You are on page 1of 5

‫مدى أخذ الشافعية يف املصلحة املرسلة‬

‫من خالل كتاب الربهان‬

‫عرب إمام احلرمني عن املصلحة املرسلة يف كتابه الربهان باالستدالل‪.‬‬

‫االستدالل (املصلحة) هو‪ :‬معنى مشعر باحلكم مناسب له فيام يقتضيه الفكر العقيل من غري‬

‫وجدان أصل متفق عليه والتعليل املنصوب جار فيه‪.‬‬

‫واالستدالل (املصلحة) املقبول هو املعنى املناسب الذي ال خيالف مقتضاه أصال من أصول‬
‫(‪)1‬‬
‫الرشيعة‪.‬‬

‫‪ ‬حترير حمل النزاع‬

‫إذا استندت املصلحة إىل أصل خاص فهي معتربة‪.‬‬

‫وما ال يستند إىل أصل فهو استدالل خمتلف فيه ولكنهم ما اعتنوا إال بذكر املعاين فاكتفوا‬

‫بإطالقها عن ذكر أصوهلا وما تكلفوا مجعا وإن كان اجلمع معتربا باتفاق النظار واملسائل ال‬

‫تشهد بصورها ما مل تربط الفروع هبا والذي حتصل منهم التوصل إىل ابتغاء غلبة الظن يف بغية‬
‫(‪)2‬‬
‫الشارع عىل أقىص اجلهد‪.‬‬

‫‪ ‬آراء العلامء يف املصلحة املرسلة‬

‫اختلف العلامء فيها عىل ثالثة أقوال ‪:‬‬

‫(‪ )1‬إمام احلرمني ‪ ،‬الربهان يف أصول الفقه (‪)162-161 /2‬‬


‫(‪ )2‬إمام احلرمني ‪ ،‬الربهان يف أصول الفقه (‪)66 /2‬‬
‫أحدها‪ :‬نفيها واالقتصار عىل اتباع كل معنى له أصل‪ .‬ذهب إليه القايض وطوائف من‬

‫متكلمي األصحاب‪.‬‬

‫والثاين‪ :‬جواز إتباع وجوه االستصالح واالستصواب قربت من موارد النص أو بعدت إذا مل‬

‫يصد عنها أصل من األصول الثالثة الكتاب والسنة واإلمجاع‪ .‬ذهب إليه اإلمام إمام دار‬

‫اهلجرة مالك بن أنس حتى جره ذلك إىل استحداث القتل وأخذ املال بمصالح تقتضيها يف‬

‫غالب الظن وإن مل جيد لتلك املصالح مستندا إىل أصول ثم ال وقوف عنده بل الرأي رأيه ما‬

‫استند نظره وانتقض عن أوضار التهم واألغراض‪.‬‬

‫والثالث‪ :‬هو املعروف من مذهب الشافعي ومعظم أصحاب أيب حنيفة‪ :‬التمسك باملعنى وإن‬
‫(‪)3‬‬
‫مل يستند إىل أصل عىل رشط قربه من معاين األصول الثابتة‪.‬‬

‫‪ ‬أدلة الشافعية‬

‫‪ .1‬لو انحرصت مآخذ األحكام يف املنصوصات واملعاين املستثارة منها ملا اتسع باب‬

‫االجتهاد فإن املنصوصات ومعانيها املعزوة إليها ال تقع من متسع الرشيعة غرفة من‬

‫بحر‪ ،‬ولو مل يتمسك املاضون بمعان يف وقائع مل يعهدوا أمثاهلا لكان [وقوفهم عن]‬

‫احلكم يزيد عىل جرياهنم وهذا [إذا] صادف تقريرا مل يبق ملنكري االستدالل‬
‫(‪)6‬‬
‫مضطربا‪.‬‬

‫‪ .2‬من سرب أحوال الصحابة ريض اهلل عنهم وهم القدوة واألسوة يف النظر مل ير لواحد‬

