سالمية؛ ولكن دون تعقيد أو ُّ‬ ‫ال ّ‬ ‫إ‬
‫الرجال فيهم الكفاية‪ ،‬وليصون المرأة من أهوال‬ ‫أو انفعال‪.‬‬
‫ويحبب إليها‬ ‫الس�جال‪،‬‬ ‫المعارك ويبعدها عن ت‬
‫ِّ‬
‫ال�ة(ص‪ .)74‬و َع َر َض للقواعد‬ ‫أن تتفرغ لشؤون أ‬ ‫آثاره‬
‫َّ‬
‫السالم للحرب‪ ،‬ومنها‪:‬‬ ‫�عها إ‬ ‫ش‬ ‫ت‬
‫ال� ّ‬ ‫الحكيمة ي‬ ‫‪“ -‬الجهاد طريق لل َّن�”‬
‫المحارب�‪،‬‬‫يف‬ ‫دفع العدوان‪ ،‬وتحريم محاربة يغ�‬ ‫َص َد َر هذا الكتاب قبل وفاة عبدالله غوشة‬
‫والنهي عن قتل النساء أ‬
‫والطفال والشيوخ‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫مقدمة وخمسة فصول‪.‬‬ ‫ببضعة أشهر‪ .‬تأ ّلف من ّ‬
‫ش‬ ‫ف‬
‫والجهاز‬ ‫حي‪ ،‬إ‬ ‫والحراق لميت أو ّ‬ ‫الم َثلةَ إ‬ ‫وحرم ُ‬ ‫ّ‬ ‫�ع الجهاد‪“ :‬لنرصة‬ ‫أن الله َّ‬ ‫مقدمته َّ‬
‫جاء ي� ّ‬
‫عل الجرحى وسواها‪.‬‬ ‫الحق ودفع العدوان‪ ،‬وحماية الدعوة‪ ،‬وإعالء‬
‫ثم عرض المشاورة ف ي� الحرب‪ ،‬ومنع العامة من‬ ‫وعرف الجهاد بأنه‪“ :‬استفراغ‬
‫كلمة الله”(ص‪َّ .)7‬‬
‫دراسات‬
‫‪60‬‬

‫سالمية تضمن‬ ‫ال ّ‬ ‫وأن الدولة إ‬ ‫القانون والقضاء‪َّ .‬‬ ‫الخوض ف ي� أمور الحرب‪ ،‬وأوقات القتال‪ ،‬وأسباب‬
‫العائلية‬
‫ّ‬ ‫المسلم� حقوقهم‬ ‫يف‬ ‫لرعاياها من يغ�‬ ‫اليمان بالله والعتقاد بالحق الذي‬ ‫النرص ومنها‪ :‬إ‬
‫والشخصية‪.‬‬ ‫وب�يًّا ثم‬ ‫أ‬
‫يجاهد ف ي� سبيله‪ ،‬وحشد المة ماديًّا ش‬
‫ّ‬
‫الرق‪ ،‬والعدالة �ف‬ ‫ف‬ ‫المة‪،‬‬ ‫وتأم� ما تحتاجه أ‬ ‫يف‬ ‫والسلحة‪،‬‬ ‫التدريب أ‬
‫ي‬ ‫السالم من ّ‬ ‫وبحث ي� موقف إ‬
‫والص ب�‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ف‬
‫سالمية‬ ‫ال ّ‬ ‫الخارجية للدولة إ‬ ‫ّ‬ ‫السالم‪ ،‬ثم السياسة‬ ‫إ‬ ‫والثبات ي� الميدان وتوحيد كلمة المة َّ‬
‫الهادفة إىل تحقيق المنافع المتبادلة‪ ،‬ثم قارن‬ ‫وتضمنت خاتمة الكتاب احتالل بيت المقدس‬ ‫َّ‬
‫وغ�ها من الدول‪.‬‬ ‫يف‬ ‫والعتداء عل الرض والمقدسات وانتهاك‬ ‫أ‬
‫سالمية ي‬
‫ال ّ‬ ‫إنسانية الدولة إ‬ ‫ّ‬ ‫ب�‬
‫الفعال”‬ ‫‪“ -‬الدعاية المنظمة وأثرها ّ‬ ‫فرضا عي ًنا عل كل قادر‬ ‫الحرمات‪ ،‬فأصبح الجهاد ً‬
‫َو َض َع عبدالله غوشة هذا الكتاب عام ‪ 1972‬بعد‬ ‫ف‬
‫بال َّنفس والمال(ص‪ .)199‬وترجم ي� نهاية الكتاب‬
‫الغربية عل‬ ‫ّ‬ ‫رحلة إىل الوليات المتحدة وأوروبا‬ ‫صحابيا رتَّب أسماءهم‬ ‫ًّ‬ ‫علما‬
‫وخمس� ً‬ ‫يف‬ ‫لثالثة‬
‫يف‬
‫فلسط�‬ ‫رأس وفد إسالمي‪ -‬مسيحي شل�ح ّ‬
‫قضية‬ ‫هجائيا‪.‬‬
‫ًّ‬
‫ومكانـة القـدس وعروبتهـا؛ بعد مـا لمـس من‬ ‫االسالم ّية دولة إنسان ّية”‬ ‫“الدولة إ‬ ‫‪َّ -‬‬
‫الصهيونية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫خالل رحلته أثر الدعاية‬ ‫عده غوشة لتقديمه إىل مؤتمر مجمع‬ ‫وهو كتاب أُ َّ‬
‫وتضمن‬ ‫َّ‬ ‫تأ ّلف الكتاب من تمهيد وأربعة فصول‪،‬‬ ‫سالمية ف ي� القاهرة عام ‪1971‬م ف ي�‬ ‫ال ّ‬ ‫البحوث إ‬
‫ب� الحق والباطل‪ ،‬ثم‬ ‫تمهيدا عن الرصاع ي ف‬ ‫ً‬ ‫السالم جامع‬ ‫أن إ‬ ‫تمهيد وسبعة فصول‪ ،‬جاء فيه َّ‬
‫والعربية‬ ‫سالمية‬ ‫أ‬ ‫لمصالح الروح والجسد وهو دين ودولة وعقيدة‬
‫ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫قلية إ‬
‫مالحظاته عن أوضاع ال ّ‬
‫قلية اليهوديّة ف ي� بالد الغرب‪ ،‬وعن الدعاية‬ ‫أ‬ ‫السالم أن تكون له دولة‬
‫وال ّ‬ ‫وأن من لوازم إ‬ ‫ونظام‪َّ ،‬‬
‫سالمية‬ ‫أك� ما جاء به من الحدود والعقوبات ل‬ ‫أل ّن ش‬
‫ال ّ‬ ‫تأخر الدعاية إ‬ ‫وسلبيات ُّ‬ ‫ّ‬ ‫الصهيونية‪،‬‬
‫ّ‬
‫تحدث عن مسؤولية الشعوب‬ ‫الفراد‪ ،‬وإنَّما هو من‬ ‫يدخل تنفيذه ف� اختصاص أ‬
‫والعربية‪ ،‬ثم ّ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬
‫والسياسية‪،‬‬ ‫الدينية‬ ‫والمؤسسات ي� تنفيذ الدعاية‬ ‫ف‬ ‫اختصاص الحاكم والدولة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واستخدام مختلف أ‬ ‫وأن من‬ ‫ف‬
‫الساليب إليصالها‪.‬‬ ‫سالمية َّ‬‫ال ّ‬ ‫فصل ي� صفات الدولة إ‬ ‫ثم َّ‬
‫ض‬ ‫ال� يختلف تطبيقها باختالف‬ ‫ت‬ ‫يّ ف‬
‫االسالم”‬ ‫‪ -‬بحث بعنوان‪“ :‬فلسفة الحريات ي� إ‬ ‫مم�اتها الشورى ي‬
‫وأن‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫السالمية والحياة المعارصة‪،‬‬ ‫ق ُِّدم لمؤتمر الثقافة إ‬ ‫أحوال المة الجتماعية ي� المكان والزمان‪َّ ،‬‬
‫جامعة برنستون‪ ،‬الوليات المتحدة‪1953 ،‬م‪.‬‬ ‫مستبدة؛ ثم عرض‬ ‫ّ‬ ‫سالمية دولة يغ�‬ ‫ال ّ‬ ‫الدولة إ‬
‫السالم ف ي� معارك الحرية‪،‬‬ ‫وأن واجبها‬ ‫ف‬
‫تمهيداعن دور إ‬ ‫ً‬ ‫تضمن‬
‫ّ‬ ‫سالمية؛ َّ‬‫ال ّ‬ ‫المثالية ي� الدولة إ‬ ‫ّ‬ ‫نسانية‬
‫لال ّ‬ ‫إ‬
‫وقرر الحريات لالفراد والجماعات ضمن نطاق‬ ‫أ‬ ‫ب� جميع رعاياها عل‬ ‫تنفيذ ال َّتكافل الجتماعي ي ف‬
‫ّ‬
‫الحكمة والمصلحة العامة‪ ،‬وتحدث عن حرية‬ ‫اختالف أجناسهم وأديانهم‪ ،‬وتحقيق المساواة‬
‫والتفك�‪ ،‬وحرية الملكية الفردية‬ ‫ي‬ ‫العتقاد والرأي‬ ‫والسياسية وأمام‬‫ّ‬ ‫المدنية‬‫ّ‬ ‫ف ي� الحقوق والواجبات‬
‫دراسات‬
‫‪61‬‬

‫المصادر‬ ‫وحرية الترصف‪.‬‬


‫االسالمية”‬ ‫‪ -‬بحث بعنوان‪“ :‬الدعوة إ‬
‫أوال‪ :‬كتبه المنشورة‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ق ُِّدم للمؤتمر العالمي لتوجيه الدعوة وإعداد‬
‫ردنية‪،‬عمان‪،‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫‪ -‬الجهاد طريق النرص‪ ،‬وزارة الوقاف ال ُ‬ ‫ف‬
‫ّ‬ ‫السالمية بالمدينة‬ ‫الدعاة الذي عقد ي� الجامعة إ‬
‫الردن‪.1976 ،‬‬ ‫أ‬
‫السالمية دولة إنسانية‪ ،‬مطابع المؤسسة‬ ‫‪ -‬الدولة إ‬ ‫المنورة ‪1977‬م‪ ،‬دعا فيه إىل بيان أفضلية‬
‫عمان‪ ،‬الردن‪.1971 ،‬‬‫أ‬ ‫أ‬ ‫السالمية دون تعقيد أو تزمت أو تعصب‬ ‫الدعوة إ‬
‫الصحفية الردنية‪ ،‬الرأي‪ّ ،‬‬
‫السالم‪ ،‬منشورات جمعية العروة‬ ‫ف‬
‫‪ -‬فلسفة الحريات ي� إ‬ ‫أو انفعال‪ ،‬وعن صفات الداعية وأسلوب الدعوة‬
‫الوثقى‪ ،‬عمان‪ ،‬أ‬
‫الردن‪.1979 ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ال� تدعو‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫‪ -‬الدعاية المنظمة وأثرها الفعال‪ ،‬موجود عل الموقع‬ ‫ورصورة تنسيق جهود المؤسسات ي‬
‫و�‪:‬‬ ‫إ ت ف‬ ‫لالسالم‪.‬‬ ‫إ‬
‫اللك� ي‬
‫‪alkindi.edeo-cairo.org.recordno.w41185.‬‬ ‫‪ -‬بحث بعنوان‪“ :‬االجتهاد والتقليد”‬
‫و�‬‫ف‬ ‫ق ُِّدم لنيل شهادة التخصص ف ي� القضاء ش‬
‫ثان ًيا‪ :‬كتاب “الشيخ عبدالله غوشة‪ :‬من القدس أ ي‬ ‫ال�عي‬
‫سبيلها” (وقائع حفل تأبينه ف ي� الذكرى السنوية الوىل‬ ‫من مدرسة القضاء ش‬
‫لوفاته)‪ ،‬منشورات المؤسسة الصحفية أ‬ ‫ال�عي بالقاهرة‪ ،‬كتبه عام‬
‫الردنية‪ -‬الرأي‪،‬‬ ‫ف‬
‫الردن‪.1978 ،‬‬ ‫وطبع بمطابعها‪ ،‬عمان‪ ،‬أ‬
‫ّ‬
‫(غ�‬ ‫الكب� ي‬ ‫‪1927‬م ي� مئة صفحة من الحجم ي‬
‫أ‬ ‫الصول‪،‬‬ ‫منشور)‪ ،‬قَدم فيه إيجازا عن علم أ‬
‫ثالثًا‪ :‬سلسلة الوثائق الردنية‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫أ‬
‫الردنية‪ ،‬الوزارات الردنية (‪1921-1993‬م)‪،‬‬ ‫‪ -‬الوثائق أ‬ ‫وعرف الجتهاد ش‬
‫والن�‪ ،‬عمان‪ ،‬أ‬ ‫و�وطه والمجتهد‪ ،‬وأنواع‬ ‫ّ‬
‫الردن‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ش‬ ‫منشورات دائرة المطبوعات‬
‫كانون أ‬ ‫وعرف‬ ‫الجتهاد‪ ،‬ونقض الحكم الجتهادي‪ّ ،‬‬
‫الول ‪.1993‬‬
‫الول ‪ ،1967‬دائرة‬ ‫الردنية‪ ،‬أيار‪ -‬كانون أ‬ ‫‪ -‬الوثائق أ‬ ‫التقليد وآراء العلماء والفقهاء ف ي� التقليد‪.‬‬
‫ش‬ ‫االقىص”‬ ‫“� رحاب أ‬ ‫ض‬
‫عمان‪،‬‬ ‫والعالم‪ّ ،‬‬ ‫والن�‪ ،‬وزارة الثقافة إ‬ ‫المطبوعات‬
‫أ‬ ‫‪ -‬ي‬
‫الردن‪ ،‬ط‪ 1 ،1‬شباط ‪1973‬م‪.‬‬
‫أ‬ ‫ال� ألقاها ف ي�‬ ‫ت‬
‫مجموعة من الدروس الدينية ي‬
‫عمان‪ ،‬دائرة المطبوعات‬ ‫‪ -‬الوثائق الردنية‪1969 ،‬م‪ّ ،‬‬ ‫القىص (‪1950-1967‬م)‪ ،‬وكانت تذاع‬ ‫المسجد أ‬
‫والن�‪( ،‬د‪.‬ت‪.‬ن)‪.‬‬ ‫ش‬
‫عمان‪ ،‬دائرة المطبوعات‬ ‫‪ -‬الوثائق الردنية‪1970 ،‬م‪ّ ،‬‬
‫أ‬ ‫التفس�‪،‬‬
‫ي‬ ‫قبل صالة الجمعة‪ ،‬وأغلبها دروس ف ي�‬
‫والن�‪( ،‬د‪.‬ت‪.‬ن)‪.‬‬ ‫ش‬ ‫الكب� ف ي�‬
‫الحسي� ي‬ ‫ي‬
‫ف‬ ‫ودروس أخرى ف ي� المسجد‬
‫عمان‪ ،‬دائرة المطبوعات‬ ‫أ‬
‫‪ -‬الوثائق الردنية‪1971 ،‬م‪ّ ،‬‬ ‫عمان (‪1972 1967-‬م) جمعت ووثقت عل‬ ‫ّ‬
‫والن�‪( ،‬د‪.‬ت‪.‬ن)‪.‬‬ ‫ش‬
‫شأ�طة تسجيل‪ ،‬وصنفت ضمن أربع أجزاء‪ ،‬وما‬
‫ابعا‪ :‬الشبكة العنكبوتية‪ :‬مواقع مختلفة كانت مصادر‬ ‫ر ً‬ ‫تزال محفوظة وغ� منشورة‪( .‬الدستور أ‬
‫ثانوية للبحث عن أ�ته وأعماله ونشاطاته‪ ،‬والمناصب‬ ‫الردنية‪،‬‬ ‫ي‬
‫والثالث�‪ ،‬منها مواقع‬ ‫يف‬ ‫الوىل‬ ‫ال� تولها‪ ،‬وذكرى تأبينه أ‬ ‫ت‬ ‫‪24/5/2007‬م)‪.‬‬
‫ي‬
‫تاريخيا‪ ،‬ومنها‬
‫ً‬ ‫لصحف أردنية دققنا من خاللها النص‬ ‫مسودة مذكراته الشخص ّية‬ ‫‪ّ -‬‬
‫صحيفة الرأي‪ ،‬وصحيفة الدستور وصحيفة اللواء‪.‬‬ ‫محفوظة لدى أُ�ته‪ ،‬وهي يغ� منشورة‪.‬‬
‫دراسات‬
‫‪62‬‬

‫محمد عياد الطنطاوي‪..‬‬


‫األزهري الليبرالي‬
‫مؤسس مدرسة االستشراق في روسيا‬
‫ّ‬
‫أحمد رمضان الديباوي‪ /‬مصر‬

‫يف‬
‫المثقف�‬ ‫ظا من شهرة أو تقدير‪ ،‬ولو ي ف‬
‫ب�‬ ‫لم ينل ح ًّ‬ ‫يف‬
‫المثقف�‬ ‫كث�ون‪ ،‬بمن فيهم جمهور‬ ‫ُربَّما ل يعرفه ي‬
‫ف‬ ‫بالسماء‬‫جل اهتمامهم أ‬ ‫أن ّ‬
‫الصالح والتجديد‪،‬‬ ‫ومدعي البحث ي� تاريخ إ‬ ‫ّ‬ ‫أنفسهم؛ ذلك َّ‬
‫ظا من شهرة وذيوع‪ ،‬بسبب‬ ‫ال� نالت ح ًّ‬ ‫ت‬
‫ولربما كانت هجرته إىل “الروسيا” ووفاته بها‬ ‫المعروفة ي‬
‫الهمال والنسيان‪ ،‬لكنه ل يشفع‬ ‫ذك ذلك إ‬ ‫ً‬
‫عامال ّ‬ ‫كليا أو جز ًّئيا‪ ،‬بدوائر السياسة والحكم‬ ‫ارتباطها‪ًّ ،‬‬
‫س�ته ونسيان إنتاجه‬ ‫ف‬ ‫أنموذجا والذي‬ ‫والنفوذ‪ ،‬منهم رفاعة الطهطاوي‬
‫ي� تجهيل الرجل‪ ،‬وطمر ي‬ ‫ً‬
‫عر� يدخل روسيا‬ ‫العلمي والفكري‪ ،‬كأول أستاذ ب ي‬ ‫كان قرين مصلحنا المجهول ف ي� الدراسة والطلب‪،‬‬
‫ف ي� العام ‪1840‬م‪ ،‬بدعوى خمول ذكره‪ ،‬الذي‬ ‫ع� سنوات‪ ،‬لكن لم‬ ‫يك�ه س ًّنا بنحو ش‬ ‫وإن كان ب‬
‫أن النخبة المثقفة اعتمدت عل‬ ‫ما كان سببه إل َّ‬ ‫ينل مصلحون آخرون‪ ،‬مثل ما نال أهل الذيوع‬
‫ت‬ ‫أ‬ ‫أن أسماء بعضهم تكون‬
‫ال� أسبغ عليها التاريخ ألقابًا‬ ‫السماء المعتادة ي‬ ‫والشهرة‪ ،‬عل الرغم من َّ‬
‫ونعوتًا ربّما لو قمنا بتحليلها وتفكيك بنيتها ثم‬ ‫دائما‪ ،‬عند َمن‬
‫بالكبار والتقدير والثناء ً‬ ‫مقرونة إ‬
‫إعادة تركيبها وتجميعها‪ ،‬أللفينا مفاجآت تت�ى‪،‬‬ ‫اهتموا‬
‫ّ‬ ‫ق�‪ ،‬الذين‬‫المست� ي ف‬
‫ش‬ ‫خصوصا‬
‫ً‬ ‫يعرفها‪،‬‬
‫مجددين‬ ‫ف‬ ‫وحفلوا بهم اهتماما بالغً ا‪ ،‬لم نستطع تقليدهم‬
‫تصب ي� مصلحة َمن حسبناهم ّ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬
‫إصالحي� بحكم التقليد ف ي� النقل‪ ،‬والتكرار ف ي�‬ ‫يف‬ ‫عمدا‪،‬‬
‫جهال ل ً‬ ‫يف‬
‫مهمل� إياه ً‬ ‫فيه‪ ،‬أو الطالع عليه؛‬
‫البحث!!‬ ‫يف‬
‫صالحي� الذين‬ ‫ال‬
‫تجديدا‪ ،‬ومن أولئك إ‬ ‫ً‬ ‫وتقليدا ل‬
‫ً‬
‫ُولد الشيخ الطنطاوي بقرية “نجريد”‪ ،‬التابعة‬ ‫وتقليدا‪ ،‬بي�ز اسم شيخ أزهري‬ ‫ً‬ ‫نسيناهم ً‬
‫جهال‬
‫لمح ّلة مرحوم‪ ،‬وهي إحدى قرى محافظة‬ ‫جليل‪ ،‬هو الشيخ محمد عياد الطنطاوي‪ ،‬الذي‬
‫دراسات‬
‫‪63‬‬

‫ولما يزل ف ي� الثالثة‬ ‫أ‬ ‫الغربية بالقرب من مدينة طنطا‪ ،‬ف ي� العام‬
‫إىل القاهرة ليلتحق بالزهر ّ‬
‫ع�ة من سنيه‪ ،‬وتتلمذ لعدد من أشياخ أ‬
‫الزهر‬ ‫ش‬ ‫‪ ،1810‬وحفظ القرآن الكريم ً‬
‫كامال قبل أن يرحل‬
‫ِِ‬
‫دراسات‬
‫‪64‬‬

‫تالمذته ف ي� أمــــور كانوا يرونها من البدع!!‬ ‫المرموق�‪ ،‬من أبرزهم الشيخ حسن العطار (ت‬ ‫يف‬
‫كث�ين من‬ ‫تضم تالمذة ي‬ ‫ّ‬ ‫وكانت حلقة الشيخ‬ ‫‪ 1250‬هـ)‪ ،‬لكنه اضطر بعد ذلك إىل العودة إىل‬
‫لعل أبرزهم “رودلف فرنيل”‪ ،‬و”نقول‬ ‫روسيا‪َّ ،‬‬ ‫طنطا عقب وفاة أبيه‪ ،‬الذي كان ي َّتجر ف ي� الزيوت‬
‫موخ�”‪ ،‬وهما اللذان لفتا انتباه أستاذهما إىل‬ ‫يف‬ ‫سنت�‪ ،‬كان يختلف فيهما‬ ‫والصابون‪ ،‬فمكث بها ي ف‬
‫روسيا والسفر إليها‪ ،‬وراساله تف�ة طويلة ف ي�‬ ‫الحمدي إللقاء بعض‬ ‫بانتظام إىل المسجد أ‬
‫والقامة‬ ‫محاولة منهما لح ّثه عل زيارة روسيا إ‬ ‫الدروس ف ي� الحديث والبالغة‪ ،‬ثم رجع مرة أخرى‬
‫ولما يتجاوز‬ ‫أ‬
‫بها‪ ،‬فقام “مسيو فرنيل” بتقديم طنطاوي إىل‬ ‫مدر ًسا به ّ‬‫إىل الزهر بالقاهرة ليعمل ّ‬
‫الكب� “كونت ميدن”‪ ،‬وصادف‬ ‫الروس ي‬ ‫القنصل‬ ‫الع�ين من ِس ِنيه‪.‬‬ ‫ش‬
‫ي‬
‫ال�قية ي� بطرسبورج‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫أن طلبت مدرسة اللسن ش‬ ‫الزهر‬ ‫لم يكن الطنطاوي مدرسا كسائر مدرس أ‬
‫ّ ي‬ ‫ًّ‬
‫العر� كانت‬ ‫أ‬ ‫ف‬
‫معلما للغة العربية‪ ،‬فطلب “كونت ميدن” من‬ ‫ً‬ ‫أن دروسه ي� الدب ب ي‬ ‫آنذاك؛ ذلك َّ‬
‫عل باشا‪ ،‬ابتعاث الشيخ‬ ‫تع� بقراءة مقامات الحريري‪ ،‬فكان شي�حها‬ ‫ف‬
‫واىل مرص‪ ،‬محمد ي‬ ‫ي‬
‫أ‬
‫طنطاوي إىل مدرسة اللسن‪.‬‬ ‫لطالبه وتالمذته بطريقة ماتعة شائقة‪ ،‬كما كان‬
‫عل عل الفور‪ ،‬ووافق عل سفر‬ ‫قبل محمد ي‬ ‫أيضا‪،‬‬ ‫يقرأ لهم ديوان الحماسة ويقوم شب�حه ً‬
‫الروس‪،‬‬ ‫الشيخ‪ ،‬وطلب إليه الجد بتع ّلم اللسان‬ ‫الكب� “أغناطيوس‬ ‫الروس ي‬ ‫ش‬
‫المست�ق‬ ‫إن‬
‫ح� َّ‬ ‫ت‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫التقدم العلمي والجتماعي الذي‬ ‫ّ‬ ‫ليعرف مدى‬ ‫أن الشيخ‬ ‫س�ته‪ ،‬ذهب إىل َّ‬ ‫اتشكوفسك”‪ ،‬كاتب ي‬ ‫ي‬ ‫كر‬
‫ف‬
‫ائدا لم يسبق إليه ي� ذلك‬
‫مرسوما‪ ،‬مهره‬‫ً‬ ‫وصلت إليه روسيا‪ ،‬بل كتب له‬ ‫الطنطاوي كان ر ً‬
‫بالكرام والحظوة إن فعل‪،‬‬ ‫بخاتمه‪ ،‬ووعده إ‬ ‫الميدان‪.‬‬
‫فسافر طنطاوي إىل روسيا‪ ،‬فبلغها بعد سفر‬ ‫اخت� الطنطاوي ف� ذلك الوقت للتدريس �ف‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫طويل استغرق زهاء أربعة أشهر‪ ،‬وما إن وصل‬ ‫إنجل�ية بالقاهرة‪ ،‬ربما هي المدرسة‬ ‫يف‬ ‫مدرسة‬
‫ف‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫النجليكانية ي� تلك‬ ‫ت‬
‫يع�‬
‫كب�ين‪ ،‬ما ي‬ ‫ح� اس ُت ِقبل بحفاوة وترحيب ي‬ ‫الرسالية إ‬ ‫ال� كانت تديرها إ‬ ‫ي‬
‫الوساط العلمية‬ ‫أن الشيخ كان ذائع الصيت ف� أ‬ ‫طلعا‬ ‫اليام‪ ،‬وهو ما جعل الشيخ الطنطاوي م ّ‬ ‫أ‬
‫ي‬ ‫َّ‬
‫أن تلميذيه قد كتبا‬ ‫والثقافية ي� روسيا‪ ،‬ويبدو َّ‬
‫ف‬ ‫عل مناهج أوروبية وطرق جديدة ف ي� التعليم‬
‫عنه هنالك‪ ،‬وأشارا إىل علمه وريادته‪.‬‬ ‫إن ح ْلقته التدريسية‬ ‫ح� َّ‬ ‫والتصال واللغة‪ ،‬ت‬
‫ف‬ ‫ف‬ ‫أك� الح ْلقات قاطبة‪،‬‬ ‫أ‬
‫محارصاته ودروسه‬ ‫و� روسيا‪ ،‬واصل الشيخ‬ ‫ي‬ ‫بالجامع الزهر كانت ب‬
‫كث�ون‪ ،‬سمعوا‬ ‫ال� كان يحرص عليها طالب ي‬ ‫ت‬ ‫حرصا‬ ‫غف� من الطلبة ً‬ ‫فكان يحتشد بها جمع ي‬
‫ي‬
‫كث�ا قبل وفادته عليهم‪ ،‬فكان يقوم‬ ‫عل الستماع والستمتاع بطريقة ش�ح الرجل �ف‬
‫عن الشيخ ي ً‬ ‫ي‬
‫ف‬
‫ال�قية‪ ،‬ثم ي� الكلية‬ ‫بالتدريس ف ي� المدرسة ش‬ ‫ح� أنحى عليه‬ ‫وتفس� غريب المقامات‪ ،‬ت‬ ‫الدب‬ ‫أ‬
‫ي‬
‫والدب‬ ‫ال�قية بالجامعة‪ ،‬إذ درس النحو أ‬
‫ّ‬ ‫ش‬ ‫الزهر بالالئمة ألنه كان ينفق وقته ووقت‬ ‫أشياخ أ‬
‫دراسات‬
‫‪65‬‬

‫أعدها رحلة مهمة تضارع‬ ‫ع� الميالدي‪ ،‬لذلك ّ‬ ‫ش‬ ‫كب�ة ف ي� الدوائر‬‫والخط والتاريخ‪ ،‬ونال حظوة ي‬
‫رحلة الطهطاوي إىل باريس‪ ،‬وتكشف عن أحوال‬ ‫مستشارا‬
‫ً‬ ‫السياسية والجتماعية هنالك‪ ،‬فكان‬
‫والتأث�ات‬ ‫المة الروسية وتقاليدها المختلفة‪،‬‬ ‫أ‬ ‫للدولة‪ ،‬وق ّلده قيرص روسيا أوسمة لنبوغ تالمذته‬
‫ي‬
‫ب� البلدين آنذاك‪.‬‬ ‫المتبادلة ي ف‬ ‫ونباهتهم ف ي� التحصيل منه‪ ،‬وكان أولئك التالميذ‬
‫ال� كانت ذا‬ ‫ت‬ ‫ش‬
‫تنبه إىل أهمية الشيخ‬ ‫أن أول من ّ‬ ‫نش� إىل َّ‬ ‫بقي أن ي‬ ‫نواة لمدرسة الست�اق الروسية‪ ،‬ي‬
‫ف‬ ‫كب� بعد ذلك‪.‬‬
‫محمد عياد الطنطاوي‪ ،‬كرائد أزهري ي� مجال‬ ‫شأن ي‬
‫ش‬ ‫الدراسات اللغوية أ‬ ‫أن معظم مؤلفات الشيخ‬
‫والست�اقية‪ ،‬هو‬ ‫والدبية‬ ‫ومما يؤسف عليه َّ‬
‫الشه�ة‬ ‫مقدمته‬ ‫ف‬
‫طنطاوي ما تزال محفوظة ي� مكتبة الدراسات‬
‫ي‬ ‫العالمة أحمد تيمور باشا؛ فكتب ّ‬
‫سماها باسم الشيخ‪ ،‬ش‬ ‫ت‬ ‫المم‬ ‫و� خزانة معهد أ‬ ‫ف‬ ‫ش‬
‫ون�تها إذ ذاك مجلة‬ ‫ال� ّ‬ ‫ي‬ ‫ال�قية بجامعة ليننجراد‪ ،‬ي‬
‫خصت مجلة “الرسالة” ف ي�‬ ‫السيوية‪ ،‬وربما يبلغ عددها نحو ‪ 150‬مخطو ًطا‪،‬‬ ‫آ‬
‫“المجمع العلمي”‪ ،‬كما ّ‬
‫فغا�‪ ،‬الشيخ‬ ‫ف‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ولم تجد تلك المؤلفات باح ًثا ينتصب لتحقيقها‬
‫الكب� سعيد ال ي‬ ‫مقالة بقلم الستاذ ي‬
‫فغا� عل جهود‬ ‫أ ف‬
‫طنطاوي بالذكر؛ إذ ّنبه ال ي‬
‫يف‬
‫الباحث�‬ ‫أهميتها‪ ،‬ربما أل َّن أغلب‬ ‫ّ‬ ‫واللماع إىل‬
‫إ‬
‫تيمور باشا ف ي� الكتابة عن الشيخ الطنطاوي‪ ،‬وهو‬ ‫أ‬
‫ف ي� حقل الدراسات اللغوية والدبية ل يكادون‬
‫يف‬
‫المهتم�‬ ‫الن‪ ،‬ويدعو باحثينا وكتابنا‬ ‫ما يدعونا آ‬ ‫يعرفون عن الرجل وقيمته وحياته ومصنفاته‬
‫ف‬ ‫سء ول تروي‬ ‫ف ش‬
‫تتبع مخطوطات الشيخ‬ ‫الثقا�‪ ،‬إىل ّ‬ ‫ي‬ ‫بالشأن‬ ‫سوى شذرات ونتف ل تفيد ي� ي‬
‫والتشم�‬ ‫طنطاوي ي� مكتبات روسيا وتركيا‪،‬‬ ‫ف‬ ‫غليل باحث أو كاتب‪.‬‬
‫ي‬
‫عن ساعد الجد لتهذيبها وتحقيقها ومراجعتها‬ ‫أ‬
‫من أجل ذلك‪ ،‬أهملت البحاث والدراسات كتابًا‬
‫ودراستها ف ي� مجالت اللغة والتاريخ وعلم الكالم‬ ‫الذكياء‬ ‫من أهم كتب الشيخ‪ ،‬وهو كتاب “تحفة أ‬
‫ح� أثمرت‬ ‫وغ�ها من علوم برع فيها الشيخ‪ ،‬ت‬ ‫ي‬ ‫بأخبار بالد الروسيا”‪ ،‬وفيه يصف روسيا وأهلها‬
‫الست�اق‬ ‫ش‬ ‫ف‬
‫جهوده عن إنشاء مدرسة عظيمة ي�‬ ‫وعاداتهم وتقاليدهم وأحوالهم الجتماعية‬
‫أ‬ ‫وغ�ها من أحوال جغرافية ومكانية‬
‫ورو� عامة‪ ،‬فكشف عن وجه‬ ‫الروس خاصة‪ ،‬وال ب ي‬ ‫ي‬ ‫والسياسية ي‬
‫ف‬
‫كب� أثر ي� تاريخ‬
‫السالم الحقيقي بسماحته وشموليته‪ ،‬وأبان‬ ‫إ‬ ‫وسكانية‪ ،‬ومع ذلك لم يكن له ي‬
‫عن حيوية اللغة العربية وآدابها وتاريخها ت‬ ‫العر� الحديث ككتاب زميله رفاعة رافع‬
‫ح�‬ ‫الفكر ب ي‬
‫تع ّلمت منه أجيال وطبقات روسية وأوروبية‪،‬‬ ‫البريز ي� تلخيص باريز”‪،‬‬‫ف‬
‫الطهطاوي “تخليص إ‬
‫آ‬ ‫يعد وثيقة علمية‬
‫الرغم من سهولة‬ ‫لك َّننا مقرصون الن عل َّ‬ ‫أن كتابه ذلك ّ‬ ‫عل الرغم من َّ‬
‫الوصول إىل مخطوطاته ومؤ ّلفاته‪ ،‬فهل يلتفت‬ ‫وأدبية ولغوية مهمة؛ لتبيان العالقات المرصية‪-‬‬
‫باحثونا إىل ذلك‪ ،‬أم يتناسون مجهودات ذلك‬ ‫العر� ف ي�‬
‫وتأث� الفكر ب ي‬ ‫الروسية ي� ذلك الزمان‪ ،‬ي‬
‫ف‬
‫الكب�؟!‬ ‫أ‬ ‫الست�اقية ف ي� القرن التاسع‬ ‫ش‬ ‫المدارس الروسية‬
‫المصلح الزهري ي‬
‫دراسات‬
‫‪66‬‬

‫مترجما‬
‫ً‬ ‫فخري صالح‬
‫د‪ .‬زياد أبولبن‪ /‬األردن‬

‫ع�‬ ‫ف‬ ‫ُ‬ ‫َ‬


‫وقفت عل مقدمات عدد من ترجمات فخري‬ ‫ُ‬ ‫لقد‬ ‫سيقال ّ ي‬ ‫أن ما ُ‬‫“أعرف َّ‬ ‫قال عبدالستار نارص‪:‬‬
‫صالح‪ ،‬ي ّ ف‬ ‫ع�ة أعوام أخرى لو‬ ‫سيبقي� ش‬ ‫ف‬ ‫مو�‪ ،‬كان‬ ‫ت‬
‫يقدم لمحتوى الكتاب‬ ‫فتب� يىل أنه ل ِّ‬ ‫ي‬ ‫بعد ي‬
‫ت‬
‫حيا�”‪.‬‬ ‫ف‬
‫فقط‪ ،‬وإنَّما يناقش قضايا نقديّة تتعلق بالكتاب‬ ‫قيل ي� ي‬
‫نفسه‪ ،‬ويق ِّلب المسألة عل أوجه مختلفة‪ ،‬بوعي‬ ‫ال�‬ ‫ت‬
‫عر� يمتلك أدواته النقديّة‪ ،‬ي‬ ‫إنَّنا أمام ناقد ب ي‬
‫وي�ر سبب اختياره تل�جمة هذا‬ ‫أ‬
‫العر� وتدفعه لالمام‪ ،‬ول‬ ‫ف‬
‫الناقد الحصيف‪ ،‬ب ِّ‬ ‫تسهم ي� حركة النقد ب ي‬
‫الكتاب أو ذاك‪ ،‬بل أحيانًا يعمد لكتابة تعليقات‬ ‫يقف عل قوالب نقديّة جاهزة‪ ،‬ومن حيث الزمان‬
‫حواس الكتاب ت‬
‫الم� َجم‪ ،‬بل‬ ‫ي‬
‫ش‬ ‫وإضافات ف ي�‬ ‫فإنه ل ينشغل ف ي� كتابات جيله ويصمت عن‬
‫د�‬ ‫أ‬
‫الغر�‪ ،‬ومصطلحات‬‫يعرف ببعض أسماء النقد ب ي‬ ‫ِّ‬ ‫أجيال سبقته أو لحقته‪ ،‬بل يتابع المنجز ال ب ي‬
‫ف‬
‫يتجل ذلك ي� ترجمته لكتاب “النقد‬ ‫النقد‪ ،‬كما ّ‬ ‫العر� بع� أجيال مختلفة‪.‬‬ ‫بي‬
‫والمجتمع”‪.‬‬ ‫وقد ن� فخري صالح مقالت ودراسات نقديّة‬ ‫ش‬
‫ف ي� وقت مبكّر من حياته‪ ،‬وطبع أوىل مؤلفاته‬
‫المبدأ الحواري لباختين‬ ‫والع�ين من العمر‪ ،‬بعنوان‬ ‫ش‬ ‫ولم يبلغ الخمسة‬
‫الروس‬ ‫عد كتاب “المبدأ الحواري”(‪ ،)2‬للكاتب‬ ‫ف‬ ‫أ‬ ‫ف‬
‫ي‬ ‫يُ ُّ‬ ‫ا� المحتلة”(‪ .)1‬وكتب‬ ‫القص�ة ي� الر ي‬ ‫ي‬ ‫“القصة‬
‫ال� قام فخري‬ ‫ت‬ ‫“ميخائيل ي ف‬
‫باخت�”‪ ،‬أول الكتب ي‬ ‫ف ي� نقد القصة والرواية ونقد النقد وترجم ستة‬
‫ال�‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال ي ف‬
‫صالح ب�جمتها‪ ،‬حيث كتب مقدمة الكتاب‪ ،‬ي‬ ‫نجل�ية‪ ،‬وكتب مقالت‪ ،‬فهو‬ ‫كتب عن اللغة إ‬
‫“باخت�” ف ي� الدراسات‬
‫يف‬ ‫تقف عل إشارة عن دور‬ ‫ون�‬ ‫نجل�ية‪ ،‬ش‬‫وال ي ف‬
‫باللغت� العربية إ‬ ‫يف‬ ‫وين�‬‫يكتب ش‬
‫ال� تتناول النوع أ‬
‫الروا� أو اللسانيات أو الطبيعة‬ ‫ت‬ ‫جنبية‪،‬‬ ‫أ‬ ‫ف ي� بك�يات الصحف والمجالت‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫العربية وال ّ‬
‫ّ‬
‫التمي� ي ف‬
‫ب�‬ ‫يف‬ ‫النسانية أو‬ ‫و� أهم دور ش‬ ‫ف‬
‫الحوارية للمارسات إ‬ ‫العربية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الن�‬ ‫ي‬
‫دراسات‬
‫‪67‬‬

‫ف‬ ‫نسانية أو نظريّة‬


‫العر�‪ ،‬فقد أثّرت‬
‫عاليا ي� الغرب والوطن ب ي‬ ‫صدى ً‬ ‫ال ّ‬ ‫الطبيعية والعلوم إ‬
‫ّ‬ ‫العلوم‬
‫ف‬
‫مقولته وأفكاره ي� تيارات ما بعد البنيوية وما‬ ‫يف‬
‫“باخت�” الفاعل والمؤثّر‪.‬‬ ‫أ‬
‫الدب‪ ،‬وحضور‬
‫ف‬
‫الثقا� ونظرية‬ ‫بعد الماركسية والنسوية والنقد‬ ‫يف‬
‫“باخت�”‪،‬‬ ‫الفكار أ‬
‫الساسية ف ي� كتاب‬ ‫كما أبرز صالح أ‬
‫ي‬
‫التلقي الثقافية‪.‬‬ ‫بما يتعلق بالمفهوم الحواري‪ ،‬والطبيعة الهجينة‬
‫“باخت�” رسالة تنطوي عل مفاهيم‬ ‫يف‬ ‫يحمل‬ ‫للعالمة اللغوية‪ ،‬ونفي الثنائية عن العالقة ي ف‬
‫ب�‬
‫آ‬
‫متعددة � عالقة الخر والتواصل إ ف‬ ‫ف‬ ‫د�‪،‬‬ ‫أ‬
‫نسا�‬
‫ال ي‬ ‫ي‬ ‫العالمة اللغوية والدللة‪ ،‬ومفهوم النوع ال ب ي‬
‫يف‬
‫“باخت�”‬ ‫وي�ز حضور‬ ‫آ‬ ‫أ‬
‫دوما‬
‫وتفاعل الثقافات والهوية المتحولة القابلة ً‬ ‫ومفهوم النا والخر‪ .‬ب‬
‫يف‬ ‫يف‬ ‫ال� أخذت‬ ‫ت‬
‫“باخت�” سعى إىل تأسيس علم‬ ‫أن‬
‫للتهج�‪ ،‬أي َّ‬ ‫بعد تراجع البنيوية والتفكيكية ي‬
‫دراسات‬
‫‪68‬‬

‫ينم عن ثقافة واسعة‪ ،‬وقدرة عل امتالك‬ ‫وعي ّ‬


‫والتقىص والدراسة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫أدوات البحث‬
‫يف‬
‫الباحث�‬ ‫سؤال عن سبب اجتذاب‬ ‫ويطرح صالح ً‬
‫“باخت�” وكتاباته؛ ومن‬ ‫يف‬ ‫اس� العرب إىل فكر‬ ‫والدر ي ف‬
‫تنظ�اته‬ ‫ف‬ ‫يف‬
‫تأث� واضح ي� ي‬ ‫“باخت�” له ي‬ ‫أن‬
‫المعروف َّ‬
‫حول الرواية‪ ،‬مما جعل نقد الرواية العربية‬
‫شدد عل‬ ‫“باخت�”‪ ،‬وهو الذي َّ‬ ‫يف‬ ‫مصبوغًا برؤية‬
‫أ‬
‫الروا� ي� مقابل أحادية النواع‬ ‫ف‬ ‫أ‬ ‫حوارية النوع‬
‫ي‬
‫أ‬ ‫ف‬
‫الشعرية‪ ،‬وهذا ما فعله ي� تحليل الساليب‬
‫“دستويفسك”‪.‬‬
‫ي‬ ‫الروائية ف ي� روايات‬
‫يفوق الجهد الذي بذله صالح ف ي� ترجمته لكتاب‬
‫جم� الذين سعوا إىل ترجمة‬ ‫الم� ي ف‬ ‫“باخت�” جهود ت‬‫يف‬
‫أت ترجمة محمد براده (الخطاب‬ ‫كتبه‪ ،‬وقد قر ُ‬
‫لعت عل ترجمة محمد‬ ‫لباخت�)‪ ،‬وا َّط ُ‬ ‫يف‬ ‫أ‬
‫الروا�‬
‫ي‬
‫“باخت�”‪“ :‬الماركسية‬ ‫يف‬ ‫ويم� العيد لكتاب‬ ‫البكري ف‬
‫وفلسفة اللغة”‪ .‬فقد ترجم صالح ترجمة دقيقة‬
‫ل لبس ف ي� المفاهيم والمصطلحات‪ ،‬وأعاد‬
‫النظر ف ي� كل طبعة جديدة للكتاب‪ ،‬وكأنه يراجع‬
‫ال�جمة ف ي�‬ ‫ح� تستقيم ت‬ ‫ويغ� ت‬
‫ويعدل ي ِّ‬ ‫ترجمته‪ِّ ،‬‬
‫وضوحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ش‬
‫أسلوب ناصع‪ ،‬وترجمة أك�‬
‫يف‬
‫“باخت�”‬ ‫فما عمله “تودوروف” من ترجمة أعمال‬
‫يعد من الجهود البارزة والعالمات‬ ‫إىل الفرنسية ّ‬ ‫الجمال‪ ،‬وإعادة النظر ف ي� مفهوم الهوية ف ي�‬
‫الفارقة ف ي� الثقافات العالمية بعدما كانت أعمال‬ ‫الخرى‪ ،‬فلم تعد هوية‬ ‫تداخالتها مع الهويات أ‬
‫يف‬
‫“باخت�” مجهولة‪.‬‬ ‫نقية أو صافية لفرد أو ثقافة أو أمة‪ ،‬وإنَّما هوية‬
‫المخصبة لكل عالمة‬
‫ّ‬ ‫تتشكل من خالل الذاكرة‬
‫َّ‬
‫النقد والمجتمع‬ ‫لغوية‪ ،‬فهي هوية ل تورث وإنَّما تتشكل من‬
‫إن ما جاء ف ي� كتاب “النقد والمجتمع” من حوارات‬
‫ّ‬ ‫يقدم صالح‬ ‫آ‬
‫خالل التفاعل مع الخرين‪ .‬هكذا ّ‬
‫يف‬
‫العالمي�‪ ،‬أمثال “رولن بارت”‪،‬‬ ‫مع كبار الك ّتاب‬ ‫الباختي� ف ي� الثقافات المتعددة‪،‬‬
‫ي‬
‫ف‬ ‫وعيه بالمنجز‬
‫دراسات‬
‫‪69‬‬

