Professional Documents
Culture Documents
الأحكام المتعلقة بالاعتراف القسري في الفقة الإسلامي المقارن
الأحكام المتعلقة بالاعتراف القسري في الفقة الإسلامي المقارن
محمد الدغمي
ملخص
يه دف ه ذا البحث إلى بي ان األحك ام الفقهي ة المتعلق ة ب االعتراف القس ري ،واعتب ار
اإلكراه عيب اً من عيوب اإلرادة ،األمر الذي يجعل المقر يدعي ويتمسك ببطالن إقراره،
وأم ا إن أق ر بمحض إرادت ه دون اس تخدام أي وس يلة تحمل ه على االع تراف ف إقراره
صحيح يصلح لإلدانة ما دام صدر عن إرادة حرة مدركة.
Abstract
This research aims to show that the judgement related to "admitting by
force" in the Fiqh is considered as adefect of willingness. This enables the
confessor to demand and persist that the verdict is false. But if the confessor
admits with pure willingness without being subjected to any means of force,
his confession will be considered as real and true and to would bye
appropriate for issuing judjement as long as the confession came out of free
and mindful willingness.
المقدمة:
الحمد هلل رب العالمين ،والصالة والسالم على رسول اهلل وعلى آله وصحبه أجمعين،
وبعد:
فإن للقاضي أن يأمر بتقديم أي دليل يراه الزمًا إلظهار الحقيقة ،وله الحرية في تقدير
األدلة المقدمة في الدعوى الجنائية ووزنها وترجيح بعضها على البعض اآلخر ،بهدف
تحري العدالة ،وله أن يوازن بين األدلة المقدمـة من الخصوم في الدعوى المدنيـة وفي
أستاذ مشارك ،قسم الفقه وأصوله ،كلية الدراسات القانونية والفقهية ،جامعة آل البيت. *
الدعوى الجنائية وأن يقدم أي دليل يراه الزماً إلظهار الحقيقة ،ألن اإلقرار الجنائي ليس
يلزم ولما رأيت من أهمية لهذا الموضوع القديم الجديد ،فقد عزمت أن أكتب فيه إظهاراً
لدور الشريعة اإلسالمية في تقعيد القواعد ووضع األسس الكفيلة بحماية المستجوب،
وتزداد الصورة إشراقاً إذا عرفنا أن القانون الوضعي ما زال قاصراً أن يجاري الشريعة
الغراء في تحقيق العدالة.
مشكلة البحث:
ما دور الشريعة الغراء في حفظ حقوق األفراد من االعتداء عليهم أثناء التحقيق -
األولي ونزع االعتراف منهم بالقوة؟
ما شروط صحة االعتراف وما آراء الفقهاء في نزع االعتراف باستخدام األجهزة -
المتقدمة أثناء التحقيق؟
الدراسات السابقة:
تطرق الفقهاء إلى موضوع االعتراف القسري وبينوا األحكام المتعلقة به،
واستنبطوا األحكام المتعلقة بهذا الموضوع من القرآن الكريم والسنة الشريفة ،إال أن هذه
الجزئية تختص بدراسة عصرية ،مع استعمال األجهزة العصرية المتقدمة التي تستعمل
لنزع االعتراف ،فأصول البحث ومنطلقاته الرئيسة موجودة في كتب الفقه ولكنها مفرقة
مبثوثة في مواطن كثيرة .هذا وقد عقدت مؤتمرات لمعالجة هذا الموضوع منها مؤتمر
في سيراكوزا في إيطاليا عام 1978م تحت عنوان المتهم في الشريعة اإلسالمية ،وعقد
مؤتمر في الرياض عام 1982حول مدى حجية االعتراف ،وتكثر الندوات والمؤتمرات
واللجان حول حقوق اإلنسان لتحقيق أكبر قدر من االلتزام بالعدالة وعدم التعسف في
انتهاك حقوق اإلنسان وتحملها للمسؤولية في أثناء التحقيق.
أهميـة البحـث:
تكمن أهمية هذا البحث في بيانه لمعنى االعتراف القسري واإلكراه كعيب من عيوب
اإلرادة ،والتمييز بين االعتراف واإلقرار وشروط صحة االعتراف.
ولهذا جمعت المادة من مصادرها األولية ألقدم صورة من صور العدالة في
القضاء اإلسالمي مع التأصيل والمقارنة القانونية والتطبيقات الحديثة للوسائل المستخدمة
ضد إرادة اإلنسان.
ويبرز هذا البحث ضوابط وقواعد االعتراف الصحيح ،ويبرز دور القضاة في
نصرة المظلوم وحفظ حقوق اإلنسان الذي تسعى كل القوانين لحفظ حقه واعتبار المتهم
بريئاً حتى تثبت إدانته.
هذا وقد بذلت قصارى جهدي إلخراج هذا الموضوع إلى حيز الوجود ليخدم
المسلمين ورجال القضاء واإلدارة ،وطلبة العلم ،وأرجو اهلل أن يكون نافعاً للمسلمين إنه
نعم المولى ونعم الوكيل ،وهو حسبي وكفى.
المبحث األول
معنى القسر واإلكراه لغة واصطالحاً
القسر لغة :هو اإلكراه ،يقال قسره على األمر ،قسراً :أكرهه عليه وقهره( ،)1وأكرهه
على األمر :أي حمله عليه قهراً ،وأكره فالناً :أي حمله على أمر يكرهه ،وإ ذا أكرهه
على أمر ال يريده طبعاً أو شرعاً يعتبر مكرهاً ،ويقال :استكرهت فالنه أي غصبت
نفسها ،والكره بالفتح والضم :اإلباء والمشقة ،وقيل بالضم :إذا أكرهت نفسك عليه،
وبالفتح ما أكرهك غيرك عليه ،وبالفتح عند البعض اإلكراه ،وبالضم :المشقة(.)2
() 3
يقال :فعلته كرهًا أي إكراهًا .ونقل عن الزجاج قوله :كل ما في القرآن من الكره
بالضم ،فالفتح فيه جائز إال قوله تعالى في سورة البقرةُ :كِت َب َعَلْي ُك ُم اْل ِقتَ ُ
ال َو ُهَو ُكْرهٌ لَّ ُك ْم
والقسر هو القهر واإلكراه ،قال في المصباح المنير" :قسره :على األمر قسرًا من باب ْ (،)4
()6 () 5
ضرب قهره ،واقتسره كذلك" ومنه قوله تعالىَ :طْو ًعا َْأو َكْر ًها ، أما معناه اصطالحاً
فهو :حمل الغير على ما ال يرضاه(.)7
وعرفه القانون المدني األردني :حيث قال" :اإلكراه هو :إجبار بغير حق على أن
يعمل عمالً دون رضاه ،ويكون مادياً أو معنوياً".
وعرفته مجلة األحكام العدلية" :اإلكراه هو إجبار واحد باإلخافة على أن يعمل
عمالً بغير حق"(.)8
()9
بأنه فعل يوقعه اإلنسان بغيره يفوت به رضاه أو يفسد وعرفه في ملتقى األبحر
اختياره .واإلكراه بنوعيه الملجئ وغير الملجئ يعدمان الرضا ،فاإلكراه الملجئ يفسد
االختيار مثل التهديد بالضرب الشديد المؤدي إلى إتالف النفس أو قطع العضو ،واإلكراه
غير الملجئ الذي يوجب الغم كالضرب غير المبرح والحبس غير الطويل يفوت به
الرضا مع بقاء االختيار الصحيح(.)10
واإلكراه في الفقه اإلسالمي يعتبر عيباً من عيوب اإلرادة ،بسبب ما يتصل به من
وسائل العنف المادية الظاهرة ،ويحظى باألهمية في فقه القانون الوضعي.
فاإلقرار القسري يمكن أن يعرف بأنه حمل الشخص على إخبار عن ثبوت حق
على نفسه أو اعتراف بجرم لم يقترفه ،دون رضاه باستخدام وسائل ضغط غير
مشروعة ،تفسد اختياره أو تفوت الرضا عنده.
المبحث الثاني
اإلكراه كعيب من عيوب اإلرادة
اإلقرار تصرف قانوني ألنه عمل إرادة ويشترط في اإلرادة أن تكون حرة خالية من
العيوب ،وعيوب اإلرادة هي :الغلط ،والتدليس ،واإلكراه ،واالستغالل ،وقد قصر المشرع
األردني عيوب اإلرادة على ثالث هي :اإلكراه والغلط والتغرير مع الغبن الفاحش (التدليس)
ولهذا يجب أن يكون اإلقرار صادرًا عن إرادة خالية من العيوب حتى يتكون معتبرًا.
وقد نصت الفقرة ( )2من المادة ( )50من قانون البينات األردني على أنه ال يصح
الرجوع عن اإلقرار.
ويفهم من ذلك أن اإلقرار حجة على المقر ال يجوز عدم اعتباره إال بإثبات وجود
عيب أصابه يتعلق باإلرادة ،أي ال بد من إثبات حالة وجود خطأ يجعل اإلقرار باعتباره
تصرفًا قانونيًا يخرج عن النظرية العامة للتصرفات إذا توافرت فيه شروط االنعقاد
تعبر عن اإلرادة الخالية من العيوب ،ويشير القانون األردني إلى أنه يمكن
والصحة والتي ّ
التمسك ببطالن اإلقرار إذا كان اإلقرار صورياً ،أو كان المقر وقت اإلقرار سكراناً أو
مكرهاً ويعتبر هذا نتيجة لوقوع اإلقرار باطالً أو قابالً لإلبطال قضاء ،ال رجوعاً عن
اإلقرار الثابت .ومن هنا يعتبر اإلكراه عيباً من عيوب اإلرادة ،بحيث لو ورد اإلقرار
بصورة معينة فللمقر التمسك ببطالن إقراره.
وهو" :إقرار على النفس بارتكاب الجريمة موضوع التحقيق سواء بسلوك منفذ لها
أم
بسلوك على هامش تنفيذها"(.)11
واالعتراف المعول عليه هو ما صدر عن إرادة حرة بأن يدلي المتهم بأقواله دون
أن يستخدم معه أية مؤثرات مادية أو معنوية .وللقاضي السلطة التقديرية في البحث عن
الحقيقة فقد ال يأخذ باعتراف المتهم إال إذا طابقت الحقيقة الواقع دون لبس أو غموض،
وأن تكون قد صدرت عن إرادة حرة سواء أكان االعتراف شفهياً أو مكتوباً.
