You are on page 1of 9

‫كلية الحقوق سعيد حمدين ــ جامعة الجزائر ‪1‬‬

‫محاضرات السداسي الثاني ـــ نظرية الحق‬


‫المجموعة الثالثة‬

‫أ ‪ /‬د‪ :‬نــــــــــــــــساخ فـــــــــــطيمة‬


‫مقدمة‬
‫إن العالقة ما بين القانون والحق عالقة ترابط وتكامل ‪ ،‬فالقانون يحدد الحقوق المقررة لألشخاص بصفة‬
‫عامة ومجردة ويدعمها بوسائل حمائية ترفع االعتداء عن صاحبها ‪ ،‬فيتمتع بذلك الشخص بالحقوق كل من‬
‫يتوفر فيه الشروط التي وضعها المشرع ‪ ،‬و من هنا ما يعتبر حقا لشخص فهو واجب على الغير يقع عليه‬
‫عدم المساس به ‪.‬‬

‫البد دراسة نظرية الحق وذلك للصلة العضوية الوثيقة بين الحق والقانون ‪ ،‬فنتناول دراسة نظرية الحق‬
‫بادئ ذي بدء في تعريف الحق وما عرفه من نظريات فقهية المنكرة لوجوده إلى جملة النظريات التي‬
‫تعترف به وتقيم المعايير المعتمد عليها في تعريف الحق (أوال) ‪ ،‬ثم نعرج إلى فكرة أنواع الحقوق (ثانيا )‬
‫وننتهي في دراستنا لنظرية الحق إلى عناصر الحق المتمثلة في أشخاص الحق و محل الحق (ثالثا) ‪.‬‬

‫أوال‪ " :‬النظريات الفقهية في تعريف الحق‬

‫نتناول في هذا الفصل جملة من األفكار فنبدأ في االتجاه لوجود فكرة الحق (‪ ، )1‬ثم نعرج إلى النظريات‬
‫التي قيلت في تعريف الحق (‪ ، )2‬وصوال إلى التعاريف التي قيلت في تعريف الحق (‪ )3‬ثم ننتهي إلى‬
‫تمييز الحق عما يقاربه من مفاهيم أخرى (‪. )4‬‬

‫‪ :1‬فكرة الحق ما بين اإلنكار والوجود‬

‫لقد أثارت فكرة الحق في الدراسات القانونية خالفا واسعا شديدا بين الفقهاء ‪ ،‬فذهب فريقا إلى إنكار وجوده‬
‫منها نظرية ديجي (أ) ‪ ،‬ونظرية كلسن (ب) ‪ ،‬لكن هذه النظريات عرفت جملة من االنتقادات (جـ) ‪.‬‬

‫أ‪ :‬نظرية ديجي ‪Duguit‬‬

‫يعد ديجي من أنصار االتجاه الناكر لوجود الحق ‪ ،‬ويستند هذا االتجاه على المشاهدة والتجربة ‪ ،‬فأنكر هذا‬
‫االتجاه وجود الحق ‪ ،‬كما أنكر وجود الشخصية القانونية ‪ ،‬وأعتبر كل هذه األمور من األمور الميتافيزيقية‬
‫وال يعقل أن تبقى في نطاق علم القانون ‪ ،‬ذلك العلم الذي يقوم على الحقائق الملموسة ‪.‬‬

‫ب‪ :‬نظرية كلسن ‪Kelsen‬‬

‫يرى كلسن أن ال مكان لفكرة الحق في النظام القانوني ‪ ،‬فوفق كلسن أن القانون عندما يطبق على الفرد فال‬
‫ينشئ إال التزاما قانونيا وهو وجوب إتباع سلوك معين ترى الدولة ضرورة إتباعه ‪ ،‬وعلى هذا فال يوجد‬
‫سوى الواجب ‪ ،‬بالتالي القانون ال ينشئ حقوقا ذاتية أو فردية ‪ ،‬وما يسمى بالحق ليس إال تمسكا بأن ينفذ‬
‫الطرف اآلخر واجبه ‪.‬‬
‫وفق نظرية كلسن فإن هذا الفقيه ال يعترف بالحق في حد ذاته أي لكونه سلطات للفرد أو صالحيات له ‪،‬‬
‫غير أنه ال ينكر وجود حق شخصي باعتباره انعكاسا للواجب الذي يتحمله الفرد أو األفراد بمقتضى‬
‫مختلف القواعد القانونية ‪.‬‬

