Professional Documents
Culture Documents
ملخص
Abstract
This research aims to study the يرمي هذا البحث إلى دراسة ما للمكان
place of the meanings in the
poetry of one of the most من دالالت في شعر أحد أهم الشعراء
important Mauritanian poets is
the poet Sidi Abdullah bin الموريتانيين هو الشاعر سيدي عبد هللا بن
Ahmed Dam, who was
associated with the place الذي ارتبط بالمكان ارتباطا شديدا،أحمد دام
strongly linked to love and فالشك أن المكان يمثل محو ار،حبا وبغضا
hatred, Flckk that the place is a
central axis of the axes revolve أساسيا من المحاور التي تدور حولها نظرية
around the theory of literature,
but the place did not It is غير أن المكان لم يعد مجرد خلفية،األدب
merely a background to literary
or artistic work. It has become عنصر
ا بل أضحى،للعمل األدبي أو الفني
a formative and formal
component of the literary text, شكليا وتشكيليا من عناصر النص األدبي شعريا
whether it is poetry or natria, ، بل ومن العمل الفني عموما،كان أم نثريا
or of artistic work in general,
and the interaction and وأصبح تفاعل العناصر المكانية وتضادها
contrast of spatial elements
constitute an aesthetic .يشكالن بعدا جماليا من أبعاد النص األدبي
dimension of the literary text.
We have adopted in this ولقد اعتمدنا في هذا البحث المنهج
research the psychological
approach based on the fact that النفسي القائم على أن اإلنتاج األدبي هو
literary production is a انعكاس لشخصية األديب وما يعتمل في
reflection of the personality of
the writer and his feelings. هذا مع اإلفادة من.نفسه من مشاعر
This, while benefiting from
other approaches, is useful. .المناهج األخرى كلما كان ذلك مفيدا
And followed the search
divided into: : واتبعت في البحث تقسيمه إلى
The first topic: psychological الدالالت النفسية:المبحث األول
and social implications of the
place in the poetry of Ibn واالجتماعية للمكان في شعر ابن أحمد دام
Ahmed Dam
In this subject, we aim to نرمي في هذا المبحث إلى تناول شعر ابن
address the poetry of Ibn
Ahmad Dam from a ،أحمد دام منظو ار إليه من زاوية نفسية واجتماعية
psychological and social
perspective, أما المبحث الثاني فننصرف فيه إلى
As for the second topic, we will تبيان الجوانب النفسية واالجتماعية التي
turn to the psychological and
social aspects reflected in the عكسها شعر الرجل في تفاعله مع ظروف
man's hair in his interaction
with the circumstances of his .حياته المضطربة
troubled life.
The first requirement: in the في السياق االجتماعي:المطلب األول
social and cultural context. . والثقافي
993
الشيخ أمحد املنى دالالت املكان يف شعر ابن أمحد دام
994
العدد السابع والثالثون 2018م جملة كلية اللغة العربية باملنصورة
منه ،وهو أعمق وأكبر وأهم من أن ينحصر وأما "باشالر" فينظر إلى المكان من
صر
في ما يمثله من ظرف ووعاء ،وأن ُيْقتَ َ زاوية االختالف في إدراك اإلنسان للزمان
فيه على البين الناتئ من مستوياته ،ألن كل وإدراكه للمكان ،فـ "إدراك اإلنسان للزمن
مناحي الحياة ومستوياتها وقطاعاتها ،بل إدراك غير مباشر ،فهو يتحقق من خالل
وكل مناحي النفس أيضا تشهد على حضوره فعل اإلنسان وعالقته باألشياء ،في حين أن
الكثيف ،وتعدد مظاهره ،وتفصح عن أثره، إدراك اإلنسان للمكان إدراك حسي مباشر،
وتدفع إلى اإلقرار بأنه جزء ال يتج أز من كل وهو يستمر مع اإلنسان طوال سني عمره،
الموجودات ( ).....وهو مصبها ومنطلقها، مما يؤكد حميمية العالقة التي تربط اإلنسان
وهو ترجمتها أيضا"(.)4 لحركة ومالزمتها ومباشرتها بالمكان
اإلنسان".
()3
995
الشيخ أمحد املنى دالالت املكان يف شعر ابن أمحد دام
997
الشيخ أمحد املنى دالالت املكان يف شعر ابن أمحد دام
998
العدد السابع والثالثون 2018م جملة كلية اللغة العربية باملنصورة
999
الشيخ أمحد املنى دالالت املكان يف شعر ابن أمحد دام
حضوره الفتا في األعمال التي تناولت غير مضبوط فالغالب أنه توفي بعيد سنة
الشعر الشنقيطي في هذا القرن وفي القرون ن()19
وله ديوان شعر مرقو ()18
1264ﮬ1848/م
التي تلته ( .)21فهو إذن ليس نكرة في الشعر ومؤلفات في العقيدة والفقه والحديث(.)20
الشنقيطي ،وإن لم يحظ ـ كما ألمحنا إلى وقد ضم هذا الديوان جل شعره
ذلك سابقا ـ بدراسات وبحوث كثيرة خاصة المحفوظ ،والذي يدل على أنه كان شاع ار
به. متمكنا من ناصية اللغة وكانت له شاعرية
إن المتتبع إلنتاجه الشعري ليعجب من ال تخطئها العين ،نحاول استجالءها في
حضور أغلب األغراض المعروفة في عصره المطلب التالي من هذا البحث.
من مدح ومديح وغزل وفخر ورثاء
ومساجالت وحنين إلى األهل والوطن وغيرها ـ الشعر الشنقيطي في القرن الثالث عشر، ()16
محمد المختار ولد اباه في كتابه "الشعر 1848م) خاطبه بأبيات وهو يحتضر .راجع:
والشعراء في موريتانيا" ،طبعة دار األمان د .أحمد جمال ولد الحسن ،الشعر الشنقيطي
بالرباط1424 ،ﮬ2003/م .وتناوله كل من في القرن الثالث عشر :مساهمة في وصف
الدكتور عبد هللا ولد محمد سالم ولد السيد في األساليب ،مرجع سابق ،ص.130.
()19
كتابه "الشعر الشنقيطي في القرن الثاني ـ حققه محمد رضوان هللا ولد محمد سالم،
عشر والثالث عشر الهجريين :دراسة في المدرسة العليا للتعليم ،نواكشوط1983،م.