وال يعتبر اإلقرار صحيحًا إذا أقر المتهم بصحة التهمة دون األفعال ،فإقراره بارتكاب
األفعال اإلجرامية يعتبر إقرارًا صحيحًا يعمل به .وليس أعدل من عقوبة تطبيقه على شخص
يعترف بمحض إرادته ودون استخدام أية وسائل أخرى لحمله على االعتراف(.)12
وأكدت محكمة التمييز األردنية بأن االعتراف الذي يصلح لإلدانة هو الذي يصدر
عن إرادة حرة مدركة(.)13
المبحث الثالث
التمييز بين االعتراف واإلقرار
ال بد من تحديد معنى اإلقرار وتحديد معنى االعتراف حتى تتضح صورة معنى
اإلقرار المدني ،وهو كما عرفه القانون األردني المأخوذ من الشريعة اإلسالمية" :إخبار
اإلنسان عن حق عليه آلخر"(.)14
ويميز المشرع في قانون البينات بين اإلقرار القضائي واإلقرار غير القضائي وقد
عرفت المادة ( )45اإلقرار القضائي بأنه (اعتراف الخصم أو من ينوب عنه إذا كان
مأذوناً له باإلقرار بواقعة ادعى بها عليه ،وذلك أمام القضاء أثناء السير في الدعوى
المتعلقة بهذه الواقعة).
واإلقرار في الشريعة كما أسلفنا هو كما عرفه الحنفية" :إخبار عن ثبوت حق للغير
على نفسه ،أي الخبر" .وهو عند المالكية "خبر يوجب حكمه صدق على قائله بلفظه أو
بلفظ نائبه"(.)15
وعرفه في الغنية(" : )16بأنه إخبار بحق آلخر ال إثبات له عليه" .أي اإلقرار إخبار
بأمر سابق .وهو كما يقول الحنفية مشتق من القرار وهو لغة إثبات ما كان متزلزالً(.)17
وال فرق بين االعتراف الجنائي المنصوص عليه في قانون أصول المحاكمات
الجزائية األردني واإلقرار في الفقه اإلسالمي ،ويمكن أن تحدد عناصر االعتراف في
الفقه اإلسالمي على النحو اآلتي(:)21
أوالً :أن يشمل االعتراف الوقائع المكونة للجريمة محل االعتراف ،وظروفها ،والعالقة
السببية بينهما ،بأن ينصب اعتراف من كان مسئوالً جنائياً على كيفية ارتكابه للجريمة
واألداة المستعملة في ذلك ،فقد يكون المعترف قد طلب من المجني عليه أن يذهب مكاناً
معيناً فقتل فيه ،فاعتقد أنه السبب في قتله ولذلك اعترف بالقتل المنسوب إليه .وأن
يوضح في اعترافه ظروف القتل وسببه ،وقد يكون بسبب استعمال حق أو أداء واجب،
فال يمكن أن يكون مسئوالً متى انتفت الجريمة المنسوبة إليه(.)22
ثانياً :أن يكون االعتراف الصادر من المعترف على نفسه فقط وال يتعداه إلى غيره ألن
اإلقرار حجة قاصرة ال تتعداه إلى غيره وهذا في المسائل الجنائية ،أما المعامالت المدنية
فاإلقرار إعفاء من اإلثبات ونزول عن المطالبة بهذا الحق ،ويمثل ذلك تصرفًا قانونيًا يقتصر
أثره على المقر ويلزم المقر ما أقر به ،وحكم اإلقرار يظهر المقر به ال بثبوته ابتداء(.)23
وللقاضي أن يأمر بتقديم أي دليل يراه الزماً إلظهار الحقيقة ،وله كامل الحرية في
تقدير األدلة المقدمة في الدعوى الجنائية ووزنها وترجيح بعضها على البعض اآلخر(.)24
والقاضي في الدعوى المدنية يوازن بين األدلة المقدمة من الخصوم في الدعوى،
ويتعدى دوره في الدعوى الجنائية ذلك بحيث له أن يطلب من تلقاء نفسه تقديم أي دليل
يراه الزماً لظهور الحقيقة وتكون له حرية واسعة في االقتناع.
لكي يعتبر االعتراف دليالً في اإلثبات ال بد أن تتوافر فيه بعض الشروط ،منها ما
يتعلق باالعتراف ذاته ،وبعضها يرجع إلى ما يسبق االعتراف من إجراءات سواء في
مرحـلة القبض والتفتيـش أو مرحلة التحقيـق ،وهناك شروط تتعلق بالمعترف المتحمل
أو ًال :أن يكون االعتراف محدداً صريحاً يعبر عن إرادة المتهم بنسبة واقعة معينة إليه(.)29
ألن الغموض في األقوال التي يدلي بها المتهم من حيث داللتها على ارتكاب الجريمة محل
االتهام المنسوب ،وألنه ال يجوز أن يستنتج االعتراف من موقف معين كان قد تصرفه
المتهم كأن يكون قد صمت فقد يكون الصمت نتيجة الخوف من إساءة الدفاع عن نفسه أو
انتظاره لمحاميه ،أو بسبب حرج كأن تكون الجريمة مما يمس بالشرف والعرض ،كما ال
يجوز أن يستنتج االعتراف نتيجة هرب المتهم أو غيابه عن جلسة المحاكمة(.)30
نصت المادة 1579من مجلة األحكام العدلية" :كما يصح اإلقرار بالمعلوم كذلك
يصح اإلقرار بالمجهول أيضًا ،إال أن مجهولية المقر به في العقود التي ال تصح مع
الجهالة
كالبيع واإليجار مانعة لصحة اإلقرار".
ومن شروط ثبوت اإلقرار تصديق المقر( :)33فمتى أقر مجهول وأطلق ولم يبين السبب
يصح ،ويحمل على أنه وجب عليه بسبب تصح معه الجهالة كالغضب ونحوه ،وإ ن َبين
السبب ينظر فإن كان سببًا ال تضره الجهالة فكذلك ،وإ ن كان تضره الجهالة كالبيع واإلجارة
ال يصح وال يجد معنى إذا قال ...على شيء أو حق لزمه أن يبين ماله قيمة"(.)34
رابعاً :أن يستند االعتراف إلى إجراءات صحيحة فال جريمة وال عقوبة إال بنص .ال بد أن
يكون االعتراف الذي يصدر من المتهم يصدر عنه وهو حر حماية لحرية اإلنسان.
فاإلجراء الذي يتخذ ضد أي إنسان ال بد أن يفترض براءة هذا اإلنسان ،فالمتهم برئ حتى
ال عن
تثبت إدانته ،ألنه لو لم يكن األمر كذلك فإنه إن عجز عن إثبات براءته اعتبر مسؤو ً
الجريمة التي نسبت إليه ألنه ال جريمة وال عقوبة إال بنص.
فال يمكن المساس بحرية المتهم ،وهذا ال يتم إال من خالل دليل يستند إلى إجراءات
مشروعه تحترم فيها الحريات وتؤمن فيها الضمانات بأن المتهم ال يدان إال بدليل واضح،
()35
وأنه ال ينظر إلى األدلة المنسوبة التي ال يتسم صدورها بالنزاهة واحترام مبادئ القانون .
فال جريمة إال بعد بيان وال عقوبة إال بعد إنذار ،وال تطبيق لذلك إال وفق القانون
ودون إكراه(.)36
ومن هنا ذهب بعض الفقهاء إلى وجوب أن ينبه القاضي المقر لخطورة اعترافه
حتى يتأكد القاضي من انطباق إقرار المتهم على ارتكابه الجريمة(.)37
يعتبر االعتراف باطالً إال إذا صدر بشروط معينة نذكر منها :االختيار ،والعقل
والبلوغ ،فال يقبل إقرار غير العاقل كالمجنون لقوله " :رفع القلم عن ثالثة :النائم حتى
يستيقظ ،وعن الصغير حتى يكبر ،وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق"(.)38
ووجه الداللة في هذا الحديث:ـ إن زائل العقل مرفوع عنه التكليف فال يؤاخذ
بإقراره ،وإ قرار المتهم غير العاقل مثل ذلك غير مقبول وكذا الطفل الصغير.
المبحث الخامس
آراء الفقهاء في نزع االعتراف بالقوة أثناء استجواب المتهم
ووجه االستدالل باآلية:ـ أن اهلل ساق الوعيد الشديد لمن ارتد مختاراً عن دين
اإلسالم ،وأما المكره على الكفر فهو معذور وال يدخل تحت دائرة هذا الوعيد ،لورود
االستثناء وهذا يعني أن صدور اإلقرار تحت اإلكراه والتهديد ال يترتب عليه أثر من
اآلثار التي تترتب على اآلثار الصادرة عن اإلنسان أثناء االختيار( ،)41ويؤيد ذلك قوله
" :وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"(.)42
قالوا :اإلقرار اختيار والمخبر عنه يحتمل الوجود والعدم ،ومع وجود اإلكراه ينعدم
الصدق ،ألن اإلنسان ال يتحرج عن الكذب تحت وطأة اإلكراه ،ولذا ال يترجح الصدق
عنده ألنه ربما كان يهدف من اإلقرار التخلص من األذى الواقع عليه وهو أذى محتمل
الوقوع إن لم يقر.
قال البكري( )43في توجيه اآلية السابقة بأن اهلل جعل اإلكراه مسقطاً لحكم الكفر
فباألولى ما عداه.
عنه من اعترافات فقد روى عن عمر بن الخطاب قوله" :ليس الرجل بأمين على نفسه
إذا
والمتهم يؤخذ باللين والرفق حتى يتوصل إلى اعترافه ،ويؤكد في فتح الباري(.)46
أنه يستدل على أهل الجنايات ثم يتلطف بهم حتى يقروا ليؤخذوا بإقرارهم ،ذكر ذلك ثم
ساق قصة اليهودي الذي رض رأس الجارية ولم تقم عليه بينة وإ نما أخذ بإقراره.
