Professional Documents
Culture Documents
البحث عن الله في عالم مليء بالألم والحروب
البحث عن الله في عالم مليء بالألم والحروب
2
البحث عن الل يف عامل مليء باألمل واحلروب
والصحة العقلية"
3
4
اإلهداء:
إىل مجيع إذلين يسععععلفه عدا اإل ه ،يف ظالل إ تجارب وإ صععععلف ،وإحلروب وإلآالم ،والابتالءإ وإحملن إ يت
نفإهجدا يف إحلياة ،وإذلين يلانفه من إمللاانة وإ شع ع اء وإملر وإ ألمل ،إىل إذلين يليشعععفه مغفضع عا يكتنعدا ،حييط هبا من لك
إجلدعا ،وإذلين يلعانفه من الاتتاعاب ،وإ لق ،ويسععع ع أ فه غن إ وعايعف وإ دعاا من إحليعاة ،وإذلين يبحثفه غن فدا شعععععامع
خصعععيصعععا من أ لم ،إه إملللفما
أ للتحااي وإ صعععلاب يف إحلياة ،وغن مللاانهتا ،ومسعععا اة ،هذإ إ كتاب مكتفب
إملاغفمف برؤيف مسع عريت وة ووا وإ قع عريت ام ةا آايف لآالجا وإ ا ميحف ومل فل عدا إ لامل ،وفدا أقع عريباب إ ع ع
وإملسععلو يف غن ،وقعريتففر ةا مسع أعارإ وإحنأا لف إ سععك نف ،وإ سععلا،ة ،وإ أ أني ف ،وإالجيابيف ،وإالمياه ،وقعرييلرففه أين ي ع
ماكه ه يف إ،إرة شلوه هذإ إ لامل.
يف وقععط غفإ ععي إحلياة و ام إ ي ن ،من إ أبيلن أه لس ع أل ولش ع ،وتتسععاءل غن ،ور ه تلاىل ،ب وغن اإل
ألقع عرياةل إ ل ي ف إ يت يفن يف ه تعسعععو ما جيرن من فك .إن جزء من ر ةل إالنسعععاه إ ألمه :أن إ بحث غن إ ا
قلب وجف،ان .متت تتابف هذإ إ كتاب ب أخذ ذك يف الاغتبار ،زتويامك برؤى معي ف وملرفف لسا امك ىل إ تن يف إ تضاريس
إملل اة تحااي إحلياة .ال يكتعن إ كتاب هذإ بت امي إال ا ،ب قعع عريي ام م مسععع أعارإ لف إ شعععععاء وإ سععععالم إدلإخيل،
وإ أ أني ف وإحلبفر،
إه إحلياة ملياف أا تجارب وإحملن ،وغا ب أا ما لشععععلر ب أآا لشعععريب لسععععلق إجلبال .و كن من خالل إ عدا وإالمياه ،من
خالل لسعععليط إ ضعععفء ىل معدفم إ تفلك ىل ه ،ميك م إ لثفر ىل إ رإ ف وإمللن إذلن مي أل نعفقعععم قفة ال مف يف و
إ صلاب.
يف هذه إ صععحا ،قعريتجاوه جتليا إحليفف إ يت ميكهنا وضعع آايف لآالمم .قعريتجاوه إ ا مل ف أل ألقعريالتم إلأت
يف إحلا أ ا فل إ لامل وماكنتم ف .قعريتحصعلفه ىل وضعفا فل ،ور ه يف إ،إرة شعلوه هذإ إ لامل ،وقعريتارفه أن
أظمل إللحظعا ،هنعاه هعاا إ د ن إجيعا رإعع يمت حت ع ،ملنعلتم ،ومصعععععلحتم ،و ومك ،قععع عريتجعاوه إدلإفع الجيعابيعف ونعن
إ سلبيف غن تصفرإ م ،وفد م لل لام والابتالءإ وإحملن.
إ تجارب وإحملن يه جزء من جتربف إالنسععاه ،و كهنا يسععت تلريع أا نا .من خالل إالمياه وإ عدا وإالتصععال إ ألمعق ه،
ميك م إ لثفر ىل إ سعك نف وإ عرا وإ سعام متجا ،ور وإ داا من إحلياة ،وإدلإفع للليش .إه هذإ إ كتاب هف ،يلم
يف هذه إ ر ةل إ تحف يف لف اة أت إوإقأا وإشريبا أا.
ذلإ ،إىل مجيع إذلين يبحثفه غن إ رإ عف ،وإىل مجيع إذلين يتفقفه إىل إال عا ،وإىل مجيع إذلين يتفقفه إىل إرتبعا
مصارإ للتنفير وإ شعاء وإ ألم ،إملرشا لف اة أمعق مع إ ا ق -إ ل فإ أه هذإ إ كتاب مكتفب من أ لم .ن أم أه يكفه أ
ملياف المياه وإ أ أني ف وإ سك نف وإالجيابيف ،وإ تفلك ،وإ سالم إدلإمئ.
5
6
الفهرس
5 اإلهداء:
8
التصور اإلسالمي ملقومات بناء السعادة ،والطمأنينة ،والصحة العقلية
ماذا علي أن أفعل باقي عمري؟
في برنامج على راديو الس ييبي سي ييبي الكندي ،اس ييتض يياف الفيلس ييوف لي ماكنتاير Lee McIntyreوالذي كانت
ه
له تجربة فريدة ،حيث نص ي ي ييب في محطة لقطار األنفاق في نيويورك طاولة وض ي ي ييع عل:ها لوحة كتب عل:ها :اس ي ي ييأل
الفيلسوف!
وسع ييد م ي ي ي ييبي بعر الوق ييت توقف ييت امرأة في عق ييده ييا الس ي ي ي ي ييادس وعلى وجهه ييا كييل مالمح الج ييدي يية ،وخلع ييت
معطفهيا ،والشي ي ي ي ييال اليذي لغطي رقبتهيا ،وقياليت في حزم :أنيا امرأة في العقيد السي ي ي ي ييادس من عمري ،متقياعيدة عن
ه ا ا
العمل براتب مريح ،لدي درجة علمية هي املاجس ييتير ال يوجد عندي أس ييرة ،فأنا مطلقة ،وقد نهض ييت مؤخرا من
س ي ي ييرير الش ي ي ييفاء بعد عملية خطيرة بقيت ندوبها في رقبتي ،وأريد أن أعرف ماذا علي أن أفعله باقي عمري؟ أريد
ه
سببا أعيش ألجله!
ه
أال يذكرك س ي ي ييؤال هذح املرأة بحيات أنت؟ هل تعرف س ي ي ييببا تعيش ألجله؟ ماذا علي أن تفعل با ي عمرك
ه
ليكون لعمرك ولحييياتي معنى حقيقيييا؟ أوليس واقع الحييال أن حيواتنييا مغطيياة "بطبقييات رقيقيية" مييا أس ي ي ي يهييل أن
تزول ،لتنكش ي ي ي ي حقيقية أننيا غيارقون في هيذح الحيياة دون هيدف أو ويي أو طرح تس ي ي ي يياؤالت حقيقيية ،ن تظر أن
نتقاعد كي نكتش ي أن حياتنا العملية التي غطت غالبية الوقت ،وأخذت ب ييبابنا وزهرة أعمارنا ،واندمجنا ف:ها
بصي ي ييناعة املسي ي ييار املظي ،واالرتقاء الوقيفي ،والرخاء االقتصي ي ييادي ،والتسي ي ييوق والرحالت وعطل نهاية األسي ي ييبو ،
ومشياهدة خخر األفالم ومتابعة البطوالت الرياضيية ،أو حت السي ي ألجل التغلب على الضين واملشيقة ،وتأمين
لقمة العيش ،ودفع الفواتير ،كي نكتش ي ي ي ي أن هذح كلها -مع املتعة املص ي ي ي يياحبة لكل ي ي ي ييبيء ف:ها ،أو العناء ،ومع
أهميتها في حياتنا -ليس ي ي ييت الس ي ي ييبب الحقيقي الذي ي ب ي أن نعيش ألجله أو الذي وجدنا في هذا الكون الذي تم
ه ه ه ه ه ه
تصي ييميمه وتعييرح تعييرا دقيقا منضي ييبطا محكما خارقا لتوجد فيه الحياة ويكون مضي يييافا لها ،وليوجد فيه هذا
املخلوق الذكي القادر على التساؤل واالستكشاف والفهم واإلدراك،
فإذا ما ارتفعت تل "الغالالت الرقيقة" وما عاد لها وهجها الذي ص يياحفها في رحلة الش ييباب وبناء املس ييتقبل
والنظر بتفاؤل ملعيش ي يية مريحة هانئة ،أل ،ا وقتهاِّ ،وبك ِّ ِّل ق ،وة ذل الس ي ييؤال الذي س ي ييأل ْته هذح املرأة ،ماذا علي أن
أفعله فيما تبقى لي من عمر! ما هو الس ي ي ييبب الذي س ي ي ييأعيش من أجله! فتعود الذاكرة وقتها للوراء لتس ي ي ييأل :هل
علي أن أعيش له فيما م ب من عمر؟ هل عشت حياتي بشكل صحيح؟ كنت أعيش للسبب الذي كان ،
ِّ
ه
ق ييد ي تظر املرء في ييه وقت ييا طويال ليكتش ي ي ي ي أن ييه لعيش بال ه ييدف ،وأن ييه مفر تم ييام ييا من عن يياص ي ي ي يير الوجود
ه
اإلنسي يياني ،وأنه مصي يياب ب واء رويي ،يركر حياته كلها بال هدف ،مشي ييوبا بالقلق والحيرة والتمزق النفسي ييبي ،ال
9
ه
لعرف جوابا على س ي ي ييؤال :ما مع؟ الحياة؟ على الرغم من أن هذا الس ي ي ييؤال لص ي ي يييق بالفكر اإلنس ي ي يياني ،وب ي ي يير
أسا بي إلدراك كينونة اإلنسان ،كي ال يقع في الخواء الفكري ،والفرا األخال ي ،والشذوذ السلوكي!
فميياذا عن ي وأنييت في رحليية كهييذح في هييذح الحييياة الييدنيييا؟ أال ترى أهمييية اإلجييابيية على نظييائر هييذح األس ي ي ي ييئليية
لتفسر ل سبب وجودك في الحياة ،ومن أتى ب ؟ وماذا بعدها؟ وماذا يراد منك؟ ملاذا جئت إلى هذح الحياة؟
هل الحياة هي :املس ي ي ييار املظي؟ وأن تغرق في تفاص ي ي يييله حت تعيش ألجله ،ت تظر نهاية الش ي ي ييهر لتحص ي ي ييل على
ا
الراتب ،وتدفع الفواتير ،وتس ي ييتمر عجلة الحياة -نمط العيش -في روتين ص ي ييارا كأنها متاهة ال تس ي ييتطيع الخروج
ه ه
منها -إال لحيظات قليلة ثم تعود إلى تل املتاهة مرغما أو راغبا؟ فإذا ما مات أحدنا هذح السي ي يياعة ،وهو في هذح
املتاهة غير قادر على الخروج منها ،فهل لسيتطيع وضيع اإلصيبع على املع؟ الحقيقي لحياته؟ إن السيؤال املركزي
في الحياة وال ب هو :ما هي الغاية من الحياة؟ ملاذا أنت في هذا الوجود؟
إنما مثل الحياة؛ بمس ي ي ييارها املظي ،وبمالها ،وبب ينها ،وبمتعها الحس ي ي ييية واملعنوية ،ومثل اإلنس ي ي ييان يحيا تل
الحياة ،كاملاء بال س ييبة للس ييمكة ،تس ييبح فيه ،وال تدرك أنه املحيط من حولها ،فهي تعيش ،إال إنها لن تس ييتطيع
أن تبلغ أن تكون الحييياة بييال س ي ي ي يبيية لهييا هي املحيط ب جييائبييه وبجمييالييه األخيياذ ،وبتوازنييه وتنوعييه واس ي ي ي ييتعييداداتييه
ه ه ه
الس ي ي ييتقبالها لتعيش في كنفه ،فهي ومن كانت س ي ي ييمكة ب ي ي ييفافة ص ي ي ييغيرة ،إال إنها قادرة على العيش على أعماق ال
لس ي ي ي ييتطيعهيا اإلنس ي ي ي ييان بيدون خالت قيادرة على تحميل الض ي ي ي ييغو الهيائلية عل:هيا ،لكنهيا لم تيدرك ذلي ،واقتص ي ي ي ييرت
ِّ
"حياتها" على االنش ي ييغال عنه بإب ي ييبا جوعاتها ،واتقاء أعدالها ،فلم تحفل بتأمل ذل الجمال األخاذ للمحيط،
وتدبر تهيئته -على ض ي ي ييخامته -ليكون حاض ي ي يينة لها ،وتهيئتها هي لتتمكن من العيش فيه ،وال بتدبر دورها في ذل ِّ
التوازن العظيم ،لم تتأمل في صي ي ي ييلتها بالوجود ،وصي ي ي ييلة الوجود بها ،لتدرك الغاية من وجودها ،والهدف واملع؟
الييذي يترتييب على ذلي ،وكييذلي اإلنسي ي ي ي ييان الييذي لعيش يومييه يكيأمسي ي ي ي ييه في تلي املتيياهيية ،دون تييأمييل وتفكر وتييدبر
ومدراك!
10
هل الناس في الغرب سعداء؟
أما فهم الس ي ي ييعادة والطمأنينة في تل الناس في فهمها ،وفيما يقيمها في الواقع ،فرب فقير يظن س ي ي ييعادته
ه ه
يفاء تاما ،واملذاهب املادية ترى السي ي ييعادة في أن لغت؟ي ،ورب مرير يرى أن سي ي ييعادته ال تتحقق إال أن لشي ي ييفى بي ي ي
ه
الحريات وخصي ييوصي ييا الحرية الشي ييخصي ييية ،1فهم ِّ يوية بأقصي ييب درجة ،وبإطالق والحاجات العضي ي ِّ
ِّ ائز
بإبي ييبا الغر ِّ
يفهمون السييعادة على أنها "املتعة" أو "ال شييوة" أو "الرفاهية" ،األمر الذي انعكس على صييورة فومييب مجتمعية
ال حد لها ،انعكس ي ييت على ص ي ييورة تفع ي ييبي مش ي يياكل العن ،واألمراا ،والتفك األس ي ييري ،واملخدرات والجريمة،
وامتالء الس ييجون بش ييكل غير مس ييبوق في التاريخ...،الخ ،وأض ييمى امتالك الس ييلطة والش ييهرة واملال ،وتنميته بأي
ه
وس ي ي ي يييلية غيايية الغياييات ،األمر اليذي أفرز طبقية قيادرة على التحكم بمقيدرات اليدول ،وب ي ي ي ييعوبيا عياملية عنيدهيا بميا
كل السلطة أقل من خمسة باملائة من السكان أكثر من تسعين باملائة من الثروة ،وامتلكوا ، ُّ يقيم أودها ،فامتل
ه ه
أيض ي ي ييا ،وتوز البا ي على البا ي م ي ي ي يحوبا بش ي ي ييظ العيش ئديونا هائلة على األفراد واألس ي ي يير ومش ي ي ييقة العمل،
فكانت أسباب السعادة لديهم أسباب تعاسة حقيقية!
وكان التركيز على اإلب ييبا املادي ،وال ش ييوة ،واملتعة اونية ،والف ر باإلنجازات ،والثقة بمس ييتوى الرفاهية،
الحياة،
ِّ م ي ييحوبا بإغفال أهمية القيمة الروحية وض ي ييرورة إب ي ييباعها ،األمر الذي أف ي ييب لتص ي ي ِّيور منقوص عن
ومجافاة ألثر السي ييعادة على النفس املتمثل بالطمأنينة والراحة النفسي ييية ،والسي ييالم النفسي ييبي ،والربي ييد العقلي،
واإليجابية ،والرضي ي ي ييا عن الذات ،والذي ال يتم إال بالقناعة بص ح ح حححة مرجعية الس ح ح ححلو ،ووضي ي ي ييوح الهدف من
الحياة ،ووجود املع؟ الحقيقي اإليجاسي الذي لعيش اإلنس ي ييان ألجله ،وبالقناعة ب ي ييحة األفكار واملش ي يياعر التي
يمتلكهيا اإلنسي ي ي ي ييان ،والتي لس ي ي ي ييير بهيا حيياتيه ،والتي توفر ليه القيدرة الحقية على التعياميل مع ض ي ي ي ييغوطيات الحيياة،
يحيحا يف ي ييبي للرض ح ححا والطمأنينة ،وليس ي ييت الس ي ييعادة الحقة بالس ي ييعادة ال س ي ييبية ، ه ه
اونية بتفس ي يييرها تفس ي يييرا ص ي ي
املتقلبيية ،أو تلي الييدينيياميكييية املتغيرة ،التي تنقلييب إلى س ي ي ي ييلبييية قيياتليية تييدمر رضي ي ي ي ييا اإلنسي ي ي ي ييان عن ذاتييه ،أو عن
ُّ
الظروف التي تكتنفه حين تقلفها.
إن الفصي ي ي ي ييل الييذي تم في الغرب بين اإلنسي ي ي ي ييان -الييذي امتلي رفيياهييية في العيش ،-وبين املفيياهيم واملقيياييس
والقناعات التي س ييي بثق عنها النظام املس ي ِّيير للس ييلوك ،فاهتمت باألولى ئالرفاهية ،وقطعت الحبل ال ُّسي ي ِّ ِّر ،ي بين
ذل اإلنسي ييان وبين الثانية ئأن تكون رفاهيته نتاج مفاهيم ومقاييس وقناعات صي ييحيحة تسي ييير السي ييلوك ،إنما
هو إحداث ب ي ي ييرا فكري بين الس ي ي ييعادة ،وبين األس ي ي يياس الذي ال تنفص ي ي ييل عنه في الحياة ،وهو امتالك اإلنس ي ي ييان
" 1في التص ي ي ي ييور الحيالي عن العيالم لعتقيد أن الحريية هي إطالق العنيان للرغبيات ،في حين أن الحريية الحقيقيية تكمن في التغليب على اليذات والنزوات،
ه ه ِّ
بحيث يص ييل املرء في نهاية املطاف إلى تل الحالة األخالقية التي تمكنه من أن يكون س ي ِّييدا حقيقيا على نفس ييه في أي لحظة .أما الس ي ي املس ييتمر وراء
تحقيق الرغبات الجامحة فال يؤدي إال إلى العبودية" يوميات كاتب ،فيودور دوستويفسكي.
11
ملفاهيم ومقاييس وقناعات ص ي ييحيحة ،تس ي ي ِّيير الس ي ييلوك ،فالرفاهية ال تحقق الرض ي ييا عن الذات بالض ي ييرورة ،وال
تحقق الس ي ييالم الداخلي ،وال الطمأنينة ،بينما الص ي ييلة بين املفاهيم واملقاييس وبين الرض ي ييا والطمأنينة والس ي ييالم
اليداخلي ،وبين الس ي ي ي يعيادة ص ي ي ي يلية دائميية ،مهميا تقلبيت الظروف ،والتي قيد تتجلى في ص ي ي ي ييورة رفياهيية ،أو فقر ،أو
صحة أو مرا ،فرب فقير مطمئن سعيد راا ،ورب غ؟ي ال ينام الليل من حيرته وتقلبه!
ولكننا نرى أن عصير الحضيارة الغربية قد أت م م جم األطباء بأنوا ال تحصيب من األمراا النفسيية مثل
اإلجهاد النفس ي ي ي ييبي ) ،(Stressواالض ي ي ي ييطراب التوتري النفس ي ي ي ييبي) ، (Stress-related Disorderوالقلق)، (Anxiety
واالكتئي يياب ) ،(Depressionواإلحبي ييا ) ،(Frustrationوالتوهم ) ،(Delusionوالفصي ي ي ي ي ييام )،(Schizophrenia
والهس ي ي ي ييتيريا ) ،(Hysteriaوالهلوس ي ي ي يية ) ،(Hallucinationوالهوس االكتئاسي ) ،(Bipolar Disorderوالوس ي ي ي ييواس
القهري ) ،(Obsessive-Compulsive Disorderواإلدمي ييان على الكحول ) ،(Alcoholismواض ي ي ي ييطراب مي ييا بع ييد
الص ي ي ي ييدمية النفس ي ي ي ييية ) ،(Post-Traumatic Stress Disorder - PTSDواض ي ي ي ييطراب النوم )،(Sleep Disorders
واض ي ي ي ييطراب القلق االجتم ي ييايي ) ،(Social Anxiety Disorderواض ي ي ي ييطراب فر الحرك ي يية وتش ي ي ي يت ي ييت االنتب ي يياح
) ،(Attention-Deficit/Hyperactivity Disorder - ADHDوالهوس ) ،(Maniaواض ي ييطراب الهوس واالكتئاب
) ،(Cyclothymic Disorderواإلدمان ) ،(Addictionوغيرها ،فتجد اإلحص ييائيات املرعبة ألعداد املص ييابين بهذح
األمراا النفس ي ي ي ييية في الغرب ،فمثال تجيد أن 110أش ي ي ي يخياص من كيل أل في الوالييات املتحيدة يتعياطون أدويية
مض ي ي ييادة ليحبا ،وفي أس ي ي ييتراليا وفي الدنمارك ،89وفي الس ي ي ييويد 85من كل أل ،ويعاني واحد باملائة في أمريكا
من التوحييد ئ Autismفي العييام ،2022مقييابييل 1من كييل 150في العييام ،2000ويعيياني 1.5ش ي ي ي ييخص من كييل 10
خالف من الفص ي ي ي ييام ،وت تهي حيياة %5منهم بياالنتحيار ،وتتراوح نس ي ي ي ييب املنتحرين في العيالم الغرسي ئبيل في العيالم
الذي تسي يييطر عليه الرأسي ييمالية كنمط عيش من كل مائة ألف من السح ح ان في العام :2023ما بين 10إلى 25
مثال :نس ي ي ييبة االنتحار في الس ي ي ييويد 14.7ش ي ي ييخص ي ي ييا ،وكانت الدولة األعلى معدال في االنتحار في العالم الغرسي منذ
السي ي ييتينيات من القرن املامي ي ييبي ،وأما بلجيكا فتبلغ ال سي ي ييبة ف:ها ،18.3والواليات املتحدة ،16.1وفنلندا ،15.3
جدير بالذكر أن ال سبة في روسيا هي 25.1شخصا ،وهي التاسعة على مستوى العالم في نسبة االنتحار.
صورة تمثل معدل االنتحارفي دول العالم 2019ل ل مئة ألف ،األزرق :رجال ،واألحمر :نساء
12
في الص ييورة املرفقة ،إحص ييائية تظهر عدد األش ييخاص الذين يتعاطون أدوية مض ييادة ليحبا نس ييبة إلى كل
ألف ش ح ح ححخل في تلك البالد ،أي إن 110أشي ي ي ييخاص مصي ي ي ييابون باالكتئاب في الواليات املتحدة من بين كل أل
شيخص لعيش ف:ها ،أي نسيبة تقارب العشيرة باملائة ،وهي نسيبة هائلة ،و 85في الدنمارك ،و 79في السيويد ،و71
في بريطانيا ،و 70في فنلندا وفي بلجيكا ،و 50في فرنسا وفي أملانيا:
صورة تمثل معدل من يتعاطى أدوية لإلحباط في دول العالم ل ل ألف من الس ان،
كييذل ي فييإن ي تجييد أغنييياء مش ي ي ي ييهورين في قميية املجييد ي تحرون لخواء الحييياة في نظرهم ،فييالف ر بيياإلنجيياز،
والشيهرة ،واملال ،والترف ،والرفاهية ليسيت بضيمانات حقيقية على تحقيق السيعادة الدائمة ،كي ال ،وقدرتها
كلهيا على تحقيق الس ي ي ي يعيادة الحقيقيية مرتبط بوجود القنياعية ب ي ي ي يحية مرجعييات الس ي ي ي ييلوك ،وبوجود املفياهيم
ال ييحيحة عن الحياة ،فهذح وحدها الض ييمانة بأن ال تنقلب الس ييعادة تعاس يية حين ي بت وه الش ييهرة ،أو يقل
ه
امليال ،أو تنقليب الرفياهيية ض ي ي ي يييقيا ،فيحيار املرء كي يفس ي ي ي يير ذلي كليه ،فحذذا لم يدحد في مفحاهيمحه ومقحاييس ح ح ح ححه
ً ً
الفكرية مرجعيات صح حححيحة تدعل سح ححعادته مسح ححتدامة ،أو حين تنقلب رفاهيته "روتينا قاتال" ،فذنه أسح ححر
ما يسيرنحو هاوية االكتئاب والقلق ويتحطم رضاه عن نفسه أو عن مدتمعه!
"إن األهم من إبي ييبا الغرائز والحاجات العضي ييوية هو كيفية اإلبي ييبا ئأي تنظيمه ال اإلبي ييبا بحد ذاته،
فيالقض ي ي ي ييية ليسي ي ي ي ييت كم ييأكيل النياس ،ومياذا يلبس ي ي ي ييون ،وال كم يتملكون ،بيل القض ي ي ي ييية هي مياذا ييأكلون ،وكي
يكسيبون ما لشيترون به ما يأكلون ،وكي يتملكون ،هل النظام الذي ينظم حياتهم االقتصيادية يجعل تملكهم
13
هييذا يمر عبر نظييام ديون ربوييية تض ي ي ي ييعهم تحييت ثقييل ديون بيياهظيية يييدفعهييا اوبيياء واألبنيياء طوال أعمييارهم؟ نظييام
مصمم بعناية ليزيد الغ؟ي غ؟ والفقير فقرا؟
فالقضية ليست هل لعيش الناس أم ال لعيشون ،بل القضية ملاذا لعيشون؟ وكي لعيشون حياة تتناغم
مع الغاية من حياتهم ،ال مجرد :كي لعيشي ي ييون ،وهل يط ى إبي ي ييباعهم لغرائز وحاجات عضي ي ييوية على حسي ي يياب
ه
غيرها؟ أم هناك توازن في اإلب ييبا يتمثل في نظام ض ييابط يحقق هذا التوازن؟ ألن عدم التوازن س يييف ييبي حتما
لالض ييطراب والحيرة والقلق ،أي إلى الش ييقاء ال الس ييعادة ،هكذا يحكم بأنهم س ييعداء فعال أم س ييعادتهم موهومة،
خنية ،مب ية على مقاييس خطأ"2. أو ،
وهذا ال لع؟ي أن الناس ال لعيش ي ييون لحظات حياتهم في مس ي يرات وهناء ،إذ يتمتعون بمناقر جميلة ونزهات
لطيفة ،ولكن املع؟ أن توجد الس ي ي ييعادة الحقيقية الناب ي ي ييئة عن التوازن في تنظيم حياة اإلنس ي ي ييان ،والطمأنينة
الناب ييئة عن نمط العيش ،وعن التفس ييير ال ييحيح ملع؟ الحياة ،إذ إن نقير الس ييعادة هو الش ييقاء ،فالنظام
ه
بقيا ومن كانت لديهم لحظات ِّ ،
مسرات مؤقتة! الذي ال ينص املجتمع سيجعل جله
وليس من طبع الحييياة تمييام نعيمهييا ،فييإنمييا يتقلييب اإلنسي ي ي ي ييان من محنيية إلى منحيية ،ومن نعيم إلى ب ي ي ي يقيياء ،ومن
سي ييعادة إلى كدر ،بل فوق ذل ،قد يتطور األمر بمن بي ييقي وانكسي ييرت روحه ،وخوى قلبه ،فيرتكس في حال من
التعاس ي ي ي يية واإلجهاد النفس ي ي ي ييبي ،والقلق واالكتئاب ،واإلحبا ؛ وسعر من وص ي ي ي ييلت بهم الحال لهذا ،كانوا في قمة
مجدهم ،وعطالهم ،وبهرتهم ،وغناهم ،إال إن نفوسهم خلت من السعادة القائمة على الطمأنينة ،واإليجابية،
وعلى الس ي ي ي ييالم الداخلي ،والراحة النفس ي ي ي ييية ،وعلى اإليمان ،بدال من تل الس ي ي ي ييعادة اونية القائمة على إب ي ي ي ييبا
ه
الغرائز والحاجات العض ي ي ي ييوية بأقص ي ي ي ييب درجة ،وعلى إطالق الحريات وخص ي ي ي ييوص ي ي ي ييا الحرية الش ي ي ي ييخص ي ي ي ييية ،تل
"السعادة" اونية التي تتأسس على أنها "املتعة" أو "ال شوة" ،أو "الرفاهية" وتحقيق القيم املادية وحدها ،فهذح
س ي ي ي ييعادة ال تف ي ي ي ييبي إلى الطمأنينة ،إذ إنها تغفل القيمة الروحية ،وتغفل التوازن في إب ي ي ي ييبا الغرائز والحاجات
العض ي ييوية بين تحقيق القيم اإلنس ي ييانية والروحية واملادية والخلقية ،فالس ي ييعادة الحقيقية ،والطمأنينة ناب ي ييئة
عن نمط العيش الذي يحقق التوازن في تنظيم حياة اإلنس ي ييان ،ناب ي ييئة عن تحقيق اإلنس ي ييان لحياة ف:ها هدف،
ف:ها "مع؟ " لعيش ألجله .يقول عالم األعص ي يياب واملحلل النفس ي ييبي النمس ي يياوي ئفكتور فرنكل ئ: Vector Frankl
"لدى الكثير من الناس اليوم وسائل تمكنهم من العيش ،غير أنهم يفتقدون مع؟ لعيشون ألجله".3
فكي عمل اإلس ي ييالم على إيجاد الطمأنينة واإليجابية ،والس ي ييالم الداخلي ،والراحة النفس ي ييية ،واإليمان ،ما هي
املقومات التي ارتكز عل:ها اإلس ييالم لي تج ش ييخص يييات إيجابية تس ييتجيب لكافة ض ييغو الحياة دون أن تص ييل إلى
اإلحبا واإلجهاد النفسبي ،والقلق ،واالكتئاب ،واإلحبا ،واالنفصام ،والهستيريا ،والهلوسة ،وغيرها!
2بتصرف ،عن محاضرة لألستاذ أحمد القصص بعنوان :مفهوم السعادة في اإلسالم ،إصدارات رابطة الويي الثقافية ،بيروت.
3مشكلة الشر ووجود هللا ،د .سامي عامري ص 26
14
"فلسفة اإلسالم في تصورالحياة" (نظام (خطة) الوجود)
،
إن نظام االس ييت الف في األرا اقت ييب أن لس ييت ل هللا اإلنس ييان العاقل املكل املس ييؤول املحاسي يب ،ذا
، ْ
اإلرادة الحرة والقدرة على االختيار والت طيط والتنفيذ ،وسييخر هللا تعالى لينسييان كل ييبيء﴿ ،أل ْم تر ْوا أ ،ن ٱَّلل
ا [لقمان ،]20لتمكينه من أسييباب ما يلزم السييت الفه في األرا ،وفق ْ ْ ،تت ، ،
س يخر لكم ما ِّفى ٱلس يمو ِّت وما ِّفى ٱألر ِّ
معادلة بش ي ييرية يوض ي ييحها القرخن ،س ي يينحاول اختص ي ييار "فلس ح ححفة اإلس ح ححالم في تص ح ححورالحياة" (أي نظام (خطة)
ه ه
الوجود) ،وهذح املعادلة ف:ها مجموعة من العوامل التي تلعب دورا اساسيا في تصور الحياة:
أوال :العقييل ،والعقييل خليية اإلنس ي ي ي ي ييان ملعرفيية خييالقييه ومدراك س ي ي ي يير وجودح في الحييياة ،وللعلم وفر كثير من
مغ يياليق ه ييذا الوجود وتفس ي ي ي يييره ييا ب ييالربط ال ييذكي ،والفهم واإلدراك ،ومنش ي ي ي ي يياء األفك ييار ،والبح ييث واالس ي ي ي ييت ب ييا
واالس ي ي ي ييتقراء ،والعق ييل من ييا التكلي ِّ .وحي ييث كييان للعق ييل ه ييذح املك ييان يية اله ييائل يية في "خط يية الوجود" ،وفي امتي يياز
اإلنس ي ي ييان العاقل عن س ي ي ييائر املخلوقات واالتكال على العقل في إدراك الص ي ي ييلة بالخالق؛ فال ب ي ي ي أنه خلة بالغة
األهمية ،بالغة القدرة .ويؤكد القرخن على التحال بين االيمان والحق والعقل .ومن أس ي ي ييلوب القرخن أنه يطرح
األس ي ي ي ييئلية على القيارل بطريقية نقيديية ليجبرح على إعيادة التفكير في معتقيداتيه ،ألن الوص ي ي ي ييول إلى الحق لس ي ي ي ييتلزم
ه ه
تحرير العقول من املوروثات ،فالتعلم يلعب دورا أساسيا في تطورنا وتزكيتنا كبشر.
ه
يركز اإلسالم بقوة على ترسيخ اإليمان من خالل األدلة العقالنية القطعية التي ال لبس ف:ها ،متجاوزا مجرد
الخضيو .ويحرم اإلسيالم التقليد في العقيدة ،بما في ذل تقليد اعتقاد اوباء أو املجتمع األوسيع .بدال من ذل ،
يدعو اإلس ي ييالم إلى اإليمان الذي يتم زراعته من خالل البحث الدقيق واالس ي ييتجواب النقدي والتفكير املس ي ييتنير.
يؤكيد هيذا الن على أهميية املش ي ي ي يياركية الفكريية الفرديية في رحلية اإليميان ،مميا يض ي ي ي ييمن أن اإليميان ليس موروثيا
فحس ي ييب ،بل يتم فحص ي ييه بدقة وتأكيدح ش ي ييخص ي يييا .تلعب هذح املن جية دورا حاس ي ييما في تنمية أس ي يياس قوي من
اإليمان والتحفيز والثقة في املبادل األس يياس ييية التي توجه الفرد طوال رحلة حياته .وهذا ض ييروري بش ييكل خاص
ه
عند مواجهة الش ي ي ييدائد واالبتالءات واملحن .ومن خالل تب؟ي هذا الن ،يكون املس ي ي ييلم مس ي ي ييتعدا جيدا ،ويتعزز
لديه الش ي ي ي ييعور بالرض ي ي ي ييا باالعتماد على هللا ،والتوكل عليه ،فيس ي ي ي ييتمد القوة منه لتجاوز أي واقع ص ي ي ي ييعب .وهذا
ِّ ه
يض ي ييمن مرونة متجذرة بعمق في اإليمان ،وثقة ال تتزعز في الحكمة اإللهية ،مما يمكن الفرد من التنقل وس ي ييط
تعقيدات الحياة بنعمة وثبات ،وصبر ورضا.
ثانيا :التكلي ،واملن ،واملس ي ييؤولية ،واملحاس ي ييبة ،والواجبات ،والحقوق :وقد أقام هللا تعالى نظام الوجود
األرا وال ِّ على العدل ومنع الظلم ،ومعطاء كل ذي حق حقه ،واس ي ي ييت ل اإلنس ي ي ييان وارت ي ي ييب له أن يص ي ي ييلا في
ه
يفسي ي ي ي ييد ف:هيا ،فردا أو جمياعية ،ولم يترك تنظيم الحقوق ومقيامية العيدل ومنع الظلم ،وض ي ي ي ييبط الس ي ي ي ييلوك اليذي
يف ييبي ليصييالح ال اإلفسيياد ،وفر الخصييومات والنزاعات دون تشييريع وتنظيم يضييبطه وينظمه ،ويقيم ال جة
15
على الخالئق ،ويحاسي ييفهم على أسي يياسي ييه ،لم يتركه للبشي يير وأهوالهم وتسي ييلط قويهم على ضي ييعيفهم ،وت بطهم في
معرفة التنظيم ال ي ي ي ييحيح الذي يصي ي ي ييلا أحوالهم ويقيم نظامهم ويمنع فسي ي ي ييادهم .فتشي ي ي ييريع هللا هو الضي ي ي ييامن
لتحقيق العدل ومقامة ميزان القسي ي ييط في األرا ،ويتحقق ذل التنظيم على مسي ي ييتوى الجماعة من خالل دولة
وأتم به النعمة على املسلمين ،وأيأس منه الكافرين .واملسؤولية وأنظمة الحياة املختلفة ،وقد أكمل هللا الدين، ،
مفهوم بالغ األهمية ،يتض ي ييمن مس ي ييؤولية اإلنس ي ييان عن أفعاله ،ومس ي ييؤوليته عن نفس ي ييه وعن غيرح ،ومس ي ييؤوليته
وواجباته تجاح اوخرين بحمل الدعوة لهم والحرص على ص ييالحهم ،واملحافظة على القيم اإلس ييالمية التي تس ييود
مجتمعهم ،كما وتتضمن املسؤولية مع؟ املساءلة عن األفعال والحقوق والواجبات.
ثييالثييا :العبودييية والطيياعيية ،والعييدل واإلحسي ي ي ي ييان ،واملراقبيية والتقوى ،واملحبيية والخوف والرجيياء" ،وحيييث إن
، الوجود كله من السماوات واألرا وما سواهما هلل تعالى ،فهو ْ
األولى أن لعبد ،فيتذلل إليه ،وي ضع له ،وينقاد
ِّ ْ
يادة أن تش ي ي ي يهيد بيأن ال إليه إال هللا ،وحيثيية ألوهيتيه األولى أن ليه ملي ألمرح ،فيطيا فال لعص ي ي ي ييب ،وأول قمية للعب ِّ
السي ي ي تيموات واألرا"4؛ "يدبر أمر عبادح؛ يأمر وينه ،ويرسي ي ييل الرسي ي ييل وينزل الكتب ،ويرمي ي ييب ويغضي ي ييب ،ويثيب
ويعيياقييب ،ويعطي ويمنع ،ويعز ويييذل ،وي فر ويرفع ،يرى ويس ي ي ي ييمع ،ويعلم الس ي ي ي يير والعالنييية ،فعييال ملييا يريييد،
موص ي ي ي ييوف بكيل كميال ،منزح عن كيل عييب ،ال تتحرك ذرة فميا فوقهيا إال بيإذنيه ،وال تس ي ي ي ييقط ورقيه إال بعلميه ،وال
ه
لش ي ي ي ييفع أح ايد عنيدح إال بيإذنيه ،ليس لعبيادح من دونيه ولي وال ب ي ي ي ييفيع "5وميا دام إلهيا فال بيد أن يطيا ،وال يطيا إال
يريع ِّب ِّه وحدح ،واختص ِّب ِّه ،
بمن ،وال من إال بأمر ًونهي ،أي ًبافعل وال تفعل ،ولقد حص ي يير هللا تعالى حق التش ي ي ِّ
ذات يه الع ِّل ،ي ية ،ف ييأنزل ييه كت ححاب ححا وس ح ح ح حن ححة أويى بهم ييا إلى ن ِّب ِِّّي ي ِّه ﷺ ،ومنع غيرح من ييه ئوهو م ييا اص ي ي ي ييطلا علي ييه بمس ي ي ي ييم
ْ ْ ْ ِّ ،
َّلل [ 57األنعام 40 ،يوسي 67 ،يوسي ] ،وقال تعالى﴿ :وما اختل ْفت ْم الحاكمية ، 6قال تعالىِّ ﴿ :إن الحكم ِّإال ِّ ِّ
ّ [الش ييورى ،]10والحكم في اللغة هو املنع ومنه قيل للقض يياء ا ، ْ
حكم ألنه يمنع من ِّف ِّيه ِّمن ييب ْيء فحكمه ِّإلى ِّ
يبي ،وعليه فلله وحدح الحق في منع املحكومين من أن يتص ي ي ييرفوا إال وفق ب ي ي ييريعته ،7فالتش ي ي ييريع يقيم غير املق ي ي ي ِّ
مع؟ العبودية هلل!
فالعبودية هلل تحرر اإلنسي ي ييان من أن لسي ي ييتعبدح غيرح من البشي ي يير ،بتشي ي ييريعاتهم ،وقوانينهم ،وأحيط مفهوم
العبودييية بمفيياهيم املحبححة والخوف والرجححاء ،فيياهلل تعييالى ذو الهيبيية والعظميية والجالل ،فال بييد لألعنيياق من أن
4تفسير الشعراوي.
5ابن قيم الجوزية ،الفوائد
6الحاكمية من خصي ي ييائص الربوبية باختصي ي يياص هللا بالتشي ي ييريع ،ومن خصي ي ييائص األلوهية بإفرادح تعالى بالعبودية والتقدلس بالتزام ما ب ي ي ير وعدم
ْ ْ ْ ، ، ْ ْ ، ، ْ ه
َّلل أمر أال ت ْعبيدوا ِّإال ِّإ ،يياح ذ ِّلي ال ِِّّيدين الق ِِّّيم ول ِّك ،ن أكثر
﴿إ ِّن الحكم ِّإال ِّ ِّ ات ياذ غيرح أربيابيا لش ي ي ي ييرعون من ال ِّ
يدين ميا لم ييأذن بيه هللا ،أو لغيروا أحكياميهِّ ،
اس ال ل ْعلمون [يوس ي ي ي ي ،] 40جمع في ه ييذح اوي يية بين حق الط يياع يية وحق العب ييادة ،فحق على العب يياد أن يطيعوا هللا فيم ييا أمر ،وأن لعب ييدوح، ،
الن ي ِّ
فالربوبية من خص ي ييائص ي ييها ومن مقتض ي يياها الحاكمية التش ي ييريعية ومن يحكم بغير ما أنزل هللا فإنه يرفر ربوبية هللا وخص ي ييائص ي ييها في جانبِّ ،
ويديي
لنفسه هو حق الربوبية وخصائصها في جانب خخر.
7من هنا فإن تشريع العبيد بعضهم لبعر فيه ات اذ بعضهم بعضا أربابا من دون هللا!
16
ت ضي ي ييع لعظمته ،وللنفوس من أن تنكسي ي يير أمام هيبته ،وتتذلل لعزته ،وتسي ي ييتكين أمام كبريائه ،وال بد للقلوب
من أن ت شي ييع له ،وللجوارح من أن تسي ييتقيم على أمرح .وهللا تعالى ذو الكمال املطلق والجمال الكامل ،والحكمة
بحب يكون له البالغة في أفعاله وتش ي ي ييريعاته ،وتص ي ي ييرفه في ملكوته ،فال يمل العبد تجاح ذل إال أن يقبل عليه ِّ
ِّ
ُّ ه ْ ه
طبع ييا ال تكلف ييا ،وهللا تع ييالى أرحم الراحمين ،الب ُّر اللطي ،فتتجلى عبودي يية العب ييد لرب ييه وموالح ب ييانبع يياث الرج يياء
ه ْ ه
واألمييل في كييل أرجيياء نفسي ي ي ي ييه ،طمعييا في فض ي ي ي يلييه ورغبيية في تفض ي ي ي يلييهْ ﴿ ،ادعوا ر،بك ْم تض ي ي ي ي ُّر هعيا وخ ْفيية ِّإ ،نيه ال ي ِّحي ُّب
َ ُْ ٱَّلل َقر ٌ َ ْ َ َ وه َخ ْو ًفا َو َط َم ً ْامل ْعت ِّدين وال ت ْفس يد ْوا في األ ْرا ب ْعد إ ْ
يب ِّم َن ٱمل ْح ِّس ح ِّنين ِّ ِّ ت م ح ر ن إ ِّ ۚ ا ع ص يالحها َو ْ
ٱد ُع ُ
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
[األعراف ،]56وبيإحس ي ي ي ييان الظن بربيه .فهو الكيافي ،وهو الرزاق ،وهو املحيي ،وهو املمييت ،وهو الرب ،كياب ي ي ي ي
ه ه
الضر ،بيدح الخير ،فيفوا العبد أمرح كله إلى ربه ،راضيا بقضائه ،واثقا بحكمته ،يطمع في أن يتوالح ربه.
ه
ويتيدبر املرء ميا أحيا هللا بيه أحكيام الش ي ي ي ييريعية من جعلهيا حيدودا هلل، ،بينهيا للنياس ،وأمر بيإقيامتهيا ،ونه عن
، ه
االعتييداء عل:هييا ،أو تجيياوزهييا ،وجعلهييا خيييات هللا ،وحييذر من ات يياذهييا هزوا ،فهي من الكتيياب والحكميية ،وحييذر من
م يالفية األمر ومعص ي ي ي يييتيه ،وتوعيد على ذلي بيالعقوبية بيالعيذاب األليم ،وأمر بيالطياعية املطلقية غير املقييدة لألمر
والنهي ،ف ييإن لم تترجم تل ي الط يياع يية إلى عم ييل ،ملؤح االمتث ييال والتنفي ييذ ،والتس ي ي ي ييليم الت ييام ب ييالحكم ،حت ت لو
ه النفس من كل أثر للحرج من الحكم والقض يياء، ،
عد اإليمان زعما ال حقيقة له ،وجعل طاعة الرس ييول ﷺ طاعة
ه
هلل ،واتبيياع يه ب ي ي ي ييرطييا ملحبيية هللا ،وأمر بييالتييأ ي ي ي ييبي بييأفعييالييه ،وبييالرد إليييه وملى كتييابييه ،واألخييذ بكييل مييا يييأتي ف:همييا،
وتحكيمهما في كل ما لشييجر من أمر ،وجعلت قضيياء الرسييول ﷺ في أي أمر كقضيياء هللا تعالى ال تخييرفي وجوب
األخذ به ،فقد أحيطت األوامر والنواهي بس ييياج العدل ،واالنتقام والعقوبة ،والس ييخط لتنقمع النفوس األمارة
بيالس ي ي ي ييوء ،ولتس ي ي ي ييتعين بيذلي على كبح جمياح ب ي ي ي ييهواتهيا ،ولهوهيا ولعفهيا ،فتنقبر أ ِّع ،نية رعونياتهيا عن أن تقتحم
ه ه ه ه ه ه
س ي ي ي ييياج حيدود هللا ،امتثياال للطليب ،واجتنيابيا للنهي ،خوفيا وخش ي ي ي ييية وحيذرا ،طياعية وامتثياال وأمال ،ورغبية ورهبية
ه ُّ ه
وتقربا ،وهذح كلها من تجليات العبودية هلل. ومحبة
والطاعة والتقرب والتقوى واملراقبة سي ي ييياج يقرب املؤمن من ربه ،ويباعدح عن املعا ي ي ييبي ،فهو لعلم أن ربه
سييميع بصييير عليم خبير بذات الصييدور ،فال يكتفي العبد باالمتثال بالقول والفعل ،بل في خطرات النفس ،وفي
أعماق النوايا والس ي يرائر ،يزن كل ذل بميزان الش ي يير ،فال يبقي في أعماق نفس ي ييه وال في قاهر أمرح ما لس ي ييتحيي
منه من هللا ،أو ما ي ال فيه عن أمرح!
واإلحسي ي ي ييان ير ى به في معالي االرتقاء نحو أعلى الدرجات في صي ي ي ييقل شي ي ي ييخصي ي ي يييته ،ومدراك مع؟ إنسي ي ي ييانيته،
يمو القرب من هللا" .وجميا ذلي أنيه س ي ي ي ييبحيانيه يتعرف إلى العبيد بص ي ي ي يفيات واملحبية والخوف والرجياء ي ِِّّبلغيه س ي ي ي ي ،
اإللهية :املحبة الخاص يية الخالص يية ،والش ييوق إلى ِّ يفات
إلهيته 8تارة ،وبص ييفات ربوبيته تارة ،فيوجب له ب ييهود ص ي ِّ
إلها ألن الخلق يتألهون إليه ويتض ييرعون في حوائجهم وب ييدائدهم ،وهناك خراء م تلفة حول األص ييل اللغوي للكلمة .بعر العلماء يرون 8سي يمي هللا :ه
ُّ
والتعبد .االسي ي ييم هللا هو تعظيم لهذا املع؟ بإضي ي ييافة األل والالم لكلمة: أنها مشي ي ييتقة من االرتفا والعلو ،والبعر اوخر يراها مشي ي ييتقة من العبادة
17
لقائه ،واألنس والفرح به ،والسي ييرور ب دمته ،واملنافسي يية في قربه ،والتودد إليه بطاعته ،والل بذكرح ،والفرار
من الخلق إليه ،ويصير هو وحدح همه دون ما سواح .ويوجب له بهود صفات الربوبية :التوكل عليه ،واالفتقار
إليه ،واالس ي ي ي ييتعانة به ،والذل والخض ي ي ي ييو واالنكس ي ي ي ييار له ،وكمال ذل أن لش ي ي ي ييهد ربوبيته 9في إلهيته ،وملهيته في
عفوح ،وحكمتيه في قض ي ي ي ييائيه وقيدرح ،ونعمتيه في بالئيه ،وعطياءح في منعيهِّ ،
وبرح ِّ
ربوبيتيه ،وحميدح في ملكيه ،وعزح في ِّ
قيوميته ،وعدله في انتقامه ،وجودح وكرمه في مغفرته وس ي ي ي ييترح وتجاوزح ،ويش ي ي ي ييهد ِّ ولطفه ومحس ي ي ي ييانه ورحمته في
حكمته ونعمته في أمرح ونهيه ،وعزح في رضاح وغضبه ،وحلمه في إمهاله ،وكرمه في إقباله ،وغناح في إعراضه."10
رابعيا :االجتميا ،والتيدافع ،وحياجية اإلنس ي ي ي ييان إلى االجتميا والتعياون على قض ي ي ي يياء املص ي ي ي ييالا وتنظيم رعيايتهيا
يتطلب اجتماعهم ،وس ي ييي تج عن االجتما بالض ي ييرورة أن يتعارف الناس ،وأن يتدافعوا ،ومن فوائد التدافع أن
يحصي ي ي ييل التوازن واالسي ي ي ييتقرار والتعارف ،وأال تفسي ي ي ييد األرا ،إذ إن انتصي ي ي ييار الحق على الباطل حتمي ،واألرا
مسيرح لتدافع الحق مع الباطل ،ومن التدافع بين البشير :تصيادم الحضيارات ،وي تج عنه بروز نزعات السييطرة
وت تج النزاع ييات والحروب ،والع ييدل والظلم ،ويري ييد اإلس ي ي ي ييالم أن ي رج العب يياد من عب ييادة العب يياد إلى عب ييادة رب
العباد ،ومن جور األديان إلى عدل اإلسالم ،وأن يحقق االست الف والتمكين واألمن والعبادة.
ه
خامس ي ي ييا :واإليجابية ،واالبتالء ،ئاالبتالء بالفتنة ،بالخير وبالش ي ي يير ،وباملحن والش ي ي ييدائد ،والدنيا دار اختبار
ه ْ ْ ،
﴿ٱل ي ِّذى خلق ٱمل ْوت وٱلحي توة ِّلي ْبلوك ْم أ ُّيك ْم أ ْحس ي ي ي ين عمال [املل ي ]2وهو اختب ي ايار في كت يياب مفتوح ال مغ يياليق
فييه ،وابتالء التمحيص ئللتمييز ،والعقوبية على املعيا ي ي ي ييبي ،وعلى عكس كيل اليدييانيات يؤكيد القرخن على عيدم
س ييلبية االبتالء واملعاناة ،فهما ض ييروريان لتزكية اإلنس ييان ولص يييرورته ،وقد ص ييقل اإلس ييالم معان إيجابية راقية
للصبروالقدروالرضا بالقضاء وللتوكل وللنفع والضر ،واملوت والحياة،
نظرا لكثرة اسي ي ييت دام الكلمة" .هللا" هو املعبود بحق ،الذي لسي ي ييتحق العبادة إله ،للداللة على العظمة والفرادة ،وتم حذف الهمزة لتسي ي ييهيل النطق ه
والتعظيم والخضو ،وهو ملجأ الخلق في جميع حاجاتهم وبدائدهم.
9يأتي الرب في العربية بمعنيين 1 :الس يييد أي املتص ييرف املدبر ،اومر الناهي ،الحاكم املش يير 2 ،املال :أي مال العين أو الع ييبيء ملكية تعطيه حق
التصرف في العين .أنظر :الحاكمية وسيادة الشر للدكتور املسعري ص .29-28
ِّ ْ ُّ ِّ ، ُّ ِّ قال ابن فارس :ئالرب الراء والباء ُّ
يبيء والقيام عليه .فالرب :املال ،والخالق ،والصياحب .والرب :املصي ِّلا للعييبيء. يدل على أصييول .فاألول إصييالح العي ِّ
والر ُّب :ال ي ي ي ي ييم ْ
س مربوبِّ . والر ِّب للعنب وغيرح؛ ِّ
ألنه ير ُّب به الع ييبيء .وفر ا بالر ِّ ِّبُّ .
وب ُّفالن ض ييعته ،إذا قام على إص ييالحها .وهذا س ييقاء مرب ا يقال ر ،ب ا
ص ي ِّلا ِّ ِّ
ورب ْبته ِّ
ص ي ي ،بي أرُّبه، ، بالر ِّب .ورب ْبت ال ،
والرِّس ُّي :العارف ، ْ للع يِّ ييبيء .وهللا ِّ
والربيبة الحا ِّض ي ينة .م جم مقاييس أرببه، .
ِّ
ِّ
أحوال خلقهِّ ِّ . ِّ الر مب؛ ألنه مص ي ييلاجل ثناؤح ،
اللغة.
و ﴿رب في األصيل :مصيدر بمع؟ التربية ،وهو تبليغ العيبيء إلى كماله بييئا فشييئا ،وذل يجمع النعم كلها ،ثم وصي به للمبالغة كالصيوم والعدل.
يربه ،وأص ي ي ييله :ربب ثم أدغم ،س ي ي ييم به املال ألنه يحف ما يملكه ويربيه ،وال يطلق على غيرح تعالى إال بقيد كقوله تعالى: وقيل :هو وص ي ي ي من ِّربه ِّ
﴿ار ِّج ْع ِّإلى رِِّّبي .قييال ابن جز ِّى :ومعييانيييه أرسعيية :اإللييه والس ي ي ي ييييد واملييالي واملص ي ي ي ييلا ،وكلهييا تص ي ي ي ييلا في ﴿ر ِّ ِّب العي ِّاملين ،إال أن األر ا في معنيياح :اإللييه
ْ
ِّ
الختصاصه باَّلل تعالى .تفسير البحر املديد البن عجيبة بتصرف،
وقال أبو حيان األندلسبي في البحر املحيط :الرب :السيد واملال والثابت واملعبود واملصلا وزاد بعضهم بمع؟ الصاحب.
