You are on page 1of 27

‫المبحث الول‪ :‬التجاه التقليدي في الشعر المغاربي‪:‬‬

‫المطلب الول‪ :‬التجاه التقليدي في الدب الجزائري‪:‬‬


‫الدب هو التعبير البداعي عن تفاعل الديب مع مختلجات نفسه ورؤاه وعن مواجهته للمجتمع والطبيعة والكون‪.‬‬
‫وهو وسيلة تاتلصال بين الديب والمجتمع‪ ،‬كما لأنه في تطلعاته النسانية‪ ،‬عين هذا المجتمع وضميره‪ ،‬يحمل إليه‬

‫فيعلن حقائق‪ ،‬ويبرز أخرى كما لأنه يصون الكثير من ل‬


‫القيم ويحميها ويضمن أصالتها‪ ،‬وليس من‬ ‫البشرى والنذير معا؛‬
‫(‪)1‬‬
‫ل‬
‫أن أحد أدوار الدب هو ترسيخ علقة النسان‬ ‫وطنيا ملتزما‪ ،‬إذ ل‬
‫ل‬ ‫الضروري أن يتبنّ الدب حزبا سياسيا ليصبح أدبا‬
‫ل‬
‫بأرضه وبتراثه وتعزيز شعوره بالنتماء إلّ وطن يمارس فيه الفرد وجوده النساني‪ ،‬ولم يكن الدب الجزائري خلل فترة‬
‫تجسدت‬
‫ل‬ ‫الرفض التي‬
‫الحتلل التي سبقت ثورة التحرير‪ ،‬بعيدا عن الحداث‪ ،‬فلقد عانّ من اضطرابها وحمل أصوات ل‬
‫ت‬
‫الدين(‪.)2‬‬
‫التمسّ بالتراث و ل‬
‫ل‬ ‫المحتل وفي‬
‫ل‬ ‫في النقمة علّ‬

‫بأن الدباء ل تل‬


‫يميزون بين الدب والشعر ؛بحيث يعتبرون الدب هو‬ ‫و تل‬
‫المتتبع لمفهوم الدب في هذه المرحلة يجد ل‬
‫فإنه ساهم في حفظ اللغة‬
‫الصنعة والتقليد‪ ،‬ل‬
‫الشعر نفسه‪ .‬كيف ل وهو أغزر اللوان الدبية حتّ وإن لم يسلم من ل‬
‫الصنعة‬
‫وتراثها‪ .‬ولم يغب الشعر الروحي الصوفي عن الدب الجزائري‪ ،‬فكثر ناظموه‪ ،‬وهو وإن غلب عليه الجفاف و ل‬
‫تمسّ الجزائري تلبدينه‪.‬‬
‫ظل يعكس ل‬
‫ولكنه ل‬
‫والركاكة‪ ،‬ل‬
‫ت‬
‫الديني‪ ،‬أو في‬
‫أما النثر فقد بقي محصو ار في التأليف الفقهي و ل‬
‫وكان الشعر من أبرز ألوان الدب في تلّ الحقبة‪ ،‬ل‬
‫تطورت علّ يد العلماء المصلحين‪ ،‬وبواسطة صحافتهم(‪.)3‬‬
‫المقالة الصحافية التي ل‬
‫يتجسد لدى الطرقيين وبعض الصلحيين‪ ،‬وهذا‬
‫ل‬ ‫فن الشعر‬
‫وخير دليل علّ اقتصار الدباء لمفهوم الدب علّ ل‬
‫بأن الغزل كان‬
‫محدد بالغراض الشعرية القديمة كالمدح والهجاء والفخر والرثاء‪...‬علما ل‬ ‫القتصار المفهومي للدب ل‬
‫ت‬
‫الدين هي الخوف من‬
‫محرما علّ الشعراء لتحريم ذكر المرأة‪ ،‬فقد"كانت النظرة المحافظة إلّ المرأة بالضافة إلّ تأثير ل‬
‫ل‬
‫المة‬
‫قيمها وعاداتها وتقاليدها وأخلقها السلمية‪ ،‬فتفقد بذلّ ل‬
‫أن ترتمي في أحضان الحضارة الغربية فتتخلّ عن ل‬
‫شخصيتها بفقدان تقاليدها‪.)4( .‬‬
‫بأنه لم يتجاوز التقاليد الجتماعية الموروثة‪ ،‬إذ‬
‫المتفحص لمفهوم الطرقيين القطاعيين والصلحيين للشعر يجد ل‬ ‫ت‬ ‫إن‬
‫ل‬ ‫ل‬
‫الدينية والفكرة الصلحية‪ ،‬فعاقت هذه الرؤية وشلت النتاج الدبي‬‫ت‬
‫حاولوا الحفاظ علّ هذا الفهم تحت تأثير الروح ل‬

‫(‪ )1‬نور سلمان‪ :‬الدب الجزائري في رحاب الرفض والتحرير‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الصالة للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪2009 ،‬م‪ ،‬ص‪.129‬‬

‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ :‬الصفحة ذاتها‪.‬‬

‫(‪ )3‬المرجع نفسه‪ :‬ص‪.131-130‬‬

‫صة القصيرة الجزائرية‪ ،‬ط‪ ،3.‬الدار العربي للكتاب‪ ،‬ليبيا‪-‬تونس‪1977 ،‬م‪ ،‬ص‪.29‬‬
‫(‪ )4‬عبد ا الركيبي‪ :‬الق ص‬
‫بمجرد ظهوره لفنا تقليديا‪ ،‬والشاعر(أحمد‬
‫ل‬ ‫الفن الذي أصبح‬ ‫الخاصة تل‬
‫بفن التفقه‪ ،‬هذا ل‬ ‫ل‬ ‫والنقدي جميعا‪ ،‬لتراكم الخبرة الفردية‬

‫تل‬
‫الي)يعبر بالشعر علّ فهمه له بقوله‪:‬‬ ‫كاتب الغز‬
‫بذّ ما ارتفعا(‪.)1‬‬
‫ّ أو ت‬
‫بمدح ما انح ت‬ ‫الشعر يزري بأهل العلم ما اتضـعا‬

‫الدين كذلّ عند أصحاب‬ ‫ت‬ ‫ت‬


‫الدين؛ هما الوظيفتان الساسيتان عند الشاعر‪ ،‬ونجد مفهوم ل‬ ‫الحق‪ ،‬وعمل الخير لصالح ل‬ ‫ل‬ ‫فقول‬
‫هذا التجاه مقصو ار علّ الشاعر"وهو ال تلذي يفهم الشعر ويتقن صناعته من حفظ لكلم العرب نث ار وشع ار وحفظ قواعد‬
‫جردوا الشعر من قيمته‬ ‫ت‬
‫اللغة من نحو وبلغة وإتقان للعروض‪ ".‬ومن هذا المنطلق نجد أصحاب هذا التلجاه قد ل‬
‫(‪)2‬‬

‫الخاصة المن تل‬


‫ظر لها عبر التاريخ‪ .‬وبهذا فقد الشعر التقليدي‬ ‫ل‬ ‫الفنية وحتّ الجمالية‪ ،‬باعتباره نوعا أدبيا له قوانينه‬
‫الفكرية و ل‬
‫أن بعض الشعراء‬
‫مجرد موعظة وبهذا يمكن أن اعتبره أدب الوعظ والرشاد‪ .‬والجدير بالذكر ل‬
‫ل‬ ‫تحول إلّ‬
‫قوة تأثيره كونه ل‬
‫ل‬
‫الجزائريين ل لت‬
‫يفرقون بين العروبة والسلم ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫يفرتق بين القومية العربية‬


‫مثل "سحنون"و "العيد"و "العقون" وغيرهم من شعراء الجيل السابق‪ ،‬بينما الجيل الجديد ل‬
‫ت‬
‫الدين كعقيدة روحية(‪.)4‬‬
‫كحضارة ومبدأ هدفه الوحدة‪ ،‬وبين ل‬
‫جدا‪،‬‬ ‫والمتتلتلبع لمسار الحركة الشعرية في الجزائر‪ ،‬يجد ل‬
‫بأن الجزائر لم تعرف قبل الحرب العالمية الولّ شعراء بارزين ل‬
‫ولعل من أبرزهم الشيخ المولود بن محمد السعيد بن الموهوب الذي حاول أن يقول شع ار تل‬
‫جيدا‪ ،‬ومن أجود شعره قصيدته‬ ‫ل‬
‫الرائية التي يقول فيها‪:‬‬

‫فصبرا‪ ،‬فالزمان له مــرور‬ ‫إذا جار الزمان عليك يومـا‬

‫فإن القرح يتبعه الســرور‬


‫ت‬ ‫ألمــت‬
‫ول تنظر لحـادثـة ت‬
‫صب غضبه علّ رجال الزوايا‪ ،‬وما يقول فيهم‪:‬‬‫طاهر بن عبد السلم الذي ل‬
‫ومنهم أيضا ال ل‬
‫وهم عن طريق الشرع عمي البصيرة‬ ‫لهم طرق شتى بها قد تشرعـوا‬

‫تقـودهـم للنـار من غير مـرية‬ ‫لهم من شياطين الناّ عصـابة‬


‫حمود الذي ناصب الطرقية العداء‪ ،‬ونظم في مساوئها القصائد الكثيرة‪،‬‬
‫وظهر في هذا الثناء شاعر آخر هو رمضان ل‬
‫الحار‪.‬‬
‫ل‬ ‫ورفع عقيرته بالشعر الوطني‬
‫ل‬
‫أن الشعار التي ظهرت في عقابيل الحرب العالمية الولّ كانت تدعوا إلّ اليقظة الوطنية‪ ،‬ونبذ الجهل‪،‬‬ ‫ويلحظ ل‬
‫التصوف وتزهد الشعب الجزائري فيه‪ ،‬وترغبه عنه(‪ )5‬كانت‬
‫ل‬ ‫والتسلح بالفضيلة والعلم‪ ،‬كما رأينا هذه الشعار تحتلذر من‬
‫تنصب في الغالب علّ موضوعات‬ ‫ل‬ ‫القصيدة الشعرية الجزائرية بمثابة الخطبة الحسنة‪ ،‬أو الدرس النافع‪ ،‬فكانت‬

‫(‪ )1‬نقل عن‪/‬بن قرين عبد ا‪ :‬النقد الدبي الحديث في الجزائر (‪ 1830‬إلى ‪ ،)1982‬ص‪.37‬‬

‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ :‬ص‪.38‬‬

‫(‪ )3‬عبد ا الركيبي‪ :‬قضايا عربية في الشعر الجزائري المعاصر‪ ،‬ط‪ ،3.‬الدار العربية للكتاب‪ ،‬ليبيا‪-‬تونس‪ ،‬ص‪.37‬‬

‫(‪ )4‬المرجع نفسه‪ :‬الصفحة ذاتها‪.‬‬

‫(‪ )5‬عبد الملك مرتاض‪ :‬فنون النثر الدبي في الجزائر (‪1954-1931‬م)‪ ،‬ص‪.66‬‬
‫إصلحية‪ ،‬فتنعّ علّ الطرقيين أفعالهم وأقوالهم‪ ،‬وتصمهم بالوصمات القبيحة(‪ )1‬هذا بالضافة إلّ ظهور كتاب‬
‫تل‬
‫(‪1927-1926‬م)كمؤشر الشعور باليقظة لدى‬ ‫(شعراء الجزائر في العصر الحاضر)لمحمد الهادي السنوسي سنة‬
‫الدباء الشباب الجزائريين من خلل التعليق البسيط الذي أورده عرضا في ديوانه الجامع لشعراء الجزائر في العصر‬
‫الحاضر‪ ،‬وهو بصدد الترجمة لحياة الديب الشيخ محمد المولود بن الموهوب المولود عام ‪1866‬م‪ .‬فقال‪":‬بينما القلم‬
‫بين أناملي يكتب هاته القصيدة إذا بالنباء تترى‪ ،‬وتطيرها أسلك البرق في أنحاء العالم عن البطل المريكي‬
‫طيارته‪ ،‬فكان لأول رجل قطعه في العالم أجمع‪...‬ومهما كان لنا في مثل‬
‫(لوندنبرج) الذي قطع بحر التلتطيّ علّ ل‬
‫كل العبرة لنا‪ ،‬في قول (لوندنبرج) لسائله في باريس بعد أن انتهّ من روايته عن‬
‫فإن العبرة‪ ،‬ل‬
‫هذا البطل من معتبر ل‬
‫مزقوها إربا إربا واقتسموها فعلمت‬
‫رحلته إليها‪:‬ما شعرت ساعة أن نزلت الرض إلل والجماهير تنوشني من ثيابي حتلّ ل‬
‫الحية تمل خزائنها بآثار العظماء ل بما تمل به المم الجاهلة‬
‫أن المم ل‬ ‫لأنهم يريدون منها تذكارا‪.‬قرأت هذا فعلمت ل‬
‫رؤؤسها وجيوبها من أسماء المشعوذين من الطرقيين وتمائم السرائليين"‬
‫(‪)2‬‬

‫بأن دللته لشّ واضحة البعاد كيف ل وهي تنبئ بيقظة وعودة الوعي في ذهن‬ ‫ت‬
‫المتأمل لهذا القول المثير يجد ل‬
‫و ل‬
‫الشباب الجزائري‪.‬‬
‫ت‬
‫أن الشاعر الجزائري يبدأ قصيدته مباشرة بالشكوى من سوء حال الشعب‪ ،‬ل‬
‫فيعدد النكبات والمصائب‬ ‫أضف إلّ ذلّ ل‬
‫يختتمها بالدعوة إلّ (المقاومة)وإلّ الستشهاد‪ ،‬كما فعل ذلّ أمير الشعراء(محمد العيد‬
‫ل‬ ‫ط فيها هذا الشعب ثم‬
‫التي يتخب ل‬
‫آل خليفة)‪:‬‬
‫واعوزت المرافق و الرفود‬ ‫أصابتنا الجوائح والـرزايا‬
‫وحزت في سواعدنا القيود‬ ‫حنت أعناقنا الغلل ظلما‬
‫فأخفتها الدسائس والكيود‬ ‫وأعلتنا المظالـم والشكـايا‬
‫وانكا ار وصعدت الخـدود‬ ‫وانغضت الرؤؤس لنا هزوا‬
‫ت‬
‫يعدد هذه المظالم‪ ،‬يدعوا الشاعر الجزائري إلّ المقاومة‪:‬‬
‫وبعد أن ل‬
‫بل مهل فقد طال الرقود‬ ‫فقم يا ابن البلد اليوّ وانهض‬
‫(‪)3‬‬
‫تظلتلك البنود أو اللحود‬ ‫وخض يا ابن الجزائر في المنايا‬
‫أن هذه الشعار قد أخذت مسا ار واحدا ويتجلّ في‬
‫والملحظة التي بمكن أن نستشلفها من خلل الشعار السابقة‪ ،‬هي ل‬
‫الدعوة إلّ المقاومة من خلل شكل تقليدي يتغنّ بالجهاد والنضال‪ ،‬ويدعوا إلّ وحدة الجزائر ويواكب الحداث‬
‫ل‬
‫السياسية‪.‬‬

‫(‪ )1‬المرجع نفسه‪ :‬الصفحة ذاتها‪.‬‬

‫(‪ )2‬عبد ا ح صمادي‪ :‬شعراء الجزائر في العصر الحاضر‪ ،‬محمد الهادي السنوسي الزاهري‪ ،‬ط‪ ،2‬بهاء ال صددين للنشر والتوزيع‪ ،‬ج‪ ،2‬قسنطينة‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪2007‬م‪ ،‬ص‪.27‬‬

‫(‪ )3‬عبد العزيز شرف‪ :‬المقاومة في الدب الجزائري المعاصر‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪1991 ،‬م‪ ،‬ص‪.42-41‬‬
‫ورغم هذه الظروف الحرجة والصعبة التي ظهر فيها الشعر الجزائري إلل لأنه بقي وسيبقّ سجل للنضال الجزائري الذي‬
‫يتتبع الغزو الفرنسي‪ ،‬ويعتلق عليه ويلهج بالنتصارات‬
‫عاش في أعماق التربة الجزائرية مصلفدا بأغلل القهر‪ ،‬فهو ل‬
‫ويرثي الهزائم(‪.)1‬‬
‫فإن التقليديين فهموا ذلّ‬ ‫مميز تل‬
‫لفن الشعر‪ ،‬ل‬ ‫أهم ل‬‫بها الديب ل‬ ‫وإذا كانت المعاناة نتيجة المقاومة والنضال التي تل‬
‫يعبر‬

