You are on page 1of 10

‫المقدمة‬

‫المبحث األول‪ :‬مراحل تطور الفكر المحاسبي‬

‫المطلب األول‪ :‬المرحلة التمهيدية ما قبل عام ‪ 1494‬م‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المرحلة الفضية من ‪ 1494‬إلى ‪:1775‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬المرحلة الذهبية من ‪ 1775‬م حتى اآلن ‪:‬‬

‫الخاتمة‬
‫المقدمة‪:‬‬

‫تع ود الخلفي ة التاريخي ة لعلم المحاس بة حس ب المتخصص ين في ه ذا المج ال إلى زمن بعي د‪ ،‬و أخ ذت منحى‬
‫تص اعدي تبع ا للتط ورات االقتص ادية وحاج ات المجتم ع‪ .‬فلم ت برز أي حض ارة إال وك انت المحاس بة أح د ركائزه ا‬
‫األساسية وفرع هام وأساسي من فروع المعرفة ‪ ،‬لكونها تمثل الذاكرة التاريخية ألي عملية مالية أو تجارية وكذا‬
‫مصدرا مساعدا في عملية اتخاذ أي قرار له صلة بالوضعية المالية للمؤسسة ‪ ،‬وتشير‬

‫جل التقارير في هذا الشأن أن علم المحاسبة تأسس بفعل المبادالت التجارية والمالية والتي ظهرت قبل بدأ‬
‫الت اريخيون ك ان أح د ال يس تطيع أن يج زم قطعي ة وعلى وج ه التحدي د بت اريخ معين لنش أة ه ذا العلم إال أن األكي د أن‬
‫بداية ممارسة هذا العلم تزامنت مع بداية معرفة اإلنسان بالقراءة والكتابة حتى ال يقع في مصيدة الخطأ و منه كيف‬
‫يمكن تقسيم المراحل الزمنية التي مرت بها المحاسبة ؟‬

‫المبحث األول‪ :‬مراحل تطور الفكر المحاسبي‬

‫المطلب االول‪ :‬المرحلة التمهيدية (ما قبل عام ‪ 1494‬م )‪:‬‬

‫قبل التطرق إلى هذه المرحلة كان ال بد من لفت االنتباه إلى أن أول محاولة قام بها اإلنسان لتسجيل البيانات‬
‫المالي ة و المحاس بية تع ود إلى عه د اآلش وريين‪ ،‬أي ح والي ع ام ‪ 3500‬قب ل الميالد كم ا تش ير معظم األبح اث ‪ ،‬أم ا‬
‫فيما يخص هذه المرحلة فتلقب هذه الحقبة بفترة ما قبل القيد المزدوج ‪Double Entry‬إذ أن الغالب في تلك الفترة‬
‫استخدام طريقة القيد المفرد ‪ Single Entry‬كوسيلة لمسك الدفاتر والسجالت ‪ ،‬والمالحظ في هذه الفترة تلك القفزة‬
‫‪1‬‬
‫النوعية في الفكر االقتصادي والمالي ‪.‬‬

‫وكذا تلك التطورات الهائلة في المبادالت التجارية والتي دفعت إلى تأسيس علم المحاسبة ومن أبرزها‪:‬‬

‫‪-‬ظه ور النزع ة الرأس مالية ‪ : Capitalistic Spirit‬من األس باب الرئيس ية لقي ام أي نش اط ه و تحقي ق ربح ‪،‬‬
‫وهذا ما أدى إلى ترسيخ تلك العقلية الرأسمالية‪ ،‬فالنقوش واآلثار إلى ما قبل ‪ 1500‬ق‪.‬م تدل على تواجد طبقة من‬
‫التجار في الحضارات القديمة لكل من اليمن ومصر وبابل ‪.‬‬

