Professional Documents
Culture Documents
مفهوم الحق
مفهوم الحق
البد دراسة نظرية الحق وذلك للصلة العضوية الوثيقة بين الحق والقانون ،فنتناول دراسة نظرية الحق
بادئ ذي بدء في تعريف الحق وما عرفه من نظريات فقهية المنكرة لوجوده إلى جملة النظريات التي
تعترف به وتقيم المعايير المعتمد عليها في تعريف الحق (أوال) ،ثم نعرج إلى فكرة أنواع الحقوق (ثانيا )
وننتهي في دراستنا لنظرية الحق إلى عناصر الحق المتمثلة في أشخاص الحق و محل الحق (ثالثا) .
نتناول في هذا الفصل جملة من األفكار فنبدأ في االتجاه لوجود فكرة الحق ( ، )1ثم نعرج إلى النظريات
التي قيلت في تعريف الحق ( ، )2وصوال إلى التعاريف التي قيلت في تعريف الحق ( )3ثم ننتهي إلى
تمييز الحق عما يقاربه من مفاهيم أخرى (. )4
لقد أثارت فكرة الحق في الدراسات القانونية خالفا واسعا شديدا بين الفقهاء ،فذهب فريقا إلى إنكار وجوده
منها نظرية ديجي (أ) ،ونظرية كلسن (ب) ،لكن هذه النظريات عرفت جملة من االنتقادات (جـ) .
يعد ديجي من أنصار االتجاه الناكر لوجود الحق ،ويستند هذا االتجاه على المشاهدة والتجربة ،فأنكر هذا
االتجاه وجود الحق ،كما أنكر وجود الشخصية القانونية ،وأعتبر كل هذه األمور من األمور الميتافيزيقية
وال يعقل أن تبقى في نطاق علم القانون ،ذلك العلم الذي يقوم على الحقائق الملموسة .
يرى كلسن أن ال مكان لفكرة الحق في النظام القانوني ،فوفق كلسن أن القانون عندما يطبق على الفرد فال
ينشئ إال التزاما قانونيا وهو وجوب إتباع سلوك معين ترى الدولة ضرورة إتباعه ،وعلى هذا فال يوجد
سوى الواجب ،بالتالي القانون ال ينشئ حقوقا ذاتية أو فردية ،وما يسمى بالحق ليس إال تمسكا بأن ينفذ
الطرف اآلخر واجبه .
وفق نظرية كلسن فإن هذا الفقيه ال يعترف بالحق في حد ذاته أي لكونه سلطات للفرد أو صالحيات له ،
غير أنه ال ينكر وجود حق شخصي باعتباره انعكاسا للواجب الذي يتحمله الفرد أو األفراد بمقتضى
مختلف القواعد القانونية .
نخلص أن الفقيه كلسن ال ينكر فكرة الحق من حيث مضمونها إنما ينازع في تسميتها .
وجهت عدة انتقادات لهاتين النظريتين ( نظرية ديجي ،نظرية كلسن ) ،ومن بين هذه االنتقادات نذكر
منها :
ـــــ يستند الفقيه ديجي في نفيه لفكرة الحق على حجتين ،أوالها أن الحق فكرة غير واقعية وميتافيزيقية ،
وثانيها أنها تتطلب تدرجا في إرادات الناس ،بالنسبة للحجة األولى يرد عليها أن علم القانون هتم باألفكار
الغير الملموسة وذلك لبلوغ بالمجتمع إلى درجات الكمال وهذا ما يجعله يهتم بالظواهر الملموسة والغير
الملموسة هذا من جهة ،ومن جهة أخرى بالنسبة لحجة علو إرادة على اإلرادات األخرى فهذه حجة غير
مجدية ،ألنه لم يسبق أحد أن قال أن صاحب الحق يعلو على اإلرادات األخرى أو على إرادة المدين .
ــــ أما عن نظرية كلسن فإنها تتجاهل حقائق الحياة االجتماعية التي تكون جوهر القاعدة القانونية .
أضف إلى ذلك أنه إذا كان الحق يعطى لصاحبه ميزة أو مكنة معينة فإن ذلك راجع إلى ما في ذلك من
منفعة اجتماعية ،بالتالي يكون الحق في نفس الوقت من ميزة ووظيفة ال ينفصالن.
