You are on page 1of 10

‫مقدمة‪:‬‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم وبه نستعين والصالة والسالم على أشرف الرسلين وخاتم‬

‫النبيين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬وبد‪:‬‬

‫للدين أركان خمس ال يكتمل دين المرء إال بهم وثانى هذه األركان هو الصالة‪ ،‬فهى‬

‫عماد الدين وقوامه هى الصلة التى بيننا وبين اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬هى وسيلة للتقرب‬

‫من اهلل‪ ،‬وبينما يتخذ المشركيين أولياًء من دون اهلل لنا نحن المسلمين ميعاد مع اهلل‬

‫للقائه فى خمس صلوات كل يوم‪ ،‬لنقترب منه أكثر لنسجد هلل كما قال تعالى‪} :‬‬

‫واسجد واقترب{ ‪ ،1‬اهلل تعالى بعزته وبجالله وعلى عرشه وفى ملكوتهينادى على‬

‫عباده وهو غنى عنهم‪ ،‬ولكن وإن كان اهلل سبحانه وتعالى الغنى فنحن الفقراء إليه‪،‬‬

‫ولهذا فرض اهلل الصالة على عباده‪ ،‬وألن الصالة هى عبادة يومية ترافقنا فى بومنا‬

‫منذ البلوغ وحتى الموت وضع اهلل تعالى لها أحكام عدة ليستطيع كل فرد أن يصلى‬

‫مهما كان وضعه أو مكانه ومن هذه األحكام حكم قصر الصالة الذى سنتعرف عليه‬

‫فى بجثنا هذا‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬حكم قصر الصالة في السفر المحرم‬

‫‪ 1‬العلق ‪19‬‬
‫ميكن للسفر أن يكون لغرض شرعي أو أمر ليس منهي عنه وميكن له أن يكون ألمر حمرم‪،‬‬

‫ويف إباحة أو حترمي القصر يف الصالة يف السفر احملرم جند من وجهات النظر بالنسبة‬

‫للمذاهب الفقهية األربعة اختالقا من التحرمي و بيان رفضه الرفض القاطع أو املوافقة علي‬

‫القصر باعتباره رخصة يف كل سفر حمرمًا كان أو شرعيًا حملًال‪ ،‬فيما يلي نعرض ألراء‬

‫الفقهاء حسب املذاهب األربعة وكتب السلف يف تلك القضية ‪:‬‬

‫‪ -1‬مذهب الحنابلة‪ :‬لو ُنقل السفر من املباح للسفر احملرم امتنع القصر على الصحيح من‬

‫املذهب الشافعي ‪،‬وقيل‪ :‬لو ُنقل سفره من احملرم إىل املباح كما لو تاب ُأبيح له القصر‬
‫‪1‬‬
‫فيه ‪ .‬ولو يف سفره انتقل من املباح إىل السفر احملرم امتنع فيه القصر وأفطر إن كان صائمًا‬

‫كما لو كان حمرمًا ابتداًء‪. 2‬‬

‫وال تباح رخصة القصر يف سفر املعصية كاالباق وقطع الطريق‪ ،‬و التجارة يف اخلمر‬

‫واحملرمات‪ ،‬فأما إن كان السفر مباح لكنه ُيعصى فيه مل مُت نع الرخصة ألن السبب يف‬
‫‪3‬‬
‫الرخصة هو السفر املباح ُو جد فثُبت لذلك حكمه‬

‫‪ -2‬مذهب الشافعية‪ :‬يرى أئمة هذا املذهب أن املعصية يف السفر من قطٍع للطريق‬

‫للسلب واإلغارة والنهب وإخافة السبل وغربها من املعااصي اليت ُترتكب فال جيوز أن‬

‫ُيقصر فيه وال ُيفطر‪.4‬‬


‫‪ -1‬انظر ‪ :‬كتاب اإلنصاف (‪)315 /2‬‬
‫‪ -2‬كشاف القناع ‪)506 /1( :‬‬
‫‪ -3‬المغني (‪)2/194‬‬
‫‪ -4‬انظر الحاوي الكبير ( ‪)2/358‬‬
‫وفسر مذهب الشافعية يف القول معىن السفر املباح وغري املباح (احملرم)‪ ،‬فقيل فيه أن السفر‬

