Professional Documents
Culture Documents
أولت الكثير من الدول المتقدمة أهمية قصوى لتقنية تدبير األزمات ضمن خططها االستراتيجية والشمولية لتحقيق التنمية المستدامة،
وعيا منها بأهمية هذا الخيار في تعزيز هذه الجهود عبر توفير مقومات وأسس صلبة تسمح بتجاوز الكثير من التحديات والمخاطر
.التي عادة ما تعترض المؤسسات وصانعي القرار ،سواء في القطاعين العام أو الخاص
إن الولوج إلى عالم التطور والتقدم بما يحيل إليه األمر من تحقيق تنمية تضمن الرفاه للمواطن داخل المجتمع ،ليس صدفة ،بقدر ما
هو نتاج طبيعي لبرامج وخطط معقلنة ،تستحضر مجموعة من العناصر ،بما يحيل إله األمر من حوكمة وتشاركية ورؤية مستقبلية
..وتقييم مستمر
مع التطور االقتصادي والتكنولوجي العالمي ،وتزايد التهديدات الجدية التي ما فتئت تالحق البيئة وحياة الكائنات الحية على األرض،
.بات استحضار أسلوب تدبير المخاطر واألزمات أمرا ضروريا ال ترفا
يعتبر حدوث األزمات والكوارث في عالم اليوم أمرا طبيعيا ،وقد تنبّهت الكثير من الدول منذ منتصف القرن الماضي إلى أهمية تدبير
األزمات كتقنية تجمع بين العلم والفن ،لمواجهة الكثير من اإلشكاالت التي غالبا ما تضع صانعي القرار أمام أوضاع صعبة ،تفرض
اتخاذ قرارات سريعة وفعالة ،ولذلك توجهت إلى إحداث مراكز علمية تختص بهذا المجال ،كما أدرجتها أيضا كمواد أساسية ضمن
منظوماتها التعليمية في عدد من األقسام Iوالتخصصات ،بل سعت أيضا إلى ترسيخ ثقافة تدبير األزمات ،بشكل يقوم على إشراك
المواطن نفسه في التعاطي العقالني مع هذه المحطات الصعبة ،وبخاصة وأن الكثير من التقارير واإلحصائيات ،تفيد أن تداعيات
الكوارث واألزمات تتعاظم داخل المجتمعات Iالتي التولي أهمية لهذا الموضوع كجزء من التنشئة االجتماعية والبرامج التعليمية
.المختلفة ،وعبر وسائل اإلعالم ،وانخراط فعاليات المجتمع المدني في هذا الشأن
تتميز األزمات والكوارث عادة بالفجائية والخطورة والتسارع ،وفي مقابل ذلك ،يقوم أسلوب تدبير األزمات في جزء كبير منه على
..التحكم في الوضع ،والتوقع والتنبؤ ،بناء على تقييم الوضع واستثمار المعلومات ونظم االتصال عبر نخب وكفاءات محترفة ومدرّبة
انتعش أسلوب إدارة األزمات بداية في مجاالت الطب واالقتصاد واإلدارة ،قبل أن ينتقل إلى عدد من المجاالت البيئية واالجتماعية
والسياسية والمالية .وتقدم بعض الدول الكبرى ،كما هو الشأن بالنسبة لليابان والواليات المتحدة األمريكية وألمانيا وبريطانيا ،..نماذج
جد متطورة في هذا المجال تقوم على التخطيط االستراتيجي وجمع المعلومات ضمن بنوك متخصصة ،ما يجعلها منها عامال مساندا
وداعما لخطط التنمية بكل أشكالها وروافدها .فباإلضافة إلى المراكز والمؤسسات المختصة التي تواكب كل الطوارئ واألزمات
وتحرص على تحويلها من أخطار إلى فرص ،تدعم جهود التنمية ،أصبح أيضا من العادي جدا وجود أقسام إدارية داخل مؤسسات
القطاعين العام والخاص تعنى بأمور تدبير األزمات كسبيل لتجويد الخدمات ومواجه األخطار المحدقة واالحتماالت ،ومواجهة كل
المفاجآت التي غالبا ما تكون مكلفة على المستويات االقتصادية والسياسية والنفسية والسياسية والعسكرية ..كما نجحت الكثير من هذه
الدول في إرساء نظم تقنية وإدارية تقوم على اإلنذار المبكر ،مع ترسيخ ثقافة التأمين داخل المؤسسات وفي أوساط المجتمع ،كسبيل
..لتقليل المخاطر عند حدوث األزمات
إن أسلوب تدبير األزمات ال يمنع أو يحول وقوع الكوارث ،بقدر ما يقلل من تداعياتها ،ويو ّفر أجواء سليمة التخاذ قرارات صائبة
..تتحوّ ل معها هذه المحطات الصعبة إلى مناسبات لتحصين الذات ،وتقييم ومراجعة األوضاع واالستفادة من األخطاء المرتكبة
رغم الجهود التي تبذلها بعض الدول العربية في هذا الشأن ،فإن واقع الحال يبرز أنها غير كافية في عالم متسارع ومع ّقد بإشكاالته
الداخلية والعابرة للحدود ،ما يؤثر بالسلب على جهود التنمية ،فالكوارث الطبيعية من أعاصير وسيول وفيضانات وزالزل ..التي
تحدث في عدد من دول المنطقة ،ما زالت تخلف خسائر كبرى في األرواح والمعدات نتيجة لهذا القصور ،كما أن عدد من األزمات
المالية واإلدارية والتقنية ..التي تقع بين الحين واآلخر ،تكون كلفتها في الغالب باهظة ،مقارنة بمثيالتها التي تحدث داخل الدول
..المتقدمة
مع انتشار األزمات Iوالمنازعات المختلفة ..على امتداد خريطة المنطقة العربية ،أصبحت الحاجة مل ّحة أكثر من أي وقت مضى إلى
إحداث منظومة عصرية لتدبير األزمات ،تأخذ بعين االعتبار خصوصية هذه المناطق اجتماعيا وجغرافيا واستراتيجيا ..وتنفتح على
.تجارب دولية رائدة في هذا المجال ،بصورة تدعم جهود صانعي القرارات في كسب رهانات التنمية المستدامة