You are on page 1of 12

‫مقياس‪ :‬النقد العريب املعاصر‬

‫السنة الثانية لسانس ‪ /‬ختصص لسانيات‬

‫إعداد‪ :‬األستاذة عبلة معاندي‬

‫المحاضرة األولى‪ :‬إرهاصات النقد العربي المعاصر‬

‫الخطاب النقدي العربي المعاصر‪ /‬مسار التحوالت والتحديات‪:‬‬

‫‪-‬الرافد الغربي‬

‫ال ميكن اس& & &&تيعاب طبيع& & &&ة التح& & &&والت ال& & &&يت اجت& & &&ابت اخلط& & &&اب النق& & &&دي الع& & &&ريب املعاص& & &&ر باجتاهات & &&ه املختلف & &&ة‬
‫وأطروحات&&ه املتع&&ددة وال اإلحاط&&ة ب&&أهم مع&&امل املرحل&&ة النقدي&&ة املعاص&&رة باجنازاهتا وحتدياهتا املعرفي&&ة ‪،‬دون الع&&ودة إىل‬
‫املؤثر الغريب باعتباره أحد أهم العوامل املؤثرة يف تكوين اخلطاب النقدي العريب‪ ،‬حيث أن االتصال مع الغ&&رب –أص&&بح‬
‫مع الزمن‪ -‬قانونا داخليا مضمرا يف تطور احلركة األدبية والنقدية العربية ازدهارا وانتكاسا‪.‬‬

‫والواقع أن املتتبع لسريورة التحوالت اليت شهدها الدرس النقدي الغريب يف العقود األخرية ‪ ،‬يلحظ أن&&ه ع&&رف‬
‫طف &&رة نوعي& &&ة يف ظ& &&ل الث& &&ورة املعرفي& &&ة غ& &&ري املس& &&بوقة ال& &&يت ش& &&هدها الق& &&رن العش& &&رون م& &&ع تس& &&ارع وت &&رية التق &&دم العلمي‬
‫والتكنول& &&وجي و الص& &&ناعي ‪ ،‬و على وق& &&ع املتغ& &&ريات واملس& &&تجدات املتالحق& &&ة املرتاكب& &&ة ‪ ،‬انبثقت احلاج& &&ة إىل مراجع& &&ة‬
‫أساليب التفكري السائدة وجماوزهتا ‪ .‬هكذا شهد الغرب إرهاصات حتول عميق يف بنيته املعرفية ما لبث أن ط&ال من&احي‬
‫النقد األديب بوصفه جماال معرفيا حيويا كان وال يزال يف حالة متاس مستمر م&ع العدي&د أن العل&وم اإلنس&انية واالجتماعي&ة‬
‫" وكل علم من هذه العلوم يتطور على حنو تصاعدي ‪ ،‬وكل تطور يؤدي إىل تصاعد إيقاع ما يؤدي إليه‪ ،‬أو يتوصل‬
‫إليه من تقدم متواصل‪ ،‬وذلك يف متتالية متزايدة التسارع الذي يضيف أنواع&ا جدي&دة من العلم ‪...‬خصوص&ا حني نض&ع‬
‫يف اعتبارنا شبكة العالقات البينية القائمة أو احملتملة اليت تدخل معها النظريات النقدية مع غريه&&ا من العل&&وم يف ش&بكات‬
‫معرفية ‪ ،‬تتولد عنها أفكار ومبادئ واصطالحات ال تكف عن التجدد والرتاكم يف آن‪.‬‬
‫ولقد دشنت النظريات النقدية مرحلة فارقة يف مسارها التارخيي‪ ،‬وذلك مع التحول الكبري يف النظرة إىل اللغة‬
‫على أي&&دي فردينان&&د دي سوس&&ري يف العق&&د األول من ه&&ذا الق&&رن‪ ،‬مث تواص&&لت م&&ع كش&&وف الش&&كالنيني ال&&روس وأعم&&ال‬
‫ميخائي &&ل ب &&اختني املبه &&رة يف العش &&رينيات وإجنازات مدرس &&ة ب &&راغ النقدي &&ة و استقص &&اءات مدرس &&ة كمربي &&دج االجنليزي &&ة‬
‫ومدرس&&ة فرانكف&&ورت األملاني&&ة يف الثالثيني&ات ‪ ،‬وكش&&وف لوك&&اتش ومدرس&&ة جي&نيف و مدرس&&ة النق&&د اجلدي&&د األمريكي&ة‬
‫يف األربعيني &&ات و جه &&ود غرمياس وب &&ارت وجول &&دمان والب &&نيويني الفرنس &&يني يف اخلمس &&ينات‪ ،‬وص &&وال إىل استقص &&اءات‬
‫التفكيك&يني ومدرس&ة جامع&ة يي&ل األمريكي&ة يف الس&تينيات و حماوالت مابع&د البنيوي&ة من&ذ الس&بعينيات والثمانيني&ات‪ ،‬وق&د‬
‫ش&كلت ه&ذه االجنازات النقدي&ة منعطف&ا مفص&ليا يف التأس&يس ملرحل&ة م&ا بع&د احلداث&ة املمت&دة إىل يومن&ا ه&ذا‪ .‬وق&د ف&رض‬
‫ه&&ذا التع&&دد والتن&&وع اخلالق يف املش&&هد النق&&دي الغ&&ريب والع&&املي من الناق&&د األديب يف الع&&امل الع&&ريب ض&&رورة مراجع&&ة موقف&&ه‬
‫وموقعه ومساءلة مسلماته يف مواجهة كل هذه التحديات‪.‬‬