المرجع والبنية والقراءة" ،مطبعة المنار، ( ))20ـ Mohamed El Mokhjar Ould Bah,
نواكشوط2008 ،م... .إلى غير هؤالء من La Litterature juridique et
l'evolution du Malikisme en
الباحثين. Mauritanie,Tunis,1982.
1000
العدد السابع والثالثون 2018م جملة كلية اللغة العربية باملنصورة
السبك وسالسة اللغة هذا على مستوى في ديوانه( .)22والمالحظ أنه في كل هذه
الشكل ،كما يتميز بصدق العاطفة وح اررتها، األغراض مجيد حتى ليخيل إلى المرء وهو
وكذلك بتعدد األغراض التي تناولها .ولعل يق أر مديحياته مثال أنه على المديح أقدر
ميزته األبرز هو التأثر بالشعر الجاهلي وأكثر تمرسا منه على ما سواه .وقل الشيء
على مستوى الشكل وبشعر صدر اإلسالم نفسه في المدح والغزل والحنين والمساجالت
على مستوى المضامين .ولذلك جاءت وبقية األغراض ،وهو أمر ال يتاح لكل
قصائده مضارعة لشعراء هذين العصرين الشعراء ،إذ يكون بعضهم في أحيان كثيرة
على وجه التحديد ،ولكنه إلى ذلك بقي أكثر تمكنا في غرض معين منه في
محافظا على شخصيته المميزة ،فلم يجتر األغراض األخرى .ويدل ذلك على أن
إنتاج ِ
متقدميه اجت ار ار بل مهره بطابع ذاته بالمقاييس ()23
صاحبنا كان بالفعل "شاعرا"
الشاعرة .ويمكن القول إن لشعر ابن أحمد التي كانت مسلطة على ()24
النقدية التقليدية
دام ميزات بارزة ،نلمح إلى بعضها إلماحا الشعر والشعراء في عصره الذي كان "عصر
إلعطاء صورة مقتضبة عن إمكانياته وقدراته كبار الشعراء"( .)25ويتميز شعره بالجزالة وقوة
الشعرية ،حتى يكون ذلك منطلقا لما نحن
بصدده من الحديث دالالت المكان في ـ راجع" :الوسيط في تراجم أدباء شنقيط" ()22
1001
الشيخ أمحد املنى دالالت املكان يف شعر ابن أمحد دام
1002
العدد السابع والثالثون 2018م جملة كلية اللغة العربية باملنصورة
ونكتفي بهذه النماذج التي نرى أنها تمثل عاطفة الرجل سواء وهو يذكر موطن أهله
شعر الرجل إلى حد بعيد ،سواء في حضور ومرابع صباه ،أو وهو يحن إلى تلك المواطن
شخصيته أو في صدق عاطفته أو في والربوع .ولعل بعض العبارات تنهض دليال
جزالته ،لننتقل إلى المطلب الثاني من هذا على ذلك من قبيل :زفرات ،الحشا ،نشيج،
()33
ـ سبق التعريف به في الهامش (.)14
( ))34ـ نفسه ،ص.292. ـ نفسه ،ص.290 . ()31
()35 ()32
ـ نفس المرجع ،نفس الصفحة. ـ نفسه ،ص.296 .
1003
الشيخ أمحد املنى دالالت املكان يف شعر ابن أمحد دام
خلفه لنا من تراث شعري كان المكان فيه المطلب الثاني :الدالالت النفسية
لحمة اإلبداع وسداه. واالجتماعية للمكان في شعر ابن أحمد دام:
ويمكن أن نلمس تلك الدالالت النفسية كان المكان وما زال أحد أهم أركان
للمكان في عدد من قصائده ،بيد أننا هوية الشاعر النفسية واالجتماعية ،وإحدى
سنكتفي باستعراض نماذج نراها دالة على ما المقومات الثقافية األساسية لكل تجمع
نحن بصدده ،فمن تجليات ذلك ما محضه إنساني .ومن هنا كان الشعراء يستدعون
من حب لوطنه ومالعب صباه وشبابه، المكان ليعكسوا من خالله انفعاالتهم النفسية
تجلى في حنينه الذي ال ينقطع إلى تلك وهمومهم االجتماعية ،ولم يكن ابن أحمد دام
الربوع .وعلى ذلك يمكن الحديث عن بعض إال واحدا من هؤالء حيث عكس شعره تلك
تلك التجليات: األبعاد فغدا لوحة ترتسم عليها ظالل وجدانه
التعلق بالمكان: وحياة مجتمعه.
عبر ابن أحمد دام عن تعلقه بالمكان أوال :الدالالت النفسية:
بصيغ مختلفة وبطرق متعددة ،فإن كان كان ابن أحمد دام شاع ار مرهف الحس
المكان وطنا طال الغياب عنه واشتد الحنين شفاف الروح ،لذلك حمل شعره أشواقه
إليه ،جاء التعبير عن التعلق به صادقا وحنينه ،حبه وتولهه كما حمله بغضه
ومباش ار مستندا إلى عبارات الحرقة والتمني وتبرمه ،نفوره وكرهه لألمكنة الكثيرة التي
والشوق ،من قبيل قوله: عاش فيها ،سواء كانت في وطنه أم في
أال ليت شعري هل إلى معهد النـوى مغتربه .وألن شاعرنا عاش حياة مضطربة
خالص من ايدي النأي والجوالن قوامها التنقل الدائب من مكان إلى مكان بين
وهل لي بجنبي تغرريت إلى الصفــا بالده موريتانيا وبالد السنغال التي مارس
إلى األجرع الغربي فالجـ ــرذان فيها التجارة واستقر بها برهة من الزمن ،فقد
إلى جنبتي ذي قسطل متن ـ ـزه وذلك التقلبات بتلك شعره اصطبغ
فإني إليها دائم الهيم ــان االضطراب ،فانطلق يعبر عن مشاعره
وتبدو لعيني بلدة وأحب ــة المتناقضة تبعا للحالة النفسية التي يعيشها،
()36
عداني قديما عنهما الملـ ـوان متخذا من المكان أداته التعبيرية
فقد رسم في هذه األبيات صور تعلقه على أن هذا التمزق الذي عاشه بين
وطنه وبالد الغربة ليس وحده مرد تلك
()36 العواطف الجياشة والعواطف المتدفقة ،ففي
ـ الوسيط في تراجم أدباء شنقيط ،مرجع
شعره ما ينهض دليال على أنه استصحب
سابق ،ص.220 .
