You are on page 1of 25

‫مفهوم الديداكتيك‪ :‬قضايا و وإشكاالت‬

‫حممد �صهود‬
‫كلية علوم الرتبية‬
‫جامعة حممد اخلام�س ‪ -‬الرباط ‪ -‬املغرب‬

‫تقديم‬
‫يعرف حقل الديداكتيك‪� ،‬ضمن علوم الرتبية‪ ،‬حركية �سواء على م�ستوى الرتاكم النظري‬
‫الإبي�ستمولوجي وعلى امل�ستوى املعريف‪ .‬وي�ستدعي هذا الرتاكم �أ�سئلة تتطلب وقفة ت�أملية تروم‬
‫الت�سا�ؤل عن مفهوم الديداكتيك ذاته‪ ،‬وهو ما يتجاوز م�س�ألة التحديدات القامو�سية واملعجمية �إىل‬
‫مالم�سة هويته كحقل معريف وحدوده وطبيعة مو�ضوعه ومنهجه وق�ضاياه النظرية يف عالقة‬
‫مبختلف علوم الرتبية بل ومبختلف العلوم الإن�سانية‪.‬‬

‫وهكذا �سنحاول‪ ،‬بعد تقدمي �أر�ضية تاريخية مقت�ضبة والتمييز بني م�ستويني يف مفهوم الديداكتيك‪،‬‬
‫�أن نحلل بع�ض هذه الق�ضايا والإ�شكاالت املرتبطة بهذا احلقل املعريف كالآتي‪:‬‬

‫‪ .1‬الديداكتيك‪ :‬علم �أم منوذج للفعل؟‬

‫‪ .2‬الديداكتيك والقابلية للرتبية؛‬

‫‪ .3‬الديداكتيك بني التوجه البيداغوجي العام والتوجه الإب�ستمولوجي اخلا�ص؛‬

‫‪ .4‬املقاربة الديداكتيكية وجتاوز م�أزق التب�سيط‪.‬‬

‫املفاهيم املفاتيح ‪ :‬الديداكتيك‪ -‬العلم – منوذج الفعل – النموذج الذهني الفيبريي‪ -‬القابلية للرتبية‬
‫– براديغم التعقيد‪.‬‬

‫أرضية تاريخية مقتضبة‬


‫لي�س هدفنا من هذه الأر�ضية التاريخية هو الو�صف التاريخي الدقيق لتطور الديداكتيك باعتبارها‬
‫مفهوما �أو مو�ضوعا‪ ،‬بل العمل‪ ،‬من خالل ر�صد حمطاتها الأ�سا�س‪ ،‬على تو�ضيح بع�ض معامل‬
‫هوية هذا احلقل املعريف‪ ،‬وكذا الإ�شكاالت التي يعرفها على م�ستوى املفهوم والهوية‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫ا�ستخدمت كلمة ديداكتيك يف الرتبية �أول مرة كمرادف لفن التعليم من قبل كومينيو�س يف كتابه‬
‫«الديداكتيك الكربى ‪� »Didactica Magna‬سنة ‪ ،1 1657‬والذي ربط امل�شاكل الديداكتيكية‬
‫مب�صري الإن�سان يف نظام الكون‪ .2‬وخالل القرن التا�سع ع�رش و�ضع هربارت‪� Herbart‬أ�س�س ‬
‫‪3‬‬
‫ن�سق للتعلم بناء على مرتكزات علمية‪.‬‬

‫وهناك من منظري علوم الرتبية من اعترب هان�س �أيبلي‪� Hans Aebli‬أول من اقرتح �سنة ‪1951‬‬
‫�إطارا عمليا ملو�ضوع الديداكتيك يف م�ؤلفه ‪ ،La didactique psychologique‬حيث نظر �إىل‬
‫‪4‬‬
‫الديداكتيك كمجال تطبيقي لنتائج ال�سيكولوجيا التكوينية‬

‫ولطاملا ا�ستعملت كلمة «ديداكتيك» يف اللغة الفرن�سية كــــ«نعت‪�/‬صفة [‪ ]...‬و�أحيانا مع داللة‬


‫�إ�ضافية قدحية‪ ،‬لو�صف كل ما له عالقة بالتدري�س باعتباره نقال تلقينيا للمعرفة �أ�سا�سا‪� .‬أما الآن‬
‫فقد �صارت �إ�سما ي�شري �إىل علم‪� ،‬أو على الأقل �إىل حزمة من احلقول املعرفية ذات الطابع‬
‫العلمي«‪.5‬‬

‫وي�شري الأ�ستاذ حممد الدريج‪ ،‬ب�صدد هذه الكلمة‪� ،‬إىل اجتاهني؛ الأول يعتربه « جمرد �صفة ننعت‬
‫بها الن�شاط التعليمي الذي يحدث �أ�سا�سا داخل حجرات الدر�س»‪ ،‬والثاين «يجعل من الديداكتيك‬
‫علما م�ستقال من علوم الرتبية»‪.6‬‬

‫ومنذ بداية ال�سبعينات «ترافق تر�سيخ الداللة الأخرية‪ ،‬مع تزايد كبري يف اال�ستعمال امل�ؤ�س�سي‬
‫(جامعي‪ ،‬وزاري) للكلمة‪ ،‬عالوة على تنامي قوي ‪-‬كمي على الأقل‪ -‬للأعمال العلمية التي تعلن‬
‫انتماءها �إىل هذا احلقل املعريف «‪.7‬‬

‫هكذا �أثبت دانييل الكومب‪ Daniel Lacombe‬وجود ميدان معريف جديد ترتبط به جمموعة‬
‫من التخ�ص�صات تدور حول �إ�شكاليات التدري�س‪ .‬والبد هنا �أن ن�شري �إىل �أن �إ�شكاليات التدري�س ‬
‫كانت �أي�ضا مو�ضوعا حلقل البيداغوجيا‪� ،‬إال �أن هذه الأخرية كانت تنظر �إىل �إ�شكالية التدري�س من‬
‫منظور عام‪ ،‬وهذا ما يحاول املنظور الديداكتيكي جتاوزه‪ .‬وتلك ق�ضية �سنعمق النظر فيها يف‬
‫الفقرات املوالية من هذه الدرا�سة‪.‬‬

‫محمد الدريج‪« ،‬عودة إلى تعريف الديداكتيك أو علم التدريس»‪ ،‬مجلة علوم التربية‪ ،‬عدد ‪ ،47‬مارس ‪ ،2011‬ص‪8 .‬‬ ‫‪ 1‬‬
‫ ‪2‬‬ ‫‪Decorte et all, Les fondements de l’action didactique, De Boeck, 1990, p. 328.‬‬
‫ ‪3‬‬ ‫‪Decorte et all, op. cit…p. 329.‬‬
‫أحمد أوزي‪ ،‬المعجم الموسوعي لعلوم التربية‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،2006 ،‬ص‪.140 .‬‬ ‫‪ 4‬‬
‫ ‪5‬‬ ‫‪Daniel Lacombe . « Didactique », In Encyclopoedia Universalis, France, S. A. ,2002 , Corpus 7. p. 300‬‬
‫محمد الدريج‪ ،2011 ،‬ص‪7-8 .‬‬ ‫‪ 6‬‬
‫ ‪7‬‬ ‫‪Daniel Lacombe .. ,op.cit., p. 300‬‬

‫التدريس جملة كلية علوم الرتبية العدد ‪ – 7‬ال�سل�سلة اجلديدة – يونيو ‪2015‬‬
‫‪120‬‬
‫مفهوم الديداكتيك‪ :‬قضايا و وإشكاالت‬

‫الديداكتيك‪ :‬مستويان للمفهوم‪.‬‬


‫البد من التمييز يف البداية بني م�ستويني للمفهوم‪� ،‬سواء تعلق الأمر مبفهوم الديداكتيك �أو باملفاهيم‬
‫ذات ال�صلة الوثيقة به مثل البيداغوجيا والرتبية‪.‬‬

‫امل�ستوى الأول ذو ارتباط وثيق باملمار�سات الرتبوية �أو البيداغوجية �أو الديداكتيكية‪.‬‬ ‫‪ .1‬‬
‫و�سنفح�ص هذا امل�ستوى من خالل مفهومي الرتبية �أوال والديداكتيك ثانيا‪.‬‬

‫لنتمعن يف التعاريف التالية اخلا�صة بالرتبية‪:‬‬

‫–عند مياالريه ‪« :G. Mialaret‬الرتبية هي فعل ممار�س على ذات �أو جمموعة ذوات‬ ‫–‬
‫[‪ ]...‬مبا هو موافق عليه بل ومطلوب من هذه الذات �أو الذوات‪ ،‬و يهدف هذا الفعل‬
‫�إىل �إحداث تغيري عميق يف الذات حتى تن�ش�أ لديها طاقات حية جديدة وي�صري ه�ؤالء‬
‫�أنف�سهم عنا�رص حية لهذا الفعل املمار�س عليهم»‪.8‬‬

‫–وعند �شارل حجي ‪«Ch. Hadji‬نتكلم عن تربية كلما تعلق الأمر بفعل ممار�س ‬ ‫–‬
‫على فرد �أو جمموعة �أفراد بهدف ت�شكيل �سلوك الأ�شخا�ص املعنيني وتوجيهه االجتاه‬
‫املرغوب» ‪.9‬‬

‫فالرتبية يف هذين التعريفني هي فعل‪ ،‬وهي‪ ،‬بعبارة �أخرى‪ ،‬ممار�سة اجتماعية تدخل يف �إطار‬
‫ما ي�سميه علماء االجتماع عادة بالتن�شئة االجتماعية‪ .‬وب�إيجاز فمفهوم الرتبية يحيل يف التعريفني‬
‫على واقع‪.‬‬

‫بالن�سبة للديداكتيك‪ ،‬لننطلق من تعريف كوليدراي ‪ Colidray‬الآتي‪:‬‬

‫–« الديداكتيك تعني فن التدري�س‪ ،‬و كثريا ما ت�ستعمل هذه الكلمة لتمييز بع�ض التقنيات‬ ‫–‬
‫وبع�ض املواد التي يتم اللجوء �إليها لغر�ض التدري�س‪ ،‬وكنعت لطريقة يف التدري�س ف�إن‬
‫امل�صطلح يعني باخل�صو�ص الطريقة التوجيهية»‪.10‬‬

‫يحيل هذا التعريف �إذن على الفن وطريقة التدري�س‪ ،‬لذا فهو يق�صد املمار�سة التدري�سية‪ .‬والتطابق‬
‫هنا وا�ضح مع التعريفات الواردة يف جمال الرتبية‪.‬‬

‫ �أما امل�ستوى الثاين ف�إنه ال يحيل على الواقع �أو املمار�سة بل على الدرا�سة التحليلية لهذا‬ ‫‪ .2‬‬
‫الواقع (الرتبوي عامة و الديداكتيكي حتديدا)‪� ،‬أو قل �إن هذا امل�ستوى يحيل على العلم الذي يدر�س ‬

‫ ‪8‬‬ ‫‪G. Mialaret, les sciences de l’éducation, Que sais-je? P. U. F. Paris, 1991, p.30‬‬
‫ ‪9‬‬ ‫‪Ch. Hadji, Penser et agir l’éducation, E. S. F. Paris, 1992, p. 31‬‬
‫ورد عند محمد الدريج‪ « ،‬ماهي الديداكتيك؟» مجلة التدريس‪ ،‬العدد ‪ ،7‬السنة ‪1984‬ص‪44 .‬‬ ‫‪ 10‬‬

‫‪121‬‬
‫هذا الواقع‪ .‬ويف هذا ال�سياق نورد التعاريف الآتية‪:‬‬

‫الرتبية باعتبارها علوما‪:‬‬

‫–« حتاول علوم الرتبية‪ ،‬اليوم‪ ،‬االنفالت من ال�صفتني العلموية والإيديولوجية اللتني‬ ‫–‬
‫تبعدانها‪ ،‬ب�صورة قد تزيد �أو تنق�ص‪ ،‬عن دائرة العلوم النافعة‪ .‬فهي تريد‪ ،‬بكل توا�ضع‬
‫‪11‬‬
‫وجدارة‪� ،‬أن تكون منتجة لنماذج لفهم ال�ش�أن الرتبوي‪».‬‬

‫وان�سجاما مع مفهوم النموذج يو�ضح دوفوالي �أن علوم الرتبية حتاول التمف�صل بني ثالثة‬
‫�أقطاب‪:‬‬

‫–قطب غائي‪/‬قيمي‪ ،Axiologique‬يحيل على حتديد الغايات وتفعيل التفكري الفل�سفي‬ ‫–‬
‫وال�سيا�سي؛‬

‫–قطب علمي‪ ،Scientifique‬يحيل على املعارف التي تنتجها العلوم الإن�سانية (ال�سيكولوجيا‬ ‫–‬
‫وال�سو�سيولوجيا والل�سانيات واالقت�صاد‪ )...‬ولكن �أي�ضا بع�ض العلوم التجريبية (مثل‬
‫البيولوجيا)؛‬
‫‪12‬‬
‫–قطب عملي و�أداتي‪ ،Praxéologique‬يحيل على الأدوات والفعل املنظم‪ /‬املعدل‪...‬‬ ‫–‬

‫الديداكتيك باعتباره دراسة علمية‬


‫لنت�أمل التعريفات الآتية‪:‬‬

‫–« الديداكتيك هي الدرا�سة العلمية لنظام و�ضعيات التعلم التي يعي�شها املتعلم ق�صد حتقيق‬ ‫–‬
‫هدف معريف‪� ،‬أو عاطفي �أو حركي»‪13‬؛‬

‫–« تهدف الديداكتيك‪ ،‬باعتبارها علما م�ساعدا للبيداغوجيا (ولكنه علم �رضوري)‪� ،‬إىل‬ ‫–‬
‫التخطيط والتجريب والتنظيم والتدخل [البيداغوجي]»‪14‬؛‬

‫–« نق�صد بالديداكتيك [‪ ]...‬الدرا�سة العلمية لطرق التدري�س وتقنياته ولأ�شكال تنظيم‬ ‫–‬
‫مواقف التعلم التي يخ�ضع لها التلميذ يف امل�ؤ�س�سة التعليمية‪ ،‬ق�صد بلوغ الأهداف امل�سطرة‬
‫م�ؤ�س�سيا‪� ،‬سواء على امل�ستوى العقلي �أو الوجداين �أو احل�سي‪-‬حركي‪ ،‬وحتقيق‪ ،‬لديه‪،‬‬
‫املعارف والكفايات والقدرات واالجتاهات والقيم»‪. 15‬‬
‫‪11 M. Develay , Ph. Meirieu, Emile, reviens vite, ils sont devenus fous. E. S. F. Paris, 1992, p. 45‬‬
‫‪12 Ibid., p. 45‬‬
‫‪ 13‬الفالي‪ ،Lavallée‬ورد عند المكي المروني‪ ،‬البيداغوجيا المعاصرة وقضايا التعليم النظامي‪ ،‬منشورات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬
‫بالرباط‪ ،‬أطالل العربية للطباعة والنشر‪1993 ،‬ص ‪95.‬‬
‫‪14 D. Boumnich, Une pédagogie sans déchets, I. R. E. A. 1986, p. 27‬‬
‫‪ 15‬محمد الدريج‪ ،2011 ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.11 .‬‬