‫املباح هو السفر لغري املعصية أو ليس أدائه مبعصية سواء كان سفرًا لطاعة كالسفر للحج‬

‫أو السفر للتجارة ‪،‬وفيه يرتخص القصر‪ ،‬أما السفر احملرم كهرب العبد من مواله واملرأة من‬

‫زوجها واملسافر لقطع الطريق أو لزىن أو إلرتكاب املعصية فال رخصة له يف قصر‬

‫الصالة‪ ،‬ولو أنشأ يف سفره مباحًا فأحاله حمرمًا فأصحه قيل فيه أال يرتخص ‪،‬ولو أنشأ‬

‫السفر على معصية فأحاله إىل سفرًا مباحًا بالتوبة قال األكثرون فيه أن يرتخص له القصر‪،1‬‬

‫إذن الرخصة يف القصر فيها سواء ملن مل يكن عاصيًا إىل قوله تعاىل { فمن اضُطر غري باغ‬

‫وال عاد فال إمث عليه } (البقرة ‪.)173:‬‬

‫وقال فيه الشافعي ‪:‬ال تثبت رخصة القصر يف سفر املعصية ‪ ،‬تثبت ختفيفًا أو نظرًا على‬

‫املسافر واجلاين ال يستحق النظر والتخفيف‪.2‬‬

‫‪ -3‬مذهب الحنفية‪ :‬والعاصي واملطيع يف سفرمها سواٌء‪ ،3‬أي أن املذهب احلنيفي يري أن‬

‫لكل مسافر أيًا كانت الوجهة وغرض السفر حالًل كان أو حرام له الرتخص برخصة‬

‫القصر ‪ ،‬وذلك من غري تفريق بني السفر املباح والسفر احملرم املرفوض ‪ ،‬واختاره ابن حزم‬

‫وابن تيمية والشوكاين والسعدي وابن عثيمني وغريهم‪ ،‬واستدل يف ذلك باألية { وإذا‬

‫ضربتم يف األرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصالة } ( النساء‪ ،) 101 :‬علق‬

‫‪ -1‬انظر‪ :‬روضة الطالبين (‪) 388 /1‬‬


‫‪ -2‬بدائل الصنائع في ترتيب الشرائع (‪)1/93‬‬
‫‪ -3‬فتح القدير البن همام ( ‪)2/46‬‬
‫فيها القصر يف خمتلف الضرب يف األرض دون تقييد يف احلكم فال جيوز فيه احلكم مبنع‬

‫القصر يف حاالت إال بدليل‪.1‬‬

‫‪ -4‬مذهب المالكية‪ :‬مذهب املالكية علي نفس الرأي من مذهيب الشافعية واحلنابلة من‬

‫أن السفر اليت تقصر فيه الصالة هو السفر الواجب والندوب واملباح‪ ،‬وال يباح القصر يف‬

‫السفر الذي الغرض منه أو ناجته املعصية وسفر اللهو ‪ ،‬مع أنه عدة أئمة قالوا يف إباحة‬

‫القصر يف مجيع أنواع السفر‪، 2‬استدالًال باألية الكرمية { فمن اضطر يف خممصة غري‬

‫متجانف إلمث } (املائدة ‪ )3:‬وقوًال بـأن املعصية ال تكون سببًا للرخصة وأن إجازة‬

‫الرخصة رغمًا من وجود املعصية إعانة على املعصية والقيام هبا‪.3‬‬

‫‪ -1‬بدائل الصنائع في ترتيب الشرائع (‪)1/93‬‬


‫‪ -2‬مواهب الجليل في شرح مختصر الخليل( ‪)2/140‬‬
‫‪ -3‬الشرح الكبير وحاشية الدسوقي ( ‪) 1/358‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬ائتمام المسافر بالمقيم‬

‫روي حديثًا عن رسول اهلل أنه قال –صلى اهلل عليه وسلم‪( -‬اجلفاء كل اجلفاء والكفر‬