10ابن قيم الجوزية ،الفوائد
18
فالصي ي ييبر كمفهوم متعلق باألعمال يتمثل في حمل النفس على القيام بالطاعات بأقصي ي ييب ما تطيق ،وبحبس
النفس عن املعيا ي ي ي ييبي بيأبعيد ميا تس ي ي ي ييتطيع البعيد ،فيكون الص ي ي ي ييبر بيذا حميل النفس على التزام الحكم الش ي ي ي ييريي
ْ ْ ، ِّ
ّ باق ولن ْج ِّزي ،ن ال ِّذين ص ي ي يبروا أ ْجرهم ِّبأ ْحس ي ي ي ِّن ما كانوا بأحس ي ي يين ما يكون االلتزام﴿ .ما ِّعندك ْم ينفد وما ِّعند ِّ
ه ه ه
ل ْعملون ) (96م ْن ع ِّمل صي ي ي ِّالحا ِِّّمن ذكر أ ْو أنُ وهو م ْؤ ِّم ان فلن ْح ِّيي ،نه حياة ط ِِّّيبة ولن ْج ِّزي ،نه ْم أ ْجرهم ِّبأ ْحسي ي ي ِّن ما
ْ
اجت ِّ بوح ،وما أم ْرتك ْم به فافعلوا منه عنه ف ْ كان ْوا ل ْعملون [ 97النحل] ،وروى مسي ي ييلم في صي ي ييحيحه« :ما نه ْيتك ْم ْ
ََ َْ ْ َ َ َ ُ َ
ما ا ْس ي يتط ْعت ْم» ،وقال هللا تعالى﴿ :فا ْس ح حت ِّق ْم ك َما أ ِّم ْرت ومن تاب مع َوال تطغ ْوا ِّإ ،نه ِّبما ت ْعملون ب ِّص ي ي اير [112
هود] ،فال ت يير في التزام أمر هللا تعيالى ،أي إن ض ي ي ي ييد االس ي ي ي ييتقيامية الطغييان ،أي تجياوز األمر وعيدم االلتزام بيه،
فإن ابيتد في الطغيان وأسيرف فيه دخل في وصي الطاغوت ،أي أعظم الطغيان ،الذي أمرنا هللا تعالى بالكفر
به ،ونهانا عن االحتكام إليه ،وجاء س ي ي ييفيان بن عبد هللا الثقفي يوما فقال :يا رس ي ي ييول هللا :حدث؟ي بأمر أعتص ي ي ييم
،
﴿إ ،ن ال ِّذين قالوا به ،قال صييلى هللا عليه وخله وسييلم« :قل خمنت باهلل ،ثم اسييتقم» ،رواح مسييلم ،وقال هللا تعالىِّ :
استقاموا فال خ ْو اف عل ِّْ :ه ْم وال ه ْم ي ْحزنون [األحقاف ،]13وقال ِّا ْبن ع ،باس ر ِّمبي ّ،ع ْنهما ِّفي ق ْول رُّبنا ّ،ث ،م ْ
ا ْ ، ،
ّ تعالى﴿ :فا ْس يت ِّق ْم كما أ ِّم ْرت :ما نزل ْت على رس يول ّ ﷺ ِّفي ج ِّميع الق ْرخن خية أب ي ِّد وال أب ي ُّق عل ْي ِّه ِّم ْن ه ِّذ ِّح
صي يح ِّاب ِّه ِّحين قالوا :ق ْد أ ْسي ير ِّإل ْي ال ،شي ي ْيب فقال« :بي ي ،يب ْت ِّ؟ي هود وأخواتها»؛ و ِّلذ ِّل قال ْاوية ولذل قال ﷺ أل ْ
ِّ ِّ ِّ
ْ ْ
ﷺِّ « :ا ْست ِّقيموا ولن تحصوا»ح
وأما الص ي ي ييبر كمفهوم متعلق باالعتقاد ،فيكون بتس ي ي ييليم مقاليد تص ي ي ييري األمور في الكون إلى الخالق ،فيما
يقع في دائرة القض ي ي ي يياء والقيدر ،فال تغير ص ي ي ي ييروف اليدهر من حس ي ي ي يين ص ي ي ي يلية املس ي ي ي ييلم بربيه ،فال يجز ،وال تغيرح
االبتالءات واملحن ،بل تش ي ي ي ييحذ نفس ي ي ي ييه بعزيمة ليم ي ي ي ييبي في الدنيا عاملا أن ما أص ي ي ي ييابه لم يكن لي طئه ،فيبقى
ص ي ِّاب ِّرين املس ييلم بص ييبرح ب ييامة بين الخالئق ير ى دوما في معالي العال﴿ .ولن ْبلو ،نك ْم ح ،ت ن ْعلم ْاملجاه ِّدين منك ْم وال ،
ِّ ِّ
،
اص ِّب ْر على ما أصاب ِّإن ذ ِّل الصالة و ْأم ْر ب ْامل ْعروف و ْانه عن ْاملنكر و ْ ون ْبلو أ ْخبارك ْم [ 31محمد]﴿ ،يا ب؟ ،ي أ ِّقم ،
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
ْ ْ ْ
ور [ 17لقمان]، ِّمن عز ِّم األم ِّ
19
القدريحمل على اإليدابية ،بينما القدرية الغيبية فتحمل على التسليم والسلبية:
ومفهوم اإليمان بالقدر أبعد ما يكون من أن يوض ييع في قالب التس ييليم واالس ييتس ييالم ،وقالب "ما هو مكتوب
على الجبين ال بد أن تراح العين" ،مع أن الغيب ئاملكتوب علمه عند هللا! وال لسييتقيم أن لسييتسييلم املؤمن الذي
أعطاح هللا مس ي ييئولية العمل واألخذ باألس ي ييباب ،لواقع ط ِّلب منه التفاعل معه وتغييرح ،فبدال من التغيير واألخذ
باألس ي ييباب لس ي ييتبدل بها القعود والتواكل ،وكأن واقعه الس ي ييبيء "مكتوب عليه ال يتحمل مس ي ييئولية تغييرح"؛ األمر
الذي أف ي ييب النتشي ييار القدرية الغيبية بين املسي ييلمين ،بدال من القالب ال ي ييحيح الذي صي ي ،بت العقيدة فيه ،أي
قالب اإليمان بالقض ي ي ي يياء والقدر ،وقالب التوكل على هللا ،وهو قالب اإليجابية والتحري والدفع للقيام بالعمل
على أفض ي ييل وجه ،من هنا كان ال بد من فص ي ييل القدر عن القالب الذي ص ي يب فيه في عص ي ييور االنحطا والتأثر
ه ه
بالغيب دافعا إيجابيا للعمل،ِّ بالفلسييفات األخرى ،ومعادة مزجه بالقالب األصييلي العقدي ،أي أن ي ،ت ذ اإليمان
ه
وقيادة فكرية تذلل الصعاب وتبعث على الطمأنينة والتوكل الحق،
[مثال عملي :فص ي ي ي ييل موق من العمل ،وهذا أمر مقدر من هللا ،فقد يتص ي ي ي ييرف بأن يقعد عن البحث عن
ه ه
عمل محتجا أو مقتنعا بأنه مقدر عليه الشي ييقاء وأن لعاني ،وفي الواقع هو ال لعلم هل مكتوب عليه الشي ييقاء أم
الس ي ييعادة! فال ي ي ييا أن ي لط "قنوطه" وت ريص ي ييه بأنه مكتوب عليه الش ي ييقاء بعمله ،فهذا الخلط هو القدرية
أي تفكير يض ي ي ي ييع في االعتبيار أنيه مكتوب علييه كيذا أو كيذا .ألنيه ال لعلم، الغيبيية ،ويجيب أن ي ْفصي ي ي ي يل عن العميل ُّ
فلعل في فص ييله من عمله األول خير له ،فحين لس ي ى ويحص ييل على العمل الجديد يجدح أفض ييل من س ييابقه ئفي
، ِّ ه
قيدا له عن البحث عن عمل أفضييل ،ف لصييه هللا من هذا القيد، دنياح وعاقبة أمرح ،وأن عمله السييابق كان م ِّ
لذل فاملوق الس ي ي ي ييليم هو أن يتص ي ي ي ييرف بأن يأخذ باألس ي ي ي ييباب ويبحث عن عمل جديد ،وحص ي ي ي ييوله على عمله
ه
الجديد األفض ييل هو بقدر هللا أيض ييا ،لم يكن لعلمه ،ولكن حس يين قنه باهلل ،وأن ما يأتيه من هللا كله خير ،وما
أص ي ي ي ييابه ما كان لي طئه ،وميمانه بأن الرزق من عند هللا ،كلها ب ي ي ي ييكلت عندح دافعا لييجابية والس ي ي ي ي ي والهمة
والطميأنينية بيدال من االرتكياس والييأس والقنو اليذي تيدفعيه ليه القيدريية الغيبيية والقعود ،ليذلي ي ب ي فص ي ي ي ييل
العميل عن القياليب األول ئقياليب القيدريية الغيبيية ودمجيه بيالقياليب الثياني :أي الطميأنينية واإليجيابيية والثقية بياهلل،
قدر ،
علي فص ي ي ي ييلي من العمل ،والش ي ي ي ييقاء ،وهو مكتوب، دون أن يض ي ي ي ييع في حس ي ي ي يياباته حين الس ي ي ي ي ي بحث أن هللا ،
ونتيجته الطبيعية املعاناة ونقص في األموال ،ئفالفص ي ي ييل عن قالب القدرية الغيبية هو املطلوب لكن ال يمكن
أن نفصي ي ييل املسي ي ييلم عن فهم القدر اإليجاسي املب؟ي على الثقة باهلل وأنه الرزاق ،فهذا قالب إسي ي ييالمي عقدي ،وفي
كل األحوال ي ب ي الس ي ي ي ي ي واألخذ باألس ي ي ي ييباب ،إن اإليمان بالقدريش ح ح ح ح ل :قيادة فكرية إيدابية تدفع املؤمن
للعمل ولتذليل الصعاب]
20
االستهداء بقدرمعروف لكن توقيته وكيفية تحققه مدهولة لنا:
على أنييه ثميية فرق بين االس ي ي ي ييتهييداء بقححدرمعروف ،رغم أن توقيتححه غير معلوم ،وكيفييية تحققييه غير معلوميية لنييا،
كوعد هللا تعالى أنبياءح والذين خمنوا بنصحره ،وتكفله سييبحانه وتعالى لعبادح بالرزق ،فيطمئن املؤمن إلى أن هللا
س ييينص ييرح ،وس يييرزقه ،وأنه حس ييبه إذا توكل عليه ،فال يبالي حينها بمقدار اض ييطراب موازين القوة في الدنيا ،وال
يقول :إذا قييامييت الييدوليية اإلس ي ي ي ييالمييية فكي لهييا أن تق في وجييه الش ي ي ي ييرق والغرب ،وبييالتييالي :ي ْق ي ِّدم على العمييل
مطمئنا مشي ييحونا بعزيمة وطاقة هائلة ،ب الف من يتسي ييرب اليأس إليه ،ويترك السي ي ي والعمل ،ويثبط العزائم
نياقرا في موازين القوى مس ي ي ي ييتثنييا منهيا ميزان أن هللا نياص ي ي ي يير دينيه ومتم نورح ولو كرح الكيافرون ،فيالنياقر في حيال
الرس ي ي ي ييول ﷺ قبيل بيعة العقبة يرى أن قومه كانوا قد قاطعوح مقاطعة ب ي ي ي يياملة ،ألجأت املؤمنين إلى أكل ورق
الش ي ييجر والجلود ،وكان جل املؤمنين له في الحبش ي يية ،ومن كان في مكة كان املس ي ييتض ي ييعفون منهم لس ي ييامون س ي ييوء
التعذيب ،ومن لعالش حاال كهذا يصعب عليه أن ي ْقبل أن األسباب املادية تويي باقتراب نصر مؤزر ،ومع ذل
كان ال حابة يؤمنون بفتح فارس منذ ذل الوقت! األمر الذي تحقق بعد تل املعاناة بعشرين سنة فقط!
21
جواب مفاجئ من الرسول ﷺ على طلب من أنهكته جراح التعذيب!
اليدرس العميق اليذي يمكن اس ي ي ي ييت الص ي ي ي ييه من فترة تعيذييب املؤمنين في مكية ،هو أنيه ،حت في ذروة الش ي ي ي ييدائيد،
اقترب ص ي ي ي يحيياسي بي ي ي ي يياب فقير من النبي ﷺ ،وعلى قهرح خثييار نييدوب عميقيية ،مثييل األخيياديييد ،جراء تعييذيييب قيياس
بيالحيدييد املحم ،طيال هبيا التيدخيل اإللهي للنص ي ي ي يير والعون .بعكس ميا يمكن توقعيه من رد فعيل الرس ي ي ي ييول ﷺ بيأن
يرفع يديه إلى الس ي ييماء داعيا هللا تعالى تحقيق ما يطلبه خباب ،وبانتص ي ييار اإلس ي ييالم وقهورح وتحقيق الغاية التي
من أجلها أرس ييل الرس ييول! رد النبي ،ﷺ ،بمنظور تاريخي مؤثر ،بالغ التعبير ،ب ييديد الروعة؛ قال اإلمام الب اري
ه خباب بن ِّ
األرت قال" :بي ي ييك ْونا إلى رسي ي ييول هللا -ﷺ -وهو متو ِّ ِّسي ي ي اد بردة له في قل الكعبة ،قلنا ِّ ،
-رحمه هللا :-عن ِّ
له :أال تس ي ييتنص ي يير لنا ،أال تدعو هللا لنا ،قال« :كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في األرا ،فيجعل فيه ،فيجاء
ُّ ُّ
لحمهبامل شار ،فيوضع على ر ِّأسه ،فيشق باث تين ،وما يصدح ذل عن دي ِّنه ،ويمشط بأمشا ِّ الحديد ما دون ِّ
تمن هييذا األمر حت لس ي ي ي ييير الراكييب من ص ي ي ي يينعيياء إلى من ع ْظم أو عص ي ي ي ي يب ،ومييا يصي ي ي ي ي ُّيدح ذلي عن دينيه ،وهللا لي ،
ِّ
غنمه ،ولكنكم تست جلون». حضرموت ال ي اف إال هللا أو الذئب على ِّ
أما أهم الدروس املس ي ي ييتفادة من هذا الجواب التاريخي املس ي ي ييطر بماء الذهب ،فهو أن الثقة املطلقة بقوة أفكار
العقيدة اإلس ي ييالمية ،وقدرتها على إمداد املؤمنين بها بطاقة هائلة تجعلهم يتحملون أب ي ييد األهوال دون أن يدور
في م يليية أحييدهم أن يتنييازل عنهييا ،إنمييا ألنهييا الحق الييذي ال بيياطييل فيييه ،وألنهييا انعقييدت في قلوبهم ،جراء تميزهييا
ِّ ُّ ُّ
إطار من عق ِّد ِّي ب ييامل راق ك ِّل ِّي غا ِّي يور في ِّ ِّب ِّر ِّي تص يو ِّرها عن الكون واإلنس ييان والحياة ،ثم في تمث ِّل هذا التص ي ِّ
ِّ
يف ِّس ير الكون والحياة ،ويحدد عالقات اإلنس ييان بالحقائق الكونية الكبرى ،11وعالقاتها هي باإلنس ييان ،على وجه
ه
صييحيح ،ويوضييا له غايته من الوجود ،ويبين لينسييان موقعه ومسييؤولياته ودورح في الحياة ،رابطا ذل بما قبل
الحياة الدنيا ،وما بعدها.
يتقل ،وفق طبيعته الكلية ،التي ت اطب ذاتي مس ي ي ي ِّ العقدي الش ي ي ييامل في قالب " ِّ، ولقد ص ي ي ي ،يب اإلس ي ي ييالم ذل املن
ه ه ه ه
الكينونة البشي ي ييرية جملة ،بكل مقوماتها وطاقاتها ،وال ت اطب "الفكر البشي ي ييري" وحدح خطابا باردا مصي ي ييبوبا في
،ه ه ه
بالحياة ،ال فلس ي ي ي ييفة جافة
ِّ قالب املنطق الذه؟ي" ،12فزاوج بين اإليمان والعمل الص ي ي ي ييالا! فكان عقيدة نابض ي ي ي يية
والطمي ْأن ْينية وال ،تيأ ُّثر وال ،تيأث ْير، ،
والت ْف ِّكير
ُّ ه
بياردة ،كيان مفياهيم حيويية تحرك النفوس ،وتبعيث في ْأرجي ِّالهيا ال ،س ي ي ي ي ِّك ْينية
ه
ِّ ِّ
ْ ِّ ُّ ،
وامتالكها ،والعمل بمقتضي يياها! ِّ املطلقة
ِّ للحقيقة
ِّ والثقة املطلقة بالوصي ييو ِّل لحمل رسي ييال ِّت ِّهِّ ،
والتدبر ،واالنطالق ِّ
وهيذا يفس ي ي ي يير لنيا كي اس ي ي ي ييتطياعيت هيذح النفوس التي ص ي ي ي ييقليت بهيذا الفهم الراس ي ي ي ييخ واإليميان العميق للعقييدة
اإلس ي ييالمية أن تدخل نص ي ي الكرة األرض ي ييية املعروفة في ذل الزمان في س ي ييلطان اإلس ي ييالم وعدله ،دون أن تكرح
11هللا ،والربوبية ،واأللوهية ،واملل والسلطان ،والحاكمية ،وصلة الخلق ،والتنظيم ،والتدبير.
12خصائص التصور اإلسالمي ومقوماته ،الشهيد سيد قطب رحمه هللا ،كلمة في ْ
املن . ِّ
22
ِّ
أحدا على تغيير معتقدح ،لكنها بس ي ي ييطت نمط العيش الرا ي ،والحض ي ي ييارة التي س ي ي ييمت باإلنس ي ي ييان ،حيث لش ي ي ي ِّيكل
ه ه ه ه ه ه ه
وانتماء حض ي ي يياريا وتاري يا ص ي ي ييا املقومات الخاص ي ي يية والعامة للش ي ي ييعوب اإلس ي ي ييالم هوية ثقافية ومزاجا نفس ي ي يييا،
واألعراق التي دانييت بييه أو خض ي ي ي يعييت لييه ،فص ي ي ي ييهرتهييا بعملييية ص ي ي ي ييهرييية فريييدة ليس لهييا نظير في التيياريخ ،في بوتقيية
العقيدة اإلس ييالمية والش ييريعة الس ييمحة لتكون قوام أمة واحدة من دون األمم ،هي خير أمة أخرجت للناس ،بل
ولقد أثرت الحضي ي ييارة اإلسي ي ييالمية حت في األمم التي بارزتها العداء أحيانا! ولقد امتل اإلسي ي ييالم القدرات الجبارة
على تحري املنتمين لألمة في معارك الوجود الفاصييلة ،وكان بمثابة خط الصييمود األول والدفا املسييتميت عن
كرامة األمة وهويتها ،وعن س ييلطان األمة وس يييادة أحكامه في معترك الحياة- ،عقيدة تتحرك في الجوانح ،ونظاما
س ي ي ييياس ي ي يييا لش ي ي ييكل الدر الواقية التي يقاتل من ورالها ويتقى بها ،وش ي ي ييخص ي ي يييات فذة ،وقادة ،وعلماء ،ومدارس
فقهية ،ومراكز علمية ،-فانتقل اإلس ي ي ي ييالم باألمة نقلة نوعية ليكون مس ي ي ي ييو وحدتها ،ومص ي ي ي ييدر قوتها ،وتميزها،
وقوامتهيا على البش ي ي ي ييريية ،وخيريتهيا ،وليكون بعيدهيا النفس ي ي ي ييبي والفكري املحرك ملجتمعهيا في مييدان ص ي ي ي ييالحهيا وفق
أحكام بريعتها.
ه
ولقييد يكيان اإلس ي ي ي ييالم من جييا لص ي ي ي يييياغيية حر يكيات املجتمعييات املتعيياقبيية وتييدافعهييا عبر التيياريخ مع غيرهييا من األمم،
ه ه
ومقيياس ي ي ي ييا لنهوض ي ي ي يهيا وانحطياطهيا ،ووازعيا لهيا للنهوا بعيد كيل كبوة ،من خالل منظومية دقيقية للفهم ،محكومية
ه
بنواميس وس ي ي ي يينن كونييية ربييانييية يكون اكتش ي ي ي ي ييافهييا وتييدبرهييا وفهمهييا وتنزيلهييا على الواقع طريقييا من طرق العبييادة
ه ه
والتقرب إلى هللا ،ودافعييا للعمييل دومييا القتعيياد مقعييد الس ي ي ي ييييادة والريييادة والقواميية على البش ي ي ي ييرييية ،والقيييام على
ه ه
األمييانيية التي أنيطييت بيياألميية ،ذلي الن وتلي املقيياييس رفضي ي ي ي ييت رفضي ي ي ي ييا تييامييا أي نو من التهويم والعش ي ي ي ييوائييية
ه
واالرتجالية وأن ت ضي ي ييع حركة املجتمع لضي ي ييرب من التجارب ،بل عوضي ي ييا عن ذل تسي ي ييلحت الفكرة اإلسي ي ييالمية
بالعلم وأدواته الدقيقة املنضييبطة بالويي ،فقدم للعقل البشييري فرصييته االسييتثنائية لكي يتحرك حرا في الفهم
واالبدا واالس ييت تاج ،بعد أن قدمت له الفكرة اإلس ييالمية منظومة متكاملة من القيم والش يرا ع واملقاييس التي
لست بط منها األحكام الالزمة لعمارة األرا وتحقيق قيمة االست الف ف:ها.
ه ه ه ه ه
ولقد تجلى اإلس ييالم منبرا ومدرس يية معرفية ،وتجلى هوية حض ييارية لألمة على عظيم دورها وض ييخامة قيمتها ،وملى
جيانيب ذلي كيان حياميل منظومية قيميية ومفياهيم لينسي ي ي ي ييانيية ترتقي على حيدود العرق واللون والطبقيية ،ليكون
ه ه
نظام حياة لينسييان الذي ي ضييع ألحكامه ،مسييلما كان أم ذميا ،يقيم اإلسييالم في املجتمع ميزان الحق والعدل،
على اعتبار أنه رحمة للعاملين .ويقيم على البشرية وما لديها من نظم وثقافة ال جة بقيمه ورحمته وأنظمته.
والدرس الثمين الثاني من هذح القص ي ي ي يية العظيمة -قص ي ي ي يية خباب -هنا هو املس ي ي ي ييؤولية العميقة التي نتحملها في
إنق يياذ اإلنس ي ي ي ي يياني يية من قلم يات الكفر إلى نور اإليم ييان .نحن مق ييدر لن ييا أن نق ي ي ي ييبي على الظلم ،ونقيم الع ييدال يية
الحقيقية ،ونحرر املظلومين ،ونض ي ي ييمن توزيع الثروة بش ي ي ييكل عادل ،بتطبيق ب ي ي يير هللا تعالى .إن اإلس ي ي ييالم يجعل
23
املؤمن ال يرم ي ي ي ييب أن لعيش على هيامش الحيياة ،بيل يض ي ي ي ييطلع بيدور املس ي ي ي ييؤوليية عن الغير ،بيل عن األمم األخرى
بحمل الرسالة والدعوة لي شر الخير ويهدي الناس للدين الحق،
ثابتا وص ي ي ييالبة .األمر الذي س ي ي يييف ي ي ييبي قطعا إلى االص ي ي ييطدام العني مع إيمانا هإن هذح املهمة الض ي ي ييخمة تتطلب ه
الهيياكيل الس ي ي ي ييلطويية القيائمية ،التي يتالعيب بهيا أولئي اليذين ي يدمون مص ي ي ي ييالحهم ،وال بيد إذن أن نثبيت جيدارتنيا
بيأننييا حقيقون بيالييدعم اإللهي إلنجيياز التغيير .لكي نكسي ي ي ي ييب هييذا ،يجييب أن نتبع خطى األمم السي ي ي ي ييابقيية ،ونظهر
إيمياننيا الثيابيت ،ونثبيت جيدارتنيا في الحفياه على هيذح املهمية السي ي ي ي يياميية .وبيذلي ،نغنم ثواب كيل عميل لعمليه أي
مس ي ي ي ييلم ييأتي من بعيد إلى يوم القييامية ،ال ينقص من ثوابهم ب ي ي ي يييئيا ،وأجر كيل روح تجيد الهيدايية وتؤدي األعميال
الص ي ييالحة تحت عدل اإلس ي ييالم ،وتنجو من العذاب .وهذا بدورح ،لعزز من مرتبتنا في الجنة .ئيرجى أخذ األهمية
العميقة لهذا املفهوم بعين االعتبار لفهم السيبب الذي يجعل الجهاد والكفاح املسيلا قد لسيت دم كوسييلة من
قبل األنبياء واملؤمنين عند مواجهة الظلم والش ي ييخص ي يييات الس ي ييلطوية التي تقاوم الس ي ييماح لنور اإلس ي ييالم وقيام
العدل باالنتش ييار في اإلنس ييانية واملجتمع ،إلى جانب أن اإلس ييالم ليس بفلس ييفة جامدة ،ولكنه من عيش ونظام
دولة ،وال يمكن للدولة إال أن تمتل القوة للدفا عن نفسي ي ي ييها وعن رعاياها ،أو ملواجهة خصي ي ي ييومها أو لتحقيق
موقعهييا املتنيياس ي ي ي ي ييب مع مس ي ي ي ييؤوليتهييا التيياري ييية عن البش ي ي ي ييرييية وأهييدافهييا .عالوة على ذل ي ،تبرز هييذح القص ي ي ي ي يية
للمجتمعات أهمية الصيالبة في أوقات الشيدة .إن مثل هذح املحن تطهر إيماننا ،تقربنا من هللا وتجعلنا جديرين
بدعمه النها ي في هذا العالم واوخرة.
بل وفي قل هذا الوض ي ييع طلب الرس ي ييول ﷺ النص ي ييرة من ب؟ي ب ي يييبان ،فوافقوا على نص ي ييرة مش ي ييروطة منقوص ي يية
لعطونه إياها على العرب دون ال جم ،الرتباطهم بعهود ومواثيق مع الفرس ،فرفر الرسول ﷺ قبول نصرتهم
ِّ ِّ
ّ ل ْن ي ْنص ي ي ي يرح إال م ْن حاطه ِّم ْن ج ِّم ِّيع جوا ِّن ِّب ِّه» ،وما هي إال أن س ي ي ي ي ،يخر هللا لهم األنص ي ي ي ييار حت قامت
ألن « ِّدين ِّ
الدولة .وأيضي ييا ،ب الف قدر غير معلوم ،ومثاله :هل الخير في هذا العمل أو في هذا الت صي ييص من الدراسي يية أم
ال؟ فأمثال هذا ال يوضي ييع الغيب في الحسي ييبان ،يأخذ باألسي ييباب ويفوا األمر إلى هللا أن ي تار له أحسي يينه ،وفي
ِّ
هذا يدخل موضي ي ييو االسي ي ييت ارة ،التي كان الرسي ي ييول ﷺ لعلمها أصي ي ييحابه في كل بي ي ييأن ،فعل:هم األخذ باألسي ي ييباب
والقيام بالخيارات ،ومن ثم لست يرون هللا بأن ي تار لهم الخير ،وأن يوفقهم ملا فيه خيري الدنيا واوخرة.
ومن املهم بمكييان أن يفهم املس ي ي ي ييلمون أهمييية هييذا املفهوم" :االس ي ي ي ييتهييداء بقحدرمعروف ،رغم أن توقيتحه غير
معلوم ،وكيفيية تحققيه غير معلومية لنيا" ،فمثال :حين تقع على املس ي ي ي ييلم مص ي ي ي يييبية أو يبتلى بيابتالء ،فيإنيه لعيش
قروفا ص ي ي ييعبة تتقلب ف:ها نفس ي ي ييه بين األمل والخوف ،والطمع والظنون ،لكنه لس ي ي ييتعمل تل القوانين الربانية
التي صياغتها العقيدة اإلسيالمية ليسيتهدي بها ،فمثال :مهما ضياقت عليه أمور الرزق ،يؤمن قطعا بأن الرزاق هو
أن ن ْف هسا ْ
لن «إن روح القدس نفث في رويي ، هللا سبحانه وتعالى ،سيأتيه بالفرج بعد العسر ،في الحديث قال ﷺ ِّ
ِّ ِّ ِّ
، ِّ ِّ ْ ْ
الر ْز ِّق ِّ ْ ْ ْ ،
لب وال يح ِّملن أحدكم اس ي ِّتبطاء ِّ
ْ ْ ْ ْ
تموت حت تس يتك ِّمل أجلها وتس يتو ِّعب ِّرزقها ،فاتقوا هللا وأج ِّملوا ِّفي الط ِّ
24
إال ِّبطياع ِّتي ِّه» ،ف"قيانون" أن الرزق بييد هللا ،وقيانون ِّ أن ي ْطلبيه بم ْعص ي ي ي ييية هللا ،ف ِّ
يإن هللا -تعيالى -ال ينيال ميا ِّع ْنيدح ْ
ِّ ِّ ِّ
ْ ْ
ص ي ي ي ير امل ْؤ ِّم ِّنين [الروم ،]47وقانون :أن النفع والض ي ي ي يير بيدح وحدح ،وبيد هللا تعالى كش ي ي ي ي ﴿وكان ح ًّقا عل ْينا ن
ْ ، ْ
ّ ما ال ينفع وال يض ي ي ُّرك ف ِّإن فعلت الض ي يير ،ومرادة اإلنس ي ييان بالخير ،وأن يمس ي ييه بالخير ﴿ ،وال تد ِّمن دو ِّن ِّ
الظاملين وم ْن ي ْمسي ْسي ّ،بضي ِّر فال كابي له إ ِّال هو َوإ ْن ُير ْد َ ب َخ ْير فال ر ،اد لف ْ ، ،ه
ضي ِّل ِّه ي ِّصييب ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ف ِّإن ِّإذا ِِّّمن ِّ ِّ
الر ِّحيم [107-106يونس]﴿ ،13أفرأيتم ما تدعون من دون هللا إن أرادني ب ِّه م ْن لش ي ي ياء ِّم ْن ِّعب ِّاد ِّح وهو ْالغفور ،
ِّ
هللا بض ي ي ي يير هيل هن كياب ي ي ي يفييات ض ي ي ي ييرح أو أرادني برحميية هيل هن ممس ي ي ي يكييات رحمتييه [الزمر ،]38هيذح القوانين
ونظائرها لسييتعين بها املؤمن دوما لتقودح قيادة فكرية إيجابية فال تنكسيير نفسييه لظرف ملم ،وال ي عييب أحدا،
ه
وال يرجو أحدا إال هللا ،وال يتس ي ي ييرب اليأس إليه ،وال تنكس ي ي يير عزيمته ،وال يض ي ي ييع وال لس ي ي ييتكين ،وال لش ي ي ي وال
للحظة واحدة بمعية هللا تعالى ،وبإنفاذح تعالى لتل القوانين،
ْ
ألم تر إلى حال املؤمنين حين أحا األحزاب باملدينة املنورة ،فوصي ييفه هللا تعالى بأبلغ الوصي ي ﴿ ِّإذ جاؤوكم ِِّّمن
ُّ ، ُّ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ
اَّلل الظنونا هن ِّال ْابت ِّلي اجر وتظنون ِّب ِّ فو ِّقكم و ِّمن أس ي ي ي يفل ِّمنكم و ِّمذ زاغت األبص ي ي ي يار وبلغ ِّت القلوب الحن ِّ
ْ ْ ْ
امل ْؤ ِّمنون وزل ِّزلوا ِّزلزاال بي ِّد هيدا [األحزاب ،14]11-10بلغت الشيدة والزلزلة أن زاغت األبصيار ،أبصيار املؤمنين،
وزْيغ األبص ي ي ي ييار أن يريد البص ي ي ي يير التوجه نحو ناحية فيقع إلى ص ي ي ي ييوب خخر من ب ي ي ي ييدة الرعب واالنذعار ،وبلغت
مقارها ،وترتفع من ب ييدة القلوب الحناجر ،تمثيال لش ييدة اض ييطراب القلوب من الفز والهلع ،حت كأنها جاوزت ِّ
خفقانها من الص ي ي ي ييدور لتبلغ الحناجر ،من ب ي ي ي ييدة الض ي ي ي يييق ،واملراد بزلزلة املؤمنين ب ي ي ي ييدة االنزعاج والذعر ألن
ه
أحزاب العييدو تفوقهم عيددا وعيدة ،واب ي ي ي يتييد البالء وطيال حت قنييت األنفس بياهلل الظنون ،وتظنون بياهلل تعييالى
أنوا الظنون املختلفة؛ فاملؤمن ومن كان يثق بوعد ربه لكنه ال يأمن غض ي ي ي ييبه من جراء تقص ي ي ي يييرح ،وي ع ي ي ي ييب أن
مرجأ إلى زمن خخر ،فإن ما في علم هللا وحكمته ال يحا به ،واملنافق يظن أن ما وعد هللا لرس ييوله يكون النص يير ،
ميا هو إال غرور ،ويظن املخلص ي ي ي ييون منكم الثيابتون في س ي ي ي يياحية اإليميان أن ينجز س ي ي ي ييبحيانيه وعيدح في إعالء دينيه
ُ ص ح ح َد َق ُ َ َ ََ ُْ ْ ُ َ َ ْ َ َ َ ُ َ َ َ َ َ َ َ ُ َ َ ُ ُ
َّللا َو َر ُس ح حول ُه َو َما َز َاد ُه ْم ِّإال ول ُه َو َ ونص ي ييرة نبيه ﷺ﴿ ،وملا رأى املؤ ِّمنون األحزاب قالوا هذا ما وعدنا َّللا ورس ح ح
َ
ِّإ َيم ًانا َوت ْس ح ح ح ِّل ًيما إذن ،فاوية الكريمة تنفهنا إلى ض ي ي ييرورة إحس ي ي ييان الظن باهلل حت في أحل امللمات ،فاهلل تعالى
أهل للتوكل عليه والثقة به. ويعز جندح ويهزم األحزاب وحدح ،ا أهل ألن ينصر دينه ، ا
ه
13واإلرادة بالخير :تقديرح والقصييد إليه .وملا كان الذي ال ل جزح ييبيء وال يتردد علمه فإذا أراد بيييئا فعله ،فإطالق اإلرادة هنا كناية عن اإلصييابة كما
،
يدل عليه قوله بعدح﴿ :يصيييب به من لشيياء من عبادح ،وقد عبر باملس في موضييع اإلرادة في نظيرها في سييورة [األنعام ﴿ ]17و ِّمن ي ْمس ي ْس ي ّ ِّبض ي ِّر
َ ،
فال كا ِّبي ي له ِّإال هو َو ِّإن َي ْم َسح ح ْسح ح َك ِّبخ ْير فهو على ك ِّ ِّل ي ييب ْيء ق ِّد اير﴾ ولكن عبر هنا باإلرادة مبالغة في سي ييلب املقدرة عمن يريد معارضي يية مرادح تعالى
ه
كيائنيا من كيان بحييث ال لس ي ي ي ييتطيع التعرا هلل في خيرح ولو كيان بمجرد إرادتيه قبيل حص ي ي ي ييول فعليه ،فيإن التعرا حي ئيذ أهون ألن اليدفع أس ي ي ي يهيل من
الرفع ،وأما خية س ييورة األنعام فس ييياقها في بيان قدرة هللا تعالى ال في تنزيهه عن املعارا واملعاند [التحرير والتنوير البن عاب ييور] .هذح القوانين تدفع
،
املس ي ييلم إلى الطمأنينة ،فما قنه برب العاملين؟ روى الب اري في الحديث« :يقول ّ تعالى :أنا ِّع ْند ق ِّ ِّن ع ْب ِّدي سي ،وأنا معه إذا ذكرِّني» فمن قن باهلل
خيرا في حال الشدائد ،وذكر هللا ،كان هللا معه ،وكان عند قنه به.
14التحرير والتنوير البن عابور ،وروح املعاني لآللو بي بتصرف بديد.
25
ص ححقل اإلس ححالم عقلية املس ححلم للتعامل مع املص ححائب واالبتالءات واملحن بذيدابية ورض ححا وتفا ل
وطمأنينة:
أما املصائب واالبتالءات واملحن ،والنفع والضر ،فقد صقل اإلسالم عقلية املسلم لتتعامل معها بإيجابية،
ْ ِّ ْ ََ ُ َ ََ ، ،
ّ فليتو ،ك ِّل امل ْؤ ِّمنون ْ
وبنظرة ملؤها التفاؤل والطمأنينة﴿ ،قل لن ي ِّص ييبنا ِّإال ما كتب َّللا لنا هو موالنا وعلى ِّ
إال بتقدير هللا ملص ححلحة املس ححلمين في ذل ،فهو نفع محض كما ِّ ِّ
تدل [التوبة ،]51أي إن كل ما يص ححيبنا ما كان
يدو يفرح علي ييه تع ييدي يية فع ييل ﴿كت يب ب ييالالم املؤذن يية ب ييأ ِّن يه كت ييب ذل ي لنفعهم ،وموقع ه ييذا الجواب هو أن الع ي ِّ
أن النبي ﷺ ال يحزن مليا أصي ي ي ي ييابيه زال فرحهم .وفييه تعليم يدوح ويحزنيه ،فيإذا علموا ِّ يدوح أل ِّنيه ينكيد ع ِّ بمصي ي ي ي يياب ع ِّ
للمسلمين الت لق بهذا الخلق وهو أن ال يحزنوا ملا يصيفهم لئال يهنو وتذهب قوتهم"،15
، َ،ك ،ت ت ، ﴿ما أصي ياب ِّمن ُّم ِّصي ييب أة في َٱأل َ
ٱَّلل ل ِّسي ي اير ا وال ِّفي أنف ِّسي يك َم ِّإال ِّفي ِّكت أب ِِّّمن ق َب ِّل أن نبرأها ِّإن ذ ِّل على ِّ ِّ ر ِّ
َ ، ت َۗۡ َ ْ َ ْ ِّ
ِّلك َيال تأس َوا عل تى ما فاتك َم وال تفرحوا ِّبما ءاتىكم وٱَّلل ال ي ِّحب كل م ت أال ف ور [الحديد ،]23-22
، ُّ
وقد أرب ي ييدنا رس ي ييول هللا ﷺ إلى س ي ييبيل الوقاية ،وطريق التوفيق ،فعن عبد هللا بن عباس رم ي ييبي هللا عنهما:
َ َ ْ َ ِّ
هللا يحفظ حك ،احف ِّ هللا ت ِّج ي ْدح أعلم ي كلم ييات :احف ِّظ هللا ﷺ يو هم يا ق ييال ي ييا غالم ،إني ِّ «كن ييت خل رس ي ي ي ييو ِّل ِّ
ْ واعلم ،
ْ ْ ْ َ
اجتمعت على أن ينفعوك أن األمة لو بال،
تجاه ،إذا سي ي ييألت فاسي ي ي ِّيأل هللا ،وإذا اس ح ححتعنت فاس ح ححت ِّعن ِّ
ومن اجتمعوا على أن يضي ي ُّروك بعي ييبيء لم يضي يروك إال بعي ييبيء قد بعي ييبيء ،لم ينفعوك إال بعي ييبيء قد كتبه هللا ل ِّ ،
كتبه هللا علي ،ر ِّفع ِّت األقالم وج ،ف ِّت ال ُّ ي ي ي يح » ،وقد حوى هذا الحديث من القوانين ما لش ي ي ي ييكل مدادا لكل
كتاب لسي ي ي ييطرح املؤمن في سي ي ي يييرح في حياته ،وقيادة فكرية تبعث الطاقة الهائلة على الثقة والطمأنينة ومعية هللا
تعالى ،والتوكل عليه واالستعانة به.
، ت ، ْ، ت ، َ ْ ْ
ا وال ِّفى أنف ِّسي ي يك ْم ِّإال ِّفى ِّكت َب ِِّّمن ق ْب ِّل أن نبرأها ك ِّإن ذ ِّل على ِّ
ٱَّلل ل ِّسي ي ي اير ُّ
﴿ما أصي ي ياب ِّمن م ِّصي ي ييبة ِّفى ٱألر ِّ
ْ ْ ، ْ ،ا ْ [الحيديد ﴿ ،]22وما ِّم ْن د ،ابة في ْاأل ْ
اب ِّم ْن ي ي ي ييب ْيء ك ْ
ا وال طا ِّئر ي ِّطير ِّبجنياحيي ِّه ِّإال أمم أمثيالكم ك ما فرطنيا ِّفي ال ِّكت ِّ ِّ ر ِّ
ث ،م ِّإل تى ِّرِّب ِّه ْم ي ْحش ي ي ي يرون [األنع ييام ]38معن يياه ييا إال أمم أمث ييالكم مكتوب أرزاقه ييا ،وخج يياله ييا وأعم يياله ييا ،كم ييا كت ييب
أرزاقكم وخج ييالكم وأعم ييالكم ،م ييا تركن ييا وم ييا أغفلن ييا في اللوح املحفوه من ي ي ي ييبيء ،ف ييأطلق الكت يياب على اللوح
املحفوه ،أي كيل ي ي ي ييبيء مكتوب في اللوح املحفوه ،وهيذا كنيايية عن علم هللا ،أي ميا من ي ي ي ييبيء إال وهللا لعلميه.
ت ، ، ْ ْ َ،
ٱَّلل ِّر ْزقها وي ْعلم م ْسي يتق ،رها وم ْسي يت ْودعها ك ك مل ِّفى ِّكت َب ُّم ِّب َين [هود ،]6ومن ع ِّلم ا ِّإال على ِّ ﴿وما ِّمن دابة ِّفى ٱألر ِّ
ه ه أن رزقيه على هللا وأجليه بييد هللا ،وأن ميا أص ي ي ي ييابيه لم يكن لي طئيه، ،
وأن أحيدا ال يملي ليه نفعيا وال ض ي ي ي يرا إال هللا ِّ ِّ
تعيالى ،وأن رزقيه وأجليه ليس بييد أحيد غير هللا ،وال يطول عمرح ،وال يقص ي ي ي يير ،س ي ي ي ييار في الحيياة غير هيياب ،س ي ي ي ييار
، ْ ،
اس مطمئنا واثقا مس ي ييتعليا بإيمانه س ي ييعيدا بمعية ربه ،روى أبو س ي ييعيد الخدري« :أال ال يمنعن أحدكم رهبة الن ِّ
15التحرير والتنوير البن عابور
26
ِّ ِّ ْ ْ ُ ُ َ أن يقول بح ِّق إذا رخح أو ب ي ي ي يهيدح؛ فيإ ،نيه ال ُي ُ ْ
ذكر بعظيم»، قرب من أجحل ،وال يبحا ِّعحد من ِّرزق؛ أن يقول بحق أو يي ِّ ِّ ِّ
فاملؤمن الذي يدمج إيمانه بهذه املعاني للقدرمع أفعاله :ال ي عب إال هللا ،وال يتهاون في أداء أمر بمعروف وال
ْ ْ ، نهي عن منكر م يافية اقتراب أجيل أو انقطيا رزق﴿ ،إ ،نميا ل ْعمر مسي ي ي ي ياجيد ْ ،
اَّلل والي ْو ِّم او ِّخ ِّر وأقيام
ّ من خمن ِّبي ِّ
ِّ ِّ ت ِّ
ْْ ْ ْ ، ، ص ي ي ي يالة وختى ،
الز يكاة ول ْم ي ش ِّإال ّ و فعس ي ي ي ييب ت أول ِّئي أن يكونوا ِّمن املهتي ِّدين [التوبية ،]18ولم ي ش إال هللا ال ،
ه
فيقول الحق ،فهيذا هو املع؟ اإليجياسي ليدمج اإليميان بيالقيدر بيالعميل ،فهو طياقية هيائلية تعطي املؤمن زخميا هيائال
هياب ،وأن يتعامل مع امللمات بطمأنينة ورضا وثقة، ألداء األعمال غير ِّ
27
َ
الرِّبيين مع ما أصابهم في ساحة القتال:
درس بليغ من تعامل ِّ
وقد امتاز املؤمنون بتس ي ييليمهم ورض ي يياهم بقض ي يياء هللا وقدرح على غيرهم من األمم ،األمر الذي مأل نفوس ي ييهم
طمأنينة ورض ييا ،وحياتهم إيجابية ،فلم يرتكس ييوا ملا أص ييابهم ،ولم يهنوا ولم يض ييعفوا؛ ﴿وكأ ِِّّي ْن ِّم ْن ن ِّب ِّي قاتل معه
ص ي ي ي ِّاب ِّرين وما كان ّ وما ض ي ي يعفوا وما ا ْس ي ي يتكانوا ۗۡ و ّ،ي ِّح ُّب ال ، ،
ِّرِّب ُّيون ك ِّث اير فما وهنوا ِّملا أص ي ي يابه ْم ِّفي س ي ي ي ِّب ِّيل ِّ
ِّ
َت َ َ َ ْ ،
ق َوله َم ِّإال أن ق يالوا ر،بن يا ٱغ ِّف َر لن يا ذنوبن يا و ِّم َس ي ي ي يرافن يا ِّفي أ َم ِّرن يا وث ِِّّب ي َت أق يدامن يا وٱنص ي ي ي ي َرن يا على ٱلق َو ِّم ٱلك ِّف ِّرين
ٱَّلل ي ِّح ُّب َٱمل َح ِّسي ي ي ِّنين [خل عمران ِّ ،16]148 - 146
وئالرِّب ُّيون َ ۗۡ ،
اب ٱأل ِّخر ِّة و َ ُّ َ ت ،
ِّ ف ي ي ي ي ي ي يات هم ٱَّلل ثواب ٱلدنيا وحسي ي ين ثو ِّ
الرب مثيل الرِّبياني ،واملراد بهم هنيا أتبيا الرس ي ي ي ييل وتالميذة األنبيياء ،حين تقرأ اويية املتبع لش ي ي ي ييريعية ِّ جمع ِّس ِّي وهو ِّ
ِّرِّ
الس ي ي ييابقة فترى أن معركة قادها نبي ،وقاتل معه ِّرِّب ُّيون كثير ،تظن أن النص ي ي يير لن ي طاهم ،فتتفاجأ بأن نتيجة
املعركة كانت هزيمتهم ،لكن هذح الهزيمة لم تض ي ي ييع عزائمهم ،طاملا أنهم يقاتلون في س ي ي ييبيل هللا تعالى ،فاألجر
أن األنبييياء ال الرب ِّيون إذ من املعلوم ِّ متحصي ي ي ي ييل لهم بغر النظر عن نتيجيية املعركيية ،وقولييه﴿ :فميا وهنوا أي ِّ
ْ
يهنون فالقدوة املقص ي ي ي ييودة هنا ،هي االقتداء بأتبا األنبياء ،أي ال ي ب ي أن يكون أتبا من م ي ي ي ييب من األنبياء،
ه ه أج يدر ب ييالعزم من أ ْتب ييا محم ييد ﷺ ،وجمع بين الوهن وال ِّ
ض ي ي ي يع ،وهم ييا متق ييارب ييان تق ييارب ييا قريب ييا من الترادف؛ ِّ
ِّ ِّ ِّ ِّ ُّ ،
فالوهن قلة القدرة على العمل ،وعلى النهوا في األمر ،والضع ي ي ي بضم الضاد وفتحها ي ي ي ضد القوة في البدن،
، ياألول أقرب إلى خور العزيم ي يية ،ودبي ي ييب الي ي ييأس في ُّ وهم ي ييا هن ي ييا مج ي ييازان ،ف ي ي ِّ
النفوس والفكر ،والث ي ياني أقرب إلى
ِّ ِّ االستسالم والفشل في املقاومةِّ .
للعدو ،وقد نفاها كلها عنهم رغم مصابهم. وأما االستكانة فهي الخضو واملذلة
الذكر على حسي ييب ترتيفها في الحصي ييول، : ِّ
فإنه إذا خارت العزيمة ف ِّشي يلت األعضي يياء ،وجاء ومن اللطائ ترتيفها في
ِّ ِّ
للعدو ،لذل اس ييتحقوا محبة هللا على ص ييبرهم ،لم تثنهم الهزيمة عن أن االس ييتس ييالم ،فتبعته املذلة والخض ييو
تظهر خص ي ي ييالهم اإليجابية فال وهن وال ض ي ي ييع وال اس ي ي ييتكانة ،بل عزيمة ومض ي ي يياء على معاودة الكرة ،ودراس ي ي يية
ألسباب الوضع الذي هم فيه للتحضير ملا بعدح!
ومن اإليجابية أن اإلس ييالم رفر أن يكون فلس ييفة جامدة ،ومنما كان عقيدة حية مؤثرة ،تص ييو الحياة على
مزاجها اإليجاسي ،لسيير فيه املؤمن مغمورا بسيعادة الرضيا بالقرب من هللا وطاعته ،ويحس على الحقيقة أن كل
ما أص ي ييابه هو مما كتبه هللا له ال عليه ،وأن أمرح كله خير ،روى مس ي ييلم في ص ي ييحيحه من حديث رس ي ييول هللا ﷺ:
إن أص يياب ْته س ي ،راء ب يكر ،فكان خ ْي هرا لهْ ،
ومن إن ْأمرح ك ،له خ ْي ار ،وليس ذاك ألحد ،إال ل ْلم ْؤمنْ ، «عج هبا أل ْمر امل ْؤمن، ،
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
أص ي يياب ْته ض ي ي ،راء ،ص ي يبر فكان خ ْي هرا له» ،والش ي ييكر والص ي ييبر عالمة على محبة هللا له ،يبتليه ليرفع درجاته ،وليحط
عن سي ي يييئاته ،ومن مع العسي ي يير لسي ي يرا ،ومن هللا تعالى بقدرته قادر على أن لسي ي ييخر له من األسي ي ييباب ما ال يحسي ي يينه
بقدراته البشي ي ي ييرية ،إذا ما أحسي ي ي يين التوكل عليه ،وأن التوفيق من عند هللا ،لسي ي ي ييتنهر اإلسي ي ي ييالم عزيمته ليقوم
ص يطف ْينا بمعالي األمور ،وي تهي عن سييفاسييفها ،دائم السي ي للكمال ومحسييان العمل ﴿ث ،م أ ْورْثنا ْالكتاب ،ال ِّذين ا ْ
ِّ
29
الغاية من الوجود والهدف من الحياة:
ه ه
ثامنا :تحقيق الغاية من الوجود والهدف من الحياة .فلم ي لق هللا الكون عبثا ،ولم يترك اإلنس ي ي ييان س ي ي ييدى
بال أمر ونهي" ،وبالبحث في القرخن نجد أن أقصي ي ي ييب ما سي ي ي يييحققه البشي ي ي يير في الدنيا واوخرة هو عالقة الحب مع
هللا ،ونجييد في القرخن ذكر رحميية هللا وكرمييه وتوفيقييه وعطيياءح ،وسي ي ي ي ييائر ص ي ي ي يفييات هللا ،لعط:هييا هللا لكييل البش ي ي ي يير
ه ه
املقبلين عليه بال موانع ،من تقرب إليه ب ي ييبرا تقرب إليه باعا ،وأبوابه مش ي ييرعة ،ويدح مبس ي ييوطة ،وعفوح قريب،
ويبسط رزقه حت للكافر!
والحييب هو عالقيية بين اثنين ،أميا وقييد غمرنييا هللا برحمتييه ومغفرتييه وعطييائييه وتوفيقييه ورعييايتييه ،فييإذا لم نقم
بمقتض ي ي ي ييييات املحبيية بعييد هييذا العطيياء بييأداء حق هللا ،فكييأنمييا نكون رفض ي ي ي ينييا عطيياءح ،ولم نحبييه على الحقيقيية،
والنتيج يية أنن ييا لم نتمكن من الش ي ي ي ييعور بعالق يية الح ييب مع هللا ،ألنن ييا لم نفتح قلوبن ييا ل ييه ،وح ييب هللا ي تظرن ييا ولن
ه
نحصي ي ي ي ييل على محبيية هللا مييا لم ن ْس ي ي ي يع لييذلي ،فال ينمو هييذا الحييب أبييدا .وكفر النعميية يحييدث من خالل الرفر
والتجاهل والتنكر للنعمة التي لعط:ها هللا لنا .من ناحية أخرى فالقرخن يؤكد أن املؤمنين املتبعين س ي ي ي يييتمتعون
بهيذح العالقية من الح ِّيب مع هللا﴿ ،قي ْل إ ْن ك ْنت ْم ت ِّح ُّبون هللا في ،اتبعو ِّني ي ْحب ْبكم هللا وي ْغ ِّف ْر لك ْم ذنوبك ْم وهللا غف ا
ور ِّ ِّ ِّ
ه ر ِّح ا
يم [خل عمران ]31وهللا يؤكد أنه يحب ص ي ي ييفات معينة في البش ي ي يير كالتقوى واإلحس ي ي ييان ،والرحمة ،والكرم،
والصبر.
وبهذا يتضييا من القرخن بشييكل جلي بأن الهدف من الحياة ،أن هللا اسييت ل اإلنسييان في األرا ،ال ليفسييد
ف:ها وال ليسي ييف الدماء ،بل أراد مجموعة من البشي يير أنشي ييأت بإرادتها الحرة ،وبتفكيرها املسي ييتنير ،وبقدرتها على
ه ه
التفاعل مع ما سييخرح هللا لها ،عالقة سييامية من معرفة هللا ،ومن الحب مع هللا ،وهؤالء سيييسييتمتعون بسييعادة
في عالقتهم مع البش ي يير وفي عالقتهم مع هللا ،وهي أقص ي ييب املتع التي س ي يتب جهم في الدنيا وكذل في اوخرة ،عندما
ت تهي كل املش ي ييوب ي ييات لألبد ،لكن يلا س ي ييؤال مهم وهو أنه كان باإلمكان أن ي لقنا هللا في الجنة ،ويبرمجنا على
ه
حبه ،فلماذا كان ال بد من اإليمان واالبتالء والصبر واالختبار والتكلي طريقا للجنة؟
ليج يياب يية عن الس ي ي ي ييؤال ،يج ييب أن نج ييد الرابط بين املؤمنين وبين هللا .إن م ييا يطلب ييه القرخن من املؤمنين هو
الر ْح تمن و ًّدا [مريم ،]96ومذا ات سيي ْجعل لهم ، صي ِّالح ِّ صيفات معينة يحفها هللا ف:هم﴿ ،إ ،ن ،ال ِّذين خمنوا وعملوا ال ،
ِّ ِّ
ما حص ييرنا قائمة األعمال الص ييالحة والص ييفات الحس يينة ،كالرحمة والرأفة واملس ييامحة والكرم والعلم والحكمة
حدوالحق وحب اوخرين؛ وس ي ييألنا أنفس ي يينا :ما الذي ي برنا القرخن عن الطرف الثاني في العالقة ئهللا ؟ هللا هو أ ا
يي ال يموت ،الخ ،لذل فليس هناك وجه مقارنة يمد ،ليس كمثله ي ي ي ييبيء ،غير محدود بالزمان وال باملكان ،ا صي ي ي ي ا
وال تكافؤ بين هللا واملخلوقات ،ويص ي ي ي ييعب حينها الوص ي ي ي ييول للرابط األس ي ي ي يياس بي نا وبين هللا ،فأين هي الص ي ي ي ييفات
الجامعة في العالقة بين اإلنس ييان وبين هللا تعالى؟ ولو تأملت القرخن ،فس ييتجد اويات تصي ي هللا بوصي ي ثنا ي:
30
بيأنييه رحمن رحيم ،وأنييه غفور ب ي ي ي ييكور ،وأنييه عزيز حكيم ،وأنييه حليم غفور ،وتس ي ي ي ييتطيع معرفيية العش ي ي ي يرات من
ص ييفات هللا في القرخن وهذح هي االس ييماء الحس يي؟ ،فإذا ما قابلتها بص ييفات املؤمنين التي أرادها منهم ،اذن ي ب ي
علينا التحلي بهذح الص ي ي ييفات ،نحن هنا في الدنيا لنعبد هللا ونحب هللا ونقيم معه عالقة ،ولكن كي نقيم معه
عالقة ونحن محدودون نف؟ ونموت وهو أزلي غير محدود ،فهذح صييفات متضييادة بي نا وبين هللا .فكي نصييبح
قريبين من هللا بهذح الص ييفات؟ إذا أردت أن أكون قريبا من عل ِّي أن أب ييارك في ييبيء مش ييترك بي نا ،تماما كما
يحدث بين الناس بعضهم بعضا،
ولكن كي لش ييخص أن يقترب من هللا؟ ما املش ييترك بي نا وبينه؟ لو نظرنا لوجدنا أنه س ييبحانه أعطانا عند
خلقنيا نف ية من روحيه .ليذلي نيأتي الى اليدنييا بهيذح الص ي ي ي يفيات وامليزات بس ي ي ي يبيب نف ية الروح هيذح ،ونحن بيدورنيا
كبش يير إما ان ند ِّ ييبي هذح الص ييفات أو أن نزك:ها ،والتزكية ليس ييت فقط تش ييعرنا بالس ييعادة بس ييبب هذح الخبرة في
الحيياة اليدنييا ،ولكن س ي ي ي ي تمكن من اإلحس ي ي ي يياس بص ي ي ي يفيات هللا الرا عية من الجميال والقيدرة والرحمية والود وكيل
أس ييمائه الحس يي؟ ،وكل هذح الص ييفات الالمتناهية تأتي من املص ييدر الالمتناهي لهذح الص ييفات الحس يي؟ من هللا،
كلميا جياهيدنيا لنتص ي ي ي ي بيالرحمية تمكنيا من االقتراب من الرحمية العظم لرب العياملين في هيذح الحيياة اليدنييا وفي
اوخرة ،وكذل األمر بال س ي ييبة للرأفة ولنص ي ييرة الحق ،وكلما جاهدنا لنتص ي ي بص ي ييفات املؤمنين كلما تمكنا من
االقتراب من هللا ذي الصي ي ي ييفات الحسي ي ي يي؟ وبالتالي نسي ي ي ييتطيع أن ندرك هللا ونعرفه ،فكلما تزكينا اقتربنا من هللا،
قرب أعظم من القرب املييادي او العيياطفي أو العقلي إنييه االقتراب من الخييالق املعبود، وأدركنييا عظميية هللا ،وهو ا
املسي ي ييتحق للعبادة ،الرب املال املرسي القائم على إصي ي ييالح أحوالنا ،إنها أعظم املشي ي يياعر التي يمكن أن ت تبرها
وتمر بها على االطالق ،لكن ،وألننا كائنات تنمو وتتزكى بالفعل ،ولكننا ال نسي ييتطيع أن نتصي ي بصي ييفات هللا ،وال
أن نر ى بش ي ي ييخص ي ي ييياتنا اإلس ي ي ييالمية لنتقرب إليه ،ما لم نمر بهذح األمور الس ي ي ييابق ذكرها ،من االبتالء ،والتفكير،
واإليجابية في تعاملنا مع القدر ،والرض ي ي ييا بالقض ي ي يياء ،والتقوى واإلحس ي ي ييان ...فهي اذن هي كلها الزمة وأس ي ي يياس ي ي ييية
لتزكييية النفس البش ي ي ي ييرييية ،وال يمكن إس ي ي ي يقييا أي عييامييل منهييا من أجييل أن تكون هييذح النفس مؤهليية لعالقيية مع
هللا".17
17النقطة الثامنة مب ية على محاضرة بعنوان :الهدف من الحياة -قصة إسالم البروفيسور جيفري النج املحاضرة الكاملة .بتصرف بديد.
31
مفهوم الصبرفي االسالم
إن ملفهوم الص ي ييبر كجزء من مفاهيم األعماق في عقلية الس ي ييواد األعظم من أبناء األمة االس ي ييالمية مع؟ س ي ييلبيا،
يتمثل في خليط من االس ييتس ييالم إلى الواقع الس ييبيء ،وال جز ،والتواكل ،والقدرية الغيبية ،والقعود عن التغيير،
ولس ي ي ي ييان حال فئات عظيمة من املس ي ي ي ييلمين أنه طاملا أننا ال نمل تغيير الواقع ،فليس علينا إال الص ي ي ي ييبر ،بمع؟
االستسالم ،وكأن الواقع وتغييرح واقع في دائرة القضاء والقدر ،كطول االنسان ولون عي يه ،وموعد موته.
يقول الحق س ي ي ييبحانه وتعالى في أول خية تناولت موض ي ي ييو الص ي ي ييبر في القرخن نزوال﴿ :ولرب فاص ي ي ييبر [ 7املدثر]،
وهذح الس ييورة التي بها طلب من النبي عليه الص ييالة والس ييالم أن ينذر بقوله تعالى﴿ :قم فأنذر ،وال بد ملن ينذر
ْ ه
قوميه ،م ِّرجيا إيياهم من عبيادة الطياغوت إلى عبيادة هللا الواحيد القهيار أن ي ْؤذى في دعوتيه وال بيد ليه أن يص ي ي ي ييبر
على حمل الدعوة وما في حملها من بدائد.
ه
ص ي ْبر الح ْبس ،وكل من حبس ب يييئا فقد ص يبرح؛ ومنه الحديث :نه عن امل ْ قال في لس ييان العرب :وأص ييل ال ،
ص يبورة
الروح؛ واملصبورة التي نه عنها؛ هي امل ْحبوسة على امل ْوت. ونه عن ص ْبر ِّذي ُّ
ِّ
قال ابن عابييور في تفسييير سييورة العصيير في التحرير والتنوير :وحقيقة الصييبر أنه :منع املرء نفسييه من تحصيييل
ْ ما لش ي ييتهيه أو من محاولة تحص ي يييله ئإن كان ص ي ييعب الحص ي ييول فيترك محاولة تحص ي يييله ْ
لخو ِّف ض ي يير ي ش ي ييأ عن
تناوله ك وف غضيب هللا أو عقاب والة األمور أو لرغبة في حصيول نفع منه ئكالصيبر على مشيقة الجهاد وال
رغبة في الثواب والصبر على األعمال الشاقة رغبة في تحصيل مال أو سمعة أو نحو ذل .
ومن الصبر :الصبر على ما يالقيه املسلم إذا أمر باملعروف من امتعاا بعر املأمورين به أو ِّمن أذاهم بالقول
ِّ
كمن يقول ومرح :هال نظرت في أمر نفس ،أو نحو ذل .انته
فالص ي ييبر إذن حبس النفس عن الش ي ييهوات ،وبذا يلزم املس ي ييلم نفس ي ييه بالبعد عن كل ما حرم هللا ،أي إن الص ي ييبر
يقود املسييلم ليلتزم الحكم الشييريي ،بل ليلتزم تحري القيام بما أمر به على أفضييل صييورة باذال أقصييب وسييعه في
ه ه
حسيين القيام باألعمال ،ومتحريا أن ينآى بعدا عن كل ما يقرب من املعا ييبي ،إذا دعته عيناح للنظر إلى ما حرم
هللا تييذكر أن هللا قييد أعييانييه عل:همييا بطبقين فيطبق ،ومن نييازعييه لسي ي ي ي ييانييه في قول مييا حرم هللا ،يتييذكر أن هللا قييد
أعانه عليه بطبقين فيطبق ،ويص ي ي ي ييبر نفس ي ي ي ييه عن املحرم ،وعن أي فعل يقود إلى الحرام ،فيكون ملتزما بالحكم
الشريي.
ه
والصبر أيضا حبس النفس في طاعة الخالق سبحانه ،فبعر التكالي تحتاج لجلد لتحمل مشقاتها ،كالجهاد
وال ،والخش ي ييو في الص ي ييالة ،وحمل الدعوة االس ي ييالمية بمقتض ي يييات هذا الحمل من قول كلمة الحق عند كل
ذي س ي ي ي ييلطييان جيائر ،فتنيياز املس ي ي ي ييلم نفسي ي ي ي يه كي يركن إلى دعي ِّة العيش ويترك واجيب األمر بياملعروف والنهي عن
املنكر ،وقول كلمة الحق ال ي ع ي ي ييب في هللا لومة الئم ،فيحبس نفس ي ي ييه في ركن هللا املتين ،متذكرا الحديث الذي
32
رواح الترميذي وغيرح عن ابن عبياس رم ي ي ي ييبي هللا عنهميا قيال« :كنيت خل رس ي ي ي ييول هللا ﷺ يوميا فقيال ييا غالم إني
أعلم كلمات احف هللا يحفظ احف هللا تجدح تجاه إذا سيألت فاسيأل هللا ومذا اسيتعنت فاسيتعن باهلل
واعلم أن األمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بع ييبيء لم ينفعوك إال بع ييبيء قد كتبه هللا ل ولو اجتمعوا على أن
يضيروك بعيبيء لم يضيروك إال بعيبيء قد كتبه هللا علي رفعت األقالم وجفت ال يح » ،قال أبو عيسيب هذا
حديث حسن صحيح.
ه
ففي كل األحوال اقترن الصييبر بحبس النفس في علياء عبوديتها هلل ،فال تفعل بيييئا نهاها رب العزة عنه ،وتفعل
ما أمرت بأقصي ي ييب طاقة تسي ي ييتطيعها ،روى الب اري رمي ي ييبي هللا عنه عن األعرج عن أسي هريرة عن النبي ﷺ قال
«دعوني ما تركتكم إنما هل من كان قبلكم بسي ييؤالهم واختالفهم على أنبيالهم فإذا نهيتكم عن ي ييبيء فاجت بوح
ومذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم».
، ْ
الرس ِّل وال ت ْست ْ ِّجل له ْم كأ ،نه ْم اصب ْر كما صبر أ ْولوا الع ْزم ِّمن ُّ
ِّ
ْ
ومن أمثلة الصبر التي يتضا ف:ها هذا املفهوم﴿ :ف ِّ
ي ْوم ير ْون ما يوعدون ل ْم ي ْلبثوا إ ،ال سياع هة ِّمن ،نهار بال ا فه ْل ي ْهل إ ،ال ْالق ْوم ْالفاسيقون [ 35األحقاف]﴿ ،وا ْ
صي ِّب ْر ِّ ِّ ِّ ِّ
ُّ ْ ْ ْ ْ ،
ن ْفسي ي ي ي مع ال ِّذين ي ْدعون ر،بهم ِّبالغد ِّاة والعع ي يِّ ييب ِّي ي ِّريدون وجهه وال تعد عيناك عنهم ت ِّريد ِّزينة الحي ِّاة الدنيا وال
ْ ْ ْ ْ ْ ِّ
ه ْ ْ ْ ْ
ت ِّط ْع م ْن أغفلنا قلبه عن ِّذك ِّرنا و ،اتبع هواح وكان أ ْمرح فرطا [ 28الكه ].