‫ويغ�‬ ‫العالم”‪ ،‬وهذا ما يرفع من قيمة الكتاب ف‬ ‫و”بول دي مان”‪ ،‬و”جاك دريدا”‪ ،‬و”نورثروب‬
‫ي‬
‫الثقافة الكونية أو العالمية‪ ،‬بما تمثله من تيارات‬ ‫فراي”‪ ،‬و”إدوارد سعيد”‪ ،‬و”جوليا كريستيفا”‪،‬‬
‫أساسية ف ي� النقد المعارص‪ .‬إذًا مهمة الكتاب تقوم‬ ‫ال�جمة‪ ،‬وتقديمه‬ ‫و”ت�ي إيجلتون”‪ ،‬يستحق ت‬ ‫ي‬
‫عل “تقديم قراءة للمشهد النقدي المعارص ف ي�‬ ‫العر� لما يحمله من رؤى واعية للعالم‪،‬‬ ‫للقارئ ب ي‬
‫وقدم له‪ ،‬فما‬ ‫وحرره َّ‬ ‫ت‬
‫أن‬
‫العالم من خالل شهادات النقاد أنفسهم‪ ،‬إل َّ‬ ‫ف�جم صالح الكتاب َّ‬
‫سؤال عالقة النقد بالمجتمع يظل معلقًا ف ي� فضاء‬ ‫جاء ف ي� المقدمة ما هو إل معرفة نقديّة واعية‬
‫فعال ما يشغل أساتذة‬ ‫هذه الحوارات”‪ ،‬وهذا ً‬ ‫بالمنجز النقدي ف ي� الغرب‪ ،‬وانشغالت النخبة‬
‫الجامعات ف ي� العالم عربًا وأجانب عن المنهج‬ ‫الم�جم‬ ‫و� المقدمة أبرز ت‬ ‫ف‬
‫المثقفة هناك‪ ،‬ي‬
‫وعالقة النقد بالمجتمع‪ ،‬كما ينشغل النقاد‬ ‫مهمت� وهما‪ :‬النقد داخل أسوار‬ ‫يف‬ ‫يف‬
‫مسألت�‬
‫الدب والنقد بالمؤسسات‪ ،‬وعالقة‬ ‫ف� عالقة أ‬ ‫الجامعات‪ ،‬والنقد خارجه‪ ،‬وانحاز إىل النقد‬
‫ي‬
‫أ‬ ‫ف‬ ‫يتوجه إىل‬
‫التعليم الجامعي ي� أقسام الدب وبتطوير‬ ‫الذي “يكون ذا طابع تنويري تعليمي َّ‬
‫ساس‬ ‫أ‬ ‫ش�يحة واسعة من القراء‪ ،‬إذ يتخفّف من لغته‬
‫المؤسسة النقديّة‪ ،‬فما هو دور الجامعة ال ي‬
‫المف�ض أنها‬ ‫ت‬ ‫ف ي� تنمية الممارسة النقديّة؟ من‬ ‫المعقدة وانشغالته النخبويّة البارزة”(‪ ،)3‬باعتبار‬
‫تسمح بنمو تيارات نقديّة قد تكون مخالفة‬ ‫دورا ف ي� حياة المجتمع‪ ،‬وهذا الدور‬ ‫أن للناقد ً‬ ‫َّ‬
‫ال�ائح المتحكمة ف ي� المجتمع‪،‬‬ ‫أليديولوجيا ش‬ ‫جزء من الممارسة النقديّة‪ ،‬كما يقول صالح‪،‬‬
‫وما هي وظيفة النقد وعالقته بالمجتمع‪ ،‬بعدما‬ ‫ويشدد عل طابعها الدنيوي “إدوارد سعيد”‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫انح� النقد ف ي� دائرة مغلقة نخبويّة من القراء؟‬ ‫فكرا‬
‫أن “صالح” متأثر ب ِـ”سعيد” ً‬ ‫ومن المالحظ َّ‬
‫يعزو صالح ف ي� مقدمته إىل نمو وترعرع النقد‬ ‫كث�ا ي� كتاباته‪ ،‬وليس‬ ‫ف‬
‫ونقدا‪ ،‬ويستشهد بأقواله ي ً‬ ‫ً‬
‫داخل الجامعة‪ ،‬فانشغل ف ي� “اللغة الصطالحية‬ ‫هذا يقلل من معرفة صالح وثقافته وعلمه‪ ،‬وإنَّما‬
‫التأث� عل النقاد العرب‬ ‫ف‬
‫الفخمة وغموضها الساحر وانشغالها بالنظرية‬ ‫كب� ي� ي‬ ‫لـ”سعيد” دور ي‬
‫تفك�ها فبرصورة إقامة جسور للتواصل‬ ‫ف‬
‫أيضا‪ ،‬وينشغل صالح ي� مقدمة‬ ‫يف‬
‫والغربي� ً‬
‫وعدم ي‬
‫مع المجتمع ومشكالته الفعلية”‪.‬‬ ‫مهم� ف ي� الثقافة العربية‪ ،‬وهما‪:‬‬ ‫بسؤال� ي ف‬ ‫يف‬ ‫الكتاب‬
‫يوجه صالح سهام نقده الشديد للمؤسسات‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬
‫منشغال‬ ‫تنازل إذ يصبح تنويريًّا‬ ‫هل يقدم الناقد ً‬
‫“إن الجامعات‬ ‫الجامعية العربية‪ ،‬حيث يقول‪َّ :‬‬ ‫اع�اله‬‫ت‬
‫بالهموم العامة؟ وهل يربح النقد من ف‬
‫نسبيا‪ ،‬عن المشهد النقدي‬ ‫ًّ‬ ‫العربية غائبة‪،‬‬ ‫النصية؟‬
‫ّ‬ ‫الناس وانسحابه داخل دائرته‬
‫ال� تتابعت‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫المعارص‪ ،‬ونظرة عجل عل ما يدرسه الطلبة‬ ‫الجابة عنهما ي� تلك الحوارات ي‬ ‫نجد إ‬
‫أ ف‬ ‫ف‬ ‫حاورون “يشكلون أجزاء‬ ‫ف‬
‫أن‬ ‫ي� أقسام الدب ي� هذه الجامعات تثبت لنا َّ‬ ‫الم َ‬
‫ي� الكتاب‪ ،‬وهؤلء ُ‬
‫الكاديمي عن‬ ‫المشكلة ل تقوم ف� عزلة النقد أ‬ ‫مقتطعة من المشهد النقدي المعارص ف ي�‬
‫ي‬
‫دراسات‬
‫‪70‬‬

‫الكث� من‬ ‫ف‬ ‫الكاديمي‬ ‫الوسط الجتماعي‪ ،‬بل ف� عزلة النقد أ‬


‫وهي ي� الوقت نفسه تسمح بتوضيح ي‬ ‫ي‬
‫توصل إليها‬ ‫ال� ّ‬ ‫عن المعرفة ي ت‬
‫أيضا‬‫الجوانب الخاصة بفكر الناقد”‪ ،‬ويعلل ً‬ ‫الوف�ة ي‬
‫إن الطلبة يواجهون‬ ‫ف‬
‫سبب اختياره هذه الحوارات ووضعها تحت هذا‬ ‫البحث النقدي ي� العالم‪َّ .‬‬
‫العنوان (النقد والمجتمع)‪ ،‬فيقول‪( :‬لقد بدأت‬ ‫الغ�اب عن روح المعرفة المعارصة‬ ‫ت‬ ‫مص�‬
‫ي‬
‫ذه� منذ سنوات قليلة‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫س� الجهلة إىل‬ ‫المدر ي ف‬ ‫مدفوع� بمجموعة من‬ ‫يف‬
‫فكرة الكتاب تتشكل ي� ي‬ ‫ِّ‬
‫سالوسي� يك “النقد ف ي�‬
‫فف‬ ‫بعد أن قرأت كتاب إمري‬ ‫والبداع‪،‬‬‫عرص الجهل والنفصال عن الحرية إ‬
‫استوحيت منه عنوان الكتاب‪،‬‬ ‫المجتمع” الذي‬ ‫البواب والنوافذ ف ي� وجه‬ ‫وذلك بسبب إغالق أ‬
‫ُ‬
‫ال� أجراها ش‬ ‫ت‬
‫ون�ها‬ ‫ترجمت ثالثةً من حواراته ي‬
‫ُ‬ ‫كما‬ ‫ت�ب المعرفة المعارصة إىل مقاعد الطلبة‪ .‬لقد‬ ‫ُّ‬
‫عامل�‬ ‫ف‬
‫ف� “النقد � المجتمع”)‪ .‬وقد اختار نقا ًدا ي ف‬ ‫سجن الطلبة داخل قمقم التقليد والتعليم‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫“ت�ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫الببغاوي”‪.‬‬
‫ي� الجامعات ال يم�كية‪ ،‬ومن أبرزهم ي‬ ‫َّ‬
‫إيجلتون”‪.‬‬ ‫حلول‪ ،‬ومن‬ ‫ً‬ ‫فصالح يطرح المشكلة ويجد لها‬
‫“� ممارسة نقد ذي مستويات‪.‬‬ ‫ف‬
‫وجهة نظره الحل ي‬
‫شعرية التفاصيل‬
‫ّ‬ ‫موجه إىل القارئ المتخصص‪،‬‬ ‫بعض هذا النقد َّ‬
‫ما جاء ف ي� مقدمة “شعرية التفاصيل‪ :‬أثر ريتوس‬ ‫موجه إىل ش�يحة واسعة من‬ ‫آ‬
‫وبعضه الخر َّ‬
‫العر� المعارص‪ :‬دراسة ومختارات”(‪،)4‬‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫ي� الشعر ب ي‬ ‫خ� مطالب بتبسيط جهازه‬ ‫القراء‪ .‬والنقد ال ي‬
‫العر� معرفة بحياة الشاعر‬ ‫بي‬ ‫يقدم للقارئ‬ ‫ِّ‬ ‫المفاهيمي‪ ،‬ما أمكنه ذلك‪ ،‬ليستطيع ممارسة‬
‫اليونا� “يانيس ريتسوس”‪ ،‬وهذا يدفع إىل فهم‬ ‫ف‬ ‫مهماته التنويرية”‪ .‬ويطالب أن يكون هناك نقد‬
‫ي‬
‫مس�ة حياته المأساوية‪،‬‬ ‫ف‬
‫شعر “ريتسوس” ي� إطار ي‬ ‫بالمع� العام‬‫ف‬ ‫“يعي دوره ف ي� المجتمع‪ ،‬أل َّن النقد‬
‫وانعكاسها عل قصائده ك ّلها‪ ،‬وقد قام فخري‬ ‫النتاج الجتماعي‪ ،‬وهو منشغل‬ ‫ف‬
‫مندرج ي� سياق إ‬
‫خمس� قصيدة للشاعر‪ ،‬وإن كان‬ ‫يف‬ ‫صالح تب�جمة‬ ‫بالثوابت العامة لحركة المجتمع”‪ ،‬لذلك خ�‬
‫صالح لم يُ ش� عل غالف الكتاب بأنه تم�جم‬ ‫النقد ش�يحة واسعة من قرائه‪.‬‬
‫الشارة‬‫ودارس لمختارت شعريّة‪ ،‬وإنَّما جاءت إ‬ ‫ويعلل صالح سبب اختياره تل�جمة مجموعة‬
‫ال�جمة عن اللغة‬ ‫ف� مقدمة الكتاب‪ .‬وجاءت ت‬ ‫من الحوارات مع النقاد وليست دراسات‪ ،‬أ‬
‫“ل َّن‬
‫ي‬
‫أن سعدي يوسف‬ ‫نجل�ية‪ ،‬ومن المعروف َّ‬ ‫ف‬ ‫ال ي‬ ‫إ‬ ‫طبيعة المقابلة تسمح بإقامة حوار من نوع خاص‬
‫وأن‬ ‫ب� من يطرح أ‬ ‫يف‬
‫ترجم “إيماءات” وهي مختارات شعريّة‪َّ ،‬‬ ‫السئلة ومن يجيب عنها”‪ ،‬باعتبار‬
‫ع�ين قصيدة لـ”ريتوس”‪ ،‬كما‬ ‫أدونيس ترجم ش‬ ‫المقابلة‪ ،‬كما يرى صالح‪“ ،‬نوع من الخطابات‬ ‫ُ‬
‫ترجم هشام فهمي كتاب “إيروتيكا” الشعري‬ ‫أ‬
‫ال� تسمح بتعديل الفكار والتصورات‬ ‫ت‬
‫التعددية ي‬
‫ع�ة‬ ‫لـ”ريتوس”‪ ،‬وترجم إسكندر حبش تسع ش‬ ‫الجوبة‪.‬‬‫والع�اض عل أ‬ ‫ت‬ ‫السئلة‬ ‫من خالل طرح أ‬
‫دراسات‬
‫‪71‬‬

‫االستشراق‬
‫“الست�اق‪:‬‬ ‫ش‬ ‫الم�جم ف ي� مقدمته لكتاب‬ ‫يقف ت‬
‫(‪)5‬‬
‫الداب والمعارف الغربية”‬ ‫ال�ق ف� آ‬ ‫صورة ش‬
‫ي‬
‫باكستا�‪ ،‬عل‬ ‫ف‬ ‫للكاتب ضياء ساردار‪ ،‬وهو باحث‬
‫ي‬
‫إشكالية المفهوم ف ي� الثقافات العالمية‪ ،‬بوصف‬
‫ال�ق‬ ‫“الست�اق جهاز مفاهيمي لدراسة ش‬ ‫ش‬ ‫أن‬
‫َّ‬
‫ّ‬
‫وتحليله والحكم عليه وإحكام السيطرة حوله” ‪،‬‬
‫(‪)6‬‬

‫انزياحا بحسب‬ ‫ً‬ ‫أن المفهوم أخذ‬ ‫ونحن نعلم َّ‬


‫وتأسس عل “دراسة كافّة‬ ‫تعدد وجهات النظر‪َّ ،‬‬ ‫ُّ‬
‫غر�”‬ ‫قافية ش ّ‬ ‫ف‬
‫لل�ق من وجهة نظر ب ي‬ ‫الب� ال ّث ّ‬
‫(‪)7‬‬

‫أن إدوارد سعيد يؤسس لهذا المفهوم‬ ‫باعتبار َّ‬


‫الست�اق ‪ ،‬ودراسة سعيد أثارت‬ ‫(‪)8‬‬ ‫ش‬ ‫ف ي� كتابه عن‬
‫يف‬
‫المثقف�‪.‬‬ ‫ب� أوساط‬ ‫ونقدا ي ف‬‫ظا ً‬ ‫ونقاشا وتقري ً‬ ‫ً‬ ‫جدل‬‫ً‬
‫الست�اق فمن “الصعب‬ ‫ش‬ ‫وإذا نظرنا إىل بدايات‬
‫يف‬
‫المؤرخ�‬ ‫أن بعض‬ ‫لالست�اق‪ ،‬إذ َّ‬ ‫ش‬ ‫تحديد بداية‬
‫أ‬
‫السالمية ي� الندلس‪،‬‬ ‫ف‬
‫وينبه إىل أيام الدولة إ‬ ‫يعود ِّ‬
‫الصليبي�‪ ،‬بينما‬ ‫يف‬ ‫ح� يعود به آخرون إىل أيام‬ ‫ف� ي ف‬
‫ي‬
‫ف‬ ‫أ‬
‫كث�ون إىل أيام الدولة الموية ي� القرن‬ ‫يرجعه ي‬
‫الثا� الهجري” ‪ّ ،‬أما عل صعيد المفهوم فلم‬ ‫(‪)9‬‬ ‫ف‬ ‫قصيدة‪ ،‬وقد تكون هناك ترجمات عربية أخرى‪.‬‬
‫ي‬
‫الست�اق ‪ Orientalism‬ف ي� أوروبا‬ ‫ش‬ ‫يظهر مفهوم‬ ‫لكن‪ ،‬ما الذي أضافه صالح عل هذه ت‬
‫ال�جمة‪،‬‬
‫أول �ف‬ ‫إل مع نهاية القرن الثامن ش‬ ‫ال� تناولت “يانيس‬ ‫ت‬
‫ع�‪ ،‬فقد ظهر ً ي‬ ‫تلك الدراسة العميقة ي‬
‫و� فرنسا عام ‪1799‬م‪،‬‬ ‫ف‬
‫إنجل�ا عام ‪1779‬م‪ ،‬ي‬
‫ت‬ ‫العر� المعارص‪ :‬ولدة‬
‫بي‬ ‫ريتسوس ف ي� الشعر‬
‫الكاديمية الفرنسية عام‬ ‫كما أدرج ف� قاموس أ‬ ‫قصيدة التفاصيل اليومية”‪ ،‬وقام بدراسة أصداء‬
‫ي‬
‫‪1838‬م‪.‬‬ ‫تجربة “ريتوس” ف ي� القصيدة العربية المعارصة‪،‬‬
‫إن “ساردار” ي� كتابه يرتاد‬ ‫ف‬
‫يذكر الم�جم َّ‬ ‫ت‬ ‫متخذً ا من سعدي يوسف ف ي� “يوميات الجنوب‬
‫مغايرا لما سار عليه إدوارد سعيد‪ ،‬وما‬ ‫ً‬ ‫دربًا‬ ‫نموذجا إىل جانب نماذج أخرى‬
‫ً‬ ‫يوميات الجنون”‬
‫يفعله “ساردار” ي� “كتابه تقديم تاريخ موجز‬ ‫ف‬ ‫مثل‪ :‬عباس بيضون وأمجد نارص ونوري الجراح‬
‫لالست�اق‪ ،‬وتلخيص الرؤى النظرية حول الفرع‬ ‫ش‬ ‫الطي� ووليد خازندار‪.‬‬
‫ولينا ب ي‬
‫دراسات‬
‫‪72‬‬

‫الهوامش‬

‫ا�‬ ‫ي ف أ ف‬
‫القص�ة ي� الر ي‬ ‫(‪ )1‬فخري صالح‪ ،‬القصة‬
‫المحتلة‪ ،‬دار العودة‪ ،‬يب�وت‪.1982 ،‬‬
‫يف‬
‫باخت� المبدأ‬ ‫(‪ )2‬تزفيتان تودوروف‪ ،‬ميخائيل‬
‫للن�‬ ‫الحواري‪ ،‬ترجمة‪ :‬فخري صالح‪ ،‬رؤية ش‬
‫والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪.2012 ،‬‬
‫(‪ )3‬النقد والمجتمع‪ ،‬حوارات‪ ،‬ترجمة وتحرير‪:‬‬
‫فخري صالح‪ ،‬الهيئة العامة لقصور الثقافة‪،‬‬ ‫ال�ق‪ ،‬وإعادة‬ ‫الملتبس من المعارف حول ش‬
‫القاهرة‪.‬‬ ‫الست�اق بوصفه ممارسة معارصة‪،‬‬ ‫ش‬ ‫النظر حول‬
‫(‪ )4‬فخري صالح‪ ،‬شعرية التفاصيل‪ :‬أثر ريتوس‬ ‫الست�اقية” ‪.‬‬
‫(‪)10‬‬ ‫ش‬ ‫الحدا� للعملية‬ ‫ش‬ ‫تأمل البعد‬ ‫ثم ّ‬
‫ي‬
‫العر� المعارص‪ :‬دراسة ومختارات‪،‬‬ ‫بي‬ ‫ف ي� الشعر‬ ‫المعر� حول‬
‫ي‬
‫ف‬ ‫فالم�جم بوعيه ونظرته للمنجز‬ ‫ت‬
‫والن�‪ ،‬يب�وت‪،‬‬ ‫ش‬ ‫المؤسسة العربية للدراسات‬ ‫جاهدا لتقريب المفاهيم‬ ‫ً‬ ‫الست�اق يسعى‬ ‫ش‬
‫‪.1998‬‬ ‫ف ي� عملية التلقي‪ ،‬ونقد “ساردار” الذي أنكر عل‬
‫ال�ق �ف‬ ‫“الست�اق‪ :‬صورة ش‬ ‫ش‬ ‫(‪ )5‬ضياء ساردار‪،‬‬
‫ي‬ ‫التيان بأي جديد‪ ،‬وانحاز المؤلف‬ ‫إدوارد سعيد إ‬
‫أبوظ� للسياحة‬ ‫آ‬ ‫وغ�ها‪ ،‬فلم يكتف ت‬
‫الداب والمعارف الغربية‪ ،‬هيئة ب ي‬ ‫الم�جم‬ ‫إىل إنجازات عربية ي‬
‫(م�وع كلمة)‪،2012 ،‬‬ ‫والثقافة ش‬ ‫قدم وجهة نظره‬ ‫بتقديم الكتاب للقارئ‪ ،‬وإنَّما ّ‬
‫(‪ )6‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.9‬‬ ‫ووجه سهام نقده‪ ،‬ولم بي�ز دفاعه عن‬ ‫النقديّة‪ّ ،‬‬
‫(‪www.wikipedia.org )7‬‬ ‫سعيد‪ ،‬وإنَّما استشهد بقول “كيث ويندسكاتل”‬
‫الستت�اق‪ ،‬ترجمة‪ :‬كمال‬ ‫ش‬ ‫(‪ )8‬إدوارد سعيد‪،‬‬ ‫ف ي� مقالة له نُ ش�ت ف ي� مجلة “المعيار الجديد”‪،‬‬
‫أ‬
‫أبوديب‪ ،‬مؤسسة البحاث العربية‪ ،‬يب�وت‪،‬‬ ‫ف‬
‫“إن‬
‫واحدا ي� إشارة إلدوارد سعيد‪َّ :‬‬ ‫شاهدا ً‬ ‫ً‬ ‫واقتبس‬
‫‪.1981‬‬ ‫الفلسطي� هو من الضخامة‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫الدب ال يم� يك‬ ‫تأث� أ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫(‪www. Saaid.net )9‬‬ ‫ال� تكتب‬ ‫ت‬ ‫أن عد ًدا ً‬
‫هائال من التعليقات‪ ،‬ي‬ ‫بحيث َّ‬
‫ال�ق ف ي�‬‫الست�اق‪ :‬صورة ش‬ ‫ش‬ ‫(‪ )10‬ضياء ساردار‪،‬‬ ‫حول الفن والدب والسينما والموسيقى والتاريخ‬ ‫أ‬
‫آ‬ ‫أ‬
‫الداب والمعارف الغربية‪ ،‬ص‪.10‬‬ ‫طقسية ف ي� محراب‬ ‫ّ‬ ‫تتعبد بصورة‬ ‫ّ‬ ‫ورو�‪،‬‬
‫ال ب ي‬
‫(‪ )11‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.16‬‬ ‫أفكاره”(‪.)11‬‬
‫دراسات‬
‫‪73‬‬

‫المستقبلية‬
‫ّ‬ ‫الرؤية‬
‫فانتازيا ُّ‬
‫رواية “حرب الكلب الثانية”‬
‫أنموذجا‬
‫ً‬ ‫لـ ”إبراهيم نصرالله”‬
‫هدى أبو غنيمة‪ /‬األردن‬

‫أن‬ ‫أ‬ ‫تمهيدية‬ ‫إطاللة‬


‫والشخاص عل جدار الكهف‪ ،‬وهم يعتقدون َّ‬ ‫ّ‬
‫هذه الظالل هي الحقيقة‪ ،‬وهي ليست كذلك‪،‬‬ ‫َل ْم يكُن اختياري لهذه الرواية لكونها حازت جائزة‬
‫ولعل بروز الكهف ف ي� فلسفة أفالطون كما يرى‬ ‫َّ‬ ‫البوكر‪ ،‬بل أل َّن إبراهيم نرصالله برؤيته الفانتازية‬
‫ب� قيم الحياة‬ ‫د‪.‬فؤاد زكريا هو تصوير للرصاع ي ف‬ ‫النسان وعالقته‬ ‫يهدد سالم إ‬ ‫للمستقبل‪ ،‬الذي ِّ‬
‫السطحية‪ ،‬وهو‬
‫ّ‬ ‫اليومية‬
‫ّ‬ ‫الفلسفية‪ ،‬وقيم الحياة‬ ‫ّ‬ ‫التوحش‪ ،‬قد‬ ‫ُّ‬ ‫استبدت به نزعة‬ ‫َّ‬ ‫بمجتمعه إذا ما‬
‫رصاع قد يدور داخل الفرد نفسه مثلما يدور يب�ف‬ ‫الرؤية‬ ‫ف‬
‫إنسا� جمعي فانتازي ُّ‬ ‫ي‬ ‫ع� عن شعور‬ ‫ب َّ‬
‫فئات من ش‬ ‫التقنية‬ ‫بالتحولت‬ ‫تحولته المتأثرة‬ ‫ف‬
‫الب�‪.)1(”...‬‬ ‫ّ‬ ‫ُّ‬ ‫للمستقبل ي� ُّ‬
‫تغي� العالم‪ ،‬وهو يرصد‬ ‫ف‬ ‫المذهلة‪ ،‬وواقعي صادم للوعي‪ ،‬بعنوانه‬
‫فهل ي� وسع الكاتب ي‬
‫تحولته؟‬ ‫ُّ‬ ‫المغيبة ف ي�‬
‫َّ‬ ‫يستفز ذاكرة حواسنا‬‫ُّ‬ ‫ومضمونه الذي‬
‫ف‬ ‫أوهام الكهف‪.‬‬
‫المعر� للعالم‬‫ي‬ ‫خصوصية فهمه‬
‫ّ‬ ‫يع� عن‬‫لع َّله ب ِّ‬
‫ف‬
‫شبه أفالطون‪ ،‬الذين يعيشون ي� العالم‬
‫دافعا عن‬ ‫والظواهر مو ِّظفًا ثقافة الصورة ُم ً‬ ‫“لقد َّ‬
‫ف‬
‫المهددة بالتهميش ف ي� عالم تر َاج َع‬ ‫َّ‬ ‫الذات الكاتبة‬ ‫الحىس بأناس يعيشون ي� كهف منذ ولدتهم لم‬ ‫يّ‬
‫ومحاربًا من أجل‬ ‫دور الكلمة المقروءة‪ُ ،‬‬ ‫فيه ْ‬ ‫مقيدون بأغالل تربطهم‬ ‫يخرجوا منه قط‪ ،‬وهم َّ‬
‫إن الصورة‬ ‫التعب� عن رؤاه ً‬ ‫ف‬ ‫بجدران الكهف ول يتمكّ نون من اللتفات‬
‫قائال‪َّ :‬‬ ‫ي‬ ‫حريّته ي�‬
‫يف‬ ‫الشياء‬ ‫ظل أ‬ ‫وراءهم‪ .‬كل ما يمكنهم رؤيته هو ّ‬
‫بمالي� الكلمات‪.‬‬
‫دراسات‬
‫‪74‬‬
‫وتحولتها ي ف‬
‫ب�‬ ‫ُّ‬ ‫ك� عل الشخصية الرئيسة‬ ‫ال� ي ف‬ ‫ت‬ ‫أضواء على رواية “حرب الكلب‬
‫متطرف فاسد‬ ‫يف‬
‫مختلف� من ُمعارض اىل‬ ‫يف‬
‫موقف�‬ ‫الثانية”‬
‫ِّ‬ ‫الجواء ما قبل حرب الكلب أ‬ ‫كانت أ‬
‫وتطرفًا من أعدائه‪.‬‬ ‫ش‬ ‫الوىل تنذر‬
‫أك� فسا ًدا ُّ‬ ‫بما ل تحمد عقباه‪ ،‬فقد أضحت مجرد أ‬
‫ويش� ف ي� خاتمة الرواية برؤية سوداويّة قاتمة‬ ‫ي‬ ‫المور‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫“أن تنامي‬ ‫الب�ية إىل ما مفاده‪َّ :‬‬ ‫مص� ش‬ ‫محذرا من ي‬ ‫ً‬ ‫سببا وجي ًها للقتل‪ّ ،‬أما السبب‬ ‫البسيطة والعابرة ً‬
‫ف‬
‫الوحشية ي� القلب ش‬ ‫فف‬ ‫كلبا‪.‬‬ ‫ش‬
‫ضد ما يحيط‬ ‫الب�ي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال�عة‬ ‫المبا� لندلع الحرب فقد كان ً‬
‫بعضا‪،‬‬‫الب� عل إبادة بعضهم ً‬ ‫به‪ ،‬ولقدرة ش‬ ‫مبلغ‬
‫باع رجل كلبه لرجل آخر بعد أن اتَّفقا آ عل ٍ‬
‫بسبب اختالفهم وتشابههم ف ي� زمن لم ُيعد فيه‬ ‫الشاري نصفه‪ ،‬وأبقى النصف الخر لنهاية‬ ‫َدف ََع ّ‬
‫النسان‬ ‫التمي� ما إذا كان إ‬ ‫يف‬ ‫قادرا عل‬ ‫المحدد ول‬ ‫يل�م بالموعد‬ ‫الشهر‪ ،‬لكنه لم ت ف‬
‫النسان ً‬ ‫إ‬ ‫َّ‬
‫الذي يقف مقابله هو شبيهه أو قاتله‪ ،‬قد تعيد‬ ‫ولما ذهب البائع لستالم‬ ‫وظل يماطل‪ّ ،‬‬ ‫بالدفع َّ‬
‫بدائيتها‪.”...‬‬
‫ّ‬ ‫الوحشية‪ ،‬ش‬
‫الب�يّة إىل‬ ‫ّ‬ ‫تلك ف ف‬
‫ال�عة‬ ‫أخ�ته امرأة الشاري أنه غائب‪،‬‬ ‫نقوده‪ .‬بعد جهد ب‬
‫لم�وعه ش‬ ‫لعل هذه الرواية هي تتويج ش‬ ‫َّ‬ ‫و� مشهد يغ� مسبوق قفز الكلب من فوق‬ ‫ف‬
‫ال�فات‪،‬‬ ‫ي‬
‫ال�فات‬ ‫م�وع ش‬ ‫كـرس إبراهيم نرصالله ش‬ ‫فقد ّ‬ ‫السور والتهم البائع‪ .‬واشتعلت معركة تجاوزت‬
‫لقراءة واقع السلطة ومعناها بتم ُّثالتها المختلفة‬ ‫الحي إىل المدينة والمدن البعيدة ولم ينج من‬ ‫ّ‬
‫عائالت ف‬
‫مع�ا ف ي� هذه الرواية (الديستوبيا)‪ ،‬كما يسميها‬ ‫ب ِّ ً‬ ‫طر� الرصاع سوى الكلب‪.‬‬ ‫ي‬
‫النقاد‪ ،‬وهي نقيض اليوتوبيا‪ ،‬عن رؤية غاية �ف‬ ‫والجينية‬ ‫تغ�ت الصفات الوراثية‬ ‫أ‬ ‫ف‬
‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ي� هذه الثناء‪ ،‬ي َّ‬
‫الب�يّة‬‫السوداويّة إىل المستقبل‪ ،‬إذا لم ُتعد ش‬ ‫النسان‪ ،‬الذي‬ ‫الحية بد ًءا من إ‬ ‫لجميع الكائنات ّ‬
‫إىل صوابها‪.‬‬ ‫ومرورا بظاهرة اختفاء الوفاء‬ ‫ً‬ ‫التوحش‪،‬‬ ‫تحول اىل ُّ‬ ‫ّ‬
‫وتجل ّ‬
‫أنانية ال ّنمل‪.‬‬ ‫عند الكالب‪ ّ ،‬ي‬
‫الكث� من‬ ‫أن‬ ‫أ‬
‫الرواية والفنتازيا‬ ‫ي‬ ‫وقد أجمع علماء الحياء عل َّ‬
‫حضورا‪ ،‬ف ي� جدل الوعي‬ ‫المور‬ ‫أك� أ‬
‫إن من ش‬ ‫الب� وعاداتهم‬ ‫والح�ات باتت تق ّلد ش‬ ‫ش‬ ‫الحيوانات‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫أ‬
‫لبا� الشكال‬ ‫ت‬ ‫أ‬ ‫وأن الطبيعة قد‬ ‫وأخالقهم بصورة من الصور‪َّ ،‬‬
‫الروا� ي‬
‫ي‬ ‫النقدي هو احتواء الشكل‬
‫الدبية أ‬
‫أ‬ ‫لالبد عن نظامها وبراءتها‪.‬‬ ‫تخ ّلت أ‬
‫الخرى‪ ،‬واستفادته من مفردات الواقع‪،‬‬
‫التعب� عن هذا الواقع‪،‬‬ ‫ي‬ ‫وممارسة حريته ف ي�‬ ‫وتوحشها‬‫ال�عة الماديّة‪ُّ ،‬‬ ‫است�اء ف ف‬ ‫فيىصء الكاتب ش‬
‫ي‬
‫والنسانية‪ ،‬فيغدو‬ ‫أ‬
‫لتحولت الواقع العلمية‬ ‫لرتباطه برصد الرواية ُّ‬ ‫بعيدا عن القيم الخالقية إ‬ ‫ً‬
‫بمص� الناس‬ ‫مباحا ح� المتاجرة‬ ‫ت‬ ‫سء ً‬ ‫ش‬
‫والدينية‪ ،‬ولكونها النص الموازي‬ ‫ّ‬ ‫والجتماعية‬ ‫ي‬ ‫كل ي‬
‫النسانية ووعيها للعالم من حولها ومن‬ ‫للذات إ‬ ‫وأرواحهم متخذً ا من الفانتازيا والخيال العلمي‬
‫ثم إعادة صياغة ذلك العالم وفق تم ُّثالتها‬ ‫وتشوهات المجتمع ف ي�‬ ‫ُّ‬ ‫قنا ًعا لفضح الواقع‪،‬‬
‫دراسات‬
‫‪75‬‬

‫الشع� وانتها ًء‬ ‫فنتازي بد ًءا من حكايات الموروث‬ ‫الروا� عنرص الثبات‬ ‫أ‬ ‫الخاصة “ففي مرونة الشكل‬
‫بي‬ ‫ي‬
‫مهما كمدخل للمادة‬ ‫يعد ًّ‬
‫بقصص الخيال العلمي ُّ‬ ‫الوحيد‪ ،‬الذي أنقذها من غوائل الزوال‪ .‬وهي‬
‫التفس�‬
‫ي‬ ‫تتقبل‬
‫إن أية صورة أو حكاية َّ‬ ‫الالواعية‪َّ ...‬‬ ‫قادرة عل التهام أنواع المعارف جميعها ف ي� هذا‬
‫حملة‬ ‫النفىس‪ ،‬تتعامل عل أساس أنها ُم ّ‬ ‫ي‬ ‫التحليل‬
‫ي‬ ‫بأن تدخل إىل كيانها جميع أنواع‬ ‫العرص‪ ،‬وتسمح ْ‬
‫الحساس الشعري القوي‪. ”...‬‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫الدبية وجميعها تت�اءى �ف‬ ‫الدبية وغ� أ‬ ‫الجناس أ‬ ‫أ‬
‫(‪)5‬‬
‫بالمعا� بمقتىص إ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ ي‬
‫وغ�ها من‬ ‫مرجعية “حرب الكلب الثانية” ي‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬
‫لعل‬ ‫الرواية حاملة لغاتها الخاصة‪.)2(”...‬‬
‫رواياته كامنة ف ي� تجربة الشاعر والفنان إبراهيم‬ ‫أترى كيف تلتقي الرؤى الفانتازية الغربية‪ ،‬ف ي�‬
‫المرجعيات‬ ‫المتنوع‬ ‫ف‬
‫المعر�‬ ‫نرصالله وإطاره‬ ‫الحدية؟‬
‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫ي‬ ‫تم ُّثل الكاتب للمستقبل‪ ،‬بالواقعية ِّ‬
‫نسانية‪ ،‬ومهما حاولنا‬ ‫ال ّ‬ ‫إضافة إىل تجربته إ‬ ‫الجابات المتعلقة‪ ،‬بطبيعة‬ ‫“قد ل يكون بمقدور إ‬
‫تظل محتفظة بسلطة‬ ‫والتفس� ّ‬
‫ي‬ ‫إخضاعها للتأويل‬ ‫الشكالت‪ ،‬ال�ت‬ ‫تحل إ‬ ‫التخيالت الفانتازيّة أن َّ‬
‫ي‬ ‫ُّ‬
‫المستقبلية وتأثره بالمنجزات‬ ‫الكاتب ورؤيته‬ ‫التأث� الذي ت�كه الفنتازيا مرهون‬ ‫ت‬ ‫أ‬
‫ّ‬ ‫تث�ها؛ ل َّن ي‬ ‫ي‬
‫ال� حقَّقتها الثورة التقنية الحديثة عل صعيد‬ ‫ت‬ ‫أن العالم الذي تطرحه يبدو‬ ‫بحقيقة قوامها‪َّ ،‬‬
‫ي‬
‫ال تن�نت أو ثقافة الصورة ً‬
‫عموما‪.‬‬ ‫السينما أو إ‬ ‫أد� ريب‪ ...‬وهدف الفنتازيا وغايتها‬ ‫عالمنا دون ف‬
‫نظ�هما ف ي�‬ ‫الدب‪ ،‬ل يختلفان ف‬ ‫ف� أ‬
‫بالرصورة عن ي‬ ‫ي‬
‫الرواية وثقافة الصورة‬ ‫جدا‪.‬‬
‫الحدية ً‬ ‫الواقعية ّ‬
‫ّ‬
‫ف ي� إحدى شهاداته يقول نرصالله‪“ :‬ثمة تداخالت‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫فما يعرف بأنه الحقيقة ي� القص‪ ،‬يكون ي� أغلب‬
‫اكتشفت‬ ‫ب� الفنون‪ ...‬ي ف‬
‫ح�‬ ‫قائمة باستمرار ي ف‬ ‫اضيا‪.)3(”...‬‬ ‫ت‬ ‫أ‬
‫ُ‬ ‫الحيان اف� ًّ‬
‫اكتشفت شي ًئا آخر ف ي� الكتابة‪ ،‬لم أكن أراه‬
‫ُ‬ ‫الكام�ا‬
‫ي‬ ‫تخيالت كما يراها‬ ‫فهل الفانتازيا هلوسات أو ُّ‬
‫سء ما ي� الصورة أحاول فيه‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫القراء الذين يرون ف ي� الرواية وسيلة تسلية‬
‫من قبل‪ ...‬وثمة ي‬ ‫بعض ّ‬
‫التقاط ما لم أستطع التقاطه بالكالم”(‪.)6‬‬ ‫لالقناع حسب؟ أو هي كما يقول علم النفس‪:‬‬ ‫إ‬
‫“إم�اطورية النظرة‬ ‫هل اكتشف إبراهيم نرصالله ب‬ ‫“إن أدب الفنتازيا يستخدم تداعيات أقرب إىل‬ ‫َّ‬
‫نىس “ميشيل‬ ‫المحدقة” كما يسميها العالم الفر ي‬ ‫ّ‬ ‫اجية‪ ...‬ويهدف إىل إشباع الرغبات‬ ‫التداعيات المز ّ‬
‫ت‬
‫النسان فيها أيقونة اف�اضية‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫الالواعية‪ ،‬تي� َّدد فرويد ي� رسم الحدود الفاصلة‪،‬‬
‫ال� أصبح إ‬ ‫فوكو”؟ ي‬
‫ف‬
‫تشكل مواقفها وأفكارها الصور ي� عالم يجتاحه‬ ‫النفىس والفن‪ ،‬ويزعم أنه‬ ‫ب� نظرية التحليل‬ ‫يف‬
‫ي‬
‫بالما�‪،‬‬ ‫ف‬ ‫طوفان من الصور يكاد يقطع صلته‬ ‫النفىس‪ ،‬ل بد أن يقف‬ ‫أن التحليل‬ ‫مما يؤسف له َّ‬ ‫ّ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ال� جهدت النسانية �ف‬ ‫ت‬ ‫أ‬ ‫مكتوف اليدين أمام مشكلة الفنان المبدع‪. ”...‬‬
‫وبالنماط الثقافية‪ ،‬ي‬
‫(‪)4‬‬
‫إ ّ ي‬
‫إنجازها بع� القرون‪.‬‬ ‫الن ل‬ ‫“تتباين ردود الفعل إزاء الفنتازيا‪ ،‬لكنها آ‬
‫ّ‬
‫ت‬
‫نسانية أو يح�م‬ ‫وأي عمل‬ ‫تحظى بالتقدير حسب‪ ،‬بل إنها رائجة ّ‬
‫ال ّ‬ ‫عالم لم ُيعد يهتم بالمشاعر إ‬
‫دراسات‬
‫‪76‬‬

‫الهوامش‬ ‫النسان‪.‬‬ ‫خصوصية إ‬


‫واليجابيات ص ‪ 84‬د‪.‬‬ ‫(‪ )1‬عرصالصورة السلبيات إ‬ ‫ف ي� نظرية فوكو حول أشكال الخطاب والممارسات‬
‫شاكرعبدالحميد سلسلةعالم المعرفة عدد ‪ 31‬يناير ‪.2005‬‬ ‫والس�اتيجيات الخاصة بالسلطة ما يتعلق بقوله‪:‬‬ ‫ت‬
‫الروا� ص ‪ 89‬ترجمة د‪.‬‬ ‫أ‬ ‫(‪ )2‬انظر ميخائيل ي ف‬
‫باخت� الخطاب‬
‫ي‬ ‫“إن أنظمة السلطة‪ ،‬وبطريقة ما تشجع الناس‬ ‫َّ‬
‫محمد برادة ط ‪ 1‬دار الفكر القاهرة ‪.1987‬‬
‫ت‬ ‫فعال بالعقاب‪،‬‬ ‫عل تنظيم أنفسهم‪ ،‬دون تهديد ّ‬
‫(‪ )3‬انظر أدب الفنتازيا مدخل إىل الواقع ت‪ .‬ي أب� ترجمة‬ ‫ف‬
‫صبار سعدون السعدون ص ‪ 10،11‬دار المأمون ت‬ ‫محدقة إدارية‬ ‫فنحن نستدمج ي� داخلنا نظرة ّ‬
‫لل�جمة‬ ‫ّ‬
‫ش‬
‫والن� بغداد ‪.1989‬‬ ‫معينة”‪.‬‬ ‫تراقبنا‪ ،‬وتجعلنا نتصارع بطريقة ّ‬
‫(‪ )4‬انظر المرجع السابق ص ‪.22،23‬‬ ‫الحاىل ف ي‪ �-‬رأي فوكو‪ -‬هو مجتمع‬ ‫ي‬ ‫إن مجتمعنا‬ ‫َّ‬
‫أ‬
‫المراقبة وليس مجتمع المشهد‪ ،‬لننا موجودون‬
‫(‪ )5‬المرجع السابق ص ‪.19‬‬
‫حس� نشوان‪ ،‬ي ف‬ ‫(‪ )6‬انظر ي ف‬ ‫الكلية الخاصة بالمراقبة(‪.)7‬‬
‫والحساس‬ ‫ع� ثالثة‪ -‬تداخل الفنون إ‬ ‫داخل منظومة الرؤية ّ‬
‫ف‬
‫حرفيا ي� عرص المعلومات‪،‬‬ ‫ف‬ ‫تغ� العالم‬
‫البداعية‪ ،‬كتاب الشهر (‪،)126‬‬ ‫ي� أعمال إبراهيم نرصالله إ‬
‫وزارة الثقافة أ‬
‫ًّ‬ ‫لقد ي َّ‬
‫الردنية‪ ،2007 ،‬ص‪.14‬‬ ‫لالبداع‪،‬‬ ‫وتعددت المصادر والتقنيات الملهمة إ‬ ‫َّ‬
‫واليجابيات‪ ،‬د‪.‬شاكر‬ ‫(‪ )7‬انظر عرص الصورة‪ -‬السلبيات إ‬ ‫“ج�وم برونر”‬ ‫أ‬ ‫ت‬
‫ويذكر عالم ال�بية ال يم� يك ي‬
‫عبدالحميد‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،‬عدد ‪ 31‬كانون‬ ‫ت‬
‫ف‬ ‫التفك� وعن ال�بية من‬ ‫ي‬ ‫المشهور بدراساته عن‬
‫الثا�‪ /‬يناير ‪ ،2005‬ص‪.84‬‬ ‫ي‬
‫“أن الناس يتذكّرون‬ ‫والبداع َّ‬ ‫خالل الستكشاف إ‬
‫(‪ )8‬المرجع السابق ص‪.14‬‬ ‫‪ 10%‬مما يسمعونه‪ 30% ،‬فقط مما يقرأونه‪� ،‬ف‬
‫ع� ثالثة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.13‬‬ ‫(‪ )9‬ي ف‬
‫حس� نشوان‪ ،‬ي ف‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مما يرونه ‪. ”80%‬‬
‫(‪)8‬‬
‫ح� يتذكرون ّ‬ ‫يف‬
‫كتابية‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫القامة ي� منطقة ّ‬ ‫“لقد أراد الكاتب ي� تجربته إ‬
‫ب� اللغة والصورة والمشاهد وفق‬ ‫جديدة‪ ،‬تمزج ي ف‬
‫تتمرد عل الزمان والمكان والذاكرة‬ ‫صياغة برصيّة ّ‬
‫ال� لم تعد‬ ‫ت‬
‫تحول دللة اللغة ي‬ ‫واللغة‪ ،‬وتعي ُّ‬
‫منهجا‬
‫ً‬ ‫أداة للتوصيل حـسب‪ ،‬بل أصبحت‬
‫النسان وزمنه” ‪.‬‬
‫(‪)9‬‬
‫والتعب� عن ُه ّوية إ‬ ‫ي‬ ‫للتفك�‬
‫ي‬
‫لعل رواية “حرب الكلب الثانية” بأجوائها‬ ‫َّ‬
‫الجابة عن السؤال الذي‬ ‫الفنتازية قد حاولت إ‬
‫طرحه إبراهيم نرصالله ي� أول صفحة وتحت‬ ‫ف‬
‫مجرد مرايا‬ ‫مبا�ة؛ وهل خطر ببالك أنَّنا َّ‬ ‫العنوان ش‬
‫نحدق فيها؟‬ ‫ال� ّ‬ ‫ت‬
‫للمرايا ي‬
‫دراسات‬
‫‪77‬‬

