Professional Documents
Culture Documents
إعتراض الشيخ الخليلي على تفسير الامام الرازي لقوله تعالى - لا تدركه الأبصار
إعتراض الشيخ الخليلي على تفسير الامام الرازي لقوله تعالى - لا تدركه الأبصار
اعرتاض الشيخ اخلليلي على تفسري اإلمام الرازي لقوله تعاىل { ال تدركه األبصار}[األنعام ]103 :
مفيت اإلباضية يف كتابه ( احلق الدامغ ) علق على تفسري الرازى آلية { ال تدركه األبصار } تعليقاً يلزمكم الرد
عليه.
قال ( :وأما الفخر الرازي فقد قال " :لو مل يكن تعاىل جائز الرؤية ملا حصل التمدح بقوله { :ال تدركه األبصار}
أال ترى أن املعدوم ال تصح رؤيته ،والعلوم ،والقدرة ،واإلرادة ،والروائح ،والطعوم ال يصح رؤية شيء منها ،وال
مدح لشيء منها يف كوهنا حبيث ال تصح رؤيتها ،فثبت أن قوله { :ال تدركه األبصار} يفيد املدح ،وثبت أن
ذلك إمنا يفيد املدح لو كان صحيح الرؤية ،وهذا يدل على أن قوله تعاىل { :ال تدركه األبصار } يفيد كونه
تعاىل جائز الرؤية ،ومتام التحقيق فيه أن الشيء إذا كان يف نفسه حبيث ميتنع رؤيته فحينئذ ال يلزم من عدم رؤيته
مدح وتعظيم للشيء ،أما إذا كان يف نفسه جائز الرؤية ثم إنه قدر على حجب األبصار عن رؤيته وعن إدراكه كانت
هذه القدرة الكاملة دالة على املدح والعظمة ،فثبت أن هذه اآلية دالة على أنه تعاىل جائز الرؤية حبسب ذاته.
وإذا ثبت هذا وجب القطع بأن املؤمنني يرونه يوم القيامة ،والدليل عليه أن القائل قائالن:
1
سلسلة أسئلة في منتدى األصلين
ب -وقائل قال ال يرونه وال جتوز رؤيته .
فأما القول بأنه تعاىل جتوز رؤيته مع أنه ال يراه أحد من املؤمنني فهو قول مل يقل به أحد من األمة فكان باطال ،
فثبت مبا ذكرنا أن هذه اآلية تدل على أنه تعاىل جائز الرؤية يف ذاته ،وثبت أنه متى كان األمر كذلك وجب
القطع بأن املؤمنني يرونه ،فثبت مبا ذكرنا داللة هذه اآلية على حصول الرؤية ،وهذا استدالل لطيف من هذه
اآلية "اهـ.
وليس بعد هذا القول الذي قاله الفخر الرازي تعليق ألحد ،إال السؤال عن عقيدته يف وحدانية اهلل ونفي الولد
والشريك عنه ،مادام جيعل من نفي الشيء دليال على إثباته ،ومبوجب هذا القول فإن للنصارى واملشركني أن ينتزعوا
من قوله تعاىل { :وقل احلمد هلل الذي مل يتخذ ولد ًا ومل يكن له شريك يف امللك }[اإلسراء ، ]111 :دلي اال قاطع ًا
بأن له سبحانه ولداً وشريكاً وأن يضيفوا إىل ذلك إثبات الصاحبة له تعاىل ،بل وإثبات كل ما نفاه عنه من السنة
والنوم ،والغفلـة واللغوب ،والظلم واجلور ،مادام النفي دلي اال قاطع ًا على اإلمكان وبالتايل على اإلثبات.