ففي حمل الدعوة ي ب ي الص ي ي ي ييبر اقتداء بأولي العزم من الرس ي ي ي ييل ،الذين دعوا قومهم ليال ونهارا ،س ي ي ي يرا وجهارا،
وأوذوا فما النت لهم قناة ،حت بلغ بهم الحال في بي ييدة البأسي يياء والض ي يراء التي أصي ييابتهم إلى أن يتضي ييرعوا إلى هللا
س ييائلين النص يير ،ولكن دون أن تفت عض ييدهم ب ييدة ،أو تص ييرفهم عن الحق قيد أنملة كل مغريات الدنيا ،قال
ْ ْ
ضي ،راء وزل ِّزلوا ح ،ت تعالى﴿ :أ ْم حسي ْبت ْم أن ت ْدخل ْوا ْالج ،نة ومل،ا ي ْأتكم ،مثل ،الذين خل ْو ْا من ق ْبلكم ،م ،سي ْتهم ْالب ْأسياء وال ،
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
ّ قر ا ِّ ْ ، ِّ ْ ْ ، يقول ،
يب [ 214البقرة] ،وقد اقترن الص ييبر بالثقة ّ أال ِّإن نص ير ِّ ِّ الرس يول وال ِّذين خمنوا معه مت نص ير ِّ
، ، ، ْ ،
ّ ح مق ف ِّإ ،ما ن ِّري ،ن ب ْعر ال ِّذي ن ِّعده ْم أ ْو نتوفي ،ن ف ِّإل ْينا ي ْرجعون [ 77غافر]، ْ
بوعد هللا﴿ :فاصي ي ي ي ِّب ْر ِّإن وعد ِّ
ات ولبلو هذح املرتبة العالية ،ي ب ي على حامل الدعوة أن يتزود بالتقوى والص ييبر على الطاعات﴿ :ر ُّب ال ،س يماو ِّ
صي ي يط ِّب ْر صي ي يالة وا ْ صي ي يطب ْر ِّل ِّعباد ِّت ِّه ه ْل ت ْعلم له سي ي يم ِّي ها [ 65مريم]﴿ ،و ْأم ْر أ ْهل بال ، اعب ْدح وا ْ و ْاأل ْرا وما ب ْينهما ف ْ
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
ْ ، ْ ْ ، ْ ه ْ
عل ْ:ها ال نسي ي يأل ِّرزقا نحن نرزق والعا ِّقبة ِّللتقوى [ 132طه] ،كذل من بي ي ييأن املؤمنين الصي ي ييبر في سي ي يياحات ْ
الجهاد ،يدفعون أعداء هللا عن دار االس ي ييالم ،ويحملون الدعوة إلى س ي ييبيل هللا في كل حدب وص ي ييوب ،قال تعالى:
يم [110 ور ،ر ِّح ا ﴿ث ،م إ ،ن ر،ب ي ِّل ،ل ي ِّذين ه ياجر ْوا من ب ْع ي ِّد م يا ف ِّتن ْوا ث ،م ج ياه يد ْوا وص ي ي ي يبر ْوا إ ،ن ر،ب ي من ب ْع ي ِّده يا لغف ا
ِّ ِّ ِّ ِّ
، ْ ْ ، ِّ ْ ، ْ ْ ْ ْ ْ ُّ ،
النحل]﴿ ،يا أيها ال ِّذين خمنوا اص ي ي ي ي ِّبروا وص ي ي ي ي ِّابروا ور ِّابطوا واتقوا ّ لعلكم تف ِّلحون [ 200خل عمران]﴿ ،وملا
ْ ْ ْ ه ْ ْ ْ ْ
ود ِّح قالوا ر،بنا أف ِّر عل ْينا ص ي ي ْبرا وث ِِّّب ْت أقدامنا وانص ي ي ْرنا على الق ْو ِّم الكا ِّف ِّرين ) (250فهزموهم برزوا ِّلجالوت وجن ِّ
ُّ ْ ِّ ُّ ، ْ ْ ِّ ْ ِّ
ا امل ْؤ ِّم ِّنين ،
ّ [ 251البقرة]﴿ .يا أيها الن ِّبي حسي ي ي يب ّ وم ِّن اتبع ِّمن املؤ ِّم ِّنين ) (64يا أيها الن ِّبي ح ِّر ِّ
ُّ ْ ُّ ،
ِّب ِّإذ ِّن ِّ
ْ ، ا ْ ْ ْ ه ْ ْ ْ ْ
على ال ِّقت ِّال ِّإن يكن ِِّّمنك ْم ِّعشيرون صي ِّابرون لغ ِّلبوا ِّمئت ْي ِّن و ِّمن يكن ِِّّمنكم ِِّّمئة لغ ِّلبوا ألفا ِِّّمن ال ِّذين كفروا ِّبأ ،نه ْم
33
ا ْ ْ ا ه ِّ ،
ق ْو ام ال ي ْفقهون ) (65اون خ ،ف ّ عنك ْم وع ِّلم أ ،ن ِّفيك ْم ض ي ي ْعفا ف ِّإن يكن ِِّّمنكم ِِّّمئة ص ي ي ِّابرة لغ ِّلبوا ِّمئت ْي ِّن و ِّمن
ّ و ِّّ مع ، ْ ا ْ ْ ْ ْ ْ ِّ
الص ِّاب ِّرين [ 66األنفال]، يكن ِِّّمنك ْم أل لغ ِّلبوا ألفي ِّن ِّب ِّإذ ِّن ِّ
والص ي ي ييبر أخيرا يتمثل في بلو املرء بإيمانه قمة عالية ،برض ي ي يياح بقض ي ي يياء هللا ،وعلمه أن فقد عزيز لع؟ي أن الحق
س ييبحانه أعطى وهو من أخذ ،فيحبس نفس ييه عن أن تجز لقض يياء هللا ،ويس ييلم أمرح ملدبر الكون ،مدركا أن هللا
يق ييبي في كل أمر بحكمة ،فال يقابل علمه أن أمرا ما تم بحكمة هللا بجز ،ويعلم أن هللا يبتلي املس ييلم في حياته
بأمراا وباليا وخطوب ،فيحبس نفس ي ييه في ثوب الش ي ييكر متذكرا أن هللا جعل الدنيا دار مفر واوخرة دار مقر،
وأن هللا يجزي على الصبر أعظم الثواب.
اب [ 44ص]﴿ ،ولن ْبلو ،نك ْم ِّبعييب ْيء ضيرب ِّب ِّه وال ت ْحن ْث إ ،نا وج ْدناح صياب هرا ِّن ْعم ْالع ْبد إ ،نه أ ،و ا ْ ه ْ ْ
ِّ ِّ ِّ ﴿وخذ ِّبي ِّدك ِّضيغثا فا ِّ ِّ
ا ،
صي ي ِّاب ِّرين ) (155ال ِّذين ِّإذا أصي ياب ْتهم ُّم ِّصي ييبة ات وس ِّ ِّشي ير ال ، ِّ رم
،
الث و س األنف و ال و ماأل ن م وف و ْالجو ون ْقص ِِّّ ْ ْ
ِّمن الخ
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
َّلل و ِّمنيا ِّإل ْي ِّه ر ِّاجعون [ 156البقرة]. ، ِّ ْ ،
قالوا ِّإنا ِّ ِّ
وهكييذا فييالص ي ي ي ييبر كمفهوم متعلق بيياألعمييال يتمثييل في حمييل النفس على القيييام بييالطيياعييات بييأقص ي ي ي ييب مييا تطيق،
وبحبس النفس عن املعييا ي ي ي ييبي بييأبعييد مييا تس ي ي ي ييتطيع البعييد ،فيكون الص ي ي ي ييبر بييذا حمييل النفس على التزام الحكم
ْ ، ِّ
ّ باق ولن ْج ِّزي ،ن ال ِّذين ص يبروا أ ْجرهم ِّبأ ْحسي ِّن ما الشييريي بأحسيين ما يكون االلتزام﴿ .ما ِّعندك ْم ينفد وما ِّعند ِّ
ه ه ه ْ
كانوا ل ْعملون ) (96م ْن ع ِّمل ص ِّالحا ِِّّمن ذكر أ ْو أنُ وهو م ْؤ ِّم ان فلن ْح ِّيي ،نه حياة ط ِِّّيبة ولن ْج ِّزي ،نه ْم أ ْجرهم ِّبأ ْحس ِّن
ْ
ما كانوا ل ْعملون [ 97النحل]،
وأما الصييبر كمفهوم متعلق باالعتقاد ،فيكون بتسييليم مقاليد تصييري األمور في الكون إلى الخالق ،فيما يقع في
دائرة القض ي يياء والقدر ،فال تغير ص ي ييروف الدهر من حس ي يين ص ي ييلة املس ي ييلم بربه ،فال يجز ،وال تغيرح االبتالءات
واملحن ،بل تشي ييحذ نفسي ييه بعزيمة ليم ي ييبي في الدنيا عاملا أن ما أصي ييابه لم يكن لي طئه ،فيبقى املسي ييلم بصي ييبرح
بي ي ي ي ي ييام يية بين الخالئق ير ى دوم ييا في مع ييالي العال﴿ .ولن ْبلو ،نك ْم ح ،ت ن ْعلم ْاملجي ياهي ي ِّدين منك ْم وال ،
صي ي ي ي ي ي ِّاب ِّرين ون ْبلو ِّ ِّ
ص ي يب ْر على ما أص ي ياب إ ،ن ذل منْ ص ي يالة و ْأم ْر ب ْامل ْعروف و ْانه عن ْاملنكر وا ْ أ ْخبارك ْم [ 31محمد]﴿ .يا ب؟ ،ي أ ِّقم ال ،
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
ْ ْ
ور [ 17لقمان] .والحمد هلل رب العاملين ِّ ماأل عز ِّم
34
التوكل على هللا ،من أعظم مفاهيم االعتقاد:
من الخط ححأ خله مفهوم الس ح ح ح ححببي ححة بمفهوم التوك ححل ،فل ححل دوره ،ومفهوم التوك ححل من أعظم مف ححاهيم
َ
العقيدة وأخطرها ،وله أثرمباشر على العمل ،فهو ليس مدرد مفهوم غيبي ُينحى عن الو اقع!!
قال اإلمام تقي الدين النفهاني" :وأما التوكل على هللا ،فإن املس ي ي ييلمين األوائل قد فهموح حق الفهم ،وتوكلوا
على هللا حق التوكل ،ولذل قاموا بعظائم األمور ،واقتحموا أب ي ي ييد الص ي ي ييعاب ،ب الف املس ي ي ييلمين املتأخرين...،
فكان من نتيجة ذل أن انحطت الهمم ،وضعفت العزائم ،وضاق األفق في النظرة إلى الحياة ،فصاروا يحسون
ب ييال جز ،ويعتق ييدون أن ق ييدرتهم مح ييدودة ،وأنهم ال لس ي ي ي ييتطيعون إال م ييا اس ي ي ي ييتط يياعوا تحقيق ييه ،وله ييذا لن يرجع
املس ي ي ي ييلمون إلى اقتعياد ذرى املجيد ،واالنيدفيا في الحيياة لتحقيق املعيالي ،إال إذا فهم التوكيل على هللا حق الفهم،
وتوكلوا على هللا حق توكله ،فإن عظائم األمور ال يمكن أن يحققها الرجال إذا حدوا قدرتهم بقواهم اإلنسانية
وححدهحا ،فيإن هيذح القوى اإلنس ي ي ي ييانيية إذا نظر إل:هيا وحيدهيا ،وعميل بمقيدار نظرتيه هيذح قص ي ي ي ييرت بياعيه ،حت عن
تحقيق األمور الع ييادي يية ،فض ي ي ي ييال عن األمور غير الع ييادي يية ،ولكن إذا خمن الرج ييال أن هن يياك قوى وراء اإلنس ي ي ي ي ييان
تسي ي ي يياعدح على تحقيق طلباته ،فإنه وال بي ي ي ي يندفع إلى ما هو أكبر من قوته ،معتمدا على تل القوى ...فكي
ه ه ه
باملس ييلم وهو يؤمن بال عن دليل قاطع ،ويص ييدق بوجود هللا تص ييديقا جازما مطابقا للواقع عن دليل ،فإنه وال
ب ي يحقق بتوكله على هللا أض ييعاف أض ييعاف ما يحققه غير املس ييلمين ،ومن هنا كان التوكل على هللا من أعظم
مقوميات األمية اإلس ي ي ي ييالميية ومن أهم أفكيار اإلس ي ي ي ييالم ...وطليب التوكيل على هللا في هيذح األدلية كلهيا لم ييأت مقرونيا
بش ي ي ي يير ،وال مش ي ي ي ييروطييا فيييه عمييل من األعمييال ،بييل جيياءت األدليية مطلقيية في طلييب التوكييل ،فيكون الواجييب هو
التوكل على هللا بشكل مطلق ،في كل أمرمن األمور ،وفي كل عمل من األعمال ،يجب أن نتوكل على هللا.
ه
وبذل يكون التوكل على هللا فرض ييا بغض النظر عن األس ححباب واملس ححببات ،وهي ليس ححت قيدا له ،وال بيانا
لحكمحه ،ألن أدلتيه جياءت مطلقية غير مقييدة ،ولم تقييد وال بنص من النص ي ي ي ييوص ،وألن أدلتيه ليس ي ي ي ييت مجملية،
حت تحتاج إلى بيان ،ومسألة األخذ باألسباب واملسببات ،مسألة أخرى غيرمسألة التوكل ،فهي مسألة ثانية
ه
غير التوكل ،وأدلتها غير أدلة التوكل ،فال يص ح ححش أن تحش ح ححرمعه ،أو تجعل قيدا له .فكما يدب على املس ح ححلمين
أن يأخذوا باألسح ح ححباب واملسح ح ححببات ،كما ثبت ذلك باألدلة الشح ح ححرعية ،كذلك يدب عل هم أن يتوكلوا على هللا
تعالى ،كما ثبت ذل باألدلة الشرعية ،وليس أحدهما بقيد لآلخر ،وال برطا من بروطه.18".
ً ً ً
يربه القرآن األسح ح ححباب باملسح ح ححببات ربطا ماديا حين يحتاال ذلك ،وأحيانا ال يربه األسح ح ححباب باملسح ح ححببات
ً ً
ربطا ماديا تظهر فيه كي تؤثر القوة أو الطاقة القادرة على التأثير في ال ي ييمس ِّب ِّب إلحداث التغيير في حالته ،بل
،
قد ال تجد عالقة س ي ي ي ييببية مباب ي ي ي ييرة البتة بين طرفي املعادلة الس ي ي ي ييببية ،قال هللا تعالى﴿ :وم ْن ي ،ت ِّق ّ ي ْجع ْل له
18ئ"إزالة األتربة عن الجذور" ربط األفكار واألحكام بالعقيدة اإلسالمية ،لحزب التحرير
35
، ،
ّ فهو ح ْس ي ي ي يبيه ِّإ ،ن ّ بي ِّالغ أ ْم ِّر ِّح قي ْد جعيل ّ ِّلكي ِّ ِّل
، ْ ، ْ ْ ْ ْ ه
م رجيا وي ْرزقيه ِّمن ح ْييث ال يحت ِّسي ي ي ي يب ومن يتوكي ْل على ِّ
ْ ْ
ي ييب ْيء ق ْد هرا [الطالق ،]3-2 :وقال تعالى على لسي ييان رسي ييوله نوح عليه السي ييالم﴿ :فقلت ا ْس ي يتغ ِّفروا ر،بك ْم ِّإ ،نه كان
السماء عل ْيك ْم ِّم ْدر هارا وي ْم ِّد ْدك ْم ِّبأ ْموال وب ِّنين وي ْجع ْل لك ْم ج ،نات وي ْجع ْل لك ْم أ ْنه هارا [نوح: غ ،ف هارا ي ْر ِّس ْل ،
.]12-10
ه
اويات املذكورة أعالح من سي ييورة الطالق وسي ييورة نوح تفيد أن كثيرا من النتائج ت تج من أسي ييباب ال لسي ييتطيع
اإلنس ي ييان رؤية الرابط ف:ها بين الس ي ييبب والنتيجة .فهي ليس ي ييت من نو األس ي ييباب املادية التي ت تج عادة مثل هذح
النتيائج املياديية .فيالرابط بين هيذح األس ي ي ي يبياب ونتيائجهيا رابط غيبي ،أعلمنيا هللا بيه .وليذلي فيإن اليذي ال يؤمن بياهلل
ِّ ُّ ، ِّ
وتفرج وخياته ال يؤمن بهذا النو من األس ي ييباب لهذح النتائج .إذ كي يتص ي ييور امللحد أن تقوى هللا تحل املش ي يياكل ِّ
الكروب وتجلب الرزق؟! وكي يص ي ِّيدق امللحد أن االس ييتغفار يني ي ي ي ي ييزل املطر ،ويأتي باألموال واألوالد والبس يياتين؟
وهو ال يرى عالقة مادية بين االستغفار وبين هذح األبياء.
يقينا ْه
أن ال حركة وال سي ييكون أما املؤمن الذي يوقن أن هللا هو خالق كل ي ييبيء ومسي ي ِّيير كل ي ييبيء ،فإنه لعلم
إال بأمر هللا ،ويعلم أن هللا حين لعطي ال يحتاج إلى أس ييباب مادية .والطفل الص ييغير حين يص ييرا تس يير إليه أمه
لترى ميا حياجتيه .فيالص ي ي ي ييرخية من حييث هي ال تنقيذ الطفيل ،بيل عط أميه هو اليذي لس ي ي ي يياعيدح .وليذلي فيالطفيل
يتكل على عط أمه ومساعدتها .واإلنسان املؤمن العاقل يتكل على رحمة ربه وعونه وتوفيقه.
ْ ْ َ َْ ُُ َ َ َ َ َ ُ ْ ْ َْ َ َ ُ ً َ ُ
ض ذل حوال ف ح ح ْامش ح ح ح ح حوا ِّف حي َم حن ح حا ِّك ح ِّ ح َه ح حا َوك حل حوا ِّم حن ِّرز ِّق ح ح ِّه و ِّإل حي ح ح ِّه وق ي ييال ت يع ي ييال ييىُ ﴿ :ه ح َو ال ح ح ِّذي ج حع ح حل ل حك حم األر
ور [املل .]15:وقال تعالىَ ﴿ :و َأع ُّدوا َل ُه ْم َما ا ْس ح ح َت َط ْع ُت ْم م ْن ُقوة َوم ْن َب ْ َ ْ ُ ُ َ َ ُ ُّ
الن ُش ح ح ُ
اط الخي ِّل ت ْر ِّهبون ِّب ِّه عدو ِّ
َّللا ِّ ِّر ِّ ِّ ِّ
آخر َ َ َُ ُ ْ َ َ
ين ِّم ْن ُد ِّون ِّه ْم [األنفال.]60: وعدوكم و ِّ
واويتييان املييذكورتييان أعالح من س ي ي ي ييورة امللي وس ي ي ي ييورة األنفييال تفيييدان أن اإلنسي ي ي ي ييان مييأمور من هللا أن يربط
ه
النتيائج املياديية بيأس ي ي ي يبيابهيا املياديية أيضي ي ي ي ييا ،وليس أن يكتفي بربط النتيائج بيأس ي ي ي يبيابهيا الغيبيية فقط .فياويية تقول:
ْ ُُ َ َ ُ
﴿ف ْامش ح حوا ِّفي َمن ِّاك ِّ َها َوكلوا ِّم ْن ِّرز ِّق ِّه فاملؤمن رغم معرفته أن هللا هو مق ِّس ي يم األرزاق ،يرى أن مق ِّس ي يم األرزاق
يأمرح أن لسي ى لكسيب الرزق ،وأن التوكل على هللا ليس معناح إهمال األسيباب املادية ،وقد ورد في الحديث عن
ً
رس ي ي ي ييول هللا ﷺ« :لو أنكم تتوكلون على هللا حق توكلح ححه لرزقكم كمح ححا يرزق الطير ،تغح ححدو ِّخمح ححاصح ح ح ح ح ححا وتروح
ه ه ً
بطانا» [رواح أحمد والترمذي وال سا ي وابن ماجة] فأثبت له رواحا وغد ِّوا لطلب الرزق ،وفي حين أن الرزق بيد
هللا ،وأن الس ي حالة من الحاالت التي يتنزل ف:ها الرزق ،إال أن األخذ بأسباب الس ي يندرج تحت السببية التي
أقام هللا الوجود عل:ها ،فالتاجر مثال يحسي يين عرا بضي يياعته ،ويقوم بالدعاية املطلوبة لها ،ويحسي يين تسي ييعيرها
وما إلى ذل من أسباب الزمة لتحقق إحسان الس ي للوقو في مظنة الرزق.
ُ َ َ ُ َ َ
واوية األخرى تقولَ ﴿ :وأ ِّع ُّدوا ل ُه ْم َما ا ْسحتط ْعت ْم ِّم ْن قوة واملسيلم لعرف أن النصير من هللا .ومع ذل فإن
قوة .ولم ي ْقبل هللا من املس ي ييلمين أن تكفل للمؤمنين بالنص ي يير أمرهم أن لع ِّدوا كل ما لس ي ييتطيعون من ِّ
ِّ
هللا الذي ِّ
36
يجهز الجيش ،وكان يأمر بالتدريب يكتفوا بالتقوى والتوكل على هللا ويهملوا األسيباب املادية .فكان الرسيول ﷺ ِّ
كالرماية والس ي ي ي ييباحة وركوب الخيل .وكان يناور في الحرب ،ويس ي ي ي ييمح بالكذب على العدو ،ويحرا املؤمنين على
القتال ،ويحفر الخندق ،ويأمر من يتجسس على العدو ،ويعقد الصلا مع عدو ليتفر لعدو كما فعل في صلا
الحديبية مع قريش ليستفرد ب يبر.
ولذل فاألس ي ي ييباب في نظر املس ي ي ييلم نوعان :األول هو تقوى هللا .والثاني هو األس ي ي ييباب املادية التي من ب ي ي ييأنها
عادة أن ت تج النتيجة املطلوبة .وال يجوز للمسلم أن يكتفي بأحد هذين السببين مت كان لستطيعهما.19
وصي ي ي ييحابة رسي ي ي ييول هللا ﷺ حين خالفوا عن طاعة الرسي ي ي ييول ﷺ في غزوة أحد ،ارتفعت عنهم سي ي ي يينة النصي ي ي يير
اإللهية لت لفهم عن بعر أهم أس ييبابها ،وخض ييعوا للس يينة اإلنس ييانية الثابتة في انتص ييار القوي على الض ييعي ،
انتصييار من لعد العدة أفضييل ،سييواء العدة الحربية من عتاد وجند وسييالح ،أو الخطة والحنكة ،فكانت الغلبة
ْ ْ لعدوهم! قال تعالى يص ي ذل املوق ﴿ :إ ْن ي ْمس ي ْس يك ْم ق ْر اح فق ْد م ،
س الق ْوم ق ْر اح ِّمثله و ِّتل األ ،يام ند ِّاولها ب ْين ِّ
اس خل عمران ،140/فسيماهم بالناس ،وعد ما حصيل لهم في غمار ما يحصيل للناس في مثل تل املواق ! ،
الن ِّ
اس ف ضعوا بذل للسنن التي ي ضع لها سائر الناس ،لعدم استحقاقهم النوقال﴿ :وت ْل األ ،يام نداولها ب ْين ،
ِّ ِّ ِّ
حصولهم على السنة اإللهية في قل عدم طاعتهم للرسول ﷺ.
إذن ،فقد أمر الشي ييار اإلنسي ييان باألخذ باألسي ييباب املؤدية لتحقيق النتائج ،ولكن اإلنسي ييان اوخذ باألسي ييباب
ِّ
ي فق أحييانيا في بلو غيايياتيه ،فجلى اإلس ي ي ي ييالم لينسي ي ي ي ييان مفهوم التوكيل على هللا تعيالى ،وهو إطيار عقيدي جيامع
مانع ،يتجاوز معض ييلة ض ييع اإلمكانيات الالزمة لتحقيق املراد ،لوجود العوائق ،أو لتجاوز معض ييلة أن الس يينن
املجتمعيية تق ي ي ي ييبي بيانتص ي ي ي ييار القوي على الض ي ي ي ييعي ،فيربط عمليه بياالتكيال على هللا لييدبر ليه من ب ي ي ي ييأنيه ميا ال
قدرها بمعطياته اإلنس ييانية البش ييرية القاص ييرة ،بأن لعلم أن هللا تعالى عون له ونص ييير، لس ييتطيعه بأس ييبابه التي ِّ
وأن هللا العلي القوي القدير وراءح ،لس ي ييندح ويس ي يياعدح على تحقيق معالي األمور ،فيندفع بعزيمة ترفعه القتعاد
ه
ذروة ال سيير بين األمم مو ِّقنا أن قوته البشييرية املحدودة مسيينودة بقوة غير محدودة ،وأن خططه وغاياته أوسييع
من أن تحد باالقتصي ي ييار على اإلنجازات العادية القاصي ي ييرة ،معتمدا على قوة هللا وعلى أنه لسي ي ييير جنديا لتحقيق
الغايات العظيمة التي ألجلها خلق هللا الخلق وأرسل الرسل!
19مقال في مجلة الويي العدد - 128السيينة الحادية عشييرة – رمضييان – 1418كانون الثاني 1998م بين التوكل على هللا وربط األسييباب باملسي ِِّّيببات،
بتصرف.
37
نماذال أعمال خارقة قام بها املؤمنون نتيدة التوكل على هللا:
فيفوا أمرح كله هلل ،بل يدفعه هذا التوكل للقيام بعظائم األمور ،واقتحام أب ييد الص ييعاب ،واقتعاد ذروة
املجد ،واالندفا في الحياة لتحقيق املعالي األمر الذي جعل اإلسالم ينتشر من أقصب الشرق ألقصب األرا في
أقل من مائة س ي ي يينة ،فتجاوزت إنجازاتهم ما لس ي ي ييتطيعه البش ي ي يير بقواهم الذاتية ،فحفروا خندقا ب ي ي ييمال املدينة
املنورة ،ليربط بين طرفي حرة واقم وحرة الوبرة ،وهي املنطق يية الوحي ييدة املكش ي ي ي ييوف يية أم ييام الغزاة ،وك ييان طول ييه
ه
خمسيية خالف ذرا ئأي حوالي 2.5كيلومترا ،وحددته بعر املصييادر ب ئ 2725مترا ،وعرضييه تسييعة أذر ،ئأي
حوالي 4.5مترا ،وعمقه من س ي ييبعة أذر إلى عش ي ييرة .ئأي ما بين 3.5إلى 5أمتار ،وجاء في كتاب :أطلس الس ي يييرة
ه
النبوية للدكتور ب ي ييو ي أبو خليل :أن طول الخندق كان خمس ي يية خالف وخمس ي ييمائة وأرسعة وأرسعين مترا ئ5544
ومتوس ييط عرض ييه أرسعة أمتار فاص ييلة اثنين وس ييتين ئ 4.62ومتوس ييط عمقه ثالثة أمتار فاص ييلة ثالثة وعش ييرين
ئ. 3.23
وهيذح األبعياد تيدل على أن حجم األرا التي تم حفرهيا يبلغ حوالي 83أل متر مكعيب ،وفي أرا ص ي ي ي ييخريية
تحتاج والت خاص يية ،إال أن هذا الخندق الض ييخم بكل املعايير تم حفرح في أس ييبوعين ،بأدوات بدائية بس يييطة،
متضييمنا أعمال الحفر وأعمال نقل التراب املحفور من الحفرة إلى أماكن بعيدة ،وكان عدد املسييلمين في املدينة
،3000منهم املرير والشي ي يييخ املسي ي يين ،والعامل في الخدمة اللوجسي ي ييتية للمشي ي ييرو ،والقائم بالحفر فعال ،وكان
ه
على كل عش ي ييرة من املس ي ييلمين حفر أرسعين ذراعا ،وعلى كل واحد حفر أرسعة أذر ،فتح الباري ئ ، 397/3وكانت
الس ي ي ي يمية العيامية للمش ي ي ي ييتغلين بيالحفر أن عض ي ي ي ييهم الجو والبرد القيارس ،فقيد كيان الجو ب ه
ياردا ،والريح ب ي ي ي ييدييدة
والحيالية املعيش ي ي ي ييية ص ي ي ي ييعبية ،بياإلض ي ي ي ييافية إلى الخوف من قيدوم العيدو اليذي يتوقعونيه في كيل لحظية ،األمر اليذي
ه
يجعل العمل خارقا يتجاوز أي إنجاز بشييري بالقوى البشييرية الذاتية .قال أبو طلحة« :بييكونا إلى رسييول هللا ﷺ
الجو فرفعنا عن بطوننا عن حجر حجر ،فرفع رسول هللا ﷺ عن حجرين».
38
هزيمة امبراطورية الفرس واإلمبراطورية البيزنطية الشرقية في غضون سنوات:
وفي نحو عش ييرين س يينة من تل الواقعة أنه املس ييلمون كيان االمبراطورية الفارس ييية ،وأقص ييوا اإلمبراطورية
الرومية عن الشي ي ييرق وهزموها هزائم منكرة ،وفي نحو سي ي ييبعين سي ي يينة من تطبيق اإلسي ي ييالم :ممي الفقر من الدنيا
أيام عمر بن عبد العزيز!
إن النيياس الييذين دخلوا مع املس ي ي ي ييلمين في الص ي ي ي يرا الييدموي على مر العص ي ي ي ييور ،لم يكونوا يييدركون مييدى مييا
للعقييدة اإلس ي ي ي ييالميية ،أي للفكر ،من قوة وتيأثير في القوة املياديية ،وليذلي كيانوا لعتميدون على زييادة قوتهم املياديية
على قوة املس ي ييلمين ل:هزموا املس ي ييلمين ،ولكنهم بالرغم من هذح الزيادة في القوة كان املس ي ييلمون ي تص ي ييرون عل:هم
رغم ض ي ي ييع املس ي ي ييلمين وقلة عددهم ،ولم تنفع زيادة القوة املادية أص ي ي ييحابها في ميادين الحرب ،وق ،ل النص ي ي يير
ه
حليفا للمسي ي ييلمين .هكذا كان حال املشي ي ييركين مع رسي ي ييول هللا ﷺ وأصي ي ييحابه ،وهكذا كان حال الروم والفرس مع
ال ي ي ي يحيابية ،يق ثالثية خالف من املس ي ي ي يلمين أميام عش ي ي ي يرات اوالف من الروم في مؤتية ،وفي اليرموك كيان تعيداد
املس ي ي ي ييلمين 36ألفييا مقييابييل 70ألفييا من الروم ،بييأس ي ي ي ييلحتهم ودروعهم وعتييادهم الحرسي الييذي فيياق كثيرا مييا لييدى
املس ي ي ي ييلمين ،وخبراتهم القتالية الدولية ،وكان تعداد جيش الفتح الذي اجتاح فارس 18ألفا من املس ي ي ي ييلمين ،لم
تص ييمد أمامهم راية ،وانهارت مدائن الفرس واحدة تلو األخرى ،وفي القادس ييية كان املس ييلمون 30ألفا ،والفرس
ه ه
قضاء تاما. حوالي 70ألفا ،وانتصر املسلمون ،وقضوا على اإلمبراطورية الفارسية ما بين 11ه ،و23ه
هذح القض ي ي ييايا تقع في دائرة الس ي ي يينن اإللهية ،وهي ت تل عن الس ي ي يينن املجتمعية ،إذ األخيرة ال تحاسي أحدا،
فاألقوى في املعركة سي ييي تصي يير سي ييواء قوة العسي ييكر أو الخطة أو اوالت ،سي ييي تصي يير حتما ،ولكن السي يينن اإللهية
التي أمرت باإلعداد قدر االس ييتطاعة ،وعلم هللا أن س ييتكون قروف ال لس ييتطيع ف:ها املؤمنون اإلعداد فوق قدرة
أعدالهم ،فال يملكون األسي ييلحة النووية والصي ييواريخ ،فكان من رحمته أن جعل س ي ي نا إلهية تل ي مفعول السي يينن
املجتمعي يية وتحقق االنتص ي ي ي ي ييار للمؤمنين ،فب ييالط يياع يية ،والص ي ي ي ييبر ،واليقين ب ييالنص ي ي ي يير من هللا مع اإلع ييداد ق ييدر
االستطاعة والتوكل على هللا يحصل النصر مهما كانت قوة الكفار.
هذح القضيايا تبين صيحة عقيدة التوكل على هللا ،وأنها فوق األسحباب ،وأنها تحقق لألمة انتصيارات تجعلها
سي يييدة األمم في أقل وقت إن هي اعتصي ييمت بأمر ربها ،ولم تسي ييتنصي يير إال به ،ولم تتوكل إال عليه ،ومن هي أقامت
دولتها وحكمت بريعة ربها ،وأخلصت هلل نياتها .وليس مع؟ أنها فوق األسباب أنها ال تجري وفقا لسنن الوجود،
وأنهيا م جزات ،ولكن هللا تعيالى لس ي ي ي ييخر لهيا من العواميل ميا يحققهيا ومن كيانيت س ي ي ي يينن العيادة ال تيدل على تحقق
نظائرها ،أو لس ييخر هللا من أس ييباب الوجود ما ليس بإمكان أحد غيرح تس ييخيرح ،كتس ييخير الريح الش ييديدة نص ييرة
للمؤمنين في الخن ييدق ،ومم ييدادهم ب يياملالئك يية في ب ييدر ،أو تعمي يية عيونهم فال تبص ي ي ي ييرهم كم ييا في الغ ييار ،فال أح ييد
ه
لستطيع أن يضع في الخطة السببية تسخير الريح مثال.
39
درس من غزوة تبو :
والحص ييان يحتاج يوميا ألرسعين ليتر من املاء عالوة على الزاد ،ومن ال جيب أن نرى أن املس ييلمين س يياروا من
ه
املدينة إلى تبوك في أب ي ي ي ييد ما يكون الص ي ي ي ييي حرا ،اس ي ي ي ييتغرقت الغزوة على أقل تقدير خمس ي ي ي ييين يوما ،إذ تتراوح
املسي ي ي ي ييافية من امليدينية الى تبوك بين 580كم الى 600كم ومن املعتياد أن تقطع القوافيل في مثيل هيذح الحيالية من
ه
50-40كم كل يوم .لهذا من املحتمل أن تقطعها القافلة في 12يوم ئمرحلة إذا كان السي ييير متواصي ييال ،لكن من
ع ييادة القواف ييل الراح يية ليوم أو يومين بع ييد كييل 5-3مراح ييل ،ونعتق ييد أنهم أق يياموا فترة يوم أو يومين في كييل من:
مرحلة "ذو خش ي ي ي ييب" ،وادي القرى ،وفي الجو قرب قا الال ،إض ي ي ي ييافة إلى الفترة التي لب ها ﷺ في املنطقة يرس ي ي ي ييل
السرايا ويحمل الدعوة.
جاء في املواهب اللدنية للقس ييطالني متحدثا عن غزوة تبوك :وكان معه عليه الص ييالة والس ييالم ثالثون ه
ألفا:
ه ألفا ،وفي رواية عنه أي هوعند أسي زرعة س ي ي ييبعون ه
ضي ي ي يا أرسعون ألفا ،وكانت الخيل عش ي ي ييرة خالف فرس .انته .األمر
اليذي لع؟ي الحياجية لتيأمين أرسعميائية أل ليتر من املياء يومييا للخييل وحيدهيا ،نياهيي عن الجيش ،أي أنهم كيانوا
بحاجة لنهر جار!
ه
س ي ي ييل الجيش النبوي عبر درب معروف هو درب القوافل بين املدينة والش ي ي ييام ،أوال عبر وادي الحمر ،ثم
أسي ي ي ييفل وادي الجزل ،ثم عبر وادي القرى والعال ،ثم ال جر ،وسعد ال جر تركوا الدرب املعهود للشي ي ي ييام ،والذي
يمر بياملعظم ،واعتس ي ي ي ييفوا ص ي ي ي ييعود حرة عويرا رغم ص ي ي ي ييعوبتهيا وارتفياعهيا ،لكن ألجيأهم لهيا أنهم بحياجية ملرايي
ه
منطقة الجو ومائه .نزلوا من عويرا الى وادي الشي ييق ،وعسي ييكروا في منطقة الجو يوما أو يومين كي ترتاح اإلبل
وتتغذى على املريى الجيد والشيرب سييكون من مماسي املاء في وادي الشيق .بعدها تركوا الجو واتجهوا الى درب
البكرة ألنيه أخص ي ي ي يير اليدروب وأس ي ي ي ييهلهيا ولتوفر خزان مياء ض ي ي ي ييخم فييه ،س ي ي ي ييلكوا عبر درب البكرح قياطعين وادي
األخضيير ثم الزرداب ثم وصييلوا العقبة أو الث ية املشييهورة ئالنقب ثم تركوا جبل برك يمينهم ووصييلوا الى تبوك،
وقد قدر زيد العدد بثالثين ألفا وهذا عدد كبير جدا ال تتحمله موارد الدرب .ئخص ي ي ييوص ي ي ييا حاجات الخيل للماء
كميا أس ي ي ي ييلفنيا لهيذا واجه الركب النبوي حاالت عطش عديدة 20.في ب ي ي ي ييدة الحر ،لذل كان توكلهم على هللا هو
الدافع إلنجاز ضخم بكل املقاييس كهذا الذي أنجزوح!
كي اس ي ي ي ييتطيياعييت مكيية واملييدينيية توفير الييدعم الكييافي خالل أيييام الفتوحييات مع أن إمكييانيتهمييا تكيياد ال تعتبر
ذات قيمة باملقارنة مع مدن اإلمبراطورية الرومانية والفارسية خنذاك؟
21نفح الطيب ،عن :التاريخ األندلسبي من الفتح اإلسالمي حت سقو غرناطة للدكتور عبد الرحمن الحجي .ص .51
41
في الجزيرة في لسييان أرمييبي داخل في املحيط األطلسييبي لعرف اون باسييم طريفة ،دخلوا بالدا كان يحكمها القو
منذ قرنين ،وهم قوم أولو بأس في الحرب ،ولم يكن انتصار املسلمين بسبب ضع جيش القو ،أو الخيانات
فيه كما يروج من لم يقرأ التاريخ ،بل إن القو أمة عس ي ييكرية لم تعرف الهزيمة طيلة قرنين من الزمن ،إال على
يد املس ي ييلمين ،وعادت الس ي ييرية بأخبار البالد ملو ي ييب ،ومعلومات أعانت على وض ي ييع خطة للفتح ،فجهز الجيش،
فتجمع لديه سي ييبعة خالف ،غالبيتهم السي يياحقة من البربر املسي ييلمين ،واختار لها القائد املسي ييلم البربري طارق بن
زياد ،أمير الحامية العس ييكرية في مدينة طنجة املغربية ،الذي كانت له ص ييوالت وجوالت في الجهاد في الس يينغال،
ْ
وكان عمرح 28عاما ،وهو من قبيلة ن ْفزة ،من البربر البتر ،واملسافة بين طنجة وجبل طارق 22كم ،وكل العبور
أمد املس ييلمين باملراكب للعبور، تم من مدينة س ييبتة ،ولم تفتح س ييبتة ،وحاكمها كان من القو ،واس ييمه ي ْليان، ،
كل مركب يحمل ما يقارب الخمس ي ي ييين إلى املائة على أقص ي ي ييب تقدير ،فإذا ما اص ي ي ييطحبوا معهم الجمال والخيل،
فإن حمولة السفينة لن تزيد عن الخمسين في كل مرة ،وعلى األر ا أنه كان للمسلمين مراكفهم أيضا ،ألن عدد
الجيش كبير يتطلب مراكب كثيرة ،إذ كانت لديهم دور لص ي ييناعة الس ي ييفن منذ فجر اإلس ي ييالم في ب ي ييمال أفريقيا،
وكانوا قد خاض ي ي ييوا معركة ذات الص ي ي ييواري في س ي ي يينة 33ه من تونس باس ي ي ييتعمال أس ي ي ييطول إس ي ي ييالمي قوامه مائتي
س ييفينة ،وفتحوا ص ييقلية في س يينة 46ه بأس ييطول من مائتي س ييفينة ،واألمة التي لش ييغلها ب ييأن الفتوحات ونش يير
ه ه
اإلس ي ي ي ييالم ال بيد أنهيا أخيذت عيدتهيا بلوازم الفتح برا وبحرا ،وييذكر ابن حييان أن طيارقيا تجهز "في س ي ي ي ييبعية خالف من
ُّ
املس ييلمين جلهم من البربر ،في أربع س ححفن ،وحط بجبل طارق امل س ييوب إليه يوم الس ييبت في ب ييعبان س يينة اث تين
وتسعين ،ولم تزل املراكب تعود [إلى سبتة وتجلب با ي الجند] حت توافى جميع أصحابه عندح بالجبل" ،22وخخر
فوج كان فيه طارق بن زياد،
يقول املؤرا اإلس يباني ئاغناس يييو اوال في في كتابه :ئالثورة اإلس ييالمية في الغرب .الص ييادر في برب ييلونة س يينة
1974ما نص ي ي ي ييه" :للوص ي ي ي ييول إلى ايبيريا كان على العرب أن يجتازوا املض ي ي ي يييق البحري الذي يفص ي ي ي ييل أفريقيا عن
أوروبا؛ الجمل ئسي ي ييفينة ال ي ي ييحراء الذي لسي ي ييبب "دوار البحر" ملن يمتطيه دون خبرة ،هو سي ي ييفينة صي ي ييحرواية
وليسي ي ي ي ييت بحرييية .كييذلي البربر لم يكن لييديهم س ي ي ي ييفن حربييية .وحت لو تزود العرب الزوارق ،فقييد يكيان عل:هم أن
ه
يجدوا الربابنة املهرة .خص ي ييوص ي ييا أن مض ي يييق جبل طارق الذي يص ي ييل بين املتوس ي ييط الخالي من املد والجزر وبين
ه
األطلنطي ،لش ي ي ي ييكل ممرا لتيارات قوية تس ي ي ي ييير باالتجاهين ،وت ض ي ي ي ييه بص ي ي ي ييورة دائمة رياح عنيفة .إنه ممر خطر
للغاية ،ويعرف عنه أنه مقبرة البواخر"" .حسي ي يب رواية ئأخبار مجموعة أعار املدعو يليان العرب [املسي ي ييلمين]
ه
أرسعة زوارق ،ال يزيد الحد األقصيب لحمولة الزورق الواحد عن خمسيين رجال إضيافة إلى البحارة .يحتاج طارق،
ه
في هذح الحالة ،لنقل جيش ييه إلى خمس وثالثين رحلة .أي حوالي س ييبعين يوما .ألن هذا النو من الزوارق يحتاج،
على األقل ،إلى يوم واحد ليقطع املسافة .ومذا حسبنا األسابيع ذات الطقس السيئ والتي تتوق ف:ها الرحالت،
22نفح الطيب 161/3عن :التاريخ األندلسبي من الفتح اإلسالمي حت سقو غرناطة للدكتور عبد الرحمن الحجي .ص .51
42
تصي ي ييل هذح املدة إلى ثالثة أبي ي ييهر؛ ال يمكن أن يتم إبحارح كهذا إال إذا تمكن النازلون على بي ي ييواط إسي ي ييبانيا من
النجاة من مجزرة .ذل حت يتمكنوا من استقبال من سيلحق بهم".
دخل طارق بن زياد املضي يييق في 5رجب ،وبينما هم في السي ييفينة في املضي يييق ،أخذته نومة ثم صي ييحا من نومه
وسشير من في السيفينة أنه رخى رسيول هللا ﷺ ،الذي بشيرح بالنصير وأوصياح بمن معه خيرا ،وبمن سييفتح بالدهم
خيرا ،وملا وص ي ي ييل طارق جبل طارق في الجانب األندلس ي ي ييبي ،في املوض ي ي ييع الوطيء الذي كان قد عزم النزول فيه إلى
البر ،وجييد القو بييانتظييارح بييالس ي ي ي ييالح ،وعل:هم ت ي ْدمير ،فييابتكر طييارق خطيية جييديييدة على الفور ،فلمييا منع أوهم
العي ييدو بي ييأني ييه يرجع للمغرب ،وبقي يبحر حت حي ييل الظالم ،ثم كر راجعي ييا من س ي ي ي ييبيي ييل خخر في البحر إلى خل
ه
الجبل ،23وهي منطقة تمثل منحدرا بالغ االنحدار والص ي ي ي ييعوبة ،كأن الجبل مقص ي ي ي ييوص قص ي ي ي ييا يرتفع عش ي ي ي يرات
فوطأح باملجادف وبراذ الدواب ،ونزل منه إلى البر وهم ال لعلمون ،وص ي ي ي ييعدوا األمتار ،ونزل إلى املوض ي ي ي ييع الوعر ِّ
الجبل والتحقوا باألفواج التي سييبقتهم ،ليكتمل الجيش ،7000وقبل املعركة الفاصييلة ،كان كل فوج يصييل من
املسي ييلمين إلى األندلس لسي ييتقبله أكبر قائد قوطي اسي ييمه ت ْدمير ،الذي كان محافظا إلحدى املناطق والتي تسي ييم
بيياس ي ي ي يمييه إلى اليوم ،وقييد انهزم تي ْدمير أمييام املس ي ي ي ييلمين في جميع املعييارك دون اس ي ي ي ييتثنيياء ،فت جييب- ،وهو القييائييد
ه
العس ييكري الفذ -ملا يحدث له ،فكتب تدمير بعد لقائه بأفواج املس ييلمين فوجا إثر فوج رس ييالة إلى املل القوطي
لوذريق ئرودريكو - ،الذي كان م ش ي ي ي ييغال بقمع بعر الثورات في الش ي ي ي ييمال ،-قائال" :أيها املل ،أدرك؟ي ،فقد ِّ
حل
إلي بنفس ي ي ي ي " ،فلما جاءح قوم ال ندري أهم من أهل األرا أم من أهل الس ي ي ي ييماء ،وقد لقيتهم فلتنهر ، بأرض ي ي ي يينا ا
الخبر ،ووقع عليه وقع الص يياعقة ،انبرى من توح إلعداد الجيش الض ييخم ملنازلة املس ييلمين .وعلم طارق بالجمو
التي جمعها القو له ،فكتب إلى مو ب بن نصير يطلب املدد ،فأرسل له خمسة خالف بقيادة طري بن مال ،
فييأص ي ي ي ييبح عييدد الجيش اإلس ي ي ي ييالمي 12ألفييا ،بينمييا يكيان عييدد الجيش القوطي بتقييدير أقييل الروايييات 100أل ،
يمدهم من خلفهم عش ي يرات اوالف حين الحاجة ،وقد نازل الجيش اإلس ي ييالمي هذا العدد الض ي ييخم في أرض ي ييهم،
وبين قهران:هم ميدنهم ،ومميداداتهم االس ي ي ي ييتراتيجيية ،وروح القو املعنويية عياليية ،كيانوا متيأكيدين من النص ي ي ي يير إلى
درجة أنهم جهزوا الحبال التي س ي ي ي يييوثقون بها املس ي ي ي ييلمين أس ي ي ي ييرى ويس ي ي ي ييوقونهم ،جاءوا بتل الحبال على عربات
خاص ي ي يية لكتاف أس ي ي ييرى املس ي ي ييلمين ،وبدأت املعركة في يوم 28رمض ي ي ييان س ي ي يينة 92لل جرة ،س ي ي يينة 711ميالدية،
واستمرت املعركة تسعة أيام ،إلى نحو السادس من بوال ،فقاتل الفريقان قتاال بديدا ،وصبرا صبرا عظيما،
في معرك يية وادي لك ي ْه ،أو وادي برب ييا ،أو معرك يية ب ي ي ي ي ييذون يية ،وكله ييا أس ي ي ي يم يياء لنفس املعرك يية ،ب ييأس ي ي ي يم يياء املواقع
باإلس ي ي ييبانية ،حت أنزل هللا تعالى نص ي ي ييرح على املس ي ي ييلمين ،فلم ينج من القو إال من نجاح الفرار ،ومنهم لوذريق،
ملكهم الذي قتل في املعركة ،وقد تابع طارق بن زياد الجيش املنهزم حت وصل طليطلة عاصمتهم"24.
23وقصة حرق السفن ،وخطبته في الجيش أن البحر من خلفكم والعدو من أمامكم من األساطير التي ال أساس لها من ال حة.
24تفاصيل معركة الفتح اإلسالمي لألندلس -الدكتور عبد الرحمن َ
الح ِّجي (رحمه هللا) ،بتصرف.
43
األندلس؟ فتوحات سبب
َ َ
كان َ أسود ثم َ
أحمر نبلو َ
البيضاء يرصصبغ ل ْح َية ْابن ُن َ
ُ
هل
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
ويتابع املؤرا اإلسييباني الجاد ئاغناسيييو اوال في في كتابه :ئالثورة اإلسييالمية في الغرب فيقول" :يقول كتاب
ئأخبار مجموعة أن مو ييب بن نص ييير حين أراد أن يدفع أهل مدينة ماردة املس ييورة ئبس ييور لم ي ْب ِّن إنس ييان مثله
إلى االسي ي ييتسي ي ييالم ،قد صي ي ييبغ لحيته البيضي ي يياء بلون أحمر بعد االتصي ي ييال باملفاوضي ي ييين .ثم جاء إلى االجتما الثاني
ئالبد أنه واحد من أكلة لحوم البشير وليس ذل الشيخص الذي رأيناح في بلحيته الحمراء ،صيرا أحد املندوبينِّ :
املرة املاضية .في االجتما الثالث صبغ لحيته باألسود؛ ولدى عودة املفاوضين إلى املدينة قالوا لسكانها وهم في
ه ه ه
حالة ذهول؛ أنكم تقاتلون أناس ييا يتغيرون بمش يييئتهم؛ وملكهم الذي كان منذ أس ييبو ب ييي ا مس يينا هو اون رجل
باب .اذهبوا واستسلموا له .هذا مطلبه".
ئالبد أن العرب فقدوا "كانت هذح املدينة من أهم مدن ايبيريا؛ كان لسي ييكنها أكثر من نص ي ي مليون نسي ييمةِّ .
ه ه ه ه
عقولهم أمام عظمتها .وقد قلت مركزا حض ي ي يياريا هاما خص ي ي ييوص ي ي ييا بعماراتها األنيقة ،ولم تكن مأهولة بس ي ي ييكان
جهلة .ولم يكن من املمكن خداعهم بحيلة تغيير لون اللحية".
"وماذا عن املدن الحصي ي ي ييينة مثل طليطلة أو رندة ،صي ي ي ييمدت هذح األخيرة نصي ي ي ي قرن في وجه أمراء قرطبة
ه
األبي ييد قوة من طارق ومو ي ييب مجتمعين .أن يأخذ العرب مدنا بالخدعة الحربية أو بفعل الخيانات املحلية أمر
يمكن فهمييه ،ولكن أن يجتيياحوا بس ي ي ي ييهوليية بييالغيية مئييات املييدن .يكيان بعض ي ي ي يهييا من أهم مييدن العييالم خنييذاك ،فييأمر
خخر!!"
ويسييتمر في طرح األسييئلة الكبيرة والعميقة؛ فيقول" :من املدهش أنه بعد فتح اإلسييكندرية بدأت املسييافات
ه ه ه
تص ييبح ب يييئا فش يييئا طويلة .وبدأ العرب يواجهون بالدا ذات طبيعة جغرافية ص ييعبة .وباملقابل بدأ الوقت الالزم
ه ه
الجتياح هذح املس ييافات يقص يير ب يييئا فش يييئا .ثالث وخمس ييون س يينة للس يييطرة على تونس .عش يير س يينوات لكامل
بي ييمال أفريقيا .وثالث سي يينوات لشي ييبه الجزيرة االيبيرية ،صي ييحاري وأنهار وسي ييالسي ييل جبلية تم اجتيازها بسي ييهولة
بالغة".
" في الواقع ال يمكن لحمليية عس ي ي ي ييكرييية أن تس ي ي ي ييتمر إلى مييا ال نهيياييية .ألن الحمليية تفقييد قوتهييا بقييدر مييا تتوغييل
وتتقدم .وعندما يتقدم الفاتح ،وتفقد قواعدح األولى القدرة على تموينه ،يجب عليه أن يؤسي ي ييس قواعد بديلة؛
ه
األمر الذي كان يتطلب وقتا في القرن السابع .لكن العرب [املسلمين] حسب التاريخ التقليدي أهملوا هذا املبدأ
االس ييتراتيجي األس ييا ييبي في تل املرحلة .فما أن لس يييطروا على بلد حت ينطلقوا الجتياح بلد خخر .لقد وص ييلوا إلى
ه
تونس واتجهوا فورا نحو املغرب؛ وم ييا أن رأوا أمواج املحيط حت أبحروا نحو أوروب ييا .ثالث س ي ي ي يينوات فيم ييا بع ييد
تسللوا عبر جبال التبيري؟ي واجتاحوا مقاطعة اكيتانيا في فرنسا".
44
"لم يكن العرب على معرفة دقيقة بهذح األهداف العس ي ي ييكرية ،ولم يكن لديهم بعد خرائط وال لعرفون حت
ملاذا جاءوا وما سيفعلون في إيبيرية" .انته .
ه
لنيأخيذ اجتمياعيات مو ي ي ي ييب بن نص ي ي ي ييير امليذكورة س ي ي ي ييابقيا .هيل ت ض ي ي ي يييب لحيية القيائيد بيالحنياء هو اليذي فتح
ه
الحص ي يين ،وأدخل الناس في الدين أفواجا ،وجعلهم يدافعون عنه ويس ي ييتش ي ييهدون في س ي ييبيله .ذل أمر مرفوا
ه
حتمييا .الييذي جعييل النيياس تؤمن هو مييا يكيان يييدور في تلي االجتميياعييات ،من نقييال وحوار وجييدال بين قوة أفكييار
،
اإلس ي ي ي ييالم ووهن أفكيار الكفر .وحت إذا ميا ثبيت ألولئي املعيذبين بنيار اإلقطيا وغموا التثلييث ،وبطش القو
أن التوحيييد هو الحق ،وأن الرجييال الييذين يحملون هييذح الييدعوة صي ي ي ي ييادقون واعون مؤثرون قييادرون على إنزال
الهزائم النكراء بمثل تل املجتمعات املتهاوية من الداخل ،فتحوا لهم الحص ي ييون ،وأقبلوا على اإلس ي ييالم يلتزمون
به ويدافعون عنهِّ ،ملا ملسوح وباهدوح من عظمته وعدله.
"فق ييد ك ييان القو ال ييذين حكموا األن ييدلس يظلمون أه ييل البالد ئالون ييدال والروم ييان واألخال األخرى من
البش ي ي ي يير واألعراق التي كييان ييت ق ييدم ييت من غ ي ِّالي يية وبالد الجرم ييان واللومب ييارد غزاة ثم اس ي ي ي ييتقروا ف:ه ييا ،ومن قب ييائ ييل
الوندال جاء اس ي ييم األندلس ،ثم جاء القو قبائل متبربرة من أقص ي ييب الش ي ييمال ،وغلبوا على البالد واس ي ييتأثروا
ً
ب يراتهييا ،وبطش ي ي ي ييوا بكييل من خييالفهم ،فلمححا جححاء املس ح ح ح ححلمون وجححدوا قومححا ال يريححدون ش ح ح ح ححيئححا أك ر وال أهم من
التخلل من ظلم القوط".25
يحتج الجيش إلى مؤنة تص ي ي ييله من املدينة املنورة ليكمل املس ي ي ييير .فالذين دخلوا في الدين س ي ي ييمعوا لذل لم ْ
ّ في ْقتلون ، ْ ، ، ْ ْ ْ ْ ، ،
﴿إن ّ اب ي ي ي يترى ِّمن املؤ ِّم ِّنين أنفس ي ي ي يه ْم وأ ْمواله ْم ِّبيأن له ْم الجنية يقيا ِّتلون ِّفي س ي ي ي ي ِّبيي ِّيل ِّ
قولييه تعييالىِّ :
وي ْقتلون﴾ ،فبذلوا النفس واملال .ولم يحتج الجيش إلى الخرائط ،ألن الذين خمنوا من أهل البالد حملوا اإلسالم
بأنفسي ييهم ،أو وجدوا في اإلسي ييالم عدال كانوا ي تظرونه ،وسي يياعدوا جيشي ييهم -الجيش اإلسي ييالمي -على التوغل .ولم
يحتج الجيش إلى خبييار ميياء متنقليية أو تقنييية متطورة ،ألنييه اس ي ي ي ييت ييدم ذلي املتوفر بييدافع تلي الطيياقيية الحيوييية
الهائلة التي زرعها اإلسالم في قلوب امللتزمين به.
وال بي أن الدعوة سييبقت املعركة؛ فالرسييول -ﷺ -أرسييل الرسييائل إلى امللوك والعظماء .فسييار على سي ته
ه
الخلفاء كابرا خل كابر .وأمر ال ييحابة بوجوب دعوة الناس قبل قتالهم ،واالكتفاء بالجزية إذا قبلوا سييلطان
ه
اإلس ي ي ي ييالم ورفض ي ي ي ييوا اعتنياق اليدين .فيالتزم املس ي ي ي ييلمون بيذلي جيال بعيد جييل .األمر اليذي يؤكيد أن النياس علميت
باإلس ي ي ييالم وعظمته وعدله قبل وص ي ي ييول املجاهدين .فإذا ما وص ي ي ييل املجاهدون ،وب ي ي يياهدتهم الش ي ي ييعوب الض ي ي ييالة
ه ه
إس ي ي ييالما يتحرك فعال :إس ي ي ييالما ال لعتدي ،وال يظلم ،وال لس ي ي ييرق ،وال لغتص ي ي ييب ،إس ي ي ييالما ينص ي ي يير املظلوم ويعين
الض ييعي ،ويحل العقدة الكبرى عند اإلنس ييان ،إس ييالما يطبق قوانين الدولة اإلس ييالمية على املس ييلمين وغيرهم
،
25الدكتور وليد سي ،صقر قريش ،حوار بين بدر وبين أحد املولدين.
45
س ي ي ي ييواء بس ي ي ي ييواء من دون تمييز ،دخيل النياس في دين هللا أفواجيا ،أو بقوا على معتقيداتهم خمنين من اإلكراح على
تركها ،مطمئنين إلى العدل واإلنصاف وحسن املعاملة26.
ولعلنا نأخذ من التاريخ العبرة ،فشي ي ي ييعوب األرا اليوم تكتوي من قلم الرأسي ي ي ييمالية ،ومن ضي ي ي يين العيش،
فلعلها تفتح أبواب مدنها وقلوبها ليسالم فتدخل فيه أفواجا حين تأت:هم جمو املسلمين فاتحة بالخير العظيم
إن باء هللا تعالى.
ً
إذن ،فمفححاهيم العقيححدة كححانححت محركححا دافعححا للعمححل دائمححا عنححد املس ح ح ح ححلمين ،وطححاقححة هححائلححة تفتح ا فححاق
للقيام بأعمال عظيمة لم يكن الذين قاموا بها أنفسحهم يتصحورون إم انية القيام بها بقواهم الذاتية يوما،
إال بعد إيمانهم بهذا الدين ،وبوعد هللا ورس ييوله لهم بالنص يير ولدينه بالتمكين ،وميمانهم بأنهم أص ييحاب رس ييالة،
وأمة خيرية وبهادة تشهد على األمم!
26أنظر التفاصييل في مقال في مجلة الويي ،العدد ،83السينة السيابعة بيوال 1414هي ي ي ي يي ،اذار 1994م :الفتح اإلسيالمي يذهل املسيتشيرقين ،بتصيرف
بديد.
