You are on page 1of 3

‫المطمب الثالث‪ :‬بعض النظريَّات في عمم اجتماع المعرفة‬

‫‪ -1‬كارل مانهايم‬

‫يحت ّل المفيوم (األيدلوجي) مكانة الصدارة في عمم اجتماع المعرفة لدى مانيايم‪ ،‬وقد َّ‬
‫قدم لو معنيين أحدىما‬
‫أن أفكار وأعمال من ُيعارض منحرفة عن الواقع‪ ،‬ومعنى االنحراف‬‫ئي ىو ّ‬
‫كمي‪ ،‬فالمفيوم الجز ّ‬
‫ئي واآلخر ّ‬‫جز ّ‬
‫أما في المفيوم الكمي َّ‬
‫فإن (االنحراف)‬ ‫عن الواقع ىو الوعي الكاذب أو انحراف الوعي الناقص والال إرادي‪َّ .‬‬
‫االجتماعية‪ .‬ويرى‬
‫ّ‬ ‫وتصرفات األفراد؛ بل َّ‬
‫إن ىذه األعمال دخيمة في صناعة المعرفة‬ ‫ّ‬ ‫ال يصدق عمى أفعال‬
‫الكمي في الزمن الحاضر؛ وعميو‬ ‫تحول إلى المفيوم‬
‫أن المعنى الخاص باإليديولوجيا في الماضي َّ‬ ‫(مانيايم) َّ‬
‫ّ‬
‫مجتمع تُقيَّم في اإلطار العام لممعرفة في ذلك المجتمع‪ .‬وتحت ىذا المفيوم الكمي‬
‫ٍ‬ ‫فإن أفعال األفراد في ِّ‬
‫كل‬ ‫ّ‬
‫لاليديولوجيا تندرج وجية النظر الخاصة بجماعة ما فيي تؤثِّر عمى آراء جميع األفراد‪.‬‬

‫الكمي اقتحم (مانيايم) مجال عمم اجتماع المعرفة‪.‬‬


‫ّ‬ ‫إذاً فمن نافذة نظرّية اإليديولوجيا بمفيوميا‬

‫فرد محكوم بأمرين وفقاً لوالدتو ونشأتو ىما‪ :‬أنَّو أمام ظروف جاىزة من جية وبنماذج‬ ‫أن َّ‬
‫كل ٍ‬ ‫يعتقد (مانيايم) َّ‬
‫معدة سمفاً من ٍ‬
‫جية أُخرى‪.‬‬ ‫ّ‬

‫اآللية يمكن فيم نوع العالقة بين معرفة األفراد والمجتمع الذي يعيشون فيو‪ ،‬حيث يرى (مانيايم) َّ‬
‫أن‬ ‫وبيذه ّ‬
‫ومما يؤيِّد ذلك َّأننا يمكن أن‬ ‫االجتماعية ىي التي ِّ‬
‫تحدد نمطيَّة المعرفة لدى أفراد المجتمع‪َّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫األجواء التاريخيَّة ـ‬
‫ِّ‬
‫نحدد متى وأين عاش ىؤالء األفراد من خالل أغمب آرائيم الجز َّئية‪.‬‬

‫َّ‬
‫يتحكم بمفيوم المعرفة نفسيا اشتيرت ىذه‬ ‫االجتماعية عمى المعرفة أم اًر‬
‫ّ‬ ‫عد (مانيايم) تأثير األجواء‬
‫وحين ّ‬
‫(النسبية)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫القضية بين النقَّاد ّ‬
‫بتبني‬

‫عائد لعوامل خارجة‬


‫ضمور مختمف المعارف ٌ‬
‫َ‬ ‫ظيور أو‬
‫َ‬ ‫لقد كشف عمم اجتماع المعرفة عند (مانيايم) عن َّ‬
‫أن‬
‫زمن ىي التي ِّ‬
‫تحدد نوع وشكل‬ ‫كل ٍ‬‫االجتماعية‪ ،‬فالظروف االجتماعيَّة في ِّ‬
‫ّ‬ ‫عن حدود المعرفة أي العوامل‬
‫المعرفة أو طريقة التفكير في ذلك المجتمع‪ .‬وحسب (مانيايم) َّ‬
‫فإن ىذا األمر ال يصدق بخصوص والدة‬
‫إن ىذه العوامل الخارجيَّة َّ‬
‫تتحكم أيضاً بكيان األفكار وأنماطو‪.‬‬ ‫األفكار وحسب بل َّ‬

‫‪ -2‬ماركس‬

‫‪1‬‬
‫ماركس أيضاً كمانيايم يرى َّأنو ال وجود لممعرفة خارج إطار المجتمع؛ َّ‬
‫ألن المجتمع ىو مصدر المعرفة‬
‫ويفيم من أبحاث ماركس ـ ال سيما تحاليمو الفمسفيَّة لممعرفة ـ َّ‬
‫أن (التأثير) ىنا ذو‬ ‫وبدونو ال إنتاج لممعرفة‪ُ .‬‬
‫أن لممجتمع وجوداً ولممعرفة وجوداً آخر يؤثِّر أحدىما في‬ ‫معنى خاص؛ فتأثير المجتمع عمى المعرفة ال يعني َّ‬
‫اآلخر‪ ،‬بل َّإنو يرى َّ‬
‫أن وجود المعرفة من وجود المجتمع فيو منشأ المعرفة ومنو تَنتج‪ ،‬فأساس الفكر ىو‬
‫المجتمع وال فكر بال مجتمع‪.‬‬

