Professional Documents
Culture Documents
-الرافد الغربي
ال ميكن اس& & &&تيعاب طبيع& & &&ة التح& & &&والت ال& & &&يت اجت& & &&ابت اخلط& & &&اب النق& & &&دي الع& & &&ريب املعاص& & &&ر باجتاهات & &&ه املختلف & &&ة
وأطروحات&&ه املتع&&ددة وال اإلحاط&&ة ب&&أهم مع&&امل املرحل&&ة النقدي&&ة املعاص&&رة باجنازاهتا وحتدياهتا املعرفي&&ة ،دون الع&&ودة إىل
املؤثر الغريب باعتباره أحد أهم العوامل املؤثرة يف تكوين اخلطاب النقدي العريب ،حيث أن االتصال مع الغ&&رب –أص&&بح
مع الزمن -قانونا داخليا مضمرا يف تطور احلركة األدبية والنقدية العربية ازدهارا وانتكاسا.
والواقع أن املتتبع لسريورة التحوالت اليت شهدها الدرس النقدي الغريب يف العقود األخرية ،يلحظ أن&&ه ع&&رف
طف &&رة نوعي& &&ة يف ظ& &&ل الث& &&ورة املعرفي& &&ة غ& &&ري املس& &&بوقة ال& &&يت ش& &&هدها الق& &&رن العش& &&رون م& &&ع تس& &&ارع وت &&رية التق &&دم العلمي
والتكنول& &&وجي و الص& &&ناعي ،و على وق& &&ع املتغ& &&ريات واملس& &&تجدات املتالحق& &&ة املرتاكب& &&ة ،انبثقت احلاج& &&ة إىل مراجع& &&ة
أساليب التفكري السائدة وجماوزهتا .هكذا شهد الغرب إرهاصات حتول عميق يف بنيته املعرفية ما لبث أن ط&ال من&احي
النقد األديب بوصفه جماال معرفيا حيويا كان وال يزال يف حالة متاس مستمر م&ع العدي&د أن العل&وم اإلنس&انية واالجتماعي&ة
" وكل علم من هذه العلوم يتطور على حنو تصاعدي ،وكل تطور يؤدي إىل تصاعد إيقاع ما يؤدي إليه ،أو يتوصل
إليه من تقدم متواصل ،وذلك يف متتالية متزايدة التسارع الذي يضيف أنواع&ا جدي&دة من العلم ...خصوص&ا حني نض&ع
يف اعتبارنا شبكة العالقات البينية القائمة أو احملتملة اليت تدخل معها النظريات النقدية مع غريه&&ا من العل&&وم يف ش&بكات
معرفية ،تتولد عنها أفكار ومبادئ واصطالحات ال تكف عن التجدد والرتاكم يف آن.
ولقد دشنت النظريات النقدية مرحلة فارقة يف مسارها التارخيي ،وذلك مع التحول الكبري يف النظرة إىل اللغة
على أي&&دي فردينان&&د دي سوس&&ري يف العق&&د األول من ه&&ذا الق&&رن ،مث تواص&&لت م&&ع كش&&وف الش&&كالنيني ال&&روس وأعم&&ال
ميخائي &&ل ب &&اختني املبه &&رة يف العش &&رينيات وإجنازات مدرس &&ة ب &&راغ النقدي &&ة و استقص &&اءات مدرس &&ة كمربي &&دج االجنليزي &&ة
ومدرس&&ة فرانكف&&ورت األملاني&&ة يف الثالثيني&ات ،وكش&&وف لوك&&اتش ومدرس&&ة جي&نيف و مدرس&&ة النق&&د اجلدي&&د األمريكي&ة
يف األربعيني &&ات و جه &&ود غرمياس وب &&ارت وجول &&دمان والب &&نيويني الفرنس &&يني يف اخلمس &&ينات ،وص &&وال إىل استقص &&اءات
التفكيك&يني ومدرس&ة جامع&ة يي&ل األمريكي&ة يف الس&تينيات و حماوالت مابع&د البنيوي&ة من&ذ الس&بعينيات والثمانيني&ات ،وق&د
ش&كلت ه&ذه االجنازات النقدي&ة منعطف&ا مفص&ليا يف التأس&يس ملرحل&ة م&ا بع&د احلداث&ة املمت&دة إىل يومن&ا ه&ذا .وق&د ف&رض
ه&&ذا التع&&دد والتن&&وع اخلالق يف املش&&هد النق&&دي الغ&&ريب والع&&املي من الناق&&د األديب يف الع&&امل الع&&ريب ض&&رورة مراجع&&ة موقف&&ه
وموقعه ومساءلة مسلماته يف مواجهة كل هذه التحديات.
