You are on page 1of 13

‫خــــــطــــــة الــــــبــــــحث‬

‫مقدمة‬

‫تعريف الفضاء العمومي اإلسالمي‬ ‫‪)1‬‬


‫الفضاء العمومي في مرحلة ما قبل اإلسالم‬ ‫‪)2‬‬
‫الفضاء العمومي ومرحلة الدعوة المحمدية‬ ‫‪)3‬‬
‫الفضاء العمومي ومرحلة الخالفة الراشدة‬ ‫‪)4‬‬
‫الفضاء العمومي في العهد العباسي‬ ‫‪)5‬‬
‫الفضاء العمومي بعد نهاية حقبة االستعمار‬ ‫‪)6‬‬

‫خاتمة‬

‫قائمة المراجع‬
‫مــــقــــدمــــة‪:‬ـ‬
‫ال طالم‪+ +‬ا‪ +‬ك ‪++‬ان وم ‪++‬ا زال مفه ‪++‬وم الفض ‪++‬اء العم ‪++‬ومي‪ ،‬يس ‪++‬تقطب اهتمام ‪++‬ات وانش ‪++‬غاالت العدي ‪++‬د من‬
‫المفك‪++‬رين والفالس‪++‬فة‪ ،‬والمختص‪++‬ين في مختل‪++‬ف التخصص‪++‬ات والمج‪++‬االت‪ ،‬وذل‪++‬ك لم‪++‬ا يطرح‪++‬ه في ك‪++‬ل‬
‫تطور وتغير في س‪++‬يرورة حركي‪++‬ة المجتمع‪++‬ات اإلنس‪++‬انية‪ ،‬من قض‪++‬ايا وظ‪+‬واهر وإ ش‪++‬كاليات وتمظه‪++‬رات‬
‫وأش‪++‬كال وتبل‪++‬ورات‪ ،‬على مس‪++‬تويات مختلف‪++‬ة س‪++‬واء على مس‪++‬توى العالق‪++‬ات والتف‪++‬اعالت االجتماعي‪++‬ة أو‬
‫االتص ‪++ +‬الية‪ ،‬أو على مس ‪++ +‬توى المؤسس ‪++ +‬ات والهياك ‪++ +‬ل (من حيث أدواره ‪++ +‬ا ووظائفه ‪++ +‬ا)‪ ،‬أو س ‪++ +‬واء على‬
‫مستوى النظم السياسية‪ ،‬الثقافية‪ ،‬الدينية‪ ،‬األخالقية‪ ،‬القيمي‪++‬ة‪ ،‬البيئي‪++‬ة‪ ،‬الجغرافي‪++‬ة‪ ،‬الدبلوماس‪++‬ية‪ ،‬الدولي‪++‬ة‬
‫الب‪++ + +‬نى واألنس‪++ + +‬اق واألط‪++ + +‬ر العام‪++ + +‬ة‬
‫أو القض‪++ + +‬ائية‪....‬وغيره‪++ + +‬ا‪ ،‬وال‪++ + +‬تي له‪++ + +‬ا أهمي‪++ + +‬ة ودور في تحدي‪++ + +‬د ُ‬
‫وتصنفها وتسيرها وتفرقها عن بعضها البعض‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫للمجتمعات‪ ،‬بخصوصيات ومميزات تشخصها‬

‫فالفضاء العمومي باعتباره آلية ومتغير مادي أو معنوي‪ ،‬استعمل ووظف حسب خصوصيات‬
‫كل مرحلة& من مراحل المجتمع الذي وجد فيه‪ ،‬بحيث سيتم التط&رق في ه&ذا البحث الفض&اء العم&ومي‬
‫في العالم اإلسالمي‪ ،‬والتعرف على طبيع&&ة الفض&&اء العم&&ومي في&&ه‪ ،‬وكيفي&&ة تنظيم وتس&&يير المجتم&&ع‪،‬‬
‫وكيفيات االتصال والتفاعل فيها‪ ،‬إذ يُتخذ هذا المعنى كمؤشر لتحديد وتحليل فاعلية نشاط وديناميكي&&ة‬
‫العالقات والممارس&&ات المرتبط&&ة ب&االلتزام الجم&&اعي اتج&اه المجتم&ع‪ ،‬ومن&&ه نط&رح اإلش&كال الت&&الي‪:‬‬
‫ماهي طبيعة الفضاء العمومي في العالم اإلسالمي؟‬
‫تعريف الفضاء العمومي اإلسالمي‪:‬‬ ‫‪)1‬‬

‫إن مفه ‪++‬وم الفض ‪++‬اء العم ‪++‬ومي لم يظه ‪++‬ر كمص ‪++‬طلح في المفك ‪++‬رة السوس ‪++‬يولوجية األنثروبولجي ‪++‬ة‬
‫للمجتم ‪++‬ع الع ‪++‬ربي اإلس ‪++‬المي بش ‪++‬كل ملف ‪++‬وظ ومكت ‪++‬وب ‪ -‬عکس م ‪++‬ا وج ‪++‬د في المفك ‪++‬رة السوس ‪++‬يولوجية‬
‫االنثروبولوجي‪++‬ة للمجتم‪+‬ع الغ‪+‬ربي ‪ -‬تنظ‪+‬يرا واس‪+‬تعماال لغوي‪+‬ا‪ ،‬ألن‪++‬ه متواج‪++‬د‪ ،‬نش‪+‬ط‪ ،‬فع‪+‬ال‪ ،‬ق‪++‬ائم ب‪++‬أدوار‬
‫ومهم ‪++‬ات مختلف ‪++‬ة‪ ،‬يتط ‪++‬ور ويتح ‪++‬ول ويتبل ‪++‬ور من خالل أش ‪++‬كال وأنم ‪++‬اط والس ‪++‬لوكات‪ ،‬تماش ‪++‬يا وحركي ‪++‬ة‬
‫وانتقالية المجتمع العربي اإلسالمي‪ ،‬من وضعيات اتصالية ‪ /‬سياس‪+‬ة ‪ /‬اجتماعي‪+‬ة ‪ /‬ديني‪+‬ة قيمي‪+‬ة‪......‬‬
‫إلى وضعيات أخرى‪.‬‬

‫فم‪++ +‬ورس واس‪++ +‬تعمل ووظ‪++ +‬ف حس‪++ +‬ب طبيع‪++ +‬ة ونوعي‪++ +‬ة درج‪++ +‬ة ال‪++ +‬وعي الجم‪++ +‬اعي لعملي‪++ +‬ة تنظيم‬
‫وتسيير هذا المجتمع‪ .‬فكلما تغير أو تطور المجتمع العربي اإلسالمي بطريقة مفص‪+‬لية أو ال مفص‪+‬لية‬
‫‪1‬‬
‫إال وتغيرت وتطورت أشكال تمظهرات الفضاء العمومي‪.‬‬

