You are on page 1of 10

ISSN :1112-4377 ‫مجلة المعيار‬

6266 :‫ السنة‬26 :‫ عدد‬62 :‫مجلد‬

‫ أزمة فلسفة أم أزمة مدرسة؟‬،‫الحياة المدرسية‬


School life, a crisis of philosophy or a school crisis?
1
‫ تالي جمال‬.‫د‬
‫جامعة المسيلة‬
djamel.tali@univ-msila.dz
‫كتفي ياسمين‬.‫د‬
‫جامعة المسيلة‬
yasmina.ketfi@univ-msila.dz
3333/32/21 ‫ النشر على الخط‬3332/30/32 ‫ القبول‬3332/32/32 ‫تاريخ الوصول‬
Received 32/32/3332 Accepted 32/30/3332 Published online 15/32/2023
:‫ملخص‬
‫ لكنها مرتبطة بفضاء مدرسي حمدود تنظمها قوانني وتشريعات‬،‫احلياة املدرسية هي جزء من احلياة االجتماعية للتلميذ‬
‫ وتعكس هذه احلياة ما حيدث من تفاعل يف اجملتمع من مواقف وسلوكات‬،‫وفلسفة تربوية تضبط العالقات وأدوار الفاعلني بدقة‬
.‫وإنتاج للقيم وتبادل للمعارف‬
‫وحناول من خالل هذا العمل تقدمي قراءة سوسيولوجية ل واقع احلياة املدرسية يف اجلزائر من خالل مؤشرات تعكس مدى قدرة‬
.‫املدرسة مبختلف فعاليتها على تنشيط احلياة املدرسية وجعلها مفعمة باحليوية والنشاط والسعادة‬
‫ أم أهنا أزمة تتعلق‬.‫وحناول أن جنيب عن تساؤل رئيس مفاده هل أزمة احلياة املدرسية تعود للفلسفة الرتبوية اليت تنطلق منها‬
‫بالواقع الرتبوي بكل ما حيمله من تفاعالت وجتاذبات كحقل للصراع؟‬
.‫ التلميذ‬،‫ النظام الرتبوي‬،‫ احلياة املدرسية‬،‫الرتبية‬، ‫ املدرسة‬:‫الكلمات المفتاحية‬
Abstract:
The school life is part of the student’s social life, but it is linked to a limited school space
that is regulated by laws, legislations and an educational philosophy that accurately controls
the relationships and roles of actors.
Through this work, we try to present a sociological reading that monitors the reality of
school life in Algeria through indicators that reflect the extent of the school’s ability, with its
various effectiveness, to revitalize school life and make it full of vitality, activity and
happiness.
We try to answer a major question: Does the crisis of school life belong to the educational
philosophy from which it starts and does not touch reality. Or is it a school crisis with all the
interactions, interactions and conflicts that the educational reality brings?
Keywords: School, education, school life, the educational system, the student.

djamel.tali@univ-msila.dz ‫الربيد اإللكرتوين‬ ‫تالي جمال‬:‫ املؤلّف املرسل‬1


804
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫‪ 26‬السنة‪6266 :‬‬ ‫مجلد‪ 62 :‬عدد‪:‬‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫إن هدف كل إصالح تربوي هو بناء مدرسة تليب طموحات وتطلعات اجملتمع من الرتبية والتعليم‪ ،‬مدرسة منفتحة على‬
‫حميطها السياسي واالجتماعي واالقتصادي والثقايف واللغوي‪ ،‬مدرسة متارس فيها احلياة بكل تفاصيلها‪ ،‬مدرسة تبعث يف أبناءها روح‬
‫اإلبداع واالبتكار واالستقاللية وروح املبادرة واالجناز‪.‬‬
‫وحديثنا عن اإلصالح الرتبوي هو إشارة حتمل معىن مثقل باخليبة أن مل نبالغ يف الوصف كباحثني يف حقل أصبحنا ال منيز‬
‫فيه بني إصالح وآخر‪ ،‬فرغم اإلصالحات اليت عرفتها املنظومة الرتبوية اال أن مشكالت الرتبية تزداد ومعدالت الرسوب والتسرب‬
‫املدرسي مقلقة‪ ،‬ورغم الطموح كحق مشروع على املستوي الفلسفي وحىت السياسي اال أن صدمة الواقع الرتبوي كانت قاسية‪.‬‬
‫لذلك فالعمل احلايل أمام راهنية؛ متتاز بالتعقد زمنيا كون اجملتمع اجلزائري يف حالة حراك اجتماعي وسياسي وتربوي ينبئ‬
‫باندثار البىن التقليدية اليت شكلت الرتكيبة النفسية واالجتماعية لشخصية الفرد اجلزائري‪ ،‬ومكانيا يضعنا أمام مدرسة خمتلفة متاما‬
‫عما هو منشود‪ ،‬وقد ال حتقق تلك الطموحات من خالل عوامل عدة حناول أن نربز جمال تفاعل عناصرها‪ ،‬وما ترتكه من آثار يف‬
‫املتعلم كون احلياة اليت يعيشها يف املدرسة ال تقل تأثريا عن الواقع االجتماعي الذي ينتمي إليه‪.‬‬
‫وعليه فاالهتمام باحلياة املدرسية وتنشيطها مهم‪ ،‬خاصة ما تعلق بدورها يف ترسي قيم املواطنة والدميقراطية وحقوق اإلنسان‪،‬‬
‫لكن هل املدرسة يف اجلزائر مؤهلة لالضطالع بتلك األدوار؟ وهل احلياة املدرسية يف اجلزائر تشعر املتعلم بالسعادة والنشاط وتبعث‬
‫فيه احليوية؟ كيف ميكن تفعيل وتنشيط احلياة املدرسية؟ وهل ميكن بناء مدرسة مفعمة باحلياة‪ ،‬مدرسة السعادة؟‬
‫‪.1‬مفهوم الحياة المدرسية ‪:‬‬
‫إن املدرسة فضاء تربوي وتعليمي يهدف إىل نقل الثقافة من جيل إىل جيل‪ ،‬وفضاء للرتبية والتكوين‪ ،‬وجمال للممارسة‬
‫التالميذ حلقوقهم واحرتامهم لواجباهتم‪ 1،‬لذلك فبناء مفهوم للمدرسة جيب أال ينطلق من التعريفات املوجزة يف القواميس‪ ،‬وإمنا جيب‬
‫‪2‬‬
‫أن ينطلق من مناذج ذهنية وتصورية تستطيع أن تستجيب ملا نعنيه مبفهوم املدرسة بوصفها بيئة معقدة من الفعاليات االجتماعية‪.‬‬
‫وقبل اخلوض يف قراءة الواقع الرتبوي باجلزائر يف ضوء ما تقدمه خمتلف العلوم املرتبطة باحلقل الرتبوي‪ ،‬فانه جيب أن نشري إىل‬
‫أننا اكتفينا بقراءة مواد القانون التوجيهي للرتبية الصادر عام ‪ 8002‬كآخر حتديث للنظام الرتوي وتوجهاته يف اجلزائر‪ ،‬لقد وقفنا‬
‫على فلسفة تربوية طموحة وخالقة حاولت أن تربط الفرد اجلزائري مباضيه وحاضره وأن متده بكل مقومات التحكم يف املستقبل‪ ،‬من‬
‫خالل ما حددته من أهداف قصرية املدى ومتوسطة وبعيدة املدى‪.‬‬
‫غري أن ه إذا ما نظرنا إىل الواقع جنده عاجزا عن استيعاهبا وأهنا غري مفهومة كوهنا ال تصف آليات الوصول لتحقيقها‪ ،‬فالقول‬
‫حيتاج إىل واقعية يف الطرح فمثال القول بأن القيم اليت يتقامسها اجلميع يف املدرسة تساعد بقوة على بناء أخالق إنسانية‪ ،‬تتمثل يف‬
‫احرتام اإلنسان ويف التسامح وقبول الفروق مع األخذ بعني االعتبار حاجيات اجلماعة‪ ،‬فاملدرسة كمكان مفضل الزدهار كل فردـ‪،‬‬

‫‪.1‬مجيل احلمداوي‪:‬تدبري احلياة املدرسية‪ .‬املغرب‪ :‬شبكة األلوكة ‪ 8002. www.alukah.net‬ص ‪.02‬‬
‫‪2‬علي اسعد وطفة‪:‬علم اجتماع املدرسي‪ ،‬ط‪ ،8002،watfa.net ،0‬ص ‪.01‬‬
‫‪805‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫‪ 26‬السنة‪6266 :‬‬ ‫مجلد‪ 62 :‬عدد‪:‬‬
‫عليها أن تتيح لكل طفل متمدرس خوض تجارب كاملة وتامة في التعامل مع قيم التقدم والحرية‪ ،‬كما جيب عليها أن تقوم‬
‫بتوعيته باملشاكل ذات الصلة بالعمل اإلنساين‪ 1 .‬هنا نعود للعنوان والتساؤل الذي طرحناه مسبقا‪.‬‬
‫فالتلميذ‪/‬اإلنسان يتفاعل ويتأثر بكل ما حيدث يف املدرسة ويتحول من طفل إىل مواطن وهو حيمل القيم واملعاين والرموز‬
‫وأمناط السلوك وصور العالقات وما يتحكم فيها ليصبح بدوره منتجا لكل ما تعلمه يف مدرسته‪.‬‬
‫واملشكلة األساسية ال تتعلق مبستوى واحد من مستويات التفاعل يف املنظومة الرتبوية‪ ،‬بقدرما تتعلق باملنظومة ككل‪،‬‬
‫فالفلسفة الرتبوية وان كانت طموحة البد للمدرسة أن تكون يف مستوى تلك الطموحات والتطلعات كهيكل وكفضاء وكحقل‬
‫خصب للتفاعل‪.‬‬
‫فاحلياة املدرسية (‪ )la vie scolaire‬هي تلك الفرتة اليت يقضيها التلميذ داخل املدرسة‪ ،‬وهي جزء من احلياة العامة‬
‫للتلميذ‪ /‬اإلنسان‪ ،‬وهذه احلياة مرتبطة بإيقاع تعليمي وتربوي وتنشيطي متموج حسب ظروف املدرسة ومتوجاهتا العالئقية‬
‫‪2‬‬
‫واملؤسساتية‪ ،‬وتعكس هذه احلياة ما يقع يف اخلارج االجتماعي من تبادل للمعارف والقيم‪ ،‬وما يتحقق من تواصل إنساين‪.‬‬
‫واحلياة املدرسية هبذا املعىن؛ هي حياة تعد الفرد للتكيف مع التحوالت العامة‪ ،‬والتعامل باجيابية وتعلمه أساليب احلياة االجتماعية‬
‫وتعمق الوظيفة االجتماعية للرتبية‪ ،‬غري أن وظيفة املدرسة يف اجلزائر توصف بأهنا مدرسة حمافظة‪ ،‬تكرس قيما ثقافية واجتماعية‬ ‫ٌ‬
‫ووطنية متوارثة من جيل إىل آخر‪ .‬وبالتايل‪ ،‬تعج هذه املدرسة مبجموعة من التناقضات السياسية واالجتماعية واالقتصادية والثقافية؛‬
‫بسبب غياب الدميقراطية احلقيقية‪ ،‬وانعدام املساواة والعدالة االجتماعية‪ ،‬وإعادة إنتاج الورثة والطبقات االجتماعية نفسها‪ ،‬وغياب‬
‫منظومة حقوق اإلنسان ممارسة وسلوكا؛ نتيجة لغياب الرؤية اإلبداعية يف تسيري دواليب اجملتمع على مجيع األصعدة واملستويات‪،‬‬
‫كما ميكن اإلشارة إىل جوهر األزمة يف املنظومة الرتبوية وهي تقدمي حلول سياسية الزمات تربوية يف كل مرة‪.‬فالقرار السياسي يرهن‬
‫القرار التربوي‪.‬‬
‫ونتفق على أن هناك جانبني للحياة املدرسية ؛ أحدمها يتعلق باعتبارها مناخا وظيفيا مندجما يف مكونات العمل املدرسي‪،‬‬
‫وحيتاج لعناية خاصة لتوفري مناخ مدرسي سليم واجيايب ومفعم باحلياة‪ ،‬مما يساعد على التعلم واكتساب القيم والسلوكيات البناءة‪.‬‬
‫وتشكل هذه احلياة جمموعة من العوامل الزمانية واملكانية والعالئقية والتنظيمية والتواصلية والثقافية والتنشيطية املكونة للخدمات‬
‫‪3‬‬
‫التكوينية والتعليمية اليت تقدمها املؤسسة للتالميذ‪.‬‬
‫أما الثانية فتتعلق بنسق عام منظم باعتبارها حياة اعتيادية يومية للمتعلمني‪ ،‬ويتمثل جوهر هذه احلياة داخل الفضاءات‬
‫املدرسية يف الكيفية اليت حييون هبا جتارهبم املدرسية وإحساسهم الذايت لواقع أجواءها النفسية والعاطفية‪.‬‬
‫لكن املفهوم احلقيقي للحياة املدرسية هي تلك احلياة اليت تُسعد التلميذ‪ ،‬وتضمن له حقوقه وواجباته وجتعله مواطنا صاحلا‪،‬‬
‫وهبذا تصبح احلياة املدرسية هي مدرسة املواطنة والدميقراطية واالندماج االجتماعي واالبتعاد عن التطرف واالحنراف والتعصب‪.‬‬