‫‪-‬اس تخدام الكتاب ة والحس اب ‪ : Arithmetic&Writing‬تعت بر الكتاب ة أح د المقوم ات األساس ية للحض ارات‬
‫القديم ة ‪ ،‬فق د أك دت جمي ع البيان ات أن الحض ارة اليمني ة اعتم دت على خ ط المس ند كم ا أن الحض ارة الفرعوني ة‬
‫‪1‬‬
‫‪-‬مصطفى عبد الرحمن ويحيى أحمد قلی‪ ،‬مبادئ المحاسبة المالية (مركز اإلسكندرية للكتاب‪ ،‬اإلسكندرية‪1996 ،‬م) ‪،‬ص ‪15‬‬
‫ارتكزت على الحروف الهيروغليفي ة باإلض افة إلى الكتاب ة بالص ور لدى الحض ارات البابلي ة والسومرية واألشورية‬
‫هذا فيما يخص الكتابة ‪ ،‬أما في يخص الحساب و األرقام فقد استخدم اليمنيون القدامی نظام نوعيا للعد والحساب‬
‫يعتمد في األساس على الحروف ‪،‬كما استخدم المصريون نظام الحساب بالعشرات دون األصفار‪ ،‬وأما البابليون فقد‬
‫قاموا بتطوير علم الهندسة والحساب واستعملوا رمزا يعبر عن الصفر وأخر يعبر عن العالمة العشرية ‪ ،‬وكذا أيضا‬
‫‪2‬‬
‫الحضارة اإلسالمية والتي هي بدورها طورت العمليات الحسابية واألرقام العربية ‪.‬‬

‫‪-‬ظه ور النقود كوس يلة للتعامل بين األفراد‪ : Money‬ك ان لظهور النقود دور مهم في تط ور المحاسبة حيث‬
‫ك انت في ص ورة مع ادن ثمين ة كال ذهب والفض ة تس تعمل كمعي ار قياس ي لج ل المع امالت التجاري ة ال تي تنش أ بين‬
‫األفراد‪ ،‬ولقد عرف قدماء اليمنيون النقود في قانون سوق تمنع عاصمة الدولة في عهد الدولة القتبانية ‪.‬‬

‫وعموما يمكن تقسيم هذه الفترة إلى مرحلتين‪:‬‬

‫أ‪ -‬مرحلة ما قبل التاريخ‪:‬‬

‫نش أت في الص ين أن واع متع ددة لنظم محاس بية حكومي ة يرج ع تاريخه ا إلى ‪ 2000‬ق‪.‬م ‪ ،‬ك انت تتش كل في‬
‫األس اس من بعض القواع د المالي ة و ك ذا مراج ع الت دقيق في كاف ة العملي ات المحاس بيتو االقتص ادية منه ا على س بيل‬
‫المثال ال الحصر ما جاء في المادة (‪ )104‬والمادة (‪ )105‬من شريعة حمورابي ‪ ،‬وأما في بابل فقد شهدت أالف‬
‫القطع المصنوعة من الفخاريات و التييعود تاريخها إلى عام ‪ 2900‬قبل الميالد على استعمال نظام إمساك الدفاتر‬
‫المحاس بية بين التجار والوكالء لض مان حقوقهم ‪ ،‬وهناك في مص ر ك انت الرقاب ة على المخزون وجباي ة الضرائب‬
‫وإ حصاء ثروات عند الفراعنة وحصر مالهم وما عليهم وراء إمساك السجالت التي تقوم بتبیان القيد المالي ألجل‬
‫العمليات التجارية ‪ ،‬وهناك اكتشاف حديث في مصر عبارة عن سجل لقيد محاسبي مكتوب على ورق البردي يعود‬
‫تاريخه إلى أيام االستعمار الروماني لمصر ليزيد من التأكيد على وجود نظام مالي محاسبي لدى المصريين القدامی‬
‫‪.‬‬

‫في حين برزت المحاسبة عند اليونانيين في تتبع رصيد أول الفترة والمقبوضات والمصروفات ورصيد آخر‬
‫الفترة ‪،‬أما بخصوص الحضارة الرومانية فهناك ما يدل إلى احتفاظ العديد من العائالت لدفاتر محاسبية كما اتضح‬
‫أيضا وجود مخطوطات على شكل سجل يومي للعوائد المالية والمصروفات للتجار باإلضافة إلى وجود ما يدل على‬
‫تعليمات وقواعد مالية تنظم بعض النشاطات االقتصادية واإلدارية‪.‬‬

‫‪ - 2‬عمر عبد هللا زيد‪ ،‬المحاسبة المالية في المجتمع اإلسالمي‪ ،‬عمان‪ :‬دار اليازوري‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1416‬ه ‪ 1995 /‬م ‪ ،‬ص ‪39‬‬
‫ب‪ -‬مرحلة الحضارة اإلسالمية ‪:‬‬

