Professional Documents
Culture Documents
عيد الاضحى
عيد الاضحى
التكبير تس ًعا.
َّ َّ َّ َ ُ َّ
هالل وأبدر ،هللا أكبر كلما لبى ملبٍّ وكبر ،هللا أكبر عدد من طاف بالبيت فعظمه وقدر ،هللا أكبر هللا أكبر كلَّمَا هل ِ
َّ
عدد من وقف بعرفه ونزل بالمشعر ،هللا أكبر ،هللا أكبر ،هللا أكبر ،ال إله إال هللا ،هللا أكبر ،هللا أكبر ،وهلل الحمد.
الحمد هلل الذي جعل في الحج منافع للناس ،وس َّوى فيه بين المؤمنين من سائر األلوان واألجناس ،فال فرق بين
ف إلى تلك المشاعر، المتله ِ
ِ ة ،وال لباس ،أحمده حمد صغير وكبير ،وغني وفقير ،ومأمور وأمير ،في شعار وال وجه ٍّ
أسس حقوق اإلنسان ،ووضع قواعد العدل بأدق َن َّ المتحسر ،أال يكون بين الحجاج حاضر ،والصالة والسالم على م ْ ِ
وأكمل ميزان ،وأوضح الحدود والحرمات ،ونهى عن الظلم والبغي والعداوات ،وق َّرر أن دماءنا وأموالنا وأعراضنا علينا
ة ال تتغيَّر وال تتب َّدل ،وال يتراخى الزجر عنها وال حرْم ًكحرْمة اليوم الحرام في الشهر الحرام في البلد الحرامُ ، حرام ُ
ت األجيال إلى الرجال ،والتابعين لهم بإحسان ما تتاب َع ْ ل َّ
م جل ،صلى هللا عليه وعلى آله خير آل ،وصحابته ُ
الك يتأ َّ
ِ
ُ
ورسوله شهاد َة ُم َّتبِع له ُ
عبد هللا مستسلم بين يديه ،وأشهد أن محم ًدا ٍّ يوم المآل ،وأشهد أن ال إله إال هللا شهاد َة
حق تقواه.َّ تقدم عليه ،وأوصيكم عباد هللا ونفسي بتقوى هللا ،فاتقوه غير ُم ِ
تكبير.
عباد هللا ،هذا هو يوم النحر الذي يقول فيه النبي صلى هللا عليه وسلم(( :أعظم األيام عند هللا يوم ال َّن ْ
ح ِر ثم يوم
ال َق ِر))؛ رواه أحمد وأبو داود والحاكم.
حى يفعل المسلمون ذلك اقتدا ًء بخليلي الرحمن إبراهيم ومحمد صلوات هللا وسالمه عليهما ،أ َّما إبراهيم فقد ض َّ
ي ثمر َة تلك أوال حين واجه طغاة قومه بالحق الذي يحمله؛ مما جعلهم يحاولون إحراقه بالنار ،ولقد لق َ بنفسه ً
جاه هللا من النار ،وأوقع أعداءه في الخزي والبوار ،فش َّتان بين عاقبتيهما ،ال يذكر قومه إال ة سري ًعا؛ حيث ن َّ التضحي ِ
بالمقت واللَّعنات ،وأ َّما هو فله لسان صدقٍّ في اآلخرين ،وزاده هللا من فضله ،فجعل في ذريته النب َّو َة والكِتاب ،فما
حى بابنه إسماعيل حينما رأى في المنام أنه يذبحه ،فصارحه باألمر وقال ﴿:إِنِي م ض َّ إال من ذريته ،ثُ َّ بعث نبي بعده َّ
ُّ
ك فانظ ْر مَاذا تَرَى ﴾ [الصافات ،]102 :قال االبن الصالح المستسلم ألمر ربِه والبار بأبيه : َ ُ ْ َ ُ ْ
م أنِي أذبَح َ َ َ أَرَى فِي ْال َ
منَا ِ
َّللا ِمنَ الصابِ ِرينَ ﴾ [الصافات ،]102 :فعزم االثنان على التنفيذ واالمتثال َّ َّ
شا َء ُ ْ
س َتجِ ُدنِي إِن َ ل مَا تؤ َم ُر َْ ُ ْ
ت اف َع ْل يَاأَبَ ِ ﴿ َقا َ
سنِينَ ﴾ ح ِ ْ
ج ِزي ال ُ
م ْ َ َّ ْ ُّ
ت الرؤيَا إِنا ك َذلِ َ
ك نَ ْ ْ
ص َّدق َ َ
م *ق ْد َ هي ُ ْ َ
ين * َونَا َد ْينَا ُه أن يَاإِ ْبرَا ِ ْ َّ