‫محاكاتها‪ ،‬واعتبارها النموذج الرقّ الذي ينبغي إتلباعه‪ ،‬ل‬


‫وكل‬ ‫بالتقليد الحرفي شكل ومضمونا للقصيدة الكلسيكية أو‬
‫يعدونه شا لذا أو محرفا‪ ،‬والشا لذ يحفظ ول يقاس عليه‪.‬‬
‫من يخرج عن هذا الفهم ل‬
‫لقد كان تعبير الشعراء الطرقيين يتماشّ وتأثير السلوب القديم‪ ،‬والنمط التقليدي السائد‪ ،‬لذا انعدم التجديد عندهم‪ ،‬كيف‬
‫ل وهم كانوا يغرفون من مناهل الدب العربي القديم وتعلقهم بمدرسة الحياء العربية‪ ،‬فالقصيدة ل‬
‫متعددة الغراض‪ ،‬لذلّ‬
‫معينا فيحشد له كل الوسائل‬
‫فالجيل القديم لم يعنّ بوحدة القصيدة في الموضوع بحيث يختار الشاعر موضوعا ل‬
‫التعبيرية لينقل لنا تجربته التي عاشها‪ ،‬بل علّ العكس فنجد الشاعر من هؤلء ينتقل من موضوع إلّ آخر‪ ،‬ويقفز من‬
‫‪.‬مما يجعل أفكار‬
‫ل‬
‫(‪)2‬‬
‫موقف إلّ غيره‪ ،‬ومن فكرة إلّ ثانية‪ ،‬دون أن يلتزم بوحدة في الموضوع الذي عنون به قصيدته‬
‫القصيدة تتشتت فل يجمعها إلل الشكل الخارجي من وزن وقافية‪.‬‬
‫حدد مفهوم الشعر بكلمه المزركش المزخرف‪:‬‬
‫استدل بقول الشاعر(محمد العلمي)الذي ل‬
‫ل‬ ‫وبهذا الصدد يمكنني أن‬
‫إن قالـه مفاخـر‬ ‫الشعر بحر زاخــر‬
‫تدوسـه الباعـر‬ ‫فمن يروّ هزجــه‬
‫ترده الكاسـر‬ ‫ومن يروّ رجــزه‬
‫تزينه الدفاتــر‬
‫ت‬ ‫فما هذا الشعر الذي‬
‫(‪)3‬‬
‫فيه بيان ساحـر‬ ‫يمجه السمع ومـا‬
‫ت‬
‫الشاعر هنا يكتب ما تمليه عليه خواطره‪ ،‬ويسترسل كلمه كلما ساعدته القافية والوزن‪ ،‬وفي البيات السابقة‬
‫حد مفهوم الشعر لدى‬ ‫بأن شاعرنا(محمد العلمي) قد أخطأ في الوزن ل‬
‫خاصة في البيتين الرابع والخامس‪ ،‬وهذا هو ل‬ ‫نجد ل‬
‫يتمكن من‬
‫ل‬ ‫ظاموه في الزوايا‪ ،‬فالشعر عندهم هو الموزون المقلفّ‪ ،‬والشاعر الذي ل‬
‫الشعراء الطرقيين الذي كثر ن ل‬
‫شروطه ينزل إلّ الحضيض‪.‬‬
‫ويشل من حركية الفنون الدبية وتطويرها‪ ،‬ويمكن استحضار‬
‫ل‬ ‫يكرس الجهل والتخلف‪،‬‬‫إن الفهم المتداول والمبتذل للبداع لت‬
‫ل‬
‫خاّ‪ ،‬كانت‬
‫ل‬ ‫بقوله‪":‬إن النظرة التقليدية للدب والشعر منه بوجه‬
‫ل‬ ‫قول عبد ا الركيببي في الحكم علّ الدب التقليدي‬
‫تأخر بعض الفنون الدبية عندنا من جهة‪ ،‬كما ساعدت علّ أن يحذوا معظم شعرائنا حذو أسلفهم من‬ ‫السبب في لت‬
‫الشعراء العرب القدمين في الساليب من جهة ثانية" (‪ )4‬فالشعراء والنقاد التقليديون كانوا ينظرون إلّ الشعر نظرة‬
‫تهتم بالدرجة الولّ بوحدة البيت ل‬
‫لنها مقياس الجودة والرداءة عندهم‪ ،‬لذا سقطت الكلسيكية أسيرة الفهم الساذج‬ ‫جزئية ل‬

‫(‪ )1‬المرجع السابق‪ :‬ص‪.42‬‬

‫(‪ )2‬عبد ا الركيبي‪ :‬قضايا عربية في الشعر الجزائري المعاصر‪ ،‬ص‪.145‬‬

‫(‪ )3‬نقل عن‪/‬بن قرين عبد ا‪:‬النقد الدبي الحديث في الجزائر(‪1830‬إلى‪1982‬م)‪ ،‬ص‪.39‬‬

‫(‪ )4‬المرجع نفسه‪ :‬الصفحة ذاتها‪.‬‬


‫ت‬
‫تارة ثالثة‬
‫الدين السلمي ل‬ ‫تارة أخرى و ل‬
‫الدعوة إلّ ل‬ ‫تارة والموعظة ل‬
‫المبتذل للدب‪.‬كما انحصرت وظيفتها في الحكمة ل‬
‫(‪)1‬‬

‫ت‬
‫يؤصل نظريا لمفهوم الشعر حيث‬
‫بالضافة إلّ هؤلء الشعراء نجد الشاعر إبراهيم أبو اليقظان الذي حاول أن ل‬
‫المة وتتجلّ فيه‬ ‫ت‬
‫ل‬ ‫أمة مرآتها‪ ،‬ومرآة الدب الشعر‪ ،‬فالشعر هو مظهر تظهر فيه مشاعر ل‬ ‫كل ل‬
‫أن آداب ل‬ ‫يقول‪":‬اعلم ل‬
‫أحوالها وتتراءى نفسيتها ويعرف بها درجة مزاجها العقلي"(‪.)2‬‬
‫"الشعر وحي يوحيه الخيال علّ النفس فينطلق به اللسان فينشده الدهر قرونا‪.‬‬
‫اشعته من نافذتها فيضيئ بها‬
‫الشعر في نفس الشاعر نور مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة‪ ،‬يرسل ل‬
‫بطون الليالي المقبلة مدى العصور‪.‬‬
‫الشعر قالب عليه تسبّ أغراض النسان وتصاغ غايته وتفرغ مراميه‪.‬‬

‫الشعر ميزان توزن به القوال ومعرض فيه تعرض عظائم العمال‪ ،‬وديوان ل‬
‫تدون فيه محامد الخصال لمن يأتي من‬
‫الجيال‪.‬‬

‫السماء‪ ،‬فيرلن صداه ل‬


‫متموجا في الهواء إلّ أن‬ ‫الشعر لسان النسانية فيه يذود عن الحمّ ويرفع صوته إلّ عنان ل‬
‫الصم وينطلق به البكم ويبصره أهل العمّ"(‪.)3‬‬
‫ل‬ ‫يسمعه‬
‫فن عرفه النسان‬ ‫ت‬ ‫م‬
‫بأن الشعر عنده يمثلل أسمّ ل‬
‫المتأمل لهذه المفاهيم والنطباعات الرؤياوية عند أبي اليقظان يجد ل‬
‫و ل‬
‫كيف ل وهو رأس الفنون الدبية‪ ،‬فالشعر في رأيه عالم مرآوي‪ ،‬أو هو بمثابة انعكاس في المخيلة لعالم واقعي تظهر‬
‫المة وأحوالها‪ ،‬وتتراءى فيه نفسيتها ومستواها العقلي في شيء من التلحم والتوافق‪ ،‬يتوازن فيه النفعال‬
‫فيه مشاعر ل‬
‫لت‬
‫الحس فالشعر عنده إذا مرآة عاكسة‬ ‫مع الواقع في انعكاسات داخلية لمعطيات خارجية فيصوغها وفقا لمعطيات من‬
‫للحياة‪ ،‬حيث يمثلها تمثيل حقيقيا يمتثلل حياتها العقلية والنفسية والجتماعية أصدق تمثيل‪ ،‬فالتماس هذه الحياة في‬
‫الشعر أنفع وأجدى من التماسها في أي نشاط إنساني آخر ورغم ما شاب تلّ المفاهيم السابقة لمفهوم الشعر من مزالق‬
‫مهدت فيما بعده لمحاولة‬ ‫ت‬
‫جادة ل‬‫أن محاولة أبي اليقظان كانت تمثلل خطوة واسعة ويمكن اعتبارها محاولة ل‬ ‫وعيوب؛إلل ل‬
‫مادة خصبة أفاد منها نقد الشعر واستغلها في متابعة التأصيل النظري‬
‫قدم أبو اليقظان ل‬ ‫التنظير لمفهوم الشعر‪ ،‬كما ل‬
‫يعرفه من خلل التركيز علّ الشكل‬‫لمفهوم الشعر وعند استقرائنا لهذا المفهوم عند النقاد الجزائريين‪ ،‬نجد أحمد الكحل لت‬
‫يتم تعريف الشعر علّ‬ ‫الظاهري للشعر أو علّ ما يبديه المتلقي من النتظام اليقاعي للكلمات‪ ،‬وعلّ هذا الساس ل‬
‫المركب من أجزاء ل‬
‫تسمّ التفاعيل"‬ ‫ل‬ ‫لأنه"الكلم الموزون المقلفّ‬
‫يتميز بخصوصية تجعله يختلف عن سائر التعاريف السابقة‪،‬‬ ‫بأن أحمد لكحل ل ل‬ ‫ونخلص من هذا التعريف ل‬
‫ثم فهو لم يأت بجديد‪ ،‬و لإنما نظر إلّ الشعر نظرة‬ ‫ت‬
‫الصيغ المعروفة لدى القدامّ‪ ،‬ومن ل‬ ‫فالمر كله قائم علّ تملثل ل‬
‫فإن‬ ‫ن‬ ‫تقليدية؛ إذ راح لت‬
‫ثم ل‬‫يركز علّ العناصر الربعة التي ذكرها النلقاد القدامّ‪ :‬اللفظ ‪ -‬والمعنّ‪ -‬والوز ‪ -‬والقافية‪ ،‬ومن ل‬

‫(‪ )1‬المرجع نفسه‪ :‬ص‪.40-39‬‬

‫لوليات النقد الجزائري الحديث‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬المطبعة الجهوية‪ ،‬قسنطينة‪1998 ،‬م‪،‬‬
‫(‪ )2‬نقل عن ‪/‬علي خذري‪ :‬نقد الشعر مقاربة ص‬
‫ص‪.26‬‬

‫(‪ )3‬المرجع السابق‪ :‬ص‪.27‬‬


‫مجرد إعادة واجترار لما جاء في كتاب قدامة بن جعفر‬
‫تتعدى كونها ل‬
‫ما ساقه أحمد لكحل من تعريفات للشعر ل ل‬
‫القائم ‪" :‬الشعر قول موزون مقلفّ ل‬
‫يدل علّ معنّ"‬
‫(‪.)1‬‬

‫تتصف بها هذه المفاهيم وهي لأنها‬


‫ل‬ ‫عامة‬ ‫تعدد المفاهيم والرؤى حول مفهوم الشعر‪ ،‬ل‬
‫وتنوعها نجد صفة ل‬ ‫ورغم ل‬
‫تتضح صعوبة ضبط تعريف جامع مانع نافع للشعر‪ ،‬وهذه‬
‫ل‬ ‫مفاهيم وتعاريف نسبية ل تحمل صفة القطع‪ ،‬وهكذا‬
‫متعددة من ألوان النشاط النساني الخرى‪.)2( ...‬‬
‫المعقد لمجموعة ل‬
‫الصعوبة راجعة للتحامه المتشابّ و ل‬
‫تحتم علّ الدارس‬
‫مما ل‬ ‫متجدد من عصر ثقافي إلّ عصر ثقافي آخر‪ ،‬ل‬ ‫ل‬ ‫أن مفهوم الشعر مفهوم‬
‫هكذا إذن نجد ل‬
‫أن هناك مفاهيم للشعر بعدد القصائد الشعرية تل‬
‫الجيدة‪ ،‬وهذا ل يعني بالضرورة‬ ‫التسليم بالحقيقة الساخرة والتي مفادها‪ :‬ل‬
‫العامة وخصائصه الثابتة مهما اتلسم ذلّ‬
‫ل‬ ‫تصور للشعر يجمع سماته‬ ‫ل‬ ‫يشككنا في جدوى محاولة الوصول إلّ‬ ‫ل‬ ‫أن‬
‫بالعموم أو بالنسبية‪.‬‬
‫التقدم نحو‬
‫ل‬ ‫العامة والخصائص الثابتة وتفهمها فائدة محقلقة تساعد الناقد الدبي علّ‬
‫ل‬ ‫ففي رصد هذه السمات‬
‫الموضوعية‪.‬‬
‫محددة ل تختلف كثي ار‬
‫تصورات ل‬
‫تتحرك وفق ل‬‫أن فائدة الزاهري وأبي اليقظان وأحمد لكحل كانت ل‬
‫وكما هو معلوم ل‬
‫عن تلّ التي حكمت حركتهم في التعامل مع التراث‪ ،‬بالضافة إلّ ما يتلءم وطبيعة العصر من أبعاد في حدود‬
‫فهمهم ونظرتهم إلّ الشعر‪ ،‬ومن هنا كانت نظرتهم منطلقة من الجتهاد في فهم الجوانب الصيلة من تراثهم وروح‬
‫العصر‪ ،‬ثم الفادة في ضوء هذا الفهم(‪.)3‬‬

‫بأن نقادها ينظرون إلّ الشعر من خلل وظيفتهم‪ ،‬كونهم بحاجة إلّ ل‬
‫كل ما من‬ ‫وكاستقراء عام لهذه الفترة نجد ل‬
‫بأية وسيلة كانت‪.‬‬
‫تغير المر الواقع ل‬
‫شأنه أن يعمل علّ ل‬
‫فإن ماهية الشعر في النقد الجزائري الحديث‪ ،‬وعلّ نحو ما تملثلها التقليديون نجدها تتلسم‬ ‫وزبدة القول‪ ،‬ل‬
‫بمجموعة من الملحظات يمكن أن نجملها في النقاط التالية ‪:‬‬
‫وظل ل‬
‫يتردد عند كثير‬ ‫ل‬ ‫‪ -1‬أجمع معظم النلقاد التقليديون في تعريفهم للشعر علّ مصطلح واحد وهو مصطلح الوحي‬
‫لنهم يصدرون من منبع واحد‪ ،‬بالضافة إلّ محدودية ثقافتهم التي ل ل‬
‫تتعدى موروث الدب العربي‪.‬‬ ‫منهم؛ ل‬
‫أن تعريفاتهم لم تكن تقليدية محضة‪ ،‬بل شابتها بعض الملمح الرومانسية‪ ،‬بالرغم من غلبة الذوق الكلسيكي‬ ‫‪ -2‬ل‬
‫الحي‪ ،‬وهذا ما يجعل فكرة التجديد ل تحلتقق الكثير في الجزائر‪.‬‬ ‫تل‬
‫المتشبث بالماضي حيث يرى فيه المثل‬
‫تل‬
‫الديني‪ ،‬والذوق الدبي‪ ،‬وتقديس‬‫ت‬ ‫ت‬
‫متعددة‪ ،‬فهم متجاذبون بين الروح ل‬ ‫ل‬ ‫أن الضواغط والضوابط علّ النلقاد كانت‬
‫‪ -3‬ل‬
‫مما لأدى إلّ حيرة النلقاد في أمورهم وبالتالي اضطراب تعريفاتهم‪،‬‬
‫القدامّ‪ ،‬وهذه الشياء قد تتناقض في موضوع واحد‪ ،‬ل‬
‫علوة علّ ذلّ ظروفهم الثقافية المضطربة والمتفاوتة التي شلت أفكارهم‪.‬‬
‫أن الناقد يصدر عن تجربة شخصية ل تمت بصلة إلّ‬ ‫أن النقد التقليدي ذو طابع فردي أكثر منه جماعي‪ ،‬بمعنّ ل‬
‫‪ -4‬ل‬
‫أي اتجاه نقدي ل‬
‫معين مثل ما نجد في النتماءات النقدية الحديثة كجماعة الديوان وجماعة أبولو‪.‬‬ ‫ل‬