‫هك&&ذا ‪،‬مل يكن بإمك&&ان الدارس&&ني الع&رب املعاص&رين التغاض&ي عن االجنازات احلض&&ارية للغ&رب ‪ ،‬حيث اجته&&د‬
‫العدي & &&د من النق & &&اد الع & &&رب –على اختالف مش & &&ارهبم وتوجه & &&اهتم –يف حتقي & &&ق االس & &&تيعاب ال & &&واعي ملختل& &&ف املق& &&والت‬
‫واملف &&اهيم واملن &&اهج النقدي &&ة الغربي &&ة ‪ ،‬كم &&ا عمل &&وا على توظي &&ف ه &&ذه املع &&ارف يف إنت &&اجهم النق &&دي وس &&عوا إىل إدخاهلا‬
‫وإدماجه&&ا داخ&&ل املنظوم&&ة الفكري&&ة العربي&&ة ‪ ،‬فتع&&ددت مس&&الك البحث وتن&&وعت اإلش&&كاالت املبس&&وطة وب&&رزت مف&&اهيم‬
‫مستحدثة مل يكن للعرب هلم هبا عهد قبل ذلك‪.‬‬

‫‪-‬الحاجة إلى تجاوز النهج التقليدي ‪:‬‬

‫لقد أدرك الدارسون الع&رب املعاص&رون أن هن&اك حاج&ة ماس&ة إىل جتاوز النهج التقلي&دي يف النق&&د ‪ ،‬ال&ذي مل‬
‫يع&&د بإمكان&&ه مواكب&&ة احلرك&&ة اإلبداعي&&ة بتجارهبا اجلدي&&دة ال&&يت ت&&راهن على االختالف والتم&&ايز‪ ،‬واألكي&&د أن&&ه أم&&ام التط&&ور‬
‫النوعي الذي يشهده اإلنتاج األديب العريب يف العقود األخرية يف أشكال إبداعه وتنوي&ع يف أس&اليب أدائ&ه‪ ،‬مل يع&د س&ائغا‬
‫التمس &&ك مبن &&اهج عتيق &&ة وأجه &&زة نقدي &&ة مس &&تهلكة أظه &&رت التجرب &&ة حمدوديتها وقص &&ورها عن اس &&تنطاق املادة األدبي &&ة‬
‫اجلديدة وفك مغاليقها ‪ ،‬وكما يرى الب&&احث حمم&د الناص&ر العجيمي ف&إن النهج التقلي&دي يف النق&&د ق&د اس&تنفذ طاقت&&ه يف‬
‫البحث وقدم أقصى م&ا يف وس&عه تقدميه‪ ،‬و اتض&ح عج&زه عن جتاوز األحك&ام الذوقي&ة االنطباعي&ة ومعاجلة األدب مبا في&ه‬
‫القدمي خارج املفاهيم اجلاري&ة‪ ،‬مف&اهيم الص&دق واحلق واألمان&ة يف تص&وير الواق&ع ونقل&ه ‪ ،‬س&واء تعل&ق األم&ر ب&ذات املب&دع‬
‫أو باحلياة االجتماعية العامة‪.‬‬

‫ك&&ان من الض&&روري& ‪ ،‬إذن ‪ ،‬أن جيدد الناق&&د الع&&ريب طرائق&&ه وأس&&اليبه وأدوات&&ه وعالقت&&ه باإلنت&&اج اإلب&&داعي‪ ،‬بع&&د أن ت&&بني‬
‫م&&ؤخرا أن "عم&&ل الناق&&د م&&اهو إال ح&&وار مفت&&وح م&&ع النص ‪ ،‬و إس&&هام يف تس&&ويغ مجاليات&&ه وف&&ك ش&&يفرته ورم&&وزه‪ &.‬وه&&و‬
‫عمل قد يكون مساويا لعمل املبدع ‪ ،‬أو هابطا عنه ‪ ،‬أو متفوقا عليه على وفق قدرة الناقد وثقافته"‪&.‬‬

‫بوادر التحول ‪ /‬معالم رؤية جديدة‬

‫يرى الباحث غايل شكري أن هزمية ‪ 1967‬شكلت هناية رؤية شاملة يف الفكر واحلي&&اة ل&&دى جي&&ل كام&&ل من‬
‫املثقفني العرب ‪ ،‬هذه الرؤيا الشاملة كانت توفيقية يف األساس تقوم على اجلمع بني قيمتني معياريتني خمتلفتني‪ :‬معي&&ار‬
‫القيم&&ة الرتاثي&&ة ومعي&&ار املص&&طلح الواف&&د ‪ ،‬وعلى وق&&ع اهلزمية والنكس&&ة احلض&&ارية ظه&&ر جي&&ل آخ&&ر نقيض للواق&&ع امله&&زوم ‪،‬‬
‫جيل يؤسس لرؤي&ا جدي&&دة ‪ ،‬رؤي&&ا العص&&ر اجلدي&د ‪ .‬ك&ان النق&&د أح&&د عناص&&ر ه&ذه الرؤي&ا اجلدي&&دة ‪ ،‬ولكن اإلب&&داع األديب‬
‫ك&&ان أس&&بق وأك&&ثر نض&&جا‪ ،‬أم&&ا عن س&&بب الت&&أخر ‪ ،‬في&&ذهب الب&&احث غ&&ايل ش&&كري إىل أنن&&ا " مل ن&&رث عن جي&&ل العمالق&&ة‬
‫وال عن جيل األساتذة‪ :‬القانون األساسي لتطور التجربة األدبية العربية و ال القوانني النوعية لتط&ور الكتاب&ة املختلف&&ة ‪،‬‬
‫ويف غيب &&ة ال &&وعي املنهجي ال &&ذي يكتش &&ف خصوص &&ية جتربتن &&ا األدبي &&ة ‪ ،‬ك &&ان لزام &&ا على النق &&د أن يس &&تدرك ت &&أخره وأن‬
‫يتجاوز حالة التعثر وأن يتحرر من إسار االنطباعية واجلزئية والذاتية‪...‬‬