‫والنفاق من مسع منادي اهلل ينادي إىل الصالة فال جييبه)‪ 1‬رواه الطرباين وأمحد‪ ،‬اتفق الفقهاء‬

‫والعلماء على وجوب تلك النقطة‪ .‬ومما اتفقوا فيه ايضًا أنه إذا ائتم املسافر باملقيم وجب‬

‫عليه االمتام‬

‫مذهب الشافعي‪ :‬يرى أنه إذا أحرم املسافر خلف مقيم أو من يغلب عليه الظن أنه مقيم‬

‫أو من ُيشك هل هو مقيم أو مسافر وجب اإلمتام وإن قُص ر إمامه ؛ألن األصل وجوب‬

‫‪ -1‬الطبراني ‪1/152‬‬
‫الصالة تامة‪، 2‬وألن الصالة مفروضة يصح أن تؤدي يف السفر كاحلضر فيما ال ُيقصر‪-‬‬

‫الصبح واملغرب‪ -‬وألن االعذار املؤثرة يف السفر وضعت من اهلل –عزوجل‪ -‬ختفيفًا ال‬

‫فرضًا‪ ،‬وألن السفر إن اقرتن برفقة كان ذلك فيه رخصة ال وجوب للجمع بني الصالتني‪،‬‬

‫وألن من جاز له القصر صح منه التمام ‪ ،‬فإذا صلى مسافر وراء إمام مقيم وجب عليه‬
‫‪2‬‬
‫التمام فرضًا‬

‫أي أن رأي الشافعية نص على امجاع أن صالة املسافرين أربع مع اإلمام املقيم ولو كان‬
‫‪3‬‬
‫فرض صالهتم ركعتني ما جاز هلم أن يصلوها أربعًا مع اإلمام مقيم كان أو غريه‬

‫ويف كتب السلف جند الرأي نفسه‪ ،‬ففيها ذكر إمامة املسافر املقيم ثابت من أن أهل العلم‬

‫أمجعوا على أن املقيم إذا ائتم مسافر عليه امتام الصالة‪-‬املسافر‪ ، 4-‬وروي عن عمر رضي‬

‫اهلل عنه {أن عمر بن اخلطاب صلى مبكة ركعتني ‪ ،‬مث قال ‪:‬يا أهل مكة أمتوا صالتكم ‪،‬‬

‫فإنا قوم سفر}‪.5‬‬

‫مذهب الحنابلة ‪ :‬اتفق متبعي مذهب اإلمام أمحد بن حنبل من األئمة والفقهاء مع نفس‬

‫الرأي‪ ،‬فلو أمت االمام املسافر الصالة صحت صالة املأموم املقيم علي الصحيح من املذهب‬
‫‪6‬‬
‫وعليه عامة األصحاب‬
‫‪-1‬المغني البن قدامة ‪2/210‬‬
‫‪ -2‬الحاوي الكبير ‪365-2‬‬
‫‪ -3‬األم للشافعي ‪1/208‬‬
‫‪ -4‬األوسط ‪4/390‬‬
‫‪ -5‬نخب األفكار ‪6/355‬‬
‫‪ -6‬اإلنصاف ‪2/150‬‬
‫وإن كان اإلمام مقيمًا فاستخلف مسافرًا ممن معه يف الصالة فعلى اجلميع األمتام‪ ،‬ومن‬

‫ذلك أيضًا قيل ‪:‬إذا نوى املسافر اإلقامة يف بلد أكثر من إحى وعشرين صالة‪ ،‬أمت‪ ،‬أي أن‬

‫املدة اليت علي املسافر أن يتم فيها بنية االقامة هي أكثر من إحدى وعشرين صالة ‪ ،‬أي إذا‬

‫أقام أربعة أيام أمت فما دوهنا يقصر‬

‫‪1‬‬
‫ومىت أئتم املسافر مبقيم أمت سواءًا حضر الصالة كلها أم أدرك ركعة أو ٌأقل يلزمه اإلمتام‬

‫وُأشري إىل ذلك تبعًا لقول نبينا الكرمي { إمنا ُج عل اإلمام ليؤمت به فال ختتلفوا عليه }‪، 2‬‬

‫ومنه ما ُقرر أنه لو أحرم مسافر خلف مسافرُ م طرأ لالمام عذر فاستخلف مقيمًا وجب‬

‫علي املسافر إمتام الصالة‪. 3‬‬

‫مذهب المالكية‪ :‬وفيه قيلت من االراء باالختالف‪ ،‬فقال مالك‪ :‬وإذا أدرك املسافر صالة‬

‫مقيم أو ركعة منها أمت الصالة ‪ ، 4‬إذا صلى املقيم خلف املسافر فإذا سلم املسافر أمت املقيم‬

‫ما هو يصليه‪.‬‬

‫وإن اقتدى مقيم به وهو علي اقتداء فلكل منهم طريقته‪،‬وقال الدسوقي‪( :‬واحلاصل أن‬

‫املسافر إذا اقتدى باملقيم فإن نوى اإلمتام أمت صالته مطلقا أدرك مع اإلمام ركعة أو أكثر‬

‫‪ -1‬المغني ‪2/209‬‬
‫‪ -2‬البخاري ‪743‬‬
‫‪ -3‬كشاف القناع ‪1/151‬‬
‫‪ -4‬انظر المدونة ‪1/208‬‬
‫أو مل يدرك معه ركعة وأما إن نوى القصر فإن أدرك مع اإلمام ركعة أو أكثر فإنه يتم‬
‫‪1‬‬
‫صالته وإن مل يدرك معه ركعة فإنه يقصر وال يتم‬

‫مذهب الحنيفة‪ :‬إن اقتدى املسافر باملقيم يف الوقت أمت اربع‪ ، 2‬وهو الرأي يف هذا املذهب‬

‫بالنسبة إىل االئتمام باملسافر‪ ،‬وإن صلى املسافر باملقيمني ركعتني سلم وأمت املقيمون‬

‫صالهتم‬

‫وليس للمسافر االقتداء باملقيم بعد فوات الوقت ‪ ،‬بينما للمقيم االقتداء باملسافر بعد وقبل‬

‫فوات الوقت‪ ،‬فلم جيز مفارقة اإلمام وهو تابعه‬

‫عن نافع –رضي اهلل عنه‪{ -‬كان ابن عمر رضي اهلل عنه إذا صلى مع اإلمام صالها أربعًا‪،‬‬

‫وإذا صلى وحده صالها ركعتني}‪.3‬‬

‫اذن قصد االقتداء من املسافر باملقيم يكون مبنزلة نية االقامة يف حق وجوب التكميل‪ ،‬فإذا‬
‫‪4‬‬
‫اجتمع ما يقتضي القصر والتمام يغلب التمام‪ ،‬كما لو أحرم هبا يف السفر مث أقام‬

‫‪-1‬الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي ‪1/365‬‬


‫‪ -2‬المبسوط للسرخسي ‪1/434‬‬
‫‪ -3‬رواه مسلم ‪694‬‬
‫‪ -4‬المجموع للنووي ‪4/355‬‬
‫‪:‬اخلامتة‬

‫لقد مّن اهلل علينا بأن كنا مسلمني وأن وضع لنا قواعد حياتنا وأساسها وعاد تعاىل فمّن‬
‫علينا برخصه فسهل لنا العبادات وأكرمنا‪ ،‬ومنهذه الرخص قصر الصالة‪ ،‬وهى رخص‬

‫مشروعة هلا شروطها وأحواهلا كما بينا‪ ،‬فاهلل تعاىل عليم بأحوال عباده ورحيم به‪ ،‬وألن‬

‫اهلل حيب أن تؤتى رخصه‪ ،‬فيجب علينا حنن املسلمني معرفة أمور ديننا لنعرف اهلل حق‬

‫املعرفة ونعبده حق العبادة‪ ،‬ولقد كان هذا أمر من أمور ديننا لفرض منارسه يوميًا‪ ،‬فعرفناه‬

‫ووعيناه وعلمنا حاالت قصر الصالة وكيفيتها لنعبد اهلل تعاىل حق العبادة واهلل املوفق‬

‫واملستعان‬
‫‪:‬املصادر واملراجع‬

You might also like