وال بد من زوال اإلكراه حتى يعتبر إقرار المتهم ،وهذا منصوص اإلمام مالك في
واإلمام أحمد(.)50 ()49 ()48
والحنفية المدونة( ،)47وهو مذهب الشافعية
()51
إلى أن اإلكراه يتحقق إذا كان هو الدافع للتصرف .وقد وقد ذهب السنهوري
يتحقق اإلكراه عندما يقدم الشخص المكره على التصرف خوفاً مما هدد به ،ودرجة
اإلكراه ومدى تأثيره على اإلرادة يختلف من شخص إلى آخر ،ولذلك ينظر إلى الجانب
الشخصي في مجال درجة اإلكراه ،فقد يكون بالتهديد من السلطان أو من فرد من أفراد
الناس ،وإ ذا كان اإلكراه من السلطان بالعقاب عند المخالفة وهو جدير بذلك ،بالقتل أو
الضرب ،أو الحبس والتعذيب ،فهو إكراه مؤثر في إدارة الشخص.
وقد يغلب على ظن المكره أنه سيعاقب إذا امتنع فيكون اعترافه تحت اإلكراه ،ألنه
يتوقع إيقاع األذى عند المخالفة فيكون تصرفه ،وإ قراره غير معتبر.
وبما أن طبائع الناس مختلفة ووسائل اإلكراه متنوعة فقد يعتبر شخص أمراً أنه
إكراه بينما يعتبره شخص آخر أنه من األمور التافهة ،ولذا وضع الفقهاء ضوابط لإلكراه
من شأنها معرفة ما يتحقق به اإلكراه.
وقد أكد الحنفية أن ذلك موكول إلى القاضي الذي يتولى تقدير ما يحصل به
اإلكراه ودرجة الخوف والتأثير في اإلرادة ،حسب األشخاص والوسيلة المستعملة في
اإلكراه ،فقد يكون الحبس سنة إكراهاً ،وهذا ما ذهبت إليه القوانين الوضعية(.)52
الرأي الثاني :وإ ليه ذهب الماوردي ومن وافقه ،فقد ذهب فريق آخر من الفقهاء
كالماوردي
من الشافعية ومن وافقه إلى التفرقة بين من ضرب بهدف اإلقرار ومن ضرب ليصدق،
فال يترتب على اعترافه شيء إذا ضرب ليقر ،وال يكون إقراره صحيحاً ولكن يعتبر
إقراره صحيحاً تترتب عليه اآلثار المترتبة على اإلقرار إذا ضرب ليصدق ويقول كلمة
الحق وقد حدد الماوردي ذلك بأن يحبس المتهم للكشف واالستبراء ،وأن يضرب ضرب
التعزير ال ضرب الحد.
ومن ذلك أن قوماً اتهموا فرفعوا إلى شريح القاضي فجعل يتهددهم فقالوا :يا أبا
أمية أتأخذ بالتهمة؟ قال :إذا ذهب كبد الجزور فمن يسأل عنه إالَ الجازر( ،)53ويفهم من
هذا أن الضرب الذي قال به هؤالء ال يكون إال عند الظن الغالب ،ال األخذ بالتهمة.
فإذا أجبر على اإلقرار فإقراره ال يعتبر وإ ن أجبر على الصدق فإقراره يعتبر،
والراجح عند الشافعية ما رجحه النووي وما عليه الجمهور(.)54
الرأي الثالث :يفرق بين المتهم المعروف بالفجور ومن ال يعرف بذلك وقال بذلك بعض
وبعض الحنفية(.)56 ()55
المالكية
فقالوا :يصح إقرار المتهم المعروف بالفجور تحت الضرب والتهديد بالسجن حتى
يخرج المال المسروق ،والسلطان العادل ال يحبس إال على أمر يستوجب الحبس.
استدلوا بما روي عن ابن عمر أن النبي لما صالح أهل خيبر على الصفراء
والبيضاء ،وأن اليهود غيبوا أمواالً في غزوة خيبر لحيي بن أخطب فقال لعم حيي
ابن أخطب :أين كنز حيي؟ ؟ فقال :يا محمد أذهبته النفقات ،فقال :العهد قريب ،والمال
أكثر من ذلك .فدفعه الرسول إلى الزبير فمسه بعذاب ،وفي بعض الروايات أنه
اعترف بالمال حين دفعه الرسول إلى الزبير فعذبه(.)59
ويؤكد ابن القيم أن هذه القصة دليل على صحة إقرار المكره بالمال المسـروق ،وأن
يده تقطع بإقراره ،نظرًا لوجود المال المسروق تحت يده وأن إقامة الحد ليست بإقراره
ولكن بوجود المال المسروق معه الذي توصل إليه باإلقرار.
والمدقق بالقصة التي تعرض لها ابن القيم يجد أنها ال تشير إلى أن التعذيب كان
لمجرد أن الرجل متهم بالفجور .ولكن ألن الرسول كان عالماً بمقدار ثروة حيي وإ ن
بعذاب كان لقيام القرائن على كذبه بدليل أنه قال" :العهد قريب والمال الزبير... دفعه إلى
أكثر من ذلك" .كما أنه ليس في الواقعة ما يشير إلى أن تعذيبه كان ألنه أخرج المال
وأنه سارق له ،ولكن يمكن أن يكون هذا قرينه على السرقة ،وال يحكم بها لورود الشبهة
والحدود تدرأ بالشبهات عند الجمهور.
واستدلوا :أن يهودياً رض رأس جارية بين حجرين ،فجئ بها إلى الرسول
فقال لها وبها رمق :أقتلك فالن؟ فأشارت برأسها أن ال .ثم قال الثانية :فأشارت برأسها
أن ال .فسألها الثالثة :فأشارت برأسها نعم ،فجئ باليهودي فلم يزل به حتى أقر"(.)60
ووجه الداللة في هذا الحديث:ـ جواز أخذ المتهم إذا قامت قرينة التهمة ،وأن المتهم
يهدد ،أو يضرب ليقر ويؤخذ بالقرينة.
ويالحظ أن هذا الرأي ال يبتعد كثيرًا عما قال به الماوردي من الشافعية ،فكال الرأيين
يجيز الضرب والتهديد لغاية أن يقر ،وذلك في حالة ما غلب على الظن أنه فعل هذا األمر.
الرأي الرابع :وهو للظاهرية الذين ذهبوا إلى أن إقرار المكره إذا جرد عن القرائن ليس
له أية داللة ،وال يثبت به شيء إال إذا تيقن أن صاحب اإلقرار فعل ما أقر به( .)61وهذا
يتفق مع رأي بعض المالكية وابن القيم الذين يقبلون إقرار المتهم تحت الضرب .وإ ن
كان ابن حزم يخالف شرعية هذا اإلجراء ابتداء ،حيث يرى أنه ال توجد صفة شرعية
لممارسة السلطان أو غيره هذا العمل ال من كتاب وال سنة وال يؤيده إجماع ،بل كل
الدالئل الشرعية قامت على منعه وتحريمه ،وبناء عليه يرى ابن حزم أنه لمن وقع عليه
اإلكراه العود على من ضربه سواء أكان سلطاناً أو غير سلطان ،وإ ن كان مسؤوالً عن
إقراره حيث يدان بموجبه وهو سيد األدلة.
منه بهذه الصفة لم يوجبه قرآن وال سنة وال إجماع .أما إذا أضيفت إلى اإلقرار
بعض القرائن فيحكم بها.
-6إذا تحقق اإلقرار تحت التهديد أو السجن أو الضرب يقيناً أو الترويع ،فإنه غير معتبر
ال إذا أضيف إليه ما يؤكده ،فيعتبر عندها إقراره وتقام عليه العقوبة المقررة شرعًا.
إَ
-7أن ضرب المتهم ممنوع شرعاً ألنه كره والسجن كره والوعيد كره.
مما تقدم يتبين لنا أن فقهاء الشريعة الغراء في جملتهم يتجهون إلى عدم األخذ
بموجب اإلقرار الصادر تحت وطأة اإلكراه والتهديد إذا لم تكن هناك قرينة ،وأن بعضهم
يتجه إلى جواز ضرب المتهم ليصدق إذا كان معروفاً بالفجور على أن ال تكون
االعترافات مشوبة بما يبطلها كالتهديد واإلكراه وتعذيب المتهم والترويع والتعذيب ألن
ذلك يؤثر في إرادته ،كما يتبين جواز أن ينتفع المحقق من كل ما يساعده على أداء
واجباته بشكل أفضل ،ويتأكد من صحة األقوال التي يدلي بها المتهم على أن ال تؤثر
شراح القانون في نظرية العقد(.)63
في إرادته ،وهذا ما ذهب إليه معظم ّ
ويتضح أن اإلجراءات الجنائية في الشريعة اإلسالمية تقوم على دعائم قوية تضمن
لألفراد حريتهم الشخصية ،وكرامتهم اإلنسانية ،فهي تحرم ممارسة كافة األقوال القهرية
التي تهدف إلى نزع االعترافات واألقوال من المتهمين خالل إجراءات الدعوى الجنائية
ولذلك تركت الشريعة للمتهم الحرية الكاملة في إبداء أقواله بإرادته الحرة ،أن يختار
اإلقرار الذي يحب أن يؤخذ به ،وال يعتد بغيره إذا كان صدر تحت وطأة أي أسلوب من
أساليب التعذيب ،ويجوز لرئيس الدولة أن يضع العقاب الرادع لمن مارس ذلك ،ويعتبر
أن ذلك جريمة من الجرائم وفق مفاهيم اإلجراءات الجنائية سواء أكان ذلك تحت التهديد
أو التعذيب أو تحت جهاز كشف الكذب أو غير ذلك من الوسائل العلمية المستحدثة التي
يعرفها رجال الشرطة وسلطات التحقيق في كثير من الدول.
إن مسائل اإلجراءات الجنائية يجب أن تراعى ردود الفعل واالنفعاالت التي تعتري
المستجوب فإذا أسفر التحقيق مع الضغط والتهديد والتخويف فإنه يكون وليد قدر من
التأثير والتأثر بهذه المواقف األمر الذي يكفي إلبطاله.
