You are on page 1of 20

‫قافية‬

‫وهويته الثّ ّ‬
‫ّ‬ ‫المترجم بين التّوطين والتّغريب‬

‫شريفي نور الهدى‬


‫طالبة دكتوراه في الترجمة معهد التّرجمة ـ جامعة الجزائر(‪)2‬‬
‫‪nourelhoudach@hotmail.com‬‬

‫مل ّخص‪:‬‬
‫يضحي بها‬
‫ّ‬ ‫فإما أن‬
‫قافية؛ ّ‬
‫هويته الثّ ّ‬
‫الثقافية ال ّشعور باالنتماء وللمترج ّم ّ‬
‫ّ‬ ‫وية‬
‫تجسد الهٌ ّ‬
‫ّ‬
‫إن‬
‫للنص‪ّ .‬‬
‫تقبل الجمهور ّ‬
‫هويته ويسهّل ّ‬‫الضوء على ّ‬ ‫النص بالتّغريب‪ ،‬وا ّما أن يسلّط ّ‬ ‫وينقل ّ‬
‫اإلشكالية‪:‬‬
‫ّ‬ ‫الدراسة هو اإلجابة عن هذه‬ ‫الهدف من ّ‬
‫للهوية‬
‫ّ‬ ‫بالنسبة‬
‫وسلبيتين ّ‬
‫ّ‬ ‫إيجابيتين‬
‫ّ‬ ‫كيف يمكن إلستراتيجيتي التّوطين والتّغريب أن تكونا‬
‫قافية للمترجم؟‬
‫الثّ ّ‬
‫قافية والتّوطين والتّغريب‪ ،‬وعالقة نظرّية الغاية‬
‫الهوية الثّ ّ‬
‫ّ‬ ‫أوضح مفهوم‬‫ّ‬ ‫سأحاول أن‬
‫قصة ("الموتى" لجيمس جويس) مع‬‫بق اررات المترجم وأعرض نماذج عن التّغريب مقتبسة من ّ‬
‫ويحرف‬
‫ّ‬ ‫قافية‬
‫بهويته الثّ ّ‬
‫يتمسك فيه المترجم ّ‬
‫ّ‬ ‫هوية المترجم‪ ،‬ونموذج‬
‫اتيجية على ّ‬
‫تبيان أثر اإلستر ّ‬
‫أن المترجم ينتقل‬
‫المتحركة‪ .‬أستخلص ّ‬
‫ّ‬ ‫الرسومات‬‫بوية في ّ‬
‫األصلي لتحقيق غايات تر ّ‬
‫ّ‬ ‫النص‬‫فيه ّ‬
‫اتيجيتين أن تبرز أو‬
‫من التّغريب إلى التّوطين والعكس حسب الغاية من التّرجمة ويمكن لالستر ّ‬
‫قافية للمترجم‪.‬‬
‫الهوية الثّ ّ‬
‫تعزز ّ‬‫ّ‬
‫نظرية الغاية‪ ،‬أساليب التّرجمة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الهوية الثقافية‪ ،‬التّغريب‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الكلمات المفاتيح‪:‬‬

‫‪The Translator between Domestication, Foreignization and his‬‬


‫‪Cultural Identity‬‬

‫‪Abstract‬‬
‫‪The present paper clarifies the effect of foreignization and domestication‬‬
‫‪on the translator’s cultural identity. This study shows the situations in which‬‬
‫‪each translation strategy distorts or defends the translator’s identity. We‬‬
‫‪analyzed examples from the “The Dead”, and some cartoons and obtained the‬‬
‫‪following results: foreignization maintains cultural adversity and helps the‬‬
‫‪receiver develop a sense of specialness, yet it weakens identity by transferring a‬‬

‫‪175‬‬
‫‪different culture. Domestication may encourage racism, but helps achieve‬‬
‫‪educational purposes by preserving cultural identity.‬‬
‫‪Key words: Cultural identity, foreignization, domestication, translation‬‬
‫‪strategies, skopos theory.‬‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫مسك‬
‫وية المترجم الثّقافية من حيث وجوب التّ ّ‬ ‫إشكالية ُه ّ‬
‫ّ‬ ‫كثي ار ما طرحت‬
‫بها أو التّخلّي عنها مقابل إعطاء صورة واضحة عن اآلخر؛ ولقد ُدرست وانتُِق َدت‬
‫المختصين في التّرجمة‬ ‫النقاد و‬ ‫ِ‬
‫العديد من ّ‬ ‫اتيجيتا التّوطين والتّغريب من ِقَبل‬
‫ّ‬ ‫استر ّ‬
‫مقروئية‬
‫ّ‬ ‫اتيجيات التّي تحقّق‬
‫والتّواصل‪ ،‬بوصف التّوطين على ّأنه أنجع اإلستر ّ‬
‫أن‬
‫واسعة للعمل المترجم وتؤ ّكد نجاحه ورواجه‪ .‬وا ْن تناولنا الموضوع من مبدأ ّ‬
‫النقّاد والمراجعين‬‫النشر و ّ‬
‫ور ّ‬ ‫أن كالّ من ُد ِ‬‫نجد ّ‬‫األم ُ‬ ‫يترجم للغتِ ِه ِّ‬
‫ُ‬ ‫المتَرجم‬
‫قافية للكاتب وابراز ُه ِوّية‬ ‫يكيين قد أثنوا على َم ْح ِو معالم وسمات الهُ ّ‬
‫وية الثّ ّ‬ ‫األمر ّ‬
‫األدبية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الساحة‬
‫الرواج في ّ‬ ‫النص مع ثقافته ليلقى القبول و ّ‬ ‫المترجم‪ ،‬أي ت ْكيِيف ّ‬
‫ومن ُهَنا َن َشأَ ِ‬
‫الجدال ال ّذي قاده "فينوتي""‪ "Venuti‬ال ّذي رفض هذا االتّجاه واقترح‬
‫هوية‬
‫قافية مبر از ّ‬
‫هويته الثّ ّ‬
‫التّغريا استراتيجية مقاومة له‪ ،‬يتخلّى فيها المترجم عن ّ‬
‫ِ‬
‫المستقبلة‪ ،‬وذلك لما رآه من‬ ‫الكاتب وان تطلّب األمر خرق عادات وتقاليد الثّقافة‬
‫اتيجية التّغريب‪.‬‬
‫قافية في استر ّ‬ ‫رجسية الثّ ّ‬
‫الن ّ‬‫العرقي و ّ‬
‫ِّ‬ ‫االنغالق والتّمركز‬
‫إيجابيتين‬
‫ّ‬ ‫اتيجيتي التّوطين والتّغريب أن تكونا‬ ‫إذن‪ ،‬كيف يمكن الستر ّ‬
‫قافية للمترجم؟‬
‫وية الثّ ّ‬‫لله ّ‬ ‫وسلبيتين ِّ‬
‫بالنسبة ُ‬ ‫ّ‬
‫اتيجيتي التَّوطين‬ ‫وية الثَّ ّ‬
‫قافية واستر ّ‬ ‫أحاول في هذا البحث توضيح مفهوم الهُ ّ‬
‫ماذج عن ترجمات‬‫الن ِ‬
‫الغاية منهما‪ ،‬كما أعرض بعض ّ‬ ‫وموقف نظرّي ِة َ‬
‫ِ‬ ‫والتَّغريب‬
‫اعتمد فيها المترجم على التّغريب ونماذج أخرى اعتمد فيها على التّوطين مع‬
‫قافية‪.‬‬
‫وية المترجم الثّ ّ‬
‫اتيجية في التّرجمة وفي ُه ّ‬
‫كل استر ّ‬
‫إبراز أثر ّ‬
‫قافية والمفاهيم التّرجم ّية المتّصلة بها‪:‬‬
‫الهوية الثّ ّ‬
‫ّ‬ ‫‪-1‬‬