‫(‪ )1‬المرجع السابق‪ :‬ص‪.27‬‬

‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ :‬ص‪.41-40‬‬

‫(‪ )3‬المرجع نفسه‪ :‬ص‪.42‬‬


‫‪ -5‬خلط النقاد التقليديين بين ماهية الشعر ووظيفته‪ ،‬وهذا راجع إلّ ضعف تكوينهم الثقافي‪ ،‬وعدم إلمامهم بالثقافة‬
‫الشعرية‪...‬‬
‫‪ -6‬أضحّ الشعر عند هؤلء النلقاد وسيلة ل غاية تحكمه النزعة الخلقية التي جاء بها السلم(‪.)1‬‬
‫هذا هو إذن طابع الشعر السائد قبل الثورة‪ ،‬وهو الشعر التقليدي والقالب العمودي‪ ،‬بالضافة إلّ اللغة الكلسيكية التي‬
‫فكأن‬
‫تعنّ بالجزالة والفخامة‪ ،‬ونكاد في هذا الصدد أن نجزم بعدم وجود محاولت لكسر هذا الطار والخروج عنه؛ ل‬
‫لت‬
‫المطردة‪ ،)2( ...‬ولكن أمام هذا الوضع العام الذي شهد‬ ‫الشاعر ملتزم باليقاع المعتمد علّ الوزن الرتيب والقافية‬
‫لبد من ظهور جيل جديد ل‬
‫يتبنّ الحياة الجديدة‬ ‫تصاعدا سياسيا والذي طغّ علّ مجال النشاط النساني‪ ،‬كان ل‬
‫المتصاعدة‪ ،‬ويكسر ويهدم الحياة القديمة بالبتكار والتجديد‪ ،‬وبهذا فقد تموت وتندثر العمال التقليدية الساقطة بحكم‬
‫التطور التاريخي للمجتمع ‪...‬‬
‫ل‬
‫أهم شيء هضمه واستوعبه الجيل الجديد هو مساواة الريشة بالبندقية لمحاربة الغزاة ‪...‬كيف ل وقد دخلت الجزائر‬ ‫إن ل‬
‫ل‬
‫معترك الحياة القاسية بتجربتها مع الستعمار مع نهاية الحرب العالمية الثانية‪ ،‬تزامنا مع مجزرة الثامن ماي ‪1945‬م‬
‫هاما في مجرى تاريخ الجزائر الحديث سياسيا وثقافيا واجتماعيا‪.‬‬
‫التي أحدثت انقلبا ل‬
‫القوي للدب التقليدي وما أفرزه من انطباعات نقدية هي بمثابة‬‫لي جاحد أن ينكر النتصار ل‬ ‫صحيح ل يمكن تل‬
‫يشجع تطوير الدب‪ ،‬كما لأنه لم‬ ‫ت‬
‫أن هذا النتصار لم ل‬ ‫الجو فيما بعد‪ ،‬إلل لأنه ل لبد أن نشير إلّ ل‬
‫هيأت ل‬
‫الرضية التي ل‬
‫يهيئ المناخ الذي يمكن أن يترعرع فيه الحساس الجميل بالحياة(‪ ،)3‬لذا عرفت هذه الفترة بالذات أدباء ونلقادا وشعراء‬
‫القل‪.‬‬
‫ل‬ ‫راحوا يدعوا وسط هذا النغلق إلّ ضرورة التجديد ومسايرة الحركة الدبية في المشرق العربي والمهجر علّ‬
‫ت‬
‫كل لل أنواع البداع‬
‫التمسّ بالقديم أتّ علّ ل‬
‫ل‬ ‫ظل خافتا‪ ،‬ل‬
‫لن طغيان‬ ‫أن صوتهم ل‬
‫ورغم تعالي أصوات دعاة التجديد‪ ،‬إلل ل‬
‫مما جعل مدرسة الديوان النقدية مثل ل تجد لها صدى في أصوات الحركة الدبية في الجزائر في‬ ‫المستحدث ل‬
‫وظل الشعراء الجزائريون يلهجون بالثلناء لشاعر كأحمد شوقي وحافظ إبراهيم والرصافي ويرون فيهم آخر‬
‫العشرينيات‪ ،‬ل‬
‫المتحيز إلّ جانب محمد مصطفّ صادق الرافعي في معاركه الكلمية يجعل‬ ‫تل‬ ‫عمالقة عصور البداع‪ ،‬بل نجد وقوفهم‬
‫يصب جام غضبه علّ طه حسين ويرميه بأبشع الوصاف كاللحاد والمروق (‪ ،)4‬ويمكن استحضار‬‫ل‬ ‫العديد منهم‬
‫عنوان المقال الذي كتبه محمد السعيد الزاهري عن طه حسين الموسوم بـ "طه حسين شعوبي ماكر" حيث ل‬
‫شن عليه‬
‫صب عليه جام غضبه‪ ،‬ودعا إلّ حرق كتبه‪ ،)5( ...‬ولم ير واحد كابن باديس من حرج يذكر في‬ ‫ل‬ ‫حملة هجومية‬
‫التصدي بالنقد الجارح لشاعر كأبي القاسم الشابي الذي أقدم علّ قراءة (الخيال الشعري عند العرب) بمنظور لم يألف‬
‫ل‬
‫حق هذا الدب‪ ،‬وكان موقفه صارما‬
‫النقد العربي القديم مثله ورأى في ذلّ إخلل بقداسة عمود الشعر‪ ،‬واستنقاصا من ل‬
‫في دفاعه عن الدب العربي القديم‪ ،‬حيث يقول‪" :‬الشعر العربي هو أصل ثروتنا الدبية‪ ،‬وأصل بلغتنا ومرجع‬

‫(‪ )1‬المرجع السابق‪ :‬ص‪.45-44‬‬

‫(‪ )2‬عبد ا الركيبي‪ :‬الشعر في زمن الحرية دراسات أدبية ونقدية‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتاب العربي للطباعة والنشر‪ ،‬القبة‪ ،‬الجزائر‪2009 ،‬م‪ ،‬ص‪.201‬‬

‫(‪ )3‬محمد ناصر‪ :‬الشعر الجزائري الحديث اتجاهاته وخصائصه الفنية (‪1975-1925‬م)‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الغرب اسسلمي‪ ،‬بيروت‪2006 ،‬م‪ ،‬ص‪.64-63‬‬

‫(‪ )4‬عبد ا ح صمادي‪ :‬أصوات من الدب الجزائري الحديث‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار البعث‪ ،‬قسنطينة‪2001 ،‬م‪ ،‬ص‪.37‬‬

‫(‪ )5‬نقل عن ‪ /‬بن قرين عبد ا ‪ :‬النقد الدبي الحديث في الجزائر (‪ 1830‬إلى ‪1982‬م)‪ ،‬ص‪.25‬‬
‫شعرائنا في اللغة والبلغة‪ ،‬والساليب العربية‪ ،‬فدرسه والستفادة منه‪ ،‬أمر ضروري لحفظ هذا اللسان المبين‪ ،‬فكيف‬
‫نبني دعوتنا إلّ توسيع الشعر العربي بالتزهيد فيه ‪.)1( "...‬‬
‫المتأمل لنص الشيخ المام عبد الحميد بن باديس تستوقفه نظرة الشيخ إلّ القصيدة العربية القديمة كمرجع للشاعر‬ ‫ت‬
‫و ل‬
‫المحدث من حيث اللغة والبلغة‪ ،‬ومن حيث السلوب‪ ،‬وهي العناصر التي تجعل من الشعر الحديث تقليديا‪ ،‬إذا ما‬
‫أي تجديد‪ ،‬وموقف المام بن باديس هذا هو موقف جمعية العلماء المسلمين؛ أئمتها‬
‫تمسّ بها‪ ،‬وينتفي معه ل‬
‫ل‬
‫وأدباؤها ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫إن تأثر الحركة الدبية في الجزائر بالمدرسة الحيائية‪ ،‬جعل الشعراء والنلقاد الجزائريين يظاهرون مدرسة الحياء ل‬
‫ضد‬ ‫ل‬
‫ضد طه حسين كما سبق وأن قلنا‪ ،‬وحتّ علّ مستوى النقد الدبي‪ ،‬فإذا ما‬‫مدرسة الديوان ويقفون إلّ جانب الرافعي ل‬
‫فإن النقد إن لم يكن تل‬
‫ميتا فهو‬ ‫حمود الرائدة في الدعوة إلّ التجديد في النماط والساليب الشعرية‪ ،‬ل‬
‫استثنينا آراء رمضان ل‬
‫اجترار للنقد المشرقي‪.)3(...‬‬
‫وهذا الجترار قد لأدى إلّ نشوء صيحات تجديدية‪ ،‬وهذه الصيحات لم تجد آذانا صاغية‪ ،‬إلل مع مطلع الربعينيات وما‬
‫تشبع بروح الرومانسية الثورية التي وجدت هوى في قلوب‬‫بعدها‪ ،‬واحتضان الجيل الصاعد الجديد لفكارها بعد أن ل‬
‫الفن القصصي في الجزائر يدافع عن هذه‬
‫المبدعين الشباب‪ ،‬فجعلت أديبا من الجيل الثاني كأحمد رضا حوحو رائد ل‬
‫ت‬
‫عامة‬
‫خاصة والدب ل‬ ‫الفكار باتلزان أكثر وبحجج أعمق وأحيانا بانفعال شديد من أجل إطلق سراح الشعر الجزائري ل‬
‫ت‬
‫المتوقع أن يهاجم‬
‫تؤجج العبقرية‪ ،‬وكان من المنتظر و ل‬‫من قيود التقليد‪ ،‬والعتراف للمبدع بغريزة الجنون والجنوح التي ل‬
‫ط المحافظ لجريدة البصائر ويقصد به المنهج الذي تتلبعه هذه الجريدة‪ ،‬وهي لسان حال جمعية العلماء‬
‫رضا حوحو الخ ل‬
‫المسلمين الجزائريين الصلحية؛ التي ل تساوم في ميدان الفصاحة والعقيدة‪ ،‬فقال في جريدة البصائر‪" :‬ل يمكن أن‬
‫لن العبقرية جنون ل يؤمن بالحدود‪ ،‬ول يعرف القيود ول يخضع‬
‫يتسع صدرها لعموم جنونيات الدب‪ ،‬والدب جنون‪ ،‬ل‬
‫لنظام‪ ،‬وإلل فهو الكلم عند النحاة والشعر عند العروضيين ‪...‬ولجريدة البصائر عذرها فهي لسان حال حركة ل يمكنها‬
‫أي مسلّ يسلكه فيها ‪...‬تريد نهضة أدبية فهل تريدها جريدة زاخرة‬ ‫لتتبع هوس أديب ل تدري ل‬ ‫ل‬ ‫طتها‬
‫أن تحيد عن خ ل‬
‫نستمر في نفخ تلّ الجثة تل‬
‫الميتة‪ ،‬والسير علّ غرار تلّ الطريقة التقليدية ‪.)4( "...‬‬ ‫ل‬ ‫منا أن‬
‫بالحيوية والتجديد‪ ،‬أم تريد ل‬
‫تدخله مصطلحات خليقة بالدب والدباء كالهوس والجنون‬ ‫والقارئ لنص أحمد رضا حوحو يدرك ل‬
‫بأنه استخدم في ل‬
‫واختراق المحظور وهو إدراك جديد لسيرورة الدب التي يجب أن يكون عليها‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬التجاه التقليدي عند المير عبد القادر‪:‬‬
‫أن تيار التقليد والمحافظة الذي كان رائده المير عبد القادر جعل العديد من الصوات الشعرية تدرك عن كثب المأزق‬
‫ل‬
‫التعلق بالقديم‪ ،‬من هناك كانت دوافع التجديد هي القوى وسرعان‬ ‫الذي آل إليه البداع الجزائري من ل‬
‫جراء النقل البليد و ل‬

‫(‪ )1‬محمد ناصر‪ :‬الشعر الجزائري الحديث اتجاهاته وخصائصه الفنية (‪1975-1925‬م)‪ ،‬ص‪.47-46‬‬

‫(‪ )2‬بوجمعة بوبعيو‪ :‬توظيف التراث في الشعر الجزائري الحديث‪( ،‬مخطوط)‪ ،‬جامعة باجي مختار‪ ،‬مطبعة المعارف‪ ،‬عنابة‪2007 ،‬م‪ ،‬ص‪.81‬‬

‫(‪ )3‬المرجع نفسه‪ :‬ص‪.82‬‬

‫(‪ )4‬نقل عن‪ /‬محمد ناصر‪ :‬الشعر الجزائري الحديث اتجاهاته وخصائصه الفنية (‪1975-1925‬م)‪ ،‬ص‪.65-64‬‬
‫تقوضت دعائم القديم في وجه رياح التجديد العاتية التي آمن بها الجيل الجديد من الشعراء الجزائريين من الذين‬‫ما ل‬
‫سيغ تل‬
‫طي نتاجهم الدبي المشحون بالروح الرومانسية الثائرة مطلع الربعينيات وطوال الخمسينيات(‪.)1‬‬

‫السيد في كتابه المير عبد القادر الجزائري متصوفا و شاعرا‪ ،‬ل‬


‫أن فرنسا كانت‬ ‫فقد ذكر فؤاد صالح ل‬
‫السباقة في محاولتها لجمع أشعار المير عبد القادر عندما ظهر فيها كتاب بعنوان أشعار عبد القادر و‬
‫ل‬
‫أنظمته العسكرية سنة ‪1848‬م ‪،‬و أما المحاولة الثلانية بحسب الباحث فقد قام بها المير محمد ابن المير عبد‬
‫القادر فجمع أشعار أبيه في ديوان سماه نزهة الخاطر في قريض المير عبد القادر سنة ‪1899‬م ‪،‬و في مطلع‬
‫الستينات بدأت أولّ المحاولت العلمية لتحقيق الديوان و ضبطه و شرحه مع ممدوح حقي سنة ‪1960‬م‪ ،‬و‬
‫لقد رتب المحقق الديوان تبعا لموضوعاته ‪:‬الفخر‪،‬الغزل‪ ،‬المساجلت‪ ،‬المناسبات التصوف‪.‬‬

‫السيد بعمل ممدوح حقي‪،‬إل لأنه أعاب عليه بعض الخطاء المنهجية منها‪:‬‬
‫رغم إشادة فؤاد صالح ل‬

‫* لم يبين المحقق المخطوطات و الوثائق التي استند عليها في عمله‬

‫* إهماله لقصائد المير الواردة في مقدمة كتاب المواقف‪.‬‬

‫للصواب‪،‬لن المساجلة و المناسبة في حقيقة‬


‫* تصنيف بعض شعر المير إلّ مساجلت و مناسبات مجانب ل‬
‫الشعرية‪.‬‬
‫المر عنوان عريض يندرج تحته الكثير من الغراض ل‬

‫أن ولد المير عبد القادر أهمل ذكر والده في التلصوف الرمزي‪ ،‬كما أن‬
‫السيد إلّ ل‬
‫كما نبه فؤاد صالح ل‬
‫شعر المير الذي نظمه في زمان الصبا و الشباب ضاع و فقد‬

‫‪ - 2‬أغراض شعره‪:‬‬

‫أ‪ -‬الفخر‪:‬‬

‫السيد ميدان فخر المير عبد القادر إلّ صنفين‪:‬‬


‫يقسم فؤاد صالح ل‬

‫طبيعي‪:‬‬
‫أ‪ 1-‬الفخر ال ت‬

‫(‪ )1‬عبد ا ح صمادي‪ :‬أصوات من الدب الجزائري الحديث‪ ،‬ص ‪.39‬‬


‫النوع‬
‫و نقصد بالفخر الطبيعي ما ليسفيه نصيب من كسب النسان‪ ،‬فهو هبة إلهية‪ ،‬وتناول المير هذا ل‬
‫النبوي ل‬
‫الشرف و هي ظاهرة واضحة في شعره‬ ‫منالفخر من زاويتين وهما‪ :‬الفخر بنسبه ل‬

‫طرار *** فمن في الورى يبغي يطاولنا را‬


‫قدر‬ ‫رسول ا خير الورى ً‬
‫ً‬ ‫*أبونا‬

‫و الفخر بعروبته و هي ظاهرة أقل برو از من الولى‪.‬‬

‫الجبال‬
‫ً‬ ‫السماء و ل‬
‫للعرب يبقى*** و ما تبقى ت‬
‫سؤددا ً‬
‫ر‬ ‫* ورثنا‬

‫أ‪ 2-‬الفخر الكتسابي‪:‬‬

‫بالنسب الشريف بل يحاول أن يرتقي المكارم‪ ،‬فهوافتخر بأخلقه الحميدة و بثقافته‬


‫إن المير ل يكتفي ل‬
‫ل‬

‫رزَبنا للمكارّ َ لل هول *** و ًخضنا أبح ار و لها زز ً‬


‫جال‬

‫ب‪ -‬الحماسة‪:‬‬

‫إن شعر الحماسة هو افتخار بخوض المعارك و الحروب‪ ،‬فل عجب أن يكون للحماسة نصيب من شعر‬
‫السيد يؤكد أن بعض‬
‫أن فؤاد صالح ل‬ ‫المير إذ شكلت طول مدة حروبه مع فرنسا مجال واسعا لقريحته‪،‬بل ل‬
‫الباحثين قد عد المير أول شاعر في المغرب العربي تعاطّ شعر الحماسة‪،.‬و قد افتتح المير عهد الشعر‬
‫الحماسي بمقصورته الكبرى إثر معركتي خنق النطاح الولّ و الثانية‪.‬‬

‫ألم تر في " خنق التنطاح " نطاحنا *** غداة التقينا َم شجاع لهم لوى‬

‫ج‪ -‬الغزل‪:‬‬

‫ينتمي غزل المير إلّ تيار الغزل العذري و لقد أرجع فؤاد صالح السيد السبب ‪،‬إلّ تربيته السلمية و‬
‫ثقافته الصوفية فانعكست هذه الجوانب الخلقية و الروحية في أشعاره الغزلية‪،‬‬

‫إننا نجد في الدب العربي القديم شعراء حاولوا المزج بين شجاعة الرجل في مواجهة البطال في الحروب‬
‫و ضعفه أمام المرأة‪ ،‬و هذا ما نلقاه في شعر المير عبد القادر‪ ،‬و حاول فؤاد صالح السيد تفسير ما أسماه‬
‫خضوع المير للمرأة بإرجاعه إلّ عاملين هما‪:‬‬
‫الصعبة‪ ،‬و هذا ما أدى‬
‫* والدته‪ :‬كان يكن لها الحترام و الحب الشديدين و التي كان يستشيرها في المور ل‬
‫ربما إلّ تحويل هذا الحب و العجاب إلّ المرأة بوجه عام‬

‫* سلطان الجمال‪:‬‬

‫يعترف المير بسطوة الحب علّ قلبهو الفارس ل يليق أن يخضع إل لسلطان و احد و هو الحب إذ‬
‫يقول‪:‬‬

