Professional Documents
Culture Documents
محنة سعيد بن جبير
محنة سعيد بن جبير
ه ذه حمن ة س عيد بن جب ري م ع احلج اج بن يوس ف طاغي ة الع راق ،وس عيد بن جب ري من أك ابر أص حاب ابن عب اس
رضي اهلل عنهما ،ومن أئمة اإلسالم يف التفسري والفقه وأنواع العلوم ،وكثرة العمل الصاحل .وقد رأى خلق ًا من الصحابة،
ابعني. ق من الت ه خل ة منهم ،وروى عن وروى عن مجاع
وقد قال خصيف يومًا( :كان أعلم التابعني بالطالق سعيد بن املسيب ،وباحلج عطاء ،وباحلالل واحلرام طاووس،
وبالتفس ري أب و احلج اج جماه د بن جب ري ،وأمجعهم ل ذلك كل ه س عيد بن جب ري).
ا املمتحن. يف ...يف إمامن يخ حص و الش يف ه امل حص هادة ع كش تل
وقد قال خصيف يومًا( :كان أعلم التابعني بالطالق سعيد بن املسيب ،وباحلج عطاء ،وباحلالل واحلرام طاووس،
وبالتفس ري أب و احلج اج جماه د بن جب ري ،وأمجعهم ل ذلك كل ه س عيد بن جب ري).
ا املمتحن. يف ...يف إمامن يخ حص و الش يف ه امل حص هادة ع كش تل
ك ان ابن جب ري من ال ذين ين اوئون حكم عب د املل ك بن م روان ،إلس اءة األخ ري يف حكم الرعي ة املس لمة ،ولوق وع
ده. امل يف عه مظ
وكان احلجاج بن يوسف ،والي ًا لعبد امللك ،يأخذ بالشبهات ،ويتحرى املناوئني يف مجيع البالد اإلسالمية ،حلكم
أمريه وسيده ..فيصب احملن عليهم ،دون هوادة ،وال خوف من اهلل ،املقتدر اجلبار ،وكان خالد بن عبد اهلل القسري والي ًا
على مكة املكرمة ـ زادهها اهلل مثابة وأمنا ـ وقد علم بوجود ابن جبري يف واليته ،فألقى القبض عليه ،واعتقله ،مث أراد أن
يتخلص منه ،ملعرفته بأن سعيدًا ،قد أويت لسنًا ناطقًا ،وقلبًا حافظًا ،وسرعة بديهة بإلقاء احلجة القوية إلسكات خصمه ،إذ
هو ليس من أولئك الذين خيشون رهبة حاكم ،وال بطش سلطان يف سبيل معتقده غري مبال بالنتائج مهما كانت .ودفع ًا
للوق ع يف جلة املخاص مة وخض م املنافس ة ال يت ال تض من نص ره وخوف ًا من مس ش عور أه ل مك ة ال ذين ي دينون ب الوالء
واالح رتام البن جب ري ،أرس له خمف ورًا م ع إمساعيل بن واس ط البجلي ،إىل احلج اج بن يوس ف.