‫حركة السرد في مجموعة‬


‫“يدفنون النهر” لـ ”نهلة الجمزاوي”‬
‫د‪ .‬محمد عبدالله القواسمة‪ /‬األردن‬

‫ق�ا َليدفنوا‬ ‫حفروا ب ً‬


‫ف‬
‫من الرجال خرجوا ي� الليل يك يَ ِ‬ ‫تَ َت َب ْل َو ُر حركة ال�د ف ي� مجموعة نهلة الجمزاوي‬
‫زعيمهم أن‬ ‫النهر الذي تجري فيه المياه‪ ،‬وأو� ُ‬ ‫(عمان‪ ،‬فضاءات‪ )2017 ،‬سواء‬ ‫“يدفنون النهر” ّ‬
‫يف‬
‫اتجاه�‬ ‫ف‬
‫جدا ي�‬ ‫ف ي� قصصها‬
‫يحتج‬
‫مدوه إىل الغرب‪ .‬وعندما ّ‬ ‫الق�‪ ،‬ويَ ّ‬
‫وسعوا ب‬ ‫يُ ّ‬ ‫القص�ة ً‬ ‫ي‬ ‫القص�ة أو‬ ‫ي‬
‫أحدهم بأنهم ل يستطيعون أن يفعلوا ذلك‬ ‫ُ‬ ‫استحاىل مفرط ف ي� الخيال ل‬ ‫ي‬ ‫من التخييل‪ :‬اتجاه‬
‫أ‬
‫الزعيم إىل الرض‪،‬‬ ‫ف ي� ليلة واحدة‪َ ،‬دفعه ذلك‬ ‫واتجاه واقعي ينطلق من الواقع‬ ‫يتقب ُله العقل‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬
‫ف‬
‫يرصخ به‪“ :‬يبدو أنك ل تُجيد مهنةَ ِ‬
‫دفن‬ ‫ُ‬ ‫وهو‬ ‫لقوان� المنطق والعقل‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ويعود إليه‪ ،‬ويخضع‬
‫ت‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الستحاىل‬ ‫ذات الطابع‬
‫ال�‬ ‫المر ُة الوىل ي‬ ‫جيبه بأنها ّ‬ ‫في ُ‬ ‫النهار؟”(ص‪ُ ،)6‬‬ ‫ي‬ ‫القص�ة ِ‬ ‫ي‬ ‫من القصص‬
‫يقوم بهذه المهنة‪ .‬ي ف‬ ‫ت‬
‫آخر خوفَه من‬ ‫وح� يُعلن ٌ‬ ‫ال� حملت‬ ‫عاين قصةَ “يدفنون النهر” ي‬ ‫نُ ُ‬
‫أمرهم إذا جاء الصباح دون‬ ‫الناس َ‬ ‫أن يكتشف ُ‬ ‫رجال ”‪.‬‬‫المجموعةُ عنوانَها‪ ،‬وقصة “لو كان الفقر ً‬
‫كب�هم بأنه ل‬ ‫ينتهوا من المهمة‪ ،‬ير ُّد عليه ي ُ‬ ‫ْ‬ ‫أن‬ ‫نفسه‬ ‫ذات التجاه ِ‬ ‫جدا ِ‬ ‫القص�ة ً‬‫ي‬ ‫ومن القصص‬
‫أك� من الرصاخ �ف‬ ‫ش‬ ‫نعاين قصة “خزائن”‪.‬‬
‫ي‬ ‫ُّ‬ ‫باىل بالناس؛ “إنهم لن يفعلوا َ‬ ‫يُ ي‬
‫وتقديم أور ِاق الحتجاج”(ص‪.)15‬‬ ‫أبواق الفراغ‬ ‫ف� قصة “يدفنون النهر” تَ� ُز الستحاليةُ �ف‬
‫ِ‬ ‫ّ ي‬ ‫بُ‬ ‫ي‬
‫عمليات الحفر‪ ،‬دون أن يستطيعوا‬ ‫ُ‬ ‫وتستمر‬
‫ُّ‬ ‫هؤلء الذين‬‫ِ‬ ‫الجهل بحقيقة‬ ‫َ‬ ‫العنوان؛ فنواجه‬
‫ومتدفقًا‬ ‫وضخما ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫طويال‬ ‫دفن النهر الذي “ما زال‬ ‫َ‬ ‫وأي نهر هذا‬ ‫دفن النهر‪ّ ،‬‬ ‫يُق ِْدمون عل محاولة ِ‬
‫بالجريان”(ص‪.)15‬‬ ‫جماعات‬
‫ٍ‬ ‫حك القصةُ عن‬ ‫الذي سيدفنه هؤلء‪ .‬تَ ي‬
‫دراسات‬
‫‪78‬‬

‫طواب� من‬ ‫طفل أعمى‪ ،‬ثم‬ ‫أمامها ٌ‬ ‫يستحرص الراوي قصةَ‬ ‫ف‬ ‫و� موازاة هذا الفعل‪،‬‬ ‫ف‬
‫يَ‬ ‫امرأ ًة عرجا َء َ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬
‫محطة‬ ‫ِ‬ ‫أمام‬
‫الدو َر َ‬ ‫العجائز والنساء ينتظرون ْ‬ ‫يوسف عندما يَ ْعمدون إىل إلقاء أخيهم‬ ‫َ‬ ‫إخوة‬
‫ِ‬
‫باريق بالكاز‪ ،‬ثم‬ ‫أ‬ ‫ولعل هذا‬ ‫َّ‬ ‫الذئب بأكله‪.‬‬ ‫ف ي� الب�‪ ،‬ويتهمون‬ ‫أ‬
‫محروقات لملء الجالونات وال َ‬ ‫َ‬
‫فيتب�‬ ‫ف� النهاية يرى َص َّبية تَعرض شعرها للبيع؛ ي َّ ف‬ ‫الستحضار‪ ،‬مع أنه جاء مفاج ًئا‪ ،‬يغ� أنه‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬
‫غ�ها من‬ ‫ومآس ي ِ‬ ‫ي‬ ‫بأن وراءها َمن صنع مأساتها‬ ‫له َّ‬ ‫بالضافة إىل طلب الزعيم من جماعته أن يَ ُم ّدوا‬ ‫إ‬
‫الفقراء‪ ،‬وهؤلء هم َمن يستحقون العقاب‪.‬‬ ‫قدم فائد ًة‬ ‫عم َلهم دفن النهر باتجاه الغرب يُ ِّ‬
‫ب� أشكال الفقر‬ ‫التمي� ي ف‬ ‫يف‬ ‫توج َه القصة إىل‬ ‫إنَّنا نرى ُّ‬ ‫ومحمولت الفعل‬ ‫ِ‬ ‫دللت النهر‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫كب�ة ف ي� فهم‬ ‫ي‬
‫سببوا هذا الفقر‪ .‬يبدو هذا من موقف‬ ‫وب� الذين َّ‬ ‫يف‬ ‫بعض‬ ‫ال�دي الفكرية؛ فهو يَكشف ما يقوم به ُ‬
‫عبدالقوي ف ي� الهتمام بالبحث عن أشكال الفقر‬ ‫العرب من محاولت لوأد القضية الفلسطينية‪،‬‬
‫ف‬ ‫يف‬ ‫يقاوم المحتل‬ ‫عمن‬
‫مقد ِمتهم؛ فهو يدرك‬ ‫ب� الناس‪ ،‬الذين هو ي� ِّ‬ ‫ُ‬ ‫والتخل َّ‬ ‫ي‬ ‫والتآمر عليها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بل‬
‫أن من وراء ذلك هم أ‬ ‫ح�‬ ‫ف‬
‫الرصاص وحده‪ � ،‬ي ف‬ ‫واج ُه‬
‫أصحاب‬ ‫ُ‬ ‫الغنيا ُء المتخمون‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫من أهلها‪ ،‬وتركه يُ ِ‬
‫ت‬ ‫مكيفة حولها حر ٌاس‬ ‫ف‬
‫ليوزع عل‬ ‫الفقر َّ‬ ‫ُ‬ ‫ال� يُ َع ّد عليها‬ ‫الك�ى ي‬ ‫“الموائد ب‬ ‫آمنة ّ‬ ‫أنّهم يُقيمون ي� غرف ِ‬
‫كو َجبات جاهزة”(ص‪.)11‬‬ ‫الخالئق َ‬ ‫بالبنادق والدبابات دون اهتمام بما يقومون به‬
‫ت‬ ‫ال� ينظرون إليها مرآ ٌة‬ ‫ت‬ ‫أ‬
‫جدا بعنوان “خزائن”؛‬ ‫القص�ة ً‬ ‫ي‬ ‫وتأ� القصة‬ ‫ي‬ ‫“الم ْرآ َة ي‬ ‫من خيانة؛ ل ّن ِ‬
‫تخل‬ ‫ال� ّ‬ ‫ت‬
‫استحاىل تلك المدينةَ ي‬ ‫ي‬ ‫قدم ف ي� جو‬ ‫ل ُت ِّ‬ ‫ومشوهة‪ ...‬وكلما وقفوا أمامها لطختهم‬ ‫ّ‬ ‫ُمخيفة‬
‫ت‬
‫يتعرضوا إىل عقاب‬ ‫أه ُلها عن عقولهم؛ ح� ل ّ‬ ‫بياض أسنانهم‬ ‫بالسواد‪ ،‬لذلك ل يرون فيها سوى ِ‬ ‫ّ‬
‫حم ُل فكر ًة‬ ‫أحد بإصبع‬ ‫ش� إليهم ٌ‬ ‫ت‬
‫بأن كل َمن يَ ِ‬ ‫هد ُدهم ّ‬ ‫الحاكم عندما يُ ِّ‬ ‫ال� يَصكُّون عليها عندما يُ ي ُ‬ ‫ي‬
‫فسيعا� من عقوبات‬ ‫ي‬
‫ف‬ ‫عما يجول ي� رأسه‬ ‫ف‬
‫تختلف ّ‬ ‫النهار”(ص‪ .)14‬ولكن لن ينجحوا ف ي� ذلك فالقضية‬
‫وال�د؛ فقرروا “نزع رؤوسهم‬ ‫الجوع والعطش ب‬ ‫ِ‬ ‫وشامخا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حية‪ ،‬والنهر سيظل متدفقًا‬ ‫ما تزال َّ‬
‫ائن الحاكم”(ص ‪.)53‬‬ ‫وإيداعها خز َ‬ ‫ِ‬ ‫يش� عنوانُها‬ ‫ال� ي‬ ‫ت‬
‫رجال ” ي‬ ‫ف ي� قصة “لو كان الفقر ً‬
‫ف‬ ‫عمر‬
‫المدينة‬
‫ِ‬ ‫أن أهل تلك‬ ‫نالحظ ي� هذه القصة َّ‬ ‫لعل بن ب يأ� طالب أو َ‬ ‫إىل القول المشهور ي‬
‫يستسلمون وينصاعون لرأي الحاكم؛ ويبدو‬ ‫رجال لقتلته” ينتقل‬ ‫بن الخطاب‪“ :‬لو كان الفقر ً‬
‫واضحا ف ي� افتتاحية القصة برفض‬ ‫ً‬ ‫صوت السارد‬ ‫ُ‬ ‫القول إىل مرحلة الفعل عل يد عبدالقوي‪،‬‬ ‫هذا ُ‬
‫هذا الموقف عندما يصفُهم بالحمق‪ ،‬ل يحملون‬ ‫الشخصية الوىل ي� القصة‪ ،‬وهو الذي نتعرف‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫ف‬ ‫ال� ل‬ ‫ت‬ ‫يمر بالشارع متأب ً‬
‫“� مدينة حمقاء‪،‬‬ ‫رؤوسا عل أجسادهم‪ .‬يقول‪ :‬ي‬ ‫ً‬ ‫طا أوراقَه ي‬ ‫إليه بأنه أديب ُّ‬
‫أ‬
‫سارت الجثث بال رؤوس”(ص‪.)53‬‬ ‫خ�ا كما‬ ‫تُعجب زوج ُته بهيجة؛ لنها ل تُطعم ب ف ً‬
‫ف‬
‫ّأما التجاه الواقعي الذي ظهر ي� مجموعة‬ ‫الفقر‪،‬‬ ‫فيع�م عبدالقوي هذا عل قتل‬ ‫ترى؛ ت ف‬
‫ِ‬
‫القص�ة‬ ‫ي‬ ‫فيمكن تم ّث ُل ُه بالقصة‬ ‫“يدفنون النهر” ُ‬ ‫متسول‪ ،‬ثم‬ ‫ً‬ ‫فيجد ُم ِس ًّنا‬ ‫ُ‬ ‫الكون منه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وتخليص‬
‫ِ‬
‫دراسات‬
‫‪79‬‬

‫جدا‪:‬‬ ‫ت� ً‬ ‫القص� ي ف‬ ‫ي‬ ‫يف‬


‫وبالقصت�‬ ‫“شخ� البحر”‪،‬‬ ‫ي‬
‫“شخ� البحر”‪،‬‬ ‫ي‬ ‫“م�حية”‪ ،‬و”تواطؤ”؛ ففي قصة‬
‫نب� عل الخيال ي� أنسنة البحر‪،‬‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫أن عنوانَها يَ ي‬ ‫مع َّ‬
‫تحك‬‫فإن الواقع يتغ ّل ُب فيها عل الخيال‪ .‬إذ ي‬ ‫َّ‬
‫ف‬
‫خش�‪ ،‬يقومون ُ ف‬ ‫ف‬
‫هة‬
‫ب� ٍ‬ ‫رفاق ي� قارب ب ي‬ ‫عن ثالثة ٍ‬
‫الما�‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫ليلية بالبحر الميت‪ ،‬يستحرصون خال َلها‬
‫ي‬
‫غيظ‬ ‫ف‬
‫السجن‪ .‬يتذكر أبو صقر شد َة ِ‬ ‫عندما كانوا ي� ِّ‬
‫يواجه التعذيب‬ ‫المحقق ورص َاخه به عندما كان ِ‬ ‫ُ‬
‫وابتسامته الباردة‪ .‬كان يصل رص ُاخ‬ ‫ِ‬ ‫بصموده‪،‬‬
‫فيقوى‬ ‫المحقق إىل رفاقه من غرفة التعذيب َ‬
‫صمو ُدهم‪ ،‬وترتفع معنوياتُهم فكأنه هو الذي‬
‫صاحبه‬ ‫بخالف‬‫ِ‬ ‫فيع�ف‬ ‫فيرص ُب المحقق‪ّ .‬أما غانم ت‬
‫ِ‬
‫فيكف‬ ‫غرور المحقق‪َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫يرصخ؛ ُليشبع‬ ‫بأنه كان َ‬
‫صقر صوتَه‬ ‫ويرفع ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َيده عنه‪ .‬ويتضاحك الجميع‪،‬‬
‫بالغناء‪“ :‬البحر بيضحك ليه‪ ”...‬وير ِّدد الجميع‬ ‫ِ‬
‫ال� اعتادوا ال�نُّ َم عل‬ ‫ت‬ ‫ت‬
‫وراءه أغنية الشيخ إمام ي‬
‫فتخرج أصواتُهم‬ ‫ُ‬ ‫أصدائها كلما جمعهم ي ف‬
‫الحن�‪،‬‬
‫المس�”(ص‪.)136‬‬ ‫ي‬ ‫كصهيل خيول شاخت وأرهقَها‬
‫فضال عن ذكريات السجن‬ ‫صفو لقائهم ً‬ ‫ويُعكِّر َ‬
‫سؤال غانم لصقر‪ :‬هل ما زال مؤم ًنا‬ ‫والتحقيق ُ‬
‫بالح ْلم ف ي� العودة إىل الوطن؟ يُجيبه بأنه يؤمن‬ ‫ُ‬
‫بالحلم قبل إيمانه برصورة شإ� ِاق الشمس َّكل‬ ‫ف‬
‫حوارهم عن حلمهم بالعودة إىل‬ ‫ف‬
‫و� غَمرة ِ‬ ‫صباح‪ .‬ي‬
‫خر للبحر الميت‬ ‫آ‬ ‫ت‬
‫الوطن يق�بون من الشاطئ ال ِ‬
‫قربة منهم‪ .‬وفجأة بينما كان‬ ‫الوطن عل َم ُ‬ ‫ُ‬ ‫حيث‬
‫أ‬
‫حول دفةَ القارب نحو الشاطئ الول‬ ‫غانم يُ ِّ‬
‫حف إىل‬ ‫ل� َ‬‫يقفز صقر من القارب ي ف‬ ‫الذي جاءوا منه ُ‬
‫“متم ًما ِسباح َته نحو شمس الوطن‬ ‫آ‬
‫الشاطئ الخر ِّ‬
‫دراسات‬
‫‪80‬‬

‫الخ� الصحفي؛‬ ‫تق� ُب من ب‬ ‫وإن كانت هذه القصة ت‬


‫والرموز‪،‬‬ ‫ت ف‬
‫التكثيف وال� يك� والصور ُّ‬ ‫َ‬ ‫وتتجنب‬
‫ُ‬
‫غ� أنها تُ ب�ز وظيفةَ‬ ‫وتُلقي بواقعيتها الحرفية ي َ‬
‫بأن وظيف َته‬ ‫الفن الم�حي؛ َّ‬ ‫ُّ‬ ‫وبخاصة‬
‫ٍ‬ ‫الفن‪،‬‬
‫مص�ه‬ ‫أ‬
‫فإن ي َ‬ ‫حقق ذلك َّ‬ ‫الدهاش‪ ،‬وإذا لم يُ ْ‬ ‫الوىل إ‬
‫الفشل‪.‬‬
‫جدا مشابهةً‬ ‫القص�ة ً‬ ‫ي‬ ‫وتبدو قصة “تواطؤ”‬
‫للقصة السابقة من الناحية التقنية يغ� أنها تُبدي‬
‫نسا� ف ي� هذا الكون‪،‬‬ ‫قلقًا وجوديًا تجاه الوضع إ ف‬
‫ال ي‬ ‫ِ‬
‫احتجاج عل المجيء إىل الحياة‪ .‬تقول‬ ‫ٌ‬ ‫وكأنها‬
‫تماما ذلك أل ّ�ف‬ ‫أس فارغ من الحكايات ً‬
‫ي‬ ‫القصة‪“ :‬ر ي‬
‫زلت ل أفهم بالضبط حكايةَ قُدومي إىل هذا‬ ‫ما ُ‬
‫وأ� عل إنجاز‬ ‫الكون‪ ،‬عندما تواطأَ ٌّكل من أمي ب ي‬
‫بمجي�”(ص‪.)21‬‬ ‫أ‬ ‫أخي الخامس‪ ،‬فخذل ُتهما‬ ‫ال�وق”(ص‪.)138‬‬ ‫ال� شارفت عل ش‬ ‫ت‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫أن مجموعة “يدفنون النهر” للقاصة‬ ‫هكذا رأينا َّ‬ ‫ب�‬ ‫بأن هذه القصةَ يغ ُلب عليها الحوار ي ف‬ ‫يالحظ َّ‬ ‫َ‬
‫وقص�ة‬ ‫قص�ة‬ ‫تتوز ُع ي ف‬ ‫نزهتهم البحرية‪ ،‬ومن‬ ‫ف‬
‫هؤلء الثالثة ي� أثناء‬
‫ي‬ ‫ب� قصة ي‬ ‫نهلة الجمزاوي‪ّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫يف‬ ‫ف‬ ‫الفلسطي�‬‫ف‬ ‫بأن الشعب‬ ‫ضح َّ‬
‫اتجاه�‬ ‫لتس� ي�‬ ‫ي‬ ‫وتتنو ُع موضوعاتها‬ ‫ّ‬ ‫جدا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ي‬ ‫خالل هذا الحوار ي َّت ُ‬
‫نش ُّد إىل‬ ‫استحاىل‪ ،‬وواقعي‪ ،‬وكالهما يَ َ‬ ‫ي‬
‫يف‬
‫واضح�‪:‬‬ ‫ممثال بهؤلء الثالثة يحملون ف ي� قلوبهم ُح ْل َم‬ ‫ً‬
‫الواقع المعيش إلدانة ما فيه من فقر وظلم‪،‬‬ ‫العودة إىل وطنهم‪ ،‬وبعضهم يسعى لتحقيق‬
‫أ‬ ‫ف‬
‫فعال دون الكتفاء‬ ‫وللدعوة إىل رصورة ال ِ‬ ‫سياج الوطن كما فعل أبو‬ ‫الح ْلم‪ ،‬باقتحام ِ‬ ‫هذا ُ‬
‫بالقوال‪“ .‬أخو الحزم لم تزل ُيده تسبق‬ ‫أ‬ ‫صقر‪.‬‬
‫عوالم‬ ‫بناء‬ ‫ف‬ ‫جدا‪ ،‬فتقوم‬ ‫القص�ة ً‬ ‫أما قصة “الم�حية”‬
‫َ‬ ‫الفما”‪ .‬وقد نجحت الدكتورة نهلة ي� ِ‬ ‫ي‬
‫ورموز شفيفة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بلغة سليمة‪،‬‬ ‫قصص المجموعة ٍ‬ ‫يكتمل‬ ‫ُ‬ ‫واقعية؛ فالعملية الم�حية‬ ‫ّ‬ ‫عل مفارقة‬
‫النسان ي� مواجهة‬ ‫ف‬ ‫إعدا ُدها من نص‪ ،‬ومخرج‪ ،‬وموسيقى‪ ،‬وديكور‪،‬‬
‫عز ُز صمود إ‬ ‫إنسانية تُ ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫وروح‬
‫وفضحهم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫صعوبات الحياة‪ ،‬ومواجهة الطغاة‬ ‫وتصدح‬
‫ُ‬ ‫تفع الستارة‪،‬‬
‫وح� تر ُ‬ ‫وممثل� ‪ .‬ي ف‬
‫يف‬ ‫وإضاءة‪،‬‬
‫وبث روح التفاؤل أ‬ ‫أ‬
‫والمل‪ ،‬مع ما ف ي� الواقع من‬ ‫ِ‬ ‫الجمهور الذي‬
‫َ‬ ‫نجد‬
‫حداث ُ‬ ‫الموسيقى‪ ،‬وتُؤ َّدى ال ُ‬
‫بؤس وضياع‪ .‬فالنهر سيواصل الجريان والتدفُّق‬ ‫غ� مندهش ِبما ق ُِّدم‬ ‫عدت من أجله الم�حية ي َ‬ ‫أُ َّ‬
‫دون مبالة بالسدود والحدود والحفر‬ ‫أمامه‪.‬‬
‫َ‬
‫دراسات‬
‫‪81‬‬

‫وتغول التط ُّرف في‬


‫ُّ‬ ‫رواية البوكر‬
‫“زهور تأكلها النار”‬
‫الغربي عمران‪ /‬اليمن‬

‫ذلك الوباء الذي يجتاح العالم والمتمثل ف ي� بقايا‬ ‫الديب‬‫ف� روايته “زهور تأكلها النار” يواصل أ‬
‫ي‬
‫ف‬ ‫أم� تاج ال� بذر أسئلته الوجودية‪،‬‬ ‫ف‬
‫و�‬‫فكر متطرف يؤمن بالعنف لتحقيق غاياته‪ ،‬ي‬ ‫السودا� ي‬
‫ي‬
‫تب� الرواية بنهايته‪ ،‬وأنه يلفظ‬ ‫الوقت نفسه ش‬ ‫تاركًا للقارئ البحث عن أجوبته‪ ...‬وهي المرة‬
‫أ‬ ‫ال� تصل فيها إحدى رواياته إىل القائمة‬ ‫ت‬
‫خ�ة‪.‬‬‫أنفاسه ال ي‬ ‫الثانية ي‬
‫متخيل‪...‬‬
‫يم� هذا العمل ابتكار الكاتب لمكان َّ‬ ‫ما ي ِّ ف‬ ‫ال�قات”(‪)2011‬‬ ‫القص�ة للبوكر‪ ،‬فبعد “صائد ي‬ ‫ي‬
‫مكان ل يشبه أي مكان‪ ،‬فمدينة “السور” وموقعها‬ ‫واصلت “زهور تأكلها النار” صعودها لتضعه عل‬
‫يجعلنا نتساءل‪ :‬هل هي ف ي� شمال السودان؟‬ ‫العمال المرشحة للبوكر‪.‬‬ ‫ب� أبرز أ‬
‫لئحة التنافس ي ف‬
‫ب� تشاد وليبيا؟ أم أنها‬ ‫أم جنوب مرص؟ أم ي ف‬ ‫المتتبع لتجربة تاج ال� يجد استخدامه لتقنية‬
‫ليتوصل القارئ مع نهاية الرواية‬ ‫َّ‬ ‫ف ي� مكان آخر!‬ ‫ب� صفحات أعماله‪ ،‬إضافة‬ ‫البداعية ي ف‬
‫الفجوة إ‬
‫أن تلك المدينة ل تقع إل ف ي� خيال الكاتب‪،‬‬ ‫إىل َّ‬ ‫الك�ى‬
‫إىل أنه ل يقدم معالجات لتلك القضايا ب‬
‫إنسانيا يتعايش بسالم‪...‬‬ ‫مزيجا‬
‫ً‬ ‫وقد أرادها‬ ‫ال� تطرحها رواياته‪ ،‬ول تجيب عن ما تطرحه‬ ‫ت‬
‫ًّ‬ ‫ي‬
‫واحة للمدينة الفاضلة؛ تلك المدينة قد تماثلها‬ ‫من أسئلة وجودية؛ وبذلك يفسح ً‬
‫مجال لمشاركة‬
‫أك� ف� أفريقيا أو آسيا أو ت‬ ‫مدينة أو ش‬ ‫ويقدم متعة‬ ‫ف‬
‫ح� أوروبا أو‬ ‫ي‬ ‫القارئ ي� البحث عن أجوبة ممكنة‪ِّ ،‬‬
‫تهددها بوادر عاصفة عاتية‪ ،‬وذلك‬ ‫ال يم� ي ف‬ ‫أ‬ ‫مضاعفة يمنحها الكاتب لقارئه‪.‬‬
‫كيت�‪ِّ ،‬‬
‫دور فيه‪ ،‬بل هو‬ ‫ف‬ ‫تناقش رواية “زهور تأكلها النار” معضلة العرص؛‬
‫التهديد ليس لموقعها الجغر يا� ٌ‬
‫دراسات‬
‫‪82‬‬

‫ولك يكمل الكاتب الصورة‪ ،‬لم يقترص عل‬ ‫ي‬ ‫التفس� المنحرف أل ّي دين‪ ،‬فكان ذلك الخطر‬‫ي‬
‫متخي ًال‪ ،‬ليجمع‬‫ّ‬ ‫مجتمعا‬
‫ً‬ ‫المكان‪ ،‬بل أضاف‬ ‫الذي داهم مجتمع “السور” وأنهى استقراره‪...‬‬
‫نسيجا شب�يًّا من‬ ‫ً‬ ‫خلف أسوار تلك المدينة‬ ‫التفس� الخاطئ للدين لم يكن العنرص‬ ‫ي‬ ‫أن‬
‫إل َّ‬
‫وروبي� والهنود‪ ...‬بكل‬‫وال ي ف‬ ‫والفارقة أ‬
‫العرب أ‬ ‫الوحيد لنهاية تلك المدينة‪ ،‬فعنرص آخر كان‬
‫عاداتهم وثقافاتهم وأديانهم‪ ،‬ليتشاركوا ف ي� إدارة‬ ‫داعما بالمال والسالح ويتمثل بدوائر استخبارات‬‫ً‬
‫ال� تسعى إليجاد‬ ‫ت‬ ‫أ‬
‫مصو ًرا‬
‫ِّ‬ ‫مصالحهم المتداخلة بسالسة مدهشة‪،‬‬ ‫الدول المص ِّنعة لالسلحة‪ ،‬ي‬
‫“السور” واحة عطاء وإنتاج وسط محيط قاحل‪،‬‬ ‫منافذ بيع ألسلحتها بإبرام صفقات التسليح‬
‫تربطها بالتجمعات السكانية خارج أسوارها‬ ‫تخىس اجتثاثها من‬‫بمليارات الدولرات ألنظمة ش‬
‫المحملة منها‬‫ّ‬ ‫المنافع المتبادلة عل القوافل‬ ‫قبل تلك الجماعات المتطرفة‪.‬‬
‫دراسات‬
‫‪83‬‬

‫ال� يك‬‫دام�” ت‬
‫القبطي جامع ثروات‪“ ،‬يوسف ي‬
‫ف‬
‫حاكم السور‪“ ،‬فارس” الحالق‪ ،‬و”مرتىص” بائع‬
‫الماء‪“ ،‬إيزاك” اليهودي صائغ الذهب‪ ،‬و”فندوري‬
‫اليونا�” بائع الخمور‪ ،‬و”مارتا” القبطية خادمة‬ ‫ف‬
‫ي‬
‫و”باسيل” الكاتب والمثقف‪“ ،‬إ�افيل”‬ ‫ي‬ ‫منازل‪،‬‬
‫خياط‪ ،‬و”طانيوس” تاجر الفول السودا�ف‬
‫ي‬
‫والسمسم‪“ ،‬جريح سمراوية” مطرب‪“ ،‬ولهان‬
‫“طو�” قس‪“ ،‬جحفل”‬ ‫ف‬ ‫حي ونسة‪،‬‬
‫ي‬ ‫خمري” قواد ّ‬
‫مؤذن مسجد‪“ ،‬مهران” طبيب‪“ ،‬عبيد المشاء”‬
‫ناقل رسائل‪“ ،‬نديمة مشعول” صاحبة مقهى‬
‫طباخ‪“ ،‬سيبوا” الفنان‪،‬‬ ‫الع�”‪“ ،‬ملهم” ّ‬ ‫“خزي ي ف‬
‫“حرة” غسالة ثياب‪“ ،‬مرغديش” شاذ‪“ ،‬عرديب”‬
‫قائم مقام‪ ،‬وعازف الناي هندي‪ ،‬وهناك بائعات‬
‫والمدرس‪ ...‬وهناك صانع‬ ‫ِّ‬ ‫الطح�‪ ...‬بائع العطر‪...‬‬ ‫يف‬
‫القمشة‪ .‬ومن خالل ما أسلفنا‬ ‫القفال‪ ...‬وبائع أ‬ ‫أ‬
‫البداع والخلق‪.‬‬‫همه إ‬ ‫أن ذلك المجتمع كان ّ‬ ‫ندرك َّ‬
‫وليكمل الكاتب الصورة حول تلك المدينة‬ ‫الصبية‬
‫ّ‬ ‫وإليها‪ ،‬وقد جعل من “خميلة” تلك‬
‫“كاه�”‬
‫ي‬ ‫مكوناتها؛ ومنها حي‬ ‫قدم لنا ّ‬ ‫المتخيلة َّ‬
‫َّ‬ ‫الحالمة شخصية محورية وساردة الحكايات‬
‫وال� أصبح اسمها “نعناعة”‬ ‫ت‬
‫الذي يسكنه ذوي المال والجاه‪ ،‬وحي “ونسة”‬ ‫المتداخلة للرواية‪ ،‬ي‬
‫المخصص لبيع المتعة‪ ،‬حي “لونا”‪ ،‬وحي “كف‬ ‫يف‬
‫الملثم� للمدينة‪ .‬وخميلة فتاة من‬ ‫بعد اجتياح‬
‫الطراف‪ ،‬حي “الثعبان الميت” وهو‬ ‫عفريت” ف� أ‬ ‫أب قبطي “جماري عازر” تاجر الذرة‪ ،‬ومن أم‬
‫ي‬
‫ف‬
‫الحياء‪ ..‬وحي “تمارص”‪ ...‬سوق ب يأ� جهل‬ ‫أفقر أ‬ ‫“فال�ينا” من فلورنسا‪ ...‬عاشقة لفن‬ ‫ي‬ ‫إيطالية‬
‫التنوع استطاع أن يقدم للقارئ‬ ‫بمنشآته‪ .‬وبذلك ُّ‬ ‫الرسم‪.‬‬
‫بقية‬ ‫أ‬
‫المتخيل بخصائصه القتصادية‬ ‫َّ‬ ‫ذلك العالم‬ ‫قدم الكاتب أفراد تلك ال�ة ومثلها ّ‬ ‫وقد َّ‬
‫يتك عل‬ ‫والدارية والدينية والثقافية‪ ...‬دون أن أ‬ ‫منتج�‪ ،‬ما يعكس تلك‬ ‫يف‬ ‫كمهني ي ف�‬
‫ّ‬ ‫أ� “السور”‬
‫إ‬
‫أ‬
‫ح� ي� مسميات المكنة‪...‬‬ ‫ف‬ ‫الواقع ت‬ ‫ب� أفراد ذلك المجتمع‪،‬‬ ‫اليجابية ي ف‬ ‫العالقات إ‬
‫ع�ات أ‬ ‫وكذلك نحت تاج ال� ش‬ ‫ال� أسهمت �ف‬ ‫ت‬
‫السماء لشخصيات‬ ‫ي‬ ‫النتاجية هي ي‬ ‫أن العالقة إ‬ ‫مؤكدا َّ‬‫ً‬
‫وتع� عن مجتمع الرواية‬ ‫ت‬ ‫بناء وازدهار ذلك المجتمع‪ً ...‬‬
‫فمثال “ميخائيل “‬
‫العمل بوعي ل�مز ب ِّ‬
‫دراسات‬
‫‪84‬‬

‫حول “المتقي” ورجاله تلك‬ ‫ف‬ ‫المكون من ساللت وأتباع أديان مختلفة‪ً ...‬‬
‫فمثال‬
‫ي� معاناة قاسية‪ ،‬وقد َّ‬
‫المدينة إىل خرائب وحرائق‪ ،‬وزع سكانها الذكور‬ ‫خىص استقدم من الجزيرة العربية‪،‬‬ ‫ي‬ ‫“الغازي”‬
‫معت�ا جميع نسائها سبايا يتوزعن‬ ‫عل المذابح‪ ،‬ب ً‬ ‫“زمام” غجرية شامية‪ “ ،‬ماريكار” قبطية سودانية‪،‬‬
‫للتطه�‬ ‫ف‬
‫ب� رجاله‪ ...‬بعد أن ُجمعن ي� عدة منازل‬ ‫يف‬ ‫سودا�‪“ ،‬أمبيكا بسواس”‬ ‫ف‬ ‫ش“�ف الدين” مسلم‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫بإ�اف مجموعة من الجالدات‪ ،‬يعملن عل‬ ‫ش‬ ‫بوذية‪“ ،‬نديمة مشغول” كردية‪“ ،‬جيالل” فرنسية‪،‬‬
‫غ�ن‬ ‫تهيئتهن لتوزيعهن عل أمراء الحرب‪ ...‬وقد ي َّ‬ ‫سنيغاىل ‪ ...‬وهكذا سنجد اليهودية‬ ‫ي‬ ‫“ملهم عبيدو”‬
‫جميع أسمائهن‪.‬‬ ‫نجل�ية والمرصي‪ ...‬إىل‬ ‫وال ي ف‬ ‫واليطالية إ‬ ‫وال� يك إ‬ ‫ت‬
‫الكاتب أراد ف ي� نهاية روايته أن يمنح خميلة فسحة‬ ‫ال� يوحي لنا �د خميلة‬ ‫ت‬
‫آخر تلك الشخصيات ي‬
‫المل بحياة أخرى‪ ،‬بعيدة عن المدينة‬ ‫جديدة من أ‬ ‫بأنه مجتمع خليط من كل أ‬
‫العراق‪ ،‬ومتعايش ف ي�‬
‫المنكوبة‪ ،‬وجماعات بسطت قبحها عل وجه‬ ‫وئام‪.‬‬
‫لتطه�ها‪ ...‬حياة‬ ‫المدينة المسالمة‪ ،‬ف ي� مسعاهم‬ ‫أ‬
‫تم�ت هذه الرواية بتلك البعاد‬ ‫ولذلك‪ ،‬ي ف‬
‫ي‬
‫ال� نسجها الكاتب كثيمات متعددة‪،‬‬ ‫ت‬
‫بعيدا عن قسوة “أم الطيبات” ودورات‬ ‫أخرى ً‬ ‫النسانية ي‬ ‫إ‬
‫ال� تمارسها عل السبايا‪ ،‬وغلظة‬ ‫ت‬ ‫أ‬
‫ب� العراق والديان‪ ،‬الحب‬ ‫أ‬ ‫منها‪ :‬التآلف ي ف‬
‫التطه� ي‬ ‫ي‬
‫ت‬ ‫أ‬ ‫اليمان بالعمل ف ي� تحقيق الذات‪.‬‬
‫جسدت شخصية المرأة‬ ‫ال� ّ‬ ‫الكب�ة” ي‬ ‫ي‬ ‫“الم‬ ‫والوفاء‪ ،‬إ‬
‫ليأ� أحدهم؛‬ ‫ت‬ ‫وقد مثلت حياة “خميلة” ملحمة إنسانية؛ فتاة‬
‫الجالدة بامتهانها لجميع النساء‪ .‬ي‬
‫ممن يحملون السبايا ألمراء‬ ‫خ�” َّ‬ ‫وهو “واسطة ي‬ ‫اليطالية‬‫ف� وفرته لها أمها إ‬ ‫ف‬
‫ترعرعت ي� بيت ي‬
‫ف‬
‫التطه� القاسية‪ ...‬ويكون هو‬ ‫ي‬ ‫بعد دورات‬ ‫العاشقة لفن التشكيل‪ ...‬وسط رغد العيش لوالد‬
‫الخىص”لولو” الذي وعدها بالخالص‪ ،‬لتكتشف‬ ‫ي‬ ‫ثري يحتكر زراعة الذرة ف ي� مساحات شاسعة‬
‫بعيدا عن كل ذلك الخراب‪ ...‬دون أم‬ ‫بأنها أمست ً‬ ‫خارج محيط السور‪ ،‬ويتاجر بها‪ .‬وخميلة كان لها‬
‫أو أب أو خطيب‪.‬‬ ‫اس‪ ،‬ثم رحلت إىل مرص لتعود‬ ‫تحصيلها الدر ي‬
‫للتطرف‪ ،‬ودعوة‬ ‫ُّ‬ ‫الروا� إدانة‬
‫ي‬
‫أ‬ ‫ف ي� هذا العمل‬ ‫بشهادة ف ي� علم الجمال إىل مدينتها النائية‪ ،‬وقد‬
‫نسا�‪ ،‬إذ يجد القارئ نفسه‬ ‫للسالم والتآخي إ ف‬ ‫تغ�ت نظرتها للوجود ولكل ما يعتمل حولها‪...‬‬
‫ال ي‬ ‫ي‬
‫مشدوها قدرة الكاتب عل تصوير ذلك‬ ‫ً‬ ‫يتأمل‬ ‫الكب� لميخائيل‬
‫لتأ� النهاية وقد اكتشفت حبها ي‬ ‫ت‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫النسان تجاه أخيه‬ ‫القبح والعفن الذي يحمله إ‬ ‫العدة لحفل‬‫ّ‬ ‫يعدان‬‫جامع ال�وات‪ ،‬وكانا ّ‬ ‫ش‬
‫س�ته شهوة التس ُّلط والتم ُّلك‬ ‫النسان‪ ...‬وقد ي َّ‬ ‫إ‬ ‫الزفاف‪ ،‬ولم تكن نهاية تلك المدينة المسالمة‪...‬‬
‫ليحيل كل أرض يطأها إىل خراب‪ ،‬وكل كائنات‬ ‫إل نهاية آلمال وتطلعات خميلة‪ ،‬بعد أن وجدت‬
‫يق�ب منها إىل جثث متعفنة‪ ...‬وكل ذلك باسم‬ ‫ت‬ ‫الملثم� ‪ ...‬بعد أن فقدت والدتها‬ ‫يف‬ ‫نفسها ف ي� أتون‬
‫الله!‬ ‫ووالدها وخطيبها وصديقاتها ومعارفها‪ ،‬لتدخل‬
‫دراسات‬
‫‪85‬‬

‫رواية “زرايب العبيد”‬


‫صفحة في تاريخ األلم‬
‫سمير أحمد الشريف‪ /‬األردن‬

‫ترصد الرواية حيوات العبيد ومعاناتهم خالل‬ ‫عربيا‬


‫ًّ‬ ‫كث�ة تناولت معاناة “السود”‪،‬‬ ‫تابات ي‬‫ِك ٌ‬
‫ف‬ ‫نهايات تف�ة الوجود‬ ‫تأ� َّأو ًل من‬ ‫ت‬
‫العثما� وبدايات الستعمار‬ ‫ي‬ ‫خصوصية هذه الرواية ي‬
‫ّ‬ ‫لكن‬
‫وعالميا‪ًّ ،‬‬
‫ًّ‬
‫كية‬ ‫ت‬ ‫اليطاىل؛ لتوحي للمتلقي َّ ت‬ ‫ترويج جائزة “البوكر” لها‪ ،‬إ ْذ َو َص َلت إىل القائمة‬
‫بأن الف�ة ال� ّ‬ ‫إ ي‬
‫محرري العبيد هم‬ ‫وأن ِّ‬ ‫دامسا‪َّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫ظالما‬
‫ً‬ ‫كانت‬ ‫القص�ة للجائزة العالمية للرواية العربية‪،‬‬ ‫ي‬ ‫النهائية‬
‫خصوصية‬ ‫ثانيا لما تحتويه من‬ ‫ت‬
‫قضية‬
‫ّ‬ ‫وكأن مسالة العبيد ليست‬ ‫َّ‬ ‫الطليان‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وتأ� خصوصيتها ً‬ ‫ي‬
‫بالسالم‬ ‫عالمية‪ ،‬بل يحاول النص إلصاقها إ‬ ‫ّ‬ ‫للعر�‬
‫بي‬ ‫الشعبية ف ي� تف�ة مجهولة‬
‫ّ‬ ‫الليبية‬
‫ّ‬ ‫البيئة‬
‫السالم وبعده‪،‬‬ ‫أن العنرصية كانت قبل إ‬ ‫متناسيا َّ‬
‫ً‬ ‫الذي لم يصله من أدب ليبيا القديم والمعارص ما‬
‫عمم عل‬ ‫ف‬
‫للمسلم� ل تُ َّ‬ ‫ي‬ ‫وأن الممارسة الخاطئة‬ ‫َّ‬ ‫الخلفية‬‫ّ‬ ‫جلية عن الشوارع‬‫يمكِّ نه من تكوين صورة ّ‬
‫أم�كا وما‬ ‫ف‬
‫دينهم‪ ،‬متناسية أحوال العبيد ي� ي‬ ‫وعن المسكوت عنه ف ي� ذلك المجتمع‪.‬‬
‫حدث لهم‪ ،‬ويكفي للتدليل عل ذلك ما كتبته‬ ‫عكفت مؤلفة رواية “زرايب العبيد”* لسنوات‬
‫أم�كا‬ ‫ف‬
‫بيت� ستاو” عن واقع العبيد ي� ي‬ ‫“هارييت ش‬ ‫تكتب تاريخ المعاناة والقهر للعبيد ف ي� بلدها‪،‬‬
‫يف‬
‫والمظلوم�‪.‬‬ ‫للدفاع عن الحريّات‬ ‫تأسست ِّ‬ ‫ت‬ ‫تاريخية‪ ،‬ول‬ ‫دون العتماد عل مصادر ووثائق‬
‫ال� َّ‬ ‫ي‬ ‫ّ‬
‫يعري النص تناقض المجتمع الذي يحتقر العبيد‬ ‫ّ‬ ‫الص َور‬ ‫عل ذاكرة عايشت تلك العذابات‪ ،‬يغ� تلك ُّ‬
‫يستغ� عن‬ ‫ي‬
‫ف‬ ‫و� الوقت نفسه ل‬ ‫ف‬
‫ويقسو عليهم‪ ،‬ي‬ ‫ال� ا َّط َل َعت عليها للعبيد ف ي� أزقَّتهم‬ ‫ت‬
‫البائسة ي‬
‫خدماتهم‪ ،‬وهو بذلك محاولة جا ّدة من الكاتبة‬ ‫وزرائبهم وأسمالهم البالية‪.‬‬
‫ف� يخترص مضمون الرواية‪،‬‬ ‫ف‬
‫والتفسخ الجتماعي‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫لهتك خيوط النسيج الطبقي‬ ‫العنوان من جانب ي‬
‫نفسيا وجسديًّا‪،‬‬ ‫كاشفًا سوءات البيئات المقهورة ًّ‬ ‫“الزرايب” تقود المتلقي لمأساة ذلك‬ ‫ودللت َّ‬
‫المستسلمة والمستغَ َّلة‪.‬‬ ‫العالم‪.‬‬
‫دراسات‬
‫‪86‬‬