‫‪176‬‬
‫قافية‪:‬‬
‫الهوية الثّ ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ -1-1‬مفهوم‬
‫أمة أو شعب من‬ ‫ألية ّ‬‫القومية) ّ‬
‫ّ‬ ‫(الوطنية أو‬
‫ّ‬ ‫خصية‬
‫ش ّ‬ ‫وية أو ال ّ‬
‫اله ّ‬
‫» ُ‬
‫الح َّد‬ ‫شعوب هي مجموعة الصفات أو السمات الثّ ِ‬
‫امة التّي تُمثّل َ‬
‫الع ّ‬
‫قافية َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال ّ‬
‫االنتماء إلى هذا‬
‫َ‬ ‫يدعون‬ ‫جميع األفراد الذّين ينتمون أو ّ‬
‫ِ‬ ‫المشترك بين‬
‫َ‬ ‫األدنى‬
‫شعب أو ذاك من شعوب المعمورة‪( «...‬بن نعمان‪ ،2005 ،‬ص ‪)12‬‬ ‫ال ّ‬
‫قافي‬
‫أي بالموروث الثّ ِّ‬‫ويةَ بالثّقافة؛ ْ‬
‫أن الهُ ّ‬
‫الكاتب ّ‬
‫ُ‬ ‫نالحظ من خالل ما قاله‬
‫ِ‬
‫مختلف أفراد المجتمع؛ فالثّقافة هي ما يشترك فيه هؤالء األفراد وما‬ ‫ِ‬
‫المشترك بين‬
‫يخلق التّشابه واالنتماء بينهم‪.‬‬
‫قافية لألفراد والمجتمعات في مختلف جوانب الحياة‬
‫الهوية الثّ ّ‬
‫ّ‬ ‫تتجلّى‬
‫ياسية‬
‫الس ّ‬‫االجتماعية و ّ‬
‫ّ‬ ‫االقتصادية و‬
‫ّ‬ ‫الحياتية؛‬
‫ّ‬ ‫كل الجو ِ‬
‫انب‬ ‫قافية تمثّ ُل َّ‬
‫الهوية الثّ ّ‬
‫» ّ‬
‫الموحدة التّي ينتمي إليها األفراد‬
‫ّ‬ ‫المستقبلية ألعضاء الجماعة‬
‫ّ‬ ‫الحضارية و‬
‫ّ‬ ‫و‬
‫االنتمائي لها‪( «.‬زّغو‪ ،2010 ،‬ص‪)94‬‬ ‫ّ‬ ‫شعور‬
‫بالحس وال ّ‬
‫ّ‬
‫مظاهر‬
‫ُ‬ ‫تتجسد في ال ّشعور باالنتماء لجماعة واحدة تتشابه‬ ‫ّ‬ ‫إذن فهي‬
‫الروابط‬ ‫مكن أن ُي َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المفهوم أكثر بتوضيح ّ‬
‫ُ‬ ‫وضح‬ ‫وي ُ‬‫حياتها على مختلف األصعدة‪ُ ،‬‬
‫التّي تجمع هؤالء األفراد بعضهم ببعض وتخلق التّشابه بينهم‪ ،‬ويقول الكاتب ذاته‬
‫مهم ِة التّي‬
‫قافية في تلك المظاهر ال ّ‬
‫الهوية الثّ ّ‬
‫ّ‬ ‫الصدد‪ » :‬تتجّلى عناصر‬ ‫في هذا ّ‬
‫شعوب واألفراد‪ ،‬وان كانت تتمثَّ ُل في‬ ‫الهويَّة الثَّقافيَّة بال ّنسبة لل ّ‬
‫تمثّل جوانب ُ‬
‫الغالب في ثـالثـة عنـاصر‪ :‬العقيـدة واللّغـة والتّراث الثّقافي‪( « .‬زّغو‪،2010 ،‬‬
‫ص‪)95‬‬
‫الهوية الثّقافية هو شعور الفرد باالنتماء‬ ‫ّ‬ ‫فالحد الفاصل في امتالك‬
‫ّ‬ ‫إذن‬
‫بالدين أو العقيدة والّلغة والتّراث الثّقافي؛‬ ‫ميز عن جماعة أخرى ّ‬ ‫لجماعة ما والتّ ّ‬
‫ألن‪:‬‬ ‫وي ِة الثّ ّ‬
‫قافية ّ‬ ‫بالنسبة للهُ ّ‬
‫أهمية ّ‬
‫فالدين هو ّأول العناصر وأكثرها ّ‬
‫ّ‬

‫‪177‬‬
‫ضوية متماسكة هو العقيدة التّي‬ ‫ٍ‬ ‫وي ٍة‬ ‫»قوام ِّ‬
‫ثقافية ذات ُب ْنية ُع ّ‬
‫ّ‬ ‫كل ُه ّ‬
‫ئ منظوم ًة من القيم القادرة ع لى تفعيل اإلرادات المختلفة في بناء مجتمع‬ ‫ِ‬
‫تُْنش ُ‬
‫ومثُ ٍل عليا تحظى باإلجماع‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عضوي ال ِب َناء‪،‬‬
‫أخالقية ُ‬
‫ّ‬ ‫برسالة‬ ‫مؤمن‬ ‫ِّ‬ ‫متماسك‬
‫والتّقديس‪( «.‬الكتّاني‪،1997،‬ص‪)81‬‬
‫والعادات‬ ‫يحدد نسبة كبيرة من الممارسات والمناسبات‬ ‫فالدين ‪-‬عموما‪ّ -‬‬ ‫ّ‬
‫أما اللُّغة‬
‫اإليديولوجيات‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫جتماعية وحتّى‬
‫ّ‬ ‫لوكيات والمعايير اال‬‫الس ّ‬ ‫والتّقاليد وكذا ّ‬
‫والتَّعريفِ‬
‫بات ال ّذ ِ‬
‫ات‬ ‫إمكانيةَ إِثْ ِ‬
‫َّ‬ ‫ق‬‫وية ويحقّ ُ‬ ‫ِ‬ ‫فهي ما ُيم ّك ُن من التَّ ْعبِ ِ‬
‫ير عن هذه الهُ ّ‬ ‫َ‬
‫قافية التّي يسعى لتجسيدها في‬ ‫وهويته الثّ ّ‬
‫المترجم بدوره لديه انتماؤه ّ‬‫ُ‬ ‫بها لآلخر‪ .‬و‬
‫بكل‬
‫ويتجنبها ويترجم ّ‬‫ّ‬ ‫عك ُس على ترجماتِ ِه من دون قصد حينا‬ ‫ترجماته أو ّأنها ْتن ِ‬

‫وحيادي ٍة ً‬
‫حينا آخر؛ وهذا ما يعرف في التّرجمة بالتّوطين والتّغريب‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫أمانة‬
‫ّ‬
‫وهوية المترجم‪:‬‬
‫ّ‬ ‫اتيجية التّوطين‬
‫‪ -2-1‬استر ّ‬
‫النص‬
‫أن الغرابة التّي يستشعرها القارئ أو يجدها في ّ‬ ‫شك فيه ّ‬
‫مما ال ّ‬ ‫ّ‬
‫الخلفيات‬ ‫تباين‬ ‫ِ‬
‫الختالف في ثقافتي القارئ والكاتب؛ فمن شأْن ِ‬ ‫رجِم تَْنتُ ُج ِ‬
‫عن ا‬
‫ّ‬ ‫المتَ َ‬
‫ُ‬
‫عاديا أو حتّى ضرورّيا‪ ،‬فاختالف‬ ‫ِ‬
‫اآلخر ّ‬
‫ُ‬ ‫يستغرب ما يراه‬
‫ُ‬ ‫أن يجعل المرء‬ ‫قافية ْ‬ ‫الثّ ّ‬
‫وتقييم األشياء والحكم عليها بما فيها‬
‫َ‬ ‫النظر‬
‫الثّقافة يعني اختالف وجهات ّ‬
‫اتيجية التّرجمة التّي تعنى بالتّقليل من هذا االختالف هي‬
‫التّرجمات‪ ،‬واستر ّ‬
‫التّوطين‪:‬‬
‫‪«A term used by Venuti (1995) to describe the translation‬‬
‫‪strategy in which a transparent fluent style is adopted in order‬‬
‫‪to minimize the strangeness of a foreign text to the TL‬‬
‫)‪readers.» (Shuttleworth & Cowe, 1997,p.44‬‬
‫اتيجية التّرجمة التّي‬
‫» مصطلح استعمله "فينوتي" لإلشارة إلى استر ّ‬
‫األجنبي‬
‫ّ‬ ‫ص‬‫انسيابي للتّقليل من غرابة ال ّن ّ‬
‫ّ‬ ‫تتجسد في تب ّني أسلوب شفّاف‬
‫ّ‬
‫للقراء المستهدفين‪( «.‬ترجمتنا)‬
‫بال ّنسبة ّ‬