‫الرجل الجواد‬
‫و سلطان الجمال له إعتزاز*** على ذي الخيل و ت‬

‫ج‪1 -‬خصائص غزل المير‪:‬‬

‫أجمل الباحث فؤاد صالح السيد خصائص غزل المير عبد القادر في هذه العناصر‪:‬‬

‫‪ -1‬صورة المير المأسوية‪:‬‬

‫يطلعنا المير من خلل غزله علّ حالته النفسية المأسوية التي سببها الحب فهو مثل غريق و أسير و‬
‫ضعيف‪ ،‬إذ يقول ‪:‬‬

‫الصد‬
‫حريق بنار الهجر و الوجد و ت‬
‫ق‬ ‫السقم مكلوّ الحشا***‬
‫أسير س‬
‫غريق ً‬
‫ق‬

‫حريق هل سمعتم بمثل ذا *** ففي القلب نار و المياه على الخد‬
‫ق‬ ‫غريق‬
‫ً‬

‫‪ -2‬التناقض بين المير و محبوبته‪:‬‬

‫يصور لنا المير في قصائده الغزلية التناقض الموجود بين نفسه المحبة التي يغمرها الحزن و البكاء و‬
‫حال حبيبته المدللة‪،‬و لهذا فشعره ملئ بالطباق و المقابلة‬

‫و أبكيها فتضحك ملء فيها*** و أسهر و هي في طيب الرقاد‪.‬‬

‫‪ -3‬غياب الوصاف الجسدية‪:‬‬


‫تكاد تندثر صورة الحبيبة عند المير تماما حتّ ل نكاد أن نعرف شيئا من أوصافها الجسدية‪ ،‬إل ما في‬
‫بعضالبيات التي يلمح فيها لبعض محاسن جسد حبيبته‪.‬‬

‫تبدى*** بوج قه في الضاءة َالتنهار‬


‫و يسًلبني الحيا ةة إذا ت‬

‫د‪ -‬الشعر الصوفي‪:‬‬

‫الشعر الصوفي هو استخدامه لسلوب رمزي‪،‬و هناك رمزان أساسيان‬


‫من أهم المور التي يتميز بها ل‬
‫استخدما دللة علّ المحبوب و الحب اللهي (أو المعرفة) ‪ :‬هما المرأة و الخمرة ‪،‬و لقد سار المير عبد القادر‬
‫الرمزين‪:‬‬
‫الدرب ‪،‬فأكثر من استخدام هذين ل‬
‫في شعره الصوفي علّ نفس ل‬

‫د‪ 1-‬الخمرة‪:‬‬

‫السيد أن‬
‫لم يذكر المير الخمرة الحسية في قصائده‪،‬و إنما ذكر الخمرة المعنوية ‪،‬و لقد بين فؤاد صالح ل‬
‫بالشاعر الصوفي ابن الفارض ( ‪1181‬م‪ 1235-‬م)‬ ‫المير كان متأث ار في شعره هذا ل‬

‫خلق ة‬
‫الكةرًّ‬ ‫ةش زربنا على ذَر الحبيب مدامةر*** س زكرنا بها من ز‬
‫قبل أن ًي ة‬ ‫ة‬ ‫ً‬

‫د‪ 2-‬الحبيب‪:‬‬

‫أصبحت المرأة في الشعر الصوفي رم از دال علّ ال لذات اللهية‪،‬و بهذا يكون ل‬
‫الشعر شع ار غزليا‬

‫الراح‪.‬‬ ‫أوقات و ت‬
‫الرو حح و ل‬
‫الرو حح لي و ر‬
‫هم ر‬‫اح*** يا ممن ح‬
‫عيد و أفر ح‬
‫صلكم د‬ ‫ح م‬

‫هـ ‪ -‬المدح‪:‬‬

‫السيد علّ ممدوح حقي هو إغفاله لغراض شعرية مندرجة‬


‫سبق و أن ذكرنا أن مما أعابه فؤاد صالح ل‬
‫ضمن ما سماه المساجلت و المناسبات‪،‬و من هذه الغراض المدح و الوصف‪.‬‬

‫السيد مدح المير إلّ ثلثة أنواع هي المدح الصوفي و هو متعلق بمدح شيوخه و‬ ‫قسم فؤاد صالح ل‬ ‫ل‬
‫السياسي و هو مرتبط خاصة بشكره للخليفة العثماني الذي أكرمه فهو من باب رد الجميل ل غير‪ ،‬و‬ ‫المدح ل‬
‫المدح الدبي الذي هو نتيجة لعلقات الصداقة التي نسجت بينه و بين علماء الشام و أدبائها‪.‬‬
‫يقول المير مادحا العثمانيين الذين اختصوا بفتح القسطنطينية‪:‬‬

‫خص صحبا بها قبل و ل ال‪.‬‬


‫ربهم في خير منقبة*** ما ت‬
‫خصهم ت‬
‫قد ت‬

‫و‪ -‬الوصف‪:‬‬

‫ي‪،‬فأما البدوي فهو يمثل المرحلة الولّ من حياته‬


‫يتشعب وصف المير إلّ صنفين‪:‬بدوي و حضر ل‬
‫عندما كان يعيش في الجزائر ‪،‬و أما الحضري فكان حينما استقر به المقام في ل‬
‫الشام‪.‬‬

‫دمر ‪:‬‬
‫يقول المير واصفا قصر بناه في ل‬

‫الرياض الزاهرات السن تضر‬


‫دمر***ذات ت‬
‫عجبي – فديتك‪ -‬في اباطح ت‬

‫المبحث الثاني‪ :‬التجاه التجديدي في الشعر المغاربي‪:‬‬


‫المطلب الول‪ :‬ملمح التجاه التجديدي في الشعر‪:‬‬
‫بدأت ملمح التجاه التجديدي في النقد الجزائري الحديث تلوح في المنتقد‪ ،‬والشهاب عقب الحرب العالمية‬
‫تغير في مفهوم الشعر‬
‫تغير في الحياة السياسية والجتماعية والقتصادية والثقافية‪ ،‬مما استتبع ل‬ ‫الولّ‪ ،‬وما أفرزته من ل‬
‫ووظيفته وعنايته وعلقته بالفرد والمجتمع‪.‬‬
‫القيم‬ ‫ت‬ ‫ت‬
‫الصراع النفسي بين ل‬ ‫الفنية‪ ،‬وفي غمرة ل‬
‫الممتد في جميع مجالت الحياة المادية و ل‬ ‫ل‬ ‫ظل هذا التغيير‬
‫وفي ل‬
‫الراسخة والتأثيرات الوافدة برز طائفة الدباء النقاد بلغت درجة معتبرة من الثقافة والوعي‪ ،‬وتفتلح ذهنها علّ هذا العالم‬
‫فعبروا عن‬ ‫ت‬
‫المتغير‪ ،‬ل‬
‫ل‬ ‫بكل ما أتاحه للفرد والمجتمع من شعور ذاتي‪ ،‬وبما أتاحه له من فرصة مراقبة عالمهما‬ ‫الجديد ل‬
‫تجاربهم النقدية بأساليب فيها كثير من المفاهيم الجديدة‪.‬‬
‫استمدوا منها‬
‫أن هؤلء النقاد قد غمسوا إحساسهم في الداب الجنبية ل سيما المدرسة الفرنسية منها‪ ،‬و ل‬ ‫الحق ل‬
‫و ل‬
‫تصوراتهم للشعر ووسائله وغايته بما لم يكن مألوفا في التجاه التقليدي‪.‬‬
‫بعض ل‬
‫كما أن هؤلء لم يفنوا أنفسهم فيها‪ ،‬بل ظلت لهم شخصيتهم العربية المستقلة‪ ،‬وهي تؤكد حاضرها ت‬
‫بالتلصال‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫تطو ار يلئم وترعّ في تضاعيفه نفسها‪ ،‬ووجه واقعها الماثل أمامها ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وتتطور ل‬
‫ل‬ ‫بماضيها‪،‬‬

‫(‪ )1‬على خذري‪ :‬نقد الشعر مقاربة لوليات النقد الجزائري الحديث‪ ،‬ص‪.46-45‬‬
‫حمود‪ -‬وحوحو)‪،‬‬ ‫إن أوضح صورة تجديدية في النقد الدبي الحديث هي ما تملثل في كتابات (رمضان ل‬ ‫ل‬
‫المستجد‬
‫ل‬ ‫فالتغير‬
‫ل‬ ‫ومواقفهما من الدب التقليدي ومفاهيمه‪ ،‬ل سيما مواقفهما الرائدة من النواع الدبية والسلوب الدبي‪،‬‬
‫وفنا ولغة‬
‫أدبيا فظهرت الدعوة إلّ التجديد في الرؤية فك ار ل‬
‫ثقافيا وانعكس ل‬
‫وطنيا من بداية العشرينيات فرض نفسه ل‬‫ل‬
‫وأسلوبا وشكل ومضمونا للعمل الدبي ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التجاه التجديدي في الشعر الجزائري(حمود رمضان)‪:‬‬


‫حمود (‪1928-1906‬م)‪ ،‬في أواسط‬ ‫بدأ التجاه الحقيقي نحو الشعر الوجداني الرومانسي علّ يد رمضان ل‬
‫وتصوره لوظيفة الشعر‬ ‫جليا من خلل مقالته النقدية التي لبين فيها مفهومه للتجربة الشعرية‪،‬‬ ‫ت‬
‫ل‬ ‫ويتضح ذلّ ل‬‫ل‬ ‫العشرينات‪،‬‬
‫تمزق خ ل‬
‫ط الرتابة‬ ‫التيار كإحدى النتوءات البارزة التي ل‬
‫وموقفه من الشعر التقليدي المحافظ؛ حيث وقف في هذا ل‬
‫مجدد في الشعر الجزائري الحديث والثائر علّ مبادئ وأهداف مدرسة الحياء الشعري‪...‬‬ ‫ت‬
‫والستم اررية فيه‪ ،‬ويعتبر لأول ل‬
‫أحلل موقفه إزاء التيار التقليدي المحافظ وآرائه النقدية ل لبد أن أقف وأستوقف وقفة الباكي المحتار‬
‫وقبل أن ل‬
‫ترصد الموت علما من أعلم فكرنا الحديث وأطبق عليه في ربيعه الثالث والعشرين‪...‬‬
‫ل‬ ‫كيف ل وقد‬
‫حمود في غرداية سنة ‪1906‬م‪ ،‬وعند بلوغه السادسة من عمره اصطحبه أبوه إلّ (غليزان)‪،‬‬ ‫لقد ولد رمضان ل‬
‫بتمزق اتجاه البون الشاسع بين تعليمين ‪ :‬أحدهما‬
‫وهناك ألحقه بإحدى المدارس الفرنسية‪ ،‬ولم يلبث طويل حتّ شعر ل‬
‫هدام‪ ،‬والثاني عقيم الساليب ضعيف المناهج"وما إن بلغ‬ ‫الول عصري المناهج ل‬
‫لكنه ل‬ ‫حر" ل‬‫فرنسي‪ ،‬وثانيهما عربي ل‬
‫أهمها‪( :‬الخلدونية)‬
‫عدة مدارس ل‬ ‫السادسة عشرة من عمره حتّ سافر إلّ تونس‪ ،‬ضمن بعثة تعليمية‪ ،‬فدرس في ل‬
‫و(الجامع العظم)‪ ،‬ولكن التقاليد الجزائرية التي كانت تحتم علّ الشاب التزوج لت‬
‫مبك ار حرمته من أن يستزيد علما‪ :‬فرجع‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫استقر في مسقط رأسه وشرع ينشط فكرليا‪ :‬دارسا كاتبا ومؤلفا‪ ،‬فكتب في (الشهاب) كما كتب في (وادي‬ ‫إلّ الجزائر‪ ،‬و ل‬
‫ميزاب) وأصدر كتابه‪( :‬بذور الحياة) (الفتّ)‪ ،‬وفي يوم ‪1925/11/20‬م نظم سكان مدينة غرداية مظاهرة شعبية‬
‫عنيفة أمام الوالي العام (فيوليت)‪ ،‬ألقت الدارة الستعمارية كعادتها القبض علّ عناصر كثير من الوطنيين‪ ،‬ورمت‬
‫حمود)‪.‬‬
‫بهم في غياهب السجن حقدا وانتقاما‪ ،‬وقد كان منهم الشاعر (رمضان ل‬
‫حمود مصدر اللم والحزن والغربة‪ ،‬و لإنما كان أحسن من القصور‬
‫ولم يكن السجن عند الشاعر رمضان ل‬
‫الفسيحة‪:‬‬
‫فألـفيـت قعر السـجن أحسن من قصر‬ ‫سمـعت بأن الـسجن أذيـق من قبر‬

‫ومـاذا يضير السـجن من َـان ذا قدر‬ ‫فمـاذا يفيد القـصر‪ ،‬والقلب حـائر‬
‫سيشـكو الذى والدمع من عينيه يجـري‬ ‫الردى بنـضاله‬
‫ومـن لم يـذق طعم ت‬
‫يرى من صروف الدهر عـس ار على عسر(‪.)2‬‬ ‫يعيـش َئـيبا حائ ار طـول دهـره‬

‫(‪ )1‬بن قرين عبد ا‪ :‬النقد الدبي الحديث في الجزائر (‪1830‬إلى‪1982‬م)‪ ،‬ص‪.60‬‬

‫(‪ )2‬مجموعة من المؤلفين‪ :‬معجم أعلم النقد العربي في القرن العشرين‪ ،‬جامعة باجي مختار‪ ،‬عنابة‪ ،‬كلية الداب والعلوم اسنسانية والجتماعية‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.139‬‬
‫ت‬
‫السل منه‪ ،‬فانتهّ من الحياة زهرة يانعة ذبلت فجأة في جانفي ‪1929‬م(‪.)1‬‬
‫تمكن داء ل‬
‫هذا وقد ل‬
‫المتحررة بالرغم من تجربته‬
‫ل‬ ‫المنوع وبأفكاره ورؤاه‬
‫جادا في الحياة الدبية‪ ،‬بإنتاجه ل‬
‫حمود إسهاما ل‬‫كان لرمضان ل‬
‫القصيرة في كتاباته الساخنة عبر الصحافة الجزائرية المناضلة‪ ...‬وهذا السهام جعله يحمل لواء التجديد في الشعر‬
‫الجزائري ضمن التيار الرومانسي "فهو ل يتوانّ أبدا في خوض ثورة ل‬
‫ضد أولئّ المقلدين التلباعيين الذين ظلوا بعيدين‬
‫عن عصرهم في نظرهم للشعر وفهمهم له‪ ،‬فمن هذا المنطلق طالب الجيال من الشعراء بمجاوزة نظام القصيدة‬
‫حددتها الممارسة الطويلة ودعمها الخطاب النقدي الدائر حول‬
‫وتأسيس كتابة جديدة ل تلتزم بمراسم الشعر العربي كما ل‬
‫تلّ الممارسة"(‪.)2‬‬
‫المة العربية‬
‫حمود مقالته في مجلة الشهاب في سنة ‪1927‬م‪ ،‬وفي الوقت الذي كانت فيه ل‬ ‫وقد نشر رمضان ل‬
‫لت‬
‫المتمرد دون ل‬
‫تردد فشرع متخ لذا من مجلة‬ ‫وتستعد للحتفاء بتتويج شوقي بإمارة الشعر العربي ‪ ..‬خرج هذا الشاب‬
‫ل‬ ‫تتأهب‬
‫ل‬
‫الشهاب ابتداءا من الثاني من شهر فيفري منب ار لنشر سلسلته النقدية النارية الجريئة ضد شوقي وتيار المحافظين‬
‫تأملته النقدية هذه تحت عنوان (حقيقة الشعر وفوائده)‪ ،‬وهو تساؤل مشروع ينم عن روح لتواقة‬ ‫ت‬
‫والمقلدين‪ ،‬وقد نشر ل‬
‫"إن شوقي لم يأت بجديد لم يعرف من قبل‪ ،‬أو من طريقة ابتكرها من عنده‬ ‫حق شوقي ‪ :‬ل‬‫للتساؤل والتطلع فيقول في ل‬
‫وخاصة به دون غيره‪ ،‬أو اخترع أسلوبا يلئم العصر‪ ...‬وأكثر شعره أقرب إلّ العهد القديم منه إلّ القرن العشرين‬
‫ل‬
‫همم الخاملين‪ ،‬خصوصا‬ ‫لت‬
‫ويحرك ل‬ ‫الذي يحتاج إلّ شعر وطني‪ ،‬قومي سياسي‪ ،‬حماسي‪ ،‬يجلب المنفعة ويدفع الضرر‪،‬‬
‫والشرق الفتي في فاتحة نهضته الجديدة‪.)3(" ...‬‬
‫أن حال المة العربية يستوجب أكثر من‬ ‫إن شعر شوقي في رأي رمضان ل‬
‫حمود لم يأت بجديد‪ ،‬في حين ل‬ ‫ل‬
‫ت‬
‫أن شعر‬ ‫التغني بجمال القصور والمنتزهات وجعل الشعر حلية كجواري القصور‪ ،‬كما يعرب أسفه ل‬
‫بكل م اررة علّ ل‬ ‫تل‬
‫شوقي لم يختلف في شيء عن شعر من سبقوه سواء من ناحية الموضوعات أو اللغة أو حتّ في محاولته المسرحية‬
‫ود‪":‬إن هذه‬
‫ل‬ ‫حم‬
‫للتحرر كما يقول رمضان ل‬
‫ل‬ ‫التواقة‬
‫حار أو ملهبا للنفوس ل‬
‫التي كان أولّ به أن يسلّ فيها نهجا دراميا لا‬
‫تتقد حماسة ووطنية"(‪.)4‬‬
‫المة في حاجة إلّ مسرحيات شعرية دراماتيكية ل‬
‫ل‬
‫حمود أن ليوجه نقده مباشرة إلّ رائد المدرسة التقليدية المحافظة أو مدرسة الحياء‬
‫كان إذن لزاما علّ رمضان ل‬
‫فإنه يعني بذلّ نقد الكلسيكية في الدب العربي‬ ‫شوقي؛لنه عندما ينقد رائد المدرسة التقليدية ل‬
‫ل‬ ‫كما يطلق عليها أحمد‬
‫خاصة‪ ،‬كون شوقي في هذه الثناء كان يستقطب النظار في الوطن العربي كتله‪،‬‬ ‫ل‬ ‫عامة‪ ،‬وفي الدب الجزائري‬
‫ل‬
‫ويستحوذ علّ المكانة المرموقة عند الدباء والشعراء‪ ،‬ويتخ لذ شعره مثال يحتذى‪ ،‬ونموذجا ينسبح علّ منواله‪ ،‬وكان‬