‫‪.1‬القانون التوجيهي للرتبية الوطنية ‪ ،www.education.gov.dz /loi0804Ar1.pdf‬ص‪01‬‬


‫‪2‬مجيل احلمداوي‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪01‬‬
‫‪.3‬املرجع نفسه‪.‬‬
‫‪806‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫‪ 26‬السنة‪6266 :‬‬ ‫مجلد‪ 62 :‬عدد‪:‬‬
‫فاحلياة املدرسية تستهدف حياة التالميذ داخل املدرسة برصد مشاعرهم وميوالهتم واهتماماهتم املشرتكة‪ ،‬فهي صورة مصغرة‬
‫للحياة االجتماعية يف أماكن وأوقات مناسبة‪ ،‬وهتتم بتنشئة شخصية املتعلم‪ ،‬بواسطة أنشطة تفاعلية خمتلفة ومتنوعة تشرف عليها‬
‫اإلدارة املدرسية واملعلمني‪.‬‬
‫‪ .2‬فلسفة التربية واألزمة التربوية‪:‬‬
‫حت تل فلسفة الرتبية بشكل عام املركز األول يف العملية الرتبوية‪ ،‬ومن هذه الفلسفة تنبثق أهداف الرتبية ومناهجها وطرقها‬
‫ووسائلها يف التعليم ويف التقومي‪ .‬لذلك تتأثر األهداف واملناهج والتطبيقات الرتبوية بفلسفة الرتبية اليت تنبثق عنها وتكون نسبة‬
‫الصواب والفاعلية فيها بالقدر الذي يكون يف فلسفة الرتبية نفسها‪.‬‬
‫كما ال ميكن أن نغفل دور فلسفة الرتبية يف حل خمتلف األزمات الرتبوية وما اإلصالح اال فلسفة ورؤية نظرية عميقة استند‬
‫إليها كفعل لتغيري الواقع وجتاوز مشكالته‪ ،‬إن تطلعات جمتمع ما من الرتبية ترتجم يف هذا املستوى املعقد من العملية الرتبوية‪ ،‬بل‬
‫يكاد جيزم معظم الرتبويني انه ال ميكن حل معظم املشكالت الرتبوية دون الرجوع إىل فلسفة الرتبية‪.‬‬
‫يف العام (‪0198‬م)‪ ،‬كلفت منظمة اليونيسكو فريق حبث تربوي بدراسة شؤون التعليم يف الكثري من دول العامل‪ ،‬وكانت‬
‫خالصة عمل هذا الفريق يف جملد طبع مبختلف اللغات اليت تستعملها اليونسكو مث وزع علي الدول األعضاء ليكون دليالً هلا يف‬
‫صياغة نظم تربوية جديدة تقوم علي فلسفات تربوية جديدة‪.1‬‬
‫ولقد أطلقت اللجنة علي التقرير املذكور اسم "تعلم لتكون" ويف اللغة اإلجنليزية اسم ‪ " " learning to be‬ومما جاء‬
‫فيه‪:‬‬
‫" إن النظام الرتبوي السائد يف البلدان املتقدمة يتميز دائما‪ ،‬أو على األقل يف أكثر األحيان‪ ،‬بطابع مزدوج‪ :‬وهو أنه نظام‬
‫متخلف عن التقانة العلمية من جهة‪ ،‬كما أنه من جهة أخري ينتقي أفراده حبسب املرتبة االجتماعية وخاصة يف الدارسات العليا‪.‬‬
‫وهذ ا هو نفس النظام اجمللوب يف أكثر األحيان إىل األقطار املتخلفة‪ ،‬بنفس اخلصائص السابقة‪ ،‬بل له عيب آخر‪ ،‬وهو أنه غري‬
‫مالئم للبيئة الثقافية وللوسط االجتماعي واإلنساين‪".2‬‬
‫وإذا كانت اللجنة الدولية املذكورة قد توصلت إىل استنتاجاهتا من دراسة واقع التطبيقات لنظم الرتبية السائدة يف العامل –‬
‫وهي نظم تعود يف أصوهلا إىل النظم الرتبوية الغربية كما تقول اللجنة ‪ -‬فإن النظر يف التطور التارخيي للفلسفات الرتبوية اليت تقوم‬
‫عليها هذه النظم – ابتداء من نشأهتا حىت واقعها احلاضر – يكشف عن ختبط يف التصور واملفهوم تزداد حدهتما مبرور األيام‪.‬‬
‫ويف عام ‪ 0122‬خلصت "كاري ي‪ .‬ما لوناي" الوضع الذي آل إليه البحث يف فلسفة الرتبية فيما يلي‪ " :‬مل جيد فالسفة‬
‫الرتبية يف البحث عن مفهوم أكثر وضوحا ملعين فلسفة الرتبية وطبيعتها وعالقاهتا بالتطبيقات الرتبوية ولكنهم – مع خيبة األمل اليت‬
‫نزلت هبم – انتهوا إىل طريق مسدود‪.‬‬