هك&&ذا ،مل يكن بإمك&&ان الدارس&&ني الع&رب املعاص&رين التغاض&ي عن االجنازات احلض&&ارية للغ&رب ،حيث اجته&&د
العدي & &&د من النق & &&اد الع & &&رب –على اختالف مش & &&ارهبم وتوجه & &&اهتم –يف حتقي & &&ق االس & &&تيعاب ال & &&واعي ملختل& &&ف املق& &&والت
واملف &&اهيم واملن &&اهج النقدي &&ة الغربي &&ة ،كم &&ا عمل &&وا على توظي &&ف ه &&ذه املع &&ارف يف إنت &&اجهم النق &&دي وس &&عوا إىل إدخاهلا
وإدماجه&&ا داخ&&ل املنظوم&&ة الفكري&&ة العربي&&ة ،فتع&&ددت مس&&الك البحث وتن&&وعت اإلش&&كاالت املبس&&وطة وب&&رزت مف&&اهيم
مستحدثة مل يكن للعرب هلم هبا عهد قبل ذلك.
لقد أدرك الدارسون الع&رب املعاص&رون أن هن&اك حاج&ة ماس&ة إىل جتاوز النهج التقلي&دي يف النق&&د ،ال&ذي مل
يع&&د بإمكان&&ه مواكب&&ة احلرك&&ة اإلبداعي&&ة بتجارهبا اجلدي&&دة ال&&يت ت&&راهن على االختالف والتم&&ايز ،واألكي&&د أن&&ه أم&&ام التط&&ور
النوعي الذي يشهده اإلنتاج األديب العريب يف العقود األخرية يف أشكال إبداعه وتنوي&ع يف أس&اليب أدائ&ه ،مل يع&د س&ائغا
التمس &&ك مبن &&اهج عتيق &&ة وأجه &&زة نقدي &&ة مس &&تهلكة أظه &&رت التجرب &&ة حمدوديتها وقص &&ورها عن اس &&تنطاق املادة األدبي &&ة
اجلديدة وفك مغاليقها ،وكما يرى الب&&احث حمم&د الناص&ر العجيمي ف&إن النهج التقلي&دي يف النق&&د ق&د اس&تنفذ طاقت&&ه يف
البحث وقدم أقصى م&ا يف وس&عه تقدميه ،و اتض&ح عج&زه عن جتاوز األحك&ام الذوقي&ة االنطباعي&ة ومعاجلة األدب مبا في&ه
القدمي خارج املفاهيم اجلاري&ة ،مف&اهيم الص&دق واحلق واألمان&ة يف تص&وير الواق&ع ونقل&ه ،س&واء تعل&ق األم&ر ب&ذات املب&دع
أو باحلياة االجتماعية العامة.
ك&&ان من الض&&روري& ،إذن ،أن جيدد الناق&&د الع&&ريب طرائق&&ه وأس&&اليبه وأدوات&&ه وعالقت&&ه باإلنت&&اج اإلب&&داعي ،بع&&د أن ت&&بني
م&&ؤخرا أن "عم&&ل الناق&&د م&&اهو إال ح&&وار مفت&&وح م&&ع النص ،و إس&&هام يف تس&&ويغ مجاليات&&ه وف&&ك ش&&يفرته ورم&&وزه &.وه&&و
عمل قد يكون مساويا لعمل املبدع ،أو هابطا عنه ،أو متفوقا عليه على وفق قدرة الناقد وثقافته"&.