‫وكانت أوىل بوادر التحول ضمن هذه الرؤية اجلديدة هو ظهور الناقد املتخص&&ص وحماول&&ة اخلروج من بوتق&&ة‬
‫ما يسميه شكري‪" :‬الناقد املوسوعي" أي الناقد الذي يكتب عن كل أدب مبقاييس واحدة ال تفرق بني النص الشعري‬
‫والنص ال& &&روائي ‪ ...‬يق& &&ول الب& &&احث حمم& &&د م& &&ريي ‪" :‬لع& &&ل أوىل املالحظ& &&ات هلذا التح& &&ول‪ ،‬هي ظه &&ور ن &&وع من النق& &&اد‬
‫املتخصص &&ني يف جمال الدراس &&ات األدبي &&ة البحت &&ة‪ ،‬ه &&ذا يف ال &&وقت ال &&يت ع &&رفت في &&ه املراح &&ل التارخيي &&ة الس &&ابقة ناق &&دا ك&&ان‬
‫مبجموع&&ة من امله&&ام ذات الص&&لة باخلط&&اب األديب(‪ )...‬وق&&د أدى ه&&ذا التخص&&ص ‪ ،‬على املس&&توى النق&&دي ‪ ،‬إىل ظه&&ور‬
‫املبدع‬
‫املتخصص أيضا على مس&توى اجلنس األديب الواح&د( الش&عر‪ -‬الرواي&ة‪ -‬املس&&رح)‪ ،‬وس&يثمر ه&&ذا التكام&ل الش&كلي –على‬
‫األق&&ل‪-‬حماول&&ة إلع&&ادة رس&&م احلدود بني أن&&واع اخلط&&اب األديب‪ .‬س&&اعد على ك&&ل ه&&ذا‪ ،‬أن املش&&تغلني يف خمتل&&ف احلق&&ول‬
‫الفنية‪،‬‬

‫ب &&دأوا يتواف& &&دون ق& &&ادمني من بعض اجلامع& &&ات الغربي& &&ة ال& &&يت مكنتهم من ش& &&هادات علي& &&ا‪ ،‬وأخ& &&رى أكادميي &&ة متخصص &&ة‪،‬‬
‫ونبهتهم إىل من &&اهج نقدي &&ة تس &&مح هلم مبقارب &&ة النص &&وص األدبي &&ة العربي &&ة من زواي &&ا نظ &&ر خمالف &&ة ملا ه &&و س &&ائد ومت &&داول‬
‫آنذاك‪".‬‬

‫هك&ذا‪ ،‬أص&بحت العقالني&ة العلمي&ة جتد هلا أنص&ارا يف داخ&ل اجلامع&ات العربي&ة‪ ،‬ويف ظله&ا ك&ان التعام&ل م&ع فك&ر‬
‫احلداث &&ة ميض &&ي ق &&دما إىل األم &&ام ‪ ،‬فتك &&ون يف أج &&واء الثقاف &&ة األكادميي &&ة‪ ،‬تي &&ار من طلب &&ة الدراس &&ات العلي &&ا ومن ع &&دد من‬
‫األساتذة من الذين باتوا يؤمن&ون أك&ثر من ذي قب&ل بض&رورة جتدي&د النظري&ة النقدي&ة ع&رب االنفت&اح الواس&ع على النظري&ات‬
‫اجلدي &&دة ال &&يت ظه &&رت يف الغ &&رب بع &&د لس &&انيات دي سوس &&ري ‪ .‬وفعال‪" ،‬كلم &&ا اجتهن &&ا حنو هناي &&ة الس &&بعينيات ‪،‬اتض &&حت‬
‫مالمح نظري&&ة تس&&عى إىل تك&&وين معرف&&ة داخلي&&ة عميق&&ة ب&&النص األديب‪ ،‬باعتب&&اره نس&&يجا من العناص&&ر اللس&&انية‪،‬على حنو م&&ا‬
‫متث&&ل تطبيق&&ا عن&&د حس&&ني ال&&واد( ‪ ،)1972‬وحمم&&د رش&&يد ث&&ابت(‪ ،)1972‬وخال&&دة س&&عيد(‪ ،)1979‬وكم&&ال أب&&و ديب(‬
‫‪ )1979‬وحممد بنيس(‪ .)1979‬الشك يف أن هذه التطبيقات البنيوية أوضحت تغيريا يف النظرة إىل مفه&&وم األدب من‬
‫كونه مرآة ذاتية أو اجتماعية إىل كونه‪ :‬جوهرا لسانيا‪.‬‬