‫نخلص أن الفقيه كلسن ال ينكر فكرة الحق من حيث مضمونها إنما ينازع في تسميتها ‪.‬‬

‫جـ ‪ :‬االنتقادات الموجهة إلى النظريات الناكرة لوجود الحق‬

‫وجهت عدة انتقادات لهاتين النظريتين ( نظرية ديجي ‪ ،‬نظرية كلسن ) ‪ ،‬ومن بين هذه االنتقادات نذكر‬
‫منها ‪:‬‬

‫ـــــ يستند الفقيه ديجي في نفيه لفكرة الحق على حجتين ‪ ،‬أوالها أن الحق فكرة غير واقعية وميتافيزيقية ‪،‬‬
‫وثانيها أنها تتطلب تدرجا في إرادات الناس ‪ ،‬بالنسبة للحجة األولى يرد عليها أن علم القانون هتم باألفكار‬
‫الغير الملموسة وذلك لبلوغ بالمجتمع إلى درجات الكمال وهذا ما يجعله يهتم بالظواهر الملموسة والغير‬
‫الملموسة هذا من جهة ‪ ،‬ومن جهة أخرى بالنسبة لحجة علو إرادة على اإلرادات األخرى فهذه حجة غير‬
‫مجدية ‪ ،‬ألنه لم يسبق أحد أن قال أن صاحب الحق يعلو على اإلرادات األخرى أو على إرادة المدين ‪.‬‬

‫ــــ أما عن نظرية كلسن فإنها تتجاهل حقائق الحياة االجتماعية التي تكون جوهر القاعدة القانونية ‪.‬‬

‫أضف إلى ذلك أنه إذا كان الحق يعطى لصاحبه ميزة أو مكنة معينة فإن ذلك راجع إلى ما في ذلك من‬
‫منفعة اجتماعية ‪ ،‬بالتالي يكون الحق في نفس الوقت من ميزة ووظيفة ال ينفصالن‪.‬‬

‫‪ :2‬المذاهب الفقهية التي قيلت في تعريف الحق‬

‫حقيقة أن القانون والحق أمران مترابطان ومتالزمان لكن لكل واحد منهما معنى خاص به ‪ ،‬فالفقه‬
‫الفرنسي يميز بين الحق والقانون ‪ ،‬فأطلقوا على الحقوق تعبير ‪ Droit subjectif‬أي الحقوق الشخصية‬
‫‪ ،‬أما القانون فأطلقوا عليه تعبير ‪ Droit objectif‬أي الحق الموضوعي ‪.‬‬

‫أما الفقه العربي فتعبير الحق الموضوعي يقصد به النص القانوني الذي ينشأ الحق ويحدد مضمونه ‪ ،‬أما‬
‫الحق الشخصي أو الذاتي يقصد به القدرات أو السلطات والمزايا التي تحمي الحق وتلزم اآلخرين‬
‫باحترامه ‪.‬‬

‫أثار تعريف الحق جدال فقهي خاصة عند الفقهاء األلمان ‪ ،‬فوجدت نظريتان رئيسيتان ‪ ،‬أولها نظرية‬
‫اإلرادة وهي التي تعرف الحق بأنه سلطة إرادية ‪ ،‬ثانيها نظرية المصلحة والتي تعرف الحق بأنه مصلحة‬
‫يحميها القانون ‪ ،‬وظهرت إلى جانب هاتين النظريتين نظريات توفيقية بينهما ‪.‬‬

‫يمكن انطالقا من النظريات التي وردت في تعريف الحق ‪ ،‬أن الحق قدرة إرادية (أ) ‪ ،‬في حين يرى‬
‫البعض اآلخر أنه يتمثل في مصلحة يحميها القانون (ب) ‪ ،‬والبعض اآلخر يرى بأن الحق هو استئثار‬
‫وتسلط (جـ) ‪ ،‬ورأي آخر يرى في الحق أنه يقتصر على صالحية التملك (د) ‪ ،‬وجانب آخر يرى في الحق‬
‫تفاوت مشروع (ه) ‪.‬‬

‫أ‪ :‬الحق ‪ :‬قدرة إرادية‬


‫يستند المذهب الشخصي على فكرة الحق باعتباره سلطة إرادية أو قدرة يخولها القانون للشخص ‪ ،‬فيربط‬
‫بذلك هذا المذهب بين الحق وإرادة صاحبه ‪ ،‬بمعنى آخر يعتد المذهب الشخصي بشخص صاحب الحق ‪،‬‬
‫فالحق ينشأ حيث يستند السلطة اإلرادية إلى قاعدة قانونية تضفي الشرعية عند مباشرة هذه السلطة ‪.‬‬

