الليبي 64 للنشر الإلكتروني

You might also like

You are on page 1of 51

‫اللييب‬

‫مجلة‬

‫شهرية ثقافية تصدر عن مؤسسة اخلدمات اإلعالمية مبجلس النواب‬


‫السنة السادسة العدد ‪ / 64‬أبريل ‪2024‬‬

‫مدنها ‪ ..‬اليت ال تنسى‬


‫صورة‬
‫الغالف ‪..‬‬

‫اإلدارة‪: :‬‬ ‫رئيس جملس‬


‫رئيس مجلس اإلدارة‬
‫خالد مفتــــــاح الشيخي‬
‫الشيخي‬ ‫خالد مصطفى‬
‫رئيس التحرير‬
‫د‪ .‬الصديق بودوارة املغربي‬
‫املغربي‬
‫‪Editor‬‬‫الصديق‪in‬بودوارة‬
‫د‪Chief.‬‬
‫‪Alsadiq Bwdwart‬‬
‫مدير التحرير‬
‫أ ‪ .‬ســـارة الشـــــــــــريف‬
‫مراسلون ‪:‬‬
‫فراس حج حممد ‪ .‬فلسطني‪.‬‬
‫سعيـــــد بوعيطــــــة ‪ .‬املغـــــرب‪.‬‬
‫توجه املقاالت إلى رئيس حترير املجلة أو مدير التحرير‬ ‫مســــــــــاح بنـــي داود ‪ .‬تـــونـــس‪.‬‬
‫تكتـب املقـاالت باللغـة العربيـة‪ ،‬وترسـل علـى البريـد االلكترونـي يف صـورة‬ ‫عالء الدين فوتنزي ‪ .‬اهلنـــــــد‪.‬‬
‫ملـف وورد ‪ ،word‬مرفقـةً مبـا يلـي ‪:‬‬
‫‪ .1‬سيرة ذاتية للمؤلف أو املترجم ‪.‬‬
‫‪ .2‬يف حالة املقاالت املترجمة ُيرفق النص األصلي ‪.‬‬ ‫شؤون إدارية ومالية‬ ‫عملة معدنية ا�سرتالية من فئة ‪� 50‬سنت �أ�صدرها البنك املركزي اال�سرتايل كتذكار‬
‫فضـل أن تكـون املقـاالت مدعمـةً بصـورٍ عاليـة اجلـودة‪ ،‬مـع ذكـر‬ ‫ُي ّ‬
‫مصادر هـا‪.‬‬
‫‪.3‬‬
‫عبد الناصر مفتاح حسني‬ ‫ر�سمي لتواجد جنود ا�سرتاليا يف مدينة طربق الليبية �أثناء احلرب العاملية‪. .‬‬
‫شؤون ادارية ومالية‬
‫‪ .4‬املوضوعات التي ال تُنشر ال تُعاد إلى أصحابها ‪.‬‬ ‫حممد سليمان الصاحلني‬
‫‪ .5‬يحـق للمجلـة حـذف أو تعديـل أو إضافـة أي فقـرة مـن املقالـة‪،‬‬ ‫عبد الناصر مفتاح حسني‬
‫متاشـي ًا مـع سياسـتها التحريريـة ‪.‬‬ ‫عامة‬
‫الصاحلني‬ ‫خدمات‬
‫سليمان‬ ‫محمد‬
‫‪ .6‬اخلرائـط التـي تنشـر يف املجلـة هـي مجـرد خرائـط توضيحيـة ال‬
‫تُعتبـر مرجعـ ًا للحـدود الدوليـة ‪.‬‬
‫رمضان عبد الونيس‬
‫‪ .7‬ال يجـوز إعـادة النشـر بأيـة وسـيلة ألي مـادة نشـرتها مجلـة الليبـي‬ ‫حسني راضي‬
‫بدايـةً مـن عددهـا األول‪ ،‬وحتـى تاريخـه‪ ،‬بـدون موافقـة خطيـة مـن‬
‫رئيـس التحريـر‪ ،‬وإال اعتبـر ذلـك خرقـ ًا لقانـون امللكيـة الفكريـة ‪.‬‬
‫املـواد املنشـورة تعبّـر عـن آراء كتابهـا‪ ،‬وال تعبّـر بالضـرورة‬ ‫اإلخراج الفين‬
‫عـن رأي املجلـة‪ ،‬ويتحمـل كاتـب املقـال وحـده جميـع التبعات‬ ‫اخلضر‬ ‫حسن‬
‫الفني‬ ‫حممد‬
‫اإلخراج‬
‫املترتبـة علـى مقالتـه ‪.‬‬

‫الليبي‬ ‫‪3‬‬
‫السنة السادسة‬
‫محتويات العدد‬
‫العـدد‬ ‫محتويات‬ ‫محتويات العدد‬ ‫العدد ‪64‬‬
‫أبريل ‪2024‬‬
‫إبـــــــــــــــــــــــــداع‬
‫ابـــــــــــــداع‬ ‫إبـــــــــــــــــــــــــداع‬
‫ترجمـــــــــــــــات‬ ‫كتبوا ذات يوم ‪..‬‬ ‫افتتاحية رئيس التحرير‬
‫كاريكاتري‬ ‫( ص ‪) 93‬‬ ‫البابا فرنسيس يف عزلته‬
‫( ص ‪ ) 33‬برقة اهلادئة‬ ‫( ص ‪ ) 8‬حرب اخلمسني‬
‫(ص ‪ )74‬جنة النص‬ ‫(ص ‪)50‬‬
‫عندما تشعر بالوحشة « قصيدة‬
‫واحة اللييب‬
‫مؤذية‬ ‫(ص ‪ )76‬الكتابة صنعة‬ ‫(ص ‪)54‬‬
‫ترحـــــــــــــــــــــــال‬
‫ابـــــــــــــداع‬
‫(‪ )3‬اجلهة‬
‫اللييبرواية‬
‫القلم ‪..‬‬ ‫ليتنفس‬
‫واحة‬ ‫‪) 94)80‬‬
‫(صص‬‫(‬
‫السابعة‬ ‫(ص ‪ )55‬حبذا « قصيدة «‬
‫وليفه‬ ‫عن دارة‬ ‫(ص ‪ )56‬األديبة املصرية أمينة عبد اهلل «‬
‫وهناك‬ ‫الولف هنا‬
‫(ص ‪ )82‬بعد من‬
‫جدارية حممود درويش بني‬ ‫( ص ‪ ) 54‬حوار»‬
‫وهج التغيير‬
‫رجب‪..‬قول‬ ‫‪) 97)83‬حافظ‬
‫قول على‬ ‫(ص‬‫(ص‬

‫(ص ‪ )86‬التوازن احلضاري يف فكر مالك بن‬ ‫قراءتني‪.‬‬


‫نبي قبل أن نفرتق‬ ‫زخرف ابن رشد وعشيقته‪.‬‬ ‫( ص ‪) 58‬‬ ‫شـــــــــــــــؤون ليبية‬
‫ماذا عن احلشاشني؟‬ ‫( ص ‪) 62‬‬ ‫( ص ‪ ) 13‬البقر يف الرتاث اللييب‪.‬‬
‫(ص ‪ )89‬ساق صناعية قصة قصيرة‬
‫محى النباح ‪.‬‬ ‫( ص ‪) 70‬‬ ‫( ص ‪ ) 34‬مدينة هنري لوت‬ ‫( ص ‪ ) 19‬كنز الكالم ( ‪) 8‬‬
‫(ص ‪ )90‬التفاعلية وكسر احلاجز‬
‫جنة النص ‪.‬‬ ‫( ص ‪) 72‬‬ ‫( ص ‪ ) 20‬ق���وس ف��ي��ل�لان��ي أم أك��ذوب��ة‬
‫ِ‬
‫جسد األنثى‬ ‫(ص ‪ )94‬سيميائيةُ‬ ‫ترمجـــــــــــــــــات‬
‫جنني مرمينا البتول ‪.‬‬ ‫( ص ‪) 74‬‬
‫(ص ‪ )96‬فرحة كبيرة « قصة قصيرة «‬ ‫عوملة اللغة وأثرها يف اهلوية‬ ‫( ص ‪) 78‬‬ ‫( ص ‪ ) 38‬البيت ‪.‬‬ ‫الطليان؟‬
‫من هنا وهناك‬
‫الثقافية ‪.‬‬
‫تعليم الفلسفة بن التثقيف‬ ‫إبـــــــــــــــــــــــــداع‬ ‫( ص ‪ ) 22‬شيخوخة الشعر الشعيب‬
‫(ص ‪)64‬‬
‫(ص ‪ )97‬قول على قول‬ ‫املليون ربيعا ‪.‬‬
‫والتوظيف‬ ‫ذات‬ ‫( ص ‪) 85‬‬ ‫( ص ‪ ) 24‬ال منتمي مقلب الشراب‬
‫ترابأندرنة‬
‫نفترق‬ ‫قبل‬ ‫(ص‪) 98‬‬ ‫هل هناك عصافري يف تشاد ؟‬ ‫( ص ‪) 88‬‬ ‫شـــــــــــــــؤون عربية‬
‫العاشِ ق‬
‫حال َ‬ ‫ع ْن َ‬‫السرد‪َ .‬‬
‫ماسكامل َ ْع ُشوق‬
‫غ ْف َلة‬
‫َ‬ ‫‪))68‬‬ ‫(ص‬
‫(ص‪90‬‬
‫(ص ‪ )98‬عبد احلميد بطاو‬
‫قراءة نقدية‬ ‫( ص ‪ ) 26‬أبو جواد‬
‫شـــــــــــــــؤون عاملية‬
‫االشتراكات‬
‫( ص ‪ ) 29‬اللون األصفر يف التاريخ والفن‬
‫* قيمة االشتراك السنوي داخل ليبيا ‪ 96‬دينار ليبي‬
‫* خارج ليبيا ‪ 36‬دوالر أمريكي أو ما يعادلها بالعمالت األخرى مضافا اليها أجور البريد اجلوي‬
‫* ترسل قيمة االشتراك مبوجب حوالة مصرفية أو شيك بإسم مؤسسة اخلدمات اإلعالمية‬
‫مبجلس النواب الليبي على عنوان املجلة‪.‬‬
‫( ص ‪ ) 40‬ال��ش��اع��ر امل��ص��ري ي��اس��ر أن���ور»‬
‫ثمن النسخة‬ ‫حوار»‪.‬‬
‫يف داخل ليبيا ‪ 8‬دينار ليبي للنسخة الواحدة وما يعادلها بالعمالت األخرى يف باقي دول العالم‬
‫( ص ‪ ) 44‬ج��دل التخييلي واملرجعي يف‬
‫الرواية املغاربية(‪. )2‬‬
‫( ص ‪ ) 51‬شراسة املهدي ‪.‬‬
‫‪ 55‬الليبي‬ ‫‪4‬‬
‫إبـداعــات‬ ‫إبـداعــات‬

‫وليد عبيد ‪/‬مصر‬

‫خلود الزوي ‪/‬ليبيا‬

‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬
‫افتتاحية رئيس التحرير‬ ‫افتتاحية رئيس التحرير‬

‫�إن منظومة الأخ�لاق العامة يف ذلك املجتمع الرعوي‬


‫بخري �إذن‪ ،‬وهي تتميز بخا�صية‬ ‫املمعن يف بداوته كانت ٍ‬
‫التكاد تتغري مهما تغرين الظروف‪ ،‬فهي ت�سمح للفرد‬
‫بتجاوز احل���دود‪ ،‬لكنها ال متنحه ال�شرعية بعذ ذلك‪،‬‬
‫وترفع عليه الغطاء االجتماعي ( وه��ي عبارة ت��رددت‬
‫حرب اخلمسني‬
‫كثري ًا يف ع�صرنا احلا�ضر الذي نعي�شه )‪� ،‬إنها تفتح له‬
‫الباب موارب ًا للتوقف‪ ،‬وك�أنها تقول له بدون �أن ي�سمع‬
‫من املفرت�ض �أنها ال تتغري وال جتامل وال تهادن‪.‬‬ ‫�أحد ‪ :‬هاقد متتعت كما تريد �أنت ‪ ،‬فعامل القبيلة الآن‬
‫املنظومة عمل ك��ب�ير‪ ،‬لكنه م�تراب��ط ومتقن ويرف�ض‬ ‫كما تريد هي‪.‬‬
‫التهاون �أو اخللل‪� ،‬إنها �أي�ض ًا ت�ضع معايريها ال�صارمة‬ ‫هذا هو ن�ص خطاب القبيلة للفرد‪ ،‬ولكن‪ ،‬ماذا لو �أمعن‬
‫التي ال ت�ستوعب التجاوز وال تذعن للإهمال‪.‬‬ ‫الفرد يف حتديه للمنظومة؟ �إن "�أدوني�س" يقدم لنا‬
‫ه��ذا هو ميكانيزم عمل املنطومة‪ ،‬ولكن‪ ،‬م��اذا يحدث‬ ‫املزيد من املتعة يف ما �سنقر�أ من ال�سطور‪:‬‬
‫لو �أن هذه املنظومة �أ�صيبت بالعطب ذات ي��وم؟ هناك‬ ‫(( ويعني طرده ( يق�صد �أم��ريء القي�س ) �أن الأخالق‬
‫�س�ؤال �أكرث خطورة بهذا اخل�صو�ص‪ :‬ماذا يحدث لو‬ ‫والقيم ال�سائدة هي‪ ،‬بالن�سبة �إىل �أبيه‪� ،‬أكرث �أهمية من‬ ‫بقلم ‪ :‬رئيس التحرير‬
‫�أن ه��ذه املنظومة حتكم دول��ة كاملة يعي�ش بها �شعب‬ ‫ال�شعر‪ ،‬بل �أن انت�صار �أبيه للأخالق‪ ،‬بلغ من ال�شدة‬
‫كامل بكل نفا�صيله ونظمه املعي�شية ويومياته التي‬ ‫واجلذرية درجة دفعته �إىل الأمر بقتل ابنه‪ (( :‬اقتل امر�أ‬
‫قبل �أن �أحدثكم عن حرب "اخلم�سني"‪� ،‬سوف �أروي لكم بع�ض ًا من الأحاديث املمتعة اململة‬
‫ميار�سها �أفراده كل يوم؟‬ ‫القي�س و�أئتني بعينيه‪ )).‬هكذا �أمر مواله ربيعة‪ ،‬لكن‬ ‫ال�ضاحكة الباكية عن �أمريء القي�س‪ ،‬وال �أرجو منكم �أثناء قراءة هذا املقال �سوى �سعة‬
‫�إن منظومة الع�صر اجلاهلي كانت منظومة قيمية ال‬ ‫هذا ذبح غزا ًال و�أتاه بعينيه‪)) .‬‬ ‫ال�صدر لعلها متكنكم من املوا�صلة �إىل نهاية املبنى ومتام معنى الكالم‪.‬‬
‫تهادن وال تغفر الزالت‪� ،‬إىل احلد الذي �أجربت فيه والد‬ ‫�إىل هنا انتهى االقتبا�س من "�أدوني�س"‪ ،‬ولكن‪ ،‬ما‬ ‫و�س�أقتب�س لكم من ما كتبه "�أدوني�س" يف اجلزء الأول ( الأ�صول ) من م�ؤلفه الرائع "‬
‫امريء القي�س على التوجيه بقتله واقتالع عينيه دلي ًال‬ ‫عالقة حرب اخلم�سني التي �أكتب لكم عنها الآن بامريء‬ ‫الثابت واملتحول"‪ .‬بحث يف الإبداع واالتباع عند العرب‪ ،‬من�شورات دار ال�ساقي‪،1994 ،‬‬
‫على متام التخل�ص منه‪ ،‬لكن حظه احل�سن �ساق له ذلك‬ ‫القي�س وعيني الغزال واملنظومة واحلدود وخالف ذلك‬ ‫�ص‪ 259‬وما بعدها‪ ،‬فتعالوا معي ن�ستمتع مبذاق معنى احلرف ممتزج ًا ب�سحر مبنى الفكرة‪:‬‬
‫من ماورائيات احلروف التي ال عداد لها؟‬ ‫النا�س ذو القروح‪ ،‬يقول "لبيد بن ربيعة"‪ ،‬ويعني �أمر�أ القي�س‪ ،‬و�أكرث النا�س‬ ‫ُ‬ ‫أ�شعر‬
‫(( � ُ‬
‫املوىل الذي قتل غزا ًال من �أجله وجلب لأبيه عيني غزال‬
‫• املنظومة عندما تفقد الذاكرة‪:‬‬ ‫يوافقون لبيد ًا على �أن �أم��ر�أ القي�س �أ�شعرهم‪ ،‬ويف هذا يقول الأ�صمعي‪� :‬أولهم كلهم يف‬
‫بد ًال من عينيه‪ ،‬ويبدو �أن الكثريين ممن نعي�ش بينهم‬ ‫اجلودة �أمر�ؤ القي�س‪ ،‬له احلظوة وال�سبق‪ .‬وهو ر�أ�س ال�شعراء‪ ،‬ومع ذلك �أم�ضى �أمر�ؤ القي�س‬
‫ب�شكل �أو ب�آخر من يقتل الغزال بد ًال عنهم‪،‬‬
‫الآن وجدوا ٍ‬ ‫الأزم��ة الكبرية يف اخلط�أ لي�س جمرد كونه خط�أ‪� ،‬إن‬
‫معظم حياته طريد ًا ومات طريد ًا‪ ،‬ومن �أ�سباب ذلك �أنه كان "يتعهر يف �شعره"‪ ،‬ففي الأخبار‬
‫بل وينزع عينيه اجلميلتني ليقدمهما �إىل ميزان عدالة‬ ‫الأزم���ة الكبرية ه��ي �أن يتحول �إىل ع���ادة‪ ،‬و�أن تفقد‬ ‫�أن �أباه طرده مرتني‪ ،‬املرة الأوىل ب�سبب ما ورد يف ق�صيدته "قفا نبك" حول فاطمة‪ ،‬واملرة‬
‫املنظومة بد ًال من عينيه‪.‬‬ ‫املنظومة ذاكرتها بخ�صو�صه‪ ،‬فت�أخذ يف معاملته على‬ ‫الثانية ب�سبب ق�صيدته " �أال انعم �صباح ًا �أيها الطلل البايل‪))".‬‬
‫�أنه �سلوك معتاد ال يتناق�ض مع قوانينها ال�صارمة التي‬
‫‪9‬‬ ‫‪8‬‬
‫افتتاحية رئيس التحرير‬ ‫افتتاحية رئيس التحرير‬

‫• هذا عن منظومة الع�صر اجلاهلي‪ ،‬فماذا‬


‫عن منظومة الع�صر الذي نعب�ش فيه؟‬
‫يف �إح�����دى روائ���ع���ه ال��ت��ي ال ت��ذب��ل ي����روي ل��ن��ا املفكر‬
‫الليبي الراحل "ال�صادق النيهوم" حكاية تبدو عابرة‬
‫و�سطحية‪ ،‬لكنها عميقة �إىل حدٍ ال ُي�صدق‪� ،‬إن��ه يكتب‬
‫وباحلرف الواحد‪:‬‬
‫(( و ُيقال �إن احلاج الزروق الذي يحب العيال الذكور‬
‫حب ًا جم ًا وي��ك��ره ال��ب��ن��ات‪ ،‬ك��ان ميلك يف ح��وزت��ه كلبة‬
‫الذي يحدث الآن من مبالغة يف الف�ساد و�سوء الإدارة‬ ‫وامر�أة‪ ،‬ف�أجنبت كلبته ذات مرة �سبعة ذكور‪ ،‬و�أجنبت‬
‫ي�شبه ماكان يقوم به امريء القي�س من تعهر يف �شعره‪،‬‬ ‫ام��ر�أت��ه يف اليوم التايل بنت ًا واح��دة‪ ،‬فوقف عند باب‬
‫لكن منظومة املجتمع الذي كان يعي�ش فيه �آنذاك و�ضعت‬ ‫الدار وقال المر�أته معري ًا‪ :‬يا ريتني‪ ،‬ياريتني تزوجت‬
‫و�شرعت لقتله �أو لطرده نظري ماكان يقرتفه‬ ‫حد ًا لذلك‪ّ ،‬‬ ‫ال��ك��ل��ب��ة‪ ( )) .‬ال�����ص��ل��دق ال��ن��ي��ه��وم‪ ،‬حت��ي��ة ط��ي��ب��ة وب��ع��د‪،‬‬
‫• حرب اخلم�سني املهزلة‪:‬‬ ‫الهروب �إىل الأمام مادامت الكلبة ال تعار�ض‪ ،‬واملحظية‬ ‫من �أخطاء‪ ،‬بينما تغ�ض منظومة هذا املجتمع الطرف‬ ‫من�شورات دار تالة للطباعة والن�شر‪ ،‬ط‪ ،2‬طرابل�س‪،‬‬
‫يف منظومتنا نحن ن�سخة رديئة من احل��اج ال��زروق‪،‬‬ ‫قليلة احليلة يف البيت بال ر�أي وال قدرة ‪.‬‬ ‫عن نف�س هذا التعهر‪ ،‬بل �أنها تفعل ماهو �أ�سو�أ‪� ،‬إنها‬ ‫‪� ،2001‬ص‪) .11‬‬
‫ن�ضع البقرة على ال�سدة‪ ،‬وننزل امل��ر�أة يف ال�سقيفة‪،‬‬ ‫�إن ال��دخ��ول �إىل عتبة م�شكلة ح��رب اخلم�سني التي‬ ‫جتد له امل�بررات وتبحث له عن الأع��ذار ما يعينه على‬ ‫�إن "النيهوم" ي�صور لنا ال��واق��ع ب��دون رحمة‪� ،‬إن��ه ال‬
‫لكننا �أك�ث�ر ���س��وء ت��دب�ير م��ن��ه‪ ،‬فهو يفعل ذل��ك بغر�ض‬ ‫نعي�شها الآن يتطلب �أو ًال �أن نقر�أ �شيئ ًا �آخر للنيهوم‪،‬‬ ‫اال�ستمرار يف تعهره وعهره مع ًا‪ ،‬ورمبا �إىل ما النهاية‪،‬‬ ‫يجامل عرب لغته ال�ساخرة ذات امل�شرط احلاد الذي ال‬
‫احل�صول على ال��ذك��ور‪� ،‬أم��ا نحن فن�صنع م��ا ن�صنع‬ ‫ول�ست �أرجو هنا �سوى املزيد من �سعة ال�صدر منكم‪،‬‬ ‫حتى لوكانت نهاية الدولة ذاتها‪.‬‬ ‫يرتاجع عن حرمة اللحم الذي ي�ستحق فع ًال حدة ال�سكني‬
‫بق�صد قطع الن�سل من الأ�سا�س‪.‬‬ ‫وليتكم تتحلون بها‪.‬‬ ‫�إن املنظومة التي نعي�شها الآن تت�صرف متام ًا مثلما‬ ‫�أكرث من احتياجه �إىل عبارات املجاملة وق�صائد الكذب‪،‬‬
‫يف تاريخ ال��دول يف الع�صر احل��دي��ث‪ ،‬ع�صر ما بعد‬ ‫(( فقد قيل �أي�����ض�� ًا �إن احل��اج ال���زروق امل��ع��روف بدقة‬ ‫يت�صرف احلاج الزروق‪� ،‬إنه يواجه م�شكلة‪ ،‬في�ستورد‬ ‫واقع يلفظ �أنفا�س حيويته‬ ‫فما الذي ميكن �أن نقر�أه من ٍ‬
‫القرون الو�سطى‪� ،‬سوف ي�سجل تاريخ الفو�ضى �أن‬ ‫املالحظة ر�أى �أن ام��ر�أت��ه وبقرته ت���أك�لان م��ن �شوال‬ ‫لها ح ًال ينطوي على �سبعة م�شاكل غريها‪ ،‬فال مانع من‬ ‫منذ �ألف �سنة وال ميوت؟‬
‫دولة �أ�صدرت عملة من فئة اخلم�سني‪ ،‬وظلت هذه العملة‬ ‫�شعري واح��د لكن امل��ر�أة تلد بنات ًا والبقرة تلد عجو ًال‪،‬‬
‫قيد التداول ملدة عامني كاملني‪ ،‬هكذا‪ ،‬يف العلن وعلى‬ ‫فحار يف �أمره وذهب �إىل �إمام اجلامع طالب ًا الن�صح‪.‬‬
‫ر�ؤو�س الأ�شهاد‪ ،‬املاليني تزوجوا بها‪ ،‬واملاليني طلقوا‬ ‫قال الإمام طيب القلب‪:‬‬
‫بها‪ ،‬واملاليني ا�شرتوا بها بيوت ًا وم��زارع وعقارات‪،‬‬ ‫‪� -‬ساهلة‪ ،‬اربط الولية يف ال�سقيفة‪ ،‬و�شيل البقرة فوق‬
‫وف��ج���أة‪ ،‬وب���دون �سابق �إن����ذار ق���ررت ه��ذه ال��دول��ة �أن‬ ‫ال�سدة‪.‬‬
‫ه���ذه ال��ع��م��ل��ة م����زورة فمنعتها م��ن ال���ت���داول‪ ،‬وم���ا �إن‬ ‫عمل احلاج الزروق بالن�صيحة‪ ،‬لكن امر�أته �أجنبت بنت ًا‬
‫رك�ض املواطنون �إىل امل�صارف لإيداعها احل�سابات‬ ‫على �أي حال‪ )) .‬الكتاب نف�سه‪� ،‬ص �ص ‪13‬ــ ‪.14‬‬
‫‪11‬‬ ‫‪10‬‬
‫شؤون ليبيـــة‬ ‫افتتاحية رئيس التحرير‬

‫البقر يف الرتاث اللييب‬

‫بف�ضول ‪.‬‬ ‫وان�صرفوا را�شدين ليعودوا يف �صباح اليوم التايل‬


‫كنت �أريد �أن �أدفع احل�ساب‪ ،‬لكن احلاج الزروق دعاين‬ ‫لي�ستلموا مرتباتهم من نف�س امل�صارف حتى فوجئوا‬
‫لقبول العركة مع �صاحب احلانة‪.‬‬ ‫�أن امل�صارف نف�سها تعطيهم رواتبهم بنف�س العملة التي‬
‫قال احلاج الزروق نا�صح ًا ‪:‬‬ ‫�أخربتهم بالأم�س �أنها مزورة‪.‬‬
‫‪ -‬عطيه طريحة‪ ،‬وبعدين عطيه فلو�سه‪.‬هكي انديروا يف‬
‫امراجع السحاتي‪ .‬ليبيا‬
‫بالدنا‪)) .‬‬ ‫• عطيه طريحة‪ ،‬وبعدين عطيه فلو�سه‪:‬‬
‫عرف الليبيون البقر منذ �أمد طويل‪ ،‬حيث ّ�صور يف نحوتهم ونقو�شهم على ال�صخور خا�صة‬ ‫• ختامها ‪ ..‬طريحة‪.‬‬ ‫خلل يف املنظومة‪ ،‬وارتباك يف مفاهيم �سيادة الدولة‪،‬‬
‫مبنطقة "فزان" وال�ضواحي القريبة منها‪ ،‬فقد وجدت ر�سوم لأبقار وثريان ذوات القرون‬ ‫بالفعل‪ ،‬ختمها النيهوم بجول كما يقول العبو الرومينو‬ ‫وهزة �إداري��ة عنيفة ال غر�ض لها �سوى �إهانة املواطن‬
‫الطويلة التي كان يرعاها اجلرمنتيون يف عدد من الكهوف واملغارات يف ذلك الإقليم (‪.)1‬‬ ‫ه��ذه الأي����ام‪ .‬ه��ذا م��ا يفعلونه بنا الآن‪� .‬إن��ه��م ينفذون‬ ‫لكي يرك�ض طيلة العمر لعله يتح�صل على حقوقه قبل �أن‬
‫ظهر البقر و�أثر يف ثقافة االن�سان القدمي يف ليبيا خالل طور الرعاة من عام ‪ 3500‬اىل‬ ‫ب��احل��رف و�صية النيهوم يف دول��ة املنظومة العاطلة‪:‬‬ ‫تنتهي �أيامه ذات يوم‪� ،‬إنه عر�ض �سيء لإدارة مهارات‬
‫عام ‪ 1300‬ق‪ .‬م‪ ،.‬حيث كانت قطعان االبقار ت�أتي �إىل مناطق "تا�سيلي" و"�أكاكو�س" و"�سفار‬ ‫عطيه طريحة‪ ،‬وبعدين عطيه فلو�سه‪ .‬ولله الأم��ر مكن‬ ‫القيادة يف دولةٍ ال يليق بها �سوى �أن نقتب�س جمدد ًا من‬
‫جبارين" و"غات" و"وادي عني حباتر" و"بن غنيمة" و"بزمية" و"الكفرة" و"تيب�ستي"‬ ‫قبل ومن بعد‪ .‬واحلمدلله �أنه لي�س لكم‪.‬‬ ‫ال�صادق النيهوم ومن نف�س كتابه هذه الفقرة‪:‬‬
‫و"العوينات" يف �أق�صى اجلنوب ال�شرقي من ليبيا وكذلك من �شحات ومرزق ومزدة‪ ،‬وقد �أكد‬ ‫(( بكت "ناتا�شا" حتت وط�أة الفودكا ‪..‬‬
‫ذلك الت�أثري يف الر�سوم والنقو�ش التي وجدت على �صخور وادي "عني حباتر" بني "مرزق"‬ ‫ب�صرب نافذ �أن جملة احل�ساب قد‬‫�أعلن �صاحب احلانة ٍ‬
‫و"غات"‪ ،‬وما وجد من ر�سوم ونقو�ش على جبال "�أكاكو�س" و"العوينات" و"تيب�ستي"‬ ‫بلغت ثمانية روبالت‪ ،‬و�أطلع هراوته من وراء البار‪.‬‬
‫و"�أركنو"‪ ،‬وغريها (‪.)2‬‬ ‫تخلي ال���رواد عن ن�شرة الأن��ب��اء و�شرعوا يراقبونني‬
‫‪13‬‬ ‫‪12‬‬
‫شؤون ليبيـــة‬ ‫شؤون ليبيـــة‬

‫م��ن��ذ م��ئ��ات ال�����س��ن�ين‪ ،‬وه��ن��اك ���ش��واه��د ك��ث�ير ع��ل��ى ذل��ك‬


‫كالنقو�ش والر�سم على ال�صخور التي كانت باجلبال‬
‫التي ك��ان��وا يقطنون بالقرب منها‪ .‬لقد دل��ت النقو�ش‬
‫وال��ر���س��وم على ال�صخور بالكهوف بعدة مناطق من‬
‫ليبيا بوجود البقر ومعرفة الليبيني للأبقار قبل امليالد‬
‫(‪)5‬‬
‫ب�سنني‪.‬‬

‫ك��م��ا وج���دت ن��ق��و���ش لقطعان الأب���ق���ار وال��ت��ي نق�شها‬


‫�شباب التبو منذ القدم‪ ،‬وهذه النقو�ش متثل لوحة فنية‬
‫منقو�شة يف جبل العوينات يف جنوب �شرق ليبيا‪ ،‬وهي‬
‫(‪)6‬‬
‫بعدة �ألوان من طبيعة املكان الذي ر�سمت فيه‪.‬‬
‫البقر ال��ذي تعود على تربية العديد من الليبيني هو‬
‫ويقال يف الأمثال ال�شعبية التباوية‪ ،‬والتي هي جزء من‬ ‫نوع من الأبقار الذي يتحمل التنقل والعط�ش واجلوع‬
‫الأمثال ال�شعبية الليبية ‪-:‬‬ ‫ملدة طويلة من الوقت‪ ،‬وهذا النوع يطلقون عليه "البقر‬
‫"نقيلي انيو ه��ور اون ت��ورو هو �سني"‪ ،‬مبعنى "‬ ‫الوطني " وه��و ذو ل��ون احمر ف��احت بقرون ق�صرية‪،‬‬ ‫لأهل العرو�س‪ ،‬والدليل على ذلك يف ال�شعر التارقي‬ ‫قدمي ًا كانت البقرة �إله ًا مقد�س ًا عند �سكان ليبيا قبل‬
‫امل��ط��ر يهطل ع��ل��ى �إح����دى ق���رين الثور"‪� .‬أي �أن الله‬ ‫وهو ذو در قليل ي�ستفاد منه يف اللنب والزبدة وال�سمن‬ ‫الذي مر عليه �أكرث من قرن من الزمان‪ ،‬وال��ذي يقول‬ ‫امليالد‪ ،‬حيث دلت ر�سومات ونقو�ش على ذل��ك‪ ،‬ويف‬
‫ي��رزق م��ا ي�شاء‪ ،‬وه��و يقال عندما يقع ال�شخ�ص يف‬ ‫وال��ل��ح��م واجل���ل���د‪ ،‬وه���و ي��رع��ى يف م���راع���ي الأغ���ن���ام‪،‬‬ ‫مبا معناه بالعربي ‪-:‬‬ ‫هذا يقول الروائي والكاتب "ابراهيم الكوين" يف �أحد‬
‫م�أزق‪.‬‬ ‫وهو قليل حيث �أن الفرد ال ميلك منه �إال القليل نظر ًا‬ ‫" موماغبات " البي�ضاء كاجلنب‬ ‫م�ؤلفاته ‪ ... " -:‬ارتبط الوعي الديني امل�صري بالبقرة‬
‫كما �أدخل الثور يف الألغاز ال�شعبية حيث يقول �أحد‬ ‫لرتكيزهم علي تربية الأغ��ن��ام وامل��اع��ز وق��ل��ة امل��راع��ي‬ ‫(( ماذا يكون لو عر�ضها �أخوها للداللني‬ ‫على ما يبدو منذ ع�صور التكوين التي �سبقت االنتقال‬
‫الألغاز ال�شعبية‪:‬‬ ‫للأبقار واملاء ل�سقيه‪ ،‬وعموم ًا ف�إن البقر بوجه عام دائم َا‬ ‫أدفع �ألف بقرة و�ألف ناقة مهر ًا لها‬
‫لكنت � ُ‬ ‫اىل وادي النيل على اللوحات ال�سخية التي خلفها لنا‬
‫‪ ( -‬ثورين اقدم‪ ..‬واحد ايطرط�ش وواحد ايلم )‬ ‫يطلب املاء‪� ،‬إال �أن البقر الوطني يطلبه بكمية ب�سيطة غري‬ ‫غرام كنوا يف �صدري‬ ‫فنانو ما قبل التاريخ على جدران �صخور "تا�سيلي"‪،‬‬
‫"ايطرط�ش" �أي يفرق‪" ،‬ايلم" �أي يجمع‪ .‬وحل هذا‬ ‫ال��ذي يطلبه البقر من �ساللة �أخ��رى‪ ،‬من بني الكلمات‬ ‫يحرق كطعنة رمح‬ ‫والتي يرجع �أقدمها �إىل الألفية ق‪.‬م وهي �أقوى برهان‬
‫اللغز هو الليل والنهار‪.‬‬ ‫التي ي�ستعملها الليبيون لطرد البقر خا�صة يف اقليم‬ ‫رمح يف يد خ�صم لدود‪. )4( )).‬‬ ‫و�أي رمح؟ ٌ‬ ‫على �إك��ب��ار القبيلة البدائية لهذا احل��ي��وان منذ �أق��دم‬
‫برقة كلمة "ها�ش"‪.‬‬ ‫الع�صور‪ ،‬حيث ال يده�شنا ول��ع فنان ما قبل التاريخ‬
‫كان البقر الليبي يتعر�ض �إىل العديد من الأمرا�ض‪،‬‬ ‫ا�ستلهم الليبيون من البقر الكثري من احلكم والعرب‬ ‫كما كان هناك اعتقاد عند الليبيني القدماء ب�أن البقرة‬ ‫بر�سم الثريان وقطعان الأبقار بالذات مبثل تلك الكثافة‬
‫وكان �أهمها ما يطلق عليه بع�ض من الليبيني يف �إقليم‬ ‫والأمثال حيث قيل على �سبيل املثال‪:‬‬ ‫خملوق م�سكون بروح الربة وهذا جنده عند امل�صريني‬ ‫" (‪.)3‬‬
‫برقة "بو ربيع"‪ ،‬والذي قد ي�صيب عدد من الأبقار يف‬ ‫‪ " -‬رفقة الثور للجمل "‪ ،‬وقد قيل هذا امل�أثور يف عدم‬ ‫القدماء كذلك‪.‬‬ ‫ك��ان البقر ي��ع��ادل الإب���ل يف امل��ا���ض��ي‪ ،‬وك���ان يدفعه‬
‫حلظات‪ ،‬فالبقرة التي تتعر�ض لهذا املر�ض ال تقوى‬ ‫توافق الأ�شياء‪.‬‬ ‫"التبو" هم مكون من املكونات الليبية قد عرفوا الأبقار‬ ‫الليبيون كدية حلل م�شاكل القتل‪ ،‬وكانت تُدفع كمهر‬
‫‪15‬‬ ‫‪14‬‬
‫شؤون ليبيـــة‬ ‫شؤون ليبيـــة‬