‫يقل عن ذلّ الصيت الذي اكتسبه في المشرق العربي ‪ ،‬وقد أظهر رمضان ل‬
‫حمود من‬ ‫لشوقي في الجزائر صيت ل ل‬
‫(‪)5‬‬

‫(‪ )1‬عمر بن قينة‪ :‬صوت الجزائر في الفكر العربي الحديث (أعلم ‪ ..‬وقضايا ‪ ..‬ومواقف)‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬بن عكنون‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪1993‬م‪ ،‬ص‪.139-138‬‬

‫(‪ )2‬علي خذري‪ :‬الشعر الجزائري الحديث اتجاهاته وخصائصه الفنية (‪1975-1925‬م)‪ ،‬ص‪.47‬‬

‫(‪ )3‬رمضان ح صمود‪ :‬بذور الحياة‪ ،‬ص‪ .116‬نقل عن‪ /‬محمد ناصر‪ :‬الشعر الجزائري الحديث اتجاهاته وخصائصه الفنية (‪1975-1925‬م)‪ ،‬ص‪.127‬‬

‫(‪ )4‬المرجع نفسه‪ :‬الصفحة ذاتها‪.‬‬

‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪ :‬ص ‪.128‬‬


‫خلل نقده لشوقي وتبيانه لمضان الضعف في شعره‪ ،‬ثورته علّ المفهوم التقليدي الذي يعوق المرء من التعبير عن‬
‫حمود يلتقي في كثير من النقاط مع شعراء مدرسة الديوان في مآخذهم لشوقي‪.‬‬
‫مشاعره بصدق وحرية‪ ،‬ورمضان ل‬
‫المميزة لهذه العبقرية الصاعدة من جنوب‬
‫ل‬ ‫حمود لشوقي وثورته عليه كان وجها آخر من الوجوه‬
‫ونقد رمضان ل‬
‫حمود قد أنكر فضل شوقي علّ الشعر العربي‪ ،‬كما أنكره العلقاد‪ ،‬بل‬ ‫بأن رمضان ل‬ ‫أن هذا النقد ل يعني ل‬
‫الجزائر‪ ،‬علّ ل‬
‫لإنه يعترف بفضل شوقي في إحياء الشعر العربي وبالمكانة التي احتلها بجدارة‪ ،‬حيث يرفع يديه مبايعا بالمارة مع وفود‬
‫المتلبدة فارس الميدان‬
‫ل‬ ‫المشرق التي بايعت مع حافظ ‪" :‬وما هي إلل جولة إثر جولة حتّ ظهر من بين تلّ الغيوم‬
‫فجدد دولة‬
‫السماء‪ ،‬ل‬‫أحمد بّ شوقي‪ ،‬حامل لواء القوافي فوق رؤوس إخوانه الشعراء‪ ،‬سائ ار أمامه‪ ،‬شامخا بأنفه نحو ل‬
‫أعزها بعد ذلها‪ ،‬فكان جزاؤه من هذا العمل الجدير بالعجاب أن اعترف الناس له‬ ‫الشعر‪ ،‬ورفعها بعد سقوطها‪ ،‬و ل‬
‫بالمارة الكبرى في دولته الجلية‪ ،‬فتقلدها مستحلقا لها‪ ،‬وهاهو العالم السلمي ت‬
‫الفتلي يريد أن يحتفل بأحمده كما احتفلت‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫فرنسا بـ هيجوها‪ ،‬والنجليز بشكسبيرها‪ ،‬فشك ار جزيل للمحتفل‪ ،‬وهنيئا للمحتفل به" ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫إن شوقي أحيا الشعر العربي بعد موته‪ ،‬وفتح‬ ‫وبعد أن لت‬
‫يكرر راجعا علّ أمير الشعراء ‪":‬نعم ل‬
‫يؤكد هذه التوطئة ل‬
‫سن طريقة ابتكرها من عنده‪،‬‬
‫ولكنه مع ذلّ لم يأت بجديد لم يعرف من قبل أو ل‬ ‫الباب الذي أغلقته السنون الطوال‪ ،‬ل‬
‫وخاصة به دون غيره‪ ،‬أو اخترع أسلوبا يلئم العصر الحاضر‪ ،‬وغاية ما هنالّ لأنه جاء بالهيكل القديم للشعر‪،‬‬
‫مادته‪،‬‬ ‫الموضوع في قرون بلّ عهدها‪ ،‬ودرس رسمها فكساه حلة من جميل خياله‪ ،‬ورلقة أسلوبه‪ ،‬وفخامة ألفاظه‪ ،‬ل‬
‫وقوة ل‬
‫باتلساع دائرة معارفه ومعلوماته‪ ،‬وضرب له علّ أوتار قلوب‪ ،‬كانت تتمنّ بجدع النف أن يرسل ا لها من‬ ‫وتوجه ت‬
‫ل‬ ‫ل‬
‫يسمعها نغمات شعر الفحول من القدماء‪ ،‬ويحتذى حذوهم حتّ تكون حياتهم متلصلة بسلسلة محكمة العقد مع حياة‬
‫فلما ظهر شوقي تلقته علّ ضمأ"(‪.)2‬‬
‫أجدادهم‪ ،‬ل‬
‫الداء ونقطة الضعف‪ ،‬لت‬
‫ويؤكد‬ ‫ليؤكد بعد ذلّ رمضان نظرته إلّ شوقي بوضوح أكثر‪ ،‬ويضع يده علّ موطن ل‬ ‫لت‬
‫الذم بما يشبه المدح‪" :‬شوقي‪ ،‬وما أدراك ما شوقي شاعر حكيم مجيد في الطبقة الولّ من الفحول البائدة‪ ،‬له غيرة‬
‫ل‬
‫ت‬
‫حد التقليد‪ ،‬وعدم اللتفات إلّ جوانبه‪ ،‬وأكثر شعره أقرب إلّ العهد القديم منه‬ ‫كبيرة علّ الدب القديم‪ ،‬ت‬
‫متمسّ به إلّ ل‬
‫ل‬
‫ت‬
‫لت‬
‫ويحرك‬ ‫وطني قومي سياسي حماسي‪ ،‬يجلب المنفعة ويدفع الضرر‪،‬‬ ‫إلّ القرن العشرين الذي يحتاج إلّ شعر ل‬
‫الخاملين‪.)3( "...‬‬
‫أن شوقي ليس له قصائد تحوم حول السياسة والجتماع كالتي بكّ فيها دمشق‬‫وهنا ل يعني عند رمضان ل‬
‫تحت عنوان (ظئر السلم)‪ ،‬بل معاذ ا‪ ،‬ولكن يريد أن يقول‪" :‬من يجود بمثل (صدى الحرب) و (كبار حوادث وادي‬
‫النيل) و (النيل)‪ ،‬بنفس واحد‪ ،‬علّ نفس واحد‪ ،‬ل يتخللها ملل‪ ،‬ول ضعف ول قصور لقدير و لأيم ا‪ ،‬وقدير علّ أن‬
‫متقدة وطنية غالية يتضاءل بجانبها شعر‬
‫الجوال آيات شعرية دراماطيقية هائلة حماسية ل‬
‫السيال‪ ،‬وفكره ل‬
‫يدرج بيراعه ل‬
‫(فولتير) و (لمارتين) وروايات (شكسبير) و ( هيجو)" (‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬نقل عن‪ /‬صالح خرفي‪ :‬ح صمود رمضان‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬المؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬الجزائر‪1985 ،‬م‪ ،‬ص‪.58-57‬‬

‫(‪ )2‬رمضان ح صمود‪ :‬بذور الحياة‪ ،‬ص‪.116‬نقل عن‪ /‬صالح خرفي‪ :‬ح صمود رمضان‪ ،‬ص‪.58‬‬

‫(‪ )3‬المرجع نفسه‪ :‬ص ‪.59-58‬‬

‫المرجع السابق‪ :‬ص‪.60-59‬‬ ‫(‪)4‬‬


‫تفسر دعوته إلّ‬‫الظن بعواطفه نحو أجداده وتراثهم‪ ،‬ويأبّ منّ أن ل‬
‫حمود ل يسيء ل‬ ‫أن رمضان ل‬ ‫كما نجد أيضا ل‬
‫التنكر للمس‪ ،‬فهو عكس ذلّ فاعت اززه بالمس كان دافعا علّ بعث حاضره‬ ‫التجديد تفسير العقوق للماضي و ل‬
‫ومستقبله‪ ،‬وحرصه علّ خلود التراث والموروث هو الباعث له علّ تجديده وتلقيحه بما يكسبه عنصر الحيوية‪ ،‬ورأيه‬
‫ت‬
‫تل‬
‫ونمهد بها‬ ‫نرمم بها الماضي‪،‬‬
‫قوة غير متناهية ل‬ ‫لكنه ل‬
‫في التجديد هو ‪" :‬ليس التجديد آلة نهدم بها ما لنبته أسلفنا‪ ،‬ل‬
‫للمستقبل"(‪.)1‬‬
‫أي صنعة يضيفها لشاعر جزائري علّ حساب‬ ‫بأنه ل يريد الشهرة أو ل‬
‫حمود رسالة لشوقي ل‬
‫وقد أورد رمضان ل‬
‫ولكن ليبرز مدى التجاوب الصيل بين المغرب العربي والمشرق العربي‪ ،‬في وقت كان يعتقد فيه‬
‫ل‬ ‫أمير الشعراء‪،‬‬
‫"أود أن ل يفهم من إثارتي هذا الموضوع لأنني‬
‫تتكلم إلل بلسان فرنسي مبين فاسمع ما قال ‪ :‬ل‬
‫ل‬ ‫المشرق ل‬
‫بأن الجزائر ل‬
‫أريد أن أضيف سمعة جديدة لشاعر جزائري علّ حساب أمير الشعراء كالشاعر الذي هجا بشا ار ليكتسب شهرة من ل‬
‫رده‬
‫أي مدى كان التجاوب أصيل بين المغرب العربي والمشرق العربي في وقت كان فيه المشرق‬‫عليه ولكن لبين إلّ ل‬
‫يعتقد أن ل تتكلم إل بلسان فرنسي مبين"(‪.)2‬‬
‫تتبع خطوات رجل قد أجمعت الناس علّ ت‬
‫علو لل كعبه‬ ‫المبررات التي تشفع له من خلل ل‬
‫حمود ل‬
‫ل‬ ‫قدم رمضان ل‬‫وقد ل‬
‫مبررات يمكن إدراجها في النقاط التالية ‪:‬‬
‫في الشعر والدب‪ ،‬وبلده في غاية النحطاط؛ وهذه ل‬
‫‪ -1‬خدمة الدب بقطع النظر عن البلد السائد فيها‪.‬‬
‫حمود بنقده التنقيص من سمعة الشاعر الكبير‪ ،‬ويقول في هذا الصدد‪" :‬لم أقصد بنقدي التنقيص‬ ‫‪ -2‬ل يقصد رمضان ل‬
‫من سمعة الشاعر الكبير‪ ،‬فقدره أعلّ منزلة من أن تتناوله يد المتطاول"(‪.)3‬‬
‫بالتشبث بأذيال أبناء المشرق من عهد بعيد‪ ،‬رغم الحواجز التي بنتها يد الستعمار ‪.‬‬
‫ل‬ ‫‪ -3‬أبناء المغرب مشغوفون‬
‫مستمر‪.‬‬
‫ل‬ ‫تقدم‬
‫‪ -4‬مصر مهد العربية الن‪ ،‬ومنبع العلوم والدب المشرقي فيجب أن نراها في ل‬
‫لن الشرق غني عن أقوالنا‪:‬‬
‫أن القصد من الكلم علّ شوقي هو إنارة الطريق الذي يجب أن يسلكه أبناء الجزائر؛ ل‬ ‫‪ -5‬ل‬
‫ل‬
‫لن‬
‫فإن القصد منه إنارة الطريق الذي يجب أن يسلكه أبناء الجزائر الدباء ل‬‫"وإذا كان الكلم علّ شوقي وأضرابه‪ ،‬ل‬
‫الشرق في غنّ علّ أقوالنا في هاته اليام كما يظهر"(‪.)4‬‬
‫خاصة في الدب الذي هو كل شيء‪.‬‬
‫حمود بالتجديد في كل شيء‪ ،‬ل‬
‫‪ -6‬شغف رمضان ل‬
‫تؤسس علّ مبادئ عظيمة‪ ،‬حيث يقول ‪" :‬عدم اعترافي بنهضة‬‫‪ -7‬عدم اعترافه بنهضة الشرق الحديثة كونها لم ل‬
‫تؤسس علّ مبادئ عظيمة‪ ،‬وحياة جديدة‪ ،‬وأدب قومي"‪.‬‬ ‫ل‬ ‫الشرق الحديثة‪ ،‬ما دامت لم‬
‫ت‬
‫الدين الذي دانت به القدامّ قبله‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ت‬
‫‪ -8‬اتلخاذه لدينا مخالفا عن ل‬
‫‪ -9‬فتح باب النقد الدبي الجزائري كونه سلطان مملكة الدب والعلم‪.‬‬
‫‪ -10‬لكل زمان رجال‪ ،‬ولكل رجال زمان‪.‬‬

‫(‪ )1‬نقل عن‪/‬صالح خرفي‪ :‬ح صمود رمضان‪ ،‬ص‪.60‬‬

‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ :‬ص‪.61-60‬‬

‫(‪ )3‬المرجع السابق‪ :‬ص‪.13‬‬

‫(‪ )4‬المرجع نفسه‪ :‬ص‪.13‬‬


‫‪ -11‬ل حياة ول رقي مع التقليد والجمود (‪.)1‬‬
‫المطولة في (حقيقة الشعر وفوائده)‪ ،‬بهذا‬
‫ل‬ ‫حمود التجديدية من خلل دراسته‬
‫نلخص دعوة رمضان ل‬ ‫ويمكن أن تل‬
‫النداء ‪:‬‬
‫طع في اللغة‪ ،‬وأفرغوا المعنّ الجميل في اللفظ الجميل‪ ،‬وأخضعوا لصوت‬ ‫"فيا لأيها الدباء الحرار أنبذوا التكلف والتن ل‬
‫تقيدوا كتاباتكم بطريقة أحد‪ ،‬مهما كان شأنه وقدره في‬
‫الضمير والواجب‪ ،‬وصفوا أنفسكم من النتقام قبل النتقاد‪ ،‬ول ل‬
‫الدب‪ ،‬ومهما كان بيانه الساحر‪ ،‬ولكن أتمنّ أن تدور رحّ أقلمكم حول محور واحد‪ ،‬وتتسابق خيل أفكاركم نحو‬