‫وبذلك انتقل التفكري النقدي العريب إىل مرحلة جديدة‪ ،‬اقتضت تغريا يف املرجعي&ات الفكري&ة ‪ ،‬وس&عيا إىل إجياد‬
‫مقرتب&&ات ذات أص&&ول لس&&انية‪ ،‬ونظري&&ة‪ ،‬تق&&رتن على حنو مباش&&ر مبنج&&زات نظري&&ة املعرف&&ة‪ .‬وهي مرحل&&ة أح&&دثت تغي&&ريا يف‬
‫مفه&&وم& النق&&د نفس&&ه‪ ،‬من كون&&ه تف&&اريق من النظ&&رات واخلط&&رات واملالحظ&&ات إىل كون&&ه ‪ :‬علم&&ا‪ ،‬أق&&ام ح&&دا فاص&&ال بني‬
‫تذويت القراءة‪ ،‬وموضوعية أو علموية املقدمات والنتائج إىل تستند إليها تلك القراءة‪&".‬‬

‫بي &&د أن &&ه ‪ ،‬وعلى ال &&رغم من االجنازات واملكاس &&ب ال &&يت حققه &&ا النق &&اد ال &&ذين وض &&عوا اللبن &&ات األوىل ملث &&ل ه &&ذا‬
‫التح&&ول النق&دي ‪ ،‬إال أن النس&ق الثق&&ايف املوروث ك&ان حاض&&را بش&دة وك&ان يرس&م احلدود ال&يت ال جيوز ملؤثرات املثاقف&&ة‬
‫أن تتجاوزه& &&ا ‪ ،‬وظ& &&ل ينظ& &&ر إىل النظري& &&ات األجنبي& &&ة ‪ ،‬ال من حيث بع& &&دها النظ& &&ري كنظري& &&ة‪ ،‬ولكن من حيث بع& &&دها‬
‫ال&&رجعي ألهنا أجنبي&&ة‪ .‬ويتم&&ادى العق&&ل الثق&&ايف الع&&ريب بنعته&&ا يف ه&&ذه احلال&&ة على أهنا منافي&&ة خبصوص&&يتها‪ ،‬ومه&&ددة هلويتن&&ا‬
‫ولوجودن &&ا‪ .‬وق &&د عرق &&ل ه &&ذا النس &&ق عملي &&ة االس &&تيعاب والتمث &&ل اجلاد هلذه النظري &&ات ‪ ،‬كم &&ا ح &&ال دون القي &&ام بعملي &&ة‬
‫امتص&&اص وحتوي&&ل جلوهر النظري&&ات‪ ،‬وتوظيفه&&ا بالش&&كل اجملدي‪ .‬وكم&&ا ي&&رى الب&&احث حمود م&&ريي ف"إن النس&&ق الثق&&ايف‬
‫العريب املتولد عن املقدس الديين واللغوي‪ &،‬مل يكن يستسيغ مثل هذا التعدد املنهجي الذي يشهده احلقل النقدي ‪ ،‬ألن&&ه‬
‫كان يقوم على الروح الوحدانية اليت تقصي‬

‫فكر االختالف والتعدد‪ .‬و يف ظل ثقافة مسكونة بالروح الوحدانية ‪ ،‬ظل االعتقاد السائد ه&&و أن الوص&&ول إىل‬
‫ن&&وع من االئتالف ‪ ،‬والتش&&ابه ‪ ،‬واالتص&&ال ل&&دى خمتل&&ف الق&&راء‪ ،‬وبش&&ىت املن&&اهج واملقارب&&ات‪ ،‬ه&&و املهم&&ة املوكول&&ة للنق&&اد‬
‫والدارسني‪.‬‬

‫المحاضرة الثانية‪ :‬النقد الجديد‬

‫النشأة والمفهوم‬

‫تطلق عبارة "النقد اجلديد" على حركة نقدية أجنلو أمريكية شهرية سادت خالل النصف األول من القرن‬
‫العشرين‪ ،‬ويرى املهتمون بتاريخ النقد اجلديد أنه يعود إىل إزراباوند وقوالته أيام مجاعة " نادي الشعراء" يف‬
‫لندن عام ‪ ،1907‬وأن أشهر ممارسيه املؤسسني توماس ستينز إليوت وإيفورار مسرتونغ ريتشاردز‪ ،‬ويضاف‬
‫أحيانا إليهم فرانك رميوند ليفيز عن اجلانب الربيطاين‪ ،‬وعن اجلانب األمريكي كل من جون كرو رانسوم وألن‬
‫تيت وروبرت بني وارين وكليانث بروكس و ويليام كريتز ومزات‪....‬ومن& األمساء اليت أطلقت على‬
‫األمريكيني الذين انتهجوا هذا النهج النقدي‪ :‬النقاد اجلنوبيون ‪ ،‬النقاد الريفيون‪ ،‬النقاد اهلاربون ‪ ،‬على أن‬
‫االسم الذي استقر هو النقاد اجلدد‪.‬‬

‫يذهب معظم الدارسني هلذه احلركة النقدية إىل أن تسمية النقد اجلديد تعود إىل الناقد األمريكي جون كرو‬

‫رانسوم الذي وسم كتابه سنة‪ 1941‬بالنقد اجلديد ‪ ،‬وقد عُ َّد هذا الكتاب مبثابة اإلعالن الرمسي عن ّ‬
‫تكون‬
‫هذه احلركة النقدية اجلديدة‪ .‬وقد تناول رانسوم يف هذا الكتاب أعمال بعض معاصريه من النقاد األجنلو‬
‫أمريكيني مثل‪ :‬ريتشاردز‪ ،‬وامبسون‪ ،‬و ت‪.‬س إليوت‪ ،‬وآيفور ونرتز‪ ،‬الذين دعوا إىل الرتكيز على النص‬
‫األديب‪.‬‬

