Professional Documents
Culture Documents
الفصل الثاني
الفصل الثاني
الفصل الثاني
اإلطار النظري
تنطوي على طرفين أو جانبين متالزمين يكتسبان أهميتهما باعتماد كل منهما على اآلخر ،فقد
)1(1عواد علي،وعبد الله إبراهيم،وسعيد الغانمي:معرفة اآلخر(مدخل إلى المناهج النقدية الحديثة)(،بيروت،المركز الثقافي
العربي)،الطبعة األولى ،1990،ص .73
)2(2ترنس هوكز:البنيوية وعلم اإلشارة،ترجمة:مجيد الماشطة(بغداد:دار الشؤون الثقافية العامة،الطبعة األولى) ،1986ص.17
) ، 1988 ،ص .34 )1(3فرديناند دي سوسور :علم اللغة العام ،ترجمة :يوئيل يوسف عزيز(
2 الفصل الثاني
سعى(سوسير) إلى دراسة اللغة أو اللسان بنيويًا وفق عدة ثنائيات تمييزية متقابلة هامة ،وأحدى
هذه الثنائيات ((تتضمن األبعاد اللغوية التعاقبية (diachronicالتاريخية)والتزامنية
(Synchronicاآلنية) في نفس الوقت))" ."1كما فرق(سوسير) بين بعدين مهمين هما اللغة
Langueوالكالم ، paroleحيث ميز فيهما بين الجانبين االجتماعي والفردي في اللغة واللسان.
((فاللغة هي النظام النظري للغة من اللغات أو بنيتها– هي مجموعة القواعد التي ينبغي على
متكلمي تلك اللغة أن يلتزموا بها إذا أرادوا اإلتصال فيما بينهم ،أما الكالم فهو االستخدام لذلك
النظام من قبل المتكلمين األفراد))"."2وقد أدى تفريق(سوسير) بين اللغة والكالم في اللغة أو اللسان
إلى((نتيجة مزدوجة/إنغالق أما أي تدخل للعالم الخارجي،وتحليل ما هو داخلي على أساس
نسقي))" ."3ولكـون اللغـة لدى(سوسـير) نسـقًا من العالمات التي تعبر عن األفكار فإن العالمة
اللغوية بنظر(سوسير) هي الوحدة األساسية لبنية النسق اللغوي،ومن هنا تأتي ثنائية العالمة
اللغوية والتي يعرفها(سوسير) بأنها((تتكون من وجهين:دال/مدلول .فالدال هو الصورة الصوتية ،
والمدلول هو الصورة المفهومية فالتخاطب يتم عبر الصورة الصوتية،أي عبر الفونيمات المكونة
للدال ،وبالتالي فالوصول إلى المدلول يتم عبر عناصر الدال وليس العكس))". "4
أي أن دائرة اإلتصال أو التخاطب تبدأ بسلسلة أصوات متتابعة -وهي العناصر المكونة للدال
الذهني
أذنيه ،فتحدث في دماغه التصورعبر
سمعيًاو ،أو
الصوتية يستقبلهاالصورة
المتلقي والتي رقم ( )1
أو الفونيمات–-phonemesترسيمة
– صورة صوتية – -sound imageأو سمعية حسية– لها عالقة بالحواس أو الدال
-signifierوتستدعي هذه الصورة الصوتية إلى ذهن المتلقي صورة ذهنية أو فكرة أو مفهومًا –
– conceptوهو المدلول– –signifiedالجانب المفهومي– غير المحسوس ،والذي يعد أكثر
تجريدًا من الصورة الصوتية – في ثنائية العالمة اللغوية – –Linguistic signومن هذا
)2(1ينظر:ألين أستون وجورج سافونا:المسرح والعالمات،ترجمة:سباعي السيد (القاهرة:وزارة الثقافة ،مطابع المجلس األعلى
لآلثار) ،ص.16
)3(2جون ستروك :البنيوية وما بعدها(من ليفي شتراوس إلى دريدا) ترجمة:الدكتور محمد عصفور(الكويت ،عالم المعرفة) ،
،1996ص.16
)4(3جورج دورليان(:بحثًا عن وجهي سوسور)،مجلة الفكر العربي المعاصر(،بيروت)،العدد ، 30/31صيف ،1984ص.124
)5(4المصدر نفسه ،ص .124-123
3 الفصل الثاني
المنطلق يعد(سوسير) طرفي العالمة اللغوية– الدال والمدلول– ((ذوا طبيعة نفسية يتحدان في
دماغ اإلنسان بآصرة التداعي(اإليحاء) ))" ."1وكالهما الطرف المحسوس(الدال) وغير
المحسوس(المدلول) يبدوان بفعل ترابطهما الذهني هذا وكأنهما وجهي عملة نقدية اليمكن شطرهما
أو التفريق بينهما بأي حال من األحوال ،إذ اليمكن تصور وجـود عالمة لغوية دون دال أو دون
مدلول واللذين يعد وجود كل منهما شرط لوجود اآلخر ،السيما وأن عملية إنتاج المعنى أو الداللة
تتأتى بفعل العالقة البنيوية أو الداللية بين مكوني أو طرفي العالمة اللغوية – Linguistic sign
– .
ويغلق(سوسير)العالمة اللغوية–Linguistic sign-على مكونيها–الدال والمدلول -ليقطع
صلتها عن كل مايخرج عن نطاق تكوينها الداخلي ،ويحصر(سوسير) عملية إنتاج الداللة في
إطار العمليات النفسية ويصير العالمة اللغوية وحدة سايكولوجية – نفسية -منغلقة على نفسها وال
تشير أو تحيل إلى مرجع أو مشار إليه– – referentفي الواقع المادي المحسوس أو عالم
الموجودات.لذا يحدد(سوسير) تعريف العالمة اللغوية – – Linguistic signبالعالقة الداللية
التي تصل بين مكونيها الحسي والمفهومي(الدال والمدلول)(،فسوسير)يقول((:اإلشارة اللغوية
تربط بين الفكرة والصورة الصوتية،ليس بين الشيء والتسمية))" ."2وهذا التعريف السوسيري
للعالمة اللغوية يبدو متطابقًا وبشكل دقيق مع تحديد الرواقيين للعالمة اللغوية،فالفلسفة
الرواقية((تحدد اإلشارة semeionبكونها مؤلفة من دال semanionومدلول
.semainomenonكما أنها تؤكد إن الدال يدرك بالحواس والمدلول يفهم بالذهن أو ((يترجم
فيه))" ."3ويمكن توضيح التعريف السوسيري للعالمة اللغوية كوحدة ثنائية المبنى أو التكوين،أو
كيان سايكولوجي– نفسي– مزدوج بالمخطط اآلتي :
)2(1جوناثان كلر :فرديناند دي سوسير(أصول اللسانيات الحديثة وعلم العالمات) ترجمة :دكتور عز الدين إسماعيل(،القاهرة:
المكتبة األكاديمية) ،الطبعة األولى ، 2000 ،ص .86
)3(2بيتر بوغاتيريف ،وآخرون :سيمياء براغ للمسرح(دراسات سيميائية) ،ترجمة وتقديم :د .أدمير كورية(دمشق ،منشورات
وزارة الثقافة ، 1977 ،ص)6
)1(3سيزا قاسم ،نصر حامد أبو زيد أنظمة العالمات في اللغة واألدب والثقافة ،المصدر السابق ،ص.35
)2(4بيتر بوغاتيريف ،وآخرون :المصدر السابق ،ص. 6
6 الفصل الثاني
المرسل أو المتكلم وتشكل خزينه اللغوي.وتترابط العالمات في كال المحورين األفقي والعمودي
إما((من خالل عالقة المشابهة similarityأو عالقة االختالف ."1")dissimilarity
وقد تعرضت نظرية(سوسير) السيميولوجية وفي عدة جوانب منها إلى انتقادات عديدة ،ومنها
ما جاء من العالم اللساني(أميل بنفنيست)والذي يعد احد مؤيدي نظرية(سوسير) السيميولوجية،إال
أنه يجد أن هناك وهنًا جليًا في مسألة االعتباط ويروم تقويته في هذا الجانب الذي
أغفله(سوسير)،فهو يرى(بنفنيست) إن((االعتباط يقع بين الدليل(داًال ومدلوًال) والشيء الذي يعينة،
وليس بين الدال والمدلول،خصوصًا وأنهما من طبيعة نفسية(المفهوم والصورة السمعية) يتالزمان
في أذهان األفراد من خالل روابط متوحدة في ماهيتها وجوهرها..إن االعتباط يكمن بين اللسان
والعالم ،ليست العالقات داخل اللسان باعتباطية و إنما هي ضرورية))"."2ومثلما ينتقد(بنفنيست)
إغفال(سوسير) المشار إليه أو ما تحيل إليه العالمة في عالم الموجودات وحصره لتعريفها في
نطاق العمليات النفسية ،ينتقده آخرون على التكوين الثنائي أو البنية المزدوجة للعالمة وانغالقها
على مكونيها– الدال والمدلول -وإ غفال عالقتها بالمشار إليه.
المالحظ إن أغلب هذه االنتقادات تشدد على طبيعية أو نمط العالقة التي تصل بين مكوني
العالمة اللغوية(الدال والمدلول)أو بين العالمة والشيء الذي تحيل أو تشير إليه في عالم
الموجودات .ولذا نجد إن ما يصل بين مكوني العالمة اللغوية–الدال والمدلول– من عالقة هي
رابطة أساسها العرف أو االصطالح وليس التشابه أو التطابق أو القياس.والى الجانب اآلخر من
نظرية(سوسير)السيميولوجية،نهضت نظرية(بيرس) السيميوطيقية،والتي وضع لها(بيرس) تسمية
سيميوطيقيا– –semioticليعني بها علم العالمات العام ،حيث يعود أصل هذه التسمية إلى
اللفظ(( semiotikeاليوناني الذي وضعه جالينوس ليعني به(علم األعراض) في الطب))"."3
ويمكن النظر إلى سيميوطيقيا(بيرس)على أنها نظرية واسعة وشاملة ومفتوحة،ويأتي هذا
األتساع واالنفتاح من سعة معارف(بيرس) وتعدد تخصصاته،وكون(بيرس) فيلسوفًا ورياضيًا
ومنطقيًا فقد طبع نظريته بطابع المنطق وجعله لصيقًا بها ،وتعد سيميوطيقيا(بيرس) أكثر أتساعًا
شموًال من سابقتها كونها تتناول العالمة في فاعليتها وقدرتها على االمتداد إلى موضوعات
ومظاهر أعم وأشمل خارج نطاق علم اللغة الذي أطر به(سوسير)نظريته السيميولوجية.
ويرى(بيرس) في السيميوطيقيا علمًا عامًا يشمل مجمل العلوم الطبيعية واإلنسانية ،فهو يقول
) 3(1س .رافريندار:البنيوية والتفكيك(تطورات النقد األدبي)ترجمة خالدة حامد (بغداد :وزارة الثقافة ،دار الشؤون الثقافية
العامة (آفاق عربية) الطبعة األولى (.)2002
) 4(2روالن بارت:مبادئ علم األدلة،تعريب محمد البكري(بغداد :دار الشؤون الثقافية العامة(آفاق عربية)ط .1986 –2ص 160.