يرى الباحث غايل شكري أن هزمية 1967شكلت هناية رؤية شاملة يف الفكر واحلي&&اة ل&&دى جي&&ل كام&&ل من
املثقفني العرب ،هذه الرؤيا الشاملة كانت توفيقية يف األساس تقوم على اجلمع بني قيمتني معياريتني خمتلفتني :معي&&ار
القيم&&ة الرتاثي&&ة ومعي&&ار املص&&طلح الواف&&د ،وعلى وق&&ع اهلزمية والنكس&&ة احلض&&ارية ظه&&ر جي&&ل آخ&&ر نقيض للواق&&ع امله&&زوم ،
جيل يؤسس لرؤي&ا جدي&&دة ،رؤي&&ا العص&&ر اجلدي&د .ك&ان النق&&د أح&&د عناص&&ر ه&ذه الرؤي&ا اجلدي&&دة ،ولكن اإلب&&داع األديب
ك&&ان أس&&بق وأك&&ثر نض&&جا ،أم&&ا عن س&&بب الت&&أخر ،في&&ذهب الب&&احث غ&&ايل ش&&كري إىل أنن&&ا " مل ن&&رث عن جي&&ل العمالق&&ة
وال عن جيل األساتذة :القانون األساسي لتطور التجربة األدبية العربية و ال القوانني النوعية لتط&ور الكتاب&ة املختلف&&ة ،
ويف غيب &&ة ال &&وعي املنهجي ال &&ذي يكتش &&ف خصوص &&ية جتربتن &&ا األدبي &&ة ،ك &&ان لزام &&ا على النق &&د أن يس &&تدرك ت &&أخره وأن
يتجاوز حالة التعثر وأن يتحرر من إسار االنطباعية واجلزئية والذاتية...
وكانت أوىل بوادر التحول ضمن هذه الرؤية اجلديدة هو ظهور الناقد املتخص&&ص وحماول&&ة اخلروج من بوتق&&ة
ما يسميه شكري" :الناقد املوسوعي" أي الناقد الذي يكتب عن كل أدب مبقاييس واحدة ال تفرق بني النص الشعري
والنص ال& &&روائي ...يق& &&ول الب& &&احث حمم& &&د م& &&ريي " :لع& &&ل أوىل املالحظ& &&ات هلذا التح& &&ول ،هي ظه &&ور ن &&وع من النق& &&اد
املتخصص &&ني يف جمال الدراس &&ات األدبي &&ة البحت &&ة ،ه &&ذا يف ال &&وقت ال &&يت ع &&رفت في &&ه املراح &&ل التارخيي &&ة الس &&ابقة ناق &&دا ك&&ان
مبجموع&&ة من امله&&ام ذات الص&&لة باخلط&&اب األديب( )...وق&&د أدى ه&&ذا التخص&&ص ،على املس&&توى النق&&دي ،إىل ظه&&ور
املبدع
املتخصص أيضا على مس&توى اجلنس األديب الواح&د( الش&عر -الرواي&ة -املس&&رح) ،وس&يثمر ه&&ذا التكام&ل الش&كلي –على
األق&&ل-حماول&&ة إلع&&ادة رس&&م احلدود بني أن&&واع اخلط&&اب األديب .س&&اعد على ك&&ل ه&&ذا ،أن املش&&تغلني يف خمتل&&ف احلق&&ول
الفنية،
ب &&دأوا يتواف& &&دون ق& &&ادمني من بعض اجلامع& &&ات الغربي& &&ة ال& &&يت مكنتهم من ش& &&هادات علي& &&ا ،وأخ& &&رى أكادميي &&ة متخصص &&ة،
ونبهتهم إىل من &&اهج نقدي &&ة تس &&مح هلم مبقارب &&ة النص &&وص األدبي &&ة العربي &&ة من زواي &&ا نظ &&ر خمالف &&ة ملا ه &&و س &&ائد ومت &&داول
آنذاك".