‫‪1‬املنتدى االسالمي العاملي للرتبية‪ :‬أسس وأدوات فشل فلسفات الرتبية املعاصرة‪ 01،‬سبتمرب ‪http://montdatarbawy.com ،8009‬‬
‫‪2‬املرجع نفسه‪.‬‬
‫‪807‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫‪ 26‬السنة‪6266 :‬‬ ‫مجلد‪ 62 :‬عدد‪:‬‬
‫أن ما تقدم من حديث عن أزمة فلسفة الرتبية يف مستواها التجريدي ال يقل أمهية عما نتطرق إليه فيما بعد عن الواقع الذي‬
‫تتعامل معه فلسفة الرتبية يف اجلزائر‪ ،‬وكيف حلجم اهلوة أن يتسع ثقافيا ولغويا وحىت دينيا باعتبار اجلغرافيا الشاسعة للجزائر والتنوع‬
‫الثقايف فيها‪ ،‬ناهيك عن اخللل يف البنية التحتية واليت حتد بال شك من كل طموح تربوي‪.‬‬
‫‪.3‬تطور الحياة المدرسية في الجزائر‪:‬‬
‫لقد بدأ العمل على إعداد مشروع تربوي متكامل يف اجلزائر منذ األيام األوىل لالستقالل‪ ،‬كونه احلقل الذي مير عربه مشروع‬
‫اجملتمع الذي حلمنا به ودفعنا الغايل والنفيس من أجله‪ ،‬لكن كم كانت صعبة تلك السنوات اليت تلت االستقالل ليس على‬
‫مست اغلب‬‫املستوى الرتبوي فحسب‪ ،‬بل ويف كل اجملاالت‪ ،‬وضع متيز بالفراغ اإلداري والندرة يف املوارد وتفشي اجلهل واألمية اليت ّ‬
‫فئات الشعب اجلزائري‪.‬‬
‫لكن كل تلك العوامل مضافا إليها عدم إمجاع القادة السياسيني على طبيعة النظام السياسي واختالفاهتم يف املقاربات التنموية‬
‫والثقافية حال دون حتقيق رؤية متكاملة ملشروع اجملتمع‪ ،‬جتمع عليه كافة األطراف املتصارعة‪ ،‬رؤية خيتزهلا مشروع تربوي قادر على‬
‫استيعاب حاجات البالد من الرتبية وتطلعات اجملتمع اجلزائري‪.‬‬
‫لكن مع مطلع السبعينات ومن خالل الكثري من العوامل اليت مهدت لتبلور مفاهيم عديدة تتعلق خبياراتنا الثقافية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬خاصة يف ظل االحتفاظ باملدرسة املوروثة عن االستعمار مع تعديالت شكلية‪ ،‬أصبحت مطالب التعريب واجلزأرة‬
‫والتأكيد على مقومات اهلوية معلنة‪ ،‬وحمل اتفاق بني اجلزائريني دولة وشعبا‪ ،‬وهو ما ترجم يف مشروع الرئيس الراحل هواري بومدين‬
‫ورؤيته للمستقبل الذي ينتظر اجلزائر من خالل ما اصطلح عليه بالثورات الثالث؛ الثورة الصناعية بتشييد املصانع الكربى‬
‫والصناعات الثقيلة‪ ،‬والثورة الزراعية مبقاربة اشرتاكية متنح فيها األرض ملن خيدمها‪ ،‬والثورة الثقافية اليت عمادها نظام تربوي يعكس‬
‫توجهات الدولة اجلزائرية ويؤكد على القيم األصيلة للمجتمع اجلزائري وتطلعاته من الرتبية وتعطشه للتطور والتقدم‪ ،‬مت ترمجتها يف‬
‫وحد كافة أنواع التعليم يف نظام تربوي موجه للجزائريني‪.‬‬
‫أمرية ‪ 01‬أفريل ‪ 0191‬كمنظومة تربوية ثورية يف قراراهتا تُ ّ‬
‫لقد كانت مدرسة ثورية بالفعل تلك اليت تأسست مطلع الثمانينات‪ ،‬حماولة إحداث القطيعة مع الفوضى اليت خلّفها‬
‫االستعمار الفرنسي؛ من تعليم فرنسي وتعليم خاص وتعليم تقوم به الزوايا والطرق الصوفية يف خمتلف ربوع الوطن‪ ،‬فكان أول نظام‬
‫تربوي يف اجلزائر موجه جلميع اجلزائريني بكل جمانية ودميقراطية وإلزامية‪ .‬مع التأكيد على التعريب وجزأرة التعليم يف كل مستوياته‪.‬‬
‫لقد حقق هذا النظام الرتبوي يف ظرف ثالث عقود تنمية كمية هائلة يف جمال الرتبية حيث تضاعف عدد املتمدرسني بـ‪00‬‬
‫مرات منذ االستقالل بعد انتقال نسبة التمدرس من ‪ %12.2‬إىل ‪ ،%19‬وتبين اجلزائر لدميقراطية التعليم وجمانيته وجتسيد خيار‬
‫‪1‬‬
‫تعريب التعليم و جزأرة التعليم والتأطري يف كل املستويات‪.‬‬

‫‪1‬وزارة التربية الوطنية‪ :‬املبادئ‪ ،‬األهداف العامة للرتبية وتنظيم املسار الدراسي‪WWW.EDUCATION.GOV.DZ،0202 ،‬‬