حقيقة أن القانون والحق أمران مترابطان ومتالزمان لكن لكل واحد منهما معنى خاص به ،فالفقه
الفرنسي يميز بين الحق والقانون ،فأطلقوا على الحقوق تعبير Droit subjectifأي الحقوق الشخصية
،أما القانون فأطلقوا عليه تعبير Droit objectifأي الحق الموضوعي .
أما الفقه العربي فتعبير الحق الموضوعي يقصد به النص القانوني الذي ينشأ الحق ويحدد مضمونه ،أما
الحق الشخصي أو الذاتي يقصد به القدرات أو السلطات والمزايا التي تحمي الحق وتلزم اآلخرين
باحترامه .
أثار تعريف الحق جدال فقهي خاصة عند الفقهاء األلمان ،فوجدت نظريتان رئيسيتان ،أولها نظرية
اإلرادة وهي التي تعرف الحق بأنه سلطة إرادية ،ثانيها نظرية المصلحة والتي تعرف الحق بأنه مصلحة
يحميها القانون ،وظهرت إلى جانب هاتين النظريتين نظريات توفيقية بينهما .
يمكن انطالقا من النظريات التي وردت في تعريف الحق ،أن الحق قدرة إرادية (أ) ،في حين يرى
البعض اآلخر أنه يتمثل في مصلحة يحميها القانون (ب) ،والبعض اآلخر يرى بأن الحق هو استئثار
وتسلط (جـ) ،ورأي آخر يرى في الحق أنه يقتصر على صالحية التملك (د) ،وجانب آخر يرى في الحق
تفاوت مشروع (ه) .
يترأس المذهب الشخصي الفقيه Winscheid Savignyالذي يرى أن الحق هو سلطان لإلرادة وسيادة
لإلرادة ،فوفق هذه النظرية الشخصية جوهر الحق في السلطة اإلرادية المخولة لصاحبه ،فمهمة القانون
هي وضع الحدود بين إرادات األفراد ،فالقاعدة القانونية إذ تنظم العالقات في المجتمع ،تحدد لكل شخص
نطاقا تسود فيه إرادته مستقلة عن كل إرادة أخرى .
ينظر المذهب الشخصي إلى الحق من خالل الشخص صاحب الحق فهو قدرة إرادية يخولها القانون
لشخص معين ويرسم حدودها ،فعلى سبيل المثال للمالك أن يتصرف بالمال المملوك له بكل الطرق سواء
عن طريق استعماله إيجارا ،استغالال ،هبة ،بيعا ،فالحق إذن هو صفة تلحق الشخص تجعله قادرا على
القيام بعمل .
يعتمد كذلك المذهب الشخصي على فكرة اإلرادة الحرة في استعمال أو عدم استعمال الميزة أو المكنة التي
منحها القانون ،ويترك لصاحب الحق السلطة المطلقة في تقدير ذلك ،وكذلك للشخص التنازل عن حقه أو
أن يعدله أو ينهيه .
ـــــ قصور النظرية الشخصية في أنها تحصر اكتساب الحقوق لكامل األهلية ،بالتالي تعجز عن تفسير
حقوق عديمي األهلية كالمجنون أو الطفل ( الغير المميز أي الطفل الذي لم يبلغ سن التمييز) ،وكالهما
عديمي األهلية ،فوفق هذه النظرية ال يمكن لعديم األهلية كالصغير أو المجنون اكتساب حقا لكونه فاقد
األهلية ،خالفا لما هو وارد في التشريعات الوضعية وهو أن حالة القصر أو المجنون ال تمنع من اكتساب
الحقوق ،فالمولود بمجرد والدته حيا يكتسب الحقوق مثل النسب و االسم واإلرث ،أضف إلى ذلك أن
هناك بعض الحاالت الحقوق تنشأ دون أن يعلم بها صاحبها وال دخل إلرادته مثل حق الموصى إليه الذي
ينشأ بإرادة الموصى وينتج أثره بعد وفاته .
ــــ خلط النظرية الشخصية بين الحق واستعماله أو بين وجود الحق ومباشرته ،فالحق يوجد دون أن
يتوقف وجوده على قدرة إرادية لدى صاحبه ،لكن مباشرة هذا الحق أو استعماله يستلزم في الغالب وجود
هذه اإلرادة مثال عديم األهلية يستعمل حق الملكية حين يسكن منزله أو يركب سيارته بالرغم من عدم
وجود إرادة لديه ،من هنا يخلط هذا االتجاه بين الحق وبين إعماله ،فالحق قائم ولو لم يباشر صاحبه
سلطاته ،فالمالك مالك ولو لم يستعمل الشيء أو يستغله أو يتصرف فيه.