وبالنتيجة:ـ
-ال شك أن أي صورة من صور اإلكراه تؤثر في إرادة المتهم وحريته في االختيار
وتتعطل إرادته عند االستجواب سواء أكان اإلكراه بالعنف وتعذيب المتهم وتحذيره،
أو كان بتنويمه مغناطيسياً ،أو استخدام الكلب البوليسي ،أو استخدام جهاز كشف
الكذب ،أو إرهاق المتهم باستمرار االستجواب فترة طويلة.
-ومن أمثلة العنف :تعذيب المتهم أو قص شعره ،أو شاربه أو طالء وجهه ،أو هتك
عرضه ،أو دفعه بقوة من مالبسه وتمزيقها ،أو حرمانه من االتصال بأهله أو من الطعام
أو الغطاء ،أو وضعه في زنزانة مفردة قبل االستجواب ،وإ ذا وقع هذا يكون االستجواب
ال ،ويمتد البطالن إلى جميع األدلة المستمدة منه ومن بينها االعتراف(.)64
باط ً
-ومن بين وسائل اإلكراه المعتبرة :التهديد بإتالف األموال المعتد بها( )65أي األموال التي
ال يجوز إتالفها باعتبارها أمواالً ال يشرع لإلنسان إتالفها باعتبارها أمواالً يشرع
لإلنسان االتجار بها أو اقتناؤها.
-ويعتبر منع اإلنسان من ممارسة حقوقه المشروعة إكراهًا ،ألن اإلكراه يؤثر في اإلرادة،
فينقص التصرف المستقل النعدام الرضا بسبب اإلكراه .وقد قرر الحنفية أن منع الزوج
زوجته من زيارة أهلها ،حتى تهب له المهر تكون مكرهة( .)66فمنع الزوجة من زيارة
أهلها حتى تتنازل عن مهرها يعتبر إكراهًا لها بالتصرف في مهرها ،وإ ذا كان مثل
اإلكراه المعنوي من التصرفات العادية الحمل عليها بأي طريق من الطرق يعتبر
إكراهًا ،فكيف باإلكراه أثناء التحقيق باستعمال أي وسيلة من الوسائل لنزع اإلقرار
واالعتراف فإنه ال يعد اعترافًا صحيحًا ،النعدام الرضا .وبناء على ذلك يجوز للمكره أن
يطلب التعويض فيما لو منع بالقوة من التعاقد مع آخر( .)67ألن ذلك منع له من أن
يتصرف كما يشاء ،فيحق له أن يطلب بالتعويض حيث ّفوت اإلكراه اإلرادة المستقلة.
-ومثل ذلك خدش الشرف والتهديد بما يسبب ألماً نفسياً بليغاً للضغط على شخص
حتى يقر أو يتصرف تصرفاً معيناً يعتبر إكراهاً.
-والمعروف أن اإلقرار يجب أن يكون طوعاً ،ولو كان على إكراه فال يقبل لقيام
()68
ويستثني السارق عند بعض الفقهاء دليل الكذب على ذلك كما يؤكد الشيخ قراعة
في إقراره بالسرقة وهو مكره ،حيث أفتى بصحته بعضهم وقد أكد أن العمل على
ذلك حيث إن الشهادة على السرقة من أندر األمور ،وقد قصد من يقول بصحة
اإلقرار مكرهاً في السرقة على اإلقرار بالمال المسروق وال يتناول ذلك الحد ،وألن
الحد يدرأ بالشبهة ،واإلكراه من أقوى الشبه التي تدرأ الحد عنه.
والبينة حجة متعدية واإلقرار حجة قاصرة( .)69ألن زعم اإلنسان ليس حجة على
اآلخرين ألن كون هذا األمر حجة ينبني على زعمه ،والبينة ال تكون حجة إال بقضاء
القاضي باعتباره صاحب الوالية العامة.
العقاقير المخدرة:
العقاقير المخدرة هي مواد يتعاطاها الشخص فتؤدي إلى حالة نوم عميق ،ثم يعقبها
يقظة مع بقاء الجانب اإلدراكي لإلنسان سليماً أثناء فترة التخدير ،بينما يفقد الشخص القدرة
على االختيار والتحكم اإلرادي .ويكون أكثر قابلية لإليحاء في التعبير والمصارحة عن
مشاعره الحقيقية(.)70
-3كما ال يجوز استجواب المتهم السكران ،واالعتماد على أقواله كذلك ال يجوز
ال منهما يفقد إرادة االختيار ،ويكون ضعيفاً في سيطرته على
استجواب المخدر ألن ك ً
ملكة االنتباه لديه ،وهو فاقد الشعور واإلدراك ،وبما أن السكران ال تعتبر أقواله سواء
ال بالتخدير.
سكر من ذاته ،أو ُأسكر ،فكذلك ال يجوز األخذ بأقوال المخدر ولو كان قاب ً
-4ال يجوز استخدام هذه الوسيلة كونها غير مشروعة ،ألن الوسيلة التي يستخدمها
المحقق ضد المكره يجب أن تكون مشروعة في الشرع والقانون.
والعلماء في هذه المسألة أي اشتراط مشروعية الوسيلة في إكراه المتهم ليقر على قولين:
األول :يشترط أن تكون الوسيلة التي يكره فيها المتهم على اإلقرار مشروعة ،ولذا ال
يجوز حمل المتهم على اإلقرار بأي وسيلة غير مشروعة ،ويجوز أن يستخدم وسيلة
مشروعة إلكراه المتهم على اإلقرار ،مثل حق طلب إشهار إفالس المدين المماطل،
والتهديد بطالق الزوجة ،أو قتل مستحق القتل ،أو قطع مستحق القطع ،وهذا هو مذهب
الشافعية والشيعة( . )72الذين يقولون أن الوسيلة إذا كان من حق الحامل أن يستخدمها ضد
المكره ،فال يحصل اإلكراه باستخدامها ،فمن استخدم الوسيلة الحرام يأثم باستخدامها ،ولو
أن المكره استحقت عليه الوسيلة بفعله ،فكأنه تسبب في استحداثها ضرورة فال يكون
مكرهاً( ، )73والقاعدة الشرعية تقول :نبل الهدف ال يغني عن شرعية الوسيلة(.)74
ألنه من شروط اإلقرار حتى يكون صحيحاً أن يصدر من عاقل مختار ،وال أثر
للباعث الحميد في تخفيف العقوبة.
وقال اإلباضية أن ال عقوبة على المتهم غير الحبس والقيد ،ألن أكثر ما عاقب به
السلف ،وال يجيز اإلباضية الضرب ألنه غير مشروع ،ومن نهجه فإنه يحكم بما حكم به
الجبابرة ،وليس للمسلم أن يضرب على تهمة ألن الضرب ليس من أحكام المسلمين(.)75
وال يجوز إقرار المقهورين على ما أقروا به في حالة الخوف على النفس ،وال
يؤاخذون بإقرارهم حتى أن من أقر في السجن إذا سجن بحق فإن إقراره ثابت عليه،
وقال بعضهم إقراره في الحبس بتهمة يعتبر ضعيفاً(.)76
ألن اإلكراه يفسد عليه االختيار مع بقاء أصل القصد ،وال يعتبر إذا كان قد امتنع
عن اإلقرار قبل ذلك ألن االمتناع ال يكون إال لسبب ،واإلكراه ال يتحقق إال على فعل
يمتنع عنه المكره(.)77
وقد أكد الحنفية على عدم جواز الحبس والضرب الشديد بخالف ضرب سوط أو
سوطين ،ألنه ال يعد إكراهاً ،وكذلك حبس يوم ،وقد أكدوا أيضاً أن اإلكراه ال يأتي إال من
سلطان( ،)78والسلطان ال يمكن أن يكره على حرام ،أو بفعل حرام ،ألن الحرام ال يحل
ولذلك ال يجوز اإلكراه بشرب الخمر وأكل الحرام ،والحرام ال يباح إال عند الضرورة.
وقد تأول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في ضوابط المصلحة رأي سحنون إلى
أن اإلقرار إذا تم في حبس سلطان عادل فهو إقرار صحيح وهو ال يقصد أن مجرد
التهمة كانت سبباً في حبسه ،بل هناك أمر يستوجب الحبس غير التهمة ،وهذا مبني على
أن السلطان العادل ال يحبس إال على أمر يستوجب الحبس ،فكأنه يقول أن سحنون علق
صحة اإلقرار على حبس سلطان عادل(.)79
وأكد في الدر المختار أنه ال يصح إقرار وعتاق مع اإلكراه لقيام دليل الكذب وهو
اإلكراه ،واإلقرار هو إخبار يحتمل الصدق كما يقبل الكذب أيضاً ،فيجوز تخلف مدلوله
الوضعي عنه ،ألنه لو أقر كاذباً لم يحل له سبب الملك ،فيما لو كان األمر بينهما في
معصية ولذلك ال يصح إقراره تحت التهديد أو الوعيد ألنه كاذب فيه غير صادق ألنه
يدفع عن نفسه بهذا اإلقرار األذى الذي يتوقع أن يلحق به.
الثاني:ـ ال يشترط شرعية الوسيلة ،ويكتفي باعتبار الضرر الذي تحدثه الوسيلة ،سواء
أكانت مشروعة أم غير مشروعة ،فإذا استخدم وسيلة أياً كانت وحصل بسببها ضرر
والمالكية(.)82 ()81
كبير يعتبر المهدد مكرهاً .وعلى ذلك بعض الحنابلة
فلو هدده بالسجن يعتبر إخافة وإ كراه ،ولو هدد الدائن مدينه بالسجن بأن يزيد عليه
بالدين أو يطلب حبسه ،فإن ذلك يعتبر إكراهاً.
فقد يكون اإلكراه بضرب أو حبس على السرقة فال يقطع ،ألن القطع يسقط
باإلكراه ،ألن اإلكراه شبهة تدرأ الحد ،وكذلك اإلكراه على اإلقرار بالقتل ،ال يقتل إال إذا
أقر بعد اإلكراه وهو آمن غير مكره ،ويظهر ذلك من أقوال بعض المالكية( .)83حيث ال
يلزم المكره شيئاً ولو كان متهماً.
