Professional Documents
Culture Documents
الحياة المدرسية في الجزائر، أزمة فلسفة أم أزمة مدرسة 1
الحياة المدرسية في الجزائر، أزمة فلسفة أم أزمة مدرسة 1
مقدمة:
إن هدف كل إصالح تربوي هو بناء مدرسة تليب طموحات وتطلعات اجملتمع من الرتبية والتعليم ،مدرسة منفتحة على
حميطها السياسي واالجتماعي واالقتصادي والثقايف واللغوي ،مدرسة متارس فيها احلياة بكل تفاصيلها ،مدرسة تبعث يف أبناءها روح
اإلبداع واالبتكار واالستقاللية وروح املبادرة واالجناز.
وحديثنا عن اإلصالح الرتبوي هو إشارة حتمل معىن مثقل باخليبة أن مل نبالغ يف الوصف كباحثني يف حقل أصبحنا ال منيز
فيه بني إصالح وآخر ،فرغم اإلصالحات اليت عرفتها املنظومة الرتبوية اال أن مشكالت الرتبية تزداد ومعدالت الرسوب والتسرب
املدرسي مقلقة ،ورغم الطموح كحق مشروع على املستوي الفلسفي وحىت السياسي اال أن صدمة الواقع الرتبوي كانت قاسية.
لذلك فالعمل احلايل أمام راهنية؛ متتاز بالتعقد زمنيا كون اجملتمع اجلزائري يف حالة حراك اجتماعي وسياسي وتربوي ينبئ
باندثار البىن التقليدية اليت شكلت الرتكيبة النفسية واالجتماعية لشخصية الفرد اجلزائري ،ومكانيا يضعنا أمام مدرسة خمتلفة متاما
عما هو منشود ،وقد ال حتقق تلك الطموحات من خالل عوامل عدة حناول أن نربز جمال تفاعل عناصرها ،وما ترتكه من آثار يف
املتعلم كون احلياة اليت يعيشها يف املدرسة ال تقل تأثريا عن الواقع االجتماعي الذي ينتمي إليه.
وعليه فاالهتمام باحلياة املدرسية وتنشيطها مهم ،خاصة ما تعلق بدورها يف ترسي قيم املواطنة والدميقراطية وحقوق اإلنسان،
لكن هل املدرسة يف اجلزائر مؤهلة لالضطالع بتلك األدوار؟ وهل احلياة املدرسية يف اجلزائر تشعر املتعلم بالسعادة والنشاط وتبعث
فيه احليوية؟ كيف ميكن تفعيل وتنشيط احلياة املدرسية؟ وهل ميكن بناء مدرسة مفعمة باحلياة ،مدرسة السعادة؟
.1مفهوم الحياة المدرسية :
إن املدرسة فضاء تربوي وتعليمي يهدف إىل نقل الثقافة من جيل إىل جيل ،وفضاء للرتبية والتكوين ،وجمال للممارسة
التالميذ حلقوقهم واحرتامهم لواجباهتم 1،لذلك فبناء مفهوم للمدرسة جيب أال ينطلق من التعريفات املوجزة يف القواميس ،وإمنا جيب
2
أن ينطلق من مناذج ذهنية وتصورية تستطيع أن تستجيب ملا نعنيه مبفهوم املدرسة بوصفها بيئة معقدة من الفعاليات االجتماعية.
وقبل اخلوض يف قراءة الواقع الرتبوي باجلزائر يف ضوء ما تقدمه خمتلف العلوم املرتبطة باحلقل الرتبوي ،فانه جيب أن نشري إىل
أننا اكتفينا بقراءة مواد القانون التوجيهي للرتبية الصادر عام 8002كآخر حتديث للنظام الرتوي وتوجهاته يف اجلزائر ،لقد وقفنا
على فلسفة تربوية طموحة وخالقة حاولت أن تربط الفرد اجلزائري مباضيه وحاضره وأن متده بكل مقومات التحكم يف املستقبل ،من
خالل ما حددته من أهداف قصرية املدى ومتوسطة وبعيدة املدى.