‫الب�ي ومحطات قهره و�قة كرامته‪،‬‬ ‫للضعف ش‬ ‫عموما‪ :‬الختان‬


‫ً‬ ‫يكشف النص معاناة المرأة‬
‫وفصل‬ ‫ب� ألوان ش‬
‫الب�‬ ‫مع�ا عن قلق الهوية ي ف‬ ‫والتقفيل لحماية الفتيات من النتهاك قبل‬
‫ٍ‬ ‫بّ ً‬
‫ف‬ ‫كيفية التفريق‬
‫مؤلم ي� تاريخ العبوديّة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫الجهاض الجماعي‪ّ ،‬‬ ‫الزواج‪ ،‬مجزرة إ‬
‫من جانب آخر‪ ،‬يمكن للمتلقي التقاط صورة‬ ‫اليم�‪ ،‬ومصادرة‬‫ب� الحرة والخادمة‪ ،‬وملك ي ف‬ ‫يف‬
‫يق� َب منها ويوحي‬ ‫أن ت‬ ‫حاو َل النص ْ‬ ‫سالبة للرجل َ‬ ‫إنسانيتها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الم�اث‪ ،‬وامتهان‬
‫الم�وجة من ي‬‫حق ت ف‬
‫واللي� بشكل خاص ما‬ ‫بيّ‬ ‫عامةً‬
‫بها‪ ،‬فهل الرجل َّ‬ ‫ضد‬
‫كما يفضح أيديولوجيا العنف والضطهاد ّ‬
‫هم له يغ� الركض خلف‬ ‫الخر بناء عل لونه‪ ،‬وبذلك يكون النص وثيقة‬ ‫آ‬
‫طرحته الرواية؟ ل ّ‬
‫ط ُرق‬ ‫المتعة والجواري والخمر أو الهروب لتكايا ال ُّ‬
‫الصوفية؟ لماذا لم يُ ش� النص ‪-‬خالل هذه‬
‫اللي�‬ ‫ت‬
‫العر� ب ي‬ ‫لدور الرجل ب ي‬ ‫الف�ة من الستعمار‪ْ -‬‬
‫اليمان؟ هل‬ ‫كمجاهد يقارع المحتل ولو بأضعف أ‬
‫ال� م ّثلها النص مقتطعة‬ ‫ت‬ ‫ت‬
‫كانت الف�ة التاريخية ي‬
‫من تاريخ ليبيا؟‬
‫أضاءت الرواية سلبيات المجتمع وعاداته المنكرة‬
‫يجابية فيه‪،‬‬ ‫المستقبحة دي ًنا وعرفًا ولم تُ ش� إل ّ‬
‫وكأن لسان حالها يدعونا ألن نمارس ج ْلد الذات‬ ‫َّ‬
‫مع� أن نأ�ت‬ ‫أن ولدنا عربًا؟ ما ف‬ ‫ونلعن كينونتنا ْ‬
‫ي‬
‫خادما‬ ‫ً‬ ‫بالمثلية والشذوذ ويكون‬ ‫ّ‬ ‫بمثال نحرصه‬
‫أي تحامل ي� توظيف “ابن الفقي”‬ ‫ف‬
‫للمسجد؟ ّ‬
‫ممارسا للشذوذ وهو الحافظ للقرآن؟‬ ‫ً‬
‫مستعمرا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫المحتل ًّ‬
‫محتال ول‬ ‫ّ‬ ‫لماذا لم يُذكر اسم‬
‫ورمز له ب ِـ”السلطات”!!‬ ‫ُ‬
‫نسا�‪ -‬ال�ت‬ ‫ال ف‬ ‫ف‬
‫ي� تراجيديا العبودية ‪-‬رحلة الوجع إ ي ي‬
‫والقصاء‬ ‫اج�حتها الرواية عرفنا قسوة الظلم إ‬ ‫ت‬
‫وتعرفنا‬ ‫والستعالء وممارسة الساديّة بكل قبحها‪َّ ،‬‬
‫اللي�‬‫عل حقبة مظلمة من تاريخ المجتمع ب ي‬
‫يف‬
‫مضام�‬ ‫الشعبية‪ ،‬واقتحمنا‬ ‫ّ‬ ‫بعاداته وأشعاره‬
‫وتتبعنا خيوط مكائد التجار‬ ‫جريئة شائكة‪َّ ،‬‬
‫دراسات‬
‫‪87‬‬

‫الشخصيات بنسب‬ ‫ّ‬ ‫أن البطولة ف ي� النص حملتها‬ ‫َّ‬


‫أن بطولة المكان‬ ‫تتناسب مع حضورها فيه‪ّ ،‬إل َّ‬
‫ف ي� النص ل تُنىس‪.‬‬
‫الم�ق‬ ‫ربَّما يجد المتلقي لهذا النص من بالد ش‬
‫والماكن‪،‬‬ ‫والدوات أ‬ ‫السماء أ‬ ‫معا� أ‬‫ف‬ ‫ف‬
‫تتبع ي‬ ‫صعوبة ي� ُّ‬
‫وفهم بعض مفرداتها‪ ،‬وربَّما يتش َّتت ذهنه‬
‫لكن الكاتبة‬‫وتعددها‪ًّ .‬‬ ‫ُّ‬ ‫نتيجة تداخل الحكايات‬
‫نجحت بالرتقاء بلغة روايتها بحسب الموقف‬
‫رومانسية شاعرة متسامية عند‬ ‫ّ‬ ‫الدرامي‪ ،‬فأتت‬
‫ظة قاسية عند تعذيب “سالم”‪.‬‬ ‫المحب ي ف�‪ ،‬وف ّ‬ ‫ّ‬ ‫لقاء‬
‫تعدد شخصيات النص تحتاج لرسم خارجي‬ ‫ُّ‬ ‫واغتصاب القارصات‪ ،‬وفساد أدعياء الفضيلة‬
‫يقرب مالمحها للمتلقي خاصة الرئيسة منها‪،‬‬ ‫النفىس ‪.‬‬
‫ي‬ ‫والخصاء‬ ‫القصاء إ‬ ‫وكل طرق إ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫إذا ما انتقلنا للجانب ف ف‬
‫ولعلنا ل ننىس هنا تفاصيل البيئة الليبية ال�ت‬ ‫تنو ًعا‬‫الف� ي� الرواية‪ ،‬نجد ُّ‬ ‫ي‬
‫ّ ي‬ ‫ف� الضمائر ما ي ف‬
‫وال� َم َن َحها لنا هذا‬ ‫ت‬ ‫وضم�‬‫ي‬ ‫بضم� المتكلم‬‫ي‬ ‫ب� ال�د‬ ‫ي‬
‫الكث� عنها ي‬ ‫نفتقد لمعرفة ي‬
‫النص‪ ،‬سواء عل مستوى مفردات التقاليد‬ ‫الكل المعرفة‪ ،‬ونقف عل‬ ‫المخاطب والسارد ي‬
‫الشع� وأشعاره‪ ،‬خاصة‬ ‫ال�اث‬ ‫ومعجمية ت‬ ‫الخ� أم‬ ‫طحة ّإما مطلقة ي‬ ‫نمطية مس َّ‬ ‫ّ‬ ‫شخصيات‬
‫ّ‬
‫بي‬ ‫ّ‬
‫متناهية ش‬
‫وأغا� السود عل وجه التحديد؛‬ ‫ف‬ ‫أ‬ ‫ال�‪.‬‬
‫الغا� ي‬ ‫الموروث ي‬ ‫ي َّ ف‬
‫“الم�اسكاوي”‪.‬‬ ‫مما يُعرف بفن ي‬ ‫ّ‬ ‫تم� النص بتوظيف تقنية تناسل الحكايات‬
‫إيجابية‪ ،‬فهي‬ ‫ّ‬ ‫إن كان لجائزة “البوكر” من‬ ‫ْ‬ ‫‪ CHINEES BOX‬وفسيفساء الصورة‪ ،‬بلغة‬
‫عربية‬ ‫ف‬ ‫الكث� من التشويق وإيقاع‬ ‫انسيابية سلسة فيها ي‬ ‫ّ‬
‫التعريف بنتاج يستحق المتابعة ي� بلدان ّ‬
‫عزيزة علينا‪ ،‬ول نعرف عن إبداعها إل القليل‪،‬‬ ‫ال�د الهادئ باستغالل ال�د المشهدي والجانب‬
‫افية‬
‫للمحاصصة الجغر ّ‬ ‫نتم� ّأل يكون ُ‬ ‫يغ� أنَّنا ف ّ‬ ‫ف‬
‫البرصي بشكل ملفت‪.‬‬
‫ال� ل تستحق‬ ‫ت‬ ‫أ‬ ‫متخما بتفاصيل الحياة ي� إحدى‬ ‫ً‬ ‫جاء النص‬
‫دور عند ترشيح بعض العمال ي‬ ‫ٌ‬
‫عناء قراءتها‪.‬‬ ‫قص�ة‬ ‫المنسية‪ ،‬حملتها فصول ي‬ ‫ّ‬ ‫ضواحي بنغازي‬
‫‪---------------‬‬ ‫فنية متماسكة‬ ‫ممتعة لم ترهق المتلقّي‪ ،‬وبحبكة ّ‬
‫ت‬ ‫وتم� النص‬ ‫ف‬ ‫وشخصيات بسيطة وتلقائية‪ .‬ي‬ ‫ّ‬ ‫نو ًعا‪،‬‬
‫السا�‪،‬‬
‫ي‬ ‫• صدرت رواية “زرايب العبيد” عن دار‬
‫لندن‪ ، 2016 ،‬وهي من تأليف الكاتبة الليبية‬ ‫العكىس‬
‫ي‬ ‫بتوظيف تقنية الفالش باك‪ /‬ال�د‬
‫شخصية‪ .‬ومع‬ ‫وتناوب ال�د عل لسان ش‬
‫أك� من‬
‫نجوى بن شتوان‪.‬‬ ‫ّ‬
‫دراسات‬
‫‪88‬‬

‫قراءة في كتاب‬
‫ناقدا”‬
‫ً‬ ‫نقد النقد ‪“ -‬يوسف ّ‬
‫بكار‬
‫عمار الجنيدي‪ /‬األردن‬

‫ربع� مؤلفًا ف ي� مجالت النقد‬ ‫ال ي ف‬ ‫ال� تربو عل أ‬ ‫ت‬ ‫يَ ْد ُر ُس الباحث “أحمد الرقب” ف ي� كتابه‪“ :‬نقد النقد”‬
‫ي‬
‫وال ش�اف‪ ،‬بأنه ذو‬ ‫ت‬ ‫ردني� الذين كان‬ ‫ال ي ف‬ ‫حياة واحد من أبرز النقاد أ‬
‫وال�جمة والتحرير والتحقيق إ‬
‫وثقافية ي ف‬ ‫دبية‬ ‫أ‬ ‫ف‬
‫متم�ة نادرة‪ ،‬ل عل الصعيد‬ ‫ّ‬ ‫عقلية فكريّة‬
‫ّ‬ ‫واضح ي� الحياة ال ّ‬ ‫ٌ‬ ‫إسهام‬
‫ٌ‬ ‫لمنجزهم النقدي‬
‫وبارز ي� الحياة النقديّة‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫أيضا‪.‬‬‫العر� ً‬ ‫المحل فقط‪ ،‬بل عل المستوى ب ي‬ ‫ي‬ ‫واضح ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وإسهام‬
‫ٌ‬ ‫ردنية‪،‬‬
‫ال ّ‬
‫ف‬
‫الدكتور يوسف بكّار الذي درس ي� إربد وبغداد‬ ‫العربية‪.‬‬
‫ّ‬
‫الداب‪-‬‬ ‫والقاهرة‪ ،‬ليحصل عل شهادة الدكتوراه ف� آ‬ ‫يقع الكتاب ي� ستة فصول‪ ،‬تناول فيها الباحث‬ ‫ف‬
‫ي‬
‫الد�‪ ،‬من جامعة القاهرة‪ ،‬عمل أستاذًا �ف‬ ‫أ‬ ‫حياة الدكتور يوسف بكّار ونقده وترجماته ومواقفه‬
‫ي‬ ‫النقد ب ي‬
‫ال�يطانية‪،‬‬ ‫و� الجامعات ب‬
‫ف‬
‫اليرانية‪ ،‬ي‬ ‫الجامعات إ‬ ‫المتم�ة ف ي� مجمل هذا المنجز‬ ‫يف‬ ‫منهما‪ ،‬وجهوده‬
‫جما‬ ‫ت‬
‫نجل�ية‪ ،‬م� ً‬ ‫وال ي ف‬ ‫اللغت� الفارسية إ‬ ‫بسبب إتقانه ي ف‬ ‫الذي أثرى الحياة الثقافية وبالتحديد النقديّة منها‪.‬‬
‫قبا�‪ ،‬وكتب‬ ‫ف‬ ‫فف‬ ‫أ‬ ‫الول لحياة الناقد‬ ‫خصص الباحث الفصل أ‬
‫إليها بعض العمال الشعريّة ل�ار ي‬ ‫َّ‬
‫بهما أبحاثًا وكتابات أخرى‪.‬‬ ‫العلمية‬
‫ّ‬ ‫ومس�ته‬
‫ي‬ ‫متتبعا آثاره‬
‫ً‬ ‫ومكوناته الثقافية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫تكون‬ ‫فإن الناقد يوسف بكّار قد ّ‬ ‫وبحسب الباحث َّ‬ ‫أن‬
‫والمالحظ َّ‬
‫َ‬ ‫الكث�ة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫والعملية وعن مؤلفاته‬ ‫ّ‬
‫ال� تق ّلدها‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫معنيا بتفاصيل حياة بكّار بقدر‬
‫والمعر� من المناصب ي‬ ‫ي‬ ‫الثقا�‬
‫فضاؤه ي‬ ‫الباحث لم يكن ًّ‬
‫ال� شأ�ف‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫أ‬ ‫ال� شكّلت‬ ‫ت‬
‫العلمية ي‬ ‫ّ‬ ‫ال� كتبها‪ ،‬والرسائل‬ ‫والبحاث ي‬ ‫معنيا بدراسة المؤثرات الثقافية ي‬ ‫ما كان ًّ‬
‫عليها‪ ،‬والمؤتمرات والندوات والمهرجانات الثقافية‬ ‫ح� غدا فضاؤه الثقا�ف‬ ‫والمعر�‪ ،‬ت‬ ‫ف‬ ‫مخزونه الثقا�ف‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫اش�ك فيها‪ ،‬وعمله ف ي� البحوث‪ ،‬والتقويم ف ي�‬ ‫ال� ت‬
‫ي‬
‫ت‬ ‫والتعدد والتمكُّن؛ في َّتضح‬ ‫ُّ‬ ‫الغ� والتبلور‬ ‫بهذا ف‬
‫المجالت أ‬ ‫الكث�ة‪،‬‬
‫الكاديمية‪.‬‬ ‫من خالل دراسة منجزاته وكتبه وأبحاثه ي‬
‫دراسات‬
‫‪89‬‬

‫الثا�‪ ،‬فقد درس‬ ‫ف‬ ‫ف‬


‫أما ي� الفصل ي‬
‫وتأث�ه عل‬ ‫الرقب النقد القديم ي‬
‫الناقد بكّار‪ ،‬وأسلوب معالجته‬
‫يعد من أهم‬ ‫لبناء القصيدة الذي ّ‬
‫مسخ ًرا‬ ‫ّ‬ ‫موضاعات النقد القديم‪،‬‬
‫معرفته (الناقد بكّار) ودراسته للنقد‬
‫ال�اث‬ ‫العر� القديم‪ ،‬بما ف� هذا ت‬
‫ي‬ ‫بي‬
‫وتنوع وثراء؛ لخدمة‬ ‫ف‬
‫النقدي من غ� ُّ‬
‫طوع‬ ‫النقد الحديث‪ ،‬حيث إنه َّ‬
‫المصطلحات النقدية لتواكب ما‬
‫هو حداثوي وعرصي‪ ،‬ففي دراساته‬
‫المختلفة بي�ز بآراء ورؤى جديدة‪،‬‬
‫تتعصب‬ ‫ل تنتقص من القديم ول َّ‬
‫له‪ ،‬بل تعطيه حقه المناسب من‬
‫التحليل والرؤية‪ ،‬وهو بذلك يوازن‬
‫ب� الحديث والقديم‪.‬‬ ‫يف‬
‫اللهام يغ� فرصوري لقول‬ ‫أن إ‬ ‫العرب القدماء‪ِ :‬من َّ‬ ‫ّأما موضوع بناء القصيدة العربية‪ ،‬فقد اشتغل‬
‫الشعر وإبداعه‪.‬‬ ‫ح� ُع ّد من القالئل‬ ‫طويال‪ ،‬ت‬
‫الناقد يوسف بكار عليه ً‬
‫وتناول الفصل الثالث موقف الدكتور بكّار من‬ ‫العر� تجاهها‪،‬‬ ‫ال�اث النقدي‬ ‫الذين أنصفوا ت‬
‫بي‬
‫اليجابيات والسلبيات‬ ‫مسج ًال إ‬‫ِّ‬ ‫النقد الحديث‪،‬‬ ‫واشتملت دراسته عنها بما يقارب الثالثمائة‬
‫أن‬
‫والمآخذ عل نقّاد العرص الحديث‪ ،‬إذ يرى َّ‬ ‫اصدا آراء النقاد القدماء حولها‪،‬‬ ‫مرجع ومصدر‪ ،‬ر ً‬
‫أ‬ ‫المحدث�‪ ،‬مبينا آ‬
‫الراء ال�ت‬
‫الكث� من النقاد‬
‫يمر بأزمة‪ ،‬لنه يرى ي‬ ‫النقد الحديث ُّ‬ ‫ي‬ ‫ي ف ًّ‬ ‫واشتباكها مع آراء النقاد‬
‫ويحرمون عليهم‬ ‫يف‬
‫المبدع�‬ ‫يُحكمون الطوق عل‬ ‫أن النقّاد‬
‫الجانب�‪ ،‬وليخلص إىل َّ‬ ‫يف‬ ‫قيلت فيها من‬
‫ِّ‬
‫الخروج عن قوانينهم‪.‬‬ ‫قرصوا تجاه ش�حها وفهم استقراءاتها‪.‬‬ ‫القدماء قد ّ‬
‫أن مظهر التغريب هو أحد أهم‬ ‫كما يرى الناقد َّ‬ ‫أن مصطلح صناعة الشعر قد جاء‬ ‫كما ي ّ ف‬
‫ب� بكّار َّ‬
‫مظاهر أزمة النقد الحديث‪ ،‬فاعتماد النقاد عل‬ ‫وأن الموهبة هي‬ ‫وليد الحاجة منذ القديم‪َّ ،‬‬
‫است�اده‪،‬‬
‫الغر�‪ ،‬والعتماد عل ي‬ ‫أ‬
‫المصطلح النقدي ب ي‬ ‫الساس عند الشاعر‪ ،‬وعليه أن يدعمها بالدراسة‬
‫والغلو ف ي� استخدامه‪ ،‬قد جعل من استفحال‬ ‫ّ‬ ‫والمتابعة والمراس‪ ،‬مخالفًا ما أكّد عليه النقاد‬
‫دراسات‬
‫‪90‬‬

‫السلبية‪ ،‬أو كما تراه‬ ‫ّ‬ ‫أمرا بالغ‬‫ظاهرة التغريب ً‬


‫الجيوس‪“ :‬عندما يكون‬ ‫الخرصاء‬‫الناقدة سلمى ف‬
‫ي‬
‫النقد مستغرقًا ف ي� التقليد للغرب أجد ُه يغ� مفيد”‪.‬‬
‫موقف من نقد الدكتور طه‬ ‫كما كان للدكتور بكّار ٌ‬
‫ووضح ما للدكتور طه ي ف‬
‫حس�‬ ‫ب� َّ‬ ‫حس�‪ ،‬حيث ي ّ ف‬ ‫يف‬
‫من أفضال وإسهامات وبصمات ف ي� عالم النقد‪،‬‬
‫وال�جمة وعالقته بأستاذه‬ ‫وتطرق آلرائه ف� النقد ت‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫يطاىل “نال ينو”‪.‬‬ ‫ال ي‬ ‫إ‬
‫ت‬
‫حس�‪ ،‬ح� قبل أن ي�جم روائع‬ ‫ت‬ ‫وقد كان طه ي ف‬
‫ساط� اليونانية كَـ”أوديب” و”سلوفوكليس”‬ ‫أ‬
‫ال ي‬
‫يف‬
‫والمدافع�‬ ‫ال�جمة‬ ‫المهتم� بحركة ت‬‫يف‬ ‫وغ�ها‪ ،‬من‬ ‫ي‬
‫العر�‬ ‫أ‬
‫“إن الدب ب ي‬ ‫عنها‪ ،‬ويرى عدم توازن مقولة َّ‬
‫الخرى”‪.‬‬ ‫الداب العالمية أ‬ ‫غ� عن آ‬ ‫ف� ف‬
‫ي‬
‫و� الفصل الرابع تناول الباحث نقد بكّار لمجموعة‬ ‫ف‬
‫ي‬
‫والردن) لمؤلفة الدكتور‬ ‫فلسط� أ‬ ‫يف‬ ‫القص�ة ف ي�‬ ‫أ‬
‫ي‬ ‫وتحديدا النقد‬ ‫ً‬ ‫من الكتب الدبية والنقدية‪،‬‬
‫هاشم ياغي‪ ،‬وكتاب (اتجاهات الشعر العر� �ف‬ ‫ال� درسها‪،‬‬ ‫ت‬
‫بي ي‬ ‫الشموىل الذي تناول به بكّار القضايا ي‬ ‫ي‬
‫الثا� الهجري) للدكتور محمد مصطفى‬ ‫ف‬
‫القرن ي‬ ‫واستطاع الباحث أن يثبت وير ّد عل منتقدي‬
‫د� الحديث ف ي�‬ ‫أ‬
‫هداره‪ ،‬وكتاب (حركة النقد ال ب ي‬ ‫ومنتقىص قيمة اشتغاله به‪ ،‬واستطاع أن‬ ‫ي‬ ‫بكّار‬
‫يف‬
‫البابط�‬ ‫فلسط�) للدكتور هاشم ياغي‪ ،‬ومعجم‬ ‫يف‬ ‫يثبت ويرد عل منتقدي أساليب بكّار المتبعة �ف‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫يب� الباحث الرقب‬ ‫وغ�ها‪ ،‬حيث ي ِّ ف‬ ‫للشعراء العرب‪ ،‬ي‬ ‫معالجة الدراسات‪ ،‬بأنه تعامل مع كل عمل بمنهج‬
‫يغ�‬ ‫ف‬
‫منهج الدكتور يوسف بكار ي� نقد تلك الكتب ي‬ ‫خاص به تفرضه طبيعة هذا العمل بنفسه‪ ،‬ومنها‬
‫مهادنة أو تز ّلف‪.‬‬ ‫دراسة بكّار للعديد من الكتب والقصائد القديمة‪،‬‬
‫فخصصه الباحث لما أسماه‬ ‫أما الفصل الخامس‪َّ ،‬‬ ‫ب�‬‫كال� ي ف‬‫ت‬
‫حيث عقد بينها المقارنات والمقاربات ي‬
‫ف‬
‫ال� ظهرت ي� أعمال بكّار‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫قصيدة الثعال� والعماد أ‬
‫“مالمح النقد اللغوي” ي‬ ‫صفها�‪ ،‬وكذلك كتاب‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫بي‬
‫استخد َم اللفتات اللغويّة‬ ‫النقديّة خاصة‪ ،‬حيث‬ ‫(المصون ف ي� الدب) لب ي� أحمد العسكري‪ ،‬ونقده‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫َ‬
‫ال� تناولها‪ ،‬سواء‬ ‫ت‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫لمضمون الكتاب ش‬
‫ومز َجها برؤاه النقدية ي� العمال ي‬ ‫َ‬ ‫و�حه للمآخذ عليه‪.‬‬
‫مقالت أم‬ ‫شعرا أم‬ ‫أ‬
‫ٍ‬ ‫كتبا أم ً‬ ‫كانت هذه العمال ً‬ ‫كما تناول بالدراسة والتعقيب بعض الكتب‬
‫تحقيقًا أو غ� ذلك من فنون الكتابة‪ ،‬فكشف �ف‬ ‫الحديثة‪ ،‬كدراسة يوسف بكّار عن كتاب (القصة‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫دراسات‬
‫‪91‬‬

‫واستند (الباحث) لما كتبه بكّار عن الشاعر‬ ‫الكث�ون عندما‬ ‫مقالة له عن الخطأ الذي يقع به ي‬
‫ال�جمات العديدة عن‬ ‫الفارس عمر الخيام وعن ت‬ ‫وال�جمة‪ ،‬فهم يقعون �ف‬ ‫ب� التعريب ت‬ ‫ل يفرقون ي ف‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ِّ‬
‫اللغة الفارسية وإليها‪ ،‬حيث أكَّد الدكتور بكّار‬ ‫المصطلح�‪ ،‬كذلك‬‫ف‬ ‫ي‬ ‫ف‬
‫يم�ون يب�‬ ‫ف‬ ‫الشكال عندما ل ي ِّ‬ ‫إ‬
‫التفاعلية بدأت برسم معالم‬ ‫ّ‬ ‫أن هذه العالقة‬ ‫َّ‬ ‫ب� المصدر والمرجع‪ ،‬كما يقف‬ ‫التمي� ي ف‬
‫يف‬ ‫عدم‬
‫ال�ق‬ ‫ب� حضارات ش‬ ‫التبادل المعر� والفكري ي ف‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫طويال أمام استخدام الدباء والك ّتاب لبعض‬ ‫ً‬
‫ي‬
‫ال� يعتقدون أنها تراكيب‬ ‫ت‬ ‫ت‬
‫الكث� عن‬ ‫بعضها مع بعض‪ ،‬فالفارسية أخذت ي‬ ‫ال�اكيب والمفردات ي‬
‫العمال الفكريّة‬ ‫العربية‪ ،‬وترجمت إليها الكث� من أ‬ ‫ومفردات عربية فصحى‪.‬‬
‫ي‬
‫أ‬
‫ال�اف ف ي� شيوع بعض اللفاظ‪ ،‬أو‬
‫والفلسفية وعلم الجتماع‪ ،‬وكذلك فعلت حركة‬ ‫كذلك عن إ‬
‫ت‬ ‫وأخ ِذ ِه‬ ‫أ‬
‫ال�جمة العربية منذ القديم‪.‬‬ ‫العامية والخاطئة‪ْ .‬‬ ‫ّ‬ ‫شيوع استخدام اللفاظ‬
‫يف‬
‫والدارس�‪،‬‬ ‫يف‬
‫الباحث�‬ ‫فالخيام استأثر باهتمام‬ ‫أ‬
‫عل بعضهم استخدام نماذج خاطئة؛ المر الذي‬
‫ّ‬
‫يكتف‬ ‫أ‬ ‫يجيء من بعض ت‬
‫ومدى التأثر من الشعراء العرب به‪ ،‬كعرار وشعراء‬ ‫ال�جمات الوروبية‪ .‬ولم ِ‬
‫وغ�هم‪.‬‬ ‫جماعة الديوان والعقاد‪ ،‬ي‬ ‫بكّار بال َّتعييب‪ ،‬بل ع ّلل أسباب هذا ال َّتعييب‪.‬‬
‫ف‬
‫وتناول الباحث الجهد الذي بذله بكّار ي� كتابه‬ ‫السلوب‬ ‫وكشف الباحث ف� الفصل السادس عن أ‬
‫ي‬
‫أمىص‬ ‫(ال�جمات العربية لرباعيات الخيام) حيث ف‬ ‫ت‬ ‫المتم� والمتمرس الذي برع به الناقد الدكتور‬ ‫يف‬
‫قرابة الثالث سنوات ف ي� تأليفه‪ ،‬ففيه ثالث وثالثون‬ ‫بكّار‪ ،‬وهو النقد المقارن‪ ،‬فقد رصد من خالل ذلك‬
‫ع�ة ترجمة شن�ية ف ي� اللغة‬ ‫ترجمة شعريّة وخمس ش‬ ‫ال� مكّ نت يوسف بكّار من تبيان‬ ‫ت‬
‫ائية ي‬ ‫الثر ّ‬ ‫العالقة إ‬
‫ناقدا إيّاها ومح ِّل ًال‪.‬‬ ‫آ‬
‫ب� الداب‬ ‫العالقة المتينة والستفادة المتبادلة ي ف‬
‫العربية‪ً ،‬‬
‫ال� توصل إليها �ف‬
‫ي‬ ‫واختتم الباحث ببعض النتائج ت ي َّ‬ ‫العر�‪ ،‬وبالعكس‪.‬‬ ‫الغربية والمتلقي ب ي‬
‫يتضمن ‪ 243‬صفحة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ال� جاءت ف ي� كتاب‬ ‫ت‬
‫دراسته ي‬ ‫العر� للنقد المقارن‪ ،‬فهو كما‬ ‫وأخذ عل المنظور ب ي‬
‫والن� وبدعم‬ ‫وصدر عن دار اليازوري للطباعة ش‬ ‫يرى لم ير ِتق إىل مستوى المنهج‪ ،‬عل الرغم من‬
‫أن‪ :‬يوسف‬ ‫من وزارة الثقافة‪ ،‬حيث خلص فيه إىل َّ‬ ‫أن العلوم‬ ‫ممن كتبوا فيه‪ ،‬وكما يرى َّ‬ ‫الكث� َّ‬ ‫براعة ي‬
‫ال ي ف‬ ‫بكّار من أقدر وأشهر النقاد أ‬ ‫أ‬
‫تأث� الدب‪.‬‬
‫ردني�‪ ،‬وهو من‬ ‫تأث�ها أوضح من ي‬ ‫ي‬
‫يف‬
‫الرص�‪،‬‬ ‫المشتغل� بالبحث العلمي‬ ‫يف‬ ‫القالئل‬ ‫أ‬
‫ّأما عن أثر العرب ي� المم الخرى فإنه (الناقد)‬ ‫أ‬ ‫ف‬
‫أ‬ ‫ف‬
‫والمحقق� � مجال ت‬‫ف‬ ‫تأث� قوي خاصة عند‬
‫ال�اث والنقد المقارن‪ ،‬لنه‬ ‫ي ي‬ ‫أن العرب كان لهم ي‬ ‫يؤكد َّ‬
‫وممن‬ ‫الفرس ي� الموسيقى والبالغة واللغة والشعر‪،‬‬ ‫ف‬
‫ممن اكتملت لديهم أدوات النقد‪َّ ،‬‬ ‫واحد َّ‬
‫بغ� دراسة أو بحث‪،‬‬ ‫اعتنوا ت‬ ‫يف‬
‫بوشك� وتأثره‬ ‫الروس (كما ف ي� أعمال‬ ‫الدب‬ ‫وكذلك أ‬
‫خصه ي‬ ‫بال�اث؛ فقد ّ‬ ‫ي‬
‫وهو ل يناصب أي منهج نقدي العداء‪ ،‬ألنه مؤمن‬ ‫نىس (كما ف ي� أعمال‬ ‫أ‬
‫بالقرآن الكريم)‪ ،‬والدب الفر ي‬
‫بإسهامات كل منهج‪.‬‬ ‫يف‬
‫لفونت�)‪.‬‬ ‫الشاعر‬
‫دراسات‬
‫‪92‬‬

‫ا ْل َك ْبت‬
‫غادة حاليقة‪ /‬األردن‬

‫تشويهها وتناسيها‪ ،‬ويأَ ت ي� َر ُّد ا ْل ِف ْع ِل هذا لحماية‬ ‫َاعي ٍة‬ ‫يلة ِدف َّ‬‫النفىس‪ ،‬هو ِع َبارة عن ِح ٍ‬ ‫ي ف ُّ‬ ‫ا ْلكَ ْب ُت أَ ْو الق َْم ُع‬
‫الدر ياك يُ ْس ِه ُم‬
‫ِص َّح ِة الفرد‪ ،‬حيث ِإ َّن هذا الغياب إ‬ ‫حالة الالوعي‪ ،‬نتيجةَ ِفك ٍْر‬ ‫نفسي ٍة‪ ،‬يَ ْل َجأُ َل َها الفر ُد ي� ِ‬ ‫َّ‬
‫آ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫الج َس ِديَّة الناجمة عن تلك‬ ‫ي� حمايته من الثار َ‬ ‫نكار‬‫الما�‪َ ،‬ك َن ْو ٍع من ِإ ِ‬ ‫ي‬ ‫ؤلم َوق ََع له ي�‬ ‫أَو َح َد ٍث ُم ٍ‬
‫وال� يمكن أَن تجع َله رصيعا أ‬ ‫أ‬
‫لالمراض‬ ‫الَفكار‪ ،‬ت ي ُ ْ ِ ُ ْ َ ْ َ ُ َ ً‬ ‫وقوع هذا الحدث‪.‬‬
‫ا ْل َج َسديَّة‪.‬‬ ‫َويُ َع َّر ُف الكَ ْب ُت أَيْ ًضا بأَنَّه ِعبار ٌة عن (نسيان ُم َحفَّز)‪،‬‬
‫يجب أَ ًول فهم‬ ‫وللتعمق ف� فهم ف‬ ‫الَفكار والذكريات والمشاعر‪،‬‬ ‫وذلكَ من خالل إزالة أ‬
‫مع� الكبت‪ُ ،‬‬ ‫ُّ ِ ي‬ ‫ِ ِ‬
‫الدفاع‪.‬‬ ‫يغ� المرغوب فيها ي� العقل ال َّن ِشط الالواعي‪.‬‬ ‫ف‬
‫آليات ِّ‬
‫الدراسات ِإىل أَ َّن الف َْر َد بعد تلقيه‬ ‫شارت ِّ‬ ‫وقد أَ ِ‬
‫َ‬
‫الق ْمع‬ ‫تعم ٍد ِع َو ًضا عن‬ ‫بشكل ُم َّ‬‫الصدمة‪ ،‬يَ ْل َجأُ إىل نسيانها ٍ‬ ‫َّ‬
‫الفكار‪ ،‬هي آ‬
‫ال َّلية‬ ‫اكتشف “فرويد” بأَن قمع أ‬ ‫َ‬ ‫قَمعها‪ ،‬حي ُث إن القمع عبار ٌة عن مكَون متعدد �ف‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ ِّ ٍ ُ َ َ ِّ ٍ ي‬ ‫َ َِ‬ ‫ْ ِ َ ْ ِ َّ‬
‫آ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ت‬
‫همية هذه ال ّلية‬‫الرغم من أَ َّ‬ ‫الُوىل للدفاع‪ ،‬وعل ّ‬ ‫جار َب‬ ‫ال� تَ ْخ َ ِ� ُن ال َّت ِ‬ ‫كو ُن من الذَّ اكرة ي‬ ‫أَبْ َع ِاده ي‬
‫ال� تَ َت َّ‬
‫من وجهة نظره‪ِ ،‬إ َّل أَنَّ ُه َع َّد بأَنَّها يغ� ناجحة‬ ‫الم ْؤلمة ف ي� حالة الالوعي والوعي‪،‬‬ ‫والذِّ كريات ُ‬
‫عل المدى الطويل؛ أل َ َّن الفر َد ل يملكُ خيار ِات‬ ‫التجارب‬
‫ُ‬ ‫سببة لالمراض‪ ،‬وتطغى تلكَ‬ ‫أ‬
‫الم ِّ‬ ‫والثار ُ‬
‫آ‬
‫الستخدام أَ ْو عدم الستخدام‪َ ،‬وي ْن ُت ُج ذلك من‬ ‫الَمر ا َّلذي يُ َحف ُِّز عل‬ ‫والَفكار عل غَالبية ا ْلب ش�‪ ،‬أ‬ ‫أ‬
‫َّ َ َ‬ ‫ُ‬
‫ُوب فيها‪ ،‬كا ْلغَ َضب‬ ‫ومشاعر يغ� َم ْرغ ٍ‬
‫َ‬ ‫َخ ْل ِق ِه أَ َ‬
‫فكار‬ ‫السبب الرئيس ف ي�‬ ‫ُ‬ ‫الم َت َع َّمد‪ ،‬وهذا هو‬ ‫النسيان يغ� ُ‬
‫الَفكار المندفعة من‬ ‫والقلق‪ ،‬بسبب دفع تلك أ‬ ‫الَفراد من فقدان ُم َع ي َّ ف� للذاكرة‪ ،‬وهو ر ُّد‬ ‫معاناة أ‬
‫العقل الالواعي‪.‬‬ ‫للتعامل مع فكرة أَو تجربة مؤلمة من خالل‬ ‫ِ‬ ‫ِف ْع ٍل‬
‫دراسات‬
‫‪93‬‬

‫ور هذا‬ ‫ظهور‪ ،‬ويرى “فرويد” بأَ َّن ُظ ُه َ‬ ‫بعدها بال ُّ‬ ‫الدفاع هي نَ ْو ٌع من‬ ‫ِ‬ ‫َو َّض َح “فرويد” بأَ َّن ّ‬
‫آلي ِات‬
‫السلوكَ العص� بعد تطور ا ْلكَ بت تحت الَناأ‬ ‫واع؛‬ ‫ت‬
‫ُّ ِ ْ ِ َ ْ ْ‬
‫معروف بأَن أ‬ ‫ب ي َّ‬ ‫ُّ‬ ‫كل ل ٍ‬ ‫الم ْس َت ْخ َد َم ِة ِب َش ٍ‬
‫اتيجي ِات ال َنف ِْس َّي ِة ُ‬
‫الس� َّ‬ ‫ْ‬
‫النا ا ْلعليا �ف‬ ‫ا ْل ُعليا للفرد‪ ،‬وكما هو‬
‫ُ ي‬ ‫ٌ َّ‬ ‫المشاعر‬
‫ِ‬ ‫القلق ال َّن ِاج َم ِة عن‬‫ِالفرد من آثار ِ‬ ‫لحماية ِ‬
‫ت‬ ‫أ‬ ‫فكار يغ� المقبولة‪ ،‬حيث أَ ْو َض َح ِبأَ َّن‬ ‫أ‬
‫وال� ُ‬
‫تقع‬ ‫ضم� العقل‪ ،‬ي‬ ‫الَساس هي عبار ٌة عن ي‬ ‫استخدام‬
‫َ‬ ‫وال ِ‬
‫العص�‪َ ،‬ويَ ْن ِت ُج عن‬ ‫ال َّلي ِات؛ لحماية ال َّنفس من تَ َس ُّل ِل بعض‬ ‫تلك آ‬
‫لوك ف ب ي ِّ‬ ‫الس ِ‬ ‫جنبا ِإىل َج ْن ٍب مع ُّ‬ ‫ً‬
‫هذا تَو ِّل ُد ال َق َلق‪ ،‬والذي يُؤ ِّدي ي� نهاية المطاف ِإىل‬ ‫ت‬
‫وال� تَ ْن ِت ُج‬ ‫والشعور بالذَّ نب‪ ،‬ي‬ ‫المشاعر‪ ،‬كالقلق ُّ‬
‫أ‬
‫الذاتي ِة ا ْل ُم َد ِّمرة‪،‬‬
‫لوكي ِة َّ‬ ‫الس َّ‬ ‫وادث ُّ‬ ‫احتمال وقوع ا ْل َح ِ‬ ‫الدماغ‬ ‫الشعور بالتهديد؛ ل َ َّن أَ ْج َزا ًء من ِّ‬ ‫َعاد ًة عن ُّ‬
‫خالل‬
‫المشاكل من ِ‬ ‫َ‬ ‫الطبيب َح َّل‬‫ُ‬ ‫ومن هنا يُ ُ‬
‫حاول‬ ‫الدماغ‪،‬‬ ‫طلَّبةً من أَ ْج َز ٍاء أُخرى من ِّ‬ ‫الب ش َ�يَّة تكون ُم َت َ‬ ‫َ‬
‫المكْ ُبوتة لعقل المريض‬ ‫استخالص الذِّ كريات َ‬ ‫ِ‬ ‫المشاعر تَق َْب ُع َ‬
‫خارج‬ ‫َ‬ ‫َح ْي ُث يَ ْع َت ِق ُد “فرويد” بأَ َّن تلكَ‬
‫أ‬ ‫ف‬ ‫الس ْيطرة عليها‪.‬‬
‫يتمك َُّن من‬ ‫الواعي‪َ ،‬و ِإ ْن نَ َج َح ي� هذا المر‪ِ ،‬فإنَّ ُه َس َ‬ ‫حدود َّ‬ ‫ِ‬
‫إزالة حالة ا ْلق َْمع للذكريات‪.‬‬ ‫تخدم‬‫الدماغ تَ ْس ُ‬ ‫َويَ ِج ُب ال َّت ْنويه ِإىل أَ َّن أَ ْج َزا ًء من ِّ‬
‫أ‬
‫العديد من‬‫َ‬ ‫وص َل “فرويد” لحقًا ِإىل أَ َّن‬ ‫وقد تَ َّ‬ ‫حداث‬ ‫للتعامل مع ال َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الدفاع‬ ‫آلي ِات َّ‬ ‫واع ِمن َّ‬ ‫س ّتة أَنْ ٍ‬
‫ف‬ ‫الذِّ ِ‬ ‫العق ُْل ا ْلق َْم َع ِب َشك ٍْل‬ ‫َالبا َما يَ ْس َت ْخ ِد ُم َ‬
‫المكبوتة لدى المر� الذين عانوا منها‬ ‫ِ‬ ‫كريات‬ ‫والمشاكل‪َ ،‬وغ ً‬ ‫ِ‬
‫ُم ْنذُ الطفولة‪ ،‬هي‬ ‫يجابية‪.‬‬ ‫ش‬ ‫َ‬
‫ذكريات يغ� صحيحة‪ ،‬وهذا َما‬ ‫ٌ‬ ‫ُم َؤق ٍَّت َوأك� ِإ َّ‬