‫غاية واحدة وهي ‪« :‬سعادة الشرق ل‬


‫بأي طريق كان !!» "(‪.)2‬‬
‫يتحول من‬
‫بأنه علّ الشعر العربي أن ل‬
‫التصور القائم ل‬
‫ل‬ ‫مبنيا علّ‬
‫حمود للتجربة الشعرية ل‬
‫كان مفهوم رمضان ل‬
‫بالصنعة الشكلية والمحسنات البديعية‪ ،‬إلّ اهتمام أكبر بالرسالة والمضمون ‪ ..‬مضمون يستوعب واقع‬
‫اهتمامه المسرف ل‬
‫المة العربية المضطهدة‪.‬‬
‫اهتم في هذا الطار بقضية الصدق الفني؛ هذه القضية التي شغلت النقاد القدامّ والمحدثين‪ ،‬والتي عرفت‬
‫وقد ل‬
‫حادا‪ ،‬بين من يطلق شعار (أحلّ الشعر أكذبه)‪ ،‬وبين من يرى الدب ل يكون أدبا حلقا إلل إذا ل‬
‫عبر الديب فيه‬ ‫نقاشا ل‬
‫أحس بها‪ ،‬وأعلن عن عقيدته التي اعتقدها‪.‬‬
‫عن عاطفته التي ل‬
‫عامة‪ ،‬والشاعر من هذه الوجهة ل يختلف‬‫الفنية بصفة ل‬
‫والصدق الفني عند رمضان هو أساس نجاح التجربة ل‬
‫حية من الشعور(‪" ،)3‬كذلّ ل طاقة‬ ‫ت‬
‫تزود بطاقة ل‬
‫الرسام ل ينجح في لفنه إلل إذا ل‬
‫أن ل‬ ‫الرسام في شيء‪ ،‬فكما ل‬
‫عنده عن ل‬
‫للشاعر علّ امتلك العقول‪ ،‬والخذ بأزمة النفوس‪ ،‬إلل إذا أجاد تصوير تلّ العواطف الهائلة التي تقوم في ميدان‬
‫العامة كانت‪ ،‬ل مجرد تنميق وتزوير‬
‫ل‬ ‫الخاصة أو‬
‫ل‬ ‫صدره الرحب‪ ،‬عندما يريد أن يعرب للسامع عن خاطر من خواطره‬
‫المة النبيهة‪.)4( "...‬‬
‫فإن هذا ما ينقص من قيمة الشعر والشعراء في نظر ل‬
‫وتكلف مشين وعمل بارد وكذب فادح‪ ،‬ل‬
‫ينصب الهتمام لإبان التجربة علّ العاطفة‪ ،‬هذه القضية التي وجدت من‬
‫ل‬ ‫والحديث عن الصدق الفني معناه أن‬
‫ت‬
‫كل عناية‪ ،‬فقد اعتبر العاطفة لأول عنصر في العمل الشعري يتولقف عليه نجاح الشعر أو إخفاقه‪ ،‬لذلّ فهو‬
‫رمضان ل‬
‫فإن ذلّ كله ل‬ ‫ت‬
‫يح لذر الديب الناشئ من أن يتقدم إلّ مهنة الكتابة بزاد النحو‪ ،‬والصرف‪ ،‬والعروض‪ ،‬والبلغة وحدها‪ ،‬ل‬
‫تصور رمضان ‪...‬ليس بضاعة أو‬
‫لن الشعر في ل‬‫قوي نحو التجربة الدبية‪ ،‬ل‬
‫يجديه نفعا‪ ،‬ما لم يسعفه من نفسه وازع ل‬
‫الضمير‪...‬فإن الدب الذي ل يصدر‬
‫ل‬ ‫صناعة كما يذهب إلّ ذلّ المحافظون التقليديون‪ ،‬ل‬
‫ولكنه الهام وجداني ووحي‬
‫الحية‪ ،‬بل ل يخلد طويل‪ ،‬ول يلبث أن يقضي عليه النسيان‬
‫يتسرب إلّ أعماق النفوس ل‬
‫حساسة في نفحاتها ل ل‬
‫عن نفس ل‬
‫والهمال‪.)5( ...‬‬

‫(‪ )1‬المرجع السابق‪ :‬ص‪.116-115‬‬

‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ :‬ص‪.119‬‬

‫(‪ )3‬محمد ناصر‪:‬الشعر الجزائري الحديث اتجاهاته وخصائصه الفنية(‪1975-1925‬م)‪ ،‬ص‪.129‬‬

‫(‪ )4‬نقل عن‪/‬صالح خرفي‪ :‬ح صمود رمضان‪ ،‬ص‪.99‬‬

‫(‪ )5‬محمد ناصر‪:‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.129‬‬


‫وهذا المفهوم كما نلحظ‪ ،‬ل يختلف في شيء عن مذهب التجاه التجديدي الذي أخذ ينتشر في المشرق‬
‫العربي بريادة مدرسة الديوان‪ ،‬وشعراء المهجر وجماعة أبولو‪ ،‬وهو ل يختلف أيضا عن نظرة الرومانسية الغربية إلّ‬
‫خاصة‪.‬‬
‫عامة والشعرية ل‬
‫تحل العاطفة محلل مرموقا في التجربة الدبية ل‬
‫فإن هذه المدارس والتجاهات جميعها ل‬ ‫الشعر ‪ ،‬ل‬
‫(‪)1‬‬

‫ويرجع هذا إلّ طبيعة النفس الرومانسية التي تجعل للقلب مكانة أعلّ من مكانة العقل‪ ،‬بالضافة إلّ كون‬
‫حد بعيد من أفكار المدرسة الرومانسية الفرنسية التي استفادت منها القطار العربية‬
‫حمود قد استفاد إلّ ل‬
‫رمضان ل‬
‫حمود هو أحد‬
‫خاّ(المدرسة الشابية)في تونس‪ ،‬فإذا نسبت المدرسة إلّ أبي القاسم الشابي‪ ،‬فرمضان ل‬
‫ل‬ ‫آنذاك‪ ،‬وبشكل‬
‫أقطاب هذه المدرسة(‪.)2‬‬
‫حمود المتجتلي في شعره‪ ،‬ذلّ الشعر الذي دعا اليه نقديا لم يقصد به التغريب كما‬‫إن التجديد عند رمضان ل‬ ‫ل‬
‫افترض محمد مصايف‪ ،‬بل هو التجديد النابع من الحياة الجديدة نفسها‪ ،‬وهذا موقف واع صريح يفهم من النص"فالدعوة‬
‫الفني‪ ،‬وصدق العاطفة وسبر أعماق الحياة ليست تقليدا لحد‪ ،‬بل هي تعبير عن ذلّ العصر‬ ‫ت‬
‫إلّ صدق التصوير ل‬
‫الذي يعيش فيه الناقد"(‪.)3‬‬
‫بأن الشعر هو النطق بالحقيقة كما قال شابلن‪ ،‬وتلّ الحقيقة يشعر بها القلب‪ ،‬والشاعر‬ ‫يرى رمضان ل‬
‫حمود ل‬
‫ظامون الماديون عبيد التقليد‬
‫أن الشعر هو أعلّ منزلة من أن يتناوله هؤلء الن ل‬
‫الصادق قريب من الوحي‪ ،‬بالضافة إلّ ل‬
‫وأعداء الختراع‪ ،‬إذ ل يدرك كنهه وحقيقته إلل من له فكر ثاقب‪ ،‬وعقل صائب‪ ،‬وذوق سليم‪ ،‬حتّ يقدر أن يستخرج ل‬
‫دره‬
‫من صدفه وسمينه من غتثله‪ ،‬ومن نبش دفائنه بغير هاته اللت والشروط الثلث فقد حاول مستحيل‪ ،‬وطلب أم ار‬
‫عسي ار(‪ ،)4‬وكان من الذين‪:‬‬
‫عجوز له شطر وشطر هـو الصدر‬ ‫أتوا بكـلّ ل تز‬
‫يحــرك سامعـا‬
‫ضمـه القبـر‬
‫كعظم رميم ناخر ت‬ ‫وقد حشروا أجزاءه تحـت خيمة‬
‫بقافية للشـّ يقذفـها البحـر‬ ‫وزين بالوزن الذي صـار مقتفـى‬
‫تز‬
‫وما هو شعـر ساحـر ل ول نثر‬ ‫وقالوا وضعنا الشعر للناس هـاديا‬
‫وَـذب وتمويه يمـوت به الفكر‬ ‫ولكتنه نظــم وقـول مبعثــر‬
‫أن الشعور هو الشعر‬
‫أل فاعلموا ت‬ ‫فقلت لهم لمـتا تباهـوا بقولهـم ‪:‬‬
‫يحن لـه الصدر‬
‫ت‬ ‫فما الشعر إلت ما‬ ‫وليس بتنميق وتزويـر عــارف‬
‫الحب ينشده الطيــر‬
‫وهذا غثاء ت‬ ‫مـرتل‬
‫ت‬ ‫فهذا خرير الماء شـعـر‬
‫وهذا صفير الريح ينطحه الصخـر‬ ‫وهذا زئير السـد تحمـي عرينها‬
‫وهذا غراب التليل يطرده الفجـر‬ ‫الجـو ثائر‬
‫وهذا قصيف الرعد في ت‬
‫وان لم يذقه الجامد زت‬
‫الميت الغـر(‪.)5‬‬ ‫فذاك هـو الشعـر الحقيـق بعينه‬

‫(‪ )1‬المرجع نفسه‪ :‬ص‪.132‬‬

‫(‪ )2‬بن قرين عبد ا‪ :‬النقد الدبي الحديث في الجزائر(‪1830‬إلى‪1982‬م)‪ ،‬ص‪.89‬‬

‫(‪ )3‬فؤاد المرعي‪ :‬النقد الدبي الحديث‪ ،‬ص‪.62‬‬

‫(‪ )4‬نقل عن‪/‬صالح خرفي‪:‬ح صمود رمضان‪ ،‬ص‪.97‬‬

‫(‪ )5‬المرجع السابق‪ :‬ص‪.98‬‬


‫يتحدث بعد ذلّ عن التلذين ارتدوا ثوب الجمود والتقليد ونسوا واجبهم الوطني الشريف ومالوا إلّ اللهو والمجون‬
‫ثم ل‬
‫وحب الذات علّ العقل‪ ،‬ومسخت‬ ‫ت‬ ‫القومي‪...‬وتلبدت غيوم الجبن‬
‫ل‬ ‫العامة علّ منوالهم‪ ،‬فمات الشعور‬ ‫فنسجت‬
‫ل‬ ‫ل‬
‫النفوس‪...‬قائل‪« :‬نعم لإنّ ل ترى في هاته السنين الخيرة إلل مخمسا ومشط ار ومعارضا ومحتذيا ومادحا وهاجيا‬
‫يدل علّ البطالة المتناهية التي دهمت هؤلء القوام البؤساء في عقر دارهم‬ ‫مما ل‬‫ومتغزل ومسمطا‪ !!..‬إلّ غير ذلّ ل‬
‫ل‬
‫وعزهم الموروث وملكهم الشامخ‪ ،‬فصاروا آية للناظرين وعبرة للمعتبرين‪ ،‬فيا لأيها الشعراء‬
‫فقضت علّ حياتهم النفيسة ل‬
‫المة وبكم تموت‪-‬ل قدر ا‪-‬فأنتم رسل الحرية والسعادة البدية إن شئتم‪ ،‬وأنتم النعاة إن أردتم‪ ،‬إن‬
‫الحداث‪ ،‬بكم تحيا ل‬
‫قمتم بواجبكم فمرحّ!!وإن تقاعدتم عنه فبرحّ!!‬
‫ويدعم رأيه وقوله هذا بالبيات التالية‪:‬‬
‫ل‬
‫طمها العصـر‬
‫فسلسلة التقليـد ح ت‬ ‫جددوا عص ار مني ار لشعرَـم‬
‫أل ت‬
‫معالمه حتــى يصافـحه البـدر‬ ‫ورممــوا‬
‫وسيروا به نحو الكمال ت‬
‫حف بها النصر(‪.)1‬‬
‫فتلك عصور الشعر ت‬ ‫كما َان من قبل الرشيد وبعـده‬
‫ت‬
‫حد التنديد بالقيود‪ ،‬وحتثلهم علّ استرجاع المفاخر‬ ‫ت‬
‫المقلدين إلّ ل‬
‫ل‬ ‫حمود عن‬‫هذا وقد وصل حديث رمضان ل‬
‫الوطنية‪...‬حيث يقول‪:‬‬
‫أل اختاروا ما يحلو بخير الوسائـل‬ ‫تبدلــت‬
‫َفانا‪َ ،‬فانا فالحيــاة ت‬
‫فبئـت حياة المرء تحت الداهـم(‪.)2‬‬ ‫استردوا فخارَـم‬
‫فسيروا حثيثا‪ ،‬و ت‬
‫محل اعتبار كبير‬
‫يحدد أدوات الناقد في ثلث كونه ل‬
‫حمود للشعر ووظيفته‪ ،‬نجده ل‬
‫وفي إطار مفهوم رمضان ل‬
‫في الحكم علّ الشعر ونضارته‪ ،‬وهذه الدوات هي‪:‬‬

‫‪ -1‬الفكر الثاقب‪ :‬ل يمكن تل‬


‫لي كان أن يقوم بدور الناقد‪ ،‬إلل من كان له فك ار ثاقبا‪ ،‬بعيد النظر‪ ،‬عالما بأسرار الشعر‪،‬‬
‫بصي ار بأموره‪ ،‬عارفا لصوله‪ ،‬وأسبابه وأدواته‪ ،‬ولن يتأتّ هذا إلل إذا مارس البداع الدبي‪ ،‬وعاش التجربة معايشة‬
‫حقيقية‪.‬‬
‫لبد أن يكون راجح العقل صائب الرأي‪ ،‬ل‬
‫يعتد‬ ‫فنيا ل‬
‫‪ -2‬العقل الصائب‪ :‬ولكي يستطيع الناقد الوقوف علّ حقيقة الشعر ل‬
‫يتميز به العقل من ضبط النزوات وكبح الهواء‪...‬‬
‫بأقواله‪ ،‬لما ل‬
‫لبد أن يكون للناقد ذوقا سليما‪ ،‬كون التجربة النقدية تقتضي ل‬
‫حسا وذوقا يماثل التجربة الفنية‪.)3( ...‬‬ ‫‪ -3‬الذوق السليم‪ :‬ل‬
‫متمي از في مفهومه للشعر في خضم غلبة التيار المحافظ التقليدي‪،‬‬ ‫حمود صوتا فريدا تل‬ ‫ظل صوت رمضان ل‬ ‫هكذا إذن ل‬
‫لكن سرعان ما خبا هذا الصوت الشاب بموت صاحبه في سنة(‪1929‬م) وهو في الثالثة والعشرين من عمره(‪.)4‬‬
‫تمر بها اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا قبيل الحرب العالمية الثانية وأثنائها‬
‫أن الفترة العصيبة التي كانت الجزائر ل‬
‫غير ل‬
‫ووجهتهم إلّ هذه الوجهة‪.‬‬
‫مرة أخرى‪ ،‬ل‬ ‫فجرت الشعر الوجداني علّ ألسنة بعض الشعراء ل‬
‫وبعدها‪ ،‬ل‬

‫(‪ )1‬المرجع نفسه‪:‬ص‪.100-99‬‬

‫(‪ )2‬إبراهيم رماني‪ :‬أوراق في النقد الدبي‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الشهاب للطباعة والنشر‪ ،‬باتنة‪ ،‬الجزائر‪1985 ،‬م‪ ،‬ص‪.47‬‬

‫لوليات النقد الجزائري الحديث‪ ،‬ص‪.52‬‬


‫(‪ )3‬علي خذري‪:‬نقد الشعر مقاربة ص‬

‫(‪ )4‬محمد ناصر‪:‬الشعر الجزائري الحديث اتجاهاته وخصائصه الفنية(‪1975-1925‬م)‪ ،‬ص‪.136‬‬


‫التغني‬
‫يتميزان بنظرة وجدانية رومانسية‪ ،‬واتلضحت في شعرهما نغمة ل‬
‫وقد برز إلّ الساحة الدبية شاعران ل‬
‫قويا‪ ،‬وهما‪ :‬أحمد سحنون‪ -‬ومبارك جلواح العباسي؛ وهذان الشاعران وإن لم‬
‫باللم الذاتي وجعله مدا ار للشعر اتلضاحا ل‬
‫فإن إنتاجهما الشعري ينبئ عن مفهوم وجداني تل‬
‫متميز‪ ،‬وكانت العاطفة‬ ‫يتركا لنا نصوصا نقدية كما فعل رمضان‪ ،‬ل‬
‫المحرك والدافع لهذه الرحلة الشعرية القاسية كما تل‬
‫يعبر عن ذلّ أحمد سحنون في مقدمة ديوانه حيث يقول‪:‬‬ ‫لت‬ ‫الجياشة هي‬
‫ل‬

