You are on page 1of 73

‫‪1‬‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الفصل الثاني‬

‫اإلطار النظري‬

‫أ‪ :‬المبحث األول ‪ -:‬مفهوم العالمة في اللغة واألدب والفن‬

‫جاءت االنطالقة التأسيسية لعلم العالمات العام–السيميولوجيا‪ –semiology ،‬كمنهج نقدي‬


‫علمي حديث عبر منبعين مهمين ومتزامنين تقريبًا‪ .‬فقد إنبثق أولهما عبر طروحات عالم اللسانيات‬
‫السويسري((فرديناند دي سوسير(‪،)1913-1857‬الذي هو األصل في تسمية العلم‬
‫بـ(السيميولوجيا) والفيلسوف األمريكي تشارلز ساندرز بيرس(‪ ، )1914-1839‬والذي هو‬
‫األصل في تسمية العلم بـ(السيميوطيقيا)))"‪."1‬وكال المصطلحين سيميولوجيا‪، semiology،‬‬
‫وسيميوطيقيا ‪ semiotics‬يستخدمان على نطاق واسع ‪ ،‬حيث يستخدم المصطلح األول أغلب‬
‫الناطقين بالفرنسية ‪،‬أما الثاني فيستخدمه الناطقين باالنكليزية‪.‬‬
‫ويرسم(سوسير) مالمح السيميولوجيا في كتاب(دروس في علم اللغة العام) والذي ُيعد تجميعًا‬
‫لسلسلة محاضراته التي((ألقاها على طلبته في جامعة جنيف للفترة من ‪1906‬حتى‪ ،1911‬وُنشر‬
‫بعد وفاته في عام ‪،"2"))1915‬اذ يعود الفضل في هذا التجميع إلى الجهود التي بذلها زمياله(شارل‬
‫بالي) و(ألبرت زيشيهاي)‪ .‬حيث يقول(سوسير) فيه‪((:‬يمكننا أن نتصور علمًا موضوعه دراسة‬
‫حياة اإلشارات في المجتمع ‪ ،‬مثل هذا العلم يكون جزءًا من علم النفس االجتماعي وهو بدوره جزء‬
‫( ‪()Semiology‬وهي لفظة مشتقة من‬ ‫من علم النفس العام ‪ ،‬وسأطلق عليه علم اإلشارات‬
‫الكلمة اإلغريقية ‪= semeion‬اإلشارة) ويوضح علم اإلشارات ماهية مقومات اإلشــارات‪،‬وماهية‬
‫القواعد التي تتحكم فيها‪،‬ولما كان هذا العلم لم يظهر إلى الوجود إلى حد اآلن‪،‬ولم يمكن التكهن‬
‫بطبيعته وماهيته‪،‬ولكن له حق الظهور إلى الوجود‪،‬فعلم اللغة هو جزء من علم اإلشارات‬
‫العام‪،‬والقواعد التي يكتشفها هذا العلم يمكـن تطبيقها على علم اللغة‪،‬ويحتل العلم األخير مكانة‬
‫محددة بين كتلة الحقائق االنثروبولوجية))" " واستنادًا إلى رؤيته للظاهرة اللغوية على أنها دائمًا‬
‫‪3‬‬

‫تنطوي على طرفين أو جانبين متالزمين يكتسبان أهميتهما باعتماد كل منهما على اآلخر‪ ،‬فقد‬
‫‪)1(1‬عواد علي‪،‬وعبد الله إبراهيم‪،‬وسعيد الغانمي‪:‬معرفة اآلخر(مدخل إلى المناهج النقدية الحديثة)‪(،‬بيروت‪،‬المركز الثقافي‬
‫العربي)‪،‬الطبعة األولى ‪ ،1990،‬ص ‪.73‬‬
‫‪)2(2‬ترنس هوكز‪:‬البنيوية وعلم اإلشارة‪،‬ترجمة‪:‬مجيد الماشطة(بغداد‪:‬دار الشؤون الثقافية العامة‪،‬الطبعة األولى)‪ ،1986‬ص‪.17‬‬
‫) ‪ ، 1988 ،‬ص ‪.34‬‬ ‫‪ )1(3‬فرديناند دي سوسور‪ :‬علم اللغة العام ‪ ،‬ترجمة ‪ :‬يوئيل يوسف عزيز(‬
‫‪2‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫سعى(سوسير) إلى دراسة اللغة أو اللسان بنيويًا وفق عدة ثنائيات تمييزية متقابلة هامة‪ ،‬وأحدى‬
‫هذه الثنائيات ((تتضمن األبعاد اللغوية التعاقبية ‪(diachronic‬التاريخية)والتزامنية‬
‫‪(Synchronic‬اآلنية) في نفس الوقت))"‪ ."1‬كما فرق(سوسير) بين بعدين مهمين هما اللغة‬
‫‪ Langue‬والكالم ‪ ، parole‬حيث ميز فيهما بين الجانبين االجتماعي والفردي في اللغة واللسان‪.‬‬
‫((فاللغة هي النظام النظري للغة من اللغات أو بنيتها– هي مجموعة القواعد التي ينبغي على‬
‫متكلمي تلك اللغة أن يلتزموا بها إذا أرادوا اإلتصال فيما بينهم ‪،‬أما الكالم فهو االستخدام لذلك‬
‫النظام من قبل المتكلمين األفراد))"‪."2‬وقد أدى تفريق(سوسير) بين اللغة والكالم في اللغة أو اللسان‬
‫إلى((نتيجة مزدوجة‪/‬إنغالق أما أي تدخل للعالم الخارجي‪،‬وتحليل ما هو داخلي على أساس‬
‫نسقي))"‪ ."3‬ولكـون اللغـة لدى(سوسـير) نسـقًا من العالمات التي تعبر عن األفكار فإن العالمة‬
‫اللغوية بنظر(سوسير) هي الوحدة األساسية لبنية النسق اللغوي‪،‬ومن هنا تأتي ثنائية العالمة‬
‫اللغوية والتي يعرفها(سوسير) بأنها((تتكون من وجهين‪:‬دال‪/‬مدلول‪ .‬فالدال هو الصورة الصوتية ‪،‬‬
‫والمدلول هو الصورة المفهومية فالتخاطب يتم عبر الصورة الصوتية‪،‬أي عبر الفونيمات المكونة‬
‫للدال‪ ،‬وبالتالي فالوصول إلى المدلول يتم عبر عناصر الدال وليس العكس))"‪. "4‬‬

‫أي أن دائرة اإلتصال أو التخاطب تبدأ بسلسلة أصوات متتابعة‪ -‬وهي العناصر المكونة للدال‬
‫الذهني‬
‫أذنيه‪ ،‬فتحدث في دماغه‬ ‫التصورعبر‬
‫سمعيًاو‪ ،‬أو‬
‫الصوتية‬ ‫يستقبلهاالصورة‬
‫المتلقي‬ ‫والتي رقم ( )‪1‬‬
‫أو الفونيمات–‪-phonemes‬ترسيمة‬

‫–‬ ‫صورة صوتية –‪ -sound image‬أو سمعية حسية– لها عالقة بالحواس أو الدال‬
‫‪ -signifier‬وتستدعي هذه الصورة الصوتية إلى ذهن المتلقي صورة ذهنية أو فكرة أو مفهومًا –‬
‫‪ – concept‬وهو المدلول– ‪ –signified‬الجانب المفهومي– غير المحسوس‪ ،‬والذي يعد أكثر‬
‫تجريدًا من الصورة الصوتية – في ثنائية العالمة اللغوية – ‪ –Linguistic sign‬ومن هذا‬

‫‪)2(1‬ينظر‪:‬ألين أستون وجورج سافونا‪:‬المسرح والعالمات‪،‬ترجمة‪:‬سباعي السيد (القاهرة‪:‬وزارة الثقافة ‪ ،‬مطابع المجلس األعلى‬
‫لآلثار) ‪ ،‬ص‪.16‬‬
‫‪)3(2‬جون ستروك ‪ :‬البنيوية وما بعدها(من ليفي شتراوس إلى دريدا) ترجمة‪:‬الدكتور محمد عصفور(الكويت ‪ ،‬عالم المعرفة) ‪،‬‬
‫‪ ،1996‬ص‪.16‬‬
‫‪)4(3‬جورج دورليان‪(:‬بحثًا عن وجهي سوسور)‪،‬مجلة الفكر العربي المعاصر‪(،‬بيروت)‪،‬العدد ‪، 30/31‬صيف ‪ ،1984‬ص‪.124‬‬
‫‪ )5(4‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.124-123‬‬
‫‪3‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫المنطلق يعد(سوسير) طرفي العالمة اللغوية– الدال والمدلول– ((ذوا طبيعة نفسية يتحدان في‬
‫دماغ اإلنسان بآصرة التداعي(اإليحاء) ))"‪ ."1‬وكالهما الطرف المحسوس(الدال) وغير‬
‫المحسوس(المدلول) يبدوان بفعل ترابطهما الذهني هذا وكأنهما وجهي عملة نقدية اليمكن شطرهما‬
‫أو التفريق بينهما بأي حال من األحوال ‪ ،‬إذ اليمكن تصور وجـود عالمة لغوية دون دال أو دون‬
‫مدلول واللذين يعد وجود كل منهما شرط لوجود اآلخر‪ ،‬السيما وأن عملية إنتاج المعنى أو الداللة‬
‫تتأتى بفعل العالقة البنيوية أو الداللية بين مكوني أو طرفي العالمة اللغوية – ‪Linguistic sign‬‬
‫– ‪.‬‬
‫ويغلق(سوسير)العالمة اللغوية‪–Linguistic sign-‬على مكونيها–الدال والمدلول‪ -‬ليقطع‬
‫صلتها عن كل مايخرج عن نطاق تكوينها الداخلي ‪ ،‬ويحصر(سوسير) عملية إنتاج الداللة في‬
‫إطار العمليات النفسية ويصير العالمة اللغوية وحدة سايكولوجية – نفسية‪ -‬منغلقة على نفسها وال‬
‫تشير أو تحيل إلى مرجع أو مشار إليه– ‪ – referent‬في الواقع المادي المحسوس أو عالم‬
‫الموجودات‪.‬لذا يحدد(سوسير) تعريف العالمة اللغوية – ‪ – Linguistic sign‬بالعالقة الداللية‬
‫التي تصل بين مكونيها الحسي والمفهومي(الدال والمدلول)‪(،‬فسوسير)يقول‪((:‬اإلشارة اللغوية‬
‫تربط بين الفكرة والصورة الصوتية‪،‬ليس بين الشيء والتسمية))"‪ ."2‬وهذا التعريف السوسيري‬
‫للعالمة اللغوية يبدو متطابقًا وبشكل دقيق مع تحديد الرواقيين للعالمة اللغوية‪،‬فالفلسفة‬
‫الرواقية((تحدد اإلشارة ‪ semeion‬بكونها مؤلفة من دال ‪ semanion‬ومدلول‬
‫‪ .semainomenon‬كما أنها تؤكد إن الدال يدرك بالحواس والمدلول يفهم بالذهن أو ((يترجم‬
‫فيه))"‪ ."3‬ويمكن توضيح التعريف السوسيري للعالمة اللغوية كوحدة ثنائية المبنى أو التكوين‪،‬أو‬
‫كيان سايكولوجي– نفسي– مزدوج بالمخطط اآلتي ‪:‬‬

‫ترسيمة رقم ( )‪ 2‬التكوين الثنائي للعالمة اللغوية عند (سوسير)‬


‫‪ )1(1‬فردينان دي سوسير ‪ :‬المصدر السابق ‪ ،‬ص‪.84‬‬
‫‪ )2(2‬فردينان دي سوسير ‪ :‬المصدر نفسه ‪ .‬ص ‪. 85-84‬‬
‫‪)3(3‬بسام بركة‪( :‬إشارة الجذور الفلسفية والنظرية اللسانية) مجلة الفكر العربي المعاصر ‪ ،‬بيروت‪،‬العدد‪ ،30/31‬صيف ‪،1984‬‬
‫ص ‪.47‬‬
‫‪4‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫ويرى(سوسير) في العالقة الداللية التي تقوم بين مكوني العالمة اللغوية– الدال والمدلول–‬
‫وتصل بينهما أنها محظ إعتباط– ‪ –arbitrary‬ويعد(سوسير) االعتباط هو الخاصية الجوهرية‬
‫للعالمة اللغوية ‪ ،‬وتأتي هذه الصفة من واقع انتفاء أي دافع أو صلة طبيعية أو منطقية في العالقة‬
‫التسلسلية التي تقوم بين الدال والمدلول ‪ ،‬بمعنى عدم وجود أية علة أو عالقة ضرورية أو إلزامية‬
‫بين الصورة الصوتية– ‪(–sound image‬زنبقة)– التي تحدثها سلسلة أصوات متتابعة(ز– ن–‬
‫ب– ق– ة) أوالدال– ‪ – signifier‬وما ينم عنه من فكرة أو صورة ذهنية أو مفهوم – ‪–concept‬‬
‫أوالمدلول– ‪ – signifier‬يتصل بالدال ويترجمه أو يعبر عنه ‪ ،‬وبين النبتة الحقيقية(زنبقة)‬
‫المورقة والكائنة في الواقع المادي المحسوس‪.‬‬
‫وعلى أساس من إتحاد مكوني العالمة اللغوية(الدال والمدلول) واللذين يوحي أحدهما باآلخر‪،‬‬
‫تتشكل العالمة اللغوية كوحدة إعتباطية– ‪ –arbitrary unit‬والتي تتصف بهذه الصفة على‬
‫مستوى مكونيها أيضًا((فالدال شيء إعتباطي ألنه ليست هناك من عالقة طبيعية بينه وبين مايدل‬
‫عليه ‪ ،‬بل هناك عالقة يقبلها الناس بحكم التقليد أو العرف‪...‬لكن اللغة تتصف باالعتباطية على‬
‫مستوى المدلول أيضًا ألن كل لغة قومية تقسم بطرق مختلفة كل ما يمكن أن يعبر عنه بكلمات كما‬
‫يتضح لكل من يمارس الترجمة من لغة إلى أخرى))"‪ ."1‬وأنطالقًا من مبدأ االعتباط‬
‫يهرع(سوسير)ليتدارك استخدامه لفظة(العالمة الرمزية) ‪ –-symbol‬التي قصد بها العالمة‬
‫اللغوية‪،‬حيث قال‪((:‬فمن مميزات الرمز إنه ال يكون إعتباطيًا على نحو كلي‪ ،‬فهو ليس فارغًا‪:‬إذ‬
‫هناك جذر رابطة طبيعية بين الدال والمدلول فرمز العدالة –الميزان– ال يمكن أستبداله إعتباطًا‬
‫–‬ ‫بأي رمز آخر– كالعربة مثًال))"‪."2‬أما العالمات اللغويةالموحية أو المحاكية‬
‫‪ –onomatopoeia‬مثل خرير الماء ‪،‬ومواء القطط ‪،‬وعواء الذئاب‪،‬والتي تبدو وكأنها تتالءم أو‬
‫تتناسب مع الطبيعة بفعل نمط العالئق التي تصل بين دوالها ومدلوالتها‪،‬أي محاكاة دوالها‬
‫لمدلوالتها ‪ ،‬فقد عمد(سوسير) إلى استثناء هذه العالمات‪.‬ومثلما يتناول(سوسير) العالمة اللغوية‬
‫السمعية ‪،‬نجده ينظر في العالمة البصرية ويعدها مختلفة عن األولى‪.‬فبينما يمتد الدال البصري –‬
‫‪ -visual signifier‬خطيًا في فضاء مادي محسوس بهيئة مجاميع كتابية أو مرئية وبأبعاد متعددة‬
‫وفي الوقت نفسه ‪ ،‬يختلف الدال السمعي– ‪ –auditory signifier‬عن الدال البصري في((إن‬
‫الدال السمعي له بعد واحد فقط‪ .‬وهو البعد الزمني‪.‬وعناصر الدال السمعي تظهر على التعاقب‪.‬‬
‫فهي تؤلف سلسلة))"‪."3‬‬

‫‪ )1(1‬جون ستروك‪ :‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.18‬‬


‫‪ )2(2‬فرديناند دي سوسور‪ :‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.87‬‬
‫‪ )1(3‬فرديناد دي سوسور ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪.89‬‬
‫‪5‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫وسواء كانت العالمات اللغوية سمعية أو بصرية فأن اللغة بنظر(سوسير) ال تعد نسقًا يتماسك‬
‫بفضل عالمات منفردة أو منعزلة لكي تعبر عن األفكار‪،‬بل اللغة ((نظام من العالمات يكون الشيء‬
‫الوحيد المهم فيه هو اتحاد المعاني والصور الصوتية))"‪ ."1‬ولكون اللغة أو اللسان عند(سوسير)‬
‫نسقًا عالماتيًَا أو إشاريًا داًال ينطوي على بنية عالئقية مكتفية بذاتها تشمل كل طرف من أطرافها‬
‫بل وكل جزء من أجزائها ‪،‬فأن المعنى ال يكمن في سلسلة صوتية– لفظة– مثًال ‪،‬أو في عنصر‬
‫صوتي– فونيم‪ –phoneme ،‬من عناصر هذه السلسلة لذاته ‪،‬بل المعنى ثمرة تفاعل تلك العناصر‬
‫أو الوحدات الصوتية– الفونيمات‪ – phonemes ،‬وفق تمفصالتها أو ارتباطاتها المتعددة‬
‫والمختلفة في نطاق العالقات التي يقرها النظام أو النسق اللغوي((فالوحدة الصوتية لها وظيفة في‬
‫النسق اللغوي أو االشاري‪،‬أي االختالف الصوتي الذي تحدثه في لفظة ما يساعدنا على تمييز تلك‬
‫اللفظة عن معنى‪ -‬أخر‪ .‬فاالختالف أو التضاد‪،‬بالنسبة لسوسور يمفصل األلفاظ ويميزها معنويًا‬
‫عن بعضها البعض))"‪ ."2‬وقد َع ْم د(سوسير) إلى تصنيف العالقات بين العالمات في إطار علم‬
‫العالمات العام– السيميولوجيا ‪ –semiology ،‬وفق بعدين متالزمين هامين((المحور السياقي‬
‫‪ syntagmatic‬والمحور االستبدالي ‪ associative‬أو ‪. paradigmatic‬وتكون العالقة سياقية‬
‫إذا ارتبطت وحدة ما من نظام معين(في مركب أو بنية) مع وحدات أخرى في متتالية‪،‬والشرط‬
‫المطلوب في هذه العالقة هو أن تنتمي الوحدات المختلفة المركبة إلى نفس المستوى السياقي‪،‬فيمكن‬
‫في اللغة أن تكون الوحدات صوتية أو صرفية‪.‬أما العالقة االستبدالية فهي التي تربط بين وحدة‬
‫معينة من وحدات المركب ووحدات أخرى يمكن أن تحل محلها))"‪ ."3‬ففي الخطاب اللغوي تتعالق‬
‫‪ –Linguistic signs-‬أو األلفاظ سياقيا أو تركيبيًا مع عالمات أخرى‬ ‫العالمات اللغوية‬
‫وفق ارتباطات أو تتابعات خطية الطابع‪،‬حيث((تكتسب اللفظة قيمتها ‪ ،‬فقط ألنها تقف في تضاد مع‬
‫كل شيء يسبقها أو يليها ‪ ،‬أو تعارض كليهما))"‪."4‬‬
‫كما إن العالمات اللغوية في البعد السياقي أو األفقي تقيم عالئق عمودية أو تبادلية مع عالمات‬
‫أخرى غائبة تماثلها في الداللة أو االشتقاق تقع خارج مساحة الخطاب‪،‬أو في ذهن أو ذاكرة‬

‫‪)2(1‬جوناثان كلر‪ :‬فرديناند دي سوسير(أصول اللسانيات الحديثة وعلم العالمات) ترجمة‪ :‬دكتور عز الدين إسماعيل‪(،‬القاهرة‪:‬‬
‫المكتبة األكاديمية) ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ، 2000 ،‬ص ‪.86‬‬
‫‪ )3(2‬بيتر بوغاتيريف ‪ ،‬وآخرون‪ :‬سيمياء براغ للمسرح(دراسات سيميائية)‪ ،‬ترجمة وتقديم‪ :‬د‪ .‬أدمير كورية(دمشق‪ ،‬منشورات‬
‫وزارة الثقافة ‪ ، 1977 ،‬ص‪)6‬‬
‫‪ )1(3‬سيزا قاسم ‪ ،‬نصر حامد أبو زيد أنظمة العالمات في اللغة واألدب والثقافة ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص‪.35‬‬
‫‪ )2(4‬بيتر بوغاتيريف ‪ ،‬وآخرون ‪ :‬المصدر السابق ‪ ،‬ص‪. 6‬‬
‫‪6‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫المرسل أو المتكلم وتشكل خزينه اللغوي‪.‬وتترابط العالمات في كال المحورين األفقي والعمودي‬
‫إما((من خالل عالقة المشابهة ‪ similarity‬أو عالقة االختالف ‪."1")dissimilarity‬‬
‫وقد تعرضت نظرية(سوسير) السيميولوجية وفي عدة جوانب منها إلى انتقادات عديدة ‪ ،‬ومنها‬
‫ما جاء من العالم اللساني(أميل بنفنيست)والذي يعد احد مؤيدي نظرية(سوسير) السيميولوجية‪،‬إال‬
‫أنه يجد أن هناك وهنًا جليًا في مسألة االعتباط ويروم تقويته في هذا الجانب الذي‬
‫أغفله(سوسير)‪،‬فهو يرى(بنفنيست) إن((االعتباط يقع بين الدليل(داًال ومدلوًال) والشيء الذي يعينة‪،‬‬
‫وليس بين الدال والمدلول‪،‬خصوصًا وأنهما من طبيعة نفسية(المفهوم والصورة السمعية) يتالزمان‬
‫في أذهان األفراد من خالل روابط متوحدة في ماهيتها وجوهرها‪..‬إن االعتباط يكمن بين اللسان‬
‫والعالم ‪،‬ليست العالقات داخل اللسان باعتباطية و إنما هي ضرورية))"‪."2‬ومثلما ينتقد(بنفنيست)‬
‫إغفال(سوسير) المشار إليه أو ما تحيل إليه العالمة في عالم الموجودات وحصره لتعريفها في‬
‫نطاق العمليات النفسية‪ ،‬ينتقده آخرون على التكوين الثنائي أو البنية المزدوجة للعالمة وانغالقها‬
‫على مكونيها– الدال والمدلول‪ -‬وإ غفال عالقتها بالمشار إليه‪.‬‬
‫المالحظ إن أغلب هذه االنتقادات تشدد على طبيعية أو نمط العالقة التي تصل بين مكوني‬
‫العالمة اللغوية(الدال والمدلول)أو بين العالمة والشيء الذي تحيل أو تشير إليه في عالم‬
‫الموجودات‪ .‬ولذا نجد إن ما يصل بين مكوني العالمة اللغوية–الدال والمدلول– من عالقة هي‬
‫رابطة أساسها العرف أو االصطالح وليس التشابه أو التطابق أو القياس‪.‬والى الجانب اآلخر من‬
‫نظرية(سوسير)السيميولوجية‪،‬نهضت نظرية(بيرس) السيميوطيقية‪،‬والتي وضع لها(بيرس) تسمية‬
‫سيميوطيقيا– ‪ –semiotic‬ليعني بها علم العالمات العام ‪ ،‬حيث يعود أصل هذه التسمية إلى‬
‫اللفظ((‪ semiotike‬اليوناني الذي وضعه جالينوس ليعني به(علم األعراض) في الطب))"‪."3‬‬
‫ويمكن النظر إلى سيميوطيقيا(بيرس)على أنها نظرية واسعة وشاملة ومفتوحة‪،‬ويأتي هذا‬
‫األتساع واالنفتاح من سعة معارف(بيرس) وتعدد تخصصاته‪،‬وكون(بيرس) فيلسوفًا ورياضيًا‬
‫ومنطقيًا فقد طبع نظريته بطابع المنطق وجعله لصيقًا بها ‪،‬وتعد سيميوطيقيا(بيرس) أكثر أتساعًا‬
‫شموًال من سابقتها كونها تتناول العالمة في فاعليتها وقدرتها على االمتداد إلى موضوعات‬
‫ومظاهر أعم وأشمل خارج نطاق علم اللغة الذي أطر به(سوسير)نظريته السيميولوجية‪.‬‬
‫ويرى(بيرس) في السيميوطيقيا علمًا عامًا يشمل مجمل العلوم الطبيعية واإلنسانية ‪ ،‬فهو يقول‬

‫‪ ) 3(1‬س‪ .‬رافريندار‪:‬البنيوية والتفكيك(تطورات النقد األدبي)ترجمة خالدة حامد (بغداد‪ :‬وزارة الثقافة‪ ،‬دار الشؤون الثقافية‬
‫العامة (آفاق عربية) الطبعة األولى (‪.)2002‬‬
‫‪) 4(2‬روالن بارت‪:‬مبادئ علم األدلة‪،‬تعريب محمد البكري(بغداد‪ :‬دار الشؤون الثقافية العامة(آفاق عربية)ط ‪.1986 –2‬ص ‪160.‬‬
‫‪ )1(3‬مارسيلو داسكال ‪ :‬األتجاهات السيميولوجية المعاصرة ‪ ،‬ترجمة ‪ :‬حميد الحمداني وزمالئه (الدار البيضاء‪،‬أفريقيا الشرق) ‪،‬‬
‫‪ ، 1987‬ص‪.4‬‬
‫‪7‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫((ليس باستطاعتي أن أدرس أي شيء في هذا الكون كالرياضيات أو األخالق‪،‬والميتافيزيقيا‬
‫‪،‬والجاذبية األرضية‪،‬والديناميكية الحرارية‪،‬والبصريات‪ ،‬والكيمياء‪..،‬الخ‪...‬إال على أنه نظام‬
‫سيميوطيقي))"‪."1‬‬
‫ولكي يتمكن(بيرس) من تحليل المفاهيم الخاصة بهذا الكم الهائل من العلوم الطبيعية‬
‫واإلنسانية‪،‬فقد عمد إلى إنشاء منظومة تعريفات واسعة ومعقدة نسجها في شبكات عالئقية متعددة‬
‫ومتنوعة ومختلفة للعالمات‪ ،‬وخطوة(بيرس) األولى في عمله التصنيفي كانت الوحدة األساسية‬
‫وهي العالمة‪ ،‬ويعرف(بيرس)العالمة على أنها بنية ثالثية التكوين وتتشكل من((المصورة (‬
‫‪ Representamen‬وتقابل(الدال) عند(سوسير)و(المفسرة‪ ) Interpretant‬وتقابل(المدلول) عند‬
‫سوسير‪،‬و(الموضوع ‪ )object‬وال يوجد له مقابل عند سوسير))"‪ ."2‬وهنا يالحظ إغفال(سوسير)‬
‫للمرجع أو الشيء الذي تشير أو تحيل إليه العالمة في الواقع‪ .‬وقد عمد(بيرس) إلى التفريق بين‬
‫نوعين من الموضوعات((أحدهما مباشر والثاني ديناميكي‪،‬األول معطى مع العالمة ذاتها بشكل‬
‫مباشر‪،‬أما الثاني فيحتاج للوصول إليه إلى النبش في ذاكرة العالمة))"‪ ."3‬فالموضوع المباشر‬
‫يرتبط بالعالمة أو بما يصوره أو يمثله المدلول(المفسرة)‪،‬أما ما يقع خارج مساحة بنية العالمة من‬
‫شيء محسوس تسعى تلك العالمة كي تمثله بشكل غير مباشر فهو الموضوع الديناميكي‬
‫ويطلق(بيرس)على العالمة تسمية المصورة ‪ Representamen‬ويعرفها بأنها‪((:‬شيء ينوب‬
‫لشخص ما عن شيء ما ‪،‬من وجهة ما وبصفة ما‪ .‬فهي توجه لشخص ما ‪ ،‬بمعنى أنها تخلق في‬
‫عقل ذلك الشخص عالمة معادلة‪ ،‬أو ربما عالمة أكثر تطورًا‪ ،‬وهذه العالمة التي تخلقها أسميها‬
‫المفسرة ‪ ، Interpretant‬للعالمة األولى‪.‬أن العالمة تنوب عن شيء ما وهذا هو موضوعتها‬
‫‪، object‬وهي التنوب عن تلك الموضوعة من كل الوجهات بل تنوب عنها بالرجوع إلى نوع من‬
‫الفكرة التي سميتها سابقًا ركيزة ‪ ground‬المصورة))"‪."4‬‬
‫المفسرة‬

‫المصورة‬ ‫الموضوع‬
‫(السيميولوجيا) ‪ ،‬ترجمة د‪ .‬منذر عياشي (سوريا ‪ ،‬دار طالس للدراسات والترجمة والنشر)‪،1992،‬‬ ‫الركيزة‬
‫‪)2(1‬بيير جيرو‪،‬علم اإلشارة‬
‫ص‪.11-10‬‬
‫بيرس‬ ‫عند‬ ‫للعالمة‬ ‫الثالثية‬ ‫البنية‬ ‫‪3‬‬
‫)‬ ‫(‬ ‫رقم‬ ‫ترسيمة‬
‫‪ )3(2‬عواد علي ‪ ،‬وعبد الله إبراهيم ‪ ،‬وسعيد الغانمي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص‪. 87‬‬
‫‪)4(3‬امبرتو ايكو‪ :‬التأويل بين السيميائيات والتفكيكية‪ :‬ترجمة وتقديم‪:‬سعيد بنكراد(بيروت‪،‬المركز الثقافي العربي‪،‬الطبعة‬
‫األولى) ‪ ، 2000 ،‬ص‪.140‬‬
‫‪8‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫وقد تفرع كل عنصر من عناصر العالمة إلى ثالث تقسيمات ‪-:‬‬

‫أيقونة‬ ‫عالمة نوعية‬

‫مؤشر‬ ‫‪2‬الموضوع‬ ‫‪1‬‬ ‫المفسرة‬ ‫عالمة متفردة‬

‫رمز‬ ‫‪3‬‬ ‫عالمة عرفية‬


‫المصورة‬

‫عقلية ‪3‬‬ ‫واقعية ‪2‬‬ ‫احتمالية ‪1‬‬


‫وإ ذا ما نظرنا في التقسيمات أو التفريعات الثالثية المذكورة آنفًا وبحسب تسلسلها سنجد أنها تمت‬
‫ترسميه رقم ( )‪ 4‬تفرع عناصر العالمة عند (تشارلز بيرس)‬
‫وفقًا‪....‬‬
‫((أوًال‪:‬لماهية العالمة في ذاتها وذلك بوصفها إما نوعية محضة‪،‬أو وجودًا حقيقيًًا‪،‬أو عرفًاعامًا ‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬لعالقة العالمة بموضوعها فيما إذا كانت هذه العالمة ترجع إلى طبيعة العالمة نفسها‪ ،‬أو‬
‫لعالمة عند (تشارلز ساندوز بيرس)‬
‫ترجع إلى الرابطة الوجودية بين العالمة والموضوع ‪ ،‬أو ترجع إلى الرابطة بين العالمة‬
‫والمفسرة‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬لتصوير المفسرة للعالمة إما بوصفها عالمة على أمور احتمالية ‪ ،‬أو عالمة على أمور‬
‫واقعية أو عالمة على أمورعقلية))"‪."1‬‬
‫وقد تعددت وتشعبت تقسيمات العالمات عند(بيرس) في مجال السيميوطيقيا حتى ناهزت الستة‬
‫والستين صنفًا‪،‬ولعل الثالثية الثانية– أيقونة‪ – Icon ،‬مؤشر ‪–Index‬رمز‪ –symbol ،‬والمنبثقة‬
‫عن رابطة العالمة بالموضوع أو المفسرة ‪،‬هي أهم ما رشح عن تقسيمات(بيرس) البالغة األتساع‬
‫والشمول والتي عدت ركيزة أساسية– العالمات أو اإلشارات األيقونة والمؤشرية والرمزية‪-‬‬
‫لألنساق الفنية أو الجمالية بمجملها بما فيها الفن المسرحي‪.‬وما االنتقادات واالعتراضات التي‬
‫وجهت لطروحات(بيرس) من جانب العديد من العلماء اللسانيين والباحثين ومنهم عالم اللسانيات–‬
‫إميل بنفنيست–إال بسبب هذا االتساع واالمتداد الذي بدا وكأنه بناءًا كونيًا التحده حدود أو انشطارا‬
‫ذريًا متواليًا وال متناهيًا‪.‬‬
‫وعند مطلع القرن العشرين وبجهود كل من(سوسير وبيرس) وضعت اللبنات األولى‬
‫واألساسية لعلم العالمات العام الذي اتسعت دائرته ليشمل أنظمة أو أنساقًا لفظية وغير لفظية دالة‬
‫بعدها لغات طبيعية وإ نسانية يتوجب دراستها بتطبيق مناهج البحث البنيوية والسيميولوجية‪.‬وقد‬
‫أنصبت جهود البنيويين بادئ األمر على دراسة اللغة واألدب وتوجه أالهتمام الحقا وعبر حقول‬
‫‪ )1(1‬عواد علي ‪ :‬شفرات الجسد ‪( ،‬عمان ‪ ،‬دار أزمنة) ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ، 1996 ،‬ص ‪.32‬‬
‫‪9‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الفن المتعددة والمتنوعة صوب دراسة الفن المسرحي‪،‬السيما جهود بنيوي حلقة براغ(‪–1926‬‬
‫‪)1948‬والتي استطاعت((أن تلفت االنتباه للقيام بمحاوالت جماعية لتأسيس مبادئ الداللة‬
‫المسرحية))"‪،"1‬وذلك عبر دراسات عديدة اختصت بالدراما والمسرح‪،‬منها دراستين هامتين ((بدلتا‬
‫وبشكل جذري تطلعات التحليـل العلـمي للمسرح والدرامـا‪:‬علـم جمال الفـن والدراما لـ (( اوتكـار‬
‫زيش)) ‪ ، zich ) Otakar‬ومحاولة تحليـل بنيـوي لظـاهرة الممثل لـ((جان موكارفسكي))‬
‫‪ ."2"))Jan mukarovsky‬وقد كانت هذه الدراسات تهدف إلى الكشف عن حقيقة مهمة وهي أن‬
‫الظاهرة المسرحية حقـل عالماتي خصـب ونسـق سيميائي دال وفاعل‪.‬وللوقوف على مفهوم العالمة‬
‫أو اإلشارة الفنية أو الجمالية فال بد من الكشف عن طبيعتها من خالل تحديد عالئقها البنيوية‬
‫المتعددة والمتنوعة وبحسب موقعها أو وظيفتها في بنية نسق معين يحكمه قانون بعينه ‪،‬وكذلك‬
‫الوقوف على قدرتها وديناميكيتها في التمثيل والتعبير عن األشياء والمفاهيم والموضوعات في‬
‫إطار ظواهر اجتماعية ثقافية وفنيه تنتج المعنى في المجتمع وتعمل على إيصاله ‪ .‬ولكون مجمل‬
‫وسائل االتصال والتعبير في المجتمع انساقا عالماتية أو إشارية دالة فقد عدت األنظمة غير اللفظية‬
‫منها لغات إنسانية– بالخروج بالمفهوم بعيدا عن نطاق اللغة اللفظية– دالة‪ ،‬والعالمة أو اإلشارة‬
‫أداتها الرئيسة ووحدتها األساسية‪((.‬واإلشارة نتاج واع يتكون من دال ومدلول يمثالن بوجه عام‬
‫شيئا أو مفهوما غير اإلشارة ذاتها(وهو المشار إليه أو المرجع ‪ denote‬ضمن عالقة ثالثية األبعاد‬
‫تندرج في عملية التواصل بين المرسل والمرسل إليه))"‪. "3‬‬
‫المدلول‬

‫المرسل‬ ‫المرسل إليه‬

‫الدال‬ ‫المشار إليه‬


‫المرجع‬
‫للتعبير ( )‪5‬‬
‫والتواصل الثقافي والفني فقد تم االرتكان إلى أنظمة‬ ‫ترسيمة رقم‬
‫وبغية تلبية حاجة اجتماعية إنسانية‬
‫اشارية مركبة عديدة ومختلفة لتحقيق ذلك الهدف‪.‬واألدب والفن المسرحي هما أهم األنظمة اللفظية‬
‫وغير اللفظية الدالة والمركبة التي اعتمدت كوسائل اتصالية وتعبيرية فاعلة ومؤشرة‪.‬وما نعنيه‬
‫باالتصال‪،‬هوعملية((نقل المعلومات والمعاني واألفكار من(المرسل) إلى(المرسل إليه))"‪."4‬فإذا‬
‫‪ )2(1‬كير ايالم ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪. 13‬‬
‫‪ )3(2‬المصدر نفسة ‪ .‬ص ‪11‬‬
‫‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.45‬‬ ‫‪ .)1(3‬بسام بركة‬
‫‪)2(4‬عبد الكريم عبود ‪" :‬الحركة ودالالتها الفكرية والجمالية في العرض المسرحي "(بغداد)رسالة ماجستير مقدمة إلى مجلس‬
‫‪.‬‬ ‫كلية الفنون الجميلة ‪ . 1992.‬ص ‪25‬‬
‫‪10‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫كانت اللغة اللفظية وهي أكثر وسائل االتصال والتعبير إتساعًا وأنتشارًا في المجتمع تدرك دالالتها‬
‫أو معانيها بين مرسل ومرسل إليه بوساطة دال سمعي أو بصري(كتابي)–سلسلة األصوات ‪،‬‬
‫أوالفونيمات ‪ –Phonemes‬فأن أدراك الدالالت أو المعاني في اللغة غير اللفظية يتم عبر سلسلة‬
‫من الرموز واإلشارات العينية الحركية واإليمائية التي تشير إلى طريقة هذه الوسيلة في تحقيق‬
‫التواصل بين المرسل والمرسل إليه‪ .‬وقد ألقى تعريف(سوسير)الثنائي االنبناء للعالمة بظالل‬
‫تأثيراته على طروحات العديد من العلماء والباحثين في تصديهم لدراسة الموضوعات والمفاهيم‬
‫السيميائية وكذلك أغلب األنظمة أو األنساق اإلشارية الدالة‪،‬حيث ان((إن دراسة األنظمة األشارية‬
‫تنبع من إدراك أولي قديم جدًا بأن للعالمة جانبين‪:‬جانبا يمكن إدراكه حاًال وجانبًا يمكن االستدالل‬
‫عليه وفهمه‪.‬واليختلف هذا جوهريًا عن التمييز بين الدال والمدلول المدون عند(سوسير) فكال‬
‫العنصرين يعمالن جانبين للوحدة غير القابلة لإلنفصام في العالمة وتصبح العالقات المتنوعة‬
‫الممكنة بينها األساس للبنى اإلشارية))"‪."1‬ولم يكن(جان موكارفسكي‪)Jan mukarovesky،‬‬
‫‪ –1891– 1975‬وهو أحد أبرز رواد مدرسة براغ اللغوية‪،‬بمنأى في تعريفه للعالمة أو اإلشارة‬
‫الجمالية–‪ aesthetic sign‬سيميائيًا عن تلك التأثيرات(السوسيرية)‪ .‬إذ كان(جان موكارفسكي)‬
‫قد دعا في مقالته الموسومة (الفن كحقيقة سيميائية) إلى دراسة مجمل الفنون في نطاق‬
‫السيميولوجيا– ‪ -semiology‬معلًال ذلك بأن((الفن بحد ذاته هو إشارة ‪ ،‬هذه اإلشارة التكتسب‬
‫أهميتها لكونها أداة إيصالية للمعنى وإ نما لكونها أداة جمالية ‪ ،‬فبجانب كل إشارة جمالية يفرزها فن‬
‫من الفنون أو أدب من اآلداب(الموسيقى‪،‬الرسم‪،‬النحت‪،‬الشعر‪،‬القصة‪،‬الرواية) هناك إشارة إيصاليه‬
‫توصل المعنى ‪ .‬وبهذا فإن اإلشارة الفنية تشارك اإلشارة اللغوية في فرز المعنى‬
‫وتوصيله))"‪."2‬وقد عرف موكارفسكي)العالمة أو اإلشارة الفنية أو الجمالية على أنها وحدة تنطوي‬
‫على بعدين متالزمين وهما‪:‬الدال– ‪ -signifier‬والمدلول– ‪ –signified‬كما أن(موكارفسكي)‬
‫يعد أي عمل فني هو عالمة أو إشارة– ‪ –Sign‬وهذه العالمة أو اإلشارة تبتني وتتكون من ثالثة‬
‫عناصر ‪:‬‬
‫((‪ -1‬رمز محسوس يبدعه الفنان‪.‬‬
‫‪ -2‬معنى مودع في الوعي الجماعي‪ .‬وهو مايساوي بنية العمل الفني نفسها‪.‬‬
‫‪-3‬عالقة تربط بين العالمة والشيء الذي تشير إليه هذه العالمة))"‪. "3‬‬