‫منهم يف جمالس االشتوار متهيد أصل واستثارة معنى ثم بناء الواقعة عليه ولكنهم‬

‫خيوضون يف وجوه الرأي من غري التفات إىل األصول كانت أو مل تكن‪ ،‬فإذا ثبت‬

‫(‪ )3‬املرجع السابق‬


‫(‪ )6‬إمام احلرمني ‪ ،‬الربهان يف أصول الفقه (‪)162 /2‬‬
‫اتساع االجتهاد واستحال حرص ما اتسع منه يف املنصوصات وانضم إليه عدم احتفال‬
‫(‪)5‬‬
‫علامء الصحابة تطلب األصول أرشد جمموع ذلك إىل القول باالستدالل‪.‬‬

‫‪ .3‬إذا استندت املعاين إىل األصول فالتمسك هبا جائز وليست األصول وأحكامها‬

‫حججا وإنام احلجج يف املعنى ثم املعنى ال يدل بنفسه حتى يثبت بطريق [إثباته]‬

‫وأعيان املعاين ليست منصوصة وهي [املتعلق] فقد خرجت املعاين عن ضبط‬

‫النصوص وهي متعلق النظر واالجتهاد وال حجة يف انتصاهبا إال متسك الصحابة‬

‫ريض اهلل عنهم بأمثاهلا وما كانوا يطلبون األصول يف وجوه الرأي فإن كان االقتداء‬
‫(‪)6‬‬
‫هبم فاملعاين كافية وإن كان التعلق باألصول فهي غري دالة ومعانيها غري منصوصة‪.‬‬

‫‪ .6‬حديث معاذ ‪ :‬قال له الرسول عليه السالم ملا بعثه إىل اليمن ["بم حتكم يا معاذ؟ "‬

‫قال‪ :‬بكتاب اهلل‪ ،‬قال‪" :‬فإن مل جتد؟ "‪ ،‬قال‪ :‬بسنة رسول اهلل‪ ،‬قال‪" :‬فإن مل جتد؟ "‪،‬‬

‫قال‪ :‬أجتهد رأيي‪ ،‬فقال عليه الصالة والسالم‪" :‬احلمد هلل الذي وفق رسول رسوله‬

‫ملا يرضاه رسول اهلل"] وهو مدون يف الصحاح وهو متفق عىل صحته ال يتطرق إليه‬

‫التأويل‪ ،‬فإنه ريض اهلل عنه انتقل من الوحي والتنزيل إىل سنة رسول اهلل صىل اهلل‬

‫عليه وسلم ثم انتقل منهام عند تقديره فقدمها إىل الرأي وال جيوز أن يقال‪ :‬أراد بالرأي‬

‫رأي استنباط من كتاب اهلل تعاىل وسنة رسوله عليه السالم فإن ذلك لو كان عىل هذا‬
‫(‪)7‬‬
‫الوجه لكان متعلقا بالكتاب والسنة‪.‬‬

‫(‪ )5‬إمام احلرمني ‪ ،‬الربهان يف أصول الفقه (‪)163 /2‬‬

‫(‪ )6‬املرجع السابق‬


‫(‪ )7‬إمام احلرمني ‪ ،‬الربهان يف أصول الفقه (‪)17 /2‬‬
‫‪ ‬كالم إمام احلرمني الذي يؤكد بأن الشافعية يأخذ باملصلحة‬

‫‪« :‬إن الغاية القصوى يف جمال الظنون غلبتها متعلقة بقصد الشارع‬ ‫قال إمام احلرمني‬

‫واملصالح التي تعلق هبا صحب الرسول صىل اهلل عليه وسلم مل يصادفوا يف أعياهنم تنصيصا‬

‫من رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم وختصيصا هلا بالذكر ولو صادفوا ذلك ملا كانوا متمسكني‬