)1(3مارسيلو داسكال :األتجاهات السيميولوجية المعاصرة ،ترجمة :حميد الحمداني وزمالئه (الدار البيضاء،أفريقيا الشرق) ،
، 1987ص.4
7 الفصل الثاني
((ليس باستطاعتي أن أدرس أي شيء في هذا الكون كالرياضيات أو األخالق،والميتافيزيقيا
،والجاذبية األرضية،والديناميكية الحرارية،والبصريات ،والكيمياء..،الخ...إال على أنه نظام
سيميوطيقي))"."1
ولكي يتمكن(بيرس) من تحليل المفاهيم الخاصة بهذا الكم الهائل من العلوم الطبيعية
واإلنسانية،فقد عمد إلى إنشاء منظومة تعريفات واسعة ومعقدة نسجها في شبكات عالئقية متعددة
ومتنوعة ومختلفة للعالمات ،وخطوة(بيرس) األولى في عمله التصنيفي كانت الوحدة األساسية
وهي العالمة ،ويعرف(بيرس)العالمة على أنها بنية ثالثية التكوين وتتشكل من((المصورة (
Representamenوتقابل(الدال) عند(سوسير)و(المفسرة ) Interpretantوتقابل(المدلول) عند
سوسير،و(الموضوع )objectوال يوجد له مقابل عند سوسير))" ."2وهنا يالحظ إغفال(سوسير)
للمرجع أو الشيء الذي تشير أو تحيل إليه العالمة في الواقع .وقد عمد(بيرس) إلى التفريق بين
نوعين من الموضوعات((أحدهما مباشر والثاني ديناميكي،األول معطى مع العالمة ذاتها بشكل
مباشر،أما الثاني فيحتاج للوصول إليه إلى النبش في ذاكرة العالمة))" ."3فالموضوع المباشر
يرتبط بالعالمة أو بما يصوره أو يمثله المدلول(المفسرة)،أما ما يقع خارج مساحة بنية العالمة من
شيء محسوس تسعى تلك العالمة كي تمثله بشكل غير مباشر فهو الموضوع الديناميكي
ويطلق(بيرس)على العالمة تسمية المصورة Representamenويعرفها بأنها((:شيء ينوب
لشخص ما عن شيء ما ،من وجهة ما وبصفة ما .فهي توجه لشخص ما ،بمعنى أنها تخلق في
عقل ذلك الشخص عالمة معادلة ،أو ربما عالمة أكثر تطورًا ،وهذه العالمة التي تخلقها أسميها
المفسرة ، Interpretantللعالمة األولى.أن العالمة تنوب عن شيء ما وهذا هو موضوعتها
، objectوهي التنوب عن تلك الموضوعة من كل الوجهات بل تنوب عنها بالرجوع إلى نوع من
الفكرة التي سميتها سابقًا ركيزة groundالمصورة))"."4
المفسرة
المصورة الموضوع
(السيميولوجيا) ،ترجمة د .منذر عياشي (سوريا ،دار طالس للدراسات والترجمة والنشر)،1992، الركيزة
)2(1بيير جيرو،علم اإلشارة
ص.11-10
بيرس عند للعالمة الثالثية البنية 3
) ( رقم ترسيمة
)3(2عواد علي ،وعبد الله إبراهيم ،وسعيد الغانمي ،المصدر السابق ،ص. 87
)4(3امبرتو ايكو :التأويل بين السيميائيات والتفكيكية :ترجمة وتقديم:سعيد بنكراد(بيروت،المركز الثقافي العربي،الطبعة
األولى) ، 2000 ،ص.140
8 الفصل الثاني
وقد تفرع كل عنصر من عناصر العالمة إلى ثالث تقسيمات -:
)3(1سيزا قاسم ،نصر حامد أبو زيد :المصدر السابق .ص . 25
)1(2سيزا قاسم ،نصر حامد أبو زيد :المصدر السابق ،ص . 288
)2(3كير إيالم :المصدر السابق .ص . 14
13 الفصل الثاني
4
الفعلية للعناصر الكلية))" " .عمومًا يبقى القول الفصل للبنية ،فالبنية– بمجملها– هي التي تمتلك
القدرة على القيام بدور المعنى للعمل الفني ،حتى المعنى ألمعلوماتي أو التواصلي لذلك
العمل،ويبقى الموضوع في عمل فني ما هو المحور الرئيس الذي يتبلور حوله المعنى ،والذي
يبقى مبهمًا دون توافره على فكرة أو موضوع بعينه .
المبحث الثاني
العالمات في العرض المسرحي
هناك حقيقة ساطعة تجلت عبر التجارب اإلبداعية العديدة التي تبلورت عن آثار المنجز
اإلبداعي،وهي أن للعالمات دورها الفاعل في العروض المسرحية وذلك في إطار انساق عالماتية
مهيمنة في بنى هذه العروض من الوجهة الداللية.ومثلما يكون للعالمات خصائصها المميزة فان
لها وظائفها المتعددة والمتنوعة التي تتفاعل على أساسها في إطار بنية نسق العرض المسرحي
فتؤثر وتتأثر وفقًا لتوجيهات العروض المسرحية وخصائصها واتجاهاتها .وهذه الخصائص
والوظائف العالماتية هي التي تطبع العرض المسرحي وعناصره المختلفة بسمات يكتسب من
خاللها حقيقته السيميائية .فالعرض المسرحي نسق سيميائي دال يتوافر على انساق عالماتية أو
إشارية لفظية وغير لفظية سمعية وبصرية تنتمي إلى فنون عديدة(،النص األدبي،وفن اإللقاء،
والشعر،والحركة،واإليماءة ،والرقص(الكوريوغراف)،والموسيقى ،والمؤثرات
الصوتية،واإلنارة،واألزياء،والماكياج ،واإلكسسوار).
وبالرغم من هذا التعدد والتنوع والتعقيد الظاهر بين مكونات خطاب العرض المسرحي فانه ال
يمكن النظر إلى هذه العناصر الفنية وكأنها تعمل بشكل متواٍز أو كان كل عنصر من هذه العناصر
يعمل بمعزل عن األخر،بل هي وحدات سيميائية تتمفصل وفق شبكة متماسكة من العالقات
الداخلية التي تصل بينها على أساس بنائي وداللي.فادا ما كانت العالمات اللفظية وعبر حضورها
في فضاء العرض المسرحي تؤكد مرجعية النص المسرحي في قدرتها على تحديد األمكنة
واألزمنة والشخصيات بواسطة المالحظات المسرحية أو اإلخراجية فان هذه العالمات نفسها
وعبر تمثيلها للحوار تتميز بأهمية بالغة في أقامة التواصل بين الشخصيات واألخر وكذلك في
إيصال المعنى المنشود سواء في مستواها النصي أو من خالل تواجدها في بنية خطاب العرض
المسرحي.والعرض المسرحي كنسق عالماتي على كل المستويات فهو يحتوي بين جنباته على
عالمات مركبة ،لفظية وغير لفظية سمعية وبصرية وهي في الوقت نفسه عالمات ايقونية
ومؤشريه ورمزية.ومن هذا المنطلق يمكن القول((أن العرض المسرحي ككل هو رمزي ،نظرًا
إلى أن المشاهد ينظر إلى أحداثه على أنها تقوم مقام أشياء أخرى غيرها استنادًا إلى االتفاق
وحدة))"."1عمومًا تتواجد العالمات أو اإلشارات لفظية كانت أم غير لفظية سمعية وبصرية(زمانية
) 1(1جيندريك هونزل :ديناميكية اإلشارة في المسرح،ترجمة :د .أدمير كورية ،مجلة الحياة المسرحية( دمشق)العدد /29 ،28/
. 1987ص. 31
16 الفصل الثاني
ومرونتها أن تغير مادتها وتبعث الحياة والحركة في األشياء الجامدة ،باإلضافة إلى حريتها في
التنقل بين المظاهر المتعددة والمختلفة سواء أكانت سمعية أو بصرية دون عائق(( .ولكن
باإلضافة إلى ذلك فإن األشياء التي تلعب دورًا رمزيًا ودالليًا على الركح تأخذ وهي في حالة
استعمال ركحي خصوصيات وصفات وطبائع ال تحملها في الحياة العادية ،فاألشياء في المسرح–
كالممثل تمامًا– تخلق من جديد مغايرة لطبيعته األولى،كالممثل الذي يتحول على الركح إلى إنسان
أخر(شاب إلى شيخ ،امرأة إلى رجل)...كذلك الشئ الذي يستعمله الممثل في أداء دوره يمكن أن
يعطي توظيفات جديدة لم تكن من قبل من خصائصه ومميزاته،الحذاء المتهرئ لشرلي شابلن
يتحول بفضل لعب هذا األخير إلى طعام ،وخيوط الحذاء إلى معكرونة))"."1وقد يتحول مؤثر
صوتي–قرقعة سيوف–لإليحاء بمعركة طاحنة،وقد يتحول الممثل إلى شجرة أو إلى أي شئ أخر
كقطعة أثاث على سبيل المثال ،فقد ابتدع(اخلوبكوف) صورة جعل فيها الممثل كقطعة
أثاث((وذلك بجعله ممثلين–مرتدين بشكل غير ملحوظ – يركعان قبالة بعضهما وهما يبسطان
غطاء طاولة بينهما كمربع يوحي يطاوله))"."2
وقد يتقدم(مارك إنطوني)من حارسه فيسلمه سيفًا(غرض) فيقول له(لقد انتهى كل
شئ..اقتلني..اقتلني أالن)(عالمة لغوية)يقتل الحارس نفسه فتصدر نغمات عاطفية
نسمعها(موسيقى)فتعلو مالمح(مارك إنطوني)أمارات توحي بمشاعر مختلطة(التعبير بالوجه ،
)mimeيلتقط(مارك انطوني)سيفه وبحركة سريعة ينتحر(حركة)فتتشكل على هذا النحو عالمة
مركبة كونها بثت أو أرسلت من عدة عناصر في أن واحد .فمن((خواص الدالاللة المسرحية أيضا
الميل إلى التعقيد .فهناك حاالت يضطر المتفرج فيها إن يجمع بين داللتين أو عدة دالالت تنتمي
إلى مجموعات مختلفة لكي يكتشف المدلول المركب))"."3ولعل أحدى الخواص المهمة التي تتصف
بها العالمة في خطاب العرض المسرحي هي قدرتها التوليدية .
-2الخاصية التوليدية – - Generative capacity
ونعني بالقدرة التوليدية للعالمة المسرحية (( االقتصاد الفائق لوسائل االتصال ،بمعنى أن
مخزونًا صغيرًا يمكن التنبؤ به من الدوال يستطيع أن ينتج بنيات داللية غنية))" ،"4فقد تفضي
العالمة الواحدة بفعل قدرتها التوليدية إلى سلسلة من العالمات المصاحبة التي تحمل دالالت
متنوعة مرافقة أو مضافة للعالمات االصطالحية.فالزي العسكري يدل على إن الذي يرتديه ينتمي
) 1(1بيتر بوغايتريف :الرموز والدالالت في المسرح :ترجمة :د .محمد عبازه(تونس) مجلة فنون العدد .1986 ، 6ص . 44
)2(2جيندريك هونزل :ديناميكية اإلشارة في المسرح .المصدر السابق .ص . 35
)3(3سامية اسعد احمد - :الداللة المسرحية – مجلة عالم الفكر ( الكويت ) العدد واحد عام .1980ص . 94
)4(4كير إيالم:العالمات في المسرح– أنظمة العالمات ،ترجمة وإعداد:سيزا احمد قاسم،نصر حامد أبو زيد (القاهرة– دار الياس
العصرية ،)1986،ص . 245
17 الفصل الثاني
إلى صنف معين من صنوف الجيش ،كما يدل على قومية هذا الجندي ويرمز كذلك إلى انضباط
هذا الجندي من عدمه من خالل أناقته .وفي هذا اإلطار يشير(بيتر بوغاتيريف)إلى نوعين من
العالمات((عالمة ترجع إلى شئ)) ،وعالمات تدل على عالمات ترجع إلى شئ))"."1فالتركيبات
الديكورية التي ترمز إلى منزل في سياق مشهد معين ،نجد ان هذا المنزل يصبح إشارة أو عالمة
ترمز إلى إشارة تصف المنزل في سياق المشهد أو العرض ،وقد يشير المنزل إلى منزل قائم في
الواقع المادي ،إذا ما نظرنا صوبه نظرة مباشرة كون المنزل عالمة مرئية أو عيانية(إيقونية)،
وهكذا يكون المنزل عالمة تحيل إلى شئ ،وعالمة تدل على عالمة تحيل أو تشير إلى شئ.ولكون
العروض المسرحية الطبيعية والواقعية تعتمد االقتصاد في إرسالها للعالمات التصويرية أو
االيقونية ،فقد سعت العروض الطبيعية إلى إقصاء العديد من العناصر الفنية ،كالموسيقى
والرقص(الكوريوغراف) بغية المحافظة على طابعها المتسم بالواقعية والذي يشوب أجواءها
ومالمحها .كما سعت هذه العروض إلى الحد من قدرة ومرونة العالمات التوليدية لعناصرها الفنية
– –iconics signsالتي تعتمد مبدأ واألداء التمثيلي منها بشكل خاص فالعالمات االيقونية
المطابقة والمشابهة مع الواقع هي األساس الذي ترتكز عليه العروض الطبيعية والواقعية،لذا كان
هذا الواقع هو المرجع األساسي لهذه العروض ،في حين تميل العروض المسرحية الالواقعية
الحديثة أو المعاصرة إلى االرتكان لتعددية العالمات وقدرتها التوليدية ومرونتها،ومثال ذلك
عروض(مسرح الفن،المسرح المؤسلب،لفيسفولد مايرخولد)الذي عمد إلى منح المفردة دالالت
متعددة ومتنوعة حينما راح يستخدمها مقترنة بأداء الممثل ،فقد تستخدم المظلة اليدوية كسيف تارة
وكمجرفة أو بندقية تارة أخرى وتستخدم كال الداللتين لإلشارة إلى دالالت أخرى .