‫‪ )1(1‬ترنس هوكز ‪ :‬المصدر السابق ‪ ،‬ص‪. 115‬‬


‫‪ )2(2‬بيير جيرو‪ :‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪18 -17‬‬
‫‪ ) 3(3‬سامية حبيب‪ :‬داللة المقاومة في مسرح عبد الرحمن الشرقاوي (القاهرة‪ :‬الهيئة المصرية للكتاب)‪،1977 ،‬ص‪67‬‬
‫‪11‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫فالعالمة أو اإلشارة– ‪ –sign‬عند(موكارفسكي) فضاء يتالزم فيه اإلبداع الفني الفردي‬
‫والوعي الجماعي‪ .‬فلو تناولنا خطاب العرض المسرحي–كإشارة مستقلة– سنجد أن مايقابله في‬
‫الطرف اآلخر هو المعنى أو مايصطلح عليه عادة بالموضوع الجمالي– ‪–aesthetic object‬‬
‫أو(المدلول) والذي يستقر في الوعي الجمعي كخزين من التقاليد أو األعراف والقواعد المسرحية‬
‫الفنية أو الجمالية التي تمثل نسقًا شفريًا مشتركًا يمنح المتلقي إمكانية فك شـفرة(العمل‪،‬الشيء)‬
‫خطاب العرض المسرحي(الدال) بغية فهمه وإ دراكه حسيًا‪.‬‬
‫فخطاب العرض المسرحي كدال يعد رمزًا خارجيًا ماديًا أو محسوسًا يقوم مقام الممثل‬
‫للمعنى–المدلول – الذهني الذي يتمخض بدوره عن مجمل حاالت الوعي أو الحاالت النفسية التي‬
‫يولدها أو يثيرها– العمل‪،‬الشيء – خطاب العرض المسرحي أو الدال المادي لدى المتفرجين‪ .‬كما‬
‫اليمكن مساواة العمل الفني– خطاب العرض المسرحي– وبأية صورة من الصور بالحالة النفسية‬
‫لمؤلفه أو مخرجه أو الممثلين أو بما يثيره من حاالت لدى المتلقي(( فمن المؤكد إن كل حالة من‬
‫حاالت الوعي الذاتي تتميز بقدر من الذاتية واآلنية تجعلها صعبة التلمس ومستحيلة التوصيل في‬
‫كليتها ‪ ،‬أما العمل الفني فإنه ‪ ،‬بطبيعته ‪ ،‬منوط بأن يستخدم وسيطًا بين منشئه والجماعة ))"‪."1‬‬
‫وللعمل الفني ما يمثله في العالم الخارجي دائما وهو الشيء الذي صنعه اإلنسان والمتاح ألن يدرك‬
‫دون عوائق أو موانع ولمن شاء ذلك ولكن (( ال يجوز اختزال العمل الفني بذلك الشيء ‪ ،‬ألن‬
‫الشيء قد يغير مظهره وبنيته الداخلية بحكم تحوالت الزمان والمكان)) "‪ ."2‬وما الترجمات المتعددة‬
‫لنص أدبي معين– كالنص الشعري مثال– أال دليال على حصول هذه التغيرات أو التحوالت ‪.‬‬
‫ولكون العالمة أو اإلشارة تنطوي على حقيقتين إحداهما مادية محسوسة– مستوى التعبير‪-‬‬
‫الدال‪،‬واألخرى ذهنية الطابع– مستوى المضمون‪ -‬فال بد للحقيقة األولى من أن تستدعي الحقيقة‬
‫الثانية بفعل العالقة الداللية أو البنيوية التي تصل بينهما‪ ،‬لذا البد للعمل الفني من واقع أو حقيقة أو‬
‫شيء معين يرتبط به ويرمز أو يشير إليه‪ ،‬فخطاب العرض المسرحي مثال‪ ،‬كإشارة مستقلة فهي‬
‫ترتبط بالشيء المادي أو بما تشير أو ترمز إليه في الواقع المادي أو العالم الخارجي بعالقة محددة‬
‫‪ .‬كون الفن((يختلف عن غيره من العالمات بأنه ال يشير إلى شيء محدد في الواقع بل يشير إلى‬
‫مجموع الظروف الثقافية واالقتصادية والحضارية‪.‬فالذي يميز الفن عن الالفن هو نوعية المشار‬
‫إليه فبينما تكون العالمات خارج الفن عالمات عامة محددة بارتباطها بمشار إليه بعينه فان العالمة‬
‫في إطار الفن ال تخضع لمثل هذا التحديد‪،‬ومن هنا تأتي المرونة الداللية في إطار الفن وقابلية‬

‫‪ )1(1‬سيزا قاسم ‪ ،‬نصر حامد أبو زيد ‪ :‬المصدر السابق ‪ ،‬ص‪.286‬‬


‫‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪.34‬‬ ‫(‪ )2‬بيتر بوغاتيريف ‪ ،‬وآخرون‬
‫‪12‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪1‬‬
‫العالمة الن تصلح لإلشارة إلى أكثر من مشار إليه واحد))" "‪ .‬فارتباط خطاب العرض المسرحي–‬
‫على سبيل المثال – بظواهر اجتماعية كالسياسة‪ ،‬والدين ‪ ،‬والفلسفة‪...‬الخ‪،‬بعالئق متعددة ومتنوعة‬
‫كأن تكون عالئق ذات طابع استعاري أو مجازي غير مباشرة بالمرموز أو المشار إليه ال يعني‬
‫ذلك ضرورة الجزم بأن العرض المسرحي كعمل فني هو وثيقة مصورة أو نقل حرفي مباشر‬
‫يطابق بشكل فوتوغرافي السياق العام للظواهر االجتماعية والثقافية المتعددة والمختلفة‪،‬وما لم يتم‬
‫الوقوف على نمط أو طبيعة العالقة البنيوية التي تصل بين العمل الفني– خطاب العرض‬
‫المسرحي– والسياق الكلي الخاص بمجمل الظواهر فلن يكون باإلمكان استعمال عمل فني ما‬
‫وبشكل خاص خطاب العرض المسرحي كشهادة تاريخية ‪،‬أو اجتماعية ‪،‬أو نفسية ‪،‬أو إيديولوجية‪.‬‬
‫ومثلما يكون العمل الفني–خطاب العرض المسرحي– عالمة أو إشارة مستقلة فانه ينطوي أيضا‬
‫على وظيفة سيميائية أخرى وهي وظيفته التواصلية أو المعلوماتية‪،‬حيث يتفاوت بروز هذه الوظيفة‬
‫واضمحاللها أو شحوبها من فن آلخر‪،‬فالعمل األدبي على سبيل المثال ال يعد عمًال فنيًا وحسب ‪،‬بل‬
‫هو في شطر منه كالم– ‪ -Parole‬يعمل على التعبير عن انفعال معين‪،‬أو فكرة معينة‬
‫‪،‬الخ((وتظهر هذه الوظيفة التواصلية بجالء في بعض الفنون(األدب‪،‬الرسم‪ ،‬النحت)‪،‬وتشحب في‬
‫بعضها(الرقص)‪،‬وال تظهر على اإلطالق في البعض األخر(الموسيقى ‪ ،‬العمارة))"‪."2‬‬
‫وإ ذا ما كان(موكارفسكي)يرى أن الوظيفة المعلوماتية أو التواصـلية تكون أكثر تجليًا في‬
‫الفنون التي تنطـوي على مضمـون أو فكرة أو موضوع – ‪Theme-‬ويعُد موضوع العمل الفني‬
‫عنصرًا توصيليًا أو معلوماتيًا مركزيًا ومحورًا مهمًا ورئيسًا يسـتقطب ويبلور القدرة المعلوماتية أو‬
‫التواصلية المنتشـرة في العناصر األخرى فيعود(موكارفسكي) كرة أخرى وذلك بعد االنتقادات‬
‫العديدة والواسـعة التي تعرضت لها طروحاتـة من العديد من زمالئه العلماء والباحثين حول‬
‫إعتباره العرض المسرحي مثًال عالمة كبرى أو وحدة سيميائية موحدة ومستقلة‪ ،‬وقد تبنى‬
‫زمالء(موكارفسكي) هؤالء فيما بعد فكرة((تقوم على أساس دراسة العرض ليس كعالمة مفردة ‪،‬‬
‫بل كشبكة وحدات سيميائية تنتمي إلى انساق مختلفة متفاوتة))"‪."3‬‬
‫ليؤكد على أن((كل عناصر العمل الفني ‪ ،‬حتى األكثر"شكلية" لها قيمتها التواصلية في معزل‬
‫عن الموضوع‪،‬مثًال‪،‬األلوان والخطوط في لوحة البد أن ترمز إلى" شيء" حتى في غياب‬
‫الموضوع‪...‬إن الطاقة التواصلية المسهبة للفنون التي بال موضوع تكمن في الخاصية السيميائية‬

‫‪ )3(1‬سيزا قاسم ‪ ،‬نصر حامد أبو زيد ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪. 25‬‬
‫‪ )1(2‬سيزا قاسم ‪ ،‬نصر حامد أبو زيد‪ :‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 288‬‬
‫‪ )2(3‬كير إيالم ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪. 14‬‬
‫‪13‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪4‬‬
‫الفعلية للعناصر الكلية))" " ‪.‬عمومًا يبقى القول الفصل للبنية‪ ،‬فالبنية– بمجملها– هي التي تمتلك‬
‫القدرة على القيام بدور المعنى للعمل الفني ‪ ،‬حتى المعنى ألمعلوماتي أو التواصلي لذلك‬
‫العمل‪،‬ويبقى الموضوع في عمل فني ما هو المحور الرئيس الذي يتبلور حوله المعنى ‪ ،‬والذي‬
‫يبقى مبهمًا دون توافره على فكرة أو موضوع بعينه ‪.‬‬

‫‪ )3(4‬بيتر بوغاتيريف ‪ ،‬وآخرون ‪ :‬المصدر السابق ‪ ،‬ص‪. 27‬‬


‫‪14‬‬ ‫الفصل الثاني‬

‫المبحث الثاني‬
‫العالمات في العرض المسرحي‬
‫هناك حقيقة ساطعة تجلت عبر التجارب اإلبداعية العديدة التي تبلورت عن آثار المنجز‬
‫اإلبداعي‪،‬وهي أن للعالمات دورها الفاعل في العروض المسرحية وذلك في إطار انساق عالماتية‬
‫مهيمنة في بنى هذه العروض من الوجهة الداللية‪.‬ومثلما يكون للعالمات خصائصها المميزة فان‬
‫لها وظائفها المتعددة والمتنوعة التي تتفاعل على أساسها في إطار بنية نسق العرض المسرحي‬
‫فتؤثر وتتأثر وفقًا لتوجيهات العروض المسرحية وخصائصها واتجاهاتها ‪ .‬وهذه الخصائص‬
‫والوظائف العالماتية هي التي تطبع العرض المسرحي وعناصره المختلفة بسمات يكتسب من‬
‫خاللها حقيقته السيميائية‪ .‬فالعرض المسرحي نسق سيميائي دال يتوافر على انساق عالماتية أو‬
‫إشارية لفظية وغير لفظية سمعية وبصرية تنتمي إلى فنون عديدة‪(،‬النص األدبي‪،‬وفن اإللقاء‪،‬‬
‫والشعر‪،‬والحركة‪،‬واإليماءة ‪،‬والرقص(الكوريوغراف)‪،‬والموسيقى‪ ،‬والمؤثرات‬
‫الصوتية‪،‬واإلنارة‪،‬واألزياء‪،‬والماكياج‪ ،‬واإلكسسوار)‪.‬‬
‫وبالرغم من هذا التعدد والتنوع والتعقيد الظاهر بين مكونات خطاب العرض المسرحي فانه ال‬
‫يمكن النظر إلى هذه العناصر الفنية وكأنها تعمل بشكل متواٍز أو كان كل عنصر من هذه العناصر‬
‫يعمل بمعزل عن األخر‪،‬بل هي وحدات سيميائية تتمفصل وفق شبكة متماسكة من العالقات‬
‫الداخلية التي تصل بينها على أساس بنائي وداللي‪.‬فادا ما كانت العالمات اللفظية وعبر حضورها‬
‫في فضاء العرض المسرحي تؤكد مرجعية النص المسرحي في قدرتها على تحديد األمكنة‬
‫واألزمنة والشخصيات بواسطة المالحظات المسرحية أو اإلخراجية فان هذه العالمات نفسها‬
‫وعبر تمثيلها للحوار تتميز بأهمية بالغة في أقامة التواصل بين الشخصيات واألخر وكذلك في‬
‫إيصال المعنى المنشود سواء في مستواها النصي أو من خالل تواجدها في بنية خطاب العرض‬
‫المسرحي‪.‬والعرض المسرحي كنسق عالماتي على كل المستويات فهو يحتوي بين جنباته على‬
‫عالمات مركبة ‪ ،‬لفظية وغير لفظية سمعية وبصرية وهي في الوقت نفسه عالمات ايقونية‬
‫ومؤشريه ورمزية‪.‬ومن هذا المنطلق يمكن القول((أن العرض المسرحي ككل هو رمزي ‪،‬نظرًا‬
‫إلى أن المشاهد ينظر إلى أحداثه على أنها تقوم مقام أشياء أخرى غيرها استنادًا إلى االتفاق‬
‫وحدة))"‪."1‬عمومًا تتواجد العالمات أو اإلشارات لفظية كانت أم غير لفظية سمعية وبصرية(زمانية‬

‫‪ )1(1‬كير إيالم ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪. 45‬‬


‫‪15‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫ومكانية) فوق خشبة المسرح من خالل اصطراعها أو تفاعلها الدائم من اجل تحقيق وحدة العرض‬
‫وتكامله الفني الذي ينشده المخرج مرتكزًا في سعيه على خصائص العالمة ووظائفها التي تتسم‬
‫وتتميز بها‪.‬‬
‫أوال‪ :‬خصائص العالمة المسرحية ‪:‬‬
‫ال تتسم العالمة في العرض المسرحي بثباتها وجمودها مطلقًا وبأي حال من األحوال‪ ،‬بل أن‬
‫العالم ــة تع ــد حقيق ــة متغ ــيرة ومتحرك ــة‪،‬كم ــا تتم ــيز بق ــدرتها التحولي ــة أو ديناميكيته ــا وك ــذلك بق ــدرتها‬
‫التوليدية‪،‬ولعل هاتين الخاصيتين تمثالن ابرز خواص العالمة المسرحية العديدة وأهمها ‪.‬‬
‫‪ - 1‬خاصية التحول – ‪: -Transform ability‬‬
‫لعل أهم وابرز خواص العالمة المسرحية هي امتالكها القدرة على التحول فالعالمة‬
‫المسرحية تتوافر على إمكانات واسعة على التحول أو التنقل بين األنساق السيميائية المتعددة‬
‫والمختلفة العاملة كعناصر فنية أو جمالية مهمة وفاعلة في بنية خطاب العرض المسرحي ‪ ،‬فقد‬
‫تنبري هذه العالمة بطابع سمعي أو بطابع بصري وربما تكون قناة بثها هو الديكور أو الممثل أو‬
‫المؤثرات الصوتية أو الموسيقى أو اإلنارة‪،‬أو أي عنصر فني من عناصر العرض المسرحي‬
‫األخرى وذلك لكون العالمة تتسم بحريتها ومرونتها في االنتقال من مظهر إلى أخر أو التنقل بين‬
‫عنصر وأخر ‪ ،‬وقد تسهم مجمل العناصر الفنية المتناسجة في بنية العرض المسرحي في تكوين‬
‫قناة بث موحدة لترسل عالمة واحدة موحدة وهي العالمة المركبة ‪.‬‬
‫والعرض المسرحي ينطوي على بنية سيميائية متفاعلة تتسم بحيويتها ومرونتها‪،‬وقد أكسبته‬
‫هذه البنية القدرة على تحويل األشياء فوق خشبة المسرح إلى عالمات– ‪ - signs‬تتسم بتعدد‬
‫وظائفها وقدرتها الفائقة على التحول ‪،‬كما مكنته– العرض المسرحي– هكذا بنية ديناميكية وعملية‬
‫مرنة من استيعاب عناصر ذات هوية تنتمي بها إلى فنون أخرى كالموسيقى‪،‬‬
‫والنحت‪،‬والرسم‪،‬والشعر‪،‬والرقص(الكوريوغراف) في نطاقه‪،‬فالمسرح((يتميز بقدرته ليس فقط‬
‫على استخدام كل عناصر هذه الفنون بل على تحريرها من القيود التي فرضتها عليها فنونها‬
‫األصلية وتوحيدها في كل موحد ذي خصائص مسرحية بمعنى أخر‪،‬أن هذه العناصر تدخل في‬
‫عالئق وانساق جديدة عند تمسرحها ‪،‬ولكن هذه العالئق ال تخضع لقوانين ثابتة))"‪ ."1‬فخاصية‬
‫التحول هي السمة البارزة التي ينفرد بها العرض المسرحي بين مجمل األنساق الفنية التي تتآلف‬
‫وتتسق في موادها وأنساقها ‪ .‬والعالمات في خطاب العرض المسرحي يمكنها بفعل ديناميكيتها‬

‫‪) 1(1‬جيندريك هونزل ‪ :‬ديناميكية اإلشارة في المسرح‪،‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬أدمير كورية ‪ ،‬مجلة الحياة المسرحية( دمشق)العدد ‪/29 ،28/‬‬
‫‪ . 1987‬ص‪. 31‬‬
‫‪16‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫ومرونتها أن تغير مادتها وتبعث الحياة والحركة في األشياء الجامدة ‪،‬باإلضافة إلى حريتها في‬
‫التنقل بين المظاهر المتعددة والمختلفة سواء أكانت سمعية أو بصرية دون عائق‪(( .‬ولكن‬
‫باإلضافة إلى ذلك فإن األشياء التي تلعب دورًا رمزيًا ودالليًا على الركح تأخذ وهي في حالة‬
‫استعمال ركحي خصوصيات وصفات وطبائع ال تحملها في الحياة العادية ‪،‬فاألشياء في المسرح–‬
‫كالممثل تمامًا– تخلق من جديد مغايرة لطبيعته األولى‪،‬كالممثل الذي يتحول على الركح إلى إنسان‬
‫أخر(شاب إلى شيخ ‪ ،‬امرأة إلى رجل‪)...‬كذلك الشئ الذي يستعمله الممثل في أداء دوره يمكن أن‬
‫يعطي توظيفات جديدة لم تكن من قبل من خصائصه ومميزاته‪،‬الحذاء المتهرئ لشرلي شابلن‬
‫يتحول بفضل لعب هذا األخير إلى طعام ‪،‬وخيوط الحذاء إلى معكرونة))"‪."1‬وقد يتحول مؤثر‬
‫صوتي–قرقعة سيوف–لإليحاء بمعركة طاحنة‪،‬وقد يتحول الممثل إلى شجرة أو إلى أي شئ أخر‬
‫كقطعة أثاث على سبيل المثال ‪،‬فقد ابتدع(اخلوبكوف) صورة جعل فيها الممثل كقطعة‬
‫أثاث((وذلك بجعله ممثلين–مرتدين بشكل غير ملحوظ – يركعان قبالة بعضهما وهما يبسطان‬
‫غطاء طاولة بينهما كمربع يوحي يطاوله))"‪."2‬‬
‫وقد يتقدم(مارك إنطوني)من حارسه فيسلمه سيفًا(غرض) فيقول له(لقد انتهى كل‬
‫شئ‪..‬اقتلني‪..‬اقتلني أالن)(عالمة لغوية)يقتل الحارس نفسه فتصدر نغمات عاطفية‬
‫نسمعها(موسيقى)فتعلو مالمح(مارك إنطوني)أمارات توحي بمشاعر مختلطة(التعبير بالوجه ‪،‬‬
‫‪)mime‬يلتقط(مارك انطوني)سيفه وبحركة سريعة ينتحر(حركة)فتتشكل على هذا النحو عالمة‬
‫مركبة كونها بثت أو أرسلت من عدة عناصر في أن واحد‪ .‬فمن((خواص الدالاللة المسرحية أيضا‬
‫الميل إلى التعقيد ‪.‬فهناك حاالت يضطر المتفرج فيها إن يجمع بين داللتين أو عدة دالالت تنتمي‬
‫إلى مجموعات مختلفة لكي يكتشف المدلول المركب))"‪."3‬ولعل أحدى الخواص المهمة التي تتصف‬
‫بها العالمة في خطاب العرض المسرحي هي قدرتها التوليدية ‪.‬‬
‫‪-2‬الخاصية التوليدية – ‪- Generative capacity‬‬
‫ونعني بالقدرة التوليدية للعالمة المسرحية (( االقتصاد الفائق لوسائل االتصال ‪ ،‬بمعنى أن‬
‫مخزونًا صغيرًا يمكن التنبؤ به من الدوال يستطيع أن ينتج بنيات داللية غنية))"‪ ،"4‬فقد تفضي‬
‫العالمة الواحدة بفعل قدرتها التوليدية إلى سلسلة من العالمات المصاحبة التي تحمل دالالت‬
‫متنوعة مرافقة أو مضافة للعالمات االصطالحية‪.‬فالزي العسكري يدل على إن الذي يرتديه ينتمي‬
‫‪ ) 1(1‬بيتر بوغايتريف‪ :‬الرموز والدالالت في المسرح ‪ :‬ترجمة ‪ :‬د‪ .‬محمد عبازه(تونس) مجلة فنون العدد‪ .1986 ، 6‬ص ‪. 44‬‬
‫‪ )2(2‬جيندريك هونزل ‪ :‬ديناميكية اإلشارة في المسرح ‪ .‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪. 35‬‬
‫‪ )3(3‬سامية اسعد احمد‪ - :‬الداللة المسرحية – مجلة عالم الفكر ( الكويت ) العدد واحد عام ‪ .1980‬ص ‪. 94‬‬
‫‪ )4(4‬كير إيالم‪:‬العالمات في المسرح– أنظمة العالمات ‪ ،‬ترجمة وإعداد‪:‬سيزا احمد قاسم‪،‬نصر حامد أبو زيد (القاهرة– دار الياس‬
‫العصرية‪ ،)1986،‬ص ‪. 245‬‬
‫‪17‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫إلى صنف معين من صنوف الجيش ‪ ،‬كما يدل على قومية هذا الجندي ويرمز كذلك إلى انضباط‬
‫هذا الجندي من عدمه من خالل أناقته‪ .‬وفي هذا اإلطار يشير(بيتر بوغاتيريف)إلى نوعين من‬
‫العالمات((عالمة ترجع إلى شئ))‪ ،‬وعالمات تدل على عالمات ترجع إلى شئ))"‪."1‬فالتركيبات‬
‫الديكورية التي ترمز إلى منزل في سياق مشهد معين ‪ ،‬نجد ان هذا المنزل يصبح إشارة أو عالمة‬
‫ترمز إلى إشارة تصف المنزل في سياق المشهد أو العرض ‪،‬وقد يشير المنزل إلى منزل قائم في‬
‫الواقع المادي ‪،‬إذا ما نظرنا صوبه نظرة مباشرة كون المنزل عالمة مرئية أو عيانية(إيقونية)‪،‬‬
‫وهكذا يكون المنزل عالمة تحيل إلى شئ ‪،‬وعالمة تدل على عالمة تحيل أو تشير إلى شئ‪.‬ولكون‬
‫العروض المسرحية الطبيعية والواقعية تعتمد االقتصاد في إرسالها للعالمات التصويرية أو‬
‫االيقونية ‪،‬فقد سعت العروض الطبيعية إلى إقصاء العديد من العناصر الفنية ‪،‬كالموسيقى‬
‫والرقص(الكوريوغراف) بغية المحافظة على طابعها المتسم بالواقعية والذي يشوب أجواءها‬
‫ومالمحها ‪.‬كما سعت هذه العروض إلى الحد من قدرة ومرونة العالمات التوليدية لعناصرها الفنية‬
‫– ‪ –iconics signs‬التي تعتمد مبدأ‬ ‫واألداء التمثيلي منها بشكل خاص فالعالمات االيقونية‬
‫المطابقة والمشابهة مع الواقع هي األساس الذي ترتكز عليه العروض الطبيعية والواقعية‪،‬لذا كان‬
‫هذا الواقع هو المرجع األساسي لهذه العروض ‪،‬في حين تميل العروض المسرحية الالواقعية‬
‫الحديثة أو المعاصرة إلى االرتكان لتعددية العالمات وقدرتها التوليدية ومرونتها‪،‬ومثال ذلك‬
‫عروض(مسرح الفن‪،‬المسرح المؤسلب‪،‬لفيسفولد مايرخولد)الذي عمد إلى منح المفردة دالالت‬
‫متعددة ومتنوعة حينما راح يستخدمها مقترنة بأداء الممثل ‪،‬فقد تستخدم المظلة اليدوية كسيف تارة‬
‫وكمجرفة أو بندقية تارة أخرى وتستخدم كال الداللتين لإلشارة إلى دالالت أخرى ‪.‬‬
‫أما عروض(المسرح الفقير‪،‬لجيرزي كروتوفسكي) فقد تم التعامل في نطاقها مع القدرات‬
‫الفائقة لتقنيات جسد الممثل باستخدام هذا الجسد في تكوينات دالة متعددة ومتنوعة ‪ ،‬فيرسم جسد‬
‫الممثل وقدراته الصوتية واإللقائية دالالت ال تعد وال تحصى تسهم وبشكل فاعل في إنشاء بنية‬
‫المشهد ‪ ،‬فقد يتحول جسد الممثل وصوته إلى حيوان متوحش ومفترس أو حصان جامح‪...‬أو‬
‫كرسي أو شراع أو شماعة مالبس‪...‬الخ ‪.‬وتتسم العالمة المسرحية بتنوعها وكثافتها‪،‬فإذا ما تم‬
‫إرسال فيض من العالمات على نحو مكثف ومتكرر فإنها حتمًا ستشكل عائقًا أمام المتلقي وقدراته‬
‫اإلدراكية ‪ ،‬أي إن المتلقي سيعجز عن إقامة التواصل على أساس من عالمات صادرة بشكل مكثف‬
‫ومكرر من لدن عناصر فنية مختلفة ومتعددة في آن واحد‪.‬أما في الحالة التي تتقوض فيها قدرة‬

‫‪ ) 1(1‬زياد جالل ‪ :‬مدخل إلى السيمياء في المسرح ( المملكة األردنية الهاشمية ‪ :‬عمان ‪ ،‬وزارة الثقافة )‪ .1992 ،‬ص ‪. 40‬‬
‫‪18‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الرسالة الفنية أو الجمالية المبثوثة على إنتاج العالمات أو اإلشارات المختلفة المتوازنة والكافية‬
‫فان مصير هذه الرسالة سيؤول إلى الفشل ‪ ،‬ألنها ستكون رسالة مشوشة عند مستوى االستقبال ‪.‬‬
‫‪ -3‬التصدر ‪-:‬‬
‫ينطوي العرض المسرحي على بنية تتسم بديناميكيتها وفاعليتها ‪ ،‬والبنية بحسب تعريف‬
‫(جان موكارفسكي)‪((:‬بأنها جملة عناصر لها توازن داخلي يضطرب ويستعيد توازنه باستمرار ‪،‬‬
‫وتبدو وحدتها وكأنها جملة من التناقضات الديالكتيكية))" "‪.‬وهذه البنية تحقق تدرجًا هرميًا معقدًا‬
‫‪1‬‬

‫تتكتل فيه مجمل العناصر الفنية أو الجمالية المكونة لبنية خطاب العرض المسرحي‪ .‬وفي إطار‬
‫هذا التدرج الهرمي‪،‬الذي يتسم بالمرونة والقدرة التحولية الفائقة في نظام تدرج العناصر الفنية‬
‫مشابها لقدرة العالمة على التحول ‪ ،‬يهيمن عنصر معين على العناصر األخرى فيتحقق تصدر‬
‫لهذا العنصر المهيمن أو لبعض العناصر على عناصر أخرى‪((،‬والتصدر هو القيام بتوجيه اهتمام‬
‫المتفرج‪،‬بشكل مؤقت جزئي أو طيلة المسرحية ‪ ،‬نحو جزء معين من العرض أو احد‬
‫عناصره))"‪ ."2‬وأي عنصر من العناصر الفنية يقوم بتصدر قمة الهرم يكون قد اتخذ زاوية‬
‫االهتمام القصوى في نطاق بنية العرض المسرحي المتسمة بمرونتها وحيويتها الفاعلة ففي اغلب‬
‫األحيان يتصدر الممثل مجمل العناصر الفنية الدالة الداخلة في تكوين خطاب العرض‬
‫المسرحي‪،‬فيصبح الممثل عنصرًا مركزيًا مهيمنًا في نطاق التراتب أو التدرج الهرمي لهذه‬
‫العناصر الداللية المكونة لخطاب العرض المسرحي عبر قدراته التعبيرية والجسدية‪،‬وقد يتصدر‬
‫عنصر آخر بشكل مفاجئ فيحقق أولية أو تصدرًا على العناصر الداللية األخرى المجتمعة في ذلك‬
‫التدرج أو التراتب الهرمي المركب والمكونة لبنية خطاب العرض المسرحي لفترة من الفترات‬
‫وهكذا دواليك بحسب تفاعل العناصر الفنية عالئقيًا ووظيفيًا في بنية ذلك الخطاب ‪.‬‬
‫وفي حقيقة األمر أن مفهوم(التغريب) هو األساس الذي نشأ عنه مفهوم(التصدر)‪،‬وكان‬
‫(بريخت) قد استلهم مفهوم(التغريب‪ )Foregrounding ،‬من الشكالنيين الروس– كما ذكرنا‬
‫آنفًا– وعمل على تطويره‪،‬وقد عد(بريخت) هذا المفهوم–التغريب– احد أهم المبادئ واألهداف‬
‫المركزية الفاعلة في نطاق مسرحه التعليمي أو الملحمي‪،‬وبشكل خاص على مستوى األداء‬
‫التمثيلي في العرض المسرحي الملحمي أو األسلوب التمسرحي أو(الميتا– مسرحي) والذي يتقاطع‬
‫مع أسلوب الطريقة أو المنهج الطبيعي‪ ،‬حيث كان أسلوب األداء التمثيلي المسرحي((يرتبط من‬
‫ناحية بنظرية نزع غشاء األلفة عن الوجود أو إضفاء طابع الجدة والغرابة عليه(‬

‫‪ )1(1‬بيتر بوغاتيريف ‪ ،‬وآخرون ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪. 14‬‬


‫‪ )2(2‬زياد جالل ‪ ::‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪. 45‬‬
‫‪19‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪ )defomiliarisation‬وهي النظرية التي طرحها النقاد الشكالنيون الروس ‪ ،‬كما ترتبط من‬
‫( ‪)alienation‬‬ ‫ناحية أخرى بنظرية االنفصال بغرض الفحص والتأمل‪،‬أي نظرية التغريب‬
‫التي طرحها بريخت‪ .‬وتستند هذه النظرية إلى منطق يفترض ضرورة نزع الشئ من سياقه‬
‫االعتيادي ومن ثم تغريبه حتى يتأتى لنا إدراكه على حقيقته سواء وقفنا على خشبة المسرح أو‬
‫جلسنا في صفوف المتفرجين))" "‪.‬ولعل لجوء(بريخت) إلى استخدام وسائل التغريب كان حاسمًا‬
‫‪1‬‬

‫في توجيه االهتمام والتركيز على فعل معين من أفعال الممثل أو حوار من حواراته أو أي عنصر‬
‫فني آخر في سياق المشهد ‪ ،‬سواء عن طريق تكرار األحداث أو تكثيف وسائل العرض بواسطة‬
‫أدوات عدة مثل استخدام تأثيرات الحركة البطيئة أو تجميد المواقف أو عن طريق التغيرات‬
‫المفاجئة لإلضاءة ‪...‬الخ‪،‬لكي يحقق وعيًا تامًا بقضايا المجتمع عبر هذه الوسائل((ويقصد بها‬
‫الطرق التي تجعل الحدث العادي غريبًا في نظر المشاهد ‪ ،‬بحيث يندمج فيه بفكره أكثر من‬
‫شعوره‪.‬وعنده إن مجرد تصيير الحدث غربيًا في نظر المشاهد يحمله على التفكير في تغييره))""‪.2‬‬
‫‪ -4‬خاصية العالمة المركبة ‪-:‬‬
‫إن أهم ما يميز خطاب العرض المسرحي هو توافره على عناصر فنية متعددة ومتنوعة تنتمي‬
‫النساق سيميائية مختلفة(كالتمثيل‪،‬والنص اللغوي‪،‬والموسيقى‪،‬والرقص‬
‫(الكوريوغراف)والسينما‪،‬والشعر‪..‬الخ) والتي تتالزم وتتفاعل في بنية خطاب العرض‬
‫المسرحي‪،‬وكل عنصر من هذه العناصر الفنية ينطوي على قيمة سيميائية تجعل من خطاب‬
‫العرض المسرحي حقًال دالليًا زاخرًا بشتى صنوف العالمات أو اإلشارات اللفظية وغير‬
‫اللفظية(السمعية والبصرية) طبيعية واصطناعية ‪،‬كما يشتمل على عالمات أو إشارات ايقونية‪،‬‬
‫ومؤشريه ‪،‬ورمزية‪ ،‬مما يشكل تعقيدًا كبيرًا لبنية العرض المسرحي المتحركة والمرنة‪.‬ولكون‬
‫العالمة المسرحية ذات قدرة تحولية فائقة وفاعلة تمكنها من التنقل بين األنساق المتعددة والمواد‬
‫المتنوعة وتتمظهر بمظاهر مختلفة دون عوائق أو حواجز ‪،‬فان العرض المسرحي كشكل تركيبي‬
‫يتوافر في بنيته – المتحركة والمرنة ذات القدرة التحولية الواسعة والفاعلة – على مجموعة من‬
‫الدوال المسرحية السمعية أو الصوتية(اللفظية وغير اللفظية) والبصرية‪،‬الطبيعية واالصطناعية‪،‬‬
‫((وهذا يعني إن الدال على خشبة المسرح يشمل أنماطا عدة للعالقات بين مجموعة الدوال المكونة‬
‫لشكل العرض‪.‬فكل داللة تتشكل من دمج أكثر من داللتين في تركيب واحد يطلق عليه‬
‫اصطالح(الداللة المركبة) ))"‪ ."3‬فقد تتخذ العالمة المسرحية– ‪ -Theatrical sign‬فوق خشبة‬
‫‪ )1(1‬جوليان هلتون ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪. 122‬‬
‫‪ )2(2‬محمد غنيمي هالل‪ :‬النقد األدبي الحديث ‪ (،‬بيروت ‪ :‬دار الثقافة – دار العودة ) ‪ . 1/7/1973 ،‬ص ‪646‬‬
‫‪ )1(3‬د‪ .‬عبد الكريم عبود عودة المبارك ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪. 59‬‬
‫‪20‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫المسرح صفة العالمة المركبة حينما تتعالق مجمل الدوال السمعية والبصرية التي يبثها‬
‫الممثل(المؤدي) على سبيل المثال‪،‬عبر قناة جسده وصوته مع شتى الدوال السمعية‬
‫والبصرية(المكانية والزمانية) التي تبثها العناصر الفنية األخرى للعرض‪.‬فتمفصل نطق الممثل‬
‫المؤدي وحركته وإ يماءاته ومظهره بالمؤثرات الصوتية أو الموسيقى أو اإلضاءة أو حركة‬
‫الديكور يؤدي بالضرورة إلى توليد داللة يستقبلها المتلقي على إنها داللة مركبة‪ ،‬بعد أن يقوم هذا‬
‫المتلقي بالجمع بين الدوال الداخلة في البث وبين دالالتها‪ .‬فمرور حشد من الفالحين فوق خشبة‬
‫المسرح غاضبين يهتفون بعضهم يرفع العصي والبعض األخر يرفع ذراعيه وعلى السايك–عند‬
‫الخلفية– شاشة سينمائية تعرض شعارات معينة‪،‬بينما هنالك حركة للديكور عند أعلى اليسار‬
‫وأعلى اليمين وإ نارة تتوزع الفضاء وأنغام موسيقية تناسب الحدث أو الموقف‪،‬فحينما يربط المتلقي‬
‫هذه الدوال المختلفة والمتنوعة مع مدلوالتها بعد استقبالها ستتكون لديه عالمة أو إشارة مركبة تدل‬
‫على إن هؤالء الفالحين ثاروا ضد اإلقطاع مطالبين بحقوقهم ‪،‬أو إنهم يحاولون رفع الظلم الذي‬
‫وقع عليهم ‪.‬‬
‫ثانيًا ‪ :‬وظائف العالمة المسرحية ‪:‬‬
‫‪ -1‬تحديد أو تعين المكان ‪:‬‬
‫لعل ابرز وظائف العالمات في إطار خطاب العرض المسرحي هو تحديدها أو تعيينها للمكان‬
‫‪،‬فالمكان المسرحي لم يعد مصطلحًا مجردًا للمساحة التي ينبثق فيها فعًال عيانيًا محسوسًا وقاعة‬
‫للمتفرجين يشاهدون عرضًا مسرحيًا وحسب فتخفت األضواء عن كل شئ حال انتهائه‪،‬هكذا‬
‫تصور مادي لخشبة العرض المسرحي لم يعد إال وقـوفًا بوجه التطورات الكبيرة التي طرأت على‬
‫مفهوم المكان أو الفضاء المسـرحي ‪،‬حيـث((لم يعد المكان المسرحي المعاصر ينتمي إلى عالم‬
‫المعطيات البديهية ‪،‬بل أصبح اقتراحًا يقدم للمتلقي ‪ ،‬ويتعلق هذا االقتراح بالمفهوم الجمالي‬
‫للمكان‪،‬ونقد فكرة العرض في حد ذاتها))"‪."1‬فقد أطلقت هذه التطورات العنان للمكان من أن ينطلق‬
‫وان يكون أكثر ديناميكية واتساعًا وشحذًا للخيال‪،‬فالمكان الخالي ال يمثل شيئًا ذا بال ما لم يجِر في‬
‫نطاقه فعل معين يرتبط بقصدية جغرافية تمثل وتحدد سمات ومعاني األفعال والعالقات في‬
‫انبثاقها في هذا المكان الذي ال يعد ذا قيمة أو معنى ما لم يتجسد فيه عرض مسرحي يضفي‬
‫بعيانيته أو محسوسيته وديناميكيته على هذا المكان معناه الجوهري وقيمته الداللية‪ .‬وبدخول هذه‬
‫المفاهيم الجديدة على الدراسات والتجارب المسرحية التي تناولت المكان أو الفضاء المسرحي–‬
‫‪ -The theatrical space‬صار هذا المفهوم يتجاوز كل التصورات المادية الشائعة عن–‬
‫‪ )2(1‬عواد علي ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪. 68‬‬
‫‪21‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الحيز– أو المكان المادي ‪ ،‬بحيث لم تعد التركيبات الديكورية الضخمة فوق خشبة المسرح هي‬
‫التي تتسيد تحديد أو تعيين المكان ودالالته المتعددة بل امتد الفضاء المسرحي ليشمل صالة‬
‫المتفرجين وكل ركن من المساحات المتوافرة ‪ ،‬وذلك بوساطة عالمات أو إشارات سمعية‬
‫وبصرية مختلفة ‪ ،‬فصورة األصوات في ذهن المتلقي قد تنشئ مكانًا أو فضاءًا مسرحيًا يتصوره‬
‫المتلقي ليشكل جغرافيته التي أراد المخرج أن يدل عليها بصورة المدلول المنبثقة من الدال وفق‬
‫اقتراحه لجغرافية العرض المسرحي الجديدة بدالالتها المتجذرة من مقترح أدبي أحادي االستقبال‬
‫‪ .‬وحقيقة األمر إن خشبة المسرح ال ترتبط بالبنى المعمارية(الن العمارة ال تقبل أن ترمز إلى‬
‫شئ ‪ ،‬وهكذا ليس لها وظيفة صورية ‪.‬أما المسرح فليس له وظيفة أخرى سوى اإلشارة إلى شئ‬
‫أخر‪ .‬ويكف عن أن يكون مسرحًا إذا لم يدل على شئ آخر))"‪."1‬فقد يشكل ضوءًا ما أو صوتًا ما‬
‫مكانًا أو فضاءًا معينًا‪ ،‬يقول(جيندريك هونزل)‪((:‬قد يحدث أن نرى اصواتًا أو نسمع منطقة ما‪،‬أو‬
‫نعرف من نظرة خاطفة إلى زي الممثل كل ما نعرفه بوساطة الكلمات في المسرح األوربي))"‪."2‬‬
‫فقد يتبدى لنا الدال بهيئة صور وأشكال متباينة ‪ ،‬فتارة يبدو الدال سهًال وسلسا وتارة أخرى‬
‫ينبلج معقدًا ومركبًا بحسب مستويات وصيغ تشكيل المركبات الديكورية وفق رؤية المخرج‬
‫لغرض المفردات المكونة للبنية المشهدية ومن ثم احتمالية تغير تلك المركبات الديكورية وفق ذات‬
‫الرؤية من انتظام البنى المشهدية ضمن سياق بنية خطاب العرض المسرحي الشاملة في‬
‫تتابعيتها‪.‬كما إننا أول ما نتلقى في خطابي النص والعرض المسرحيين هي األنساق العالماتية‬
‫المكانية التي تتسم بكثافتها ودقتها فتحيل المكان أو الفضاء المسرحي‪-theatrical space- The‬‬
‫المفترض أو المقترح في خطابي النص والعرض المسرحيين إلى خطاب سيميائي متعدد القراءات‬
‫ينتهي مطافه بالمتلقي وهي القراءة الهدف لمجمل الرسائل والخطابات السيميائية‪((.‬ويتميز المكان‬
‫المسرحي بخصوصية عالية ‪ ،‬إذ إن أول ما نتلقاه في المسرح هو العالمات المكانية((سواء في‬
‫النص أو العرض)) فمع رفع الستارة–إن كان ثمة ستارة– يبدأ المكان بإرسال عالمات كثيفة إلى‬
‫المتلقي‪،‬الذي يستقبلها عبر قنوات متعددة ‪،‬بصرية– سمعية وتلك العالمات تعتبر البنى األولى‬
‫لرسالة العرض المسرحي مما يجعل المكان عبارة عن خطاب مهمته األولى هي أن ينقلنا إلى‬
‫عالم((مكان)) خيالي غير موجود يدل عليه العرض إما بأسلوب تصويري أو لعبي مع اإلمكانية‬
‫الواسعة إلضافـة بنى جديـدة إلى هذا الخطـاب المكـاني عبـر امتـداد زمن العرض))"‪."3‬‬