غري أن ه إذا ما نظرنا إىل الواقع جنده عاجزا عن استيعاهبا وأهنا غري مفهومة كوهنا ال تصف آليات الوصول لتحقيقها ،فالقول
حيتاج إىل واقعية يف الطرح فمثال القول بأن القيم اليت يتقامسها اجلميع يف املدرسة تساعد بقوة على بناء أخالق إنسانية ،تتمثل يف
احرتام اإلنسان ويف التسامح وقبول الفروق مع األخذ بعني االعتبار حاجيات اجلماعة ،فاملدرسة كمكان مفضل الزدهار كل فردـ،
.1مجيل احلمداوي:تدبري احلياة املدرسية .املغرب :شبكة األلوكة 8002. www.alukah.netص .02
2علي اسعد وطفة:علم اجتماع املدرسي ،ط ،8002،watfa.net ،0ص .01
805
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
26السنة6266 : مجلد 62 :عدد:
عليها أن تتيح لكل طفل متمدرس خوض تجارب كاملة وتامة في التعامل مع قيم التقدم والحرية ،كما جيب عليها أن تقوم
بتوعيته باملشاكل ذات الصلة بالعمل اإلنساين 1 .هنا نعود للعنوان والتساؤل الذي طرحناه مسبقا.
فالتلميذ/اإلنسان يتفاعل ويتأثر بكل ما حيدث يف املدرسة ويتحول من طفل إىل مواطن وهو حيمل القيم واملعاين والرموز
وأمناط السلوك وصور العالقات وما يتحكم فيها ليصبح بدوره منتجا لكل ما تعلمه يف مدرسته.
واملشكلة األساسية ال تتعلق مبستوى واحد من مستويات التفاعل يف املنظومة الرتبوية ،بقدرما تتعلق باملنظومة ككل،
فالفلسفة الرتبوية وان كانت طموحة البد للمدرسة أن تكون يف مستوى تلك الطموحات والتطلعات كهيكل وكفضاء وكحقل
خصب للتفاعل.
فاحلياة املدرسية ( )la vie scolaireهي تلك الفرتة اليت يقضيها التلميذ داخل املدرسة ،وهي جزء من احلياة العامة
للتلميذ /اإلنسان ،وهذه احلياة مرتبطة بإيقاع تعليمي وتربوي وتنشيطي متموج حسب ظروف املدرسة ومتوجاهتا العالئقية
2
واملؤسساتية ،وتعكس هذه احلياة ما يقع يف اخلارج االجتماعي من تبادل للمعارف والقيم ،وما يتحقق من تواصل إنساين.
واحلياة املدرسية هبذا املعىن؛ هي حياة تعد الفرد للتكيف مع التحوالت العامة ،والتعامل باجيابية وتعلمه أساليب احلياة االجتماعية
وتعمق الوظيفة االجتماعية للرتبية ،غري أن وظيفة املدرسة يف اجلزائر توصف بأهنا مدرسة حمافظة ،تكرس قيما ثقافية واجتماعية ٌ
ووطنية متوارثة من جيل إىل آخر .وبالتايل ،تعج هذه املدرسة مبجموعة من التناقضات السياسية واالجتماعية واالقتصادية والثقافية؛
بسبب غياب الدميقراطية احلقيقية ،وانعدام املساواة والعدالة االجتماعية ،وإعادة إنتاج الورثة والطبقات االجتماعية نفسها ،وغياب
منظومة حقوق اإلنسان ممارسة وسلوكا؛ نتيجة لغياب الرؤية اإلبداعية يف تسيري دواليب اجملتمع على مجيع األصعدة واملستويات،
كما ميكن اإلشارة إىل جوهر األزمة يف املنظومة الرتبوية وهي تقدمي حلول سياسية الزمات تربوية يف كل مرة.فالقرار السياسي يرهن
القرار التربوي.
ونتفق على أن هناك جانبني للحياة املدرسية ؛ أحدمها يتعلق باعتبارها مناخا وظيفيا مندجما يف مكونات العمل املدرسي،
وحيتاج لعناية خاصة لتوفري مناخ مدرسي سليم واجيايب ومفعم باحلياة ،مما يساعد على التعلم واكتساب القيم والسلوكيات البناءة.