‫‪178‬‬
‫ص‬‫الن ّ‬
‫اتيجية األنسب لترجمة ّ‬ ‫تبني االستر ّ‬ ‫يتضمن ّ‬‫ّ‬ ‫فإن التّوطين‬
‫ولهذا ّ‬
‫رج َم يبدو‬
‫ص ال ُـمتَ َ‬
‫الن َّ‬
‫فافية ما يجعل ّ‬
‫االنسيابية وال ّش ّ‬
‫ّ‬ ‫اعتمادا على أسلوب فيه من‬
‫وية الكاتب‬ ‫ِ‬ ‫ٍّ ِ‬
‫المنقول إليها؛ حيث تتالشى ُه ّ‬ ‫لقراء اللّغة‬
‫أساسا ّ‬
‫ً‬ ‫ب‬
‫أصلي ُكت َ‬ ‫كنص‬
‫ٍّ‬
‫ِ‬
‫وثقافته‪،‬‬ ‫محترما معايير مجتمعه‬ ‫األم‬
‫ً‬ ‫وية المترجم وهو يترجم للغته ّ‬ ‫وتبرز ُه ّ‬
‫ص واقباله عليه‪:‬‬
‫للن ّ‬
‫تقبل القارئ ّ‬
‫ال ّشيء ال ّذي من شأنه أن ُيسهّل ّ‬
‫‪«…because of its economic value: enforced by editors,‬‬
‫‪publishers and reviewers, fluency results in translations that‬‬
‫‪are eminently readable and therefore consumable on the book‬‬
‫)‪market» (Venuti, 1995,p. 16‬‬
‫المحررين‬
‫ّ‬ ‫االقتصادية أي‪ :‬كونها ُعّززت من قبل‬
‫ّ‬ ‫» وبفضل قيمتها‬
‫مقروؤية واسعة‬
‫ّ‬ ‫االنسيابية ترجمات ذات‬
‫ّ‬ ‫وال ّناشرين والمراجعين‪ ،‬نتجت عن‬
‫ومستهلكة في سوق الكتاب‪( «.‬ترجمتنا)‬
‫سلبياته فهو كما يرى‬
‫أما عن ّ‬ ‫اتيجية التّوطين‪ّ ،‬‬
‫اإليجابي الستر ّ‬
‫ّ‬ ‫هذا عن الجانب‬
‫األنجلوسكسوني ال ّذي‬
‫ّ‬ ‫قي‬
‫وتشجع مبدأ التّمركز العر ّ‬
‫ّ‬ ‫"فينوتي" "‪ّ "Venuti‬أنها تمثّل بل‬
‫يسعى لنشر ثقافته وينغلق على ثقافة اآلخر ويرفضها بترجمة أعماله اعتمادا على‬
‫قافي ِة و ّ‬
‫القومية ويستبدلها بثقافته‬ ‫خصوصي ِ‬
‫ته الثّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫األصلي من‬
‫َّ‬ ‫ص‬‫الن ّ‬
‫جرُد ّ‬
‫التّوطين ال ّذي ُي ّ‬
‫وكأنها أرقى الثّقافات وأجدرها بالتّعريف والتّرويج‪.‬‬
‫ّ‬
‫وهوية المترجم‪:‬‬
‫ّ‬ ‫اتيجية التّغريب‬
‫‪ -3-1‬استر ّ‬
‫لقد اقترح "فينوتي" ‪ Venuti‬اعتماد استراتيجية التّغريب بديال للتّوطين إذ‬
‫يقول فيها ‪:‬‬
‫‪« Foreignizing translation in English can be a form of‬‬
‫‪resistance against ethnocentrism and racism, cultural‬‬
‫)‪narcissism and imperialism» (Venuti, 1995, p. 20‬‬
‫ضد‬
‫اإلنجليزية أن يكون شكال من أشكال المقاومة ّ‬
‫ّ‬ ‫» يمكن للتّغريب في‬
‫اإلمبريالية‪( «.‬ترجمتنا)‬
‫ّ‬ ‫قافية و‬
‫رجسية الثّ ّ‬
‫عصب وال ّن ّ‬
‫العرقي والتّ ّ‬
‫ّ‬ ‫التّمركز‬

‫‪179‬‬
‫عرف عليه‬‫يدل على رفض اآلخر‪ ،‬وحرمان القارئ من التّ ّ‬
‫فالتّوطين ّ‬
‫ص وتحويره وجعله‬ ‫الن ّ‬
‫واعطائه صورة مختلفة وخاطئة عنه بتشويه محتوى ّ‬
‫وخاصة "اإلنجليزّية"‪ .‬وهذا ما‬
‫ّ‬ ‫السائدة في ثقافة اللّغة المنقول إليها‬‫يتماشى والقيم ّ‬
‫يكية على حساب‬ ‫قافي والتّكريس للثّقافة األنجلو أمر ّ‬
‫نوع الثّ ّ‬
‫من شأنه تقليص التّ ُّ‬
‫بكل ما‬
‫ص ّ‬ ‫الن ّ‬
‫وهويته وينقل ّ‬
‫ّ‬ ‫ألن التّغريب يكفل بروز الكاتب‬
‫الثّقافات األخرى‪ّ ،‬‬
‫هوية الكاتب بحيث‬
‫قافية وتبرز ّ‬
‫هوية المترجم الثّ ّ‬
‫يحمله من غرابة‪ .‬وهنا تختفي ّ‬
‫ي الحاصل وينفتح عليه‪.‬‬
‫قافي والحضار ّ‬
‫نوع الثّ ّ‬
‫يتعرف عليها القارئ ويطّلع على التّ ّ‬
‫ّ‬
‫‪« Foreignizing translation signifies the difference of the‬‬
‫‪foreign text, yet only by disrupting the cultural codes that‬‬
‫)‪prevail in the target language» (Venuti, 1995‬‬
‫ص ِد أن‬
‫يمكن لهذا القَ ْ‬
‫ُ‬ ‫األجنبي‪ ،‬ولكن ال‬
‫ِّ‬ ‫يبين التّغريب اختالف ال ّن ِ‬
‫ص‬ ‫» ّ‬
‫السائدة في اللّغة المنقول إليها‪( «.‬ترجمتنا)‬
‫قافية ّ‬‫بالرموز الثّ ّ‬
‫ُيبلَغ لوال اإلخالل ُّ‬
‫النظر عن‬ ‫بغض ّ‬‫ّ‬ ‫النص للقارئ‬‫ومن هنا يتجلّى دور التّغريب في تقديم ّ‬
‫السائدة في ثقافة اللّغة المنقول إليها‪ ،‬حتّى‬
‫االجتماعية ّ‬
‫ّ‬ ‫االعتقادات والقيم والمعايير‬
‫رسل أي الكاتب والتّعرف على ثقافته رغم‬ ‫يتسنى للمستقبِل إدراك حقيقة الم ِ‬ ‫ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫قافي‪.‬‬
‫ساني والثّ ّ‬
‫اختالفها أو غرابتها‪ ،‬وهذا بإبراز االختالف اللّ ّ‬
‫يشدد فينوتي ‪ Venuti‬على اقتراحها ليقوم المترجم‬
‫السمات التّي ّ‬ ‫»ما ّ‬
‫السمات التّي‬
‫الضبط‪ -‬تلك ِّ‬ ‫الم َم ِ‬
‫ارس بإعادة إنتاجها؟ إ ّنها‪ -‬على جهة التّدقيق و ّ‬ ‫ُ‬
‫قافي‪( « .‬غنتسلر‪ ،‬ترجمة‬ ‫َّ‬
‫ساني والثّ ّ‬
‫تُ َك ِّو ُن عالمة دالة على االختالف اللّ ّ‬
‫مصلوح‪ ،2007 ،‬ص‪)120‬‬
‫السالسة‬
‫ص ال يتّسم بالوحدة واالتّساق واالنسجام و ّ‬
‫الن ّ‬
‫ال ّشيء ال ّذي يجعل ّ‬
‫ص مترجم‪ ،‬كما يشعر فيه القارئ‬ ‫الن ّ‬
‫بأن ّ‬
‫اؤه من اإلحساس ّ‬ ‫فافية بل يتم ّكن قَُّر ُ‬
‫وال ّش ّ‬
‫ساني‪.‬‬
‫قافي والّل ّ‬
‫بروح الغرابة واالختالف على المستويين‪ :‬الثّ ّ‬
‫وهوية المترجم‬
‫ّ‬ ‫نظرية الغاية‬
‫ّ‬ ‫‪-4-1‬‬

‫‪180‬‬
‫الحرة والتّرجمة األمينة والتّوطين‬
‫ظرون حول التّرجمة ّ‬ ‫وبينما يتجادل المن ّ‬
‫ويته‬
‫مسك بهُ ّ‬
‫والتّغريب‪ ،‬على المترجم أن يتّخذ ق ارره ويعرف إن كان يجدر به التّ ّ‬
‫هويته‬ ‫ِ‬
‫األم وبالتّالي يعتمد على التّوطين أو أن يتخلّى عن ّ‬ ‫وهو يترجم للغته ّ‬
‫ص‪ .‬وهذا أمر يتوقّف حسب نظرّية الغاية ‪Skopos Theory‬‬ ‫الن ّ‬
‫ويغرب ّ‬
‫قافية ّ‬
‫الثّ ّ‬
‫على الهدف من التَّرجمة؛ ففي بعض الحاالت َي ْح ُس ُن ّ‬
‫تبني التّوطين وفي أحيان‬
‫أخرى يستحسن استعمال التّغريب‪ ،‬ال ّشيء الّذي يمكن أن يتوافق أو يتعارض مع‬
‫األصلي والموضوع المعالج فيه‪ .‬وهنا يتجلّى دور‬
‫ّ‬ ‫ص‬
‫للن ّ‬
‫هدف الكاتب من تأليفه ّ‬
‫حدة الجدال آنف ال ّذكر‪ ،‬فحسب "كريستيان نورد"‬
‫نظرّية الغاية في التّخفيف من ّ‬
‫اتيجية‬
‫يحدد االستر ّ‬
‫‪ Christiane Nord‬الهدف أو الغاية من التّرجمة هو ما ّ‬
‫المتّبعة‪:‬‬
‫‪« The prime principle determining any translation‬‬
‫‪process is the purpose of the overall translational act . » (Nord,‬‬
‫)‪1997, p.27‬‬
‫عملية ترجمة هو‬
‫ّ‬ ‫َّد على أساسه ّأية‬
‫األساسي الذّي تتحد ُ‬
‫ّ‬ ‫إن المبدأ‬
‫»ّ‬
‫رجمي‪( « .‬ترجمتنا)‬
‫الغاية من الفعل التّ ّ‬
‫رجمي‬
‫أهم ما في الفعل التّ ّ‬
‫قافية وموقف المترجم منها ليس ّ‬
‫فالهوية الثّ ّ‬
‫ّ‬ ‫إذن‪،‬‬
‫ْ‬
‫وتبني‬
‫يحدد خيارات المترجم بل تحديد الغاية من التّرجمة ّ‬
‫أو ما يحكمه أو ما ّ‬
‫هوية المترجم‪.‬‬
‫اتيجيات المناسبة لتحقيق الغاية وان كان األمر على حساب ّ‬
‫االستر ّ‬
‫أن هذه النظرّية‬
‫بأن نظرّية الغاية ليست كما يعتقد الكثيرون‪ّ :‬‬
‫وهنا يجدر التّنويه ّ‬
‫الصدد‪:‬‬
‫فضل التّوطين وتشيد به؛ ولقد قال "فيرمير" ‪ Vermeer‬في هذا ّ‬ ‫ت ّ‬
‫‪«The skopos theory thus in no way claims that a‬‬
‫‪translated text should ipso facto conform to the target culture‬‬
‫‪behavior or expectations that a translation must always adapt‬‬
‫‪to the target culture. This is just one possibility: the theory‬‬
‫‪equally well accommodates the opposite type of translation,‬‬
‫‪deliberately marked, with the intention of expressing source‬‬