‫المصدر السابق ‪ .‬ص ‪. 31‬‬ ‫‪ )1(1‬جيندريك هونزل ‪:‬‬


‫المصدر السابق ‪ .‬ص ‪. 69‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪ )2(2‬عواد علي‬
‫المصدر السابق ‪ .‬ص ‪. 67‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪ )1(3‬زياد جالل‬
‫‪22‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫ولعل من اكبر واهم وظائف المسرح هي رسم وتحديد مساحات الفعل الدرامي زمكانيا سواء‬
‫أكان ذلك في مكان مفتوح أم في مكان مغلق ونقصد بالمكان المفتوح أو الخشبة المفتوحة ((هي‬
‫المكان الذي يحدث فيه الحدث ‪ ،‬ويشاهد الجمهور ما يجري في هذا المكان‪،‬والممثلون واعون‬
‫بوجوده –الجمهور– فنجد في بعض المسرحيات شخصيات متحركة بال حدود أي إنها تتكلم‬
‫مباشرة مع الجمهور‪.‬وسيكون هذا نوعًا يجعل المتفرج يشارك في الفعل المسرحي‪ ،‬وهذا ما يطلق‬
‫عليه أحيانا تكسير الجدار الرابع))"‪."1‬أما المكان أو الخشبة المغلقة((يكون الجمهور حاضرًا في‬
‫القاعة‪،‬الممارسون يتجاهلون وجوده وال يحاولون إدخاله في الفعل‪ .‬وهنا يعاد بناء الجدار الرابع‬
‫على المستوى الفكري‪ .‬وفي هذا النوع من المسرح ‪،‬الممثل ال يعتبر نفسه ال هو مشاهد وال هو‬
‫مسموع من طرف الجمهور إال الشخصيات التي يتحاور معها خالل العرض المسرحي‪.‬وهنا‬
‫ينغلق الجدار الرابع على مستوى خيالي))"‪."2‬ويؤكد(اوتكار زيك)‪((:‬إن بإمكان خشبة المسرح أن‬
‫ترتفع في أي مكان– أي مكان قادر أن يستسلم لخيال المسرحي))"‪."3‬ومثلما يكون بإمكان العالمات‬
‫اللفظية أن تصف لنا المكان شفهيًا عبر الحوار الذي يصف فيه الممثل ويرسم أمكنة أو أشياء‬
‫أخرى غائبة عن مكان أو فضاء العرض من خالل نافذة على سبيل المثال‪،‬فان للعالمات االشارية‬
‫القدرة ذاتها ‪،‬عمومًا هذا ما يؤكد القول على انتفاء الضرورة لحصر مكان العرض المسرحي‬
‫اشتراطًا في إطار فضاء مسرحي محدد ومحصور في صالة تشتمل على الثنائية التقليدية التي‬
‫ذكرناها أنفا‪،‬مكان العرض المسرحي‪/‬صالة المتفرجين‪ ،‬بمعنى أهمية توافر خواص معمارية‬
‫للمسرح وبأي مظهر تتمظهر به‪،‬أي يمكن القول أن باإلمكان اإلشارة إلى خشبة المسرح في أية‬
‫مساحة مفترضة(ما يدلل عليها بالحركة) أو مقترحة أو متخيلة(ما يدلل عليها بالعالمات‬
‫اللفظية)‪.‬وال تقتصر العالمات الشفاهية أو الالمكانية على الفضاءات المفتوحة وحسب ‪،‬بل هي‬
‫تمتد لتشمل المكان أو الخشبة المغلقة(الخشبة التقليدية) ومثال ذلك((صوت يمثل خشبة مسرح‪،‬في‬
‫الفصل األخير من((بستان الكرز))لتشيكوف‪ ،‬البستان يلعب الدور األساسي‪،‬بستان الكرز هو على‬
‫الخشبة ولكن ال نستطيع أن نشاهده ‪،‬ما لم يشر إليه مكانيًا‪،‬بل عبر صوت ضربات الفؤوس التي‬
‫تسمع وهي تقطع أشجار الكرز‪،‬بهذه الطريقة ‪ ،‬يستطيع الكاتب المسرحي والمخرج أن يدِلال على‬
‫الخشبة عبر تلك المعالم من الواقع التي تتطابق وأهدافهما والتي تعزز بشكل مؤثر التفاهم بينهما‬
‫وبين الجمهور))"‪."4‬‬

‫‪ )2(1‬محمد الحوفي ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪. 50‬‬


‫ص ‪. 50‬‬ ‫‪ )3(2‬المصدر نفسة ‪.‬‬
‫‪ )4(3‬جنيدريك هونزل ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪. 32‬‬
‫‪ )1(4‬جيندريك هونزل‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪. 32‬‬
‫‪23‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫وسواء تجلى المكان المسرحي كمساحة محددة ومجتزئة من فضاء مسرحي أوسع يتوافر على‬
‫ثنائية خشبة العرض المسرحي وحالة المتفرجين(المكان المغلق) أم تجلى في مكان كالمسرح‬
‫الدائري أو الحلبة(مكان مفتوح)‪،‬فال بد من القول أن هذا المكان وفي كال النموذجين يتخذ شكًال‬
‫اجتماعيًا محضًا‪،‬بأي حال من األحوال يبقى كل شكل من هذه األشكال البنائية وبحكم العالقة التي‬
‫تقوم بين فضاء العرض المسرحي وصالة المتفرجين محتويًا على داللة تفسر على أساس هذه‬
‫العالقة–المرسل‪/‬المتلقي‪ -‬فالعالقات (البونية ‪ ) proxemics ،‬التي تتحقق نتيجة لإلنشاء الدقيق‬
‫والمتوازن لألشياء أو المفردات في إطار جغرافية خطاب العرض المسرحي(السينوغرافيا) والتي‬
‫لها أثرها الفاعل– التركيبات الديكورية مثًال– في تصدرها لألشياء أو المفردات األخرى من عدمه‬
‫جراء عالئقها(البونية) هذه بحسب اتساع وامتداد أو تقارب المسافات القائمة بينها‪((.‬ويمكن أن‬
‫يكون للمسافة– وال سيما بين المؤدي والمشاهد– أثرها على انساق وقنوات أخرى‪.‬فحيث يكون‬
‫فضاء المسرح– الصالة علنيًا وغير شكلي يستتبع ذلك تضخم للمقومات شبه اللسانية(ال سيما‬
‫النطق والحجم) ويمكن عادة حصول توتر إيمائي‪:‬ميزة الغلو في التمثيل في‬
‫العصر(الفيكتوري)مثًال‪،‬لم يكن مسألة تذوق وحسب بل ضرورة إعالمية أيضا استوجبتها ضخامة‬
‫أبعاد الفضاء العلني المستخدم))"‪."1‬مما حدا بالعروض المسرحية الحديثة أن تتحول صوب تقويض‬
‫المسافات فصار مكان العرض المسرحي يتضمن مسافات أكثر تقاربا أو حميمية سواء بالعالئق‬
‫المكانية التي تقوم بين الممثلين أنفسهم أو بين الممثلين والمتفرجين أو بين مجمل المفردات الداخلة‬
‫في إطار البنية المشهدية‪ .‬وإ ذا ما كان تعيين المكان واقتراحه إحدى أهم وظائف األنساق العالماتية‬
‫أو االشارية المهيمنة في نطاق بنى العروض المسرحية التقليدية أو التجريبية ‪.‬فان تحديد مالمح‬
‫الشخصية يعد من الوظائف البارزة والمهمة كذلك لهذه األنساق العالماتية أو اإلرشادية الدالة‬
‫والفاعلة ‪.‬‬
‫‪ -2‬تحديد مالمح الشخصية ‪.‬‬
‫لقد نأت الدراسات والقراءات السيميائية الحديثة المتعددة والمنفتحة عند مطلع القرن‬
‫العشرين بدراستها وتحليلها للشخصية عن مجمل القراءات االجتماعية والنفسية التي أخضعت‬
‫تحليل الشخصية لهيمنة قواعدها وأطروحاتها ومفاهيمها التي ظلت لصيقة بالمفاهيم والتحديدات‬
‫التقليدية التي ارتبطت بما ورد فـي كتـاب(فـن الشعر) لـ(أرسطو طاليس) ردحًا طويًال من الزمن‬
‫والتي صهرت ودمجت الشخصية باإلنسان ‪ ،‬فقد عرف العالم النفسي(البورت) الشخصية في إطار‬
‫‪) (‬صفة مأخوذة من (‪ ) Proxemics‬ويقصد به علم المسافة بين شخصين أو أكثر‪ ،‬وينطبق على(البون‪ -‬المسافة بين شيئين)‬
‫ومنه جاء علم البون او ( البونية ) ومؤسس هذا العلم األميركي (( ادوار هال )) ‪.‬‬
‫‪ )2(1‬كير إيالم ‪ ، :‬المصدر السابق ‪ .‬ص‪105 ، 104‬‬
‫‪24‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫علم النفس على أنها((ذلك التنظيم الديناميكي الذي يكمن بداخل الفرد والذي ينظم كل األجهزة‬
‫النفسية والجسمية التي تملي على الفرد طابعه الخاص في التكيف مع بيئته))"‪،"1‬كما‬
‫يعرف(واطسن) الشخصية في نطاق تفاعلها االجتماعي((الشخصية هي مجموع ما للشخص وما‬
‫عليه من االستجابات سواء منها ما كان فعليًا أو ممكنًا))"‪."2‬إال أن الشخصية من وجهة النظر‬
‫السيميائية انعتقت من ربقة هذه القراءات والتحديدات التقليدية وأضحت الشخصية عالمة دالة على‬
‫جنسها وقوميتها وثقافتها وتوجهاتها الفكرية واألخالقية وكذلك حالتها النفسية‪،‬فالشخصية مجموعة‬
‫من الرموز واإلشارات وهي(الشخصية) تتناسج في نسقين من العالمات أو اإلشارات اللفظية‬
‫وغير اللفظية كونها تنتمي إلى عالم لغوي خيالي‪،‬عالم النص الدرامي المسرحي الذي ابتناه المؤلف‬
‫ليرسله إلى متلقيه فتتكون الشخصية بكل سماتها وإ بعادها وانتماءاتها فتنطق وتتحدث وتتفاعل‬
‫وتتنامى بفعل أرادة المؤلف وليس بإرادتها كونها ليست شخصية مادية تطابق الشخصية اإلنسانية‬
‫في الواقع ‪.‬‬
‫فتنبري هذه الشخصية المبتناة من عالمات لفظية في عالم الغياب فوق خشبة المسرح عالم‬
‫الحضور المادي بفعل القدرات التعبيرية والجسدية لمؤديها(الممثل) الذي يتناولها بحسب وجهة‬
‫نظره لتتجسد هذه الشخصية ككيان مادي يبث فيه األداء التمثيلي الحياة التي لم يتوافر عليها هذا‬
‫الكيان المادي المحسوس في خطاب النص المسرحي فتتجلى الشخصية كخطاب مسرحي يتكون‬
‫من إشارات ورموز مختلفة ومتعددة تتعالق متفاعلة مع عالمات أو إشارات األنساق الفنية الدالة‬
‫األخرى العاملة في بنية خطاب العرض المسرحي عبر خطاب األداء التمثيلي الذي يعد نسقًا‬
‫مركزيًا هامًا في بنية العرض المسرحي ‪ ،‬حيث يبعث الممثل الحياة في الشخصية األدبية بفعل‬
‫أدواته غير اللفظية‪،‬الحركة واإليماءة ‪،‬األزياء‪،‬الماكياج‪،‬اإلنارة‪،‬تسريحة الشعر‪...‬الخ‪.‬وكذلك‬
‫اللفظية منها أي العالمات اللغوية التي تكون خطاب الشخصية‪((،‬فالوظيفة األساسية للخطاب‬
‫المسرحي– في بعض الحاالت– لشخصية ما ليست المحتوى نفسه للخطاب ولكنها الدالالت اللغوية‬
‫التي تميز الجنسية أو الطبقة‪...‬الخ للممثل الممثل المتكلم ويبقى محتوى الخطاب معبرًا عنه برموز‬
‫ودالالت مسرحية أخرى كالحركة مثًال))"‪."3‬ولكون العالمات اللفظية هي األساس في تكوين‬
‫خطاب الشخصية الذي يعد داًال يعمل على اإلشارة إلى طبيعة ونمط الشخصية وحاالتها‬
‫وانتماءاتها المختلفة في نطاق خطاب النص المسرحي‪،‬فان العالمات ذاتها–اللفظية– والتي هي‬

‫‪) 1(1‬قاسم حسين صالح‪:‬اإلبداع في الفن‪(،‬الجمهورية العراقية‪ :‬منشورات وزارة الثقافة واألعالم– دار الرشيد‪،‬بيروت‪:‬دار‬
‫الطليعة لطباعة والنشر ‪ . 1981 ،‬ص ‪. 45‬‬
‫‪ ) 2(2‬حسين رامز محمد رضا‪:‬الدراما بين النظرية والتطبيق ‪( ،‬بيروت‪:‬المؤسسة العربية لدراسات والنشر) ‪ ،‬الطبعة ألولى ‪ ،‬آب‬
‫(أغسطس) ‪ . 1972‬ص‪. 355‬‬
‫‪ )1(3‬بيير جيرو ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪. 30‬‬
‫‪25‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫عالمات خطاب الشخصية عند دخولها في بنية خطاب العرض المسرحي تؤسس تمفصالت‬
‫متعددة ومتنوعة بمجمل عالمات العناصر الفنية األخرى‪،‬لذلك تم االرتكان إلى وسيلة للتمييز بين‬
‫أ‪-‬الوظيفة‬ ‫وظائف اللغة ووظائف خطاب الشخصية ويمكننا اإلشارة إلى هذه الوظائف ‪.‬‬
‫المرجعية‪:‬‬
‫وتتعلق هذه الوظيفة بالعالمات أو اإلشارات التي تشير أو تحيل إلى مرجع معين في الواقع‬
‫المادي أو عالم الموجودات الخارجي‪،‬أي أنها((تحدد العالقات بين الرسالة والموضوع الذي تحيل‬
‫إليه))"‪ ."1‬فالشخصيات في إطار هذه الوظيفة تحيلنا إلى أحداث واقعية وشخصيات حقيقية خارج‬
‫نطاق خطاب العرض المسرحي مما يضفي على ذلك الخطاب طابعًا واقعيًا ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الوظيفة التعبيرية ‪:‬‬
‫وتقوم هذه الوظيفة على أساس شبكة من العالقات الرصينة‪،‬وفي إطار هذه الوظيفة يتم‬
‫التوكيد على خطاب المؤلف(المرسل) وطبيعة العالقة القائمة بين الشخصية وخطابها ‪ ،‬فإذا ما‬
‫نظرنا إلى خطاب الشخصية فسنجده رسالة تبث إلى الشخصيات األخرى في نطاق مساحة خشبة‬
‫العرض المسرحي على أساس من العالقات المتشابكة بين مجمل شخوص خطاب العرض‬
‫المسرحي ‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬الوظيفة التواصلية ‪:‬‬
‫وترتبط هذه الوظيفة بالعالقة التواصلية بين الشخصيات المتفاعلة والمتالزمة في فضاء‬
‫العرض المسرحي ‪ ،‬حيث تقوم الشخصية ببث رسالتها مبتغية تحقيق التواصل مع األخر واألخر‬
‫قد يكون شخصية منفردة أو ربما مجموعة من الشخصيات المتعالقة والمتفاعلة في نطاق فضاء‬
‫العرض المسرحي‪.‬‬
‫د ‪ -‬الوظيفة األمرية ‪:‬‬
‫وهذه الوظيفة تحدد العالقة بين الرسالة الفنية أو الجمالية ومتلقيها‪،‬أي أن مجرى االتصال‬
‫يمتد من خشبة أو فضاء العرض المسرحي باتجاه المتلقي وبالعكس‪ ،‬فالشخصية تسعى الى تحقيق‬
‫التأثير المباشر على المتلقي الذي يتوافر على دور مهم في اعطاء قيمة تأثيرية للخطاب عبر ردود‬
‫أفعاله ‪ ،‬وال ترتبط وظيفة معينة من هذه الوظائف بشخصية بعينها ‪ ،‬حيث أن هذه الوظائف ال‬
‫تخضع لتحديد أو تخصيص لدخولها على شخصية من الشخصيات العاملة في نطاق خطاب‬

‫‪)2(1‬المصدر نفسة ‪ .‬ص ‪. 30‬‬


‫‪26‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫العرض المسرحي ‪ .‬فقد تدخل هذه الوظائف الهامة مجتمعة على شخصية معينة من الشخصيات ‪،‬‬
‫وقد تنبري هذه الوظائف متالزمة عبر دخول تدريجي على الشخصية الفنية ‪.‬‬
‫‪ -3‬توحيد عناصر العرض‪:‬‬
‫وتعد وظيفة توحيد عناصر العرض الفنية في كل موحد هي أهم وظائف العالمة أو اإلشارة‬
‫في العرض المسرحي‪.‬أن نظرية(فاغنر) حول المسرح التركيبي(الشامل) تتبنى مبدأ يفترض((إن‬
‫وحدة التأثير الدرامي‪،‬أي شدة انطباعات المتفرج هي متناسبة مباشرة مع عدد المدركات التي تغمر‬
‫(بالمعنى الفاغنري) هي‬ ‫حواس وعقل المتفرج تزامنيًا في كل لحظة ‪ .‬ووظيفة الفنان الدرامي‬
‫إن يوازن بين مؤثرات األدوات الدرامية المتعددة لكي يحدث انطباعات لها األثر ذاته))"‪."1‬عبر‬
‫طروحاته الواردة في نظريته يرى(فاغنر) أْن ليس هناك فن مسرحي متكامل يحمل هوية تجعله‬
‫ينهض بذاته كفن موحد ‪،‬بل هناك فن ينطوي على عدة عناصر مختلفة تنفصل بعضها عن بعض‬
‫والتي يتوجب دراستها الواحدة إلى جانب األخرى ‪.‬أي أن هذه العناصر الفنية هي كيانات مستقلة‬
‫تترافق مع بعضها‪،‬ممثل‪،‬ونص لغوي‪،‬وموسيقى ‪ ،‬وإ ضاءة ‪،‬وأزياء ‪،‬وديكور‪،‬ومؤثرات صوتية‬
‫‪،‬وأثاث‪،‬وإ كسسوارات‪...‬الخ‪.‬وهذه النظرة(الفاغنرية) التي ترى الفن المسرحي فنًا تركيبيًا ينبني‬
‫على أساس العناصر الفنية المستقلة التي تشكل عبر تجمعيها بكليتها لتكون هذا لفن‪،‬إن هذه‬
‫النظرة(الفاغنرية) ال تعي أو تدرك إمكانات العالمة أو اإلشارة المسرحية وقدراتها الفائقة والفاعلة‬
‫على التحول أو ديناميكيتها في التنقل بين األنساق أو العناصر الفنية المختلفة وتطويعها لهذه‬
‫العناصر إلغراضها‪.‬وما تطويق الفن المسرحي وإ حاطته بهذه الفنون العديدة إال نفي لسمة مهمة‬
‫تعد من أهم سمات الفن المسرحي وهو(التمسرح) تلك الميزة التي مكنت خطاب العرض المسرحي‬
‫من أن يستوعب انساقًا عالماتية أو اشارية سمعية وبصرية تنتمي إلى فنون أخرى مغايرة ومختلفة‬
‫في أنساقها وسياقاتها ‪،‬فيوحدها خطاب العرض المسرحي في بنيته بعد أن يجردها من خواصها‬
‫األصلية ويضفي عليها صفة التمسرح ‪ ،‬فتتفاعل في نسقها الجديد– خطاب العرض المسرحي –‬
‫الذي ذابت في بوتقته ككل موحد رغم تعددها‪ .‬وما اندماج هذه العناصر الفنية وانصهارها في بنية‬
‫خطاب العرض المسرحي المتسمة بديناميكيتها ومرونتها‪،‬إال بفعل قدرة العالمة المسرحية على‬
‫توحيد عناصر العرض المسرحي في نطاق أو فضاء واحد موحد ‪.‬‬
‫‪ -4‬تحديد الفعل المسرحي واإلسهام فيه‪:‬‬
‫تعمل العالمات المسرحية وبشتى أنساقها سواء كانت عالمات لفظية أو غير لفظية سمعية‬
‫أو بصرية على اإلسهام في الفعل المسرحي وتحديد سماته وبنيته ‪،‬حيث إن العالمات أو اإلشارات‬
‫‪ )1(1‬بيتر بوغاتيريف ‪ ،‬وآخرون ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪. 115‬‬
‫‪27‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫السمعية والبصرية– زمنية أو مكانية– التي يتوزعها الفعل خالل تطور أحداث خطاب العرض‬
‫المسرحي هي التي تتمسك بقياد هذا الفعل وتحوالته الدائمة والمستمرة ‪ ،‬كونه سلسلة من المعاني‬
‫الموجهة إلى المتلقي خالل سيرورة العرض والفعل المسرحي هو جوهر البناء أو األساس لخطاب‬
‫–السمعي والبصري–‬ ‫العرض المسرحي والذي يتم إدراكه ليس على المستوى الحسي‬
‫وحسب‪،‬بل على مستوى مواكبته كحركة داخلية متتابعة للوقائع واألحداث المترابطة التي يتوجب‬
‫متابعة اصطراعها وتشابكها ألعالئقي حتى الوصول إلى المرحلة التي تتشكل فيها الصورة النهائية‬
‫لخطاب العرض المسرحي‪.‬‬
‫إذن الفعل المسرحي ال يقترن بالممثل كعنصر مركزي رئيس في العرض وحسب‪،‬بل الفعل‬
‫المسرحي قيمة جوهرية محورية فاعلة ترتبط ارتباطًا وثيقا بمجمل األنساق العالماتية أو االشارية‬
‫المكونة لبنية خطاب العرض المسرحي‪،‬حيث((يوحد الفعل كجوهر للفن الدرامي‪،‬الكلمة‬
‫‪،‬والممثل‪،‬واللباس‪ ،‬والموسيقى‪ ،‬في تيار واحد ‪،‬بمعنى أخر‪،‬إننا نستطيع بعد ذلك أن ندرك هذه‬
‫العناصر((كمـوصالت مختلفة لتيار واحد)) ينتقل أما من عنصر ألخر أو يتدفق عبر عناصر‬
‫متعددة في وقت واحد))"‪ ."1‬فإضفاء طابع التمسرح على بنية الفعل المسرحي بعد تحويله من نسق‬
‫داللي لغوي كعالم خطاب النص المسرحي يعد إحدى إسهامات العالمة المسرحية‪ .‬ولعل إسهام‬
‫العالمات اللفظية وغير اللفظية(السمعية والبصرية)في تغريب ‪--Foregrounding‬الفعل‬
‫المسرحي في نطاق المسرح الملحمي لـ(بريخت)‪،‬أي عندما تحول هذه العالمات أو اإلشارات الفعل‬
‫المسرحي من رتابته أو مألوفيته إلى فعل مسرحي يستقطب تركيز المتلقي واهتمامه بفعل غرابته‬
‫وال مألوفيته ‪،‬وكذلك إثارة وشد انتباه هذا المتلقي صوب حدث أو فعل معين‪ .‬كما إن توافر خطاب‬
‫العرض المسرحي على انساق عالماتية متعددة ومتنوعة أتاحت له إن يكون حقًال سيميائيًا واسعًا‬
‫وثرًا للقراءات المتعددة والمنفتحة التي تنأى عن القراءات التقليدية التي تستلب المعنى وتقيده ‪،‬‬
‫فتناسج العالمات أو اإلشارات اللفظية وغير اللفظية– اعتباطية أو رمزية أو إيقونية أو‬
‫اشارية‪،‬طبيعية أو اصطناعية(إرادية وال إرادية)عالئقيًا في بنية خطاب العرض المسرحي فتتفاعل‬
‫وظيفيًا بحسب سياقاتها لتحقق عرضًا مسرحيًا منفتحًا باتجاه قراءات متعددة لكونه خطابا خصبًا‬
‫وإ بداعيا ومتناقضًا يتيح هكذا قراءات لتعددية معانيه ‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬تصنيف العالمة في العرض المسرحي‪:‬‬
‫يصنف األداء التمثيلي في خطاب العرض المسرحي بعده وحدة سيمولوجية دالة وفاعلة في‬
‫عملية االتصال التي تقوم بين طرفي مجرى االتصال المرسل الفنان كذات مبدعة والوعي الجمالي‬

‫‪ )1(1‬بيتر بوغاتيريف ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص‪119-118‬‬


‫‪28‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الكامن في ذهن المتلقي ‪ .‬وتأتي األهمية السيمولوجية لخطاب األداء التمثيلي من خالل إمكانيات‬
‫وقدرات الممثل الجسدية والتعبيرية‪،‬حيث يكتسب جسد الممثل قدراته اإلبداعية المحاكية‬
‫والتمثيلية–السمعية والبصرية– في العروض المسرحية التقليدية والحديثة من خالل انتقاله إلى‬
‫شخصية أخرى فنية أو جمالية مفترضة أو متخيلة يتخلص فيها الممثل الفنان من شخصيته أو‬
‫ذاته‪،‬أي قدرته على التحول من ذاته أو اإلبقاء عليها وتأكيدها ‪ ،‬ويمكن تمييز خطاب األداء التمثيلي‬
‫كوحدة ذات وظيفة سيميولوجية من خالل دراسة تصنيفية عامة وشاملة للعالمات في المسرح وفق‬
‫منظور المنهج السيميولوجي‪ ،‬ويمكن تصنيف عالمات األداء التمثيلي في العرض المسرحي إلى‬
‫خمسة مجاميع وكاالتي ‪-:‬‬
‫األولى ‪:‬‬ ‫المجموعة‬
‫وهذه المجموعة يتم تمييزها على أساس من حضور العالقة العلية أو غيابها بين الدال‬
‫والمدلول– مستوى التعبير ومستوى المضمون– وتقسم هذه المجموعة إلى ‪-:‬‬
‫‪-1‬العالمات الطبيعية واالصطناعية ‪:‬‬
‫أ‪-‬العالمات الطبيعية ‪) Natural signs ):‬‬
‫لقـ ــد شـ ــرع العديـ ــد من العلمـ ــاء والبـ ــاحثين والسـ ــيميائيين بتقـ ــديم محـ ــاوالت تصـ ــنيفية للعالمـ ــة‬
‫منطلقين من عالئقهـ ــا البنيويـ ــة الداخليـ ــة مرتكـ ــنين في تصـ ــنيفاتهم هـ ــذه إلى التقسـ ــيم الثنـ ــائي–الـ ــدال‬
‫والم ــدلول–للعالم ــة ال ــذي اقترح ــه ع ــالم اللس ــانيات السويس ــري فردينان ــد دي سوس ــير‪ ،‬ولع ــل(اندري ــه‬
‫الالند– ‪)1914‬المتصدر األول لقائمة الباحثين الذين اهتموا بأمر تصنيف العالمة‪.‬فقد عمــد (اندريــه‬
‫الالنـ ـ ـ ـ ــد)إلى تصـ ـ ـ ـ ــنيف العالمـ ـ ـ ـ ــة في نطـ ـ ـ ـ ــاق الفن المسـ ـ ـ ـ ــرحي ‪ ،‬إلى عالمـ ـ ـ ـ ــة طبيعيـ ـ ـ ـ ــة وأخـ ـ ـ ـ ــرى‬
‫اصــطناعية‪.‬يقــول(اندريــه الالنــد)‪((:‬العالمــات الطبيعيــة هي الــتي التكــون عالقتهــا بالشــيء المــدلول‬
‫ناتجـ ــة إال عن قـ ــوانين الطبيعيـ ــة كمثـ ــال الـ ــدخان الـ ــذي هـ ــو عالمـ ــة النـ ــار))"‪."1‬ففي هـ ــذا الصـ ــنف من‬
‫العالم ــات يرتب ــط ال ــدال والم ــدلول بعالق ــة تق ــوم على العل ــة والمعل ــول ‪ ،‬والطبيع ــة العلي ــة أو الس ــببية‬
‫للعالقة بين الدال والمدلول تتحدد وفق قانون مادي– فيزيقي– أو طبيعي‪ ،‬فالغيوم السوداء تشير إلى‬
‫المطر‪ .‬وارتفاع درجـة حـرارة اإلنسـان تشـير إلى المـرض‪.‬كمـا ان قيـام الممثـل–على سـبيل المثـال–‬
‫بمــد يــده ليتنــاول طعامــه‪،‬وهــذه الحركــة تعــود لســبب فــيزيقي أال وهــو الجــوع‪،‬يصــل بين الــدال مــد اليــد‬
‫اللتقاط الطعام وتناوله والمدلول وهو الجوع(تناول الطعــام)‪،‬أوعنــدما يجلس الممثــل قبالــة موقــد فيمــد‬
‫كلتا يديه باتجاه الموقد ليتدفأ‪،‬وحركة كهذه دليل على وجود سبب أو علـة يحكمهـا قـانون طـبيعي‪،‬فـأن‬

‫‪ )1(1‬زياد جالل ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪. 29‬‬


‫‪29‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الـدال مـد كلتـا اليـدين باتجـاه الموقـد بحثـًا عن الـدفء والمـدلول(بـرودة الطقس) مـد كلتـا اليـدين باتجـاه‬
‫نار الموقد ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬العالمات االصطناعية ‪Artificial signs :‬‬
‫وفي هذا الصنف من العالمات تكون العالقة التي تصل بين الدال والمدلول قائمة على أسـاس‬
‫من اإلرادة والفعـ ــل الـ ــواعي‪،‬وهي في اغلب األحيـ ــان تكـ ــون عالقـ ــة ذات مسـ ــحة أو صـ ــبغة عرفيـ ــة‬
‫أوجماعية‪ ،‬فالعالمات االصطناعية ترتكز في عالقتها بالشـيء الـذي تـدل عليـه(المـدلول) على قـرار‬
‫يخضــع لإلرادة(إرادي)ويتم عن وع ــي وهــو غالب ـًا مــا يكــون قــرارًا جماعي ـًا‪.‬ففي العــرض المســرحي‬
‫يســتطيع الممثــل أن يســتغل ارتجــاف يديــه بفعــل المــرض وهي إرتجافــة ال إراديــة إلى حركــة إراديــة‬
‫تخدم العرض والعالمات في نطاق خطاب العرض المسرحي تعد بمجملهــا عالمــات اصــطناعية أي‬
‫إن العــرض المســرحي يحــول((العالمــات الطبيعيــة إلى عالمــات مصــطنعة(ومضــة ضــوء)ويســتطيع‬
‫في ذلك أن"يصطنع"العالمات‪.‬قد تكون هذه العالمـات مجـرد أفعـال ال إراديـة في الحيـاة‪،‬وبـالرغم من‬
‫ذلـ ــك فأنهـ ــا تكتسـ ــب ضـ ــرورة هـ ــذه الوظيفـ ــة في المسـ ــرح))"‪ "1‬ولـ ــذلك يمـ ــتزج هـ ــذان الصـ ــنفين من‬
‫العالمات–الطبيعية واالصطناعية– في أداء الممثلين في خطاب العرض المسرحي ‪.‬‬

‫‪ - 2‬تصنيف كافزان للعالمة ‪:‬‬


‫ويجيء االقـتراح الثـاني في العـام ‪1968‬على يـد السـيميائي البولنـدي(تـاديوز كـافزان) الـذي أفـاد‬
‫كثيرًا من تصنيف(اندريه الالند) للعالمة‪،‬يقول(كافـزان)‪((:‬كل شيء عالمة لشيء مــا في ذاتنــا ‪ ،‬أو‬
‫في العالم المحيـط بنـا في الطبيعـة‪ ،‬ونشـاط الكائنـات الحيـة‪.‬والعالمـات الطبيعيـة هي تلـك الـتي توجـد‬
‫بــدون مشــاركة اإلرادة‪،‬وإ رســالها يظــل ال إراديــا على الــرغم من أن لهــا طــابع العالمــة في نظــر من‬
‫يدركها أو يفسرها‪،‬أما العالمات االصطناعية فيخلقها اإلنسان‪،‬أو الحيوان إراديا لإلشارة إلى شــيء‬
‫م ــا‪،‬أو االتص ــال بش ــخص م ــا))"‪."2‬فمس ــألة التمي ــيز بين العالم ــات الطبيعي ــة ‪–- Natural signs‬‬
‫والعالمـ ــات االصـ ــطناعية‪ Artificial signs - -‬يتم على أس ــاس مس ــتوى إرس ــالها وليس على‬
‫مستوى استقبالها أو إدراكها حسيًا ‪ ،‬وكذلك يتوقف هذا األمــر على تــوافر اإلرادة من عدمــه في بث‬
‫أو إرسال العالمة ‪.‬‬

‫‪ )2(1‬كير إيالم ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪. 34‬‬


‫‪ )1(2‬سامية اسعد احمد ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪. 85‬‬
‫‪30‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫ولكي يتم الوقوف على نمـط أو طبيعـة العالمـة القائمـة بين الـدال والمـدلول في نطـاق العالمـات‬
‫الطبيعيـ ــة فال بـ ــد من التـ ــدخل إلدراك ذلـ ــك‪،‬أمـ ــا العالمـ ــات االصـ ــطناعية فـ ــان األمـ ــر فيهـ ــا اليتطلب‬
‫استقصــاء إلدراك طبيعــة العالقــة بين دوالهــا ومــدلوالتها كــون فعــل اإلرســال اإلرادي الطــابع يبــدو‬
‫ظاهرًا وجليًا‪ .‬وإ ذا ماكان العرض المسرحي يتسـم بكونـه حقًال فريـدًا للعالمـات االصــطناعية‪،‬فالبـد‬
‫وان تكون هناك عالمات طبيعية قد دخلت في نطاق منظومة من المنظومات السيميائية العاملة في‬
‫بني ـ ــة الع ـ ــرض المس ـ ــرحي فتت ـ ــداخل وتن ـ ــدمج العالم ـ ــات االص ـ ــطناعية بالطبيعي ـ ــة في أداء الممث ـ ــل‬
‫للشخصــية الدراميــة‪،‬فعلى ســبيل المثــال قــد يعمــد ممثــل شــاب إلى العمــل على أداء شخصــية مشــعوذ‬
‫عجــوز‪ ،‬فإنهــا ســتكون عالمــة اصــطناعية لــدى قراءتهــا من طــرف المتلقي بفعــل فــارق العمــر لــدى‬
‫الممثــل‪،‬أمــا إذا كــان الممثــل الحي متقـدمًا في السـن ويقــوم بــأداء شخصــية المشـعوذ العجـوز تلــك‪،‬فـان‬
‫المتلقي سيســتقبل هــذه العالمــة االصــطناعية ويــدركها على إنهــا عالمــة طبيعيــة‪،‬أي إن العالمــة هنــا‬
‫سـ ـ ـ ـ ــتكون طبيعيـ ـ ـ ـ ــة بـ ـ ـ ـ ــالرغم من إدراك المتلقي مسـ ـ ـ ـ ــبقًا انـ ـ ـ ـ ــه بمواجهـ ـ ـ ـ ــة فعـ ـ ـ ـ ــل فـ ـ ـ ـ ــني وجمـ ـ ـ ـ ــالي‬
‫اصـ ـ ــطناعي(قصـ ـ ــدي)‪.‬إن المحاولـ ـ ــة التصـ ـ ــنيفية المهمـ ـ ــة الـ ـ ــتي جـ ـ ــاءت عـ ـ ــبر مقـ ـ ــترح السـ ـ ــيميائي‬
‫البولنــدي( تــاديوز كــافزان‪ )1968،‬والــتي صــير الممثــل في اطارهــا محــورًا مركزي ـًا مهم ـًا‪ ،‬حيث‬
‫إعتبر فيها(كافزان)مجمل عالمات خطاب العرض المســرحي هي عالمــات اصــطناعية الطــابع وال‬
‫وج ــود البت ــة للعالم ــات الطبيعي ــة ‪ ،‬وعلى ه ــذا األس ــاس انطل ــق في محاولت ــه لكي يق ــدم تص ــنيفًا من‬
‫ثالثةعشـ ــر نسـ ــقًا قابلـ ــة للتصـ ــنيف كـ ــرة أخـ ــرى وعلى أسـ ــس مغـ ــايرة‪.‬ويمكن توضـ ــح المنظومـ ــات‬
‫العالماتية الثالثة عشر بحسب الجدول اآلتي‪:‬‬

‫عالم ــات س ــمعية‬ ‫الزمان‬ ‫عالمات سمعية‬


‫النص‬ ‫الكلمة‬ ‫‪-1‬‬
‫(الممثل)‬ ‫المنطوق‬ ‫‪-2‬النغمة (النبرة)‬
‫تعب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــير‬ ‫‪-3‬اإليماءة بالوجه‬
‫المك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان‬
‫الجسد‬ ‫‪-4‬اإليماء‬
‫عالمــات بصــرية‬
‫والزمان‬
‫‪-5‬الحركة‬
‫(الممثل)‬
‫عالماتـربصرية‬
‫مظهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫‪-6‬الماكياج‬
‫المكان‬
‫تص ـ ـ ــفيف أو الممث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل‬ ‫‪-7‬‬
‫الممث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل‬

‫تسريحة الشعر الخارجي‬


‫‪-8‬الزي (المالبس)‬

‫الجدول نقًال عن ‪ /‬الين أستون وجورج سافونا ‪ :‬المسرح والعالمات ‪ .‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪. 148‬‬ ‫‪‬‬
‫‪31‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫عالمــات بصــرية‬ ‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــكل‬ ‫‪-9‬اإلكسسوار‬
‫المك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان‬
‫(خارج الممثل)‬ ‫خشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبة‬ ‫‪-10‬الديكور‬
‫والزمان‬
‫المسرح‬ ‫‪-11‬اإلنارة‬