أما عروض(المسرح الفقير،لجيرزي كروتوفسكي) فقد تم التعامل في نطاقها مع القدرات
الفائقة لتقنيات جسد الممثل باستخدام هذا الجسد في تكوينات دالة متعددة ومتنوعة ،فيرسم جسد
الممثل وقدراته الصوتية واإللقائية دالالت ال تعد وال تحصى تسهم وبشكل فاعل في إنشاء بنية
المشهد ،فقد يتحول جسد الممثل وصوته إلى حيوان متوحش ومفترس أو حصان جامح...أو
كرسي أو شراع أو شماعة مالبس...الخ .وتتسم العالمة المسرحية بتنوعها وكثافتها،فإذا ما تم
إرسال فيض من العالمات على نحو مكثف ومتكرر فإنها حتمًا ستشكل عائقًا أمام المتلقي وقدراته
اإلدراكية ،أي إن المتلقي سيعجز عن إقامة التواصل على أساس من عالمات صادرة بشكل مكثف
ومكرر من لدن عناصر فنية مختلفة ومتعددة في آن واحد.أما في الحالة التي تتقوض فيها قدرة
) 1(1زياد جالل :مدخل إلى السيمياء في المسرح ( المملكة األردنية الهاشمية :عمان ،وزارة الثقافة ) .1992 ،ص . 40
18 الفصل الثاني
الرسالة الفنية أو الجمالية المبثوثة على إنتاج العالمات أو اإلشارات المختلفة المتوازنة والكافية
فان مصير هذه الرسالة سيؤول إلى الفشل ،ألنها ستكون رسالة مشوشة عند مستوى االستقبال .
-3التصدر -:
ينطوي العرض المسرحي على بنية تتسم بديناميكيتها وفاعليتها ،والبنية بحسب تعريف
(جان موكارفسكي)((:بأنها جملة عناصر لها توازن داخلي يضطرب ويستعيد توازنه باستمرار ،
وتبدو وحدتها وكأنها جملة من التناقضات الديالكتيكية))" ".وهذه البنية تحقق تدرجًا هرميًا معقدًا
1
تتكتل فيه مجمل العناصر الفنية أو الجمالية المكونة لبنية خطاب العرض المسرحي .وفي إطار
هذا التدرج الهرمي،الذي يتسم بالمرونة والقدرة التحولية الفائقة في نظام تدرج العناصر الفنية
مشابها لقدرة العالمة على التحول ،يهيمن عنصر معين على العناصر األخرى فيتحقق تصدر
لهذا العنصر المهيمن أو لبعض العناصر على عناصر أخرى((،والتصدر هو القيام بتوجيه اهتمام
المتفرج،بشكل مؤقت جزئي أو طيلة المسرحية ،نحو جزء معين من العرض أو احد
عناصره))" ."2وأي عنصر من العناصر الفنية يقوم بتصدر قمة الهرم يكون قد اتخذ زاوية
االهتمام القصوى في نطاق بنية العرض المسرحي المتسمة بمرونتها وحيويتها الفاعلة ففي اغلب
األحيان يتصدر الممثل مجمل العناصر الفنية الدالة الداخلة في تكوين خطاب العرض
المسرحي،فيصبح الممثل عنصرًا مركزيًا مهيمنًا في نطاق التراتب أو التدرج الهرمي لهذه
العناصر الداللية المكونة لخطاب العرض المسرحي عبر قدراته التعبيرية والجسدية،وقد يتصدر
عنصر آخر بشكل مفاجئ فيحقق أولية أو تصدرًا على العناصر الداللية األخرى المجتمعة في ذلك
التدرج أو التراتب الهرمي المركب والمكونة لبنية خطاب العرض المسرحي لفترة من الفترات
وهكذا دواليك بحسب تفاعل العناصر الفنية عالئقيًا ووظيفيًا في بنية ذلك الخطاب .
وفي حقيقة األمر أن مفهوم(التغريب) هو األساس الذي نشأ عنه مفهوم(التصدر)،وكان
(بريخت) قد استلهم مفهوم(التغريب )Foregrounding ،من الشكالنيين الروس– كما ذكرنا
آنفًا– وعمل على تطويره،وقد عد(بريخت) هذا المفهوم–التغريب– احد أهم المبادئ واألهداف
المركزية الفاعلة في نطاق مسرحه التعليمي أو الملحمي،وبشكل خاص على مستوى األداء
التمثيلي في العرض المسرحي الملحمي أو األسلوب التمسرحي أو(الميتا– مسرحي) والذي يتقاطع
مع أسلوب الطريقة أو المنهج الطبيعي ،حيث كان أسلوب األداء التمثيلي المسرحي((يرتبط من
ناحية بنظرية نزع غشاء األلفة عن الوجود أو إضفاء طابع الجدة والغرابة عليه(
في توجيه االهتمام والتركيز على فعل معين من أفعال الممثل أو حوار من حواراته أو أي عنصر
فني آخر في سياق المشهد ،سواء عن طريق تكرار األحداث أو تكثيف وسائل العرض بواسطة
أدوات عدة مثل استخدام تأثيرات الحركة البطيئة أو تجميد المواقف أو عن طريق التغيرات
المفاجئة لإلضاءة ...الخ،لكي يحقق وعيًا تامًا بقضايا المجتمع عبر هذه الوسائل((ويقصد بها
الطرق التي تجعل الحدث العادي غريبًا في نظر المشاهد ،بحيث يندمج فيه بفكره أكثر من
شعوره.وعنده إن مجرد تصيير الحدث غربيًا في نظر المشاهد يحمله على التفكير في تغييره))"".2
-4خاصية العالمة المركبة -:
إن أهم ما يميز خطاب العرض المسرحي هو توافره على عناصر فنية متعددة ومتنوعة تنتمي
النساق سيميائية مختلفة(كالتمثيل،والنص اللغوي،والموسيقى،والرقص
(الكوريوغراف)والسينما،والشعر..الخ) والتي تتالزم وتتفاعل في بنية خطاب العرض
المسرحي،وكل عنصر من هذه العناصر الفنية ينطوي على قيمة سيميائية تجعل من خطاب
العرض المسرحي حقًال دالليًا زاخرًا بشتى صنوف العالمات أو اإلشارات اللفظية وغير
اللفظية(السمعية والبصرية) طبيعية واصطناعية ،كما يشتمل على عالمات أو إشارات ايقونية،
ومؤشريه ،ورمزية ،مما يشكل تعقيدًا كبيرًا لبنية العرض المسرحي المتحركة والمرنة.ولكون
العالمة المسرحية ذات قدرة تحولية فائقة وفاعلة تمكنها من التنقل بين األنساق المتعددة والمواد
المتنوعة وتتمظهر بمظاهر مختلفة دون عوائق أو حواجز ،فان العرض المسرحي كشكل تركيبي
يتوافر في بنيته – المتحركة والمرنة ذات القدرة التحولية الواسعة والفاعلة – على مجموعة من
الدوال المسرحية السمعية أو الصوتية(اللفظية وغير اللفظية) والبصرية،الطبيعية واالصطناعية،
((وهذا يعني إن الدال على خشبة المسرح يشمل أنماطا عدة للعالقات بين مجموعة الدوال المكونة
لشكل العرض.فكل داللة تتشكل من دمج أكثر من داللتين في تركيب واحد يطلق عليه
اصطالح(الداللة المركبة) ))" ."3فقد تتخذ العالمة المسرحية– -Theatrical signفوق خشبة
)1(1جوليان هلتون :المصدر السابق .ص . 122
)2(2محمد غنيمي هالل :النقد األدبي الحديث (،بيروت :دار الثقافة – دار العودة ) . 1/7/1973 ،ص 646
)1(3د .عبد الكريم عبود عودة المبارك :المصدر السابق .ص . 59
20 الفصل الثاني
المسرح صفة العالمة المركبة حينما تتعالق مجمل الدوال السمعية والبصرية التي يبثها
الممثل(المؤدي) على سبيل المثال،عبر قناة جسده وصوته مع شتى الدوال السمعية
والبصرية(المكانية والزمانية) التي تبثها العناصر الفنية األخرى للعرض.فتمفصل نطق الممثل
المؤدي وحركته وإ يماءاته ومظهره بالمؤثرات الصوتية أو الموسيقى أو اإلضاءة أو حركة
الديكور يؤدي بالضرورة إلى توليد داللة يستقبلها المتلقي على إنها داللة مركبة ،بعد أن يقوم هذا
المتلقي بالجمع بين الدوال الداخلة في البث وبين دالالتها .فمرور حشد من الفالحين فوق خشبة
المسرح غاضبين يهتفون بعضهم يرفع العصي والبعض األخر يرفع ذراعيه وعلى السايك–عند
الخلفية– شاشة سينمائية تعرض شعارات معينة،بينما هنالك حركة للديكور عند أعلى اليسار
وأعلى اليمين وإ نارة تتوزع الفضاء وأنغام موسيقية تناسب الحدث أو الموقف،فحينما يربط المتلقي
هذه الدوال المختلفة والمتنوعة مع مدلوالتها بعد استقبالها ستتكون لديه عالمة أو إشارة مركبة تدل
على إن هؤالء الفالحين ثاروا ضد اإلقطاع مطالبين بحقوقهم ،أو إنهم يحاولون رفع الظلم الذي
وقع عليهم .
ثانيًا :وظائف العالمة المسرحية :
-1تحديد أو تعين المكان :
لعل ابرز وظائف العالمات في إطار خطاب العرض المسرحي هو تحديدها أو تعيينها للمكان
،فالمكان المسرحي لم يعد مصطلحًا مجردًا للمساحة التي ينبثق فيها فعًال عيانيًا محسوسًا وقاعة
للمتفرجين يشاهدون عرضًا مسرحيًا وحسب فتخفت األضواء عن كل شئ حال انتهائه،هكذا
تصور مادي لخشبة العرض المسرحي لم يعد إال وقـوفًا بوجه التطورات الكبيرة التي طرأت على
مفهوم المكان أو الفضاء المسـرحي ،حيـث((لم يعد المكان المسرحي المعاصر ينتمي إلى عالم
المعطيات البديهية ،بل أصبح اقتراحًا يقدم للمتلقي ،ويتعلق هذا االقتراح بالمفهوم الجمالي
للمكان،ونقد فكرة العرض في حد ذاتها))"."1فقد أطلقت هذه التطورات العنان للمكان من أن ينطلق
وان يكون أكثر ديناميكية واتساعًا وشحذًا للخيال،فالمكان الخالي ال يمثل شيئًا ذا بال ما لم يجِر في
نطاقه فعل معين يرتبط بقصدية جغرافية تمثل وتحدد سمات ومعاني األفعال والعالقات في
انبثاقها في هذا المكان الذي ال يعد ذا قيمة أو معنى ما لم يتجسد فيه عرض مسرحي يضفي
بعيانيته أو محسوسيته وديناميكيته على هذا المكان معناه الجوهري وقيمته الداللية .وبدخول هذه
المفاهيم الجديدة على الدراسات والتجارب المسرحية التي تناولت المكان أو الفضاء المسرحي–
-The theatrical spaceصار هذا المفهوم يتجاوز كل التصورات المادية الشائعة عن–
)2(1عواد علي :المصدر السابق .ص . 68
21 الفصل الثاني
الحيز– أو المكان المادي ،بحيث لم تعد التركيبات الديكورية الضخمة فوق خشبة المسرح هي
التي تتسيد تحديد أو تعيين المكان ودالالته المتعددة بل امتد الفضاء المسرحي ليشمل صالة
المتفرجين وكل ركن من المساحات المتوافرة ،وذلك بوساطة عالمات أو إشارات سمعية
وبصرية مختلفة ،فصورة األصوات في ذهن المتلقي قد تنشئ مكانًا أو فضاءًا مسرحيًا يتصوره
المتلقي ليشكل جغرافيته التي أراد المخرج أن يدل عليها بصورة المدلول المنبثقة من الدال وفق
اقتراحه لجغرافية العرض المسرحي الجديدة بدالالتها المتجذرة من مقترح أدبي أحادي االستقبال
.وحقيقة األمر إن خشبة المسرح ال ترتبط بالبنى المعمارية(الن العمارة ال تقبل أن ترمز إلى
شئ ،وهكذا ليس لها وظيفة صورية .أما المسرح فليس له وظيفة أخرى سوى اإلشارة إلى شئ
أخر .ويكف عن أن يكون مسرحًا إذا لم يدل على شئ آخر))"."1فقد يشكل ضوءًا ما أو صوتًا ما
مكانًا أو فضاءًا معينًا ،يقول(جيندريك هونزل)((:قد يحدث أن نرى اصواتًا أو نسمع منطقة ما،أو
نعرف من نظرة خاطفة إلى زي الممثل كل ما نعرفه بوساطة الكلمات في المسرح األوربي))"."2
فقد يتبدى لنا الدال بهيئة صور وأشكال متباينة ،فتارة يبدو الدال سهًال وسلسا وتارة أخرى
ينبلج معقدًا ومركبًا بحسب مستويات وصيغ تشكيل المركبات الديكورية وفق رؤية المخرج
لغرض المفردات المكونة للبنية المشهدية ومن ثم احتمالية تغير تلك المركبات الديكورية وفق ذات
الرؤية من انتظام البنى المشهدية ضمن سياق بنية خطاب العرض المسرحي الشاملة في
تتابعيتها.كما إننا أول ما نتلقى في خطابي النص والعرض المسرحيين هي األنساق العالماتية
المكانية التي تتسم بكثافتها ودقتها فتحيل المكان أو الفضاء المسرحي-theatrical space- The
المفترض أو المقترح في خطابي النص والعرض المسرحيين إلى خطاب سيميائي متعدد القراءات
ينتهي مطافه بالمتلقي وهي القراءة الهدف لمجمل الرسائل والخطابات السيميائية((.ويتميز المكان
المسرحي بخصوصية عالية ،إذ إن أول ما نتلقاه في المسرح هو العالمات المكانية((سواء في
النص أو العرض)) فمع رفع الستارة–إن كان ثمة ستارة– يبدأ المكان بإرسال عالمات كثيفة إلى
المتلقي،الذي يستقبلها عبر قنوات متعددة ،بصرية– سمعية وتلك العالمات تعتبر البنى األولى
لرسالة العرض المسرحي مما يجعل المكان عبارة عن خطاب مهمته األولى هي أن ينقلنا إلى
عالم((مكان)) خيالي غير موجود يدل عليه العرض إما بأسلوب تصويري أو لعبي مع اإلمكانية
الواسعة إلضافـة بنى جديـدة إلى هذا الخطـاب المكـاني عبـر امتـداد زمن العرض))"."3
) 1(1قاسم حسين صالح:اإلبداع في الفن(،الجمهورية العراقية :منشورات وزارة الثقافة واألعالم– دار الرشيد،بيروت:دار
الطليعة لطباعة والنشر . 1981 ،ص . 45
) 2(2حسين رامز محمد رضا:الدراما بين النظرية والتطبيق ( ،بيروت:المؤسسة العربية لدراسات والنشر) ،الطبعة ألولى ،آب
(أغسطس) . 1972ص. 355
)1(3بيير جيرو :المصدر السابق .ص . 30
25 الفصل الثاني
عالمات خطاب الشخصية عند دخولها في بنية خطاب العرض المسرحي تؤسس تمفصالت
متعددة ومتنوعة بمجمل عالمات العناصر الفنية األخرى،لذلك تم االرتكان إلى وسيلة للتمييز بين
أ-الوظيفة وظائف اللغة ووظائف خطاب الشخصية ويمكننا اإلشارة إلى هذه الوظائف .
