Professional Documents
Culture Documents
Jadaliyya - فهم الصورة الفوتوغرافية PDF
Jadaliyya - فهم الصورة الفوتوغرافية PDF
الصورة
الفوتوغر
By :
Osama
Esber
أسامة
إسبر
J’aime 111
Tweet
[جون بيرغر].
جون بيرغر
حاجج المصّورون الفوتوغرافيون والمدافعون عنهم ألكثر من قرن بأن فن التصوير الفوتوغرافي جدير بأن ُيعَّد فنًا لكن من المتعذر أن
نعرف مدى نجاح هذا الدفاع .المؤكد هو أن سواد الناس ال يعتبرون التصوير الفوتوغرافي فنًا على الرغم من أنهم يمارسونه
ويستمتعون به ويستخدمونه وُيْضفون عليه قيمة .وكانت حجة المدافعين عن التصوير الفوتوغرافي (وكان كاتب هذه السطور
بينهم) أكاديمية إلى حد ما .
من الجلي اآلن أن التصوير الفوتوغرافي يستحق بأال ُينظر إليه على أنه ينتمي إلى الفنون الجميلة .ما يتكشف لنا هو أن فن التصوير
الضوئي (أيًا كان نوع هذا النشاط) سيستمر أكثر من الفن التشكيلي وفن النحت كما نظرنا إليهما منذ عصر النهضة .ومن حسن حظنا
اآلن أن بضعة متاحف قامت بما يكفي من المبادرات وفتحت أقسامًا للتصوير الفوتوغرافي ،ما يعني أن بعض الصور قد ُحفظت في
عزلة مقدسة ،وأن الجمهور العام ال يفكر اآلن بأية صور غيرها( .تعمل المتاحف كمنازل لطبقة النبالء يتم إدخال الجمهور إليها أحيانًا
كزوار في ساعات محددة .ويمكن أن تتنوع الطبيعة الطبقية ل ”طبقة النبالء“ ،لكن حالما ُيوَضع عمل فني في متحف فإنه يكتسب
لغز أسلوب حياة يقصي الجمهور .
وكي أوضح فكرتي هنا أقول إن الفن التشكيلي والنحت كما نعرفهما ال يموتان من أي مرض أسلوبي ،أو من أي شيء
شّخصهمصابون بالذعر المهني كانحطاط ثقافي ،بل إنهما يموتان ألنه ال يوجد عمل فني يمكن أن يبقى على قيد الحياة دون أن يتحول
إلى ملكية ذات قيمة في عالمنا كما هو قائم اآلن ،ما يعني موت الفن التشكيلي والنحت ألن الُملكية تعارض اآلن وبشكل ال مهرب
منه ،جميع القيم األخرى ،بخالف ما كانت عليه .يؤمن الناس بالملكية ،لكن من حيث الجوهر ال يؤمنون إال بوهم الحماية الذي
تقدمه .ويجب أن ُينظر اآلن إلى جميع أعمال الفن التشكيلي ،مهما كان محتواها ،ومهما كانت حساسية المشاِهد الفرد ،على أنها
ليست أكثر من ركائز لتدعيم الثقة بعالم روح النزعة المحافظة.
ال تمتلك الصور الفوتوغرافية ،بطبيعتها ،قيمة ُمْلكية ،أو ليست لها قيمة ملكية ألنها ال تمتلك قيمة الندرة .إن مبدأ التصوير
الفوتوغرافي قائم على أن الصور الُملتقطة ليست فريدة ،بل على العكس قابلة إلنتاٍج بال نهاية .وإذا ما عّبْرنا بلغة القرن العشرين فإن
الصور الفوتوغرافية سجالت ألشياء شوهدت .وإذا ما نظرنا إليها على أنها بعيدة عن األعمال الفنية على غرار تخطيطات القلب ،سنصبح
أكثر تحررًا من األوهام .كان الخطأ الذي ارتكبناه هو أننا صنفنا األشياء في باب الفن عن طريق وضعنا لبعض مراحل عملية الخلق بعين
االعتبار ،إال أن هذا يمكن أن يجعل جميع األشياء التي يصنعها اإلنسان فنًا من منظور منطقي .من المفيد لنا أكثر أن نصنف الفن بحسب
ما أصبح وظيفته االجتماعية :أي أنه يعمل كملكية .بالتالي ،تقع معظم الصور الفوتوغرافية خارج التصنيف.