‫حس‪++ +‬ب "ت‪++ +‬يري ب‪++ +‬اكوت" ‪ Thierry Paquot‬تطل‪++ +‬ق كلم‪++ +‬ة "فض‪++ +‬اء"‪ ،‬في اللغ‪++ +‬ة العربي‪++ +‬ة على‪:‬‬
‫مفهوم‪++‬ا‬
‫ً‬ ‫المك‪++‬ان‪ ،‬والفض‪++‬اء‪" ،‬الم‪++‬دى أو المج‪++‬ال من األرض"‪ ،‬ولكن ال ُيع‪++‬د أي من ه‪++‬ذين المص‪++‬طلحين‬
‫‪2‬‬
‫مبنيا على أساس فلسفي‪.‬‬
‫ً‬

‫هذه المصطلحات‪ ،‬الفضاء‪ ،‬المجال‪ ،‬الحيز والميدان‪ ،‬ال تثير كث‪+‬يرا من العوائ‪++‬ق الدراس‪++‬ية لم‪++‬ا‬
‫بينه ‪++‬ا من تقاطع ‪++‬ات داللي ‪++‬ة‪ ،‬واألم ‪++‬ر نفس ‪++‬ه بين ع ‪++‬ام وعم ‪++‬ومي وال ‪++‬ذين ج ‪++‬اءا في لس ‪++‬ان الع ‪++‬رب بمع ‪++‬ني‬
‫الش‪++‬امل‪ ،‬غ‪++‬ير أن كلم‪++‬ة عم‪++‬ومی تب‪++‬دو أنس‪++‬ب ل‪++‬داللتها على ك‪++‬ل م‪++‬ا ه‪++‬و مش‪++‬اع وعل‪++‬ني بين العام‪++‬ة وفي‬
‫‪3‬‬
‫متناولهم وهي بذلك عكس خاص‪.‬‬

‫‪ 1‬فلة بن غربية‪ ،‬في مفاهيمية "الفضاء العمومي" من المنظ&&ورين الغ&&ربي والع&ربي اإلس&&المي‪ ،‬مجل ة الحض ارة اإلس المية‪ ،‬الع&&دد ‪،15‬‬
‫جامعة وهران‪ ،‬الجزائر‪ ،2011 ،‬ص ‪.315‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Thierry Paquot, L’espace public, édition la découvert, Paris , 2009, p 60.‬‬
‫‪ 3‬يحيى هني‪ ”،‬اإلعالم الجواري وتشكل " الفضاء العمومي‪ -‬المواطن"‪ ،‬دراسة استكشافية حول عالقة اإلذاعات المحلية بالجمعيات المحلية إذاعة‬
‫مستغانم نموذجا” ‪ ،‬أطروحة دكتوراه في شعبة علوم اإلعالم واالتصال‪ ،‬جامعة عبد الحميد ابن باديس بمستغانم‪ .2019-2018 ،‬ص ‪143‬‬
‫الفضاء العمومي في مرحلة ما قبل اإلسالم‪:‬‬ ‫‪)2‬‬

‫ج ‪++ + +‬دير بال ‪++ + +‬ذكر أن أغلب مح ‪++ + +‬اوالت تط ‪++ + +‬بيق مفه ‪++ + +‬وم الفض ‪++ + +‬اء الع ‪++ + +‬ام في المج ‪++ + +‬ال السياس ‪++ + +‬ي‬
‫واالجتم ‪++‬اعي الع ‪++‬ربي لم تنجح في التح ‪++‬رر‪ +‬من اإلط ‪++‬ار النظ ‪++‬ري الكالس ‪++‬يكي ال ‪++‬ذي رس ‪++‬مه هابرم ‪++‬اس‪،‬‬
‫خالفا لذلك‪ ،‬يمكن أن نج‪+‬د في التجرب‪++‬ة التاريخي‪+‬ة للمجتمع‪++‬ات العربي‪++‬ة واإلس‪+‬المية أدوات تحليلي‪++‬ة لفهم‬
‫أعمق لما يمكن تسميته بالفضاء العام العربي‪.‬‬

‫يعتقد "عز الدين عبد المولى"‪ :‬أنه يمكن أن نالحظ على سبيل المثال‪ ،‬أن العرب قبل اإلس‪++‬الم‬
‫عرف‪++‬وا م‪++‬ا يس‪++‬مى بالفض‪++‬اء الع‪++‬ام األدبي‪ ،‬إذا اس‪++‬تعرنا جانب‪++‬ا من الجه‪++‬از المفه‪++‬ومي الهابرماس‪++‬ي‪ .‬ك‪++‬ان‬
‫ذلك الفضاء األدبي يؤمه أبرز الشعراء والخطباء من مختلف أنح‪+‬اء ش‪+‬به الجزي‪+‬رة‪ +‬العربي‪+‬ة والمن‪+‬اطق‬
‫المحيط‪++‬ة به‪++‬ا والقريب‪++‬ة منه‪++‬ا‪ .‬فس‪++‬وق عك‪++‬اظ‪ ،‬ال‪++‬تي تق‪++‬ع بين مك‪++‬ة والط‪++‬ائف‪ ،‬ك‪++‬انت هي الح‪++‬يز المك‪++‬اني‬
‫ل ‪++‬ذلك الفض ‪++‬اء وك ‪++‬انت تمث ‪++‬ل ب ‪++‬ؤرة النش ‪++‬اط االقتص ‪++‬ادي واالجتم ‪++‬اعي لقبائ ‪++‬ل الع ‪++‬رب في ذل ‪++‬ك العص ‪++‬ر‪.‬‬
‫هنال‪++‬ك ك‪++‬انت تعلن على المأل االتفاقي‪++‬ات بين القبائ‪++‬ل‪ ،‬وأس‪++‬ماء الزعم‪++‬اء الج‪++‬دد‪ ،‬واألحالف العس‪++‬كرية‪،‬‬
‫إلى غ‪++‬ير ذل‪++‬ك من الترتيب‪++‬ات العام‪++‬ة‪ 1.‬ب‪++‬ل إن لف‪++‬ظ "عك‪++‬اظ"‪ +‬في ح‪++‬د ذات‪++‬ه مشــتق مـن فـعـل "عك‪++‬ظ" ال‪++‬ذي‬
‫يع‪++ +‬ني ن‪++ +‬اظر وف‪++ +‬اخر‪ .‬وي‪++ +‬ورد ابن منظ‪++ +‬ور في ه‪++ +‬ذا المع‪++ +‬نى‪" :‬تعك‪++ +‬ظ الق‪++ +‬وم إذا تحبس‪++ +‬وا لينظ‪++ +‬روا في‬
‫أمورهم‪ ،‬وتعاكظ الق‪+‬وم تب‪+‬اروا ب‪+‬الحجج وتف‪+‬اخروا"‪ 2+.‬ل‪+‬ذلك‪ ،‬اش‪+‬تهرت س‪+‬وق عك‪+‬اظ في الت‪+‬اريخ العربـي‬
‫بوظيفتها األدبية والش‪+‬عرية أك‪++‬ثر مـن وظيفته‪+‬ا االقتص‪+‬ادية أو االجتماعي‪+‬ة‪ .‬لق‪++‬د ك‪++‬انت الق‪++‬درات اللغويـة‬
‫هـي المح ـــدد األساس‪++‬ي للمنافس‪++‬ة في ذل‪++‬ك الفض‪++‬اء والمؤه‪++‬ل ال‪++‬رئيس العتالء الش‪++‬عراء والخطب‪++‬اء من‪++‬بر‬
‫الس ‪++‬وق ومخاطب ‪++‬ة الجمه ‪++‬ور‪ ،‬بص ‪++‬رف النظ ‪++‬ر عـن انتمـاءاتهم القبليـة ومكانتـهم االجتماعي ‪++‬ة‪ .‬وك ‪++‬انت‬
‫أفض‪++‬ل القص‪++‬ائد والخطب وأكثره‪++‬ا إتقان‪++‬ا تعل‪++‬ق علـى جــدار بالس‪++‬وق إلش‪++‬هارها وتمكينه‪++‬ا من ال‪++‬رواج‬
‫لفترة أطول‪ .‬ونظرا لهيمنة النظام القبلـي على شبه جزيرة العرب قبل اإلس‪++‬الم‪ ،‬يص‪++‬عب الح‪++‬ديث عن‬
‫وظيف‪++‬ة سياس‪++‬ية للفضـاء الع‪++‬ام األدبي ال‪++‬ذي ش‪++‬كله س‪++‬وق عك‪++‬اظ مح‪++‬وره وح‪++‬يزه المك‪++‬اني‪ .‬له‪++‬ذا الس‪++‬بب‬
‫نفس‪++‬ه‪ ،‬ال يمكن تط‪++‬بيق النم‪++‬وذج الهابرماس‪++‬ي بخص‪++‬وص موق‪++‬ع الفض‪++‬اء الع‪++‬ام من الدول‪++‬ة ومن س‪++‬لطتها‬
‫العامة على الحالة‪ +‬العكاظية‪ 3.‬‬