‫وإذا عدنا إىل ظروف نشأة هذه احلركة فإنه ميكن مالحظة أن "معظم أقطاب النقد اجلديد‪ ،‬يف‬
‫البداية‪ ،‬كانوا من شعراء أو صحفيني أحرارا أو موظفني يف مراكز تدريسية نائية‪ ،‬ومع هناية الثالثينيات‬
‫ارتسمت حركة اسرتاتيجية تبتغي الرتسيخ األكادميي للنقد اجلديد يف شكل هجرة مهنية ؛ إذ انتقل رانسوم سنة‬
‫‪1937‬إلىوالية أوهايو حيث أسس جملة كينيون إضافة إىل تأسيس ملتقى نقدي سنوي‪ ،‬وحتصل تيت عام‬
‫‪1939‬على زمالة جبامعة برينستون( ‪ )...‬وتعززت هذه احلركة سنة ‪ 1938‬بصدور خمتارات تدريسية جديدة‬
‫بعنوان(فهم الشعر) لربوكس‪ ،‬و وارين‪ ،‬وضعت النقد اجلديد يف شكل مدرسي ينأى عن الدرسة الرتامجية أو‬
‫التذوقية البسيطة أو البحث عن املضمون‪ .‬دون أن ننسى الدور الذي لعبه امبسون يف اجنلرتا‪ ،‬وهو أحد أجنب‬
‫طلبة ريتتشاردز يف جامعة كومربدج‪ ،‬حيث طور بإيعاز منه منطق القراءة املفصلة يف حبث خترج حول تعدد‬
‫املعىن يف الشعر نشره عام ‪ 1930‬بعنوان( سبعة أمناط ن الغموض) حماوال من خالله ابراز القيمة األدبية لإلهبام‬
‫يف الشعر‪.‬لتتواىل بعد ذلك الكتب اليت تستهدف دارسي األدب مثل كتايب بروكس (بالتعاون مع وارين )‪ :‬فهم‬
‫الشعر وفهم الرواية بني عامي ‪ 1939‬و‪ .1941‬كما صدر له عام ‪ 1939‬كتاب ‪ :‬الشعر احلديث والرتاث‪.‬‬

‫وجتدر اإلشارة إىل أن مصطلح النقد اجلديد يطلق أيضا على حركة نقدية أخرى ظهرت يف فرنسا‬
‫خالل الستينيات من القرن املاضي ‪ ،‬وهذا ما يعين أن هناك تداخال اصطالحيا بني صيغتني من النقد اجلديد ‪،‬‬
‫األوىل أجنلو أمريكية والثانية فرنسية؛ حبيث تواتر مصطلح النقد اجلديد‪ ،‬بغري داللته األجنلو أمريكية‪ ،‬ليكون‬
‫عنوانا للمناهج النسقية اجلديدة(بنيوية‪ ،‬سيميائية‪ ،‬موضوعاتية‪ )...‬اليت هيمنت على الساحة النقدية منذ‬
‫سنوات الستينيات خصوصا‪ .‬هذا التداخل االصطالحي ‪ ،‬دفع بعض الكتاب إىل تبين التسمية االجنليزية‪New‬‬
‫‪ criticism‬للداللة على النقد اجلديد األجنلوأمريكي ‪ ،‬والتسمية الفرنسية ‪La nouvelle‬‬
‫‪critique‬للداللة على النقد اجلديد الفرنسي الذي سنتطرق إليه يف حماضرة أخرى‪.‬‬

‫األسس الفلسفية والطروحات النقدية‪:‬‬

‫ال تنجلي املبادئ واألصول اجلوهرية للنقد اجلديد األجنلو أمريكي‪ ،‬دون العودة إىل نظرية اخللق يف‬
‫األدب والفن‪ ،‬هذه النظرية اليت جتد جذورها يف الفلسفة املثالية الذاتية لدى كات‪ .‬وأبرز اجلذور املتصلة‬
‫بأطروحة نظرية‬

‫اخللق يف فلسفة كانت فصله بني اجليل واملفيد‪ ،‬وهو فصل أفضى به إىل االهتمام خبصائص العمل الفين يف ذاته‪،‬‬
‫وحسبان كل عمل فين وحدة جوهرية ذاتية ينحصر فيها مجاله‪ ،‬وتنحصر فيها الغاية منه‪ ،‬من دون النظر إىل‬
‫مضمونه أو عالقته مبا هو خارج عنه‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬كان أحد أهم املالمح املميزة للنقد اجلديد األجنلو أمريكي اعتباره العمل األديب حتفة‪ ،‬ووحدة‬
‫منسجمة‪ ،‬وتأكيده على التأويل احملايث للنص‪ ،‬وعزله النص عن كل ماهو خارجه‪ .‬وقد أتى التأكيد على‬
‫العمل األديب يف ذاته‪ ،‬بوصفه حتفة ال وثيقة‪ ،‬وبوصفه قيمة مجالية ال وسيلة توصيل‪ ،‬وذلك عرب التفريق بني‬
‫االستعمال العلمي والعملي للغة وبني االستعمال االنفعايل‪ .‬إن السمة البارزة هلذه املدرسة هي الرتكيز املطلق‬
‫على العمل األديب ‪ ،‬بعيدا عن االعتبارات األخرى‪ &،‬كحياة الشاعر وبيئته وخلفيته االجتماعية‪ ،‬فالعمل األديب له‬
‫قوانينه اخلاصة به‪ ،‬ومن مث فإن مهمة الناقد عند النقاد اجلدد ليست يف أن يكشف عما يعرب عنه العمل الفين‬
‫بل أن يرى العمل يف ذاته ولذاته‪ ،‬فال يقيّمه مبقاييس خارجة عنه‪.‬‬