‫‪181‬‬
‫‪culture features by target culture means. Everything between‬‬
‫» ‪these two extremes is likewise possible.‬‬
‫)‪(Vermeer, 2000, p. 231‬‬
‫المتَْر َج ُم مع الثَّقافة‬
‫ص ُ‬
‫أن َيتَالَءم َّ‬
‫الن ُّ‬ ‫نظري ُة الغاية أبدا ْ‬
‫َّ‬ ‫» ال تَتَطلَّ ُ‬
‫ب‬
‫تتكيف التّرجمة دائما‬ ‫وقعات بحيث يجب أن ّ‬ ‫ُ‬ ‫لوك والتّ‬
‫الس ُ‬
‫المستهدفَة من حيث ُّ‬
‫ظرية لهذا ال ّنوع‬
‫اإلمكانيات‪ :‬تتّسع ال ّن ّ‬
‫ّ‬ ‫مع هذه الثّقافة‪ .‬هذه ليست سوى إحدى‬
‫صد التَّعبير عن‬
‫تميز هذا األخير ب َق ْ‬
‫من التّرجمة ولنقيضه بنفس القدر مع ّ‬
‫وكل ما‬
‫ص المصدر بما تتيحه ثقافة اللّغة المنقول إليها‪ّ ،‬‬ ‫خصائص ثقافة ال ّن ّ‬
‫ينحصر بين هذين ال ّنقيضين ممكن كذلك‪( «.‬ترجمتنا)‬
‫أن يعتمد على‬‫حر في ْ‬ ‫أن المترجم ّ‬
‫نتبين من خالل هذا االقتباس ّ‬
‫ّ‬
‫قافية أو أن يتنازل عن‬
‫هويته الثّ ّ‬
‫هوية الكاتب ويبرز ّ‬
‫اتيجية التّوطين ويطمس ّ‬
‫استر ّ‬
‫فإن هذه‬
‫ص المصدر؛ إذن‪ّ ،‬‬ ‫للن ّ‬
‫غوي ّ‬
‫قافي واللّ ّ‬
‫هويته ويرّكز على إبراز االختالف الثّ ّ‬
‫ّ‬
‫يخص‬
‫ّ‬ ‫الحرّية فيما‬
‫االستقاللية و ّ‬
‫ّ‬ ‫النظرّية تخلّص المترجم من قيود األمانة وتوفّر له‬
‫ّ‬
‫تحدد من قبل المبادر أو‬
‫اتيجيات التّرجمة شريطة توافقها والغاية الّتي ّ‬
‫اختيار استر ّ‬
‫المترجم أو المرسل أو المرسل إليه‪:‬‬
‫‪« Initiators may have communicative purposes of their‬‬
‫‪own or they may share those of either the sender or the‬‬
‫)‪receiver. » (Nord, 2006, p. 134‬‬
‫خاصة بهم‪ ،‬كما يمكن أن‬
‫ّ‬ ‫صالية‬
‫» يمكن أن يكون للمبادرين أهداف اتّ ّ‬
‫رسل إليه األهداف ذاتها‪( «.‬ترجمتنا)‬ ‫ِ‬
‫الم َ‬
‫المرسل أو ُ‬
‫يشاركوا ُ‬
‫يتحرى المترجم غاية األديب من‬
‫ّ‬ ‫كما يمكن في كثير من الحاالت أن‬
‫ثم العمل على بلوغها بواسطة التّرجمة‪:‬‬ ‫القصة ومن ّ‬‫ّ‬ ‫للرواية أو‬
‫تأليفه ّ‬
‫ص المصدر متّسقا مع الغاية‬ ‫ستَ ْه َدف من ال ّن ّ‬
‫الم ْ‬
‫ص ُ‬ ‫» إذا كان اشتقاق ال ّن ّ‬
‫جيدة‪« .‬‬
‫يسمى اشتقاقا أمينا‪ ،‬ويحظى بالقَبول بوصفه ترجمة ّ‬
‫فإن ذلك ّ‬
‫األصلية ّ‬
‫ّ‬
‫(غنستلر‪ ،‬ترجمة مصلوح‪ ،2007 ،‬ص‪)178‬‬

‫‪182‬‬
‫إذن يمكن للمترجم العمل على بلوغ نفس غايات الكاتب‪ ،‬ويمكن أن تنتج‬
‫عن اتّباع هذا األسلوب ترجمة يحكم عليها باألمانة والجودة‪.‬‬
‫المدونة‬
‫ّ‬ ‫نقدية لترجمة نماذج من‬
‫تحليلية ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ -2‬دراسة‬
‫نقدية لترجمة نماذج من رواية الموتى‬ ‫تحليلية ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ 1 -2‬دراسة‬
‫‪-1-1-2‬نبذة عن رواية الموتى والمترجم‪ :‬وأستعرض دراسة لترجمة بعض‬
‫ِ‬
‫ي‬ ‫المتَْر ِجم ّ‬
‫السور ِّ‬ ‫ت على يد ُ‬ ‫النماذج من رواية "‪" The Dead‬الموتى" التّي تُْر ِج َم ْ‬
‫ّ‬
‫تي "غابرييل" حيث أقيمت‬ ‫عم ّ‬
‫الرواية في منزل ّ‬ ‫"أسامة منزلجي"‪ ،‬وتدور أحداث ّ‬
‫للرواية‪-‬‬
‫ئيسية ّ‬
‫الر ّ‬‫خصية ّ‬
‫ليتعرض "غابرييل"‪ -:‬ال ّش ّ‬‫ّ‬ ‫المسيحي‬
‫ّ‬ ‫ظهور"‬
‫حفلة عيد "ال ّ‬
‫بعية لبريطانيا‪ ،‬كما‬
‫للكثير من المواقف الحرجة‪ ،‬وأكثرها إحراجا كانت اتّهامه بالتّ ّ‬
‫الرقص‬‫الرواية مختلف مراسيم االحتفال من إلقاء الخطابات والغناء و ّ‬ ‫تستعرض ّ‬
‫العاطفية اّلتي‬
‫ّ‬ ‫لندية‪ ،‬وتُ ْختَتَ ُم بالخيبة‬
‫والقصائد والمأكوالت وال ّشيم والتّقاليد األير ّ‬
‫أن الهدف‬ ‫عاشها غابرييل وم ّكنته من اكتشاف ذاته‪ .‬ولقد اعترف الكاتب بدوره ّ‬
‫القصصية "أهالي دبلن" الّتي أدرج فيها رواية الموتى هو‬
‫ّ‬ ‫من كتابة المجموعة‬
‫لندية‪".‬‬
‫وهويتهم األير ّ‬
‫التّعريف بالمدينة وس ّكانها ّ‬
‫‪« You must write what is in your blood and not what is‬‬
‫» ‪in your brain.‬‬
‫)‪) Jeffares, 2000, p. XV‬‬
‫»عليك أن تكتب ما في دمك ال ما في عقلك‪( « .‬ترجمتنا)‬
‫ويته في‬
‫قوة شعوره باالنتماء لوطنه وتصميمه على إبراز ُه ّ‬
‫يدل على ّ‬
‫وهذا ّ‬
‫القصصية حقّا تعالج‬
‫ّ‬ ‫أن المجموعة‬
‫كتاباته‪ ،‬ولقد أوضح البروفيسور "جيفريس" ّ‬
‫لندية فقال‪:‬‬
‫الهوية األير ّ‬
‫ّ‬
‫‪« The Irishness of Dubliners can be studied on at least‬‬
‫‪five levels:‬‬
‫‪religious, cultural, political, geographical, and‬‬
‫)‪autobiographical.» ) Jeffares, 2000, p. XV‬‬