‫‪ 1‬عز الدين عبد المولى‪ ،‬العرب والديمقراطية والفضاء العام في عصر الشاشات المتعددة بحث في دور الجزيرة‪ ،‬ط‪ ،1‬الدار العربية للعلوم ناشرون‪،‬‬
‫الدوحة‪ ،‬قطر‪ ،2015 ،‬ص ‪.102‬‬
‫‪ 2‬أنظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار الحديث‪ ،‬الجزء السادس‪ ،2003،‬ص ‪.385‬‬
‫‪ 3‬عز الدين عبد المولى‪ ،‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.102‬‬
‫الفضاء العمومي ومرحلة الدعوة المحمدية‪:‬‬

‫بعد مجيء اإلسالم‪ ،‬وفي السنوات األولى للبعثة‪ ،‬حافظت سوق عكاظ على وظيفته‪++‬ا األدبي‪++‬ة‬
‫والتواص‪++‬لية كفض‪++‬اء مفت‪++‬وح للج‪++‬دل الفك‪++‬ري والنق‪++‬اش الع‪++‬ام ولكن بمحت‪++‬وى تغلب علي‪++‬ه الص‪++‬بغة الديني‪++‬ة‬
‫والعقائدي‪+‬ة؛ فالرس‪+‬ول محم‪+‬د‪ ،‬ص‪+‬لى اهلل علي‪+‬ه وس‪+‬لَّم‪ ،‬ظ َّ‪+‬ل يرت‪+‬اد الس‪+‬وق لعش‪+‬ر س‪+‬نوات متتابع‪+‬ة لع‪+‬رض‬
‫رس ‪++ +‬الته وتبليغه ‪++ +‬ا لزعم ‪++ +‬اء القبائ ‪++ +‬ل وأتب ‪++ +‬اعهم‪ .‬وبع ‪++ +‬د ذل ‪++ +‬ك بس ‪++ +‬نوات قليل ‪++ +‬ة‪ ،‬ب ‪++ +‬دأ دور عك ‪++ +‬اظ يض ‪++ +‬مر‬
‫‪1‬‬
‫وتراجعات‪ +‬مكانتها بين قبائل العرب وفقدت موقعها‪.‬‬

‫فبمجيء اإلسالم الذي أرسى قواعد وأشكال جدي‪++‬دة للفض‪++‬اء العم‪++‬ومي‪ ،‬ح‪++‬دثت تغ‪++‬يرات جذري‪++‬ة‬
‫بتجدي‪++‬د العه‪++‬د والتنظيم‪++‬ات ش‪++‬كال ومحت‪++‬وى‪ ،‬وباس‪++‬تبدال قيم الفض‪++‬اء العم‪++‬ومي ال‪++‬تي ك‪++‬انت مس‪++‬يطرة في‬
‫المرحل‪++‬ة م‪++‬ا قب‪++‬ل اإلس‪++‬الم والمتمثل‪++‬ة في العص‪++‬بية‪ ،‬بقيم ديني‪++‬ة م‪++‬أخوذة من الكت‪++‬اب وس‪++‬نة الرس‪++‬ول علي‪++‬ه‬
‫الصالة والسالم‪.‬‬

‫لق ‪++‬د تمثلت أهم تجلي ‪++‬ات الفض ‪++‬اء العم ‪++‬ومي في المرحل‪+ +‬ة‪ +‬المحمدي ‪++‬ة في التنزي ‪++‬ل ك ‪++‬أهم فض ‪++‬اء عم ‪++‬ومي‬
‫م‪++‬رجعي قاع‪++‬دي عقائ‪++‬دي‪ ،‬في تحدي‪++‬د وتس‪++‬هيل وتوض‪++‬يح العالق‪++‬ات بين جمي‪++‬ع أف‪++‬راد المجتم‪++‬ع‪ ،‬والكيفي‪++‬ة‬
‫‪2‬‬
‫التي ينظمون بها حياتهم العامة سواء في العبادات أو المعامالت‪.‬‬