‫أهم المرتكزات والخصائص المنهجية‪:‬‬


‫يرتكز النقد اجلديد يف صيغته األجنلو أمريكية على مجلة من اخلصائص النهجية العامة ‪ ،‬ميكن تلخيصها يف‬
‫النقاط التالية‪:‬‬

‫‪ -‬األدب فن واألصل فيه دراسة خصائصه الفنية واجلمالية ‪ ،‬وهذا ما يقتضي دراسنة النص بعيدا عن‬
‫حميطه السياقي؛ فمن النص االنطالق وإليه الوصول‪ ،‬دون اعتبار ملقاصد املؤلف أو وجدانية التلقي‪ ،‬أو ا أجلها‬
‫ويليام وميزات ومونرو بيدزيل يف املقولتني الذائعتني‪:‬‬

‫املغالطة القصدية عام ‪ 1946‬و املغالطة التأثريية عام ‪ ، 1949‬وتقضيان بأن البحث عن قصد املؤلف وهم‬
‫ألنه غري موجود أو موجود بشكل حمور ‪ ،‬وأن اخللط بني العمل وبني ما حيدثه من نتائج على نفسية املتلقي يف‬
‫ظروف معينة وهم –أيضا‪-‬ألنه داللة انطباعية ال معول عليها‪ ،‬ومادام النقد اجلديد نقدا يطمح إىل الوضوعية‬
‫فإن من الواجب صيانته من هاتني املغالطتني‪.‬‬

‫‪-‬تبين املقاربة النقدية لألعمال األدبية اعتمادا عليها يف ذاهتا وليس على ما هو خارجها‪،‬وذلك باختاذ‬
‫القراءة الفاحصة وسيلة حتليلية مركزية يف الدراسة النصية‪ ،‬تتقصى معجم النص وتراكيبه اللغوية والبالغية و‬
‫رموزه وإشاراته وكل العناصر اجلوهرية اليت تضيء دالالته وتفك مغاليقه‪ ،‬ويدل هذا املفهوم املركزي على‬
‫فحص النصوص املفردة بعيدا عن بيئتها الثقافية واالجتماعية‪....‬‬

‫‪ -‬لقد بذل النقاد اجلدد جهدا كبريا لبيان أن األسلوب واملوضوع شيء واحد ال ميكن فصلهما‪ ،‬وأن‬
‫أهم ما مييز أي عمل فين هو وحدته العضوية‪ ،‬وقد كانت مقولة كلينث بروكس" إن الشكل هو معىن" مقولة‬
‫مركزية إمجاال يف الوجهة النظرية للحداثة يف الفن واألدب‪ ،‬و قد صاغها ضمن مقال بعنوان النقاد الشكليون‬
‫عرض فيه أبرز مبادئ النقد اجلديد وجاءت مقولته تلك يف صدارهتا‪ ،‬حبيث ترتب عليها عدم إمكانية الفصل‬
‫بني الشكل واملضمون يف العمل الناجح‪ .‬وضمن هذا املسعى ‪ ،‬كان االهتمام األساسي هو البحث عن‬
‫الوحدة ‪ :‬هذا الكل الذي يشكله العمل األديب أو يفشل يف تشكيله‪ ،‬والعالقة بني األجزاء املختلفة مع بعضها‬
‫يف بناء الكل‪ .‬وقد ناهض بروكس – يف ذات اإلطار‪ -‬ما أمساه هرطقة الشرح وبدعة التلخيص اللتني كانتا‬
‫تناطان مبهمة الناقد تقليديا؛ ألن الشرح والتلخيص للقصيدة يقتضيان إمكانية أن ينفصل معناها عن شكلها‪.‬‬
‫‪-‬التأكيد على ضرورة أن يكون النقد أكثر علمية ودقة ومنهجية يف تعامله مع العمل األديب ‪ ،‬وهلذا‬
‫من الضروري نبذ التقومي املعياري واالبتعاد عن إطالق األحكام املسبقة اليت قد تؤثر سلبا على العملية‬
‫التحليلية ‪ ،‬و هلذا فإنه ينبغي يف النقد األديب االنطباعات الشخصية واملعرفة التارخيية واللغوية والدراسات‬
‫األخالقية‪ ،‬وعلى نقاد األدب أن يراعوا العمل األديب بوصفه موضوعا مجاليا‪.‬‬

‫نقد النقد الجديد‬

‫‪ -‬مما يؤخذ على النقد اجلديد جتاهله للمعطى التارخيي والعوامل اخلارجية‪ ،‬وعدم اهتمامه باملؤلف والقارئ ‪،‬‬
‫حيول األدب‬
‫مث إن رفض النقاد اجلدد ملفهوم األدب بصفته انعكاسا للحياة أو لعلم النفس أو لتاريخ األدب ّ‬
‫على حنو ال ميكن إنكاره إىل شيء مستقل ذاتيا ‪ .‬وهذا جيعل األدب جمردا إىل ح ّد الغرابة‪ ،‬معزوال عن احلياة‬
‫احلقيقية احملسوسة ملؤلفه و مجهوره‪.‬‬