‫‪183‬‬
‫يني‬
‫الد ّ‬
‫مستويات على األقل‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫األيرلندية على أربعة‬
‫ّ‬ ‫الهوية‬
‫ّ‬ ‫»يمكن دراسة‬
‫ّاتية للكاتب‪«.‬‬
‫افي ومن خالل ما تعلّق بسيرة الذ ّ‬ ‫ياسي والجغر ّ‬
‫الس ّ‬‫قافي و ّ‬
‫والثّ ّ‬
‫(ترجمتنا)‬
‫ينية‬
‫الد ّ‬
‫الناحية ّ‬
‫وية بلده من ّ‬
‫أن الكاتب أبرز ُه ّ‬
‫وفي هذه المقولة داللة على ّ‬
‫السياسيَّة‪...‬‬
‫قافية و ّ‬
‫والثّ ّ‬
‫وفعال لقد اختار المترجم "أسامة منزلجي" في الكثير من الحاالت الوفاء‬
‫قافية بصفته مترجما‪ .‬وهذا ما أدلى به لصحيفة‬ ‫بهويته الثّ ّ‬‫لغاية الكاتب والتّضحية ّ‬
‫أن التّرجمة هي‪:‬‬
‫مقرها في "لندن"‪ ،‬فهو يرى ّ‬ ‫"العرب" الكائن ّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫خاصة ِّ‬
‫بكل‬ ‫ّ‬ ‫أدبي وبصورٍة أد ِب ّية وبنبرة صوت ّ‬
‫أدبية‬ ‫وبحس ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫بنص‬
‫» التزام ٍّ‬
‫ويضيف‬
‫ُ‬ ‫لزوميات التَّرجمة المسؤولة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ص من‬ ‫ام واإلخالص لهذا ال ّن ّ‬ ‫كاتب‪ ،‬وااللتز ُ‬
‫ان َّ‬
‫الذات‪".‬‬ ‫ب ُن ْك َر َ‬ ‫قائال‪" :‬التّرجمة عمل شاق يتطلّ ُ‬
‫)‪(https://alarab.co.uk‬‬
‫هويته في التّرجمة ولم‬ ‫أن المترجم ال يبالي إن اختفت ّ‬ ‫يدل على ّ‬ ‫وهذا ما ّ‬
‫ص المصدر‪ ،‬ويعترف‬ ‫الن ّ‬
‫فأهم ما في التّرجمة هو االلتزام بخصائص ّ‬
‫يبد لها أثر؛ ّ‬
‫وهويته على‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫جعل التَّرجمة تعكس الكاتب وأسلوبه‬ ‫أي محاولةُ‬‫أن هذا االلتزام ْ‬
‫ّ‬
‫ان ال ّذات"‬
‫ـ"ن ْكر ُ‬
‫بالصعوبة‪ .‬فـ ُ‬
‫ّ‬ ‫ب الكثير من الجهد ويتّسم‬
‫هوية المترجم يتطّل ُ‬
‫حساب ّ‬
‫قافية إلبراز اآلخر‬
‫خلفيته الثّ ّ‬
‫للتّخلّص من ّ‬ ‫جاهدا‬
‫ً‬ ‫أن يسعى‬
‫يتطلّب من المترجم ْ‬
‫اتيجية التّغريب على التّوطين‪.‬‬ ‫ُي ِّ‬
‫فضل استر ّ‬ ‫والتّعريف به‪ .‬وهذا ما ُّ‬
‫يدل على ّأنه‬
‫حي ٍز‬
‫يكون محشو ار في ّ‬
‫ُ‬ ‫المترجم‬
‫ألن ُ‬‫ويتابع قائال » لغة التّرجمة لغة صعبة جدا‪ّ ،‬‬
‫األدبي واللّغة المنقول إليها‪ .‬وعليه أن يوجد‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫للعمل‬ ‫األصلية‬
‫ّ‬ ‫ضي ٍ‬
‫ق بين اللّغة‬ ‫ّ‬
‫كل‬
‫األصلي‪ ،‬وهكذا مع ّ‬
‫ِّ‬ ‫وروح الكاتب‬
‫َ‬ ‫عمل‬
‫َ‬ ‫لغة تنصف اللُّغتين‪ ،‬وتُنصف أكثر‬
‫عملية التّوازن‪«.‬‬
‫ّ‬ ‫الصراع من‬
‫كتاب يبدأ المترجم بالعمل عليه يدخل في هذا ّ‬
‫)‪(https://alarab.co.uk‬‬

‫‪184‬‬
‫الحيادية واالبتعاد قدر‬
‫ّ‬ ‫توجه "منزلجي" وميوله للتّغريب والتزامه‬ ‫إن ّ‬
‫ّ‬
‫قافية يبرز عدم اهتمامه بأن تطغى مسحة‬ ‫فسية والثّ ّ‬
‫الن ّ‬
‫المستطاع عن المؤثّرات ّ‬
‫قافية على ترجماته بقدر استعمال التّرجمة كجسر للتّواصل بين الثّقافات‬‫ويته الثّ ّ‬
‫ُه ّ‬
‫أن هذا المترجم‪-‬حسب تصريحه‪-‬‬ ‫المختلفة وابرازها والتّعريف بينها‪ .‬ويجدر ال ّذكر ّ‬
‫النصوص المترجمة وفي ترجمتها‬
‫وحرّية مطلقة في اختيار ّ‬
‫تامة ّ‬
‫باستقاللية ّ‬
‫ّ‬ ‫يتمتّع‬
‫اتيجية التّي يراها األنسب‪:‬‬
‫باالستر ّ‬
‫خاصة‬
‫ّ‬ ‫المتَْر َجم‬
‫تدخل دار ال ّنشر في المضمون ُ‬
‫»نسأل المترجم هنا عن ّ‬
‫كالدين مثال‪ ،‬ليجيبنا قائال‪“ :‬أنا‬
‫إشكالية ّ‬
‫ّ‬ ‫في األعمال الّتي تكون ذات قضايا‬
‫أي كاتب أو‬
‫علي ّ‬
‫أتعامل مع دار المدى منذ سنوات طويلة‪ ...‬وهم ال يفرضون ّ‬
‫علي في انتقاء الكتّاب والكتب ‪...‬‬
‫‪...‬إن الثّقة بيننا دفعتهم إلى االعتماد ّ‬
‫َّ‬ ‫كتاب‬
‫أي شيء بوصفه ‘غير مقبول‘‪ ،‬بل على العكس‪،‬‬ ‫أبدا أن يحذفوا ّ‬
‫ولم يحاولوا ً‬
‫يشجعون األفكار الجريئة وال يمتنعون عن نشر‬
‫الدار ّ‬
‫أن المسؤولين عن ّ‬‫أعتقد ّ‬
‫ما يخشى منه اآلخرون‪(https://alarab.co.uk) «.‬‬
‫هوية المترجم‪:‬‬
‫اتيجية التّغريب في ّ‬
‫الرواية باستر ّ‬
‫‪-2-1-2‬أثر ترجمة ّ‬
‫الرواية المذكورة‬
‫جليا في ترجمته ّ‬
‫وتوجهات "أسامة منزلجي" ّ‬
‫ّ‬ ‫وتبدو آراء‬
‫سابقا‪.‬‬
‫‪«-The men that is now is only all palaver and what they‬‬
‫‪can get out of you. Gabriel coloured, as if he felt he had made a‬‬
‫‪mistake...Then he took a coin rapidly from his pocket... it's‬‬
‫‪Christmas-time, isn't it? --O no, sir! Cried the girl, following‬‬
‫!‪him. Really, sir, I wouldn't take it . . . Christmas-time‬‬
‫)‪Christmas-time! said Gabriel, »(Joyce, 2000, p.124‬‬
‫األيام ال يعرفون غير الثّرثرة وال ّنصب‪".‬‬
‫"شبان هذه ّ‬
‫» ّ‬
‫نقدية من‬
‫خطأ‪...‬ثم تناول مسرعا قطعة ّ‬
‫ّ‬ ‫تلون غابرييل‪ ،‬وكأ ّنه ارتكب‬
‫ّ‬
‫جيبه‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫قال‪ ،‬مقحما ّإياها في يديها‪ :‬آه‪ ،‬يا ليلي لقد حان وقت عيد الميالد‪،‬‬
‫أليس كذلك؟‬
‫سيدي‪ ،‬لن‬
‫سيدي!حقّا‪ ،‬يا ّ‬
‫هتفت الفتاة‪ ،‬وهي تتبعه‪" :‬أوه‪ ،‬ال يا ّ‬
‫آخذها"‪...‬‬
‫"إ ّنه عيد الميالد! عيد الميالد!"« (جويس‪ ،‬ترجمة منزلجي‪،2000 ،‬‬
‫ص‪)201‬‬
‫دينية‬
‫"المسيحي" بمناسبة ّ‬
‫ّ‬ ‫أي جهد لتبديل عيد الميالد‬
‫لم يبذل المترجم ّ‬
‫أي ضرر‪،‬‬‫مرات كما وردت في المتن ّ‬ ‫لعدة ّ‬
‫إسالمية‪ ،‬بل لم يجد في ذكرها ّ‬‫ّ‬
‫مسيحي‪ .‬وفي مثال‬
‫ّ‬ ‫الرواية تدور في وسط‬
‫أن أحداث ّ‬‫مرات يؤ ّكد ّ‬
‫وترديدها لثالث ّ‬
‫الرقصات الّتي تُ َؤَّدى في عيد الظّهور حيث ّ‬
‫تحرى "منزلجي"‬ ‫آخر يصف إحدى ّ‬
‫الدقيق اّلذي أورده الكاتب‪:‬‬
‫ذكر الوصف ّ‬
‫‪« He waited outside the drawing-room door until the‬‬
‫‪waltz should finish, listening to the skirts that swept against it‬‬
‫)‪and to the shuffling of feet» (Joyce, 2000, p.124‬‬
‫» انتظـــر خـــارج قاعـــة االســـتقبال ريثمـــا تنتهـــي رقصـــة الفـــالس‪ ،‬وأصـــا‬
‫السمع لحفيف أذيـال األثـواب وهـي تنسـحب علـى األرو‪ ،‬والـى انتقـال األقـدام«‬
‫ّ‬
‫(جويس‪ ،‬ترجمة منزلجي‪ ،2000 ،‬ص‪)201‬‬
‫الصفات‬
‫اتيجية االقتراض ولم يحذف ّأيا من ّ‬
‫الرقصة باستر ّ‬ ‫ِ‬
‫ولقد تُْرجم اسم ّ‬
‫الراقصون بنفس حرص ودقّة‬‫فصور األصوات التّي يصدرها ّ‬
‫ّ‬ ‫الواردة في المتن‬
‫شدة طول أثواب‬
‫الصورة أكثر وتبرز ّ‬
‫الكاتب‪ .‬بل وأضاف "ذيول" حتّى تتّضح ّ‬
‫السّيدات‪.‬‬
‫ّ‬
‫الهوية‬
‫ّ‬ ‫للرواية بنكران‬
‫ئيسية ّ‬
‫الر ّ‬‫خصية ّ‬
‫السياسة‪ ،‬فلقد اتّهمت ال ّش ّ‬
‫أما عن ّ‬ ‫ّ‬
‫ثقافية من ِقَب ِل‬
‫خصوصية ّ‬
‫ّ‬ ‫يطاني باستعمال مصطلح ذي‬
‫والعمالة للمستعمر البر ّ‬
‫لندية وتغار عليها‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫ويتها األير ّ‬
‫تعتز بهُ ّ‬
‫ضيفة ّ‬