‫يف و�سط ال�سنة‪ ،‬ويف �أعجازها �شدة يف �أخر ال�سنة‪.‬‬ ‫بقر‪� /‬صادر واتواتيه قمر "‪.‬‬ ‫هناك البع�ض من الأبقار متتاز بقرون طويلة يطلق‬ ‫على النهو�ض وت�صبح يف حالة بروك اىل �أن تنفق �أو‬
‫ويقال �إن ر�ؤية البقر امل�سلوخ م�صيبة وم�شكلة‪ ،‬ويقال‬ ‫وهذا البيت يف دعاء بال�سوء على زرع من حبوب القمح‬ ‫الليبيون على البقرة منه �شعبي ًا "طو�شى"‪.‬‬ ‫يتم ذبحها‪ ،‬كانت يف الغالب ال ت�ستطيع �أن تنجو من‬
‫�إن �أكل حلم البقر يف املنام يعني �إ�صابة مال حالل يف‬ ‫وال�شعري بان ي�أتيه قطيع من البقر وهو راجع ويكون‬ ‫ولفطم �صغار البقر كان الكثري من الليبيني ي�ضعون‬ ‫هذا املر�ض فتنفق‪.‬‬
‫ال�سنة‪ ،‬ويقال �إن قرون البقر �سنون خ�صبة‪ ،‬ويقال ملن‬ ‫الوقت يف ليلة مقمرة ‪( .‬ال�صادر) مبعنى الرجوع �شعبي ًا‬ ‫ل�صغاره "ا�شنافة"‪ ،‬وهو عبارة عن قطعة من الن�سيج‬ ‫كما ك��ان البقر يتعر�ض اىل ح�شرة تقوم ب�إزعاجه‬
‫ا�شرتى بقرة �سمينة �إنه �أ�صاب خري ًا‪ ،‬ويقال ملن ر�أى‬ ‫وعك�سها �شعبي ًا هو (وارد) مبعنى ذاهب‪ ،‬وعادة تطلق‬ ‫�أو حبل �سميك �أو قطعة خ�شب �سميكة موثق بها قطع‬ ‫وجتعله ي�صاب ب�شيء ي�شبه اجلنون‪ ،‬حيث جتد فج�أة‬
‫يف منامه �أنه ركب بقرة و�أدخلت منزله وربطها �أنه نال‬ ‫على الذهاب والرجوع من ال�سقي خا�صة املوا�شي التي‬ ‫م��ن احل��دي��د ت�شبه امل�سامري الكبرية بحيث تلف علي‬ ‫قطيع م��ن الأب���ق���ار ي��ع��دو م�����س��رع�� َا يف اخل��ل�اء‪ ،‬وه��ذه‬
‫ثروة وتخل�ص من الهموم‪ ،‬ويقال ب�أن البقرة احلامل‬ ‫من �ضمنها البقر‪.‬‬ ‫القطعة بالكامل وه��ي تو�ضع علي �أن��ف الر�ضيع من‬ ‫الظاهرة حتدث كثري َا يف ف�صل ال�صيف خا�صة وقت‬
‫�سنة مرجوة للخ�صب‪ ،‬ويقال ملن ر�أى يف منامه �أنه‬ ‫فوق و توثق يف ر�أ�سه‪ ،‬وذلك ملنعه من الر�ضاعة عندما‬ ‫ا�شتداد حرارة ال�شم�س‪ ،‬تعرف هذه الظاهرة بــ‪" :‬بو‬
‫يحلب بقرة وي�شرب حليبها �أنه ا�ستغنى‪ ،‬ومن وهب له‬ ‫• تف�سري ر�ؤية البقر يف املنام ‪:‬‬ ‫يراد فطمه‪.‬‬ ‫طقوق"‪ ،‬ويحذرون ال�صغار من االقرتاب من البقر يف‬
‫عجل �أو عجلة �أنه �أ�صاب ولد ًا‪ ،‬ويحكى �أنه ذات يوم جاء‬ ‫قام العديد من الليبيني بتف�سري ر�ؤية البقر يف احللم‬ ‫تلك اللحظة‪.‬‬
‫رجل �إىل الأمام "حممد بن �سريين" ي�س�أله عن تف�سري‬ ‫ا�ستناد ًا ملا ورد يف القر�آن الكرمي حني ف�سر �سيدنا‬ ‫• �ألوان البقر الوطني‪:‬‬
‫حلم �شاهده حيث قال ذلك الرجل ‪:‬‬ ‫يو�سف عليه ال�سالم ر�ؤي���ة البقرات ال�سمان ي�أكلهن‬ ‫للبقر الليبي �أل��وان‪ ،‬اطلق عليه الليبيون �أ�سم ًا مثل‬ ‫خ�ص الله تعاىل البقرة ب�أن جاءت �سورة با�سمها‪ ،‬كما‬
‫‪ -‬ر�أيت ك�أين �أزرع بقرة �أو ثور ًا ‪.‬‬ ‫بقرات عجاف‪ ،‬يقول الله تعاىل يف �سورة يو�سف الآية‬ ‫حمراء فاحتة‪ ،‬وهي ذات لون �أحمر فاحت‪ ،‬وهي كثرية‬ ‫وردت يف القر�آن الكرمي يف بع�ض الآيات ‪-:‬‬
‫فقال بن �سريين ‪:‬‬ ‫‪ " - : 43‬وقال امللك �إين �أرى �سبع بقرات �سمان‬ ‫حيث هي الأ�صل‪�" ،‬سوداء" وهي ذات ل��وان �أ�سود‪،‬‬ ‫يقول الله تعاىل يف الآي��ة الثامنة وال�ستني من �سورة‬
‫‪� -‬أخاف �أن تبقر رج ًال‪ ،‬فان ر�أيت دم ًا خرج فانه �أ�شد‪،‬‬ ‫ي�أكلهن �سبع عجاف ‪. )10( "...‬‬ ‫وه��ي قليلة ج���د ًا‪" ،‬كحال"‪ ،‬وه��ي ال��ب��ق��رة ال��ت��ي يكون‬ ‫البقرة ‪-:‬‬
‫�أخاف �أن يبلغ املقتل وان مل تر دما فهو �أهون‪.‬‬ ‫يقول كثري م��ن املف�سرين �إن البقرة تعني ال�سنة‪،‬‬ ‫جوانب عينيها لونها �أ�سود ولون باقي اجل�سم بني �أو‬ ‫" �إنها بقرة ال فار�ض وال بكر" (‪.)7‬‬
‫ويقال ب���أن عائ�شة ر�ضى الله عنها قالت‪ :‬ر�أي��ت‬ ‫فقد كان "بن �سريين" يقول �سمان البقر ملن حت�صل‬ ‫ا�صفر‪ ،‬و�سميت بهذا اال�سم ن�سبة لأن عينيها وك�أنهما‬ ‫كما ك��ان والزال للبقر ق�صة وحكاية واعتقاد عند‬
‫ك�أين على تل وحويل بقر تنحر‪ ،‬فقال لها م�سروق‪� :‬إن‬ ‫عليها وملكها اح�سن م��ن �ضعاف البقر‪ ،‬حيث يقال‬ ‫مكحالت بالكحل‪� ،‬صفراء ذات ل��ون �أحمر مييل �إيل‬ ‫اليهود‪ ،‬وهم الآن يقومون مبحاوالت من �أجل ا�ستن�ساخ‬
‫�صدقت ر�ؤياك كانت حولك ملحمة فكان كذلك‪.‬‬ ‫�إن البقر ال�سمان �سنون خ�صب وال�ضعاف املهازيل‬ ‫اال�صفرار‪ ،‬ه��ذا وق��د ورد ذك��ر ه��ذا اللون من الأبقار‬ ‫بقرة حمراء من �أجل �إحياء معتقد ديني عندهم ي�ؤمنون‬
‫�سنون جدب‪ ،‬وذلك ا�ستناد ًا ملا ورد يف ق�صة يو�سف‬ ‫يف �سورة البقرة الآية �سبعون يقول الله تعاىل‪�" -:‬إنها‬ ‫به ويقد�سونه‪.‬‬
‫ويقال �إن الثور يف الأ�صل ثور عامل وذو منعة وقوة‬ ‫عليه ال�سالم‪ ،‬كما قيل �إن البقرة رفعة ومال‪ ،‬وقيل �إن‬ ‫بقرة �صفراء فاقع" (‪.)9‬‬ ‫والبقر له �أ�سماء �شعبية ح�سب �أعماره مثل "عجل"‬
‫و�سلطان ومال و�سالم لقرينه �إال �أن يكون ال قرن له فانه‬ ‫ال�سمينة من البقرة امر�أة مو�سرة والبقرة الهزيلة امر�أة‬ ‫البقر من احليوانات التي يخ�شاها امل��زارع��ون �أثناء‬ ‫عجله‪" ،‬حق" حقه‪" ،‬ثور" بقرة ‪ ،‬ويقول الأول��ون من‬
‫رجل غري جيد‪ ،‬ويقال ب�أن الثور رمبا دل على الثائر‬ ‫فقرية‪ ،‬ويقال �إن البقرة احللوب ذات نفع وخري ‪ ،‬ويقال‬ ‫عملية من��و حقولهم امل��ح��روث��ة بالقمح وال�شعري‪ ،‬فقد‬ ‫العرب لولد البقرة يف �أول �سنة "تبيع"‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫لأنه يثري الأر�ض ويقلبها‪ ،‬ويقال من ركب ثور ًا حمم ًال‬ ‫�إن البقرة ذات القرون امر�أة نا�شز‪ ،‬ويقال ملن ر�أى يف‬ ‫كان الكثري من ال�شباب يتمنون �أن ي�أكل زرعهم الذي‬ ‫يقال عنه ج��ذع‪ ،‬وبعد ذلك يقال عنه "ثني"‪ ،‬ثم يقال‬
‫ان�ساق �إليه خري ما مل يكن ذلك الثور �أحمر‪ ،‬ف�أن كان‬ ‫منامه �أن��ه �أراد حلب بقرة فمنعته بقرنها ف�أنها تن�شز‬ ‫يقومون بح�صده يف مو�سم احل�صاد حتى ال يقومون‬ ‫عنه "رباع"‪ ،‬ثم "�سدي�س"‪ ،‬ثم "�ضالع"‪ .‬وولد البقرة‬
‫�أحمر فقد قيل �أنه مر�ض‪ ،‬و�أن حتول الثور يف املنام‬ ‫عليه‪ ،‬ويقال �إن ر�ؤية كر�ش البقر يف احللم مال ال قيمة‬ ‫ب��احل�����ص��اد ط���ول ال��وق��ت ال���ذي ي�ستغرق وق���ت طويل‬ ‫يقال له "عجل"‪� ،‬أما �إذا �شب ف�أنه يطلق عليه "�شبوب"‪،‬‬
‫�إىل ذئ��ب ي��دل على عامل جيد يتحول اىل غ�ير جيد‪،‬‬ ‫له‪ ،‬ويقال �إن ر�ؤية غرة يف البقرة يف احللم يدل على‬ ‫خا�صة �إذا ك��ان ك��ب�ير ًا‪ ،‬حيث جن��د ذل��ك يف امل��وروث‬ ‫و�إذا كرب يطلق عليه "فار�ض"(‪.)8‬‬
‫ويقال كذلك ب�أن الثور الواحد يدل على �سنة واحدة‪،‬‬ ‫�شدة يف �أول ال�سنة‪� ،‬أم��ا ر�ؤي��ة البلقة يف جنبها �شدة‬ ‫الأدب��ي الليبي ال��ذي يقول ‪ " - :‬الله يا زرع يعطيك‬
‫‪17‬‬ ‫‪16‬‬
‫شؤون ليبيـــة‬ ‫شؤون ليبيـــة‬
‫اال�شرتاكية‪ ،‬امانة التخطيط – م�صلحة امل�ساحة ‪،1978 ،‬‬ ‫ويقال من �أكل ر�أ�س ثور يف احللم نال ما ًال �إن مل يكن‬
‫كنز الكالم (‪)8‬‬ ‫ط‪� ،1‬ص‪.17‬‬ ‫�أحمر‪ ،‬ويقال احل�صول على ثور �أبي�ض احل�صول على‬
‫‪ - 3‬ابراهيم الكوين‪ ،‬بيان يف لغة الالهوت لغز الطوارق‬ ‫خ�ير‪ ،‬ويقال �إن املحادثة بني احل��امل والثور تعني �أن‬
‫كروم الخيل‪ .‬ليبيا‬
‫يك�شف لغزي الفراعنة و�سومر اجلزء الثالث �أرباب الأوطان‪،‬‬ ‫احلامل �سوف يتخا�صم مع �شخ�ص ما‪ ،‬ويحكى �أن بن‬
‫َخ َب ْط ِلب َّته‬ ‫( طرابل�س‪ -‬ليبيا ‪ :‬اللجنة ال�شعبية العامة للثقافة واالع�لام ‪،‬‬ ‫�سريين جاءه رجل ليف�سر له حلم‪ ،‬فقال ذلك الرجل‪:‬‬
‫• ال َّل َّبة ‪ :‬يف اللغة ال َّنحر‪ ،‬وه��و ملتقى �أ�سفل الرقبة‬
‫ط‪� ، ) 2007 ،3‬ص‪.16‬‬ ‫ر�أيت ك�أنه ثور عظيم خرج من حجر �صغري‬ ‫‪-‬‬
‫بال�صدر ‪.‬‬
‫وكذلك يف ل�سان �أه��ل برقة مع ات�ساع يف املعنى لي�شمل‬ ‫‪ - 4‬عبد القادر جامي‪ ،‬من طرابل�س الغرب �إىل ال�صحراء‬ ‫فتعجبنا منه‪ ،‬ثم �إن الثور �أراد �أن يعود اىل ذلك احلجر‬
‫والزور وال�صدر كله‪ ،‬بل ويطلق حتى على ما يو�ضع‬ ‫ال ّنحر ّ‬ ‫الكربى ‪ ،‬ط‪ ، 1‬ترجمة حممد الأ�سطى ‪ ( ،‬طرابل�س – ليبيا‬ ‫فلم يقدر و�ضاق عليه‪.‬‬
‫فوق ال�صدر‪ ،‬وتُنطق " ِل َّبه " بك�سر الالم وجتمع " ل َب ْب " ‪.‬‬ ‫‪ :‬دار امل�صراتي ‪ ،‬ط‪� ، ) 1974 ، 1‬ص ‪.182‬‬ ‫فقال له بن �سريين ‪:‬‬
‫حمل النّاب علي غاربها‬ ‫‪ - 5‬ا���س��ام��ة ع��ب��دال��رح��م��ن ال��ن��ور‪ " ،‬ع��ل��م �آث����ار ال�صحراء‬ ‫‪ -‬هي الكلمة العظيمة تخرج من رجل يريد �أن يردها‬
‫بـ ْعـراه َ‬
‫و�ش ّـظه هـ ّيـايل‬
‫ا�شكاليات و�آف���اق " ‪ ،‬جملة تبو العدد ‪ ، 5‬يناير ‪، 2015‬‬ ‫فال ي�ستطيع ‪.‬‬
‫ويخبط اجلمل ل َّبتَه بـ خُ فّه �إذا نوى الرحيل‪ ،‬يف �إ�شارة على‬ ‫ليـ�ش ْيجـ�ض قـراد لببها‬
‫جاوب كان فهمت ا�سوايل‪ .‬طول ال�سفر وم�شقته‪ ،‬و�أ�صبحت عنوان ًا ومث ًال لكل من نوى‬ ‫�ص – �ص ‪.58 – 44‬‬ ‫ويقال �إن الثريان عجم‪ ،‬و�إذا زادت عن �أربعة ع�شر من‬
‫(( عبدال�سالم بوجالوي‪� )).‬سفر ًا �شاق ًا �أو ا�ستهل رحي ًال بعيد ًا يف م�سافته �أو مدته‪.‬‬ ‫‪ - 6‬مينا ت�سكوي‪ " ،‬رعاة وقطان "‪ ،‬جملة تبو‪ ،‬العدد ‪، 2‬‬ ‫الثريان فهو حرب وما قل عن ذلك خ�صومة(‪.)11‬‬
‫•خبط ل ْب َته الثلب بو زور‬ ‫ويقال‪ :‬عري�ض_اللّبب‪ ،‬مبعنى عري�ض ال�صدر‪.‬‬ ‫ابريل ‪� ، 2014‬ص ‪.51‬‬ ‫وعلى كل ح��ال ف���أن ر�ؤي��ة البقر عند الكثري من‬
‫امغرب بـ �سيده‪.‬‬
‫يدّ افر ّ‬ ‫ْيغ ّمج علي ِجيده عري�ض لببها‬ ‫‪� - 7‬سورة البقرة ‪ ،‬الآية ‪.68‬‬ ‫الليبيني يف احللم تعني ال�سنوات‪ ،‬ف���إذا كانت �سمان‬
‫(( علي �شحات ))‬ ‫اتغامر علي جيبت اجلدي الفايل‪.‬‬
‫‪ - 8‬الأمام ابي من�صور الثعالبي‪ ،‬فقه اللغة‪ ( ،‬ليبيا‪ -‬تون�س‬ ‫ف�أنها جيدة و�أن مل تكن �سمان وكانت هزيلة ف�أنها غري‬
‫(( ابريك_ابريدان )) بعد انتهاء الفحل من ِ�ضراب الإبل‪ ،‬ف�إن راعيها وبعد ع�شرة‬
‫و "ال َّدير" ال��ذي يلتف ح��ول �صدر احل�صان ليمنع من �أيام تقريب ًا‪ُ ،‬ير�سل الفحل فيها ثانية‪ ،‬ليت�أكد �إذا ما ُع�شّ رت‬ ‫‪ :‬الدار العربية للكتاب ‪� ،)1981 ،‬ص‪.88‬‬ ‫جيدة ‪.‬‬
‫ان����زالق ال�����س��رج للخلف‪ ،‬ي�سمى �أي�����ض��ا ل��ب��ب‪ ،‬ن�سبة �إىل جميعها �أم ال ‪.‬‬ ‫‪� - 9‬سورة البقرة‪ ،‬الآية ‪.70‬‬ ‫وجممل القول ف�أن البقر الوطني الليبي يف حاجة‬
‫فيمر عليها الفحل ك��م��رور القائد �أو ال�ضابط على‬ ‫مو�ضعه ‪.‬‬ ‫‪� - 10‬سورة يو�سف‪ ،‬الآية ‪. 43‬‬ ‫ما�سة لالهتمام واملحافظ عليه من االنقرا�ض‪ ،‬وطريقة‬
‫جنوده‪ ،‬يف �أ�شهر ت�شبيه لتلك العملية عند ال�شعراء‪.‬‬ ‫اللي فـ املالعب خايله مطرابه‬ ‫‪ - 11‬الأم��ام حممد بن �سريين‪ ،‬تف�سري الأح�لام الكبري‪،‬‬ ‫املحافظة عليه ال تكلف �إال ق���در ًا ب�سيط ًا م��ن التوعية‬
‫ّ‬
‫ي�شاال بالذيل اع�شاره‬ ‫جْ ِ‬
‫اتز الل َب ْب تقفز تقول نحيبه‪.‬‬ ‫( ب��ي�روت ‪ :‬دار ال��ك��ت��ب ال��ع��ل��م��ي��ة ‪���� ، ) 1996 ،‬ص‪� -‬ص‬ ‫ب�أهمية ه��ذه احل��ي��وان��ات ال��ت��ي تعد ج���زء ًا م��ن حياتنا‬
‫�ضابط يف ميدان جنود‪.‬‬ ‫(( ح�سني بويا�سني ))‬
‫‪. 250 248-‬‬ ‫وتاريخنا و�أدبنا‪.‬‬
‫(( بو�سوتيه‪)).‬‬ ‫ار�شم َديرها بالنقي�شه‬
‫•حزام من ِ‬
‫مي��ر بهن واح���دة تلو الأخ���رى ؛ ف���إن �شَ خَ َ�ص ْت بر�أ�سها‬ ‫َخما�س وحموق‬
‫اجتز اللبب وين ثاب اللحوق‪ .‬وب�صرها للأعلى‪ ،‬و�شَ ّولت ذنبها (ت�شايل بذيلها) ؛ فهي‬ ‫• الهوام�ش ‪:‬‬
‫( ابراهيم بوجالوي ) عالمة �أنها القح ( ع�شراء ) ‪ ،‬و�إن مل تُبد تلكم العالمات فهي‬ ‫‪ - 1‬ج��ون راي���ت‪ ،‬ت��اري��خ ليبيا منذ اق��دم الع�صور‪ ،‬تعريب‬
‫حينئذ ال تزال حائ ًال ‪ ،‬فيعيد �ضرابها جمددا ‪.‬‬ ‫وت�أتي مبعنى "مقدمة ال�شيء"‪:‬‬ ‫عبداحلفيظ امليارو احمد اليازوري ‪ (،‬طرابل�س‪ -‬ليبيا ‪ :‬دار‬
‫�صف تمْ ر عليه قيـاده‬ ‫ينجي ذ ّره‬
‫•ما يف لببهن جا ّ‬
‫�شلاّ ي م�شاخي�ص اع�شـاره ‪.‬‬ ‫ويف خفافن �شالن ْحوا�ش �أيام‪.‬‬ ‫الفرجاين ‪ ،‬ط‪� ، )1972 ، 1‬ص ‪. 17‬‬
‫(( مفتاح املدين ))‬ ‫(( بوبكر بوحويه ))‬ ‫‪ - 2‬االطل�س الوطني للجماهريية العربية الليبية ال�شعبية‬

‫‪19‬‬ ‫‪18‬‬
‫شؤون ليبيـــة‬ ‫شؤون ليبيـــة‬

‫• قو�س بدون �سند تاريخي‪:‬‬


‫�أي�ض ًا �أن ا�سم الأخوين فيلاليني يدل على �أنه ا�سم "التيني‬
‫روم��اين " ولي�س ا�سما قرطاجي ًا وال فينيقي ًا‪ ،‬وال حتى‬
‫ا�سم ًا يوناني ًا كما يعتقد البع�ض‪ ،‬و�إذا افرت�ضنا �صحة هذه‬
‫قوس فيلالني أم أكذوبة الطليان؟‬
‫الرواية فلقد كان من املفرت�ض �أن يكون اال�سم (االخوين‬
‫فيلالين) ا�سما بونيقي ًا �أو �إغريقي ًا‪ ،‬ولي�س ا�سم ًا التيني ًا‬
‫روماني ًا‪ ،‬ذلك لأن الأخوين الذين دفنا بعد قتلهم ح�سب‬
‫اال�سطورة هم من الفينيقيني �سكان مدينة قرطاج ولي�سوا‬
‫م��ن �إغ��ري��ق ب��رق��ة‪ .‬وه���ذا تناق�ض ���ص��ارخ وق��ع فيه بع�ض‬
‫�أم��ا امل����ؤرخ ال��روم��اين "بليني الأكرب" (الكتاب اخلام�س‬ ‫امل�ؤرخني الرومان‪.‬‬
‫ف�صل ‪ )4‬فريى �أن املذبح رمبا يكون من الرمل‪� ،‬أي �أنه‬ ‫ومم��ا ي��زي��د ال�شك يف ه��ذه ال��رواي��ة وي��دع��م فر�ضية �أنها‬
‫ظاهرة طبيعية ولي�س من �صنع الب�شر‪.‬‬ ‫خرافة هو �أنه ال �أحد من علماء الآثار والتاريخ قد عرث على‬
‫• قو�س بابلو ولي�س قو�س فيلالين‪:‬‬ ‫مذبح الأخ��وي��ن يف املنطقة‪ ،‬منهم ع��امل الآث���ار االنكليزي‬
‫ح��ق��ي��ق��ة �أن ه����ذه اال����س���ط���ورة ك���ان���ت يف ذه����ن وخم��ي��ل��ة‬ ‫"جودت�شيلد"‪ ،‬وااليطاليان "�ستوكي"‪ .‬و"�شرياتا" وال‬
‫امل�ستعمرين الإيطاليني الذين حددوا موقع مذبح الأخوين‬ ‫حتى الذين ج��اءوا من بعدهم قد متكنوا من العثور على‬
‫فيلالين خط�أ يف منطقة ر�أ�س النوف‪ ،‬ولي�س هذا فح�سب‬ ‫مذبح �أو قرب الأخويني فيلاليني �أو حتى �ضريح لهم‪ ،‬وكل‬
‫ب��ل �أن��ه��م عندما اكملوا م��د الطريق ال�ساحلي املعبد عام‬ ‫م��ايف الأم���ر �أن حتديدهم امل��ك��ان ق��د بني على تخمينات‬
‫‪� 1937‬أمرهم احلاكم االيطايل لليبيا "بالبو" ببناء‬ ‫وافرتا�ضات ظنية ال �أكرث وال �أقل‪.‬‬
‫قو�س يخلد ذكرى �إنهاء ذلك الطريق ولي�س تخليد ًا لذكرى‬ ‫ٍ‬ ‫عامل الآث��ار الإيطايل "�ستوكي" غري ر�أيه يف النهاية بعد‬
‫الأخوين فيلالين يف هذا املوقع ال��ذي ح��ددوه ب�أنه مكان‬ ‫�أن �أخ���ذ ب���راي ع��امل الآث����ار الأمل����اين "كورتيو�س" ال��ذي‬
‫حقق بدقة يف كتاب امل�ؤرخ الروماين "�سالو�ست"‪ ،‬ور�أي‬
‫دفن الأخوين فيالين‪ ،‬وقد عمل لهما متثاالن �ضخمان من‬
‫الأخ�ي�ر م��ف��اده �أن حكاية االخ��وي��ن فيلاليني ه��ي جمرد‬
‫عبد الوهاب عيسى‪ .‬ليبيا‬
‫الربونز (بطول ‪ 5‬امتار تقريبا ) زين بهما القو�س‪ ،‬وبني‬
‫لهما �ضريح م��ن احلجر الرملي �أ���ش�ير �أن��ه مكان الدفن‪،‬‬ ‫ا�سطورة لي�س لها �أ�سا�س من ال�صحة‪ ،‬وان �شكل مرتفعي‬ ‫هل فعال �أن لقو�س الأخوين فيلالين هو احلد الفا�صل والنهائي الذي يف�صل مابني برقة وطرايل�س؟‬
‫ونتيجة لذلك ظن الكثري من النا�س �أن القو�س هو احلد‬ ‫اجلبل العايل املت�شابهان يف ال�شكل هي ال��ذي دف��ع �إىل‬ ‫وهل ق�صة االخوين فيلاليني هي ق�صة تاريخية حقيقية وقعت بالفعل يف الأزمنة القدمية ( يف‬
‫النهائي مابني برقة وطرابل�س‪.‬‬ ‫االعتقاد �أن �شكل التلني املرتفعني عن بقية الأر�ض امل�ستوية‬ ‫الع�صر االغريقي والفينيقي )‪� ،‬أم �أنها خرافة ن�سجت من خيال رواة اال�ساطري؟ وهل ميكن اتخاذها‬
‫خال�صة القول بعد العر�ض ال�سريع �أنه ال�صحة للقول �إن‬ ‫لي�س ظاهرة طبيعية بل هما عمل ان�ساين‪ ،‬و�أن بهما قرب‬ ‫كحجة تاريخية لإثبات �أن هذا املكان هو احلد الفا�صل الذي يف�صل مابني برقة وطرابل�س ؟‬
‫قو�س الأخوين فيلالين هو احلد التاريخي الفا�صل الذي‬ ‫االخوين‪.‬‬ ‫• �إجابة جريئة على �س�ؤال كبري‪:‬‬
‫يف�صل مابني برقة وطرايل�س‪ ،‬والي��وج��د دليل �أث���ري �أو‬ ‫كذلك اجلغرايف الروماين "�سولينو�س" يف القرن الثالث‬ ‫حقيقة �أن هذه الرواية قد وردت بالتف�صيل عند امل�ؤرخ الروماين "�سالو�ست" يف �أواخر القرن‬
‫حتى ربع دليل يدعم هذا الكالم‪ ،‬و�إمنا هي جمرد خرافات‬ ‫امليالدي يرف�ض هذه الرواية وي�شكك يف �صحتها وين�سبها‬ ‫الأول قبل امليالد دون �أي �سند �أو دليل �أو م�صدر يثبت روايته‪ ،‬ثم رددها م�ؤرخ روماين �آخر هو‬
‫وا�ساطري الميكن اعتمادها كحجة قانونية وتاريخية على‬ ‫�إىل خرافات عامة النا�س يف قورينا‪ ،‬و�أي�ض ًا اجلغرايف‬ ‫"ماك�سيمو�س"‪ .‬والالفت �أن هذه الرواية مل ترد اطالق ًا يف كتابات امل�ؤرخني االغريق و�أدبائهم‬
‫ذلك‪.‬‬ ‫"�سرتابون" يف كتابه �أ�شار �إىل �أن املذبح غري موجود يف‬ ‫يف الع�صر االغريقي‪ .‬وال حتى عند الكتاب البونيقيني القرطاحيني يف تون�س واملدن الثالث‪ ،‬وال‬
‫ع�صره ( ‪ 66‬ق‪.‬م‪ 21 – .‬م)‪.‬‬ ‫وجود لها حتى يف ميثولوجياتهم وا�ساطريهم مما يعني �أن هذه الرواية هي خرافة رومانية‪.‬‬

‫‪21‬‬ ‫‪20‬‬
‫شؤون ليبيـــة‬ ‫شؤون ليبيـــة‬

‫"عرب م��ا ت��اك��ل م ال���دك���ان‪ ..‬وال تلب�س يف ن�ص‬ ‫ولن �أكون متجني ًا �إذا قلت �أن ثمة ق�صائد طويلة ولكنها‬
‫الكم" وك���ان يجل�س بجانبي رج���ل ك��ب�ير يف ال�سن‬ ‫جمرد �صور منتزعة من ق�صائد �سبقتها‪ ،‬الأمر الذي ال‬ ‫شيخوخة الشعر الشعيب‬
‫ي��رت��دي قمي�ص ًا ن�صف ك��م‪ ،‬ف���أخ��ذ ينظر �إىل ذراع��ي��ه‬ ‫ميكن و�صفه ب�أنه تنا�ص‪ ،‬لأن التنا�ص من وجهة نظري‬
‫ال�سافرتني‪ .‬وهذا مثال وا�ضح على �أن ال�شعر ال�شعبي‬ ‫هو فعل الواعي‪ ،‬وال ميكن �إتهام قائله بال�سرقة‪ ،‬لأنه مما‬
‫مل يواكب حتى التغري يف املنظومة القيمية للمجتمع‪.‬‬ ‫�شاع حتى ع َّمت به البلوى‪ ،‬وانت�شر حتى �صار ُعرف ًا‪.‬‬
‫وه��ن��ا ال �أحت����دث ع��ن �أوائ�����ل وك��ب��ار ال�����ش��ع��راء �أم��ث��ال‬ ‫و�إذا كان ال ُيو�صف ب�أنه تنا�ص وال (تال�ص)‪ ،‬فما هو‬
‫اجل��ن��ج��ان‪ ،‬وع��ب��د املطلب اجل��م��اع��ي‪ ،‬وال��غ��ن��اي اغنية‪،‬‬ ‫�إذن؟‬
‫وخالد ارميلة‪ ،‬وارحومة بن م�صطفى‪ ،‬وغريهم‪ ،‬فه�ؤالء‬ ‫منط تواط�أ عليه متاخرو ال�شعراء‪ ،‬نظر ًا ل�سهولته‬ ‫�إنه ٌ‬
‫هم فحول ال�شعراء و�أقدمهم يف مدونة ال�شعر ال�شعبي‪،‬‬ ‫و�سرعة نظمه‪ ،‬وقربه من ذائقة العامة‪ .‬ولكي �أبرهن على‬
‫و�إمنا �أحتدث عن ال�شعراء اجلدد‪ ،‬على الأقل يف العقود‬ ‫هذا االدعاء دعوين �أ�ستح�ضر بع�ض الأمثلة‪ ،‬وبالقيا�س‬
‫الأربعة املا�ضية‪.‬‬ ‫على هذه الأمثلة �سوف ت�صطدم بهذا التكرار يف �أغلب‬
‫�إن كلمة �إبداع تعني‪" :‬اخللق على غري مثال �سابق"‪،‬‬ ‫ما ت�سمع من ق�صائد �شعبية‪ ،‬و�سوف يت�ضح لك �أن ما‬
‫ف���أي��ن ه��و الإب���داع يف بناء �شكلي مرتا�صف انتزعته‬ ‫�أدعيه هنا ال يتعلق بحاالت فردية متناثرة هنا �أو هناك‪،‬‬
‫طوبة طوبة من هنا وهناك لتُعيد ت�شكيله وب��ن��اءه مع‬ ‫بل هو ظاهرة و�صلت �إىل �أق�صى ح��دٍ من ال�سماجة‪،‬‬
‫طالئه ب�إلإلقاء اجلميل‪ ،‬وتزويقه بالنربة احلما�سية‪،‬‬ ‫وجعلت م��ن ال�شعر ال�شعبي موهبة م��ن ال موهبة له‪،‬‬
‫و�سط ت�صفيق جلمهور ال يتذوق ال�شعر‪.‬‬ ‫و"احلمار الق�صري" لكل من �أراد �أن (( يتفر�سن ))‬
‫�إن ال�شعر ال�شعبي �إذا مل يك�سر هذه احللقة من اجلمود‪،‬‬ ‫يف هذا امليدان‪ ،‬والباب املفتوح على درفتيه لكل من‬
‫و�إذا مل يتخلَّ عن م�سار حمار الرحى‪ ،‬و�إذا مل ينطلق‬ ‫ودب‪.‬‬
‫هب َّ‬ ‫َّ‬ ‫عبد الرحمن جماعة‪ .‬ليبيا‬
‫يف ف�ضاء �أكرث رحابة‪ ،‬و�إذا مل ُيواكب ع�صره‪ ،‬ف�إن هذا‬ ‫فعلى �سبيل امل��ث��ال؛ ك��م م��رة �سمعت‪" :‬و�صف ال��رمي‬
‫هو �إي��ذان �صريح مبوته وانقرا�ضه‪ ،‬وعالمة وا�ضحة‬ ‫ه��م��ي��ل القارة" وك���م م���رة ���س��م��ع��ت "تذرف ب��ال��دم��ع��ة‬ ‫هل هي بداية النهاية لل�شعر ال�شعبي؟ �أم هي فرتة ركود م�ؤقتة؟‬
‫على قرب �أفول جنمه‪ ،‬واندثار ر�سمه‪.‬‬ ‫�شتوايل"‪� ،‬أو "غرغاز ا�صبية"‪� ،‬أو "كحيل ارماقه"‪،‬‬ ‫ال ندري‪ ،‬لكن الذي نعرفه �أن ال�شعر ال�شعبي ومنذ عدَّ ة عقود يدور يف نف�س الفلك‪ ،‬ويقتات‬
‫�إن �شيخوخة ال�شعر ال�شعبي قد ال تدوم طوي ًال‪ ،‬ولي�س‬ ‫�أو "فايز عن جيله"‪ ،‬وكم مرة �سمعت الت�شبيه بالفار�س‬ ‫على ما �سلف‪ ،‬ويلتف على نف�سه‪ ،‬ويلتهم ذاته‪ ،‬دون �أن يتطور �أو ي�أتي بجديد‪.‬‬
‫بعد ال�شيخوخة �إال املوت �أو امليالد بج�سد جديد وروح‬ ‫الذي رد الأبل من الغزاة‪ ،‬والت�شبيه باملفطوم‪ ،‬وت�شبيه‬ ‫ما �أق�صده هنا هو من جهة املعنى ال املبنى‪ ،‬فالبناء ال�شكلي �أقدر على اال�ستمرار طامل ًا �أن ثمة‬
‫جديدة‪ ،‬وحتى �إن دامت �شيخوخته لعدة عقود قادمة‪،‬‬ ‫�شَ عر املر�أة ب�سواد الليل‪ ،‬والتغزل بالو�شم الذي مل يعد‬ ‫تطوير وحتديث على م�ستوى ال�صور ال�شعرية واخليال وجودة املعاين وح�سن الت�شبيه‪.‬‬
‫ف��ه��ي دمي��وم��ة غ�ير ف��اع��ل��ة وغ�ي�ر جم��دي��ة‪ ،‬مت��ام�� ًا كبقاء‬ ‫من مظاهر اجلمال‪ ،‬وكذلك ال�شَ عر الذي ارتوى بالدهن‪،‬‬ ‫قبل التدليل على ما �سبق‪ ،‬ال بد �أن ن�ستثني تلك املحاوالت من بع�ض ال�شعراء ال�شباب‪ ،‬ولو‬
‫ترتق ل ُت�شكل منط ًا ُيحتذى به‪ ،‬و�إمنا ظلت كبقع �ضوء يف ليل ال�شعر ال�شعبي‪� ،‬أو كرقاع‬
‫ِ‬ ‫�أنها مل‬
‫�شيخ هرم على هام�ش احلياة‪ ،‬بال ج��دوى وال فاعلية‬ ‫ٍ‬ ‫وت�شبيه عني املر�أة بعني ال�صقر‪ ،‬مع �أنني ال �أدرى ما هو‬
‫جميلة يف ثوبه البائد‪.‬‬
‫وال ن�شاط وال حيوية‪ ،‬الفارق الوحيد �أن ال�شيخ الهرم‬ ‫وجه ال�شبه‪ ،‬وال �أرى �أي جمالٍ يف عني ال�صقر‪.‬‬ ‫يكمن جمال ال�شعر يف ما ُيحدثه من ده�شة يف نف�س ال�سامع �أو القارئ‪ ،‬لكن تلك الده�شة ال‬
‫قد يفيدك بحكمته‪� ،‬أم��ا ال�شعر ال�شعبي فال�شيخوخة‬ ‫يف �أح��د مهرجانات ال�شعر ال�شعبي‪ ،‬اعتلى املن�صة‬ ‫تتكرر مع تكرار نف�س امل�شهد �أو ال�صورة‪.‬‬
‫�أ�صابته من هذه اجلهة‪.‬‬ ‫�شاب و�ألقى ق�صيدة‪ ،‬ومن جملة ما قال‪:‬‬ ‫ٌ‬

‫‪23‬‬ ‫‪22‬‬
‫شؤون ليبيـــة‬ ‫شؤون ليبيـــة‬

‫احل���رب ال��ث��ان��ي��ة تعاظمت ال�سرييالية يف درا���س��ات‪:‬‬


‫"�سقوط احل�ضارة"‪ ،‬و"املعقول والالمعقول يف االدب‬ ‫شخصية بوسالمين في منوعة شط الحرية‪..‬‬
‫احلديث"‪ ،‬و"الالمنتمي"‪ ،‬وبع�ض كتابات "�سارتر"‪.‬‬
‫ويف غفلة مفاجئة بعد ال�ضنك النا�شئ ع��ن احل��رب‬
‫ال منتمي مقلب الشراب‬
‫الثانية‪ ،‬وبعد قتل ‪ 60‬مليون‪ ،‬و�شتى عذابات االن�سان‬
‫دون مربر معقول‪ ،‬ظهرت احلاجة �إىل امل�سرح العبثي‬
‫ليعرب عن العدمية وال�سقوط على يد "�صمويل بيكيت"‬
‫متج�سد ًا يف م�سرحية "يف ان��ت��ظ��ار غودو"‪ ،‬التي‬
‫وموعده ال�ساعة الرابعة من هذا اليوم ال�سبت لي�س�أاله‬
‫ت�سببت يف ح�صول الكاتب على جائزة نوبل يف الأدب‪.‬‬
‫�س�ؤاال يحل كلّ م�شاكلهما‪� ،‬س�أل "فالدميري" �صاحبه‬ ‫ً‬ ‫• بو�ساملني الالمنتمي‪:‬‬
‫�إن حاجة الفن والأدب لأ�سباب حمايثة هي التي �أفرزت امل�شرد "ا�سرتغون"‪ :‬هل ميعادنا اليوم؟ ف�أجاب‪ :‬قد‬
‫"�صمويل بيكت" لتطور ال�سرييايل‪ ،‬ويظهر امل�سرح يكون اليوم �أو غد ًا‪ ،‬رمبا االثنني‪ .‬فقال "فالدميري"‪:‬‬
‫العبثي ونف�س احل��اج��ة ال��ت��ي ول��دت��ه��ا امل��ح��ن وامل��ع��ان��اة ومم��ك��ن ال��ث�لاث��اء �إن مل يكن ق��د ف��ات��ن��ا‪ ،‬و���س���أل ماهو‬
‫املحلية عندنا �أف��رزت وان�ضجت "القاب�سي" ليعرب عن ال�س�ؤال ال��ذي �سن�س�أله لغودو؟ ف�أنا ن�سيته‪ ،‬الج��واب‪.‬‬
‫المعقول "كولن ويل�سون" بعنز حتلب قاز‪ ،‬وعرب عن عند "فالدميري"‪ .‬وماهي م�شاكلنا؟�أنا �أي�ض ًا ن�سيت‪.‬‬
‫الال منتمي وهو االكرث ح�س ًا و ثقافة وعق ًال "بو�ساملني" ق��د عربتك وحم��راث��ك �إىل العاملية ف��وق عراقيل ذوي‬
‫محمد المبروك الشعاللي‪ .‬ليبيا‬
‫ال�شاعر‪ ،‬جانب جمهول يف نف�سه احل�سا�سة‪ ،‬يجرب البعدين و رغم ال�صعاب يا ا�ستاذ القاب�سي‪.‬‬
‫• مالحظة‪:‬‬
‫هذا ال��ذي يحمل بني جنبيه قلق َا جنوني ًا من �سخافات‬ ‫عن روح �شفافة‪ ،‬ومن نفو�س �شديدة الوعي بالواقع‬ ‫"بو�ساملني" الأكرث قلق ًا‪� ،‬إنه "المنتمي" مقلب ال�شراب‬
‫االنتقاد املوجه �إىل لوحات القاب�سي مثل تفكك الن�ص‬
‫�أقلها ت�صرفات "�صاحب املول" وزبائن املول والعمل‬ ‫وت��رف�����ض ه���ذا ال��واق��ع ال��ك��ري��ه ال���ذي ظ��ه��ر يف �أع��ق��اب‬ ‫دون منازع‪ .‬هذه طبيعة ور�سالة الفن والأدب العبثي‬
‫وتكرار املغزى وت�شتته وع��دم و�ضوح الفكرة وعدم‬
‫يف املول‪� .‬شيء ما �أجرب "بو�ساملني" �أن يداري وعيه‬ ‫امل�آ�سي وال��ن��وازل ال��ك�برى‪ ،‬حتتج عليه وتعريه للعقل‬ ‫�أو امل�سرح العبثي الأ�صيل‪ .‬ي�أتي عقب �أوق��ات ال�شدة‬
‫ترابط الأحداث و�سذاجة ال�شخو�ص هذا هو بال�ضبط‬
‫ويقاوم ال انتماءه واليغادر‪.‬‬ ‫اجلمعي كي ينفر منه والي�ست�سيغه ك�أمر واقع و�سلطان‬ ‫وال�ضنك فيمر �أو ًال مبرحلة اال�ستنكار والرف�ض ثم‬
‫امل�سرح العبثي �شك ًال وجوهر ًا‪.‬‬ ‫• م�سرح العبث يف املقلب‪:‬‬
‫غالب‪.‬‬ ‫ثاني ًا مبرحلة ال�سخرية واال���س��ت��ه��زاء‪ ،‬وث��ال��ث�� ًا ي�صبح‬
‫�إذن مب��ف��ه��وم ال��ع��ب��ث��ي��ة ي�صبح م��ا ي��ق��ال ���ض��د "مقلب‬ ‫�ألي�س ذه��اب وف��د امل�صاحلة وه��م مغيبون اليعرفون‬
‫بعد احلرب العاملية الأوىل ظهرت ال�سرييالية (مافوق‬ ‫ل�سان ًا ي�صور احلقيقة ويجعل املتلقي يفكر يف �سبب‬
‫ال�شراب" مدح ًا يف معر�ض ال��ذم كما يقول �أ�صحاب‬ ‫مكان االجتماع وال ر�ؤي��ة لهم بل ت�سريهم مقولة "ال‬
‫الواقع)‪ ،‬انبثقت مت�شائمة على يد فنانني مثل اال�سباين‬ ‫تعا�سته‪.‬‬
‫البالغة‪.‬‬ ‫تقول حتى ت�سمع" الي�س هذه قفزة من حملية مغرقة‬
‫"�سيلفادور دايل" ور���س��وم��ه‪ ،‬وق�صيدة "توما�س‬ ‫• �إليكم تقييم ًا نقدي ًا موجز ًا ‪:‬‬
‫يف �شط احلرية اىل عاملية "يف انتظار غودو"؟‪.‬‬ ‫منوعة "�شط احلرية"‪ ،‬من يكتبها ويعدها ويقدمها‬
‫اليوت" (الأر�����ض ال��ي��ب��اب)‪ ،‬وك��ت��اب وفنانو الت�شاءم‬
‫يف ح��وار البطلني امل�شردين وهما ينتظران "غودو"‬ ‫رج��ال �أك��ف��اء‪ ،‬ه��ي "فن م��ا بعد ال�ضنك" ال��ذي ينبثق‬
‫وال��ك��وم��ي��دي��ا ال�����س��وداء م��ث��ل ���ش��اريل ���ش��اب��ل��ن‪ ،‬وبعد‬
‫‪25‬‬ ‫‪24‬‬
‫شؤون عربيــة‬ ‫شؤون عربيــة‬

‫مغ�سل �أج�ساد املوتى يف العراق يف رواي��ة «وحدها‬ ‫• ماذا لو كنت مكانه؟‬


‫غزة تعاد الق�ص�ص‬ ‫�شجرة الرمان» ل�سنان �أنطون‪ .‬ففي ّ‬ ‫ي�����س���أل امل���رء نف�سه �أ���س��ئ��ل��ة ك��ث�يرة ق��ب��ل �أن يبحث عن‬
‫جر�س ال يتوقف‪.‬‬‫اليومية ملا كتبه ال��روائ��ي‪ .‬واملقربة ٌ‬ ‫�إجاباتها لدى العم �سعدي‪ .‬ماذا لو كنت مكانه؟ ما هي‬ ‫حفار قبور غزة الذي ال ينام ‪..‬‬
‫ويدق لدى ا�ستقباله جثامني ال�شهداء‪.‬‬ ‫يدق ّ‬ ‫ّ‬ ‫م�شاعره؟ �أف��ك��اره؟ كيف هي ر�ؤي��ت��ه للعامل قبل وبعد‬
‫دفن �أب��و ج��واد ح ّتى هذه اللحظة ما يقارب ‪� 17‬ألف‬
‫��س��ج��ل‪« :‬ن�سبة‬
‫�شهيد‪ .‬وي��ق��ول يف ذات ال�����ش��ري��ط امل��� ّ‬
‫احلرب؟ كل هذه الأ�سئلة ميكن �أن تراود املرء الباحث‬
‫عن ق�صة �ضمن ق�ص�ص كثرية يف غزة‪ ،‬مت�سارعة بفعل‬
‫أبو جــــــواد‬
‫ال�شهداء من الن�ساء والأط��ف��ال ‪ .85%‬اليوم ال �أجد‬ ‫احلرب‪.‬‬
‫م��ك��ان�� ًا ك��ي �أح��ف��ر ق��ب�ر ًا‪ .‬يف ال�����س��اب��ق ك���ان ي��خ��رج مع‬ ‫• دوام املوت اليومي‪:‬‬
‫ال�شهيد م��ا ي��ق��ارب �أل��ف��ي �شخ�ص‪ .‬يف ه��ذه احل��رب‪،‬‬ ‫يخرج �سعدي بركة من بيته عند ال�ساد�سة �صباح ًا نحو‬
‫يخرج مع ال�شهيد ع�شرة �أ�شخا�ص‪ .‬نحن جنمع احلديد‬ ‫املقربة‪ .‬يق�ضي نهاره هناك‪ ،‬ح ّتى ال�ساعة ال�ساد�سة‬
‫من ال�صفر ح ّتى نبني القبور»‪.‬‬ ‫م�سا ًء‪� 12 .‬ساعة بني ال�شهداء وحفر القبور والبحث‬
‫• �صالة الفجر‪ ،‬ال�شاهي‪ ،‬ثم حفر القبور‪:‬‬ ‫عن م�ساحات لإيجاد قرب جديد‪ .‬يقول �أبو جواد ونحن‬
‫ح��دي��ث �أب���ي ج���واد م��ن داخ���ل امل��ق�برة مم��ل��وء بالأ�سئلة‬ ‫م�صور �سجلّه ال�صحايف �أ�سامة‬ ‫ن�شاهده يف �شريط ّ‬
‫واال�ستغراب وامل���أ���س��اة‪ ،‬وم��ن حوله القبور املفتوحة‪،‬‬ ‫املنوم‬
‫الكحلوت‪« :‬والله لو �أعطيتني ع�شرين كيلو من ّ‬
‫وال��ق��ب��ور ال��ق��دمي��ة‪ ،‬والأخ�����رى احل��دي��ث��ة ال��ت��ي ُح��ف��رت‬ ‫ل��ن �أن���ام ب�سبب امل�شاهد ال��ت��ي �أعي�شها و�أ���ش��اه��ده��ا‪.‬‬
‫وامتلأت يف زمن الإبادة‪.‬‬ ‫دفنت عائالت كاملة يف مرات عديدة‪ ،‬و�صنعت قبور ًا‬
‫امل�ستمر‬
‫ّ‬ ‫ل��دور �سعدي بركة يف حفر القبور والبحث‬ ‫جماعية»‪.‬‬
‫داخل املقابر �شهادة ح ّية ومبا�شرة للذاكرة الفل�سطين ّية‪،‬‬ ‫يبكي بني القبور وي�س�أل «ملاذا ه ّم�شت النا�س غزة؟»‪.‬‬
‫ور�سالة �صوت ّية �إىل الكون الذي يرى وي�سمع كلّ ما‬ ‫ال�س�ؤال مملوء باحلزن وال��وج��ع‪ ،‬ويكمن جوهره يف‬ ‫الليبي‪ .‬وكاالت‪ .‬محمود بركة‬
‫غزة‪ .‬ينه�ض �أبو جواد من الأر�ض‪ ،‬ويقول‪:‬‬ ‫يحدث يف ّ‬ ‫الوقائع اليومية التي يحيا معها �أب��و ج��واد بني النظر‬
‫الزيارة �إىل املقربة �صعبة‪ .‬لي�س على �صعيد امل�سافة‪ ،‬بل ملا فر�ضته احلرب من انعدام‬
‫«القبور جماع ّية‪� ،‬أنظر �إىل هذه القبور لعائالت كاملة‬ ‫�إىل ال�شهداء‪ ،‬بني �صمت العامل �أم��ام ما يحدث‪ ،‬وبني‬
‫للأمان يف الذهاب من مكان �إىل �آخر‪ .‬لكن هذا الرجل اختار �أن يكون يومه زمنَ هذه امل�سافة‬
‫من دي��ر البلح! م��اذا فعلت غ ّ��زة للعامل ح ّتى تُ�ترك؟»‪.‬‬ ‫رغبته يف �أال ت�صبح القبور من�سية عند تالحم اجلثث‬ ‫والطريق بني املدينة‪ ،‬غزّ ة‪ ،‬واملقابر‪ .‬يحفر �سعدي بركة (�أبو جواد) قبور ال�شهداء يف‬
‫وي�ضيف‪�« :‬أ�صلّي الفجر‪ ،‬ث ّم �أ�شرب ال�شاي‪ .‬و�أخرج‬ ‫وتعدادها الذي ال يتوقّف‪.‬‬ ‫�أكرث من مكان مبدينة دير البلح و�سط قطاع غزّ ة‪ .‬ك ّونت هذه املدينة ال�ساحلية املعروفة‬
‫ن�صل ونبا�شر يف‬ ‫�إىل امل��ق�برة‪ .‬يرافقني �س ّتة ع�� ّم��ال‪ِ .‬‬ ‫• ‪� 17‬ألف قرب ‪:‬‬ ‫بالنّخيل والبحر والزراعة‪ ،‬على مدار التاريخ‪ ،‬مالمح كثرية من بينها مقابر �شهدائها‪ .‬وبعد‬
‫حت�ضري القبور اجلماع ّية‪ ،‬ت ّت�سع لع�شرين‪� ،‬أو ثالثني‬ ‫�صوت الطائرات فوق املكان‪� .‬صوت �أب��ي ج��واد يكاد‬ ‫ال�سابع من ت�شرين الأ ّول‪�/‬أكتوبر ‪� ،2023‬صار املوت خارج االختيار وجمع ّي ًا‪ ،‬من حيث عدد‬
‫�أو ح ّتى �أربعني‪ .‬وهناك قبور �أكرب من ذلك‪.‬‬ ‫يختفي من �ش ّدة الأزي���ز املخيف‪ .‬يوا�صل حديثه مع‬ ‫مرة واحدة‪.‬‬‫اليومي والعائالت التي ُتقتل ّ‬
‫ّ‬ ‫ال�شهداء‬
‫يقول �أب��و ج��واد �إن��ه يحتاج �إىل م��واد كثرية كي يدفن‬ ‫ال��ن��ا���س ويقابلهم‪ .‬م��ذكّ��ر ًا �إي��ان��ا ب�شخ�ص ّية اخرتعها‬
‫ال�����ش��ه��داء ب��ك��رام��ت��ه��م‪ .‬و� ّأن ه��ن��اك ع��ائ�لات دف���ن منها‬ ‫�شك�سبري حل��ف��ار ال��ق��ب��ور يف «ه��ام��ل��ت»‪ ،‬و�شخ�صية‬
‫‪27‬‬ ‫‪26‬‬
‫شؤون عالميــة‬ ‫شؤون عربيــة‬