‫ما هو خارج النص‬


‫عالم ــات س ــمعية‬ ‫األصوات‬ ‫‪ -12‬الموسيقى‬
‫الزمان‬ ‫عالمات سمعية‬
‫(خارج الممثل)‬ ‫‪-13‬الم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤثرات غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــير‬
‫اللفظية‬ ‫الصوتية‬
‫( الممثل وتصنيف نظم العالمات )‬
‫وزي ــادة في اإليض ــاح‪،‬ف ــأن دائ ــرة اقتراح ــات(ت ــاديوز ك ــافزان) ك ــانت ق ــد اتس ــعت لتش ــتمل على‬
‫تصنيفات عديدة تنتظم وفق معيارين((أوًال بحسب أساليب االلتقاط من جانب الجمهور‪ ،‬ثم من حيث‬
‫منش ــأها‪،‬ويمكن انطالقـ ـًا من المعي ــار األول أن نح ــدد دس ــتورين كل ــيين أولهم ــا يرم ــز إلى العالم ــات‬
‫الســمعية وثانيهمــا يتنــاول العالمــات البصــرية‪،‬ويمكن على أســاس المعيــار الثــاني أن نمــيز العالمــات‬
‫المتأتيــة من الممثــل وتلــك الواقع ــة خارج ـًا عن الممثــل))"‪ ."1‬لــذا وفي ضــوء هــذين المعيــارين يمكننــا‬
‫توضيح هذه التصنيفات كاآلتي ‪:‬‬
‫‪ -3‬تصنيف العالمات بحسب أساليب االلتقاط من جانب الجمهور ‪:‬‬
‫وتشــمل العالمــات البصــرية والســمعية‪،‬فــاألولى يســتقبلها المتلقي بصــريًا أو عــبر حاســة البصــر‬
‫‪،‬الممثلين ‪ ،‬حركــة الممثــل فــوق خشبةالمســرح ‪ ،‬اإليمــاءات ‪ ،‬الــديكور ‪ ،‬األزيــاء ‪ ،‬الماكيــاج ‪،‬اإلنــارة‬
‫‪،‬التكوينــات‪.‬أمــا الثانيــة–العالمــات الســمعية– فيلتقطهـا المتلقي ســمعيًا –عــبر أذنيــه– الحــوار(الكالم)–‬
‫الموسيقى ‪ ،‬المؤثرات الصوتية ‪.‬‬
‫‪-4‬تصنيف العالمات بحسب منشأها ‪-:‬‬
‫عالمــات لفظيــة وأخــرى غــير لفظيــة (ســمعية وبصــرية) يبثهــا الممثــل بواســطة قنــاتي الجســد‬
‫والص ــوت خالل خط ــاب الع ــرض المس ــرحي–الح ــوار(اإللق ــاء)‪،‬الغن ــاء ‪،‬الص ــفير والض ــجيج ‪،‬األنين‬
‫والتأوهـات والهمهمـات ‪،‬إشـارات صـوتية ‪،‬والحركـة واإليمـاءات ‪..‬الخ ‪.‬وعالمـات تقـع خـارج دائـرة‬
‫الممثـ ــل ‪،‬أي العالمـ ــات المنتميـ ــة إلى العناصـ ــر الفنيـ ــة األخـ ــرى ‪،‬وهي عالمـ ــات سـ ــمعية وبصـ ــرية‪،‬‬
‫كالمؤثرات الصوتية ‪،‬الموسيقى ‪،‬الديكور ‪،‬األزياء ‪،‬الماكياج ‪،‬واإلكسسوار ‪،‬اإلضاءة ‪ ...‬الخ ‪.‬‬
‫‪ -5‬تصنيف العالمات بحسب محوري الزمان والمكان ‪-:‬‬
‫وتش ــمل مجم ــل العالم ــات المرئي ــة أو البص ــرية(المكاني ــة)الفاعل ــة في إط ــار فض ــاء الع ــرض‬
‫المسرحي‪،‬الديكور‪,‬األزياء‪,‬اإلضاءة‪..‬الخ‪.‬بينما تكــون العالمــات الزمانيــة(سـمعية)‪،‬كــالحوار وأسـلوب‬
‫‪ )1(1‬ماري زيادة ‪((:‬النص المسرحي والحداثة)) مجلة الفكر العربي المعاصر(بيروت) العدد ‪ ،45-44‬ربيع ‪ ،1987‬ص‪72-71‬‬
‫‪32‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫اإللقــاء ‪،‬الغنــاء‪،‬الموســيقى‪،‬المــؤثرات الصــوتية‪..‬الخ‪((.‬فكــل رســالة مبثوثــة البــد أن تكــون مركبــة من‬
‫نظـ ــام مكـ ــاني– زمـ ــاني ‪،‬ومثـ ــال صـ ــارخ على ذلـ ــك الرسـ ــائل الزمنيـ ــة اللغويـ ــة في مسـ ــرح بريشـ ــت‬
‫والمس ــجلة على لوح ــات(عن ــاوين)‪،‬إذ إنه ــا رس ــائل زمني ــة مركب ــة من عالم ــات لغوي ــة–مكاني ــة))"‪."1‬‬
‫باإلض ــافة إلى تص ــنيف العالم ــات بحســب مص ــدرها أي ب ــالعودة به ــا إلى ســاحة المنشــئ أو المرســل‬
‫سـ ـ ـ ــواء على مسـ ـ ـ ــتوى خطـ ـ ـ ــاب النص الـ ـ ـ ــدرامي المسـ ـ ـ ــرحي أم على مسـ ـ ـ ــتوى خطـ ـ ـ ــاب العـ ـ ـ ــرض‬
‫المسرحي‪،‬المؤلف‪،‬المخرج‪ ،‬الممثل‪،‬ومجمل المساهمين في إنتاج خطاب العرض المسرحي ‪.‬‬
‫‪ -6‬تصنيف ( بيرس ) للعالمة المسرحية ‪:‬‬
‫وهــو التصــنيف الثالثي الــذي ابتنــاه المنطقي والفيلســوف األمــريكي(تشــارلز ســاندرز بــيرس)‬
‫على أساس عالقة الدال بالمدلول(المصورة والموضوع ‪ ،‬ويمكن تقسيمها على النحو اآلتي ‪-:‬‬
‫أ‪-‬األيقونة – ‪: - Icon‬‬
‫تقوم العالمة االيقونية على تمثيل موضوعها من خالل التشابه والتطابق بين الدال والمدلول ‪،‬‬
‫أي إن التشـ ــابه هـ ــو المبـ ــدأ المهيمن على العالقـ ــة الدالـ ــة الـ ــتي تصـ ــل أو تربـ ــط بين الـ ــدال والمـ ــدلول‪.‬‬
‫((فاإليقونة عالمة ترجع إلى الموضوع الذي تدل عليــه حقيقــة بفضــل مــا تملــك من خصــائص ممــيزة‬
‫لهـا‪ ..‬وعلى الـرغم من ذلـك فـأن أي شـيء‪،‬سـواء كـان كيفيـة وفـردًا موجـودًا أو قانونـًا ‪ ،‬يكـون إيقونـة‬
‫ألي شيء آخر ‪ ،‬بقدر ما يكون شبيهًا له ‪ ،‬وبقدر مايكون قد استخدم كعالقة لــه))"‪ ."2‬ويكــون بإمكــان‬
‫الممثــل أن يحــاكي شخصــية مهــرج هــرم– هي شخصــية مألوفــة في الواقــع – في أدائــه لــدوره الفــني‬
‫ع ــبر عناص ــر التط ــابق والتش ــابه وبواس ــطة قدرات ــه الجس ــدية والص ــوتية ‪ ،‬فتق ــوس الظه ــر والكتفين‬
‫–المه ـ ــرج اله ـ ــرم– في طبائعه ـ ــا‬ ‫واإليق ـ ــاع الح ـ ــركي واإليم ـ ــائي ومحاكات ـ ــه له ـ ــذه الشخص ـ ــية‬
‫وســلوكياتها ســيحقق تشــابهًا أو تطابقـًا بين شخصــية الممثــل نفســه والشخصــية الفنيــة أو الجماليــة الــتي‬
‫يعمل على أدائها ‪ .‬ولكون العالمة في المسرح تتسم بالتشابه والتطابق مع ماتشير إليــه فــأن المســرح‬
‫بالضرورة يعد أرضًا خصبة للعالمة االيقونية ‪،‬فجسد الممثل وصوته أوضح مثال لأليقونــة‪ ،‬وليس‬
‫كل ما هو مرئي في المسرح إيقونة بل ما هو سمعي كذلك‪.‬يوضح(باتريس بافيس) ذلك قــائًال‪((:‬لغــة‬
‫الممثل تعمل كإيقونة حالما يتلفظ بها الممثل))"‪ ."3‬فالممثل يعد نموذجًا متميزًا للعالقــة االيقونيــة الــتي‬
‫تقـوم بينــه وبين الشخصــية الــتي يؤديهــا ‪ ،‬فجسـده وصــوته وثيابــه وماكياجـه وتسـريحته كلهــا عالمـات‬
‫دالة على شخصيته ‪.‬‬

‫‪ )1(1‬زياد جالل ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪. 78‬‬


‫‪ )1(2‬كير إيالم ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪36‬‬
‫ص‪39‬‬ ‫‪ )2(3‬المصدر نفسه ‪.‬‬
‫‪33‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫ب‪ -‬المؤشر ‪-: - index-‬‬
‫وترتكن المؤشرات في ارتباطها بموضوعاتها –وغالبًا ما يكون ارتباطًا فيزيقيًا أو تجاوريًا–‬
‫إلى عالقة سببية تصل بين الدال والمـدلول‪((،‬فالمؤشـر هـو عالمـة تحيـل إلى الشـيء الـذي تشـير إليـه‬
‫بفضـ ــل وقـ ــوع فعـ ــل هـ ــذا الشـ ــيء عليهـ ــا في الواقـ ــع))‪،1‬فاإليمـ ــاءة بالسـ ــبابة لشـ ــخص مـ ــا بـ ــالمجيء أو‬
‫االق ــتراب هي مؤش ــر يرتب ــط في ــه ال ــدال والم ــدلول بعالق ــة أو رابط ــة تجاوري ــه وواقعي ــة بين ال ــدال–‬
‫‪–Signifier‬والم ــدلول– ‪.-Signified‬وتع ــد بعض العالم ــات اللغوي ــة في إط ــار خط ــاب الع ــرض‬
‫المسـ ــرحي مؤشـ ــرات‪،‬على سـ ــبيل المثـ ــال‪،‬أسـ ــماء اإلشـ ــارة مثـ ــل‪،‬هـ ــذا‪،‬هـ ــذه ‪،‬ذلـ ــك ‪،‬ذاك ‪،‬تلـ ــك‪..‬الخ‬
‫‪،‬فالضمائر المتصلة مثل‪:‬أنـا ‪،‬هم‪،‬هـو‪،‬أنت‪..‬الخ‪،‬والظـروف مثـل‪ :‬فـوق‪ ،‬تحت‪ ،‬هنـا‪ ،‬هنـاك‪..‬الخ‪.‬وفي‬
‫حقيقــة األمــر إن العــرض المســرحي يمثــل حقًال خصــبا وغنيـًا بالمؤشــرات الــتي تــترافق وتــتزامن مــع‬
‫العديد من العالمات االيقونيـة والعالمـات الرمزيـة‪((.‬فخنجـر القاتـل وهـو عالمـة ايقونيـة في حـد ذاتـه‬
‫يقــوم أيضـًا بوظيفــة العالمــة االشــارية إذ يشــير إلى طبيعــة الرجــل فهــو هنــا جــزء يشــير إلى كــل))"‪،"2‬‬
‫كمـا إن الـزي الـذي ترتديـه ممثلـة معينـة يشـير إلى ثـراء هـذه السـيدة –الممثلـة– أو فقرهـا– أي إشـارة‬
‫تدل على الحالة االقتصادية واالجتماعية– في حين يكون هذا الزي في حقيقـة أمـره إشـارة دالـة على‬
‫زي معين في الواقع المعاش ‪.‬‬
‫ج‪ -‬الرمز ‪-: - Symbol-‬‬
‫وتعد العالقة بين الدال والمدلول في العالمة الرمزيــة–‪ - Symbol sign‬عالقـة غــير معللــة‬
‫وعرفي ــة–‪ - Conventional‬فال تش ــابه أو ارتب ــاط ف ــيزيقي بين ال ــدال والم ــدلول‪،‬ويع ــرف(هيغ ــل)‬
‫الرمز على انــه((داللـة لكن العالقـة الــتي تقـوم بين المعــنى والتعبــير في العــرض المحض هي عالمـة‬
‫عسفية بحتة ‪ ،‬فهذا التعبير أو هذه الصورة أو هـذا الشـيء الحسـي اليمثـل إال في أدنى الحـدود ذاتـه ‪،‬‬
‫لدا ال يوقظ فينا بـاألحرى إال فكـرة مضـمون غـريب عنـه تمامـًا وال جـامع على اإلطالق بينهمـا))"‪."3‬‬
‫فالحمامـ ــة على سـ ــبيل المثـ ــال رمـ ــز للسـ ــالم بـ ــالرغم من انتقـ ــاء أيـ ــة عالقـ ــة مطابقـ ــة أو عالقـ ــة عليـ ــة‬
‫بين(الحمامة)الرمز وموضوعها ‪ ،‬بل إن الرمز اكتسـب داللتـه تلـك عـبر االسـتعمال العـام والمتـداول‬
‫للعــرف أو التواضــع االجتمــاعي ويعــد خطــاب العــرض المســرحي وبكــل دقائقــه وتفاصــيله نظامــا أو‬
‫نســقًا رمزي ـًا طالمــا إن المتلقي يــرى في مجمــل مجريــات خطــاب العــرض المســرحي وأحداثــه أشــياء‬
‫ترمز إلى أشياء أخرى بصيغة االفتراض أو االتفاق ‪ .‬فــاألداء التمــثيلي في العــرض المســرحي ومن‬
‫خالل استخدامه كعالمة دالة تتمظهــر في هيئــة صــور وأشـكال جديــدة متعــددة ومتنوعــة ال أسـاس لهــا‬
‫‪ )3(1‬سيزا قاسم ‪ ،‬نصر حامد أبو زيد ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص‪252‬‬
‫‪ )4(2‬جوليان هلتون ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪74‬‬
‫‪ )1(3‬هيغل ‪ :‬الفن الرمزي ‪ ،‬ترجمة ‪ :‬جورج طرابيشي(بيروت ‪ :‬دار الطليعة ‪ ،‬موسوعة علم الجمال الهيغلي ‪ .1979‬ص‪11‬‬
‫‪34‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫في الواقع المادي المحسوس(المعاش) لكونها صورًا وأشكاًال تنبثق بإرادة فعل إبــداعي أو خالق في‬
‫نطاق خطاب العرض المسرحي والتي يتم إدراكها حسيًا على مستوى التلقي ‪.‬‬
‫وما يضفي على هذه الصور واألشكال سمة أو طابع الفن ليس إال إلية استخدامها كقنوات فاعلة‬
‫وم ـ ــؤثرة للتعب ـ ــير عن األفك ـ ــار واألحاس ـ ــيس بواس ـ ــطة الرم ـ ــز ‪ ،‬ولكي تتخ ـ ــذ مجم ـ ــل المحسوس ـ ــات‬
‫كاألصوات واإليماءات والحركات فوق خشــبة المســرح صــفة الرمــز فالبــد من العمــل على انتزاعهــا‬
‫وتجريـدها من ارتباطاتهـا أو عالئقهـا الحياتيـة المألوفـة واالنتقـال بهـا من مسـتواها العـادي والمـألوف‬
‫إلى فضــاءات فنيــة جديــدة ومغــايرة تكســبها بعــدًا داللي ـًا مبهــرًا يســتفز ذهن المتلقي وذائقت ـِه الفنيــة أو‬
‫الجمالي ــة من خالل تعالقه ــا الف ــني في إط ــار ش ــبكة رئيس ــة للعالق ــات المعق ــدة في بني ــة نس ــق خط ــاب‬
‫العــرض تركيبيــا ‪ ،‬لــذا يكتســب خطــاب األداء التمــثيلي كعالمــة رمزيــة موقعـًا مركزيـًا مهمـًا ووظيفــة‬
‫إدراكيــة يمكن من خاللهــا توظيــف وقــائع أو أحــداث أو أفكــار منتقــاة من محيــط الحيــاة فيتم اســتيعابها‬
‫وفهمه ــا وإ دراكه ــا عن ــد مســتوى التلقي ع ــبر تجري ــدها وجعله ــا فعًال جمالي ـًا مركزي ـُا قــابًال لإلدراك ‪.‬‬
‫ولك ــون األداء التم ــثيلي في الع ــرض المس ــرحي يعم ــل كعالم ــة رمزي ــة كم ــا أس ــلفنا ‪ ،‬يك ــون باإلمك ــان‬
‫إدراكه وتحليله بنيويًا وفق مستويين ‪ ،‬أولهما مستوى التعبير الــدال ‪ ،‬هــو الجــانب المــادي المحســوس‬
‫‪ ،‬وثانيهما مستوى المضمون(المدلول) الجانب الذهني ‪.‬‬
‫وانطالق ـًا ممــا تقــدم يمكن العمــل على التفريــق بين صــنفين من الرمــز–‪ - Symbol‬الرمزيــة‬
‫العامة ‪ ،‬والرمزية الجماليـة ‪ ،‬بحسـب تسـمية(سـوزان النجـر)‪.‬فالرمزيـة العامـة تعـنى(( بـالرمز الـذي‬
‫يحمل دالالته التي التصقت بالمعنى االجتماعي والتـأريخي الشـائع فهي تشـير إلى واقـع عيـني يعتـبر‬
‫وســيلة اتصــال مباشــرة تســاعد المتلقي بــالتعرف عليــه من خالل الرجــوع إلى داللتــه الثابتــة بــالعرف‬
‫االجتمــاعي ‪ ...‬أمــا الرمزيــة الجماليــة فهي النــوع الــذي يســتند إلى خيــال الفنــان وإ بداعــه ‪ ،‬والتعتمــد‬
‫على فرض عالقة مسبقة بين الرمز والواقع من وجهة نظر تاريخية أو اجتماعية بل إنها تنطلق من‬
‫فهم وتأسيس جديد للشكل لكي يحـدد صــورته اإلبداعيــة بمــدلوٍل واٍف ذي معــنى))"‪ ، "1‬وهـذا مــايمكن‬
‫مالحظته في تجارب إبداعية نأت بنفسها عن المحاكاة والتقليد لتنفتح باتجاهـات تـؤدي إلى فضـاءات‬
‫خصبة في تعبيرها عن الواقع بصيغ تخيلية وإ بتكارية خالقة ‪.‬‬

‫ص ‪56‬‬ ‫‪)1(1‬د‪ .‬عبد الكريم عبود عودة المبارك ‪ ،‬المصدر السابق ‪.‬‬
‫‪35‬‬ ‫الفصل الثاني‬

‫المبحث الثالث‬
‫عالمات األداء التمثيلي‬
‫أوًال ‪ :‬خطاب األداء التمثيلي والنسق ألعالماتي ‪:‬‬
‫يعد خطاب األداء التمثيلي نسقًا سيميائيًا داًال وعنصرًا فنيًا ديناميكيًا فاعًال يتعالق عبر مكوناته‬
‫البنيوية منسجمًا مع مجمـل العناصـر الفنيـة األخـرى المكونـة لخطـاب العـرض المسـرحي – المنتميـة‬
‫أصـ ـًال إلى انس ــاق فني ــة متع ــددة ومختلف ــة– وال ــتي تنص ــهر متفاعل ــة ع ــبر تمفص ــل مكوناته ــا البنيوي ــة‬
‫عالئقيًا ووظيفيًا في بنية نسق خطاب العرض المسرحي ‪.‬‬
‫واألداء التمثيلي في العرض المسرحي رسالة عالماتية تعتمـد جسـد الممثـل وصـوته كقنـاة بث‬
‫مزدوجـ ــة أو ثنائيـ ــة التكـ ــوين تتوجـ ــه في خطابهـ ــا األول ووفـ ــق إطـ ــار آليـ ــة تواصـ ــل معينـ ــة صـ ــوب‬
‫اآلخـر(المشـاركين)في نطـاق األداء التمـثيلي فـوق خشـبة المسـرح سـواء كـان(اآلخـر)شخصـية مفـردة‬
‫معين ــة أو مجموع ــة من الشخص ــيات‪،‬بينم ــا تتوج ــه ه ــذه الرس ــالة المزدوج ــة في خطابه ــا الث ــاني ع ــبر‬
‫مجــرى االتصــال إلى المتلقي وفــق شــفرة– ‪ –Code‬مشــتركة‪،‬حيث يــرتكن في هــذه الرســالة إلى لغــة‬
‫قوامهــا الصــور والرمــوز واإلحــاالت والتأويــل ‪ .‬وإ ذا ماكــان األداء التمــثيلي في العــرض المســرحي‬
‫رســالة دالليــة ‪ ،‬أي مجموعــة من العالمــات الســمعية والبصــرية الدالــة ‪ ،‬فــأن الممثــل في هــذا اإلطــار‬
‫يعـ ــد باث ـ ـًا أومرس ــال رئيس ــيًا ومركزي ـ ـًا لش ــتى أنس ــاق العالمـ ــات الس ــمعية والبصـ ــرية(اللفظيـ ــة وغـ ــير‬
‫اللفظيــة)‪،‬الــتي تشــكل بمجملهــا بنيــة هــذه الرســالة الفنيــة أو الجماليــة الدالــة‪.‬إال إن هــذا الممثــل وحالمــا‬
‫يقــترب أو ينــدمج مــع الشخصــية الخياليــة الالماديــة أو الوهميــة يتحــول حــاًال إلى حقــل خصــب وغــني‬
‫بالعالمات والرموز أللفظية وغير أللفظية ‪ ،‬الطبيعية ‪ ،‬االصـطناعية ‪ ،‬اإلراديـة والالإراديـة ‪ ،‬وقطبـًا‬
‫مركزي ـًا مهم ـًا تتمحــور حولــه مجمــل عناصــر خطــاب العــرض المســرحي فيحيلهــا إلى عالمــات دالــة‬
‫ويــترجم كــل البــنى الرمزيــة إلى ســيميائيات(المكــان‪،‬الــزمن‪،‬الحــوار‪،‬الموســيقى والمــؤثرات الصــوتية‪،‬‬
‫–الشخصــية‪-‬وإ شــاراته‬ ‫األزيــاء ‪ ،‬اإلكسســوارات ‪ ،‬اإلنــارة ‪ ،‬الــرقص فتعــالق عالمــات الممثــل‬
‫المبثوثــة وتفاعلهــا مــع بقيــة عالمــات ورمــوز العناصــر الفنيــة األخــرى الخارجــة عن نطــاق(الممثــل–‬
‫الشخص ــية)يع ــني تحقيقـ ـًا لوح ــدة خط ــاب الع ــرض المس ــرحي وتكامل ــه الف ــني‪،‬فعن ــدما يش ــرع الممث ــل‬
‫بالسعي والعمل على إبتناء الشخصية التي يروم أدائهــا فهــو يــؤثر إحـدى صــيغتين رئيسـيتين لألداء ‪،‬‬
‫فأمــا أن يؤسســها ويبتنيهــا بصــيغة((اإلنش‪DD‬اء)) أوبصــيغة ((التق‪D‬ريب)) ((ويســتوجب((اإلنش‪DD‬اء)) من‬
‫الممثـ ــل السـ ــفر أو الترحـ ــال ‪ ،‬الـ ــذهاب ‪ ،‬للشخصـ ــية أي تغيـ ــير مالمحـ ــه الخاصـ ــة وتبـ ــديل حركاتـ ــه‬
‫وتصــرفاته وصــوته وكــل ســماته الممــيزة يمكن الحــديث في هــذه الحالــة عن تــأليف أو تأســيس لهويــة‬
‫‪36‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪1‬‬
‫جديدة هي هوية المكان الوهمي المسمى بالشخصية))" "‪.‬أما صيغة((التقريب))وهي الصيغة الثانية‬
‫الــتي يؤثرهــا الممثــل في محاولتــه لبنــاء الشخصــية الــتي يــروم أداءهــا((فيتطلب من الممثــل أن يعــير‬
‫الشخصــية بعض أو كــل مميزاتــه الجســمية والصــوتية‪.‬فال ترحــال هنــاك نحــو الكــائن الــوهمي وكأنمــا‬
‫هنــا الشخصــية تســافر نحــو الممثــل))"‪ ."2‬ويبــدو الممثــل في حالــة الصــيغة ((اإلنشائية)) وكأنــه يعمــل‬
‫على التخلي عن ذات ــه وإ لغ ــاء هويت ــه لكي يمنحه ــا لآلخ ــر –الشخص ــية–الخي ــالي فتك ــون حال ــة الممث ــل‬
‫وكأن ــه يق ــول ((أن ــا)) لس ــت((أن ــا)) الش ــخص الم ــادي ب ــل ((ه ــو)) اآلخ ــر الشخص ــية الالمادي ــة‪.‬ومن‬
‫صـ ــيغة((اإلنش ‪DD‬اء)) يمكن أن نستشـ ــف إنهـ ــا صـ ــيغة ترتبـ ــط بطريقـ ــة أومنهج((ستانسالفسـ ــكي))حيث‬
‫يبحث الممثل وبشكل جاد وصادق عن االندماج بالشخصية ‪.‬‬
‫أما بشأن عمل الممثل في إطار صيغة((التقريب))فهــو ال يسـعى إلى التخلي عن ذاتــه أو هويتــه‬
‫الحقيقية لكي يندمج مع الشخصية بل هو يسعى جاهـدًا ليقـترب من هـذه الشخصـية فيتمسـك بهـا حـتى‬
‫يبــدو األمــر وكــأن الشخصــية((هــو)) ليس ((هــو)) اآلخــر‪،‬وإ نمــا((أنــا))الممثــل الكــائن المــادي الــذي‬
‫يتمس ــك به ــا مح ــاوًال أن يهبه ــا ج ــزءًا أو ك ــل س ــماته الجس ــمية والص ــوتية ‪ ،‬فالممث ــل في ه ــذه الحال ــة‬
‫اليتقمص أو ينـ ــدمج مـ ــع الشخصـ ــية ‪ ،‬أي اليوجـ ــد هنـ ــاك انتقـ ــال صـ ــوب الشخصـ ــية ‪ ،‬بـ ــل يبـ ــدو إن‬
‫الشخصية هي التي تتوجـه صــوب الممثــل ‪ ،‬فالشخصــية تعــرض أمــام المتلقي بشـكل تقـديمي ‪ ،‬أي إن‬
‫خطـ ـ ــاب الممثـ ـ ــل‪/‬الشخصـ ـ ــية يوج ـ ـ ـُه إلى المتلقي على النحـ ـ ــو منفصـ ـ ــل عن التـ ـ ــأثيرات العاطفيـ ـ ــة أو‬
‫الغرائزية‪.‬والصيغة((التقريبية))هي مـا نهج عليـه المسـرح الملحمي عنـد(بـريخت)حيث ال إنـدماج أو‬
‫تقمص للشخصــية الوهميــة أو الخياليــة ‪ .‬إال إننــا وفي كلتــا الصــيغتين الســالفتي الــذكر نجــد أن((األداء‬
‫إنمــا هــو جدليــة ‪ ،‬جــدل وحــوار يقــام بين الجســد الحقيقي للمــؤدي والجســد الخيــالي للشخصــية‪.‬واألداء‬
‫القدير هو الذي يسعى إلى التالعب بهذين الجسدين ‪ ،‬راكضًا بين فضائين‪،‬متناسيًا الحدود بين الوهم‬
‫والحقيقــة ‪ ،‬بين الخيــال والواقــع))"‪ ."3‬فالحقيقــة والوه ــم أو الواق ــع والخي ــال–الممثــل‪/‬الشخصــية– همــا‬
‫فض ـ ــاءان إب ـ ــداعيان مت ـ ــاحين بك ـ ــل اتس ـ ــاعهما للممث ـ ــل (الم ـ ــؤدي)كي يثبت فيهم ـ ــا وج ـ ــوده وحقيقت ـ ــه‬
‫الفنيــة‪،‬فالممثــل يعــبر بكينونتــه ووجــوده عن أنيــة الحــدث وعيانيتــه وعن حقيقــة الحيــاة الــتي ينفثهــا في‬
‫الشخصية المنتمية لفضاء خيالي غير مادي هو عالم الغياب والمتجسدة فوق خشبة المسرح أو عــالم‬
‫فضــاء الحضــور المــادي‪،‬عــالم المشــاهدة والعيانيــة بفعــل قــدرات الممثــل(المــؤدي)الجســدية والصــوتية‬
‫ذات ال ــدور ال ــرئيس والفاع ــل في التعب ــير عن الفع ــل س ــمعيًا وبص ــريًا في نط ــاق الفض ــاء المس ــرحي‪،‬‬

‫‪ )1(1‬محمد مؤمن‪:‬نحو مقاربة عالمتية ألداء الممثل المسرحي( فضاءات مسرحية – المسرح الوطني التونسي – وزارة الشؤون‬
‫الثقافية العدد ‪ 1986 ، 7/8‬ص ‪11‬‬
‫‪ )2(2‬المصدر نفسه ‪ .‬ص ‪. 11‬‬
‫‪ )3(3‬المصدر نفسة ‪ .‬ص ‪. 11‬‬
‫‪37‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫فتـواجد الممثل‪/‬الشخصية كعنصر فني مركـزي دال بين عناصـر ماديـة مـؤازرة هي العناصـر الفنيـة‬
‫األخــرى الداخلــة النســاق دالليــة متفاعلــة في بنيــة العــرض المســرحي يؤكــد أن إدراك حقيقــة خشــبة‬
‫المسرح قد انبلج في ذات الزمكان الذي سينطلق فيـه الحـدث‪،‬لـذا يمكن إدراك خطـاب األداء التمـثيلي‬
‫في العرض المسرحي كرسالة تتشكل من عالمات سمعية وبصرية(لفظية وغير لفظية)يبثها الممثــل‬
‫إلى المتلقي وفق مجرى االتصال عــبر شـفرة– ‪ – code‬مشـتركة بينهمــا‪.‬وتعتمــد هــذه الرسـالة جسـد‬
‫الممث ــل وص ــوته كقن ــاة مزدوج ــة ووس ــيلة هام ــة وفاعل ــة في عملي ــة البث‪.‬وانطالقـ ـًا من ه ــذه النظ ــرة‬
‫المزدوجة لنسق سـيميائي دال كخطـاب األداء التمـثيلي يمكن القـول إن أداء الممثـل الحي فـوق خشـبة‬
‫المســرح يتجلى في منظومــتين ســمعية وبصــرية(لفظيــة وغــير لفظيــة) تتالزمــان وتتجانســان كوحــدة‬
‫س ــيميائية دال ــة ب ــالرغم من االختالف أو ع ــدم التش ــابه الظ ــاهر بين ه ــاتين المنظوم ــتين‪.‬والمنظوم‪DD‬ة‬
‫األولى هي((الجسد وتشمل(الحركة والتحرك)وهي تدخل في إطار العالمات البصــرية‪.‬والمنظومة‬
‫الثانية هي الصوت وتشـمل(الكالم‪،‬اإللقـاء‪،‬النـبرة)وهي تـدخل في إطـار العالمـات السـمعية‪،‬واليمكن‬
‫عزل المنظومين عن بعضهما‪،‬فكل منهما متممة لألخرى مشكلة وحدة سيميائية منسجمة ))"‪. "1‬‬

‫انساق عالمات األداء التمثيلي في العرض المسرحي‬

‫العالمات البصرية‬ ‫العالمات السمعية‬

‫الحركة اإليماءات‬
‫الكالم‬
‫اإللقاء‬
‫النبرة‬

‫ومما الشك فيه إن فاعلية الممثل وأهميتـه تتـأتى من كونـه وحـدة ديناميكيـة دالـة غنيـة بالعالمـات‬
‫ترسيمة رقم ( )‪6‬‬
‫صــية)الــذي يؤديــه ‪،‬ولعــل‬
‫الدور(لشخ )‬ ‫وتباينها بنية‬
‫السمعية والبصرية‬ ‫من تعددها‬
‫منظومتا الممثل‬ ‫السمعية والبصرية التي تشكل وبالرغم (‬
‫العالمــات اللفظيــة هي أهم مصــادر إرســال الممثــل‪،‬إذ إن((التعبــير اللغــوي في المســرح هــو بنيــة من‬
‫الرموز المتركبة ليس فقط من رموز الخطاب وإ نما أيضًا من رموز ودالالت أخرى‪،‬فمثًال الخطاب‬

‫‪ )1(1‬زياد جالل ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪. 85‬‬


‫‪38‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫المسرحي الذي ينبغي أن يكون رمزًا أو داللـة عن الوضـع االجتمـاعي لشخصـية مـا ترافقـه حركـات‬
‫الممثل تكمله المالبس والديكور‪...‬التي هي أيضًا رمز لوضع اجتماعي معين وداللة عليه))"‪. "1‬‬
‫إذ اليمكن للعالمــات اللفظيــة أن تنــبري فــوق خشــبة المســرح بــانعزال تــام عن العالمــات غــير‬
‫اللفظية ‪ ،‬فالعالمات البصرية التي تعد المادة األولية أو الوحـدات األساسـية للغـة جسـد الممثـل تنـدمج‬
‫وتنســجم مــع العالمــات الســمعية الــتي يرســلها الممثــل كملفوظــات دالــة حين ـًا وتتقــاطع أو تتنــافر حين ـًا‬
‫آخر‪.‬فقد تدعم حركة معينة أو إيماءة بعينها مدلوًال لفظيًا أو كالميًا للممثل ترافقها العالمات السمعية‬
‫والبصرية المتعلقة بالعناصر الفنية األخرى المكونة لخطاب العرض المسـرحي‪.‬لـذا فخطـاب أو لغـة‬
‫الجسد لدى الممثل التعمـل بانفصـال عن لغـة الممثـل اللفظيـة–بغض النظـر عن العـروض المسـرحية‬
‫اإليمائيــة– فكال الخطــابين يعمالن منصــهرين في بوتقــة الممثــل كونــه عالمــة مركزيــة ونقطــة التقــاء‬
‫المختل ــف انس ــاق العالم ــات الس ــمعية والبص ــرية الناش ــطة في تحقي ــق س ــمات وهوي ــة الشخص ــية ال ــتي‬
‫يسعى الممثـل إليصـالها إلى المتلقي‪.‬وانطالقـًا من هـذه الرؤيـة المزدوجـة لخطـاب األداء التمـثيلي في‬
‫نطاق اإلرسال يمكننا إدراك خطاب الممثل‪/‬الشخصية كعالمة متسقة ومركبة كونهــا تعتمــد عالمــات‬
‫متعــددة ومتنوعــة ومتباينــة‪،‬أي العالمــات اللفظيــة(الســمعية)والعالمــات غــير اللفظيــة(الجســدية)‪.‬فكالم‬
‫الممثل في نطاق العرض المسرحي يعد اسلوبًا إلقائيًا مشـفرًا يعتمـد في تحديـده للشخصـية المسـرحية‬
‫والمكان والفعل على المهارة المسرحية‪،‬ويقصد بالمهارة المسرحية((هي ذلك الفعــل الــذي يتمثــل في‬
‫إعط ـ ــاء((مع ـ ــادل ص ـ ــوتي))ل ـ ــدال الملف ـ ــوظ اللغ ـ ــوي المكت ـ ــوب و((مع ـ ــنى))هن ـ ــا واآلن لم ـ ــدلول ذل ـ ــك‬
‫الملفوظ))"‪ ."2‬ومن خالل قراءة الممثل لخطـاب النص وإ دراكـه لخطـاب الشخصـية كـدال نصـي البـد‬
‫من أن يخلــق نوع ـًا من التقــارب أو التطــابق بين طبيعــة طبقتــه الصــوتية وبين اســلوب ونمــط الطبقــة‬
‫الصـوتية الـتي يجب أن تتـوافر عليهـا الشخصـية‪.‬السـيما وان فن التمثيـل((يقـوم على دعـامتين أولهمـا‬
‫تص ـ ــوير شخص ـ ــية ال ـ ــدور واالمتالء به ـ ــا ‪ ،‬ثانيهم ـ ــا التعب ـ ــير عن ذل ـ ــك التص ـ ــوير باإللق ـ ــاء واإليم ـ ــاء‬
‫والحركة))"‪ ."3‬فيتحدد اسلوب األداء الصوتي على أساس من قوة الصوت المستخدم وطبقته وكــذلك‬
‫اإليقاع السمعي ويقصد باإليقـاع في العـرض المسـرحي ((التجربـة الـتي نتلقاهـا حين ينسـق تتـابع من‬
‫االنطباعات السمعية والبصرية في مجموعات متواترة ذات نبرة خاصة وتتميز هذه التجربة بــإرادة‬
‫من جانبنا لتكييف أنفسنا وجدانيًا وعقليًا حتى تتمشى مــع المجموعــات ذات النــبرة الخاصــة هــذه الــتي‬

‫‪ )1(1‬بيتر بوغاتيريف ‪ ،‬وآخرون ‪-:‬المصدر السابق ص‪. 46‬‬


‫‪ )2(2‬محمد مؤمن ‪ :‬المصدر السابق ص ‪. 15‬‬
‫‪)1(3‬سامي عبˆد الحميˆد وبˆدري حسˆون فريˆد‪:‬فن اإللقˆاء‪/‬ج‪(2‬الجمهوريˆة العراقيˆة‪:‬وزارة التعليم العˆالي والبحث العلمي‪،‬جامعˆة‬
‫الموصل) ‪ . 1980 ،‬ص ‪. 9‬‬
‫‪39‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫نراها ونسمعها))" "‪.‬فلغة جسد الممثل التي ترتكز على القدرات التعبيريـة لجسـد الممثـل في مخاطبـة‬ ‫‪1‬‬

‫المتلقي الذي اليتفاعل مع الدالالت السـمعية وحسـب‪،‬بـل هـو يتفاعـل مـع الوقـائع واألحـداث واألفكـار‬
‫واألش ــياء المتش ــكلة في إط ــار الفض ــاء المس ــرحي س ــعيًا وبص ــريًا‪،‬فحرك ــة الممث ــل وإ يماءات ــه تع ــد من‬
‫المصــادر المهمــة إلرســال الممثــل‪،‬والحركــة هي((نتــاج عمليــة نقــل وتوصــيل األفكــار والمشــاعر إلى‬
‫الجمهــور من عناصــر األداء ‪ ،‬فهي التعبــير المــرئي عن الفكــر والتجســيد الحي للفعــل))"‪."2‬كمــا يمكن‬
‫تعريف الحركة كعنصر مهم من بين عناصر إخراج العرض المسرحي على إنهـا((صورة المســرح‬
‫في حالـة الفعـل وهي تشـمل لحظـات التصـور في مظاهرهـا الدائمـة التغيـير))"‪."3‬فحركـة الممثـل فـوق‬
‫خشــبة المســرح‪،‬من انحنــاءة للجســم‪،‬ومشــية بخطــوات مرتبكــة ومضــطربة‪،‬ورفــع اليــدين‪ ،‬واإليمــاءة‬
‫بالوجـ ــه تعـ ــد عالمـ ــات تنم عن وعي واضـ ــح وقص ـ ـٌد بإرسـ ــال المعـ ــنى صـ ــوب المتلقي‪،‬وال تعـ ــد هـ ــذه‬
‫العالمات سواء كانت سمعية أو بصرية ذات طبيعة مرتجلة على اإلطالق‪،‬بل هي عالمــات ورمــوز‬
‫تخضع للتقنين الدقيق‪،‬أي إنها عالمات إرادية دالة‪.‬فقد يتم استقبال العالمات الالإرادية الصادرة عن‬
‫الممثــل ســمعية كــانت أو بصــرية– بفعــل عاهــة أو إصــابة أو مــرض معين أو لخطــأ طــارئ على إنهــا‬
‫عالمات مقصودة– من طرف المتلقي على إنها عالمات إرادية ‪.‬‬
‫لــذا نجــد إن حركــة الممثــل فــوق خشــبة المســرح ال ترتبــط بمشــار إليــه محــدد في الواقــع بشــكل‬
‫مباش ــر أو إنه ــا تط ــابق للع ــالم الخ ــارجي‪،‬ب ــل هي فع ــل إرادي قص ــدي وواع ي ــراد ب ــه إيص ــال للمع ــنى‬
‫ويرتبط بالسـياق العـام لخطـاب األداء التمـثيلي في العـرض المسـرحي‪.‬عمومـًا يبقى الممثـل الحي هـو‬
‫المرســل الحقيقي والــرئيس لخطــاب الشخصــية اللفظي وغــير اللفظي فــوق خشــبة المســرح ‪ ،‬الســيما‬
‫وان خطــاب الشخصــية ينبــني أصـًال على أســاس من عالمــات لفظيــة(دال نصــي) ومن ثم يتم التعبــير‬
‫عنه بواسطة عالمات أو إشارات لفظية وغير لفظية(صوتية وحركية) يتبناها الممثل بفضـل قدراتـه‬
‫–الخطــاب–‬ ‫الجســدية والتعبيريــة لتمثــل خطابــه الفــني الــدال فــوق خشــبة المســرح ‪،‬والــذي هــو‬
‫بالضرورة يتشكل من عناصر أساسية فاعلة ايقونية ورمزية واشارية(طبيعية واصطناعية) ‪.‬‬
‫ويتعالق خطاب األداء التمثيلي في نطاق العرض المسرحي بأنساق عالماتيـة سـمعية وبصـرية‬
‫أخــرى(إنــارة‪،‬ديكــور‪،‬موســيقى‪ ،‬ماكيــاج‪...‬الخ) لــذا تكــون مجمــل العالمــات أو اإلشــارات المحسوســة‬
‫فوق خشبة المسرح هي الممثل الرئيس لخطاب النص المسرحي‪،‬فتكون هذه العالمات أو اإلشارات‬
‫قد جمعت بين الالمحسـوس‪،‬أو بين عـالمي النص والعـرض‪،‬الخيـال والواقـع ‪ .‬على هـذا النحـو يكـون‬