‫ج اءت الحض ارة اإلس المية لتزي د من االهتم ام ب القوانين ال تي تض بط المع امالت التجاري ة ومع امالت الدول ة‬
‫اإلسالمية مع دول الجوار وكذا مع الفرد وغيره ‪ ،‬و مما يدل على هذا االهتمام قوله تعالى‪" :‬يا أيها الذين آمنوا إذا‬
‫تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ‪ ( " ...‬البقرة ) من اآلية ‪ ، 282‬هذه اآلية إن دلت‬
‫على ش يء فإنم ا ت دل على ض رورة تس جيل أي عملي ة إق راض في دف اتر أو س جالت و ال تي تك ون بمثاب ة المرج ع‬
‫التاريخي لضمان الحقوق في حالة وجود عدم توافق بين الدائن و المدين ‪،‬ولقد أبدى أيضا الرسول صلى اهلل عليه‬
‫وسلم اهتماما بالغا بالمحاسبة بصفة عملية من خالل ابتداعه النظام الحسبة والذي يتمثل في نظام رقابي يتكامل مع‬
‫النظام االجتماعي والسياسي في المجتمع اإلسالمي حيث كان عليه الصالة و السالم يمر على األسواق ويقول للن اس‬
‫"من غشنا فليس منا‪ ".‬هذا وقد كان التسجيل اإلحصائي من أهم األساليب المحاسبية التي استخدمت في صدر الدولة‬
‫اإلس المية على أس اس قاع دة اإلض افة والخص م ‪ ،‬وك انت ال دفاتر والس جالت إم ا أن تأخ ذ ش كل ص حائف س ائبة أو‬
‫مجلدة ‪ ..‬وكانت الحسابات تأخذ شكل القوائم ذات األعمدة المتجاورة ‪ ..‬وكان يتولى هذه المهام كتاب األموال الذين‬
‫اهتم بهم اإلس الم اهتمام ا ملحوظ ا من حيث القيم واألخالق والس لوك ل دورهم في المحافظ ة على أم وال المس لمين ‪،‬‬
‫كما روي أن الرسول صلى اهلل عليه وسلم بعد فتح مكة ولي سعد بن العاص على السوق لمراقبته وتبعه من بعده‬
‫جم وع الخلفاء الراش دون ‪ ،‬وظه رت وظيفة الحس بة كنظام دولة في عه د الدولة العباسية ف يروى أن المنصور ولی‬
‫یح یی بن عبداهلل حس بة بغ داد واألس واق‪ .‬كم ا ولى الرش يد محاس بيا يط وف في األس واق ليفحص األوزان والكي ل‬
‫والتأكد من سالمته والنظر في معامالت التجار وهو ما يدل على التطور الكبير الذي أخذته المحاسبة في العصر‬
‫اإلس المي من تط وير ط رق وأس اليب كتاب ة األم وال ال تي ك انت موج ودة عن د الع رب آن ذاك ‪ ..‬من خالل تكلي ف‬
‫‪3‬‬
‫أشخاص مختصين بها وتم بذلك تصميم النظم المحاسبية وتسجيلها في مخطوطات على شكل سجالت محاسبية‪.‬‬

‫وم ع تط ور الدول ة اإلس المية (م ا بع د ع ام ‪ 600‬ميالدي) تط ورت عملي ات التس جيل وتقس يم الحس ابات‪،‬‬
‫وازدهرت عملية تنظيم الحسابات‪ ،‬وتنوعت السجالت المستخدمة في تسجيل األموال بسبب تعاظم الدولة اإلسالمية‪.‬‬
‫وفي ه ذه المرحل ة دعت الحاج ة إلى علم المحاس بة في اإلس الم‪ ،‬وه ذا يس تلزم أن تك ون ك ل عملي ة محاس بية مؤي دة‬
‫بالمس تند الص حيح‪ ،‬وإ يج اد نظ ام رقاب ة فع ال للرقاب ة على األم وال‪ ..‬ووج وب مراجع ة الحس ابات بص ورة دقيق ة‬
‫ومتزنة‪.‬‬