‫م�ستمرة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫موتهم املحقّق‬ ‫�أ�شالء �س ّتة �أ�شخا�ص يف كفن واحد‪« .‬عائالت بكاملها‬
‫يدي يا‬‫يقول ح�سني الربغوثي‪« :‬تنتهي الطرقات بني ّ‬ ‫م�سحت من ال�سجلّ امل ّ‬
‫��دين وتبقى منها طفل �أو طفلة‬
‫روحي‪ ,‬تعايل يا روحي للرباري حيث هناك يحيا احل ُّر‬ ‫بعمر �شهرين‪ .‬ماذا فعلت هذه الطفلة لتعي�ش دون �أب‬
‫اللون األصفر يف التاريخ والفن‬ ‫ل�ست �أدري كيف؟ �أو �أين؟ لكن رب هذا ال ّرب‬ ‫مثل الله‪ُ ,‬‬
‫�أدرى»‪ .‬وث��م��رة ال�ب�راري عند �أب��ي ج��واد تزامنت مع‬
‫و�أ ّم وعائلة؟»‪.‬‬
‫• الوطن هو �أن ال يحدث ما يحدث الآن‪:‬‬
‫زمن ال�شهداء‪ ،‬فيلتف احلجر فوق الأر�ض‪ ،‬ويفتح يف‬ ‫يعود هذا احلديث القا�سي وامل�ؤمل ب�س�ؤال قدمي طرحه‬
‫اجلوار قرب ًا يبحث عن �شهيد‪ ،‬ل�شهيد يبحث عن قرب‪،‬‬ ‫غ�سان كنفاين يف روايته «عائد �إىل حيفا»‪�« :‬أتعرفني‬
‫و�أب��و ج��واد �سرد ّية املقربة والذاكرة الباق ّية‪ .‬الذاكرة‬ ‫ما هو الوطن يا �صفية؟ الوطن هو �أال يحدث ذلك كله»‪،‬‬
‫املمت ّدة بني مدينة ومقربة يف زمن احلرب؛ احلرب التي‬ ‫ت�صوره ح ّتى يف كتب اخليال‪ .‬حدث‬ ‫وحدث ما ال ميكن ّ‬
‫مل تتوقّف منذ �س ّتة �أ�شهر‪ .‬من يوقف احلرب؟ �ستكون‬ ‫غزة املحا�صرة باملوت املتالحق‪.‬‬ ‫ما ال ميكن ت�صديقه يف ّ‬
‫�سجلت عند �إي��ق��اف احل��رب �شريطها الأك�بر‪،‬‬ ‫امل��ق�برة ّ‬ ‫للتوجه لهذه امله ّمة ال�صعبة‬
‫لكن ما ال��ذي يدفع امل��رء ّ‬
‫الفل�سطيني يف زمنه ومنفاه‬
‫ّ‬ ‫ال�شريط الأكرب يف رحلة‬ ‫وال�شّ اقة؟ يف �صوت �أبي جواد ومالحمه الباكية �إجابات‬
‫ووطنه املحتلّ ‪.‬‬ ‫كثرية‪ ،‬يف حديث هذا البطل املنغر�س يف الأر�ض بني‬
‫• رجل املقربة‪:‬‬ ‫القبور‪ ،‬يف كالمه للنا�س وبكائه �أمام ال�شهداء‬
‫�أبو جواد �شخ�ص ّية من �شخ�ص ّيات عديدة ظهرت يف‬ ‫يت�صور امل��رء ذل��ك ح�ين ال تتوقّف ي��داه‬
‫ه��ل ميكن �أن ّ‬
‫الفعلي مملوء ًا بال�صرب‬
‫احلرب على غزة‪ ،‬ليكون دورها ّ‬ ‫عن احلفر وحمل اجلثامني وال��دع��اء لهم يف رحلتهم‬
‫إن�ساين وموثّق ًا مل�شاهد ت�ؤكد ما‬
‫الوطني وال ّ‬‫ّ‬ ‫والإمي��ان‬ ‫يت�صور البعيد ذلك؟‬
‫اجلماع ّية الأخ�يرة؟ هل ميكن �أن ّ‬
‫ال ميكن ت�صوره‪ .‬هذه الإبادة الوح�ش ّية الحقت املقابر‬ ‫ي�سهل التخ ّيل يف زم��ن الت�سجيل‪ ،‬يف ال��زم��ن ال��ذي‬
‫وق�صفتها وطاردتها‪ ،‬لكن تبقى يف حديث رجل املقربة‬ ‫تكون فيه الذاكرة عالمات و�شواهد وق�ص�ص ًا تروى‬
‫الليبي‪ .‬وكاالت‪.‬‬ ‫يف غزة مئات احلكايات والق�ص�ص التي ال ي�ستطيع‬ ‫مع كلّ �سرية وم�سرية يحاول االحتالل قتلها‪.‬‬
‫األصفر هو اللون بين األخضر والبرتقالي على طيف الضوء المرئي‪ .‬يتم استثارتها‬ ‫العقل �أن يحتويها‪ ،‬لق�سوتها ول�ضخامةِ حجمها‪ .‬ومن‬ ‫• ما الذي يدفعه لذلك؟‬
‫بالضوء مع طول موجي مهيمن من حوالي ‪ 590-570‬نانومتر‪ .‬إنه لون أساسي في‬ ‫ق�صة ق�صرية عن �سعدي بركة وعن يوم ّياته يف املقربة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫للتوجه لهذه امله ّمة ال�صعبة‬
‫لكن ما ال��ذي يدفع امل��رء ّ‬
‫أنظمة األلوان المطروحة ‪ ،‬ويستخدم في الطالء أو الطباعة الملونة‪ .‬في نموذج‬ ‫ميكن للمرء �أن ي��رى وي�سمع �سيرَ حيوات منقو�صة‬ ‫وال�شّ اقة؟ يف �صوت �أبي جواد ومالحمه الباكية �إجابات‬
‫ألوان ‪ ، RGB‬المستخدم في إنشاء األلوان على شاشات التلفزيون والكمبيوتر ‪،‬‬ ‫و���س�ير موتها ال��ك��ام��ل يف زم��ن احل���رب‪ ( .‬ع��ن موقع‬ ‫كثرية‪ ،‬يف حديث هذا البطل املنغر�س يف الأر�ض بني‬
‫فإن اللون األصفر هو لون ثانوي مصنوع من خالل الجمع بين اللونين األحمر‬
‫ر�صيف )‬ ‫القبور‪ ،‬يف كالمه للنا�س وبكائه �أمام ال�شهداء‪ ،‬وثيقة‬
‫واألخضر في كثافة متساوية‪ .‬تعطي الكاروتينات اللون األصفر المميز إلى أوراق‬
‫الخريف ‪ ،‬والذرة ‪ ،‬والكناري ‪ ،‬والنرجس ‪ ،‬والليمون ‪ ،‬وكذلك صفار البيض‪ ،‬وشقائق‬ ‫ل��ل��ذاك��رة‪ .‬ح�� ّت��ى و�إن انتهينا م��ن الكتابة ع��ن��ه‪� ،‬سوف‬
‫النعمان ‪ ،‬والموز‪ .‬فهي تمتص طاقة الضوء وتحمي النباتات من التفريغ الضوئي‪.‬‬ ‫م�ستمرة ل ّأن‬
‫ّ‬ ‫يوا�صل �أبو جواد رحلة ال تنتهي‪ .‬الرحلة‬
‫الشمس لها لون أصفر خفيف‪ ،‬بسبب درجة حرارة سطح الشمس‪.‬‬ ‫غزة ح ّتى‬‫م�ستمرة‪ ،‬ومالحقة الفل�سطينيني يف ّ‬
‫ّ‬ ‫الإبادة‬
‫‪29‬‬ ‫‪28‬‬
‫شؤون عالميــة‬ ‫شؤون عالميــة‬

‫قبل التاريخ‪ .‬يحتوي كهف ال�سكو على �صورة خليول‬ ‫متاحا على نطاق وا�سع ‪ ،‬كان لون ال�صباغ‬ ‫ولأنه كان ً‬
‫ملون �أ�صفر يقدر ب ‪� 17،300‬سنة‪.‬‬ ‫الأ�صفر من �أول الألوان امل�ستخدمة يف الفن ؛ يحتوي‬
‫التاريخ القدمي‪ /‬يف م�صر القدمية ‪ ،‬ك��ان اللون‬ ‫كهف "ال�سكو" يف فرن�سا على لوحة ح�صان �أ�صفر‬
‫الأ�صفر مرتبط ًا بالذهب‪ ،‬ال��ذي ك��ان يعترب غري قابل‬ ‫يبلغ ‪ 17000‬عام‪ .‬ا�ستُخدمت �أ�صبغة املغرة‬
‫للف�صل‪� ،‬أب���دي وغ�ير قابل للتدمري‪ .‬ويعتقد �أن جلد‬ ‫وال�صنفرة لتمثيل الذهب ولون الب�شرة يف املقابر‬
‫وعظام الآلهة م�صنوعة من الذهب‪ .‬ا�ستخدم امل�صريون‬ ‫امل�صرية‪ ،‬ثم يف اجلداريات يف الفيالت الرومانية‪.‬‬
‫�أن ال�صبغة ال�صفراء اال�صطناعية اجلديدة‪� ،‬أو كرومات‬ ‫وقد ارتبط اللون الأ�صفر تاريخي ًا مع املرابني والتمويل‪.‬‬ ‫اللون الأ�صفر على نطاق وا�سع يف لوحات املقابر‪.‬‬ ‫يف الكني�سة امل�سيحية املبكرة كان اللون الأ�صفر هو‬
‫الزنك ال�صفراء �أو كرومات الزنك‪ ،‬التي ا�ستخدمها يف‬ ‫ي�صور �شعار الرابطة الوطنية للرهون العقارية ثالثة‬ ‫وعادة ما ت�ستخدم �إما مغرة �صفراء �أو نفاذة رائعة ‪،‬‬ ‫اللون امل�صاحب للبابا واملفاتيح الذهبية للمملكة‪ ،‬ولكن‬
‫املروج اخل�ضراء الفاحتة‪ ،‬كانت غري م�ستقرة �إىل حد‬ ‫جماالت ذهبية معلقة من �شريط ‪ ،‬ي�شري �إىل �أكيا�س‬ ‫على الرغم من �أنها كانت م�صنوعة من الزرنيخ وكانت‬ ‫كان مرتبطا �أي�ض ًا مع يهوذا الإ�سخريوطي وكان‬
‫كبري و�سرعان ما تتحول �إىل اللون البني‪.‬‬ ‫الذهب الثالثة التي يحملها �شفيع الربافري‪ ،‬القدي�س‬ ‫�شديدة ال�سمية‪ .‬مت العثور على ‪� paintbox‬صغري‬ ‫ي�ستخدم لالحتفال بالهرطقة‪ .‬يف القرن الع�شرين‪،‬‬
‫كان الر�سام "فين�سنت فان جوخ" معجب ًا خا�ص ًا‬ ‫نيكوال�س بني يديه‪ .‬بالإ�ضافة �إىل ذلك مت العثور على‬ ‫مع ال�صباغ ‪ orpiment‬يف قرب امللك توت عنخ‬ ‫ا�ضطر اليهود يف �أوروبا املحتلة من قبل النازيني �إىل‬
‫باللون الأ�صفر‪ ،‬وهو لون �أ�شعة ال�شم�س‪ .‬كتب �إىل‬ ‫رمز ثالثة الأجرام الذهبية يف �شعار النبالة يف بيت‬ ‫�آم����ون‪ .‬ك��ان ال��رج��ال ي��ظ��ه��رون دائ�� ًم��ا م��ع وج���وه بنية‬ ‫ارتداء جنمة �صفراء‪ .‬يف ال�صني‪ ،‬كان اللون الأ�صفر‬
‫اخته من جنوب فرن�سا يف عام ‪ ، 1888‬كتب‪:‬‬ ‫ميديت�شي‪ ،‬وهي �ساللة �إيطالية �شهرية من امل�صرفيني‬ ‫اللون ‪ ،‬والن�ساء ذوات الوجوه ال�صفراء �أو الذهبية‪.‬‬ ‫لون اململكة الو�سطى‪ ،‬وميكن ارتدا�ؤه فقط من قبل‬
‫وريحا ‪ ،‬وهو‬‫طق�سا جمي ًال دافئًا ً‬
‫“الآن نحن نواجه ً‬ ‫واملقر�ضني يف القرن اخلام�س ع�شر‪.‬‬ ‫وا�ستخدم الرومان القدماء اللون الأ�صفر يف لوحاتهم‬ ‫الإمرباطور و�أ�سرته؛ مت الرتحيب بال�ضيوف اخلا�صني‬
‫مفيد ج ًدا بالن�سبة يل‪ .‬ال�شم�س �ضو ًءا لعدم وجود‬ ‫لتمثيل الذهب و�أي�ض ًا يف �أل��وان الب�شرة‪ .‬وج��دت يف‬ ‫على ال�سجادة ال�صفراء‪.‬‬
‫كلمة �أف�ضل ميكنني و�صفها باللون الأ�صفر فقط ‪،‬‬ ‫التاريخ احلديث‪ /‬القرنان الثامن ع�شر والتا�سع‬ ‫كثري من الأحيان يف جداريات بومبي‪.‬‬ ‫ووفقًا للدرا�سات اال�ستق�صائية يف �أوروبا وكندا‬
‫م�شرق الأ�صفر الكربيت ‪ ،‬والليمون الذهب �شاحب‪.‬‬ ‫ع�����ش��ر‪� :‬شهد ال��ق��رن��ان ال��ث��ام��ن ع�شر وال��ت��ا���س��ع ع�شر‬ ‫والواليات املتحدة‪ ،‬ف�إن اللون الأ�صفر هو اللون‬
‫كيف جميلة ال�صفراء! ” يف �آرل‪ ،‬ر�سم فان جوخ‬ ‫اكت�شاف وت�صنيع الأ�صباغ والأ�صباغ اال�صطناعية‬ ‫• تاريخ ما بعد الكال�سيكية‪:‬‬ ‫الذي يربطه النا�س غال ًبا بالت�سلية والوداعة والفكاهة‬
‫عباد ال�شم�س داخل منزل �صغري ا�ست�أجره‪ ،‬وهو بيت‬ ‫‪ ،‬وال��ت��ي حلت ب�سرعة حم��ل ال��ل��ون الأ�صفر التقليدي‬ ‫خالل فرتة ما بعد الكال�سيكية ‪� ،‬أ�صبح اللون الأ�صفر‬ ‫أي�ضا مع االزدواجية واحل�سد والغرية‬ ‫والعفوية‪ ،‬ولكن � ً‬
‫مطلي بلون و�صفه فان جوخ ب�أنه “زبداين �أ�صفر”‪.‬‬ ‫امل�صنوع من الزرنيخ وبول البقر ومواد �أخرى‪.‬‬ ‫را�سخً ا مثل لون يهوذا الإ�سخريوطي ‪ ،‬التلميذ الذي‬ ‫والطمع‪ ،‬ويف الواليات املتحدة باجلنب‪ .‬ويف �إيران‬
‫كان "فان جوخ" من �أوائل الفنانني الذين ي�ستخدمون‬ ‫كان الر�سام الربيطاين "جي ام دبليو تورنر" يف‬ ‫خان ي�سوع امل�سيح‪ ،‬على الرغم من �أن الكتاب املقد�س مل‬ ‫لديها دالالت من ال�شحوب املر�ض‪ ،‬ولكن �أي�ض ًا احلكمة‬
‫الدهانات امل�صنعة جتاري ًا ‪ ،‬بد ًال من الدهانات التي‬ ‫القرن التا�سع ع�شر واحد ًا من �أوائل الفنانني الذين‬ ‫ي�صف مالب�سه �أب ًدا‪ .‬من هذا ال�صدد ‪ ،‬اتخذت ال�صفراء‬ ‫واالت�صال‪ .‬يف ال�صني والعديد من البلدان الآ�سيوية‬
‫�صنعها بنف�سه‪ .‬ا�ستخدم الأ�صفر الأ�صفر التقليدي ‪،‬‬ ‫ا�ستخدموا اللون الأ�صفر خللق احلالة املزاجية‬ ‫�أي�ض ًا اجلمعيات مع احل�سد والغرية والنكران‪.‬‬ ‫‪ ،‬ينظر �إليه على �أنه لون ال�سعادة واملجد والوئام‬
‫ولكن �أي�ض ًا �أ�صفر الكروم ‪ ،‬الذي �صنع لأول مرة يف‬ ‫والعواطف‪ ،‬كما كان امللحنون الرومان�سيون‬ ‫بد�أ التقليد يف ع�صر النه�ضة من تعليم غري الغرباء‬ ‫واحلكمة‪.‬‬
‫‪ ، 1809‬والكادميوم ال�صفراء‪ ،‬لأول مرة يف عام‬ ‫ي�ستخدمون املو�سيقى‪ .‬وا�ستخدم "جورج �سوراث"‬ ‫من غري امل�سيحيني‪ ،‬مثل اليهود‪ ،‬باللون الأ�صفر‪ .‬يف‬
‫‪.1820‬‬ ‫الألوان اال�صطناعية اجلديدة يف لوحاته التجريبية‬ ‫�إ�سبانيا يف القرن ال�ساد�س ع�شر‪ ،‬مت �إجبار �أولئك‬ ‫• التاريخ والفن واملو�ضة‪:‬‬
‫يف نهاية القرن التا�سع ع�شر‪ ،‬يف عام ‪،1895‬‬ ‫امل�ؤلفة من نقاط �صغرية من الألوان الأ�سا�سية‪ ،‬وخا�صة‬ ‫قبل التاريخ‪ /‬الأ�صفر ‪ ،‬يف �شكل �صبغة �صفراء املتهمني بالبدعة والذين رف�ضوا التخلي عن وجهات‬
‫بد�أ ظهور �شكل فني جديد يف �صحف نيويورك‪.‬‬ ‫يف يوم الأحد ال�شهري بعد ظهر اليوم يف جزيرة " دي‬ ‫�صفراء م�صنوعة من ال�صل�صال ‪ ،‬كان واحد ًا من نظرهم على املثول �أمام حماكم التفتي�ش الإ�سبانية التي‬
‫لون ال�شريط الهزيل‪ .‬ا�ستفادت من عملية الطباعة‬ ‫ال غراند جات" (‪ .)1886-1884‬مل يكن يعرف‬ ‫الألوان الأوىل امل�ستخدمة يف فن الكهوف ع�صور ما كانت ترتدي قبعة �صفراء‪.‬‬

‫‪31‬‬ ‫‪30‬‬
‫كتبوا ذات يوم‬ ‫شؤون عالميــة‬

‫امللونة اجلديدة‪ ،‬التي ت�ستخدم ف�صل الألوان وثالثة‬


‫كتبوا ذات يوم ‪..‬‬ ‫�ألوان خمتلفة من احلرب؛ �أرجواين ‪� ،‬سماوي ‪،‬‬
‫و�أ�صفر ‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل �أ�سود‪ ،‬لإن�شاء جميع الألوان‬
‫على ال�صفحة‪ .‬واحدة من ال�شخ�صيات الأوىل يف‬
‫ً‬
‫م�ضحكا يف‬ ‫فتى‬
‫امل�سل�سالت الكوميدية اجلديدة كانت ً‬
‫�شوارع نيويورك يدعى "ميكي دوجن"‪ ،‬املعروف �أكرث‬
‫با�سم “الطفل الأ�صفر”‪ ،‬من قمي�ص النوم الأ�صفر‬
‫الذي ارتداه‪� .‬أعطى ا�سمه (ولون) �إىل النوع الكامل فيجا�س ويف ال�صني ‪ ،‬حيث كان اللون الأ�صفر هو‬
‫من ال�صحافة ال�شعبية املثرية‪ ،‬والتي �أ�صبحت تعرف اللون الأكرث احرتا ًما‪.‬‬
‫يف ‪ 1960‬و�ضعت "بيكيت" العالمة التجارية قاعدة‬ ‫با�سم “ال�صحافة ال�صفراء”‪.‬‬
‫ال�شريحة “‪ ، ”Eye Saver Yellow‬التي‬
‫مت �إنتاجها بلون �أ�صفر حمدد (‪Angstrom‬‬ ‫القرنان ‪ 20‬و ‪:21‬‬
‫يف القرن الع�شرين مت �إحياء اللون الأ�صفر كرمز ‪ )5600‬الذي يعك�س الأ�شعة طويلة املوجة ويعزز‬
‫للإق�صاء‪ ،‬كما كان يف الع�صور الو�سطى وع�صر راحة العني الأمثل للم�ساعدة على منع �إجهاد العني‬
‫النه�ضة‪ .‬كان على اليهود يف �أملانيا النازية والبلدان وحت�سني الدقة الب�صرية‪.‬‬
‫التي حتتلها �أملانيا �أن يخيطوا مثلثات �صفراء مع �شهد القرن الواحد والع�شرون ا�ستخدام مواد وتقنيات‬
‫جنمة داود على مالب�سهم‪ .‬يف القرن الع�شرين‪ ،‬غري عادية خللق طرق جديدة لتجربة اللون الأ�صفر‪.‬‬
‫خف�ض الر�سامون احلداثيون الر�سم �إىل �أب�سط �ألوانه ومن الأمثلة على ذلك م�شروع الطق�س الذي و�ضعه‬
‫و�أ�شكاله الهند�سية‪ .‬قام الر�سام احلداثي الهولندي الفنان الدامناركي الأي�سلندي "�أوالفور �إليا�سون"‪،‬‬
‫بيت موندريان ب�صنع �سل�سلة من اللوحات التي تتكون الذي مت تركيبه يف الف�ضاء املفتوح لقاعة التوربني‬
‫من قما�ش �أبي�ض خال�ص ب�شبكة من اخلطوط ال�سوداء بلندن تيت مودرن يف عام ‪.2003‬‬
‫والأفقية وم�ستطيالت من الأ�صفر والأحمر والأزرق‪ .‬ا�ستخدم �إليا�سون �أجهزة ترطيب الهواء لإن�شاء‬
‫كانت الألوان ال�صفراء خا�ص ًة يف القرن الع�شرين �ضباب خفيف يف الهواء عرب مزيج من ال�سكر واملاء‬
‫‪ ،‬نظ ًرا لكونها عالية الو�ضوح‪ .‬نظ ًرا لقدرتها على ‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل قر�ص ن�صف دائري يتكون من مئات‬
‫الر�ؤية ب�شكل جيد من م�سافات �أكرب وب�سرعة عالية‪ ،‬امل�صابيح �أحادية اللون التي ت�شع ال�ضوء الأ�صفر‪ .‬مت‬
‫يجعل اللون الأ�صفر اللون املثايل الذي يتم عر�ضه من تغطية �سقف القاعة مبر�آة �ضخمة ‪ ،‬حيث ميكن للزوار‬
‫ال�سيارات املتحركة‪ .‬وغال ًبا ما حلت حمل اللون الأحمر ر�ؤية �أنف�سهم كظالل �سوداء �صغرية �ضد كتلة من‬
‫بلون �سيارات الإطفاء وغريها من �سيارات الطوارئ ال�ضوء‪.‬‬
‫‪ ،‬وكانت �شائعة يف عالمات النيون ‪ ،‬خا�صة يف ال�س‬

‫‪33‬‬ ‫‪32‬‬
‫ترحــــال‬ ‫ترحــــال‬

‫• و�صف �سيفار ‪:‬‬


‫تقدر م�ساحتها بـ ‪ 342 89‬كيلو مرت ًا مربع ًا‪ .‬ويعود‬
‫ت��اري��خ بع�ض ال��ل��وح��ات امل���وج���ودة ب��ه��ا �إىل �أك�ث�ر من‬
‫‪ 12000‬عام (�أو ‪� 15‬ألف �سنة)‪ ،‬والتي تُظهر يف‬
‫الغالب حيوانات وم�شاهد �صيد‪� ،‬أو احلياة اليومية يف‬
‫مدينة هنري لوت‬
‫هذه املدينة القدمية التي يبلغ عدد �سكانها عدة �آالف‪.‬‬
‫ت��وج��د �أي���ً��ض��ا ل��وح��ات ا�ستثنائية الح��ت��ف��االت غام�ضة‬
‫وخملوقات غام�ضة ذات �أ�شكال غريبة وظهور كائنات‬
‫ف�ضائية‪� .‬أ�شهرها "امللك العظيم"‪"،‬الرامي الأ�سود" ‪،‬‬
‫"املريخ" و "الر�ؤو�س امل�ستديرة"‪.‬‬

‫وبح�سب �أح��د ج�يران مدينة �سيفار‪� ،‬أي��وب بركا‪ ،‬فقد‬


‫• ر�سوم اجلن �أو الف�ضائيني‪:‬‬ ‫"اكتُ�شفت �سيفار قد ًميا من ال�سكان املحليني‪ ،‬وقد جاء‬
‫ورويت عن �سيفار �أو "الأعجوبة الثامنة" كما ي�صفها‬ ‫رجل �أوروب��ي ا�سمه هيرني �إليوت و�أعلن اكت�شافها؛‬
‫ك��ث�يرون‪� ،‬أ�ساطري وغ��رائ��ب خمتلفة �أث���ارت ح�يرة من‬ ‫ويقولون "� ّإن هذا الأوروبي جاء �إىل �سيفار يف وقت‬
‫ي���زوره���ا وب��ع�����ض ج�يران��ه��ا‪ .‬م��ن بينها رواي����ة املدينة‬ ‫اال�ستعمار الفرن�سي‪ ،‬وكان احلاكم الع�سكري امل�س�ؤول‬
‫املفقودة واجل��ن‪ .‬وتقول ه��ذه ال��رواي��ة � ّإن الر�سومات‬ ‫حينها ا�سمه كولونيل رو���س��ي حاكم والي��ة جانت"‪.‬‬
‫والنقو�شات ال�صخرية املنحوتة على اجلبال مر�سومة‬ ‫وجاء الرقيب هرني �إليوت �إىل املنطقة واتفق مع �أحد‬
‫الليبي ‪.‬وكاالت‬
‫م��ن ط��رف اجل���ن‪ .‬كما ي��ت��داول �سكان املنطقة رواي��ة‬ ‫ال�سكان املحليني‪ ،‬ونزال �إىل منطقة يف �سيفار و�أقاموا‬
‫مفادها ب�أن الر�سومات على �صخور املدينة‪ ،‬مل ير�سمها‬ ‫مركز خميمهم‪.‬‬ ‫عندما اكت�شفها عامل الآث��ار الفرن�سي "هرني لوت" �أل��ف عنها كتاب ًا رائع ًا مليئ ًا باملعلومات‬
‫التاريخية املوثقة‪ ،‬لكنه مل يقل كلمة عن اجلن �أو ال�سحر �أو ما �شابه‪ ،‬نحن فقط من يحلو لنا �أن‬
‫�أهل الأر�ض بل �سكان الف�ضاء‪.‬‬
‫نلج�أ �إىل املاوراء لكي نعلق على م�شجبه عجزنا عن البحث وق�صورنا عن االكت�شاف‪.‬‬
‫ومن جهته‪ ،‬قال امل�ؤرخ التاريخي "فريد ايغيل احريز"‪:‬‬ ‫وقد اختلف كثريون قد ًميا يف ت�سمية املدينة‪ ،‬وهناك‬ ‫"�سيفار"‪ ،‬يطلق عليها �أحيا ًنا مدينة الأحجار �أو مدينة اجلن‪� ،‬أكرب مدينة كهفية يف العامل‪.‬‬
‫�إن بع�ض الر�سوم متثّل �أج�سا ًما غريبة وال يعرفونها‪،‬‬ ‫م��ن ي��ق��ول �إن اال���س��م ي���أت��ي م��ن مت��ر النيجر وط��رح��ه‪،‬‬ ‫تقع يف قلب �سل�سلة جبال طا�سيلي ناجر‪ ،‬على بعد ‪ 2400‬كلم جنوب اجلزائر العا�صمة‪،‬‬
‫ولهذا قالوا �إن الكائنات الف�ضائية ر�سمتها‪ .‬و�أ�ضاف‪:‬‬ ‫فعندما ر�أوا املنطقة �صفراء اللون قالوا هي ذلك التمر‬ ‫أي�ضا �أكرب متحف يف الهواء الطلق لفن ما قبل‬ ‫بالقرب من احلدود الليبية‪ .‬هذا املوقع ‪ ،‬ويعد � ً‬
‫"جا�ؤوا من الف�ضاء يف هذه املنطقة ولهذا جند هذه‬ ‫القادم من النيجر ومنطقة طارجة احلدودية �سابقًا‪.،‬‬ ‫التاريخ يف العامل‪ ،‬ي�ضم ع�شرات الآالف من الر�سومات والنقو�ش واللوحات ال�صخرية‪ ،‬التي‬
‫الر�سومات"‪ .‬وبح�سب �أحد ال�سكان‪ :‬تفيد هذه الرواية‬ ‫وت��ع��ن��ي كلمة "�سيفار" ج��ب اً�ًلا ف��ي��ه ح��ج��ارة ���ص��ف��راء‪،‬‬ ‫اكت�شفها امل�ستك�شف الفرن�سي وعامل الأنرثوبولوجي‪" ،‬هرني لوت" يف اخلم�سينيات من القرن‬
‫ب�أن هذه ال�شعوب التي قطنت املدينة كانت تتمتع بطاقات‬ ‫واجلبل يف �سيفار حم ّدب و�شكله مثل التمر الأ�صفر‪،‬‬ ‫املا�ضي‪ .‬وهي م�صنفة �ضمن الرتاث العاملي للب�شرية منذ ت�صنيف حظرية الطا�سيلي ناجر من طرف‬
‫اليوني�سكو �سنة ‪.1982‬‬
‫هائلة ولرمبا تطور مذهل‪ ،‬لذلك ف�إن خمتلف التطورات‬ ‫ولذلك �سم ّيت �سيفار‪.‬‬
‫‪35‬‬ ‫‪34‬‬
‫ترحــــال‬ ‫ترحــــال‬

‫وتتميز ب��ك�ثرة الكهوف وال��ر���س��وم��ات‪ ،‬منها م��ا حري‬


‫العلماء مثل خملوقات ب�شرية تطري يف ال�سماء مرتدية‬
‫ما ي�شبه �أجهزة الطريان و�أخرى لن�ساء ورجال يرتدون‬
‫ثياب ًا ت�شبه ما هو موجود يف الزمن احلا�ضر‪ ،‬وكذلك‬
‫رجال يرتدون معدات ريا�ضة الغط�س‪ ،‬وبع�ضهم يجر‬
‫�أج�سام ًا �أ�سطوانية غام�ضة‪ ،‬وكذلك �سفن ًا ورواد ف�ضاء‪.‬‬
‫• تف�سريات وروايات‪:‬‬
‫واختلفت التف�سريات والروايات حول حقيقة املدينة‪،‬‬
‫ف��واح��دة تتحدث ع��ن نظرية "الف�ضائيني القدامى"‬
‫وت��زع��م �أن كائنات م��ن خ���ارج الف�ضاء زارت كوكب‬
‫الأر�����ض يف ف�ت�رات م��ا ق��ب��ل ال��ت��اري��خ وت��وا���ص��ل��ت مع‬
‫الب�شر القدامى‪ ،‬بينما تقول �أخرى �إنها قارة �أتالنتيك‬
‫املفقودة التي ذكرت للمرة الأوىل على ل�سان الفيل�سوف‬
‫م���ن �أج����ل ال��ت�����ص��ري��ح ب��ه��ذا اخل�����ص��و���ص جت��ن��ب ال���رد‬ ‫مثل الأبقار واخليول والزرافات تعي�ش و�سط مروج‬ ‫واالخرتاعات والتجارب التي قاموا بها �أحدثت فيهم‬
‫ومنهم من ال ميلك املعلومة �أ�ص ًال‪ ،‬غري �أن مدير وكالة‬ ‫"�أفالطون"‪ ،‬عندما �أ�شار �إىل زيارته م�صر‪ ،‬و�أن الكهنة‬ ‫�شا�سعة و�أنهار وحدائق‪ ،‬و�أبرزت �أن كل ما تتداول من‬ ‫التدمري واالختفاء الذاتي ما �أخفى مالمح هذه املدينة‪.‬‬
‫"تيهورجا �سفر" بهاء الدين بالتو التي تهتم بال�سياحة‬ ‫�أخربوه مبا حدثهم به �أجدادهم عن قارة عظيمة كانت‬ ‫ر�سومات و�صور ودرا�سات هي جلانب منها فقط‪ ،‬ومل‬ ‫• "مثلث برمودا اجلزائر"‪:‬‬
‫بالقرب من �أعمدة "هرقل"‪ ،‬وبلغ التقدم فيها �إىل درجة‬
‫ال�����ص��ح��راوي��ة وه��و م��ن �أب��ن��اء املنطقة‪ ،‬ق��ال �إن املدينة‬ ‫يكت�شفها �أحد من الداخل‪.‬‬ ‫كما ي�سمي البع�ض املدينة بـ"مثلث برمودا اجلزائر"‬
‫اللغز ال حتر�سها �أي��ة ق��وات واجلي�ش يحر�س احلدود‬ ‫كبرية ومذهلة‪ ،‬لكنها اختفت ل�سبب ما‪.‬‬ ‫وق����ال �أح����د ج��ي�ران امل��دي��ن��ة‪" :‬عا�ش ف��ي��ه��ا �أج���دادن���ا‬ ‫كون �أن �أجزا ًء منها مل ي�صل �إليها امل�ستك�شفون بعد‪،‬‬
‫امل�شرتكة بني اجلزائر وليبيا‪.‬‬ ‫كما ذكر بحث �أجراه فريق �أوروبي زارها عام ‪2018‬‬ ‫و�أج��داده��م فقط‪ ،‬كل ه��ذا حم�ض �إ�شاعات"‪ ،‬م�ضيفًا‬ ‫حتى الذين قاموا باالكت�شافات الكربى يف املدينة مل‬
‫و�أك��د بالتو �أن��ه ي��زور املنطقة با�ستمرار ومل ي�صادف‬ ‫�أن تلك املدينة موجودة قبل جميء الب�شر على الأر�ض‪،‬‬ ‫يعتقدون �أنها املدينة املفقودة‪ ،‬ونحن نراها مغارات‬ ‫ي�ستطيعوا الدخول لكامل هذه املدينة ب�سبب �ش�ساعتها‬
‫���ش��ي��ئ�� ًا مم���ا ي�����روج‪ ،‬ل���ذا "فالأمر ال ي��ع��دو �أن ي��ك��ون‬
‫�إ�ضافة �إىل وج��ود احتياط م��ن امل��ي��اه العذبة يف هذه‬ ‫وكهوف وك�أنها منازل يف ال�صحراء"‪.‬‬ ‫ول�صعوبة طرقها‪.‬‬
‫�إ�شاعات"‪ ،‬حمذر ًا من �أن الدخول والتجوال يف بع�ض‬ ‫املنطقة‪ ،‬كما ق��ال عنها علماء �آث���ار �أم�يرك��ي��ون �إن كل‬ ‫وق���ال "بن ����ش���رودة �أحمد" وه���و م��ن ج�ي�ران مدينة‬ ‫ويقول �أحدهم‪" :‬هنا حت�ضرين ق�صة ال�ساحر الذي قيل‬
‫اجل��ه��ات م��ن "�سيفار" ي��ج��ب �أن ي��ك��ون حت��ت ق��ي��ادة‬ ‫مثلثات "برمودا" موجودة يف البحر �إال مثلث واحد‬ ‫�سيفار‪" :‬مل ن�سمع عن اجلن �أو نرهم يف �سيفار‪ ،‬هو‬ ‫�شخ�صا ومل‬‫�إنه دخل �أحد كهوف هذه املدينة برفقة ‪ً 30‬‬
‫مر�شد‪ ،‬و�أ�ضاف �أن "التحرك بدافع الف�ضول من دون‬ ‫موجود يف �صحراء اجلزائر‪.‬‬ ‫كالم اخلائفني نحن مل ن�سمعهم"‪.‬‬ ‫يعد منهم غري هذا ال�ساحر"‪ .‬وعلى الرغم من تداول‬
‫خبري من املنطقة يجعلك تتيه �إىل �أن متوت‪ ،‬ب�سبب �أنك‬ ‫• هل يحر�س اجلي�ش املدينة؟‪:‬‬ ‫وجت��ذب املدينة الغام�ضة وال��زاخ��رة بالعجائب �آالف‬ ‫هذه الروايات لعقود من الزمن � اّإل �أن هناك من يف ّند تلك‬
‫لكن ما يثري ت�سا�ؤالت ويطرح ا�ستفهامات هو حرا�سة ال تعرف مراكز املياه والنجاة"‪ ( .‬عن موقع الأندبندنت‬ ‫ال�سياح �سنو ًيا‪ ،‬ويتوافدون منذ عقود متحدين �صعوبة‬ ‫جمرد �شائعات‪ .‬وتقول املعلومات‬ ‫الأ�ساطري ويقول �إنها ّ‬
‫اجلي�ش اجلزائري للمدينة ب�شكل حمكم و�صارم ومنع العربية )‬ ‫الطريق الوا�صل �إليها‪ .‬وت�سمى �أول منطقة تبد�أ بها‬ ‫�إن الفريق الذي دخل معه كلهم ماتوا‪� ،‬أما هو فقد مات‬
‫دخول بع�ض مناطقها‪ ،‬وهو ما مل ي�ستطع �أحد تف�سريه‪،‬‬ ‫الرحلة �إىل �سيفار "تا�سا توفت"‪ .‬وتتوقف ال�سيارات‬ ‫بعدهم ب�سنوات وت��رك خمطوطات تت�ضمن ر�سومات‬
‫بل على العك�س كل من ات�صلت بهم "اندبندنت عربية"‬ ‫هناك وت�ستخدم احلمري فقط يف الرحلة �إىل املدينة‪.‬‬ ‫غ�ير م��ف��ه��وم��ة‪ ،‬و�أخ�����رى حل��ي��وان��ات غ��ري��ب��ة وم���أل��وف��ة‪،‬‬
‫‪37‬‬ ‫‪36‬‬
‫ترجمـــــات‬ ‫ترجمـــــات‬

‫حو�ض اال�ستحمام‪.‬‬ ‫مرفق يف ِ‬ ‫هكذا‪ٌ :‬‬ ‫إجراءات نظافتِ هِ اجلديدة‪.‬‬


‫ِ‬ ‫جاف‪ ،‬ليتابع �‬ ‫بفم ٍ‬‫ٍ‬
‫رج‪.‬‬‫هكذا‪ :‬ي ٌد يف ال ُّد ِ‬ ‫‪IV‬‬
‫‪VIII‬‬ ‫وقلت‪� ،‬أوه هذا ال�شي ٌء القد ُمي؟ ال‪ ،‬لقد‬
‫أ�شرت جل�سدي ُ‬ ‫� ُ‬ ‫البيت‬
‫اكت�شف‪ ،‬منذ‬‫َ‬ ‫الب��د �أن �أخ�ب�رك ع��ن حبي الأول ال��ذي‬ ‫وجلته ت ًوا‪.‬‬
‫�سنوات‪ ،‬با ًبا م�سحو ًرا �أ�سفل نهدي الأي�سر‪ ،‬ما‬ ‫ٍ‬ ‫ت�سع‬
‫ٍ‬ ‫‪V‬‬
‫انزلق داخلي‪ ،‬ومن ُذ ذلك احلني مل َي َر ُه‬ ‫�إن َفت ََح ُه حتى َ‬ ‫كان‬
‫�س� ُألت �أمي‪� :‬ست�أكلني هذا؟ م�شري ًة �إىل والدي الذي َ‬
‫يت�س َل ُّق فخذي‪ ،‬عليه‬
‫وقت و�آخر‪� ،‬أ�شع ُر مبن َ‬ ‫�أحد‪ .‬ب َني ٍ‬ ‫يرق ُد على مائدةِ غرفةِ الطعام‪،‬‬
‫أ�سمح له باخلروج‪.‬‬
‫كنت ل َ‬ ‫نف�سهِ ‪ُ ،‬ر مَّبا ُ‬
‫يك�شف عن ِ‬ ‫َ‬ ‫�أن‬ ‫بالتفاح الأحمر‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وفمه حم�ش ٌو‬
‫يكون قد ا�صطد َم بالآخرين‪ ،‬ال�صبيةِ املفقودين‬ ‫�آ ُم ُل �أال َ‬
‫الطيبات‪ ،‬الذين ارتكبوا‬ ‫من املدنِ ال�صغرية‪ ،‬مع �أ َّمهاتِ هم َّ‬ ‫‪VI‬‬
‫�أمو ًرا �سيئ ًة و�ضاعوا يف متاهةِ �شعري‪� .‬أطعِ ُمهم جي ًدا‪،‬‬ ‫الغرف املغلقة‪ ،‬وكلما زا َد‬ ‫كلما منا ج�سدي‪ ،‬كلما زادت ُ‬
‫�شريح ًة م��ن اخل��ب��ز‪ ،‬و�إذا ك��ان��وا حمظوظ َني قطع ًة من‬ ‫باملفتاح‬
‫ِ‬ ‫ع��د ُد ال��رج��الِ حاملي املفاتيح‪ .‬مل يدفع �أن��و ُر‬
‫�صاحب العيون الزرقاء‪َ ،‬م ْن‬‫ُ‬ ‫الفاكهة‪ .‬فيما عدا جوين‬ ‫ميكن �أن يفت ََحه لو �أفلح‪.‬‬‫الزلت �أفكر مبا كان ُ‬ ‫جي ًدا‪ُ ،‬‬
‫وزحف داخلاً ‪ .‬ول ٌد �سخيف‪ ،‬مغلولٌ يف قبوِ‬ ‫َ‬ ‫با�سل م�ت�رد ًدا عن َد ال��ب��اب‪� .‬أم��ا‬
‫فتح قُفلي‬
‫َ‬ ‫�سنوات وق َ��ف ُ‬‫ٍ‬ ‫لاث‬‫ل��ث� ِ‬
‫أعزف املو�سيقى لأغرِ قَه‪.‬‬ ‫خماويف‪ُ � ..‬‬ ‫أدوات‬‫�صاحب العيونِ ال��زرق��اء‪ ،‬ف�أتى بحقيبةِ � ٍ‬ ‫ُ‬ ‫جوين‬
‫�شعر‪،‬‬ ‫دبو�س ٍ‬
‫�سبق و�أن ا�ستخدمها مع ن�ساءٍ �أخريات‪ُ :‬‬ ‫َ‬
‫‪IX‬‬ ‫قنين ُة ُم َب ِ ّي ٍ�ض‪ ،‬مِ ط َواة‪ ،‬وعبو ُة فازلني‪.‬‬
‫قرع‬
‫قرع ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫يو�سف ذكر َ ا�س َم الله وهو يدي ُر املفتاح‪ ،‬لكن‪ ،‬مل يج ْب ُه‬ ‫ُ‬
‫جانب ج�سدي بح ًثا ‪-‬من بالباب؟‬ ‫البع�ض ت ََ�س َل َّق َ‬
‫َو�س َل‪ُ ،‬‬‫البع�ض ت َّ‬
‫�أحد‪ُ .‬‬
‫الطريق‪ ،‬ومل ي�أتوا‪- .‬ال �أحد‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫والبع�ض قالوا �إ ِ ّنهم يف‬
‫ُ‬ ‫عن نافذة‪،‬‬ ‫وارسان شاير‪ .‬الصومال‪ .‬ترجمة‪ .‬ضي رحمي‪ .‬مصر‬
‫‪X‬‬
‫��وت‬
‫����ول‪ :‬هنا مي ُ‬ ‫��ش�ير �إىل ج�سدي و�أق ُ‬ ‫لات �أ� ُ‬
‫يف احل��ف� ِ‬ ‫‪VII‬‬ ‫‪II‬‬ ‫‪I‬‬
‫تف�ضل بالدخول‪ ،‬اعتبرِ ُه بي َتكَ ‪.‬‬ ‫احلب‪ .‬مرح ًبا بك‪َّ ،‬‬ ‫ُّ‬ ‫موا�ضع اللم�س‪.‬‬
‫َ‬ ‫قالوا‪� :‬أرنا على ج�سدِ الدميةِ‬ ‫قلت ال‪ ،‬لكنه مل ميتثل‪.‬‬ ‫قلت تو َق ّْف‪ُ ،‬‬
‫ُ‬ ‫غرف مغلق ٌة َ‬
‫داخل جميع الن�ساء‪:‬‬ ‫تقول �أمي هناك ٌ‬ ‫ُ‬
‫اجلميع ي�ضحكون‪َ ،‬ي ُظ ُّن َ‬
‫ون �أنني �أمزح‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ل�ست دميةً‪� ،‬أنا بيت‪.‬‬
‫قلت‪ُ :‬‬ ‫ُ‬ ‫‪III‬‬ ‫نوم احلزن‪ ،‬حما ُم الالمباالة‪.‬‬‫مطبخ ال�شهوةِ ‪ ،‬حجر ُة ِ‬
‫ُ‬
‫قالوا‪� :‬أرنا يف البيت‪.‬‬ ‫َ‬
‫لي�ستيقظ بعد‬ ‫رمبا لديها خطةٌ‪ ،‬رمبا تعو ُد به �إىل بيتها‪،‬‬ ‫الرجال ي�أتون �أحيانًا – باملفاتيح‪،‬‬
‫ُ‬
‫جرة املربى‪.‬‬
‫هكذا‪� :‬أ�صبعني يف ِ ّ‬ ‫�ساعات يف بانيو مليءٍ بالثلج‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫و�أحيانًا باملطارق‪.‬‬