‫‪)2(1‬الكسندر دين ‪:‬أسس اإلخراج المسرحي‪ ،‬ترجمة‪ :‬سعدية غنيم(القاهرة‪:‬المجلس األعلى للثقافة‪،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب)‬
‫‪ . 1982‬ص ‪. 353‬‬
‫‪ )3(2‬جوليان هلتون ‪ :‬المصدر السابق ‪.‬ص‪185‬‬
‫‪ )4(3‬الكسندر دين ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪. 275‬‬
‫‪40‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫النص األدبي المسرحي عنصرًا أساسيًا مهمًا وبشتى عالماته اللفظية المستنطقة للفضاء المســرحي‬
‫أو المكونة والعاملـة في نطاقـه ‪.‬فـالنص وهـو((مجموعـة من العالمـات الـتي تنقـل في وسـط معين من‬
‫مرسل إلى متلق بإتباع شـفرة أو مجموعـة من الشـفرات))"‪."1‬وبـأي حـال من األحـوال تكـون السـمات‬
‫األدبي ــة للنص المس ــرحي متغلغل ــة في بني ــة خط ــاب الع ــرض المس ــرحي ب ــالرغم من هيمن ــة العناص ــر‬
‫الدرامية المسرحية على هذه البنية‪.‬ولهذا وبـالرغم من الجـدل القـائم حـول ماهيـة العالقـة بين خطـابي‬
‫النص والع ـ ــرض المس ـ ــرحيين أو أرجحي ـ ــة ك ـ ــل منهم ـ ــا على اآلخ ـ ــر‪،‬يبقى خطاب ـ ــا النص والع ـ ــرض‬
‫المسرحيين قطبين استراتيجيين متالزمين ومتكــافئتين في الفن المســرحي‪.‬لــذا وألهميــة النص األدبي‬
‫في العــرض المســرحي أو الجــانب األدبي في العــرض المســرحي‪،‬فقــد اعتمــدت نمــاذج هيكليــة عديــدة‬
‫لدراسـ ــة وتحليـ ــل بنيـ ــة أي عمـ ــل أدبي‪،‬ولعـ ــل ابـ ــرز نمـ ــوذج لدراسـ ــة األفعـ ــال في مجـ ــال الدراسـ ــات‬
‫السيميولوجية التي عنت بحقول الدراما والمسرح‪،‬جاء عـبر جهـود الناقـد الفرنسـي(أ‪.‬جريمـاس)حيث‬
‫أقدم على طرح انموذج فاعلي مهم عمـد فيـه إلى تطـوير نمـاذج تحليليـة سـابقة اقـل مرونـة ووضـوحًا‬
‫ولم تع ــر الفع ــل ال ــدرامي اهتمامـ ـًا‪،‬وال ــتي طرحه ــا ك ــل من(فالديم ــير ب ــروب‪، F.propp ،‬وس ــوريو‪،‬‬
‫‪، Souriou‬وق ـ ـ ــد ج ـ ـ ــاءت طروح ـ ـ ــات الناق ـ ـ ــد الفرنس ـ ـ ــي(أ‪.‬جريم ـ ـ ــاس‪)Greimas ،‬ع ـ ـ ــبر نموذج ـ ـ ــه‬
‫ألفــاعلي‪،‬المهم هــذا في كتابــه(علم الداللــة البــنيوي)وصــار يســمى بنمــوذج(جريمــاس)‪((،‬إذ بينمــا كــان‬
‫هدف بـروب هـو دراسـة نـوع بعينـه من القص‪،‬فـان هـدف جريمـاس هـو الوصـول إلى القواعـد الكليـة‬
‫للقص عمومـ ـ ـًا‪،‬عن طري ـ ــق تط ـ ــبيق التحلي ـ ــل ال ـ ــداللي لبني ـ ــة الجمل ـ ــة على ه ـ ــذه القواع ـ ــد))"‪ ."2‬وق ـ ــد‬
‫ارتكن(أ‪.‬جريماس)في نموذجـه ألفـاعلي الـذي قسـمه إلى سـتة عناصـر مكونـة تعمـل كـأدوات مسـاعدة‬
‫على التحليــل‪ ،‬وتثبت هــذه العناصــر الســتة الــتي يطرحهــا(أ‪.‬جريمــاس)في نموذجــه وهي((المرســل–‬
‫المرسل إليـه–ذات فاعلـة– هـدف–مسـاعد– معـارض‪،‬في كـل نص ممـا يـؤدي إلى الوصـول لعناصـر‬
‫بنية كل نص من خالل هذه العالقات‪،‬ثم رصد التحويالت الــتي تطــرأ على البنيــة الكليــة في كــل نص‬
‫وأسباب التحوالت التي تلحق بأنســاقها))"‪."3‬فنجــد إن(أ‪.‬جريمــاس) ال يبحث في النتاجــات الفرديــة‪،‬بــل‬
‫هو يبحث عن المعنى الذي هو أصًال ينبثق من داخل العالقات المعقــدة والمتشــابكة وليس من خــارج‬
‫ه ـ ـ ــذه العالق ـ ـ ــات‪.‬وح ـ ـ ــول الكيفي ـ ـ ــة ال ـ ـ ــتي يكنن ـ ـ ــا التعام ـ ـ ــل به ـ ـ ــا م ـ ـ ــع نمـ ـ ـ ــوذج(أ‪.‬جريـ ـ ـ ــماس)ألف ـ ـ ــاعلي‬
‫هـ ــذا‪،‬يشيـ ــر(ب ــاتريس ب ــافيس)إلى إنن ــا((نق ــوم أوال بإع ــادة بن ــاء نم ــوذج العوام ــل في نقط ــة معين ــة من‬
‫المســرحية‪،‬محــددين العالقــات بين الشخصــيات ‪،‬مــع تحديــدنا لكــل من الفاعــل والمفعــول بــه‪،‬أو الــذي‬

‫‪ )1( 1‬روبرت شولز ‪ :‬السيمياء والتأويل ‪ ،‬ترجمة ‪ :‬سعيد الغانمي ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1994‬ص ‪. 251‬‬
‫‪) 2(2‬عصام الدين أبو العال‪:‬مدخل إلى دراسة علم العالمات‪،‬مجلة المسرح‪،‬القاهرة‪:‬العدد‪ ،76‬مارس ‪1995‬الهيئة المصرية للكتاب‬
‫ص ‪. 54‬‬
‫‪ )1( 3‬سامية حبيب ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪69‬‬
‫‪41‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫يتطــرق إلى الوصــول إليــه بفعلــه وكــذلك العوامــل المســاعدة والعوامــل المعارضــة‪،‬وعنــد حــدوث أي‬
‫تغيير على هذه النموذج األولي–حينما تكتسب العوامل قيمًا جديدة أو تتخذ وضعًا جديدًا داخل العالم‬
‫ال ــدرامي‪ ،‬فمح ــرك الح ــدث يمكن مثًال أن يتح ــول من ش ــخص ألخ ــر‪،‬أو تتغ ــير اس ــتيراتيجية العوام ــل‬
‫المعارضــة والعوامــل المســاعدة‪.‬إن الحــدث ينتج عن تغــير المتغــير أو الــدينامي‪،‬الــذي يــتيح االنتقــال–‬
‫بطريقـ ـ ـ ـ ــة منطقيـ ـ ـ ـ ــة وزمنيـ ـ ـ ـ ــة–من موقـ ـ ـ ـ ــف آلخـ ـ ـ ـ ــر))"‪."1‬وهـ ـ ـ ـ ــذه النظـ ـ ـ ـ ــرة الثاقبـ ـ ـ ـ ــة من(بـ ـ ـ ـ ــاتريس‬
‫بافيس)لطروحات(أ‪.‬جريماس) في نموذجـه الهيكلي الــدقيق هــذا‪،‬سـتقودنا بالضــرورة إلى تطــبيق آليــة‬
‫عمل هذا النموذج على عينه التحليل(النص المسرحي)خطـوة فخطـوة‪،‬موقفـًا اثـر موقـف‪،‬للكشـف عن‬
‫مجمـ ــل التغـ ــيرات أوالتحـ ــوالت الـ ــتي تطـ ــرأ على النص المسـ ــرحي من مطلعـ ــه إلى ختامـ ــه‪.‬ويمكننـ ــا‬
‫توض ــيح نم ــوذج(أ‪.‬جريم ــاس)بعرض ــه وفـ ــق الترس ــيمة التالي ـ ــة"*"‪-:‬وه ــذه الترس ــيمة الهندس ــية ال ــتي‬
‫يستخدمها نموذج (أ‪.‬جريماس) الفاعلي تبين نمط العالقات القائمة بين عالماته سلبًا وايجابًا‪-‬‬
‫مرسل إليه‬ ‫مرسل‬

‫ذات فاعلة‬
‫الفعل‬

‫ترسيمة رقم (‪)7‬‬


‫هدف‬
‫(نموذج أ ‪ .‬جريماس ألفاعلي )‬
‫معارضقــة على دراســة وتحليــل‬
‫ـوذج(أ‪.‬جريمــاس) ألفــاعلي وقدرتــه الفائ‬
‫بــالرغم من فاعليــة ومرونــة نمـ‬
‫مساعد‬
‫الفعـ ــل الـ ــدرامي بخالف(فالديمـ ــير بـ ــروب‪،‬وسـ ــوريو)إال إن نمـ ــوذج(أ‪.‬جريمـ ــاس)لم يسـ ــلم من بعض‬
‫االنتقادات التي وجهتها(آن اوبرسـفيلد) لجـوانب من طروحـات(أ‪.‬جريمـاس)في نموذجـه ألفـاعلي‪.‬فقـد‬
‫أدخلت(آن اوبرســفيلد) بعض اإلضــافات والتعــديالت على هــذا النمــوذج في إطــار المســتوى النظــري‬
‫حيث عملت(آن اوبرسفيلد)على تغيير موقعي(الفاعل والمفعول به) أي إحالل كل واحد منهما محــل‬
‫اآلخر‪،‬يقول(باتريس بافيس)بشأن هذا التغيير‪((:‬إن هذا التغيير البسيط قد غــير تغيــيرًا جــذريًا طريقــة‬
‫أداء النموذج‪،‬فبالنسبة لجريماس‪ :‬فأننا ال ننطلق من الفاعل الذي يتم بناؤه بطريقة واعيـة من مرسـل‬
‫باتجاه مستقبل‪،‬كما إن الفاعل لم يكن ليتحدد إال في نهاية المطــاف ‪ ،‬وفقـًا لرحلــة البحث عن المفعــول‬
‫‪.Object‬كــان لهــذا المفهــوم مــيزة بنائــه الثنــائي(الفاعــل‪/‬المفعــول) تــدريجيًا إن تعريــف الفاعــل ليس‬
‫بوصفه فـاعًال وإ نمـا وفقـًا ألفعالـه الماديـة الملموسـة ‪ .‬إننـا نوشـك – من خالل نمـوذج اوبرسـفيلد– أن‬

‫‪)2( 1‬عصام الدين أبو العال ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪54‬‬


‫(*)الترسيمة نقًال عن ( سامية حبيب ) داللة المقاومة في مسرح عبد الرحمن الشرقاوي ‪.‬‬
‫‪42‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫نرفـ ـ ـ ـ ــع من قيمـ ـ ـ ـ ــة الفاعـ ـ ـ ـ ــل‪،‬وان نجعـ ـ ـ ـ ــل منـ ـ ـ ـ ــه عنصـ ـ ـ ـ ــرًا بـ ـ ـ ـ ــارزًا يسـ ـ ـ ـ ــهل التعـ ـ ـ ـ ــرف عليـ ـ ـ ـ ــه من‬
‫قبـ ــل(المرسـ ــل‪/‬المسـ ــتقبل)‪ )..(...‬ال وجـ ــود الفاعـ ــل مسـ ــتقل في نص مـ ــا‪،‬وإ نمـ ــا يتواجـ ــد في المحـ ــور‬
‫(الفاعل – المفعول) ))"‪. "1‬‬
‫مستقبل‬ ‫مفعول‬ ‫مرسل‬

‫معارض‬ ‫فاعل‬ ‫مساعد‬


‫( نموذج آن أوبرسفيلد ألفاعلي‪) ‬‬
‫ترسيمة ( )‪8‬‬
‫ويمكن مالحظة االختالف في طبيعة العالقة القائمة بين( الفاعـل‪/‬المفعـول) عند‬
‫(اوبرسفيلد)وبحسب األسهم أعاله‪،‬هي عالقة تبادلية وليست في مجرى أو مستوى واحد كما هو‬
‫الحال عند(أ ‪.‬جريماس)‪ .‬لذا ومن خالل الطبيعة الديناميكية والمرنة لنموذج(اوبرسفليد) ألعواملي‬
‫أو ألفاعلي يمكن القول إن أي موقف من المواقف الجديدة يتخذ لنفسه نموذجًا فاعليًا يناسبه ‪ ،‬أي‬
‫إن كل ما يحدث ويشاهد فوق خشبة المسرح هو مجموعة من العوامل الفاعلية أو العواملية‬
‫المحركة ‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ :-‬المخرجون وتوظيف عالمات األداء التمثيلي‬


‫مدخــل ‪-:‬‬
‫لقــد تهيــأت الظــروف المالئمــة لإلنســان كي ينطلــق بوعيــه الفلســفي والجمــالي المتمخض عن‬
‫التطورات الهائلة والواسعة التي انبلجت في أواخر القرن التاسع عشــر ومطلــع القــرن العشــرين في‬
‫المجـاالت العلميـة والفكريـة ‪ ،‬فقـد ارتكن ذلـك اإلنسـان إلى البحث الـدؤوب عن بـنى جديـدة في شـتى‬
‫الحقول والسيما في حقلي األدب والفن لـذا نهضـت مـذاهب ومـدارس واتجاهـات أدبيـة وفنيـة جديـدة‬
‫تحمـل في صـلبها روح العصـر وطابعـه وإ رهاصـاته وتسـاؤالت اإلنسـان وموقفـه بمواجهـة العـالم و‬
‫اآلخر ‪.‬‬
‫ففي نطــاق الفن المســرحي الــذي شــهد عــبر ســيرورة تأريخــه الطويــل تحــوالت كبــيرة أدت إلى‬
‫انبثــاق مــدارس واتجاهــات عديــدة ومتنوعــة كاالتجــاه الــواقعي الــذي اعتمــد في تناولــه لخطــاب األداء‬
‫التمثيلي في العرض المسرحي الحـديث على التشـابه والتطـابق كسـمات للعالقـات البنيويـة الـتي تقـوم‬
‫بين العالمات السمعية والبصرية التي تبثها الشخصية عــبر أداء الممثــل الجســدي والصــوتي والواقــع‬
‫‪)1( 1‬عصام الدين ابو العال ‪ :‬المصدر السابق ص ‪. 55‬‬
‫‪) * ( ‬الترسيمة نقًال عن المصدر نفسه ‪.‬‬
‫‪43‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫اقرب مـا تكـون للتصـوير الفوتـوغرافي‪،‬إال إن اتجاهـات ومـدارس مسـرحية عديـدة أخـرى سـعت إلى‬
‫تخطي االتجـ ــاه الـ ــواقعي في الفن المسـ ــرحي بهـ ــدف ترسـ ــيخ مطلقاتهـ ــا الفلسـ ــفية والجماليـ ــة وفهمهـ ــا‬
‫وإ دراكهـ ــا لألداء التمـ ــثيلي في العـ ــرض المسـ ــرحي بشـ ــكل خـ ــاص من خالل طروحاتهـ ــا وتجاربهـ ــا‬
‫التطبيقية المتعددة والمتنوعة والتي تتفق والمنظور الفلسفي والجمالي الخاص باتجاه من االتجاهــات‬
‫أو بتيار من التيارات‪.‬ولكون األداء التمثيلي في العرض المسرحي ينطوي على أبعاد دالليــة متعــددة‬
‫ومتنوعــة في الفضــاء المســرحي من خالل القــدرات الجســدية والتعبيريــة الــتي يتــوافر عليهــا الممثــل‬
‫الحي‪،‬فـ ــأن هك ـ ــذا خط ـ ــاب دين ـ ــاميكي فاع ـ ــل يك ـ ــون ه ـ ــو العنص ـ ــر ال ـ ــرئيس في التعب ـ ــير عن األش ـ ــياء‬
‫والموضوعات واألفكار في كون الفضاء المسرحي وتصويرها زمكانيًا ‪.‬‬
‫من هنا تأتي أهمية خطاب األداء التمـثيلي في فضـاء العـرض المسـرحي الـذي يكتسـب حقيقتـه‬
‫ووجـ ــوده ومعنـ ــاه من فاعليـ ــة خطـ ــاب األداء التمـ ــثيلي وديناميكيتـ ــه‪.‬وقـ ــد طبـ ــع العديـ ــد من الخـ ــرجين‬
‫الطليعــيين أســماءهم في صــفحات ســجل تــاريخ المســرح الحــديث من خالل تنظــيراتهم وطروحــاتهم‬
‫المنهجيــة وتجــاربهم الفنيــة والــثرة الــتي أكــدت رؤاهم ذات الطــابع أالكتشــافي القــائم أو المرتكــز على‬
‫منطق ــاتهم الفلس ــفية والجمالي ــة لفن المس ــرح بش ــكل ع ــام وفن األداء التم ــثيلي في الع ــرض المس ــرحي‬
‫بشـ ــكل خـ ــاص‪.‬ولعـ ــل ابـ ــرز المخـ ــرجين الطليعـ ــيين في سـ ــيرورة االكتشـ ــاف المسـ ــرحي‪،‬قسـ ــطنطين‬
‫ستانسالفس ـ ـ ـ ــكي ‪ ،‬وفيس ـ ـ ـ ــفولد مايرخول ـ ـ ـ ــد ‪ ،‬وانتون ـ ـ ـ ــان ارت ـ ـ ـ ــو ‪ ،‬وبرتول ـ ـ ـ ــد ب ـ ـ ـ ــريخت ‪ ،‬وج ـ ـ ـ ــيرزي‬
‫جروتوفســكي‪..‬وغ ــيرهم ‪.‬ومن خالل ط ــرقهم وأســاليبهم في التنظ ــير بخص ــوص العالم ــة المســرحية‬
‫نكتش ــف تن ــوع التوظي ــف األدائي للممث ــل الحي انطالق ـًا من الفك ــر الجم ــالي ال ــذي يتبن ــاه المخ ــرج في‬
‫تعامله مع الممثل في إطار خطاب العرض المسرحي ‪.‬‬
‫أوًال‪ -:‬قسطنطين ستانسالفسكي ) ‪K . Stanislavski ( 1863 - 1938‬‬
‫عمد(ستانسالفسكي)إلى إقامة صرح لعلم مسرحي جديد عبر تنظيراته التي جاءت في نطاق‬
‫طريقته أو منهجـه الـذي سـعى من خاللـه إلى اعتمـاد وسـائل وأدوات بحثيـة وتحليليـة تتعلـق بمعـارف‬
‫وعلــوم إنســانية عديــدة كعلم االجتمــاع‪ ،‬والوراثــة ‪،‬وعلم النفس هادف ـًا إلى الوصــول أو الوقــوف على‬
‫الكيفية أو الطريقة التي يتم وفقها إعداد الممثـل لنفسـه ودوره أو الشخصـية الخياليـة (الالماديـة) الـتي‬
‫يروم الدخول إليها فيتقمصـها أو يتمـاهى معهـا وفـق تقنيـة نفسـية تمكنـه من بث الـروح اإلنسـانية فيهـا‬
‫ليصـورها تصـويرًا طبيعيـًا صـادقًا وخالقـًا مفعمـًا باإليمـان وبمنـأى عن أيـة حالـة من حـاالت المبالغـة‬
‫والتكلف في األداء ‪.‬‬
‫وقد ارتكز(ستانسالفسكي)في مجمل دراساته وبحوثه وتدريباته في كنف المختبر المسرحي في‬
‫(مســرح الفن بموســكو) على طروحــات علمــاء النفس(( في موضــوع الفعــل المنعكس وتــأثير الفعــل‬
‫‪44‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫ال ــداخلي على ش ــكل وص ــورة الفع ــل الخ ــارجي للممث ــل من خالل الدراس ــة الدقيق ــة للفعالي ــات البدني ــة‬
‫وت ــأثير ال ــوعي والالوعي في ص ــياغتها كفع ــل خالق وتوص ــل بالنتيج ــة إلى ه ــدف المس ــرح مرك ــزًا‬
‫اهتمامـ ــه على المكونـ ــات الجسـ ــدية والحسـ ــية في دراسـ ــة موضـ ــوع اإلحسـ ــاس الـ ــداخلي والخـ ــارجي‬
‫واالســترخاء والتــوتر والتركــيز والــذاكرة االنفعاليــة ‪ ،‬باإلضــافة إلى دراســته للصــوت واإللقــاء))"‪."1‬‬
‫من هن ــا انطل ــق(ستانسالفس ــكي) معتم ــدًا ق ــوانين الفن الخالق للمس ــرح وال ــتي هي ليس ــت إال محاول ــة‬
‫((تحت تــأثير‬ ‫للوصول إلى هدفه في تحقيق األداء الطــبيعي ‪ ،‬وقــد انبثــق منطلــق األداء الطــبيعي‬
‫روح البحث العلمي الـ ــتي ازدهـ ــرت في القـ ــرن التاسـ ــع عشـ ــر وأفـ ــرزت عـ ــددًا متزايـ ــدًا من األدوات‬
‫والوسائل العلمية الدقيقة وأخذت في تطويرها بهدف استكشــاف وتحديــد أبعــاد العــالم الطــبيعي ‪ .‬وفي‬
‫ظل هذا ظهرت الدعوة إلى ضرورة اسـتجابة المسـرح لهـذه المبـادرة العمليـة وذلـك بـأن يتحـول إلى‬
‫شــيء أشــبه بالمعمــل العملي الــذي يبحث في الســلوك اإلنســاني ويقدمــه على المســرح بصــورة واقعيــة‬
‫علمية دقيقة ))"‪."2‬لذا جاءت جهود وتجارب(ستانسالفسكي) في إطار منهجه محاولة لتطبيق قــوانين‬
‫نفس ــية وفيزيولوجي ــة في أداء الممث ــل وقدرات ــه الجس ــدية والحس ــية للوص ــول ب ــه إلى الحال ــة الذهني ــة‬
‫الخالقــة ‪ ،‬وقــد ارتكن (ستانسالفســكي) في منهجــه إلى عنصــرين مهمين ورئيســين يبــني عليهمــا أداء‬
‫الممثل لدوه وهما ‪-:‬‬
‫‪ ((-1‬عمل الممثل الداخلي والخارجي على نفسه ‪.‬‬
‫‪ -2‬العمل الداخلي والخارجي على الدور ))"‪. "3‬‬
‫أي إن (ستانسالفسكي) وفي إطار عملية إعداد الدور قد عمد إلى الربط بين عنصرين رئيسين‬
‫ومهمين البــد من تعالقهم ـا((أن الرابطــة بين الجســم والــروح رابطــة التنفصــم وحيــاة احــدهما مصــدر‬
‫لحي ـ ــاة األخ ـ ــرى وك ـ ــل عم ـ ــل جس ـ ــماني ‪ ،‬باس ـ ــتثناء األعم ـ ــال اإللي ـ ــة الص ـ ــرفة‪،‬يص ـ ــدر عن ش ـ ــعور‬
‫داخلي‪،‬وبالت ــالي ف ــان لك ــل دور ج ــانبين متش ــابكين اح ــدهما داخلي واألخ ــر خ ــارجي واش ــتراكهما في‬
‫هدف يقربهما من بعضهما البعض يقوي الروابط التي تربط بينهما))"‪. "4‬‬
‫أي إن نجاح الممثل الحي في أدائه لدوره أو شخصيته يعتمد على العالقة التبادلية التي تقوم بين‬
‫الفع ـ ــل الم ـ ــادي للممث ـ ــل(عالم ـ ــات س ـ ــمعية وبص ـ ــرية يبثه ـ ــا الممث ـ ــل لمتلقي ـ ــه بواس ـ ــطة قن ـ ــاتي جس ـ ــده‬
‫وصــوته)‪،‬وفعــل نفســي داخلي‪،‬لكــون الفعــل المــادي(عالمــات ســمعية أو بصــرية)الصــادر عن الممثــل‬
‫هو صورة صادقة يعكسها الفعل النفسي الداخلي للممثــل فـإذا مــا اعتمــد الممثــل أداءًا حركيـًا وصــوتيًا‬
‫‪ )1(1‬د‪ .‬عبد الكريم عبود عودة المبارك ‪ .‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪111‬‬
‫‪ )2(2‬جوليان هلتون ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص‪122-121‬‬
‫‪)1(3‬أدوين ديور‪:‬فن التمثيل اآلفاق واألعماق (ج‪ )2‬ترجمة‪:‬مركز اللغات والترجمة – أكاديمية الفنون ‪ ،‬وزارة الثقافة مهرجان‬
‫القاهرة المسرح التجريبي ‪ ،‬مطابع المجلس األعلى لآلثار )) ‪ ، 1999‬ص ‪488‬‬
‫‪ ) 2(4‬قسطنطين ستانسالفسكي‪ :‬إعداد الممثل ‪ ،‬ترجمة ‪ :‬محمد زكي العشماوي(القاهرة دار النهضة ‪ ،‬مصر) ‪ 1973 ،‬ص ‪194‬‬
‫‪45‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫واعي ــا وس ــليمًا يرتك ــز على إحس ــاس داخلي س ــليم م ــدعمًا بجبه ــة من ــاهج التقني ــة الداخلي ــة أو النفس ــية‬
‫الواعي ـ ــة للطريق ـ ــة ف ـ ــان ه ـ ــذه العملي ـ ــة س ـ ــتقود حتمـ ـ ـًا إلى العملي ـ ــة اإلبداعي ـ ــة الخالق ـ ــة ال ـ ــتي يح ـ ــدثها‬
‫الالشعور‪،‬فالبد من تعبيد الطريق لالشعور بوسائل وأدوات العمل الشعوري أو الواعي((ألن العمل‬
‫الــواعي الصــحيح يخلــق الصــدق‪،‬والصــدق ينجب اإليمــان‪،‬وإ ذا مــا أمنت الطبيعــة بمــا يحصــل داخــل‬
‫الممثــل‪،‬فأنهــا ســتمد لــه يــد العــون‪،‬وتبعـًا ل ــذلك‪،‬فالالشــعور وحــتى اإللهــام‪،‬س ــتتاح لهمــا الفرصــة لتوكيــد‬
‫ذاتيهما ))"‪. "1‬‬
‫فما يشدد عليـه(ستانسالفسـكي)هـو أن األداء التمـثيلي الصـادق والمنطقي والرصـين والمتماسـك‬
‫هــو مــا يبث الــروح في حيــاة الشخصــية فــوق خشــبة المســرح ‪ ،‬فالصــدق إحساســا ســاميًا يــرتقي بحيــاة‬
‫الشخص ــية أو ال ــدور وين ــأى ب ــه عن أس ــاليب وص ــيغ األداء المتكل ــف أو المص ــطنع((أن خ ــير وس ــيلة‬
‫يســتطيع الممثــل من خاللهــا إثــارة اإلحســاس بالصــدق واإليمــان بمــا يفعلــه على المســرح هي التركــيز‬
‫على األفعــال الجسـمانية البسـيطة ‪ .‬ليس المهم مــا تؤديــه األفعــال بحـد ذاتهــا على المسـرح ‪ ،‬بــل المهم‬
‫مــا تثــيره في الممثــل من أحســاس بالصــدق واإليمــان فلــو وجــد الممثــل صــعوبة في اســتيعاب حقيقــة‬
‫كبــيرة لفعــل كبــير فــورًا فال منــاص من تقســيمه إلى أجــزاء صــغيرة كمــا يفعــل بــدوره نفســه محــاوًال‬
‫األيمــان بأصــغر تلــك األجــزاء))"‪."2‬وينصــح (ستانسالفســكي) الممثلين بعــدم القفــز المباشــر إلى نتــائج‬
‫األفعال وإ همـال المسـارب الحقيقيـة الـتي تـؤدي إلى النتـائج أي األفعـال ذاتهـا‪،‬إذ إن اإلمسـاك بالنتيجـة‬
‫والتفكير بها سيلقي بالممثل إلى مهاوي الزيف واالصــطناع والتكلــف((إن التمثيــل الزائــف للعواطــف‬
‫أو للنمـ ـ ــاذج أو مجـ ـ ــرد اسـ ـ ــتخدام الحركـ ـ ــات واإلشـ ـ ــارات التقليديـ ـ ــة همـ ـ ــا من األخطـ ـ ــاء الشـ ـ ــائعة في‬
‫حرفتنا‪،‬ولكن ينبغي عليكم إن تتجنبوا هذه األخطاء المجافية للواقع‪ .‬التقلدوا العواطــف والقــوالب بــل‬
‫يجب إن تعيشوا هذه العواطف وتلك القوالب‪،‬والبد إن ينبع تمثيلكم لها من حياتكم فيها ))"‪. "3‬‬
‫لذا ال مناص من إن تنبثق كل كلمة أو لفظة يبثهـا الممثـل أو أيـة حركـة أو إيمـاءة أو إشـارة عن‬
‫مخيلتــه االيجابيــة الصــادقة الــتي تمهــد لــه إن يبعث الحيــاة في الشخصــية أو الــدور الــذي يؤديــه‪ ،‬ذلــك‬
‫الدور الذي اليقدم فيه المؤلـف كـل األشـياء للممثـل‪،‬لـذا((على الممثـل إن يملـك خيـاًال حيـًا قويـًا‪ ،‬ينبغي‬
‫إن يستخدمه في كل لحظة من حياته وعمله على خشبة المسرح سواء في دراسته لدوره أم في أدائه‬
‫له))"‪."4‬السيما وان المخيلة هي نتاج ايجـابي خصـب للتركـيز أو االنتبـاه في نطـاق دوائـره التركيزيـة‬

‫‪) 3(1‬اريك بنتلي‪:‬نظرية المسرح الحديث ‪ ،‬ترجمة‪ :‬يوسف عبد المسيح ثروت(بغداد ‪ :‬وزارة الثقافة واالعالم ‪ 1975 ،‬ص ‪. 227‬‬
‫‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪. 245‬‬ ‫‪ )1(2‬اريك بنتلي‬
‫‪ )2(3‬قسطنطين ستانسالفسكي ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص‪67‬‬
‫‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪233‬‬ ‫‪ )3(4‬اريك بنتلي‬
‫‪46‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الثالثــة ‪ ،‬الــدائرة الصــغيرة والمتوســطة والكبــيرة الــتي يعتمــدها الممثــل خالل ســيرورة أدائــه التمــثيلي‬
‫فوق خشبة المسرح ‪.‬‬
‫ولعــل احــد أهم العناصــر الــتي تتــألف منهــا التقنيــة النفســية للطريقــة هي(لــو)الســحرية الــتي تمكن‬
‫الممثل من إن يدعم الفعل المسرحي بقدرات تعبيرية جسدية وصوتية يعكسها أحســاس نفســي داخلي‬
‫بفعــل قــدرتها على اســتثارة وتحفــيز هــذين الفعلين(المــادي والنفســي)لــدى الممثــل بوســاطة قــدراتها في‬
‫خلــق عقبــات افتراضــية يكــون على الممثــل واجب إزاحتهــا وحــل رموزهــا‪،‬فافتراضــات وتســاؤالت‬
‫الممثــل(لــو كنت الملــك لــير‪ ..‬فمــاذا كنت ســأقول‪..‬ومــاذا كنت ســأفعل وكيــف؟)ه ــي الــتي تقــود الممثــل‬
‫صوب إنشاء دوره بشكل منطقي وصادق‪،‬بينما يؤكد(ستانسالفسكي)على أهمية (الظروف المعطاة)‬
‫التي تمنح للممثل كل التفاصيل والمعلومات الدقيقـة الـتي يصـبو إليهـا بخصـوص العـرض المسـرحي‬
‫ودوره كــذلك‪.‬ويعــد(ستانسالفس ــكي) الظــروف المعطــاة األكــثر قرب ـًا وتشــابهًا مــع(لــو)الســحرية((أن‬
‫عنصري(لو)والظروف المعطاة من أصــل واحـد‪،‬األول( لــو)افـتراض والثــاني إضــافة إليــه(الظــروف‬
‫المعطاة)‪(.‬لو) تحرك الفعـل الخالق بينمـا(الظـروف المعطـاة) تطـوره‪.‬أمـا وظيفـة كـل منهمـا فمختلفـة‬
‫بعض الشـ ــيء‪(.‬لـ ــو) تمـ ــد المخيلـ ــة الهاجـ ــدة بالحركـ ــة‪ ،‬بينمـ ــا(الظـ ــروف المعطـ ــاة) تمـ ــد وجـ ــود (لـ ــو)‬
‫بالتبرير))"‪. "1‬‬
‫وكعنصر أساسي من عناصر التقنية النفسية أو الداخلية الـتي تعتمـدها الطريقـة ‪ ،‬تنـبري الـذاكرة‬
‫االنفعالية التي يرتكن إليها(ستانسالفســكي) في توصــياته للممثلين‪.‬إذ إن الممثــل ومن خالل اســتعادته‬
‫لتج ــارب وانفع ــاالت الماض ــي مرتك ــزًا في ذل ــك على ق ــدرة وجاهزي ــة ذاكرت ــه االنفعالي ــة وك ــذلك من‬
‫خالل عمل ــه على توظي ــف حواس ــه يك ــون بإمكان ــه اإلتي ــان ب ــأداٍء تم ــثيلي تلق ــائي وص ــادق وذل ــك ع ــبر‬
‫ترجمتــه لمجمــل انفعاالتــه الداخليــة إلى أفعــال مادي ــة أو محسوس ــة(أدائــه الجســدي والصــوتي) فــوق‬
‫خشبة المسرح ‪.‬‬
‫وحالما يقف الممثل على إجابات دقيقة ومنطقية ألسئلته العديدة التي يوجههـا لذاتـه حـول أهـداف‬
‫الشخصـية الـتي يؤديهـا أو الكيفيـة الـتي تتحـدث أو تتحـرك أو تفكـر أو تغضـب أو تفـرح فيهـا ‪،‬وكـذلك‬
‫حول السبل الناجعة الــتي يتمكن الممثــل نفسـه بوسـاطتها من التعبــير عن الشخصــية في نطــاق حياتهــا‬
‫الباطني ــة أو الداخلي ــة‪،‬ف ــأن النت ــائج النهائي ــة المتمخض ــة عن تس ــاؤالت الممث ــل ح ــول طبيع ــة وأس ــباب‬
‫الدوافع التي تقـف وراء أداء الشخصــية في الجـانبين الجسـدي والصــوتي والــتي ترتبــط ارتباطـًا وثيقـًا‬
‫بالحياة تعطي صـورة حيـة وجليـة عن الشخصـية في نطقهـا وحركتهـا وإ يماءاتهـا أو إشـاراتها (أدائهـا‬
‫حركي ـًا وصــوتيًا)‪،‬الســيما وان مجمــل الــدالالت النفســية الــتي تحققهــا الشخصــية المســرحية عــبر أداء‬

‫‪ )1(1‬أريك بنتلي ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪. 230‬‬


‫‪47‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الممث ــل المس ــرحي له ــا تنجم عن ال ــدوافع ال ــتي يعتم ــدها األداء الح ــركي والص ــوتي ‪ .‬ولك ــون األداء‬
‫التمثيلي عنصـرًا رئيسـًا وفـاعًال في محيـط الفضـاء الزمـني للمسـرحية والـذي تصـطرع فيـه اإلحـداث‬
‫وتتطور دراميًا‪،‬فأن األداء التمثيلي(جسديًا وصـوتيًا) يأخـذ مـداه في مسـاحة هـذا الفضـاء من إلفـه إلى‬
‫يائه كقوة فاعلة مؤثرة ومتأثرة بطبيعة الحدث الدرامي في ســيرورته وتطــوره‪،‬وحالمــا ينــبري األداء‬
‫التمــثيلي(جســديًا وصــوتيًا)كقــوة معنويــة أو دالليــة في دائــرة الحــدث ينطلــق خــط الفعــل المتصــل في‬
‫س ـ ــيرورته المض ـ ــطربة انطالقـ ـ ـًا تص ـ ــاعديًا أو تطوريـ ـ ـًا باتج ـ ــاه اله ـ ــدف األعلى للمس ـ ــرحية(الفك ـ ــرة‬
‫األساسية)الذي يعده(ستانسالفسكي)هو الغاية والهدف لكل عرض مسرحي ‪.‬‬
‫وإ ذا مــا نظرنــا إلى خــط الفعــل المتصــل ســنجده طريق ـًا يــؤدي بالضــرورة إلى الهــدف األعلى‬
‫للمسرحية ويجلي داللتها‪((.‬إذا انقطع الخط على المسرح فــأن الممثــل اليعــود يفهم مــا يقــال أو يصــنع‬
‫واليعود يشعر بأي رغبات أو مشاعر‪.‬إن الممثل والدور يعيشـان من الناحيـة اإلنسـانية بواسـطة هـذه‬
‫الخطوط المتصلة‪.‬وذلك هو مايهب الحياة والحركة للشيء الذي يقوم الممثل بأدائه‪ .‬فإذا تـوقفت تلـك‬
‫الخط ــوط‪،‬ت ــوقفت الحي ــاة‪،‬وإ ذا دبت الحي ــاة فيه ــا من جدي ــد اس ــتؤنفت الحي ــاة‪ .‬ولكن ه ــذا الم ــوت وذاك‬
‫البعث اللذين يتناوبان الدور بتلك الصورة المضطربة ليسا شيئًا طبيعيًا وال مألوفا‪،‬إذ يجب إن يكــون‬
‫للدور وجوده المستمر وخطه المتصل غير المنقطع ))"‪."1‬‬
‫ولكي يهب الممثــل دوره أو شخصــيته حيــاة نابضــة فالبــد لــه من إن يصــل كــل وحــدة أو فعــل‬
‫ص ــغير من أفعال ــه ال ــتي تع ــد انعكاس ـًا لفع ــل نفس ــي داخلي خالق‪،‬في مس ــار خ ــط الفع ــل المتص ــل على‬
‫أساس من أسباب منطقيـة ومقنعـة لكـل لفـظ أو حركـة أو تحـرك أو إيمـاءة أو إشـارة يقـوم بهـا ليكشـف‬
‫للمتلقي عن سلسلة من األفعال الصادقة والمقبولة‪.‬عمومًا يرتكن الممثل في أدائه لدوره أو شخصيته‬
‫إلى عناصر مهمة يعتمدها لخلق روح إنسانية لهذه الشخصية أو الدور‪،‬ولعــل القــدرات الفنيــة للممثــل‬
‫وعناصــر التقنيــة النفســية أو الداخليــة للطريقــة هي بمجملهــا عناصــر محركــة للممثــل والــدور‪،‬إال إن‬
‫المحرك الرئيس والفاعل لمجمل هذه العناصر هي الدوافع المحركة التي يطلق عليها((دوافع الحيــاة‬
‫النفس ــية وهي ثالث ــة(العق ــل‪،‬اإلرادة‪،‬الش ــعور)وتعت ــبر ه ــذه ال ــدوافع المحرك ــة الثالث ــة عناص ــر مكون ــة‬
‫لحياتنــا النفســية يعتمــد عليهــا الممثــل باعتبارهــا قــوى نس ــتطيع إن نخلــق منهــا كائن ـًا بشــريًا حي ـًا على‬
‫خشـبة المسرح))"‪. "2‬‬
‫ومن خالل تألف عناصر هذا الثـالوث(العقـل‪،‬اإلرادة‪،‬اإلحسـاس أوالشـعور) وتفاعلهـا المشـترك‬
‫المتناغم والمتبـادل وبسـعي كـل عنصـر من هـذه العناصـر الثالثـة إلى دعم العنصـر األخـر‪ ،‬واشـتغال‬