‫‪ - 3‬لبحيصي عصام (‪)1996‬المحاسبة في اإلسالم" دار مقداد للطباعة ‪ ،‬ص ‪37‬‬


‫كم ا ازدادت تطبيق ات المحاس بة حيث أنش أت ال دواوين واألجه زة ال تي تهتم بالم ال الع ام ولع ل أش هرها بيت‬
‫المال الذي أنشأه الخليفة عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه ‪ ،‬وكان الهدف من وراء كل هذا يتمثل أساسا في تحديد‬
‫وقياس أرباح األنشطة المختلفة سواء أكانت تجارية أو زراعية أو خدامتيه أو غير ذلك وقد حافظ نظام الحسبة على‬
‫مكانته في العصر األموي‪ ،‬و كانوا وراء وصوله إلى بالد األندلس‪ ،‬حيث كان من أهم الوظائف الشرعية عندهم‪..‬‬
‫كما شهد العصر العباسي تطورا كبيرا النظام المحاسبة بابتكار جهة مستقلة للرقابة متمثلة في ديوان الزمام والذي‬
‫يقوم بدور المحاسبة والرقابة المالية على باقي الدواوين في عهد الدولة العباسية ‪ ،‬ونتيجة للحروب التي كانت سائدة‬
‫في تل ك الف ترة والخالف ات البيني ة في الدول ة اإلس المية) وجاراته ا من الف رس و الروم ان أدت بالض رورة إلى طمس‬
‫معالم المحاسبة ‪ ،‬في تلك األثناء لم يكن يعرف االيطاليون األرقام كما لم يتوافر لديهم الورق الالزم للكتابة مما أدى‬
‫لتخلفهم في مختل ف العل وم ‪ ،‬لكن م ع بداي ة الح روب على الدول ة اإلس المية وحيث ك انت إيطالي ا هم زة الوص ل بين‬
‫الش رق والغ رب و نظ را لموقعه ا الجغ رافي على البح ر األبيض المتوس ط في مواجه ة الش واطئ العربي ة اس تطاع‬
‫االيطاليون تعلم األرقام من العرب والتي كانت البداية للثورة اإليطالية في العديد من العلوم وأهمها المحاسبة حيث‬
‫بدأوا في تطوير هذا العلم و ظهرت بذلك أول وثيقة محاسبية عام ‪ 1211‬م والتي تمثل أول حساب أستاذ حيث تم‬
‫في تلك الوثيقة إجراء تحويل لبعض الحسابات بشكل مبسط ‪ ،‬كما يبدو أن فكرة القيد المزدوج والتي تعتبر أساس‬
‫علم المحاسبة حتى في العصر الحديث عرفت ألول مرة في مدينة جنوا بإيطاليا وأن الدفاتر التجارية والتي يرجع‬
‫‪4‬‬
‫تاريخها إلى عام ‪ 1340‬میالدي كانت تمسك بطريقة القيد المزدوج ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المرحلة الفضية من ‪ 1494‬إلى ‪:1775‬‬