‫تطوير فرويد َ‬
‫للق ْمع‬
‫� داخل‬ ‫بحاث ِإىل أَ َّن‬ ‫أ‬
‫الع َص ِب ي َّ‬ ‫النظام َ‬ ‫َ‬
‫ف‬
‫لت ال ُ‬ ‫تَ َو َّص ِ‬
‫عملية الق َْمع‪ ،‬عل الرغم‬ ‫دماغ الفرد‪ ،‬يَ َت َحك َُّم ي� َّ‬
‫المطاف ِإىل أَ َّن‬ ‫ِ‬ ‫استخلص ف ي� نهاية‬ ‫َ‬ ‫من أَ َّن فرويد‬
‫يحدث ِب ْشك ٍْل‬ ‫ُ‬ ‫الذكريات يغ� المرغوب فيها‬ ‫ِ‬ ‫ق َْم َع‬
‫ف‬
‫َط ْو ِع ٍّي ي� الوعي الواعي‪.‬‬
‫الُوىل تتمث ُل �ف‬ ‫كانت نظريةُ فرويد ف� السنوات أ‬
‫َّ ي‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫العقْل الواعي مع الحتفاظ بها‬ ‫ق َْم ِع الذِّ كريات من َ‬
‫العقل الالواعي‬ ‫َ‬ ‫واعتقد بأَ َّن‬
‫َ‬ ‫ف ي� العقل الالواعي‪،‬‬
‫ينظر‬
‫ُ‬ ‫الفكار؛ ألَنَّ ُه كان‬ ‫قام بإيقاف تدفِّق تلك أ‬
‫َ ِ‬ ‫َ‬
‫خص‬ ‫الش ِ‬‫رفاهي ِة َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِإليها عل أَنَّها َض َّارةٌ‪َ ،‬وتَ ِح ُّد من‬
‫فكار‬ ‫أ‬
‫حارصة تلك ال ِ‬ ‫ِ‬ ‫العقلية‪ ،‬وعل الرغم من ُم‬ ‫ّ‬
‫ْسية تبدأُ‬ ‫المشاكل ال َّنف َّ‬ ‫َ‬ ‫ف ي� العقل الالواعي‪ِ ،‬إ َّل أَ َّن‬
‫دراسات‬
‫‪94‬‬
‫كية ي ف‬ ‫أ‬
‫الم ْؤلم‪.‬‬ ‫اكية للحدث ُ‬ ‫الدر َّ‬ ‫تقييماته ِإ‬ ‫“إل�ابيث لوفتوس”‪،‬‬ ‫فس ال يم� ّ‬ ‫أَك ََّدتْه َعا ِل َمةُ ال َّن ِ‬
‫ف‬ ‫أ‬
‫حاث ي� علم‬ ‫لت مجموعةٌ من الَبْ ِ‬ ‫وقد تَ َو َّص ْ‬ ‫خاطئة‬ ‫ٍ‬ ‫ذكريات‬‫ٍ‬ ‫كن َز ْر ِع‬ ‫الم ْم ِ‬ ‫َح ْي ُث قالت إنّ ُه من ُ‬
‫ال� أَ َش َار ْت إىل أَ َّن ال َّلوز َة‬ ‫ت‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬
‫اكي ِة ي‬ ‫الدر َّ‬ ‫عصاب ِإ‬ ‫ال ِ‬ ‫العديد‬
‫َ‬ ‫مر ِفإ َّن‬ ‫ي� رؤوس الَفراد‪ ،‬ونتيجةً لهذا ال ِ‬
‫تعمل عل تعزيز الذِّ كريات‪ ،‬وأَ َّن هذا‬ ‫يعتقدون ِبأَ َّن ق َْم َع أَ ْو‬ ‫أ‬
‫اغية ُ‬ ‫الد َم َّ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫فس‬‫طباء وعلماء ال َّن ِ‬ ‫من ال َ َّ‬
‫� ل َّل ِ‬ ‫ت‬ ‫ادر ا ْل ُح ُدوث‪َ ،‬ح ْي ُث أَ َش َار أَ َح ُد‬ ‫الذاكرة أَ ْم ٌر نَ ُ‬
‫وزة‬ ‫شاط ا ْل َع َص ِب ي ِّ‬‫يزيد من ال َّن ِ‬ ‫الس�جا َع لها‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ك َْب َت‬
‫والحص�‪َ ،‬وأَ َّن‬ ‫يف‬ ‫َ�ِة ا ْلف َِّص الجبهي‬ ‫ش‬ ‫استخدام الق َْم ِع يَ ْح ُد ُث نتيجة‬ ‫النقاش بأَ َّن‬ ‫جوانب ِ‬
‫الد َم ِاغ َّية‪َ ،‬وق ْ َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ياكل ا ْل َع َص َّبي ِة‬ ‫ف‬ ‫ال�اب َ‬ ‫ت‬ ‫مر ا َّلذي يَ ْن ِت ُج عنه‬ ‫أ‬
‫ط الوظيفي ي� تلك ال َه ِ‬ ‫هذا َّ‬ ‫ادث ُم َر ِّو ٍع‪ ،‬ال ُ‬ ‫الفرد ِل َح ٍ‬ ‫تَ َع ُّر ِض ِ‬
‫أ‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫مر ا َّلذي يُؤ ِّدي إىل‬ ‫لحظة ال َّنشاط ي� الس�جاع‪ ،‬ال َ ُ‬ ‫تام‪.‬‬ ‫بشكل ٍ‬ ‫الذاكرة ٍ‬ ‫ِ‬ ‫منع‬‫َ‬
‫الدماغيةَ ‪،‬‬ ‫استذكارها‪ ،‬ومن المعروف بأَ َّن اللوز َة‬ ‫آخر من أشكال ال ِّنقاش‪ ،‬بأَ َّن‬ ‫ف‬
‫َّ‬ ‫وقد ا ْع ُت ِق َد ي� َشك ٍْل ُ‬
‫الذكريات يغ� المرغوب فيها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بتخزين‬
‫ِ‬ ‫تقوم‬ ‫ل ُ‬ ‫تعمل عل‬ ‫ُ‬ ‫عة‬ ‫مرو ٍ‬ ‫اتجة عن تَ ْج ِر ٍبة ِّ‬ ‫دمة ال َّن َ‬ ‫الص َ‬ ‫َّ‬
‫أ‬ ‫ف‬
‫العصبي ِة الُخرى‬ ‫ّ‬ ‫الشبكات‬
‫ِ‬ ‫تحف�‬
‫تعمل عل ي ِ‬ ‫لك َّنها ُ‬ ‫اكرة‬‫يعتقدون بأَ َّن حيويَّةَ الذَّ ِ‬ ‫َ‬ ‫تقوية الذاكرة‪َ ،‬ح ْي ُث‬
‫ف� عملية ت‬ ‫ال� تو َّلدت لدى الفَرد �ف‬ ‫ت‬
‫المشاعر‬
‫ُ‬ ‫تلعب‬
‫الس�جاع؛ لهذا السبب ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ي‬ ‫ِ ي‬ ‫ْ‬ ‫ناتجةٌ عن َش َّد ِة العواطف ي‬
‫ت‬ ‫ف‬ ‫تعر ِض ِه ِل ْل َح َدث‪.‬‬
‫عملي ِة الس�جاع‬ ‫الذاكرة خالل َّ‬ ‫ِ‬ ‫تغي�‬‫هما ي� ي‬ ‫ُج ْز ًءا ُم ًّ‬ ‫لحظة ُّ‬ ‫ِ‬
‫منظور علم الَعصاب‪َ ،‬ح ْي ُث تُؤثِّر‬ ‫أ‬ ‫والنْكار‪ ،‬يغ� أَ َّن‬ ‫ط يف‬ ‫يتم الخل َ‬
‫الشبكات‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫من‬ ‫ب� الكَ ْب ِت إ‬ ‫غالبا ما ُّ‬ ‫ً‬
‫ت‬ ‫ا ْلكَ ْب َت أَ ْو ا ْلق َْم َع يرتب ُ‬
‫ال�‬ ‫بالعواطف عل ا ْلكَ ْي ِف َّي ِة ي‬ ‫ِ‬ ‫العصبيةُ المرتبطةُ‬ ‫ّ‬ ‫قلي ٍة‬ ‫ذاتي ٍة َع َّ‬ ‫ط ِب ُم َح ِّفز ٍات ّ‬
‫يَ ْس ت َ ْ� ِج ُع بها الفر ُد‬ ‫ط بمحفِّزات خارجية؛ أ‬
‫مؤلم‪.‬‬‫لحدث ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ولَنَّه‬ ‫النكار يف�تب ُ ِ ُ َ ٍ َ َّ‬ ‫داخلية‪ ،‬أَ َّما ِإ‬ ‫َّ‬
‫فريق بينهما‪.‬‬ ‫معا ِفإنَّ ُه يَ ْص ُع ُب ال َّت َ‬ ‫َعا َد ًة ما يعمالن ً‬
‫أ‬ ‫المشك ي ف‬
‫َق ْم ُع ا ْل َق ْمع‬ ‫ّك� ِبأَ َّن الَفرا َد ا َّل َ‬
‫ذين‬ ‫يَ ْع َت ِق ُد َع َد ٌد من ُ‬
‫اف بالحدث‪َ ،‬ح ْي ُث‬ ‫الع� ِ‬‫عدم ت‬ ‫عند ِ‬ ‫يَ ْح ُد ُث ا ْلق َْم ُع َ‬ ‫للوصول‬ ‫تخ َد ِام ا ْلق َْم ِع ك ٍ‬
‫َوسيلة‬ ‫يميلون إىل ْاس ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ظ ُّن الفر ُد بأَ َّن ا ْل َح َد َث ا َّلذي تَ َع َّر َض له لم يَ ْح ُد ُث‬ ‫يَ ُ‬ ‫غالبا‪،‬‬ ‫قائق ً‬ ‫ويه ا ْل َح َ‬ ‫خاطئة أَ ْو تَ ْش ِ‬ ‫ٍ‬ ‫استنتاجات‬
‫ٍ‬ ‫ِإىل‬
‫وه ُم ُه بأَ َّن ا ْل َح َد َث لم‬ ‫ِإ ْطالقًا‪َ ،‬ح ْي ُث ِإ َّن َعق َْل الف َْرِد يُ ِ‬ ‫ْبوت يواجه صعوبةً‬ ‫المك َ‬ ‫وقد اف�ضوا بأَ َّن الفر َد َ‬ ‫ت‬
‫إيالم ِه‪.‬‬ ‫يَ ْح ُد ْث َق ُّ‬ ‫ف‬ ‫ف� ت‬
‫ط ِل َش َّد ِة ِ‬ ‫المرو ِع‬ ‫ّ‬ ‫ادث‬ ‫الح ِ‬ ‫لحظات ُم َع َّينة ي� َ‬ ‫ٍ‬ ‫اس�داد‬ ‫ي‬
‫ِم ْن َجا ِن ٍب َآخ َر ف َِإ َّن ا ْلكَ ْب َت هو ِع َبار ٌة عن ُج ْه ٍد‬ ‫اض تَ ِد ُّل‬ ‫َ‬
‫لكن تَ ْح ُد ُث ِع ْن َده أعر ٌ‬ ‫ا َّلذي تَ َع َّر َض له‪ْ ،‬‬
‫ف‬
‫الفرد وأَ َ‬
‫فكار ُه َو َرغ ََبا ِت ِه‪ ،‬وا َّد َعاء‬ ‫مشاعر ِ‬ ‫ِ‬ ‫واع إلخفاء‬ ‫ٍ‬ ‫التعامل مع‬ ‫ِ‬ ‫ساءة ي�‬ ‫كال ِ‬ ‫لحادثة ما‪ ،‬إ‬ ‫ٍ‬ ‫عرضه‬ ‫عل تَ ِّ‬
‫ف‬
‫أَ َّل وجو َد َل َها مع ِإ ْدر ِاكه لها‪َ ،‬وبَذْ ِل ُج ْه ٍد ي� َع َد ِم‬ ‫أ‬
‫ال َسا َء ِة‪.‬‬ ‫لوكياتُهم عل تلكَ ِإ‬ ‫الطفال‪َ ،‬ح ْي ُث تَ ِد ُّل ُس ّ‬
‫ك� بها ِوإزالتها‪ِ ،‬وم ْن ُهنا يَ َّتخذُ َقر ًارا ِب َع َد ِم‬ ‫ال� ي ف‬‫ت‬ ‫النهائيةُ للنظريّة فقد َح َّد َد ْت‬ ‫الستنتاجات‬
‫ُ‬ ‫أَ َّما‬
‫ّ‬
‫الترص ِف‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫لمثل هذا‬ ‫الفرد ِ‬ ‫فك� بها‪َ ،‬و َس َب ُب ُل ُج ِوء ِ‬ ‫ال َّت ي ِ‬ ‫ساعد الفر َد عل‬ ‫� للذاكرة‪ ،‬يُ ُ‬ ‫الع َص ِب ي َّ‬ ‫مثيل َ‬ ‫بأَ َّن ال َّت َ‬
‫َ� ُم َناسب‪ ،‬أَ ْو أَ َّن‬ ‫ف‬
‫اعر غ ي ْ ُ‬‫الم َش َ‬ ‫وقيت تلكَ َ‬ ‫هو أَ َّن تَ َ‬ ‫الم ْؤلمة‪ ،‬من أجل تعديل‬ ‫ال َّتحك ِِّم ي� ذكرياته ُ‬
‫دراسات‬
‫‪95‬‬

‫الجون‬ ‫َب�‪َ ،‬وق َْد َل َجأَ ا ْل ُم َع ُ‬ ‫للج َد ِل ِب َشك ٍْل ك ي ٍ‬ ‫الم يث�ِة َ‬ ‫ُ‬ ‫أي َس َب ٍب َآخ َر‪.‬‬ ‫فكاره يغ� صائبة‪ ،‬أَ ْو ّ‬ ‫أَ َ‬
‫ف‬ ‫ب� ا ْلكَ ْب ِت َوا ْلق َْم ِع هو أَ َّن ا ْلكَ ْب َت‬ ‫ئيس ي ف‬
‫رصم؛‬ ‫ريقة ي� نهاية القرن ا ْل ُم ْن َ ِ‬ ‫ط ِ‬ ‫ون لهذه ال َّ‬ ‫ال َّنف ِْس ُّي َ‬ ‫َوا ْلف َْر ُق الر ُ‬
‫لمساعدة ال َّن ِاس عل تَذَ ك ِِّر نَ ْو ِع َّي ٍة ُم َع َّي َن ٍة من‬ ‫فكار عل المستوى‬ ‫أ‬
‫ِ‬ ‫والمشاعر وال َ‬ ‫َ‬ ‫الرغ ََب ِات‬‫يُ ْن ِك ُر َّ‬
‫ت‬
‫ا ْل َح َو ِاد ِث ا َّل ي� تَ َع َّر ُضوا َل َها ‪-‬كال ْع َتد ِاء ِّ‬ ‫الذكريات عل‬ ‫نكار‬ ‫ُ‬ ‫الواعي‪ ،‬أَ َّما ا ْلق َْم ُع‬
‫ىس‪-‬‬ ‫الج ْن ِ ي ِّ‬ ‫ِ‬ ‫فيعمل عل ِإ ِ‬
‫ف‬
‫واد ِث ال ْع َتد ِاء لم‬ ‫ديد ِم ْن َح ِ‬ ‫َوتَ َو َّص ُلوا إىل أَ َّن ا ْل َع َ‬ ‫باب‬‫المستوى الالواعي‪ ،‬ي� ا ْلكَ ْب ِت يُ ْد ِركُ الفر ُد أَ ْس َ‬
‫أ‬ ‫ف‬
‫اث‬ ‫ط؛ َونتيجةً لهذا فقد تَ َو َّص َلت البْ َح ُ‬ ‫تَ ْح ُد ْث َق ُّ‬ ‫حالة ا ْلق َْم ِع ف َِإ َّن الفر َد ربما ل‬ ‫َو َد َو ِاف َع ا ْلق َْمع‪ ،‬أَ َّما ي� ِ‬
‫ت‬ ‫ف‬
‫ويم‬ ‫تائج ال َّت ْن ِ‬ ‫ون ِإ َش َار ٍات ِل َن ِ‬ ‫ف� ُض َ‬ ‫ِإىل أَ َّن ال َّن َاس يَ ِ‬ ‫علم ال َّنفس‪،‬‬ ‫و� ِ‬ ‫يكون عل ِع ْل ٍم ِب ِك ِّل َما يَ ْح ُد ُث‪ ،‬ي‬
‫الم َعا ِل ُجون‬ ‫ُون ُ‬ ‫مكن أَ ْن يَك َ‬ ‫اطيىس‪ ،‬أَ ْو يُ ُ‬ ‫ي ِّ‬ ‫المغْ َن‬ ‫ِ‬ ‫تكر ٍر؛ ألَنَّ ُه‬
‫الدفاع ا ْلق َْم ِع ِب َشك ٍْل ُم ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ات‬
‫آلي ُ‬ ‫تُ ْس َت ْخ َد ُم ّ‬
‫فس ُّيون ق َِد اف َ َْ� ُضوا ‪-‬ربَّ َما دون ق َْص ٍد‪ِ -‬ذك َْريَ ٍات‬ ‫ت‬ ‫ال َّن ِ‬ ‫العقل الالواعي (العقل الباطن)‪.‬‬ ‫ينطوي عل‬
‫ِ‬
‫ِل أالَفراد ا ْل ُم َّنو ِم ي ف�‪ ،‬وا َّل ي� لم تَ ْح ُد ْث ِف ْع ًّليا ي� الواقع‪.‬‬
‫ف‬ ‫ت‬ ‫الغضب‬ ‫ِ‬ ‫مشاعر‬
‫ُ‬ ‫كن أَ ْن يَ ْن ُت َج عنه‬ ‫حالة الق َْم ِع‪ ،‬يُ ْم ُ‬ ‫و� ِ‬ ‫ي‬
‫ف‬
‫ون‬‫ونتيجةً ِل ِّكل َما َس َبق‪ ،‬ف َِإ َّن ُع َل َما َء ال َّنف ِْس يُ َجاد ُل َ‬ ‫ات ا ْلق َْم ِع ِإىل‬ ‫تح َّو ُل تَ َد ِاع َي ُ‬ ‫والحزن والرص ِاع‪َ ،‬وربَّ َما تَ َ‬ ‫ِ‬
‫وت يُ ْم ِك ُن أَ ْن‬ ‫أ‬
‫َث� ِم َن‬ ‫كد ك ي ٌ‬ ‫شائعة‪ ،‬ويُ ُؤ ُ‬
‫ٍ‬ ‫المكْ ُبو ِت ِة غ ي ْ َِ�‬ ‫ِبأَ َّن الذِّ ك َْريَ ِات َ‬ ‫الش ْخ َص ا ْل َمكْ ُب َ‬ ‫كث�؛ ل َّن َّ‬ ‫نَ َتا ِئ َج أَسوأَ ِب ي ٍ‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫يَ ت‬
‫المفقودة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ال َ ِط َّب ِاء أَنّ ُه ل يُ ْم ِك ُن ْاس ت� َدا َد الذَّ ِ‬
‫اكرة‬ ‫مر ل يُ ْم ِك ُن‬ ‫الح َد َث أَ ْو َما ق ََام به‪ ،‬وهذا ال ُ‬ ‫س� َّد َ‬
‫الف ْع ِل ا ْل َج َسديَّ ِة‪ ،‬أَ ْو‬ ‫مر ا َّلذي يُ ْم ِك ُن أَ ْن يُ َؤ ِّد َي ِإىل‬ ‫أ‬
‫أَ َّما “فرويد” ف ََي ْع ِتق ُد ِبأَ َّن ُر ُدو َد ِ‬ ‫الج ُه ِب ُس ُهو َل ٍة‪ ،‬ال ُ‬ ‫ِع َ‬
‫ف‬ ‫أ‬
‫الكالم‪ ،‬نَا ِت ٌج َع ْن‬ ‫اكرِة‪ ،‬أَ ْو ِ‬‫ط ِأ ا َّلذي يَ ْح ُد ُث ي� الذَّ َ‬ ‫ا ْل َخ َ‬ ‫مر يَ ْح َت ُاج الفر ُد‬ ‫نتائج أَ ْس َوأ‪َ ،‬و ِل َت َج ِّن ِب هذا ال َ‬ ‫وث َ‬ ‫ُح ُد ِ‬
‫ف‬ ‫ش‬
‫س ٍء َم ْخ ِف ٍّي ي� لوعي الفرد‪.‬‬ ‫َ يْ‬ ‫بالعواطف‬
‫ِ‬ ‫الشعور‬ ‫ماح َل ُه ُّ‬ ‫للس ِ‬ ‫واع َّ‬ ‫ِإىل بَذْ ِل ُج ْه ٍد ٍ‬
‫السعي إىل ق َْم ِعها أَ ْو ك َْب ِت َها‪،‬‬ ‫لحظةَ حدو ِثها دون َّ‬
‫* المراجع‪:‬‬ ‫النفسي ِة لحقًا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الوقوع ف ي� ا ْل َم َشا ِك ِل‬ ‫ِ‬ ‫وذلك؛ ِل َت َج ُّن ِب‬
‫ال يم�كية ‪ ،APA‬قاموس موجز‬‫‪ -‬جمعية علم النفس أ‬
‫لعلم النفس ‪Washington، DC: American‬‬ ‫س ا ْل ُم َع ِ‬
‫اصر‬ ‫الن ْف ِ‬ ‫ا ْل َك ْب ُ‬
‫ت في عِ ْل ِم َّ‬
‫‪.Psychological Association، 2009. Print‬‬ ‫يَ ْس َت ْخ ُد ُم ُع َل َما ُء ال َّنف ِْس المعارصون‪ ،‬ك َِل َمةَ ك َْب ٍت‬
‫‪ -‬كولمان‪ AM، Oxford ،‬قاموس علم النفس‪،‬‬ ‫كريات ا ْل َمق ُْمو َع ِة‬ ‫شارة ِإىل الذِّ ِ‬ ‫لال ِ‬ ‫أَ ْو ق َْم ٍع غ ً‬
‫َالبا ِإ‬
‫نيويورك‪ ،‬جامعة أكسفورد‪.2006 ،‬‬ ‫أَ ْو المكبوتة‪ ،‬وهي ِعبار ٌة َع ْن َح ِاد ٍث أَ ْو َم ْج ُمو َع ٍة‬
‫(نوفم� ‪ ،)2013‬رابط‬
‫ب‬ ‫‪ -‬مقالت‪ ،‬المملكة المتحدة‬ ‫واد ِث ا َّل ت ي� يَ َت َع َّر ُض َل َها الفر ُد ف ي� َحيا ِته‪،‬‬ ‫الح ِ‬
‫من َ‬
‫يف‬
‫ب� النسيان والتشويه وقمع الذكريات‪.‬‬ ‫َوا َّل ت ي� يَ ْع َج ُز عن تَذَ ك ِِّر َها‪ ،‬أَ ْو يُ ْم ِك ُن َل ُه ْاس� َجا َع َها‬
‫ت‬
‫‪ -‬غارسن‪ ،‬ب‪ .)2007( .‬القمع‪ :‬إيجاد طريقنا‬ ‫بيب أَ ْن‬ ‫ط ِ‬ ‫الج‪ ،‬ويُ ْم ِك ُن ِل ْل َّ‬
‫بيب ُم َع ٍ‬ ‫معاونة َط ٍ‬
‫ِ‬ ‫دون‬
‫ف ي� متاهة المفاهيم‪Journal of Behavioral .‬‬ ‫أ‬
‫الج َّي ِة ِوم ْنها (التنويم‬ ‫يَ ْل َجأَ ِل َع َد ٍد ِم ِن ال َ ِ‬
‫دوات ا ْل ِع ِ‬
‫‪.)Medicine، 30 )6‬‬ ‫الَدا ُة من أَهم ْ أ‬
‫ال َ َد َو ِات‬ ‫أ‬
‫المغناطيىس)‪ ،‬وهذه َ ِ ْ َ ِّ‬ ‫ي‬
‫فنون‬
‫‪96‬‬

‫األردنية في مهرجان القاهرة‬


‫ّ‬ ‫المشاركة‬
‫الدولي للمسرح التجريبي‬
‫‪2018 – 1988‬‬
‫حاتم السيد‪ /‬األردن‬

‫لتطوير الذات والرتقاء بالوعي وتع ُّلم وسائل‬ ‫الدوىل للم�ح‬ ‫ي‬ ‫ُم ْنذُ تأسيس مهرجان القاهرة‬
‫حارص �ف‬ ‫رد� ف‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫تعب� جديدة وتقنيات مغايرة‪ ،‬مع الحفاظ عل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫التجري� عام ‪ 1988‬والم�ح ال ي‬ ‫بي‬
‫المعر� والحضاري‪ ،‬دون‬ ‫ف‬ ‫خصوصية كل بلد وإرثه‬ ‫الم�حية أو‬ ‫دوراته كافة‪ ،‬سواء من خالل العروض‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫دهال� العزلة و�اديب النطواء‪.‬‬ ‫الدخول ف� ي ف‬ ‫حرصا‬ ‫بداعية‪ ،‬وذلك ً‬ ‫ال ّ‬ ‫الندوات الفكريّة أو الورش إ‬
‫ي‬
‫رسمية‬ ‫ردنية بوفود‬ ‫أ‬ ‫ردني� عل التواصل مع نظرائهم‬ ‫ال ي ف‬ ‫الم�حي� أ‬
‫يف‬ ‫من‬
‫ّ‬ ‫من هنا بدأت مشاركتنا ال ّ‬
‫العام� ‪ 1988-1989‬برئاسة‬ ‫يف‬ ‫وطواقم إداريّة ف ي�‬ ‫والجانب‪ ،‬ومساهمة منهم �ف‬ ‫المرصي� والعرب أ‬
‫يف‬
‫ي‬
‫وزير الثقافة آنذاك د‪.‬محمد الحموري‪ ،‬بهدف‬ ‫إنجاح المهرجان الذي كانوا وما زالوا عل قناعة‬
‫ال� يط ّلون من‬ ‫ت‬
‫وآلية المشاركة‬
‫الستطالع وفهم أهداف المهرجان ّ‬ ‫راسخة بأنه نافذتهم الحقيقية ي‬
‫الم�حية المطلوب‬
‫ّ‬ ‫فيه‪ ،‬وطبيعة العروض‬ ‫والعالمية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫العربية‬
‫ّ‬ ‫الم�حية‬
‫ّ‬ ‫خاللها عل التجربة‬
‫ترشيحها له‪ ،‬ومحاولة التوصل لتعريف حقيقي‬ ‫آ‬
‫بأهمية النفتاح عل الخر وتحقيق‬ ‫وإيمانًا منهم‬
‫ّ‬
‫يتس� لنا المشاركة فيه‬ ‫ح� ف‬ ‫لمفهوم التجريب‪ ،‬ت‬ ‫حالة التواصل والتفاعل والمثاقفة والتالقح الفكري‬
‫بعيدا عن الرتجال‬‫بشكل فاعل وعلمي ومثمر‪ً ،‬‬ ‫بعيدا عن كافة أشكال‬ ‫والبداع‪ً ،‬‬ ‫الذي يولد المعرفة إ‬
‫و ف‬
‫الفو�‪.‬‬ ‫أن النفتاح المقصود‬ ‫العزلة والنغالق‪ ،‬مؤكدين َّ‬
‫الم�حية‬ ‫وهكذا بدأت أوىل مشاركاتنا أ‬
‫الردنية‬ ‫يجتث الجذور ويسلب الهوية‪،‬‬ ‫ليس ذاك الذي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفعلية عام ‪ 1991‬بم�حية “عرس أ‬ ‫يجا� تهدف‬
‫العراس”‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال ب ي‬ ‫التأث� والتأثر إ‬
‫بل هو حالة من ي‬
‫فنون‬
‫‪97‬‬
‫أ‬ ‫سبا� “لوركا”‪،‬‬ ‫عدة عن نص “عرس الدم” إ ف‬
‫مريك “وليم سارويان”‪ ،‬وهي محاولة للتجريب‬ ‫ال ي‬ ‫لال ي‬ ‫والم َّ‬ ‫ُ‬
‫الجنبية‬ ‫عل النص العالمي وتجريده من البيئة أ‬ ‫الم�حية من إخراج “خالد الطريفي”‪،‬‬ ‫حيث كانت‬
‫ّ‬
‫العر�‬
‫بي‬ ‫والعمل عل تطويعه للبيئة والمتلقي‬ ‫م�حية تتضمن‬ ‫ّ‬ ‫وقد حاول خاللها عمل توليفة‬
‫وتقديمه ضمن رؤية جديدة معارصة‪.‬‬ ‫عد ًدا من قصائد “لوركا” ونصه “عرس الدم”‪،‬‬
‫الردنية الثالثة‬ ‫ف� العام ‪ 1993‬كانت المشاركة أ‬ ‫طارحا العمل بشكل فانتازي يحاول التجريب‬
‫ي‬ ‫ً‬
‫آ‬
‫م�حية “هناك عل الشاطئ الخر”‬ ‫من خالل‬ ‫عل لغة الجسد والمؤثرات الضوئية والموسيقية‪،‬‬
‫ّ‬
‫الشع�‪،‬‬ ‫شاه�” لفرقة الم�ح‬ ‫يف‬ ‫إخراج “ذياب‬ ‫احتفاىل‪.‬‬ ‫بهدف الوصول لعمل م�حي ذي طابع‬
‫بي‬ ‫ي‬
‫الم�حية الفائزة ي� مهرجان م�ح الشباب‬ ‫ف‬ ‫وهي‬ ‫الردنية الثانية‬ ‫و� العام ‪ 1992‬كانت مشاركتنا أ‬ ‫ف‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫بعا ينص‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫أ‬ ‫والراجوز” للمخرج‬ ‫من خالل م�حية “المتمردة أ‬
‫تقليدا م َّت ً‬
‫الثا�‪ ،‬حيث أصبح ذلك ً‬ ‫رد� ي‬ ‫ال ي‬ ‫ّ‬
‫عل مشاركة العمل الفائز ف ي� مهرجان الشباب‬ ‫وم�حية “من هناك” للمخرج “غنام‬ ‫ّ‬ ‫“حكيم حرب”‬
‫الردن ف ي� مهرجان القاهرة‬ ‫لتمثيل أ‬ ‫عدة عن‬ ‫أ‬
‫الدوىل للم�ح‬ ‫ي‬ ‫م�حية “المتمردة والراجوز” ُم َّ‬ ‫ّ‬ ‫غنام”‪.‬‬
‫التجري�‪ ،‬بعد فوز م�حية “المتمردة أ‬ ‫نىس “جان آنوي” وهي‬ ‫ف‬
‫والراجوز”‬ ‫ّ‬ ‫بي‬ ‫“أنتيجو�” للكاتب الفر ي‬ ‫ي‬ ‫نص‬
‫تجريبا عل‬ ‫ً‬ ‫الم�حية‬
‫ّ‬ ‫عد‬‫بالجائزة الدولية‪ .‬وتُ ُّ‬ ‫لفرقة “م�ح الرحالة” وكانت قد حصلت عل ست‬
‫مما‬ ‫ال ف أ‬ ‫جوائز ف� مهرجان م�ح الشباب أ‬
‫الكو� “خوسيه‬ ‫النص العالمي “ليلة القتلة” للكاتب ب ي‬ ‫رد� الول‪ّ ،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ترييانا”‪ ،‬حيث تم تقديم العرض داخل إطار حلبة‬ ‫الدوىل‬ ‫ف‬
‫أهلها لتمثيل الردن ي� مهرجان القاهرة‬ ‫أ‬
‫ي‬ ‫َّ‬
‫وتحول الممثلون خالله إىل مجموعة من‬ ‫مصارعة‪ّ ،‬‬ ‫الم�حية عل‬‫ّ‬ ‫التجري�‪ ،‬وقد حصلت‬ ‫بي‬ ‫للم�ح‬
‫آ‬
‫المتقاتل� الذين يحاول كل منهم أن يهزم الخر‪،‬‬ ‫يف‬ ‫جائزة أفضل ممثلة وكانت من نصيب الفنانة “كفاح‬
‫“أنتيجو�”‪ ،‬مناصفة مع‬ ‫ف‬ ‫ال� أ َّدت دور‬ ‫ت‬
‫كدللة عل العالم الذي نعيشه والذي تحول‬ ‫ي‬ ‫سالمة” ي‬
‫بسبب الرصاعات والحروب إىل ما يشبه حلبة‬ ‫الم�حية‬
‫ّ‬ ‫الممثلة البولندية “بارارا ديزيكان”‪ ،‬وتعد‬
‫المصارعة‪.‬‬ ‫الكالسيك‪ ،‬حيث مزج المخرج‬ ‫ي‬ ‫تجريبا عل النص‬ ‫ً‬
‫أ‬
‫ف ي� العام ‪ 1994‬كانت المشاركة الردنية الرابعة‪،‬‬ ‫الكالسيك والحكايا الشعبية العربية‪،‬‬ ‫ب� النص‬ ‫يف‬
‫ي‬
‫م�حيت� هما‪“ :‬هاملت يُصلب من‬ ‫يف‬ ‫من خالل‬ ‫يف‬
‫والم�حي�‬ ‫وقدم العرض بأسلوب “الرحالة”‬ ‫َّ‬
‫جديد” للمخرج “حكيم حرب” فرقة م�ح الرحالة‪،‬‬ ‫الم�حية العربية‬ ‫ّ‬ ‫الجوال�‪ ،‬موظفًا الظواهر‬ ‫يف‬
‫وم�حية “الصابرون” للمخرج “عبدالكريم‬ ‫الراجوز‪ ،‬خيال الظل‪ ،‬العرائس‬ ‫الحكوا�‪ ،‬أ‬ ‫ت‬ ‫مثل‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫ف‬ ‫الغريقية‬ ‫أ‬ ‫مازجا ي ف‬
‫م�حية “هاملت‬ ‫ّ‬ ‫و�‬‫الجراح”‪“ -‬وزارة الثقافة”‪ .‬ي‬ ‫ب� السطورة إ‬ ‫وصندوق العجب‪ً ،‬‬
‫يصلب من جديد” واصل المخرج “حكيم حرب”‬ ‫م�حية “من هناك”‬ ‫ّ‬ ‫والحكاية الشعبية العربية‪ّ .‬أما‬
‫اخ�ل نص‬ ‫تجريبه عل النص الكالسيك‪ ،‬حيث ت ف‬ ‫“مخت� موال‬ ‫ب‬ ‫للمخرج “غنام غنام” فهي لفرقة‬
‫ي‬
‫ممثل�ف‬ ‫ف‬ ‫الم�حي” والتجريب فيها كان عل نص الكاتب‬
‫وقدمه ي� ثالثة ي‬ ‫شكسب�‪َّ ،‬‬ ‫ي‬ ‫“هاملت” لوليم‬
‫فنون‬
‫‪98‬‬

‫التمثيل بالرقص والغناء‪ ،‬مثلما تختلط الكوميديا‬ ‫فقط‪ ،‬وقام بربط جريمة قتل الملك “والد هاملت”‬
‫ت‬
‫بال�اجيديا‪.‬‬ ‫عل يد أخيه “كلوديوس” بأول جريمة حدثت ف ي�‬
‫الردنية السابعة‪،‬‬ ‫و� عام ‪ 1997‬كانت المشاركة أ‬
‫ي‬
‫ف‬ ‫التاريخ أل وهي جريمة قتل قابيل ألخيه هابيل‪،‬‬
‫نص�ات‬ ‫م�حية “الحفرة” للمخرج خليل ي‬ ‫ّ‬ ‫من خالل‬ ‫الجريمت�‪ -‬بالصلب‪،‬‬ ‫يف‬ ‫مستبدل فعل القتل ف ي‪�-‬‬ ‫ً‬
‫ف‬
‫بع�ة جوائز ي� مهرجان‬ ‫الم�حية الفائزة ش‬ ‫وهي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫كإشارة لستمرار مسلسل قتل الخ لخيه منذ الزل‬
‫ّ‬
‫رد� الخامس‪ ،‬حيث كان التجريب‬ ‫ف‬ ‫أ‬ ‫م�حية “الصابرون” الفائزة ف ي�‬ ‫وح� آ‬
‫الن‪ّ .‬أما ف ي�‬ ‫ت‬
‫م�ح الشباب ال ي‬ ‫ّ‬
‫ف‬ ‫رد� الثالث‪ ،‬فقد كان‬ ‫أ ف‬
‫“� انتظار جودو” و”الزمن‬ ‫فيها عل النص العالمي ي‬ ‫مهرجان م�ح الشباب ال ي‬
‫ش�اوس” والتجريب عل مادة‬ ‫والحجرة” ل ِـ”بوتو ت‬ ‫التجريب عل النص العالمي الذي من تأليف‬
‫درامية تنتمي إىل م�ح العبث ومحاولة استنهاض‬ ‫أودي� ت ي�” ومحاولة تطويعه ليالئم المتلقّي‬ ‫“جاك ب‬
‫النسان ف ي�‬ ‫ومص� إ‬ ‫ي‬ ‫هذه المادة ف ي� زمن التكنولوجيا‬ ‫العر�‪ ،‬وإعداده برؤية جديدة تتناول الهموم‬ ‫بي‬
‫ظلها كمستهلك لها ومطحون فيها‪ ،‬فكانت بمثابة‬ ‫والقضايا العربية‪.‬‬
‫نمر بها اليوم‪.‬‬ ‫ت‬ ‫أ‬
‫و� عام ‪ 1995‬كانت المشاركة الردنية الخامسة‪،‬‬ ‫ف‬
‫ال� ّ‬ ‫تنبؤ لوسائل التكنولوجيا ي‬ ‫ي‬
‫الردنية الثامنة‪ ،‬من‬ ‫و� عام ‪ 1998‬كانت المشاركة أ‬ ‫ف‬ ‫م�حية “كالكيت” للمخرج “حسن‬ ‫من خالل‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫م�حية “ذاكرة الصناديق الثالثة” للمخرجة‬ ‫خالل‬ ‫ف‬
‫الم�حية الفائزة ي� مهرجان‬ ‫السبايلة”‪ ،‬وهي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫رد� الرابع‪ ،‬حيث حاول المخرج‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫“سوسن دروزة”‪ ،‬حيث كان التجريب فيها عل‬ ‫م�ح الشباب ال ي‬
‫النسان المعارص‬ ‫للتعب� عن أزمة إ‬ ‫ي‬ ‫المحل‪،‬‬ ‫ي‬ ‫النص‬ ‫المحل للكاتب‬‫ي‬ ‫من خاللها التجريب عل النص‬
‫تدريجيا‪،‬‬ ‫عالم عل وشك النهيار‬ ‫ف‬ ‫“عل الكردي” وطرحه ضمن رؤية وصورة فانتازية‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫الذي يعيش ي� ٍ‬ ‫ي‬
‫أ‬
‫وذلك من خالل حكاية مجموعة من الصدقاء من‬ ‫من خالل تقديم عدد من اللوحات الفنية ال�ت‬
‫ي‬
‫مختلف التخصصات والثقافات والذين يعيشون‬ ‫وح� رحيله عن‬ ‫النسان منذ ولدته ت‬ ‫تخ�ل رحلة إ‬ ‫تف‬
‫ف ي� بيت آيل للسقوط التدريجي‪.‬‬ ‫الجيال‬ ‫هذا العالم ثم استمراره وخلوده ع� أ‬
‫ب‬
‫الردنية التاسعة‪،‬‬ ‫و� عام ‪ 1999‬كانت المشاركة أ‬ ‫ف‬ ‫لالسئلة الوجودية ذاتها‪.‬‬ ‫القادمة وطرحه أ‬
‫ي‬
‫ت� للمخرج “حكيم حرب”‬ ‫م�حي ي ف‬ ‫من خالل‬ ‫الردنية السادسة‪،‬‬ ‫و� عام ‪ 1996‬كانت المشاركة أ‬ ‫ف‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫م�حية “ميديا”‬ ‫ّ‬ ‫فرقة “م�ح الرحالة”‪ ،‬وهما‬ ‫م�حية “كأنك يا أبو زيد” تأليف‬ ‫ّ‬ ‫من خالل‬
‫الم�حية‬
‫ّ‬ ‫وم�حية “ملهاة عازف الكمان”‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الم�حية الفائزة‬
‫ّ‬ ‫وإخراج “غنام غنام” وهي‬
‫أ‬ ‫والخراج ف ي� مهرجان الم�ح‬ ‫ت‬
‫الوىل “ميديا”‪ ،‬واصل “حكيم حرب” من خاللها‬ ‫بجائز� التأليف إ‬ ‫أ يَ‬
‫تجريبه عل أ‬ ‫رد� ف ي� العام ذاته‪ .‬حيث التجريب فيها عل‬ ‫ف‬
‫الكالسيك‪ ،‬حيث‬ ‫ي‬ ‫السطورة والنص‬ ‫ال ي‬
‫مستندا‬ ‫غريقية “ميديا”‬ ‫أ‬ ‫الهالىل” وعرضها ضمن‬ ‫الس�ة الشعبية “أبو زيد‬
‫ً‬ ‫ال ّ‬ ‫أعاد كتابة السطورة إ‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫لعدة نصوص ولعدد من الكتاب الذين تناولوها‬ ‫م�حية ذات طابع فرجوي‪ ،‬يختلط فيها‬ ‫ّ‬ ‫احتفالية‬
‫فنون‬
‫‪99‬‬

‫ح� الموت” للمخرج‬ ‫ّأما ف� م�حية “كوميديا ت‬ ‫كور�” و”جان آنوي”‬ ‫ف‬ ‫و”ب�‬ ‫مثل‪“ :‬يوروبيدس” ي‬
‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫“حكيم حرب” فكان التجريب فيها مجد ًدا عل‬ ‫مخ�لة أقرب إىل‬ ‫ت‬
‫وقدمها عل شكل لوحات فنية ف‬ ‫َّ‬
‫“ألب�‬ ‫نىس ي‬
‫كالسيك هو “كاليجول” للكاتب الفر ي‬ ‫ي‬ ‫نص‬ ‫مستخدما تقنية “الفوتو مونتاج”‬ ‫ً‬ ‫لغة السينما‪،‬‬
‫كامو”‪ ،‬وذلك من خالل تجريد النص من شكله‬ ‫السطورة ال�ت‬ ‫و”الفالش باك” ف� تلخيص أحداث أ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫الروما� القديم وطرحه ضمن رؤية‬ ‫ف‬ ‫الكالسيك‬ ‫قدمها ضمن عرض يستند إىل “م�ح الصورة”‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫وشكل معارصين ينتميان للزمن الذي عرضت فيه‬ ‫التعب� الجسدي‪ّ .‬أما م�حيته الثانية “ملهاة‬ ‫ي‬ ‫ولغة‬
‫روما�‬ ‫ف‬ ‫الم�حية‪ ،‬ونقل بيئة العرض من قرص‬ ‫عازف الكمان” فالتجريب فيها كان عل نص‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫ف‬ ‫“ألب� كامو” حيث‬
‫السفل الذي‬ ‫ي‬ ‫قديم إىل وكر عصابات ي� العالم‬ ‫نىس ي‬ ‫“سوء تفاهم” للكاتب الفر ي‬
‫م�حية‬ ‫و�‬ ‫ف‬ ‫قام “حكيم حرب” بتحويل النص من واقعي إىل‬
‫ّ‬ ‫يعيش فيه الخارجون عن القانون‪ .‬ي‬
‫نص�ات” كان التجريب‬ ‫“فلنتاين” للمخرج “خليل ي‬ ‫الم�حية من‬ ‫ّ‬ ‫أسطوري‪ ،‬من خالل نقل أحداث‬
‫الم�حية‪ ،‬حيث استخدمت كلمة‬ ‫ّ‬ ‫فيها عل اللغة‬ ‫مما أضفى‬ ‫فندق معارص إىل دير قديم للراهبات‪ّ ،‬‬
‫العالمية التفاق ولكنها لم تستطع بث‬ ‫“ألو”‬ ‫السطورية والطقسية ال�ت‬ ‫عل العرض السمة أ‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫ف‬
‫ب� امرأة ورجل يقيمان ي� سجن الحياة‪،‬‬ ‫التواصل ي ف‬ ‫ت َّتسم بها معظم تجارب المخرج حكيم حرب‪.‬‬
‫حيث تم طرح أزمة اللغة وعجزها عن التواصل‬ ‫العا�ة‪،‬‬ ‫الردنية ش‬ ‫و� عام ‪ 2000‬كانت المشاركة أ‬ ‫ف‬
‫ي‬
‫الب�‪.‬‬ ‫ب� ش‬ ‫يف‬ ‫م�حية “نشيد الصعاليك” للمخرج‬ ‫ّ‬ ‫من خالل‬
‫الردنية الثانية‬ ‫و� عام ‪ 2002‬كانت المشاركة أ‬ ‫ف‬ ‫الم�حية‪،‬‬ ‫“عبدالكريم الجراح”‪ ،‬فرقة طقوس‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫م�حية “الزائر” تأليف الكاتب‬ ‫ّ‬ ‫ع�ة‪ ،‬من خالل‬ ‫ش‬ ‫الم�حية الفائزة بجائزة أفضل منظر برصي‬ ‫ّ‬ ‫وهي‬
‫اللبنا� “بول شاؤول” إخراج “باسم عوض”‬ ‫ف‬ ‫والناقد‬ ‫أ‬ ‫ف‬
‫ف ي� مهرجان “ب�ا” الم�حي ي� الردن‪ .‬حيث‬ ‫ت‬
‫ي‬
‫ف‬
‫الم�حية الفائزة بست جوائز ي� مهرجان‬ ‫وهي‬ ‫الردن‬ ‫التجريب فيها عل الس�ة الذاتية لشاعر أ‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫رد� عام ‪ ،2000‬وكان التجريب‬ ‫ف‬ ‫أ‬ ‫“عرار” من خالل عرض م�حي يستند إىل جماليات‬
‫م�ح الشباب ال ي‬
‫التعب� بالجسد‬ ‫ي‬ ‫العب� من خالل‬ ‫فيه عل النص ش‬ ‫السينوغرافيا والمنظر البرصي ولغة الجسد‪،‬‬
‫ي‬
‫نسا�‬ ‫والفراغ والضوء عن انقطاع التواصل إ ف‬ ‫بال�اجيديا مثلما يختلط‬ ‫وتختلط فيه الكوميديا ت‬
‫ال ي‬
‫وال�وع نحو العزلة والنطواء عل الذات كأحد‬ ‫فف‬ ‫التمثيل بالرقص والغناء تحقيقًا لفكرة الم�ح‬
‫افرازات الحروب‪.‬‬ ‫الشموىل‪.‬‬
‫ي‬
‫أ‬
‫و� عام ‪ 2003‬كانت المشاركة الردنية الثالثة‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫و� عام ‪ 2001‬كانت المشاركة الردنية الحادية‬ ‫ف‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫“ألب�‬ ‫م�حية “كاليجول” تأليف ي‬ ‫ع�ة‪ ،‬من خالل‬ ‫ش‬ ‫ح� الموت”‬ ‫ع�ة‪ ،‬من خالل م�حية “كوميديا ت‬ ‫ش‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يف‬
‫الفنان�‬ ‫كامو” إخراج “رائد عودة”‪ ،‬لفرقة نقابة‬ ‫الحي‪،‬‬ ‫للمخرج “حكيم حرب”‪ ،‬فرقة الم�ح‬
‫ّ‬
‫ردني�‪ ،‬وهي الم�حية الفائزة بعدة جوائز �ف‬ ‫ال ي ف‬ ‫أ‬ ‫نص�ات”‪،‬‬
‫ي‬ ‫ّ‬ ‫وم�حية “فلنتاين” للمخرج “خليل ي‬ ‫ّ‬
‫فنون‬
‫‪100‬‬

‫التعب� عن‬
‫ي‬ ‫والحكايا العربية الكنعانية‪ ،‬بهدف‬ ‫مهرجان م�ح الشباب‪ .‬حيث تم التجريب فيها‬
‫ائيل‪ ،‬من خالل حكاية القاتل‬ ‫ال� ي‬ ‫العر� إ‬
‫الرصاع ب ي‬ ‫عل تقديم العمل بشكل فانتازي ل ينتمي لزمان‬
‫المغتصب “مكبث” والضحية المقتول “كنعان”‪،‬‬ ‫ومكان محددين‪ ،‬داخل إطار رقعة شطرنج يتحرك‬
‫أساط� وخرافات الكهنة‬ ‫ي‬ ‫حيث يستند القاتل إىل‬ ‫بأن ما يحدث‬ ‫اليحاء َّ‬ ‫فوقها الممثلون‪ ،‬كنوع من إ‬
‫للنيل من الملك “كنعان” واحتالل أرضه وتنصيب‬ ‫عبارة عن لعبة‪ ،‬وقد تم توزيع دور “كاليجول” عل‬
‫نفسه ملكًا عل “أورشليم”‪ ،‬مثل استناد مكبث‬ ‫للتعب� عن الشخصية المركّبة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ثالثة ي ف‬
‫ممثل�‬
‫م�حية “طقوس‬ ‫إىل خزعبالت الساحرات‪ّ .‬أما ف ي�‬ ‫الردنية الرابعة‬ ‫و� عام ‪ 2004‬كانت المشاركة أ‬ ‫ف‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫ف‬
‫الريمو�” فرقة‬ ‫الحرب والسالم” للمخرج “فراس‬ ‫م�حية “سيمفونية الدم‪..‬‬ ‫ع�ة‪ ،‬من خالل‬ ‫ش‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫الم�حية‪ ،‬فيواصل المخرج نهج فرقته‬ ‫ّ‬ ‫طقوس‬ ‫مكبث” للمخرج “حكيم حرب”‪ ،‬فرقة الم�ح‬
‫الم�حية من خالل التجريب عل المادة الدرامية‬ ‫ّ‬ ‫وم�حية “طقوس الحرب والسالم”‬ ‫ّ‬ ‫الحي‪،‬‬
‫ف‬ ‫م�حية “سيمفونية‬ ‫و�‬‫ف‬ ‫ف‬
‫م�حيا ي� الفضاء‬ ‫ً‬ ‫طقسا‬
‫ً‬ ‫الطقسية‪ ،‬فيقدم‬ ‫ّ‬ ‫الريمو�‪ .‬ي‬
‫ي‬ ‫للمخرج فراس‬
‫للتعب� عن رفض معاهدات‬ ‫ي‬ ‫الخارجي المفتوح‪،‬‬ ‫الدم‪ ..‬مكبث” يؤكد المخرج “حكيم حرب”‬
‫أ‬
‫الم�مة مع أعداء المة‪.‬‬ ‫نهجه الم�حي بمواصلته التجريب عل النص‬
‫السالم ب‬
‫أ‬
‫و� عام ‪ 2005‬كانت المشاركة الردنية الخامسة‬ ‫ف‬ ‫الكالسيك‪ ،‬من خالل رؤية معارصة لنص‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫المهلهل” من‬ ‫م�حية “مأساة‬ ‫ّ‬ ‫ع�ة‪ ،‬من خالل‬ ‫ش‬ ‫الشكسب�ي “مكبث”‬‫ي‬ ‫ف‬
‫“شكسب�” تمزج يب� النص‬
‫ي‬
‫ِ‬