هك&ذا ،أص&بحت العقالني&ة العلمي&ة جتد هلا أنص&ارا يف داخ&ل اجلامع&ات العربي&ة ،ويف ظله&ا ك&ان التعام&ل م&ع فك&ر
احلداث &&ة ميض &&ي ق &&دما إىل األم &&ام ،فتك &&ون يف أج &&واء الثقاف &&ة األكادميي &&ة ،تي &&ار من طلب &&ة الدراس &&ات العلي &&ا ومن ع &&دد من
األساتذة من الذين باتوا يؤمن&ون أك&ثر من ذي قب&ل بض&رورة جتدي&د النظري&ة النقدي&ة ع&رب االنفت&اح الواس&ع على النظري&ات
اجلدي &&دة ال &&يت ظه &&رت يف الغ &&رب بع &&د لس &&انيات دي سوس &&ري .وفعال" ،كلم &&ا اجتهن &&ا حنو هناي &&ة الس &&بعينيات ،اتض &&حت
مالمح نظري&&ة تس&&عى إىل تك&&وين معرف&&ة داخلي&&ة عميق&&ة ب&&النص األديب ،باعتب&&اره نس&&يجا من العناص&&ر اللس&&انية،على حنو م&&ا
متث&&ل تطبيق&&ا عن&&د حس&&ني ال&&واد( ،)1972وحمم&&د رش&&يد ث&&ابت( ،)1972وخال&&دة س&&عيد( ،)1979وكم&&ال أب&&و ديب(
)1979وحممد بنيس( .)1979الشك يف أن هذه التطبيقات البنيوية أوضحت تغيريا يف النظرة إىل مفه&&وم األدب من
كونه مرآة ذاتية أو اجتماعية إىل كونه :جوهرا لسانيا.
وبذلك انتقل التفكري النقدي العريب إىل مرحلة جديدة ،اقتضت تغريا يف املرجعي&ات الفكري&ة ،وس&عيا إىل إجياد
مقرتب&&ات ذات أص&&ول لس&&انية ،ونظري&&ة ،تق&&رتن على حنو مباش&&ر مبنج&&زات نظري&&ة املعرف&&ة .وهي مرحل&&ة أح&&دثت تغي&&ريا يف
مفه&&وم& النق&&د نفس&&ه ،من كون&&ه تف&&اريق من النظ&&رات واخلط&&رات واملالحظ&&ات إىل كون&&ه :علم&&ا ،أق&&ام ح&&دا فاص&&ال بني
تذويت القراءة ،وموضوعية أو علموية املقدمات والنتائج إىل تستند إليها تلك القراءة&".
بي &&د أن &&ه ،وعلى ال &&رغم من االجنازات واملكاس &&ب ال &&يت حققه &&ا النق &&اد ال &&ذين وض &&عوا اللبن &&ات األوىل ملث &&ل ه &&ذا
التح&&ول النق&دي ،إال أن النس&ق الثق&&ايف املوروث ك&ان حاض&&را بش&دة وك&ان يرس&م احلدود ال&يت ال جيوز ملؤثرات املثاقف&&ة
أن تتجاوزه& &&ا ،وظ& &&ل ينظ& &&ر إىل النظري& &&ات األجنبي& &&ة ،ال من حيث بع& &&دها النظ& &&ري كنظري& &&ة ،ولكن من حيث بع& &&دها
ال&&رجعي ألهنا أجنبي&&ة .ويتم&&ادى العق&&ل الثق&&ايف الع&&ريب بنعته&&ا يف ه&&ذه احلال&&ة على أهنا منافي&&ة خبصوص&&يتها ،ومه&&ددة هلويتن&&ا
ولوجودن &&ا .وق &&د عرق &&ل ه &&ذا النس &&ق عملي &&ة االس &&تيعاب والتمث &&ل اجلاد هلذه النظري &&ات ،كم &&ا ح &&ال دون القي &&ام بعملي &&ة
امتص&&اص وحتوي&&ل جلوهر النظري&&ات ،وتوظيفه&&ا بالش&&كل اجملدي .وكم&&ا ي&&رى الب&&احث حمود م&&ريي ف"إن النس&&ق الثق&&ايف
العريب املتولد عن املقدس الديين واللغوي &،مل يكن يستسيغ مثل هذا التعدد املنهجي الذي يشهده احلقل النقدي ،ألن&&ه
كان يقوم على الروح الوحدانية اليت تقصي
فكر االختالف والتعدد .و يف ظل ثقافة مسكونة بالروح الوحدانية ،ظل االعتقاد السائد ه&&و أن الوص&&ول إىل
ن&&وع من االئتالف ،والتش&&ابه ،واالتص&&ال ل&&دى خمتل&&ف الق&&راء ،وبش&&ىت املن&&اهج واملقارب&&ات ،ه&&و املهم&&ة املوكول&&ة للنق&&اد
والدارسني.