46
معضلة الشر :الحجة املركزية لإللحاد:
صييرح مايكل روس ئ Michael Ruseأحد أبييهر فالسييفة العلوم في مناقرته مع الالهوتي فزاال رانا ئ Fazale
Ranaتحيت عنوان "أص ي ي ي ييل الحيياة :التطور أم التص ي ي ي ييميم؟" س ي ي ي ينية 2013أنيه ال يرفر اإليميان بوجود هللا إال
لسي ي ي ييبب واحد وهو مشي ي ي ييكلة الشي ي ي يير ،إنها الشي ي ي ييفهة التي وصي ي ي ييفها الشي ي ي يياعر األملاني امللحد جورج بوخنر ئ George
Büchnerبي ييأنهي ييا "ص ي ي ي ييخرة اإللحي يياد" .وفي مني يياقرتي ييه مع الالهوتي ويليي ييام كريغ ئ William Lane Craigص ي ي ي ييرح
الفيلسوف األمريكي مايكل تولي ئ Tooley Michaelأن "ال جة املركزية ليلحاد هي ح ،جة الشر"27.
مل يياذا هن يياك ألم ومع ييان يياة في الع ييالم؟ ه ييل يج ييب على اإلل ييه أن "يح ييب املخلوق ييات" وأن "يرحمه ييا" .كون اإلل ييه
مطلق القدرة وكلي املحبة غير متس ييقة مع الش يير الواض ييا والعيوب التي في العالم ،من هو املس ييؤول عن الش يير؟
ما هي طبيعة الشر؟ ملاذا لسمح اإلله بوجود الشر في ملكوته؟ مآل الشر؟ هل األلم واملعاناة بر؟
لعلي أختصيير على كل مشييك أو متسييائل عن وجود الشيير في العالم ،وأقطع عليه حجته في اسييت دام هذح
املس ييألة للتش ييكي في وجود هللا ،أو دورح ،أو عدالته ،أو للتنص ييل من مس ييؤولية اإلنس ييان املباب ييرة عن الغالبية
الس ي يياحقة مما نش ي يياهد من حروب وأمراا وفقر وخالم ،بحل واحد يقطع ال جة عليه :لقد احتج املؤمنون بأن
هللا تعالى قد وهب اإلنس ي ييان اإلرادة الحرة ،وأن اإلنس ي ييان أس ي يياء اس ي ييت دامها ،ولم ل جب هذا الجواب الكثيرين!
وتساءلوا :هل هذا أفضل العوالم التي لستطيع اإلله القدير خلقها؟
ه
حسنا ،ما رأيكم بعالم ي لو من اإلرادة الحرة؟ يجبر فيه اإلنسان على كل تصرف وفكر وسلوك ،بل ويجبر
فيه على مس ييتوى النيات واألس يرار الداخلية ،فيس ييير كالريش يية في مهب الريح ،أو كالس يين في الدوالب؟ أهذا عالم
أفضي ييل من العالم الذي أعطيت فيه اإلرادة الحرة لينسي ييان فاختار أن يمأل العالم بالشي يير؟ ما رأيكم في العيش
في ذل العالم؟
ولكن ،حين نبحث في معض ييلة الش يير ،وانتش ييار األمراا النفس ييية واملجتمعية ،وانتش ييار الفقر واملجاعات،
والحروب ،وقبل النظر في نسبة املسؤولية عن الغالبية الساحقة من املشاكل التي لعاني منها اإلنسان اليوم إلى
الخالق أم إلى اإلنسيان ،فإنه يلزمنا أن نفهم بدقة أثر نمط العيش السيائد ،والفكر الغربي الذي نشحأ في أوروبا
منذ القرن السح ححابع عشح ححرامليالدي ،ومن ثم طغى في العالم عبرموجات من االسح ححتعماروالهيمنة السح ححياسح ححية
واالقتصادية والثقافية ،التي امتدت إلى اليوم ،والحروب واالستثمارات االقتصادية ،وكان أثرذلك واضحا
على هذا اإلنسان ،ودوره في إفرازهذه املشاكل ،ودوره في تشكيل عقلية ونفسية اإلنسان الذي يعيش نمه
الحياة الذي أس حس ححت له الحض ححارة الغربية ،في العالم الغربي ،بل وحتى في البالد التي س ححيطرت عل ها ،س ححواء
من خالل اإلعالم ،أو التعليم ،أو الس ح ححياس ح ححة واالقتص ح ححاد واالجتما ،أو النمه الثقافي الس ح ححائد ،أو أس ح ححلوب
48
الر ية املادية املي انيكية العبثية التي أفرزتها األنظمة العلمانية و انع اساتها على اإلنسان:
وس ي ييندرس ثالث أفكار مركزية لوض ي ييع اليد على هذح الرؤية العبثية ،أولها :نش ي ييأة العلمانية ،وقطعها للحبل
ال ُّسي ي ي ِّ ِّري بين اإلنس ي ييان وبين الفكر عن الوجود ،وعن وقيفته في الحياة ،وأثر ذل ،وثان:ها :إحاطة اإلنس ي ييان من
كييل جوانبييه بييالرؤييية امليكييانيكييية املييادييية التي ال تعترف بييأب ي ي ي ييواق روحييية ،وحص ي ي ي ييرهييا للمنفعيية بيياملنفعيية املييادييية،
والرفاهية ،وتأسييسيها للنظام االجتمايي على أسياس ال شيوة واملتعة ،وثال ها :التحوالت الفكرية في الفكر الغرسي
من الحداثة إلى ما بعد الحداثة والتحول من مركزية اإلنسييان في الكون إلى مركزية السييوق الحرة ،واالنتقال من
النض ييال والتنظير لتحرير اإلنس ييان إلى تش ييييئه تمهيدا البتالعه واس ييتغالله .جدير بالذكر ،أننا فص ييلنا تفص يييال
ه ه
حول هذح القضي ي ي ييايا مب يا على األدلة ومسي ي ي ييتندا إلى اوراء الفكرية املبابي ي ي ييرة من أفواح منظري املبدأ الرأسي ي ي ييمالي
العلماني الديمقراطي الليبرالي أنفسيهم ،ومن تاريخ تطور ذل املبدأ ،في كتابنا :الصيندوق األسيود للفكر الغرسي:
مأزق الدولة الحديثة.
49
بابوات الكنيسة ،وبابوات الليبرالية الرأسمالية!
صادرت الكنيسة الكاثوليكية في العصور الوسطى عقل اإلنسان برمته ،ومنعته أن لستقي تصورح للوجود
املحتكرة للكتاب املقدس ،وس ي ي يينرى كي أن الفكر الغرسي الذي نش ي ي ييأ في عص ي ي يير النهض ي ي يية ِّ إال من خالل تأويالتها
انته بإيجاد بابوات جدد لس ي يييطرون على اإلعالم والتعليم ،وعلى االقتص ي يياد والس ي ييياس ي يية ،والحروب واألدوية،
والبن الدولي ،واحتكروا ألنفسهم الحق في سيادة العالم وتسييرح خل أطماعهم!
نش ييأت العلمانية كمذهب فكري في القرن الس ييابع عش يير في أوروبا ،إبان عص يير النهض يية ،وقام منظرو عص يير
ُ ُ َ النهضي يية بوضي ييع األسي ييس الفكرية للعلمانية بص ححورة جعلتها "تأس ح ُحر َ
وتحتكرما كانت الكنيس ححة العلم واملعرفة"
تحتكره! وتبع سيييطرة العلمانية على املعرفة سيييطرة الليبرالية الرأسييمالية على املجتمع بتفتيته عبر النظر إليه
على أنه كومة أفراد وكومة أقليات؛ ئأقليات :من حيث القدرة على التأثير في الس ي ي ي ييياس ي ي ي يية ال من حيث األعداد ،
وبيالتيالي لس ي ي ي يهيل على األحزاب الس ي ي ي ييياس ي ي ي ييية والرأس ي ي ي يمياليين املتنفيذين أن يتحكموا بمفياص ي ي ي ييل اليدولية والحيياة،
فس ي ي يييطروا على الدولة ئبقص ي ي يير دورها على تنظيم مص ي ي ييالا الطبقة الرأس ي ي ييمالية وعلى العلمانية ئباس ي ي ييتعمالها
وس ي ي ي يييليية ،ومن ثم قهر وبكييل وض ي ي ي ييوح أن "البححابوات" الجححدد (بعححد تنحيححة دور بححابوات الكنيس ح ح ح ححة في القرون
الوسطى) هم النيوليبراليون الرأسماليون ُ
الجدد!
وكيانيت امليزة األخطر في التحول الفكري إبيان عص ي ي ي يير النهض ي ي ي يية هو التحرر من الويي ،واالس ي ي ي ييتعياض ي ي ي يية عنيه
بالعقيل ،بهيدف واض ي ي ي ييا :هو نبيذ الغييب جملية وتفص ي ي ي يييال ،والقطيعية التيامة بكيل ما ال يقع الحس علييه ،ومن ثم
س ي ي يييطرت العلمانية على الدولة ،وس ي ي يييطر الرأس ي ي ييماليون على مفاص ي ي ييل االقتص ي ي يياد في الدولة ،وس ي ي ييخروا غايتهم
وأدواتهم املعرفية املتمثلة في القياس والت بؤ والس ي يييطرة والتحكم على العلم والفلس ي ييفة واملعرفة ،بحيث غدت
غاياتها :هي القدرة على الت بؤ ألجل التحكم في األبياء ،بعد أن كانت مهمة العلم واملعرفة والفلسفة هي املعرفة
ه
لذاتها ،وتوج:هها نحو تفسييير العالم ،ومدراك الحقيقة ،ونحو اسييتكشيياف قوانينه وتفسيييرح تفسيييرا م سييجما مع
طبيعة األبحاث بغر النظر عن نو النتيجة ،أكانت روحية أم مادية ،إنسانية أم أخالقية ،فيزيقية أم غيبية،
والعقل ،وال بي ي ي ي يت يل املنفعة املادية في نواح قد ال تكون فعال متحققة ف:ها ،ويكتشي ي ي ي ضي ي ي ييررها الحقا ،أو
تكون منفعتهييا نس ي ي ي ييبييية ،أو خيياص ي ي ي ي يية بفئيية دون فئيية ،ومذن ،فهو توجيييه للبحييث في أحيييان كثيرة وجهيية منتقيياة،
م تيارة ،لغياييات معينية ،ال مطلق املنفعية ،أو مطلق النتيجية ،وهيذا توجييه خطير لبوص ي ي ي يلية العلم والفلس ي ي ي يفية
ه
واملعرفة ،تس ييهل على الرأس ييماليين اس ييتعمالها ألغراض ييهم النفعية ،فقد أص ييبحت النفعية غاية للمعرفة والعلم
ه
والفلسيفة معا ،مقتصيرا على الناحية املادية الدنيوية ،فعلى سيبيل املثال :قد تنصيرف بيركات الدواء عن إنتاج
دواء لعال أمراضي ي ي ييا كثيرة إذا لم يكن بمقدورها ج؟ي األرباح الطائلة عبر احتكارح ببراءة اخترا ،وكان تحضي ي ي يييرح
سي ييهال بمواد متوفرة ،فال تكتفي باالنصي يراف عن إنتاجه ،ولكنه ال تظهر أبحالها للبشي يير ليسي ييتفيدوا من العالج،
50
أو ترفر أن تعطي ب ييركات محلية حق إنتاجه بأس ييعار في متناول يد املرم ييب الفقراء في دول أخرى ينتش يير ف:ها
ه
املرا ،بينما ثمن الدواء الذي ت تجه تل الشركات مرتفع جدا.
يقول غنيار س ي ي ي ييكيربي ونيلز غيلجي في كتيابهميا ئتياريخ الفكر الغرسي " :تميزت حقبية عص ي ي ي يير التنوير بيالتفياؤل
التقدمي داخل الطبقة الوس ي ي ي ييطى املتوس ي ي ي ييعة ،فهناك ثقة متيقظة في العقل وفي اإلنس ي ي ي ييان ،كان هناك مذهيب
خالص مدني ،حل فيه العقل محل اإلنديل ،وسعون من العقل ص ي ي ي ييار بإمكان اإلنس ي ي ي ييان أن يكش ي ي ي ي الجوهر
ه
الداخلي للواقع ويحقق التقدم املادي .وسيييسييتقل اإلنسييان تدريجيا ،ويسييتغ؟ي عن السييلطة التي ال أسيياس لها،
وعن الوص ي ي يياية الالهوتية ،لقد تحررالفكر ألن اإلنس ح ح ححان ش ح ح ححعرأنه حاكم نفس ح ح ححه ،و أنه مس ح ح ححتقل عن الو ي
والتقليد وصار اإللحاد زي العصر" 28وقال جون لوك" :إنه لم تبق حاجة للويي طاملا أن اإلله أعطي ي ييانا وسائي ي ييل
ه
حسية أكثر يقين ي ي ييا لنت ي ي ييوصل به ي ي ييا إلى املعرفة" ،29ويقول موريس باربيه ئ Maurice Barbierفي كتابه ئالالئكية :
"تع؟ي الالئكييية في مفهومهييا الواس ي ي ي ييع الفصي ي ي ي ييل بين الييدين والحقييائق الييدنيوييية ،فهي تفترا أن هييذح الحقييائق ال
ت ضي ي ي ييع الحتواء الدين أو تأثيرح ،سي ي ي ييواء ع؟ الدين إيمانا ما أو جمعية ما أو سي ي ي ييلطة دي ية ما ،وهكذا ،نرى أن
الفلسفة في الغرب استقلت عن الالهوت ،وأن م تل العلوم تكونت خارج إطار املسيحية ،بل ضدها أحيانا،
وأن كل الحقائق اإلنس ي ي ي ييانية :الس ي ي ي ييياس ي ي ي ييية واالجتماعية والثقافية وغير ذل قد اس ي ي ي ييتقلت عن الدين .وقد تم
تحقيق هذا عبر إجراء من الفصي ي ي ييل ليس بقصي ي ي ييير املدى ،وهو ما نطلق عليه العلمنة ئ ، Secularizationولهذا
الس ي ييبب يمكن أن نص ي ي مجتمعا ما أو فكرا ما أو أخالقا ما بالالئكية إذا ت لص ي ييت تماما من أي أثر دي؟ي ،ولم
تطع إال املبادل الص ي ييرفة ض ي ييمن النظام العقالني أو الطبي ي ،وأما باملع؟ الض ي يييق للكلمة ،فيمكننا أن نتحدث
عن الئكية التعليم للداللة على أنه ال يحوي أي خصائص طائفية ئدي ية ".
لكن العلم يياني يية إذ اكتف ييت بفص ي ي ي ي ييل املعرف يية والعلم والفلس ي ي ي يف يية عن ال ييدين واألخالق والع ييادات والتق ييالي ييد،
وحص ي ي ي ييرته ييا ب ييالعق ييل املجرد ،فه ييل تمل ي العلم يياني يية فكرة كلي يية ) (holistic world viewعن الكون واإلنس ي ي ي ي ييان
ه
والحيياة؟ هيل تمثيل العلميانيية عقييدة تس ي ي ي ييتطيع معهيا أن تش ي ي ي يكيل منظومية فكريية لتجييب على تس ي ي ي يياؤالت تؤهلهيا
لتكون إطارا تنبثق منه أس ييس عقدية تنبثق عنها أنظمة ملعالجة املش يياكل؟ س ييواء أكانت مش يياكل اقتص ييادية ،أو
سياسية ،أو اجتماعية ،أو أخالقية؟
فهي حين تهدف إلى تنظيم حياة املجتمع والدولة ،ال بد لها من نظرة بييمولية تسييتطيع على أسيياسييها تنظيم
هيذح الحيياة ،وحين ترييد أن تض ي ي ي ييع قوانين لس ي ي ي ييير عل:هيا املجتمع لتنظيم معياب ي ي ي ييه ،ال بيد لهيا من أفكيار ومقياييس
28نقر الفكر الغرسي الرأسمالي مبدأ وحضارة وثقافة ،من إصدارات حزب التحرير صفر 1443ه ،أيلول 2021م .ص 14-13
29مع؟ كالميه أن اإلنس ي ي ي ييان لعلم أكثر من الخيالق! فال حياجية للويي طيامليا أن العقيل أقيدر على الوص ي ي ي ييول لليقين من الويي! وهيذح بحدايحة نزعحة جعحل
اإلنسان سيد الكون!
51
فكرية تعال هذح املش ي يياكل ،وال بد لها من مرجعية معينة ئمقاييس تس ي ييتطيع على أس ي يياس ي ييها إرجا الحلول لها
ه ِّ
لتكون متناسقة متسقة متناغمة تف بي إلى أال تتناقر مع بعضها بعضا!
وجود ِّح ،ولم ت ْسر ْد
لينسان الغاية من ِِّّ باإلضافة إلى أن العلمانية لم تقم بتقديم س ْر ِّد ،ية أو رواية تفسر ف:ها
له قص يية وجودح وارتباطه بالخالق وبالكون وبالحياة ،وأثر ذل التفس ييير على س ييلوكه بما يتض ييمنه من تفاص يييل
من الحياة الذي يجب أن لعيش على أس يياس ييه ،وبما يحويه من نظرية قيمية تحدد لينس ييان القيم التي لعيش
لتحقيقها أو التي يمكنه ات اذها مقاييس ألعماله ،فإنها عمدت إلى فصييله عن الرواية أو التفسييير الذي يمتلكه
هو عن الكون واإلنس ي ي ييان والحياة ،بما عمدت إليه من قطع الحبل ال ُّس ي ي ي ِّ ِّر ِّ ِّي بينه وبين ذل املن ،وتل القيم،
فال هي قدمت له من جا وال تفسيييرا ،وال حت حفلت بالقيم ،وال تركته لعيش وفق من جه وتفسيييرح وقيمه! وهذا
األمر تناقر عقلي ،ومبكال فكري ضخم.
فييإن إدراك الغيياييية من الوجود ليس بيياألمر الثييانوي الييذي يمكن أن تتجنبييه األيييديولوجيييات بس ي ي ي ييهوليية ،وال
ه
يمكن أن يكون أثر انعدامه من التصي ي ييور على حياة البشي ي يير إال مدمرا ،إذ ال يمكن بحال إحداث بي ي ييرا فكري في
العقل البشي ي ي ييري بين التصي ي ي ييور عن الغاية من الوجود واملن والقيم من جهة ،وبين الحياة من جهة أخرى ،كما
وال ي ا أن ت لو الحياة من ذل التصور؛ والعلمانية إنما هي فصل لذل التصور عن الحياة نفسها!
ه
كيذلي ،إن فص ي ي ي ييل من الحيياة -اليذي ترييد العلميانيية لينس ي ي ي ييان أن ي طيه بعييدا عن أي معتقيد يض ي ي ي ييع ليه
ه
تص ي ي ي ييورا عن وقيفيية ذلي اإلنسي ي ي ي ييان في الحييياة ئالغيياييية من وجودح ،واملس ي ي ي ييئوليييات والتكييالي املترتبيية على هييذا
التصي ي ييور -هو أمر بالغ في التناقر! فكي إلنسي ي ييان أن لعزل من حياته عن السي ي ييؤال املركزي املتعلق بدورح
ووقيفته ومسئولياته التي وجد في هذح الحياة ليقوم بها!
ه ه ه ه
حي ييث إن ذل ي التص ي ي ي ييور عن الوجود والحي يياة ال ب ييد وأن لعطي خلي يية ئميك ييانيزم ييا أو طريق يية أو من ج ييا يبين
الس ي ي ي ييلوك واالعتقاد الذي يجب القيام به ألجل بلو تل الغاية أو ذل الهدف الذي ألجله لعيش اإلنس ي ي ي ييان في
هذح الحياة!
خص ييوص ييا وأن العلمانية نأت بنفس ييها عن أن تقدم له تفس يييرا يوض ييا دورح ووقيفته في الوجود ،وهدفه من
العيش -باس ي ي ي ييتثناء التركيز على املنافع واللذات اونية ومطالق العنان للحريات الس ي ي ي ييلوكية -وبالتالي فهي عمدت
على أن تقطع الحبل ال ُّس ي ي ِّ ِّر ،ي بين الس ي ييلوك واالعتقاد الذي تريد لينس ي ييان أن يطبقه في الحياة عن أي خلية تبين
ليه األهيداف التي تترتيب على قيياميه بيذلي الس ي ي ي ييلوك في إطيار تحقيق أي غيايية وجوديية ليه! فيالعلميانيية -من خالل
نظرية املعرفة الخاصة بها (األبستمولوجيا) -ترفر بحث "الغائية" والغيب بشكل كامل أصال!
ه ه ه ه
كذل األمر فإن العلمانية نفس ييها ال تقدم رواية س ييردية أو تفس يييرا داخليا من نفس ييها ليبرر وجودها أو الحاجة
ِّ
وباملخلص وما ب ي ييابه من قض ي ييايا ،فإن هذا اإليمان يجعله ِّ إل:ها هي ،فمثال حين يؤمن املس ي يييمي باإلله وبالتثليث
ِّ ه
مسييحيا وعلى أسياسيه يتبع تعاليم الديانة املسييحية ئمن أخالق وسيلوك ،وقس على هذا سيائر األديان وسعر
52
املناه األيديولوجية ،فالش يييويي يؤمن باملادية أو باملاركس ييية ،وهو ملحد ،األمر الذي يبرر وص ييفه بالش يييويي،
بياقتنياعيه بياملياديية والقوانين الجيدليية والنظريية االب ي ي ي ييتراكيية والنظيام املنبثق عنهيا للحيياة .بينميا األمر ليس كيذلي
في العلم يياني يية ،ف ييالعلم يياني يية ليس ي ي ي ي ييت إال مجرد مح يياول يية براغم يياتي يية إلفراز ح ييل ق يياب ييل للتطور والتغيير مع الوق ييت
والظروف ،ال يمكن وض ي ي ي ييع اليييد على معيياملييه الفكرييية ،إذ إنييه قييابييل للتلون والتحوير ،وهو نس ي ي ي ييبي ،متغير دائمييا
بحجيية التطوير ،ويتهرب من أن يض ي ي ي ييع مقيياييس أص ي ي ي ييولييية فكرييية تب؟ عل:هييا الحلول املفروضي ي ي ي يية للواقع ،بحجيية
الحيادية أو عدم تس ي ييلط فئة على غيرها في املجتمع ،أو بحجة دوام التغير والتطور ،أو بحج أخرى ،وس ي ييتترك
للمش ييرعين في الدول أن ي تاروا ض ييوابط لعالقات املجتمع وفقا ورالهم بوص ييفهم فقهاء دس ييتوريين ،ومش ييرعين،
وأحزابا س ي ييياس ي ييية ،دون أن تؤصح ححل لهم أي أصح ححول يتبعونها عند التشح ححر ع ،ودون أن تبين لهم مقاصح ححد عامة
يراد للتش ح ح ح ححر عحات تحقيقهحا ،وبيذلي نرى أن العلميانيية فكرة س ح ح ح ححلبيحة ،تعرف ميا ال ترييد ،فهي ال تريحد أن يكون
التش ي ي ي ييريع ص ي ي ي ييادرا عن أي دين أو قيم خلقية أو عادات مجتمعية ،ولكنها ال تعرف ما تريد ،فهي ال تقدم حلوال
ملش يياكل اإلنس ييان ،ال تقدم تص ححورا للمقاييس والقيم والقناعات واملقاص ححد التي يراد للتش ححر ع أن يوجدها في
أي مدتمع أو دولة حت يرجع املشي ي ي ييرعون إل:ها حين قيامهم بالتشي ي ي ييريع ،وأقصي ي ي ييب ما قدمته هي مفاهيم هالمية
عامة غامض ي ي ي يية ض ي ي ي ييبابية 30مثل تأليه العقل ونواتجه ،فهو معيار الص ي ي ي ييواب والخطأ ،ومثل "العقل الس ي ي ي ييليم"،
والحق الطبيعي (ب ححدال من نظري ححة :الحق اإلل ي) ،ومث ييل الحري ييات ،وعص ي ي ي يم يية اإلرادة الع ييام يية ،وجع ييل الع ييدل
الطبي ي واإلخاء والحرية واملسي يياواة هي وحدها مصي ييدر التشي ييريع ،وهذح كلها مفاهيم فضي ييفاضي يية غامضي يية قابلة
للتأويل والتغيير والتضارب بحيث يصعب على املشر مراعاتها أو حت التحقق من مراعاتها في كل بأن ،وبح ها
املوغل في النظرية ،واملنفصل عن الواقع في فصل السلطات ومنع استئثار قلة من املجتمع بها ،ملنع االستبداد،
ه
األمر الذي نجدها قد غضت الطرف عنه تماما حين مورست العلمانية في الواقع!
30على س ييبيل املثال "دارت أفكار املدارس العلمانية التي تمثل عقالنية عص يير التنوير ،وعاطفية روس ييو ،ونفعية ب ثام على األفكار التالية :إن العقل
خي ار بطبيعته ،ولكن املؤسيسييات االجتماعية قد أفسييدته ،تقاليد البشيير أسيياطير خادعة ،قدرة املجرد هو املوجه ملسييار التطور االجتمايي واإلنسييان ِّ
ِّ
البشي ييرية على التقدم الالنها ي ،غاية املصي ييلا األخال ي والسي يييا ي ييبي تحرير اإلنسي ييان من العقائد القديمة واملؤسي يسي ييات القديمة ،ومسي ييتقبل اإلنسي يان
يكمن في حرية خالصية وديمقراطية بال حدود ،والسيلطة السيياسيية هي أداة اإلصيالح" .ئاألصيولية والعلمانية ،مراد وهبة ص .21-20فكما ترى هذح
أفكار فلسفية وليست مقاييس تشريعية ،وليست حلوال تفصيلية للمشاكل الناتجة عن االجتما .
53
إحاطة اإلنسان بر ية مادية مي انيكية عبثية
أميا عن الرؤيية املياديية امليكييانيكييية التي أحياطيت اإلنسي ي ي ي ييان بهييا ،فيإننييا س ي ي ي يينجييد لو أنعمنييا النظر في التحوالت
الخطرة التي أسييبغتها هيمنة الحضييارة الغربية وتسييلطها اليوم في العالم وعلى البشييرية ،سيينجدها أعادت هيكلة
اإلنس ي ي ييان في هذا العص ي ي يير وفق رؤية علمانية ميكانيكية ،أرخت العنان ل سي ي ي ي حياته وفق ماكينة مادية بحتة،
ْ ه ه ه فص ي يل ْته عن ذاته ،وس ي ي ْ
خالق
ِّ يموات
ِّ ي ي س ال إله عن اي ي ض ر ِّ ع م يانيته، ي ي س إن عن غريبا يانا يحقت كينونته ،ليتمظهر إنس ي ي ِّ ِّ
ْ ه
الحياة ،مق ِّبال على ِّ العمل في هذح ِّ املوعود جز هاء على إحس ي ي ي ِّيان ِّ يماء
فردوس الس ي ي ي ِّ ِّ والحياة ،وعن
ِّ الكو ِّن واإلنس ي ي ي ِّيان
ِّ ه ه
التق؟ي حينا خخر ،ت ِّعدح ِّ التقدم
ِّ يتار
والحداثة حينا ،وس ي ي ي ِّ ِّ العلمانية
ِّ بغطاء
ِّ عبادة خلهة أرض ي ي ييية جديدة ،محجوبة ِّ
اللذات ،فأورثته هذح النظرة األرض ي ييية ض ي يين ِّ يبي تس ي ييوس ي يه الرغبات والش ي ييهوات الهائجة ،وتعظيم بفردوس أرم ي ي ِّ
ه ه
وبقوة الروح ،31وخواء الفكر ،وحيرة وال أدرية تس ْربل بها ،ولم لعد يبالي! املعيشةِّ ،
لو أنعمنييا النظر أكثر لوجييدنييا انقالبييا يكيامال على مفيياهيم الثقييافي ِّية والحضي ي ي ي ييارة بتفريغهييا التي ِّ ه ه
يام من كييل قيميية ِّ ِّ ِّ
ِّ ، ِّ ِّ
واألخالق والتقالي ِّيد ِّ واملعتقدات والفنو ِّن ِّ واملعارف
ِّ االجتماعي ِّة القيم
يمثل س ي ي ي يلم ِّ ومع؟ ،ومن كل بعد إنس ي ي ي يياني ِّ
يات ،وتحويلهيا إلى القيم ِّية امليادي ِّية واملنفع ِّية اون ،يي ِّة املميزة للمجتمع ِّ ِّ يادات
ات والع ِّ والفلس ي ي ي يف ِّية وبيا ي املواه ِّيب والقيابل ِّيي ِّ
ومعدالت إنتاج واستهالك، ِّ اكمة الك ِّ ِّم على الك ِّ ِّم ،من سلع والربح فقط ،ومر ِّ ِّ والتسويق
ِّ اإلنتاج
ِّ واختز ِّالها في زياد ِّة
ه ه ً ُ
لترويج سييلعة ال يزيد ِّ حت غدا االخترا هو أبو الحاجة ،وتحول اإلنسحان نفسحه ليكون سحلعة ،أو مادة دعائية
رسع دينار! ثمنها عن ِّ
نمط عي ِّشي يها إلى مجموعات اس ييتهالكية، وتحولت املجتمعات من أن تكون كيانات ثقافية تتجس ييد قيمها في ِّ
ه
يافي الحض ي ي ي ييار ِّ ِّي ذلي ،واليذي ص ي ي ي يياحبيه إذك اياء لن ِّيار العنص ي ي ي ييري ِّية والتفرق ِّية ِّ ِّ
خوالهيا الفكر ِّي الثق ِّ لم تلبيث طويال بعيد ِّ
ياحر واإلفن ِّياء حت دارت فيميا بينهيا ريى حروب ودمياء تس ي ي ي يفي ،لهيا أول وميا لهيا خخر ،وانفهر النياس بيالتقيدم والتن ِّ
القيم اإلنسي ي ي ي ييان ،يي ِّة ،ولم تتمكن العلوم والتقنييية من حي ِّ ِّيل التكنولوجي على حسي ي ي ي يياب التراجع الشي ي ي ي ييديييد في مجييال ِّ
ِّ ه
والت ْي ِّه والوحشي ي ِّية ِّ الوجود ،ولم تزد الالأدريين إال مزيدا من الشي ي ِّ عالم ،وال أفض ححت لتفس ح ِّحيرمعنى يكالت ال ِّ مشي ي ِّ
دود ،لذل ،نجد أن العلمانية لم تجب على األسييئلة املصيييرية لينسييان ،فكانت ِّأول مبدأ في تاريخ صي ِّ والح ْيرة وال ُّ
ِّ
البش ييرية يقوم على تجاهل قض ييية اإلنس ييان املص يييرية ،مما أنتج حض ييارة الش ييقاء والقلق ،حيث لعيش اإلنس ييان
ه
جاهال بكينونته وصيرورته.
ْ
يقول كولن ولس ييون في كتاب ئس ييقو الحض ييارة " :أنظر إلى حض ييارتنا نظري إلى ييبيء رخيص تافه ،باعتبار
أنها تمثل انحطا جميع املقاييس العقلية".
31الدكتورة كريمة دوز :الوث ية الجديدة :األبكال الجديدة لعبادة اإلنسان الحديث بتصرف.
54
ويقول املؤرا أرنولد توينبي" :إن الحض ي ي ي ييارة الغربية مص ي ي ي ييابة بالخواء الرويي الذي ي ِّ
حول اإلنس ي ي ي ييان إلى قزم
مشي ي ي ي ِّيوح يفتقد عناصي ي ي يير الوجود اإلنسي ي ي يياني ،فيعيش الحد األدنى من حياته ،وهو حد وجودح املادي فحسي ي ي ييب،
واليذي ُيحول املجتمع إلى قطيع يركض بال هحدف ،ويحول حيياتيه إلى جحيم مش ح ح ح ححوب بحالقلق والحيرة والتمزق
النفس ي".
ويقول الكاتب والسي ي يييا ي ي ييبي الفرنسي ي ييبي أندري مالرو" Malraux :حضي ي ييارتنا هى األولى في التاريخ ،الت إذا طرح
السؤال األهم "ما مع؟ الحياة؟" ،أجابت "ال أعرف" على مدى القرن ،فشلت كل محاوالت اإلجابة"!32
وق ححال تي .إس .إليوت" :أكبر دلي ييل على انحط ييا ثق ييافتن ييا هو رد فعلن ييا املرتب ي تج يياح اس ي ي ي ييم هللا"" .أين هو
الحكمة التي فقدناها في املعرفة؟ أين هو املعرفة التي فقدناها في املعلومات؟"
32أنظر مقيالية بعنوان :الفياتحية :من هللا ..هلل ..إلى هللا ..الكياتيب :يياس ي ي ي ييين بن علي .واليدكتورة كريمية دوز :الوث يية الجيدييدة :األب ي ي ي يكيال الجيدييدة لعبيادة
اإلنسان الحديث بتصرف.
55
تحوالت الليبرالية ..من التنظير لتحريراإلنسان إلى تشييئه تمهيدا البتالعه:
في مقالته الش ي ي ييهيرة ،التي نش ي ي ييرت عام ،1784أوض ي ي ييا الفيلس ي ي ييوف األملاني "إيمانويل كانط" جوهر مش ي ي ييرو
التنوير والحداثة ،وهو "تحرير اإلنسان من كل قوى االستالب التي تق بينه وبين حريته في ممارسة اختياراته
ومعمال عقله وتحديد مصيرح ،وتشكيل تصوراته عن العالم"33؛
ه
ذل العالم الذي أخذ يقتص يير ب يييئا فش يييئا على مملكة الطبيعة ،أي العالم الحس ييبي املادي الذي يمكن أن
ي ض ي ي ي ييع للتجربيية ،والييذي يحمييل جميع أس ي ي ي يرارح وخليييات فهمييه داخلييه ،دون الحيياجيية إلقحييام امليتييافيزيقيييا أو أي
مرجعيات غيبية تتجاوزح في عملية فهمه ،خصي ييوصي ييا في "عصي يير التنوير ،عصي يير اإليمان بقدرة العقل على فض
كل مغاليق هذا الوجود.35!"،34".
فالحرية باعتبارها -من وجهة نظرهم -إعادة االعتبار لينس ي ي ييان في هذا العالم ،ئاإلنس ي ي ييان األبير األوروسي
املنتمي للقوى البورجوازية الصي ي يياعد نجمها في أوروبا ،صي ي يياحب الطموحات االقتصي ي ييادية الواسي ي ييعة ،الراغبة في
إنهيياء امللكييية املطلقيية والقض ي ي ي ي يياء على النظييام اإلقطييايي الييذي يق بينهييا وبين حقهييا في حرييية التمل ي والتجييارة
والتنقل والتص ي ي ي ييرف ورفع أغالل القوى التي تس ي ي ي ييلب وجودح وذاتيته؛ كانت الحرية هي الشح ح ح ححعاراألبرز لعصح ح ح ححر
التنوير والحداثة ،واعتبرت تل الحقوق أخالقيات عامة ومقدس ي ي يية ال يمكن التنازل عنها ،وتمركزت فلس ي ي ييفتها
حول اإلنسان.
بتمركزه ي ييا حول الحري ي يية الفردي ي يية كقيم ي يية مطلق ي يية ،اعتبر أن ي ييدرو هيود أن األي ي ييديولوجي ي ييا الليبرالي ي يية "هي
ه
األيديولوجيا األك رارتباطا بفلسفة التنوير وتعبيرا عنها وبنظرتها لينسان والتاريخ".
33أنظر :استذئاب الليبرالية ..من النضال لتحرير اإلنسان إلى النضال البتالعه ،ويحيا الفرد ويسقط املجتمع ..املسيرة املظلمة للفردانية في الغرب،
ب ييري مراد ،ميدان ،الجزيرة نت .هوبز :الدولة التنين ن اإلرهاص ييات األولية للعقد االجتماييق ،س ييليم اللويزي ،ما هي الليبرالية؟ موقع :حكمة ،نص
مترجم د .جيرالد غس وخخرون ،ترجمة :أمين حمزاوي ،مراجعة :سيرين الحاج حسين ،وامل شور على ئموسوعة ستانفورد للفلسفة .نقد الليبرالية،
عيوب الليبرالية وأخطاؤها ،د .الطيب بوعزة ،مفهوم الحرية ،عبد هللا العروي.
34فلسفة العلم في القرن العشرين د .يم؟ طري الخولي ص ،12
35يقول األس ي ييتاذ عباس العقاد في كتابه "هللا" ص " : 51-49وقد كان للحاس ي يية الدي ية فض ي ييل اإلنقاذ من هذح الجهالة الحيوانية [لع؟ي جهالة قص ي يير
املوجودات على املحس ييوس فقط ،باالدعاء أن كل ما هو منظور أو ملموس أو مس ييمو فهو واقع ال ب ي فيه ،وكل ما خفي على النظر فهو واملعدوم
س ييواء] ،ألنها جعلت عالم الخفاء مس ييتقر وجود ،ولم تتركه مس ييتقر فناء ،فتعلم اإلنس ييان أن يؤمن بوجود ييبيء ال يراح وال يلمس ييه بيديه ،وكان هذا
فتحا علميا ،لم ينحصيير في عالم التدين واالعتقاد ،ألنه وسييع خفاق الوجود وفتح البصيييرة للبحث عنه في عالم غير عالم املحسييوسييات وامللموسييات،
ولو قل اإلنس ييان ينكر كل ييبيء ال يحس ييه ملا خس يير بذل الديانات وحدها ،بل خس يير معها العلوم واملعارف وقيم اوداب واألخالق ....ويجيء املاديون
في الزمن األخير فيحسي ي ي ييبون أنهم جماعة تقدم ومصي ي ي ييالح للعقول وتقويم ملبادل التفكير ،والواقع أنهم في إنكارهم كل ما عدا املادة يرجعون القهقرى
إلى أعرق عص ي ي ي ييور في القدم ،ليقولوا للناس مرة أخرى إن املوجود هو املحس ي ي ي ييوس ومن املعدوم في األنظار واألس ي ي ي ييما معدوم كذل في قاهر الوجود
وخافيه ،وكل ما بينهم وهمج البداءة من الفرق في هذا الخطأ ،أن حسهم الحديث يلبس النظارة ويضع املسما على أذنيه .".انته م تصرا.
56
خذن القرن الس ييابع عش يير والثامن عش يير بتحوالت فكرية هائلة في أوروبا ،التي رزحت تحت مزيج من النظام
الك س ي ييبي /االقطايي الذي كان يحول بين اإلنس ح ححان األوروبي وبين "حقه" في التملك والحرية ،وتحديد مص ي يييرح
بنفسي ييه ،بال حقوق سي ييياسي ييية تمكنه من املشي يياركة في الحكم واختيار من يحكمه ،إذ تصي ييارعت امللكية ومجلس
النواب ئالبرملان والكنيسي ي يية على تل الحقوق ئأواخر القرن السي ي ييادس عشي ي يير أوائل السي ي ييابع عشي ي يير ،في مجتمع
بريطيياني بروتس ي ي ي يتييانتي لعمييل على قلع كييل أثر للبييابوييية املكروهيية ،إبييان بروز توميياس هوبز ئ 1679-1588وجون
ِّ
منظران س ييياس يييان ،وال أخرى تعطيه قيمة إنس ييانية ترتفع به ،ويش ييعر لوك ئ 1704-1632ئوهما فيلس ييوفان ِّ
معها بكرامته ودورح في الحياة.36
36أنظر :استذئاب الليبرالية ..من النضال لتحرير اإلنسان إلى النضال البتالعه ،ويحيا الفرد ويسقط املجتمع ..املسيرة املظلمة للفردانية في الغرب،
ب ييري مراد ،ميدان ،الجزيرة نت .هوبز :الدولة التنين ن اإلرهاص ييات األولية للعقد االجتماييق ،س ييليم اللويزي ،ما هي الليبرالية؟ موقع :حكمة ،نص
مترجم د .جيرالد غس وخخرون ،ترجمة :أمين حمزاوي ،مراجعة :سيرين الحاج حسين ،وامل شور على ئموسوعة ستانفورد للفلسفة .نقد الليبرالية،
عيوب الليبرالية وأخطاؤها ،د .الطيب بوعزة ،مفهوم الحرية ،عبد هللا العروي.
57
التحوالت الفكرية بين مفاهيم عصرالنهضة وفلسفة ما بعد الحداثة:
وأميا أثر التحوالت الفكريية في الفكر الغرسي ،وأثرهيا على اإلنسي ي ي ي ييان واملجتمع ،فكيانيت مرحلية الحيداثية وكيان
عمادها وركنها هو إلغاء الدين ،أو تحييدح ،أو فص ييله ،أو بتعبير مارتن هايدجر "االنس ييالا عن املقدس ييات ونز
الطييابع اإللهي عنهييا" ،ويقول خالن توران في كتييابييه ئنقييد الحييداثيية " :تحييل فكرة الحييداثيية فكرة العلم ،محييل فكرة
"هللا" في قليب املجتمع ،وتقص ي ي ي يير االعتقيادات اليدي يية على الحيياة الخياصي ي ي ي يية بكيل فرد ،هيذا من جهية ،ومن جهية
ث يياني يية ،ف ييإن ييه ال يكفي أن تكون هن يياك تطبيق ييات تكنولوجي يية للعلم كي نتكلم عن مجتمع ح ييدي ييث ،ي ب ي أيض ي ي ي ي ييا
حماية ال ش ي ي ي ييا العقلي من الدعايات الس ي ي ي ييياس ي ي ي ييية أو االعتقادات الدي ية ...ترتبط فكرة الحداثة إذن ارتباطا
وثيقا بالعقلنة"37
تأس ي ي يسي ي ييت الحداثة 38بتأثر بي ي ييديد بأفكار عصي ي يير التنوير على فكرتين :فكرة الثورة على التقليد ،وفكرة مركزية
العقل ،لكن على حس ي يياب املش ي يياعر والقيم اإلنس ي ييانية ،بحيث أض ي ييحت العقالنية قهرا ،وتركيزا لتفوق اإلنس ي ييان
األبير األوروسي وغطرسيته ،وحقه في اسيتالب واسيتعباد البشير واألمم األخرى ،وفي هذا السيياق "صيفق عظيم
مفكري الحداثة في أوروبا ئهيجل ملا س ي ي ي ،يماح بانتص ي ي ييار الروح األوروبية وعودتها إلى مجدها عند احتالل فرنس ي ي ييا
للجزائر" ،وكانت خطابات االس ي ييتش ي يراق تتمركز حول الطابع االس ي ييتعماري ،نجد أيض ي ييا أن فرانس ي ييوا ماري أرويه
املعروف باس ي ييم فولتير الذي هاجم الكنيس ي يية الكاثوليكية وخمن أن "مص ي ييير اإلنس ي ييان بين يديه وليس في الجنة".
ه
وش ي ييجعت أفكارح الناس على القتال ض ي ييد امتيازات وهيمنة الكنيس ي يية ،واعتبر الفيلس ي ييوف الفرنس ي ييبي "رمزا لعهد
التنوير" ،وذاعت بي ي ي ييهرته بسي ي ي ييبب سي ي ي ييخريته الفلسي ي ي ييفية الظريفة ودفاعه عن الحريات املدنية وخاصي ي ي يية حرية
املعتقد ،نجد أنه :كان عنصييريا بحسييب تقرير ملجلة فورين بوليسييبي ،كان فولتير قد اسييتثمر شييخصي هييا في بييركة
الهند الشرقية الفرنسية ،التي تأسست عام 1664الستغالل العالم الجديد ،بما في ذل تجارة العبيد األفارقة
الذين تم بيعهم كس ييلع من أجل الربح .ومع ذل ،فقد أحب تعري نفس ييه بأنه "فيلس ييوف تاجر" وبالتأكيد قام
بتمويل بييركة الهند الشييرقية الفرنسييية بال ب ي في أرسعي يات القرن ،18عندما ركزت فرقاطاتها املسييلحة على
الرحالت التجارية إلى أفريقيا .باإلض ييافة إلى امتالك أس ييهم الش ييركات ،تم توثيق أن فولتير وض ييع أمواله الخاص يية
مباب ي ي ييرة في مغامرات نقل الرقيق بواس ي ي ييطة س ي ي ييفن مثل ،Le Saint-Georgesالتي غادرت قادس ،إس ي ي ييبانيا ،في
دلس ي ي ي ييمبر/كيانون األول 1751متجهية إلى غي ييا ...وكيانيت كراهيتيه الش ي ي ي ييدييدة للجمياعيات اليدي يية كيافيية بس ي ي ي ييهولية
37نقر الفكر الغرسي الرأسمالي مبدأ وحضارة وثقافة ،من إصدارات حزب التحرير صفر 1443ه ،أيلول 2021م .ص 15-14
38الحداثة هي مدرسي ي يية فكرية أو حركة قهرت في أواخر القرن التاسي ي ييع عشي ي يير وأوائل القرن العشي ي ييرين .وتمتد فترة ما بعد الحداثة من سي ي يينة -1970
1990م ،ويعيد كثير من الباحثين نشأة مفهوم ما بعد الحداثة ومرهاصاته إلى الفيلسوف األملاني نيتشه الذي نادى بموت اإلله ئاإلنسان املقدس ،
وليعلن أنه ال حقيقة مطلقة طاملا أن هناك اكتش ي ييافات جديدة خارج س ي يييطرة اإلنس ي ييان ،ويؤرا لها توينبي بس ي ييبعينات القرن التاس ي ييع عش ي يير ،أي إن
هناك اختالفات في تاريخ قهور الحركة ،ولكن الحداثة تأثرت تأثرا واضحا بأفكار عصر التنوير والنهضة األوروسي منذ القرن السابع عشر.
58
للتحرير على العن ضي ي ييدهم ،وأكدت عنصي ي ييريته البيولوجية أن هناك تدرجات ألبي ي ييكال الحياة وأن السي ي ييود
جياؤوا في مكيان ميا بيالقرب من القيا ،بعي هيدا عن "القرود" .وعيام 1769ص ي ي ي ييور فولتير في أحيد كتبيه األفيارقية على
أنهم "حيوانات" ذات "أن أسي ييود مسي ييطح بذكاء ضي ييئيل أو معدوم" 39" .األمر الذي دفع إلزالة تمثال فولتير من
خييارج األ يكياديمييية الفرنس ي ي ي يييية في بيياريس في أغس ي ي ي ييطس/خب في حمييأة مهيياجميية رموز العنص ي ي ي ييرييية والعبودييية التي
اجتاحت العالم الغرسي في أواسط عام 2020إثر تحركات "حياة السود مهمة" Black Lives Matter.
إذن ،فمن الطبي ي أن نتسياءل عن بيعارات العلمانية وعصير التنوير األولى :الحرية ،املسياواة ،اإلخاء ،هل
هي لكل البشر؟ أم للج س األبير فقط؟ 40بل فوق ذل :للرجال من الج س األبير دون ال ساء!
"ناقش س ي ي ي ييتيوارت ميل في كتاب "عن الحرية" أن "الحرية كمبدأ ،ال مجال لتطبيقها على أية حالة س ي ي ي ييابقة
على الوقت الذي يبلغ فيه البشي يير القدرة على التطور بواسي ييطة املناقشي يية الحرة على قدم املسي يياواة" من ثم فإن
غالبا ما يتم "االس ييتبداد هو نظام مش ييرو للحكم في التعامل مع البرابرة ،على ب يير أن تكون غايته تطورهم .41ه
تجاهل هذا املقطع – املش ي ي ي ي ِّيبع بالروح اإلمبريالية للقرن التاس ي ي ي ييع عش ي ي ي يير -ئوربما كما لعتقد البعر العنص ي ي ي ييرية
الكامنة من قبل املدافعين عن ميل وذل بدايي الحرج 42.لكن هذا ال لع؟ي أن مثل هذح املقاطع امليلي ية قلت
من دون مدافعين "مرمو ي الفكر"– .انظر على سبيل املثال43". Inder Marawah (2011).
"املبجل" ..هل نش يير فولتير التنوير أم الظالم واالس ييتعباد؟ الجزيرة نت .وتقرير املجلة األميركية فورين بوليس ييبي ،الذي ِّ 39فيلس ييوف الثورة الفرنس ييية
كتبته ال حفية الفرنسية الجزائرية نبيلة رمضان.
ه
40لش ي ييير مص ي ييطلا "التفوق األبير") ، (White Supremacyوفقا مل جم ميريام ويبس ي ييتر ،إلى األيديولوجية العنص ي ييرية الش ي يياملة التي ترى أن العرق
األبير متفوق في األصل على با ي األعراق ،وي ب ي أن لسود عل:ها.
)41 (1963, vol. 18: 224
43مييا هي الليبرالييية؟ موقع :حكميية ،نص مترجم د .جيرالييد غس وخخرون ،ترجميية :أمين حمزاوي ،مراجعيية :س ي ي ي يييرين الحيياج حس ي ي ي ييين ،وامل ش ي ي ي ييور على
ئموسوعة ستانفورد للفلسفة .
59
ً
لس ح ح ححنا عنص ح ح ححريين ،بل كثيرمن الناس الغربيين أيض ح ح ححا يكتوون اليوم من نفس النارالتي اكتوت
منها البشرية
لكن قد يتس يياءل إنس ييان غرسي- ،وهو ص ييادق في تس يياؤله -ليقول :أنا ال أؤمن بالعنص ييرية ،وال بتفوق الج س
األبير ،ولم أرث هذح املوروثات الثقافية ،ولس ي ي ي ييت أؤيد الحروب ،ومع ذل ،فإننا نريد أن نؤكد وسش ي ي ي ييدة ،أننا
نناهر كل أبيكال العنصيرية ونبغضيها ،وال يمكن أن ننظر إلى اإلنسيان الغرسي كج س أبير ،ومنما كنا ندرس
مرحلية بغيض ي ي ي يية في تياريخ البش ي ي ي ييريية قياميت في أوروبيا منيذ عص ي ي ي يير النهض ي ي ي يية ،مألت جنبيات العيالم بتياريخ متوحش
لالسي ييتعمار األوروسي ،وفظا عه التي تعتبر من أسي ييوأ التصي ييرفات في تاريخ الج س البشي ييري ،وال بي ي بأن نتائجها
مس ييتمرة إلى اليوم ،وأن كثيرا من الدول الغربية اليوم ،ما زالت تس ييتعمر أجزاء كثيرة من أفريقيا وخس يييا وأمريكا
الجنوبية ،وما زالت تمارس نفس املمارسيات االسيتعمارية السيابقة ،بأبيكال جديدة ،وما زال العالم يكتوي بنار
هيمنتها الرأسي ي ي ييمالية ،وبي ي ي ييركاتها العابرة للقارات ،ونهفها لثروات الشي ي ي ييعوب ،وال يتحمل أحد وزرأحد ،فنحن ال
نحمل اإلنسييان الغرسي اليوم الذي ينظر إلى االسييتعمار نظرة ازدراء ،ويسييتنكر الحروب ،ويرى حق األمم األخرى
في العيش الكريم ،ال نحمله أيا من أوزار اإلنسي ي ييان األوروسي في القرون السي ي ييابقة ،والذي كان لعترف بعنصي ي ييريته
ويؤمن بتفوق الج س األبير وحقه في اسي ي ي ييتعمار الشي ي ي ييعوب األخرى ،واسي ي ي ييتقى نظرته تل من مفكري عصي ي ي يير
النهض يية ،وس ييار في ركاب دوله التي انطلقت تس ييتعمر العالم ،وتنهب خيرات الش ييعوب وثرواتها ،وتس ييوقها عبيدا،
ومن ثم ت وا الحروب تلو الحروب ،ذل هو اإلنس ييان الذي هاجمناح في الس ييطور املاض ييية ،بل فوق ذل :إن
كثيرا من الناس في الغرب اليوم لعانون أب ي ي ي ييد املعاناة من خثار هذح الرؤى الثقافية واالقتص ي ي ي ييادية والنفس ي ي ي ييية،
فتنتش ي ي يير ف:هم األمراا النفس ي ي ييية وقد غرقوا في وحل الديون الهائلة ،والفرا الرويي وانتش ي ي ييرت من حولهم في
مجتمعاتهم خفات الش ييذوذ الس ييلوكي والجريمة والس ييجون املكتظة ،فهم أيض ييا ض ييحايا لعين املش ييكلة التي لعاني
منهييا النيياس في العييالم كلييه جراء هيمنيية الحض ي ي ي ي ييارة الغربييية على العييالم ،وجراء س ي ي ي يييياس ي ي ي ي ييات دولهم الحيياض ي ي ي ييرة
االقتصادية والثقافية والقانونية التي أفرزت تل األوضا !
60
االنتقال من تأليه اإلنسان ومركزيته للكون إلى تأليه ومركزية السوق الحرة!
وتمركزت الحيداثية حول فكرة الحريية والعلميانيية ،واعتبرت أن اإلنس ي ي ي ييان هو جوهر كيل ي ي ي ييبيء ،فهو س ي ي ي يييد
الكون ،ومركزح ،وكانت أفكار "إيمانويل كانط" ذات بريق مهم في تطوير األفكار التي قامت الحداثة عل:ها ،ولكن
الحداثة لم تس ييتطع تحرير اإلنس ييان ،بل على العكس ،كانت ب ييعاراتها املناهض يية للعنص ييرية وت ليص االنس ييان
من االستغالل واهية وغير حقيقية.
والحداثة هي مرحلة انتقالية قصح ح ححيرة اس ي ي ييتمرت ف:ها س ي ي يييادة الفكر النف ي مع تزايد وتعمق خثارح على كافة
أص ي ي ي يع ييدة الحي يياة ،فلق ييد واجه ييت ال ييدول يية القومي يية تح ييدي ييات بظهور النزع ييات العرقي يية ،األمر ال ححذي أفرز حربين
عحامليتين ،وكيذلي أص ي ي ي ييبحيت حركييات الس ي ي ي ييوق ئالخياليية من القيم تهيدد س ي ي ي يييادة اليدولية القوميية ،واس ي ي ي ييتبيدل
االسيتعمار العسيكر ،ي بأبيكال أخرى من االسيتعمار السييا يبي واالقتصيادي والثقافي ،واتجه السيلوك العام نحو
االس ي ي ي ييتهالكييية الش ي ي ي ييرهيية ،واس ي ي ي ييتمرت مرحليية الحييداثيية حت قهرت إرهيياصي ي ي ي ييات مييا بعييد الحييداثيية كردة فعييل على
اإلخفاقات الحضارية والفكرية التي أفرزها عصرالتنوير.
ثم قهرت "مييا بعييد الحييداثيية" في قروف س ي ي ي يييياس ي ي ي يييية معقييدة فترة مييا بعييد الحرب العيياملييية الثييانييية ،والحرب
الباردة ،وانتشار التسلا النووي ،وقهور حقوق اإلنسان ،وقهور وانتشار الفلسفات الالعقالنية ،كالسريالية،
ِّ ه
عبرا رئيسي ي ي ييا لالنتقال من مرحلة الحداثة والوجودية ،والفرويدية ،والعبثية ،والعدمية… وقد كانت التفكيكية م
ه ه ه ه
إلى ميا بعيد الحيداثية .ومن ثم ،فقيد كيانيت ميا بعيد الحيداثية مفهوميا منياقض ي ي ي ييا وميدلوال مض ي ي ي ييادا للحيداثية .وليذلي ،
"احتفلت ما بعد الحداثة بأنموذج التشح ح ح ححظي والتشح ح ح ححتيت والالتقريرية كمقابل لش ي ي ي ييموليات الحداثة وثوابتها،
وزعزعي ييت الثقي يية بي يياألنموذج الكوني ،وبي ييالخطيي يية التقي ييدميي يية ،وسعالقي يية النتيجي يية بي ييأس ي ي ي يبي ييابهي ييا ،وح ححارب ححت العق ححل
والعقالنية ،ودعت إلى خلق أسيياطير جديدة تتناسييب مع مفاهيمها التي ترفر النماذج املتعالية ،وتضييع محلها
الضرورات الروحية ،وضرورة قبول التغيير املستمر ،وتبجيل اللحظة الحاضرة املعابة".44
في هييذح املرحليية تن ،حي ْت فكرة مركزييية اإلنسي ي ي ي ييان جييانبييا ،وألجييل بلو األهييداف التي س ي ي ي يعييت الحييداثيية لبلوغهييا
وفشيلت ف:ها ،قامت مرحلة ما بعد الحداثة على نقد "وت يحيح داخلي" ألفكار الحداثة ،بما يتواءم مع األبيكال
الجيديدة للهيمنية ،في قل عقليية غربيية ئأوروبيية وأمريكيية قائمية على الس ي ي ي يييطرة واالس ي ي ي ييتالب ،عن طريق أف حار
تقوم بتفتيت اإلنسححان وتفكيكه ،عبر تحويله إلى كائن عبثي متناقض مغترب .وتفكيك املجتمعات وتفتيتها،
بييإقييامتهييا على فكرة الفردانيححة وفكرة األقليححات ،فال "أغلبييية" في املجتمع لهييا حق فرا قيمهييا أو تش ي ي ي ييريعيياتهييا في
الحياة ،فالكل أقليات ،املرأة والطفل والشواذ واملستقيمون واألقليات العرقية والدي ية...الخ.
44د .سعد البازيي وميجان الرويلي :دليل الناقد األدسي ،ص .142:مدخل إلى مفهوم ما بعد الحداثة د .جميل حمداوي ،موقع األلوكة،
61
أص ح ححبح االس ح ححتهال هو الهدف النهائي من الوجود ،ومحركه :الحرية واللهو والتملك ،واتس ي ييعت معدالت
العوملة لتتض ح ح ححخم مؤس ح ح حس ح ح ححات الش ح ح ححركات متعددة الجنس ح ح ححيات والعابرة للقارات واملنظمات غيرالحكومية
والتحرر إلى قضييايا املحافظة على البيئة ،واملسيياواة بين املرأة ِّ الدولية ،وتتحول القضييايا العاملية من االسييتعمار
غيرت ميا بعيد الحيداثية والرجيل وبين النياس ،وحميايية حقوق اإلنسي ي ي ي ييان ،ورعيايية الحيوان ،وثورة املعلوميات .لقيد ِّ
النظام اإلمبريالي القديم املب؟ي على توازن الرعب ،إلى نظام يدعو إلى الديمقراطية وفتح العقول والحدود أمام
العوملحة والس ح ح ح ححوق الواححدة والرأس ح ح ح حمحاليحة ،فكيانيت مرحلية انتقيال من عن الحيداثية إلى الليونية واالنس ي ي ي ييياب؛
إلغراء ا خر وتفكيكحه تححت ش ح ح ح حعحارات وأمنيحات خيحاليحة .من وجهية أخرى ض ي ي ي ييعفيت في املجتمعيات الص ي ي ي ينياعيية
ا املتقدمة مؤس ي يس ي ي ا
يات اجتماعية ص ي ييغيرة بطبعها مثل األسح ححرة ،بس ي ييبب اإلس ي ييهاب في مس ي يألة املس ي يياواة بين الرجل
واملرأة ،وقهرت بجانفها أبي ي ييكال أخرى للمعيشي ي يية العائلية مثل زواج الرجال أو زواج ال سي ي يياء ،وزاد عدد ال سي ي يياء
ه
الالتي يطلبن الطالق فشي ي يياعت قاهرة امرأة وطفل أو امرأتان وأطفال ،كل ذل مسي ي ييتندا على خلفية من غياب
الثواب ييت واملع ييايير الح يياكم يية ألخالقي ييات املجتمع والتطور التكنولوجي ال ييذي يتيح ب ييدائ ييل لم تكن موجودة من
قبل45.
لقد قامت ما بعد الحداثة لنقد فش ح ححل أف ارالحداثة وأس ي يياليفها في بلو غاياتها ،واالس ي ييتعاض ي يية عنها بأفكار
وأس ي ي ي ييالييب جيدييدة تعيحد النظر في املجتمعحات واألس ح ح ح ححرة والثقحافحات واإلنس ح ح ح ححان والطبيعحة وخلييات التش ي ي ي ييتييت
والتش ي ي ي ييكي ي والتش ي ي ي ييريح والتفكي ي ئب ييانتق يياد اللوغوس ،أي ق ييانون التفكير املنطقي ،واالختالف ،والتغري ييب،
والعدمية ،والفوض ى ،والالنظام ،والالانسجام ،وعدم وضوح الهوية ،والالمعنى ،والالمركز.