‫متزنــي الحياة بدون إتقان‬ ‫أحبـه‬


‫وَـل بيت صيغ لم ت‬
‫ت‬
‫مـن ليــل المي وأحزاني‬ ‫وَان حادي رحلتي ما دجى‬
‫ت‬ ‫ت‬
‫رده علّ أولئّ النلقاد الذين اتلهموه بالسكوت‪ ،‬فأفصح لهم ل‬
‫بأن‬ ‫وقد أفصح سحنون عن اتلجاهه الوجداني من خلل ل‬
‫إن الشعر ل يقاس بالكثرة أو الثرثرة‪ ،‬وله بواعث ل يعرفها إلل‬
‫الشعر وجدان وإحساس عميق بالرغبة في قول الشعر‪ ،‬ل‬
‫القراء ول تملق الهيآت والحزاب والشخصيات‪،‬‬
‫الشاعر نفسه وليس من هذه البواعث والدواعي"حاجة الجريدة ول رغبة ل‬
‫إن الشاعر إنسان يدركه ضعف النسان في كثير من الحيان‪ ،‬بل لعله‬ ‫ت‬ ‫ت‬
‫الصيت‪ ،‬ولفت النظار‪ ،‬ل‬ ‫حب الشهرة وذيوع ل‬
‫ول ل‬
‫إن الشاعر خير له وأجدى‬ ‫لت‬
‫الحس‪ ،‬دقيق الشعور‪ ،‬يقظ الوجدان‪ ،‬ل‬ ‫لنه مرهف‬‫كل إنسان ل‬ ‫ت‬
‫معرض للضعف أكثر من ل‬
‫مكررة"(‪.)1‬‬
‫ل‬ ‫يتكلم وإلل كان كلمه ثرثرة ومعاني‬
‫مما ل‬ ‫عليكم أن يسكت أكثر ل‬
‫ولعل آثار النزعة الوجدانية الرومانسية قد اتلضحت في شعر مبارك جلواح العباسي أكثر من اتلضاحها‬
‫ل‬
‫ظل‬ ‫في شعر سحنون الذي كان يغلب عليه أحيانا اتجاهه الصلحي المحافظ‪ ،‬ل‬
‫فإن مبارك جلواح بحساسيته المرهفة‪ ،‬ل‬
‫ت‬
‫يصور المشاعر والحاسيس الذاتية التي يشعر بها الشاعر الجزائري تحت ضغط ظروف اقتصادية‪،‬‬
‫طوال هذه الفترة ل‬
‫تصور بصدق ما يعاني منه هذا الشاعر من ألم‬
‫ل‬ ‫وسياسية‪ ،‬ونفسية مؤلمة‪ ،‬وراح تل‬
‫يعبر عن هذه الحاسيس بنغمة حزينة ت‬
‫يصب‬
‫ل‬ ‫حاد‪ ،‬وصراع نفسي‪ ،‬ويأس من الواقع‪ ،‬وحنين إلّ عالم أفضل‪ ،‬وهو علّ الرغم من القالب التقليدي الذي كان‬ ‫ل‬
‫عبر عن‬ ‫ت‬
‫كل ما كتب عن مفهوم وجداني رومانسي إزاء التجربة الشعرية‪ ،‬وقد ل‬ ‫ظل يصدر في ل‬ ‫فإنه ل‬
‫فيه مشاعره تلّ‪ ،‬ل‬
‫التغني بآلمه في مواقف بكائية بائسة‪.‬‬ ‫مفهومه هذا حيث أجاب الذين ينتقدون شعره ت‬
‫لغلوه في الذاتية‪ ،‬وانصرافه إلّ ل‬
‫ل‬
‫نم به‬ ‫ت‬ ‫ت‬
‫مني وإلي‪ ،‬وأتر ل‬
‫"إني ما كنت أقول الشعر لطلب محمدة‪ ،‬أو لرضاء أحد‪ ،‬أو لدرء سخط الساخط و لإنما أقوله ل‬ ‫ل‬
‫أتألم لفقد الحطام‪ ،‬أو لذكرى الكنس والرام‪،‬‬
‫لتسلية قلبي من بعض من يعانيه من اللم والوصاب المتراكمة عليه‪ ،‬ول ل‬
‫ت‬
‫بحب أشياء سبقتها في الوجود‪ ،‬وعند ا خبرها‪.)2( "...‬‬ ‫ت‬
‫أتألم وأشكو تعلقا ل‬
‫ولكني ل‬
‫ل‬
‫ولكنه لم يدفعه إلّ ما فوق ذلّ‬
‫هكذا يظهر لنا إحساسه باليأس‪ ،‬وهذا الحساس دفعه إلّ التشاؤم والسخط‪ ،‬ل‬
‫بقوة ا‪ ،‬ومشيئته‪ ،‬ويؤمن بقدرة علوية تل‬
‫تسير هذا الكون والوجود‪.)3( ...‬‬ ‫فهو يؤمن ل‬
‫وقد تضافرت عليه عوامل مختلفة لتجعل منه إنسانا مع لذبا تائها متشائما‪ ،‬زادها فرط إحساسه بوصفه أديبا‬
‫موهوبا جهل الناس قدره‪،‬‬

‫(‪ )1‬نقل عن‪/‬محمد ناصر‪:‬الشعر الجزائري الحديث اتجاهاته وخصائصه الفنية (‪1975-1925‬م)‪ ،‬ص‪.138-137‬‬

‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ :‬ص‪.138‬‬

‫(‪ )3‬عبد ا الركيبي‪:‬الشاعر جلواح من التمر د صد إلى النتحار‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬المؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬الجزائر‪1986 ،‬م‪ ،‬ص‪.272‬‬
‫وتنكر ذويه وأصدقائه له‪ ،‬وهجرته إلّ الغربة مع إجباره علّ خوض‬
‫ل‬ ‫بالضافة إلّ اخفاقه في تل‬
‫حبه وفي حياته‪،‬‬
‫جمل‪...‬كل هذه العوامل والمؤثرات صبغت شعره بهذه الصبغة الحزينة المتشائمة‪،‬‬
‫ل‬ ‫حرب عالمية ل ناقة له منها ول‬
‫ردد الحديث عن الزمن وكيف لأنه يهلّ الناس‪ ،‬ويقضي علّ‬
‫ردد في أشعاره كثي ار حديث الموت والفناء‪ ،‬كما ل‬‫حيث ل‬
‫حادا‪ ،‬يقول الركيبي‬
‫أحسوا بالموت والزمن إحساسا ل‬
‫آمالهم‪ ،‬وهو يشبه الشابي وغيره من الشعراء الغربيين والعرب الذين ل‬
‫تأملته الفكرية والفلسفية‪ ،‬نلحظ لأنه تأثر بالحياة في‬
‫اح‪":‬إننا حين نبحث في شعر جلواح ونغوّ في ل‬
‫مقوما شعر جلو ل‬
‫ل‬
‫شابا واعيا‬
‫مرت به وببلده؛فقد تأثر بحربين عالميتين‪:‬الولّ كان فيها طفل والثانية كان ل‬
‫المهجر وبالحداث التي ل‬
‫متمردا ساخطا علّ‬‫وآماله‪...‬كل ذلّ جعل منه شاع ار لت‬
‫ل‬ ‫المدمرة‪ ،‬كما عاش تجربة قاسية‪...‬أخفق في طموحه‬ ‫بنتائجها ل‬
‫تنكر له وجافاه وسبب له ما يعاني من فراغ نفسي رهيب‪ ،‬ورلبما كان لحسد معاصرين له أثره‬ ‫الحياة وعلّ النسان علّ ل‬
‫تأملت‬ ‫ت‬
‫ه‪...‬إنني لم أق أر ل‬
‫وتحديه للموضوعات التي التزم بها شعراء عصر ل‬ ‫ل‬ ‫في هذه الثورة علّ التقاليد السائدة في وقته‬
‫بهذا العمق في شعرنا ول تصوي ار للتجارب والمشاعر بهذه الجرأة التي لمستها لدى جلواح"(‪.)1‬‬

‫وهنا ل يمكنني أن ألوم الشاعر علّ نظرته المتشائمة‪ ،‬كيف ل وهو تل‬
‫يعبر عن تجربته في الحياة وعصره‬
‫بصدق‪ ،‬وهذا هو معنّ الصدق في الشعر‪ ،‬فشاعرنا جلواح كان صادقا أمينا في نقل إحساسه وشعوره بلغة صادقة‬
‫ت‬
‫تجسد مأساته المؤلمة‪.‬‬
‫ل‬
‫استحق شاعرنا جلواح المكانة التي يتمتلع بها الدباء الجزائريين الحقيقيين‪ ،‬نتيجة ربطه بين ماضي‬
‫ل‬ ‫وهكذا‬
‫الشعب وحاضره‪ ،‬وتعبيره عن لت‬
‫قيمه وتقاليده وحضارته‪.‬‬
‫ظل الحركة الصلحية‪ ،‬ظهر من بين‬ ‫ت‬
‫وفي غمرة انتشار الشعر الصلحي الخاضع للمناسبات والمحافل في ل‬
‫بخاصة إلّ أدب يعتمد(الصدق الفني)‪ ،‬والتعبير عن‬ ‫بعامة والشعراء منهم‬ ‫ت‬
‫ل‬ ‫النلقاد والدباء من راح ليوجه أنظار الدباء ل‬
‫المشاعر والحاسيس‪ ،‬ومن هؤلء كاتب رومانسي مرهف الشعور طالما أطلق عليه ابن باديس لقب(كاتب الطبيعة)‪،‬‬
‫الحس‪ ،‬رقيق السلوب‪ ،‬رومانسي‬
‫ل‬ ‫الحساس)‪ ،‬هو محمد البشير العلوي(‪)2‬؛حيث يقول فيه‪« :‬أديب مرهف‬
‫ل‬ ‫أو(الديب‬
‫متخصصا في وصف الطبيعة"(‪.)3‬‬
‫ل‬ ‫النزعة‪ ،‬يكاد يكون‬
‫فالشعر في نظره هو"الذي يمكن أن نلمس فيه روح الشاعر سواء أكانت مسرورة نشوى‪ ،‬تكاد تثب من خلل‬
‫ت‬
‫كل بيت‪ ،‬أو في حسرة من اللم‪ ،‬ولذعة من لت‬
‫مر الشكوى‪ ،‬إن كان مكلوم الفؤاد‪.)4( "...‬‬ ‫ل‬
‫أهمية عن قضية الصدق الفني؛وهي قضية(الجمال)‪ ،‬حيث‬ ‫تعرض لقضية أخرى ل ل‬
‫تقل ل‬ ‫فإن الناقد قد ل‬
‫وإلّ جانب ذلّ ل‬
‫بأن الجمال ليس موضوعيا بقدر ما هو ذاتي(‪ ،)5‬كون الذات القارئة هي التي تتأثر به نتيجة وقعه الموسيقي وما‬
‫يرى ل‬
‫يحدثه من أثر‪ ،‬فيفجر في نفسه من الحاسيس المتشابهة‪...‬فقيمة الشعر عنده تقاس بمقدار ما تحدثه من أثر في نفس‬

‫(‪ )1‬فؤاد المرعي‪:‬النقد الدبي الحديث‪ ،‬ص‪.68‬‬

‫(‪ )2‬محمد ناصر‪ :‬الشعر الجزائري الحديث اتجاهاته وخصائصه الفنية(‪1975-1925‬م)‪ ،‬ص‪.139-138‬‬

‫لوليات النقد الجزائري الحديث‪ ،‬ص‪.63‬‬


‫(‪ )3‬علي خذري‪ :‬نقد الشعر مقاربة ص‬

‫(‪ )4‬محمد ناصر‪ :‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.139‬‬

‫(‪ )5‬علي خذري‪ :‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.60‬‬


‫المتلقي وهو المعيار الجمالي عنده‪ ،‬فإذا فشلت القصيدة في إثارة المتلقي واستف اززه‪...‬فقيمتها ل تساوي شيئا‪...‬ومن هنا‬
‫أن الشعر في نظر محمد البشير العلوي يهدف إلّ هدفين‪:‬‬ ‫نخلص إلّ نتيجة مفادها ل‬
‫تتم بين الشعر والمتلقي‪...‬‬
‫‪ -‬لأول‪ :‬توفير المتعة للمتلقي نتيجة التفاعل والمشاركة الوجدانية التي ل‬
‫متخفية في دواخل الذات الشاعرة التي ترمز إلّ مشاعر‬
‫ل‬ ‫لن الحقيقة‬
‫صورها‪ ،‬ل‬
‫‪ -‬ثانيا‪ :‬الكشف عن الحقيقة في أعمق ل‬
‫ت‬
‫كل بشر من خلل التعبير عن مشاعره(‪.)1‬‬
‫ل‬
‫كما ظهر من بين النلقاد والدباء من راح يدعوا الشعراء الجزائريين صراحة إلّ أدب جديد يلئم العصر وأهله‬
‫"ويضرب لهم المثل بالشعراء والدباء الرومانسيين الفرنسيين‪ ،‬ويدعوهم إلّ القتداء بهم في رؤاهم‪ ،‬ومواقفهم‪ ،‬ويشيد‬
‫ت‬ ‫ت‬
‫ودقة الوصف‪ ،‬وهي ميزة ل توجد علّ ل‬
‫حد‬ ‫لنه شعر تل‬
‫متميز بصدق العاطفة ل‬ ‫بشعر (لمارتين) و (فيكتور هيجو)‪ ،‬ل‬
‫وفنية‬
‫ى[بمميزات فكرية ل‬
‫ل‬ ‫تعبير الناقد إلل في (الرومانتيزم) فهو المذهب الدبي الذي يختلف عن غيره من المذاهب الخر‬
‫لن الشعر الرومانسي هو"الشعر الحقيقي‬ ‫أبرزها لأنه يدعوا إلّ أن يكون الدب مرآة صادقة لحاسيس النسان‪ ،"]...‬و ل‬
‫التصور لخياله‪.)2( "...‬‬
‫الذي يقدر علّ التعبير عن إحساس الشاعر و ل‬
‫خاصة بعد الحرب العالمية الثانية أخذ هذا الدب‬ ‫ت‬
‫ظل انتشار الموجة الرومانسية وهبوب رياحها في الوطن العربي ل‬
‫وفي ل‬
‫القوي‪ ،‬ولم يكن‬ ‫ت‬
‫حد التأثر ل‬‫ويهتم به إلّ ل‬
‫ل‬ ‫يرحب‬
‫ل‬ ‫يشتد ويقوى‪ ،‬ويصل صوته إلّ الجزائر‪ ،‬ويجد من الدباء الجزائريين من‬
‫ل‬
‫اقتصاره علّ الشعر وحده بل شمل النقد أيضا‪.‬‬
‫الفن من منظور رومانسي‪ ،‬نذكر‬‫وفي هذا الصدد يمكن الشارة إلّ نصوّ نقدية كانت تنظر إلّ الدب و ل‬
‫الرحالة‪ ،‬والمصلح في الحياة‬ ‫ت‬
‫أهم تلّ النصوّ؛والتي كتبها المعلم‪ ،‬والصحفي والكاتب‪ ،‬و ل‬
‫علّ سبيل المثال ل الحصر ل‬
‫العامة‪(...‬أحمد رضا حوحو)‪ ،‬المولود في مدينة(سيدي عقبة) بالجنوب الجزائري سنة (‪1330‬ه‪1911-‬م)‪،‬‬
‫الخاصة و ل‬
‫ل‬
‫الفن‪ ،‬محللل بذلّ وضعية الدب الجزائري‪ ،‬وما هو‬
‫يوضح فيها مفهومه للدب و ل‬
‫ل‬ ‫والمتوفي سنة (‪1956‬م) ‪ ...‬والتي‬
‫(‪)3‬‬

‫عما كان سائدا في تلّ المرحلة‪ ،‬وأعطّ‬ ‫ميزه ل‬‫تمكن فعل من انشاء خطاب أدبي جديد ل‬ ‫وتبعية‪ ،‬لذلّ ل‬
‫ل‬ ‫تخلف‬
‫ل‬ ‫عليه من‬
‫قوة إشعاع ونهوض ثقافي كان له دو ار كبي ار في ظهور حركة أدبية جزائرية قبل وبعد الستقلل(‪.)4‬‬ ‫لبداعه ل‬
‫التلجاه‪ ،‬فقد أوضح في مقالته النقدية عن نظريته‬ ‫ويبدوا أحمد رضا حوحو من أبرز النلقاد الجزائريين لهذا ت‬
‫يقول‪":‬إن‬ ‫الواعية‪ ،‬وتملثله الكامل للخصائص التي يتميز بها الدب والفن عند أصحاب ت‬
‫التلجاه الرومانسي‪ ،‬وذلّ حيث‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫الشعر لم يعد ذلّ الكلم الموزون المقلفّ‪ ،‬والكتابة لم تعد تلّ اللفاظ الرلنانة‪ ،‬والتراكيب الصحيحة‪.‬نعم ل‬
‫إن هذه المواد‬
‫الفن‪ ،‬فما هي إلل هيكل تنقصه الروح‪ ،‬وهذه الروح هي الصدق في‬ ‫ولكنها ليست هي الدب و ل‬ ‫وفن‪ ،‬ل‬‫لكل أدب ل‬‫ت‬
‫ضرورية ل‬
‫فنان إذا‬
‫التعبير عن المشاعر والحساس وخلجات النفس للوصول إلّ مشاعر الغير ومخاطبة أرواحهم‪ ،‬فأنت أديب أو ل‬
‫تصور تصوي ار صادقا أخيلتّ وخلجات نفسّ دون أن‬ ‫استطعت أن تل‬
‫تعبر تعبي ار صحيحا عن مشاعرك وإحساساتّ‪ ،‬وأن ل‬
‫للقراء حسابا‪ ،‬ودون أن تجعل نصب عينيّ رضاهم أو سخطهم"(‪.)5‬‬
‫تحسب ل‬
‫(‪ )1‬المرجع نفسه‪:‬ص‪.62-61‬‬

‫(‪ )2‬محمد ناصر‪ :‬الشعر الجزائري الحديث اتجاهاته وخصائصه الفنية(‪1975-1925‬م)‪ ،‬ص‪..140‬‬

‫(‪ )3‬عمر بن قينة‪ :‬صوت الجزائر في الفكر العربي الحديث(أعلم‪..‬وقضايا‪..‬ومواقف)‪ ،‬ص‪.168‬‬

‫(‪ )4‬الطيب ولد العروسي‪ :‬أعلم من الدب الجزائري الحديث‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الحكمة للنشر‪ ،‬الجزائر‪2009 ،‬م‪ ،‬ص‪.83‬‬