وهن ا تب دأ احملن ة ،مث تش تد س ورهتا م ع لق اء احلج اج طاغي ة الع راق ،ويف ه ذا اللق اء ،غ ري الك رمي ،ج رت املناقش ة
واملخاصمة الفكرية ،كان سعيد فيها فارس امليدان ،وصاحب لواء النصر والظفر ،حيث كان فيها جريئ ًا ،ال تلني قناته،
ص لبًا ال يض عف س يف لس انه ،يق ول احلق ،وه و يعلم أن ه مف ارق ال دنيا ،بس بب ذل ك:
ا امسك؟ اج :م ال الحج (ق
ري. عيد بن جب عيد :س س
قيت أنت. ك وش قيت أم اج :ش الحج
ريك. هغ عيد :الغيب يعلم س
ارًا تلظى. دنيا ن ك بال دل اج :ال ب الحج
دك الختذتك إهلًا. ك بي و علمت أن ذل عيد :ل س
د؟ ك يف حمم ا قول اج :فم الحج
الـوعـي – العـدد الحادي عشر -السـنـة األولى -شعبان 1408هـ -نيسان 1988م
1
ام اهلدى. يب الرمحة وإم عيد :ن س
ار؟ و يف الن ة أم ه و يف اجلن ك يف علّي ،أه ا قول اج :فم الحج
ا. رفت أهله ا ،ع رفت من فيه ا وع و دخلته عيد :ل س
اء؟ ك يف اخللف ا قول اج :فم الحج
ل. ت عليهم بوكي عيد :ليس س
ك؟ أيهم أعجب إلي اج :ف الحج
اهم خلالقي. عيد :أرض س
الق؟ ى للخ أيهم أرض اج :ف الحج
ّر هم وجنواهم. ذي يعلم س د ال ك عن عيد :علم ذل س
دقين. اج :أحب أن تص الحج
ذبك. ك لن أك عيد :إن مل أحب س
حك؟ ك مل تض ا بال اج :فم الحج
ار. ه الن ق من طني والطني تأكل وق خل حك خمل ف يض عيد :وكي س
حك؟ ا نض ا بالن اج :فم الحج
وب). تِو القل عيد :مل تس س
ذل ك ه و املش هد األول من ه ذه املناقش ة ،أو ق ل الفص ل األول من احملن ة ،وق د ب دا للحج اج أن ه غ ري ق ادر على
إخضاع سعيد إليه ،أو محله على إعطاء الوالء ألمريه وسيده ،ولو باإلشارة أو التلميح ..ومل ينفعه التهديد بالقتل ،كما مل
ة الكالم ،وقبح االهتام. د غالظ تف
وهن ا يس لك احلج اج طريق ًا آخ ر ،لعل ه يص ل في ه إىل م ا يري د وحيص ل على مبتغ اه من س عيد.
(مث يأمر احلجاج باللؤلؤ والزبرجد والياقوت ،فجمعه بني يديه ،فقال سعيد :إن كنت مجعت هذا لتتقي به فزع
ي وم القيام ة فص احل ،وإال ففزع ة واح دة ت ذهل ك ل مرض عة عم ا أرض عت ،وال خ ري يف ش يء لل دنيا إال م ا ط اب وزك ا).
وهكذا ينتهي املشهد الثاين من هذه احملنة ،فلم ينفع احلجاج هذا اإلغراء باملال والذهب ،كما مل تسعفه منحه اليت
أومأ هبا ،فليس ابن جبري من عباد املال ،وال من الذين يبيعون دينهم بدنياهم ،لذا فقد لقنه درس ًا لن ينساه ،يف أن املال،
أعظم وسيلة إلصالح األعمال ،وصالح اآلخرة ،إن مجع بطريق احلالل الطيب ..التقاء فزع يوم القيامةَ ،يْو َم َال َيْنَف ُع
ِليٍم . َه ِبَق ْلٍب َس وَن ِ إَّال َمْن َأَتى ال َّل اٌل َو َال َبُن َم
ر. بيًال آخ اج س لك احلج مث يس
(مث دعا احلجاج بالعود والناي ،فلما ضرب بالعود ونفخ بالناي ،بكى سعيد ،فقال :ما يبكيك؟ أهو اللعب؟ قال
سعيد :هو احلزن ،أما النفخ فذكرين يومًا عظيمًا يوم ينفخ يف الصور ،وأما العود فشجرة قطعت من غري حق ،وأما األوتار
ة). وم القيام اة تبعث ي فمن الش