كيانيت ميا بعيد الحيداثية تهيدف إلى تقوير الفكر الغرسي ،وفض ي ي ي ييا األييديولوجييات الس ي ي ي ييائيدة املتيآكلية ،وذلي
باس ي ي ي ييتعمال لغة االختالف والتض ي ي ي يياد والتناقر ،والتشح ح ح ححكيك في املعارف اليقينية ،وتقوير ئالعقل واملنطق
ُ
غي ُب املعنى ،بمع؟ أن فلسفات واالنسجام والنظام ،وتقوم في ذل باالتكاء على فلسفة عدمية ،فوضويةِّ ،
ت
ما بعد الحداثة هي فلسيفات ال تقدم بدائل عملية واقعية وبرجماتية ،بل هي فلسيفات عبثية ال معقولة ،ت شير
اليأس والشكوى والفومب في املجتمع.
وفي هذا الص ي ي ي ييدد ،يقول ديفييد كارتر ئ David Karterفي كتيابه ئالنظرية األدبيية " :وتعبر هذح املواق من
"ما بعد الحداثة" عن موق متش ححكك بش ح ل جوهري لجميع املعارف البش ححرية ،وقد أثرت هذح املواق على
العديد من الت صي ي يصي ي ييات األكاديمية وميادين ال شي ي ييا اإلنسي ي يياني ئمن علم االجتما إلى القانون والدراسي ي ييات
الثقييافييية ،من بين امليييادين األخرى .وبييال س ي ي ي يبيية للكثيرين تعححد مححا بعححد الحححداثححة عححدميححة على نحو خطير ،ف ي
تقوض أي معنى للنظام والسيطرة املركزية للتدربة .فال العالم وال الذات لهما وحدة متماسكة"46.
47بتصرف عن الدكتور عبد الوهاب املسيري :قضية املرأة بين التحرير والتمركز حول األنُ ،ص 8-4
63
العدل اإلل ي ،والسببية:
بداية ال يقاس العدل اإللهي على مفهوم العدل كما يفهمه البش ي ي يير ،وال لس ي ي ييأل هللا تعالى عما يفعل ،فليس
املقص ييود من البحث هنا إس ييقا فهم البش يير للعدل على هللا تعالى ،ولكن املقص ييود أنه قد ثبت أن هللا تعالى قد
بين لنا أنه أقام القس ي ي ييط والعدل في الس ي ي ييموات واألرا ،وحرم على نفس ي ي ييه الظلم ،فهذح "محاولة" لفهم نظام
الكون وكي جرى مفهوم القسي ي ييط والعدل في ثناياح بما يقيم ال جة على املخلوقات بأنهم تسي ي يياووا في الفرص،
واوالت ،واألنظمة ،واملسي ي ييئوليات ،وتسي ي ييخير السي ي يينن والقوانين والنواميس لهم لتحقيق العدل ،وأن من ت ل
قلم من أخذ باألس ي ييباب ولكنه اس ي ييتغلها اس ي ييتغالال خطأ ،أو
عن فهم القوانين الناقمة لهذا كله ،ووقع ض ي ييحية ِّ
ضي ي ي ييحية عدم أخذح باألسي ي ي ييباب ،فذنه يتحمل مس ح ح ححئولية ذلك ،وال يقال بأن نظام القسي ي ي ييط الذي أقامه هللا في
الدنيا لم يحقق له ما حققه لغيرح!
فحجة هللا تعالى بالغة ،وقائمة ،وال ينفع اإلنس ح ححان أن يغفل أو يتهاون في دراس ح ححة الس ح ححببية والس ح ح ن وأن
يأخذ بها!
فقد وجدت بالتفكير أن هللا تعالى إذ:
1قدر وخلق الكون واإلنسي ييان والحياة واملجتمعات وفقا لسي يينن كونية ،وأخرى مجتمعية ،وألنظمة سي ييببية
دقيقة ،ثابتة ،مضطردة ،ال تحاسي أحدا،
2وأرسي ي ي ي ييل رس ي ي ي يليه بيالبينيات ليقوم النياس بيالقس ي ي ي ييط ،أي إنيه أنزل النظيام الحكيم اليذي يحقق الغيايية من
الخلق!
3وزود الناس بآلة العقل والتفكير بالغة التعقيد والدقة والقدرة،
4وجعل لالجتما وفقا لغايات معينة قوة تجلب تحقيق غايات ال لستطيعها الفرد بمفردح،
ْ
5وجعل ذل في مكنة اإلنسان واملجتمع وأربدح لطرق استثمار ذل كله ليحقق الغايات!
فإنه قد أقام ال جة على الخلق جميعا ،فمن أخذ بأسباب الفالح من إنسان أو مجتمع ارتقى ،ومن أعرا
مزود بقدرات خارقة للفهم واإلدراك ،والحركة في ُّ
الدنيا، عنها ارتكس ،فعلى ص ي ييعيد الفرد ،وجدنا أن اإلنس ي ييان ا
ِّ ِّ ِّ
فإن اس ييتغلها االس ييتغالل ال ييحيح وأخذ باألس ييباب حص ييلت له الي ي ي ي ي ييمس ي ،ببات ،ولكن هناك عوائق مجتمعية قد
تحول بين ييه وبين بلو املس ي ي ي ييبب ييات ،كييأن يكون املجتمع وال ييدول يية منحطتين ،أو أن يتحكم أولوا القوة بمق ييدرات
الدولة فيمنعون عنها األفراد أو ما بابه،
لذل وجدنا أس ييباب تغيير ونهض يية املجتمعات في متناول اليد ،وقوانينها الص ييارمة تجري في كل مجتمع ،فال
أوجد فيه من أس ي ي ييباببد أن لعمل اإلنس ي ي ييان أيض ي ي ييا على هذا الص ي ي ييعيد كي ير ى ،وينهر ويتمكن من تحقيق ما ِّ
فردييية لم يتمكن منهييا كفرد أن يحصي ي ي ي ييل على الغييايييات ،لوجود املعوقييات ،فييإذا ميا أزيلييت تلي املعوقييات بحالعمحل
الجماعي املنظم وتحمل املسئوليات الجماعية ،تحققت الغايات ،فاألصل أن يكون نتاج ذل أن توز الثروات
64
ه ه
توزيعا صحيحا ،وبالتالي أن يممي الفقر ،ألن األرا ممتلئة بالثروات بما يكفي أن لغمر البشرية كلها بالخيرات،
واألصييل أن يكث الناس البحث العلمي لدراسيية األمراا واكتشيياف أدويتها وعالجها ،دون أن تتدخل األغراا
الرأس ييمالية الجش ييعة في ص ييرف األبحاث إلى وجهة زيادة ثراء ب ييركات األدوية فقط ،على حس يياب عالج األمراا،
وأن يرافق هذح الجهود اضي ي ي ييطال الدولة بمسي ي ي ييؤوليات رعوية تقيم برامج صي ي ي ييحية عالية املسي ي ي ييتوى وتمكن منها
الجميع ،وهذا من بي ييأنه أن ي لص املاليين من أمراضي ييهم ،واألصي ييل أن يق الناس في وجه من يط ى ويسي ييتأثر
بالحكم ويقيم الحروب لغايات اس ي ييتعمارية ،وهكذا فإن الكثير من أنوا الش ي يير واملآ ي ييبي هي نتاج مباب ي يير لعمل
اإلنسان ،وفي مكنته أن يمنعها.
وهك ييذا ،ف ييإن الع ييدل في إيج يياد ومنش ي ي ي ي يياء الكون وفق ييا لقوانين الس ي ي ي ييببي يية ،تمكن الن يياس جميع ييا من االرتق يياء
واالنتفا والعيش بما يحقق لهم التس يياوي ئمع ييبيء من االختالف في التوزيع ،فقد يحص ييل البعر على ب ييطر
أكبر من املال مقابل بي ييطر أقل من األوالد مثال ،واوخرون بالعكس ،ولكنهم في النهاية نالوا نصي يييفهم الكامل من
الحصيص ،ولكن الناس إذا أعرضيوا عن األخذ باألسيباب ،وارتكسيوا ولم يتحقق حصيولهم على ما به يتسياوون
في التوزيع ،فإنها مس ييئوليتهم وذنفهم ،وس ييتجد التفاوت أينما نظرت ،وس ييتتس يياءل عن حال أقوام اس ييتش ييرت بهم
األوبئة والفقر والض ي ييالل ،وتقارنه بحال أقوام لم يجدوا من ذل ب ي يييئا ،وقد ت جب! ولكن إن فهمت وتأملت
في أن العدل اإللهي املطلق كان قد وفر لهم األسي ي ي ييباب ووفر لهم اوالت ،ووفر لهم النظام ال ي ي ي ييحيح ،ووفر لهم
كل ما لو أخذوا به الرتقوا ونهض ييوا وعزوا واغتنوا ورض ييوا ،وأنا بهم التكلي واملس ييئوليات ،فالس ييببية حققت
وحملت اإلنس ي ييان مس ي ييئولية أن يرفع عن نفس ي ييه ومجتمعه الظلم واالس ي ييتعمار والتفاوت العدل بش ي ييكل دقيقِّ ،
وجور األحكام ،وما بابه ،فإن قصر فعليه أن يتحمل التبعات! لزال عن الت جب!
ومن التطبيق العملي لهذا األمر ،أننا وجدنا مثال أن عص ي ي ي يير التابعين امتاز بالس ي ي ي ييكوت على نظام الوراثة في
انتقال الحكم بدال من الش ي ييورى ،وكان ذل نتيجة أنهم رأوا االقتتال والصي ي يرا في عص ي يير ال ي ييحابة رم ي ييبي هللا
عنهم في معركة صييفين ،ووقعة الجمل ،وما صيياحبه من دماء ،فآثروا عدم التغيير ،ومضييت سيينة الوراثة ،وكانت
وبيياال عظيمييا على الييدوليية ،فهؤالء إذ رض ي ي ي ييوا بهييذا فييإنهم لم يييأخييذوا بيياألس ي ي ي يبيياب املجتمعييية للتغيير ومقهييار ثقييل
املجتمع في رفر االنحراف عن فكرة الش ي ي ي ييورى ،والض ي ي ي ييغط بقوة الكي ييان املجتم ي بقي ييادة العلم يياء ليمنعوا
االنحراف ،فلما سي ييكتوا ،أو ملا لم يلتحقوا بالثورات التي عملت على التغيير لتحقق القوة القادرة على تحصي يييل
املطلوب ،مض ييت ف:هم عادة الوراثة زهاء أل وأرسعمائة س يينة! فالنظام اإلس ييالمي بين لهم س يينن التغيير ،وس يينن
اإلنكار ،وسنن الشورى ،فإذ لم يأخذوا بها حصل ما حصل من فواجع في التاريخ!
65
التصوراإلسالمي لفلسفة الخيروالشر:
من الطبي ي أن يكون األخذ والرد بين الفالس ي ييفة املاديين وبين الالهوتيين في أوروبا حيال هذح املس ي ييألة ،ألن
نظرتهم للمس ي ييألة قاص ي ييرة ،وتحوي عناص ي يير الهوتية ال أص ي ييل لها ،وفي املقابل ،فإن الفالس ي ييفة املاديين ينظرون
ه
للمسييألة نظرة مادية بحتة منفصييلة عن فلسييفة الوجود ،وسييوف ترى تفنيدا تاما لنظرتهم إن بيياء هللا ،وعلينا
هنا أن نبرز جوانب تظهر بعر خصائص التصور اإلسالمي لفلسفة الخير والشر.
وحين تفكر أرسييطو في الصييفات التي يتوجب على الذات التي لعهد إل:ها تفسييير وجود العالم ونشييأته وبنيته
الش ي ي ي يياس ي ي ي يعية أن تمتلكهيا ،توص ي ي ي ييل إلى الص ي ي ي يفيات التياليية" :الثبيات ،والالمياديية ،وطالقية القيدرة ،وطالقية العلم،
والوحدانية أو عدم القابلية للتجزئة ،والخيرالتام ،والوجود الضروري".
إن العقل قد يض ي ي ييفي على الخالق س ي ي ييبحانه ص ي ي ييفات خاطئة ال وجود لها ،كما فعلت الجن بظنهم أن لن إال ،
ه ه
يبعث هللا أحدا ،وفعل الذين يتقربون إلى هللا بعبادة خلهة تكون وسي ي يييطا بينهم وبينه ،وأيضي ي ييا افترا النصي ي ييارى
ِّ
أنييه لس ي ي ي ييتوجييب على هللا تعييالى القييدير الرحيم أن يكون ئك ِّل ،ي املحبيية والقييدرة والرحميية والخير ،ممييا ترتييب عليييه
س ي ي ي ييؤال امللحييدين :هييل "يجييب" على اإللييه أن تتجلى هييذح املحبيية والرحميية والقييدرة والخير ،بييأن يتييدخييل بقييدرتييه
ومحبته فيمنع بقاء البشرية وحروبها وخالمها ،بل وأن يق بي على الشر كله في الحياة الدنيا!
ه
فكان التس يياؤل هذا مب يا على أهوالهم التي افترض ييت طريقة وتص ييورات أوجبوا على الخالق أن يتعامل وفقا
ه انبت تماما عن تصيور فلسيفة الوجود ،و ، لها مع املخلوقات ،في تار لهم األصيلا ،وفقا لفهمهم الذي ،
انبت أيضيا
عن من االس ي ي ييت الف الرباني ال ي ي ييحيح لعمارة األرا ،ذل املن الض ي ي ييامن ملنع اإلفس ي ي يياد في األرا وس ي ي ييف
الدماء ف:ها بغير حق ،والضي ييامن إلحقاق الحقوق ليقوم الناس بالقسي ييط ،والقائم على ابتالء واختبار اإلنسي ييان
العيياقييل في الحييياة الييدنيييا بييإعطييائييه مطلق حرييية اإلرادة في اختيييار معتقييداتييه وأفعييالييه ،وتمكينييه من خيييار اتبييا
املن الربياني أو اإلعراا عنيه ،مع تحميليه املس ي ي ي ييئوليية الكياملية على أفكيارح وأفعياليه وقراراتيه ،وميا ي تج عنهيا من
قلم لنفس ي ي ي ييه أو لغيرح ،ومع املحاس ي ي ي ييبة الدقيقة على أفكارح وس ي ي ي ييلوكه وعالقاته ،والثواب والعقاب ،ومنص ي ي ي يياف
املظلوم من الظالم في الدنيا واوخرة.
حملوا الخالق ِّوزر قلم وطغيان واسييتبداد الناس بعضييهم ببعر ،حين انحرف الناس وواقع األمر أنهم قد ِّ
عن من هللا تعيالى ،فيأس ي ي ي يياءوا اس ي ي ي ييتعميال حريية اإلرادة واالختييار وأفس ي ي ي ييدوا ،وزودهم هللا تعيالى بياملن القويم
لالسي ي ي ييت الف في األرا ليمنع اإلفسي ي ي يياد والظلم فأعرضي ي ي ييوا عنه ،واسي ي ي ييتبدلوا به من جا قائما على رؤية علمانية
مادية ميكانيكية فصيلت اإلنسيان عن ذاته ،وسيحقت كينونته ،واسيتسيلم لرغباته الجامحة وبيهواته الهائجة،
مما أورثه ض يين املعيش يية ،وب ييقوة الروح ،وخواء الفكر ،وأمراا النفس ،وحيرة وال أدرية تس ييربل بها ،ولم لعد
يبالي! وانعكس هذا على تصورهم للصالا والفاسد ،والخير والشر.
66
وكان التس يياؤل هذا مب يا أيض ييا على فهمهم الذي ال يتس ييق مع التص ييور ال ييحيح من خلق اإلنس ييان والحياة
الختبار اإلنس ي ييان أيهم أحس ي يين عمال ،في الس ي يراء والض ي يراء ،وبتس ي ييخير الكون لغاية هذا االختبار ،وتنظيم الكون
وفقا لنواميس كونية ثابتة ال تت ل ،وتنظيم الخالق حياة البش ي يير وفقا لنواميس إنس ي ييانية ومجتمعية س ي ييببية
أربي ي ييدهم إل:ها يمكنهم اسي ي ييتغاللها ملكافحة وعالج أسي ي ييباب الشي ي يير والفسي ي يياد الذي ي شي ي ييأ عن م الفتهم للتنظيم
الرباني ال ي ي ييحيح لعمارة األرا ،والتي تص ي ي ييوب لهم تقدير الخير والش ي ي يير ،فليس كل ما تكرهه ب ي ي يير ،وال كل ما
تحبه خير ،وهللا لعلم وأنتم ال تعلمون.
ذل التنظيم الرباني الذي يربط الحياة الدنيا باوخرة ،فيضي ييفي على مفاهيم الصي ييبر على االبتالء ،والتوكل
ه
على هللا ،واألجر ورفع الدرجات رفعة لفاعلها ،ونظرة إيجابية لها تهون معها مصائب الدنيا وتذل معها صعابها.
فهمهم املنبيت عن حكمية االبتالء بيالخير والش ي ي ي يير ،وعن حكمية تيدافع النياس واحتيياجهم بعض ي ي ي ييهم لبعر،
ه
ورفع بعض ي ي ي ييهم فوق بعر ض ي ي ي ييرورة لعمارة األرا ولت في ثقل مس ي ي ي ييئوليات اإلنس ي ي ي ييان عن إب ي ي ي ييبا حاجاته
األساسية والكمالية عليه ،باعتمادح على غيرح في ذل اإلببا ،ولضمان قدرته على الوصول للسلع والخدمات
بصورة لستطيعها ضمن كيان مجتم ي.
ه
ففلس ي ي ي يفية الوجود هيذح التي يمكن أن نس ي ي ي ييم:هيا تجياوزا "بيالخطية الكونيية" ال تتفق أبيدا مع جعيل األرا جنية
خ ييالي يية من الش ي ي ي يق يياء والعن ييت ،وت ييدافع الن يياس واحتي يياجهم بعض ي ي ي ييهم لبعر ،وأس ي ي ي يب يياب الفالح والنج يياح واأللم
واألمراا التي تييذكر بنعم هللا ،وتييدفع النيياس لش ي ي ي ييكرح عل:هييا ،أو التقرب إليييه لش ي ي ي يفييالهييا ،وفي كي ِّيل خير لهم ،أو
تكافؤهم أض ي ييعاف عنتهم في الدنيا وفي اوخرة ،وغير ذل من املفاهيم التي تجعل الس ي ييؤال األص ي ييلي عن تجليات
محبة هللا ورحمته وقدرته بالغ الخطأ أصال!
لقد كتب هللا تعالى على نفسي ي ي ييه الرحمة ،ولكن كثيرا من البشي ي ي يير أعرا عنه واضي ي ي ييطروا أنفسي ي ي ييهم إلى أن ال
يقعوا في موجبات رحمته -سي ييبحانه وتعالى -لشي ييدة قلمهم ألنفسي ييهم ،وأعرضي ييوا عن من جه الضي ييمين بأن لعيش
ه
الناس رغد العيش ،فكان إعراضهم سببا مبابرا ملعيشة ضنكا.
ولعل في الباب التالي تلخيصي ي ييا لبعر القضي ي ييايا التي تبين "فلسي ي ييفة اإلسي ي ييالم" في االبتالء والخير والشي ي يير ،ثم
سنتناول بعبيء من التفصيل إقهار الجوانب العظيمة مما قاهرح االبتالء في األبواب التي تلي.
67
ملخل تنفيذي ألهم القضايا املتعلقة بنظرة اإلسالم إلى االبتالءات واملحن:
68
وفي تعبير الكون عن قص ي ي ي ييورح داللححة على حححاجتححه إلى واجححب الوجود الييذي ير ا وجودح على عييدمييه،
وهو هللا س ي ي ييبحانه ،فالش ي ي يير بذل دليل من األدلة على وجود هللا ،إذ ال لس ي ي ييتقيم فهمنا ألص ي ي ييل الوجود
دون واجب للوجود في كون ممكن الوجود".48
.6وهييذا الييدليييل على تحكم هللا لعطي الحييياة مع؟ إيجييابيييا ،إذ إن الحييياة من غير هللا تكون مييادييية بحتيية،
تعين الخير والش ي ي ي يير ،والحس ي ي ي يين والقبح، عبثية بحتة ،عدمية بحتة ئ Nihilismخالية من أي مقاييس ِّ
تص ي ي ي يييب الناس بالتأزم النفس ي ي ي ييبي ،واالنكفاء واالنطواء للفش ي ي ي ييل الذريع في أي محاولة لتفس ي ي ي ييير الوجود
ومعناح ،والحياة والغاية منها ،واملقاييس التي س ي يييب؟ي عل:ها اإلنس ي ييان س ي ييلوكه ،لذل فوجود ئالش ي يير أو
ئاالبتالء من أعظم األدليية على الحيياجيية للخييالق ومن أعظم الطرق لجعييل حييياة اإلنس ي ي ي ي ييان ذات قيميية
بوصل اإلنسان ب القه ،وبتعميق هذح الصلة من خالل االبتالءات.
" .7إذا كان هللا غير موجود ،فالقيم األخالقية املوضي ي ي ييوعية ،والخير والشي ي ي يير غير موجودة ،لكن معضي ي ي ييلة
الشر تنطلق من إثبات وجود الشر ،إذن فاملعايير األخالقية املوضوعية ،والخير والشر موجودة ،إذن:
فاهلل موجود "49ومذا اقت ييب التفكير وجود أمور على ص ييورة معينة هي الخير ،وأنها األص ييل في الوجود،
فال بيد من معييار متعيال على امليادة يفرا على اليذهن أن يتص ي ي ي ييور وجود تمييز بين الخير والش ي ي ي يير ،وال
يمكن ذل في كون مادي بحت كما است بط الدكتور سامي عامري.
.8مثال أن يهدم العدو بيتا ملجاهد ،أو أن يقتل أس ييرة بص يياروا ،فينظر املؤمن ملص ييير هذح األس ييرة بأن هللا
اجتبيياهييا ب ي ي ي يهييداء ،فييانتقلييت إلى خير دار وخير جوار ،فهو خير لهييا ،ورفع درجييات ،ومقيياميية لل جيية على
، ،
﴿إال تنص يروح فق ْد نص يرح ّ ،إن لم تقوموا بمس ييئولية نص ييرة الدين واملس ييتض ييعفين ،فهي املس ييلمين ِّ
تحص يييل حاص ييل نص يير من هللا ،فإما أن تنالوا ب ييرف القيام بواجبكم أو لس ييت ل قوما غيركم يحفهم
ْ ْ ْ ، ْ ْ
﴿إذ أخرجيه الي ِّذين كفروا ثيا ِّني اثن ْي ِّن ِّإذ هميا ِّفي ويحبونيه وينص ي ي ي ييرون هللا ودينيه ،وينص ي ي ي يير هللا بهم دينيهِّ ،
، ، َ َ ََ ْ ْ ْ
َّللا َم َعنحا فيأنزل ّ س ي ي ي ي ِّكي تيه عل ْيي ِّه وأ ،ييدح ِّبجنود ل ْم تر ْوهيا وجعيل اح ِّبي ِّه ال ت ْح َزن ِّإن
الغي ِّار ِّإذ يقول ِّلص ي ي ي ي ِّ
اك رات و ْاأل ْ
ِّ اوم ي ي ي ي َّلل جنود ال ،
س ِّ
،
ِّ ﴿و ، يم كلمة ،الذين كفر ْوا ال ُّس ي ي ي ي ْفلى وكلمة ّ،هي ْالع ْليا َو ُ
َّللا َعز ٌيز َح ِّك ٌ
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
ِّ ِّ
ُ َ َ
َو حكان َّللا َع ِّز ًيزا َح ِّكي ًمحا ،فمن وثق بنص ي ي ي يير هللا وأن هلل جنود الس ي ي ي ييموات واألرا ،أقوى من حيامالت
الطائرات والقنابل النووية ،لس ي ييخرها لنص ي ييرة دينه وأوليائه ،تفوق كل ما لديهم من عدد وعدة وعتاد،
نظر إلى معييايير النص ي ي ي يير والهزيميية بعين غير التي ينظر بهييا غيرح ،ولم يحزن ،ألن هللا معنييا ،وحين يتييأمييل
ِّ ْ ْ ، ََ ُ َ ََ ، ،
ّ فليتوكي ِّل امل ْؤ ِّمنون [التوبية ،]51 ْ
قوليه تعيالى ﴿قيل لن ي ِّص ي ي ي ييبنيا ِّإال ميا كتحب َّللا لنحا هو موالنيا وعلى ِّ
ْ ْ ْ
48صييا هذا البرهان أبو منصييور املاتريدي ،مشييكلة الشيير ،ووجود هللا ،د .سييامي عامري ص .67يراجع كتابنا :ئنشيأة الك ْو ِّن ،د ْلي ال ع ْق ِّل مي ِّعل ِّم مي ِّح ِِّّسييب مي
ْ
عل ْى وج ْو ِّد الخ ِّال ِّق فصل" :دليل اإللزام العقلي بين الوجود والعدم" لتفصيل برح هذا التدليل.
49الالهوتي وليام لين كريغ ،مش ييكلة الش يير ،ووجود هللا ،د .س ييامي عامري ص .64 – 62راجع أيض ييا :تاريخ الفلس ييفة الغربية ،براتراند راس ييل ،الكتاب
الثالث :الفلسفة الحديثة ،ص 182تعري لوك للشر والخير.
69
ِّ
أي إن كل ما يص ح ح ححيبنا ما كان إال بتقدير هللا ملص ح ح ححلحة املس ح ح ححلمين في ذل ،فهو نفع محض ،فليس ح ح ححت
النهاية أن يموت من يموت تحت ركام بيت مقصوف ،أو قنبلة فسفورية ،بل إن نهاية دنياهم بشرى
َْ َ ُ َ ََ
﴿إن َي ْم َس ح ْس حك ْم ق ْر ٌح فق ْد َمس الق ْو َم ق ْر ٌح لهم بما اص ححطفاهم هللا واختارهم من بين خلقه ش ححهداءِّ ،
ُ ْ ُ َ َ َ ُ َ
َّللا ال ُي ِّحح ُّب
َ ْ
ين َآمنوا َو َيت ِّخ حذ ِّمنكم ش ح ح ح حه حداء و
َ ُ ام ُن ح َداو ُل َه حا َب ْي َن الن حاس َول َي ْع َل َم ُ
َّللا ال ح ِّذ م ْث ُل ح ُه َوت ْل ح َك األي ح ُ
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
َ ْ َ َ َ ُْ ْ َ َ ُ َ ُ ْ َ َ ْ َ َ ُ َ َ ُ ُ ْ َ َ َ
﴿إن َّللا اش ح حترى ِّمن املؤ ِّم ِّنين أنفس ح حهم وأموالهم ِّبأن لهم الجنة
َ ُْ ْ ََ ْ َْ َ املين﴾ ،وذلك كله في ظل قانون ِّ الظ ِّ ِّ
َْ َ َ ْ ُُ َ َُ ْ َُ َ َ ْ ً ََْ َ ي َ َُ ُ َ َ
ندي ح ِّحل والقرآ ِّن ومن أوفى َّللا فيقتلون ويقتلون وع حدا علي ح ِّه حق حا ِّفي التور ِّاة و ِّ
اإل ِّ يق حا ِّتلون ِّفي س ح ح ح ح ِّبي ح ِّحل ِّ
يم﴾ ،ش ححعربمدى البش ححرى ب َع ْهده م َن َّللا َفا ْس ح َت ْبش ح ُر ْوا ب َب ْيع ُك ُم الذي َب َاي ْع ُتم به َو َذل َك ُه َو ْال َف ْو ُز ْال َعظ ُ
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
والفوز العظيم الححذي نححالهم ،ولم ينظر بعين الخوف ملححا يمتلكححه عححدوهم من آالت قتححل وتححدمير ،ولم
يسأل عن الدائرة ،فذن هللا تعالى ناصردينه ومعزاملؤمنين ،ومذل ال افرين.
ثانيا :أهداف سلبية ئاستحقاق ،جزاء وفاق للذنوب :
.1عقوبات عاجلة ئجراء ذنوب ،جراء عدم تفعيل السنن ،والسكوت على الظاملين .
ثالثا :أهداف غيرمعروفة العو اقب لإلنس ححان :ئيميل اإلنس ييان لتفس ييير االبتالءات بناء على ما يص يييب من نفع
أو ض ي ي ي يير مت ي ييل لينس ي ي ي ي ييان ،وال لعلم العواق ييب الحقيقي يية على الحقيق يية ،وال يربط االبتالء املعين بنعم أخرى
تعوا عنه ،فيت يل أنه ابتالء في حين أنه نعمة ،مثال بيتهوفن أصي يييب بالصي ييمم وكان أعظم موسي يييقي ،مثال:
أن يصي ي يياب املولود بالعم ،ويعوضي ي ييه هللا نعما أخرى ،أو يدخله الجنة بغير حسي ي يياب ،أن يموت في زلزال فيكون
ه
بهيدا.
70
االبتالءات واملحن والعدل اإلل ي:
قصور عقل اإلنسان عن إدراك الحكم جراء عدم معرفته باملعلومات الكافية الالزمة لدراسة القضايا 1
املتعلقة ،فال لعلم عواقب األمور ،واملقاييس ال حيحة للحكم ،وال أحوال اوخرة.
ات اذ اإلنس ييان ملقاييس خطأ للنفع والض يير ،وقنه أن الخير هو ما جلب له منفعة مادية ،أو ب ييهوة أو 2
لذة،
توزيع عادل للنعم :س ي ي ييلب نعمة البص ي ي يير مقابل زيادة في نعمة البص ي ي يييرة ،توزيع النعم املختلفة ب س ي ي ييب 3
متفاوتة ،لكن املحصلة النهائية هو توزيع عادل للنعم على الخلق.
ال بييد لينسي ي ي ي ييان من أين يموت ،فييأن يق ي ي ي ييبي هللا بموتييه في زلزال ،ويجعييل هييذا املوت عبرة للغير ،ليس 4
بظلم لينسان الذي يموت في الزلزال.
العقوبات على الذنوب ،والعقوبات زواجر جوابر وهي موافقة للذنوب ال تتعدى. 5
ال يفسي ييد الشي ييذوذ الذي يحصي ييل في األفراد صي ييحة النظام الكلي ،ويرجع بعضي ييه ملسي ييئوليات قصي يير ف:ها 6
اإلنسي ييان عن إدراك السي يينن وتفعيلها ،وسعضي ييها من التوزيع املتفاوت للنعم ،فيسي ييلط النظر على النعم
املفقودة متناسيا النعم األخرى ،أو لسلط النظر على مقارنة إنسان بغيرح في نعمة واحدة ،دون مقارنة
إجمالي النعم املوزعة على كل:هما ،وسعضها من القضاء الذي ي سجم مع خطة الوجود ئاملوت حتمي
ال يبحث موضي ي ي ييو االبتالء ومعضي ي ي ييلة الشي ي ي يير ،إال إذا عم النظر إلى الجانب اوخر ،وهو الخير ونعم هللا 7
اتعيالى الس ي ي ي ييابغية على املخلوقيات ،والتنظيم اليدقيق للكون وللحيياة ،فياالبتالء اس ي ي ي ييتثنياء والش ي ي ي يير عر ا
يوز ،من األص ي ييل الذي لعم ،وحاالت خاص ي يية ت دم أغراض ي ييا خاص ي يية ،واألص ي ييل هو النظام والخير. ونش ي ي ا
ئيقول ديفي ييد ب ي ئ" : David Beckلو كييان اإللح يياد حق ييا ،مل ييا كييان علين ييا أن نتوقع أن يكون الخير هو
الرئيس أو األكثر أص ي ي ييالة من الش ي ي يير ،في الحقيقة ،كنا سي ي ي ي توقع أال يكون هناك قس ي ي ييما الخير والش ي ي يير
أصال"50
ْ ْ
يقول هللا تعالى﴿ :وقالوا ل ْوال ن ِّ ِّزل هذا الق ْرخن على رجل ِّم ْن الق ْريت ْي ِّن ع ِّظيم ئ 31أه ْم ي ْق ِّس ي ي ي يمون ر ْحمة رِِّّب
ْ
ض يا س يخ ِّرًّيا الد ْنيا ورف ْعنا ب ْعض يه ْم ف ْوق ب ْعر درجات لي ،ت ذ ب ْعض يه ْم ب ْع ه ن ْحن قس ي ْمنا ب ْينه ْم معيش يته ْم في ْالحياة ُّ
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
ور ْحمة رِِّّب خ ْي ار ِّم ،ما يجمعون ئ ﴾ 32الزخرف
ْ
حين ني ييدرس كثيرا من القيم التي تقوم عل:هي ييا األس ي ي ي ييس الفكريي يية للعلمي ييانيي يية ،التي يروج من خاللهي ييا لفكرة
"املس يياواة" ،فإننا نلح ملحظا هاما لس ييري على تل "القيم" وهو "ض ييبابية املص ييطلا" ،فماذا نع؟ي باملس يياواة؟
هل هي التطابق؟ ئقطعا ال ،الختالف الهوية والطبيعة بين الرجل واملرأة مثال ،فتجريد املرأة من هويتها لتطابق
الرجل لع؟ي إهمال أهميتها في املجتمع ،وجعل الرجل مثاال متفوقا غايتها أن تبلغ ب ي ي ييأوح ،أم التش ي ي ييابه ئالتطابق
التقريبي ؟ أم التماثل؟ ئوهو أقرب مع؟ للمسي ي ي يياواة ،يفترا حكم املسي ي ي يياواة وجود فرق بين األبي ي ي ييياء التي تتم
وفقا لهذا التعري ،فإن فكرة املساواة "الكاملة" أو "املطلقة" متناقضة مع نفسها51 . مقارنتها .ه
ومن ناحية أخرى ،فإننا وجدنا أنه ال بد في الحياة من وجود فروقات تف ي ي ييبي إلى اختالف الذكر عن األنُ ،
اختالف الخبير عن غير الخبير ،اختالف املهنييدس عن الطبيييب ،وهكييذا ،فهييل هييذح الفروقييات مهميية في الحييياة،
أم أنه في األساس ال بد أن يكون الكل سواسية؟
ال لش عاقل أن من ضرورات الحياة وجود االختالفات بين الناس ،فألجل تمام حصول االجتما املف بي
إلى قيام مجتمع س ي ييليم ،يحتاج املجتمع إلى الص ي ييانع واملس ي ييتهل ،وملى الطبيب واملدرس ،وملى الذكر واألنُ ،وأي
محاولة إلزالة هذح الفروقات يؤدي إلى دمار املجتمعات وملى الثغرات الهائلة التي تف بي إلى فساد الحياة.
ومن املهم إدراك أن بعر هييذح الفروقييات مترتبيية على اختيييار البش ي ي ي يير ،مثييل أن ي تييار اإلنسي ي ي ي ييان أن يكون
طبيبيا ،أو مهنيدسي ي ي ي ييا ،أو أال لعميل ،وبيالتيالي فتفياوت القيمية واملنزلية والعطياء املترتيب على ذلي أمر طبي ي ،ي تج
عنه أن لس ييد كل منهم مكانا ودورا في الحياة ،لكن هللا ختاهم أس يياس ييا العقل وامللكات -في أص ييل الخلقة -والتي تيهئ
لكل منهم أن ي تار ،ويبلغ ،إال إن بعر الخيارات قد تكون ص ي ي ي ييعبة نتيجة الظلم االجتمايي في املجتمعات التي
ال تقيم موازين العدالة في تمكين الناس من الفرص نفس ي ي ي ييها ،أو الظلم النا ي ي ي ييبئ عن تطبيق نظام معين برمته،
كالنظام الرأس ي ي ييمالي على س ي ي ييبيل املثال وطريقة تركيبة النظام التي تش ي ي ييكلت من أجل ض ي ي ييمان حقوق فئات على
حساب فئات أخرى ،وهناك فروق ال خيار للبشر ف:ها ،كأن يكون اإلنسان ذكرا أو أنُ ،
ومن املهم فهم أن كال من الييذكر واألنُ ،من الطبيييب واملييدرس والعييامييل لسي ي ي ي ييد ثغرة مهميية في املجتمع فلييه
قيميية اجتميياعييية مهميية ،وأن بعر هييذح الفروقييات ترفع البعر فوق البعر في حيياالت معينيية ،وتسي ي ي ي يياويهم في
حاالت أخرى ،فمكانة األم مثال ال تض يياه:ها مكانة! بس ييبب الجهود املطلوبة للوص ييول لهذح املنزلة ،يمكن تفاوتهم
51 https://plato.stanford.edu/entries/equality/
72
في األجور ،فمثال الطبيب يدرس س ي ييبع س ي يينوات طب يص ي ييل ف:ها الليل بالنهار ،والذي اختار ت ص ي يص ي ييا أس ي ييهل في
الحياة ال يحتاج ملثل هذا املجهود ال ي ي ييا أن لس ي يياوى بينهما في األجر ،ولكنهما يتس ي يياويان في القيمة اإلنس ي ييانية
وفي أسي يياس االسي ييتعدادات على سي ييبيل املثال! وفي تمكين الكل من الفرص نفسي ييها بالتسي يياوي ،ئبما لشي ييبه األواني
املستطرقة .
إن ات اذ مس ييألة املس يياواة أس يياس ييا في البحث خطأ فكري جس يييم ،ألن "كون املرأة تس يياوي الرجل ،أو الرجل
لسياوي املرأة ليسيت باملسيألة ذات البال التي تؤثر في مجرى الحياة ،بل املسيألة التي يجب أن تبحث هي الحقوق
والواجبيات التي لينسي ي ي ي ييان ،فهي متمياثلية بين الرجيل واملرأة حيثميا تقت ي ي ي ييبي طبيعتهميا التمياثيل ،ومن العيدل أن
ت تل تل الحقوق والواجبات حين تقت ييبي طبيعتهما االختالف ،ومن الظلم أن تتسيياوى الحقوق والواجبات
حين االختالف في طبيعتهميا ،وهيذا التبياين ال يبحيث من بياب املسي ي ي ي يياواة أو عيدم املسي ي ي ي يياواة ،بيل يبحيث بوص ي ي ي يفيه
يلوك وعالقات مجتمعية تقت ي ي ييبي حال وعالجا بوص ي ي ي اإلنس ي ي ييان -ذكرا كان أم أنُ -كائنا مش ي ي ييكلة ي تج عنها س ي ي ي ا
اجتماعيا متفاوت القوى واالستعدادات بما يؤثر في طبيعة حقوقه وواجباته بناء على ذل .
فحين تكون الحقوق والواجبات إنس ييانية تتعلق باإلنس ييان كإنس ييان تجد التماثل في الحقوق والواجبات بين
الييذكر واألنُ في اإلس ي ي ي ييالم ،قييال تعييالى في س ي ي ي ييورة ئالنحييل ﴿ : 97م ْن ع ِّميل ص ي ي ي ي ي ِّال هحيا ِِّّمن ذكر أ ْو أنُ وهو م ْؤ ِّم ان
ْ ه ه
فلن ْح ِّيي ،نه حياة ط ِِّّيبة ولن ْج ِّزي ،نه ْم أ ْجرهم ِّبأ ْحسي ِّن ما كانوا ل ْعملون ،وكذل جعل للمرأة كما للرجل الحق في أن
تمتل ما تش ي يياء وأن تنمي أموالها كما تش ي يياء -وفقا لض ي ييوابط الش ي يير املنطبقة على الذكر واألنُ س ي ييواء بس ي ييواء-
ْ ْ
يب ِِّّم ،ما اكتس يبواض يل ّ،ب ِّه ب ْعض يك ْم على ب ْعر ِِّّل ِّلرجال ن ِّص ي ا قال تعالى في س ييورة ئال س يياء ﴿ : 32وال تتم ،ن ْوا ما ف ،
ِّ ِّ ِّ
، اسأل ْوا ّ،من ف ْ
ض ِّل ِّه ِّإ ،ن ّ كان ِّبك ِّ ِّل ب ْيء ع ِّل هيما . يب ِّم ،ما ْاكتس ْبن و ْ ِّ
ِّ و ِّلل ِّ ساء ن ِّص ا ِّ
وحين تكون هيذح الحقوق والواجبيات متعلقية بياختالف في طبيعية الرجيل واملرأة كيأنُ لهيا مكيانتهيا في املجتمع
جعلت هذح الحقوق والواجبات متنوعة ،ويتجلى ذل في باب الشي ييهادات على سي ييبيل املثال ،فشي ييهادة الرجل في
الرض ييا ال تقبل ،وتكفي فيه ب ييهادة امرأة واحدة ،ألن هذح األمور في العادة ال يطلع عل:ها إال ال س يياء ،كالش ييهادة
على البكارة والش ي ي ييهادة على الوالدة ،وعلى ذل فجميع األمور بين الرجل واملرأة تس ي ي ييير وفق ما تقتض ي ي يييه الحياة
ملجتمع صالا في بيئة إسالمية من التماثل أو التنو أو التفاوت"52.
وحيييث إن للمسي ي ي ي يياواة مفيياهيم متعييددة ،فمثال قييد ال يكون من العييدل أن تسي ي ي ي يياوي بين ض ي ي ي ييعي وقوي في
التكييالي املرهقيية التي تحتيياج لقوة بييدنييية ،فتس ي ي ي ييتفيييد بييدال من ذلي من قييدرات الض ي ي ي ييعي األخرى ،كقييدراتييه
الذهنية مثال ،وباملثل ،فال يجب أن يكون مفهوم املس ي يياواة أن تحمل املرأة والرجل على القيام بعين األعمال ،في
حين إن حاجة املجتمع ملحة الض ي ي ييطال املرأة بأعمال معينة ،والرجل بأعمال أخرى ،فتكون النظرة للمس ي ي يياواة
52الشخصية اإلسالمية ،تقي الدين النفهاني الطبعة األولى سنة 1952ص .76فصل :املساواة بين املرأة والرجل ،بتصرف بسيط.
73
أعمق وأبعد نظرا من مجرد القيام بنفس األعباء الجسي ي ي ييدية في العمل ،فهو ينقل أثقاال على قهرح من الشي ي ي ييار
للطابق الخامس في مشرو بناء ،وهي تفعل األمر ذاته!
بل تتحقق املسي يياواة بقيامه بواجبات معينة تتناسي ييب مع قدراته وطبيعة خلقته وحاجات املجتمع ،وقيامها
بواجبات معينة مناس ي ي ييبة لطبيعة خلقتها وقدراتها وحاجات املجتمع وحاجاتها هي ،وحين تتكامل املهام وحس ي ي يين
القيام بها يتسياوون في الثواب والقيمة االجتماعية ،وذل بالضيبط مثل أنه ال ي يا أن يكون كل أفراد املجتمع
أطباء ،فاملجتمع بحاجة للطبيب وللنجار وللمدرس وللوزير ،وكذل بحاجة للذكر ولألنُ !
درس ي ي ي يية وللطبيبية حياجتيه للميدرس ِّ
ويمكن لليذكر واألنُ أيض ي ي ي ييا أن لعمال نفس األعميال لحياجية املجتمع للمي ِّ
وللطبيب! ال مانع من أن تعمل املرأة ما يناسب ِّخلقتها وطبيعتها من األعمال املباحة!
ثم لنيأخيذ املس ي ي ي يياواة غير املش ي ي ي ييروطية بين فئيات املجتمع في الحقوق الس ي ي ي ييياس ي ي ي ييية ،فياملجتمع بحياجية لحلول
املشيياكل ،فإذا كان لدينا مشييكلة اقتصييادية وسيياوينا بين الناس في رأيهم في حلها ،سيياوينا بين من امتل دكتوراة
في االقتص ي ي يياد الس ي ي يييا ي ي ييبي ،وبين أي ش ي ي ييخص خخر لم يدرس كتابا في االقتص ي ي يياد في حياته ،فهل يا ترى مثل هذح
املس يياواة س ييي تج عنها الحل األمثل ملش يياكل املجتمع أم أن الغالبية التي ال عالقة لها باالقتص يياد س ييتفرا حلوال
تناسب نظرتها السطحية للمشكلة والتي تتعلق بحلول تتناسب وأهواءها وال تتناسب مع الصالا العام؟
فالنظام السي ي ي يييا ي ي ي ييبي الذي يتجاهل الفروق العلمية واإلدراكية ألفراد املجتمع ،ويتجاهل القيمة ال سي ي ي ييبية
لبعر أفراد املجتمع ،بل ويفرا نوعا من املسي ي يياواة غير املشي ي ييروطة بين أفراد هذا املجتمع سي ي ييتف ي ي ييبي به هذح
املساواة إلى كوارث على املجتمع!
لذل ،فالخالص ي يية أن القض ي ييية األس ي يياس هي :النظام ال ي ييحيح الذي يض ي ييع كل مس ي ييألة في نص ي ييابها لص ي ييالح
الحياة ،وس ي ييعادة املجتمع ،وأن لس ي ييتوي الكل في قض ي ييايا معينة ،وي تلفوا في قض ي ييايا أخرى ،وبهذا تفهم قض ي ييية
العدل.
74
"اإلرادة الحرة" ومسؤولية الخالق عن "العلل الواضحة" في الخلق.
يص الفيلسوف اإلنجليزي أنتوني فلو موقفه القديم والجديد ملعضلة الشر في كتابه :ئهناك إله :
"القض ي ي ي يييية األخرى التي غيرت رأيي ف:هييا هي حرييية اإلرادة؛ حرييية اإلنسي ي ي ي ييان املطلقيية .هييذح املسي ي ي ي ييأليية لهييا ثقلهييا
وأهميتهيا ،ألن مسي ي ي ي ييألية ميا إذا كنيا أحر هارا أم ال؟ تكمن في جوهر أغليب األدييان الرئيس ي ي ي ييية .في بيدايياتي في الكتيابية
ِّ لفت االنتباح إلى تناقر وجود الشير في كون خلقه ويحكمه ا املناهضية لألديانُّ ،
القدرة وك ِّل ُّي املحبة.
ِّ كيان مطلق
جاء رد املؤمنين على ذل التناقر املدرك املحسوس بادعاء أن اإلله يهب اإلنسان حرية اإلرادة ،وأن معظم –
إن لم يكن كل– تل الشي ي ي ييرور الواضي ي ي ييحة املخزية ،سي ي ي ييبفها جميعا سح ح ح ححوء اسح ح ح ححتخدام اإلنسح ح ح ححان لهذه العطية
الخطيرة ،ولكن النتييائج النهييائييية لتحقق ذل ي في املجمو ،س ي ي ي ييتكون أكثر خيرييية ممييا قييد يتيياح في انعييدام وجود
اإلرادة الحرة .في الواقع ،كنت أول من لسمي ذل ب "دفا عن اإلرادة الحرة".
وسححواء ُر ِّم َزإل ها كمناظرة بين "حرية اإلرادة" و"القدراملسححبق" ،أو في اإلطارالعلماني بين "حرية اإلرادة"
و"الحتمية" ،فإن س ي ي ي ييؤال ما إذا كان لدينا حرية أم ال؛ أمر جوهري .رددت بمحاولة للجمع بين كال االتجاهين،
وذل ي ي من خالل طرح افتراا لعرف حي يياليي ييا بي ييالتوافقيي يية ) ،(Compatibilismفبينمي ييا يقول غير التوافقي أن
الجبرية التامة غير متوافقة مع حرية اإلرادة ،يؤكد التوافقي ليس فقط على إمكانية اتس ي ي يياقهما؛ بل الجمع بين
القول ب ييأن ييه يمكن لش ي ي ي ييخص م ييا ات يياذ قرار بحري يية ،ومدراك أن ه ييذا القرار املس ي ي ي ييتقبلي معلوم س ي ي ي ييلف ييا لجه يية
مسييتقبلية ،ولكن أيضييا أن القرارات الحرة يمكنها أن تكون حرة وقرارات في خن ،حت ولو كان السييبب في حدولها
بالطريقة التي حدثت بها سبب فيزيا ي ،وحت ولو كان حدولها بهذح الطريقة تحتم حدولها بقانون ما أو بقوانين
الطبيعة.
بينما ال زلت أؤمن بقدرة البش يير على االختيار الحر ،لك؟ي توص ييلت في األعوام الالحقة الس ييتحالة الجمع بين
اإليمييان بكون الخيييارات حرة وكونهييا نتيياج أس ي ي ي يبيياب فيزيييائييية في نفس الوقييت ،بعبييارة أخرى ،مبييدأ التوافقييية ال
ه
لعمل .قانون الطبيعة ليس بيانا لحقيقة مجردة عمياء في أن حدثا معينا -كما يحدث -سيعقب بعر األحداث
ه
األخرى ،ولكنه حدوث حدث معين ،والذي لسي ي ي ييتلزم فيزيائيا حتمية حدوث مجموعة أخرى من األحداث ،األمر
اليذي يجعيل من عيدم حيدوث املجموعية األخرى من األحيداث "اس ي ي ي ييتحيالية فيزييائيية" وليس هيذا الحيال إطالقيا في
"االختيار الحر".53
"وفي ض ييوء ارتدادي عن االقتنا الكامل بمبدأ التوافقية ،فإن أغلب موادي امل ش ييورة عن االختيار واإلرادة
الحرة ،في الس ي ييياقات الدي ية أو العلمانية على حد س ي ييواء ،تتطلب املراجعة والت ي ييحيح .ونظرا إلى أن القض ي ييية
هنا تتعلق بالتسي ي يياؤل الثاني ملجموعة التسي ي يياؤالت الفلسي ي ييفية الثالثة لعمانويل كانت ئاإلله ،والحرية ،واألزلية ،
ثم إن علينا أن نفهم موضي ي ي ييو القضي ي ي يياء والقدر ئوالذي فصي ي ي ييلنا فيه تفصي ي ي يييال دقيقا بالغا في كتابنا :إقامة
الدولة اإلسح ح ححالمية في ظل قانون السح ح ححببية والس ح ح ح ن اإللهية والس ح ح ح ن التاريخية ،في فص ي ي ييل :القض ي ي يياء والقدر
والنصر والرزق واإلماتة؛ أين يقع بحث السنن والسببية منها؟ ونقول هنا باختصار غير م ل:
أوال :اإلرادة الحرة ليسييت نظير حرية السييلوك أو التصييرف ،ئأي ليس كالحرية الشييخصييية أو حرية التدين
وحين ترى تعاري اإلرادة الحرة تجدها كما لعرفها قاموس ميريام وسسي ي ييتر" :حرية اإلنسي ي ييان في ات اذ خيارات ال
إلهي" .بمع؟ خخر :هي الجواب على س ي ي ي ييؤال :هيل اإلنس ي ي ي ييان مجبر ئمن قبيل تحيددهيا أس ي ي ي يبياب س ي ي ي ييابق اية أو تيدخ ايل م
ه
الخيالق أم هو م ير! فيإذا كيان م يرا فهيذا لع؟ي أنيه يملي اإلرادة الحرة في أن يفعيل أو ال يفعيل" ،أي إن النياس
ولدوا أحرارا ال يجوز ألحد أن لس ي ي ييتعبدهم لغير خالقهم ،وال تناقر في هذا مع وجود اإلرادة واملش ي ي يييئة والقدرة
على القيام بالفعل عندهم ،فاإلنسان يمتل إرادة حرة في الدائرة التي لسيطر عل:ها.
ه
ثانيا :بالنظر في األفعال إجماال نرى اإلنس ي ييان لعيش في دائرتين ،دائرة يكون اإلنس ي ييان ف:ها مس ي يييرا ،ال يمل
ه ه
االختيار في أفعاله وتصرفاته في ضمنها ،ودائرة ثانية لسير ف:ها اإلنسان سيرا اختياريا ال إكراح فيه وال جبر ،وقد
أحاطت النصي ي ييوص الشي ي ييرعية هذح الدائرة الثانية بجملة من التكالي واملعالجات ،وترك له الخيار للقيام بما
أمر به أو عدم القيام به ،وعلى أس ي ي يياس اختيارح يتم الحس ي ي يياب ويكون الثواب والعقاب ،وهذح الدائرة ال عالقة
لها بموضو القضاء والقدر ،بل هي دائرة التكلي واملحاسبة.
ثالثا :وأما الدائرة التي تس ي يييطر عليه ويجبر ف:ها على أفعال ال خيار له ف:ها ،فعلى قس ي ييمين :قس ي ييم يقتض ي يييه
ه ه
نظام الوجود مبابي ييرة ،55ي ضي ييع اإلنسي ييان ف:ها مبابي ييرة لنظام الوجود ويسي ييير بحسي ييبه سي يييرا جبريا ،طبق ذل
النظام الذي ال يت ل ،على غير إرادة من اإلنسان،
وقسم ال يقتضيه نظام الوجود مبابرة ،ومن كان كل بيء ال ي رج عن نظام الوجود.
ه
فأما ما يقتضيييه نظام الوجود :يأتي اإلنسييان للحياة جبرا عنه ،وبييكل رأسييه ،ولون عي يه ،وكونه لسييير على
األرا ال يطير في الهواء ،هذح كلها من القس ييم الذي يقتض يييه نظام الوجود ،فاهلل تعالى خلق الكون وأجرى فيه
55فالنار تحرق إذا كانت املادة األخرى ف:ها قابلية االحتراق ،ومذا لم تكن ف:ها قابلية االحتراق ال تحرقها .وسعر األحماا تذيب بعر العناص ي ي ي يير وال
ه
تذيب غيرها .وسعر العناصير تتحد مع عناصير أخرى وتتفاعل معها وال تتفاعل مع غيرها ،وذرتان من الهيدروجين مع ذرة من األكسيجين ت تج ماءا،
ولكن حت نحصييل على املاء الثقيل ال بد من اتحاد ذرتين من الهيدروجين الثقيل مع ذرة من األكسييجين .فهذح األبييياء لم تسييتطع أن تتصييرف في كل
ييبيء وال أن ت تقل من حالة إلى أية حالة أخرى إال ضييمن وضييع قاصيير على حاالت معينة ،وال تسييتطيع سييواها إال بإحداث تغيير ف:ها أو في سييواها ،أو
بعامل خخر ،اقت ب نظام الوجود إمكانية أن يحدث مثل هذا التغيير ،مثل أن تطير بطائرة فتت طى الجاذبية ،فهي إذن محتاجة ،وخاضعة لنظام
ه
الوجود جبرا.
77
قوانين معينة تجعل الكون ص ييالحا للمعيش يية ،مثل قانون الجاذبية ،ومثل أن الجينات تتحكم في ج س املولود
مفطور على السير وفق هذح القوانين. ا ولون عي يه ،وال أثر للعبد وال عالقة له في ذل ،فالوجود
ه
وهناك قسيم ال يقتضييه نظام الوجود مبابيرة ،ومن كان خاضيعا لنظام الوجود ،مثل أن لسيقط جسيم من
أعلى على ش ي ييخص دون تحكم منه في ذل ،ولو أطلق ش ي ييخص رص ي يياص ي يية في الهواء فأص ي ييابت ش ي ييخص ي ييا لم يكن
يقصي ييد أن يصي يييبه ،فهو قضي يياء عل:هما معا ،أو أطلق عليه الرصي يياصي يية بإرادة القاتل ،فهو قضي يياء على املقتول ال
لسي ي ي ييتطيع دفعه ،والقاتل يحاسي ي ي ييب على فعله ،ومثل تدهور السي ي ي يييارة ،وسي ي ي ييقو طائرة لخطأ لم يكن باإلمكان
تالفيه ،هذح األفعال وقعت على اإلنسان أو منه على غير إرادة منه ،وهي ليست في مقدورح ،وال ِّقبل له بدفعها،
وال يقتض:ها نظام الوجود ،فتدخل في الدائرة التي تسيطر عليه.
رابعا :الدائرة التي تس ي يييطر على اإلنس ي ييان تس ي ييم دائرة القض ي يياء ،ألن هللا هو الذي ق ي ييب الفعل ،وال توجد
حرية إرادة للعبد في الفعل أي ليس له اختيار ،ولذل ال يحاسي ييب العبد عل:ها مهما كان ف:ها من نفع ،أو ضي ييرر،
أو حب ،أو كراهية بال س ييبة لينس ييان ،أي مهما كان ف:ها من خير أو ب يير حس ححب تفس ححيراإلنس ححان لها ،وإن كان
هللا وحده هو الذي يعلم الش ح ح ححر والخيرفي هذه األفعال ،ألن اإلنس ي ي ييان ال أثر له بها وال لعلم عنها وال عن كيفية
ه
إيجيادهيا وال يملي دفعهيا أو جلفهيا مطلقيا ،وليذلي ال يثياب وال لعياقيب عل:هيا .فهيذا هو القض ي ي ي يياء ،ويقيال حي ئيذ أن
الفعل وقع قضاء ،وعلى اإلنسان أن يؤمن بهذا القضاء أنه من هللا سبحانه وتعالى.
خامس ي ييا :أما القدر :فالخاص ي يييات التي قدرها هللا في األب ي ييياء ،والس ي يينن املجتمعية التي قدرها في املجتمعات،
والس يينن اإلنس ييانية التي يتفاعل معها اإلنس ييان في س ييير حياته ،فالص ححفات والخص ححائل التي في األب ييياء تس ييم
بالقدر ،ألن هللا تعالى هو الذي قدرف ها هذه الخاص ححيات ،وذل أن األفعال التي تحص ييل من اإلنس ييان أو عليه
في أي من الدائرتين ئاملس يييطرة عليه أو التي لس يييطر عل:ها تقع أفعاله على أب ييياء أو من أب ييياء من مادة الكون
والحياة فيحدث هذا الفعل أثرا ،أي يترتب على هذا الفعل أمر ما ،فهذح اوثار ليسي ي ييت من خلق اإلنسي ي ييان حين
قيامه بالفعل ،ومنما هي من الخص ي ي ييائص التي قدرها هللا في األب ي ي ييياء فتتفاعل مع األفعال على نحو م ص ي ي ييوص
حين القييام بيالفعيل أي يظهر أثر هيذح الخواص ،ك ياص ي ي ي ييية اإلحراق في النيار ،وخياص ي ي ي ييية القطع في الس ي ي ي ييكين،
وخاصية إنبات الن ل من النواة ،وخاصية حب البقاء في الكائن المي.
فقيد قدر هللا تعيالى في األب ي ي ي ييياء ص ي ي ي يفيات ثابتية ،كص ي ي ي يفية اللون والطول والص ي ي ي ييالبة والس ي ي ي يييولة ،تظهر هذح
الخاصيات ،والتي هي في األساس صفات ذاتية الزمة في األبياء ،فإذا ِّ
ِّ الصفات حال االستقرار ،وق ،در في األبياء
ما تفاعلت الص ح ح ححفات مع األس ح ح ححباب وتحركت انبثقت الخاص ح ح ححيات ،56مثل قابلية الخش ي ي ييب لالحتراق ،وقابلية
56فمثال في علم املعادن Metallurgyنرى اعتماد خصائص املعادن properties of materialsعلى الروابط ما بين الذرية ،فتجد بعضها غير متبلور
،amorphousوسعضيها متبلورا ،crystallineواألخير تجد أن الذرات فيه تصيط بشيكل بي ْع ِّر ِّي latticeثالثي األبعاد ،وتكرر هذح األبيكال ال ،شي ْع ،رية
طريقيية تكوينهييا في كييل االتجيياهييات بنفس الطريقيية البلورييية الهنييدس ي ي ي يييية ،وذلي عبر قوى ترابط كيميييائييية بين تلي البلورات تكرر ال س ي ي ي ييق ذاتييه ،ومن
الخصي ييائص املهمة مقياس الحبيبة size of the grainوهذا يحدد الخصي ييائص الخاصي يية بذل املعدن ،ومن الخصي ييائص األخرى تجد مثال الصي ييالبة
78
إرواء املاء للعطش ي ييان ،وقابلية تحول املاء الس ي ييائل إلى ب ار بالتس ي ييخين ،فالخاص ح ححية هي االنفعال الحاص ح ححل في
الشح ح ح يء بس ح ححبب فعل وقع عليه ،وباطراد التالزم املؤثر بين هذا الفعل واالنفعال الناتج نسي ي ييت بط وجود عالقة
ثابتة بينهما نس ي ييم:ها الخاص ي ييية .ويمكن دراس ي ييتها بدقة بالغة ،كما وجدنا س ي ييابقا في علم املعادن ،وحين يحص ي ييل
التأثير بين الس ي ي ي ييبب الذي يمتل طاقة س ي ي ي ييببية كافية للتفاعل مع الص ي ي ي ييفات أو الخواص فتنفعل بهذح الطاقة
وتتعاون معها الشي ييرو الالزمة ،فال بد أن يحصي ييل التغيير بشي ييكل حتمي ضي ييروري ،ومن لم يحصي ييل التغيير فإما
أن الطيياقيية الس ي ي ي ييببييية يكيانييت غير يكيافييية ،ئمثال درجيية الحرارة لم تكن يكيافييية لتحويييل خصي ي ي ي ييائص املعييدن أو أن
الش ييرو لم تتوفر كلها ،ففي كل هذح العالقات تجد ض ييرورة تفاعل الص ييفات مع األس ييباب بش ييكل دقيق إلنتاج
ه ه
النتيجية ،فهيذح هي الض ي ي ي ييرورة والحتميية بياملفهوم الفكري العقلي الفلس ي ي ي ييفي ،واليذي يثبيت علمييا أيض ي ي ي ييا ،وعلى
أساسه تقوم العلوم التي تبحع خواص األشياء!