شفافية الروح وحساسية النفس في كل ما
1004
العدد السابع والثالثون 2018م جملة كلية اللغة العربية باملنصورة
الذوبان واالهتزاز ال يكفيان للتعبير عن حبه بهذه األمكنة عبر كلمات مثل :ليت،
لتلك الربوع وتعلق نفسه بها ،فيبدأ تعدادها خالص ،هل لي....إلخ ،وكذلك من خالل
واحدا واحدا وكأنه يقول للقارئ :هذه آية تعداد أسماء األماكن فإللحاح على مدى
حبي لها وشوقي إليها :أن أذكرها بأسمائها الحنين والشوق :تَ ْغ َرَرْي َت ،الصفا ،األجرع،
واحدا تلو اآلخر ُليعَلم أن مشاعري نحوها الجرذان ،ذي قسطل .فابن أحمد دام هنا
صادقة ال شية فيها .ويبلغ تعلقه بتلك يعدد أماكن يعرفها حق المعرفة ،ويعبر عن
األماكن ذروته حين يقول :وأهتف شوقا شوقه إليها وتعلقه بها .فكان حديثه عنها
باسمها وأبوح....وعلى الرغم من أن هذه ينطلق من خلفية واقعية ،إذ كان يعود إلى
األماكن جميعا تقع في منطقة واحدة بإمكانه تلك الربوع من حين آلخر كلما أتيح له ذلك.
االستغناء بذكرها عن ذكر كل مكان على وفي نموذج آخر يستمطر ابن أحمد دام
حدة ،فإنه يأبى إال أن يذكرها كلها ،إذ ربما السماء ألماكن أخرى أبعد ،أماكن ال هي
كان في ذلك راحة لنفسه وهو يمرر كل اسم من مواطنه وإن كان يغشاها أحيانا زائ ار
على مسمعيه فيستحضر الذكريات المرتبطة ألهلها أو مريدا لمشايخها:
بكل مكان ،كل ذلك تعبي ار عن تعلقه بها تألق لماع الوميض لمــوح
وشوقه إليها. بذي السرح يخفى تارة ويل ــوح
هذا وبوسعنا استطراد نماذج أخرى من جال عن روايا بتن يمأدن مثلما
شعر ابن أحمد دام يكتنز فيها المكان ينوء مدانى الساعدين طليـ ــح
دالالت نفسية متنوعة ،لكننا أحجمنا عن سقى دمنا حول اللوي وأربعــا
ذلك خشية اإلطالة ،وألننا نعتقد أن في على الغار ثجاج الفواق سحوح
النماذج السابقة ما يقيم أود البحث فيما وجادت على أطالل زار مرب ــة
يتعلق بهذا الجانب .لذلك فإننا مولون وجهنا بها كل غراء الجبين دل ــوح
ـ في األسطر التالية ـ شطر الدالالت معاهد يرتاح الفؤاد لذكرهـ ــا
االجتماعية للمكان عند شاعرنا ،غير ناسين وأهتف شوقا باسمها وأبــوح
أن العالقة بين هذين النوعين من الدالالت وتعتادني منها طوارق لوعــة
قوية متشابكة ،وإنما نفرق بينهما تفريقا ()37
كما انقض رواع الرعيل جروح
منهجيا ال غير .ولهذا السبب ترانا نأتي
إن نفسه لتذوب شوقا ،وإن فؤاده ليهتز
بالنص الواحد في سياق الدالت النفسية
طربا لمجرد ذكر هذه األماكن ،وكأن ذلك
واالجتماعية معا لشدة التداخل بين البعدين
مما جعل الشاعر يطرقهما في القصيدة ـ نفسه ،ص.296. ()37
1005
الشيخ أمحد املنى دالالت املكان يف شعر ابن أمحد دام
1006
العدد السابع والثالثون 2018م جملة كلية اللغة العربية باملنصورة
حنينه لمبرح لتلك الربوع التي يتعاطى أهلها ولشدة هذه الغربة الثقافية نراه يفصل
األدب الرفيع والشعر الرقيق بعد إخضاعه جوانب العجمة لدى سكان مغتَربه ،فيأتي
لمقاييس نقدية صارمة ال تتساهل مع رديء بالتشبيهات الساخرة ،لدرجة أنه شبههم
األدب وال ركيك الشعر .هناك وهناك فقط بالقطا ،هذا في حين ُي ْج ِمل عند ذكر أهله
نفقت بضاعة الشعراء وراجت إبداعات واألرض التي نشأ بها ،فال يزيد على وصف
األدباء .فالمكان إذن مضمخ بالثقافة واألدب أهله بالعز والكرم ،وهي معاني ودالالت
يتعاطاهما مجتمع بدوي بسيط يمأل أوقات ترتبط بالشعر أيما ارتباط.
فراغه ـ وما أكثرها ـ بالشعر إنشاء وإنشادا، َهلِ َه ـ ـا
ض الَ أ ََود ِبأ ْ ْت ِبأ َْر ٍ َن َشأ ُ
وبالثقافة عموما إنتاجا واستهالكا: اس ِفي اْلِبالَِد َوأَ ْك َرَمـ ـ ـا َعز أ َُن ٍ أَ
وهل أراني في قوم إذا سمعوا اس تَ َخــالِني و َها أ ََنا أَس َعى َب ْي َن َن ٍ
ْ َ
من صائب القول مسرودا ِ ِ
ومنتث ار يث أ َْب َك َم ـا َحاد َ اضوا ْاأل َ َل َد ْي ِه ْم ِإ َذا َخ ُ
تمايلوا ميد صرعى قر ٍ
قف ورموا َ طا َق َذَف ْت ِبـ ِه َوتَ ْح َسُب ُه ْم ُوْر َق اْلَق َ
عن قوس أعينهم من قاله ش ــز ار َعَلى َس َد ٍم َقْف ِر اْل َج َبا َل ْو َع ُة الظ َمـ ـا
ُعجبا بذاك وال يغني تمايلهم َيَق ْع َن َف َما َي ْنَق ْع َن ِإال ِبُلجـ ـ ٍة
عن أن ٍة كاهتياج العاشق ادك ـ ار ()42
َغلِيالً َف َما تَ ْد ِري َب َكى أ َْم تَ َرن َمـا؟
هناك راج بليغ القول وانتُِبذت
له في هذه األبيات عن
أجم ُ
ولكن ما َ
()43
ُزيوفه غير معني بها ه ــذ ار
بالده وأهله ،فصله في أبيات أخرى يتوق
المكان االجتماعي:
فيها إلى العودة إلى وطنه وقومه الذين
نقصد بالمكان االجتماعي دالالت
يتنفسون الشعر واألدب ،عساهم ينسونه تلك
المكان في بعدها االجتماعي ،أي في عالقة
البالد ورطانات أهلها .إن شوقه لممض وإن
المكان بساكنيه .وألن الحياة االجتماعية
حبلى بالتطورات والتقلبات ،وباعتبار الشاعر
األنصاري الرويفعى اإلفريقى (المتوفى:
العربي لسان حال مجتمعه ،كان من
711هـ) ،لسان العرب ،دار صادر – بيروت،
الطبيعي أن يتفاعل ابن أحمد دام مع الطبعة :الثالثة 1414 -هـ ،ص.247 .