سلمَا َوتَل ُه لِل َ َ َ
ما أ ْ َ َ
ألمر العزيز الحميد ﴿ فل َّ
جبِ ِ
ُ
الجائزة ين ﴾ [الصافات ]106 :ثم جاءت مبِ ُ ه َذا لَ ُه َو ْالب ََال ُء ْال ُ ن َ شهادة هللا لهما ﴿ إِ َّ
ُ [الصافات ]105 - 103 :هنا جاءت
عبَا ِدنَا
ن ِ س ِنينَ *إِن َّ ُه ِم ْح ِ م ْ ج ِزي ْال ُ ك نَ ْم * َك َذلِ َ هي َ علَى إ ِ ْبرَا ِ م َ س َال ٌ خ ِرينَ * َ ه فِي ْ
اآل ِ علَ ْي ِ يم * َوتَر َْكنَا َ ظ ٍّ
ع ِ ﴿ و ََف َد ْينَا ُه بِ ِذ ْبحٍّ َ
م ْؤ ِمنِينَ ﴾ [الصافات].111 - 107 : ْال ُ
حى بالنفس، وأ َّما تضحية سيد ولد آدم محمد بن عبدهللا صلى هللا عليه وسلم فهي أعظم وأكمل وأشمل؛ ض َّ
ة إال سلكه حى بالجهد والراحة ،وما ترك بابًا من أبواب التضحي ِ حى بالمال والديار ،وض َّ حى باألهل والولد ،وض َّ وض َّ
ه نورًا وه ًدى للناس ،وجعل ما أوحاه إليه نو ًرا ووصل إلى منتهاه؛ فكافأه هللا في الدنيا واآلخرة؛ إذ جعل من رسالت ِ
جا ُمنِيرًا ﴾ [األحزاب ]46 ،45 :شرح سرَا ً
ه َو ِ عيًا إِلَى َّ ِ
َّللا بِ ِإ ْذنِ ِ ذيرًا * َودَا ِ ه ًدا َو ُمب ِ
َشرًا َونَ ِ حا؛ بل جعله سبحانه ﴿ َ
شا ِ ورو ً
صدره ووضع عنه وزره ،ورفع له قدره ،وأعطاه الكوثر ،وجعل شانئه هو األبتر ،وأعطاه المقام المحمود والحوض
ه َو ال َّ ِذي
حا مبي ًنا ،ونصره نصرًا عزي ًزا ،ووعده الوعد الصادق الذي سيتحقق ال محالة بقوله ُ ﴿: المورود ،وفتح له فت ً
ةثمرة التضحي ِ ُ ون ﴾ [التوبة ]33 :تلك هي ش ِر ُك َ م ْ ين ُكلِ ِ
ه وَلَ ْو َك ِر َه ْال ُ علَى ِ
الد ِ
ال ُهدَى َو ِدين ْالحَق لِ ُي ْ
ظ ِه َر ُه َ ِ ِ
َسول َ ُه بِ ْ
لر ُ
ْس َ أَر َ
خلِه وأنانيته ،فيجب أن نعرف يومنا هذا حق معرفته، حه و ُب ْ وش ِ في سبيل هللا حين يتج َّرد اإلنسان من شهواته وهواه ُ
مس تلك المعاني العظيمة التي صيرته لهذه المنزلة ،ثم نعمل بموجبها ،ومن تلك المعاني: قدره حق قدره ،ونتل َّ و ُن ِ
التضحية ،وليس معناه إزهاق النفس وإتالفها بال ثمن ،فما ذلك إال انتحار وليس شهادة ،ومن قتل نفسه بشي ٍّء
ُع ِذبَ به يوم القيامة ،وأخبث من ذلك وأقبح أن ُيفجِ َر نفسه ليقتل به األبرياء واآل ِمنين من المؤمنين والمعاهدين،
ما أنه في ذلك يجاه ُد في سبيل هللا ،ونحن نعلم أن كثيرًا من ة زع ًدمر بها المصالح العامة من الممتلكات الخاص ِ و ُي ِ
هؤالء إنما يريدون الخير ،ويسعون إلى الوصول إلى الحق ونصرة الدين؛ ولكنهم أخطأوا الطريق ،فعليهم أن يراجعوا
أنفسهم ،ويعتبروا بمن سلك هذا الطريق قبلهم ،وماذا صنعوا بأنفسهم وباألمة ،ثم ماذا كانت عاقبتهم؟ وما هي
حققوها ،إنهم لو فعلوا ذلك لعرفوا أنهم على طريق خاطىء قد تك َّرر فساد صلوا إليها واإلنجازات التي َّ النتائج التي تو َّ
بأشد غيرة على الدين
ِ نتائجه على مرِ العصور ،فليتقوا هللا ويضعوا أيديهم في أيدي علماء األمة وحكمائها ،فما هم
منهم ،نسأل هللا لهم الهداية والتوفيق.