‫التدريس جملة كلية علوم الرتبية العدد ‪ – 7‬ال�سل�سلة اجلديدة – يونيو ‪2015‬‬
‫‪122‬‬
‫مفهوم الديداكتيك‪ :‬قضايا و وإشكاالت‬

‫على �أنه ميكن اعتبار التعريفات التي جاء بها كل من جــــ‪ .‬كـــــ‪ .‬غانيون ‪ .C Gagnon J‬و�ألبري‬
‫مورف‪ ،Albert Morf‬والتي �أوردها جـــــ‪ .‬ديزوطيل‪ Jacques Desautels‬و بـــــــ‪.‬‬
‫طرومب‪ Peérre-Lean Trempe‬من التعريفات التي تتما�شى مع ما ي�سمى بديداكتيك املواد‬
‫الدرا�سية‪:‬‬

‫فهذا تعريف جــــ‪ .‬كـــــــ‪ .‬غانيون ‪: .C. Gagnon J‬‬

‫«الديداكتيك �إ�شكالية �شاملة وديناميكية تت�ضمن‪:‬‬

‫–ت�أمال وتفكريا يف طبيعة املادة الدرا�سية‪ ،‬وكذا يف طبيعة وغايات تعليمها؛‬ ‫–‬
‫–�صياغة فر�ضياتها انطالقا من املعطيات التي تتجدد وتتنوع با�ستمرار لكل من علم النف�س ‬ ‫–‬
‫والبيداغوجيا وعلم االجتماع‪�...‬ألخ؛‬
‫‪16‬‬
‫–درا�سة نظرية وتطبيقية للفعل البيداغوجي املتعلق بتدري�س املادة‪».‬‬ ‫–‬

‫وهذا تعريف �ألبري مورف ‪:Albert Morf‬‬

‫«جمموع ال�سرتاتيجيات التي نتدخل بوا�سطتها يف جمال تكوين املعارف‪ » ...‬وي�ضيف قائال‪:‬‬
‫«�إن التعلم الذي يتعلق مب�ضامني حمددة ومعروفة يف العادة‪ ،‬ال ميثل �سوى جزء من الرتبية‪� .‬إذ‬
‫تتعلق هذه الأخرية بتكوين ال�شخ�صية بتمامها‪ .‬ثم �إننا حني نتطرق من جهة �أخرى �إىل الديداكتيك‬
‫‪17‬‬
‫من زاوية ال�سرتاتيجيات ف�إننا نغفل غاية التعلم‪».‬‬

‫ن�ستنتج من هذه التعريفات املقرتحة للرتبية �أو الديداكتيك �أنها حتيل على املمار�سة العلمية التي‬
‫تدر�س هذا الواقع؛ فهي‪� ،‬أي علوم الرتبية مبا يف ذلك الديداكتيك‪ ،‬تريد �أن تكون منتجة للمفاهيم‬
‫الكفيلة با�ستيعاب ال�ش�أن الرتبوي و�إدراكه يف �أبعاده الغائية والعلمية والواقعية‪ ،‬وبالتايل ف�إن‬
‫الديداكتيك درا�سة علمية لو�ضعيات التعلم �أو ملحتويات التدري�س وطرقه‪ ،‬و�إ�شكالية �شاملة للت�أمل‬
‫والتفكري يف طبيعة املادة الدرا�سية والفعل البيداغوجي‪...‬‬

‫ال نحتاج �إذن للتذكري ب�أن امل�سافة الإب�ستمولوجية بني امل�ستويني (الأول الذي يحيل على الواقع‬
‫والثاين الذي يحيل على املمار�سة العلمية) جلية وظاهرة‪ .‬ويكت�سي هذا التمييز‪ ،‬على بداهته‪،‬‬
‫�أهمية ق�صوى من الناحية املنهجية والإبي�ستمولوجية؛ فالواقع (وهنا نتحدث عن الواقع الرتبوي‬
‫�أو الديداكتيكي) ال ينعك�س يف ذهن الدار�س �أو املحلل كانعكا�س ال�صورة يف املر�آة‪ .‬ولإدراك هذا‬
‫الواقع ومتثله منر عرب توظيف �آليات فكرية ي�ستحيل معها الواقع �إىل متثل لهذا الواقع‪ .‬والعلم‬
‫يف املنظور املعا�رص‪ ،‬خ�صو�صا يف العلوم االجتماعية‪ ،‬ال يدعي عك�س الواقع ب�شكل �صاف مثل‬
‫‪16 Desautel Jacques, Trempe Péerre-Lean, «Qu’est ce que la didactique ?» In Didactique en sciences ex-‬‬
‫‪.‬ترجمة‪ :‬رشيد بناني‪ ،‬من البيداغوجيا إلى الديداكتيك‪ ،‬منشورات الحوار األكاديمي الجامعي‪ ،1991 ،‬ص‪périmentales 61-62 .‬‬
‫‪ 17‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪.63 .‬‬

‫‪123‬‬
‫املر�آة‪ ،‬بل يعترب �أنه يعك�س هذا الواقع من خالل بناء ذهني معني‪ ،‬و�ضمن �إطار منهجي خا�ص‬
‫و�ضمن �رشوط معرفية معينة‪.‬‬

‫ويعترب مفهوم النموذج الذهني‪ ،Type idéal‬الذي وظفه ماك�س ڤيرب ‪ Max Weber‬يف كثري‬
‫من �أبحاثه‪ ،‬املفهوم الأكرث تعبريا عن هذا املنظور املعا�رص للعلوم الإن�سانية واالجتماعية‪ .‬لي�س ‬
‫النموذج الذهني لظاهرة �إن�سانية واقعا‪ ،‬بل فقط �صورة قد تقرتب �أو تبتعد عن هذا الواقع‪ .‬ويق�صد‬
‫بالنموذج الذهني « تكوين حكم قيمة‪ ،‬فهو لي�س فر�ضية ولكنه يرمي �إىل توجيه �صياغة الفر�ضيات‪،‬‬
‫ومن جهة �أخرى فهو لي�س عر�ضا‪/‬ا�ستعرا�ضا للواقع ولكنه يق�صد مد هذا العر�ض ب�أدوات تعبري‬
‫متوافق ب�ش�أنها [‪]...‬نح�صل على النموذج الذهني بت�ضخيم وجهة نظر �أو وجهات نظر[‪،]...‬‬
‫وبالربط بني جمموعة من الظواهر املعطاة ب�شكل منف�صل [‪ ]...‬من �أجل ت�شكيل لوحة نظرية‬
‫‪18‬‬
‫متجان�سة‪».‬‬

‫هذا من جهة ومن جهة �أخرى ميكن اعتبار النموذج الذهني �إرها�صا �أو بداية للنظرية �أو فح�صا‬
‫لها‪ ،‬فالنماذج عادة « متكن من بناء النظريات‪ ،‬حيث �أنها تلخ�ص وتختزل املكونات والعنا�رص‬
‫والعالقات القائمة بينها‪ ،‬وهي بذلك تكون خطوة نحو بناء نظرية للعملية الرتبوية‪ ،‬كما �أنها �أداة‬
‫للتفكري؛ �أما وظيفتها الرتبوية فتتحدد �أ�سا�سا يف‪:‬‬

‫–�رشح ما يحدث و�صفه؛‬ ‫–‬


‫‪19‬‬
‫–الإر�شاد �إىل ا�سرتاتيجيات و�سيا�سات تربوية »‬ ‫–‬

‫وا�ضح �إذن �أنه المنا�ص للديداكتيك‪� ،‬إذا كان يطمح �إىل �أن يكون درا�سة علمية للواقع‪ ،‬من �أن‬
‫يرتكز على بناء «مناذج نظرية لفهم وا�ستيعاب ال�ش�أن الرتبوي»‪ ،‬وهو ما يلتقي مع املنظور‬
‫الفيربي مبختلف جتلياته‪.‬‬

‫ف�ضال عن ذلك فالديداكتيك‪ ،‬مقاربة �أو �سريورة ‪/‬م�سلك بحثي(ة) تدر�س بع�ض املظاهر الرتبوية‬
‫�أكرث مما يتعلق الأمر بتخ�ص�ص دقيق‪ .‬وقد ميز دانييل الكومب يف هذا احلقل املعريف املظاهر‬
‫الآتية‪:‬‬

‫–« املظهر املعريف (الذي يتعار�ض [‪ ]...‬مع املظاهر العالئقية وامل�ؤ�س�سية يف البيداغوجيا‪،‬‬ ‫–‬
‫�أو مع املظهر العام للرتبية)؛‬
‫–املظهر التكنولوجي (الذي ال ينح�رص يف املواد الإعالمياتية والو�سائل ال�سمعية‬ ‫–‬
‫الب�رصية)؛‬

‫ ‪18‬‬ ‫‪Max Weber , Essais sur la théorie de la science, Trad. J. Freund, 1969, p. 83‬‬
‫عبد الكريم غريب‪ ،‬الكفايات واسترتيجيات اكتسابها‪ ،‬عالم التربية‪ ،2001 ،‬ص‪141 .‬‬ ‫‪ 19‬‬

‫التدريس جملة كلية علوم الرتبية العدد ‪ – 7‬ال�سل�سلة اجلديدة – يونيو ‪2015‬‬
‫‪124‬‬
‫مفهوم الديداكتيك‪ :‬قضايا و وإشكاالت‬

‫–املظهر الن�سبي (بحيث نتكلم عن ديداكتيك مادة درا�سية �أكرث ما نتكلم عن ديداكتيك‬ ‫–‬
‫‪20‬‬
‫عامة) »‪.‬‬

‫تفرت�ض الدرا�سة الديداكتيكية‪ ،‬على الأقل‪ ،‬تخ�ص�صني؛ الأول هو مادة التدري�س �أو ما ي�سمى‬
‫باملادة املو�ضوع‪ ،‬والتخ�ص�ص الثاين يتدخل ك�أداة‪ ،‬ويتعلق الأمر بالتخ�ص�ص الذي ي�ستخدم‬
‫مثال يف مبا�رشة �أبحاث ميدانية �أو �إح�صائية حول تعلم املادة �أو تدري�سها �أو �إ�شكالياتها [‪ ]...‬مثل‬
‫‪21‬‬
‫الإح�صاء‪.‬‬

‫ومن الوا�ضح �أن الدرا�سة العلمية تتطلب « �رشوطا دقيقة منها‪ ،‬بالأ�سا�س‪ ،‬االلتزام باملنهج‬
‫العلمي يف طرح الإ�شكالية وو�ضع الفر�ضيات و�صياغتها ومتحي�صها للت�أكد من �صحتها عن طريق‬
‫االختبار والتجريب‪ ،‬ومن حيث املو�ضوع تن�صب هذه الدرا�سة على الو�ضعيات التعلمية التي‬
‫‪22‬‬
‫يلعب فيها املتعلم (التلميذ) الدور الأ�سا�سي»‪.‬‬

‫على العموم‪ ،‬ميكن القول �أن ما مييز معرفة علمية ما هو مو�ضوعها من جهة‪ ،‬واملنهج الذي‬
‫تعتمد عليه من جهة �أخرى‪ .‬ويف هذا الإطار ف�إن الديداكتيك باعتباره مقاربة �أو �سريورة‪/‬م�سلك‬
‫بحثي(ة) ي�سري يف اجتاه تذليل هذين اجلانبني‪.‬‬

‫لقد حاولنا �إىل حد الآن القيام مبجهود تو�ضيحي فقط ميزنا فيه بني م�ستويني‪ ،‬على �أن الأمر يف‬
‫حقل الديداكتيك �أكرب من تو�ضيح هذين امل�ستويني‪� ،‬إذ ن�صادف‪ ،‬عرب حتليالت مفهوم الديداكتيك‪،‬‬
‫�إ�شكاالت ذات عالقة بهوية ومو�ضوع هذا احلقل املعريف‪ .‬ومن هذه الإ�شكاالت والق�ضايا ما‬
‫�سنناق�شه فيما ي�أتي‪:‬‬

‫الديداكتيك‪ :‬علم أم نموذج للفعل؟‬


‫لنبد�أ بالإ�شكالية الأوىل وهي‪ :‬هل يقت�صـر الديـداكتيك على الـدرا�سة العلمية لو�ضعية التدري�س‪،‬‬
‫�أم �أنه يطمح ليكون منوذجا للفـعل ‪� Modèle d’action‬أي منوذجـا للتطبـيق؟ ويف نف�س ال�سياق‬
‫ميكن طرح �إ�شكال العالقة بني الديداكتيك والبيداغوجيا‪ ،‬هذه الأخرية‪ ،‬التي هي يف الأ�صل بحث‬
‫عن مناذج للفعل �أو مناذج تطبيقية؟ �إن الإ�شكاليتني مرتابطتان‪� ،‬أو �أنهما ميثالن وجهني لإ�شكالية‬
‫واحدة‪ ،‬لذا ال ميكن حتليلهما �إال بالربط بينهما‪.‬‬

‫�إن املنظور البيداغوجي يرتكز �أ�سا�سا على مفهوم التطبيق والعمل املبنيني على �أ�سا�س نظرة فل�سفية‬
‫ت�ستند �إىل ت�صور خا�ص عن الكون واملجتمع والإن�سان واملعرفة‪ ،‬لذا ميكن حتليل كل بيداغوجيا‬
‫بناء على نظرتها الفل�سفية هذه‪ .‬فهناك البيداغوجيا التحررية وهناك البيداغوجيا الالتوجيهية‬

‫ ‪20‬‬ ‫‪D. Lacombe, « Didactique » 2002, op. cit., p. 301‬‬


‫ ‪21‬‬ ‫‪Ibid., p. 301‬‬
‫محمد الدريج‪ ،2011 ،‬ص‪.10 .‬‬ ‫‪ 22‬‬

‫‪125‬‬
‫والبيداغوجيا الالمدر�سية ‪� ...‬ألخ‪ .‬وهي بيداغوجيات م�ستوحاة من فل�سفات تربوية ت�ستمد �أ�س�سها‬
‫من نظرة خا�صة للكون والإن�سان واملجتمع‪ ،‬يتم تهيئ املتعلم يف �إطارها‪ .‬وهنا يتعـلق الأمـر مبيل‬
‫هذه البيداغوجيـات �إىل الت�أثـري فيى الواقع؛ �إننا �إذن يف حالة فعل‪.‬‬