مجتمعه سلبا وإيجابا ،لذلك تنوعت دالالت ـ الماء المجموع في الحوض ،أو هو ما حول ()41
المكان في ظالله االجتماعية في شعره .وقد الحوض والبئر من التراب ،معجم المعاني،
تراوحت تلك الدالالت بين المقابلة بين األلكترونية، الطبعة
http://www.almaany.com
( ))42ـ الشعر الشنقيطي في القرن الثالث عشر،
( ))43ـ نفسه ،ص.356. مرجع سابق ،ص.356.
1007
الشيخ أمحد املنى دالالت املكان يف شعر ابن أمحد دام
الوهد ،األجارع ،المهمه .فكأن ابن أحمد دام الشرق والغرب باعتبارهما مكانين متناقضين
عمد إلى حشر هذه األماكن الوحشة في رمزيتهما بالنسبة للشاعر:
والمخيفة حشدا ،ليذكر قومه بأنه قادر على \أتيحت لغرب األرض مني زيارة
تحدي كل تلك الصعاب سبيال إلى زيارة أهله وفي الشرق أرض في المزار تنازع
()44
المهاجر.
َ في فالغرب هنا هو موطن الشاعر حيث أهله
ويتضح مدى الم اررة التي يشعر بها في وأحباؤه وأقرانه وهو مكان محبب لذاته ولما
هذا البيت الذي يكاد يشي بما يعتمل في يرتبط به من ذكريات عاشها مع خالنه،
نفس الشاعر من عتب على قومه الذين لم بينما الشرق هو بالد الغربة حيث زوجه
يقدروا عاطفته نحو أهله في بالد الغربة حق وأبناؤه وهو مكان مكروه لذاته محبب لوجود
قدرها ،لذلك أوالهما الصماء من أذنيه: أبنائه فيه .فزيارة الغرب أي الوطن هي زيارة
أأصغي وأفراخي قد اعرض دونهم للمكان ولمن في المكان ،أما التوق إلى زيارة
()45
عراض الفيافي والجبال الفوارع الشرق أي المهاجر ،فهو توق لزيارة من في
وال يكاد هذا العتب وتلك الم اررة يخفيان المكان وليس توقا إلى زيارة المكان نفسه.
استعطافا مبطنا عبرت عنه كلمة "أفراخي" وقد ورد هذا البيت ضمن قصيدة طويلة
التي تدل على الهشاشة والضعف في مقابل يعاتب فيها قومه الذين أرادوا تثبيطه عن
كلمة قوية موحشة من قبيل :الجبال الفوارع. السفر إلى إفريقيا إشفاقا عليه ،فوعدوه بالزاد
ولكنه ال يلبث أن يأوي إلى ركن من اإلقدام والرفيق .وبعدما تبين له مماطلتهم أزمع
يخرجه من لحظة الضعف اآلنية ،ويدفعه السفر ورفض أن يأخذ منهم أي مساعدة ،ثم
إلى اقتحام الصعاب والمخاطر ،يقول: أنشدهم تلك القصيدة التي يذكر فيها أماكن
فإني لمقدام على كل مهمه كثيرة محملة بالدالالت االجتماعية المتنوعة.
()46
يتيه به لو كان يغشاه رافع بيد أن دالالت األماكن التي يذكرها
ويحسن بنا أن ال ننهي هذا الحديث الشاعر في هذه القصيدة مألى بالم اررة
المقتضب عن المكان االجتماعي قبل والتحدي :الم اررة التي يشعر بها جراء خذالن
الدالالت من آخر لجانب التعرض قومه وتحدي أهوال الطريق وصعابها .ولهذا
االجتماعية للمكان لدى شاعرنا ،أال وهو كانت األماكن المذكورة في النص تحيل إلى
الخوف والوحشة ،فهي مفازات ،بالد شواسع،
بالقع ،عراض الفيافي ،الجبال الفوارع ،البيد،
( ))45ـ نفسه ،نفس الصفحة.
()46
ـ نفسه .295 ،ورافع صحابي كان من أشد
الناس هداية. ( ))44ـ الوسيط ،مرجع سابق ،ص.294.
1008
العدد السابع والثالثون 2018م جملة كلية اللغة العربية باملنصورة
المبحث الثاني :الدالالت القيمية للمكان تفاعله مع ما كان منتش ار في عصره من
في شعر ابن أحمد دام التصوف ،إذ كان هو نفسه مريدا للشيخ
َن ْن َكب في هذا المبحث على القيم الذي كانت حضرته من أشهر ()47
سيديا
التي عكستها دالالت المكان عند ابن أحمد الحضرات الصوفية في بالد شنقيط.
دام ،فنتناول في اللمطلب األول ما نسميه وتمتاز الدالالت االجتماعية للمكان هنا
بالقيم اإليجابية وفي الثاني ما ندعوه القيم بطابعها الديني الصوفي الذي يبالغ في
السلبية التي يدل عليها المكان ضمن دالالته إطراء الممدوح ،وهو أمر مفهوم من شاعر
المتعددة .ولنبادر إلى القول إن هذه القيم مريد ،يقول بعد مقدمة طويلة:
ليست مرتبطة بالمكان أصال وإنما يضفيها ناجيت فكري وقد أمعنت من نظري
عليه وجدان الشاعر عندما يعبر عن موقفه ثم استمر بي الرأي الذي اكتسب ــه
سلبا أو إيجابا ،تعبي ار عن حالة نفسية أن يممت شرف الدين الكمال بن ــا
معينة. علياء تعتسف اآلكام والهضب ــه
المطلب األول :المكان رم از للقيم حتى وضعت عصا سيري بباب فتى
اإليجابية يؤوي الطريد ويولي الراغب الرغبة
()48
1009
الشيخ أمحد املنى دالالت املكان يف شعر ابن أمحد دام
أال ليت شعري هل إلى معهد النــوى في غرب إفريقيا ومارس فيها التجارة وتزوج
خالص من ايدي النأي والجوالن وأنجب ،هذا في وقت كان أهله في بالد
وهل لي بجنبي تغرريت إلى الصفــا شنقيط أي موريتانيا الحالية ،لذلك عاش
إلى األجرع الغربي فالج ــرذان ممزقا بين مكانين كبيرين هما موطنه
إلى جنبتي ذي قسطل متنـ ـزه ومغتَربه تتفرع عنهما أمكنة أخرى قدر له أن
فإني إليها دائم الهيمـ ـ ــان يعرفها في فترة من فترات حياته ،فكان له
وتبدو لعيني بلدة وأحب ـ ــة بها ارتباط من نوع ما جعله يحن إليها ويعبر
عداني قديما عنهما المل ـوان
()51
عن ذلك شع ار يفيض رقة وصدق عاطفة.