‫يترأس المذهب الشخصي الفقيه ‪ Winscheid Savigny‬الذي يرى أن الحق هو سلطان لإلرادة وسيادة‬
‫لإلرادة ‪ ،‬فوفق هذه النظرية الشخصية جوهر الحق في السلطة اإلرادية المخولة لصاحبه ‪ ،‬فمهمة القانون‬
‫هي وضع الحدود بين إرادات األفراد ‪ ،‬فالقاعدة القانونية إذ تنظم العالقات في المجتمع ‪ ،‬تحدد لكل شخص‬
‫نطاقا تسود فيه إرادته مستقلة عن كل إرادة أخرى ‪.‬‬

‫ينظر المذهب الشخصي إلى الحق من خالل الشخص صاحب الحق فهو قدرة إرادية يخولها القانون‬
‫لشخص معين ويرسم حدودها ‪ ،‬فعلى سبيل المثال للمالك أن يتصرف بالمال المملوك له بكل الطرق سواء‬
‫عن طريق استعماله إيجارا ‪ ،‬استغالال ‪ ،‬هبة‪ ،‬بيعا ‪ ،‬فالحق إذن هو صفة تلحق الشخص تجعله قادرا على‬
‫القيام بعمل ‪.‬‬

‫يعتمد كذلك المذهب الشخصي على فكرة اإلرادة الحرة في استعمال أو عدم استعمال الميزة أو المكنة التي‬
‫منحها القانون ‪ ،‬ويترك لصاحب الحق السلطة المطلقة في تقدير ذلك ‪ ،‬وكذلك للشخص التنازل عن حقه أو‬
‫أن يعدله أو ينهيه ‪.‬‬

‫يمكن إجمال االنتقادات الموجهة للمذهب الشخصي فيما يلي ‪:‬‬

‫ـــــ قصور النظرية الشخصية في أنها تحصر اكتساب الحقوق لكامل األهلية ‪ ،‬بالتالي تعجز عن تفسير‬
‫حقوق عديمي األهلية كالمجنون أو الطفل ( الغير المميز أي الطفل الذي لم يبلغ سن التمييز) ‪ ،‬وكالهما‬
‫عديمي األهلية ‪ ،‬فوفق هذه النظرية ال يمكن لعديم األهلية كالصغير أو المجنون اكتساب حقا لكونه فاقد‬
‫األهلية ‪ ،‬خالفا لما هو وارد في التشريعات الوضعية وهو أن حالة القصر أو المجنون ال تمنع من اكتساب‬
‫الحقوق ‪ ،‬فالمولود بمجرد والدته حيا يكتسب الحقوق مثل النسب و االسم واإلرث ‪ ،‬أضف إلى ذلك أن‬
‫هناك بعض الحاالت الحقوق تنشأ دون أن يعلم بها صاحبها وال دخل إلرادته مثل حق الموصى إليه الذي‬
‫ينشأ بإرادة الموصى وينتج أثره بعد وفاته ‪.‬‬

‫ــــ خلط النظرية الشخصية بين الحق واستعماله أو بين وجود الحق ومباشرته ‪ ،‬فالحق يوجد دون أن‬
‫يتوقف وجوده على قدرة إرادية لدى صاحبه ‪ ،‬لكن مباشرة هذا الحق أو استعماله يستلزم في الغالب وجود‬
‫هذه اإلرادة مثال عديم األهلية يستعمل حق الملكية حين يسكن منزله أو يركب سيارته بالرغم من عدم‬
‫وجود إرادة لديه ‪ ،‬من هنا يخلط هذا االتجاه بين الحق وبين إعماله ‪ ،‬فالحق قائم ولو لم يباشر صاحبه‬
‫سلطاته ‪ ،‬فالمالك مالك ولو لم يستعمل الشيء أو يستغله أو يتصرف فيه‪.‬‬

‫ب ‪ :‬الحق ‪ :‬مصلحة يحميها القانون‬

‫يتزعم المذهب الموضوعي للحق إهرنج ‪ ، Thering‬تعرف هذه النظرية باالتجاه الموضوعي أي نظرية‬
‫المصلحة أي أن الحق مصلحة يحميها القانون ‪ ،‬فالنظر هنا ال يكون إلى صاحب الحق بل إلى موضوعه‬
‫‪ ،‬فالحق وفق هذا االتجاه هو مصلحة مادية أدبية يحميها القانون لذاتها ‪.‬‬

‫يرى الفقيه اهرنج أن الحق يقوم على عنصرين‪:‬‬


‫ــــ العنصر األول جوهري أو موضوعي أو مادي يتصل بالغاية العملية من الحق وهي المنفعة أي الفائدة‬
‫أو الكسب الذي يحققه الحق لصاحبه ‪ ،‬وهذه الغاية هي المنفعة أو مزية أو مغنم معين وهذا هو عنصر‬
‫المصلحة ‪.‬‬