‫‪186‬‬
‫‪«Well, I'm ashamed of you, said Miss Ivors frankly. To‬‬
‫‪say you'd write for a paper like that. I didn't think you were a‬‬
‫)‪West Briton. » (Joyce, 2000, p.130‬‬
‫أظن أ ّنك‬
‫» حسن‪ ،‬أنا خجلة منك أل ّنك تكتب لصحيفة كتلك‪ .‬لم أكن ّ‬
‫بريتوني غربي '‪«' West Briton‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحرفية وأضاف كتابة المصطلح‬
‫ّ‬ ‫اتيجية التّرجمة‬
‫لقد استعمل المترجم استر ّ‬
‫ص كتب باللّغة‬
‫الن ّ‬
‫أن ّ‬‫باإلنجليزّية كما جاء في المتن‪ ،‬ال ّشيء الّذي ُيذ ّكر القارئ ّ‬
‫الرغم من نجاحه في‬
‫ثقافية‪ .‬ولكن وعلى ّ‬
‫خصوصية ّ‬
‫ّ‬ ‫أن المصطلح ذو‬
‫اإلنجليزّية و ّ‬
‫يدل على‬
‫بأي معنى ّ‬
‫أن ترجمته ال توحي ّ‬ ‫ساني إالّ ّ‬
‫قافي واللّ ّ‬
‫إبراز االختالف الثّ ّ‬
‫يقدم المترجم شرحا‬
‫االندماج في الثّقافة اإلنجليزّية‪ ،‬ولهذا كان من المستحسن أن ّ‬
‫لفك اللّبس عن المصطلح‪:‬‬ ‫في الهامش ّ‬
‫‪«West Briton : not a real Irishman, but an Englishman‬‬
‫‪living in Ireland, or an Anglicized Irishman» (Jeffares,‬‬
‫)‪2000,p.204‬‬
‫ي يعيش في أيرلندا أو‬ ‫حقيقي وا ّنما هو إنجليز ّ‬
‫ّ‬ ‫يرلندي غير‬
‫ّ‬ ‫»رجل أ‬
‫اإلنجليزيين وصار مثلهم‪( «.‬ترجمتنا) ومع ذلك فقد‬
‫ّ‬ ‫أيرلندي اكتسب صفات‬
‫قافية‬
‫الرواية بتهميش يشرح فيه مختلف المصطلحات ذات القيمة الثّ ّ‬
‫ألحق المترجم ّ‬
‫الفنانين ودور الثّقافة واألوب ار والمناطق والمدن وعيا‬
‫الدالّة على أسماء ّ‬
‫خاصة تلك ّ‬
‫ّ‬
‫هوية الكاتب‪.‬‬
‫بأهميتها في إبراز ّ‬
‫ّ‬ ‫منه‬
‫هوية الكاتب رغم‬
‫ي "أسامة منزلجي" إبراز مالمح ّ‬ ‫السور ّ‬
‫فضل المترجم ّ‬ ‫لقد ّ‬
‫قافية؛ بحيث نقل تفاصيل عادات وتقاليد س ّكان مدينة "دبلن"‬
‫هويته الثّ ّ‬
‫تناقضها مع ّ‬
‫لندية اّلتي دقّق الكاتب في وصفها جاعال من ترجمته مرآة تعكس المسحة‬ ‫األير ّ‬
‫للرواية‪.‬‬
‫قافي ّ‬
‫ياسي والثّ ّ‬
‫الس ّ‬‫يخي و ّ‬
‫لندية والبعد التّار ّ‬
‫قافية األير ّ‬
‫الثّ ّ‬
‫الموجهة للبالغين‬
‫ّ‬ ‫اإلبداعية‬
‫ّ‬ ‫النصوص‬‫وجه ال ينحصر على ترجمة ّ‬ ‫وهذا التّ ّ‬
‫اإلعالمية المو ّجهة لألطفال؛ وأقصد هنا‬
‫ّ‬ ‫فقط‪ ،‬بل وحتّى في ترجمة بعض المو ّاد‬

‫‪187‬‬
‫الناطقين باللّغة العر ّبية واّلذين يدين أغلبهم‬
‫الموجهة لألطفال ّ‬
‫ّ‬ ‫المتحركة‬
‫ّ‬ ‫الرسوم‬
‫ّ‬
‫باإلسالم‪.‬‬
‫المتحركة‬
‫ّ‬ ‫الرسومات‬
‫نقدية لترجمة نماذج من ّ‬
‫تحليلية ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ -2-2‬دراسة‬
‫الهوية‬
‫ّ‬ ‫اتيجية التّغريب في‬
‫المتحركة باستر ّ‬
‫ّ‬ ‫الرسومات‬
‫‪1-2-2‬أثر ترجمة ّ‬
‫قافية للمترجم‪:‬‬
‫الثّ ّ‬
‫طفل‬
‫اتيجية التّغريب زعزعة عقيدة ال ّ‬
‫المتحركة باستر ّ‬
‫ّ‬ ‫الرسوم‬
‫من شأن ترجمة ّ‬
‫أن هذه‬
‫خاصة و ّ‬
‫ّ‬ ‫إليديولوجيات القائمين على هذه األفالم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وقيمه عن قصد وطبقا‬
‫طفل يتعّلم‬‫أن ال ّ‬
‫وهويته‪ .‬وبما ّ‬
‫ّ‬ ‫طفل‬
‫شخصية ال ّ‬
‫ّ‬ ‫بالنسبة لتَ ْك ِ‬
‫وين‬ ‫جدا ّ‬‫حساسة ّ‬
‫الس ّن ّ‬
‫ّ‬
‫طفل‬ ‫جتماعي لـ"بندو ار ‪ Bandura‬فمن الممكن لل ّ‬
‫ّ‬ ‫بالتّقليد حسب نظرّية التّعلّم اال‬
‫ألنه يرى فيها قدوة‬
‫وهويته ّ‬
‫ّ‬ ‫سلوكياتها الّتي تتناقض‬
‫ّ‬ ‫خصيات في‬
‫اتّباع وتقليد ال ّش ّ‬
‫السلوك عن‬‫ظرية إ ّن اكتساب األشخاص أنواعا جديدة من ّ‬
‫له‪ » :‬وتقول هذه ال ّن ّ‬
‫تصرفات المجتمع من‬
‫يتم بسبب مالحظة الفرد ّ‬
‫عرو لوسائل اإلعالم ّ‬ ‫طريق التّ ّ‬
‫شهري ‪ ،2010‬ص‪)90‬‬ ‫حوله‪ ،‬والتّلفاز جزء منه‪( «.‬ال ّ‬
‫ثم تطبيقه‪ ،‬ومن‬
‫السلوك ومن ّ‬ ‫تؤدي إلى تعلّم ّ‬
‫أن المالحظة ّ‬
‫ومن المؤ ّكد ّ‬
‫قافية واعتماده على‬
‫بهويته الثّ ّ‬
‫ّ‬ ‫تمسك المترجم‬
‫بين األمثلة الخطيرة على عدم ّ‬
‫الهوية‬
‫ّ‬ ‫بأهم عناصر‬
‫المتحركة تلك الّتي تتعلّق ّ‬
‫ّ‬ ‫الرسومات‬
‫التّغريب في ترجمة ّ‬
‫المتخصص في اإلعالم‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫الدكتور ناصر الخرعان‬
‫الدين‪ .‬ولقد قال ّ‬
‫قافية‪ ،‬أي‪ّ :‬‬
‫الثّ ّ‬
‫عقائدية قد تَُز ْع ِزع عقيدة‬
‫ّ‬ ‫»فهناك مشاهد عديدة تحتوي على مخالفات‬
‫السيمبسونز " ‪The‬‬
‫السليمـة‪ ،‬ففـي إحـدى حلقـات ّ‬
‫الطّفل وتشـ ّوه فطرتـه ّ‬
‫أن هناك‬
‫ربا اآلن‪...‬أنا أدرك ّ‬
‫أن هناك ّ‬
‫‪ "Simpsons‬يقول األب‪ :‬من يتساءل ّ‬
‫صرح صاحب هذا الفيلم أ ّنه يريد نقل أفكاره عبر أعماله‬ ‫ربا‪ ،‬وأ ّنه أنا‪ ...‬لقد ّ‬
‫ّ‬
‫أن تكرار‬
‫شك ّ‬
‫شهري ‪ ،2010‬ص‪ )95‬وال ّ‬ ‫يتقبلونها‪( «.‬ال ّ‬
‫بطريقة تجعل ال ّناس ّ‬
‫طفل‬
‫خل بعقيدة ال ّ‬
‫مشاهدة مثل هذه المشاهد وسماع مثل هذه األقاويل يمكن أن ُي ّ‬