المرجعية:
وتتعلق هذه الوظيفة بالعالمات أو اإلشارات التي تشير أو تحيل إلى مرجع معين في الواقع
المادي أو عالم الموجودات الخارجي،أي أنها((تحدد العالقات بين الرسالة والموضوع الذي تحيل
إليه))" ."1فالشخصيات في إطار هذه الوظيفة تحيلنا إلى أحداث واقعية وشخصيات حقيقية خارج
نطاق خطاب العرض المسرحي مما يضفي على ذلك الخطاب طابعًا واقعيًا .
ب -الوظيفة التعبيرية :
وتقوم هذه الوظيفة على أساس شبكة من العالقات الرصينة،وفي إطار هذه الوظيفة يتم
التوكيد على خطاب المؤلف(المرسل) وطبيعة العالقة القائمة بين الشخصية وخطابها ،فإذا ما
نظرنا إلى خطاب الشخصية فسنجده رسالة تبث إلى الشخصيات األخرى في نطاق مساحة خشبة
العرض المسرحي على أساس من العالقات المتشابكة بين مجمل شخوص خطاب العرض
المسرحي .
جـ -الوظيفة التواصلية :
وترتبط هذه الوظيفة بالعالقة التواصلية بين الشخصيات المتفاعلة والمتالزمة في فضاء
العرض المسرحي ،حيث تقوم الشخصية ببث رسالتها مبتغية تحقيق التواصل مع األخر واألخر
قد يكون شخصية منفردة أو ربما مجموعة من الشخصيات المتعالقة والمتفاعلة في نطاق فضاء
العرض المسرحي.
د -الوظيفة األمرية :
وهذه الوظيفة تحدد العالقة بين الرسالة الفنية أو الجمالية ومتلقيها،أي أن مجرى االتصال
يمتد من خشبة أو فضاء العرض المسرحي باتجاه المتلقي وبالعكس ،فالشخصية تسعى الى تحقيق
التأثير المباشر على المتلقي الذي يتوافر على دور مهم في اعطاء قيمة تأثيرية للخطاب عبر ردود
أفعاله ،وال ترتبط وظيفة معينة من هذه الوظائف بشخصية بعينها ،حيث أن هذه الوظائف ال
تخضع لتحديد أو تخصيص لدخولها على شخصية من الشخصيات العاملة في نطاق خطاب
الجدول نقًال عن /الين أستون وجورج سافونا :المسرح والعالمات .المصدر السابق .ص . 148
31 الفصل الثاني
عالمــات بصــرية شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــكل -9اإلكسسوار
المك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان
(خارج الممثل) خشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبة -10الديكور
والزمان
المسرح -11اإلنارة
ص 56 )1(1د .عبد الكريم عبود عودة المبارك ،المصدر السابق .
35 الفصل الثاني
المبحث الثالث
عالمات األداء التمثيلي
أوًال :خطاب األداء التمثيلي والنسق ألعالماتي :
يعد خطاب األداء التمثيلي نسقًا سيميائيًا داًال وعنصرًا فنيًا ديناميكيًا فاعًال يتعالق عبر مكوناته
البنيوية منسجمًا مع مجمـل العناصـر الفنيـة األخـرى المكونـة لخطـاب العـرض المسـرحي – المنتميـة
أصـ ـًال إلى انس ــاق فني ــة متع ــددة ومختلف ــة– وال ــتي تنص ــهر متفاعل ــة ع ــبر تمفص ــل مكوناته ــا البنيوي ــة
عالئقيًا ووظيفيًا في بنية نسق خطاب العرض المسرحي .
واألداء التمثيلي في العرض المسرحي رسالة عالماتية تعتمـد جسـد الممثـل وصـوته كقنـاة بث
مزدوجـ ــة أو ثنائيـ ــة التكـ ــوين تتوجـ ــه في خطابهـ ــا األول ووفـ ــق إطـ ــار آليـ ــة تواصـ ــل معينـ ــة صـ ــوب
اآلخـر(المشـاركين)في نطـاق األداء التمـثيلي فـوق خشـبة المسـرح سـواء كـان(اآلخـر)شخصـية مفـردة
معين ــة أو مجموع ــة من الشخص ــيات،بينم ــا تتوج ــه ه ــذه الرس ــالة المزدوج ــة في خطابه ــا الث ــاني ع ــبر
مجــرى االتصــال إلى المتلقي وفــق شــفرة– –Codeمشــتركة،حيث يــرتكن في هــذه الرســالة إلى لغــة
قوامهــا الصــور والرمــوز واإلحــاالت والتأويــل .وإ ذا ماكــان األداء التمــثيلي في العــرض المســرحي
رســالة دالليــة ،أي مجموعــة من العالمــات الســمعية والبصــرية الدالــة ،فــأن الممثــل في هــذا اإلطــار
يعـ ــد باث ـ ـًا أومرس ــال رئيس ــيًا ومركزي ـ ـًا لش ــتى أنس ــاق العالمـ ــات الس ــمعية والبصـ ــرية(اللفظيـ ــة وغـ ــير
اللفظيــة)،الــتي تشــكل بمجملهــا بنيــة هــذه الرســالة الفنيــة أو الجماليــة الدالــة.إال إن هــذا الممثــل وحالمــا
يقــترب أو ينــدمج مــع الشخصــية الخياليــة الالماديــة أو الوهميــة يتحــول حــاًال إلى حقــل خصــب وغــني
بالعالمات والرموز أللفظية وغير أللفظية ،الطبيعية ،االصـطناعية ،اإلراديـة والالإراديـة ،وقطبـًا
مركزي ـًا مهم ـًا تتمحــور حولــه مجمــل عناصــر خطــاب العــرض المســرحي فيحيلهــا إلى عالمــات دالــة
ويــترجم كــل البــنى الرمزيــة إلى ســيميائيات(المكــان،الــزمن،الحــوار،الموســيقى والمــؤثرات الصــوتية،
–الشخصــية-وإ شــاراته األزيــاء ،اإلكسســوارات ،اإلنــارة ،الــرقص فتعــالق عالمــات الممثــل
المبثوثــة وتفاعلهــا مــع بقيــة عالمــات ورمــوز العناصــر الفنيــة األخــرى الخارجــة عن نطــاق(الممثــل–
الشخص ــية)يع ــني تحقيقـ ـًا لوح ــدة خط ــاب الع ــرض المس ــرحي وتكامل ــه الف ــني،فعن ــدما يش ــرع الممث ــل
بالسعي والعمل على إبتناء الشخصية التي يروم أدائهــا فهــو يــؤثر إحـدى صــيغتين رئيسـيتين لألداء ،
فأمــا أن يؤسســها ويبتنيهــا بصــيغة((اإلنشDDاء)) أوبصــيغة ((التقDريب)) ((ويســتوجب((اإلنشDDاء)) من
الممثـ ــل السـ ــفر أو الترحـ ــال ،الـ ــذهاب ،للشخصـ ــية أي تغيـ ــير مالمحـ ــه الخاصـ ــة وتبـ ــديل حركاتـ ــه
وتصــرفاته وصــوته وكــل ســماته الممــيزة يمكن الحــديث في هــذه الحالــة عن تــأليف أو تأســيس لهويــة
36 الفصل الثاني
1
جديدة هي هوية المكان الوهمي المسمى بالشخصية))" ".أما صيغة((التقريب))وهي الصيغة الثانية
الــتي يؤثرهــا الممثــل في محاولتــه لبنــاء الشخصــية الــتي يــروم أداءهــا((فيتطلب من الممثــل أن يعــير
الشخصــية بعض أو كــل مميزاتــه الجســمية والصــوتية.فال ترحــال هنــاك نحــو الكــائن الــوهمي وكأنمــا
هنــا الشخصــية تســافر نحــو الممثــل))" ."2ويبــدو الممثــل في حالــة الصــيغة ((اإلنشائية)) وكأنــه يعمــل
على التخلي عن ذات ــه وإ لغ ــاء هويت ــه لكي يمنحه ــا لآلخ ــر –الشخص ــية–الخي ــالي فتك ــون حال ــة الممث ــل
وكأن ــه يق ــول ((أن ــا)) لس ــت((أن ــا)) الش ــخص الم ــادي ب ــل ((ه ــو)) اآلخ ــر الشخص ــية الالمادي ــة.ومن
صـ ــيغة((اإلنش DDاء)) يمكن أن نستشـ ــف إنهـ ــا صـ ــيغة ترتبـ ــط بطريقـ ــة أومنهج((ستانسالفسـ ــكي))حيث
يبحث الممثل وبشكل جاد وصادق عن االندماج بالشخصية .