قال :إن "أكره على اإلقرار من حاكم أو غيره ولو بسجن أو قيد فال يلزمه شيء
الحتمال وصول اسم المسروق إليه من غيره ،أو عن القتل الذي أكره على منهما...
إن عبارة المكره الغية ،وال ينشأ بها عقد وال يترتب عليها حكم ،ألن اإلكراه يفسد
االختيار والرضا ،وإ ذا فسد االختيار انعدم القصد الذي هو أساس التعاقد ،وبهذا أخذ
قانون
األحوال الشخصية المصري رقم 25لسنة 1929م حيث قرر عدم وقوع طالق المكره(.)85
المبحث السادس
من آراء المعاصرين
()86
تحريم تعذيب المتهم ألخذ اإلقرار منه ،وعلل ذلك أنه اختار الدكتور محمد أبو ليل
لم يثبت عن النبي أنه عاقب متهمًا أو أنه عذب متهمًا ،وألن األصل في اإلنسان براءة
الذمة من الحقوق وبراءة الجسد من العقاب ،ولذلك ينبغي أن يفسر الشك لصالح المتهم ،وألن
عبء اإلثبات يقع على عاتق المدعي بما ادعاه ،والمتهم ليس مكلفًا بإثبات براءته.
وأكد الشيخ سيد سابق أنه ال يحل حبس أحد دون حق ،وإ لى ضرورة النظر في
أمر من حبس ،فإن كان مذنباً أخذ بذنبه ،وإ ن كان بريئاً أطلق سراحه في إشارة منه إلى
الحبس اإلداري ،وألن المتهم ال وزر عليه.
ويحرم ضرب المتهم لما فيه من إذالل وإ هدار لكرامته ،وألن الرسول نهى عن
ضرب المصلين -أي المسلمين.
ويؤيد ذلك ما ذهب إليه عمر بن الخطاب في األثر المتقدم" :ليس الرجل بأمين مع
نفسه إذا جوعته أو ضربته أو أوثقته" ،وال شك أن غير المسلم يعامل نفس المعاملة،
ويأخذ نفس الحكم.
()87
حيث بين أن اإلقرار الصادر وال يبعد هذا كثيراً عما أكده عبد القادر عودة
تحت تأثير اإلكراه باطل ،حتى ولو قامت الدالئل على صحته ،كأن يرشد السارق عن
المسروقات أو القاتل عن جثة القتيل ،فإن استمر على إقراره بعد أن أصبح في مأمن عن
اإلكراه ،يعتبر استمراره إقراراً جديداً.
()88
أدلة المجوزين وقال بشأن المرأة التي حملت كتاب حاطب وقد ناقش البوطي
ابن أبي بلتعة وهددت بالتفتيش وإ لغاء الثياب إن لم تظهر الكتاب ،وبين أن المرأة ليست
مجرد متهمة بما ووجهت به ،بل هي حقيقة ثابتة ،دل على ذلك أصدق الناس ،وهو أقوى
بداللته من اإلقرار أو االعتراف .والتهديد بالتفتيش ال يقارن بالتعذيب والحبس ،ولذلك
أكد أنه ال يجوز تعذيب المتهم المنكر للجريمة التي ثبتت عليه ببينة شرعية كافية؛ ألن
ذلك يكون حمالً له على اإلقرار.
وقد سبق ذكر تأول البوطي في ضوابط المصلحة رأي سحنون إلى أن للسلطان
العادل الحبس في التهمة.
وأكد أنه ال يجوز تعذيب المتهم الذي لم تثبت عليه الجريمة ببينة شرعية كاملة
حمالً له على اإلقرار ،واعتمد في ذلك على القاعدة التي تقول :إن المتهم بريء حتى
تثبت إدانته(.)89
()90
بأن اإلكراه على الكالم ال يجب به شيء ألن المكره غير وذكر السيد سابق
مكلف ،وهو إن نطق بكلمة الكفر فإنه غير مؤاخذ ،وإ ذا قذف غيره فال يقام عليه حد
القذف ،ولو أقر ال يؤخذ بإقراره ،وكذلك لو َعقَد ع ْقد زواج أو كتب وصية ،أو كتب عقد
بيع ،فإن مثل هذه العقود ال تنعقد ،ألنه مكره.
وأكد كذلك أن المكره لو حلف أو نذر فال يلزمه شيء ،ولو طلق وهو مكره فال
وأصل لذلك بقوله تعالىَ :من يقع طالقه ،ولو راجع زوجته مكرهاً فال تصح رجعتهّ ،
ان َولَ ِكن َّمن َ
ش َر َح ِبا ْل ُك ْف ِـر ِئ َكفَر ِباللّ ِـه ِمن َب ْع ِد ِ ِ ِإ َّ
إيمانه ال َم ْن ُأ ْك ِرهَ َو َق ْل ُب ُه ُم ْط َم ٌّن ِباِإل َ
يم ِ َ َ
()91
يم. ِ ِ ص ْدًرا فَ َعلَ ْي ِه ْم َغ َ
اب َعظ ٌ ب ِّم َن اللّه َولَ ُه ْم َع َذ ٌ ضٌ َ
()92
إلى جواز الحجز بالتهمة بالظن نظراً لقوة األدلة، أشار الدكتور على الصوا
والقرينة ،وبمقدار ما تقتضيه المصلحة ،وأكد وجوب تعويض المتهم المتضرر عند ثبوت
براءته وكان حجزه تعسفياً.
وانطلق الدكتور عوض محمد عوض أستاذ القانون الجنائي بجامعة اإلسكندرية( ،)93من
ابتداء ،فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته).
ً القاعدة التي تقول( :إن كل إنسان بريء
وأن الضرورة يراد بها ضرورة الكشف عن الحقيقة فتمحيص االتهام ال يتسنى
إتمامه في كثير من األحيان دون التعرض لشخص المتهم ،وتقييد بعض حقوقه.
وعند التعارض بين األصلين يفترض المشرع تقييد كل منهما بقدر ما تحقق به
الحاجة ،دون إفراط وال تفريط ،وهنا التعارض بين األصلين في مجال التحقيق الجنائي
يقتضي الحد من حقوق المتهم وحرياته ،ولكن بالقدر الذي تقتضيه ضرورة الكشف عن
الحقيقة ،وإ ظهار العدالة ،فيما توجبه الضرورة بمثل قدر السلطة الممنوحة للمحقق ،وما
ال توجبه سلطة يخرج من اختصاصه ،وما زاد عن ذلك يعتبر عدواناً.
( )94
اإلكراه على اإلقرار غير جائز ،وغير معتد به في حالة واعتبر السنهوري
اإلكراه ،ألن اإلقرار متأرجح بين الصدق والكذب ،وال يكون حجة إال إذا ترجح جانب
الصدق ،والتهديد بالضرب ،والضرب ،والحبس يمنع رجحان جانب الصدق.
( )95
وفي القانون وبين أن اإلكراه قد يتحقق عن طريق الشوكة والنفوذ األدبي
المدني يكون جزاء اإلكراه عند توافر شروطه أن يصبح التعاقد الذي تم في ظل
اإلكراه قابالً لإلبطال ،ويجوز أن يطالب المكره عن إكراهه بالتعويض إذا لحق المكره
ضرراً من اإلكراه ،ألن اإلكراه في حد ذاته عمل غير مشروع ،وبالمقارنة ،نجد أن
القانون يكاد يتفق مع ما قررته الشريعة اإلسالمية من أحكام(.)96
إن القيمة التدليلية لإلقرار تكمن في كونه قد صدر من صاحبه وهو مختار ،حيث
يترجح جانب الصدق على الكذب ،ومع اإلكراه ينتفي هذا الترجيح بل يترجح جانب
الكذب تحت تأثير األذى.
واألخذ بإقرار المكره يتعارض مع األصل المجمع عليه وهو البراءة األصلية،
وإ لى هذا ذهب محمد سالم مدكور(.)97
وبما أن األصل براءة الذمة وهو يقين ،فيجب أن ال يزول هذا اليقين ،ألن إقرار
المكره مشكوك في صحته ،ولذا ال يقوى على معارضة أصل البراءة.
وإ ذا كانت الشريعة اإلسالمية تفترض براءة المتهم ،وتذهب إلى أن الخطأ في
براءته خير من الخطأ في إدانته ،وتدرأ الحد بالشبهة ،فإن الشبهة في االعتراف القسري
وفي انتزاع االعتراف ينطبق عليها ذلك.
رجح الدكتور عبد الكريم زيدان رأي الجمهور ،إذا توافرت شروط اإلكراه ،وأكد
أنه ال قيمة لعبارة المكره إذا هدد بأذى ال يتحمله ،ويقدر الحامل على إيقاعه ،حيث
يصير المكره خائفاً بسببه ،فربما يقر بما لم يفعل أو يقل(.)98
ويجب أن يكون اإلكراه جديًا بما فيه الكفاية ،إلى الحد الذي يفقد من ادعى اإلكراه
اإلرادة ،ألن الشخص بإمكانه أن يتخلص من اإلكراه في بعض األحيان ،وصورته كما
()99
حيث رفضت محكمة النقض الفرنسية دعوى من آوى األشقياء طبقته المحكمة الفرنسية
بأنه كان مكرهاً ،ووجهت رأيها بأن اإلكراه لم يكن جدياً إلى الحد الذي يفقد المكره إرادته،
ألنه بإمكانه التخلص من هذا اإلكراه باإلخبار ،واالتصال بالجهات المسؤولة عن األمر.
ومن التطبيقات في مجال األحوال الشخصية فسخ عقد النكاح في القرار االستئنافي
قضية رقم 12167تاريخ 25/7/1962حيث بينت المستأنفة دعواها على توكيلها
تم
لشقيقها في تزويجها ،وإ جراء عقدها ،وحصل على موافقتها باإلكراه ،وبما أن العقد ّ
باإلكراه فإنه يكون عقداً فاسداً ،وبينت محكمة االستئناف أنه كان يجب على المحكمة
االبتدائية أن تبحث وتبين نوع اإلكراه ،وبعد اإلنكار تكلف المستأنفة اإلثبات ،وبناء على
ذلك قررت محكمة االستئناف قبول دعوى اإلكراه ،وفسخ الزواج.