‫‪808‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫‪ 26‬السنة‪6266 :‬‬ ‫مجلد‪ 62 :‬عدد‪:‬‬
‫وال شك أن إسهامات وزير الرتبية األسبق علي بن حممد يف تنشيط احلياة املدرسية كانت األبرز من بني مجيع الوزراء الذين‬
‫وفعالة بقراراته اليت صدرت بني سنوات ‪ 0110‬وسنة ‪ 0118‬واليت استمر العمل هبا‬ ‫تعاقبوا على وزارة الرتبية‪ ،‬حيث كانت تقنية ّ‬
‫حىت سنة ‪ 8002‬رغم مرور عقدين على إصالح املنظومة الرتبوية واليت شرع يف تطبيقه سنة ‪. 8002‬‬
‫قرارات نظمت احلياة املدرسية ملا يقارب ثالث عقود‪ ،‬حددت كيفية تنظيم احلياة املدرسية يف املؤسسات الرتبوية وأدوار‬
‫الفاعلني فيها والعالقات الرتبوية‪ ،‬ومهام كل طرف من أطرافها بدقة‪ ،‬وكيف ومىت تعقد اجملالس املوجودة يف املؤسسة الرتبوية‪ ،‬وكل ما‬
‫تعلق بكيفية التوظيف وشروطه‪ ،‬ومهام املوظفني ومؤطري التعليم مبختلف مراحله‪ ،‬وموظفو التوجيه واحلراسة واملصاحل االقتصادية وما‬
‫تعلق باألحكام اخلاصة بالتالميذ يف خمتلف املواقف والوضعيات الرتبوية‪ ،‬وشروط االنتساب‪،‬والقوانني اليت تتحكم يف سري احلياة‬
‫املدرسية‪ ،‬واليت من شأهنا أن حتافظ على رسالة املدرسة اإلنسانية كمنع الضرب والعقاب البدين والعنف اجتاه التالميذ يف املؤسسات‬
‫الرتبوية‪.‬‬
‫لكن واجهت هذه املنظومة الرتبوية نقائص واختالالت أثرت على نوعية التعليم‪ ،‬ناهيك عن التحوالت املسجلة على‬
‫الصعيدين الوطين و العاملي املتمثلة يف التعددية السياسية واالنفتاح االقتصادي‪ ،‬والتخلي عن االقتصاد املوجه لصاحل اقتصاد السوق‬
‫والتنافس والتطور يف تكنولوجيات اإلعالم واالتصال‪.‬‬
‫كل هذه العوامل سامهت يف حتمية اللجوء إىل إصالح املنظومة الرتبوية حيث مت تنصيب اللجنة الوطنية إلصالح املنظومة‬
‫الوطنية يف ماي ‪ 8000‬وقرار جملس الوزراء املنعقد بتاري ‪ ،8008/01/20‬لتقرير االنطالق يف اإلصالح الرتبوي ملواجهة‬
‫التحديات املتعددة و حتقيق الشروط العلمية و التكنولوجية لضمان تنمية مستدامة‪.‬‬
‫‪ .4‬الحياة المدرسية فلسفة طموحة وواقع محبط‪:‬‬
‫هتتم فلسفة الرتبية أساسا باألهداف العريضة والقيم اليت حتتضنها األنظمة التعليمية‪ ،‬والرتكيز فيها قائم بعكس نظرية التدريس‬
‫على الغايات وليس على الوسائل‪ .‬أما أمهيتها فتأيت من أهنا تذكرنا باستمرار باألهداف السامية للجهود الرتبوية فعندما تركز الرتبية‬
‫أو املربون على املواطنة الصاحلة مثالً‪ ،‬أو على األساليب الدميقراطية يف التعامل مع التالميذ فإن الرتكيز ليس قائماً على التدريس حبد‬
‫ذاته أو على الطريقة الرتبوية املتبعة‪ ،‬بل إن الرتكيز قائم على مصلحة املتعلم‪ ،‬وعلى بقاء واستمرار النظام السائد يف جمتمع من‬
‫اجملتمعات‪ ،‬وما األ هداف التعليمية سوى ترمجة فلسفة الرتبية إىل سلوكات دقيقة تعرب عن نتائج متوقعة أو مرغوب فيها عند‬
‫التالميذ‪.‬‬
‫فالفلسفة الرتبوية اليت السائدة يف املدرسة واليت تتعلق بأهداف التعليم وغاياته ووظيفة املدرسة ومبادئ الرتبية احلديثة‪ ،‬فاملعلم‬
‫الذي ينظر إىل املدرسة بوصفها نظاما للتعليم فحسب ال يستطيع أن حيقق شروط التفاعل الرتبوي االجيايب‪ ،‬واملعلم الذي يؤمن مببدأ‬
‫التسلط واإلكراه ال يستطيع أن حيقق فعال تربويا متكامال‪ ،‬وعلى خالف ذلك كله ‪ ،‬عندما تنطلق الفلسفة الرتبوية من مبادئ‬
‫إنسانية يف العمل الرتبوي‪ ،‬وعندما ينظر إىل املدرسة مرحلة حياتية مهمة يف حياة األطفال‪ ،‬وان املدرسة مهمتها تتجاوز تلقني‬
‫‪1‬‬
‫املعارف واملعلومات‪ ،‬فان الفعل الرتبوي سيرتجم إىل عطاء متواصل يف جمال الفعل واإلبداع الرتبويني‪.‬‬