‫ــــ العنصر الثاني شكلي بحيث يتعلق بحماية الحق أو المصلحة التي ينطوي عليها وهذا هو عنصر‬
‫الدعوى أي دعوى قضائية تكفل حماية المصلحة ‪.‬‬

‫لم يسلم المذهب الموضوعي من النقد ‪ ،‬ويمكن إجمالها في الجوانب التالية ‪:‬‬

‫ــــ يعتمد المذهب الموضوعي على تعريف الحق انطالقا من هدفه وغايته ‪ ،‬لكن هذا ال يكفي في تعريف‬
‫الحق وذلك ببيان الهدف فقط ‪ ،‬بل يجب تعريف الحق مجردا عن هدفه ‪ ،‬فجوهر الحق ليس المنافع التي‬
‫يحصل عليها صاحب الحق ‪.‬‬

‫ـــ إن الفقيه إهرنج يدور حول فكرة الحق دون أن يصل إلى جوهرها ‪ ،‬فتحدد النظرية الموضوعية الهدف‬
‫وهو إشباع مصلحة معينة ثم تبين كيف يمكن بلوغ هذا الهدف عن طريق حماية الدولة ‪ ،‬لكن رغم ذلك‬
‫الفكرة مازالت غامضة ‪.‬‬

‫نظرا لالنتقادات الملحقة بالنظريتين التي غفلت في تعريف الحق ‪ ،‬فاإلرادة ليست هي جوهر الحق وإن‬
‫كانت ضرورية لمباشرة السلطات التي يخولها الحق و القتضاء احترام الغير ‪ ،‬وليست المصلحة هي‬
‫جوهر الحق ‪ ،‬وإن كانت هي الهدف المقصود به وعلى أساسها يتحدد شخص صاحبه ‪.‬‬

‫فظهر المذهب المختلط وجمع في تعريف الحق بين الهدف المقصود منه وهو المصلحة ‪ ،‬ووسيلة إعماله‬
‫وهي اإلرادة ‪ .‬فعرف المذهب المختلط الحق أنه قدرة أو سلطة إرادية يعترف بها القانون ويحميها‬
‫لشخص من األشخاص في سبيل تحقيق مصلحة ‪ ،‬ويرى جانب آخر أن المصلحة هي العنصر الجوهري ‪،‬‬
‫فيعرف الحق أنه مصلحة شخص أو مجموعة من األشخاص المحمية قانونا بواسطة القدرة المعترف بها‬
‫لإلرادة لتمثيلها والدفاع عنها ‪.‬‬

‫أنتقد كذلك هذا المذهب كما انتقدت المذاهب األخرى ولم يستمر هذا المذهب ‪ ،‬فظهر ما يسمى بمذهب‬
‫الحديث أو مذهب االستئثار أو االختصاص والتسلط ‪.‬‬

‫جــ ‪ :‬الحق ‪ :‬استئثار أو اختصاص وتسلط‬

‫يطلق على هذه النظرية بنظرية دابان أي النظرية الحديثة ‪ ،‬فيرى دابان أن الحق ميزة يحميها القانون‬
‫لشخص ما ويحميها بطرق قانونية بمقتضاها يتصرف الشخص متسلطا على مال معترف له به بصفته‬
‫مالكا أو مستحقا ‪ ،‬أي أن الحق استئثار بقيمة معينة يمنحه القانون لشخص ويحميه ‪.‬‬

‫إن الفقيه دابان عند تعريفه للحق نجده أنه حدد عناصر للحق ‪ ،‬منها عناصر رئيسية (جــ ــ ‪ ، )1‬وأخرى‬
‫مساعدة في تحديد معنى الحق (جــ ـــ ‪ ، )2‬فنتناول هذه العناصر ثم نعرج إلى تقدير هذه النظرية (جــ ــ ‪3‬‬
‫) ‪.‬‬

‫جــ ــ ‪ :1‬العناصر الرئيسية‬

‫تتمثل العناصر الرئيسية في عنصرين ‪ ،‬عنصر االستئثار ‪ ،‬وعنصر التسلط ‪.‬‬


‫أما عن عنصر االستئثار يرى دابان أن الحق ليس هو التمتع واالنتفاع ولكن هو استئثار‬
‫‪ Appartenance‬أي االختصاص والتفرد دون سائر الناس ‪ ،‬أي أن االستئثار في الحق يقصد بها‬
‫االختصاص شخص على سبيل اإلنفراد إما بشيء أو قيمة ما ‪.‬‬