أما بشأن عمل الممثل في إطار صيغة((التقريب))فهــو ال يسـعى إلى التخلي عن ذاتــه أو هويتــه
الحقيقية لكي يندمج مع الشخصية بل هو يسعى جاهـدًا ليقـترب من هـذه الشخصـية فيتمسـك بهـا حـتى
يبــدو األمــر وكــأن الشخصــية((هــو)) ليس ((هــو)) اآلخــر،وإ نمــا((أنــا))الممثــل الكــائن المــادي الــذي
يتمس ــك به ــا مح ــاوًال أن يهبه ــا ج ــزءًا أو ك ــل س ــماته الجس ــمية والص ــوتية ،فالممث ــل في ه ــذه الحال ــة
اليتقمص أو ينـ ــدمج مـ ــع الشخصـ ــية ،أي اليوجـ ــد هنـ ــاك انتقـ ــال صـ ــوب الشخصـ ــية ،بـ ــل يبـ ــدو إن
الشخصية هي التي تتوجـه صــوب الممثــل ،فالشخصــية تعــرض أمــام المتلقي بشـكل تقـديمي ،أي إن
خطـ ـ ــاب الممثـ ـ ــل/الشخصـ ـ ــية يوج ـ ـ ـُه إلى المتلقي على النحـ ـ ــو منفصـ ـ ــل عن التـ ـ ــأثيرات العاطفيـ ـ ــة أو
الغرائزية.والصيغة((التقريبية))هي مـا نهج عليـه المسـرح الملحمي عنـد(بـريخت)حيث ال إنـدماج أو
تقمص للشخصــية الوهميــة أو الخياليــة .إال إننــا وفي كلتــا الصــيغتين الســالفتي الــذكر نجــد أن((األداء
إنمــا هــو جدليــة ،جــدل وحــوار يقــام بين الجســد الحقيقي للمــؤدي والجســد الخيــالي للشخصــية.واألداء
القدير هو الذي يسعى إلى التالعب بهذين الجسدين ،راكضًا بين فضائين،متناسيًا الحدود بين الوهم
والحقيقــة ،بين الخيــال والواقــع))" ."3فالحقيقــة والوه ــم أو الواق ــع والخي ــال–الممثــل/الشخصــية– همــا
فض ـ ــاءان إب ـ ــداعيان مت ـ ــاحين بك ـ ــل اتس ـ ــاعهما للممث ـ ــل (الم ـ ــؤدي)كي يثبت فيهم ـ ــا وج ـ ــوده وحقيقت ـ ــه
الفنيــة،فالممثــل يعــبر بكينونتــه ووجــوده عن أنيــة الحــدث وعيانيتــه وعن حقيقــة الحيــاة الــتي ينفثهــا في
الشخصية المنتمية لفضاء خيالي غير مادي هو عالم الغياب والمتجسدة فوق خشبة المسرح أو عــالم
فضــاء الحضــور المــادي،عــالم المشــاهدة والعيانيــة بفعــل قــدرات الممثــل(المــؤدي)الجســدية والصــوتية
ذات ال ــدور ال ــرئيس والفاع ــل في التعب ــير عن الفع ــل س ــمعيًا وبص ــريًا في نط ــاق الفض ــاء المس ــرحي،
)1(1محمد مؤمن:نحو مقاربة عالمتية ألداء الممثل المسرحي( فضاءات مسرحية – المسرح الوطني التونسي – وزارة الشؤون
الثقافية العدد 1986 ، 7/8ص 11
)2(2المصدر نفسه .ص . 11
)3(3المصدر نفسة .ص . 11
37 الفصل الثاني
فتـواجد الممثل/الشخصية كعنصر فني مركـزي دال بين عناصـر ماديـة مـؤازرة هي العناصـر الفنيـة
األخــرى الداخلــة النســاق دالليــة متفاعلــة في بنيــة العــرض المســرحي يؤكــد أن إدراك حقيقــة خشــبة
المسرح قد انبلج في ذات الزمكان الذي سينطلق فيـه الحـدث،لـذا يمكن إدراك خطـاب األداء التمـثيلي
في العرض المسرحي كرسالة تتشكل من عالمات سمعية وبصرية(لفظية وغير لفظية)يبثها الممثــل
إلى المتلقي وفق مجرى االتصال عــبر شـفرة– – codeمشـتركة بينهمــا.وتعتمــد هــذه الرسـالة جسـد
الممث ــل وص ــوته كقن ــاة مزدوج ــة ووس ــيلة هام ــة وفاعل ــة في عملي ــة البث.وانطالقـ ـًا من ه ــذه النظ ــرة
المزدوجة لنسق سـيميائي دال كخطـاب األداء التمـثيلي يمكن القـول إن أداء الممثـل الحي فـوق خشـبة
المســرح يتجلى في منظومــتين ســمعية وبصــرية(لفظيــة وغــير لفظيــة) تتالزمــان وتتجانســان كوحــدة
س ــيميائية دال ــة ب ــالرغم من االختالف أو ع ــدم التش ــابه الظ ــاهر بين ه ــاتين المنظوم ــتين.والمنظومDDة
األولى هي((الجسد وتشمل(الحركة والتحرك)وهي تدخل في إطار العالمات البصــرية.والمنظومة
الثانية هي الصوت وتشـمل(الكالم،اإللقـاء،النـبرة)وهي تـدخل في إطـار العالمـات السـمعية،واليمكن
عزل المنظومين عن بعضهما،فكل منهما متممة لألخرى مشكلة وحدة سيميائية منسجمة ))". "1
الحركة اإليماءات
الكالم
اإللقاء
النبرة
ومما الشك فيه إن فاعلية الممثل وأهميتـه تتـأتى من كونـه وحـدة ديناميكيـة دالـة غنيـة بالعالمـات
ترسيمة رقم ( )6
صــية)الــذي يؤديــه ،ولعــل
الدور(لشخ ) وتباينها بنية
السمعية والبصرية من تعددها
منظومتا الممثل السمعية والبصرية التي تشكل وبالرغم (
العالمــات اللفظيــة هي أهم مصــادر إرســال الممثــل،إذ إن((التعبــير اللغــوي في المســرح هــو بنيــة من
الرموز المتركبة ليس فقط من رموز الخطاب وإ نما أيضًا من رموز ودالالت أخرى،فمثًال الخطاب
المتلقي الذي اليتفاعل مع الدالالت السـمعية وحسـب،بـل هـو يتفاعـل مـع الوقـائع واألحـداث واألفكـار
واألش ــياء المتش ــكلة في إط ــار الفض ــاء المس ــرحي س ــعيًا وبص ــريًا،فحرك ــة الممث ــل وإ يماءات ــه تع ــد من
المصــادر المهمــة إلرســال الممثــل،والحركــة هي((نتــاج عمليــة نقــل وتوصــيل األفكــار والمشــاعر إلى
الجمهــور من عناصــر األداء ،فهي التعبــير المــرئي عن الفكــر والتجســيد الحي للفعــل))"."2كمــا يمكن
تعريف الحركة كعنصر مهم من بين عناصر إخراج العرض المسرحي على إنهـا((صورة المســرح
في حالـة الفعـل وهي تشـمل لحظـات التصـور في مظاهرهـا الدائمـة التغيـير))"."3فحركـة الممثـل فـوق
خشــبة المســرح،من انحنــاءة للجســم،ومشــية بخطــوات مرتبكــة ومضــطربة،ورفــع اليــدين ،واإليمــاءة
بالوجـ ــه تعـ ــد عالمـ ــات تنم عن وعي واضـ ــح وقص ـ ـٌد بإرسـ ــال المعـ ــنى صـ ــوب المتلقي،وال تعـ ــد هـ ــذه
العالمات سواء كانت سمعية أو بصرية ذات طبيعة مرتجلة على اإلطالق،بل هي عالمــات ورمــوز
تخضع للتقنين الدقيق،أي إنها عالمات إرادية دالة.فقد يتم استقبال العالمات الالإرادية الصادرة عن
الممثــل ســمعية كــانت أو بصــرية– بفعــل عاهــة أو إصــابة أو مــرض معين أو لخطــأ طــارئ على إنهــا
عالمات مقصودة– من طرف المتلقي على إنها عالمات إرادية .
لــذا نجــد إن حركــة الممثــل فــوق خشــبة المســرح ال ترتبــط بمشــار إليــه محــدد في الواقــع بشــكل
مباش ــر أو إنه ــا تط ــابق للع ــالم الخ ــارجي،ب ــل هي فع ــل إرادي قص ــدي وواع ي ــراد ب ــه إيص ــال للمع ــنى
ويرتبط بالسـياق العـام لخطـاب األداء التمـثيلي في العـرض المسـرحي.عمومـًا يبقى الممثـل الحي هـو
المرســل الحقيقي والــرئيس لخطــاب الشخصــية اللفظي وغــير اللفظي فــوق خشــبة المســرح ،الســيما
وان خطــاب الشخصــية ينبــني أصـًال على أســاس من عالمــات لفظيــة(دال نصــي) ومن ثم يتم التعبــير
عنه بواسطة عالمات أو إشارات لفظية وغير لفظية(صوتية وحركية) يتبناها الممثل بفضـل قدراتـه
–الخطــاب– الجســدية والتعبيريــة لتمثــل خطابــه الفــني الــدال فــوق خشــبة المســرح ،والــذي هــو
بالضرورة يتشكل من عناصر أساسية فاعلة ايقونية ورمزية واشارية(طبيعية واصطناعية) .
ويتعالق خطاب األداء التمثيلي في نطاق العرض المسرحي بأنساق عالماتيـة سـمعية وبصـرية
أخــرى(إنــارة،ديكــور،موســيقى ،ماكيــاج...الخ) لــذا تكــون مجمــل العالمــات أو اإلشــارات المحسوســة
فوق خشبة المسرح هي الممثل الرئيس لخطاب النص المسرحي،فتكون هذه العالمات أو اإلشارات
قد جمعت بين الالمحسـوس،أو بين عـالمي النص والعـرض،الخيـال والواقـع .على هـذا النحـو يكـون
)2(1الكسندر دين :أسس اإلخراج المسرحي ،ترجمة :سعدية غنيم(القاهرة:المجلس األعلى للثقافة،الهيئة المصرية العامة للكتاب)
. 1982ص . 353
)3(2جوليان هلتون :المصدر السابق .ص185
)4(3الكسندر دين :المصدر السابق .ص . 275
40 الفصل الثاني
النص األدبي المسرحي عنصرًا أساسيًا مهمًا وبشتى عالماته اللفظية المستنطقة للفضاء المســرحي
أو المكونة والعاملـة في نطاقـه .فـالنص وهـو((مجموعـة من العالمـات الـتي تنقـل في وسـط معين من
مرسل إلى متلق بإتباع شـفرة أو مجموعـة من الشـفرات))"."1وبـأي حـال من األحـوال تكـون السـمات
األدبي ــة للنص المس ــرحي متغلغل ــة في بني ــة خط ــاب الع ــرض المس ــرحي ب ــالرغم من هيمن ــة العناص ــر
الدرامية المسرحية على هذه البنية.ولهذا وبـالرغم من الجـدل القـائم حـول ماهيـة العالقـة بين خطـابي
النص والع ـ ــرض المس ـ ــرحيين أو أرجحي ـ ــة ك ـ ــل منهم ـ ــا على اآلخ ـ ــر،يبقى خطاب ـ ــا النص والع ـ ــرض
المسرحيين قطبين استراتيجيين متالزمين ومتكــافئتين في الفن المســرحي.لــذا وألهميــة النص األدبي
في العــرض المســرحي أو الجــانب األدبي في العــرض المســرحي،فقــد اعتمــدت نمــاذج هيكليــة عديــدة
لدراسـ ــة وتحليـ ــل بنيـ ــة أي عمـ ــل أدبي،ولعـ ــل ابـ ــرز نمـ ــوذج لدراسـ ــة األفعـ ــال في مجـ ــال الدراسـ ــات
السيميولوجية التي عنت بحقول الدراما والمسرح،جاء عـبر جهـود الناقـد الفرنسـي(أ.جريمـاس)حيث
أقدم على طرح انموذج فاعلي مهم عمـد فيـه إلى تطـوير نمـاذج تحليليـة سـابقة اقـل مرونـة ووضـوحًا
ولم تع ــر الفع ــل ال ــدرامي اهتمامـ ـًا،وال ــتي طرحه ــا ك ــل من(فالديم ــير ب ــروب، F.propp ،وس ــوريو،
، Souriouوق ـ ـ ــد ج ـ ـ ــاءت طروح ـ ـ ــات الناق ـ ـ ــد الفرنس ـ ـ ــي(أ.جريم ـ ـ ــاس)Greimas ،ع ـ ـ ــبر نموذج ـ ـ ــه
ألفــاعلي،المهم هــذا في كتابــه(علم الداللــة البــنيوي)وصــار يســمى بنمــوذج(جريمــاس)((،إذ بينمــا كــان
هدف بـروب هـو دراسـة نـوع بعينـه من القص،فـان هـدف جريمـاس هـو الوصـول إلى القواعـد الكليـة
للقص عمومـ ـ ـًا،عن طري ـ ــق تط ـ ــبيق التحلي ـ ــل ال ـ ــداللي لبني ـ ــة الجمل ـ ــة على ه ـ ــذه القواع ـ ــد))" ."2وق ـ ــد
ارتكن(أ.جريماس)في نموذجـه ألفـاعلي الـذي قسـمه إلى سـتة عناصـر مكونـة تعمـل كـأدوات مسـاعدة