لكن كان عليها أن توضح كيف حصل اإلجبار وفقاً لما نصت عليه المادة ()1003
من المجلة وما بعدها في باب اإلكراه ،وبما أن الدفع يعتبر دعوى ،والدعوى إذا أغفل
مدعيها شيئاً يجب ذكره لصحتها ،سألته المحكمة عنه ،وفقاً للمادة ( )42من قانون
أصول المحاكمات الشرعية.
ويتبين مما تقدم أن إقرار المتهم تحت التهديد ال يترتب عليه شيء كما يشير
المعيني وغيره( ، )100ولكن إذا دلت القرينة على صحة إقراره فيعمل به عندئذ ،ألن
القاضي إذا تعذر عليه الوصول إلى الحق له أن يضرب المتهم ،وذلك الستحصال
اإلقرار ،وله أن يخوفه ويسجنه.
()101
من أن النبي ويظهر من خالل الحديث الذي رواه عمر بن الخطاب
لما صالح أهل خيبر على الصفراء والبيضاء "الذهب والفضة" سأل عم حيي بن أخطب
فقال :أين كنز حيي؟ فقال :يا محمد أذهبته النفقات ،فقال للزبير ،دونك هذا ،فمسه الزبير
بشيء من العذاب ،فدلهم عليه في خربة ،وكان حلياً في مسك ثور".
وإ لى مثل هذا يشير شراح القانون الوضعي في عدم ترتيب أي أثر على إقرار المتهم،
()102
وإ ن كانوا يقولون إن عقد المكره قابل للبطالن ،كما يشير السنهوري في مصادر الحق
ومن األولى عند ذلك القول ببطالن إقراره ،ألن إرادته هنا معيبة وإ ذا كانت كذلك فهي غير
صالحة لإلخبار مثل عدم صالحها للتصرف.
حماية المستجوب من استعمال األجهزة الكاشفة في مجال البحث الجنائي ومن ذلك
جهاز كشف الكذب .الذي يقوم على دراسة انفعاالت المستجوب النفسية والردود النفسية
التي تعتري اإلنسان بما يسببه رد فعل اإلنسان بسبب الكذب حيث يقوم الجهاز بقياس
نبض القلب للشخص الذي يتعرض لالستجواب ،إضافة إلى قياس ضغط الدم ،ومدى توتر
اإلنسان والتغيرات التي تطرأ على اإلنسان ،ويعتمد في ذلك على الخبير ،وال شك أن هذا
ال يجوز من الناحية الشرعية إضافة إلى أن نسبة خطأ الخبير فيه كبيرة ،كما أن اإلنسان
الذي يخضع لالستجواب ال بد أن يكون متوتراً ويرتفع ضغطه وقد ينسب إليه أنه كاذب
مع أنه غير ذلك .ومثل ذلك التنويم المغناطيسي والتأثير في المتهم(.)103
ومن حق اإلنسان أن يكون بعيداً عن أية مؤثرات مادية أياً كان مصدرها في
االستجواب ،حتى تكون أقوال المتهم معبرة عن إرادته الحرة الواعية ،وال يجوز اللجوء
إلى الوسائل غير المشروعة للحصول على اعتراف من المتهم ،باعتبار ذلك يمس
كرامته وحريته(.)104
()105
وغيره من األجهزة وفي تقديري أن جهاز كشف الكذب والتنويم المغناطيسي
ليست لها أية قيمة كوسيلة من األدلة المعتبرة ،وال تصلح أن تكون قرينة أيضاً في إثبات
صدق المتهم أو الشاهد أو كذبهما.
به موسوم وال متفرس ،والحكم بالفراسة كالحكم بالظن والتحزير والتخمين وذلك خطأ،
ألنه يخطئ ويصيب ،وأن شهادة التوسم ما أجيزت إال في محل مخصوص للضرورة.
ويمكن أن يقال أن سيدنا عمر بن الخطاب أدرك المجرم وكشفه من خالل القرائن
ال من خالل الفراسة وذلك في حكم بأن المرأة أرسلت في طلب الصبي وضمها له بحنو
األم وعاطفتها المتميزة كل هذا أرشد عمر إلى أنه ابنها الذي جاءت به من سفاح،
وبالتالي عرف على أن الدافع إلى الجريمة قد تحقق في المرأة(.)107
وهذه الواقعة ال تدل على أكثر من ذكاء عمر على ربط األحداث والوقائع بعضها
ببعض في الوصول إلى الحقيقة ومعرفة المجرم ،لحمله على االعتراف ،ثم ال بد أن
نقول أن عمر لم يحكم على المرأة بفراسته بل حكم باعترافها ،وكل ما سبق االعتراف لم
يعتبر لكنه بعد اعترافها لم يرتب عليها شيئاً رغم إقرارها .ألنها مكرهة على الزنا.
فيجب معاملة المتهم بما يحفظ عليه كرامته وال يجوز إيذاؤه معنويًا أو بدنيًا النتـزاع
االعتراف منه ،كما ال يجوز التلويح بشيء منها ،ويعتبر المتهم صاحب حق في الصمت
وال ينسب إلى ساكت قول ولكن السكوت في معرض الحاجة جواب(.)108
فال يجوز أن ينسب إلى من الزم الصمت قول ،فجواب المدعي عليه إما إقرار ،أو
إنكار ،أو سكوت ،وعلى السكوت يؤدب حتى يتكلم إال أن يكون به خرس أو صمم ،حيث
تغني عن ذلك اإلشارة ،ألن الجواب حق واجب عليه ،ولذلك يرى بعض الفقهاء أنه يحبس
حتى يجيب وإ ن لم يجب يحكم عليه القاضي بالنكول بأن يقول له القاضي إن أجبت وإ ال
ال ،فإن أصر حكم بأنه ناكل على قول من يقضي بنكول المدعي عليه عن الجواب جعلتك ناك ً
مجردًا.
وهذا ما أشارت إليه المادة 67من المجلة حيث قالت القاعدة الشرعية :ال ينسب إلى
ساكت قول ،ولكن السكوت في معرض الحاجة بيان( .)109وهذا من الفقه الحنفي كما هو
معلوم.
ولذلك إذا وجبت اليمين على أحد المتداعيين كان سكوته إقراراً ،وإ ذا وجبت اليمين
على أحد المتداعيين فكلفه القاضي بها فسكت بال عذر كان سكوته نكوالً عند من يقول
بذلك كما أشارت المادة ،1751وهذا بخالف لو سكت لعذر الخرس والطرش فإنه ال
يحكم عليه كما في المذهب الحنفي ،حيث تعرض عليه اليمين ثالثاً احتياطاً ،والمذهب أنه
يقضي بالنكول بعد عرض اليمين( .)110وهذا ال يبطل حقه لو أقام البينة بعد النكول(.)111
هذا وقد أوصت المؤتمرات الدولية بأن يمنح المتهم حق الصمت(.)112
وهو ما نادت به لجنة حقوق اإلنسان من هيئة األمم المتحدة بأن يحاط المستجوب
علماً بأن له الحق في الصمت إذا قبض عليه أو حبس وذلك إذا قدم للمساءلة ،وذلك ألن
سلطة االتهام مكلفة أن تقدم األدلة التي تكشف عن الحقيقة ،وال يلزم المتهم بإثبات براءته
ال ،وأن الشك يفسر لصالح المتهم ،وهذا ينطبق تماماً على ما أراده
التي هي مفترضة أص ً
الشارع الحكيم وفق الحديث الشريف "البينة على من ادعي واليمين على من أنكر"(.)113
واألصل براءة الذمة.
ويعطى هذا الحق لكل متهم سواء عرف أنه من أهل الخير والصالح أم كان غير
ذلك فاليقين ال يزول بالشك( ،)114واليقين أن األصل براءة الذمة ،فقول المدعى عليه
أظهر في الصدق ،ولذلك فاألصل براءة ذمته من أي حق ،وبراءة ذمته من الحد ،أو
القصاص أو التعزير ،وكذلك براءة ذمته من األقوال واألفعال ،وال تشغل ذمة المتهم
بمجرد االتهام إال إذا قويت القرائن إن لم يكن هناك إقرار أو شهادة.
والمعروف أن القرينة في اعتبارها دليالً موضع خالف بين الفقهاء ،ولم تعتبر في
المحاكم الشرعية دليالً إال في القانون رقم 78لسنة 1931م في مصر(.)115
276 المنارة ،المجلد ،12العدد .2006 ،3
األحكام المتعلقة باالعتراف القسري .........................................................................................محمد الدغمي
والهدف من اعتبارها دليالً هو أنه تصان بها كثير من الحقوق ،وتبعد روح الجمود
عن الشريعة الغراء ،فالقرائن تقوي جانب االتهام لكنها ال تقطع بارتكاب المتهم للجريمة،
وال يعني ذلك إال كونها تدبير مؤقت لمصلحة المجتمع ،ومصلحة المجتمع مقدمة على
مصلحة الفرد ،وهذا أمر يتفق مع العدل ،وإ حقاق الحق ،فإن قويت القرائن تنتفي البراءة،
أو ال تثبت فتبقى البراءة قائمة ،وبذلك تصان بالقرائن كثير من الحقوق( ،)116ولذلك:
حبس رسول اهلل في تهمة ،وعاقب من اتهمه لما ظهرت إمارات الريبة( ،)117ووجه
الداللة في هذا الحديث :أن الرسول حبس في تهمة لما ظهرت إمارات الريبة على المتهم.
ويحكم بوجوب الحد برائحة الخمر من فم شاربه أو قيئه خمرًا اعتمادًا على القرينة.
كما يحكم على المتهم بالحد إذا وجد المال المسروق معه ،وال تصدق المرأة
بدعواها أنه لم ينفق عليها فيما مضى لتكذيب القرائن لها ما لم تثبت ذلك .وقد قسم
القانون القرائن إلى قسمين(:)118
األول :قرائن قضائية يستنبطها القاضي من وقائع الدعوى وظروفها ،وله حرية واسعة
في تقديرها.
