Professional Documents
Culture Documents
الجمهـوريــــــــة التـونسيــــــــة
وزارة العـــــدل
المعهـــــد األعلـى للقضـــاء
أ-
القـاضـي المـؤطـر ب -إعداد الملحق القضائي
بلقـاسم كريــد ساميـة الجزيـري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ذلك الشـافعية والمـالكيـة .والعيـوب المعتبـرة عندهـم الجنـون والجذام والبرص ،فمن كـان به شيء من
هـذه األمراض ليس كفؤا لمن كـان خـاليا منهـا ألن اإلنسـان يعـاف من غيره مـا ال يعافـه من نفسـه وال
يعتبـر العمي أو قطع األطراف أو الشـل من العيـوب المؤثـرة في الكفـاءة عنـد جمهـور الشافعيـة .
لذلـك قـال جملـة الفقهـاء بجـواز التفريـق لعيـب السالمـة بعد العقـد .وكـانت المشـروعية من ذلك
التفريـق بأنـه قد يحدث بأحـد الزوجيـن عيب يمنـع من تحقيق مقـاصد عقد النكـاح كلهـا أو بعضهـا أو
يؤدي إلى النفـرة وعـدم استحبـاب الحيـاة الزوجيـة إال أنهـم إختلفـوا في كـونـه حقـا ثابتـا للزوجيـن معـا أم
للزوجـة وحدهـا ؟ .كمـا أنهـم إختلفـوا في العيـوب التي يتم بهـا التفريـق بين الزوجيـن ؟ .وقد إحتجـوا في
مشروعيـة التفريـق بجملـة من األحـاديث من ذلك أنه روى عن النبي صلى اللـه عليـه وسلم أنه تزوج
إمرأة من بني عقـار فلمـا دخـل بهـا ووضـع تـوبـة وقعـد على الفراش أبصر بكفيهـا بياض فإنحـاز عن
الفراش ثم قـال خذي عليـك ثيابـك ولم يأخـذ ممـا أتـاهـا شيء"( .)1كما روى عن عمر رضى الله عنه
أنه قال أيها إمـرأة عـز بهـا رجل جنون أو جذام أو برص ،فلها مهرهـا بمـا أصاب منها وصداق الرجل
مـن غـره ".وذهبت الحنفيـة إلى أنـه ( )2يثبـت للزوجـة حق التفريـق وحدهـا .وإحتجـوا بأن الزوج يقـدر
على دفع الضرر عـن نفسـه بالطـالق وأمـا المرأة فإنهـا ال تملك الطـالق .
ـــــــــ
(-)1االمـام أحمـد ،مسند أحمـد ، 373/3والبيهـقي السنن الكبرى .11 2/9
( -)2اإلمام مـالك الموطأ .5 21/2
وذهـب جمهـور الفقهـاء من المـالكيـة والشافعيـة والحنـابلـة وغيرهـم إلى أن حـق التفريـق يثبـت للزوجـين
معـا .
وإحتجـوا بأن الزوج يتضـرر بالعيـب كالزوجـة .والقـول بأن الزوج يملـك رفع الضرر عنـه بالطـالق ليس
صحيحـا على إطـالقه ذلك أن الزوج يلزمـه بالطـالق المهـر كلـه أو نصفـه .أما إذا فسخ العقـد بالعيـب
قبل الدخـول لم يلزمـه شيء من المهـر وقد أخـذ بذلك جملة من التشـاريع العربيـة التي إستلهمـت
أحكـامهـا في مجـال األحـوال الشخصيـة من الشريعـة اإلسـالمية .من ذلك أن المادة 119من قـانون
األحـوال الشخصيـة السـوري نصـت على " :للزوج حـق طلب فسـخ عقـد الزواج إذا وجـد في زوجتـه
عيبـا جنسيـا مـانعـا من الوصـول إليهـا كالرتـق والقرن أو مرضـا منفرا بحيـث ال يمكـن المقـام معهـا عليهـا
بال ضـرر ولم يكـن الزوج قد علـم به قبـل العـقد أو رضـي به بعده صراحـة أو ضمنـا " .كمـا نصت
" للمرأة السالمـة من كـل عيـب يحـول دون الدخـول بهـا ،أن تراجـع المـادة 113على أن :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
القـاضي وتطلب التفريـق بينها وبين زوجهـا إذا علمت أن فيـه علة تحـول دون بنائه بها كالجب والعنـة
والخصاء وال يسمع طلب المرأة التي فيهـا عيب من العيـوب كالرتـق والقرن " .
وقد فرق الفقه بيـن عيوب الزوج التي تجيـز للزوجة طلب التفريق وهـي نوعـان عيوب جنسيـة تحـول
دون اإلستمتـاع وممـارسة الحيـاة الزوجيـة بشكـل عـادي وهـي :
العنــة :وتعني عـجز الرجل على الوصـول إلى النسـاء ويسمـى عنينـا .
ـب :قطـع عضـو التناسـل ويسمى مجبـوبا .
الج ّ
الخصــاء :نـزع الخصيتيـن ويسمى خصيـا .ومـا شابههـم .فذكـر هـذه العيـوب ورد على سبيـل التمثيـل
ال الحصر وقد اشترط الفقهـاء للحكـم بالتفريـق في هـذه الحـالة مـا يأتي :
+أن تكـون المرأة سالمـة من كـل عيـب يحـول دون الدخـول بهـا .
+أن تكـون الزوجـة على علـم قبل عقـد الزواج بعيـب زوجهـا وأن ال ترضى به بعـد الزواج .
+أن يكـون العيـب غير قـابل للزوال .
وعيـوب جسدية ال تحـول دون اإلستمتـاع وال تمنـع من الدخـول ولكنهـا عـلل منفـرة واليمكـن
اإلقامـة معهـا بال ضـرر فإذا ظهـر للزوجـة قبـل الدخـول أو بعـده أن الـزوج مبتلي بعلـة أومـرض اليمكـن
اإلقامـة معـه بال ضـرر كالجـذام والبـرص أو السـل أو الزهـري أو طـرأت مثـل هـذه العلل واألمـراض فلهـا
أن تراجـع القاضي وتطلب التفريـق .وإذا وجـد عيب كالعمـى والعـرج في الـزوج فـال وجـوب لتفريـق
ويشتـرط أن :
+يكـون العيب مستحكمـا ال أمـل بالشفـاء منـه حتى بعـد زمـن طويـل .
+أن يكـون العيب منفـرا اليمـكن اإلقامـة معـه بالضـرر .فإذا ثبت وجـود العيب حكـم بالتفريـق سـواء
ظهـر العيب للزوجـة قبـل الدحـول أم بعـده أم طرأهـذا العيب بعـد الـزواج .وينطبـق الحـل على الجنـون.
أمـا العيـوب الخاصـة بالزوجـة والتي تجيـز للـزوج طلب التفريـق فهي أغلبهـا جنسيـة :
+كالرتـق وهـو إنسـداد في فـرج المـرأة بحيث التصلـح للـزواج .
+والقرن وهي غدة لحميـة فـي فـرج المـرأة تمنـع اإلختـالط الجنسي وتسمـى قرنـاء .
أو أي مـرض منفـر بحيث ال يمكـن المقـام معهـا بال ضـرر و لـم يكـن الـزوج قـد علـم بـه قبـل العقـد،
أورضـى بـه بعـده صراحـة أوضمنـا .وقـد وردت جملـة هـذه األمـراض على سبيـل الذكـر الالحصـر وعلى
ذلك فـإن أي عيب فـي الزوجـة يبيـن أهـل الخبـرة أنـه اليمكـن إزالتـه واليمكـن اإلقامـة معـه إال بضـرر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
يجـوز للـزوج طلب فسـخ العقـد مثـل اإلفضـاء وهـوإنخـراق ما بيـن السبيليـن .والعفـل وهـو رطوبـة تمنـع
الرجـل مـن لـذة الجمـاع وبخـر الفـرج وهي رائحـة كريهـة تخـرج مـن الفـرج .أمـا إذا أمكـن معالجـة هـذه
العيـوب فال يجـوز التفريـق .أمـا شـروط التفريـق فهي نفـس الشـروط المطلـوب توفرهـا في صـورة مـرض
الـزوج .وبالنظـر إلى قانوننـا التونسي فإنـه مـا يالحظ هـو أنـه قـد أحـاط الـزواج بتنظيـم قانـوني يتالئـم
ومكانتـه بالنسبـة للفـرد والمجموعـة ويكفي للداللـة على ذلك تفريده بنظـام قانـوني مستقـل لتوفيـر
منـاخ نفساني وأخـالقي يـكون خيـر دعـم إلنجـاح الرابطـة الزوجيـة .ويمكـن إدراك ذلك بوضـوح سـواء
في مستـوى تكويـن عقـد الـزواج أو تنفيـذه غيـر أن المشـرع لـم يـولي الجانب البيولوجي في هـذه
العالقـة رغـم أهميتـه إال قسطـا ضئيـال مـن التنظيـم القانـوني رغـم أنـه أولى إهتمـاما خاصـا بالمريـض في
بقيـة فـروع القانـون .ففي القانـون المدني ،فإن الرشيـد الـذي إختـل شعـوره بمـا أخرجـه مـن االدراك
يفقـد أهليـةااللـزام وااللتـزام .كمـا أن المجنـون في القانـون الجنـائي ،اليعاقب إذا مـا إرتكب حـرما على
شـرط أن يكـون المـرض مأديـا إلى فقـدان اإلدراك وحريـة اإلرادة .
وفي صـورة أخـرى خـول المشـرع التونسي للسجيـن التمتـع بالسـراح الشـرطي إذا مـا تعكـرت
حالتـه الصحيـة .أمـا في مـادة األحـوال الشخصيـة فـإن التنظيـم القانـوني للمريـض إقتصـر على تخصـيص
الفصـل 5مـن م أ ش لتحديـد السـن القانـوني للـزواج ،كقرينـة على النضـج البيولـوجي لمـن توفـر فيـه
هـذا الشـرط .إلى جانب إشتراطـه لشهـادة طبيـة سابقـة للـزواج .وهـذا اليعكـس إطالقـا قيمـة الناحيبـة
البيولولجيـة في إطـار عقـد الـزواج .وهـو موقـف مخالف تمامـا كمـا سلف أن بينـا لموقـف الفقهـاء
المسلميـن الذيـن أحاطـوا هـذا الجانب بالتحليـل والتنظيـم بمـا يتالئـم وقيمتـه الحقيقيـة فـي عالقـة
الزوجيـن .
هـذه األخيـرة تحتـاج لضمـان إستقـرارهـا إلى سالمـة الزوجيـن مـن األمـراض الحـادة والتي مـن
شأنهـا أن تكـدر صفـو الحيـاة الزوجيـة علمـا وأن المـرض يخلف آثـار سلبيـة في نفـوس أفـراد العائلـة.
باإلضافـة إلى الخسـارة الماديـة المترتبـة عـن مصاريف العـالج.
هـذا مـا يفسـر الملل الـذي يصيب بعـض األزواج ورغبتهـم الملحـة في وضـع حـد لهـذه الحيـاة
الزوجيـة .وأمـام هـذه األهميـة التي تكتسيهـا صحـة الزوجيـن ،يحـق لنا التساؤل عـن تأثيـر المـرض على
قيـام الرابطـة الزوجيـة وإستمرارهـا ؟ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
هـذا مـا لـم يجب عليـه المشـرع التونسي صراحـة صلب مجلـة األحـوال الشخصيـة .وبنفـس
هـذا الصمت قوبـل السؤال المتعلـق بمعرفـة تأثيـر إنتفـاء القـدرة الـجنسية للقريـن ،سواء توفرت هذه
الـحالـة عند تكـوين العقـد أو طـرأت بعـد قيـام الرابطـة الزوجيـة وهـوموقف اليعكـس بالمـرة قيمـة
االتصـال الجنسي فـي حيـاة الزوجيـن ،بإعتبـاره يصعب إن لـم نقـل يستحيـل مواصلـة الحيـاة الزوجيـة
مـن دونـه هـذا إلى جانب صعوبـة إثباتـه .
كمـا نعتقـد أنـه آن األوان للتفكيـر فـي حلـول قانونيـة لظاهـرة الشعـور باإلنتمـاء إلى الجنـس
المعاكـس . transsexualismeخـاصة وأنهـا بـدأت تسجـل حضـورهـا في البلـدان الغربيـة أيـن
طرحت العديـد مـن المشاكـل القانونيـة المتعلقـة بشرعيـة العمليـة الجراحيـة المؤديـة إلى تغيـر الجنـس
خاصـة إذا ماعـزم مـن غيـر جنسـه على الـزواج .وتزداد األمـور أكثـر تعقيـدا إذا أبـدىالمعني باألمر رغبـة
ملحـة في تغيـر جنسـه بعـد الـزواج فمـاهي اإلنعكاسـات المترتبـة عـن السمـاح بهـذا التغيـر الالخـق
للـزواج ؟ .
كمـا أنـه في هـذا اإلطـار وجب التخلي مـن قبـل المشـرع التونسي عـن إشتراطـه العام ،لوجـوب
إختـالف الجنـس بيـن الزوجيـن لقيـام الرابطـة الزوجيـة والتنصيـص على ذلك صراحـة بإعتبـار أن بداهـة
هـذا الشـرط وحتميتـه لـم تعـد مطلقـة .كمـا تجـدر اإلشـارة وفـي غيـاب تعريـف تشريعـي لعقـد الـزواج
وفـي غيـاب تنظيـم معمـق للحالـة الصحيـة للزوجيـن والجنسيـة ومجـرد اإلدالء بشهـادة طبيّـة مجـردة
غيـر دقيقـة ولـد العديـد مـن السلبيـات التي هي اآلن محـل جـدال بيـن فقهـاء القانـون وشراحـه وقـد
تجـادلت فيهـا عديـد المحاكـم التونسيـة ولـم تتوصـل إلى تحديـد رأي فيهـا .فهـل أن مـرض القريـن
السابـق للـزواج يعـد ضـررا يبيـح طلب الطـالق ؟ أم يعـد إخـالال بشـرط مـن الشـروط البيولوجيـة لعقـد
الـزواج يجيـز إبطـال عقـد الـزواج ؟ إن الجـواب على هذا السـؤال ليـس بيسيـر ويصعب الظفـر بـرأي
قاطـع فـي الموضـوع خاصـة فـي الوضـع الراهـن الـذي عليـه التشريـع التونسي المتعلـق بالشهـادة الطبيـة
قبـل الـزواج ألن الطبيعـة القانونيـة لهـذه الشهـادة ليست واضحـة فهـل تعتبـر ركنا مـن أركـان عقد الـزواج
أم شـرطا لصحتـه أم ال ؟ وإذا فرقنـا بيـن المـرض السابـق لعقـد الـزواج والمـرض االحـق لـه فإن ذلك
التفريـق هام في خصوص الجـزاء .فجـزاء إبـرام عقـد الـزواج المختـل البطـالنّ ،أما جـزاء عدم تنفيـذه
فهـو الطـالق إذا مـا إعتبرنـا عقـد الـزواج عقـدا على مستـوى تكوينـه .لكـن مـاهو المرض ؟ وماهي أنـواع
األمـراض المؤثـرة على عقـد الـزواج ؟.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
لـم يعـرف المشـرع التونسي المـرض في أي فـرع مـن فـروع القانـون غيـر أن الفقـه عرفـه ( )1بكونـه :
"حالـة تصيب اإلنسـان ،وتنجـر عنهـا أثـار ماديـة ونفسيـة تتمظهـر فـي ضعف بدني وإضطرابـات
نفسانيـة .وفكريـة .وهـذه الحالـة قـد تطـول وقـد تقصـر ممـا يؤثـر عـادة على عالقـات المـرض بمحيطـه
العائلي والمهني واإلجتمـاعي وهـو مـن شأنـه أن يـؤدي إلى قلب األدوار فـي عقـد الـزواج إذا ما تقبل
القرين المعـافى وضعية قرينه الصحية واختار مواصلة الحياة الزوجية معه رغم مرضه بما في ذلك من
تضحيات سواءا على الصعيد المـادي (اإلنفاق) أو معنوي (مساكنة) .غيـر أنـه اليمكـن أن نعتـد
بجميـع األمـراض في الـزواج .فاألمـراض المعديـة أو الحائلـة دون اتصـال جنسي بيـن الزوجيـن هي
المعتبرة .وهـو مـا ذهبت إليـه المحاكـم في خصـوص تأثيـر المـرض على الـزواج ورغـم أنهـا لـم تحـدد
تلك األمـراض المعديـة والحائلـة دون اتصـال جنسي فـإن المـرض يعـد من المسائـل الموضوعيـة
الراجعـة لمطلـق إجتهـاد قضـاة األصل .إذا وإزاء هـذا الفـراغ التشريعـي الـذي مني بـه الجانب البيولوجي
وخاصـة منـه صحـة زواج المريـض نعتقـد أنـه حـان الوقت الحاطـة هـذا المعطى باإلهتمـام وبتننظيـم
قانـوني يتالئـم مـع مكانتـه الحقيقتـه في عقـد الـزواج مـع التأمـل الموضـوعي فـي الحلـول المتقـدم بهـا
فـي هـذا الميـدان ومراجعتهـا .
ـــــــــ
-1ورد هـذا التعريف في مذكـرة المـرض في القانـون التونسي لعدنـان الماطـوسي المقدنـة
إذ إكتشف أن بهـا بعـض النقائـص .ولربمـا أمكـن القـول أن هـذا الفـراغ التشريعي ناتـج عـن
كـون المشـرع التونسي يعتبـر أن الـزواج رابطـة روحيـة اليمثـل الجانب البيولوجي في إطـارهـا سـوي
عنصـر ثانويـا يستوجب تنظيمـا قانونيـا يتماشى مـع هـذه المكانـة المحـدودة التي يحتلهـا في العالقـة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
الزوجيـة .وعلى فـرض أن هـذا الدفـع وقـع تبينـه مـن قبـل واضعي مجلـة األحـوال الشخصيـة فإننـا نعتقـد
أنـه اليأخـذ واقـع األمـور بعيـن اإلعتبـار نظـرا لكـون الصحـة البدنيـة للزوجيـن تلعب دورهـاما وفعـاال في
نجـاح العالقـات الزوجيـة .ونظـرا لتلك المكانـة للجانب الصحي للزوجيـن فـي عقـد الـزواج .وجب
التسائـل عـن تأثيـر المـرض على عقـد الزواج ؟.
هـذامـا يتطلب منـا تخصيـص جـزء أول لدراسـة المـرض والعـالقة الزوجيـة (الجـزء األول)
للبحث في جـزء ثانـي عـن المـرض وانفصـام العالقـة الزوجيـة (الجـزء الثانـي)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
تحتـاج العالقـة الزوجيـةلضمـان إستقرارهـا إلـى سالمـة الـزوجيـن مـن األمـراض الحـادة والتـي مـن شأنهـا
أن تكـدر صفـو الحيـاة الزوجيـة لمـا يخلفـه المـرض مـن آثـار سلبيـة فـي نفـوس أفرادهـا باإلضافـة إلـى
الخسائـر الماديـة المترتيـة عـن مصاريـف العـالج والتـداوي لـذا وحرصـا منـه علـى إحاطـة الزواج بتنظيـم
قانـوني يتالئـم ومكانتـه بالنسبـة للفـرد والمجموعـة ،وسعيـا منه لتوفيـر منـاخ نفسانـي وأخالقـي يكـون
خيـر دعـم إلنجـاح الرابطـة الزوجيـة سـواء علـي مستـوى تكويـن عقـد الـزوج أو تنفيـده ،أفـرد المشـرع
التونسـي عقـد الـزواج بتنظيـم خـاص صلـب مجلـة األحـوال الشخصيـة فـي مختلـف مراحلـه سـواء عنـد
قيامـه وإستمـراره أو حتـى عنـد إنفصامـه .لكـن وفـي مقابـل اإلهتـمـام التشريعـي بالزواج فـي أغلـب
مراحلـه ،لـم يهتـم المشـرع التونسـي ببعـض األحـداث أو العـوارض التـي قـد تطـرأ على عقـد الـزواج
وتأثـر عليـه كالمـرض ولـم يوليـه رغـم أهميتـه إال قسطـا ضئيـال مـن التنظيـم القانـوني .وأمـام األهميـة التـي
تكتسيهـا صحـة الزوجيـن يحـق لنـا التسائـل عـن تأثيـر المـرض علـى قيـام الرابطة الزوجيـة (القسـم األول)
؟ وإستمرارهـا (القسـم الثانـي) ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
أدنـى مـن النضـج الفكـري ،باإلضافـة إلـى شـرط حتمـي اليعقـل الحديـث فـي غيابـه عـن قيـام رابطـة
زوجيـة ،أال وهـي تبايـن المترشحيـن للـزواج فـي الجنـس ،وهـي كلهـا معطيـات مـن شأنهـا أن توفـر
حـدا أدنـى مـن الضمانـات الكفيلـة بإنجـاح الرابطـة الزوجيـة وإستمـراريتهـا نظـرا لألهميـة البالغـة التـي
يكتسيهـا الجانـب البيولوجـي فـي عالقـة الزوجيـن .وإعتبـارا ألهميتهـا في إبـرام عقـد الـزواج وضـع
المشـرع التونسـي علـى كاهـل مـن عهـدت إليـه هـذه المهمـة واجـب التأكـد مـن توفرهـا عنـد تحريـر عقـد
الـزواج .هـذا ما يجعلنـا نتطلـع إلـى إدراك الغايـات المنشـودة مـن وراء إشتتـراط هـذه المعطيـات
البيولوجيـة للوقـوف علـى اإلنعكاسـات القانونيـة المترتبـة عـن إنتفـاء أحدهـا ،األمـر الذي يتطلـب منـا
التنـاول بالـدرس فـي إطـار المبحـث األول آليـة الكشـف الطبـي السابـق للـزواج (مبحـث أول) .للمـرور
فـي مرحلـة ثانيـة لدراسـة المـرض والسالمـة البدنيـة (مبحـث ثانـي).
نطرا ألهميـة الجـانب الصحي في إطـار الحيـاة الزوجيـة اشترطـت معظـم التشـاريع الوضعيـة
إجـراء كشف طبي قبل إبرام عقـد الزواج وذلك تحسبـا لبعـض األمراض الخفيـة والتي من شأنهـا
اإلضرار بالحيـاة الزوجيـة أو نسلهـا الالحق ،فعقـد الزواج يتطلـب في البـالد التـونسيـة اإلدالء بكشـف
طبي سابق للزواج إذ أقـر القـانـون عـدد 31لسنـة 1712المـؤرخ في 33نـوفمبر 1713أنـه "ال يمكـن
لضـابط الحـالة المدنيـة أو العـدول إبرام الزواج إال بعـد أن يستظهـر كل من الشخصين العـازمين على
الزواج بشهـادة طبيـة" ،وأوجـب الفصـل 2على الطبيب عنـد فحص الخطيبيـن أن يوجـه عنـايتـه
لإلصـابات المعديـة .وليس له أن يسلـم الشهـادة إال بعـد اإلطالع على فحـص الدم ويمكنـه أن يرفض
تسليـم الشهـادة إلى أن يزول خطـر العـدوى من المريض .
إن السـؤال الجوهـري الذي يطرحـه هـذا القـانـون يتمثـل في معرفـة مـا إذا كان تطبيقـه يحـول
دون إبرام عقـد الزواج إذا كـان أحـد الخطيبيـن مصـابا بمـرض ؟
إن الجـواب على هـذا السـؤال ليس يسيـرا ويصعـب الظفـر برأي قـاطع في هـذا الشأن ألن
الطبيعـة القـانـونيـة لهـذه الشهـادة ليسـت واضحـة فهـل تعتبـر ركنـا من أركـان الزواج وشرطـا لصحتـه أم ال
؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
()1
لربمـا كـان من األسلم التطرق إلى األسـس النظريـة المبـررة العتمـاد الكشـف الطبي السـابق للزواج
( )2
قبـل تحديد جـدواه
-1األسـس النظريـة المـبررة للكشـف الطبي السـابق للزواج :
جـاء التنظيم القـانوني إلجراء الكشـف الطبي مختلفـا من تشريـع من تشريع إلى آخـر وكذلك
طبقـا لإلرادة واضعي النصـوص القـانونيـة المنظمـة للزواج فكـان الحـل عنصريـا بالنسبـة لبعض األنظمـة
المتطرفـة (أ) ومثـاليـا لبعـض األنظمـة األخـرى والتي تعـول أسـاسـا على ضميـر المتـرشحين إلبرام عقـد
الزواج (ب) وواقعيـا بالنسبـة للنسـق األخيـر (ج) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ـــــــــ
( )1ماريـن دويدار ص.35
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
باإلضـافة إلى واجـب المحـافظـة على سـر المهنـة ( )1الذي يجبـره على عـدم إخبـار الطرف اآلخـر
بالحـالة المـرضيـة التي عـاينهـا ،إذ أنـه في صـورة عـدم احتـرام هـذا الواجـب المعـني يعـرض نفسـه إلى
عـقوبـات قـانـونيـة وأقصـى مـا يمكنـه تقديمـه هـو إسـداء النصح للمـريض عسـاه أن يتبـع العـالج الالزم
لذلـك .
يعتبـر هـذا النهـج الذي سلكـه المشرع الفـرنسي حـال وسـطا يـراعي حـريـة الزوجيـن من جهـة ،
ووقـوفهمـا على حـالتهمـا الصحيـة قبـل إبرام عقـد الزواج من جهـة أخـرى ،حتى إذا مـا اكتشـف
الطبيـب إصـابـة أحـدهمـا بمـرض يتـدخـل بإسـداء النصـح لهـذا األخيـر ويـوكل األمـر لضميـره في
خصـوص إعـالم اآلخـر بذلـك .
كنتيجـة حتميـة لهـذا الحـل يمكـن للطبيـب في فرنسـا أن يجـد نفسـه في وضعيـة ال يحسـد
عليهـا بالمـرة ،خـاصـة وأنـه مجبـر على تسليـم الكشـف الطبي إذا مـا أقـدم على إجرائه ،ومثـال ذلـك
اكتشـافـه لمـرض معـد وقـاتل كالسيـدا بأحـد الزوجيـن يتحتـم عليـه تبعـا لذلــك أن يختـار بيـن أمـرين
أحـدهمـا مـر فيمكنـه بالتـالي وكحـل أول االمتثـال إلى واجـب الحفـاظ على سـر المهنـة وتحمـل تأنيـب
الضميـر ،خـاصة إذا أقـدم المريض على الزواج ،كمـا أنـه يمكنـه خـرق القـانـون بإفشـاء سـر المهنـة،
وإعـالم الطرف اآلخـر المتـرشح للزواج وإرضـاء ضميـره كطبيـب والتعرض تبعـا لذلـك إلى العقـاب
() 2
القـانـوني على الصعيـدين :المدنـي والجـزائي
وذلـك كحـل شأن ،لكـن في كلتـا الحـالتيـن يجـد نفسـه في وضعيـة حرجـة للغـايـة .تأكيـدا
على تثبـت القـانـون الفرنـسي بوجـوب عـدم إفشـاء سـر المهنـة رفضـت محكمـة االستئنـاف بقرونـوبل
في إحـدى القضـايـا المعـروضة عليهـا والمتعلقـة بنفي نسـب طفـل ولـد بعـد مرور فتـرة وجيـزة من إبرام
الزواج ،
ـــــــــ
» (1)- Julisclasseur de droit civil « mariage » facicule A article 144 à 147 par « G Raymand
collection des jurisclasseurs civils , éditions techniques S.A Paris 1988.
(2) Pierre Voirin » Le certificat dexamen medical prenuptial ( article 4 de la Poi de 16
decembre 1942 ) J.C.P 1943 N° 322 .
إعتمـاد شهـادة طبيـة تقدمـت بهـا الزوجـة كحـجة إلثبـات علم زوجهـا بحملهـا
قبـل الزواج ،ذلك ألن هـذه الشهـادة سلمـت دون موافقـة زوجهـا وخـاصة لمخـالفـة الطبيب واجـب
الحفـاظ على سـر المهنـة المنصـوص عليـه صلب الفصـل 391من المجلـة الجبـائية الفـرنسيـة( )1ولم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
يسلـم هـذا الخيـار المثـالي الذي حصل على مسـاندة عـدد وافـر من رجـال القـانـون في فرنسـا من
االنتقـاد ،إذ يـرى بعض رجال القـانـون أنـه ال فـائدة ترجـى من السمـاح بزواج محكـوم عليـه مسبـق
بالبطـالن استنـاد إلى السلـوك المخطـئ للقـرين المصـاب بمـرض والمتمثـل في إخفـاء هـذه الحـالـة
المـرضيـة على الطـرف اآلخـر (.)2
ـــــــــ
(1) C.Appel Grenoble 29 mai 1952 , Dallaz 1952 page 727 note « Français Givord ».
(2)- « Pierre voirin » article Précité N°322.
ويضيـق هـذا القـانـون أنـه ينبـغي على الطبيـب أن ال يتسلـم الكشـف الطبي إال بعـد االطـالع على
نتيجـة :
-فحـص طبي عـام
-فحـص الرئتيـن باألشعـة وتصويرهـا إن إقتضـى الحـال ذلـك .
-فحـص الـدم .
وبعـد االطـالع على حـالة المتـرشح الصحيـة يجـب على الطبيـب أن يطلعـه على مـالحظـاته
ويبني له مـدى أهـميتهـا ،هـذا ويمكنـه رفض تسليـم الشهـادة أن تبيـن له أن هـذا الزواج غيـر مرغـوب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
فيـه ،كمـا يمكـن تأجيـل هـذا تسليـم في انتظـار أن يزول خطـر العـدوى من المريـض أو تغييـر حـالتـه
الصحيـة أو حالته غيـر مضرة لذريتـه .
هـذه النظـرة الواقعيـة جـابهـت جملـة من االنتقـادات تتـوجه أسـاسـا إلى كـونهـا نظـرة تغـذيهـا
الروح العنصريـة ،باالضـافـة إلى خنقهـا لحريـة األفـراد بحـرمـانهـم من حقهـم في الزواج بتعلـة تحسيـن
النسـل الالحـق والحفـاظ على الصحـة العـامة( . )1كمـا يضيـف أصحـاب هـذا الرأي أن إعطـاء الطبيـب
إمكـانيـة التأجيـل أو الرفض يقف عقبـة دون إبرام عقد الزواج ،لكنـه لن يمنـع من وجـود عـالقـات غيـر
قـانونيـ ة من شأنهـا أن تثمـر والدات أراد أصحـاب هـذه النظريـة تفـاديهـا ،ويكـون بالتـالي من األفضل
ترك حريـة القرار إلى المعنييـن باألمـر والتعـويل على ضمـائرهـم رغـم أن الضميـر ال يقـوم بدوره الفعـلي
في جميـع الحـاالت .
بعـد أن تنـاولنـا بالدرس األسس النظريـة التي ارتكـزت عليهـا التشـاريع الوضعيـة لتبريـر اشتـراط
الكشف الطبي السـابق للزواج ،علينـا أن نتسـائل عن فعـاليـة هـذا االجـراء في مستـوى التطبيـق ؟ هـذا
مـا سنحـاول اإلجـابة عنـه في إطـار القسـم الثـاني من هـذا المبحـث .
ـــــــــ
(1)- « JAMBU-Merlin » ouvrage precité page 36.
-2الجـدوى التطبيقيـة للكشـف الطبي السـابق للزواج .
إن التسـاؤل عـن فـاعليـة الكشـف الطبي السـابق للزواج في البـالد التـونسيـة يحتـم تحديـد
الطبيعـة القـانـونية لهـذه الشهـادة فهـل تعتبـر ركنـا من أركـان الزواج وشرطـا لصحتـه أم ال ؟ إن الجـواب
على هـذا التسـاؤل بالنفي أسلـم ألن المشـرع لم ينـص صراحـة على جـزاء عـدم االستظهـار بالشهـادة
قبـل إبرام العقـد فهـو لم يقـر ببطـالن الزواج وغـايـة مـا في األمـر أنـه أقـر عقـابا مـاليـا بالنسبـة لضـباط
الحـالة المدنيـة الذيـن ال يمتثلـون ألحكـام هـذا القـانـون ومن نـاحيـة أخـرى فإن هـذه الشهـادة ليسـت
إجبـاريـة بكـامل تـراب الجمهـوريـة إذ أن الفصـل األول من قـانـون 33نـوفمبر 1713نص على صـدور
قرار وزاري يظبـط الدوائـر التي تكـون فيهـا الشهـادة الطبيـة إجباريـة ومعنى ذلـك أنهـا ال تكـون وجـوبيـة
في كـل المنـاطق فضـال على أن الفصـل الخـامس من القـانـون أعـاله أجـاز للحـاكم في الحـاالت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
االستثنـائيـة االعفـاء من تقديـم الشهـادة .كمـا أنـه ال يقـع طلبهـا إن كان الشخصان العـازمـان على
الزواج أو أحدهمـا في حـالة احتضـار .
تأسيسـا علـى مـا تقـدم ،التعـدوا أن تكـون الشهـادة الطبيـة مجـرد شكليـة تطبيقيـة ( أ ) يسهـل
تجاوزهـا بالنسبـة لمـن عـزم علـى الـزواج بالرغـم من إصابتـه بـداء خطيـر ( )1وذلك نظـرا لتقيـد الطبيب
الذي سيقـوم بفحـص المقـدم علـى الزواج بواجب إحتـرام السـر المهنـي(ب).
ـــــــــ
( )1حكـم مدنـي إبتدائـي عـدد 1319فـي 33ديسمبـر 1711
إشـارات أخـرى" غيـر أن ذلك ال يحـ ّد بأي حـال مـن حريـة الـزواج فنتائـج الفحـص الطبـي اليقـع
الكشف عنهـا لغيـر ذات الشخـص المطالـب بالفحـص ،ثـم إن الشهـادة الطبيـة التحتـوي سـوى علـى
اإلشـارة إلـى أن المعنـي باألمـر قـد وقـع فحصـه قصـد الفحـص الطبي ال يقـع الكشـف عنهـا لغيـر ذات
الشخـص المطـالب بالفحـص ،ثم إن الشهـادة الطبيـة ال تحتـوي سـوى على اإلشـارة إلى أن المعـني
باألمـر قد وقـع فحصـه قصـد الزواج( )1دون التـوسـع في ذلـك إلى غـايـة تحديـد الحـالة الصحيـة للمـقدم
على الزواج ،كمـا يمكـن أن تمـتد الـمدة الـفاصلة بين ابـرام الـعقد والدخـول إلى أشهـر وفي بعض
الحـاالت إلى أعـوام ،وهـي مـدة كـافيـة لإلصـابـة بأمـراض يمكـن أن تكـون لهـا نتـائج وخيمـة على مصيـر
الرابطـة الزوجيـة ( . )2باإلضـافـة إلى أن القـانـون التـونسي ال يفـرض التثبـت من قدرة الزوجيـن الجنسيـة
عنـد إجـراء الفحص الطبي المتعلـق بالشهـادة الطبيـة السـابقـة للزواج وهـذا الفحـص الطبي العـام ال
يمكـن من الكشـف عن بعـض األمراض الخطيرة كمـرض أو داء إنهيـار المنـاعـة المكتسبـة أو مـا
يسمى بمـرض السيـدا والذي ينتقـل بالعـدوى إمـا عـن طريق الدم أو مباشـرة بعـد حصـول إتصـال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
جنسي ،وقـد عجـز أهـل االختصـاص على إيجـاد العـالج الشـافي من هـذا الداء غيـر أنـه قـد وقـع
اللجـوء إلى عـدة وسـائل وقـائية من شأنهـا التخفيـض من نسبـة المصـابيـن بهـذا المرض(. )3
فهـل يمكـن التعويـل على الفحـوص الطبيـة المجـراة على المتـرشحيـن للزواج للوقـوف على
وجـود مرض السيـدا أو إنعـدامه ؟
ـــــــــ
(1)-Jean Paul Branlard, op,cit N° D 22 page.
-Alain Bénabent, op, cit page 68.
-Jean Chevalier et Lows Bach op, cit page 184.
-Pierre Dupant Delestraint et Patrick coube, droit civil, les personnes, la famille les
incapacités. Paris Edition Dalloz 13ème Edition 1990 page 37.
(2)-Jean Paul Branlard op,cit page 360.
-Marcel Guliole op, cit page 276.
(-)3محمـد الحبيب الشريف مرجـع سابـق الذكـر ص .53
مبـدئيـا استنـادا إلى قـانـون 1713المتعلـق بالكشف الطبي السـابق للزواج ال مـانع من التثبـت
من سـالمة المترشـحيـن للزواج من داء " السيـدا " باعتبـار أن هـذا القـانـون ينص على وجـوب القيـام
بفحـص الدم والوقـوف على وجـود السيـدا من عـدمه يكـون عن طريق تحليـل الدم ،لكـن هـذا العمـل
يتطلـب تجهيـزات ضخمـة يصعـب تـوفيرهـا في بـالدنـا إن لم نقـل أن ذلـك من بـاب االستحـالـة
المطلقـة وعـلى فـرض أن هـذه التجهيـزات تـم تـوفيرهـا يبـقى الكشـف الطبي غيـر كـاف للتثبـت من أن
أحـد الزوجيـن عنـد إبرامـه لعقـد الزواج سليـم معـافى من هـذا الداء نظرا لوجـود فترة زمنيـة تقل عـن
شهرين تفصل القيـام بالكشـف الطبي عـن
الزواج ( )1يمكـن خـاللهـا إصـابة أحـد المترشحيـن للـزواج بمرض " السيـدا " .
وقد تطـور اتجـاه فقـهي يطـالب بضرورة التـوسـع في محتـويات هـذه الفحـوصـات للتأكـد من
سـالمة المقـدم على الزواج من بعـض األمراض الخطيرة التي ال يمكـن للتحـاليـل التقليـدية الكشف
عنهـا ( )2وهـي أمـراض ذات خطـورة على الطرف السليـم وعـلى األبنـاء المنتـظرين ( ، )3كمـا نـادى هـذا
االتجـاه الفقـهي بوجـوب إعـالم الطرف غيـر المصـاب بحقيقـة الحـالة الصحيـة لمن يـروم الزواج به ،
وذلك على غـرار بعض القـوانيـن المقـارنـة األخـرى (. )3لكن هـذا االتجـاه ال يخلو من النقـد فتعـطيل
تقـديم الكشـف الطبي بإضـافـة فحـوصـات جـديدة أو بإعـالم الطرف السليـم بحـالة قرينـه المستقبـلي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
الصحيـة لن يكـون الحـل الجـذري للقضـاء على هذه األمراض الخطيـرة وسيأدي إلى تطوير العـالقات
الخنائية خـارج إطـار الزواج (. )5
إذن فالكشـف الطبي السـابق للزواج سـوف لن يؤثـر بأيـة حـال على حريـة الراغـب في الزواج
من تحقيـق رغبتـه .إذ يقـف دور الطبيـب عنـد حـد تـوعيتـه ونصحـه ويبـقى األمـر مـوكـوال له في
حضـوض إتمـام الزواج من عـدمه .
ـــــــــ
(1)- :Macel culiole : « La maladie d’un epaux, idialisme et realisme en droit matrimonial
Français » Rev-trim droit civil 1968 page 282.
(2)- Jean poul Branlard apcit page 360
(3)- IGI toulause 26 Mars 1991 JCPII 218107
(4)- Italie pays bas Suisse Danmark cité par jean Paul Branlard apcit page 359
(5)- Roger Nerson « Progrés scientifiques et droit familial » mélango Ripart tome I page 415
وتأسيـسـا على مـا تقدم فإن القـانـون الحـالي غيـر كـاف للحيلـولـة دون إبرام عقـد الزواج إذ كـان
أحـد الزوجيـن مصـابا بمـرض السيـدا طـالمـا أن الشهـادة الطبيـة قبـل الزواج ليسـت إجبـاريـة بصفـة
مطلقـة كمـا أن التحـاليـل قد ال تمكـن من التأكـد من وجـود الفيـريس وأخيـرا فإنـه من النـاحيـة العمليـة
ليسـت هنـاك اإلمكـانيـات الفنيـة والمـاديـة اآلن لتجهيـز كل المـؤسسـات الصحيـة بكـامل منـاطق
1713 الجمهـورية بالمعـدات الضـروريـة إلجـراء التحـاليـل ولعلـه حـان الوقـت لتنقيـح قـانـون 33نـوفمبر
والتنصيـص صراحـة على تحجيـز الزواج بالنسبـة للمصـابيـن بمـرض السيـدا وقد يبـدو هـذا المـوقف غيـر
إنسـاني أو صلبـا ،إال أن طبيعـة المـرض وكيفيـة نقـل العـدوى وحتميـة حمـاية األسرة والمجتمـع تفرض
ذلك (. )1
إن فكـرة انعـدام الجدوى العملية من الكشـف السابق للزواج تتضرر كذلك بحاالت اإلعفاء
من ذلك الكشف وكذلك بصفة الزواج المنعقـد في غياب كشف طبي سابـق للزواج :
فقد نص الفصـل الخـامس من قـانـون 33نـوفمبر 1713والمتعلـق بالكشف الطبي السـابق للزواج على
أنـه " :يمكـن للحـاكم في حـاالت استثنـائيـة إعفـاء الشخصين العـازميـن على الزواج أو أحـدهمـا من
تقديـم الشهـادة الطبيـة" .دون أن يبيـن مـاذا يقصـد بهـذه الحـاالت الستثنـائيـة تـاركـا بذلـك مجـاال
واسعـا إلجتهـاد القضـاة إزاء وضعيـات ممـاثلـة ،لكـن إذا مـا تمعنـا في فحـوى الفقـرة الثـانيـة لهـذا
الفصـل لتمكنـا من الوقـوف على عينـة من هـذه الحـاالت االستثنـائيـة وهـي تتعلـق بإعفـاء الشخصيـن
العـازميـن على الزواج من تقديـم الشهـادة الطبيـة إذا كـان في حـالة إحتضـار ،أو إعفـاء الشخـص
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
المحتضـر فقـط ،ولربمـا كـانت إحـدى الغـايـات التي يرمي إليهـا المشرع التـونسي عبـر هـذا اإلعفـاء
هـو اكتسـاب الشرعيـة لعـالقـة بيـن رجـل وإمرأة تعـايشـا في إطـار مخادنة ،
ـــــــــ
( -)1مقـال األستـاذ عبد اللـه األحمدي جريدة الصبـاح هـل يجـوز في قـانـوننـا التـونسي منـع المريض بالسيـدا من أن يتزوج ؟
الصبـاح األحـد 21فيفـري 1717
ومـا يمكـن أن ينتـج عـن ذلك من آثـار إيجـابيـة ،خـاصـة إذا علمنـا أن القـانـون التـونسي ال يحتـوي
على أي نـص صريـح تمنـع هـذه العـالقـة إذا تجـاوز الطرفـان سـن الرشـد القـانـونيـة ولقـد إتبـع لمشرع
الفرنسي نفس الحـل صلـب الفصـل 117م م ف لكنـه وخـالفـا للمشـرع التـونسي أو هـذه المهمـة إلى
وكيـل الجمهـوريـة الذي سيبـرم بدائرتـه الزواج .
إلى جـانب هـذا اإلعفـاء الصريـح من الكشـف الطبي نجـد إعفـاء ضمـني من هـذا اإلجراء وال
يكلف من أراد الزواج إال مشقـة التنقـل إلى دائـرة بلديـة تكـون فيهـا الشهـادة الطبيـة غيـر إجـباريـة ،هـذا
بطبيعـة األمر إذا لم يكن محظـوظا ويقطـن بدائرة بلديـة تتـوفر فيهـا هـذه الميزة .
هـذه االمكـانية واردة ألن لقرار الصـادر عن السيـد كـاتب الدولـة للداخليـة والسيـد كـاتب
الدولـة للصحـة العمـوميـة المـؤرخ في 23جـوان 1715والمتعلـق بالدوائر البلـدية التي تكـون فيهـا
الشهـادة الطبيـة السـابقـة للزواج إجبـاريـة ،اقتصـر على مجمـوعـة من الدوائـر البلـدية المـوجـودة بتـراب
الجمهـوريـة كلهـا ومـر ذلك انعـدام الشروط الفنيـة آنـذاك(.)1
فمـا هـو مصيـر الرابطـة الزوجيـة بالتالي في غيـاب الكشـف الطـبي ؟
نص الفصـل السـابع من القـانـون عــدد 31لسنـة 1713المـؤرخ في 33نـوفمبر 1713
والمتعلـق بالشهـادة الطبيـة السـابقـة للزواج ،على العقـوبـة التي من الممكـن أن يتعـرض لهـا ضـابط
الحـالة المدنيـة والعـدول الذيـن ال يمتثلـون ألحكـام الفصـل األول من هـذا القـانـون ،المتمثلـة في
وجـوب تسلمهـم من كـال الشخصيـن العـازميـن على الزواج شهـادة طبيـة ال يزيـد تـاريخهـا عن الشهريـن،
وتثبـت أن المعـني باألمـر قـد وقـع فحصـه قصـد الزواج ،وتتمثـل هـذه العقـوبة في خطيـة قدرهـا مـائة
دينـار ،تقررهـا المحكمـة االبتـدائيـة ذات النظـر ترابيـا .
ـــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
( ) 1يسـرى محفـوظ " المعطيـات البيـولجيـة للزواج " رسالـة نيـل شهـادة الدراسـات المعمقـة في القـانـون الخاص
سنـة 1773ص 25
يمـاثـل هـذا الحـل مـا أقـره المشـرع الفرنـسي صلب الفصـل 13م م ف في صورة قيـام ضـابط
الحـالـة المدنيـة بعمليـة إشهـار الزواج دون تسلـم الكشـف الطبي السـابق للزواج األمر ،الذي يعرضـه
إلى دفـع خطيـة ال تتجـاوز المـائتي فرنـك فرنـسي ،تقرهـا المحكمـة االبتـدائية الكبـرى ذات النظـر .
وبالتـالي فإن الزواج المبرم في غيـاب الكشـف الطبي يبقـى صحيحـا ،وال يكـون عرضـة للعقـاب
إال ضـابط الحـالة المدنيـة ،مع اإلشـارة إلى أن الشهـادة الطبيـة في القـانـون التـونسي واجبـة إلبـرام عقـد
الزواج ،بينمـا ال تعتبـر في فرنسـا سـوى وثيقـة تمكـن ضـابط الحـالة المدنيـة من المرور إلى
عمليـة إشهـار الزواج( )1إن انعـدام الجـدوى العمليـة من الكشـف الطبي السـابق للزواج تتعـزز كذلك
بواجـب احترام السـر المهني من قبـل الطبيـب .
(1)-Juris-classeur de droit civil , mariage, fascicule a article 144 a 147 page 6 Guyraynond.
- Pierre voirin article precité N° 322 .
(- )2إسمـاعيـل العيـاري "السر المهني ومسـؤوليـة الطـب" م ق ت مـارس 1711ص . 9
-سميـر أورفلي" ،مـدى المسؤوليـة الجزائيـة والمدنيـة للطبيـب إذا أفشى سرا من أسرار مهنتـه" مجلـة القضـاء والتشريـع
1792عــدد 2ص . 33
-محمـد الصالح بن حسيـن ،المسـؤولية الطبيـة في القـانـون التـونسي م ق ت 1771عـدد 3ص . 19
-هشـام الكسيبي "حقـوق المريض" م ق ت عــدد 1أكتـوبر 1771ص . 131
-التيجـاني عبيـد " ،المسؤوليـة الطبيـة" ق ت ــدد 3مـارس 1717ص . 11
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
وهـذا الفـصل الذي يضع على كـاهل الطبيـب واجـب المحـافظـة على السر المهني إال في الحـاالت
االستثنـائيـة التي ينص عليهـا القـانون كمـا يلزمـه القـانـون .عــدد 31لسنـة 1713بذلـك بصفـة ضمنيـة
وذلك بنـاء عـلىالفصـل األول منـه الـذي يضـع علـى كاهـل الطبيـب تقديـم ":شهـادة طبيـة تثبـت أن
المغنـي باألمـر قـد وقـع فحصـه قصـد الـزواج بـدون أن تذكربهـا إشـارة أخـرى .ويلزمـه الفصـل الثالـث
فقـرة ثانيـة مـن نفـس القانـون ،بأن يطلـع المعنـي باألمـر علـى مالحظاتـه ،ويبيـن لـه مـدى أهميتهـا.
فليـس لـه إذن أن يطلـع الطـرف الثانـي علـى النتائـج التـي توصـل إليهـا.
وقـد إعتبـر فقـه القضـاء الفرنسـي أن الطبيـب ملـزم بإحتـرام السـرالمعنـي وذلـك بنـاء علـى الفصـل
31مـن المجلـة المدنيـة الفرنسيـة .وكـل إفشـاء لسـر المهنـة يعـرض صاحبـه للعقوبـات المنصـوص عليهـا
صلب الفصـل 391من المجلـة الجنـائيـة الفـرنسيـة (. )1
ولهـذا إلعتبار يكتيس السـر الطبي صبغـة مطلقـة وهـو يهـم النظـام العـام( )2غيـر أن األخـذ
بمبـدأ اإللتـزام بالسـر المهـني للطبيـب كـان محـل اختـالف بيـن الفقهـاء ،فهنـاك من يسـانـد فكـرة
الســر الطبي المطلـق وهنـاك من يقـر بنسبيـة
ـــــــــ
(1) Cour dappel de grenoble 29 mai 1952 note F Givord D 1952 N II page 731 chambre
criminelle 28 mai note M Gulphe D. 1948 page 109 .
( )2إسمـاعيـل العيـاري مرجـع سـابق الذكـر ص . 7
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
253 هـذا المبـدأ ( )1ويسنـد مؤيـدو استحسـان العمـل بمبدأ نسبـة السـر الظني على أن الفصـل
من مجلـة األحـوال الشخصيـة ال يسـانـد في مضمـونـه فكـرة السـر المطلـق إذا ترك للطبيـب الحـريـة في
الوشـايـة بإسقـاط للجنيـن(.)2
كمـا وقـع االستنـاد إلى بعـض النصـوص الخـاصة التي تـوجب على الطبيـب القيـام باإلعـالم،
كاألمـر المؤرخ في 29ديسمـبر 1711والتي تضمـن وجـوب اإلعـالم باألمـراض المعـدية ،واألمر
المؤرخ في 31مـاي 1731المتعلـق بوجـوب اإلعـالم باألمراض التنـاسليـة ،والفصـالن السـادس
والسـابع من القـانـون عــدد 91لسنـة 1772المـؤرخ في 29جـوان 1772المتعلـق باألمراض السـاريـة .
إذ نصـت الفقـرة الثـانيـة من الفصـل السـابع على أن " :التصريـح الذي يتـم بمـوجب أحكام هـذا
القـانـون والنصـوص المتخـذة لتطبيقـه ال يعتبـر إخـالال بـواجـب إحتـرام السـر المهـن"ي وهـو يضـع على
كـاهل الطبيـب واجـب إعـالم السلـط الصحيـة بإكتشـاف مرض من األمراض السـاريـة (. )3
لكـن الفصـل السـابع من هـذا القـانـون ولئـن يلـزم الطبيـب بإعـالم السلـط الصحيـة حيـن تفطنـه
ألحـد األمراض السـاريـة ،وذلـك بنـاء على الفقـرة الثـالثـة منـه ،فإنـه ال يمكنـه من إعـالم األطـراف التي
يمكـن أن يشكـل المـرض ،خطـورتـه على حيـاتهـا ،بحقيقـة صحـة المريـض .فاإلعـالم يجـب أن يكـون
بواسطـة مكتـوب سري للسلـط الصحيـة دون غيرهـا فإذا مـا تفطـن الطبيـب مثـال إلى إصـابـة المقـدم
على الزواج بأحـد األمـراض السـاريـة فإنـه يبـقى مكبـال بواجـب إحتـرام السـر المهني .
ـــــــــ
()1محمـد صـالح بن حسيـن مرجـع سـابق الذكـر ص . 17
()2الفقـرة الثـانيـة من الفصـل 253من المجلـة الجنـائيـة .
()3إسمـاعيـل العيـاري مرجـع سـابق الذكـر ص . 23
فال يمكنـه إعـالم الطرف الثـاني بذلـك .إذ يكتـفي هـذا القـانـون بمعـاقبـة " كـل من سـعوا
عمـدا من خـالل سلـوكهـم إلى انتقـال المرض المصـابيـن به إلى أشخـاص آخـرين " وذلك وفقـا للفـقرة
الثـانيـة من الفصل 11من هـذا القـانـون .ويسـانـد األستـاذ إسمـاعيـل العيـاري ( )1فكرة إفشـاء سر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
المرض في الحـالة التي يشكـل فيهـا المريـض خـطر على الغيـر ويستبعـد في هـذه الحـالة عقـاب
الطبيـب إذ يبـرر موقفـه بحـالـة الغرورة التي يكـون فيهـا اإلنسـان مضطـر إلى التضحيـة بالمصلحـة األقـل
قيمـة ( وفي هـذه الحـالة هـي مصلحـة القريـن المريـض ) للحفـاظ على المصلحـة األكثـر قيمـة ( وفي
هـذه الحـالة تتمثل هـذه المصلحـة في مصلحـة القريـن المعـافى واألبنـاء المنتظريـن ) .
وقـد تفطـن المشـرع األنقليـزي ( )2لهـذه الثغـرة إذ حـددت الجمعيـة الطبيـة البريطـانية في كتـابهـا
آداب المهنـة الطبيـة سنـة 1713الظروف التي يجـوز فيهـا إفشـاء السـر ومن هـذه الظـروف أن يكـون
هـذا اإلفشـاء نـزوال علـى ضروريـات إجتمـاعيـة مثـل التبليـغ باألمـراض المعديـة فلـم يقـع تحديـد األطراف
التي سيقـع إعـالمهـا بحقيقـة الحـالة الصحيـة للـمريـض وذلك خـالفـا إلى مـا ذهـب إليـه المشـرع
التـونسي وبعـض التشـاريع العـربيـة األخـرى (. )3
بعـد أن بينـنا قصـور الكشـف الطبي السـابق للزواج من التثبـت من الصحـة البدنيـة للشخص
المقدم على الزواج ،فهل أن بقيـة الشروط ستمكننـا من التأكـد من سالمـة المقـدم على الزواج وخلـوه
من األمراض الحائلة دون تحقيق أهـداف عقـد الزواج ؟
ـــــــــ
( )1إسمـاعيـل العيـاري ،مرجـع سـابق الذكـر في . 25 ، 23 ، 23
)B.M.A tho hand book ofmedical Ethico 1980 B M A (2
publications
وردت ببحـث سميـر األورفلي مرجـع سامـق الذكـر ص 31و . 32
( )3المـادة 1من القـانـون رقـم 25لسنـة 1711المنظـم لمهمـة الطـب في الكـويت يحـدد الحـاالت التي يجـوز فيها إفشـاء السـر
تنص على " :يجـوز إفشـاء السـر ...إذا كـان اإلفشـاء يقصد منه منع حـدوث جريمـة ويكـون االفشـاء مقصـورا على الجهـة
الرسميـة المختصـة ".
رغـم أهميـة الجـانب الجنسية في العـالقـة الزوجيـة ،فإن المشرع التـونسي لم يعـطي لهـذا
الجـانب إال قسطـا ضئيـال من التنظيـم القـانـوني وهـذا ال يعكـس إطـالقـا قيمـة النـاحيـة البيـولـوجيـة في
إطـار الزواج .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
وهـو مـوقف مخـالف تمـامـا لمـوقف الفقهـاء المسلمـون الذين أحـاطـوا هـذا الجـانب بالتحليـل والتنظيـم
بمـا يتـالئم وقيمتـه الحقيقيـة في عـالقـة الزوجيـن وقـد انعكـس ذلك اإلهمـال على التثبـت من الصحـة
النجسـية للمقدميـن على الزواج.
وأمـام األهميـة التي تكتسيهـا الصحـة النجسـيـة للزوجيـن لقيـام العـالقـة الزوجيـن على أسـس سليمـة فإن
وجـب البحـث من خـالل بعـض النصـوص القـانـونيـة الخـاصـة بالشـروط البيـولـوجيـة للزواج ،عـن تأثيـر
المـرض عـن تلـك الشـروط وخـاصـة فيمـا تعلـق منهـا بالجـانب الجنسي الذي يعـد حسـب البعـض
معيارا لتعريـف عقـد الزواج إذ يؤثـر المـرض على القـدرة الجنسيـة لزوج المستقبـل ( أوال) خـاصة إذا مـا
إنتفـى شرط التبـايـن في الجنـس (ثانيـا) على أنـه يمكـن تفـادي جميـع تلـك الصعـوبـات متـى تـم إشتراط
السـالمـة البدنيـة لقريـن المستقبـل بصفـة صريحـة صلب شرط خـاص بالعقـد (ثالثا) .
-1المـرض والقـدرة الجنسيـة :
يؤثـر المرض على القـدرة الجنسيـة للزوجيـن ذلك أن العجـز الجنـسي مثـال بوصفـه عيبـا
فيزيـولـوجـا ،من شأنـه أن يخـل بحـق كـل طرف من أطراف العقـد في ممـارسـة حيـاته الجنسيـة في
نطاق شرعـي أي الزواج ليحقق في األخيـر تـوازنـه النفـسي .فاإلتصـال الجنـسي هـو الزم طبيعي لعقـد
الزواج ،وهـو يعـد هـدفا من األهـداف المرجوة عنـد إبرام عقـد الزواج إذ يعـد الزواج اإلطار الشـرعي
إلشبـاع الغـريزة الجنسيـة لدى الزوجيـن ،وبمـا أن اإلتصـال الجنـسي يعد هـدفا من أهـداف الزواج فإن
سـالمـة القريـن من كـل مـا يمكـن أن يحـول دون تحقيـق هـذا الهـدف تعـد شرطـا من الشروط الجـوهريـة
الفيزيـولـوجية للزواج .