وإن تعجب فعجب أن يكون الفخر الذي اختذ من قوله تعاىل { :ال تدركه األبصار } سُلَّماً إىل القطع بثبوت
الرؤية قلب ًا للحقيقة وعكساً للحجة ،هو الذي يقول يف تأصيالته بأن دالئل األلفاظ على املعاني ال تتجاوز الظن كما
هو صريح يف قوله ( :داللة األلفاظ على معانيها ظنية ،ألهنا موقوفة على نقل اللغات ونقل اإلعرابات والتصريفات ،
مع أن أول أحوال تلك الناقلني أهنم كانوا آحاداً ،ورواية اآلحاد ال تفيد إال الظن ،وأيضا فتلك الدالئل موقوفة على
عدم االشرتاك وعدم اجملاز وعدم النقل ،وعدم اإلمجال ،وعدم التخصيص ،وعدم املعارض العقلي ،فإن بتقدير
2
سلسلة أسئلة في منتدى األصلين
حصوله جيب صرف اللفظ إىل اجملاز ،وال شك أن اعتقاد هذه املقدمات ظن حمض ،واملوقوف على الظن أوىل أن
()1
يكون ظنا)
فانظر كيف جيعل الفخر داللة األلفاظ على املعاني املوضوعة هلا ظنية ،مع جعله داللتها على ضد تلك املعاني
قطعية .
اجلواب :
واحلقيقة أنين كنت قد نظرت يف كتاب اخلليلي يف بداية الطلب فلم يعجبين ومل أرَ أدلته قوية بل رأيت فيه املبالغات اليت
ف متيُّزه عين ،وظل يف خاطري أن أكتب عليه رد ًا الئقا به ،كما أرغب أن أعمل
ال ختلو من مغالطات .ولكنه مل خي َ
ردا على كتاب سفر احلوايل الذي أزعج الكثريين من أويل املعرفة الساذجة للمذهب األشعري .
وعلى كل حال ،فأنا أقول لك اآلن أنه ال خيلو كتاب الشيخ اخلليلي من متيز يف إدارة الكالم وترتيبه ،وصاحبه ال خيلو
- 1الحق الدامغ – أحمد بن حمد الخليلي :ص ، 84-82طبع سنة 1409هـ .
3
سلسلة أسئلة في منتدى األصلين
أوالً :ما ذكره اخلليلي عن اإلمام الرازي ( فانظر كيف جيعل الفخر داللة األلفاظ على املعاني املوضوعة هلا ظنية ،مع
فاجلواب :أن اإلمام الرازي ذكر هذه املسألة أعين إفادة اليقني من األلفاظ يف أكثر من كتاب له ،وذكر أنه :إذا انتفت
االحتماالت العشرة املشهورة فإن اللفظ يفيد اليقني .وليس األمر على ما أطلقه اخلليلي .
ومما يؤيد ما ذكرناه ما بينه العالمة اإلسنوي وغريه يف شرح املنهاج ( :أقول اخللل احلاصل يف فهم مراد املتكلم حيصل
من احتماالت مخسة ،وهي االشرتاك والنقل واجملاز واإلضمار والتخصيص ،ألنه إذا انتفى احتمال االشرتاك والنقل
كان اللفظ موضوعا ملعنى واحد ،وإذا انتفى احتمال اجملاز واإلضمار كان املراد باللفظ ما وضع له ،وإذا انتفى
احتمال التخصيص كان املراد باللفظ مجيع ما وضع له ،فال يبقى عند ذلك خلل يف الفهم .هكذا قاله اإلمام .
وال شك أن هذه االحتماالت إمنا ختل باليقني ال بالظن ،وقد نصَّ هو على أن األدلة السمعية ال تفيد اليقني إال بعد
شروط عشرة وهي هذه اخلمسة :وانتفاء النسخ والتقديم والتأخري وتغيري اإلعراب والتصريف واملعارض العقلي.
()2
وقد صرح اإلمام التاج السبكي بأن الظن حاصل مع هذه االحتماالت).
ومعنى هذا أنه إذا انتفت هذه االحتماالت فإن اليقني يثبت .وهذا أمر واضح.
- 2نهاية السول شرح منهاج الوصول – اإلمام اإلسنوي (772هـ ) . 179/2 :دار الكتب العلمية.
4
سلسلة أسئلة في منتدى األصلين
وقد نص اإلمام الرازي أيضا على أن اللغات أكثرها حتصل مبرتبة قريبة من التواتر فقال بعد ذكر االحتماالت الواردة
على اللغات ( :واحلق أن أكثر اللغات قريب من التواتر ،وهبذا الطريق يسقط هذا الطعن ) ( )3يقصد الطعن يف إفادة
وهذه العبارة ذكرها اإلمام مباشرة قبل النص الذي نقله عنه اخلليلي يف التفسري ،مع أنه كان ينبغي عليه ذكرها لتعلقها
مبوضوع البحث ،ولكنين قد رأيت هذا التصرف يف أكثر من موضع من اخلليلي غفر اهلل له .
وأيضا قال اإلمام الرازي يف احملصول يف هناية حبثه يف املخالت بالفهم ( :واعلم أن اإلنصاف أنه ال سبيل إىل استفادة
اليقني من هذه الدالئل اللفظية إال إذا اقرتنت هبا قرائن تفيد اليقني ،سواء كانت تلك القرائن مشاهدة أو كانت منقولة
()4
إلينا بالتواتر )
وهو ال ينكر التواتر يف اللغات فإنه نص على ذلك يف أكثر األلفاظ املتداولة املشهورة ،كما هو معلوم ،وأما احتفاف
القرائن هبا فإ نه يفيد اليقني بال شك .وهذا يف حال عدم متكننا من العلم بانتفاء تلك االحتماالت .
فلو فرضنا البحث عن االحتماالت العشرة ،وحبثناها واحدة واحدة ،ألفاد اليقني .قطعاً هذا هو مقتضى كالم
الرازي .
وأيضا ،فلو حبثنا االحتماالت العشرة فوقع الرتدد يف بعضها ،ثم حصلنا على قرائن تفيد اليقني حمتفّة باملنقول سواء
كانت هذه القرائن مشاهدة أو منقولة إلينا بالتواتر ،وكذا إذا كانت معقولة ،فإن مقتضى كالم اإلمام الرازي استفادة
- 3مفاتيح الغيب – اإلمام الرازي (606هـ ) . 41/1 :دار إحياء التراث العربي ،ط. 3
- 4المحصول في علم األصول – اإلمام الرازي . 408/1:مؤسسة الرسالة ،ط. 3
5
سلسلة أسئلة في منتدى األصلين
واملسألة حتتمل كالما أكثر تفصيال ،ولكن ما ذكرته هنا أرجو أن يكون كافيا .
ثانياً :إن اعرتاض اخلليلي على اإلمام الرازي يف استدالله باآلية إمنا اعتمد فيه على كون اإلمام –على زعمه -ينفي
إفادة األلفاظ لليقني ومع ذلك جيعل داللتها على ضد تلك املعاني يقينية قطعية .
فاجلواب :
أوالً :قد تبني لنا أن اإلمام الرازي ال يقول هبذا القول على إطالقه كما أورده اخلليلي .
ثانياً :نقلنا عن اإلمام كالمه يف احملصول أن ( :اللفظ إن اقرتن معه قرائن فإنه يفيد اليقني) ،ونقول :
إن اإلمام الرازي مل يستدل مبجرد اللفظ يف هذه اآلية ،بل كان استدالله مركبا مبالحظة الداللة الظنية أي مبراعاة
اخلالف احلاصل فيها ،مع احنصار اخلالف يف أحد احتمالني .فهو إذن استدل باللفظ باالقرتان على احنصار اخلالف
على قولني ،مع داللة العقل على أحدمها ،فيبقى اآلخر .إذن استدالله مركب كما ال خيفى على احملقق .