‫مسرحية حرير آدم‬


‫فنون‬
‫‪101‬‬

‫صوفيا”‬ ‫م�حية “الملك يل�‬ ‫و�‬ ‫ف‬ ‫وم�حية “الخروج‬ ‫تأليف وإخراج “حكيم حرب”‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫“عيىس الجراح”‪ ،‬ي‬ ‫ّ‬
‫الشكسب�ي‪ ،‬وتقديم‬ ‫ي‬ ‫كان التجريب فيها عل النص‬ ‫م�حية‬
‫ّ‬ ‫البراهيمي‪ّ ،‬أما‬ ‫إىل الداخل” إخراج “محمد إ‬
‫صو�‪ ،‬وقد‬ ‫ف‬ ‫المهلهل” لحكيم حرب فهي حاصلة عل‬ ‫“مأساة‬
‫شخصية “الملك يل�” انطالقًا من بعد ي‬ ‫ِ‬
‫طابعا‬‫انعكس ذلك عل شكل العرض الذي أخذ ً‬ ‫جائزة الدولة التشجيعية وخمس جوائز عربية‬
‫احتفاليا‪ ،‬ت ف‬ ‫رد� بدورته العربية عام‬ ‫أ ف‬ ‫ف‬
‫ام�ج فيه التمثيل مع الرقص والغناء‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ي� مهرجان الم�ح ال ي‬
‫ف‬ ‫ت‬
‫ال� يك� عل لغة الجسد أك� من ال� يك� عل‬ ‫ش‬ ‫ف‬ ‫بع� ت‬ ‫ال�اثية‬ ‫‪ ،2004‬حيث التجريب هنا عل المادة ت‬
‫اللغة المنطوقة‪ ،‬وهو ما يعرف ب ِـ”‪Physical‬‬ ‫والس�ة الشعبية‪ ،‬ومن خاللها يرتقي‬ ‫ي‬ ‫العربية‬
‫‪.”theater‬‬ ‫الشع� “الزير سالم” إىل مصاف‬ ‫بي‬ ‫المخرج بالبطل‬
‫ف‬ ‫الغريقية القديمة‪،‬‬ ‫ف‬ ‫ال� ي ف‬ ‫البطال ت‬ ‫أ‬
‫عر�‬ ‫م�حية “كارمن” كان التجريب عل نص ب ي‬ ‫ّ‬ ‫و�‬ ‫ي‬ ‫اجيدي� ي� المأساة إ‬
‫الم�حية‬ ‫حس�” وهي‬ ‫يف‬ ‫“عل‬ ‫ت‬ ‫فيقدمه كبطل وجودي يخوض رصا ًعا عاموديًا مع‬
‫ّ‬ ‫للكاتب العر يا� ي‬
‫الحاصلة عل جائزة أفضل إخراج ف ي� مهرجان‬ ‫كليبا‬
‫الشه�‪“ :‬أريد ً‬ ‫ي‬ ‫القدر أو الزمن‪ ،‬استنا ًدا لطلبه‬
‫رد� ف ي� دورته السابعة‪ ،‬حيث‬ ‫أ ف‬ ‫حيا” والذي يحتج فيه عل فكرة الموت العب�ش‬
‫م�ح الشباب ال ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬
‫الم�حية‪ ،‬من خالل‬ ‫ّ‬ ‫التجريب هنا عل الصورة‬ ‫لالنسان ول مبالة الزمن الذي يرفض العودة إىل‬ ‫إ‬
‫تعب�ية تدين الحروب وأثرها عل‬ ‫تقديم لوحات ي‬ ‫وب� اس�داد أخيه القتيل‬ ‫ت‬ ‫الوراء‪ ،‬فيحول بينه ي ف‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫ويع� “حكيم حرب” عن ذلك من خالل‬
‫المهات الثكاىل والنساء الرامل‪.‬‬ ‫“كليب”‪ ،‬ب ِّ‬
‫الردنية السابعة‬ ‫ف� عام ‪ 2007‬كانت المشاركة أ‬ ‫شكل فنتازي لسكة حديد وعربة قطار يقودها‬
‫ي‬
‫س�ات” للمخرج‬ ‫أ‬ ‫ش‬ ‫شخص خفي يحمل الشخصيات ‪-‬كدمى مقنعة‪-‬‬
‫م�حية “ال ي‬ ‫ّ‬ ‫ع�ة‪ ،‬من خالل‬
‫ال� يراها مناسبة‪ ،‬دون‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫فف‬
‫وم�حية “القناع” للمخرجة‬ ‫ّ‬ ‫نص�ات”‪،‬‬ ‫“خليل ي‬ ‫بعربته وي�لهم ي� المحطة ي‬
‫“مجد القصص” فرقة الم�ح الحديث‪ .‬و�ف‬
‫ي‬ ‫ال� ُّدد ف ي� دوس من يقف ف ي�‬ ‫العودة إىل الوراء ودون ت‬
‫س�ات” الحاصلة عل جائزة الملك‬ ‫أ‬ ‫م�حية “الخروج إىل الداخل” لمحمد‬ ‫طريقه‪ّ .‬أما‬
‫م�حية “ال ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫لالبداع‪ ،‬حيث التجريب أثناء تلك‬ ‫الثا� إ‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫الم�حية الفائزة ي� مهرجان‬ ‫البراهيمي فهي‬
‫عبدالله ي‬ ‫ّ‬ ‫إ‬
‫ف‬
‫ال� عاشتها المة العربية ي� احتالل العراق‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫م�ح الشباب‪ ،‬حيث التجريب فيها عل نص‬
‫الغفلة ي‬
‫وما تبعها من جرائم ارتكبت بحق الشعب العر ت يا�‬ ‫محل أقرب إىل الكوميديا السوداء‪ ،‬حاول المخرج‬ ‫ي‬
‫ك� خالل العرض عل‬ ‫ال� ي ف‬ ‫من قبل المحتل‪ ،‬فتم ت‬ ‫والعر� بأسلوب‬ ‫المحل‬ ‫من خالله معالجة الواقع‬
‫بي‬ ‫ي‬
‫صل‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫كاريكات�ي ساخر‪ ،‬فاستحق الداء الجماعي‪.‬‬
‫قضية استغالل المرأة كما وردت ي� النص ال ي‬ ‫ي‬
‫”أوغوب�” وإسقاطها‬ ‫ت‬ ‫“جريمة ف ي� جزيرة الماعز” ل ِـ‬ ‫أ‬
‫ف ي� عام ‪ 2006‬كانت المشاركة الردنية السادسة‬
‫ي‬
‫م�حية “القناع”‬ ‫ّ‬ ‫عل واقع المرأة العراقية‪ّ .‬أما ف ي�‬ ‫صوفيا”‬‫ًّ‬ ‫م�حية “الملك يل�‬ ‫ّ‬ ‫ع�ة‪ ،‬من خالل‬ ‫ش‬
‫فقد واصلت د‪.‬مجد القصص التجريب عل لغة‬ ‫وم�حية “كارمن” للمخرج‬ ‫ّ‬ ‫إخراج “مجد القصص”‪،‬‬
‫فنون‬
‫‪102‬‬

‫القصص”‪ .‬وقد واصل المخرج حكيم حرب ف ي�‬ ‫تعب�ية‬


‫م�حية ي‬‫ّ‬ ‫التعب� الجسدي‪ ،‬من خالل‬ ‫ي‬
‫ف‬
‫العل” استندت ي� توصيل رؤيتها‬
‫“ن�فانا” تجريبه الم�حي عل المادة‬ ‫م�حية ي‬‫ّ‬ ‫للشاعرة “نوال ي‬
‫ب� نص “سدهارتا”‬ ‫الكالسيكية من خالل المزج ي ف‬ ‫يف‬
‫الممثل� والمؤثرات‬ ‫إىل العتماد عل أجساد‬
‫“ه�مان هيسه” والذي يتناول‬ ‫لما� ي‬ ‫أ ف‬ ‫الضوئية والموسيقية‪ ،‬محاولةً خاللها طرح قضايا‬
‫للكاتب ال ي‬
‫الم�ق‬ ‫الصوفي� ف ي� ش‬
‫يف‬ ‫حكاية بوذية قديمة‪ ،‬وقصائد‬ ‫المرأة وما تتعرض له من تهميش من قبل المؤسسة‬
‫الم�حية عل شكل طقس‬ ‫ّ‬ ‫العر�‪ ،‬فجاءت‬ ‫بي‬ ‫الذكورية‪.‬‬
‫ال�ق وروحانية‬ ‫ب� روحانية ش‬‫روحا� ينشد المزج ي ف‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫و� عام ‪ 2008‬كانت المشاركة الردنية الثامنة‬ ‫ف‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫أ‬
‫النسان الوىل‪.‬‬ ‫م�حية “أبيض أسود” للمخرجة‬ ‫ع�ة‪ ،‬من خالل‬ ‫ش‬
‫الجابة عن أسئلة إ‬ ‫الغرب‪ ،‬بهدف إ‬ ‫ّ‬
‫م�وع التفرغ البداعي �ف‬ ‫والم�حية حاصلة عل ش‬ ‫“مجد القصص” فرقة الم�ح الحديث‪ ،‬حيث‬
‫ي‬ ‫إ‬ ‫ّ‬
‫أ‬ ‫محل لمجد القصص والشاعرة‬
‫الردن‪.‬‬ ‫التجريب عل نص ي‬
‫م�حية “سجون” للمخرجة مجد القصص‪-‬‬ ‫أما‬ ‫“نوال العل” ومواصلة ألسلوبية المخرجة �ف‬
‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫فرقة الم�ح الحديث‪ ،‬فقد واصلت المخرجة‬ ‫للتعب� عن‬
‫ي‬ ‫التعب� الجسدي‪،‬‬‫ي‬ ‫اعتمادها عل لغة‬
‫و� مقدمتها قضايا المرأة‪ ،‬وهو‬ ‫ف‬
‫محل‬ ‫التجريب عل لغة الجسد من خالل نص ي‬ ‫قضايا المجتمع ي‬
‫للكاتب “مفلح العدوان” والذي يعالج قضايا عبثية‬ ‫ف‬
‫والعل ي� عملهما‬ ‫المسار الذي اتبعته القصص‬
‫ي‬
‫ح�‬ ‫النسان منذ بدء الخليقة ت‬ ‫وجودية تتناول أزمة إ‬ ‫ت‬
‫المش�ك‪.‬‬
‫الن‪.‬‬ ‫آ‬ ‫الردنية التاسعة‬ ‫و� عام ‪ 2009‬كانت المشاركة أ‬ ‫ف‬
‫ي‬
‫الردنية ش‬ ‫و� عام ‪ 2010‬كانت المشاركة أ‬ ‫ف‬ ‫“ن�فانا” للمخرج “حكيم‬ ‫ش‬
‫الع�ين‪،‬‬ ‫ي‬ ‫م�حية ي‬ ‫ّ‬ ‫ع�ة‪ ،‬من خالل‬
‫حيا” للمخرج‬ ‫م�حية “ميشع يبقى ً‬ ‫ّ‬ ‫من خالل‬ ‫وم�حية “سجون” للمخرجة “مجد‬ ‫ّ‬ ‫حرب”‪،‬‬

‫مسرحية ظالل أنثى‬


‫فنون‬
‫‪103‬‬

‫ك� عل دور المثقف‬ ‫معالجة قضايا المرأة مع ت‬


‫ال� ي ف‬ ‫وم�حية “بال عنوان”‬ ‫“عبدالكريم الجراح”‪،‬‬
‫ّ‬
‫العر� ف ي� تعاطيه مع هذه القضية بشكل مزدوج‬
‫بي‬ ‫للمخرجة “مجد القصص” فرقة الم�ح الحديث‪.‬‬
‫حيا”‪ ،‬واصل المخرج‬ ‫ف‬
‫يغ� متوازن‪.‬‬ ‫م�حية “ميشع يبقى ً‬ ‫ّ‬ ‫و�‬
‫ي‬
‫المحل الذي كتبه “هزاع‬ ‫ي‬ ‫تجريبه عل النص‬
‫ف‬ ‫ت‬
‫متناول المادة التاريخية وال�اثية ي� إطار‬ ‫ً‬ ‫ال�اري”‬ ‫ب‬
‫خالصة‬ ‫اليطالية‪ ،‬حيث قدم عرضه‬ ‫الم�ح خارج العلبة إ‬
‫رد� ف ي� دورات مهرجان القاهرة‬ ‫أ ف‬ ‫ف ي� الفضاء الخارجي المفتوح‬
‫شارك الم�ح ال ي‬ ‫مستندا إىل الرقصات‬ ‫ً‬
‫التعب�ية أ‬
‫تغ� اسمه‬ ‫التجري� كافة ‪-‬الذي ي‬ ‫بي‬ ‫الدوىل للم�ح‬ ‫ي‬ ‫م�حية “بال‬
‫ّ‬ ‫والجواء الحتفالية‪ّ .‬أما‬ ‫ي‬
‫الدوىل للم�ح‬ ‫عام ‪ 2016‬لمهرجان القاهرة‬ ‫ال� كتبها “مفلح العدوان” فواصلت‬ ‫ت‬
‫ي‬ ‫عنوان” ي‬
‫التجري� والمعارص‪ -‬وذلك من خالل ي ف‬
‫اثنت�‬ ‫التعب� الجسدي من‬ ‫ي‬ ‫المخرجة التجريب عل لغة‬
‫بي‬
‫م�حية أردنية‪،‬‬ ‫وع�ين مشاركة فنية لفرق‬ ‫ش‬ ‫التعب�ية ال�ت‬ ‫ي‬ ‫خالل تقديمها عد ًدا من اللوحات‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫بالضافة‬ ‫يف‬ ‫ف‬
‫ومشاركت� بطابع رسمي وإداري‪ ،‬إ‬ ‫وتحديدا قضية‬ ‫ً‬ ‫العر�‬
‫تتناول ي� مضمونها الواقع ب ي‬
‫لمشاركته ف ي� الندوات الفكرية‪ ،‬من خالل عدد من‬ ‫القدس وما تتعرض له من انتهاكات وعدوان سافر‪.‬‬
‫ويعت� الم�حيون‬ ‫ال ي ف‬
‫ردني�‪.‬‬ ‫والباحث� أ‬
‫يف‬ ‫الساتذة‬ ‫أ‬ ‫الدوىل‬ ‫و� عام ‪ 2011‬توقف مهرجان القاهرة‬ ‫ف‬
‫ب‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫التجري�‬ ‫الدوىل للم�ح‬ ‫أ‬
‫بي‬ ‫الردنيون مهرجان القاهرة ي‬ ‫التجري�‪ ،‬بسبب ثورات الربيع ب ي‬
‫العر�‪،‬‬ ‫بي‬ ‫للم�ح‬
‫والمعارص‪ ،‬حلقة الوصل الحقيقية بينهم ي ف‬
‫وب�‬ ‫ت‬
‫واستمر توقفه ح� عام ‪.2015‬‬
‫نظرا لقرب المسافة‬ ‫ف‬ ‫أ‬ ‫ف‬
‫الم�ح ي� دول العالم كافة‪ً ،‬‬ ‫و� عام ‪ 2016‬كانت المشاركة الردنية الواحدة‬ ‫ي‬
‫والردن‪ ،‬ولحتواء المهرجان عل عدد‬ ‫ب� مرص أ‬ ‫يف‬ ‫م�حية “حرير آدم” إخراج‬ ‫والع�ين‪ ،‬من خالل‬ ‫ش‬
‫ّ‬
‫الم�حية والندوات‬ ‫ّ‬ ‫كب� ونوعي من العروض‬ ‫ي‬ ‫“إياد شطناوي” فرقة الم�ح الحر‪ ،‬حيث كان‬
‫يف‬
‫لم�حي�‬ ‫البداعية‪،‬‬ ‫والصدارات والورش إ‬ ‫الفكرية إ‬ ‫المحل للكاتبة “أروى‬ ‫التجريب خاللها عل النص‬
‫ي‬
‫من مختلف دول العالم‪ .‬وقد كان للمهرجان أثر‬ ‫وال� حاول المخرج خاللها العتماد عل‬ ‫ت‬
‫ط�” ي‬ ‫أبو ي‬
‫الردنية‪،‬‬ ‫كب� وفاعل ف� تطوير التجربة الم�حية أ‬ ‫لغة السينوغرافيا إليصال رؤيته حول الدفاع عن‬
‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫و� التدريب والرتقاء بالوعي والذائقة الفنية‬ ‫ف‬ ‫ال� عادة ما تتعرض لالضطهاد والقمع‬ ‫ت‬
‫ي‬ ‫المرأة ي‬
‫ال ي ف‬
‫ردني�‬ ‫الم�حي� أ‬
‫يف‬ ‫والجمالية لجيل كامل من‬ ‫التفوق الذكوري‪.‬‬ ‫بسبب ُّ‬
‫الذين نهلوا من كنوز المهرجان‪ ،‬مما ساهم �ف‬ ‫أ‬
‫و� عام ‪ 2017‬كانت المشاركة الردنية الثانية‬ ‫ف‬
‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ي‬
‫يف‬
‫وتقني�‪.‬‬ ‫وممثل� وكتاب‬ ‫يف‬ ‫يف‬
‫كمخرج�‬ ‫تطوير أدواتهم‬ ‫أن�” للمخرج‬ ‫والع�ين‪ ،‬من خالل م�حية “ظالل ش‬ ‫ش‬
‫ّ‬
‫متمن� للمهرجان دوام التطور والزدهار لخدمة‬ ‫يف‬ ‫“إياد شطناوي”‪ ،‬حيث واصل التجريب عل النص‬
‫العر� والعالم بشكل عام‪.‬‬ ‫ف‬
‫الم�ح ي� الوطن ب ي‬ ‫ال�اري” وواصل من خالله‬ ‫المحل للكاتب “هزاع ب‬ ‫ي‬
‫إبداع‬
‫‪104‬‬

‫ُ‬
‫سأرجئ رسم مالمحها‬
‫شعر‪ :‬أحمد الخطيب‪ /‬األردن‬

‫جيع‬ ‫إ ْذ أنا ل أعي َ‬ ‫سأفر ُغ أحما َلها مر ي ف‬


‫ت�‬
‫نصف هذا ال َّن ِ‬ ‫ّ ِ‬
‫البلد‬
‫ونصف ْ‬ ‫َ‬ ‫الوقت ً‬
‫ليال‬ ‫ِ‬ ‫وأمىص إىل خانة‬ ‫ف‬
‫ي‬
‫الولد‪.‬‬
‫يس�يح ْ‬ ‫أن ت‬ ‫وأَ ْح ِبكُ أثوابَها قبل ْ‬ ‫للسالك� طريقي‬ ‫ي فَ‬ ‫وأ� ُح‬ ‫ش‬
‫فجعات‬
‫ْ‬ ‫الم‬‫عن ُ‬
‫المنام‬ ‫ف‬
‫***‬ ‫أت ي� ِ‬ ‫إن ّأمي ر ْ‬ ‫أقول لهم َّ‬
‫حليبا‬ ‫ف‬
‫الوافيات ً‬ ‫ِ‬ ‫بأ� أدور عل‬ ‫ي‬
‫غنيات‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫سأرجئ رسم مالمحها‬ ‫ُ‬ ‫شهق بال ْ‬ ‫ل َ‬
‫حت‬‫ث َُّم أبدأ بال َّن ِ‬ ‫يح عل ّ‬
‫ظل “سافا”‬ ‫أس� َ‬ ‫أن ت‬ ‫وإن ب يأ� قبل ْ‬ ‫َّ‬
‫ال� ف� الفيا�ف‬ ‫ت‬ ‫قلب الحيا ْة‬
‫ي‬ ‫فوق الصخور ي ي‬ ‫رهم ِ‬ ‫أحاط ِب َم ِ‬
‫وأجمعها صخرةً‪ ،‬صخر ًة‬ ‫وفارقها أ‬
‫لال ْبد‪.‬‬
‫يا ب يأ�‬
‫لل� ِاب ِأذنْ ُتكَ‬ ‫ل تق ُْل ت‬ ‫***‬
‫س ِّل ْم عل ولدي‬
‫حد‬ ‫أ‬ ‫سأفر ُغ أحما َلها مر ي ف‬
‫ت�‬
‫قبل يوم ال ْ‬ ‫ّ ِ‬
‫البنك‬
‫يمر عل ِ‬ ‫لك ل َّ‬ ‫ي‬ ‫باب حارتنا‬‫عل ِ‬
‫إبداع‬
‫‪105‬‬
‫و� ت‬‫ف‬ ‫الناقصات‬ ‫أحالم ُه‬
‫جعب� خمر ٌة‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫يسحب َ‬‫ُ‬
‫وس َن ْد!‬
‫َ‬ ‫ط�‬
‫بأو ِل ي ٍ‬
‫العابرين ّ‬
‫َ‬ ‫تفجع‬
‫ِ‬ ‫ول‬
‫الناسكات‪،‬‬
‫ِ‬ ‫تخطى دم‬
‫***‬ ‫ول تفجع‬
‫ي فَ‬
‫بالنائم� عل‬ ‫البحر‬
‫َ‬
‫تطول الغوايةُ‬ ‫زبد‪.‬‬
‫قهوة من ْ‬
‫ٍ‬
‫اللسان‬
‫ِ‬ ‫قص�‬
‫والطيلسان ي ُ‬
‫حي‬ ‫ف‬ ‫***‬
‫و� ُم ُد ِن ال ّناي آخر ٍّ‬ ‫ي‬
‫فيه عل يغ� عادتهم‬ ‫تجم َع ِ‬‫ّ‬
‫عاشقون‬
‫َ‬ ‫سأرج ْى رسم مالمحها‬ ‫ِ‬
‫أ‬
‫أيت مالمحها‬ ‫ر ُ‬ ‫أستعيد ال ُّلجو َء ال ي َ‬
‫خ�‬ ‫َ‬ ‫قبل أن‬
‫ف‬ ‫رفع ِمئذنةً للصال ْة‬ ‫أ‬
‫صور ًة ي� المرايا‬ ‫ل َ‬
‫أ‬
‫وخلف ال ي ف‬ ‫ين‬ ‫ف‬ ‫تغالب أطرافنا ف ي�‬
‫بلد!‬
‫ن� ْ‬ ‫الغريب من الحارص َ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫عل سلسبيل النجا ْة‬
‫الريح‬
‫فرصة ِ‬ ‫بالذاهب� إىل ِ‬ ‫ي فَ‬ ‫وأدفع‬
‫ُ‬
‫الصبي ِة‬
‫ّ‬ ‫وهي تع ِّل ُق ثوب‬ ‫َ‬
‫رض‪،‬‬ ‫أ‬
‫تحفر ال َ‬
‫أو ُ‬
‫الب َد ْد!‬
‫أو تنتهي مع غبار َ‬

‫***‬

‫سأرجئ رسم مالمحها‬


‫ُ‬
‫الجديد هنالكَ‬
‫َ‬ ‫ال�يف‬ ‫ف‬
‫إذ أعيش ف‬
‫عابر ل أماري المدينة‬
‫حيث أنا ٌ‬ ‫ُ‬
‫أضواءها‬
‫أو حضور الغالبا‬
‫عل ّكل حال‬
‫كنت أسعى إليهم‬ ‫واحد ُ‬
‫أنا ٌ‬
‫إبداع‬
‫‪106‬‬

‫الم ْعــ َب ِر‬


‫عند َ‬
‫َ‬
‫شعر‪ :‬عمر أبو الهيجاء‪ /‬األردن‬

‫الو ُجو َه‪،‬‬


‫استوطن ُ‬
‫َ‬ ‫غبارا‬
‫ً‬ ‫ع�‪/‬‬ ‫الم ب ِ‬ ‫ِع َند َ‬
‫أمر واقفًا عل الكالم‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫العصاف�‪،‬‬ ‫ل�ب‬ ‫أ‬
‫ع�‪/‬‬ ‫الم ب ِ‬
‫ِع ْن َد َ‬ ‫يِ‬ ‫رض مهيأ ًة ِ‬ ‫كانت ال ُ‬ ‫ْ‬
‫ممنا‪ ..‬البال َد‪،‬‬ ‫َش ْ‬ ‫الطرقات‪،‬‬
‫ِ‬ ‫المنتصب عل‬‫ِ‬ ‫الشجر‬
‫ِ‬ ‫فسحة‬
‫ِ‬ ‫ف ي�‬
‫المساء‪،‬‬ ‫بريق‬ ‫الروح‪،‬‬ ‫طر نوافذَ‬ ‫اب ع ّ‬ ‫ال� ُ‬ ‫باك�‪ ،‬ت‬ ‫مررنا ي ف َ‬
‫ِ‬ ‫عم ْدنا ِ‬ ‫تَ ّ‬ ‫ِ‬
‫يمر حو َلنا الجنو ُد‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫تغرق فينا‪،‬‬ ‫المغيب ُ‬ ‫ِ‬ ‫شمس‬
‫ُ‬
‫العيون‪،‬‬ ‫طلقات‬ ‫ذهم الرهبةُ من‬ ‫المنا�‪،‬‬ ‫ف‬ ‫كنا نلوكُ َج ْم َر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تأخ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬
‫ُجنو ٌد ُم ت‬ ‫ال� ِاب‪،‬‬ ‫بلل� بعرق ت‬ ‫ف‬ ‫ُ‬
‫ناد ِقهم‪،‬‬
‫خلف بَ ِ‬
‫سون َ‬ ‫تم� َ‬ ‫نهلل ُم ي َ ِ‬
‫رعب‪،‬‬
‫يطويهم ٌ‬ ‫ُ‬ ‫نتفضون‬
‫َ‬ ‫ُم‬ ‫المع�‪/‬‬
‫عند ب ِ‬ ‫َ‬
‫الوجود‪،‬‬ ‫ف‬
‫وأسئلةُ الالجدوى ي�‬ ‫الجرح‪،‬‬ ‫منتصف‬ ‫ف‬
‫أمر واقفًا ي�‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫ول‪،‬‬ ‫أ‬ ‫ف‬
‫ع�‪/‬‬‫الم ب ِ‬
‫عند َ‬ ‫َ‬ ‫العناق ال ِ‬
‫ِ‬ ‫بانتظار‬
‫ِ‬ ‫طف�‬ ‫كنا ُم ْص ي ّ َ‬
‫أيت البال َد‪،‬‬ ‫أ‬
‫ط� ال ِّم‬ ‫عناق ي ف‬
‫ر ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫ف‬ ‫المجزوء‪،‬‬ ‫الحلم‬
‫التالل‪،‬‬
‫خارصة ِ‬ ‫ِ‬ ‫و� أقىص‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ومصاطب ِ‬ ‫ِ‬
‫أ‬ ‫ف‬
‫ّثمةَ رص ٌاخ ي ف ٌ‬
‫دف�‪،‬‬ ‫يدي ال ِرض‪،‬‬ ‫ب� ِّ‬ ‫نصل ي َ‬ ‫كأنا ي‬
‫ثمةَ أجدا ٌد لنا‪،‬‬ ‫تمسح بأكمامها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أرض‬
‫إبداع‬
‫‪107‬‬

‫تشظ‪،‬‬ ‫ش‬ ‫ال ِرض‪،‬‬ ‫نائمون ف� فراش أ‬


‫حلم ُم ٍ‬ ‫أك� من ٍ‬ ‫َ ي ِ‬
‫النشيد‪،‬‬ ‫غمرة‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫ط ٍدم‬ ‫وخي ُ‬
‫ِ‬ ‫رحيل ي� ِ‬ ‫أك� من ٍ‬ ‫َ‬
‫ها أنا‪/‬‬ ‫القبور‬
‫ِ‬ ‫يسيل عن‬ ‫ُ‬
‫لصحو دمي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أشي ُد بال ًدا‬ ‫ّ‬ ‫ع�‪/‬‬ ‫الم ب ِ‬ ‫ِع َند َ‬
‫ت�‪،‬‬ ‫أغني ي ف‬
‫المطارِد‪،‬‬
‫َ‬ ‫لدمي‬ ‫عد َ ِ‬ ‫هناك عل بُ ِ‬
‫الحدائق‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ف ي�‬ ‫قلت‪ :‬أريحا‪ ..‬أريحا‬ ‫ُ‬
‫التأمل‪،‬‬ ‫نهر‬ ‫ف‬
‫المقصوفة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الجسد ي� ِ‬ ‫ُ‬ ‫تَ ّدىل‬
‫عل اتساع الحلم‪.‬‬ ‫حرقة المنفى‪،‬‬ ‫ر َاح ِم ْن ِ‬
‫الحلم‪،‬‬ ‫ف‬ ‫ش‬
‫‪...‬‬ ‫فسحة ِ‬ ‫ِ‬ ‫الكالم ي�‬ ‫َ‬ ‫ين�‬‫ُ‬
‫فلسط�‪/‬‬‫ي فُ‬ ‫ُهنا‬ ‫ال� ِاب‪،‬‬ ‫معتمرا كوفيةَ ت‬
‫ً‬
‫ف‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫غا�‪،‬‬
‫شب ال ي‬ ‫كأ� ما ٌء ب ّل َل ُع َ‬ ‫ي‬ ‫الروح‪.‬‬‫كعبة ِ‬ ‫صل ي� ِ‬ ‫ويُ ي‬
‫اللحظة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫مواسم‬‫ِ‬ ‫أمنح َّكل‬ ‫ُ‬ ‫‪...‬‬
‫البارو ِد‪،‬‬ ‫ملح ُ‬ ‫َ‬ ‫فلسط�‪/‬‬ ‫ي فُ‬ ‫ُهنا‬
‫أ‬ ‫ت‬
‫النعاس‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫صوف‬ ‫ط َ‬ ‫سق ُ‬ ‫وأُ ِ‬ ‫أهداب ال ِرض‪،‬‬ ‫َ‬ ‫رميت جسدي ُمف� ًشا‬ ‫ُ‬
‫ال ِرض‪،‬‬ ‫ف� جفون أ‬ ‫كأ� أرتِّ ُب ولد ًة أخرى‪،‬‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫فلسط�‪،‬ف‬
‫ي ُ‬ ‫قلت‪ُ :‬هنا‬ ‫ُ‬ ‫ي فَ‬
‫القانص�‪،‬‬ ‫غ�‬
‫طفل لم َير ي َ‬ ‫ولد َة ٍ‬
‫عابر‪،‬‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫أُجرجر‬ ‫ف‬
‫جدول المع�‪،‬‬ ‫ف‬
‫الموت ي�‬ ‫وسما�ة‬
‫الم ِ‬ ‫اختناق َ‬ ‫ِ‬ ‫بعىص ي�‬ ‫يَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف‬ ‫آ‬ ‫ف‬
‫أس مكتظةٌ بالجر ِاد‪،‬‬ ‫ر ي‬ ‫م�‪،‬‬ ‫يخرج ال َن ّ ي‬ ‫� ُ‬ ‫ُّكل ما ي ّ‬
‫كيف يىل‪،‬‬ ‫َ‬ ‫حكايات ي� ُدها ب يأ�‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫نحو‬
‫ذاهبا َ‬ ‫ً‬
‫الروح‪،‬‬ ‫أكح َل نوافذَ‬ ‫المخيم‪،‬‬ ‫ف‬
‫عن بيوت النفي ي�‬
‫ِ‬ ‫أن ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬
‫الليل‪،‬‬ ‫بح� ِ‬ ‫بِ‬ ‫الناي‪،‬‬
‫بوجع ِ‬ ‫ِ‬ ‫غارق‬ ‫بفم ٍ‬ ‫ي� ُدها ٍ‬
‫الوقت‪،‬‬
‫ِ‬ ‫اب‬‫والبياض يلف ُّه غر ُ‬ ‫ُ‬ ‫اح‪،‬‬‫أمر عل الجر ِ‬ ‫وأنا ُّ‬
‫يا َ‬ ‫ف‬
‫نخل أريحا‪،‬‬ ‫القلب‪،‬‬ ‫يأخذُ ي� ُ‬
‫ويا َس َعفَها‪،‬‬ ‫الشهداء‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫نَ ْح َو‬
‫� الخيول‪،‬‬ ‫ف‬ ‫نَ ْح َو اليتامى‪،‬‬
‫أسن ُد ي َّ‬ ‫ِ‬
‫أ‬
‫بالنشيد‪،‬‬
‫ِ‬ ‫طافحا‬ ‫أمر ً‬ ‫يك ّ‬ ‫نَ ْح َو أ�ى اليّ ِام‪،‬‬
‫فلسط�‪/‬‬ ‫يف‬ ‫هنا‬ ‫الحزن‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫توأم‬ ‫وأنا ُ‬
‫الحكاية يتدىل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ط‬‫وخي ُ‬ ‫داخل‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ينام‬ ‫ُ‬
‫إبداع‬
‫‪108‬‬

‫هنا رأي ُت ف ي�‪/‬‬ ‫البالد‪،‬‬


‫رصة ِ‬ ‫من ِ‬
‫صديقًا‪..‬‬ ‫كأ� ما ٌء‪،‬‬ ‫ف‬
‫ي‬
‫نبيا‪..‬‬ ‫ً‬ ‫لرقصة أوىل‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫أع�‬‫بُ‬
‫للطيور‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫رفيقًا‬ ‫الكلمات‪،‬‬
‫ِ‬ ‫جة‬ ‫وح� ِ‬ ‫العتيقة ش‬ ‫ِ‬ ‫الجر ِار‬ ‫ب� ِ‬ ‫ي فَ‬
‫الجرح‪،‬‬
‫ِ‬ ‫أصافح َ‬
‫تالل‬ ‫ُ‬ ‫رأي ُت ف ي�‬ ‫الشمس‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫لمخد ِة‬
‫بتصاريح َّ‬ ‫َ‬ ‫أع�‬‫بُ‬
‫ف ي�‬ ‫سماء‪،‬‬ ‫أ‬
‫العشق‪،‬‬
‫ِ‬ ‫جسارة‬
‫ِ‬ ‫ومهبط ال ِ‬ ‫ِ‬
‫ُهنا رأي ُت ف ي�‪/‬‬ ‫وىل مفرد ٌة أخرى‪،‬‬ ‫ي‬
‫أتكاثر ف� ت‬ ‫نشيدا‪،‬‬ ‫أب� ً‬ ‫ف‬
‫ال� ِاب‪،‬‬ ‫ُ ي‬ ‫يك ي‬
‫البيوت‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ب�‬‫ف‬
‫خاشعا ي ّ‬ ‫ً‬ ‫أحج‬
‫ُّ‬ ‫البيوت‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ملح‬
‫ناقصا َ‬ ‫ً‬
‫الطري‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والط�‬‫يف‬ ‫أنا ذاكر ُة ب يأ�‬
‫ِ‬
‫فلسط�‪/‬ف‬
‫ي ُ‬ ‫ُهنا‪..‬‬ ‫أحرسها‪،‬‬ ‫ُ‬
‫المسافات‪،‬‬
‫ِ‬ ‫تعاش‬ ‫غ� ار ِ‬ ‫لم َأر ي َ‬ ‫الحواك�‪،‬‬
‫يِ‬ ‫أتبع َ‬
‫شكل‬ ‫ُ‬
‫ف‬ ‫للرماد‪..‬‬
‫الح ِلم‪،‬‬ ‫عيون ُ‬ ‫ي� ِ‬ ‫مائلة ِ‬ ‫سماوات ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تحت‬
‫َ‬
‫قطر من دمي‪،‬‬ ‫الي ُ‬ ‫الحلم َ‬ ‫ِ‬ ‫احل�‪،‬‬ ‫وقافيةُ الر ي ف َ‬
‫اب‪.‬‬ ‫ح� ّ ف‬ ‫ي فَ‬ ‫ال� ِاب‪،‬‬‫لحم ت‬ ‫احل� عن ِ‬ ‫الر ي ف َ‬
‫خ� الخر ُ‬ ‫دو ي‬
‫ال� ِف‪،‬‬ ‫وثياب ف ف‬ ‫ُ‬ ‫ي فُ‬
‫فلسط�‪،‬‬ ‫ُهنا‪..‬‬
‫تزل‪،‬‬ ‫لم ْ‬ ‫أيت‪،‬‬ ‫هنا‪ ..‬ر ُ‬
‫ف‬
‫�‪،‬‬ ‫الج ِ‬ ‫غابة ِ‬ ‫معلَّقةً ي� ِ‬ ‫أصابع‪،‬‬‫َ‬ ‫لقتناص‬ ‫ِ‬ ‫ِشباكًا ُمعد ًة‬
‫الشموس‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ومرايا‬ ‫لضوء ٍآت‬ ‫لوح ٍ‬ ‫تُ ُ‬
‫أ‬ ‫الذاكرة‪،‬‬ ‫غبار‬
‫كهربة‪،‬‬
‫الم ِ‬ ‫سالك ُ‬ ‫وال ِ‬ ‫ِ‬ ‫من ِ‬
‫افض‪،‬‬ ‫ف‬
‫عاليا‪،‬‬ ‫ُنت ً‬ ‫ك ُ‬ ‫الحي الر ِ‬ ‫هنا‪ ..‬ي� ّ‬
‫مثل بالدي‪،‬‬ ‫َ‬ ‫المقيم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫المقت‬
‫ِ‬ ‫دود‬ ‫خلف ُح ِ‬ ‫َ‬
‫الخيل‪،‬‬
‫ِ‬ ‫وتر‬‫أعزف ُعل ِ‬ ‫وجهي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أيت‬ ‫ر ُ‬
‫القصيدة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫اكتمال‬
‫ِ‬
‫ف‬
‫المع� ي�‬ ‫صور َة ف‬ ‫فات‪،‬‬ ‫ال� ِ‬ ‫ف ي� اتساع ش‬
‫ِ‬
‫فلسط�‪/‬‬‫ي فُ‬ ‫ُهنا‪..‬‬ ‫ومدى الميجنا‪،‬‬
‫يداي‪،‬‬
‫ملكت َ‬ ‫الحروف‪ ،‬وما ْ‬ ‫ُ‬ ‫حملت�‬ ‫ف‬ ‫البارود‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ملح‬
‫أتعبها ُ‬ ‫وجوها َ‬ ‫ً‬ ‫أيت‬ ‫ر ُ‬
‫ي‬
‫حلم‪،‬‬‫أرم َم ما تبقى من ٍ‬ ‫يك ِّ‬ ‫ُ‬
‫المناديل‪،‬‬ ‫تغاد ْرها‬ ‫ونهار ٍات لم ِ‬
‫ف‬ ‫البالد‪،‬‬ ‫ُ‬
‫رحلة الولدةْ‪.‬‬ ‫ي� ِ‬ ‫المبللة بنشيد ِ‬ ‫ِ‬ ‫المناديل‬
‫إبداع‬
‫‪109‬‬

‫خمسون‬
‫ْ‬
‫شعر‪ :‬محمد خضير‪ /‬األردن‬

‫خمسون و َّل ْت‪ ...‬ما أر ْد ُّت ودا َعها‬ ‫ْ‬


‫َرح َل ْت‪ ،‬وخ َّل ْت ف ي� يَ َد َّي َمتا َعها‬

‫�‪ ،‬وكان ُع ْم َ‬
‫ـري ِفكـر ًة‬ ‫الص ب ي َّ‬
‫كنت َّ‬
‫ُ‬
‫لوم ِذرا َعها‪:‬‬
‫ست إىل ك ٍَف تَ ُ‬ ‫َه َم ْ‬

‫فأجابت المرآةُ‪ً :‬‬


‫مهال‪ ،‬مـا أنـا‬ ‫نـازح‬
‫ٌ‬ ‫مـات‪ ،‬ومـا تب َّل َـل‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫أيلول‬
‫ّإل الوجو ُه‪ ،‬ومـا قر ُ‬
‫أت خدا َعها‬ ‫فأسك َن ُته ِطبا َعها!‬
‫الخيام‪ْ ،‬‬
‫َ‬ ‫َسك ََن‬

‫َ‬ ‫ف‬ ‫�‪،‬‬


‫ساهم‬
‫ٍ‬ ‫ماء‬
‫مثل ٍ‬ ‫غافلت�‬
‫ي‬ ‫كـم‬
‫ْ‬ ‫طي ًـبا‬
‫وصار بَ ْح ًرا ِّ‬
‫َ‬ ‫الص ب ي ُّ‬
‫ك� َّ‬
‫بُ َ‬
‫للحىص وأطا َعها‬‫َ‬ ‫ً‬
‫امتثال‬ ‫َر َج َف‬ ‫واستظل ِش�ا َعها‬
‫َّ‬ ‫َح َم َل الغريبةَ‬

‫ت‬ ‫آ‬
‫وال َن ف‬ ‫قـلـبـهـا‬ ‫لـمـا تـفـ َّت َـح‬
‫شاع ًرا‬
‫مو� ِ‬
‫نحو ي َ‬ ‫أمىص َ‬
‫يْ‬ ‫ُ‬ ‫لكـ َّنـهـا ّ‬
‫بلحظة‪ ...‬وأضا َعها‬
‫ٍ‬ ‫َم َلكَ َ‬
‫الحيا َة‬ ‫للسوال قنا َعها‬‫وألقت ُّ‬‫ْ‬ ‫رت‪،‬‬
‫َه َج ْ‬
‫إبداع‬
‫‪110‬‬

‫فتوى‬
‫شعر‪ :‬عارف عواد الهالل‪ /‬األردن‬

‫أوص ِ ف يا�‬ ‫شق َ‬ ‫الع ِ‬ ‫الع ِل ُيل ِب َه ْج ِر ِ‬ ‫َل� َ‬ ‫ق ِب ي‬ ‫َلب أف َت ِ ف يا�‬


‫يت ِعش ًَقا َو َص ْد ُع الق ِ‬
‫أف َت ُ‬
‫أبدا ُه ِك َتم ِ ف يا�‬ ‫فس َح ي َ�ى بَ َما َ‬ ‫َوال َّن ُ‬ ‫وح تَج َه ُل ُه‬ ‫الر ُ‬‫َلب يَع َل ُم َما ل ُّ‬ ‫فَالق ُ‬
‫صي َد الغَ ِ ف يا�‬ ‫أ‬ ‫إن ما أ َطعت عص فا� الق ف‬
‫يت أ َطا َع ال َ‬ ‫إن َع َص ُ‬ ‫أو ْ‬ ‫� ٍف‬ ‫َلب ِ ي� َ َ‬‫ُ‬ ‫ُ َ َ ِي‬ ‫ْ َ‬
‫الج ِّد يَن َه ِ ف يا�‬ ‫اب َو ِع َند ِ‬ ‫الك َع َ‬
‫هوى ِ‬ ‫يَ َ‬ ‫� ف ي�‬ ‫الر ْش ِد َح ي َّ َ ِ‬
‫� ُّ‬ ‫� ال َّت َص ِب يا� َوبَ ي ف َ‬ ‫بَ ي ف َ‬
‫أغو ِ ف يا�‬
‫َلب َ‬ ‫أن الق َ‬ ‫مت ِب َّ‬ ‫َح ت َّ� َع ِل ُ‬ ‫َل� َع َل َج ْه ٍل يُ َس ِاي ُ ِر ف ي�‬ ‫لت ق ِب ي ْ‬ ‫َما ِخ ُ‬
‫أنج ِ ف يا�‬ ‫الح ْر َز َ‬ ‫يت ِ‬ ‫عد ِح ْر ٍز َو َل َ‬ ‫ِم ْن بَ ِ‬ ‫سو ٍاس يُ َع ِّل ُل ِ ف ي�‬ ‫ل ِب َو َ‬ ‫ألقَى َع َ ي َّ‬
‫أولِ ف ي�‬ ‫َان َ‬ ‫فس الف ت ََ� َأر ٌب‬ ‫ف‬
‫الم َص ِاب َر َع َّما ك َ‬ ‫ُنت ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫لول ِالت َي ِاعي َوِ ي� نَ ِ‬
‫أعي ِ ف يا�‬
‫الج ْه ِد َ‬ ‫اصط َب ًَارا ِب َع ْن ِت ُ‬ ‫ِ‬ ‫ث َُّم‬ ‫وح ِآخ ُر ُه‬
‫الب َ‬ ‫َص ب ًَ�ا ذ ََر ُ‬
‫عت أذَا َع َ‬
‫َيظي َو ِس َلو ِ ف يا�‬ ‫وف َط ٍاو َع َل غ ِ‬ ‫والج ُ‬
‫َ‬ ‫الص ب ُ� َج ٍاز َول غ ٌَّض َول َأر ٌق‬
‫ل َّ‬
‫أقص ِ ف يا�‬ ‫يب َ‬ ‫الش َ‬ ‫أن َّ‬ ‫يَ ِ ت يأ� ال َّن ِذ ُير ِب َّ‬ ‫سبيكَ الفُؤا َد َه َو ًى‬ ‫ِم ْن ك ُِّل غ َ‬
‫َيدا َء تَ ِ‬
‫أبر ِ ف يا�‬
‫اف َ‬ ‫نص ِ‬ ‫بال َ‬ ‫الحك ُْم إ‬ ‫عد ُل ُ‬ ‫َلو يَ ِ‬ ‫َلب ِب ِه َط َر ٌب‬
‫يب ِل ِذي ق ٍ‬
‫يب َع ٌ‬
‫الش ُ‬
‫ل َّ‬
‫إبداع‬
‫‪111‬‬