الـوعـي – العـدد الحادي عشر -السـنـة األولى -شعبان 1408هـ -نيسان 1988م
2
فسعيد ليس من هواة الطرب وال من رواد الناي والعود ،وإمنا من هواة احلق ورواد اإلسالم الذي وهب حياته له،
فإعراضه عن ذلك وإظهار حزنه حني تذكر اآلخرة وشدة عذاهبا ،فكان درسًا آخر لقنه إياه ،وإدراك املسلم ذلك دائمًا ،ملا
عص ى اهلل ،أو خ الف أم رًا من أوام ره ،وبع د أن اسقط يف يده ،وفش لت مجي ع تلك الس بل ،هن ا اش تدت احملن ة قليًال ،فعال
غضب احلجاج ،وفقد أعصابه ،وكان ينهي هذه احملنة مبشاهدها ،أو يصل إىل هنايتها ،ولكن تريث إىل حني ،لعله حيظى
عيد. يء من س بش
(قال احلجاج ويلك يا سعيد :فقال ال ويل ملن زحزح عن النار وأدخل اجلنة .قال احلجاج :اخرت يا سعيد أي قتلة
أقتلك؟ فقال اخرت أنت لنفسك ،فوا هلل ال تقتلين قتلة إال قتلك اهلل مثلها يف اآلخرة؟ .فقال :أريد أن أعفو عنك؟ فقال :إن
ذر). ك وال ع راءة ل ا أنت فال ب و فمن اهلل وأم ان العف ك
عند ذلك ضاق احلجاج ذرعًا بسعيد ،ومل يطق صربًا عليه ،وهو يتلقى منه هذه األجوبة اجلريئة واليت كانت سهامًا
ة. أمر بإهناء احملن ه ..ف ب قلب تص
(قال احلجاج :اذهبوا به فاقتلوه ،فلما خرج ضحك ،فأخرب احلجاج بذلك ،فردوه إليه ،وقال :ما أضحك؟ فقال:
عجبت من جرأتك على اهلل وحلم اهلل عليك ،فأمر بالنطع فبسط .وقال :اقتلوه ،فقال سعيد :وجهت وجهي للذي فطر
ركني. ا من املش ا أن لمًا وم ًا مس موات واألرض حنيف الس
ة. ري القبل ه لغ وا ب اج :وجه ال احلج ق
ه اهلل. وا فثم وج ا تول عيد :فأينم ال س ق
ه. وه على وجه اج :كب ال احلج ق
ق ال س عيد :منه ا خلقن اكم وفيه ا نعي دكم ومنه ا خنرجكم ت ارة أخ رى.
اج :اذحبوه. ال احلج ق
قال سعيد :أما أنا فأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ،ال شريط له وأن حممدًا عبده ورسوله خذها مىن حىت تلقاين هبا
دي) ه بع د يقتل لطه على أح ة ..اللهم ال تس وم القيام ي
فذبح من الوريد إىل الوريد .ولسانه رطب بذكر اهلل ..وهبذا انتهت حمنة سعيد بن جبري باستشهاده .وبقيت احملن
تص يب أمثال ه ،من ال ذين أعرض وا عن احلك ام بكليتهم .إلع راض احلك ام عن اهلل وعن دين ه وش ريعته.
وهكذا شأن اهلل مع عبادة املؤمنني الصابرين .فلم ُيض ّيع إمياهنم ،أومل ينسهم ذكره يف أوقات حمنتهم ،وهم قادمون
إليه ،وكيف ينساهم ..أو يضيعهم ..وحمنتهم كانت يف سبيله ،ومن أجل إعزاز دينه .لذا قيل هلم :سالم عليكم مبا صربمت
دار. ىب ال فنعم عق
قي ل للحس ن البص ري رمحه اهلل تع اىل :إن احلج اج ق د قت ل س عيد بن جب ري .فق ال" :اللهم ائت على فاس ق ثقي ف.
واهلل ل و أن من بني املش رق واملغ رب اش رتكوا يف قتل ه لكبهم اهلل ع ز وج ل يف الن ار).
(وق ال امحد بن حنب ل قت ل احلج اج س عيد بن جب ري وم ا على وج ه األرض أح د إال وه و مفتق ر إىل علم ه. )..
الـوعـي – العـدد الحادي عشر -السـنـة األولى -شعبان 1408هـ -نيسان 1988م
3