وتشكل هذه احلياة جمموعة من العوامل الزمانية واملكانية والعالئقية والتنظيمية والتواصلية والثقافية والتنشيطية املكونة للخدمات
3
التكوينية والتعليمية اليت تقدمها املؤسسة للتالميذ.
أما الثانية فتتعلق بنسق عام منظم باعتبارها حياة اعتيادية يومية للمتعلمني ،ويتمثل جوهر هذه احلياة داخل الفضاءات
املدرسية يف الكيفية اليت حييون هبا جتارهبم املدرسية وإحساسهم الذايت لواقع أجواءها النفسية والعاطفية.
لكن املفهوم احلقيقي للحياة املدرسية هي تلك احلياة اليت تُسعد التلميذ ،وتضمن له حقوقه وواجباته وجتعله مواطنا صاحلا،
وهبذا تصبح احلياة املدرسية هي مدرسة املواطنة والدميقراطية واالندماج االجتماعي واالبتعاد عن التطرف واالحنراف والتعصب.
1املنتدى االسالمي العاملي للرتبية :أسس وأدوات فشل فلسفات الرتبية املعاصرة 01،سبتمرب http://montdatarbawy.com ،8009
2املرجع نفسه.
807
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
26السنة6266 : مجلد 62 :عدد:
أن ما تقدم من حديث عن أزمة فلسفة الرتبية يف مستواها التجريدي ال يقل أمهية عما نتطرق إليه فيما بعد عن الواقع الذي
تتعامل معه فلسفة الرتبية يف اجلزائر ،وكيف حلجم اهلوة أن يتسع ثقافيا ولغويا وحىت دينيا باعتبار اجلغرافيا الشاسعة للجزائر والتنوع
الثقايف فيها ،ناهيك عن اخللل يف البنية التحتية واليت حتد بال شك من كل طموح تربوي.
.3تطور الحياة المدرسية في الجزائر:
لقد بدأ العمل على إعداد مشروع تربوي متكامل يف اجلزائر منذ األيام األوىل لالستقالل ،كونه احلقل الذي مير عربه مشروع
اجملتمع الذي حلمنا به ودفعنا الغايل والنفيس من أجله ،لكن كم كانت صعبة تلك السنوات اليت تلت االستقالل ليس على
مست اغلباملستوى الرتبوي فحسب ،بل ويف كل اجملاالت ،وضع متيز بالفراغ اإلداري والندرة يف املوارد وتفشي اجلهل واألمية اليت ّ
فئات الشعب اجلزائري.
لكن كل تلك العوامل مضافا إليها عدم إمجاع القادة السياسيني على طبيعة النظام السياسي واختالفاهتم يف املقاربات التنموية
والثقافية حال دون حتقيق رؤية متكاملة ملشروع اجملتمع ،جتمع عليه كافة األطراف املتصارعة ،رؤية خيتزهلا مشروع تربوي قادر على
استيعاب حاجات البالد من الرتبية وتطلعات اجملتمع اجلزائري.
لكن مع مطلع السبعينات ومن خالل الكثري من العوامل اليت مهدت لتبلور مفاهيم عديدة تتعلق خبياراتنا الثقافية
واالجتماعية ،خاصة يف ظل االحتفاظ باملدرسة املوروثة عن االستعمار مع تعديالت شكلية ،أصبحت مطالب التعريب واجلزأرة
والتأكيد على مقومات اهلوية معلنة ،وحمل اتفاق بني اجلزائريني دولة وشعبا ،وهو ما ترجم يف مشروع الرئيس الراحل هواري بومدين
ورؤيته للمستقبل الذي ينتظر اجلزائر من خالل ما اصطلح عليه بالثورات الثالث؛ الثورة الصناعية بتشييد املصانع الكربى
والصناعات الثقيلة ،والثورة الزراعية مبقاربة اشرتاكية متنح فيها األرض ملن خيدمها ،والثورة الثقافية اليت عمادها نظام تربوي يعكس
توجهات الدولة اجلزائرية ويؤكد على القيم األصيلة للمجتمع اجلزائري وتطلعاته من الرتبية وتعطشه للتطور والتقدم ،مت ترمجتها يف
وحد كافة أنواع التعليم يف نظام تربوي موجه للجزائريني.