‫َا�‬‫ف‬ ‫فس بَ ي ف َ‬
‫عب أشق ِ ي‬ ‫الص ُ‬ ‫هر َع ِط ٌيف َوذَاكَ َّ‬ ‫ُم ٌ‬ ‫إن َر َخ َم ْت‬
‫الخ ِيل ْ‬
‫� َ‬ ‫يَا ِح ي َ� َة ال َّن ِ‬
‫َا�‬ ‫ف‬
‫الس ْه ِد أجف ِ ي‬ ‫أو� الكَ َرى ِب ُّ‬ ‫وق ف َ‬ ‫الش ُ‬ ‫َو َّ‬ ‫وق يُ َس ِّه ُد َها‬
‫ضب ُح ِم ْن َش ٍ‬‫غ ََّرا ُء تَ َ‬
‫أقر ِ ف يا�‬ ‫أ‬
‫يف ال َل ِوم َ‬ ‫َل َّـما تَ َما َدى ِب َز ِ‬ ‫إن ُلم َن َها َح َس ًَدا‬
‫تَشكُو ِلتر ِاب َها ْ‬
‫لح ِ ف يا�‬ ‫عد يَ َ‬
‫ُلت َم ْن ِم ْن بَ ُ‬ ‫قَا َل ْت بَ َل ق ُ‬ ‫جم ُع َنا‬
‫الو ْج ُد يَ َ‬
‫يس َ‬‫ُلت أ َل َ‬
‫قَا َل ْت َوق ُ‬
‫وح ِ ف يا�‬ ‫ال� َر َ‬ ‫ُوت ِّ ِّ‬ ‫فس ِم ْن َم َلك ِ‬ ‫كَال َّن ِ‬ ‫درك ُُه‬‫وع تُ ِ‬ ‫الر ِ‬
‫ِب َّ‬ ‫شق نَف ٌْح ِس َوى‬ ‫َالع ُ‬ ‫ف ِ‬
‫أنس ِ ف يا�‬ ‫الر ِاء َ‬ ‫ط ُف َّ‬ ‫يت ِم ُنه َو َق ْ‬ ‫أوح ُ‬ ‫َ‬ ‫� يُ َخا ِل ُج ِ ف ي�‬ ‫ِ ٍّ‬ ‫ور ِ ف ي�‬ ‫مح ِم َن ال ُّن ِ‬ ‫َل ٌ‬
‫أشج ِ ف يا�‬ ‫مس َ‬ ‫فن َوك َْم ِبال َه ِ‬ ‫إيما ُء ِج ٍ‬ ‫َ‬ ‫رصف ُُه‬ ‫َول يَ ِ‬ ‫ع� الق ِ‬ ‫معي ِل َم ف َ‬ ‫َيت َس ِ‬ ‫ألق ُ‬
‫أنب ِ ف يا�‬
‫ط ِق َ‬ ‫الرِف ُيف ِب ِص ْد ِق ال ُّن ْ‬ ‫ِمن َها َّ‬ ‫� تُ ِزجي َع َل ِر ْس ٍل َم َر ِاس َل َها‬ ‫َالع ي ف ُ‬
‫ف َ‬
‫الد ِ ف يا�‬ ‫أ‬ ‫مت ِ ف ي� َو َل ٍه‬
‫قر َب َّ‬ ‫ُنت ال َ‬ ‫ذت َوك َ‬ ‫َيف ان َت َب َ‬ ‫ك َ‬ ‫الص ِ‬ ‫يق َّ‬ ‫ك َْم قَد َأراكَ َع ِم َ‬
‫أقص ِ ف يا�‬ ‫عد َ‬ ‫الب ِ‬ ‫إن ِب ُ‬ ‫رص ف ي� بَ ْع ُد ْ‬ ‫ف‬
‫َما َ َّ ِ‬ ‫ُلت ال ُه َو ف َي� َر ِش ُيق الق َِّد ِ ف ي� َخ َل ِدي‬ ‫ق ُ‬
‫أسم ِ ف يا�‬ ‫الع ي ِف� َمرق َُد ُه‬ ‫ف‬
‫وح َ‬ ‫الر ِ‬ ‫يق ُّ‬ ‫�ي ِل َم ْن بَ َرِف ِ‬ ‫يَ ِ‬ ‫َاف َ‬ ‫َع َّل ال َه َوى ِ ي� ِضف ِ‬
‫فت أف َن ِ ف يا�‬ ‫عد َما َط َّو َ‬ ‫الو َ‬‫خل ُف َ‬ ‫ل أُ ِ‬ ‫هد تُ َؤ ِّم ُل ُه‬ ‫قَا َل ْت َو ف يِّإ� َع َل َع ٍ‬
‫أ� ِ ف يا�‬
‫َ‬ ‫ط ُيف‬ ‫آ ِتيكَ آنًَا إ َليكَ ال َّ‬ ‫ظ ِ ف ي�‬‫لح ُ‬ ‫َج ِّل ْل ُح ُروفَكَ ِبالغَ َّر ِاء تَ َ‬
‫أوح ِ ف يا�‬ ‫عر َ‬
‫الش ُ‬ ‫حر الق َِص ِيد كَذَ اكَ ِّ‬ ‫بَ َ‬ ‫َت‬ ‫� َم َلك ْ‬ ‫ت‬
‫أمر ْي ِل ُيم َناكَ ا َّل ِ ي ْ‬ ‫ْت ِ‬ ‫َم َّلك ُ‬
‫الج ِ ف يا�‬ ‫َالم ِب ِه يَا َرأفَةَ َ‬ ‫يح الك ِ‬ ‫ِر ُ‬ ‫الذي َد َر َج ْت‬
‫َ� ِ‬‫َل ِك َّن ْأو َب ال َه َوى غ ي ُ‬
‫كر ِان أض َن ِ ف يا�‬ ‫ِبال َّن ِأي َوالغَ ْد ِر َوال ُّن َ‬ ‫أبدى َم َع ِاذ َر ُه‬ ‫إن َص َّد أو َ‬ ‫َرو ْ‬ ‫ل غ َ‬
‫أسد ِ ف يا�‬ ‫ف‬
‫الس ْه َد َ‬
‫الج َوى َو ُّ‬ ‫مر الغَ ف َىص ِ ي� َ‬
‫َج َ‬ ‫وق َسائ َل ِ ت ي�‬ ‫الش ِ‬‫اب َّ‬ ‫فت ث ََو َ‬ ‫َه َّال َع َر ِ‬
‫إحس ِ ف يا�‬ ‫يت َ‬‫أسد ُ‬ ‫س� َفق َْد َ‬ ‫ف‬
‫َان ُح َ ً‬ ‫ْأو ك َ‬ ‫أهونُ ُه‬
‫ال� َ‬ ‫ش‬
‫َان ك ُْر ًَها ف ََخ ي ُ� َّ ِّ‬ ‫إن ك َ‬ ‫ْ‬
‫ف‬
‫َا�‬
‫الر ِأي يَلق ِ ي‬ ‫َأي َّ‬ ‫الد ِل ُيل ف ُّ‬‫تَا َه َّ‬ ‫عر قَد َو َج َب ْت‬
‫الش ِ‬ ‫اي ِم ْنك ُُم َ‬
‫أهل ِّ‬ ‫َتو َ‬
‫ف َ‬
‫إبداع‬
‫‪112‬‬

‫أجراس العودة‬
‫ّ‬
‫تدق داخل القلب‬
‫قصة‪ :‬إبراهيم درغوثي‪ /‬تونس‬
‫ّ‬

‫‪-1-‬‬

‫الصغ�ة تنذرها‬ ‫البيولوجية داخل رؤوس الطيور‬ ‫الشمال البعيدة‪.‬‬ ‫ف‬


‫ي‬ ‫الشتاء قارص ي� بالد ّ‬ ‫برد ّ‬
‫لتأخ� الرحلة‪ ،‬فقد‬
‫ي‬ ‫بموعد السفر وأن ل وقت‬ ‫أ‬
‫برد يهطل ف ي� شكل ندف من الثلج تغطي الشجار‬
‫يفوت أ‬
‫الوان وتكون الكارثة‪.‬‬ ‫والمنازل والجبال والسهول والوديان والهضاب‬
‫ال� تسكن رؤوسنا‬ ‫ت‬ ‫اللوان ويحولها إىل أ‬
‫فيغلب كل أ‬
‫“هذه الساعة البيولوجية ي‬ ‫البيض الناصع‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الزمان ل ترحم” تقول حكيمة الطيور‬ ‫منذ غابر أ‬ ‫وال ّ‬
‫طيور ستموت إذا لم تهاجر إىل الجنوب حيث‬
‫لصغارها الذين تجمعوا حولها قبل موعد السفر‬ ‫الدفء والشمس الساطعة طوال اليوم‪.‬‬
‫النصات لدقاتها‬ ‫بقليل‪ ،‬وتحذرهم من عدم إ‬ ‫طيور أشياءها الجميلة وتتفقد أعشاشها‬ ‫تلملم ال ّ‬
‫ح� ل يصيب عالمهم مكروه ويفنوا كما فنيت‬ ‫ت‬ ‫تحرض فراخها الكسولة عل‬ ‫أ‬
‫خ�ة وهي ِّ‬ ‫للمرة ال ي‬
‫مالي� ي ف‬
‫السن�‪.‬‬ ‫الديناصورات العظيمة منذ ي ف‬ ‫الستعداد للرحلة الطويلة‪ ،‬ثم تهجر أوكارها‬
‫ت‬
‫ال�‬ ‫أ‬
‫ويضج الصغار بالسئلة عن هذه الساعة ي‬ ‫ّ‬ ‫تعد ول‬‫حزينة؛ فالرحلة قاسية ومخاطرها ل ّ‬
‫ل يراها إل الكبار‪ ،‬لكن حكيمة الطيور ل تأبه‬ ‫تحىص‪.‬‬
‫ستحك لهم عنها عندما‬ ‫ي‬ ‫ألسئلتهم وتعدهم بأنها‬ ‫للتفك�‬
‫ي‬ ‫الشمال ل تي�ك لها فرصة‬ ‫ولكن برد بالد ّ‬
‫سالم� إىل ديارهم ف ي� الصيف القادم‪.‬‬
‫يف‬ ‫يعودون‬ ‫وتأخ� موعد الرحلة بعدما دقت الساعة‬ ‫ي‬
‫إبداع‬
‫‪113‬‬

‫أخ�تهم الحكيمة وهي تغادر موطنهم‪.‬‬ ‫هكذا ب‬ ‫‪-2-‬‬


‫ت‬
‫سنظل نهتدي بالنجوم يا أولدي ح� نصل‬ ‫ّ‬ ‫‪-‬‬
‫بسالم إىل منتجعنا الشتوي ف� خط الستواء �ف‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫الملبدة‬
‫ّ‬ ‫السماء‬
‫ّ‬ ‫طيور المهاجرة ف ي�‬ ‫وتتجمع ال ّ‬
‫َّ‬
‫ف‬ ‫ف‬ ‫وقطرات المطر‬ ‫الرياح‬
‫يقظ� ي� الليل والنهار‬ ‫دائما ي‬ ‫البالد الحارة‪ ،‬فكونوا ً‬ ‫بالغيوم تحت لسعات ّ‬
‫ف‬
‫ول يحلو لكم النوم فنضيع ي� هذا الفضاء‬ ‫الباردة وندف الثلج‪.‬‬
‫الشاسع‪.‬‬ ‫ما أصعب هذه اللحظات علينا نحن الطيور ونحن‬
‫دائما كتلة واحدة ول تت�كوا للغريب فرصة‬ ‫الجداد‪،‬‬ ‫نهم بمغادرة أعشاشنا الدافئة ف� موطن أ‬
‫كونوا ً‬ ‫ي‬ ‫ّ‬
‫لخ�اق صفوفكم‪.‬‬ ‫ت‬ ‫وب� نفسها‪ .‬ما أصعبها‬ ‫تر ِّدد حكيمة الطيور بينها ي ف‬
‫ب� أفراد ال�ب الطائر �يان‬ ‫في�ي نداؤها ي ف‬ ‫وما أشقانا بها‪.‬‬
‫فت�اص الصفوف‬ ‫الفرح ف� النفوس ف� يوم عرس‪ ،‬ت‬ ‫ثم تضيف وهي تتن َّهد‪:‬‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫تعمر الرض‬ ‫ت‬
‫وتخفق الجنحة ب�عة ويشتد العزم‪ ،‬فالطريق ما‬ ‫ال� ّ‬ ‫بقية المخلوقات ي‬ ‫تحس ّ‬ ‫‪ -‬هل ُّ‬
‫زالت طويلة والرحلة ف ي� بداياتها‪.‬‬ ‫بأحاسيسنا نفسها؟‬
‫السوداء المخيفة‪.‬‬ ‫وتح ّلق الطيور فوق الغابات ّ‬ ‫هل يؤلمها أن تغادر أوطانها مكرهة كحالنا؟‬
‫وتمر فوق الجبال العالية المك ّللة بال ّثلوج‪.‬‬ ‫الصغ�ة‬ ‫مالوا السفن‬ ‫الب� وقد أ‬ ‫كم رأيت من ش‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫أعاىل البحار وهم‬ ‫ف‬ ‫ح� اكت َّ‬ ‫والكب�ة ت‬
‫وتقطع البحر العظيم‪.‬‬ ‫ظت بهم ي� ي‬ ‫ي‬
‫ول تتعب‪.‬‬ ‫الدا� نحو هذا الشمال‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫يغادرون عكسنا الجنوب‬
‫جربت‬ ‫ّ ت‬ ‫المسكون بالصقيع‪ ،‬أل يعرفون الخوف مثلنا‬
‫ال� ّ‬
‫المطوق ي‬ ‫تط� وراء الحكيمة ذات العنق‬ ‫ي‬
‫ف‬ ‫الط�‬ ‫أ‬
‫مرات عديدة وهي ترصب بأجنحتها‬ ‫هذه الرحلة ّ‬ ‫وجثثهم تتالعب بها المواج ويأكل منها ي‬
‫ال� تأخذها‬ ‫ت‬ ‫والسمك؟‬
‫الصغ�ة أو تنام فوق موجات الهواء ي‬ ‫ي‬
‫ال� ستجد‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫وتظل الحكيمة تجادل نفسها وتحت ناظريها‬
‫ي� جريانها ي� الجو نحو البالد البعيدة ي‬
‫وتك�‬ ‫تتجمع ال ّ ف‬
‫فيها ملجأ للراحة والسعادة‪.‬‬ ‫تك� ب‬ ‫صغ�ة ثم ب‬ ‫طيور ي� أ�اب تبدأ ي‬ ‫ّ‬
‫ح� يعظم شأنها وتصبح كتلة سوداء من الريش‬ ‫ت‬
‫‪-3-‬‬ ‫فتط� نحو الجنوب هربًا من الموت‪.‬‬ ‫والزعيق‪ ،‬ي‬
‫ت‬
‫غ�ة آلف الكيلوم�ات وهي‬ ‫الص ي‬ ‫طيور ّ‬ ‫تقطع ال ّ‬
‫ال� تتالعب‬ ‫ت‬
‫وفجأة ترتفع التحذيرات داخل ال�ب‪.‬‬ ‫مستلقية عل التيارات الهوائية الدافئة ي‬
‫ويختل التوازن وسط هذا‬ ‫ّ‬ ‫ش‬
‫يك� الهرج والمرج‬ ‫الجواء البعيدة‪ ،‬فتغفو وتظل تارة أخرى‬ ‫بها ف� أ‬
‫ي‬
‫الكب�‪ ،‬فتذهب كل مجموعة من الطيور ف ي�‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫مستيقظة وهي تراقب النجوم المتاللئة ي� السماء‬
‫الجسم ي‬
‫ط عشواء ويتنادى‬ ‫اتجاه وهي تخبط بأجنحتها خب َ‬ ‫الصافية وهي تهديها إىل طريق الرشاد‪.‬‬
‫إبداع‬
‫‪114‬‬
‫يف‬
‫الضلع�‬ ‫المام بعزيمة وقوة بينما يتوزع عل‬ ‫أ‬ ‫الجميع‪:‬‬
‫فالقوى وهم يحدبون عل‬ ‫القوى أ‬ ‫بقية الطيور أ‬ ‫‪ -‬الفرار الفرار‪ ،‬هي ذي النسور والعقبان والبوم‬
‫والمر� بالدفع‬ ‫ف‬ ‫الصغار‪ ،‬ويساندون الضعاف‬ ‫وطيور الباز‪ ،‬سادة السماء‪ ،‬ف ي� انتظار الوليمة‪ ،‬ول‬
‫تهل‬‫ح� ّ‬ ‫ت‬
‫والتو ُّدد والتشجيع والمسح عل الريش ّ‬ ‫عاصم لكم منها إل الحيلة ورحمة الرحمن‪.‬‬
‫ال�‬ ‫ت‬ ‫والمان‪ ،‬فتهبط ال ّ‬ ‫بشائر بر الدفء أ‬ ‫ويشتد الكرب العظيم ف ي� الفضاء‪ ،‬يتطاير الريش‬
‫طيور ي‬ ‫ّ ّ‬ ‫ُّ‬
‫ف‬ ‫ال� انفردت بها الجوارح‬ ‫ت‬
‫أنهكها الجوع والتعب فوق الهضاب الخرصاء‬ ‫الصغ�ة ي‬ ‫ي‬ ‫وتُقتل الطيور‬
‫ط عل أ‬ ‫وتح ّ‬ ‫كأن الحرب قد‬ ‫ت‬
‫الشجار اليانعة‪.‬‬ ‫ويشتد الزعيق والنعيب ح� َّ‬ ‫ُّ‬
‫ح� تشبع‪،‬‬ ‫الربيع ت ّ‬‫الح ّب وأزهار ّ‬ ‫تلتقط الطيور َ‬ ‫ال� إىل الجو إىل أن يعلو نداء حكيمة‬ ‫انتقلت من ب‬
‫سوا� الغابة‪ ،‬وتمالأ‬ ‫وت�ب من المياه الجارية ف� ت‬ ‫ش‬ ‫الط� وقائدة ال�ب فتتعاضد الطيور من جديد‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫البح�ات‬ ‫ي‬ ‫الفضاء بزقزقتها وهي تتقافز وسط‬ ‫صماء ل‬ ‫وتتجمع داخل كتلة ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتعود إىل وحدتها‬
‫الصغ�ة ومن‬ ‫ي‬ ‫العذبة‪ ،‬وتأكل من أسماكها‬ ‫تت�ك فيها منفذً ا للغريب‪.‬‬
‫ال�بة‬ ‫ال� تعشش داخل ت‬ ‫ت‬ ‫ويعود ال�ب إىل طريق السالمة بينما يعلو ي ف‬
‫ب�‬
‫المخلوقات المجهرية ي‬
‫ت‬
‫الم�عة بالحياة‪.‬‬ ‫والخر نداء‪:‬‬‫الح� آ‬ ‫يف‬
‫الدافئة بال‬ ‫الشمس ّ‬ ‫وتمرح وت�ح تحت نور ّ‬ ‫‪ -‬انتبهوا يا صغار‪:‬‬
‫حسيب ول رقيب‪ ،‬ثم تنفض عن أجنحتها بقايا‬ ‫أ‬
‫هي ذي رصاصات الصيادين تنطلق من الرض‬
‫وتمال فضاء ربيع الجنوب‬ ‫والمطار‪ ،‬أ‬ ‫ال�د والتعب أ‬ ‫نحو السماء‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ب‬
‫ش‬ ‫أ‬
‫الشمال وعذابات‬ ‫ح� تتناس برد ّ‬ ‫بزقزقتها العذبة‪ ،‬ت ّ‬ ‫والشباك‪...‬‬
‫وعل الرض‪ ،‬تك� الفخاخ ّ‬
‫الرحلة وهي تسعى ف� أ‬ ‫الرصاص وكيف‬
‫الرض الجديدة عل‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫فيتعلم الصغار كيف يهربون من ّ‬
‫خ�ات‬ ‫الولد ويعافون أكل الحبوب من‬ ‫يخاتلون فخاخ أ‬
‫بح�اتها تشبع جوعها من ي‬ ‫أشجارها أو داخل ي‬
‫أرض السعادة وراحة البال‪.‬‬ ‫الرض‪.‬‬ ‫عل الشباك الملقاة عل أديم أ‬
‫ِّ‬
‫كث�ة تموت من ال ّتعب والجوع‪.‬‬ ‫ولكن طيور ي‬ ‫ّ‬
‫‪-5-‬‬ ‫فالرحلة صعبة وطويلة‪.‬‬ ‫ّ‬

‫بالدفء والهناء‪،‬‬ ‫ف‬ ‫‪-4-‬‬


‫الربيع ي� بالد الجنوب ّ‬ ‫ويزدهي ّ‬
‫شمس ساطعة طوال النهار‪ ،‬وعيش رغيد بال‬
‫وم�ب ف ي� المتناول ف ي�‬‫منغص ف ي� الليل‪ ،‬ومأكل ش‬ ‫طيور الحكيمة قيادة‬ ‫وتواصل قائدة �ب ال ّ‬
‫الصغ�ة جزاء‬
‫ي‬ ‫أرضية صنعها الرب لمخلوقاته‬‫جنة ّ‬ ‫كب�ة‬
‫يتحول بمرور الوقت إىل شكل ‪ V‬ي‬
‫ال�ب الذي ّ‬ ‫ّ‬
‫ال�‬ ‫ت‬ ‫شكورا‪ ،‬فته ّلل ال ّ‬ ‫ف‬
‫تغطي الفضاء حيث القائدة ي� الرأس المندفع إىل‬
‫طيور وتكاد تنىس الحكايات ي‬ ‫ً‬
‫إبداع‬
‫‪115‬‬

‫‪-7-‬‬ ‫روتها لصغارها وهي تزقها نسغ الحياة ف ي� أعشاش‬


‫ال� ولدت فيها بعد الهجرة من‬ ‫ت‬
‫الغابة السحرية ي‬
‫استعدوا‬
‫ّ‬ ‫طيور صغارها جذىل‪ ،‬أن‬ ‫تنادي كبار ال ّ‬ ‫بالد الشمال‪ ،‬تتناس الطيور القادمة من سفوح‬
‫فرحا‬ ‫الشجار المثقلة بالثلوج‬ ‫الجبال الباردة وأغصان أ‬
‫الصعبة يا صغار‪ ،‬فتخفق قلوبها ً‬ ‫للرحالة ّ‬‫ّ‬
‫السماء‪:‬‬ ‫ت‬ ‫صغ�ة‬ ‫تدق نواقيس‬ ‫أعشاشها الفارغة إىل أن ّ‬
‫العاليةح� عنان ّ‬
‫ّ‬ ‫وخوفًا وترتفع زقزقاتها‬ ‫ي‬
‫أ‬
‫‪ -‬الحياة جميلة عل هذه الرض‪...‬‬ ‫داخل قلوبها الخفّاقة وتشتعل الساعة البيولوجية‬
‫ولكن بالدنا أجمل من ّكل البلدان‪...‬‬ ‫خ�ات بالد‬
‫ال� أتخمتها ي‬ ‫ت‬
‫ّ‬ ‫من جديد وسط الرؤوس ي‬
‫المنفى‪:‬‬

‫فتهيأوا للعودة يا طيور‪.‬‬


‫‪ -‬لقد أزفت ساعة الرحيل ّ‬

‫‪-6-‬‬

‫ال� ل عهد لهم‬ ‫ت‬


‫يتجاهل الصغار هذه النواقيس ي‬
‫البح�ات وعل‬ ‫ي‬ ‫بها وهم يواصلون لهوهم ف ي�‬
‫يف‬
‫والرياح� وداخل‬ ‫سفوح الجبال المكللة بالزهور‬
‫الوديان وحقول الحب‪ ،‬فيعود الكبار للدق عليها‬
‫وأك� إىل أن يعلو صوت حكيمة الطيور‪،‬‬ ‫أك� ش‬ ‫ش‬
‫ال� تع ّلمت من العجوز‬ ‫ت‬
‫الفتية لل�ب ي‬ ‫القائدة ّ‬
‫ال� أنهكها تعب خمس سفرات متتالية فقررت أن‬ ‫ت‬
‫ي‬
‫البح�ة السحريّة‪،‬‬ ‫أ‬ ‫ت‬
‫تس�يح إىل البد عل ضفاف ي‬
‫أ�ار الطريق وحكمة السماء‪ .‬يعلو صوت القائدة‬
‫وكب�ه‪ ،‬فتعود‬‫صغ�ه ي‬ ‫الجديدة عل زقزقة ال�ب ي‬
‫للد ّق داخل القلوب الخفّاقة بوهج‬ ‫أجراس العودة ّ‬
‫طيور‬ ‫أ‬
‫الحياة والشوق إىل أرض الجداد فتتذكّر ال ّ‬
‫ويستعد الصغار لرحلة‬ ‫ّ‬ ‫من جديد أوكارها البعيدة‬
‫ف‬
‫البيولوجية ي� القلوب‬ ‫وتتوهج أنوار الساعة‬
‫َّ‬ ‫العودة‬
‫ّ‬
‫تن� طريق العودة‪...‬‬ ‫خفاقة وهي ي‬
‫ترجمات‬
‫‪116‬‬

‫مفكرون سيئون‬
‫لماذا يعتقد بعض الناس بنظريات المؤامرة؟ إنها مسألة ذات طابع فكري‬

‫كسام*‬
‫ّ‬ ‫قاسم‬

‫ترجمها عن اإلنجليز ّية‪ :‬موفق ملكاوي‪ /‬األردن‬

‫إن النظريات الغريبة حول كل أنواع‬ ‫ف‬ ‫تَ َع َّر ْف إىل “أوليفر”‪ .‬مثل العديد من أصدقائه‬
‫ي� الواقع‪َّ ،‬‬
‫منت�ة آ‬ ‫الشياء ش‬ ‫أ‬ ‫سبتم�‪.‬‬ ‫خب� ف ي� أحداث ‪11‬‬
‫الن‪ .‬هناك نظريات المؤامرة‬ ‫ب‬ ‫يعتقد “أوليفر” أنه ي‬
‫اليدز‪ ،‬والهبوط عل سطح القمر‬ ‫ف‬
‫يقىص معظم وقت فراغه باح ًثا ي� المواقع‪،‬‬ ‫وهو ف‬
‫حول انتشار إ‬ ‫ي‬
‫أ‬ ‫الرهابية عل‬
‫عام ‪ ،1969‬والجسام الطائرة الغريبة‪ ،‬واغتيال‬ ‫بأن الهجمات إ‬ ‫وقد أقنعته أبحاثه َّ‬
‫أن نظريات‬ ‫جون كنيدي‪ .‬ف� بعض أ‬
‫الحيان‪ ،‬ي َّ ف‬ ‫سبتم�‬ ‫ف‬
‫نيويورك وواشنطن العاصمة ي� ‪ 11‬أيلول‪/‬‬
‫يتب� َّ‬ ‫ي‬ ‫ب‬
‫المؤامرة عل حق‪ ،‬فقد كانت “ووترجيت” مؤامرة‬ ‫تأث� الطائرة وما‬ ‫داخليا‪ .‬لم يكن ي‬
‫ًّ‬ ‫‪ 2001‬كانت ً‬
‫عمال‬
‫بالفعل‪ ،‬ولكن ف ي� الغالب كانت حبيسة‪ .‬إنها ف ي�‬ ‫ف‬
‫يتسبب ي� انهيار‬ ‫نجم عنها من حرائق يمكن أن َّ‬
‫حية لحقيقة مدهشة‬ ‫توضيحية ّ‬
‫ّ‬ ‫الواقع صور‬ ‫التوأم� لمركز التجارة العالمي‪ .‬ويؤكد‬ ‫يف‬ ‫ال� ي ف‬
‫ج�‬ ‫ب‬
‫الب�يّة‪ :‬مهما كان ذكاؤنا ومعرفتنا‪،‬‬ ‫عن الكائنات ش‬ ‫أن عمالء‬ ‫التفس� الوحيد القابل للتطبيق هو َّ‬ ‫ي‬ ‫أن‬‫َّ‬
‫الكث�ون م ّنا يعتقدون‬ ‫ولكن بطرق أخرى‪ ،‬ما يزال ي‬ ‫الحكومة قاموا مسبقًا بزرع متفجرات‪ .‬وهو يدرك‪،‬‬
‫أ‬ ‫أن الحكومة تلقي باللوم عل‬
‫بالمور الغريبة‪ .‬يمكنك العثور عل أشخاص‬ ‫بطبيعة الحال‪َّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫يف‬
‫فضائي�‪َّ ،‬‬ ‫يعتقدون أنهم ُخطفوا من قبل‬ ‫سبتم�‪ ،‬لكن ر ّده المتوقَّع‬ ‫ب‬ ‫القاعدة ف ي� أحداث ‪11‬‬
‫وأن ال�طان يمكن‬ ‫أبدا‪َّ ،‬‬
‫المحرقة لم تحدث ً‬ ‫هو‪ :‬كانوا يقولون ذلك‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫يجا�‪ .‬ووجد استطالع أجرته‬ ‫ال ب ي‬ ‫بالتفك� إ‬
‫ي‬ ‫عالجه‬ ‫أن آراء “أوليفر” حول‬ ‫تش� أدلة الستطالعات إىل َّ‬ ‫ي‬
‫أن ما ي ف‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫بأي حال من الحوال‪.‬‬
‫ب� ربع‬ ‫مؤسسة “هاريس” ي� العام ‪َّ 2009‬‬ ‫‪ 9/11‬ليست يغ� عادية ّ‬
‫ترجمات‬
‫‪117‬‬

‫به هو كيف يف�ون ويستجيبون للكميات الهائلة‬ ‫كي� يؤمنون بالتناسخ والتنجيم‬ ‫ال يم� ي ف‬ ‫خمس وربع أ‬
‫من المعلومات ذات الصلة المتاحة لهم‪ .‬أو ُّد أن‬ ‫أن‬
‫سمه ما تشاء‪ ،‬وستجد‪ ،‬ربَّما‪َّ ،‬‬ ‫ووجود السحرة‪ِّ .‬‬
‫ال�‬ ‫ت‬ ‫ف أ‬ ‫ت‬ ‫شخصا ما يعتقد به‪.‬‬ ‫هناك‬
‫أن هذا هو ي� الساس سؤال الطريقة ي‬ ‫أق�ح َّ‬ ‫ً‬
‫هم عليها‪“ .‬أوليفر” ليس مجنونا (أو عل أ‬ ‫أن نظرية “أوليفر” حول‬
‫القل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أنت تدرك‪ ،‬بالطبع‪َّ ،‬‬
‫فإن‬
‫ل يحتاج إىل أن يكون كذلك)‪ .‬ومع ذلك‪َّ ،‬‬ ‫سبتم� ليس لها سوى‬ ‫ب‬ ‫ع� من أيلول‪/‬‬ ‫الحادي ش‬
‫سبتم� هي نتيجة لخصائص‬ ‫ب‬ ‫معتقداته حول ‪11‬‬ ‫القليل من الحظ‪ ،‬وهذا قد يجعلك تتساءل عن‬
‫وبمع� أدق‪ ،‬خصائص شخصيته‬ ‫ف‬ ‫بنيته الفكرية‪-‬‬ ‫سبب تصديقها‪ .‬السؤال “لماذا يعتقد أوليفر أن‬
‫الفكرية‪.‬‬ ‫داخليا؟” هو مجرد نسخة‬ ‫ًّ‬ ‫عمال‬‫سبتم� كان ً‬ ‫ب‬ ‫‪11‬‬
‫عادةً‪ ،‬عندما يحاول الفالسفة ش�ح لماذا يعتقد‬ ‫أ‬
‫من سؤال أك� عمومية يطرحه المتشكك ال يم� يك‬ ‫ش‬
‫شخص ما أشياء (غريبة أو يغ� ذلك)‪ ،‬فإنهم‬ ‫ش�مر”‪ :‬لماذا يصدق الناس أشياء غريبة؟‬ ‫“مايكل ي‬
‫بدل من سماته‬ ‫يركّزون عل أسباب ذلك الشخص ً‬ ‫ش‬
‫العتقاد الغرب‪ ،‬أنه كلما كان العتقاد أك� غرابة‬ ‫أ‬
‫فإن طريقة‬ ‫الشخصية‪ .‬من وجهة النظر هذه‪َّ ،‬‬ ‫كلما كان هناك شخص ما يصدقه‪ .‬نسأل لماذا‬
‫يعتقد الناس أن أ‬
‫سبتم� كانت‬ ‫ب‬ ‫أن ‪11‬‬ ‫ش�ح لماذا يعتقد “أوليفر” َّ‬ ‫الشياء الغريبة ل تشبه السؤال‬ ‫َّ‬
‫داخليا هي لتحديد أسبابه لتصديق ذلك‪،‬‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬
‫عمال‬ ‫عن سبب اعتقادهم بأنها تمطر بينما هم ينظرون‬
‫ليخ�ه عن‬ ‫ف‬ ‫من النافذة ويرون المطر ينهمر‪ .‬من الواضح لماذا‬
‫والشخص الذي هو ي� أفضل وضع ب‬
‫أسبابه هو “أوليفر” نفسه‪ .‬عندما شت�ح إيمان‬ ‫يعتقد الناس أنها تمطر عندما يكون لديهم أدلة‬
‫“تفس�ا‬
‫يً‬ ‫“أوليفر” بإعطاء أسبابه‪ ،‬فأنت تعطي‬ ‫مقنعة‪ ،‬ولكن من يغ� الواضح لماذا يعتقد أوليفر‬
‫منطقيا” إليمانه‪.‬‬
‫ً‬ ‫داخليا عندما‬ ‫ًّ‬ ‫سبتم� كانت ً‬
‫عمال‬ ‫ب‬ ‫أن أحداث ‪11‬‬
‫التفس�ات يأخذك‬ ‫أن ترشيد‬ ‫ف‬ ‫يكون لديه إمكانية الوصول إىل أدلة دامغة عل أنها‬
‫ي‬ ‫المشكلة ي� هذا هو َّ‬
‫إىل حيث أنت فقط‪ .‬إذا سألت “أوليفر” لماذا يعتقد‬ ‫داخليا‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫لم تكن ً‬
‫عمال‬
‫داخليا‪ ،‬فسيكون من‬ ‫ًّ‬ ‫سبتم� كان ً‬
‫عمال‬ ‫ب‬ ‫أن ‪11‬‬ ‫َّ‬ ‫مث�ا للجدل‪ ،‬عل الرغم من‬ ‫أمرا ي ً‬ ‫أريد أن أناقش ً‬
‫ويرص‬ ‫دواعي �ورنا‪ ،‬بالطبع‪ ،‬أن نعطيك أسبابه‪،‬‬ ‫ادعا� هو‪:‬‬ ‫أ‬ ‫أيضا بديهي ومنطقي‪.‬‬ ‫اعتقادي بأنه ً‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫تأث�ات‬ ‫أ‬ ‫عليها‪“ :‬يجب أن تكون ً‬ ‫أ‬
‫يؤمن “أوليفر” بما يفعله ل َّن هذا هو نوع المفكر‬
‫داخليا‪ ،‬ل َّن ي‬
‫ًّ‬ ‫عمال‬
‫أ‬
‫الطائرات ل يمكن لها إسقاط البراج”‪ .‬إنه مخطئ‬ ‫أك�‪ ،‬أل َّن هناك خطأ‬ ‫الذي هو عليه أو‪ ،‬برصاحة ش‬
‫أي حال هذه هي قصته وهو‬ ‫ي� ذلك‪ ،‬لكن عل ّ‬
‫ف‬ ‫تفك�ه‪ .‬المشكلة ف ي� نظرية المؤامرة‬ ‫ما ي� طريقة ي‬
‫ف‬
‫مل�م بها‪ .‬ما فعله‪ ،‬ف ي� الواقع‪ ،‬هو ش�ح واحد من‬ ‫تف‬ ‫ال يم� يك “كاس‬ ‫القانو� أ‬‫ف‬ ‫ليست‪ ،‬كما يقول الباحث‬
‫ي‬
‫معتقداته المشكوك فيها بالرجوع إىل اعتقاد آخر‬ ‫أن لديهم القليل من المعلومات ذات‬ ‫سنشتاين”‪َّ ،‬‬
‫يخ�نا‬ ‫أ‬ ‫مشكوك فيه ش‬ ‫أ‬
‫الصلة‪ .‬المفتاح إىل ما ينتهي بهم المر لالعتقاد‬
‫أك� من سابقه‪ .‬لالسف‪ ،‬هذا ل ب‬
‫ترجمات‬
‫‪118‬‬

‫سبتم� ألنه ساذج‪.‬‬ ‫ب‬ ‫هجمات ‪11‬‬ ‫عن سبب تب ّنيه أل ّي من هذه المعتقدات‪ .‬هناك‬
‫ال� ل‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫شعور واضح بأنَّنا ما نزال نجهل ما يحدث معه‪.‬‬
‫إنه ي� طبيعة العديد من السمات الفكرية ي‬
‫وبالتاىل ل تدرك المدى الحقيقي‬ ‫تدرك أنك تملكها‪،‬‬ ‫قليال‪:‬‬ ‫والن‪ ،‬دعونا نجعل قصة “أوليفر” متألقة ً‬ ‫آ‬
‫ي‬
‫السذَّ ج‬ ‫الكث� من نظريات المؤامرة‬ ‫أن ي‬ ‫فلنف�ض أنه يعتقد َّ‬ ‫ت‬
‫ونادرا ما يعتقد ُ‬ ‫ً‬ ‫تفك�ك به‪.‬‬ ‫الذي يتأثر ي‬
‫أنهم ُسذَّ ج‪ ،‬ول يعتقد أصحاب العقلية المغلقة‬ ‫سبتم�‪ .‬ويعتقد‬ ‫الخرى تختلف عن نظريات ‪11‬‬ ‫أ‬
‫ب‬
‫المل الوحيد ف ي� التغلب عل‬ ‫أنهم منغلقون‪ .‬أ‬ ‫مزورة‪،‬‬ ‫أن عمليات الهبوط عل سطح القمر كانت َّ‬ ‫َّ‬
‫الجهل ت ف‬ ‫أم�ة ويلز‪ ،‬قُتلت عل يد جهاز ‪،MI6‬‬
‫بأن‬
‫الذا� ي� مثل هذه الحالت هو القبول َّ‬ ‫ي‬ ‫وأن “ديانا”‪ ،‬ي‬ ‫َّ‬
‫ف‬
‫الشخاص الخرون ‪-‬زمالؤك ي� العمل‪ ،‬وزوجك‪/‬‬ ‫آ‬ ‫أ‬ ‫وأن يف�وس “إيبول” هو أحد السلحة البيولوجية‬ ‫أ‬
‫َّ‬
‫زوجتك‪ ،‬وأصدقاؤك‪ -‬ربما يعرفون شخصيتك‬ ‫جيدا يقولون إنه‬ ‫الم�بة‪ .‬أولئك الذين يعرفونه ً‬ ‫َّ‬
‫ح�‬ ‫الفكرية بشكل أفضل من شخصيتك‪ .‬لكن ت‬ ‫يمكن خداعه بسهولة‪ ،‬ولديك أدلة مستقلة عل‬
‫بالرصورة‪ .‬ف ي� النهاية‪ ،‬قد يكون‬ ‫ذلك لن يساعد ف‬ ‫تفك�ه‪ ،‬ولديه فهم ضئيل للفرق‬ ‫ف‬
‫مبال ي� ي‬‫أنه يغ� ٍ‬
‫الخرون عنك هو أحد‬ ‫رفض الستماع إىل ما يقوله آ‬ ‫الدلة الحقيقية والتكهنات يغ� المثبتة‪ .‬فجأة‬ ‫ب� أ‬ ‫يف‬
‫صفاتك الشخصية الفكرية‪ .‬بعض العيوب يغ�‬ ‫ك� قد‬ ‫ال� ي ف‬ ‫سيبدو كل شسء منطقيا‪ ،‬لكن فقط أل َّن ت‬
‫ًّ‬ ‫ي‬
‫قابلة للشفاء‪.‬‬ ‫شخصيته‪ .‬يمكنك‬ ‫ّ‬ ‫تحول من أسباب “أوليفر” إىل‬ ‫َّ‬
‫السذاجة والالمبالة والعقلية المنغلقة هي‬ ‫سبتم� ي� سياق‬ ‫ف‬ ‫الن رؤية آرائه حول أحداث ‪11‬‬ ‫آ‬
‫ب‬
‫ال يم�كية “ليندا‬‫أمثلة عل ما أسمته الفيلسوفة أ‬ ‫إمكانية‬ ‫سلوكه الفكري بشكل عام‪ ،‬وهذا يفتح‬
‫ّ‬
‫اجزبيسك” ف ي� كتابها “فضائل العقل” (‪،)1996‬‬ ‫ي‬ ‫ز‬ ‫أك� من الذي‬ ‫تفس� مختلف وأعمق لمعتقده ش‬ ‫ي‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫“الرذائل الفكرية”‪ .‬وتشمل المثلة الخرى عل‬ ‫داخليا‪.‬‬ ‫سبتم� كان ً‬
‫عمال‬ ‫يقدمه‪ :‬فهو يعتقد أن ‪11‬‬
‫ًّ‬ ‫ب‬
‫الهمال والكسل والستعالء والنسداد الفكري‬ ‫إ‬ ‫ألنه ساذج بطريقة معينة‪ .‬لديه ما يسميه علماء‬
‫والتعصب وعدم الدقة وعدم مراعاة التفاصيل‪.‬‬ ‫النفس الجتماعي “عقلية المؤامرة”‪.‬‬
‫تفس�ا‬ ‫ت‬
‫سمات الشخصية الفكرية هي عادات أو أساليب‬ ‫تفس� الشخصية المق�ح ليس ي ً‬ ‫أن ي‬ ‫لحظ َّ‬
‫تفك�‪ .‬لوصف “أوليفر” بأنه ساذج أو يغ� مبال‬ ‫ي‬ ‫سببا لالعتقاد‬ ‫عد السذاجة ً‬ ‫منطقيا‪ .‬ففي النهاية ل تُ ُّ‬ ‫ًّ‬
‫سء‪ ،‬عل الرغم من أنها قد تكون السبب‬ ‫ّ ش‬
‫هو أن يقول شي ًئا عن أسلوبه الفكري أو عقله‪-‬‬ ‫بأي ي‬
‫سبتم� كانت‬ ‫أن أحداث ‪11‬‬ ‫ف‬
‫عل سبيل المثال‪ ،‬حول كيفية محاولته اكتشاف‬ ‫ب‬ ‫أن “أوليفر” يعتقد َّ‬ ‫ي� َّ‬
‫سبتم�‪ .‬سمات‬ ‫ب‬ ‫أشياء عن أحداث مثل أحداث ‪11‬‬ ‫أن “أوليفر” ربما‬ ‫داخليا‪ .‬وعل الرغم من َّ‬ ‫ً‬ ‫عمال‬ ‫ً‬
‫ال� تساعد عل التحقيق‬ ‫ت‬ ‫أن أحداث الحادي‬ ‫يتوقع أن يعرف أسباب اعتقاده َّ‬
‫الشخصية الفكرية ي‬
‫ح�‬ ‫الفعال والمسؤول هي فضائل فكرية‪ ،‬ف� ي ف‬ ‫داخليا‪ ،‬فإنه‬ ‫ًّ‬ ‫(سبتم�) كانت ً‬
‫عمال‬ ‫ب‬ ‫ع� من أيلول‬ ‫ش‬
‫ي‬
‫أن الرذائل الفكرية هي سمات الشخصية الفكرية‬ ‫َّ‬ ‫آخر شخص يدرك أنه يؤمن بما يعتقده بشأن‬
‫ترجمات‬
‫‪119‬‬