‫‪ -‬مما يؤخذ عليه أيضا‪ ،‬تطبيق منهج جترييب على حقيقة غري علمية (النص اإلبداعي) ‪ ،‬وهو ما جعل‬
‫بعض الباحثني يذهبون إىل أن النقد اجلديد نقد ميكانيكي جيد ما يطلبه يف كل نص خيتاره‪ ،‬فيختار دائما ما‬
‫يتناسب مع أدواته ومقوالته( كتفضيل الشعراء امليتافيزقيني على غريهم واقتصاره على القصيدة الغنائية وفشله‬
‫يف التعامل مع النصوص الطويلة كالرواية واملسرحية)‪ ،‬وال يشجع الدارس على البحث عن غري ما جيرته ممارسو‬
‫هذا النقد‪.‬‬

‫‪ -‬اهتم النقد اجلديد أيضا بالنزعة النخبوية ومبجافاة الدميقراطية األدبية‪ ،‬وذلك حني يعمل يف دائرة شبه‬
‫غلقة على نفسها‪.‬‬

‫وقد أدت هذه االنتقادات وغريها إىل أفول مدرسة النقد اجلديد األجنلو أمريكية مع بداية الستينيات‪ ،‬لتفسح‬
‫الطريق أمام مدرسة شكلية جديدة ظهرت بفرنسا واشرتكت معها يف التسمية – كما أسلفنا أعاله‪.-‬‬

‫النقد الجديد في النطاق العربي‬


‫يعود ظهور أوىل ممارسات النقد اجلديد يف الوطن العريب إىل هناية اخلمسينيات وبداية الستينيات ‪،‬‬
‫حيث تبىن العديد من النقاد العرب املتأثرين بالثقافة األجنلوساكسونية الطروحات النقدية للتيار الشكالين‬
‫األجنلو أمريكي‪ .‬وجتدر اإلشارة إىل أن مصر هي األكثر متثيال هلذا التيار ‪ ،‬ومن األمساء النقدية اليت ترد هنا‪:‬‬
‫رشاد رشدي‪ ،‬حممد عناين ‪ ،‬مسري سرحان‪ ،‬زكي جنيب حممود‪ ،‬علي الراعي ‪ ،‬حممود الربيعي‪ ،‬يضاف إليهم‬
‫جربا إبراهيم جربا الناقد والكاتب الفلسطيين‪ .‬ومن بني األمساء املشار إليها يبدو رشاد رشدي أبرز ممثل هلذا‬
‫التوجه النقدي يف هيئته األكادميية املمنهجة ‪،‬وهذا عرب كتبه املختلفة( ما هو النقد‪ ،‬مقاالت يف النقد األديب ‪،‬‬
‫النقد والنقد األديب‪ ،‬فن القصة القصرية‪ &،)...‬وكذا عرب املعارك النقدية الطويلة اليت خاضها مع عدد من النقاد‬
‫املصريني الذين خالفوه االجتاه‪ ،‬هنم سالمة موسى و حممد مندور‪ .‬ويف كلتا املعركتني كان رشدي يؤكد أن "‬
‫وظيفة النقد أن يرى العمل الفين كما هو على حقيقته‪ ،‬ألن العمل الفين ليس تعبريا عن اجملتمع أو عن الكاتب‬
‫أو عن التاريخ أو عن البيئة أو عن أي شيء آخر‪ ،‬بل هو خلق عامل موضوعي كائن بذاته‪ ...‬و مهما كانت‬
‫الصالت األوىل بني هذا العامل‬

‫املوضوعي وهو العمل الفين وبني العامل اخلارجي‪ ،‬وهو جتربة الفنان‪ ،‬فإن هذه الصالت قد انقطعت مبجرد أن‬
‫متت عملية اخللق‪ ،‬إذ بتمام هذه العملية يصبح العمل الفين كائنا له كيانه املستقل‪ &،"...‬وقد شاركه يف مبادئه‬
‫النقدية‬

‫هذه بعض طلبته "الذين‪ -‬وبتوجيه منه‪ -‬اضطلعوا بتقدمي النظرية النقدية اجلديدة لدى النقاد الغربيني اجلدد‪ ،‬عرب‬
‫سلسلة كتيبات‪ ،‬حيث نشر حممد عناين النقد التحليلي عام‪ ،1962‬عن كلينث بروكس‪ ،‬ونشر مسري سرحان"‬
‫النقد املوضوعي عن ماتيو أرنولد ‪ ،‬كم نشر عبد العزيز محودة كتابه علم اجلمال عن كروتشي‪ ،‬ونشر فايز‬
‫اسكندر النقد النفسي عن ريتشاردز‪&....‬‬