سييادسييا :سييخر هللا تعالى األبييياء في الكون لينسييان حت لسييتفيد منها ويسييتعمل خواصييها في عمارة األرا،
لذل ي تج عن وجود مادة قابلية لالحتراق ،ونار قابلية ليحراق ،وأكس ي ي ي ييجين بكمييات كافيية من كل منهيا ي تج عن
هذا نار بش ييكل حتمي ،يتفاعل اإلنس ييان مع هذح الص ييفات والخواص ،ويس ييتغلها لقض يياء حوائجه ،ألنها مس ييخرة
بأمر هللا تعالى له ،وي ضي ييع اإلنسي ييان كما قلنا لقوانين الكون مثل قانون الجاذبية ،وي تج األثر الحتمي لوجودح
في نطياقهيا فورا ،فيإذا ميا قيذف حجرا في الهواء بطياقية تتغليب على الجياذبيية ،ال تلبيث تلي الطياقية أن تتفياعيل مع
الجاذبية فتتحول من طاقة حركة لطاقة وض ييع تبلغ ذروتها حين تض ييامر الطاقة الحركية فيرجع ال جر لألرا
ه
ثانية متأثرا بقوة الجاذبية ئس يينة كونية ،قدر ،وعليه فاإلنس ييان ي ض ييع للقدر في نواميس ييه ،ال لس ييتطيع تغيير
تل النواميس ،وما سخر له منها لستطيع التفاعل معها واستغاللها.
Hardnessوالهش يياب يية Brittlenessوالليونة ،Ductilityوالقوة Strengthوهكذا ،وبتأثير الحرارة على املعدن تتغير أب ييكال البلورات وتراتيفها بش ييكل
متناس ي ييب مع درجات الحرارة وطريقة التبريد ،وبالتالي لس ي ييتطيع اإلنس ي ييان االس ي ييتفادة من هذح املعادن ومعرفة خص ي ييائص ي ييها على نحو دقيق! ففي كل
مدال من درجات الحرارة تجد خصائص املعادن تتشكل بصورة معينة ،فإذا انتقلت إلى نطاق درجات حرارة آخر بالتسخين أو التبريد تغيرت تل
الخصائص ،لكن بشكل متناسب مع درجات الحرارة وطريقة التبريد ،فهي خصائص دقيقة اإلحكام ال عشوائية!
79
ادة في عالم سببي حتمي؟
حرية اإلر ِّ
خطة الوجود :هل اإلنسان مسلوب اإلرادة؟ أين يقع سؤال ِّ
ه
س ي ي ،ين هللا للناس س ي ي نا ئمجتمعية ئتاري ية /إنس ي ييانية ،وطلب من الناس معرفتها أو اكتش ي ييافها ،وكان من
طبيعة هذح الس ي ي يينن أنها ذات طابع انس ي ي يياني؛ ألنها ال تفص ي ي ييل اإلنس ي ي ييان عن دورح اإليجاسي ،وال تعطل فيه إرادته
وحريية اختييارح ،ومنميا تؤكيد أكثر فيأكثر على مس ي ي ي ييؤوليتيه على الس ي ي ي يياحية التياري يية واملجتمعييةِّ ،
وزود اإلنس ي ي ي ييان
وزود اإلنسي ي ييان بالدما القادر على بأدوات املعرفة :الحواس ،التي تنقل له صي ي ييورة الواقع ليفكر فيه ويفسي ي ييرحِّ ،
التفكير ،وس ي ي ي ييخر ميا في األرا لينسي ي ي ي ييان لس ي ي ي ييتطيع أن يتفياعيل مع خواص األب ي ي ي ييياء التي قيدرهيا ف:هيا ،فتفياعيل
اإلنس ي ييان مع غيرح ال يتم على ب ي يياكلة الس ي يينن الكونية بين املواد والقوى والطاقات ،بل يظهر أثر حرية اإلرادة في
صورة القدرة على االختيار والتفاعل املسؤول ،وذل كي يتس؟ لينسان القيام بواجب االست الف في األرا.
80
عدل اإلله مطلق القدرة ،كلي املحبة /كلي الرحمة!
تقوم حجة مشي ييكلة الشي يير على أن "وجود الشي يير في العالم يتنافى مع أن يكون الرب عليما ألن علمه يقت ي ييبي
أن يمنع هذا الشر من الوجود ،ويتنافى مع أنه قدير ،ألن قدرته تقت بي أن يمنع هذا الشر من الوجود ،ويتنافى
مع أنه رحيم ،ألن رحمته تقت ي ي ييبي بمنع هذا الشي ي يير من الوجود ،ولذل فإن وجود الشي ي يير ينفي وجود هذا اإلله
الذي ال يمكن أن يفتقد الص ي ي ي ييفات الثالث الس ي ي ي ييابقة جملة" "57وتقوم حجة مش ي ي ي ييكلة الش ي ي ي يير على مغالطة وهي
افتراا أن كمييال هللا يتعييارا مع إرادتييه ،فييإرادتييه مقيييدة بكمييالييه ،وأن الحكميية تقت ي ي ي ييبي أن يكون كييل م لوق
كامل الصيينعة في ذاته ،وهو يحصيير أبواب الحكمة" 58في زاوية واحدة ئانتفاء األلم ،ودوام امللذات دون التأمل
في مزايا الزوايا األخرى التي أوردناها في امللخص التنفيذي ألهم القض ي ي ييايا املتعلقة بمعض ي ي ييلة الش ي ي يير ،األمر الذي
ي تهي في النه يياي يية ب ييأن على هللا أن "ي لق إله ييا مثل ييه" حت يثب ييت ل ييه كم ييال الكم ييال ،وتفترا ال ج يية أن الش ي ي ي يير
يتعارا مع الحكمة ،ومع القدرة ،لكننا بالتأمل وجدنا قص ي ييورا وس ي ييطحية في حص ي يير الحكمة بمقتض ي يييات هذح
النظرة ،فمثال :حين يجتمع الناس على دولة واحدة بنظام ير ي ييبي ف:هم الطمأنينة واألمن واالس ي ييتقرار ،ويأتي من
يناز على الحكم ويشي ييق الصي ي ،ويريد فرا نظام يف ي ييبي للفسي يياد ،فإن قتله ئوالذي هو في قاهرح بي يير إنما
خير للمجمو ،وعقاب له على ما أراد من اإلفس ي ي ي يياد ،حت ومن حش ي ي ي ييد معه جماعة تؤيدح ملص ي ي ي ييالا خنية لها، هو ا
ا
وموافق للحكمة. تضر باملصلحة العامة للمجتمع ،فقتلهم جميعا فيه صالح للمجمو ،
حر اإلرادة املس ي ي ييؤول عن االس ي ي ييت الف في كما أن املعض ي ي ييلة تغفل التأمل في خطة الوجود ،وخلق اإلنس ي ي ييان ِّ
األرا ،واختب ييارح في خي ييارات ييه ،األمر ال ييذي يتع ييارا مع "جبره على أن يكون كححامال خ ححالي ححا من العيوب وا ث ححام
واألخطاء" ،وهم بذل يدعلون الجبرأفض ح ححل من االختيار ،ويجعلون غاية خلق اإلنس ي ييان إس ي ييعاد اإلنس ي ييان ال
اختبييارح على محي العبودييية هلل ،ويجعلون إس ي ي ي يعيياد اإلنسي ي ي ي ييان متمثال بيياللييذات اونييية ،واملتع املييادييية ،ويغفلون
ه
القيم اإلنس ي ي ي ي يياني يية والخلقي يية وال ييدي ي يية التي تجع ييل للحي يياة رونق ييا خ يياص ي ي ي ي ييا ،ويغفلون ل ييذة أن يتقرب هللا لعب ححده
باالبتالء ،فيتضي ي ي يير العبد إلى ربه ،ويقترب من ربه ،فيحس بسي ي ي ييعادة روحية هائلة بعد أن نآى عن ربه وراء دنيا
مادية ،ويغفلون لذة مصارعة الشر بأنواعه ،والصبر على الوجع تقربا من هللا ،ورضا بقضائه ،ومال فإن النفس
املسي ييرفة في اللذات ،الغارقة في املادية سح ححرعان ما سح ححيصح ححي ها الضح ححجر ،والذي سي يييعقبه بشي ييكل حتمي أمراا
نفس ي ي ي ييية من كيآبية ،ولوال اعتراا الليذات بياأللم مليا كيان لليذات املع؟ الرا ع لهيا اليذي يجل:هيا ،فييدرك اإلنسي ي ي ي ييان
عندها حجم النعم التي يرفل ف:ها دون أن ينتبه إل:ها.
إننا حين نحس باأللم فإن ذل إنما لوجود جهاز عص ي ييبي لس ي ييتش ي ييعر األلم وينقله ض ي ييمن ب ي ييبكة من ألياف
طويلة جدا بوسي ي ييائل غاية في التعقيد إلى الدما ،فلم وجد هذا الجهاز لتحقيق هذا الشي ي ييعور؟ وكي اختلفت
الرسي ي ييائل العصي ي ييبية الناقلة لأللم في حدتها بناء على نو األلم ،ونو التحذير؟ أهي الصي ي ييدفة أم العشي ي ييوائية أو
العبثية؟ أم إن لهذا الجهاز فوائد جمة تجعل اإلنسي ي ييان حين لشي ي ييعر باأللم يلجأ للطبيب ليكتشي ي ي أنه بحاجة
لعالج ومال ربما تل أحد أعض ي ييائه وأف ي ييب به للموت؟ ال يمكن لينس ي ييان العاقل أن ي ع ي ييبئ منظومة هندس ي ييية
معقدة تحل محل النظام العص ي ييبي الناقل لأللم ،فاأللم من أعظم مزايا تص ي ييميم الجس ي ييد البش ي ييري ،ومن أكثرح
فائدة لينسان" 61
أوال :ال يمكن أن تؤس ي ي ي ييس العلمي ييانيي يية ئوال الي ييديمقراطيي يية وال الليبراليي يية وال اإللحي يياد ملقي يياييس لألخالق وال
للفضيييلة وال للخير وال للشيير ،ففلسييفة العلمانية قامت على أسيياس "مادي ،حسييبي" يف ييبي النفضيياا "املعرفة
العلميانيية" عن الغييب ،وع ِّميا وراء الطبيعية ،والتركيز على الطبيعية ،مملكية املعرفية اإلنس ي ي ي ييانيية ،ومفياهيم الخير
والش يير ليس ييت مفاهيم مادية ،وال يقع الحس عل:ها لقياس ييها أو إخض يياعها للتجربة ،وبالتالي "فالض ييمير األخال ي"
أو "اإلنسي ي ي ي يياني" مفياهيم غير مياديية ،فكي س ي ي ي ييتبح هيا العلميانيية وتؤس ي ي ي ييس عل:هيا مرجعيية للس ي ي ي ييلوك لوص ي ي ي يفيه
باألخال ي؟
يقول الدكتور عبد الوهاب املس ي ي ي يييري" :الفلس ي ي ي ييفة الهيومانية في الغرب ،بتأكيدها القيم األخالقية املطلقة
ومق ييدرة اإلنس ي ي ي ي ييان على تج يياوز واقع ييه الطبي ي /امل ييادي وذات ييه الطبيعي يية /امل ييادي يية ،تعبير عن اإلل ييه الخفي وعن
البحححع غير الوايي من قبييل اإلنس ي ي ي ي ييان املححادي عن املقححدس ،فمثييل هييذح القيم ،ومثييل هييذح املقييدرة ليس لهمححا
أساس مادي"62
من هنا" ،عند مناقشي ي يية السي ي ييؤال األنطولوجي ئالوجودي لألخالق وهو السي ي ييؤال الفلسي ي ييفي املتعلق بوجود
األخالق من عدمها ،يفر املالحدة [واملاديون] فتراهم يحاولون ص ي ي ي ييرف املوض ي ي ي ييو إلى الس ي ي ي ييؤال اإلبس ي ي ي ييتمولوجي
ئنظري يية املعرف يية وهو س ي ي ي ييؤال يتعلق بكيفي يية التعرف على القيم األخالقي يية ... ،فحين نتح ييدث عن الفلس ي ي ي يف يية
األخالقية ،ثمة مستويان مهمان للحديث :املستوى األول :هل للقيم األخالقية املطلقة وجود أم ال؟
املستوى الثاني :كي نتعرف على تل القيم األخالقية إن كان لها وجود؟
فياملياديون يبقون الس ي ي ي ييؤال األول معلقيا دون جواب ،ألنيه لش ي ي ي يكيل ميأزقيا حقيقييا ض ي ي ي ييخميا للفلس ي ي ي يفية املياديية
اإللحادية" 63ئوذل ألنهم ماديون ،واألخالق والضمير ،والخير والشر كلها مفاهيم غيبية ال يقع الحس عل:ها .
ثانيا :في قل طغيان الليبرالية كأسياس معرفي منذ عصير النهضية في أوروبا ،حرص املنظرون على عدم وضيع
مبادل منطقية أو س ي ي ييلطوية أو ثقافية أو طائفية أو تراثية أو دي ية أو غير ذل توجه التفكير البش ي ي ييري ملعرفة
"والتبرير النف ي البراغم يياتي لألخالق يفق ييد األخالق قيمته ييا ...وتقرير أن األخالق نس ي ي ي ييبي يية يفق ييده ييا قيمته ييا
املطلقة"66
وحين ل ْعرا لنا الس ييلوك نفس ييه من ش ييخص ييين ج ،ر على أحدهما نفعا وعلى اوخر ض ييررا ،ئفأحدهما ربح في
أن قاتال مأجورا قتل شيخصيا وقبر القمار واوخر خسير منه ،أو أن الشيخص نفسيه ربح مرة وخسير مرات؟ أو ِّ
ثمنا ماديا مقابل فعله ،بل أص ي ييال فوق ذل ،كي س ي ييتصي ي ي القتل نفس ي ييه بأنه خير أو ب ي يير؟ أو أن تاجرا روج
64الفعل الذي ي تج منفعة لينس ي ييان ئالفرد هو املرغوب فيه ،واملنفعة -كما عرفها جيريمي ب ثام -هي" :كل لذة أو كل س ي ييبب إليجاد لذة ،إنها القدرة
الكافية في غرا معين على إنتاج ربح أو نفع أو امتياز أو لذة أو خير أو سي ييعادة" ،وهكذا تحدد النفعية ئ Utilitarianismغاية اإلنسي ييان بسي ييعيه إلى
الحص ي ييول على الس ي ييعادة ،وهذح الس ي ييعادة تتحقق بكل ما ينفعه ،وما ينفع اإلنس ي ييان هو اللذة ،وهذا الرأي هو الذي لش ي ييكل التص ي ييور العملي الغرسي
يقوم الفعل للقبول األخال ي أو الرفر ولعدح حس ي يينا أو قبيحا بحسي ييب للحياة ،إال أنهم لعبرون عنه حديثا بمفهوم الرفاهية ئ ، Welfareفيقولونِّ :
ما يحقق من رفاح لينس ي ييان بوص ي ييفه الفردي أو الجم ي ،وما القيم واملعايير املوض ي ييوعة إال لتحقيق ذل ،فالنتيجة واحدة وهي النفعية التي يقررها
العقل البشري ،وال دخل للدين أو اإلله ف:ها،
65تاريخ الفلسفة الغربية ،برتراند راسل ،الكتاب الثالث :الفلسفة الحديثة ،ترجمة د .محمد فتمي الش يطي ،ص 184-183
66عبيد هللا ال جيري ،ميليش ي ي ي يييا اإللحياد ،ميدخيل لفهم اإللحياد الجيدييد ،مركز تكوين ،ص ،149ون تل معيه في اعتبيار األخالق قيميا مطلقية ،إذ إن
البحث ليس في أنها مطلقة أو نس ي ي ييبية ،إذ إن الفعل ال يحمل قيمة ذاتية فيه ،بل لعتبر خيرا باعتبارات خارجية عنه ،فقد يكون القتل خيرا أو بي ي ي يرا
بحسب االعتبارات الخارجية املسلطة عليه ،وهنا مربط الفرس.
84
للم درات واكتس ي ييب ثروة طائلة ،ثم اس ي ييتغل نفوذح في الدولة لتقنين تجارتها مثل القنب الهندي مثال؟ 67فعلى
أي أس ي يياس س ي يينفاض ي ييل في اختيار النظام األخال ي الذي س ي يييس ي ييود املجتمع؟ ال بد أن تص ي ييبح مفاض ي ييلة أي نظام
أخال ي على خخر مسألة عشوائية ال يمكن الدفا عنها.
ه
رابعا :اإلنس ي ييان كائن اجتمايي ،وال بد أن تض ي ييبط عالقاته بالغير على أس ي ييس منها تحقيق املص ي ييلحة العامة،
وفعل األصي ييوب الذي يرتضي يييه املجتمع ومن خال عن رضي ييا الفرد ،األمر الذي لسي ييتوجب مقاييس تحدد الخير
والش ي يير ،والص ي ييواب والخطأ ،والحس ي يين والقبح ،والثواب والعقاب ،فليس ي ييت مقاييس الخير والش ي يير إال ض ي ييرورة
لتسي ي ييتقيم حياة البشي ي يير ،ويصي ي ييلا اجتماعهم ،وال يمكن للفرد أن لسي ي ييتغ؟ي عن هذح املقاييس واملفاهيم في حال
االجتما ،بحجة قدرته على فعل ما لش ي ي ي يياء ،وملا كان األمر كذل ،كررنا بالس ي ي ي ييؤال عن مص ي ي ي ييدر ص ي ي ي ييحيح يت ذ
مقياس ييا لهذح القض ييايا الض ييرورية ،ووجدنا عدم قدرة العقل أن يكون املرجع ال ييحيح لهذح القض ييايا ،فلزم أن
تؤخذ من الخالق.
ه
خيامس ي ي ي ييا :يقول الالهوتي ولييام لين كريغ" :إذا كيان هللا غير موجود ،فيالقيم األخالقيية املوض ي ي ي ييوعيية ،والخير
والشي يير غير موجودة ،لكن معضي ييلة الشي يير تنطلق من إثبات وجود الشي يير ،إذن فاملعايير األخالقية املوضي ييوعية،
والخير والش يير موجودة ،إذن :فاهلل موجود" ويض ييي كريغ" :رغم أن املعاناة تش ييك على املس ييتوى الس ييطمي في
وجود هللا ،إال إنها على مسيتوى أعمق تثبت وجود هللا ،إذ إنه في غياب هللا ال تمثل املعاناة بييئا قبيحا ،إذا خمن
يقدم أحكاما أخالقية ال يمكن أن توجد إال ِّ امللحد أن املعاناة يبيء يبيء ،أو أنها أمر يجب أال يكون ،فهو بذل
إذا وجد هللا"
وفي مناقرة بهيرة بين الفيلسوف برتراند راسل ،والفيلسوف :فردري كوبلستون ،جاء ف:ها:
راسل :أنا أبعر أن بعر األبياء جيدة ،واألخرى قبيحة ،أنا أحب األبياء الجيدة ،التي أعتقد أنها جيدة،
وأكرح األبياء التي أعتقد أنها قبيحة ،أنا ال أقول :إن هذح األبياء جيدة ألنها تشارك في الصالح اإللهي.
كوبلستون :نعم ،ولكن ما هو مبررك للتمييز بين الجودة والقبح؟ أو كي ترى التمييز بينهما؟
راس ح ح ح ححل :ليس عنيدي أي تبرير أكثر مميا ليدي مليا أميز بين األزرق واألص ي ي ي ييفر ،ميا هو تبريري للتمييز بين األزرق
واألصفر؟ بإمكاني أن أرى أنهما مت الفين.
كوبلسح ح ححتون :جيد ،هذا تبرير ممتاز ،وأنا أوافق ،أنت تميز بين األزرق واألص ي ي ييفر برؤيت لهما ،فبأي ملكة
أنت إذن تميز بين الجودة والقبح؟
راسل :بمشاعري"
67عائلة دوبونت في أميريكا من العائالت صي ي يياحبة النفوذ الضي ي ييخم ،برزت في صي ي ييناعة البارود واملتفجرات ،وخالل الحرب العاملية األولى أنتجت %40
من القنابل واملتفجرات املس ي ي ييتعملة في الحرب ،وتس ي ي يييطر على تجارة القنب الهندي ئاملاريجوانا ،والذي ت لص ي ي ييت من الحظر املفروا عليه مقابل
تص ي ي ي ي يعها للبلوتونيوم املسي ي ي ييتعمل في القنابل الذرية ،والدعم املقدم منها في الحرب العاملية الثانية للحكومة األمريكية ئلشي ي ي ييك البعر في مسي ي ي ييألة
عالقة العائلة باملاريجوانا !
85
اس ييتفز الحديث الس ييابق أحد الفالس ييفة ليقول :لقد كان كوبلس ييتون مؤدبا للغاية ،ولو كنت مكانه لس ييألت
راسي ي ي ييل" :تدعو بعر الحضي ي ي ييارات إلى أن نحب جيراننا ،وتدعو أخرى إلى أن نأكلهم ،واالختيار قائم في كل منهما
على املشاعر ،هل عندك تفضيل ألي منهما؟"
"وقد أدرك الفيلس ييوف الوجودي امللحد الش ييرس ئجون بول س ييارتر مبلغ اإلحراج الفكري في مس ييألة أص ييل
التمييز األخال ي بين الخير والشي ي يير ،ولذل قال" :يجد الوجودي حرجا بالغا في أال يكون هللا موجودا ،ألنه بعدم
وجودح تنعدم كل إمكانية للعثور على قيم في عالم واضي ييا ،ال يمكن أن يكون هناك خير بدهي ألنه ال يوجد ويي
ال نه ييا ي وكييام ييل من املمكن التفكير في ييه ،لم يكت ييب في أي مك ييان أن "الخير" موجود ،وال أن على املرء أن يكون
صادقا أو أال يكذب"،
ويوافقه ديكنز بقوله "إنه من العسير جدا الدفا عن األخالق املطلقة على أسس غير دي ية".68
ه
س ييادس ييا" :وأما التيار اإللحادي الذي يديي أن األخالق نس ييبية ،ويقولون بأن الذوق األخال ي نس ييبي ،فردي،
شييخصييبي ،وليس ألحد أن يلوم غيرح على فعل ما أو عادة ما إذا كان يرضيياهما امللوم ،فإن مشييكلة الشيير ال يمكن
أن تتأس ي ييس على القول ب س ي ييبية األخالق ،إذ االعتراا على وجود الرب الرحيم ،القدير العليم بوجود الش ي يير ال
يمكن أن يكون حت يثبت وجود الش يير الذي ال ي تل في أنه ب يير ،ولكن عندما يكون الش يير محل خالف ذو ي،
فيإنيه بيذلي لغيدو مجرد رأي وليس حقيقية لعترا بهيا على وجود هللا" ،69كميا أن األخالق ال س ي ي ي ييبيية ال يمكن أن
تص ييلا أرض ييية للتعالش بين الناس في املجتمعات ،فال بد من جهة تحدد الخير والش يير ،والص ييواب والخطأ ،وأن
تفرا رأيها على املجتمع ،وملا فش ي ي ييل النظام الغرسي في إيجاد جهة تمثل رأي الناس بش ي ي ييكل ص ي ي ييحيح ،فإن وجود
األخالق ال سييبية سيييف ييبي إلى فسيياد اجتما الناس ،وتنمر قويهم على ضييعيفهم بحجة الحرية في التصييرف ،أو
أن ي ضعوا لدكتاتورية الدولة التي تفرا عل:هم رؤاها ،وبالتالي فهذا يثبت فشل نظرية األخالق ال سبية.
ه
س ي ييابعا :وقد الح الثيولوجي املس ي يييمي "رون رودز" أنه "من املس ي ييتحيل تفريق الش ي يير والخير من دون وجود
خيرة مطلقة" أي اإلله. نقطة إحالة تكون ِّ
وأضي ملالحظته :أيضا من دون مقاييس تؤصل أساسا ملا يمكن وصفه بالخير أو بالشر وأن يكون مصدر
ه
هييذح املقيياييس قطعيييا لتف ي ي ي ييبي إلى أخالق مطلقيية بغر النظر عن اإلنس ي ي ي ي ييان ،وزمييانييه ،ومكييانييه ،أو مجتمعييه:
مبتناها على صي ي ي ييحة األحكام ،والعصي ي ي ييمة من التناقر واالختالفات والنقص والخلل والعبثية ،وللموضي ي ي ييوعية
املتمثلة في البراءة من التحيز والهوى وامليل مع األهواء واملصييالا ،فال تحاسي أحدا على أحد ،والقدرة على النفاذ
إلى أعمياق املش ي ي ي ييكالت املختلفية وميا يؤثر ف:هيا وميا يتيأثر ف:هيا واإلحياطية بهيا ،بمعرفية النفس اإلنسي ي ي ي ييانيية وحقيقية
دوافعها وتطلعاتها وأب ي ييواقها ،ومعرفة الحياة البش ي ييرية وتنو احتياجاتها وتقلباتها ،وتحقيق التوازن في إب ي ييبا
70قال فولتير -كما أوردها ول ديورانت في ئقص ي ي ي يية الفلس ي ي ي ييفة ..." :ال بد للبلد ليكون ص ي ي ي ييالحا أن يكون له دين .أريد من زوجتي وخياطي ومحاميي أن
يؤمنوا باهلل ،وبذلك يقحل غش ح ح ح حهم وس ح ح ح ححرقاتهم لي .ومن كان ال وجود هلل يجيب علينيا أن ن تر إلهيا "...فالخلق نفس ي ي ي ييه في الفكر الغرسي الزم بمقيدار ما
يحقق من مصلحة أو منفعة".
71راجع كتابنا :ئالصي ي ي ييندوق األسي ي ي ييود للفكر الغرسي فيه تفصي ي ي يييالت تتعلق بإناطة التشي ي ي ييريعات للدولة في النظام الغرسي ،ومثبات أن هذا أف ي ي ي ييب إلى
دكتاتورية األحزاب السياسية ،وتسلطها على اإلرادة العامة ،وسلط الضوء أيضا على اإلبكاليات القانونية التي تتعلق بمرجعية الدستور.
87
للعقل القدرة على الحكم على كل األفعال في م تل الظروف والحاالت لغياب عوامل غيبية ،أو بس ي ي ييبب نظرة
جزئييية غير بي ي ي ي ييامليية ،أو مر حييات يتبين فسي ي ي ي ييادهييا فيمييا بعييد ،أو ممييا قييد ال يتفطن لييه العقييل من فهم مجزوء
للواقع ،تقلب الحكم إلى نقير الص ييواب في عواقبه ،فما تراءى له مص ييلحة أو جالبا ملنفعة اتض ييا له أن الش ي ،ير
يكمن في أحد زواياح املعتمة ،إذ ال علم له بشييكل قاطع بمآالت األفعال ونتائجها ،لهذا السييبب درجت تشييريعات
البشر على االنتقال والتقلب من أقصب النقير إلى نقيضه!
وهذا ال يجرد العقل البش ييري ئاملتأثر بالثقافة الدي ية ،بش يير أن يكون غير مادي من القدرة على إص ييدار
األحكام جملة وتفص يييال ،مثل حس يين العدل والص ييدق ،وقبح الظلم والعدوان ،إال أن العقل ال لس ييتطيع إدراك
حسيين وال قبح جملة من األفعال ال ضييرورة وال بالتفكر والتأمل ،وال أن يجزم بعاقبة أي فعل ،أو الشييرو التي
تكتنفه لتجعله حس يينا مطلقا ص ييوابا في ذل املوق ،أو ب تائجه على الفرد واملجتمع واملص ييلحة العامة ،فال بد
له أن يأخذ ذل من الشي ي ي يير ال من العقل ،فليس في الفعل مقومات ذاتية تجعل الحكم عليه واضي ي ي ييحا ال لبس
فيه.
هيذا ،ومن كيان العيدل حس ي ي ي ينيا بحكم العقيل ،إال أن تحقيق ميا يقيميه أمر وراء قيدرة العقيل على الحكم فييه،
فقد يظن البعر أن العدل لع؟ي مس يياواة الرجل واملرأة في امليراث ،أو في املس ييئوليات العامة والخاص يية ،فيتبين
قص ي ي ي ييور تلي النظرة وأنهيا تكرس الظلم ال العيدل في أحييان كثيرة ،ألن نظيام اجتميا اليذكر واألنُ أعقيد من أن
يتعلق بقضيية ميراث أو عمل ،بل يتعلق به نظام مسيئوليات رعوية ،وواجبات ،وحقوق ،وقدرات واسيتعدادات
متفاوتة ،وأحوال م تلفة ،مما يجعل تحقيق العدل في كل بأن منها أمرا ال لستطيع العقل الحكم عليه.
ومثل ذل يقال عن زاوية الخير والش ي يير ،إذ أطلق اإلنس ي ييان على ما يض ي ييرح أو يكرهه وصي ي ي الش ي يير ،بغر
النظر عن الحس ي ي ي يين والقبح ،ئأي إن الزاويية التي ينظر من خاللهيا هنيا هي زاويية أثر قيميه في وص ي ي ي ي الفعيل ،ال
زاوييية كمييال الفعييل أو نقير كمييالييه ،وسغر النظر عن الص ي ي ي ييواب والخطييأ ،وبنيياء على هييذح النظرة ي ْقي ِّدم على
الفعل وي ْح ِّجم عنه ،فجاء الت حيح لهذح النظرة بأن الفعل ال يقال إنه خير أو بر حسب الكراهية والحب أو
بمقوم الحب يقومان ِّ ومنما قياس كونه خي هرا أو ب ي هرا هو مرضيياة هللا تعالى ،أي إن الخير والشيير ال ِّ ِّ
النفع والضيير،
والكراهية ،أو النفع والض ي يير ،ئفالخمر وامليس ي يير ف:هما ض ي يير كبير ،ومثم عظيم ،ومنافع للناس ،ومثمهما أكبر من
مادية أوقيمية ،وليس ملنافع ومضي ي ي ييار ح ِّسي ي ي ي ِّية ِّ نفعهما ومنما ِّ
بمقوم مرضي ي ي يياة هللا ،فالخير والشي ي ي يير أثران لنظرة ِّ
معنوية ،وهذح النظرة القيمية خارجة عن الفعل نفسي ييه ،وتتفاوت القيم عند البشي يير ،فالقتل قد يوصي ي بأنه ِّ
خير أو ب ي ي يير بما يكتنفه من عوامل خارجية ،وبتس ي ي ييليط القيم التي ال تس ي ي ييتطيع الحكم بالخير أو الش ي ي يير إال أن
تكون صي ي ييحيحة بمرجعيتها اإللهية ،لتحكم حكما صي ي ييحيحا على الفعل بأنه خير أو بي ي يير ،وبالتالي فال بد لها من
مصدر معصوم عن الخطأ واألهواء والتحيز...الخ،
88
إذن :ليس لألفعال قيمة ذاتية توص ي ي ي على أس ي ي يياس ي ي ييها بأنها خير أو ب ي ي يير ،ومنما وص ي ي ي الخير والش ي ي يير يأتي
بياعتبيارات ومالبس ي ي ي ييات خيارجيية عن الفعيل ،ئأي من النظيام ،واليذي بيدورح ال بيد أن يض ي ي ي ييمن ص ي ي ي يحية معيالجياتيه
لتحقق ص ي ي ييواب الوص ي ي ي بالخير أو الش ي ي يير بالص ي ي ييورة التي فص ي ي ييلنا ف:ها عن طبيعة املقاييس في النقطة الرابعة
أعالح ،والتي ال تتمثل إال بنظام إلهي املص ي ييدر بغر النظر عن النفع والض ي يير ،الحب والكرح ،فالقتل قد يكون
خيرا وقد يكون ب يرا ،فقتل العدو املعتدي خير وقتل النفس بغير حق ب يير ،واملرجعية في هذا كله إلى الدين ،ال
للعقل ،ألن العقل عرض يية للتفاوت واالختالف والتناقر ،إذ قياس ييات العقل للحس يين والقبح تتأثر بالبيئة التي
لعيش ف:ها ،بل تتفاوت وت تل بالعص ي ي ي ييور على تعاقفها ،فإذا ترك قياس القبح والحس ي ي ي يين للعقل كان الع ي ي ي ييبيء
قبيحا عند فئة من الناس ،وحسي يينا عند خخرين ،بل قد يكون العي ييبيء الواحد حسي يينا في عصي يير ،قبيحا في عصي يير
خخر ،مع أن وصي ي الفعل بالقبح أو الحس يين يجب أن يكون س يياريا على جميع ب؟ي اإلنس ييان في جميع العص ييور،
وليذلي كيان ال بيد من أن يكون بييان كون الفعيل حس ي ي ي ينيا أو قبيحيا ختييا من قوة وراء العقيل ،وهو هللا س ي ي ي ييبحيانيه،
وعليه فإن قياس ييات اإلنس ييان للخير والش يير ،وللحس يين والقبح قياس ييات متفاوتة ومتناقض يية لص ييدورها عن عقل
قاصيير ،وبييعور متفاوت غير ثابت ،فال ي ييا إذن أن يترك قياس الخير والشيير ،والحسيين والقبح لينسييان ،ألنه
يجعلهييا م تلفيية من عص ي ي ي يير إلى خخر ،ومن فئيية إلى أخرى .72،واالعتبييارات الخييارجييية التي تكتن الفعييل تجعييل
الزوايا التي يجب مراعاتها عند الحكم بالحس يين أو القبح ،بالخير أو الش يير كثيرة قد ال يحيط العقل بأكثرها ،أو
بيأثرهيا املس ي ي ي ييتقبلي على الفياعيل ،أو على املجتمع ،فتظهر ليه منفعية خنيية تنقليب ض ي ي ي ييررا بعيد حين أو العكس ،أو
تجل ييب نفع ييا على ش ي ي ي ييخص وض ي ي ي يرا على املجتمع ،أو العكس ،فيص ي ي ي ي ييدر حكم ييا ثم يتبين ل ييه نقص ذل ي الحكم
العتبارات أخرى لم يحسب لها حسابا ،فيعيد النظر ف:ها وهكذا.
ه
بالخيرية أو ال ،شي ي ي ي ِّ ِّر،ية ،وهذح القيم هي عين قولنا:
، تاسي ي ي ييعا :لذل فالقيم هي التي يوصي ي ي ي من خاللها الفعل
الش يير هو من يحكم بالخير أو الش يير ،أما القيم البش ييرية ،فإن جعلها أس يياس ييا للحكم بالخير أو الش يير هو دور،
وهو باطل ،ألنها هي نفس ي ي ييها بحاجة لتوص ي ي ي بالخير أو الش ي ي يير ،لع؟ي لو فرض ي ي يينا أن القيم الرأس ي ي ييمالية هي التي
س ييتس ييلط على الفعل لوص ييفه بالخير أو الش يير ،وهذح القيم نتاج العقل ،وقد اتفقنا على أن العقل ال لس ييتطيع
الحكم على الفعل بالخير أو الشي ي يير إال بتسي ي ييليط قيم خارجية ،فهذح القيم الخارجية إن أتت من العقل نفسي ي ييه
فهي بحاجة ملا يص ي ي ييفها بالخير أو الش ي ي يير أو يجعلها ص ي ي ييالحة لوص ي ي ي الفعل بالخير أو الش ي ي يير ،وهذا دور والدور
باطل ومستحيل! فوجب أن يؤخذ الحكم بالخير أو الشر من الشر ال من العقل!
72نقر الفكر الغرسي الرأسمالي مبدأ وحضارة وثقافة ،من إصدارات حزب التحرير صفر 1443ه ،أيلول 2021م .ص .33- 26
89
حوارخطيرفي فيلم املعادل equalizer 2غاية في األهمية!
يكتش املمثل املبد "دينزل وابنطن" أن رفيقه القديم في املهنة "ديفيد" هو من قتل صديقتهما املحققة
"سي ي ييوزان" في بلجيكا ،كي تحول "ديفيد" من رجل مهمات خاصي ي يية يفترا ف:ها أنها تقتل األعداء واملجرمين إلى
قاتل أجير؟
لقد بدأ األمر حين أنهوا خدمات "ديفيد" ،فبدأ لعمل لحس ي ي ي ييابه الخاص! قبل ذل كانت تأتيه أس ي ي ي ييماء من
يديق؟ خ ِِّّي ار أم ِّب ي ي ي ِّر اير؟ هل لس ي ي ييتحق القتل أم
عدو أو ص ي ي ي ا
عليه تص ي ي ييفيتهم من "األعداء" ،لكن من يحدد أن هذا ا
الحياة؟
كان مست دمهم األول ئالحكومة هو من يحدد لهم ذل !
واون حين أص ييبح "ديفيد" لعمل لحس ييابه ،أي أص ييبح مرتزقا ،كان عليه أن لعيد تعري من هو العدو ،من
هو السبيء؟ من هو الذي لستحق املوت؟
كان عليه أن لعيد "جرد" مبادئه وقيمه ،واملرجعية التي على أسياسيها سييحدد الخير من الشير! إن كان يهمه
أصال مرجعية معينة ،أو إن كان يؤمن بعبيء اسمه الخير ،وخخر اسمه الشر!
اكتشي فجأة أن هذح تعريفات زائفة ،فال يوجد يبيء اسيمه عدو أو " يبيء" أو "بيرير" ،بحيث إن صياحب
تل األوص ي يياف لس ي ييتحق ألجل هذح األوص ي يياف القتل! بل يوجد ي ييبيء اس ي ييمه " ي ييبيء الح " ،وقع عليه االختيار
ليموت،
كان االختيار يقع في السححابق من قبل "الحكومة" ،وا ن يقوم من يسححتعمله بأجرة بتحديد من يقع عليه
االختيار!
ثم أض ي يياف "ديفيد" :ال تعط؟ي مواع عن تأنيب الض ي ييمير ،وال عن اإلثم ،ألنه ال يوجد ي ييبيء اس ي ييمه إثم وال
تأنيب ضمير! بل ال يوجد "ضمير".
هذا الحوار لس ي ي ييتفز األعماق للتفكير بالقض ي ي ييية التي يجل:ها ،خص ي ي ييوص ي ي ييا إذا ما قرن بترويج كثير من األفالم
األمريكية لفكرة الرجل الخارق أو البطل الهمام ،مثل "الس ي ي ييوبرمان" ،و"املنتقمون" وغيرهم ،ذل البطل الذي
يحل مش ي يياكل املجتمع بنفس ي ييه ،فهو القام ي ييبي والجالد في الوقت نفس ي ييه ،هو الخص ي ييم والحكم واملنفذ للحكم في
نفس الوقيت ،واملرجعيية هي ميا يراح هو من خير وب ي ي ي يير ،ويحيدد الش ي ي ي ييرير ويعياقبيه فورا دون محياكمية وال دفيا ،
وه ييذح الفكرة في أغل ييب افالم "هوليوود" تجع ييل الع ييدال يية الن يياجزة هي الخالص من الش ي ي ي يير ،وحت في األفالم التي
يحكم بها القضاء أحكاما ال توافق هوى الضحية يقوم بتصفية املجرم على أدراج املحكمة!
عودا على بدء ،في الحوار أعالح ،نطرح السؤال ،
الهام التالي:
90
كي س يينعرف الخير من الش يير؟ من س يييحدد القيم واملرجعيات الفكرية لتحديدهما؟ من س يييحدد أن هذا
إثم ،أو انتبه للسؤال األخطر التالي :هل هناك "إثم"؟ هل هناك "خير وبر"؟
االثم م الفة لقواعد معينة ،س ييواء أكانت أعرافا مجتمعية ،أو تش ييريعات دي ية ،أو تش ييريعات قانونية ،أو
قواعد معينة تواضع عل:ها الناس!
ف ييإذا م ييا كييان ال ييدافع لحرك يية الن يياس في الحي يياة هي "الحري يية" ،أي االنعت يياق من املرجعي ييات س ي ي ي ييواء تل ي التي
مص ييدرها األعراف املجتمعية ،أو التش ييريعات الدي ية ،أو القوانين التي وض ييعها "الغير" ،ممن س يييحدد لينس ييان
أن هذا خير ،وهذا بر ،هذا إثم ال يجوز اقترافه ،بل ستعاقب على فعله!
فيقفز الدايي للحرية ليقول :عقلي هو من س ي يييحدد لي الخير من الش ي يير ،والص ي ييواب من الخطأ ،أنا إنس ي ييان
عاقل مفكر ،حر ،فرد أبحث عن تحقيق ذاتي ،دون " أعراف مجتمعية"!
لكن ي أيه ييا الع يياق ييل املفكر ال تعيش في غ يياب يية ،وال في جزيرة معزول يية ،ب ييل تعيش وس ي ي ي ييط أن يياس ،ت تلط بهم،
فتحتيياج عالقييات ي الييدائمييية معهم لتنظيم ،وتقنين وتش ي ي ي ييريعييات واتفيياق على مييا يجوز ومييا ال يجوز ،فييأنييت ترى
إباحة اإلباحية ،والعري التام في الش ي ييوار ئكما في أوروبا ،وغيرك يريد منعها تماما ،تض ي يياربت النظرة وال بد من
حل!
بعر األمور ش ي ي ي ييخص ي ي ي ييية في املنزل ،ولكن معظم األمور من الحياة العامة التي س ي ي ي ييت تلط بالغير ويجب أن
يتحدد املوق ! هل س سمح بالتصرف الفالني وماذا سنفعل مع من ي الفه من عقوبات!
وهذا الحل بالض ييرورة س يييقيد حرية كل من لعيش في ذل املجتمع بما تواض ييع عليه املجتمع ،وس يييعاقبونه
لو قرر ممارسة "حريته" بما يف بي للخروج على ما اتفقوا عليه!
وال بيد أن يكون في مواد كثيرة من هيذح التش ي ي ي ييريعيات ميا ال يوافق رأي هيذا الش ي ي ي ييخص أو ذاك ،وبيالتيالي فقيد
يتفقوا على بعر األمور ،ولكنهم س ي ي ي ييي تلفون على أكثرهييا ،وس ي ي ي يييض ي ي ي ييطرون للتنييازل عن "حرييياتهم" وأفكييارهم
لصالا ما تواضع عليه املجتمع! إذن ،ال يمكن وجود بيء اسمه حرية في الواقع نهائيا!
مص ييطلا الحرية يتناقر تماما مع عيش البش يير مجتمعين وحاجتهم لذل االجتما ،حت في القض ييايا التي
تواض ي ي ي ييع عل:هييا املجتمع ووافقييت أهواءك ،فييأنييت لسي ي ي ي ييت حرا ألني تمييارس ي ي ي يهييا ألن "الغير ئالقييانون " س ي ي ي ييمح لي
بممارستها ،ولو تغيرت نظرة "الغير ئالسلطة " لها الضطررت لتغيير موقف للنقير!
91
كل ش يء مباح إذا غاب الدين:
إذن ،فال يوجد سي ييلطة للعلمانية للتأسي يييس لألخالقية ،أو لل “قيمية" وخصي ييوصي ييا ألخالقيات أو مرجعيات
األمر والنهي ،أو للقيم التي سيقوم املجتمع على تحقيقها ئإضافة للقيمة املادية النفعية ،
في را عته األدبية "اإلخوة كارامازوف" قام الروا ي الرو يبي الكبير دوسيتويفسيكي بالتعرا ملواضييع فلسيفية
وجودييية وطرح عالقتهييا مع الخييالق واإلرادة الحرة واألخالق .وهي عمييل درامي رويي تتصي ي ي ي ييار فيييه رؤى أخالقييية
م تلفة بما ي ص اإليمان والش والعقل ،وروسيا املعاصرة لفترة الرواية.
أبطيال الروايية هم األب فيودور كياراميازوف؛ رجيل بال واز أخال ي وال مبيادل ،وأوالدح الثالثية اليذين يمثيل كيل
ه ه
منهم نموذجا ملا كان بييا عا في املجتمع الرو ييبي في القرن التاسييع عشيير؛ فالصييغير رجل تقي ،والثاني مفكر مادي
معرفة إبكالية ماذا يترتب على "عدم وجود الخالق" ،وإذا كان كل ش يء سيصبح مباحا ومسموحا ِّ يبحث عن
بححه في هححذه الحححالححة ،وأكبرهم رجييل متهور تتص ي ي ي ي ييار في ييه الرذيل يية والفض ي ي ي يييل يية بقوة ،وهييذا األخير تتجس ي ي ي ي ييد في ييه
الشخصية الروسية بحسب املؤل .
ما هي املرجعية التي سيتؤسيس للخير والشير؟ لألخالق واملقاييس التي سيتضيبط السيلوك اإلنسياني في حياته
اليومية ئفيما هو أكثر من مجرد االلتزام أو عقوبة م الفة قوانين الدولة !
وما يهمنا أيض ييا هو أثر تغييب أثر اإليمان باهلل والحس يياب في اوخرة على أفعال اإلنس ييان في الدنيا ،وعلى أي
أس ححاس س يييقوم إنس ييان ما بوض ححع قوانين ملزمة إلنس ححان آخر تحدد له الخير والش يير كمقاييس لدفعه للقيام
بأفعال معينة أو االنتهاء عن غيرها ،كي س ي ي ييتس ي ي ييد العلمانية هذح الفجوة الهائلة املؤثرة في الس ي ي ييلوك البش ي ي ييري
،
والعالقييات املجتمعييية بش ي ي ي يكييل كبير! وهييذا عين مييا نظرت لييه "الليبرالييية" حين حيياربييت "نظريييا" مبييدأ أن تفرا
الدولة تش ييريعاتها على األفراد ،وفش ييلت فش ييال ذريعا ألن الناس ال بد أن لعيش ييوا في مجتمعات ،ال على األش ييجار
في األدغال!
92
هل عاملنا أفضل العوالم املمكنة؟ وهل هذا دليل على عجزاإلله؟
ه
بل إن "براتراند راس ييل" يقول في كتابه" :ملاذا أنا لس ييت مس يييحيا" في الص ييفحة العاب ييرة" :إنه من املدهش أنه
عندما ننظر إلى حجة التصييميم هذح ،نجد أن الناس بإمكانهم أن يؤمنوا أن هذا العالم ،بكل األبييياء التي فيه،
بكل عيوبه ،ي ب ي أن يكون العالم األفض ييل الذي أمكن لكائن كلي القدرة والعلم أن ي ش ييئه في ماليين الس يينين،
أنا ال أس ي ييتطيع في الحقيقة أن أؤمن بذل " 73إذن ،فراس ي ييل لعتبر أن وجود الش ي يير يتناقر مع دليل التص ي ييميم
الذكي الحكيم ،باعتبار أن هذا العالم ليس أفضل العوالم املمكنة ،أي إنه ليس الجنة! أو بمع؟ :أليس بإمكان
هللا فعل أفضل مما فعل ،في لق عاملا أقرب إلى الجنة ،ي لو من الشقاء واألمراا والحروب وضن العيش؟
فهيذح امليدرس ي ي ي يية في التفكير 74ات يذت ميا قنتيه ب ي ي ي ييذوذات أو عيوبيا في الكون دليال على عيدم وجود الخيالق،
وم ييدرس ي ي ي ي يية أخرى اعتبرت رت يياب يية النظ ييام في الكون دليال على ع ييدم وجود اإلل ييه وأن االرتق يياء وال ش ي ي ي ييوء إنم ييا يتم
باالنتقاء الطبي ي.
ولكن النظر في نظام الكون وأنه غير فاسد يدل على وحدانية الخالق ،والنظر في النظام دليل على املنظم،
والنظر في الشييذوذات والحوادث التي تجري تبعا لسيييطرة اإلله على حوادث الكون دليل على وجود اإلله ،وعلى
أنه لم ي لق الكون ونواميس ي ي ييه ويتركها تعمل دون س ي ي يييطرة وتدخل منه ،أي إنه لم يمارس س ي ي ييلطانه مرة واحدة
فقط حين خلق الكون والنواميس ،بل س ي ي ي ييلطانه مس ي ي ي ييتمر ،فحين ي رق الناموس ،أو حين يجري على أكثر من
صورة ،75فإن هذا يدل على الخالق أيضا ،أو لحكمة بالغة تصب في تنظيم الكون ،فعلى سبيل املثال ،تنفجر
نسي ي ييبة معينة من النجوم انفجارات مسي ي ييتعرة أعظمية ،لكن النظر املسي ي ييتنير إلى هذح الظاهرة يجد أنها ليسي ي ييت
بشي ي ي ي ييذوذات ،بيل ض ي ي ي ييرورة للخلق ولتش ي ي ي ييكييل النظم املجريية والنجميية الجيدييدة ،فتجيد النظيام "يحكم اليذرات
املتناثرة الناجمة من الجيل الس ي ي ييابق من املس ي ي ييتعرات املتفجرة الوقت ،لتتجمع في أنظمة ب ي ي ييمس ي ي ييية من الجيل
الالحق من النجوم ،وليض ي ي ييمن توز وتكرار االنفجارات النجمية باعتدال ،فال لش ي ي ييتد فيغرق أس ي ي ييطح الكواكب
ه
بحميم األب ي ي ي يعية القياتلية مرارا ،وال يقيل ليدرجية تمنع ص ي ي ي يينع كفيايية من اليذرات الثقيلية في املس ي ي ي ييتعرات األعظميية
76قدر الطبيعة ،قوانين الحياة تف ا عن وجود الغاية في الكون .د .مايكل دي تون ،ترجمة د .موسب إدريس وخخرين ،مركز براهين ،ص 51 - 49
77 However، a 2008 study by the Harvard-Smithsonian Center for Astrophysics suggests that the dividing line may be higher.
Earth may in fact lie on the lower boundary of habitability، since if it were any smaller، plate tectonics would be impossible.
Venus، which has 85 percent Earth's mass، shows no signs of tectonic activity.
http://en.wikipedia.org/wiki/Planetary_habitability
94
من س ييوء توزيع الثروة ،والحروب والطغيان واالس ييتبداد ،فاس ييتحق العامة العقاب بس ييكوتهم وعدم اس ييتعمالهم
للس يينن املجتمعية للتغيير كي لعيش ييوا حياة أفض ييل ،وفي هذا كله إقامة لل جة على الخالئق ال لحاجة هللا تعالى
أن لعلم من يصبر ومن يكفر ،بل هكذا تكون الحياة جميلة لها مع؟ ،ب يرها وبرها.
قال اإلمام الغزالي في كتاب ئاإلمالء على إب ي ي ي ييكاالت اإلحياء " :ليس في اإلمكان أبد من ص ي ي ي ييورة هذا العالم،
وال أحس يين ترتيبا ،وال أكمل ص يينعا" ،وال يفهم من كالم الغزالي أنه ليس في إمكان هللا أن ي لق أفض ييل من هذا،
لكنه يقص ي ي ي ييد أن كمال الص ي ي ي يينعة قاهر م جز مفهر ،قال اإلمام ابن حزم في الدرة فيما يجب اعتقادح ص :311
عمل بنا؛ ألنه لو كان عندح أصيلا مما فعل بنا ،ولم لعطنا إياح "ومن قال :إنه ليس عند هللا عز وجل أصيلا مما ِّ
لكان ب يال محابيا ،فهو كافر من وجهين:
عجز ربيه ،تعيالى ،فجعليه عياجزا مطبوعيا ،ال يقيدر إال على ميا في قوتيه أن ييأتي بيه فقط ،وهيذح أحيدهميا :أنيه ِّ
صفة منقوص الب ية ،متناهي القوة ،ذي طبيعة ،تعالى هللا عن ذل علوا كبيرا.
والوجه اوخر :تكذيبه القرخن فيما أوردناح ،ومع ذل فهو مكابر ال لش ي ي ي ذو مس ي ي ييكة عقل في أنه تعالى كان
قادرا على أن ي لقنا مالئكة أو أنبياء كلنا ،أو في الجنة كما خلق خدم عليه الس ييالم ،وال يكلفنا ب يييئا ،أو ال ي لق
من يدري أنه يكفر به ،أو لعصيه ،أو أن يميتهما قبل البلو كما أمات سائر الصبيان".
"وحييث إن النزا ليس حول تحقيق عياملنيا املخلوق للغيايية من خلقيه ،دار اختبيار وممر لآلخرة ،ومنميا حول
إمك ييان خلق ع ييالم أفض ي ي ي ي ييل من ع يياملن ييا ،ف يياملعترض ي ي ي ييون من املالح ييدة هن ييا يتح ييدثون عن ع ييالم الل ييذة ال ييذي يحقق
لينس ييان املتعة دون منغص من ب يير أو ألم ،بعيدا عن غائية الخلق ض ييمن هدفي االبتالء والجزاء ،إننا نقول إن
هللا س ي ي ي ييبحانه قادر على خلق عالم ال لعتورح أي نقص باملع؟ اإللحادي ،وقادر على إزالة جميع أس ي ي ي ييباب األلم،
وتحقيق غيايية اإلمتيا لينس ي ي ي ييان ،وأن هللا تعيالى خلق مثحل هحذا العحالم فعال ،حقيقية ال افتراض ي ي ي ييا ،وهو الجنحة،
لكن هذح الجنة هي جنة الجزاء ،وليس ي ي ييت محال لقبول غاية الخلق املتمثلة في اختبار العباد ،فدعوى س ي ي ييقو
حقيقة وجود اإلله ألن هذا العالم ليس أفضيل العوالم التي من املمكن إلله قادر وحكيم أن ي لقها قائمة على
تصور أولي باطل ،وهي ساقطة،
على أن ييه ال يلزم من كون هللا ك ييامال أن ي لق ع ييامل ييا ك ييامال ،إذ إن دواعي الخلق ع ححدي ححدة ومتنوع ححة ،وليس
يفترا أن تؤول كلها إلى أن يكون املخلوق مثاليا" ،78والنظر املس ح ححتنير يظهرأنه مثالي في مناس ح ححبته للغاية التي
خلق من أجلها ،كما سنظهر في كل األبواب القادمة ،والتي تجلي بصورة ال ريب ف:ها أن العالم مثالي في مناسبته
ه
للغاية التي خلق من أجلها ،فيسقط االعتراا جملة وتفصيال.
على أن املتأمل في خلق هللا ونواميس الكون يجد الدقة املتناهية ومحكام الصنعة في كل بيء في الكون ،من
الييذرة إلى املجرة ،ويجييد النواميس التي تض ي ي ي ييبط س ي ي ي ييير هييذا كلييه ،ال يمكن أن ينيياز في دقيية قوانينييه املفهرة ،لقححد
توقفححت كيميححاء الكون ،وعمليححات نش ح ح ح ححوء واس ح ح ح ححتمرار وتطوير الهيححاكححل الفيزيححائيححة الفلكيححة astrophysical
،structuresالتي يتش ح ح ح ح ححل منهححا الكون ،من ندوم ومدرات ،وعنححاقيححد ،وعنححاقيححد فححائقححة ،وتوقفححت عمليححات
تخليق العناص ح ححرالتي تتم في أعماق الندوم عبراالندماال النووي ،وتوقفت العمليات التي أفض ح ححت إلى كون
ص ح ححديق للحياة ،يدعم نش ح ححوءها واس ح ححتمرارها واس ح ححتقرارها ،على نظام معقد من التعييراملنض ح ححبه الدقيق
املحكم ملقاديرالقوى واملجاالت والطاقات ،وألشح ح ح ح الها ،مما يعني أنها قوانين مص ح ح ححممة مس ح ح ححبقا لض ح ح ححمان
نشوء الكون والحياة واستمرارهما واستقرارهما من خالل اختيارأنواعها( ،الجاذبية ،والكهرومغناطيسية
والقوة النووية القوية والضح ححعيفة) ،ولطريقة عملها (مثل نطاق تأثيركل منها ،وشح ححدتها النسح ححبية) ،ولألدوار
التي تلع ها في تنظيم أنظمة املواد املعقدة ،وعلى تفاعلها الس ححببي الذي توقف على اختيار خص ححائل معينة
محددة في الجس ح ح ح ححيمات أمدتها بهوية معجزة ،من كتل وش ح ح ح حححنات وعزم مغزلي ،معيرة بدقة بالغة ،وجعلتها
تخضع لها ،وتسيروفقا لها ،وتتميزبها!
كان ال بد من تعييرمنضح ححبه دقيق محكم للمعايير( ،املحددات ،املعالم ،املتغيرات الوسح ححيطة) الكونية
،cosmological parametersوالثوابت الفيزيائية األسححاسححية ،fundamental constantsولشححدة القوى
النس ح ح ححبية ،التي تص ح ح ححف القوانين الفيزيائية والتي تحدد خص ح ح ححائل كوننا ض ح ح ححمن نطاق من القيم الدقيقة
ل ى ض ح حيق من الت َ َ َ
حائل
ِّ ح ح صوالخ والثوابت
ِّ ِّ والحقو القو وعالقات
ِّ قيم
ِّ في به حموح ح ح سامل اين
ِّ ب ِّ املعينة ،وفي ِّإطار
حادة والطححاقح ِّحة ،بحيححع يكون الخروال عن إطححار ذلححك الض ح ح ح ححبه والتعيير املنض ح ح ح ححبه حات الفيزيححائيح ِّحة للمح ِّ
والعمليح ِّ
الدقيق املحكم ،أو الخروال من نطاق ذلك التباين املس ححموح به مؤذنا باس ححتحالة نش ححوء واس ححتمرار الكون ،أو
استحالة نشوء واستمرار الحياة.
ولقد توقف نش ح ححوء الكون واس ح ححتقراره واس ح ححتمراره أيض ح ححا على تعييرمنض ح ححبه دقيق محكم وعلى ص ح ححعد
متعددة للش ححروط االبتدائية املس ححبقة بالغة الدقة ،غيرالعش ححوائية ،واملختارة بعناية ،التي ص ححاحبت نش ححأة
الكون وترتب عل ها إم انية نش ح ح ححوء هذه الحياة التي نراها في الكون ،من إنتروبية منخفض ح ح حة جدا ،و انفتاق
منتظم للرتق الحذي حوى املحادة والطحاقحة ،ومن توس ح ح ح ححع منتظم للكون ،ومن كميحة مححددة محس ح ح ح ححوبحة بحدقحة
للم ححادة والط ححاق ححة ،ومن كث ححاف ححة ط ححاق ححة الكون الع ححاملي ححة التي كححان ححت قريب ححة ج ححدا من القيم ححة الحرج ححة ،فمنع ححت
التوسع غيراملنتظم أو االنكماش للكون البدائي ،ومن سعة نسبية لتقلبات الكثافة في بدايات الكون.