‫يتف ق معظم المهتمين به ذا الش أن أن ع ام ‪ 1494‬م ه و ت اريخ ميالد المحاس بة الحديث ة رغم أن البعض األخ ر‬
‫يرى في نظام الحسبة اإلسالمي هو التاريخ الفعلي القيام المحاسبة المعاصرة ‪ ،‬واألكيد أنه من الصعب تحديد تاريخ‬
‫مح دد لقي ام علم المحاس بة كون ه يعتم د على التراكمي ة في التط ور والتح ديث أي بمع ني أن النظري ة المحاس بية هي‬
‫خالصة تجاربها ‪ ،‬وال يوجد وثيقة محاسبية تقطع الشك باليقين بخصوص الميالد الحقيقي للمحاسبة الحديثة ‪ ،‬و في‬
‫هذا السياق قدم الك اهن عالم الرياض يات االيط الي "لوك ا باسیولي" أول قاعدة في بن اء القيد المزدوج سنة ‪ 1494‬م‬
‫كأساس لمسك الس جالت المحاسبية وهو ما يسمى اليوم "ب النموذج المحاسبي" والذي بمقتض اه يتم تس جيل العمليات‬
‫المالية من جميع األطراف اللذين يتأثرون بها‪ ،‬جاء هذا في كتابه المعروف باسم " كل ما يتعلق بالحساب والهندسة‬
‫والتناس ب" وال ذي بحث في ه أهم األس س العلمي ة ال تي ب ني عليه ا ه ذا العلم أين درس بص فة تفص يلية قاع دة القي د‬
‫‪ - 4‬دكتورة ثناء علي القباني‪ ،‬بعض خصائص تطور الفكر المحاسبي المعاصر والمحاسبة اإلسالمية‪ ،‬مطابع االتحاد الدولي للبنوك اإلسالمية‪،‬‬
‫(د‪.‬ت‪ .‬ط)‪.‬‬
‫المزدوج كعنصر مهم في عملية مسك الدفاتر ‪ ،‬كما له الفضل في الدعوة إلى تجميع إيرادات ومصاريف المشروع‬
‫من خالل حس اب يس مى حس اب األرب اح والخس ائر بغي ة التع رف على ال ربح الم ادي للمش روع و ق د ك ان التط ور‬
‫واالزدهار االقتصادي والتجاري الذي شهدته ايطاليا آنذاك األثر الكبير في ظهور المحاسبة كعلم قائم بذاته وعلي ه تم‬
‫تأسيس أول معهد متخصص للمحاسبة في مدينة البندقية في عام ‪1981‬م وقد أصبحت عضوية هذا المعهد في عام‬
‫‪1999‬م ش رطا من ش روط ممارس ة مهن ة المحاس بة في ايطالي ا ثم اتجهت دول أخ رى إلى انته اج نفس السياس ة‬
‫االيطالي ة فيم ا يخص تنظيم مهن ة المحاس بة‪ ،‬فلكي يحص ل أي ش خص على لقب محاس ب ق انوني أو محاس ب‬
‫مرخص ‪ ،‬من الواجب له أن يمر عبر اجتياز عدد من الدروس الخاصة واالختبارات ‪ .‬وقد ظل الفكر المحاسبي في‬
‫هذه المرحلة يستأثر باالهتمام من زاوية المنفعة الرجال األعمال مما ولد الضرورة الستحداث تشريعات محاسبية‬
‫غايتها وحدة المفاهيم واإلجراءات وتنظيمها بالشكل الذي يسهم في تنظيم العمل المحاسبي و بالتالي كانت المحاسبة‬
‫بالنسبة ألصحاب المشروعات وسيلة تساعدهم على تسجيل العمليات المالية العديدة في الدفاتر و التي ال يستطيع أن‬
‫يعيها بذاكرته وكذا أيضا قياس مسؤوليات األشخاص القائمين بإدارة أموالهم وفي تحديد عالقة المشروع بالغير ممن‬
‫يتعاملون معهم‪ ،‬والمالحظ على هذه الحقبة أنها تميزت بصدور عدة قواعد تضبط الشؤون التجارية على غرار تلك‬
‫القوانين التي صدرت في فرنسا سنة ‪ ۱۹۷۳‬والتي تنظم التجارة البرية والتي فيها طالب مؤسس هذه القواعد وهو‬
‫الق انوني الفرنس ي "س افاري" بمس ك دف اتر محاس بية وتنظيم إج راءات إع داد الميزاني ة بحيث تك ون منطقي ة ‪ ،‬دقيق ة‬
‫وش املة ‪ ،‬وفي ه ذا الش أن أص در " س افاري " كتاب ه الش هير "الت اجر الكام ل " في ع ام ‪ 1675‬م ‪ ،‬ليعقبه ا ص دور‬
‫‪5‬‬
‫القوانين التجارية البحرية في عام ‪1981‬م و التي من أهم ما ميزها ‪:‬‬