يتزعم المذهب الموضوعي للحق إهرنج ، Theringتعرف هذه النظرية باالتجاه الموضوعي أي نظرية
المصلحة أي أن الحق مصلحة يحميها القانون ،فالنظر هنا ال يكون إلى صاحب الحق بل إلى موضوعه
،فالحق وفق هذا االتجاه هو مصلحة مادية أدبية يحميها القانون لذاتها .
ــــ العنصر الثاني شكلي بحيث يتعلق بحماية الحق أو المصلحة التي ينطوي عليها وهذا هو عنصر
الدعوى أي دعوى قضائية تكفل حماية المصلحة .
لم يسلم المذهب الموضوعي من النقد ،ويمكن إجمالها في الجوانب التالية :
ــــ يعتمد المذهب الموضوعي على تعريف الحق انطالقا من هدفه وغايته ،لكن هذا ال يكفي في تعريف
الحق وذلك ببيان الهدف فقط ،بل يجب تعريف الحق مجردا عن هدفه ،فجوهر الحق ليس المنافع التي
يحصل عليها صاحب الحق .
ـــ إن الفقيه إهرنج يدور حول فكرة الحق دون أن يصل إلى جوهرها ،فتحدد النظرية الموضوعية الهدف
وهو إشباع مصلحة معينة ثم تبين كيف يمكن بلوغ هذا الهدف عن طريق حماية الدولة ،لكن رغم ذلك
الفكرة مازالت غامضة .
نظرا لالنتقادات الملحقة بالنظريتين التي غفلت في تعريف الحق ،فاإلرادة ليست هي جوهر الحق وإن
كانت ضرورية لمباشرة السلطات التي يخولها الحق و القتضاء احترام الغير ،وليست المصلحة هي
جوهر الحق ،وإن كانت هي الهدف المقصود به وعلى أساسها يتحدد شخص صاحبه .
فظهر المذهب المختلط وجمع في تعريف الحق بين الهدف المقصود منه وهو المصلحة ،ووسيلة إعماله
وهي اإلرادة .فعرف المذهب المختلط الحق أنه قدرة أو سلطة إرادية يعترف بها القانون ويحميها
لشخص من األشخاص في سبيل تحقيق مصلحة ،ويرى جانب آخر أن المصلحة هي العنصر الجوهري ،
فيعرف الحق أنه مصلحة شخص أو مجموعة من األشخاص المحمية قانونا بواسطة القدرة المعترف بها
لإلرادة لتمثيلها والدفاع عنها .
أنتقد كذلك هذا المذهب كما انتقدت المذاهب األخرى ولم يستمر هذا المذهب ،فظهر ما يسمى بمذهب
الحديث أو مذهب االستئثار أو االختصاص والتسلط .
يطلق على هذه النظرية بنظرية دابان أي النظرية الحديثة ،فيرى دابان أن الحق ميزة يحميها القانون
لشخص ما ويحميها بطرق قانونية بمقتضاها يتصرف الشخص متسلطا على مال معترف له به بصفته
مالكا أو مستحقا ،أي أن الحق استئثار بقيمة معينة يمنحه القانون لشخص ويحميه .
إن الفقيه دابان عند تعريفه للحق نجده أنه حدد عناصر للحق ،منها عناصر رئيسية (جــ ــ ، )1وأخرى
مساعدة في تحديد معنى الحق (جــ ـــ ، )2فنتناول هذه العناصر ثم نعرج إلى تقدير هذه النظرية (جــ ــ 3
) .
إن جوهر الحق عند دابان هو استئثار من جهة وتسلط من جهة أخرى ،فلصاحب الحق فقط أن يستأثر
بالشيء ويتحصل على مزاياه ،فالحق هو االستئثار بهذه المصلحة ،أي أنه استئثار بشيء يتصل
بالشخص ويعنيه ال من حيث االنتفاع به ولكن لكون هذا الشيء ملكا له ,
ـــــ إن الفقيه دابان لم يربط ما بين االستئثار واإلرادة ،فالمجنون وفاقد التمييز لهم االستئثار على مال
معين بالرغم من عدم وجود اإلرادة لهم ,
ـــــ تنوع محل الحق عند دابان ،فقد يكون أشياء ( عقارات ومنقوالت ) ،كما يرد محل الحق على الكيان
المادي أو المعنوي لإلنسان مثل الحق في سالمة الجسد والشرف والحريات و حق المؤلف .