النشأة والمفهوم
تطلق عبارة "النقد اجلديد" على حركة نقدية أجنلو أمريكية شهرية سادت خالل النصف األول من القرن
العشرين ،ويرى املهتمون بتاريخ النقد اجلديد أنه يعود إىل إزراباوند وقوالته أيام مجاعة " نادي الشعراء" يف
لندن عام ،1907وأن أشهر ممارسيه املؤسسني توماس ستينز إليوت وإيفورار مسرتونغ ريتشاردز ،ويضاف
أحيانا إليهم فرانك رميوند ليفيز عن اجلانب الربيطاين ،وعن اجلانب األمريكي كل من جون كرو رانسوم وألن
تيت وروبرت بني وارين وكليانث بروكس و ويليام كريتز ومزات....ومن& األمساء اليت أطلقت على
األمريكيني الذين انتهجوا هذا النهج النقدي :النقاد اجلنوبيون ،النقاد الريفيون ،النقاد اهلاربون ،على أن
االسم الذي استقر هو النقاد اجلدد.
يذهب معظم الدارسني هلذه احلركة النقدية إىل أن تسمية النقد اجلديد تعود إىل الناقد األمريكي جون كرو
رانسوم الذي وسم كتابه سنة 1941بالنقد اجلديد ،وقد عُ َّد هذا الكتاب مبثابة اإلعالن الرمسي عن ّ
تكون
هذه احلركة النقدية اجلديدة .وقد تناول رانسوم يف هذا الكتاب أعمال بعض معاصريه من النقاد األجنلو
أمريكيني مثل :ريتشاردز ،وامبسون ،و ت.س إليوت ،وآيفور ونرتز ،الذين دعوا إىل الرتكيز على النص
األديب.
وإذا عدنا إىل ظروف نشأة هذه احلركة فإنه ميكن مالحظة أن "معظم أقطاب النقد اجلديد ،يف
البداية ،كانوا من شعراء أو صحفيني أحرارا أو موظفني يف مراكز تدريسية نائية ،ومع هناية الثالثينيات
ارتسمت حركة اسرتاتيجية تبتغي الرتسيخ األكادميي للنقد اجلديد يف شكل هجرة مهنية ؛ إذ انتقل رانسوم سنة
1937إلىوالية أوهايو حيث أسس جملة كينيون إضافة إىل تأسيس ملتقى نقدي سنوي ،وحتصل تيت عام
1939على زمالة جبامعة برينستون( )...وتعززت هذه احلركة سنة 1938بصدور خمتارات تدريسية جديدة
بعنوان(فهم الشعر) لربوكس ،و وارين ،وضعت النقد اجلديد يف شكل مدرسي ينأى عن الدرسة الرتامجية أو
التذوقية البسيطة أو البحث عن املضمون .دون أن ننسى الدور الذي لعبه امبسون يف اجنلرتا ،وهو أحد أجنب
طلبة ريتتشاردز يف جامعة كومربدج ،حيث طور بإيعاز منه منطق القراءة املفصلة يف حبث خترج حول تعدد
املعىن يف الشعر نشره عام 1930بعنوان( سبعة أمناط ن الغموض) حماوال من خالله ابراز القيمة األدبية لإلهبام
يف الشعر.لتتواىل بعد ذلك الكتب اليت تستهدف دارسي األدب مثل كتايب بروكس (بالتعاون مع وارين ) :فهم
الشعر وفهم الرواية بني عامي 1939و .1941كما صدر له عام 1939كتاب :الشعر احلديث والرتاث.