أمرية 01أفريل 0191كمنظومة تربوية ثورية يف قراراهتا تُ ّ
لقد كانت مدرسة ثورية بالفعل تلك اليت تأسست مطلع الثمانينات ،حماولة إحداث القطيعة مع الفوضى اليت خلّفها
االستعمار الفرنسي؛ من تعليم فرنسي وتعليم خاص وتعليم تقوم به الزوايا والطرق الصوفية يف خمتلف ربوع الوطن ،فكان أول نظام
تربوي يف اجلزائر موجه جلميع اجلزائريني بكل جمانية ودميقراطية وإلزامية .مع التأكيد على التعريب وجزأرة التعليم يف كل مستوياته.
لقد حقق هذا النظام الرتبوي يف ظرف ثالث عقود تنمية كمية هائلة يف جمال الرتبية حيث تضاعف عدد املتمدرسني بـ00
مرات منذ االستقالل بعد انتقال نسبة التمدرس من %12.2إىل ،%19وتبين اجلزائر لدميقراطية التعليم وجمانيته وجتسيد خيار
1
تعريب التعليم و جزأرة التعليم والتأطري يف كل املستويات.
1وزارة التربية الوطنية :املبادئ ،األهداف العامة للرتبية وتنظيم املسار الدراسيWWW.EDUCATION.GOV.DZ،0202 ،
808
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
26السنة6266 : مجلد 62 :عدد:
وال شك أن إسهامات وزير الرتبية األسبق علي بن حممد يف تنشيط احلياة املدرسية كانت األبرز من بني مجيع الوزراء الذين
وفعالة بقراراته اليت صدرت بني سنوات 0110وسنة 0118واليت استمر العمل هبا تعاقبوا على وزارة الرتبية ،حيث كانت تقنية ّ
حىت سنة 8002رغم مرور عقدين على إصالح املنظومة الرتبوية واليت شرع يف تطبيقه سنة . 8002
قرارات نظمت احلياة املدرسية ملا يقارب ثالث عقود ،حددت كيفية تنظيم احلياة املدرسية يف املؤسسات الرتبوية وأدوار
الفاعلني فيها والعالقات الرتبوية ،ومهام كل طرف من أطرافها بدقة ،وكيف ومىت تعقد اجملالس املوجودة يف املؤسسة الرتبوية ،وكل ما
تعلق بكيفية التوظيف وشروطه ،ومهام املوظفني ومؤطري التعليم مبختلف مراحله ،وموظفو التوجيه واحلراسة واملصاحل االقتصادية وما
تعلق باألحكام اخلاصة بالتالميذ يف خمتلف املواقف والوضعيات الرتبوية ،وشروط االنتساب،والقوانني اليت تتحكم يف سري احلياة
املدرسية ،واليت من شأهنا أن حتافظ على رسالة املدرسة اإلنسانية كمنع الضرب والعقاب البدين والعنف اجتاه التالميذ يف املؤسسات
الرتبوية.
لكن واجهت هذه املنظومة الرتبوية نقائص واختالالت أثرت على نوعية التعليم ،ناهيك عن التحوالت املسجلة على
الصعيدين الوطين و العاملي املتمثلة يف التعددية السياسية واالنفتاح االقتصادي ،والتخلي عن االقتصاد املوجه لصاحل اقتصاد السوق
والتنافس والتطور يف تكنولوجيات اإلعالم واالتصال.
كل هذه العوامل سامهت يف حتمية اللجوء إىل إصالح املنظومة الرتبوية حيث مت تنصيب اللجنة الوطنية إلصالح املنظومة
الوطنية يف ماي 8000وقرار جملس الوزراء املنعقد بتاري ،8008/01/20لتقرير االنطالق يف اإلصالح الرتبوي ملواجهة
التحديات املتعددة و حتقيق الشروط العلمية و التكنولوجية لضمان تنمية مستدامة.