‫‪188‬‬
‫ص أو تُتَْر َج ْم مع الحفاظ على المعنى‬
‫الن ّ‬
‫المسلم إذا ما لم تحذف هذه المقاطع من ّ‬
‫الدكتور‬
‫األصلي‪ ،‬أي‪ :‬باالعتماد على التّغريب‪ .‬ولهذا يقول ّ‬
‫ّ‬ ‫ص‬
‫الن ّ‬
‫الّذي أتى به ّ‬
‫المتخصص في علوم التّربية‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫"عليان الحولي" في هذا ال ّشأن وهو‬
‫أن الم ِ‬
‫رسل‬ ‫‪...‬تتحول إلى سموم قاتلة‪ ،‬ووجه الخطر في هذا األمر هو ّ ُ‬ ‫ّ‬ ‫»‬
‫س ُل إليه‪ ،‬وهو هنا الطّفل ليكون‬ ‫الم ْر َ‬
‫ويتغير ُ‬
‫ّ‬ ‫الرسالة يحافظان على جوهرهما‪،‬‬ ‫وّ‬
‫سل غريب ويحاول هضمها‬ ‫ابن حضارٍة مغايرة الّذي يتل ّقى رسال ًة غريب ًة من مر ٍ‬
‫ُْ‬
‫الدواء الّذي صنع لداء‬
‫الرسالة هنا مثل ّ‬‫هويته‪ ،‬فتصبح ّ‬
‫خصوصية ّ‬
‫ّ‬ ‫في إطار‬
‫ويتم تناوله لدفع داء آخر فتصبح ال ّنتيجة داء آخر‪( «.‬الحولي‪،2004 ،‬‬
‫معين‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫ص‪)16‬‬
‫لبية للتّغريب حين ُيحافَظ على‬
‫الس ّ‬
‫ومن هنا يتّضح جانب من الجوانب ّ‬
‫يديولوجيته‬
‫ّ‬ ‫المرسل أي الكاتب حيث يبرز دينه وا‬
‫ص و ُ‬‫الن ّ‬
‫الرسالة أي ّ‬
‫جوهر ّ‬
‫هويةً وحضارةً‪ ،‬وا ّن َك ْو َن‬
‫كل المجتمعات رغم اختالفها ّ‬ ‫ويحاول نشرهما في ّ‬
‫الرسوم‬ ‫شخصيات ّ‬
‫ّ‬ ‫طفل مولعا بتقليد من يعتبرهم قدوة من‬‫الم ْر َسل إليه أي ال ّ‬
‫ُ‬
‫قافية الّتي تجعله يتشارك‬ ‫بهويته الثّ ّ‬
‫ّ‬ ‫يتشبث المترجم‬
‫ّ‬ ‫المتحركة‪ ،‬فيستحسن أن‬
‫ّ‬
‫والمرسل إليه في االنتماء صونا لعقائد األجيال القادمة وحفاظا على قيمها‬
‫ينية‪.‬‬
‫الد ّ‬
‫األخالقية و ّ‬
‫ّ‬
‫المتخصصة في الكرتون يملكها يهود وال سيما‬
‫ّ‬ ‫شركات‬
‫إن معظم ال ّ‬ ‫»ّ‬
‫المشهورة منها‪ :‬مثل والت ديزني« (الحولي‪ ،2004 ،‬ص‪ )44‬وهي شركات‬
‫تروج ألفكارها وعقائدها وتعمل جاهدة لترسيخها في نفوس أطفال المسلمين‪ ،‬وان‬ ‫ّ‬
‫بد أن يعتمد على التّوطين لتحقيق أسمى‬ ‫كان المترجم واعيا بهذا الخطر فال ّ‬
‫وجيهية‪.‬‬
‫بوية والتّ ّ‬
‫الرسالة التّر ّ‬
‫المتحركة الّتي تتمثّل في ّ‬
‫ّ‬ ‫الرسوم‬
‫غايات ّ‬

‫‪189‬‬
‫اتيجية التّغريب‬
‫تتشوه مفاهيمها بسبب استر ّ‬
‫العقائدية الّتي ّ‬
‫ّ‬ ‫ومن بين المسائل‬
‫طّيبين والفقراء‬
‫ص َّوُر على ّأنه ظالم لألشخاص ال ّ‬
‫مفهوم القدر؛ فهذا األخير ُي َ‬
‫المتحركة "ريمي"‪:‬‬
‫ّ‬ ‫الرسوم‬
‫واليتامى‪ ،‬ال ّشيء اّلذي يتجلّى في ترجمة ّ‬
‫مرة‬
‫كل ّ‬‫السوء‪ ،‬ففي ّ‬‫الراوي في ال ّنسخة المدبلجة بدور في منتهى ّ‬ ‫»قام ّ‬
‫يقع فيها ريمي في (مصيبة) يقول المعلّق‪" :‬ومازالت األقدار تُتَابع ريمي‪«"...‬‬
‫(الحولي‪ ،2004 ،‬ص‪)47‬‬
‫قوة خارقة تتالعب بريمي المسكين وترميه من مأساة ألخرى‬
‫الق َدر ّ‬
‫وكأن َ‬
‫ّ‬
‫طفل ويضعف‬ ‫تتشوه صورة القدر عند ال ّ‬
‫من دون حكمة أو رحمة أو عدل‪ ،‬وهكذا ّ‬
‫أن‬
‫النوائب اعتقادا منه ّ‬
‫الصبر أوقات ال ّش ّدة و ّ‬
‫إيمانه وبالتّالي يعجز عن الثّبات و ّ‬
‫الرسوم قد‬
‫الراوي وانتاج ّ‬
‫الساهرون على كتابة تعليقات ّ‬ ‫القدر ظلمه‪ .‬فإن كان ّ‬
‫يتحمل الجزء األكبر‬
‫ّ‬ ‫فإن المترجم‬ ‫يتعمدوا ذلك‪ّ ،‬‬
‫تعمدوا تشويه مفهوم القدر أو لم ّ‬
‫ّ‬
‫قافية وترسيخها‪.‬‬
‫هويته الثّ ّ‬
‫في إرساء ثوابت ّ‬
‫هوية‬
‫اتيجية التّوطين في ّ‬
‫المتحركة باستر ّ‬
‫ّ‬ ‫الرسومات‬
‫‪ -2-2-2‬أثر ترجمة ّ‬
‫المترجم‪:‬‬
‫حركة إلى العر ّبية‪ ،‬ظهر ّتيار‬
‫الرسومات المت ّ‬
‫سلبيات دبلجة ّ‬
‫ّ‬ ‫ومع كثرة‬
‫المتحركة وتحويل الحوار من محادثة‬
‫ّ‬ ‫الرسوم‬
‫معاكس يعمل على توطين نصوص ّ‬
‫عادية قد تحتوي على ال ّشتائم وعبارات االزدراء أو حتّى عبارات تتناقض مع العقيدة‬
‫ّ‬
‫اإلسالمية إلى حوارات تغلب عليها مسحة الوعظ واإلرشاد وكثرة استعمال األذكار‬
‫ّ‬
‫مؤسسة‬
‫واألدعية‪ ،‬ومن بين القنوات التّي دأبت على إنتاج ودبلجة مثل هذه األفالم ّ‬
‫تبث في "شبكة الطّريق إلى اللّه" والّتي ُيذكر في‬
‫"بسمة" التّابعة لقناة "المجد" وهي ّ‬
‫إيمانية‬
‫ّ‬ ‫عدة مواقع من بين أهدافها‪» :‬عمل بيئة‬ ‫تتكون من ّ‬
‫سمي ّأنها ّ‬‫الر ّ‬‫موقعها ّ‬
‫العمرية‪«.‬‬
‫ّ‬ ‫تربوية صالحة لجميع المراحل‬
‫ّ‬
‫)‪(https://way2allah.com/landing_page.htm‬‬