‫إن جوهر الحق عند دابان هو استئثار من جهة وتسلط من جهة أخرى ‪ ،‬فلصاحب الحق فقط أن يستأثر‬
‫بالشيء ويتحصل على مزاياه ‪ ،‬فالحق هو االستئثار بهذه المصلحة ‪ ،‬أي أنه استئثار بشيء يتصل‬
‫بالشخص ويعنيه ال من حيث االنتفاع به ولكن لكون هذا الشيء ملكا له ‪,‬‬

‫ما يمكن أن نستخلصه من نظرية دابان هو ما يلي ‪:‬‬

‫ـــــ إن الفقيه دابان لم يربط ما بين االستئثار واإلرادة ‪ ،‬فالمجنون وفاقد التمييز لهم االستئثار على مال‬
‫معين بالرغم من عدم وجود اإلرادة لهم ‪,‬‬

‫ـــــ تنوع محل الحق عند دابان ‪ ،‬فقد يكون أشياء ( عقارات ومنقوالت ) ‪ ،‬كما يرد محل الحق على الكيان‬
‫المادي أو المعنوي لإلنسان مثل الحق في سالمة الجسد والشرف والحريات و حق المؤلف ‪.‬‬

‫ــــ إن أسباب االختصاص واالستئثار متنوعة منها ما يرجع إلى فعل الطبيعة ( الحق في الحياة ) ‪ ،‬كما‬
‫يمكن أن يكون مصدره إرادة األفراد أو إرادة المشرع ‪.‬‬

‫أما عن عنصر التسلط فيعني عند دابان سلطة التصرف بحرية في الشيء موضوع الحق ‪ ،‬هذا التصرف‬
‫بحرية في الشيء يخول لصاحب الحق التصرف فيه ماديا باستعماله أو بعدم استعماله والتصرف فيه‬
‫قانونيا بنقله إلى الغير ‪.‬‬

‫فيعد عنصر التسلط النتيجة الحتمية لوجود عنصر االستئثار ‪ ،‬فاالستئثار صفة تتعلق بالشيء ألنه هو الذي‬
‫يربط الشيء بالشخص ‪ ،‬فيطلق عليه بالعنصر الموضوعي الرتباطه بموضوع الحق ‪ ،‬أما التسلط فهو‬
‫عنصر شخصي الرتباطه بشخص صاحب الحق ‪ ،‬وهو الذي يربط الشخص بالشيئ ‪ ،‬من هنا يظهر‬
‫االرتباط ما بين المفهومين ‪ ،‬فاستئثار الشخص بالشيء يؤدي إلى سيطرة وتسلط هذا الشخص على ذلك‬
‫الشيء ‪,‬‬

‫أما عن مضمون عنصر التسلط فقد يضيق أو يتسع ‪ ،‬فيتسع في حق الملكية ( استعمال ‪ ،‬استغالل ‪،‬‬
‫تصرف ) ‪ ،‬أضف إلى ذلك حق الدائنية ‪ ،‬فللدائن قدرة التصرف في محل الحق دون أن يكون هناك مساس‬
‫بشخص المدين أو حريته ‪ ،‬في أن الحقوق اللصيقة بالشخصية مثل الحق في السالمة الجسدية ‪ ،‬الحق في‬
‫الحياة هنا يقتصر التسلط على مجرد االنتفاع بالحياة والمحافظة عليها دون القدرة على التصرف فيها ‪.‬‬

‫أما عن العناصر المساعدة فحصر الفقيه دابان العناصر المساعدة للحق في عنصرين ‪ ،‬يتمثل في احترام‬
‫الغير للحق ‪ ،‬وفي الحماية القانونية‬

‫فيقع لزاما على الناس احترام واالمتناع عن كل ما يؤدي إلى إهدار قدرة الشخص في االستئثار والتسلط‬
‫على حقه ‪ ،‬فالحق كما يراد به االستئثار والتسلط بقيمة معينة يجب النظر للحق من زاوية أخرى وهي‬
‫النظرة غلى الحق من قبل الغير ‪ ،‬فالحق ال يوجد إال بالنظر إلى األشخاص اآلخرين ‪.‬‬
‫فيجب أن يضاف إلى عالقة االستئثار التي يتمتع بها صاحب الحق عالقة صاحب الحق بالغير ‪ ،‬فيترجم‬
‫هذه العالقة في عدم االعتداء على الحق يفرض على الغير‪ ،‬كما أن صاحب الحق يستطيع أن يفرض‬
‫احترام حقه ‪ ،‬ويراد باالقتضاء إلزام الناس بأن يحترمو التسلط ‪.‬‬