الثاني :قرائن قانونية يقررها القانون .وهي إما أن تكون قرائن بسيطة أو قرائن قاطعة ال
تقبل إثبات العكس(.)119
وتعتبر القرينة القضائية وهي استنباط أمر غير ثابت من أمر ثابت ،وتعتبر األحكام
القضائية صحيحة ال تقبل الشك وال تقبل إثبات عكسها من الناحية القانونية(.)120
فإذا ظهرت إمارات الريبة على المتهم ،كأن يكون مشهوراً بالفساد ،أو يكون ممن
كثرت سرقاته ،فال يتوقف حتى يثبت ذلك بشاهدي عدل وذلك من السياسة الشرعية(.)121
وتعزير المتهم في التهمة التي تثبت بشهادة مستورين ،أو بظهور فساد المتهم،
ولذلك يحبس المتهم إذا اشتهر بالفساد ،وال يجوز تركه إذا كان كذلك وأكد ابن عابدين
أن ال أحد من الفقهاء يقول بذلك ،وبه صرح الزيلعي(.)122
وجوز الحنفية ضرب السارق حتى يقر ،وضرب كل من لو لم يعاقب ال تظهر السرقة،
وهذا ما عليه جمهور الفقهاء في المتهم بالسرقة كما ينقله ابن عابدين ،وهذا من السياسة
الشرعية ،فإذا أنكر المدعي عليه فلإلمام أن يعمل فيه برأيه ،فإذا غلب على ظنه أنه سارق وأن
المسروق عنده يضرب ليقر ،وذلك لغلبة الفساد ،وحكى أن اإلجماع على ذلك(.)123
()124
أن يكون صادراً عن ومن شروط صحة االعتراف كما يشير د .حسن جوخدار
شخص مميز ،متمتع بإرادة وحرية واعية ،فال يعد اعترافاً صحيحاً ذاك الذي يصدر عن
شخص مخدر أو منوم مغناطيسياً ،أو مكرهاً إكراهاً مادياً أو معنوياً ،ألنه يكون في هذه
الحالة معيب اإلرادة ،مضطرب التفكير ،ال يدرك نتائج ما أدلى به من أقوال.
وأكد الدكتور محمود محمود مصطفى( )125أن االعتراف ال يكون صحيحًا ما لم يصدر
عن شخص صحيح النفس ،وهذا يقضي أن يكون المتهم على علم بما تم في الدعوى ،عالمًا
بما يقر به باختياره ،وال يصح التعويل على االعتراف متى صدر عن إكراه أيًا كان شكله،
حتى ولو كان هذا االعتراف صحيحًا ،وسواء أكان اإلكراه بالعنف أم بالتهديد.
وال يجوز إكراه المتهم بضرب أو سجن أو تهديد لحمله على الكالم وعلى اإلقرار
كما
يؤكد طه جابر العلواني ،وهو ما ذكره ابن حزم ،وال يعتبر اإلقرار المترتب على ذلك ،ألن من
شروط صحة اإلقرار االختيار ،واالختيار منعدم ،وإ ذا أكره ترجح جانب الكذب في أخباره.
ويتبين مما تقدم أن بعض أهل العلم لم يعتبروا ممارسة أي ضغط على المتهم من قبيل
السياسة الشرعية ،بحيث يكون أمرها متروكًا لولي األمر بال حدود ،يفعل ما يشاء ،بل إن
ترويع المسلم ال يجوز ،وكل المسلم على المسلم حرام ،دمه ،وماله ،وعرضه ،فال يؤخذ المتهم
بما قال من غير إرادة كاملة ،ولذا ال قيمة قانونية ناتجة عن االعتراف الذي تم بالتهديد(.)128
ولكن الدكتور نشأت إبراهيم الدريني يذهب إلى صحة إقرار السارق المكره ،إذا
كانت هناك قرائن على االتهام ،وهذا ما ذهب إليه فريق من العلماء المعاصرين(.)129
موقف القضاء:
وفي األردن ال يأخذ القضاء األردني باالعتراف المنتزع نتيجة تعذيب ،فهو يرى
أن األدلة أدلة إقناعية ،حيث يجب على القاضي أن يقتنع قبل حكمه بناء على اعتراف
نابع من إرادة حرة مختارة دون مؤثر خارجي ،فمن هنا نالحظ أن المشرع قد نص في
المادة " "159من قانون أصول المحاكمات الجزائية على عدم جواز األخذ باالعتراف
الصادر عن المتهم أمام الضابطة العدلية إال إذا بينت النيابة العامة الظروف التي أديت
فيها واقتنعت المحكمة بأن المتهم قد أداها طوعاً واختياراً(.)130
وهذا ما ذهبت إليه محكمة التمييز األردنية في عدة قرارات لها ،ففي قرارها رقم "
- 41/1962جزاء" ،بينت أن "إفادة المتهم المعطاة في غير حضور المدعي العام تعتمد
كبينة ضده إذا اقتنعت المحكمة أنه أداها بطوعه واختياره"(.)131
وقضت في قرارها رقم " - 14/1976جزاء" ،بأنه "إذا أدلى المتهم بإفادة لدى
الشرطة دون حضور المدعي العام ،واعترف بها بأنه ارتكب الجريمة التي أدين بها،
وقدمت النيابة البينة على الظروف التي أديت فيها هذه اإلفادة ،وقنعت محكمة الموضوع
بأن المتهم المذكور قد أداها طوعاً واختياراً ،فإن اعتماد المحكمة على هذا االعتراف
يتفق وأحكام القانون عمالً بالمادة " "159من قانون أصول المحاكمات الجزائية"(.)132
كما رفضت محكمة التمييز األخذ باالعترافات الصادرة نتيجة إكراه أو تعذيب ولو
صدر هذا االعتراف أمام المدعي العام أو المحقق وهذا ما جاء في قرارها رقم "73/1964
-جزاء" على أنه "من حق المحكمة أن تسمع البينة على الظروف التي أحاطت باالعتراف
أمام المدعي العام ،حتى إذا تبين لها أنه أخذ باإلكراه فتقرر عدم جواز األخذ به ،وال مجال
للقول بأن اعتراف المتهم أمام المدعي العام غير قابل للطعن إال بالتزوير"(.)133
وفي قرارها رقم "-209/1989جزاء" أن "استبعاد إفادة المتهم التي أدلى بها أمام
الشرطة والتي اعترف فيها المجني عليه ،نتيجة للضرب أو اإلكراه ،ولم يكن مختاراً
عند اإلدالء بها ال يخالف القانون"(.)134
كما يجوز للمحكمة أن ترفض األخذ باالعتراف ،إذا شكت بأنه أخذ عن طريق
التعذيب ،ألن الشك يعتبر لمصلحة المتهم ،ولو أنها لم تتيقن بوقوع هذا التعذيب(،)135
قرار رقم "-74/1968جزاء".
وبناء على ذلك فإن مما يمكن للمتهم أن يثيره أمام محكمة الموضوع ،للتخلص من
ً
االعتراف الصادر عنه ،نتيجة التعذيب ،وهو أن اعترافه في الشرطة ،أو أمام رجال الضابطة
العدلية ،كان وليد االعتداء عليه بالضرب والتعذيب ،وكل ما على المحكمة ،هو التصدي لهذا
الدفع فورًا ،ومناقشته والرد عليه ،بعد تقديم ما يثبت عملية التعذيب ،كتقديم التقارير الطبية أو
بآثار اإلصابات في جسده ،وإ ذا لم تأخذ المحكمة بهذا فإن حكمها يكون معيبًا(.) 136
إن استخدام صور التعذيب السابقة الذكر للحصول على االعتراف من المتهم ،والتي
يتخلف فيها شرط تمتع المتهم بحرية االختيار ،يترتب عليها أن االعتراف الصادر منه،
يعتبر اعترافاً باطالً ،وهو بطالن مطلق متعلق بالنظام العام(.)138
وبما أن هذا البطالن متعلق بالنظام العام ،فإنه يجوز التمسك به ،في أية مرحلـة من
مراحل الدعوى ،وتقضي المحكمة به ولو من تلقاء نفسها ،وإ ذا تقرر بطالن االعتراف،
فإن الدليل المستمد منه ال يكون معتبراً ،كما أن هذا البطالن يمتد إلى جميع اآلثار التي
ترتبت عليه مباشرة ،وألن ما بني على باطل فهو باطل(.)139
لكن التساؤل الذي يثور ،إذا كانت القوانين تحرم التعذيب ،فهل يعتبر قيام أحد
رجال الشرطة ،أو النيابة العامة بتعذيب أحد المتهمين للحصول على اعترافه في جريمة
ما ،جريمة يعاقب عليها القانون ،هذا ما سنذكره تالياً.
ونصت المادة 127من قانون العقوبات المصري على أنه "كل موظف أو مستخدم
عمومي أمر بتعذيب متهم أو فعل ذلك بنفسه لحمله على االعتراف يعاقب باألشغال الشاقة أو
السجن من ثالث سنوات إلى عشر ،وإ ذا مات المجني عليه يحكم بالعقوبة المقررة للقتل عمدًا.
إذا نالحظ من خالل هذه النصوص أن قيام أحد رجال الشرطة أو أحد المحققين
بتعذيب أحد المتهمين للحصول على االعتراف يشكل جريمة تسمى جريمة التعذيب،
لذلك سوف أتناول أركان هذه الجريمة ثم عقوبتها.
المتهمين سواء رجال الشرطة أو الضابطة العدلية ،فالمشرع األردني إذا قصد رجال
الشرطة والضابطة العدلية بنص المادة " "208بشكل غير مباشر.
ويجب أن يتوافر ضد المجني عليه صفة االتهام في جرم ما حتى يخضع للتحقيق
معه وإ لحاق األذى به للحصول على اعترافات أو معلومات معينة تتعلق بجريمة ما(.)141
والنشاط المادي يجب أن يتمثل في وقوع تعذيب على المتهم باستخدام إحدى صور
التعذيب السابق ذكرها سواء أكان النشاط بالتأثير المادي كالعنف أو استخدام الكالب
البوليسية أو إرهاق المتهم باألجوبة أو استخدام التنويم المغناطيسي أو استعمال العقاقير
المخدرة ،أو كان النشاط بالتأثير األدبي على المجني عليه كالوعد أو اإلغراء أو التهديد
والحيلة أو الخداع.)142(...