فنجـاح العـالقـة الزوجيـة يتـوقف على تـوفـر عـدة عنـاصر جـوهريـة نذكـر من أهمهـا نجـاح العـالقـة
الجنسيـة التي ال تتحقـق إال بانتفـاء كـل مـا من شأنـه أن يحـول دون إشبـاع الغريزة الجنسيـة عنـد
الزوجيـن ( . )1إذ أن عقـد الزواج يرتكـز على أمـر طبيـعي وحتمي وهـو العـالقـة الجنسية (. )2
ويعتبـر الفقـه اإلسـالمي أن أهـم الحقـوق المشتركـة بين الزوجيـن هـو حـق استمتـاع كل واحـد
منهمـا باآلخـر ،وذلـك بنـاء على مـا جـاء في سـورة المؤمنيـن " الذيـن هـم لفروجهـم حـافظـون إال على
أزواجهـم أو مـا ملكـت أيمـانهـم فإنهـم غيـر ملـومون" ( . )3وهـذا الحـق في االتصـال الجنسي لكل من
الزوجيـن أقـره الفقهـاء المسلمـون ( . )3ورغـم أن المشرع لتـونسي لم يعرف الزواج ولم يبيـن مكـانة
اإلتصـال الجنـسي في إطـاره فإنـه مـرر مـوقفـه بطريقـة غيـر مبـاشرة وذلك بنـاء على مـا جـاء بالفصـل 23
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
من م أ ش ذلك أن هـذا الفصـل ،نص على أن كـال من الزوجيـن مطـالب بالقيـام بواجبـاته الزوجيـة وفق
مـا يقتضيـه العـرف والعـادة ،والعـرف والعـادة يقتضيـان أن يكـون كل طرف محمـوال على رضـاته
باإلتصـال الجنسي عنـد إبـرامه لعقـد الزواج .
وقد اعتبـرت محكمـة التعقيـب في قرار لهـا بتـاريخ 23جـانفي " : 1773إنـه من المسلـم به
فقهـا وواقعـا وتشريعـا أن من أبرز مقزمـات الزواج والواجبـات المتبـادلـة بين الزوجيـن تحقيـق االتصـال
بينهمـا دون مـوانع إختيـاريـة وال خلقيـة تحـول دونـه باعتبـاره الغـايـة المقصـودة من الزواج المرتبــة النتـائـج
المؤملـة منـه
ـــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
بعـد أن بينـا أهميـة ودور اإلتصـال الجنسي في قيـام العـالقـة الزوجيـة والذي يفتـرض تمتـع كل
من الطرفين بصحتـه الجسديـة فإنـه في المقـابل يمكـن اإلخـالل بهـذا الواجـب إلصـابة أحـد الزوجيـن
بمرض يحـول دون تحقيـق الغـايـة المقصـودة من عقـد الزواج وهـي االتصـال الجنسي(ب) لذا سيقـع
البحـث في األمراض التي بوجـودهـا ينعـدم اإلتصـال الجنـسي ،لكن قبـل ذلك وجـب التثبـت من قدرة
المقـدم على الزواج على الوطىء من خـالل بلـوغ السن القـانـونيـة للزواج (أ).
ـــــــــ
()1قرار تعقيبي مدني عـدد 23217مؤرخ في 23جـانفي 1773نشريـة محكمـة التعقيـب ص . 137
()2قرار تعقيـبي مدني عـدد 11215مؤرخ 11نـوفمبر 1711م ق ت ش عــدد 1جـوان 1711ص . 39
()3محمـد الشريف ،مرجـع سابق الذكر ص . 53
(G. Marty et P . Raynaud. Droit civil tome I, N° 587 page 784 )3
( )5يسرى محفـوظ مرجـع سـابق الذكـر ص . 31
()1يسرى محفـوظ مرجـع سـابق الذكر ص . 91
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ولئـن كـانت حريـة الزواج مضمـونة ،فهـي منظمـة طبق شروط قـانـونيـة راعـت في ذلك الوقـت
حريـة األفراد ،وإستقرار األسرة ،ومصلحـة المجتمـع بأسره من النـواحي النفسيـة والصحيـة والثقـافيـة
واإلقتصـادية .وعلى هـذا األسـاس حـددت حريـة الزواج بسـن قـانونيـة دنيا بالنسبـة للذكـر 23عـاما
واألنثـى 19عـاما ال يجـوز إبرام زواج قبـل بلـوغهـا إال بإذن قضـائي .
ـــــــــ
( )1إنضمـم تـونس لهذه اإلتفـاقيـة بمقتضـى القـانون عـدد 31لسنـة 1719المؤرخ في 21نـوفمبـر 1719المتعلـق بإنخـراط
البـالد ال تـونسيـة في إتفـاقيـة نيـويـورك الدوليـة في شأن وضعية المرأة ( الرائـد الرسمي للجمهـورية التـونسيـة الصـادر في -13-21
نـوفمبر 1719ولقـد نشرت هـذه االتفـاقية بمقتضـى األمر عــدد 113لسنـة 1711المؤرخ في 33مـاي 1711وذلك بالرائد
الرسمي للجمهـورية التـونسيـة الصـادر في 13-39مـاي . 1711
فعـند صـدور مجلـة األحـوال الشخصيـة في 13أوت 1751كـانت السـن الدنيـا المعـروفـة للزواج هـي
السـن المقـدرة من الشـرع للبلـوغ الطبيـعي .إذ نص الفصـل 5من م أ ش في صياغتـه األولى على أنـه
":يقدر سن البلـوغ بالنسبـة للمرأة بتمـام الخـامسـة عـشرة وللرجـل بتمـام الثـامنـة عشـرة وتزوج أحـدهمـا
دون السن المقـررة يتوقـف على إذن خـاص من الحـاكم وذلك بعـد ثبـوت البلـوغ الطبيـعي ".
وإثـر ذلك وألسبـاب اقتصـاديـة واجتمـاعيـة مختلفـة تمثـل خـاصـة خـاصة في إرادة إنجـاح
سيـاسة التنظيـم العـائلي وتأخيـر سن اإلنجـاب قصـد الضغـط على االستهـالك لضمـان تـوازن اإلقتصـاد
،وتمكيـن الفتـاة من مـواصلـة دراستهـا إلى مراحـل عليـا حتى تندمـج في الحيـاة اإلقتصـادية صدر
قـانـون 21أفريـل 1713الذي رفع في السن الدنيـا للزواج من 15عـامـا إلى 19عـاما بالنسبـة للفتـاة ،
ومن 11عـاما إلى 23سنـة بالنسبـة للفتيـان مع اإلستغنـاء على مفهـوم " البلـوغ الطبيـعي " وتعويضـه
بسـن قـانـونيـة محـددة تقوم قرينـة بسيطـة على تـوفر شروط البلـوغ الطبيعي الذي لم يصبح ثبوته شرطـا
مبدئيـا وصريحـا للحصـول على اإلذن بالزواج كمـا كـان عليـه الحـال قبل التنقيـح األخيـر .
لكن ولئـن ألغـى تنقيـح 21أفريـل 1713شرط ثبـوت البلـوغ الطبيعي اإلذن بالزواج فإن
المحـاكم ظلت تطلب شهـادة طبيـة تفيـد البلـوغ الطبيـعي وتأكـد قدرة القـاصر من المترشحيـن للزواج
عـادة الفتـاة على القيـام بالواجبـات الزوجيـة خـاصـة في معنـاهـا الجنسي .
وتأسيسـا على ذلك فلئـن كـان اإلذن بالزواج جـائز دون السن القـانـونية فهـو غير ممكـن دون
تـوفر شرط ثبـوت البلـوغ الطبيعي والتثبـت من قدرة الفتـاة القـاصرة على الوطـىء .وفي هـذا التوجـه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
القـاضي الذي بـات تقليديـا ،حمـاية واضحـة لألطفـال من الزيجـات السـابقـة ألوانهـا الطبيعـي ،
الفيزيـولوجي والنفسي واإلجتمـاعي وبالتـالي تكريس لمصلحـة الطفـل الفضـلي .
وفي عـدد من القـوانين العربيـة يتعرض المشرعـون صراحـة لضرورة تثبـت القـاضي من حصـول
البلـوغ الطبيعي ،من ذلـك أن التشريـع السـوري تعرض بالمـادة 11من قـانـون األحـوال الشخصيـة
لهـذه المسألـة حيث نـص على أنـه :
-1إذا إدعـى المراهـق البلـوغ بعـد إكمـاله الخـامسة عشرة أو المراهقـة بعـد إكمـالهـا الثـالثـة عشرة وطلبـا
الزواج ،يأذن به القـاضي إذا تبيـن له صـدق دعواهمـا واحتمـال جسميهمـا .
-2إذا كـان الولي هـو األب أو الجـد أشترطت موافقتـه .وجـاء في هـذا الخصـوص في شرح أحـد
رجـال القـانـون ( المحـامي األستـاذ نجـاة قصـاب حسن ،المواطـن والقانـون ،قـانـون األحوال
الشخصيـة ،مع شرح قـانوني وإنسـاني كـامل ،ص 35أن " من إدعيـا البلـوغ بعـد إكمـال الخـامسـة
عشـرة للخـاطب والثـالث عشرة للمخطوبـة ،فيمثـالن أمـام القـاضي الذي يرى من وضعهمـا الظاهـر إن
كـانا بلغ درجـة من قوة الجسـم فيحتمـالن معهـا أعبـاء الزواج ويستجـوبهمـا كذلك عـن بلـوغهمـا مبلغ
الرجـال والنساء ،فإن تبيـن صدق دعواهمـا أذن بالزواج إستثنـاء " .ومـا لذلـك إال لتأكيـد أهميـة
الجـانب الفيزيـولوجي الجنسي في الزواج فالتثبـت من بلـوغ السـن القـانـونيـة للزواج مـا هـو في الحقيقـة
إال تأكـد من قدرة الزوجيـن الجنسيـة في حـد ذاتهـا ذلك أن البلـوغ الطبيعي للزواج وتبوت قدرة الزوجـة
على الوطـىء يعدان قرينـة على سـالمتهـا الجنسيـة غيـر أنـه وفي المقـابل ال يحـدد المشرع التـونسي
سنـا أقـصى للزواج ذلك أن الكبر ال يعـد مرضـا ولكنـه يحد من القـدرة الجنسيـة للقـرين ولربمـا يقـضي
عليهـا .
فمتـى بلغ كل من طرفي العقـد السن القـانـوني للزواج والذي يعد من جـانبهمـا قرينـة على
نضحهمـا الجنس ،فإنـه يمكـن أن يطرئ على تلـك المقدـرة الجسديـة بعض األمراض التي تأثـر فيمـا
بعـد على النشـاط الجنسي للزوج أو الزوجـة على حـد السـوى .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
إن األمراض التي تصيـب القريـن والتي تحـول دون اإلتصـال الجنـسي يمكـن أن تكـون نـاتجـة
عن إصـابتـه بمرض يؤثـر على قـدرتـه الجنسيـة (وال) كمـا يمكـن أن ال تكـون هـذه األمراض ذات تأثيـر
على القـدرة الجنسيـة للقريـن ومـع ذلـك فإنها تحـول دون تحقيـق اإلتصـال الجنسي (ثانيـا) .
* األمراض المؤثـرة على القـدرة الجنسيـة :
يمثـل عجـز الزوج عن قيـامـه بوضيفـته الجنسيـة إحـدى المشـاكل الحـادة التي من المحتمـل أن
تـواجـه الرابطـة الزوجيـة وتقـف حـاجزا أمـام استمرارهـا نظـرا لمـا يحدثـه الفراغ الجنسي من آثـار سلبيـة
في حيـاة الزوجين ،باعتبـار أن هـذه األخيرة تتطلب إنسجـاما روحيـا وجسـديا لضمـان تواصلهـا ،
وغيـاب أحـد هذيـن العنصريـن يحدث إختـالل بيـنـا في توازن عـالقـة الزوجيـن .األمر الذي يجعـل من
الفشـل أقـرب الفرضيـات لعـالقـة ممـاثلـة (. )1
هـذا العجـز الجنـسي يعـني حسـب أهـل اإلختصـاص إنعـدام القـدرة على اإلتصـال الجنسي
لدى الرجـل لعـدم تمكنـه من تحقيـق اإلنتصـاب ،أو لتمكينـه من ذلـك دون القـدرة على المحـافظـة
عليـه ،بالرغـم من وجـود كل الظروف المـوضوعيـة إلثـارة الشهـوة الجنسيـة لديـه (. )2
وإنطـالقـا من هـذا التعريـف يتحتـم علينـا عـدم الخلـط بين العجـز الجنسي والحـاالت القريبـة
منـه كالعقـم ،بإعتبـار أن العقـم قـادر على تحقيـق اإلنتصـاب واإليـالج في المهبـل والقـذف وبلـوغ
الهـزة ،لكن الذي يميـزه هـو عـدم القـدرة على اإلنجـاب .
ـــــــــ
( )1يسرى محفـوظ المرجـع السـابق الذكـر الصفحـة . 11
(-» Nouveau larousse medical «Librairie larousse-Paris edition 1987 page 521 )2
)- "Linpuissance" J Rolle et G . vantheemoche cahier medical 27-05-1980 (1621-1626
كذلـك يجـب التمييـز بيـن البـرود الجنسي لدى المرأة والعجـز الجنـسي لدى الرجـل بإعتبـار أن
األول يعـني قدرة المرأة على القيـام باإلتصال جنسي ،دون إبداء رغبـة في القيـام بذلـك لعدم
إحسـاسهـا باللـذة الجنسيـة في حيـن أن حـالة العجـز الجنسي تنفي هـذه القـدرة على اإلتصـال
الجنسي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
وتختلـف أسـباب هـذا العيـب الفيزيـولوجي حسـب األشخـاص والضروف الصحيـة والنفسـانيـة ،
واإلجتمـاعيـة المحيطـة بهـم ويمكـن تجميـع هـذه في نـوعيـن أولهمـا راجـع إلى أسبـاب نفسـانية بحتـة
وثـانيهمـا مرده خلل ببدن المعني باألمـر (. )1
فبالنسبـة للعجـز الجنسي النـاجم عن أسبـاب نفسـانية فإنـه يتميـز بقـدرة صـاحبـه البيولـوجية
على الوطء ،لكن الحواجـز النفسـانية التي تعيـش بداخلـه تمنعـه من تحقيـق اإلنتصـاب وتحقيـق
اإلتصـال ( . )2ويمكـن أن يكـون سبـب عـدم قـدرة الزوج على مضـاجعـة زوجتـه شـعوره بالذنـب
إلرتكـابـه لسفاح القربـى أو إلعتـدائه باإلغتصـاب ...وهـذه التراكمـات تجعـل الزوج يصطـدم بتذكـر
هـذه الوقـائع كلمـا حـاول القيـام بالعمليـة الجنسيـة ( . )3وهـذه الحواجز عـادة مـا تكـون قبـل الزواج .
وإضـافـة إلى ذلـك يمكـن أن تكـون الحواجـز النفسـانيـة الحقـة لقيـام العـالقـة الزوجيـة " كالعجـز
الجنسي " ،والكآبـة التي من شأنهـا أن تقضي على الشهوة الجنسية لدى الزوج ،وينتـج عنها إعـراضـه
عن مضـاجعـة زوجتـه .
أما بالنسبـة للعجـز الجنسي الناتـج عـن خـلل ببدن الزوج ،فهو يتعـلق بحـاالت عـجز طبيـعي
مخلـوق مع الزوج منـذ والدتـه ،كأن يـولد بدون قضيـب أو كأن يكـون قضيبـه غـايـة في الصغـر ينتـج
عنـه عـجزه على حزق الفرج ،وهـو مـا يسمـى بالقضيـب المجهـري ،أو كأن يـولد بقضيبيـن وهـو مـا
يعبـر عنـه طبيـا بالقضيـب المزدوج .
ـــــــــ
( -)1محمـد الحبيب الشريف مرجع سـابق الذكـر ص 51
-Nouveau larousse medical, Librairie larousse , Paris édition 1987. Page 521.
( -)2يسري محفـوظ المرجـع السابق الذكر الصفحـة 12
( -)3إمبل خليل بيديـس مرجع سـابق الذكـر ص 37ومـا بعد .
وإضـافـة إلى هـذا العجـز الطبيعي هنـالـك حـاالت أخـرى تطرأ على الرجـل سواء كـان ذلـك قبـل
أو بعـد الزواج كأن يقطـع قضيبـه نتيجـة حـادث ،أو عمليـة جراحيـة ،أو يتعـرض إلى إشعـاع خـارجي
المصدر كأشعـة إيكس المستعملـة لعـالج بعـض األمراض .
إذن وبنـاء على ذلك فإن العجـز الجنسي يمكـن أن يصيـب الرجـل قبـل بنـاء العـالقـة الزوجيـة
كمـا يمكـن أن يطرأ على الرجـل بعـد ذلك .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
وقد إهتـم الفقهـاء المسلمـون بتحديد صـور العجـز الجنسي ،إذ جـاء بالئحـة األحكـام
الشرعيـة أن العجـز الجنسي للزوج يعتبـر من عيـوب النكـاح .فقـد نص الفصـل 27مـالكي على أن
العيـوب الخـاصة بالرجـل هـي :الحب والعنـة والخصـاء واإلعتـراض ،وهـي كلهـا عيـوب جنسيـة
تخنلف دوامـا وخطـورة وتثبـت بعد معـاينـة الشهـود أو أهـل الخبرة من الذكـور (. )1
وقد ذهب الفقهـاء المسلمـون في إجتهـادهـم إلى حـد تعريـف تلك العيـوب .فالجب هـو قطـع
عضو التناسـل ويسمى مجبـوبـا والمجبـوب عند الحنفية والمالكيـة هو من قطع ذكـره كلـه أو بصفـة مع
بقـاء مـا ال يمكـن الوطء به وهـو مخـل باإلستمتـاع وهـو المقصـود من النكـاح ،والعنة هـي عجـز
الرجـل على الوصـول إلى النسـاء ويسمـى عنينـا ،ألن ذكـره يستـرخي فيعن يمينـا وشمـاال وال يقصـد
للمـآتي من المرأة ،وهـو عنـد الحنفيـة والشـافعيـة والحنـابلـة عـدم القـدرة على الوطء لعـدم إنتشـار الذكـر
لمـانع ،كمـرض أو ضعف في خلقتـه ،وهـو عنـد المـالكيـة صغـر الذكر بحيث ال يسمح باإليالج ،
ويطلـق المـالكية على العنـة السـابق بيـانهـا اإلعتراض .
أمـا الخصـاء فهـو من سلمـت خصيـاه وبقـي ذكـره حسب الشـافعيـة والحنـابلـة ،أما المـالكيـة
فيرون أن الخصي هـو من قطـع ذكره دون أنثيـه ومن كـان بهـذه الصفـة يسمـى محبـوبا عنـد الشافعيـة
والحنـابلـة .
ـــــــــ
( -)1الفصـل 31من الئحـة األحكـام الشرعيـة .
وهـي كلهـا عيـوب دائمـة ال يرجي منهـا شفـاء ألنهـا تتمثـل في نقص خلقي وخـلل تكويني
فـادحيـن على خـالف اإلعتـراض وهـو يتمثـل في عـدم قدرة الذكـر على االنتصـاب واإلنتشـار ويعتبره
الفقهـاء عيبـا وقتيـا يمكـن برؤه ( .)1ولقـد جـاء "بالتحفـة " الشهيرة للقـاضي بن عـاصم األندلسي في
هـذا الشأن قـوله :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
وإضـافـة إلى هـذه العيـوب التي تصيـب الرجـل وتؤثـر على قدرتـه الجنسيـة في اإلتصـال فإن
الفقهـاء المسلمـون يقسمـون العيـوب التي تصيـب الزوجة في قدرتهـا الجنسيـة إلى عـدة أنواع فهـي
الرتق ضـد الفتـق والرتـق إلحـام لفتـق وإصـالحه والمرأة الرتقـاء هـي التي تـالحم الشفـران منهـا وتالحقـا
حتى ال يكـون الذكـر يجـوز فرحهـا لشدة إنضمامهـا وإنسداد الفرج بلحم بحيـث ال يمكـن معهـا
الجمـاع .
أمـا القـرن فهـو نتـوء في الرحـم تمنـع من الجمـاع وهـو عضـم غـالبـا .
واالخصـاء وهـو إنحـزاق مـا بيـن السبيليـن القبـل والدبـر .
ـــــــــ
والعفـل وهـو رطوبـة تمنـع الرجـل من لذة الجمـاع ،وأخيـرا بخـر الفرج وهـي رائحـة منتنـة تخرج من الفـرج
(. )1
وإن كـان العلـم يؤيد مـا ذهـب إليهـا الفقهـاء من أن هـذه العيـوب تعـد من قبيـل الخـلل
الجنسي الدائم وقد يكـون سببـه حلقيـا أو وراثيـا أو نـاتجـا عن حـادث أو عمليـة جراحيـة فإن هنـاك
أمراض جنسيـة أخرى لكنهـا غير مؤثـرة على القـدرة الجنسيـة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ـــــــــ
()1عبد الرحمـان الجزيري الفقـه على المذاهـب األربـعة ،مرجـع سـابق الذكر من 113و . 173
()2ساسي بن حليمة تعليق على قرار مدني تعقيبي عدد 1131بتاريخ 29جوان 1773قضاء وتشريع ص .131
كمـا نصت المـادة 33من قـانون األسرة العراقي في فقرتـه األولى "إذا وجـدت الزوجـة زوجهـا
عنينا مبتلي بما يمنع البناء بهـا فلها أن تطلب إلى المحكمـة التفريـق ".
وقـد قسـم الفقهـاء المسلمـون األمراض المنجـرة من اإلتصـال إلى قسميـن ،األول
تتعلـق بالعيـوب التي يرجـى برؤهـا ،وقسـم ثـان متعلـق بالعيـوب التي ال يرجـى برؤهـا وقد وقع
تعريف العيـب بالوصمـة فيقـال عـاب الشئ أي صـار ذا عيب ومنـه قوله تعـالى " وأردت أن
أعيبهـا " سورة الكهـف آيـة 17أي أجعلها ذات عيب وجمـع أعيـاب وعيـوب والعيـب هـو
النقصـان البدني أو العقلي في أحـد الزوجيـن الذي يجعـل الحيـاة الزوجيـة غيـر مثمـرة وقلقـة ال
استمرار فيهـا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
وهذه العيـوب وإن لم تكـن ذات مسـاس بالقـدرة الجنسيـة للقريـن ،إال أنهـا تنفـر من
اإلتصـال الجنسي ،كالجذام ،والبرص ،والجنـون وهـي أمراض يخشى انتقـالهـا إلى الذريـة لذا
يجـوز اإلمتنـاع عـن اإلتصـال بوجـودهـا (. )1
فأمـا الجنـون فهـو نقصـان العقـل ،وأما الجـذام فهـو علة يحمـر منهـا العضو ثـم يسود ثم
يتقطع ويتنـاثر ويتصور ذلك في كـل عضـو لكنـه في الوجـه أغلب .
وأمـا البرص فهـو بياض شديد يظهـر بالجلـد على شكـل بقع ويمكن التثبت من خطورة تلك
األمراض من خـالل تأثيرها الالحـق لعقد الزواج ذلك أن الموانع الجنسيـة ال يمكن الكشف
عنها إال بعد إبرام عقـد الزواج .وأما بالنسبـة للعيـوب التي يرجى برؤهـا يمكـن للطرف المتضرر
منهـا أن يتوقـف عن االتصـال بقرينـة أو يمتنـع عن االتصـال به ،إذا وجـده عنينـا مبتـلي بعـد
العقـد على أن يلتـزم بإمهـال الطرف المريض مدة من الزمـن يحـددهـا القـاضي لعلـه يبرأ ممـا
أصـابـه من مرض .
ـــــــــ
وافتضـاضها .لكن من الممكـن أن يكـون عـدم إفتضـاض البكـارة نـاتج عـن صـالبة غيـر عـادية
وهـو أمر نـادر لكنـه يحدث في بعـض األحيـان ،ويؤدي إلى ضرورة إجـراء عمليـة جراحيـة على
المرأة لكي يمكـن إقتضـاض بكـارتهـا كمـا يمكـن أن نتصـور أن الزوجـة مصـابة في أرحـامهـا ،
وفي هـذه الصـورة يصبـح إحجـام الزوج عن اإلتصـال الجنسي بزوجتـه مبررا إذ أن ذلك المـرض
من شأنـه أن يقضي على الجذوة الجنسيـة التي تكـون عـادة مـوجودة عنـد الرجـل فضـال عمـا
ينتـاب الزوج من خـوف من أن يصـاب بعلـة من جراء ذلك اإلتصـال .
وبالقيـاس على هـذا القرار فإنـه يمكـن أن نعتـبر أن كـال من الزوجيـن مطالب بإحترام واجـب
اإلتصـال الجنسي مـا لم يثبت سببـا مشروع يمنعـه من ذلك .
ـــــــــ
( )1قرار مدني عـدد 1131بتـاريخ 29جـوان 1773المجلة التـونسية للقـانـون 1771ص 17
فهـذا السب المشروعي الذي تطرقـت له محكمـة اإلستئنـاف بسـوسة يجعـل عمليـة اإلتصـال
الجنسي غيـر ممكـن ،يمكـن أن يـوجد عنـد إبرام العقـد وقبـل الدخـول ،كـا يمكـن أن يطرأ
والحـال أن العـالقـة الزوجيـة قـائمـة وهـو عنـد إبرام العقـد وقبـل البنـاء سيكـون سببـا يجبـر رفـض
اإلتصـال في حيـن أنـه سيكـون سببــا
يجبـر التوقـف عن اإلتصـال إذا وجـد إثـر قيـام العـالقـة الزوجيـة (. )1
ثانيــا :األمراض المنتقلـة عبـر اإلتصـال الجنـسي :هـذه األمراض تبقى مجهـولة من طرف
المجتمـع والمرض الوحيـد المنتقـل عبـر اإلتصـال الجنـسي الذي يعرفـه الجميـع ويخشـاه هـو
مرض السيـدا (. )2
والسـؤال المطـروح يتعلـق بمعرفـة مـا إذا كـان من حـق الطرف السليـم التـوقف عن اإلتصـال بقرينـة
لتفـادي العـدوى ،أم أنـه ملزم به؟ وإال أعتبـر مخـال بواجـب من واجبـاته الزوجيـة.
يمكـن هنـا الرجـوع إلى القرار اإلستئنـافي الصـادر عن محكمـة اإلستئنـاف بسـوسة بتـاريخ 29
جـوان 1773الذي يبيـح للزوج التفصي من القيـام بواجبـه في اإلتصـال بزوجتـه إذا وجد سبب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
مشروع يمنعـه من ذلك وقد عبـر األستـاذ سـاسي بن حليمـة أن هـذا السبب المشروع يمكـن أن
يكـون نـاتجـا عن مرض
الزوجـة والخوف الذي يمكـن أن ينتـاب الزوج من أن يصـاب بعلـة من جراء ذلك اإلتصـال وهـذا
السبب المشروع كمـا يمكـن أن يكـون لصالـح الزوج يمكـن أن يكـون لصالح الزوجـة التي ترفـض
اإلتصـال جنسيـا بزوجهـا خـوفـا من العدوى .
ــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
كمـا يحرم من الرضـاع مـا يحرم من النسب والمصـاهرة ويقـدر الطفـل الرضيـع خـاصة
دون إخـوة وأخـواته ولـدا للمرضـة وزوجا لهـا وال يمنـع الرضـاع من النكـاح إال إذا حصـل في
الحـوليـن األوليـن .
مـا يالحـظ أن صيغـة هـذه اافصـول ولئـن كـانت صيغـة يغلـب عليهـا الطابـع الفقـهي
المستمـد أسـاسا من الفقـه اإلسـالمي ،فإنهـا في مضمـونهـا تتمـاشى ومـا تـوصـل إليـه العلـم اليـوم
والطـب خـاصة ممـا ينجـر عـن زواج األقـارب من أمراض بالنسبـة ألبنـاء المستقبـل لمـا لهذه
المواضيع من مقـاصـد علميـة ومعـاني صحيـة عميقـة .
لذا يترتـب عن إبرام زيجـات مثل هـذا البطـالن وهـي نصوص تهـم النضـام العـام ال يمكـن
لألطراف اإلتفـاق على خـالفهـا .
فالموانـع التي تـم التحـدث عنهـا صلب تلك الفصـول لهـا مسحـة دينيـة ومبنيـة على
إعتبـارات نفسـانيـة واجتمـاعيـة هـامة كمـا لهـا كذلك إعتـبارات صحيـة ألبنـاء المستقبـل .ذلك
أن نمـوذج الشهـادة الطبيـة السـابقـة للزواج والتي بهـا قـانـون 3نـوفمبر 1713تحتـوي على
فحـوصـات متعلقـة بالدم وبفصيلتـه حتى يتـم التثبـت من التوافـق تلك الفصـائل من عـدمهـا .
كمـا أن نص ذلك النمـوذج على أن الطبيـب يقـدم نصـائح تتعلـق بالعوامـل الوراثيـة
بحكـم صلـة القـرابـة وقد وضع الفصـل 15م أ ش مبدأ مطلق بالنسبـة لمـانع الزواج فإذا مـا أبرم
عقـد زواج بالرغـم من وجـود هذا المـانع فإنـه باطل ،وال يمكـن بأي صـورة من الصـور التحصيـل
على الترخيـص خـالفـا لمـا يـوجـد في بعـض التشـاريع من إمكـانية الترخيـص إلبرام عقـد زواج بيـن
الخـال وإبنـة أختـه أو العم وإبنـة أخيـه فبالنسبـة للقـانـون التـونسي ال وجـود ألي ترخيـص وعلى
فرض أن مثـل هـذا الزواج يبرم فإنـه باطـل غيـر أنـه ينتـج بعض األثـار من بينهـا إثبـات نسب
القرابـي .
وهـو مـا يبيـن حرص المشرع على تـالف زيجـات األقـارب ومـا تنتـجه من آثـار على صحـة
أبنـاء المستقبـل فيولد البعـض منهـم بعـاهـات قد يصعـب أو يستحيـل عـالجهـا نتيجـة لتـالقـح بين
نـوعيـن من الفصـائل الدمويـة التي ال تنسجم فيمـا بينهـا ،وهـي ظـاهرة جـد منتشرة في األوساط
الريفيـة خـاصـة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
وفي إطـار السـالمـة الجنسيـة للزوجيـن وجـب التثبـت باإلضـافـة إلى القـدرة الجنسيـة للزوجين من
توفـر شرط حتمي في غيـابه ال يمكـن الحديـث عن قيـام رابطـة زوجيـة ،أال وهـو تباين
المترشحيـن للزواج في الجنـس .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
واجـب اإلستمـاع إلى تصريـح كل من المترشحيـن للزواج بأنهمـا يرغبـان في الحيـاة مع بعضهمـا كزوج
وزوجـة .
ــــــــ
( -)1القـانـون الدانمـاركي الصـادر في 21مـاي . 1717
هـذا الشرط الضمني يستمـد جذوره أسـاسا من طبيعـة الحيـاة البشريـة التي تضمـن تواصلهـا
عبـر التنـاسل الحـاصل بيـن الذكـور واإلنـاث والحيـاد عن هـذه القـاعـدة الطبيعيـة يؤدي حتمـا إلى
طمـس الطبيعـة البشريـة التي تقتضـي أن يكـون التجـاذب الطبيعي حـاصـال بيـن الرجـل والمرأة إذ أن
تـواصل النـوع البشـري ال يتحقـق إال باحتـرام هـذه القـاعدة البـديهيـة وكل تصـرف مخـالف لهـذا القـانـون
الطبيعي يعتبـر شـاذا ويتحتـم صـده (. )1
هذا مـا يفسـر الموقـف الرافض للديـانـات السمـاويـة إزاء كل سلوك بشري شـاذ يبحـث عن
إيجـاد شرعيـة لعـالقـات جنسيـة بيـن أشخـاص من نفس الجنس .وأكبـر تجسيـم لهـذا الرفـض نجـده
عبـر قصـة " لـوط " عليـه السـالم الواردة في القرآن ( )2والتي تتحـدث عـن قـوم يأتـون الذكـور ويعـرضـون
عـن اإلنـاث وأمـام تعنتهـم وتشبثهـم بهـذا التصرف المشيـن أنـزل اللـه عليهـم أقسـى العـذاب وأهلكهـم
ليجعلهـم عبرة لمـن تحدثهـم أنفسهـم بالنسـج علـى منوالهـم مؤكـدا بذلـك أن التبايـن فـي الجنـس شـرط
يجب توفـره لقيـام الروابـط الزوجيـة ومخالفتـه تعـرض مرتكبيهـا إلـى أشـد العـذاب .
اإلشكـال الـذي يطـرح نفسـه فـي هذا اإلطـار يتعلـق بأشخـاص يصعـب إن لم نقل يستحيل تحديد
جنسهـم ،أو أن أجهزتهـم التناسليـة هذه ال تمكـن من التعرف إن كانوا ينتمـون إلـىجنـس اإلنـاث أو
الذكـور فهـل يحـق لهـؤالء األشخـاص الـزواج دون خـرق شـرط التبايـن فـي الجنـس ؟
إن الرجـوع إلـى النصـوص القانونيـة سـواء فـي تونـس أو فـي فرنسـا اليعيننـا فـي شيء بإعتبـار
عـدم تعرضهـم إلـى هـذه الصـورة ،عكـس الموقـف الـذي إتخـذه الفقـه اإلسالمـي ،هـذا اآلخيـر يمنـع
زواج الخنثـي المشكـل وهـو
ـــــــــ
( -)1مذكـرة يسـرى محفـوظ المعطيـات البيـولوجيـة للزواج :ص 39ومـا بعدهـا .
( -)2أحمـد بهجت – أنبياء الله – مطـابع الشرق بيروت – القاهرة الطبعـة الحـاديـة عشر ص 131ومـا بعدهـا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
الشخـص الـذي لـم يستبـن أمـره فـال هـو رجـل والهـو أنثـى ( )1وبنـاء علـى هـذا الحـل ،فإن
الفقـه اإلسالمـي يعتبـر غمـوض الجنـس مماثـال لإلنتمـاء إلـى نفـس الجنـس األمـر الـذي يستوجـب
منـع مثـل هـذه الزيجـات ويكـون بذلـك قـد إتبـع حـال يكـرس النظريـة الواقعيـة للـزواج ،الـذي يعتبـره
رابطـة روحيـة وجسديـة .
خالفـا لفقـه القضـاء التونسـي الـذي لـم يسبـق أن أتيحت لـه الفرصـة لإلجابـة علـى هـذا السـؤال فـإن
فقـه القضـاء الفرنسـي حـدد موقفـه مـن هـذه المسألـة فـي فتـرة أولـى وبالتحديـد قبـل سنـة .)2( 1733
آنـذاك كـان يعتبـر أن إنعـدام الجهـاز التناسلـي أو إستحالـة تحديـده ،همـا صورتـان مترادفتـان لصـورة
اإلنتمـاء إلـى نفـس الجنـس ويقفـان حاجـزا أمـام إبـرام عقـد الـزواج .لكـن وبمناسبـة قـرار أصـدرتـه
محكمـة التعقيـب الفرنسيـة فـي 1أفريـل )3( 1733تراجعـت تمامـا فـي موقفهـا السابـق ،وإعتبـرت أن
إنعـدام الجهـاز التناسلـي أو ضعفـه أو إختاللـه اليمنـع مـن الـزواج إذا كانت المظـاهـر الخارجيـة المثبتـة
إلختـالف الجنـس كالشعـروالثدييـن والصـوت متوفـرة .وهـو موقـف يكـرس تجـذر النظـرة المثاليـة فـي
القضـاء الفرنسـي الـذي يعتبـر أن الرابطـة الزوجيـة ترتكـز أساسـا علـى الجانـب الروحـي والمانـع مـن
قيامهـا فـي غيـاب الجانـب البيولـوجي بإعتبـاره عنصـرا ثانويـا فـي حيـاة الزوجيـن .وفي غيـاب نـص
قـانوني يمكننا اإلستنـاد إليـه أو فقـه قضـاء تـونسي متعلـق بهـذه المسألـة نعتقـد مبدئيـاأن صـورة إنعـدام
الجهـازالتنـاسلي أو استحـالة التعرف عليـه ،هي صـورة مرادفـة لإلنتمـاء إلى نفس الجنـس نظـرا
إلستحـالة الوقـوف على ذكـورة المعنـى باألمراض من أنـوثتـه .األمر الذي يجعـل التحقـق من التبـايـن في
جنـس .
ـــــــــ
( " -)1أحكام الزواج والطالق في اإلسالم " بدران أبو العنين بدران -دار المعـارف – الطبعة الثالثـة 1713ص . 231
(Nisse 29 Novembre 1869 D p 1972 -)2
)Cass civ 6 avril 1903 D p 1904 I p page 395 concl -Boudoin- (3
الزوجيـن مستحيال وقيام رابطـة من هـذا النـوع تعتبر تصرفـا خـارق لقـانون األسرة .
غيـر أن الشعـور باإلنتمـاء إلى الجنـس اآلخـر قـد يدفـع البعـض إلى تغييـر جنسهـم .فهل يعـد
كذلك شرط التبـاين في الجنـس غير متـوفر في صـورة إبرامهـم لعقـد زواج ؟
عرف المجتمـع البشري منـذ بدايـة الوجـود ظـاهرة شـاذة تتمثـل في شعـور بعـض األشخـاص
بانتمـائهـم إلى الجنـس المعـاكس بالرغـم من اكتسـابهـم لكـل مقـوماتهـم البيـولوجية والتنـاسليـة .هذا مـا
يفسـر شعـور الرجـل منهـم بأنـه امرأة محبـوسـة في جسـم رجـل ،وشعـور المرأة بأنهـا رجـل محبـوس في
جسـم إمرأة ،األمر الذي يولـد فيهـم كرها شديد لجنسهـم الظاهـري ويزرع في نفـوسهـم شعـورا بالظلـم
يعتقـدون أن الطبيعـة سلطتـه عليهـم بمنحهـا إيـاهـم جنسـا غريبـا عن جنسهـم الحقيقي الذي يشعـرون
باإلنتمـاء إليـه .لذلـك نجدهـم يبحثـون بكـل الطرق عن الوسيلـة المؤديـة إلى إصـالح هـذا الخطأ
الطبيعي مرورا بالمـواد الهرمونيـة إلى حـد اللجـوء إلى الجراحـة ،حتى إذا ما باءت محـاولتهـم بالفشل
يلجأ البعض منهم إلى بتـر أعضـائهـم التنـاسليـة أو اإلنتحـار (. )1
()Homo sexualité هـذه الحـالـة يـجب تفريقهـا عـن حـاالت قريبـة كالشـذوذ الجنسي
الذي يتمثـل في الميـل إلى الجنس المماثل وعدم التقيـد بالوظيفـة الجنسيـة الطبيعيـة إلى جـانب
الشذوذ الجنسي الحـاد ( )Trovestimeوالذي يصـل أصحـابه إلى إبـداء رغبـة شديدة في الظهـور
بمظهـر الجنس المعـاكس لما يحبـونـه في هـذا التصـرف من لذة وارتيـاح .لكن وفي كلتـا الحـالتيـن ال
()2
يشعـر هـؤالء باإلنتمـاء إلى الجنـس المعـاكس ،والحـاجة الملحـة إلى إصـالح هـذا الخطأ الطبيعي
.
ـــــــــ
(1) -Le transexualisme : esquisse pour un profil culturel et juridique « lucien
linossier »D. 1981 . I chronique page 139 .
(2) - « Roger Nerson » article precité page 844 .
أمـام تطور العلـم وبالتحديـد اإلكتشـافـات الطبيـة التي شهدتهـا الخمسنيـات والمتعلقـة بإمكـانيـة
تغييـر الجنـس عبـر الجراحـة ،أصبـح العلـم حقيقـة بالنسبـة لمن يشعرون باإلنتمـاء إلى الجنس
المعـاكس .لكن هـذا اإلنعراج الطبي أفرز عـدة صعـوبـات قـانـونية ( مطلب أولى ) لعـل نتـائجهـا تبرز
خـاصة على مستـوى إقـدام الشخـص على إبرام عقـد زواج بعد أن قـام بعمليـة جراحيـة لتغييـر جنسـه
( مطلب ثـاني ) .
المطلــب األول :الصعـوبـات القـانـونية المتعلقـة بجراحـة تغييـر الجنس :
يرفـض أصحـاب الموقف المنـاهض للتغييـر في الجنس إكسـاب العمليـة الجراحيـة المؤديـة إلى
ذلك ،الشرعيـة القـانونيـة لمـا لها من مساس بالنظـام العـام .باإلضـافـة إلى كونهـا عمـال إداريـا يهـدف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
إلى إحـداث تغييـر إصطنـاعي في بدن اإلنسـان يمكـن تـالفيـه عبر العـالج النفسـاني ،الذي يجنـب
صاحبـه القيـام بتصرفـات ال تمكـن في نهـاية المطـاف من التغييـر الحقيقي لجنسـه باعتبـار أن هـذه
العمليـة الجراحيـة ال تـؤدي إال إلى إكسـاب المظـاهر المرفـولـوجيـة للجنس المعـاكس مع اإلبقـاء على
المقـومـات البيـولـوجية والتنـاسليـة للجنـس الذي ينتمي إليـه منـذ والدتـه .ويكـون بذلـك هـذا السلـوك
خـارقـا للمبـادئ القـانـونية التي ال تسمـح بالتصـرف في بدن اإلنسـان والتعـدي على حرمتـه إآل في
حـاالت إستثنـائيـة مشروعـة كالعمليـات الجراحيـة التي تهـدف إلى عـالج المريض وتخليصـه من الداء
الملم به ،وال يقـع اإللتجـاء إلى المس من بدنـه والتنقيـص منـه إال لغـاية الحفـاظ على حياتـه .وبنـاء
على مـا تقدـم يرى أصحـاب هـذا الرأي وجـوب تسليـط عقـاب قـانـوني على كـل من تجري عليـه عمليـة
من هـذا النـوع ،وعلى كل طبيـب يوافـق على القيام بإجرائهـا ،طبقـا للنصـوص الجزائيـة التي تمنـع
()1
الحصي والضرب والجرح عمـدا .
ـــــــــ
(1) –« Jacqueline petit » etude précitée page 274 .
في الطرف المقـابل يرى أصحـاب الرأي المعـاكس أن السمـاح بإجراء عمليـة تغييـر الجنس
يهـدف أسـاسا إلى عالج أصحـاب الشعـور باإلنتمـاء إلى الجنـس المعـاكس إذ أن العـالج الهرمـوني
والنفسـاني ال يمكـن إعتمـاده إال في فترة مـا قبـل البلـوغ الطبيعي للمعني باألمـر .بعد ذلك يصبـح
إجراء العمليـة الجراحيـة أمر متأكـد ،ألنـه الخـلل الوحيـد الذي يجنـب هـؤالء اللجـوء إلى بتر أعضائهـم
التنـاسليـة أو اإلنتحـار ،والقـول بأن التغييـر إرادي ومصنـع ال يستقيـم بإعتبـار أن الشعـور الذي يتملـك
هؤالء األشخاص أقـوى من كـل إرادة معـاكسة .وبالتـالي يكمـن الحـل األسلـم في تمكينهـم قـانـونـا من
القيـام بهـذا النـوع من الجراحـة (. )1
وهـذا التضـارب في األراء أفرز في مستـوى الحلول الوضعيـة موقفيـن :األول يتمثل في
السمـاح بإجراء هـذه العمليـة وتنظيم شروطهـا عبر تدخـل المشرع صراحـة وأول من بادر بإتخـاذ هـذا
الموقـف هـو المشرع السويدي وذلك في 21أفريل . 1792
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
أما الموقف الثـاني فهو مخـالف لهـذا التدخل الصريح ويتمثـل في إلتـزام الصمـت من طرف
التشـاريع ،والسبب في ذلك راجـع إما لرفضهـا السمـاح بهـذا النـوع من العمليـات الجراحية أو
لخشيتهـا من تفشي هـذه الظاهرة التي من المحتمـل أن يتسبب فيـه السمـاح القـانـوني بذلك ويبقـى
األمر موكـوال إلى القضـاة الذين ال يرون في هـذا النـوع من العمليـات خرقـا للقـانون إذا إقتنعـوا بأن
غـايتهـا العـالج ال غيـر ،أمـا إذا كـان إقتنـاعهـم مغـاير لذلك ،فإنهـم يبدون رفضهـم إزاء العمليـات
الجراحيـة إستنـاد إلى مخـالفتهـا للنصـوص الجزائيـة .
لم يتعرض فقه القضـاء التـونسي إلى هـذا النوع من القضـايا ،وعلى فرض أن ذلك يحصـل
يومـا مـا فإن موقـف قضـائنـا ستحـدده قنـاعـاتهـم الحـاصلة حول هـذه الظـاهرة فإن اعتبـروا أن إجراء
عمليـة لتغييـر الجنـس يهدف أسـاسا إلى عـالج صـاحبهـا فسيكـون موقفهـم بالقبـول بهذا التصـرف ،
أما في صـورة رفضهـم ذلـك
ـــــــــ
(1) - «Jacqueline petit » etude précitée page 275 .
فمن الممكـن أن يقـع عقـاب تصرف كهذا على أسـاس الفصـل 221م ج المتعلـق بالحصي نظرا
لغياب نص صريح يتعلـق بصـورة تغييـر الجنس ،وباعتبـار أن عمليـة تغييـر الجنـس تحتـم خصي
صاحبهـا هـذا وتجـدر اإلشـارة إلى أن فقـه القضـاء المصري قبـل اإلعتـراف بشرعيـة عمليـة جراحيـة
أجريـت سنـة 1711على رجـل تحـول على إثرهـا من ذكـر إلى أنثـى وذلك بالنظـر إلى الغـاية الشفـائية
التي ترمي إليهـا هـذه العمليـة (. )1
المطلـب الثــاني :تأثيـر تغييـر الجنـس على إبرام عقـد الزواج :
يعتبـر الزواج إحـدى المطامـح التي يصبو إليهـا أصحـاب الشعـور باإلنتمـاء إلى الجنس
المعـاكس بعـد قيـامهـم بتغييـر جنسهـم بواسطـة الجراحـة وهنـاك صـورتـان .
الصـورة األولى :تتعلـق بشخـص قـام بعمليـة جراحيـة أدت إلى تغييـر جنسـه دون أن تشفع بتغييـر في
الحـالة المدنيـة ،فهـل يمكـن لهذا األخيـر إن كـان تحـوله من ذكر إلى أنثـى مثـال أن يبرم عقـد زواج
مع رجـل باعتبـار تباينهمـا الظاهـري في الجنـس ؟ اإلجـابة بالنفي نظـرا إلنتمـائهمـا القـانـوني إلى نفس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
الجنس أي جنس الذكـور وهذا مـا يجب على ضابط الحـالة المدنيـة أو العدليـن المكلفيـن بإبرام
الزواج التثبـت منه عند تحريـر عقـد الزواج .لكن وفي غيـاب هـذه اإلمكانيـة هـل يجـوز لهـذا الشخـص
الذي تحـول إلى أنثى أن يبرم عقد زواج مع إمرأة أخـرى على الرغـم من إنتمـائهمـا الظـاهري إلى نفـس
الجنس ؟
نعتقـد أن ذلك ممكـنـا قـانونا باعتبـار إنتمـائهمـا القـانوني إلى جنس متبايـن منـصوص عليه
صراحـة برسم والدتهمـا وعلى ضابط الحـالة المدنيـة في هـاته الصـورة إبرام عقـد الزواج بالرغـم من غرابـة
هـذه الرابطـة .
ـــــــــ
)1( « Transsexualité et justice islamique » Djey Nab Hane
jeune Afrique N 1502 , 16 Octobre 1989 Page 21 .
إن جملة هـذه الصعـوبات التي من الممكـن أن يطرحهـا المعطي البيـولوجي المتمثـل في شرط
التبايـن في الجنـس والتحقق من القـدرة الجنسيـة للمقـدم على الزواج أو حتى مسألـة الصحـة البدنيـة
لقريـن المستقبـل ،والتي ال يمكـن التعويـل على الفحـص الطبي للتثبـت من سـالمتهـا ،إن جملـة هـذه
الصعـوبات ستدفـع بالمقدم على إبرام عقـد زواجـه عن البحـث عن طريقـة أخرى تكون بمثـابـة الضمـان
في صورة ما إكتشـف بعد إبرام عقـد زواجـه مرض قرينـه وتتمثـل هـذه الطريقـة في أن يشترط صراحـة
في عقـد الزواج سالمـة قرينـه من أي داء .
-3المرض وشـرط الســالمـة :
نص الفصـل 11من مجلـة األحوال الشخصيـة على أنـه " يثبـت خيـار الشرط ويترتـب على
عـدم وجـوده أو على مخـالفتـه إمكـان طلب الفسـخ بالطـالق من غيـر أن يترتـب عـن الفسـخ أي عرم
إذا كـان الطالق قبـل البنـاء " من الواضح أن هـذا الفصـل مستمـد من الفقـه اإلسـالمي الذي أباح
إقتران الزواج بشرط ،وإتفق الفقهـاء على أن الشروط المقترنـة بالعقـد تنقسـم إلى شروط صحيـة
وأخرى غير صحيـة واختلفـوا بعد ذلك في الشرط الصحي الذي يجب الوفـاء به وإال فسـخ العقـد .
وتجـدر اإلشـارة إلى أن المذهـب الحنـفي يعـد أوسع المذاهـب الفقهيـة تيسيـرا في مسألـة الشروط
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ولعلـه يكون مصدر الفصـل 11من مجلة أحوال الشخصيـة ألنه يحقق رغبـات الناس في اإلشتراطـات
العقديـة .
والشرط الصحيح عنـد الحنـابلـة هو "مـا كان فيه منفعـة ألحـد العاقديـن ما لم يكن مخـال بالمقصـود
األصلي من العقـد ،أورد من الشارع نهي عنـه بخصـوصه سـواء كـان موافقا لمـا يقتضيـه العقـد أوال " .
وبالتالي فإن خيار الشرط يمكـن القرين بعد إبرام العقـد والدخـول ،وفي صـورة عـدم توفر
الشرط ،يمكنـه من أن يختـار بين قبولـه الحـالة على مـا هي عليـه والرضـا والسكـوت أو الطـالق لعـدم
تـوفر الشروط .
فهـل يمكـن ألحـد الطرفيـن أن يشترط على اآلخـر شرط سـالمة في العقـد ؟
ال شيء يمنـع أحـد الطرفين من أن يشترط على اآلخـر أن يكون سـالما من األمراض ذو صحة جيدة
ذلك أن هذا الشرط ال يتنـافى مع جوهـر العقـد بل بالعكـس فإن السـالمة البدنيـة هـي من جوهـر
العقـد حتى يقـوم كـل طرف في العقـد بواجبـاته المحمـولة عليـه كواجـب اإلتصـال الجنسي بقرينـه .
فإن إشترطـت الزوجـة مثـال على زوجهـا المستقبلي السـالمة من العيـوب ،في هـذه الحـالة
يصبـح الزوج ملزمـا بأن يعرض نفسـه قبل الزواج على طبيب مختص ليتحقق من سـالمتـه من العجـز
الجنسي .
فهل يمكـن للزوج أن يشترط أن تكـزن زوجتـه عذراء عنـد الدخـول بهـا ؟
وهـل تعـد العذريـة صفة من الصفـات الجوهريـة المنتظـرة عنـد إبرام عقـد الزواج ؟ أم تعـد شرطـا من
شروط السـالمة ؟
إن مجلة األحوال الشخصيـة لم تتعـرض إلى التفريـق بين الثيب والعذراء ،ويتعيـن حينئـذ
الرجـوع إلى الفقـه اإلسـالمي الذي هـو من أهـم المصادر التي استمـدت منهـا المجلـة أحكـامهـا .وقد
أجمـع الفقهـاء المسلمـون على أن البكر هي التي لم يسبـق لها زواج يقطع النظر عن كونهـا الزالـت
عذراء أم أصبحـت ثيبـا ،فمن تزوج ببكـر ولم يشترط عذراء فإنـه ليس له ردهـا إال أن يشترط عذراء
حتى ولو أن العرف يقضي بكون البكـر هـي العذراء ،فالعـذريـة إذن ليسـت شرط صحـة للزوجـة ولكن
من يروم الزواج بعذراء أن يشترط ذلك ،وذلك بناء على الفصـل 11من م أ ش المتعلـق بحيـار
الشرط.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ولقد إعتبـر فقه القضـاء الفرنسي أن فقدان البكـارة على عكـس المرض ال يعـد حـاجزا أمام
القيـام بالواجبـات الزوجيـة وال يمكـن بأنـه حـال أن يمنـع إستمراريـة الحيـاة ازوجيـة .وأنه من غير
المعقـول أن يجعـل الزوج من عذريـة زوجتـه شرطـا جوهريا للزواج في حيـن أنـه ال يثبـت مـا يؤكـد
عذريتـه أي عـدم إتصـاله جنسيـا بأي كـان قبل الزواج .
وبنـاء على التأويل الذي أعطـاه الفقـه الفرنسي للصفـة الجوهريـة ،فإن العذريـة ال يمكـن أن تعـد
صفـة من الصفـات الجـوهرية للزواج ألن غيـاب هـذه الصفـة ال يمنع الشخص من تحقيق اإلتصـال
الجنسي وبالتالي من احتـرام الحقـوق والواجبات النـاشئة عن العالقـة الزوجيـة .
ولقـد كان لفقه القضـاء التونسي نفس الموقف ،ففي حكـم مدني صادر عم المحكمـة
اإلبتدائيـة بقرنبـاليـة بتاريخ 11/12/33الحظـت المحكمـة أن م أ ش لم تتعرض إلى التفريق بين الثيـب
والعـذراء وبذلك يتضـح وأن المشرع قد أهمـل هـذه المسألـة عـن قصـد " ...وحيث يتعيـن حينئـذ
الرجوع إلى الفقـه اإلسـالمي الذي هـو أهـم المصـادر التي استمـدت منهـا م أ ش أحكامهـا .وحيث أن
حقيقـة البكـر في الفقـه اإلسـالمي هي التي لم يسبق منها بزواج بقطـع النظر عن كونهـا عذراء أم ال .
أما العذراء فهي التي الزالـت بخاتم ربهـا وذلك هـو ما إقتضـاه مشهـور مذهـب مـالك إذ قـال ابن
( والزوج حيث لم يجدهـا بكر لم يرجع إال باشتراط عـذراء ). العـاص ،
وحيث ال وجـود بكتب الصداق ألي شرط يفيـد إشتراط العذرية بصفـة صريحـة وبذلـك فإن
وصف ال بكـارة بدون أن يصحبـه أي بيان أو توضيح ال ينهض حجـة كـافية على أن مقصـد الطرفين
من وصف البكـارة هـو بقـاء العذرة .فمن الواضح إذن بأن عبـارة بكر ال تفي بحـاجة من يريـد أن
يشترط عذارة الزوجـة الذي يجـب عليـه أن يبيـن ذلك صراحة ،أو أن يقرن عبـارة بكر بكلمـة " بختم
ربهـا ".هـذا ما بينته محكمـة قرنبـاليـة بالرجوع للفقـه اإلسـالمي .
إضـافة لهذه الشروط البيـولوجية التي من الممكـن للمرض أن يؤثر عليهـا سلبـا وعلى إمكـانية
استمرارهـا فيمـا بعـد ،لعقـد الزواج شروط كذلك نفسـانية تتأثـر بمرض قريـن المستقبـل النفسي والعصبي
.
الفقــرة الثـانيـة :تأثيـر المرض على الشروط النفسـانية للزواج :
يعتبـر الرضـا أهـم عنصـر من العنـاصر الالزمـة لتكوين مؤسسـة الزواج ،فلقـد نص الفصـل
الثـالث من مجلـة أ ش فقرة أولى " :ال ينعقـد الزواج إالّ برضى الزوجيـن " وهـذا المبدأ يعـد من أهـم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
القواعـد المقـررة بالنظريـة العـامة لإللتزام ،ضرورة أن الفصـل الثـاني من مجلـة أ ع ينص على أن " :
أركـان العقد الذي يترتـب عليـه تعمير الذمـة هـي ...ثـانيـا :التصريـح بالرضـا بما ينبني عليـه العقـد
تصريحـا معتبـرا " .وقد جـاء مبدأ وجـود الرضـا في إبرام عقـد الزواج حـدا لما كـان يعرف من الفقـه
اإلسالمي من ممـارسـة حق الجبر والذي بمقتضـاه ":يخول لولي القـاصر أن يجبره على الزواج بالرغـم
من معارضتـه تكريسـا للفكرة السـائدة من أن الولي هـو الذي يعرف مصلحـة القـاصر ويدرك كنههـا
أكثر منه لذلك فمن حقه أن يجبـره على إبرام زواج ال يرتضيـه .وبحذفـه لهذا الحق أصبح في القانون
التونسي الزما إلبرام عقد الزواج ،وجـوب صدور الرضا من كل مترشح للزواج ذكرا كـان أم أنثى قاصـرا
أم راشـدا .لكن المرض يمكن أن يؤثر على هـذا الرضا إذ يمكـن أن يعدمـه تمـاما ( مبحث أول )
كما يمكن أن يعيبـه فقط ( مبحث ثاني ).
المبحـث األول :المرض ووجـود الرضــاء :
يجب أن يكون الرضـا صادر عـن إرادة واعيـة وهـذا من الممكـن أن يطرح إشكاال بالنسبـة
للمجنـون (أوال) والمريض مرض الموت(ثانيـا) وكذلك بالنسبـة لألخرس واألصم (ثالثـا).