‫‪ )1(1‬قسطنطين ستانسالفسكي ‪ :‬المصدر السابق ص ‪. 335‬‬


‫‪ )2(2‬عبد الكريم عبود عودة المبارك ‪ :‬المصدر السابق ص‪. 115‬‬
‫‪48‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫هــذه العناصــر على أســاس هــذا التناســج ألعالئقي وفي إن واحــد ســيقود بالضــرورة إلى دعم وإ ســناد‬
‫عملية الخلق واإلبداع لدى الممثل الذي يعمل على نسج وإ يصال جميـع الخطـوط الصـادرة عن قـوى‬
‫الحياة الداخلية أو النفسية ليحقق أداءًا حيا ومنطقيا وصادقا ‪.‬‬
‫((إن فن المســرح‪ ،‬شــأنه شــأن فن أخــر‪،‬ينبغي إن يكــون لــه خــط غــير منقطــع ‪ ،‬وفي اللحظــة الــتي‬
‫تســتقيم فيهــا خطــوط االتجــاه المختلفــة‪ ،‬الخاصــة بــالقوى المحركــة‪،‬أي أنهــا تصــبح خط ـًا واحــدًا‪،‬غــير‬
‫منقطع‪،‬عندئذ‪ ،‬يمكن القول‪:‬إن عمل الممثل المبدع قد بدأ))"‪ ."1‬ولكي يحقق الممثل اداءًا مقبــوًال فــوق‬
‫خشبة المسرح فال بد له من اعتماده على حياته الداخلية وشكله الخارجي أو جسده الرشــيق والمتســم‬
‫باللدان ــة واالس ــترخاء ليص ــل إلى أقص ــى درج ــات التعب ــير عن حيات ــه الداخلي ــة كي ي ــترك ت ــأثيرا فنيــًا‬
‫صادقًا‪.‬ولكون جسد الممثل الحي وصوته هما األداتين أو القنــاتين الرئيسـيتين والفــاعلتين في ترجمــة‬
‫دالالت حياتـ ــه الداخليـ ــة‪ ،‬فال بـ ــد لهـ ــذا الممثـ ــل من أن يسـ ــعى جاهـ ــدًا لالشـ ــتغال على تطـ ــوير قدراتـ ــه‬
‫الجســدية والتعبيريــة بالتــدريب‪ .‬والمــران المســتمرين لمجمــل أدواتــه الجســمانية والصــوتية‪،‬باإلضــافة‬
‫إلى ص ــب اهتمام ــه– الممث ــل‪-‬على تط ــوير قدرات ــه على التحكم إرادي ــا بمجم ــل أعض ــاء وعض ــالت‬
‫جس ــده لكي يك ــون ه ــذا الجس ــد مهيئـ ـًا لالس ــتجابة لش ــتى المتغ ــيرات الداخلي ــة والخارجي ــة خالل أدائ ــه‬
‫للشخصية أو الدور المنوط به ‪.‬‬
‫وألجل أن يحقق الممثل اداءًا تلقائيـًا وواقعيـًا صـادقا فـوق خشـبة المسـرح فالبـد لـه من االعتمـاد‬
‫على قوام صحيح ورشيق واسترخاء ولدانه جسدية عالية المستوى‪،‬فالتشــنجات أو التــوترات النفســية‬
‫تؤدي إلى انحراف األداء التمثيلي نحـو التكلـف والتصـنع أو الزيـف والقـوالب الجـاهزة‪.‬ومثلمـا يكـون‬
‫على الممثل العناية بأدواته الجسدية فأن((عليه أن يمرن صوته ليحصل على اكبر عدد من الطبقــات‬
‫الص ــوتية والق ــوى والش ــدة المختلف ــة وذل ــك بتم ــرين حب ــال حنجرت ــه الص ــوتية ومرون ــة أجه ــزة التنفس‬
‫وأجهزة النطق))"‪. "2‬‬
‫ولكي يحصــل الممثــل على أجهــزة جسـمانية وصــوتيه تتــوافر على قـدرة واسـعة وفاعلــة للتعبــير‬
‫عن أحاســيس حياتــه الداخليــة بإيمــان وصــدق فــأن على هــذا الممثــل أن يعمــد إلى تــدريب يــومي على‬
‫العـ ــاٍب رياضـ ــية وإ يقاعيـ ــة متعـ ــددة ومتنوعـ ــة تمكنـ ــه من السـ ــيطرة والتحكم إراديـ ــا بمجمـ ــل أعضـ ــاء‬
‫وعض ــالت جس ــده وص ــوته‪.‬وبأتب ــاع الممث ــل نظامـ ـًا ت ــدريبيًا دقيقـ ـًا وش ــامًال ف ــأن ه ــذا النظ ــام س ــيؤدي‬
‫بالضــرورة إلى تطــوير أدوات الممثــل ووســائله اإلبداعيــة الخالقــة الــتي تمكنــه بالتــالي من خلــق حالــة‬
‫من الموازنــة والتوافــق بين جســده وصــوته وبين أفعــال الشخصــية المفترضــة الــتي ال حيــاة فيهــا لــوال‬

‫‪ )3(1‬اريك بنتلي ‪ :‬لمصدر السابق ‪ .‬ص ‪. 261‬‬


‫‪) 1(2‬أسعد عبد الرزاق‪،‬سامي عبد الحميد‪ :‬فن التمثيل‪،‬جامعة بغداد‪:‬أكاديمية الفنون الجميلة قسم الفنون المسرحية ‪ ،‬مطبعة‬
‫جامعة بغداد ‪ 1979‬ص ‪. 12‬‬
‫‪49‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫تجســيد الممثــل الحي لهــا على أســاس تطــبيق قــوانين التــدريب الــدؤوب على عناصــر التقنيــة النفســية‬
‫التي طرحهـا(ستانسالفسـكي)كـالمزاج والخيـال والتركـيز والظـروف المعطـاة والتكيـف‪ ..‬الخ‪ ،‬والـتي‬
‫يعمل الممثل على أن يكيفها وفقًا لسمات وإ بعاد ومزاج الشخصـية الـتي يهـدف إلى تأديتهـا‪ ،‬والتكيـف‬
‫هو عملية إنشاء نوع من التوافق والتوحـد والمشـابهة بين سـلوك الشخصـية وحياتهـا الداخليـة وبيئتهـا‬
‫أو الوسط االجتماعي الذي تحيا وتعيش في نطاقه ‪ .‬ويقصــد بــالتكيف أيضــا‪،‬هــو ((قيــام الممثــل بتبــني‬
‫األوضاع الجديدة التي تواجهه وهو يمثل الشخصية والتي تختلف عن األوضاع التي تحيــط بالممثــل‬
‫شخصيًا ويقصد به أيضا تبني مشاعر الشخصية التي تختلف عن مشاعره األصلية ويقصد به أيضـا‬
‫تبني مظهر وسلوك الشخصية الذي يختلف عن مظهره وسلوكه ))"‪. "1‬‬
‫فاألداء التمثيلي كمكون داللي من مكونــات العــرض المسـرحي والــذي يمكننــا إدراكــه من خالل‬
‫صور التكيف التي تشكل األداء الجسدي والصوتي للممثل بدالالته الالشعورية عن حيــاة الشخصــية‬
‫الداخليــة أو النفســية بوســاطة األفعــال الماديــة المحسوســة أو الحركــة واإليمــاءة والنطــق واإلشــارات‬
‫الصوتية المختلفة لتي تعد بمجملها إشارات سمعية وبصرية شـعورية تعــبر عن الشخصــية في إطــار‬
‫ظروفه ــا المختلف ــة(نفس ــية‪،‬وطبيعي ــة‪،‬واجتماعي ــة) موض ــحة ع ــبر التفس ــير والش ــرح مجم ــل إبعاده ــا‬
‫ومشيرًة إلى طبيعتها وسلوكها ودوافعها وانتماءاتها وعالقاتها المتشابكة والمعقدة التي تضفي عليها‬
‫دالالت متنوعة سواء في تعالقها وتواصلها البيئي فـوق خشـبة المسـرح أو في تعالقهـا وتواصـلها مـع‬
‫األخـر وهـو المتلقي في الصـالة ‪،‬فـالمتلقي يشـرع باسـتقبال الرسـالة الـتي يبثهـا الممثـل بوسـاطة قنـاتي‬
‫جسده وصوته على أنها صورة عن الواقع‪.‬‬
‫أي إن الممثــل وعــبر أدائــه الحــركي والصــوتي المــرتكن إلى التقمص يبث رســالته إلى المتلقي‬
‫فيشــيع في الصــالة شــعورًا طافحـًا بــالوهم أي إن مــا يعــرض قبــالتهم هــو حالــة من الحــاالت التشــابه أو‬
‫التطابق مع الواقع‪،‬وتشاركه في تحقيق هذا الهدف مجمل عناصر العرض الفنية األخرى‪ ،‬فالتقمص‬
‫صيغة من صيغ األداء التمثيلي التي ترتبط بطريقــة أو منهج(قسـطنطين ستانسالفسـكي) حيث يبحث‬
‫الممثل فيه وبشكل جاد عن االندماج بالشخصية‪.‬وهو ما يطلق عليه– إذا ما قابلناه ســيميولوجيًا وفــق‬
‫المنهج السـ ـ ـ ـ ــيميولوجي بـ((اإلنشـ ـ ـ ـ ــاء))أي سـ ـ ـ ـ ــعي الممثـ ـ ـ ـ ــل لألنتقـ ـ ـ ـ ــال او للتحـ ـ ـ ـ ــول الى الشخصـ ـ ـ ـ ــية‬
‫الدراميــة(الوهميــة)والتوحــد معهــا عــبر اكتســاب هويتهــا الجديــدة والمغــايرة‪.‬فــاألداء التمــثيلي عالمــة‬
‫ايقونية‪- - Iconic sign‬تتطابق مع الشخصية الخيالية الطابع‪،‬كما يتطابق األداء التمثيلي كعنصر‬
‫داللي سمعي وبصري هام ورئيس في بنية العرض المسرحي مع الواقع بعالقـة ايقونيـة فيصـار إلى‬
‫تكييفها مع الحياة الفنية المتمثلة في العرض المسرحي ‪.‬‬

‫‪ )2(1‬اسعد عبد الرزاق ‪ ،‬سامي عبد الحميد ‪ :‬المصدر نفسه ‪ .‬ص ‪. 88‬‬
‫‪50‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫ثانيًا ‪ -:‬فيسفولد مايرخولد ( ‪) 1940- 1874‬‬
‫يع ـ ــد(فيسـفولـ ـ ــد مايرخولـ ـ ــد) أح ـ ــد أب ـ ــرز المس ـ ــرحيين ال ـ ــذين تتلم ـ ــذوا على ي ـ ــد (قس ـ ــطنطين‬
‫ستانسالفسـ ــكي)إال إن (مايرخولـ ــد)سـ ــعى وبإصـ ــرار إلى الوقـ ــوف بوجـ ــه كـ ــل أطروحـ ــات المسـ ــرح‬
‫الطبيعي القائم وقتذاك ‪ ،‬السيما الواقعية التي انتهجهـا(ستانسالفسـكي)في إطـار بحوثـه وتجاربـه الـتي‬
‫ك ــان يجريه ــا في مخت ــبر((مس ــرح الفن بموس ــكو)) وال ــتي ن ــادى من خالله ــا إلى نق ــل الحي ــاة بش ــكل‬
‫فوتــوغرافي دقيــق وصــادق من خالل العــرض المســرحي فــوق خشــبة المســرح‪.‬إال إن خلــق اإليهــام‬
‫وعرض الحياة بكل تفاصيلها ودقائقها فـوق خشبـة المسـرح لم يـرق لـ(مايرخولـد)كونـه يـرى في ذلـك‬
‫مــدعاة إلجهــاض قــدرات المتلقي التخيليــة والتفاعليــة‪ ،‬فــالفنون عمومـًا‪-‬بنظــر(مايرخولــد)‪-‬تهــدف إلى‬
‫استثارة وتحفيز مخيلة المتلقي وليس إغفالهــا وانتهاكهــا بتقـديم كــل األشــياء بجاهزيتهــا لهــا ممــا يــؤدي‬
‫إلى تحييــد خيــال المتلقي والقــذف بــه خــارج دائــرة التفاعــل الجــدلي مــع مجريــات العــرض المســرحي‬
‫فوق خشبة المسرح ‪ .‬هكـذا واجـه(مايرخولـد) األسـاليب الواقعيـة في المسـرح بشـكل عـام وفي األداء‬
‫التمثيلي كعنصر من عناصره الهامة بشكل خاص‪،‬إذ كـان هـدف (مايرخولـد)الـرئيس هـو البحث عن‬
‫مسرح برؤى جديدة مغايرة يتجلى كبديل عن ما هو قائم ‪((،‬انه المسـرح الـذي يهـيئ للمتفـرج المنـاخ‬
‫المناسب إلطالق قدراته التخيليـة‪.‬وهـو أيضـا مسـرح األسـلوب(الصـياغة) المسـرح المحاكـاة وإ عـادة‬
‫اكتشـ ـ ــاف لواقـ ـ ــع داخلي ـ ـ ـًا كـ ـ ــان أو خارجي ـ ـ ـًا))"‪ ."1‬وانطالق ـ ـ ـًا من هـ ـ ــذا التعـ ـ ــارض والخالف الناشـ ـ ــب‬
‫بين(مايرخولــد)ومســرح الفن بموســكو‪ ،‬فقــد شــرع(مايرخولــد)بإقامــة مســرحه(البــديل)الــذي دعــا من‬
‫خالل ــه إلى نفي أي ــة ص ــيغة من ص ــيغ اإليه ــام في إط ــار الع ــرض المس ــرحي‪.‬كم ــا دع ــا إلى ش ــرطيته‬
‫الخاص ـ ـ ـ ــة والمقص ـ ـ ـ ــودة ال ـ ـ ـ ــتي تت ـ ـ ـ ــوافر على مرتك ـ ـ ـ ــزات فكري ـ ـ ـ ــة وجمالي ـ ـ ـ ــة ترتب ـ ـ ـ ــط بالمس ـ ـ ـ ــرح‬
‫اإلغ ــريقي‪،‬فمجــاهرة(مايرخول ــد)بالشــرطية وال ــدعوة إليه ــا قص ــد منه ــا االنعت ــاق عن حق ــائق المســرح‬
‫المعاصــر واالرتكــان إلى الجــذور األولى األصــيلة‪ .‬فشــرطية(مايرخولــد)نهجـًا فنيـًا وأســلوبا إخراجيــا‬
‫متميزًا يتجلى في العرض المسرحي الشرطي في مجالين هما ‪:‬‬
‫‪- 1‬المجال اللفظي ‪-:‬‬
‫ففي إطار هذا المجال الشرطي يتم تخليص الممثل في أدائه الصوتي من كل أساليب اإللقاء‬
‫التي اعتمدت في األداء التمثيلي الطبيعي الذي كان يهدف من رسائله التي يبثها إلى المتلقي–‬
‫الجمهور‪ -‬الوصول إلى مرحلة التراجيديا بواسطة الحركات والتحركات العنيفة والعويل والبكاء‬
‫والصراخ‪،‬في حين يرتكن الممثل في مسرح(مايرخولد)الجديد إلى أداء تمثيلي يعتمد وسائل‬

‫‪) 1(1‬سعد أردش‪:‬المخرج في المسرح المعاصر(الكويت ‪ :‬المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب ‪ ،‬سلسلة علم المعرفة ‪1979‬‬
‫ص ‪229‬‬
‫‪51‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫وطرق أكثر هدوءا وسكونًا في التعبير بوساطة قناتي الجسد والصوت عن أألشياء واألفكار فوق‬
‫خشبة المسرح‪،‬وذلك في محاولته للوصول إلى قمة التراجيديا وبمنأى عن األسلوب القديم أو‬
‫أسلوب األداء التمثيلي الطبيعي الذي اعتمد(ستانسالفسكي) الدعوة إليه في نطاق منهجه أو‬
‫طريقته‪.‬‬

‫‪-2‬المجال البالستيكي ‪-:‬‬


‫ففي هذا المجال الشرطي الفاعل والمهم الذي يعنى بالجانب البصري من أداء الممثل‬
‫يشير(مايرخولد) إلى استحالة ارتكاز األداء التمثيلي وفي أي عرض مسرحي كان على الجانب‬
‫اللفظي من أداء الممثل‪،‬إذ البد من توافر وسائل تعبيرية جديدة تمتلك قدرة تعبيرية فائقة عن أدق‬
‫األفكار واألحاسيس التي تعتمل في الحياة الداخلية لإلنسان التمتلكها العالمة اللفظية أو (الكلمة) ‪.‬‬
‫لذا كان(مايرخولد) قد درج على توجيه الممثلين على إن ((الحركة هي أقوى وسائل التعبير في‬
‫خلق عرض مسرحي‪.‬دور الحركة على المسرح أهم من دور العناصر األخرى‪.‬أن الجمهور يتعلم‬
‫أفكار الممثل من خالل حركاته))" "‪ .‬وعلى هذا النحو يعطي(مايرخولد) للبالستيكية دورًا مهمًا‬
‫‪1‬‬

‫وفاعًال إلى الحد الذي يطالب فيه باستنطاق الجسد في فضاء العرض المسرحي‪،‬فعبر البالستيكية‬
‫تنفتح أفاق واسعة للخلق واإلبداع بين الممثل والمتلقي في إطار المسرح الشرطي‪،‬فحركات الممثل‬
‫وإ شاراته أو إيماءاته هي مفردات لغة الجسد الدالة التي تكسب فضاء العرض المسرحي بعدًا دالليًا‬
‫واسعًا ‪ ،‬لهذا كان المجال البالستيكي(الحركي) وسيلة مهمة من وسائل التعبير البصرية التي تعتمد‬
‫لغة الجسد بمجمل مفرداتها قناة رئيسة لها‪.‬‬
‫فالبالستيكية هي((وسيلة تعبيرية ضرورية وهي القدرة النحتية الجسدية واألداة التي يعبر من‬
‫خاللها الممثل بجسده عن مضمون العمل الدرامي))"‪. "2‬‬
‫ولعل ابـرز جماليات المسرح الشرطي هو مبدأ اإلنشائية أو البنائية ‪- -constructivist‬‬
‫ففي هذا األسلوب –اإلنشائي أو البنائي– يتم تجميع عناصر ومفردات هندسية بنائية ال عالقة لها‬
‫بالحياة ‪ ،‬إنها في حقيقة األمر ألتمت بصلٍة للمناظر المرسومة بشكل فوتوغرافي والتي استخدمت‬
‫في اغلب العروض المسرحية الطبيعية أو الواقعية‪،‬فالمنظر اإلنشائي أو البنائي عند‬
‫(مايرخولد)يعطي لحركة الممثل وتحركاته أو إيماءاته داللتها من خالل إبعاد خشبة المسرح‬
‫وكذلك من خالل الصيغة التي تنصب وفقها المفردات المنظرية‪،‬فالمنظر البنائي عند(مايرخولد)‬
‫هو((بناء هيكلي‪..‬تكتل من الدرجات‪،‬والمنصات‪،‬والمعابر‪..‬متجردة إلى إشكالها األساسية‬
‫‪ )1(1‬أدوين ديور ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص‪477‬‬
‫‪ )2(2‬د ‪ .‬عبد الكريم عبود ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪. 128‬‬
‫‪52‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫والبنيوية‪،‬متماسكة بسقاالت‪..‬إن التصميم الذي يستهلك في نسج هذه األشياء العارية البنيوية في كل‬
‫واحد– نظريًا– له هدف واحد‪ :‬إبراز وتوضيح الحركة بوصفها عنصرًا مسرحيًا موحيًا كاشفًا‬
‫))"‪ ."1‬فالمكان المسرحي على هذه الشاكلة ينتفي عنه كل ما يشير إلى الواقعية بشيء ‪ ،‬أي إن كل‬
‫ما تنطوي عليه خشبة المسرح ال يخضع وبأي حال من األحوال إلى أي استعمال يؤكد الطريقة‬
‫الواقعية وهو كذلك ليس عنصرًا بنائيًا يسهم في إنشاء حقيقة مكانية‪.‬إذ إن كل ما تتوافر عليه خشبة‬
‫المسرح من مفردات في نطاق البناء أو اإلنشاء الهندسي المعقد هو بالضرورة يعد مادة للفعل تقع‬
‫تحت طائلة الممثل الحي الذي يتوجب عليه إن يتعامل مع أية مفردة من المفردات المقصودة‬
‫بحركة معينة يخلق بمعية هذه المفردة فعًال يعبر عن معنى‪.‬فلو أخذنا –على سبيل المثال– منضدة‬
‫أو مقعدًا‪،‬فالمنضدة التستخدم على أساس واقعي فتؤدي وظيفتها الحياتية أال وهي القراءة أو أية‬
‫استخداماٍت أخرى‪،‬وال يستخدم الكرسي وفق وظيفته الحياتية وهو الجلوس‪،‬وإ نما هي مفردات‬
‫تتشكل في المكان المسرحي وفق صيغة إنشائية مدروسة يعمد الممثل إلى التعامل معها بحركات‬
‫مبتكرة كحركات السيرك والجمباز والرقصات المختلفة ليضفي عبر حركاته تلك مع هذه المفردات‬
‫وعليها دالالت متعددة وجديدة تعبر عن معنى الحياة الداخلية للشخصية بوساطة التعبير‬
‫البالستيكي‪.‬وإ ذا ما كانت انطالقة(ستانسالفسكي)في طريقته الواقعية النفسية التي امتدت لترتبط‬
‫بالبيئة والمجتمع‪،‬قد جاءت من دراسة األفعال الخارجية للشخصية على أنها أفعال انعكاسية لما هو‬
‫أساسا فعل داخلي ‪ ،‬فأن مايرخولد كان قد عمل على خالف أستاذه(ستانسالفسكي)حيث شرع في‬
‫مدرسته الجديدة إلى دراسة الدور وفقًا لطبيعة الحركة البالستيكية المبتكرة في الزمان والمكان‬
‫المناسبين والمعينين على أساس من الدارسة العلمية الدقيقة‪.‬‬
‫لذلك ارتكن(مايرخولد)إلى(علم حركة الجسم)أو(البيوميكانيكا) في اشتغاله على تأسيس‬
‫تدريبات الممثلين في مسرحه الجديد‪،‬و((البيو– ميكانيك (‪ )Bio - mechanics‬وهو مشتق‬
‫بالتأكيد من ابحاث( أيـفـان بافلـوف ‪ )1849 - 1936()Ivan Pavlov‬عن االنعكاسات‬
‫الشرطية‪.‬وقد محا مشاعر الممثل وطالب بالجسديات‪.‬لقد حول التمثيل بتحد(‪)...‬إلى الخارج‬
‫باستبدال الدقائق السيكولوجية أو االنفعالية بمهارات الرياضة البدنية التي كان هدفها‪ ..‬جعل‬
‫الجمهور يشعر))"‪ ."2‬والبيوميكانيكا تعني((عملية اختزال الجهد في األداء‪،‬أي إن نقوم بحركة‬
‫معلومة ودقيقة وبجهد قليل ‪ ،‬وبذلك يمتلك الممثل مرونة جسدية قادرة على إن تخلق لديه التحفز‬
‫االنعكاسي ورد الفعل الجسدي المتحفز السريع))" "‪.‬ولكون الممثل الحي عند(مايرخولد) مصدرًا‬
‫‪3‬‬

‫‪)3(1‬أدوين ديور ‪ .:‬المصدر السابق ‪ .‬ص‪478‬‬


‫‪ )1(2‬المصدرالسابق ‪ .‬ص ‪478‬‬
‫‪ )2(3‬د ‪ .‬عبد الكريم عبود ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪131‬‬
‫‪53‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫وأداة رئيسة وفاعلة في عملية الخلق واإلبداع الفني فوق خشبة المسرح‪ ،‬فقد ارتكن (مايرخولد)‬
‫إلى قوانين اإلبداع البيوميكانيكية حيث اعتمدها منهجًا علميًا جديدًا يتم على أساسه إعداد الممثل‬
‫إعدادا جسديًا دقيقًا ومنظبطًا فهذه القوانين اإلبداعية الجديدة التي اعتمدت في إطار مسرح‬
‫(مايرخولد) الجديد ذي الطابع الحركي تمكن الممثل من إن ينظم أعضاء جسده أو أدوات لغته‬
‫الجسدية – والتي هي بالضرورة مادته التعبيرية األساسية – التي يعمل على توظيفها أدائيا على‬
‫نحو علمي دقيق ومقنن وسليم ومعبر ‪ .‬ولكون هذا المنهج هو األساس في القوانين التي يرتكن إليها‬
‫الممثل فوق خشبة المسرح‪ ،‬فالبد لهذا الممثل من معرفة ودراية واسعتين في مجال‬
‫البيوميكانيكا(علم حركة الجسم)‪ ،‬باإلضافة إلى حاجة الممثل إلى جسم ديناميكي يتسم باالسترخاء‬
‫والمرونة أو اللدانة تساعده على اإلتيان بأفعال وردود أفعال منسجمة وسريعة‪ .‬لذا توجب على‬
‫الممثل إن يتجرد من مشاعره أو أحاسيسه اإلنسانية وان يؤسس لقوانين ميكانيكية تحفزه على‬
‫التعبير عن مجمل انفعاالته بوساطة الحركة واإليماءة أو اإلشارة ‪ .‬وانطالقًا من آلية العمل هذه‬
‫كان على الممثل إن يعمل على ممارسة العاب رياضية متنوعة كالمبارزة‬
‫والرقص(الكوريوغراف) بكل أنواعه والحركات اإليقاعية والعاب السيرك ورياضة(الجمناستك)‬
‫والجمباز‪..‬الخ‪.‬فكل ما يؤتي به الممثل من حركات أو إيماءات أو إشارات زمكانيا في العرض‬
‫المسرحي يكون مدروسا ومحددًا تحديدًا دقيقًا ومضبوطًا إيقاعيا بفعل مساهمة مجمل عناصر‬
‫اإلخراج ‪ ،‬السيما الديكور الذي ينصْب بشكل متالئم ومتناسب مع الحركة بشتى أشكالها‪،‬لكي يحدد‬
‫مساحة الحركة وحجمها بشكل مالئم ومركز وفقًا للتحديدات المكانية التي يعمل الديكور على‬
‫رسمها‪.‬‬
‫ثالثًا‪ -:‬انتونان ارتو ( ‪) 1948 – 1896‬‬
‫إن ســعي(ارتــو)لتحقيــق أهدافــه الجماليــة الــتي حــاول من خاللهــا التمــرد على مــا هــو قــائم في‬
‫المســرح الغــربي بغيــة تحقيــق هدفــه البتنــاء مســرح جديــد يقــوم على أســاس من أفكــاره وفلســفته على‬
‫مستوى التنظير اإلخراجي والتي عدت انعطافة كبيرة في تأريخ المســرح الغــربي‪ ،‬وقــد تحــولت هــذه‬
‫األفكـ ــار فيمـ ــا بعـ ــد إلى قاعـ ــدة أساسـ ــية ينطلـ ــق منهـ ــا العديـ ــد من المخـ ــرجين الطليعـ ــيين أمثـ ــال(بيـ ــتر‬
‫ب ــروك)و(ج ــيرزي جروتوفس ــكي)و(أوجينوبارب ــا)وغ ــيرهم من ال ــذين عمل ــوا على اكتش ــاف الوظيف ــة‬
‫الطقســية البنائيــة للمســرح الغــربي‪.‬وقــد جــاء تمــرد(آرتــو)على المســرح الغــربي الســيكولوجي الطــابع‬
‫ك ــرد فع ــل ع ــنيف ض ــد خض ــوع ه ــذا المســرح الســتعباد النص األدبي المســرحي‪،‬ل ــذا دع ــا(آرت ــو)إلى‬
‫تحرير خطاب العــرض المسـرحي من دكتاتوريــة المؤلــف وهيمنــة الكلمــة وخلــق مسـرح جديــد ينطــق‬
‫بلغ ــة هيروغليفي ــة(ص ــورية)تعتم ــد الس ــحر والميتافيزيقي ــا إلث ــارة عواط ــف وأحاس ــيس المتلقي ع ــبر‬
‫‪54‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫االحتفــال الطقســي الــذي يهــدف إلى معالجــة اإلنســان وتطهــيره ممــا علــق بــه من أدران القيم الثقافيــة‬
‫األدبية والنظم الزائفة ويعيد خلق حالة جديدة من خالل المسرح ‪.‬‬
‫إن هـذه الـدعوات الـتي أطلقهـا(آرتـو)حـول نهـوض مسـرح االحتفـال السـحري أو الصـوفي فـوق‬
‫ركام المسـرح الغـربي السـايكولوجي توصـلنا بالضـرورة إلى أهميـة خطـاب األداء التمـثيلي ودالالتـه‬
‫في عــروض مســرح القســوة ‪ .‬والقســوة عنــد ارتــو تتجــاوز معناهــا المتــداول الــذي يحيــل أو يشــير إلى‬
‫التعذيب والعنف واأللم لتتجلى كعنصر مهم وفاعل في عروض مسرح القسوة ومعنى فلســفيًا رئيسـًا‬
‫عنــد(آرتــو)((مســرح القســوة يعــني قبــل كــل شــيء مســرحًا صــعبًا شــديد القســوة على نفســي‪،‬ال تعــني‬
‫القسوة في مستوى العرض إن نحمل أنفسنا على إن نتبادل معًا تقطيع أجسامنا وتركيبتنا البنيوية‪،‬بل‬
‫نقصــد من وراء ذلــك القســوة األكــثر فضــاعة وضــرورة الــتي من خاللهــا يمكن إن تمــارس األشــياء‬
‫ت ــدريباتها على نفوس ــنا‪،‬نحن لس ــنا أح ــرارًا وثم ــة احتم ــال إن تس ــقط الس ــماء على رؤوس ــنا‪،‬ولق ــد وج ــد‬
‫المسرح من اجل إن يعلمنا ذلك))"‪."1‬‬
‫ولكي يعبر اإلنسـان من خالل ردود أفعالـه على موقفـه اتجـاه الخـراب والزيـف والعنـف الكـامن‬
‫في صلب الحضارة الغربية والنظم والقيم السائدة وال ســيما قيم الثقافــة األدبيــة منهــا‪ ،‬وكــذلك عمــا في‬
‫العــالم واآلخــر من قســوة وقهــر ذاق مرارتهــا ذلــك اإلنســان فقــد صــارت خشــبة المســرح هي المــرتقى‬
‫ال ــذي يض ــج ويزخ ــر ب ــالتمرد واالحتج ــاج في ه ــذه المواجه ــة بين اإلنس ــان والع ــالم من حول ــه‪،‬ك ــون‬
‫االحتج ــاج ه ــو اب ــرز وظ ــائف ال ــدراما‪،‬ولك ــون المس ــرح ه ــو الوس ــيلة المثلى ال ــتي يع ــبر اإلنس ـ ــان من‬
‫خاللها عن مواقفه وأفكاره وأحاسيسه ومشاعره ووجوده ‪ ،‬لذا جاء تقديم العنف والقسوة أشبه بحالــة‬
‫من حاالت العرض للجراح والتشوهات التي أصــابت روح اإلنســان خالل صــراعه األزلي المحــترم‬
‫دومًا وأبدًا‪ ،‬ومن هنا جاء اهتمام المسرح الغربي بتطهير روح اإلنسان ومعالجته من جراحه‪.‬‬
‫فمسرح القسوة وانطالقًا من طروحات(آرتو)التي يرفض فيها رفضًا قاطعـًا العقالنيـة المنطقيـة‬
‫ليلجــأ إلى خيــارات أخــرى أال وهي تلقائيــة الالوعي والهــذيان واللــذين يعــدهما(ارتــو) بــديلين مهمين‬
‫على طريــق تحقيــق هدفــه في((إســتنزاف القيح جمًال وتفصــيًال بشــكل إجمــاعي))"‪ ."2‬فعمليــة اســتثارة‬
‫العواطف واألحاسـيس الداخليــة المكبوتــة لــدى الملتقي في محاولــة لعالجـه بالقسـوة لهــا مــا يماثلهــا في‬
‫المســرح اإلغــريقي‪،‬ففي التراجيــديا اإلغريقيــة عنــد(أرســطوطاليس)حيث يتم التطهــير(الكاثارســيس–‬
‫‪) catharsis‬عن طريـ ــق الخـ ــوف والحـ ــزن والشـ ــفقة‪،‬ومـ ــا يطرحـ ــه (آرتـ ــو) من نمـ ــوذج يـ ــرى فيـ ــه‬

‫‪)1(1‬مˆˆارتن أسˆˆلن ‪((:‬مسˆˆرح ارتˆˆو–النظريˆˆة والتطˆˆبيق))ترجمˆˆة‪:‬سˆˆعيد الحكيم‪،‬مجلˆˆةاألقالم(بغˆˆداد)العˆˆدد الثˆˆامن‪،‬السˆˆنة الثالثˆˆة‬


‫والعشرون آب ‪ 1988‬ص‪139‬‬

‫‪)2(2‬اريك بنتلي ‪ :‬المصدر السابق ص ‪. 70‬‬


‫‪55‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫إن((صــور الطاقــة الكامنــة في الالوعي‪،‬والجريمــة الــتي تقــترف دون مســوغ عنــدما يتم تقــديمها فــوق‬
‫الخشبة‪،‬فمن المفروض فيها إن تستثير حالة المرآة– ‪-a mirror state‬في ذهن المتفرج‪،‬وذلك إذا‬
‫مــا تم تقــديمها بدرجــة العنــف المطلوبــة ))"‪."1‬أي إن تحريــر واستشــارة اســتجابات المتلقي االنفعاليــة‬
‫تعتمــد على انتقــال الواقــع إلى كــون الفضــاء المســرحي العيــاني أو الحســي كي تتجســد الحيــاة بوســاطة‬
‫األشكال والهارمونيات الصورية والمرئيـة وإ شـارات أو عالمـات األداء التمـثيلي‪،‬كـون الممثـل الحي‬
‫ه ــو الص ــورة الدال ــة للفع ــل الم ــادي ومرك ــز البث ال ــرئيس لمجم ــل االس ــتجابات االنفعالي ــةوالمتفاعل‬
‫الحيــوي مــع مجمــل عناصــر العــرض المســرحي األســطورية الطــابع والمرتكــزة على فكــرة العنــف‬
‫والهـذيان السـتثارة هـذه االسـتجابات االنفعاليـة‪،‬كي تتحقـق حالـة تفاعليـة تتسـم بكونهـا نفسـية وروحيـة‬
‫مــع االحتفــالي والطقســي والبــدائي الكــامن في الــوعي الجمعي الــذي يقيم عالقــة اتصــال مباشــرة بين‬
‫الممثل من جانب والمتلقي من جانب آخر ‪.‬‬
‫إن تمــرد(آرتــو)على النظريــة الدراميــة الحديثــة كــان قــد أفضــى إلى دعواتــه العديــدة والمتحمســة‬
‫به ـ ــدم المس ـ ــرح الغ ـ ــربي الق ـ ــائم على التحلي ـ ــل الس ـ ــايكولوجي ونس ـ ــف تكوين ـ ــه الم ـ ــادي وإ حالل لغ ـ ــة‬
‫هيروغليفيــة جديــدة تفــك خطــاب العــرض المســرحي من أســار النص والكلمــة وتمنح الفن المســرحي‬
‫خصوصـ ــية متمـ ــيزة((يظـ ــل المش ــهد المس ــرحي الهوتاني ـ ـًا طالمـ ــا هيمن عليـ ــه الكالم أو إرادة الكالم‪،‬‬
‫ويظ ــل الهوتانيـ ـًا طالم ــا بقيت بني ــة تحم ــل بمقتض ــى ال ــتراث بأس ــره ‪ .‬العناص ــر التالي ــة ‪ :‬مؤل ــف –‬
‫خالق‪،‬غائب وبعيد‪،‬مسلح بنص يراقب ويوحد ويقود زمن العرض–أو معنــاه– تاركـًا إيــاه يمثلــه عــبر‬
‫مـ ــا يـ ــدعى بـ((محتـ ــوى))أفكـ ــاره ومقاصـ ــده يمثلـ ــه عن طريـ ــق نـ ــواب مخـ ــرجين أو ممثلين‪ ،‬مـ ــؤدين‬
‫مستعبدين يمثلون شخصيات هي نفسها التقوم وعبر ماتقوله أوال سوى بتمثيل فكرة الخالق))"‪."2‬‬
‫على هذا األساس انتفض(آرتو)على دكتاتورية المؤلف ليحرر العــرض المسـرحي من اسـتعباد‬
‫خطـ ــاب النص األدب الـ ــذي راح يعمـ ــل على توجيـ ــه خطـ ــاب العـ ــرض المسـ ــرحي صـ ــوب تقـ ــويض‬
‫اإليقاعات المشهدية المرئية أو الحد من شأن العالقات المشـهدية المرئيــة بارتكانــه إلى سـلطة جـوهر‬
‫خطاب النص األدبي وهي الكلمة ‪ ،‬لـذا شـدد(آرتـو)على أبتنـاء بـنى عالئقيـة وانسـاق جديـدة ومتنوعـة‬
‫بعــد نفي الكلمــة من فضــاء العــرض المســرحي وإ حالل لغــة مســرحية جديــدة تعتمــد صــورًا مرئيــة لهــا‬
‫الق ــدرة الداللي ــة ذاته ــا ال ــتي تت ــوافر عليه ــا الكلم ــات في ترجمته ــا للمش ــاعر واألفك ــار والمواق ــف ال ــتي‬
‫يتضــمنها العــرض المســرحي ‪ ،‬يقــول(آرتــو)انــه يريــد((إن يســتخدم الكلمــة كشــيء صــلب‪،‬شــيء يقلب‬

‫‪)3(1‬كريستوفراينز‪:‬المسرح الطليعي (من ‪1892‬حتى ‪ ، )1992‬ترجمة‪:‬سامح فكري(القاهرة‪ :‬مهرجان القاهرة الدولي للمسرح‬
‫التجريبي )) ‪ ،‬ص ‪114‬‬
‫‪) 1(2‬جاك دريدا‪((:‬مسرح القسوة وحدود التمثيل)) الكتابة واالختالف‪،‬ترجمة ‪ :‬كاظم جهاد‪:‬الدار البيضاء‪:‬دار نويقال للنشر ‪ ،‬ط‪1‬‬
‫‪ 1988‬ص ‪79‬‬
‫‪56‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪1‬‬
‫األشـياء عاليهـا سـافلها ‪ ،‬يربكهـا ‪ ،‬لكن قبـل كـل شـيء في الفضـاء))" "بمعـنى إن تتحـول لغـة المسـرح‬
‫الجديـ ـ ــدة إلى لغـ ـ ــة الفضـ ـ ــاء المسـ ـ ــرحي المرئيـ ـ ــة والبصـ ـ ــرية ‪ ،‬فيصـ ـ ــبح هـ ـ ــذا الفضـ ـ ــاء ناطق ـ ـ ـًا بلغـ ـ ــة‬
‫هيروغليفي ــة((الكلم ــة س ــتتحول إلى حرك ــات من جدي ــد‪،‬ويع ــني ه ــذا أن األم ــر اليتعل ــق ببن ــاء مس ــرح‬
‫صــامت‪،‬بــل ببنــاء مســرح لم يســكت ضــجيجه بعــد من شــكل الكلمــة ‪ ،‬الن النص جثــة الكلمــة المعنويــة‬
‫والبد من العودة إلى الكلمة السابقة للكلمات ولغة الحيـاة نفسـها البـد من العـودة إلى ذلـك الـوقت الـذي‬
‫كــان منطلــق العــرض اليفصــل بين الكلمــة والحركــة))"‪ ."2‬من هنــا جــاءت رؤيــة(آرتــو) للغــة الفضــاء‬
‫الجديدة التي عدها لغـة المسـرح الجديـد الـذي يجب إن ينهض على أنقـاض المسـرح الغـربي وتكوينـه‬
‫الم ــادي ‪ .‬فخط ــاب األداء التم ــثيلي كعنص ــر بن ــائي مهم في لغ ــة المس ــرح الجدي ــدة لم ــا لجس ــد الممث ــل‬
‫وصوته من قدرة إشارية أو عالماتية فاعلة في التعبير عن مجمل المواقف والمشـاعر واألفكـار‪،‬فمـا‬
‫يستنطق الفضاء المسرحي هو أداء الممثل الحي على المستويين الحركي والصوتي ‪.‬‬
‫فالفضــاء المســرحي بنيــة ماديــة تتشــكل من العالمــات الســمعية والبصــرية المتعــددة والمتنوعــة‬
‫الـتي تتجلى باألصـوات والصـرخات‪،‬والحركـات واإليمـاءات أو اإلشـارات والهارمونيـات الموسـيقية‬
‫والضوئية التي تدفع بهذا الفضاء المتحرك إلى إن ينطق بلغة سمعية وبصــرية دالــة تحيلــه إلى مكــان‬
‫مــادي ينطــق بلغــة حســية ملموســة‪.‬فيكــون بإمكــان الفضــاء المســرحي من أن يســتثمر قــدرات الممثــل‬
‫الجسدية منها والتعبيرية والسـيما القـدرة التعبيريـة الفائقـة للحركـة الـتي تتجلى في الـدور الـذي تتخـذه‬
‫الكلم ــات كوس ــائل تعبيري ــة مادي ــة ملموس ــة م ــؤثرة في الفض ــاء المس ــرحي المتح ــرك ‪ .‬فمن خالل م ــا‬
‫تنط ــوي علي ــه الحرك ــة من ق ــدرة دينامي ــة على ترجم ــة دالالت األفع ــال المتع ــددة والمتنوع ــة س ــيكون‬
‫بإمكـ ــان الفضـ ــاء المسـ ــرحي أن يوصـ ــل هـ ــذه الـ ــدالالت مرتكن ـ ـًا في ذلـ ــك إلى اإلمكانيـ ــات التعبيريـ ــة‬
‫والتصويرية للحركة في إكساب لغة الفضاء المسـرحي طابعـًا صــوريًا مرئيـًا يفصــح بالضــرورة عن‬
‫طبيعة العالقات اإلنسانية المعقدة وحقيقتها((إن ما يمكن للمسـرح إن ينتزعـه من الكلمـة هـو إمكاناتـه‬
‫لتج ـ ــاوز الكلم ـ ــات‪،‬والتط ـ ــور في الفض ـ ــاء ‪ ،‬والت ـ ــأثير االه ـ ــتزازي المتفك ـ ــك ذو الوق ـ ــع الخ ـ ــاص في‬
‫اإلحساس‪.‬هذه هي لحظة النبرات‪،‬واللفظ الذي تتخذه الكلمة))"‪. "3‬‬
‫فتتداخل اللغتان اللفظية وغير اللفظية في عروض مسرح القسوة‪،‬إال إن(ارتو)يدعو إلى اختزال‬
‫دقيــق((للتواصــل اللغــوي في مجــرد عمليــة التعــزيم ‪ incantation‬يعــني عملي ـًا اســتبدال الكالم بلغــة‬
‫ملموسة تتوجـه إلى الحـواس‪،‬أو بكلمــات أخـرى لغــة إشـارة))"‪ "4‬أي لغــة ملموسـة تعتمــد الهارمونيــات‬