.4الحياة المدرسية فلسفة طموحة وواقع محبط:
هتتم فلسفة الرتبية أساسا باألهداف العريضة والقيم اليت حتتضنها األنظمة التعليمية ،والرتكيز فيها قائم بعكس نظرية التدريس
على الغايات وليس على الوسائل .أما أمهيتها فتأيت من أهنا تذكرنا باستمرار باألهداف السامية للجهود الرتبوية فعندما تركز الرتبية
أو املربون على املواطنة الصاحلة مثالً ،أو على األساليب الدميقراطية يف التعامل مع التالميذ فإن الرتكيز ليس قائماً على التدريس حبد
ذاته أو على الطريقة الرتبوية املتبعة ،بل إن الرتكيز قائم على مصلحة املتعلم ،وعلى بقاء واستمرار النظام السائد يف جمتمع من
اجملتمعات ،وما األ هداف التعليمية سوى ترمجة فلسفة الرتبية إىل سلوكات دقيقة تعرب عن نتائج متوقعة أو مرغوب فيها عند
التالميذ.
فالفلسفة الرتبوية اليت السائدة يف املدرسة واليت تتعلق بأهداف التعليم وغاياته ووظيفة املدرسة ومبادئ الرتبية احلديثة ،فاملعلم
الذي ينظر إىل املدرسة بوصفها نظاما للتعليم فحسب ال يستطيع أن حيقق شروط التفاعل الرتبوي االجيايب ،واملعلم الذي يؤمن مببدأ
التسلط واإلكراه ال يستطيع أن حيقق فعال تربويا متكامال ،وعلى خالف ذلك كله ،عندما تنطلق الفلسفة الرتبوية من مبادئ
إنسانية يف العمل الرتبوي ،وعندما ينظر إىل املدرسة مرحلة حياتية مهمة يف حياة األطفال ،وان املدرسة مهمتها تتجاوز تلقني
1
املعارف واملعلومات ،فان الفعل الرتبوي سيرتجم إىل عطاء متواصل يف جمال الفعل واإلبداع الرتبويني.
1مصدق احلبيب :التعليم والتنمية االقتصادية .دار الرشيد ،العراق ،1981 ،ص 11
809
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
26السنة6266 : مجلد 62 :عدد:
إن كون الرتكيز يف فلسفة الرتبية قائم على الغايات ال يعين أن نظرية التدريس ال تتأثر هبذه الفلسفات ،ولقد انقضى الوقت
الذي كان يعتقد فيه أن نظرية التدريس ميكن أن تنمو وترتعرع دون تأثر بالفلسفة الرتبوية السائدة ،وبالتايل بالفلسفة االقتصادية
والسياسية واالجتماعية السائدة يف جمتمع من اجملتمعات.
فالعالقات التسلطية وعدم فتح اجملال للحريات يف التعبري مبختلف أشكاله على املستوى السياسي ال شك أن إسقاطاهتا على
احلقل الرتبوي تبدو بارزة يف أشكال العقاب واألسباب املوجبة له ،فيمكن إن ترى معلما يعاقب تلميذا جملرد أنه قال ال أو انتقد
معلمه ،كما أن طرائق التدريس تعتمد على األنشطة الصفية اليت تشدد على االنضباط وااللتزام وعدم احلركة والكالم ،وتغيب عنها
األنشطة الالصفية ألهنا ال هتتم باجلانب احلر والفاعل يف شخصية التلميذ ،هنا فقط تغدو الرتبية من شكلها اإلنساين اجلميل إىل
تربية على القهر واخلنوع بفعل تلك املمارسات التسلطية.
كما أن لنمط االقتصاد الريعي الذي تتبعه اجلزائر آثاره على املدرسة والعالقات بني الفاعلني فيها ،فعالقات اإلنتاج وكيفيات
االستفادة من الريع ،ومظاهر الفساد اليت افرزها هذا النمط من طرق للكسب السريع والثراء الفاحش دون استحقاق ،كلها افرز بىن
فوقية انعكست على القيم اليت حيملها التلميذ ويتدواهلا املتعلمون.