فتأمل يف قول اإلمام ( :ومتام التحقيق فيه :أن الشيء إذا كان يف نفسه حبيث ميتنع رؤيته فحينئذ ال يلزم من عدم
رؤيته مدح وتعظيم للشيء ،أما إذا كان يف نفسه جائز الرؤية ثم إنه قدر على حجب األبصار عن رؤيته وعن إدراكه
كانت هذه القدرة الكاملة دالة على املدح والعظمة ،فثبت أن هذه اآلية دالة على أنه تعاىل جائز الرؤية حبسب ذاته)
ففي هذه العبارة يبني كيفية الداللة على كون الرؤية جائزة .ثم يبين على جوازها فيقول ( :وإذا ثبت هذا وجب
القطع بأن املؤمنني يرونه يوم القيامة ،والدليل عليه أن القائل قائالن ،قائل قال جبواز الرؤية مع أن املؤمنني يرونه ،وقائل
قال ال يرونه وال جتوز رؤي ته ،فأما القول بأنه تعاىل جتوز رؤيته مع أنه ال يراه أحد من املؤمنني فهو قول مل يقل به أحد من
6
سلسلة أسئلة في منتدى األصلين
األمة فكان باطال ،فثبت مبا ذكرنا أن هذه اآلية تدل على أنه تعاىل جائز الرؤية يف ذاته ،وثبت أنه متى كان األمر
()5
كذلك وجب القطع بأن املؤمنني يرونه ،فثبت مبا ذكرنا داللة هذه اآلية على حصول الرؤية )
أي إن الواحد إذا اعتقد اجلواز أوال ،ثم نظر يف اآلية بالوجه األخري الذي بينه اإلمام ،فإنه يقطع حبصول الرؤية
للمؤمنني .
فهذا االستدالل كما ترى مركب من عدة أدلة ،بعضها اإلمجاع وبعضها العقل ،وبعضها الدالالت اللغوية .فتأمل فيها
رمحك اهلل .وهذا مطرد مع مذهب اإلمام الرازي كما بيناه لك سابقا .
فالرازي مل يزعم لِ لفظ وحده قطعية الداللة ،كما نسبه إليه اخلليلي .ثم مل يزعم داللة اللفظ مبجرده على سبيل القطع
على ضد تلك املعاني .فهاتان مغالطتان وقع فيهما اخلليلي يف سطر واحد .
ويتبني لك من هذا أن الشيخ اخلليلي قد تسرع عندما حاول أن يبني تناقض اإلمام الرازي هبذه الصورة الفجَّة.
ثالثاً :من ناحية أخرى ،تعال لنبني لك أن ما ألزم اخلليل به اإلما َم الرازي فإنه ال يلزمه ،وإمنا ذلك من سوء فهم اخلليلي
فإنه قال ( :وليس بعد هذا القول الذي قاله الفخر الرازي تعليق ألحد ،إال السؤال عن عقيدته يف وحدانية اهلل ونفي
الولد والشريك عنه ،مادام جيعل من نفي الشيء دليال على إثباته )
7
سلسلة أسئلة في منتدى األصلين
-1وضوح فساد ما قاله الرازي يدل على ذلك قوله (وليس بعد )...ووضوح ذلك لكل أحد ،وهذا فيه
استهانة بالرازي وغريه من العلماء ،وفيه مساواهتم بالعوام من الذين ينظرون يف هذا الكالم ،بل فيه علو منزلة
هؤالء الناظرين على هؤالء العلماء .ومل يبني اخلليلي كيفية وضوح هذا الفساد إال مبا يأتي فساده ،وهو بعد
-2اخلليلي يلزم اإلمام الرازي بأن كل ما نفاه اهلل تعاىل عن نفسه فإنه يلزمه جتويزه على اهلل تعاىل ،ومن ذلك وجود
الشريك ،ألنه (ال إله إال اهلل) ،ومنه جواز الولد لقوله تعاىل { مل يلد ومل يولد }[اإلخالص ]3:وغريها من
اآليات النافية للولد عن اهلل تعاىل ،واألمر الذي يعتمد عليه اخلليلي يف ذلك االستنباط هو أن الرازي جيعل من
-3لو ف عال قال اإلمام الرازي بذلك ،وهل فعال يلزم اإلمام الرازي تلك اللوازم الفاسدة والبينة الفساد؟ فإن مل يلزمه
ومل يلزم غريه ممن يقول بطريقته من االستدالل ما يلزمهم به اخلليلي ،أال يعد إلزام اخلليلي هلم بذلك إما استهانة
هبم ،وهو سوء أدب منه ،أو عدم فهم منه ملا قالوه وهو قادح به هو ال هبم ،أو أنه فاهم له ولكنه يغالط وهو
مشني له هو ال هلم.