‫ويقصد بالحماية القانونية ضمان الدولة لحقوق األفراد المعترف بها ‪ ،‬وذلك عن طريق الوسائل التي‬
‫يحددها القانون المتمثلة في الدعوى القضائية أي اللجوء إلى القضاء ‪ ،‬فطالما أن الحق يعني إنفراد‬
‫الشخص بقيمة معينة وذلك في مواجهة الغير ‪ ،‬فالبد من تزويد هذا الحق بالحماية القانونية التي تمكن‬
‫صاحب الحق أن يتمسك ــــ عند الحاجة ـــــ بحقه في مواجهة غيره ‪.‬‬

‫أما عن تقدير نظرية دابان فلها من المزايا و من العيوب ‪.‬‬

‫ومن مزايا ها أن نظرية دابان ‪:‬‬

‫ـــــــ تقوم نظرية دابان على التسلط و اإلسئثار ‪ ،‬وهذه النظرية تتالءم مع الواقع االجتماعي ‪ ،‬فهي ترجمة‬
‫للكالم المتداول بين األفراد ‪ ،‬فحقيقة أن فكرة االستئثار والتسلط لها صداها في اللغة الجارية والمألوفة‪.‬‬

‫ــــــ من مزايا كذلك نظرية دابان أنها لها الدور في إبراز أهمية عنصر الغيرية ‪ ،‬فالحق ال يوجد إال في‬
‫العالقة بالغير‪.‬‬

‫أما عن عيوب نظرية دابان ‪:‬‬

‫ــــ من عيوب نظرية دابان قيامه على الفصل بين احترام الغير للحق وبين الوسيلة التي يقع بها اقتضاء‬
‫الواجب وهذا أمر غير مجدي ‪ ،‬وذلك على أساس أن واجب احترام الناس للحق يعني أن لصاحب الحق‬
‫القدرة على اقتضاء هذا الحق عن طريق الدعاوى المختلفة ‪.‬‬

‫ــــ قد تتعارض فكرة االستئثار والتسلط مع بعض الحقوق مثل الحقوق اللصيقة بالشخصية ‪ ،‬والتي ال‬
‫يمكن تداولها وال التخلي عنها ألي سبب كان ‪ ،‬فال يجوز لإلنسان أن يتعامل في أسمه وال شرفه و ال في‬
‫جسمه‬

‫د ‪ :‬الحق ‪ :‬سلطة تمليك‬

‫يطلق على التصور الذي يرى أن الحق هو سلطة تمليك بنظرية روبيي ‪ ، Roubier‬الذي يرى أنه البد‬
‫من تحديد مفهوم الحق بدقة ‪ ،‬ومن ثم يجب التخلي عن التصور القائل بأن الحق ناتج عن اإلنسان وأن‬
‫األوضاع القانونية الموضوعية هي من وضع المجتمع ‪.‬‬

‫إن الحقوق عند روبيي هي دائما من تقرير المجتمع ‪ ،‬فهي مزايا تمنح للفرد ويتمسك بها في إطار القانون‬
‫‪ ،‬ويكون التمليك هو جوهر الحق ‪ ،‬بحيث يستطيع صاحب الحق أن يتصرف فيه عن طريق نقله لغيره أو‬
‫التخلي عنه ‪.‬‬

‫لكن أ نتقد تصور روبيي أنه ال ينازع أحد اليوم أن حقوق الشخصية هي حقوق معترف بها قانونا رغم أنها‬
‫غير قابلة للتنازل عنها ‪ ،‬من هنا أي تعريف يتجاهل أو يستبعد هذه الحقوق يكون منقطع الصلة بالواقع‬
‫القانوني الحالي ‪.‬‬
‫و من إيجابيات نظرية روبيي أن هذه النظرية لها الفضل في الكشف عن وجود واجبات إلى جانب الحقوق‬
‫‪ ،‬بذلك يعيد التوازن إلى النظام القانوني ‪.‬‬

‫ه ‪ :‬الحق ‪ :‬تفاوت مشروع‬

‫الحق هو إنفراد واستئثار شخص بقيمة معينة ‪ ،‬فبذلك هو مجال خاص للفرد دون غيره ‪ ،‬فنكون أمام‬
‫تفاوت ‪.‬‬

‫إن فكرة التفاوت أي اختصاص صاحب الحق دون غيره ال تتعارض مع القانون ‪ ،‬بل هو تفاوت مشروع ‪،‬‬
‫حيث غالبا ما يكون القانون هو المصدر المباشر لهذا التفاوت مثل إقرار القانون حق الملكية ‪ ،‬وقد يستند‬
‫التفاوت إلى نشاط الفرد كامتالكه األرض عن طريق االستغالل أو عن طريق التداول ‪.‬‬