‫‪ 1‬مصدق احلبيب‪ :‬التعليم والتنمية االقتصادية‪ .‬دار الرشيد‪ ،‬العراق‪ ،1981 ،‬ص ‪11‬‬
‫‪809‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫‪ 26‬السنة‪6266 :‬‬ ‫مجلد‪ 62 :‬عدد‪:‬‬
‫إن كون الرتكيز يف فلسفة الرتبية قائم على الغايات ال يعين أن نظرية التدريس ال تتأثر هبذه الفلسفات‪ ،‬ولقد انقضى الوقت‬
‫الذي كان يعتقد فيه أن نظرية التدريس ميكن أن تنمو وترتعرع دون تأثر بالفلسفة الرتبوية السائدة‪ ،‬وبالتايل بالفلسفة االقتصادية‬
‫والسياسية واالجتماعية السائدة يف جمتمع من اجملتمعات‪.‬‬
‫فالعالقات التسلطية وعدم فتح اجملال للحريات يف التعبري مبختلف أشكاله على املستوى السياسي ال شك أن إسقاطاهتا على‬
‫احلقل الرتبوي تبدو بارزة يف أشكال العقاب واألسباب املوجبة له‪ ،‬فيمكن إن ترى معلما يعاقب تلميذا جملرد أنه قال ال أو انتقد‬
‫معلمه‪ ،‬كما أن طرائق التدريس تعتمد على األنشطة الصفية اليت تشدد على االنضباط وااللتزام وعدم احلركة والكالم‪ ،‬وتغيب عنها‬
‫األنشطة الالصفية ألهنا ال هتتم باجلانب احلر والفاعل يف شخصية التلميذ‪ ،‬هنا فقط تغدو الرتبية من شكلها اإلنساين اجلميل إىل‬
‫تربية على القهر واخلنوع بفعل تلك املمارسات التسلطية‪.‬‬
‫كما أن لنمط االقتصاد الريعي الذي تتبعه اجلزائر آثاره على املدرسة والعالقات بني الفاعلني فيها‪ ،‬فعالقات اإلنتاج وكيفيات‬
‫االستفادة من الريع‪ ،‬ومظاهر الفساد اليت افرزها هذا النمط من طرق للكسب السريع والثراء الفاحش دون استحقاق‪ ،‬كلها افرز بىن‬
‫فوقية انعكست على القيم اليت حيملها التلميذ ويتدواهلا املتعلمون‪.‬‬
‫فالغش يف االمتحانات يزكيه الكثري من األولياء من اجل حتقيق النجاح املدرسي وأخذ يف االنتشار‪ ،‬وكذلك الغش يف‬
‫املعامالت االقتصادية واالحتكار وغريه من املمارسات يزكيه اجملتمع لتحقيق النجاح اجملتمعي‪ ،‬والتزكية قد ال تكون معلنة بل‬
‫الصمت وعدم إدانة الفاعل هو تزكية‪ .‬لذلك شكلت املدرسة واغلب مؤسسات التنشئة االجتماعية حقال لإلعادة إنتاج الكثري من‬
‫البىن الفوقية اليت افرزها منط االقتصاد يف اجلزائر‪.‬‬
‫ال شك أن املنطلقات الفلسفية الناظمة للمدرسة هتدف إىل بعث احلياة فيها‪ ،‬وما احلياة اال احلركة والنشاط الذوق واجلمال‬
‫والفرح وا ملرح والسعادة واحليوية‪ ،‬وكلها أحاسيس تزهر حول احلرية قيمة وسلوكا‪ ،‬لكن كم حيز يف النفس أن املدرسة يف اجلزائر ال‬
‫تعرف للحرية طريقا وال حيسها املتعلم وال املعلم‪ ،‬ولكم يؤسف الواقع الرتبوي الذي ينطلق من فلسفة تربوية ختاطب تلميذا ال يوجد‬
‫اال يف نظريات علم النفس النمو‪ ،‬وال يعرفه اال جون بياجيه‪ ،‬فتلميذ املدرسة اجلزائرية خمتلف وليس واحدا‪ ،‬السيما إذا ما عرفنا أن‬
‫املدرسة يف اجلزائر تتبىن مقاربة تفرتض أن للتلميذ مكتسبات قبلية ما على املعلم اال تنميتها وإحسان توجيه التلميذ‪ ،‬فكيف يكون‬
‫التلميذ واحدا وما حيمله من مكتسبات خمتلف عن بعضه حبكم اجلغرافيا على األقل‪ .‬وفيما يلي حتليل ملا جيب أن تتضمنه املدرسة‬
‫إلثراء احلياة املدرسية‪:‬‬
‫‪.1.4‬المدرسة كفضاء تربوي‪:‬‬
‫ال ميكن للعملية التعليمية‪ -‬التعلمية أن حتقق جناحها املرجو إال بفضاء مدرسي جيد يستجيب لروح املقاربة الرتبوية اليت‬
‫ينشدها‪ ،‬بالتحك م يف أمكنته وأركانه وجدرانه وأثاثه ومقاعده وصفوفه‪ ،‬وتقسيمه تقسيما جيدا يراعي املستويات الدراسية‪ ،‬ويتوافق‬
‫‪1‬‬
‫مع أسس السيكولوجيا النمائية والوجدانية واحلسية‪-‬احلركية‪.‬‬