تشهد الصور الفوتوغرافية على خيار إنساني يحدث في موقف معين .فالصورة نتاُج قرار فناٍن ما بأن حدثًا معينًا ،أو شيئًا معينًا ،قام
بمشاهدته ،يستحق التصوير .وإذا كان كل ما هو موجود ُيصَّور على نحو متواصل ،فإن كل الصور ستفقد معناها ،ذلك أن الصورة ال
تحتفي بالحدث نفسه وال بَمَلَكة الرؤية في حد ذاتها ،الصورة رسالٌة عن الحدث الذي تسجله وال تعتمد إلحاحية هذه الرسالة كليًا على
إلحاحية الحدث غير أنه ليس بمقدورها أن تكون مستقلة عنه بشكل كامل .إن الرسالة في شكلها األبسط ،إذا ما فككنا شفرتها ،تعني:
لقدقررُتأنرؤيةهذاالشيءتستحقالتصوير .
ينطبق هذا على صور فريدة كما ينطبق على معظم اللقطات التافهة .فما يمّيز صورة عن أخرى هو إلى أي مدى تشرح الصورُة
الرسالة ،وإلى أي مدى تجعل الصورُة قرار المصور شفافًا وقابًال للفهم .يقودنا هذا إلى مفارقة الصورة غير المفهومة على نطاق
واسع :إن الصورة سجٌّل آلّي لحدث معين عن طريق توّسط الضوء :لكنها تستخدم المناسبة المحددة لشرح تسجيلها .إن فن التصوير
الضوئي هو عملية جعل المالحظة واعية ذاتيًا .
يجب أن نخّلص أنفسنا من التشوش الذي سببه تشبيهنا
يجب أن نخّل ص أنفسنا من التشوش الذي سببه
المتواصل للتصوير الفوتوغرافي بالفنون الجميلة .إن جميع تشبيهنا المتواصل للتصوير الفوتوغرافي
كتيبات التصوير الفوتوغرافي تتحدث عن التكوين الفني بالفنون الجميلة
( .)Compositionفالصورة الجيدة هي الصورة الُمكَّونة فنيًا
على نحو متقن لكن هذا ال يصح إال بقدر ما نفّكر بالصور
الفوتوغرافية على أنها محاكاة للصور المرسومة .إن الفن التشكيلي فن ترتيب .بناًء على هذا من المنطقي أن نطالب بوجود نوع من
النظام في ما يتم ترتيبه .إن جميع العالقات بين األشكال في لوحة يجب أن تنسجم مع هدف الرسام إلى حد ما إال أن هذه الحالة ال
تنطبق على التصوير الضوئي (إال إذا ضّمّنا أعمال االستديو السخيفة التي يرتب بها المصور الفوتوغرافي جميع تفاصيل موضوعه قبل
أن يلتقط الصورة) .إن التكوين الفني بالمعنى العميق البنائي للكلمة ال يمكن أن يدخل في التصوير الضوئي.
ال يشرح الترتيب الشكلي للصورة الفوتوغرافية أي شيء .فاألحداث المصورة هي في حد ذاتها غامضة أو قابلة للشرح بحسب
معرفة المشاهد لها قبل رؤيته للصورة .ما الذي يمنح إذًا الصورة كصورة معناها؟ ما الذي يجعل رسالتها األصغر
”لقدقررُتأنمشاهدةهذاالشيءتستحقالتصوير“ كبيرة ومتألقة؟
إن المحتوى الحقيقي لفن التصوير غير مرئي ،ذلك أنه مستمٌّد من اللعب ،ال بالشكل ،بل بالزمن .يمكن أن يحاجج المرء بأن فن
التصويرقريب من الموسيقى بقدر ما هو قريب من الرسم .ولقد ذكرُت سابقًا أن صورة فوتوغرافية تشهُد على اختيار إنساني تحَّقق،
وهذا االختيار ليس اختيارًا بين تصوير شيء أو آخر ،بل بين التقاط الصورة في هذه اللحظة أو في تلك .فاألشياء الُملتقطة في أي صورة
(من األكثر تأثيرًا إلى األكثر عادية) تحمل الوزن نفسه ،واإلقناع نفسه تقريبًا .ما يختلف هو الكثافة التي تجعلنا واعين لقطبي الغياب
والحضور وبين هذين القطبين يعثر التصوير الفوتوغرافي على معناه المالئم( .إن الوصف األكثر شهرة للصورة هي أنها تذكار للغائب).
