أوال :تعريف النظام االشتراكي: يطلق لفظ االشتراكية للتعبير عن الكثير من املعاني املختلفة: -فأحيانا يطلق على مجرد تدخل الدولة في النشاط االقتصادي ،وبذلك تكون االشتراكية نقيضا لسياسة الحرية االقتصادية. -كما يطلق أحيانا للتعبير عن تدخل الدولة في حياة العمال ،والطبقة الفقيرة ،بهدف سن التشريعات االجتماعية ،واالقتصادية ،التي تخفف معاناتهم ،وتمنحهم بعض املزايا. -إال أن االشتراكية من الناحية العلمية ،تعني النظام التي تؤول فيه ملكية مواد اإلنتاج ،واألراض ي، واآلالت واملصانع للدولة .بمعنى آخر ،فإن االشتراكية على خالف ما تقتضيه الرأسمالية ،تقوم على امللكية الجماعية لوسائل اإلنتاج ،وتحكم الدولة في إدارة ،وتسيير ،وممارسة النشاط االقتصادي من خالل التخطيط املركزي. ثانيا :الجذور التاريخية للنظام االشتراكية: مرت االشتراكية بمرحلتين أساسيتين في نشأتها: أما املرحلة األولى :فهي املرحلة االشتراكية املثالية ،وتعتبر نشأة هذه املرحلة من عهد أفالطون، حيث كان يحلم بتكوين مجتمع مثالي يعيش فيه الناس سواسية بال تفريق بينهم ،ويزول من املجتمع كل صور النظام االجتماعي والسياس ي واالقتصادين وقد ظلت هذه األفكار في مضمرة في أذهان الكثير من الفالسفة واملفكرين على مر العصور ،حتى جاء القرن التاسع عشر لتدخل االشتراكية في مرحلة جديدة أال وهي االشتراكية العلمية ،وذلك على يد املفكر كارل ماركس الذي قام بوضع أسس االشتراكية العلمية التي كانت تهدف الى تعويض الرأسمالية ،وقد سانده في ذلك وساعده التفاوت الطبقي واالضطهاد الكبير الذي عانت منه طبقة العمال في الدول األوروبية خالل القرن التاسع عشر. وقد ظهرت االشتراكية ونمت وتطورت كرد فعل للتناقضات والسلبيات التي افرزها النظام الرأسمالي كانعدام املساواة وبروز فئتين مختلفتين وهيمنة املذهب االقتصادي الحر. وطبق هذا النظام االشتراكي منذ نجاح الثروة البلشفية في 1917-10-25بروسيا ،ومنذ ذلك التاريخ أصبحت االشتراكية نظاما اقتصاديا وسياسيا ،واجتماعيا في االتحاد السوفياتي ،ثم انتقلت وتمت محاولة تطبيقها في أجزاء أخرى بعد الحرب العاملية الثانية. ثالثا :أسس النظام االشتراكي وعيوبه: يقوم النظام االشتراكي على العديد من األسس ،يمكن تلخيصها فيما يلي: -1امللكية العامة: أي أن وسائل اإلنتاج ملك للمجتمع وليست ملك للفرد ،فامللكية الفردية في النظام االشتراكي في أشياء بسيطة مثل السلع االستهالكية. وتأخذ امللكية الجماعية لوسائل اإلنتاج إحدى صورتين: الصورة األولى :وهي ملكية الدولة وهي األكثر شيوعا في التطبيقات االشتراكية، أما الصورة الثانية :الجمعيات التعاونية حيث تنشأ جمعيات تعاونية مللك األراض ي الزراعية ،أو الصناعات الصغيرة ،فمثال تكون هناك جمعيات تضم كل واحدة منها مجموعة من الفالحين لتملك مساحة من األراض ي الزراعية. ومؤدى امللكية العامة ،هو إشراك جميع أفراد الشعب في ملكية وسائل اإلنتاج ،وتقوم الدولة بعد ذلك بإدارة النشاط االقتصادي ،فهي التي تقرر توزيع األرض على مجاالت االستخدام املختلفة ،وهي التي تحدد كمية املوارد املوجهة إلنتاج السلع اإلنتاجية واالستهالكية. واألفراد يقدمون خدماتهم للمجتمع كل حسب طاقته ،وقدرته اإلنتاجية ،وفي املقابل يتسلم كل منهم أجرا بقدر ما يحتاج إليه ،فالقاعدة األساسية في توزيع الدخل أو الناتج" :من كل فرد حسب قدرته ،ولكل حسب حاجته" ،وإن أدى واقع التجربة إلى تعديالت على هذه القاعدة ،من خالل توزيع الدخل وفقا لكمية العمل املبذول ،والتباين في املهارات العمالية ،مع إشباع الدولة للحاجات العامة-للجميع-بصورة مجانية كالتعليم والصحة. واعتمدت الدولة على التأميم للقضاء على امللكية الخاصة ،كما ألغت املواريث. -2اشباع الحاجات الجماعية وعدم استهداف الربح: يسعى األفراد داخل النظام االشتراكي إلى العمل على إزالة كل الفوارق الطبقية التي سادت املجتمع الرأسمالي ،وذلك عبر إلغاء نظام حافز الربح ،فال يصبح الهدف من النشاط االقتصادي هو تحقيق الربح، ألن الربح عندهم وسيلة من وسائل سوء االستغالل يؤدي إلى سوء التوزيع في الدخل والثروة ،وبالتالي يحل محل الربح كحافز اقتصادي الشعور القومي والوطني ،واإلحساس باملسؤولية واملشاركة في إشباع حاجات املجتمع ،ونظير عدم وجود الربح يقوم النظام االشتراكي بتغطية حاجات املجتمع مجانا فالتعليم مجاني ورعاية الصحة مجانية والترفيه مجاني ....وهكذا. ويتلخص الدافع الروحي في هذا النظام في الوصول إلى إشباع كل الحاجات املادية واملعنوية العامة لكل األفراد بطريقة جماعية تكفل العدالة واملساواة في إنتاج وتوزيع الثروة ،وذلك من خالل تعميم ملكية وسائل اإلنتاج ومنع تملكها الشخص ي. -3التخطيط االشتراكي املركزي: وهو عنصر أساس ي يقوم عليه النظام االقتصاد االشتراكي كوسيلة لتنظيم الحياة االقتصادية، وضبط أداء سير االقتصاد وفقا لألهداف التي تحددها السلطة املركزية في الدولة االشتراكية ،وقد قيل في هذا الخصوص" :أن النموذج الصحيح للنظام االشتراكي هو الذي يضمن وجود التخطيط االقتصادي كشرط من شروط قيام النظام". أما املقصود من التخطيط االشتراكي املركزي ،فهو ذلك املجهود الواعي املبرمج الذي تقوم به هيئات مختصة وفقا لحسابات عملية وتوقعات دقيقة لضمان سير االقتصاد سواء على مستوى الوطني أو على مستوى القطاعات والوحدات االقتصادية ،وذلك وفق أهداف محددة مسبقا. وهكذا يتضح أن التخطيط االشتراكي املركزي هو البديل ملا يسمى في النظام االقتصادي الرأسمالي بالتلقائية في اإلنتاج أو ميكانيزم السوق بتنظيم سير مختلف جوانب الحياة االقتصادية وتحقيق الرشادة للسلوك الفردي والجماعي على حد سواء -4عيوب النظام االشتراكي: جاء النظام االشتراكي كرد فعل على النظام الرأسمالي ومظامله االجتماعية ،إال أن الواقع قد كشف عن مساوئ وعيوب النظام االشتراكي التي أدت إلى انهياره في أواخر الثمانينات من القرن املاض ي ،وذلك ملا تضمنه من املتناقضات. وعليه؛ فيمكن إيجاز أهم عيوب النظام االشتراكي فيما يلي: أ-على املستوى السياس ي :يقوم نظام الحكم في النظام االشتراكي على الدكتاتورية بدال من الديموقراطية، وهذا من شأنه تكريس املركزية في تسيير األنشطة االقتصادية وجمود أساليب إدارة املؤسسات وفتور روح املبادرة ،وشيوع روح االتكالية والتسيب. ب-على املستوى االجتماعي :اخفاق النظام االشتراكي في تحقيق العدالة االجتماعية في توزيع املدخول على أفراد املجتمع االشتراكي ،وبالتالي فإن ظاهرة الفقر والحرمان في انتشار مستمر في أوساط املجتمع. ج-على املستوى االقتصادي :ضعف الحافز إلى العمل وزيادة اإلنتاج واإلنتاجية بسبب إلغاء امللكية الفردية لوسائل اإلنتاج وكذا حافز الربح بصفته هدف النشاط االقتصادي .أضف إلى ذلك تقييد حرية أفراد املجتمع في اتخاذ املبادرات االقتصادية وإسناد ذلك إلى اإلدارة البيروقراطية. د-على مستوى تحقيق التنمية االقتصادية واالجتماعية :تفاقم مظاهر التناقض في أشكال التنمية املختلفة ،كالتناقض بين الزراعة والصناعة من جهة وبين االستهالك واإلنتاج من جهة أخرى. كما أن فشل تحقيق األهداف املخططة في إطار التنمية يرجع في األساس إلى اختالل في التخطيط املركزي، بسبب جمود األجهزة التخطيطية ،وتزايد معوقاتها التي أدت إلى إفشال البرامج اإلنمائية املخططة ،ومن بين تلك املعوقات تسجيل عجز في تمويلها بسبب االنخفاض الحاد في أسعار املواد املصدرة إلى الخارج خاصة أسعار البترول التي شهدت انخفاضا كبيرا في الثمانيات تأثرت بها الدول االشتراكية املصدرة لهذه املادة كاالتحاد السوفياتي والجزائر.