‫‪1‬مجيل احلمداوي‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪32‬‬


‫‪810‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫‪ 26‬السنة‪6266 :‬‬ ‫مجلد‪ 62 :‬عدد‪:‬‬
‫ويتجلى التفاعل االجتماعي الرتبوي يف املدرسة يف نسق من العمليات اليت يرتبط عربها أعضاء اجلماعة بعضهم مع بعض‬
‫عقليا ودافعيا يف مستوى الرغبات والوسائل والغايات واملعارف‪ .‬ولذلك فالتفاعل يعرب عن سلسلة مرتابطة ومستمرة من االتصاالت‬
‫‪1‬‬
‫بني فردين فأكثر‪ ،‬فالتفاعل الرتبوي يعرب عن عالقة تربوية تضمن التواصل بني خمتلف الفاعلني يف املدرسة‪.‬‬
‫ولإلشارة‪ ،‬مازلنا حنتفظ باملدرسة التقليدية‪ ،‬اليت كانت وال زالت فضاءا عدوانيا مغلقا رتيبا‪ ،‬ومازال املتعلم جمرد متلق سليب‪ ،‬ال‬
‫يشارك يف بناء الدرس‪ ،‬بل يكتفي بالسمع والتدوين واحلفظ‪.‬‬
‫ومازال الفضاء الدراسي غري منظم وال مرتب‪ ،‬هذا الفضاء موبوء بالعنف والقهر والصرامة‪ ،‬ختتفي فيه احلوارية واملبادرة والنقد‬
‫والنقاش‪ ،‬وتغيب فيه احلياة السعيدة والروح الدميقراطية‪.‬‬
‫فاإلصالحات الرتبوية األخرية ورغم أهنا كانت جذرية مست كل مكونات املنظومة الرتبوية اال أهنا مل تعمل على إعادة النظر‬
‫يف شكل املدرسة وبنيتها كهيكل قدمي إما ورث عن املرحلة االستعمارية‪ ،‬أو عن مرحلة االبناء والتشييد زمن االشرتاكية‪ ،‬أو من‬
‫مرحلة التسعينات واألزمة األمنية اليت فرضت اخلصوصية األمنية يف تصميم اغلب املؤسسات اليت بنيت يف تلك الفرتة‪.‬‬
‫وعليه نتساءل هل ميكن ملدرسة درس فيها املدير واملعلم واألب واألم واالبن‪ ،‬وجربت فيها كل املقاربات الرتبوية انطالقا من‬
‫املقاربة باملضامني واحملتويات واملقاربة باملشروعات وباألهداف وصوال للمقاربة بالكفاءات؟ هل تصلح هذه املدرسة املوجودة يف‬
‫اجلزائر لكل املقاربات الرتبوية املمكنة؟‬
‫هل ميكن أن تصبح املدرسة فضاءا للمواطنة واحلرية بعد أن كانت لعقود فضاء القمع والقهر والتسلط الرتبوي؟‬
‫ملاذا مل يأخذ الشكل اهلندسي للمدرسة حظه من اإلصالح الرتبوي مبا حيمله من قيم اجلمال واملتعة؟ ملاذا ال منلك مدرسة‬
‫تعكس يف شكلها وبنيتها ذوقنا اجلمايل وانتماءاتنا احلضارية العربية االمازيغية اإلسالمية؟ وتكون وفق منط معماري يعكس هوية‬
‫املدرسة اجلزائرية كما يف كل األمم واحلضارات؟‬
‫وعليه ف املدرسة احلديثة اليت أخذت بالطرائق البيداغوجية الفعالة كسرت هذا الفضاء العمودي الرتيب املغلق‪ ،‬فانفتحت على‬
‫فضاءات محيمة‪ ،‬كفضاء الساحة‪ ،‬وفضاء احلديقة‪ ،‬وفضاء اللعب‪ ،‬وفضاء الروض‪ ،‬وفضاء التعاونيات‪ ،‬وفضاء البستنة‪ ،‬وفضاء‬
‫الرحلة‪ ،‬وفضاء املنزل‪ ،‬وفضاء الطبع والنشر‪ ،‬والفضاء املفتوح‪ ،‬والفضاء الالمدرسي‪...‬كما تغري نظام املقاعد‪ ،‬ليتخذ بعدا عموديا‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫وأفقيا‪ ،‬ودائريا‪ ،‬ونصف دائري‪ ،‬وشكل حذوة احلصان‪.‬‬
‫إذن مع كل تلك التحوالت اليت تعرفها املدرسة يف طرائقها ووسائلها جند مقاومة التغيري كبرية من قبل الفاعلني من فيها‪ ،‬فال‬
‫تعليم اال الذي بالطريقة اليت تعلموا هبا‪ ،‬كما أن املدرسة للتعليم فقط‪ ،‬ميوت فيها النشاط الفين كالغناء واملسرح والرسم كما ميوت‬
‫فيها النشاط الرياضي بأنواعه‪ .‬لكوهنا ال تسمح بقيام تلك النشاطات كفضاء فزيقي جامد ومنغلق على نفسه‪ .‬كما أن املعلم نفسه‬
‫مل يألف مدرسة تنبض باحلياة واجلمال والفن‪ .‬وعليه نتساءل عن وظيفة التصميم العمراين يف تنشيط احلياة املدرسية؟‪.‬‬