-1زواج المجنـون :
ك مـا أسلفنـا القـول فإن الزواج ال ينعقـد إذا لم يصدر الرضا عن طرفي العقـد ويجـب أن يكـون
هـذا الرضـا صادرة عن إدارة واعيـة بكيفيـة تجعـل إقتران اإليجـاب والقبـول ال مطعـن فيـه .غير أنـه من
الممكـن أن يكـون أحـد الطرفيـن أو كليهمـا مصـاب بجنـون فمـا هـو تأثيـر هـذا الجنـون على الزواج ؟
هـل يحق هـذا الشخـص أن يبرم عقـد زواج والحـال وأنـه فـاقد األهليـة ؟
لقـد عرف الفصـل 113م أ ش المجنـون بكـونـه " :الشخـص الذي فقـد عقلـه سواء أكـان
جنـونـه مطبقـا يستغرق جميع أوقاتـه أم تعتـريه فترات يثوب إليـه عقلـه فيهـا " .بالتـالي وحسب هـذا
الفصـل فإن الشخـص يعـد مجنـونا سواء كـان جنـونـه مطبقـا أو حتى نسبيـا ويكـون المجنـون فاقـد
التمييـز فتكـون تصرفـاته غير نـافذة ألن رضاه معدوم ذلك أن الجنـون أنواع إذ يمكـن أن يكون جنـونـا
مطبقـا ومسترسال ،والمصـاب به ال يمكـن أن يصدر عنـه رضـا بالطريقـة السليمـة .كمـا أن رضـاه غيـر
صـادر عن إرادة واعيـة فال يمكـن بالتالي أن يبرم عقـد زواج ،وإذا أبرمـه فإنـه في هـذه الحـالة يعـد
باطــال .
كمـا يمكـن أن يكون الجنـون نسبيـا ،أي يكون الجنـون منقطـع يكـون في بعض األحيان
مجنـونا ويثـوب إليـه رشده في بعـض األحيـان األخرى أي يتخـلل الجنـون فترات يثـوب فيهـا للمريض
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
رشده ويصبـح شخـصا عـاديا ،فإذا صدر عنـه الرضـا خـالل فترة من هـذه الفترات أمكـن إعتبـاره
صحيحـا وسليمـا .وهنـا إنقسـم الفقهـاء لمعرفـة حكـم الزواج الذي يبرمـه هـذا الشخـص في حـالة
يكون فيهـا ذلك الشخـص متمتع بمداركـه العقليـة ،فهنـاك من يرى أن مثـل هـذا الزواج صحيحـا ألن
الرضـا كـان عنـد إبرام العقـد صـادرا عن إرادة واعيـة ،وهنـاك من يعتبـر أن ذلك ال يكفي ألن العبرة
ليسـت فقـط بحـالة الشخـص عنـد إبرامـه لعـقد الزواج إذ أن ذلك العقـد من شأنـه أن يؤسس عـائلـة ،
فإذا كـان هـذا الشخـص غير قـادر على التحمـل بمسؤولياتـه وعلى القيـام بواجبـاتـه فإن مثل هـذا الزواج
يكون محكـوم عليـه بالفشـل ،ويكـون بالتـالي من المتجـه عـدم تمكين ذلك الشخـص من الزواج ،
ذلك أن األمر بالنسبـة لهـم يتعـدى فترة تلك اللحظـة التي وقع التعبير فيهـا عن الرضـا ليمس جوهر
مؤسسـة الزواج التي تفترض وجـوبا تحمـل الزوج لمسؤوليـلته فيهـا .
ولقـد فرقـت محكمـة التعقيـب في إصدار قراراتهـا بيـن الجنـون المطبـق والجنـون النفسي رغـم
أن الشرع التـونسي لم يفرق بيـن الجنـون النفسي والمطبق فكـالهمـا سواء ويعد معهمـا الشخـص
مجنـونا إذ إعتبرت في قرارهـا عـدد 5727الصادر بتاريـخ 1711/12/15أن " الزوجـة ليسـت مصابـة
بجنـون مطبق وإنمـا كـل مـا في األمر هـو إصـابتهـا بمرض عصبي يجعـل أعصـابهـا ال تتحمـل اإلشارة
والغضـب " .
وعلى ذلك فلو كـانت مصابـة بجنـون مطبق ألضحي من حـق الزوج طلب الطـالق ،أما
مرض األعصـاب فترى وإن يشكـل عيبـا فإنـه يسمـح للزوج بالقيـام مع زوجتـه .
وتكـون بذلـك محكمـة التعقيـب متفقـة مع الفقـه اإلسـالمي في حصوص الجنـون كسب
مـوجب للتفريـق بين الزوجيـن إن نص الفصـل 135من قـانون األحوال الشخصيـة السـوري المعتمـد
أسـاسا على الراجـح من المذهـب الحنفي على ما يلي :
"للزوجـة طلب التفريـق بينهـا وبيـن زوجهـا في الحـالتيـن التاليتيـن :
-إذا كـان فيـه إحـدى العـلل المـانعـة من الدخـول بشرط سـالمهـا هـي منهـا
جن الزوج بعـد العقـد "
-إذا ّ
لكنهـا مختلفـة معـه في خصـوص زواج المجنـون في حـد ذاتـه ذلك أن جمهـور الفقهـاء ذهبـو إلى
جوار زواج المجنـون وإلى عـدم إشتراط العقـل لصحـة الزواج فيجـوز للولي أن يزوج المجنـون
والمجنـونة والمعتـوه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
فقال الشافعيـة ،يلزم األب والجـد ومثلهمـا الحـاكم عنـد عدمهـا بتزويـج مجنـون أو مجنـونة
ظهرت حـاجتهـا لذلك أو يتوقـع شفـاؤها بالزواج وقـال المالكيـة للحـاكم أن يجبـر المجنـون على الزواج
إن تعين الزواج طريقـا لعنـايتـه من الزنا والضيـاع (. )1
لكن نالحـظ في المقـابل أن زواج المجنـون كـان دائمـا مقيـدا بظهـور الحـاجة لذلـك أو
بالشفـاء ولعدم الضيـاع وعلقت صحـة الزواج على إذن القـاضي فقـد جـاء بالفصـل 1من القـانـون
السـوري اآلخـذ بالمذهـب الشـافعي أن " :للقـاضي أن يأذن بزواج من به جنـون أو عنـة إذا ثبت
بتقرير طبي أن في زواجـه مصلحـة لـه " .
أمـا في فقـه القضـاء الفرنـسي فقد كثـر الحـديث في أواخـر هـذا القرن عن صحـة زواج
المجنـون( ، )2فمحكمـة التعقيـب الفرنسيـة وخـالفـا لمحكمـة التعقيـب البلجيكيـة أقرت دائمـا بصحـة
زواج المجنـون ذلك أن قـانـون 3جـانفي 1711أخـذ بصفـة صمتيـة صحـة زواج لمجنـون لما مكـن
الصغيـر المميـز من الزواج .
ـــــــــ
(-)1محمـود السرطـاوي " :شرح قـان األحوال الشخصيـة" :ص 73و . 71
(3)- Note ( poncet ) page 61 Dp 1888 (1) – 1887 ) (3ت الفرنسية 7نوفمبر 1119
لكـن وفي المقـابل هنـاك العديد من القرارات التعقيبيـة التي تبنـت بطالن زواج المجنـون على أسـاس
()1
الفصـل 131فرنسي عنمـا يكـون المقـدم على الزواج غير مؤهـل عقليـا على إبرام عقـد الزواج .
ذلك أن القصـور الذهني يجـب أن يضـع الشخـص في حـالة ال تمكنـه من فهـم معنى الزواج وال
الغـايـةمنـه ومـا ذلك إال تأكيد على حريـة الزواج بتوسيـع مجـالـه وتمكين كل شخـص من حقـه في
ـدعم كذلك من خـالل التزوج لكن وفي المقـابل دون اإلضرار بالطرف اآلخر .كمـا أن حرية الزواج تت ّ
تمكيـن المحتضر من الزواج .
-2زواج المريـض مرض المـوت :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
لقد أعفـى الفصل 5في فقرتـه الثانيـة من قـانون 3نـوفمبر 1713المتعلـق بالشهـادة الطبيـة
السابقـة للزواج الشخص المحتضـر من اإلدالء بكشـف طبي .
إن الغـاية من هـذا اإلعفـاء هـي إكسـاب شرعيـة لعـالقـة بيـن رجـل وإمرأة تعـايشـافي إطار مخـادنـة .
ذلك أنـه ال وجـود في القـانـون التونسي ألي نـص صريـح يمنـع هـذه العـالقـة خـاصـة إذا تجـاوز الطرفـان
سـن الرشـد القـانـوني ويكـون المرض مرض مـوت إذا أقعـد صـاحبـه عـن الحركـة وأن يؤدي هـذا المرض
في زمن قريـب إلى الموت وأن يكون هـذا المرض مخيفـا و مرعبـا أي أن يدخـل في نفـس المريض
الشعـور بقرب النهـاية وبالتـالي فإن مرض الموت من شأنـه أن يؤثـر على نفسيـة المقـدم على الزواج أو
أن يعدمهـا .
ففـي التشريع الفرنسي القديم أعتبـر وأن صحـة زواج المريـض مرض الموت مرتبـط بصحـة
وسـالمة رضـاه وهو مـا جعلـه يرفض زواج مريض مرض الموت ,غير أن البعض إعتبـر وأنـه على
عكـس ذلك فإن المشرع لما ربـط صحـة زواج المريض مرض الموت بصحـة وسالمـة رضاه يكـون قد
أقـر بصفـة ضمنيـة بصحـة هـذا الزواج .وقد سـار فقـه القضـاء الفرنـسي في نفـس هـذا المنحـى من
ذلك قرار صـادر عـن محكمـة التعقيـب الفرنسي بتـاريـخ 22جـانفي . 1711
ـــــــــ
cass – cham reunies 21 juins 1892 Dp 1892 (1) p 369 )(1
فقـد أقـرت محكمـة التعقيـب الفرنسيـة أنـه " وحيث أن إتجـاه فقـه القضـاء قديمـا يقـوم على
عـدم معـاقبـة العـالقـات الخنـائيـة بل وتشجيـع العـالقات الشرعية وفي المقابل ترفض زواج مريض مرض
الموت " غير أن التشريع الحديث وفي إطار إكتساب شرعيـة للعـالقـات الخنـائيـة فقد أقـر بصحـة
زواج مريض مرض الموت( )1ذلك أن الفصـل 917من المجلة المدنيـة الفرنسيـة أعفـى الشخـص
المحتضر من اإلدالء بالكشـف الطبي السـابق للزواج ،كمـا أن الفصـل 191أعـطى لرئيس الدولـة
إستنـادا إلى أسبـاب خطيرة اإلذن بإبرام الزواج في صـورة وفاة أحـد الزوجيـن بعـد إتمـامه لكل إجراءات
الزواج الرسمية بما يثبت عزمـه على ذلك وبعد الزواج تأخـذ المفعـول إبتداء من اليوم السابـق لوفاتـه
غير أن الطرف البـاقي على قيـد الحاة ال يتمتـع بأي حق في التركـة .
ولقـد نظـم الفقـه اإلسـالمي زواج مريض مرض الموت وإعتبـر وأنـه " :إذا تزوج الرجـل في مرض
موتـه إمرأة بمهـر يسـاوي مهـر المثـل ،أخذتـه الزوجـة من التركـة بعـد موتـه وإذا كـان المهـر زائدا على
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
مهـر المثـل أخـذت الزيادة حكـم الوصيـة ،والوصيـة تنفـذ في الثلـث من التركـة جبـرا على الورثـة ومـا زاد
عن الثلـث ينفـذ باختيـار الورثـة " .وهـو رأي الحنفيـة .
غير أن المالكيـة إختلفـوا في صحـة زواج المـريض مرض الموت إذ رأى شق أول أنه ال يجـوز
ذلك الزواج ويفسـخ عقد النكـاح مطلقـا سـواء أذن له الوارث أم ال أو سـواء إحتـاج المريض للزواج أم
ال ألن فيـه إدخـال وارث على الورثـة وهـو منهي عنـه .أما الرأي الثـاني فقـال بجوازه إن إحتـاج
المريض لزوجة سـواء أذن الوارث في ذلك أم لم يأذن .وللزوجـة األقـل من المسمى أو مهـر المثـل أو
ثلث التركـة إن جعل دخـول أو مـات الزوج ،وإن لم يجعـل دخـول فسـخ الزواج ،وال شيء للزوجـة
قبل الدخول أو المـوت" .
ـــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
يتولـى ترجمـة اإلشـارات الصـادرة عنـه بكـل أمانـة ويلـزم إمضـاءه فـي العقـد فمتـى تـم اإلهتـداء لتلك
اإلرادة صـح زواج األخـرس األصـم .
وتختلف هـذه الصـورة عـن صـورة تلقـى رضـا الفتـاة فـي العقـد كمـا هـو معمـول بـه فـي التشريـع
اإلسالمـي فاألصـل فـي ذلك هـو قـول النبي صلى الله عليه وسلم"الثيب أحـق بنفسهـا مـن وليهـا
والبكـر تستأذن مـن نفسهـا وإذنهـا صمتهـا" .
وفـي روايـة أبـي هريـرة أن ":التنكـح األيمـة حتـى تستأمـر وال البكـر حتـى تستأذن .قالـوا يـا رسـول الله
كيف إذنهـا ؟ قـال أن تسكت"(. )1
كمـا سلـف أن ذكرنـا فإنـه متى تـم اإلهتـداء إلرادة األخـرس األصـم عقـد قرانـه وصـح عقـد زواجـه .
ـــــــــ
-1عبـد الرحمـان عبـد الخالـق" الـزواج فـي ظـل اإلسـالم" ص . 53
ويتـم عقـد الـزواج بإختيـار الطرفيـن إمـا لـدى ضابـط الحالـة المدنيـة أو إبرامـه لـدى عـدلي إشهـاد
بمحضـر شاهديـن على الـزواج .
وفي خصـوص إبـرام عقـد الـزواج عـن طريـق عدليـن فـإن قانـون عـدد 13لسنـة 1773مـؤرخ فـي 23
مـاي 1773المتعلـق بتنظيـم مهنـة عـدول اإلشهـاد نـص فـي فصلـه 23أنـه " :عالوة على الشـروط
المفروضـة بالفصـل السابـق ،تحريـر عقـود التفويت في المكـاسب المبرمـة مـن طـرف األشخـاص
المصابيـن بعاهـاة كبيـرة كالصـم والبكـم والعمي وماشابـهها مـن العهـات ،بمحضـر شخـص يعينـه رئيـس
المحكمـة اإلبتدائيـة" .فقـد تعـرض هـذا الفصـل إلى كيفيـة تلقـي الرضا مـن قبـل أشخـاص مصابيـن
بعاهـات كبيـرة كالصـم والبكـم والعمي فـي خصـوص عقـود التفويت فـي المكاسب المبرمـة مـن طـرف
هـؤالء األشخـاص وذلك بمحضـرثالث عـن العقـد يعيـن مـن قبـل رئيـس المحكمـة بمقتضـى إذن على
عريضـة وعـادة مايكـون مـن بيـن األشخـاص القادريـن على فهـم مايمكـن أن يصـدر عـن أصحـاب تلك
العاهـات مـن إشـارات يتـم نقلهـا إلى عدلي اإلشهـاد .
ويكـون بذلك المشـرع قـد أحـاط أصحـاب العاهـات بجملـة مـن اإلجـراءات الخاصـة وذلك
ضمانـا لحقوقهـم خاصـة فيمـا يخـص عقـود التفويت في المكاسب والتي مـن شأنهـا أن تضـر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
بمكاسبهـم مثلمـا كـان الحـال بالنسبـة لألمـي الـذي اليحسـن الكتابـة فإلتزامـه اليمضـى حتى يتلقـاه
عـدول أو غيرهـم مـن المأموريـن المأذونيـن فـي ذلك الفصـل 353م اع .
فهـل يمكـن تطبيـق الفصـل 23مـن قانـون عـدد 13لسنـة 1773المـؤرخ فـي 23مـاي 1773
على عقـد الـزواج فـي خصـوص شكليـة إبرامـه إذا كـان أحـد األطـراف أوكليهمـا أخـرس أو أصـم ؟
لقد جاء الفصـل 23صريحـا في خصـوص أنواع العقـود التي تفتـرض توفر شخـص ثـالث المبرمـة بيـن
أصحـاب العـاهات فهـي عقـود التفويـت في المكـاسب وهـي صـورة خـاصة أراد المشرع أن يفردهـا
بشكليـة إضـافيـة وهـي حضـور شخـص ثالث زمـن إبـرام عقـد التفويت لـدى العدليـن ليترجـم مايصـدر
عـن أصحـاب تلك العاهـات مـن إشـارات ،ومادام النـص صريـح وواضـح فإنـه اليمكـن تأويلـه وال
التوسـع فيـه وعلى هـذا االسـاس فـإن هـذا النـص الينطبـق على عقـد الـزواج المبـرم بيـن أصحـاب
العاهـات ،لكـن وفـي المقابـل وفي إطـار توفيـر أكثـر ضمانـات ألصحـاب تلـك العاهـات فـي مـا
يبرمونـه مـن عقـود زواج فإنـه الشـيء يمنـع مـن تطبيـق هـذا النـص على عقـد الـزواج .ذلك أنـه وبمقارنـة
عقـد الـزواج بعقـود التفويت في المكاسب فإن عقـد الـزواج اليقـل خطـورة عـن عقـود التفويت فـي
المكاسب بـل إن عقـد الـزواج يعـد مـن أهـم وأخطـر العقـود التي يبرمهـا األشخـاص في حياتهـم .
إذا مـا أعـدم المـرض فـي بعـض األحيـان الرضـا تمامـا فإنـه فـي بعـض األحيـان مـن شأنـه أن يعيبـه فقط
.
المبحث الثاني :المـرض ونعييب الرضـا :
يجب أن يكـون الرضـا سليمـا أي خـال مـن كـل عيب مـن عيـوب الرضـا .ويتحـدث الفصـل3
م أ ش عـن رضـا الزوجيـن بـدون أن يفسـر خاصيـات هـذا الرضـا ونقصـد هنـا بالـذات خلـو الرضـا مـن
العيـوب فهـل أن ذلك يوجب الرجـوع للقوعد العامـة لعيـوب الرضـا المنصـوص عليهـا بالفصـل 33إلى
1مإع؟
إذا مـا إعتبرنـا أن الـزواج عقـد فإنـه يخضـع مبدئيـا للنظريـة العامـة لعيـوب الرضـا لكـن علينـا أن الننسى
أن الـزواج هـو أكثـر مـن عقـد بمـا أنـه يؤسـس عائلـة فهـو مـن جهـة أخـرى يكتسي صفـة المؤسسـة
لذلك فإن النظريـة العامـة للعقـود التنطبـق في هـذا المجـال بصـورة مطلقـة بـل إن نظريـة البطـالن
للعيـوب التي قـد تـرد على الرضـا تكتسـي بعـض الخصائـص .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
والبـد أن نالحظ أن اإللتجـاء إلى النظريـة العامـة المنصوص عليهـا صلب مجلـة االلتزامات
والعقـود بخصـوص مسألـة الرضـا يحتمـه إحجـام المشرع التـونسي عـن الحديـث تفصيليـا عـن ركن
الـرضـا الواجـب تـوفره لتكويـن مؤسسـة الزواج كمـا ورد بذلك الفصـل الثـالث من أ ش وذلك على
عكـس المشـرع الفرنسي الذي أوجـب في الفصـل 113من المجلـة المدنيـة أن يكـون رضـا الزوجيـن
خـال من العيـوب (. )1
والنظريـة العـامة لعيـوب الرضـا تعتبـر وأنـه من الممكـن إبطال عقـد أبرم تحـت تأثيـر غـش أو
تحيـل أو إكراه أو غلـط عمـال بأحكـام الفصل 33وما بعده من مجلـة أ ع .فأمـا بالنسبـة للعيـب
األول وهـو الغـش أو التحيـل أو التغريـر فإنـه ال يعتمـد كسبب إلبطـال الزواج ألنـه لوحظ أنـه في
األغلبيـة الساحقـة من الصـور يسعـى كل من الطرفيـن في أن يرسـم لنفسـه صيغـات غيـر متـوفرة فيـه
وكثيـرا مـا يكشـف الشخـص أن القريـن الذي تزوجـه يختلـف في واقـع األمر عـن الخـاطب الذي كـان
ينوي اإلقتـران به ولقـد اعتمـد المشـرع الفرنسي منـذ القديـم هـذا الحـل عمـال بقـولة شهيـرة منسـوبـة إلى
بعض الفقهـاء الفرنسييـن
» il trempe qui peut« Loysel
أما اإلكـراه فقد نص عليـه صراحـة الشرع الفرنسي في فصلـه 113صلب فقرتـه األولى ،فمـا
هـوالحـل بالنسبـة للغلط ؟
يمكـن ألحـد الطرفيـن أن يقـع فريسـة للغـلط في الصحـة البدنيـة للطرف اآلخـر (أوال) ،خـاصة
إذا مـا كـان الطرف اآلخـر عـاجز جنسيـا وغيـر قـادر على القيـام بواجبـاته الجنسيـة تجـاه الطرف اآلخـر
(ثانيـا) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ــــــــ ـ
( -)1المفهوم القانوني واإلجتماعي للزواج :محمد رابـح رسالة تخرج من المعهـد األعلى للقضـاء الفوج الثالث السنة - 1771
.1772
هل أن مرض أحـد طرفي عقـد الزواج السابـق إلبرامـه دون علـم الطرف اآلخـر يعـد غلطـا في
صفتـه الجـوهريـة ؟
وفي المقـابل هـل أن صحـة المقبـل على الزواج تعـد صفـة جـوهريـة في إبرام عقـد الزواج ؟
الصفـة الجوهريـة هـي الصفـة الواجـب توفرهـا للتمكـن من إحترام الحقوق والواجبـات المشتركـة بيـن
الزوجيـن (. )1
والفصـل 31م ا ع يؤكـد أن الغلـط في أحـد المتعـاقدين أو في صفتـه ال يكـون موجبـا للفسـخ
إال إذا كـانت ذات المتعـاقد معـه أو صفتـه من األسبـاب المـوجبة للرضـا بالعقـد .وهـو فصـل يثيـر
جملـة من اإلشكـاالت :
-أولهـا أن هـذا الفصـل ال يتعلـق بالزواج بصفـة صريحـة إذ هـو موجـود بـ م ا ع وهـو نـص عـام ينطبـق
مبدئيـا على كـل العقـود وال مـانع من أن ينطبـق على عقـد الزواج على خـالف الفصـل 113م م
الفرنسيـة .
-ثـانيـا يبطـل العقـد لصفـة من صفـات المتعـاقد لكـن ليسـت كل الصيفـات التي حصـل حـولهـا الغلـط
هـي من الممكـن أن تؤدي إلى البطـالن ،فالعبـارة التي استعملهـا المشرع هـي أن هـذه الصفـة يجب
أن تكـون مـوجبـة للرضـا بالعقـد ،أي أنـه لو لم تتوفـر تلك الصفـة مـا كـان للمتعـاقد أن يبرم العقـد .
-ثالثـا ورغمـا عن وجـود هذا النص والذي كـان من الممكـن استعمـاله كأسـاس قانـوني لدعـوى فسـخ
عقـد الزواج فإن المحـاكم التونسيـة لم تنظـر في مثـل هذه الدعـوى ولم تقـل كلمتهـا في الموضـوع .
ـــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
(1) J.P Branlord opcit N° 1081 page 375 « Les qualités essentielles son cellesqui sant
indispensables pour permettre l’accomplissement des droits et devoirs respectifs des épaux » .
لكن من الممكـن (صحيـح) في فقـه القضـاء أن يجـد قـرار تعقيـبي تمـت اإلشـارة فيـه إلى الغلط في
الشخـص بوصفـه سببـا لبطـالن عقـد الزواج ،ولقـد كـانت القضيـة المطروحـة تهـم في الواقـع الطـالق ،
فقـد قـام الزوج بقضيـة في الطـالق للضرر على أسـاس أن زوجتـه مصـابة بمرض األعصـاب ولقـد
عـالجهـا لكن دون أن تشفـى .فقـالت محكمـة التعقيـب " :مرض األعصـاب عنـد الزوجـة مصيبـة
طبيعيـة حلت بالزوج ال تكـون وحدهـا سببـا لطلب الطـالق للضـرر من الزوجـة مع تغريمهـا للزوج
وحرمـانهـا من حضـانة أوالدهـا منـه ولذا فإنالحكـم الصادر بالطـالق للضرر من أجـل ذلك ال يكـون
مرتكـزا على سنـد صحيح ...وبمـا أنه كـان بإمكـان الزوج أن يقـوم بقضيـة في إبطـال عقـد الزواج لو
أثبـت أن المرض كـان موجـودا قبل الزواج دون أن يكـون عالمـا بوجوده وأنـه ما كـان ليتـزوج لو كـان
عـالمـا بالحقيقة " (. )1
وتكـون بذلـك محكمـة التعقيـب قد فتحـت البـاب لقضيـة في البطـالن للغلـط في الشخـص
المرض -وبينـت الشروط التي البد من توفرهـا للتحصيـل على حكـم قـاض بإبطـال الزواج – وجـود
مرض قبل إبرام العقـد – أن يكـون الزوج جـاهـال بوجـود ذلك المرض -فإذا ثبـت أنـه كـان عـالمـا به
فإنـه يعتبـر وكأنـه قد رضي بمـا كـانت عليـه الزوجـة ويجـب كذلك أن يثبـت أن الغلـط مـوجب للرضـا
أي أن يثبـت أنه مـا كـان ليتـزوج لو كـان عـالمـا بأن زوجتـه مريضـة ،وعلى هـذا األسـاس فإن محكمـة
التعقيـب اعتبرت وأن المرض صفـة جـوهريـة تمكـن من طلب بطالن الزواج .
وقد اعتبـر الفقـه الفرنسي أن موضـوع الغلـط قد فقـد أهميتـه بالمقـارنـة مع صفـة هـذا الغلـط ،
أي طبيعتـه الجوهريـة ،فليـس المهـم أن يقـع الغلـط حـول صفـة من صفـات القريـن بل يجـب أن تكـون
هـذه الصفـة جوهـريـة أي منتظـرة عنـد إبـرام العقـد .هـذا ولم يتخـلى فقـه القضـاء الفرنسي عـن النظـرة
المثـاليـة
ـــــــــ
()1قرار محكمـة تعقيـب ق ت مدني صـادر في 15ديسمبر 1711
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
للزواج حيث أنـه يعتـبر الزواج رابطـة روحيـة ال يمثـل الجـانب البيولـوجي سـوى عنصـر ثـانوي .فهـو إذ
يقضي بإبطـال الزواج ال يستنـد على مرض القريـن السـابق للزواج بل على الغلـط الذي يكـون قد وقع
فيـه المدعي الذي لو علـم قبـل الزواج بمرض قرينـه لمـا قبـل بالزواج .
فاألسـاس ليـس المرض في حـد ذاتـه بل األسـاس هـو الغلـط في صفـة من الصفـات الجـوهرية
للقريـن الذي تحصـل الرضـا تجعـل الرضـا معيبـا .
ومهمـا يكـون من أمر فإن األمراض تختلف بحسـب خطـورتهـا وبحسـب تأثيرهـا الالحـق على
الزواج .
-2العجـز الجنسي ومفهـوم الصفـة الجوهـرية :
إن إفراد العجـز الجنسي عن بقيـة األمراض نـابعـا باألسـاس مـن أهميتـه وتأثيـره على عقـد الزواج
،وألن طبيعتـه كمـرض في حـد ذاتـه مختلـف فيهـا .
فإن كـان العجـز الجنـسي للزوج قـد يؤطر بصعـوبة في المعطي البيولـوجي ،فإن مسألـة زواج العـاجزين
جنسيـا تطرح أسـاسـا من زاويـة معطى نفـسي بحت هـو أسـاس تعييـب رضـا الزوجـة التي لم تكـن لتقبـل
اإلرتبـاط بشخص عـاجز جنسيـا ،ويكـون بذلك ذلك الشخـص قد أوقع معاقـده في غلـط .
فإن كانت قضايا اإلبطـال الزواج من أجـل الغلـط في شخـص القرين العـاجز جنسيـا لم تطرح
إلى حـد اآلن أمـام محكمـة التعقيـب التـونسيـة ،فـإن لكن الواقـع القضـائي ال يمنـع من طرح المسألـة
مستقبـال أمـام محـاكمنـا خـاصة وأن فقـه القضـاء الفرنسي زاخـر بمثـل هـذه القضـايا .
وهي أن تعتـبر أن الزوجـة قد وقعـت في غلـط في الذات المـادية للشخـص فاعتقـدت أنهـا
إرتبطـت بزوج سيوفـر لهـا إتصـاالت جنسيـة شرعيـة وإشبـاع غريـزي فإذا بهـا تجـد نفسهـا وكأنهـا
ارتبـطت بأنثى (. )1
ـــــــــ
()1األستـاذ الحبيب الشريف تعليـق على قرار عـدد 11215مرجـع سابق الذكر صفحـة 51
فكيـف نعتبـر وأن العجـز الجنسي للزوج غلطـا في الصفـة الجوهريـة ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
رأى المشرع الفرنسي ضرورة تنقيـح الفصـل 113مدني فرنسي ليجعلـه شـامال إضـافـة للغلـط
في الذات المـاديـة أو الحـالة المدنيـة غلـطا في الصفـات الجـوهريـة للقريـن وذلك سعيـا منـه لتوسيـع
مفهـوم الغلـط في الشخـص إلى غلـط في الصفـات الجـوهريـة (. )1
فاعتبـارا وأن القدرة الجنسيـة للقريـن تعـد من األسبـاب المـوجهـة للرضـا بالعقـد وخصـوصا بأن
األصـل السـالمـة الجنسيـة للزوج واإلستثنـاء تعيبهـا تكـون المقـدمة على الزواج بالتـالي قد ذهب في
ظنهـا على أن من عزمت على اإلرتبـاط به شخصـا سليمـا جنسيـا قـادرا على أن يشبـع رغباتهـا الشرعيـة
.
وبمـا أن العجـز الجنـسي للزوج يشكـل عـائقـا طبيعيـا أمـا قيـام العـالقـة الزوجيـة وال يتصـور لهـذه العـالقـة
وجـودا أو أثـرا فإن المرأة التي إرتبطـت بشخـص غير قـادر على اإلتصـال الجنسي بمـا مستقبـال تكـون
قـد أمضـت العقـد ورضـاها معيـب حيث أنهـا لو علمت بخلـو معاقدهـا من صفـة جوهريـة أسـاسيـة
وهـي قدرتـه الجنسيـة ،لرفضت بمناسبـة التعبيـر عـن الرضى اإلرتبـاط به .فمثلمـا اعتبـرت محكمـة
التعقيـب أن الغلـط الذي يرتكبـه القريـن حـول وجـود مرض لدى قرينـه يبطـل العقـد باعتبـار السـالمـة
الصحيـة صفـة جـوهريـة من صفـات الشخـص فإن العجز الجنسي كذلك من شأنه أن يبـرر قيـام الزوجـة
بطلـب إبطـال عقد الزواج إذا ثبت أنهـا لم تكن تعلـم بالعيب الفيزيولوجي للزوج ولم ترضى به بعـد
الدخـول .
يبـدو في الختـام أنـه ال شيء يمنـع المريض من أن يتزوج لحريـة الزواج في القـانـون التـونسي
رغـم إمكـانيـة تأثيـر المرض على بعـض شروط تكويـن عقـد الزواج وهـو مـا يمكـن معـه أن يضـع صحـة
عقـد الزواج في الميـزان .لكن يمكـن أن ال يصـاب أحـد الزوجيـن بمـرض إال بعـد إبرام العقـد وذلك
لمـا يمكـن أن يعترض عقـد الزواج من عـوارض وأحـداث كالمرض خـالل قيـام العـالقـة الزوجيـة .
ـــــــــ
(1) tciv de Grenoble 13-3/20-11-1958 op cit page 495 note cornu.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
سبـق وأن بينـا وأن ال شيء يمنـع المريض من أن يبـرم عقـد زواج .بل أن هنـاك العديد من
النصـوص القـانـونية تكرس مبدأ حريـة الزواج .وهـو مبدأ ينطبق حتى على المريض .وبالتالي فبإمكـان
الشخـص المريض أن يبـرم عقـد زواجـه بكل حريـة رغـم مـا لهـذا المرض من تأثيـر على قيـام العـالقـة
الزوجيـة .كمـا يمكـن لشخـص معـاف أن يبرم عقـد زواجـه ثـم بعـد ذلك يصـاب بمرض مـا ،وهـو مـا
من شأنـه أن يؤثـر على الحيـاة الزوجيـة حـال قيـامهـا خـاصـة إذا مـا لم يختـر الطرف المعافي التخلي
عن قرينه المريض" بل فضـل البقـاء إلى جـانبـه في محنتـه المرضيـة .
والمـرض خـالل قيـام العـالقة الزوجيـة وإن كـان من شأنـه أن ال يثيـر مشـاكل علـى مستـوى
المحـاكم ،ذلك أنـه متى إرتضـى الشخـص المعـافى البقـاء مع زوجـه المريض وعـدم التخلي عنـه فإنـه
لن يلتـجئ للمحـاكم للمطـالبـة باإلنفصـام عن قرينـه ولكن وبالرغـم من ذلك فإن مرض أحـد الزوجيـن
خـالل قيـام العـالقـة الزوجيـة وفي صـورة عـدم تخلي القريـن المعـافى عن قرينـه المريض من شأنـه أن يثيـر
جملـة من المشـاكل التطبيعيـة سـواء فيمـا يتعلـق بالعـالقـات الشخصيـة بين الزوجيـن ( الفقـرة األولى )
أو في خصـوص العـالقـات المـاليـة ( الفقـرة الثانيـة) .
الفقـرة األولى :تأثيـر المرض على العـالقـات الشخصيـة بيـن الزوجيـن :
إن التحـول الذي يمكـن أن يطرأ على الحيـاة الزوجيـة لمرض أحـد الزوجيـن .يمكـن أن يؤثـر
من النـاحيـة القـانـونية على حقـوق وواجبـات الزوجيـن .فيمكـن أن يؤول األمر إلى التخلي عـن القيـام
بواجبـاتهـم أو ممـارسـة حقوقهـم نتيجـة لتأثيـر المرض ،كمـا يمكـن أن يؤول األمر إلى تغييـر أدوارهـم أو
حتى قلبهـا داخـل األسرة .
فلكـل من الزوجيـن حقوق وواجبـات في نطاق عقـد الزواج تجـاه بعضهمـا ،ومن شأن المـرض
الذي يلم بأحدهمـا أن يعيـق أحـدهمـا على القيـام بواجبـاتـه الشخصيـة والواجبـات الشخصيـة لم يقـع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
33و35و31 تبويبهـا من قبـل المشرع التونسي ،على عكـس المشرع المغربي الذي جمعهـا في المواد
من المدونـة وقسمهـا إلى :واجبـات للزوج تجـاه الزوجـة ،وواجبات للزوجـة تجـاه زوجهـا ،أو
واجبـات خـاصة بكل من الزوجيـن .غير ان المرض ال يمكـن أن يؤثـر على جملـة هـذه الواجبـات بل
البعـض منهـا .
فالمرض يمكـن أن يؤثـر على حـق المساكنـة بيـن الزوجيـن (المبحث األول) والتي لهـا والتي
بالـغ األثـر على مسألـة النسب (المبحث الثاني ) إضافـة إلى تأثيـر المـرض عى حضانـة األبنـاء
(المبحث الثالث ) .
المبحث األول :تأثيـر المـرض على واجب المساكنـة بيـن الزوجيـن :
يعتبـر هـذا الـواجب مـن بيـن الواجبـات المشتركـة بيـن الزوجيـن ومـن أهمهـا .وهـو واجب
جوهـري إن أخـل بـه أحـد الزوجيـن بـدون مبـرر أصبـح األخـر محقا في المطالبـة بالطـالق .وبالفعـل
التكـاد تخلـو القـرارت التي تتعـرض إلى هـذا الواجب ،مـن التأكيـد على أنـه "أبـرز مظـاهر ترابط
الطرفيـن بعقـد الـزواج " و"مـن أوكـد الواجبـات ازوجيـة" بإعتبـارهـا تمثـل الغـرض األساسـي المطلـوب مـن
عقـد الزواج" ( .)1ولعـل أبرز خرق لهـذا الواجـب يتمثـل في " النشـوز "وقد عرفه األستـاذ محمـد
الصالـح العيـاري بكونـه "كل إساءة للزوج" .فلئـن كان كل نشـوز إسـاءة ،فمـا كل إسـاءة بنشـوز ألن
بيـن الحـالتيـن عمـوما وخصـوصا مطلقـا " .
ولذلـك حـدد النشـوز في حـاالت ثـالث :
*-إذا منعـت الزوجـة نفسهـا عن زوجهـا في المضجـع بغيـر إعتـالل ثـابت وبغيـر عذر مقبـول .
*-إذا هجـرت محـل الزوجـة لغيـر سبـب شرعي .
ـــــــــ
(-)1أنظر ق ت مدني عـدد 1115في 1791/35/37ص 79م ق ت 13ص 13مع تعليق نبيلـة مزغني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
*-إذا امتنعـت من مطـاوعـة زوجهـا في السكـن بالمحـل المنـاسب إلمثـالهـا ،إال إذا كـان امتنـاعهـا هـذا
نـاشئـا عن خـوفهـا من اعتداء الزوج أو تضييقـه عليهـا بدون وجـه جري باإلعتبـار ،وكـان لهـذا الخـوف
مبرراتـه الجديـة (. )1
فهـل يمكـن أن نعتبـر أن إمتنـاع الزوجـة أو الزوج من مسـاكنـة قرينـه اآلخر لمرضـه يعـد نشـوزا ؟ وهل
يمكـن التفصي من واجـب المسـاكنـة في صـورة وجـود المرض ؟
يجـب أن نقـوم بدراسـة واجـب المسـاكنـة وتأثـره بالمرض من خـالل تنقيـح 12جويليـة 1773لمجلـة
األحوال الشخصيـة .
فقد كـانت مقتضيـات الفصـل 23م أ ش قبـل تنقيحـه تفرض على الزوجـة وغاية زوجها وطاعتـه في مـا
يأمرهـا به من حقـوق طبق ما يقتضيه العرف والعـادة .لذلك حرصت محكمـة التعقيـب في أكثـر من
قرار على أن تقـرن واجـب المساكنـة المحمـول على الزوجـة بواجـب الطاعـة ( .)2وهذا يعـود لمـا للزوج
من قوامـه على زوجتـه .فهـو الذي يتخـذ القرارات في نطـاق األسرة ويقـوم بتوجيه أفرادهـا ،ولكن منـذ
تنقيـح 12جويليـة 1773بموجـب القـانون عـدد 93لسنـة 1773حذف واجـب الطاعـة من محتـوى
الفصـل 23من م أ ش وجـاءت األحكـام المتعلقـة بحقـوق وواجبـات الزوجيـن متساويـة ،بينهمـا إذا
أصبحـت تنص على مـا يلي " :على كل واحـد من الزوجيـن أن يعامـل اآلخـر بالمعروف ويتجنـب
إلحاق الضرر به ،ويقوم الزوجـان بالواجبات الزوجيـة حسب ما يقتضيـه العرف والعادة ،ويتعـاونـان على
تسيير شؤون األسرة ،وحسن تربيـة األبنـاء .وتصريـف شؤونهـم بما في ذلك التعليـم والسفـر
والمعامـالت الماليـة ".فهـذا التنقيـح منح الزوج رئاسـة العـائلـة وحذف مـا يقـابلـه من طاعـة محمـولـة
على الزوجـة .
ـــــــــــــــــ
(-)1متى تكون الزوجة ناشزا ...فيسقط حقها في النفقة :محمد الصالح العياري جريدة الصباح ليوم 1712/33/23ص . 11
( -)2تعقيـب مدني 9311صادر في مارس 1713ق ق ت قسم مدني 1713ص . 193
وبذلـك تم تغييـر مفهـوم المشـاركة بحذف واجـب الطاعـة المقتـرن به .ذلـك أن اإلخـالل به لم
يعد يتمثـل في مغـادرة الزوجـة لمحـل الزوجيـة بدون مبرر شرعي وبدون إذن الـزوج ،بـل أن مقتضيـات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
الفصـل 23م أ ش الجديـدة تفتـرض حـذف الجـزء الخـاص بإذن الـزوج مـن تعريـف اإلخـالل
بالمساكنـة ،وبذلك يصبـح هـذا الواجب خاضـع لمعيـار موضوعي يتمثـل فـي وجـود أوعـدم وجـود
مبـررشـرعي لعـدم مساكنـة الزوجـة لزوجهـا .
وإذا إعتمدنـا على هـذا الفهـم الجديـد لـواجب المساكنـة فهـل يمكـن أن نعتبر الزوجـة ناشـزا إذا
غـادرت محـل الزوجيـة لتلقي العـالج بأحـد المستشفيـات ؟.
وهنـا تسائلنـا حـول نشـوز الزوجـة بإعتبـار وأن فقـه القضـاء يحمـل هـذا الـواجب على الزوجـة فقط
محافظـا بذلك على مـا ورد فـي الفقـه اإلسـالمي وإعتبـر أن هجـر الـزوج لمحـل الزوجيـة بـدون غايـة
()1
وهـذا مـا اليستقيـم مع التفصي مـن الواجبـات المفروضـة عليـه قانونـا ،غير موجبة للعقاب
المقتضيات الجديدة للفصل .
كمـا يكـون مـن الصعب التوصـل إلى حـل منصف فـي خصـوص إخـالل الزوجـة بـواجب
المساكنـة للعـالج ،خاصـة وأن مغادرتهـا لمحـل الزوجيـة يكـون مبـررا بمرضهـا وخضوعهـا للعـالج سـواء
داخـل أو خـارج البـالد أيـن توجـد وسائـل عـالج ضروريـة .كمـا أنـه تعد مـن جهة أخـرى الزوجـة مخلـة
بواجباتهـا التي ألزمهـا القانـون على وجـوب إحترامتهـا إذا مـا غـادرت محـل الزوجيـة بـدون إذن زوجهـا
وإستقـرت خارجـه .
إال أنـه مـن األسلـم تـرك مثـل هـذه الوضعيـات الواقعيـة لمحـض إجتهـاد محكمـة الموضـوع .
فالنشـوز خطـأ مـن جانب المـرأة إال أن هـذا الخطـأ لـه درجـات وخطئهـا مـن أجـل تلقـي العـالج ،أو
الخـوف مـن إنتقـال المـرض إليهـا عنـد مساكنتهـا لزوجهـا أقـل جسامـة مـن المـرأة التي هجـرت محـل
الزوجيـة ألسبـاب أخـرى .
ـــــــــ
()1تعقيب جـزائي عـدد 11133مـؤرخ 1791/2/23ن م ق ت سنـة ص . 173
أمـا فـي القانـون الفرنسـي ورغـم أن المساكنـة تعـد مـن النظـام العـام فإنـه يمكـن للمساكنـة أن
تنقطـع في صـورة مـرض أحـد الزوجيـن ،سـواء لمصلحـة الـزوج الـذي مـن الممكـن أن يعالـج بأكثـر
عنايـة فـي إحـدى المصحـات وإال عنـد أهلـه وهـو مـا أقرتـه محكمـة التعقيب في قرارها الصادر بتاريـخ
13جـوان . )1( 1751أو لمصلحـة األبنـاء والـزوج المعافى إذا كـان القريـن األخـر مريـض بمـرض
معـدي .وذلك على حـالف اإلتجـاه القضائي الـذي كـان سائـدا والـذي اليقبـل إخـالل أحـد الزوجيـن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
بـواجب المعاشـرة بسب المـرض ولـوكـان معديـا .وهـو اإلتجـاه الـذي عكـس ضـرورة التمسك بـواجب
المساكنـة حتى فـي صـورة وجـود مـرض معـدي إال فـي حالـة وجـود إمكانيـة لمعالجـة الشخـص المريـض
فـي مصحـة مختصـة .
لكـن بعـد تنقيـح قانـون 22ديسمـبر 1732الـذي أعطـى مفهـوم ذاتـي للخطـر البدني أو
النفسـي ،أمكـن التفصي مـن بعـض الواجبـات بيـن الزوجيـن وأصبـح اليـوم مـرض أحـد الزوجيـن يشـرع
للطـرف المعافي إمكانيـة التفصي مـن واجب المساكنـة -سـواد كـان الهـدف مـن ذلك السعـي لعـدم
تدهـور الحالـة الصحيـة للقريـن المعافـى لمـا مـن تأثيـر للعالقـات الجنسيـة على صحتـة ،أو يهـدف
إلى عـدم تعـرض المعـافى للعـدوى إذا كـان المـرض المصـاب بـه قرينـه معدي وقد ذهـب المشرع
الفرنسي إلى أكثر من ذلك بأن ألزم الطرف المريض بالسعي لمعـالجـة مرضـه ال التهـاون في ذلك ،
خـاصة إذا مـا كـان المرض معـدي ،ومؤثـر على العـالقـات الجنسيـة بين الزوجيـن ذلك أن الزوجـان
مطالبـان بالمسـاكنـة والقيـام بعـالقـات حميمة على أن ال تكـون سببا في إصابـه أحـد منهمـا بمرض
نـاتج عن إنتقـاله من الطرف اآلخـر عن طريق العـدوى ،لذلـك وجـب عليهـم االإعتنـاء بصحتهـم
وبصحـة أبنـائهـم مستقبـال حتىال يورثوهم أمراض معديـة .
ـــــــــ
(1)-Paris 10 Juin 1958 D 1958 J 735 note critique voirin .
كمـا تحمـل على القريـن واجبـات ،من أهمهـا بمقتضـى صفتـه كقريـن ينصـح قرينـه المريض
اإلمتثـال للعـالج .كما إعتبـروا أن مسانـدة القريـن المعـافى لقرينـه المريض ،تعـد حق من حقـوق
المريض كزيـارتـه بالمصحـات أو تقبـل شتـم قرينـه أو ضربه إذا مـا كـان مريضـا مرضـا عقليـا .
فواجـب المسانـدة هـذا غير مـوجـود بأي فصل من الفصـول بل يمكـن إستنتـاجه من الفصـل 212من
م م الفرنسية .
فهـل يمكـن أن نجـد صدى لواجـب المسانـدة في القانـون التونسي ؟ يمكـن أن نجـد ذلك
في الفصـل 23من م أ ش الذي ينص على واجـب المعـاملة بالمعروف بين الزوجيـن فهـذا الواجـب
يتسـم بصبغـة أخـالقيـة واضحـة ذلك أنـه يتجـاوز حـدود القـواعـد القـانـونية لييندرج في إطار العـالقـات
العـاطفية واإلنسـانية واألخـالقيـة بين الزوجيـن .كمـا نـص هـذا الفصـل على رعـاية الزوجـة لزوجهـا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ولعـل من أهـم مظـاهر رعـاية الزوجـة لزوجهـا هـو مسانـدته في مرضـه بمـا يدخـل في ذلك من العنـاية
به والقيـام بشؤونـه في ضـل حياة زوجيـةقائمـة على التكـافل والتآزر .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
يمكـن لألب الذي أقـام بأحـد مؤسسـات اإلستشفـاء نتيجـة مرضـه ،أن ينفي نسب إبن زوجتـه
إلبتعـاده عـن محـل الزوجيـة ،وعـدم إقـامتـه به ،وبإثبـاتـه لعـدم حصـول إتصـال بينـه وبين زوجتـه خـالل
فترة الحمـل .
فالفصـل 17م أ ش ينص على أنه " :ال يثبـت النسـب عنـد اإلنكـار لولد زوجتـه ثبـت عـدم التالقي
بينهـا وبين زوجهـا " وهـذه الصـورة جـاءت كذلك بـالئحـة الشيـخ جعيط في تبريرهـا حسب المـذهب
المـالكي ونص عليهـا الفصـل 127م أ ش السـوري " :النسـب ال يثبـت إذا أثبـت األب عـدم التـالقي
بينـه وبين زوجتـه من جراء السجـن ،أو الوجـود في بلـد بعيـد أثنـا مدة الحمـل " .ولقـد إعتمـد نفس
الحـل المشرع المصري صلـب الفصـل 51من المدونـة ،وهـو حـل منطقي ذلك أنـه يبدو من البديهـي
أن ال ينسـب الطفـل إلى الزوج إذا أثبـت عـدم التـالقي بين الزوجيـن أثنـاء المدة القـانـونية للحمـل .
وعـدم التالقي بين الزوجيـن في المكـان نتيجـة لمقـام الزوج بالمستشفي من الصور التي
عرضـت على المحـاكم ،والتي طالب فيهـا الزوج بنفي نسـب مولـود زوجتـه .وهـي صورة من شأنهـا أن
ال تفيـد عـدم إمكـانية التالقي بين الزوجيـن بصـورة مطلقـة .
فالمـكوث بالمستشفى رغمـا عن وجـود أحـد الزوجين بقـاعة عمـومية من الممكـن تصور خلوة بين
الزوجيـن .
وقد زخـر فقه القضـاء الفرنسي بالعديد من هذه الصور .فالمحـاكم الفرنسيـة كـانت قديمـا ال
تقبـل المبدأ في حـد ذاتـه ونعني بذلك التمسـك بعدم المساكنـة لمرض قرينـه ،فواجـب المسـاكنة
يبقى قـائمـا حتى في صـورة ما ألم بالقريـن اآلخـر مرض ولو كـان مرضـا خطيرا ومعديـا ،واإلمكـانيـة
الوحيـدة لإلخـالل بواجـب المسـاكنـة والحـال أن الزوج مريض هي حـالة إصـابة القريـن بجنون مع
إشتراط أن يكـون هـذا الجنون من شأنـه أن يشكـل خطرا على العـائلـة .ثم بعـد ذلك تم التـوسع في
واجـب المساكنـة من قبل فقـه القضـاء وخـاصة بعد صدور قـانون 22سبتمبر 1732وعلى هـذا
األسـاس قبلـت المحـاكم نفي بسبب األب لمولـود زوجتـه لتمسكـه بعـدم إمكـانية التـالقي بينـه وبين
زوجتـه بنسـب مرضـه بشرط أن يؤثـر هـذا المرض على حـالتـه البدنيـة ،وقدرتـه الجنسيـة ،وذلك
بالتمسـك بأحكـام الفصـل 312من المجلـة المدنية الفرنسيـة .في حين أن قضاة األصـل قبلـوا بهـذا
السبـب ،أي صـورة عـدم التالقي لنفي النسـب بموجـب المرض بشرط أن يثبـت األب أن مرضـه قد
نتـج عنـه عـدم القـدرة على اإلنجـاب(. )1
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
وقد تعرضـت المحـاكم التونسيـة إلى عـديد القضـايا التي ترمي إلى نفي نسب المولـود نظرا
لعدم التـالقي بين الزوجيـن ،وقد اعتبرت محكمـة التعقيـب أن النسـب ال يثبـت إذا إتضـح وثبت عـدم
التالقي بين الزوجيـن ( .)2ففي هـذه القضيـة التي تمثلـت وقائعهـا في قيام أخ الزوج بصفته وارثـا له
بقضيـة طالبـا نفي نسب الولـد الذي أنجبتـه زوجـة أخيـه إعتمـادا على مـا كان صرح به ذلك الزوج
بمنـاسبـة قضيـة طـالبا فيهـا بالطـالق من زوجتـه بعـد الدخـول بكونهـا فارقتـه مـدة طويلـة وغـادرت محـل
الزوجيـة دون أن يكون له أبنـاء منهـاوقد عرض المدعي بينـة تفيـد عـدم حصـول التـالقي بين أخيه
المتـوفي وزوجـة المدعي عليـه وذلك طيلـة المدة القـانونيـة الحمـل
ـــــــــ
(1)-Trits civil NONCY 13 FIVRIER 1957 J.C.P 1958
(-)2قرار تعقيبي مدني عـدد 7931بتاريخ 5فيفري 1793ن م ت 1793الجزء األول ص . 153
لكـن حكام األصل أعرضوا عن سمـاع هـذه البينـة فنقضت محكمـة التعقيـب حكمهـم نظرا
لمخـالفته ألحكـام الفصـل 95من مجلـة أ ش .
وقد كـان على محكمـة التعقيـب أن تتعرض إلى الفصـل 17من م أ ش الذي يتعلـق بعدم
التالقي ( . )1كمـا أن إثبـات عدم حصول التـالقي نظرا للبعـد المكـاني بين الزوجيـن ،يمكـن أن يتصـور
إثباتـه كحـالة إقـامة الزوج بالمستشـفى .ومحكمـة التعقيـب تقبـل إثبـات عـدم حصول التـالقي بجميع
وسائـل اإلثبـات .
– 2نفي النسـب لعـدم وجـود إتصـال جنسي بيـن الزوجيـن :
إن القرينـة الفراش التي نص عليهـا الفصـل 11من م أ ش ،ال تعـدو أن تكـون مجرد قرينـة
بسيطـة وغير قاطعـة يمكـن دحضها إذا مـا ثبـت أنهـا ال تعكـس الحقيقـة البيـولـوجية ،المتمثلـة في عـدم
انتساب المولـود للزوج ( . )2وقد أورد المشرع صور نفي النسب بسبب عـدم التالقي بين الزوجيـن
بالفصـل 17من م أ ش .وواضح من خـالل هـذا الفصـل أن المشرع التونسي قد إتبع المذهـب
المالكي الذي يشترط لثبـوت النسب إمكـانية الوطء (.)3
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
كمـا يمكن أن ينفي الزوج كون الولد من صلبـه ،وذلك بالرغـم من إقامـته مع زوجتـه تحـت
سقـف واحد طوال المدة القـانونيـة للعمـل .وعـدم التـالقي ال يعني في هـذه الحالـة البعـد المكـاني بل
هـو يعني البعـد النفساني أو عـدم اتصـال الزوج جنسيـا بزوجتـه في هـذه المدة .
والمشكـل الذي يعترض المدعي في هـذه الحـالة يتمثـل فـي إثبـات عـدم وقـوع هـذا االتصـال
الجنسي أثنـاء المـدة القانـونيـة للحمـل .وهنـا تكمـن الصعوبـة فـي كيفيـة إثبـات عـدم حصـول هـذا
اإلتصـال الجنسي بالرغـم مـن وجـود الزوجيـن فـي مكـان واحـد وإلتقـائهمـا ببعضهمـا .
ـــــــــ
(-)1عبـد الرؤوف بالشيخ مرجع سابق الذكر ص . 31
.315 (-)2األميـن الشابـي :مرجـع سابـق الذكـر صفحـة 13و
(-)3المادة 532فـي تحريـرهـا المالكي مـن الئحـة األحكـام الشرعيـة ،مرجع سابـق الذكـر ص .173
ويمكـن أن يتيسـر ذلك إذا مـا إعتـرفت الزوجـة بعـدم التالقـي جنسيـا بزوجهـا أثنـاء المـدة
القانونيـة للحمـل .هـذا مـا أقـره فقـه القضـاء .ففـي قضيـة عـرضت أمـام محكمـة التعقيب تمثلت
وقائعهـا فـي قيـام المدعـي بقضيـة فـي الطـالق قبـل البنـاء .فصـدر حكـم بذلك .وبعـد إنقضـاء ستـة
أشهـر مـن تـاريخ العقـد وضعت المدعـي عليهـا بنتـا رسمتها بدفاتـر الحالـة المدنيـة منسوبـة لمفارقهـا.
فقـام هـذا األخيـر بدعـوى ترمـي الى نفـي نسب هـذه البنت ،نظـرا لعـدم حصـول الدخـول ،باإلضافـة
إلـى سـوء سلـوك مفارقتـه ،زيـادة علـى تفطنـه لحملهـا فـي شهرهـا الثـالث بمجـرد إبـرام عقـد الـزواج .
فردت الزوجة بأنهـا كـانت قـد عاشرتـه قبـل إنعقـاد النكـاح بينهمـا بأربعـة أشهـر ،وأن تلك البنت ولـدت
لهـا بعـد انقضـاء ستـة أشهـر مـن ذلك العقـد ،وحينئذ فهـي ابنتـه وفقـا لمقتضيـات الفصـل 91مـن
مجلـة األحـوال الشخصيـة .
فـرأت محكمـة البدايـة وجـاهـة هـذا الـرأي وقضت بعـدم سمـاع دعـوى نفـي النسب ولـدى
محكمـة األستئنـاف تأيـد هـذا الحكـم .لكـن محكمـة التعقيب نقضت ذلك القـرار معللـة وجهـة
نظرهـابقولهـا ":وحيـث أن القائـم إستنـد إلـى دليـل مـادي وجوهـري ،وهـو إعتـراف الزوجـة بعـدم التالقـي
بينهـا وبينة جنسيـا مـن تاريـخ العقـد ،إذ العبـرة بالزنـا إن سبـق وقوعـه قبـل العقـد .والمحكمـة لـم
تفحـص هـذا الدليـل ولـم تـرد عليـه شـيء .ولـم تلتفت إليـه .مـع أنـه إن ثبت وكـان لـه أصـل مـن أوراق
القضيـة فإنـه يترتـب عنـه نتائـج مغايـرة ( ".)1كمـا يمكـن أن يتيسـر اثبـات عـدم إلتقـاء الزوجيـن جنسيـا،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
فـي صـورة إثبـات الزوج لعـدم قـدرته علـى القيـام بوظيفتـه الجنسيـة أثنـاء المـدة القانونيـة للحمـل .وهـو
أمـر يسهـل تصـورة نظريـا ،لكـن وعلـى المستـوى التطبيقـي يصعب تصـور أن يقـوم زوج بنفـي نسب
المولـود الـذي أتت بـه زوجيـة بسب عـدم قدرتـه الجنسيـة التي هـي سمـة مـن سمـات الرجولـة لديـه .