وجتدر اإلشارة إىل أن مصطلح النقد اجلديد يطلق أيضا على حركة نقدية أخرى ظهرت يف فرنسا
خالل الستينيات من القرن املاضي ،وهذا ما يعين أن هناك تداخال اصطالحيا بني صيغتني من النقد اجلديد ،
األوىل أجنلو أمريكية والثانية فرنسية؛ حبيث تواتر مصطلح النقد اجلديد ،بغري داللته األجنلو أمريكية ،ليكون
عنوانا للمناهج النسقية اجلديدة(بنيوية ،سيميائية ،موضوعاتية )...اليت هيمنت على الساحة النقدية منذ
سنوات الستينيات خصوصا .هذا التداخل االصطالحي ،دفع بعض الكتاب إىل تبين التسمية االجنليزيةNew
criticismللداللة على النقد اجلديد األجنلوأمريكي ،والتسمية الفرنسية La nouvelle
critiqueللداللة على النقد اجلديد الفرنسي الذي سنتطرق إليه يف حماضرة أخرى.
ال تنجلي املبادئ واألصول اجلوهرية للنقد اجلديد األجنلو أمريكي ،دون العودة إىل نظرية اخللق يف
األدب والفن ،هذه النظرية اليت جتد جذورها يف الفلسفة املثالية الذاتية لدى كات .وأبرز اجلذور املتصلة
بأطروحة نظرية
اخللق يف فلسفة كانت فصله بني اجليل واملفيد ،وهو فصل أفضى به إىل االهتمام خبصائص العمل الفين يف ذاته،
وحسبان كل عمل فين وحدة جوهرية ذاتية ينحصر فيها مجاله ،وتنحصر فيها الغاية منه ،من دون النظر إىل
مضمونه أو عالقته مبا هو خارج عنه.
وعليه ،كان أحد أهم املالمح املميزة للنقد اجلديد األجنلو أمريكي اعتباره العمل األديب حتفة ،ووحدة
منسجمة ،وتأكيده على التأويل احملايث للنص ،وعزله النص عن كل ماهو خارجه .وقد أتى التأكيد على
العمل األديب يف ذاته ،بوصفه حتفة ال وثيقة ،وبوصفه قيمة مجالية ال وسيلة توصيل ،وذلك عرب التفريق بني
االستعمال العلمي والعملي للغة وبني االستعمال االنفعايل .إن السمة البارزة هلذه املدرسة هي الرتكيز املطلق
على العمل األديب ،بعيدا عن االعتبارات األخرى &،كحياة الشاعر وبيئته وخلفيته االجتماعية ،فالعمل األديب له
قوانينه اخلاصة به ،ومن مث فإن مهمة الناقد عند النقاد اجلدد ليست يف أن يكشف عما يعرب عنه العمل الفين
بل أن يرى العمل يف ذاته ولذاته ،فال يقيّمه مبقاييس خارجة عنه.
-األدب فن واألصل فيه دراسة خصائصه الفنية واجلمالية ،وهذا ما يقتضي دراسنة النص بعيدا عن
حميطه السياقي؛ فمن النص االنطالق وإليه الوصول ،دون اعتبار ملقاصد املؤلف أو وجدانية التلقي ،أو ا أجلها
ويليام وميزات ومونرو بيدزيل يف املقولتني الذائعتني:
املغالطة القصدية عام 1946و املغالطة التأثريية عام ، 1949وتقضيان بأن البحث عن قصد املؤلف وهم
ألنه غري موجود أو موجود بشكل حمور ،وأن اخللط بني العمل وبني ما حيدثه من نتائج على نفسية املتلقي يف
ظروف معينة وهم –أيضا-ألنه داللة انطباعية ال معول عليها ،ومادام النقد اجلديد نقدا يطمح إىل الوضوعية
فإن من الواجب صيانته من هاتني املغالطتني.
-تبين املقاربة النقدية لألعمال األدبية اعتمادا عليها يف ذاهتا وليس على ما هو خارجها،وذلك باختاذ
القراءة الفاحصة وسيلة حتليلية مركزية يف الدراسة النصية ،تتقصى معجم النص وتراكيبه اللغوية والبالغية و
رموزه وإشاراته وكل العناصر اجلوهرية اليت تضيء دالالته وتفك مغاليقه ،ويدل هذا املفهوم املركزي على
فحص النصوص املفردة بعيدا عن بيئتها الثقافية واالجتماعية....