‫وانطالق‪+‬ا من ه‪+‬ذا الفض‪+‬اء العم‪+‬ومي الش‪+‬امل ولك‪+‬ل ص‪+‬غيرة أو كب‪+‬يرة موجه‪+‬ة لإلنس‪+‬ان من رب‬
‫العالمين‪ ،‬انبثقت جمي‪+‬ع الفض‪+‬اءات العمومي‪+‬ة األخ‪+‬رى المص‪+‬وغة والم‪+‬أخوذة من‪+‬ه‪ .‬ألن‪+‬ه فض‪+‬اء عم‪+‬ومي‬
‫محكم‪ ،‬منزل ناقشا وطارحا‪ +‬قضايا المخلوقات في عالقاتها مع اهلل وعالقتها فيما بينها‪.‬‬

‫إن مفاهمي ‪++‬ة اس ‪++‬تعمالية مغ‪++‬زی ومض‪++‬مون الفض‪++‬اء العم‪++‬ومي تمثلت وازده ‪++‬رت في بداي‪++‬ة بن‪++‬اء المدين‪++‬ة‬
‫المنورة‬

‫عز الدين عبد المولى‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.103‬‬ ‫‪1‬‬

‫فلة بن غربية‪ ،‬في مفاهيمية "الفضاء العمومي" من المنظورين الغربي والعربي اإلسالمي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.317‬‬ ‫‪2‬‬
‫وال‪++‬تي أرس‪++‬ى قواع‪++‬دها الرس‪++‬ول علي‪++‬ه الص‪++‬الة والس‪++‬الم‪ ،‬حيث ك‪++‬انت هج‪++‬رة الرس‪++‬ول ص‪++‬لى اهلل علي‪++‬ه‬
‫وسلم إليها نقط‪++‬ة بداي‪+‬ة تبل‪++‬ور فك‪+‬رة الدول‪++‬ة اإلس‪+‬المية‪ ،‬ألن‪+‬ه عك‪++‬ف على تنظيم الحي‪+‬اة العام‪+‬ة للن‪+‬اس من‬
‫جميع جوانبها‪:‬‬

‫الدينية‪ :‬االعتص‪++‬ام بتع‪++‬اليم ال‪++‬دين اإلس‪++‬المي قاعدت‪++‬ه ومنهج‪++‬ه التنزي‪++‬ل الحكيم (الق‪++‬رآن)‪ ،‬واتب‪++‬اع‬ ‫‪‬‬
‫خطوات الرسول الكريم عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫األخالقيــة‪ :‬نش ‪++‬ر مب ‪++‬ادئ ال ‪++‬دين اإلس ‪++‬المي المبني ‪++‬ة على المس ‪++‬اواة والت ‪++‬آخي‪ +‬والع ‪++‬دل والتراض ‪++‬ي‬ ‫‪‬‬
‫والتضامن والتكافل االجتماعي‪.‬‬
‫السياســــية‪ :‬إدخ ‪++ + +‬ال فك ‪++ + +‬رة تنظيم الحكم السياس ‪++ + +‬ي‪ ،‬أساس ‪++ + +‬ه الحكم المس ‪++ + +‬توحى من الش ‪++ + +‬ريعة‬ ‫‪‬‬
‫اإلس‪++‬المية وال‪++‬ذي يمنح الش‪++‬رعية السياس‪++‬ية والقانوني‪++‬ة للنظ‪++‬ام السياس‪++‬ي اإلس‪++‬المي‪ ،‬حيث يه‪++‬دف‬
‫إلى إقامة العدل ورعاية شؤون األمة‪.‬‬
‫االقتصادية‪ :‬تنظيم اقتص‪++‬ادي‪ ،‬يعتم‪++‬د على الزك‪++‬اة‪ +‬وعلى المب‪++‬ادالت التجاري‪++‬ة الخالي‪++‬ة من الرب‪++‬ا‬ ‫‪‬‬
‫والرشوة‪...‬‬
‫العســكرية‪ :‬إذ عم‪++‬د الرس‪++‬ول ص‪++‬لى اهلل علي‪++‬ه وس‪++‬لم على تك‪++‬وين الجيش بقيادت‪++‬ه لعزي‪++‬ز مكان‪++‬ة‬ ‫‪‬‬
‫‪1‬‬
‫"الدولة اإلسالمية" والقيام بالفتوحات اإلسالمية‪...‬‬

‫ك‪++‬ل ه‪++‬ذا من أج‪++‬ل بن‪++‬اء منظوم‪++‬ة انتقالي‪++‬ة‪ ،‬سياس‪++‬ية‪ ،‬اجتماعي‪++‬ة‪ ،‬ديني‪++‬ة ذات قواع‪++‬د وأس‪++‬س متين‪++‬ة‬
‫القيم وتفاهمية التحاور والتواصل‪ ،‬استراتيجية في أهدافها وحركيتها‪...‬‬

‫‪ 1‬فلة بن غربية ‪ " ،‬سيرورة المنظومة االتصالية والفضاء العمومي دراسة مقاربتيه آلليات التشكل في المجتمعين الغربي والعربي‬
‫اإلسالمي ‪ ،‬أطروحة دكتوراه في اإلعالم واالتصال‪ ،‬كلية العلوم السياسية واإلعالم"‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،‬الجزائر‪ ،2009 ،‬ص‬
‫‪222-216‬‬
‫الفضاء العمومي ومرحلة الخالفة الراشدة‬ ‫‪)3‬‬

‫إن الخالفة‪ +‬نظام من األنظمة السياسية التي عرفته‪++‬ا األم‪++‬ة اإلس‪++‬المية بع‪++‬د وف‪++‬اة الرس‪++‬ول ص‪++‬لى‬
‫اهلل علي ‪++‬ه وس ‪++‬لم‪ ،‬بحيث تعت ‪++‬بر أول نظ ‪++‬ام سياس ‪++‬ي ق ‪++‬ائم على مب ‪++‬ادئ وقواع ‪++‬د ديني ‪++‬ة‪ ،‬منهجي ‪++‬ة وسياس ‪++‬ية‬
‫مقتص ‪++‬رة فق ‪++‬ط على الخلف ‪++‬اء الراش ‪++‬دين باعتب ‪++‬ار هم خلف ‪++‬اء‪ +‬الرس ‪++‬ول علي ‪++‬ه الص ‪++‬الة والس ‪++‬الم في إقام ‪++‬ة‬
‫شريعة اهلل‪ ،‬وتنظيم وتسيير شؤون الحياة العامة للمسلمين‪.‬‬