على التحليــل ،وتثبت هــذه العناصــر الســتة الــتي يطرحهــا(أ.جريمــاس)في نموذجــه وهي((المرســل–
المرسل إليـه–ذات فاعلـة– هـدف–مسـاعد– معـارض،في كـل نص ممـا يـؤدي إلى الوصـول لعناصـر
بنية كل نص من خالل هذه العالقات،ثم رصد التحويالت الــتي تطــرأ على البنيــة الكليــة في كــل نص
وأسباب التحوالت التي تلحق بأنســاقها))"."3فنجــد إن(أ.جريمــاس) ال يبحث في النتاجــات الفرديــة،بــل
هو يبحث عن المعنى الذي هو أصًال ينبثق من داخل العالقات المعقــدة والمتشــابكة وليس من خــارج
ه ـ ـ ــذه العالق ـ ـ ــات.وح ـ ـ ــول الكيفي ـ ـ ــة ال ـ ـ ــتي يكنن ـ ـ ــا التعام ـ ـ ــل به ـ ـ ــا م ـ ـ ــع نمـ ـ ـ ــوذج(أ.جريـ ـ ـ ــماس)ألف ـ ـ ــاعلي
هـ ــذا،يشيـ ــر(ب ــاتريس ب ــافيس)إلى إنن ــا((نق ــوم أوال بإع ــادة بن ــاء نم ــوذج العوام ــل في نقط ــة معين ــة من
المســرحية،محــددين العالقــات بين الشخصــيات ،مــع تحديــدنا لكــل من الفاعــل والمفعــول بــه،أو الــذي
)1( 1روبرت شولز :السيمياء والتأويل ،ترجمة :سعيد الغانمي ،الطبعة األولى 1994ص . 251
) 2(2عصام الدين أبو العال:مدخل إلى دراسة علم العالمات،مجلة المسرح،القاهرة:العدد ،76مارس 1995الهيئة المصرية للكتاب
ص . 54
)1( 3سامية حبيب :المصدر السابق .ص 69
41 الفصل الثاني
يتطــرق إلى الوصــول إليــه بفعلــه وكــذلك العوامــل المســاعدة والعوامــل المعارضــة،وعنــد حــدوث أي
تغيير على هذه النموذج األولي–حينما تكتسب العوامل قيمًا جديدة أو تتخذ وضعًا جديدًا داخل العالم
ال ــدرامي ،فمح ــرك الح ــدث يمكن مثًال أن يتح ــول من ش ــخص ألخ ــر،أو تتغ ــير اس ــتيراتيجية العوام ــل
المعارضــة والعوامــل المســاعدة.إن الحــدث ينتج عن تغــير المتغــير أو الــدينامي،الــذي يــتيح االنتقــال–
بطريقـ ـ ـ ـ ــة منطقيـ ـ ـ ـ ــة وزمنيـ ـ ـ ـ ــة–من موقـ ـ ـ ـ ــف آلخـ ـ ـ ـ ــر))"."1وهـ ـ ـ ـ ــذه النظـ ـ ـ ـ ــرة الثاقبـ ـ ـ ـ ــة من(بـ ـ ـ ـ ــاتريس
بافيس)لطروحات(أ.جريماس) في نموذجـه الهيكلي الــدقيق هــذا،سـتقودنا بالضــرورة إلى تطــبيق آليــة
عمل هذا النموذج على عينه التحليل(النص المسرحي)خطـوة فخطـوة،موقفـًا اثـر موقـف،للكشـف عن
مجمـ ــل التغـ ــيرات أوالتحـ ــوالت الـ ــتي تطـ ــرأ على النص المسـ ــرحي من مطلعـ ــه إلى ختامـ ــه.ويمكننـ ــا
توض ــيح نم ــوذج(أ.جريم ــاس)بعرض ــه وفـ ــق الترس ــيمة التالي ـ ــة"*"-:وه ــذه الترس ــيمة الهندس ــية ال ــتي
يستخدمها نموذج (أ.جريماس) الفاعلي تبين نمط العالقات القائمة بين عالماته سلبًا وايجابًا-
مرسل إليه مرسل
ذات فاعلة
الفعل
) 3(1اريك بنتلي:نظرية المسرح الحديث ،ترجمة :يوسف عبد المسيح ثروت(بغداد :وزارة الثقافة واالعالم 1975 ،ص . 227
:المصدر السابق .ص . 245 )1(2اريك بنتلي
)2(3قسطنطين ستانسالفسكي :المصدر السابق .ص67
:المصدر السابق .ص 233 )3(4اريك بنتلي
46 الفصل الثاني
الثالثــة ،الــدائرة الصــغيرة والمتوســطة والكبــيرة الــتي يعتمــدها الممثــل خالل ســيرورة أدائــه التمــثيلي
فوق خشبة المسرح .
ولعــل احــد أهم العناصــر الــتي تتــألف منهــا التقنيــة النفســية للطريقــة هي(لــو)الســحرية الــتي تمكن
الممثل من إن يدعم الفعل المسرحي بقدرات تعبيرية جسدية وصوتية يعكسها أحســاس نفســي داخلي
بفعــل قــدرتها على اســتثارة وتحفــيز هــذين الفعلين(المــادي والنفســي)لــدى الممثــل بوســاطة قــدراتها في
خلــق عقبــات افتراضــية يكــون على الممثــل واجب إزاحتهــا وحــل رموزهــا،فافتراضــات وتســاؤالت
الممثــل(لــو كنت الملــك لــير ..فمــاذا كنت ســأقول..ومــاذا كنت ســأفعل وكيــف؟)ه ــي الــتي تقــود الممثــل
صوب إنشاء دوره بشكل منطقي وصادق،بينما يؤكد(ستانسالفسكي)على أهمية (الظروف المعطاة)
التي تمنح للممثل كل التفاصيل والمعلومات الدقيقـة الـتي يصـبو إليهـا بخصـوص العـرض المسـرحي
ودوره كــذلك.ويعــد(ستانسالفس ــكي) الظــروف المعطــاة األكــثر قرب ـًا وتشــابهًا مــع(لــو)الســحرية((أن
عنصري(لو)والظروف المعطاة من أصــل واحـد،األول( لــو)افـتراض والثــاني إضــافة إليــه(الظــروف
المعطاة)(.لو) تحرك الفعـل الخالق بينمـا(الظـروف المعطـاة) تطـوره.أمـا وظيفـة كـل منهمـا فمختلفـة
بعض الشـ ــيء(.لـ ــو) تمـ ــد المخيلـ ــة الهاجـ ــدة بالحركـ ــة ،بينمـ ــا(الظـ ــروف المعطـ ــاة) تمـ ــد وجـ ــود (لـ ــو)
بالتبرير))". "1
وكعنصر أساسي من عناصر التقنية النفسية أو الداخلية الـتي تعتمـدها الطريقـة ،تنـبري الـذاكرة
االنفعالية التي يرتكن إليها(ستانسالفســكي) في توصــياته للممثلين.إذ إن الممثــل ومن خالل اســتعادته
لتج ــارب وانفع ــاالت الماض ــي مرتك ــزًا في ذل ــك على ق ــدرة وجاهزي ــة ذاكرت ــه االنفعالي ــة وك ــذلك من
خالل عمل ــه على توظي ــف حواس ــه يك ــون بإمكان ــه اإلتي ــان ب ــأداٍء تم ــثيلي تلق ــائي وص ــادق وذل ــك ع ــبر
ترجمتــه لمجمــل انفعاالتــه الداخليــة إلى أفعــال مادي ــة أو محسوس ــة(أدائــه الجســدي والصــوتي) فــوق
خشبة المسرح .
وحالما يقف الممثل على إجابات دقيقة ومنطقية ألسئلته العديدة التي يوجههـا لذاتـه حـول أهـداف
الشخصـية الـتي يؤديهـا أو الكيفيـة الـتي تتحـدث أو تتحـرك أو تفكـر أو تغضـب أو تفـرح فيهـا ،وكـذلك
حول السبل الناجعة الــتي يتمكن الممثــل نفسـه بوسـاطتها من التعبــير عن الشخصــية في نطــاق حياتهــا
الباطني ــة أو الداخلي ــة،ف ــأن النت ــائج النهائي ــة المتمخض ــة عن تس ــاؤالت الممث ــل ح ــول طبيع ــة وأس ــباب
الدوافع التي تقـف وراء أداء الشخصــية في الجـانبين الجسـدي والصــوتي والــتي ترتبــط ارتباطـًا وثيقـًا
بالحياة تعطي صـورة حيـة وجليـة عن الشخصـية في نطقهـا وحركتهـا وإ يماءاتهـا أو إشـاراتها (أدائهـا
حركي ـًا وصــوتيًا)،الســيما وان مجمــل الــدالالت النفســية الــتي تحققهــا الشخصــية المســرحية عــبر أداء
)2(1اسعد عبد الرزاق ،سامي عبد الحميد :المصدر نفسه .ص . 88
50 الفصل الثاني
ثانيًا -:فيسفولد مايرخولد ( ) 1940- 1874
يع ـ ــد(فيسـفولـ ـ ــد مايرخولـ ـ ــد) أح ـ ــد أب ـ ــرز المس ـ ــرحيين ال ـ ــذين تتلم ـ ــذوا على ي ـ ــد (قس ـ ــطنطين
ستانسالفسـ ــكي)إال إن (مايرخولـ ــد)سـ ــعى وبإصـ ــرار إلى الوقـ ــوف بوجـ ــه كـ ــل أطروحـ ــات المسـ ــرح
الطبيعي القائم وقتذاك ،السيما الواقعية التي انتهجهـا(ستانسالفسـكي)في إطـار بحوثـه وتجاربـه الـتي
ك ــان يجريه ــا في مخت ــبر((مس ــرح الفن بموس ــكو)) وال ــتي ن ــادى من خالله ــا إلى نق ــل الحي ــاة بش ــكل
فوتــوغرافي دقيــق وصــادق من خالل العــرض المســرحي فــوق خشــبة المســرح.إال إن خلــق اإليهــام
وعرض الحياة بكل تفاصيلها ودقائقها فـوق خشبـة المسـرح لم يـرق لـ(مايرخولـد)كونـه يـرى في ذلـك
مــدعاة إلجهــاض قــدرات المتلقي التخيليــة والتفاعليــة ،فــالفنون عمومـًا-بنظــر(مايرخولــد)-تهــدف إلى
استثارة وتحفيز مخيلة المتلقي وليس إغفالهــا وانتهاكهــا بتقـديم كــل األشــياء بجاهزيتهــا لهــا ممــا يــؤدي
إلى تحييــد خيــال المتلقي والقــذف بــه خــارج دائــرة التفاعــل الجــدلي مــع مجريــات العــرض المســرحي
فوق خشبة المسرح .هكـذا واجـه(مايرخولـد) األسـاليب الواقعيـة في المسـرح بشـكل عـام وفي األداء
التمثيلي كعنصر من عناصره الهامة بشكل خاص،إذ كـان هـدف (مايرخولـد)الـرئيس هـو البحث عن
مسرح برؤى جديدة مغايرة يتجلى كبديل عن ما هو قائم ((،انه المسـرح الـذي يهـيئ للمتفـرج المنـاخ
المناسب إلطالق قدراته التخيليـة.وهـو أيضـا مسـرح األسـلوب(الصـياغة) المسـرح المحاكـاة وإ عـادة
اكتشـ ـ ــاف لواقـ ـ ــع داخلي ـ ـ ـًا كـ ـ ــان أو خارجي ـ ـ ـًا))" ."1وانطالق ـ ـ ـًا من هـ ـ ــذا التعـ ـ ــارض والخالف الناشـ ـ ــب
بين(مايرخولــد)ومســرح الفن بموســكو ،فقــد شــرع(مايرخولــد)بإقامــة مســرحه(البــديل)الــذي دعــا من
خالل ــه إلى نفي أي ــة ص ــيغة من ص ــيغ اإليه ــام في إط ــار الع ــرض المس ــرحي.كم ــا دع ــا إلى ش ــرطيته
الخاص ـ ـ ـ ــة والمقص ـ ـ ـ ــودة ال ـ ـ ـ ــتي تت ـ ـ ـ ــوافر على مرتك ـ ـ ـ ــزات فكري ـ ـ ـ ــة وجمالي ـ ـ ـ ــة ترتب ـ ـ ـ ــط بالمس ـ ـ ـ ــرح
اإلغ ــريقي،فمجــاهرة(مايرخول ــد)بالشــرطية وال ــدعوة إليه ــا قص ــد منه ــا االنعت ــاق عن حق ــائق المســرح
المعاصــر واالرتكــان إلى الجــذور األولى األصــيلة .فشــرطية(مايرخولــد)نهجـًا فنيـًا وأســلوبا إخراجيــا
متميزًا يتجلى في العرض المسرحي الشرطي في مجالين هما :
- 1المجال اللفظي -:
ففي إطار هذا المجال الشرطي يتم تخليص الممثل في أدائه الصوتي من كل أساليب اإللقاء
التي اعتمدت في األداء التمثيلي الطبيعي الذي كان يهدف من رسائله التي يبثها إلى المتلقي–
الجمهور -الوصول إلى مرحلة التراجيديا بواسطة الحركات والتحركات العنيفة والعويل والبكاء
والصراخ،في حين يرتكن الممثل في مسرح(مايرخولد)الجديد إلى أداء تمثيلي يعتمد وسائل
) 1(1سعد أردش:المخرج في المسرح المعاصر(الكويت :المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب ،سلسلة علم المعرفة 1979
ص 229
51 الفصل الثاني
وطرق أكثر هدوءا وسكونًا في التعبير بوساطة قناتي الجسد والصوت عن أألشياء واألفكار فوق
خشبة المسرح،وذلك في محاولته للوصول إلى قمة التراجيديا وبمنأى عن األسلوب القديم أو
أسلوب األداء التمثيلي الطبيعي الذي اعتمد(ستانسالفسكي) الدعوة إليه في نطاق منهجه أو
طريقته.