-لقد بذل النقاد اجلدد جهدا كبريا لبيان أن األسلوب واملوضوع شيء واحد ال ميكن فصلهما ،وأن
أهم ما مييز أي عمل فين هو وحدته العضوية ،وقد كانت مقولة كلينث بروكس" إن الشكل هو معىن" مقولة
مركزية إمجاال يف الوجهة النظرية للحداثة يف الفن واألدب ،و قد صاغها ضمن مقال بعنوان النقاد الشكليون
عرض فيه أبرز مبادئ النقد اجلديد وجاءت مقولته تلك يف صدارهتا ،حبيث ترتب عليها عدم إمكانية الفصل
بني الشكل واملضمون يف العمل الناجح .وضمن هذا املسعى ،كان االهتمام األساسي هو البحث عن
الوحدة :هذا الكل الذي يشكله العمل األديب أو يفشل يف تشكيله ،والعالقة بني األجزاء املختلفة مع بعضها
يف بناء الكل .وقد ناهض بروكس – يف ذات اإلطار -ما أمساه هرطقة الشرح وبدعة التلخيص اللتني كانتا
تناطان مبهمة الناقد تقليديا؛ ألن الشرح والتلخيص للقصيدة يقتضيان إمكانية أن ينفصل معناها عن شكلها.
-التأكيد على ضرورة أن يكون النقد أكثر علمية ودقة ومنهجية يف تعامله مع العمل األديب ،وهلذا
من الضروري نبذ التقومي املعياري واالبتعاد عن إطالق األحكام املسبقة اليت قد تؤثر سلبا على العملية
التحليلية ،و هلذا فإنه ينبغي يف النقد األديب االنطباعات الشخصية واملعرفة التارخيية واللغوية والدراسات
األخالقية ،وعلى نقاد األدب أن يراعوا العمل األديب بوصفه موضوعا مجاليا.
-مما يؤخذ على النقد اجلديد جتاهله للمعطى التارخيي والعوامل اخلارجية ،وعدم اهتمامه باملؤلف والقارئ ،
حيول األدب
مث إن رفض النقاد اجلدد ملفهوم األدب بصفته انعكاسا للحياة أو لعلم النفس أو لتاريخ األدب ّ
على حنو ال ميكن إنكاره إىل شيء مستقل ذاتيا .وهذا جيعل األدب جمردا إىل ح ّد الغرابة ،معزوال عن احلياة
احلقيقية احملسوسة ملؤلفه و مجهوره.
-مما يؤخذ عليه أيضا ،تطبيق منهج جترييب على حقيقة غري علمية (النص اإلبداعي) ،وهو ما جعل
بعض الباحثني يذهبون إىل أن النقد اجلديد نقد ميكانيكي جيد ما يطلبه يف كل نص خيتاره ،فيختار دائما ما
يتناسب مع أدواته ومقوالته( كتفضيل الشعراء امليتافيزقيني على غريهم واقتصاره على القصيدة الغنائية وفشله
يف التعامل مع النصوص الطويلة كالرواية واملسرحية) ،وال يشجع الدارس على البحث عن غري ما جيرته ممارسو
هذا النقد.
-اهتم النقد اجلديد أيضا بالنزعة النخبوية ومبجافاة الدميقراطية األدبية ،وذلك حني يعمل يف دائرة شبه
غلقة على نفسها.
وقد أدت هذه االنتقادات وغريها إىل أفول مدرسة النقد اجلديد األجنلو أمريكية مع بداية الستينيات ،لتفسح
الطريق أمام مدرسة شكلية جديدة ظهرت بفرنسا واشرتكت معها يف التسمية – كما أسلفنا أعاله.-
املوضوعي وهو العمل الفين وبني العامل اخلارجي ،وهو جتربة الفنان ،فإن هذه الصالت قد انقطعت مبجرد أن
متت عملية اخللق ،إذ بتمام هذه العملية يصبح العمل الفين كائنا له كيانه املستقل &،"...وقد شاركه يف مبادئه
النقدية
هذه بعض طلبته "الذين -وبتوجيه منه -اضطلعوا بتقدمي النظرية النقدية اجلديدة لدى النقاد الغربيني اجلدد ،عرب
سلسلة كتيبات ،حيث نشر حممد عناين النقد التحليلي عام ،1962عن كلينث بروكس ،ونشر مسري سرحان"
النقد املوضوعي عن ماتيو أرنولد ،كم نشر عبد العزيز محودة كتابه علم اجلمال عن كروتشي ،ونشر فايز
اسكندر النقد النفسي عن ريتشاردز&....