‫حيث يمارس الخليفة سلطتين مهمتين هما‪:‬‬

‫سلطة دينية بما أنه‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫يخلف الرسول الكريم (صلى اهلل عليه وسلم) في الرئاسة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫يحافظ على ثوابت األمة الدينية ويطبق ما ج‪++‬اء ب‪++‬ه الق‪++‬رآن وس‪+‬نة نبين‪++‬ا في كيفي‪++‬ة تفس‪+‬ير حكم‪++‬ه‬ ‫‪-‬‬
‫وتبنيه له‪.‬‬
‫المحافظة‪ +‬على هذا الدين بحسن تطبيقه على الرعية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫يعت‪++‬بر الخليف‪++‬ة إمام‪++‬ا‪ ،‬تم‪++‬ثيال باإلم‪++‬ام في المس‪++‬جد‪ ،‬بم‪++‬ا أن‪++‬ه ق‪++‬د خل‪++‬ف الرس‪++‬ول في إقام‪++‬ة ص‪++‬الة‬ ‫‪-‬‬
‫الجماعة‪.‬‬
‫سلطة سياسية‪ :‬بما أنه‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫يحكم‪ ،‬ينظم‪ ،‬يق‪++ +‬رر ويهيك‪++ +‬ل المؤسس‪++ +‬ات ال‪++ +‬تي تخ‪++ +‬دم مص‪++ +‬الح الرعي‪++ +‬ة‪ ،‬وتس‪++ +‬يير ش‪++ +‬ؤونها‬ ‫‪‬‬
‫العامة‪.‬‬
‫فهو الحاكم والرئيس والقائد السياسي الذي يسن القرارات والقوانين للصالح العام‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وم‪++‬ا على الرعي‪++‬ة إال احترامه‪++‬ا وتطبيقه‪++‬ا ش‪++‬ريطة أن ال تك‪++‬ون متنافي‪++‬ة لش‪++‬ريعة اهلل وس‪++‬نة‬ ‫‪‬‬
‫نبيه‪.‬‬
‫والخالفة‪ ،‬عقد اجتماعي‪ ،‬سياسي وديني‪ .‬بين ط‪++‬رفين مختلفين ومتك‪++‬املين‪ .‬يتمث‪++‬ل الط‪++‬رف األول‪:‬‬
‫في الح‪++‬اكم المخت‪++‬ار‪ ،‬أي "ش‪++‬خص واح‪++‬د"‪ .‬ويتمث‪++‬ل الط‪++‬رف الث‪++‬اني‪ :‬في الجماع‪++‬ة ال‪++‬تي تخت‪++‬ار ه‪++‬ذا‬
‫الش‪++ +‬خص "بالمش‪++ +‬ورة واالتف‪++ +‬اق"‪ 1+.‬وهي بالدرج‪++ +‬ة األولى‪ ،‬عق ‪++ +‬د وال‪++ +‬تزام أخالقي‪ .‬لتحم ‪++ +‬ل وقب ‪++ +‬ول‬
‫المسؤولية وتأديتها بتط‪+‬بيق ش‪++‬ريعة اهلل وس‪+‬نة نبي‪+‬ه‪ ،‬أساس‪++‬ها الش‪+‬ورى والتش‪+‬اور في العه‪++‬د أو العق‪+‬د‬
‫السياسي الديني األخالقي‪.‬‬

‫بذلك نرى أن الخالفة نظام اتصالي سامي‪ ،‬أي فض‪++‬اء اتص‪++‬الي سياس‪++‬ي "تم‪++‬ارس بين ط‪++‬رفين هم‪++‬ا‬
‫الحاكم والمحكومين" اللذان يتفاعالن ويتجاوزان ويتصالن فيم‪++‬ا بينهم‪+‬ا وف‪++‬ق مع‪+‬ايير وقيم ومب‪++‬ادئ‬
‫اتف ‪++‬ق عليه ‪++‬ا ه ‪++‬ذان الطرف ‪++‬ان فمن عملي ‪++‬ة اتص ‪++‬الية ذات أه ‪++‬داف معين ‪++‬ة‪ ،‬طويل ‪++‬ة أو قص ‪++‬يرة الم ‪++‬دى‬
‫معتم‪++‬دين على الق‪++‬رآن والس‪++‬نة ثم االجته‪++‬اد في بن‪++‬اء العالق‪++‬ات حس‪++‬ب طبيع ‪++‬ة الظ‪++‬روف واألح ‪++‬داث‬
‫‪2‬‬
‫والمكان‪.‬‬

‫الفضاء العمومي في العهد العباسي‬ ‫‪)4‬‬

‫وتشكلت في مراحل كث‪+‬يرة‬ ‫َّ‬ ‫صيغا مختلفة على مدى التاريخ العربي واإلسالمي‬ ‫ً‬ ‫اتخذ النقاش العام‬
‫من‪++‬ه أط‪++‬ر لفض‪++‬اءات عام‪++‬ة تع‪++‬ددت أش‪++‬كالها وأحجامه‪++‬ا وأغراض‪++‬ها‪ .‬وق‪++‬د ش‪++‬هدت تقالي‪++‬د الج‪++‬دل الفك‪++‬ري‬
‫والعقلي أرقى تمظهراته‪++‬ا في م‪++‬ا ُيع‪++‬رف في األدب والثقاف‪++‬ة العربي‪++‬تين بالمن‪++‬اظرة‪ .‬تبل‪++‬ور ُّ‬
‫فن المن‪++‬اظرة‪+‬‬
‫في ش‪++‬كل قواع‪++‬د مح‪++‬ددة من‪++‬ذ العص‪++‬ر العباس‪++‬ي‪ ،‬وه‪++‬و ض‪++‬رب من النق‪++‬اش الع‪++‬ام ي‪++‬دور بين شخص‪++‬ين أو‬
‫تمام‪+‬ا‪ .‬لخ‪++‬وض ه‪++‬ذا النق‪++‬اش ينبغي على‬
‫وأحيان‪++‬ا متعارض‪++‬تين ً‪+‬‬
‫ً‬ ‫ط‪++‬رفين يحمالن وجه‪++‬تي نظ‪++‬ر مختلف‪++‬تين‬
‫الطرفين المتحاورين أن يتبعا جملة من القواعد واإلجراءات الشكلية الدقيقة التي تفرز في النهاية م‪++‬ا‬
‫يمكن تس‪++‬ميته بــ "الوض‪++‬عية المثالي‪++‬ة للكالم" حس‪++‬ب المص‪++‬طلح الهابرماس‪++‬ي‪ .‬وق‪++‬د انتش‪++‬ر ه‪++‬ذا الن‪++‬وع من‬
‫النقاش‪++‬ات العام‪++‬ة في أغلب أنح‪++‬اء الع‪++‬المين الع‪++‬ربي واإلس‪++‬المي وغطَّى مج‪++‬االت معرفي‪++‬ة متع‪++‬ددة مث‪++‬ل‬
‫اللغة والمنطق والفلسفة والالهوت والفقه‪ ..‬إلخ‪ 3،‬ومن أبرز قواعد المناظرة‪:‬‬