أما بالنسبة للنتيجة الجرمية لجريمة التعذيب فالنتيجة تتمثل في إيالم المجني عليه
وإ يذائه معنوياً ومادياً أو مرضه أو جرحه أو موت المجني عليه نتيجة التعذيب(.)143
ويجب أن تتوافر العالقة السببية بين النشاط المادي والنتيجة الجرمية وذلك بأن يكون
اإليالم واإليذاء المعنوي أو المادي أو الجرح أو المرض أو الموت ناتجًا عن التعذيب الذي
مارسه رجال الشرطة أو النيابة العامة ضد المجني عليه في هذه الجريمة(.)144
إذا تعتبر جريمة التعذيب في األردن جريمة جنحة ونص المشرع األردني في آخر
المادة ،على عبارة ما لم تستلزم تلك األعمال عقوبة أشد ،هذا يشكل مخالفة صريحة لمبدأ
ال عقوبة إال بنص .بينما نالحظ في قانون العقوبات المصري أن جريمة التعذيب تشكل
جريمة جنائية عقوبتها من 3سنوات إلى 10سنوات وإ ذا نتج عن الجريمة موت المجني
عليه يحكم على الفاعل بالعقوبة المقررة للقتل عمداً.
يتبين مما تقدم :إن تعذيب المتهم ممنوع في قانون كثير من الدول ،واألساس الذي
يجب أن يقوم عليه إلقاء األسئلة على مسمع المتهم الستخالص المعلومات ،وإ ظهار
موقفه من االتهام المنسوب إليه ،ويجب أن ينحصر االستجواب في الحدود القانونية
المتعارف عليها ،لذا ال يجوز الضغط على المتهم وتهديده أو تعذيبه ،وفي حالة التجاوز
تلزم المساءلة اإلدارية والقانونية ،ويصل األمر إلى حد المساءلة الجنائية.
وأبرز اإلجراءات غير المشروعة هو التعذيب ،وال يقتصر التعذيب على الناحية
المادية بل يتعداه إلى الناحية النفسية والمعنوية كما أسلفنا.
إن التهديد باإليذاء من المحقق ،أو إيقاع المتهم في شرك أو خداع ،أو وعيد ،أو
االستجواب المطول الذي يؤدي إلى إرهاق المتهم لدرجة االضطراب ،ممنوع في
الشريعة كما هو ممنوع في القانون ،وقد أشار القانون األلماني إلى تحريم إجهاد المتهم
وإ رهاقه في االستجواب(.)146
هذا وقد أشار تقرير لجنة حقوق اإلنسان إلى وجوب أن تكون األسئلة واضحة
وأحمد إبراهيم بك(.)149 ()148 ()147
وهذا ما أشار إليه الزرقا وقصيرة وال تحتمل التأويل
ومهما جاء التعذيب بنتائج باهرة لحظة البحث وراء الجريمة إالّ أنه يدلل على
محاولة إخفاء عدم الكفاءة في التحقيق وقصوره.
وحتى يحقق االستجواب أثره ويصل المحقق إلى عين الحقيقة عليه أن يسلك
الطرق اآلتية(:)150
-إزالة الشك من نفس المتهم ،وأن يشعر باألمان وأنه لن يظلم ،فال يبدأ المحقق
بتوجيه االتهامات القاسية ،وال يعامل المتهم بجفاء.
-عدم استعمال األلفاظ العنيفة.
-االبتعاد عن كل ما من شأنه تحقير المتهم أو إهانته.
-أن يباشر االستجواب المحقق ذاته سواء أكان قاضي التحقيق أو النيابة العامة.
-وفي الجنايات يجب دعوة محامي المتهم قبل إجراء االستجواب ،أو المواجهة ،إالّ
في حالة التلبس ،والسرعة ،خوف فوات الوقت.
-أن يكون المتهم متحرراً من أي ضغط أو تأثير خارجي من المحقق نفسه ،أو من
أي شخص آخر ،سواء أكان في صورة وعد أو إكراه مادي ،أو أدبي ،فال يتعرض
المتهم إلى وعد بإعطائه ميزة في البراءة ،أو تعريضه للتعذيب ،أو تنويمه
مغناطيسياً ،أو إحضار الكلب البوليسي وهجومه عليه ،أو استعمال جهاز كشف
مدة التحقيق ،مما يؤثر على قوته الكذب ،أو تعريض المتهم لإلرهاق بسبب طول ّ
الذهنية ،وعلى إرادته ،كما ال يجوز تهديده ،أو تحليفه اليمين(.)151
()152
إلى أن إقرارات المتهم غير معتبرة تحت التهديد -أشار الشيخ مصطفى الزرقا
والوعيد ،أو وضعه في ظروف معينة ،فالتصرفات القولية يشترط لصحتها ونفاذها
الرضا ،ويؤثر فيها اإلكراه القوي والضعيف أي الملجئ وغير الملجئ سواء أكانت
من العقود أو تصرفات اإلرادة المنفردة.
()153
بأنه الضغط على إنسان بوسيلة مرهبة ،أو بتهديده بها إلجباره وعرف اإلكراه
ّ
على فعل ،أو ترك ،وال بد في بحثنا من إضافة أو قول.
إن إجازة شهادة التوسم ّإنما تكون للضرورة وفي وقت مخصوص كما أسلفنا ،فكيف
يكون هذا إذا كان القاضي مأموراً بالحكم على الظاهر ،واهلل يتولى السرائر.
أم ا إذا كان هناك بعض القرائن فمن السياسة كما يقول الشيخ عبد الرحمن ّ
تاج( ، )154في القضاء والحكم بالقرائن التي تفيد االقتناع بوجه العدالة ،وكذلك استخدام
القاضي أنواعاً من الحيل يستعين بها على استخراج الحق.
ولكنه يؤكد أن التفريط في األخذ بالسياسة أن يعتمد على إقرار المدعى عليه ،أو
المتهم في جريمة مع قيام القرائن واإلمارات التي توجب شبهة في هذا القرار(.)155
وبما أن الشريعة اإلسالمية تقوم على رعاية المصلحة ،بهدف توجيه األمة إلى
جادة االعتدال ،لذلك يرى عبد الرحمن تاج( ،)156أنه من المصلحة أن تستخدم كل أنواع
الحيل الستخراج الحق ،ومن ذلك التهديد والوعيد بالتنكيل بهدف الوصول إلى الحق.
وهو ما أكده البوطي(.)157
()158
أنه ال يصح وأما التحايل ألخذ اإلقرار من المتهم فقد أكد في فتح القدير
للقاضي أن يحتال للوصول إلى اإلقرار ،وليس له أن يشجع المتهم على اإلقرار ،وال
بأس من أن يظهر الكراهة لإلقرار ،كما فعل الرسول الكريم مع ماعز ،حيث أعرض
عند إقراره ،وقد كان عمر بن الخطاب يقول" :اضربوا المعترفين" أي بالزنا(.)159
وإ ذا كان بعض الفقهاء يؤكدون أن اإلقرار إنما يكون في مجلس القضاء ،فمن
المستحسن أن ال يؤخذ اإلنسان بالتهمة ،وال يعذب بالظن ،ووقوف المتهم أمام القضاء
العادل
ولذلك أرى أن ما ذهب إليه سيد سابق ،ومن وافقه ،من حرمة حبس المتهم ،وأنه يجب
ال من كان مذنبًا منهم ،فيحرم ضرب المتهم لما فيه من
المسارعة في إطالق المحبوسين إ ّ
إذالل وإ هدار لكرامته ،وإ لى ذلك ذهب عبد الوهاب الشيشاني( )160وعبد الكريم زيدان(.)161
ومن هنا نجد أيضاً أن االتجاه العالمي الذي يحظر التعذيب جاء متفقاً مع توجهات
الشريعة اإلسالمية ،وأنه ال يجوز اللجوء إلى وسائل العنف ،أو التهديد بأي شيء يؤثر
في المتهم ،وأن الشريعة أعطت الضمانات ضد الوسائل غير المشروعة أثناء التحقيق
والمحاكمة ،وسبقت القانون الدولي الحديث فيما ذهب إليه.
الخاتمة
وبعـد،
فقد استعرضت آراء الفقهاء في مدى صحة االعتراف القسري واإلكراه كعيب من
عيوب اإلرادة ،وميزت بين االعتراف واإلقرار وذكرت شروط صحة االعتراف المأخوذ
به عند الفقهاء وآراءهم في نزع االعتراف قسراً ولو باستعمال األجهزة المتقدمة
وخلصت إلى النتائج اآلتية:
-إن إجبار المتهم باإلخافة على أن يعمل عمالً أو يقر بجريمة لم يفعلها ودون رضاه
أمر تحرمه الشريعة اإلسالمية.
-اإلكراه بنوعيه الملجئ وغير الملجئ يعدمان الرضا ،واإلكراه الملجئ بعدم االختيار
ولو بالتهديد بالضرب أو التهديد باإلساءة إلى بنت أو زوجة أو أسرة المستجوب.
-ال بد لمن ادعى اإلكراه من أن يثبت دعواه في مجلس القاضي.
-االعتراف المعمول فيه هو ما صدر عن إرادة حرة ،دون استخدام أي مؤثرات
مادية أو معنوية ،والقاضي يقدر األمر وال يأخذ باعتراف المتهم بالتهمة ،وله
السلطة التقديرية في البحث عن الحقيقة.
-ال بد أن يكون االعتراف محددًا ال لبس فيه وال غموض يعبر عن إرادة المتهم بنسبـة
واقعة معينة إليه .وذلك برضاه التام.
ال وأن يتطابق مع الحقيقة ،وأن ال يكذبه المقر.
-االعتراف كدليل إثبات يجب أن يكون مفص ً
-فرق الفقهاء بين اإلكراه بهدف اإلقرار وبين الضرب ليصدق المضروب ،وأجاز
بعض الفقهاء الضرب إلظهار السرقة وحقوق اآلخرين.
هذا وقد بذلت قصارى ما أملك من جهد في إخراج موضوع غاية في الخطورة.
وأرجو اهلل أن يكون نافعاً للمسلمين ،واهلل الموفق وهو هادي السبيل.
الهوامش: