You are on page 1of 4

‫املحاضرة الرابعة‪ :‬األنظمة االقتصادية‬

‫(النظام االقتصادي االشتراكي)‬


‫أوال‪ :‬تعريف النظام االشتراكي‪:‬‬
‫يطلق لفظ االشتراكية للتعبير عن الكثير من املعاني املختلفة‪:‬‬
‫‪-‬فأحيانا يطلق على مجرد تدخل الدولة في النشاط االقتصادي‪ ،‬وبذلك تكون االشتراكية نقيضا‬
‫لسياسة الحرية االقتصادية‪.‬‬
‫‪-‬كما يطلق أحيانا للتعبير عن تدخل الدولة في حياة العمال‪ ،‬والطبقة الفقيرة‪ ،‬بهدف سن التشريعات‬
‫االجتماعية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬التي تخفف معاناتهم‪ ،‬وتمنحهم بعض املزايا‪.‬‬
‫‪-‬إال أن االشتراكية من الناحية العلمية‪ ،‬تعني النظام التي تؤول فيه ملكية مواد اإلنتاج‪ ،‬واألراض ي‪،‬‬
‫واآلالت واملصانع للدولة‪ .‬بمعنى آخر‪ ،‬فإن االشتراكية على خالف ما تقتضيه الرأسمالية‪ ،‬تقوم على امللكية‬
‫الجماعية لوسائل اإلنتاج‪ ،‬وتحكم الدولة في إدارة‪ ،‬وتسيير‪ ،‬وممارسة النشاط االقتصادي من خالل‬
‫التخطيط املركزي‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الجذور التاريخية للنظام االشتراكية‪:‬‬
‫مرت االشتراكية بمرحلتين أساسيتين في نشأتها‪:‬‬
‫أما املرحلة األولى‪ :‬فهي املرحلة االشتراكية املثالية‪ ،‬وتعتبر نشأة هذه املرحلة من عهد أفالطون‪،‬‬
‫حيث كان يحلم بتكوين مجتمع مثالي يعيش فيه الناس سواسية بال تفريق بينهم‪ ،‬ويزول من املجتمع كل‬
‫صور النظام االجتماعي والسياس ي واالقتصادين وقد ظلت هذه األفكار في مضمرة في أذهان الكثير من‬
‫الفالسفة واملفكرين على مر العصور‪ ،‬حتى جاء القرن التاسع عشر لتدخل االشتراكية في مرحلة جديدة أال‬
‫وهي االشتراكية العلمية‪ ،‬وذلك على يد املفكر كارل ماركس الذي قام بوضع أسس االشتراكية العلمية التي‬
‫كانت تهدف الى تعويض الرأسمالية‪ ،‬وقد سانده في ذلك وساعده التفاوت الطبقي واالضطهاد الكبير الذي‬
‫عانت منه طبقة العمال في الدول األوروبية خالل القرن التاسع عشر‪.‬‬
‫وقد ظهرت االشتراكية ونمت وتطورت كرد فعل للتناقضات والسلبيات التي افرزها النظام الرأسمالي‬
‫كانعدام املساواة وبروز فئتين مختلفتين وهيمنة املذهب االقتصادي الحر‪.‬‬
‫وطبق هذا النظام االشتراكي منذ نجاح الثروة البلشفية في ‪1917-10-25‬بروسيا‪ ،‬ومنذ ذلك التاريخ‬
‫أصبحت االشتراكية نظاما اقتصاديا وسياسيا‪ ،‬واجتماعيا في االتحاد السوفياتي‪ ،‬ثم انتقلت وتمت محاولة‬
‫تطبيقها في أجزاء أخرى بعد الحرب العاملية الثانية‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أسس النظام االشتراكي وعيوبه‪:‬‬
‫يقوم النظام االشتراكي على العديد من األسس‪ ،‬يمكن تلخيصها فيما يلي‪:‬‬
‫‪-1‬امللكية العامة‪:‬‬
‫أي أن وسائل اإلنتاج ملك للمجتمع وليست ملك للفرد‪ ،‬فامللكية الفردية في النظام االشتراكي في أشياء‬
‫بسيطة مثل السلع االستهالكية‪.‬‬
‫وتأخذ امللكية الجماعية لوسائل اإلنتاج إحدى صورتين‪:‬‬
‫الصورة األولى‪ :‬وهي ملكية الدولة وهي األكثر شيوعا في التطبيقات االشتراكية‪،‬‬
‫أما الصورة الثانية‪ :‬الجمعيات التعاونية حيث تنشأ جمعيات تعاونية مللك األراض ي الزراعية‪ ،‬أو‬
‫الصناعات الصغيرة‪ ،‬فمثال تكون هناك جمعيات تضم كل واحدة منها مجموعة من الفالحين لتملك مساحة‬
‫من األراض ي الزراعية‪.‬‬
‫ومؤدى امللكية العامة‪ ،‬هو إشراك جميع أفراد الشعب في ملكية وسائل اإلنتاج‪ ،‬وتقوم الدولة بعد‬
‫ذلك بإدارة النشاط االقتصادي‪ ،‬فهي التي تقرر توزيع األرض على مجاالت االستخدام املختلفة‪ ،‬وهي التي‬
‫تحدد كمية املوارد املوجهة إلنتاج السلع اإلنتاجية واالستهالكية‪.‬‬
‫واألفراد يقدمون خدماتهم للمجتمع كل حسب طاقته‪ ،‬وقدرته اإلنتاجية‪ ،‬وفي املقابل يتسلم كل منهم‬
‫أجرا بقدر ما يحتاج إليه‪ ،‬فالقاعدة األساسية في توزيع الدخل أو الناتج‪" :‬من كل فرد حسب قدرته‪ ،‬ولكل‬
‫حسب حاجته"‪ ،‬وإن أدى واقع التجربة إلى تعديالت على هذه القاعدة‪ ،‬من خالل توزيع الدخل وفقا لكمية‬
‫العمل املبذول‪ ،‬والتباين في املهارات العمالية‪ ،‬مع إشباع الدولة للحاجات العامة‪-‬للجميع‪-‬بصورة مجانية‬
‫كالتعليم والصحة‪.‬‬
‫واعتمدت الدولة على التأميم للقضاء على امللكية الخاصة‪ ،‬كما ألغت املواريث‪.‬‬
‫‪-2‬اشباع الحاجات الجماعية وعدم استهداف الربح‪:‬‬
‫يسعى األفراد داخل النظام االشتراكي إلى العمل على إزالة كل الفوارق الطبقية التي سادت املجتمع‬
‫الرأسمالي‪ ،‬وذلك عبر إلغاء نظام حافز الربح‪ ،‬فال يصبح الهدف من النشاط االقتصادي هو تحقيق الربح‪،‬‬
‫ألن الربح عندهم وسيلة من وسائل سوء االستغالل يؤدي إلى سوء التوزيع في الدخل والثروة‪ ،‬وبالتالي يحل‬
‫محل الربح كحافز اقتصادي الشعور القومي والوطني‪ ،‬واإلحساس باملسؤولية واملشاركة في إشباع حاجات‬
‫املجتمع‪ ،‬ونظير عدم وجود الربح يقوم النظام االشتراكي بتغطية حاجات املجتمع مجانا فالتعليم مجاني‬
‫ورعاية الصحة مجانية والترفيه مجاني ‪....‬وهكذا‪.‬‬
‫ويتلخص الدافع الروحي في هذا النظام في الوصول إلى إشباع كل الحاجات املادية واملعنوية العامة‬
‫لكل األفراد بطريقة جماعية تكفل العدالة واملساواة في إنتاج وتوزيع الثروة‪ ،‬وذلك من خالل تعميم ملكية‬
‫وسائل اإلنتاج ومنع تملكها الشخص ي‪.‬‬
‫‪-3‬التخطيط االشتراكي املركزي‪:‬‬
‫وهو عنصر أساس ي يقوم عليه النظام االقتصاد االشتراكي كوسيلة لتنظيم الحياة االقتصادية‪،‬‬
‫وضبط أداء سير االقتصاد وفقا لألهداف التي تحددها السلطة املركزية في الدولة االشتراكية‪ ،‬وقد قيل في‬
‫هذا الخصوص‪" :‬أن النموذج الصحيح للنظام االشتراكي هو الذي يضمن وجود التخطيط االقتصادي‬
‫كشرط من شروط قيام النظام"‪.‬‬
‫أما املقصود من التخطيط االشتراكي املركزي‪ ،‬فهو ذلك املجهود الواعي املبرمج الذي تقوم به هيئات‬
‫مختصة وفقا لحسابات عملية وتوقعات دقيقة لضمان سير االقتصاد سواء على مستوى الوطني أو على‬
‫مستوى القطاعات والوحدات االقتصادية‪ ،‬وذلك وفق أهداف محددة مسبقا‪.‬‬
‫وهكذا يتضح أن التخطيط االشتراكي املركزي هو البديل ملا يسمى في النظام االقتصادي الرأسمالي‬
‫بالتلقائية في اإلنتاج أو ميكانيزم السوق بتنظيم سير مختلف جوانب الحياة االقتصادية وتحقيق الرشادة‬
‫للسلوك الفردي والجماعي على حد سواء‬
‫‪-4‬عيوب النظام االشتراكي‪:‬‬
‫جاء النظام االشتراكي كرد فعل على النظام الرأسمالي ومظامله االجتماعية‪ ،‬إال أن الواقع قد كشف‬
‫عن مساوئ وعيوب النظام االشتراكي التي أدت إلى انهياره في أواخر الثمانينات من القرن املاض ي‪ ،‬وذلك ملا‬
‫تضمنه من املتناقضات‪.‬‬
‫وعليه؛ فيمكن إيجاز أهم عيوب النظام االشتراكي فيما يلي‪:‬‬
‫أ‪-‬على املستوى السياس ي‪ :‬يقوم نظام الحكم في النظام االشتراكي على الدكتاتورية بدال من الديموقراطية‪،‬‬
‫وهذا من شأنه تكريس املركزية في تسيير األنشطة االقتصادية وجمود أساليب إدارة املؤسسات وفتور روح‬
‫املبادرة‪ ،‬وشيوع روح االتكالية والتسيب‪.‬‬
‫ب‪-‬على املستوى االجتماعي‪ :‬اخفاق النظام االشتراكي في تحقيق العدالة االجتماعية في توزيع املدخول على‬
‫أفراد املجتمع االشتراكي‪ ،‬وبالتالي فإن ظاهرة الفقر والحرمان في انتشار مستمر في أوساط املجتمع‪.‬‬
‫ج‪-‬على املستوى االقتصادي‪ :‬ضعف الحافز إلى العمل وزيادة اإلنتاج واإلنتاجية بسبب إلغاء امللكية‬
‫الفردية لوسائل اإلنتاج وكذا حافز الربح بصفته هدف النشاط االقتصادي‪ .‬أضف إلى ذلك تقييد حرية‬
‫أفراد املجتمع في اتخاذ املبادرات االقتصادية وإسناد ذلك إلى اإلدارة البيروقراطية‪.‬‬
‫د‪-‬على مستوى تحقيق التنمية االقتصادية واالجتماعية‪ :‬تفاقم مظاهر التناقض في أشكال التنمية‬
‫املختلفة‪ ،‬كالتناقض بين الزراعة والصناعة من جهة وبين االستهالك واإلنتاج من جهة أخرى‪.‬‬
‫كما أن فشل تحقيق األهداف املخططة في إطار التنمية يرجع في األساس إلى اختالل في التخطيط املركزي‪،‬‬
‫بسبب جمود األجهزة التخطيطية‪ ،‬وتزايد معوقاتها التي أدت إلى إفشال البرامج اإلنمائية املخططة‪ ،‬ومن بين‬
‫تلك املعوقات تسجيل عجز في تمويلها بسبب االنخفاض الحاد في أسعار املواد املصدرة إلى الخارج خاصة‬
‫أسعار البترول التي شهدت انخفاضا كبيرا في الثمانيات تأثرت بها الدول االشتراكية املصدرة لهذه املادة‬
‫كاالتحاد السوفياتي والجزائر‪.‬‬

You might also like