فالغش يف االمتحانات يزكيه الكثري من األولياء من اجل حتقيق النجاح املدرسي وأخذ يف االنتشار ،وكذلك الغش يف
املعامالت االقتصادية واالحتكار وغريه من املمارسات يزكيه اجملتمع لتحقيق النجاح اجملتمعي ،والتزكية قد ال تكون معلنة بل
الصمت وعدم إدانة الفاعل هو تزكية .لذلك شكلت املدرسة واغلب مؤسسات التنشئة االجتماعية حقال لإلعادة إنتاج الكثري من
البىن الفوقية اليت افرزها منط االقتصاد يف اجلزائر.
ال شك أن املنطلقات الفلسفية الناظمة للمدرسة هتدف إىل بعث احلياة فيها ،وما احلياة اال احلركة والنشاط الذوق واجلمال
والفرح وا ملرح والسعادة واحليوية ،وكلها أحاسيس تزهر حول احلرية قيمة وسلوكا ،لكن كم حيز يف النفس أن املدرسة يف اجلزائر ال
تعرف للحرية طريقا وال حيسها املتعلم وال املعلم ،ولكم يؤسف الواقع الرتبوي الذي ينطلق من فلسفة تربوية ختاطب تلميذا ال يوجد
اال يف نظريات علم النفس النمو ،وال يعرفه اال جون بياجيه ،فتلميذ املدرسة اجلزائرية خمتلف وليس واحدا ،السيما إذا ما عرفنا أن
املدرسة يف اجلزائر تتبىن مقاربة تفرتض أن للتلميذ مكتسبات قبلية ما على املعلم اال تنميتها وإحسان توجيه التلميذ ،فكيف يكون
التلميذ واحدا وما حيمله من مكتسبات خمتلف عن بعضه حبكم اجلغرافيا على األقل .وفيما يلي حتليل ملا جيب أن تتضمنه املدرسة
إلثراء احلياة املدرسية:
.1.4المدرسة كفضاء تربوي:
ال ميكن للعملية التعليمية -التعلمية أن حتقق جناحها املرجو إال بفضاء مدرسي جيد يستجيب لروح املقاربة الرتبوية اليت
ينشدها ،بالتحك م يف أمكنته وأركانه وجدرانه وأثاثه ومقاعده وصفوفه ،وتقسيمه تقسيما جيدا يراعي املستويات الدراسية ،ويتوافق
1
مع أسس السيكولوجيا النمائية والوجدانية واحلسية-احلركية.
1إبراهيم عبد اهلل أبا اخليل :تصميم املدارس .مباين تعلم النشئ ،جملة البناءhttps://albenaamag.com،3102 ،
2املرجع السابق
812
ISSN :1112-4377 مجلة المعيار
26السنة6266 : مجلد 62 :عدد:
والتدفئة والتعليم اجليد ،وهذا اعتبارا لنوعية اهلياكل املدرسية وتوزيعها اجلغرايف املتباين والذي يكشف عن جغرافيا تربوية جيب
االستثمار فيها ،ناهيك عن قصور اخلطاب الرتبوي الرمسي ،وعجزه عن جتاوز لغة األرقام للتدليل على التطور احلاصل يف الرتبية.
1
.6قائمة المراجع:
أ.الكتب:
مصدق احلبيب :التعليم والتنمية االقتصادية .دار الرشيد ،العراق.1981 ،
ب .الكتب االلكترونية:
مجيل احلمداوي:تدبري احلياة املدرسية .املغرب :شبكة األلوكة 8002. www.alukah.netص .02
علي اسعد وطفة:علم اجتماع املدرسي ،ط ،8002،watfa.net ،0ص .01
ج.المواقع االلكترونية:
القانون التوجيهي للرتبية الوطنية ،www.education.gov.dz /loi0804Ar1.pdfص01
املنتدى االسالمي العاملي للرتبية :أسس وأدوات فشل فلسفات الرتبية املعاصرة 01،سبتمرب ،8009
http://montdatarbawy.com
وزارة الرتبية الوطنية :املبادئ ،األهداف العامة للرتبية وتنظيم املسار الدراسيwww.education.gov.dz،8080 ،
إبراهيم عبد اهلل أبا اخليل :تصميم املدارس .مباين تعلم النشئ ،جملة البناءhttps://albenaamag.com،8009 ،
813