ـــــــــ
( )1قرار تعقيب مدني عـدد 7153بتاريخ 27أفريل 1795ن م ت 1795ص 231
وقـد أقـر الفقهـاء المسلمـون إمكانيـة نفي نسب المولـود فـي صـورة عدم قـدرة الـزوج علـى
الوطـئ .فالفصـل 533مـن الئحـة األحكـام الشرعيـة فـي تحريـره علـي المذهبيـن المالكـي والحنفـي
نـص على صورتيـن ينتفـي فيهمـا النسب :أمـا الصـورة األولـى فتتمثـل فـي عـدم قـدرة الـزوج على
االنجـاب نظـرا لصغر سنه إذ اليتصـور منـه وقـاع وال احبـال ،وأمـا الصـورة الثانيـة فتتعلـق يعجـز الـزوج
جنسيـا على االتصـال بزوجيـة (.)1
المشـرع الفرنسـي يقـر بإمكانيـة نفـي نسب المولـود فـي صـورة عجـز الـزوج جنسيـا هـذا
ونـالحظ تطـورا فـي موقـف المشـرع الفرنسـي فـي خصـوص إعتبـار العجـز الجنسـي سببـا يبـرر نفـي
النسب ،ففـي مرحلـة أولـى حـول المشـرع الفرنسـي هـذه الحالـة فـي صـورة العجـز الجنسـي الناتـج عـن
حـادث مـا .لكـن مـا فتـئ المشـرع الفرنسـي أن قبـل طلب نفي النسب بسبب العجـز الجنسـي
الطبيعـي ،وذلك بنـاء على ما جـاء بالفصـل 312جديـد مـن الـم الفرنسية المنقـح بمقتضـى قانـون 3
جانفـي . 1792
والمشكـل الـذي يمكـن أن يعتـرض الـزوج الـذي يقـوم بدعـوى فـي نفـي نسب المولـود الـذي
أنجبتـه زوجيـة لكونـه كـان عاجـزا جنسيـا على االتصــال بزوجيـة أثنـاء المـدة القانونيـة للحمـل ،يتمثـل
في اثبـات هـذا العجـز .فالطـب مـازال عاجـز إلى حـد اليـوم على القطـع بأن شخصـا مـا يعانـي عجـزا
جنسيـا طبيعيـا وأنـه مـا كـان بإستطاعتـه االتصـال جنسيـا بزوجيـة ال أثنـاء المـدة القانونيـة للحمـل وال
أثنـاء أي وقت آخـر .كمـا تكمـن الصعوبـة فـي إثبـات هـذا العجـوز الجنسـي ،بإثبـات أنـه كـان عاجـزا
عـن االتصـال جنسيـا بزوجتـه أثنـاء المـدة القانونيـة للحمـل .
ـــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
(Rinant de Bellefonds trait du droit musulman comparé Tome III N°4456 page 47 )1
نستنتـج بالتالي أن الشرع التونسي مكـن من القيام بدعوى في نفي نسب المولود الذي تنجبـه الزوجـة
نظرا لعدم وجود إتصـال جنسي بيـن الزوجـين أثنـاء المدة القـانونية للحمـل .والفصـول الواردة بالمجلـة
تنطوي على هـذه اإلمكانيـة .والزوج يمكـن أن ينفى نسب المولـود الذي تنجبـه زوجتـه بالرغـم من
إعراضـه عن وجـود اتصـال جنسي بينه وبين زوجتـه أثناء المدة القـانونية للحمـل .
ويمكنـه ذلك لو أدلى بما يثبـت أنـه كان عقيمـا بحيث أنـه ال يستطيـع اإلنجـاب وقد تثـار
بعـض المشـاكل في خصـوص التلقيـح الصنـاعي .ذلك أنه يعـد من األعمـال الطبيـة المستحدثـة التي
تمكـن من تجاوز مشكلـة العقـم لدى الزوجـة والزوج على حـد السـواء فهو آليـة عالجيـة تجرى لعـالج
العقـم غـايتهـا الحد من الخـالفات الزوجيـة إذا كان أحد الزوجيـن عقيمـا .
وتتمثـل هـذه العمليـة في إدخال منى الزوج أو غيره في عضـو تنـاسل المرأة وذلك بدون
اإلتصال الجنسي الطبيعي .وأمام عـدم الوضوح القـانوني بالنسبة لهذه العمليـة فإنـه البد من توفـر
عـدة شروط هـامة أهمـها وجـود عقـد زواج مع وجـود العقـم كحـالة ضرورة للقيـام بهـا .
فاشتراط العـالقة الزوجيـة بين طرفي العمليـة غايـته حمايـة األسرة والمحـافظة على قدسيتهـا
واإلستقرار اإلجتمـاعي في منـع إختـالط األنساب فاألسرة تهـم النظـام العام وال يمكـن بحـال من
األحوال المس منهـا من خـالل قبول التلقيـح الصنـاعي عن طريق نقل منى شخـص أجنـبي غير الزوج
سـواء المرأة متزوجـة أو غير متزوجة .
وقد إعتبـر مجلس المجمـع الفقـهي لرابطـة العالـم اإلسـالمي جواز التلقيـح شرعـا إذا تم بمنـى
الزوج .فالتلقيـح الصنـاعي إلمرأة متزوجـة بمـنى شخص أجنبي يعتبر عمـال غير أخـالقي حتى لو كان
العرض منه معالجـة العقيم .كمـا أنه يتعـارض مع نظام البنوة وإخـالال بالواجـب األخالقي الذي يتطلب
اإلمتنـاع عن القيـام بأي عـالقـة جنسيـة خارج رابطـة الزواج .كما أن هـذا العمل يعتبر باطـال ألنـه يهم
النظـام العام .
كمـا أن إشتراط اإلصـابة بالعقـم ،أي وجـود مـانع طبيعي يحـول دون تحقيق حلـم اإلنجـاب
هو من الضروريات األسـاسية لإلنجـاز لمثـل هـذه العمليـة وذلك حتى يتحقق الحلم في إنجـاب
األطفال طالمـا حرم منه المصـابين يالعقـم ،ومن ثمـة المحـافظـة على استقرار الحيـاة الزوجيـة
واإلستقرار اإلجتمـاعي (. )1
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ولكـن قد يتوفـر األبنـاء ،أي أنـه ال يشكـو أحـد الزوجيـن من العقـم وقـادر على إنجـاب األبنـاء
وفي المقابـل قد يكـون مريض مرض جسدي أو عقلي فكيف يمكن حمـاية األطفال في حال وجـود
هـذا المرض ؟
المبحـث الثـالث :المـرض والحضـانة :
تتجسد حمايـة األبنـاء في عـدة مستويات وذلك خشيـة على األطفال من المرض ،فقد راع
المشرع مصلحـة المحضـون الشرعي أي النـاشئ عن لعـالقـة زوجيـة (أوال) كمـا راع أيضـا مصلحـة
المتبني(ثانيـا) .
-1مراعـاة مصلحـة المحضـون :
إعتنـى المشـرع بحضانـة الطفـل وإهتـم بهـا وأولـى حمايـة قصـوى لهـذه المؤسسـة .ويمكـن
تعريـف الحضانـة بأنهـا حفـظ الولـد فـي مبيتـه والقيـام بتربيتـة .وهـو التعريـف الـواد صلب الفصـل 53مـن
مجلـة األحـوال الشخصيـة .والحضانـة هـي مـن حقـوق الزوجيـن مـاداما علـى قيـد الحياة والعالقـة
الزوجيـة قائمـة بينهمـا .وهـذه الصـورة تفتـرض أن العائلـة هادئـة مستقـرة اليعكـر صفوهـا أي عـارض.
غيـر أن هذه العالقة يمكن أن تتأثـر بمـرض أحـد الزوجيـن إذ يمكـن أن ينبثـق نـزاع حـول الحضانـة
حـال قيـام الرابطـة الزوجيـة ودون وجـود قضيـة فـي الطـالق إذا كـان أحـد الزوجيـن مريضـا .فحسب
الفصـل 51مـن مجلـة األحـول الشخصيـة فإنـه يشتـرط فـي مستحـق الحضانـة أن يكـون مكلفـا أمينـا
قـادرا على القيـام بشـوؤن المحضـون سالمـا مـن األمـراض المعديـة ويبـدو أن مبنـى هـذه الشـروط أن
يكـون الشخـص المترشـح للحضانـة خاليـا مـن األمـراض المعديـة مـن خـالل اشتـراطهـا صـراحـة صلب
الفصـل المذكـور .
ـــــــــ
( )1المرض في القانون التونسي :رسالة ختم التخرج من المعهد األعلى للقضاء 77/71عدنان الماطوسي.
لكـن هـذا الفصـل يتحـدث عن الحضانـة بعـد انفصـام الربطـة الزوجيـة إمـا بطـالق أو بمـوت
لكـن هـل يمكـن أن يتمسك أحـد الزوجيـن بحضانـةأبنـاءه والحـال أن العالقـة الزوجيـة قائمـة ألن قرينـة
مريـض ؟.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
إن الفصـل 59من م أ ش صريـح مـن كون الحضانـة مـن حقـوق األبويـن مـادامت الزوجيـة
مستمـرة بينهمـا ،فإذا كـان األمـر ماذكـر فإنـه اليمـكن تفريـد أحـد الزوجيـن بالحضاتـة وتخصيصـه بهـا
مـادام المشـرع يعتتبرهـا مـن حـق األخـر كذلك وال يمـكن للمحكمـة أن تنتـزع مـن شخـص حقـا منحـة
ايـاه المشـرع غيـر أنـه فـي المقابـل الشـيء يمنـع حسب رأي األستـاذ ساسي بـن حليمـة ( )1مـن اسنـاد
الحضانـة ألحـد الزوجيـن حـال أن الزوجيـة قائمـة بينهمـا دون أن يعتبـر ذلك منهمـا خرقـا ألحكـام
الفصـل 59ذلك أن العبـرة هـي بالمقاصـد التي يرمـي إليهـا المشـرع البحـروف النصـوص .
ومقاصـد المشـرع تتلخـص فـي مصلحـة المحضـون .فمصلحـة المحضـون هـي المعيـار
واألسـاس فـي إسنـاد الحضانـة وليـس مـن مصلحـة المحضـون أن يصـاب بالعـدوى مـن الحاضـن
أويعيـش مـع شخـص مريـض غيـر قـادر على السهـر عليه ممـا قـد يكـون لـه عـواقب وخيمـة عليـه .
ونـالحظ أن االجمـاع حاصـل قانونـا وفي فقـه القضـاء على هـذا المعيـار .مـن ذلك أن محكمـة
التعقيب اعتبـرت وأنـه " :يكـون قابـال للنقـض الحكـم الـذي قضى بحرمـان والدة من حضانة ابنهـا
بحجـة أنهـا مصابـة بمـرض قبـل التحقـق مـن خطـورة هـذا المـرض ومـن استمـراره" ( )2وكذلك اشتـراط
السالمـة الجسديـة والعقليـة.
ـــــــــ
()1مقال األستاذ ساسـي بـن حليمـة "هل يمكن إسنـاد الحضانـة ألحـد الزوجيـن أو لغيـرهمـا حـال قيـام الزوجـة ودون وجـود قضيـة
فـي الطـالق " الم الق التـ 1772
()2قرار تعقيبي عدد 3112مؤرخ في 13فيفـري نشرية القضاء والتشريع لسنـة 1719ص . 21
وهـذا مانستنتجـه بصفـة ضمنيـة مـن خـالل إقـرار المشـرع بوجـوب أن يكـون الحـاضن قـادرا
على القيـام بشـؤون المحضـون .واليمكـن أن نتصـور شخـص فاقـدا األهليـة في اإلدراك أو ضعيـف
التمييـز أن يكـون مـؤهال للحضانـة .
وهـذا األمـر ينسحب على ذوي العاهات ،مثال األعمى واألصم واألبكم أو العاجزين على
الحركة العضوية أو المصابين بأمراض خطيرة على شـرط أن يكـون هـذا المـرض مـن شأنـه أن يعيـق
حفظ الطفـل والقيـام بتربيتـه ورعايتـه .فالمعيـار الـذي يعتمـده فقـه القضـاء التـونسي فـي موضـوع الحانـة
سـواء بإسنـاد اواالسقـاط هـو مصلحـة المحضـون .والمانـع أن يعتمـد في ظـل قيـام العالقـة الزوجيـة وقـد
جـاء تأكيـد محكمـة التعقيب على ذلك في عـدة قـرارات بأن "مصلحـة المحضـون هـي األسـاس فـي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
إسنـاد الحضانـة )1( ".معتبـرة وألنـه "يكـون قابـال للنقـض الحكـم الـذي قضى بالحضانـة دون مراعـاة
مصلحـة المحضـون مع أنهـا أساسية فـي الموضـوع" )2( .وأن " :تقديـر تلك المصلحـة مسألـة
موضوعيـة خاضعـة الجتهـاد حاكم األسـاس"( )3فالحـاضن إلـى جانب تحليـه بالصفـات األخالقيـة
يجب أن تكـون صحتـه جيـدة ومداركـه سليمـة وهـو قانونا وطبيعـيا يستحق الحضانـة .علـى أن إثبـات
إنتفـاء أو وجـود المـرض ،يجـب ان يتـم بواسطـة اإلختيـار الطـبي وحـده الـذي يعـد الوسيلـة الوحيـدة
للوصـول إلـى تقديـر حالـة الشخـص الصحيـة .وهـذا مـا أكدتـه محكمـة التعقييب حيـن إعتبـرت وأنـه
":اليجـب االكتفـاء بتقريـر المرشـدة اإلجتماعية الثبـات وجـود مرض إذا كـان االختبـار الطبي قـد نفـى
ذلك المـرض )3( ".فليـس إذن كـل مـرض يحـول دون إسنـاد الحضانـة بـل فقط األمـراض التي يخشـى
منهـا أن تضـر بمصلحـة المحضـون .
ـــــــــ
()1قرار تعقيبي مؤرخ في 23أوت 1711نشرية 1711ص . 31
()2قرار تعقيبي عـدد 1129مؤرخ في 1جويلية 1717نشرية 1717ص . 97
()3قرار تعقيبي عـدد 1797مؤرخ في 17فيفري . 1712نشرية 1712ص . 31
( )3قرار تعقيبي عـدد 192مؤرخ في 17أفريل . 1799نشرية 1799ص . 29
فاألمـراض المعديـة التي تتنقـل مـن المريـض إلـى مـن جـاوره بحكـم المخالطـة مثـل الحصبـاء
والجـذري ومـرض فقـدان المناعـة المكتسبـة ،هي فقط المعتبرة .والغايـة مـن اشتـراط أن يكـون الـحاضن
سالمـا مـن األمـراض المعديـة هـي حمايـة المحضـون مـن اإلصابـة بهـذه األمـراض بإنتقالهـا مـن
الحـاضن إليـه بسبب معاشرتـه لـه وإختالطـه بـه .وكـل ذلك بنـدرج فـي إطـار حـرص المشـرع على
ضمـان مصلحـة المحضـون وحمايـة صحتـه مـن كـل مـايشوبهـا مـن أمـراض يمـكن أن تنـجز عـن اسنـاد
حضانتـه إلـى شخـص مصـابـا بأمـراض معديـة .
ونجـد نفس هـذا الشرط منصـوصا عليـه في بعض القوانيـن العربيـة ( )1إال أن بعـض القوانيـن العربيـة
األخـرى ال تعتبر ذلك صراحـة من شروط إسناد الحضـانة( .)2وإنمـا تدمـج هذا الشرط في إشتراط
القـدرة الصحـية للحـاضن ( . )3ويذهـب بعـض الفقهـاء إلى إقتراح إبعاد المحضـون عن حاضنتـه حتى
إذا كـان مصـابا بنفس المرض لما يتوقـع من زيادة مرض بالمخـالطـة .وقد ربط بعض الفقهـاء المرض
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
بالسقـوط فال يمكـن أن تسقـط الحضـانة إذا لم تكن هنـاك مخـالطـة كمـا ربط البعض اآلخر السقـوط
بدرجـة المرض المعدي ،فإذا كان المرض خفيفـا صحـت الحضـانة وإذا كان العكس سقطـت .
وقد إختلـف موقف محكمـة التعقيـب من تطبيق شرط السـالمة من األمراض المعديـة فتارة
تؤول هـذا الشرط تأويـال واسعـا وتـارة تؤولـه تأويـال ضيقـا .
فمـرة ترى أن الحاضن ال بد أن يكون سليمـا من كل األمراض التي مـن شـأنهـا أن قعيـقه عن القيـام
بشؤون المحضـون سـواء كـانت هـذه األمـراض معديـة أو غيـر معديـة .
فالمنظـور إليـه أصالـة فـي مـادة الحضانـةهـو قـدرة الحـاضن على القيـام بشـؤون المحضـون وتحليـه بمـا
يجب مـن الصفـات األخالقيـة والصحيـة .إذ أن توفيـر هـذه الشـروط فـي الحاضـن هـو الـذي يبعث
االطمئنـان على القيـام بواجب الحضانة (.)3
ـــــــــ
()1المادة 132من من مشروع القانون العربي الموحد لألحوال الشخصية الفصل 71من المدونة المغربية لألحوال الشخصية .
()2القانـون المصري والقانـون السـوري .
()3المادة 139من قانون األحوال الشخصية السوري .
()3تعقيب عـدد 1539المذكور آنفا .
وهـو تأويـل موسـع يدمـج بيـن شـرطي السالمـة مـن األمـراض المعديـة ،والقـدرة علي القيـام بشـؤون
المحضـون .فاألمـراض األخـرى وإن لـم تكـن معديـة فهـي تعيـق الحاضـن عـن اإلضطـالع بأعبـاء
الحضانـة وهـو ما من شأنـه أن يضـر بمصلحـة المحضـون .
مـرة أخـرى تـرى محكمـة التعقيب أن " :إصابـة الحاضـن بنوبـات عصبيـة ليـس مـن األمـراض المانعـة
من استحقـاق الحضـانة على معنى الفصـل الفصل 51م أ ش (". )1
وهذا التأويـل الضيق غير مستصاغ ألنه يفصـل شروط إسنـاد الحضـانة عن يصفهـا وينظـر إلى
كل واحـد بإنفراده بالرغـم من أن الفصل 51م أ ش يشتـرط إجتمـاعهـا في شخص الحاضن .
فالمرض العصبي ولئن لم يكن من األمراض المعديـة التي يشترط في مستحـق الحضـانة خلوه منهـا،
فإن له تأثيـرا على قدرة الحاضن على القيام بشؤون المحضـون التي تعتبـر هـي األخرى شرطـا إلسنـاد
الحضـانة .وعلى المحكمـة أن تثيـر ذلك من تلقـاء نفسهـا لتعلـق مصلحـة المحضـون بالنظـام العـام .
-2مـراعـاة مصلحــة المتبنـي :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ـــــــــ
( )1تعقيب مدني عدد 5231مؤرخ في 1711/35/12ج ا ص . 331
فتكـون لهـم عـائلـة يتمتعـون بحقـوق أبنـاء الصلب ،وتحمـل عليهـم واجبـاتهـم تجـاه المتبني .
فالمتبني وضـع على قدم المسـاواة مع اإلبن الشرعي فـال فرق بينهمـا لذلـك إشترط المشرع
السـالمة الجسديـة والعقليـة حتى يمكـن القيام بشؤون المتبني .خصـوصا أنه طفل قاصـر وجبت
حمـايتـه سواء داخـل العـائلـة أو خـارجهـا.
فطالما أن المشرع جعل االبن المتبني في نفس المرتبة مع اإلبن الشرعي من حيث الواجبات
والحقوق وكذلك بالنسبة لألب الشرعي وبالتبني ،أي ال بد أن يترتـب عن مؤسسة التبني نفس
النتائج وأن تكـون لهذه الوضعية القانـونية نفس اإلطار بالنسبة للوضعية الشرعية .فهنـاك إطار قانـوني
للتبني جعله المشرع متجـانسا مع البنوة القانونيـة ما عـدى موانع الزواج .فمن بين الوثائق التي يجب
اإلدالء بها الحصـول على حكم في التبني لدى المحكمـة المختصة وحسب قائمة أو جدول
تضبطه الوزارة اإلجتماعيـة نجـد الشهـادة الطبية التي تفيد وتقيم الدليل على خلـو األب واألم بالتبني
من األمراض التي من الممكن أن تؤثر على الطفل المتبني بحكم المعـاشرة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
وباإلضافـة إلى الشهـادة الطبية المقدمة ،فإنـه يجري بحث إجتماعي من قبل مرشدة إجتماعية
للتثبـت من حسن سيرة وسلـوك المتبني والمتبنيـة الزوجة وكذلك التثبت من أنهمـا سليمي العقل
والجسـم .فهـذا البحـث اإلجتماعي من شأنـه أن يضمـن ويكفـل التثبت من القدرة الصحيـة للزوجيـن
بإعتباره وأنه بحث يتم على عين المكـان ويمكـن من التثبت من وجود عـاهات أو إعاقـات تنعـدم
معهـا إمكانية القيام على الطفل المتبني ورعاية مصالحـه .
ورغم أن المشرع نظم التبني في مجلة األحوال الشخصيـة ،بالتعرض إلى شرود إسناده ،فإنه
في المقابل لم يتعرض إلى شروط إسقاطـه ممـا جعل نظام التبني القانـوني منقوصا .غير أن فقه قضاء
محكمـة التعقيب تجاوز هـذا النقص وأقام نظرية في هـذا الموضوع مع ضوابط تمكن من الرجـوع في
التبني ،في حـالة ما إذا كانت هنـاك أسباب خطيرة تعجل من مصلحة التبني تفرض الرجـوع في
حكم تبنيه وذلك راجع باألساس إلى مطلق إجتهاد القاضي وبالتالي يمكن أن يصدر حكم بالرجوع
في التبني إذا ثبت بعد الحكم به إصابة المتبني أو زوجتـه بمرض خطير ومعدي يضر بمصلحـة
المتبني .
الفقـرة الثانيـة :تأثيـر المـرض على العـالقـات المـاليـة بيـن الزوجيـن :
يؤثـر مرض احـد الزوجيـن على مؤسسة الزواج من النـاحية المـالية مما يجعـل الطرف المعـافى
يتحمـل جملة من الواجبـات تجـاه الزوج المريـض ( المبحث األول ) كما يتخـذ جملـة من المواقف
تجـاه التصرفـات المـاليـة لزوجـه المريض ( البحـث الثاني ) .
المبحـث األول :واجبـات الزوج المعـافى الماليـة تجـاه الزوج المريض :
يقوم عقد الزواج على جملة من الواجات كواجب التعـاون (أوال) وواجب األنفاق (ثانيا).
-1واجب التعـاون :
لم يعرف الفقـه واجـب التعـاون بين الزوجيـن غير أنه يحمـل في معنـاه اإلصطالحي مفهـوم
تبادل المساعـدة والمؤازرة وهي معـاني تفيـد في مجمـوعهـا التعـاضد والتكـافل للتغلـب على مصـاعب
معينـة أو مواجهـة مخـاطر ال يقـوى عليهـا الشخـص منفردا .
وقد حـاول الفقـه تعريف واجب التعـاون بين الزوجيـن ال باإلعتمـاد على التصاريف السابقـة
فحسب ،بل أيضـا بالرجـوع إلى خصـوصية عقد الزواج ،من ذلك الفقيهيـن ريبـار وبلنيـول اللذان فرقـا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
بين واجب المساعـدة وواجـب العـون ( )1فعرفـا األوا بأنـه " اإللتزام المجهـول على الزوجيـن غـاية تـوفير
المداخيل الالزمـة للحيـاة الزوجيـة في حـدود مـا تتحملـه ذممهم الماليـة " وعرفـه الثاني بأنـه إلتزام
محمـول على كل من الزوجيـن بأن يسهـر كل منهمـا على صحـة قرينـه ويتحمـل معـه متاعـب الحياة "
،وقد إعتمـد هـذا التعريـف على مـا جاء بالفصـل 212من المجلـة المدنيـة الفرنسيـة الذي فرق بين
واجـب المسـاعدة والعـون .ويوافـق هذا الفصـل في القـانـون التـونسي الفصـل 23من م أ ش الذي
ينص على أنـه " يتعـاون الزوجـان على تسييـر شؤون األسرة وتربيـة األبنـاء وتصريف شؤونهم بما في
ذلك التعليـم والسفـر والمعـامـالت المـالية " .والفرق بين النص أن األول وكما سبق أن ذكرنـا يفرق
بين العـون والمسـاعدة أما الثـاني فـال .
ـــــــــ
(1) devoir de secours et devoire d’assistance .
كمـا أن الثـاني أي الفصـل 23م أ ش وردت صياغتـه عـامة مما يجعلهـا تتسع لكـافة
الشؤون الداخليـة في الحياة الزوجيـة الماليـة والمعنويـة .
ولئـن لم يحـدد المشرع التونسي المشمـوالت الماليـة لواجـب التعـاون فإن تحديدهـا قد يتيسـر
بالرجـوع إلى أحكـام اإلنفـاق وإمكـانيـة التعـاون اإلقتصـادي بين الزوجيـن .
ويعـرف التعـاول على الإلنفاق في الفقـه الفرنسي بعبـارة المساعـدة .وذهب جانب مـن الفقـه
إلى إعتبـار أن الوجـه المالي للتعـاون على شـؤون األسـرة ليـس إال واجب اإلنفاق ،أما في القانون
التونسي فإن واجب التعـاون أشمـل مـن أن ينحصـر في اإلنفـاق إذهـو أكثـر إتساعـا ذلك ألن واجب
التعـاون الـوارد بالفقـرة الثالثـة مـن الفصـل 23مـن م أ ش ورد مطلـق العبـارة وبالتالـي وجب إطـالق عبـارة
التعـاون لتشمـل جميـع مـا تقتضيـه الحيـاة األسريـة بينهمـا كالمأكـل والملبـس والمسكـن والمعالجـة
الطبيـة .وهـو توسـع إتجـه فيـه جانب مـن القضـاء الفرنسي (. )1
على أن التعـاون على إطالقـه يبقـى في جوهـره محكومـا أساسـا بمضمـون واجب اإلنفـاق سـواء كـان
()2
محمـوال أصالـة على الـزوج أو محموال إحتياطا على الزوجـة
بعنـوان مساهمـة .ويعتبـر إنفـاق الـزوج مضمونـا ماليـا لتنفيـذ واجب التعـاون بيـن الزوجيـن إنطالقـاممـا
نـص عليـه الفصـل 31مـن م أ ش وكذلك الفصـل 53مـن نفـس المجلـة وقـد إستقـر فقـه القضـاء
التونسي منـذ 1757إلى اليـوم على إعتمـاد هـذا المفهـوم لإلنفـاق .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
وعلى هـذا األسـاس فـإن تعكـر صحـة القريـن ومرضـه تستـوجب ووفقـا لـواجب التعـاون إعانتـه
مـن قبـل قرينـه المعـافى وعـدم التخـلي عنـه .فإن كانت الزوجـة هي المريضـة ولـم يكـن لهـا مـال تنفقـه
على نفسهـا فإن زوجهـا ملـزم
ـــــــــ
-1كاتريـن فليب الفصـل 53و 52مـن م أ ش ص 59حكـم مدني مـؤرخ في 1731 -32-21
دالـوز 1731ص 231المحكمـة المدنيـة بسـان.
-2حكـم مدني ناحيـة تونـس عـدد 297مـؤرخ في 19مـارس 1757ق ت 1757/9ص .13
باإلعتمـاد على واجب التعـاون بدفـع مصـاريف التـداوي بالمستشفـى حتى وإن كـان محمـال بواجب
االنفـاق عليهـا باإلضافـة إلى واجب االنفـاق عليهـا في مأكلهـا وملبسهـا ومـا يعتبـر مـن الضروريـات
حسب العـرف والعـادة .
وتعـد مصاريـف التـداوي والعـالج في صـورة مرض الزوجـة ،من أوكـد تلك الضروريـات وهـو واجـب قائم
في القـانـون الفرنسي حسب مقتضيـات الفصـل 212من م م ف مهمـا كـان النظـام المـالي المتفق
عليـه من طرف الزوجيـن سواء كـان إشتراكا أو إنفرادا في الملكيـة .
فإذا كـان النظـام المتبع نظـام اإلشتراك في الملكيـة فإن المحـاكم الفرنسيـة إعتبرت في بعض
الصور القضـائية التي عرضت عليهـا وأن مصاريف تداوي الزوجـة دينا مشتركـا بينهـا وبين زوجهـا .كمـا
تعـد وحسب القـانون الجبـائي مصـاريف المرض األخير للمتوفي دينـا مشتـركا بين الزوج المتوفي
والقرين الباقي على قيـد الحيـاة وتحسـب منـاصفـة بينهمـا .وهذا الديـن المتأتي من مصاريـف العـالج
وبوصفـه يصنـف ضمن المصاريف المعـاشيـة ،يعتبر اليوم من أهـم ركائزالشراكـة الدائمـة بين الزوج
والزوجـة .والفصـل 1337من م م ف والذي ألم بهذه المسألة في جميـع جوانبها ،ينص على ذلك
صراحـة ولكنـه فرض أن يكـون المرض معديـا ،وأصيـب به القريـن المعـافى ،إللتزامـه بالقيـام بواجبـاته
الزوجيـة التي يفرضهـا عليـه عقـد الزواج(.)1
وتدعيمـا لذلـك يمكـن التسـاؤل من خـالل الفصـل 1319م م ف والذي ينـص على أنه :
"يمكـن فسـخ نظام اإلشتـراك في الملكيـة ما بين الزوجيـن في صـورة ما إذا تخـاذل أحـد الطرفيـن على
القيام بالواجبـات التي يحتمهـا عقد الزواج" ،هل أن عدم دفع معاليم التداوي يعد إخالال بتلك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
الواجبات مما يجوز معه فسخ عقد الشراكة ؟ يظهـر أنـه ال يمكـن أن نقر بذلـك مثلمـا يدعـو إليـه
بعـض الفقهـاء .
ـــــــــ
(1)-Seine 11 juillet 1922 precite : Soc 27 janvier 1939 D.H. 199 ; civ . 17 decembre 1946 . D .
1946 . 93 ; Planial et Ripert trprat . de dr civ . Fr . tv III , Régimes matrimoniaux par Nast . N°
330 .
ومهمـا يكـن من أمر فإنـه وبالرغـم من عمـوميـة الفصـل 1337م م ف فإن مصـاريـف التداوي وعـالج
القريـن المريض تضمـن تحـت واجـب العـالج المحمـول على الطرف اآلخر .
وأما إذا كـان النظـام المتبع هـو نظـام اإلنفصام في الملكيـة فإن واجـب التعـاون يظهـر خاصة
في حـالة إعسـار القريـن المريض فحسـب ما يفرضـه عقد الزواج عـامة .
فإن الزوج مطـالب في نطـاق معـاملة قرينـه اآلخر بالمعـروف أن يقف بجـانب قرينـه في صـورة
مرضـه .
كمـا أن واجـب اإلنفـاق يفرض عليـه أن ينفـق عليـه ،ال فقـط في خصوص مـأكله وملبسـه ،بل
وكذلـك أن يعـالجـه في صـورة مرضـه وأن يدفـع معـاليـم تداويـه ويسعـى كل من الزوجيـن إلى العمـل على
إعـانة قرينـه خـاصة في الظـروف واألزمات التي يحتـاج فيهـا إلى من يقـف إلى جـانبـه ويشد أزره .
وقد وردت عبـارة التعاون في الفصـل 23من أ ش مطلقـة األمر الذي ال يمنع من إعتبـار
المسـاعدة المعنـوية داخـلة فيهـا ،وقد توسع فقـه القضـاء في مظـاهر التعـاون المعنـوي بيـن الزوجيـن إال
أنـه يتفـق في أغلبـه على أن من أهـم مظـاهر مرض القريـن ذلك أن حـالة المرض تفرض على القريـن أن
يصـالح نفسـه إن كـان مريضـا وأن يبـادر إلى عـالج قرينـه عنـد اإلقتضـاء ويتحمـل معـه مـا يترتـب عـن
ذلك من نتائج كالمبادرة إلى عـالجه إن لم يعالج فقـد قضـت محكمـة مونبلينـي في 1731/35/13أن
الزوج الذي لم يبـادر إلى عـالج زوجتـه العـالج الالزم للتخلص من إدمانهـا يعد خرقـا منـه ألحكـام
الفصـل 212م م ف .
وقد إعتبر الفقـه الفرنسي أن التعـاون على الظروف الصعبـة التي يمكـن أن تواجه كل قريـن عنـد
قيام الزوجـة وعليـه يجب التعـاون عليهـا حتى وإن ترتـب عليهـا اإلضرار بالقريـن اآلخر ويستمـد أنصـار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
هـذا اإلتجـاه أفكارهـم من مقولـة نـابليـون بونبـارت " إن كـانت الشيخوخـة مـرضـا يمكـن التغلـب عليـه
منـذ الصغـر فـال
حـاجة لي بالزواج " (.)1
فمرض القريـد المعدي أو الخطيـر يعـد من األسبـاب المـوجبـة للتعـاون والتي ال يحوز معهـا
للقريـن غيـر المريض التخلي عن قرينـه بدعـوى إحتمـال تضرره ،ألن ذلك مخـالف ال فقـط ألخكـام
القـانون المدني والقانـون اإلنسـاني بل أيضـا لقواعـد األخـالق والديـن وقد تأثرت بعض المحـاكم
()2
الفرنسيـة بهذه النظرية ،فقضـت بأنـه ال يجوز للزوجة ترك زوجهـا المريض واالمتنـاع عن مسـاكنتـه
.
وأمعـن الفقـه في هذا اإلتجـاه المثـاليإلى حـد إباحـة التبرع باألعضـاء لفـائدة القريـن الذي في
حـاجة إليهـا إلحتمـال حصـول مضاعفـات خطيرة .
ويحـاول القـاضي في نطـاق مهمتـه في تطبيق القـانـون ،أن يوسـع في نطاق تطبيق فصل 23
من م أ ش .كمـا فعل ذلك فقـه القضـاء الفرنسي الذي قبـل في حـالة اإلنفصـام في الملكيـة وأقـر
بواجـب التعـاون في عقـد الزواج رغـم غياب نـص قـانوني لحمـاية مصـالح كل طرف من األطراف في
عقـد الزواج ولسيمـا مصلحـته في أن يعينـه واإلعتنـاء به في حـالة مرضـه والتكفـل بدفـع مصاريـف
عـالجـه .هـذا إن لم يدخلـه إلى مصحـات أو دور إستشفـاء لمداواتـه وحتى السفـر لعـالجه بالخـارج .
كمـا أنـه وباإلضـافة إلى القـانون العـام أي القـانون المدني الذي أمكـن تطبيقـه في خصـوص
عقـد الزواج بالنسبـة لواجـب التعـاون ،فإن جملـة القوانيـن األخـرى وخـاصة منهـا القـانون اإلجتمـاعي
يكرس هـذا المبدأ في خصـوص عقـد الزواج من ذلك أن قـانون الضمـان اإلجتماعي وبالنسبـة لتغطيـة
مصاريف العـالج والتداوي واإلقامـة بالمستشفيـات تحتـم تأمينهـا من قبـل القريـن .
ـــــــــ
(1)-Si lhomme ne devrait pas viellir, et la villesse et une maladie qui se soigne jeune je ne lui
» voudrait pas de mariage
(2)Allement « … une cause de lègume abondon la loi civil ne l’autaise pas … la loi humain le
codamne » .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
وفي نفس السيـاق فإن اإلعـانة اإلجتمـاعيـة تمكـن القريـن المريض من التداوي مجـانا حتى
وإن كـان قرينـه المعـافى قـادر على مجـابهـة مصاريـف عـالجه .
كمـا مكن قانـون الضمـان اإلجتمـاعي ،القرين المنخرط من اإلنتفـاع بالتشريع المنطبق على
الضمـان اإلجتمـاعي هـو وأفراد عـائلـة ،وحـدد الفصـل 7من قانـون 21فيفري 1773أفراد العـائلة
بالقريـن واألعقاب واألصـول واألخوة واألصهار .ففي صورة إنخراط القريـن في الضمـان اإلجتمـاعي
وعـدم إنخراط قرينـه اآلخـر ،فإن هـذا األخيـر ينتفـع بمنـافع الصنـدوق .إذ أن إشتراك قرينـه ينسحـب
عليـه .فإذا مـا مرض وهـو غير منخرط فإنـه يتمتـع وحسب هـذا القـانـون ،بإمكـانية العـالج والتداوي
واإلقامـة بالمستشفـى .كمـا أن قانـون التأمين يمتـع القريـن اآلخر بأحكـام قانـون التأميـن ،في خصـوص
التداوي والعـالج بصفـة آليـا إنطـالقـا مـن تأميـن القريـن المعافـى .
إضافـة لقيـام القريـن بواجب إعانـة قرينـه وهـو واجب ولئـن نـص عليـه الفصـل 23مـن م أ ش فهـو
واجب يعـد مـن المبـادىء العامـة التي تحكـم جميـع العقـود بـدون إستثنـاء ،غيـر أن هنـاك واجب
يستأثـر بـه قانـون األحـوال الشخصيـة وهـو واجب إنفـاق .
-2واجب اإلنفـاق :
لقـد حمـل القانـون الـزوج واجبـات ماليـة متعـددة تختلف فـي أهميتهـا .ويعـد واجب اإلنفـاق
مـن أهـم تلك الواجبـات وقـد نـص الفصـل 53مـن م أش أن النفقـة تشمـل ":الطعـام والكسـوة
والمسكـن والتعليـم ومـا يعتبـر مـن الضروريـات فـي العـرف والعـادة" ومـن الواضـح أن المشـرع لـم يحصـر
النفقـة فـي عناصـر معينـة بـل آثـر تـرك البـاب مفتـوحـا لمستحقي النفقـة كي يطالبـوا بمـازاد على ذلك
كلمـا أثبتـوا أن العـرف والعادة يقضيـان إعتبـاره ضروريـا للمعيشـة .وقـد إستقـر فقـه القضـاء التونسـي منـذ
1757إلى اليـوم على إعتمـاد هـذا المفهـوم لإلنفـاق .فالنفقـة محمولة أصالـة على الـزوج ،ومساهمـة
على الزوجـة .على أن النفقـة تتأثـر بجملـة مـن العوامـل كتغيـر وضعيـة الدائـن والمديـن ،فهـي ترتفـع
أوتنخفـض بحسب حالـة المديـن يسـارا أم إعسـارا .فقـد إعتبـر المشـرع التونسي أن عسـر المديـن
سببـا فـي سقـوط النفقـة لكنـه لـم يوضـح مفهـوم هـذا العسـر .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
لقـد ورد بالفصـل 37مـن أ ش أن الـزوج ال يلـزم بالنفقـة إذا أعسـر .كمـا نـص الفصـل 39مـن
م أ ش أن عسـر األب يجعـل األم مقدمـة على الجـ ّد فـي اإلنفـاق على ولدهـا .فـي حيـن إكتفى
الفصـل 35مـن أ ش بأن إشتـراط اليسـار فـي المديـن بالنفقـة على أصولـه .
وإذا عدنـا للمبـادىء الفقهيـة السائـدة وخاصـة المستمـدة مـن المـذاهب الحنفيـة والشافعيـة
والحنبليـة فـإن مفهـوم اليسـار يعنـي قـدرة المديـن على الكسب .إلى حـد أن المـذهب الحنفـي يمنـح
القاضي الحـق فـي أمـر المديـن الممتنـع عـن العمـل وبـه قـدرة عليـه ،أن يتكسب لتوفيـر النفقـة الواجبـة
عليـه .
ولقـد كـان لفقـه القضـاء دور هـام فـي ضبط مفهـوم عسـر المديـن للنفقـة .إذ أنـه يفرق بيـن
حـالة العـوز الوقتي وحـالة العسـر .فالبطـالة تعتبـر عـارضا وقتيـا حتى لو كان السبب فيهـا الحـالة
الصحيـة للمـدين .فقـد إعتبـرت محكمـة التعقيـب أن "إنقطـاع المدين عن العمـل ألسبـاب صحيـة ال
يعني أنـه فقيـر الحـال ،وال يمكنـه اإلنفاق على إبنـه ،إذ أن إنقطـاعه عن العمـل سـوف يكـون بصفـة
وقتيـة حتى تتحسـن حـالته" .
فالنفقـة ال تسقـط إذا ظهـر العجز الحقيقي للمـدين عن العمـل ولم تكن لديـه مكـاسب توفر
له مـال.ا فإذا دفع المديـن بعجزه عن العمـل ،عليـه أن يثبـت حـالتـه .ويمكـن للقـاضي في نطـاق
سلطتـه التأكـد من جديـة هـذا الدفـع .ويمكنـه الحكـم تحضيريـا بعرض المديـن على اإلختبـار الطبي
للتحقق من عجزه لكي يعفـى من اإلنفـاق .
ويبدو أن المشرع قد سعـى إلى التيسيـر على المدني حتى ال يصـل إلى هـذه الدرجـة من
العـجز التام .إذ أقـر الفصـل 53م أ ش أن "المنفـق إذا لم يستطيع اإلنفـاق على مستحقي النفقـة في
حـالة التعـدد ،يلزم بنفقـة الزوجـة قبـل األوالد وبنفقـه األوالد الصغـار قبـل األصول ".
ولنـا أن نتسائـل عـن كيفيـة التوفيـق بيـن مقتضيـات الفصـل 53ومفهـوم العسـر الذي جـاء
واحـد؟ عندمـا يقتـضي العجـز التام عن العمـل؟ إضافـة إلى أن أحكـام النفقـةبالقرابـة تتعلـق باألصـول
والفروع الذين تأسس حقهـم في النفقـة أي مبدأ الجزئيـة بين المنفق والمنفق عليـه وبالتـالي تبقي
أحكـام الفصـل 53التي أقرت ترتيبـا تفاضليـا بيـن الدائنين نظريـة أكثـر منهـا واقعيـة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
إن الحكـم بعسر المديـن ينقـل وجـوبا النفقـة إلى مدني آخر وهذا يتحقق خاصـة في حـالة
األب المعسر .إذ ينتقـل الوجـوب إلى األم .وعند عسـرهـا ينتقـل إلى الجـد عمـال بالفصـل 39من م أ
ش .أما عندمـا يكون المدين زوجـا فإن عسره يمكـن أن يؤدي إلى طالق الزوجـة عمـال بالفصـل 37
من م أ ش .بشرط عـدم علمهـا بعسره عنـد إبرام الزواج إذ تعتبـر في هـاته الحـالة قد قبلـت بوضع
زوجهـا ويبـدو أن المشرع قد إحتـاط لتجنـب إنفصـال الزوجيـن ،بأن إشترط منـع المدين أجـل شهـرين،
عسـاه يتمكـن من العمـل ،وبإنتهـاهـما يحـق للزوجـة طلب الطـالق .ولنـا أن نتسـائل هـل أن الطـالق
لعسـر الزوج صورة خـاصة مستقلـة عن صور الطـالق المنصـوص عليهـا بالفصـل 31من م أ ش ؟ أم
أنـه مجـرد أحكـام موروثـة عـن الفقـه اإلسـالمي راي المشرع إدراجهـاكمـا هـي في الكتـاب الرابع من
مجلـة األحوال الشخصيـة المنظـم للنفقـة ؟
إذا رأينـا مفهـوم عسر الزوج في فقـه القضـاء ،والذي يعني إنعـدام وجـود مـال لدى المدني
وعجزه عن العمـل بسبب حـالتـه الصحيـة ،فإنـه من الممكـن إعتبـار العسـر بالنفقـة ،وإن كـان يحقق
ضـررا للزوجيـن فإنـه غير مبني عـن خطإ الزوج .ألن عـدم إنفاقـه كان لسبب خـارج عـن إرادتـه ويصبـح
بذلـك الطـالق لعسـر الزوج صـورة خـاصـة يتوفـر فيهـا الضـرر بدون خطأ ويعفي الزوج من أداء غرامـات
للزوجـة .وهـذا المنحـى نجـده في محـاكم األصل في صـورة أخـرى تتعلق خـاصة بالطـالق بسـب
الضرر المنجـر عن مرض أحـد الزوجـين وخـاصة العجـز الجنسي .أمـا إذا عتبرنـا الطـالق لعسـر الزوج
قد ورد في فصـل مستقل عن الفصل 31من م أ ش فإنه يمكن قبول طـالق الزوجـة بتحـقق ضررهـا
لفقدانهـا حقهـا في النفقـة دون تغريم الزوج إلنعدام الخطأ نظرا لمفهـوم حـالة العسـر وبذلـك يكون
الفصـل 37من م أ ش صورة مستثنـاة من المبادئ العـامـة التي تنظـم الطالق .
المبحـث الثـاني :موقـف الزوج المعـافى من التصرفـات الماليـة لزوجـه
المريـض :
يختلف موقف الزوج المعـافى من تصرفات قرينـه المريض بحسـب إختالف تنظيـم العـالقـات
الماليـة بينهمـا .
-1في صـورة إختيـار نظام اإلنفصـام في الذمـة المـاليـة :
في هـذه الحـالة يكون لكل طرف من الزوجيـن أمـواله الخـاصة يتصـرف فيهـا بمطلق الحريـة
دون تقيـد ما للطرف اآلخر .وتكـون حسب الفصـل 23من م أ ش "ال واليـة الزوج على أموال
زوجتـه الخـاصة بهـا ".وهـو مـا يستبعـد معـه إمكـانية تدخـل الزوج في الشؤون المالية الخـاصة لزوجتـه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
وتجريده من كل سلطـة على مكـاسبهـا الخـاصة .بما يجعـل مؤسسـة الزواج متكـونـة من ذمتيـن ماليتيـن
منفصلتيـن عـن بعضهمـا ،إحداهمـا خـاصـة بالزوج وأخـرى خـاصة بالزوجـة بحيـث يحتفـظ كل من
الزوجيـن بصفتـه القـانونيـة كمـالك لألشيـاء التي جلبهـا معـه إلى بيت الزوجيـة .وينفـرد بذمة الماليـة
فيتصرف فيهـا بالتجـارة أو الهبـة أو غير ذلك من أنواع التصرف ،دون أن يمكـن للقريـن األخـر
التدخـل في هـذه الشؤون المـالية الخـاصة بقرينـه إال بتوكيـل .من ذلـك أن محكمـة التعقيـب في قرارها
عـدد 12323مؤرخ في 1791/39/23أقرت أن " :اإللتزام بالتفويت الصادر عـن زوج صـاحبة العقـار
دون توكيل منهـا ال يلزمهـا طالمـا لم تصـادق عليـه (. ")1
لكن هـل أن هـذا النظـام ينطبـق بحذافره حتى في صورة بمرض أحـد الزوجيـن ؟
ـــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
األصل فيه لفائدة المحجور المجنون الذي ولئـن بلغ الرشـد فإن أهليتـه تأثـر بالمرض الذي يؤثـر على
إرادتـه ويفقـده التمييـز ،وتكـون بالتالي تصرفاته غير نافذة .ذلك أن الجنون حالة مرضيـة تصيـب
المدارك العقـلية للشخـص .
أما في خصـوص أصحـاب األهليـة المقيدة فإن حمـايتـهم تتمحور حـول الخطـر من تبديد
مكاسبـهم نتيجـة المرض الذي أصيـبوا به .وقد حـدد المشـرع حالتيـن عددهـا صلب الفصـل 113و
113أ ش والتي تخص كل من ضعيف العقـل والسفية .
فضعيف العقـل هـو من أصيب بخـلل عقلي ال يصـل إلى حـد الجنـون أي فقدان العقـل
تمـاما.
ـــــــــ
( -)1األستاذ محمـد الزين النظرية العامـة اإللتزامـات "العقـد" ص . 13
وقد عرضـه الفصـل 113أ ش بأنـه الشخـص الغير كامل الوعي السيئ التدبيـر الذي ال يهتدي إلى
التصرفـات الرائجـة ويعيـن في المبايعات " .ويقـع الحجـز عليـه بمقتضى حكـم قضائي مثـل المجنـون
تمـاما.
وتكـون أهليتـه مقيدة حسـب الفصـل 112م أ ش والتصرفـات التي يقـوم بهـا المحجوز عليـه بدون
مساعـدة تكون باطلـة إذ لم يجرهـا الولي .
وتتداخـل مع ضعـف العقـل حـاالت من المرض العقلي أهمهـا العته .وهـي أشـد الحـاالت أثـرا
على العقـل .فالمعتـوه ال ينمـو عقلـه ويكـون كالطفـل تمـاما .ثم البلـع وهـو دون حـالة النقـص العقلي
ويكـون ضعيف المـالحظـة واالنتبـاه وهـو يعـد غيـر مميـز .وضعيـف العقـل هـو آخـر هـذه الدرجـات ،
فضعيـف العقـل هـو قليـل الخبرة سيء التدبيـر .
أما السفية فقد عرفـه الفصـل 113م أ ش بأنـه " :الشخـص الذي ال يحـسن التصرف في مـالـه
ويعمـل فيـه بالتبذيـر واإلسراف .والحجـر عليـه يتوقـف على حكـم الحـاكم " .ويتوقف الحجـر عليـه
بحكـم من الحـاكم .ويعتبـر السفية حـالة مرضيـة نفسيـة أقل درجـة من ضعـف العقـل وهـذا ما يتجسـد
من خـالل النظـام الحمـائي الذي أخضع له .
فالسفه أقـل حـدة من ضعـف العقـل ،ذلك أنـه يتميـز بملكـة تمييـز أكثـر من ضعيـف العقـل .وهـذا مـا
المشرع صلب الفصل 115من م أ ش " :جميع التصرفـات التي باشرهـا السفيـة قبل الحكـم ّ أكـدة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
صحيحـة نافذة وال رجـوع فيهـا ".أما التي باشرهـا بعـد الحكم فيتوفـق نفاذهـا على إجارة وليـه حسب
الفصـل 115م أ ش .
وقد أقـر المشرع التونسي الحجـر القضـائي بالنسبـة للمجنـون ،وضعيف العقل ،والسفيـه ،بغـايـة
حمـايتهـم .فهـل للزوجـة صفـة القيـام في دعوى الحجـز ؟
بتصفحنـا لمجلـة أ ش وقانـون 11جويليـة 1759المتعلـق بتنظيم تسميـة المقدميـن ومراقبـة
تصرفـاتهـم وحسـاباتهـم ال نجـد اإلجابة للشافيـة حـول التنظيم اإلجرائي لدعـوى الحجـر والتي ال نجـد
فيهـا األشخـاص المتمتعيـن بصفـة القيام .لكن يمكـن أن نستنـد للفصـل 17م م م ت الذي يعـد
القـاعدة اإلجرائية العـامة والتي تقر بأن "صحـة قبول الدعـوى مقترنـة بتوفـر الصفـة والمصلحـة في
الشخـص القـائم بهـا ".والزوج أو الزوجـة يعـد من أوكـد األشخـاص الذين لهـم الصفـة والمصلحـة للقيـام
بدعـوى الحجـز على القريـن المريض ،محـافظـة على أمـوال العـائلـة ككـل .
على أن بعـض القوانيـن المقـارنـة نصـت على ذلك صراحـة .من ذلك أن الشرع الفرنسي أقر
في فصلـه 373من المجلـة المدنية الفرنسية للزوج أو الزوجـة حسـب األحوال بصفـة القيـام .وبمقتضى
حكـم الحجـر تتوفـر في الولي على المحجـور جملـة من الحقوق تمكنـه من التصدي لتصرفـات قرينـه،
والتي يمكـن أن تمثل خطرا على أموال العـائلـة ،بتبديدهـا والتصرف فيها بدون درايـة .كمـا يمكـن
للقريـن المعـافى أن يقف حـائال دون قيـام قرينه المريض في مرض موته بتصرفـات من شأنهـا أن تؤثر
عليه كوارث في ما بعد.
بأقـل من الثمـن المتعـارف بكثير ويشتـري منـه بأزيـد " ...فنجـد شرط خـاص بالبيـع هـو ضهـور قصـد
المحـاباة من طرف البـائع وهـو شرط معـارضـة نفـاذ البيـع .وبالرجـوع للفصـل 353م أ ع نجـد أن
المحـاباة تأخـذ حكـم الفصـل 197من م أ ش الخـاص بالوصيـة فـال تصح لوارث وال في ما جـاوز
ثلث التركة للغيـر إال بإيجـاز الوارث ،والزوجـة من بني الورثـة .
ومسألـة المحـاباة مـوكولة إلجتهـاد القـاضي ،فللقـاضي السلطـة المطلقـة في تحديـد وجـود
المحـاباة من عـدمه ولألطراف إثبات وجـودهـا .
والتصرفـات بعـوض ،هـي التي تخـص العقـود المبرمـة من طرف المريض عنـد مرض موتـه لوارث
أو لغيـره بمقـابل ،وأهمـها على الإلطـالق عقـد البيـع وقد نظـم المشرع عقـد البيـع نظـرا ألن المريـض قد
يلجأ اثنـاء هـذه الفترة في تميـز وارث عـن آخر ،أو تفضيـل شخـص أجنبي دون الورثـة .والشخـص
األجنبي هـو الغيـر الذي ال يدخـل في زمرة الورثـة .وذلك للحـد من بيع المريض مرض الموت ،إال
بمصادقـة الورثـة وهـو خوف من تصرفـاتـه التي قد يقدم عليهـا ،وهو في كـامل مداركـه العقليـة وتحت
ضغط نفسي نتيجـة لشعـوره بدنو األجـل .والبيـع يكـون إما لوارث ويجـرى عليـه حكـم الفصـل 353م
إ ع ويقـر هذا الفصـل أن مثل هـذا البيـع ال يصح إال بمصـادقـة جميع الورثـة عليـه .أمـا البيـع لغيـر
الوارث فتجـرى عليـه أحكـام الفصـل 335م إ ع حسب مـا جـاء في الفصـل 515م ا ع .فالبيـع لغيـر
وارث في مرض موتـه يعتبـر في ثلث مخلفـه بعد إستفـاء الديـون ومصـاريف جنـازتـه .
* عقــود التبـرع :
هـي التي تكون مجـانيـة بدون عوض .فهي التي ال مقـابل مالي لهـا كعقد الهبـة والتي نضمهـا
في مرض الموت الفصـل 231م أ ش واعتبرهـا وصيـة .
فإذا صدرت الهبـة من مريض الموت لوارث يسري عليـه حكم الوصيـة بالرغـم وأن الفصـل 197
من م أ ش قد نص على " :ال وصيـة لوارث وال في ما زاد على الثلـث إال بإجـارة الورثـة بعد وفاة
الموصي " .
أما بالنسبـة للوصيـة لغيـر الوارث فقد نـص الفصـل 119من م أ ش أن الوصيـة لغيـر وارث
تمضي في الثلث من التركـة بدون توفق على إجازة الورثـة " .
كمـا تعـد من عقود التبرع إسقـاط الدين .فاإلسقـاط الصادر من مريض في مرض
موتـه على أحـد الورثـة ،سواء كـان اإلسقـاط في الكل أو البعـض ،ال يصح إال بمصـادقـة جميع الورثـة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
عليـه ،وذلك حسب مقتضيـات الفصـل 353من م ا ع .أما الفصـل 355م ا ع فقد ذكر أن :
"اإلسقـاط الصادر عـن الدائـن لغيـر وارث في مرض موتـه يعتـبر في ثلـث مخلفـه بعـد إستفـاء الديون
ومصـاريف جنـازتـه " .
وبمـا أن الكفـالـة عقد يلتـزم بمقتضـاه شخص بأن يؤدي للدائن ما إلتزم به المدين إن لم يؤده
،فهو اآلخر يعد من التصرفـات بدون عوض .وقد يحدث أن يكفـل المريض في مرض موتـه ،ويريـد
بعقده هـذا أن يميـز ويفضـل وارث أو غيـرا ،ممـا قد يضر بالورثـة وحقـوقهـم ،لذلك أقر المشرع صلب
الفصـل 1311أن " :كفـالة المريض أثنـاء مرض موتـه ال تصح إال في ثلـث مالـه ،إال إذا رضي ورثتـه
بما هـو أكثـر " .
ورغـم أن نطـام االنفصـام في الذمـة المـاليـة ال يخصص أي حمـاية ألموال العائلـة ،فإنه في
المقابل أمكـن الوصـول إلى حمايـة ناجعة من خـالل إستنبـاط آليات من القـانون المدني بصفـة عـامة
.على خـالف ذلك فإن نظام اإلشتراك في الملكيـة أقر بصفـة صريحـة وخصص حمـاية أموال العائلـة
بنظام كـامل .
-2في صـورة إختيـار نظام اإلشتـراك في الملكيــة :
إرتأى المشرع بموجـب القـانـون عـدد 73لسنـة 1771إحداث نظام اإلشتراك في الملكيـة بين
الزوجيـن وغـايتـه في ذلك إيجـاد نظـام آخر موازي لنظـام التفرقـة في األموال بين الزوجيـن ،وتسهيـال
منـه على الزوجيـن الذيـن يرغبـان في اإلشتراك في األمـالك ،ذلك أنـه بمجـرد إختيـارهمـا لنظـام اإلشتراك
في األمـالك تصبـح عـالق تهمـا المـالية محكـومة فيمـا يتعلـق بتسييـرها ،وإدارتهـا ،وحفظهـا .والتصرف
فيهـا ومـا إلى ذلك بالقانـون المـذكور دون حاجة إلى بيان ذلك ضمن إتفـاق مفصـل .
وعلى خـالف المشرع الفرنسي الذي جعـل جملـة األموال المكتسبـة بعـد الزواج بقطـع النظـر
عن طبيعتهـا منقـولة كـانت أو غير منقـولة داخلـة ضمـن اإلشتراك ،إقتصـر المشرع التونسي على
تحديـد منـاط اإلشتراك ،في العقـارات المكتسبـة بعـد الزواج والمعـدة لسكنـى العـائلـة أو استعمـالهـا
والمبينـة بالفصليـن 13و 11من القـانـون المذكـور ذلك أنـه بمجـرد إختيـار الزوجيـن لنظـام اإلشتراك
في األمـالك يتكفـل القـانـون بتحديـد عنـاصر ومـوضـوع اإلشتـراك .إذ إقتضـى الفصـل العاشـر بأنـه :
"تعتبـر مشتركـة بيـن الزوجيـن ،العقـارات المكتسبـة بعـد الـزواج أو بعـد إبـرام عقـد اإلشتـراك مـا لـم تـؤل
ملكيتهـا إلـى أحدهمـا بوجـه اإلرث أو الوصيـة بشـرط أن تكـون مخصصـة إلستعمـال العائلـة أو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
لمصلحتهـا سـواء كـان اإلستعمـال مستمـرا أو مومسميـا أو عرضيـا .كمـا تعـد مشتركـة بالتبعيـة توابـع
ذلك العقـار وعلتـه مهمـا كانت طبيعتهـا والتعـد كذلك العقـارات المعـدة إلستغـالل مهني بحث .
والمقصـود بالعقـارات المكتسبـة بعـد الـزواج والتـي تكـون لهـا صبغـة سكنيـة تلك الموجـودة بمناطـق
الممولـة بقروض
سكنيـة أو المقتنـاة مـن باعثيـن عقارييـن محتصيـن فـي إقامـة محـالت السكـنى و ّ
سكنيـة أو العقـارات المنصـوص فـي عقـود إقتنائهـا على أنهـا تستعمـل للسكنى أو التي يثبت أنـه وقـع
إستغـاللهـا فعـال لسكنـى العائلـة"
كمـا خـول المشـرع للزوجيـن إمكانيـة التوسـع فـي نطـاق اإلشتـراك بشـرط التنصيـص على ذلك صراحـة
صلب عقـد الـزواج أوعقـد اإلشتـراك .
كمـا حـدد هذا القانـون صالحيـات كـل طرف من الزوجيـن وميـز بيـن ثـالث أنواع من
التصـرفات وهـي :التصرفـات النافعـة لملك المشتري .والتصرفـات الدائـرة بين النفـع والضـرر.
والتصرفـات التي تعد من قبيل الضـرر المحصن .
فأما النوع األول من التصـرفـات ،فقد نظمهـا بالفصـل 11من هـذا القـانـون وهـي تصرفـات
موكـولة لكل واحـد من الزوجيـن يباشرهمـا دون التوقـف على إرادة الطرف اآلخـر .غير أن إطالق يد
كل واحـد من الزوجيـن في مباشرة أعمـال الحفظ واألدارة ،قد يؤدي إلى اإلضرار بالملـك المشتـرك
إذا مـا أساء أحـد الزوجيـن التصـرف أو أدى تصرفـه إلى تبـديد الملـك المشتـرك .لذلك تدخـل المشرع
بالفقـرة الثانيـة من الفصـل 11ليخـول لكل واحـد من الزوجيـن أن يستصـدر حكمـا استعجـايا قاضيـا
برفـع يد قرينـه مؤقتـا عن اإلدارة متى أثبت سوء تصرف أو تبديـد قرينه .
وسوء التصرف أو التبديـد يمكـن أن يكـون مصدره المرض وتأثيـر ذلك المرض على الرضا
المعبـر عنـه في التصرفـات القـانونيـة نظـرا لحالـة صعـف المريض .
وعبء إثبات سوء التصـرف أو التبديـد يقع على الزوج الذي يروم رفع يد قرينـه عن التصـرف
في الملـك المشترك ،وطـالمـا أن األمر يتعلـق بإثبـات واقعـه قانـونيـة فإن اإلثبـان يكون بجميـع الوسائـل
.
ويكـون إثبات سـوء التصـرف أو التبديـد تأسيسـا على معيـار " رب األسرة الصالـح " دون
حـاجـة إلى إثبـات سوء نيـة أو تعمـد القريـن إسـائة التصـرف .وتقـدير سوء التصرف أو التبديـد من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
عـدمه يخضـع إلجتهـاد القـاضي اإلستعجـالي .ومـتى ثبت سـوء تصـرف القريـن أو تبديـده ،فإن
القاضـي اإلستعجـالي يصـدر الحكـم برفـع يـد القريـن المذكـور مؤقتـا عـن اإلدارة .
كمـا إقتضى الفصـل 23مـن نفـس القانـون أنـه " :إذا مـا تصـرف أحـد الزوجيـن في األمـالك المشتركـة
أو أدارهـا بشكـل مـن شأنـه أن يعـرض مصالـح قرينـه أو مصالـح العائلـة إل التلف ،فالـزوج األخـر أن
يطلب مـن المحكمـة الحكـم بإنهـاء حالـة اإلشتـراك" .وهـو مـا يـؤدي إلى أن القريـن المقـام ضـده
يبقـى ممنوعـا مـن مباشـرة صالحيـات اإلدارة .أمـا النـوع الثاني مـن التصرفـات الدائـرة بيـن النفـع
والضـرر ،فقـد عددهـا الفصـل 19حصـرا إذ إقتضى أنـه ":ال يصـح التفويت فـي المشتـرك وإلنشـاء
الحقـوق المعينـة عليـه وال كرائـه للغيـر لمـدة تتجـاوز الثالثـة أعـوام إال برضـا كـال الزوجيـن" وهـذه
التصرفـات كمـا يستـروح مـن أحكـام الفصـل المذكـور ،اليجـوز القيـام بهـا مـن أحـد الزوجيـن بمفـرده ،
بـل يشترط المشـرع توافـق إرادتـي الزوجيـن على مباشرتهـا .
والجـدال في أن التصرفـات لمنصـوص عليهـا بالفصـل 19قـد وردت على سبيـل الحصـر ال
الذكـر .وهـذا الحصـر اليضـر فـي شـيء بإعتبـار أن المشـرع إستعمـل عبـارة التفويت لتوسيـع مجـال
إنطبـاق هـذا الفصـل .فيكـون شامـال بإستعمالـه لعبـارة التفويت لجميـع التصرفـات القانونيـة التي مـن
شـأنها تغييـر الوضعيـة القانونيـة للمـال كالبيـع والمعاوضـة والمساهمـة في الشركـة وغيرهـا .
أمـا بالنسبـة للحقـوق العينيـة فإنه اليجـوز إنشاؤهـا على ملك المشتـرك إال برضـا الزوجيـن .إال أن
المشـرع لـم يتعـرض إلى جـزاء مخالفـة أحكـام هـذا الفصـل فإذا مـا تولى أحـد الزوجيـن .
التفويت في الملك المشتـرك دون رضـا قرينـه فمـا هـو مـآل هـذا التفويت ؟.
إن أول مايتبـادر إلـى الذهـن أن جـزاء هـذا التصرف هـو البطـالن المطلـق بإعتبـار أن المشـرع إستعمـل
عبـارة "اليصـح" .
لكـن إعتمـاد مثـل هـذا اإلتجـاه اليتمـاشى مـع البطـالن في القـانون التونسي الـذي يفـرق بيـن
البطـالن المطلـق وهـو الجـزاء الـذي يتسـلط على العقـدكلمـا خلى مـن أحـد أركانـه الجوهريـة التي
اليقـوم بدونهـا .والبطـالن النسـي وهـو الجـزاء الـذي يصبـر العقـد قابـال لإلبطـال كلمـا خلى مـن إحـدى
الشـروط التي أعـدت لحمايـة أحـد أطرافـه أو الغيـر .وكلمـا تعلـق األمـر ببطـالن نسبي فإنـه يجـوز لمـن
شـرع لمصلحتـه التخلي عـن حقـه فـي المطالبـة بـه وذلك عبـر المصادقـة على العقـد أو إجازتـه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
وفـي صـورة الحـال فإن إشتـراط المشـرع رضـا الزوجيـن معـا لصحـة التصرفـات الواردة صلب
الفصـل 19يكتسـي طابعـا حمائيا لكال الزوجيـن .فإذا مـا تولى أحدهمـا التفويت فـي الملك المشتـرك
دون رضـا الطـرف األخـر كـان هـذا التعرف باطـال .لكـن هـذا البطـالن ذو طابـع حمـائي .ولمـا كـان
كذلك فإنـه يجـوز للقريـن الـذي شـرع لمصلحتـه التخلي عـن حقـه في إنقـاذ التصـرف وبالتـالي عـن
حقـه في المطالبـة بالبطـالن ،وذلك عبـر إجازتـه ،فيصيـر بذلك التصـرف نافـذا .واليطـال البطـالن إال
الجـزء المشـاع الخـاص بالقريـن المتضـرر ويبقـى العقـد صحيحـا تجـاه مـن أبرمـه .وقـد أورد المشـرع
صورتيـن يجـوز فيهمـا ألحـد الزوجيـن إجـراء إحـدى األعمـال المذكـورة بالفصـل 19بمفـرده ودون
توقـف على رضـاء قرينـة لكنـه قيـد ذلك بإستصـدار حكـم إستعجـالي يأذن للـزوج الـذي يرغب في
مباشـرة تلك األعمـال .
أمـا الحالـة األولى فهـي صـورة ما إذا كـان أحـد الزوجيـن في حالـة يتعـذر عليـه معهـا التصريـح
بإرادتـه ،كمـا هـو الشأن بالنسبـة للـزوج الـذي فقـد أهليتـه وتـم ضـرب الحجـز عليـه ،لسفـه أو لضعف
عقـله أو لجنـونه .
والحالـة الثانيـة هي صـورة ما إذا ثبت سـوء تصـرف أحـدى الزوجيـن فـي الملك المشتـرك أوتبديـده لـه
.وسـواءا تعلـق األمـر بالحالـة األولى أوبالثانيـة ،فإن الـزوج الـذي يرغب في إجـراء أحـد األعمـال
المذكـورة بالفصـل ،19اليتسنى لـه ذلك إال إذا إستصـدر حكمـا إستعجاليـا يأذن لـه مباشـرة تلك
األعمـال .وبالنسبـة للصـورة األولى فإنـه على القـاضي اإلستعجـالي أن يتحقـق مـن جـدوى إجـراء أحـد
أعمـال التصرف المذكورة ،ومدى مالئمته ذلك لمصلحة الزوج الذي تعـذر عليـه التصريح بإرادتـه .
وهـذه المعايـير نستمـدهـا مـن أحكـام الفصـل 15م ا ع الـذي إقتـضى بأن الحاكـم المختـص
اليعطـي إذنـه للولي في التصـرف فيمـا هـو موكـول لنظـره مـن أمـوال القاصـر إال عنـد الضـرورة وللمصلحة
الواضحـة لهـذا األخيـر .
وقـد أوكـل المشـرع مهمـة إصـدار مثـل هذه األذون إلى القضـاء اإلستعجالي ،وأخرجهـا مـن نطـاق
األذون على العرائـض ،حفاظـا على حقـوق الزوجيـن وتكريسا لمبـدأ المواجهة الذي يتسنى بموجبه
للزوج المقام ضده بيـان موقفه والدفـاع عـن حقوقـه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
أمـا النـوع الثالث مـن التصرفـات فهي تلك التصرفـات التي تعـد مـن قبـل الضـرر .المحـض
وهي جميـع أعمـال التبـرع التي تخـرج المشتـرك أو شـيء ،منـه مـن ذمـة الزوجيـن دون مقابـل .فقـد
إشتـرط المشـرع لصحـة التبـرع بالمشتـرك أوبشـيء منـه رضـا كال الزوجيـن .
ويمكن أن ينعـدم رضـا أحـد الزوجيـن بسب جنونـه أو لمرضـه الشـيء الـذي يـؤدي إلى التـأثير
على إرادتـه فيعيبهـا أو يجعلها سهلـة التعيب والتي ال تسمـح للشخـص المصـاب بـه أن يعبـر بحريـة
عـن رضـاه ،أو يجعلـه عرضـة للوقـوع في عيب مـن العيـوب الرضـاء كسهولـة الغلط وهـو مـا يذكرنـا
بالصـم والبكـم والمكفوفيـن .فهـل أن القريـن المعـافى سيـرضى بنصيبـه أم سيسعى إلى التخلـص مـن
هـذا الـزواج الـذي سيكبـده مصـاريف ماديـة وأالم معنويـة هوفي غنـا عنهـا ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
عـن أنجـح الحلـول الكفيلـة لعـالجـه .كمـا يحتمـل رفضـه لهذة الحيـاة الزوجيـة التي لن يجنـي من
ورائ هـا إال األضرار المـادية والمعنـوية .هـذا ما يفسـر سعيـه إلى فصم هـذه الرابطـة الزوجيـة سواء كـان
ذلك بواسطـة الطالق ( القسم األول ) أو عـن طريق اللجـوء إلى طلب إبطـال الزواج ( القسـم ثـاني ).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
إن لجـوء الطرف المتضـرر من مرص الطرف اآلخـر في عـقد الزواج إلى إمكـانيتي الطالق
الممنوحتيـن صلب الفقـرة األولى والثـانية من الفصل 31جديد من م أ ش ال يثيـر أي إشكـال قانـوني
،خـالفا لسعـيه إلى التحصيـل على إمكـانيـة الطـالق الممنـوحـة صلـب الفقـرة الثـانيـة من نفس الفصـل،
لمـا أثـاره تأويـل هـذه الفقـرة من إنقسـام في الحلـول النظريـة ( الفقـرة األولى ) وقع تجسيمـه بوضـوح
في مستـوى التطبيق ( الفقرة الثانيـة ) .
الفقـرة األولـى :المرض سنـد لطلـب الطـالق للضـرر :
يمكـن ألحـد الزوجيـن في صـورة تيقنـه من إستحـالة إستمراريـة الرابطـة الزوجيـة ،نتيجـة لمـا
حصـل له من ضـرر ،تسبب فيـه المرض الذي ألم بالطرف اآلخـر ،إنشاء الطـالق على أسـاس الفقـرة
الثانيـة من الفصـل 31من م أ ش وتحمـل التبعـات المـادية مقابـل بلـوغ مبتغـاه .هـذا إلى جـانب
إمكـانيـة إتفـاق الزوجيـن على طلب الطـالق بالتراضـي طبقـا ألحكـام الفقـرة األولى من نفـس الفصـل .
لكن عـدم إستعداد بعـض األزواج لدفـع غرامـات مـاليـة ،وانعـدام التراضي على الطـالق،
باإلضـافة إلى إمكـانية التحصيـل على تعويـض للضرر المعنـوي والمـادي النـاجـم عـن الطـالق ،يبرر
لجـوء الطرف المتضـرر إلى طلب الطـالق علـى أسـاس الفقرة الثـانيـة من الفصل 31جديد من م أ ش
التي أصبحـت تنص بمقتـضى التنقيـح الحـاصل في 11فيفري " 1711أوال على أنـه يحكـم بالطـالق
...ثانيا بنـاءا على طلب أحـد الزوجيـن بسبب مـا حصـل له من ضـرر"( .)1فهل يعـد الـمرض ضـررا
( مبحـث أول ) ؟ وهـل يكفي اإلستنـاد إلى الضـرر الناجـم عـن مرض القريـن وإثبـاته للحصـول على
الطـالق طبقـا لهـذه الفقـرة ( المبحـث الثاني ) ؟ ،أم ال بد من إثبـات سلـوكـه المخطئ إضـافة إلى
ذلك ( مبحـث ثالث ) ؟.
ـــــــــ
-نقح الفصل 31من م أ ش بمقتـضى القـانون عـدد 9لسنـة 1711المؤرخ في 11فيفري 1711والمنشـور بالرائد الرسمي
للجمهـورية التونسية عـدد 11بتـاريخ 23فيفري 1711ص . 351
المبحـث األول :المـرض ومفهـوم الضـرر :
لم يعـرف المشرع التونـسي الضـرر ولم يحـدده وربمـا يعـود ذلك إلنعدام الجـدوى من تعـداد
الحـاالت الضـارة وحصرهـا إذ من شأن هـذا الحـصر أن يقيـد عمـل القـاضي نظرا لكثـرة وتنوع الصـور
خصـوصـا وأنهـا مسألـة تـالمس الواقـع األسرى واإلجتمـاعي ،فتبقـى المسألـة موكـولة إلجتهـاد القضـاة
من تحديد الضـرر من عـدمـه حسب األحـوال والظـروف .ومن منطلق قـانوني وواقـعي فإن مرض أحـد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
الزوجـين قد يشكـل ضـررا لآلخـر .فالمـرض من شأنـه أن يشكـل ضررا نفسيـا أو معنـويا نتيجـة العـجز
الجنسي أو العقـم أو العـاهـات العقليـة ،فالمرض قد يحـدث سـواء ببدن القريـن (أوال) أوأللـم نفسي
(ثانيا) .
- 1الضـرر المـادي :
إن الضـرر النـاجم عن المرض يجـب أن يمس بصـورة مباشرة شخص القريـن وأن يكون فعليـا
أي موجـودا يستحيـل معـه مواصلـة الحيـاة الزوجيـة بمعـنى أن يكـون المرض مـانعا لقيـام القريـن بواجبـاته
الزوجيـة .كمـا أن المرض يجـب أن يكـون موجـودا فعـال إذ أن الشخـص يجـب أن يكـون مصـابا
بالمرض فعـال ال أن يكـون مهـددا به أو من المحتمـل إصـابتـه به مستقبـال ،مثـال ذلك األمراض
الوراثيـة .فمـا هي األمراض التي تأثـر على الحيـاة الزوجيـة والتي قـد تلحـق ضـررا بالقريـن المعـافى مـاديا
؟ قبل اإلجـابة عـن ذلك وجـب اإلشـارة إلى أن أهـم األضـرار المـادية التي يمكـن أن تلحـق القريـن
المعـافى تتمثل في مصاريـف معـالجـة قرينـه المريض ،واستشفـائه .غير أن تلك المصـاريف تعـد واجبـا
من جهـة أخـرى إذا مـا أدخلنـهـا ضمن مكونـات واجـب اإلنفـاق المحمـول على الزوج .
ولعـل من أهـم األضرار المـاديـة التي تلحـق القريـن ضرره من عـدم إتصالـه جنسيـا بقرينـه لمرضـه
.ذلك أن أغلب األمراض تؤثـر من بعيـد أو من قريب على قـدرة الزوج الجنسيـة .
فاألمراض المؤثرة على الحيـاة الزوجيـة أو قد تلحـق ضررا هي في مجملهـا األمراض العقليـة والبدنيـة
والتنـاسليـة والعجـز الجنسي .
فأمـا األمراض العقليـة والبدنيـة فهي ال تثيـر إشكـاال ،فمتى ثبـت إصـابة القرين بعاهـة عقليـة
تجعلـه مجنـونـا أو ضعيف التميـز ،ممـا يؤثر على قدرتـه في القيام بواجبـاته الزوجيـة أو إصـابتـه بمرض
معدي وخطير يجعـل انتقـالـه أمرا أكيـدا عنـد مساكنـة القريـن له ،أمكـن المطـالبة بالطـالق للضرر .
أما في خصـوص األمراض التنـاسلية وهـي األمراض الجرثـومية كمرض السيـدا فهـي من األمراض
التي تشكـل ضررا ثابتـا يجبـر طلـب الطـالق للضرر لسببيـن :أولهما أنـه معد وقد ثبـت ذلك علميـا ،
وثانيهمـا ألنـه يمنـع اإلتصـال الجنسي ،باعتبـاره يؤدي حتمـا إلى تسرب الفيريس .وفي هـذه الحـالة
كمـا هـو الشأن في خصـوص األمراض العقليـة أو البدنيـة المعديـة فإن الشخـص المعـافى يعفـى من
القيـام بواجبـاتـه الزوجيـة كواجـب اإلتصـال الجنسي خـوفا من انتقـال العـدوى .فالزوجـة التي تمتنـع من
تمكين زوجهـا من نفسهـا ألنـه مصاب بالسيـدا وكذلك الزوج الذي يمسـك عـن اإلتصـال الجنسي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
بزوجتـه ألنهـا مصـابة بهـذا الداء ال يعتبـر مخـال بواجباتـه الزوجيـة إذ أن هـذا الموقـف مبني على
أسبـاب شرعيـة ،ذلك أن اإلقدام على العمليـة الجنسيـة في هـذه الضروف هـو إنتحـار (. )1
وقد ينبـثق إشكـال في خصـوص عذريـة الزوجـة فهـل أن فقدان العذريـة يعـد ضررا مـوجبـا
للطـالق على معنى الفقـرة 2من الفصـل 31من م أ ش ؟ .إن الضـرر المـوجب للطـالق يجـب أن
تتوفر فيه شروط معينـة ،فيجـب أن يكـون الضرر المتمسـك به يشكـل إخـالال إللتـزامـات عقديـة هي
محتـوى الفصـل 23شخصي .والضـرر المعتبـر هـو الضـرر الجسيـم وذلك إعتبـارا إلى أن الرابطة
الزوجيـة مؤسسـة وال يجـب أن تنفصـم بمجـرد إقتراف القريـن لخطـأ بسيـط .ولقـد أكـدت محكمـة
()2
التعقيـب على ذلك وخصوصا على عـدم التسـاهـل في فصـم عرى الحيـاة الزوجيـة
ـــــــــ
() 1مقـال األستاذ عبد الله األحمدي بعنوان " :هل يجوز في قانوننـا التـونسي منع المريض بالسيدا من أن يتزوج" .جريدة الصباح
21 .فيفري . 1717
( )2قرار تعقيبي مدني عـدد 7313مؤرخ في 1793/39/13المجلـة القانـونية التونسية 1791ص 31مع تعليق األستاذ
ساسي بن حليمـة .
ففقدان العـذرة ال يمنـع الزوجـة من القيام بواجبـاتهـا الزوجيـة وليس عيبـا يعتد بـه قضاء للحكـم بالطالق
للضرر .فمـن فقـدت عذرتهـا هـي قادرة على أن توفر لزوجهـا حيـاة جنسيـة عـادية ولقـد أكـدت
محكمـة التعقيـب على أن كـل عيب أو مرض غير مانـع مـاديا من اإلتصـال الجنسي .ومن مباشرة
الزوجـة في ظروف عـاديـة
ال يمكـن أن يؤسس على أساسـه دعـوى الطـالق للضرر ( . )1وهـو موقف يسهـل الربط بينـه وبين
مبادئ المذهـب الحنبلي ( )2حيث يرى اإلمـام ابن حنبل " أن العيـوب التي يثبـت بهـا الحق في طلب
التفريق هـي التي تمنـع حصـول المتعـة الجنسيـة .والعيـوب الجسميـة المنفرة أو الضارة التي ال يرجـى
شفـاؤهـا أو يكـون الشفـاء منهـا بعـد زمـن طويل ...ويعـرف ذلك عن طريق أهـل الخبـرة (." )3
فاإلفتضـاض حينئـذ وقياسـا على العيـب شرعـا وقـانونا ،ال يعـد عيبـا منفرا وال معـديا وخصوصا مـانعـا
من مباشرة الزوجـة فالزوج ال يصيبـه ضرر يعتـد به عرفـا يمنعـه من حيـاة زوجيـة وجنسيـة طبيعيـة وهـو
موقـف أكـدته محكمـة التعقيـب بمنـاسبـة صور أرى (. )3
ومن األمراض المـانعـة من تحقيق إتصـال جنسي بين الزوجيـن نجـد العجـز الجنسي لعـدم
تمكـن الرجل من إتيان المرأة إما لسبب بيـولوجي وبدني أو لسبب نفسي .فإن كـان العجـز بدنيـا ال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
بد أن نفرق بين العجـز التـام والعلـم به مفتـرض والعجـز المؤقت كنـوع من البرود الجنسي وهـو نـاجم
عـامة إما عن تنـاول أدوية معينـة أو تنـاول المخدرات أو اإلصـابة بمرض السكري .وفي كل تلك
الحـاالت تفقـد المرأة تلك اللـذة الجنسيـة التي كـانت تمني بها نفسهـا من وراء الزواج ممـا يجعـل
األلـم والحسرة تعتمـر في نفسهـا .
ـــــــــ
()1قرار تعقيبي مدني عـدد 13397مؤرخ في 1711/33/32نشرية محكمـة التعقيب ج 2ص . 22
( ) 2األستاذ فوزي بالكناني "الطالق والضرر" مذكر لإلحراز على شهـادة الدراسات المعمقة في القانون الخـاص جوان . 1711
()3زكي شعبان ،األحكام الشرعية لألحوال الشخصيـة مرجـع مذكرة ص 313و . 315
()3قرار تعقيبي مدني عـدد 5727مؤرخ في 1711/12/15ن م ت 1711ج 3ص . 253
ونظـرا ألهميـة اإلتصـال الجنسي في عقـد الزواج فإن العجـز الجنسي في المقـابل للقريـن يعـد ضررا
يمكن من طلب الطـالق للقريـن المتضرر .
على أن الضـرر الذي يصيـب القريـن من جراء مرض قرينـه ال يتمثـل في الضـرر المادي فقط بل
يمكـن أن يكـون معنـويا أيضـا .
-2الضـرر المعنـوي :
إن الضـرر المفضـي إلى طلب الطـالق ليس الضرر المادي فحسب بل هـو الضرر المعنـوي أو
الضرر األدبي وهو كـل مـا ال يصيـب الشخـص مـاديا يرجعـه الدكتـور عبد الرزاق السنهـوري إلى أحوال
معينـة هـي :
+الضرر األدبي الذي يصيب الجسـم من جـروح وألم وتشـوه .
+الضرر األدبي الذي يصيـب الشرف واالعتبار والعرض مثل القذف والسب .
+الضـرر األدبي الذي يصيـب الشخص من مجرد اإلعتداء على حـق ثابت له (االعتداء على ملكـه
الخـاص (. )1
الغم واألسى والحـزن ،وهـو +الضرر األدبي الذي يصيب العاطفـة والشعـور ...ويدخـل إلى القلـب ّ
العنصـر الذي يمكـن أن يتأسس عليـه طلب الطـالق للضرر عنـد إكتشـاف مرض قرينـه عند الدخـول
به .غير أن إثبات الضرر المعنـوي وباعتبـاره يمس الجـانب النفسي للشخـص ،يصعـب التعرف إليـه
كمـا يكتسي صعـوبـة قصوى في اإلثبات ويبقى الزوج تطبيقـا للفصـل 321من م م م ت مطـالبـا
بإثبـات مـا يدعيـه من حصول ضـرر معنـوي ألم به وبمشـاعره .وله في ذلك الحريـة الكـاملة إعتبـارا وأن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
اإلثبات يتعلـق بواقعـه المـادية ويبقـى للقـاضي ولقضـاة األصل عمـوما الحريـة في تكييف الضـرر وتقديره
معتبريـن في ذلك الجانب النفسي للشخـص وذاتيتـه .
ـــــــــ
( ) 1الدكتـور عبد الرزاق الشهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني :مصادر اإللتزام دار النشر للجـامعات المصرية ،القاهرة ،
1752ص ( 113بتصرف ) .
لكن الضرر المعنـوي ال يقف عنـد حـدود الشعـور بالتأزم النفسي بل قد يتعـداه إلى مـا قد يشعـر به
الزوج من ألم وحسرة نتيجـة إخفـاء زوجتـه أمـرا جوهريا كـان عليـه أو عليهـا من باب النزاهـة واألمانـة
أن تعلمـه به حتى يكـون على بينـة من أمره (. )1
وهـذا الواجـب هو مـا إصطلـح على تسميتـه الفقـه الفرنسي بواجب المصارحـة في عقد الزواج
(. )2
فما هـو حظ هـذا الواجـب من الوجـود في القـانون التونسي لألحوال الشخـصية ؟ وهل يمكـن أن
نعتبره الخطأ الذي تؤسس عليـه مسؤوليـة الزوجـة فيمـا لحق الزوج من ضـرر معنـوي ؟
فكيف يفهـم هـذا الـواجب في عقـد الـزواج ؟ يعتبـر مبدئيـا كـل مـا وقـع خـارج إطـار الـزواج خـارجـا عـن
نطـاق العالقـة الزوجيـة واليدخـل في مـاعسى أن يحـاسب عليـه أحـد الزوجيـن فالعبـرة بسلوكـه نحـو
قرينـه منـذ تـاريخ الـزواج (. )3
حينئـذ ،فال عبـرة بمـا كـان للـزوج أو الزوجة مـن تصرفـات سابقـة ومـا على كل شخـص يعلـق
أهميـة على معرفـة ماضي قرينـة ،إال أن يتجند شخصـيا للبحث والتقصى عن كل مـا من شأنـه أن
يكـون ذا فائـدة "حتى إذا مـا إكتشف بعـد الـزواج أمـورا لـم يكـن مطلعـا عليهـا فإنـه ال يسعـه إال أن
يلـوم نفسـه" .على أن هـذا قـد ال يـكون كافيـا وقـد يثيـر إشكـاالت واقعيـة ،خصـوصـا إذا مـاكـان األمـر
الـذي خفي على مـن يهمـه األمـر أمـرا لـم يكـن فـي إمكانـه كشفـه قبـل الـزواج ولـو حـرص على ذلك .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ـــــــــ
( -)1األستاذ ساسي بن حليمة محـاضرة "الزوجـة العـذراء" مرجـع سابـق الذكـر.
(2)-Guyon yves de l’obligation de sincérité dans le mariage R T D 1964 p 473 .
)" - (3ماهو تأثيـر مـرض الزوجة على مصير الرابطة الزوجية" مقال األستاذ ساسي بن حليمة ص
11مرجع مذكور.
مـن ذلك مثـال مـا يتعلـق بالصحـة الجسديـة للشخـص ومايكـون قـد أصيب بـه مـن أمـراض ،
وعلـل ,شفـي منهـا أولـم يشفـى .فهـل أن الـزوج أو الزوجـة مطـالب كـل منهمـا هنـا أن يتصـل بالطبيب
الخـاص للطـرف اآلخـر ؟ وعلى كـل فهـذا لـن يجديه نفعـا إعتبـارا للسـر المهني الـذي يلتـزم بـه كل
طبيب .فكيف لـه إذا أن يعـرف أمـورا ذاتيـة تتعلـق بشخـص القريـن وحـده ومـامـن سبيـل لكشفهـا إال
عـن طريقـه هـو فحسب ؟.
فمـاذا عسـى مـن إكتشف عيبـا خلقيـا أو غيـر خلقيـا مـن شأنـه اإلضـراربـه مـاديـا أومعنويـا ،أن
يفعـل ،خصوصـا إذا مـا أصبـح يعتبـر أن إستمـرار الزوجيـة أصبـح مستحيـال مـع وجـود ذلك العيب ؟.
واإلستحالـة هـي إستحالـة معنويـة أكثـر منهـا ،ماديـة ،لمـا يشعربـه مـن مهانـة وقلـة شـأن ،حيـث أنـه
وقـع في مغالطـة كمـن إكتشف أن سبب إستئصـال ثـدي زوجتـه ،إصابتهـا بمـرض سرطـان سابـق
للـزواج ،وليـس حـاذث مـرور إدعت وقوعـه وأقنعتـه بأنـه السب الفعلـي وراء عمليـة اإلجتـذاذ ؟
كذلك مـا العمـل فـي مـن إكتشفت أن اإلعاقـة التي يشكـو منهـا زوجهـا ،ليـس مردهـا حـادث شغـل
أومـرور بـل إعاقـة وراثيـة ؟ .أو كذلك مـن إكتشف بمناسبـة الدخـول بزوجتـه آثـار لعمليـة جراحيـة على
مستـوى البطـن إدعت الزوجـة أنهـا نتيجـة إستئصـال الزائـدة الدوديـة فـي حيـن أن سببهـا عمليـة قيصريـة
قـامت بهـا الزوجـة قبـل الـزواج للتخلـص مـن حملهـا والحفـاظ على سالمـة غشـاء البكـارة ألن حملهـا
كـان نتيجـة اتصـاالت سطحيـة بالدلك مـع اإلنتشـار ( )1؟ .
ـــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
كلهـا حـاالت واردة وليست ثمـرة خيـال نظـري بحت ،بل هـي إشكاليـات واقعيـة مـردهـا أمـور
سابقـة للـزواج ،وبالتالي اإللتـزام العقـدي لكـل مـن الطرفيـن .لـذا فالمشكـل طـرح فـي خصـوص
إعتبارهـا حـاالت للبطـالن أو للطـالق للضـرر ،ولقـد تأرجـح فقـه القضـاء لوهلـة مـن الزمـن بيـن الطـالق
والبطـالن .وإختلفت محاكـم األصـل مـع محكمـة التعقيـب الفرنسيـة فـي هذا الخصـوص ( )1وهـذا
التـردي كمـا فسـره األستـاذ سـاسي بـن حليمـة مـرة أنـه فـي فتـرة مـن الفتـرات سجـل غلقـا لبـاب الطـالق
إلـى حـدود سنـة ، 1113فمـا كـان أمـام المتقاضـي إذا مـارام فصـم العالقـة الزوجيـة إال أن يقصـد بـاب
البطـالن المؤسـس على غلط فـي الشخـص على أسـاس أحكـام الفصـل 113مدني فرنسي .وهنـا
توسـع فقـه القضـاء في الصـور ،وعـدد المـواقف إال أن العكـس حصـل حيث جـاءت فتـرة فتـخ فيهـا
()2
بـاب الطـالق على مصراعيـه وبالمقابـل أغلـق بـاب الطـالق .ولقـد ساهمت محكمـة التعقيب
بقسـط وافـر فـي إحكـام الغلـق حيث إعتبـرت بدوائرهـا المجتمعـة أن الغلط اليجب أن يؤسـس لطلب
إبطـال الـزواج إال إذا مـا كـان غلطـا فـي الشخـص ،فـي الـذات الماديـة لـه أوفـي الحالـة الماديـة "دون
األخـذ بعيـن اإلعتبـار إذا ما وقـع حول صفـات الشخص (. )3
لـذا وأمـام هـذا الوضـع أعـادت المحاكـم فتـح بـاب الطـالق فـي وجـه مـن تمسك بـه بـأن قرينـه
أخفى عليـه أمرا هامـا ،كوجـود عجـز جنسـي أومـرض خطيـر ،فإعتبـرت محكمـة التعقيب الفرنسيـة
أن " :كـل إخفـاء لحالـة صحيـة معينـة ،كوجـود عيب بالجهـاز التناسلـي للمـرأة مانـع مـن اإلتصـال
الجنسـي ( ، )3أو مـرض تناسلـي خطيـر مـن شأنـه إلحـاق ضـرر صحـي بالقريـن عمومـا ،فهـو أمـر
موجب لطلب الطـالق للضـرر (. )5
ـــــــــ
1-cass civ 5/7/1956 Dallaz, 1956 J.CP page 609.
2-cass civ ch: Réun 24 – 4 –1862.
( -)3األستـاذ ساسـي بـن حليمـة مرجـع سابـق الذكـر .
3- cass civil 7- 5- 1951 D 1951 JG P 472
5-Cass civil 5-7-1956 D 1956 JG P609.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
وهـذا اإلطـار الخـاص للطـالق للضـرر أصطلـح فقـه القضـاء على إعتبـاره ينـدرح ضمـن مايمـس
بواجب المصارحـة حيث أنـه " أصبـح يعتبـر أن كـل مـن الطرفيـن مطالب بواجب المصارحـة نحو قرينـه
المنتظر حتى إذا مـا أخـل بذلك الواجب فإنـه يعتبـر قـد إرتكب خطـأ يبـرر الحكـم بالطـالق للضـرر .
وإعتبـرت المحكـم انـه بالرغـم مـن أن الضـرر الموجب للطـالق اليمكـن أن يأخـذ بعيـن
اإلعتبـار إال إذا مـا كـان ضـرار مـرده أفعـاال لعقـد الزواج ،لكننـا نقبـل عمـومـا أن نعتبـر إخفـاء أمـر مـا
مـن طـرف القريـن على اآلخـر وإن كـان أمـرا سابقـا لإلرتبـاط القانوني ،مـن الممكـن أن يشكـل ضـررا
خطيـرا إن كان من األمـور التي لو علم بها القريـن ،من الممكن أن يكـون قـد رفـض اإلتبـاط (. )1
بهـذا يجد فقـه القضـاء الفرنسي لنفسـه مبـررا إذا ما خـالف المبـدأ القـائل بأن عقـد الـزواج
الينتـج آثـاره إال منـذ إبـرامـه .فلقـد كلف نفسـه عنـاء التعليـل والتبريـر ( ،وإن كـان أسـاسا غيـر ملـزم بـه)
،لمـا عرفتـه الساحـة الفقهيـة الفرنسيـة مـن رفـض لهـذا الواجب السابـق لـزواج ،والذي يخلف آثـارا ،
وكأنـه واجب الحـق للـزواج بمـا أنه يمكـن مـن طلب الطـالق للضـرر إذا مـا تخلـف .
لقـد إعتبـر الفقـه الفرنسـي هـذا الواجب مـن بـاب التزيـد على عقـد الـزواج ،بمـا أنـه الوجـود لنـص
تشريعـي يفرضـه .وخصوصـا ألن جريـان العمـل إفتـرض دائمـا حسـن النيـة فـي كال الطرفيـن وأنـه إذا مـا
إعتبـر أحدهمـا أن اإلخفـاء تـم عمـدا ما عليـه إال إثبـات ذلك .
كمـا جعـل الفقـه الفرنسـي مـن واجب المصارحـة السابـق للـزواج "ذلك الواجب الـذي يلتـزم
بمقتضـاه المترشـح للـزواج مـن اإلمتناع عـن كـل مـا مـن شأنـه أن يوقـع معاقـده فـي الخطـأ مـن منـاورات
وخزعبالت وأن اليمنـع حصولـه على معلومـات قـد تحـدد نوعيـة قـراره ( )2فجعـل منـه واجبـا غيـر
ضـروري،
ـــــــــــــــــــ
1-Cour dappel golmar 3 –3 –1954 opcit p373
2-Le devoir pré – conjucal de sincérité dans le mariage RTD CIV 1964 PAGE 473.
بمـا أن عقـد الـزواج محـاطا بمـا يلـزم مـن إشهـار وتأكيـد مـن وجـود الرضـا وسالمتـه .
كمـا إعتبـره واجب خطيـر ألنـه سيحمل التقنين الشخصي ألن يتكفل بحمايـة "المغفلين
والمهملين" من مـاطر مـا أهملـوه مـن معلـومـات كانت لتفيدهـم لـو حرصـوا على ذلك ( .)1وهـو مـا
يعـرف التينيـا بـ « »Jura vigilantibues prodeunt
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ولـكن لـم يمـثل هـذا الشـق الفقهـي الرافـض "لإلكتشـاف الجديـد" لفقـه القضـاء إال األقليـة النادرة.
حيث لقي هـذا الواجــب السـابق للزواج رواجـا بفضـل المسـاندات التي عمتـه به الدراسـات الفقهيـة
المتعـددة ،من ذلك أن جعل له مبررات الوجـود ،ومفهـوما قانـونيا ونظـاما خـاصا به .
فأما على مستـوى التبريـر فالفقـه الفرنسي يعتبـر أن التقارب اليوم بين الزوجيـن يجب من
واجـب المصارحـة أكثر لزومـا وفـاعلية من ذي قبـل ،بل لعلـه إحـدى مظاهـر واجـب التعـاون المضمن
بالفصـل 212مدني فرنسي (. )2
أما على المستوى المفهـوم القـانوني ،وحتى ال نقع في الخلط مع المفهوم األخـالقي للواجـب
فإن التمسك بواجـب المصـارحة لطلب الطالق للضرر يجب أن يتقيد بشرطيـن :
+أن يكون أمر مـا قد خفى عن الطرف المتضرر ،أمرا ذابـال .
+أن يكون اإلخفـاء تـم بواسطـة منـاورات ،خزعيالت ،أو إخفـاء تغرير بالكتمـان ويعتبـر الفقـه عمـوما
أن كل إخفاء يتعـارض مع مرامي الزواج الشرعية هـو إخفـاء مذنب موجـب للتمسك بواجـب
المصارحـة لطلب الطـالق للضرر .كمـا أن كل إخفـاء وعـدم مصارحـة سواء تمـت بتغرير بخزعيالت
أو بمجـرد الكتمـان ،هي إخـالل بواجبـات الزوج وبالتالي خطأ موجـب للطـالق للضرر .
ـــــــــ
(1) « Le legistateur ne peut poursuivre lirrealisable dessein de protèger les imbèciles ou
les imprudents » GuyonYvesopcit 474 .
(2) Guyon yves apcit p 474 .
ويعتبـر فقـه القضـاء الفرنسي أن مجرد اإلخفـاء قرينـة على سـوء النيـة ،ومـا على المدعي عليـه إال إثبـات
العكـس إمـا إطالع المدعي عليـه قبـل الزواج أو أنـه لم يقصـد ولم يتعمـد اإلخفاء ،إيمانـا منـه بأن
المسألـة ثانـوية وربمـا هـامشية لديه ولدى قرينـه باألساس .
غير أن مسألـة المصـارحـة يمكـن النظـر إليهـا من جـانب الخطـئ أو السلـوك المخطئ للقريـن
الذي تعمـد إخفـاء حـالتـه الصحيـة على قرينـه ممـا يجعلـه مخطـئا .
المبحـث الثـاني :المـرض سبـب الضـرر :
إذا ما اعتبرنـا وأن المرض يعـد في حـد ذاتـه ضررا للقرين المعـافى .وهو ما يمكنـه من
المطـالبـة بالطـالق للضرر الحاصـل له من مرض قرينـه .غير أن هـذه النتيجـة ال يمكـن أن نصل إليهـا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
في كـل الحـاالت وذلك راجـع إلختـالف فقهـاء القـانون حـول مبنى الضـرر في الطـالق .فلقـد تبلورت
لدى فقهـاء القـانون نظريتـان في خصـوص الضـرر الموجـب للطـالق األولي نظريـة تقليديـة أطلق عليهـا
تسميـة نظريـة إشتراط وجـوب تأسيـس الضـرر على الخطأ ( النظرية األولى ) والثـانيـة نظريـة حديثة
(النظريـة الثانيـة) أطلق عليها تسمية نظريـة اإلكتفـاء بمجـرد حصـول الضـرر.
-1النظـرية األولى :النظرية التقليدية ،أو نظرية إشتراط وجـوب تأسيس الضرر على
الخطـئ :
من أهـم أنصار هـذه النظريـة األستـاذ ساسي بن حليمـة .وهـي ترى أن الضـرر الموجـب للطـالق ال
يمكـن أن يثبتـه أحـد الزوجيـن إال إذا أثبـت خطأ إيجـابي أو تقصيري قصدي في جـانب القريـن.
بحيث ال يمكـن إعتبـار أن الضرر مـوجب للطـالق إال إذا كـان منطويا على خطإ يرتكبـه أحـد الزوجيـن
(. )1
وهذه النظريـة التقليديـة التي تشترط وجـوب تأسيـس الضـرر على الخطأ تبنـاها القانون الفرنسي
صلب الفصـل 232و 233من المجلة المدنيـة الفرنسيـة المنقـح بقـانون 11جويليـة . )2( 1795
ــــــــ
()1محمـد الحبيب الشريف مرجـع سابق الذكر ص 11
()2الحبيب الغربي مرجع سابق الذكر ص . 3
Le divorce ويطلـق على هـذه النظريـة تسميـة نظريـة الطـالق كجـزاء أو كعقـوبة
Senctionإذ يعد الطـالق وفقا لهـذه النظريـة عقوبـة للمخـالفـة التي يرتكبهـا أحد الزوجيـن أوكليهمـا
لإللتزامـات المترتبـة على الزواج (. )1
فبالنسبـة لألستـاذ ساسي بن حليمـة ،وجب في البدايـة معرفـة مقصـد المشرع من خـالل سنـة
للفقـرة األولـى مـن الفصـل 31قـديم ،الـذي ينـص على أنـه "يحكـم بالطـالق بنـاء على طلب الـزوج أو
الزوجـة لألسبـاب المبنيـة فصـول هـذه المجلـة" ،ومـا إذا كـان ينـوي بسنهـا تمكيـن كـل زوج مـن
المطالبـة بالطـالق بمجـرد إقامتـه الدليـل على أنـه متضـرر مـن قرينـه (. )2
أو السمـاح بالطـالق على شـرط أن يثبت أن الضـرر ناشىء عـن خطـإ إقترفـه ذلك القريـن .وبالنسبـة
لألستـاذ بـن حليمـة اليحكـم بالطـالق على أسـاس تلك الفقـرة إال إذا أثبـت المدعـي أن قرينـه ألحق بـه
ضـررا ناتجـا عـن حرقـه لواجباتـه الزوجيـة .لـذا وجب تحليـل تصـرف المدعي عليـه لمعرفـة إن كـان
مخطئـا أم ال ،حتى إذا لـم يكـن مخطئـا ،فـإن الحكـم يكـون رغـم وجـود الضـرر ،بعـدم سمـاع دعـوى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
المدعـي ( .)3ويضـرب األستـاذ على ذلك مثـال محسـوسـا هـو أن مجـرد المـرض الـذي يعتـري أحـد
الزوجيـن بعـد الدخـول ال يمكـن لـزوج اآلخـر مـن المطالبـة بالطـالق على معنـى الفقـرة األولـى مـن
الفصـل 31قـديم مادام الـزوج المريـض لـم يرتكب أي خطـإ يـؤاخـذ مـن أجلـه كرفضـه مثـال تلقـي
العـالج الـذي مـن شأنـه إزالـة ذلك ( .)3ويـرى األستـاذ يسري محفـوظ ( )5أن هـذا التوجـه
ـــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
فالقضـاء بالتعويـض ليـس باألمـر الحتمـي بمجـرد ثبـوت الضـرر بـل يرتبط أساسـا بالسلـوك
المخطـئ للقريـن .ومـا دام لـم يثيت أن المطالب بالتعويـض تسب فـي الضـرر خطـأ وعمـدا ،فال يسـأل
عـن دفعـه ،تطبيقـا ألحكـام الفصليـن 12و 13مدنـي ( .)2فالضـرر حسب هـذه النظريـة غيـر كـاف
فـي حـد ذاتـه بـل يجب أن يكـون مقترنـا بخطـأ .فالـزوج المريـض تسلط عليـه مرضـا بمثابـة المصيبـة
()3
مـن غير اللـه ومـن غيـد العـدل واإلنصـاف الحكـم بالـطـالق وطلب التعويـض
ـــــــــ
( -)1يسـر محفـوظ مرجـع سابـق الذكـر ص . 13
(-)2حيثيـات الحكـم اإلستئنـافي بتصرف مأخـوذ عـن مذكـرة عـذرة الزوجـة لسـارة قمـارة .
(-)3مذكـرة ختـم لـدروس بالمعهـد األعلـى القضـاء المـرض والقانـون المدنـي ص .137
وهـو تمشـي يتوافـق والمبـادىء القانونيـة التي تعتبـر أن المسؤوليـة الشخصيـة التتوفـر إال بتوفـر
الخطـأ .ولكنهـا تتعـارض مـع مبـادئ أخـرى ذلك أن المنطـق يفتـرض إذا مـا ثبت الضـرر حكـم بـه
وبالتعويـض على أسـاسـه ،ذلك أنـه اليمكـن الحكـم بالطـالق للضـرردونمـا التعريـض عـن ذلك الضـرر
.
على أعقـاب جملـة هـذه اإلنتقـادات المتعلقـة إمـا بأسـاس الضـرر فـي دعـوى الطـالق للضـرر
فـي خصـوص المـرض ،أو بمبنـى التعويـض عنـه ،قامـت النظريـة الحديثـة التي تأسست على مجـرد
الضـرر إليقـاع الطـالق وكنتيجـة لذلك على أليـة التعويـض بمجـرد إيقـاع الطـالق .
حاول بعـض شراح القـانون إستنتـاج حصـول تطور في مفهـوم الضرر الموجب للطـالق في
القانـون التونسي ،وذلك من خـالل المقـارنـة بين التحرير القديـم الصيغـة الجديدة للفصـل 31بعد
التنقيـح الذي أدخـله المشرع التونسي على بعض فصـول المجلـة في 31أفريل . )1( 1711إذ أن
الصيغـة الجديدة للفصـل 31تفيد أن مبدأعامـا جديدا ،بخصـوص مفهـوم الضـرر الموجـب للطـالق قد
برز للوجـود ،إذ أن النص المنقـح جـاء يكرس فكرة اإلكتفـاء بمجـرد حصول الضـرر للمطـالبـة
بالطـالق على معـنى الفقـرة الثانيـة من الفصـل المذكـور .فإستعمـال النص الجـديد لمصطلح الضـرر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
صراحـة إنمـا يفيـد أن المشـرع أراد أن يضع مبدأ نظريـا عـاما في خصوص مـا يعرف لدى فقـه القضـاء
بالطـالق للضـرر (. )2
وهـكذا أصبـح بالنسبـة لمؤيدي هـه النظريـة مجـرد حصـول الضـرر سببـا كـافيـا إلمكـان طلب
الطـالق والحكـم به وهـم يستنـدون في ذلك على :
ـــــــــ
-1نقـح الفصـل 13مـن م أ ش بمقتضـى القانـون عـدد 9لسنـة 1711المـؤرخ فـي 11فيفـري 1711والمنشـور بالرائـد
الرسمـي للجمهوريـة التونسيـة عـدد 11بتاريـخ 23فيفـري 1711ص 351
-2رضـا األجهـوري مرجـع سابـق الـذكر ص . 13
-1نص الفقـرة الثانيـة من الفصـل 31جديد من مجلـة األحوال الشخصيـة الذي ال يشترط وجـوب
تأسيـس الضـرر على الخطأ لوروده في صيغـة عـامة .وأن نص الفقرة األولى من الفصـل 31في تحريره
القديـم ال يقتـضي حتمـا تأسيس الضـرر علىالخطأ ،بل ورد في صيغـة عـامة تحتمـل الموقفيـن معـا ،وأن
تطبيقـه ال يقتصـر فقط على حـالة الضـرر المؤسس على الخطأ وإنمـا يمكـن أن يستغـنى عن إشتراط
الخطأ في تحديد مفهـوم الضـرر الموجـب للطـالق (.)1
-2إن عبارة " يتجنـب إلحاق الضرر بهـا " الوارد بالفصـل 23من مجلـة األحـوال الشخصيـة يفيـد
حقيقـة تأسيس الضرر على الخطأ .لكن هـذا النص هو تعبيـر على حـالة خـاصة أوردهـا المشـرع
صلـب الفصـل 23مـن مجلـة األحـوال الشخصيـة عنـد بيانـه إللتزامـات الـزوج تجـاه الزوجـة .واليمكـن
تعميمهـا ،فالضـرر المـؤدي إلـى الطـالق اليكـون بالضـرورة ناتـج عـن الخطـإ ،إذ يمكـن أن يكـون
قائمـا بذاتـه دون إشتـراط وجـوب تأسيسـه على الخطـأ .
-3إن النظـرية التقليديـة تـؤدي إلـى تضـارب فـي النتائـج رغـم وحـدة المنطلـق .ويظهـر هـذا التضـارب
حيـن يرفـض الفقـه وفقـه القضـاء اللـذان يتبنيـان النظريـة التقليديـة للضرر إعتبـار العقـم رعـم إمكانيـة
ثبـوت الضـرر الناتـج عنـه،
ضـرار موجبـا للطـالق فـي خيـن أنـه يعتبـر العجـز الجنسـي ضـررا موجبـا للطـالق رغـم إنتفـاء الخطـأ مـن
طـرف الـزوج المصـاب ،والحـال وأن العجـز الجنسـي والعقـم يشتركـان فـي خصـوص إنتفـاء الخطـإ في
كليهمـا ( .)2لكـن األستـاذ الحبيب الغربـي يـرى عكـس مـا ذهب إليـه مؤيـدو النظريـة الحديثـة وقـد ركـز
نقـده علـى فكرتيـن إثنتيـن :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ـــــــــ
ـــــــــ
(-)1الحبيب الغربـي ،مرجـع سابـق الذكـر ،ص. 1
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ـــــــــ
-5محمـد الحبيب الشريف ،تعليـق على قـرار حـول "تـأثيـر العجـز الجنسـي للـزوج عى قيـام العالقـة الزوجيـة وإنفصـالها"
بتاريـخ 11نوفمبـر 1711مرجـع سابـق الذكـر ص.11
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
وجوب تأسيـس الضرر على الخطأ ،لورود عبـارة الضـرر في صيغـة عـامة ومطلقـة (. )1
فالمشرع كـان واضحـا لما حـدد مصدر الضـرر بقولـه " :الضـرر المـادي والمعنـوي النـاجم عن
الطـالق " والمفهـوم بالضرورة ،الضـرر النـاجم عن فسخ عقـد الزواج .
إن تحديد األساس النضري الذي ينبني عليـه تصور القانـون التونسي للضـرر المـؤدي إلى
الطـالق ليس من باب النقـاش النظري الهـادف إلى استعـراض المعلـومـات القانـونيـة في الموضـوع ،بل
الهـدف منـه البحـث عـن جملـة العنـاصر التي من شأنهـا أن تقـودنـا إلى معرفـة الزاويـة التي ينظـر منهـا
القـانون التـونسي إلى الضـرر المتسبب فيـه المرض ممـا يمكننـا من تفسيـر مواقفـه التي إتخذها إزاء
صـور الضـرر الخـاصة بالمـرض ومن التكهـن بالموافقـة التي سيتخذهـا إزاء الصـور التي لم يتعـرض إليهـا
إعتمـادا على هـذا التـوجه العـام ذلك أن تنـوع الحلـول النضريـة في خصـوص مبنـى الضـرر ونتـائجـه
المنجرة عن المرض سيكـون من أبرز نتـائجهـا على المستـوى التطبيقي تعـدد الحلـول في هـذه
المسألـة ولربمـا تنـاقضهـا .
الفقـرة الثـانيـة :التطبيـق القضـائي :
إن المتأمـل في فقـه القضـاء ال يلبـث أن تتملكــه حيرة نتيجـة مـا يلحظـه من عـدم استقراره
على نظريـة " الطـالق عـالج " أو نظريـة " الطـالق جـزاء "وسيكشـف إضطراب فقـه القضـاء إذا مـا
حـاولنـا النظـر إليـه من زاويـة إحـدى هاتيـن النظريتيـن ( المبحـث األول ) .كمـا انعكس هـذا اإلضراب
بصفـة آليـة على مسألـة التعويـض ( مبحث ثـاني ) .
ـــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
إن تتبـع فقه القضـاء في هـذا المجـال يتبيـن منه وجود إضطراب في المـواقف (أوال) إنعكـس
على مسألـة اإلثبـات (ثانيـا) .
-1إضطراب فقه القضـاء في خصـوص الطـالق :
لقـد كـانت كل من النظريتيـن األولى والثـانيـة قاصـرة على استيعـاب موقـف فقه القضـاء وهـو مـا
جعـل فقه قضـاءه مضطربـا بالقيـاس مع هـاتين النظريتيـن (أ) .بمـا يجرنـا إلى الرجـوع إلى الفقـه
اإلسـالمي الذي يبـدو في في نظرنا األقرب إلى تفسيـر المنهـج الذي سلكـه فقـه القضـاء من النظريتيـن
سابقتي الذكـر (ب) .
أ-إضطراب فقـه القضـاء بالقياس مع نظريتي الطـالق عـالج والطـالق عقـاب :
لقد أسلفنـا القـول أنـه ال يمكـن الإلطمئنـان إلى نظرية الطـالق عقاب كأسـاس نظـري يعتمـده
فقه القضـاء التـونسي لتحديد الضـرر الذي ينجـر عنـه الطـالق بموجـب المرض وهـو موقف يغلـب عـن
الظـن أن محكمة التعقيب تشاطرنا إيـاه وخـاصـة في قرارهـا الصادر في . )1( 1711/11/11
والذي تتـلخص وقائعـه في قـيام الزوجـة لدى المحكمـة اإلبتدائيـة بتونس عـارضة أنـه وقع الدخـول بها
منـذ قرابـة العام ونصف ولكنهـا مع ذلك بقيـت محـافضة على عذريتهـا نظرا للعجـز الجنسي الذي
يعـاني منـه زوجهـا ،ولذلـك فهي تطـالب بالطـالق لتضررهـا مع تعويـض الضرر الناجـم لها عـن الطـالق
.
وكأن الزوج إطمأن إلى وجـوب تأسيـس الضـرر على الخطأ حتى يؤدي إلى إيقـاع الطـالق فلم
يجسد نفسـه عنـاء منـاقشـة عجزه الجنسي وإكتفـى بمـالحظـة أنـه حتى لو وقع التسليـم جدال بعجـزه
الجنسي ،فهو غير مسؤول عن تبعـات هـذا العجـز.
ـــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ولذلـك يطلب عـدم سماع دعـوى زوجتـه .غير أن الحكـم صدر بإيقـاع الطـالق للضـرر
فطـعن فيه الزوج لدى محكمـة اإلستئنـاف بتونس الذي صدر قرارهـا مفصحـا على التردد بين حليـن
مر يتمثـل أولهمـا في الحكم بالطـالق للضرر وبتعويض للزوجـة تحملـه على كـامل الزوج حال أحـدهما ّ
أنـه ال يمكـن نسبـه أي خطإ إليـه .
فما هـو ذنب الزوج إذا تبيـن بعـد الدخـول أن به عجـزا جنسيـا .مـانعا من المباشرة ؟ قد يقـال
أن ذنبه يتمثـل في إخفائـه لعـجزه الجنـسي عـن زوجتـه قبل الدخـول ممـا يشكـل إخـالال بواجـب
المصـارحـة .لكن وكمـا أسلفنـا الذكـر سابقـا أن الزوج غير محمـول على محـاولـة اإلتصـال الجنسي
قبـل الدخـول ليتثبـت من قدراتـه الجنسيـة .مكمـا أنـه غيـر محمـول على عـرض نفسـه على طبيب
مختص ليتثبـت من صحتـه الجنسيـة .وحتى الفحـص الطبي السابق للزواج ال يمكـن أن يسعفـه بأي
معلـومـات حـول إصابتـه بالعجـز الجنسي .كل ذلك يجعـل الزوج يتخلـص بسهولـة من كل تقصيـر
ينسـب إليـه بخصـوص واجـب المصارحـة المرتبـط بالزواج .
أما الحـل الثاني فمفـاده أن الزوجـة قد لحقهـا ضـرر جسيـم نتيجـة العجـز الجنسي الذي يعـاني
منـه الزوج .فهـي قد تزوجـت لتحقق مـع زوجهـا التكـامل المنشـود ولتربـط بينهـا وبيـن زوجهـا عـالئـق
روحيـة وفكريـة متينـة ،ولكن أيضا لتجـد عنـده ما تفرضـه عليهـا أنوثتهـا من إتصال جنسي حيلت
نفسـانيا وحسـدا على الحـاجة إليـه ( .)1فربمـا لو تـم رفض دعـوى الطـالق للضرر إللتجـأت الزوجـة
إلنشـاء الطـالق للتخلـص من هـذه الوضعيـة التي ال تطـاق بالنسبـة لهـا .
ومن البديهي أن إلتجـاء الزوجـة إلى رحاب الفقرة الثانيـة من الفصـل 31ينتـج عنـه إثقـال كـاهلهـا
بتعويـض الضرر الـناجـم للزوج عـن الطـالق .في حـال أنهـا هـي المتضـرره من هـذا الزواج .
ـــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
العصمـة بين الطرفيـن مرة أولى بعد البنـاء إلستمراريـة الحيـاة الزوجيـة وعـدم سمـاع الدعـوى في
خصوص الغـرامـة ( .)1وهـو حـل يبدو منطقيـا فيمـا أن الضـرر يجب أن يؤسس على الخطأ ليفـضي إلى
الطـالق حسـب محكمـة اإلستئنـاف ،فقـد أسسـت المحكمـة قضـائهـا بالطـالق على "إستحـالة
إستمرار الحيـاة الزوجيـة "،ألن إعتقـادهـا راسـخ بـأن الرابطـة الجسديـة عنصـر مهـم لتمتيـن الصلـة بيـن
الزوجيـن .وبـدونهـا تتضـاءل حظـوظ األسـرة فـي التمـاسك والقبـام بـدورهـا اإلجتمـاعي على النحـو
المرجـو منهـا .بمـا أنـه ال وجـود للضـرر المـؤدي إلـى الطـالق .فـال وجـود لتعويـض ألنـه الوجـود
لمتسب فـي الضـرر الناجـم عـن الطـالق (. )2
ولكـن الزوجـة طعنت فـي هـذا القـرار بالتعقيب ،ناعيـة عليـه بالخصـوص خرقـه للفصـل 31م أ
ش ،بتنصيصـه على سبب جديـد للطـالق لـم يـرد لـه ذكـر فـي أي فقرة مـن فقرات الفصل المذكـور
وللفصل 23م أ ش والفصل 123مـن م م م ت .لمـا إعتـبر العـجز الجنسـي اليلحـق ضـررا بالزوجـة
وبالتـالي اليخـول لهـا المطالبـة بالتعويـض عمـال بأحكـام الفصـل 23رغـم أن التعويـض مرتبط بالضـرر
الـذي كـان ثابتـا ،ومتمثـال في إنعـدام العالقـة الجنسيـة التـي هـي "مـن أهم مقومـات الحيـاة الزوجيـة" .
فمـا كـان مـن محكمـة التعقيب إال أن قضت بالنقـض واإلحالـة معـددة مآخـذ القـرار
اإلستئنـافي المعـروض على أنضارهـا ولعـل مـن أهمهـا حزقه للفصليـن 31مـن م أ ش و 123مـن م م م
ت .فقـد عللت محكمـة التعقيب قرارهـا علىالنحـو الـتالي .
ـــــــــ
(-)1قـرار مذكـور سابقـا ص . 177
(-)2تعليـق سابـق الذكـر لألستـاذ الحبيب الشريف جريـدة الصبـاح ليـوم 11/1/2ص 11
"وحيث أن محكمـة القـرار لمـا قضت بالطـالق دون أن تعتمـد سببـا مـن األسبـاب الثالثـة
الواردة بهـا الفصل المـذكـور .تكـون قـد خـالفت أحكامـه وخرقت أحكام الفصـل 123مـن م م م ت
مـن حيث إهمـال السنـد القـانوني في طلب الطـالق" (. )1
وبالفعـل فالفصـل 31جـاء بصـور ثـالث خـول فيهـا القـانون طلب الطـالق واليمكـن تجـاوزهـا أو
الزيـادة فيهـا .وينبغـي للحكـم الصـادر بالطـالق أن يكـون مندرجـا ضمـن أحدهمـا حتى اليكـون مآلـه
النقـض .ولكـن الطـالق الـذي قضت بـه محكمـة اإلستئنـاف اليمكـن تصنيفـه ضمـن أي صـورة مـن
هـذه الصـور الثـالث التي نـص عليهـا الفصـل 31على وجـه الحصـر .إذ ال يمكـن نعتـه بالطـالق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
اإلتفـاقي ألن الـزوج غيـر موافـق على الطـالق ويطـالب يرفـض دعـوى الزوجـة ،كمـا أنـه ليـس بطـالق
إنشـائي ألن الزوجـة طالبت بالطـالق على معنـى الفقـرة
الثانيـة مـن الفصـل 31دائـرة تضـررهـا مـن زوجهـا ومطالبـة بتعويـض ضـررهاو أيضـا يستحيـل على هـذا
الطـالق أن ينـدرج في سيـاق الفقـرة الثانيـة مـن الفصـل 31ألن المحكمـة لم تقضي بالطـالق
للضـررالـذي لحـق الزوجـة بـل أن قضـاؤهـا مؤسسـا علي "إستحالـة إستمراريـة الحيـاة الزوجيـة" .كمـا أن
محكمـة اإلستئنـاف قضت بعـدم سمـاع الدعـوى بخصـوص الغرامـة فـي حيـن كانت الفقـرة الرابعـة مـن
الفصـل 31صريحـة فـي وجـوب تعويـض الضـرر الناجـم عـن الطـالق فـي الحالتيـن المبينتيـن بالفقرتيـن
الثانيـة والثالثـة أعـاله .ممـا اليـدع مجاال للشك في خروج الطـالق الذي قضت بـه محكمـة اإلستئناف
عـن كـل صـور الفصـل 31وهـو ما الحظتـه محكمـة التعقيب وإعتبرتـه خرقـا للفصـل 123من م م م
ت الذي ينـص على وجـوب أن يتضمن كل حكـم " ...خـامسـا :السندات الواقعيـة والقـانونيـة".
ـــــــــ
-3قضـاء وتشريـع مدنـي عـدد 11215مؤرخ فـي 11/11/11المرجـع المذكـور سابقـا .
وهو مـا لم يتوفـر في قـرار محكمـة االستئنـاف الذي جـاء خـاليـا من أي مستنـد قـانـوني نظرا لخـلو
الفصـل 31من صورة الطـالق التي قضـى بها .ومن هنـا جـاء المأخـذ الثـاني لهـذا القرار الذي أثـارتـه
محكمـة التعقيـب قائلـة " :وحيث أن محكمـة القرار لما اعتبرت العجـز الجنسي ،سببـا يحـول دون
إستمرار العـالقـة الزوجيـة ولم تعتبـره ضررا يبيح طلب التعويـض تكـون قد أسـاءت تطبيق القـانون ".
وإلى هـذا الحـد يمكـن الجزم بأن نظريـة " الطـالق عـالج " هـي التي إتبعهـا هـذا القرار
فمحكمـة التعقيـب لم تطلـب من محكمـة اإلستئنـاف أن تتحقـق من وجـود الخطإ الذي يمكـن نسبتـه
للمدعي عليـه ،ويصلـح أساسا للضـرر ولم تشر عليهـا بالحكم بعدم سمـاع الدعـوى إذا كـان الضـرر ال
ينبـني على خطأ إقترفـه القريـن اآلخـر ( )1بل عابـت على قضـاة الموضـوع عدم بحثهـم في وجـود الضـرر
من عدمـه والقضـاء في حـالة تحقق وجـوده بالطـالق على معنى الفقرة الثـانيـة من الفصـل 31من
مجلـة األحوال الشخصيـة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ممـا يمكـن من الجزم بأن نظريـة " الطـالق عـالج " هـي التي اتبـع سبيلهـا هـذا القرار ،غير أن
القرار اإلستثنـائي الواقـع نقضـه من طرف محكمـة التعقيـب ولئـن أدى بنـا إلى هذا اإلستنتـاج فإن نفس
القـرار االستئنـافي قد وقـع تحليلـه من قبـل أنصـار نظريـة " الطـالق جزاء " بشكـل يتوافـق ومبادئ هـذه
النظريـة .
فلئـن اعتبـر أنصـار النظريـة الحديثـة أن محكمـة اإلستئنـاف إقتصرت على حصول الضرر الناتـج
عـن العجـز الجنسي للزوج ( ،)2من خـالل حيثيتهـا التي اعتبـرت فيهـا أن " :العجـز الجنـسي يلحـق
ضررا بالزوجـة لمخـالفتـه ألحكـام الفقـرة األولى من الفصـل 23من م أ ش التي تفرض على الزوج
إجتنـاب إلحـاق الضرر بزوجتـه " إعتبار مؤيـدو النظريـة التقليديـة وبنـاء على مـاديات القرار ،أن
محكمـة اإلستئنـاف بتونس أسست حكمـا على الضرر الحـاصل للزوجـة بسبب الخطأ الصادر عـن
الزوج .
ـــــــــ
(-)1فوزي بالكناني مرجـع سابق الذكـر .
(-)2رضـا األجهـوري مرجـع سابق الذكـر ص .21
إذ تفيـد وقائـع القرار أنه وبنـاء على عـدم تمكـن المدعي عليـه من إزالـة بكـارة زوجتـه المدعيـة
في قضيـة الحـال ،بسبب وجـود صـالبة في عضـو تنـاسلهـا قامـت هـذه األخيرة بإجراء عمليـة جراحيـة
برغبـة من زوجهـا إلزالـة غشـاوة البكـارة تسهيـال لواقعهـا ولكنهـا أصرت أن زوجهـا لم يواقعهـا بعد تلك
العمليـة ،لذا قـامت الزوجـة لدى المحكمـة اإلبتدائيـة طالبـة فك عصمتهـا من زوجهـا لعجـزه ،وتغريمـه
إيـاه للضرر الحـاصل لها إال أن المحكمـة قضـت بعدم سمـاع الدعـوى بنـاء على الفحص الذي أدلى
به اإلختصـاصي الذي كـان قـد أجرى عليهـا العمليـة المذكـورة والذي أفـاد بأن بكارة المدعية غشاتهـا
قويـة جدا وألن اإلتصـال الجنسي لم يقـع بعد تلك العمليـة .وقد استأنفـت الزوجـة الحكـم المذكـور
فحكـم بنقضـه والقضـاء مجددا بإيقـاع الطـالق للضـرر .وقد إستنـدت المحكمـة في ذلك على أن
األخصـائي ذكر بأن غشـاوة المرأة بهـا صـالبة لكنـه لم يذكـر بكشفـه أنـه يتعـذر على رجـل عادي
إقتضـاض بكارتهـا .وبذلـك اعتبرت محكمـة االستئنـاف أن تأويل المحكمـة اإلبتدائيـة بأن المرأة غير
عـادية هـو استنتـاج ال مستنـد له بشهـادتي الحكـم " وحيث أن مـا تعرضت له المستأنفـة بإذن من
زوجهـا بإزالـة بكارتهـا بواسطـة الطبيـب دون جـدوى ،إذ أن اإلتصـال الجنسي لم يتـم بعـد عمليـة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
الحكيـم المومأ لها فقـد سبب لهـا ضررا واضحـا ،عـالوة على أن عـدم قدرة الزوج على المواقعـة كاف
وحـده إلثبـات الضـرر " وهـو وحسـب أصحـاب مؤيدي هـذه النظريـة خطأ مضـاعف ألنـه تسبب لهـا
في إزالـة بكـارتهـا دون أن يتمكـن من اإلتصـال بها ،وألنـه كذلك غيـر قادر على المواقعـة " .
وهـذا العجـز الجنسي محمـول على أنـه قد حصـل له قبـل البنـاء بزوجتـه التي لم تكـن على علـم
بذلك قبـل الـزواج ولم ترضي به بعده والدليـل على ذلك أنهـا قـامت بدعـوى في الطـالق للضرر"(.)1
ـــــــــ
( -)1الحبيب الغـربي مرجـع سابق الذكـر ص . 7
فالتأويـل الـذي قدمـه األستـاذ فوزي بالكنـاني لما جـاء في حيثيـة المحكمـة قد تجـاوز مضمـون تعليـل
المحكمة إذ جـاء بهـذه الحيثيـة أن " :العـجز الجنـسي يلحـق ضررا بالزوجـة لمخـافتـه ألحكـام الفقـرة
األولى من الفصـل 23من مجلـة األحـوال الشخصيـة التي تفرض على الزوج إجتنـاب إلحاق الضرر
بالزوجـة " .فبالنسبة لمحكمـة اإلستئنـاف يعـد الزوج مخطأ أو مخـالفا ألحكـام الفقـرة األولى من
الفصـل 23من مجلـه األحوال الشخصيـة لمجـرد إصـابتـه بالعـجز الجنسي دون البحـث في مسألـة
علـم الزوج من عـدمه بعجزه قبل الزواج .في حين وأنـه حسب أنصـار النظريـة التقليديـة هـذا المنحـى
بالعكـس ،ال يتمـاش ومقتضيـات الفصـل 23من مجلـة األحوال الشخصيـة ألن المرض الذي يصيـب
أحـد الزوجيـن ويلحـق ضـررا باآلخر ال يشكـل خرقـا إراديـا للواجبـات الزوجيـة .
فالزوج مطـالب في ظـل الفصـل القديـم بأن يتجنـب إلحـاق الضـرر بزوجتـه ووفقـا للفصـل 23
جديد فإن كال الزوجيـن مطـالب بتجنـب إلحـاق الضـرر بقرينـه فالمرض الذي يصيـب أحـدهمـا ويلحـق
ضررا بالقريـن المعـافى ال يمكـن أن يعتبـر سببـا منطقيـا لطلـب الطـالق مـا لم يثبـت الطرف المعـافى أن
القريـن المريض لم يتجنـب إلحـاق الضـرر به .
وقد دعـم أنصـار النظـرية موقفهم ببعـض القرارات التي تتمـاشى واتجـاههم من ذلك القرار
الصادر عن محكمـة التعقيـب بتاريـخ 15ديسمبر . )1( 1711فقد اعتبـرت محكمـة التعقيـب أن
العيـوب الناتجـة عن إصـابة أحـد الزوجيـن بمرض مزمـن كمرض األعصـاب المصابـة به الزوجـة في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
قضيـة الحـال ال يمكـن قبولهـا كأساس للطـالق للضـرر ،ألنـه ال دخـل للمصـاب به في النتـائج
المتـرتبـة عليـه .
ـــــــــ
(-)1قرار تعقيبي مدني عـدد 5227ن م ت القسم المدني الجزء الرابع 1711ص . 253
وقد عـللت محكـمة التعقيـب رفضهـا تمكين المدعي من الحصـول على الطـالق للضرر
النـاجم عن مرض زوجتـه باألعصـاب ،بكـون " ... :اإلخـالل بالطـاعـة ،والواجبـات الزوجيـة المفروضـة
على الزوجـة ،ال يكـون سببـا من أسبـاب الطـالق للضـرر ،إال إذا كـان نـاتجـا عن فعل الزوجـة إستهتـارا
منهـا بحقـوق زوجهـا بعقـد الزواج المبني على المودة والرحمـة " .
فحسب محكمـة التعقيب ال يمكـن اإلعتداد بإخـالل الزوجـة بواجبـاتهـا الزوجيـة إال إذا إقترن
هـذا اإلخـالل " بإستهتـار وبإستخفـاف بالواجبـات الزوجيـة أي أن يكـون هـذا اإلخـالل نـاتجـا عن
خطأ ينسـب للزوجـة (." )1
وقد أضـافت محكمـة التعقيـب للتأكيـد على توجههـا هـذا أن " :الضرر الناتـج عن المرض هـو
مصيبـة من عنـد اللـه حلـت بالزوجـة ،وذلك يعني أنـه ال دخـل لها في اإلخـالل بالواجبـات الزوجيـة
بموجـب تلك المصيبـة " فحسب تحليـل محكمـة التعقيـب فإن الضرر الذي قصـده الفصـل 31في
فقرتـه الثانيـة ،هو الضرر الذي يبرز من ورائـه خطأ الزوجـة ونيتهـا في اإلضرار بزوجهـا ،وفي هـذا
تطبيـق واضح لنظريـة الطـالق جـزاء (. )2
فمحكمـة التعقيـب تعتـرف بتضـرر الزوج من جـراء مرض زوجتـه لكن رغمـا عن ثبـوت تلك
المضـرة فإنـه ال يمكـن تطليقهـا للضرر (. )3
19جويليـة 1711 وتدعمـا لتمسكهـا بنظـرية الطـالق جزاء ،قـررت محكمـة التعقيـب في
إيقـاع الطـالق بمنـاسبة قضيـة تتلخـص وقائعهـا في إخفـاء الزوجـة السر الحقيقي إلستئصـال ثدييهـا عن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
زوجهـا وإيهـامه أن ذلك كـان نتيجـة حـادث مرور ،في حيـن أن السبب الحقيقي يرجـع إلى مرضهـا
بالسرطـان .
ـــــــــ
(-)1فوزي بالكنـاني مرجـع سابق الذكر .
(-)2يسرى محفوظ مرجـع سابق الذكـر ص . 19
( )3ساسي بن حليمة مرجع سابق الذكر .
فخطأ الزوجـة يتمثـل في مغـالطـة زوجهـا وإخفـائهـا لحقيقـة مرضهـا وهـو مـا يشكـل خرقـا إراديـا
للواجبـات الزوجيـة التي نـص عليهـا الفصـل 23
من مجلة األحـوال الشخصيـة .وقد جـاء بإحـدى حيثيـات هـذا القرار ( ": )1وحيث أنهـا على علـم
تـام بمرضهـا وأخفت ذلك على زوجهـا مدعيـة أن حادث مرور حصل لهـا ولم تقدم ما يثبـته ،األمر
الذي يجعـل الزوج متضـررا منـه وتبعـا لذلـك فإن طالقـه منهـا من أجـل المضرة كـان طلبـا وجيهـا " .
ويعتبـر األستـاذ فوزي بالكنـاني أن محكمـة التعقيـب قد تبنـت في قرارهـا هـذا نظريـة الطـالق
جراء إلقتنـاعهـا بأن الضرر وحده ال يكفي إليقـاع الطـالق ،إذ لو كـان األمر كذلك ،إلكتفـت
محكمـة التعقيـب بمـالحظـة إصابـة الزوجة بمرض السرطان حسب الشهـادة الطبيـة المعروضـة عليهـا
لتحكـم بالطـالق بالضـرر دون أن تجسـم نفسهـا عنـاء توضيـح الخطأ الذي إقترفـه الزوج والذي كـان
مصدر للضرر الذي لحـق الزوج ( . )2ولكـن وبالرغـم من وجاهـة هـذا المنحـى إلعتمـاده تحليـال قانـونيا
مقنعـا ،فإن إشكـال قانـونـي يطرح نفسـه ويتعـلق بوجاهـة إعتمـاد هـذا السبب إليقـاع الطـالق للضـرر
خـاصة وأن السلـوك المتحـدث عنه سابقـا للزواج وال يمثـل أي خرق للواجبات الزوجيـة التي تبدأ
إنطالقـا من إبرام عقد الزواج ال قبلـه وال يجوز قـانـونا الحـديث عن إمكـانيـة الطـالق للضـرر إال في
صـورة توفر سلـوك مخطئ طرأ بعـد إبرام عقـد الزواج (. )3
نعتقـد أن طلب الطـالق للضرر يعني طلب فسـخ عقـد الزواج بالطـالق إلخـالل أحـد الطرفيـن
بإحـدى إلتزامـاته التي يفرضهـا عليـه هـذا العقـد المميـز خاصـة وأنـه قبل بهـا بإقدامـه على الزواج وال
نظـن أن من بين هـذه اإللتزامـات ما يسبق الزواج
ـــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
( )1قرار تعقيبي مدني عـدد 15371مؤرخ في 19جوان 1711م ق ت 1711عـدد 9ص . 92
( )2فوزي بالكنان مرجـع سابق الذكر ص . 11
( )3تعليق األستاذ ساسي بن حليمـة على قرار محكمة التعقيب الصادر في 19جوان 1711جريدة الصباح 12ماي 1711
ص . 11
ألن ذلك خـارج عن إطـار العقـد ما عـدى صورة خيار الشرط المنصـوص عليهـا صلب الفصـل اا من م
أ ش وفي خصـوص قضيـة الحال فإن المغـالطـة توفرت قبـل الزواج وهـذا ما ال يجـوز منطقيـا اإلستنـاد
إليـه .لكن محكمـة التعقيـب أشارت في قـرارهـا إلى أن محضـر الجلسـة الصلحيـة يؤكـد أن ،الزوجـة
أصرت على استئصـال ثدييهـا مرده حـادث مـرور ال إصـابتهـا بالسرطـان ،هـذا مـا يثبـت سلـوكهـا
المخطـئ بعد الزواج ،ويوفـر أرضيـة قـانونيـة صلبـة يستنـد إليهـا قرار محكمـة التعقيـب بإيقـاع الطـالق
للضرر .
خـالفـا لفقـه القضـاء التونسي الذي يقـر إمكـانية الطـالق في صـورة إصـابة أحـد الزوجيـن
بمرض معدي أو حائل دون إتصـال جنسي ويغض الطـرف على أي سلـوك
مخطـئ من جانب المريض ،فإن فقه القضـاء الفرنسي ينفي هـذه اإلمكانيـة مهمـا كانت خطـورة هـذا
()2
المرض( .)1وال يقبل بإيقاع الطـالق إال في صـورة توفر سلـوك مخطـئ من قبـل الطرف المريض
ويعتبـر هـذا الموقف تجسيمـا إلرادة المشرع الفرنسي الذي يبني نظريـة " الطـالق جزاء " ،وكرسهـا
صلب الفصـل 232م م ف الذي يشترط مبدأ توفر السلـوك المخطـئ إلقاع الطـالق .
فمتـى أخـفى أحـد الزوجيـن عيوبـه على اآلخـر عـد إخفائـه هـذا خرقـا لواجـب المصارحـة
باألمور األساسيـة التي وقعـت قبل البنـاء والتي من شأنهـا أن تؤثـر على رضا القريـن لو علـم بهـا ،وعلى
هـذا األساس ال تعتبـر العـاهة الفيزيويـولوجيـة المتمثلـة في عجـز الزوج جنسيـا ،أو في مرض أحـد
الزوجيـن خطأ في حـد ذاتـه وإنمـا الخطأ يكمـن في الموقف النفساني السابـق المتمثل في الكتمـان
( .)3هكذا يبتلـع العيـب النفساني ( التغرير ) العيب الفيزيولـوجي ( المرض ) (. )3
ـــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
وموقـف فقه القضـاء الفرنسي هذا يعـد متطـورا بالمقـارنة مع مـا كانت تقضي به المحـاكم
الفرنسيـة في مثل هـذه الحاالت .إذ أن فقه القضاء الفرنسي إعتبـر في مرحلـة أولى أن المرض هـو
أمر خـارج عن إرادة المريض ،لم يختره بإرادتـه وهو ال يبرر طلب الطـالق (. )1
وفي مرحلـة ثانيـة ،إعتبـر فقه القضـاء الفرنسي أن المرض الواقع قبـل الزواج ،والذي تم
السكـوت عنـه إهانـة .وهـذه اإلهـانة ال تتمثـل في عـدم القدرة على االتصـال للمريض ،ولكـن في
سوء نية القرين المصـاب المتمثلـة في إخفاء تلـك الحقيقة المرة والجـوهريـة قبل الزفاف (. )2
وهذا يوضح فلسفـة القانـون الفرنسي الذي ترتكـز على وجـوب توفر الخطأ في جـانب المدعي عليـه
لقبول طلب الطـالق (. )3
وبنـاء على ذلك إعتبـر فقه القضـاء الفرنسي أن القرين المصـاب ال يعـد مخطئا وال مخـال
بواجب المصـارحة إذا كـان معروفـا لدى العام والخـاص بحالتـه تلـك ،فسكـوتـه في هـذه الحالـة ال
يشكـل خطأ في جـانبـه (. )3كمـا إعتبـر فقه القضـاء الفرنسي أن عدم القرين بالحـالة التي هـو عليهـا
يبرر رفض الطـالق ،وهو في هـذه الحالـة ال يعـد مخـال بواجب المصارحـة ألنـه يحمل حالـة المرض
التي يعـاني منهـا ( )5لكنـه في صورة أخرى يعد مخطأ إذا ما تهـاون في معالجة نفسـه أو امتنـع عـن
ذلك (.)1
ـــــــــ
(1)-Trits civil Seine 27 decembre 1886 Gazpal 1887 teme I page 138
(2)-Nancy 12 Mai 1958 D 1958 tome II Somp 121.
(3)-Yves Guyon « de l’abligation de sincerite dans le mariage » RTD civ Sirey 1964 , N°10
page 483 et 488.
(3)-Grenoble 13 decembre 1910 D . 1913 II page 151.
(5)-Caen , 10 mai 1926 S 1926 , II page 62 .
(1)-Nancy , 6 mai 1946 Gaz pal 1946 II page 7 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
وهنـا يبرز جليـا أنـه بالنسبـة لفقه القضـاء الفرنسي ال تكفي العـاهة الجسديـة لوحدهـا كأسـاس
لطلـب الطـالق ،بل وجـب البحـث في التصـرف المخطأ للقريـن المريض .وهـذا التصرف المخطـئ
يمكـن أن يتمثـل في إخفـائه لحقيقـة حـالتـه الصحيـة قبل البنـاء أو في تهـاونـه في العـالج ،األمر الذي
يلحـق ضررا بالقريـن المعـافى ممـا يبـرر طلب الطـالق (. )1
لكن هنـاك إشكـال قـانوني يطرح نفسـه في هـذا اإلطـار ويتعلـق بوجـاهـة إعتمـاد هـذه المغـالطة
التي تتـم قبـل البنـاء ،وتؤثـر على مصيـر العـالقة الزوجيـة كسبب إليقـاع الطـالق للضرر ،خـاصة وأن
السلـوك المتحدث عنـه سابق للزواج وال يعتبـر في حـد ذاتـه خرقـا لواجبـات الزوجيـة التي تنطلـق من
حين إبرام عقد الزواج ؟ وال يمكن الحديـث عن إمكـانية الطـالق للضرر قـانـونيا إال في صـورة تـوفر
سلوك مخطأ طرأ بعد إبرام عقـد الزواج ( )2؟ فإذا قلنـا واجبات زوجتـه فإن ذلك يفترض وجـود زواج ،
أي بعبـارة أخـرى أن السلـوك المخطئ يجـب أن يكون الحقـا للزوج إذ أنـه إذا كان سابقـا له فإنـه ال
يمكـن أن يشكـل خرقـا للواجبـات الزوجيـة .
وفي خصـوص القضية التي يطالـب فيهـا الزوج بإيقـاع الطـالق للضـرر نظـرا إلخفـاء الزوجـة
للسبـب الحقيقي لإلستئصـال ثديهـا وإدعـائها بأنـه كان نتيجـة حـادث مـرور والواقـع هـو أن السبب
الحقيقي راجـع لمرضهـا بداء السرطـان .في هـذه القضيـة مثـال فإن المغـالطة قد تمـت زمنيـا قبل
الزواج وهـذا ما ال يجـوز منطقيـا االستنـاد عليه إليقـاع الطـالق للضـرر .
ــــــــ
لكن محكمـة التعقيب أشارت في قـرارهـا إلى أن الزوجـة أصرت على أن إدعـائهـا ذلك حتى
بعـد الزواج ،وهـذا ما يؤكده محضـر الجلسـة الصلحيـة وهـذا ما يثبـت سلـوكهـا المخطئ بعد الزواج
ويوفر أرضيـة قانـونية صلبة يستنـد إليهـا قرار محكمـة التعقيـب إليقـاع الطالق للضرر (. )1
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
والسؤال الذي وقع طرحـه من قبـل الفقـهاء يتمثـل في تحديد الزمـان الذي يجـب أن تتـم فيـه
المصـارحـة ،خاصـة وأن المجلـة المدنيـة الفرنسيـة لم تتعرض إلى ذلك ؟
بالنسبـة للفقيـه Carbonnierيمكـن أن ينتـج عن مجرد التراضي على الزواج أثار بقطـع النظـر عـن
إبرام الزواج من عـدمه ( .)2ومن هـذه اآلثار إلتزام كل طرف بمصـارحـة قرينـه بمـا يمكـن أن يكـون له
تأثيـر على مصيـر الرابطـة الزوجيـة .
كمـا وقع البحـث في طبيعـة هـذا األمر الذي يكـون إلخفـائه تأثيـر على مصير الرابطـة الزوجيـة
،إذ يرى الفقيـه Guyonبأن هـذا األمر يجب أن يكـون ذا مساس بهدف من األهـداف الجـوهريـه
للزواج بحيث يحـول دون تحقيقـه ،وأن يكـون ذا أهميـة بحيث أنـه يشكـل خرقـا للواقـع من طرف
القريـن لما تـم الزواج ( . )3وفي هـذه الحـالة يقع التسـائل هل أن الصحـة البدنيـة تعـد صفـة جوهريـة
للزواج ؟
إن فقه القضـاء الفرنسي يعتبـر أن الحـالة الصحيـة للقريـن صفة جـوهرية للزواج ،وأن أي
مخـالفـة تخص صحـة القريـن وال سيمـا حـالتـه الجنسيـة وجب التصريح بهـا قبـل الزواج .
ورغمـا عن المبدأ الموجـود في القانـون الفرنسي تأثرا بالقـولـة المشهيرة المنسـوبة للفقيه لوازيل
( " )3يحق لكـل مترشـح للزواج أن يغـالط قرينـه المنتظـر" ،فإن فقه القضـاء الفرنسي أصبح يعتبـر أن
كل مقدم على الزواج مطـالب بواجـب
ـــــــــ
(-)1فوزي بالكناني مرجع سابق الذكـر ص . 17
(2)-Jean carbonnier , « terre et ciel dans le droit Français du mariage » ap . cit . page 329 .
(3)-Yves Guyon , « De l’abliguation de sincérite dans le mariage apcit page 478.
(4)-Loysel, Institutes cautumiéres . Edition , Dupion et labaulaye page 145 . NIOS Paris 1846 :
« on dit communement quonmariage il trompe qui peut ».
المصـارحـة نحـو الطرف اآلخـر .وأن كل إخـالل بهـذا الواجـب يعتبـر خطأ في جـانب مرتكبـه ممـا يبرر
الحكـم بالطـالق للضـرر(. )1
وبالنسبـة للقـانون التونسي فإنـه ولئن بدى مستقـر على إعتبـار أن العقـم مثـال ال يكفي لتأسيـس
الحكـم بالطـالق رغـم ما ينتجـه هـذا المرض من ضـرر جسيـم بالنسبـة للقريـن اآلخـر ( ،)2والمتمثـل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
حسب األستـاذ بن حليمـة في حرمـان الزوج من لذة التمتـع بأبنـاء هـم زينـة الحيـاة الدنيـا فاألبناء
يدخلـون على والدهـم البهجـة بوجـودهـم أن لم يكن بنجـاحهـم ويمكنـونه بصورة غير مباشـرة من
تحقيق مـا كان يطمـح إليـه ولم يحققه بنفسـه ويحدون من وقع المـوت على نفسـه ،إذ يتكـون لديه
شعور بالبقاء والخلود رغمـا عن موتـه إذا ترك أبنـاء يرثـون اسمـه ويخلدون ذكراه ( ، )3فإنـه ال يمكـن
الجزم في خصـوص بقيـة األمراض بإندراج فقـه القضـاء ضمـن نظريـة " الطـالق عـالج " أو نظريـة "
الطالق جزاء " ،فالمنـاهج المتوخـاة للحكـم بالطـالق إختلفـت حسـب الصور والقرارات ممـا يحمـل
على اإلعتقـاد بأن فقه القضـاء يتسـم بتضـارب النتـائج (. )3
فبنـاء على مـا تقـدم يمكـن أن نحـوصل موقـف فقـه القضـاء في خصـوص المرض في فكرتيـن
أول هتيـن الفكرتيـن أنهـافرقت بين ،المرض بصفـة عـامة ،والعجـز الجنسي بصفـة خـاصة .
ـــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
وفي مـا عـدا األمراض المعدية ،أو الحـائلة دون االتصـال ،فإن فقه القضـاء التونسي ال يقـر
بإيقـاع الطـالق للضرر إال بتوفـر سلـوك مخطأ من قبل القريـن المريض كإخفائـه لحقيقـة حـالته الصحيـة
قبـل البنـاء .
ومهمـا يكـن من أمر فإنـه وإن لم تعرض على المحـاكم قضايا متعلقـة بطلـب الطـالق للضرر
لمرض القريـن بعد البنـاء فإنـه يمكـن القول أن فقه القضـاء التونسي ال يعيـر أهميـة لزمـان وقوع اإلصابـة
سواء كـان قبل أو بعـد البنـاء .فمـا يقـع اإلعتـداء به إليقـاع الطـالق هـو إمـا تـوفر سلـوك مخطـئ من
طرف القـرين المريض كرفضـه تلقي العـالج الذي من شأنـه أن يزيـل ذلك المرض ،أو طبيعـة ذلك
المرض الذي يكون إمـا معديـا أو مانعـا من اإلتصـال .
وموقـف فقـه القضـاء هـذا يختـلف عن موقـف فقه القضاء الفرنسي الذي يشترط إليقـلع
الطالق تـوفر سلـوك مخطإ من جـانب الطرف المريض وذلك بنـاء على مـا جاء بالفصـل 232من
المجلـة المدنية الفرنسيـة الذي يشترط وجـوب توفر سلـوك مخطأ إليقـاع الطـالق ،وفي ذلك تكريس
لنظريـة الطـالق جـزاء .
ـــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
بأحـد واجبـاته الزوجيـة المنصـوص عليهـا صلب الفصـل 23من مجلـة األحوال الشخصيـة .فخطأ
الزوج حسب فقه القضـاء يتمثـل في عجزه المانـع من تحقيق االتصـال (. )1
ويرى األستـاذ محمـد الحبيـب الشريف أنه ،في خصـوص إيقـاع الطـالق للضرر لعـجز الزوج
جنسيـا كال النظريتيـن يؤديـان إلى نفس النتيجـة إذ أن ذلك العيـب الفيزيـولوجي يعتبر إخـالال
23من مجلة األحـوال الشخصيـة حسب بالواجبـات الزوجيـة من طرف الزوج بمقتـضى الفصـل
النظريـة التقليـدية ،وهو يعتبـر إضرارا بالزوجـة يمكنها من طلب الطـالق للضرر دون البحث في سلـوك
الزوج حسب النظريـة الحديثـة ( ، )2فهـل أن موقـف فقه القضاء التونسي في خصـوص العجـز الجنسي
مطابق لما جـاء بنظريـة الطـالق جزاء ؟
يجب المـالحظـة في البدايـة أن أنصار النظريـة التقليديـة ينادون "بضرورة تحليـل تصرف
المدعي عليـه لمعرفـة إن كـان مخطأ أو ال .حتى إذا لم يكن مخطأ فإن الحكـم يكـون رغـم وجـود
الضـرر بعدم سمـاع دعـوى المدعي ( )3وأن مـا ذهـب إليـه فقـه القضـاء يدل على أنـه لم يقـع اإلعتمـاد
على نظريـة الطـالق كعـالج إليقـاع الطـالق للضـرر .
ـــــــــ
( -)1قرار محكمـة اإلستئنـاف بتونس تحـت عـدد 33213بتاريخ 11أفريل 1791مرجع سابق الذكر ص . 137
(-)2محمد الحبيب الشريف مرجع سابق الذكر ص 57و . 13
(-)3ساسي بن حليمـة ،تعليق على قرار تعقيبي مدني عدد ، 13397مؤرخ في 12أفريل 1793جريدة الصباح بتاريـخ 23
أوت 1713ص . 11
ولو كـان األمر كذلك إلكتفـى فقه القضـاء في هـذه الحـالة بعجـز الزوج الجنسي وتضرر الزوجـة منه
دون أن يجهـد نفسـه في البحـث عـن السلـوك المخطأ للقريـن (. )1
إنـه من الواضـح أن فقـه القضـاء التونسي أراد أن يجمـع بين أمرين يصعـب التوفيق بينهمـا .
أولهمـا :وتأثيـرا بنظريـة " الطـالق جزاء " يبدو أن القضـاة مصرون على عـدم إيقـاع الطـالق للضـرر إال
بتوفـر سلـوك مخطئ من طرف القريـن العـاجز.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ثانيـهمـا :إدراك القضاة أنهـم لو رفضـوا دعـوى الطالق .لكانـوا يطلبـون من الزوجـة شيئـا فوق طاقتهـا
وهـو أن تتجـرد من آدميتهـا وتكتـفي بالرباط الروحي والفكري النـاشئ عن الزواج " ( .)2وهـم بذلـك
سيدفعـون الزوجـة إلى اإللتجـاء إلى إنشـاء الطـالق للتخلص من هـذه الوضعيـة وإلتجـاء الزوجـة إلى
رحـاب الفقرة الثالثـة من الفصـل 31ينشأ عنه إثقـال كاهلهـا بتعويض الضـرر الناجـم للزوج عن الطـالق
،والحـال أنهـا هـي المتضـررة من عجـز زوجهـا الجنسي .
فالزوج العاجز جنسيـا ،يعد مخطئا أو مخـال بواجـب من الواجبـات المنصـوص عليهـا صلب الفصـل
23من مجلة األحوال الشخصيـة .
في حين لـم يقـع البحث في سلـوك الـزوج ،لمعرفـة إذا كانت الحالـة التي تعاني منهـا الزوجـة ناتجـة عـن
سلـوك مخطـأ مـن جانبـه كإخفائـه لعجـزه الجنسـي قبـل البنـاء أو تهاونـه في العـالج مثلمـا هـو األمـر
بالنسبـة للمحاكـم الفرنسيـة التي تشتـرط إضافـة إلى إنعـدام القـدرة الجنسية مـن جهة الزوج توفـر سلـوك
مخطـئ (. )3
ـــــــــ
(-)1ساسي بن حليمة ،تعليق علي قرار تعقيبي مدني عدد 1131مؤرخ في 29جوان 1773مرجع سابق الذكر ص .13
(-)2فـوزي بالكنـاني مرجـع سابـق الـذكر ص .31
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
مدعـاة للتسليـم بإضطرابـه وخروجـه مـن كـل منهـج عـام يحكـم مواقفـه التي إتخـذها في كـل الحـاالت
بل أن هـذه النتيجـة التـدل عـن قصـور هـذه النظريـات عـن اإللمـام بفقـه القضـاء التـونسي مـن جميـع
جوانبـه ،ممـا ينبغـي أن يكـون حافـزا على البحث على أسـس أخـرى تنجـح حيث أضعفت هاتـان
النظريتـان ولعلنـا نجـد ضالتنـا في الفقـه اإلسـالمي فتستمـد منـه أسسـا ثابتـة للضـرر المفضـي إلى
الطـالق في قانوننـا التـونسي (. )2
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
وقـد صـدر هـذا الحكـم بعـدم سمـاع الدعـوى وتـأيد هـذا الحكـم لـدى اإلستئنـاف فطعـن الـزوج
في قـرار محكمـة اإلستئنـاف بسوسـة بالتعقيب ناعيا عليـه قضـاؤه على هـذا النحـو حـال أن الزوجـة
إعتـرفت بوجـود العيب الـذي اليـرجى بـرؤه فيهـا وهـو والينبغـي أن يؤثـر فيـه ماورد في اإلختيـار الطبـي،
مـن أن مرضهـا اليمنـع مـن حيـاة جنسيـة عاديـة ألن ذلك اليفيـد شفائهـا مـن مرضهـا وألن النفـس
البشريـة تأبـى هـذه الحالـة" .ركـز هـذا المطعن أذن على إعتبـار أن مـرض الزوجـة الـذي يستعصـي
عالجـه يمكـن أن يؤسـس الطـالق عليـه مهمـا كـان نـوع هـذا المـرض وحتى لـو كـان غيـر مانـع للزوجـة
مـن القيـام بوجباتهـا الزوجيـة في ظـروف عاديـة غيـر أن محكمـة التعقيب رفضت بوضـوح سلـوك هـذا
المنهـج وفضلت مجـاراة أحكـام األصل فيمـا ذهبـوا إليـه مبينـة أن " :اإلختبـارات الطبيـة السالمـة مـن
كـل مطعن وأكدت بـأن علتهـا هـذه غيـر معديـة والتمنـع الـزوج مـن اإلتصـال بهـا جنسيـا في ظروف
عاديـة .وكنتيجـة لمـا سبـق إعتبـر األستـاذ فـوزي بالكنـاني أن محكمـة التعقيب إعتبـرت أن العيـوب
الموجب للطـالق على معنى الفصـل 31في فقرتـه الثانيـة هي العيـوب التي تمنـع مـن المباشـرة
والعيـوب الضـارة التي اليرجـى الشفـاء منهـا .فهـو يـرى أن موقف محكمـة التعقيب في خصـوص
المـرض الـذي يبـرر طلب الطـالق للضـرر يتماشى مـع مـا أقـره المذهب الحنبلي مـن حـق كـل مـن
الزوجيـن في طلب التفـريق إذا وجـد بالطـرف الثانـي عيبـا مانعـا مـن حصـول المتعـة الجنسيـة أوعيبـا
جسيمـا منفـرا أو ضـارا اليرجى شفـاؤه .
أمـا العيـوب التي يمكـن المقام معهـا بـدون ضـرر ،أو ضرر اليعتـد بـه عرفـا كالعقـم ،والعـرج
والخـرس .فـاليجبر أحـد الزوجيـن على البقـاء فـي الحيـاة الزوجيـة إذاكـان باآلخـر علـة مـن هـذه العـلل
مـن شأنـه أن ينغـص حياتـه ويقلبهـا إلى شفاء دائـم .وقد يعـرض حياتـه للخطـر إذا كـان المـرض معديـا
(. )1
غيـر أن األستـاذة زعـرة البجـاوي عابت على تحليـل األستـاذ فـوزي بالكنـاني الـذي إعتمـد على قـراءة
حاطئـة لمـا جـاء في قـرار محكمـة التعقيب فهـي تـرى وأن محكمـة التعقيب وفي نـص قـرارهـا إعتبـرت
وأن العيـوب التي تبـرر طلب الطـالق للضـرر ،هي تلك التي يشـى منهـا العـدوى أوتمنـع االتصـال
الجنسي أي أن محكمـة التعقيب إعتبـرت وأن العيـوب التي تمنـع مـن المبـاشرة مبـررة لطلب الطـالق
للضـرر ،ولكـن اليوجـد مـا يثبت وأن محكمـة اتعقيب قـد إعتبـرت وأن العيـوب الضـارة التي اليرجى
لهـا شفـاء تبـرر طلب الطـالق للضـرركمـا ذهب إلى ذلك األستـاذ فـوزي بالكنـاني وقـد أعتبـرت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
األستـاذة زعـرة البجـاوي أن األمـراض الضـارة والتي اليـرجى لهـا شفـاء ليست بالضـرورة أمرضـا معديـة
والعكـس صحيـح إذ يوجـد مـن األمـراض ماهـو ضـار واليـرجى لـه شفـاء ولكـن مـع ذلك اليخشـى
إنتقالـه ويتمثـل الضـرر في هـذه الحالـة في الضـرر المعنـوي الـذي يمكـن أن يصيب القريـن مـن جـراء
ذلك .
ـــــــــ
ومـع ذلك فـإن فقـه القضـاء اليعتبـر أن المـرض يبـرر الطـالق للضـرر إال إذا كـان معديـا أو مانعـا مـن
االتصـال (. )1
وإعتبـرت األستـاذة زعـرة البجـاوي أنـه باإلمكـان تبـرير مـوقف محكمـة التعقيب في هـذا القـرار
بالرجـوع للمذهبيـن المالكـي والحنفي اللـذي كـان محـل تطبيـق بالبـالد التونسيـة قبـل دخـول مجلـة
األحـوال الشخصيـة حيـز التطبيـق بدايـة مـن أول جانفي .)2( 1759إذ يـرى الحنفيـة أنـه يجـوز التفريـق
للعيب المستحكـم ،الـذي يمنـع التناسـل بيـن الرجـل والمـرأة وذلك بأن يكـون الـزوج محبوبا أو عنينا أو
خصيا) (3وقـد إقتصـر الحنفيـة على هـذه العيـوب دون غيرهـا .في حيـن يضيف المالكيـة إلى هـذه
األسبـاب أسبابـا أخـرى تجبـر التفريـق لعيب مستحكـم بالمـرأة كالرتـق ،القـرن ،والعفـل .وهي عيـوب
تمنـع االتصـال الجنسي إضافـة إلى العيـوب التي تمنـع المعاشـرة كالجنـون والجـذام والبـرص ألنهـاضـارة
ويمكـن إنتقالهـا إلى الذريـة ( . )3ويـرى الحنفيـة أنـه فيمـا عـدا هـذه العيـوب اليمكـن التفريـق إذأنـه على
كـل واحـد مـن الزوجيـن أن يحتمـل مـا ينـزل بصاحبـه مـن بلـوات فال يصـح قطـع العالقـة الزوجيـة لمعيبـة
حلت بالقريـن سـواء حصـل ذلك قبـل أوبعـد العقـد ( .)5فيمكـن إلى هـذا الحـد مسـايرة األستـاذ فوزي
بالكنـاني في ما ذهب إليـه وإعتبار أن فقه القضاء قد إستلهم أحكامه من الفقه اإلسالمي الذي يجبر
طلب التفريق للمرض الذي يمنـع من االتصال الجنسي أو يخشى منه العدوى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ـــــــــ
()1المذكـرة االتصال الجنسي بين الزوجين ص 191
() 2محمـد الحبيب الشريف ،تعليـق على قـرار مدني حول "تأثيـر العجـز الجنسي للـزوج على قيـام العالقـة الزوجيـة وانفصامهـا" ،
مرجـع سابـق الذكـر ص. 51
()3عبد الرحمـان الجزيـري مرجـع سابـق الذكـر ص 312
()3محمـد أبـوزهرة مرجـع سابـق الذكـر ص 313
()5عبـد الرحمـان الجزيـري مرجـع سابـق الذكـر ص . 113
وأنه في مـا عـدا هـذه العيـوب ال يمكـن طلب الطـالق ألن المرض هـو حـالة من الحاالت التي يمكـن
أن تصيب كـل آدمي كبيرا كـان أو صغيرا وال يمكـن بحال أن يكـون سببـا يعتمـد لطلـب الطـالق
بمـوجب الضرر إال بإثبـات خطأ في سلـوك القريـن المريض وهـذا الخطأ يمكـن أن يكـون حسب
الجعفرية ناتج عن اإلمتنـاع عن العـالج (. )1
ولكن ولئن امكـن إيجـاد تبريـر لموقـف فقه القضـاء في خصـوص المرض بالرجـوع إلى الفقـه
األسـالمي فإن موقـف فقـه القضـاء من العـجز الجنسي يصعـب أن يوجـد له أساس مستمـدة من الفقـه
اإلسـالمي لألسبـاب التاليـة :
-1أن الفقه اإلسالمي ال يفرق بين العجـز الجنسي والمـرض فالعـجز الجنسي هـو مرض يصيب
الرجـل في قدرتـه الجنسيـة ويجـوز به طلب التفريـق .
-2أن سبب التفريق للعـجز الجنسي حسـب الفقـه اإلسـالمي ال يتمثـل في خطأ الزوج المتمثل في
إخـالله بواجـب من واجبـاتـه الزوجيـة كمـا ذهب إليه فقه القضـاء بل أن ذلك يعـود إلى أن العجـز
الجنسي عيبـا ال يتحقق معـه المقصـود من عـقد الزواج .ويمنـع التنـاسل بين الرجـل والمرأة ( )2ولو ال
أن العـجز الجنسي تتنـافى معـه الزوجيـة لمـا أجبر طلب التفريـق (.)3
-3أنـه في الحقيقة ال يتمثـل الخطأ في القرائـة الخـاطئة لفقه القضـاء من زاويـة " الطـالق عـالج " أو
" الطـالق جزاء " بل في محـاولة الجمـع بين أمريـن متنـاقضيـن .
ذلك أنه بخصـوص العـجز الجنسي الذي يعتبـره فقـه القضـاء مبرر الطلــب الطـالق للضرر نظرا لخطأ
الزوج المتمثـل في إخـالله بواجـب من واجبـاته الزوجيـة والحـال أنـه ال يمكـن ومن خـالل وقائع
بالقضـايا التي وقـع النظـر فيهـا نسبـة أي خطأ .أو تقصيـر قصدي للزوج .وهمـا شرطـان أساسيـان
ترتكـز عليهمـا النظريـة التقليديـة أي نظرية الطـالق جزاء لقبـول طلب الطـالق للضـرر (. )3
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ـــــــــ
(-)1محمـد مصطفى شلبي مرجع سابق الذكر ص . 517
(-)2عبد العزيز عامر مرجـع سابق الذكر ص . 312
(-)3عبد الرحمان الجزيري مرجع سابق الذكر ص . 113
(-)3رضا األجهـوري مرجـع سابق الذكر ص . 12
وخـالصة القول يصعـب الحكم بنـاء على ما خرج به القضاء بأن نظرية الطالق جزاء أو نظرية
الطالق عـالج التي وقع اعتمـادها للقضاء بالطـالق للضرر الناتـج عن مرض القرين وتزداد الصعـوبة في
إثبات الضرر المتسبب فيه المرض .
-2إثبات المـرض أسـاس الضـرر :
لقد سبق أن رأينـا أن الكشـوفـات الطبيـة السابقـة للزواج غير نـاجعـة من الناحيـة العمليـة في
الكشـف عـن جملـة األمراض التي يكون أحـد القادميـن على الزواج مصاعـب بها وخـاصة تلك
األمراض التي من شأنهـا أن تؤثـر فيمـا بعـد على الحيـاة الزوجيـة خاصـة وأن الشهـادة الطبية المدلى بها
ال تحتـوي سوى على اإلشارة إلى أن المعنى باألمراض قد وقع فحـصه قصدالزواج دون التوسـع في
ذلك إلى غـاية تحديد الحـالة الصحيـة للمقدم على الزواج باإلضـافة إلى أن القانـون التونسي ال يفرض
التثبـت من قدرة الزوجيـن الجنسية عنـد إجراء الفحص الطبي المتعلق بالشهـادة الطبيـة السابقـة للزواج
كمـا أن هـذا الفحص الطبي العام ال يمكـن من الكشـف عن بعض األمراض الخطيرة وعلى هذا
األساس فإذا ما تزوج شخـص واكتشف أن قرينـه الذي تزوج به مريض بداء خطير أو معدي أو حـائل
دون اإلتصـال الجنسي ( )1مطالب بإثبات ما يدعيـه وال يمكن التعويـل على الشهـادة الطبية السابقـة
للزواج .وتعتبر اإلختبارات الطبيـة من اآلليات المعمـول بها من قبـل المحـاكم إلثبات ما يدعيـه
طالب الطالق لتضرره من مرض قرينـه خـاصة إذا أنكره الطرف الثاني .ففقه القضاء أضحى يشيـر
إلى اإلختبارات الطبية إما بوصفهـا ماذونا بهـا من قبل المحكمـة أو مطالب بها من قبل أحـد الزوجين
.ذلك أن القاعـدة األساسيـة في المادة المدنية هي أن المدعي مطالب بإثبات ما يدعيه إال في
بعض الحـاالت التي يكون فيهـا معفى من عبء اإلثبات ما يدعيه إذا كان متمتعـا بقرينـة تسمـح له
بذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ـــــــــ
(-)1المعايير التي وضعتها المحاكم في خصوص األمراض المؤثرة على الزواج لغياب تحديد تشريعي لألمراض المؤثرة على
الزواج.
ومبدئيـا ال يتمتع الزوج وال الزوجـة في قضايا الطـالق بأي قرينـة (. )1
وعمـوما فإن األمراض المؤثرة على الحياة الزوجيـة أو قد تلحق في مجملهـا بالقريـن اآلخر
المعـافى ضررا يسهـل إثباتهـا كاألمراض العقليـة والبدنيـة والتناسليـة من ذلك أنه في إحـدى الصور
التطبيقيـة التي عرضت على المحاكم ،وإلثبات إخفاء زوجة عن زوجها سـبب إستئصال ثديها بسبب
إصابتها بداء السرطـان ،قدم الزوج وثيقـة طبيـة محـررة من معهـد مختص في مرض السرطان تفيـد
إصابة زوجته بهذا الداء وبعـالجها منه بإستئصـال ثديها (. )2
لكن ما يصعـب إثباتـه هـو إصابة القرين بداء العجـز الجنسي ،فكيف يثبت ؟
* إثبات العجـز الجنسي :
مبدئيـا يصبح السؤال عن كيفيـة إثبات العجـز عديم الجـدوى إذا ما اعترف الزوج بعجزه
مصرحـا بأنـه بصـدد العـالج ( .)3أو يعتـرف ضمنيـا بمصـابه مفيـدا أنـه حتى على فرض ذلك ،فهو
غيـر مسؤول عنه أو يكتفي بالتصريح بأنـه ال يكمـل العمليـة الجنسية ( . )3ولكن نادرا ما يرد هـذا
اإلعتراف مما يجبر الطرف اآلخر على المطالبة بعرضه على الفحـص الطبي (ب) .لكن بعض
المحاكم إعتبرت وأن عذرية الزوجـة قرينة على عجز زوجها جنسيا (أ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ــــــــ ـ
حليمة ص 133(-)1تعليق على قرار تعقيبي عدد 1313مؤرخ في 33ماي 1773قضاء وتشريع جانفي 1773األستاذ ساسي بن
(-)2تعليق األستاذ ساسي بن حليمة على قرار تعقيبي عدد 15371بتاريخ 19جوان 1711منشور بجريدة الصباح .
(-)3قرار تعقيبي مدني عدد 23217مؤرخ في 1773/31/23نشرية م ت 1773قسم مدني ص . 137
(-)3قرار مدني استئنـافي عدد 1313مؤرخ في 1773/35/33مذكور .
(-)5عبد الرحمان الجزيري كتاب الفقه على المذاهب األربع ص 133وما بعدها .
فإذا ما رامـت الزوجـة وضع حـد للعـالقة الزوجيـة ،التي جمعتهـا بزوج عجـز عن إتيـانهـا فهـي تعمـد إلى
تضميـن ملف القضيـة بشهـادة طبية تفيـد سالمـة عذرتهـا أي أنـه لم يقـع اإلتصـال بهـا جنسيـا بإيـالج
كامـل .ويعتبـر فقه القضـاء التـونسي أن سالمـة الغشـاء رغمـا عن الدخـول بالزوجـة قرينـة فعليـة على
عجـز الزوج عن اإلتصـال جنسيـا بهـا أو على األقـل على إقتضـاضهـا .بمعنى أنـه ال يملـك جهـازا
تنـاسليـا صلبـا صالبة كافيـة تمكـن من إختراق غشاء البكـارة .فحفـاض الزوجـة على بكـارتهـا وإن لم
يكـن حجـة فعليـة على العـجز الجنسي فهـو على األقـل نتيجـة له ،فالزوج مطالب بإقتضـاض بكارة
زوجتـه وال يمكنـه تبريـر عـدم قيامـه بذلك الواجـب إال بإثبات سـبب خارجي عنـه فينقل عبء اإلثبـات
ويصبـح الزوج محمـال بعبء ثقيـل وهـو عبء إثبات السبب الشرعي الذي حـال بينـه وبين إقتضاض
بكـارة زوجتـه .فأول دفع قد يتمسـك به الزوج هـو أن زوجتـه منعتـة من اإلتصال بها جنسيـا ولم
تمكنـه من نفسهـا .وقد يدفـع الزوج بأن بقاء زوجتـه عـذراء رغمـا عن الدخـول بهـا مرده إحجـامه عنهـا
لما وجـده لديهـا من عيـوب نفرته من اإلتصـال الجنسي بهـا .كأن كانت لها رائحـة كريهـة أو عيـب
على مستـوى جهـازها التنـاسلي أو أن هـذا العيـب أو المرض بلـغ حـدا منعـه من إتيانهـا (. )1
ولكن وعلى أهمية مثل هـذه الدفـوعات ،فإن الزوج الذي يريـد فعـال أن يدحـض القرينـة أي
قرينـة سـالمـة العـذرة ومـا أثبتتـه عرضا من عجـز جنسي منسـوب إليـه ،قد يتمسك بإحـدى األمرين :
-إما صالبـة البكـارة وعجز الزوج العادي عن إقتضـاضهـا .