‫لوليات النقد الجزائري الحديث‪ ،‬ص‪.63‬‬


‫(‪ )5‬علي خذري‪ :‬نقد الشعر مقاربة ص‬
‫ت‬
‫المتأمل لنقد رضا حوحو يرى ل‬
‫بأنه كان يرتدي ثوب النظرية الرومانسية في مفهوم الشعر‪ ،‬فالشعر في نظره‬ ‫و ل‬
‫يا؛لن الذي ل يكون صادقا في‬
‫هو كلمات (الصدق في التعبير والحساسات‪ ،‬وخلجات النفس)‪ ،‬وهو شرط يراه ضرور ل‬
‫مبنية علّ البانة عن حركة تلّ‬ ‫لن حياة الشعر في نظره ل‬ ‫فإن شعره ل أهمية له‪ ،‬ل‬
‫تعبيره عن خلجات نفسه ل‬
‫العواطف‪...‬إذن فالصدق الشعري عن المشاعر هو مقياس الصالة الشعرية عنده‪ ،‬إذ بمقدار تعبيره الصادق عن الحالة‬
‫المجددين عن التقليديين(‪.)1‬‬
‫ل‬ ‫الشعورية تكون الشاعرية‪ ،‬وهذا المقياس هو الذي تل‬
‫يميز‬
‫البصائر)؛بأن الدب هو"لغة روحية يخاطب بها أرواح الغير‪،‬‬
‫ل‬ ‫مرة في جريدة(‬
‫وهكذا فقد لبين حوحو أكثر من ل‬
‫والتفكير والتعبير الصادق عن شعورنا وخلجات أنفسنا‪ ،‬وبهذا يكون مرآة ل‬
‫أمة‪ ،‬وإلل فهو هراء أو أصنام ل‬
‫أمة‪. "...‬‬

‫نستمر في نفخ تلّ الجثلة تل‬


‫الميتة‪ ،‬والسير علّ‬ ‫ل‬ ‫إذن فالنهضة الدبية والشعرية عند حوحو هي‪ ... " :‬أن ل‬
‫أما الروح‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ت‬
‫نسميه قصائد شعر‪ ،‬ل‬
‫نسميها مقالت نثر وكلم منظوم مقلفّ ل‬
‫غرار تلّ الطريقة التقليدية‪ ،‬جمل مرصوصة ل‬
‫فكل ذلّ ل نلتفت إليه ول نعنّ به‪.)2( "...‬‬
‫أما المذاهب الجديدة ل‬
‫أما البتكار‪ ،‬ل‬
‫الحيوية ل‬
‫أما ل‬‫ل‬
‫ت‬
‫وإلّ جانب هذه النصوّ النقدية الواعية ظهر شعر يتلجه اتلجاها وجدانيا عن دراسة واعية لخصائص المذهب‬
‫ت‬
‫تدل علّ ذلّ كتاباته وشعره‪ ،‬هو (عبد ا‬ ‫ولعل أبرز من يمثلل هذا الدراك كما ل‬
‫الفن والشعر‪ ،‬ل‬ ‫الرومانسي في الدب و تل‬
‫شريط)‪ ،‬وهو كاتب وباحث أثرى المكتبة الجزائرية بأعماله الدبية والفكرية من مواليد ‪1921/02/18‬م‪ ،‬حيث درس‬
‫بالزيتونة وساهم في تطويرها وبعد الستقلل انتسب إلّ جامعة الجزائر حيث اشتغل في الصحافة والذاعة‪ ،‬من‬
‫مؤلفاته‪ :‬الجزائر في مرآة التاريخ‪ ،‬من واقع الثقافة الجزائرية‪ ،‬معركة المفاهيم‪ ،‬ديوان (الرماد)‪.)3(...‬‬
‫للتطورات التاريخية للمذاهب الدبية‪ ،‬وتعللقه المختار للمذهب الرومانسي‪.‬‬
‫ل‬ ‫وفي مقدمة هذا الديوان أوضح دراسته العميقة‬
‫ت‬
‫قدمه الرومانسيون الفرنسيون والنجليز للشعر من إيداع فكري ل‬
‫وفني‬ ‫ويبدو شريط معجبا شديد العجاب بما ل‬
‫وسمو خيال وصدق عاطفة‪ ،‬فالرومانسية عنده هي‬ ‫ل‬ ‫يتميز به شعرهم من نزعة إنسانية‪ ،‬ومشاعر ثورية‪،‬‬ ‫معا‪ ،‬وما ل‬
‫ت‬
‫كل شيء من خلل إحساسه‪،‬‬ ‫لنه يرى ل‬ ‫قوتها ورحابة ميادينها‪ ،‬ل‬
‫بكل لل ل‬
‫المذهب الدبي الذي يجد فيه الشاعر شخصيته ل‬
‫يعد آثار هذا المذهب "من أروع ما أنتجته العصور من ألوان الدب‪ ،‬إن لم يكن أروعها‬ ‫ثم فهو ل‬
‫وعاطفته وحدهما‪ ،‬ومن ل‬
‫علّ الطلق "(‪.)4‬‬
‫حمود في سنة ‪1927‬م وانتهاء‬
‫أن الدباء والشعراء الوجدانيين الجزائريين ابتداء من رمضان ل‬
‫وخلصة القول‪ ،‬ل‬
‫تطور الشعر‬
‫بأحمد رضا حوحو في سنة ‪1948‬م‪ ،‬مرو ار بمبارك جلواح العباسي وعبد ا شريط‪ ،‬قد ساعدوا علّ ل‬
‫أي اعتبار آخر‪ ،‬وحاولوا التجديد‬
‫يعتمد (الصدق الفني) في البداع‪ ،‬قبل ل‬
‫ل‬ ‫الجزائري من خلل منظورهم الرومانسي الذي‬
‫ت‬
‫المتحجرة‪.‬‬ ‫المتطور للشعر‪ ،‬وبثورتهم علّ النزعة التقليدية‬ ‫من زاويتين بمفهومهم‬
‫ل‬ ‫ل‬
‫بأن الدباء والشعراء‬
‫بأنه كما يتجلّ لنا ذلّ واضح من خلل النصوّ السابقة ل‬ ‫والجدير بالذكر يمكن الشارة ل‬
‫يمت‬
‫العم علّ الخذ بهذا المذهب فيما ل‬
‫لت‬ ‫الجزائريين لم يلتزموا بالرومانسية مذهبا فلسفيا‪ ،‬و لإنما اقتصروا في الغلب‬

‫(‪ )1‬المرجع نفسه‪ :‬ص ‪.65‬‬

‫(‪ )2‬نقل عن‪ /‬محمد ناصر‪ :‬الشعر الجزائري الحديث اتجاهاته وخصائصه الفنية (‪1975-1925‬م)‪ ،‬ص‪.141‬‬

‫(‪ )3‬محمد الخضر عبد القادر السائحي‪ :‬روحي لكم تراجم ومختارات من الشعر الجزائري الحديث‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬المؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪1986‬م‪ ،‬ص‪.159‬‬

‫(‪ )4‬نقل عن ‪ /‬محمد ناصر‪ :‬الشعر الجزائري الحديث اتجاهاته وخصائصه الفنية (‪1975-1925‬م)‪ ،‬ص ‪.142‬‬
‫خاصة‪ ،‬وهم في هذا ل يختلفون عن بقية الدباء والشعراء في الوطن العربي الذي اقتصر‬ ‫بصلة إلّ الشعر والدب ل‬
‫أخذهم بهذا المذهب علّ نقطتين أساسيتين وهما ‪ ..." :‬مقاومة الدب التقليدي‪ ،‬والدعوة إلّ الرجوع إلّ ذات الديب‪،‬‬
‫ووصف تجاربه الفردية والنسانية في حدود ما يشعر به‪ ،‬أو ما يصل إليه تفكيره دون اللجوء إلّ الثقافة التقليدية التي‬
‫وصور وآراء بليت‪ ،‬وطال بها العهد‪.)1( "...‬‬
‫ل‬ ‫تجعل منه صدى لمشاعر‬
‫يميز الدب الرومانسي في الجزائر أو الوطن العربي عنه في أوروبا‪ ،‬فمن‬ ‫وهذا هو الفارق الساسي الذي تل‬
‫بمعوقاتها التي تحول دون حرية الفرد‪،‬‬
‫أن الرومانسية الوروبية في صورتها العامة‪ ،‬كانت ثورة علّ الكلسيكية ل‬ ‫المعلوم ل‬
‫ت‬
‫الدين‪.‬‬
‫وتحكم العقل‪ ،‬والمنطق‪ ،‬والخلق‪ ،‬و ل‬
‫وهذا يدلنا مرة أخرى‪ ،‬بأن الدباء الجزائريين التلذين اختاروا هذا ت‬
‫التلجاه لم يختاروه عن تقليد أو انبهار‪ ،‬و لإنما‬ ‫ل‬
‫حد ذاتها دافعة لهم للستصراخ‪،‬‬ ‫وجدوا فيه ما يلئم معاناتهم اليومية‪ ،‬وما يشعرون به من توترات نفسية كانت في ل‬
‫التغير والتطوير وكان لهم بالفعل"‪...‬نتائج باهرة‪ ،‬وخطّ جريئة سديدة في الشعر‬
‫قوية في ل‬
‫والثورة‪ ،‬والتعبير عن إرادة ل‬
‫والنثر بالقطر الجزائري‪.)2("..‬‬
‫وعموما ومن خلل رصدنا لبرز التجاهات التي تعللقت بالمجال النقدي الجزائري قبل الستقلل بش لقيه‬
‫طبيعيا أن تبدو فيه‬
‫ل‬ ‫بأن النقد الجزائري في هذه الفترة كان في طور النشوء والتبلور وكان‬
‫يتضح لنا ل‬
‫ل‬ ‫المجدد‬
‫المحافظ و ل‬
‫النقائص والعثرات‪ ،‬والفتقار للنضج‪.‬‬
‫بحجة لأنها ل تمتثلل‬
‫غض الطرف عن تلّ السهامات والتعليقات النقدية ل‬ ‫بأي حال من الحوال ل‬
‫كما ل يمكن ل‬
‫شكلت الحجر الساس الذي أسس عليه بنيان النقد الجزائري في تلّ الفترة‪.‬‬
‫مناهج نقدية مكتملة‪ ،‬كونها ل‬
‫وبالرغم من نظرة النقاد الجزائريين الجزئية وافتقارها إلّ التعليل الكافي‪ ،‬والشواهد المقنعة إلل لأننا ل يمكن أن‬
‫ونتهم نقادنا بالضعف والتقصير؛ كيف ل والدب الجزائري في تلّ الفترة كان يعاني في مجمله من الضعف‬ ‫ل‬ ‫نتنكر‬
‫ل‬
‫الصدد يقول‬
‫ل‬ ‫كالقصة القصيرة والرواية والمسرحية‪ ،‬وبهذا‬
‫ل‬ ‫شكل ومضمونا‪ ،‬كما كان يعاني من الفتقار إلّ أجناس أدبية‬
‫عمار بن زايد ‪" :‬ومن هنا يبدو جليال ل‬
‫أن الدب والنقد كليهما في حاجة إلّ مزيد من الوقت والتجربة والخبرة ليعطينا‬ ‫ل‬
‫أن‬
‫المرجوة‪ ،‬وتخرجنا من دائرة الغموض والفوضّ‪ ،‬والضطرابات إلّ دائرة الوضوح والنضج نريد هنا أن نؤكد ل‬
‫ل‬ ‫النتائج‬
‫الول هو ضعف الدب الجزائري الحديث‬ ‫الضطراب في النقد الدبي الجزائري الحديث يعود إلّ أمرين اثنين ‪ :‬المر ل‬
‫وبخاصة ما تعلق منها‬
‫ل‬ ‫تنوعه آنذاك‪ ،‬والمر الثاني هو محدودية الثقافة الدبية والنقدية لدى النقاد الجزائريين‪،‬‬
‫وعدم ل‬
‫بالتيارات الدبية والمناهج النقدية" (‪.)3‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬التيار التجديدي في تونس(أبو القاسم الشابي)‪:‬‬
‫بارز في عرض حركية الشعر المعاصر في الحياة الثقافية التونسية‪ ،‬ولعل‬ ‫دور زا‬
‫لقد قدمت القصيدة الحرة في تونس زا‬
‫الشابي) الرومانسية خاصة عند‬ ‫العديد من السماء قد خاضوا مرحلة التجريب في شعر التفعيلة بعد ثورة (أبي القاسم ت‬
‫َرو ومتنور صادح‪،‬صالح القرمادي‪،‬سالم التلبان‪ ،‬محمد رضا الكافي‪،‬وغيرهم من السماء‬
‫كل من أبي القاسم محمد ت‬

‫(‪ )1‬محمد غنيمي هلل‪ :‬الرومانتيكية‪ ،‬ص ‪ 246‬نقل عن‪ /‬محمد ناصر‪ :‬الشعر الجزائري الحديث اتجاهاته وخصائصه الفنية (‪1975-1925‬م)‪ ،‬ص‬
‫‪.144‬‬

‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ :‬ص‪.145‬‬

‫(‪ )3‬ع صمار بن زايد‪ :‬النقد الدبي الجزائري الحديث‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬المؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬الرغاية‪ ،‬الجزائر‪1990 ،‬م‪ ،‬ص ‪.124‬‬
‫البارزة في سماء الشعر الحر‪،‬ونسوق بعض النماذج التي تعكس حالة المجتمع التواق إلّ التغيير‪،‬وهذا ماعكسه‬
‫شعر"الطاهر الهمامي"‪،‬والذي يصور حالة من التشظي في مجتمع ممزق يعيش غربة ووحشة‪ ،‬إذ يقول ‪:‬‬
‫باعة الكلّ البيض‬
‫مازالت قلوبهم تنبض‬
‫ومازالوا يعيشون‬
‫وقد حسبناهم غابوا‬
‫(‪)1‬‬
‫وتابوا‬
‫في حين نجد ظهور نخبة من الشعراء الشباب الذي تشربوا من منابيع الحداثة الفكرية واللغوية وتربوا علّ فلسفة‬
‫نحو التغيير المستمر كما في مدونات‬
‫سلوكا م‬
‫ز‬ ‫بودلير وفولتير وجوته وكافكا ونيرودا حتّ بات النص الشعري عندهم‬
‫الشاعر (عصاّ شرف الدين) نحو‪( :‬ديوان ترجمان المدينة‪،‬وديوان المنازل)‪،‬وهما يصوران واقع المثقف وحالة اليأس‬
‫والضياع والحصار التي يعيشها في كنف مجتمع مهزوم نفسيا‪ ،‬يصطاد آهات المثقفين ويقوم بتعريتها من خلل التنكيل‬
‫بهم في المنتديات والمهرجانات ليس إلل ‪،‬ولعل قصيدة‪-‬دولب‪،‬والتي تمثل حالة من التيه والفزع والفراغ التي يمر بها‬
‫عموما‪،‬إذ يقول‪:‬‬
‫ز‬ ‫المثقف التونسي بشكل خاّ والمغاربي‬
‫"في ذات اللحظة في العاّ العاشر بعد اللفين‬
‫تسألني امرأة عن عمري‪:‬‬
‫عن اسمي‪:‬‬
‫أذَر‬
‫ل ً‬
‫عن لغتي‪:‬‬
‫سأحاول‬
‫ً‬ ‫‪-‬‬
‫عن بلدي‪:‬‬
‫‪-‬أخلع نعلي‪ ،‬وأمضي بعيون حافي قة‬
‫ت‬
‫(‪)2‬‬
‫الدولب"‬
‫ب‬ ‫في نفس‬
‫أما في قصيدة (الطائر المعلق)‪،‬فتجده يصور لنا حالة الموت في المدينة‪ ،‬واللم الذي بات عنو زانا للمعاناة داخل‬ ‫ل‬
‫أسوارها ‪،‬فيقول‪:‬‬
‫"‪ ..‬وراء السور شيطان‬
‫أتى بالحبل علقه‪..‬‬
‫بابهم‪:‬‬
‫ً‬ ‫وذاك الباب‬
‫ز‬
‫فانتعل‬ ‫هم الشهداء‬
‫وطأطئ رأس غفلتك‬
‫مهل !‬
‫وسر فيها على ق‬

‫‪ - 1‬سوف عبيد‪ :‬حركات الشعر الجديد في تونس‪https://www.soufabid.com-2008،‬‬

‫‪ -2‬عصام شرف الدين‪ :‬المنازل‪،‬ميارة للنشر والتوزيع‪،‬القيروان‪،‬تونس‪،‬ط‪ ،2013 ،1‬ص‪.23‬‬


‫مدينتنا التي َانت‬
‫مدينتنا التي صارت‬
‫وليست هذه تالولى‬
‫وليست تلكم الخرى‪..‬‬
‫أطير يشتكي شجني‪،‬‬
‫أّ الصداء في بدني‪،‬‬
‫أّ الطاعو ًن ت‬
‫أججه‪..‬‬
‫أّ السوار في المدن‪..‬‬
‫أّ اللغز الذي غابا‪..‬‬
‫سردابا)‬
‫ر‬ ‫(وليس اللغز‬
‫(‪)1‬‬
‫تعتلق فاستوى شلوا من الشلء يا وطني؟ !!"‬

‫‪ - 1‬عصام شرف الدين‪:‬ترجمان المدينة‪ ،‬مسكيلياني للنشر والتوزيع‪،‬زعوان‪،‬تونس‪،‬ط‪2006 ،1‬ـ ص ‪.102 ،101‬‬

You might also like