‫‪39‬‬ ‫‪38‬‬
‫إبــــــداع‬ ‫إبــــــداع‬

‫_ ال�شاعر يا�سر �أنور �أحد الأ�صوات امل�ؤثرة يف‬


‫امل�شهد ال�شعري‪ ،‬نود �أن ن�ستعيد معا �شذرات من‬ ‫الشاعر المصري ياسر أنور لمجلة الليبي‪:‬‬
‫مالمح بدايات جتربتك ال�شعرية؟‬
‫_ البدايات عند كثري من ال�شعراء قد تبدو مت�شابهة‬ ‫القصيدة العمودية لن متوت‬
‫�إىل حد ما �أو �إىل حد كبري‪ .‬فهي بدايات مبكرة يف‬
‫مرحلة الطفولة‪ ،‬حيث كان ال�شعر ميثل عامل ًا �سحري ًا‬
‫من خالل �إيقاعه ومو�سيقاه و�صوره‪ ،‬وحتى الر�سوم‬
‫امل�صاحبة �أو امل��ع�برة ع��ن الق�صيدة‪ ،‬ات��ذك��ر منهج‬
‫القراءة بالوانه و�شخو�صه وطيوره وحيواناته وكيف‬
‫ك��ان ي�سحرين‪ ،‬ث��م ج���اءت امل��رح��ل��ة الإع���دادي���ة والتي‬
‫ح��اول��ت فيها كتابة ق�صائد وطنية �ساذجة مت�صور ًا‬
‫�أن القافية وح��ده��ا ه��ي ال�شعر‪ ،‬دون �أن �أع���رف �أن‬
‫�أهم نقلة يف حياتي ال�شعرية حتى ا�ستطعت ن�شر �أوىل‬
‫ثمة اوزان�� ًا وب��ح��ور ًا‪ .‬لكن جنون ال�شعر جعلني اتعلم‬
‫ق�����ص��اذدي وان���ا يف �إع����دادي هند�سة‪ .‬وب��ع��د �سنوات‬
‫عرو�ضه يف بداية املرحلة الثانوية‪ ،‬حيث وقع يف يدي‬
‫قليلة تعرفت على بع�ض ال�شعراء مثل �صديقي ال�شاعر‬
‫كتاب "اللباب" املقرر على طالب الأزه��ر وهذه كانت‬
‫"نا�صر �صالح" الذي عرفني على ال�صالونات الأدبية‪،‬‬
‫وهذه كانت �إحدى املحطات املهمة‪.‬‬
‫_ �أن���ت �أح���د الأب��ن��اء الأوف���ي���اء للق�صيدة‬ ‫حاوره‪ :‬أشرف قاسم‪ .‬مصر‬
‫البيتية‪ ،‬كيف ا�ستطعت املوازنة بني احلفاظ‬
‫على ال�شكل الرتاثي للق�صيدة مع التحديث يف‬ ‫"يا�سر �أنور" �شاعر وباحث‪� ،‬صوت �شعري ذو خ�صو�صية‪ ،‬وهو �أحد �أبناء الق�صيدة‬
‫البيتية املخل�صني‪� ،‬صدرت له عدة �أعمال �شعرية و�ضعته يف قلب امل�شهد ال�شعري‬
‫امل�ضمون؟‬
‫العربي‪ ،‬منها "�أربعة موا�سم للخريف‪ ،‬رقم املوت‪ ،‬ورقة يف بريد املتنبي‪ ،‬بردية‬
‫_ ك��ان التحدي �صعب ًا‪ ،‬وك��ان ال�س�ؤال ال��ذي ينبغي‬ ‫�أفريقية‪ ،‬هكذا غنيت وحدي‪� ،‬آخر �أخبار ليلى العامرية"‪ ،‬هذا بجانب �إ�سهاماته‬
‫�أن �أجيب عليه هو‪ :‬هل ا�ستطيع تقدمي �شعر عمودي‬ ‫الفكرية‪ ،‬ح�صل على عدة جوائز منها جائزة �شاعر مكة‪ ،‬وجائزة احتاد كتاب‬
‫مغاير �أم �أ�سكت‪ ،‬وال �أكتب ال�شعر؟ �أنا بطبيعتي �شعر ًا‬ ‫م�صر‪ ،‬حول تلك التجربة الرثية التقيناه يف هذا احلوار‪:‬‬
‫وفكر ًا �أبح ُر عك�س التيار‪ ،‬واقول دائم ًا‪ :‬من ال ي�ستطع‬
‫�أن يكتب جديد ًا فال يكتب‪.‬‬
‫�أنا بطبيعتي �إن�سان عنيد‪ ،‬اخرتت الق�صيدة العمودية‬

‫‪41‬‬ ‫‪40‬‬
‫إبــــــداع‬ ‫إبــــــداع‬

‫بالبحث عن موطئ ق��دم بني غابات �سيقان املبدعني‪.‬‬ ‫عناد ًا وحتدي ًا للأ�صوات التي ن��ادت مب��وت الق�صيدة‬
‫"�شاعر مكة" عبارة اعتز بها كثري ًا‪ ،‬وهي ‪ :‬وهو ( �أي‬ ‫�أن ي�سرتد مكانته وجمهوره يف ظل تناف�س ال�سينما‬ ‫وم��ن ناحية �أخ���رى فثقافة ال�����ص��ورة اكت�سحت ثقافة‬ ‫العمودية‪ ،‬التحدي والرف�ض كان الباعث الأول‪ ،‬وكانت‬
‫يا�سر �أنور ) �صوت �شعري متفرد‪.‬‬ ‫وال���درام���ا‪ ،‬وم��ع ذل���ك‪ ،‬فيمكن توظيف التكنولوجيا‬ ‫الكلمة‪ ،‬اجلمهور الآن مل يعد يهتم بال�شعر لوجود بدائل‬ ‫ت�ستفزين مقولة "لوي�س عو�ض" يف م��ق��دم دي��وان��ه‬
‫ورمب����ا ي��ق�����ص��دون ب��ال��ت��ف��رد ه��ن��ا ال��ت��ف��رد امل��و���ض��وع��ي‬ ‫احلديثة يف تقدمي ق�صيدة �صوتية وب�صرية ت�ستطيع‬ ‫�أكرث �إغرا ًء وجذب ًا‪.‬‬ ‫"بلوتو الند" وق�صائد �أخرى والتي قال فيها ب�شماتة‬
‫والإيقاع والبنائي‪ ،‬فهم يرون �أن بنية الق�صيدة التي‬ ‫�أن حتقق انت�شار ًا‪.‬‬ ‫_ وهل هي �أزمة ندرة الن�صو�ص اجليدة؟ �أم‬ ‫‪:‬مات ال�شعر العربي مبوت �شوقي‪ .‬وهذا العناد الحظه‬
‫اكتبها لي�ست بنية بيتية‪ ،‬بل بنية ن�صية حمكمة الن�سج‪.‬‬
‫_ كيف ترى م�ستقبل الق�صيدة البيتية يف ظل‬
‫�أزمة املتابعة النقدية للتجارب اجلديدة ؟‬ ‫الناقد العظيم "�صالح ف�ضل" الذي ناق�ش ديوان ًا يل‬
‫هذا الطوفان من الكتابات التي تندرج حتت _ ح�صلت على العديد من اجلوائز ‪ ..‬ماذا‬
‫_ ال �شك �أن الن�صو�ص اجليدة نادرة‪ ،‬وال �شك �أي�ض ًا‬ ‫يف الإذاعة‪ ،‬وقال �إنني ال �أعرف يا�سر �أنور الإن�سان‪،‬‬
‫متثل لك اجلائزة؟‬ ‫م�سمى ق�صيدة النرث؟‬
‫�أن النقاد اجلادين ن��ادرون �أي�ض ًا‪ .‬لكن الأمر ال ميكن‬ ‫ولكن �أعرف "يا�سر �أنور" ال�شاعر‪ ،‬و�شعره يدل على‬
‫ق�صيدة النرث لي�ست مناف�سة للق�صيدة البيتي‪ ،‬بل هي _ اجلائزة �إذا �أتت من خالل نقاد كبار م�شهود لهم‬
‫اختزال يف هذه الأ�سباب فقط‪ ،‬هناك حتوالت كبرية يف‬ ‫�شخ�صيته‪ ،‬فهو ي��ب��دو م��ن ���ش��ع��ره �أن���ه �إن�����س��ان عنيد‬
‫تعاين �أي�����ض�� ًا م��ن غياب اجلماهريية‪ .‬الأزم���ة يف اننا بالنزاهة‪ ،‬فهي اعرتاف باجلدارة والتميز‪ .‬لكن كثريا‬
‫الذائقة العاملية ال العربية وحدها‪ ،‬ولن ي�ستطيع ال�شعر‬ ‫ومت�صادم‪ ،‬فقد اختار لون ًا عمودي ًا غري م�ألوف‪ ،‬عمودي ًا‬
‫نعي�ش ع�����ص��ر ًا ج��دي��د ًا ت��ع��اين فيه الكلمة م��ن توح�ش من اجلوائز متثل جزء ًا من رداءة امل�شهد العربي‪.‬‬
‫_ ماذا لديك من جديد خالل الفرتة املقبلة ؟‬ ‫الأ�شكال الفنية الأخرى‪.‬‬ ‫جمدد ًا بعيد ًا عن العمودية التي نعرفها‪.‬‬
‫_ م��ا �أه���م امل�لام��ح ال��ت��ي ر���ص��ده��ا النقد يف على امل�ستوي الفكري‪ ،‬هناك كل يوم جديد‪� ،‬أما على‬ ‫_ ي��رى البع�ض �أن �شعرنا العربي الآن مير‬
‫م�ستوى ال�شعر‪ ،‬ف�أنا اكتب فقط‪� .،‬إذا �أح�س�ست ب�أين‬ ‫جتربتك ال�شعرية؟‬ ‫ب�أزمة‪ ،‬هل هذا �صحيح؟‬
‫_‪:‬كثري من كبار النقاد وال�شعراء ي�صفون جتربتي �أمتلك جديد ًا‪ ،‬ودون ذلك‪ ،‬فالبد �أن �أتوقف على الفور‪.‬‬ ‫_ كل الأ�شكال الأدبية متر ب�أزمة‪ ،‬وهي لي�ست ازمة‬
‫ب�أنها لي�ست تقليدية‪ ،‬بل هي مميزة و جديدة يف امل�شهد‬ ‫�شعر فقط‪ ،‬بل �أزمة رواية وق�صة وق�صيدة نرث‪ ،‬فعدد‬
‫ال�شعري العربي‪ ،‬وقد جاء يف حيثيات منحي جائزة‬ ‫املبدعني الآن يفوق عدد القراء‪ ،‬و�أ�صبح املبدع م�شغو ًال‬

‫‪43‬‬ ‫‪42‬‬
‫إبــــــداع‬ ‫إبــــــداع‬

‫اثنا ع�شر؟»‪.‬‬
‫«نعم» قال الفيل « ملاذا �أنت خائفة؟»‪.‬‬
‫«كالمك يدعو �إىل اخلوف» قالت الفرا�شة‪:‬‬ ‫رواية «الحيوانات» للصادق النيهوم نموذجا‪..‬‬
‫«وهل �ستبارك لهم الع�شب وتغ�سله وتعطيهم؟»‪.‬‬
‫«نعم» قال الفيل « كيف عرفت؟»‪.‬‬
‫«ذلك حدث مرة من قبل» قالت الفرا�شة «وهل‬ ‫جدل التخييلي واملرجعي يف الرواية املغاربية (‪)2‬‬
‫�ست�أخذ الك�أ�س وت�شكر وتعطيهم؟»‪.‬‬
‫«نعم» قال الفيل«تف�ضلي �أنت معنا»"‪.‬‬
‫من املقطع ال�سردي ال�سابق‪ ،‬يظهر �أن �شخ�صيتي‬
‫الفيل وامل�سيح ا�شرتكتا يف جمموعة من ال�سمات‪،‬‬
‫التي ميكن تو�ضيحها على ال�شكل التايل‪:‬‬

‫"«نعم» قال ال�سنجاب«نعم يا �صاحب اجلاللة‪.‬‬


‫لقد اختفى الفيل وبد�أت اخل�شبة تتكلم مع‬
‫اخل�شبة‪� .‬أنا �أنوح باكيا من فرط اخلوف وتلك‬
‫اخل�شبة تنطق فج�أة وتقول للأخرى«هذه الق�صة‬
‫امل�ألوفة نف�سها‪ .‬لقد ع�شناها �ألف مرة» واخل�شبة‬
‫وترد عليها قائلة «ادفعي الرهان‬
‫الأخرى ت�ضحك ّ‬
‫ودعيني من كالمك‪ .‬قلت لك �إنها نف�س الق�صة»"‪.‬‬
‫ج‪-‬ال�شخ�صية العجائبية‪:‬‬
‫يظهر العن�صر العجائبي يف الن�ص الروائي‬ ‫�إن نظرة فاح�صة للجدول �أعاله تقودنا �إىل‬ ‫حميد الجراري‪ .‬المغرب‬
‫من خالل جلوء ال�صادق النيهوم �إىل �أ�سطرة‬ ‫الوقوف على مدى حر�ص الروائي على ا�ستثمار‬
‫العن�صر الديني يف بناء �شخ�صية روائية‬ ‫«نعم» قال الفيل «ثم �أين �أنتظر �صديقي ال�سنجاب‬ ‫ب‪-‬ال�شخ�صية الدينية‪:‬‬
‫ال�شخ�صية الروائية‪ ،‬وال �سيما �شخ�صية الفيل‪،‬‬
‫�إ�شكالية قادرة على ت�شريح واقعها‪ ،‬وا�ست�شراف‬ ‫ويتجلّى ذلك من خالل تقاطع �شخ�صية الفيل الذي بعثته لكي يدعو �أ�صدقائي �إىل الع�شاء»‪.‬‬
‫االرتكاز على بع�ض احلوادث‬ ‫وذلك من خالل ِ‬
‫م�ستقبلها الذي لن يكون �سوى �صورة مكرورة‬ ‫وال�شخ�صية الدينية‪ ،‬وال �سيما �شخ�صية امل�سيح «الع�شاء؟» قالت الفرا�شة وهي ترفع حاجبيها‬
‫الغرائبية املفارِ قة للواقع‪ .‬ففي الف�صل ال�سابع‬
‫يكف عن �إعادة �إنتاج �أزمته‪ .‬يقول‬
‫من واقع ال ّ‬ ‫«هل قلت الع�شاء؟»‪.‬‬ ‫عليه ال�سالم‪:‬‬
‫من الرواية‪ ،‬ابتدع ال�سنجاب حكاية عجيبة حول‬
‫ال�سنجاب للملك متحدث ًا عن الوقائع الغريبة‬ ‫"«ملاذا؟» قالت الفرا�شة للفيل عندما �س�ألها عن «نعم قال الفيل»‪« .‬ملاذا ترفعني حاجبيك؟»‪.‬‬
‫حادثة اختفاء‪ /‬هروب الفيل‪:‬‬
‫ِالختفاء الفيل"‪:‬‬ ‫«خائفة»‪ ،‬قالت الفرا�شة‪« :‬وهل �أ�صدقا�ؤك عددهم‬ ‫ال�ساعة «هل تعبت من الطريان معي؟»‪.‬‬
‫"«اختفى» قال ال�سنجاب «�شهدت ذلك بنف�سي‪.‬‬
‫‪45‬‬ ‫‪44‬‬
‫إبــــــداع‬ ‫إبــــــداع‬

‫قدميك؟»"‪.‬‬ ‫ضال عن الأفكار الثورية املوم�إ �إليها يف‬ ‫وف� ً‬ ‫كنت جائع ًا وكنت �أق�ضم قطعة من خ�شبته موقن ًا‬
‫ب‪-‬حكومة �أنياب‪ :‬فهي حكومة ال ت�ستقطب �إال كل‬ ‫القول ال�سابق‪ ،‬والتي ت�شي بحدوث نوع من‬ ‫�أن ع�صر املعجزات قد ولىّ ‪ .‬فج�أة �أرفع ر�أ�سي‪.‬‬
‫ذي ناب‪ .‬وكيف ال تكون كذلك وهي التي و�ضعت‬ ‫االجتماعي‬ ‫اجلدل‪� ،‬أو بالأحرى نوع من ال�صراع ِ‬ ‫ي�شق ال�سماء‪ .‬بعد قليل‬ ‫فج�أة �أرى جنم ًا المع ًا ّ‬
‫على ر�أ�سها ملكا‪� /‬أ�سدا يحمل ر�أ�سا فارغاً؟‪:‬‬ ‫وال�سيا�سي بني طبقة احلكام وطبقة املحكومني؛‬ ‫ي�صبح النجم عربة‪ .‬بعد قليل تقرتب العربة وينزل‬
‫"مادمت تن�صت �إىل ذلك الر�أ�س فلن تدري �أبداً‪.‬‬ ‫�صراع لعب فيه "الفيل" دور "النبي" امللهِ م‪،‬‬ ‫وجدك �أنت يا ح�ضرة الذئب»‪.‬‬ ‫جدك الأ�سد ّ‬ ‫منها ّ‬
‫�إنه جمرد �صندوق يحمل فيه املرء �أنيابه و�أذنيه"‪.‬‬ ‫والزعيم "احلكيم"‪ ،‬الذي ا�ستطاع ب�أفكاره‬ ‫«جدي؟» �س�أله الأ�سد‪.‬‬‫ّ‬
‫ج‪-‬حكومة ليلية‪ :‬فهي مل تت�ألّف �إال يف الليل‪،‬‬ ‫اجلريئة‪ ،‬ومواقفه الثابتة‪ ،‬توعية احليوانات‪،‬‬ ‫«جدي؟» �س�أله الذئب‪.‬‬
‫ّ‬
‫لذلك كان من الطبعي �أن يظهر الأ�سد "مرونة‬ ‫وحتفيزها على الثورة على حاكمها‪.‬‬ ‫جدك �أنت يا ح�ضرة‬ ‫«نعم قال ال�سنجاب» وحتى ّ‬
‫ودب" ‪ .‬تقول الرواية‪:‬‬ ‫هب ّ‬ ‫وا�ضحة يف قبول من ّ‬ ‫و�إذا كان الفيل يرمز �إىل �صوت ال�شعب و�ضمريه‬ ‫الكلب‪ ،‬كلّهم نزلوا من العربة وجا�ؤا �إىل الفيل‬
‫"انتهى ت�شكيل احلكومة الليلية يف �آخر �ساعة‬ ‫الواعي مبا ُيحاك له من م�ؤامرات‪ ،‬ف�إننا جند يف‬ ‫الن�ص �إىل �إفرازات اللحظة الراهنة‪ ،‬بكل ما تزخر‬‫جد امللك فقد‬
‫‪.‬اثنان منهم �أخذا يلعقان حذاءه‪� ،‬أما ّ‬
‫من الليل‪ .‬ان�سحب الأ�سد �إىل خمدعه‪ .‬وهو‬ ‫مقابل ذلك "حيوانات" �أخرى ّقدمها الن�ص‬ ‫به من تناق�ض وعنف والتبا�س‪.‬‬ ‫يدق على طبلته ويدور حوله �سبع مرات و‬ ‫�أخذ ّ‬
‫وتذكر �إذ ذاك �إنه‬ ‫ّ‬ ‫يتثاءب ويغالب النعا�س‪،‬‬ ‫امل�ستبد‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الروائي كنموذج ‪ /‬رمز للحاكم العربي‬ ‫غري �أن عملية الترّ هني هاته‪ ،‬مل تتم من خالل‬ ‫يرق�ص»"‪.‬‬
‫للأ�سف‪ -‬ولي�س للأ�سف‪ -‬قد ن�سي الفيل"‪.‬‬ ‫من هذه احليوانات هناك‪ :‬الأ�سد (امللك)‪ ،‬والكلب‬ ‫الإدانة ال�ضمنية‪� ،‬أو ال�صريحة للواقع فح�سب‪،‬‬ ‫�إن ا�ستلهام العجائبي يف املقطع ال�سابق‪ ،‬ويف‬
‫ت�شكلها ليالً‪،‬‬
‫د‪-‬حكومة خمادعة‪ :‬فعالوة على ّ‬ ‫(رئي�س احلكومة)‪ ،‬والنمر (وزير التخطيط)‪،‬‬ ‫اال�ستدعاء ال�ضمني لبع�ض‬ ‫و�إمنا من خالل ِ‬ ‫مواطن �أخرى من الرواية‪ ،‬ي�أتي يف �سياق‬
‫ت�شكلت كذلك من وراء‬ ‫ف�إن احلكومة املذكورة‪ّ ،‬‬ ‫والفهد (وزير الدفاع)‪ ،‬والتم�ساح (وزير‬ ‫الت�شخي�ص الروائي لغرابة الواقع الذي يعي�شه‬
‫الثورات ال�شعبية املعا�صرة‪ ،‬كالثورة الهندية التي‬
‫يتحول هنا �إىل ف�ضاء‬ ‫�ستار‪ .‬ومن ّثم ف�إن ال�ستار ّ‬ ‫العدل)‪ ،‬والثعلب (وزير الكالم)‪ ،‬وال�ضبع (وزير‬ ‫�شكل انت�صارها‬‫تزعمها املهامتا غاندي)‪ ،‬والتي ّ‬ ‫واجتماعياً؛‬
‫ّ‬ ‫وثقافي ًا‬
‫ّ‬ ‫�سيا�سي ًا‬
‫ّ‬ ‫الإن�سان الليبي؛‬
‫للخديعة والد�سي�سة‪ ،‬حيث ُتن�سج م�صائر ال�شعب‬ ‫الداخلية)‪ ،‬واجلرذ (وزير الثقافة)‪ ،‬واحلمار‬ ‫على قوى الظلم والطغيان‪ ،‬حلظة فارقة يف‬ ‫ت�شخي�ص و�إن �أوغل باملحكي يف جماهل‬
‫يتنكر ال�سا�سة ويلب�سون‬ ‫بعيد ًا عن �أعينهم‪ ،‬وحيث ّ‬ ‫(رئي�س حترير اجلريدة الر�سمية)‪.‬‬ ‫حري بـــ"متمردي"‬ ‫التخييل والت�ضخيم والتغريب‪ ،‬فيما ميكن و�صفه‬
‫التاريخ الإن�ساين املعا�صر‪ّ ،‬‬
‫لكل حال لبا�س‪ .‬يقول ال�سارد‪:‬‬
‫ّ‬ ‫�شكلت احليوانات ال�سابقة جمتمعة رمز ًا‬ ‫لقد ّ‬ ‫بــ"جماليات التفوق" ‪L'esthétique‬‬
‫ليبيا احلديثة ت� ّأملها وال�سري على نهجها‪:‬‬
‫"خرج الذئب من وراء ال�ستارة وهو متنكر يف‬ ‫للحكومة الليبية‪ ،‬ومن خاللها احلكومات العربية‪،‬‬ ‫"«ياه» قال ال�سنجاب مت�ضايق ًا «هكذا �أنت‬ ‫‪ de la surenchère‬؛ �إال �أنه ينطوي‬
‫زي ذئب �آخر وذهب يبحث عن الكلب حتى‬ ‫التي اقرتنت يف الذهنية ال�شعبية‪ ،‬بجملة من‬ ‫دائم ًا م� ّؤدب وكبري القلب لكن هذه الغابة‬ ‫على �أ�سمى احلقائق‪ ،‬لأن منطق اخليال ‪la‬‬
‫وجده يف �صحبة كالب �آخرين يتجاذبون‬ ‫ال�سلوكات ال�سيا�سية غري الر�شيدة‪ ،‬وذلك نظرا‬ ‫مرياث لكبري املخالب‪ .‬لعلك مت�أ ّثر بفقراء‬ ‫‪logique de l'imagination‬‬
‫�أطراف جريده ممزقة ويلطّ خون وجوههم‬ ‫لكونها‪:‬‬ ‫الهنود‪ .‬لعلك ل�ست في ًال على الإطالق‪ ،‬ولكننا‬ ‫الأكرث جموح ًا ‪ ،plus débridée‬هو يف‬
‫باحلرب"‪.‬‬ ‫ِ‬
‫خماطب ًا‬ ‫�أ‪-‬حكومة الأمر الواقع‪ :‬يقول الذئب‬ ‫هنا جميع ًا جمرد حيوانات تعي�ش يف جمرد غابة‪.‬‬ ‫حقيقة الأمر منطق احلقائق الأعمق‪.‬‬
‫ت�شكلت احلكومة‬ ‫ّ‬ ‫ه‪-‬حكومة ل�صو�ص‪ :‬حيث‬ ‫الأ�سد يف حول �ضرورة ت�أليف حكومة‪« " :‬لن‬ ‫بع�ضنا يقر�ض وبع�ضنا يقر�ضونه‪ .‬واحد مغطى‬ ‫‪- 3‬البعد التخييلي لل�شخ�صية‪:‬‬
‫بهدف �سرقة حقوق ال�شعب و�أحالمه‪.‬‬ ‫�أدخل معك يف التفا�صيل‪ ،‬فهكذا دائم ًا كان حال‬ ‫ومبوازاة مع العنا�صر الرتاثية ال�سابقة‪ ،‬اعتمد بال�صوف وواحد غري مغطى‪ ،‬هذا عنده ال�سوط‪،‬‬
‫"«نعم» قال اجلمل «حكومة ل�صو�ص‪ .‬وكل‬ ‫الدنيا‪ .‬اللبوءة تلد امللك‪ ،‬والذئب امل�سكني ي�ؤلف له‬ ‫الروائي يف بناء �شخ�صية "الفيل" على عنا�صر وهذا عنده امل�سبحة»"‪.‬‬
‫واحد منهم ل�ص»‪.‬‬ ‫احلكومة يف �صمت‪ .‬هل ت�سمح يل �أن �أجل�س عند‬ ‫�شد �أحداث‬
‫روائية معا�صرة ‪ /‬مغايرة‪ ،‬تعمل على ّ‬
‫‪47‬‬ ‫‪46‬‬
‫إبــــــداع‬ ‫إبــــــداع‬

‫«نعم» قال اخلنزير«نعـــــ‪ ،‬نعــــــــ‪ ،‬نعم‪ .‬هذه حكومة‬


‫ل�صو�ص»‪.‬‬
‫«ياه» قال احلمار مت�ضايقاً‪.‬‬
‫«طبعاً» قال التي�س «طبع ًا حكومة ل�صو�ص‪� .‬إنهم‬
‫جميع ًا من جن�س القطط»‪.‬‬
‫«اخر�س‪ .‬اخر�س» قال القط الذي كان يجل�س‬
‫�صامت ًا يف ال�شم�س ومي�ضغ القات «ال تذكر‬
‫القطط على ل�سانك‪� .‬إننا �أبرياء من هذه احلكومة‬
‫ولي�س لنا �أية عالقة بها»"‪.‬‬
‫وب�سبب ممار�ساتها ال�سيا�سية الناتئة‪ ،‬اتخذت‬
‫الروائي نوع ًا من اجلدل والتفاعل �ساهما يف‬
‫رواية "احليوانات" من ال�سلطة احلاكمة رمز ًا‬
‫وجمالياً‪،‬‬
‫ّ‬ ‫تعبريي ًا‬
‫ّ‬ ‫الرفع من قدرات الن�ص الروائي‬
‫وجب الإدانة فح�سب‪،‬‬ ‫للف�ساد ال�سيا�سي الذي ال ُي ِ‬
‫وذلك عرب �إك�سابه متيز ًا وتفرد ًا لي�س يف امل�شهد‬
‫التندر وال�سخرية منه كذلك‪ ،‬وذلك‬ ‫وجب ّ‬ ‫و�إمنا ُي ِ‬
‫الروائي الليبي فح�سب‪ ،‬و�إمنا يف امل�شهد‬
‫من خالل حتويل �أدواته �إىل رموز تبعث على‬
‫الروائي املغاربي والعربي كذلك‪ .‬واخل�صو�صية‬
‫ال�ضحك الذي يقود‪ ،‬فيما يقود‪� ،‬إىل �إحداث‬
‫روائي ًا‬
‫هنا ال تنبع من تناول احليوان وا�ستلهامه ّ‬
‫حالة من التطهري �شبيهة‪� ،‬إىل حد ما‪ ،‬بظاهرة‬
‫متكن ال�صادق النيهوم‬ ‫فح�سب‪ ،‬و�إمنا من خالل ّ‬
‫الإن�سان املغاربي‪ ،‬وهمومه‪ ،‬ومطاحمه‪ .‬وبذلك‬ ‫التجديدي الت�أ�صيلي الذي ب�شرت به حركة‬ ‫حتدث عنها �أر�سطو يف كتابه‬ ‫الكاتار�سي�س‪ ،‬التي ّ‬
‫ن�ص روائي قادر‪ ،‬يف �إطار نوع من‬ ‫من �إنتاج ّ‬
‫تكون الرواية املغاربية‪ ،‬قد دخلت مرحلة جديدة من‬ ‫ملحة يف خلق‬ ‫التجريب التي �أعلنت عن رغبة ّ‬ ‫"فن ال�شعر"‪.‬‬
‫اجلدل الفني‪ ،‬على التوليف املبدِ ع بني الرتاث‬
‫التطور يف مقاربتها للرتاث‪ ،‬وذلك حينما نظرت‬ ‫رواية مغاربية ت ّت�سم باخل�صو�صية والن�ضج‪،‬‬ ‫‪-‬خامتة‪:‬‬
‫واحلداثة‪.‬‬
‫وفني ًا قادر ًا لي�س على‬
‫�سردي ًا ّ‬
‫ّ‬ ‫�إليه باعتباره زخم ًا‬ ‫لي�س على امل�ستوى الداليل فح�سب‪ ،‬و�إمنا على‬ ‫مما �سبق ن�ستخل�ص‪� ،‬أن ال�صادق النيهوم عمد‬
‫لقد عك�ست رواية "احليوانات" هذه احلاجة‬
‫التعبري عن مالمح اخل�صو�صية واملحلية فح�سب‪،‬‬ ‫م�ستوى املبنى احلكائي كذلك‪.‬‬ ‫�إىل بناء �شخ�صية روائية ت�ستمد عنا�صرها‬
‫امللحة �إىل جتديد املعرفة بالرتاث‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الفنية‬
‫و�إمنا �أي�ض ًا على تخطّ ي الأ�شكال التعبريية‬ ‫لقد ا�شتغل ال�صادق النيهوم على الرتاث‪،‬‬ ‫التكوينية من �سياقات مرجعية متنوعة‪� ،‬صحيح‬
‫وحت�صني الوعي بالواقع والتاريخ‪ ،‬وذلك عرب‬
‫الروائية الأخرى‪ ،‬التي بد�أت ت�ستنفد جزء ًا كبري ًا‬ ‫م�ستفيد ًا من �إمكاناته الفنية‪ ،‬ومتخذ ًا من �أ�ساليبه‬ ‫�أن الهيمنة كانت للعن�صر اخلرايف‪� ،‬إال �أن ذلك‬
‫الت�سلّح بعقلية نقدية‪ ،‬و�ساخرة‪ ،‬وقلقة‪ ،‬وجريئة‪،‬‬
‫من ح�ضورها الداليل واجلمايل‪ ،‬ب�سبب و�صولها‬ ‫احلكائية منطلق ًا ِالقتحام تخوم فنية وجمالية‬ ‫مل مينع من اكت�سابها لبع�ض ال�سمات املنحدرة‬
‫تتحرج يف �إخ�ضاع كل املنجزات‪ ،‬مبا يف‬ ‫ّ‬ ‫ال‬
‫�إىل مفرتق طرق نتيجة ا�ضطرابها بني "وعيني‬ ‫باجلدة واملغا َيرة‪ ،‬الأمر الذي‬
‫ّ‬ ‫�آ�سرة‪ ،‬م ّت�سمة‬ ‫من مرجعيات دينية ورمزية وتاريخية وعجائبية‬
‫ذلك املنجز الرتاثي والديني وال�سيا�سي‪ ،‬ل�س�ؤال‬
‫مزدوجني‪ :‬وعي بامل�أزق الذي و�صلت �إليه جتربة‬ ‫يحتل مكان ًا بارز ًا يف تاريخ الرواية‬
‫ّ‬ ‫� َّأهله لأن‬ ‫املتحدث عنها يف‬
‫َّ‬ ‫و�أدبية‪ ،‬بيد �أن املرجعيات‬
‫العقل والنقد والت�شريح‪ ،‬رغبة منها يف النهو�ض‬
‫احلداثة‪ ،‬ووعي ثان بالإمكانات التي يتيحها‬ ‫العربية‪ ،‬بف�ضل ارتياده لآفاق فنية مغايرة لل�سائد‬ ‫هذا املقام ُق ّدمت ن�صيا وهي ممتزجة امتزاج ًا‬
‫بالواقع الروائي املغاربي‪ ،‬مت�أثرة يف ذلك باملناخ‬
‫توظيف حمكم للرتاث ال�سردي و ال�شعبي على‬ ‫وامل�ألوف‪ ،‬و�أكرث قدرة على التعبري عن ان�شغاالت‬ ‫تام ًا بالعن�صر الروائي؛ مما �أ�ضفى على الن�ص‬
‫ّ‬
‫‪49‬‬ ‫‪48‬‬
‫إبــــــداع‬ ‫إبــــــداع‬

‫‪.2006‬‬ ‫خمتلف م�ستويات البناء‪ ،‬و اللغة و الأ�ساليب"‪.‬‬


‫قراءة في قصة ابن الشراسة للمهدي جاتو ‪..‬‬ ‫‪ -‬بو�شو�شة بن جمعة‪ :‬الرواية الليبية املعا�صرة‪� :‬سريورة‬
‫‪-‬الهوام�ش والإحاالت‪:‬‬
‫التحوالت ومعجم الك ّتاب‪ ،‬املغاربية للطباعة والن�شر‪ ،‬تون�س‪ ،‬ط‬
‫‪.2007 ،1‬‬ ‫‪-‬نف�سه‪� ،‬ص‪�.‬ص‪.65-63 :‬‬
‫‪ -‬بو�شو�شة بن جمعة‪ :‬الرواية املغاربية املعا�صرة ‪ -‬توظيف‬ ‫‪-‬نف�سه‪� ،‬ص‪.109 :‬‬

‫شراسة املهدي‬ ‫الرتاث‪ ،‬جملة (كتابات معا�صرة)‪ ،‬ع‪ ،29 :‬جملد ‪ ،8‬كانون‬ ‫‪.106-105‬‬
‫‪ 1- -Florie Maurin: L'orgueil, l'envie et‬كانون ‪.1997 ،2‬‬
‫‪-‬نف�سه‪� ،‬ص�ص‪:‬‬

‫‪ - La colère dans les contes de madame‬ريا�ض جنيب الري�س‪:‬ال�صادق النيهوم‪ :‬قبل الرحيل‪� ،‬أزمة‬
‫‪ D'aulonoy, Mémoire de recherche,‬ثقافة مزورة‪-‬بعد الرحيل‪� ،‬أزمة ثقافة م�صادرة‪ ،‬جملة(الناقد)‪،‬‬
‫‪� 2ème année de Master Création‬س ‪ ،7‬ع‪ ،83 :‬مايو ‪1995‬م‪.‬‬
‫‪littéraire, Université‬‬ ‫‪Clermont‬‬
‫‪� - Auvergne UFR Lettres, Culture,‬صادق النيهوم‪ :‬احليوانات‪ ،‬مكتبة ‪ 5‬التمور للكتاب‪ ،‬بنغازي‪،‬‬
‫‪ Sciences Humaines, juin 2019, P: 15.‬ليبيا‪.2010 ،‬‬
‫‪-‬باللغة الفرن�سية‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Catherine Rondeaun: le règne‬‬ ‫‪-Catherine Rondeaun: le règne‬‬
‫‪du merveilleux: une exploration‬‬ ‫‪du merveilleux: une exploration‬‬
‫‪théorique et photographique de‬‬ ‫‪théorique et photographique de‬‬
‫‪l'univers des contes, mémoire‬‬ ‫‪l'univers des contes, mémoire‬‬
‫‪de recherche présenté comme‬‬ ‫‪de recherche présenté comme‬‬
‫‪exigence partielle de la maîtrise‬‬ ‫‪exigence partielle de la maîtrise‬‬
‫‪en communication, université du‬‬ ‫‪en communication, université du‬‬
‫‪Québec à Montréal, décembre 2009.‬‬ ‫‪Québec à Montréal, décembre 2009,‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Florie‬‬ ‫‪Maurin: L'orgueil,‬‬ ‫‪p: 22.‬‬
‫‪l'envie et La colère dans les contes‬‬ ‫‪-‬الرواية‪� ،‬ص�ص‪.106-105 :‬‬
‫‪de madame D'aulonoy, Mémoire de‬‬ ‫‪-‬نف�سه‪� ،‬ص‪.8 :‬‬
‫سعاد الصيد الورفلي‪ .‬ليبيا‬ ‫‪recherche, 2ème année de Master‬‬ ‫‪-‬نف�سه‪� ،‬ص‪.8 :‬‬
‫‪Création‬‬ ‫‪littéraire, Université‬‬ ‫‪ -‬نف�سه‪� ،‬ص‪.15 :‬‬
‫هي رحلة الإن�سان احلقيقية خلف الأ�سئلة املتوارية وراء ذواتنا الإن�سانية‪� ،‬إنها‬ ‫‪Clermont Auvergne UFR Lettres,‬‬ ‫‪ -‬نف�سه‪� ،‬ص‪.18 :‬‬
‫‪Culture, Sciences Humaines, juin‬‬ ‫‪-‬نف�سه‪� ،‬ص‪.11 :‬‬
‫تلك احلرية التي يحبها الإن�سان ب�شغف ابن الطفيل يف املخيال العربي‪� ،‬إبن الإن�سان‬ ‫‪-‬نف�سه‪� ،‬ص‪�.‬ص‪.25-23 :‬‬
‫‪2019.‬‬
‫الطفل الذي مازال يبحث عن كيف جئنا و�أين كنا‪ ،‬فهو ال يكتفي بالأجبات بل تزده‬ ‫‪-‬‬ ‫‪Jeanne Demers et Lise‬‬ ‫‪�-‬أحمد اليبوري‪ :‬الرواية املغاربية و الرتاث‪� ،‬ضمن‪ :‬الرواية‬
‫�ضراوة ونفور ًا‪ .‬دائم ًا ما �أرجح �أن ق�ص�ص "جاتو" هي حم�ض فل�سفة ت�ستع�صي �أمام‬ ‫‪Gauvin: Autour de la notion de conte‬‬ ‫العربية يف نهاية القرن‪ ،‬ر�ؤى م�سارات‪� ،‬أعمال ندوة ‪-25‬‬
‫القراءة االوىل‪ ،‬بل تفر�ض علينا ان ننتهج �أدوات وا�ساليب نقدية ب�صيغ ور�ؤى �أخرى‬ ‫‪écrit quelques definitions, Études‬‬ ‫‪� 27-26‬شتنرب ‪ ،2003‬من�شورات وزارة الثقافة‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫‪françaises, Volume 12, numéro 12-,‬‬ ‫‪� ،2006‬ص‪.148:‬‬
‫ملا حتمله من م�ضامني روحية وفل�سفية رمزية ت�ؤدي بنا �أن نكون يف ذات امل�ستوى من‬
‫‪avril 1976.‬‬
‫الروح التي ميتلكها جاتو‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪Marie-Sophie‬‬ ‫‪Bercegeay:‬‬ ‫‪-‬الئحة امل�صادر واملراجع‪:‬‬
‫‪Histoires, ou Contes du temps‬‬
‫‪passé-Charles Perrault, Mémoire de‬‬ ‫‪-‬باللغة العربية‪:‬‬
‫‪master, université de Lyon, 1 / juin‬‬ ‫‪� -‬أحمد اليبوري‪ :‬الرواية املغاربية و الرتاث‪� ،‬ضمن‪ :‬الرواية‬
‫‪2015.‬‬ ‫العربية يف نهاية القرن‪ ،‬ر�ؤى م�سارات‪� ،‬أعمال ندوة ‪-25‬‬
‫‪� 27-26‬شتنرب ‪ ،2003‬من�شورات وزارة الثقافة‪ ،‬الرباط‪،‬‬

‫‪51‬‬ ‫‪50‬‬
‫إبــــــداع‬ ‫إبــــــداع‬

‫ومن �أين؟ �إبن ال�شرا�سة اختار النهاية التي ت�أمل‬ ‫كان الأ�سلوب جارفناً‪ .‬للحظة الآن‪ ،‬وهذا اجمل ما‬
‫فيها �سر البهجة بعد رحلة �شقاء متنوعة يف حرية‬ ‫" لكن الولد ت�صرف بطريقة ه�ستريية‪ ،‬قطف‬ ‫يف الق�صة‪� ،‬إنك حني تقر�أ اللحظات التي ج�سدها‬
‫متنع �سعادته بالأ�شياء من حوله‪� ،‬إنه مل يذق‬ ‫وك�سر الأغ�صان ب�شكل جنوين"‪ ،‬ولكي‬ ‫ابن ال�شرا�سة �سرعان ما تعي�ش احلدث برمته‬
‫طعمها الذي وجد ليعرف حقيقيته بل عذب نف�سه‬ ‫يكت�شف ماهية الكاين اجلديد �سكب عليه �إبريق‬ ‫ماث ًال �أمامك ك�أنك ت�شاهد او ترى ذلك الطفل بكل‬
‫ب�س�ؤال فتح اخاديد يف النف�س �آلت به �إىل �أخدود‬ ‫ال�شاي يف غفلة من والديه‪ ،‬لريتفع �صراخ‬ ‫مالحمه ونظراته التي زادت من ارتفاع وترية‬
‫�أكرب يحرتق فيه‪.‬‬ ‫الطفلة عالياً"‬ ‫الق�صة يف ارتفاعها املتتايل ك�أل�سنة اللهب التي‬
‫ر�سم خامتتها بكل دقة وانفعالية دون �أن ت�شك‬
‫"�إبن ال�شرا�سة" تابو الفل�سفة الذي اعتنق‬ ‫ا�ستعمال املفردات ( �أنبثق‪ ،‬ماهية‪ ،‬غفلة‪� ،‬إبن‬ ‫لوهلة �أن الق�صة نفثة واحدة كمن قيد نف�سه‬
‫فيه الروح واجل�سد‪ ،‬و�س�ؤال الزمان واملكان‪.‬‬ ‫ال�سابعة‪ ،‬يف اليوم ال�سابع ) تعطي �إنطباع ًا‬ ‫لنطق كلمة كانت حبي�سة يف �صدره منذ حني‪.‬‬
‫امتالك الكاتب للأدوات الرمز احلقيقية بعيد ًا‬ ‫روحي ًا للنف�س الإن�سانية التي جتلت يف كتب‬ ‫�أما املكان كانت براعة الكاتب يف توظيفه �شيئ ًا‬
‫عن توغل كثري من الق�صا�ص يف جمريات‬ ‫الفل�سفة والت�صوف للوقوف �أمام ماهية الذات‬ ‫مينحنا �شغف ًا لر�ؤية تلك التالل وما تخفيه خلفها‬
‫احلياة العادية‪� .‬إنه اختيار "جاتو" املتميز بفكرته‬ ‫الإن�سانية‪ ،‬هذه امللكات كان يكت�سبها قلم جاتو‬ ‫من حلظات مو�سومة ب�أحداث دراماتيكية‪ ،‬ي�صل‬
‫التي ترتفع به نحو ال�سمو يف كثري من الأعمال‬ ‫يف ر�سم احلدود احلقيقية‪ ،‬بحث ًا عن جتليات‬ ‫م�ستواه لرواية متكاملة االركان‪� .‬صور املهدي‬
‫وتن�أى به عن امل�شاركة يف ر�سم ت�شابه ق�ص�ص‬ ‫الإن�سان بف�ضول حكيم يقف عند حدود مل‬ ‫بداية الطفل ( غرائبية ) فهو يختلف عن كل‬
‫�أ�سو ًة بق�صا�ص يعيدون ر�سم احلياة ب�شكل‬ ‫ت�ستطع له �صرباً‪ ،‬لن ي�صل �إن�سانه �إىل ال�ضفة‬ ‫االطفال‪ .‬يت�ضح من الأ�سلوب الت�صوري الذي‬
‫مكرر يف عبارات تكاد تتفق مع اق�صو�صات‬ ‫املقابلة‪ ،‬و�سيظل يعود لل�س�ؤال ذاته الذي خ�شعت‬ ‫احكم بدايته من خيال رمبا كان واقع ًا ال ننكره‬
‫متماثلة‪.‬‬ ‫وخجلت منه الن�سوة الالئي كدن �أن يقطعن‬ ‫يف كثري من االحداث املت�شابهة لهكذا طفل‪ ،‬لكن‬
‫�أيديهن من هول املفاج�أة التي مل يتوقعنها رغم‬ ‫الكاتب برع يف تف�ضيل الذات الق�ص�صية ( بطل‬
‫غياب االم‪ ،‬قذف الأ�شياء يف التنور وحتى‬
‫كل من يقر�أ ابن ال�شرا�سة �سيتخيل ذلك الطفل‪،‬‬ ‫عناء احلالة واختالف الأحوال‪ ،‬الزمان واملكان‬ ‫الق�صة ) حتى �أن كل قاريء �سريى هذا الطفل‬
‫الكائنات‪ ،‬اخلطايا والأثام‪ ،‬اعرتاف‪� ،‬أحرق فيه‬
‫و�سريى امل�شاهد املتتالية التي تبلغ ذروة‬ ‫والتحايل‪ ،‬ومفاتيح الق�صة التي تقفل باب ًا ليفتح‬ ‫واقع �أو جزء من ذاته �أو ذات ما‪ ،‬فوجود الطفل‬
‫كل �شيء" فج�أة �أنت�صب واقفاً‪ ..‬وهو يت�أمل ‪..‬‬
‫اال�شتطاط يف العمل وك�أنه فيلم رمزي‪ .‬ي�صل فيه‬ ‫�آخر‪ ،‬الأحداث التي ت�شغل حيز ًا من املكان‪،‬‬ ‫لي�س طبيعي ًا بل �شبه ب�أنبثاق العفاريت من غياهب‬
‫ما هو الرماد؟‪ ،‬يحلل ليفك �سر اجلمر" االحرتاق‬
‫العملة بدايات ال�صمت و�إيقاع احلياة يف حلظات‬ ‫اال�سرت�سال واالت�صال غلغلة احلدث لي�صل �إىل‬ ‫املجهول‪ ،‬ذلك املجهول الذي نخ�شاه‪ ،‬ويتحول‬
‫الذي ي�سلخ الذات ك�أنه ي�صربها و يحولها‪،‬‬
‫�آنية يحرتق كل �شيء ليكون التنور رمز الفناء‬ ‫ال�صورة النهائية بطريقة تراجيدية تقطع كل‬ ‫�إىل فل�سفة غام�ضة املالمح تتلظى بعذاباتها كلما‬
‫ي�صبح ذلك الواد لون ًا يعك�س �شرر النار‪.‬‬
‫وبداية حياة جديدة‪.‬‬ ‫الت�سا�ؤالت ليفتح ال�س�ؤال الأكرب‪" .‬جل�س "ابن‬ ‫زادت �شقوتنا يف احلياة‪ .‬من �أزقة املكان انبثق‬
‫ال�شرا�سة" وهو يراقب النار بعينني حممرتني"‬ ‫ليكون الولد الراف�ض لكل القوانني حتى يعبث‬
‫الق�صة مل تكتب اعتباطاً‪� ،‬إمنا كان وراء �شخ�صية‬
‫‪ ..‬النار‪ ..‬احلمرة‪ ..‬املراقبة‪ " ..‬تداعيات احلدث"‬ ‫بكل �شيء باحث ًا عن ردة فعل ت�شبع غروره‬
‫البطل �س�ؤال احلقيقية الذي حري العقل الب�شري‬
‫ال�سعفة وال�صريورة‪ ،‬والزوال‪� .‬إ�شارات الفناء‪،‬‬ ‫الإن�ساين الفظ‪.‬‬
‫منذ بدايات التكوين‪ ،‬ملاذا �أنا؟ وكيف جئت؟‪،‬‬