96
بل لقد احتاال نش ح ح ح ححوء واس ح ح ح ححتقرار واس ح ح ح ححتمرار الكون ليس فقه إلى هذا كله ،لقد احتاال فوق ذلك إلى
التناسب املحكم بين هذه كلها ،فلو اختل أحدها ملا كان لتوليف وضبه ا خر من منفعة ،والضبه هذا ال
يتم بش ح ح ل آلي ذاتي ملجرد وجود املادة بعضح ححها مع بعض ،إذ إنه ثبت أن نطاق تفاعل تلك القوى والثوابت
واملجاالت والكتل والش ح ح حححنات وخص ح ح ححائل املادة الس ح ح ححببي املتبادل محدود جدا ،بحيع إن أي خروال عليه
كفيل بانهيار املادة ،وأيض ح ححا فذنها عالقات تداخلية تحتاال لتض ح ححبه نس ح ححبة كل قوة مع األخرى( ،مثال القوة
النووية القوية والكهرومغناطيس ح ححية) ،وكل كتلة مع األخرى( ،مثال كتلة البروتون مع كتلة النيوترون) ،وكل
ش ح حححنة مع األخرى( ،ش ح حححنة البروتون مع ش ح حححنة اإللكترون) ،والقوى مع الش ح حححنات والكتل ،وكل قوة مع
خص ح ح ح ححائل معينة في املادة مهيئة للتفاعل مع تلك القوة بش ح ح ح ح ل معين ،وهكذا ،فهو تنظيم على مس ح ح ح ححتوى
أوس ححع من مدرد اجتما نوعين من القوى أو نوعين من الكتل أو نوعين من الش حححنات فينض ححبطا ،بل ال بد
أن يتم على مستوى املادة والطاقة على مستوى الكون كله،
بل ويتوقف نداح س ح ح ح ححير س ح ح ح ححالس ح ح ح ححل من العمليات املختلفة املعقدة املتنوعة ،أو معدالت إنتاجها على
ضبه قوة معينة أو على أن تتصرف تلك القوة بصورة معينة،
بل احتاال فوق ذلك إلى تعيير س ححرعة توس ححع الكون ،كي تدتمع الجس ححيمات فتشح ح ل الذرات ،وإلى تباين
املج ِّريحة ،احتححاال األمر وجود كحل هحذا الكثححافحة ،كي تتمكن الجححاذبيححة من إنش ح ح ح ححاء الهيححاكحل الكونيححة والعنححاقيححد َ
وغيره الكثير في نفس الوقت وبنفس النسب الخارقة املعجزة كي يكون كون ،وال تكون فوض ى!
وأن أيحا من هحذه املقححادير املض ح ح ح ححبوطحة بعنححايحة لو اختلف ،أو تخلف عن موقعححه وعملححه وقيمتححه ملحا نش ح ح ح ححأ
الكون وال الحياة وال اإلنس ححان العاقل الذي يتفكرفي الربه الذكي بين كل هذا التعيير ،ويتفكرفي اس ححتحالة
أن يكون نتاال عمليات عشححوائية غيرعاقلة ،وبالتالي فهو تنظيم ومخطه مسححبق ،ومفروض على املادة من
خارجها ،أي من الخالق سبحانه وتعالى.
ووض ييوح ص ييورة أن هذا لش ييكل نظاما مص ييمما تص ييميما محكما حكيما غائيا س ييببيا ،والربط الذكي بين هذا
ّ
ْ ،
اب ص ي ينع ِّ حي ي كله وأن يكون صح ححنع هللا الذي أتقن كل شح ح يء ﴿وترى ْالجبال ت ْحس ي يفها جامد هة وهي تم ُّر م ،ر ال ،
س
ِّ ِّ ِّ ِّ
ْ ،
ال ِّذي أتقن ك ،ل ب ْيء ِّإ ،نه خ ِّب اير ِّبما ت ْفعلون 88النمل .احتاال ذلك كله إلى الخالق العظيم !
79
أما على ص ي ييعيد الحياة ،فقد احتوت الخاليا الحية والكائنات الحية على م طط يمتل ب ي يييفرة كيميائية،
تحوي املخطط واملعلوم ييات ال ييداللي يية التي تحرك ييه ب يياتج يياح إق ييام يية أنظم يية معق ييدة ،وب يياتج يياح أن يمتل ي ق ييدرة على
التكيياثر الييذاتي واالس ي ي ي ييتمرار ،ومييا ف:هييا من قييدرة على قراءتييه وتحليلييه وترجمتيه ،وت زينييه وحمييايتييه ،وتحويلييه إلى
أنظمة ئالجين مثال وص ي ييفة لتص ي ي يع البروتينات ،أو أوامر أو ص ي ييفات ئلون العيون مثال يحتاجها الكائن المي،
وفوق ذل ملاذا هذا التش ي ي ي ييفير بالذات ئخيار من ض ي ي ي ييمن خيارات تحتاج ملر ا ،وخيار ذكي ض ي ي ي ييامن لحص ي ي ي ييول
ْ ْ ْ ْ
79امللخص التنفيذي لكتابنا :ئنشأة الك ْو ِّن ،د ْلي ال ع ْق ِّل مي ِّعل ِّم مي ِّح ِِّّسب مي عل ْى وج ْو ِّد الخ ِّال ِّق .
97
النتييائج وفقييا ملخطط غييا ي من بين خيييارات أخرى يكيان بيياإلمكييان أن ت تكس بييالحييياة وتنه:هييا ،وفوق ذلي أن هييذح
التعليمات واألوامر فعالة فقط في بيئة قادرة على تأويل املع؟ بالشي ي يييفرة الوراثية" ،ثم إن سي ي ييلب الخلية الحية
اليوم من مكونييات رئيس ي ي ي يييية ف:هييا ،مثييل البروتينييات أو األحميياا النووييية أو األنزيمييات مثال ،لعطييل وقييائفهييا ،أو
يفسي ي ييدها ويحدث خلال ف:ها ،فوجود بعضي ي ييها حتمي السي ي ييتمرار حياة الخلية ،تتوق عليه الحياة واسي ي ييتمرارها،
ه ْ ه ُّ
وبيالتييالي فهييذا دليييل أيضي ي ي ي ييا على أنهييا ،أو جلهيا يجييب أن توجيد دفعية وا ِّحيدة وفي خن واحيد لتقوم بتييأدي ِّية وقيا ِّئ ِّفهييا.
وهذح الوقائ تدل على الغائية ،وهذا االجتما بالش ي ي ي ييكل املعقد يدل على التص ي ي ي ييميم الذكي الحكيم املس ي ي ي ييبق
للخلق ،واحتاجت لحد أدنى من الجزيئات التي تتركب منها الخلية الحية ،في أدنى كائن يي فما فوقه ،س ييواء من
الجينييات ،أو من البروتينييات ،أو األنزيمييات أو بييا ي الجزيئييات التي تش ي ي ي يكييل الب ييية األسي ي ي ي يياس ي ي ي يييية للخلييية الحييية،
واحتاجت لطرق ارتبا ص ي ييحيحة بأب ي ييكال هندس ي ييية بالغة الدقة ثالثية األبعاد ،فكانت الحياة م جزة خارقة
تظهر كمال ودقة الصي يينعة ومحكامها ،ومهما حاول البشي يير أن ي ترعوا خالت إبصي ييار أو تصي ييوير فإنها لن تضي يياهي
العين البش ي ييرية في دقتها ،ومذا نظرت إلى األجهزة التي تش ي ييكل تركيب الكائن المي ،تجد التنظيم الكياني لألنظمة
املختلفة ئالس ي ي ييمع واإلبص ي ي ييار واألعص ي ي يياب وتجد التكامل التكوي؟ي بين األنظمة املختلفة التي ت تج كائنات بالغة
التعقيد والدقة ،وقد وصي ي العلماء الكائنات الحية كنظم غاية في التعقيد ،على مسي ييتويات وطبقات متعددة
حيث تعتمد الخص ييائص املميزة لها على "تنظيم الكيان" أكثر من اعتمادها على "تركيب الكائن" ،فارتبا الكل
بأجزائه في عالم الحياة ،ال يقتص ي ي يير على التكامل الكمي بينهما ،بل لش ي ي ييمل أيض ي ي ييا ما ي تج عن ذل من س ي ي يييطرة
الكل على أجزائه ،وقيام األجزاء بالتفاعالت املخصوصة بحيث تف بي لحصول التكامل ،وبحيث يكون الترابط
ِّ
بين األجزاء املش ي ي ي ييكليية لألنظميية املختلفيية ب ي ي ي ييرطييا لعمييل النظييام الكلي الكييياني ،ومثييال هييذا الكييائن المي نفسي ي ي ي ييه
كاإلنس ي ي ي ييان والبقرة والبعوض ي ي ي يية بما ف:ها كلها من أنظمة كلية وص ي ي ي ييفات كيانية وتحكم مركزي في األنظمة .فهذا
دليل قاطع على التصميم الذكي الحكيم املسبق ،ويستحيل أن ي تج عن االنتقاء الطبي ي.
فهيذح كلهيا تيدل على طالقية قيدرة الخيالق ومحكياميه لص ي ي ي يينعتيه ،وهللا تعيالى أرب ي ي ي ييدنيا إلى التفكير العقلي في أن
الكون غير فاس ييد النظام دليال على وحدانية اإلله س ييبحانه وتعالى ،وقد حاول بعر املتفذلكين اإلتيان ببعر
التصي يياميم للبحث في قصي ييورها أو خطأ التصي ييميم ،وفشي ييلوا في تل املحاوالت كلها ،كتسي يياؤلهم عن سي ييبب وجود
أجنحة للبطريق وهو ال يطير ،فتبين أنها ض ييرورة لتحقيق مهارته في الس ييباحة ،فكان س ييؤالهم دليال على ب ييديد
قصييور نظرهم وعلمهم ،وتسيياؤلهم عن الزائدة الدودية في جسييم اإلنسييان ،80وعن "إصييبع الباندا الزائدة التي ال
قيمية لهيا ،على أس ي ي ي يياس أنهيا عظم نيات ال وقيفية ليه ،وكيانيت املفياجيأة في دراس ي ي ي يية علميية ييابيانيية نش ي ي ي ييرت في مجلية
80لسي ييت تج الباحثون أن الزائدة الدودية مصح ححممة لحماية البكتيريا الجيدة في األمعاء .بهذح الطريقة ،عندما تتأثر القناة الهضي ييمية بنوبة إسي ييهال أو
أي مرا خخر ينظ األمعاء ،يمكن للبكتيريا الجيدة املوجودة في الزائدة الدودية إعادة ملء الجهاز الهضمي والحفاه على صحت .
Appendix May Actually Have a Purpose, WebMd.
98
الطبيعة س يينة 1999بعد تص ييوير يد الباندا بالرنين املغناطيس ييبي والكش ي عن أمور تش ييريحية لم تكن معروفة
خلصي ييت تل الدراسي يية إلى أن إصي ييبع الباندا هو "واحد من أعظم أنظمة التحكم الخارقة" في عالم الثدييات"81
وغير ذل من األسئلة82.
إن الخطأ في دوران األفالك ئمثال يف يبي الصيطدامها أو فسياد نظامها ،ولكن النظام غير فاسيد ،فثبت أنه
لستحيل أن لعزب عن هللا تعالى مثقال ذرة في السموات وال في األرا ،كما يترتب عليه أن القوانين الكونية التي
لس ي ي ييير الكون وفقها -في حال الخطأ والفس ي ي يياد -قد تت ل أو ت ط أحيانا وهذا س ي ي يييترتب عليه دمار أو فس ي ي يياد
نظييام الكون ،وقييد تبين لينسي ي ي ي ييان أن الكون بييالغ التنظيم من خالل اس ي ي ي ييتقراء تجلي ذلي عبر دراسي ي ي ي يية ماليين
الظواهر والقوانين والثوابيت والحقول وخص ي ي ي ييائص امليادة والطياقية وانتظيام ذلي كليه وفقيا لقوانين بيالغية اليدقة
من الذرة إلى املجرة ،حت بلغ األمر ببعر علماء الفيزياء لوص ي الكون بأنه مكتوب بلغة الرياض يييات املتقدمة
ه
جدا .83
ِّ
الدال على أن هللا تعالى حكيم ومتقن لص ححنعته، أما على ص ييعيد الكون ،فإن قوام دليل الحكمة واإلتقان ِّ
ئأي إنه ال يخطئ ،من خالل مالحظتنا لجميع هذح األبييياء الكونية ،باملن العقلي في التفكير ،ندرك بداهة في
ه
كيل واحيدة منهيا أنيه كيان من املمكن عقال؛ أن ت ،ت ِّ يذ هيذح األب ي ي ي ييياء ص ي ي ي ييورة وص ي ي ي يفية وحيالية غير ميا هي علييه اون،
ه
فهنال احتماالت كثيرة ال حصر لها في مجال املمكنات ،ال يرى العقل مانعا من أن تتحول هذح األبياء الكونية
إلى واحد منها.
ه
أ -فالعقل ال يمنع من أن تت ذ هذح األبياء صورة غير الصورة التي هي عل:ها ،وبكال غير الشكل
ه ،ه ه
كما وكيفا؛ فتكون أكبر مما هي عليه أو أص ي ي ي ييغر ،أو مركبة غير الذي هي عليه ،أو حدا غير حدها الواقع
التركيب الذي هي عليه ،أو في حيز من الكون وزمان من الدهر غير حيزها وزمانها ،أو أن تكون لها صييفات
وقوى غير ص ي ي ي يفيياتهييا وقواهييا ،أو حر يكيات ومييدارات وس ي ي ي ييرعييات مغييايرة ملييا هي عليييه ،كييل هييذا وأمثييالييه من
يجوزح العقييل بييداهيية ،ويعتبرح من املمكنييات العقلييية ،التي لو يكيان االحتميياالت التي ال حص ي ي ي يير لهييا ،ممييا ِّ
تركيب الكون على وفقها؛ لم يكن في ذل منافاة ألصل عقلي.
ومن جهة أخرى؛ حيث إن كل ييبيء في هذا الكون يحتمل أن يكون على واحد من أوضييا كثيرة ب-
غير الوض ي ييع الذي هو عليه؛ فإن عقولنا ال بد أن تحكم بداهة بأن ما كان كذل فال بد له من مخص ح ححل
قد خص ح ح حص ح ح ححه باحتمال مو افق للحكمة واإلبدا واإلتقان؛ من جملة احتماالت كثيرة ئالعين والبص ي ي يير،
األذن والس ي ي ي ييمع ،الخلييية الحييية ومييا يجري ف:هييا من عمليييات حيوييية م جزة ،الييدمييا وقييدراتييه الهييائليية ،الكون
ونظامه املتقن ،كل هذح أمثلة تبين ض ي ييرورة أن يكون هذا الخلق من ص ي يينع حكيم خبير عليم ،ولوال وجود
املخصححل للزم ترجيح أحد املتسححاويين على ا خرمن غيرمرجش؛ أو القول بأن :مو افقة الحكمة فيما ال
ً
حصر له من األعداد كان على طريق التصادف ،وكالهما مستحيل عقال.
وأما أنه موافق للحكمة ،فإن نشي ي ييوء واسي ي ييتمرار واسي ي ييتقرار الكون والحياة يتوق عليه ،ومن القوانين التي
تس ي ي ي ييير الكون بيالغية اليدقية والتجيانس بعض ي ي ي يهيا مع بعر ،من اليذرة إلى املجرة ،84ومن تكياميل تكوين املخلوقيات
84يقول باول ديفيز" :إن عالمة القوة في القانون أنه يذهب إلى ما وراء البعد اإليماني في وصي ي أي قاهرة أو طريقة بي ييرحها ،ويقوم بربطها مع غيرها
من الظواهر ،وعلى سيبيل املثال ،فإن قانون نيوتن عن الجاذبية يمدنا بحسياب دقيق لحركة الكواكب ،كما لشيرح لنا قاهرة املد في املحيط ،وبيكل
األرا ،والحركة التي يجب أن تسي ي ييير عل:ها السي ي ييفن الفضي ي ييائية ،وكثير غيرها ،ونظرية الكهرومغناطيسي ي ييية ملاكسي ي ييويل ذهبت بدورها بعيدا عن مجرد
وص ي الظاهرة الكهربية أو الظاهرة املغناطيسييية ،حيث بييرحت لنا أمواج الضييوء ،وت بأت بوجود أمواج الراديو ،وهكذا تقوم القوانين األسيياسييية
والحقيقية ببناء روابه عميقة بين العمليات الفيزيائية املختلفة ،وتاريخ العلم يكش ي ي ي ي لنا أنه بمجرد قبول قانون جديد يبدأ البحث عما يترتب
على هذا القانون ،وي ضيع القانون نفسيه لالختبار من خالل مشياهدات ،ومنه من املعتاد أن يؤدي ذل إلى اكتشياف الجديد وغير املتوقع والظواهر
الهامة ،وكل ذل يقودني إلى االعتقاد بأننا نكتشي من خالل العلم املر ،بيد جيدا االضييطرارات الحقيقية والروابط الفعلية ،وأننا نقرأ االضييطرارات
100
وأجهزتهيا ووقيائفهيا يوافق الحكمية واليدقية واإلتقيان الش ي ي ي ييدييد ،ومن اإلنس ي ي ي ييان إذا ميا أفس ي ي ي ييد النظيام البيئي على
سبيل املثال ،فإنه يرى تبعات ذل التغيير الكارثية ،مما يدل على موافقة الحكمة واإلتقان.
والعقالء في هذا الوجود ال ي ييا منهم قبول التزام املس ييتحيالت بينما هم يرون أن قوانين هذا الكون ثابتة
ه
ال تت ل أبييدا ،ومن هييذح القوانين رفر الترجيح بال مر ِّ ِّ ا ،ورفر احتمييال املصي ي ي ي ييادفيية في نظييام هييذا الكون
البدلع.
وأيض ي ي ي ي ييا يحي ييل العق ييل أن يكون ه ييذا النظ ييام الحكيم الب ييدلع في الكون نت يياج العش ي ي ي ييوائي يية أو ت-
صي ي ي يص حكيم قد املص ي ي ييادفة املس ي ي ييتحيلة ،ويفرا العقل أيض ي ي ييا نس ي ي ييبة هذا النظام الحكيم إلى حكمة م ِّ
ِّ
خصص هذا املمكن في احتماله املوافق للحكمة! ،
وال ي ييا القول باملص ييادفة في تفس ييير قيام هذح الظواهر الطبيعية والقوانين الخارقة الص ييارمة في الكون،
ذاك النظام الذي ال يت ل ،ولو كان باإلمكان قيامه عن طريق املص ي ي ي ييادفة ،ملا اس ي ي ي ييتطا العقل تفس ي ي ي ييير هذح
املصيادفة التي لم تتعدد ولم تت ل في املسيألة الواحدة التي تعلق البحث ف:ها لتقنينها ودراسيتها ،فلو كان األمر
ه
مص ي ييادفة ألمكن أن يت ل القانون أو يتص ي ييرف في كل مكان بطريقة مغايرة لألخرىِّ ،أما أنه حقيقة ي تظم وال
ه
يت ل ،فيإن هييذا ينفي املصي ي ي ي ييادفيية ،إذ لس ي ي ي ييتحيييل عقال تكرارهييا في كييل مرة ،ويفرا العقييل وجود التص ي ي ي ييميم
الحكيم املسبق ،أي وجود الخالق!
يادفة أن املص ي ي ييادفة تكررت ،ولم،
فليس أس ي ي ييوأ من تفس ي ي ييير الظواهر الخارقة باملص ي ي ييادفة ،إال اإليمان بمص ي ي ي ِّ
تتع ييدد أنواعه ييا ،ولم تت ل وال مرة عن إنت يياج عين الق ييانون ال ييدقيق وس ي ي ي ييري ييان ييه بنفس الطريق يية! ومذا م ييا كييان
موضو البحث اإلثبات أو النفي فإن املحتمل ال يصلا لالستدالل به على أي منهما ،إذ يكون ضربا من الخيال،
وحت العالم في املختبر ال لس ي ييتطيع تفس ي ييير الظاهرة املبحوثة إذا ما أمكن حص ي ييولها مص ي ييادفة ،فال بد لديه من
العالقة الس ي ي ي ييببية حت يتمكن من تفس ي ي ي ييير الظواهر ،فاملص ي ي ي ييادفة ال تص ي ي ي ييلا تعليال ال في العلم التجريبي وال في
الفلس ي ييفة ،هذا ،والحديث هنا ليس عن نفي مص ي ييادفة في أمر عارا ،كأن تص ي ييادف ش ي ييخص ي ييا في مكان على غير
ا
منظم في جريييانييه وفقييا لقوانين كونييية بييالغيية الييدقيية لس ي ي ي ييري التعيير الييدقيق في مفيياص ي ي ي يليه، موعييد ،بييل إن الكون
بأرقام بالغة الدقة ،فال يمكن أن يكون اجتما كل تل الخوارق التي اعتمد عل:ها تنظيم الكون على املصادفة!
وحين اس ح ح ح ححتقرأنحا ش ح ح ح ححواهحد الكون ونظحامحه ،ودرس ح ح ح حنحاهحا أيض ح ح ح ححا بحاملن العقلي الوص ح ح ح ححفي ث-
االس ححتداللي وتبين لنا أنها مو افقة للعناية والحكمة واإلتقان ،حتى إننا اس ححتطعنا في نواميس ححها الكونية
ً
اس ح ح ح ححتنبححاط قوانين نححاظمححة لهححا َع ِّلمنححا أنهححا ال تتخلف أبححدا ،وفي أنظمححة الحيححاة وجححدنححا تص ح ح ح ححميمححا مححذهال
لل ححائنححات الحيححة قححامححت فيححه األجهزة بححالت ححامححل التكويني والتنظيم الكيححاني وفقححا ألدق نظححام ،وفي تهيئ ححة
الحقيقية والروابط هذح في الطبيعة وال نض ح ح ححعها أو نكتفها ف:ها" باول ديفيز ،االقتراب من هللا بحث في أص ي ي ييل الكون وكي بدأThe Mind of God ،
ترجمة منير بري ص .103-101
101
األرض للحياة وجدنا عناية تامة ب ل التفاصح ححيل ،وتسح ححخيرا كامال لتضح ححمن معيشح ححة اإلنسح ححان املسح ححتقرة،
وفي نواميسح ححها اإلنسح ححانية تدلت في أدق نظام يضح ححمن صح ححالح االجتما والعيش ،فذننا نتوصح ححل من ذلك
كل ححه إلى أن ال ححذي نظم الكون والحي ححاة وال ححائن ححات وفق ححا له ححذه النواميس يوص ح ح ح ححف ب ححالحكم ححة واإلتق حان
والعنحايحة ،فحذذا محا َح َز َب علينحا ْأم ٌر لم نس ح ح ح ححتطع الحكم بحالعقحل أنحه مو افق للحكمحة أو العنحايحة لقص ح ح ح ححور
العقحل ومححدوديتحه ،وجحب أن يس ح ح ح ححلم العقحل بحكمحة الرب فيحه ،جريحا على عحدم تخلف الحكمحة والعنحايحة
واإلتقان فيما يمكن للعقل أن يحكم فيه.
102
الفقر والغنى ،والصحة واملرض ،وخطة الوجود:
بقي أن ننظر في خط يية الوجود ب ييال س ي ي ي يب يية لينس ي ي ي ي ييان ،ووجود الفقر والغ؟ ،وال ي ي ي يح يية واملرا ،والعقم
واإلنجاب ،واملوت والحياة ،والجو والش ي ييبع ،والس ي ييعادة والش ي ييقاء ،وتس ي ييلط األقوياء على الض ي ييعفاء ،وينقس ي ييم
النظر إل:ها إلى نوعين من البحث:
أوال :نو ناتج عن تقص ي ييير اإلنس ي ييان في تفعيل النواميس املجتمعية ،واألخذ باألس ي ييباب ،أو س ي ييوء تس ي ييخيرها
واسيتعمالها ،فتصييب اإلنسيان نتيجتها السييئة ،كالحروب واالسيتعمار والفقر واملجاعات ومفسياد النظام البيئي
وغيرح ،فمس ي ييئوليته عن نتائج هذا التقص ي ييير وس ي ييوء االس ي ييتعمال يرجع عليه ،وال بد من اإلب ي ييارة إلى العالقة بين
االس ي ي ي ييتعم ييار ونه ييب خيرات الش ي ي ي ييعوب وتس ي ي ي ييليط حك ييام عمالء للغرب على رق يياب الن يياس ئفي أفريقي ييا مثال وبين
املجاعات والفقر ،على الرغم من أن أفريقيا من أغ؟ وأخصب قارات األرا.
ثانيا :ونو ثان :هو املصي ييائب التي تصي يييب الناس بغير عملهم ،وسغير قدرتهم على دفعها ،بقضي يياء هللا تعالى،
وقد يملكون القدرة على عالج بعض ي ييها ئكبعر األمراا ،فإن اإلنس ي ييان ال يمل قدرة اس ي ييتيعاب كل حكمة في
الكون ،والنظر العقلي في عواقفها ومآالتها ،إذ تتوق اس ييتطاعة العقل على إص ييدار األحكام على العدل والظلم
والخير والش ي ي ي يير وعلى الحكميية في النوازل عمومييا على فهم طبيعيية األفعييال ،واملصي ي ي ي ييالا ،والعواقييب ،والحس ي ي ي يين
والقبح ،والثواب والعق يياب في ال ييدني ييا واوخرة ،وعلى أدوات ومعلوم ييات وق ييدرات ليس ي ي ي ي ييت مت يياح يية ل ييه ،ئكمعرف يية
ه ه
عواقب الفعل أو الواقع املستقبلية ،هل سيكون خيرا له أم برا عليه؟ هل هو خير عاجل في الدنيا ،وبر خجل
في اوخرة؟ أو العكس؟ هل تكمن املص ي ي ييلحة التي حكم من خاللها بحص ي ي ييول الظلم أو العدل في النفع املادي ،أم
في تحقيق منافع غير مادية؟ فهذح مغاليق ال لس ي ي ي ييتطيع العقل فكها ،أو إن بعر القض ي ي ي ييايا التي تلزم إلنش ي ي ي يياء
األحكام متاحة بش ي ييكل جز ي للعقل ،لكنه ال يكفي إلص ي ييدار األحكام ئكفهم طبيعة الواقع ،أضي ي ي إلى ذل أن
القضححايا التي تتوقف عل ها صحححة الحكم بالعدل أو بالظلم متشححعبة ،أو معلومة بصييورة نسييبية أو غير كاملة
ه
للعقل ،مما سييؤثر قطعا على أحكامه فلربما يجعل اإلنسيان العدل قلما ،أو ينصيرف عن فعل فيه صيالحه إلى
نقيضي ي ييه لألسي ي ييباب السي ي ييابق ذكرها ،من هنا فال مجال للعقل ليحاطة بشي ي ييئون الدنيا ئملاذا هذا مرير ،واوخر
سيليم ،وملاذا حصيل لي هذا...الخ ،وال بشيؤون اوخرة وال بعواقب األمور ،وال بحسياب هللا تعالى يوم القيامة ،وال
كي سييق يبي بين الخالئق حت ينصيب اإلنسيان نفسيه حاكما على عدل هللا تبارك وتعالى .85وهذا ما سينفصيل
فيه في باب :عدل هللا ،تأمالت في مناقرة أخرى را عة ،فراجعه هناك.
85يراجع كتابنا :الص ييندوق األس ييود للفكر الغرسي ،فص ييل :انعدام املقاييس املؤس حس ححة لألخالق وللخير والش ححرفي ظل اس ححتبعاد الدين ،وما بعده من
فصول.
103
على أن من يحاكم دقة الصيينعة ،وحكمتها ،إنما يحاكمها بأهوائه التي صييورت له الحسيين والخير والصييواب
ما وافقها ،والقبيح والش يير والخطأ ما خالفها ،مع أن عقل اإلنس ييان محدود ،وال لس ييتطيع الحكم على ييبيء من
ذل ليص ي ي ي ييلا حكمه مقياس ي ي ي ييا تقاس عليه أفعال هللا تعالى ،فإن عقولنا ال تمل املعلومات الكافية إلدراك هل
املرا خير أم ال ييحة خير لينسييان؟ هل رغد العيش أفضييل أم الكفاية امل ييحوبة بالطمأنينة ،أم الجو ؟ ألن
الزاويية التي ينظر منهيا قيد تكون مض ي ي ي ييللية ،أو محيدودة بيالنياحيية املياديية فقط ،فقيد نس ي ي ي ييلط زاويية أخرى مقيابلية
وهي :أن هللا تعالى يبتلي الناس بالفقر أو باملرا أو بغيرح مما قاهرح الش ي ي ي يير ليرفع درجاتهم في الدنيا واوخرة ،أو
يبتل:هم لي تبر إيمانهم ،فيمحصي ييهم ويجتبي منهم من صي يدق في إيمانه ،أو يبتل:هم ليتقربوا إليه في الشي ييدائد بعد
أن غفلوا عن التقرب إليه في حال رغد العيش ،أو ليدركوا نعمة ال ي ي ييحة التي ال يتفطنون إل:ها وملى دقائقها إال
في ح ييال املرا ،في ييدرك املرير ال ييذي بلغ الثم ييانين من عمرح حين لس ي ي ي ييعف ييه الطبي ييب ب ييأجهزة التنفس ليلتقط
واحدا عز عليه التقاطه في حال مرا ، ه ه
ألم به عظمة أن لعيش حياته كلها بغير حاجة ألجهزة اص ييطناعية نفس يا
ه
تعين على التنفس! أو أن ل جل لهم عقوبة جراء ما اقترفوح تجبر عنهم عقوبة أعظم ،أو يكفر عنهم س ي ي ي يييئاتهم،
أو أن يدل البش يير على أن طالقة قدرة هللا هي من تس ييير الكون وأنه ال لس ييير س يييرا رتيبا لس ييتغ؟ي فيه عن خالقه،
فيض يير اإلنس ييان إلى خالقه في الش ييدائد واملحن ،ويدرك اإلنس ييان عجزح أمام قدرة الخالق ،فال يط ى اإلنس ييان
وال لستبد ،فيضر نفسه ويضر غيرح.
كما أن هللا تعالى -بوصي ييفه ربا مدبرا لشي ييؤون الخلق -نظم الكون واملجتمعات بسي يينن ال تحاسي أحدا ،تنطبق
على املس ي ي ي ييلمين وعلى الكفار ،مطردة ،تنفعل باألس ي ي ي ييباب ،وأمر الناس باكتش ي ي ي ييافها ،فما من داء إال وله دواء إال
املوت ،فييإذا مييا صي ي ي ي ييادف الييدواء داء عييالجييه ،فلم يكن االبتالء بيياملرا إال حيياليية طييارئيية مرحلييية ،وكييذلي الفقر،
وبين مس ي ي ي ييئوليات الدولة الرعوية فقد وض ي ي ي ييع نظاما عادال يقوم في قس ي ي ي ييم منه على تحقيق التكافل االجتماييِّ ،
تجياح الرعيية لتكف:هم حياجياتهم األس ي ي ي يياس ي ي ي ييية ،وجعيل هللا األرا ص ي ي ي ييالحية للحيياة وللمعيال ،وق ،يدر ف:هيا أقواتهيا،
فجعيل في التربية قيابليية إنبيات النبيات وف:هيا الص ي ي ي ييالحيية للزر ،وجعيل في األرا كمييات وافرة من املياء وأنزل هيذا
املاء من السماء لينتشر فوق األرامبي اليابسة ليعيش منه النبات والحيوان.
وبيياإلجمييال فيياهلل تعييالى قييد خلق جميع مييا يلزم ملعييال وحييياة املخلوقييات ،وجعييل في األرا أب ي ي ي يييياء خيياصي ي ي ي يية
بيياإلنس ي ي ي ي ييان بييأن أود ثروات في بيياطن األرا من حييديييد ونحيياس وذهييب وفض ي ي ي ي يية ومعييادن وبترول الخ ،وجعلهييا
بكمييات كيافيية ملعيش ي ي ي يية البش ي ي ي يير ،حييث جعيل هللا ف:هيا قيابليية إعيادة االس ي ي ي ييت يدام مرات ومرات ،كيدورة امليياح في
الطبيعة مثال ،ولو وسيد أمر معيشية الناس لدولة إسيالمية ترعاهم لكفت البشير حاجاتهم األسياسيية ،والنعدم
الفقر ،وحين لعرا اإلنس ييان عنها فإن له معيش يية ض يينكا ،ولكنها الرأس ييمالية الجش ييعة! اس ييتأثر ف:ها قلة بما هو
حق للجمو ،ازدادوا غ؟ ليزداد الفقراء فقرا ،ونهبوا ثروات دول ليتج يياوزا بش ي ي ي ييعوبهم ح ييد الس ي ي ي ييرف والترف،
104
وبحسياباتهم البنكية مليارات املليارات ،فافتقرت أفريقيا لتغ؟ فرنسيا ،ولكنه قلم اإلنسيان لينسيان ،وخضيو
املظلوم للظالم دون أن لستعين بالسنن املجتمعية للتغيير.
ولكنها سي ي ي ييوء تدبير الحكام واإلنسي ي ي ييان عموما في أال لسي ي ي ييتغل األرا في الزراعة وفي اسي ي ي ييتصي ي ي ييالحها وعمارتها
بالص ييورة ال ييحيحة مس ييتفيدا من تس ييخير هللا إياها له ،ومفس يياد اإلنس ييان للنظام البيئي الذي ي تج ما ي تج من
كوارث.
105
هل مصائب الدنيا هي عقوبات على الذنوب؟ الجواب :ال!
وأميا العقوبيات ،فيإن هللا تعيالى عجيل لألقوام اليذين خلوا من قبيل عقوبيات في اليدنييا جراء ارتكيابهم م يالفية
محمد ﷺ تغيرت سي يينة هللا في إهالك الكفار الذين يكذبون رسي ييوله .وبرز هذا ا الرسي ييل والكفر بهم ،وحين أرسي ييل
التغيير في النصوص التالية:
ه ْ ، ْ ت ، ْ
ندك فأ ْم ِّط ْر عل ْينا ِّحجارة ِِّّمن ال ،س يم ِّاء أ ِّو 1ي ي ي ي ي ي قال هللا تعالى﴿ :و ِّمذ قالوا الله ،م ِّإن كان هذا هو الحق ِّمن ِّع ِّ
ْ ِّ ، ِّ ، ْ
ائ ِّتنا ِّبعذاب أ ِّليم وما كان ّ ِّليع ِّذبه ْم وأنت ِّف ِّ:ه ْم وما كان ّ مع ِّذبه ْم وه ْم ل ْس ي ي يتغ ِّفرون [ ،سي ي ييورة األنفال
32ي ي ي ي .]33والذي أطلق هذا التكذيب والتحدي هو النضر بن الحارث وأبو جهل ،وهذا كان لسان حال مشركي
ان:هم ،واألميان مكية .ولم ييأتهم الجواب بياإلهالك ،بيل أعطياهم أميانين :األميان األول وجود الرس ي ي ي ييول ﷺ بين قهر ْ
الثاني االستغفار .ومذا زال األمان األول بوفاة الرسول ﷺ فإن األمان الثاني ال يزول بالكلية.
ْ ه ْ ْ ْ ، ْ
اب ول ْوال أج ال ُّمس ًّم لجاءهم العذاب وليأ ِّتي ،نهم بغتة وه ْم ال لشعرون ْ ْ
2ي ي ي ي قال تعالى﴿ :ويست ِّجلون ِّبالعذ ِّ
ْ ْ ا ْ ْ
اب و ِّم ،ن جه ،نم مل ِّحيط ية ِّب يالك يا ِّف ِّرين ي ْوم لغش ي ي ي ي ياهم الع يذاب ِّمن ف ْو ِّق ِّه ْم و ِّمن ت ْح ي ِّت ْ ْ
لس ي ي ي يت ِّجلون ي ِّب يالع يذ ِّ
أ ْرج ِّل ِّه ْم ويقول ذوقوا ما كنت ْم ت ْعملون [سورة العنكبوت 53ي .]55
ِّ ِّ
قييال القرطبي ج /13ص :356ئقييال ابن عبيياس :لع؟ي هو مييا وعييدتي أال أعييذب قومي وأؤخي ي ي ي ي ي ي ي ييرهم إلى يوم
الساعة م ْو ِّعده ْم . القيامة .بيانه ﴿بل ،
ِّ
ْ ْ ، ِّ ، ، ، ه ْ ه ، ت
3ي ي ي ي ي ي قال تعالى﴿ :وما ينظر هؤال ِّء ِّإال ص ييحة و ِّاحدة ما لها ِّمن فواق وقالوا ربنا ع ِّجل لنا ِّقطنا قبل يو ِّم
، ت ْ
﴿إال ِّ . مكة كفار لع؟ي ءِّ ال ؤ ﴿ه . تظر ي أي ر نظ ﴿ي : ييرهاس تف في القرطبي قال ]. 16 ي ي ي ي ي 15 ص يورة س [ اب
ِّ ي
س حِّ ال
، ه ه
ص ْيحة و ِّاحدة أي نف ة القيامةِّ ﴿ .قطنا ،قال مجاهد وقتادة :عذابنا.
ْ 4ي ي ي ي ي قال تعالى﴿ :كتب عل تى ن ْف ِّس ِّه ،
الر ْحمة لي ْجمع ،نك ْم ِّإل تى ي ْو ِّم ال ِّقيام ِّة ال رْيب ِّف ِّيه [ ،سورة األنعام ]12قال
ه ه القرطبي في تفسيرها﴿ :كتب عل تى ن ْف ِّس ِّه ،
الر ْحمة ،أي وعد بها فضيال منه وكرما ،ولذل أ ْمهل.
ه
الناقة م ْب ِّصيرة فظلموا ِّبها 5ي ي ي ي ي قال تعالى﴿ :وما منعنا أن ُّن ْرسيل ب ْاويات إ ،ال أن ك ،ذب بها ْاأل ،ولون وخت ْينا ثمود ،
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
ْ ُّ وما ن ْرس يل ب ْاوي ْ ،ه
ات ات ِّإال ت ِّويفا [ ،س ييورة اإلس يراء .]59قال القرطبي في تفس يييرها﴿ :وما منعنا أن ن ْر ِّس يل ِّباوي ِّ ِّ ِّ ِّ
ِّ ِّ
التي اقترحوهييا إال أن يكييذبوا بهييا ف:هلكوا كمييا ف ِّع يل بمن يكيان قبلهم … فييأخر هللا تعييالى العييذاب عن كفييار قريش
ه لعلم ييه أن ف:هم من يؤمن وف:هم من يول ييد مؤمن ي هيا … إنهم طلبوا أن ِّ
يحول هللا لهم الص ي ي ي يف ييا ذهب ييا وتتنمى الجب ييال
عنهم ،فنزل جبريل وقال« :إن بيئت كان ما سيأل قوم ي ي ي ي ي ولكنهم إن لم يؤمنوا لم ي ْمه ي ي ي ي ييلوا ،ومن بيئت اسيتأنيت
استأن بهم». ِّ بهم» فقال« :ال،
ْ َ ، ه ،
6ي ي ي ي ي ي ي ي ي ق ييال هللا تع ييالى﴿ :وال ت ْحس ي ي ي يب ،ن ّ غ يا ِّفال ع ،م يا ل ْعم يل الظ ي ِّاملون ِّإن َم حا ُيؤ ِّخ ُر ُه ْم ِّل َي ْوم تش ي ي ي يخص ِّفي ي ِّيه
ْ
األ ْبصار [ ،سورة إبراهيم .]42
106
وهذا خطاب من هللا للرسي ييول ﷺ بعد أن ابي ييتد اسي ييتفزاز املشي ييركين وتحديهم له واسي ييتهزاؤهم به وبالعذاب
الذي يهددهم به .وهذا االس ي ييتهزاء والتحدي واالس ي ييتفزاز يبرز في قوله تعالى﴿ :وقالوا لن ُّن ْؤ ِّمن ل ح ،ت ت ت ْفجر لنا
ْ ا من ْاأل ْرا ي ب ه
وعا أ ْو تكون ل ج ،نة ِِّّمن ،ن ِّ يل و ِّعنب فتف ِّ ِّجر األ ْنهار ِّخاللها ت ْف ِّج هيرا أ ْو ت ْسي ي ي ي ِّقط ال ،سي ي ي يماء ِّ ِّ
، ْ ْ ِّ ا ْ ْ ه ْ ، ْ ْ ه ْ ْ
اَّلل واملال ِّئكي ِّة ق ِّبيال أو يكون لي بييت ِّمن زخرف أو ت ْر تى ِّفي الس ي ي ي يمي ِّاء ولن كميا زعميت علينيا ِّكس ي ي ي يفيا أو تيأ ِّتي ِّبي ِّ
ه ،ه ،
ُّن ْؤ ِّمن ِّلر ِّق ِِّّي ح ،ت ت تن ِّ ِّزل عل ْينا ِّكت هابا ،ن ْقرؤح ق ْل س ي ْبحان رِِّّسي ه ْل كنت ِّإال بشيرا رس يوال [ ،سييورة اإلس يراء 90ي ي ي ي ي ]93
ه ه ه
وقد قام الرس ييول ﷺ من بينهم حزينا متأملا .فأنزل هللا عليه تس ييلية له بأن هللا ليس غافال عنهم إنما يؤخرهم إلى
يوم القيامة.
ِّ
لقد تحدثنا حت اون عن األقوام الذين يأت:هم رسل هللا فيكذبونهم .فما هي سن يية هللا في الناس بشكل عام،
ان:هم يدعوهم إلى هللا ،كما كانت الحال في الفترة بين رس ي ييول ورس ي ييول ،أو أي حين ال يكون هناك رس ي ييول بين قهر ْ
كما صارت الحال واستمرت منذ وفاة الرسول محمد ﷺ؟ هذح الحال العامة للناس تحكمها النصوص التالية:
َ َ َ ََٰ ْ 1ي ي ي ي ي ي ي قال هللا تعالى﴿ :ول ْو يؤاخذ ، ّ،
الناس ِّبظل ِّم ِّهم ،ما ترك عل ْ:ها ِّمن د ،ابة َول ِّكن ُيؤ ِّخ ُر ُه ْم ِّإل َٰى أ َجل ُّم َسح ح ح يمى ِّ
ه ْ
ف ِّإذا جاء أجله ْم ال ل ْستأ ِّخرون ساعة وال ل ْست ْق ِّدمون [ ،سورة النحل .]61
َ َ َ ََٰ 2ي ي ي ي ي ي ي ي ي قال تعالى﴿ :ول ْو يؤاخذ ، ّ،
الناس ِّبما كس ي ي ي يبوا ما ترك عل تى ق ْه ِّرها ِّمن د ،ابة َول ِّكن ُيؤ ِّخ ُر ُه ْم ِّإل َٰى أ َجل ِّ
،
ُّم َس يمى ف ِّإذا جاء أجله ْم ف ِّإ ،ن ّ كان ِّب ِّعب ِّاد ِّح ب ِّصيرا [سورة فاطر .]45
ه
، ، ْ 3ي ي ق ي ييال ت ي يع ي ييال ي ييى﴿ :ورُّب ْالغفور ذو ،
الر ْحم ِّة ل ْو يؤ ِّاخذهم ِّبما كسبوا ل ،جل لهم العذاب ،بل لهم ،م ْو ِّع اد لن
ه
ي ِّجدوا ِّمن دو ِّن ِّه م ْو ِّئال [ ،سورة الكه .]58
ْ َ ، ه ،
4ي ي ي ي ي ي ي ي ي ق ي ييال تع ي ييالى﴿ :وال ت ْحس ي ي ي يب ،ن ّ غ ي يا ِّفال ع ،م ي يا ل ْعم ي يل الظ ي ي ِّاملون ِّإن َم ح حا ُيؤ ِّخ ُر ُه ْم ِّل َي ْوم تش ي ي ي يخص ِّفي ي ي ِّيه
ْ
األ ْبصار [ ،سورة إبراهيم .]42
ا ه 5ي قال رسول هللا ﷺ« :اليوم ا
حساب وال عمل» [رواح الب اري]. عمل وال حساب ،وغدا
هذح النص ييوص الخمس يية وما كان في معناها تفيد بوض ييوح أن هللا س ييبحانه لم يجعل الدنيا دار حس يياب ،بل
ه
هي دار عمل ،والحساب غدا .واستيفاء الحساب يكون يوم القيامة الذي لسم يوم الي ي يحي ي يس ي يياب ﴿و ِّم ،نما تو ،ف ْون
ْ
أجورك ْم ي ْوم ال ِّقيام ِّة [ ،خل عمران .]185
أما ما يص يييب الناس في الدنيا من املص ييائب فهذه تحص ححل بحس ححب سح ح ن الكون وخص ححائل األش ححياء التي
أودعها هللا ف ها ،وهي تصيب املحؤمحن كمحا تصحيب ال افر ،وتصحيب الحتحقحي كما تصيب الشقي.
واملص ييائب في الدنيا ليس من الض ييرورة أن تكون عقوبة من هللا على معص ييية ،وليس من الض ييرورة أن تكون
ْ ْ ه ه ه
انتقاما إلهيا من العبد املصي ي ي يياب .فهذا قول هللا تعالى م اطبا املؤمنين﴿ :ولن ْبلو ،نكم ِّبعي ي ي ييب ْيء ِِّّمن الخ ْو ِّف والج ِّو
، ، ا ، ات وس ِّ ِّشي ي ير ال ، ، ْ ْ
َّلل و ِّم ،نا ِّإل ْي ِّه ْ
صي ي ي ِّاب ِّرين ال ِّذين ِّإذا أصي ي يابتهم ُّم ِّصي ي ييبة قالوا ِّإنا ِّ ِّ ِّ س والثمر ِّ ِّ ون ْقص ِِّّمن األ ْمو ِّال واألنف
ْ ت راجعون أ تولئ عل ْ:ه ْم صلو ا
ات ِِّّمن ِّ ،رِّب ِّه ْم ور ْحم اة وأول ِّئ هم امل ْهتدون [ ،سورة البقرة 155ي .]157وهذا قول ِّ ِّ ِّ
107
بالء األنبياء ،ثم األمثل فاألمثل ،يبتلى الرجل على حسيب دينه .فما يبرح البالء بالعبد الرسيول ﷺ« :أب ُّيد الناس ه
حيتيى يتركه ييميشيي على األرا وما عليه خطيئة» [رواح الب اري].
ه
فاملؤمن الذي يصي يياب ويصي ييبر ويحتسي ييب ذل عند هللا تكون املصي يييبة نعمة عليه وليسي ييت ِّنقمة ،فهي تحط
من سيئاته وتزيد في حسناته يوم القيامة.
ه
وأما الكافر الذي يص يياب فإن مص يييبته ال تكون محوا لس يييئاته وال زيادة في حس ييناته يوم القيامة ،ألنه ليس
ورا [ ،س ي ي ي ييورة الفرقيان ليه حس ي ي ي ينيات يوم القييامية ،قيال تعيالى﴿ :وقي ِّد ْمنيا إل تى ميا عملوا ِّم ْن عميل فجع ْلنياح هبي هاء ،منث ه
ِّ ِّ
ُّ ْ ْ ، ،
.]23وق ييال تع ييالى﴿ :وي ْوم ل ْعرا ال ي ِّذين كفروا على الن ي ِّار أذهبتم ط ِّيب يا ِّتكم ِّفي حي يا ِّتكم ال ييدني يا واس ي ي ي يتمتعتم ِّبه يا
ْ ْ ْ ْ ِّ ْ ْ
ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ
ا ِّبغ ْي ِّر الح ِّ ِّق و ِّبما كنت ْم ت ْفسي يقون [ ،س ييورة األحقاف فاليوم تجزون عذاب الهو ِّن ِّبما كنتم تسي يتك ِّبرون ِّفي األر ِّ
.]20
كييذلي :فبييال س ي ي ي يبيية لغير املؤمن ،فييإن االبتالءات يجييب أن تييدفعييه إلى التفكير في نعم هللا التي مألت حييياتييه:
نعمية البص ي ي ي يير والس ي ي ي ييمع ،ت ييل أن يحتياج املرء إلى جهياز تنفس اص ي ي ي ييطنيايي في س ي ي ي يين متقيدمية ،فيإذا بيه يتيذكر -
متأخرا -كم هي نعمة أن يأخذ نفسييه بدون صييعوبة في كل سيينوات عمرح ،أو أن يضييطر إلى جهاز تنظي الكلى،
وما فيه من مشقة عظيمة ،فيتذكر نعمة أنه لستطيع تنظي سوائل جسمه يوميا ،بال عناء بفضل الكليتين،
أو أن تص يياب ركبته بض ييرر فال لس ييتطيع املع ييبي للقيام بأبس ييط ال ش يياطات ،فيتذكر عظمة نعمة ال ييحة ،أو أن
يص يياب بمرا فيفحص ييه األطباء ليجدوا أن ب يرايينه ب ييارفت على االنغالق بس ييبب تراكم الدهون وااللتهابات،
فيجرون له عملية تطيل حياته ،فكان مرضي ي ييه سي ي ييببا في تدارك صي ي ييحته قبل دخوله في جلطة قلبية مثال ،أو أن
يرى االبتالءات التي تحصي ي ييل للغير فيتذكر أنه في عافية ،فاألصي ي ييل في هذا كله أن يكون سي ي ييببا ألن يقترب إلى هللا
بعد نفورح وسعدح عنه ،فهي إذن رس ح ح ححائل بليغة تطلب منه أن يتدار نفس ح ح ححه قبل فوات األوان فيرجع إلى هللا
لينعم بنعيم اوخرة املقيم ،ويفوز ب ييالطم ييأنين يية والس ي ي ي ييالم ال ييداخلي فيم ييا تبقى ل ييه من عمر ،إذن :ف ححاالبتالءات
رسائل مهمة جدا لإلنسان ،مؤمنا كان أم غيرمؤمن.
وقد وردت كلمة ئعذاب في النصي ييوص الشي ييرعية بمع؟ العقوبات التي أمر هللا بإيقاعها على العصي يياة ،مثل
ْ ْ ْ ا ْ ْ
قوله تعالى﴿ :وليشيه ْد عذابهما طا ِّئفة ِِّّمن امل ْؤ ِّم ِّنين [ ،سييورة النور ،]2ومثل﴿ :وي ْدرأ ع ْنها العذاب أن تشيهد أ ْرسع
ْ ،
اَّلل ِّإ ،نه ِّملن الك ِّاذ ِّبين [ ،سورة النور.]7
بهادات ِّب ِّ
وقييد وردت كلميية ئعييذاب وكلميية ئعقيياب وكلميية ئهالك وكلميية ئتييدمير وكلميية ئاس ي ي ي ييتبييدال في النص ي ي ي ييوص
الش ييرعية بمع؟ ما يص يييب الناس من أذى أو مص ييائب بحس ححب س ححنة الكون ،وبحس ححب األس ححباب واملس ححببات،
ّ سيبق مل ،سيك ْم ِّفيما أخ ْذت ْم عذ ا ، ،
﴿ل ْوال ِّكت ا
يم [ ،سييورة األنفال ،]68أي إن ترك اب ع ِّظ ا اب ِِّّمن ِّ مثل قوله تعالى:
ه
القتل أثناء املعركة والحرص على األس يير طمعا بأخذ فدية األس ييير قد يؤدي إلى خس يرانكم املعركة وأن تص ييبحوا
أنتم القتلى واألسرى .فهذا يرينا أهمية فهم الس ن حتى ال نقع في مظنة السبب فت زل املسببات بساحتنا!
108
ْ ْ ، ِّ
ومثل قوله تعالى﴿ :قا ِّتلوه ْم لع ِّذ ْبهم ّ ِّبأ ْي ِّديك ْم وي ِّز ِّه ْم وينص ي ي ْرك ْم عل ِّْ :ه ْم ويش ي ي ِّ ص ي يدور ق ْوم ُّم ْؤ ِّم ِّنين ،
[سورة التوبة .]14فتعذيفهم يتم :بأيديكم ،بأن تحققوا برو نصر هللا ،فينصركم ،فيكون نصركم ،وقتالكم
لهم إمض يياء للس يينن اإللهية واملجتمعية في خزيهم ،ئلذل :فال لس ييألن س ييائل ملاذا ترتفع أك مليارات املس ييلمين
تل إلى هللا تعالى ب الص الدعاء أن يقوم بإنزال الصيواعق والزالزل ويقتلع كيان يهود ،أو أن يقتص من مجرم
رماهم بالبراميل املتفجرة ،وأهل الحرث وال سي ي ييل كاملجرم بشي ي ييار األسي ي ييد ،أو أن يظن قان :أن مشي ي ييهد األطفال
الذين يقتلهم كيان يهود ص ييباح مس يياء في غزة بتفجير بيوتهم ومس يياجدهم ومس ييتش ييفياتهم كفيل بأن لس ييتجلب
ائل هللا ذل ،منتظرا الصييواعق والزالزل والصيييحة والدمار غضييب هللا عل:هم فيعاجلهم بالعقوبة ،ال لسييألن سي ا
من هللا ،دون أن يقوم السييائل والدايي بإمضيياء السيينن التي أمرح هللا بالنظر ف:ها ،وبإمضييالها وتفعيلها ،كي يقوم
بواجبه ،ويقوم املسلمون بواجفهم ،فيعذب هللا كيان يهود بأيدي املؤمنين ويشفي صدورهم منهم .
ْ ْ ْ ه
ومثله قوله تعالى﴿ :و ِّمذا أر ْدنا أن ُّن ْه ِّل ق ْرية أم ْرنا متر ِّف:ها ففسقوا ِّف:ها فح ،ق عل ْ:ها الق ْول فد ،م ْرناها تد ِّم هيرا ،
[سي ييورة اإلس ي يراء ،]16وذلك حين تقع حروب أهلية بسح ححبب ك رة الفسح ححاد ،والذي يفضح ح ي إلى الظلم والتفاوت
االقتص ححادي /االجتماعي ،ويولد النقمة وعدم اس ححتقرار املجتمعات ،فتنش ححأ الص حراعات والحروب واإلهال
للوقو في مظنة تلك األسح ح ح ححباب ،أو يطمع عدو خارجي حين يرى تل القرية غارقين في الترف واللذات ومهملين
في أسباب القوة والجهاد.
ْ ْ ْ ْ ْ ْه ْ ْ ، ،
فتولي
ومثلييه قولييه تعييالى﴿ :و ِّمن تتولوا لس ي ي ي يتبي ِّدل قوميا غيركم ثم ال يكونوا أمثيالكم [ ،س ي ي ي ييورة محمييد ِّ .]38
املسحلمين عن شحر عة هللا سحيؤدي بهم إلى التمزق والضحعف ما يدعل أعداءهم يقضحون عل هم حتى يأتي من
غير ُهم يتمسكون بدين هللا. األمة ُ
ه ه ْ ْ
ومثله قوله تعالى﴿ :فم ِّن ،اتبع هداي فال ي ِّض ي ُّل وال لش يق تى وم ْن أ ْعرا عن ِّذك ِّري ف ِّإ ،ن له م ِّعيش ية ض ينكا
ْ
ون ْحش يرح ي ْوم ال ِّقيام ِّة أ ْعم ت [ ،س ييورة طه 123ي ي ي ي ي .]124فأي النظم غير نظام اإلسححالم يدلب للناس السححعادة
وحسح ح ح ححن التصح ح ح ححور لسح ح ح ححبب وجودهم ،ويدلب حسح ح ح ححن تطبيقه عل هم الرخاء والرضح ح ح ححا ،والت افل االجتماعي،
وحس ح ح ححن رعاية الرعية من قبل الدولة وتحمل مس ح ح ححئولياتها؟ فذذا ما أعرض ح ح ححوا عنه وقعوا ض ح ح حححية األنظمة
البشرية الجائرة! فهذه كلها س ن مدتمعية ينبغي فهمها ودراستها!
ومثل حديث الرسول ﷺ وقد س ي ي ي ِّئل« :أن ِّهل وفينا الصالحون؟ قال :نعم ،إذا ك ي ي ييثر الخبث» [رواح الب اري
ِّ ِّ
ومسييلم] .ومثل ذل قول الرسييول ﷺ« :والذي نفسييبي بيدح لتأمرن باملعروف ولتنهون عن املنكر أو ليوبييك ِّن هللا
ه
أن يبعث عليكم عقابا من عندح ،ثم لتدع ِّنه فال لستجاب لكم» [رواح اإلمام أحمد والترمذي] .وهنا الكالم عن
سنة إلهية ،فال ال يستديب حينها للدعوات ،ويقع الناس في عقوبات ما تدلبه عل هم املنكرات من أمراض
لم تكن فيمن قبلهم ،أو في استشراء الفساد واملنكرات والنظم الوضعية الربوية وما شابه!
109
هذه النتائج التي تنتج حس ح ح ححب قانون الس ح ح ححببية ليس ح ح ححت هي الحس ح ح ححاب على الذنوب ،بل الحس ح ح ححاب على
الذنوب سيأتي يوم القيامة.
ْ ه ه ، ْ ْ
الحظوا قوله تعالى﴿ :ومن أ ْعرا عن ِّذك ِّري ف ِّإن له م ِّعيشية ضينكا ون ْحشيرح ي ْوم ال ِّقيام ِّة أ ْعم ت قال ر ِّ ِّب
ْ ت ت
ِّلم حشي ي ْرت ِّ؟ي أ ْعم ت وق ْد كنت ب ِّصي ي هيرا قال كذ ِّل أت ْت خياتنا ف ِّسي ييتها وكذ ِّل الي ْوم ت س ييب ت [س ييورة طه 124ي
.]126فاإلعراا عن ذكر هللا ئأي ب ي يير هللا ت تج عنه املعيش ي يية الض ي يين ئأي الش ي ييقاء في الحياة الدنيا ،وهذا
الش ي ييقاء ال يجبر عن ص ي يياحبه عذاب يوم القيامة .العذاب الدنيوي الذي يجبر عن ص ي يياحبه عذاب يوم القيامة
هو العقوبات الش ييرعية من حدود وتعزير ،إذ إن هذح العقوبات هي زواجر وجوابر .أما املص ييائب واألمراا التي
تحصييل جراء األسييباب واملسييببات فهذح ليسييت عقوبات تجبر عقوبات يوم القيامة .فالذي يرتكب الزنا ويصيياب
ه
بمرا اإليدز مثال ال يقال بأن هذح هي عقوبته عجلها هللا له في الدنيا ليسييقطها عنه في اوخرة .بل مرا اإليدز
هو نتيجة حينما تتوفر أسبابه ،وتبقى عقوبة الزنا إلى يوم الحساب.
أما األمور التي تحصل في الكون ،وليس لينسان ف:ها أي دور ،مثل الزالزل واألعاصير والفيضانات والبراكين
وانحباس املطر وبييدة الحر وبييدة البرد وما ي تج عنها من خثار ،فذنها من أفعال هللا وحده ،حسحب السح ن التي
أودعها هللا في األشححياء ،هذه األمور تصححيب الناس ال فرق بين مؤمن وكافر ،وال بين صححالش وطالش .وهي ليس ييت
ه ه
بيرا باملع؟ الشييريي للشيير .وهي بال سييبة للمؤمنين ابتالء فإن صييبروا واحتسييبوا كانت خيرا ونعمة .وهي بال سييبة
لجميع الن يياس :مؤمنين وكييافرين خي يية من هللا ت ييدعوهم للتفكر واالعتب ييار ،وهي ت وي لهم من ع يياقب يية إهم ييالهم
واستغراقهم في الشهوات العابرة ونسيانهم ما هم مقدمون عليه من نعيم أو حيم.
ه
إن هيذح األحيداث ال تحيدث عش ي ي ي ييوائييا وال ص ي ي ي ييدفية ،إنهيا تحيدث حس ي ي ي ييب التقيدير والترتييب اليذي اختيارح هللا
ْ
الر ْعيد ِّبح ْمي ِّد ِّح واملال ِّئكية ِّم ْن ِّخيف ِّتي ِّه
س ي ي ي ييبحييانييه بحكمتييه وعلمييه .86كييذلي :نالح أن هللا تعييالى يقول﴿ :ويس ي ي ي ي ِّبح ،
ِّ
اعق في ِّص ي ييب ِّبها من لش ي ياء [الرعد ،]13 :13 :وقد أهل هللا تعالى أربد بن ربيعة ،بص ي يياعقة إذ وي ْر ِّس ي يل ال ،
ص ي يو ِّ
حياول اخترا رس ي ي ي ييو ِّل هللا ﷺ بس ي ي ي ييي ،وأنزل هيذح اويية ،وقيد دعيا علييه رس ي ي ي ييول هللا ﷺ « :اللهم اكفن:هميا بميا
ه
ب ييئت» لع؟ي أربدا وعامر بن الطفيل ،فقض يياء من هللا تعالى باملوت ،كما يق ييبي باملوت بزلزال أو غيرح ،وعقوبة
فعلتهما تكون يوم القيامة ،إعماال باويات السابقة التي بي ت أن هللا يؤخر العقوبة والحساب إلى يوم القيامة.