‫�أما املنظور الديداكتيكي ف�إنه ي�ستهدف النظر �إىل الواقع الرتبوي والبيداغوجي من زاوية علمية‬
‫للك�شف عن عنا�رصه يف تفاعلها و�سريورتها‪ ،‬لذا ف�إنه ينبني على حتليل واقع التـــدري�س وفهمه يف‬
‫البداية‪ .‬فهو ي�صبــو �إذن �إىل املعــرفة اخلال�صة واملجردة ‪ .‬فالعلم‪ ،‬يف �شكله ال�صايف‪ ،‬ينحو منحى‬
‫الفهم والتعليل دون ادعاء �إيجاد حلول للق�ضايا امللمو�سة واليومية؛ ويقول الكومب يف هذا ال�سياق‪:‬‬
‫« منذ �أزيد من قرنني‪ ،‬كلما اكت�شفت جمتمعاتنا الغربية تعا�سة ما؛ تعا�سة الربوليتاري‪ ،‬تعا�سة العامل‬
‫الثالث‪ ،‬تعا�سة الطفل �أو املراهق غري امل�ؤهل‪� ،‬إال وقررت الق�ضاء عليها ونادت على العلم والنيات‬
‫احل�سنة‪ .‬ومن هنا توايل ال�شعارات ذات ال�صبغة التقنية‪-‬الإن�سانية من مثل‪ :‬الق�ضاء على الإمالق‬
‫والعوز‪ ،‬واالنت�صار على التخلف‪ ،‬وحماربة الف�شل الدرا�سي‪ .‬على �أن ما مل ي�ستطعه الدعاة‬
‫الإن�سانيون ذوو النيات احل�سنة ‪ Philanthropes‬القيام به ل�صالح العمال الفالحيني وال�صناعيني‪،‬‬
‫وكذا خرباء االقت�صاد والفالحة حتقيقه للفالحني املفل�سني يف دول اجلنوب‪ ،‬ال ي�ستطيع الباحثون‬
‫الديداكتيكيون واملدر�سون امل�ؤهلون القيام به للتالميذ الذين يوجدون يف و�ضعية تربوية �صعبة‪.‬‬
‫لأننا نعرف اليوم‪ -‬ولو �أن ذلك يقع �إخفا�ؤه‪� -‬أن كل هذه امل�شاكل هي �أوال م�شاكل �سيا�سية [‪]...‬‬
‫ويف انتظار ذلك يبقى دور العلم‪ ،‬وخا�صة الديداكتيك‪ ،‬هو مالحظـة الظـواهر وبناء املفاهيم الـذي‬
‫‪23‬‬
‫ميكننا مـن هذا الو�صف‪».‬‬

‫هناك �إذن منطق خا�ص بالعلم يتغيى املعرفة اخلال�صـة واملجـردة ومنطق خا�ص باملمار�سة (الفعل)‬
‫يتغيى الت�أثري يف الواقع‪ ،‬هذا املنطق الأخري الذي يحيل على تعقيد �رشوط الواقع وحيثياته‪ .‬على‬
‫�أن الأمر ال يتعلق يف الواقع بتفا�ضل �أو �أحكام معيارية على منطق دون �آخر‪ ،‬كما ال يتعلق بتنافر‬
‫بينهما‪� ،‬أو بحدود قاطعة وفا�صلة بينهما‪ ،‬بل هو فقط حتديد نظري �رصف خل�صو�صية كل جمال؛‬
‫�أي �أن الأمر يقت�ضي يف كل ممار�سة الوعي بالأر�ضية املنطلق منها‪ ،‬هل هي �أر�ضية التحليل‬
‫املو�ضوعي للظواهر �أم �أر�ضية �إيجاد معايري حمددة لتطبيق النتائج املتو�صل �إليها؟‬

‫و�إذا كان املنظور البيداغوجي يختزل ق�ضاياه يف كيفية نقل املعارف واملهارات والقيم‪ ،‬ف�إن‬
‫املنظور الديداكتيكي ال يبقى �سجني هذا االختزال بل ينظر �إىل تفاعل كل املعطيات الفاعلة يف‬
‫املمار�سة الرتبوية‪.‬‬

‫�إن علوم الرتبية عموما‪،‬كما يقول دوفوالي ‪ « ،M. Develay‬تريد �أن تكون و�سيلة لبناء مناذج‬
‫من �أجل فهم �أح�سن للواقع الرتبوي والت�أثري يف هذا الواقع‪ 24 ».‬ويقول فرينيو ‪Vergnaud‬‬

‫ ‪23‬‬ ‫‪D. Lacombe, op. cit., p. 300‬‬


‫ ‪24‬‬ ‫‪M. Develay, Ph. Meirieu, Emile, reviens vite, ils sont devenus fous. op. cit., pp. 47-48‬‬

‫التدريس جملة كلية علوم الرتبية العدد ‪ – 7‬ال�سل�سلة اجلديدة – يونيو ‪2015‬‬
‫‪126‬‬
‫مفهوم الديداكتيك‪ :‬قضايا و وإشكاالت‬

‫‪ .G‬يف هذا ال�صدد‪« :‬ينبغي االبتعاد عن كل خطاطة اختزالية‪ :‬فالديداكتيك ال تختزل يف معرفة‬
‫مادة درا�سية وال يف ال�سيكولوجيا وال يف البيداغوجيا وال يف التاريخ وال يف الإبي�ستمولوجيا‪� .‬إنها‬
‫تفرت�ض كل ذلك ولكنها ال تختزل فيه‪ ،‬فلها هويتها و�إ�شكالياتها ومناهجها‪ 25».‬فالديداكتيك « يوجد‬
‫يف مفرتق الطرق بني البيداغوجيا التي تركز على الفعل ‪ Le faire‬وعلوم الرتبية التي تركز على‬
‫املعرفة اخلال�صة‪ .‬وهذه الو�ضعية هي ما يف�رس من جهة كون عدم وجود �إجماع حول مو�ضوعها‪،‬‬
‫‪26‬‬
‫ومن جهة �أخرى تعر�ضها ملخاطر متعار�ضة»‪.‬‬

‫لهذا جند حممد الدريج‪ ،‬بعد �أن يعرف الديداكتيك باعتباره درا�سة علمية‪ ،‬ي�ضيف �أن هذا هو اجلانب‬
‫النظري فقط‪� ،‬أي �صياغة النماذج والنظريات‪ ،‬ولكن يف اجلانب التطبيقي « ي�سعى الديداكتيك‬
‫للتو�صل �إىل ح�صيلة متنوعة من النتائج التي �ست�ساعد كال من املدر�س وامل�ؤطر وامل�رشف الرتبوي‬
‫وغريهم ‪ ...‬على �إدراك طبيعة عملهم والتب�رص بامل�شاكل التي تعرت�ضهم مما يي�رس �سبل التغلب‬
‫‪27‬‬
‫عليها وي�سهل قيامهم بواجباتهم الرتبوية التعليمية على �أح�سن وجه»‬

‫يف نف�س ال�سياق يولف ديزوطيل التعريف الآتي للديداكتيك بقوله‪:‬‬

‫«�إنه علم تطبيقي يتخذ لنف�سه كمو�ضوع �إعداد وجتريب ا�سرتاتيجيات بيـداغوجـية تهدف �إىل تي�سري‬
‫‪28‬‬
‫متـكني الأ�شـخا�ص من �إجنـاز م�شـاريع تربـوية‪».‬‬

‫وا�ضح �إذن �أن الديداكتيك‪ ،‬و�إن كان ي�صبو من حيث املبد�أ �إىل �أن يكون درا�سة علمية تروم‬
‫املعرفة املجردة‪ ،‬ف�إنه يقرتب من البيداغوجيا من حيث الت�أثري‪� .29‬إنها مفارقة بالفعل‪ ،‬خ�صو�صا‬
‫‪30‬‬
‫�إذا ا�ستح�رضنا التمـييز الـذي قـام به مـاك�س فيـرب‪ Max weber‬فـي كـتابه‪« :‬العـامل وال�سـيا�سـي‬
‫« بني منطق العامل (بالن�سبة لنا الديداكتيكي) الذي يروم املعرفة اخلال�صة‪ ،‬وبني منطق ال�سيا�سي‬
‫(بالن�سبة لنا البيداغوجي) الذي يروم الت�أثري يف الواقع وتغيريه‪ .‬فحينما نروم الت�أثري يف الواقع‬
‫وتغيري وجهته �أو معاجلة ظواهر معينة نخرج من دائرة العلم �إىل دائرة ال�سيا�سة ح�سب ڤيرب‪ ،‬ويف‬
‫حالتنا‪ ،‬نخرج من الديداكتيك �أو العلم �إىل البيداغوجيا‪ .‬ويدخل يف هذا ال�سياق االنتقاد امل�شهور‬
‫الذي وجهه ماك�س فيرب للمارك�سية والتي تريد‪ ،‬يف نظره‪� ،‬أن جتمع بني كونها علما للمجتمعات‬
‫الب�رشية يدرك منطق �صريورتها من جهة‪ ،‬وبني كونها �سيا�سة لتغيري واقع هذه املجتمعات‪.‬‬

‫يبدو �أن هذه الثنائية بني اجلانبني التنظريي والتطبيقي للديداكتيك تتجه لت�صبح جوانب �أو منظورات‬
‫ثالث‪ ،‬فيطرح بالتايل ال�س�ؤال الآتي‪ :‬هل هذه املنظورات متناغمة؟ و�إذا كانت كذلك فهل تتكامل‬
‫‪:‬ورد عند‪25 A. Vergnioux, L. Cornu, La didactique en questions, C. N. R. P. 1992, p.42‬‬
‫‪26 Ch. Hadji, Penser et agir l’éducation, op. cit, , p. 158‬‬
‫‪ 27‬محمد الدريج‪ ،2011 ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.11 .‬‬
‫‪28 Desautel Jacques, Trempe Péerre-Lean, «Qu’est ce que la didactique ?» In Didactique en sciences‬‬
‫ترجمة‪ :‬رشيد بناني نفس المرجع‪ ،‬ص‪expérimentales 70 .‬‬
‫‪29 .Ch. Hadji, Penser et agir l’éducation, .op. cit.,‬‬
‫‪30 Max Weber, Le savant et le politique, plon, 1959, Traduction J. Frund.‬‬

‫‪127‬‬
‫‪31‬‬
‫على م�ستوى املمار�سة؟‬

‫الديداكتيك والقابلية للتربية‬


‫ال ي�شكل التعلم �أو املدر�سة كمجال اجتماعي للتعلم مو�ضوعان لعلم التدري�س‪ ،‬كما �أنهما لي�سا‬
‫من جماالت علم التدري�س‪ ،‬لكن التعلم �أ�سا�سي يف ت�أ�سي�س نظرية علم التدري�س كما �أن املدر�سة‬
‫‪32‬‬
‫�رضورية ومفيدة لكل ن�شاط تعليمي‪.‬‬

‫من البدهي �أن التدري�س نوع من التدخل الديداكتيكي والرتبوي عموما‪ ،‬وذلك �ضمن و�ضعيات‬
‫تعليمية تعلمية‪ .‬ولن يكون لهذا التدخل من معنى �إال بالنظر لنظريات �سيكولوجية و�سو�سيولوجية‬
‫حمددة ‪�...‬ألخ‪ ،‬جتعل من هذا التدخل �أمرا ممكنا‪ ،‬بل �أمرا ذا فعالية وذا �أثر يف �إحداث التغيري‬
‫الرتبوي والديداكتيكي املن�شود‪ .‬و�سنتحدث �ضمن هذه الإ�شكالية عن ثالثة جماالت ذات ارتباط‬
‫وثيق بالديداكتيك؛ وهي �سيكولوجيا النمو و�سو�سيولوجيا الرتبية والبعد الثقايف املغيب يف الغالب‪.‬‬

‫‪1.1‬التعلم ومجال سيكولوجيا النمو‬


‫من خالل ا�ستقراء النظريات يف هذا املجال جند‪� ،‬إجماال‪ ،‬منوذجني متناف�سني ب�صدد �إ�شكالية‬
‫عبــر عن‬
‫النمو العقلي والعام للفرد‪ .‬وي�ستند النموذجان �إىل افرتا�ضات قبلية متعار�ضة بحيث ُي َّ‬
‫كل منوذج بكلمة جمازية؛ وهكذا يحيل م�صطلح البلور‪ Cristal‬على النموذج الأول وم�صطلح‬
‫ال�رشارة ‪ 33 Flamme‬على النموذج الثاين‪:‬‬

‫فالنموذج الأول املتمثل يف البلور‪ « ،‬ومبا �أنه �صورة لثبات البنيات اخلا�صة وانتظامها‪ ،‬يقود‬
‫�إىل تف�ضيل احلقائق الداخلية واخلطاطات الفطرية‪ ،‬فيتم تعريف النمو على �أنه الك�شف مبعنى‬
‫الت�صوير الفوتوغرايف‪ ،‬وال دور للو�سط �سوى الك�شف عن بنية منبثقة من داخل الفرد‪ ،‬وكل‬
‫�شيء متوقف على الربنامج الداخلي (الربنامج الوراثي �أو اجلينة) ‪ ،34‬ويحيل هذا النموذج على‬
‫انتظام وتفاعل البنيات الداخلية ب�شكل تكون معه الت�صورات والتمثالت الــداخلـية هـي الأ�سـا�س‪،‬‬
‫وهنــا تكـون الأولـويـة للأ�شكـال الفطرية‪ ،‬وبالتايل تكون الرتبية �أوالديداكتيك حتديدا‪ ،‬باعتباره‬
‫تدخال ديداكتيكيا لإحداث النمو وعمال ق�صديا ي�ستهدف التغيري البيداغوجي‪� ،‬إما �أنه �أمر غري ذي‬
‫جدوى منطقيا �أو تكون جدواه يف الك�شف عن البنية الداخلية‪.‬‬
‫‪ 31‬يحيل فليب جونير وسوزان لوران على ثالثة منظورات هي ما سمياه‪ :‬ديداكتيك الممارسة ‪ Didactique praticienne‬وهي التي‬
‫يباشرها المدرس والممارس حيث تكون عالقته بالمعرفة في إطار ما يسمى النقل الديداكتيكي‪ ،‬والديداكتيك المعيارية‪Didactique‬‬
‫‪ normative‬التي ترتبط بالبرامج والمناهج الدراسية والتوجيهات التربوية الصادرة عن الوزارة‪ ،‬والديداكتيك النقدية‪Didactique‬‬
‫‪ critique et prospective‬التي يعتبرها الباحثون الجامعيون حقال معرفيا للدراسة والبحث‪Philippe Jonnaert, Suzanne.‬‬
‫‪Laurin. (Sous dir.) Les didactiques des disciplines. Un Débat contemporain, Presses de l’Université‬‬
‫‪.du Québc, 2001, p. 5‬‬
‫‪ 32‬محمد الدريج‪ ،2011 ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.17-18 .‬‬
‫‪33 Ch. Hadji, Penser et agir l’éducation, .op. cit., p.37‬‬
‫‪34 Ibid., p. 37-38‬‬

‫التدريس جملة كلية علوم الرتبية العدد ‪ – 7‬ال�سل�سلة اجلديدة – يونيو ‪2015‬‬
‫‪128‬‬
‫مفهوم الديداكتيك‪ :‬قضايا و وإشكاالت‬

‫و�أما النمودج الثاين املتج�سد يف ال�رشارة‪ « ،‬ومبا �أنها �صورة للدميومة ال�شاملة للأ�شكال اخلارجية‬
‫على الرغم من وجود حركية داخلية متوا�صلة‪ ،‬ف�إنه مييل �إىل تف�ضيل �سريورة التنظيم الذاتي‪.‬‬
‫وتكون التغريات كفيلة بخلق نظام جديد لي�س جمرد ك�شف خلطة تنظيمية خلفية‪ 35».‬يعطي هذا‬
‫النموذج �إذن �أهمية ق�صوى للعوامل اخلارجية (املحيط)‪ ،‬على الرغم من وجود ت�صورات ومتثالت‬
‫داخلية‪ .‬فخالل النمو تظهر بنيات جديدة تدخل يف �إطار املمكنات الكامنة يف البنيات الداخلية‪ ،‬ال‬
‫يف �إطار الأ�شكال الفطرية‪ .‬يف هذا الإطار يدخل منظور بياجي ‪ Piaget‬للعمل البيداغوجي‪ ،‬حيث‬
‫يكون للتدخل الديداكتيكي معنى يقوم على �أ�سا�س تفاعل البنيات الداخلية مع املحيط للدفع بالبنيات‬
‫الكامنة واملمكنة �إىل ال�سطح يف �إطار نوع من اجلدلية بني البنيات الذهنية واملمكنات‪.‬‬

‫على �أن من يج�سد هذا املنظور بجالء �أكرب هو الباحث الرو�سي ڤيكوت�سكي ‪ .Vygotsky‬فعلى‬
‫الرغم من التقاء بياجي وڤيكوت�سكي يف بع�ض اجلوانب �إال �أن بينهما اختالفا ال يت�ضح �إال بـ�إثارة‬
‫�إ�شكـالية النـمو والتعلم‪ .‬و�سنناق�ش هذه النقطة فيما بعد‪.‬‬

‫‪2.2‬المدرسة ومجال سوسيولوجيا التربية‬


‫عاجلت كثري من نظريات �سو�سيولوجيا الرتبية الف�شل �أو النجاح الدرا�سيني من وجهة نظر‬
‫�سو�سيولوجية‪ ،‬وفتحت املجال لدرا�سات و�أبحاث اتخذت اجتاهات وحتليالت متباينة ومتنوعة‬
‫تناولت املدر�سة بو�صفها م�ؤ�س�سة اجتماعية تربوية‪.‬‬

‫�أجمعت الدرا�سات التجريبية الكال�سيكية‪ -‬التي �أجنزت يف �إطار �سو�سيولوجيا الرتبية ‪ ،36‬وعلى‬
‫‪37‬‬
‫الرغم من الفوارق امللحوظة بينها‪ -‬على �أن النجاح الدرا�سي مرتبط مبتغري الأ�صل الإجتماعي‪.‬‬
‫ويرى بورديو وبا�رسون ‪� .Bourdieu et J. C. Passeron P‬أن الطبقة البورجوازية تعيد‬
‫�إنتاج نف�سها من خالل ثقافتها التي ت�شكل �صلب الثقافة املدر�سية‪ ،‬فهما يعتربان �أن الفعل البيداغوجي‬
‫هو عنف رمزي مفرو�ض من قبل �سلطة تع�سفية م�سنودة ثقافيا‪ ،‬وهو عنف رمزي بحكم �أن‬
‫عالقات القوة بني اجلماعات والطبقات املكونة لت�شكيلة اجتماعية تعترب �أ�سا�س هذه ال�سلطة التع�سفية‪،‬‬
‫‪38‬‬
‫وبحكم فر�ض تر�سيخ دالالت معينة بوا�سطة االنتقاء والإق�صاء ‪.‬‬

‫يف هذا املنظور تكون املدر�سة ذات و�ضع قدري‪ ،‬وال ميكنها �أن حتدث التغيري البيداغوجي‬
‫املن�شود‪ ،‬كما �أن التدخل الديداكتيكي ال يقوى على معاك�سة الواقع املتميز بالالتكاف�ؤ �أ�صال‪ ،‬بل‬
‫�أكرث من ذلك‪ ،‬قد يكر�س التدخل الديداكتيكي – ح�سب هذا املنظور‪ -‬الالتكاف�ؤ التعليمي‪ .‬وهكذا‬
‫‪35 Ibid. p. 38‬‬
‫‪ 36‬استند بورديو وباسرون في دراسة «الورثاء ‪ « Les héritiers‬الصادرة في الستينات من القرن الماضي‪ ،‬و « معاودة اإلنتاج ‪La‬‬
‫‪ ”reproduction‬الصادرة في بداية السبعينات إلى النظرية الماركسية‪ ،‬واعتبرا أن التربية‪ ،‬وهي أداة من أدوات السيطرة االجتماعية‬
‫واإليديولوجية‪ ،‬مؤسسة على العنف الرمزي الذي تضطلع به الطبقة االجتماعية المهيمنة‪.‬‬
‫‪37 M. Cherkaoui, Sociologie de l’éducation, Que sais-je ? P. U. F. Paris, 1989, p. 48‬‬
‫‪38 P. Bourdieu et J. C. Passero, La reproduction-Eléments pour une théorie d’enseignement. Les éditions‬‬
‫‪de Minuit, Paris, 1970, pp. 20-22.‬‬

‫‪129‬‬
‫يلعب التدخل الديداكتيكي بالتخ�صي�ص‪ ،‬والرتبية ب�صفة عامة‪ ،‬دور املحافظ على البنية املجتمعية‬
‫مبا فيها الرتبية والبيداغوجيا‪.‬‬

‫هذا بال�ضبط ما انتقده كتاب �آخرون مثل �سيندر ‪ ،39 G. Snyders‬الذي انتقد مفهوم ه�ؤالء‪،‬‬
‫�أي بورديو وبا�رسون وبودلو �إ�ستابليت ‪ 40 C Baudelot. et R. Establet‬املب�سط والقدري‬
‫للمدر�سة‪ ،‬و�أبرز �أن ما حتتاجه امل�ؤ�س�سة املدر�سية‪ ،‬هو حتريرها فقط من نزعتها ال�شكلية ال�سيا�سية‬
‫التعليمية‪.‬‬

‫و�أبدع برن�شتاين ‪ .Bernstein B‬يف كتابه « الطبقات‪ ،‬الرموز‪ ،‬واملراقبة» مفهومني من‬
‫خالل حتديده ل�صنفني من العائالت؛ �صنف �أول �سماه عائالت منبنية على الو�ضع‪Familles‬‬
‫‪ positionnelles‬تكون فيها القرارات مرتبطــــــة بالــــــــو�ضع الـــــرمزي لأعــــــ�ضاء‬
‫العـــــــائلة‪ ،‬و�صنـــــف ثــــــــان �سماه عـائالت موجهة نحو ال�شخ�ص ‪Orientées vers la‬‬
‫‪ personne‬وترتبط فيها القرارات بالو�ضع الثقايف للفرد‪ 41 ،‬كما حاول �إيجاد عالقة ما بني‬
‫�أمناط التعبري املعريف والبنيات الطبقية التـي تنعك�س على النجاح وتـ�ؤثـر يف �أمنـاط ال�سلـوكات‬
‫‪42‬‬
‫املـدر�سية واالجتـماعية للفــرد‬

‫عالوة على ذلك تطورت نظريات تبناها اقت�صاديون كال�سيكيون جدد ومدار�س �سو�سيولوجية‬
‫ركزت ال على املتغريات املرتبطة بالطبقة �أو الو�سط االجتماعي بل على املتغريات امل�ستقبلية للفرد‪.‬‬
‫يف هذا الإطار ميكن �إدراج بودون ‪ Boudon‬الذي حاول الربهنة على املفارقات التي تظهر عند‬
‫النظريات املف�رسة لعدم التكاف�ؤ يف الفر�ص التعليمية بعدم التكاف�ؤ االجتماعي؛ فهو يعترب �أن عدم‬
‫‪43‬‬
‫التكاف�ؤ يف الفر�ص التعليمية هو نتيجة �إرادات فردية مرتبطة بتطلعات امل�ستقبل‪.‬‬

‫‪3.3‬البعد الثقافي‬
‫لئن كانت نظريات التعلم حتيل على العوامل اخلارجية‪ ،‬ونظربات �سو�سيولوجيا الرتبية حتيل‬
‫على ال�سياق االجتماعي ف�إنهما ال ي�ستح�رضان البعد الثقايف‪/‬احل�ضاري‪ ،44‬وهو ما تتيحه نظرية‬
‫‪ 39‬يعتبر كتاب سنيدرز‪Ecole, Classe et Lutte des Classes : Une Relecture Critique de Baudelot-Establet, :‬‬
‫‪ .Bourdieu-Passeron et Illitch, Paris, P.U.F. Paris, 1976‬كما يدل على ذلك عنوانه قراءة نقدية للهؤالء المؤلفين‪ ،‬وحاول‬
‫فيه الرد على النقد الموجه إلى المدرسة واالعتراف لها بنوع من االستقاللية‪.‬‬
‫‪ 40‬استوحى بودلو‪-‬إستابليت‪ .L’Ecole capitaliste en France, Paris, Maspero, 1971 :‬النظرية الماركسية في تحليل دور‬
‫المدرسة‪ .‬واعتبرا أن ال وجود لوحدة في مستوى المؤسسة المدرسية في فرنسا‪ ،‬البلد الرأسمالي‪ ،‬وأن االنقسام هو ما يطبع هذه المؤسسة‬
‫المدرسية بين ثقافتين إحداهما بورجوازية مهيمنة والثانية بروليتارية‪ ،‬تقوم المؤسسة المدرسية بإعادة إنتاجهما‪.‬‬
‫‪.M. Cherkaoui, Sociologie de l’éducation, 1989, op. cit., p. 64 41‬‬
‫‪Ibid. p. 60 42‬‬
‫‪Ibid., p. 60 43‬‬
‫‪ 44‬نحيل بهذا البعد الثقافي الحضاري على االختالف بين المجتمعات حسب كونها غربية أو شرقية‪ ،‬متقدمة أو نامية‪ ،‬األقليات الدينية‬
‫والثقافية‪ ،...‬وهو بعد يجعل من المجتمعات اإلنسانية مجتمعات ذات خصوصيات متباينة ال شك أن لها انعكاسا على عالقة الفرد‬

‫التدريس جملة كلية علوم الرتبية العدد ‪ – 7‬ال�سل�سلة اجلديدة – يونيو ‪2015‬‬
‫‪130‬‬
‫مفهوم الديداكتيك‪ :‬قضايا و وإشكاالت‬

‫املعرفة‪ .‬على عك�س نظريات التعلم‪ ،‬ف�إن نظرية املعرفة تقوم على �أ�سا�س �أ�شمل يدمج ال�سياق‬
‫الثقايف‪/‬احل�ضاري الذي يتم فيه التعلم‪ ،‬ويعطي لهذا ال�سياق مكانته ودوره وحجمه يف التعلم‪� .‬أما‬
‫نظريات التعلم ف�إنها تنفي‪� ،‬ضمنيا‪ ،‬دور ال�سياق الثقايف‪ /‬احل�ضاري‪ ،‬وجتعل ح�صول املعرفة �أمرا‬
‫فرديا خال�صا �أو �أمرا مرتبطا باملحيط االجتماعي املبا�رش والقريب‪.‬‬

‫�ضمن هذه الإ�شكالية ينبغي ا�ستح�ضار ال�صعوبة التي يطرحها متف�صل البعد القيمي املتمثل يف غايات‬
‫الرتبية‪ ،‬املجتمع ‪...‬الخ مع البعد ال�سو�سيو�سيا�سي والعملي‪/‬الأداتي‪ ،‬ذلك �أن عدم التوازن‬
‫يف التمف�صل بني هذه املكونات قد ينتج عنه اختزال لدور الرتبية عموما يف جانب واحد من‬
‫اجلوانب‪.‬‬

‫يف �ضوء هذا الإ�شكال لن يكون البحث ال�سيكولوجي وال�سو�سيولوجي يف جمال الرتبية ذا معنى‬
‫�إال يف ظل �سياق ي�ستح�رض الأبعاد الثقافية يف مفهومها العام‪ .‬هكذا ت�أخذ م�س�ألة القابلية للرتبية‬
‫�أبعادها املحلية‪� ،‬أي املرتبطة بخ�صو�صية املجتمع والثقافة واحل�ضارة‪ .‬فالتعلم لي�س م�س�ألة تقنية‬
‫�أو �آلية ب�سيطة تتم وفق منبهات‪ ،‬وهو �أي�ضا لي�س بناء �سيكولوجيا فارغا‪ ،‬بل هو عملية تتم �ضمن‬
‫�رشوط اجتماعية وثقافية وذهنية تطبع عملية التعلم وت�سمها ب�سمات خا�صة‪ ،‬وهكذا لن يجدي‬
‫اجرتار وترديد النظريات ال�سيكولوجية وال�سو�سيولوجية التي �أنتجت يف جمتمعات �أخرى �إال‬
‫بقدر ما ت�شكل �إ�ضاءات ت�ستلزم الإبداع واحلفر يف �آليات التعلم �ضمن �رشوطها و�سياقاتها الثقافية‬
‫واحل�ضارية اخلا�صة‪.‬‬

‫اخلال�صة امل�ستقر�أة من حتليل عالقة الديداكتيك ب�سيكولوجيا النمو و�سو�سيولوجيا الرتبية والبعد‬
‫الثقايف �أنه لن يكون هناك معنى للتدخل الديداكتيكي �إال يف ظل نظريات �سيكولوجية و�سو�سيولوجية‬
‫معينة‪ .‬ومن هنا املفارقة بني الديداكتيك وبع�ض النظريات ال�سيكولوجية وال�سو�سيولوجية‪.‬‬

‫الديداكتيك بين التوجه البيداغوجي العام والتوجه‬


‫اإلبستمولوجي الخاص‪.‬‬
‫من املعروف �أن بيداغوجيا الأهداف باعتبارها توجها بيداغوجيا عاما انبثقت يف البالد‬
‫االجنلو�ساك�سونية‪ ،‬ومنها �إىل البالد الفرانكفونية‪ ،‬وقد ال نحتاج �إىل التذكري باملرتكز النظري‬
‫ال�سيكولوجي لهذه البيداغوجيا املتمثل يف املدر�سة ال�سلوكية عالوة على الأ�سا�س العام والعملي لهذه‬
‫البيداغوجيا واملتمثل يف العقلنة ‪ ،rationnalisation‬التي اعتربها ماك�س ڤيرب ال�سمة الأ�سا�س ‬
‫التي ميزت املجتمعات الغربية منذ بداية الع�صور احلديثة‪ ،‬والتي ات�ضحت ب�صورة جلية يف املجال‬
‫االقت�صادي‪.‬‬

‫بالمعرفة وعلى التصورات والتمثالت ومختلف السلوكات وغيرها‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫تزامنت �سريورة هذه البيداغوجيا‪� ،‬إن على م�ستوى التنظري �أو على م�ستوى املمار�سة البيداغوجية‪،‬‬
‫مع تطور نظرة بيداغوجية عامة ترى �رضورة �إعطاء الدور الأكرب لريا�ضة فكرية تكون فيها‬
‫املحتويات ذات دور ثانوي‪� ،‬أي �أنه يتم اال�شتغال على مهارات وقدرات قد تخرتق جميع‬
‫املواد الدرا�سية‪ ،‬بل ال تكون الأخرية‪� ،‬أي املواد الدرا�سية‪� ،‬سوى عامل م�ساعد على �إبراز هذه‬
‫القدرات‪.‬‬

‫يف هذا ال�سياق ميكن �إدراج ما �سمي بامل�صنفات البيداغوجية‪:‬‬

‫–بلوم ‪»،Bloom‬املجال العقلي»؛‬ ‫–‬


‫–كراثوول ‪»،Krathwool‬املجال ال�سو�سيووجداين»؛‬ ‫–‬
‫‪45‬‬
‫–�سمب�سون ‪»،.Simpson‬املجال احل�سي حركي»‪.)..‬‬ ‫–‬

‫وال�شك �أن هذا املنظور البيداغوجي العام مل يكن من�سجما مع لغة امل�صنفات فح�سب بل اعترب حال‬
‫�أي�ضا مل�شكل انفجار املعرفة والذي �أ�صبحت تعرفه جميع احلقول املعرفية‪.‬‬

‫كان هذا التطور البيداغوجي مت�ساوقا مع نظام الإنتاج وتنظيم العمل يف البلدان الر�أ�سمالية‪ ،‬حيث‬
‫كانت الطايلورية قد بلغت �أوجها‪ .‬وكان هذا النظام والتنظيم يتطلبان نوعا خا�صا من التكوين‬
‫يرتكز على التحكم يف الإجنازات الدقيقة وامل�ضبوطة امل�صاغة وفق �أهداف حمددة ودقيقة‪ .‬فال‬
‫غرابة �أن ن�شـهد مع هذه التحوالت انت�شار مفاهيم مثل‪ :‬الإجنازات‪ ،‬ال�سلوكات ‪...‬‬

‫و�سجل‪ ،‬خالل ال�ستينات من القرن ‪ « ،20‬عدد من ال�سو�سيولوجيني واملالحظني للواقع االجتماعي‬


‫�أهمية الطفرة املهنية التي كانت حت�صل‪ :‬نهاية الطايلورية وبروز طرق جديدة يف التدبري والتوا�صل‬
‫وت�سارع التحوالت االقت�صادية‪ .‬ومل يعد ي�سمح كل ذلك بت�صور تكوين مهني مرتكز على منوذج‬
‫�إ�رشاطي �صارم من �أجل التحكم يف الإجنازات التقنية‪ ...‬و�أ�صبحت كلمة التكيف هي عنوان‬
‫املرحلة‪ ،‬وبد�أ الت�أكيد على �أنه ينبغي تكوين الأ�شخا�ص وفق �أهداف �أ�شمل‪ ،‬كما �أ�صبح الرتكيز‬
‫على �أنه من املهم �أن يتوفر الأ�شخا�ص على تكوين �أ�سا�سي عام ميكنهم من اال�ستفادة مما ي�سمى‬
‫الفر�صة الثانية التي يتيحها التكوين امل�ستمر‪ .‬وهكذا بد�أ احلديث عن القدرات باعتبارها ا�شتغاال‬
‫ذهنيا يف و�ضعيات خمتلفة»‪ .46‬هذا هو �صلب التحول من بيداغوجيا الأهداف �إىل املقاربة بالكفايات‬
‫التي نعتت باجليل الثاين لبيداغوجيا الأهداف‪ ،‬حـيث �أخـذت مفاهـيم القدرات والكفايات‪ ...‬يف‬
‫االنـت�شار‪.‬‬

‫يعود هذا الإ�شكال‪� ،‬إ�شكال املحتوى الدرا�سي الذي جتاهلته البيداغوجيا العامة‪� ،‬إىل الظهور من‬
‫‪ 45‬هذه النماذج الثالثة هي المشهورة‪ ،‬على أن هناك مساهمين كثر بالنسبة لكل مجال‪ ،‬ويمكن االطالع على المضمون العام لمصنفات‬
‫هؤالء المساهمين في كتاب أجرأة األهداف البيداغوجية لبيرزيا ‪C. Birzea Rendre opérationnel les objectifs péda� :‬‬
‫‪gogiques, P.U.F. 1979, pp. 200-209‬‬
‫‪M. Develay Ph. Meirieu, Emile, reviens vite, ils sont devenus fous. op. cit., p. 138 46‬‬

‫التدريس جملة كلية علوم الرتبية العدد ‪ – 7‬ال�سل�سلة اجلديدة – يونيو ‪2015‬‬
‫‪132‬‬
‫مفهوم الديداكتيك‪ :‬قضايا و وإشكاالت‬

‫جديد يف �سياق النقا�شات البيداغوجية والديداكتيكية يف املجتمعات ال�صناعية بال�صيغة الإ�شكالية‬


‫التالية‪ :‬هل توجد مناهج وعمليات منطقية جمردة عن كل حمتوى‪ ،‬وقابلة للتعلم؟‬

‫البد‪ ،‬لتحليل هذا الإ�شكال‪ ،‬من الإ�شارة �إىل جتارب جرت منذ ال�سبعينات (من القرن املا�ضي)‬
‫دارت حول نف�س الإ�شكال‪ ،‬و�إن كانت لأهداف ويف �سياقات خا�صة‪ ،‬جرى بع�ضها يف فرن�سا‪.‬‬
‫‪47‬‬
‫كانت هذه التجارب تطمح �إىل �إيجاد تعلم منهجي خال�ص خارج ال�سياقات املعرفية‪.....‬‬

‫الواقع �أنه لي�س �إ�شكاال جديدا‪ ،‬كما �أنه لي�س وليد ال�سبعينات‪ ،‬فقد طرحه ڤيكوت�سكي يف الثالثينيات‬
‫من القرن الع�رشين‪ ،‬وانتهى �إىل �أنه ال توجد عمليات منطقية ومنهجية وفكرية �إال يف �سياق معرفة‬
‫ما‪� ،‬أي يف �إطار حمتوى ما‪ .‬وقد �أنتج يف هذا املجال لغة مفاهيمية خا�صة ارتبطت به‪ .‬فالتعلم‪،‬‬
‫يف نظر ڤيكوت�سكي‪ ،‬ال ميكن �أن يكون �إال يف �سياق معرفة ما‪ ،‬و�سماه تعلما حمليا �أو �سيـاقياـ‪A pÉ‬‬
‫‪� ،prentissage local‬أي �أنــه ال يـمكن ف�صـله عن ال�سـياق املعـريف املـرتـبط بــه‪ 48.‬وللرد على‬
‫من يعتربون �أن تعلم القدرات العامة التي توظف يف خمتلف الو�ضعيات املعرفية �أمر ممكن ي�ؤكد‬
‫�أن ما يوجد هو قدرات �صغرى‪ 49 Micro-expertises‬قد ت�شرتك فيها بع�ض احلقول املعرفية‪،‬‬
‫�إذ حينما تتوفر هذه القدرات ال�صغرى ميكن نقل القدرات من جمال �إىل �آخر‪� ،‬إال �أن الأمر‪ ،‬يف‬
‫نظره‪ ،‬ال يعني وجود قدرات عامة باملفهوم الذي مت تو�ضيحه �سابقا‪.‬‬

‫وقد جاءت بع�ض التجارب املعا�رصة‪ ،‬وهي جتريبية بالأ�سا�س‪ ،‬لتدعم هذه الفكرة‪ .‬يكفي االطالع‬
‫على التجربة امل�سماة با�سم « جان فران�سوا ‪ »J. Francois‬يف كتاب دفوالي‪ 50‬ليت�أكد دور املحتوى‬
‫يف بناء التعلم‪.‬‬

‫هكذا ف�إن التوجه االب�ستمولوجي‪ ،‬الذي يحيل على منطق املادة والتخ�ص�ص‪� ،‬أي املحتوى املعريف‬
‫واملنهجي للمادة‪ ،‬والذي يخرتق جمال الديداكتيك مل يكن مبح�ض ال�صدفة �أو �أنه نتيجة مو�ضة‬
‫علمية ومعرفية‪ ،‬بل �إنه موقف نظري ومعريف ذو جذور علمية وفل�سفية وا�ضحة‪ ،‬و�أكرث من ذلك‬
‫‪.Ibid., p. 146 47‬‬
‫ كمثال على ذلك ما سمي بـــ «ورشات التفكير المنطقي» «‪ »Ateliers de raisonnement logique‬و «برنامج التقوية األدواتية»‬
‫«‪»Programme d’enrichissement instrumental‬‬
‫‪Ibid., pp. 151 et 155 48‬‬
‫ طور ڤيكوتسكي في هذا السياق ما سمي بنطاق النمو األقصى‪ ).Zone proximal de développement (Z. P. D‬وسيتم توضيحه‬
‫فيما يلي من الصفحات‪.‬‬
‫‪M. Develay Ph. Meirieu, Emile, reviens vite, ils sont devenus fous. op. cit, p. 152 49‬‬
‫‪,.pp. 153, 154 . Ibid 50‬‬
‫ وقد ناقش دوفالي هذه التجربة بتفصيل في كتاب ‪De l’apprentissage à l’enseignement 1992 :‬‬
‫ وتحمل هذه التجربة اسم الطفل الذي‪ ،‬بعد أن عانى من مشاكل في التعلم في مادتي اللغة الفرنسية والرياضيات قرر أساتذة الفصل‬
‫االجتماع للتداول بشأن وضعيته؛ فقد كان هذا الطفل غير قادر‪ ،‬في مادة اللغة الفرنسية‪ ،‬على ربط اسم المفعول ‪Participe passé‬‬
‫في الجملة من مثل‪/ Je connais les amis que tu as rencontrés :‬أعرف األصدقاء الذين التقيتهم‪ .‬كما لم يستوعب التعدية‬
‫‪ Transitivité‬في الرياضيات‪ :‬من مثل حالة‪ ( :‬إذا كانت ‪ a=b‬و‪ b=c‬فإن ‪ ،) a=c‬ولكنه توفق في تمارين من نفس البنية والخاصية‬
‫في مادة علوم الحياة واألرض‪ ،‬وتهم تنظيم الدورة الغذائية مثل‪( :‬إن تدمير طائر السقاةوة‪ Buses‬يؤدي إلى تكاثر طائر الدخلة�‪Fau‬‬
‫‪ vettes‬حيث لن يقتلوا بدورهم العناكب‪ ،Araignées‬وبذلك تتمكن حشرة األرقة ‪ ،Pucerons‬في غياب من يقتنصها‪ ،‬من اإلضرار‬
‫بالتفاح‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫فقد كانت حماولة ت�أ�صيله جتريبيا‪ .‬فاملوقف الديداكتيكي �إذن هو موقف �إبي�ستمولوجي بالأ�سا�س ‬
‫ولي�س موقفا بيداغوجيا عاما‪ ،‬وهو موقف مت�أ�صل نظريا وجتريبيا‪.‬‬

‫الواقع �أن النقا�ش حول �إ�شكالية املحتوى مل يتوقف عند هذا احلد بل توا�صل عرب النقد املوجه �إىل‬
‫املنظور الديداكتيكي اخلا�ص باملواد الدرا�سية نف�سه‪ ،‬ذلك �أن البع�ض يرى ب�أن املحتويات‪ ،‬يف‬
‫‪51‬‬
‫التجارب التعلمية احلالية‪ ،‬تقوم مبا ي�شبه تهييء حامل رقمي ال�ستقبال املعلومات ‪Formater‬‬
‫فتحد بذلك من �إمكانيات املتعلم الإبداعية‪ ،‬وبذلك تلعب املحتويات دور الكابح لهذا الإبداع‪.‬‬

‫عالوة على ذلك يتحدث البع�ض الآخر عن �أزمة الثقافة املدر�سية من فرط تركيزها على املحتويات‬
‫التي ت�ستند يف م�رشوعيتها على العلوم امل�ؤ�س�سة �أكادمييا؛ مبا هي علوم تنتج يف �سياقات معينة‬
‫ووفق �أهداف وا�سرتاتيجيات خا�صة بها‪ .‬ت�رضب �أزمة الثقافة املدر�سية بجذورها �أوال يف التفكري‬
‫البيداغوجي الذي انتقد التعلم املرتكز على املواد الدرا�سية‪ ،‬حيث يتبلور اجتاهان يف هذا ال�صدد؛‬
‫�أحدهما يدافع عن تنظيم التدري�س ا�ستنادا �إىل املواد الدرا�سية‪ ،‬والآخر يعار�ض هذا التوجه ويدعو‬
‫�إىل اال�ستناد �إىل �رضورات التعلم ومتطلبات املتعلمني؛ وتتج�سد ثانيا يف �أزمة مترير املعارف‬
‫الناجتة بدورها عن و�ضع عدم تغري مو�ضوعات املعرفة مو�ضع ت�سا�ؤل‪ .‬عالوة على ذلك يقع‬
‫الإحلاح على خا�صية التعقيد الذي ت�سري فيه املعارف احلالية و�رسعة تقادمها للخلو�ص �إىل �أن بناء‬
‫الكفايات امل�ستعر�ضة ال ميكن �أن يتم يف �إطار املواد الدرا�سية بل يف التقاطع بينها‪ .‬وتتمثل �أخريا يف‬
‫كون �إمكانية بناء قدرات املتعلمني باعتبارهم مواطني امل�ستقبل ا�ستنادا �إىل املواد الدرا�سية �صارت‬
‫‪52‬‬
‫مو�ضع ت�سا�ؤل ونقد‪.‬‬

‫على �أن حممد الدريج يف �سياق حتليله لهذا الإ�شكال‪ ،‬وا�ستنادا �إىل لوجوندر‪ ،Legendre‬ي�شري‬
‫�إىل التمييز بني « الديداكتيك العامة التي ت�سعى �إىل تطبيق مبادئها وخال�صة نتائجها على جمموع‬
‫املواد التعليمية ‪ ...‬والديداكتيك اخلا�صة التي تهتم بتخطيط عملية التدري�س يف ارتباطها مبختلف‬
‫‪53‬‬
‫املواد الدرا�سية»‬

‫وبذلك يخل�ص �إىل �أن « درا�سة املادة التعليمية �إمنا تتم انطالقا من بعدين‪:‬‬

‫–بعد �إبي�ستمولوجي يتعلق باملادة يف حد ذاتها‪ ،‬من حيث طبيعتها وبنيتها ومنطقها ومناهج‬ ‫–‬
‫درا�ستها‪.‬‬

‫‪51 B. Donnadieu, M.Genthon, M. Vial, Les théories de l’apprentissage. Quel usage pour les cadres de‬‬
‫‪santé ? 1998, Inter Editions, Masson, Paris p.63.‬‬
‫‪52 Hervé Boillot, « La crise de la culture scolaire comme crise de l’institution scolaire et du système‬‬
‫‪d’enseignement.», In François Jacques-Francillon, Denis Kambouchner, (Sous dir.), La crise de la‬‬
‫‪culture scolaire. Origines, interprétations, perspectives. P. U. F. Paris, 2005, p. 160-161.‬‬
‫‪ 53‬محمد الدريج‪ ،2011 ،‬ص‪.18 .‬‬

‫التدريس جملة كلية علوم الرتبية العدد ‪ – 7‬ال�سل�سلة اجلديدة – يونيو ‪2015‬‬
‫‪134‬‬
‫مفهوم الديداكتيك‪ :‬قضايا و وإشكاالت‬

‫‪54‬‬
‫–بعد تربوي مرتبط بالأ�سا�س بتعليم هذه املادة ومب�شاكل تعلمها‪».‬‬ ‫–‬

‫خال�صة القول �أن النقا�ش بني التوجه الديداكتيكي اخلا�ص والبيداغوجي العام لي�س ب�سيطا لأنه‬
‫ي�ستحيل و�ضع حد فا�صل بينهما‪ ،‬فاهتمام الديداكتيكي ب�إ�شكالية املحتوى ودور املعرفة ال يكون‬
‫له معنى دون الأخذ بعني االعتبار التفاعل بني املدر�س والتلميذ‪ ،‬ونف�س الأمر ينطبق على احلالة‬
‫‪55‬‬
‫املعاك�سة‪.‬‬

‫من نظريات التعلم �إىل املقاربة الديداكتيكية ‪ :‬جتاوز م�أزق التب�سيط واالنفتاح على تعقيد عملية‬
‫التعلم ‪.‬‬

‫ميكن التمييز‪ ،‬فيما يخ�ص نظريات التعلم‪ ،‬بني �أربع مقاربات �أو �أربع جمموعات من النظريات‬
‫تدخل �ضمنها املقاربة الديداكتيكية‪:‬‬

‫‪1.1‬السلوكية‬
‫وهي الأ�صل النظري ال�سيكولوجي لبيداغوجيا الأهداف والتعليم املربمج‪ .‬وقد ركزت على درا�سة‬
‫التعلم من خالل مظاهره الوا�ضحة‪ ،‬وهي ال�سلوك املالحظ‪ .‬وت�ستند هذه النظرية �إىل ما ي�سمى‬
‫بالإ�رشاط ومبد�أي التكيف والتعزيز‪ .‬وعلى الرغم من �أن هذه النظرية لها تفريعاتها واجتاهاتها‬
‫ف�إنه ميكن القول‪ ،‬ب�إيجاز‪� ،‬أنها تعترب التعلم نتيجة للعالقة بني منبه وا�ستــجابة‪ ،‬هــذه العــــالقة‬
‫هي التي تعــمل علـى تكيـف الفـرد مـع حمـيطه باختـــيار ال�سلـوك الأجـدى واملنـا�سب للمنـبه‪.56‬‬
‫البد من �أن نالحظ �أن هذا ح�صل يف �سياق العقلنة التي غزت خمتلف مناحي احلياة يف الغرب‪،‬‬
‫وكان البد �أن تدخل املجال الرتبوي والتعليمي‪.‬‬

‫وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬ف�إن هذه النظرية انتهت �إىل اختزال وتب�سيط كبريين مل�س�ألة التعلم‪ .‬فقد‬
‫�أ�صبح ينظر للفرد‪� ،‬ضمن هذه النظرية‪ ،‬جمردا عن غائيته‪ ،‬وغري متفاعل مع حميطه‪ ،‬بل منفعال‬
‫ب�شكل �آيل للمنبهات اخلارجية‪ .‬وقد كان هذا من بني الدوافع التي جعلت ال�سيكولوجيني املعرفيني‬
‫يطورون اجتاهاتهم يف �أمل الك�شف عن �آليات التعلم يف �سريورته املعقدة‪.‬‬

‫‪2.2‬السيكولوجيا المعرفية‬
‫ابتد�أ ال�سيكولوجيون املعرفيون من حيث انتهى ال�سلوكيون‪� ،‬إذ حاولوا فك �شفرة ما ا�صطلح عليه‬
‫بالعلبة ال�سوداء‪ ،‬وهو ما يعني عدم االكتفاء بال�سلوكات الظاهرية التي اهتمت بها ال�سلوكية‪،‬‬

‫‪ 54‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪.19 .‬‬


‫‪55 Philippe Jonnaert, Suzanne Laurin. (Sous dir.) Les didactiques des disciplines. Un Débat contempo-‬‬
‫‪rain, Presses de l’Université du Québc, 2001, p. 4.‬‬
‫‪56 B. Donnadieu, M.Genthon, M. Vial, Les théories de l’apprentissage. Op. cit., , p. 41.‬‬

‫‪135‬‬
‫‪57‬‬
‫واالهتمام �أي�ضا بالعمليات العقــلية التــي تكــون وراء هــذه ال�سـلوكـات‪.‬‬

‫انطلق ه�ؤالء ال�سيكولوجيون من «فر�ضية وجود هند�سة معرفيـة على �شكل نظام للتمثالت ملعاجلة‬
‫املعلومات»‪ .‬ويتمظهر ذلك يف منوذج حل امل�شكالت ومنوذج اخلبري واملبتدئ(‪le novice et‬‬
‫‪« . ) l’expert‬فالفرد‪ ،‬يف هذا ال�سياق وح�سب بياجي‪ ،‬يوظف �شيماته‪ Schèmes‬وموارده‬
‫العقلية باعتبارها عمليات عقلية ومنطقية ريا�ضية ت�شحذ وتدقق يف �سياق ن�شاط الفرد وا�شتغاله على‬
‫املو�ضوعات»‪ .58‬على �أن هذه املقاربات التعلمية انتهت بدورها �إىل التب�سيط‪.‬‬

‫‪3.3‬مقاربة النمو‬
‫منيز يف هذا ال�صدد بني منظورين �أ�سا�سيني‪ ،‬الأول رائده بياجي‪ Piajet‬والثاين رائده‬
‫ڤيكوت�سكي‪.‬‬

‫يف البداية البد من التمييز بني املفهومني‪ :‬النمو والتعلم؛ فالأول ي�شري �إىل «�سريورة بنائية للن�شاط‬
‫العقلي با�ستعمال �إمكانيات جديدة للفهم وا�ستعمال طاقات كامنة يف �ضوء قيام الفاعل بن�شاط يف‬
‫و�سط ما �أو حميط ما‪ ،‬مع التقدم يف ال�سن»‪ ،59‬والثاين‪�« :‬إدماج لإجراءات ومعارف �أ�صبحت‬
‫‪60‬‬
‫ممكنة من طرف البنيات العقلية املهي�أة‪» .‬‬

‫تت�شكل املعرفة‪ ،‬يف نظر بياجي‪ ،‬من خالل تنظيم ذاتي مفتوح على �إمكانيات جديدة‪ ،‬وعن طريق‬
‫اكت�ساب �شيمات تتطور عرب مراحل النمو‪ .‬وبعد كل مرحلة منو‪ ،‬واكتمال �شيمات معينة‪ ،‬ي�صبح‬
‫التعلم ممكنا‪ 61 ،‬وهكذا ي�صبح التعلم تابعا للنمو‪ .‬وقد ُوظف هذا املبد�أ يف ممار�سات بيداغوجية‪،‬‬
‫وتربوية اع َتربت �أن التعلم ال ينجح �إال يف �سياق الأخذ بعني االعتبار ملراحل النمو‪ ،‬وهذا �أي�ضــا‬
‫‪62‬‬
‫منـظور خـطي ومنظور يفــرط يف تقديـر العــوامل الــداخــلية‪.‬‬

‫هذه امل�ؤاخذات‪ ،‬املتعلقة بالإفراط يف تقدير العوامل الداخلية‪ ،‬هي التي دفعت البحث يف اجتـاه‬
‫جديـــد �ضمـن ما عــرف بال�سيـكولوجيا االجتماعية ‪ .‬بحيث مل يعد ينظر للفرد ب�شكل منعزل‬
‫عن حميطه االجتماعي والثقايف‪ ،‬بل باعتباره فردا متفاعال مع هذا املحيط‪ ،‬وبالتايل تعزز دور‬
‫العوامل اخلارجية يف منو القدرات العقلية‪ ،‬يف مقابل العوامل الداخلية (يعد ڤيكوت�سكي من ممثلي‬
‫هذا االجتاه‪).‬‬

‫لقد انتقد هذا العال ِـم فكرة تبعية التعلم للنمو‪ ،‬و�أكد‪ ،‬عك�س ذلك‪� ،‬أن التعلم قد ي�رسع عملية النمو‪،‬‬

‫ ‪57‬‬ ‫‪Ibid., p. 48‬‬


‫ ‪58‬‬ ‫‪Ibid., pp. 48 49-‬‬
‫ ‪59‬‬ ‫‪Ibid., pp. 54‬‬
‫ ‪60‬‬ ‫‪Ibid., pp. 55‬‬
‫ ‪61‬‬ ‫‪Ibid., pp. 55-54‬‬
‫ ‪62‬‬ ‫‪Ibid., p. 56‬‬

‫التدريس جملة كلية علوم الرتبية العدد ‪ – 7‬ال�سل�سلة اجلديدة – يونيو ‪2015‬‬
‫‪136‬‬
‫مفهوم الديداكتيك‪ :‬قضايا و وإشكاالت‬

‫�إذا ما مت توظيف العوامل االجتماعية (اخلارجية)؛ فالطفل يتعلم مب�ساعدة الكبار ما الي�ستطيع تعلمه‬
‫وحده‪ .‬واملفهوم الذي �أبدعه ڤيكوت�سكي يف هذا ال�صدد هو نطاق التعلم املمكن واملرمز له عادة‬
‫بــــــــ ‪ ،.D. Z. P‬ومبقت�ضاه يتمكن الطفل من توظيف قدراته التي ن�ضجت‪� ،‬أو التي هي يف‬
‫طور الن�ضج‪ ،‬من �أجل تعلم �أ�شياء جديدة ب�شكل ي�ساهم فيه هذا التعلم با�ستباق النمو الالحق‪ .‬وهنا‬
‫ي�صبح النمو تابــعا للتعــلم ولي�س العـك�س‪ .‬لقد انتـهى ڤيكوتــ�سكي �إلــى ت�أكــيد �أن التعلــم قد ي�سبــق‬
‫‪63‬‬
‫النمــو كمــا قد يح�صـــل العكـــ�س‪.‬‬

‫‪4.4‬المقاربة الديداكتيكية‬
‫تكمن �أهمية هذه املقاربة يف كونها تعيد االعتبار �إىل املعرفة العلمية �ضمن العالقات البيداغوجية‪،‬‬
‫بحيث �إن طبيعة املعرفة مل تكن مو�ضوع ت�سا�ؤل جدي يف النظريات ال�سابقة‪ ،‬و�إن كانت �إ�شكالية‬
‫املحتوى واردة عند ڤيكوت�سكي كما ر�أينا‪ ،‬وهكذا ي�صبح جمال اهتمام املقاربة الديداكتيكية ذا �أبعاد‬
‫ثالثة؛ هي املدر�س واملتعلم واملعــرفة العـلمية فـي �شقها املنهجي �أ�سـا�سا‪� 64.‬إال �أننا ال نختزل املحتوى‬
‫يف املعارف واحلقائق املنتجة واجلاهزة‪ ،‬بل ننظر �إليه من زاوية �أو�سع ووفق مفهوم �أ�شمل و�أدق‬
‫وهي زاوية اجلانب املنهجي املرتبط ب�إنتاج املعرفة يف علم معني‪ .‬وهذا هو املنظور الديداكتيكي‬
‫الذي ي�ستوحي مو�ضوعه ومنهجه من املنهج التاريخي و�إبي�ستمولوجيته‪.‬‬

‫و�إذا كانت درا�سة املحتوى وكيفية تنظيمه و�آليات نقله �إىل املعرفة املدر�سية و�أ�شكال متثل هذه‬
‫الأخرية من طرف املتعلم تعترب من بني ان�شغاالت املقاربة الديداكتيكية‪ ،‬ف�إنها يف حاجة �إىل‬
‫جتاوز النظرة التب�سيطية وم�سايرة براد يغم ‪ 65‬التعقيد‪ .‬وتفرت�ض م�سايرة هذا الرباديغم يف املقاربة‬
‫الديداكتيكية التخل�ص من اعتبار الفرد جمرد مو�ضوع للمعرفة‪ ،‬وتغيري النظرة �إىل عالقة املدر�س ‬
‫بالتلميذ وت�صور الفاعل يف �سياقه الن�سقي‪ 66‬االجتماعي والثقايف ال يف �سياقه امل�ؤ�س�سي فح�سب‪ .‬وهذا‬
‫ما �أ�رشنا �إليه يف ما ي�سمى بالبعد الثقايف‪.‬‬