وفاعًال إلى الحد الذي يطالب فيه باستنطاق الجسد في فضاء العرض المسرحي،فعبر البالستيكية
تنفتح أفاق واسعة للخلق واإلبداع بين الممثل والمتلقي في إطار المسرح الشرطي،فحركات الممثل
وإ شاراته أو إيماءاته هي مفردات لغة الجسد الدالة التي تكسب فضاء العرض المسرحي بعدًا دالليًا
واسعًا ،لهذا كان المجال البالستيكي(الحركي) وسيلة مهمة من وسائل التعبير البصرية التي تعتمد
لغة الجسد بمجمل مفرداتها قناة رئيسة لها.
فالبالستيكية هي((وسيلة تعبيرية ضرورية وهي القدرة النحتية الجسدية واألداة التي يعبر من
خاللها الممثل بجسده عن مضمون العمل الدرامي))". "2
ولعل ابـرز جماليات المسرح الشرطي هو مبدأ اإلنشائية أو البنائية - -constructivist
ففي هذا األسلوب –اإلنشائي أو البنائي– يتم تجميع عناصر ومفردات هندسية بنائية ال عالقة لها
بالحياة ،إنها في حقيقة األمر ألتمت بصلٍة للمناظر المرسومة بشكل فوتوغرافي والتي استخدمت
في اغلب العروض المسرحية الطبيعية أو الواقعية،فالمنظر اإلنشائي أو البنائي عند
(مايرخولد)يعطي لحركة الممثل وتحركاته أو إيماءاته داللتها من خالل إبعاد خشبة المسرح
وكذلك من خالل الصيغة التي تنصب وفقها المفردات المنظرية،فالمنظر البنائي عند(مايرخولد)
هو((بناء هيكلي..تكتل من الدرجات،والمنصات،والمعابر..متجردة إلى إشكالها األساسية
)1(1أدوين ديور :المصدر السابق .ص477
)2(2د .عبد الكريم عبود :المصدر السابق .ص . 128
52 الفصل الثاني
والبنيوية،متماسكة بسقاالت..إن التصميم الذي يستهلك في نسج هذه األشياء العارية البنيوية في كل
واحد– نظريًا– له هدف واحد :إبراز وتوضيح الحركة بوصفها عنصرًا مسرحيًا موحيًا كاشفًا
))" ."1فالمكان المسرحي على هذه الشاكلة ينتفي عنه كل ما يشير إلى الواقعية بشيء ،أي إن كل
ما تنطوي عليه خشبة المسرح ال يخضع وبأي حال من األحوال إلى أي استعمال يؤكد الطريقة
الواقعية وهو كذلك ليس عنصرًا بنائيًا يسهم في إنشاء حقيقة مكانية.إذ إن كل ما تتوافر عليه خشبة
المسرح من مفردات في نطاق البناء أو اإلنشاء الهندسي المعقد هو بالضرورة يعد مادة للفعل تقع
تحت طائلة الممثل الحي الذي يتوجب عليه إن يتعامل مع أية مفردة من المفردات المقصودة
بحركة معينة يخلق بمعية هذه المفردة فعًال يعبر عن معنى.فلو أخذنا –على سبيل المثال– منضدة
أو مقعدًا،فالمنضدة التستخدم على أساس واقعي فتؤدي وظيفتها الحياتية أال وهي القراءة أو أية
استخداماٍت أخرى،وال يستخدم الكرسي وفق وظيفته الحياتية وهو الجلوس،وإ نما هي مفردات
تتشكل في المكان المسرحي وفق صيغة إنشائية مدروسة يعمد الممثل إلى التعامل معها بحركات
مبتكرة كحركات السيرك والجمباز والرقصات المختلفة ليضفي عبر حركاته تلك مع هذه المفردات
وعليها دالالت متعددة وجديدة تعبر عن معنى الحياة الداخلية للشخصية بوساطة التعبير
البالستيكي.وإ ذا ما كانت انطالقة(ستانسالفسكي)في طريقته الواقعية النفسية التي امتدت لترتبط
بالبيئة والمجتمع،قد جاءت من دراسة األفعال الخارجية للشخصية على أنها أفعال انعكاسية لما هو
أساسا فعل داخلي ،فأن مايرخولد كان قد عمل على خالف أستاذه(ستانسالفسكي)حيث شرع في
مدرسته الجديدة إلى دراسة الدور وفقًا لطبيعة الحركة البالستيكية المبتكرة في الزمان والمكان
المناسبين والمعينين على أساس من الدارسة العلمية الدقيقة.
لذلك ارتكن(مايرخولد)إلى(علم حركة الجسم)أو(البيوميكانيكا) في اشتغاله على تأسيس
تدريبات الممثلين في مسرحه الجديد،و((البيو– ميكانيك ( )Bio - mechanicsوهو مشتق
بالتأكيد من ابحاث( أيـفـان بافلـوف )1849 - 1936()Ivan Pavlovعن االنعكاسات
الشرطية.وقد محا مشاعر الممثل وطالب بالجسديات.لقد حول التمثيل بتحد()...إلى الخارج
باستبدال الدقائق السيكولوجية أو االنفعالية بمهارات الرياضة البدنية التي كان هدفها ..جعل
الجمهور يشعر))" ."2والبيوميكانيكا تعني((عملية اختزال الجهد في األداء،أي إن نقوم بحركة
معلومة ودقيقة وبجهد قليل ،وبذلك يمتلك الممثل مرونة جسدية قادرة على إن تخلق لديه التحفز
االنعكاسي ورد الفعل الجسدي المتحفز السريع))" ".ولكون الممثل الحي عند(مايرخولد) مصدرًا
3
)3(1كريستوفراينز:المسرح الطليعي (من 1892حتى ، )1992ترجمة:سامح فكري(القاهرة :مهرجان القاهرة الدولي للمسرح
التجريبي )) ،ص 114
) 1(2جاك دريدا((:مسرح القسوة وحدود التمثيل)) الكتابة واالختالف،ترجمة :كاظم جهاد:الدار البيضاء:دار نويقال للنشر ،ط1
1988ص 79
56 الفصل الثاني
1
األشـياء عاليهـا سـافلها ،يربكهـا ،لكن قبـل كـل شـيء في الفضـاء))" "بمعـنى إن تتحـول لغـة المسـرح
الجديـ ـ ــدة إلى لغـ ـ ــة الفضـ ـ ــاء المسـ ـ ــرحي المرئيـ ـ ــة والبصـ ـ ــرية ،فيصـ ـ ــبح هـ ـ ــذا الفضـ ـ ــاء ناطق ـ ـ ـًا بلغـ ـ ــة
هيروغليفي ــة((الكلم ــة س ــتتحول إلى حرك ــات من جدي ــد،ويع ــني ه ــذا أن األم ــر اليتعل ــق ببن ــاء مس ــرح
صــامت،بــل ببنــاء مســرح لم يســكت ضــجيجه بعــد من شــكل الكلمــة ،الن النص جثــة الكلمــة المعنويــة
والبد من العودة إلى الكلمة السابقة للكلمات ولغة الحيـاة نفسـها البـد من العـودة إلى ذلـك الـوقت الـذي
كــان منطلــق العــرض اليفصــل بين الكلمــة والحركــة))" ."2من هنــا جــاءت رؤيــة(آرتــو) للغــة الفضــاء
الجديدة التي عدها لغـة المسـرح الجديـد الـذي يجب إن ينهض على أنقـاض المسـرح الغـربي وتكوينـه
الم ــادي .فخط ــاب األداء التم ــثيلي كعنص ــر بن ــائي مهم في لغ ــة المس ــرح الجدي ــدة لم ــا لجس ــد الممث ــل
وصوته من قدرة إشارية أو عالماتية فاعلة في التعبير عن مجمل المواقف والمشـاعر واألفكـار،فمـا
يستنطق الفضاء المسرحي هو أداء الممثل الحي على المستويين الحركي والصوتي .
فالفضــاء المســرحي بنيــة ماديــة تتشــكل من العالمــات الســمعية والبصــرية المتعــددة والمتنوعــة
الـتي تتجلى باألصـوات والصـرخات،والحركـات واإليمـاءات أو اإلشـارات والهارمونيـات الموسـيقية
والضوئية التي تدفع بهذا الفضاء المتحرك إلى إن ينطق بلغة سمعية وبصــرية دالــة تحيلــه إلى مكــان
مــادي ينطــق بلغــة حســية ملموســة.فيكــون بإمكــان الفضــاء المســرحي من أن يســتثمر قــدرات الممثــل
الجسدية منها والتعبيرية والسـيما القـدرة التعبيريـة الفائقـة للحركـة الـتي تتجلى في الـدور الـذي تتخـذه
الكلم ــات كوس ــائل تعبيري ــة مادي ــة ملموس ــة م ــؤثرة في الفض ــاء المس ــرحي المتح ــرك .فمن خالل م ــا
تنط ــوي علي ــه الحرك ــة من ق ــدرة دينامي ــة على ترجم ــة دالالت األفع ــال المتع ــددة والمتنوع ــة س ــيكون
بإمكـ ــان الفضـ ــاء المسـ ــرحي أن يوصـ ــل هـ ــذه الـ ــدالالت مرتكن ـ ـًا في ذلـ ــك إلى اإلمكانيـ ــات التعبيريـ ــة
والتصويرية للحركة في إكساب لغة الفضاء المسـرحي طابعـًا صــوريًا مرئيـًا يفصــح بالضــرورة عن
طبيعة العالقات اإلنسانية المعقدة وحقيقتها((إن ما يمكن للمسـرح إن ينتزعـه من الكلمـة هـو إمكاناتـه
لتج ـ ــاوز الكلم ـ ــات،والتط ـ ــور في الفض ـ ــاء ،والت ـ ــأثير االه ـ ــتزازي المتفك ـ ــك ذو الوق ـ ــع الخ ـ ــاص في
اإلحساس.هذه هي لحظة النبرات،واللفظ الذي تتخذه الكلمة))". "3
فتتداخل اللغتان اللفظية وغير اللفظية في عروض مسرح القسوة،إال إن(ارتو)يدعو إلى اختزال
دقيــق((للتواصــل اللغــوي في مجــرد عمليــة التعــزيم incantationيعــني عملي ـًا اســتبدال الكالم بلغــة
ملموسة تتوجـه إلى الحـواس،أو بكلمــات أخـرى لغــة إشـارة))" "4أي لغــة ملموسـة تعتمــد الهارمونيــات
)1(1نقًال عن رسالة ماجستير د .عبد الكريم عبود .المصدر السابق .ص 139
)2(2اريك بنتلي :المصدر السابق .ص56
59 الفصل الثاني
فخطاب األداء التمثيلي الذي يتميز بكونه عنصرًا داًال وفاعــل في بــنى عــروض مسـرح القسـوة
والذي رفعت رسالة األلفاظ واألصوات والحركات واإليماءات أو اإلشارات فيه والتي يبثهـا الممثـل
في نطــاق هــذا الخطــاب الــدال إلى درجــة العالمــات،فهــو يحقــق تعبــيرًا دقيق ـًا عن مضــمون المواقــف
واألفكار والعواطف بلغة األحالم ذات الطابع الميتافيزيقي والتي ال تعتمـد العناصـر اللفظيـة وحسـب
في آليــة التعبــير هــذه،بــل تعتمــد عناصــر بصــرية دالــة تشــكل مفــردات لغــة هيروغليفيــة أساســية مهمــة
كـ ـ ـ ــذلك.لـ ـ ـ ــذا فقـ ـ ـ ــد جـ ـ ـ ــاء تـ ـ ـ ــرجيح(ارتـ ـ ـ ــو)لكفـ ـ ـ ــة اسـ ـ ـ ــتخدام الرمـ ـ ـ ــوز الهيروغليفيـ ـ ـ ــة على الرمـ ـ ـ ــوز
الســمعية(الكلمــات)المتمــيزة بقــدرتها التجريديــة في التعبــير عن منطلــق رفضــه القــاطع لهيمنــة النص
األدبي واس ــتبداده،من هن ــا انبثقت أهمي ــة الحرك ــة في ق ــدرتها التعبيري ــة الفائق ــة على تحوي ــل الكلم ــات
السمعية الطابع إلى لغة هيروغليفية ملموسة في الفضاء المسرحي،فتتعالق على هذا األساس مجمــل
العالمات أو العناصر السمعية بالعناصر البصرية والتصويرية والتشكيلية المتعددة والمتنوعــة ،لــذا
اعتمدت هذه اللغة الملموسة في التعبير على أسلوب الحلم الـذي ((يعتـبرأمرًا أساسـيًا في درامـا ارتـو
فق ــد مكن ــه ه ــذا األس ــلوب من اس ــتخدام الح ــوار في إط ــار مس ــرحي بحت بعي ــدًا عن تقني ــات األس ــلوب
األدبي ومكنه كذلك من إن يبرز استخدامه للرموز الهيروغليفية وسيلة لنقل أفكار معينة عن طريــق
االتصال البصري ،فهذه هي الطريقة التي تنتقل بها األفكار والمعلومات في األحالم))"."1بهــذا نجــد
إن الحرك ــات واإليم ــاءات أو اإلش ــارات وهي العناص ــر األساس ــية للغ ــة الحلم في مس ــرح القس ــوة ال
تعمل إال على أساس من دراسة علمية دقيقة ومنضبطة ،فيكون الحلم على هذا النحو قانونًا صارمًا
ينأى بهذه العناصر عن االضطراب واالنفالت .