ــــ إن أسباب االختصاص واالستئثار متنوعة منها ما يرجع إلى فعل الطبيعة ( الحق في الحياة ) ،كما
يمكن أن يكون مصدره إرادة األفراد أو إرادة المشرع .
أما عن عنصر التسلط فيعني عند دابان سلطة التصرف بحرية في الشيء موضوع الحق ،هذا التصرف
بحرية في الشيء يخول لصاحب الحق التصرف فيه ماديا باستعماله أو بعدم استعماله والتصرف فيه
قانونيا بنقله إلى الغير .
فيعد عنصر التسلط النتيجة الحتمية لوجود عنصر االستئثار ،فاالستئثار صفة تتعلق بالشيء ألنه هو الذي
يربط الشيء بالشخص ،فيطلق عليه بالعنصر الموضوعي الرتباطه بموضوع الحق ،أما التسلط فهو
عنصر شخصي الرتباطه بشخص صاحب الحق ،وهو الذي يربط الشخص بالشيئ ،من هنا يظهر
االرتباط ما بين المفهومين ،فاستئثار الشخص بالشيء يؤدي إلى سيطرة وتسلط هذا الشخص على ذلك
الشيء ,
أما عن مضمون عنصر التسلط فقد يضيق أو يتسع ،فيتسع في حق الملكية ( استعمال ،استغالل ،
تصرف ) ،أضف إلى ذلك حق الدائنية ،فللدائن قدرة التصرف في محل الحق دون أن يكون هناك مساس
بشخص المدين أو حريته ،في أن الحقوق اللصيقة بالشخصية مثل الحق في السالمة الجسدية ،الحق في
الحياة هنا يقتصر التسلط على مجرد االنتفاع بالحياة والمحافظة عليها دون القدرة على التصرف فيها .
أما عن العناصر المساعدة فحصر الفقيه دابان العناصر المساعدة للحق في عنصرين ،يتمثل في احترام
الغير للحق ،وفي الحماية القانونية
فيقع لزاما على الناس احترام واالمتناع عن كل ما يؤدي إلى إهدار قدرة الشخص في االستئثار والتسلط
على حقه ،فالحق كما يراد به االستئثار والتسلط بقيمة معينة يجب النظر للحق من زاوية أخرى وهي
النظرة غلى الحق من قبل الغير ،فالحق ال يوجد إال بالنظر إلى األشخاص اآلخرين .
فيجب أن يضاف إلى عالقة االستئثار التي يتمتع بها صاحب الحق عالقة صاحب الحق بالغير ،فيترجم
هذه العالقة في عدم االعتداء على الحق يفرض على الغير ،كما أن صاحب الحق يستطيع أن يفرض
احترام حقه ،ويراد باالقتضاء إلزام الناس بأن يحترمو التسلط .
ويقصد بالحماية القانونية ضمان الدولة لحقوق األفراد المعترف بها ،وذلك عن طريق الوسائل التي
يحددها القانون المتمثلة في الدعوى القضائية أي اللجوء إلى القضاء ،فطالما أن الحق يعني إنفراد
الشخص بقيمة معينة وذلك في مواجهة الغير ،فالبد من تزويد هذا الحق بالحماية القانونية التي تمكن
صاحب الحق أن يتمسك ــــ عند الحاجة ـــــ بحقه في مواجهة غيره .
ـــــــ تقوم نظرية دابان على التسلط و اإلسئثار ،وهذه النظرية تتالءم مع الواقع االجتماعي ،فهي ترجمة
للكالم المتداول بين األفراد ،فحقيقة أن فكرة االستئثار والتسلط لها صداها في اللغة الجارية والمألوفة.
ــــــ من مزايا كذلك نظرية دابان أنها لها الدور في إبراز أهمية عنصر الغيرية ،فالحق ال يوجد إال في
العالقة بالغير.