‫‪1-1-5‬البعد العلمي �أو �سيادة براديغم التعقيد ‪Complexité‬‬

‫والتعقيد هنا ال يحيل على ا�ستحالة فك �شفرة العنا�رص والعوامل بل يحيل على براديغم جديد حل‬
‫حمل براديغم الب�سيط الذي ينتمي �إىل العلم الكال�سيكي‪ ،‬والذي ازدهر منذ القرن ‪ 17‬وبلغ �أوجه‬
‫‪63 Ibid., pp. 57-58‬‬
‫‪64 Ibid., p. 61‬‬
‫‪ 65‬البراديغم‪ :‬مفهوم طوره باحثون إبستمولوجيون من بينهم طوماس كوهن‪ Thomas Kuhn‬في كتابه «بنية الثورات العلمية» الصادر‬
‫سنة ‪1962‬م وذلك إلبراز بعض أشكال القطيعة التي تميز تطور العلوم‪ .‬فهو عنده عبارة عن «مجموعة القوانين والتقنيات التي يمارس‬
‫بها الباحثون عملهم ويديرون نشاطاتهم»‪ .‬وبفضل هذا المصطلح تمكن كوهن من شرح وجهة نظره في تاريخ العلم‪ ،‬فرآه عبارة عن‬
‫تاريخ براديغمات متعاقبة مختلف واحدها عن اآلخر اختالفا إلى الحد الذي ال يمكن مقارنتها‪( .‬توماس كوهن‪ ،‬بنية الثورات العلمية‪،‬‬
‫ترجمة حيدر حاج إسماعيل‪ ،‬المنظمة العربية للترجمة‪ ،2007 ،‬ص‪ .)340 .‬فالبراديغم إذن نظرة جديدة إلى الكون والطبيعة تقضي‬
‫على نظرة سابقة تماما كما يحصل في الثورات السياسية‪.‬‬
‫‪ « 66‬النسق وحدة معقدة ومنظمة وهو كذلك مجموعة من العناصر المتفاعلة فيما بينها ديناميا والمنظمة وفق وظيفة أو وظائف لتحقيق‬
‫هدف أو أهداف»‪ ،‬الحسن اللحية‪ ،2006 ،‬ص‪312 .‬‬

‫‪137‬‬
‫خالل القرن التا�سع ع�رش‪.‬‬

‫قام براديغم التب�سيط على �أ�سا�س مفهومني هما نظام الكون واحلتمية‪ .‬وقد �أظهر العلم املعا�رص‪،‬‬
‫خالل القرن الع�رشين‪ ،‬حمدودية هذين املفهومني؛ فمن جهة مل يعد الكون نظاما فح�سب بل نظاما‬
‫وال نظام‪ ،‬ومن جهة �أخرى مل نعد نتحدث عن حتمية بل كل ما هنالك‪ ،‬وكل ما ميكن معرفته‪،‬‬
‫‪67‬‬
‫هو املحتمل وغري املحتمل‪ ،‬ومن هنا ي�صبح الكون مفتوحا وغري مغلق‪.‬‬

‫وهكذا لتجاوز التب�سيط يف نظريات التعلم ينبغي‪:‬‬

‫–�إف�ساح املجال للظواهر الال منتظمة �إىل جانب الظواهر املنتظمة؛‬ ‫–‬

‫–جتاوز احلتميات (منبه > ا�ستجابة)‪.‬‬ ‫–‬

‫و بذلك ت�صبح االجتهادات النظرية يف التعلم مفتوحة على نظريات �أخرى تتيح فهما �أعمق لعملية‬
‫التعلم‪.‬‬

‫ميكن �أن ن�ضيف �إىل هذا دعوات �إب�ستمولوجيي العلوم‪ ،‬والتي �سارت يف نف�س االجتاه؛ فهذا كارل‬
‫بوبر‪ Karl Popper‬يدعو لتجاوز النظريات ال�شمولية التي تدعي �إدراك الكون �أو التاريخ �أو‬
‫�أية ظاهرة �إدراكا نهائيا وكليا‪ ،‬بحيث �إن ما ي�ستطيعه الإن�سان‪ ،‬يف نظره‪ ،‬هو املعرفة القطاعية‬
‫اجلزئية‪ .‬وبهذا املعنى ال ميكن �إدراك الظاهرة االجتماعية يف �شموليتها‪ ،‬وبوا�سطة نظرية عامة‬
‫مثل املارك�سية �أو البنيوية �أو غريها من النظريات والنماذج ‪ ...‬بل بوا�سطة ما ي�سميه هند�سة‬
‫اجتماعية جزئية تركز على جانب من الواقع فح�سب‪ 68 .‬ويف هذا ال�سياق نفهم ملاذا قال �إدغار‬
‫‪69‬‬
‫موران ‪�« E. Morin‬إن الواقع هو ما ي�صمد �أمام العلم»‬

‫�إن النظريات امل�صاغة ب�صفة عامة حلد الآن حول الواقع‪ ،‬يف خمتلف جماالته‪� ،‬أ�صبحت تب�سيطية‬
‫ب�شكل مل يعد ي�سمح مبزيد من �إدراك هذا الواقع‪� .‬إنها �أ�صبحت عائقا اب�ستمولوجيا بتعبري غا�ستون‬
‫‪70‬‬
‫با�شالر‪. Gaston Bachelard‬‬

‫‪67 L. Bourguignon, Histoire et didactique. Les défis de la compléxité. Paris, C. N. D. P. 1998, pp. 7-8‬‬
‫‪ 68‬كارل بوبر‪ ،‬بؤس اإليديولوجيا‪ .‬نقد مبدأ األنماط في التطور التاريخي‪ ،‬ترجمة عبد الحميد صبره‪ ،‬دار الساقي بيروت‪ ،‬لبنان‪.1992 ،‬‬
‫ص‪73-114 .‬‬
‫‪69 Bourguignon, Histoire et didactique. … op. cit., p. 8‬‬
‫‪70 Ibid., p. 9-10‬‬
‫يلخص لنا إدغار موران ‪ E. Morin‬مفهوم التعقيد الذي ينبغي أن يغزو العلم المعاصر في ثالثة مبادئ هي‪:‬‬ ‫ ‬
‫– –مبدأ تكامل األضداد (ثنائية التضاد والتكامل)‪ : Principe dialogique‬ويقوم على أساس دمج فكرتي الصراع من جهة والتكامل‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬بحيث يتجاوز هذا المبدأ النظرة الدياليكتيكية التي تتأسس على الثالثي‪ :‬قضية – نقيض – تركيب‪ .‬وحسب مبدأ ثنائية‬
‫التضاد والتكامل فإن النظام والالنظام ال يتناقضان فحسب بل يتكامالن أيضا‪.‬‬
‫– –المبدأ االرتدادي‪-‬االرتكاسي ‪ : Principe récursif‬كان المنظور التبسيطي ينظر إلى السبب والنتيجة بشكل خطي وعازل بين‬
‫المكونين‪ ،‬فالسبب سبب والنتيجة نتيجة‪ .‬ويبقى األول دائما سابقا على التالي‪ .‬أما في منظور التعقيد فإن النتائج قد تصبح فاعال وتؤثر‬
‫في السبب الذي أنتجها‪ ،‬وهكذا تصبح النتائج أسبابا ونتائج في نفس الوقت‪ ،‬وتسمى هذه العملية الفعل االرتدادي‪.‬‬
‫– –مبدأ االشتمال ‪ :Principe hologrammatique‬يقتضي هذا المبدأ النظر إلى الجزء ال على أساس أنه جزء من كل فحسب‪ ،‬بل على‬
‫أساس أنه جزء يتضمن الكل‪( .‬مثــال الجينات التي تحتوي شفرات الكائن البشري)‪.‬‬
‫التدريس جملة كلية علوم الرتبية العدد ‪ – 7‬ال�سل�سلة اجلديدة – يونيو ‪2015‬‬
‫‪138‬‬
‫مفهوم الديداكتيك‪ :‬قضايا و وإشكاالت‬

‫ال يهمنا‪ ،‬من التذكري بهذه املبادئ‪� ،‬سوى ما ميكننا من ربط العالقة مع مو�ضوعنا الذي هو مفهوم‬
‫الديداكتيك‪ .‬نلم�س هذه النظرة املعقدة للمجال الرتبوي عموما عند �إدغار موران يف نقده للأ�سا�س ‬
‫املعريف للمنظومة الرتبوية املعا�رصة‪ ،‬يف حما�رضة �ألقاها باملركز الوطني للبحث العلمي بفرن�سا‪.71‬‬
‫وهو ال يق�صد نظاما تربويا لبلد بعينه بقدر ما يق�صد املدر�سة املعا�رصة يف املنظومات الرتبوية لبلدان‬
‫الغرب ب�شكل �إجمايل يحيل على القا�سم امل�شرتك لهذه املنظومات‪ .‬وهو حتليل يفيدنا يف مقاربة‬
‫مفهوم الديداكتيك العتباره حقال معرفيا يدر�س و�ضعيات التدري�س والتعلم‪.‬‬

‫ ‪ .2-4‬نقد الأ�سا�س املعريف للمنظومة الرتبوية عند �إدغار موران‬

‫يركز �إدغار موران على كون املنظومات الرتبوية احلالية‪ ،‬وخمتلف هند�سات الإ�صالح التي‬
‫تقوم بها‪ ،‬عاجزة عن �إدراك مطالب التعقيد امل�شار �إليها �آنفا ومتنا�سية لل�رشط الإن�ساين وغارقة يف‬
‫النفعية‪ .‬لذا فهو يرى �رضورة توفر ر�ؤية �شمولية يف �إ�صالح املنظومات الرتبوية وجتاوز النظرة‬
‫التجزيئية والتقنية املح�ضة لق�ضايا الرتبية والتعليم‪ .‬ويف هذا ال�سياق يعلن �أنه تعرف على �سبعة ثقوب‬
‫يف النظام الرتبوي احلايل‪ .‬ولن نقوم ب�إدراج �سوى ثقبني لهما عالقة جد وثيقة بالديداكتيك‪.‬‬

‫–الأول يركز فيه على �أنه بالرغم من �أن املدر�سة جمال لنقل املعارف �إال �أنه ال يتم‬ ‫–‬
‫الت�سا�ؤل عن‪ « :‬ما املعرفة؟» وهذا �س�ؤال جوهري‪ ،‬ذلك �أن املعرفة‪ ،‬يف نظره‪«،‬‬
‫لي�ست تلك ال�صورة املطابقة متاما ملو�ضوعها ‪ ،» ...‬بل هي « ترجمة معينة لواقع‬
‫خارجي و�إعادة بناء له‪ ».‬ويكون ذلك‪ ،‬يف نظره‪ ،‬بوا�سطة ما �أ�سماه �سريورة الثبات‬
‫الإدراكي « التي ت�ضمن �إمكانية �إعادة البناء التي نقوم بها يف عملية الإدراك‪ .» .‬لذلك‬
‫ف�إننا نواجه با�ستمرار مهمة �أ�سا�سية‪ ،‬وهي �رضورة تن�سيب املعرفة‪ ،‬وتعميم تدري�س ‬
‫هذا التن�سيب يف منهجنا وبراجمنا التعليمية‪ .‬وتلتقي فكرة موران هذه مع ما �أ�رشنا �إليه‬
‫�سابقا من �أن الواقع ال ينعك�س يف ذهن الدار�س �أو املحلل كانعكا�س ال�صورة يف املر�آة بل‬
‫‪72‬‬
‫هو توظيف لآليات فكرية ي�ستحيل معها الواقع �إىل متثل لهذا الواقع‪.‬‬

‫–الثقب الأ�سود الثاين‬ ‫–‬

‫ويرى من خالله �أن « املعرفة الوجيهة هي تلك التي نتعرف بوا�سطتها على القدرة على تنظيم‬
‫املعلومات وت�أطريها �ضمن �سياقها الذي يبقى �أهم من املعلومات يف حد ذاتها‪� « » ...‬إن م�شكل‬
‫تنظيم املعلومات يف نظر �إدغار موران م�شكل عوي�ص‪ ،‬وبدل �أن يواجه تدري�سنا هذا امل�شكل عن‬
‫‪ 71‬نشر النص الكامل للمحاضرة‪ ،‬والذي ترجمه ذ‪ .‬محمد رزنين لمجلة وجهة نظر‪ ،‬وأعيد نشره بالعدد ‪ ،11‬دجنبر ‪ 2004‬من رسالة‬
‫التربية والتكوين التي تصدرها وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين األطر والبحث العلمي في‪ ،‬ص‪ ،27 – 21 .‬تحت عنوان‪:‬‬
‫سبعة ثقوب سوداء أو نقد األساس المعرفي للمنظومة التربوية الحالية‪ .‬وسنقوم بتلخيص نص المحاضرة‪ .‬وسيوظف هذا النص من أجل‬
‫تحديد نقاط االلتقاء مع ما نحن بصدده‪.‬‬
‫ نشر هذا النص أيضا في مجلة المدرسة المغربية‪ ،‬العدد ‪ ،1‬ماي ‪ ،2009‬تحت عنوان المعارف السبع الضرورية‪ ،‬ترجمة حماني أقفلي‬
‫وعز الدين الخطابي‪ ،‬ص‪.145-157 .‬‬
‫‪ 72‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪21-22 .‬‬

‫‪139‬‬
‫طريق الو�صل بني التخ�ص�صات واملواد الدرا�سية والربط بينها‪ ،‬ف�إنه يتبنى منهاجا يف�صل بني‬
‫التخ�ص�صات واملواد الدرا�سية‪ ،‬وبذلك ي�ضعف القدرة التي تكون للإن�سان على و�ضع الأفكار يف‬
‫�سياقها التاريخي وت�أطريها الت�أطري املولد للمعنى‪» .‬‬

‫وعالوة على ذلك‪ ،‬يرى « ب�أننا يف حاجة لفكر ِي�ؤطر املعلومات وي�ضعها يف �سياقها‪ ،‬ويربط هذا‬
‫ال�سياق ب�أنظمته الكربى‪ ،‬علما ب�أن النظام الكبري اليوم لي�س هو النظام الوطني وال حتى اجلهوي‬
‫بل هو النظام الكوكبي‪ ».‬وهذا املعطى الأ�سا�س يف ع�رصنا هو ما يعجز نظامنا املعريف والرتبوي‬
‫عن متابعته وا�ستيعابه‪ ،‬فهو عاجز عن ربط املحلي بالكوين والكوكبي وا�ستخال�ص النتائج الرتبوية‬
‫‪73‬‬
‫لذلك‪.‬‬