‫‪ -‬تحديد موضوع المناظرة‪ +‬بدقة ووضوح‪.‬‬

‫‪ " 1‬سيرورة المنظومة االتصالية والفضاء العمومي دراسة مقاربتيه آلليات التشكل في المجتمعين الغربي والعربي اإلسالمي"‪ ،‬مرجع‬
‫نفسه ص ص ‪.261-260‬‬
‫‪ 2‬فلة بن غربية‪ " ،‬سيرورة المنظومة االتصالية والفضاء العمومي دراسة مقاربتيه آلليات التشكل في المجتمعين الغربي والعربي اإلسالمي"‪ ،‬مرجع‬
‫نفسه‪ ،‬ص ص ‪.262-261‬‬
‫عزالدين عبد المولى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.103‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪ -‬التركيز على الحوار وعدم االلتفات إلى الذين يريدون حرف انتباه المتحاورين‪.‬‬

‫‪-‬عندما تبني حجتك‪ ،‬ليكن الوصول إلى الحق غايتك النهائية‪.‬‬

‫ال من الحجة العقلية‪.‬‬ ‫‪ -‬ال تستخدم ِّ‬


‫االدعاء بد ً‬

‫‪ -‬ال تعطي لنفسك الحق في تأويل نص شرعي على مذهبك دون إعطاء محاورك الحق ذاته‪.‬‬

‫جيدا لمحاورك وال تقاطع كالمه‪.‬‬


‫أنصت ً‬
‫ْ‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -‬ال تمتنع عن قبول الحق إذا ورد على لسان محاورك‪+.‬‬

‫‪ -‬ال َّ‬
‫ترد على كالم محاورك قبل أن تتأكد أنك فهمت ُح َّجته ً‬
‫فهما كامالً ال لبس فيه‪ ،‬وإ ذا كنت في‬
‫‪1‬‬
‫حاجة إلى أن يعيد كالمه فال تتردد في أن تطلب منه ذلك‪.‬‬

‫الفضاء العمومي بعد نهاية حقبة االستعمار‪:‬‬ ‫‪)5‬‬

‫وفي المراحل المت‪+‬أخرة‪ ،‬وخاص‪++‬ة بع‪+‬د نهاي‪++‬ة الحكم االس‪+‬تعماري وتأس‪++‬يس دول عربي‪++‬ة‬
‫إسالمية مس‪+‬تقلة‪ ،‬اس‪++‬توردت مف‪++‬اهيم عدي‪+‬دة من الغ‪++‬رب الحتكاك‪+‬ه ب‪++‬ه عن طري‪+‬ق االنفت‪++‬اح نح‪+‬و‬
‫اآلخر مثل البعثات الدبلوماسية‪ ،‬حيث اتخ‪++‬ذ الفض‪++‬اء الع‪++‬ام أش‪++‬كاالً متع‪++‬ددة وب‪++‬نى له‪++‬ا اس‪++‬تقاللها‬
‫وأنماطها التواصلية الخاصة‪.‬‬

‫كم‪++‬ا اتخ‪++‬ذ أس‪++‬ماء مختلف‪++‬ة في أنح‪++‬اء مختلف‪++‬ة من الع‪++‬الم اإلس‪++‬المي؛ ففي الك‪++‬ويت‪ ،‬على‬
‫سبيل المثال‪ ،‬يلتقي أفراد من عموم الناس م‪++‬ع السياس‪++‬يين والشخص‪++‬يات العام‪++‬ة في م‪++‬ا ُيع‪++‬رف‬
‫بـــ "الديواني‪++‬ة" لمناقش‪++‬ة المس‪++‬ائل السياس‪++‬ية وغيره‪++‬ا من القض‪++‬ايا ال‪++‬تي هم الش‪++‬أن الع‪++‬ام‪ .‬ملتقي‪++‬ات‬
‫"الديوانية" يرتادها الوزراء وأعضاء البرلمان وغيرهم من األعيان والشخصيات االجتماعية‬
‫‪+‬يرا م‪+‬ا يق‪+‬ع نق‪+‬ل تل‪+‬ك النقاش‪+‬ات وم‪+‬ا يص‪+‬در عنه‪+‬ا من نص‪+‬ائح وتوص‪+‬يات‬ ‫والدينية المؤثرة‪ .‬وكث ً‬
‫إلى أروق‪+++‬ة الق‪+++‬رار السياس‪+++‬ي‪ .‬وق‪+++‬د اتس‪+++‬عت رقع‪+++‬ة الوظيف‪+++‬ة السياس ‪++‬ية واالجتماعي ‪++‬ة للديواني ‪++‬ة‬
‫باعتباره‪+‬ا فض‪+‬اء للت‪++‬داول الع‪++‬ام لتش‪+‬مل فئ‪+‬ات اجتماعي‪++‬ة أخ‪++‬رى حيث "ب‪++‬دأت النس‪++‬اء في تش‪++‬كيل‬
‫عزالدين عبد المولى‪ ،‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ص ‪.104-103‬‬ ‫‪1‬‬
‫ديوانيات خاصة بهن" في بلدان خليجية أخرى‪ ،‬مثل المملكة العربية الس‪++‬عودية وقط‪++‬ر‪ ،‬يلعب‬
‫دورا مم‪++‬اثال للديواني‪++‬ة؛ فه‪++‬و فض‪++‬اء للنق‪++‬اش الع‪++‬ام يجم‪++‬ع أف‪++‬رادا من عام‪++‬ة الن‪++‬اس إلى‬
‫"المجلس" ً‬
‫ج ‪++‬انب شخص ‪++‬يات ذات مكان ‪++‬ة اجتماعي ‪++‬ة مرموق ‪++‬ة‪ ،‬ولكن النق ‪++‬اش ال ‪++‬ذي تش ‪++‬هده تل ‪++‬ك المج ‪++‬الس‬
‫غالب‪++‬ا م‪++‬ا ي‪++‬دور ح‪++‬ول مس‪++‬ائل ذات طبيع‪++‬ة ديني‪++‬ة أو فكري‪++‬ة‪ ،‬وه‪++‬و م‪++‬ا يجع‪++‬ل وظيفته‪++‬ا السياس‪++‬ية‬
‫ً‬
‫‪1‬‬
‫محدودة مقارنة بالديوانيات الكويتية‪.‬‬