‫‪53‬‬ ‫‪52‬‬
‫إبــــــداع‬ ‫ترجمـــــــات‬
‫إبــــــداع‬

‫بقي الكتاب على رف املكتبة بني كتب دروي�ش‬


‫الأخرى‪� ،‬إذ مل يحدث يل �أن �أعدت قراءة كتاب‬
‫قراءته‪� ،‬إال امل�صحف ال�شريف‪� ،‬أما ما عدا ذلك‬
‫فقراءة �أي كتاب تغني عن قراءته مرة �أخرى‪،‬‬
‫مر�ضي ًا‬
‫نظرا �إىل �أنني ال �أتعلق بكتاب ما تعلق ًا َ‬
‫مهما كان الكتاب‪ ،‬ومل يحدث � ْأن قلت �إن هذا‬ ‫جدارية حممود درويش بني قراءتني‬
‫�أف�ضل كتاب قر�أته‪ ،‬ويا ليته مل ينته! وال �أن�صح‬
‫الآخرين بقراءة �أي كتاب قر�أته‪ ،‬فالكتاب قرئ‬
‫وانتهى‪ ،‬وتبقى املالحظة التي �أكتبها وما علق‬
‫يف ذهني من الأفكار كل ما يت�صل بهذه القراءة‬
‫من �أدلة‪� .‬أظن كذلك‪ ،‬وهذا يل وحدي‪� ،‬أنه ال‬
‫كتاب ي�ستحق �أن تقر�أه مرتني‪ ،‬فما اجلديد الذي‬
‫‪ 11:49‬م�ساء يوم الأربعاء ‪،2024/3/23‬‬ ‫�ستلقاه؟‬
‫ومل �أوقع ا�سمي كما وقعت املرة ال�سابقة‪ .‬لقد‬
‫بعيدا عن نظريات القراءة والتلقي‪ ،‬ف�إن هذه اختفى ا�سمي الثنائي الآن ليحل حمله ا�سم �آخر‬
‫ثالثي الرتكيب بفعل غواية الت�أليف والن�شر‪.‬‬ ‫م�س�ألة �أخرى‪� ،‬إذ قد تعيد قراءة جملة‪ ،‬فيتكون‬
‫ّ‬
‫عندك فهم لها يف مرحلة ما‪ ،‬ثم يتبادر �إىل ذهنك‬
‫معنى حمتمل �آخر بفعل ظروف معينة‪ ،‬كما حدث ولكن‪ ،‬هل �س�أعود �إىل قراءة ثالثة للديوان؟‬
‫مع جملة غ�سان كنفاين و�س�ؤاله العابر للأفهام ل�ست �أدري‪� .‬إح�سا�س يقول يل رمبا لأنني �أي�ضا‬
‫"ملاذا مل تدقوا جدران اخلزان؟" و�أمثلة كثرية وقعت حتت ت�أثري احلد�س امل�ستقبلي الغام�ض‬
‫من �آيات القر�آن الكرمي التي فهمت على وجه ما عندما و�صفت القراءة ب�أنها "ثانية"‪ ،‬وي�ستدعي‬ ‫فراس حج محمد‪ .‬فلسطين‬
‫يف زمن ما ثم تغري املعنى املدرك‪ .‬مل �أفكر بالكتب هذا العدد الرتتيبي �أن تكون هناك ثالثة ورابعة‬
‫"انتهت القراءة الأوىل ال�ساعة ‪ 7:45‬م�ساء يوم االثنني ‪ "2000/6/19‬هذا ما كنت‬
‫التي قر�أتها على هذا النحو‪ .‬كنت �أقر�أ دون �أن وخام�س‪� ،‬أو على الأقل ثالثة‪ ،‬و�إال كما علمتنا‬
‫�أكتب‪ ،‬ثم �أخذت �أكتب حول ما �أقر�أ‪ ،‬ثم �أكتب اللغة العربية علينا �أن نقول القراءة الأخرى‪،‬‬ ‫كتبته يف ال�صفحة الفارغة مع توقيع ا�سمي الثنائي (فرا�س عمر) نهاية ديوان حممود‬
‫قراءتان اثنتان ال ثالث لهما‪ ،‬كما هو ربيع الأول‬ ‫دون �أن �أقر�أ‪.‬‬ ‫دروي�ش اجلدارية‪ .‬كان من عادتي �أن �أكتب يف ذيل الكتب املقروءة متى �أنهيت قراءتها‪� ،‬إال‬
‫والآخر وجمادى الأوىل والآخرة‪ ،‬وكما هي‬ ‫�أن ما لفتني �إىل مالحظتي هو �أنني و�صفتها بالأوىل‪ .‬هل كنت �أفكر يف ذلك الوقت �أنني‬
‫دفعتني هذه امللحوظة �أن �أكتب مرة �أخرى احلياة الدنيا (الأوىل) واحلياة الآخرة‪ ،‬ال اعتبار‬ ‫�س�أعود �إىل الديوان ثانية؟ مل �أعد �إليه �إال بعد �أكرث من ثالث وع�شرين �سنة! ‪.‬‬
‫�أ�سفل امللحوظة ال�سابقة "القراءة الثانية ال�ساعة حلياة �أخرى مزعومة ت�سمى "حياة الربزخ"‪،‬‬
‫‪55‬‬ ‫‪54‬‬
‫إبــــــداع‬ ‫إبــــــداع‬

‫تكتب من فراغ الفكرة �أوال‪ ،‬ناهيك عن فراغك‬ ‫الوجوديني‪ ،‬وال�صوفيني وال�شعراء واملفكرين‬ ‫التي �شكلته‪ ،‬ليظهر بهذه ال�صورة‪ .‬قراءة �أفقدتني‬ ‫فهي حم�سوبة على الآخرى ولي�س على الدنيا‪،‬‬
‫من �أ�ساليب الآخرين وتعبرياتهم و�أطرهم العامة‬ ‫والفال�سفة‪ ،‬وا�ستح�ضرت املقوالت ال�شعبية‪،‬‬ ‫الإح�سا�س بلذة ال�شعر واللغة‪ .‬رمبا هنا تتدخل‬ ‫�أو �أنها غري موجودة �أ�صالً‪ ،‬وهذا ما �أرجحه كما‬
‫التي قرروها‪ ،‬وعرفت يف عنا�صر ال�شكل الفني‬ ‫والن�صو�ص الدينية القر�آنية والتوراتية والنبوية‪.‬‬ ‫نظريات التلقي التي تتفهم الغر�ض من القراءة‬ ‫جاء يف �أدلته التف�صيلية يف موقعه‪ ،‬وبالت�أكيد‬
‫املكونة للجن�س الأدبي‪.‬‬ ‫كنت �أ�سعى �إىل تعرية الن�ص والك�شف عما‬ ‫و�أهدافها‪ .‬القراءة تف�صح عن نف�سها �أنها لي�ست‬ ‫ف�إن هذا لي�س هو موقعه لأ�شرحه‪.‬‬
‫�أظن �أن من واجب الكتابة الالحقة حتطيم كل‬ ‫وراءه من ن�صو�ص‪ ،‬لي�صبح الكتاب كارثيا‪،‬‬ ‫بريئة �إطالقا من �سوء النية واالنتهاك للن�ص وما‬ ‫ال �أ�ستطيع �أن �أطبق على نف�سي مقوالت نظريات‬
‫كتابة �سابقة ذات �صلة‪ ،‬وجعلها ركاماً‪ ،‬ال مالمح‬ ‫وي�صدق فيه ما كنت �سجلته عن نف�سي "�أن‬ ‫بعد الن�ص وما قبله‪.‬‬ ‫التلقي والقراءة املتعددة لهذا الن�ص‪ ،‬لأنني ال‬
‫لها‪ ،‬لإعادة ا�ستخدام هذا الركام مرة �أخرى‪ ،‬و�إال‬ ‫�أي كتاب �أقر�أه ال ي�صلح لذي قارئ بعدي" من‬ ‫ويف ب�سبب قراءة‬‫علي ّ‬ ‫�أدري ما الذي اختلف ّ‬
‫ف�إن النتيجة ن�ص فيه من حلم الن�صو�ص احلية‬ ‫كرثة هذه "اخلرب�شات"‪ .‬وهي عادة اعتدت‬ ‫كانت نتائج هذه القراءة مذهلة؛ القراءة الأوىل‬ ‫الديوان مرتني يف زمنني خمتلفني‪ ،‬وال �أدري‬
‫وروحها ال�شيء الكثري ما يفقد الن�ص اجلديد‬ ‫عليها بعدما �أ�صبحت م�ؤلفاً‪ .‬فنادرا ما يظل‬ ‫كانت �صامتة‪ ،‬مل �أمرر قلما �أو �أخطّ �سطرا �أو‬ ‫ماذا كان ميثل يل الديوان �أول �أن قر�أته والآن‬
‫�شخ�صيته الإبداعية‪ ،‬ويجعله معلّقا بالآخرين‬ ‫يدي‪ .‬لذلك رمبا‬
‫الكتاب �سليما معافى وهو بني ّ‬ ‫�أكتب ملحوظة على هوام�ش ال�صفحات‪ ،‬وبقي‬ ‫اختلف‪ .‬امل�س�ألة تدور يف فلك العبث‪� ،‬إمنا هو‬
‫تعلّق �ضرورة ووجود‪ ،‬وهذا ما ال تقوله �أ�صول‬ ‫من �أجل هذا ال �أ�ستطيع قراءة الكتب الإلكرتونية‬ ‫م�شع ًا ّبراقاً‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الديوان �أنيقا ونظيف ًا والن�ص‬ ‫كتاب قر�أته حينها لأنه كتاب جديد لل�شاعر‬
‫�صنعة الكتابة‪ ،‬بل �إن التحرر من الآخرين �شرط‬ ‫�إال يف ال�ضرورة الق�صوى‪ ،‬لأنها حترمني متعة‬ ‫حتى امللحوظة اخلا�صة بتاريخ القراءة الأوىل‬ ‫حممود دروي�ش الذي قر�أت كل �شعره ونرثه‬
‫�أي �إبداع حقيقي‪ ،‬ولي�س الإقامة يف الن�صو�ص‬ ‫اخلرب�شة على ج�سد الن�ص‪ ،‬فيظل �أعلى مني‪ ،‬وال‬ ‫ا�ستخدمت لكتابتها قلم الر�صا�ص‪ .‬هل كنت‬ ‫وكثريا مما كُ تب حول �أدبه‪ ،‬ودر�سته قبلها يف‬
‫على نحو يجعل الكاتب �أ�سري مقوالتها و�أهدافها‬ ‫�أمتكن من ركوبه وال�سيطرة عليه متاماً‪ ،‬فتزوغ‬ ‫�أحرتم الكتب �أكرث يف تلك املرحلة؟ رمبا‪ ،‬هو‬ ‫ر�سالة املاج�ستري‪ ،‬ومل يكن حينها عندي �أي‬
‫و�شروط كتابتها الأوىل‪.‬‬ ‫مني �أفكاره و�أتوه‪ ،‬فال �أدري �أين ذهبت بو�صلتي‬ ‫�شيء �أكرب من االحرتام؛ فلي�س من حقك �أن تعبث‬ ‫كتاب �سوى بحث الر�سالة املخطوط‪ ،‬وما زال‬
‫قتلت يوم ًا‬
‫َ‬ ‫مرة �س�ؤاالً؛ "هل‬‫طرحت ذات ّ‬ ‫الهادية‪.‬‬ ‫ب�أي كتاب مبثل هذه اخلرب�شات العابرة‪.‬‬ ‫خمطوطاً‪ ،‬ولعله �سيظل خمطوطاً‪.‬‬
‫�شاعر ًا كبرياً؟"‪ ،‬وقررت فيه �أنه �إذا �أردت �أن‬ ‫يف القراءة الثانية الفاقدة للذة اال�ستماع بال�شعر‬ ‫ما �أ�ستطيع طرحه هنا و�أ�ستطيع الإجابة عنه؛‬
‫تكون �شاعرا‪ ،‬عليك �أن تفعلها‪ ،‬وتقتل �شاعرا‬ ‫بدا يل �أن دروي�ش بعد هذه "املكنكة" النقدية‬ ‫وباللغة‪ ،‬كانت لأغرا�ض البحث‪� ،‬صحيح �أن ما هو‬ ‫�س�ؤال‪ :‬ملاذا قر�أت الديوان من جديد؟ قر�أت‬
‫كبريا‪ ،‬وحددت لذلك ثالثة �شعراء‪� :‬أدوني�س‪،‬‬ ‫"حطّ اب" لغة وثقافة �أكرث منه �شاعراً؛ جديده قليل‬ ‫م�شرتك بني القراءتني هو �أن الديوان قر�أته يف كل‬ ‫الديوان يف غمرة الإعداد لكتاب جديد �أدر�س فيه‬
‫ونزار قباين‪ ،‬وحممود دروي�ش‪� ،‬إمنا ما قالته‬ ‫وي�صح فيه ما كنت‬
‫ّ‬ ‫ونادر‪ ،‬لكنه ذو اطالع ومعرفة‪،‬‬ ‫مرة يف جل�سة واحدة‪ ،‬يف الأوىل مل �أخرج خارج‬ ‫مناذج متعددة من الن�صو�ص ال�شعرية وال�سردية‬
‫يل القراءة الثانية للجدارية �أن دروي�ش ًا �أتى‬ ‫قلته عن �أدبائنا �أنهم يف الغالب "ن�صو�صيون"‪،‬‬ ‫والديوان �إىل‬
‫َ‬ ‫الديوان‪ ،‬ويف الثانية ظللت �أخرج‬ ‫والأعمال الدرامية‪ ،‬بلغت ع�شرة �أعمال‪� ،‬أخ�ضعها‬
‫بكثري من ال�شعراء وغري ال�شعراء و�أحياهم يف‬ ‫تقربهم �إىل �أنهم‬
‫على الرغم من �أن هذه ال�صفة قد ّ‬ ‫الآخرين ال�سابقني له و�أعر�ض عليهم دروي�ش‬ ‫كلها للبحث البنيوي ملعرفة ما فيها من عنا�صر‬
‫ق�صيدته‪ ،‬و�أجل�سهم على مقاعد حجبت �صورته‪،‬‬ ‫"ل�صو�صيون" �أو "متل�ص�صون"‪ -‬يف �أح�سن‬ ‫ومقوالته‪ ،‬و�أقول‪ :‬هنا مر �آخر من قبل دروي�ش‪،‬‬ ‫ثقافية مت�أثرة بها‪ ،‬مما يقع عند الكتاب يف‬
‫�أو كادت‪ ،‬فهل كنت خمطئ ًا يف ما تو�صلت �إليه‬ ‫الأحوال‪ -‬على الآخرين‪ ،‬يطلون عليهم من‬ ‫ف�أعاد الن�ص كالمهم وا�ستعاره‪ ،‬و�أحيانا حطّ مه‬ ‫العادة‪ ،‬و�أ�صبح ظاهرة يف الدرا�سة‪ ،‬بل مو�ضة‬
‫من نتائج لهذه القراءة؟ وهل �أفلحت القراءة‬ ‫�شرفات الكتب‪ ،‬في�سرقونهم دون �إذن!‬ ‫و�أحيانا بدله‪ ،‬و�أحيانا قلّده‪ ،‬و�أحيانا مترد عليه‪.‬‬ ‫مل ي�سلم منها ناقد �أو دار�س �أو كاتب‪ ،‬وخا�صة‬
‫الثانية للجدارية �أن تق�ضي على القدا�سة �أي�ض ًا‬ ‫�أهم ما قالته يل القراءة الثانية �أن الرباءة من‬ ‫يف هذه القراءة امتلأت ال�صفحات باخلطوط‬ ‫يف النقد البنيوي‪ ،‬والنقد الثقايف‪ ،‬لذلك عدت �إىل‬
‫ولي�س على املتعة فقط؟‬ ‫دم الن�صو�ص ال�سابقة �شيء نادر احلدوث‪ ،‬بل‬ ‫وغ�صت‬‫ّ‬ ‫واخلرب�شات املكتوبة بقلم احلرب‪،‬‬ ‫الكتاب لأقر�أه قراءة ال تقع �ضمن �شروط قراءة‬
‫عد النقاد �أنه �أمر الزم‪ ،‬فلي�س �سهال �أن‬ ‫رمبا ّ‬ ‫باال�ستح�ضارات لكتب الآخرين ومقوالتهم‪،‬‬ ‫"امل�ستمتع" بل حتت التفتي�ش عن "ال�صناعة"‬
‫‪57‬‬ ‫‪56‬‬
‫إبــــــداع‬ ‫إبــــــداع‬

‫إبراهيم فرغلي يستعيد ابن رشد في رواية‬


‫« بيت من زخرف – عشيقة ابن رشد «‬

‫زخرف ابن رشد وعشيقته‬

‫احل�سبة – بالتفريق بينه وبني زوجته " جليلة " التي‬ ‫بالفعل الذي ميتاز به البع�ض ممن يعملون عقلهم يف‬
‫�أ�صيبت بجلطة دماغية ماتت على �إثرها ‪� ،‬إذ اعتربت‬ ‫ت�أويل الن�صو�ص الدينية لف�ض التعار�ض الظاهري بني‬
‫حكم التفريق مبثابة حكم بالإعدام ‪ ،‬واحلق �أن حمنة‬ ‫الن�ص والعقل ‪ ،‬والتقريب بني احلكمة – الفل�سفة –‬
‫هذا الأ�ستاذ اجلامعي تقرتب كثري ًا‪ -‬من خالل بع�ض‬ ‫وال�شريعة ‪ .‬وهو ما رف�ضه فقهاء النقل حني تعاملوا‬
‫الإ�شارات ال�سردية – من حمنة "ن�صر حامد �أبوزيد"‬ ‫– فح�سب – مع ظاهر الن�ص ‪ ،‬وتوقفوا �أمام دالالته‬
‫‪ ،‬فقد طلب من االثنني النطق بال�شهادة وهذا يعني �أنهم‬ ‫ال�سطحية املبا�شرة ‪.‬‬
‫تدخلوا يف نيتيهما وحكموا ب�أنهما كافران ‪ ،‬والنطق‬ ‫محمد السيد ‪ .‬مصر‬
‫بال�شهادة �أمام املحكمة طريقة يف اال�ستتابة‪ ،‬وعندما‬ ‫• املا�ضي واحلا�ضر ‪:‬‬ ‫و�إذا كان من املمكن و�صف هذه الرواية – " بيت من‬ ‫كثرية هي ال�شخ�صيات الإ�شكالية يف الثقافة‬
‫يحكي "�سعد الدين �إ�سكندر" عن نف�سه يبدو وك�أنه‬ ‫من البداهة �أن نقول �إن "�إبراهيم فرغلي" ال يعود‬ ‫زخرف – ع�شيقة ابن ر�شد " ( دار ال�شروق ) – ب�أنها‬ ‫الإ�سالمية ‪ ،‬وي�أتي ابن ر�شد يف مقدمة هذه‬
‫يتحدث عن حياة "ن�صر �أبوزيد" التي نعرفها حني‬ ‫�إىل ابن ر�شد ال�ستعادة فرتة تاريخية فح�سب ‪ ،‬بل‬ ‫رواية تاريخية ت�سرد جانب ًا كبري ًا من حياة ابن ر�شد‪،‬‬ ‫ال�شخ�صيات ‪ ،‬مبا �أثاره – وما زال يثريه – من‬
‫يقول " �أنا ابن عامل ب�سيط ‪ ،‬ع�شت حياة ب�سيطة ‪،‬‬ ‫من �أجل �إ�سقاط هذا التاريخ على الواقع الراهن‪،‬‬ ‫ق�ضايا كانت والتزال مو�ضع عداوات و�صلت‬
‫يظل من املمكن �أي�ض ًا و�صفها ب�أنها رواية معرفية من‬
‫ودر�ست درا�سة عادية يف �أحد املعاهد ‪ ،‬ومل �أبد�أ‬ ‫وذلك من خالل توظيف بنية التوازي بني حمنة "ابن‬ ‫حد التكفري الذي �أ�شهره "�أبو حامد الغزايل"‬
‫خالل طرحها لق�ضايا من قبيل ‪ :‬العقل والنقل‪ ،‬والعقل‬ ‫يف وجه "ابن ر�شد" يف كتابه ال�شهري " تهافت‬
‫الدرا�سة الأكادميية يف جمال تخ�ص�صي �إال بعد زمن‬ ‫ر�شد" وحمنة �أ�ستاذ اجلامعة امل�صري "�سعد الدين‬ ‫املفارق والعقل الفعال‪� ،‬أو لنقل العقل املوجود بالقوة‬ ‫الفال�سفة "‪ ،‬ورد "ابن ر�شد" عليه بكتاب "‬
‫وبعد معاناة مع احلياة "‪.‬‬ ‫ا�سكندر" الذي حكمت املحكمة عليه – طبق ًا لقانون‬ ‫الذي ي�شرتك فيه ماليني الب�شر‪ ،‬والعقل املوجود‬ ‫تهافت التهافت " ‪.‬‬

‫‪59‬‬ ‫‪58‬‬
‫إبــــــداع‬ ‫إبــــــداع‬

‫�أي �إ�سكندر – �أن �أ�ستخرج خمطوط مانويال من باطن الفال�سفة و�أمر ب�إحراق كتب ابن ر�شد‪.‬‬ ‫وهكذا يبدو الأمر وك�أننا �أمام بنيتني متوازيني‪ ،‬الأوىل • تعدد الأ�صوات ال�ساردة ‪:‬‬
‫الأر�ض"‪.‬‬ ‫تنق�سم الرواية �إىل �ستة �أق�سام حتمل العناوين الآتية ‪:‬‬ ‫معلنة بني �إ�سكندر وابن ر�شد‪ ،‬والثانية �ضمنية ميكن‬
‫ويبدو �أن املكان له ت�أثريه البالغ على املواقف والر�ؤى وقد يوظف الكاتب اخليال الفانتازي كما يف ر�ؤية‬ ‫اخلبيئة – �أفريوي�س – كتاب مانويال – لبنى القرطبية‬ ‫ا�ستنتاجها بني "�إ�سكندر" و"ن�صر �أبو زيد"‪ ،‬تقول‬
‫فيذكر �إ�سكندر �أن مارجريت قد ذكرتنا "مبواقف �إ�سكندر لتلك املر�أة الغجرية التي ر�أى عينها جتحظ‬ ‫– كتاب �إ�سكندر‪ ،‬ثم ي�أتي الق�سم ال�ساد�س بال عنوان‬ ‫�إيليا التي وقعت يف غرام �إ�سكندر وا�صفة الت�شابهات‬
‫و�شخ�صيات و�أ�ساتذة در�سوا لنا‪ ،‬وا�ستدعت طرائف وتقع �أمامها وترك�ض مثل كرة‪ .‬وميتد هذا اخليال‬ ‫لكنه مروي من خالل "ماريا �إيلينا"‪.‬‬ ‫بني ابن ر�شد و"�إ�سكندر"‪ :‬انده�شت من �شدة ت�شابه‬
‫ومفارقات من حياتنا يف مو�سكو التي ج�سدت لنا الفانتازي يف ر�ؤية ابن �أبي الوليد ابن ر�شد لكتب �أبيه‬ ‫ال�صراع على ال�سلطة املعرفية الذي راح �ضحيته‬
‫حلم ًا كبري ًا �أنذاك‪ ،‬وانحيازات عاطفية لال�شرتاكية "التي غدت غرانيق حملقة يف ال�سماء م�ؤثرة �أن تغدو‬ ‫وقد �أدى انق�سام الرواية �إىل هذه الأق�سام �إىل تعدد‬ ‫�إ�سكندر كما راح �ضحيته �أفريوي�س – �أحد �أ�سماء ابن‬
‫وال�شيوعية واالنبهار بالدفء الذي ي�سيطر على حرة مثل �أفكار �صاحبها "‪ ،‬هذه الأفكار التي ا�ستقاها‬ ‫الأ�صوات ال�ساردة ما بني "ماريا" و"�إ�سكندر"‬ ‫ر�شد يف الغرب – من قبل "‪ ،‬والالفت هو مالحظتها‬
‫عالقات النا�س الذين التفرق بينهم فوارق الطبقات "‪ .‬ابن ر�شد من �صباه وجعلت من الأندل�س يوتوبيا جتمع‬ ‫و"لبنى القرطبية" والراوي اخلارجي العليم �صانع ًا‬ ‫�أن �إ�سكندر ينتمي �إىل املدر�سة الر�شدية و" �أن ما جعله‬
‫�إننا �أمام عوملة وا�ضحة جتمع مو�سكو وقرطبة وم�صر بني �أ�صحاب الديانات الثالثة حني يقول ‪ :‬مل نكن "‬ ‫بذلك ما �سماه باختني بالبولوفينية وتعدد الر�ؤى ور�سم‬ ‫يرى �ضرورة اخلروج من م�صر هو �شعوره ب�أنه وحيد‬
‫و�سوريا‪ ،‬وقد ات�ضح هذا من اختالف جن�سيات و�أديان نبايل �إن كان العيد يخ�صنا نحن امل�سلمني �أو عيد ًا‬ ‫لوحة �سردية كبرية تكمل كل حكاية فيها الأخرى‪.‬‬ ‫يف مواجهة قوى ظالمية ميكنها �أن تغتال �أي �شخ�ص‬
‫�أ�صدقاء مارجريت الذين قدمتهم لإ�سكندر‪ :‬بتول‪ ،‬للن�صارى �أو اليهود ‪ ،‬فالعيد عيد وال�صبية من اليهود‬ ‫كما تت�شابك ال�شخ�صيات‪ ،‬فماريا التي تعد ر�سالة‬ ‫معنوي ًا بالت�شكيك يف تدينه "‪ ،‬وهذا ما يجمع بني‬
‫والن�صارى ممن ي�شاركوننا احتفاالت العيد يرتقبون‬ ‫لوي�س ‪ ،‬م�صطفى‪ ،‬كارمن‪ ،‬عا�صي‪.‬‬ ‫دكتوراه عن فل�سفة الفن تقع يف غرام "�سعد الدين‬ ‫ال�شخ�صيات الثالثة امل�شار �إليهم‪ .‬يقول فرغلي �إنه "‬
‫م�شاركتنا لهم مرح �أعياد امليالد والف�صح و�سواهما‬ ‫�إ�سكندر" امل�صري املهاجر �إىل قرطبة واملهتم بالفل�سفة‬ ‫مدين �أو ًال بال�شكر لقائمة طويلة من امل�ؤلفني واملفكرين‬
‫" لكن هذا احللم �سرعان ما يتبدد حتت وط�أة العقلية‬ ‫• الكتب الطائرة ‪:‬‬ ‫الإ�سالمية خا�صة فل�سفة ابن ر�شد‪ ،‬بعد �إقامته –‬ ‫الذين �أتيحت يل قراءة ما كتبوه حول �سرية و�أفكار‬
‫وظف �إبراهيم فرغلي – يف كثري من املوا�ضع – النقلية التي مل تفعل �شيئ ًا �سوى �إعادة �إنتاج الوثنية‬ ‫فرتة – يف مو�سكو ومعرفته مبارجريت‪ .‬واهتمام‬ ‫ابن ر�شد وحول تاريخ الأندل�س‪ ،‬وقد ت�ضمنت الرواية‬
‫الأحالم التي قد تتحول �أحيان ًا �إىل كوابي�س ‪ ،‬تقول ولكن ب�أدوات جديدة حيث " ا�ستخدم الدين نف�سه‬ ‫مانويال – �صديقة ماريا – مبجموعة �أوراق من�سوبة‬ ‫بع�ض ًا من فقرات اجتز�أتها من تلك الن�صو�ص‪ ،‬وبع�ضها‬
‫لبنى القرطبية حتت عنوان "ر�ؤيا"‪" :‬ر�أيتني ليلة الذي جاء ليثور على الوثنية ليغدو وثن ًا جديد ًا بوا�سطة‬ ‫البن ر�شد الذي بدا بو�صفه خيط ًا رئي�سي ًا جامع ًا لهذه‬ ‫من كتب ابن ر�شد الأ�صلية �أي�ض ًا"‪.‬‬
‫�أم�س مع �أبي الوليد‪ ،‬كنا نتحدث حديث ًا هام�س ًا كالذي تلك العقليات اجلامدة "‪ ،‬وقد جت�سد هذا العقل اجلامد‬ ‫ال�شخ�صيات القدمية واملعا�صرة على نحو ماظهر يف‬
‫يدور بني الع�شاق‪ ،‬ثم �سمعنا �أ�صوات ًا وجلبة‪ ،‬وقبل �أن يف "زياد" ابن كمال و"بيالر" �شقيقة مانويال الذي‬ ‫عالقة لبنى القرطبية تلميذته وعا�شقته وك�أنها �صورة‬‫هذا املقتب�س من هام�ش الرواية ي�ؤكد ما �أ�شرت �إليه �أن‬
‫ندرك ماحدث ر�أينا ملثمني على جوادين يقرتبان منا ا�ستباح قتل الأبرياء ظن ًا منه �أن ذلك جهاد يف �سبيل‬ ‫قدمية لعالقة ماريا ب�إ�سكندر الذي حولته من �أ�ستاذ‬‫الرواية تت�ضمن جانب ًا معرفي ًا مبا�شر ًا‪ .‬وقد ات�ضح هذا‬
‫يف هرولة"‪ ،‬وهكذا تبد�أ الر�ؤيا بحلم هام�س جميل الدين ‪.‬‬ ‫حتت عنوان "الن�ساخ" حني يورد ما ذكره ابن ر�شد‬
‫فل�سفة �إىل ناب�ش قبور ال�ستخراج �أوراق مانويال التي‬
‫بني عا�شقني ثم تتحول فج�أة �إىل كابو�س بظهور هذين‬ ‫عن " التكلم بني ال�شريعة واحلكمة"‪ ،‬و�أنه‪ " :‬يجب‬
‫ا�ضطرت ماريا لدفنها معها‪.‬‬
‫امللثمني‪ .‬ورمبا تكون هذه الر�ؤيا على �إيجازها تعبري ًا‬ ‫بال�شرع النظر يف القيا�س العقلي و�أنواعه"‪ ،‬و�إثباته‬
‫عن حياة ابن ر�شد الذي و�صل �إىل من�صب "قا�ضي‬ ‫للعديد من الآيات الكرمية الداعية �إىل �إعمال العقل ويف هذا ال�سياق ت�أتي ق�صة "عا�صي" الذي ترجم �أحد‬
‫الق�ضاة " يف زمن ال�سلطان " �أبو يعقوب يو�سف بن‬ ‫والتدبر يف الآيات الكونية‪ ،‬وعليه‪ :‬فمن "الواجب �أن �أعمال ابن ر�شد �إىل العربية و�شارك يف نحت متثاله‬
‫عبد امل�ؤمن " املحب للفل�سفة‪ ،‬ثم انتهى به الأمر – �أي‬ ‫يف قرطبة‪ ،‬والذي �أراد �أن ينقذ منحوتاته "فحفر لها‬ ‫جنعل نظرنا يف املوجودات بالقيا�س العقلي"‪.‬‬
‫ابن ر�شد – �إىل النفي يف عهد املن�صور الذي عادى‬ ‫عميق ًا يف باطن الأر�ض – يف �سوريا – و�أردت –‬
‫‪61‬‬ ‫‪60‬‬
‫إبــــــداع‬ ‫إبــــــداع‬

‫الإ�سماعيليني‪ ،‬حيث اعتنق املذهب ال�شيعي الإ�سماعيلي‬ ‫امل�سل�سل ال�سوري "عمر اخليام" ‪ ،2002‬وامل�سل�سل‬
‫بعدما كان ينتمي للمذهب ال�شيعي االثني ع�شري‪ ،‬وهو‬ ‫امل�صري "الإمام الغزايل" ‪ ،2012‬وم�سل�سل‬
‫بعمر الـ ‪ ،17‬بح�سب ما ورد يف مذكراته‪.‬‬ ‫ضال عن روايات �أدبية عدة‬ ‫"�سمرقند" ‪ ،2016‬ف� ً‬ ‫بعيداً عن األساطير والقصص الدرامية‪..‬‬
‫وين�سب اال�سماعيليون �أنف�سهم �إىل �إ�سماعيل بن جعفر‬ ‫�أ�شهرها رواية "�سمرقند" للأديب اللبناين �أمني‬
‫ال�صادق بن حممد الباقر بن على بن احل�سني‪ ،‬وقد‬ ‫معلوف‪ ،‬ورواية قلعة �أملوت للكاتب فالدميري بارتول‪.‬‬
‫انق�سم ال�شيعة بعد �إمامهم جعفر ال�صادق �إىل جعفرية‬
‫و�إ�سماعيلية‪ ،‬نتيجة نزاع على الإمامة‪.‬‬
‫كما ا�ستلهمت لعبة ‪Assassin's Creed‬‬
‫�سرديتها وا�سمها من هذه الطائفة‪ ،‬وكانت ال�شهرة‬
‫ماذا عن احلشاشني؟‬
‫وبينما كان الإ�سماعيليون يوالون الدولة ال�شيعية‬ ‫التي حققتها اللعبة الإلكرتونية خري مثال على اجلاذبية‬
‫الفاطمية‪ ،‬ان�سحب ذلك على توجهات ال�صباح‪ ،‬الذي‬ ‫الكبرية لق�صة هذه اجلماعة التاريخية‪.‬‬
‫كان يرحتل بني املدن الفار�سية يف ذلك احلني‪ ،‬متعلم ًا‬ ‫بيد �أنه وبخالف الأعمال الأدبية والدرامية‪ ،‬حتمل‬
‫ونا�شر ًا للدعوة الإ�سماعيلية‪ ،‬وتوجه عام ‪� 1078‬إىل‬ ‫املعطيات التاريخية املو�ضوعية ت�صحيح ًا للكثري من‬
‫القاهرة بتوجيه من كبري الدعاة الإ�سماعيليني عبد امللك‬ ‫املعطيات ب�ش�أن طائفة "احل�شا�شني"‪ ،‬بدء ًا من ا�سمها‪،‬‬
‫بن عطا�ش‪ ،‬لتقدمي الوالء للخليفة الفاطمي امل�ستن�صر‬ ‫مرور ًا بق�ص�ص قادتها‪ ،‬ولي�س انتهاء عند �سمعتها‪،‬‬
‫بالله وت�سجيل ا�سمه يف البالط‪ ،‬ومكث يف م�صر نحو‬ ‫ك�أول من انتهج االغتيال ال�سيا�سي املنظم يف التاريخ‬
‫‪� 3‬سنوات بعدما نال حظوة اخلليفة‪� ،‬إال �أنه غادرها‬ ‫الإ�سالمي‪.‬‬
‫الحق ًا بعد خالف مع �أمري اجليو�ش‪ ،‬الوزير بدر الدين‬ ‫• ن�ش�أة من رحم اخلالفات‪:‬‬
‫اجلمايل‪ ،‬الذي كان �أقرب ما يكون احلاكم الفعلي‪،‬‬ ‫ظهرت جماعة "احل�شا�شني" �أواخر القرن احلادي‬
‫وتعر�ض ال�صباح للمالحقة‪ ،‬وجل�أ �إىل بالد ال�شام‪ ،‬ثم‬ ‫ع�شر ميالدي‪ ،‬يف ذروة �صراع حمتدم بخلفيات‬
‫بغداد‪ ،‬ليعود �إىل بالد فار�س حيث بد�أ التمهيد لثورة‬ ‫مذهبية (�سنية ‪�-‬شيعية) ما بني ال�سالجقة والدولة‬ ‫الليبي‪ .‬وكاالت‪.‬حسين طليس‪ .‬لبنان‪.‬‬
‫على ال�سالجقة‪.‬‬ ‫العبا�سية التي كان مركزها يف بالد ما بني النهرين‬
‫موت امل�ستن�صر بالله‪ ،‬حمل لدولة الفاطميني انق�سام ًا‬ ‫(العراق) وبالد فار�س من جهة‪ ،‬والدولة الفاطمية التي‬ ‫ضال عن �سمعة مرعبة �ساهمت يف‬‫ال�شرق الأو�سط‪ ،‬ف� ً‬ ‫مل يكن م�سل�سل "احل�شا�شني" التاريخي الذي ُعر�ض‬
‫�آخر ب�ش�أن �أحقية اخلالفة �أو "الإمامة"‪ ،‬ما بني �أبناء‬ ‫كانت تتخذ من م�صر و�شمال �أفريقيا مركز ًا لها من جهة‬ ‫ن�سج وانت�شار الكثري من الأ�ساطري واخلرافات‪ ،‬ال‬ ‫�ضمن املو�سم الرم�ضاين �ألأخري �أول الأعمال الدرامية‬
‫امل�ستن�صر بالله‪ ،‬نزار امل�صطفى لدين الله و�أحمد‬ ‫�أخرى‪ ،‬يف وقت كانت ت�شهد املنطقة ما عرف بالغزوات‬ ‫تزال حتى اليوم تثري اجلدل والنقا�ش التاريخي ب�ش�أن‬ ‫والفنية التي ت�سلط ال�ضوء على هذه اجلماعة الإ�سالمية‬
‫امل�ستعلي بالله‪� ،‬إال �أن اجلمايل وابنه �أف�ضل �شاهن�شاه‪،‬‬ ‫ال�صليبية التي �شنها قادة م�سيحيون �أوروبيون‪.‬‬ ‫�صحتها‪.‬‬ ‫من القرون الو�سطى‪� ،‬إذ لطاملا �ألهمت ق�ص�ص طائفة‬
‫�أيدا تن�صيب امل�ستعلي بالله وجعلوه خليفة يف القاهرة‪،‬‬ ‫ت�أ�س�ست هذه اجلماعة على يد ح�سن ال�صباح احلمريي‬ ‫"احل�شا�شني" الروائيني والكتاب واملخرجني‪ ،‬بل‬
‫بينما هرب �شقيقه نزار �إىل الإ�سكندرية و�أطلق ثورة‬ ‫(‪ )1124 – 1037‬الذي ولد يف بالد فار�س ون�ش�أ‬ ‫و�سبق م�سل�سل "احل�شا�شني" الذي ّ‬
‫ج�سد ق�صة زعيم‬ ‫وحتى منتجي الألعاب الإلكرتونية‪.‬‬
‫على �أخيه حتى �سجن وقتل‪.‬‬ ‫حتديد ًا يف منطقة "الري"‪ ،‬التي كانت حتت حكم‬ ‫وبدا هذا االهتمام طبيعيا نظر ًا ملا حملته تلك الق�ص�ص هذه اجلماعة‪ ،‬ح�سن ال�صباح‪ ،‬العديد من الأعمال‬
‫كان ال�صباح يف ذلك الوقت منادي ًا بخالفة نزار ون�سله‬ ‫ال�سالجقة يف ذلك احلني‪ ،‬فيما كان �سكانها من ال�شيعة‬ ‫من ت�شويق و�أحداث وتطورات غيرّ ت يف جمرى تاريخ الدرامية التلفزيونية التي تناولت الق�صة‪ ،‬من �أبرزها‬

‫‪63‬‬ ‫‪62‬‬
‫إبــــــداع‬ ‫إبــــــداع‬

‫ال�سيا�سي الذي نفذته هذه اجلماعة‪ ،‬وذلك بح�سب ما‬ ‫ويف حديثه ملوقع "احلرة" يرجح الباحث التاريخي‬ ‫�أوروبا‪ ،‬وا�شتهروا تاريخي ًا با�سم "احل�شا�شني" �أو‬ ‫و�أحقيتهم بالإمامة‪ ،‬بنا ًء على تو�صية والده امل�ستن�صر‬
‫يرد يف قامو�س �أوك�سفورد‪.‬‬ ‫والروائي عبا�س احل�سيني‪� ،‬أن تكون ت�سمية‬ ‫"احل�شي�شية"‪ ،‬وراجت ب�ش�أن �أ�صول هذه الت�سمية‬ ‫وت�سميته خلليفته‪ ،‬مما جعل ال�صباح �أقرب ليكون الأب‬
‫وي�شرح يف حديثه ملوقع "احلرة" �أن الت�سميات‬ ‫احل�شا�شني حتوير لكلمة "�أ�سا�سني" ‪،Assasins‬‬ ‫فر�ضيات عدة‪ ،‬بينها �أنهم �سميوا "احل�سا�سني" ن�سبة‬ ‫الروحي للطائفة النزارية يف بالد فار�س‪ ،‬و�أبرز الدعاة‬
‫التي تطلق يف التاريخ على اجلماعات "عادة ما ت�أتي‬ ‫التي تعني "القتلة" �أو منفذي االغتياالت ال�سيا�سية‪،‬‬ ‫لزعيمهم ح�سن‪ ،‬فيما تقول روايات �أخرى �أن الكلمة‬ ‫امل�ؤ�س�سني لها والتي خرجت منها فرقة "احل�شا�شني"‪.‬‬
‫الحق ًا ولي�س يف زمنهم‪� ،‬أو وفق ما كانوا يطلقون على‬ ‫وا�ستخدمها ال�صليبيون يف و�صفهم ثم انتقلت �إىل‬ ‫متثل لفظ ًا �أوروبيا لكلمة "الع�سا�سني" العربية امل�شتقة‬ ‫و�سرعان ما اكت�سب ال�صباح بن�شاطه الدعوي‪ ،‬عداوات‬
‫�أنف�سهم‪ ،‬ومل تكن هناك فكرة "الت�سمية الر�سمية"‬ ‫العربية‪ ،‬لي�ستخدم م�صطلح احل�شا�شني كنوع من‬ ‫من "ع�س�س"‪ ،‬وتعني حرا�س القالع واحل�صون‪.‬‬ ‫كثرية جعلته مالحق ًا ومطلوب ًا جلهات عدة‪� ،‬أبرزهم‬
‫ملثل هذه اجلماعات‪ ،‬ولكن هناك ارتباط للت�سمية‬ ‫الذم والت�شويه لهذه الفرقة من قبل �أعدائها‪.‬‬ ‫ال�سالجقة والفاطميني (امل�ستعلية) على حدٍ �سواء‪ ،‬مما‬
‫باحل�شي�ش‪ ،‬وهذا �أمر وا�ضح‪ ،‬رغم الآراء التي ترفع‬ ‫ويرتكز احل�سيني يف ذلك �إىل عدم ورود هذه الروايات‬ ‫وكان �أكرث الروايات انت�شار ًا تلك التي تتحدث عن‬ ‫دفعه للجوء �إىل قلعة "�أملوت" (وتعني ع�ش الن�سر)‬
‫عن امل�صطلح ذلك االرتباط‪.‬‬ ‫(ب�ش�أن ا�ستخدام املخدرات) يف امل�صادر العربية‬ ‫عالقة خمدر احل�شي�ش بتجنيد املقاتلني يف هذه‬ ‫الواقعة يف جبال الديلم جنوب بحر قزوين‪ ،‬التي بنيت‬
‫وي�ضيف �أن ا�ستخدام املخدرات يف احلروب‬ ‫والفار�سية التي تناولت اجلماعة‪ ،‬مثل م�ؤلفات الباحث‬ ‫الطائفة‪ ،‬وغ�سل عقولهم‪ ،‬و�إيهامهم من �أجل اكت�ساب‬ ‫لتكون ح�صن ًا جبلي ًا منيع ًا على ارتفاع ‪ 2100‬مرت‬
‫تاريخي ًا مل يكن ظاهرة جديدة يف ذلك احلني‪ ،‬وال هم‬ ‫وامل�ؤرخ حممد عثمان اخل�شت (كتاب حركة احل�شا�شني‬ ‫والئهم املطلق ودفعهم �إىل افتداء قادتهم ب�أنف�سهم دون‬ ‫(تبعد نحو ‪ 100‬كلم عن طهران)‪ ،‬وكانت حتت �سلطة‬
‫(احل�شا�شون) من اخرتعها‪ ،‬يف �سبيل تطويع املقاتلني‬ ‫تاريخ وعقائد �أخطر فرقة �سرية يف العامل الإ�سالمي)‪،‬‬ ‫خوف من املوت‪.‬‬ ‫ال�سالجقة قبل �أن ينجح ال�صباح يف ا�ستمالة الن�سبة‬
‫للقيام مبهماتهم‪ ،‬وبالتايل ميكن لذلك �أن يكون قد‬ ‫وم�ؤلفات الباحث الأكادميي الإيراين فرهاد دفرتي‬ ‫وان�ساقت روايات و�أعمال درامية عدة خلف هذه‬ ‫الأكرب من حاميتها وك�سب والئهم انتها ًء بال�سيطرة‬
‫ح�صل‪� ،‬أو ال‪.‬‬ ‫(خرافات احل�شا�شني و�أ�ساطري الإ�سماعيليني)‪.‬‬ ‫النظرية‪ ،‬امل�شكوك ب�صحتها الأمر الذي زاد من‬ ‫على القلعة وطرد حاكمها بعد �إعطائه ثمن القلعة‪ ،‬وفق‬
‫وال يوجد �سبيل للت�أكد يف ظل غياب امل�صادر‪ ،‬حتى‬ ‫وبح�سب دفرتي ف�إنه مل يرد يف الن�صو�ص الإ�سماعيلية‪،‬‬ ‫تر�سخها‪ ،‬يف وقت تُطرح عالمات ا�ستفهام جوهرية‬ ‫امل�صادر التاريخية‪.‬‬
‫الأولية منها‪ ،‬بكون هذه اجلماعة مل تكتب عن نف�سها‬ ‫وال �أ ّي ًا من الن�صو�ص الإ�سالمية غري الإ�سماعيلية التي‬ ‫ب�ش�أنها يف ظل �ضعف الروايات التاريخية التي تدعم‬ ‫• قلعة �أملوت ن�سج حولها الكثري من الأ�ساطري‪:‬‬
‫وال �أر�شفت وال كانت مهتمة بالأعمال الأدبية‪" ،‬وحتى‬ ‫كانت معادية للنزاريني‪ ،‬ما ي�شهد باال�ستعمال الفعلي‬ ‫هذا التف�سري‪ ،‬خا�صة من ناحية روايات الإ�سماعيليني‬ ‫وباتت قلعة �أملوت قاعدة انطالق لدعوة ال�صباح‪،‬‬
‫الآن ال نعلم ماذا ي�سمون �أنف�سهم‪ ،‬فالنزارية �أي�ضا‬ ‫للح�شي�ش املخدر من قبل النزاريني‪ ،‬حتى امل�ؤرخني‬ ‫�أنف�سهم‪� ،‬إذ مل يرد �أي ربط باحل�شي�ش‪� ،‬إال من ناحية‬ ‫ومركز ًا لفرقة "احل�شا�شني" فيما بعد‪ ،‬وجل�أ �إليها‬
‫ت�سمية �أطلقت عليهم ومل يطلقوها على �أنف�سهم‪".‬‬ ‫الرئي�سيني للنزاريني مثل "�أبو املعايل اجلويني" الذي‬ ‫�أعداء هذه الطائفة‪.‬‬ ‫ناجون من �أتباع نزار من م�صر‪ ،‬بينما حتولت فكرة‬
‫و ُير�صد �أول ا�ستخدام موثق مل�صطلح "احل�شي�شية"‬ ‫فند دوافعهم ومعتقداتهم مل ي�شر �إليهم باحل�شا�شني‪،‬‬ ‫وبح�سب املو�سوعة الربيطانية املحدودة "بريتانيكا"‪،‬‬ ‫القلعة �إىل جتربة جرى تعميمها يف �أكرث من منطقة‪،‬‬
‫يف و�صف الطائفة النزارية‪ ،‬يف ر�سالة كتبها اخلليفة‬ ‫كذلك بالن�سبة �إىل امل�ؤرخ الفار�سي "ر�شيد الدين‬ ‫ف�إن معظم املعلومات عن النزاريني التي و�صلت �إىل‬ ‫حيث �سيطر �أتباع ال�صباح على العديد من القالع‬
‫الفاطمي الآمر ب�أحكام الله �سنة ‪1123‬م (الر�سالة‬ ‫طبيب"‪ ،‬يف حني �أن امل�صادر العربية التي ت�شري �إليهم‬ ‫�أوروبا "جاءت من م�صدرين معاديني‪ ،‬امل�سلمني ال�سنة‬ ‫واحل�صون اجلبلية املنيعة يف بالد فار�س وبالد ال�شام‬
‫املو�سومة بالهداية الآمرية يف �إبطال دعوى النزارية)‬ ‫بذلك ال ت�شرح البتة هذه الت�سمية من جهة ا�ستعمال‬ ‫وال�صليبيني"‪ .‬وت�ضيف �أن اجلوانب الأكرث غرابة‬ ‫وا�ستقروا وتدربوا فيها وانطلقوا منها يف دعوتهم‬
‫واملر�سلة �إىل الإ�سماعيليني يف ال�شام لنق�ض �إمامة‬ ‫احل�شي�ش‪.‬‬ ‫يف الأ�ساطري ب�ش�أنهم‪ ،‬مثل ا�ستخدام املخدرات‪ ،‬ال‬ ‫الدينية وعملياتهم احلربية النوعية التي �أ�س�ست‬
‫نزار امل�صطفى لدين الله والت�أكيد على �إمامة امل�ستعلي‪،‬‬ ‫تدعمها م�صادر �إ�سماعيلية‪ .‬حتى ا�سم احل�شا�شني كان‬ ‫ل�شهرتهم‪.‬‬
‫حيث ورد م�صطلح "احل�شي�شية" مرتني من دون‬ ‫ويف املقابل ي�ؤكد الباحث‪� ،‬أ�ستاذ التاريخ �شارل‬ ‫م�صطلح ًا حتقريي ًا‪ ،‬مل ي�ستخدمه النزاريون �أنف�سهم‬ ‫• الت�سمية واحل�شي�ش‪:‬‬
‫تقدمي �سبب وا�ضح لذلك‪ ،‬ودون ربط الأمر باملخدر‪.‬‬ ‫حايك �أن كلمة ‪ Assasins‬هي التي جاءت من‬ ‫قط‪.‬‬ ‫عرفت الطائفة ب�أ�سماء عدة بينها‪ :‬النزارية‪ ،‬الباطنية‪،‬‬
‫كذلك متت الإ�شارة مل�صطلح "احل�شي�شية" مرة‬ ‫كلمة "احل�شا�شني" واكت�سبت معناها بفعل االغتيال‬ ‫الدعوة اجلديدة‪ ،‬الفدائيون‪�" ،‬أ�سا�سني" �أو القتلة يف‬
‫‪65‬‬ ‫‪64‬‬
‫إبــــــداع‬ ‫إبــــــداع‬