‫خالصة‬
‫انتهينا �إىل �أن التعريفات يف جمال الرتبية ترتاوح بني الإحالة على الواقع وعلى درا�سة هذا الواقع‪،‬‬
‫وخل�صنا �إىل ر�صد امل�سافة بني التعريفني‪ .‬كما انتهينا �إىل �إن درا�سة الواقع التي تعني العلم ال تدعي‬
‫عك�س هذا الواقع ب�شكل �صاف مثلما تعك�س املر�آة ال�صور‪� .‬إن درا�سة الواقع هي بناء ذهني يف‬
‫منظور العلم املعا�رص‪ .‬وخري و�سيلة لتمثل وا�ستيعاب الواقع فهما وتف�سريا وتركيبا هي بناء مناذج‬
‫نظرية وحماولة درا�سة مدى اقرتاب الواقع من هذه النماذج النظرية‪ ،‬وهو ما �شكل خال�صة‬
‫�إ�سهام ماك�س ڤيرب‪ .‬وميكن يف هذا ال�سياق مقابلة هذه الفكرة مع م�ضمون الثقب الأ�سود الأول يف‬
‫حما�رضة �إدغار موران امل�شار �إليها يف نقد الأ�سا�س املعريف للمنظومة الرتبوية املعا�رصة‪.‬‬

‫وعلى الرغم من �أن العلم ال يدعي عك�س الواقع بال�شكل الذي تعك�س به املر�آة ال�صورة‪ ،‬ف�إنه يتوخى‬
‫املعرفة اخلال�صة بكل جتلياتها ومظاهرها‪ .‬فمعرفة واقع التدري�س والتعلم هي معرفية حم�ض‪� .‬أما‬
‫املمار�سة التدري�سية والبيداغوجية ف�إن جمالها هو الفعل‪ .‬وانتهينا �إىل �أن الديداكتيك و�إن كان من‬
‫حيث املبد�إ مييل �إىل املعرفة اخلال�صة ف�إنه يقرتب عمليا من البيداغوجيا حينما يروم الت�أثري يف‬
‫الواقع‪ .‬وعلى الرغم من �أن مفاهيم ومقت�ضيات العلم تفيد يف املمار�سة �إال �أن تعقيدات الواقع جتعل‬
‫�أمر هذه اال�ستفادة �أمرا ن�سبيا‪ .‬قد يجتمع الأمران‪� ،‬أي العلم والفعل‪ ،‬يف �شخ�ص واحد‪ ،‬لكن البد‬
‫من التمييز بني اللحظتني؛ حلظة الدرا�سة العلمية التي تهدف الإم�ساك بتالبيب الواقع من الناحية‬
‫النظرية‪ ،‬وحلظة الت�أثري يف الواقع التي تقت�ضي ا�ستح�ضار املعطيات العلمية والنظرية من جهة‪،‬‬
‫واملعرفة ب�رشوط الت�أثري يف هذا الواقع من جهة �أخرى‪ .‬ولذا ف�إن ا�ستنبات مقاربة ديداكتيكية ما‬
‫يقت�ضي ا�ستح�ضار هذه املفارقة‪.‬‬

‫�إن واقع التدري�س �أو التعلم �أو جمال الرتبية �أو البيداغوجيا ب�شكل عام تدر�سه علوم ي�صطلح‬
‫على ت�سميتها بعلوم الرتبية‪ ،‬وهي علوم ت�شمل خمتلف جوانب الفعل الرتبوي؛ �سواء منها اجلانب‬

‫نفس المرجع‪ ،‬ص‪22-23 .‬‬ ‫‪ 73‬‬

‫التدريس جملة كلية علوم الرتبية العدد ‪ – 7‬ال�سل�سلة اجلديدة – يونيو ‪2015‬‬
‫‪140‬‬
‫مفهوم الديداكتيك‪ :‬قضايا و وإشكاالت‬

‫ال�سيكولوجي �أو ال�سو�سيولوجي �أو الإب�ستمولوجي ‪ ...‬ويف كل جمال من هذه املجاالت اجتهادات‬
‫نظرية وميدانية قد تت�ضارب وتتنافر‪ .‬وما يطرح على املمار�سة يف امليدان الرتبوي والديداكتيكي‬
‫هو �رضورة االنتقاء من بني هذه النظريات واالجتهادات‪ ،‬لكن على �أ�سا�س �أي معيار؟ ولذا‬
‫ف�إن معيار القابلية للرتبية يظهر كم�صفاة لهذه النظريات واالجتهادات‪ .‬مثال حينما نقارن‪ ،‬يف‬
‫�سيكولوجيا الرتبية‪ ،‬بني بياجي و ڤيكوت�سك�سي �سنجد �أن الأول �أي بياجي ‪-‬الذي �أ�س�س ما ي�سمى‬
‫بالإب�ستمولوجيا التكوينية وحددها يف املراحل اخلم�س للنمو‪ -‬قد رهن م�س�ألة التعلم بالنمو‪� ،‬أي �أنه‬
‫ال ميكن تعلم �إال ما ت�سمح به البنيات املمكنة يف �سن معني �أو مرحلة معينة‪� ،‬أما ڤيكوت�سكي‪-‬الذي‬
‫�أبدع مفهوم نطاق التعلم املمكن – فقد حرر تبعية التعلم للنمو ن�سبيا بتقريره �أن املتعلم قد ي�ستبق‬
‫تعلما ما يف ظل تفاعالت اجتماعية وممار�سات حتفيزية‪ .‬وبالتايل يكون منظور ڤيكوت�سكي �أقرب‬
‫و�أن�سب �إىل املمار�سة الديداكتيكية‪ ،‬ويكون منظوره ذا ت�أثري يف هذه املمار�سة‪.‬‬

‫�إن الأثر الذي خلفه االهتمام ببيداغوجيا الأهداف عند البيداغوجيني واملمار�سني هو الإفراط‬
‫يف الهدفية ب�شكل جعل التفكري يف املحتويات وك�أنه �شيء ثانوي‪ .‬لقد حاولنا �أن نو�ضح نظريا‬
‫و�إبي�ستمولوجيا وجتريبيا على �أن م�س�ألة املحتوى املعريف مكون ال ميكن جتاهله يف عملية التعلم‪.‬‬
‫على �أن النظر �إىل املحتوى وفق هذا املنظور لي�س تراجعا �إىل اجلوهر التلقيني‪� ،‬أي كيفية �إي�صال‬
‫حمتويات معرفية معينة‪ ،‬بل �إىل اجلوهر املنهجي املرتبط بكل مادة درا�سية‪ .‬بعبارة �أخرى فبعد �أن‬
‫كانت امل�صنفات حتاول �إيجاد �أهداف ثم تلب�سها ملختلف املواد الدرا�سية (فهم‪ ،‬حتليل‪ ،‬تطبيق‪،)...‬‬
‫�أ�صبح الأمر يتعلق ب�إيجاد �أهداف م�صدرها املنهج امل�ستخدم يف �إنتاج املعرفة املرتبطة باملادة الدرا�سية‬
‫املعنية (املنهج التاريخي‪ ،‬املنهج اجلغرايف‪ ،‬منهج التفكري الفل�سفي‪ .)...‬وقد �أنهينا النقا�ش حول‬
‫هذه النقطة بكون االنتقاد املوجه �إىل �أ�صحاب بناء التعلم على �أ�سا�س املحتوى قاد �إىل احلديث عن‬
‫�أزمة الثقافة املدر�سية نف�سها و�أن الإفراط يف تقدير دور العوامل املعرفية قد يكون عائقا للتعلم‪.‬‬
‫وقد بدا �أخريا �أن ال تعار�ض يف العمق بني التوجه العام والتوجه اخلا�ص‪.‬‬

‫�إن منظور التعقيد الذي بد�أ يغزو مبفاهيمه ومبادئه خمتلف فروع املعرفة �سواء تعلق الأمر بالعلوم‬
‫احلقة �أو العلوم االجتماعية ميكن من جتاوز كثري من العوائق الإب�ستمولوجية التي حتول دون‬
‫التقدم يف فهم وتف�سري الواقع الرتبوي والديداكتيكي‪ .‬ومن هنا ف�إن منظور التعقيد يقت�ضي النظر‬
‫�إىل الديداكتيك باعتبارها علما ي�شق طريقه على م�ستوى املو�ضوع واملنهج‪ ،‬با�ستبعاد النظرة‬
‫املحدودة التي قد تختزله �إما يف التحليل الإب�ستيمولوجي للمادة �أو يف ال�سريورات العامة للتعلم‪...‬‬
‫�ألخ‪ .‬ويف هذا ال�صدد ن�ستح�رض الأبعاد الثالث يف علوم الرتبية لدوفوالي ومرييو‪- :‬البعد القيمي‪،‬‬
‫والبعد العلمي‪ ،‬والبعد العملي‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫المراجع‬
‫–�أوزي احمد‪ ،‬املعجم املو�سوعي لعلوم الرتبية‪ ،‬الدار البي�ضاء‪.2006 ،‬‬ ‫–‬
‫–بناين ر�شيد‪ ،‬من البيداغوجيا �إىل الديداكتيك‪ ،‬من�شورات احلوار الأكادميي اجلامعي‪،‬‬ ‫–‬
‫‪.1991‬‬
‫–بوبر كارل‪ ،‬ب�ؤ�س الإيديولوجيا‪ .‬نقد مبد�أ الأمناط يف التطور التاريخي‪ ،‬ترجمة عبد احلميد‬ ‫–‬
‫�صربه‪ ،‬دار ال�ساقي بريوت‪ ،‬لبنان‪.1992 ،‬‬
‫–جميل �إبراهيم‪ ” ،‬نظرة نقدية للثقافة املدر�سية“ �ضمن جملة الفكر العربي‪ ،‬العدد ‪ 24‬ال�سنة‬ ‫–‬
‫‪1981 ،3‬‬
‫–الدريج حممد‪” ،‬ما هي الديداكتيك؟“ جملة التدري�س‪ ،‬العدد ‪ ،7‬ال�سنة ‪� ،1984‬ص‪43- .‬‬ ‫–‬
‫‪.48‬‬
‫–غريب عبد الكرمي‪ ،‬الكفايات وا�سرتاتيجيات اكت�سابها‪ ،‬عامل الرتبية‪.2001 ،‬‬ ‫–‬
‫–كوهــن تومــا�س‪ ،‬بنيــة الثورات العلــمية‪ ،‬ترجـــمة حــيدر حـاج �إ�سماعيل‪ ،‬املنظمة‬ ‫–‬
‫العربية للرتجمة‪. 2007 ،‬‬
‫–اللحية احل�سن‪ ،‬مو�سوعة املفاهيم‪ .‬الألفاظ واملفاهيم واال�صطالحات‪ .‬مركز حقوق الإن�سان‪،‬‬ ‫–‬
‫‪.2006‬‬
‫–املروين املكي‪ ،‬البيداغوجيا املعا�رصة وق�ضايا التعليم النظامي‪ ،‬من�شورات كلية الآداب‬ ‫–‬
‫والعلوم الإن�سانية بالرباط‪� ،‬أطالل العربية للطباعة والن�رش‪.1993 ،‬‬
‫–موران �إدغار‪� ،‬سبعة ثقوب معرفية �سوداء‪ ،‬ترجمة الأ�ستاذ حممد رزنني‪ ،‬ر�سالة الرتبية‬ ‫–‬
‫والتكوين التي ت�صدرها وزارة الرتبية الوطنية والتعليم العايل وتكوين الأطر والبحث‬
‫العلمي‪ ،‬العدد ‪ ،11‬دجنرب ‪� ،2004‬ص‪.27 – 21 .‬‬
‫‪–– BIRZEA César. Rendre opérationnel les objectifs pédagogiques, P.U.F. 1979.‬‬
‫‪–– BOILLOT Hervé. « La crise de la culture scolaire comme crise de l’institution‬‬
‫‪scolaire et du système d’enseignement.», In François Jacques-Francillon, Denis‬‬
‫‪Kambouchner, (Sous dir.), La crise de la culture scolaire. Origines, interprétations,‬‬
‫‪perspectives. P. U. F. Paris, 2005, p. 159-178.‬‬
‫‪–– BOUMNICH Driss. Une pédagogie sans dechets, I. R. E. A. 1986.‬‬
‫‪–– BOURDIEU P. et PASSERON J. C., La reproduction-Eléments pour une théorie‬‬
‫‪d’enseignement. Les éditions de Minuit, Paris, 1970.‬‬
‫‪–– BOURGUIGNON Lucien. Histoire et didactique. Les défis de la compléxité. Paris,‬‬
‫‪C. N. D. 1998.‬‬
‫‪–– CHERKAOUI Mohamed. Sociologie de l’éducation. Que sais-je? P. U. F. Paris,‬‬
‫‪1989.‬‬

‫التدريس جملة كلية علوم الرتبية العدد ‪ – 7‬ال�سل�سلة اجلديدة – يونيو ‪2015‬‬
‫‪142‬‬
‫ قضايا و وإشكاالت‬:‫مفهوم الديداكتيك‬

–– CORNU Laurence VERGNIOUX Alain. La didactique en questions. C. N. R. P.


Hachette 1992
–– DEVELAY Michel, MEIRIEU Philippe. Emile, reviens vite, ils sont devenus fous.
E. S. F. Paris, 1992.
–– DEVELAY Michel, De l’apprentissage à l’enseignement, E. S. F. éditeur, Paris,
1992
–– DONNADIEU Bernard, GENTHON Michèle, VIAL Michel. Les théories de l’ap-
prentissage. Quel usage pour les cadres de santé? Inter Editions, Masson, Paris
1998.
–– HADJI Charles. Penser et agir l’éducation. E. S. F. Paris, 1992.
–– JONNAERT Philippe, LAURIN Suzanne. (Sous dir.) Les didactiques des discipli-
nes. Un Débat contemporain, Presses de l’Université du Québec, 2001.
–– LACOMBE Daniel. « Didactique » pp. 300-301 et « Didactique des disciplines. »
pp. 301-303 In Encyclopoedia Universalis, France, S. A. ,2002 , Corpus 7.
–– MIALARET Gaston. Les sciences de l’éducation. Que sais-je? P. U. F. Paris,
1991.
–– WEBER Max, Essais sur la théorie de la science, Plon, Trad. J. Freund, 1965. , Le
savant et le politique, Plon, 1959, Traduction, J. Frund.

143

You might also like