-4وعلى كل األحوال ،فتعالوا ننظر يف طريقة الرازي من االستدالل ،لنبني بعد اخلليلي عن فهم معناه ،أو مغالطته
البينة .
الرازي أوالً يقول :إن قوله تعاىل { ال تدركه األبصار } فيه متدح هلل تعاىل ،واملدح إمنا يتحقق إذا كان
ميكن أن يرى ولكنهم ال يرونه ،مع رؤيته هلم - .وحنن هنا جنري الكالم كله على التنزل بأن معنى اإلدراك هو
8
سلسلة أسئلة في منتدى األصلين
معنى الرؤية ،وليس األمر كذلك بل فيه زيادة ختصيص -فلو كان يستحيل أن يُرى مطلقا ،ملا كان نفي الرؤية
مدحا له .ولكن اهلل تعاىل يرى ذاته بال شك ،إذن أصل كونه مرئيا ثابت ،ولكن إمنا تعلق النفي برؤية
يعين يوجد فرق عظيم بني أن يقال :اهلل تعاىل ال يُرى .وبني أن يقال :الناس ال يرونه .فاألول فيه نص على
عدم كونه مرئيا ،وأما الثاني فال يفهم منه أكثر من نفي حصول الرؤية للناس .ومن هنا كان التمدح بنفي الرؤية
فقوله تعاىل { ال تدركه األبصار } يدل إذن على نفي حصول حتقق إدراك األبصار له ،وال يدل على عدم
كونه مُدرَكا يف نفسه .وهذا أخص من قولنا اهلل ال يُدرَك .فهذا فيه نفي كونه تعاىل مُدركا .فلو قلنا إن
اإلدراك هو الرؤية ،فإمنا تدل اآلية على عدم احلصول يف الدنيا ال عدم إمكاهنا أصال .
وأيضا نقول :قياس الشيخ اخلليلي الستدالل الرازي هبذه اآلية على نفي الولد ونفي الشريك عنه تعاىل على
ثبوهتما له ،استدالل ساذج حقا .فإن نفي الولد عن اهلل تعاىل وقع يف القرآن ال مبراعاة واسطة اخللق ،بل مت
نفيه عنه جل شأنه بالنظر لذاته تعاىل ،فلم يقل اهلل تعاىل ( إنكم ال تستطيعون حتصيل ولد هلل تعاىل) ،لتكون
الصيغة قريبة من صيغة آية اإلدراك ،بل قال جل شأنه { مل يلد ومل يولد } فنفى الولد عنه جل شأنه بال
واسطة ،فإلزام الرازي هبذه الصيغة مع اختالفها عن صيغة قوله تعاىل { ال تدركه األبصار } غري
9
سلسلة أسئلة في منتدى األصلين
وكذلك نقول يف نفي اإلله ،فإن نفي اإلله وقع يف القرآن بال واسطة املخلوقات ،فقال اهلل تعاىل { ال إله إال
هو}[البقرة ]255 :ومل يقل ال ميكنكم أيها البشر إجياد إله آخر ،لكي يقاس هذه الصيغة على صيغة
اآلية .
هذا مع قولنا باستحالة جعل البشر وإجيادهم إلله آخر ،واستحالة إجياد البشر لولد هلل تعاىل ،ولكن ذلك
غري راجع لعجز البشر عن ذلك ،بل لكون هذا األمر يف نفسه مستحيال ،فال يتوقف نفيه على عدم قدرة
البشر عليه ،وال يتوقف نفيه على عدم قدرة غري البشر عليه أيضا .