‫التابعة ملعهد �سميث�سونيان يف الواليات املتحدة �أكدت والدفاع و�إرهاب �أعدائها‪ ،‬ب�صورة ممنهجة ومنظمة‬ ‫�سوف ُيعيدهم �إىل اجلنة مرة �أخرى‪ ،‬و�إذا قُتلوا �أثناء‬ ‫�أخرى يف كتاب "زبدة الن�صرة" للم�ؤرخ البنداري‬
‫فيه �أنه "لي�س لدى العلماء �أي دليل حقيقي على �أنهم وم�ؤذية‪� ،‬أدت يف كثري من احلاالت �إىل تغيريات جذرية‬ ‫ت�أدية مهماتهم ف�سوف ت�أتي �إليهم مالئكة ت�أخذهم �إىل‬ ‫الأ�صبهاين‪ ،‬الذي �أرخ لفرتة احلكم ال�سلجوقي‪،‬‬
‫(النزاريني) �شاركوا يف الفجور الذي و�صفه بولو‪ ،‬يف م�سار التاريخ وم�صري املنطقة‪.‬‬ ‫اجلنة‪".‬‬ ‫دون الإ�شارة �أي�ض ًا �إىل ا�ستخدام الفرقة للمخدر‪،‬‬
‫�أو �أنهم ا�شرتطوا وعود ًا مادية باجلنة كدافع"‪ .‬ونقلت‬ ‫ويف هذا ال�سياق‪ ،‬ي�ؤكد "احل�سيني" �أن ق�ص�ص‬ ‫�إذ ا�ستخدم الكاتب م�صطلحات مثل "املالحدة"‬
‫عن املورخ فرهاد دفرتي قوله‪" :‬على العك�س من ذلك‪ ،‬وتتفق امل�صادر التاريخية على �أن اجتاه جماعة‬ ‫اجلواري والفردو�س واملخدرات غري �صحيحة �إطالق ًا‪،‬‬ ‫و"الباطنية" يف �سياق ذمه للجماعة‪ ،‬وهو ما يطرح‬
‫كان الفدائيون‪� ...‬أفراد ًا يقظني ور�صينني للغاية وكان احل�شا�شني ال�ستخدام �أ�ساليب االغتيال ال�سيا�سي‬ ‫"وامنا من وحي خيال الأوروبيني"‪ ،‬ال�سيما �أن‬ ‫ا�ستفهام ب�ش�أن ال�سياق واملعنى املق�صود من كلمة‬
‫عليهم يف كثري من الأحيان االنتظار ب�صرب ولفرتات كانت و�سيلتهم الوحيدة للمواجهة يف وقت كانوا‬ ‫ال�صليبيني ذهلوا مما كان ميكن لأبناء هذه الطائفة �أن‬ ‫"ح�شي�شية"‪.‬‬
‫طويلة من �أجل العثور على فر�صة منا�سبة لإجناز حماطني بهذا احلجم من الدول املعادية وجيو�شها‬ ‫يقدموا عليه يف �سياق االغتيال ال�سيا�سي‪.‬‬ ‫• ماركو بولو واخليال الأوروبي‪:‬‬
‫الكبرية‪.‬‬ ‫مهامهم"‪.‬‬ ‫وي�ضيف "ثم جاء رحالة مثل "ماركو بولو" وغريه‬ ‫�أما الإ�شارات التاريخية ال�ستخدام اجلماعة للمخدرات‬
‫وي�ضيف دفرتي �أن "الأ�سطورة ال�سوداء" التي وبح�سب تقرير ملجلة نا�شونال جيوغرافيك‪ ،‬ف�إن الفرقة‬ ‫�إىل املنطقة لين�سجوا الأ�ساطري املتناغمة مع اخليال‬ ‫فتعود �إىل ق�ص�ص الرحالة الإيطايل ماركو بولو‪،‬‬
‫اخرتعها كبار املجادلني املناه�ضني للإ�سماعيليني يف املحا�صرة بدول ذات جيو�ش تفوقهم عدد ًا وقدرة‬ ‫الأوروبي‪ ،‬يف حني �أن "ماركو بولو" نف�سه ولد بعد‬ ‫ال�سيما ق�صة "�أ�سطورة الفردو�س" التي يرد فيها‬
‫القرن العا�شر باتت مقبولة كو�صف دقيق من قبل "فعلت ما حتتاجه للبقاء على قيد احلياة"‪� .‬إذ دربت‬ ‫عامني من تدمري املغول لقلعة �أملوت‪ ،‬فلم يرها وال‬ ‫و�صف لقلعة �أملوت بكونها �ضمت "حديقة كبرية مليئة‬
‫الأجيال املتعاقبة من الك ّتاب امل�سلمني يف الع�صور جمموعة خمتارة من املقاتلني الفدائيني املعروفني‬ ‫عا�صرها‪ ،‬و�إمنا �سمع مما هب ودب من ق�ص�ص �شعبية‬ ‫ب�أ�شجار الفاكهة‪ ،‬وفيها ق�صور وجداول تفي�ض باخلمر‬
‫الو�سطى واملجتمع الإ�سالمي ككل"‪ .‬ورغم �أن حكايات ب�إخال�صهم وقدرتهم على القتل‪ ،‬خرجوا عن التكتيكات‬ ‫متناقلة‪ ،‬وقد جرى يف هذا ال�سياق دح�ض الكثري من‬ ‫واللنب والع�سل واملاء‪ ،‬وبنات جميالت يغنني ويرق�صن‬
‫املخدرات كانت تلفيق ًا �أوروبي ًا‪ ،‬فرمبا ا�ستلهمت ذلك من الع�سكرية التقليدية ونفذوا �ضربات جراحية �ضد‬ ‫رواياته"‪( .‬قلعة �أملوت �أُحرِ قت �سنة ‪1256‬م بينما ولد‬ ‫ويعزفن املو�سيقى‪ ،‬حتى يوهم "�شيخ اجلبل" لأتباعه‬
‫امل�صطلح املهني "احل�شي�شني" (متعاطي احل�شي�ش)‪� ،‬أهداف �سيا�سية خمتارة‪.‬‬ ‫ماركو بولو �سنة ‪1254‬م)‪.‬‬ ‫�أن تلك احلديقة هي اجلنة‪".‬‬
‫الذي كثري ًا ما كان يطلقه امل�سلمون الآخرون على وت�ضيف �أن ه�ؤالء الفدائيني تدربوا على الت�سلل‬ ‫ويتم‪ ،‬بح�سب احل�سيني‪� ،‬إظهار ح�سن ال�صباح‬ ‫ووفق رواية "ماركو بولو" "لقد كان ممنوع ًا على‬
‫والقتل واخل�ضوع للتعذيب واملوت �إذا لزم الأمر‪،‬‬ ‫النزاريني‪.‬‬ ‫ك�أنه �ساحر �أو م�شعوذ ي�ستحوذ على عقول �أتباعه‪،‬‬ ‫� ّأي فرد �أن يدخلها‪ ،‬وكان دخولها يقت�صر فقط على‬
‫وتقول املجلة �أن ال�صليبيني الذين و�صلوا �إىل بالد واكت�سبوا �سمعة خميفة لدى �أعدائهم‪ ،‬و�سرعان ما‬ ‫"يف حني �أنه كان عامل فلك وريا�ضيات متبحر يف‬ ‫املن�ضمني جلماعة احل�شا�شني‪ .‬كان "�شيخ اجلبل"‬
‫ال�شام بني القرنني احلادي ع�شر والثالث ع�شر‪ ،‬تلقوا تعلم ال�صليبيون‪ ،‬الذين كانوا قد و�صلوا حديث ًا �إىل‬ ‫العلوم الدينية والهند�سة والفل�سفة‪ ،‬بح�سب امل�صادر‬ ‫ُي ِدخلهم القلعة يف جمموعات‪ ،‬ثم ُي�شرِ بهم خم ّدر‬
‫هذه الق�ص�ص وتو�سعوا فيها لتف�سري ما اعتربوه املنطقة‪ ،‬اخلوف منهم‪.‬‬ ‫التاريخية‪ ،‬بعك�س ما جرى ت�صويره لدى ماركو بولو‬ ‫احل�شي�ش‪ ،‬ثم يرتكهم نيام ًا‪ ،‬ثم بعد ذلك كان ي�أمر ب�أن‬
‫�شجاعة غريبة وغري عقالنية من قبل الفدائيني ويف حتقيق ملجلة "هي�ستوري نت" ال�صادرة عن‬ ‫وبرينارد لوي�س‪".‬‬ ‫ُيحملوا ويو�ضعوا يف احلديقة‪ ،‬وعندما ي�ستيقظون‬
‫النزاريني‪ .‬و�شملت الأ�ساطري التي �أعادوها �إىل الغرب ‪� ،HistoryNet LLC‬أكرب نا�شر للمجالت التاريخية‬ ‫وتُطرح عالمات ا�ستفهام �إ�ضافية على رواية "ماركو‬ ‫يعتقدون ب�أنهم قد ذهبوا �إىل اجلنة‪ ،‬وبعدما ُي�شبعون‬
‫وعود اجلنة والإفراط يف تناول احل�شي�ش‪ ،‬ولكن لي�س يف العامل‪ ،‬كان الفدائي من ه�ؤالء يق�ضي �شهورا �أو‬ ‫بولو" ب�سبب الطبيعة املناخية لقلعة �أملوت الواقعة يف‬ ‫�شهواتهم من املباهج كانوا ُيخ َّدرون مرة �أخرى‪ ،‬ثم‬
‫حتى �سنوات يف املطاردة والت�سلل‪ ،‬وكان الأكرث رع ًبا‬ ‫احلديقة اخلادعة‪ ،‬التي كانت فكرة بولو اخلا�صة‪.‬‬ ‫جبال جرداء تغطيها الثلوج نحو ‪� 7‬أ�شهر يف ال�سنة‪،‬‬ ‫يخرجون من احلدائق ويتم �إر�سالهم عند �شيخ اجلبل‪،‬‬
‫�أنهم مل يختاروا �أ�سلوب القتل القريب وال�شخ�صي‬ ‫• االغتياالت‪ ..‬حقيقتهم الثابتة‪:‬‬ ‫مما يجعلها غري �صاحلة لزراعة احلدائق املو�صوفة يف‬ ‫فريكعون �أمامه‪ ،‬ثم ي�س�ألهم من �أين �أتوا؟‪ ،‬فريدون‪:‬‬
‫تبقى احلقيقة الثابتة ب�ش�أن تلك اجلماعة‪ ،‬وهي فح�سب‪ ،‬بل نفذوه بال هوادة‪" ،‬ورف�ضوا الفرار بعد‬ ‫الكتاب‪.‬‬ ‫"من اجلنة"‪ ،‬بعدها ير�سلهم ال�شيخ ليغتالوا الأ�شخا�ص‬
‫ا�ستخدامها االغتياالت ال�سيا�سية ك�سبيل للهجوم ذلك وبدوا وك�أنهم يرحبون مبوتهم ال�سريع‪".‬‬ ‫وهذا الر�أي يدعمه بحث �سابق ملجلة ‪Smithsonian‬‬ ‫املطلوبني‪ ،‬ويعدهم �أنهم �إذا جنحوا يف مهماتهم ف�إنه‬
‫‪67‬‬ ‫‪66‬‬
‫إبــــــداع‬ ‫إبــــــداع‬

‫‪ 166‬عام ًا‪.‬‬ ‫طالت ‪ 3‬من اخللفاء الرا�شدين الأربع‪.‬‬ ‫للدولة ال�سلجوقية وانهيارها فيما بعد‪ ،‬وملرتني حاول‬ ‫جمع ه�ؤالء‪ ،‬بح�سب التحقيق‪ ،‬بني حما�س الطيارين‬
‫بيد �أن قوة جديدة وفدت من بعيد ودخلت �إىل منطقة‬ ‫وبح�سب املو�سوعة الربيطانية املحدودة‪ ،‬مل يكن‬ ‫احل�شا�شون �أي�ض ًا اغتيال �صالح الدين الأيوبي‪.‬‬ ‫االنتحاريني يف الت�ضحية بالنف�س‪ ،‬واملهارات القتالية‬
‫ال�شرق الأو�سط‪ ،‬بني عامي ‪ 1219‬و‪ ،1231‬مل‬ ‫احل�شا�شون وحدهم يف تبني القتل ال�سيا�سي‪:‬‬ ‫الكونت ال�صليبي الذي اغتاله احل�شا�شون‬ ‫القريبة لقوات العمليات اخلا�صة‪ ،‬وقدرة عمالء‬
‫ينجح احل�شا�شون يف تخويفها �أو ا�سرت�ضائها‪ ،‬هم‬ ‫"لقد مار�س ال�سنة وال�صليبيون يف ال�شرق الأو�سط‬ ‫الكونت ال�صليبي الذي اغتاله احل�شا�شون‬ ‫املخابرات ال�سرية على العمل دون �أن يتم اكت�شافهم‬
‫املغول الذين احتلوا بالد فار�س وو�صلوا حتى �سوريا‪،‬‬ ‫االغتياالت‪ ،‬فيما كان الأوروبيون ماهرين جد ًا يف‬ ‫ومل ي�سلم ال�صليبيون منهم‪� ،‬إذ ا�شتهرت ق�صة اغتيالهم‬ ‫لأ�شهر �أو حتى �سنوات‪ .‬وكل هذه ال�صفات �أتاحت‬
‫وكانت قد بلغتهم �سمعة احل�شا�شني‪ ،‬ويف عام ‪،1253‬‬ ‫قتل مناف�سيهم ال�سيا�سيني قبل وقت طويل من جميء‬ ‫لـ‪ 9‬من فر�سان الهيكل بوا�سطة فدائي واحد‪ ،‬كما‬ ‫للفدائيني �إرهاب معار�ضي الطائفة‪.‬‬
‫�أمر اخلان املغويل مونكو‪� ،‬أحد �أحفاد جنكيز خان‪،‬‬ ‫النزاريني‪".‬‬ ‫قتلوا �أي�ضا الكونت رميوند طرابل�س‪� ،‬إ�ضافة �إىل قتلهم‬ ‫وت�ضيف املجلة‪" :‬كان ح�سن ال�صباح وخلفا�ؤه‪،‬‬
‫�شقيقه هوالكو بقيادة جي�ش �إىل بالد فار�س والق�ضاء‬ ‫وي�صطلح على ت�سمية مناطق انت�شار احل�شا�شني بني‬ ‫كونراد املونفراتي‪ ،‬القائد ال�صليبي الإيطايل الذي مت‬ ‫املتع�صبون واملن�ضبطون‪ ،‬ممار�سني بارعني للحرب‬
‫على احل�شا�شني �إىل الأبد‪ ،‬وهو ما ح�صل‪.‬‬ ‫�سوريا وبالد فار�س‪ ،‬بكونها "دولة احل�شا�شني" �أو‬ ‫تعيينه حاكم ململكة عكا عام ‪ ،1192‬على يد اثنني من‬ ‫غري املتكافئة‪ .‬لقد طوروا و�سيلة للهجوم �أبطلت معظم‬
‫وكان �آخر قادة احل�شا�شني‪ ،‬ركن الدين خور �شاه‪،‬‬ ‫"الدولة النزارية"‪ ،‬وهو ما ينفيه حايك ويعتربه من‬ ‫الفدائيني اللذين كان يعرفهما ويثق بهما‪ ،‬معتق ًدا �أنهما‬ ‫املزايا التي يتمتع بها �أعدا�ؤهم‪ ،‬بينما عر�ضوا عددا‬
‫الذي مل ي�ستطع ال�صمود يف وجه هجمات املغول‬ ‫�أكرب املغالطات �أي�ض ًا‪ ،‬م�ؤكد ًا ان تلك الفرقة الع�سكرية‪،‬‬ ‫راهبان عربيان‪ ،‬و�أدت وفاته عام ‪ 1192‬بح�سب‬ ‫�صغريا فقط من مقاتليهم للخطر‪ ،‬مما �أنتج ردع ًا‬
‫وح�صارهم‪ ،‬فحاول التفاو�ض مع هوالكو‪ ،‬لكن الأمري‬ ‫مل تقِ م دولة باملقومات الالزمة من نظام حكم �أو �إدارة �أو‬ ‫جملة "هي�ستوري نت"‪� ،‬إىل �إنهاء �أي �إمكانية لإحياء‬ ‫وتوازن ًا وقلل م�ستويات ال�صراع واخل�سائر‪ ،‬فحتى‬
‫املغويل �أ�صر على ا�ست�سالمه �شخ�ص ًيا‪ ،‬ثم �أجربه على‬ ‫قوانني‪ ،‬ومل يكون �أفرادها يف املدن وال �سيطروا على‬ ‫احلظوظ امل�سيحية يف الأر�ض املقد�سة بعد عودة قادة‬ ‫�أقوى حكام الع�صر و�أكرثهم حرا�سة ونفوذ و�سلطة‬
‫توجيه ر�سائل ي�أمر فيها قالع احل�شا�شني املتبقية‬ ‫م�ساحات وا�سعة‪ ،‬وامنا �سيطروا على قالع وح�صون‬ ‫احلملة ال�صليبية الثالثة �إىل ممالكهم يف الغرب‪.‬‬ ‫عا�شوا يف خوف من احل�شا�شني"‪.‬‬
‫باال�ست�سالم‪ .‬وقد فعل ذلك �أربعون منها‪ ،‬مبا فيهم‬ ‫متفرقة وحميطها القريب فقط‪.‬‬ ‫ويرى احل�سيني يف هذا ال�سياق‪� ،‬أن هناك �س�ؤاال يجب‬ ‫وعادة ما كان الفدائيون يهاجمون �أهدافهم يف‬
‫�أملوت‪ ،‬فدمرها املغول جمي ًعا‪ ،‬والحق �أتباع اجلماعة‬ ‫وفد املغول فاندثرت فرقة احل�شا�شني‬ ‫طرحه تاريخيا‪ ،‬وهو "ملاذا فعل احل�شا�شون ذلك؟"‪،‬‬ ‫�أماكن عامة للغاية مثل ال�ساحات وامل�ساجد‪ ،‬و�أمام‬
‫حول البالد‪ ،‬فيما ق�ضى املماليك على من تبقى منهم‬ ‫وفد املغول فاندثرت فرقة احل�شا�شني‬ ‫وي�ضيف‪" :‬مل يكونوا جمرد حركة دموية وهواة‬ ‫ح�شود �أو �أعداد كبرية من احلرا�س ال�شخ�صيني‪،‬‬
‫يف �سوريا‪.‬‬ ‫نهاية من خلف احلدود‬ ‫اغتياالت‪ ،‬وامنا كان لديهم ق�ضية ينادون بها ويدافعون‬ ‫ل�ضمان �أعداد كبرية من ال�شهود املذعورين‪ ،‬و�إظهار‬
‫ورغم اندثار فرقة احل�شا�شني من التاريخ‪ ،‬ا�ستمر‬ ‫ت�ؤكد الروايات التاريخية �أن ح�سن ال�صباح بقي‬ ‫عنها‪ ،‬كما �أن والء اتباع ح�سن ال�صباح املطلق لق�ضيته‬ ‫ا�ستعدادهم للت�ضحية بحياتهم لقتل �أعداء دينهم‪،‬‬
‫وجود �أتباع الطائفة النزارية الإ�سماعيلية على مدى‬ ‫طيلة حياته يف قلعة �أملوت‪ ،‬مل يغادرها حتى وفاته‬ ‫وانت�شارهم‪ ،‬ال�سيما يف بالد فار�س يف حينها مل ي�أت‬ ‫وعزز ذلك الت�صور ب�أن الهدف الذي يتم حتديده من‬
‫قرون حتى اليوم‪ ،‬وي�شكلون الغالبية من الإ�سماعيليني‪،‬‬ ‫عام ‪ ،1124‬بعد مر�ض ق�صري‪ ،‬وكان يف منت�صف‬ ‫من فراغ‪ ،‬و�إمنا ب�سبب ميول �سكان تلك املناطق للثورة‬ ‫قبل احل�شا�شني "كان رج ًال ميت ًا مي�شي"‪ ،‬على حد‬
‫وباتوا يعرفون اليوم بالـ "�آغاخانية"‪ ،‬ن�سبة للقب الأغا‬ ‫ال�سبعينيات من عمره على الأقل‪ ،‬ورغم �أنه ا�ستحوذ‬ ‫على ال�سالجقة واحلكام الذين كانوا قد �أطلقوا قب�ضة‬ ‫و�صف املجلة‪.‬‬
‫خان الفخري الذي يطلق على قائد الطائفة‪ ،‬منذ القرن‬ ‫على م�شهد قيادة اجلماعة بكونه امل�ؤ�س�س‪� ،‬شهد‬ ‫الإقطاعيني على بالدهم‪ ،‬ومار�سوا اال�ضطهاد ومل‬ ‫وبهذه الأ�ساليب قتل احل�شا�شون املئات من‬
‫التا�سع ع�شر‪ ،‬ويعتربون ثاين �أكرب الفرق ال�شيعية‪،‬‬ ‫احل�شا�شون �أوج ازدهارهم وانت�شارهم يف عهد‬ ‫يرعوا خ�صو�صيات تلك البالد‪".‬‬ ‫ال�شخ�صيات واحلكام‪� ،‬أبرزهم اثنان من اخللفاء‬
‫ويقدر عددهم بنحو ‪ 15‬مليون ًا موزعني على �أكرث‬ ‫القادة الذين �أتوا بعد ال�صباح‪ ،‬مثل �سنان �شيخ اجلبل‬ ‫هذه ال�سمعة �سهلت ترويج مغالطة �أخرى ب�ش�أنهم‪،‬‬ ‫العبا�سيني؛ حاكم املو�صل ال�سلجوقي الوزير الفاطمي‬
‫من ‪ 25‬بلد ًا‪ ،‬ويتزعمهم الآغا خان الرابع �شاه كرمي‬ ‫وغريه‪ ،‬حتى �أنهم و�سعوا نفوذهم خالل الربع الثاين‬ ‫ت�صفهم ب�أنهم �أول من ادخل مفهوم االغتيال ال�سيا�سي‬ ‫املكروه �أف�ضل �شاهن�شاه‪ ،‬وابن امل�ستعلي اخلليفة‬
‫احل�سيني‪.‬‬ ‫من القرن الثاين ع�شر يف �سوريا‪ ،‬و�أ�س�سوا جمتم ًعا‬ ‫يف التاريخ الإ�سالمي‪ ،‬يف حني يذخر التاريخ‬ ‫ضال عن الوزير نظام‬ ‫الفاطمي الآمر ب�أحكام الله‪ ،‬ف� ً‬
‫كب ًريا يف حلب‪ ،‬وحافظوا على وجودهم ون�شاطهم ملدة‬ ‫الإ�سالمي بق�ص�ص االغتياالت ال�سيا�سية و�أبرزها التي‬ ‫امللك الذي كان اغتياله �سبب ًا مبا�شر ًا يف احلرب الأهلية‬
‫‪69‬‬ ‫‪68‬‬
‫إبــــــداع‬ ‫إبــــــداع‬

‫حاولت كثري ًا مهادنة هذه املخلوقات فلم �أفلح‪ ،‬لأنها‬


‫كانت تنا�صبني العداء مبجرد اقرتابي منها �أو‬
‫مالطفتها �أو حتى عندما �أقدم لها بقايا الطعام الذي‬ ‫محى النباح‬
‫كانت تر�سلني والدتي لو�ضعه يف �صندوق القمامة‪،‬‬
‫كنت ا�ستغرب من هذا العداء واعتربه غري مربر من‬
‫قبل كائنات مزاجية تكره ملجرد الكره كل من يحاول‬
‫العطف عليها‪ ،‬ويف ذات الوقت ت�ستكني لكل الأقدام‬
‫التي تركلها يف ال�سوق وته�ش بذيولها طلب ًا لف�ضالت‬
‫الزبائن‪ ،‬وتعوي ب�إذالل حتت وط�أة الع�صي التي كان‬
‫الأطفال يلهبون بها ظهورها العجفاء‪.‬‬
‫‪ --‬ال ت�ضرب كلبا قبل �أن تعرف �صاحبه‪.‬‬
‫‪ --‬الكلب اللي ينبح ما تخاف منه‪.‬‬ ‫كنت �أرجع ذلك لغباء هذه الكائنات وخ�سة طباعها‪،‬‬
‫‪ " --‬ن�صرة اكالب "‪.‬‬ ‫رغم ما ي�شاع عنها من وفاء و�صرب وقوة حتمل و�أمور‬
‫‪� " --‬أم�سك يف ذيل الكلب لتتخل�ص من الغرق"‬ ‫�أخرى جتعلها �أرفع درجات مما اكت�شفته فيها‪ ,‬وقررت‬
‫‪ --‬البحر فيه كلب‪.‬‬ ‫�أن ال �أكرتث بها و�أن ال �أعريها اهتمامي‪ ،‬و�أظهر لها ال‬
‫مباالة تليق مبا عرفته عنها من خالل جتاربي الطويلة‪.‬‬
‫كانت كل هذه الن�صائح تثريين و�أحاول �أن �أجربها على‬ ‫كنت حينما ي�صادفني كلب ان�شغل عنه بالنظر �إىل �شيء‬
‫ما �صادفني منها‪ ،‬و�أتلذذ حينما تنجح هذه الو�صفة‬ ‫ما‪ ،‬ك�أن �أجول بب�صري يف املكان وك�أنني ال �أراه �أو‬
‫العجيبة لكن الذي مل ينجح حتى الآن هو ا�ستمرار‬ ‫�أحاول ترتيب هندامي وا�ستعرا�ض ع�ضالتي ال�صغرية‬ ‫عوض الشاعري‪ .‬ليبيا‬
‫الكالب يف معاداتي و �إن ابتعدت عن م�شاك�ستها‪،‬‬ ‫و�أنا �أ�شمر عن �ساعدي ببطء‪ ،‬و�أعمل بن�صائح �صديقي‬
‫لدرجة �أنني كتبت حولها ع�شرات الق�ص�ص وعنونت‬ ‫التي كان يرددها كثري ًا ‪:‬‬ ‫حكايتي مع الكالب حكاية قديمة جداً‪ ،‬ربما بدأت عندما غرس كلب هرم بقايا أنيابه‬
‫بع�ض كتبي با�سمها‪ .‬وال تزال كلما تراين ترفع‬ ‫‪--‬لدى الكالب حا�سة �شم قوية ت�ستطيع �أن ت�شم رائحة‬ ‫في قدمي الصغيرة وأنا أحبو قرب أغنام جدتي‪ ،‬ربما نسيت ألم تلك العضة الغشيمة‪،‬‬
‫عقريتها بالنباح‪.‬‬ ‫غدة العرق ب�سهولة �أثناء خوفك‪.‬‬ ‫إال أن أثرها ترك ندبة واضحة الزالت تزعجني كلما خلعت حذائي‪ ،‬قالت أمي‪ :‬كان كلبا‬
‫‪� --‬إذا نظرت يف عيني كلب �شر�س وقر�أت �سورة ما‬ ‫أسوداً سقطت معظم أسنانه عدا نابين حادين تعلوهما صفرة‪ ،‬وكان صاحبه يناديه‬
‫ف�سيتحول �إىل جمرد جرو هزيل يف احلال‪.‬‬ ‫"ريكس"‪ ،‬ربما ألقدميته في حراسة قطيع الماعز الذي كان يمتلكه آنذاك‪ ،‬منذ تلك‬
‫‪� --‬أول ما اجتي للنجع يالقنك كالبه ‪.‬‬ ‫الحادثة و أنا ال أخشى الكالب‪ ،‬فقد خبرتها جيداً وتعلمت أن الكلب الساكت أكثر خطراً‬
‫من الذي يضيع جهده في النباح‪.‬‬
‫‪71‬‬ ‫‪70‬‬
‫إبــــــداع‬

‫ن‬
‫ج��ة النص‬
‫إبــــــداع‬
‫إبــــــــــــداع‬

‫انتقاء ‪:‬‬
‫سواسي الشريف‬

‫عندها نص‪ ،‬لئيم‬ ‫ارسم باب ًا‬ ‫مكافحةهي األشياء‬ ‫أنا اليوم امرأة كثري ٌة‬
‫وأمحد اهلل عىل نعمة احلزن‬ ‫أنه اكتشاف بالطبع‬ ‫كمحارب كثرت حوله اجلثث‬
‫عىل قارعة الطريق‬ ‫ً التي لن تتحقق ‪.‬‬
‫والنسيان‪.‬‬ ‫لكن األخطاء عادة ما حتدث‬ ‫وتذكر قول أمه‪:‬‬ ‫ارسم أسنان ًا للهواء‬ ‫أنا املزدمح ُة بك‬ ‫ال أمسك سيفا وال سالح‬
‫ِ يضع حقيبته متوجه ًا إىل الالوجهة‬ ‫سبيل الذكر منها‬ ‫ِ‬ ‫عىل‬
‫ستبحثون عني وجتدونني‬ ‫يف الليل‬ ‫ارجع من احلرب‬ ‫كي‪ ،‬يضيئ فمي‬ ‫ألخرج من ليلك‪..‬‬ ‫َ‬ ‫أمسك نفيس‬
‫أي طريق يسلكه‬ ‫ُّ‬ ‫أمر من اجلدران كام كان‬ ‫لن َ‬
‫بني جبلني‬ ‫يدك وهي هتش ذباب املوسيقى‬ ‫حتى ولو عىل ساق واحدة‬ ‫حيسبني‪ ،‬نافذ ًة‬ ‫أي ٍ‬ ‫ارسم بحر ًا وموج ًا‬ ‫وهذا ما يسمى حرب ًا‪.‬‬
‫درب جيتازه‬ ‫حائر ًا ُّ‬ ‫يمر كاسرب ‪..‬‬ ‫ُ‬
‫قولوا وجدناه ينزف موسيقا‬ ‫سقط خاتم إصبعك يف رغوة‬ ‫كعابر سبيل‬ ‫منترص ًا‬ ‫خيرج‬‫ُ‬
‫أي وسيلة تعرب به إىل مايريد وما ال يريد‬ ‫وأنا‬ ‫ُّ‬
‫خطويت‬ ‫آثار‬
‫َ‬ ‫يمحو‬ ‫ً‬ ‫‪/‬ليبيا‬
‫ً‬
‫أحرز هدفا عامليا‬ ‫بوشعالة‬
‫أو‬ ‫منال‬
‫وهذه أوراقه‬ ‫الوقت‬ ‫اخذته قدماه إىل طرق ال تؤدي‬ ‫يعض الوقت‪...‬‬ ‫كي َ‬
‫األشياء‬ ‫كالذي جاء به دييغو مارادونا أهرب عائد ًة منك‪..‬فقد تشاهبت عليه كل‬ ‫*****‬
‫هبا كتابة عىل هيئة شعر‪.‬‬ ‫ال ضري‬ ‫هذه األنباء الواردة‬ ‫التفاصيلالذي انتظرتك فيه‬ ‫واختلفت عنهإالكلالوقت‬ ‫إ ّيل‪..‬‬ ‫املنتصف‪.‬‬ ‫الغايف‪،‬‬ ‫بعد منتصف عطرك من‬
‫تسطيع‪ ،‬رسمه‬ ‫ظل‪ ،‬هلرويب سوى فامتزجت احلرية ال‬ ‫ربعايف الفضاء ال َّ‬‫ِ‬ ‫الساع ُة جتاوزتني ولن‬
‫سنحرك اإليقاع قليال‬ ‫من حمطة تبث موسيقا‬ ‫بالالحرية‬ ‫إال‪َ ،‬‬
‫اطري‬
‫ِ‬ ‫ظل نظراتك تراكمت يف داخله األحزان و ميت ًا‬
‫األفراحكان‬ ‫ِ‬ ‫واملساف ُة كام‬
‫متعبة‪...‬‬
‫أريب قطار ًا‬ ‫أنت انفيض أتربة البكاء‬ ‫ومقتطفات من أنفاسك وأنت‬ ‫تطري تلك العجوز‬
‫يف مزارع احلديد‬ ‫وأنا أنفخ يف جممرة احللم‬ ‫نائمة‬ ‫ياسيدي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫األفكار يف داخله ندبا عميقة باملعقول‬ ‫مالديك‬
‫فحفرت‬ ‫عجل‪ ،‬كل‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ارسم عىل‬‫كانت تأتيني يف االحال ِم ‪.‬‬ ‫وقائمة‬‫متعرجة التي‬
‫إن للوقت نصالً‪،‬‬‫ِ‬ ‫والالمعقول‬ ‫الصباح‬ ‫قد يأيت‬ ‫جسمي‬ ‫عضالت‬
‫ْ‬ ‫تنتفخ‬ ‫ولن‬
‫كالزوايا العاثرة‪َ..‬‬
‫أضع له بعض املحطات‬ ‫هكذا‪...‬‬ ‫تشري إىل حتسن ساعتك‬ ‫ُ‬
‫ِ أهيام أختار ؟‬ ‫كالذين يفتحون ازرار قمصاهنم‬
‫لقرى ومدن هادئة‬ ‫أسكتي ضوضاء فستانك هذا‬ ‫البيولوجية‬ ‫يقتل‪ ،‬يدفن بذوره‬ ‫وتكف شهرزادك عن العناق ِ‬ ‫ُّ‬ ‫قد ماتت إحدى قصائدي‪..،‬‬
‫أأنت التي أحب ‪..‬؟!‬ ‫ويفردون أيادهيم‬
‫يف طريقه‬ ‫لقد ظن أنه سوف خيرج معنا‬ ‫وهذا ينبئ عن انفراجة‬ ‫يف‪ ،‬وحل السامء‪.‬‬ ‫املباح‬ ‫ياشهريار ٍ‬
‫أم وطني الذي ألجله أعيش ؟!‬ ‫الطريان للتو‪.‬‬‫َ‬ ‫يتعلم‬
‫ُ‬ ‫كعصفور‬
‫يرتاح حني جتلس احلبيبات‬ ‫الليلة‪.‬‬ ‫بني رأسك واملخدة‬ ‫أتايس‪/‬سوريا‬ ‫جودي قيص‬
‫رشف الدين امنيرس ‪ /‬ليبيا‬
‫ال أريدُ ‪ ،‬أن أحد َثك عن يشء‬ ‫ذبحها أحد رجالك ياسيدي‬
‫ينتيش لو مر بني احلقول‬ ‫أنباء مطلعة تشري إىل حترك حذر الحظت أن آخر قبلة ليست‬ ‫*****‬ ‫لؤلؤة دع األشيا َء‪ ،‬حتد ُثك عني ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫احصل عىل‬ ‫َ‬ ‫السلطانولن‬
‫الفراغ‬ ‫من فصائل شعرك ناحية املرآة كام وددهتا حتى اآلن وأنت مل‬ ‫من حطم أعمدة اإلنارة‬ ‫واضحة‬ ‫فتشت عنهاارسم شفاه ًا للرصيف ولسان ًامالحمي غري‬
‫نعم أنا‬ ‫ُ‬ ‫وأنا الذي‬ ‫انا شهرزاد‬
‫حني يطلق صفارته‬ ‫تتعلمي شيئا من نادية اجلندي‬ ‫استيقظي‬ ‫بام فيه الكفاية هبذا الشارع‬ ‫للشارع‪ ...‬هناك‬ ‫زمانك‪...‬كثري ًا يف بطون املحار‪.‬‬
‫عىل حوائط البيوت‬ ‫تعتديهنائي ًا‬ ‫الغايف‪،‬املرآة ال إهنا‬
‫بعد‪ ،‬منتصف‪ ،‬عطرك هذه‬
‫ِ‬ ‫التقل‪ ،‬حدثيني وظيل ‪..‬‬
‫يقفز احلنني َمن أغاين السفر‬ ‫غري (سلم يل ع البتنجان)‪.‬‬ ‫العامل بشع وأنت نائمة‪.‬‬ ‫تقدم يل ح ً‬
‫ال‬
‫كان عليه أن يصل إىل هناك‬ ‫وحني يسألونك‬ ‫قلت لك‬ ‫سيدي هذا الضوء مل يعط‬ ‫صورة كاملة‬‫يصافحني عىل‪ ،‬بعد‪ ،‬خطو تني‪ .‬لرسم يا‬ ‫وعني‬ ‫ألذي مل‬ ‫عنك‬ ‫دع األشيا َء حتدثك ظيل‬
‫كان عليه أال خيرج عن مساره‬ ‫كيف نجوت من هذه احلياة؟‬ ‫ال تقلدي أحدا‬ ‫الزمنواحدة للعتمة‬ ‫فرصة‬ ‫تدل عىل مراوغات‬ ‫ارسم‬ ‫ارسم هنر ًا اىل اآلن‬
‫أبد ًا‬ ‫قل هلم‪:‬‬ ‫ها انت تتعثرين يف حافة‬ ‫ختتبئ يف الشقوق‪.‬‬ ‫لسعادة ما‬ ‫للكأس ال ضحكة تصلحكي‬ ‫ِ‬ ‫ارسم ف ًام‬ ‫مددت له يدي‬ ‫كلاملك ُ‬ ‫التصد ْقه إن قال‪،‬‬
‫كصياد استلمته سمكة عفية‬ ‫الغياب‬ ‫فقط‬ ‫ِ‬
‫حيدثك عن جفاف‬ ‫‪.‬‬ ‫فارغة‬ ‫ايل‬ ‫عادت‬
‫ْ‬
‫ثلثا جسدي ماء‪َّ .‬‬
‫وال يدخل يف زقاق‪.‬‬ ‫نجوت من فرح حمقق‬ ‫السجادة‬
‫وطبل خافت يف أقايص العمر‬ ‫عبداهلل حسني ‪ٍ /‬العراق‬
‫كاد أن حييل حيايت كلها‬ ‫مما أعطى هذا التاميل الطفيف‬ ‫أنزلته املاء‬ ‫برصها‬ ‫عني فقدت َ‬ ‫إهنا دموع‪..‬‬
‫امحد دياب‪/‬مرص‬ ‫وغرست يف فمه الشص‬ ‫يتوقف‬
‫ُ‬ ‫عند‪ ،‬الفاصلة التي‪،‬‬ ‫ارتكبها‪..‬‬ ‫ٍ‬
‫جريمة مل‬ ‫عىل‬
‫إىل سعادة كاذبة‬ ‫زاوية جديدة‬ ‫الليبي ‪74‬‬