ــــ من عيوب نظرية دابان قيامه على الفصل بين احترام الغير للحق وبين الوسيلة التي يقع بها اقتضاء
الواجب وهذا أمر غير مجدي ،وذلك على أساس أن واجب احترام الناس للحق يعني أن لصاحب الحق
القدرة على اقتضاء هذا الحق عن طريق الدعاوى المختلفة .
ــــ قد تتعارض فكرة االستئثار والتسلط مع بعض الحقوق مثل الحقوق اللصيقة بالشخصية ،والتي ال
يمكن تداولها وال التخلي عنها ألي سبب كان ،فال يجوز لإلنسان أن يتعامل في أسمه وال شرفه و ال في
جسمه
يطلق على التصور الذي يرى أن الحق هو سلطة تمليك بنظرية روبيي ، Roubierالذي يرى أنه البد
من تحديد مفهوم الحق بدقة ،ومن ثم يجب التخلي عن التصور القائل بأن الحق ناتج عن اإلنسان وأن
األوضاع القانونية الموضوعية هي من وضع المجتمع .
إن الحقوق عند روبيي هي دائما من تقرير المجتمع ،فهي مزايا تمنح للفرد ويتمسك بها في إطار القانون
،ويكون التمليك هو جوهر الحق ،بحيث يستطيع صاحب الحق أن يتصرف فيه عن طريق نقله لغيره أو
التخلي عنه .
لكن أ نتقد تصور روبيي أنه ال ينازع أحد اليوم أن حقوق الشخصية هي حقوق معترف بها قانونا رغم أنها
غير قابلة للتنازل عنها ،من هنا أي تعريف يتجاهل أو يستبعد هذه الحقوق يكون منقطع الصلة بالواقع
القانوني الحالي .
و من إيجابيات نظرية روبيي أن هذه النظرية لها الفضل في الكشف عن وجود واجبات إلى جانب الحقوق
،بذلك يعيد التوازن إلى النظام القانوني .
الحق هو إنفراد واستئثار شخص بقيمة معينة ،فبذلك هو مجال خاص للفرد دون غيره ،فنكون أمام
تفاوت .
إن فكرة التفاوت أي اختصاص صاحب الحق دون غيره ال تتعارض مع القانون ،بل هو تفاوت مشروع ،
حيث غالبا ما يكون القانون هو المصدر المباشر لهذا التفاوت مثل إقرار القانون حق الملكية ،وقد يستند
التفاوت إلى نشاط الفرد كامتالكه األرض عن طريق االستغالل أو عن طريق التداول .
بعد التعرض إلى مختلف النظريات التي تناولت تعريف الحق ،يتضح لنا جليا الغموض الذي أنتاب هذا
المفهوم ،ورغم اختالف اآلراء الفقهية يمكن إجمال جملة من التعريف التي نختارها في تعريف مفهوم
الحق (أ) ،ثم نتناول خصائصه (ب) .
وفق التعريف الوارد سابقا فإن الحق له عناصر ،وهي إذا أمعنا فيها فهي إجابة عن األسئلة التي تدور
حول فكرة االستئثار أولها من يستأثر ؟ وهذا هو شخص الحق ،وثانيها بم يستأثر ؟ وهذا هو موضوع
الحق ،وثالثهما لم يستأثر ؟ وهذه هي المصلحة أو هدف الحق .
يرى فريقا آخر الحق استئثار الذي يقره القانون لشخص من األشخاص ،ويكون له بمقتضاه إما التسلط
على شيء معين أو اقتضاء أداء معين من شخص آخر .
ب :خصائص الحق
أن فكرة الحق تترجم عالقات اجتماعية (ب ــ ، )1لصاحب الحق مركز ممتاز عن الغير (ب ــ ، )2هذا
ما يجعل الحق قيدا على حرية الغير (ب ــ . )3
يراد بهذه الخاصية أنه ال مفهوم للحق إال في العالقات االجتماعية ،فالحق سواء كان قدرة إرادية أو
مصلحة يحميها القانون أو استئثار وتسلطا أو مجاال خاصا أو خصوصيا ،فإن تعريفه أو تعيين حدوده
يكون دائما بالنظر إلى الغير.
فالحق قيد على حرية الغير ،وال يراد به المصلحة الخاصة فقط بل كذلك المصلحة العامة .