‫‪ -‬انتشار استخدام طريقة القيد المزدوج في دول أوروبا ‪.‬‬

‫‪ -‬االهتمام بالمحاسبة كأداة لخدمة المنشأة فقط‪.‬‬

‫‪ -‬ظهور سجالت لحسابات التكاليف في انجلترا ‪.‬‬

‫‪ -‬ظهور أول تطبيق للطريقة االنجليزية في المحاسبة ‪.‬‬

‫‪ -‬ترسيخ بعض المفاهيم المحاسبية كمفهوم رأس المال والربح وغيره‪.‬‬

‫‪ - 5‬الدكتور سامر مظهر‪ ،‬فقه المحاسبة اإلسالمية‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة األولى ‪1425‬ه ‪2004/‬م‪ ،‬ص‪.47‬‬
‫ربم ا يك ون كت اب لوك ا باس یولي من أوائ ل الكتب المطبوع ة ال تي ظه رت في أورب ا و تض منت في حيثياته ا‬
‫فص ال في مج ال المحاس بة‪ ،‬ولكن ال يع ني ه ذا أن ه أول كت اب تمت كتابت ه في أورب ا أو الع الم‪ .‬إذ أن بعض األبح اث‬
‫الغربية تشير إلى وجود كتاب مخطوط أوربي يسبق باسیولي ‪ ..‬وتضاربت المقوالت في هذا الشأن‪ ،‬فقال بعضهم‪:‬‬
‫إن أول من كتب في المحاسبة أو طريقة إثبات المعاملة هو الكاتب اإليطالي ‪ .Cotrugli‬ذلك أن كتابه أقدم من كتاب‬
‫باس یولي و ذهب بعض الب احثين إلى أن ه أول من كتب في المحاس بة أو طريق ة إثب ات المعامل ة ه و‪Angelo :‬‬
‫‪ Senesio‬في عام ‪1348‬م)‬

‫باإلض افة إلى ك ل ه ذا تم العث ور على كت اب مخط وط محاس بي يع ود لع ام ‪۷۹۰‬ه ‪۱۳۹۳ /‬م تقريب ا وق د كتب ه‬
‫المؤلف المسلم‪ :‬عبد اهلل بن محمد بن كاي ة المازندراني بعنوان‪" :‬رسالة فلكي ة كتاب الس ياقات "()‪ .‬استخدم المؤلف‬
‫رحمه اهلل في كتابته لهذا الكتاب األحرف العربية‪ ،‬ولكن أحيانا باللغة العربية‪ ،‬وأحيانا أخرى بالفارسية‪ ،‬كما استخدم‬
‫في بعض األحيان بعض الكلمات التركية التي كانت سائدة في ظل الدولة العثمانية‪ .‬لقد تمت كتابة هذا الكتاب قبل‬
‫حوالي ‪ 131‬عاما من ظهور كتاب بأسيولي مما يشكك في الفكرة القائلة أن باسيولي هو أول من وضع أسس علم‬
‫المحاسبة ‪ ،‬ويدعم الفكرة القائلة أن التدوين المحاسبي الذي جاء به بأسيولى قد سبقه تطورات محاسبية أساسية من‬
‫قبل علماء المسلمين ال يمكن تجاهلها‪.‬‬

‫وخالصة القول أنه كان النتشار التجارة والبنوك في إيطاليا دور كبير في تطور المحاسبة في هذه المرحلة‬
‫الزمني ة نظ را لزي ادة الطلب على خ دمات المحاس بة في مج االت عدي دة‪ ،‬ل ذا ك ان ال ب د للمحاس بة من الخ روج عن‬
‫إطارها التقليدي في رصد األحداث ‪ ،6‬والتقرير عنها إلى األخذ بعين االعتبار عدت معاير ومقاييس والتي من ش أنها‬
‫أن تواكب تلك الحركة التجارية التي كانت سائدة آنذاك ‪ .‬وفي هذا المقام البد من اإلشارة إلى أنه مع بداية القرن‬
‫الثالث عشر ظهرت المشروعات الفردية‪ ،‬واس تخدمت الكتابة لضبط األعمال‪ ،‬ثم إلثبات عالق ة الدائني ة والمديونية‬
‫للمشروعات‪ ،‬وهذا ما يسمى بالحسابات الشخصية‪ ،‬إذ أن التاجر آنذاك اهتم فقط بتسجيل عملياته مع الغير‪ ،‬واكتفى‬
‫باإلش راف الشخص ي على عناص ر موجودات ه كالنقدي ة والمص اريف ‪ ...‬وانتش رت س ريعة‪ ،‬فب دون تل ك الحس ابات لم‬
‫يكن التوصل إلى نتائج أعمال المنشأة ممكنة في فترة محددة‪.‬وفي نفس الوقت بدأ التسجيل المحاسبي في الحسابات‬
‫يأخذ شكل حرف ‪ T‬وبهذا أخذ العمل المحاسبي أبعاده بشكل متكامل‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬المرحلة الذهبية من ‪ 1775‬م حتى اآلن ‪:‬‬

‫‪ - 6‬د‪ /‬محمد سعيد البوطي‪،‬هذه مشكالتهم‪ ،‬مطبعة دارالفكر بدمشق‪( ،‬د‪.‬ت)‬


‫تعتبر هذه المحلة بمثابة االنتقالية النوعية لعلم المحاسبة لما شهدته من توسع في استعمالها نتيجة لعدة عوامل‬
‫أبرزها‪:‬‬