‫‪73‬‬ ‫‪72‬‬
‫إبــــــداع‬ ‫إبــــــداع‬

‫الداللية للن�صو�ص بو�ساطة �ست عالمات �سيميائية‬ ‫وي�أتي عنوان "جنني مرمينا البتول"*؛ ليجيب عن‬
‫موزعة على "روح‪ ،‬ال�شهيد‪ ،‬زياد‪ ،‬جنني‪ ،‬املخيم‪،‬‬ ‫ت�سا�ؤالت عتبة العنوان التي تعد يف النقد ال�سيميائي‬ ‫«سيميائية العتبات النّصية في األنساق الثقافية ‪..‬‬
‫ثرى"‪ .‬وجت�سد العالمات ال�ستة الع�صب الداليل‬ ‫باكورة الإبداع الكتابي‪ .‬املبتد�أ املكاين يف اجلملة‬
‫والتوهج الوجداين يف الكتاب كله‪ ،‬فالن�صو�ص ال‬ ‫اال�سمية ي�ؤن�سن بالإخبار عنه مبرمينا املقد�سة‪،‬‬ ‫جنني مرمينا البتول‬
‫تغادر دالالت العالمات ال�ستة‪.‬‬ ‫ولي�س (مرمي)‪ ،‬ف(نا) ت�ستدعي تفاعل الوعي‬
‫و�أما العتبة الثالثة فهي العناوين الفرعية للن�صو�ص‬ ‫اجلمعي‪ ،‬و�إ�ضافة �صفة القد�سية والطهر لهذا‬
‫التي جاءت يف م�سارات متعددة‪ ،‬منها ما هو قريب‬ ‫الت�آلف (البتول) فالقارئ املت�أمل يجد �أن لفظ‬
‫للق�صة‪ ،‬ومنها ما هو خاطرة‪ ،‬ومنها ما هو قريب‬ ‫معادل مو�ضوع ًّيا لكلمة "البتول" وفق‬
‫اً‬ ‫(الطاهرة)‬
‫لل�شعر‪ ،‬وهي من حيث الداللة جاءت يف م�سارين‪،‬‬ ‫املفا�صل الداللية للن�صو�ص‪ .‬ولكن املبدع يختار‬
‫منها ما هو مبا�شر تتجلى فيه العالقة بني العنوان‬ ‫العنوان وفق ر�ؤية �شمولية‪ ،‬و�إح�سا�س مكثف يف‬
‫الفرعي وداللة الن�ص‪ ،‬وم�سار �إيحائي رمزي يقت�ضي‬ ‫وقت تتداعى فيه ع�صارة الفكرة وعبق العاطفة‪،‬‬
‫أمل يف العالقة بني املعلن وامل�ضمر‪ ،‬ويتعالق كال‬‫ت� اً‬ ‫فيولد العنوان من هذا املزيج؛ لي�شكل لوحة‬
‫امل�سارين مع الف�ضاء الداليل للعنوان الرئي�س‪،‬‬ ‫متمايزة تتعدد فيها ت�أويالت القراء‪ ،‬ويف التعدد‬
‫والآفاق الداللية املبثوثة يف خاليا الن�صو�ص‪.‬‬ ‫واالختالف جماليات الت�أويل‪ ،‬ومن املفيد الت�أكيد‬
‫ويغلب على عناوين الن�صو�ص الت�شكيل اال�ستعاري‬ ‫�إن لفظة "مرمينا" يف العنوان الرئي�س تتجاوز‬
‫الظاهر يف ن�سق العنوان‪ ،‬والذي يتوزع على‬ ‫داللة (�سيدتنا مرمي) امل�ألوفة �إىل دالالت رحبة‬
‫الت�شخي�ص‪/‬الأن�سنة‪/‬التج�سيد‪/‬التج�سيم‪ ،‬ويف‬ ‫ت�شمل الوفاء والإميان والإخال�ص للخطاب الثقايف‪،‬‬
‫غري مو�ضع تت�ضاعف يقظة القارئ للمعنى حينما‬ ‫الذي ي�شكل حتد ًيا للكاتب‪ .‬وتغادر لفظة "مرمينا يف‬
‫يت�أمل ال�صورة اال�ستعارية التي تنقل املعنى من‬ ‫العنوان امل�ستوى املعجمي �إىل م�ستوى ت�أويلي‪ ،‬ميتد‬
‫امل�ألوف �إىل الده�شة (طعم ال�صباح �ص‪ ،5‬جنني‬ ‫�إىل الع�صب الناب�ض يف ج�سد الن�صو�ص‪ ،‬وتختزل‬
‫مرمينا �ص‪ ،7‬يا حيفا ماذا فعلت؟ �ص‪ ،12‬ال‬ ‫طهرها يف ر�ؤية ثقافية تتجلى يف البنية العميقة لها‪.‬‬
‫تئدوا الزلزال �ص‪ ،23‬ه ّل اخلريف �ص‪،71‬‬ ‫وا�ستئنا�سا بداللة العنوان ف�إن ع�صري فيا�ض يبتكر‬
‫ً‬ ‫سماح خليفة‪ .‬فلسطين‬
‫طهر �أحذيتكم �ص‪ ،91‬رفيقي الرخ �ص‪،136‬‬ ‫�أ�سلو ًبا الفتًا يف �صياغة العنوان الرئي�س‪ ،‬بعيدً ا عن‬ ‫يشكل عنوان العمل األدبي فضاء لغويًّا ينبغي أن يتسع لإلشراقات‬
‫املخيم يحب�س �أنفا�سه �ص‪� ،145‬شم�سنا حممد‬ ‫م�ضامني العناوين املجردة امل�ألوفة‪ ،‬وك�أنه ينقل‬ ‫الداللية التي تضيء حنايا النصوص كلها‪ ،‬فالعنوان وفق المنظور‬
‫�ص‪ ،)150‬وال يخفى �أن القدرة على الت�صوير‬ ‫الأفق الداليل املتوقع من العنوان �إىل م�ضامني‬
‫النقدي هو العتبة التي يستشرف منها القارئ آفاق النص‪ ،‬وهو‬
‫تك�شف عن قدرة املبدع يف التحليق بخياله؛ لت�شكيل‬ ‫الن�صو�ص‪ ،‬ويف هذا التحول الأ�سلوبي يكمن‬
‫النافذة التي تتيح للقارئ أن يرى المدى الداللي الذي يتشكل وفق‬
‫داللة غري م�ألوفة يف الغالب‪ ،‬ورغبته يف �إعادة‬ ‫التجديد واالبتكار والتفرد‪.‬‬
‫تأمالت القارئ وثقافته‪.‬‬
‫�صياغة مفردات احلياة وفق رغباته غري املعلنة‪،‬‬ ‫�أما العتبة الثانية فهي الإهداء الذي اختزل اخلاليا‬
‫‪75‬‬ ‫‪74‬‬
‫إبــــــداع‬ ‫إبــــــداع‬

‫اهتمامه‪ ،‬فهو ي�ساعد القارئ على امل�ضي يف قراءة‬ ‫وجنده يتنا�ص يف عنوان الن�ص "تلك املر�أة‬ ‫متون الن�صو�ص حت�صر املمار�سات التي حتاول �سلب‬ ‫ور�ؤيته التي ت�ضمرها البنية اال�ستعارية‪ ،‬كما يحدد‬
‫العمل‪ ،‬هو مبثابة بوابة عبور للجمهور‪ ،‬وهذا ما كان‬ ‫احلمراء" �ص‪ ،128‬من عنوان ق�صة ق�صرية‬ ‫احلياة من فل�سطني‪ ،‬وما يحدث يف جنني ونابل�س‬ ‫الت�صوير مدى تفاعل املتلقي مع مكونات ال�صورة‪،‬‬
‫عليه غالف "جنني مرمينا البتول"‪ ،‬حيث عر�ض‬ ‫"تلك املر�أة الوردة" للروائي يحيى يخلف‪ .‬كما‬ ‫وغريها من املدن‪ ،‬التي تناولها الكاتب‪ ،‬ل�شاهد على‬ ‫و�إذا ا�ستطاع القارئ تفكيك مكنونات ال�صور‬
‫�صورة لبوابة مدخل خميم جنني‪ ،‬تعربه �سيدة‬ ‫قد ي�ستعري الأديب بع�ض �أدوات مادية �أو غريية‪،‬‬ ‫ذلك‪ ،‬ولذلك �سعى الكاتب �إىل خمالفة هذه الأفعال‬ ‫اال�ستعارية ي�ستطيع �أن يرى جماليات امل�ضمر‪� ،‬أو‬
‫وجهها �ضبابي‪ ،‬لكن ج�سدها مغطى بلبا�س ن�ساء‬ ‫وين�سبها �إىل �أبطاله‪ ،‬تقدي ًرا لهم‪ ،‬واعتزا ًزا بهم‪،‬‬ ‫الإحاللية بزرع احلياة واقتالع املوت‪.‬‬ ‫قبحه‪ ،‬و�أ�سراره الذي حر�ص الكاتب على �إخفائه‬
‫الدين امل�سيحي‪ ،‬يف �إ�شارة �إىل �سيدتنا مرمي‪ ،‬وعبور‬ ‫يقول‪" :‬نحن �سيف علي‪ ،‬و�صفحات يف كتاب اهلل‬ ‫من خالل ذلك البناء اال�ستعاري‪.‬‬
‫كل من هو طاهر‪ ،‬خمل�ص لق�ضية وطنه التي متثلها‬ ‫القوي‪،‬‬
‫اجللي‪ ،‬وروايات يف �سنة امل�صطفى‪ ،‬وهديه ّ‬ ‫ّ‬ ‫كما ت�صل بع�ض ال�صور احلركية �إىل (التحري�ض)‬ ‫هناك عناوين فرعية �أخرى ترتبط بال�صور‬
‫هجرت من �أر�ضها وبيوتها و�سكنت‬ ‫�أكرب �شريحة ّ‬ ‫نحن ع�صا مو�سى‪ ،‬و�سفينة نوح‪ ،‬و�صرب �إ�سماعيل‪،‬‬ ‫على التغيري الذي يعد ر�سالة �سامية يتكفل بها‬ ‫اال�ستعارية من خالل متنها (يزوره ال�ضحى يف‬
‫ف�ضل عن اللون الأحمر الذي �سيطر على‬ ‫املخيم‪ ،‬اً‬ ‫ول�سان عي�سى‪ ،‬وطهر مرمي‪ ،‬وب�شرى زكريا‪ ،‬نحن‬ ‫الأدب عامة "تولد الثورة من رحم النكبة" التي‬ ‫فرا�شه �ص‪ ،10‬يزرعون احلياة ويقتلعون املوت‬
‫الغالف‪� ،‬إ�شارة �إىل حجم الت�ضحيات التي قدمها‬ ‫قدر اهلل"‪.‬‬ ‫تر�سم فيها الأفعال املتتابعة ف�ضاء دالل ًّيا حتري�ض ًّيا‬ ‫�ص‪ ،115‬ط ّوق جيد نابل�س �سبحة حباتها من‬
‫املخيم من دماء و�أرواح �شهدائه‪ .‬واملالحظ حجم‬ ‫مقرتنا ب�إيقاع وجداين �صاخب يتجلى يف فعل‬ ‫قرنفل و�شقائق و�إكليل الغار �ص‪ ،13‬من ي�ستطيع‬
‫العنوان الذي يكت�سح ثلث لوحة الغالف وبخط‬ ‫وقد ظهر التنا�ص الديني؛ ليع ّمق الدالالت التي‬ ‫الوالدة‪ ،‬املعادل املو�ضوعي لزراعة احلياة‪ ،‬واقتالع‬ ‫�أن يقود القمر �إىل كبد ال�سماء؟ �ص‪ ،36‬يقتلع‬
‫�أبي�ض عري�ض‪ ،‬يف حني ينزوي ا�سم امل�ؤلف يف‬ ‫ت�ضمنتها ر�سالة الكاتب‪ ،‬فتعلق العنوان الرئي�س‬ ‫املوت‪ ،‬ومن هنا تنه�ض هذه الأفعال بوظيفتها‬ ‫الثلج اخليام �ص‪ ،42‬كل طقو�س الفرح مبتورة‬
‫الزاوية ال�سفلية ي�سار الغالف‪ ،‬ويف ذلك �إ�شارة �إىل‬ ‫(الذي تكرر يف عنوان فرعي "جنني مرمينا‬ ‫الداللية الوجدانية‪.‬‬ ‫�ص‪ ،44‬عناق احللم �ص‪ ،56‬من �أغرق العيون‬
‫ت�صغري الأ�شخا�ص �إذا ما قورنوا بحجم الوطن‪،‬‬ ‫البتول") مبعنى بالطهر والقد�سية والنقاء‪ ،‬وظهر‬ ‫ببحر االحزان؟ �ص‪ ،60‬املخيمات ل�سان احلق‬
‫الق�ضية الكربى التي يفتديها كل �إن�سان فل�سطيني‬ ‫كذلك يف اقتبا�سات من ميالد �سيدنا امل�سيح عليه‬ ‫وا�ضحا‪� ،‬إن امل�شارب الثقافية التي �أفاد‬
‫ً‬ ‫يبدو‬ ‫ال�صارخ يف وجه الب�شرية �ص‪� ،16‬أحاول ك�سر ليلي‬
‫بروحه ودمه‪ ،‬رخي�صً ا يف �سبيل نيل حريته‪.‬‬ ‫ال�سالم‪ ،‬وحالة �أمه مرمي النف�سية عند الوالدة‪:‬‬ ‫منها الكاتب يف ن�صو�صه‪ ،‬هي م�شارب ثقافية‬ ‫الثقيل �ص‪ ،26‬القبالت مفاتيح النفاق وال�سالمات‬
‫"تلكم املدينة التي انتبذت لنف�سها… مكا ًنا‬ ‫متنح الف�ضاء الداليل للن�صو�ص خا�صية التنا�سل‬ ‫احلارة �سموم الأفاعي �ص‪ ،29‬ولدت ثورتنا من‬
‫يف اخلامتة �أجد الكاتب "ع�صري فيا�ض" قد ُو ّفق‬ ‫�شرق ًيا"‪ " ،‬كذلك قال ربك هو علي هي… هزّي‬ ‫والتكاثر الداليل التي ا�صطلح النقاد على ت�سميتها‬ ‫رح النكبة �ص‪ .)116‬نلحظ �أن ال�صور ال�سابقة‬
‫يف هذا العمل الذي يع ّد �شاهدً ا �إبداع ًّيا ومو�ضوع ًّيا‬ ‫�إليك بجذع املجد‪ ،‬يت�ساقط عليك �أنوا ًرا به ّية"‬ ‫بـ"التنا�ص"‪ ،‬الذي ت�شكل بفعل التالقح الفكري‬ ‫م�ؤ�س�سة على الأفعال احلركية املتالحقة واملتتابعة‬
‫يوازي ق�ضية كربى بحجم وطن‪ ،‬كان وما زال يواجه‬ ‫�ص‪ ،8‬ويف قوله‪" :‬قالت بانبهار‪� :‬أو حا�صل هذا‬ ‫والثقايف للأديب‪ ،‬فالتنا�ص داللة وا�ضحة على‬ ‫التي تر�سم �أطيافا نف�سية ذات �إيقاع �صاعد �أيحانا‬
‫�صلف االحتالل الإحاليل‪.‬‬ ‫�سيدي؟ قلت‪� :‬أو مل ت�ؤمني مبا �سمعت؟ قالت‪ :‬بلى‪،‬‬ ‫م�ساحة ات�ساع الأفق لديه‪ ،‬وحجم ثقافته‪.‬‬ ‫ثم ينحدر �أحيانا �أخرى‪ ،‬تك�شف تلك ال�صور عن‬
‫ولكن ليطمئن قلبي" �ص‪.62‬‬ ‫يتنا�ص فيا�ض �أدب ًّيا يف قوله‪" :‬جنني‪ ،‬يا مرمينا‬ ‫الأفق النف�سي للن�ص‪ ،‬وتوجه املتلقي نحو املعنى‬
‫ • الكتاب �صادر عن دار اجلنان للن�شر والتوزيع‪،‬‬ ‫و�أما الغالف يع ّد العتبة الأهم التي تقابل ب�صر‬ ‫البتول‪ ،‬قد جاوزت قدري بتو�صيفك يا طهر الزمان‬ ‫امل�ضمر الذي يحر�ص الكاتب على جت�سيده وتكثيفه‪،‬‬
‫عمان‪ ،‬الأردن‪ ،‬ط‪� 1‬سنة ‪2023‬م‪.‬‬ ‫املتلقي‪ ،‬وميكن من خالله �أن نفهم منت العمل قبل‬ ‫واملكان… �ص‪ ،"9‬مع ال�شاعر �أحمد �شوقي‪ ،‬يف‬ ‫نحو ن�ص (يزرعون احلياة ويقتلعون املوت) الذي‬
‫الولوج فيه‪ ،‬ومن �شروط الغالف القوي الفعال‬ ‫مدحه ر�سولنا الكرمي حممد ‪�-‬صلى اهلل عليه‬ ‫تت�سارع فيه الدفقات الداللية والإيقاع ال�صاخب‬
‫�أن يكون قاد ًرا على جذب انتباه القارئ و�إثارة‬ ‫و�سلم‪ -‬يف ق�صيدة "�سلوا قلبي"‪� :‬أبا الزهراء قد‬ ‫بو�ساطة �أفعال حركية ذات كثافة داللية ونف�سية‪،‬‬
‫جاوزت قدري ‪ ...‬مبدحك بيد �أن يل انت�سابا‪.‬‬ ‫فاحلياة واملوت التي ح�صرها يف العنوان ويف كافة‬
‫‪77‬‬ ‫‪76‬‬
‫إبــــــداع‬ ‫إبــــــداع‬

‫واملاهية‪ ،‬وهي مع هذه املرادفات – على ال َّرغم‬ ‫"كوكب" يف اللغة الإجنليزية لذلك ُترتجم كلمة‬
‫اعتبارات متباينة‬
‫ٍ‬ ‫من بع�ض الفروق التي تقوم على‬ ‫عوملة �إىل كوكبة �أو كوكبية �أو كونية‪ .‬وي�شري لفظ‬
‫– قادم ٌة من عالمَ الفل�سفة‪ ،‬وهي ُلغو ًّيا من قبيل‬ ‫عوملة �إىل ‪ Mondialisation‬من لفظ‬
‫امل�صدر ال�صناعي‪ ،‬فقد َّمت تولي ُدها من الن�سبة �إىل‬ ‫‪ Monde‬بالفرن�سية �أي العامل‪ .‬ومتثل العوملة‬
‫"هو"‪� ،‬أو "الهو"‪ ،‬الذي هو يف ا�صطالح الفال�سفة‬
‫"الغيب"‪� ،‬أو "احلقيقة املطلقة"‪� ،‬أو "اهلل" وبعد‬
‫�أو الكوكبة �أو الكونية �أبرز حتول ت�أثر به ع�صرنا‬
‫ومت ّيز‪.‬‬
‫عوملة اللغة وأثرها يف اهلوية الثقافية‬
‫أ�صبحت ُتطلق على احلقيقة‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫احلقيقة املط َلقة �‬ ‫‪ -‬يت�ضح مما �سبق �أنّ لفظ عوملة يف اللغة العربية‬
‫حقيقة ال�شيء‪ ،‬حقيقة الإن�سان �أو غريه‪ ،‬ولل ُهو َّية‬ ‫جاء من فعل عومل على وزن فوعل مبعنى ح ّول‬
‫تعريفات عديدة عند الفال�سفة واملت�ص ِّوفة وعلماء‬ ‫ال�شيء �إىل �صورة غري ال�صورة التي كان عليها‪،‬‬
‫وت�صب جمي ًعا يف‬ ‫ُّ‬ ‫النف�س وال ِّريا�ضيات واملنطق‪،‬‬ ‫وقد يكون لفظ عوملة م�شتقا من ال�صيغة ال�صرفية‬
‫النهاية يف دالالت‪ ،‬كنتُ ح�صر ُتها يف بحث �سابق‬ ‫فوعلة‪ ،‬كما ي�شري اللفظ �إىل اللفظ الالتيني يف‬
‫باحلقيقة واملاهية والذات‪ ،‬والوحدة واالندماج‪،‬‬ ‫الإجنليزية مبعنى الكوكبة ويف الفرن�سية مبعنى‬
‫واالنتماء والت�ساوي والت�شابه‪.‬‬ ‫العاملية من العامل‬
‫خا�صة ب�شيء‪� ،‬أو‬ ‫وقد تكون "ال ُهو َّية" جزئي ًة ي�سرية َّ‬ ‫يفيد م�صطلح "العوملة" مفهومني �أ�سا�سيني‪.‬‬
‫خا�صة بجماعة‬ ‫إن�سان بعينه‪ ،‬وقد تكون كل َّية مر َّكبة‪َّ ،‬‬
‫� ٍ‬ ‫ففي اجلانب النظري تعني العوملة تطوير الأ�س�س‬
‫�أو �شعب �أو �أُ َّمة؛ لك َّنها يف �صورتها الأوىل يف �أدنى‬ ‫والأ�صول املهمة الكفيلة بت�شكيل العامل املعا�صر يف‬
‫ال�س َّلم �إنْ كان ثم َة ُ�سل ٌم ميكن و�ض ُعه لهذا املفهوم‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫و�ضع يحقق ويي�سر تنقل "ال�سلع" بني املجتمعات ‪،‬‬
‫َ‬
‫لت�شمل �أفرادًا �أكرث كانت �أك َرث‬ ‫وك َّلما ات�سعت الهو َّية‬ ‫ومن اجلانب العملي ت�شري �إىل االت�صاالت املتبادلة‬
‫تعقيدً ا وت�شاب ًكا وتركي ًبا؛ لأ َّنها ت�صبح �أعمقَ داللة‬ ‫للن�شاط الإن�ساين على امل�ستوى العاملي‪ ،‬و�إىل‬ ‫مبينة أم‪ .‬بي*‪ .‬الهند‬
‫على �أفرادها‪ ،‬و�أك َرث تعب ًريا عن ر�ؤاهم‪ ،‬و�أ�ش َّد‬ ‫التنقالت التي مل ي�سبق لها مثيل لر�ؤو�س الأموال‪،‬‬ ‫ال�شيء �إىل �صورة �أخرى‪ ،‬كما �أ ّنه م�صطلح ي�صعب‬ ‫• مفهوم العوملة من حيث املبنى واملعنى‪:‬‬
‫الت�صا ًقا مب�صاحلهم وغاياتهم اجلمع َّية‪،‬على �أنَّ‬ ‫والعمالة‪ ،‬والتقنية‪ ،‬وامل�ؤ�س�سات‪ ،‬واملهارات‪،‬‬ ‫فيه االرتكان �إىل املدلوالت اللغوية‪ ،‬فهو مفهوم‬ ‫ال جند تعريف ًا دقيق ًا ونهائي ًا يف قوامي�س ومعاجم‬
‫ال ُهو َّية التي نتغ َّياها ال ُتولد مع الإن�سان‪ ،‬وال تت�ش َّكل‬ ‫واخلربات‪ ،‬والأفكار‪ ،‬والقيم عرب احلدود القومية‬ ‫�شمويل يذهب عميقا يف االجتاهات املختلفة‬ ‫اللغة العربية لكلمة عوملة‪ ،‬بل ارتبط اللفظ بالفعل‬
‫م َّرة واحدة‪ ،‬كما �أ َّنها لي�ست حرا ًكا يف داخله؛ بل‬ ‫والدولية ‪ ،‬وتتم هذه التنقالت بطريقة ال يتي�سر‬ ‫لتو�صيف حركة التغري املتوا�صلة"‪.‬‬ ‫ولي�س مب�صدر ا�سمي‪" ،‬العوملة لغة لفظ م�شتق‬
‫هي ذاتُ َعالقة وثيقة باملحيط‪� ،‬ش�أنها يف ذلك �ش�أن‬ ‫للقوميات والدول توجيهها‪ ،‬والت�صرف فيها ب�صورة‬ ‫‪ -‬يف الكثري من الكتابات جند لفظ عوملة ي�شري‬ ‫من الفعل عومل على وزن فوعل‪� ،‬أو �أ ّنه م�شتق من‬
‫اللُّغة والثقافة‪.‬‬ ‫جمدية‪.‬‬ ‫�إىل لفظ ‪ Globalization‬امل�شتق من لفظ‬ ‫ال�صيغة ال�صرفية فوعلة‪ ،‬التي تدل على حتول‬
‫و ُيع ّرف "ح�س حنفي" الهوية انطالقا من اللفظة‬ ‫• جتاذبات الهوية ودالالتها‪:‬‬
‫ال ُهو َّية كلمة تتمحور دالال ُتها َ‬
‫حول الذات واحلقيقة‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وا�شتقاقها اللغوي وما يعادها يف احلرف الالتيني‬ ‫(*) باحثة يف ق�سم املاج�ستري والبحوث للغة العربية و�آدابها‪ ،‬كلية ال�سنية العربية كاليكوت – الهند‬
‫‪79‬‬ ‫‪78‬‬
‫إبــــــداع‬ ‫إبــــــداع‬

‫الناطقني بها‪ ،‬فتذكرها يف النقاط التالية‪:‬‬ ‫وعدم احرتام اخل�صائ�ص الثقافية املختلفة‬ ‫وال�سيا�سة‪� ،‬إىل ق�ضايا وجماالت �أخرى لها عالقة‬ ‫ويربطها بالأنا ومبعناها لدى الفال�سفة قائ ًال‪:‬‬
‫‪ -‬الثنائية اللغوية يف التعليم العربي و�سيطرة اللغة‬ ‫لباقي ال�شعوب واملجتمعات‪ .‬وبالتايل حتقيق‬ ‫بالثقافة والفكر واللغة‪ ،‬ف�أ�صبحت اللغة والثقافة‬ ‫"الهوية من ال�ضمري "هو" يتحول �إىل ا�سم‪.‬‬
‫الأجنبية يف املدار�س اخلا�صة واجلامعات‪.‬‬ ‫غاية تغيري �أمناط التقاليد واحلياة‪ ،‬والتحكم‬ ‫يف وقت وجيز‪ ،‬وبفعل االنت�شار ال�سريع‪� ،‬إىل �سلع‬ ‫ومعناه �أن يكون ال�شخ�ص هو هو‪ .‬هو ا�سم �إ�شارة‬
‫‪ -‬ا�ستخدام ما �أطلق عليه ا�سم العربيزية يف و�سائل‬ ‫فيها لت�صبح ن�سخة مطابقة للنمط الغربي‪ ،‬حيث‬ ‫تتداول لأهداف جتارية واقت�صادية‪ ،‬مثل تعليم‬ ‫يحيل �إىل الآخر ولي�س �إىل الأنا‪ .‬وهو ما يعادل‬
‫الإعالم احلديث (ال�شبكة العاملية الإنرتنيت)‪.‬‬ ‫�صارت املعتقدات الدينية والثقافية مهددة يف عامل‬ ‫اللغات الأجنبية املنت�شرة ب�شكل قوي يف العامل‪.‬‬ ‫احلرف الالتيني ‪ .Id‬ومنها ا�شتق �أي�ض ًا لفظ‬
‫‪ -‬ن�شر الأبحاث العلمية بالإجنليزية واالعرتاف‬ ‫العوملة‪ ،‬فال�سوق �أخذ �صفة الألوهية‪ ،‬فاعترب الإنتاج‬ ‫فالعوملة‪ ،‬ب�صيغة �أخرى‪ ،‬لها �صلة بالهيمنة الثقافية‬ ‫‪� .Identity‬أما لفظ الإنية فهو يعادل احلرف‬
‫(والفرن�سية) بهما يف اجلامعات العربية‪.‬‬ ‫واال�ستهالك مفتاحني لإنقاذ النا�س من املخاطر‬ ‫وال�سيا�سية للواليات املتحدة الأمريكية وحلفائها‬ ‫الالتيني ‪ Ipse‬ومنها ا�شتق ‪ .Ipseity‬وبالتايل‬
‫‪ -‬ازدواجية اللغة يف املجتمع ال يف التعليم فح�سب‪،‬‬ ‫التي تلحق بهم يف وجوده‪.‬‬ ‫يف الغرب الأوروبي‪ ،‬فتمتد �إىل املمار�سات الثقافية‬ ‫متنع كل �أنانية وخ�صو�صية لأن الهوية تثبت الآخر‬
‫بل يف كل جماالت احلياة االجتماعية العربية‪.‬‬ ‫وعن العوملة اللغوية‪ ،‬يتحدث �أحمد عبد ال�سالم‬ ‫واللغوية والتعبريات الثقافية املختلفة فتكت�سح‬ ‫قبل �أن تثبت الأنا‪ .‬ال ت�شتق الهوية من �ضمري املتكلم‬
‫‪ -‬التعامل يف ال�سوق بالإجنليزية (والفرن�سية)‪...‬‬ ‫�أي�ض ًا عن ما ي�سمى بالتعبري عن املقومات الثقافية‬ ‫الهوية الثقافية للمجتمعات اللغوية عرب الإجنليزية‬ ‫املفرد "الأنا" �إال مبعنى الأنانية يف مقابل الغريية‪.‬‬
‫‪ -‬تهديد الأمة باالنق�سام بناء على اختالف اللهجات‬ ‫العاملية‪� ،‬أو الربط بني املقومات الدينية الرتاثية‬ ‫يف �سائر دول العامل‪ ،‬وجتلب اخل�صائ�ص الثقافية‬ ‫�أما لفظ "الإنية" ف�أنه م�شتق من "�إن" حرف توكيد‬
‫واللغات يف البلد العربي الواحد‪.‬‬ ‫واملقومات العاملية احلديثة‪ ،‬بل عن جتديد مفاهيم‬ ‫والفكرية للعوملة اهتمام ًا وا�ضح املعامل عرب عدد من‬ ‫ون�صب‪ .‬ومعناه �أن يت�أكد وجود ال�شيء وماهيته من‬
‫امل�صطلحات املتداولة عاملي ًا‪ ،‬ولكنها تتجاوز‬ ‫التخ�ص�صات العلمية‪.‬‬ ‫خالل التعريف‪.‬‬
‫•ت�أثري العوملة على اللغة العربية‪:‬‬ ‫تلك اجلوانب للنظر يف م�صري اللغة من خالل‬ ‫ي�ؤكد "�أحمد عبد ال�سالم" �أن للعوملة عموم ًا‪،‬‬
‫نخ�ص بالذكر من م�صادر ت�أثري العوملة "احلديثة"‬ ‫قومية معينة باعتبارها و�سيلة للتوا�صل واالندماج‬ ‫ات�صال كبري بالهيمنة العاملية لعدد قليل من‬ ‫• العوملة الثقافية اللغوية‪:‬‬
‫على اللغة العربية اللغتني الإجنليزية والفرن�سية‪،‬‬ ‫االجتماعي‪ .‬فا�ستخدام لغة حمددة وواحدة يحيل‬ ‫الثقافات واللغات كالإجنليزية والفرن�سية‪ ،‬فت�ؤدي‬ ‫يعتقد "هيجل" �أن "كل ما هو عقلي فهو واقعي‪،‬‬
‫وقد كان ت�أثريهما مبا�شر ًا ب�سبب الظروف التاريخية‬ ‫مبا�شرة على وحدة الإح�سا�س واملوقف والتعبري‬ ‫هذه الهيمنة �إىل جتاهل التنوع الثقايف واللغوي‪،‬‬ ‫وكل ما هو واقعي هو عقلي"‪ ،‬فكل لغة‪ ،‬ح�سب فون‬
‫التي مرت بها اللغة العربية‪� ،‬أما �أوجه ت�أثري العوملة‬ ‫وال�شعور‪ ،‬كما ي�ساهم يف انعكا�س �أمناطها على‬ ‫هيمبوليت‪ ،‬متثل نوع ًا معين ًا من تفكيك العامل‬
‫على اللغة العربية فهي �سلبية يف �أغلبها‪ ،‬على الرغم‬ ‫منط تفكري �أهلها‪ ،‬وعلى تاريخ �أ�صحابها وثقافتها‪،‬‬ ‫و�إعادة بنائه وتنظيمه وفق �ألفاظها وبنياتها‬
‫من �إيجابية بع�ضها �أو �إمكان ا�ستغاللها يف حتقيق‬ ‫و�إبداعها الرتاثي واحلديث ‪...‬‬ ‫الرتكيبية‪ ،‬حيث "�إن كل لغة حتتوي على ميتافيزيقا‬
‫عوملة اللغة العربية ذاتها‪ .‬لقد ت�أثرت اللغة العربية‬ ‫خفية‪ ،‬ب�شكل ال يجعلها ت�سهم يف التعبري عن الفكر‪،‬‬
‫يف امل�صطلحات احلاملة ملفاهيم ثقافية‪ ،‬وفكرية‪،‬‬ ‫• مظاهر العوملة اللغوية‪:‬‬ ‫بقدر ما ت�شرطه وت�شكله"‪.‬‬
‫واملفردات العامة امل�ستجدة‪ ،‬وال�صيغ ال�صرفية‬ ‫حتدد الدكتورة "زينب بريه جكلي"‪� ،‬أ�ستاذة بق�سم‬ ‫ومن هنا‪ ،‬ووفق املنظور الفكري وال�سيا�سي‬
‫املعدلة‪ ،‬نتيجة للتطور اللغوي‪ ،‬واحتكاك متحدثي‬ ‫اللغة العربي يف جامعة ال�شارقة‪ ،‬يف مقالها "�أثر‬ ‫احلديث‪ ،‬ف�إن اللغة �صارت مت�أثرة بباقي اللغات‬
‫اللغة العربية بغريهم يف التحاور احل�ضاري‪.‬‬ ‫العوملة على اللغة العربية" املن�شور مبوقع "�أدباء‬ ‫يف العامل‪ ،‬تتفاعل معها‪ ،‬وتت�أثر بها ت�أثر ًا �سلبي ًا‬
‫وت�أثرات الرتاكيب النحوية العربية بالعوملة فوجدت‬ ‫ال�شام"‪ ،‬بع�ض مظاهر العوملة اللغوية‪ ،‬وت�أثريها‬ ‫�أو �إيجابي ًا‪ .‬فالعوملة مبفهومها ال�شامل تتجاوز‬
‫مناذج من الرتاكيب غري الأ�صلية �أو الهجينة‪،‬‬ ‫على اللغة العربية وتطورها يف العامل العربي وعند‬ ‫املجاالت التي �أثرت فيها‪ ،‬كالتجارة واالقت�صاد‬
‫‪81‬‬ ‫‪80‬‬
‫إبــــــداع‬ ‫إبــــــداع‬

‫اللغة العربية‪ ،‬واملتخ�ص�ص فيها يف ظروف العوملة‪،‬‬ ‫خا�صة ب�إحداهما تبث �إر�سالها داخل الدول العربية‬ ‫وا�ستحدثت تعبريات ا�صطالحية تعك�س ممار�سات‬
‫من�شغلني "ب�سلعة غري جتارية"‪� ،‬أو ب�سلعة لها‬ ‫وخارجها‪ ،‬ويف الوثائق الر�سمية من جوازات‪،‬‬ ‫ثقافية وتعبريات لغوية غريبة‪ ،‬وظهرت �أ�ساليب‬
‫تنقالت حمدودة‪ ،‬و�أ�صبحت وظيفة تدري�سها زهيدة‬ ‫وبطاقات‪ ،‬ورخ�ص قيادة و�إعالنات عطاءات‪،‬‬ ‫لغوية وبيانية جديدة غري معهودة يف اللغة العربية‪.‬‬
‫فيها غري حمرتمة داخل الدول العربية وخارجها‪،‬‬ ‫ولوحات عربات ت�ستخدم الإجنليزية �أو الفرن�سية‬ ‫ومن �أمثلة العبارات املحدثة‪" :‬الغرفة التجارية"‬
‫و�ضاقت فر�ص العمل للمتخ�ص�ص فيها يف �أغلب‬ ‫بجوار اللغة العربية‪ ،‬فك�أن العربية ال تفي بالغر�ض‪.‬‬ ‫جلماعة التجار واملكان املعد الجتماعهم‪ ،‬و‬
‫الدول الإ�سالمية‪ ،‬على الرغم من القرارات‬ ‫ومن الألفاظ العاملية املنت�شرة يف اللغة العربية‪:‬‬ ‫"اخلطوط اجلوية" ل�شركات الطريان وطرق‬
‫ال�سيا�سية واالجتماعية لتدري�سها جلميع �أبناء‬ ‫(هالو) يف افتتاح املكاملة الهاتفية‪ ،‬و (برتول)‬ ‫الطائرات يف اجلو‪" ،‬ويوم اال�ستقبال" ليوم‬
‫امل�سلمني‪.‬‬ ‫للنفط‪( ،‬كمبيوتر) للحا�سوب‪ ،‬و (تلفون) للهاتف �أو‬ ‫تخ�ص�صه الأ�سرة ال�ستقبال الزوار‪ ،‬و "التغذية‬
‫امل�سرة‪ ،‬و (الإنرتنيت) لل�شبكة العاملية لالت�صاالت‬ ‫الراجعة �أو املرتدة"‪ ،‬لالنفعاالت الناجمة عن �أفعال‬
‫�إيجابية يح�سن ا�ستغاللها يف ن�شر اللغة العربية • الآثار ال�سلبية للعوملة‪:‬‬ ‫واملعلومات‪ ،‬ف�ض ًال عن (برجر)‪ ،‬و(�ساندويت�ش)‪،‬‬ ‫وت�أثريات معينة وغريها من العبارات ‪.‬‬
‫متتد جذور الآثار ال�سلبية للعوملة يف املجال‬ ‫وتطويرها‪.‬‬ ‫(ودميوقراطية)‪ ،‬و(ا�سرتاتيجية ) (و�أكادميية )‬ ‫ومن �أوجه هذا الت�أثري ا�ستعمال الأ�سماء الإجنليزية‬
‫اللغوي �إىل ا�ستغاللها يف فر�ض الفل�سفة النفعية‬ ‫متنح العوملة فر�صة كبرية لإعداد اللغة العربية‬ ‫و (كوادر) و(دكتوراه) وغريها‪ .‬ومن امل�صطلحات‬ ‫للت�شكيالت اجلديدة للأزياء‪ ،‬ولتقاليد الطعام‪،‬‬
‫املادية العلمانية وما يت�صل بها من قيم‪ ،‬وقوانني‪،‬‬ ‫لت�صبح "�سلعة جتارية" "يت�سوق فيها"‪ ،‬وتتناقل‬ ‫العربية التي حتمل مفاهيم وافدة‪( :‬الإباحية)‬ ‫واملطاعم الأمريكية‪ ،‬واملواد الغذائية احلديثة‪،‬‬
‫ومبادئ على �سكان العامل كله ‪ .‬وال ت�ستثنى الثقافة‬ ‫بني النا�س يف خمتلف دول العامل‪ ،‬ويتحقق هذا‬ ‫للتحلل من قيود الأخالق‪ ،‬و(الرجعية) للبقاء على‬ ‫والأدوية امل�صنوعة يف الدول العربية‪ ،‬وال�شركات‪،‬‬
‫العربية الإ�سالمية‪ ،‬واللغة من الت�أثر ال�سلبي‬ ‫امل�شروع بت�شجيع الأبحاث العلمية اللغوية العربية‬ ‫القدمي ورف�ض التطور‪ ،‬و(ال�شخ�صية) لل�صفات‬ ‫وامل�ؤ�س�سات التجارية ‪ ،‬واعتماد املخت�صرات‬
‫بعمليات العوملة يف هذا امل�ضمار‪ ,‬وهي عمليات تعد‬ ‫وتوجيهها لتكون دعاية ال�ستعمال هذه اللغة‪،‬‬ ‫التي متيز ال�شخ�ص من غريه‪ ،‬و(العن�صرية)‬ ‫الإجنليزية لتكون �أ�سماء متعارفا عليها لعدد‬
‫ا�ستعمار ًا ثقافي ًا من الناحية ال�سيا�سية وتعلن على‬ ‫وو�سيلة لتي�سري تعليمها وتعلمها‪ ،‬كما يتحقق ب�إعادة‬ ‫للتع�صب للعن�صر‪ ،‬و (الر�سالة) للبحث املبتكر‬ ‫من ال�شركات‪ ،‬مثل (اي�سي�سكو)‪ ،‬و (�أرامكو)‪،‬‬
‫ر�ؤو�س اخلالئق �أن عليهم �أن يتحدوا �ضمن العوملة‬ ‫النظر يف الطرق‪ ،‬واملداخل والو�سائل امل�ستعملة‬ ‫للح�صول على �إجازة علمية‪ ،‬و (العميد) لرئي�س‬ ‫و(�سابتكو)‪ ،‬وغريها‪ ،‬وكذلك �شيوع ا�ستعمال التقومي‬
‫الغربية الأمريكية مع ال�سماح لهم باحلفاظ على‬ ‫يف ن�شرها‪ ،‬و�إيجاد الفر�ص للح�صول على منافع‬ ‫�شعبة علمية يف م�ؤ�س�سة تعليمية عليا‪ ،‬و(القومية)‬ ‫امليالدي بد ًال من التقومي الهجري الإ�سالمي‪،‬‬
‫التنوعات الثقافية واللغوية التي تتعار�ض مع م�صالح‬ ‫مادية ملتعلميها‪� ،‬إن �أغلب متعلمي العربية من‬ ‫لل�صلة االجتماعية بني امل�شرتكني يف اجلن�س واللغة‬ ‫وبخا�صة يف ال�شركات وبع�ض امل�ؤ�س�سات‪� ،‬أو اجلمع‬
‫هذه العوملة‪ ،‬و�سيا�ساتها‪ ،‬و�أهدافها املر�سومة‪.‬‬ ‫غري �أهلها يقدمون عليها من منطلق ديني‪ ،‬ومن‬ ‫والوطن ‪ ،‬وما �سواها‪.‬‬ ‫بينهما يف امل�ؤ�س�سات العربية ب�شكل عام‪ ،‬واعتماد‬
‫من �أبرز هذه الآثار طغيان اللغة الإجنليزية يف‬ ‫قناعة بالثقافة الإ�سالمية التي حتملها هذه اللغة‪،‬‬ ‫الت�سمية غري العربية لأ�سماء البلدان العربية بد ًال‬
‫التحاور احل�ضاري والتبادل التجاري الدويل‪،‬‬ ‫ويتعلمها العرب لتحقيق انتمائهم �إىل املجتمع‬ ‫• الآثار الإيجابية للعوملة‪:‬‬ ‫من التم�سك باال�سم العربي الأ�صيل‪ ،‬و�إلزام الدول‬
‫و�إق�صاء غريها من اللغات �إىل التعامل الإقليمي‪� ،‬أو‬ ‫العربي الناطق الأ�صلي بهذه اللغة‪ ،‬ولكن اال�ستناد‬ ‫تتمثل الوجهة النرية للعوملة يف �إيجاد �أر�ضية‬ ‫وامل�ؤ�س�سات والهيئات العاملية بااللتزام بها‪.‬‬
‫املحلي ‪ .‬و�شاع ا�ستعمال اللغة الإجنليزية يف مواقف‬ ‫�إىل الدافع الديني �أو االجتماعي ال يكفي لعوملة‬ ‫م�شرتكة بني �شعوب الكوكبة الأر�ضية بقيام عالقات‬ ‫زاحمت اللغتان الإجنليزية والفرن�سية اللغة العربية‬
‫اجتماعية‪ ،‬واقت�صادية كثرية‪ ،‬ويف تخ�ص�صات‬ ‫هذه اللغة‪ ،‬و�ضمان �شيوعها‪ .‬فقد �أ�صبح دار�س‬ ‫بينها ت�سمح بوجود قوانني عاملية تنظمها خلري‬ ‫يف عقر دارها يف و�سائل الإعالم‪ ،‬ف�شاعت جرائد‬
‫علمية تقود الواليات املتحدة الأبحاث العلمية‬ ‫اجلميع‪ .‬وللعوملة الثقافية واللغوية وو�سائلها �آثار‬ ‫حملية ب�إحدى هاتني اللغتني‪ ،‬وا�ستحدثت �إذاعات‬
‫‪83‬‬ ‫‪82‬‬
‫إبــــــداع‬ ‫إبــــــداع‬

‫‪ - 2‬ابن جني‪� ،‬أبو الفتوح عثمان‪ :‬اخل�صائ�ص‪ ،‬اجلزء‬ ‫فيها‪ ،‬ويف العالقات ال�شخ�صية بني الأفراد املنتمني‬
‫الأول‪،‬حتقيق عبد احلكيم حممد‪،‬املكتبة الوقفية‪ ،‬بدون‬ ‫�إىل لغات‪ ،‬وثقافات متنوعة وبلغ من هيمنة اللغة‬
‫ذات املليون ربيعًا‬
‫طبعة‪ ،‬بدون �سنة‪� ،‬ص ‪.44‬‬
‫‪� - 3‬سويد عبد اهلل وم�صطفى عبد اهلل‪ :‬ال ّلغة‬ ‫الإجنليزية يف املجال العلمي �أن مت�سكت بع�ض‬
‫العربية‪،‬دار الكتاب والتوزيع والإعالن واملطابع‪ ،‬طرابل�س‪،‬‬ ‫اجلامعات العربية بتدري�س بع�ض التخ�ص�صات‬
‫ليبيا‪،‬الطبعة‬ ‫العلمية الطبيعية والتطبيقية باللغة الإجنليزية ‪� ،‬أو‬
‫الثالثة‪� ،‬سنة ‪� ،1982‬ص ‪.78‬‬
‫‪� - 4‬سعيد �أحمد بيومي‪�:‬أم ال ّلغات‪ ،‬درا�سة يف خ�صائ�ص‬ ‫غريها من اللغات غري العربية‪� .‬صار هذا النوع من‬
‫ال ّلغة العربية والنهو�ض بها‪ ،‬مكتبة الآداب‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫التعليم تقليد ًا علمي ًا عميق اجلذور‪ ،‬وخلق نوع ًا من‬
‫م�صر‪،‬‬ ‫الثنائية اللغوية العلمية ف�ض ًال عن ظاهرة الثنائية‬
‫الطبعة الأوىل �سنة ‪�،2002‬ص ‪.102‬‬
‫‪� - 5‬أبوبكر العزّاوي‪ :‬ال ّلغة واحلجاج‪ ،‬دار �إفريقيا ال�شرق‪،‬‬
‫اللغوية الأجنبية ال�شعبية االجتماعية والفردية يف‬
‫اململكة املغربية‪ ،‬الطبعة الأوىل‪� ،‬ص ‪.43‬‬ ‫هذه الدول‪.‬‬
‫‪ - 6‬مفكر وفيل�سوف م�صري معا�صر له م�شروع فكري‬
‫معروف "بالرتاث والتجديد"‪.‬‬ ‫الهوام�ش‬
‫‪ - 7‬ح�سن حنفي‪ :‬مقال عنوانه‪ :‬الهوية واللغة يف الوطن‪،‬‬ ‫‪Fairclough, Norman, Globalisation‬‬
‫‪ - 8‬الزبادي حممد فتح اهلل‪ :‬العوملة و�آثارها على العامل‬ ‫‪of Discourse Practices, Globalisation‬‬
‫الإ�سالمي‪،‬منظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي‪ ،‬قطر‪� ،‬سنة ‪،2003‬‬ ‫‪Research Network Programme text-‬‬
‫الدورة‬ ‫‪January 1996 http: bank,rug>ac.be-‬‬
‫الرابعة ع�شر‪� ،‬ص ‪.2‬‬ ‫‪global- Programme.ht,- 3198-7-‬‬
‫‪- 9‬جياليل بوبكر‪ :‬العوملة مظاهرها وتداعياتها‪ ،‬نقد‬ ‫‪Axford,Barrie,The Global System:‬انظر‬
‫وتقييم‪ ،‬عامل الكتب احلديث‪� ،‬إربد‪ ،‬الأردن‪ ،‬الطبعة‬ ‫‪Economics, Ploitics and culture, Polity‬‬
‫الأوىل‪� ،‬سنة ‪20‬‬ ‫‪Press,cambridge, Uk,1995,P.29.‬‬
‫لينا العماري‪ .‬ليبيا‬ ‫‪� ،‬ص ‪.5‬‬ ‫انظر‪� :‬شاهني‪ ،‬عبدال�صبور‪ ،‬العربية لغة العلوم والتقنية‪،‬‬
‫‪ - 10‬بكار عبد الكرم‪ :‬العوملة‪ ،‬طبيعتها ‪،‬و�سائلها‪،‬‬ ‫دار االعت�صام‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪� ،1986 ،2‬ص ‪362-‬‬
‫ذنبي هو �أنني مهوو�سة تاريخ‪� ،‬أهتم بالتفا�صيل ال�صغرية جد ًا و�أعي�ش �أب�سط اللحظات فيها‪� ،‬أحب‬ ‫حتدياتها‪ ،‬دار الإعالم للن�شر والتوزيع‪ ،‬الطبعة الأوىل‪،‬‬ ‫‪363.‬‬
‫مرة عن ' مما ُ�صنعت‬ ‫والرماح وكل هياكل الدروع ‪ ،‬ولو �أنني �أبحث يف كل ّ‬‫وال�سيوف والأ�سهم ّ‬‫املعارك ّ‬ ‫�سنة ‪،2000‬‬ ‫عبدالرحمن‪� ،‬أحمد‪ ،‬العوملة… وجهة نظر �إ�سالمية‪،‬‬
‫�ص ‪.11‬‬ ‫جريدة ال�شعب‪.1998/7/31،‬‬
‫مل ؟ وكان الإ�ستفهام بالن�سبة يل لي�س �أحجية �إمنا لعبة من �ألعابي ‪ -‬ال‬ ‫�آنذاك ' وكيف و�أين و َ‬
‫انظر عبدالرحمن‪ ،‬امل�صدر ال�سابق‪.‬‬
‫�أتذكر �أنه يف حياتي حملت بني يدي كتاب تاريخ حتى و�إن ُكنت �أت�صفّحه فقط �أراين يف كل تلك‬
‫ال�صفحات‪ ،‬كنت �أنا البطلة يف ُكل �أ�سطورة ‪.‬‬‫ّ‬ ‫امل�صادر واملراجع‬
‫دائم ًا ما كنت �أراين من الن�ش�أة الأوىل �أحمل بني �أناملي �أحجار �صوان و�أ�شعل نار ًا يف كهف ما‪� ،‬أو‬ ‫‪ - 1‬ابن منظور‪� ،‬أبو الفتوح حممد بن مكرم‪ :‬ل�سان‬
‫العرب‪ ،‬اجلزء اخلام�س ع�شر‪ ،‬دار �صادر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫انني �أنق�ش على الأحجار ر�سم ًا حليوان ر�أيته‪ ،‬وقد تراين �أمتتم و�أقفز كاملجانني �أقوم برواية‬
‫بدون‬
‫حدث لأخي �أريد �أن �أف ّهمه لع ّله ي�ستوعب ما �أنوي قوله فنحن مل نخلق احلروف بعد ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫طبعة‪،‬بدون �سنة‪� ،‬ص ‪ 251‬و‪252‬‬