غير أن ترجمة هذه الحرية أختلف األمر من رأي إلى رأي آخر ،فالحق مصلحة أي يعني ذلك أنها تلك
الحرية التي يتمتع بها صاحب الحق في تقدير مصالحه المادية و المعنوية ،أما عن الرأي الذي يعتبره
استئثارا وتسلطا فهو يترجم كذلك فكرة الحرية .
باعتبار أن الحق هو حرية شخص أو استئثار شخص بقيمة معينة فله مركز ممتاز ،مثال للمالك حق
االستعمال واالستغالل والتصرف على الشيء المملوك له ،من هنا ينفرد بقيمة معينة عن غيره يقع لزاما
على الغير احترامها ،فالسلطات المخولة للمالك دون غيره تجعله في مركز ممتاز ،ويمكن اعتبار هذا
الوضع بمثابة تنظيم عالقة المالك مع الغير ،فحق الملكية يعتبر قيد على حرية الغير .
هناك من المفاهيم تختلط بمفهوم الحق منها الحرية (أ) ،الرخصة (ب) ،السلطة (جـ) ،الدعوى (د) .
ـــــ الحق يخول صاحبه االستئثار واالختصاص واإلنفراد بمضمون حقه دون سائر الناس مثال حق
الملكية ،أما الحرية منصوص عليها دستوريا مثل حرية المعتقد ،حرية التنقل ،حرية التعاقد ،حرية
الزواج ،فال ينفرد بها شخص معين بل هي مجال عام عكس الحق الذي هو مجال خاص ينفرد به صاحبه
دون بقية األفراد .
ــــ إمكانية مساءلة صاحب الحق في حالة التعسف وهو عدم خروجه عن الحق المخول له لكن ينحرف
عن غرض وهدف الحق المخول له ،في حين ال يمكن إعمال مفهوم التعسف في إطار ممارسة الحرية .
ــــــ يقابل الحق التزام الغير في حين في الحرية فال يقابلها أي التزام على عاتق أي كان .
ـــــ إمكانية التنازل عن الحق مثال التنازل عن الحق العيني والحق الشخصي ،في حين بالنسبة للحرية فال
يجوز التنازل عنها مثال التنازل عن الحق في الحياة .
ب :الحق والرخصة
يراد بالرخصة هي مكنة االختيار من بين بدائل محددة نتيجة قيام سبب معين جعله القانون مناطا لهذه
المكنة ،فالرخصة إذن نوع من القدرة القانونية على االختيار ،مثال حالة الملكية على الشيوع فبيع أحد
الشركاء يرتب رخصة للمالك اآلخر على الشيوع مكنة االختيار بين أمرين إما الحلول محل المشتري في
البيع أو ترك الصفقة للمشتري .
ــــ الحق اختصاص لصاحبه يتصرف لمصلحته ،أما صاحب السلطة مثل الولي أو القيم يتقرر رعاية
لمصالح الغير .
ــــ السلطة تعتبر واجبا يقوم على عاتق المكلف به هذا ما يرتب عدم إمكانية التنازل عنها ( عدم جواز
نزول األب عن سلطته في رعاية مصالح أبنائه القصر) ،أما عن الحق فلصاحب الحق التنازل عن ما
خوله إياه الحق من انتفاع .
د :الحق والدعوى
يراد بالدعوى تلك الوسيلة أو األداة التي يستعملها الفرد لحماية الحق المخول له ،فهي الضمانة لحماية
الحقوق الممنوحة لألفراد .
أختلف الفق ه حول العالقة فيما بين الحق والدعوى ،فمنهم من يرى أنها عالقة عضوية أي أن الدعوى
عنصرا في الحق أي الدعوى والحق شيء واحد فهي عنصر من عناصر وجود الحق ،وهناك من يرى
أن بين الحق والدعوى عالقة تبعية أي أن الدعوى ما هي إال أثرا من آثار ثبوت الحق لصاحبه ،أي أن
لكل حق دعوى تحميه .
أنتقد هذا الرأي بما يسمى بااللتزام الطبيعي ،فليس للدائن دعوى للمطالبة المدين بحقه ( مادة 2/160
مدني ) ،ويرى جانب آخر من الفقه أن الدعوى حق قائم بذاته ،فالدعوى تعتبر حقا قائما بذاته هو الحق
في الدعوى .