‫‪ -‬الثورة الصناعية بدأت بوادرها في النصف الثاني من القرن الثامن عشر وترتب عنها تطوير وتغيير لعدة‬
‫مناهج و أنظمة على غرار تحويل نظام اإلنتاج العائلي والذي كان سائدا في السابق إلى نظام اإلنتاج الكبير ‪ ،‬كما‬
‫س اهمت الثورة الص ناعية في ظهور العديد من الش ركات التي حققت الكث ير من األرب اح الحملة األسهم ‪ ،‬باإلض افة‬
‫إلى عملي ة فص ل اإلدارة عن الملكي ة في ش ركات المس اهمة ‪ ،‬وم ا ت ترتب عن ه من ض رورة إع داد حس ابات دقيق ة‬
‫وواض حة لتق ديمها للمس اهمين في تش كيل رأس م ال الش ركة ‪ ،‬ولتأكي د الثق ة بين م الكي األس هم واإلدارة المس يرة‬
‫للشركة ‪ ،‬كان البد من اعتماد محاسب معتمد للنظر في المسائل المالية والتدقيق فيها ومراجعتها ‪ ،‬كما تم في هذه‬
‫الف ترة إع ادة النظ ر في الميزاني ة العام ة لش ركات ال تي تحم ل الش كل المعن وي المس تقل عن المالك ‪ ،‬حيث تم تع ديل‬
‫معادلة الميزانية من قياس المركز المالي للمؤسسة إلى قياس الدخل و هو ما نتج عنه تعقيدات إدارية أدت إلبراز و‬
‫تنش يط علم المحاس بة ليك ون له ا ال دور الفع ال في تق ديم البيان ات التفص يلية ال تي تس اعد اإلدارة في رس م السياس ات‬
‫المختلفة المتعلقة بأوجه نشاط المشروع واإلشراف على تنفيذها والرقابة عليها‪.‬‬

‫‪ -‬ص دور ق وانین ض رائب ال دخل م ع نهاي ة الق رن التاس ع عش ر وبداي ة الق رن العش رين تم إص دار العدي د من‬
‫القواعد و القوانين التي تض بط س ير عملي ة تحص يل الض رائب ‪ 7‬س واء أك انت ض ريبة على ال دخل أو ض ريبة ناتج ة‬
‫عن مختلف األعمال التجارية ‪ ،‬مما أدى إلى تثبيت أقدام المحاسبة في المجاالت الجبائية والضريبية‬

‫‪ -‬بروز الهيئات المحاسبية والمهنية‪ :‬مع انتشار استخدام المحاسبة‪ ،‬بدأت بوادر ترسيخ هذا العلم لدى العديد‬
‫من الهيئات ‪ ،‬إذ أصبح خلق مؤسسات تعنى بالشأن المحاسبي أمرا ملحا دعت إليها لضرورة‪ ،‬و بذلك تأسس عدة‬

‫هيئات ساهمت تط وير علم المحاس بة على غ رار معه د المحاس بين المعتم دين ال ذي ش يد س نة ‪ 1854‬في اس كتلندا ‪،8‬‬
‫ليعقبه فيما بعد معهد آخر للمحاسبة في انجلترا ‪ CAEW‬السنة ‪ ، 1880‬ثم أسست الواليات المتحدة األمريكية سنة‬
‫‪ 1887‬معه د يحم ل اس م "جمعي ة المحاس بين العموم يين المعتم دين " أو م ا يع رف ب ‪ ، AAPA‬ليتلوه ا إنش اء ع دة‬
‫معاه د وم دارس مختص ة في تلقين مف اهيم ومب ادئ واج راءات العم ل المه ني واألك اديمي للمحاس بة من خالل القي ام‬
‫ب البحوث والدراس ات وتق ديم التوص يات ووض ع األس س المحاس بية ال تي تمكن ه ذا العلم من مواكب ة كاف ة التط ورات‬
‫االقتص ادية ‪ ،‬ليخط و ب ذلك علم المحاس بة ش وطا كب يرا في نم و وتط وير المعرف ة المحاس بية من خالل ه ذه الهيئ ات‬

‫‪ - 7‬د‪ /‬يوسف القرضاوي‪ ،‬حسن اإلدارة‪ ،‬مجلة االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬منشورات بنك دبي اإلسالمي‪.‬‬