فتبني لك هبذا التحقيق أن كل كالم الشيخ اخلليلي عبارة عن مغالطات حمضة ،وجمرد هتويش ال حاصل حتته،
رابعا :وبعد هذه الوجوه اليت تفتح ملن تأمل فيها معاني عظيمة أخرى ،نقول
أوال :النفي إمنا تعلق بإدراك األبصار ،وهذا معنى غري الرؤية ،وال يساويه ،ولذلك ملا قال النيب عليه السالم
(ترون ربكم )6( )..أو (لن تروا ربكم حتى متوتوا )7( )..مل يَ َّدعِ واحد أنه مناقض ملا يف اآلية الكرمية .
ثانيا :حنن ال نسلم أن اإلدراك مسا ٍو للرؤية ،حتى يلزم من نفيه نفي الرؤية عن الناس ،بل التحقيق الذي نراه
حوق وبلوغ الشيء املُدرَك ،وهو األصل يف معناه اللغوي ،وهو ما أراده علماؤنا عندما
أن اإلدراك معناه اللُ ُ
قالوا معناه اإلحاطة ،وإمنا قصدوا اإلحاطة حبقيقة ذات اهلل تعاىل .فيصري حاصل معنى اآلية الكرمية :ال
تدركه اهللَ تعاىل ،أي ال تبلغ علمَ حقيقته ،وهو املفهوم من حلوق الشيء ،أي بلوغ حقيقته.
- 6أخرجه البخاري في الصحيح :كتاب التوحيد – باب قول هللا تعالى {وجود يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} .
- 7أخرجه ابن ماجه في السنن :كتاب الفتن – باب فتنة المسيح الدجال وخروج عيسى بن مريم وخروج يأجوج ومأجوج.
10
سلسلة أسئلة في منتدى األصلين
وقوله تعاىل { :وهو يدرك األبصار } أي يعلم حقيقة األبصار وأصحاب األبصار .فاإلدراك ههنا هو بلوغ
احلقيقة ،أي العلم باحلقيقة ،وهو ثابت هلل تعاىل فإنه جل شأنه عامل حبقيقة ذاته كما هو عامل حبقائق خملوقاته،
وأما العلم حبقيقة ذات اهلل تعاىل وصفاته فإنه منفي عن العباد مطلقا .
فإن قيل :أال يرتتب على هذا نفي الرؤية (مبعنى إدراك احلقيقة) اليت تقول هبا يف اآلخرة .
فاجلواب :ومن قال لك أن الرؤية اليت يثبتها أهل السنة تستلزم إدراك حقيقة اهلل تعاىل ،وإن أطلِق ذلك يف كالم
بعضهم فإمنا هو جتوز ومقارنة مع املعرفة احلاصلة لنا باهلل تعاىل يف الدنيا ،بل غايتها إمنا هو زيادة إدراك (أي
بلوغ علم زائد باهلل تعاىل يف النفس ) خيلقه اهلل تعاىل بال واسطة شعاع ومقابلة -وغري ذلك -يف نفوس
العباد إما يف األبصار أي العيون أو بال واسطة .وال يستلزم ذلك إدراك حقيقة اهلل تعاىل ،ال دنيا وال آخرة .
وال خيفى عليك أن الشيخ اخلليلي قد بالغ يف إلزاماته الساذجة ألهل السنة يف أثناء كالمه أيضا على معنى
فهذا ما تيسر يل أن أكتبه على عجالة ،ولوال حمبة السائل ورغبيت يف إعانته يف هذا النظر ،ملا يظهر عليه من
مهة وإخالص يف سبيل الوصول إىل احلق ،واألمر الثابت يف الشريعة املطهرة باجلواب حبسب العلم للمستأهل،
ملا وجد عندي باعث لتفريغ جزء من وقيت الضيق جدا لذلك .
واهلل املوفق.
11
سلسلة أسئلة في منتدى األصلين