ْ ْ ، ،ه ُّ ْ ْ ْ ْ
انبع ي ياله ْم فث ،بطه ْم و ِّقي ي ييل اقع ي يدوا مع وقول ي ييه تع ي ييالى﴿ :ولو أرادوا الخروج ألع ي يدوا ل ي يه ع ي يدة ول ِّكن ك ِّرح ّ ِّ
ْ
القيا ِّعي ِّدين [التوبية ،]46 :9ونحوهيا من أن يبتلي هللا تعيالى من ترين اليذنوب على قلبيه بيأن يص ي ي ي ييبح قلبيه غيافال
عن ذكر هللا ،فال يتفطن إلى ذلي ،أو أن ال يقوم هللا ،فال يتفطن إلى أن هللا كرح انبعياثيه فثبطيه عن أن يتقرب
إليه ،فأيضييا تفهم في قالل اويات املحكمة السييابقة التي بي ت تأخير هللا للعقوبة إلى القيامة ،وقعودهم نتيجة
طبيعية ملا ران على قلوبهم ،فلم يتحركوا بعزيمة املؤمنين ليمض ييوا مع رس ييول هللا ﷺ ،واس ييتمرأوا القعود ،وكرح
86هل مصائب الدنيا هي عقوبات على الذنوب؟ مجلة الويي العدد 150بتصرف
110
هللا تعيالى منهم هيذا الخلق وتلي األعميال ،فكيانيت س ي ي ي ينية هللا تعيالى أن القلوب إذ تتراكم عل:هيا اليذنوب ال تجيد ميا
ْ ،
يدفعها للقيام بالخيرات ،قال تعالى﴿ :كال ب ْل ران على قل ِّوب ِّهم ،ما كانوا يك ِّسبون [املطففين .]14 :83
، ْ ْ ْ ْ ْ ،
اب األكب ِّر لعله ْم ي ْر ِّجعون [الس ي ي ي يجيدة ،]21 :32جياء اب األدنى دون العيذ ِّ وقيال تعيالى﴿ :ولني ِّذيقنهم ِّمن العيذ ِّ
في تفس ييير ابن عاب ييور" :واملقص ييود من هذا :التعرير بتهديدهم ألنهم لس ييمعون هذا الكالم أو يبلغ إل:هم .وهذا
إنذار بما لحقهم بعد نزول اوية وهو ما محنوا به من الجو والخوف وكانوا في أمن منهما وما يص ي ي ي يييفهم يوم بدر
،
من القتييل واألس ي ي ي يير ويوم الفتح من الييذل .وجمليية ﴿لعله ْم ي ْر ِّجعون اس ي ي ي ييتئنيياف بييياني لحكميية إذاقتهم العييذاب
األدنى في ال ييدني ييا ب ييأن ييه لرج يياء رجوعهم ،أي رجوعهم عن الكفر ب يياإليم ييان .واملراد :رجو من يمكن رجوع ييه وهم
األحياء منهم .ومس ي ي ي ييناد الرجو إلى ض ي ي ي ييمير جميعهم باعتبار القبيلة والجماعة ،أي لعل جماعتهم ترجع .وكذل
كييان فق ييد خمن كثير من الن يياس بع ييد يوم ب ييدر وب يياص ي ي ي ي يية بع ييد فتح مك يية" إذن :فع ييدم خض ي ي ي ييو أعن يياقهم للحق
وم يياص ي ي ي يميية الرس ي ي ي ييول ﷺ والتييدبير لحربييه أوص ي ي ي ييلهم للحرب ،ولقطع املؤن عنهم ،وخوفهم من ترقييب الحروب،
وتقتيل رؤس ي ييالهم في بدر ،كل هذا العذاب الذي نتج عن س ي يينة م اص ي ييمة الحق ،وعن الحرب ض ي ييد الرس ي ييول ﷺ
لحكمة إرجا من عال منهم إلى الحق ،وأما عقوبة من قاتل في بدر وغيرها وقتل فمؤجلة إلى يوم القيامة.
وقد كانت العقوبة األخيرة التي نزلت من الس ي ي ي ييماء على البش ي ي ي يير على ب ي ي ي يياكلة األمم الس ي ي ي ييابقة هي رمي الطير
األبيابييل لجيش أبرهية بحجيارة من س ي ي ي ييجييل ،جعلتهم كعص ي ي ي ي ميأكول ،وليذلي ،حين هياجم القرامطية بييت هللا
الحرام في مكة ،وقتلوا مقتلة عظيمة في الحرم ،وانتزعوا ال جر األسييود من مكانه ،وأخذوح معهم إلى عاصييمتهم
في هجر بالبحرين ،ص ي يياح أفجرهم عند البيت الحرام :أين الطير األبابيل ،أين ال جارة من س ي ييجيل! ،ولم تتنزل
عليه ألن هللا تعالى يؤخر العقوبات إلى يوم القيامة .وهللا تعالى أعلى وأعلم.
111
الخلود في النارجزاء وفاق:
ه
ولرب سي ي ي ي ييائييل يقول ،هييل من العييدل أن لعييذب هللا تعييالى خلقييا من عبييادح على جرائمهم عييذابييا ال نهيياييية لييه؟
ه ه
ي لدون فيه في نار لو غمس واحد ف:ها غمسة واحدة ألنكر أن يكون مر عليه نعيم قط في حياته!
ه
أما العدل اإللهي فال يقاس بمقاييس البشر ،وال لستطيع العقل البشري العاجز الضعي أن يكون حكما
على عدل هللا أو على ي ييبيء من ص ي ييفاته ،لض ي يييق أفقه ،ومحدودية مواهبه ،وض ي ييع مقاييس ي ييه ومث ِّل ِّه ،فتراح في
نظرته إلى األمور األبس ييط من هذا ،يتقلب بين الض ييد والض ييد ،يقرر قوانين ويعدل عنها بعد أن يتبين له س ييوؤها
وعواقفها ،وي ض ي ييع ألهوائه وب ي ييهواته ،ومطامعه ومطامحه ،فينظر النظرة الض ي يييقة ال جلى إلى األمور وال يزنها
ه
بميزان قويم ،لذا فال يمكن ملن كان هذا حاله أن يكون حكما على صفات هللا تعالى وأفعاله،
ولقييد أخبرنييا رب العيياملين وهو أصي ي ي ي ييدق القييائلين أن عييذابييه وفيياق الجريميية التي اقترفهييا من لعييذبييه في النييار،
فقال﴿ :جزاء وفاقا ،ومعلوم أن الجرائم ،تتناس ي ييب مع عقوباتها ،والعبرة ف:ها عظم الجريمة ،وقوة الراد عن
ارتكييابهييا ،ليس ي ي ي ييتقيم ميزان الحق قبييل اقتراف الجريميية ،فتكون العقوبيية نصي ي ي ي ييب عين املجرم تمنعييه عن ارتكيياب
ويحجم!
قبل ِّ جرمه ،وتدفعه للتفكر في أمرح في ِّ
فمثال جريمة الس ييرقة ،تقطع ف:ها اليد ،وربما يكون قد س ييرق ألفا ،أو أكثر ،العبرة أن الس ييارق إذ تقطع يدح
ه
يكون هذا نكاال من هللا ،وم وفا لغيرح من الناس أن يقترف الجريمة ،كما قيل :العقوبات جوابر وزواجر ،تجبر
عيقيوب ي يية اوخيرة ،وتيزجير امليجيتيميع أن ييقيوم فيي ي ييه مين ييقيتيرف عييين اليجيرييم ي يية ،األمير ال ي ييذي ييوفير ليليميجيتيميع األمين
ه ا
والطمأنينة بانعدام الجرائم ،وهي رادعة أيض ي ي ي ييا من باب أن ترى في املجتمعات الغربية عقوبات بس ي ي ي يييطة على
ذنوب كبيرة ،فترى أن الناس ال تتور عن القيام بالجريمة ئمثال ذل قتل النفس .
املهم فيميا ي ص موض ي ي ي ييوعنيا ،أن جريمية القتيل العميد قيد تس ي ي ي ييتغرق من القياتيل دقيقية ،أو لحظية انفعيال
ه ه ه ه
أطارت صوابه فتصرف تصرفا خطيرا قام بإزهاق روح ،ولربما كان طوال حياته صالحا أو ودلعا ،لكنه في لحظة
ه
غضي ي ي ي ييب وانفعيال قيام بتلي الجريمية .وبميا أن العقوبية الرادعية ال بيد أن تكون نكياال على العميل بقيدر فظياعتيه،
ه
وربما من ج سه فتكون بإزهاق روحه ،بغر النظر عن طيب فعاله قبلها ،ألنها ال تشفع له أنه أزهق روحا بغير
يعا وم ْن الناس جم ه حق .وقد أخبرنا رب العاملين ﴿أ ،نه م ْن قتل ن ْف هس ي ي يا بغ ْير ن ْفس أ ْو فس ي ي ياد في ْاأل ْرا فكأ ،نما قتل ،
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
ه
أ ْحيياهيا فكيأ ،نميا أ ْحييا ال ،نياس ج ِّمي هعيا ،هكييذا هي هييذح الجريميية بي ي ي ي ييديييدة العظميية ،س ي ي ي ييواء يكيان املقتول ِّملكييا ،أم
ا ه
صييعلوكا ،كان ذا مكانة أم من عامة الناس ،ال عبرة ،املهم أن لنفسييه حرمة ال يجوز االعتداء عل:ها ،ومن اعتدى
ه ه
عل:هيا كيانيت جريمتيه فظيعية لس ي ي ي ييتحق عل:هيا أن ننهي حيياتيه قتال ،ألن جريمتيه تعيادل وتكيافؤ قتيل النياس جميعيا،
وأبسط نظرة للحق أن من قتل الناس جميعا ال بد من قتله ومراحة البشرية من برح!
112
فكما ترى العقوبات تتفاوت حسييب عظم الجريمة ،وتقدير فظاعة الجريمة يتفاوت ،ما بين جرائم سييرقة،
قتل ،زنا ،خمر ،م درات ،قلم يقع على فرد أو قلم يقع على أمة بأسرها ...الخ.
ومثال إذا كيان املجتمع االس ي ي ي ييالمي مطمئنيا مجتمعيا تحيت كلمية خليفية ،وجياء خخر ينيازعيه األمر ،ويفرق كلمية
املسيلمين ،فهذح جريمة عظيمة لسيتحق عل:ها القتل فورا .إذ إن تبعات االختالف على مسيتوى القيادة ومحاولة
اغتصاب السلطة قد تدخل املجتمع في حرب أهلية!
إذن ،ف تق ييدير فظ يياع يية الجريم يية ،إذا ك ييان ييت في حق املجتمع فهي أفظع منه ييا إن ك ييان ييت متعلق يية فقط بحق
شخص ،ومن كانت في حق الشخص متعلقة بماله ،لم تكن حينها بفظاعة تعلقها بنفسه وهكذا ،فالجرائم التي
تتعلق بجنب هللا تبارك وتعالى ،أفظع وأفظع!
ِّ ِّ
فقبل أن نذكر بأنه هو الخالق الرازق ،املنعم ،املتفضيل ،نذكر بعظمته ،وجالله ،ومقامه سيبحانه وتعالى،
وال ب أن الجريمة في حق هللا تعالى ال تكافؤها جريمة في حق غيرح مهما كان!
ثم إن هللا تع ييالى قب ييل أن يحرم الظلم في من ج ييه القويم ،حرم ييه على نفس ي ي ي ي ييه ،وأق ييام الس ي ي ي يم يياوات واألرا
وامللكوت األعلى كله على أس يياس الحق والعدل ،فأن يأتي أخرق أبله في رق هذا ويبيح الظلم والب ي بغير الحق
في األرا ،وقد حرمها هللا في السماوات واألرا ،فهذح جريمة ليست بعدها جريمة!
خلقي ورزقي وأعطياك نعميه قياهرة وبياطنية ،ال تكياد تتفكر في نعمية من نعميه وتقيارن نفسي ي ي ي ي وقيد وهبي
ه
إياها بمن حرمه منها ،إال وجدته مس ي ي ييتحقا من الش ي ي ييكر من ما ال لس ي ي ييع العمر كله أن تكافئه فيه على نعمة
ويسبه ،ويقول عنه أن له واحدة ،فكي وقد أسبغ علي نعمه قاهرة وباطنة! ثم يأتي املشرك فينكر وجودحِّ ،
ولييد ،أو كييذا وكييذا ،فهييذح الجرائم لتعلقهييا بجنييب هللا ،يكيانييت فظيياعتهييا ال متنيياهييية ،ال تقيياس بييأييية جريميية لييذلي
وفاقا .وكما قال رب العاملين﴿ :وما قدروا ّ،ح ،ق ق ْدرح و ْاأل ْرا جم ه
يعا ق ْبض ي ي يته ي ْوم
ه
كانت عقوبتها فظيعة جز هاء
ِّ ِّ ِّ
ْ
ات ِّبي ِّمي ِّن ِّه سي ي ي ْبحانه وتعالى ع ،ما لشي ي ي ِّركون ،وهلل املثل األعلى ،لو أس ي ييأت بحق مل ، ْالقيامة وال ،سي ي يماوات م ْطو ،ي ا
ِّ ِّ ِّ
فإن غضبه سيكون كبيرا ،فما بال برب العاملين!! ذي العزة والجالل!
أنت أيها القارل الكريم ال ب ي ي ي تغض ي ي ييب إن مس أحد عرض ي ي ي ،أو س ي ي ييب والدي ،أو أغل علي بفاحش
ْ القول ،وهللا أحق من ي ب ييأن يكون غض ي ي ي يب ييه أعظم وأعظم﴿ ،ول يه ْال ِّك ْبري ياء في ال ،س ي ي ي يم ياو ِّ ْ ْ
ا وهو الع ِّزيز ات واألر ِّ ِّ ِّ
ْ
الح ِّكيم لذل فمن سأل هذا السؤال ،واتهم عدل هللا ،ما قدر هللا حق قدرح!
ولو نظر من حول ييه إلى الس ي ي ي يم يياوات بعظمته ييا وعظم يية خلق هللا تب ييارك وتع ييالى وتفكر لحظ يية في عظم يية ه ييذا
الخييالق س ي ي ي يبحيانييه وتعييالى لعلم أن جاللييه وعزتييه وعظمتييه بمكييانيية تجعييل كييل البش ي ي ي يير لو عبييدوا هللا كييل حييياتهم،
قض ي ي ي ييوهيا س ي ي ي يياجيدين ،ميا كيافيأوا على نعمية من نعميه ،ومن قص ي ي ي يير في ب ي ي ي ييكر النعم ،اس ي ي ي ييتحق أن يكيافيأ بعقوبية
فكي ورب الع يياملين يرم ي ي ي ييب بقلي ييل من الش ي ي ي ييكر مق ييارن يية بم ييا أس ي ي ي ييبغ من نعم ،ويعطي علي ييه الجزاء العظيم
أما ذل الشقي الذي كافأ النعماء بالكفر والرزايا العظام والجحود ،فما تقول فيه؟
113
ما تقول فيمن ق ي ي ييب حياته يقتل الناس ويفسي ي ييد في األرا ،كهتلر وسي ي ييتالين وبي ي ييارون ونت ياهو ونظرالهم
م يياتوا وفي أعن يياقهم ماليين القتلى ،واألرام ييل واأليت ييام ،والخراب في البالد والعمران ال ييذي امت ييد ألجي ييال ع يياب ي ي ي ي ييت
ه البؤس ،وتلط ييت أي ييديهم ب ييدم يياء بريئ يية لم يتركوه ييا تعيش حي يياة الئق يية ب ييالبش ي ي ي يير ،إن عق يياب ييه ل ييه ع ي ا
يادل انتق ييام ييا
لض ي ي ييحاياح الذين حرمهم من كثير من نعم هللا عل:هم في ماض ي ي يي:هم ومس ي ي ييتقبل أيامهم! ما قول في فرعون إذ قال
عن نفسي ي ي ي ييه أنييه هو رب العيياملين؟ مييا قولي في الطواغيييت الييذين تس ي ي ي ييببوا لكييل رعيياييياهم بض ي ي ي يني العيش طيليية
حيواتهم؟
لنض ي ي ي ييرب مثاال يقرب الص ي ي ي ييورة ،هب أن رجال لعمل في منجم تحت األرا للفحم ،في قروف بالغة التعقيد
واملشييقة ،وندرة األوكسييجين ،يمتلئ وجهه بسييخام الفحم صييباح مسيياء ،وتمتلئ رئتيه بالكربون وتنغلق ب يرايينه
ه ه
ب ي ي يييئا فش ي ي يييئا ،عالوة على الخطر املحدق من حوله من انهيار املنجم في أي لحظة ،واألص ي ي ييوات التي تملؤ أذنيه
ه ه
حت يذوي س ي ييمعه ب ي يييئا فش ي يييئا ،إنه يض ي ييمي بحياته وقوته وب ي ييبابه ألجل أس ي ييرته ،ويرم ي ييب بالقليل مقابل هذا
الجه ييد العظيم ،ت ي ييل أن ل ييه ول ي ايد يرفر أن يض ي ي ي ييطلع ب ييدورح في الحي يياة ،ويص ي ي ي يير على العبثي يية واالن ييدم يياج بمتع
ص ي ي ي يياخبية مكلفية ملجرد ميلء فرا حيياتيه ،ويبيذل ف:هيا جيل ميا لعطى ألبييه من رواتيب على عمليه الش ي ي ي يياق ،دون أن
ه
لعبأ بهذا ،مع أن األب دائما لعظه ويبين له أهمية أن يضييطلع بمسييؤولياته عن الحياة وأن لعيش لغاية وهدف،
ويقييدم لييه األدليية والبراهين املقنعيية وال ج الييدامغيية على هييذا ،إال إن االبن يرفر فقط ألنييه يؤمن بييالعبثييية،
واألب من فر محبتييه البنييه ال لس ي ي ي ييتطيع أن يتركييه دون مييال ،ألنييه بهييذا يهلي ،واالبن ال ينفي ِّ لس ي ي ي ييتغييل والييدح
ه
الس ي ي ي يينوات الطوال ،حت ميات ،ال يقيم وزنيا للنعم التي لس ي ي ي ييبغهيا علييه واليدح ،وال للرحمية ،وال لألدلية والبراهين،
فماذا لستحق هذا االبن في نظرك من عقوبة؟
ه
لنعطي مثلين خخرين ملن يتس ي ي ي يياءل عن مقارنة األبد بكميات محدودة من الخطايا؟ هب أن ولدا بعد أن بلغ
الثالثين من عمرح ،واس ييتغ؟ عن أمه ،أتى ألمه ببرميل من الحليب ،وسعر الكميات من الطعام ،وقال لها :هذا
علي بع ي ي ي ييبيء ،هذا يكافئ الحليب الذي رض ي ي ي ييعته من طيلة س ي ي ي ي تين! مكافئ للحليب الذي أرض ي ي ي ييعت يه ،فال تمت؟ي ِّ
الواقع أن هذا ي س ي ي ييب كل دفقة حنان غمرته بها أمه وهو بين ذراع:ها ،وكل ملس ي ي يية حب مس ي ي ييحت بها جبينه ،وكل
دقة قلب من قلفها س ييمعها وهو يرض ييع أعطته األمان بأنه في حض يين أمه ،نس ييبي الش ييهور التس ييعة التي حملته ف:ها
أن كي ِّيل لحظيية احتيياج ف:هييا طيياقيية تمييت عبر حرق وهني هيا على وهن ،واأللم في قهرهييا جراء حملييه في بطنهييا ،ونس ي ي ي ييبي ِّ
السي ييكر عن طريق األنسي ييولين من جسي ييد األم ،ونسي ييبي أنه كان يتغذى بأفضي ييل ما لديها من املعادن والفيتامينات
وس ي ي ييائر احتياجاته ،كان يتنفس عبر "الغش ي ي يياء العاقل" الذي يربطه بها ،ي تار له ذل الغش ي ي يياء من دم األم كل
مناعتها وجميع اللقاحات التي لقحت بها في صي ييغرها .وجميع األمراا التي أورثتها مناعة كي لسي ييتعد للحياة ،كان
الغش ي ي يياء العاقل لعرف احتياجاته لحظة بلحظة ،ليزودح بها من م زون األم من الغذاء والعافية ،ثم نس ي ي ييبي كل
114
ألم مرت بييه في م يياض ي ي ي يهييا ،في كييل طلقيية توجعييت بهييا لحظيية والدتييه ،نس ي ي ي ييبي س ي ي ي ييهرهييا عليييه في الليييل والنهييار ترقييب
عافيته ،كل هذا ال يمكن أن يكافأ ببرميل حليب ،بل إنه ال ثمن له مهما اجتهد!
أما املثال الثاني :فعندما تسي ي ييتأجر سي ي يييارة من مكتب اسي ي ييتئجار السي ي يييارات تدفع مقابل نو السي ي يييارة ومدة
سيارة أف م ،وأغلى ثمنا ،زادت أجرة االستئجار ،فما هو يا ترى ه
است دامها مبالغ مكافئة لذل ،وكلما انتقيت
ه ه
ثمن نعمة البص ي يير في كل لحظة من لحظات الحياة ،تس ي ييتعمل فيه خلة ربانية ال يمكن ألي نو كاميرا بش ي ييرية أن
يضي يياهؤها وال حت أن يقترب من جودتها ودقة صي يينعتها ،ماذا عن الكليتين وعملهما الدؤوب ليل نهار على غسي ييل
الس ييوائل من الجس ييم وطرد الفض ييالت ،ماذا عن أي جهاز من األجهزة املعقدة التي هي قوام جس ييم ،كم يا ترى
ثمن هذح النعم املتراكبة التي تسي ي ييتعملها ليل نهار مدى الحياة؟ كم يا ترى ثمن كل خلية من خاليا الجسي ي ييم التي
تقوم بأعمال بالغة التعقيد ،أبي ييد تعقيدا من أي مصي يينع أنشي ييأح اإلنسي ييان في العالم بآالف املرات ،وفي الجسي ييم
تريليونات كثيرة من هذح الخاليا ،وال تنف هذح الخاليا تتجدد لتحاف على ص ييحة البدن ،وعطائه ،وتفاعالته
أمد اإلنسان بهذح مع الحياة ،فما هو ثمن كل خلية من تل الخاليا ،وما هي العقوبة املقترحة على من ينكر من ِّ
الخالييا وأبقياهيا تتجيدد ميدى الحيياة ،بيأرقيام فلكيية من التريليونيات على ميدار الحيياة ،فلو عوقيب اإلنس ي ي ي ييان على
ه
كل خلية ردحا من الزمن يتناسب مع تعقيدها ،ووقيفتها ،وأهميتها في جهازح الحيوي ،لكان عقابا وفاقا!
ْ ْ ْ ْ ، ْ ، ْ ْ ،
َّلل املثل األ ْعلى وهو الع ِّزيز الح ِّكيم ،فها أنت ترى أن رب العاملين ﴿لل ِّذين ال يؤ ِّمنون ِّباو ِّخر ِّة مثل الس ي يو ِّء وِّ ِّ
ِّ
لس ي ي ي ييبغ نعمييه حت على من لعبييد الفييأر والبقرة من دونييه ،ومع ذلي فهو لعط:هم األدليية الواض ي ي ي يحيية الجلييية على
وجودح ،ولكنه يأمرهم باسي ي ي ييتعمال نعمة العقل التي وهفها لهم للتوصي ي ي ييل إلى معرفته وعبادته .كمثل األب لعطي
ابنه أفضييل ما عندح ،ويبذر االبن يصييرفها على الخنا واملوبقات ،وما يضيير صييحته ،فهل ترى من بأس في عقوبة
من هذا االب البنه؟
وبعد نقول :ا خرة أمرها موكول لرب العاملين ،يعذب من يشححاء ويرحم من يشححاء ،ويدخل الجنة أقواما
ما عندهم إال ذرة من إيمان ،فد أمرا خرة ل تبار وتعالى واعمل لتندو من عذابه ود تص ح ححريف الخلق
له يحكم بينهم بعدله وحكمته ،واعلم أنه العدل ،حرم الظلم على نفسه وجعله بين الناس محرما!
فذن اطمأنت نفسح ح ححك إلى هذه الحقيقة القطعية ،علمت أنه العدل وزالت كل وسح ح ححاوس الشح ح ححيطان من
نفس ح ححك ،ولكني س ح ححأدعك س ح ححاعة تتفكرفي جم هذا املخلوق الص ح ححغيرالذي يبارز هللا تعالى الكفر ،أو الذي
يتساءل عن عدله في عقوبة من كفره فنسأله السؤال التالي:
ترى كم حجم في هذا الكون؟ أال ترى أيها القارل الكريم ،أن اإلنس ي ي ي ييان مركزي في خطة الوجود؟ هل أنت
على علم بدورك املحوري في نس ي ي يييج الخلق الكبير؟ اعلم أن االمتداد الش ي ي يياس ي ي ييع للكون ،بكل أجرامه الس ي ي ييماوية
ونجومه ومجراته ،كانت البشرية في املحور األساس لخطة الوجود ،ونظام الوجود ،يجب أن يؤدي هذا اإلدراك
إلى لحظيية من االس ي ي ي ييتبطييان والتييأمييل ،تييأمييل في التص ي ي ي ييميم الييدقيق والتفيياص ي ي ي ييييل املعقييدة للكون ،وكلهييا موجودة
115
إلربي ي ي ي ييادك ،وتعزيز العقييل بييداخلي ،وفي النهيياييية ،لتقودك نحو االعتراف ب ييالقي .هييذا الترتيييب الكوني بييأكملييه
بمثييابيية ب ي ي ي يهييادة ،أو منييارة تش ي ي ي ييير إلى األلوهييية .اون ،توق وفكر .عنييدمييا يتم وض ي ي ي ييع مثييل هييذا اإلعييداد املتقن
والعميق لهذا الكون الش ي يياس ي ييع أمام ،والذي اس ي ييتغرق نحو أرسعة عش ي يير مليار س ي يينة ،ليص ي ييل إلى هذا التوس ي ييع
املييذهييل ،ويبرز هييذا االنتظييام البييدلع الييدال على وحييدة الخييالق وعظمتييه وعلمييه وحكمتييه ،لغرا أس ي ي ي ي يياس هو
التنوير واالس ي ي ي يتييدالل ،ومع ذلي يقييابييل بييالتجيياهييل ،ميياذا بعييد؟ إذا اخترت التغييام ي ي ي ييبي عن هييذح األدليية الييدامغيية،
وغر الطرف عن العالمات امل سوجة بشكل معقد في نسيج الوجود ،أليس حقيقا أن تكون العقوبة بديدة؟
تأمل حجم هذا الدليل السيماوي ،النطاق الكبير لهذا الويي اإللهي املكتوب على أديم السيماء .وي ب ي أن تكون
العقوبة ،إذا اقت يب األمر ،متناسيبة بالفعل مع الجريمة ،بما يتما يب مع االتسيا الهائل لألدلة املقدمة .تق
العظمية الكونيية كش ي ي ي يهيادة ،وتجياهيل مثيل هيذح العالمية الض ي ي ي ييخمية هو تجياوز يتطليب املس ي ي ي يياءلية .أدرك أهميتي
املركزية في الخطة اإللهية .احتض ي ي يين املس ي ي ييؤولية التي تأتي معها ،ود املش ي ي ييهد الكوني ينير طريق نحو الحكمة
واالتصي ييال ب الق .ألن باعتراف بذل ،فإن تتما ي ييب مع العدالة ،وتضي ييمن أن ال تق إلى جانب الجحود
واإلنكار ،عندما يدعوك الكون نفسييه إلى اإليمان والتأمل .وحت أقرب ل املثال ،هب أن وكالة الفضيياء أرسييلت
مسي ي ي ييبارا إلى أبعد نقطة في املجموعة الشي ي ي ييمسي ي ي ييية ،وقد انطلق الفوياجر 1منذ سي ي ي يينة ،1977وقد تجاوز حافة
املجموعة الش ي ي ي ييمس ي ي ي ييية ودخل في الفض ي ي ي يياء ما بين النجوم ،وبلغت تكلفته مع الفوياجر 2ما يزيد عن 3.5مليار
دوالر بتكلفية هيذح األييام ،اون هيب أن املركبية عثرت على دلييل دامغ علمي يحتياجيه العلمياء بش ي ي ي ييدة ،وأخيذ عينية
بالغة الهشي ي ي ييابي ي ي يية بالغة الصي ي ي ييغر من جرم سي ي ي ييماوي بالغ البعد ،وقفل راجعا إلى األرا ،وأراد العلماء االحتفاء
بإنجازهم العظيم ،فعرض ييوا العينة بالغة الهش يياب يية على الجمهور ،واحترزوا من الحوادث التي قد تتعرا لها،
فوض ي ي ييعوها خل ألواح زجاجية ،لكن أحد الناس لم ت جبه العملية كلها ،فدخل إلى املعرا ،وقرر أن لغافل
الحرس ويطلق النيار على تلي العينية التي ال تقيدر بثمن ويهش ي ي ي ييمهيا ويمحو كيل ميا حوتيه من دالئيل بيالغية األهميية
للبش ي ي ي ييرييية قيياطبيية ،فهييل يييا ترى لو حكمييت عليييه املحكميية ب يأقس ي ي ي ييب العقوبييات التي يمكن أن تت يلهييا هييل تكييافئ
جريمته؟ إن واقع ذنب وجريمة من أحجم عن دليل بحجم الكون كله السييتعماله لالسييتدالل على خالقه ،وقرر
أن يبارز الخالق العداء ألبد فظاعة من ذنب ذل الرجل ،ويستحق عقوبة أبد!
116
عدل هللا تعالى ،تأمالت في مناظرة رائعة
قابلت بي ييابا ولد ونشي ييأ في كندا ،مقبال على اإلسي ييالم ،وسي ييأل؟ي فقال :نحن لم ن ْس ي يتش ي ي ْر في أن نقدم على هذح
الدنيا ،ون ض ييع المتحان رهيب ف:ها ،نتيجته إما جنة ومما نار! ولو كان لي الخيار لربما رفض ييت دخول االمتحان
أصال ،ألني ال أعلم ما يكون م؟ي أو علي!
ذكرني سؤاله بقصة ،ت ْدرس في إطار مسألة أخرى ،لكنها تصلا تماما ليجابة على سؤاله!
في تفسي ي ي ييير القرخن العظيم تص ي ي ي ي ي الشي ي ي يييخ ف ر الدين الرازي في سي ي ي ييورة األنعام" :أن اإلمام أبا الحسي ي ي يين
األبي ي ييعري ملا فارق مجلس األسي ي ييتاذ أسي علي الجبا ي وترك مذهبه وكثر اعتراضي ي ييه على أقاويله عظمت الوحشي ي يية
عالم من الناس ،فذهب األب ي ييعر ُّي إلى ذل بينهما ،فاتفق يوما أن الجبا ي عقد مجلس التذكير ،وحض ي يير عندح ا
املجلس ،وجلس في بعر النوايي م تفيا عن الجبا ي ،وقال لبعر من حض ييرح من ال س يياء :أنا أعلم ِّ مس ييألة
،
فاذكريها لهذا الشيخ ،ثم علمها سؤاال بعد سؤال،
فقالت :أيها الشيخ ،ما قول في ثالثة مؤمن وكافر وصبي؟
فقال الجبا ي :املؤمن من أهل الدرجات ،والكافر من أهل الهلكات ،والصبي من أهل النجاة.
فقالت املرأة :فإن أراد الصبي أن ير ى الى أهل الدرجات هل يمكن؟
قال الجبا ي :ال ،يقال له :إن املؤمن إنما نال هذح الدرجة بالطاعة ،وليس ل مثله.
فقالت :فإن قال :التقصير ليس م؟ي ،فلو أحييت؟ي كنت عملت من الطاعات كعمل املؤمن.
ُّ
قال الجبا ي :يقول له هللا :كنت أعلم أن لو بقيت لعصيييت وعوقبت ،فراعيت مصييلحت ،وأمت قبل أن
ت تهي إلى سن التكلي .
قالت :فلو قال الكافر :يا رب ،علمت حاله كما ع ِّل ْمت حالي ،فهال راعيت مصلحتي مثله.
فانقطع الجبا ي"!
تذكر هذح الحادثة في مجال الرد على املعتزلة في قولهم إن هللا تعالى يتوجب عليه أن ي تار األصيلا لعبادح،
وليسي ي ي ييت هذح مسي ي ي ييألتنا هنا ،فلن ن وا ف:ها ،ولك؟ي أذكرها هنا ألبين لكم مسي ي ي ييألة أخرى تظهر جلية من هذح
املسييألة ،وهي ما أجبت به السييائل خنفا! وهي أن هللا تعالى وهو الحكم العدل القائم بالقسييط الرحيم بعبادح ،إذ
يقارن عدله في ص ي ي ييبي مات ولم لس ي ي ييتحق عذابا ،وكان في هذا عدال مقارنة بتعذيب مجرم بالنار ،فهما متكافئان
في االب ي ي ييتراك بأس ي ي ييباب النجاة ويس ي ي ييرها عل:هما وتمكنهما من األخذ بها س ي ي ييواء ،إننا حين ننظر في أس ي ي ييباب النجاة
والعقاب ،ونركز النظر عل:ها ،تحل لدينا اإلبكالية بسهولة.
وأقول فوق ذل فإنا ال نعلم من حال الص ي ي ييغير في اوخرة ما يناله ،وأما املحس ي ي يين واملس ي ي ييبيء فقد ختاهما هللا
خالت التفكير واألدلة التي تملؤ جنبات الكون ،وأنزل البينات وأرس ييل الرس ييل بالنذارة والبش ييارة ،فاس ييتحقا جزاء
117
أعميالهميا ،فلم تكن عقوبية املس ي ي ي ييبيء بغير س ي ي ي ييابقية نيذارة ومقيامية لل جية علييه ،فياس ي ي ي ييتحق ميا قيارفيت ييداح ،وأميا
الص ي ي ي ييغير فلم ييدخيل هيذا االختبيار برمتيه ،فلم يكن دخوليه الجنية ونجياتيه من العيذاب قلميا للكبير؛ فياهلل تعيالى
الولدان املخلدين ويدخلهم الجنة ال جزاء على أعمالهم ،ولكن فضي ي ييال منه وكرما لم لسي ي ييتحقهما املسي ي ييبيء ي لق ِّ
فتأمل!
من هذح القص ي ي ي يية يظهر أن قياس عدل هللا تعالى على عدل البش ي ي ي يير يوقع الناس في مش ي ي ي يياكل فكرية أص ي ي ي ييل
التفكير ف:ها هو الخطأ ،فاإلنسان يقيس العدل والخير والشر بمقاييس أرضية محدودة ،لذل ال يجوز قياس
عدل هللا على مفهوم العدل عند البشر﴿ .أال لعلم من خلق؟ وهو اللطي الخبير !
ا
فييإن هللا تعييالى ال لعييذب حت يبعييث رس ي ي ي ييوال نييذيرا ببال مبين بمييا تحويييه هييذح الجمليية من معييان تيياميية ،بال
ا ا ا ا ا ا ا
مبين ،واض ي ايا ال لبس فيه ،ح ،جة بالغة ،ونذارة تامة ف:ها مكاب ييفة تامة عن املص ييائر ،ويس ييبقها أن يمد هللا تعالى
اإلنسي ي ي ي ييان بيأعظم خلية في الكون ،أال وهي العقيل ،بميا فييه من قيدرات خيارقية على الربط والتفكير والتحلييل ،وميا
يحتاجه من أدوات اس ي ي ييتكش ي ي يياف كاألس ي ي ييما واألبص ي ي ييار واإلحس ي ي يياس ،فالعقل ال جة األولى على الخلق ،ثم تأتي
ال جة الثانية على الخلق بأن يمتل النبي م جزة خارقة لقوانين الكون ،تفرا نفس ي ي ييها على الس ي ي ييامع والقارل
فرضا فال يجد بدا من أن يراها عالمة واضحة على صدق النبي في رسالته!
وسعيد هيذح امل جزة الخيارقية تيأتي ال جية الثيالثية اليدامغية متمثلية بيأدلية تمأل جنبيات اإلنسي ي ي ي ييان ،وتمأل أرجياء
الكون ،ال مجال ف:ها لنقر وال حيرة وال ب ي ،كون منظم ال فوم ييب فيه ،مض ييبو كأدق س يياعة ،فالعالم يجد
من األدليية مييا ينيياس ي ي ي ي ييب أبحيياثييه وعقلييه وتفكيرح ونظرح ،واألديييب يجييد كييذل ي إذ ينظر في بالغيية القرخن ونظميية،
والطبيب يجد كذل ،إذ يرى أنس ي ي ييجة اإلنس ي ي ييان وأجهزته ،ولقد خض ي ي ييع أكبر ملحد في القرن العش ي ي ييرين "أنتوني
فلو" مل جزة الدي أن إيه ،ولم يمل منها فرارا بالتس ي ي ييليم باس ي ي ييتحالة أن تكون إال من ص ي ي يينع خالق قدير حكيم!
ِّ
والفالح إذ ينظر في البذرة واألرا والثمرة واملطر ودورته ،وكل إنس ييان يرى في جنبيه من اويات ما ال مجال لردح
بأنه م لوق لخالق عظيم كريم.
ثم تأتي ال جة الرابعة ،فقد أتبع هللا تعالى العقل وامل جزة واألدلة بالدين نفسييه ،بكتاب حكيم فيه فصييل
الخطاب ،وفيه عقيدة تطمئن لها العقول وتسي ييتبشي يير بها القلوب ،قوال فصي ييال حكيما موافقا للفطرة ،ثم انبثق
عنه نظام حياة يضمن السعادة والرفاهية والطمأنينة والعدالة والقيام بالقسط للناس،
فهذح األس ييباب األرسعة :العقل وامل جزة ،واويات ،والدين نفس ييه بش ييقيه العقدي والتش ييري ي حجة واض ييحة
ال لبس ف:ها على الناس جميعا! وهي من البسي ي يياطة والوضي ي ييوح ،والقوة في الداللة بمثابة أنها لو عرضي ي ييت على أي
ع يياق ييل خ ييال من املعوق ييات الن يياب ي ي ي يئ يية عن زخرف األهواء وض ي ي ي ييالل يية الرغب يية في اإلعراا عن الحق ،أو اإلعراا
بالكلية عن محاولة التفكير واإلخالد لألرا أو الركر وراء املال بطرق غير مش ي ييروعة ،وغير ذل من األس ي ييباب
118
التي تتس ي ييبب في إعراا الكافر عن النظر في هذح اويات البينات الواض ي ييحات التي هي حجة دامغة واض ي ييحة ،ملا
وسعه إال أن يتبعها!
وهي من السهولة كما لو أنها عرضت على صبي لم يبلغ سن التكلي ،فقبلها فنجا من العقاب!
وهي بالسي ييهولة والبالغة نفسي ييها بال سي ييبة لذل الشي ييقي الذي اختار اإلعراا عنها مع ما ف:ها من بيان مبين
وحجة قائمة ال يمكن لعاقل أن يدفعها لشدة سهولها ووضوحها!
وأما الكافر فتل ال جة أمامه بنفس الوض ي ي ي ييوح ولديه نفس القابلية للنظر من عقل تام ،وليس بينه وبين
تلي ال ج أي معوقيات جبريية تحمليه على الكفر ،إنميا قيام بيذلي بمحر اختييارح ،فياس ي ي ي ييتحق العيذاب التيام،
لذل فالعدل تام متحقق فقد كان الذي أعرا عنه بمنزلة مش ييابهة تماما للص ييبي ،ليس ف:ها تعقيد يبعدح ،وال
باطل يصييرفه ،ومنما هي بييقوته التي هو السييبب ف:ها ،قال تعالى﴿ :ال إكراح في الدين قد تبين الربييد من ال ي ،
نعم ،تبين الرب ي ييد من ال ي لدرجة أن ال حاجة ليكراح على قبول الدين لش ي ييدة وض ي ييوحه وتبينه وانفص ي يياله عن
ال ي ومبالغته في ص ي ييفة الرب ي ييد ،أي أن أي حمل على االتبا ال حاجة له ،ألنه حق بالغ الوض ي ييوح ،ومنما الغرابة
في اإلعراا عنه ،لذل ،فمن دخل هذا االمتحان ،فقد وجد أنه قد زودح هللا تعالى بكل أسي ييباب النجاح سي ييهلة
ميسرة ،العقل وامل جزة واألدلة ومنهاج الحياة ،فهو امتحان في كتاب مفتوح ال مغاليق فيه!
وم ش ي ي ييأ هذا الس ي ي ييؤال – االعتراا -متعلق بكماالت هللا وص ي ي ييفاته ،وسش ي ي ييكل أدق هو متعلق بص ي ي ييفة العدل
اإللهي ،واألس ي ي ييئلة التي من هذا القبيل عادة ما تكون مش ي ي ييكلة ان لم تكن طريقة التفكير ف:ها مب ية على أس ي ي ييس
صحيحة ،وهذا الذي أوقع املعتزلة في إلزام هللا بأمور بناء على مقاييس بشرية للعدل.
ولو عدنا اللتماس الجواب من املصادر الشرعية ملا وجدنا جوابا مبابرا ،فاهلل تعالى لم ي برنا عن تجليات
ص ييفات الخالق بكمالها فيما يتعلق بهذا الس ييؤال ونظائرح ،وهذح األس ييئلة ،مثل ملاذا خلقنا هللا تعالى ،تتفر عن
السي ي ي ييؤال الكبير الذي لسي ي ي ييبقها وهو من هو هللا تعالى الذي خمنا به وخلقنا على غير إرادة منا؟ هل يتصي ي ي ي هللا
تعالى بص ييفات الكمال املطلق وبالتالي ال لعتري أفعاله ما لعتري أفعال البش يير من عرض يية الص ييواب والخطأ؟ أم
يتص ي ي ي ي ب ييالنقص فيحتم ييل فعل ييه الخط ييأ؟ إن التنظيم العظيم ال ييذي نراح حيثم ييا وج ييدن ييا في الكون من حولن ييا،
وتقدير كل يبيء بدقة متناهية وبإحكام صينعة قاهر يدل داللة قاطعة على صيفات الكمال ،واسيتحالة الخطأ
والنقص ،مما يوجب أن يقع الجواب إلى جانب ال حة والحكمة في خلق اإلنسان وامتحانه.
وليجابة على هذا االعتراا يجب مراعاة األمور التالية:
األمر األول :أن ه ييذا االعتراا مب؟ي على مغ ييالط يية عقلي يية ق يياهرة ،وهي أن االنس ي ي ي ي ييان قب ييل وجودح يمكن أن
لسي ييأل ويسي ييتشي ييار ،ويمكنه أن لشي ييعر ويريد ويحدد اختياراته ،وهذا أمر مسي ييتحيل ،ألن هذح األمور ال يمكن أن
تتحقق اال ممن يملي أدواتهيا وب ي ي ي ييروطهيا ،وأهم ذلي الحيياة ووجود الب يية والعقيل والتمييز ،واملعيدوم ال يملي
ه
من مقومات الحياة بيئا ،فكي يمكنه أن لسأل ويستشار ويت ذ القرارات املصيرية في حياته؟!
119
األمر الثيياني :أن هييذا االعتراا منطلق من التعييامييل مع االنس ي ي ي ي ييان على أنييه نييد هلل تعييالى ومنيياقر لييه ،ولهييذا
اس ييتس ييا أن لس ييأل هللا ،ويعترا على فعله وخلقه ،والحقيقة أن االنس ييان هو مجرد م لوق ص ييغير ال يحق له
التعياميل مع هللا بنيديية ومنياقرة ،وانميا يجيب علييه أن ي ض ي ي ي ييع هلل ويس ي ي ي ييلم ألمرح تعيالى ،ويفكر فيميا يجيب علييه
ه
القيام به ،ويبتعد عن األمور التي لن تغير من حقيقة كونه م لوقا ،ومع ذل فالتكلي في ض ي ي ييمن املس ي ي ييتطا ،
واالعتقاد قامت عليه أدلة سهلة قاطعة ،األمر الذي يجعل االمتحان "في كتاب مفتوح".
ه
األمر الثالث :أن هذا االعتراا عادة ما يصي ي ييدر من انسي ي ييان متألم في حياته ،وال تكاد تجد انسي ي ييانا لعيش في
رغد من العيش وس ي ييعة من الرزق واس ي ييتقرار في الحال يتأف من وجودح ،ويعترا على خلق هللا له ،وهذا يدل
على أن منبع ه ييذا الس ي ي ي ييؤال الع يياطف يية ،فهو اعتراا ع يياطفي ب ييامتي يياز ،وال ي ي ي ي ييا في مق يياييس العق ييل أن تكون
ه
العياطفية معييارا تقياس بيه أحيداث الوجود ومظياهرح وحكميه ،فيالعياطفية عيادة ميا تكون غير منض ي ي ي ييبطية وخيارجية
عن املوضوعية واالعتدال.
األمر الرابع :أن املعترا بهذا االعتراا يميل الى اعتبار العدم أفض ي ي ييل من الوجود ،وهذح املفاض ي ي ييلة مب ية
على أس ييس غير ص ييحيحة ،فالعدم بال س ييبة لنا مجهول تمام الجهل ،وال ي ييا تفض يييل ييبيء على ييبيء اال بعد
العلم ،فانحصيير حال االنسييان بين أمرين :األول :حياة لعلم ما ف:ها ،ويشييعر بحجم ما يصيييبه من اوالم ويمكنه
ه أن لس ي ي ي ى في الت لص منها ،والثاني :ا
عدم ال يدري ما فيه ،وال لعلم ب ي ي يييئا عن حقيقته وماهيته ،وال يدري أفيه
خير أم بر ،أم ال خير وال بر؟
والعقيل الس ي ي ي ييليم والفطرة املس ي ي ي ييتقيمية توجبيان تقيديم الحيال األولى على الحيال الثيانيية ،ألن الحيال التي ف:هيا
ه
خير وب يير أفض ييل من الحال التي ال خير ف:ها وال ب يير ،ومن الحال التي ال لعلم االنس ييان عنها ب يييئا ،والحال التي
تفعل النواميس والس ي يينن التي س ي ييبق ذكرها لي رج بها اإلنس ي ييان من ض ي يين العيش إلى رغدح، ف:ها ب ي يير يمكن أن ِّ
فعلى اإلنس ي ي ييان مس ي ي ييئوليات ،ولديه قدرات ئفردية وجماعية تمكنه من التغيير ،ورغد العيش ال لع؟ي أن الغ؟
أفضي ي ييل له من الفقر ،بل قد يكون اإلنسي ي ييان الرمي ي ييبي بما قسي ي ييم له ولديه قوت يومه وطمأنينة قلبه أسي ي ييعد من
غيرح ،وبالتالي ال بد من إعادة النظر في املفاهيم واملقاييس والقناعات التي تؤس ي ي ييس لنظرة اإلنس ي ي ييان إلى واقعه،
في قل قدراته ومسئولياته عن التغيير.
األمر الخ ييامس :أن ه ييذا االعتراا مب؟ي على نظرة ن يياقص ي ي ي ي يية للحي يياة والوجود ،ف يياملعترا حين وج ييد حي ييات ييه
الخياص ي ي ي يية مليئية بياألتعياب واملش ي ي ي يياق والتكيالي طفق يتيذمر منهيا ،ويعترا على أص ي ي ي ييل وجودح في الحيياة ،وكيأنيه
بذل لشييتر لقبول الحياة في األرا أن تكون حسيينة وجميلة في كل وقت ،وفي كل مكان ،وأن تكون جارية على
ه
ما يحب أبدا ،فان لم يجدها كذل حكم عل:ها بالبطالن والفس ي ي يياد ،وأخذ لعترا عل:ها! فحكمه هي أهواؤح وما
وافقها!
120
والحقيقية أن طبيعية الحيياة كلهيا ليسي ي ي ي ييت قيائمية على أذواق النياس وال على رغبياتهم ،وكيل انسي ي ي ي ييان يجيد من
املشي ي ي يياق واألتعاب ما يتناسي ي ي ييب مع حاله ،بل كل الحيوانات ال تجري الحياة بال سي ي ي ييبة لها على وفق ما تشي ي ي ييتهي،
وليس ما لشيته ويوافق األهواء بحسين دائما ،واإلنسيان ال لعلم الخير من الشير في حاضير أمرح وعاقبته ،فرب
إنس ييان طرد من عمله ،فدفعه طموحه للقيام بعمل أفض ييل منه جر عليه نفعا عاجال أو خجال ما كان ليبلغه لو
بقي في عمله األول ،فس ي ي ي ييؤاله إذن مس ي ي ي ييتظل تماما بظالل جهله بالخير والش ي ي ي يير ،والحس ي ي ي يين والقبح ،وجري وراء
األهواء ،ال يجعل من تأففه وأهوائه مرجعا للصي ي ييواب والخطأ ،وال يدري عواقب األمر الذي لم ل جبه لعل فيه
الخير له في الدنيا واوخرة!
فظهر بيذلي أن املعترا في الحقيقية ال لعترا على حياليه فقط ،وانميا لعترا على قيانون الحيياة كليه ،وهو
ال يتأف من طبيعة وجودح فقط ،وانما يتأف من طبيعة الوجود كله ،واملطلوب من االنس ييان أن يتفاعل مع
ه ه
قوانين الحياة وطبيعة الوجود ،ألنه جزء منها ،وال ي ا أن يطالب بتغييرها وتبديلها ،لكون ذل أمرا مستحيال
ه
متعذرا.
121
ُ َ ُ َ َ
هل يقع السؤال "نحن لم ن ْستش ْر ،ولو خ ِّي ْرنا ربما رفضنا الحياة أصال" تحت بند العدل أم الحكمة؟
وسي ي ي ييأل؟ي سي ي ي ييائل ،قد أفهم قضي ي ي ييية تعذيب املترفين الذين كذبوا في هذح الحياة الدنيا ،وعابي ي ي ييوها "بالطول
والعرا" ونالوا كل حظوقهم ف:ها ،أو املتجبرين الذين طغوا في البالد وأكثروا ف:ها الفسي ي ي يياد ،وعم طغيانهم البر
حت ضاق عنهم ،فمألت جرائمهم الجو براميل متفجرات ،والبحر "سفينا" حامالت الهاربين منهم ومن جورهم!
قال عمرو بن كلثوم في معلقته:
ْ
ميألنا الب ،ير ح ،ت ضاق ع ،نيا وقهر الب ْح ِّير ن ْمليؤح س ِّف ْينيا
لم يكن لعلم أن البش ي ي ي يير الظياملين س ي ي ي يييملؤون الجو أيض ي ي ي ييا بظلمهم بعيد أن يض ي ي ي يييق البر والبحر بهم! يتيابع
السيائل :ولكن ،ماذا عن ذل الفالح البسييط الذي عال في "كوريا الشيمالية" ،ولم لسيمع عن اإلسيالم بييئا ،أو
ذلي اليذي عيال في الهنيد ،واتبع دين خبيائيه وعيال "مس ي ي ي ييخميا" ،ثم يق ي ي ي ييبي على الكفر فيعيذبيه هللا ،كي أفهم
ناموس العدالة؟
ه
ذكرني هذا السؤال بمناقرة ،دخل رجل على أسي علي الجبا ي ،فقال :هل يجوز أن لسم هللا تعالى عاقال؟
فقال الجبا ي :ال؛ ألن العقل مشتق من العقال ،وهو املانع ،واملنع في حق هللا تعالى محال ،فامتنع اإلطالق.
ه
قال الش يييخ أبو الحس يين األب ييعري رم ييبي هللا عنه فقلت له :فعلى قياس ي ال لس ييم هللا س ييبحانه حكيما؛ ألن
هذا االس ي ييم مش ي ييتق من حكمة اللجام ،وهي الحديدة املانعة للدابة عن الخروج ،ويش ي ييهد لذل قول حس ي ييان بن
ثابت:
فنحكم بالقوافي من هجانا ونضرب حين ت تلط الدماء
وقول جرير:
أب؟ي حنيفة أحكموا سفهاءكم إني اخاف عليكم أن أغضبا
أي نمنع بيالقوافي من هجيانيا ،وامنعوا س ي ي ي ييفهياءكم فيإذا كيان اللف مش ي ي ي ييتقيا من املنع ،واملنع على هللا محيال
لزم أن تمنع إطالق حكيم عليه سبحانه وتعالى.
ه
قال :فلم يحر أبو علي جوابا ،إال أنه قال لي ئألسي الحسين األبيعري :فلم منعت أنت أن لسيم هللا سيبحانه
ه ه
وتعالى عاقال واخترت أن لسم حكيما؟
ه
قال :فقلت له :ألن طريقي في مأخذ أسي ي ي ييماء هللا اإلذن الشي ي ي ييريي دون القياس اللغوي ،فأطلقت حكيما؛ ألن
ه
الشر أطلقه ،ومنعت عاقال؛ ألن الشر منعه؛ ولو أطلقه الشر ألطلقته!
لقد تسيمت فرقة املعتزلة بأهل العدل والتوحيد ،ألنهم ات ذوا قاعدة نسيبة العدل املطلق هلل تعالى أسياسيا
لفهمهم للعقيدة ،ولكن وفقا لفهمهم هم ملفهوم العدل الذي يتم بين البشير ومن ثم إسيقا هذا املع؟ والفهم
على هللا تعالى ،فإذا ما تعكر ذل اإلسقا ،حارت ألبابهم وأسقط في أيديهم!
123
إذن ،فمقاييسينا نحن البشير ملفهوم العدل واألصيلا واألنفع والخير والشير مفاهيم قاصيرة ،ناقصية ،ال ترى
الصورة الكبيرة كما هي ،وتقيس ما يحصل في عالم البشر على خالق البشر وهو قياس ال ي ا!
لكننا سنحل اإلبكال بإذن هللا حال يطرح رؤية جديدة كل الجدة ،ناتجة عن تفحص وفهم ودراسة عميقة
للموضو نسأل هللا أن تبلغ االستنارة:
لقد زود هللا تعالى البشر كلهم بآلة العقل ،فأما من ال عقل له فقد رفع عنه القلم!
وجعيل في اإلنسي ي ي ي ييان نجيدين لس ي ي ي ييتهيدي بيأحيدهميا فيقودح للهيدايية ،ويس ي ي ي يتيدرجيه اوخر في مغياوي الض ي ي ي يياللية
فيض ي ي ي ييلله ،والنجدان هنا هما اختيار اإلنس ي ي ي ييان لكيفية إب ي ي ي ييبا رغباته وحاجاته العض ي ي ي ييوية ،فله مطلق حرية
االختيييار أن لش ي ي ي ييبعهييا بييأوامر هللا ونواهيييه أم بمييا ي ييال مييا أمر هللا ،وجعييل لييه مطلق حرييية االختيييار املب؟ي على
استعمال العقل أو الهوى والعم ،وزودح باملن القويم ليربدح للحق ،ويبين له ما يحذر منه!
وملا لم يكن اإلنس ييان من طبعه أن لعيش في غابة منفردا مع الوحول ،فكان ال بد من س يينن مجتمعية تلزم
اإلنسي ييان كي يدركها ويسي ييتعملها ليمنع قلم أخيه اإلنسي ييان الذئب عنه ،فإن اإلنسي ييان إن اسي ييتطا في أحيان أن
ي تار س ييبيل الرب يياد ويقودح ذل االختيار لس ييعادة الدنيا واوخرة ،فإن خخرين س ييتجبرهم كياناتهم املجتمعية،
وتسيلط القوي ف:ها على الضيعي ،والرأسيمالي على الفقير ،والدكتاتور على الشيعب كله على اختيار العم على
الهدى ،أو للعيش عيشية كريهة لوالها ملا كان الرأسيمالي يتحكم بتسيعة أعشيار ثروة املجتمع ويترك للفقير فتات
العيش!
لذل كان ال بد من س ي يينن مجتمعية لس ي ييتطيع معها "الفرد" و "الجماعة" أن تغير مفاهيم املجتمع وتركيبته
وتوزيع ثروته وأن تحتكم لش ي ي ي ييرعة ترض ي ي ي يياها ،وهذح الس ي ي ي يينن املجتمعية في متناول اليد ،على الفرد والجماعة أن
تتعلمها وتستعملها فيحصل التغيير املرجو ويسقط قلم اإلنسان عن أخيه اإلنسان!
فاإلنسيان املسيحوق سييبقى مسيحوقا إذا اسيتسيلم لفرديته ،ولم يدرك السينن املجتمعية التي تمكنه من أن
يتقوى بأخيه في املعاناة في نفس املجتمع ،فيتحصي ي ي ييل باجتماعهما لهما ما لم يحصي ي ي ييل ألحدهما بفرديته ،لذل
كان التحزب من صيميم سينن املجتمع التي خلق هللا تعالى املجتمعات وتدافع البشير على أسياسيها بحيث تتشيكل
األحزاب على فكر معين مثييل فكرة رفع الظلم أو على فكرة أن تس ي ي ي ييود الش ي ي ي ييريعيية في الحييياة محييل التش ي ي ي ييريعييات
الظاملة التي تف ي ي ييبي لالس ي ي ييتبداد ،فإذا ما أخذ البش ي ي يير بتل الس ي ي يينن املجتمعية فإن أحوالهم س ي ي ييتتغير ،فيممى
الفقر ،ويرفع الظلم ،ويحكم النياس بيالعيدل ،ييأتون بيه رغم أن القلية التي تس ي ي ي يتيأثر بيالحكم وبفرا األنظمية
التي تف ي ي ييبي للقهر والطغيان والجهل واألمراا ،لذل فاملس ي ي ييئولية تقع على كاهل الناس أن يفهموا س ي ي يينن هللا
تعالى في الخلق ،تل الس ي يينن التي تتعلق بالفرد وكي لس ي ييتعمل عقله وحواس ي ييه لفهم الوجود ويس ي ييتنير بالهدى
املرسل له من رب العاملين ليعيش حياة سعيدة راضية مرضية ،أو تل السنن املتعلقة بتغيير املجتمعات وأطر
الظالم على الحق أطرا ومنع الظلم واألمر باملعروف والنهي عن املنكر حت تس ييود القيم الفاض ييلة في املجتمعات
124
وتوز الثروات توزيعا عادال ،وال يتسي ي ييلط القوي على الضي ي ييعي ،لذل ،فالوضي ي ييع الغلط الذي تحياح البشي ي ييرية
والذي يف ي ييبي ألن نرى ذل الفقير املتعوس في الهند وكوريا الش ي ييمالية أو في أمريكا وأفريقيا وغيرها لعيش حياة
كد وب ي ي ي ييقاء ليعيش الرأس ي ي ي ييمالي حياة رفاح ،ويعيش بال هداية ألن أنظمته تمنع عنه النور وتعمي حقيقة الهدى
عنه بغالف من التضييليل اإلعالمي ،هذا الوضييع الغلط الذي سيييف ييبي لنتسيياءل فيه عن كيفية تحقيق العدل،
هو من صيينع البشيير ،من صيينع الرأسييمالي ومن صيينع الدكتاتور ،واألخطر :هو من صيينعنا نحن حين نسييكت عن
الظلم ونسييكت عن األنظمة الفاسييدة والحكام الفاسييدين وعن العرف الفاسييدة في املجتمع حت تسييحقنا تحت
أرجلها سحقا ،ثم نسأل أين عدل هللا!
إنه سؤال بالغ الظلم!
وأما كي سيتحقق عدل هللا ،فليطمئن السائل ،فإن هللا تعالى بعبادح خبير!
فلسيينا نشي في أن عدل هللا تعالى سيييتحقق في الدنيا واوخرة حت يقول كل كائن يي﴿ :وق ييبي بينهم بالحق
وقي ييل الحم ييد هلل رب الع يياملين [الزمر ،]75 :39من ب ي ي ي ي ييدة م ييا يرون من ع ييدل هللا ورحمت ييه وقي ييام ال ج يية على
الظالم ومنص ي يياف املظلوم ،كل هذا س ي يييكون وهو من تمام النظرة الكاملة للص ي ييورة الكاملة لنرى تكامل الحق في
اليدنييا واوخرة ،وحيال العبياد في اوخرة هلل تعيالى يحياس ي ي ي ييفهم وي تص ي ي ي ي لض ي ي ي ييعيفهم من قويهم ،ولكن في الوقيت
نفس ي ي ييه ،فإنه قد أخبرنا عن أولئ الذين س ي ي ييكتوا على الطواغيت واألب ي ي يرار فأوردوهم النار ،فطلبوا من هللا أن
يضاع لهم العذاب ،فقال لكل ضع ! ألن هؤالء لم يتجبروا إال بسكوت هؤالء!
كتبه العبد الفقير إلى رحمة ربه :ثائرأحمد سالمة ،أبو مالك،
125
126