‫‪)2(1‬إريك بنتلي ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص‪72‬‬


‫‪ )3(2‬سامية أحمد أسعد ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪73‬‬
‫‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪. 47‬‬ ‫‪)1(3‬إريك بنتلي‬
‫‪)2(4‬كريستوفراينز ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪. 115‬‬
‫‪57‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫المرئية وسحر ميتافيزيقيـة الكلمـة وجمـال التعويـذ أو التعـزيم ‪ .‬فخطـاب األداء التمـثيلي في عـروض‬
‫مســرح القســوة كعنصــر فاعــل يكتســب أهميتــه من خالل القــدرات الجســدية والنفســية والتعبيريــة الــتي‬
‫تمكن جسـ ــد الممثـ ــل من إن يتشـ ــكل ويـ ــتركب مادي ـ ـًا في فضـ ــاء العـ ــرض المسـ ــرحي‪ ،‬باإلضـ ــافة إلى‬
‫إمكانيــات هــذا الجســد في التعبــير عمــا هــو داخلي من عواطــف وأحاســيس إنســانية جياشــة يترجمهــا‬
‫ممثــل مســرح القســوة إلى لغــة جســدية بهيئــة مرئيــات أو أشــكال وصــور (هيروغليفيــات) دالــة على‬
‫معاني أو مدلوالت هذه العواطف واألحاسيس ‪.‬‬
‫لذا وانطالقًا من هذه القدرة الجسدية والنفسية الـتي يشـترطها مسـرح القسـوة بغيـة الوصـول إلى‬
‫قدرة إيحائيـة لـدى الممثـل تخلـق بـدورها عـبر االتصـال المباشـر اسـتجابات انفعاليـة متنوعـة ومتباينـة‬
‫لدى المتلقي‪،‬يكون بمستطاع الممثل الحي في مسرح القسوة ومن خالل قدرته على التشكل الجسـدي‬
‫في كـ ــون الفضـ ــاء المسـ ــرحي قـ ــادرًا على أْن يعـ ــبر عن مجمـ ــل العواطـ ــف واألحاسـ ــيس والمواقـ ــف‬
‫واألفكــار الــتي حالمــا تقــع في دائــرة الحركــة حــتى تشــرع الحركــة بتشخيصــها وترجمتهــا إلى أشــكال‬
‫وإ شارات بصرية هيروغليفية(صورية) ذات هوية سحرية بدائية معبرة ‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس من الطرح الذي يقطع فيه(آرتو)أية صلة بما هو لفظي ومنطقي ويدعو إلى‬
‫انبث ــاق ش ــعر الفض ــاء أو المك ــان المس ــرحي المب ــني على أس ــاس أبجدي ــة لغ ــة الحرك ــة وعناص ــر فني ــة‬
‫أخ ـ ــرى كالموس ـ ــيقى‪،‬وال ـ ــرقص(الكوري ـ ــوغراف)واإلث ـ ــارة والموس ـ ــيقى واألداء التم ـ ــثيلي الص ـ ــامت‬
‫واألشــكال البدائيــة والطقســية والتعويــذات أو التعزيمــات– ‪- incanitation‬رافض ـًا–آرتــو– هيمنــة‬
‫ســلطة اللغــة اللفظيــة وشــعرها ومطــالب بشــعر مــرئي ملمــوس(شــعر يتجســد في العــودة إلى األســاطير‬
‫البدائيـ ــة‪،‬هـ ــذه الحاجـ ــة تحملنـ ــا على مطالبـ ــة اإلخـ ــراج وليس النص بمهمـ ــة تجسـ ــيد تلـ ــك النزاعـ ــات‬
‫القديمة‪،‬وقبل كل شيء إضـفاء المباشـرة عليهـا‪،‬أي نقـل هـذه الثيمـات إلى المسـرح مباشـرة وتجسـيدها‬
‫بــالتعبيرات والحركــات قبــل صــبها في كلمــات‪.‬وهكــذا ســنرفض الخرافــة المســرحية المتصــلة بــالنص‬
‫ودكتاتوريــة الكــاتب وهكــذا ســنلتحق بالــدراما الشــعبية القديمــة الــتي جربهــا الفكــر وأحس بهــا مباشــرة‬
‫متجاوزين تشويه اللغة وحواجز الكلمة))"‪. "1‬‬
‫فاسـتنطاق المكـان أوالفضـاء المسـرحي بلغـة ملموسـة ملؤهـا الشـعر هي مسـألة تتعلـق بـالمخرج‬
‫المســرحي كشــاعر يســعى جاهــدًا إلى إخضــاع مجمــل العناصــر الفنيــة المكونــة لبنيــة خطــاب العــرض‬
‫–‬ ‫المسرحي لكون هذه العناصر الفنية أدوات أو وسائل مادية مركزيـة فاعلـة ومهمـة بيـد المخـرج‬
‫الشاعر– الذي يعمل على استعمالها في نظمه أو إنشائه لخطاب العرض المسرحي ‪.‬‬

‫‪ .‬ص ‪59‬‬ ‫‪ :‬المصدر السابق‬ ‫‪)1(1‬إريك بنتلي‬


‫‪58‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫إذ إن الممثل في عروض مسرح القسوة ومن خالل كال المنظومـتين السـمعية والبصـرية وهمـا‬
‫قناتــاه المركزيتــان الرئيســيتان في التعبــير عمــا هــو صــوتي وحــركي‪،‬واللتــان تعمالن بفعــل القــدرات‬
‫الجسـ ــدية والصـ ــوتية للممثـ ــل على إيصـ ــال الهـ ــدف الـ ــدرامي بصـ ــورة مباشـ ــرة وملموسـ ــة من خالل‬
‫االرتكاز على حركات وتحركات أو إيماءات الممثل ونبراته ونطقـه وصــراخه والمبنيــة على أسـاس‬
‫دقيــق ومنظم في نطــاق تعالقهــا وتفاعلهــا وظيفي ـًا للفضــاء المســرحي المتحــرك((إن لكــل إيمــاءه وكــل‬
‫حركــة ونــبرة معــنى دقيــق في التعبــير محــدد ومشــابه للصــور الهيروغليفيــة المصــرية والصــينية الــتي‬
‫ترمز إلى الكلمـات ومـع ذلـك وعلى نقيض تلـك الـتراكيب ودالالتهـا الخاصـة الـتي يجب إن تفهم‪،‬فـأن‬
‫لغة المسرح الجديدة ذات الدالالت المحددة سيكون لها تأثير المباشر في توصيل المعنى الـدقيق لكـل‬
‫إشارة هيروغليفية أو رمز إلى الجمهور))"‪. "1‬‬
‫فقـد جـاء ارتبـاط االحتفـال المسـرحي بالسـحر والميتافيزيقيـا بفعـل تـأثر(آرتـو)بالمسـرح الشـرقي‬
‫الســيما عــروض((مســرح بــالي)) الــتي أفــاد منهــا(آرتــو)كثــيرًا في دعواتــه الــتي أفضــت ترصــين هــذا‬
‫االرتباط ‪ ،‬فتحقيـق قـوة تأثيريـة فاعلـة لرسـالة خطـاب األداء التمـثيلي يتـأتى من خالل عالقـة رصـينة‬
‫بالماضــي البعيــد الغــور وبمــا هــو أصــيل ‪ ،‬فرســالة خطــاب األداء التمــثيلي الــتي ارتقت إلى مســتوى‬
‫العالم ـ ـ ــات أو اإلش ـ ـ ــارات اس ـ ـ ــتمدت ه ـ ـ ــذه الق ـ ـ ــوة التأثيري ـ ـ ــة من إنس ـ ـ ــانية المس ـ ـ ــرح الق ـ ـ ــديم ‪ .‬ولكي‬
‫يمســك(آرتــو)بزمــام مجمــل العناصــر الفنيــة المكونــة لخطــاب العــرض المســرحي فقــد عمــد إلى خلــق‬
‫نظام للتدوين أو الترقيم يحل بديًال عن النص المسرحي الذي شـرع(آرتـو)بنفيـه عن مسـاحة خطـاب‬
‫العــرض المســرحي المتقن ‪ ،‬ففي الحســاب الزمــني الــدقيق لألداء المســرحي والســيما األداء التمــثيلي‬
‫منـ ـه ت ــدون أدق تفاص ــيل ه ــذا الخط ــاب بحيث تثبت ك ــل عناص ــر حرك ــة الممث ــل بمختل ــف خطوطه ــا‬
‫ومتجهاتهــا وكــل إيمــاءة ولفظــة ونــبرة‪..‬الخ‪ ،‬بغــرض الوصــول إلى عــرض مســرحي متقن من خالل‬
‫الســيطرة والتحكم بمجمــل هــذه العناصــر على وجــه الدقــة والنظــام ((ســيرقم العــرض من بدايتــه إلى‬
‫نهايت ــه كش ــفرة‪،‬ال كحرك ــات ض ــائعة‪ ،‬ك ــل الحرك ــات خاض ــعة لإليق ــاع‪ .‬ولم ــا ك ــانت ك ــل شخص ــية‪،‬‬
‫شخصية نمطية‪ ،‬فأن حركاتها ووجهها وزيها ستبدو كالعديد من أشعة الضياء))"‪. "2‬‬
‫فالعرض المسرحي المتقن يتوافر على أصوات وألفاظ وحركات وإ يماءة وإ شارات يحـدد زمن‬
‫أدائهــا تحديــدًا دقيق ـًا ومناســبًا فيــدرك المتلقي قــدرتها الفاعلــة في تحفــيز مــا هــو داخلي من خالل الدقــة‬
‫الزمنية ألدائها وارتباطاتها التاريخية ودقتها الترميزية ‪.‬‬

‫‪ )1(1‬نقًال عن رسالة ماجستير د‪ .‬عبد الكريم عبود ‪ .‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪139‬‬
‫‪ )2(2‬اريك بنتلي ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص‪56‬‬
‫‪59‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫فخطاب األداء التمثيلي الذي يتميز بكونه عنصرًا داًال وفاعــل في بــنى عــروض مسـرح القسـوة‬
‫والذي رفعت رسالة األلفاظ واألصوات والحركات واإليماءات أو اإلشارات فيه والتي يبثهـا الممثـل‬
‫في نطــاق هــذا الخطــاب الــدال إلى درجــة العالمــات‪،‬فهــو يحقــق تعبــيرًا دقيق ـًا عن مضــمون المواقــف‬
‫واألفكار والعواطف بلغة األحالم ذات الطابع الميتافيزيقي والتي ال تعتمـد العناصـر اللفظيـة وحسـب‬
‫في آليــة التعبــير هــذه‪،‬بــل تعتمــد عناصــر بصــرية دالــة تشــكل مفــردات لغــة هيروغليفيــة أساســية مهمــة‬
‫كـ ـ ـ ــذلك‪.‬لـ ـ ـ ــذا فقـ ـ ـ ــد جـ ـ ـ ــاء تـ ـ ـ ــرجيح(ارتـ ـ ـ ــو)لكفـ ـ ـ ــة اسـ ـ ـ ــتخدام الرمـ ـ ـ ــوز الهيروغليفيـ ـ ـ ــة على الرمـ ـ ـ ــوز‬
‫الســمعية(الكلمــات)المتمــيزة بقــدرتها التجريديــة في التعبــير عن منطلــق رفضــه القــاطع لهيمنــة النص‬
‫األدبي واس ــتبداده‪،‬من هن ــا انبثقت أهمي ــة الحرك ــة في ق ــدرتها التعبيري ــة الفائق ــة على تحوي ــل الكلم ــات‬
‫السمعية الطابع إلى لغة هيروغليفية ملموسة في الفضاء المسرحي‪،‬فتتعالق على هذا األساس مجمــل‬
‫العالمات أو العناصر السمعية بالعناصر البصرية والتصويرية والتشكيلية المتعددة والمتنوعــة ‪ ،‬لــذا‬
‫اعتمدت هذه اللغة الملموسة في التعبير على أسلوب الحلم الـذي ((يعتـبرأمرًا أساسـيًا في درامـا ارتـو‬
‫فق ــد مكن ــه ه ــذا األس ــلوب من اس ــتخدام الح ــوار في إط ــار مس ــرحي بحت بعي ــدًا عن تقني ــات األس ــلوب‬
‫األدبي ومكنه كذلك من إن يبرز استخدامه للرموز الهيروغليفية وسيلة لنقل أفكار معينة عن طريــق‬
‫االتصال البصري ‪ ،‬فهذه هي الطريقة التي تنتقل بها األفكار والمعلومات في األحالم))"‪."1‬بهــذا نجــد‬
‫إن الحرك ــات واإليم ــاءات أو اإلش ــارات وهي العناص ــر األساس ــية للغ ــة الحلم في مس ــرح القس ــوة ال‬
‫تعمل إال على أساس من دراسة علمية دقيقة ومنضبطة ‪ ،‬فيكون الحلم على هذا النحو قانونًا صارمًا‬
‫ينأى بهذه العناصر عن االضطراب واالنفالت ‪.‬‬
‫ومن خالل خط ــاب األداء التم ــثيلي ال ــذي يع ــد العنص ــر ال ــرئيس المتع ــالق في محي ــط الفض ــاء‬
‫المســرحي بشــتى العناصــر الفنيــة المكونــة والعاملــة في بنيــة خطــاب العــرض المســرحي–الموســيقى‬
‫الصاخبة المتأتية من آالت موسـيقية وإ يقاعيـة وعناصـر مشـهديه تصـويرية ومرئيـة‪-‬يمكن االشـتغال‬
‫على توظي ـ ــف عالم ـ ــات األداء التم ـ ــثيلي الس ـ ــمعية والبص ـ ــرية‪-‬األص ـ ــوات الملفوظ ـ ــات والحرك ـ ــات‬
‫واإليمــاءات أو اإلشــارات‪ -‬لتحقيــق قــدرة دالليــة تمكن هــذه العالمــات أو اإلشــارات من إن تتمفصــل‬
‫في إطار بنية خطاب العرض المسـرحي لتأسـيس لغـة مسـرحية ملموسـة خالصـة في فضـاء العـرض‬
‫المسرحي‪.‬‬
‫فاألصـوات أو األلفـاظ أو الحركـات والتحركـات الـتي يبثهـا الممثـل والمعـبرة عن حـاالت نفسـية‬
‫وروحيــة دالــة مرتبطــة بــالمعنى الجمــالي الكــامن في الــوعي الجمعي لفكــرة معينــة أو إحســاس بعينــه‬
‫‪،‬فقـ ــد حفـ ــرت هـ ــذه التعـ ــابير على أقنعـ ــة تأخـ ــذ من السـ ــحر والخرافـ ــة تسـ ــمية لهـ ــا((إن تعـ ــابير الوجـ ــه‬

‫‪ .‬ص‪141‬‬ ‫‪ )1(1‬نقًال عن رسالة ماجستير ‪ .‬د‪ .‬عبد الكريم عبود عودة ‪ :‬المصدر السابق‬
‫‪60‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الالمحدودة السجينة في أشكال األقنعة يمكن تصنيفها ووضع العنــاوين لهــا بحيث تســتطيع المشــاركة‬
‫بصـ ــورة رمزيـ ــة‪،‬ومباشـ ــرة ونهائيـ ــة لهـ ــذه اللغـ ــة المحسوسـ ــة على خشـ ــبة المسـ ــرح باسـ ــتقاللها عن‬
‫االستعمال السايكولوجي الخاص))"‪."1‬‬
‫ومن هنا تأتي أهمية الخطـاب التمـثيلي بلغتـه الجديـدة في العـرض المسـرحي الجديـد ذي الطـابع‬
‫الطقسي والبدائي الذي بشر به(آرتو)وكافح من اجله‪،‬فإذا ما كان العرض المســرحي بهويتــه الجديــدة‬
‫عالمــة دالــة فــان العواطــف والمشــاعر تتخــذ من المــدلول أو المعــنى المــادي الــذي تنتجــه نــاقًال رمزيـًا‬
‫داًال بين طرفي مجرى االتصال وهو ما يمثــل((المرســل والمتلقي))((المســتقبل الجمعي)) في محيــط‬
‫فضــاء العــرض المســرحي المنبــني على أســاس المشــاركة بين هــذين الطــرفين ‪ ،‬فالمكــان أو الفضــاء‬
‫المشــترك الــذي دعــا إليــه(ارتــو)يتطلب معمــارًا مســرحيًا جديــدًا متكــامًال معــدًا إعــدادًا دقيق ـًا الحتــواء‬
‫الممارســة االحتفاليــة الطقوســية لتحقيــق التواصــل القــائم على االنــدماج والتفاعــل بين خشــبة العــرض‬
‫المس ـ ـ ـ ــرحي وص ـ ـ ـ ــالة المش ـ ـ ـ ــاهدة وعلى قاع ـ ـ ـ ــدة ه ـ ـ ـ ــذا االن ـ ـ ـ ــدماج والتع ـ ـ ـ ــالق بين الممث ـ ـ ـ ــل والمتلقي‬
‫يسعى(آرتو)لتحقيق فكرة العرض الجديد الذي دعا إليه ‪.‬‬
‫رابعًا ‪ -:‬برتولد بريخت ( ‪. ) 1956 - 1898‬‬
‫إن أهم ما يميز طروحات (بريخت) الجمالية هو تأكيدها على بعث الروح في عالقة وطيدة‬
‫بين العرض المسرحي والجمهور‪،‬عالقة جديدة تغــاير مــا دأب عليــه جمــاليو المسـرح في طروحـاتهم‬
‫ال ــتي أق ــامت الص ــلة في مس ــالة المش ــاركة في الع ــرض المس ــرحي على أس ــاس من ارتباطه ــا بج ــذور‬
‫دينية طقسية احتفالية تتعلق بالعرض المسرحي‪.‬حيث يرى (بريخت) إن العالقة المباشرة التي تقــوم‬
‫بين العرض المسـرحي والجمهـور تعتمـد على حـظ الجمهـور من خالل مـايطرح من مواقـف وأفكـار‬
‫فــوق خشــبة المســرح باتجــاه التأمــل والنقــد‪ ،‬فمــا يــراه هــذا الجمهــور من إحــداث مرويــة فــوق خشــبة‬
‫المسرح تجعله عنصرًا فاعًال ومتفاعًال فيتمكن من إن يصدر أحكاما أو يبدي آراء حول ما يقدم لــه‪،‬‬
‫وهذا ما يؤكد مسالة المشاركة في العرض المسرحي‪(.‬فبريخت) ومن خالل بحثه عن وسائل جديدة‬
‫تعمــل على دفــع الجمهــور كي يتبــنى األفكــار والمواقــف المعروضـة وكــذلك ســعيه–بــريخت– الحــثيث‬
‫لترسيخ فكرة التأثير بالمتلقي ذهنيًا والنأي به عن فضاء الخيـال وإ يهامـه بـأن مـا يعـرض فـوق خشـبة‬
‫المسرح هو الواقع بعينه‪،‬فقد اعتمد(بريخت) تطوير مسالة التفاعل المباشر في العالقــة بين العــرض‬
‫المسرحي والجمهور كونه يـرى((إن الممارسـة المسـرحية المعاصـرة قـد أجهضـت العالقـة المباشـرة‬

‫ص‪52‬‬ ‫‪ )2(1‬أريك بنتلي ‪ :‬المصدر السابق ‪.‬‬


‫‪61‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫بين خشــبة المســرح والجمهــور‪:‬إن المســرح كمــا نعرفــه اآلن تظهــر فيــه البنيــة االجتماعيــة المصــورة‬
‫على خشبة المسرح وكأنها عاجزة تمامًا عن التأثر بالمجتمع (الممثل‪/‬قاعة المشاهدة))"‪."1‬‬
‫وعلى هــذا النحـو عمــل(بــريخت)على خلــق إضــافات تقنيــة جديــدة يهــدف من وراءهــا إلى توثيــق‬
‫الص ــالت بين الجمه ــور والع ــرض المس ــرحي من خالل ش ــحذ ذهن الجمه ــور وحظ ـِه على إن يك ــون‬
‫مش ــاركًا مت ــأمًال وناق ــدًا ف ــاعًال للحقيق ــة الفني ــة المروي ــة ف ــوق خش ــبة المس ــرح ش ــريطة إن تبقى متع ــة‬
‫المش ــاهدة المس ــرحية قائم ــة((تنط ــوي ه ــذه العملي ــة على ه ــدف م ــزدوج يس ــعى في ص ــالح الجمه ــور‪،‬‬
‫ويختص هذا الهدف أوًال بطبيعة األحداث التي تعرض فوق الخشبة ‪ ،‬فهــذه األحــداث يجب إن تكــون‬
‫ذات طبيع ــة خاص ــة بحيث تح ــظ الجمه ــور في لحظ ــات مح ــددة إلى فحص ــها واختباره ــا في تجربت ــه‬
‫الخاصــة‪،‬كمــا ينصــرف الهــدف ذاتــه في نفس الــوقت إلى طبيعــة عمليــة اإلخــراج ‪،‬فهي يجب إن تتســم‬
‫بالشـفافية فتكشـف عن أدواتهــا الفنيــة صــراحة؛إن المسـرح الملحمي يتوجـه بخطابــه إلى قطاعــات من‬
‫الناس مهمومة بنفس القضايا لكنها ال تفكر طالما ال يوجد ما يبعثها على التفكير))‪،2‬ولعــل احــد ابــرز‬
‫واهم المفاهيم التي اعتمدها(بريخت)في إطار نظريته حول العالقة التفاعليــة المباشــرة بين الجمهــور‬
‫وخش ــبة المس ــرح ه ــو مفه ــوم التغ ــريب(‪((.)Verfremdung Estrangement‬إن ه ــدف التكني ــك‬
‫ذي((التأثير الغربي)) يتلخص في اإليحاء للمشـاهد بعالقـة تحليليــة انتقاديــه تجـاه األحـداث المصــورة‬
‫أم ــا الوس ــائل فتك ــون فني ــة))"‪."3‬وال يع ــد التغ ــريب وس ــيلة فني ــة أو جمالي ــة ذات طبيع ــة خاص ــة تتم ــيز‬
‫بفعاليتهــا وقــدرتها على خلــق مســافة بين الجمهــور والعــرض المســرحي وحســب‪،‬بــل التغــريب عمليــة‬
‫مركزي ــة م ــؤثرة لتق ــريب الواق ــع واألش ــياء الحياتي ــة المألوف ــة إلى دائ ــرة الش ــعور واإلدراك من خالل‬
‫إثارتهــا للغرابــة والدهشــة والالتوقــع لــدى الجمهــور ‪،‬فــالتغريب يهــدف إلى تحويــل األشــياء واألفكــار‬
‫والشخصــيات فــوق خشــبة المســرح عن رتابتهــا ومألوفيتهــا في ســياقاتها واإلمســاك باهتمــام الجمهــور‬
‫من خالل توجيه وتركيز انتباهه صوب ما تم تغريبه‪،‬إن((جوهر نظرية التــأثير التغريــبي هــو إحالل‬
‫نشاط فكري ثاقب ونقدي أساسا لدى المتفرج محل المعايشة المستكينة القاصرة‪،‬فالحدث على خشــبة‬
‫المســرح يتخــذ مســافة‪،‬ويبتعــد بــتراجع عن مجــرى الواقــع اليــومي المــألوف ويطــل علينــا كمــا لــو كــان‬
‫شيئًا غريبًا يثير دهشتنا))"‪."4‬‬

‫‪) 1(1‬سوزان بينيت‪:‬جمهور المسرح(نحو نظرية في اإلنتاج والتلقي المسرحيين)ترجمة‪:‬سامح فكري((القاهرة‪:‬أكاديميˆˆة الفنˆˆون ‪،‬‬
‫مطابع المجلس األعلى لآلثار)) ص ‪. 46‬‬
‫‪ )1(2‬سوزان بينيت ‪ :‬المصدرالسابق ‪ :‬ص ‪. 46‬‬
‫‪) 2(3‬برتولد بريخت‪ :‬نظرية المسرح الملحمي‪،‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬جميل نصيف التكريتي (بغداد ‪ :‬دار الحرية للطباعة ‪ ،‬مطبعة الجمهورية‬
‫‪ ،‬ب ت) ‪ .‬ص‪.161‬‬
‫‪)3(4‬نقًال عن رسالة ماجستير د‪.‬عبد الكريم عبود عودة المبارك ‪ .‬المصدر السابق ‪ .‬ص‪153‬‬
‫‪62‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫وإ ذا مــا كــانت الــدراما المســرحية(األرســطية) ذات طــابع شــعوري إيهــامي تــدفع الجمهــور نحــو‬
‫االنــدماج مــع الشخصــية الرئيســية أو مــع مــا يعــرض فــوق خشــبة المســرح بغيــة الوصــول إلى الهــدف‬
‫الهام إال وهو التطهير(الكاثارســيس‪)Catharsis،‬عن طريــق الخــوف والشــفقة((والتطهــير يتم بفضــل‬
‫الفعل النفسي المتميز والمتمثل باندماج المشاهد مع مصير ومعاناة الشخصيات المجسدة على خشبة‬
‫المسرح من قبل الممثلين))"‪."1‬فأن(بريخت)الـذي يقـف على النقيض من ذلـك المسـرح الـدرامي الـذي‬
‫يس ــميه(ب ــريخت)نفس ــه بـ(المس ــرح االرسطوطاليس ــي)‪،‬إذ ي ــرى(ب ــريخت)إن االوان ق ــد آن لكي يق ــوم‬
‫المســرح بــدوره الحقيقي في التعليم واإلمتــاع والتغيــير والتهــذيب وبث الحيويــة في ذهن المتفــرج كي‬
‫يمكن ــه من إن يك ــون مش ــاركًا ف ــاعًال وناق ــدًا محاي ــدا ً من خالل انفص ــاله عن ال ــوهم المع ــروض ف ــوق‬
‫خشـ ــبة المسـ ــرح ليتمخض مسـ ــرحًا عقلي ـ ـًا أو ذهني ـ ـًا يقـ ــف إلى الجـ ــانب اآلخـ ــر من المسـ ــرح الـ ــدرامي‬
‫الشــعوري اإليهــامي ‪ ،‬حيث يعتمــد المســرح(الالأرســطي)الملحمي على التغــريب بــديًال عن االنــدماج‬
‫ال ــذي يعتم ــده((المس ــرح االرس ــطو طاليس ــي))ليحق ــق المس ــرح الملحمي الوص ــول إلى مفه ــوم كس ــر‬
‫اإليهــام((ومــع ذلــك فــأن كســر اإليهــام ليس غايــة في حــد ذاتــه‪ ،‬فــالتغريب لــه جانبــه االيجــابي‪،‬ذلــك انــه‬
‫يــدحض انــدماج المتفــرج مــع الشخصــيات المســرحية ويخلــق مســافة بينهمــا بحيث يصــبح في إمكانــه‬
‫النظــر إليهــا بــروح محايــدة وناقــدة‪،‬وهكــذا يــرى األشــياء والمواقــف العاديــة في ضــوء جديــد من خالل‬
‫الدهشـ ـ ــة واالسـ ـ ــتغراب ينبثـ ـ ــق فهم جديـ ـ ــد للموقـ ـ ــف اإلنسـ ـ ــاني(فـ ـ ــالطبيعي ال بـ ـ ــد إن يتحـ ـ ــول ليبـ ـ ــدو‬
‫مدهشًا) ))"‪."2‬‬
‫لــذا ومن خالل مفهــوم كســر اإليهــام الــذي تمخض عن التغيــير الــذي أحدثــه التغــريب في زاويــة‬
‫النظر إلى العالقة المتواصلة القائمة على التفاعل المتبادل بين الجمهور والعــرض المسـرحي‪ ،‬حيث‬
‫ارتك ــز المنظ ــور الجدي ــد له ــذه العالق ــة التواص ــلية المركزي ــة على تق ــاطع اآلث ــار التغريبي ــة ورفض ــها‬
‫ألسـلوب االنـدماج أو التقمص للشخصـية سـواء كـان هـذا التقمص مبعثـه الممثـل فـوق خشـبة المسـرح‬
‫أو المتف ــرج في ص ــالة المش ــاهدة‪،‬يمكن إدراك األث ــر الفاع ــل للتغ ــريب بوس ــائله المتع ــددة والمتنوع ــة‬
‫س ـ ـ ــواء على ص ـ ـ ــعيدي النص والع ـ ـ ــرض المس ـ ـ ــرحيين أو على ص ـ ـ ــعيد اس ـ ـ ــتراتيجيات التلقي ل ـ ـ ــدى‬
‫الجمهــور‪،‬حيث أصــبح اســتقبال المتفــرج لخطــاب العــرض المســرحي كــادراك جمــالي تحليلي ونقــدي‬
‫للواق ـ ــع عملي ـ ــة تلقي ذات ط ـ ــابع عقلي أو ذه ـ ــني مح ـ ــظ‪.‬إال إن ه ـ ــذه العالق ـ ــة التفاعلي ـ ــة المتبادل ـ ــة بين‬
‫الجمهور والعرض المسـرحي في إطــار المنظـور الجديـد ال تنبـني على أسـاس القطـع الكامـل لمجمـل‬
‫سبل التفاعل والتعالق العاطفـي والشعوري بين طرفي مجرى االتصال‪ ،‬بل البد من توافر نسب من‬

‫‪)4(1‬برتولد بريخت‪:‬المصدر السابق ‪ .‬ص‪123‬‬


‫‪)1(2‬رونالد جراي‪((:‬بريخت)) ترجمة ‪ :‬نسيم مجلي ‪ (،‬القاهرة‪:‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ . )1972 ،‬ص‪6‬‬
‫‪63‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫العواط ـ ــف والمش ـ ــاعر‪،‬يق ـ ــول(ب ـ ــريخت)في ذل ـ ــك‪((:‬ليس ص ـ ــحيحًا م ـ ــا يق ـ ــال أحيان ـ ــا ب ـ ــأن المس ـ ــرح‬
‫الملحمي(وهو ليس بدرجة من التبسيط بحيث يكون مسـرحًا غير درامي ‪ ،‬كـما يــدعي البعض) يق ــوم‬
‫على شــعار‪ :‬العق ــل في جــانب والع ــاطفة والمش ــاعر في جــانب آخ ــر‪.‬إن المســرح الملحمي ال يســتبعد‬
‫العاطفــة وال ســيما مشــاعر اإلحســاس بالعدالــة والحريــة والغضــب الــذي ينطــوي على مــبرر وهــو في‬
‫حرصه على وجـود هــذه المشـاعر ال يفـترض وجودهــا مسـبقًا بــل يس ــعى إلى اسـتثارتها في الجمهــور‬
‫وتعزيزهــا‪.‬إن موقــف التأمــل النقــدي الــذي يحــاول المســرح الم ــلحمي إيقاظــه في المتفــرج ال بــد وان‬
‫يكون متأججًا بالمشاعر))"‪."1‬‬
‫وطالما اعتمد المسرح الملحمي مفهوم كسر اإليهام ليبلور مسافة محددة بين المتفرج والعرض‬
‫المسـ ــرحي‪،‬سـ ــاعيًا من وراء ذل ــك إلى اكتش ــاف الواق ــع االجتم ــاعي ف ــوق خش ــبة المسـ ــرح من خالل‬
‫إحداث مسـافات أو تقاطعـات متتاليـة لمجريـات الحـدث بغيـة عــرضه للتعليـق ومن ثم إعــادة صـياغته‬
‫أو تشــكيله وتنظيم ــه وفـ ــق رؤًى جدي ــدة والشــروع بتحليل ــه واتخــاذ موقــف نق ــدي اجتم ــاعي وسـ ــياسي‬
‫وثق ــافي اتجـ ــاهه من خالل وسـ ــائل عدي ــدة ومتنوع ــة تسـ ــتخدم لخل ــق عملي ــة التغ ــريب وتحقي ــق آثاره ــا‬
‫الفاعلــة‪،‬فقــد يتم ذلــك بوســاطة عمليــة قطــع لألحــداث الجاريــة فــوق خشــبة المســرح عن طريــق النص‬
‫المسرحي أو عن طريق األداء التمثيلي في العرض المسرحي وعلى فترات متقطعة ومتتالية طوال‬
‫زمن العرض‪.‬وفي حقيقة األمر إن المقاطعة ال تتوقف عند حدود قطع االحداث فوق خشبة المسرح‬
‫وحســب‪،‬بــل أن القطــع يمتــد ليشــمل االداء الصــوتي والحــركي الــذاتي للممثــل‪،‬مثلمــا يشــمل قطــع تنظيم‬
‫خطوط التواصل األدائي بين الممثل واآلخر(ممثلين أومجموعــات)صــوتيًا‪.‬فالممثــل ومن خالل أدائــه‬
‫الصــوتي والحــركي المرتبــط بمفهــوم القطــع يكــون بإمكانــه أداء الشخصــية والتعبــير عنهــا ‪ .‬فاالنتقــال‬
‫بــاألداء الصــوتي والحــركي للممثــل كــدال فاعــل إلى األداء الــذاتي للممثــل على المســتويين الصــوتي‬
‫والحــركي للقط ــع وال ــذي ال يشــابه بالض ــرورة النســق الحــركي والص ــوتي للشخص ــية الدرامي ــة‪،‬ي ــتيح‬
‫للممث ــل العم ــل على إخض ــاع األح ــداث الجاري ــة ف ــوق خش ــبة المس ــرح للنق ــد والتعلي ــق بوس ــاطة أدائ ــه‬
‫الحركي واإليمـائي أو االشـاري مـبرزًا وجهـة نظـره حـول الشخصـية كونـه‪ -‬الممثـل الحي‪ -‬المفسـر‬
‫الــرئيس لكــل دقــائق الحــدث وتفاصــيله المعقــدة‪.‬ومن خالل القطــع الــذاتي البرشــتي تتحقــق مســافة بين‬
‫الممثل على مستوى اإلرسـال والمتفــرج على مسـتوى التلقي يعمالن في إطارهــا بحريــة للكشـف عن‬
‫العرض المسرحي والشخصية وأهدافهما((إذن يحـق للمتفـرج هنـا إن يحتفـظ بكامـل حريتـه فالوظيفـة‬
‫األساســية للممثــل هي إن(يعــرض)الشخصــية هكــذا تمام ـًا كــأي إنســان يتوقــف عن الحــديث لكي يثبت‬

‫ص‪55‬‬ ‫‪ )2(1‬سوزان بينيت ‪ :‬المصدر السابق ‪.‬‬


‫‪64‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪1‬‬
‫بالتمثيل الصـامت جـزءًا من قصـته))" "‪ .‬ومن خالل األداء التمـثيلي يسـتطيع الممثـل وبفضـل قدراتـه‬
‫الجس ــدية والتعبيري ــة من أن يع ــبر عن س ــلوك اإلنس ــان وأفك ــاره وعواطف ــه ومش ــاعره المختلف ــة ‪ ،‬وال‬
‫سيما أدائه الحركي واإليمائي الــذي يجسـد طبيعــة الحـدث ويعــبر عنــه بشـكل دقيــق ‪ ،‬فاإليمــاءة تتــوافر‬
‫على أهميــة بالغــة لــدى(بــريخت) لكونــه يعــدها شــكًال رمزي ـًا داًال تنطــوي على وظــائف معينــة ‪ ،‬فقــد‬
‫تصــدر هــذه اإليمــاءة عن الممثــل وقــد يــأمر بهــا المؤلــف‪،‬فتشــكل جــزءًا ال يتجــزأ من خطــاب العــرض‬
‫المس ــرحي وحكايت ــه وهي التعب ــير غ ــير اللفظي عن الشخص ــية في عواطفه ــا ومش ــاعرها ومواقفه ــا‪،‬‬
‫((اإليمــاءة هي تعليــق على الشخصــية نفســها‪،‬وعلى اســتجابتها للشخصــيات األخــرى واألحــداث الــتي‬
‫تجري حولها‪،‬كما عينها المؤلف))"‪ ."2‬واإليماءة في العرض المسرحي الملحمي تستخدم على النحو‬
‫اآلتي‪-:‬‬
‫‪-1‬اإليماءة التعليمية‪:‬‬
‫وتتجلى هذه اإليماءة في المسرحيات التعليمية فتاتي كإيماءة لفظية تنطق بها الشخصيات‬
‫والمجموعات كما تأتي كإيماءة غير لفظية ناجمة عن حركات وتحركات الشخصيات‬
‫والمجموعات أيضًا‪ .‬وتتطابق هذه اإليماءة مع الملفوظات أو الكلمات فتعبر عنها وتفسرها‪ ،‬كما‬
‫يتداخل في اإليماءة التعليمية الهدفان التعليمي والحركي لألداء التمثيلي في العرض المسرحي‪.‬‬
‫‪-2‬اإليماءة الصدمة‪:‬‬
‫وفي هذه اإليماءة ينبري(قطبا الصراع)بشـكل جلي فلكـل منهمـا وجهـة نظـره الخاصـة في‬
‫طبيعة الصراع‪،‬فكل منهما يدافع بقوة عن موقفه سواء أكان هـذا الموقـف أخالقيـًا أم طبقيـًا أم سياسـيًا‬
‫أم شخص ـ ـ ــيًا‪،‬وعلى المتف ـ ـ ــرج أن يكش ـ ـ ــف طبيع ـ ـ ــة ه ـ ـ ــذا الص ـ ـ ــراع وحقيق ـ ـ ــة موق ـ ـ ــف كال الط ـ ـ ــرفين‬
‫المتص ــارعين‪،‬وتكش ــف اإليم ــاء الص ــدمة عن االنفع ــاالت الداخلي ــة وحقيقته ــا ل ــدى ك ــل شخص ــية من‬
‫الشخصيتين المتصارعتين واللتين تمثالن موقفين متباينين ومتضادين‪.‬‬
‫‪-3‬اإليماءة الصادقة‪:‬‬
‫وفي نطاق هـذه اإليمـاءة يمكننـا إن نتنـاول شخصـية مهمـة في مسـرحية(األم الشـجاعة)إال وهي‬
‫شخصية(كاثرين) التي تجسد التعبير باإليماءة غير اللفظية‪،‬لكون(بريشت)لم يدع للتعبير اللفظي أي‬
‫أثـ ـ ــر لـ ـ ــدى(كـ ـ ــاثرين)‪،‬لـ ـ ــذا كـ ـ ــانت لغـ ـ ــة اإليمـ ـ ــاءة أو اإلشـ ـ ــارة الرمزيـ ـ ــة هي اللغـ ـ ــة الـ ـ ــتي تعـ ـ ــبر من‬
‫خاللها(كاثرين)عن نفسها وأخالقها وموقفها اتجاه الحرب وأهوالها‪((.‬إن ما يرمز إليه(بريشــت) انــه‬
‫كلم ـ ـ ــا أراد التعب ـ ـ ــير عن عاطف ـ ـ ــة إنس ـ ـ ــانية ص ـ ـ ــرف‪ ،‬أو عن رد فع ـ ـ ــل إنس ـ ـ ــاني ص ـ ـ ــرف ال يش ـ ـ ــوبه‬
‫‪ )1(1‬رونالد جراي ‪ :‬المصدر السابق (بريخت) ‪ ،‬ص‪88‬‬
‫‪ ) 1)2‬روبرت ل‪.‬هيلر‪ ((:‬رمزية اإليماءة في مسرحيات بريشت ))األسطورة والرمز ‪ ،‬ترجمة اجبرا إبراهيم‬
‫جبرا(بيروت‪:‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر الطبعة الثانية ‪ . )1980‬ص‪83‬‬
‫‪65‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪1‬‬
‫الغموض‪،‬فأنه يلجا ال إلى اللغة بــل إلى اإليمــاءة))" "‪ .‬ومن خالل قدراتــه الجسـدية والتعبيريــة الفائقــة‬
‫يســتطيع ممثــل المســرح الملحمي بمــا يتــوافر عليــه من حريــة واســعة في التعبــير من إن يســتخدم هــذه‬
‫القدرات الفاعلة في مجمل تحوالته الدالليــة المتعــددة والمتنوعــة والــتي يســعى من خاللهــا إلى تحقيــق‬
‫تأثيرات تغريبية مؤثرة تخدم الهدف العام للمسرحية ‪.‬‬
‫وانطالقًا من إيمان(بريخت)الراسـخ بـأن على المسـرح أن يعمـل بقـوة من اجـل تحطيم أي إيهـام‬
‫بالواقع لكي يكون باإلمكان خلق متفرج منفصـل عن الـوهم القـابع فـوق خشـبة المسـرح‪ ،‬فيصـبح هـذا‬
‫المتفــرج مشــاركًا فــاعًال وناقــدًا محايــدًا ال تســتهلك فعاليتــه الوســائل التخديريــة في المســرح(االرســطو‬
‫طاليس ــي)‪،‬ومن هن ــا ج ــاء دور الممث ــل في المس ــرح الملحمي‪،‬فم ــا دام الممث ــل في المس ــرح الملحمي‬
‫مطالبـ ـًا باالنفص ــال وع ــدم االن ــدماج بالشخص ــية‪،‬ف ــان الممث ــل ذات ــه أيض ــا مط ــالب بالعم ــل على إبق ــاء‬
‫المتفرج بمنأى عن االندماج أو تقمص الشخصية‪،‬إذ إن على الممثل وفي أحيان معينــة إن يتمكن من‬
‫اإليح ــاء((ان ــه يمث ــل بطريق ــة تمكن اإلنس ــان من رؤي ــة المنحى اآلخ ــر للح ــدث‪ ،‬بحيث تجع ــل التمثي ــل‬
‫يس ــمح للمتف ــرج ببحث االحتم ــاالت األخ ــرى‪،‬والى الح ــد ال ــذي يب ــدو مع ــه أي ح ــدث واح ــدًا من جمل ــة‬
‫إحــداث متنوعــة))"‪."2‬وعلى أســاس من هــذا الــوعي وهــذه اليقظــة الــتي يعمــل ممثــل المســرح الملحمي‬
‫من خالله ــا على إبق ــاء المتف ــرج على الحي ــاد دائمـ ـًا‪ ،‬ن ــرى(ب ــريخت)ومن خالل تنظيرات ــه أو تجارب ــه‬
‫وحــتى في تدريباتــه المســرحية دائم الطلب من ممثليــه بالمحافظــة على مســافة بينهم وبين مــا يؤدونــه‬
‫من شخصــيات فــوق خشــبة المســرح‪،‬وهي ذات الفكــرة الــتي يتــوجب أن تكــون راســخة حــتى في ذهن‬
‫المتفرج‪،‬فممثل المسرح الملحمي عليه إن يبقى على إيمان راسخ في كل لحظة من لحظات أدائه انه‬
‫يعرض الشخصية ويرويها ال يتقمصها أو يندمج فيها‪،‬يقول(بريخت)في هذا اإلطار((إني إلى جــانب‬
‫االنــدماج في مرحلــة معينــة من مراحــل التمرينــات‪.‬غــير إن من الضــروري إن تضــيف إليهــا شــيئًا مــا‬
‫آخــر‪،‬وبالضــبط‪:‬االرتبــاط بعالقــة معينــة مــع الشخصــية الــتي تنــدمج بهــا‪،‬إن تضــيف إليهــا تقييمهــا من‬
‫الناحيــة االجتماعيــة))"‪ ."3‬ولكي يرســخ(بــريخت)فكــرة إبقــاء المســافة محــددة بين الممثــل والشخصــية‬
‫الــتي يؤديهــا فقــد عمــد إلى عــدة وســائل لتحقيــق هدفــه هــذا((فقــد شــجع الممثلين في أثنــاء التجــارب أن‬
‫يترجموا كلماتهم بلسان المفرد الغائب‪،‬كأن يسبقوها بكلمة قال أو إن يتحدثوا عن أعمال شخصــياتهم‬
‫في الماض ـ ــي وهم يمثلونه ـ ــا‪.‬ويق ـ ــرؤون اإلرش ـ ــادات المس ـ ــرحية ال ـ ــتي تش ـ ــير إلى الحال ـ ــة النفس ـ ــية أو‬