‫‪ - 8‬أحمد حسن البرعي ‪ ،‬الثورة الصناعية واثارها االجتماعية والقانونية ‪ ،‬دار الفكر العربي ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 1982 ،‬ص ‪29‬‬
‫الخاص ة وال تي أخ ذت على عاتقه ا مهم ة وض ع القواع د الملزم ة في المحاس بة و ك ذا إص دار نش رات دوري ة تع ني‬
‫بالشأن المحاسبي‪.‬‬

‫‪ -‬إس هامات اإلدارة العلمي ة‪ :‬لق د ك ان لألبح اث و المب ادرات العلمي ة ال تي ق ام به ا رواد اإلدارة األوائ ل ک‬
‫‪ Taylor‬و ‪ Gilbreths‬م ا بين ‪ 1885‬و ‪ 1920‬األث ر الكب ير في ازدي اد تط ور علم المحاس بة ‪ ، 9‬باعتب اره أح د‬
‫األسس التي تضبط عملية السير الحسن لإلدارة‪ ،‬ومن هذا المنطلق بدأ علم المحاسبة يأخذ الصبغة النوعية ‪ ،‬وبدأت‬
‫ب وادر ظه ور المحاس بة اإلداري ة ومحاس بة التك اليف كف روع متخصص ة ‪ ،‬باإلض افة إلى اس تعمال الط رق الرياض ية‬
‫واإلحصائية في التطبيق المحاسبي‪.‬‬

‫مع أواخر القرن التاسع عشر وفي خالل القرن العشرين ومع تطور حجم المشروعات وتوسع ظاهرة اندماج‬
‫الشركات ‪ ،‬وكذا زي ادة ت دخل الدول ة في ش ؤون اإلنت اج واالس تهالك ‪ ،10‬وم ع التق دم الكب ير في الوس ائل التكنولوجي ة‬
‫وانتش ار المخترع ات الجدي دة وزي ادة المنافس ة بين المش روعات المختلف ة لتق ديم الس لع أو الخ دمات اإلش باع رغب ات‬
‫األفراد الالنهائية والمحافظة على رأس المال ونموه ‪ ،‬والبحث الدائم عن األسواق الجديدة ومع زيادة حاجة المستثمر‬
‫الخارجي للبيانات المحاسبية( )من اجل توجيه أمواله نحو االستثمارات المربحة زادت بذلك استعمال المحاسبة مما‬
‫زاد في تقدمها النظري والعملي وتدخلها في جل المعامالت االجتماعية واالقتصادية‪.‬‬

‫‪ - 9‬د‪ -‬مولود ديدان ‪ ،‬قانون الضرائب المباشرة و الرسوم المماثلة ‪ ،‬دار بلقيس ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 2012‬ص ‪، 98‬‬

‫‪ - 10‬دكتورة ثناء علي القباني‪ :‬بعض خصائص تطور الفكر المحاسبي المعاصر والمحاسبة اإلسالمية‪ ،‬مطابع االتحاد الدولي للبنوك اإلسالمية‪،‬‬
‫(د‪.‬ت‪ .‬ط)‪.‬‬
‫الخاتمة‪:‬‬

‫من خالل ما سبق ذكره ‪ ،‬يمكن القول أن المحاسبة تطورت بفعل عدة عوامل اقتصادية واجتماعية وقانونية‬
‫ساعدت في معظمها إلى التوجه إلى الفكر المحاسبي الحديث الذي نراه اليوم‪ ،‬وذلك بتقديم صورة شاملة والتي من‬
‫خالله ا يتم معرف ة نت ائج النش اط اإلنت اجي للمؤسس ة االقتص ادية في ف ترة معين ة‪ ،‬وتوض ح المرك ز الم الي في ت اریخ‬
‫معين‪ ،‬كما تساهم في اتخاذ القرارات السليمة التي تخدم مصلحة المؤسسة سواء على صعيد الوحدة المحاسبية أي‬
‫اإلدارة أو المتتبعين القتص اديات الوح دة من الخ ارج كال دائنين والمس اهمين والهيئ ات الحكومي ة‪.....‬وعلي ه أص بحت‬
‫المحاسبة حجر الزاوية في عملية تأسيس األعمال الناجحة‪.‬‬

You might also like