أما المالحظة الثانية التي يمكن التعرض لها ومن أشهر نصوص الحنين لديه هذه
فهي أن تصوير الشاعر لحنينه إلى موطنه ال القصيدة التي كتبها وهو في بالد الغربة
وينفر منها
يكتمل إال بذكر األماكن التي يكرهها ُ معب ار عن حنينه وشوقه إلى مسقط رأسه
والموجودة في بالد الغربة ،فكأن المقارنة ومرابع صباه .ولنا مع هذه القصيدة ثالث
الضمنية بين المكانين حاضرة في ذهن الشاعر وقفات نضمنها ثالث مالحظات :أوالها أن
بشكل بارز عكسه هذا النص بجالء: الشاعر لم يقتصر على ذكر المكان
فيرأب ما أثأته أيام سـ ــالم األساسي الذي ولد فيه وترعرع ،وإنما ذكر
وأيامنا في ساحة السُن َغـ ـ ِ
ـان عدة أماكن مجاورة له ،فكأن نار الحنين
وأخرى أقمنا في قرى ُجُل َ
ف التي والشوق المتقدة في فؤاده ال يطفئها أو ال
أقمنا بها في ضيعة وه ـوان يخفف من لهيبها على األصح ،إال ذكر ما
فمن منظر تقذى به ورطان ــة
تصمك أخزى منظر ولس ــان ـ للتوسع يمكن الرجوع إلى د .الشيخ أحمد ()49
بالد رمتنا بينها ال محب ـ ــب المنى ،الحنين في الشعر الشنقيطي :ابن
1010
العدد السابع والثالثون 2018م جملة كلية اللغة العربية باملنصورة
"الجرذان" ،ومنها الباقي على صنهاجيته: على أننا عائدون ـ بشيئ من التفصيل ـ
"تَ ْغ َرَرْي َت" ،غدت مألوفة ومنسجمة مع غيرها إلى هذا التبرم ببالد الغربة وذكر مساوئها
من الكلمات العربية .وربما كانت ح اررة عندما حديثنا القيم السلبية في المطلب
عاطفة الشاعر قد صهرتها في بوتقة لغة الثاني من هذا المبحث بحول هللا وقوته.
الضاد ،فائتلفت مع باقي الكلمات أيما وأما المالحظة الثالثة فهي أن تقلب
ائتالف. الشاعر في الحياة في هذه األمكنة المتباينة
لقد ذكر الشاعر في هذه القصيدة عشرة صورتها نفسيا والمتباعدة أعالمها جغرافيا،
أماكن على األقل منها ما صرح باسمه: أسلمته إلى أن يستخلص من تجربته في
تَ ْغ َرَرْي َت ،الصفا ،األجرع الغربي ،الجرذان، التنقل الدائب بينها حكمة بالغة لعله أراد
ذو قسطل ،سالم ،السنغان وهو االسم القديم الركون إليها للتخفيف من معاناته:
لجمهورية السنغال ( ،)54((Senegalجلف ومن صحب األيام أنأين جاره
وهي منطقة سنغالية .ومن ()55
((Djoloff وأدنت له من ليس بالمتداني
()53
تلك األماكن التي لم يصرح باسمها وإنما وال يخفى ما تحمله هذه القصيدة من
رمز بها إلى بالده :معهد النوى ،بلدة .فهذه شوق مبرح إلى المكان الذي يجد فيه
أكثر من عشرة أماكن ذكرها في عشرة الشاعر الخالص من ربقة الغربة ،لكنه
أبيات ،وما هذا اإللحاح على المكان إال خالص متمنى ال متحقق وهو ما يعبر عنه
تعبير عن التعلق بتلك الربوع والشوق إليها، الشاعر بقوله :أال ليت......وهل لي؟ وهما
وهو شوق وتعلق يزيده تجلية بذكر بعض صيغتان مفعمتان بالتمني والتوق لكنهما
ديار الغربة وما تثيره في نفسه من م اررة. مفعمتان كذلك بالشك والخوف .كما أن كلمة
وبذلك يغدو المكان لدى ابن أحمد دام جزءا "خالص" تشي بمعاناة الشاعر في غربته،
أصيال من البناء الشعري وموضوعا للحنين وال يكون خالصه من تلك الغربة إال بالعوة
والشوق ،حتى يكاد موضوع الحنين الذي هو إلى موطنه .وإن حرص الشاعر على تعداد
اإلنسان من أهل وأحبة يتوارى تاركا للمكان األمكنة ليدل على شدة تعلقه بها وتوقه إلى
تصدر المشهد بل واحتكاره. العودة إليها أسرع ما تكون العودة .ويبدو لي
أن هذه األماكن وكلها صنهاجية ،منها
الغربي"، "األجرع "الصفا"، المعرب:
()54
ـ المقصود جمهورية السنغال الحالية التي تقع
في غرب إفريقيا وعاصمتها داكار.
ـ منطقة في شرق السنغال تعتمد على الزراعة ()55 ( ))52ـ نفسه ،ص.291.
()53
والتجارة وتربية الماشية. ـ نفسه ،نفس الصفحة.