ومن خالل خط ــاب األداء التم ــثيلي ال ــذي يع ــد العنص ــر ال ــرئيس المتع ــالق في محي ــط الفض ــاء
المســرحي بشــتى العناصــر الفنيــة المكونــة والعاملــة في بنيــة خطــاب العــرض المســرحي–الموســيقى
الصاخبة المتأتية من آالت موسـيقية وإ يقاعيـة وعناصـر مشـهديه تصـويرية ومرئيـة-يمكن االشـتغال
على توظي ـ ــف عالم ـ ــات األداء التم ـ ــثيلي الس ـ ــمعية والبص ـ ــرية-األص ـ ــوات الملفوظ ـ ــات والحرك ـ ــات
واإليمــاءات أو اإلشــارات -لتحقيــق قــدرة دالليــة تمكن هــذه العالمــات أو اإلشــارات من إن تتمفصــل
في إطار بنية خطاب العرض المسـرحي لتأسـيس لغـة مسـرحية ملموسـة خالصـة في فضـاء العـرض
المسرحي.
فاألصـوات أو األلفـاظ أو الحركـات والتحركـات الـتي يبثهـا الممثـل والمعـبرة عن حـاالت نفسـية
وروحيــة دالــة مرتبطــة بــالمعنى الجمــالي الكــامن في الــوعي الجمعي لفكــرة معينــة أو إحســاس بعينــه
،فقـ ــد حفـ ــرت هـ ــذه التعـ ــابير على أقنعـ ــة تأخـ ــذ من السـ ــحر والخرافـ ــة تسـ ــمية لهـ ــا((إن تعـ ــابير الوجـ ــه
.ص141 )1(1نقًال عن رسالة ماجستير .د .عبد الكريم عبود عودة :المصدر السابق
60 الفصل الثاني
الالمحدودة السجينة في أشكال األقنعة يمكن تصنيفها ووضع العنــاوين لهــا بحيث تســتطيع المشــاركة
بصـ ــورة رمزيـ ــة،ومباشـ ــرة ونهائيـ ــة لهـ ــذه اللغـ ــة المحسوسـ ــة على خشـ ــبة المسـ ــرح باسـ ــتقاللها عن
االستعمال السايكولوجي الخاص))"."1
ومن هنا تأتي أهمية الخطـاب التمـثيلي بلغتـه الجديـدة في العـرض المسـرحي الجديـد ذي الطـابع
الطقسي والبدائي الذي بشر به(آرتو)وكافح من اجله،فإذا ما كان العرض المســرحي بهويتــه الجديــدة
عالمــة دالــة فــان العواطــف والمشــاعر تتخــذ من المــدلول أو المعــنى المــادي الــذي تنتجــه نــاقًال رمزيـًا
داًال بين طرفي مجرى االتصال وهو ما يمثــل((المرســل والمتلقي))((المســتقبل الجمعي)) في محيــط
فضــاء العــرض المســرحي المنبــني على أســاس المشــاركة بين هــذين الطــرفين ،فالمكــان أو الفضــاء
المشــترك الــذي دعــا إليــه(ارتــو)يتطلب معمــارًا مســرحيًا جديــدًا متكــامًال معــدًا إعــدادًا دقيق ـًا الحتــواء
الممارســة االحتفاليــة الطقوســية لتحقيــق التواصــل القــائم على االنــدماج والتفاعــل بين خشــبة العــرض
المس ـ ـ ـ ــرحي وص ـ ـ ـ ــالة المش ـ ـ ـ ــاهدة وعلى قاع ـ ـ ـ ــدة ه ـ ـ ـ ــذا االن ـ ـ ـ ــدماج والتع ـ ـ ـ ــالق بين الممث ـ ـ ـ ــل والمتلقي
يسعى(آرتو)لتحقيق فكرة العرض الجديد الذي دعا إليه .
رابعًا -:برتولد بريخت ( . ) 1956 - 1898
إن أهم ما يميز طروحات (بريخت) الجمالية هو تأكيدها على بعث الروح في عالقة وطيدة
بين العرض المسرحي والجمهور،عالقة جديدة تغــاير مــا دأب عليــه جمــاليو المسـرح في طروحـاتهم
ال ــتي أق ــامت الص ــلة في مس ــالة المش ــاركة في الع ــرض المس ــرحي على أس ــاس من ارتباطه ــا بج ــذور
دينية طقسية احتفالية تتعلق بالعرض المسرحي.حيث يرى (بريخت) إن العالقة المباشرة التي تقــوم
بين العرض المسـرحي والجمهـور تعتمـد على حـظ الجمهـور من خالل مـايطرح من مواقـف وأفكـار
فــوق خشــبة المســرح باتجــاه التأمــل والنقــد ،فمــا يــراه هــذا الجمهــور من إحــداث مرويــة فــوق خشــبة
المسرح تجعله عنصرًا فاعًال ومتفاعًال فيتمكن من إن يصدر أحكاما أو يبدي آراء حول ما يقدم لــه،
وهذا ما يؤكد مسالة المشاركة في العرض المسرحي(.فبريخت) ومن خالل بحثه عن وسائل جديدة
تعمــل على دفــع الجمهــور كي يتبــنى األفكــار والمواقــف المعروضـة وكــذلك ســعيه–بــريخت– الحــثيث
لترسيخ فكرة التأثير بالمتلقي ذهنيًا والنأي به عن فضاء الخيـال وإ يهامـه بـأن مـا يعـرض فـوق خشـبة
المسرح هو الواقع بعينه،فقد اعتمد(بريخت) تطوير مسالة التفاعل المباشر في العالقــة بين العــرض
المسرحي والجمهور كونه يـرى((إن الممارسـة المسـرحية المعاصـرة قـد أجهضـت العالقـة المباشـرة
) 1(1سوزان بينيت:جمهور المسرح(نحو نظرية في اإلنتاج والتلقي المسرحيين)ترجمة:سامح فكري((القاهرة:أكاديميˆˆة الفنˆˆون ،
مطابع المجلس األعلى لآلثار)) ص . 46
)1(2سوزان بينيت :المصدرالسابق :ص . 46
) 2(3برتولد بريخت :نظرية المسرح الملحمي،ترجمة :د .جميل نصيف التكريتي (بغداد :دار الحرية للطباعة ،مطبعة الجمهورية
،ب ت) .ص.161
)3(4نقًال عن رسالة ماجستير د.عبد الكريم عبود عودة المبارك .المصدر السابق .ص153
62 الفصل الثاني
وإ ذا مــا كــانت الــدراما المســرحية(األرســطية) ذات طــابع شــعوري إيهــامي تــدفع الجمهــور نحــو
االنــدماج مــع الشخصــية الرئيســية أو مــع مــا يعــرض فــوق خشــبة المســرح بغيــة الوصــول إلى الهــدف
الهام إال وهو التطهير(الكاثارســيس)Catharsis،عن طريــق الخــوف والشــفقة((والتطهــير يتم بفضــل
الفعل النفسي المتميز والمتمثل باندماج المشاهد مع مصير ومعاناة الشخصيات المجسدة على خشبة
المسرح من قبل الممثلين))"."1فأن(بريخت)الـذي يقـف على النقيض من ذلـك المسـرح الـدرامي الـذي
يس ــميه(ب ــريخت)نفس ــه بـ(المس ــرح االرسطوطاليس ــي)،إذ ي ــرى(ب ــريخت)إن االوان ق ــد آن لكي يق ــوم
المســرح بــدوره الحقيقي في التعليم واإلمتــاع والتغيــير والتهــذيب وبث الحيويــة في ذهن المتفــرج كي
يمكن ــه من إن يك ــون مش ــاركًا ف ــاعًال وناق ــدًا محاي ــدا ً من خالل انفص ــاله عن ال ــوهم المع ــروض ف ــوق
خشـ ــبة المسـ ــرح ليتمخض مسـ ــرحًا عقلي ـ ـًا أو ذهني ـ ـًا يقـ ــف إلى الجـ ــانب اآلخـ ــر من المسـ ــرح الـ ــدرامي
الشــعوري اإليهــامي ،حيث يعتمــد المســرح(الالأرســطي)الملحمي على التغــريب بــديًال عن االنــدماج
ال ــذي يعتم ــده((المس ــرح االرس ــطو طاليس ــي))ليحق ــق المس ــرح الملحمي الوص ــول إلى مفه ــوم كس ــر
اإليهــام((ومــع ذلــك فــأن كســر اإليهــام ليس غايــة في حــد ذاتــه ،فــالتغريب لــه جانبــه االيجــابي،ذلــك انــه
يــدحض انــدماج المتفــرج مــع الشخصــيات المســرحية ويخلــق مســافة بينهمــا بحيث يصــبح في إمكانــه
النظــر إليهــا بــروح محايــدة وناقــدة،وهكــذا يــرى األشــياء والمواقــف العاديــة في ضــوء جديــد من خالل
الدهشـ ـ ــة واالسـ ـ ــتغراب ينبثـ ـ ــق فهم جديـ ـ ــد للموقـ ـ ــف اإلنسـ ـ ــاني(فـ ـ ــالطبيعي ال بـ ـ ــد إن يتحـ ـ ــول ليبـ ـ ــدو
مدهشًا) ))"."2
لــذا ومن خالل مفهــوم كســر اإليهــام الــذي تمخض عن التغيــير الــذي أحدثــه التغــريب في زاويــة
النظر إلى العالقة المتواصلة القائمة على التفاعل المتبادل بين الجمهور والعــرض المسـرحي ،حيث
ارتك ــز المنظ ــور الجدي ــد له ــذه العالق ــة التواص ــلية المركزي ــة على تق ــاطع اآلث ــار التغريبي ــة ورفض ــها
ألسـلوب االنـدماج أو التقمص للشخصـية سـواء كـان هـذا التقمص مبعثـه الممثـل فـوق خشـبة المسـرح
أو المتف ــرج في ص ــالة المش ــاهدة،يمكن إدراك األث ــر الفاع ــل للتغ ــريب بوس ــائله المتع ــددة والمتنوع ــة
س ـ ـ ــواء على ص ـ ـ ــعيدي النص والع ـ ـ ــرض المس ـ ـ ــرحيين أو على ص ـ ـ ــعيد اس ـ ـ ــتراتيجيات التلقي ل ـ ـ ــدى
الجمهــور،حيث أصــبح اســتقبال المتفــرج لخطــاب العــرض المســرحي كــادراك جمــالي تحليلي ونقــدي
للواق ـ ــع عملي ـ ــة تلقي ذات ط ـ ــابع عقلي أو ذه ـ ــني مح ـ ــظ.إال إن ه ـ ــذه العالق ـ ــة التفاعلي ـ ــة المتبادل ـ ــة بين
الجمهور والعرض المسـرحي في إطــار المنظـور الجديـد ال تنبـني على أسـاس القطـع الكامـل لمجمـل
سبل التفاعل والتعالق العاطفـي والشعوري بين طرفي مجرى االتصال ،بل البد من توافر نسب من