‫‪ :3‬التعاريف المقترحة للحق وخصائصه‬

‫بعد التعرض إلى مختلف النظريات التي تناولت تعريف الحق ‪ ،‬يتضح لنا جليا الغموض الذي أنتاب هذا‬
‫المفهوم ‪ ،‬ورغم اختالف اآلراء الفقهية يمكن إجمال جملة من التعريف التي نختارها في تعريف مفهوم‬
‫الحق (أ)‪ ،‬ثم نتناول خصائصه (ب) ‪.‬‬

‫أ ‪ :‬التعاريف المقترحة للحق‬


‫يرى بعض الفقه أن الحق هو استئثار شخص يقيم أو أشياء معينة يخول له التسلط واالقتضاء ويهدف إلى‬
‫تحقيق مصلحة يحميها القانون ألنها ذات قيمة اجتماعية ‪.‬‬

‫وفق التعريف الوارد سابقا فإن الحق له عناصر ‪ ،‬وهي إذا أمعنا فيها فهي إجابة عن األسئلة التي تدور‬
‫حول فكرة االستئثار أولها من يستأثر ؟ وهذا هو شخص الحق ‪ ،‬وثانيها بم يستأثر ؟ وهذا هو موضوع‬
‫الحق ‪ ،‬وثالثهما لم يستأثر ؟ وهذه هي المصلحة أو هدف الحق ‪.‬‬

‫يرى فريقا آخر الحق استئثار الذي يقره القانون لشخص من األشخاص ‪ ،‬ويكون له بمقتضاه إما التسلط‬
‫على شيء معين أو اقتضاء أداء معين من شخص آخر ‪.‬‬

‫ب ‪ :‬خصائص الحق‬

‫أن فكرة الحق تترجم عالقات اجتماعية (ب ــ ‪ ، )1‬لصاحب الحق مركز ممتاز عن الغير (ب ــ ‪ ، )2‬هذا‬
‫ما يجعل الحق قيدا على حرية الغير (ب ــ ‪. )3‬‬

‫ب ــ ‪ :1‬الحق عنصر في العالقة مع الغير‬

‫يراد بهذه الخاصية أنه ال مفهوم للحق إال في العالقات االجتماعية ‪ ،‬فالحق سواء كان قدرة إرادية أو‬
‫مصلحة يحميها القانون أو استئثار وتسلطا أو مجاال خاصا أو خصوصيا ‪ ،‬فإن تعريفه أو تعيين حدوده‬
‫يكون دائما بالنظر إلى الغير‪.‬‬

‫فالحق قيد على حرية الغير ‪ ،‬وال يراد به المصلحة الخاصة فقط بل كذلك المصلحة العامة ‪.‬‬

‫ب ــ ‪ : 2‬الحق مركز ممتاز لصاحبه‬


‫اختلفت اآلراء الفقهية في تعريف الحق كما تناولناه سابقا في النظريات السابقة الذكر للحق ( قدرة إرادية ‪،‬‬
‫مصلحة مشروعة ‪ ،‬تمل يك ‪ ،‬تفاوت مشروع ) ‪ ،‬فالمذهب الشخصي يرى في الحق أنه تلك الحرية التي‬
‫تكون قاصرة على صاحب الحق دون غيره ‪ ،‬فللشخص إذن التصرف في الشيء بيعا أو هبة أو غيره من‬
‫التصرفات ‪.‬‬

‫غير أن ترجمة هذه الحرية أختلف األمر من رأي إلى رأي آخر ‪ ،‬فالحق مصلحة أي يعني ذلك أنها تلك‬
‫الحرية التي يتمتع بها صاحب الحق في تقدير مصالحه المادية و المعنوية ‪ ،‬أما عن الرأي الذي يعتبره‬
‫استئثارا وتسلطا فهو يترجم كذلك فكرة الحرية ‪.‬‬

‫ب ــ ‪ : 3‬الحق قيد على حرية الغير‬

‫باعتبار أن الحق هو حرية شخص أو استئثار شخص بقيمة معينة فله مركز ممتاز ‪ ،‬مثال للمالك حق‬
‫االستعمال واالستغالل والتصرف على الشيء المملوك له ‪ ،‬من هنا ينفرد بقيمة معينة عن غيره يقع لزاما‬
‫على الغير احترامها ‪ ،‬فالسلطات المخولة للمالك دون غيره تجعله في مركز ممتاز ‪ ،‬ويمكن اعتبار هذا‬
‫الوضع بمثابة تنظيم عالقة المالك مع الغير ‪ ،‬فحق الملكية يعتبر قيد على حرية الغير ‪.‬‬