‫في اليمن‪ ،‬تنتشر ظاهرة "مجالس القات"‪ ،‬وبعضها مخصص للنساء فقط‪ .‬تنعقد تلك المج‪++‬الس‬
‫بشكل يومي في أماكن عامة أو شبه عامة‪ ،‬على ِّ‬
‫حد وصف "ليزا ودين" ‪ ، Lisa Wedeen‬وت‪+‬دور‬
‫فيه‪++‬ا النقاش‪++‬ات المطول‪++‬ة والمهيكل‪++‬ة بطريق‪++‬ة متع‪++‬ارف‪ +‬عليه‪++‬ا‪ ،‬على وق‪++‬ع مض‪++‬غ "م‪++‬ادة الق‪++‬ات"‪ +‬وتخزينه‪++‬ا‪،‬‬
‫ويرتاده ‪++‬ا "عش ‪++‬رات الن ‪++‬اس بعض ‪++‬هم غ ‪++‬ريب عن البعض اآلخ ‪++‬ر‪ ،‬يلتق ‪++‬ون ليتح ‪++‬اوروا في قض ‪++‬ايا األدب‬
‫أما في الس‪+‬ودان‪ ،‬وفي من‪+‬اطق من دارف‪+‬ور تحدي ً‪+‬دا‪ ،‬تنتظم مج‪+‬ال‬ ‫وشؤون السياسة ومش‪++‬اكل المجتم‪+‬ع"‪َّ .‬‬
‫للح‪++ +‬وار في الش‪++ +‬أن الع‪++ +‬ام تحت اس‪++ +‬م "الراكوب‪++ +‬ة"‪ 2.‬وق‪++ +‬د ش‪++ +‬هدت بل‪++ +‬دان عربي‪++ +‬ة أخ‪++ +‬رى م‪++ +‬ا ُيع‪++ +‬رف ب ـ‬
‫"الص‪++‬الونات األدبي‪++‬ة"‪ ،‬وهي فض‪++‬اءات ش‪++‬بيهة بال‪++‬ديوانيات والمج‪++‬الس ولكنه‪++‬ا ذات طبيع‪++‬ة نخبوي‪++‬ة؛ ففي‬
‫مص‪++‬ر وس‪++‬وريا على س‪++‬بيل المث‪++‬ال‪ ،‬انتش‪++‬رت ظ‪++‬اهرة الص‪++‬الونات األدبي‪++‬ة واتخ‪++‬ذت أس‪++‬ماءها من أس‪++‬ماء‬
‫الشخص ‪++‬يات األدبي ‪++‬ة والفكري ‪++‬ة ال ‪++‬تي تستض ‪++‬يفها أو تب ‪++‬ادر إليه ‪++‬ا‪ ،‬مث ‪++‬ل "ص ‪++‬الون العق ‪++‬اد" الش ‪++‬هير‪ .‬كم ‪++‬ا‬
‫انتش ‪++‬رت ظ ‪++‬اهرة الص ‪++‬الونات األدبي ‪++‬ة النس ‪++‬ائية في كال البل ‪++‬دين وش ‪َّ +‬‬
‫‪+‬اكلت مظه ‪+ً +‬را أساس ‪+ًّ +‬يا من مظ ‪++‬اهر‬
‫الحي ‪++‬اة العام ‪++‬ة في النص ‪++‬ف األول من الق ‪++‬رن العش ‪++‬رين‪ .‬وك ‪++‬ان من بين أوائ ‪++‬ل الص ‪++‬الونات النس ‪++‬وية في‬
‫الق‪++‬اهرة وأش‪++‬هرها ص‪++‬الون الكاتب‪++‬ة والش‪++‬اعرة اللبناني‪++‬ة "مي زي‪++‬ادة"‪ .‬اس‪++‬تمر "ص‪++‬الون زي‪++‬ادة" في النش‪++‬اط‬
‫لم‪++ +‬دة عش‪++ +‬رين س‪++ +‬نة متواص‪++ +‬لة من الع‪++ +‬ام (‪ ،)1931-1911‬وك‪++ +‬ان من رواده أب‪++ +‬رز الوج‪++ +‬وه الفكري‪++ +‬ة‬
‫والسياسية في تلك الف‪++‬ترة‪ ،‬أمث‪+‬ال‪" :‬أحم‪++‬د لطفي الس‪+‬يد"‪ ،‬و"مص‪+‬طفى‪ +‬لطفي المنفل‪+‬وطي"‪ ،‬و"ط‪+‬ه حس‪+‬ين"‬
‫و"عب ‪++‬اس محم ‪++‬ود العق ‪++‬اد"‪ ،‬وغ ‪++‬يرهم‪ .‬إلى ج ‪++‬انب ص ‪++‬الون "مي زي ‪++‬ادة" ك ‪++‬انت هن ‪++‬اك ص ‪++‬الونات" ن ‪++‬ازلي‬
‫أما في دمش‪++‬ق فق‪++‬د لعب ص‪++‬الونا "مريان‪++‬ا م‪++‬راش" و"م‪++‬اري‬
‫فاض‪++‬ل" و"ه‪++‬دى ش‪++‬عراوي" و"زينب ف‪++‬واز"‪َّ .‬‬
‫ًّ‬
‫محوريا في رب ‪++‬ط النخب ‪++‬ة الس ‪++‬ورية بعض ‪++‬اها ببعض وإ دارة النق ‪++‬اش الع ‪++‬ام وهيكلت ‪++‬ه وف ‪++‬ق‬ ‫دورا‬
‫عجمي" ً‬
‫‪3‬‬
‫محاور أدبية وسياسية واجتماعية باستقالل عن النظام الحاكم‪.‬‬

‫‪ 1‬عز الدين عبد المولى‪ ،‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ص ‪. 106-105‬‬


‫‪ 2‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.106‬‬
‫‪ 3‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ص ‪.107-106‬‬
‫وي ‪++‬رى "نص ‪++‬ر ال ‪++‬دين لعي ‪++‬اض" ب ‪++‬أن الفض ‪++‬اء العم ‪++‬ومي بمعن ‪++‬اه الم ‪++‬ادي والعم ‪++‬راني موج ‪++‬ود في‬
‫المنطق‪++‬ة العربي‪++‬ة من‪++‬ذ ع‪++‬دة ق‪++‬رون‪ ،‬وتأسيس‪++‬ا على القي‪++‬اس‪ ،‬يمكن أن ن‪++‬درك م‪++‬دى ص‪++‬عوبة الح‪++‬ديث عن‬
‫الفض‪++ +‬اء العم‪++ +‬ومي ب‪++ +‬المفهوم الهابرماس‪++ +‬ي في المنطق‪++ +‬ة العربي‪++ +‬ة ب‪++ +‬النظر إلى العناص‪++ +‬ر الثالث التالي‪++ +‬ة‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫المجتمع المدني‪ ،‬والمواطنة‪ ،‬والجدل والعقالنية‪.‬‬