وضمن هذا اإلطار ميكن اإلشارة إىل ناقد آخر كان من أوائل الدارسني العرب يف اجلامعات
االجنليزية ،ذلك هو الناقد الفلسطيين جربا إبراهيم جربا ن الذي ذهب إىل إجنلرتا يف األربعينيات ودرس يف
جامعة كامربدج مستفيدا بشكل خاص من دروس وكتابات الناقد االجنليزي الشهري ف .ر .ليفيز ،حيث يقول
واصفا هذه التجربة " :درست عليه (أي ليفيز) النقد ،وتتلمذت على جملته النقدية ( متحيص) ،وعن طريقه
دخلت إىل ما كان يف األربعينيات حىت الستينيات يدعى بالنقد اجلديد ،أيام كنا نفضل كلمة اجلديد عن
احلديث لشعورنا منذذذ ذلك احلني بأن احلديث( الذي كانت بدايته احلقيقية يف أواخر القرن املاضي) غدا
مستهلكا وغري حديث".
واجلدير بالتنويه أن ممارسي النقد اجلديد من النقاد العرب ،قد وضعوا تسميات منهجية عدة
لتوصيف جتربتهم النقدية ،كالنقد اجلمايل عند روزا غريب ،والنقد املوضوعي لدى مسري سرحان وحممود
الربيعي ،والنقد التحليلي لدى حممد عناين ،والتحليل اللغوي االستاطيقي لدى مصطفى ناصف....لكن تبقى
تسمية املنهج الفين هي األكثر متثيلية هلذه التوجه النقدي العريب اجلديد.
وبطبيعة احلال ،فإن األسس واملبادئ العامة اليت يرتكز عليها هذا التوجه النقدي العريب اجلديد ال
ختتلف عن تلك املعتمدة عند نقاد احلركة األجنلو أمريكية ،وقد اجتهد الباحث يوسف وغليسي يف تلخيصها
على النحو التايل:
-النظر إىل النص األديب على أنه ليس نسخة ن الواقع ،ولكنه معادل فين له ،فهو كيان مستقل على
حد تعبري مصطفى ناصف ينمو وفقا ملنطق داخلي أو عالقة صورة منعكسة يف مرآة&.
-دراسة النص األديب يف ذاته مستقال عن حميطه السياقس ،أي الرتكيز على أدبية األدب ،واالنطالق
من النص بعيدا عن صاحبه والظروف احمليطة به ،ذلك أن للنص األديب حياته وروحه العامة اليت ال تأيت من
اخلارج...
-النظر إىل النص كصورة عضوية متكاملة ،موحدة الشكل واملضمون ،فالشكل عند مصطفى
ناصف " هو قوة املضمون و وحدته وتركيبه ،وليس قالبه أو وعاءه الذي حيفظ فيه؛ لذا يدعو إىل وحدهتا
العضوية ،نابذا فكرة تشبيه بعض الدارسني للشكل ب":التكنيك الذي يتبعه اللص يف سرقة املنزل ،يستطيع
هذا التكنيك أن ينتزع إعجابنا ويظل عمل اللص منكرا قبيحا".
-الدعوة إىل التحليل ونبذ التقييم وما ينجر عنه من إصدار ألحكام دون حيثيات ،ودون جمرد
االستماع إىل عناصر القضية ،ذلك أن التحليل موقف يتيح لنا رؤية الكثري واستيعاب الغريب برحابة أوسع ،
أما التقييم فكثريا ما جيعلنا ننظر من وجه و هنمل اآلخر،حنب معيارا ونرفض آخر،بل كثريا ما يرتبط مبعايري غري
أدبية(&)...
ويف األخري ميكننا القول إن هذه االجتهادات النقدية ،كان له تأثري بالغ يف إحداث نقلة نوعية يف
املمارسة النقدية تنظريا وتطبيقا ،حيث كشفت مؤلفات هؤالء النقاد وغريهم ،عن وجود مسعى علمي
لتكوين معرفة داخلية عميقة بالنص األديب.