‫‪ )2(1‬روبرت ل‪ .‬هيلر ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص‪87‬‬


‫‪ )1(2‬رونالد جراي ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص‪6‬‬
‫‪ )2(3‬برتولد بريخت ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص‪219‬‬
‫‪66‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الحرك ــة‪،‬في ال ــوقت ال ــذي يتفوه ــون في ــه بالكلم ــات المتعلق ــة ب ــأدوارهم وك ــذلك يتب ــادلون األدوار فيم ــا‬
‫بينهم))"‪. "1‬‬
‫ويعمل(بريخت)في تدريباته مع ممثليه على تحقيق التوافـق والتنـاغم بين الحركـة واإليمـاءة من‬
‫جـ ــانب والكلمـ ــة من جـ ــانب آخـ ــر‪،‬فتحقيـ ــق التـ ــوازن بين نسـ ــق الملفوظـ ــات أو الكلمـ ــات في العـ ــرض‬
‫المس ــرحي ونس ــق الحرك ــات واإليم ــاءات يع ــد ع ــامًال حاس ــمًا ل ــدى(ب ــريخت)في اش ــتغاله على األداء‬
‫الجس ــدي أو الح ــركي واإليم ــائي واألداء الص ــوتي(اإللق ــاء)في تحقي ــق التواف ــق((من الض ــروري إن‬
‫نحق ــق الجم ــال بص ــورة رئيس ــية عن طري ــق األناق ــة في المعالج ــة وفي الكش ــف عن مجم ــل منظوم ــة‬
‫الحركات أمام المشاهد))"‪ ."2‬وانطالقًا من هذه الرؤية كان(بريخت)يهــدف من تفجــير طاقــات الــوعي‬
‫لــدى المتفــرج وإ ثارتــه على شــتى الصــعد للحصــول على متفــرج يــرتكن إلى ذهن وقــاد يقــوده إلى إن‬
‫يكــون مشــاركًا متضــامنًا وناقــدًا محايــدًا بغيــة الوقــوف على مثــالب المجتمــع وازدرائ ـه ومن ثم العمــل‬
‫الجاد وااليجابي على إعادة تنظيم الواقع وإ عادة تشكيله عبر عملية إصالح شاملة وواسعة ودقيقة‬
‫خامسًا ‪ - :‬جيرزي جروتوفسكي (‪. )1933‬‬
‫(جيرزي جروتوفسكي)هـو احـد ابـرز المخـرجين المسـرحيين الطليعـيين في المشـهد المسـرحي‬
‫العالمي‪،‬وقد عمـل(جروتوفسـكي)في إطـار(مختـبر المسـرح)الـذي أسسـه في العـام ‪ 1959‬في موطنـه‬
‫بولن ــدا على ترك ــيز ج ــل اهتمام ــه– س ــواء على مس ــتوى النظري ــة أو على مس ــتوى التط ــبيق– ح ــول‬
‫الممث ــل ودوره المرك ــزي والفاع ــل في الع ــرض المس ــرحي‪ ،‬حيث ع ــد (جروتوفس ــكي) الممث ــل الحي‬
‫مرك ــز الثق ــل ال ــرئيس في الع ــرض المس ــرحي ‪،‬كم ــا ارتبطت مجم ــل بح ــوث(جروتوفس ــكي)وتجارب ــه‬
‫بسعيها الحثيث للعودة إلى أصول أو جذور الفن المسرحي القديمــة واالرتكــان إلى جـوهره األساسـي‬
‫الــذي عمــل بجــد على توطيــد العالقــة المركزيــة الحيــة بين الممثــل والمتفــرج يقــول (جروتوفســكي)‪:‬‬
‫((نحاول مقاومة الفكرة الشـائعة عن المسـرح كمجموعـة معـارف ‪ ،‬سـاعين لتحديـد مـا يمـيز المسـرح‬
‫ومـا يفصـل هـذا النشـاط عن غـيره من صـنوف التمثيـل والعـروض‪.‬ثانيـًا‪،‬نتاجاتنـا تحريـات مستفيضـة‬
‫في العالقـ ـ ـ ــة بين الممثـ ـ ـ ــل والجمهـ ـ ـ ــور‪،‬أي نعتـ ـ ـ ــبر تقنيـ ـ ـ ــة الممثـ ـ ـ ــل الشخصـ ـ ـ ــية والتمثيليـ ـ ـ ــة لب الفن‬
‫المسرحي))"‪."3‬لذا كان سـحر المسـرح عنـد(جروتوفسـكي)يتمثـل بالهويـة المسـتقلة الـتي يتـوافر عليهـا‬
‫فأكسبته تفرده وعدم ارتباطه بــأي فن من الفنــون األخـرى‪،‬أي إن يكــون باإلمكــان ومن خالل العالقـة‬
‫الحميمية الوطيدة التي تنهض بين الممثل والمتفــرج على أسـاس من االتصــال الــروحي العميــق الــذي‬
‫يؤسس ــه الممث ــل عن طري ــق فهم ــه وإ دراك ــه لذات ــه إلى الدرج ــة ال ــتي تتغلغ ــل فيه ــا العالق ــة بين الجس ــد‬
‫‪ )3(1‬رونالد جراي ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص‪88‬‬
‫‪ )1(2‬نقًال عن رسالة ماجستير د ‪ .‬عبد الكريم عبود عودة المبارك ‪ .‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪157‬‬
‫‪ ) 2(3‬جيرزي جروتوفسكي ‪ :‬نحو مسرح فقير ‪ ،‬ترجمة ‪ :‬الدكتور قاسم نادر( بغداد‪ :‬وزارة الثقافة واإلعالم) ‪ . 1982 ،‬ص‪. 13‬‬
‫‪67‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫وال ـ ـ ــروح ح ـ ـ ــتى تص ـ ـ ــل إلى درج ـ ـ ــة االنص ـ ـ ــهار والوج ـ ـ ــد‪،‬إن تتحق ـ ـ ــق عالق ـ ـ ــة مقدس ـ ـ ــة بين ط ـ ـ ــرفي‬
‫االتصـال(الممثـل‪/‬المتفـرج)تعتمـد التجـاذب والترابـط بين المـؤثر والمتـأثر ‪ ،‬بحيث تنـأى هـذه العالقـة‬
‫الحيـ ــة بنفسـ ــها عن مغريـ ــات العصـ ــر((من الممكن إن يعيش المسـ ــرح بـ ــدون ماكيـ ــاج وبـ ــدون أزيـ ــاء‬
‫ومشاهد مستقلة وبدون مكان تمثيل منفصل وبدون إضاءة وتــأثيرات صــوتية الخ‪..‬ولكن ال يمكن إن‬
‫يعيش بغـير اتصـال حي ودائم ومباشـر بين الممــثل والجمهــور‪.‬هـذه طبعـًا حقيقـة نظــرية قديمــة ولكن‬
‫عنــدما تخضــع هــذه النظــرة إلى االختبــار العملي الصــارم نجــدها تقــوض أكــثر أفكارنــا الشــائعة ح ــول‬
‫المسرح))"‪."1‬‬
‫ف ــالعرض المس ــرحي بنظ ــر(جروتوفس ــكي)يتس ــامى ح ــتى يص ــل إلى مرحل ــة يك ــون فيه ــا أش ــبه‬
‫باالحتفــال الطقســي الــديني‪،‬فيقــدم الممثــل قبالــة جمهــوره المنتخب انتخاب ـًا على تقــديم جســده وروحــه‬
‫ضــحية أو قربان ـًا على مــذبح هــذا الطقس‪،‬لــذا يتــوجب على الممثــل الحي في نطــاق هــذا الطقس الــذي‬
‫يعمـل فيـه على تعريـة كاملـة لجسـده وروحـه أمـام الجمهـور– مثلمـا يكـون على الجمهـور بالمقابـل إن‬
‫يفعــل ذلــك أيضــا– أن يحقــق التصــاله بــالجمهور لغــة مســرحية أصــيلة قــادرة على إن تحفــز مخيلتــه‬
‫ومخيلــة المتفــرج‪،‬لغــة يعــبر الممثــل من خاللهــا عن ذاتــه الــتي يجب إن يعمــل على فهمهــا لكي يكشــف‬
‫عنهــا ويضــحي بكــل جــزء من أجزائهــا ومن أعمــق مكــان في هــذه الــذات((مثــل هــذا الممثــل ينبغي إن‬
‫يكون قادرًا على إظهار اصغر الدوافع وبواسطة الصوت والحركة يستطيع التعبير عن تلك الــدوافع‬
‫الــتي تحــوم على الخــط الفاصــل بين الحلم والحقيقــة‪.‬باختصــار ينبغي إن يكــون قــادرًا على تشــييد لغــة‬
‫نفسية–تحليلية خاصة بـه إال وهي لغـة األصـوات والحركـات‪،‬كمـا يخلـق الشـاعر العظيم من الكلمـات‬
‫لغت ــه الخاص ــة))"‪."2‬إذ إن على من يس ــميه(جروتوفس ــكي) بالممث ــل المق ــدس إن ي ــذلل ك ــل العقب ــات أو‬
‫يزيــل كــل العوائــق الفيزيولوجيــة والنفســية الــتي تعترضــه أثنــاء وجــوده في كــون الفضــاء المســرحي‬
‫ككيان مادي ديناميكي يحاول البحث عن لغة أصيلة لمسرح معاصر((إن الممثل هنا باعتبــاره كاهن ـًا‬
‫أي الطرف الثــاني من عمليــة المشـاركة الروحيــة ‪ communion‬البـد وان يقـدم رؤيــا ‪revelation‬‬
‫تستثير المتفرج‪،‬وذلك حتى تكتمل الدائرة‪،‬وهذا فقط هو مـا يجعـل أليـة مسـرحية داللـة كامنـة بالنسـبة‬
‫لكل متفرج‪،‬وهذه الداللة تبرر اندماج المتفرج‪/‬المتفرجة في بنية الفعل الدرامي))"‪. "3‬إن هكذا ممثــل‬
‫طقوســي وبمالــه من قــدرات جســدية وتعبيريــة وروحيــة ومعرفيــة جمــة– يريــدها لــه(جروتوفســكي)–‬
‫يك ــون بإمكان ــه الكش ــف عن الزي ــف والتص ــنع الك ــامن في ذات ــه وذات اآلخ ــر وان يع ــبر تعب ــيرًا دقيقـ ـًا‬
‫وخالق ـ ـًا عمـ ــا يعتمـ ــل في دواخلـ ــه من مشـ ــاعر وعواطـ ــف لكي يصـ ــل في أدائـ ــه الصـ ــوتي والحـ ــركي‬

‫‪ )1(1‬المصدر نفسه ‪ .‬ص ‪. 17‬‬


‫‪ )2(2‬جيرزي جروتوفسكي ‪ :‬المصدر السابق ص‪23‬‬
‫‪ )3(3‬كريستوفر أينز ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪289‬‬
‫‪68‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫واإليمائي إلى المرحلة التي يرى فيها انه قادر على إن يهب جســده وروحــه بالكامــل فــداًء للشخصــية‬
‫أو الـ ـ ـ ـ ــدور الـ ـ ـ ـ ــذي يقـ ـ ـ ـ ــوم بأدائـ ـ ـ ـ ــه ليحقـ ـ ـ ـ ــق الوصـ ـ ـ ـ ــول إلى أسـ ـ ـ ـ ــلوب في األداء التمـ ـ ـ ـ ــثيلي يـ ـ ـ ـ ــدعي‬
‫بأسـ ــلوب(الغيبوبـ ــة)وهـ ــو((أسـ ــلوب تالحم كـ ــل قـ ــوى الممثـ ــل النفسـ ــية والبدنيـ ــة المنبثقـ ــة من الطبقـ ــات‬
‫المرتبطة بصميم طبيعة المرء وأحاسيسه))"‪."1‬‬
‫وبــالرغم من إفــادة(جروتوفســكي)من وســائل تــدريب الممثــل العديــدة والمتنوعــة الســيما تجــارب‬
‫ودراسات(قسطنطين ستانسالفسكي) في الفعــل الجسـدي للممثــل ‪ ،‬وتــدريبات(مايرخ ــولد)ذات الطــابع‬
‫اآللي الحيـوي(البيـوميكانيــكا)واليــة عمــل (فاختـانكوف)الـذي عمـد فيهـا إلى الجمـع بين أسـاليب عديـدة‬
‫في تدريب الممثل وإ عداده لــدوره‪ ،‬وكــذلك تقنيــات المسـرح الشـرقي في تــدريب الممثــل كمسـرح النــو‬
‫الياباني وأوبرا بكين ومسرح كاثاكالي الهندي‪.‬إال إن مختبر المســرح وفي إطــار تدريبــه للممثــل فهــو‬
‫ال يعتم ــد على منهج تجميعي أو اســتنتاجي يشــتمل على مجم ــل أســاليب الت ــدريب المعروفــة فيمج م ــا‬
‫شــاء وينتقي مــا شــاء ‪،‬وال هــو بــالمنهج الــذي يســعى إلى تــدريب الممثــل على مجموعــة من األلعــاب‬
‫الجس ــدية والحي ــل‪ ،‬ب ــل إن عملي ــة إع ــداد الممث ــل وتربيت ــه إلع ــداد دوره في(المخت ــبر المس ــرحي)وف ــق‬
‫تــدريبات أو تمــارين بدنيــة أو صــوتية أو تشــكيلية يقصــد من ورائهــا االرتقــاء بــوعي الممثــل وإ دراكــه‬
‫لمكنونـ ــات جسـ ــده وصـ ــوته لكي يصـ ــل إلى المرحلـ ــة الـ ــتي يسـ ــتطيع فيهـ ــا من أن يكشـ ــف عن حقيقـ ــة‬
‫اإلنس ــان‪ ،‬وبالض ــرورة ال يح ــدث ه ــذا إال باالرتك ــان إلى ق ــدرات الممث ــل الحي الجس ــدية والتعبيري ــة‬
‫والنفسية التي ومن خالل توظيفها بشكل دقيق تستطيع التعبير عن مكنونات الممثل أو ما هــو داخلي‬
‫لديه لكي يتجلى الممثل مضحيًا وواهبًا ذاته بكل دقائقها لدوره وفنه وهو أسلوب الغيبوبة كمــا أســلفنا‬
‫لذا فـإن إعـداد الممثـل في المختـبر المسـرحي بغيـة الوصـول بـه إلى أقصـى حـاالت اإلدراك الجسـدي‬
‫والتعبيري والنفسي التي تمكنــه من تحقيــق الوقـوف على دوره بكــل إبعــاده وتفاصــيله هي ابــرز مهــام‬
‫المختــبر المســرحي‪،‬وليس من مهــام المختــبر المســرحي أن يشــتغل على آليــات عمــل تســعى لتحقيــق‬
‫هدف تعليمي محض((بل إننا نحاول إن نقضي على مقاومــة جهــازه لهــذه العمليــة النفسـية ‪ .‬والنتيجـة‬
‫هي تحري ــره من الف ــارق الزم ــني بين نوازع ــه الباطني ــة وردود أفعال ــه الخارجي ــة ‪ ،‬وعن ــدما ت ــتزامن‬
‫النــوازع وردود األفعــال بتالشــي الجســد وال يعــود المتفــرج يــرى أمامــه ســوى نــوازع مجســدة يمكن‬
‫رؤيته ــا رأي العين))"‪ ."2‬ولك ــون مجم ــل أش ــكال التص ــرفات الطبيعي ــة المتع ــارف عليه ــا تعم ــل على‬
‫تغييب الحقائق خلف حجبها فإن المختـبر المسـرحي ومن خالل آليـات عملـه فقـد شـرع بإنشـاء الـدور‬
‫وتكوين ــه بهيئ ــة نس ــق أش ــاري دال على م ــا يختفي من حق ــائق خل ــف ه ــذه الحجب فتظه ــره اإلش ــارات‬

‫‪ )4(1‬جيرزي جروتوفسكي ‪ :‬المصدر السابق ص‪14‬‬


‫‪ ) 1(2‬الدكتور سمير سرحان ‪ :‬تجارب جديدة في الفن المسرحي ( بيروت ‪ :‬المركز العربي للثقافة والعلوم ‪،‬ب ت ) ص‪147‬‬
‫‪69‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫وتكش ــفه للعي ــان((ال يتص ــرف الم ــرء طبيعيــًا في لحظ ــة ص ــدمة نفس ــية أو في لحظ ــة رعب أو خط ــر‬
‫مميت أو فــرح عظيم ‪،‬حين يكــون المــرء في حالــة نفســية رفيعــة يســتعمل إشــارات إيقاعيــة مترابطــة‬
‫ويبدأ بالرقص والغناء‪.‬بالنسبة لنا اإلشارة ليست تلويحه عامة إنما تعبير كامل وطبيعي))"‪. "1‬‬
‫ففي نط ــاق إع ــداد ال ــدور من خالل تقني ــات الممث ــل يتم االش ــتغال في المخت ــبر المس ــرحي على‬
‫تقـويض عـدد اإلشـارات وتقليـل أكداسـها المتراكمـة وذلـك من خالل إلغـاء دور عناصـر التصـرف أو‬
‫السلوك الطبيعي التي تؤدي إلى حجب دوافـع الممثــل الخالصــة‪،‬إال أن اسـلوب التنــاقض وهـو مرحلــة‬
‫مهمــة من مراحــل إعــداد الــدور وتقنيــة ناشــطة تكشــف عن بنيــة اإلشــارات كعناصــر أساســية مكونــة‬
‫لمجمل األفعال النفسية‪،‬والكشف عن التنــاقض الظــاهر في الــدالالت بين اإلشــارات والصــوت أو بين‬
‫الصــوت واللفــظ (الكلمــة) أو بين الكلمــة والفكــر أو بين اإلرادة والفعــل‪...‬الخ‪ .‬ولكــون جســد الممثــل‬
‫وص ــوته وه ــو القن ــاة المزدوج ــة ال ــتي تعم ــل على إنت ــاج وبث اللغ ــة إليص ــاله رس ــالة الفن المس ــرحي‬
‫اإلنســانية إلى المتفــرج‪،‬وال ســيما القــدرة التعبيريــة لجســد الممثــل إذ(( يمكن إنتــاج اإلشــارات عضــويًا‬
‫بواســطة الجســم أو آلي ـًا بواســطة التوســع التقــني للجســم‪،‬واللغــة نظــام إشــاري عضــوي خــالص‪ .‬فكــل‬
‫جانب منها يقوم على الرمز وهي تنتج كليًا بواسطة الجسم))"‪."2‬‬
‫ومن هنــا يــأتي اهتمــام(جروتوفســكي)في نطــاق المختــبر المســرحي وآليــات عملــه التدريبيــة الــتي‬
‫رك ــزت على عملي ــة إع ــداد ال ــدور وإ ع ــداد أدوات الممث ــل الجس ــدية والص ــوتية‪،‬فإع ــداد جس ــد الممث ــل‬
‫وصوته تقنيًا يعني إنضاج قدراتـه الفائقـة على التعبـير من خالل إنتاجـه إشـارات دالـة تسـتخدم لتوليـد‬
‫الدالالت والمعاني الجديدة وال يتأتى ذلك إال بفعل استخدامه المتقن بأدواته الجسـدية والصـوتية الـتي‬
‫تتــوافر على قــدرات واســعة بــالتعبير حيث يتمكن الممثــل بفضــل التعبــير الــدقيق الــذي يعــد ســمة من‬
‫((اإلشــارات الــتي‬ ‫ســمات العالمــة الرمزيــة في تمثيلهــا لألفكــار والموضــوعات واألفعــال‪.‬‬
‫نس ــتخدمها هي األش ــكال األساس ــية للفع ــل اإلنس ــاني ال ــتي من ش ــانها إن تبل ــور دورًا أو إن تح ــدد من‬
‫المالمح السايكولوجية والفسيولوجية الخاصة بالممثل))"‪."3‬وعن طريق اإلشارة الرمز يمكن التعبير‬
‫عن أدق العواطـف والمشـاعر اإلنسـانية متخطيـًا بـذلك كـل أسـاليب التكلـف والتصـنع و زيـف قـوالب‬
‫التعبــير الجــاهز والــتي هي بالضــرورة أســاليب تعمــل على تشــويه وتهميش الــدالالت الحقيقيــة لــردود‬
‫أفع ــال الممث ــل واس ــتجاباته ‪ .‬ل ــذا وانطالقـ ـًا من أهمي ــة األداء التم ــثيلي في ع ــروض المس ــرح الفق ــير‬
‫كإش ـ ـ ــارة دال ـ ـ ــة وديناميكي ـ ـ ــة وفاعل ـ ـ ــة تع ـ ـ ــبر عن ش ـ ـ ــتى األش ـ ـ ــياء واألفع ـ ـ ــال واألفك ـ ـ ــار فق ـ ـ ــد ترك ـ ـ ــز‬
‫اهتم ــام(جروتوفس ــكي) في ه ــذا اإلط ــار بالق ــدرات الجس ــدية والص ــوتية للممث ــل الحي ال ــذي يس ــتلهم‬

‫‪ )2(1‬جيزي جرتوتوفسكي ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪. 16- 15‬‬


‫ص ‪124‬‬ ‫‪ )1(2‬ترنس هوكز ‪ :‬المصدر السابق ‪.‬‬
‫‪ )2(3‬الدكتور سمير سرحان ‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص ‪. 155‬‬
‫‪70‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الم ــوروث االجتم ــاعي ليخل ــق عالمــات أو إشــارات حركي ــة جســدية وص ــوتية ليص ــطدم ويســتفز به ــا‬
‫الالوعي الجمعي‪،‬وعــبر مــزج متقن ومتــوازن بين العالمــات الســمعية والبصــرية الــتي يبثهــا الممثــل‬
‫ليخل ــق ص ــورًا بص ــرية وس ــمعية يحق ــق من ورائه ــا تعب ــيرًا دقيقـ ـًا‪،‬أص ــبح ه ــذا الممث ــل المق ــدس ال ــذي‬
‫يض ــحي بجس ــده وروح ــه أو ذات ــه لمواجه ــة تقني ــات العص ــر ال ــتي ش ــرع المس ــرح(الغ ــني) –أي غ ــني‬
‫بالعيوب برأي(جروتوفسكي)‪-‬باستخدامها تحت غطاء الدعوة إلى المسرح التركيبي أو الشامل ‪.‬‬
‫من هنا جاءت دعوة(جروتوفسكي)إلى إحالل الممثل(المقدس)ذي القدرات الجسدية والصــوتية‬
‫والروحيـ ــة الفائقـ ــة بـ ــديًال عن التقنيـ ــات الـ ــتي أنتجهـ ــا العلم والتكنولوجيـ ــا وجعـ ــل العالق ــة بين خطـ ــاب‬
‫الع ـ ــرض المس ـ ــرحي والمتف ـ ــرج تق ـ ــوم على أس ـ ــاس ق ـ ــدرات الممث ـ ــل الجس ـ ــدية والتعبيري ـ ــة األص ـ ــيلة‬
‫والصــادقة‪،‬وهي دعــوة صــريحة إلى مســرح فقــير‪ .‬ولكي يحقــق الممثــل في نطــاق عــروض المســرح‬
‫الفقـير تعبـيرًا دقيقـًا عن األشـياء والعواطـف والمشـاعر واألفكـار في فضـاء العـرض المسـرحي فالبـد‬
‫من أن يتوافر على جسد يتسم باللدانة وصوت قوي ومعــبر تحققهمــا التمــارين أو التــدريبات المتعــددة‬
‫والمتواصـ ـ ــلة‪،‬إذ إن((الممثـ ـ ــل يجب أن يعـ ـ ــبر تعبـ ـ ــيرا واضـ ـ ــحًا ومحـ ـ ــدودًا عن رغباتـ ـ ــه وعواطفـ ـ ــه‬
‫وافك ـ ــارة‪...‬الخ بأح ـ ــداث فيزيقي ـ ــه(جمناس ـ ــتيك رياض ـ ــة بدني ـ ــة ‪ ،‬اكروباتي ـ ــك ‪ ،‬بانتوم ـ ــايم)أوبأح ـ ــداث‬
‫ص ــوتية(دن ــدنات أص ــوات‪..‬الخ) ولكي تك ــون ه ــذه الم ــؤثرات موحي ــة حق ـًا‪،‬يجب أن تك ــون تابع ــة من‬
‫تكثيف كافة القوى الجسدية‪،‬ولكي تحدث تواصًال مع الجمهور‪،‬يجب إن تكون مؤثرات توقــظ حقــائق‬
‫مدفون ــة في الوعي الممث ــل‪،‬وس ــتكون ه ــذه الحق ــائق متعلق ــة ب ــالطبع بثقاف ــة الجمه ــور وتاريخ ــه وفن ــه‬
‫الشعبي))"‪."1‬ولكون أصل وطبيعة العالقة بين المجتمعــات والــدين راحت تتذبــذب ويعــود ذلــك – كمــا‬
‫يــرى جروتوفســكي – إلى تضــاؤل ارتكــان هــذه المجموعــات للــدين مثلمــا راح أي شــكل من أشــكال‬
‫األســاطير يخفت تــارة ويتــوهج من خالل تجســيده تــارة أخــرى‪،‬لــذلك صــار لكــل متفــرج عالقــة فرديــة‬
‫تص ــاعدية باألس ــطورة– وال ــتي هي في حقيق ــة األم ــر ذات ط ــابع مش ــترك ونم ــوذج جمعي– فبالعم ــل‬
‫على تجس ــيد األس ــطورة من خالل اس ــتثمار تج ــارب الممث ــل في فع ــل جم ــاعي ذي وظيف ــة تجس ــيدية‬
‫أســطورية ســيحقق المســرح((الصــدمة الــتي نريــد إيصــالها إلى الطبقــات النفســية المختفيــة وراء قنــاع‬
‫الحيـ ـ ــاة‪.‬إنـ ـ ــدماج الجماعـ ـ ــة باألسـ ـ ــطورة– أي التعـ ـ ــادل بين الحقيقـ ـ ــة الشخصـ ـ ــية المسـ ـ ــتقلة والحقيقـ ـ ــة‬
‫الشاملة))" "‪.‬ومن خالل األداء الجسدي والصوتي المتقن للممثل المقدس الذي يجسد موقفًا اسطوريًا‬
‫‪2‬‬

‫بعينه بالكشف عن ذاته((فأن الممثـل في قيامـه بالتجـاوز والغلـو‪،‬واالنتهـاك المحمـوم للمحرمـات‪،‬وفي‬


‫كشــفه النقــاب عن ذات ــه بتجري ــدها من قناعه ــا الي ــومي في قيام ــه به ــذا كل ــه إنم ــا يط ــرح على المتف ــرج‬

‫‪ )1(1‬سعد اردش‪ :‬المصدر السابق‪ .‬ص‪213‬‬


‫‪ )2(2‬جيرزي جروتوفسكي‪ :‬المصدر السابق ‪ .‬ص‪21‬‬
‫‪71‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫إمكانية قيامه(أي المتفرج) بعمليـة اخـتراق الـذات بشـكل مشـابه‪ .‬وان كـان الممثـل هنـا ال يكشـف عن‬
‫جسده‪،‬فإنه يميته ويحرقه ويحرره من كل مقاومة تعوق أي رد فعل روحاني‪...‬إن الممثل هنا يكــرر‬
‫عملية الكفارة ‪ alonement‬فيصبح اقرب ما يكون إلى حالة القداسة))"‪. "1‬‬
‫فالممثل ومن خالل هذه القداسة التي ينطوي عليها يسعى إلى ترجمة خطاب العرض المسرحي‬
‫إلى حلقة احتفالية طقوسية ذات طابع صوفي ديني وبدائي بواسطة العالمات أو اإلشـارات الصـوتية‬
‫والحركية(السـمعية والبصـرية) الـتي تفسـر وتعـبر عن روح الطقس ‪ ،‬فـالعرض المسـرحي قـد تحـول‬
‫إلى ممارس ـ ــة طقوس ـ ــية أو ش ـ ــعائرية روحاني ـ ــة‪ ،‬فيع ـ ــود المس ـ ــرح وف ـ ــق ه ـ ــذا التص ـ ــور إلى ج ـ ــوهره‬
‫القــديم((الطقــوس البدائيــة هي أولى أشــكال الــدراما‪...‬فمن خالل مشــاركتهم الكاملــة في هــذه الطقــوس‬
‫كان البدائيون يتحررون مما يـتراكم في الوعيهم‪.‬ولم تكن هـذه الطقـوس إال أفعـاال تحمـل سـمة النمـط‬
‫األص ــلي ‪ Archetype‬وك ــان بمثاب ــة طقس اع ــترافي جم ــاعي يؤك ــد على ص ــالبة القبيل ــة ‪ .‬لق ــد ك ــان‬
‫الطقس في غ ــالب األم ــر ه ــو الوس ــيلة الوحي ــدة لنقض أي مح ــرم من المحرم ــات))"‪."2‬وع ــبر الس ــعي‬
‫الحــثيث للكشــف عن الحقــائق اإلنســانية المتواريــة خلــف أقنعــة الزيــف وبواســطة أداء الممثــل المقــدس‬
‫جســديًا وصــوتيًا واســتخدام حركــة الممثــل وصــوته كمفــردتين مســرحيتين مركزيــتين تنطويــان على‬
‫وظائف أشارية فاعلة تبتعد كــل البعــد عن دورهـا الــوظيفي الحيــاتي من خالل اسـتخدام إشـارة الرمــز‬
‫((فبواس ــطة االس ــتخدام المحكم‬ ‫وق ــدرتها الفائق ــة على التعب ــير في نط ــاق الممارس ــة الطقس ــية‬
‫لإلشارة يحول الممثل قـاع الغرفـة إلى بحـر والطاولـة إلى كرسـي اعـتراف وقطعـة الحديـد إلى زميـل‬
‫حي))"‪."3‬وعلى أســاس من العالقــة الحيــة الــتي تقــوم بين العــرض المســرحي والمتفــرج والــتي تتســم‬
‫باالنــدماج بين الممثــل والمتفــرج كعنصــرين رئيســيين و مركــزيين في عمليــتي العــرض والتلقي‪.‬فقــد‬
‫عمد(جروتوفسكي)إلى إعادة تشكيل المعمار المسرحي على ضوء هذه العالقة الحميمية الناشبة بين‬
‫الطــرفين ‪ ،‬لكــون الفضــاء أو المكــان المســرحي عنصــرًا مركزي ـًا وهام ـًا في تحديــد الفعــل المســرحي‬
‫مثلمــا تعتــبر صــالة المتفــرجين طرف ـًا حتمي ـًا وحاســمًا في دائــرة هــذه الثنائيــة العتيــدة الــتي يتقابــل على‬
‫قاع ــدتها المزدوج ــة المرس ــل والمتلقي في ك ــون الفض ــاء المس ــرحي حيث يتم تش ــكيل حرك ــة الممث ــل‬
‫وتأســيس منظــور المتفــرج على أساســها‪،‬فقــد شــرع(جروتوفســكي) بحــذف قاعــة أو صــالة المشــاهدة‬
‫وخشبة العرض المسرحي من حسـاباته‪،‬كمـا عمـل على إلغـاء الحـدود التقليديـة المعروفـة والـتي تقـوم‬
‫بين خشــبة العــرض المســرحي والمتفــرج(صــالة المتفــرجين)بغــرض إقامــة عالقــة حميميــة وأرضــية‬

‫‪ )1(1‬كريستوفر أينز‪ :‬المصدر السابق‪ .‬ص‪296-295‬‬


‫‪ )2(2‬المصدر نفسه ‪ .‬ص‪298‬‬
‫‪ )3(3‬جيرزي جروتوفسكي‪ :‬المصدر السابق‪ .‬ص‪19‬‬
‫‪72‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫مشــتركة بينهمــا من خالل تأســيس وحــدة مكانيــة تحقــق العالقــة الحيــة أو االندماجيــة الــتي تقــوم على‬
‫أنقاض العقبات القديمة المتمثلة بفصل قاعة المشاهدة– صالة المتفرجين‪-‬عن خشبة المسرح‪.‬‬
‫ففي عرض مسرحية(العشاء األخير لفاوست)لمؤلفهـا(كريسـتوفرمارلو)قـام الممثلـون باسـتدعاء‬
‫ضــيوفهم(المتفــرجين)إلى ثالث موائــد طعــام وأجلســوا المتفــرجين على مقاعــد طويلــة بمواجهــة هــذه‬
‫الموائــد الثالث ‪ ،‬وهكــذا صــارت هــذه الموائــد الثالث تــؤدي وظيفــة خشــبة العــرض المســرحي الــتي‬
‫تتــداخل مــع صــالة المتفــرجين فيشــيع في المكــان جــو من األلفــة‪،‬وفي مســرحية (األمــير الجلــد)عــام(‬
‫‪ The constant prince - -)1968‬يتداخل الممثلون مع الجمهور إلى الدرجة التي أصبح فيها‬
‫من الصعب التمييز بين ماهو واقع حياتي معاش وبين ماهو واقع فني خيــالي‪،‬وفي عــرض مســرحي‬
‫آخر تنتفي المسـاحة الفاصـلة بين خشـبة العـرض المسـرحي وصـالة المتفـرجين بحيث راح الممثلـون‬
‫–‬ ‫ينـ ـ ـ ــدمجون بـ ـ ـ ــالمتفرجين فيشـ ـ ـ ــكلون أبـ ـ ـ ــنيتهم بين الجمهـ ـ ـ ــور ليجمعهم بنـ ـ ـ ــاء واحـ ـ ـ ــد يشـ ـ ـ ــعرهم‬
‫المتفـ ــرج‪،‬الممثـ ــل– باالنـ ــدماج كمـ ــا يشـ ــعر المتفـ ــرجين بالضـ ــيق والتـ ــوتر‪.‬إن تشـ ــكيل مكـ ــان العـ ــرض‬
‫المس ــرحي على ه ــذه الش ــاكلة ال ــتي تأخ ـذ طبيع ــة األداء الح ــركي والص ــوتي للممث ــل وك ــذلك مس ــتوى‬
‫النظـ ــر(المقصـ ــود لـ ــدى المتلقي)‪،‬تؤكـ ــد طبيعـ ــة هـ ــذه العالقـ ــة الحميميـ ــة الـ ــتي عـ ــدت هـ ــدفًا رئيس ـ ـًا من‬
‫أهداف(جروتوفسكي)‪،‬أي هدفه في تجاوز الحدود التي تعمل على الفصل بين الممثـل والمتلقي‪،‬ومن‬
‫ثم البحث عن مس ـ ـ ـ ـ ــاحة ص ـ ـ ـ ـ ــالحة للنه ـ ـ ـ ـ ــوض ب ـ ـ ـ ـ ــالعرض على اس ـ ـ ـ ـ ــاس المش ـ ـ ـ ـ ــاركة بين الممث ـ ـ ـ ـ ــل‬
‫والمتلقي(المتفرج)‪،‬ولكي تكتمل الدائرة بنظر(جروتوفسكي) فالبد للممثل من أن يكون كاهنًا يتــوافر‬
‫على رؤيا خاصة تستفز إيمان المتفرج في إطار مساحة المشاركة بالقيمة الداللية للطقس المسرحي‬
‫كي يتحقــق عــبر هــذا األيمــان بهــذه الداللــة انــدماجًا حقيقي ـًا للمتلقي مــع بنيــة الفعــل الكــامن في الطقس‬
‫المسرحي ‪.‬‬

‫ما أسفر عنه اإلطار النظري‪..‬‬


‫‪73‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪ )1‬تمثــل العالمــة عنصــرًا مهم ـًا ورئيس ـًا من عناصــر التواصــل بين العــرض والمتلقي ‪ ،‬حيث يقــوم‬
‫الممثل بإرسال العالمة ويشرع المتلقي باستقبالها وفق شفرة التصنيف‪.‬‬
‫‪ )2‬تساهم العالمة المسرحية عبر قدرتها التحويلية والتوليدية وخاصيتها في التصدر وتحديد المكان‬
‫والشخصية والفعل ‪ ،‬في خلق خطاب عرض مسرحي منفتح متعدد القراءات واإلحاالت ‪ ،‬مثلمــا‬
‫تؤثر تأثيرًا تواصليًا على اداء الممثل ضمن عالقته بالمتلقي ‪.‬‬
‫‪ )3‬خطــاب األداء التمــثيلي يرتكــز في عالماتــه الــتي اشــتغل عليهــا في عمليــة التواصــل على مجمــوع‬
‫تصنيف العالمات( االيقونية ‪ ، Iconic‬االشارية ‪ ، Index‬والرمزية ‪. )Symbol‬‬
‫‪ )4‬يعتمد خطاب األداء ألتمثيليي على بث العالمــات اللفظيــة ( السـمعية ) ويــرتكن في بثــه للعالمــات‬
‫البص ــرية على الق ــدرات التعبيري ــة والجســدية للممث ــل وال ــتي تشــكل الص ــورة في فض ــاء الع ــرض‬
‫المسرحي ‪.‬‬
‫‪ )5‬تس ــاهم جمي ــع عناص ــر الع ــرض المس ــرحي في اإلرس ــال ألعالم ــاتي لتش ــكل م ــع الممث ــل عالم ــات‬
‫متعددة ومتنوعة ‪.‬‬
‫‪ )6‬ويعتم ــد تص ــنيف العالم ــات المس ــرحية في األداء التم ــثيلي على موض ــوع اإلرس ــال في العالم ــة‬
‫وتصنيفاتها االصطالحية واالصطناعية والطبيعية ‪.‬‬
‫‪)7‬يشكل الممثل مع عناصر العرض األخرى عالمة مركبة ‪.‬‬
‫‪)8‬عالمة األداء التمثيلي في العرض المسرحي عالمة حيوية تشكل مع المتلقي قانونًا لقراءة‬
‫شفرة العرض على ضوء ما تحتويه العالمة من داللة ومعنى ‪.‬‬
‫‪ )9‬تتمـ ــيز عالمـ ــات األداء التمـ ــثيلي باحتوائهـ ــا على مجموعـ ــة من الوظـ ــائف يمكن تحديـ ــدها‬
‫بالوظيفة المرجعية والتعبيرية والتواصلية واألمرية ‪.‬‬

You might also like