‫‪190‬‬
‫المتحركة التّي يعرضها الموقع "همتارو" اّلذي أنتجته‬
‫ّ‬ ‫الرسومات‬
‫ومن بين ّ‬
‫الرسوم يحمل اسم‬ ‫العلَم كلّها؛ فبطل ّ‬
‫قناة "بسمة"‪ ،‬ولم يشمل التّوطين أسماء َ‬
‫تردد عبارة "الحمد هلل"‬
‫"همتارو" بينما ُس ِّم َي صديقه "بلبل" وصاحبته بـ"مرح" وهي ّ‬
‫مرات حين يعود إليها "همتارو" بعد أن ضاع في حلقة "همتارو في مأزق"‪.‬‬ ‫لعدة ّ‬
‫ّ‬
‫مؤدبة خالية من ال ّشتائم واإلهانات‪ ،‬ولم يقع المترجم في‬
‫والمالحظ هو استعمال لغة ّ‬
‫وكأنه ُيَلقَّن دروسا بدال‬
‫طفل بالملل ّ‬‫النصح والوعظ الّذي يشعر ال ّ‬
‫ف ّخ اإلكثار من ّ‬
‫يفضله الطّفل‪.‬‬
‫من التّعلّم والتّسلية في نفس الوقت وهو األسلوب الّذي ّ‬
‫المتحركة إلى اللّغة العر ّبية؛‬
‫ّ‬ ‫الرسومات‬
‫يظل الغموض يكتنف مسألة دبلجة ّ‬
‫ثم‬
‫النصوص ومن ّ‬ ‫تحدد نمط اختيار ّ‬‫منهجية ّ‬
‫ّ‬ ‫وأقصد هنا وضوح سياسة أو‬
‫اإلعالمية‬
‫ّ‬ ‫المؤسسات‬
‫ّ‬ ‫الدبلجة؛ فبينما تعمل بعض‬
‫المتوخاة من ّ‬
‫ّ‬ ‫بوية‬
‫الغايات التّر ّ‬
‫هويته‬
‫اإليجابي المتمثّل في احترام ّ‬
‫ّ‬ ‫يظل دور المترجم‬
‫على توطين هذه األفالم ّ‬
‫الرسوم‬
‫قافية والحفاظ عليها غائبا حين تطغى الثّقافة الغر ّبية على أفالم ّ‬
‫الثّ ّ‬
‫المتحركة اّلتي يجدر أن تكون أولى بتوطين محتواها لحماية الطّفل من استيعاب‬
‫ّ‬
‫وهويته‪.‬‬
‫وتبني مبادئ تتعارض ّ‬
‫مفاهيم خاطئة ّ‬

‫‪191‬‬
‫خاتمة‬
‫يلبي رغبة الفرد بال ّشعور باالنتماء‪ ،‬وقوامها هو‬
‫قافية هي ما ّ‬
‫الهوية الثّ ّ‬
‫ّ‬ ‫إن‬
‫ّ‬
‫ألنها ما تنبني على أساسه العادات والتّقاليد واألخالق المشتركة‪ ،‬وتأتي‬ ‫العقيدة‪ّ ،‬‬
‫ألنها ما يحقّق التّعبير عن هذه الهُوّية ويم ّكن من تعريف اآلخر بها‪،‬‬
‫بعدها اللّغة ّ‬
‫قي‬
‫قافية والتّمركز العر ّ‬
‫رجسية الثّ ّ‬
‫الن ّ‬‫وان كان في التّوطين ضرب من ضروب ّ‬
‫الرسومات‬
‫ي في ترجمة ّ‬ ‫الية في بعض ُّ‬
‫الدول‪ ،‬إالّ ّأنه ضرور ّ‬ ‫عصب واإلمبري ّ‬
‫والتّ ّ‬
‫قافي‬
‫أمته الثّ ّ‬
‫ص قد نقل تراث ّ‬ ‫الن ّ‬
‫المتحركة؛ حيث يكون المترجم بخياره في توطين ّ‬
‫ّ‬
‫قافية من االضمحالل في‬ ‫هويته الثّ ّ‬
‫لألجيال وساهم في الحفاظ عليه وصان بذلك ّ‬
‫بالنسبة للتّغريب فهو يساهم في االنفتاح على اآلخر‬
‫أما ّ‬‫ظل العولمة ومظاهرها‪ّ .‬‬ ‫ّ‬
‫كل من المستقبِل‬
‫شدة االختالف الّتي يجدها ّ‬
‫والتّعارف بين الثّقافات المختلفة‪ ،‬وا ّن ّ‬
‫ميز‪،‬‬
‫ساني‪ُ -‬يشعر الفرد باالختالف وبالتّ ّ‬
‫قافي واللّ ّ‬
‫والمترجم – على المستوى الثّ ّ‬
‫قافية‪.‬‬
‫وهويته الثّ ّ‬
‫ويجعله أكثر إدراكا لذاته ّ‬

‫‪192‬‬
‫العربية‪:‬‬
‫ّ‬ ‫قائمة المراجع باللّغة‬
‫نظرية التّرجمة‪:‬اتّجاهات معاصرة‪( .‬ترجمة‪:‬‬
‫ّ‬ ‫إدوين‪،‬غ‪ .)2007(.‬في‬
‫ظمة العر ّبية للتّرجمة‪.‬‬
‫مصلوح‪ ،‬س)‪ .‬بيروت‪ :‬المن ّ‬
‫المتحركة‪:‬‬
‫ّ‬ ‫الرسوم‬
‫المتضمنة في أفالم ّ‬
‫ّ‬ ‫الحولي‪ ،‬ع‪ .)2004( .‬القيم‬
‫‪:‬غزة‪.‬‬
‫كلية التّربية ّ‬
‫تحليلية‪ّ .‬‬
‫ّ‬ ‫دراسة‬
‫المتحركة‬
‫ّ‬ ‫الرسوم‬
‫تعززها أفالم ّ‬
‫ال ّشهري‪ ،‬ع‪ .)2010(.‬نماذج القيم التّي ّ‬
‫اإلسالمية‪ .‬جامعة ّأم القرى‪ :‬م ّكة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المخصصة لألطفال من وجهة نظر التّربية‬
‫ّ‬
‫الفالّح‪ ،‬خ‪ .)2017( .‬هل ترتقي الترجمة بالنص أم تحوله إلى رماد‪.‬‬
‫(‪ )On-line‬صحيفة العرب ‪.15.‬‬
‫أكاديمية‬
‫ّ‬ ‫الرباط‪:‬‬
‫الدورات‪ّ .‬‬
‫وية‪ .‬سلسلة ّ‬
‫الكتّاني‪ ،‬م‪ )1997(.‬العولمة والهُ ّ‬
‫المملكة المغر ّبية‪.‬‬
‫وتعدد‬
‫ّ‬ ‫العرقية‬
‫ّ‬ ‫العلمية على األطروحات‬
‫ّ‬ ‫الردود‬
‫بن نعمان‪ ،‬م‪ّ .)2005( .‬‬
‫ألمة‪.‬‬
‫الهوية في الجزائر‪ .‬الجزائر‪ :‬دار ا ّ‬
‫قافية لل ّشعوب‪.‬‬
‫وية الثّ ّ‬
‫زّغو‪ ،‬م‪( .‬أفريل ‪ .)2010‬أثر العولمة على الهُ ّ‬
‫اإلنسانية‪ .‬جامعة حسيبة بن بوعلي ال ّشلف‪،‬‬
‫ّ‬ ‫للدراسات االجتماعية و‬
‫األكاديمية ّ‬
‫ّ‬
‫‪http://www.univ-chlef.dzh/. )103(93‬‬
‫شبكة الطّريق إلى اللّه (‪)2018‬‬
‫‪https://way2allah.com/landing_page.htm‬‬
‫ذقية‪ :‬دار الحوار‪.‬‬
‫منزلجي‪ ،‬أ ‪ .)2000(.‬أهالي دبلن‪ .‬الالّ ّ‬

‫‪193‬‬
:‫اإلنجليزية‬
ّ ‫قائمة المراجع باللّغة‬
Joyce, J. (2002). Dubliners. Beirut: York Press.
Nord, C. (1997). Translation as a purposeful activity:
Functionalist approaches explained . Manchester: Jerome.
Nord, C. (2006). Translation as a Purposeful Activity: A
Prospective Approach .TEFLIN Journal. Volume (17(131-143.
Shuttleworth, M., & Moira, C. (1997). Domestication.
Dictionary of translation studies. New York.
Vermeer, H .(2000). Skopos and commission in translational
act. The translation studies reader. (Translated by: A.
Chestereman). London, Britain: Routledge.

194

You might also like