‫وضمن هذا اإلطار ميكن اإلشارة إىل ناقد آخر كان من أوائل الدارسني العرب يف اجلامعات‬
‫االجنليزية‪ ،‬ذلك هو الناقد الفلسطيين جربا إبراهيم جربا ن الذي ذهب إىل إجنلرتا يف األربعينيات ودرس يف‬
‫جامعة كامربدج مستفيدا بشكل خاص من دروس وكتابات الناقد االجنليزي الشهري ف ‪.‬ر ‪.‬ليفيز‪ ،‬حيث يقول‬
‫واصفا هذه التجربة‪ " :‬درست عليه (أي ليفيز) النقد ‪ ،‬وتتلمذت على جملته النقدية ( متحيص)‪ ،‬وعن طريقه‬
‫دخلت إىل ما كان يف األربعينيات حىت الستينيات يدعى بالنقد اجلديد‪ ،‬أيام كنا نفضل كلمة اجلديد عن‬
‫احلديث لشعورنا منذذذ ذلك احلني بأن احلديث( الذي كانت بدايته احلقيقية يف أواخر القرن املاضي) غدا‬
‫مستهلكا وغري حديث"‪.‬‬

‫واجلدير بالتنويه أن ممارسي النقد اجلديد من النقاد العرب ‪ ،‬قد وضعوا تسميات منهجية عدة‬
‫لتوصيف جتربتهم النقدية ‪،‬كالنقد اجلمايل عند روزا غريب‪ ،‬والنقد املوضوعي لدى مسري سرحان وحممود‬
‫الربيعي‪ ،‬والنقد التحليلي لدى حممد عناين‪ ،‬والتحليل اللغوي االستاطيقي لدى مصطفى ناصف‪....‬لكن تبقى‬
‫تسمية املنهج الفين هي األكثر متثيلية هلذه التوجه النقدي العريب اجلديد‪.‬‬

‫وبطبيعة احلال ‪،‬فإن األسس واملبادئ العامة اليت يرتكز عليها هذا التوجه النقدي العريب اجلديد ال‬
‫ختتلف عن تلك املعتمدة عند نقاد احلركة األجنلو أمريكية ‪ ،‬وقد اجتهد الباحث يوسف وغليسي يف تلخيصها‬
‫على النحو التايل‪:‬‬

‫‪ -‬النظر إىل النص األديب على أنه ليس نسخة ن الواقع‪ ،‬ولكنه معادل فين له‪ ،‬فهو كيان مستقل على‬
‫حد تعبري مصطفى ناصف ينمو وفقا ملنطق داخلي أو عالقة صورة منعكسة يف مرآة‪&.‬‬

‫‪ -‬النص كيان فين يقتضي دراسة لغوية فنية‪.‬‬

‫‪ -‬دراسة النص األديب يف ذاته مستقال عن حميطه السياقس ‪ ،‬أي الرتكيز على أدبية األدب‪ ،‬واالنطالق‬
‫من النص بعيدا عن صاحبه والظروف احمليطة به‪ ،‬ذلك أن للنص األديب حياته وروحه العامة اليت ال تأيت من‬
‫اخلارج‪...‬‬

‫‪ -‬النظر إىل النص كصورة عضوية متكاملة‪ ،‬موحدة الشكل واملضمون ‪ ،‬فالشكل عند مصطفى‬
‫ناصف " هو قوة املضمون و وحدته وتركيبه‪ ،‬وليس قالبه أو وعاءه الذي حيفظ فيه؛ لذا يدعو إىل وحدهتا‬
‫العضوية‪ ،‬نابذا فكرة تشبيه بعض الدارسني للشكل ب‪":‬التكنيك الذي يتبعه اللص يف سرقة املنزل‪ ،‬يستطيع‬
‫هذا التكنيك أن ينتزع إعجابنا ويظل عمل اللص منكرا قبيحا"‪.‬‬

‫‪ -‬الدعوة إىل التحليل ونبذ التقييم وما ينجر عنه من إصدار ألحكام دون حيثيات ‪ ،‬ودون جمرد‬
‫االستماع إىل عناصر القضية‪ ،‬ذلك أن التحليل موقف يتيح لنا رؤية الكثري واستيعاب الغريب برحابة أوسع ‪،‬‬
‫أما التقييم فكثريا ما جيعلنا ننظر من وجه و هنمل اآلخر‪،‬حنب معيارا ونرفض آخر‪،‬بل كثريا ما يرتبط مبعايري غري‬
‫أدبية(‪&)...‬‬
‫ويف األخري ميكننا القول إن هذه االجتهادات النقدية ‪ ،‬كان له تأثري بالغ يف إحداث نقلة نوعية يف‬
‫املمارسة النقدية تنظريا وتطبيقا‪ ،‬حيث كشفت مؤلفات هؤالء النقاد وغريهم ‪،‬عن وجود مسعى علمي‬
‫لتكوين معرفة داخلية عميقة بالنص األديب‪.‬‬

‫قائمة المراجع المعتمدة‪:‬‬

‫‪-‬إبراهيم خليل‪ ،‬يف نظرية األدب وعلم النص‪.‬‬

‫‪-‬بسام قطوس ‪ ،‬دليل النظرية النقدية املعاصرة‬

‫‪-‬سعد البازعي ‪،‬استقبال اآلخر الغرب يف النقد العريب احلديث‬

‫‪-‬صربي حافظ‪ ،‬أفق اخلطاب النقدي‬

‫‪ -‬صاحل زياد ‪ ،‬آفاق النظرية األدبية‬

‫‪-‬مج من الباحثني ‪ ،‬حتوالت اخلطاب النقدي‬

‫‪ -‬ميجان الرويلي وسعد البازعي ‪ ،‬دليل الناقد األديب‬

‫‪-‬يوسف وغليسي‪ ،‬مناهج النقد األديب‬

You might also like