‫األول من‬
‫يتكون َّ‬ ‫(سطحي)‪ ،‬إذ َّ‬
‫ّ‬ ‫(تحتي) وأساس واآلخر‬‫ّ‬ ‫قسم (ماركس) المجتمع إلى جزأين أحدىما‬ ‫لقد ّ‬
‫أما اآلخر فيو عبارة عن المؤسسات القانونيَّة والسياسيَّة واإليديولوجيَّة‪.‬‬
‫الطاقات والعالقات اإلنتاجيَّة َّ‬

‫مجتمع ُيمكن أن ُيالحظ أمران‪ :‬ىما‬


‫ٍ‬ ‫أما العالقات اإلنتاجيَّة فيي التي تصنع الجزء السطحي‪ .‬وفي ِّ‬
‫كل‬ ‫َّ‬
‫ّ‬
‫وتتكون البنى التحتيَّة من الطاقات والعالقات‬
‫َّ‬ ‫األساس االقتصادي أو البنى التحـتيَّة‪ ،‬والبنى السطحيَّة‪،‬‬
‫البنى‬
‫مسمى ُ‬
‫االنتاجيَّة‪ ،‬في حين تندرج المؤسسات القانونيَّة والسياسيَّة وىكذا نوع من األفكار والفمسفات تحت َّ‬
‫السطحية‪.‬‬
‫ّ‬

‫االجتماعي) وبين (الوعي)‪،‬‬


‫ّ‬ ‫وعالوة عمى تفكيك ماركس بين البنى التحتيَّة والسطحيَّة فصَّل أيضاً بين (الواقع‬
‫أن الوعي اإلنساني ليس ىو من ِّ‬
‫يحدد أمر الواقع‪ ،‬بل‬ ‫وىنا تناول مسألة (كيف يتحقَّق الوعي؟) فيو يرى َّ‬
‫ّ‬
‫أن لدراسة الوعي طرقاً مختمفة أفضميا االستعانة‬ ‫يحدد وعي األفراد‪ ،‬و َّ‬‫بالعكس فالواقع االجتماعي ىو من ِّ‬
‫بالطبقة االجتماعيَّة‪.‬‬

‫ُيمكن تحميل األفكار عبر الواقع االجتماعي بأساليب عديدة‪ ،‬وبسيولة يمكن التعرف إلى نوع األفكار من‬
‫خالل طرق اإلنتاج واألساليب الفنية في كل مجتمع‪ .‬لكن النمط التحميمي المفضل ىنا ىو التحميل الذي‬
‫ينسب األفكار المحددة إلى طبقة اجتماعية محددة‪.‬‬

‫ويعد (ماركس) ىذه الطبقة ىي العنصر األساس في تحديد المعرفة‪ ،‬فالطبقة عنده أىم العناصر االجتماعية‬
‫الدخيمة في صناعة المعرفة‪ ،‬فيو يعتقد بضرورة تحصيل األصول الخارجية لممعرفة من صميم المجتمع‪ ،‬وأن‬
‫الطبقة ىي إحدى العوامل االجتماعية المسيمة في تحميل المعرفة‪.‬‬

‫أما الطبقة التي آمن (ماركس) بفاعميَّتيا في بناء المعرفة فيي تمك التي تنشأ في ِّ‬
‫ظل طرق اإلنتاج والعالقات‬
‫إن الوسيمة التي بواسطتيا ُيمكن أن نحمِّل وندرس الوعي ىي الطبقة التي تُعرف بعالقاتيا‬
‫االقتصادية؛ أي َّ‬
‫ّ‬
‫اإلنتاجية ىي التي تمنح طبقات المجتمع المختمفة مكانتيا كالِّ بحسبو‪ ،‬وىذه المكانة‬
‫ّ‬ ‫االقتصادية‪ .‬فالعالقات‬
‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫ٍ‬
‫طبقة لمعالم انطالقاً من موقعيا الخاص‬ ‫كل‬ ‫َّ‬
‫تتحكم بنظريَّة المجتمع لمعالم؛ وعميو ستنظر ُّ‬ ‫بدورىا ىي التي‬
‫بيا‪.‬‬

‫يعتمد رأي (ماركس) عمى َّأنو ال يمكن لمطبقة االجتماعيَّة المعيَّنة أن تنظر لمعالم خارج حدود قدراتيا وما‬
‫ٍ‬
‫مكانة بين الطبقات ‪.‬‬ ‫تتمتَّع بو من‬

‫أن‬ ‫ِّ‬
‫الحق من الباطل‪ ،‬فكيف سيمكن ذلك والحال َّ‬ ‫وما يبرز لمسطح ىنا ىو اإلشكاليَّة في صعوبة تشخيص‬
‫مجتمع نظرتو الخاصة تجاه العالم؟ بعبارٍة أُخرى سنقع في محذور (النسبيَّة) مرةً أُخرى‪ .‬وىروباً من ىذا‬
‫ٍ‬ ‫ِّ‬
‫لكل‬
‫المحذور ف ّكر (ماركس) بح ّل قادهُ إلى اختيار ما تختاره الطبقة (العاممة) ورؤيتيا لمعالم‪ .‬فيو يرى َّ‬
‫أن ىذه‬
‫الطبقة ىي الوحيدة التي بإمكانيا فيم حقيقة العالم‪ ،‬وىي الوحيدة التي تستطيع رسم مالمح مستقبل الثورة‪.‬‬

‫ىنا نسأل‪ :‬ىل المجتمع ىو العنصر الوحيد في بمورة المعرفة‪ ،‬أم ىناك عناصر أُخرى دخيمة في ذلك؟ ىذا ما‬
‫االجتماعي بالمعرفة)‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫(التحكم‬ ‫سنتناولو في موضوع‬
‫ّ‬

‫‪3‬‬

You might also like