‫‪1‬علي اسعد وطفة‪ :‬مرجغ سابق‪ ،‬ص ‪65‬‬


‫‪.2‬مجيل احلمداوي‪:‬املرجع السابق‪،‬ص ‪.26‬‬
‫‪811‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫‪ 26‬السنة‪6266 :‬‬ ‫مجلد‪ 62 :‬عدد‪:‬‬
‫‪.2.4‬التصميم العمراني والمدرسة‪:‬‬
‫من الناحية املعمارية فإن التحليل الدقيق للعالقة بني التصميم املعماري للمدارس يتم من خالل مخس اعتبارات‪ :‬العالقة بني‬
‫العمارة املدرسية وأسلوب التعليم‪ ،‬والعالقة بني املشروع املعماري واملشروع الرتبوي‪ ،‬تصميم مباين تعليمية تدفع إىل تطوير طرق‬
‫اإلنشاء من جهة و تطوير التقنيات الرتبوية من جهة أخرى‪ ،‬إجياد عالقة بني الفراغات املدرسية والسكان الذين يسكنون يف حميط‬
‫‪1‬‬
‫املدرسة‪ ،‬مراعاة اإلعتبارات االقتصادية والتقنية والفراغية‪.‬‬
‫حيث يلعب املبىن الدراسي دوراً ـ معرتف به اليوم ـ يف حتسني التعليم‪ ،‬فاملباين التعليمية جيب أن ختدم طرق ووسائل التعليم‬
‫سواء كانت يف فصول أو يف جمموعات وتوفري املساحات الكافية لعدد الطالب واملدرسني واستقبال املعاقني‪ .‬كما أن املبىن التعليمي‬
‫جيب أن خيدم السكان واملسئولني على املبىن التعليمي وأولياء األمور واستعمال بعض مرافقه يف غري أوقات الدراسة من قبلهم ‪.‬‬
‫تركز الربامج التعليمية احلديثة على التلميذ وتعمل على دفعه إىل التعلم بنفسه والتفاعل والتواصل مع اآلخرين‪ ،‬واجلمع بني‬
‫العلوم بدالً من فصلها عن بعضها‪ ،‬مما يدفع إىل تكوين فكر ناقد لديه وتطوير مهاراته حلل املشاكل اليت تواجهه‪ ،‬ولقد أصبحت‬
‫الكثري من الدول تعتمد يف هذا الصدد على الوسائل اإللكرتونية احلديثة وعلى التعليم داخل املعامل‪ ،‬األمر الذي أثر على املباين‬
‫‪2‬‬
‫املدرسية ودفع إىل إعادة النظر يف تصميمها وطرق إنشائها‪.‬‬
‫فمباين املدارس اليوم جيب أن تكون مرنة ومالئمة وتسمح بتطبيق الربامج التعليمية وتطورها‪ ،‬كما جيب أن تكون املباين‬
‫مستدامة وحتافظ على البيئة‪ ،‬وأن تكون عنصراً إجيابياً يف النسيج العمراين لألحياء اليت تبىن فيها حبيث ختدم ليس فقط العملية‬
‫التعليمية للتالميذ بل تشمل سكان األحياء اليت تقع فيها‪.‬‬
‫مباين املدارس جيب أن تصمم وتبىن مبشاركة املربني والتالميذ على السواء‪ ،‬وبالرغم من عدم وجود أمثلة كثرية هلذا التوجه إال‬
‫أن بعض املصممني يهتمون بالتواصل مع املدرسني و التالميذ لتطويع املباين التعليمية لإلستعماالت املثلى وأساليب التلقي‪.‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫إن احلديث عن احلياة املدرسية هو حديث عن احليوية والنشاط واإلبداع وحب االجناز والسعادة اليت قد توفرها املدرسة‬
‫ألبنائنا‪ ،‬كون احل ياة املدرسية ذلك املناخ اجليد الذي من خالله ميكن لكل الفاعلني املفرتضني يف املدرسة العيش فيه وهم ينعمون‬
‫بالسالم واألمن والتعاون واالندماج‪ ،‬ابتداء من اإلدارة الرتبوية مرورا باملعلم وصوال إىل املتعلم الذي من حقه أن حيس أن املدرسة‬
‫ليست سجنا وال مكانا الحتجازه‪.‬‬
‫وهي بذلك ال ختتلف عن البيت وعن الشارع الذي يسكنه إن مل نقل أفضل من كل هذه األمكنة‪ .‬لكن احلقيقة عكس‬
‫ذلك متاما‪ .‬وهو ما جعلنا نتناول بالتحليل احلياة املدرسية ومكمن اخللل فيها والذي حيول دون حتقيق أهدافها املرجوة‪ ،‬واحنصر هذا‬
‫العمل يف حتليل فلسفة الرتبية ويف حتليل املدرسة كفضاء فيزيقي‪ ،‬حيث خلصت الدراسة أن فلسفة الرتبية ال تعرف التلميذ الذي‬
‫تتكلم عنه حقيقة املعرفة ‪ ،‬وال تعرف املدرسة اليت تطلب منها الكثري من األدوار وهي يف الواقع عاجزة عن توفري اإلطعام والنقل‬

‫‪1‬إبراهيم عبد اهلل أبا اخليل‪ :‬تصميم املدارس ‪ .‬مباين تعلم النشئ‪ ،‬جملة البناء‪https://albenaamag.com،3102 ،‬‬
‫‪2‬املرجع السابق‬
‫‪812‬‬
‫‪ISSN :1112-4377‬‬ ‫مجلة المعيار‬
‫‪ 26‬السنة‪6266 :‬‬ ‫مجلد‪ 62 :‬عدد‪:‬‬
‫والتدفئة والتعليم اجليد‪ ،‬وهذا اعتبارا لنوعية اهلياكل املدرسية وتوزيعها اجلغرايف املتباين والذي يكشف عن جغرافيا تربوية جيب‬
‫االستثمار فيها‪ ،‬ناهيك عن قصور اخلطاب الرتبوي الرمسي‪ ،‬وعجزه عن جتاوز لغة األرقام للتدليل على التطور احلاصل يف الرتبية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ .6‬قائمة المراجع‪:‬‬
‫أ‪.‬الكتب‪:‬‬
‫مصدق احلبيب‪ :‬التعليم والتنمية االقتصادية‪ .‬دار الرشيد‪ ،‬العراق‪.1981 ،‬‬
‫ب‪ .‬الكتب االلكترونية‪:‬‬
‫مجيل احلمداوي‪:‬تدبري احلياة املدرسية‪ .‬املغرب‪ :‬شبكة األلوكة ‪ 8002. www.alukah.net‬ص ‪.02‬‬
‫علي اسعد وطفة‪:‬علم اجتماع املدرسي‪ ،‬ط‪ ،8002،watfa.net ،0‬ص ‪.01‬‬
‫ج‪.‬المواقع االلكترونية‪:‬‬
‫القانون التوجيهي للرتبية الوطنية ‪ ،www.education.gov.dz /loi0804Ar1.pdf‬ص‪01‬‬
‫املنتدى االسالمي العاملي للرتبية‪ :‬أسس وأدوات فشل فلسفات الرتبية املعاصرة‪ 01،‬سبتمرب ‪،8009‬‬
‫‪http://montdatarbawy.com‬‬
‫وزارة الرتبية الوطنية‪ :‬املبادئ‪ ،‬األهداف العامة للرتبية وتنظيم املسار الدراسي‪www.education.gov.dz،8080 ،‬‬
‫إبراهيم عبد اهلل أبا اخليل‪ :‬تصميم املدارس ‪ .‬مباين تعلم النشئ‪ ،‬جملة البناء‪https://albenaamag.com،8009 ،‬‬

‫‪813‬‬

You might also like