-أو سالمتـه الجسديـة ويدلي في ذلك بكشـف طبي مثبتا لقدرته على الوطء .
ـــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
(-)1تعقيـب مدني عدد 13317مؤرخ في 1793/33/32جريدة الصباح 1713/31/17مع تعليـق األستاذ ساسي بن
حليمـة .
فأما في خصـوص الدفـع المتعلـق بصالبـة البكـارة ،فإن المسألـة طرحـت على منبـر القضـاء
بمنـاسبـة دعـوىتقدم بها المدعـو عبد الحميـد في حـق إبنتـه ضـد المدعي عليـه نجيب في الطـالق
للضـرر بسبب عـجز هذا األخير عن إزالـة بكـارة إبنته .وتمسـك المطلـوب لدى محكمـة البدايـة بأن
العضـو التنـاسلي للزوجـة على درجـة من القوة بصفـة منعتـة من إفتضـاضهـا حتى بعـد إجراء العمليـة
تسهيـال لوقـوعهـا .وقضت محكمـة البداية على ذلك األساس إعتمـادا على أن بكـارة الزوجـة غير
عـادية .
واستأنـف المدعي في حـق إبنتـه مفيدا أن تقريـر الطبيب رغـم أنـه أفـاد صالبـة البكـارة إال أنـه
لم يفد أنـه بدرجـة يصعـب على الزوج إقتضـاضهـا ومن باب أحرى على الرجـل العـادي .إقتضـاضهـا
فقضـت محكمـة االستئنـاف بنقـض الحكـم اإلبتدائي وبالطـالق للعجز ألول مرة بعد البنـاء .
فالمسألـة المطروحـة صـالبة البكـارة بصفـةجعلت اإلتصـال الجنسي غيـر ممكـن وعلى فرض
ذلك وخصوصا وأنه ثبت علميـا هذا ،أي أن الغشـاء قد يكون صلبـا وقويـا بدرجـة ال تمكـن من
إفتضاضه بصفـة طبيعيـة ويستلزم حتمـا تدخـل الطبيب المختص لتسهيـل عمليـة الوقاع وذلك بإحداث
جرح على مستـوى الغشـاء تسهيـال لإليـالج الذكـري أو بالقيـام بعمليـة اإلفتضـاض كاملـة وإزالـة غشـاء
البكـارة كله بواسطـة الجراحـة أي رغمـا عن الصـالبة تمكن الزوج في قضيـة الحال من إتيان زوجتـه
بعد تسهيـل عمليـة الوقـاع لكان له ما أراد .أي دحض قرينـه القدرة ،لكنـه لم يتمكـن من ذلك
خصـوصا وألنهـا ،أي العمليـة ،أصبحـت سهلـة وفي متنـاول الرجـل العـادي ،لذا فلقـد ثبـت بصفـة
غيـر مباشرة عجزه الجنسي المتداعي به ممـا جعـل محكمـة االستئنـاف تحكـم لصـالح الدعـوى (. )1
أمـا في خصـوص الكشف الطبي المدلى بـه مـن قبـل الـزوج ،والمثبت لسالمتـه الجنسيـة ،
فهـو مبدئيـا يدحـضقرينـة العـذرة ويجعـل عبء اإلثبـات مـن جديــد
ـــــــــ
()1حكم إستئنافي مدني عـدد 33213مؤرخ في 1791-2-11مجلـة القضـاء والتشريـع 1792العـدد 2ص 213
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ينتقـل إلى الزوجـة التي تصبـح مطالبـة مـرة أخـرى بإثبـات العجـز الـذي تنسبـه لزوجهـا .وهـذا اإلثبـات
يصعب أمـام وجـود تقريـر طبي أوتقاريـر مثبـة للسالمـة الجسديـة للمفحـوص .أي أنـه يتمتـع مبدئيـا
بأعضـاء تناسليـة كاملـة وجيـدة ،تمكنـه في ظـروف طبيعيـة مـن الوطء وإفتضـاض البكـارة .لـذا فلـن
تجـد الزوجـة مـن حـل سـوى التشكيك في صحـة تلك التقاريـر الطبيـة المثبـة لقـدرة زوجهـا على الوطء
بمقولـة أنهـا تقاريـر محـررة مـن طـرف طبيب مأجـور ( . )1أو أنهـا صـادرة عـن طبيب غيـر مختـص في
األمـراض الجنسيـة بـل المجـاري البوليـة ( .)2أوأنـه حتى على فرض صحتهـا أي صحة مـا تأكـده مـن
سالمـة بيولوجيـة ألعضـاء الـزوج التناسليـة ،فـإن ذلك اليفيـد حتمـا أنـه سليمـا جنسيـا بـل أن عجـزه قـد
يكـون مـرده سببـا نفسيـا بحتـا .لذا فهي تطلب اإلذن بعـرض المدعي عليـه على الفحص الطبي ،هذا
إذا لم تكن قد طالبت بذلك على سبيل االحتياط ،ضمن أسانيد الدعـوى .
فمـا عسى هـذا الكشف الطبي المـأذون بـه قضـاءا أن يثبت ؟
ـــــــــ
-1حكـم إستئنـافي عـدد /21517مؤرخ في 2مـارس 1771غيـر منشـور الملحـق
-2حكـم إستئنـافي مدني عـدد 1131مـؤرخ في 1773/1/29
-3عبد الرحمـان الجزيـري ،كتـاب الفقـه على المذاهب األربعـة ج3
فهـو عيب اليعـرف البالحـس والبالنظـرفهنـا يصــدق الرجـل بيمينـه أي إذا مـا حلف أنـه غيـر مصـاب
بإعتـراض في عضـوه التنـاسلي حمـل على أنـه صـادق وأجـل سنـة قمريـة .فـإن ثبت حفـاظ الزوجـة على
()1
عذريتهـا بواسطـه الكشف عليهـا مـن طـرف إمرأتيـن بعـد مـرو السنـة ،كـان القـول قولهـا وفـرق بينهمـا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ـرد العجـز الجنسي .فهـذا اإلثبـات إن دل على شيء فهـو يـدل على صعوبـة اإلثبـات إذا مـا كـان م ّ
خلل العالقـة لـه بالتكويـن العضـوي ،بـل بالجهـاز العصبي للـزوج أوبأمـور أخـرى تعيقـه عـن إتيـان
االنتصـاب الكـامل أو تصيب عضـوه التناسلي بإرتخـاء إذا مـا إنتصب ،فإننـا نجـد أن القانـون الفرنسي
القديـم كـان يقـم الدليـل على مثـل هـذه الحالـة وعلى العجـز الجنسي عمومـا ،بمـا يسمى بالفرنسيـة
بـ L’épreuve du congrèsعربهـا أستاذنـا سـاسي بـن حليمـة "بإمتحـان المضاجعـة" .وتتمثـل
العمليـة في عـرض الـزوج المتنـازع في قدرتـه الجنسيـة على عمليـة إختيـار قضـائي تتـم بمحضـر شهـود
معينيـن مـن قبـل المحكمـة ،للتثبت مـن "فحولتـه" وقدرتـه على مجامعـة النسـاء( .)2وهي طريقـة "على
فضاعتهـا وتنافيها مـع الحيـاء والحشمـة" لـن تثبت شيئـا ،بـل أنهـا قـد تثبت عجـز الـزوج الجنسي ،
في حيـن أن العكـس هـو الصحيـح وأن مـا أفادتـه العمليـة ،مـرده إصابتـه بالخـوف والرهبـة ،نتيجـة
قيـامه بالعمليـة علنـا ،وبمحضـر جمـع إرتبك بوجودهـم فأصيب بالفشـل الجنسي حـال أنـه سليمـا .
لهـذا تخلـص القانـون الفرنسي ،مـن هـذه التقنيـة الالإنسانيـة ،التي عمـل بهـا منـذ القـرن 13لفائـدة
الكشف الطبي الـذي يتـواله أهـل اإلختصـاص مـن "الطب الجنسي الذكـري"وأصبحت ،حينئـذ
اإلختيـارات الطبيـة وسيلـة القضـاء فـي الفصل ،إمـا بطلب الخصـوم أو بإذن المحكمـة نفسهـا ،
حسمـا للنـزاع .
ـــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
أوال :يجب أن تعيـن المحكمـة خبيرا ليتـولى فحـص المطلـوب .وهـذا القرار تتخـذه هيئـة المحكمـة
من نفسهـا أو بطلـب من الخصـوم سـواء كان الزوج عنـد منازعتـه في اإلدعـاء أو الزوجـة عرضـت
تأسيسـا لدعـواها في خضـم العـالقة الزوجيـة .لكن قد يدلي الزوج بكشـف طبي صـادر عن طبيـب
يتوجـه إليـه الزوج بمحضـى إرادتـه ،وعلى كـل ،فهـذا الخبيـر المنتـدب سواء كـان طبيـب الصحـة
العمـوميـة أو طبيب حر ،يجب أن يكون مختص في الجهاز التناسلي الذكري واإلنازع األطراف في
عدم إختصاصه (. )1
ثـانيـا :مكـان الفحص أين يجـب أن يتـم الفحـص ؟ منطقيـا إذا مـا كان الخبير المنتدب خبير الصحة
العمومية فإن اإلختبار يتم بالمستشفى العمومي أما إذا ما كان الخبير طبيبـا حرا فالفحص عادة يقع
بعيـادة خـاصة ولكـن هنا ألن نخـشى على مصداقيـة اإلختبـار ؟
مبدئيـا إن الخبيـر المنتدب هـو خبيـر معيـن قضاءا وهـو بمثـابة الشاهـد وإن كانت شهـادتـه كتابيـة ،
فيمكـن أن نعتبـره خاضعـا ألحكـام الشهـادة في خصـوص اليميـن والتجريـح إلى غيـر ذلك .أمـا أهـم
هـذه المراحـل ،فهي دون شـك مرحلـة الفحص ومضمـون الفحـص الطبي .فالمحكمـة نادرا مـا تشيـر
إلى محتـوى " المأمـورية الموكـولة إلى الخبيـر تدقيقـا وتفصيـال " بل هـي تكفي باإلذن بعرض المدعي
عليـه على الفحص الطبي للتأكـد من سـالمته الجنسيـة (. )2
ـــــــــ
(-)1قرار إستئنـافي مدني عـدد 1131مؤرخ في . 1773/31/29
( -)2حكم استئنـافي مدني عـدد 21519مؤرخ في . 1771/33/32
فباإلستنـاد إلى محتـوى المأمـورية نجـد أن الطبيب مطـالب بالتثبـت من أن الشخص المعروض على
الفحص يشكـو عجزا جنسيـا أم ال والبحـث في أسبـاب ذلك .فيتـولى الخبير بواسطـة تحـاليل
واختبـارات عينـة ومجهـرية ،البحـث في قدرة الشخـص الجنسيـة ،فهـو أوال ،سيبحـث في العنـاصر
البيـولوجيـة لدى الشخـص وهـل أنهـا مكتملـة ؟ وذلك بفحـص عضـو الذكـر ،في خصـوص حجمـه ،
وتركيبتـه الفزيـولوجيـة وهـل أن عيبـا أو تشويهـا خلقيـا أم حـادثا أصابـه خاصـة إذا كـان طبيبـا مختصـا في
الجهـاز التناسلي الذكـري .كمـا أنـه يتولى البحث في مـا من شأنـه أن يؤثـر عكسـا على النشـاط
الجنسي للرجـل ،من وجـود أمراض كمرض السكـري .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
أو ضغـط الدم ،أو ضغطـا جسديـا عـاما إضافـة إلى ضرورة التثبت من عـدم تعـاطي الشخـص
المعـروض على الفحـص لعقـاقير أو أدوية من شأنهـا أن تصيبـه بالفتـور الجنسي كتنـاول الكحـول
المفرط أو بعض األنواع من المخـدرات التي قد تخـدر عضـوه الذكري .
يستعيـن الخبيـر الطبي كذلك بفحـص دقيق للكروموزومـات الذكريـة ،فيبحـث عـن وجـود عيب
خلقي بهـا أو عن مـا من شأنه أن يفيـد إحتمـال إصـابة الشخـص بخـلل أو فتـور جنسي .وقد يضطر
الطبيب إلى إخضـاع الشخـص موضـوع الفحـص إلى التجـارب قصـد التأكـد من قدرتـه على اإلنصاص
إنصاصا سليمـا وطبيعيـا .
فهل من الممكـن للخبيـر أن يبيـن إن كان الشخـص الخـاضع للفحـص مصـابا أو غيـر مصـاب
بعجـز جنسي ؟
+نتيجـة اإلختبـار الطبي :نجـد من حين إلى آخر صلب فقه القضـاء المتعلـق بالعجـز الجنسي اإلشارة
إلى اإلختبار الطبي ،وكأن اإلختبـار الطبي يمثـل الحـل الطبيعي والعـادي والثابت لحـل المشكلـة ،
بمعرفـة إن كـان الزوج عـاجزا جنسيـا أم ال .
فقد يتمكـن الطبيب بواسطـة ما أجراه من فحوص وتحـاليـل ،وخصـوصا كشفـا عينيـا أن يثبـت
أن الشخص غير قـادر على اإلنعـاص أو على اإلتصـال الجنسي بصفـة مرضيـة وذلك إمـا :
+ألنـه عايـن كروموزميـا دائمـا يمنع من هذا اإلتصـال الجنسي .
+أو ألنـه بواسطـة التحـاليل ثبت لديـه وجـود مرض معيـن ( كمرض السكري ) أثـر سلبيـا على
قدرات الشخـص الجنسيـة ،أو أن الشخـص تعرض إلى استئصـال بروستـاتـا ،أو أصيـب في الصغـر
بمرض اعتلـت بسببـه قدراتـه الجنسيـة (. )1
غير أنـه ليس من السهـل في كل الحـاالت أن يجـزم الطبيب أن المعني باألمـر مصاب بعجـز
جنسي .كمـا أن الواقـع القضـائي التونسي لم يشهـد حتى اآلن توصل الخبيـر المنتـدب إلى أن يثبـت
قطعـا العجـز الجنسي للزوج ،بل أقصى مـا توصـل إليـه اإلختبار في إحـدى الصور هـو أنـه أثبـت أن
الشخـص موضـوع الفحـص " مصـاب بإرهاق جنسي نـاتج عن تقدمـه في السـن " (. )2
بل إن الصـور التي عرضـت على فقـه القضـاء والتي إنتـدب بمنـاسبتهـا خبيـر طبي أثبتت كلهـا
سـالمة الشخـص الجنسيـة وقدرتـه على الوطء ،حيث أنـه يتمتـع بقضيـب عـادي وهـو خلو من
األمراض التي قد تؤثـر على نشـاطه الجنسي ومن العيـوب الخلقيـة كالعنـة واألخصـاء وغيرهـا (. )3
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
لكن في المقـابل قد يكـون للرجـل قضيب عـادي دون أن يمنـع ذلك من أنـه عـاجزا جنسيـا ،
فما هـي حجـة اإلختبار الطبي حينئـذ ؟
المطلب الثـاني :حجيـة اإلختبـار الطبي :بيقى اإلختبار الطبي وسيلـة إثبات نسبيـة وذلك على
مستـويين :
+فإما على المستـوى الشكلي :فالمحكمـة غير مقيـدة بقبـول مطلب الخصـوم في إجراء إختبـار
طبي فهـي مسألـة موضـوعية ال تخضـع لمراقبـة محكمـة التعقيـب (. )3
ـــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
كمـا أن المحكمـة حتى وإن قبلت مطلب الخصـوم في خصـوص االختبـار أو أذنت هي بـه
مـن تلقـاء نفسهـا ،فرأي الخبيـر اليقيـد المحكمـة ويبقـى لهـا الحـق فـي رده إذا ماعللت سبب الـرد
تعليـال ضافيـا (. )2هـذا باإلضافـة إلى أن الشخـص ،قـد يرفـض الخضـوع للفحـص الطبي ،وال تملك
()3
المحكمـة إجبـاره على ذلك ،أو القضـاء ضـده على أسـاس االقـرار الضمنـي بالعجـز الجنسـي
.الوجـود لقاعـدة قانـونيـة تفـرض على الشخـص أن يعـرض نفسـه على طبيب ،واليمكـن مبدئيـا
استنتـاج وجود عجـز جنسي من مجرد رفض ذلك الشخـص عـرض نفسـه على الطبيب .
ـــــــــ
(-)1قـرار إستئنـافي مدني عـدد 1313مـؤرخ فـي 33مـاي 1773
(-)2قـرار تعقييبي مـدني عـدد 1539مـؤرخ في 23أفريـل 1792نشريـة محكمـة التعقيب 1793ج ا
(-)3قـرر إستئنـافي مدني عـدد 1313مـؤرخ فـي 33مـاي 1773ص 339مـع تعليق االستـاذ سـاسي بـن حليمـة
وأمـا على المستـوى الموضـوعي ،فإنـه وإن تسنى للطبيب الجـزم بسالمـة الشخـص الجنسيـة ،فإن
األمـر في خصـوص العجـز الجنسي يبـدو صعبا وقـد اليكـون ممكنـا.
فقـد يكـون العجـز الجنسـي المصـاب بـه الشخـص غيـر ناتـج عـن أسبـاب فيزيولوجيـة
أوبيولوجيـة بـل عـن أسبـاب نفسانيـة كأن يكـون الرجـل غير قادر مـع مـرأة معينـة أومـع نـوع معيـن مـن
النسـاء أو االنـاث بصـورة عامـة فقـد يكشف الطبي على أن الشخص قـادر مبدئيـا على اإلنعاص لكـن
دون أن يفيد ذلك بأنه غير عاجز جنسيا مع زوجتـه وقد تتعـدد األسباب ذلك أن العجز الجنسي
النسبي والمحـدود ناتـجعن إنطفاء الجـذوة الجنسيـة مـن جـراء مـرور مـدة زمنيـة على الـزواج وعـدم قـدرة
الزوجيـن على تغذيـة تلك الجـذوة ( . )1ومـن الممكن أن يأتي العجـز مـن نفـرة الزوجـة إمـا لسب
بيولوجي أوبـدني ،كأن تكـون مصابـة برئحـة كريهـة في فمهـا أو فرجهـا أو لسب نفسـاني كـأن تكـون
شرسـة األخـالق أوغيـر مرهفـة الشعـور .
وفي مثـل هـذه الصـورة يصبـح مـن الصعب تقريـر وجـود العجـز واليمكنـه بطبيعـة األمـر أن يؤكـد وجـود
مـادام غيـر محقـق منـه .
فهـل أن القضـاء هنـا في وسعـه أن يأذن بالعـرض على الفحـص النفسـاني ؟
كانت لفقـه القضـاء مناسبـة ،ليقـول فيهـا كلمتـه ،عنـدما تمسكت إحـدى الزوجـات ،بأن عجـز
زوجهـا الجنسي قـد يكـون مـرده أمـر نفساني بحث .ولكـن المحكمـة وشعـورا منهـا بالضـرر الـذي
لحـق الزوجـة ،لـم تـرى بـدا مـن مناقشـة هـذا السنـد مادامـت ستقضي لصالـح الدعـوى .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
وتـرى األستـاذة سـارة قمـارة ( )2أنـه مـن الممكـن علميـا ،االستعانـة بالطب النفسـي فـي إطـار
إثبـات العجـز أو الفتور الجنسي لدى الرجل ،خصوصا لجديـة المسألة
ـــــــــ
(-)1قـرار إستئنـافي مدني عـدد 1313مـؤرخ في 33مـاي 1773مـع تعليـق االستـاذ ساسي بـن حليمـة ص335
( -)2عذريـة الزوجـة :مذكـرة المرحلـة الثالثـة مـن الدراسـات المعمقـة :كليـة الحقـوق والعلـوم اإلجتماعيـة تونـس سـارة قمـارة .ص
133
سـواء في إطـارفهـم العالقـة الزوجيـة أوفي إطـار اثبـات أو نفي النسب على كـل ،فسـواء ،كـان
االختيـار الطبي ،إطـاره طب عضـوي أوطب نفسـاني فهـو يبقي نسبيا .وتختلف نتائجه بإختـالف
األشخـاص والظـروف والمعطيـات الماديـة لكـل حالـة .
وإن كنـا قـد أفردنـا العجـز الجنسي مـن خـالل إثبـات وجـوده مـن عدمـه بالتحليـل فذلك راجـع
مـن جهـة إلى صعوبـة إثباتـه كمـا أسلفنـا الذكـر ،ومـن جهـة ثانيـة ألنـه يعـد وحسب التقسيـم الـذي
وضحـه فقـه القضـاء مـن األمـراض المانعـة مـن االتصـل الجنـسي أو الحائلـة دونـه وهي مـن أهـم تلك
األمـراض .إضافـة إلى أن اإلختبـار في ماعـداه ممكـن كذلك أي بخصـوص األمـراض األخـرى
المعديـة ،وتنطبـق عليـه جميـع إجـراءات اإلختبـار الطبي المجـراة على العاجـز جنسيـا .مـع اإلشـارة
إلى نجاعـة اإلختيـار في خصـوص األمـراض المعديـة مـن حيث محتـواه ومـن حيث األخـد بـه مـن قبـل
المحاكـم .
ومهمـا يكـن مـن أمـر ،فإنـه متى ثبت الضـرر وتـم التطليـق على أساسـه "فمبدئيـا "ال يستحـق الطـرف
المتضـرر تعويضـا عـن مضرتـه .قلنـا قلنـا مبدئيـا ألن المحاكـم تناقضت في خصـوص التعويـض .
المبحث الثانـي :موقـف فقـه القضـاء فـي خصـوص التعويـض :
لـم يكـن فقـه القضـاء التونسي ،يقضي بالتعويـض عنـد إيقـاع الطـالق للضـرر وإنشـاءه .فضـال
عـلى أن حرفيـة النـص ( )1لـم تكن لتمكنـه مـن ذلك ،كـان فقـه القضـاء يعتتبـر أن حكـم الطـالق كاف
لوحـده لرفـع المضـرة عـن القريـن.ولكـن تدخـل المشـرع بمقتضى القانـون المـؤرخ في 1711/11/11
ونقـح الفصـل 31شخصي الـذي أصبـح ينـص على أنـه "يقضي لمـن تضـرر مـن الزوجيـن" بتعويـض
عـن الضـرر المـادي والمعنـوي الناجـم عـن الطـالق في الحالتيـن المبينتيـن بالفقـرتين الثانيـة والثالثـة (.)2
ـــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
(-)1الفصل 31شخصي قديـم إكتفي بذكـر صـور الطـالق ،دون اإلشـارة إلى إستحقـاق التعويـض .
(-)2الفصل 31جديـد مـن مجلـة األحـوال الشخصيـة .
لـذا وخصوصـا والنـص يـأذن ويدعـو صراحـة إلى تعويض الضـرر ،بات مـن المتوقـع أن تقضي
المحاكـم آليـا بالغرامـة كلمـا إتجـه عندهـا الحكـم بالطـالق للضـرر .فبقطـع النظـر عـن حالتي الطـالق
للضـرر المشترك ( )1أو لغيبة الزوج( )2أصبـح مـن البديهـي القضـاء بالتعويـض كلمـا ،ثبت أن ضـرر
الحـق القريـن فإذا ثبت تضـرر الزوجـة أو الـزوج مـن مـرض قرينـه وحكـم لـه بالطـالق لتضـرر مـن مـرض
قرينـة فإنـه مـن طبيعـة حكـم أن يقضـي بتعويـض هـذه المضـرة التي لحقت بالقريـن بـل إن عـدم إعتبـار
العجـز الجنسي مثـال مرضـا يبـاح بسبـه طلب التعويـض رأت فيـه محكمـة التعقيب إسـاءة في تطبيـق
القانـون ( )3غيـر أن محكمـة اإلستئنـاف بسوسـة إعتبـرت "أن ثبـوت الضـرر وإن كـان يـؤدي حتمـا إلى
ضـرورة الحكـم بالطـالق ،فـإن األمـر على خـالف ذلك بالنسبـة للتعويـض (. )3
ولقـد واصلت مفيـدة أنـه "اليحكـم بالتعويـض إال إذا توافـرت شروطـه وعنـاصره الواجب الرجـوع في
شأنهـا إلى قواعـد القانـون العامـة".
فقضـاة األصـل لـم يرفضـوا إعتبـاطا ،القضـاء بالتعويـض بـل على أسـاس أنـه " :ليـس أمـرحتمي
بمجـرد ثبـوت الضـرر بل يرتبط أساسـا بالسلوك المخطئ للقريـن ،وما دام لم تثبـت أن المطـالب
بالتعـويض تسبب في الضـرر خطأ أو عمـدا فال يسأل عن دفعـه ،تطبيقـا ألحكـام الفصليـن 12و 13
مدني " محـاولة بذلك إيجـاد أسـاس قـانوني إلستحقـاق التعويـض النـاجم عن الطـالق للضـرر .
ـــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
لذا ستقـع في مرحلة أولى دراسـة الحلـول التطبيقيـة المتعلقـة بالتعـويض (أوال) وفي مرحلة ثـانيـة
سيقـع البحـث في الحلـول النظـرية في خصـوص إسنـاد التعويـض (ثانيـا) .
-1الحلـول التطبيقيـة المتعلقـة بالتعـويـض :
إن هـذه الحلـول التطبيقيـة متنـوعـة وهـذا التنوع يعـد تعبيـرا عن إختـالف الحلـول النظريـة في
هـذه المسألـة ففي حيـن يرى مسانـد والنظـرية الحديثـة أن مجرد الضـرر يـوجب الحكـم بالطـالق لكن
بدون تعويـض ،في حين أن الضـرر الناشئ عن خطإ يوجـب إضـافة إلى الحكـم بالطـالق القـضاء
بتعويـض للمتضرر ( ،)1يؤدي التوجـه الذي ذهـب إليـه مؤيـدوالنظريـة التقليـدية إلى عـدم القضـاء
بالطـالق للضـرر إال بإثبـات خطإ أو تقصيـر عمـدي من طرف المدعي عليـه وبالتـالي فإنـه ال يتـم
التعويـض إال في هـذه الحـالة فحسب (. )2
فقـد إعتبرت محكمـة اإلستئنـاف بسوسـة أن الفصـل 31شخصي وإن كـان يدعـو للقضـاء
بتعويض الضـرر ،إال أن ذلك التعويـض ليس آليـا وحتميـا بمجـرد القضـاء بالطـالق فالتعـويض يفترض
،للنظـر في استحقـاقه ،الرجـوع إلى القـواعـد العامـة للمجلـة المدنيـة ،أي يجب أن تتـوفر عنـاصره من
ثبـوت للخطأ وللضرر ،وللعـالقـة السببيـة بينهمـا .
وعمـال بأحكـام الفصـول 12و 139 ، 13مدني ،اعتبـرت محكمـة اإلستئنـاف أن مسؤوليـة
الزوج تجـاه زوجتـه هـي مسؤوليـة تقصيريـة يفترض فيهـا ،ثبـوت حصـول ضـرر جسيـم للزوجـة ،تسبب
فيـه الخطأ أو التقصيـر المتعمـد أو غيـر المتعمـد من جـانب القريـن وقيام عـالقة سببيـة أكيدة بين
هـذيـن العنصريـن .
ـــــــــ
من ذلك أن محكمـة االستئنـاف ولما ثبت لها أن الزوجـة لم تنسب سلـوكا مخطئأ للقريـن ( ،وبمـا أن
الخطأ في إطار المسؤوليـة التقصيـريـة غيـر مفترض ،بل على من تمسـك به إثباتـه قضت بعـدم سمـاع
دعـوى الزوجـة بالنسبـة للفـرع المتعلـق بتعويـض الضـرر ،بل وأكـدت أن القضـاء ضـد الزوجـة بتعويـض
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
الضـرر الذي لحـق زوجتـه بسبب العجـز الجنسي الذي هـو حالة خـارجـة عن إرادتـه وال شأن له فيهـا ،
يؤدي إلى إلزامـه بدفـع ثمـن " مصاب جلل " لزوجتـه ،فضـال على أنـه أمر ال أخـالقي ،ألنـه يقـر مبدأ
إلتزام شخصي بتعـويض غير ضـرر عن مسؤول عنـه .
كمـا صـدر بتـاريخ 1793/35/22تحـت عـدد 1123قرار تعقيبي تضمـن " على المحكمـة عنـد
الحكـم في غرامـة الطـالق المنصـوص عليـها بالفصـل 31م أ ش أن تبرز عنـاصر المضـرة طبق مـا
تقتضيـه أحكـام الفصـل 12من م ا ع وما بعده "من هـذا المنطلق قد يبدو منطقيـا أن نعتبـر أن الزوج
مـالم يرتكـب خطأ يؤاخـذ عليـه لمجـرد مرضـه ،غير مسؤول عـن الضـرر الذي لحـق قرينـه ،ففضـال عن
تمـاشيـه مع مبـادئ العـدل واألنصـاف ،يحترم هذا الموقـف المبادئ القانونيـة التي تعتبر أن المسؤوليـة
الشخصيـة ال تتـوفر إال بتوفـر الخطـأ( . )1غير أنـه من جهـة أخرى قد يؤدي إلى ذبذبـة على مستـوى
المبادئ القـانونية .ذلك أنـه لو إكتفـت محكمـةاالستئنـاف بسـوسة بثبـوت الضـرر ،وأقـرت صراحـة أنـه
وإن كان الزوج لم يرتكـب خطأا أو تقصيـرا ،فرغـما عـن ذلك فالزوجـة محقـة لطلـب الطـالق للضـرر ،
مادامت مضرتهـا ثابتـة ببقـائهـا عذراء رغمـا عن المضي مـدة عن الدخـول بهـا لعتبرنـاها قد أخـذت
بالنضريـة الحديثـة التي تفصـل بين الضرر والخطأ " ،فتكـون الزوجـة المطلقـة لعجـز زوجهـا الجنسي ال
تستحـق العـزم ،إال إذا أعتبر الزوج مخطئا قصـدا " (.)2
ـــــــــ
(-)1ساسي بن حليمـة ،تعليق على قرار استئنـافي مدني عـدد 1313مذكور ص ( 319بتصرف )
(-)2األستاذ الحبيب الشريف تعليق على قرار تعقيبي مدني عـدد 11215مذكور ص . 12
ولكن محكمـة االستئنـاف تحدثـت عن مسؤولية الزوج فيما لحق الزوجة من ضرر ،واعتبرتـه
المسؤول الوحيـد عن إتمـام الواجـب المحمـول عليـه ( في هـذه القضيـة واجب إختصـاص بكـارة
زوجتـه ) وبالتـالي مخـال بأحكـام الفصـل 23شخصي مـا دام هـذا الواجـب يدخـل في نطـاق واجبـاتـه
الزوجيـة العـامة والمقصـودة مباشرة بما هـو مذكـور من الفصـل 23من م أ ش (. )1
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
فهي بهـذا وإن لم تشـر وتأكد صراحـة على خطأ منسـوب للزوج ،أفادت ضمنيـا وأنهـا تدين بالنظريـة
التقليـدية المؤسسـة على الخطأ .وإن كـان كذلك ،فبات من الحتـمي أن تقضي بالغرم إضـافة إلى
الحكـم بالطـالق بالضـرر ،فما دام الزوج مخطأ ،فمن البديهي أن يتحمـل تبعـات خطئـه .
ولكن المحكمـة جعلـت في اآلن ذاتـه من الزوج مسؤوال ومخـال بأحكـام الفصـل 23شخصي
،ممـا إتجـه تطليقـه للضـرر " وضحيـة " لمصـاب وأمـر خـارج عن إرادتـه ،ليس من العـدل واإلنصـاف
أن تحملـه تبعـاته !! .
فمحكمـة االستئنـاف اعتبـرت أن الزوج مسؤوال وغيـر مخطأ في اآلن نفسـه .ولكـن وعلى فرض أننـا
إعتبرنـا بأن المحكمـة تكتفي بثبـوت الضرر إليقـاع الطـالق .بينمـا تشترط ثبـوت سلـوك مخطإ للعـاجز
جنسيـا لتغريمه ،عمال بأحكام الفصل 12و 13مدني ،فهل أن مسؤوليـة الزوج هـي حـقا مسؤوليـة
تقصيـرية ؟
إن إقحـام المسؤوليـة التقصيريـة في القضـاء بمقتـضى المسؤوليـة التعـاقدية هـو تحليـل ال
يستسـاغ رغم أن هـذين النوعين من المسؤوليـة المدنيـة يتحـدان في األركـان إال أن كل منهمـا ولقيـام
المسؤوليـة ال بد من تـوفر الخطأ والضرر والعـالقـة السببيـة بينهمـا ،إال أن المسؤوليتيـن يفترقـان خـاصة
على مستوى اإلثبات والطبيعـة القـانونية .
ـــــــــ
وهـو إقحـام أدى بمحكمـة التعقيب في قرارهـا عـدد ، 1123إلى إعتبار وأنه عنـد الحكـم في غرامـة
الطالق وفي الغـرامـة الناجمـة عن فسـخ عقـد الزواج طبق الفصـل 31من مجلـة م أ ش أنـه يجـب إبراز
المضرة الناجمـة عن خطأ تقصيـري طبق ما يقتضيـه الفصـل 113من م أ ع ومـا بعده .
وقد أكدت هـذا اإلتجـاه محكمـة االستئنـاف بسـوسة لمـا إشترطـت الحكـم بالتعويض عـن
ضرر الطـالق أن يكـون المطـالب باألداء قد إرتكـب جنحـة أو شبـه جنحـة على معـنى الفصـل 12من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
المجـلة المدنيـة .وقد فسـرت محكمـة االستئنـاف هـذا الموقـف بكونـه إذا قضى بتعويـض ضـرر غير
نـاتج عن تقصيـر متعمـد أو غير متعمـد فإن ذلك يؤدي إلى إلزام المصـاب من الزوجيـن بمرض خـارج
عن إرادتـه إلى دفع ثمـن مصيبتـه لزوجـه المتمسـك بحقـه في طلب الطـالق .
ويرى األستـاذ ساسي بن حليمـة أنـه من النـاحيـة القانـونية ال مـانع من إشتراط الخطأ العقدي
في جـانب المطـالب بالتعويض عوضا عـن الخطإ التقصيـري ،ففي تعليقـه على القـرار االستئنـافي
المذكـور يرى األستـاذ :
"أنه إذا كـان ذلك موقف المحكمـة فإننـا نظن أنـه من الممكـن مجـاراتهـا فيه فاألمر ال يتعلـق ال
بجنحـة مدنيـة وال بشبههـا بل يتعلـق بصفـة ،وبذلـك يتجـه الحديث عن مسؤويـة تعاقدية رغـم إتحـاد
المسؤوليتيـن في األركـان ،والفرق يتعلـق خـاصة باإلثبـات إن الخطأ في المسؤوليـة العقديـة يكـون
مفتـرضا ،إذا كـان اإللتزام الواقـع اإلخـالل به إلتزاما بنتيجـة ،ويصبـح المطـالب باألداء للتقـصي من
المسؤوليـة ،مطالب بإثبات حصول قـوة قاهـرة أو خطأ من الطرف اآلخـر .ولقـد أدبي األمر بالمحكـة
من جراء ذلك ،إلى اإللتجـاء إلى إطار قانـوني مخطئ لتحليل مسؤوليـة الزوج فاعتبرتهـا تقصيريـة حـال
أنهـا تعـاقدية " .
فمحكمـة االستئنـاف لم تأخـذ بالنظـرية القـائلـة بكفايـة ثبوت الضرر للقضـاء بالطـالق عنـد
تمسك الزوجة بعجـز زوجهـا الجنسي وبالتالي بتعويـض المضرة ،رغمـا على أن البعـض يرى أن هـذا
هـو موقف فقه القضـاء التونسي كلما طرحـت مشكلـة العجز الجنسي للزوج وبقـاء الزوجـة عذراء رغـم
مرور مدة عـن الدخـول بهـا .كمـا أنهـا لم تشر صراحـة إلى ضرورة تأسيـس الطـالق للضرر على الخطأ.
وبالتالي يكون السلوك المخطئ للقريـن هو المتسبـب في الضرر بما يجعـل المدعي عليـه مطالبـا
بالتعويض ،بل إن محكمـة االستئنـاف أرادت أن تعتبـر كفايـة الضـرر للقضـاء بالطـالق وضرورة تـوفر
الخطأ للقضـاء بالتعويض ،وهو تضاربـت سبق لمحكمـة االستئنـاف بتـونس ( )1أن وقعـت فيه ولقـد
حرصـت على إجتنـاب ما وصلت إليه محكمـة االستئنـاف بسوسة ( )2فاستنبطـت نوعـا جديدا من
الطـالق إستوحتـه من القـانون الفرنسي ( )3وهـو الطـالق إلستحـالة إستمرار الحيـاة الزوجيـة ( . )3لكن
محكمـة التعقيب نقحت قرار محكمـة االستئنـاف وإعتبرت أن هـذا الموقف يتنـافى مع أحكـام
الفصل 31وأنه كان على محكمـة االستئنـاف أن تتحقق من وجـود الضرر المدعي به وتعتمـده في
حكمهـا ،أو تفند وجوده وتقضي بعدـم سمـاع الدعـوى .وأن هـذه المحكمـة لما اعتبرت العجز
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
الجنسي سببا يحـول دون استمرار العالقـة الزوجيـة ولم تعتبره ضــررا يبيح طلب التعويـض تكـون قد
أسائت تطبيق القانـون (. )3
- 2الحلـول النظريـة المتعلقـة بالتعـويض :
يرى األستـاذ الحبيب الغربي أنـه بإمكـان فقه القضـاء االعتمـاد على الرأي القـائل بالتمييز بين
أساس الطـالق وأثر الطالق ( . )5وأنـه بالنسبـة ألساس الطـالق ليس من الضروري أن يقترن الضـرر
بالخطأ إذ يكفي أن يتوفـر عنصـر الضـرر لتقضي المحكمـة بالطـالق بقطـع النظـر عن توفر عنصـر
الخطأ مـن عدمـه ."...
ـــــــــ
(-)1حكم استئنافي مدني عدد 11391مؤرخ في 12جوان 1711غير منشور ،أنظر القرار التعقيبي المدني عدد
11215مذكور .
( -)2الحكم االستئنافي عدد 1131مذكور .
(-)3الفصل 227مدني ( جديد ) المنقح بمقتضى القانون المؤرخ في . 1795/39/11
(-)3قرار تعقيبي مدني عدد 11215صادر بتاريخ 11نوفمبر 1711مرجع سابق الذكر .
(-)5الحبيب الغربي مرجـع سـابق الذكـر ص .27
ذلك أن قانـون 11فيفـري 1711يحمـل في طياتـه بـذور نظريـة االكتفـاء بمجـرد حصـول الضـرر ،وأن
الفصـل 31مـن مجلـة األحـوال الشخصيـة لـم يشتـرط صراحـة فـي تحريـره الجديـد وجـوب تأسيـس
الضـرر على الخطـأ لورود عبـارة الضـرر في صيغـة عـامة ومطلقـة " .في حين أنـه بالنسبـة ألثـر الطـالق
أي مـا تقضـى بـه المحكمـة مـن تعويـض فـإنه علي القضـاء أن يفرق بيـن الضـرر المجـرد الـذي يوجب
في بعـض الحـاالت الحكـم بالطـالق بدون تغريـم ،وبيـن الضـرر الناتـج عـن خطـأ القريـن فأنـه يمكـن
المتضـرر مـن الحصـول على الطـالق مـع التعويـض وذلك طبقـا للفقـرة األخيـرة مـن الفصـل 31مـن
مجلـة األحـوال الشخصيـة" .لكـن على ما يبـدو عليـه هـذا الرأي مـن تماسك إذ أنـه يـرى أن المشـروع
قـد تبنى نظريـة"الطـالق جـزاء" مـن خـالل تنقيحـه للفصـل 31مـن مجلـة األحـوال الشخصيـة وذلك
بنـاء على األعمـال التحضيريـة المتعلقـة بتنقيـح ذلك الفصـل بمقتضى قانـون 11فيفـري 1711غيـر أن
هـذه األعمـال التحضيريـة التحتـوي على أي دليـل يؤكـد نيـة المشـرع في تبني نظريـة اإلكتفـاء بمجـرد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
حصـول الضـرر فغايـة مـا في األمـر هـو أن المشـرع أراد مـن خـالل الصياغـة العامـة لعبـارة الضـرر فتـح
بـاب اإلجتهـاد للقضـاء التونسـي الـذي يتكفـل بتحديـد وتقديـر األضـرارالموجبـة للطالق حسب
مالبسـات و وقـائع كل حالـة (. )1
وربمـا يرجـع هـذا الموقف إلى اإلحسـاس بـان كـال النظرتييـن الحديثـة والتقليديـة التمكـن مـن
إنصـاف الزوجيـن (.)2
فالنظريـة الحديثـة ورغـم شمولهـا تفتـح ثغـرة كبيـرة في بنـاء األسـرة بحيث يستشف منهـا وكأن
المشـرع يشجـع على اللجـوء إلى الطـالق ممـا يهدد األسـرة بالتصدع (. )3
ـــــــــ
جـديدا يحكـم قضـايا الطـالق للضـرر ،التي ال يمكـن فيهـا نسبـة سلوك مخطـئ للقريـن ،كإصابتـه
بمرض أو بحـادث مـرور تسبـب له في سقـوط مزمـن ،أو في صـورة إذا مـا كـان أحـد الزوجيـن عـاقرا ،
أو عـاجزا جنسيـا ،وأن تجعـل كذلك عـدم أحقيـة القريـن في التعويض عن الضـرر (. )2
أمام هـذا اإلشكـال ،حـاول الفقـه إيجـاد حلـول بديلـة .
ـــــــــ
(-)1محمـد الحبيب الشريف تعليـق على قرار عدد 11215بتاريخ 11نوفمبر 1711مرجـع سابق الذكر ص . 12
(-)2عذرية الزوجة مرجع سابق الذكر ص . 111
ويقتـرح األستاذ ساسي بن حليمـة أن يقـع اإللتجـاء إلى الطالق على أساس الفقرة الثالثـة من
الفصل 31من مجلـة األحوال الشخصيـة ،مع بيان أن طلب الطـالق الذي تقـدم به أحـد الزوجين لم
يكن مبنيـا على تعسـف ،بل على حالـة أصبح منهـا هـو متضرر ،وصيرت الحيـاة الزوجيـة أمرا
مستحيـال .وفي هـذه الحـالة تأخـذ المحـاكم هذا الدفع في تقديرهـا للغرامـات التي قد يطالب بهـا
المدعي عليـه إما لعدم الحكـم بها مطلقـا أو الحكم بمبالغ تأخـذ بعيـن اإلعتبـار الدوافع التي أدت
بالمدعي إلى اإللتجـاء للطـالق (.)1
لكن مع ذلك يقـر األستـاذ الساسي بن حليمـة أن هـذه الصورة تبدو غريبـة بالنسبـة لمن يقرأ
الفصـل . 31إذ أن الطـالق للضـرر ،والطـالق على أسـاس الفقرة الثالثـة همـا صورتـان مرتبطتـان بصفـة
ويقتتـرح األستاذ سـاسي بن حليمـة حـال ثانيـا يتمثـل ال شعورية بإمكـانية تعويـض الضـرر (. )2
في ،تمكيـن المتضرر من الزوجيـن من أن يضـع حـدا للعـالقـة الزوجيـة ،وذلك دون أن يكـون مطالب
بإثبات السلوك المخطأ من طرف القريـن ،ودون أن يمكـنه مطالبـة قرينـه بتعويض عن مضرتـه .
ويقـر األستاذ ساسي بن حليمـة أن هـذا النوع من الطـالق للضـرر اليتجسـم مـع تصـوره
للطـالق للضـرر ،الـذي يجب أن يكـون مؤسـسـا على سلـوك مخطـأ للقريـن .ولكـن ذلك مـن شـأنـه
أن يفتـح بابـا جديـدا في التأويـل القضـائي لميـدان الفقــرة الثانيـة مـن الفصـل 31مـن مجلـة األحـوال
الشخصيـة فتصبـح تشمـل الطـالق للضـرر المؤسـس على خطـأ الموجب للتعويـض والطـالق للضـرر
غيـر المؤسـس علـى خطـإوغيـر موجب للتعويـض إذ أن المشـرع لـم يشتـرط أن يكـون الضـرر ناتجـا عـن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
سلـوك مخطئ للقريـن ( )3ولكـن وباإلضافـة إلى مـا أقـره األستـاذ سـاسي بـن حليمـة مـن أن هــذا التوج ـه
يتعـارض مـع النظريـة التي
ـــــــــ
-1سـاسي بن حليمـة :تعليق على قرار عدد 1131بتاريـخ 29جـون 1773مرجـع سابـق الذكـر ص 115
-2سـاسي بن حليمـة :تعليق على قرار عدد 1131بتاريـخ 29جـون 1773مرجـع سابـق الذكـر ص 111
-3سـاسي بـن حليمـة :تعليـق علىقرار عـدد 1131قـرار بتاريـخ 29جـون 1773مرجـع سابـق الذكـر ص . 119
يتبناهـا وهـي النظريـة التي توجب وجـود سلـوك مخطـأمـن القريـن للقضـاء بالطـالق وبالتعويـض ،أال
يمكـن إعتبـار هـذا التوجـه تبينـا لنظريـة "الطـالق عـالج" الـذي يفـرق بيـن الطـالق للضـرر المؤسـس على
الخطـأ والموجب للتعويـض والطـالق للضـرر غيـر المؤسـس على خطـإ والغيـر موجب للتعويـض ؟
ثـم إن الفقـرة الرابعـة مـن الفصـل 31مـن مجلـة األحـوال الشخصيـة التحتـوي على تفريـق بيـن
،الضـرر الناتـج عـن خطـأ ،والضـرر الغيـر ناتـج عن خطـأ ،للقضـاء بالتعويـض .والفصـل 533م ا ع
صريـح إذ أنـه ينـص على أنـه إذا "كانت عبـارة القانـون مطلقـة ،جرت على إطالقهـا" كمـا ان الفصـل
531مـن نفـس المجلـة يحتـم عنـد وجـوب تأويـل القـانون ترجيـح التسييـر على الشـدة .وأن التأويـل
اليكـون داعيـا لزيـادة تضييـق القـانون .وبالتـال وباإلستنـاد علي هذيـن الفصليـن ،وبمـا أن المشـرع لـم
يشتـرط أن يكـون هـذا الضـرر المـؤدي للطـالق ناتجـا عـن سلـوك مخطـئ ليقـع إستحقـاق التعويـض ،
فال يمكـن بالتـالي التضييـق والشـدةفـي تفسيـر الفقـرة .
وبمـا كانت هـذه اآلراء الفقهيـة ناتجـة عـن رغبـة جامحـة فـي التفريـق بيـن حـاالت يكـون فيهـا
الضـرر غيـر ناتـج عـن سلـوك مخطـأ .ولكـن إلنصـاف الزوجيـن يقـع التفريـق بينهمـا للحـد مـن الضـرر
دون تحميـل أحدهمـا مسؤليـة مـا لـم يقترفـه بيديـه ،وحـاالت أخـرى يكـون فيهـا الضـرر ناتـج عـن حطـأ
فيقـع باإلضافـة إلى إيقـاع الطـالق تحميـل المخطـأ مـن الزوجيـن تبعـات خطئـه .وقـد كـان مـن اليسيـر
تصـور ذلك لـو كانت الفقـرة الرابعـة مـن الفصـل 31مـن مجلـة األحـوال الشخصيـة تفـرق بيـن الضـرر
الناتـج عـن خطـأ والضـرر غيـر الناتـج عـن خطـإ .
فالضـرر الـوارد بالفقـرة الرابعـة هـو الضـرر النـاجم عـن الطـالق بصريـح النـص سـواء كـان الطـالق
بمـوجب الضـرر أو إنشـاء أو برغبـة خـاصة .بحيث يكـون التعويـض عمـا يفقدهـة الطـالب المجبـر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
على الطـالق بسبب إضـرار قرينـه بـه في صـورة الطـالق للضـرر .لذلك أقـر المشـرع مبـدأ التعويـض إذا
طلب الطـالق بمـوجب الضـرر ،أو كـان مبينـا على مجـرد إستعمـال الحـق .
غيـر أن ذلك اليعني بالمـرة التوسـع مـن جهـة أخـرى فـي مفهـوم الضـرر .إذ يجب البحث عـن
كنـه الضـرر الموجب للطـالق .إذ ال يعتـد إال بالضـرر الـذي يصيب طرفـي عقـد الـزواج ،ومـن شأنـه
أن يستحيـل معـه واصـل الحيـاة األسريـة في منـاخ يساعـد على إستقـرار جميـع أفـراده نفسانيـا وماديـا
وأدبيـا ،ليعتـد بـه للحكـم على معنى الفقـرة الثانيـة مـن الفصـل ( 31جديـد) مـن م أ ش سـواء كـان
ذلك الضـرر ناجمـا عـن خطـأ القريـن أو لـم يكـن لهـذا األخيـر فيـه يـد كالمـرض المعقـد .والعجـز
الجنسـي .وبذلك فليـس كـل خطـإ ينجـر عنـه ضـرر يكـون بالضـرورة مخـوال لطب الطـالق .فالخطـأ
العابـر الـذي الينجـر عنـه ضـرر مستديـم اليصلـح أن يكـون سنـد الدعـوى الطـالق فـي الختـام وجب
اإلشـارة إلى أن التعويـض نوعـان مادي ومعنـوي .ذلك أن الفقـرة 3مـن الفصـل 31م اش نصت على
أنـه يقضـي لمـن تضـرر مـن الزوجيـن بتعويـض عـن الضـرر المـادي واألدبـي" .على أن تقديـر التعويـض
يراعـي فيـه وقـع ذلك الضـرر على المضـرور ،ومـدى تأثيـره عليـه .فعناصـر المضـرة تتمثـل خـاصة في
وقـع الطـالق وأثـره على حيـاة المطلـق مستقبـال سـواء نفسانيـا أو ماديـا .مـع األخـذ بعيـن اإلعتبـار
حالـة طالب الطـالق أو المتسبب فيـه وحتى األسبـاب التي دفعتـه لطلب الطـالق (. )1
بعـد أن تناولنـا بالـدرس وسيلـة الطـالق كحـل قانـوني أول يمكـن اإللتجـاء إليـه لوضـع حـد
للرابطـة الزوجيـة ،سيقـع التطـرق في إطـار الفـرع الثاني إلى الوسيلـة القانونيـة الثانيـة التي يلتجـأ إليهـا
الشخـص الـراغب فـي حـل الرابطـة الزوجيـة ،والمتمثلـة في طلب إبطـال عقـد الـزواج لمـرض قرينـة
السابـق للزواج .
ـــــــــ
(-)1مقـال الضـرر في دعـوى الطـالق محمـد التريكـي ق ت مـا ي 1771ص .153
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
تتمثـل الوسيلـة القـانونية الثانيـة التي يلتجئ إليهـا الشخـص الراغـب في حـل الرابطـة الزوجيـة ،
نتيجـة لما حصـل له من ضرر تسبب فيه مرض الطرف الثـاني في طلب إبطـال عقـد الـزواج .لكن
قبل التعرض إلى هـذه اإلمكـانية الممنـوحة للمتضرر من الزوجين في طلب إبطال الزواج ،يتجـه البحـث
على الفائدة العمليـة من التفريـق بيـن الطـالق والبطـالن كحـل إلنفصـام الرابطـة الزوجيـة .
إن التفريـق بيـن البطـالن والطـالق في القـانون الفرنسي أهميـة كبيرة وذلك على ضـوء مـا عرفـه القانـون
الوضعي الفرنسي من تطـور وغلق باب الطـالق في وقت ما .ممـا يبعـث بالمتقـاضين الراغبيـن في
حـل الرابطـة الزوجيـة إلى طرق باب مؤسسـة أخـرى وهـي البطـالن .
()1
أما في القانـون التونسي فإن األمر على خـالف ذلك فبـاب الطـالق مفتـوح على مصرعيـه
دون أن يكون مغلقـا .فاإللتجـاء إلى البطـالن ال يمثـل تأكـدا مثلمـا كان ذلك يقـع في فرنسـا في
وقت مـا .ولذا فإن المصلحـة التي تكمن في تـونس في التفريق بيـن الطـالق والبطـالن يجـب تقييمهـا
باعتبتـار أن كـال من تلك الطريقتيـن لحل عقـد الزواج ممكـن مبدئيا إال أنـه يترتـب على الطـالق غرمـا
ماديـا وأدبيـا ال يحكـم به بالضرورة في قضايـا اإلبطـال .ويتجـه لدراسـة مسألـة البطـالن البحـث عن
األساس القـانوني لدعـوى البطـالن (الفقرة األولى ) للمرور في مرحلـة ثانيـة في البحث عن النظـام
القـانوني للبطـالن ( الفقرة الثانيـة ) .
ـــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
( -)1ساسي بن حليمـة " ،ما هـو تأثير مرض الزوجـة على مصير الرابطـة الزوجيـة" .جريدة الصباح 12ماي 1711ص . 11
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
21من م أ ش يؤكد صحة زواج المريض ،وهو نفس الحل الذي أقره فقه القضـاء الفرنسي سنـة
، )1( 1733
الذي تبنى نفس النظرية المثـاليـة للزواج ( .)2وقد كرس فقه القضـاء هـذه النظرية المثـاليـةعبر قبولـه
لصحـة زواج المريض مرض الموت مع إشتراط وجـوب التثبـت .في هـذه الحـالة من وجـود الرضـا
بالزواج طبقـا لمقتضيـات الفصـل 131من المجلـة المدنيـة الفرنسيـة ( )3وهـو أمر خـاضع لمطلق
إجتهـاد القـاضي .
ويخـالف في المقـابل موقـف المشرع التونسي من صحـة زواج المريض موقف المذاهـب
الفقهيـة وخـاصة منه المذهـب المالكي .
فالفقـه اإلسـالمي يشترط في الزواج عـدة شروط ال بد من توفرهـا فيـه حتى يكون عقد الزواج
عقدا صحيحـا من بينهـا شرط صحة القريـن ،فقد إشترط بعض الفقـهـاء أن ال يكون القرين مريض
مرضا مخيفـا ،أي يتوقـع موتـه على حساب العادة سواء كان مشرفـا على الموت أم ال .وهـذا شرط
مختلف فيه بين الفقهـاء فالمذهـب الحنفي والشافعي يذهبـان إلى أنه ليس بشرط في الزواج وال في
الزوجـة بمعنـى أن المريض يجوز نكـاحه (.)3
أما المذهـب المالكي فقد إعتبـر وأن المرض المخـوف مانـع من موانع صحـة النكـاح ( )5غير
أنهـم إختلفـوا في هـذا الرأي على رأييـن :
أولهمـا أن المرض المخـوف مانع من صحة الزواج مطلقا أي سواء أكان ورثـة هذا المريض
الراغـب في النكـاح الرشداء قد أذنوا له في هـذا الزواج أم لم يأذنـوا له وذلك أن إذن ورثتـه الرشداء له
بالزواج كعـدم إذنهـم له إذ أنـه من الجـائز أن يتوفى من أذن له من الورثـة قبل المرض نفسـه وحينـئذ
يكون قد ضهـر وارث جديد حل محـل الوارث الذي مات كأبنـائه مثـال .
ـــــــــ
(1)-Cass civil 6 Avril 1903 . D 1904 tome I page 395 conclusion PG Boudouin .
(-)2يسرى محفـوظ مرجـع سابق الذكر ص 93و . 73
(-)3يسرى محفـوظ مرجـع سابق الذكر ص . 95
(-)3الحاوي للماوردي ج 12ص . 3
( -)5بداية المجتهـد ج 2ص . 37
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
وهـذا الوارث الجديد لم يأذن لهـذا المريض بالزواج فأصبـح إذن الوارث كعـدم اإلذن
وسواء في المنـع أيضا أكان هذا المريض محتـاجا إلى الزواج بأن رغب فيه أو كان محتـاجا إلى زوجـة
تقوم على خـدمتـه في مرضـه أم لم يكن محتـاجا إلى شيئ من ذلك .وهـذا الرأي الراجـح عنـد
المالكيـة ،وقد إستنـدوا في هـذا إلى النهي عـن إدخـال وارث .وأمـا ثاني الرأييـن عنـد المالكيـة فإنـه
يذهـب إلى أن المرض مـانع من صحـة النكـاح إن كان المريض غير محتـاج إلى النكـاح .وأما إذا
كـان محتـاجـا إلى النكـاح ،لم يمنـع حتى ولو لم يأذن له الوارث في ذلك .
هذا وينبـغي أن نشير إلى أن خـالف المالكيـة الذي ذكرنـاه اآلن هـو حـالة ما إذا كان أحـد
الزوجيـن مريضـا ،وأمـا إذا كـان كل من الزوجيـن مريضا فقد إتفق المالكيـة حينـئذ على عـدم صحـة
نكاحهمـا .
هذا ويرجـع اإلختـالف بين المالكيـة وغيرهـم في إعتبـار المرض مانعـا من صحـة عقد الزواج أم
ال ،راجعـا إلى أمريـن :
أولهمـا طبيعـة عقـد الزواج ،فهذا العقـد يتردد بين البيع والهبـة ،فإن المريـض في مـرض موتـه يجـوز لـه
أن يبيـع مـايشـاء مـن ممتتلكاتـه وبالتالي اليكـون المـرضمانعـا مـن صحـة عقـد الـزواج كمـا أنـه ليـس
بمانـع مـن صحـة عقـد البيـع .أمـا إذا ألحقنـا بعقـد الهبـة فـإن المريـض في مـرض موتـه اليصـح أن يهب
شيئـا مـن مالـه إال فـي حـدود الثلث ،وبالتـالي فإذامـا ألحقنـا عقـد الـزواج بالهبـة يكـون مانعـا مـن
صحتـه .