‫‪ 1‬نصر الدين لعياضي‪ ،‬فضاء عمومي أم مخيال إعالمي‪ ،‬مقاربة نظرية لتمثل التلفزيون في المنطقة العربية‪ ،‬حوليات األدب والعلوم االجتماعية‪،‬‬
‫العدد‪ ،31:‬الكويت‪ 2011 ،‬ص ص ‪.74-70‬‬
‫خــــاتــــمــــة‪:‬ـ‬
‫وختام ‪++‬ا نس ‪++‬تخلص ب ‪++‬أن الفض ‪++‬اء العم ‪++‬ومي في الع ‪++‬الم اإلس ‪++‬المي اتخ ‪++‬ذ أش ‪++‬كاال عدي ‪++‬دة ومختلف ‪++‬ة‬
‫بأه ‪++ +‬داف واس ‪++ +‬تراتيجيات مح ‪++ +‬ددة‪ ،‬تغ‪++ +‬يرت وتط ‪++ +‬ورت ه‪++ +‬ذه األش ‪++ +‬كال تبع ‪++ +‬ا لتغ‪++ +‬ير وتط ‪++ +‬ور احتياج ‪++ +‬ات‬
‫وظ‪++‬روف وك‪++‬ذا الوض‪++‬عيات ال‪++‬تي ينتجه‪++‬ا المجتم‪++‬ع وال‪++‬تي م‪++‬ازال في إنت‪++‬اج مس‪++‬تمر‪ .‬لعب ه‪++‬ذا الفض‪++‬اء‬
‫العم‪++‬ومي بأش‪++‬كاله المختلف‪++‬ة دورا أساس‪++‬يا قاع‪++‬ديا في تحدي‪++‬د نوعي‪++‬ة الحرك‪++‬ة والنش‪++‬اط وك‪++‬ذا الديناميكي‪++‬ة‬
‫ال‪++‬تي يس‪++‬ير فيه‪++‬ا وبه‪++‬ا‪ .‬ديناميكي‪++‬ة مهيكل‪++‬ة من ط‪++‬رف ال‪++‬دين يح‪++‬اولون دائم‪++‬ا الس‪++‬يطرة على ه‪++‬ذا الفض‪++‬اء‬
‫العم ‪++‬ومي ح ‪++‬تى يص ‪++‬بحوا جه ‪++‬ات فاعل ‪++‬ة‪ ،‬ض ‪++‬اغطة مؤسس ‪++‬اتية في تك ‪++‬وين البن ‪++‬اء السياس ‪++‬ي االجتم ‪++‬اعي‬
‫لمجتمعاتها‪ ،‬وتحديد ب‪+‬ذلك نوعي‪+‬ة ووت‪+‬يرة االتص‪+‬ال ال‪+‬تي تظه‪+‬ر من خالل فض‪+‬اءات النق‪+‬اش‪ ،‬فض‪+‬اءات‬
‫الح‪++ +‬وار والط‪++ +‬رح‪ ،‬فض‪++ +‬اءات الق‪++ +‬رارات‪ ،‬فض‪++ +‬اءات الممارس‪++ +‬ات وفض‪++ +‬اءات اإلرس‪++ +‬ال واالس‪++ +‬تقبال‪...‬‬
‫وفض ‪++‬اءات أخ ‪++‬رى يبت ‪++‬دعها المجتم ‪++‬ع كلم ‪++‬ا انتج وس ‪++‬ائل اتص ‪++‬الية جدي ‪++‬دة ووس ‪++‬ائل للتفك ‪++‬ير واالجته ‪++‬اد‬
‫الفكري‪.‬‬
‫قائمة المراجع‪:‬‬

‫ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار الحديث‪ ،‬الجزء السادس‪.2003،‬‬ ‫‪)1‬‬

‫عب‪++‬د الم‪++‬ولى ع‪++‬ز ال‪++‬دين ‪ ،‬العرب والديمقراطية والفضاء العــام في عصــر الشاشــات المتعــددةـ‬ ‫‪)2‬‬
‫بحث في دور الجزيرة‪ ،‬ط‪ ،1‬الدار العربية للعلوم ناشرون‪ ،‬الدوحة‪ ،‬قطر‪.2015 ،‬‬

‫بن غربي ‪++‬ة فل ‪++‬ة‪" ،‬س ‪++‬يرورة المنظوم ‪++‬ة االتص ‪++‬الية والفض ‪++‬اء العم ‪++‬ومي دراس ‪++‬ة مقاربتي ‪++‬ه آللي ‪++‬ات‬ ‫‪)3‬‬
‫التش‪++ + + +‬كل في المجتمعين الغ‪++ + + +‬ربي والع‪++ + + +‬ربي اإلس‪++ + + +‬المي"‪ ،‬أطروح‪++ + + +‬ة دكت‪++ + + +‬وراه في اإلعالم‬
‫واالتصال‪ ،‬كلية العلوم السياسية واإلعالم‪ ،‬جامعة‪ +‬الجزائر‪ ،‬الجزائر‪2009 ،‬‬

‫هني يحيى‪ ”،‬اإلعالم الجواري وتشكل "الفضاء العم‪+‬ومي‪-‬الم‪+‬واطن"‪ ،‬دراس‪+‬ة استكش‪+‬افية ح‪+‬ول‬ ‫‪)4‬‬
‫عالق‪++‬ة اإلذاع‪++‬ات المحلي‪++‬ة بالجمعي‪++‬ات المحلي‪++‬ة إذاع‪++‬ة مس‪++‬تغانم نموذج‪++‬ا”‪ ،‬أطروح‪++‬ة دكت‪++‬وراه في‬
‫شعبة علوم اإلعالم واالتصال‪ ،‬جامعة عبد الحميد ابن باديس بمستغانم‪.2019-2018 ،‬‬

‫بن غربي‪++‬ة فل‪++‬ة‪ ،‬في مفاهيمي‪++‬ة "الفض‪++‬اء العم‪++‬ومي" من المنظ‪++‬ورين الغ‪++‬ربي والع‪++‬ربي اإلس‪++‬المي‪،‬‬ ‫‪)5‬‬
‫مجلة الحضارة اإلسالمية‪ ،‬العدد‪ ،15 :‬جامعة وهران‪ ،‬الجزائر‪.2011 ،‬‬

‫نص‪+‬ر ال‪+‬دين لعياض‪+‬ي‪ ،‬فض‪+‬اء عم‪+‬ومي أم مخي‪+‬ال إعالمي‪ ،‬مقارب‪+‬ة نظري‪+‬ة لتمث‪+‬ل التلفزي‪+‬ون في‬ ‫‪)6‬‬
‫المنطقة العربية‪ ،‬حوليات األدب والعلوم االجتماعية‪ ،‬العدد‪ ،31:‬الكويت‪.2011 ،‬‬

‫‪7) Paquot Thierry, L’espace public, édition la découvert, Paris , 2009.‬‬

You might also like