1011
الشيخ أمحد املنى دالالت املكان يف شعر ابن أمحد دام
ومع أننا استعرضنا في المقاطع السابقة ولئن كان الحنين عادة ما يكون إلى ربوع
داللة المكان في الحنين ،فإن في المقاطع الوطن وساكني تلك الربوع ،فمن المالحظ
ذاتها أبعادا ودالالت أخرى يمكن التعرض أن ابن أحمد دام حن كثي ار إلى بالد الغربة
إلى بعضها في القيم األخرى .ففي التي طالما خلع عليها سيئ النعوت ،وما
النصوص التي تناولنا بعضها سابقا ونعرج ذلك إال لوجود أهله وولده فيها ،ومن ذلك
على بعضها اآلخر الحقا ،تتجاور في قوله في الحنين يصف حاله حين عاد إلى
النص الواحد األبعاد المختلفة لقيم الحنين بالده ومكث فيها ثم نازعته نفسه إلى أهله
واالنتماء والنفور والتبرم ،بحيث يغدو التفريق وولده في الغربة:
بينها ضربا من التمرين. أمر النوى منأى حبيب إذا دنا
ثانيا :االنتماء لوتك بمحبوب بالد شواس ــع
االنتماء إلى المكان ظاهرة هما طرفا ميزان شوق كالهم ــا
إنسانية قديمة متجددة طالما عبر عنها تطلقني أهواله وت ارجــع
التعبير وسائط بمختلف اإلنسان أتيحت لغرب األرض مني زيارة
المعروفة ومن أهمها الشعر .أما تعبير ()56
وفي الشرق أرض في المزار تنازع
الشعراء العرب عن االنتماء ألوطانهم
إن التمزق الذي يعيشه الشاعر بين
فحدث وال حرج ،فالمكان هو المستقر
مكانين وأهلين (بالد الوطن وفيها مرابع
وهو األمن والحماية وهو الذكريات
صباه وأهله وأحباؤه ،وبالد الغربة وفيها أهله
بحلوها ومرها ،لذلك فهو مقترن بالفعل
وولده) ،جعله يصور معاناته تصوي ار دقيقا
اإلنساني ليعكس الشاعر عبره خلجات
أشد ما تكون الدقة ،صادقا أشد ما يكون
نفسه وخطرات فؤاده وأحاسيس نفسه ،أي
الصدق:
تعلقه وارتباطه به وبكلمة واحدة انتماءه
هما طرفا ميزان شوق كالهما
إليه .وإن شئت فاق أر قول ابن الرومي: ()57
تطلقني أهواله وتراجع
وحبب أوطان الرجال إليهم
تلك صورة من صور الحنين إلى المكان
مآرب قضاها الشباب هنالكا
في شعر ابن أحمد دام ،وليست الصورة
إذا ذكروا أوطانهم ذكرْت ُه ُم
الوحيدة ولكننا نقتصر عليها داللة على قيمة
()58
عهود الصبا فيها فحنوا لذلكا
الحنين إلى المكان كما عكسها شعر الرجل.
()56
( ))58ـ أبو أحمد الحسن بن عبد هللا بن سعيد بن إسماعيل ـ الديوان ،مرجع سابق ،ص.52.
إسماعيل العسكري (المتوفى382 :هـ) ،المصون في ( ))57ـ نفسه ،نفس الصفحة.
1012
العدد السابع والثالثون 2018م جملة كلية اللغة العربية باملنصورة
وغني عن البيان أن في هذه األبيات ما إذن رأيت االنتماء إلى المكان في أبهى
يشي بقوة انتماء الشاعر إلى وطنه ،أال ترى صوره ،عبر استذكار الماضي الجميل الذي
أنه حشد فيها من أسماء األماكن وعبارات تختلط فيه صورة المكان بجميل الذكريات
التعلق ما فيه دليل على ذلك؟ من ذلك مثال: فتتقد في القلب نار الحنين المعبر عن
"معهد النوى"" ،تغرريت"" ،الصفا"" ،األجرع االنتماء القوي والتعلق المتين.
الغربي"" ،الجرذان"" ،ذي قسطل" هذا من وأما شاعرنا فقد برز االنتماء في شعره
األماكن ،أما من التعابير فيمكن ذكر" :أال برو از الفتا سبق أن ذكرنا بعض أسبابه ،ولعل
ليت شعري"" ،هل إلى معهد النوى"، ميزة انتمائه تعدد الصور التي يتجلى فيها .فقد
"خالص"" ،هل لي"" ،دائم الهيمان" .فحضور يتجلى في الحنين كما ذكرنا آنفا ،كما يتجلى في
كل هذه األماكن في ذهن الشاعر ،والتعبير التغني بالمكان ذاته أو بأهله ،بل ربما تجلى في
عن انتمائه إليها بمثل تلك العبارات مقارنته ببالد الغربة التي ال يكاد يتحدث عنها إال
المضمخة بالشوق والحنين واألمل في وذكر في مقابل ما يعبر عنه من نفور وضيق
العودة ،لهو دليل على االنشغال بهم الوطن وطنه وما له في نفسه من مكانة وتقدير
تجاههاَ ،
والتوق إلى لثم ترابه .ليس هذا فحسب، وتوق إلى الرجوع إلى ربوعه.
فكلمة "خالص" تكان تختصر معاناة الشاعر أما االنتماء كما عكسه الحنين فقد تناولنا
في مبارحته لوطنه الذي ال يرى للحياة طعما منه جانبا في األسطر السابقة فنكتفي بذلك،
إال على أديمه ،ومن هنا كانت هذه الكلمة لكن االنتماء للمكان كما تجلى في التغني به
حبلى بالدالالت المنفتحة في اتجاهين والتعلق بكل ذرة من ترابه فربما كان في
متناقضين :الخالص من بالد الغربة بما األبيات التالية ما فيه منه ُبْل َغة:
تمثله من قيم سلبية ،والخالص بالرجوع إلى أال ليت شعري هل إلى معهد النــوى
الوطن بما يمثله من قيم إيجابية قوامها خالص من ايدي النأي والجـوالن
الحب والطمأنينة واالنتماء. وهل لي بجنبي تغرريت إلى الصفــا
لكن االنتماء لدى ابن أحمد دام يتجاوز إلى األجرع الغربي فالجــرذان
المكان ال ليبتعد عنه بل ليبث في جوانبه إلى جنبتي ذي قسطل متـ ــنزه
الحياة من خالل قاطنيه الذين هم األهل فإني إليها دائم الهيمـ ــان
()59
1013
الشيخ أمحد املنى دالالت املكان يف شعر ابن أمحد دام
()60
( ))62ـ الشعر الشنقيطي في القرن الثالث عشر، ـ الشعر الشنقيطي ،مرجع سابق ،ص.292.
مرجع سابق ،ص.357. ( ))61ـ الديوان ،ص.66.
1014
العدد السابع والثالثون 2018م جملة كلية اللغة العربية باملنصورة
( ))63ـ الشعر الشنقيطي ،مرجع سابق ،ص.292. العناصر الثالثة تتراوح دالالت المكان
منظو ار إليه نظرة سلبية.