ثانيهمـا ،أن المـرض مريضـا مخيفـا إذا أراد الـزواج ،متهـم بإدخـال الضـررعلى ورثتـه ألن زواجـه سيـؤدي
إلى إدخـال وارث جديـد زائـد على ورثتـه الحاليـن .وهـومـا يـؤدي إلى إنقـاص نصيب كـل منهـم مـن
التركـة .
هـذان همـا األمران اللـذان يرجـع إليهمـا إختـالف العلمـاء فـي هـذه المسألـة. .والوقـع أن قيـاس
عقـد الـزواج على الهبـة قيـاس غيـر صحيـح وذلك ألن العلمـاء متفقـون على أن الهبـة تجـوز مـن
المريـض إذا كانت داخلـه في حـدود ثلثي مالـه والذيـن إعتبـروا المـرض مانعـا مـن صحـة عقـد الـزواج،
لـم يحـددوا لذلك نطاقـا معينـا .فلـم يقولوا بصحـة عقـد الـزواج إذا كـان مـا سيتربت عليـه مـن حقـوق
داخـال في حـدود ثلث المـال بـل أطلقـوا األمـر .أي أن المرض عندهـم مانـع مـن صحـة عقـد الـزواج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
سـواء أكـان مـا سيترتب عليـه مـن حقـوق داخـال في حـدود ثلث المـال ،أم ال .ومـن هنـا يستطـاع
القول بـأن عقـد الــزواج مختلف عـن الهبـة .
كمـا أن القول بعـدم صحـة عقـد الـزواج إلدخـار وارث جديـد هـو قيـاس مصلحـي اليجـوزه أكثـر
الفقهـاء .
وربمـا كانت هـذه الدوافـع هي التي حعلت المشـرع التونسـي اليأخـذ بإتجـاه الفقـه اإلسـالمي
في خصـوص عـدم السمـاح بـزواج المريـض .رغـم أن المذهب المالكي والقائـل بذلك اإلتجـاه كـان
()1
معمـوالبـه في البـالد التونسيـة والـذي كـان يرفـض السمـاح بالـزواج لشخـص مصـاب بمـرض مخـوف
.
بنـاء على ذلك ولعـدم إمكانيـة الطعـن في صحـة زواج المريـض فإن الشخص القـائم بدعوى
في إبطال زواجـه المبرم مع قرينـه المريض ،لن يجد نفعـا في إعتمـاد هـذا السبب للطعـن في صحة
الزوج نظـرا لعدم اشتراط المشـرع التونسي سالمـة الزوجيـن من األمراض لصحة عقد الزواج .وهو نفس
الحـل المتبـع من قبـل المشرع الفرنسي الذي يعتبـر الزواج رابطـة روحيـة ال يمثـل الجانـب البيـولوجي
سوى عنصر ثـانوي .غير أن فقه القضـاء الفرنسي وفي خصوص العـجز الجنسي للقريـن كان له
منحـى آخر مختلف عمـا سار عليـه بخصـوص المرض.
ـــــــــ
من ذلك أنـه إعتبر وأن الزواج المبرم وأحـد الزوجيـن مصابـا بخـلل في أجهزتـه التنـاسليـة زواجـا باطـال
( . )1وكمـا أجمـع فقـه القضـاء الفرنسي أنـه مثلمـا يعتبـر الزواج من امرأة منقـوصة اإلكتمـال الجنـسي (
غياب الفرج أو المبيض ) زواجا باطـال ( ، )2فإن الزواج كذلك من شخـص مقطـوع القضيـب أو ممـن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ال يمكـن معرفـة نوع جنسـه زواجـا باطـال ( . )3ولكن هـذا يفقـد أساسـه إذا ما ثبـت أن للشخـص رغمـا
عن عـدم إكتمـال أجهزتـه التنـاسلية :مظاهـر األنـوثة إن كان الزوجـة أو الرجـولة إن كان الزوج طبعـا .
وأما في خصـوص تعيـب الجهـاز التنـاسلي للقريـن فلقـد إختلـف الفقـه الفرنـسي في خصـوص
إعتبـاره أساسـا إلبطـال الزواج ( . )3ولم يعتبره فقـه القضـاء الفرنسي يعيب العقـد أو يبطلـه من ذلك أن
العجـز الجنـسي الطبيعي ( بالخلـق ) أو العارض ( بواسطـة حـادث ) ال يبطـل العقـد (. )5
ولكن تعتبـر بعض التقنيات العربيـة اآلخـذة عن التشريع اإلسـالمي أن الزواج يبطـل لعيب أو
عجـز جنسي مانـع من اإلتصـال الجنسي (. )1
ـــــــــ
(-)1األستـاذ ساسي بن حليمة ،محاضرات السنة الثالثة شعبة قضائية في القانون المدني ،مذكور .
(2)-T civ d’Alès 23-01-1873 periodique 1882 , page 71 .
(3)-Cass civ 6-4-1903 ; D periodique 1904 , 1 page 395 concl Boudoin
(4)-Nimes 29-4-1869 .D. 1872, I page 32 .
(5)-Guy Raymond . Mariage , Fax . 10.op cit page 7 .
(6)-Bemmelha « element du droit algerien de la famille » page 44 cité par َAlayli Bahaeddine,
la reglementation des rapports secsuels en droit musulman comparé ap.cit lors de lanalyse de la
condition de difference de sexe de larticle 4 du code de la famille page 64 .
كمـا يجعـل التقنين السنغـالي لألحوال الشخصية من العجز الجنسي للزوج سببا للبطـالن النسبي
لعقـد الزواج (. )1
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
وأمـام صعـوبة تأسيـس دعـوى البطـالن على إنعـدام صحـة القرين ،فإنـه ال يبقي من حـل لمن
رام إبطال زواجه لمـرض قرينـه سوى ،طلب بطالن الزواج على أساس الغلط في صفة من الصيفـات
الجوهريـة للقريـن .
ـــــــــ
وبالرغـم مـن عـدم إشـارة هـذا الفصـل إلى عيـوب الرضـا كاإلكـراه والغلط ،فإنـه الشيء يمنـع مبدئيـا مـن
تطبيـق النظريـة العامـة لعيـوب الرضـا على عقـد الـزواج .بإعتبـاره يخضـع رغمـا عـن خصائصـه إلى
األحكـام العامـة المنظمـة للعقـود ،مـا لـم ينـص المشـرع على خـالف ذلك (. )1
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
وبمـا أن الشـرع التونسي لـم يضـع أحكامـا خاصـة بالنسبـة للرضـا في مـادة الـزواج وعيوبـه ،فإنـه
يتجـه الرجـوع إلى أحكـام مجلـة اإللتزامـات والعقـود وبالـذات الفصـل 33مـن المجلـة الـذي ينـص على
أن ":الرضـا الصـادر عـن غلط يقبـل اإلبطـال" .كمـا أن الفصـل 31مـن م إ ع يؤكـد أن " :الغلط في
أحـد المتعاقديـن أو صفتـه ،اليكـون موجبـا للفسـخ ،إال إذا كانت ذات المتعاقـد معـه أو صفتـه مـن
األسبـاب الموجبـة للرضـا بالعقـد" .
وقـد تعـددت في فرنسـا الصـور التطبقيـة المتعلقـة بالبطـالن في مـادة الـزواج بمـا في ذلك
الحـاالت المتعلقـة بالغلط في إحـدى الصيفـات الجوهريـة ألحـد الزوجيـن خاصـة وأن إمكانيـة الطـالق
كـانت منعدمـة في وقت مـا(. )2
فالمجلـة المدنيـة الفرنسيـة تعرضت لدعـاوي اإلبطـال في الـزواج ضمـن فصليهـا 31و ، 113وكانت
المحاكـم الفرنسيـة في مرحلـة أولىتقبـل بإبطـال الـزواج إذا وقـع غلط حـول ذات القريـن الماديـة ،
أوحالتـه المدنيـة .في حيـن التقبـل بذلك إذا مـا تعلـق األمـر بغلط في صفـة مـن صفاتـه الجوهريـة .
فقـد وقـع تأويـل الفصليـن بصفـة ضيفـة ،خاصـة بعـد قـرار الدوائـر المجتمعـة لمحكمـة التعقييب سنـة
1112والمعـروف بقـرار "برتـون" ( . )3فمـا كـان لمـرض أحـد الزوجيـن السابـق للـزوج ،أن يؤدي إلـي
إبطـال الـزواج في فتـرة تأثـر فقـه القضـاء الفرنسيى بقـرار برتـون .
ــــــــــــــــــــ
)-(1يسـرى محفـوظ مرجـع سابـق الذكـر ص . 92
)-(2ساسي بـن حليمـة تعليـق على قـرار محكمـة التعقيب الصـادر في 19جـوان 1711الصبـاح 13مـاي 1711ص. 11
(3)-Cass Fran chambres réunis, 24 Avril 1862.s 1862 tomes I P153
لكـن اإلنتقـادات الموجهـة لفقـه قضـاء الدوئـر المجتمعـة لمحكمـة التعقيب الفرنسـية التي تقبـل
بإبطـال عقـد الـزواج رغـم تفاهـةالسب المعتمـد (كالغلط في الحالـة المدنيـة للشخـص) في حيـن أنهـا
ترفـض ذلك بالرغـم مـن أهميـة األسبـاب التي وقـع اإلستنـاد إليهـا لطلب إبطـال الـزواج والمتمثلـة في
الغلط حـول إحـدى الصيفـات الجوهريـة ألحـد الزوجيـن .أدت إلى تخلي بعـض المحاكـم الفرنسيـة
عـن التأويـل الضيـق للفصـل 113مـن المجلـة المدنيـة الفرنسيـة .ليصبـح الغلط يشمـل صفـة مـن
الصيفـات األساسيـة للقريـن( . )1وهـذا التحـول الـذي شهـده فقـه القضـاء الفرنسي ،وقـع تكريسـه قانونيـا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
بالتنصيـص على الغلط في إحـدى الصيفـات الجوهريـة للقريـن صلب الفصـل 113مـن المجلـة المدنيـة
الفرنسيـة ،كسب مـن شأنـه تمكيـن المدعي مـن االبطـال النسبي لعقـد الـزواج وذلك بنـاء على تنقيـح
11جويليـة . )2( 1795وفي غيـاب تحديـد قانـوني لهـذه الصفـات التي تعتبـر جوهريـة في الشخـص ،
فـإن فقـه القضـاء الفرنسي إعتبـر أن الغلط في صفـه مـن صفـات الشخـص ،اليـؤدي إلى بطـالن الـزواج
إال إذا مـا وقـع تكييف هـذه الصفـة مـن قبـل القضـاء وإعتبارهـا جوهريـة .وفي غيابهـا يعتبـر الرضـا معيبـا
( )3هـذا مـا يفسـر قبـول فقـه القضـاء الفرنسـي إعتبـار المـرض صفـة جوهريـة تمكـن طـالب اإلبطـال مـن
مبتغـاه .
ـــــــــ
1-Trib grande instance . mans 18 mars 1965 D.S 1966 p203 note prodel
2-Pierre Dupont Delestraint et Patrick courbe apcit p 49
3-Gerard cornu, « cetenaire »opcit p219
بالرجـوع إلى شخصيـة ذات الشخـص الـذي يطالب بالبطـالن ،والمعطى اإلجتمـاعي وذلك بمحاولـة
البحث في رد فعـل المحيط الـذي يعيـش فيـه المتقـاضي )2( .ولكـن سرعـان ماتخلى فقـه القضـاء
الفرنسي عـن البحث في موقف المحيـط اإلجتماعي الـذي يعيـش فيـه المدعي ،وفيمـا إذا كـان يعتبـر
مبـررا لطلب اإلبطـال أم ال .فمنـذ قـرار محكمــة اإلستئنـاف بباريـس المـؤرخ في 13جويليـة ، )3( 1793
أصبـح فقـه القضـاء الفرنسي يعـود لتحديـد أهميـة هـذه الصفـة الجوهريـة المفقـودة ،إلى ذات القريـن
المطالب بالبطـالن لمعرفـة مـا إذا كانت هـذه الصفـة منتظـرة عنـد إبـرام عقـد الـزواج ومـا إذا كـان ليرضي
بالـزواج لـوعلـم بإنتتفائهـا(. )3
ـــــــــ
وهـو نفـس الحـل الـذي نص عليـه المشـرع التونسي صلب الفصـل 31مـن م إ ع الذي ينـص
على أن "الغلط في ذات أحـد المتعاقديـن أوفي صفتـه اليكـون موجبـا للفسـخ إال إذا كانت المتعاقـد
معـه أوصفتـه مـن األسبـاب الموجبـة للرضى بالعقـد"
وبالتالي وعلى فـرض أن أحـد األزواج يعـزم على طلب إبطـال عقـد الـزواج إلكتشافـه مـرض زوجتـه
السابـق للـزواج ،يمكنـه حسب رأي األستـاذ سـاسي بـن حليمـة تأسيـس دعـواه على الفصـل 3مـن م أ
ش المتعلـق بتوفـر الرضـا لصحـة عقـد الـزواج .وبالرغـم مـن عـدم إشـارة هـذا الفصـل إلى عيـوب الرضـا
كاإلكـراه والغلط ،فإنـه اليوجـد أي مانـع مـن تطبيـق النظريـة العامـة لعيـوب الرضـا على عقـد الـزواج .
بإعتبـاره يخضـع رغمـا عـن خصائصـه إلى األحكـام العامـة المنظمـة للعقـود .مـا لـم ينـص المشـرع على
خـالف ذلك .وبمـا أن المشـرع التونسي لـم يضـع أحكامـا خاصـة بالنسبـة للرضـا في مـادة الـزواج
وعيوبـه ،فإنـه يتجـه الرجـوع إلى أحكـام م إ ع وبالتحديـد إلى الفصـل 31مـن م ا ع لتأسـيس دعـوى
اإلبطـال (. )1
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
وإذا كـان المجـال للحديث عـن اإلكـراه في خصـوص المـرض ،فاليعقـل أن يكـون الـزوج قـد أكـره
زوجتـه على االرتبـاط بـه أو العكـس رغـم مرضـه فهـل يمكـن أن نعتبـره قـد غـرر بـها عندمـا أقـدم على
التـزوج بهـا رغـم علمـه بمرضـه ؟ لقـد أشـارت محكمـة التعقيب ،بمناسبـة إحـدى القضايـا ،أن
المـرض إذا مـا كـان سابقـا عـن العقـد ووقـع السكـوت عنـه عنـد إبـرام العقـد غشـا وتدليسـا.
ـــــــــ
(-)1تعليق األستـاذ سـاسي بـن حليمـة على قـرار محكمـة التعقيب الصـادر في 19جـوان 1711مرجـع سابـق الذكر الصبـاح
13مـاي ص 11
ولـم يحصـل الرضـا بـه بعـد العلـم ،يمكـن أن يكـون سببـا فـي طلب فسـح عقـد النكـاح
اإلبطـال (. )1
ورغـم أن التغريـر بالنسبـة للقانـون الفرنسي وإن كـان عيبـا مـن عيـوب الرضـا "ليـس مقبـوال
لإلستنـاد عليـه في إبطـال الـزواج" ،حسب القاعـدة الفرنسيـة ":في الـزواج يضـرر مـن إستطـاع لذلك
سبيـال ( . )2إال أن فقـه القضـاء الفرنسي أجـاز إبطـال الـزواج على إعتبـار وأن التغريـر الصـادر عـن أحـد
الـزوجيـن يعـد غلطـا بالنسبـة لآلخر (. )3
لهـذا لربمـا كـان اإلشكـال األكثـر أهميـة ،فـي خصـوص المـرض السابـق عـن إبـرام عقـد الـزواج ،يتعلـق
بوقـوع الزوجـة في الغلط وبحصـول توهـم في ذهنهـا ،بصفتهـا متعاقـدة ،صـور لهـا األمـر على غيـر
حقيقتـه ،تصـورا خاطئـا دفعهـا إلى إبـرام عقـد ماكانت لتببرمــه لو تبينت لهـا حقيقتـه (أو العكـس) .
ويفتـرض الوقـوع في الغلط "،توفـر أمريـن جوهرييـن ،يتعلـق أولهمـا بفكـرة جالت بخاطـر الزوجـة أو
الـزوج الواقـع في غلط .والثـاني بتعبير واعي في ذهنـه ،صـور لـه أنـه فكـرة صحيحـة مطابقـة لعيـن
الحقيقـة"( )3وهـذا العنصـر هـو مـا يميـز الغلط عـن التغريـر ،حيث يقـع المتعاقـد في الصـورة األولى مـن
تلقـاء نفسـه ،بينـما يتسبب الغيـر فـي ذلك ،عنـد وقوعـه في تغريـر .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ـــــــــ
ومثلمـا إعتبـرت محكمـة التعقيب ،أن الغلط الـذي يرتكبـه القريـن حـول وجـود مـرض لـدى
قرينـه يبطـل العقـد ،بإعتبـار السالمـة الصحيـة صفـة جوهريـة مـن صفـات الشخـص فالعجـز الجنسي
كذلك ،مـن شأنـه أن يبـرر قيـام الزوجـة بطلب إبطـال عقـد الـزواج .إذا مـا ثبت أنهـا لـم تكـن تعلـم
بالعيب الفيزيولـوجي للـزوج ولـم تـرضى بـه بعـد الدخـول .
على أن فقـه القضـاء الفرنسي يشتـرط لألخـذ بفكـرة الغلط في الصفـة الجوهريـة للشخـص في
إطـار العجـز الجنسي ،أن يكـون العيب مطلقـا ودائمـا( . )1مـن ذلك أن العيب المـؤقت أو الضعف
أو اإلرهـاق الجنسي ،لـن يبطـل العقـد .فال عبـرة بمـا تشكـوه الزوجـة مـن عـدم إكتمـال العمليـة
الجنسيـة أوفتـور أوضعف على مستـوى العمليـة نفسهـا .
وبمـا أن الغلط في الصفـة الجوهريـةللشخـص ،يأول في نطـاق مرامـي وغايـات عقـد الـزواج .
وبمـا أن اإلتصـال الجنسي أمـر حتمي في الـزواج( )2والغايـة المقصـودة منـه( )3فإنـه مـن البديـهي .
أن نلجـأ إلى إبطال عقـد الزواج على أساس الغلـط في الشخص وبذلـك " ينحـل اإلرتباط وال تبقـى
الزوجـة مرتبطـة بعـالقة هي مصدر شقـاء وتعـاسة عوض أن تكـون مصدر هنـاء وسعـادة (." )3
إضافـة إلى أن إعتمـاد البطـالن للغلـط في الشخـص ،يجنـب المتقـاضي عبء اإلثبـات .مـادامت
أهميـة القـدرة الجنسيـة للـزوج ،أمـرا بديهيـا ،في تكويـن العقـد والرضـا بـه وخصوصـا يجنب الزوجـة ،
البحث في السلـوك المخطئ للقريـن واليستهـدف هـذا األخيـر إلى حكـم بالتعويـض ،مـادام كان
يجهـل عيبـه الجنسي ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ـــــــــ
(1)tribunale de Gande Instane de Lille 17-5-1962 prèc.
(-)2تعقيب مدني عـدد 11215مؤرخ . 1711-11-11
(-)3تعقيب مدني عـدد 23217مؤرخ في 1773-31-23مرجـع مذكـور
(-)3األستاذ ساسي بن حليمة تعليق على قرار عـدد 1313مذكـور ص . 321
ولم يثبـت أنـه قد تعمـد مغالطـة الزوجـة وإبقـائهـا في توهـم سالمتـه الجنسيـة سواء تحيـال أو
كتمـانا ( . )1خاصـة وأن الزوج غير محمـول على محـاولة اإلتصـال الجنسي قبل الدخـول ليتثبـت من
قدرتـه الجنسيـة .كمـا أنه غير ملزم بعرض نفسـه على طبيب مختص ليتأكـد من سـالمتـه من العجـز
الجنسي ذلك القانـون التونسي ال يفرض التثبـت من قدرتـه الزوجيـة جنسيـا عند إجراء الفحص الطبي
السابق للزواج ( ، )2ثم إن األمر يتعلـق بعضـو في جسم اإلنسان تجعلـه التقـاليـد اإلجتمـاعية محـل
حشمـة وحياء ،كمـا أن التجـارب الجنسيـة تكـاد تكـون منعـدمة خـاصة في األوساط الريفيـة ألنهـا ال
تحـل إال بالزواج ،األمر الذي يجعـل إمكـانية التفطـن إلى العجـز الجنسي مستحيـل كمـا أن الزوج
غير مطـالب بأن يعرض نفسـه على أخصـائي ليتأكـد من قدرتـه الجنسيـة ،إلن العادة جرت على أن
ال يلتجأ إلى الطبيب إال إذا مـا وقع إحساس بدبيب المرض في الجسم ،ومن البديهي أنه الشيئ
ينبئ المصـاب بالعجـز بوقـوعه فريسـة لهـذا المرض وبالتالي ال شيئ يدعـو إلى استشـارة الطبيب (. )3
وال يعد الزوج مخطئـا إال إذا ثبـت وأنه قد تعمـد مغـالطـة زوجتـه تحيـال منه أو كتمـانا .ورغـم
أن اإلخـالل بواجب المصـارحـة كمـا أسلفنـا سابقـا ،وإلن إعتبره فقـه القضـاء خطأ يبرر الحكـم
بالطـالق للضرر ،فإن شق آخر من هـذا اإلتجـاه وإستنـاد إلى أن عقـد الزواج ال ينتـج آثـاره إال منذ
إبرامه ،يعـد من األفعال السابقـة لعقـد الزواج ،ويؤسس عليـه طلب البطـالن .ذلك أن هـذا الواجب
السابق لعقد الزواج .يلتـزم بمقتضـاه كل طرف تجـاه اآلخـر بإطـالع قرينـه على إمـور إن خفيت عنـه ،
قد يضر به كشفهـا بعد العقـد ولن يرضـاها .
ـــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
وبالرغـم مـن الرفض الفقهي لهذا الواجـب ،وعـن التـردد الكبير الذي عرفـه فقه القضـاء
الفرنسي ،فلقـد تمكـن واجـب المصـارحة من أن يجد له منفـذا ومن أن يجعـل لنفسـه شروط قيام
ونفـاذ .
فالزوج في إطار إلتزامـه بواجـب المصـارحة مطـالب بأن ال يخـفي عن قرينـه أمرا له من األهميـة
بدرجـة تجعـل كشف الالحـق عن الزواج ،مضرا به ضـررا جسيمـا ،مـا كان ليتحملـه وليقبـل التعـاقد لو
عـلم بالعيـب مسبقـا .
فإذا كـان الزوج عـاجزا جنسيـا من قبـل تاريخ إبرام العقـد وعـالمـا بعيبـه ولكنه أخفى ذلك عـن
زوجتـه ،خالف واجب المصـارحـة وعـد مخطئـا تجـاه الزوجـة التي ضحـك عليهـا " حسب عبـارة فقه
القضـاء الفرنسي" (. )1
فاإلخفـاء المتعمـد للعجـز الجنسي عـن الزوجـة إهـانة مضاعفـة للزوجـة .أهـانهـا من جهـة ،
عنـدما تبيـن أنـه عـاجز جنسيـا عن اإلتصـال بهـا ومن جهـة أخـرى عندمـا أخـفى عنهـا عمـدا تلـك
الحقيقـة المرة والجوهريـة عندما قبل الزفاف .فيكـون سكـوته عن عيبـه الفيزيـولوجـي بمثـابة المغـالطة
( . )2
فعلـم القريـن بوجـود عيب فيزيـولوجي لديـه مانع له من الجمـاع .أو عجز تـام عن اإلتصـال
الجنسي وإخفـاءه ذلك عنـد إبرام العقـد ،أمر يتعـارض مع أخـالقيـات عقـد الزواج خصوصـا وأن
المسألـة تتعلـق بأهـداف ومرامي الزواج نفسـه .لكن وفي المقـابل إعتبـر فقه القضـاء الفرنسي أنـه إذا
مـا كان العجـز الجنسي للزوج أمرا شائعـا يعلمـه الخـاص والعـام ،فالزوجـة محمـولة على أنهـا على علم
بالعيـب وأنهـا اقدمـت مع ذلك على اإلرتباط بالقريـن مع رضاهـا ،وسكوت الزوج ال عبرة له وال يعتبـر
إهـانة للزوجـة المفترض علمهـا بالعيـب (. )3
ـــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ـــــــــ
-1حكـم إستئنـافي مـدني عدد 21519مـؤرخ في 1771-3-2غيـر منشـور
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ـــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
سيتـم البحـث في هـذا المحـور عن طبيعـة البطـالن ( المحور األول ) كما سنحـاول إعطـاء
بعـض حاالته ( المبحـث الثـاني ) .
المبحـث األول :طبيعـة البطــالن :
يقتضي الحـديث عـن بطالن في الزواج أوال التعريف بالزواج الباطـل أو الفـاسد إذ أن القانـون
الفرنسي يستعمـل لفضـا واحـد ( ) Le mariage nulبينمـا يشتمـل المشرع التونسي عبارتـي "
فاسـدة " و " باطلــة " ويبدو أنـه لم يفـرق بين هذين اللفظين إذ جعلهمـا يؤديـان نفـس المعـنى قـانونـا
(.)1
لذا يتكلـم المشرع صلب الفصـل 21من م أ ش تارة عن الزواج " الفـاسـد " ،ثم يتكلـم صلـب
الفصـل 22من م أ ش تارة أخـرى عن بطـالن الزواج الفاسـد فينص على ما يلي " يبطـل الزواج الفاسـد
" .فالمشـرع يشيـر إلى البطـالن والفسـاد في نفس الوقـت ممـا يبعـث على أنـه يفرق بيـن المعنييـن ،
ذلك أن بعض المذاهـب الفقهيـة مثل المذهـب المالكي ال تفرق بين الزواج الفاسـد وزواج الباطـل
بينمـا نجـد المذهـب الحنـفي قد جعـل لكل من العقـدين مفهـوما خـاصا .
فالزواج الباطـل هـو الذي إنعدم فيه شرط من شروط اإلنعقـاد كأن يوجـد مانـع مؤبـد فال ينتـج
عنـه أي آثـار .
أما الزواج الفاسـد فهـو الذي إنعـدم فيـه شرط من شروط الصحـة كعـدم حضـور شاهـدين وينتـج
عنـه بعض اآلثـار مثل عـدم ثبـوت النسـب (. )2
ويبـدو من خـالل هـذين المفهـومين أن المشرع لم يعتمـد هذه التفرقـة ألنـه رتب آثـار عـن
الزواج دون تفرقـة غير أن المشرع التونسي قد إختلف في تقنيـة البطـالن في الزواج ،فالمشرع الفرنسي
الذي إستعمـل لفظ Nulللتعبيـر عن البطـالن فرق بيـن :
ـــــــــ
(-)1حول موقف المشرع التونسي من الفساد والبطـالن – أنظر الهـدي كرو الولد للفراش ق ت ص . 11
(-)2مذكـرة "الزواج الباطـل" فيصـل بن جعفـر ص . 2
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
-البطـالن النسبي :وهو الجزاء المتعلـق بعقـد زواج شامـل لجميـع أركـانه مع وجـود عيـب
بأحـدهمـا كعيـوب الرضـا ،وقد شرع لمصلحـة المتضرر .
-البطـالن المطـلق :وهـو الجزاء المتعلـق بعقـد لم يتوفـر فيـه أحـد األركـان ،وهـو الشكـل الذي
حـدده القـانون في العقـود الشكليـة وقد شرع مراعـاة للنظـام العـام .
فبتفريقـه بين حـاالت البطـالن المطـلق وحـاالت البطـالن النسي تمكـن المشرع الفرنسي من
ضبط درجـة البطـالن ونتيجـة لذلـك تمكـن بالرجـوع إلى القـواعد العـامة التي يخضـع لهـا البطـالن من
تحديد األشخـاص الذيـن لهـم صفـة في القيـام ومن ضبـط آجـال القيـام ومدة التقـادم (. )1
خـالفا لذلـك لم يحـدد المشـرع التونسي طبيعـة البطـالن وإجـراءاتـه في حين أنـه قد حـدد
إجراءات دعـوى الطـالق ،فهـل يجـوز تطبيق هـذه اإلجراءات في دعـوى إبطـال الزواج ؟.
يبدو الجـواب بالنفي نظـرا للطبيعـة الخصـوصيـة لكل من المؤسستيـن ،فدعـوى الطالق ترمي
إلى إنحـالل عـالقـة زواج صحيح بطلـب من أحـد الطرفيـن إلنهـاء عـالقـة فاشلـة .في حين أن دعـوى
اإلبطـال ترمي إلى إبطال وضعيـة باطلـة يمنعهـا القـانون ممـا يفتـرض وجـود إجراءات خـاصـة .
ففي خصـوص طبيعـة البطـالن فإن الفصـل 22م أ ش ينص صراحـة على أن الزواج الفاسـد
يبطـل وجـوبا وعبارة وجـوبا ال يمكـن أن تدلنـا على الطبيعـة القـانونيـة للبطـالن وكـان على المشـرع أن
يبـين ذلك .وبالتالي فإن الرجـوع إلى النص ال يفيدنـا بشيء كمـا أن فقـه القضـاء لم يقل كلمتـه في
هـذا الموضـوع إذ لم تعرضـه قضـايا متعلقـة بمختلـف صـور البطـالن .
ـــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
عدمه .وإنمـا يجـب أن يكون الزواج تامـا وصحيحـا طبق ما إقتضـاه القانون وإال فهو باطل في صورة
إبرامـه بدون إحترام مقتضيـات القـانون .
ولكن إعتبـرنا أن قـانون األسرة يهـم النظـام العام وبالتالي فإن البطـالن يكون بطـالنـا مطلقـا،
يمكـن لكن من له مصلحـة في القيام أن يكـون مدعيـا في قضيـة متعلقـة بإبطال زواج حتى النيابـة
العمـوميـة (، )2
إال أنـه في بعض الحـاالت تكـون دعـوى إبطـال الزواج ال تهـم إال الطرفيـن ،ومثال ذلك أن
يكون رضا أحـد الزوجين معيبـا والقـانـون يحمي في هـذا المجـال مصلحـة الطرفيـن فقط وال يمكـن أن
يتـرأى ألي كـان أن عيبـامـن عيـوب الرضـاء لـه مسـاس بالنظـام العـام وأكبـر دليـل على ذلك أنه مـن كـان
من الطرفين رضـاه معيبـا يمـكنه أن يصـادق على العقـد .وليـس في ذلك إال حمايـة للطرفيـن .وبالتـالي
فـإن دعـوى إبطـال عقـد الـزواج القائمـة على أسـاس وجـود إكـراه ،وال يمكـن أن يقـوم بهـا إال الشخـص
الذي أراد القانـون أن يحميـه وهـو الطـرف الـذي كان رضاه معيبـا في العقـد ،ذلك أن القـانون لم
يقصد من وراء كل ذلك إال حمـايةمصلحـة الشخـص ،وليـس هنـاك مايمكـن أن يهـدد النظـام العـام في
مـا عـدا ذلك لـذا ففي صـورة كهـذه يتجـه إعتبـار البطـالن بطالنـا نسبيـا .
ـــــــــ
(-)1تعقيب مدني عـدد 317مؤرخ في 1711-1-19م ق ت عدد 15لسنة 1713ص . 13
(" -)2الدعـاوي المتعلقـة بحقـوق األسـرة تهـم النظـام العـام والنيابـة العموميـة هي التي لهـا صفـة القيـام" .قرار مؤرخ في 3مـارس
1791ص ق ت لسنة 1791قسم مدني ص . 139
لذلك البـد للمشرع أن يتـدخـل ليحـدد طبيعـة البطـالن ألن تحديـد الطبيعـة القانونيـة للبطـالن
مـن شأنـه أن يحـل جملـة من المشاكل مـن بينهـا صفـة القيـام .
والمشكـل الثـاني يتعلـق باألجـل الـذي تنقـرض بـه دعـوى اإلبطـال للغلط في صفـة مـن
الصفـات الجوهريـة للقريـن إذ لـم يتعـرض المشـرع التونسي صراحـة لذلك .وذلك خالفـا للمشـرع
الفرنسي ،إذ نـص افصـل 111مـن المجلـة المدنيـة الفرنسيـة أن دعـوى البطـالن تسقط بمـرور ستـة
أشهـر مـن المساكنـة المستمـرة وذلك إنطلقـا مـن اليـوم الـذي وقـع التفطـن فيـه للغلط(.)1
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
أمـا المشـرع التونسي فقـد توخى السكـوت ولـم يحـدد أي أجـل وقـد أول البعـض هـذا الموقف
بأن مثـل هـذه الدعـاوي التنقرض بمـرور الزمـن نظـرا لتعلقهـا بحالـة األشخـاص غيـر أن هـذا الحـل غير
مرضي ألنـه يحـول دون إستقـرار األسـرة ،ويمكـن اإلعتمـاد على م ا ع التي حددت أجـل سقـوط
القيـام بمـرور الزمـن بالفصـل 333وهـو 15سنـة مهمـا كـان سبب الفسـاد .
وكـان من األليق تحديـد هـذا األجـل حتى اليقـع إستغـالل ذلك مـن طـرف ذوي النفـوس
الخبيثـة ويقـع طلب بطـالن الـزواج في آجـال بعيـدة جـدا مـن تاريـخ العقـد ،مـع مافي ذلك مـن
إنعكاسـات وخيمـة على الطـرف الثـاني الـذي يبقى مهـددا بالبطـالن طـوال مـدة العالقـة الزوجيـة .
هـذا وقـد إعتبـر فقـه القضـاء الفرنسي أن في تواصـل المساكنـة بيـن الزوجيـن بعـد التفطـن إلى
إختـالل صفـة الجوهريـة رضـا ضمني بقبـول هـذه الوضعيـة األمـر الـذي يـؤدي إلـى سقـوط الحـق في
المطالبـة ببطـالن الـزواج (. )2
ـــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
المبحث الثاني :الحاالت التي يمكن فيها القيام بدعـوى في إبطال الـزواج :
يمـكن الرجـوع إلى فقـه القضـاء الفرنسي الـذي هـو غني بالدعـاوي المتعلقـة بإبطـال الـزواج ،
في حيـن أن دعـاوي إبطـال الـزواج في تونـس تكـاد تكـون منعدمـة .وقـد إعتبـر الفقـه الفرنسي أن
موضـوع الغلط قـد فقـد أهميـة بالمقارنـة مـع صفـة هـذا الغلط أي طبيعتـه الجوهريـة ،فليـس المهـم أن
يقـع الغلط حـول صفـة مـن صفـات القريـن بـل يجب أن تكـون هـذه الصفـة جوهريـة أي منتظـرة عنـد
إبـرام العقـد (. )1
ويعتبـر الفقيـه Demolombeأن الصفـات الجوهريـة في الشخـص هي :
« Les qualités qui rendent l’individu habile au mariage et en font une personne
mariable » (2) .
وقـد مر فقـه القضـاء الفرنسي بمرحلتيـن إثتنيـن :
-في المرحلـة أولى إعتبـر الفقـه أن المـرض اليبيـح طلب إبطـال الـزواج إال إذا كـان ناتجـا عـن تغريـر أي
إخفـاء لهـذا العيب قبل الـزواج أوعـن تهـاون على العالج (. )3
ـــــــــ
1-Roger Norson « les cas de nullité de mariage » opcit page 328 et 323
2-Figure dans l’article de Roger Norson, opcit page 143.
3-Carbonnier, « terre et ciel dans le droit Français du mariage » opcit page33
-في مرحلـة ثانيـة أصبـح الغلط صفـة مـن الصفـات الجوهريـة للقريـن يبـرز لوحـده طلب البطـالن دون
البحث عـن سلـوك مخطـأ مـن طـرف القريـن أي فيمـا كـان هذا الغلط ناتجـا عـن تغرير مـن طـرف
القريـن المصـاب تسبب فيـه إخفـاء حالتـه الصحيـة عـن قرينـه ( )1مـن ذلك أنـه بالنسبـة للعجـز الجنسي
لـدى الـزوج قامت إمـرأةضـد زوجهـا تطالب بإبطـال عقـد زوجهـا ألنـه عاجـز بصفـة اليرجى منهـا شفـاء
،فإعتبـرت محكمـة قرونوبـل
"أن العجـز الجنسي للـزوج يمثـل عائقـا نهائيـا أمـام قيـام العالقـة الزوجيـة بصفـة طبعيـة وأن المدعيـة
لـوعلمت بعجـز معاقدهـا الـذي حـال دون تكويـن أسـرة ،وإنجـاب أبنـاء عنـد التعبيـر عـن رضـاها
وتكـون دعـواها فـي طريقهـا ويتجـه التصريـح ببطـالن الـزواج المبـرم بيـن الطرفيـن" ( )2هـذا ولـم يتخلى
فقـه القضـاء الفرنسي عـن النظـرة المثاليـة للـزواج حيث أنـه يعتبـر الـزواج رابطـة روحيـة اليمثـل الجانب
البيولوجي فيـه سـوى عنصـا ثانويـا .فهـوإذ يقضـي بإبطـال الـزواج اليستنـد إلـى إصابـة الـزوج بعاهـة مـا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
سـواء كـان عجـزا جنسيـا أومريضـا بـل على الغلط الـذي يكـون قـد وقـع فيـه المدعي الـذي لـو علـم قبـل
زواجـه بعلـة قرينـه لمـا قبـل بالـزواج .
فأسـاس القيـام بالدعـوى في البطـالن ليـس اإلصابـة بعاهـة مـا بـل يتمثـل هـذا األسـاس في
الغلط في صفـة مـن صفـات الجوههريـة للقريـن الـذي يجعـل الرضـا معيبـا ( )3ورغـم األهميـة النظريـة
لمؤسسـة الـزواج الباطـل والفوائـد العمليـة مـن اإللتجـاء إلى هـذا الحـل إلنهـاء العالقـة الزوجيـة بأقـل
تك اليـف فـإن التطبقـات القضائيـة بقيت قليلـة فـي القانـون التونسي نظـرا ألهميـة الطـالق لحـل الرابطـة
الزوجيـة .
ـــــــــ
1-Paris 26 mars 1982 G P 1982, 2.519.
(-)2محمـد الحبيب الشريف مرجـع سابق الذكر ص . 51
Roger Nerson opcit page 146 . (-)3
"ولربمـا كـان الطـالق هـو الطريقـة الواضحـة المعروفـة والتي يلتجئ إليهـا المتقاضـي بأكثـر
سهولـة إذ التظـن أن مـن البديـهي بالنسبـة للمتقاضيـن العادييـن أو حتى بالنسبـة لبعـض المحاميـن أن
يخطـر ببالهـم التفكيـر في طـرق باب البطـالن لغلط في الشخص نظرا لقلـة القضـايا إن لم تقل
إلنعدامهـا في ذلك الميدان ".
وقد طرحـت قضيـة أمـام محكمـة التعقيب يطالب فيهـا المدعي بالطـالق للضرر نظرا لمرض زوجتـه
باألعصـاب .فقضـت المحكمـة بعدم تمكين المدعي من الطـالق ،نظرا لعدم إثبات توفر سلوك
مخطأ من طرف الزوجـة .ولقـد إنتهـزت المحكمـة هـذه الفرصـة لتبيـن أن " :إصابـة أحـد الزوجيـن
بمرض مزمـن يمكـن أن يكـون سبـبا في طلب فسـخ عقـد النكـاح إن وقع السكـوت عن بيانهـا غشـا
وتدليسـا ولم يحصـل الرضـا به بعد العلـم .األمر الذي يضع على عـائق طالب إبطـال عقـد الزواج
إثبـات السلـوك المخطئ من طرف القريـن المصـاب أي إخفـائه لحقيقـة حـالتـه الصحيـة قبل الزواج .
وهـذا مـا يتمـاشى مع موقف الفقـه الفرنسي الذي كـان ال يبيـح إبطال عقـد الزواج إال إذا كـان الغلـط
في صفـة من صفـات القريـن الجوهريـة نـاتجـا عن تغريـر ،في حيـن تخلي الفقـه الفرنـسي في مرحلـة
ثانيـة عن هـذا الشرط ليصبـح الغلـط لوحـده كافيـا لتبريـر طلب البطـالن دون البحث عن سلـوك مخطـئ
من طرف القريـن .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
لقـد خـولت لنـا هـذه الدراسـة الوقـوف عـن كثب على خطـورة المـرض على عقـد الـزواج
وإدراك اإلنعكاسـات السلبيـة المتأتيـة مـن ضآلـه التشريـع التونسـي المخصـص لهـذا الجـانب .وليـس
أدل على ذلك مـن تضـارب الحلـول النطريـة والتطبقيـة المتقـدم بهـافي خصـوص تأثيـر مـرض أحـد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
الزوجيـن على الرابطـة الزوجيـة هـذا مـا يجعلنـا نـدرك مدى خطـورة هـذا العامـل في قيـام الرابطـة الزوجيـة
وإستمراريتهـا وحتى إنفصامهـا .عسـانا نوجـه إهتمامـات التشريـع لمـدى خطـورة المـرض على الـزواج
ككـل .ولعـل أول خطـوة إيجابيـة يمكنـه القيـام بهـا في هـذا الصـدد تكمـن في تعريف الـزواج ،علـة
بذلك يسهـل مأموريـة رجـل القانـون الذي يطمـح إلى إدراك إرادة المشـرع الحقيقيـة .
إلى جانب قيمـة التشريـع في كـل المجاالت الهامـة .فإنـه مـن االيجـابي مراجعـة بعـض الحلـول
المنقوصـة التي ثبت إنعـدام جدوهـا في مستـوي التطبيـق ،وليـس أدل على هذا الرأي مـن قانـون 3
نوفمبـر 1713المتعلـق بالشهـادة الطبيـة السابقـةللزواج .هـذا األخيـر يحتـاج حسب إعتقـادنـا إلى
تـدارك بعـض النقائـص التي حدت مـن نجاعتـه التطبيقيـة ولعل تعميـم هـذه الشهـادة الطبيـة السابقـة
للـزواج بكامـل تـراب الجمهوريـة ،باإلضـافة إلى تشديـد المراقبـة على طريقـة إجرائهـا ،مـن شأنـه أن
يقـدم دفع ـا إيجابيـا لهـذا القانـون الهـام ،يكـون لـه عميـق األثـر في مستـوى التطبيـق .وتظـل األعمـال
الطبيـة المستحدثـة مشكلـة وجب معالجتهـا بوضـع نصـوص قانونيـة تنظـم مـا تحلف تنظيمـه خصوصـا
في ميـدان تغييـر الجنـس نظـرا ألنـه أصبـح واقعـا مفـروضـا ال يجـب تجاهلـه وذلك بإعتمـاد حـل إمـا
إقـراره أو رفضـه قصـد تالفي مـاعسى أن يجعـل مـن تضـارب محتمـل في مستـوى الحلـول النظريـة
والتطبقيـة .
فـإن تـم إقـراره إن دعت الحاجـة إليـه وذلك في ضـروف خاصـة جـدا حتى اليـؤدي حرمانـه مـن هـذا
الحـق مـن شعـوره بالظلـم وإقدامـه على اإلنتقـام مـن نفسـه أو مـن الغيـر فقـد يؤدي األمـر بـه إلى
االنتحـار أو فـرض سلوكـه ونمـط حياتـه على المجتمـع مـن خـالل ممارسـة الجنسيـة الشـاذة التي تنقـل
األمـراض خصوصا األمراض القاتلـة التي تؤدي إلى إنهيـار المجتمـع واإلنحـالل والتفسـخ األخـالقي .
وأن يكـون بعـد نفـاذ كـل سبيـل للعـالج وبعـد ترخيـص مـن األطبـاء إضافـة إلى شـرط العزوبـة .أو منعـة
مننعـا باتـا وتجريمـه ،فيصبـح تغييـر الجنـس جريمـة يعاقب عليهـا القانـون .
ولضمـان أعلى درجـات النجاعـة المرجـوة مـن القاعـدة القانونيـة ،يتحتـم على هـذه األخيـرة
كمـا سمحت طبيعـة الموضـوع ،أن تأخـذ بعيـن اإلعتبـار التطـورات العلميـة المسجلـة في مجـال
تدخلهـا .حتى يكتسي مضمونهـا طابعـا موضوعيـا يترتب عنـه منطقـا النجاعـة والفاعليـة في مستـوى
التطبيـق .خاصـة وأن فقـه القضـاء مـا فتـيء يتعـرض إلى جملـة مـن الصعوبـات في غيـاب النصـوص
القانونيـة المتعلقـة بموضـوع المـرض .مـن ذلك كـان عليـه أن يجتهـد فـي البحث عـن األسـاس القانـون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
لفهـم العالقـة الزوجيـة التي تكـون قـد جمعت زوج بزوجـة مريضـة أو زوجـة بـزوج عاجـز جنسيـا عـن
االتصـال الجنسي بهـا .محـاوال أن يجـد مـالذا في مفهـوم الضـرر والطـالق للضـرر على معنى الفقـرة
2شخصي ولكـن وإعتبـار لصعوبـة البحث عـن سلـوك مخطـئ للقريـن ولصعـوبة إثباتـه ،تسائلنـا إن
كـان الطـالق للضـرر هـو الحـل المالئـم لفصـم العالقـة الزوجيـة .وهـل أنـه بإمكاننـا إعتبـار القريـن
المتضرر مـن مـرض قرينـه قـد وقـع في غلط أعاب رضـاه ؟
وكـان بودنـا أن يطـرح النقـاش في خصوص إبطـال الـزواج للغلط في الشخـص ،ولو مـرة واحـدة
بمناسبـة عيب خفي سـواء كـان مـرض أوعيب جنسي .هـذا باإلضافـة إلى أنـه وددنـا لـو أن محكمـة
التعقيب تفضلت بتوضيـح على األقـل موقفهـا في خصـوص جـواز اإلكتفـاء بالضـرر للتخلـص مـن
العالقـة الزوجيـة التي أصيب طـرف فيهـا بمـرض ،أوعجـز أو بأي مصيبـة تجعـل إستمـرار الحيـاة
الزوجيـة مستحيلـة !! خصوصـا وأن النقـاش قـد يطـرح كذلك بخصـوص إصابـة الزوجـة بالبـرود
الجنسي أوعيب مانـع مـن اإلتصـال الجنسي بهـا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
الوسيط في شـرح القانـون المـدني :عبـد الرزاق السنهـوري ،مصـادر اإللتـزام دار النشـر للجامعـات
المصريـة القاهـرة .1752
شـرح قانـون األحـوال السوري .عبـد الرحمـان الصابـوني الجـزء الثاني الطـالق وآثـاره مطبعـة جامعـة
دمشـق . 1792
األحـوال الشخصيـة في الشريعـة اإلسالميـة :عبـد العزيـر عامـر :القاهـرة دار الفكـر العربي . 1791
أحكـام األسـرة في اإلسالم .محمد مصطفى شلبـي دار النهضـة العربيـة بيروت الطبعـة الثانيـة
. 1799
األحكـام الشرعيـة لألحـوال الشخصيـة :زكي الديـن شعبـان الطبعة الثالثة منشـورات الجامعـة العربيـة
الليبيـة كليـة الحقـوق مطابـع الشـروق بيـروت . 1793
الفقـه عن المذاهب األربعـة .عبد الرحمـان الجزيـري الجـزء الرابـع دار العـودة 1713
واجبـات الـزوج الجنسيـة :إميـل خليـل بيديـس منشـورات دار األفـاق الجديـدة ،بيـروت لطبعـة األولى
.1715
أنبيـاء اللـه أحمـد بهجت :مطابع الشرق بيـروت القاهرة :لطبعـة الحاديـة عشـر .
الحاوى للمـاوردي المجموعـة الثانيـة عشـر.
بدايـة المجتهـد المجمـوعة الثانيـة
ب -المحاضـرات :
دورس السنـة الثالثـة (قانـون خـاص) األستـاذ ساسي بـن حليمـة السنـة الجامعيـة 1793-1795كليـة
الحقـوق بتونـس .
دروس السنـة األولى مـن لمرحلـة الثالثـة (قانـون خـاص) األستـاذ ساسي بن حليمـة (– 1773
)1717كليـة الحقـوق بتونـس .
دروس السنة الثانيـة (مدني) :األستـاذ محمد الزين النظريـة العامة لإللتزامـات "العقـد" .
ج-المذكـرات :
المعطيـات البيولوجيـة والـزواج :يسـرى محفـوظ مذكـرة لإلحـراز على شهـادة الدراسـات المغمقـة في
القانون الخاص.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
+االتصـال الجنسي بيـن الزوجيـن :زعـرة البجـاوي مذكـرة االحـراز علي شهـادة الدراسـات العليـا في
القانـون الخـاص .
+المـرض في القانـون التونسي :عـدنـان الماطوسي رسالـة تخـرج مـن المعهـد األعلى للقضـاء الفـوج
العاشـر السنـة .1777-1771
+المفهـوم القانـوني واإلجتمـاعي للـزواج :محمـد رابـح رسالـة تخـرج مـن المعهـد األعلى للقضـاء الفـوج
الثالث السنـة .1772-1771
+عذريـة الزوجـة :سـارة قمـارة مذكـرة اإلحـراز على شهـادة الدراسـات المعمقـة في القانـون الخـاص .
+الـزواج الباطـل :األستـاذ فـوزي بالكنـاني رسالـة اإلحـراز على شهـادة الدرسـات المعمقـة في القانـون
الخـاص جـوان . 1711
+الغلط كعيب للرضـا شكـري الشيـخ مذكـرة اإلحـراز على شهـادة الدرسـات المعمقـة في القانـون
الخـاص .1711
+الوضعيـة القانونيـة للبنـوة غيـر الشرعيـة في القانـون التونسي :مذكـرة اإلحـراز على شهـادة الدرسـات
المعمقـة في القـانون الخـاص تونـس . 1797
. 1773-1717 +الحضانـة نـادرة اللومي رسالـة تخـرج مـن لمعهـد األعلى للقضـاء الفـوج األول سنـة
+النفقـة :زينب زغلـول رسـالـة تخـرج مـن المعهـد األعلى للقضـاء الفـوج الخامـس السنـة -1773
. 1773
+واجب التعـاون بيـن الزوجيـن :جلـول شلبي رسالـة تخـرج مـن المعهـد األعلى للقضـاء الفـوج التاسـع
السنـة . 1771-1779
د-المق ــاالت :
1711 مؤرخ في -1-19 عدد1337
+األستاذ ساسي بن حليمـة تعليـق على قرار تعقيبي مدني
جريـدة الصبـاح 1711-5-12ص " 11الطـالق لمـرض الزوجـة"
+األستـاذ سـاسي بـن حليمـة تعليـق على قـرار تعقيبي مدني عـدد 15371مؤرخى في 1711-1-19
م ق ت عـدد 9ص . 92
+األستـاذ ساسي بـن حليمـة تعليـق على قـرار إستئنـافي مدني عـدد 1313مـؤرخ في 1773-5-33
المجلـة القانونيـة التونسيـة 1773ص 273
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
المجلـة 1773-1-29 +األستـاذ ساسي بـن حليمـة تعليـق على قـرار مدني عـدد 1131مـؤرخ في
القانونيـة التونسيـة 1771ص. 15
+األستـاذ ساسي بـن حليمـة مقـال "الزوجـة العـذراء"محاضـرة ألقيت بكليـة الحقـوق والعلـوم السياسيـة
بتونـس جريـدة الصبـاح الخميـس . 1711/2/19-11-15
+األستـاذ ساسي بـن حليمـة .تعليـق على قـرار تعقيبـي مدني عـدد 7313مـؤرخ في 1793-9-13
الم الـق الت 1791ص . 31
+األستـاذ عبـد الله األحمـدي :هـل يجـوز في قانـوننـا التونسي منـع المريـض بالسيدا من أن يتـزوج
مقـال منشـور بجريـدة الصبـاح مـؤرخ فـي 21فيفـري . 1717
+األستـاذ حاتـم األسـود "هـل يبطـل العجـز الجنسـي عقـد الـزواج" جريـدة الصبـاح 2نوفمبـر 1711
ص. 13
+ضوابـط قانونيـة لجراحـة تغييـر الجنـس الشـروق . 1717-11-13
+حـول تأثيـر العجـز الجنسي للـزوج على قيـام العالقـة الزوجيـة وإنفصـامهـا م الق والت 1711العـدد
1ص . 39
+الجوانب القانونيـة لتقنيـات التلقيـح الصناعي م ق ت جانفي 1772عـدد 1ص . 9
+نشـوز الزوجـة بيـن الشريعـة والقانـون م ق ت 1795عـدد 3و 3و. 5
+السـر المهني والمسؤوليـة الطبيـة إسماعيـل العيـاري م ق ت مـارس . 1711
+مـدى المسؤوليـة الجـزائيـة والمدنيـة للطبيب إذا أفشى سـرا مـن أسـرار مهنتـه سميـر الورفلي م ق ت
1792عـدد . 2
+المسؤوليـة الطبيـة التيجـان عبيـد م ق ت عـدد . 3مـارس . 1717
+ألستـاذ ساسي بـن حليمـة :مقـال هـل يمكـن إسنـاد الحضانـة ألحـد الزوجيـن أو لغيرهمـا حـال قيـام
الزوجيـة ودون وجـود قضيـة في الطـالق ؟ الـم الق الت . 1772
+الضـرر في دعـوى الطـالق محمـد التريكي ق ت مـاي 1711ص . 153
+تليعـق األستـاذ محمـد صالـح العياري على مقـال األستـاذ سـاسي بـن حليمـة جريـدة الصبـاح 17-11
أوت . 1711
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
+الهـادي كـرو المـرأة في مجلـة األحـوال الشخصيـة مجلـة القضـاء والتشريـع سنـة 1799العـدد 3ص
. 11
+ماريـز دويـدار حريـة الـزواج المجلـة الجزائريـة للعلـوم القانونيـة . 1793
+محمـد صـالح بـن حسيـن المسؤولية الطبيـة في القانـون التونسـي .م ق ت 1771عـدد . 3
+هشـام الكسيبي حقـوق المريـض م ق ت عـدد 1أكتوبـر .1711
+نبيلـة المزعني تعليـق على قـرار مدني عـدد 1115مـؤرخ في 1791-5-7م ق ت 1713
+محمد صالح العياري "مـتى تكـون الزوجـة ناشـزا فيسقط حقها فـي النفقـة ؟"مقـال منشـور بجريـدة
الصبـاح . 1712-3-23
+األميـن الشـابي البنـوة الشرعيـة في القانـون المقـارن م ق ت 1791الجـزء Iعـدد 1ص . 11
+الحبيب الغربي :الضـرر الموجب للطـالق في القانـون التونسي محاضـرة ختـم التمريـن في المحامـاة
. 1711
+محمـد رضـا األجهـوري تطـور مفهـوم الضـرر في القانـون التونسي بحث .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
- Bupont delestraint Pierre et Courbe Patricke droit civil les personnes la famille
les incapacités Dalloz 13 éme edition 1990.
- Cours de droit civil 3 éme anneé faxicule I premiere partie- les cours de droit
de Paris v 1973 « Jambu-Merlin »
- Benabent Alain droit civil la famille litec 6éme edition 1994.
- Naoual EL Saadaoui : editions des femmes Paris 1981.
B- ouvrages speciaux :
- Branlard Jean Paul : le sexe de l’etat des personnes aspects historiques
Socialogiques et juridiques L.G.D.J Paris 1993.
- « Le transxualisme » actes de la rénuion tenue le 17-06-83 au Palais de
luxenbourg droit et ethique médical vol I : la collection de médecine légale et
toxicologie médicale.
- Alayli Bahaeddine : réglementation des rapports sexuls en droit musulman
comparé thése de doctorat Paris1980.
C- Article et Notes :
- La maladie d’un epaux idealisme et realisme on droit matrimonial Français
Marcel Gulioli Rev trim dt.civ 1968 P 253.
- Progrés scientifiques et droit famellial Melanges Ripert Rogers Nerson Page
403.
- L’influence de la biologie et la Medecine Moderne sur droit civil « Roger
Nerson » Rev trim dt cv 1970 page 661.
- Lambiguité du droite face au syndrame transsexuel. Jacqueline petit. Rev trim
de droit civil 1976 page 263.
- Transsexualité et justice islamique : Djey Nubttane jeure Afrique N 1502, 16
octobre 1989 p21.
- Gulple M : Note sous chambre creminelle 28 Mais 1947 D 1948.
- Voiren : Note sous cour de paris le 10 juin 1958 D 1958 J p735.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
إلى أمـي
إلى أبـي
إلى زوجـي
إلى إخـوتي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
-D: Doctrine.
-P: Page.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ص11 المبحث األول :واجبات الزوج المعافي المالية تجاه الزوج المريض:
ص11 -1واجـب التعـاون
ص71 -2واجـب اإلنفـاق
ص72 أ -مفهـوم عسـر المديـن المسطـق للنفقـة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
تحيـة شكـر وتقديـر وإمتنـان إلى السيـد القـاضي الفـاضل بلقـاسم كريـد
الذي منحني من وقتـه وأحـاطني بعنـايتـه إلنجـاز هذا العمـل .وإلى
رؤسـائي بمحكمـة مدنيـن اإلبتـدائية الذيـن مدوا لي يد المسـاعدة ولم
يبخلـوا عني بالنصـح واإلرشـاد والتوجيـه.
كمـا أتقـدم بجزيـل الشكـر إلى أستـاذي الفـاضل السيـد جمـال الجربـوعي
الذي بعث فيـا حـب المعرفـة والعلـم والتـوق إلى األفضـل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة
رسـالة تخـرج من المعهـد األعلـى للقضـاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المـرض والـزواج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صفحــــــــــــــة