‫إن‬‫ال� تعيق التحقيق الفعال والمسؤول‪َّ .‬‬ ‫ت‬


‫ي‬
‫ب� الفضائل‬ ‫التواضع والحذر والنتباه هي من ي ف‬
‫ال� يفتقر إليها “أوليفر” بوضوح‪ ،‬وهذا‬ ‫ت‬
‫الفكرية ي‬
‫أن محاولته للوصول إىل حقيقة‬ ‫ف‬
‫هو السبب ي� َّ‬
‫‪ 9/11‬خاطئة للغاية‪.‬‬
‫خياىل‪ ،‬ولكن ليس من الصعب العثور‬ ‫“أوليفر” ي‬
‫ف‬
‫عل أمثلة واقعية من الرذائل الفكرية ي� السلوك‪.‬‬
‫فكر ف ي� قضية “مهاجم المالبس الداخلية” عمر‬
‫تفج� رحلة‬ ‫الفاروق عبدالمطلب‪ ،‬الذي حاول ي‬
‫دي�ويت ف ي� العام ‪ .2009‬ولد‬ ‫أمس�دام إىل ت‬ ‫من ت‬
‫ثري�‬ ‫بنيج�يا‪ ،‬ألبوين ي ف‬ ‫ي‬ ‫عبدالمطلب ف ي� لغوس‬
‫وتخرج ف ي� كلية لندن الجامعية بدرجة ف ي�‬ ‫ومثقف�‪َّ ،‬‬
‫يف‬
‫الهندسة الميكانيكية‪ .‬نزع نحو التطرف من خالل‬
‫لالسالمي أنور‬ ‫ال تن�نت إ‬ ‫استماعه إىل الخطابات عل إ‬
‫العولقي الذي قُتل ف ي� وقت لحق برصبة بطائرة‬
‫ف‬
‫أن‬ ‫أم�كية دون طيار‪ .‬من الصعب أل نرى حقيقة َّ‬ ‫ي‬
‫عبدالمطلب قد اس ُتلب بخطب العولقي‪ ،‬عل‬
‫أي حال‪ ،‬ليس‬ ‫ت‬ ‫أ‬
‫ح� لو كانت لها تبعات ضارة‪ .‬عل ّ‬ ‫القل جز ًّئيا‪ ،‬بسبب انعكاس شخصيته الفكرية‪.‬‬
‫تفس�ات الشخصيات يجب أن‬ ‫ي‬ ‫أن‬
‫من الواضح َّ‬ ‫إذا كان لعبدالمطلب شخصية فكرية ل يخدعها‬
‫لنف�ض‬ ‫آ‬
‫تسامحا مع نواقص الخرين‪ .‬ت‬ ‫تجعلنا أقل‬
‫ً‬ ‫العولقي‪ ،‬لربما لم يكن قد انتهى به المطاف‬
‫أن “أوليفر” ل يمكنه إل أن يكون الشخص الذي‬ ‫َّ‬ ‫طلىس والمتفجرات ف ي�‬ ‫أ‬
‫ف‬ ‫بطائرة فوق المحيط ال ي‬
‫يتوجب أن يجعلنا‬ ‫يسقط ي� نظريات المؤامرة‪ .‬أل َّ‬ ‫الداخل‪.‬‬
‫ي‬ ‫�واله‬
‫تسامحا‬
‫ً‬ ‫بدل من أن نكون أقل‬ ‫تسامحا معه‪ً ،‬‬
‫ً‬ ‫ش‬
‫أك�‬ ‫تفس�ات الطابع الفكري للمعتقدات المشكوك‬ ‫ي‬
‫معه ومع معتقداته الغريبة؟‬ ‫يتصور المرء‪ .‬فعل‬ ‫َّ‬ ‫مما قد‬‫فيها أك� إثارة للجدل ّ‬ ‫ش‬
‫التفس�ات المستندة‬ ‫ي‬ ‫اع�اض مختلف عل‬ ‫هناك ت‬ ‫تفس� سلوك الناس ي أ‬
‫الس�‬ ‫إن ي‬ ‫سبيل المثال‪ ،‬قيل َّ‬
‫أن الناس‬
‫صحيحا َّ‬
‫ً‬ ‫إىل الشخصية‪ ،‬وهو أنه ليس‬ ‫بالشارة إىل شخصيتهم‬ ‫أو المعتقدات الغريبة إ‬
‫أ‬
‫لديهم معتقدات مشكوك فيها لنهم أغبياء‬ ‫يجعلنا ش‬
‫تعص ًبا منهم وأقل تعاطفًا معهم‪.‬‬ ‫أك� ُّ‬
‫ساذج�‪ .‬ف ي� كتاب “كيف نعرف ما هو يغ�‬ ‫يف‬ ‫أو‬ ‫التفس�ات صحيحة‬ ‫ي‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬قد تظل مثل هذه‬
‫ترجمات‬
‫‪120‬‬

‫متح�ا‪ .‬ف ي� مثل هذه الحالت‪،‬‬ ‫أ‬


‫لنه كان منغلقًا أو ي ِّ ف ً‬ ‫ذلك؟” (‪ ،)1991‬يجادل عالم النفس الجتماعي‬
‫ف‬ ‫بأن العديد من هذه‬ ‫أ‬
‫أن‬‫كما هي الحال مع “أوليفر”‪ ،‬ل يمكن الوثوق ي� َّ‬ ‫ال يم� يك “توماس جيلوفيتش” َّ‬
‫سمات الشخصية ل تؤدي ً‬ ‫وال�‬ ‫ت‬
‫مهما‪ .‬ر ّد‬‫توضيحيا ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫عمال‬ ‫معرفية بحتة”‪ ،‬ي‬ ‫ّ‬ ‫المعتقدات لديها “أصول‬
‫تماما‬ ‫أ‬ ‫ف‬
‫يع� من خاللها أنها ناجمة عن عيوب ي� قدراتنا‬ ‫ف‬
‫فعل المدرب القل انغالقًا ربما كان سيختلف ً‬ ‫ي‬
‫أن “اليد الساخنة” يغ� موجودة‪.‬‬ ‫تجاه دليل عل َّ‬ ‫عل معالجة المعلومات واستخالص النتائج‪ .‬ومع‬
‫المعر�‬ ‫ف‬ ‫التفس�‬ ‫يقدمه عن‬
‫الشارة إىل‬ ‫تفس� رفض المدرب دون إ‬ ‫هل يمكننا ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫فإن المثال الذي ِّ‬ ‫ذلك‪َّ ،‬‬
‫شخصيته بشكل عام؟ “القائمون عل الوضع”‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تفس�ات الشخصيات‪ .‬مثاله هو “اليد‬ ‫يعيدنا إىل ي‬
‫ش‬
‫إن سلوكنا يتم �حه‬ ‫كما يطلقون عليهم‪ ،‬يقولون َّ‬ ‫الساخنة” ف ي� كرة السلة‪ .‬الفكرة هي أنه عندما يقوم‬
‫الظرفية منه من‬ ‫ّ‬ ‫بشكل أفضل من خالل العوامل‬ ‫المرجح أن‬ ‫َّ‬ ‫رميت�‪ ،‬فإنه من‬ ‫الالعب بتسجيل ي ف‬
‫المف�ضة‪ .‬يرى بعضهم هذا‬ ‫سماتنا الشخصية ت‬ ‫يسجل رميات أخرى‪ .‬النجاح يو ِّلد النجاح‪.‬‬
‫كسبب وجيه للشك ف ي� وجود الشخصية‪ .‬ف ي� إحدى‬ ‫مفص ًال‬ ‫إحصائيا َّ‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬
‫تحليال‬ ‫استخدم “جيلوفيتش”‬
‫التجارب‪ُ ،‬طلب من الطلبة ف ي� مدرسة لهوتية‬ ‫فالداء �ف‬ ‫لثبات أن اليد الساخنة غ� موجودة‪ -‬أ‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫إ‬
‫محارصة ف ي� مكان ما ف ي� الحرم الجامعي‪.‬‬ ‫ف‬ ‫معينة مستقل عن الداء عل رميات سابقة‪.‬‬ ‫أ‬
‫إلقاء‬ ‫رمية َّ‬
‫و ُطلب من مجموعة واحدة أن تتحدث عن الرمزية‬ ‫مدر� كرة السلة‬ ‫السؤال هو‪ ،‬لماذا العديد من ب ي‬
‫الخاصة بـ”السامري الصالح”‪ ،‬بينما أعطي الباقون‬ ‫أي‬
‫والمشجع� يؤمنون بذلك عل ّ‬ ‫يف‬ ‫يف‬
‫والالعب�‬
‫أن‬ ‫ف‬
‫الكث� من‬ ‫إن لديهم ي‬ ‫موضو ًعا مختلفًا‪ .‬وقيل لهم َّ‬ ‫المعر� لـ”جيلوفيتش” هو َّ‬ ‫ي‬ ‫التفس�‬
‫ي‬ ‫حال؟‬
‫ح� قيل‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫الوقت للوصول إىل مكان المحارصة‪ � ،‬ي ف‬ ‫العتقاد بـ”اليد الساخنة” يرجع إىل حدسنا الخاطئ‬
‫ي‬
‫مر جميع‬ ‫ف‬ ‫آ‬ ‫حول متواليات الصدفة؛ كجنس شب�ي‪ ،‬نحن‬
‫ال�اع‪ .‬ي� طريقهم إىل المكان‪َّ ،‬‬ ‫لالخرين إ‬
‫الطلبة بشخص (مم ِّثل) عل ما يبدو ف ي� حاجة إىل‬ ‫التعرف عل الشكل الحقيقي للمتواليات‬ ‫ف‬
‫سيئون ي� ُّ‬ ‫ِّ‬
‫المتغ� الوحيد الذي‬ ‫ي ِّ‬ ‫المساعدة‪ .‬ف ي� هذه الحالة‪،‬‬ ‫العشوائية‪.‬‬
‫أ ّدى إىل اختالف ما إذا توقَّفوا للمساعدة هو مقدار‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬عندما أرسل “جيلوفيتش” نتائجه إىل‬
‫ت‬ ‫فإن ما حدث بعد‬ ‫مدر� كرة السلة‪َّ ،‬‬
‫ال� كانوا عليها؛ كان الطالب الذين اعتقدوا‬ ‫العجلة ي‬ ‫مجموعة من ب ي‬
‫أك�‬ ‫أنهم متأخرون أقل رغبة بالتوقُّف والمساعدة ش‬ ‫ذلك كان كاشفًا للغاية‪ .‬ر َّد أحدهم‪“َ :‬من هو هذا‬
‫أن لديهم وق ًتا‪ .‬ووفقا‬ ‫من أولئك الذين اعتقدوا َّ‬ ‫مهتم”‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الرجل؟ إذن فهو أجرى دراسة‪ .‬أنا يغ�‬
‫غيل�ت هارمان”‪،‬‬ ‫“ه�برت ب‬ ‫لفيلسوف برينستون ي‬ ‫هذا يبدو وكأنه صورة مثالية عن الرذائل الفكرية‬
‫أبر َز ر ُّد الفعل الطائش مجموعةً من‬ ‫ف‬
‫فإن الدرس المستفاد من مثل هذه التجارب هو‬ ‫َّ‬ ‫ي� العملية‪َ .‬‬
‫“أننا بحاجة إىل إقناع الناس بالنظر إىل العوامل‬ ‫والتح�‪ .‬من‬ ‫ي ُّ ف‬ ‫الرذائل‪ ،‬بما ف ي� ذلك العقلية المغلقة‬
‫الظرفية وإىل التوقف عن محاولة ش�ح أ‬ ‫يترصف كذلك‬
‫الشياء من‬ ‫ّ‬ ‫أن المدرب كان َّ‬ ‫الصعب أل نستنتج َّ‬
‫ترجمات‬
‫‪121‬‬

‫أن “أوليفر” يتأثر بسهولة بأصدقائه‬ ‫ما‪ .‬حقيقة َّ‬ ‫الشخصية”‪.‬‬


‫ّ‬ ‫حيث سمات‬
‫ب ش‬ ‫ال� كان يفكر بها “هارمان”‬ ‫ت‬
‫أن حياة‬ ‫بىسء عن شخصيته الفكرية‪ .‬حيث َّ‬ ‫تخ�نا ي‬ ‫سمات الشخصية ي‬
‫تفس� معتقداته‪ ،‬ولكن‬ ‫ف‬ ‫الخالقية مثل اللطف والكرم‪ ،‬لكن‬ ‫هي الفضائل أ‬
‫“أوليفر” يمكن أن تساعد ي� ي‬
‫منت�ة عل نطاق‬ ‫ح� لو كانت نظريات المؤامرة ش‬ ‫ت‬ ‫أيضا‬ ‫يع�ضون ً‬ ‫الموقفي� “‪ ”situationists‬ت‬ ‫يف‬ ‫بعض‬
‫واسع‪ ،‬فما نزال ف ي� حاجة إىل فهم سبب تصديق‬ ‫عل فكرة الفضائل والرذائل الفكرية‪ .‬عل سبيل‬
‫بعض الناس ف� منطقته لها‪ ،‬بينما بعضهم آ‬ ‫أن الناس يقدمون‬
‫الخر‬ ‫ي‬ ‫يش�ون إىل دليل عل َّ‬ ‫المثال‪ ،‬ي‬
‫يصدقها‪.‬‬ ‫أداء أفضل ي� مهام حل المشكالت عندما يكونون‬ ‫ف‬
‫ل ِّ‬
‫تساعد الختالفات ي� الشخصية الفكرية عل‬ ‫ف‬ ‫ف ي� مزاج جيد‪ .‬إذا كانت العوامل الظرفية التافهة‬
‫المر بالناس ف ي� الوضع نفسه‬ ‫تفس� لماذا ينتهي أ‬ ‫مثل المزاج أو الجوع أفضل شل�ح سلوكك الفكري‬
‫ي‬
‫التفك�‬
‫ي‬ ‫إىل العتقاد بأشياء مختلفة كهذه‪ .‬من أجل‬ ‫الم�ر‬ ‫وأك� من شخصيتك الفكرية‪ ،‬فما هو ب‬ ‫ش‬
‫بأن السمات الفكرية ذات صلة بالسلوك الفكري‬ ‫َّ‬ ‫لالعتقاد بوجود سمات شخصية فكرية؟ إذا كانت‬
‫أن عوامل‬ ‫ف‬ ‫هذه السمات موجودة‪ ،‬فهل يتوجب أل يف�ها‬
‫يتوجب عليك أن تفكر ي� َّ‬ ‫للشخص‪ ،‬ل َّ‬
‫أخرى‪ ،‬بما ف ي� ذلك العوامل الظرفية‪ ،‬ليست ذات‬ ‫الطالق‪ ،‬ولكن أمثلة مثل‬ ‫السلوك الفكري؟ عل إ‬
‫صلة‪ .‬شت�ح الشخصية الفكرية السلوك الفكري‬ ‫ف‬
‫“أوليفر” ومدير كرة السلة ي� “جيلوفيتش” توحي‬
‫الخرى‪ ،‬بما‬ ‫الشياء أ‬ ‫بالق�ان مع الكث� من أ‬ ‫فقط ت‬ ‫بأن سمات الشخصية الفكرية شت�ح السلوك‬
‫ي‬ ‫َّ‬
‫ت‬ ‫ف‬ ‫كب�ة من الحالت‪.‬‬ ‫ف‬
‫ال� يعالج بها دماغك‬ ‫ي� ذلك وضعك والطريقة ي‬ ‫الفكري للشخص ي� مجموعة ي‬
‫أن الوضعية ستشكل‬ ‫المعلومات‪ .‬من المؤكد َّ‬ ‫ل يصدق الناس أشياء غريبة ألنهم جائعون أو‬
‫إن سمات الشخصية‬ ‫مشكلة لوجهة النظر القائلة َّ‬ ‫إن الناس‬‫إن الرأي القائل َّ‬ ‫س� (أو جيد)‪َّ .‬‬ ‫ف ي� مزاج ي أ‬
‫الظرفية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫بغض النظر عن العوامل‬ ‫تف� سلوكنا ّ‬ ‫ل يمتلكون صفات شخصية مثل السذاجة‪ ،‬أو‬
‫ال� يريد أي‬ ‫ت‬
‫ولكن هذا ليس منظور الشخصية ي‬ ‫إن الناس ل يختلفون ف ي�‬ ‫التح�‪ ،‬أو َّ‬ ‫الهمال‪ ،‬أو ي ف‬ ‫إ‬
‫شخص الدفاع عنها‪.‬‬ ‫التفس�ات ال�ت‬‫ي‬ ‫الشخصية الفكرية‪ ،‬يحرمنا من‬
‫ي‬
‫ف‬ ‫أ‬
‫من الناحية العملية‪ ،‬من أصعب المور ي� التعامل‬ ‫تبدو مقنعة للسلوك الفكري لكل من “أوليفر”‬
‫المرجح‬ ‫مع أشخاص مثل “أوليفر” هو أنهم من َّ‬ ‫ومدرب كرة السلة‪.‬‬
‫ت‬ ‫ف‬
‫أن “أوليفر” يعيش ي� منطقة‬ ‫نف�ض أنه ي َّ ف‬ ‫ت‬
‫ال�‬
‫كث�ا أن ي َّتهموك بالرذائل الفكرية نفسها ي‬ ‫يً‬ ‫تب� َّ‬
‫إن “أوليفر” ساذج إليمانه‬ ‫تكتشفها فيهم‪ .‬ستقول َّ‬ ‫تأث�‬‫تنت� فيها نظريات المؤامرة أو أنه تحت ي‬ ‫ش‬
‫سيعت�ك‬ ‫أيضا‪،‬‬ ‫الصدقاء الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة‪ .‬ألن تكون‬ ‫أ‬
‫ب‬ ‫سبتم�‪ .‬هو ً‬ ‫ب‬ ‫بنظرية مؤامرة ‪11‬‬
‫ع�‬ ‫ساذجا إليمانك باستنتاجات لجنة الحادي ش‬ ‫ً‬ ‫ظرفية وقابلة للتطبيق بشكل كامل‬ ‫تفس�ات ّ‬ ‫هذه ي‬
‫سبتم�‪ .‬أنت تقول إنه يرفض التقرير الرسمي‬ ‫ب‬ ‫من‬ ‫سبتم�؟ فقط إىل حد‬‫ب‬ ‫لمعتقداته حول أحداث ‪11‬‬
‫ترجمات‬
‫‪122‬‬

‫بمجرد أن تتخ ّ‬ ‫بأن‬ ‫أ‬ ‫ألحداث ‪11‬‬


‫أن “أوليفر” قد تمكَّن‬ ‫طى فكرة َّ‬ ‫َّ‬ ‫سبتم� لنه منغلق‪ .‬وهو يتهمك َّ‬ ‫ب‬
‫بطريقة أو بأخرى من قلب الطاولة عليك‪ّ ،‬‬
‫تظل‬ ‫عقلية منغلقة لرفض ْأخذ نظريات المؤامرة عل‬
‫هناك مشكلة ما يجب فعله حيال أشخاص مثله‪.‬‬ ‫غالبا ما نكون عميانًا عن رذائلنا‬ ‫محمل الجد‪ .‬إذا ك ّنا ً‬
‫فإن ذهنه من المحتمل سوف‬ ‫إذا كان مغلقًا بحق َّ‬ ‫الفكرية‪ ،‬فمن نحن إذن لنتهم “أوليفر” بأنه فاشل‬
‫يتأ� فقط من‬ ‫أن اعتقاده بنظرية المؤامرة ت‬ ‫ف‬
‫ينغلق عل فكرة أنه عقل منغلق‪ .‬النغالق الفكري‬ ‫ي� إدراك َّ‬
‫ال� يمكن‬ ‫ت‬ ‫سذاجته؟‬
‫هو أحد أصعب العقليات الفكرية ي‬
‫التعامل معها ألنه من طبيعتها أنها تكون مختفية‬ ‫م�وعة‪ ،‬ولكن من المهم أل‬ ‫هذه كلها أسئلة ش‬
‫قمت بطريقة‬ ‫عن أولئك الذين يمتلكونها‪ .‬ت‬
‫وح� لو َ‬ ‫تشعر بالنزعاج الشديد بسبب هذه المحاولة‬
‫ما إل ْطالع (جميع أوليفرات هذا العالم) عل‬ ‫محصن من‬ ‫لقلب الطاولة عليك‪ .‬صحيح‪ ،‬ل أحد َّ‬
‫بالرصورة إىل‬ ‫الرذائل الخاصة بهم‪ ،‬فلن يؤدي ذلك ف‬ ‫الجهل بالذات‪ .‬هذا ل يعفي “أوليفر”‪ .‬والحقيقة‬
‫المور أفضل‪ .‬يتط ّلب التعامل مع الرذائل‬ ‫جعل أ‬ ‫أن هناك‬ ‫أن نظريته ليست جيدة‪ ،‬ف� ي ف‬
‫ح� َّ‬ ‫ي‬ ‫هي َّ‬
‫مجرد معرفة الذات‪ .‬أنت ً‬
‫أيضا‬ ‫ش‬ ‫تأث� الطائرات أسقط‬ ‫بأن ي‬ ‫أسبابًا عديدة لالعتقاد َّ‬
‫الفكرية أك� من َّ‬
‫ومحفزا للقيام‬ ‫دافعا‬ ‫التوأم�‪ .‬فقط لنك تصدق التقرير‬ ‫أ‬ ‫يف‬ ‫ج�‬ ‫ال� ي ف‬
‫ً‬ ‫بحاجة إىل أن أن تمتلك ً‬ ‫ب‬
‫ش‬ ‫ش‬ ‫ساذجا‬ ‫ف‬
‫سء لها‪.‬‬‫قادرا عل فعل ي‬ ‫بىسء حيالها‪ ،‬وأن تكون ً‬ ‫ي‬ ‫سبتم� ل يجعلك ً‬ ‫ب‬ ‫الرسمي لما حدث ي� ‪11‬‬
‫أن يُدان “أوليفر” لضعفه؟ يحب‬ ‫هل يجب ْ‬ ‫إذا كانت هناك أسباب وجيهة لتصديق التقرير‪.‬‬
‫فإن التشكيك ف ي� مزاعم نظرية مؤامرة‬ ‫وبالمثل‪َّ ،‬‬
‫سبتم�‪ /‬أيلول ل يجعلك منغلقًا‬ ‫ب‬ ‫ع� من‬ ‫الحادي ش‬
‫التفك� إذا كانت هناك أسباب وجيهة للتشكيك‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ف ي�‬
‫ال� ل يمتلك‬ ‫ت‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫“أوليفر” ساذج لنه يؤمن بالشياء ي‬
‫أدلة جيدة عليها‪ ،‬وهو منغلق بسبب رفضه‬
‫ال� توجد أدلة ممتازة عليها‪ .‬من المهم‬ ‫ت‬
‫لالدعاءات ي‬
‫عد ً‬
‫دليال‬ ‫ف‬
‫بأن ما يُ ُّ‬‫عدم الوقوع ي� فخ العتقاد َّ‬
‫إن “أوليفر” يفتقر إىل‬ ‫ذاتية‪ .‬القول َّ‬ ‫جيدا هو مسألة ّ‬ ‫ً‬
‫دليل جيد هو لفت النتباه إىل غياب شاهد عيان‬
‫أو دعم ش�عي لنظريته حول ‪ ،11/9‬وإىل حقيقة‬
‫الخ�اء قد دحضوا فكرته‪ .‬قد ل يقبل “أوليفر”‬ ‫أن ب‬ ‫َّ‬
‫أيًّا من هذا كله‪ ،‬لكن مرة أخرى‪ ،‬هذا هو انعكاس‬
‫لشخصيته الفكرية‪.‬‬
‫ترجمات‬
‫‪123‬‬

‫المقبولة”‪ .‬التحدي هو العمل عل كيفية القيام‬ ‫الفالسفة أن يفكروا ف ي� الفضائل عل أنها تمتلك‬
‫بذلك‪.‬‬ ‫دوافع جيدة‪ ،‬وبالرذائل عل أنها ذات دوافع‬
‫تغي�‬
‫بعيدا ول يستطيع ي‬ ‫أن “أوليفر” ذهب ً‬ ‫ماذا لو َّ‬ ‫بالرصورة سيئة‪.‬‬ ‫سيئة‪ ،‬لكن دوافع “أوليفر” ليست ف‬
‫ح� لو أراد ذلك؟ مثل العادات السيئة‬ ‫طرقه ت‬ ‫قد يكون لديه الدافع نفسه للمعرفة مثل الشخص‬
‫الخرى‪ ،‬يمكن أن تكون العادات الفكرية السيئة‬ ‫أ‬ ‫ضل‬ ‫الفاضل من الناحية الفكرية‪ ،‬ومع ذلك فقد َّ‬
‫ف‬ ‫ال�‬ ‫ت‬
‫يع� العيش مع‬ ‫للتغي�‪ .‬هذا ي‬ ‫ي‬ ‫متجذرة ومقاومة‬ ‫وعقلية المؤامرة ي‬ ‫ّ‬ ‫عن الطريق بواسطة سذاجته‬
‫أ‬
‫التفك� المنطقي مع الشخاص‬ ‫عواقبها‪ .‬محاولت‬ ‫يمتلكها‪ .‬لذلك‪ ،‬ف ي� ما يتعلق بدوافعه ومسؤوليته‬
‫ي‬
‫العقائدي� أو مغلقي العقول من‬ ‫يف‬ ‫يف‬
‫المتعصب� أو‬ ‫ملوثًا‬ ‫عن رذائله الفكرية‪ ،‬قد ل يكون “أوليفر” َّ‬
‫إن العالج الوحيد ف ي� مثل‬ ‫يغ� المحتمل أن تكون‪َّ .‬‬ ‫بىسء‬ ‫ش‬
‫يع� أنه ل يتوجب القيام ي‬
‫ف‬
‫تماما‪ .‬هذا ل ي‬ ‫ً‬
‫ف‬
‫هذه الحالت هو محاولة تخفيف الرصر الذي‬ ‫تجاهه أو تجاهها‪ .‬إذا ك ّنا نهتم بالحقيقة فعلينا أن‬
‫تلحقه رذائلهم بأنفسهم آ‬
‫وبالخرين‪.‬‬ ‫ب�ويد الناس بالوسائل الفكرية للوصول إىل‬ ‫نهتم ت ف‬
‫الثناء‪ ،‬يجب عل أولئك الذين لديهم‬ ‫ف� هذه أ‬ ‫الحقيقة وتج ُّنب الباطل‪.‬‬
‫ي‬
‫آ‬ ‫تعت�‬
‫المقدرة عل تقديم المواعظ حول رذائل الخرين‬ ‫التعليم هو أفضل طريقة للقيام بذلك‪ .‬ب‬
‫يتقبلوا أنَّهم‬ ‫آ‬ ‫للتفك� بطرق معينة‪،‬‬ ‫الرذائل الفكرية مجرد نزعات‬
‫الفكرية لالخرين ‪-‬وأنا من ضمنهم‪ -‬أن َّ‬ ‫ي‬
‫الرجح بعيدون عن الكمال‪ .‬ف ي� هذا السياق‪،‬‬ ‫عل أ‬ ‫وال�عات يمكن مواجهتها‪ .‬تتوازن رذائلنا الفكرية‬ ‫فف‬
‫فإن القليل من التواضع‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫مع فضائلنا الفكرية من خالل السمات الفكرية‬
‫كما ي� السياقات الخرى‪َّ ،‬‬
‫الكث�‪ .‬ل يجب أن تدخل ف ي� محاولة “أوليفر”‬ ‫يصنع ي‬ ‫مثل النفتاح والفضول والدقة‪ .‬الشخصية الفكرية‬
‫التفك�‬
‫ي‬ ‫لقلب الطاولة عليك‪ ،‬ومع ذلك يتوجب‬ ‫هي مزيج من الفضائل والرذائل الفكرية‪ ،‬ويجب‬
‫أن الرذائل‬ ‫بأمر مهم‪ :‬ل أحد م ّنا يستطيع أن ينكر َّ‬ ‫أن تشمل أهداف التعليم زراعة الفضائل الفكرية‬
‫تفك�نا‪.‬‬ ‫ف‬ ‫يتحدث الفيلسوف‬ ‫والحد من الرذائل الفكرية‪.‬‬
‫دورا ي� بعض ي‬ ‫الفكرية‪ ،‬عل أنواعها‪ ،‬تلعب ً‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬
‫أن تكون عل قيد الحياة لهذا الحتمال‪ ،‬هو عالمة‬ ‫“جيسون يب�” عن “التعليم من أجل الفضائل‬
‫عل العقل السليم‪.‬‬ ‫الفكرية”‪ ،‬وهذه هي من حيث المبدأ أفضل‬
‫طريقة للتعامل مع أشخاص مثل “أوليفر”‪ .‬تقرير‬
‫‪-- - - - - - - - - - - - - - - -‬‬ ‫‪ 2010‬لمجلس جامعة كلية لندن حول قضية‬
‫*قاسم كسام أستاذ الفلسفة ف� جامعة وارويك �ف‬ ‫عبدالمطلب جاء بنتيجة مماثلة‪ .‬أو� التقرير‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬
‫كل‪ :‬ماذا تعلمنا‬ ‫ت‬ ‫بـ”تطوير التدريب أ‬
‫كوفن�ي‪ .‬أحدث كتبه هي “لغز يب� ي‬ ‫الكاديمي للطالب لتشجيعهم‪،‬‬
‫التجربة؟”‪.)2014( ،‬‬ ‫للتفك�‬ ‫بالدوات الالزمة‪ ،‬ليس فقط‬ ‫وتزويدهم أ‬
‫ي‬
‫‪https://aeon.co‬‬ ‫بشكل نقدي‪ ،‬بل لتحدي وجهات النظر يغ�‬
‫نوافذ ثقاف ّية‬
‫‪124‬‬

‫يتناول الكتاب حياة وأعمال أربعة ي ف‬


‫فنان� تأثر‬ ‫عربية‬
‫ّ‬ ‫ثقافة‬
‫السالمي‪ ،‬وبعضهم بفنون‬ ‫بعضهم بالفن إ‬
‫الفريقي‬ ‫آ‬ ‫أ‬ ‫ش‬ ‫جرس الصورة‪ /‬إيناس ض‬
‫ال�ق القىص‪ ،‬وبعضهم الخر بالفن إ‬ ‫حس�‬
‫ي‬
‫والفن المرصي القديم‪ ،‬فـ”بول غوغان” تأثر‬ ‫تُ ْلقي المؤلفة الضوء ف ي� هذا الكتاب عل التواصل‬
‫ف‬
‫اليابا�‪ ،‬وكذلك‬ ‫بالفن المرصي القديم وبالفن‬ ‫قية‬ ‫ال�ق وأوروبا‪ ،‬وأثر الفنون ش‬‫ب� فنون ش‬‫يف‬
‫ي‬ ‫ال� ّ‬
‫السالمي‪ ،‬و”بيكاسو”‬ ‫“ه�ي ماتيس” تأثر بالفن إ‬ ‫ف‬ ‫عل فنون الغرب منذ ظهور كتاب مقامات‬
‫اريلل”‬ ‫أ‬
‫فريقية‪ ،‬و”فاز ي‬
‫سالمية وال ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫تأثر بالفنون إ‬ ‫تغي�ات‬
‫الحريري‪ ،‬وما أحدثه هذا المخطوط من ي‬
‫السالمي‪.‬‬‫تأثر بالفن إ‬ ‫عل فكر الغرب وفلسفته‪ .‬تقول المؤلفة‪“ :‬وقد‬
‫وإذا كان “بول غوغان” تأثر بالفن المرصي القديم‬ ‫إن هذا الكتاب كان‬
‫ل يكون من المبالغة القول‪َّ ،‬‬
‫ب� الفن والحياة والفكر‬ ‫وجسد وحدة جديدة ي ف‬ ‫الست�اق وانتشار حركته �ف‬
‫ش‬ ‫أول الطريق إىل‬
‫َّ‬ ‫ي‬
‫ف‬
‫فإن “ه�ي ماتيس”‬ ‫والتصور والواقع‪َّ ،‬‬
‫ُّ‬ ‫والنظام‬ ‫الغرب”‪.‬‬
‫نوافذ ثقاف ّية‬
‫‪125‬‬
‫أ‬ ‫السالمي‪ ،‬تل�جمة ما ف ي� داخله‬
‫ساسية عند الفنان المسلم‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫الهندسية ال ّ‬
‫ّ‬ ‫اتَّجه نحو الفن إ‬
‫يف‬
‫والمع� والمضلعات الهندسية‬ ‫الدائرة والمربع‬ ‫عل سطح اللوحة‪.‬‬
‫أ‬ ‫أن فن “بابلو بيكاسو” ورسومه‬
‫النجمية)‪ ،‬وبدأ يعيد صياغتها من خالل‬
‫ّ‬ ‫(الطباق‬ ‫وترى المؤلفة َّ‬
‫وتغي�ها‪.‬‬
‫ي‬ ‫اللو� والتناغم ف ي� المالمس‬
‫ف‬
‫ال�اء ي‬
‫ش‬ ‫ولوحاته‪ ،‬وأعماله كلها‪ ،‬تأثرت ش‬
‫بال�ق‪ .‬أما “فيكتور‬
‫السالمي بكل ثقله‪،‬‬ ‫اريلل” فاتجه إىل الفن إ‬
‫فاز ي‬
‫االستطيقا الشكل ّية‬ ‫ض‬ ‫من خالل فن الخداع البرصي؛ فاستغل الفن‬
‫داللة الشكل‪ -‬دراسة ي� إ‬
‫وقراءة ض ي� كتاب الفن‪/‬عادل مصطفى‬ ‫الم�بية أ‬
‫“الرابيسك” والفسيفساء‬ ‫السالمي كفن ش ّ‬ ‫إ‬
‫سالمية‪.‬‬
‫ال ّ‬ ‫والنجمة والمفروكة إ‬
‫فنا� القرن ش‬
‫الع�ين‬ ‫ف‬ ‫ش‬
‫من خالل فصول الكتاب يكشف المؤلف عن‬ ‫اريلل” من أك� ي‬ ‫وكان “فاز ي‬
‫ف‬
‫زج‬‫المناخ الذي وضع الفن ي� موضع دفاع‪ ،‬وربما ّ‬ ‫تم�ا بالقدرة عل الحلم‪ ،‬إذ استفاد من تجارب‬ ‫ي فً‬
‫ليمثل للمحاكمة‪ ،‬وهذا‬ ‫الحضارة السالمية واستخدم أبسط أ‬
‫الشكال‬
‫به إىل ساحات القضاء‪ْ ،‬‬ ‫إ‬
‫ف ي� ُعرف المؤ ِّلف مر ّده إىل وجود التباس لفظي‬
‫فقديما ارتبط “النغم” بـ”المجون”‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أساس‪،‬‬
‫ي‬
‫ت‬
‫وارتبط “النحت” بـ”الوثن”‪ ...‬إلخ‪ ،‬ح� صار‬
‫الخر‪.‬‬ ‫اللفظان يقوم أحدهما ف� الذهن مقام آ‬
‫ي‬
‫و� مرئيات المؤلف (الفن ليس حر ًاما وليس‬ ‫ف‬
‫ي‬
‫ال� تطرح للنقاش‪ ،‬ف ي�‬‫أ ت‬
‫جائزا‪ ،‬الفن لزم‪ ،‬والمة ي‬ ‫ً‬
‫م�وعية الفن‬ ‫والع�ين‪ ،‬مسألة ش‬ ‫ش‬ ‫القرن الحادي‬
‫مفهوما‬
‫ً‬ ‫هي أمة ٌمحمومة تهذي)‪ .‬لهذا يطرح‬
‫عميقًا للفن ولماذا هو لزم لكل إنسان ولكل أمة‬
‫ومم يتكون‪ ،‬وإلم يرمي‪،‬‬ ‫(لو علمنا ما هو الفن‪َّ ،‬‬
‫وكيف يتلقى؛ ألدركنا ِمن فورنا لماذا هو رصورة‬
‫ف‬
‫أي‬ ‫ف‬
‫أي عوارض ثانويّة وعن ّ‬ ‫ي� ذاته وبمعزل عن ّ‬
‫عواقب لحقة)‪.‬‬
‫ظل الله عل الخليقة‪ ،‬والنفس‬ ‫الجمال هو ّ‬
‫تعرف ذلك بالسليقة وتقول (الله) بجميع‬
‫اللغات كلما صادفت الجمال‪ ،‬فأمر الجمال‬
‫نسف به أو نبتذله بحديث عن‬ ‫ِج ٌّد ل يصح أن َّ‬
‫نوافذ ثقاف ّية‬
‫‪126‬‬

‫الموضوعية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫العالم وينقلها إىل مجال المعرفة‬
‫ف‬
‫فإن الفن يقوم بدور مماثل‪ ،‬ولكن ي� مجال‬ ‫َّ‬
‫الوجدا� للعالم‪.‬‬ ‫ف‬ ‫المضمون‬
‫ي‬
‫ف‬
‫• جمال الفن وعظمته ينحرصان ي� قدرته عل‬
‫المحلية‬
‫ّ‬ ‫تجاوز جميع الصور الفرديّة والعادات‬
‫وش� أنواع التفاصيل والجزئيات‪.‬‬ ‫ت‬
‫أعم وأبقى‬‫يقية‪ :‬الفن هو ّ‬ ‫يف‬
‫الميتاف� ّ‬ ‫• الفرضية‬
‫جميعا‪ ،‬فما من أداة أخرى‬ ‫ً‬ ‫ف‬
‫الدي�‬ ‫التعب�‬
‫ي‬ ‫صور‬
‫ي‬
‫النسان مثلما أسعفه‬ ‫لنقل النفعال قد أسعفت إ‬
‫الفن‪ ،‬وما من فيض من طرب الروح ّإل هو واجد‬
‫تتوله وتَحدوه‪.‬‬ ‫ف ي� الفن قناة ّ‬
‫والخالق موكلة‬ ‫• الفن موكل بمقولة “الستطيقي” أ‬
‫إ‬
‫“الستطيقي”‬ ‫أن مقولة إ‬ ‫“الخ�”‪ ،‬وبديه َّ‬ ‫ي‬ ‫بمقولة‬
‫وأن الفن يوصف بالجودة أو‬ ‫“الخ�”‪َّ ،‬‬ ‫يغ� مقولة ي‬
‫(الفنية)‪ ،‬ول يصح أن يوصف ش‬
‫بال� أو‬ ‫ّ‬ ‫الرداءة‬
‫ف‬
‫ومن يفعل ذلك يقع ي� خطأ‪.‬‬ ‫ت‬ ‫أ‬
‫خال�)‪َ ،‬‬ ‫الخ� (ال ي‬ ‫ي‬

‫االبداع ض ي� العلم والفن‪ /‬د‪ .‬حسن أحمد عيىس‬ ‫إ‬


‫يطوف هذا الكتاب (من سلسلة عالم المعرفة‬ ‫المجون أو الخالعة أو النحالل‪ ،‬ونقد الفن ل‬
‫فتتبع مفهـوم‬ ‫رقم ‪ )24‬ي� مجالت الفكر والفن‪َّ ،‬‬
‫ف‬ ‫فلنص� عل الفن ف ي� هذه الحقبة‬
‫ب‬ ‫يكون إل بلغته‪،‬‬
‫مـر الـعـصـور انطالقًا من‬ ‫تس�د الروح شي ًئا من عافيتها‬‫الملتبسة‪ ،‬ريثما ت‬
‫البـداع عـلـى ّ‬ ‫إ‬
‫ال� أجاب فيها عن‬ ‫ت‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫المهدرة‪ ،‬وتعود ترى الفن عل وجهه‪.‬‬
‫تأصيالته ي� الفصل الول ي‬
‫والمح�ة ف ي� قضايا‬ ‫كث� من أ‬
‫السئلة الغامضة‬ ‫يتوشح به الكتاب من مقولت‪:‬‬
‫ومما َّ‬
‫يّ‬ ‫ي‬ ‫ّ‬
‫ف‬
‫البداع ي� مختلف مجالته‪ .‬فأجاب ي� الفصل‬ ‫ف‬ ‫• الفن أداة من أدوات الكشف عن الحقيقة‪،‬‬
‫إ‬
‫ت‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ال� يبثها إلينا‬
‫ال� تدور حول دوافع‬ ‫الثا� عن التساؤلت ي‬ ‫ي‬ ‫ووسيلة رمزيّة للمعرفة‪ ،‬والرسالة ي‬
‫المبدع� وتحـركـهـم إلـى‬ ‫ف‬ ‫ال� تحفز‬ ‫ت‬ ‫حسية عابرة أو متعة‬‫الفن أعمق من أن تكون لذة ّ‬
‫ي‬ ‫البداع ي‬ ‫إ‬
‫ت‬ ‫الف� لغة رمزيّة لها ف‬
‫مع�‬ ‫ف‬
‫ال� وضعت‬ ‫البـداعـي‪ ،‬والنظريات ي‬ ‫النـتـاج إ‬ ‫إ‬ ‫جمالية زائلة‪ ،‬فالعمل ي‬
‫ّ‬
‫لتفس� حقيقة هذه الدوافع وطبيعـتـهـا‪ .‬و�ف‬ ‫مضام�ف‬
‫ي‬ ‫أن العلم يكشف لنا بعض‬ ‫ودللة‪ ،‬فكما َّ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫نوافذ ثقاف ّية‬
‫‪127‬‬

‫الذين حاولوا الكشف عن هذه العوامل‪ .‬ومن‬


‫الجابة عن التساؤلت ف ي� الفصول‬ ‫ثم ينتقل من إ‬
‫أ‬
‫الوىل إىل محاولة تطبيق هذا الساس‬ ‫الثالثة أ‬
‫الن�‬‫و� ش‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫لالبداع ي� الشعر ي‬ ‫عل نماذج متنوعة إ‬
‫و� العلم‪ ...‬إلخ‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫التشكيل ي‬‫ي‬ ‫و� الفن‬ ‫ي‬
‫البداع ف ي�‬ ‫ففي الفصل السادس يكشف عن إ‬
‫التشكيلية‪ ،‬ويجيب عن السؤال‬ ‫ّ‬ ‫مجال الفنون‬
‫الخالد‪ :‬كيف يبدع الفنان صور اللوحة ال�ت‬
‫ي‬
‫يرسمها؟ وهل يرسمها جز ًءا جز ًءا أو يكون لديه‬
‫تس�‬ ‫كل كامل لها منذ البداية؟ وكيف ي‬ ‫تصور ّ ي‬
‫البداع ي� هذه الحالة؟ وما دور الصور‬ ‫ف‬
‫عملية إ‬
‫ال� تدور ي� ذهنه أثناء الرسم؟‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫الذهنية البرصيّة ي‬ ‫ّ‬
‫ال� يجيب عنها مـن خـالل‬ ‫ت‬ ‫أ‬
‫وغ�ها من السئلة ي‬ ‫ي‬
‫عـرضـه لـدراسـة قـام بـهـا “رودولف أرنهيم” عن‬
‫لوحة مشهورة (الجورنيكا) أل بك� رسامي العرص‬
‫سجل فيها احتجاجه‬ ‫ال� َّ‬ ‫ت‬
‫الحـديـث “بـيـكـاسـو”‪ ،‬ي‬
‫سبانية‪ ،‬وما اتَّصـفـت بـه‬ ‫أ‬
‫ال ّ‬ ‫هلية إ‬ ‫عل الحرب ال ّ‬
‫مـنـ� فـي المـدن والـقـرى‬ ‫ال ي ف‬ ‫مـن هـول روع آ‬
‫َّ‬
‫الـصـغـيـرة‪ .‬وقد رسمها “بيكاسو” بناء عل طلب‬
‫عية إبان الحرب‬ ‫ال� ّ‬ ‫سبانية ش‬ ‫ال ّ‬ ‫حكومة الجمهوريّة إ‬
‫الهلية لكـي تـعـرض عـلـى جـدار كـامـل فـي‬ ‫أ‬
‫المـعـرض الذي أقامته هذه الحكومـة فـي‬
‫بـاريـس سـنـة ‪ .1937‬ويعرض ف ي� هذا الشأن‬
‫ال� تدور حول الدوافع‬ ‫ت‬
‫لالجابة عن التساؤلت ي‬ ‫إ‬
‫أ‬
‫سبا� الصل‪-‬‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫‪-‬ال ي‬ ‫ال� دفعت هذا الفنان العالمي إ‬ ‫ي‬
‫إىل رسم هذه اللوحة‪ ،‬وذلك مـن خـالل دراسـة‬ ‫عما يـثـار مـن تـسـاؤلت‬‫الفصل الثالث أجاب ّ‬
‫ال� سبقت‬ ‫ت‬ ‫لالبداع والعوامل‬
‫عـن طبيعة الخصائص العقلية إ‬
‫الكث�ة ي‬ ‫ي‬ ‫السـكـتـشـات والصور‬
‫يف‬
‫اللوحة أو واكبتها أو أتت بعدها‪.‬‬ ‫الدارس�‬ ‫تطورت عل يد‬ ‫المكونة له‪ ،‬وكيف َّ‬
‫نوافذ ثقاف ّية‬
‫‪128‬‬

‫طوف ف ي� ممالك أوروبا‬ ‫ت‬


‫توثيق لرحلة ملك ش� ي� َّ‬ ‫عالمية‬
‫ّ‬ ‫ثقافة‬
‫عما كان عليه ف ي� أول‬ ‫عاما ً‬
‫كامال فعاد مختلفًا ّ‬ ‫ً‬
‫ف‬
‫الرحلة‪ ،‬ونقل ما ا َّطلع عليه ي� أوروبا من مظاهر‬ ‫الدين شاه‬ ‫يوم ّيات رحلة إىل أوروبا لنارص ِّ‬
‫النهضة وأسبابها وعواملها إىل مملكته القاجاريّة‪.‬‬ ‫القاجاري‪ /‬ترجمة رشيد أركيلة‬
‫ف‬
‫ومما جاء ف ي� هذه الرحلة‪...“ :‬تو ّقفْنا ف ي� موسكو‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تشكِّل هذه اليوميات عالمة فارقة ي� التاريخ‬
‫هذا اليوم نز ْلنا إىل الطابق السفل َلمب�ف‬ ‫الثقا� إليران‪ ،‬كونها ثمرة رحلة النفتاح عل‬ ‫ف‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ب� ي ف‬
‫عالم�؛ َّ‬
‫ظل‬ ‫الوروبية‪ ،‬وج� ف‬
‫معر� ي ف‬ ‫الثقافة أ‬
‫(الكريملن) ُلمشاهدة المجوهرات وتيجان‬ ‫ي‬ ‫ّ‬
‫القيارصة المعروضة هناك‪ .‬إنه مخدع عجيب‬ ‫ال�ق لالستيقاظ من غفوته ل ّلحاق‬ ‫يسعى فيه ش‬
‫أ‬
‫بقاعة مصطفّة‪ ،‬حيث نشاهد ف ي� الوقت نفسه‪،‬‬ ‫المتطورة‪ ،‬المتسامية بالعلوم والعمران‬‫ِّ‬ ‫بالمم‬
‫السلحة‪ ،‬ودار المجوهرات‪ .‬وضعوا أ‬ ‫دار أ‬ ‫أ‬
‫والنوار‪.‬‬
‫الدوات‬
‫والغراض جميعها خلف الزجاج‪ ،‬وبذوق‬ ‫أ‬ ‫يف‬
‫النهضوي�‬ ‫كث� من‬ ‫وتذكِّر هذه الرحلة برحلة ي‬
‫الهداف والنتائج‪ ،‬فالكتاب‬ ‫العرب من حيث أ‬
‫رهف‪.”...‬‬ ‫ُم َ‬
129

You might also like