إن معنى التضحية أن يتخلَّى اإلنسان عن شهواته وأهوائه ومصالحه الخاصة للمصحلة ال ُع ْليا ،وأن يتخلَّى عباد هللاَّ ،
ة والعملة للتضحي ِ أوال ،ثم للمصلحة ال ُع ْليا ،وما أحوجنا جمي ًعا إلى َف ْهم تلك المعاني الجليل ِ
عن ماله ومنصبه هلل ً
بها.
تكبير.
ٌ
وتوسعة لألهل ٌ
عبادة هلل عباد هللا ،ومن المعاني العظيمة للعيد معنى البذل والعطاء واإلحسان ،فاألضحية كما هي
ٌ
هدية للصديق والقريب والجار ،والهدايا عرابين المو َّدة ،ورسائ ُ
ل اإلكرام ،وشعار اإلعزا ُز والتبجيل، والعيال ،هي أي ً
ضا
قال صلى هللا عليه وسلم(( :تهادوا تحابُّوا))؛ رواه أبو يعلى في مسنده.
صدَقاتهم للفقراء هو صمام أمان يمنع الحقد والحسد وضغائن الفقراء على ْ
وبذل األغنيا ِء َ ل لل َّ
صدَقات، وهي ْ
بذ ٌ
ُّ ُّ ْ ُ َّ
األغنياء ،فتعم المحبة ،وتنتشر األلفة ،وتحل السعادة والطمَأنينة ربوع المجتمع.
عباد هللا ،ومن المعاني العظيمه للعيد ما أشار إليه بعض العلماء وهو يتح َّدث عن خروج النبي صلى هللا عليه وسلم
للمصلى في صالة العيد وذهابه من طريق ،ورجوعه من أخرى ،وإظهار التكبير ،واألمر بخروج النساء والرجال؛ حيث
استنبط أن الحكمة في ذلك إظهار قوة اإلسالم وعظمته وظهوره ،فيرى ذلك األعداء ،فما تزال األُ َّمة اإلسالمية
ُ
وتماسك بنيانها ،واستقرار ُمهابة مرهوبة ،وهذا ما ينبغي أن ُيركِز عليه اإلعالم ،فيظهر ألعداء األُ َّمة قوتها ووحدتها
بدال من كشف عوراتها ،والتركيز على مواطن الضعف فيها بأسلوب الشامت ال بأسلوب شأنها ،ويشيد بمنجزاتها ً
َّ
الناصح ،وال يعني هذا ترك النقد البناء ،وال التوقف عن األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وال تصحيح المسار؛ ولكن
فرق بين النصيحة والتعيير كما قال اإلمام ابن رجب رحمه هللا :ولن يكون عيدنا عي ًدا بالمعنى الصحيح ما يجب أن ُن ِ
لم يتضمن هذه المعاني وغيرها من المعاني السامية للعيد في اإلسالم.
ننوه بالخطبة العظيمة؛ بل بالبيان الفريد الذي وجهه النبي صلى هللا عليه عباد هللا ،ال يفوتنا في هذا الموقف أن ِ
من أولوسلم في يوم النحر من العام العاشر الهجري في حجة الوداع إلى أُ َّمتِه بل إلى العالم أجمع؛ حيث تض َّ
وثيقة تحتوي على مبادئ العدل والحق والسالم ،تحدد الحقوق والواجبات ،وترسم الحدود ،وتحفظ الحرمات بما لم
حق وعدل ٍّ تصل إليه قوانين البشرية وبياناتها ووثائقها إلى اليوم ،وما كان في تلك القوانين والبيانات والوثائق من
ما شرعه هللا وبيَّنه رسوله ،وفي الخطبة الثانية يكون عرض خالصة تلك وإصالح ،فمبدؤه من تلك الخطبة ونحوها م َّ
الخطبة ومناقشتها.
ً
عكسا عكس مفهوم الجهاد سل ،وهللا ال يحب الفساد ،وهذا قد ُّ
شره ،فأهلك الحرث وال َّن ْ ُ
وكث َر ج ْر ُمه،قد تضاعف ُ
َة ح َّتى َال تَ ُك َ
ون فِ ْتن ٌ م َ و ََقاتِ ُل ُ
وه ْ ً
نكسا ،فإذا كان هللا يقول ﴿: ونكس نفسه ومجتمعه في الذل والهوان وتسلط األعداء َّ
هللا. لغير ُ
الدين لِل ﴾ [األنفال ]39 :فإن هذا قد قاتل ليجلب الفتنة ،ويكون َّ ُّ
ين كل ُه ِ ُِ الد ُ َوي َُك َ
ِ ون ِ