حين تسجل الصورة الفوتوغرافية ما شوهد ،فهي دومًا وبفعل طبيعتها تشير إلى ما لم ُير .إنها تعزل لحظة ُمقتطعة من استمرارية
وتحفظها وتقدمها .وتعتمد قوة اللوحة التشكيلية على إشاراتها الداخلية ،وإشارتها إلى العالم الطبيعي الموجود خارج حدود السطح
المرسوم ليست مباشرة أبدًا ،فهي تتعامل مع مكاِفئات( .)Equivalentsأو كي نعبر عن األمر بطريقة أخرى :إن اللوحة تؤول العالم
وتترجمه إلى لغتها الخاصة لكن التصوير الفوتوغرافي ال يمتلك لغة خاصة به .يتعلم المرء أن يقرأ الصور كما يقرأ آثار األقدام أو
تخطيطات القلب ،واللغة التي يتعامل بها التصوير الفوتوغرافي هي لغة األحداث ،كل إشاراته تقع خارجه ،وهذا ما يفسر االستمرارية .
يستطيع مخرج فيلم سينمائي أن يتالعب بالوقت كما يستطيع فنان تشكيلي أن يتالعب بحشد األحداث التي يرسمها .إال أن المصور
الهادىء ال يستطيع أن يفعل هذا والقرار الوحيد الذي يستطيع أن يتخذه يتعلق باللحظة التي يختار أن يعزلها .هذا التقييد الواضح هو ما
يمنح الصورة الفوتوغرافية تميزها وفرادتها :إن ما تكشفه يثير ما تحجبه .يستطيع المرء أن ينظر إلى أية صورة فوتوغرافية كي
يفهم حقيقة ما ذهبُت إليه .إن العالقة المباشرة بين ما هو حاضر وما هو غائب خاصة بكل صورة :قد تكون كعالقة الجليد مع الشمس،
واألسى مع المأساة ،واالبتسامة مع المتعة ،والجسد مع الحب ،وفوز خيل سباق مع السباق الذي اشترك فيه .
لكي تكون الصورة الفوتوغرافية فعالة يجب أن تحتوي اللحظة المختارة التي تسجلها على كم من الحقيقة قابل للتطبيق بعامة،
يكشف ما هو غائب من الصورة الفوتوغرافية كما يكشف ما هو حاضر فيها .تتنوع طبيعة كّم الحقيقة هذا ،والطرق التي يمكن أن ُيميز
بها ،بشكل كبير ويمكن العثور عليه في تعبيٍر وفعٍل وتجاوٍر وغموٍض بصري وشكٍل .وال تستطيع هذه الحقيقة أبدًا أن تكون مستقلة
عن الُمشاِهد .فبالنسبة لرجل يحمل في جيبه صورة لعشيقته ملتقطة بكاميرا بوليفوتو ،يجب أن تظل كمية الحقيقة في صورة "ال-
شخصية" معتمدة على الفئات العامة التي هي سابقًا في ذهن المشاهد.
يمكن أن يبدو كل هذا قريبًا من المبدأ القديم للفن أال هو تحويل الخاص إلى كوني لكن فن التصوير الضوئي ال يتعامل مع البناءات وال
يوجد فيه تحويل ،هناك قرار ،تركيز فحسب .إن الرسالة األصغر للتصوير الفوتوغرافي قد تكون أقل بساطة مما حسبناه في البداية،
كما أيضًا ُتشرح أن يمكن قررُتأنمشاهدةهذاالشيءتستحقالتصوير، تقول: التي الرسالة فهذه
يلي:إنمدىاعتقاديبأنهذايستحقالمشاهدةيمكنأنُيحكمعليهعنطريقكلماأشاءعدمكشفهألنهمحتوىفيه .
لماذا نعّقد بهذه الطريقة تجربة نقوم بها مرات عديدة كل يوم :تجربة النظر إلى صورة؟ ألن البساطة التي نعامل بها التجربة عادًة
مضّيعة للوقت ومشِّوشة .ننظر إلى الصور الفوتوغرافية كأعمال فنية ،كدليل على حقيقة معينة،كتشابهات وكأنباء .إن كل صورة
هي في الحقيقة وسيلة اختبار ،تؤكد وتبني نظرة كلية للواقع ،ولهذا يلعب التصوير الضوئي دورًا جوهريًا في الصراع األيديولوجي،
ومن الضروري أن نفهم سالحًا يمكن أن نستخدمه ويمكن أن ُيستخدم ضدنا.
[ترجمة :أسامة إسبر ،المصدر.]Selected Essays, John Berger Edited by Geoff Dyer :