‫‪85‬‬ ‫‪84‬‬
‫إبــــــداع‬ ‫إبــــــداع‬

‫دويالت دويالت بعد �أن ُك ّنا وطان ًا واحد‪ ،‬ف�إين ال‬ ‫�سيفهمون ما �س�أ�سرد عليهم من كالم و�أنا عرب ّية‬
‫�أ�صف قهر وذل نفينا من بيوتنا و�إىل خارج البالد ‪.‬‬ ‫الهيئة والل�سان؟‬
‫�إين لأجل�س �أمام عتبة بيتنا يف املدينة القدمية‬ ‫مت ّر ال�سنون‪ُ ،‬تغم النف�س ويف�صح القلب عن مواجعه‬
‫فيم ّر ُمر�شد ُ�س ّواح ومعه ُ�سواح من �إيطاليا ير�شدهم‬ ‫حلكم ملن يبحث عن‬ ‫فمت �ألف موتة عندما خ ّلف ا ُ‬ ‫ّ‬
‫املُ�ستعمرة وك�أنه يحكي عن بالد ال يحت�سبها �إال‬ ‫الزهد يف احلياة ‪ ،‬امللب�س والرثاء ون�سوا �أن املال‬
‫بالده ‪ ،‬ف�أب�صق وراء ُخطاهم و�أ�ستعيذ باهلل من‬ ‫والبنون زينة احلياة الدنيا‪.‬‬
‫ال�شيطان الرجيم ثالث ًا ‪.‬‬ ‫يف �صفحة منلأها بالت�ضرع �إىل اهلل ليلهمنا‬
‫�أجل�س وعائلتي بجوار املذياع فن�سمع ب�إنت�صار جدي‬ ‫ال�صواب‪ ،‬فري�شدنا ملُبايعة من يحكمنا وي�سرينا‬
‫املُختار‪ ،‬املُختار قاتل‪ ،‬املُختار انت�صر‪ ،‬املُختار قاوم‪،‬‬ ‫على نهج اهلل فيحكمنا حفيد العادل ُعمر ‪ُ ،‬عمر‬
‫فيا �أيها امل�ستمعون �إلينا �إن ُعمر املُختار قد ا�ست�شهد‬ ‫بن عبد العزيز فتعود الأ ّمة �إىل �صالحها ‪ ،‬ويعود‬
‫�صباح �أم�س‪.‬‬ ‫ديننا �إىل قلوبنا وعقيدتنا على نهجها ويدب الإميان‬
‫فدعوين من �إجنلرتا دعوين‪ُ ،‬كنا عائلة �سعيدة‬ ‫ب َروحه فينا مجُ دد ًا ‪.‬‬
‫فجنينا نحن‬ ‫تذهب يف الأر�ض جتني الزيتون ُ‬ ‫تارة تراين يف دم�شق �أ�صلي يف الأموي‪ ،‬ثم تارة‬
‫ب�أعمارنا‪ ،‬ر�صا�ص كيان �صهيوين �شتت ِحمعنا‬ ‫تراين يف بغداد عند دار احلكمة �أ�شرتي كتاب ًا‪� ،‬أو‬ ‫عيوين غي�ض ًا منها تلك املتم ّلقة الرثثارة ‪.‬‬ ‫عند الفراعنة كنتُ �أرى كيف ُيح ّنطون املوتى و�أراين‬
‫فجعل بيتنا مخُ ّيم ال ُيقطن يف برد ال�شتاء وال حرارة‬ ‫�أنني عند هارون الر�شيد �أ�شكوه من بائع غ�شني‪.‬‬ ‫ويا وياله من يوم قدوم �أبرهة �إىل الكعبة ح ّلت‬ ‫دائما �ألعب بالأفاعي وك�أنها التقتل‪� ،‬أج ّر جملي من‬
‫ال�صيف‪.‬‬ ‫باملُنا�سبة �أنا تلميذة �أ�سبوعي ب�سبعة �أ ّيام‪ ،‬يوم عند‬ ‫امل�آ�سي ومالنا غري رب يحمينا‪ ،‬عندما �أتطرق‬ ‫هاجر جدي "�سام‬ ‫�شبه اجلزيرة العرب ّية �إىل اليمن‪َ ،‬‬
‫وعقود م�ضت من ذلك اليوم‪ ،‬وتو ّقف تاريخي عند‬ ‫ابن �سينا ويوم عند الفرابي ويوم عند اخلوارزمي‬ ‫�إىل �أ�سطر الر�سالة املُح ّمدية �أكون من �أول النا�س‬ ‫بن نوح"‪ ،‬وها نحن ال�ساميون وراءه‪ُ ،‬مرهقة متعبة‬
‫املُقاومة‪ ،‬واليوم �أراين �أتذكر الإحتالل والتغريبة‬ ‫ويوم عند احل�سن ابن الهيثم ويوم عند جابر بن‬ ‫التي �آمنت بر�سالته ‪ ،‬تعم البهجة قلبي يوم فتحت‬ ‫فالطريق �شاق وطويل ‪.‬‬
‫و�سيوف الر�سالة وك�أنني ع�شتها حلظة بلحظة‪،‬‬ ‫ح ّيان و�آخر عند الرازي ‪.‬‬ ‫م ّكة ‪ -‬حجة الوداع وما �أدراكم ما حجة الوداع �أُعود‬ ‫�إنني راعية موا�شي لدى العماريني و�أعمل ف ّالحة‬
‫فعلمت �أن عند غو�صي يف كتاب واحد مل � ِأع�ش فيه‬ ‫ري زاجل عند املماليك فوق‬ ‫فبلحظة خاطفة �أكون ط ٌ‬ ‫بنف�سي لواقعة �إين لأجه�ش بالبكاء كل ّما قر�أت ن�ص‬ ‫لدى بني كنعان وتاجرة لدى الأ�شوريني‪ ،‬امتهنت‬
‫ال معارك وال ح�ضارة �إنمّ ا انا ع�شت حياة يف حياة‪،‬‬ ‫النيل ته ّفني الن�سائم‪ ،‬ف�أحت ّول �إىل �إن�سان محُ ّطم‬ ‫اخلطبة فما بايل و�إين ُكنت بني حجاج يوم عرفة‬ ‫احلرف جميعها وانا مل �أولد بعد ‪.‬‬
‫وانا اليوم حروف هريوغلوف ّية تكرب لتع ّقد ال لتُحل‬ ‫كئيب قد حرق املغول بيته ‪.‬‬ ‫يداي على اخل ّد ودموع حتى املرافق ت�سيل ‪.‬‬ ‫تارة �أمل�س خ�شب �سفينة فنيق ّية �سننطلق بها على‬
‫وي�سهل فهمها ‪.‬‬ ‫و�إىل زاهدة على بالط قرطبة ت�سري‪ ،‬فعذب ما�ؤها‬ ‫كرم‬
‫ر�أيت يف ال�سرية �صدق ال�ص ّديق وعدل ُعمر ‪ُ ،‬‬ ‫�أمواج املُتو�سط ‪ ،‬و�أقف على م�سارح "�أويا" يف �سهرة‬
‫ثم �إين لي�س لدي ذرة �إميان واحدة بعلم يح ّفر‬ ‫الذي �شربته فيها ذرفته عيوين عندما �سقطت‪،‬‬ ‫عثمان وحزم علي ك ّرم اهلل وجوههم‪ .‬ويف ع�صور‬ ‫ف ّنية �إغريقية‬
‫الأر�ض لي�ستخرج غبار �ألف �سنة ليتقا�ضى من �أجله‬ ‫وخذين من مكاين �إىل ق�صر ال�سالطني العثمانيني‬ ‫�صدر الإ�سالم تراين جندية على خيل وراء جيو�ش‬ ‫و�أقفز قفزة طويلة �إىل �أ ّيام جمال�سنا‪� ،‬أقول بيت‬
‫املال‪ ،‬التاريخ لي�س متحف ًا وال منهج ًا وال تنقيب‪،‬‬ ‫وحكمهم ‪ ،‬و�أنا �أرى كيف ُت�ش ّيد امل�ساجد‪ ،‬ومن‬ ‫ُ‬ ‫الفتوحات متجهة لبالد ال�سند والهند‪ ،‬وعندما ك ّنا‬ ‫�شعر فتكمله �صبية من قبيلة �أخرى‪ ،‬ودائم ًا ما‬
‫التاريخ �ألف �سنة يف �صفحة وع�شرون �ألف يف‬ ‫موحد ًا‪.‬‬
‫املغرب �إىل امل�شرق يكون وطني واحد ًا ّ‬ ‫ال�صني كان ه ّمي الأول �أنهم كيف‬ ‫يف الطريق لفتح ّ‬ ‫تراين يف جمل�س مع الب�سو�س وال�شرر ي�صعق يف‬
‫الأخرى‪ .‬و�أنا عمري مليون �سنة �أو ربمّ ا �أكرث ‪.‬‬ ‫فج ّرين من ُحلمي �إىل ا�ستعمار بغي�ض‪ ،‬يق�سمنا‬
‫‪87‬‬ ‫‪86‬‬
‫إبــــــداع‬ ‫إبــــــداع‬

‫عندما �أنهى "بوركو" �صلواته‪ ،‬زال��ت من على وجهه كل عزلته ب�صالة على �شكل �أغنية ‪:‬‬
‫‪Jesus set me Free‬‬
‫‪I have my Liberty‬‬
‫عالمات اخلوف واحل�يرة‪ ،‬ومل�ست لديه رغبة يف احلديث‬
‫فا�ستجمعت �إجنليزيتي املهرتئة‪ ،‬وقلت له‪ :‬كنت يف بداية‬
‫هل هناك عصافري يف تشاد؟‬
‫‪My chains broken down‬‬
‫عملي بال�صحافة عندما التحقت بجريدة "الأيام"‪� .‬سعيد ًا‬
‫‪I have my Liberty‬‬
‫‪Now. Now‬‬ ‫بتحقيق �أغلى �أماين‪ ،‬كان ا�سمي مكتوب ًا على ر�أ�س ال�صفحة‬
‫حريته‪.‬‬ ‫ولي�س يف �صفحة �أدب ال�شباب كما تعودت‪ ،‬علي �أن �أبذل‬
‫ومل يخذله ابن العذراء ونال ّ‬
‫ال�صحافة قدري يا �صديقي‪ ،‬وها �أنذا �أدفع بعدها ج���اءوا بكو�سي �أو "ماكو"‪ ،‬كهل م��ن الت�شاد مل‬ ‫�أق�صى اجلهد‪ّ ،‬‬
‫لها � ّأول القرابني‪ ،‬جئت �أبحث عن �سبق �صحفي‪ ،‬فاعتقدوا �أ�ستطع ت�صديقه يف �شيء‪ ،‬كان الوحيد الناجي من �إحدى‬
‫وزجوا بي يف هذه الزنزانة منذ �أربعة �شهور‪ .‬امل��ج��ازر هناك ومل �أك��ن �أ�صدقه‪ .‬حدثني عن �أن��اق��ة جنود‬ ‫�أنني يهودي ّ‬
‫حت��رك��ت امل��زال��ي��ج يف الأب����واب اخل��ارج��ي��ة‪� .‬إن��ه��ا حلظات ال�شمال وعربدتهم ال�صاخبة على �أج�ساد فتيات الأدغال‬
‫الرعب‪� ،‬صمت ًا يا بوركو‪ ،‬ه�ؤالء البدو يف غاية ال�شرا�سة وكنت �أ�س�أله دائم ًا ‪:‬‬ ‫ّ‬
‫•هل هناك ع�صافري يف ت�شاد؟‬ ‫والق�سوة‪.‬‬
‫ت�سلمت الطبق ودخلت به �إىل الزنزانة الأ�شجار تقف حجر عرثة يف طريقي �إىل الهاوية‪ ،‬رغبتي‬ ‫ُ‬ ‫جاءوا بطعام فاخر‪،‬‬ ‫محمد السبوعي‪ .‬تونس‬
‫وظفرت بجلدة نارية من كرباج "�سامل النايلي"‪ ،‬الطّ عام احلا ّدة يف ت�سلّق �شجرة ومداعبة �أغ�صانها جتعلني �أدفع‬ ‫اخل��ام�����س يف زن��زان��ة ال��ع��رب الرهيبة و�أت�����ص ّ��رف بحكمة‬ ‫(ح ّتى �إذا �أتوا على وادي النمل قالت منلة يا �أيها ال ّنمل‬
‫د���س��م‪ ،‬ب��ه��ذا ف��ق��ط مي��ك��ن��ك �أن ت��ق��اوم ه���ذه ال��ع��زل��ة وه��ذه املوت‪" ،‬كو�سي"‪� ،‬أو"ماكو" يذكرين دائم ًا �أنه �شاهد دم‬ ‫�سليمان ودهائه‪.‬‬ ‫�أدخ��ل��وا م�ساكنكم ال يحطم ّنكم �سليمان وجنوده وه��م ال‬
‫اجلدران‪ ،‬كل يا بوركو‪ ،‬ولأنه �أول �أيامه بالزنزانة مل ي�أكل �أوالده يجري‪ ،‬متى يفرجون عن "كو�سي" �أو"ماكو" هذا؟‬ ‫اذه���ب بعيد ًا ي��ا ب��ورك��و‪ ،‬و�أل���زم ح���دود ح��زن��ك‪� ،‬صلواتك‬ ‫ي�شعرون) �سورة النمل الآية ‪18‬‬
‫الزجني الوقور‪� ،‬أكره‬ ‫بوركو �شيئ ًا‪ .‬ع��ادت املزاليج �إىل الأب���واب‪ ،‬بوركو‪ ،‬هذه‬ ‫القائمة مل تعد تثريين‪ ،‬ومل �أعد �أثق �أ�ص ًال بال�صلوات‪.‬‬ ‫الأ�شياء وا�ضحة متام ًا‪ ،‬حبات املطر ترتطم بجدران ال�سجن‬
‫يا �إلهي‪ ،‬مل �أعد �أحتمل ثرثرة هذا ّ‬
‫اللحظات هي الأق�سى يف هذا ال�سجن‪� ،‬ستفتح الأب��واب‪ ،‬الوقار واحلكمة‪ ،‬و�سداد الر�أي‪.‬‬ ‫جاءوا به �إىل زنزانتي ذات م�ساء طافح بالقنوط والعزلة‪،‬‬ ‫ال�صلبة‪ ،‬فتحدث �إيقاع ًا رخو ًا‪� ،‬أ�صوات الرعد متتزج مبواء‬
‫ونخرج الأطباق �أمام الزنزانة لنهرول حتت �سياطهم �إىل يتخثرّ الزمن داخ��ل زرق��ة الطالء ال��ذي دهنوا به جدران‬ ‫فُتح الباب عن زجني ق�صري ممتلئ‪ ،‬ابت�سم يل وا�ستلقى‬ ‫قطط �صغرية مل تفتح عيونها بعد فت�صدر مو�سیقى فادحة‪،‬‬
‫ً‬
‫احل�� ّم��ام‪ ،‬نق�ضي حاجتنا �سريعا‪ ،‬وح��ذار �أن تخرج قبل الزنزانة‪� ،‬أزرق فظ ي�شعرك �أنك �سابح يف جبال من امللح‪،‬‬ ‫على احل�ش ّية التي بجانبي‪ .‬وخ�� ّي��م ال�صمت جم���دد ًا على‬ ‫�سمفونية رائعة‪ ،‬ت�أتيك �أحلانها من كوكب الأر�ض القريب‬
‫�أن تطرق الباب من الداخل ف ُي�ؤذن لك‪ ،‬عندها فقط ميكنك وح�ش ّية ذكراك يا قرطاج‪ .‬وتخور كالبقرة طالب ًا الذبح‪ ،‬هيا‬ ‫زنازين �سجن اله�ضبة يف �شمال �إفريقيا‪ .‬تال�شى ال�ضباب‬ ‫جد ًا من زنزانتك‪ ،‬ال ّ‬
‫نبي � اّإل �سليمان وال غالب �إال الهدهد‪،‬‬
‫ال��ع��ودة �إىل زنزانتك مبنتهى ال�سرعة‪ ،‬فهمت يا بوركو؟ �أعدموين رجا ًء‪ ،‬مل �أعد �أحتمل كثافة هذه العزلة فيذكرك‬ ‫الكثيف املطبق على جميع حوا�سي‪ ،‬وانتابني �شعور غامر‬ ‫ن�سيت ن�صائح تلك ال�سائحة الدامناركية‪ ،‬ق�ضينا ليلة حاملة‬
‫العقاب �شديد لو خالفت طقو�س ق�ضاء احلاجة الب�شرية يف كرباج "�سامل ال ّنايلي" املثقف �أن ابن �سينا تويف للأبد‪.‬‬ ‫للزجني الق�صري املمتليء و�س�ألته‬ ‫باالرتياح والغبطة‪ ،‬نظرت ّ‬ ‫يف ق��رط��اج‪ ،‬ثرثرنا ك��ث�ير ًا‪ ،‬حت ّدثنا ع��ن ال�شعر والأدب‬
‫وت ّدعي ال ّنبوة فال ي�صدقك �إال النمل‪،‬يكفي �أن ترتك قطعة‬ ‫�سجن اله�ضبة ب�شمال �إفريقيا‪.‬‬ ‫بلغتي عن �سبب القب�ض عليه‪ ،‬مل يفهم �شيئا بل �أدرك ذلك‪،‬‬ ‫واملو�سيقى وهادننا البحر بزبدٍ ف�ضي يرتطم على �ساقينا‬
‫�إجنليزيتي املهرتئة مل تفد "بوركو" يف �شيء‪ ،‬لقد نال من اللحم يف زنزانتك‪ ،‬لتتدافع الكائنات ال�صغرية ال�سوداء‬ ‫و�أجاب يف حرية ‪:‬‬ ‫املتدلية لزرقة طائ�شة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عقابا قا�سيا تلك الليلة لإخالله بتلك الطقو�س‪ ،‬وع��اد �إىل �أف��واج�� ًا وم��ن كل فج عميق‪ ،‬ما �أروع �صخبها وم��ا �أ�ش ّد‬ ‫! ‪ ، I don't know ! Idon't know‬تذكرت �أنني‬ ‫رخي لأرواح قرطاجية حائرة‪ .‬قلت لها �إنني ذاهب‬ ‫ن�سيم ّ‬
‫غباءها‪ ،‬لقد �صدقت �أنني �سليمان النبي‪ ،‬ويل مثل حكمته‬ ‫الزنزانة ليغرق جمدد ًا يف �صلواته القامتة‪.‬‬ ‫ال �أجيد جيد ًا ه��ذه اللغة‪ ،‬واعرتتني خيبة ح��ا ّدة �سرعان‬ ‫�إىل هناك‪ ،‬ثمة قدر �شائك ي�ؤجج رغبتي يف الذهاب �إىل‬
‫�صلوات "بوركو" مل تكن ب�أية لغة حية‪ ،‬بل بلغته الإفريقية ورحمته فال �أحطم ّنها‪ ،‬ل�ست �سليمان وال حتى ذو الكفل �أو‬ ‫م��ا تال�شت ب��دوره��ا عندما نه�ض "بوركو" لأداء بع�ض‬ ‫نبي �إال �سليمان‬‫حافة الدنيا‪� ،‬صحراء �إفريقيا الكربى‪ ،‬ال ّ‬
‫اخل��ا���ص��ة‪ ،‬لإل���ه �إف��ري��ق��ي خ��ا���ص‪� ،‬إل���ه ب�لا مالئكة يقبع يف �إليا�س �أو اخل�ضر �أو �إدري�س �أو �صالح وبي كل هذه الرغبة‬ ‫ال�صلوات‪ ،‬مل �أك��ن �أ�ؤم��ن من قبل بوجود �آلهة �أخ��رى �أو‬ ‫وال غالب �إال الهدهد ‪.‬‬
‫الأدغ��ال ويحيط رعاياه بعطفه ورعايته حتى لو كانوا يف يف التدمري والقتل‪� ،‬أح�صي �ضحايا جمزرتي‪ ،‬مائة‪� ،‬ألف‪،‬‬ ‫حتى طرق لل�صالة غري التي تعلمت يف وادي اجلبا�س‪،‬‬ ‫�أفكّ ر فيك بخ�شوع يا دافني‪ ،‬ال لأنك دامناركية فح�سب‪،‬‬
‫ً‬
‫�آخر الأر���ض‪ ،‬مل مت�ض �أربعون يوما �إال والزنزانة تقذف �ألفان‪ ،‬ثالثة �آالف‪ ،‬مائة �ألف‪ ،‬مليون‪ ،‬ماليني ال ّنمل �أقطع‬ ‫عندما كان "ر�ضا" ولد �سكينة" يقودنا �إىل غدير هناك‪،‬‬ ‫الرحلة‪ ،‬ومن �شرا�سة‬ ‫�أو لأنك حذرتني كثري ًا من خماطر ّ‬
‫رقابها فال تنقطع جحافل ال ّنمل‪.‬‬ ‫ببوركو �إىل حريته العطنة‪.‬‬ ‫ه����ؤالء ال��ب��دو‪� ،‬أق��ب��ع الآن يف مملكتي ال�شا�سعة‪ ،‬زن��زان��ة‬
‫ثم جا�ؤوا ب�شارلز‪ ،‬فتى غاين مرح م�ؤمن بعي�سى ويقاوم‬ ‫فنغ�سل بع�ض الأع�ضاء والأطراف‪ ،‬ونتلو وراءه كلمات مل‬
‫فاخرة ال ت�سع �إال رعاياي ال�سذّج من العناكب والنمل‪ .‬ال‬
‫�أعد �أتذكرها‪ ،‬ونعود �إىل الأهل وقد غمرتنا غبطة غامرة ‪.‬‬
‫نبي �إال �سليمان وال غالب �إال الهدهد‪� ،‬أق�ضم اليوم �شهري‬ ‫ّ‬
‫‪89‬‬ ‫‪88‬‬
‫إبــــــداع‬ ‫إبــــــداع‬

‫املنت والهام�ش‪ ،‬يحاول فيه الهام�ش الت�صدي لهيمنة‬ ‫اقول‪ ،‬هذا الكتاب جامع طروحات �أقالم نقاد تنوعت‬
‫امل�تن‪ ،‬م��ن خ�لال �إث��ب��ات وج��ود ال���ذات املبدعة القادمة‬ ‫مناهجهم اجلمالية‪ ،‬وك�شف لنا �سعة ثقافة امل���ؤل��ف‬ ‫رؤية جمالية في روايات علي لفتة سعيد ‪..‬‬
‫منه‪ .‬وبذلك‪ ،‬ميكن القول �إن عتبة العنونة ات�سمت بتعددٍ‬ ‫يف ر�صد مدى قدرته املعرفية التامة يف تتبع امل�شهد‬
‫�إيحائي وداليل‪� ،‬أف�ضى �إىل جتان ُِ�س الإحالةِ فيه على‬
‫جوهرِ التعددِ والتنوع يف التجربة‪ ،‬التي يقوم عليها‬
‫ال�����س��ردي واحل��ف��ر والتنقيب م��ع��ا يف ماينجز نقديا‬
‫واطالعه الد�ؤوب وا�شتغاله املعريف والنقدي والبحثي‬
‫ماسك السرد‬
‫ا�شتغال الكتاب‪ .‬كما �أحالت على انعكا�س هذا التعدد‬ ‫والتحليل ‪.‬‬
‫عناوين‬
‫َ‬ ‫ومتف�صله‬
‫ُ‬ ‫يف اخلريطة التوزيعية ملحاور الكتاب‬
‫داخلية‪ ،‬دخلت يف �صياغتها كلها‪ ،‬الكلمة املحورية‬ ‫ويبدو يل �أن هناك ُبعد ًا �إ�ضاف ّيا‪ ،‬هو الرتكيز على الأبعاد‬
‫"ما�سك ال�سرد" يف العنونة اخلارجية ( قراءة جمالية‬ ‫الإيحائية يف العالقة بني العنونة ومعطيات التجربة‬
‫نقدية ) فجاءت �أق�سام الكتاب على هذا النحو‪ :‬االحتفاء‬ ‫(مادة الكتاب) ما�سك ال�سرد‪ .‬يتمثّل يف ن�سقني‪ ،‬الأول‪:‬‬
‫املنهجية النقدية العربية من خالل درا�سة �أدب الروائي‬ ‫ن�سق التفاعل بني معطيات التجربة نف�سها للروائي‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫وفاعليته يف �إثرائها املطرد؛ �إذ يت�شكل من العالقات‪،‬‬
‫ال �شك يف �أن التعاطي مع جتربةٍ الكاتب "علي لفته‬ ‫التي تتخلّق من انتقاالت التجربة بني �أجنا�سها املتعددة‪.‬‬
‫�سعيد" على هذا امل�ستوى من اال�ستثنائية‪ ،‬يحمل يف‬ ‫عالقات وفقا ل�سياقات الداللة‬‫ٍ‬ ‫ويتوازى مع ما ين�ش�أ من‬
‫معنى من معاين االحتفاء ب�شخ�صية مبدعة وقد‬ ‫طياته ً‬ ‫�سياقات تتحكم فيها عالق ُة املتغيرّ‬
‫ٌ‬ ‫الوظيفية ‪ .‬وه��ي‬
‫�شكلت ح�ضور ًا عربي ًا‪ ،‬وهو ما مل تفت امل�ؤلف الإ�شارة‬ ‫(الثيمة‪ /‬ال�شخ�صية ) يف كل رواية‪.‬‬
‫�إل��ي��ه‪ .‬و�إىل ا ّت�����س��ام رواي��ات��ه ال��ث�لاث ب��ه��ذه القيمة من‬ ‫عقيل هاشم‪ .‬العراق‬
‫نوع من‬ ‫االحتفاء النبيل‪ ،‬ف�إنه قد قام يف ا�شتغاله على ٍ‬ ‫ويتمثّل الن�سق الثاين‪ ،‬يف �صراع معطيات التجربة‬
‫النباهة الكتابية‪ ،‬التي �أفلح امل�ؤلف من خاللها‪.‬‬ ‫امل���ت���ع���ددة ل��ل��ن�����ص ال����روائ����ي وت�����س��ل��ي��ط ال�������ض���وء على‬ ‫يف كتابه "ما�سك ال�سرد" ال�صادر حديث ًا من دور ن�شر ايرانية‪� ،‬ضم الكتاب مقاالت عن ثالث روايات‬
‫(الهام�ش) مع (امل�تن)؛ �سعيا �إىل �أن ينال (الهام�ش)‬ ‫هي "ال�سق�شخي"‪" ،‬البدلة البي�ضاء لل�سيد الرئي�س"‪ ،‬و"موا�سم اال�سطرالب" ‪.‬‬
‫م�ستوى‬
‫ً‬ ‫وقد بلغت منهجية الت�أليف يف هذه امل�ساحة‬ ‫ا�ستحقاقاته يف امل�شهد الثقايف والإب��داع��ي‪ .‬وه��و ما‬ ‫�ضم الغالف الثاين �آراء نقدية من نقاد عرب عراقيني‪ ،‬ح�سب اهلل يحيى واحمد بلخريي وعز‬
‫عاليا من ال ُّ��رق��ي‪ ،‬وتعاطى معها بو�صفها درو���س�� ًا من‬ ‫�أ�شار �إليه الكاتب د‪� .‬صباح حم�سن‪ ،‬يف قراءته الثقافية‬ ‫الدين جيالوي وفتحي بن معمر و د‪ .‬و�سلوى النجار‪� ،‬أما الغالف فكان للفنان علي عبد الكرمي‪.‬‬
‫النقدية وروايات موجة احلداثة وت�صالحُ ًا مع اجلديد‪.‬‬ ‫التي ت�صدرت الكتاب‪ ،‬واق�ترب فيها من الك�شف عن‬ ‫ي�شري امل�ؤلف د‪� .‬صباح حم�سن �إىل الإحاطة ال�شاملة ب�أدب الروائي "علي لفتة �سعيد" ومن خالل‬
‫ج�سدت هذه الر�ؤية �إيجابي َة اال�شتغال النقدي‬ ‫درا�سة ثالث روايات وك�شف ان�ساقها امل�ضمرة‪.‬‬
‫وبذلك ّ‬ ‫االرت��ب��اط الن�سيجي‪ ،‬ب�ين ه��ذا الن�سق وعتبة العنونة‬
‫�سياق من ال�شعور بامل�س�ؤولية النقدية‬ ‫وما ي�ضعها يف ٍ‬ ‫و�إحاالتها على امل�ضمون املتعدد‪ .‬مبا يف هذا امل�ضمون‬ ‫وجوهر هذه الإ�شارة كامنٌ ‪ ،‬بال ريب‪ ،‬يف �أن مادة الكتاب هي املُنجز الكتابي النقدي‪ ،‬الذي ت�شكّلت‬
‫وثراء وتدفقا‬
‫ً‬ ‫به جتربة الروائي علي لفتة �سعيد من تعدد ف�ضاءات م�سروداته‪ ،‬واكتنازها ً‬
‫�سعة‬
‫�شكل من �أ�شكالِ التحديث املنهجي‪.‬‬ ‫جتا َه ٍ‬ ‫من جت�سيدٍ لل�صراع الن�سقي‪ ،‬الذي تدور حوله جتربة‬
‫���ور ُم��هِ �� ٍّم‪ ،‬تت�شاركه‬ ‫الروائي ال�سردية‪ ،‬والتعاطي معها بو�صفه �صراع ًا بني‬ ‫�سردي ًا‪.‬‬
‫ك�شفت �سياقات ال��ك��ت��اب ع��ن حم ٍ‬
‫‪91‬‬ ‫‪90‬‬
‫إبــــــداع‬ ‫إبــــــداع‬

‫امل�سارات املختلفة يف جتربة املتعدد‪ ،‬متمث ٍِّل يف ن�سق‬


‫كاريكاتير‬ ‫تلك ال�سرديات من احلياة الواقعية‪ ،‬مبكوناتها الثقافية‬
‫واالجتماعية والتاريخية والدينية والأنرثوبولوجية‬
‫ال��ت��ي ا�ستندت �إليها جت��رب��ة ال��روائ��ي واالط�ل�اع على‬
‫تفا�صيل احلياة ويومياتها‪ ،‬بحث ًا عن ن�سيج العالقات‬
‫ب�ين تفا�صيل ه��ذا الن�سق وانعكا�ساتها يف املُ�� ْن َ��ج��ز‬
‫الإبداعي‪ ،‬والدور الفاعل الذي ا�ضطلع به هذا الواقع‬
‫يف ت�شكيل هذه ال�شخ�صية ب�أبعادها املختلفة �إبداعي ًة‬
‫ومعرفية وفكرية‪.‬‬

‫وختام ًا �أق���ول‪ :‬الكتاب عمل على الإ���س��ه��ام م��ن خالل‬


‫ه���ذه االط���را����س ال��ن��ق��دي��ة يف م��ع��رف��ة وب���ل���ورة امل�شهد‬
‫الك�شف بات�ساع التجربة وثرائها‬
‫ُ‬ ‫��س��ع فيها‬ ‫وق��د ا ّت��� َ‬ ‫الثقايف والأدب��ي والنقدي‪ .‬من خالل الإ�شارة �إىل �أن‬
‫املتنوع؛ �إذ �أحالت م�سارات الكتابة على اجلهد الكبري‬ ‫�أدب الروائي من ن�صو�ص �سردية «م�ستفادة من واقع‬
‫الذي بذله امل�ؤلف يف �إجناز كتابه‪ ،‬وعلى امتالكه قدرة‬ ‫ورغبات وتراكمات‬
‫ٍ‬ ‫غايات‬
‫بيئته» ال �سيما يف تعاطيه مع ٍ‬
‫ف��ائ��ق��ة ع��ل��ى ال��ت��ع��اط��ي م��ع جت��رب��ة ا�ستثنائية‪ ،‬متعددة‬ ‫وجدانية مت�صاعدة‪ .‬كما ظهر هذا الن�سق جلي ًا يف البعد‬
‫الف�ضاءات غزيرة الإنتاج الكتابي‪.‬‬ ‫جت�سد يف‬
‫ال�سردي م��ن جتربة ال��روائ��ي املتعدد؛ �إذ ّ‬
‫�سياقات �سردية‪ ،‬ا�ستوعبت ما ترتب على هذا الواقع‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫و�إىل ذل��ك‪ ،‬ف���إن من �أه��م ما و�صلت �إليه ه��ذه الرحلة‪،‬‬ ‫و�سلوكيات وجتارب �إن�سانية متعددة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫من طبائع‬
‫هو تقدمي ر�ؤي��ة وا�ضحة يف م�سارات جتربة الروائي‬
‫بع�ض من جتليات امل��ت��ع��دد‪��� ،‬ض��م��ن خم��ت�بر امل��ن��اه��ج ال��ن��ق��دي��ة يف ت���أط�ير‬ ‫الك�شف عن ٍ‬
‫ُ‬ ‫كانت غاية هذا العمل هي‬
‫جتربة الروائي املتعدد‪ ،‬وفقًا ملا ت�ض ّمن ْته �إ�شار ُة م�ؤلف اال�شتغال املعريف والإبداعي والثقايف ل�سرديات كاتب‬
‫ال��ك��ت��اب �إىل ذل���ك يف ���س��ي��اق ٍ��ات خمتلفة‪ ،‬ام��ت��دت �إىل �أبهر جمهور با�شتغاالته احلكائية‪.‬‬
‫ال�صفحات الأخرية‪ ،‬التي ت�ض ّمنت واحد ٌة منها ت�أكيدا‬
‫أطراف من منجز املتعدد‬
‫لهذه الغاية‪ ،‬املاثلة يف الإملام ب� ٍ‬
‫فني ًا ‪.‬‬

‫‪93‬‬ ‫‪92‬‬
‫واحــة الليبي‬ ‫واحــة الليبي‬

‫‪ -‬يف حضرة الشعر العربي‪:‬‬


‫تكن متخ�شع ًا‬ ‫�إذا افتقرت فال ْ‬ ‫واحة اللييب (‪)4‬‬
‫ترجو الفوا�ضل عند غري املفْ�ضل‬
‫وا�ستغن ما �أغناك ربك بالغنى‬
‫و�إذا ت�صبك خ�صا�صة فتجمل‬
‫(عبد قي�س بن خفاف)‬
‫النف�س كن يف كل حال‬ ‫ِ‬ ‫عفيف‬
‫ف�إن املرء �شيمته العفاف‬
‫وال ت�س�أل ب�إحلاف �أنا�سا‬
‫العي�ش �شيمتك الك َفاف‬‫ِ‬ ‫وكن يف‬
‫الطرف و�أحفظ عر�ض‬ ‫وغ�ض َّ‬
‫�أهل �إذا مرت بجانبك اللطاف‬
‫هلل" قلها بانك�سا ٍر‬‫"معا َذ ا ِ‬
‫وزدت فيه �أن ال�شمعة يتغري‬ ‫و َعمل ُْت �أنا هذا ال�شمعدان‪ُ ،‬‬ ‫وقلْ ‪� :‬إين من الباري �أخاف‬ ‫ُ‬
‫لونها يف كل �ساعة‪ ،‬وفيه �أ�سد تتغري عيناه من ال�سواد‬ ‫(لقائله)‬
‫حلمرة ال�شديدة‪،‬‬ ‫ال�شديد �إىل البيا�ض ال�شديد‪ ،‬ثم �إىل ا ُ‬ ‫النف�س جتزع �أن تكون فقرية‬
‫يف كل �ساعة لهما لون‪ ،‬فيعرف التنبيه يف كل �ساعة‪،‬‬ ‫والفقر خري من ِغنى ْ‬
‫يط ِغيها‬
‫صالح عبد الستار محمد الشهاوي‪ .‬مصر‬
‫وت�سقط ح�صاتان من طائرين‪ ،‬ويدخل �شخ�ص ويخرج‬ ‫ّفو�س هو الكفاف ف�إن �أَبت‬ ‫وغنى الن ِ‬
‫�شخ�ص غريه‪ ،‬و ُي ْغلق باب و ُي ْفتَح باب‪ ،‬و�إذا طلع الفج ُر‬ ‫فجميع ما يف الأر�ض ال يكفيها‬ ‫ُ‬
‫طلع �شخ�ص على �أعلى ال�شمعدان و�إ�صبعه يف �أذن��ه‬ ‫(لقائله)‬ ‫‪ -‬من األدب العربي‪:‬‬
‫ي�شري �إىل الأذان‪ ،‬غري �أين عجزت عن �صنعة الكالم‪،‬‬
‫‪ -‬علم عربي علم العامل‪:‬‬ ‫"يا بني‪ .‬كن جواد ًا باملال يف مو�ضع احلق‪� ،‬ضنين ًا‬
‫أي�ضا ���ص��ور َة حيوان مي�شي ويلتفت ميي ًنا‬ ‫و�صنعت � ً‬
‫"بلغني �أن امللك الكامل ُو ِ���ض��ع ل��ه �شمعدان‪ ،‬كلما‬ ‫ب��الأ���س��رار ع��ن جميع اخل��ل��ق‪ ،‬ف���� َّإن ج��ود امل��رء الإن��ف��اق‬
‫و�شمال و ُي َ�صفِّر وال يتكلم"‬ ‫اً‬
‫م�ضى م��ن الليل �ساعة انفتح ب��اب م��ن��ه‪ ،‬وخ���رج منه‬ ‫يف وجه ال َّرب والبخل مبكنون ال�سر"‬
‫(�أح���م���د ب���ن �إدري���������س‪� ،‬أب����و ال��ع��ب��ا���س‪��� ،‬ش��ه��اب ال��دي��ن‬
‫�شخ�ص يقف يف خدمة ال�سلطان‪ ،‬ف�إذا انق�ضت ع�ش ُر‬ ‫(حكيم عربي)‪.‬‬
‫ال�صنهاجي ال��ق��رايف ‪ -‬ت‪684 :‬هجرية‪� :-‬شرح‬
‫���س��اع��ات طلع �شخ�ص على �أع��ل��ى ال�شمعدان وق��ال‪:‬‬
‫املح�صول)‬
‫ال�سلطان بال�سعادة‪ ،‬فيعلم �أن الفجر قد طلع‪،‬‬
‫َ‬ ‫�ص َّب َح الله‬

‫‪95‬‬ ‫‪94‬‬
‫من هنا وهناك‬ ‫واحــة الليبي‬

‫منذ �أكرث من خم�سني عام ًا م�ضت‪� ،‬أبدع اال�ستاذ الكبري‬


‫«ح�سن الكرمي» يف برنامج �إذاعي كانت تبثه �إذاعة لندن‬
‫�آنذاك بعنوان « قول على قول» ‪ ..‬كنا �صغار ًا نتعلم �أبجدية‬
‫املعرفة ونحن ندمن اال�ستماع �إيل هذا الربنامج القيم مبادته‬
‫الرائعة حد الذهول ‪.‬‬
‫والآن‪ ،‬ي�سعدنا �أن نوا�صل تقدمي فقرات من هذا الربنامج بعد‬
‫�أن تكرم �صاحبه وجمع مادته االذاعية يف جملدات عددها‬
‫‪ 12‬جملد ‪� ..‬أ�صبح كتاب ًا بد�أنا مع ثروته النفي�سة من �أعوام‬
‫يف جملة الليبي ‪ ،‬وها نحن نوا�صل متعة املعرفة م�صحوبة‬
‫هذه املرة مبقدمة ثابتة جتيب على �أ�سئلة الكثريين بخ�صو�ص‬
‫�سبب اختيارنا ل�سبيكة ذهب ا�سمها «قول على قول» ‪.‬‬

‫قالـــــوا‪:‬‬ ‫• طرائف‪:‬‬
‫ • "باحتمال امل�����ؤن ُي��ب��ن��ي ال�����س���ؤدد‪ ،‬وب��الأف�����ض��ال‬ ‫‪ٌ -‬يحكي �أن ابن ًا ل�شريح القا�ضي قال لأبيه‪� :‬إن بيني‬
‫تعظ ُم الأخطار‪ ،‬وب�صالح الأخالق تزكو الأعمال"‬ ‫وبني قوم خ�صومة‪ .‬فانظر يف الأم��ر‪ ،‬ف���إن كان احلق‬
‫(االحنف بن قي�س)‬ ‫يل خا�صمتهم (قا�ضيتهم)‪ ،‬و�إن مل يكن يل احل��ق مل‬
‫ • "�شُ كر ال��ن��ع��م��ة ه��و �أن ت���ري نف�سك متتطف ًال"‬ ‫�أخا�صمهم‪ .‬ثم ق�ص ق�صته عليه‪ .‬فقال �شريح‪ :‬انطلق‬
‫(حمدون الق�صار)‬
‫فخا�صمهم‪ .‬فانطلق �إليهم فخا�صمهم‪ ،‬فق�ضي �شريح‬
‫ • "كثري من النا�س يعي�شون طويال يف املا�ضي‪,‬‬
‫على ابنه! فقال ابنه له ملا رجع �إىل �أهله‪ :‬والله لو مل �أتقدم‬
‫وامل��ا���ض��ي من�صة للقفز ال �أري��ك��ة لال�سرتخاء"‬
‫(توفيق احلكيم)‬ ‫�إليك بطلب الن�صح مل �أملك‪ .‬ف�ضحتني‪ .‬فقال �شريح‪ :‬يا‬
‫ • "اجلاهل ميكن تعليمه‪ ،‬واجل��ايف ميكن تهذيبه‪،‬‬ ‫بني‪ ،‬والله لأنت �أحب �إىل من ملء الأر�ض مثلهم‪ .‬ولكن‬
‫لكن الذليل الذي ن�ش�أ على الذل يتعذر �أن تغر�س‬ ‫الله اعز على منك‪ .‬خ�شيت �أن �أخربك �أن الق�ضاء عليك‬
‫يف نف�سه عزة و�إباء و�شهامة تلحقه بالرجال‪"!..‬‬ ‫فت�صاحلهم على مال فتذهب ببع�ض حقهم!‪.‬‬
‫(ابن بادي�س)‬
‫رجل‬
‫زال ينب�ض‪ ..‬قالوا ب�صوت ٍ‬ ‫"قلت‪ :‬قلبي ما َ‬ ‫ • ُ‬ ‫‪� -‬س�أل �أب��و العيناء حاجة من اب��ن �أخ��ت ال��وزي��ر‪ ،‬فلم‬
‫حي"‪�( .‬إبراهيم ن�صر الله)‬ ‫واحد‪ :‬هذا ال يعني �أ ّنكَ ٌّ‬ ‫يق�ضها ل��ه‪ ،‬ف��ق��ال �أب���و ال��ع��ي��ن��اء‪� :‬إمن���ا �أل���وم نف�سي يف‬
‫ • "من اجل�����رح وح�����ده ي���ول���د الأدب" (�أح��ل��ام‬ ‫ت�أميلك‪ ،‬و�أنت م�ضاف �إىل م�ضاف‪.‬‬
‫م�ستغامني)‪.‬‬
‫‪97‬‬ ‫‪96‬‬
‫أيام زمان‬ ‫قبل أن‬
‫نفرتق ‪..‬‬

‫جل�س "العرت" يذكر حكايات جدته وقال يف نف�سه‪:‬‬


‫م�سجد بلد الطابية " م�سجد العرتو�سية"‬ ‫قالت جدتي‪ :‬لي�س ثمة �شيء رائج �أكرث من احلكايات وال �شيء يك�سر حدة‬
‫ال�ضجر يف امل�ساءات الطويلة غري ق�صا�ص ين�سج احلكاية كحا ٍو حمرتف‪.‬‬
‫�أن�شيء يف الفرتة ( ‪ 1139 - 1112‬هـ ) وهو من �أقدم امل�ساجد القدمية والعتيقة‬
‫ببلد الطابية ( كعام يف غرب ليبيا )‪ ،‬وجاءت الت�سمية ( م�سجد العرتو�سية ) ن�سبة‬
‫لعائلة العتار�سة الذين كان لهم الف�ضل يف اعماره حيث كانوا ميلكون الأر�ض التي بها‬
‫امل�سجد واملقربة القدمية ‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫اللييب‬
‫مجلة‬

‫شهرية ثقافية تصدر عن مؤسسة اخلدمات اإلعالمية مبجلس النواب‬


‫السنة السادسة العدد ‪ / 63‬مارس ‪2024‬‬

‫كنز النساء الرائعات‬

You might also like