‫‪ :4‬تمييز الحق عما يقاربه من مفاهيم قانونية‬

‫هناك من المفاهيم تختلط بمفهوم الحق منها الحرية (أ) ‪ ،‬الرخصة (ب) ‪ ،‬السلطة (جـ) ‪ ،‬الدعوى (د) ‪.‬‬

‫أ‪ :‬الحق والحرية‬

‫تقوم التفرقة ما بين الحق والحرية فيما يلي ‪:‬‬

‫ـــــ الحق يخول صاحبه االستئثار واالختصاص واإلنفراد بمضمون حقه دون سائر الناس مثال حق‬
‫الملكية ‪ ،‬أما الحرية منصوص عليها دستوريا مثل حرية المعتقد ‪ ،‬حرية التنقل ‪ ،‬حرية التعاقد ‪ ،‬حرية‬
‫الزواج ‪ ،‬فال ينفرد بها شخص معين بل هي مجال عام عكس الحق الذي هو مجال خاص ينفرد به صاحبه‬
‫دون بقية األفراد ‪.‬‬

‫ــــ إمكانية مساءلة صاحب الحق في حالة التعسف وهو عدم خروجه عن الحق المخول له لكن ينحرف‬
‫عن غرض وهدف الحق المخول له ‪ ،‬في حين ال يمكن إعمال مفهوم التعسف في إطار ممارسة الحرية ‪.‬‬

‫ــــــ يقابل الحق التزام الغير في حين في الحرية فال يقابلها أي التزام على عاتق أي كان ‪.‬‬

‫ـــــ إمكانية التنازل عن الحق مثال التنازل عن الحق العيني والحق الشخصي ‪ ،‬في حين بالنسبة للحرية فال‬
‫يجوز التنازل عنها مثال التنازل عن الحق في الحياة ‪.‬‬

‫ب ‪ :‬الحق والرخصة‬

‫يراد بالرخصة هي مكنة االختيار من بين بدائل محددة نتيجة قيام سبب معين جعله القانون مناطا لهذه‬
‫المكنة ‪ ،‬فالرخصة إذن نوع من القدرة القانونية على االختيار ‪ ،‬مثال حالة الملكية على الشيوع فبيع أحد‬
‫الشركاء يرتب رخصة للمالك اآلخر على الشيوع مكنة االختيار بين أمرين إما الحلول محل المشتري في‬
‫البيع أو ترك الصفقة للمشتري ‪.‬‬

‫جـ‪ :‬الحق والسلطة‬

‫ــــ الحق اختصاص لصاحبه يتصرف لمصلحته ‪ ،‬أما صاحب السلطة مثل الولي أو القيم يتقرر رعاية‬
‫لمصالح الغير ‪.‬‬

‫ــــ السلطة تعتبر واجبا يقوم على عاتق المكلف به هذا ما يرتب عدم إمكانية التنازل عنها ( عدم جواز‬
‫نزول األب عن سلطته في رعاية مصالح أبنائه القصر) ‪ ،‬أما عن الحق فلصاحب الحق التنازل عن ما‬
‫خوله إياه الحق من انتفاع ‪.‬‬

‫د ‪ :‬الحق والدعوى‬

‫يراد بالدعوى تلك الوسيلة أو األداة التي يستعملها الفرد لحماية الحق المخول له ‪ ،‬فهي الضمانة لحماية‬
‫الحقوق الممنوحة لألفراد ‪.‬‬

‫أختلف الفق ه حول العالقة فيما بين الحق والدعوى ‪ ،‬فمنهم من يرى أنها عالقة عضوية أي أن الدعوى‬
‫عنصرا في الحق أي الدعوى والحق شيء واحد فهي عنصر من عناصر وجود الحق ‪ ،‬وهناك من يرى‬
‫أن بين الحق والدعوى عالقة تبعية أي أن الدعوى ما هي إال أثرا من آثار ثبوت الحق لصاحبه ‪ ،‬أي أن‬
‫لكل حق دعوى تحميه ‪.‬‬

‫أنتقد هذا الرأي بما يسمى بااللتزام الطبيعي ‪ ،‬فليس للدائن دعوى للمطالبة المدين بحقه ( مادة ‪2/160‬‬
‫مدني ) ‪ ،‬ويرى جانب آخر من الفقه أن الدعوى حق قائم بذاته ‪ ،‬فالدعوى تعتبر حقا قائما بذاته هو الحق‬
‫في الدعوى ‪.‬‬

You might also like