1015
الشيخ أمحد املنى دالالت املكان يف شعر ابن أمحد دام
1016
العدد السابع والثالثون 2018م جملة كلية اللغة العربية باملنصورة
المغترب أوصافا سلبية كثيرة وفصل أوجه موريتاني ،فكان كلما أوغل في تلك البالد
السوء في كل مكان على حدة ،أما هنا فقد وقابل في طريقه العائدين إلى الوطن ،شعر
أطبقت عليه الم اررة والمعاناة فلم يجد في بغصة فليته كان مثلهم عائدا إلى األهل
نفسه متسعا لذلك التفصيل فاكتفى بتعبير والديار ،لكنها مطالب الحياة تدفع المرء إلى
رائع يفي بالغرض وأكثر أال وهو "حلقة خاتم" خالف رغبته .وقد صور حالته النفسية وهو
التي تتيح للمتلقي تصور كل العيوب حتى على مشارف تلك المدينة التي ضاقت عليه
تلك التي لم تخطر للشاعر على بال. األرض بما رحبت لمجرد رؤيتها:
أفي الحق أني كلما مر قافـ ــل
ثانيا :التوق إلى الخالص من المكان طغت زفرات في الحشا ونشي ــج
على الرغم من إقامة شاعرنا في مناطق إفريقية ووارى غروب الدمع إنسان مقلتي
مختلفة ولمدة طويلة ،فإنه لم َي ِن يتوق إلى العودة فيا لمعين سال وهو مشيـ ــج
إلى بالده والخالص من براثن الغربة المكانية كذاك حسبت األفق حلقة خاتم
والثقافية التي عانى منها طويال .فال تلك اإلقامة ()67
غداة بدت من دير َ"ب ْي َر" بروج
الطويلة ،وال وجود زوجه وأوالده هناك ،استطاعت
وإن شئت فتأمل هذه العبارة "حلقة خاتم"
التخفيف من بغضه لتلك البالد كمكان للتجا ةر
فهي محملة بكل معاني الضيق والضجر
واالستقرار ،وال لسكانها الذين تواشجت بينه وبينهم
والتبرم ،كما أن فيها من هجاء المكان ما
األرحام ،فظل تواقا إلى حياة أخرى بين أهله
ينفتح في كل اتجاه .إنها رمز للغربة بكل
وعشيرته وفي ربوع وطنه .والتوق إلى الخالص
أبعادها الجغرافية والنفسية واالجتماعية
ملمح الزم شاعرنا في أغلب قصائده ،فلم يتبرم ببالد
والثقافية .وألن الغربة أصناف وألوان ،فإن
الغربة ويبين عيوبها ومساوئها إال وهو مستحضر
األماكن تتفاوت في درجة شعور المرء
ذلك التوق والشوق إلى بالده ،فمن ذلك قوله:
بالغربية فيها ،فكلما كان المكان أبعد عن
أال ليت شعري هل إلى معهد النـوى
الوطن األم كلما كانت وطأة االغتراب فيه
خالص من ايدي النأي والجـوالن
أقوى وأمض شأن مدينة "ب ْي َر" المذكورة.
وهل لي بجنبي تغرريت إلى الصفـا
ولذلك رأينا ابن أحمد دام يعزف عن تفصيل
إلى األجرع الغربي فالجــرذان
أوجه الغربة وأبعادها وقسوتها كما هو شأنه
إلى جنبتي ذي قسطل مت ــنزه
في قصائده األخرى حيث خلع على المكان ـ
فإني إليها دائم الهيم ــان
()68
( ))68ـ نفسه ،ص.290 . ) ـ الوسيط ،مرجع سابق ،ص.290. ()67
1017
الشيخ أمحد املنى دالالت املكان يف شعر ابن أمحد دام
()69
ـ نفسه ،نفس الصفحة.
1018
العدد السابع والثالثون 2018م جملة كلية اللغة العربية باملنصورة
تلك رحلة قصيرة في دالالت المكان في اس تَ َخـالِني و َها أ ََنا أَس َعى َب ْي َن َن ٍ
ْ َ
ِ
شعر ابن أحمد دام ،حاولنا خاللها التعرض يث أ َْب َك َمـا
َحاد َ اضوا ْاأل َ َل َد ْي ِه ْم ِإ َذا َخ ُ
ألوجه المكان وظالله كما عكسها شعر طا َق َذَف ْت ِب ـ ِهَوتَ ْح َسُب ُه ْم ُوْر َق اْلَق َ
الرجل .ونرى أن هذا البحث وضع صوى َعَلى َس َد ٍم َقْف ِر اْل َج َبا َل ْو َع ُة الظ َمـا
على طريق دراسة شعر الرجل عموما، َََق ْع َن َف َما َي ْنَق ْع َن ِإال ِبُلج ـ ٍة
ودالالت المكان فيه على وجه خاص ،مما ()70
ََِليالً َف َما تَ ْد ِري َب َكى أ َْم تَ َرن َما؟
يتيح للباحثين االطالع على بعض األفكار وكأن ابن أحمد دام ال يطمئن إلى
التي من شأنها أن تنير لهم الطريق. وضوح صورة هؤالء العجم ما لم يقرنها
بالصورة المغايرة ألهله وعشيرته حيث تروج
المطارحات األدبية والعلمية واإلعالء من
قيم الفصاحة والذوق الرفيع ،فيغدو التوق
إلى لقائهم واالستئناس بهم بعد طول وحشة
ومعاناة توقا إلى الخالص من تلك المعاناة
وتلك الوحشة .وهذا التوق إلى الخالص من
المكان ـ المغترب إلى المكان ـ الوطن تعبر
عنه كلمات من قبيل :هل أراني ـ أنة ـ
اهتياج ـ العاشق ـ هناك ـ راج ـ بليغ
القول...إلخ
َو َه ْل أ ََرِاني ِفي َق ْو ٍم ِإ َذا َس ِم ُع ـوا
َ
ودا َو ُم ْنتَِث َار ر س
َْ ْ َ ْ ُ ً م ِ
ل و ق لا بِ ِ
ائ صمْ َ ن ِ
ف َوَرَم ـ ْوا تَمايُلوا ميد صرعى َقرَق ٍ
َ َ َ َْ َ ْ َ ْ
َعُيِن ِه ْم َم ْن َقاَل ُه َش ـ َزَار س أَْع ْن َق ْو ِ
اك َوَال ُي ْغِني تَ َم ُايُل ُهـ ـ ْم
ُع ْجًبا ِب َذ َ
اش ِق اد َك ـ َار اج اْلع ِ عن أَن ٍة َك ِ
اهت َي ِ َ ْ َْ
يغ اْلَق ْو ِل َو ْانتََب َذ ْت ه َناك ر ِ
اج َبل ُُ َ َ َ
()71
ُزُيوُف ُه َغ ْي َر َم ْعِن ٍي ِب َها َه ـ َذ َار
1019
الشيخ أمحد املنى دالالت املكان يف شعر ابن أمحد دام
الجانب وتالفي ما شاب هذه المحاولة من تستكنه ما لها من أسباب وأبعاد ودالالت.