‫بالنظر والرأي فإن معاذا حرب األمة مل يذكر الرأي يف القصة املشهورة إال بعد فقدان كل ما‬

‫يتعلق به من الكتاب والسنة وال نراهم كانوا يرون التعلق بكل مصلحة فالوجه يف حتسني‬

‫الظن هبم أهنم كانوا يعلقون األحكام بام يظنونه موافقا لقول الرسول عليه السالم يف منهاج‬

‫رشعه وكانوا يبغون ذلك يف مسالكهم وال يكاد خيفى عىل ذي بصرية أن الطرد والعكس‬

‫يغلب عىل الظن انتصاب اجلاري فيهام علام يف وضع الرشع فمن أنكر ذلك يف طرق الظنون‬

‫فقد عاند‪ ،‬ومن ادعى أن الصحابة ريض اهلل عنهم كانوا يأبون التعلق بطريق يغلب عىل الظن‬
‫(‪)8‬‬
‫مراد الشارع وكانوا خيصصون نظرهم بمغلب دون مغلب فقد ادعى بدعا»‪.‬‬

‫‪« :‬ومن تتبع كالم الشافعي مل يره متعلقا بأصل ولكنه ينوط األحكام‬ ‫وقال إمام احلرمني‬

‫باملعاين املرسلة فإن عدمها التفت إىل األصول [مشبها] كدأبه إذ قال طهارتان فكيف يفرتقان؟‬
‫(‪)9‬‬
‫وال بد يف التشبيه من األصل»‪.‬‬

‫‪« :‬أن األشباه املغلبة عىل الظن وإن كانت ال تناسب األحكام فهي‬ ‫وقال إمام احلرمني‬

‫تناسب اقتضاء تشابه الفرع واألصل يف احلكم فهذا هو الرس األعظم يف الباب فكأن املعنى‬

‫مناسب للحكم من غري فرض ذكر أصل نظرا إىل املصالح الكلية واألصل يعني النحصار‬

‫املصلحة يف أصول الرشيعة فإن كل مصلحة ال تنتهض علة والشبه لو جرد ال يقتيض احلكم‬

‫(‪ )8‬إمام احلرمني ‪ ،‬الربهان يف أصول الفقه (‪)65 /2‬‬

‫(‪ )9‬إمام احلرمني ‪ ،‬الربهان يف أصول الفقه (‪)163 /2‬‬


‫كام لو مل يفرض إال الوضوء مل يكن يف قول القائل طهارة حكمية أو عن حدث اقتضاء النية ال‬

‫علام وال ظنا وإذا ثبت التيمم فذكر احلدث يناسب مشاهبة الوضوء للتيمم والشبه من‬

‫رضروته مشبه ومشبه به واملعنى مستقل إذا ناسب اقتضاء احلكم لو ثبت االستدالل والقول‬
‫(‪)10‬‬
‫به»‪.‬‬

‫اخلالصة ‪:‬‬

‫‪ -‬الشافعية ينوط األحكام باملصلحة املرسلة إذا قرب من النصوص‪ ،‬فهم يسلك مسلك‬

‫الوسط‪ ،‬وينوط األحكام باملصلحة وإن مل تستند إىل أصل خاص‪.‬‬

‫‪ -‬ال ينوط األحكام باملصلحة إال إذا فقدت النصوص‪.‬‬

‫‪ -‬واملراد بالرأيي يف حديث معاذ هو املصلحة املرسلة‪.‬‬

‫‪ -‬اعتمد الشافعية يف األحكام يف املعاين ال نصوص‪.‬‬

‫‪ -‬املصلحة ينقسم إىل قسمني ‪ :‬املصلحة اخلاصة وهي ماليس هلا أصل وقرب من املعنى‬

‫واملصلحة عامة وهي ما ليس هلا أصل وبعد من املعنى‪.‬‬

‫(‪ )10‬إمام احلرمني ‪ ،‬الربهان يف أصول الفقه (‪)60 /2‬‬

You might also like