هنات ،حتى يكتمل تصورنا عن منزلة ـ أن قدرته على المزج بين اإلنسان
المكان ودالالته لدى الشاعر سيدي عبد هللا والمكان ال يضاهيها إال قدرته على الفصل
بن أحمد دام. بينهما لغايات تعبيرية محضة .فمثال عندما
يعبر عن شوقه ألهله في بالد الغربة فإنك
ال تجد ذك ار للمكان ـ المغترب إطالقا ،هذا
في الوقت الذي يلح فيه على ذكر المكان ـ
الوطن عند التعبير عن الشوق إليه والحنين
إلى ربوعه والتوق إلى العودة إليه .ولعل في
فصله التام ألهله في الغربة عن أي حيز
مكاني ،داللة على مستوى من القصدية ،إذ
يصعب أن يأتي ذلك عفو الخاطر ،خاصة أن
الشاعر كأنما "سلخ" أهله في بالد الغربة سلخا،
فلم يأت على ذكر المكان الذي فيه يعيشون
وفي نطاقه يتحركون.
وبعد فهذه محاولة لقراءة دالالت المكان
لدى شاعر من شعراء موريتانيا قلما حظي
شعره بما يستحقه من عناية الباحثين ،فلعلها
أن تكون صوة على طريق دراسة هذا
الشاعر والكشف عن جوانب إبداعية في
إنتاجه الثر .ويبقى على الباحثين تعميق هذا
1021
الشيخ أمحد املنى دالالت املكان يف شعر ابن أمحد دام
قائمة المراجع:
1ـ القرآن الكريم.
2ـ علي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني ،التعريفات ،تحقيق وضبط وتصحيح :جماعة
من العلماء بإشراف الناشر ،دار الكتب العلمية بيروت –لبنان ،الطبعة :األولى 1403هـ -
.1983
3ـ غاستون باشالر ،جماليات المكان ،ترجمة :غالب هلسا ،المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر،
.1984
4ـ بدر نايف الرشيدي ،صورة المكان في شعر أحمد السقاف ،رسالة ماجستير ،كلية اللغة العربية
وآدابها ،جامعة الشرق األوسط 2011 ،ـ42. ،2012
5ـ ابن األمين ،أحمد ،الوسيط في تراجم أدباء شنقيط ،مكتبة الخانجي في القاهرة ومكتبة منير
في موريتانيا ،مطبعة المدني ،القاهرة.1986 ،
6ـ أمل محسن العميري ،المكان في الشعر األندلسي ــ عصر ملوك الطوائف ،دار االنتشار
العربي ،الطبعة األولى.2012 ،
7ـ ِ
امرؤ القيس بن حجر ابن الحارث الكندي ،من بني آكل المرار (المتوفى 545 :م) ،الديوان،
تحقيق :عبد الرحمن المصطاوي ،دار المعرفة – بيروت ،الطبعة :الثانية 1425 ،هـ -
2004م.
8ـ علي الغريب محمد الشناوي ،الصورة الشعرية عند األعمى التطيلي ،الطبعة األولى ،مكتبة
اآلداب ،القاهرة.2003 ،
9ـ د .محمد مندور ،النقد المنهجي عند العرب ،مكتبة النهضة المصرية ،القاهرة.1984 ،
10ـ أبو الحجاج ،يوسف بن سليمان بن عيسى الشنتمري األندلسي المعروف باألعلم (المتوفى:
476هـ) ،أشعار الشعراء الستة الجاهليين.
11ـ أبو بكر محمد بن داود بن علي بن خلف األصبهاني ثم البغدادي الظاهري (المتوفى:
297هـ) ،الزهرة ،دار العلم للماليين ،بيروت ،لبنان.1979 ،
12ـ عبد الرحمن بن عبد هللا بن أحمد بن درهم (المتوفى1362 :هـ) ،نزهة األبصار بطرائف
األخبار واألشعار ،دار العباد – بيروت.1979 ،
Mohamed El Mokhtar Ould Bah, La Litterature juridique et 13ـ
l'Evolution du Malikisme en Mauritanie,Tunis,1982.
14ـ د .الشيخ أحمد المنى ،الحنين في الشعر الشنقيطي :ابن أحمد دام نموذجا ،مجلة العلوم
العربية واإلنسانية ،جامعة القصيم ،العدد ،4المجلد ،9يوليو 2016.
15ـ أحمد جمال ولد الحسن ،الشعر الشنقيطي في القرن الثالث عشر ،جمعية الدعوة اإلسالمية،
1022
العدد السابع والثالثون 2018م جملة كلية اللغة العربية باملنصورة
.1995
16ـ عبد هللا محمد سالم السيد ،الشعر الشنقيطي في القرنين الثاني عشر والرابع عشر ،ـ دراسة
في المرجع والبنية والقراءة ،مطبعة المنار ،نواكشوط2012 ،م.
17ـ الشيخ ولد سيدي عبد هللا ،نقد الشعر الفصيح عند الشناقطة ( 1700ـ 1960م) :الموقف
والممارسة ،منشورات اتحاد األدباء والكتاب الموريتانيين2013. ،
18ـ عبد هللا محمد سالم السيد ،المعارضة في الشعر الموريتاني ـ مدخل لدراسة االحتذاء عند
شعراء القرن الثالث عشر الهجري ، ،المطبعة المدرسية بالمعهد التربوي الوطني1995. ،
19ـ الخليل النحوي ،بالد شنقيط المنارة والرباط ، ،نشر المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم،
تونس1987. ،
20ـ الشيخ أحمد المنى ،الشعر السياسي الموريتاني في القرن العشرين :من المقاومة إلى
المعرضة ،قراءة في األساليب والمضامين ،أطروحة دكتوراه ،جامعة داكار.2010 ،
1023